ریاض المسائل في تحقیق الاٴحکام بالدلائل

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الطباطبائي كربلائي، السید علي بن السيد محمد علي، 1161 - 1231ق.

عنوان واسم المؤلف:ریاض المسائل في تحقیق الاٴحکام بالدلائل/ تأليف السید علي بن السيد محمد علي الطباطبائي كربلائي؛ تحقیق موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث.

تفاصيل المنشور:قم: موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث، 1418ق.-= 1376-

مواصفات المظهر:16 ج.: نمونه.

الصقيع:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

ISBN: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

حالة القائمة: الاستعانة بمصادر خارجية

ملاحظة: عربي.

ملاحظة: هذا الكتاب تعليق على مختصرالنافع محقق حلي.

ملاحظة:ج.9 (الطبعة الأولى: 1419ق. = 1377).

ملاحظة:ج. 11 - 13 (مطبعة؟: 1421ق. = 1379).

ملاحظة:ج. 15و 16 (مطبعة؟: 1422ق. = 1380).

ملاحظة:فهرس.

عنوان:محقق حلي، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

عنوان:فقه جعفري -- قرن 7ق.

المعرف المضاف:محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

المعرف المضاف:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث

ترتيب الكونجرس:BP182/م3م30216 1376

تصنيف ديوي:297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 77-4774

ص :1

المجلد 1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

مقدمة التحقيق

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه بجميع محامده كلّها على جميع نعمه كلّها،ثمَّ الصلاة و السلام على أشرف أنبيائه و خاتم رسله و خير بريّته محمّد المصطفى و آله الأطياب الأطهار.

أمّا بعد،فإنّ اللّه قد شرّف الفقه و جعله أفضل العلوم،و أمر بتعلّمه و تعليمه بنصّ القرآن الكريم و على لسان نبيّه الأمين و عترته الميامين.

و لقد استطاعت المؤسّسة الفقهيّة الشيعيّة-و بفضل ديمومة عطائها، و عظم حيويتها،و تكريسها لحركة الفكر و العقل-أن تكون الرائد الذي لا يجارى في هذا المضمار،ابتداء بمدرستي المدينة المنوّرة و الكوفة و ما ثبّته أمير المؤمنين و الصادقين عليهم السّلام من الأسس المتينة،و مرورا بمدرسة الريّ،ثمَّ بغداد و النجف و الحلّة و جبل عامل و أصفهان و البحرين و كربلاء، و انتهاء بقم في عصرنا الحاضر.

ص:5

و الملاحظ أنّ حركة الفقه و الاجتهاد قد انبثق منها محوران أساسيان خلال مسيرتها المباركة،كلّ واحد منهما يمثّل مصداقا بارزا و عنوانا مضيئا لهذه المؤسّسة،بما له من الميزة و الاختصاص،من دون أن يكون منافيا للآخر،فهما صنوان لا يفترقان.

أحدهما:الفقه الفتوائي.

و هو الذي يعتني ببيان الأحكام و الفتاوى الشرعيّة من دون التعرّض إلى أدلّتها بالنقض و الإبرام؛و يعرف من خلاله-و عند ذوي الاختصاص- مدى دقّة مصنّفه و قوة مبانية و براعته في إرجاع الفرع إلى الأصل.

و مصاديقه كثيرة،منها:المقنعة للشيخ المفيد،و النهاية و المبسوط لشيخ الطائفة الطوسي،و المهذّب لابن البرّاج،و المختصر النافع للمحقّق الحلّي،و القواعد و التبصرة للعلاّمة الحلّي،و اللمعة للشهيد الأوّل..

و غيرها،مضافا إلى الرسائل العملية لفقهائنا المعاصرين.

و قد يكون الغرض في بعض تلك المصنّفات صيرورتها دستورا عمليّا للعوامّ من المؤمنين الذين لا بدّ لهم من الرجوع إلى فتاوى الفقهاء، و ذلك مثل:الرسائل العمليّة للفقهاء المعاصرين.

و في بعضها الآخر-و لأجل أنّ عباراتها كانت مضغوطة معقّدة،لم تكن ملائمة لعوامّ الناس-صيرورتها متونا دراسيّة لطلاّب الفقه،و ذلك مثل:قواعد الأحكام و تبصرة المتعلّمين.

الآخر:الفقه الاستدلالي.

و هو الذي يهتمّ بالتفصيل في عرض الأحكام الشرعيّة مع أدلّتها، بالقبول أو الردّ،بالترجيح أو التضعيف،بالإبرام أو النقض،على نحو من التوسّع في البيان،و الإحاطة بالأسانيد و الأقوال،و كثرة الفروع و تشعّبها،

ص:6

ملحوظا فيه جانب البحث و المناقشة و العرض العلميّ بشكل جلي.

و من أمثلته:منتهى المطلب للعلاّمة الحلّي،و الذكرى للشهيد الأوّل، و المسالك و الروضة للشهيد الثاني،و جامع المقاصد للمحقّق الكركي، و مجمع الفائدة للأردبيليّ،و المدارك للسيّد السند،و كشف اللثام للفاضل الهندي،و رياض المسائل للطباطبائي،و المستند للنراقي،و الجواهر للشيخ محمّد حسن النجفي،و غيرها.

و لقد مرّ الفقه الشيعي بعدّة أدوار،يعتقد البعض أنّها سبعة:التشريع، التدوين،التطوّر،الجمود و التقليد،النهوض،الرشد و النمو،التكامل؛ و هذا الأخير استطاع فيه الفقه الشيعي أن يبلغ ذروته من حيث المتانة، و المرتبة الرفيعة من الدقّة،و الضبط،و تقوية الأصول،و تفريع الفروع، و رقيّ الاستنباط.

و لعلّ هذه الدرجة السامية،و المقام الشامخ،و النضوج التام،هي حصيلة النزاع الذي كان دائرا آنذاك بين المدرسة الأخباريّة و مدرسة الفقه و الاجتهاد،فقد كانت الاُولى سائدة و مزدهرة في كربلاء بعد أن تركّزت و انتشرت في البحرين.

و لا يبعد أن يقال:إنّ فكرة الأخباريّة في الإماميّة قد نشأت منذ عهد قديم في قبال فكرة الاجتهاد.

فالاتّجاه الأخباري يعتمد الجمود على ظواهر النصوص،بينما يعتمد الاتجاه الاجتهادي-بالإضافة إلى ظواهر النصوص-الإدراك العقلي، و يقيس ظواهر النصوص على أمور خارجة عن نطاقها من المدركات العقليّة و الأصول المسلّمة.

و هذان الاتّجاهان قد شكّلا في الفقه العامّي و الإمامي مدرستين

ص:7

متقابلتين،فنشأت في الأوّل مدرسة الرأي و القياس،و على رأسها أبو حنيفة؛و في قبالها مدرسة الظاهريّة،و على رأسها داود الظاهري و أحمد بن حنبل.

و نشأت في الثاني مدرسة الاجتهاد و الاستنباط،و على رأسها أمثال:

زرارة بن أعين و يونس بن عبد الرحمن و الفضل بن شاذان،و في قبالها مدرسة كان يعبّر عن أهلها بأصحاب الحديث أو الحشويّة.

و لا نعني بهذه المقارنة إثبات وحدة المسلكين-الظاهري و الأخباري أو القياسي و الاجتهادي-كلاّ،فإنّ بينهما فوارق أساسيّة،فإنّ مثل زرارة و يونس برئ من القول بالقياس الذي تبنّاه أبو حنيفة و أصحابه (1).

و إنّما عنينا بهذه المقارنة اشتراك المدرسة الظاهريّة في الفقه العامّي و الأخباريّة في الفقه الإمامي في نقطة،هي شجب الإدراك العقلي و الجمود على محتوى الحديث،و تقترن هذه الفكرة في الغالب بتسرّع في تصديق الأخبار،و حسن ظنّ بالرواة،و قلّة التدبّر في مضمون الروايات،مع ما كان يمتلكه أصحابها من شموخ في الفضيلة و علوّ في المرتبة.

و قد أشار الشيخ المفيد-رحمه اللّه-إلى جماعة منهم بقوله:لكنّ أصحابنا المتعلّقين بالأخبار أصحاب سلامة و بعد ذهن و قلّة فطنة،يمرّون على وجوههم فيما سمعوه من الأحاديث. (2).

و قد شكاهم شيخ الطائفة في مقدّمة المبسوط بقوله:و تضعف نيّتي

ص:8


1- و إن كانوا قد نسبوا الى القول بالقياس،فإنّ له معنى آخر لا مجال لذكره هنا. و هذه النسبة هي من الشواهد على وجود اتّجاه عقليّ في الأشخاص المنسوب إليهم يشابه القياس في بعض الجهات.
2- حكاه عنه في كشف القناع:204.

أيضا فيه-أي في عمل كتاب يشتمل على مسائل الفروع-قلّة رغبة هذه الطائفة فيه،و ترك عنايتهم به؛لأنّهم ألفوا الأخبار و ما رووه من صريح الألفاظ،حتّى أنّ مسألة لو غيّر لفظها و عبّر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم لعجبوا منها و قصر فهمهم عنها (1).

و أشار إليهم المحقّق في أوّل المعتبر،و عبّر عنهم بالحشويّة (2).

و عن نهاية الأصول للعلاّمة قدس سرّه في مقام إثبات حجّية خبر الواحد:أمّا الإماميّة،فالأخباريون منهم لم يعوّلوا في أصول الدين و فروعه إلاّ على أخبار الآحاد المرويّة عن الأئمّة عليهم السلام،و الأصوليون منهم-كأبي جعفر الطوسي و غيره-وافقوا على خبر الواحد،و لم ينكره سوى المرتضى و أتباعه (3).

ثمَّ إنّ الاتّجاه الأخباري و إن كان موجودا بين الإمامية منذ عصر قديم، و لكن الفكرة السائدة بينهم هي فكرة الاجتهاد و الأصول،التي كانت متمثّلة في كتب المفيد و المرتضى و الطوسي و الحلّي و المحقّق و العلاّمة و الشهيد الأوّل و الكركي و الشهيد الثاني و الأردبيلي و تلميذيه صاحبي المدارك و المعالم و غيرهم،و مع اختلافهم في الآراء الأصوليّة و طريقة الاستنباط، لكنهم متّفقون على شجب فكرة الأخباريّة.

و في أوائل القرن الحادي عشر تحوّلت الفكرة الأخبارية إلى حركة في ساحة التدوين و التأليف و وضع أسسها الميرزا محمد أمين الأسترآبادي قدس سره (1032 ه)فألّف لهذه الغاية كتابه«الفوائد المدنيّة».

ص:9


1- المبسوط 1:2.
2- المعتبر 1:29.
3- حكاه عنه في كشف القناع:203.

قال المحدّث البحراني قدّس سرّه في المقدّمة الثانية عشرة من الحدائق:

و لم يرتفع صيت هذا الخلاف و لا وقوع هذا الاعتساف إلاّ من زمن صاحب الفوائد المدنيّة سامحه اللّه تعالى برحمته المرضيّة،فإنّه قد جرّد لسان التشنيع على الأصحاب،و أسهب في ذلك أيّ إسهاب،و أكثر من التعصّبات التي لا تليق بمثله من العلماء الأطياب (1).

و قد تأثّرت بأفكاره من بعده جماعة من أجلّة علمائنا المحدّثين،من قبيل:المحدّث الفيض الكاشاني و المحدّث الحرّ العاملي قدّس سرّهما،فصنّف الفيض كتابه«الأصول الأصلية»و الذي هو كالتلخيص للفوائد المدنيّة،و إن خالفها في بعض المواضيع.

و في تلك الفترة-أي القرن الحادي عشر حتى أواسط القرن الثاني عشر-نشأت في مدرسة الإماميّة حركة نشيطة همّها جمع الأحاديث أو شرحها،و هي حركة مباركة أمدّت العلوم الإسلاميّة بشتى إشكالها،فالّفت موسوعات حديثيّة من قبيل:وسائل الشيعة و بحار الأنوار و الوافي،و شروح و تعليقات على كتب الحديث،مثل:روضة المتّقين،مرآة العقول،ملاذ الأخيار.

و قد أصاب الفقه الاجتهادي في ذلك العصر شيء من الفتور،و لكن ذلك لم يقف حائلا أمام ديمومة حركته،فقد صنّفت في تلك الفترة -و على مبنى الاجتهاد-مؤلّفات.

منها:كشف اللثام في شرح قواعد العلاّمة،لمحمّد بن الحسن الأصبهاني المعروف بالفاضل الهندي(1135 ه)الذي يعتمد عليه في الجواهر على حدّ كبير،و حكي أنّه لا يكتب شيئا من الجواهر لو لم يحضره

ص:10


1- الحدائق الناظرة 1:170.

ذلك الكتاب (1).

و منها:مشارق الشموس في شرح الدروس،للمحقّق الكبير السيّد حسين الخوانساري(1098 ه)فإنّه و إن لم يبرز منه إلاّ كتاب الطهارة،لكنّه مشحون بتحقيقات أصوليّة يحكيها عنه المتأخّرون،مثل الشيخ الأعظم الأنصاري.و ذكر المحقّق التستري:أنّ الوحيد البهبهاني قد يعبّر عن الخوانساري بأستاذ الكلّ في الكلّ (2).

ثمَّ في أواخر القرن الثاني عشر وجد المسلك الأخباري نفسه وجها لوجه أمام بطل الاجتهاد العملاق و فذّه المقدام،طود العلم الشامخ،الأستاذ الأكبر،وحيد الدهر و فريد العصر،مولانا العلاّمة محمّد باقر البهبهاني (1206 ه)الذي كرّس غاية جهوده لأجل عزل هذا المسلك و إضماره، فكان أن نال من التوفيق ذروته،و من النصر أعزّه و أبهاه.

و قد وصفه المحقّق التستري بقوله:شيخنا العظيم الشأن،الساطع البرهان،كشّاف قواعد الإسلام،حلاّل معاقد الأحكام،مهذّب قوانين الشريعة ببدائع أفكاره الباهرة،مقرّب أفانين الملّة المنيعة بفرائد إنظاره الزاهرة،مبيّن طوائف العلوم الدينيّة بعوالي تحقيقاته الرائقة،مزيّن صحائف الرسوم الشرعيّة بلئالي تدقيقاته الفائقة،فريد الخلائق،واحد الآفاق في محاسن الفضائل و مكارم الأخلاق،مبيد شبهات اولي الزيغ و اللجاج و الشقاق على الإطلاق بمقاليد تبيانه الفاتحة للأغلاق الخالية عن الإغلاق،الفائز بالسباق الفائت عن اللحاق.. (3).

ص:11


1- انظر الكنى و الألقاب 3:8.
2- انظر مقابس الأنوار:17.
3- مقابس الأنوار:18.

و هو-رحمه اللّه-كان جامعا للعلوم الإسلاميّة،فكان متضلّعا بعلم الحديث بشعبه،و القواعد الأصولية الرصينة،خبيرا جدّا بالمباني الفقهيّة، و شرحه الكبير على المفاتيح و حواشيه على المدارك أصدق شاهد على ذلك.

و قد عاد-و بفضل ما قام به المولى الوحيد نوّر اللّه مرقده من دور عظيم-إلى مدرسة الفقه و الاجتهاد-بل إلى مدرسة أهل البيت عليهم السّلام عموما-مجدها و انسجامها،و تطوّرت و ازدهرت،و تخرّج من حوزته الكبرى رحمه اللّه جمّ غفير من أعاظم الفقهاء و فطاحل العلماء،لكلّ منهم ميزة فائقة،و شدّ بعضهم الرحال إلى النجف الأشرف،مثل:السيّد بحر العلوم، و الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء؛و بعضهم إلى قم المقدّسة،مثل:

الميرزا القميّ؛و بقي بعضهم بكربلاء المقدّسة-موطن الوحيد-كالسيّد صاحب الرياض و الميرزا الشهرستاني.

و بقيت كربلاء محافظة على دورها العلمي الريادي حتى وفاة المربّي العظيم محمّد بن حسن علي الآملي الحائري المشهور بشريف العلماء سنة 1245 ه،الذي تلمّذ على صاحب الرياض.

و تكميلا للفائدة،فلا بأس بالإشارة إلى المحاور المهمّة التي صارت محلا للخلاف بين الأخباريين و الأصوليين،و هي كالتالي:

1-استقلاليّة علم الأصول و وضعه أساسا للفقه.

قال الشيخ حسين الكركي قدس سره أحد علماء الأخباريين بهذا الصدد:إنّ علم الأصول ملفّق من علوم عدّة و مسائل متفرّقة،بعضها حقّ و بعضها باطل،وضعه العامّة لقلّة السنن الدالّة على الأحكام عندهم و بنوا عليه

ص:12

استنباط المسائل الشرعيّة النظرية (1).

و نقل عنهم الوحيد بقوله:و شبهتهم الأخرى هي:أن رواه الحديث منّا و التالين لهم لم يكونوا عالمين به قطعا،مع علمهم بهذه الأحاديث الموجودة،و لم ينقل عن أحد من الأئمّة عليهم السّلام إنكارهم،بل المعلوم تقريرهم لهم،و كان هذا الحال مستمرّا إلى عصر ابن أبي عقيل و ابن الجنيد رحمهما اللّه ثمَّ حدث هذا العلم بين الشيعة،فلا حاجة إليه.

و أجاب عنه المجتهدون ب:أنّ كثيرا من المسائل الأصوليّة كانت موجودة لدى فقهاء أصحاب الأئمّة منذ أيّام الصادقين عليهما السّلام،و وردت فيها روايات عنهم عليهم السّلام من قبيل:حجّية الخبر،و حجّية ظواهر الكتاب، و أصالة البراءة،و البحث عن القياس،و علاج التعارض.

و نرى في كلام الفضل بن شاذان (2)صورة جليّة عن التفكير الأصولي،أشار فيه إلى مسألة اجتماع الأمر و النهي و قال بجوازه،و إلى الفرق بين النهي المولوي و الإرشادي،و أنّ الثاني يقتضي الفساد في المعاملات دون الأول.

مضافا إلى أنّ استغناء أصحابهم عليهم السّلام عن الأصول-لمعاصرتهم إياهم عليهم السّلام-لا يدلّ على استغناء الفقهاء البعيدين عن عصرهم عليهم السّلام و قد خفي عليهم أكثر القرائن و الملابسات التي كانت تكتنف بالنصوص ممّا يؤدّي إلى وضوح معناها.

2-اعتماد المجتهدين في إثبات الأحكام الشرعيّة على الظنون.

و هذا ما نسبه الأخباريّون إلى المجتهدين،و هم قد برّءوا أنفسهم عن

ص:13


1- هداية الأبرار:234.
2- المحكي في الكافي 6:92-93.

العمل بالظن،و قالوا:نحن نعمل بالأخبار دون الظنون؛و جماعة منهم ادّعوا قطعيّتها.

و أجاب عنه المجتهدون فيما يرجع إلى الدعوى الأولى-أي عمل المجتهدين بالظنون-بأنّه إن كان المراد بالظّن:الظنّ الذي لم يقم على حجّيته دليل قطعي،فالعمل به ممنوع عند الأُصوليين بتاتا؛و إن كان المراد منه:الظنّ الذي قام على حجّيته دليل قطعي،فهو مسلّم و لا ضير فيه، كالظنّ الحاصل من ظهورات الكلام أو أخبار الثقات..و قد توسّعوا في البحث عنه في محلّه في علم الأصول.

و أمّا بالنسبة إلى الدعوى الثانية-أي العمل بالأخبار-فهي أمر وافق عليه المجتهدون مع توفّر شرائط الحجّية،فإنّ الأخبار هي العمدة في استنباط الأحكام عند المجتهدين كما هو واضح،و لكنّها في الأغلب تكون ظنّة صدورا أو دلالة،و الشواهد التي أقيمت على إثبات قطعيّة الأخبار غير وافية (1).

3-قد يعتمد المجتهدون في إثبات الحكم الشرعي على مقدّمات عقليّة،بينما أنّ دين اللّه لا يصاب بالعقول،و العمل بالرأي و القياس ممنوع في مدرسة أهل البيت عليهم السّلام.

و أجاب عنه المجتهدون بما أوضحوه في بحث القطع من الأصول ب:

أنّ المقدّمات العقليّة إذا لم تنتج إلاّ الظنّ فهي ليست بحجّة،و تدخل في باب القياس و الاستحسان و المصالح المرسلة.

و أمّا الملازمات العقليّة التي بها يستفاد الحكم من النصوص

ص:14


1- انظر معجم رجال الحديث 1:22-36.

الشرعيّة،فهي حجّة ذاتيّة لا يعقل الردع عنها،بل أمضاها الشارع و أرشد إليها،من قبيل:استلزام الأمر بالشيء الأمر بمقدّمته،و غير ذلك؛فمتى سلّم هذا الاستلزام لا معنى لطرح حجّيته،فإنّه من قبيل لوازم الكلام، و لا يرتبط بالقياس و الرأي الممنوعين.

4-يعتمد المجتهدون على ظواهر الكتاب و لو لم يرد فيه تفسير عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام،و هو عند الأخباريين مصداق التفسير بالرأي الممنوع عنه في الروايات..و هذا ما ذهب إليه معظمهم،و شذّ عنه بعضهم (1).

و قد بحث المجتهدون عنه في الأصول موسّعا،و أثبتوا حجّية ظاهر الكتاب بحسب الروايات و شهادة نفس الكتاب،و دفعوا الإشكال عنها.

5-عدم التزام الأصوليين بحجّية الرواية بمجرّد وجودها في إحدى الكتب الروائيّة،و إنّما يرون لحجّيتها شروطا بلحاظ الرواة،أو بلحاظ عمل المشهور و عدم إعراضهم عنها.

و في قبالهم يعتقد الأخباريّون حجّية كلّ الروايات الموجودة في الكتب الأربعة و ما يماثلها،و بعضهم ادّعى قطعيّتها؛و استشهدوا على دعواهم بأمور زيّفها المجتهدون (2).

6-يعتني المجتهدون بعلم الرجال؛باعتباره متصدّيا لتمييز آحاد السند من الجرح و التعديل،و الذي هو دخيل في اعتبار الرواية و عدمه.

و أمّا الأخباريّون،فلاعتقادهم صحّة كلّ الروايات الموجودة في

ص:15


1- كالفيض الكاشاني في الأصول الأصيلة:36-37.
2- راجع الفصل الثامن من كتاب اجتهاد الأخبار للوحيد البهبهاني،رجال السيّد بحر العلوم 4:73 الفائدة الرابعة،ألحقّ المبين لكاشف الغطاء:34،معجم رجال الحديث 1:19.

الجوامع الحديثيّة،وجدوا أنفسهم في غنى عن علم الرجال و علم الدراية الذي يبحث عن أحوال الحديث.

و هذا المحور من الخلاف متفرّع عن المحور السابق.

7-المشهور بين المجتهدين جريان البراءة في الشبهات التحريميّة.

و خالفهم الأخباريّون و قالوا بوجوب الاحتياط فيها؛أخذا بظاهر الأدلّة الآمرة بالتوقّف و الاحتياط في الشبهات.

و أجاب عنهم المجتهدون ب:أنّ التأمّل الوافي في الروايات المشار إليها يعطي أنّ الأمر بالتوقّف فيها إرشادي لا مولوي،و مقتضى حديث الرفع و غيره هو البراءة.

هذا،و هناك خلافات أخر لعلّها لا تكون إلاّ بين الأخباريين و جمع من الأصوليين لا جميعهم،و ذلك مثل:حجّية الإجماع المنقول.

كما أنّه قد تذكر نماذج من مسائل فقهيّة بعنوان الخلاف بين الفريقين؛و هي أيضا متفرّعة عن بعض الخلافات المتقدّمة في المسائل الأصوليّة.

نحن و الكتاب:

ثمَّ إن الجهود التي كرّسها الوحيد-نوّر اللّه مرقده-قد أينعت و أتت بالثمر العظيم و على مختلف المجالات،سيّما مجال التصنيف،الذي عاش -و لا زال-عصرا باهرا يمتاز بالتكامليّة،المقرونة بالدقّة الفائقة،و الضبط الرفيع،و القواعد المحكمة،و كثرة الفروع و تشعّبها،و متانة الاستنباط.

و يعدّ كتابنا«رياض المسائل»خير نموذج و أوضح مصداق يجمع -و بشكل شامل-بين مباني الوحيد و خصائص مرحلة التكامل،فإنّ مصنّفه

ص:16

«السيّد علي الطباطبائي»المشتهر بتبحّره في علم الأصول،قد أبدى مهارة فائقة و براعة قلّ نظيرها في إرجاع الفروع إلى الأصول،الأصول التي اعتمدها أستاذه الوحيد و دحر بها الأخباريين،فلقّنها إيّاه خير تلقين،و أجاد استثمارها و أبدع فيها خير إبداع،سالكا في الاستدلال بها مسلكا استحال على غيره،بل عسر،متعرّضا لكلّ ما توصّل إليه من الأدلّة و الأقوال.

فهو غرّة ناصعة على جبهة الفقه الشيعي-بل الإسلامي-و نجم ساطع في سماء الفقه الاستدلالي،و آية باهرة لكيفيّة الاجتهاد و الاستنباط،حسن الترتيب،كثير الفوائد جدّا،يضمّ-بالإضافة إلى دقّته في الاستدلال- الإحاطة بشتّى جوانب البحث،مشفوع بنقل الروايات و الكلمات بعبارات موجزة بليغة،اقتصر فيه على أمّهات الفروع الفقهيّة،مع غاية في الاختصار في أداء المقاصد و إيراد المطالب،بحيث يصعب-بل لعلّه يتعذّر-الوقوف على جملة بل كلمة زائدة لا يضرّ إسقاطها بالمطلب،و ذلك في جميع فصوله،فمنهجه في الإصرار على الاختصار منهج كتاب«الروضة البهيّة» و«زبدة الأصول».

و يدلّك على عظمته أنّه اشتهر به كاتبه،فيعرف به غالبا،كما هو الحال في«كشف الغطاء»و«جواهر الكلام».

و هو-فيما بأيدينا من تراث فقهائنا-أوّل كتاب فقهيّ استدلاليّ مبسوط حاو لجميع الأبواب الفقهيّة،إلاّ ما شذّ (1)شرح مزجيّ على المختصر النافع للمحقّق الحلّي،و قد يعبّر عنه بالشرح الكبير في قبال شرحه الصغير عليه المطبوع حديثا..و هذا النوع

ص:17


1- أي كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و كتاب المفلّس.

من الشرح له تأثير خاص في انسجام مطالب الكتاب و اتّصالها،بحيث يعدّ المتن و الشرح كتابا واحدا،يحثّ الطبع على ملاحظته و النظر فيه.

و لعلّ أوّل شرح مزجيّ معروف لفقهاء الإماميّة هو«الروضة البهيّة» التي متنها كتاب«اللمعة الدمشقية».

و لم يوجد قبل الرياض شرح مزجيّ لمتن فقهيّ على هذا النهج،فما صنّف على هذا المنوال ممّن تقدّم عليه إمّا ناقص كمّا نقصا فاحشا،كما هو الحال في كتاب«كشف اللثام»للفاضل الهندي،الفاقد لعدّة من الكتب الفقهيّة؛أو كيفا،كما في كتاب«الروضة البهيّة»للشهيد الثاني،القاصر عن الاستدلال التامّ المشتمل على النقض و الإبرام في غالب الفروع الفقهيّة.

و يمتاز أيضا عمّا تقدّم عليه من الموسوعات الفقهيّة الاستدلاليّة بأنّه على نسق واحد و أسلوب فارد،و بنفس السعة التي ابتدأ بها انتهى إليها،فإنّ كتاب«المسالك»-مثلا-و إن كان جامعا لأبواب الفقه،إلاّ أنّ فصل العبادات منها في غاية الاختصار،بخلاف المعاملات.

و من أبرز خصائصه كذلك،أسلوب تعامله مع النصوص الروائية، حيث تراه يورد محلّ الشاهد على نحو من الاختصار و الدقّة الرفيعة،مكتفيا بذكر كونها صحيحة أو موثّقة أو مرسلة أو..و هذا ممّا يدعو إلى البحث و التحقيق لتشخيص المراد،الذي يعسر في كثير من الأحيان حصره أو تعيينه.

كما و أنّه ليس كتابا فقهيّا فحسب،بل كأنّه بمنزلة الأستاذ الخبير الذي يرشد الطالب إلى كيفيّة النقاش العلمي،و تنقيح المسائل الفقهيّة،و سبل الورود و الخروج منها.و أنت ترى بين غصون الكتاب-من روعة البيان، و قوة الحجّة،و سلاسة التعبير،و حسن التخلّص إلى المقصد-ما ينمّ عن

ص:18

بلاغة مؤلّفه البارعة،و إحاطته بفنون الأدب أيضا.

و يمكن أن يتعرّف على مدى أهمّيّة الكتاب و عناية الفضلاء و الباحثين و المحقّقين به،من أنّه في سالف الأيام-حيث ربوع العلم كانت مزدهرة عامرة-قد صار محورا دراسيّا في الحوزات العلميّة،و تناولته أيدي المشتغلين ببالغ الاهتمام و التقييم،فكانوا يباحثون حول مسائله تشحيذا لأذهانهم و تقوية لملكة الاستنباط عندهم،و كم كان جديرا إحياء تلك السنّة الحسنة بين أهل العلم و طلبته في زماننا هذا.

ثمَّ إنّه قد يعثر المتتبّع في هذا الأثر النفيس على موارد وافرة من العبارات المشابهة-بل المتّحدة-لعبارات من تقدّم عليه من الفقهاء، كالذخيرة و الكفاية و المسالك و الروضة و كشف اللثام،الموجبة للاطمئنان بكونها مأخوذة منها،من دون إشارة إلى هذا الاقتباس،ممّا يقضى منه العجب.

و لكنّه هيّن عند المطّلع على طريقة أهل الفن،فإنّ نقل العبارات من دون ذكر المصدر كان سيرة مألوفة مستمرّة عندهم؛فإنّهم لمّا رأوا عبارات السابقين وافية بالمراد،و كان الغرض الأهمّ عند السابق و اللاحق أداء المطلب الصحيح،و فهم المقصد،من دون ملاحظة القائل-فانظر إلى ما قيل و لا تنظر إلى من قال-استراحوا في أداء مقاصدهم إلى نقل عبارة مرضيّة عندهم من الأقدمين،من دون تصرّف فيها،أو تغييرها إلى صورة أخرى.

و هذا لا مساس له بانتحال نظريّة و إسنادها إلى نفسه،فإنّه القبيح المذموم المنزّه عنه فقهاؤنا الأمجاد.

و لعلّه لذا تقف على عدّة موارد من هذا القبيل في الكتب الفقهيّة،

ص:19

سيّما«الروضة البهيّة»و«مسالك الأفهام»بالإضافة إلى جامع المقاصد،و كذا «الجواهر»بالنسبة إلى«الرياض»و غيره.

و يشهد على ما ذكرناه-من أنّه كان غرضه تحقيق الحقّ بأيّ نحو اتّفق-ما أفاده في آخر كتابه من أنّ المرجو ممّن يقف على هذا التعليق و يرى فيه خطأ أو خللا أن يصلحه و ينبّه عليه،و يوضحه و يشير إليه،حائزا بذلك منّي شكرا جميلا،و من اللّه أجرا عظيما جزيلا،إلى آخر ما قال.

و يرى الباحث المدقّق مدى العناية الخاصّة التي أولاها العلاّمة الفقيه الملاّ أحمد النراقي في موسوعته الفقهيّة المرموقة«مستند الشيعة»-التي قامت مؤسستنا بتحقيقها و طبعها-إلى ما في«رياض المسائل»من المباني و الأقوال.ثمَّ الملاحظ غالبا أنّه في حال الموافقة له يعبّر عنه ب:بعض مشايخنا المعاصرين،أو:بعض مشايخنا؛و بنحو:قيل،في حال المخالفة له.

كما و يشاهد أنّ الشيخ محمّد حسن النجفي قد تعرّض في موارد كثيرة جدّا من مجموعته الفقهيّة الشهيرة«جواهر الكلام»إلى عبارات «رياض المسائل»بالنصّ و التفصيل،خائضا فيها خوض النقض أو الإبرام.

ثمَّ إنّه لم يظهر لنا زمان الشروع في تأليفه و لا زمان الاختتام..إلاّ أنّه صرّح في آخر كتاب الصلاة منه:تمَّ المجلّد الأوّل و الثاني من«رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل»على يد مؤلّفه المفتقر إلى اللّه الغني عليّ بن محمّد الطباطبائي،في أواخر العشر الثاني من الشهر الثاني من السنة الرابعة من العشر الآخر من المائة الثانية من الألف الثاني من الهجرة النبويّة على صاحبها ألف سلام و ثناء و تحيّة.انتهى.

و المشاهد أنّه قد فرغ من كتاب الديات في 27 صفر سنة 1192 ه،

ص:20

و من كتاب الاعتكاف في 26 ربيع الأوّل سنة 1196 ه.

قال في الذريعة:و قد فرغ من صلاة المسافر في سنة 1196 ه-و هذا ما يخالف تصريح المصنّف قدس سرّه بفراغه من كتاب الصلاة سنة 1194 ه- و الظاهر أنّه كتبه بغير الترتيب،و أنّه بدأ بالمجلّد الثاني،لأنّي رأيت المجلّد الثاني من موقوفات السادة«آل الخرسان»بخطّ الشيخ محمّد بن درويش بن عوض الحلّي،فرغ من كتابته سنة 1192 ه،فيظهر أنّ فراغه قبل هذا التاريخ،فيكون مقدّما على الطهارة و الصلاة الذي فرغ منه سنة 1196 ه، و في آخر القضاء منه في نسخة ذكر أنّه فرغ المصنّف منه في منتصف ليلة الجمعة السابع و العشرين من صفر سنة 1192 ه (1).انتهى.

و بملاحظة تاريخ مولده الشريف،الذي كان في سنة 1116 ه،يظهر بعد ما نقله الشيخ الجليل المامقاني في موسوعته الرجاليّة«تنقيح المقال» من أنّه-رحمه اللّه-شرع في طلب العلم في زمان الرجوليّة (2).

أقوال العلماء في الكتاب:

و قد تناولته آراء أكابر العلماء بالإعجاب و الثناء،و نعتوه ببالغ النعت.

و من جملة من أشاد به الشيخ أبو عليّ في«منتهى المقال»،حيث قال فيه:و هو في غاية الجودة جدّا،لم يسبق بمثله،ذكر فيه جميع ما وصل إليه من الأقوال،على نهج عسر على سواه،بل استحال (3).

و قال فيه الشيخ أسد اللّه التستري قدس سرّه في مقابس الأنوار:أحسن

ص:21


1- الذريعة 11:336.
2- تنقيح المقال 2:307.
3- منتهى المقال 5:64.

الكتب الموجودة (1).

و في إجازته محمّد علي بن باقر الهزارجريبي،قال فيه السيّد محمّد جواد العاملي صاحب«مفتاح الكرامة»:الذي شاع و ذاع و طبق الآفاق في جميع الأقطار،و هو ممّا يبقى إلى أن يقوم صاحب الدار.. (2).

و وصفه المحقّق الكنتوري في كشف الحجب بأنّه كتاب دقيق متين، يعرف منه كمال مصنّفه،و طول باعه في الفقه،استدلّ فيه على جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى الديات (3).

و نقل الشيخ عبّاس القمّي في فوائد الرضويّة،عن صاحب التكملة، عن شيخه محمّد حسن آل يس الكاظمي،عن الشيخ محمّد حسن النجفي صاحب«الجواهر»قوله:لو أردت أن أكتب كتابا مصنّفا في الفقه لكنت أحبّ أن يكون على نحو«رياض»المير سيّد علي،فبه عنوان الكتابيّة في التصنيف (4).

و قال فيه الشيخ مرتضى الأنصاري في إحدى وصاياه لتلامذته:ابحثوا و حقّقوا في كتاب«رياض المسائل»للسيّد علي الطباطبائي،فإنّه سيعينكم كثيرا في نيل مرتبة الاجتهاد.

أمّا السيّد الخوانساري صاحب«روضات الجنّات»،فبعد نقله أنّ المصنّف كان يذكر كثيرا:إنّي ما أردت به النشر و التدوين،بل المشق و التمرين،قال فيه:فرفعه اللّه تعالى إلى ما رفع،و نفع به أحسن ما به

ص:22


1- مقابس الأنوار:19.
2- حكاه عنه في أعيان الشيعة 8:314.
3- كشف الحجب:300.
4- فوائد الرضويّة:453.

ينتفع (1).

ترجمة المؤلّف:

اشارة

هو الأستاذ الوحيد،سيّد المحقّقين،و سند المدقّقين،العلاّمة النحرير،مالك مجامع الفضل بالتقرير و التحرير،المتفرّع من دوحة الرسالة و الإمامة،المترعرع في روضة الجلالة و الكرامة،الرافع للعلوم الدينيّة أرفع راية،الجامع بين محاسن الدراية و الرواية،محيي شريعة أجداده المنتجبين،مبيّن معاضل الدين المبين بأوضح البراهين،نور اللّه الجلي، و الحبر الملي،و المجتهد الأصولي،مولانا سيّد علي بن السيّد محمّد علي بن السيّد أبي المعالي الصغير بن السيّد أبي المعالي الكبير،الطباطبائي النسب،الأصفهاني المحتد،الكاظمي المولد،الحائري المنشأ و المقام أعلى اللّه مقامه (2).

ميلاده و أسرته:

كان ميلاده الشريف في مشهد الكاظمين على مشرّفيه صلوات الخافقين،في أشرف الأيّام،و هو الثاني عشر من شهر ولد فيه أشرف الأنام عليه و آله أفضل التحيّة و السلام،في السنة الحادية و الستّين بعد المائة و الألف.

جدّه الأعلى السيّد أبو المعالي الكبير،صهر مولانا المقدّس الصالح

ص:23


1- روضات الجنّات 4:402.
2- كذا نعته الشيخ أسد اللّه التستري في مقابس الأنوار:19،و السيّد الخوانساري في روضات الجنّات 4:399.

المازندراني،و قد خلّف ثلاثة أولاد ذكور،و هم:السيّد أبو طالب،السيّد علي،السيّد أبو المعالي و هو أصغرهم،و عدّة بنات.و السيّد أبو المعالي خلّف السيّد محمّد علي لا غير-و هو والد سيّدنا المترجم له-و واحدة من البنات،كانت زوجة المولى محمّد رفيع الجيلاني،القاطن في المشهد المقدّس الرضويّ حيّا و ميّتا.

خاله الأستاذ الوحيد قدس سرّه و هو صهره على ابنته،تلمّذ عليه و تربّى في حجره و نشأ،و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء (1).

له ولدان،أحدهما:السيّد السند محمّد،صاحب كتابي«المناهل» و«مفاتيح الأصول»،و هو صهر العلاّمة بحر العلوم؛و الآخر:السيّد مهدي، المعروف بزهده.

دراسته:

قال في منتهى المقال:اشتغل أولا على ولد الأستاذ العلاّمة[الوحيد البهبهاني]،فقرنه في الدرس مع شركاء أكبر منه في السن و أقدم في التحصيل بكثير،و في أيّام قلائل فاقهم طرّا و سبقهم كلا،ثمَّ بعد قليل ترقّى فاشتغل عند خاله الأستاذ العلاّمة،و بعد مدّة قليلة اشتغل بالتصنيف و التدريس و التأليف (2).

مشايخه:

الذي يظهر من عبارة المقابس و صريح الروضات أنّه لم يرو إلاّ عن

ص:24


1- منتهى المقال 5:65-66.
2- منتهى المقال 5:65.

خاله و أستاذه الوحيد قدس سرّه (1)،و لم يتلمّذ-كما يظهر من منتهى المقال-إلاّ على يد ابن خاله و خاله.

إلاّ أنّ السيّد الأمين قال في أعيان الشيعة:يروي عن السيّد عبد الباقي الأصفهاني عن والده المير محمّد حسين عن جدّه لأمّه المجلسي،و يروي أيضا عن خاله و أستاذه الآقا محمّد باقر البهبهاني،و عن صاحب الحدائق (2).

تلامذته و الراوون عنه:

شغف بعلمه و ارتوى من نميره العذب الكثير من الأجلّة الأفاضل، منهم:

1-الرجالي الشهير و الشيخ الجليل صاحب كتاب«منتهى المقال»، أبو علي،محمّد بن إسماعيل بن عبد الجبّار المازندراني الحائري،المتوفّى سنة 1215 ه.

2-المحقّق السيّد محمّد جواد بن محمّد الحسني الحسيني العاملي الغروي،صاحب الموسوعة الفقهيّة المعروفة«مفتاح الكرامة»،المتوفّى سنة 1226 ه.

3-العلاّمة الفقيه الشيخ أسد اللّه بن إسماعيل التستري الدزفولي الكاظمي،صاحب«مقابس الأنوار»،المتوفّى سنة 1236 ه.

قال في روضات الجنّات:أمّا الرواية عنه رحمه اللّه فهي لكثير،و شرف التلمّذ لديه إلى غفير،و ذكر منهم:

4-العلاّمة السيّد محمّد باقر الشفتي،المعروف بحجة الإسلام،

ص:25


1- مقابس الأنوار:19.
2- أعيان الشيعة 8:315.

صاحب كتاب«مطالع الأنوار»،المتوفّى سنة 1262 ه.

5-المحقّق المدقّق الشيخ محمّد إبراهيم الخراساني الكاخي الأصفهاني الكلباسي،صاحب كتابي«الإشارات»و«الإيقاظات»،المتوفّى سنة 61-1262 ه.

6-الفاضل المتبحّر الحاج ملاّ جعفر الأسترآبادي الحائري،المتوفّى سنة 1263 ه.

7 و 8-الأخوان الفاضلان،الكاملان،الفقيهان،الحاج محمّد تقي، و الحاج محمّد صالح،البرغانيان،القزوينيان،المتوفيان سنتي 1263 ه و 1271 ه،على الترتيب.

9-المولى محمّد شريف الأصولي،المازندراني الحائري،المشهور بشريف العلماء،المتوفّى سنة 1245 ه.

10-الشيخ العارف المشهور أحمد بن زين الدين الأحسائي، المتوفّى سنة 41-1244 ه.

11-الشيخ الفقيه المبرور خلف بن عسكر الكربلائي،المتوفّى سنة 46-1250 ه.

12 و 13-خلفاه الصالحان الرشيدان،الفاضلان الفقيهان،السيّد محمّد المجاهد،صاحب كتابي«المناهل في الفقه»و«مفاتيح الأصول»، المتوفّى سنة 1242 ه؛و السيّد مهدي المقدّس.

14 السيّد أبو القاسم بن السيّد المحقّق الفقيه السيّد حسين الموسوي الخوانساري صاحب«مشارق الشموس»،المتوفّى سنة 1240 ه.

ص:26

رحمهم اللّه جميعا (1).

مصنّفاته:

ذكر تلميذه الشيخ أبو علي في«منتهى المقال»أنّ له مصنّفات فائقة و مؤلّفات رائعة،عدّ منها:

1-شرحه على المفاتيح،برز منه كتاب الصلاة،و هو مجلّد كبير جمع فيه جميع الأقوال.

2-شرحه على النافع:رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل.

3-رسالة في تثليث التسبيحات الأربع في الأخيرتين و كيفيّة ترتيب الصلاة المقضيّة عن الأموات.

4-رسالة في الأصول الخمس،جيّدة.

5-رسالة في الإجماع و الاستصحاب.

6-شرح ثان على المختصر،اختصره من الأول،جيّد،لطيف، سلك في العبادات مسلك الاحتياط ليعمّ نفعه العامّي و المبتدئ و المنتهي، و الفقيه و المقلّد له و لغيره،في أيّام حياته و بعد وفاته.

و هو مطبوع محقّق في ثلاث مجلّدات.

7-رسالة في تحقيق حجّية مفهوم الموافقة.

8-رسالة في جواز الاكتفاء بضربة واحدة في التيمّم مطلقا.

9-رسالة في اختصاص الخطاب الشفاهي بالحاضر في مجلس

ص:27


1- روضات الجنّات 4:403-404 بتصرّف.

الخطاب،كما هو عند الشيعة.

10-رسالة في تحقيق أنّ منجّزات المريض تحسب من الثلث أم من أصل التركة (1).

11-رسالة في تحقيق حكم الاستظهار للحائض إذا تجاوز دمها عن العشرة.

12-ترجمة رسالة في الأصول الخمس،فارسيّة،لخاله الوحيد قدس سرّه، إلى العربية.

13-رسالة في بيان أنّ الكفار مكلّفون بالفروع عند الشيعة،بل و غيرهم،إلاّ أبا حنيفة.

14-رسالة في أصالة براءة ذمّة الزوج عن المهر،و أنّ على الزوجة إثبات اشتغال ذمّته به.

15-رسالة في حجّية الشهرة،وفاقا للشهيد قدس سرّه.

16-رسالة في حلّية النظر إلى الأجنبيّة في الجملة و إباحة سماع صوتها كذلك.

17-حاشية على كتاب معالم الأصول،غير مدوّنة،كتبها بخطّه على حواشي المعالم في صغره و أوائل مباحثته له.

18-حواشي متفرّقة على«مدارك الأحكام».

ص:28


1- قال السيّد على الطباطبائي-قدس سرّه-في الرياض:ج 2 ص 67(الحجري):و لقد كتبت في المسألة رسالة منفردة،رجّحت فيها خلاف ما هنا-حيث إنّه اختار فيها احتساب منجّزات المريض من الثلث لا من أصل التركة-لغفلتي عن الشهرة القديمة و الإجماعين المتقدّم إلى ذكرهما الإشارة،و عن كون الأخبار الأوّلة موافقة للعامّة،فشيّدتها زعما منّي اعتضادها بالشهرة،و طرحت ما خالفها،و هو كما ترى، فالمصير إلى القول الثاني أقوى ثمَّ أقوى.

19-حواشي متفرّقة على«الحدائق الناظرة»لشيخنا يوسف البحراني قدس سرّه.

20-أجزاء غير تامّة في شرح مبادئ الأصول للعلاّمة الحلّي.

و غير ذلك من حواش و رسائل و فوائد و أجوبة مسائل (1).

أقوال العلماء فيه:

تعرّض لوصفه ببالغ المديح و الثناء و الإشادة و الإطراء الكثير من العلماء العظام و أصحاب التراجم المعروفة.

فقد قال فيه الوحيد قدس سرّه عند إجازته له الرواية عنه:استجازني السيّد السند،الماجد الأمجد،الموفّق المسدّد،الرشيد الأرشد،المحقّق المدقّق، العالم الكامل،الفاضل الباذل،صاحب الذهن الدقيق و الفهم الملي،الطاهر المطهّر،النابغة النورانية،صاحب النسب الجليل الرفيع و الحسب الجميل، و الطبع الوقّاد،و الذهن النقّاد،ولدي الروحي،مير سيّد علي بن سيّد محمّد علي،وفقه اللّه لمراضيه،و أيّده و سدّده و أرشده.

أمّا الشيخ الجليل أبو علي فقد قال فيه في«منتهى المقال»:ثقة، عالم،عرّيف،و فقيه فاضل غطريف،جليل القدر،وحيد العصر،حسن الخلق،عظيم الحلم،حضرت مدّة مجلس إفادته،و تطفّلت برهة على تلامذته،فإن قال لم يترك مقالا لقائل،و إن صال لم يدع نصالا لصائل (2).

و أطرى عليه السيّد محمّد باقر الشفتي،المعروف بحجّة الإسلام، صاحب«مطالع الأنوار»،في بعض إجازاته عند عدّ شيوخه،بقوله:منهم

ص:29


1- منتهى المقال 5:64-65.
2- منتهى المقال 5:64.

شمس فلك الإفادة و الإفاضة،بدر سماء المجد و العزّ و السعادة،محيي قواعد الشريعة الغرّاء،مقنّن قوانين الاجتهاد في الملّة البيضاء،فخر المجتهدين،ملاذ العلماء العاملين،ملجأ الفقهاء الكاملين،سيّدنا و أستاذنا العليّ العالي،الأمير السيّد علي الطباطبائي الحائري (1).

و قال السيّد محمّد جواد العاملي صاحب«مفتاح الكرامة»عند إجازته محمّد علي بن باقر هزار جريبي:

فأجزت له أن يروي عنّي ما استجزته و قرأته و سمعته من السيّد الأستاذ،رحمة اللّه سبحانه في البلاد و العباد،الإمام العلاّمة،مشكاة البركة و الكرامة،صاحب الكرامات،أبو الفضائل،مصنّف الكتاب المسمّى برياض المسائل،الذي عليه المدار في هذه الأعصار،النور الساطع المضيء،و الصراط الواضح السوي،سيّدنا و أستاذنا،الأمير الكبير،السيّد علي أعلى اللّه شأنه (2).

و أثنى عليه الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء في كتابه«الحقّ المبين» بعد نقله ما دار بينه و بين أحد أعلام الأخباريين،بقوله:و قد اجتمعت مع أعظم علمائهم في مكان،فقال لي:رأيت في رسالتك و رسالة سيّد علي -يعني جناب زبدة المجتهدين و أفضل العلماء العاملين مولانا و مقتدانا مير سيّد علي دام ظلّه-أنّ مسّ المحدث لاسم اللّه حرام،و ليس عليه دليل، فقلت له:إذا لم يكن على وجوب تعظيم المحترمات دليل،فما الدليل على عدم جواز تنجيس القرآن و إلقائه في القذارات؟!فسكت (3).

و أشاد به السيّد محمّد الزنوزي-الذي يعدّ من تلامذته أيضا-حيث

ص:30


1- حكاه في أعيان الشيعة 8:315.
2- حكاه في أعيان الشيعة 8:315.
3- الحق المبين:88.

عبر عنه ب:استاذنا الأعظم،عالم عامل كامل،فاضل باذل عادل،فقيه وحيد تقي نقي،عابد زاهد،ثقة موثّق،صاحب أخلاق كريمة و أوصاف عظيمة.

و ذكره المحدّث النيسابوري في رجاله،مع أنّه كان من المعاندين له في ظاهر السياق،بهذه العبارة:

شيخ في الفقه و أصوله،مجتهد صرف،يراعي الاحتياط بما يراه، عاصرناه (1).

و وصفه السيّد الأمين في أعيان الشيعة بأنّه المحقّق المؤسّس،الذي ملأ الدنيا ذكره،و عمّ العالم فضله،تخرّج عليه علماء أعلام،و فقهاء عظام، صاروا من أكابر المراجع في الإسلام،كصاحب المقابيس،و صاحب المطالع،و صاحب مفتاح الكرامة،و أمثالهم من الأجلّة (2).

و قد تقدّم مدح الشيخ أسد اللّه التستري صاحب المقابس و السيّد الخوانساري صاحب الروضات له في أوّل ترجمتنا له قدس سرّه.

من كراماته:

ذكر المحقّق الخوانساري في روضاته:

لمّا شنّ الوهابيون النواصب هجومهم بأمارة رئيسهم الملحد المردود الملقّب ب«سعود»،على مشهد مولانا الحسين عليه السّلام،في السنة السادسة عشرة بعد الألف و المائتين من الهجرة المقدّسة،و في يوم عيد الغدير، حيث أغلب أهل البلد توجّهوا إلى زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام المخصوصة،

ص:31


1- حكاه عنه في روضات الجنّات 4:401.
2- أعيان الشيعة 8:314.

و وقوع المجزرة الرهيبة،حصلت حادثة عجيبة لسيّدنا المترجم له-عليه الرحمة-فإنّه لمّا وقف على قصدهم الهجوم على داره بعزيمة قتله و قتل عياله و نهب أمواله،أرسل بحسب الإمكان أهاليه و أمواله في الخفاء عنهم إلى مواضع مأمونة،و بقي هو وحده في الدار مع طفل رضيع لم يذهبوا به مع أنفسهم،فحمل ذلك الطفل معه،و ارتقى إلى زاوية من بيوتاتها الفوقانيّة،معدّة لخزن الحطب و الوقود و أمثاله،ليختفي فيها عن عيونهم، فلمّا وردوا و جعلوا يجوسون خلال حجرات الدار في طلبه و ينادون في كلّ جهة منها بقولهم:أين مير علي؟ثمَّ عمدوا إلى تلك الزاوية،فأخذ هو -رحمه اللّه-ذلك الطفل الرضيع على صدره،متوكّلا على اللّه تعالى في جميع أمره،و دخل تحت سلّة كبيرة كانت هناك من جملة ضروريات البيت،فلمّا صعدوا إلى تلك الزاوية،و ما رأوا فيها غير حزمة من الحطب موضوعة في ناحية منها،و كان قد أعمى اللّه أبصارهم عن مشاهدة تلك السلّة،تخيلوا أنّ جناب السيّد لعلّه اختفى بين الأحطاب و الأخشاب،فأخذوها واحدا بعد واحد،و وضعوها بأيديهم فوق تلك السلّة،إلى أن نفدت،و يئس الذين كفروا من دينهم،فانقلبوا خائبين و خاسرين،و خرج السيّد المرحوم لنعمة اللّه من الشاكرين،و في عصمة اللّه من الحائرين،و أنّه كيف سكن ذلك الطفل من الفزع و الأنين،و أخمد منه التنفّس و الحنين كما يخمد الجنين، إلى أن جعل الأمر الخارق للعادة عبرة للناظرين و عظة للكافرين وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [1] - فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَ هُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ [2] .

ثمَّ إنّ أولئك الفجرة الفسقة الملاعين لمّا فعلوا ما فعلوا،و قتلوا ما قتلوا،و نهبوا من المؤمنين و المسلمين،و هدموا أركان الدين المتين، و هتكوا حرمة ابن بنت رسول اللّه الأمين،بحيث ربطوا الدواب الكثيرة

ص:32

القذرة في الصحن المطهر،و أخذوا جمع ما كان من النفائس في الحرم المنور،بل قلعوا ضريحه الشريف،و كسروا صندوقه المنيف،و وضعوا هاون القهوة فوق رأس الحضرة المقدسة على وجه التخفيف،و دقّوها و طبخوها و شربوها،و سقوها كلّ شقي عتريف و فاسق غير عفيف.خافوا على أنفسهم الخبيثة من سوء عاقبة الأطوار،و من هجوم رجال الحقّ عليهم بعد ذلك من الأقطار،فاختاروا الفرار على القرار،و لم يلبثوا في البلد إلاّ بقيّة ذلك النهار يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ [1] - وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [2] (1).

وفاته و مدفنه:

قال في روضات الجنّات:توفّي قدّس سرّه في حدود سنة 1231 ه،و دفن بالرواق المشرقي من الحضرة المقدّسة،قريبا من قبر خاله العلاّمة،و كان ولده الأمجد الأرشد الآقا السيّد محمّد المرحوم انذاك قاطنا بمدينة أصفهان العجم،فلمّا بلغه نعي أبيه المبرور أقام مراسم تعزيته هناك،و جلس أياما للعزاء يأتون إلى زيارته من كلّ فجّ عميق،ثمَّ رجع إلى موطنه الأصيل و مقامه الجليل،بعد زمان قليل،و بقي في خلافة أبيه و نيابته في جميع ما يأتيه،إلى زمان انتقاله في موكب سلطان العجم إلى دفاع الروسيّة،و وفاته في ذلك السفر ببلدة قزوين (2).

و جاء في تاريخ وفاته:

بموت عليّ مات علم محمّد

ص:33


1- روضات الجنّات 4:405-406.
2- روضات الجنات 4:402.

و في نخبة المقال:

و صاحب الرياض سيّد الأجل محقّق عن خاله الآقا نقل

قد عاش سبعين بعلم و عمل مقبضه مؤلّف الرياض حل

(1).

النسخ المخطوطة المعتمدة في تحقيق الكتاب:

اعتمدنا في تحقيق هذا السفر المبارك-بالإضافة إلى النسخة الحجريّة-على أربع عشرة نسخة مخطوطة،هي كالتالي:

1-النسخة المحفوظة في مكتبة«سپهسالار»في طهران،تحت رقم 6007،و هي من أول كتاب الطهارة إلى كتاب الوديعة و العارية،كتبها محمود بن عبد اللّه بن أحمد القزويني،فرغ من كتابتها سنة 1201 ه.و قد رمزنا لها في هامش الكتاب بالحرف«ل».

2-النسخة المحفوظة في مكتبة«مجلس الشورى الإسلامي»في طهران،تحت رقم 63295،و هي من أول كتاب الصلاة إلى آخر صلاة المسافر،كتبها محمّد علي بن شيخ محمّد،فرغ من كتابتها سنة 1205 ه.

و قد رمزنا لها في هامش الكتاب بالحرف«م».

3-النسخة المحفوظة في مكتبة«كلّية الحقوق و العلوم السياسيّة» بجامعة طهران،تحت رقم 9373،و هي من أول كتاب الطهارة إلى كتاب الخمس،كتبها رفيع بن الشيخ حسين الجيلاني،فرغ من كتابتها سنة 1212 ه.و يشاهد عليها إجازة المصنف قدّس سرّه بخطّه الشريف مع إمضائه بتاريخ 1215 ه،إلاّ أنّنا لم نلحظ اسم المجاز له عليها.و قد رمزنا لها في

ص:34


1- حكاه في فوائد الرضوية:324.

هامش الكتاب بالحرف«ش».

4-النسخة المحفوظة في مكتبة«كلّية الحقوق و العلوم السياسيّة» بجامعة طهران،تحت رقم 52989،و هي من أول كتاب الزكاة إلى آخر كتاب الاعتكاف،كتبها المصنّف قدّس سرّه بخطّه الشريف،فرغ من كتابتها سنة 1196 ه.و قد رمزنا لها في هامش الكتاب بالحرف«ص».

5-النسخة المحفوظة في مكتبة«جامعة طهران المركزيّة»،تحت رقم 8294،و هي تحتوي كتاب الحجّ و قسم من كتاب الجهاد،كتبها مؤمن ابن محمود الخوانساري،فرغ من كتابتها سنة 1227 ه.و قد رمزنا لها في هامش الكتاب بالحرف«ك».

6-النسخة المحفوظة في مكتبة«وزيري»في يزد،التابعة لمكتبة الاستانة الرضويّة المقدّسة في مشهد،تحت رقم 1231،و هي من أول كتاب الحجّ إلى آخر كتاب الجهاد،كتبها السيّد عبّاس أحد أحفاد المؤلّف قدّس سرّه،فرغ من كتابتها سنة 1258 ه.و قد رمزنا لها في هامش الكتاب الحرف«ق».

7-النسخة المحفوظة في مكتبة«الاستانة الرضويّة المقدّسة»في مشهد،تحت رقم 14712،و هي من أوّل كتاب التجارة إلى آخر كتاب الوصايا،كتبها خلف الحاج عسكر أحد تلامذة المصنّف قدّس سرّه،فرغ من كتابتها سنة 1200 ه.

قوبلت في زمان المؤلّف قدّس سرّه مع أمّ النسخ التي هي بخطّه الشريف، و قد رمزنا لها في هامش الكتاب بالحرف«ه».

8-النسخة المحفوظة في مكتبة«سپهسالار»في طهران،تحت رقم 2504،و هي من أوّل كتاب التجارة إلى آخر كتاب المواريث،كتبها

ص:35

إسماعيل بن محمّد خليل الخوانساري،فرغ من كتابتها سنة 1224 ه، مصحّحة و عليها حواشي من المؤلّف قدّس سرّه.و قد رمزنا لها في هامش الكتاب بالحرف«ر».

9-النسخة المحفوظة في مكتبة«تبريز»،تحت رقم 3340،و هي من أول كتاب التجارة إلى آخر كتاب النذر،مجهولة الناسخ و التاريخ.و قد رمزنا لها في هامش الكتاب بالحرف«ت».

10-النسخة المحفوظة في مكتبة«كلّية الحقوق و العلوم السياسيّة» بجامعة طهران،تحت رقم 52987،و هي من أوّل كتاب النكاح إلى آخر كتاب اللعان،كتبها المصنّف قدّس سرّه بخطّه الشريف،و لم يتجلّى لنا تاريخ فراغه منها.و قد رمزنا لها في هامش الكتاب بالحرف«ع».

11-النسخة المحفوظة في مكتبة«كلّية الحقوق و العلوم السياسيّة» بجامعة طهران،تحت رقم 52988،و هي من أوّل كتاب العتق إلى أوائل كتاب المواريث،كتبها المصنّف قدّس سرّه بخطّه الشريف،مع عدم ذكر تاريخ فراغه منها.و قد رمزنا لها في هامش الكتاب بالحرف«ي».

12-النسخة المحفوظة في مكتبة«كلّية الآداب»بجامعة الفردوسي في مشهد المقدّسة،تحت رقم 28018،و هي من أوّل كتاب اللقطة إلى آخر كتاب الديات،كتبها ابن حاجي هادي بن مير إسماعيل،فرغ من كتابتها سنة 1221 ه.و قد رمزنا لها في هامش الكتاب الحرف«ب».

13-النسخة المحفوظة في مكتبة«الآستانة المقدّسة»في قم المشرّفة،تحت رقم 6401،و هي من أوّل كتاب القضاء إلى آخر كتاب الديات،كتبها محمّد إبراهيم خلف،فرغ من كتابتها سنة 1253 ه.و قد رمزنا لها في هامش الكتاب بالحرف«س».

ص:36

14-النسخة المحفوظة في مكتبة«الآستانة المقدّسة»في قم المشرّفة.تحت رقم 5859،و هي من أول كتاب الحدود إلى آخر كتاب الديات،كتبها السيّد محمّد بن علي محمّد الكزازي،فرغ من كتابتها سنة 1220 ه.و قد رمزنا لها في هامش الكتاب بالحرف«ن».

هذا،و قد رمزنا للنسخة الحجريّة في هامش الكتاب بالحرف«ح».

و قد كان كتاب«المختصر النافع»-المطبوع-نصب أعيينا أثناء العمل،و أشرنا إليه في الهامش ب:المختصر المطبوع.

و بالنظر لضيق المجال،فقد اقتصرنا على نماذج أهمّ النسخ المخطوطة.

منهجيّة التحقيق:

اتّبعت مؤسّسة آل البيت-عليهم السّلام-في تحقيق هذا الأثر النفيس-و كما هو مقرّر في منهجها-أسلوب التحقيق الجماعي،الذي تجاوز العمل على طبقه عدّة مراحل،هي كالتالي:

1-مقابلة النسخ الخطّية و النسخة الحجريّة،و تثبيت الاختلافات إن وجدت.

و قام بمهمّتها الاخوة الأماجد:الحاج كاظم المصباح،عبد الستّار الحسناوي،علي الشامي.

2-استخراج الآيات المباركة و الأحاديث الشريفة و الأقوال الفقهيّة، التي تعرّض لها المصنّف بالتصريح أو الإشارة.

و تكفّل به أصحاب السماحة حجج الإسلام:الشيخ محمّد علي زينلي،الشيخ عبد الحسين آقايي پور،السيّد محمّد جواد الحسيني، و الاخوة الأفاضل:السيّد عبد العزيز كريمي،عبد الرضا الروازق-الذي أنيطت به أيضا مهمّة صياغة الهامش-الحاج عبد الحسين الحسّون،علي

ص:37

رضا أردشيري.

3-تقويم النصّ،و تقطيعه إلى عدّة فقرات بما يتناسب و احتياج العبارة،مع ملاحظة الاختلافات الموجودة بين النسخ،و تثبيت الراجح في المتن و الإشارة إلى المرجوح في الهامش،ثمَّ التعليق على بعض العبارات عند الحاجة،و استخراج معاني الكلمات الغريبة.

و قام بهذه المهمّة فضيلة حجة الإسلام الشيخ محمّد بهره مند،فضيلة حجة الإسلام الشيخ محسن قديري،الأستاذ الفاضل المحقق كريم الأنصاري.

4-الإشراف و المراجعة النهائيّة،و توحيد الجهود المبذولة، و تصحيح ما زاغ عن البصر،و إبداء الملاحظات الأخيرة.

و كانت على عاتق فضيلة حجة الإسلام الشيخ علي مرواريد.

و لا يفوتنا أن نخصّ حجّة الإسلام و المسلمين الشيخ محمّد رضا المامقاني بالشكر و التقدير لما أبداه من حسن التعاون لأجل إظهار هذا السفر المبارك على أفضل وجه.

سائلين المولى القدير أن يتقبّله بأحسن قبوله،و أن يحيطه ببالغ لطفه و عنايته،مع غاية في الانتفاع به،إنّه سميع مجيب الدعاء.

مؤسسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث

ص:38

ص :1

ص :2

ص :3

ص :4

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين الحمد للّه ربّ العالمين،و صلّى اللّه على سيّدنا و نبيّنا محمد و آله الطاهرين.

ص:5

ص:6

كتاب الطهارة

اشارة

كتاب الطهارة و أركانه أربعة:

الركن الأوّل في المياه

اشارة

الأوّل:في المياه جمعه باعتبار تعدّد أفراده،و المراد بها الأعمّ من الحقيقة و المجاز.

و النظر في:المطلق،و المضاف،و الأسآر.

ص:7

الأول في الماء المطلق
الماء المطلق طاهر مطهّر يرفع الحدث و يزيل الخبث

أمّا المطلق.

و هو ما يستحق إطلاق الاسم من دون توقّف على الإضافة،و لا يخرجه عنه وقوع التقييد بها في بعض الأفراد.

فهو مطلقا طاهر في نفسه مطهّر له و لغيره؛بالكتاب و السنّة و الإجماع.

قال اللّه تعالى وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [1] (1).

و قال أيضا وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً [2] (2).

و المناقشة فيهما بأخصّيّتهما من وجهين،من حيث إنّ الماء فيهما مطلق فلا يعمّ جميع مياه السماء،مع اختصاصهما بمائها فلا يعمّان غيره،فلا يعمّان المدّعى.

مدفوعة بورودهما في مقام الامتنان المناسب للتعميم،كما صرّح به جمع (3)،مضافا إلى عدم القول بالفصل،فيندفع به أحدهما.

و يندفع الآخر بالإجماع المزبور،و بما يستفاد من الكتاب و السنّة من كون مياه الأرض بأجمعها من السماء،صرّح به الصدوق في الفقيه،و غيره (4).

قال اللّه تعالى وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّاهُ فِي الْأَرْضِ وَ إِنّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ [3] (5).

و روى القمي في تفسيره عن مولانا الباقر عليه السلام قال:«هي الأنهار

ص:8


1- الأنفال:11.
2- الفرقان:48.
3- منهم الفاضل المقداد في كنز العرفان 1:41،صاحب معالم الفقه:4،صاحب المدارك 1: 27،صاحب الحدائق 1:173.
4- الفقيه 1:6؛و انظر الحبل المتين:346،الحدائق 1:173.
5- المؤمنون:18.

و العيون و الآبار» (1).

و قال تعالى أيضا أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ [1] (2).

و قال تعالى أيضا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَ مِنْهُ شَجَرٌ [2] -إلى قوله- يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ [3] (3)فتأمّل.

و في الأخير بعدم جواز حمل الطهور على بابه من المبالغة في أمثاله، بناء على أنّ المبالغة في«فعول»إنما هي بزيادة المعنى المصدري فيه كأكول، و كون الماء مطهّرا لغيره أمر خارج عن أصل المعنى،فلا بدّ أن يكون بمعنى الطاهر.

مدفوعة أيضا إمّا:بكون المراد منه المعنى الاسمي،أي ما يتطهر به، الذي هو أحد معانيه،كما هو المشهور بين أهل اللغة (4)،نقله جمع من العامة و الخاصة (5)،و إن احتيج في وصفه به حينئذ إلى نوع تأويل .

أو:بكونه بمعنى الطاهر المطهّر،كما هو المصرّح في كتب جماعة من أهل اللغة،كالفيّومي (6)،و ابن فارس عن ثعلب (7)،و الأزهري (8)،و ابن الأثير (9)،و نقل بعض:أن الشافعية نقلت ذلك عن أهل اللغة،و نقله عن

ص:9


1- تفسير القمي 2:91.
2- الزمر:21.
3- النحل:10 و 11.
4- راجع القاموس المحيط 2:82،الصحاح 2:727،لسان العرب 4:505،مجمع البحرين 3:380،أقرب الموارد 1:719.
5- كما في المدارك 1:27،الذخيرة:114،الحدائق 1:174؛و انظر التفسير الكبير 4:90، و الكشاف 3:284.
6- المصباح المنير:379.
7- مجمل اللغة 3:335.
8- تهذيب اللغة 6:172.
9- النهاية 3:147.

الترمذي و هو من أئمة اللغة (1).

و يستفاد من الأول كون الأكثر عليه،بل و عن الشيخ كونه متفقا عليه بين أهل اللغة،قال:و ليس لأحد أن يقول:إن الطهور لا يفيد في لغة العرب كونه مطهّرا؛لأنه خلاف على أهل اللغة،لأنهم لا يفرقون بين قول القائل:هذا ماء طهور،و هذا ماء مطهّر.

ثمَّ دفع القول بعدم كونه بمعناه من جهة عدم تعدية اسم فاعله، و المتعدي من الفعول في لغة العرب مستلزم لكون فاعله كذلك،بعدم الخلاف بين النحاة في أنه موضوع للمبالغة،و عدم حصول المبالغة على ذلك الوجه لا يستلزم عدم حصولها بوجه آخر،و المراد هنا باعتبار كونه مطهرا (2).

و بما ذكرنا يظهر ما في الاعتراض عليه بأنه إثبات اللغة بالترجيح؛و ذلك لأنّه اعتمد حقيقة على اتّفاق أهل اللغة،و إنّما ذكر ذلك تعليلا بعد الورود، و غرضه في ذلك الرّد على أبي حنيفة،لإنكاره ذلك معللا بما ذكر (3).

و إنكار وروده في كلام أهل اللغة بهذا المعنى-كما وقع لجماعة من متأخّري الأصحاب (4)-لا وجه له بعد ملاحظة ما ذكرنا،و خصوص صحيحة داود بن فرقد،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة من بول قرضوا لحومهم بالمقاريض،و قد وسّع اللّه تعالى عليكم بأوسع ما بين السماء و الأرض،و جعل لكم الماء طهورا»الحديث (5).

مضافا إلى قولهم عليهم السلام في تعليل الأمر بالتيمّم:«جعل اللّه

ص:10


1- حكاه عنه في المعتبر 1:35.
2- كما في التهذيب 1:214.
3- المغني 1:35.
4- منهم صاحب معالم الفقه:1،صاحب المدارك 1:27.
5- الفقيه 1:13/9،التهذيب 1:1064/356،الوسائل 1:133 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 4.

التراب طهورا،كما جعل الماء طهورا» (1).

و ممّا ذكرنا ظهر الدليل على أصل المطلب من جهة السنّة،مضافا إلى قول الصادق عليه السلام فيما رواه المشايخ الثلاثة:«الماء كلّه طاهر حتى تعلم أنّه قذر» (2).

و هذه الأدلّة-سوى الأخير-عامة فيما ذكرنا من المطهّرية لنفسه و لغيره.

إلاّ أنّه ورد في بعض الأخبار أنّ:«الماء يطهّر و لا يطهّر» (3).

و هو-مع الضعف بالسكوني على الأشهر،و عدم المقاومة لما تقدّم-قابل للتأويل القريب،بحمله إمّا على أنه لا يطهّره غيره،أو على حصول التطهير له مع بقائه على حاله،و هو في تطهيره به مفقود.

و المراد بمطهّريّته أنّه يرفع الحدث و هو الأثر الحاصل للإنسان عند عروض أحد أسباب الوضوء و الغسل المانع من الصلاة،المتوقف رفعه على النيّة.

و يزيل الخبث مطلقا (4)،و هو النجس-بفتح الجيم-مصدر قولك:

نجس الشيء ينجس فهو نجس-بالكسر-بالنص و الإجماع.

ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه

و كلّه حتى ما كان عن مادّة توجب عدم الانفعال بالملاقاة ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه الثلاثة المعروفة،أعني:اللون و الطعم

ص:11


1- الكافي 3:3/66،الفقيه 1:223/60،التهذيب 1:1264/404،الوسائل 3:386 أبواب التيمم ب 24 ح 2.
2- الكافي 3:3/1،التهذيب 1:620/215،الوسائل 1:134 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 5،الهداية:13،المستدرك 1:186 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 7.
3- الكافي 3:1/1،التهذيب 1:618/215،المحاسن:4/570،الوسائل 1:134،135 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 6 و 7.
4- أي و لو كان بدون النية و بغير وجه شرعي.منه رحمه اللّه.

و الرائحة؛بالإجماع و النصوص المستفيضة،العامية (1)و الخاصية (2).دون غيرها،كالحرارة و البرودة بلا خلاف عندنا على الظاهر؛تمسكا بالأصل، و العمومات،و اختصاص ما دلّ على التنجّس به بما تقدّم.

و يظهر من بعض نوع تردّد في حصول النجاسة له بالتغيّر اللوني؛لما تقدّم،و اختصاص النصوص بما سواه (3).

و هو ليس في محلّه؛للإجماع،و وقوع التصريح به في النبوي المشهور (4)المعتضد ضعفه في المقام بالإجماع،و غيره من المعتبرة:

منها:الصحيح المنقول عن بصائر الدرجات عن الصادق عليه السلام و فيه:«و جئت تسأل عن الماء الراكد،فما لم يكن فيه تغير أو ريح غالبة»قلت:

فما التغيّر؟قال:«الصفرة فتوضأ منه» (5).

و منها:الرضوي و فيه:«كلّ غدير فيه من الماء أكثر من كرّ لا ينجسه ما يقع فيه من النجاسات،إلاّ أن يكون فيه الجيف فتغيّر لونه و طعمه و رائحته،فإذا غيّرته لم يشرب منه و لم يتطهر» (6).

و منها:رواية العلاء بن الفضيل،عن الصادق عليه السلام:عن الحياض يبال فيها،قال:«لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول» (7).

ص:12


1- سنن الدارقطني 1:28.
2- الوسائل 1:137 أبواب الماء المطلق ب 3.
3- كما في المدارك 1:57،الحبل المتين:106،و الذخيرة:116.
4- السرائر 1:63،المعتبر 1:40،الوسائل 1:135 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 9،و رواه ابن ماجه في سننه 1:521/174 بتفاوت و متنه:«خلق اللّه الماء طهورا لا ينجّسه شيء إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه».
5- بصائر الدرجات:13/238،الوسائل 1:161 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 11.
6- فقه الرضا«عليه السلام»:91،المستدرك 1:189 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 7.
7- التهذيب 1:1311/415،الاستبصار 1:53/22،الوسائل 1:139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 7.

و احترز بالاستيلاء عن المجاورة،و بالنجاسة عن المتنجس.و هو كذلك على الأشهر الأظهر،لما تقدّم.

خلافا لمن شذّ في الأخير (1)،و لعلّه لعموم النبوي.

و ضعفه-بعد ضعف السند و عدم الجابر في المقام-ظاهر،فتأمّل ، و لكنه أحوط.

و هل التغير التقديري كاف أم لا بدّ من الحسّي؟ الأكثر على الثاني؛للأصل،و العمومات،و كون المتبادر من التغيير و الغلبة في الأخبار:الحسّي،تبادرا حقيقيا أو إطلاقيا.

و قيل بالأول (2)،و هو شاذ و مستنده مضعّف،و الاحتياط معه غالبا.

و لا فرق في ذلك بين حصول المانع من ظهور التغير كما لو وقع في الماء المتغير بطاهر أحمر دم مثلا،و عدمه كما إذا توافق الماء و النجاسة في الصفات.

و قول البعض بالفرق (3)لا وجه له.فتأمل.

و على الأول يشترط بقاء الإطلاق و عدم حصول الاستهلاك،و أما مع عدمهما فنجس قولا واحدا،كما صرّح به بعض الأصحاب (4).و ليس بمطهر مع فقد الأول خاصة قطعا.و في زوال طهارته حينئذ احتمال مدفوع بالأصل السالم عن المعارض؛لتعارض الاستصحابين من الجانبين،و مراعاة الاحتياط أولى.

أما الماء الجاري
اشارة

و لا ينجس الجاري منه و هو النابع عن عين بقوة أو مطلقا و لو بالرشح، على إشكال في الأخير بالملاقاة للنجاسة مطلقا و لو كان قليلا على الأشهر الأظهر،بل عن ظاهر الخلاف و الغنية و المعتبر و المنتهى (5)الإجماع عليه،

ص:13


1- انظر المبسوط 1:8.
2- قال به العلامة في القواعد 1:4،و المنتهى 1:8،و نهاية الأحكام 1:233،و لولده في الإيضاح 1:16،و المحقق الكركي في جامع المقاصد 1:115.
3- كالشهيد في البيان:98،و صاحب المدارك 1:30،و صاحب الحدائق 1:182.
4- أنظر المدارك 1:30،و الحدائق 1:182.
5- الخلاف 1:195،الغنية(الجوامع الفقهية):551،المعتبر 1:41،المنتهى 1:6.

و ربما أشعر به عبارة الذكرى (1).

و الدليل عليه بعده:الأصل،و عموم قوله عليه السلام:«كلّ ماء طاهر» (2)و خصوص الصحيح في البئر:«ماء البئر واسع لا يفسده شيء،إلاّ أن يتغير ريحه أو طعمه،فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه،لأن له مادة» (3).

و التمسّك به:إمّا بناء على رجوع التعليل إلى الحكمين فيه كما هو الظاهر.أو بناء على ثبوت الأولوية لعدم تأثر الماء بالملاقاة من جهة المادة،لو اختص بالرجوع إلى الأخير؛لظهور أنها لو صلحت لرفع النجاسة الثابتة للماء بالتغير فصلوحها لدفعها و منعها عن التأثر بالملاقاة أولى.فتأمل.

و يخرج ما قدّمناه من الأدلة على طهورية الماء شاهدا عليه،مع سلامة الجميع عمّا يصلح للمعارضة،بناء على عدم عموم فيما دلّ على نجاسة القليل و اشتراط الكرّية في الماء،لفقد اللفظ الدال عليه،و غاية ما يستفاد منه الإطلاق،و المقام غير متبادر منه،مضافا إلى عدم شيوع القليل منه،و ما هو مورد للترديد بالكرّ و عدمه في زمان الصدور.

و ممّا ذكرنا ظهر ضعف القول بإلحاقه بالراكد-كما نسب إلى العلاّمة و السيّد في الجمل (4)-و مستنده.

و لا ينجس الكثير من الماء الراكد أيضا في الجملة إجماعا؛ للأصل،و العمومات السالمة عن المعارض،و خصوص ما يأتي في القليل من المعتبرة و مطلقا على المشهور،بل كاد أن يكون إجماعا.

ص:14


1- الذكرى:8.
2- الفقيه 1:1/6،الوسائل 1:133 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 2.
3- التهذيب 1:676/234،الاستبصار 1:87/33،الوسائل 1:141 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 12.
4- العلاّمة في نهاية الأحكام 1:229،و المنتهى 1:6،السيد في جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):22.

خلافا لمن شذّ (1)،حيث خص ذلك بما عدا مياه الأواني و الحياض؛ لعموم النهي عن استعمال ماء الأواني (2).

و هو-مع كونه أخص من المدعى-معارض بعموم ما دلّ على عدم انفعال الكر مطلقا (3)،و هو أقوى،لقوة احتمال ورود الأول على ما هو الغالب في مياه الأواني من نقصها عن الكر،و مع التساوي فالترجيح لجانب الأول يحتاج إلى دليل،مع أن الأصول و العمومات الخارجة على ترجيح الثاني أوضح دليل.

هذا،مع أنّ المفيد-الذي نسب إليه هذا القول-عبارته في المقنعة و إن أوهمت ذلك،إلاّ أنّ ورودها كمستنده مورد الغالب محتمل،بل لعلّه ظاهر كما فهمه تلميذه الذي هو أعرف بمذهبه في التهذيب (4)،و لا يبعد أن يكون غيره كذلك.

ثمَّ إنه هل يعتبر في عدم الانفعال تساوي سطوح الماء،أم يكفي الاتصال مطلقا،أو مع الانحدار خاصة دون التسنيم؟ احتمالات،بل أقوال (5)،خيرها أوسطها،إمّا بناء على اتّحاد الماءين عرفا و إن تغايرا محلاّ،فيشمله عموم ما دلّ على عدم انفعال الكرّ.أو بناء على عدم العموم فيما دلّ على انفعال القليل،نظرا إلى اختصاص أكثره بصورة مخصوصة ليس المقام منها،و ظهور بعض ما لم يكن كذلك في المجتمع و عدم ظهور غيره في غيره بحيث يشمل المفروض،فيسلم حينئذ الأصل و العمومات

ص:15


1- و هو المفيد في المقنعة:64.
2- الوسائل 1:150 أبواب الماء المطلق ب 8.
3- راجع الوسائل 1:158 أبواب الماء المطلق ب 9.
4- التهذيب 1:218.
5- ذهب إلى الأول:صاحب معالم الفقه:12،و إلى الثاني:الشهيد الثاني في روض الجنان: 138،و صاحب المدارك 1:45،و إلى الثالث:الأردبيلي في مجمع الفائدة 1:264.

المقتضية للطهارة بحالها.

و ما استدلّ به للأول،من ظهور اعتبار الاجتماع في الماء و صدق الوحدة و الكثرة عليه من أكثر الأخبار المتضمنة لحكم الكر اشتراطا أو كمية،و تطرّق النظر إلى ذلك مع عدم المساواة في كثير من الصور.

منظور فيه أوّلا:بأن ظهور اعتبار الاجتماع ممّا ذكره ليس ظهورا بعنوان الاشتراط،و إنما الظهور نشأ عن كون مورده ذلك،و هو لا ينافي ما دلّ على العموم الشامل لغيره.

و ثانيا:بأنّ ظهور الاجتماع و صدق الوحدة و الكثرة عرفا أخص من التساوي الذي اعتبره،لصدق المساواة باتصال ماءي الغديرين مع عدم صدق الأمور المذكورة عليه عرفا،فلا يتم المدعى.

و ثالثا:بأنه كما دلّ على اعتبار ما ذكر في الكر منطوقا فانقدح منه اعتبار المساواة فيه،كذا دلّ على اعتباره فيما نقص عنه،و ينقدح منه اختصاص التنجّس بصورة الاجتماع دون ما إذا اتصل بما يصير معه كرا،فيكون المفروض حينئذ خارجا عن عموم ما دلّ على تنجّس القليل،فيتعيّن فيه القول بالطهارة، للأصول السليمة عن المعارض.

و ما ذكرناه من الوجه لعدم اعتبار المساواة و إن اقتضى إلحاق ما يشابه المفروض من القليل في الحكم،إلاّ أنّ ثبوت التنجّس في المجتمع منه يوجب ثبوته فيه بطريق أولى،مضافا إلى الاتفاق على نجاسة القليل بأقسامه.

حكم ماء الحمّام و ماء الغيث حال نزوله

و حكم ماء الحمّام أي ما في حياضه الصغار و نحوها،في عدم الانفعال بالملاقاة حكمه أي الجاري أو الكثير إذا كانت له مادة متصلة بها حين الملاقاة؛بالإجماع منّا على الظاهر،و المعتبرة.

منها:الصحيح:عن ماء الحمّام،فقال:«هو بمنزلة الجاري» (1).

ص:16


1- التهذيب 1:1170/378،الوسائل 1:148 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 1.

و منها:«ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة» (1)و مثلها الرضوي (2).

و منها:«ماء الحمّام كماء النهر يطهّر بعضه بعضا» (3).

و منها:«ماء الحمّام لا ينجّسه شيء» (4).

و مطلقها يحمل على مقيدها،و قصور الإسناد فيما سوى الأول منجبر بالشهرة.

و في اعتبار الكرية في المادة خاصة،كما نسب إلى الأكثر (5).

أو مع ما في الحياض مطلقا،كما نسب إلى الشهيد الثاني (6).

أو مع تساوي سطحي المادة و ما في الحوض،أو اختلافهما بالانحدار، و مع عدمهما فالأول،كما اختاره بعض المتأخرين،و ربما نسب إلى العلاّمة جمعا بين كلماته في كتبه (7).

أو العدم مطلقا،كما هو مختار المصنف (8).

أقوال،ما عدا الأخير منها مبني على ما تقدم من الاختلاف في اعتبار تساوي السطوح في الكثير و عدمه،و حيث قد عرفت عدم الاعتبار ظهر لك صحة القول الثاني،فيتحد حينئذ حكم المفروض مع غيره كما نسب إلى الأكثر.

ص:17


1- الكافي 3:2/14،التهذيب 1:1168/378،الوسائل 1:149 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 4.
2- فقه الرضا«عليه السلام»:86،المستدرك 1:194 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 2.
3- الكافي 3:1/14،الوسائل 1:150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7.
4- قرب الإسناد:1205/309،الوسائل 1:150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 8.
5- نسبه إليهم في المسالك 1:3.
6- نسبه إليه في المدارك 1:35،و معالم الفقه:15.
7- نسبه إليه صاحب المدارك 1:35،الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:26.
8- المعتبر 1:42.

و مستند الأخير إطلاق ما تقدم من الأخبار.و هو ضعيف؛لفقد ما يدل فيه على العموم،و ضعف دلالة الإطلاق عليه من حيث قوة احتمال وروده مورد الغالب،و هو زيادة موادّ الحمّامات عن الكرّ غالبا.

ثمَّ إن هذا لدفع النجاسة عن مياه الحياض،و أمّا لتطهيرها لو انفعلت بالملاقاة فلا،بل لا بد في المادة من اعتبار الكرية بلا خلاف حتى من المصنف على ما قيل.

و هل يكفي مقدار الكرّ فيها،أم لا بدّ فيها من الزيادة بمقدار ما يحصل به الامتزاج لما في الحياض؟ قولان (1)مبنيّان على الاختلاف في اعتبار الامتزاج بالماء الطاهر في تطهير القليل أو الاكتفاء بمجرد الاتصال.

و لا ريب أن الأول أحوط و أولى لو لم نقل بكونه أقوى.

و ابتناء القول الأول على الثاني دون الأول مبنيّ على ما هو المشهور من اعتبار الدفعة العرفية.و أما مع عدم اعتبارها-كما ذهب إليه جماعة من أصحابنا (2)بناء على عدم الدليل عليها-فيكفي مقدار الكرّ فيها و لو قلنا بالأول كما لا يخفى،و هو غير بعيد.و اللّه العالم.

و في نجاسة ماء الحياض بالملاقاة حين الاتصال بالمادة مع الشك في كريتها-بناء على اعتبارها فيها خاصة أو مع ما في الحياض وجهان،بل قيل:

قولان.

و ينبغي القطع بالطهارة لو طرأ الشك بعد تيقن الكرية فيها؛لاستصحابي بقاء الطهارة و المادة على الكرية،و عمومي الأصلين:البراءة،و كل ماء طاهر

ص:18


1- ذهب إلى الأول:المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:113،الشهيد الثاني في روض الجنان:137،و إلى الثاني:صاحب المدارك 1:37.
2- منهم الشهيد في الذكرى:8،و صاحب المدارك 1:40.

حتى تعلم أنه قذر.

و لو طرأ الشكّ بعد تيقن نقصها من الكر بكثرة مجيء الماء إليها فلا يبعد ذلك؛لتعارضهما من الجانبين فيبقى الأصلان سالمين عن المعارض.

و منه يظهر الحكم فيما لو طرأ مع فقد اليقينين.

و أما لو انفعل ما في الحوض ثمَّ اتصل بالمادة المزبورة المشكوك كريتها فالأقرب البقاء على النجاسة؛لاستصحابها السليم عن المعارض،و إن احتمل الطهارة أيضا في الجملة بمعنى عدم تنجيسه ما يلاقيه بإمكان وجود المعارض من جانب الملاقي الطاهر لمثله،إلاّ أنّ الظاهر كون الاستصحاب الأول مجمعا عليه.

و كذا حكم ماء الغيث مطلقا حال نزوله من السحاب حكم الجاري في عدم الانفعال إذا جرى من ميزاب و نحوه إجماعا ظاهرا حتى من المعتبر للكرية فيه (1).

و عبارته في بعض كتبه و إن أوهمت في بادئ النظر خلافه و إلحاقه بالجاري مطلقا (2)،إلاّ أنّ عبارته فيما بعدها تدفع ذلك و تنبئ عن صحة ما ذكرناه.

و كذلك إذا لم يجر على الأشهر؛للأصل،و اختصاص ما دلّ على الانفعال بغير موضع النزاع،و للمعتبرة المستفيضة:

ففي الصحيح:عن رجل يمرّ في ماء المطر و قد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه،هل يصلي قبل أن يغسله؟فقال:«لا يغسل ثوبه و لا رجليه،و يصلّي فيه،

ص:19


1- كالعلامة في التحرير 1:6،القواعد 1:4.
2- أي:حتى في اعتبار الكرية فيه أيضا.منه رحمه اللّه تعالى.

و لا بأس» (1).

و في آخر:عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب، فقال:«لا بأس به،ما أصابه من الماء أكثر منه» (2).

و في المرسل:«كل شيء يراه المطر فقد طهر» (3).

خلافا للشيخ في التهذيب و المبسوط (4)و ابني حمزة و سعيد (5)؛لأخبار أخر:

منها الصحيح:عن البيت يبال على ظهره و يغتسل من الجنابة ثمَّ يصيبه المطر أ يؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟فقال:«إذا جرى فلا بأس» (6).

و في معناه غيره (7).

و منها:الحسن:في ميزابين سالا أحدهما بول و الآخر ماء المطر فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضره ذلك (8).و في معناه غيره (9).

ص:20


1- الفقيه 1:7/7،التهذيب 1:1321/418،الوسائل 1:145 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 2.
2- الفقيه 1:4/7،الوسائل 1:144 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 1.
3- الكافي 3:3/13،الوسائل 1:146 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 5.
4- التهذيب 1:411،المبسوط 1:6.
5- ابن حمزة في الوسيلة:73،و ابن سعيد في الجامع للشرائع:20.
6- الفقيه 1:6/7،التهذيب 1:1297/411،الوسائل 1:145 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 2.
7- الفقيه 1:4/7،الوسائل 1:144 أبواب الماء المطلق 6 ح 1.
8- الكافي 3:1/12،التهذيب 1:1295/411 الوسائل 1:145 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 4.
9- الكافي 3:2/12،التهذيب 1:1296/411،الوسائل 1:144 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 6.

و هو ضعيف؛لأن اختصاص مورد الثاني بالجاري لا يستلزم اشتراطه، و ثبوت البأس في مفهوم الأول مع عدم الجريان أعم من النجاسة فيحتمل الكراهة.

مضافا إلى ضعف الدلالة من وجوه أخر ،أظهرها احتمال إرادة الجريان من السماء،المعبر عنه بالتقاطر في كلام الفقهاء.

و يقوّي هذا الاحتمال أنّ حمل الجريان على ما فهمه الشيخ من الجريان من الميزاب و نحوه يوجب خلو ما ذكروه من اشتراط التقاطر من السماء في عدم الانفعال من نص يدل عليه،و هو بعيد.

(و محصّل هذا الجواب إجمال متعلّق الجريان،فكما يحتمل ما يستدلّ به للشيخ فكذا يحتمل ما ذكرناه ممّا لا خلاف فيه) (1).

و ربما يتردد بعض المتأخرين (2)في إلحاقه بالجاري مع ورود النجاسة عليه مع عدم الجريان؛التفاتا إلى اختصاص الروايات المتقدّمة النافية للبأس عنه بعد الملاقاة بوروده على النجاسة،و لا دلالة فيها على الحكم المذكور مع العكس،فينبغي الرجوع فيه إلى القواعد.

و هو ضعيف؛لما قدّمناه من الأصول،و عموم المرسلة و إن تضمن صدرها ما في سابقيها،لعدم تخصيص العام بالمورد الخاص فتأمل.

مع أن قوله عليه السلام في الصحيح المتقدم:«ما أصابه من الماء أكثر منه»في حكم التعليل،و ظاهره جعل العلّة خصوص الأكثرية،و لا يختلف فيها الحال في الصورتين بلا شبهة.

هذا مع أنّ الصحيحة السابقة صريحة في ردّه من حيث وقوع التصريح

ص:21


1- ما بين القوسين ليست في«ش».
2- كما في معالم الفقه:120،مشارق الشموس:211.

فيها بصبّ الخمر في ماء المطر من دون تفصيل بين قلة ذلك الماء و كثرته.

و إطلاق كثير من الأخبار النافية للبأس عنه من دون تقييد بورود الماء شاهد أيضا.و قصور الأسانيد(فيها و في المرسلة) (1)غير ضائر بعد الاعتضاد بعمل الأصحاب.

مع أنّ القول بما قاله كاد أن يكون خرقا للإجماع؛إذ لم نقف على من نصّ على ما ذكره هنا،بل كل من الحقة بالجاري ألحقه بقول مطلق.

و ثبوت القول بالتفصيل المذكور في القليل لجماعة في غير المقام لا يستلزم ثبوته هنا؛لتغايرهما.

هذا مع أنّ القول به ثمّة إنّما نشأ عند محقّقيهم-و تلقّاه المورد في جملة من تحقيقاته بالقبول-من عدم العموم فيما دلّ على نجاسة القليل بالملاقاة، بناء على اختصاص أكثر أخبارها بصور مخصوصة ليس صورة ورود الماء على النجاسة منها،و فقد اللفظ الدالّ على العموم في المطلق من أخبارها، و الاكتفاء في رفع منافاة الحكمة بثبوت الحكم بالانفعال في بعض أفراده و هو ورود النجاسة عليه.

و هذا كما ترى يقتضي عدم التفصيل في المقام؛لكون الصورة المفروضة هنا ليس من أفراد الأخبار الخاصة أيضا،و المطلق من أخبارها لا عموم فيه،فيكفي في رفع منافاة الحكمة ثبوت الحكم بالانفعال في غير ماء المطر.

فالمتجه فيه الرجوع فيه بأنواعه-سوى ما فيه الإجماع على قبوله النجاسة كما إذا انقطع و كان قليلا و إن كان جاريا-إلى ما اقتضى الطهارة من الأصل و العمومات،فما ذكره الأصحاب هو الوجه.و اللّه العالم.

ص:22


1- في«ح»:في ما عدا المرسلة و فيها.
و أما المحقون
الماء القليل

و ينجس الماء القليل الناقص عن الكرّ من الراكد بالملاقاة للنجاسة [بالنجاسة] مطلقا على الأصح،وفاقا للمعظم؛للإجماع المستفيض النقل عن جماعة من أصحابنا (1).و خروج من سيأتي غير قادح في انعقاده عندنا،بل و في الجملة عند غيرنا .

و للصحاح المستفيضة،و مثلها من المعتبرة (2)،بل هي بحسب المعنى متواترة،و قد صرّح به جماعة (3).

و يفصح عنه تتبع الأخبار الواردة في الموارد الجزئية،كالصحاح المستفيضة و غيرها في بيان الكرّ اشتراطا و مقدارا:

منها الصحيح:عن الماء تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب،قال:«إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء» (4)و مثله آخر (5).

و منها الصحيح الآخر:عن قدر الماء الذي لا ينجّسه شيء فقال:«كرّ» الحديث (6).

و الصحاح و الموثقات المستفيضة في وقوع يد قذرة،أو قطرة من دم أو خمر فيه،أو شرب طير على منقاره دم أو قذر.

ص:23


1- منهم الشيخ في الخلاف 1:194،و العلامة في المختلف:2،و صاحب المدارك 1:38.
2- الوسائل:1:150،158 أبواب الماء المطلق ب 8 و 9.
3- كصاحب المعالم:5،و العلامة المجلسي في مرآة العقول 13:8،و الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك(المدارك الحجري):8.
4- الكافي 3:2/2،الفقيه 1:12/8،التهذيب 1:107/39،الاستبصار 1:1/6، الوسائل 1:158 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 1.
5- التهذيب 1:1308/414،الاستبصار 1:17/11،الوسائل 1:159 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 5.
6- الكافي 3:7/3،التهذيب 1:101/37،الاستبصار 1:13/10،الوسائل 1:159 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 7.

ففي الصحيح:عن الدجاجة و الحمامة و أشباههما تطأ العذرة ثمَّ تدخل الماء،يتوضأ منه للصلاة؟قال:«لا إلاّ أن يكون الماء قدر كرّ» (1).

و في آخر:عن رجل رعف و هو يتوضأ فتقطر قطرة في إنائه،هل يصلح الوضوء منه؟قال:«لا» (2).

و في الموثق:عن رجل معه إناءان وقع في أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو و ليس يقدر على ماء غيره،قال:«يهريقهما جميعا و يتيمم» (3).

و كالصحاح و غيرها المستفيضة في الأواني التي شرب منها نجس العين أو وقع فيها ميتة:

ففي الصحيح:عن الكلب يشرب من الإناء،قال:«اغسل الإناء» (4).

و مثله الآخر:إلاّ أنّ فيه:«و اغسله بالتراب أوّل مرّة ثمَّ بالماء» (5).

و في آخر:عن خنزير شرب من إناء،كيف يصنع به؟قال:«يغسل سبع مرّات» (6).

و غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبّع،و قد جمع منها بعض الأصحاب مائتي حديث،و وجه دلالتها على المرام لنهاية وضوحه لا يحتاج إلى

ص:24


1- التهذيب 1:1326/419،الاستبصار 1:49/21،الوسائل 1:159 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 4.
2- الكافي 3:16/74،الوسائل 1:169 أبواب الماء المطلق ب 13 ح 1.
3- الكافي 3:6/10،التهذيب 1:662/229،الاستبصار 1:48/21،الوسائل 1:169 أبواب الماء المطلق ب 12 ح 1.
4- التهذيب 1:644/225،الاستبصار 1:39/18،الوسائل 3:415 أبواب النجاسات ب 12 ح 3.
5- التهذيب 1:646/225،الاستبصار 1:40/19،الوسائل 3:415 أبواب النجاسات ب 12 ح 2.
6- التهذيب 1:760/261،الوسائل 3:417 أبواب النجاسات ب 13 ح 1.

تطويل في الكلام،فالوجه الانفعال.

خلافا للعماني،فقال بالعدم مطلقا (1)؛لأخبار أسانيد أكثرها قاصرة، و هي مع ذلك غير صريحة الدلالة،بل و لا ظاهرة،فأقواها الحسن:عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق،و يريد أن يغتسل منه،و ليس معه إناء يغرف به،و يداه قذرتان،قال:«يضع يده و يتوضأ ثمَّ يغتسل» الحديث (2).

و الاستدلال به يتوقف على ثبوت الحقيقة الشرعية في كل من القذر و القليل في المعنى المعروف ،و مع ذلك يتضمن الوضوء مع غسل الجنابة، و لا يقول به.

و على تقدير سلامة الكلّ عن الكلّ فهي لمقاومة ما تقدّم من الأدلة غير صالحة و إن اعتضدها الأصل و العمومات،لكون الأدلة خاصة معتضدة بعد التواتر بعمل الطائفة.

و في دعوى تواتر النبوي-الحاصر لنجاسة الماء فيما إذا تغيّر أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة-نظر؛إذ لم نجد لحديث منه في كتبنا المشهورة عينا و لا أثرا ، و مع ذلك فهو كمثله مخصّص بما تقدّم من الأدلّة.

و قيل في انتصار هذا القول اعتبارات ضعيفة و وجوه هيّنة (3)،لا جدوى في التعرّض لها و الجواب عنها.

و خلافا للشيخ فيما لا يكاد يدركه الطرف من النجاسة مطلقا،كما في المبسوط (4)،أو من الدم خاصة كما في الاستبصار.

ص:25


1- نقله عنه في المعتبر 1:48،و المختلف:2.
2- التهذيب 1:425/49،الاستبصار 1:436/128،الوسائل 1:152 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 5.
3- انظر الذخيرة:124،و الحدائق:1:292.
4- المبسوط 1:7.

للصحيح:عن رجل[رعف فامتخط]فصار الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه،هل يصلح الوضوء منه؟فقال:«إن لم يكن شيء يستبين في الماء فلا بأس» (1).

و لعسر الاحتراز عنه.

و هو شاذّ،و الصحيح غير دالّ ،و الأخير ممنوع،و مع ذلك فهو لتخصيص ما تقدّم غير صالح.

و للمرتضى (2)و بعض من تأخر (3)فيما إذا ورد الماء على النجاسة.

لاعتبارات ضعيفة يدفعها عموم المفهوم فيما اشترط فيه الكرية، و خصوص الصحيح و غيره المتقدم في المبحث السابق (4)،الدالّ بمفهومه على عدم التطهير بماء المطر الوارد على النجاسة إذا لم يكن جاريا،فغيره بطريق أولى،لكنه على قول أو احتمال،و أما على غيرهما فهو نص في المطلوب .

و حصول التطهير بالمتنجسات حال التطهير كحجر الاستنجاء و غيره.مع إشعار الصحيح الآمر بغسل الثوب في المركن مرّتين (5)بذلك،لكون الغالب في غسله فيه وروده عليه.

و المركن على ما في الصحاح:الإجّانة التي يغسل فيها الثياب (6).

و أما الكر

و في تقدير الكرّ وزنا روايات أشهرها المنقول عليه الإجماع

ص:26


1- الكافي 3:16/74،التهذيب 1:1299/412،الاستبصار 1:57/23،الوسائل 1: 150 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 1،و بدل ما بين المعقوفين في النسخ:امتخط،و ما أثبتناه من المصادر.
2- الناصريات(الجوامع الفقهية):179.
3- منهم صاحب المدارك 1:40.
4- راجع ص:20.
5- التهذيب 1:717/250،الوسائل 3:397 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.
6- الصحاح 5:2126.

المستفيض-المرسل كالصحيح على الصحيح:«الكرّ من الماء الذي لا ينجّسه شيء ألف و مائتا رطل » (1).

و في حكمه الصحيح المؤوّل إليه بالنهج الصحيح (2).

و غيره المخالف له باعتبار التقدير بحبّ مخصوص (3)،أو قلّتين (4)،أو أكثر من راوية (5)،مع شذوذه و ضعف سند أكثره مطروح أو مؤوّل.

و فسّره -أي الرطل-المشهور و منهم الشيخان بالعراقي (6)الذي وزنه على المشهور المأثور:مائة و ثلاثون درهما،و على قول شاذّ (7)موافق لبعض العامة (8):مائة و ثمانية و عشرون درهما و أربعة أسباع درهم.

للأصل،و العمومات،و خصوص:«كلّ ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر» (9)و الاحتياط في وجه ،و مناسبة الأشبار و ما تقدّم من التقادير الأخر،و الصحيح المقدّر له بستمائة رطل لوجوب حمله على المكي المضعف على العراقي مرّة،

ص:27


1- الكافي 3:6/3،التهذيب 1:113/41،الاستبصار 1:15/10،المقنع:10،الوسائل 1:167 أبواب الماء المطلق ب 11 ح 1.
2- التهذيب 1:1308/414،الاستبصار 1:17/11،الوسائل 1:168 أبواب الماء المطلق ب 11 ح 3.
3- الكافي 3:8/3،التهذيب 1:118/42،الاستبصار 1:5/7،الوسائل 1:166 أبواب الماء المطلق ب 10 ح 7.
4- الفقيه 1:3/6،التهذيب 1:1309/415،الاستبصار 1:6/7،الوسائل 1:166 أبواب الماء المطلق ب 10 ح 8.
5- الكافي 3:3/2،التهذيب 1:117/42،الاستبصار 1:4/6،الوسائل 1:140 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 9.
6- المفيد في المقنعة:42،و الطوسي في المبسوط 1:6،و النهاية:3.
7- قال به العلاّمة في التحرير 1:62،و المنتهى 1:497.
8- كابن قدامة في المغني 2:558.
9- الكافي 3:2/1 و 3،التهذيب 1:619/215 و 620،الوسائل 1:134 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 5.

بالإجماع،و شهادة حال الراوي الذي هو من أهل توابعه.و فيه شهادة أخرى على إرادة ذلك من المرسل من حيث كون السائل فيه عراقيا،لمراعاة حال السائل فيه هنا مع كون الإمام مدنيا،فكذلك هناك.

و يؤيده تقديره في الأغلب بذلك،بل ربما يستفاد من بعض الأخبار شيوع ذلك،ففي رواية في الشنّ الذي ينبذ فيه التمر للشرب و الوضوء،و كم كان يسع الماء؟قال:«ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى فوق ذلك»قلت:بأيّ الأرطال؟قال:«بأرطال مكيال العراق» (1).

و آخرون بالمدني (2)،الذي يزيد عليه بنصفه كما في الخبر؛للاحتياط، و مراعاة بلد الإمام عليه السلام،و أصالة عدم تحقق ما هو شرط في عدم الانفعال.

و الأول مع عدم كونه دليلا معارض بمثله.و كذلك الثاني مع أرجحيته بما تقدّم.

و مثلهما الثالث بناء على أنّ اشتراط الكرية في عدم الانفعال ملزوم لاشتراط عدمها في ثبوته،فأصالة عدمها بناء على صحتها هنا معارض بمثلها في الحكم،و بعد التساقط بعد التسليم فحكم ما دلّ على الطهارة عن المعارض سليم.

و في تقديره بالمساحة أيضا روايات و أقوال،أشهرها ما بلغ كلّ من طوله و عرضه و عمقه ثلاثة أشبار و نصفا ؛للموثّق (3)و غيره (4)،و الإجماع

ص:28


1- الكافي 6:3/416،التهذيب 1:629/220،الاستبصار 1:29/16،الوسائل 1: 203 أبواب الماء المضاف ب 2 ح 2.
2- منهم الصدوق في الفقيه 1:6،حكاه عن مصباح المرتضى في المعتبر 1:47.
3- الكافي 3:5/3،التهذيب 1:116/42،الاستبصار 1:14/10،الوسائل 1:166 أبواب الماء المطلق ب 10 ح 6؛بتفاوت.
4- الوسائل 1:164 أبواب الماء المطلق ب 10.

المنقول (1).

و أسقط القمّيون النصف (2)؛للصحيح (3)و غيره (4).

و في الصحيح إنّه:«ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته» (5)و مال إليه بعض (6).

و الراوندي:ما بلغ مجموع أبعاده الثلاثة عشرة أشبار و نصفا (7)،و أوّل بما يرجع إلى الأول بحمله على ما إذا تساوت الأبعاد (8).

و السيّد ابن طاوس اكتفى بكل ما روي،جمعا و أخذا بالمتيقن (9)، و يرجع إلى الثاني فالزائد مندوب.

و الأول لو لم نقل بكونه الأقرب فلا ريب في كونه الأحوط في الأغلب.

و أما ماء البئر
اشارة

و في نجاسة ماء البئر و هي مجمع ماء نابع من الأرض لا يتعداها غالبا،و لا يخرج عن مسمّاها عرفا بالملاقاة للنجاسة من دون تغيير.

قولان مشهوران أظهرهما عند المصنّف تبعا للمشهور بين

ص:29


1- انظر الغنية(الجوامع الفقهيّة):551.
2- حكاه عنهم في المختلف:3.
3- إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام:قلت:و ما الكر؟قال:«ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار»راجع الكافي 3:7/3،التهذيب 1:115/42،الاستبصار 1:13/10،الوسائل 1:159 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 7.
4- كرواية الصدوق في المجالس،قال:«روي أن الكر هو ما يكون ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا»الوسائل 1:165 أبواب الماء المطلق ب 10 ح 2.
5- التهذيب 1:114/41،الاستبصار 1:12/10،المقنع:10،الوسائل 1:164 أبواب الماء المطلق ب 10 ح 1.
6- كالمحقق في المعتبر 1:46،و صاحب المدارك 1:51.
7- نقله عنه في المختلف:4.
8- كما في الحبل المتين:108.
9- نقله عنه في الذكرى:8.

القدماء،بل المجمع عليه بينهم،كما عن الانتصار و الغنية و السرائر (1)و المصريّات للمصنف،لكن في الأخيرين عدم الخلاف التنجيس.

لورود الأمر بالنزح في وقوع كثير من النجاسات فيها.

و هو فرع كونه للوجوب و ثبوت التلازم بينه و بين النجاسة.و هما هنا في محل المنع،مضافا إلى وروده فيما ليس بنجس إجماعا.

و للصحاح و غيرها،أقواها الصحيح:عن البئر يقع فيها الحمامة و الدجاجة و الفأرة و الكلب و الهرّة فقال:«يجزئك أن تنزح منها دلاء،فإن ذلك يطهّرها إنشاء اللّه» (2).

و يتلوه في القوة الآخر:عن البئر تكون في المنزل للوضوء فتقطر القطرات من بول أو دم،أو يسقط فيها شيء من عذرة كالبعرة و نحوها،ما الذي يطهّرها حتى يحلّ الوضوء منها؟فوقّع عليه السلام بخطّه في كتابي:«ينزح منها دلاء» (3).

و غيرهما ضعيف الدلالة جدّا.

و هما و إن قويت الدلالة فيهما إلاّ أنّ الاكتفاء بنزح الدلاء المطلق للمذكورات فيها مع اختلاف تقاديرها إجماعا يوهن التمسك بهما.

مع كون الثانية-مضافا إلى أنها مكاتبة-غير صريحة الدلالة،بل و لا ظاهرة،من حيث وقوع لفظ التطهير في كلام الراوي.و التقرير حجة مع عدم احتمال مانع من الردّ،و هو في المقام ثابت،لاحتمال كون الوجه فيه التقية،

ص:30


1- الانتصار:11،الغنية(الجوامع الفقهية):551،السرائر 1:69.
2- التهذيب 1:686/237،الاستبصار 1:101/37،الوسائل 1:182 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 2.
3- الكافي 3:1/5،التهذيب 1:705/244،الاستبصار 1:124/44،الوسائل 1:176 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 21.

بناء على كون النجاسة مذهبا لأكثر العامة (1)،و يشهد له كونها مكاتبة.

و مع ذلك فهما معارضتان بالأصل،و العمومات عموما في كل شيء، و خصوصا في الماء،و اختلاف الأخبار في مقادير نزح النجاسات جدا.

و عموم ما دلّ على عدم نجاسة الكرّ بالملاقاة منطوقا أو فحوى قطعيا، لكنه في الجملة.

و الصحاح المستفيضة و غيرها:

منها الصحيحان:«ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلاّ أن يتغيّر» (2).

و زيد في أحدهما:«ريحه أو طعمه،فينزح حتى يذهب الريح و يطيب الطعم،لأنّ له مادة» (3)و فيهما وجوه من الدلالة .

و منها الصحيح:عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة أو زنبيل من سرقين،أ يصلح الوضوء منها؟قال:«لا بأس» (4).

و منها الصحيح:«لا يغسل الثوب و لا تعاد الصلاة بما وقع في البئر،إلاّ أن ينتن،فإن أنتن غسل الثوب و أعاد الصلاة» (5).

و في معناه غيره من المعتبرة (6).

ص:31


1- كما حكاه ابن حزم عن أبي حنيفة في المحلى 1:143،و كذا عن أبي يوسف في 1:144، و نقل عن مالك 1:147؛و انظر المغني 1:66.
2- الكافي 3:2/5،التهذيب 1:1287/409،الوسائل 1:170 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 1.
3- الاستبصار 1:87/33،الوسائل 1:172 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 6.
4- التهذيب 1:709/246،الاستبصار 1:118/42،قرب الإسناد:84،الوسائل 1:172 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 8.
5- التهذيب 1:670/232،الاستبصار 1:80/30،الوسائل 1:173 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 10.
6- الوسائل 1:170 أبواب الماء المطلق ب 14.

و المناقشات فيما ذكر ضعيفة جدا لا يلتفت إليها.

فإذا الأظهر القول بالطهارة مطلقا،وفاقا لجماعة من القدماء (1)،و أكثر المتأخرين (2).

و في قول:التفصيل بين ما بلغ كرا فالثاني،و ما لم يبلغ فالأول؛للخبر:

«إذا كان ماء في الركيّ كرا لم ينجّسه شيء» (3)و في معناه الرضوي (4)،مضافا إلى عموم ما دلّ على اعتبار الكرية في عدم نجاسة الماء.

و هو ضعيف؛لقصور الجميع عن المقاومة لما تقدّم،مضافا إلى ضعف الأوّلين و عدم عموم في الثالث .

و على الثاني فهل النزح الوارد في الأخبار لمحض الملاقاة على الاستحباب أو الوجوب؟ الأقرب:الأول،وفاقا للأكثر؛و لما تقدّم من الاختلاف في مقادير النزح.

و نسب إلى التهذيب:الثاني (5)،و هو خيرة المنتهى (6).و هو ضعيف .

منزوحات البئر

و ينزح وجوبا أو استحبابا لموت البعير و هو من الإبل بمنزلة الإنسان يشمل الذكر و الأنثى و الصغير و الكبير و كذا للثور و قيل:هو

ص:32


1- منهم ابن أبي عقيل على ما نقله عنه في المختلف:4،و حكاه عن ابن الغضائري في المدارك 1:54،و الشيخ في التهذيب 1:232.
2- منهم العلامة في المختلف:4،و التحرير 1:4،و نهاية الأحكام 1:235،و فخر المحققين في الإيضاح 1:17،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:44،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:137،و صاحب المدارك 1:55.
3- الكافي 3:4/2،التهذيب 1:1282/408،الاستبصار 1:88/33،الوسائل 1:160 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 8.و الركيّة:البئر.و جمعها ركيّ و ركايا-الصحاح 6:2361.
4- فقه الرضا«عليه السلام»:91،المستدرك 1:201 أبواب الماء المطلق ب 13 ح 3.
5- التهذيب 1:232.
6- المنتهى 1:10.

الذكر من البقر (1)،و الأولى اعتبار إطلاق اسمه عرفا مع ذلك،فلا يلحق به الصغير منه للشك فيه و كذا لانصباب الخمر فيها ماؤها أجمع.

بلا خلاف في الأول و الثالث.

للصحيحين:«و إن مات فيها بعير أو صبّ فيها خمر فلينزح» (2).

لكن في أحدهما بدل«البعير»:«ثور» (3).

و الاستدلال به للأول على هذا بفحوى الخطاب،أو بوجود«أو نحوه» في بعض النسخ،و لا ريب في دخوله فيه.

و في رواية في الأول و في الحمار كرّ من ماء (4).

و هو مع شذوذه هنا ضعيف،و على الاستحباب فالعمل بها غير بعيد؛ للمسامحة و انجبارها في الجملة ،لكنه مع السابق مرتّب في الفضيلة.

و على الأشهر الأظهر في الثاني؛لأحد الصحيحين.

خلافا لمن شذّ،فكرّ من ماء (5).و هو ضعيف،لكن يأتي فيه ما تقدم.

و مقتضى الأصل في الجملة و اختصاص العبارة و الصحيحين و غيرهما بصورة الصب:عدم نزح الجميع لوقوع قطرة من الخمر بناء على عدم إطلاق الصبّ عليه،و هو حسن،اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص.

و الأشهر خلافه،و مستنده بالخصوص غير واضح،و مع ذلك لا بأس به،

ص:33


1- كما في القاموس المحيط 1:398،و مجمع البحرين 3:238.
2- الكافي 3:7/6،التهذيب 1:694/240،الاستبصار 1:92/34،الوسائل 1:180 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 6.
3- التهذيب 1:695/241،الاستبصار 1:93/34،الوسائل 1:179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 1.
4- التهذيب 1:679/235،الاستبصار 1:91/34،الوسائل 1:180 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 5.
5- حكاه عن ابن إدريس في جامع المقاصد 1:138-139.

للاحتياط بناء على المختار للتسامح في مثله.

و ربما قيل (1)في القطرة منها بعشرين دلوا،للخبر (2)و هو ضعيف.و في آخر مثله:ثلاثون (3).

و كذا قال الثلاثة الشيخان و المرتضى و غيرهم (4)،بل عليه الإجماع في الغنية و السرائر (5)في وقوع المسكرات المائعة بالأصالة.

و مستنده غير واضح،فيلحق بما لا نص فيه.

لكنه مع ذلك غير بعيد،أمّا على ما اخترناه فظاهر،و أمّا على غيره فلإطلاق لفظ الخمر عليها في الأخبار،كقوله صلى اللّه عليه و آله:«كل مسكر خمر» (6).

و قوله:«ما أسكر كثيره فالجرعة منه خمر» (7).

و قوله:«الخمر من خمسة:العصير من الكرم،و النقيع من الزبيب، و البتع من العسل،و المزر من الشعير،و النبيذ من التمر» (8).

و قول مولانا الكاظم عليه السلام:«ما فعل فعل الخمر فهو خمر» (9).

ص:34


1- كما في المقنع:11.
2- التهذيب 1:697/241،الاستبصار 1:96/35،الوسائل 1:179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 3.
3- التهذيب 1:298/241،الاستبصار 1:95/35،الوسائل 1:179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 2.
4- المفيد في المقنعة:67،الطوسي في النهاية:6،نقله عن المرتضى في المنتهى 1:12، ابن إدريس في السرائر 1:70،سلاّر في المراسم:35.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):552،السرائر 1:70.
6- الكافي 6:3/408،التهذيب 9:483/111،الوسائل 25:326 أبواب الأشربة المحرمة ب 15 ح 5.
7- أمالي الطوسي:388،الوسائل 25:340 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 12.
8- الكافي 6:1/392،التهذيب 9:442/101،الوسائل 25:279 أبواب الأشربة المحرمة ب 1 ح 1.
9- الكافي 6:1/412،الوسائل 25:343 أبواب الأشربة المحرمة ب 19 ح 2.

و قوله:«ما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر» (1).

و الاستعمال فيها إمّا على الحقيقة-كما نقل عن بعض أهل اللغة هنا (2)، و قال بها بعض أصحابنا مطلقا (3)-أو المجاز و الاستعارة،و مقتضاه الاشتراك في جميع وجوه الشبه مطلقا أو المتعارفة منها،و ما نحن فيه منها.

هذا مضافا إلى الإجماع المتقدّم نقله،و إن كان في التمسك بمثله في مثل المقام نوع كلام.

و لعلّه لما ذكر الحق الشيخ بها الفقاع بضم الفاء (4)،بل و غيره أيضا (5)،و في الكتابين المتقدمين الإجماع هنا أيضا؛لإطلاق الخمر عليه بالخصوص في كثير من الأخبار،و في بعضها:«إنه خمر مجهول» (6)أو:«خمر استصغرها الناس» (7)فتأمل.

و ألحقوا أيضا بها المنيّ ممّا له نفس سائلة و الدماء الثلاثة الحيض و النفاس و الاستحاضة.

و مستنده غير واضح سوى الإلحاق بغير المنصوص مع القول بنزح الجميع فيه،و لكن ذكرها بالخصوص من بين أفراده لم يظهر وجهه،نعم في

ص:35


1- الكافي 6:2/412،التهذيب 9:486/112،الوسائل 25:342 أبواب الأشربة المحرمة ب 19 ح 1.
2- انظر كشف اللثام 1:35،حاشية المدارك(المدارك الحجري):19.
3- كالسيد المرتضى في الذريعة 1:13.
4- كما في النهاية:6.
5- كابن البراج في المهذب 1:21،و الحلبي في الكافي في الفقه:130،و سلاّر في المراسم: 35.
6- الكافي 6:7/423،التهذيب 9:544/125،الاستبصار 4:373/96،الوسائل 25: 361 أبواب الأشربة المحرمة ب 27 ح 8.
7- الكافي 6:9/423،التهذيب 9:540/125،الاستبصار 4:369/95،الوسائل 25: 365 أبواب الأشربة المحرمة ب 28 ح 1.

الكتابين الإجماع عليه.

فإن غلب الماء و تعذّر نزح جميعه تراوح تفاعل من الراحة لأن كل اثنين يريحان صاحبيهما عليها قوم كما في موثقة عمّار (1)،أو أربعة رجال كما في الرضوي (2).

و عليه فلا يجزئ النساء و الصبيان،بل و على الأول أيضا بناء على المشهور من عدم صدقه عليهم،أو عدم تبادرهم منه،فيقتصر فيما خالف الأصل على المتيقن،و هو الأشهر.

و احتمل الاجتزاء بهنّ المصنف في المعتبر،و تبعه في المنتهى،بل و قطع به في التذكرة (3)،و هو ضعيف.

اثنان اثنان فلا يجزي الأنقص و إن نهض بعملهم،على الأشهر الأظهر،اقتصارا على مورد النص.

خلافا للمنتهى في الناهض بعملهم (4)،و هو ضعيف.

و إطلاق خبر عمّار يقتضي جواز الزيادة عليهم كما هو المشهور.لكن الرضوي خصّه بالأربعة،و لعلّه لبيان أقل ما يجب.و ربما علّل الجواز بفحوى الخطاب.و هو كما ترى.

يوما قصيرا كان أو طويلا،كاملا من طلوع الفجر الثاني إلى الليل على الأشهر،اقتصارا على المتيقن.و ربما قيل من طلوع الشمس.و هو محتمل،لكن الأول أحوط.

و على التقديرين فلا بدّ من إدخال جزء من الليل متأخرا،و جزء منه أو من

ص:36


1- التهذيب 1:832/284،الوسائل 1:196 أبواب الماء المطلق ب 23 ح 1.
2- فقه الرضا(عليه السلام):94،المستدرك 1:207 أبواب الماء المطلق ب 22 ح 4.
3- المعتبر 1:77،المنتهى 1:13،التذكرة 1:4.
4- المنتهى 1:13.

قبل طلوع الشمس فيه متقدما،من باب المقدّمة؛و تهيئة الأسباب قبل ذلك.

و لا يجزي مقدار اليوم من الليل،و لا الملفّق منهما.

و يجوز لهم الصلاة جماعة،لا جميعا بدونها كما قيل (1)،و لا الأكل كذلك؛لعدم المانع في الأول،و عدم صدق نزح اليوم في الثاني.و ربما قيل بجوازه أيضا؛لقضاء العرف بذلك (2)،فعدم الصدق ممنوع.و هو محتمل، لكن الأول أولى و أحوط.

و الحكم في أصله ممّا لا خلاف فيه،بل عن الغنية الإجماع عليه (3)، فينجبر به قصور سند الخبرين،و تهافت الأول مع غيره فيه أيضا (4)-لو كان- (5)لو قلنا (6)بالنجاسة بالملاقاة،و إلاّ فلا احتياج لنا إليه بناء على التسامح في أدلّة السنن.

و ينزح لموت الحمار و البغل فيها مقدار كرّ بلا خلاف في الأول؛للخبر:عمّا يقع في البئر-إلى أن قال-:حتى بلغت الحمار و الجمل فقال:«كرّ من ماء» (7).

و نقله في المعتبر بزيادة:«و البغل» (8)،و هو الموجود في بعض نسخ

ص:37


1- انظر المسالك 1:3.
2- كما في الذكرى:10،و جامع المقاصد 1:139،و المدارك 1:68.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):552.
4- وجه التهافت أنّ ظاهره يدل على وجوب النزح يومين،و نزح جميع الماء للأشياء المذكورة فيه، و لم يذهب إليهما أحد من الأصحاب.
5- التعبير به من أجل التأمل في قصور السند من حيث كونه موثقا،و التأمل في التهافت من جهة احتمال التأويل القريب في دفعه.منه رحمه اللّه.
6- في«ش»و«ل»:و قلنا.
7- التهذيب 1:679/235،الاستبصار 1:91/34،الوسائل 1:180 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 5.
8- المعتبر 1:57.

التهذيب،و لعلّه لهذا اشتهر الحكم به في الثاني أيضا.و عن الصدوق الاقتصار به في الأول (1).

و ضعف السند و الاشتمال على ما لا يقول به أحد غير قادح في التمسك به بعد اشتهار العمل بمضمونه،مضافا إلى دعوى الإجماع عليه في الغنية (2)، مع أنّ هذا الاعتذار على المختار غير محتاج إليه.

و كذا قال الثلاثة في موت الفرس المعبّر عنه بالدابة و البقرة (3)و اشتهر بعدهم هذا القول حتى ادعى الإجماع عليه في الأول في الغنية.

و مستندهم غير ظاهر و إن ادعي دلالة الخبر المتقدم عليه،و لكنه مشكل.فالوجه إلحاقه بغير المنصوص و إن كان-على المختار-متابعتهم لا بأس بها أيضا.

و ينزح لموت الإنسان فيها سبعون دلوا للإجماع-كما في الغنية و المنتهى و ظاهر المعتبر (4)-و الموثق،فيه:«ينزح منها سبعون دلوا» (5).

و لا فرق فيه بين ما إذا كان ذكرا أو أنثى،صغيرا أو كبيرا،مسلما أو كافرا إن لم نوجب الجميع لما لا نصّ فيه،و إلاّ اختص بالمسلم في قول قويّ.

خلافا للأشهر؛لإطلاق النص.و في شموله للكافر نوع نظر،و على تقديره فالحيثية معتبرة كاعتبارها في جميع موجبات النزح،فيكون الأمر بنزح السبعين

ص:38


1- كما في المقنع:10.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):552.
3- المفيد في المقنعة:66،الطوسي في النهاية:6،حكاه عن السيد المرتضى في المعتبر 1: 61.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):552،المنتهى 1:13،المعتبر 1:62.
5- التهذيب 1:678/234،الوسائل 1:194 أبواب الماء المطلق ب 21 ح 2.

مترتبا على موت الإنسان من حيث هو هو،كافرا كان أو مسلما،و هو حينئذ لا يقتضي الاكتفاء به مطلقا،و لذا لو استصحب المسلم منيا أو غيره ممّا يوجب نزح الجميع مثلا و مات فيه وجب نزح الجميع كما تقدّم،و ليس في النص دلالة على الاكتفاء بالسبعين حينئذ.

و ربما فصّل بين وقوعه فيها ميتا فالسبعين،أو حيا فمات فالجميع؛لعموم النص في الأول،و ثبوت نزح الجميع قبل الموت و هو لا يزيله في الثاني (1).

و مورد النص-كما ترى-هو الأخير،و هو ظاهر في ملاقاته له حيا، و تسليم العموم فيه للكافر يقتضي الاكتفاء بالعدد في الثاني أيضا.

و يلحق بموته فيها وقوعه فيها ميتا و لم يغسّل،و لم يقدّم الغسل إن وجب قتله فقتل لذلك و إن تيمم،أو كان شهيدا إن نجسناه.

و ينزح ل وقوع العذرة اليابسة و هي فضلة الإنسان،كما عن تهذيب اللغة (2)،و الغريبين و مهذّب الأسماء عشرة دلاء بلا خلاف،كما عن السرائر (3)،بل الإجماع كما عن الغنية (4).

و ليس في النص-كما سيأتي-اعتبار هذا القيد،بل المستفاد منه اعتبار عدم الذوبان،و هي حينئذ أعم من اليابسة و ما قابلها.

فإن ذابت كما عن الصدوق و السيّد (5)،أو كانت رطبة كما عن النهاية و المبسوط و المراسم و الوسيلة و الإصباح (6)فأربعون أو خمسون كما عن

ص:39


1- انظر جامع المقاصد 1:140،روض الجنان:149.
2- تهذيب اللغة 2:311.
3- السرائر 1:79.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):552.
5- الصدوق في المقنع:10،نقله عن السيد في المعتبر 1:65.
6- النهاية:7،المبسوط 1:12،المراسم:35،الوسيلة:75.

الصدوق؛لظاهر النص:عن العذرة تقع في البئر،قال:«ينزح منها عشرة دلاء،فإن ذابت فأربعون أو خمسون دلوا» (1).

و يتحتّم الأخير على المشهور؛لاستصحاب النجاسة،و احتمال كون الترديد من الراوي.

و الظاهر من الذوبان الميعان،و يكفي فيه ميعان البعض؛لعدم الفرق بين القليل و الكثير.

و ربما فسّر في المشهور بالتقطع؛و لعلّه لتبادره منه بالنسبة إليها.و لعلّه لهذا قيّدها المصنف و غيره في الأول باليابسة،بناء على أنّ الغالب في وقوع الرطبة تحققه،فتنزيل التفصيل في النص على الغالب يستلزم التقييد بها في الأول،فلو كان المراد منه الرطبة أيضا لما كان بينه(في الأغلب) (2)و بين الثاني فرق و قد فرّق،فتعيّن حمله على اليابسة لعدم غلبة التقطع فيه.

و منه يظهر الوجه في تبديل من تقدّم الذوبان في الرطوبة.فتأمل .

و في مقدار ما ينزح منها بوقوع الدم فيها أقوال :

أشهرها-بل عليه الإجماع في الغنية (3)،و عدم الخلاف إلاّ عن المفيد في السرائر (4)-خمسون للكثير بنفسه على الأشهر،أو بالنسبة إلى البئر على قول (5)،و عشرة للقليل كذلك.

و عنه في المقنعة عشرة في الكثير و خمس في القليل (6).

ص:40


1- التهذيب 1:702/244،الاستبصار 1:116/41،الوسائل 1:191 أبواب الماء المطلق ب 20 ح 1.
2- ليست في:«ش».
3- الغنية(الجوامع الفقهية):552.
4- السرائر 1:79.
5- حكاه عن الراوندي في التنقيح الرائع 1:51.
6- المقنعة:67.

و عن مصباح السيد انه ينزح له مطلقا ما بين دلو واحد إلى عشرين (1).

و عن المقنع في القطرات من الدم عشرة،و ربما ظهر منه عشرين في كلام منه فيه أيضا (2).

و مستندهم من النص غير واضح.

و المروي في الصحيح في دم ذبح الشاة الذي هو عندهم من الكثير أنه ينزح منها من ثلاثين دلوا إلى أربعين (3)و في الصحيح في القليل كدم ذبح دجاجة أو حمامة أو رعاف أنه ينزح منها دلاء يسيرة (4).

و حملها على خصوص العشرة محتاج إلى قرينة هي فيه مفقودة.

و جعل«يسيرة»قرينة عليها بناء على كونها جمع كثرة،فتقييدها بها لا بدّ فيه من فائدة،و هي التخصيص بالعشرة.

غفلة واضحة؛لاحتمال كون الفائدة فيها بيان الاكتفاء فيها بأقل أفرادها، و هو ما زاد عليها بواحدة.

و كيف كان،فالمشهور أحوط لو لم نقل بكونه في الكثير أولى.فتأمل .

و ينزح لموت الكلب و شبهه في الجثة أربعون في المشهور.

و ضعف مستندهم بعملهم مجبور،ففي الخبر الذي رواه المصنف عن

ص:41


1- نقله عنه العلامة في المختلف:6.
2- المقنع:10 و 11.
3- الكافي 3:8/6،الفقيه 1:29/15،التهذيب 1:1288/409،قرب الإسناد:/179 661 الوسائل 1:193 أبواب الماء المطلق ب 21 ح 1.
4- الكافي 3:8/6،التهذيب 1:709/246،الوسائل 1:193 أبواب الماء المطلق ب 21 ح 1.

كتاب الحسين بن سعيد في المعتبر:عن السنّور فقال:أربعون و للكلب و شبهه (1).

و في آخر (2):في السنّور و ما كان أكبر منه ثلاثين أو أربعين (3).

و قريب منه ما في آخر مع التصريح فيه بالكلب و شبهه،و زيد في الترديد عشرون (4).

و يحتمل كونهما مستندا لهم أيضا بناء على أصالة بقاء النجاسة، و احتمال كون الترديد فيه من الراوي.

و عن الهداية و المقنع الفتوى بأوّل الأخيرين (5)؛و لعلّه بناء منه على حمله الترديد على كونه من المعصوم.

و في الصحاح في الكلب الاكتفاء بنزح دلاء (6)،و في بعضها التصريح فيه و في السنّور بالخمس (7)،و عمل بها بعض المتأخرين (8).و هو حسن لو لا الشهرة الجابرة.

و كذا ينزح أربعون دلوا في بول الرجل للخبر (9)،و بالشهرة

ص:42


1- المعتبر 1:66،الوسائل 1:183 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 3.
2- في«ح»زيادة:موثق.
3- التهذيب 1:681/236،الاستبصار 1:98/36،الوسائل 1:183 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 4.
4- التهذيب 1:680/235،الاستبصار 1:97/36،الوسائل 1:183 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 3.
5- الهداية:14،المقنع:10.
6- التهذيب 1:682/236 و 685 و 686،الاستبصار 1:99/36 و 100 و 101،الوسائل 1: 182 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 2 و 5 و 6.
7- الكافي 3:3/5،التهذيب 1:684/237،الاستبصار 1:102/37،الوسائل 1:184 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 7.
8- كصاحب المدارك 1:81.
9- التهذيب 1:700/243،الاستبصار 1:90/34،الوسائل 1:181 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 2.

ضعفه قد انجبر،مضافا إلى دعوى إجماع الإمامية على العمل برواية راويه مطلقا،مضافا إلى دعوى عدم الخلاف بل و الإجماع في الغنية على الخصوص (1).

و في بعض الأخبار الاكتفاء بثلاثين في القطرة منه مطلقا (2)،و عمل به في المنتهى (3).

و هو ضعيف بضعف راويه مع هجر الأصحاب له هنا.

و في بعض الصحاح نزح الجميع لصب البول مطلقا أو بول الصبي (4).

و هو شاذ كسابقه.

و لا يلحق به بول المرأة في المشهور.خلافا لجماعة،فألحقوه ببول الرجل (5)،و ادعى بعضهم تواتر الأخبار عنهم عليهم السلام بالأربعين لبول الإنسان (6)،بل ادعى ابن زهرة الإجماع عليه (7).

و ألحق الشيخان و غيرهما ب موت الكلب موت الثعلب و الأرنب و الشاة.

ففي المقنعة:إذا ماتت فيها شاة أو كلب أو خنزير أو سنور أو غزال أو

ص:43


1- الغنية(الجوامع الفقهية):552.
2- التهذيب 1:698/241،الاستبصار 1:95/35،الوسائل 1:181 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 5.
3- المنتهى 1:15.
4- التهذيب 1:696/241،الاستبصار 1:94/35،الوسائل 1:182 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 7.
5- منهم القاضي في المهذب 1:22،علاء الدين الحلبي في إشارة السبق:81،العلامة في التحرير 1:5.
6- كابن إدريس في السرائر 1:78.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):552.

ثعلب و شبهه في قدر جسمه (1).

و نحوه في النهاية و المبسوط و المراسم (2)،و كذا الوسيلة و المهذّب (3)و الإصباح بزيادة النص على الأرنب،و نحوها السرائر بزيادة النص على ابن آوى و ابن عرس (4)،و اقتصر ابن السعيد على الشاة و شبهها (5).

و لعلّ مستندهم دخولها في«شبهه»كما صرّح به الشيخ.

و في نسبة الإلحاق إليهما نوع تأمل له فيه،و لعلّه بناء على تأمله في دخولها في«شبهه»و لذا أفرد السنّور بالذكر.

مع ذلك المروي في الشاة تسع أو عشر كما في خبر إسحاق (6)و سبع كما في خبر عمرو بن سعيد (7).

و ينزح للسنّور بموته فيها أربعون دلوا؛لما تقدم (8)و في رواية عمرو بن سعيد بن هلال:عمّا يقع في البئر ما بين الفأرة و السنور إلى الشاة،فقال:«كلّ ذلك سبع دلاء».

و به فيه أفتى الصدوق في الفقيه (9).و الأول أولى و أحوط.

ص:44


1- المقنعة:66.
2- النهاية:6،المبسوط 1:11،المراسم:35.
3- الوسيلة:75،المهذب 1:22.
4- السرائر 1:76.
5- الجامع للشرائع:19.
6- التهذيب 1:683/237،الاستبصار 1:105/38،الوسائل 1:186 أبواب الماء المطلق ب 18 ح 3.
7- التهذيب 1:679/235،الاستبصار 1:91/34،الوسائل 1:180 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 5.
8- في ص:42.
9- الفقيه 1:12.

و ينزح سبع لموت الطير المفسّر بالحمامة و النعامة و ما بينهما كما في السرائر و غيره (1)،و بالدجاجة و الحمامة إمّا خاصة كما عن الصدوق (2)، أو بزيادة:«ما أشبههما»كما عن الشيخين و غيرهما (3).

للإجماع في الغنية،و المعتبرة المستفيضة،منها الرضوي (4)،لكن فيه اعتبار عدم التفسخ و معه فعشرون.

و في الصحيح:«في الفأرة و السنّور و الدجاجة و الطير و الكلب:ما لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء يكفيك خمس دلاء» (5).

و لم يستبعد المصنف في غير الكتاب العمل به (6).

و في رواية:«في الدجاجة و مثلها تموت في البئر ينزح منها دلوان أو ثلاث» (7).

و جمع بينهما في الاستبصار و بين ما دلّ على السبع تارة بالتفسخ و عدمه، و اخرى بالجواز و الفضل (8).

و كذا لاغتسال الجنب فيها مطلقا،كما في كتب المصنف (9)

ص:45


1- السرائر 1:77؛و انظر نهاية الأحكام 1:259،و تحرير الأحكام:5.
2- المقنع:10.
3- المفيد في المقنعة:66،و الطوسي في المبسوط 1:11،و النهاية:7،و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):552.
4- فقه الرضا«عليه السلام»:92،المستدرك 1:204 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 2.
5- المتقدم في ص:42.
6- انظر المعتبر 1:70.
7- المتقدمة في ص:44.
8- الاستبصار 1:44.
9- المعتبر 1:70،الشرائع 1:14.

و جماعة (1)؛للخبر (2).

أو ارتماسه،كما عن كتب الشيخين و سلاّر و بني حمزة و إدريس و برّاج و سعيد و غيرهم (3).أو مباشرته مطلقا،كما عن المفيد (4).

لظاهر إطلاق الصحاح المعلّق هذا الحكم فيها على الوقوع كما في بعضها،أو النزول كما في آخر،أو الدخول كما في غيرهما (5).

و توهّم حملها على الخبر المتقدم مدفوع بعدم التكافؤ أوّلا،و عدم التنافي ثانيا .اللهم إلاّ أن يدّعى تبادر الاغتسال منها.

و على أيّ حال فليس في شيء من هذه الأخبار دلالة على اعتبار الارتماس خاصة،و ليس في دعوى الحلّي الإجماع على ثبوت الحكم في المرتمس منافاة للصحاح المعتضدة بغيرها و الاحتياط.

ثمَّ إنّ رعاية الحيثية تقتضي اشتراط خلو بدنه من النجاسة مطلقا،كما هو ظاهر الأكثر.

خلافا للمنتهى فأطلق (6)؛لإطلاق الأخبار،مع ظهورها بالغلبة في مستصحب النجاسة،مع عدم الدليل على وجوب نزح الجميع لنجاسة المني.

و هو حسن فيه-دون غيرها من النجاسات-لو لا الإجماع المدّعى فيه كما تقدم (7)،و هو أرجح من الأخبار هنا بالنصية و الشهرة في الطائفة.

ص:46


1- منهم العلامة في التذكرة 1:4،و المنتهى 1:15،و الشهيد في الذكرى:11.
2- التهذيب 1:702/244،الوسائل 1:195 أبواب الماء المطلق ب 22 ح 4.
3- المفيد في المقنعة:67،و الطوسي في المبسوط 1:12،و سلاّر في المراسم:36،و ابن حمزة في الوسيلة:75،و ابن إدريس في السرائر 1:79،و ابن البراج في المهذب 1:22، و ابن سعيد في الجامع:19.
4- المقنعة:67.
5- انظر الوسائل 1:179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 1 و 6،و ص 195 ب 22 ح 3.
6- المنتهى 1:15.
7- في ص:36.

و كذا لوقوع الكلب لو خرج حيا على الأشهر الأظهر؛ للصحيح (1).

خلافا للحلّي،فأربعون (2)؛إلحاقا له بغير المنصوص،بناء على عدم عمله به بناء على أصله.و هو و إن اقتضى نزح الجميع إلاّ أنّ ما دل على الأربعين في موته يدل على ثبوته هنا بطريق أولى.و هو ضعيف.

و كذا ينزح للفأرة إن تفسّحت كما في الخبر (3)،أو تسلّخت كما في آخر (4)سبع كما فيهما،بلا خلاف في الظاهر.

و ما يوجد في بعض نسخ الكتاب و كلام جماعة من الأصحاب (5)من إلحاق الانتفاخ بالتفسخ،لا دليل عليه سوى الإجماع في الغنية (6)،المؤيد بكلام الجماعة.و لعلّه لعدم ثبوته في مثل المقام اقتصر على ما في الكتاب طائفة.

و دعوى الحلّي كونه أول درجة الملحق به (7)غير مسموعة،سيّما في مقابلة العرف و اللغة،و قد حكم المصنف بعد نقله بغلطه (8).

ص:47


1- التهذيب 1:687/237،الاستبصار 1:103/38،الوسائل 1:182 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 1.
2- السرائر 1:76.
3- التهذيب 1:673/233،الاستبصار 1:83/31،الوسائل 1:174 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 13.
4- التهذيب 1:691/239،الاستبصار 1:110/39،الوسائل 1:187 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 1.
5- كالمفيد في المقنعة:66،و الحلبي في الكافي:130،و سلاّر في المراسم:36،و ابن حمزة في الوسيلة:75،و ابن سعيد في الجامع:19.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):552.
7- السرائر 1:77.
8- المعتبر 1:71.

و إلاّ أي و إن لم تتفسخ فثلاثة على الأشهر الأظهر (1)؛ للصحيحين المطلقين (2)،بحملهما على الخبرين المتقدمين.

خلافا للمرتضى في الظاهر،فسبع (3)؛لآخرين (4).و قد حملا على الخبرين المتقدمين كالصحيحين.

و في الصحيح:«ما لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء» (5).

و قيل:دلو و القائل الصدوق في المقنع (6).و لم نقف على دليله.

و في بعض الأخبار نزحها كلها بوقوعها فيها مطلقا (7).و هو مع الشذوذ مؤوّل بما يؤول إلى الأوّل .

و في آخر مع عدم النتن أربعون (8).و حمل على الاستحباب.

ص:48


1- لفظة«الأظهر»ليست في«ل».
2- الأول:التهذيب 1:688/238،الاستبصار 1:106/39،الوسائل 1:187 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 2. الثاني:التهذيب 1:689/238،الاستبصار 1:107/39،الوسائل 1:187 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 2.
3- نقله عنه العلامة في المختلف:7.
4- الأول:التهذيب 1:674/233،الاستبصار 1:107/31،الوسائل 1:173 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 12. الثاني:التهذيب 1:680/235،الاستبصار 1:97/36،الوسائل 1:183 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 3.
5- تقدّم مصدره في ص 42 الرقم 7.
6- المقنع:10.
7- التهذيب 1:699/242،الاستبصار 1:104/38،الوسائل 1:184 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 8.
8- التهذيب 1:692/239،الاستبصار 1:111/40،الوسائل 1:188 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 4.

و مثلهما ما دلّ على العشرين في المتقطّع منها،كما في الرضوي (1)، و مسائل علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام (2).

و ينزح لبول الصبي المفسّر:بآكل الطعام مطلقا (3)،كما عن الأكثر،و منهم المصنف هنا و إن قابله بالرضيع بناء على تفسيره في شرحه بمن لم يأكل الطعام (4).

أو بالذي لم يغتذ باللبن،أو اغتذى به مع غلبة غيره عليه،كما عن الذكرى بناء على مقابلته للرضيع فيها مع تفسيره له بضد ما هنا (5).

أو بالذي لم يكن في الحولين مطلقا،كما عن الحلّي بناء على تفسيره الرضيع المقابل له بمن هو في سنّ الرضاعة الشرعي (6)،و أنكره الفاضلان (7).

و في الرضوي:«و إن بال الصبي و قد أكل الطعام استقي منها ثلاثة [دلاء]و إن كان رضيعا استقي منها دلو واحد» (8).

و فيه إشعار بما ذكره بناء على حمل الرضيع فيه على الشرعي فتأمل .

سبع على الأظهر الأشهر،بل عن السرائر و الغنية الإجماع عليه (9)،

ص:49


1- فقه الرضا(عليه السلام):92،المستدرك 1:204 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 2.
2- مسائل علي بن جعفر:422/198،الوسائل 1:190 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 14.
3- أي رضيعا كان أو غيره،فطيما كان أو غيره.منه رحمه اللّه.
4- المعتبر 1:72.
5- الذكرى:11.
6- السرائر 1:78.
7- المحقق في المعتبر 1:72،و العلامة في المختلف:8.
8- فقه الرضا«عليه السلام»:94،المستدرك 1:203 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 2،بدل ما بين المعقوفين في النسخ:أدلو.
9- السرائر 1:78،الغنية(الجوامع الفقهية):552.

و عليه حمل إطلاق الخبر:«ينزح منها سبع دلاء إذا بال فيها الصبي» (1).

و بظاهره[عمل] (2)سلاّر فأطلق السبع في بوله (3).

و هو ضعيف بقصور سنده بالإرسال و غيره،و لا جابر له على إطلاقه.

و في رواية رضوية مضى ذكرها ثلاث و بها أخذ الصدوق و المرتضى (4).

و هي ضعيفة عن مقاومة الشهرة مع الإجماع المتقدم.

و عن ابن حمزة وجوب السبع في بوله مطلقا،ثمَّ وجوب الثلاثة فيه إذا أكل ثلاثة أيام،ثمَّ الواحد فيه إذا لم يطعم (5).و مستنده غير واضح.

و ما في الصحيح من نزح الجميع لبول الصبي (6)،لشذوذه مطروح أو مؤوّل .

و لو كان الصبي رضيعا فدلو واحد على الأشهر الأظهر؛للرضوية المتقدمة و إن اشتملت على ما لم نذهب إليه،لكونها حينئذ كالعام المخصّص.

و ربما استدل له بالخبر:عن بول الفطيم يقع في البئر،فقال:«دلو واحد» (7).

ص:50


1- التهذيب 1:701/243،الاستبصار 1:89/33،الوسائل 1:181 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 1.
2- في النسخ:حمل.
3- المراسم:36.
4- الصدوق في المقنع:10،نقله عن المرتضى في المختلف:7.
5- الوسيلة:75.
6- التهذيب 1:696/241،الاستبصار 1:94/35،الوسائل 1:182 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 7.
7- التهذيب 1:700/243،الاستبصار 1:90/34،الوسائل 1:181 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 2.

و هو مع ضعفه غير دال.و اعتبار دلالته بمفهومه فرع العمل بمنطوقه.

و حمل الفطيم على المشارف عليه فرع وجود القرينة المومية إليه،مع كونه حينئذ أخص من المدعى.

خلافا للحلبيين،فأوجبا الثلاث له (1)،مدعيا عليه أحدهما الإجماع، لكنّه عبّر بالطفل الشامل للأنثى.

و مستندهما من النص غير واضح.و ربما يحتج لهما بما في الصحيح الموجب نزح دلاء لقطرات البول (2).و هو كما ترى.

و كذا ينزح دلو واحد في موت العصفور بضم عينه،على الأشهر الأظهر؛للموثق:«و أقلّه العصفور ينزح منها دلو واحد» (3).

خلافا لظاهر المنقول عن الصدوقين،فخصّاه بالصعوة (4)-المفسّرة في القاموس بالعصفور الصغير (5)-للرضوي (6).

و الأول أولى؛للشهرة،و دعوى الإجماع عليه في الغنية (7)،فانجبر بهما ضعف (8)الخبر و يترجح،مضافا إلى حجيته (9)في نفسه على الأصح.

و به يخص ما في الصحيح من نزح دلاء لموت شيء صغير فيها (10)،و إن

ص:51


1- أبو الصلاح في الكافي:130،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):552.
2- الكافي 3:1/5،التهذيب 1:705/244،الاستبصار 1:124/44،الوسائل 1:182 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 6.
3- التهذيب 1:678/234،الوسائل 1:194 أبواب الماء المطلق ب 21 ح 2.
4- حكاه عن والد الصدوق في معالم الفقه:79،و الصدوق في المقنع:10.
5- القاموس المحيط 4:354.
6- فقه الرضا«عليه السلام»:93 و 94،المستدرك 1:204 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 3.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):552.
8- ليست في:«ح»و«ل».
9- في«ش»و«ل»:حجية الأخير.
10- الكافي 3:7/6،التهذيب 1:694/240،الاستبصار 1:92/34،الوسائل 1:180 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 6.

نفي البعد عن العمل به بعض المتأخرين (1)؛و كذا ما في بعض الأخبار من الأمر بنزح سبع أو خمس في مطلق الطير (2).و لو احتيط بهما بل و بالأوّل كان أولى.

و كذا الحكم في شبهه في المشهور.و مستندهم غير واضح، اللهم إلاّ أن يدّعى استفادته من الخبر المتقدم بنوع من الاعتبار .

و فسّر العصفور بما دون الحمامة؛و شبهه بمضاهيه في الجسم و المقدار.

و لا يخفي ما بينهما من التنافي .

و الحكم معلّق عليه في المشهور بقول مطلق.

خلافا للراوندي،فخصّه بمأكول اللحم (3)،احترازا عن الخفّاش.

و لا دليل عليه سوى توهّم كونه مسخا،و نجاسته مطلقا.

و هما في محلّ المنع،مع كونه أخص من المدّعى.

و لو غيّرت النجاسة ماءها فعلى المختار من عدم انفعالها بالملاقاة يكفي زوال التغير بالنزح مطلقا؛للمستفيضة،منها الصحيح المتقدم في أول بحث البئر المعلّل (4).

و منها:الصحيح الآخر:«فإن تغيّر الماء فخذ منه حتى يذهب الريح» (5).

و ينبغي حمل غيرها-كالصحيح«فإن أنتن غسل الثوب و أعاد الصلاة

ص:52


1- كصاحب معالم الفقه:79.
2- التهذيب 1:233 و 675/235 و 680،الاستبصار 1:36 و 97/37 و 102،الوسائل 1: 186 أبواب الماء المطلق ب 18 ح 5 و 8.
3- نقله عنه في المنتهى 1:16.
4- في ص:30.
5- التهذيب 1:675/233،الاستبصار 1:102/37،الوسائل 1:184 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 7.

و نزحت البئر» (1)و غيره-عليها؛لضعف دلالته،و عدم تكافئه لها من حيث العدد و السند.

و على غيره ففي الاكتفاء بذلك مطلقا،كما عن المفيد و جماعة (2).

أو وجوب نزح الجميع مع الإمكان و مع عدمه فالتراوح مطلقا،كما عن الصدوقين و المرتضى و سلاّر (3).

أو الاكتفاء بما يزول به التغير مع تعذر نزح الكل كذلك،كما عن الشيخ (4).

أو وجوب نزح الأكثر ممّا يحصل به زوال التغير و استيفاء المقدّر،كما عن ابن زهرة و الذكرى (5).

أو وجوب ذلك مع ورود التقدير في النجاسة و إلاّ فالجميع فإن تعذّر فالتراوح،كما عن الحلّي و المحقّق الشيخ علي و الشهيد الثاني في شرح الإرشاد (6).

أو وجوب نزح الكل فإن غلب فأكثر الأمرين ممّا يزول به التغيّر و المقدّر، كما عن الدروس و المصنف في المعتبر على احتمال ظاهر من كلامه (7).

ص:53


1- التهذيب 1:670/232،الاستبصار 1:80/30،الوسائل 1:173 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 10.
2- المفيد في المقنعة:66،و ابن البراج في المهذب 1:22،و الشهيد في البيان:101، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:137.
3- نقله عن والد الصدوق في المختلف:5،الصدوق في الفقيه 1:13،نقله عن المرتضى في معالم الفقه:87،سلار في المراسم:35.
4- المبسوط 1:11.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):552،الذكرى:10.
6- الحلي في السرائر 1:72،و المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد 1:137،و الشهيد الثاني في روض الجنان:143.
7- الدروس 1:121،المعتبر 1:76.

أو وجوب أن ينزح كلّه مع الإمكان و لو غلب الماء فالأولى أن ينزح حتى يزول التغير،و يستوفي المقدّر بعده إن كان هناك تقدير،كما هو مختار المصنف و غيره على ما نقل (1).

أو وجوب نزح أكثر الأمرين ممّا يزول معه التغير و يستوفي به المقدّر إن كان تقدير و إلاّ اكتفي بزواله،كما اختاره بعض المتأخرين و تبعه عليه جماعة (2).

أقوال،مستنده إلى اختلاف الأنظار في الجمع بين الأخبار في المضمار،و لا نصّ فيه بالخصوص إلاّ ما قدمناه.و العمل بظاهرها حينئذ أيضا غير بعيد،و إن كان الأخير أجود؛لفحوى ما دلّ على المقدّر في الشق الأول، فيخصّ به عموم ما دلّ على الاكتفاء بما يزول به التغير،و عمومه من دون مزاحم في الثاني .

و لكن العمل بالثاني أحوط؛للرضوي:«و إن تغيّر الماء وجب أن ينزح الماء كلّه،فإن كان كثيرا و صعب نزحه وجب أن يكتري أربعة رجال يستقون منها على التراوح من الغدوة إلى الليل» (3).و هو في حكم القوي،و لكنه لا يعارض ما قدّمناه من الأخبار.

و في طهرها بزوال التغيّر بنفسه أم لا، وجهان،أقربهما الثاني.

و عليه ففي وجوب نزح الجميع حينئذ،أو الاكتفاء بما يزول معه التغير لو كان،قولان،أقربهما الثاني إذا حصل العلم بذلك،و مع عدمه فالأول،وفاقا للشهيدين و غيرهما (4)؛لفحوى ما دلّ على الاكتفاء به مع وجوده فمع عدمه

ص:54


1- كالمحقق الآبي في كشف الرموز 1:57.
2- كصاحب معالم الفقه:88،و السبزواري في الذخيرة:126.
3- فقه الرضا«عليه السلام»:94،المستدرك 1:207 أبواب الماء المطلق ب 22 ح 4.
4- الشهيد الأول في البيان:101،و الشهيد الثاني في روض الجنان:143؛و انظر معالم الفقه: 92.

بطريق أولى.

خلافا لآخرين؛للأصل،و تعذّر ضابط تطهيره فيتوقف الحكم بطهارته على نزح الجميع.

و فرض حصول العلم كما هو المتحقق في أكثر الأوقات يدفعه،و هو مسلّم في غيره.

و لا ينجس (1)البئر بالبالوعة التي ترمي بها المياه النجسة مطلقا و إن تقاربتا بلا خلاف؛للأصل،و للخبرين المنجبرين،ففي أحدهما:في البئر يكون بينها و بين الكنيف خمسة[أذرع]و أقل و أكثر،يتوضأ منها؟قال:

«ليس يكره من قرب و لا بعد،يتوضأ منها و يغتسل ما لم يتغير الماء» (2).

ما لم تتصل نجاستها بها.

و معه فينجس مطلقا على الأشهر،أو مع التغير على الأظهر.

و في اعتبار العلم أو الاكتفاء بالظن في حصول الأمرين قولان،أقواهما الأول،و أحوطهما الثاني.و على ذلك ينزّل ما في الحسن المضمر من تنجّسها بقرب البالوعة إليها بأقل من ثلاثة أذرع أو أربعة (3).

لكن يستحب تباعدهما قدر خمسة أذرع إن كانت الأرض صلبة مطلقا أو كانت رخوة مع كون البئر فوقها قرارا.

و إلا بأن تكون الأرض رخوة و قرارهما متساويا أو قرار البالوعة أعلى

ص:55


1- في«ش»زيادة:ماء.
2- الكافي 3:4/8،الفقيه 1:23/13(و فيه ذيل الحديث)،التهذيب 1:1294/411، الاستبصار 1:129/46،الوسائل 1:200 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 7.و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
3- الكافي 3:2/7،التهذيب 1:1293/410،الاستبصار 1:128/46،الوسائل 1:197 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 1.

فسبع أذرع على الأشهر؛جمعا بين الخبرين المطلقين في كلا الأمرين (1).

و في رواية:«إن كان الكنيف فوق النظيفة-أي كان في جهة الشمال منها- فلا أقلّ من اثني عشر ذراعا،و إن كان تجاها بحذاء القبلة و هما مستويان في مهبّ الشمال فسبعة أذرع» (2).

و بها أفتى الإسكافي (3)،إلاّ أنّ في تطبيق مذهبه المنقول عنه عليها نوع غموض و إن استدل بها عليه.

و في رواية في قرب الإسناد:«إن كان بينهما عشرة أذرع و كانت البئر التي يستقون منها ممّا يلي الوادي فلا بأس» (4).

و اختلاف التقادير في هذه الأخبار قرينة الاستحباب،مضافا إلى الأصل،و ضعف الأسانيد،و الاتفاق المنقول،و خصوص ما تقدّم من قوله:

«ليس يكره من قرب و لا بعد».و الثاني غير مانع من الفتوى به على ما تقرّر من جواز المسامحة في أدلة السنن.و لا ينافيه نفي الكراهة في الأخير عن صورة انتفى فيها التقادير إلاّ على القول بأن ترك المستحب مكروه،و هو خلاف التحقيق.

ص:56


1- الأول:الكافي 3:3/8،التهذيب 1:1291/410،الاستبصار 1:127/45،الوسائل 1:198 أبواب الماء المطلق ب 24 ح. الثاني:الكافي 3:1/7،التهذيب 1:1290/410،الاستبصار 1:126/45،الوسائل 1:199 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 3.
2- التهذيب 1:1292/410،الوسائل 1:200 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 6.
3- نقله عنه في المختلف:15،و فيه:قال ابن الجنيد:إن كانت الأرض رخوة و البئر تحت البالوعة فليكن بينهما اثنا عشر ذراعا،و إن كانت صلبة أو كانت البئر فوق البالوعة فليكن بينهما سبعة أذرع.
4- قرب الإسناد:103/32،الوسائل 1:200 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 8.
الثاني في الماء المضاف
اشارة

و أما المضاف فهو ما أي الشيء الذي لا يتناوله الاسم أي اسم الماء بإطلاقه مع صدقه عليه و لكن يصح سلبه عنه عرفا كالمعتصر من الأجسام،و المصعد،و الممزوج بما يسلبه الإطلاق دون الممتزج على وجه لا يسلبه الاسم و إن تغيّر لونه كالممتزج بالتراب،أو طعمه كالممتزج بالملح،و إن أضيف إليهما.

كله طاهر لكن لا يرفع حدثا و لا يزيل خبثا و ينجس بالملاقاة

و كله طاهر في نفسه مع طهارة أصله.

لكن لا يرفع حدثا مطلقا و لو اضطرارا،بلا خلاف كما عن المبسوط و السرائر (1)،بل إجماعا كما في الشرائع و الاستبصار و التهذيب و عن التذكرة و نهاية الأحكام و الغنية و التحرير (2).

للأصل،و قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [1] (3)و قولهم في المعتبرة:«إنّما هو الماء و الصعيد» (4)و:«إنما هو الماء أو التيمم» (5).

و التقريب:أنّ اللفظ إنّما يحمل على حقيقته،و لو كان الوضوء جائزا بغيره لم يجب التيمم عند فقده و لم تنحصر الطهارة فيه عنده.

خلافا للصدوق في الفقيه و الأمالي و الهداية (6)،فجوز الطهارة عن

ص:57


1- المبسوط 1:5،السرائر 1:59.
2- الشرائع 1:15،الاستبصار 1:14،التهذيب 1:219،التذكرة 1:5،نهاية الأحكام 1: 236،الغنية(الجوامع الفقهية):552،تحرير الأحكام 1:5.
3- المائدة:6.
4- التهذيب 1:540/188،الاستبصار 1:534/155،الوسائل 1:201 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 1.
5- التهذيب 1:628/219،الاستبصار 1:28/15،الوسائل 1:201 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 1.
6- الفقيه 1:6،أمالي الصدوق:514،الهداية:13.

الحدث بماء الورد مطلقا (1)؛لرواية شاذة (2)متروكة بالإجماع،و مع ذلك سندها -لاشتماله على سهل و محمّد بن عيسى عن يونس-غير مكافئ لأسانيد معتبرة، من حيث اعتضاد تلك بالشهرة(العظيمة) (3)و ما تقدّم من الأدلّة.

هذا على تقدير عدم القدح فيه بهما،و إلاّ-كما هو المشهور في الأول ، و قول جماعة و منهم الصدوق بل هو الأصل فيه باعتبار متابعة شيخه (4)،في الثاني-فهي ساقطة بالكلّية.

و لابن أبي عقيل،فجوز التطهير به اضطرارا (5).

و لم نقف على مستنده،و لعلّه الجمع بين المعتبرة و الرواية.و هو ضعيف، مع أنه خال عن الشاهد.

و في طهارة محل الخبث به قولان أصحّهما و أشهرهما المنع مطلقا؛لأصالة بقاء النجاسة،و اشتغال الذمة بالمشروط بإزالته فيه،و الأوامر الواردة بغسل الثوب و البدن و الظروف و غيرها بالماء،فلا تجوز المخالفة،و تدل على التقييد من هذه الجهة،فتقيد به الأخبار المطلقة مع التأمل في شمولها لمثل المقام.

و يظهر التقييد من غير هذه الجهة من بعض المعتبرة،كقوله:«و لا يجزي في البول غير الماء» (6)و قوله:«كيف يطهّر من غير

ص:58


1- أي:وضوءا كان أم غسلا،اختياريا أم اضطراريا.منه رحمه اللّه.
2- الكافي 3:12/73،التهذيب 1:627/218،الاستبصار 1:27/14،الوسائل 1:204 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 1.
3- ليست في:«ل»و«ح».
4- قال النجاشي في رجاله:333.و ذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أنه قال:ما تفرد به محمد بن عيسى من كتب يونس و حديثه لا يعتمد عليه.
5- نقله عنه في المختلف:10.
6- التهذيب 1:147/50،الاستبصار 1:166/57،الوسائل 1:348 أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 2؛بتفاوت يسير.

ماء؟!» (1)و في الصحيح:عن رجل أجنب في ثوب و ليس معه غيره،قال:

«يصلّي فيه إلى حين وجدان الماء» (2).

خلافا للمرتضى و المفيد (3)،فجوّزاه كذلك؛للإجماع.و إطلاق الأمر بالتطهير أو الغسل في الآية (4)و النصوص مع شمولهما للإزالة بكل مائع.و أصالة عدم الاختصاص و عدم المانع شرعا من استعمال غيره في الإزالة.و تبعية النجاسة للعين فإذا زالت زالت.

و قول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في خبر غياث بن إبراهيم:

«لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق» (5)و عمل به ابن الجنيد.

و حسن حكم بن حكيم الصيرفي،قال لمولانا الصادق عليه السلام:أبول فلا أصيب الماء،و قد أصاب يدي شيء من البول،فأمسحه بالحائط و التراب،ثمَّ تعرق يدي فأمسّ وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي،قال:«لا بأس به» (6).

و الإجماع ممنوع في مثل المقام؛لمخالفة الأعلام.

و الإطلاق؛مع المنع لشموله للمقام للانصراف إلى المتعارف و عدم قدح إلحاق غيره بالإجماع به ؛مقيّد بما قدمناه.

ص:59


1- التهذيب 1:805/273،الاستبصار 1:678/193،و فيها:تطهر،الوسائل 3:453 أبواب النجاسات ب 29 ح 7.
2- الفقيه 1:155/40،التهذيب 1:799/271،الاستبصار 1:655/187،الوسائل 3: 447 أبواب النجاسات ب 27 ح 11؛بتفاوت يسير.
3- حكاه عنهما في المعتبر 1:82.
4- المائدة:6.
5- التهذيب 1:1350/452،الوسائل 1:205 أبواب الماء المضاف ب 4 ح 2.
6- الكافي 3:4/55،الفقيه 1:158/40،التهذيب 1:720/250،الوسائل 3:401 أبواب النجاسات ب 6 ح 1.

و الأصل معارض بما قدّمناه من الأصول،و هي مقدّمة عليه.

و دعوى التبعية مصادرة محضة .

و الخبر مع ضعفه و عدم صراحته لا يقاوم ما قدّمناه،و هو مع ذلك من طريق الآحاد و السيّد لا يعمل به.

و به يجاب عن الحسن،مع معارضته بما تقدّم من أنه لا يجزي في البول غير الماء،مع عدم وضوح الدلالة، لاحتمال رجوع نفي البأس إلى نجاسة المماس لا إلى طهارة الماسّ بذلك،و ذلك بناء على عدم العلم بملاقاة المحل النجس له و إن حصل الظن به بناء على عدم اعتباره في أمثاله.و في الموثق:

«إذا بلت و تمسحت فامسح ذكرك بريقك،فإن وجدت شيئا فقل هذا من ذاك» (1)فتأمل.

و المنقول عن المرتضى في الخلاف و المعتبر و غيرهما (2)جواز الإزالة بالمائعات مطلقا؛و مقتضى بعض أدلته ذلك،مع التعميم في الجامدات أيضا.

و عن ابن أبي عقيل جوازه بالمضاف اضطرارا لا مطلقا (3).و هو كسابقه لا دليل عليه.

و ينجس المضاف بالملاقاة للنجاسة مطلقا و إن كان كثيرا إجماعا كما في المعتبر و المنتهى و التذكرة و عن الشهيدين (4)؛و لا دليل يعتدّ به

ص:60


1- الكافي 3:4/20،الفقيه 1:160/41،التهذيب 1:1050/353،الوسائل 1:284 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 7.
2- الخلاف 1:59،المعتبر 1:82،السرائر 1:59،و هو في الناصريات(الجوامع الفقهية): 179.
3- نقله عنه في المختلف:10.
4- المعتبر 1:83،المنتهى 1:21،التذكرة 1:5،الشهيد الأول في الذكرى:7،و الشهيد الثاني في روض الجنان:133.

في الكثير منه سواه.

و يدل عليه في القليل منه بعده:فحوى ما دلّ على انفعال قليل المطلق، و خصوص الخبر:عن قدر طبخت فإذا في القدر فأرة،قال:«يهراق مرقها» (1).

و في آخر:عن قطرة نبيذ أو خمر مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير،قال:«يهراق المرق»الحديث (2).

و كلّ ما يمازج الماء المطلق و لم يسلبه الإطلاق عرفا لا يخرجه عن إفادة التطهير مطلقا و إن غيّر أحد أوصافه خالفه الممازج فيها إجماعا،أو وافقه مطلقا على أظهر الأقوال؛لدوران الأحكام مع الاسم.أو مع أكثرية المطلق أو مساواته؛لكونهما المناط في الحكم دون الاسم فيجوز التطهير معهما مطلقا-على قول- (3)لأصالة الإباحة.و هي مع عدم صدق الاسم ممنوعة.و فيه قول آخر (4).

و هل الممازجة المذكورة على فاقد الماء المتمكن من تحصيله بها واجبة أم لا؟ قولان،أظهرهما الأول؛لإطلاق ما دلّ على لزوم الطهارة الاختيارية، فلا يتقيد بوجود الماء و عدمه،فتكون حينئذ مقدمة الوجود،و لا ريب في وجوبها و لو شرطا.

و ما دلّ على جواز التيمم مع فقد الماء من الآية و السنّة شموله لمثل المقام محل نظر.و لعلّه لتوهم الشمول و ظن كون التحصيل شرطا للوجوب قيل

ص:61


1- الاستبصار 1:62/25،الوسائل 1:206 أبواب الماء المضاف ب 5 ح 3.
2- التهذيب 1:820/279،الوسائل 3:470 أبواب النجاسات ب 38 ح 8.
3- قال به الشيخ في المبسوط 1:8.
4- و هو عدم جواز استعمال الممزوج في صورة المساواة.قال به ابن البراج في المهذب 1:24.

بالعدم (1).و هو ضعيف.

و يؤيد المختار المبالغة في تحصيل الماء و لو بالثمن الغالي في الأخبار (2).

و ما يرفع به الحدث الأصغر طاهر و مطهّر مطلقا من الحدث و الخبث،فضلة و غسالة،بإجماعنا،و الأصول،و العمومات،مع خصوص بعض المعتبرة.

ففي الخبر:«أمّا الماء الذي يتوضأ به الرجل فيغسل به وجهه و يده في شيء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضأ به» (3).

و في آخر:«كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا توضّأ أخذ ما يسقط من وضوئه فيتوضّؤون به» (4).

و يستفاد من الأول من جهة العموم نفي الكراهة مطلقا،فما نقل عن المفيد-من القول باستحباب التنزه عنه (5)-لا وجه له.

و ما يرفع به الحدث الأكبر مع خلوه عن النجاسة طاهر إجماعا؛ لأكثر ما تقدم،و الأخبار به مستفيضة،منها الصحيح:«عن الجنب يغتسل فينتضح من الأرض في الإناء،فقال:لا بأس،هذا ممّا قال اللّه تعالى وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [1] » (6)(7).

ص:62


1- انظر المبسوط 1:9،و إيضاح الفوائد 1:18.
2- انظر الوسائل 3:389 أبواب التيمم ب 26.
3- التهذيب 1:630/221،الاستبصار 1:71/27،الوسائل 1:210 أبواب الماء المضاف ب 8 ح 2.
4- الفقيه 1:/10ذ ح 17،التهذيب 1:631/221،الوسائل 1:209 أبواب الماء المضاف ب 8 ح 1.
5- نقله عنه في الذكرى:12.
6- الحج:78.
7- التهذيب 1:225/86،الوسائل 1:211 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 1.

و مطهّر عن الخبث أيضا بلا خلاف،كما عن السرائر و المعتبر و التذكرة و المختلف و نهاية الأحكام (1)؛لنصّهم على حصر الخلاف فيما سيأتي،بل و عن المنتهى و ولده (2)الإجماع عليه.

و توهّم وجود الخلاف هنا أيضا عن الذكرى (3)مدفوع بعدم التصريح بكون المانع هنا منّا،فلعلّه من العامة،و لا بعد فيه،كما اتفق له في بحث وجوب الوضوء لغيره،حيث نسب القول بالوجوب النفسي إلى القيل (4)،مع عدم وجود القائل به منّا،و تصريحه في قواعده بكونه من العامة العمياء (5).

و كيف كان فلا شبهة فيه؛لما تقدّم،و فقد ما يدل على المنع، و اختصاص ما دلّ على المنع من رفع الحدث به-على تقدير تسليمه-بمورده مع عدم دليل على التعدّي.

و في جواز رفع الحدث به ثانيا قولان مختار الصدوقين و الشيخين (6)و هو المروي في بعض المعتبرة المنع منه.

ففي الصحيح:عن ماء الحمّام،فقال:«ادخله بإزار،و لا تغتسل من ماء آخر،إلاّ أن يكون فيه جنب أو يكثر فيه أهله فلا تدري فيهم جنب أم لا» (7).

ص:63


1- السرائر 1:69،المعتبر 1:86،التذكرة 1:5،المختلف:12،نهاية الأحكام 1:241.
2- المنتهى 1:22،إيضاح الفوائد 1:19.
3- الذكرى:12.
4- كما في الذكرى:23.
5- القواعد و الفوائد 2:65.
6- نقله عن والد الصدوق في المختلف:12،و الصدوق في الفقيه 1:10،و المفيد في المقنعة: 64،و الطوسي في المبسوط 1:11.
7- التهذيب 1:1175/379،الوسائل 1:149 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 5.

و في القاصر سندا (1):«الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضّأ[منه]و أشباهه» (2).

و في مثله (3):عن الحمّام فقال:«ادخله بمئزر،و غضّ بصرك،و لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام،فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب و ولد الزنا و الناصب لنا أهل البيت و هو شرّهم» (4).

و الأوّل مع عدم صراحته في الأمر بالتنزه؛لكون الاستثناء عن النهي عن الاغتسال بماء آخر في صورتي المستثنى أعم من الأمر بالاغتسال به فيهما، للاكتفاء في رفع النهي بالإباحة.

ظاهر في مساواتهما في الحكم بالتنزه عن المستعمل فيهما،و لا قائل بذلك،و لعل في ذلك إشعارا بالكراهة.

و الأخيران مع قصورهما سندا؛و لا جابر لهما في المقام و إن نقل في الخلاف اشتهار القول بالمنع (5)،لعدم معارضة الشهرة المنقولة للشهرة المتأخرة المتحققة.

غير صريحي الدلالة،لاحتمال كون النهي عن ذلك لغلبة احتمال وجود النجاسة في المغتسل من الجنابة،و لا بعد فيه.

و الشاهد عليه أنه تضمنت الأخبار المشتملة على بيان كيفية غسل الجنابة

ص:64


1- بأحمد بن هلال،فقد روي فيه:ذموم و نسب إليه الغلو،راجع رجال النجاشي:199/83، و رجال الشيخ:410،و الفهرست:36،و التهذيب 9:204،و الاستبصار 3:28.
2- التهذيب 1:630/221،الاستبصار 1:71/27،الوسائل 1:215 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 13.بدل ما بين المعقوفين في النسخ«به»،و ما أثبتناه من المصادر.
3- لجهالة راويه،و هو حمزة بن أحمد.راجع معجم الرجال 6:264.
4- التهذيب 1:1143/373،الوسائل 1:218 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 1.
5- الخلاف 1:172.

الأمر بغسل الفرج،ففي الصحيح:عن غسل الجنابة،فقال:«تبدأ فتغسل كفيك ثمَّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك»الحديث (1).و المعتبرة في معناه مستفيضة.

و هو احتمال راجح،فيندفع به الاستدلال.

و مع جميع ذلك فهي معارضة باستصحاب بقاء المطهرية،و العمومات الآمرة باستعمال الماء و الناهية عن التيمم مع التمكن منه،و محض الاستعمال لا يخرجه عن الإطلاق.

فاندفع بذلك الاحتياط المستدل به هنا على المنع على تقدير وجوبه في العبادات،و إلاّ فهو ساقط من أصله.

فإذا القول بالجواز أظهر،كما هو بين المتأخرين أشهر.

و يدل عليه أيضا الصحيح:الحمّام يغتسل فيه الجنب و غيره أغتسل من مائه؟قال:«نعم لا بأس أن يغتسل[منه]الجنب» (2).

و ترك الاستفصال عن انفصال الماء المسؤول عنه عن المادة و عدمه و عن كونه فضالة أو غسالة دالّ على العموم.

و في آخر:«فإن كان في مكان واحد و هو قليل لا يكفيه لغسله،فلا عليه أن يغتسل و يرجع الماء فيه،فإنّ ذلك يجزيه» (3).

و اعترف الشيخ بدلالته على الجواز إلاّ أنه حمله على الضرورة،وقوفا

ص:65


1- التهذيب 1:1131/370،الوسائل 2:230 أبواب الجنابة ب 26 ح 5.
2- التهذيب 1:1172/378،الوسائل 1:211 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 3،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدرين.
3- التهذيب 1:1315/416،الاستبصار 1:73/28،قرب الإسناد:667/181 الوسائل 1:216 أبواب الماء المضاف ب 10 ح 1.

على ظاهره (1).

و أصرح منه الصحيح الآخر:عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء و يستقى فيه من بئر،فيستنجي فيه الإنسان من بوله،أو يغتسل فيه الجنب،ما حدّه الذي لا يجوز؟فكتب:«لا تتوضأ من مثل هذا إلاّ من ضرورة إليه» (2).

و ترك الاستفصال عن الكثرة و عدمها دليل العموم.و ظنّي أن التجويز في حال الضرورة هنا أمارة الكراهة في غيرها،و لا ريب أن الترك مهما أمكن أحوط.

و ينبغي القطع بعدم المنع فيما ينتضح من الغسالة في الأثناء فيه،كما يفهم من بعض المانعين؛للصحيح:الرجل الجنب يغتسل فينتضح من الماء في الإناء،فقال:«لا بأس، ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» [1] (3).

و كذلك الفضالة؛للصحيح في اغتسال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع عائشة في إناء (4)فتأمل .

و كذلك الكثير؛للصحيح المتقدم في الغدير المجتمع فيه ماء السماء.

و الصحيح الآخر:عن الحياض التي ما بين مكة إلى المدينة،تردها السباع و تلغ فيها الكلاب و تشرب منه الحمير و يغتسل فيها الجنب،يتوضأ منها؟ فقال:«و كم قدر الماء؟»قلت:إلى نصف الساق،و إلى الركبة،و أقلّ.قال:

ص:66


1- الاستبصار 1:28.
2- التهذيب 1:1319/418،الاستبصار 1:11/9،الوسائل 1:163 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 15.
3- الكافي 3:7/13،التهذيب 1:224/86(بتفاوت يسير)،الوسائل 1:212 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 5.
4- الكافي 3:2/10،التهذيب 1:633/222،الاستبصار 1:31/17،الوسائل 1:234 أبواب الأسآر ب 7 ح 1.

«توضأ منه» (1).

و ربما يستفاد من جمع عدم الخلاف فيه (2)،و ربما أوهم بعض العبارات ثبوت الكراهة فيه.

و ما تقدّم من الأخبار موردها الجنب،فإلحاق الغير به يحتاج إلى دليل.

و الإجماع غير معلوم؛لاختصاص بعض العبارات به،كالأخبار.و تنزيله على التمثيل يتوقف على الدليل.و معه في أمثال الزمان لا يحصل العلم به و لم يتصدّ أحد لنقله ليجب اتباعه.

إلاّ أنّه في الجملة مع ذلك غير بعيد بشهادة الاستقراء،حيث إنّ المستفاد منه اشتراك الحائض و من في حكمها معه في كثير من الأحكام.

و لكن يبقى الكلام في غيرهما،كالمستحاضة الكثيرة مثلا،و لعلّ فتوى أكثر الأصحاب كافية في ثبوت الكراهة.و اللّه أعلم.

و ممّا ذكر يظهر عدم الكراهة في المستعمل في الأغسال المندوبة،و لعلّه لا خلاف فيه،كما صرّح به جماعة (3)،و أفتى به بعض المانعين (4).

و في تنجّس ما يزال به الخبث إذا لم تغيره النجاسة قولان بل أقوال.

أشهرهما و أظهرهما التنجيس مطلقا من الغسلة الاولى و ما زاد

ص:67


1- التهذيب 1:1317/417،الاستبصار 1:54/22،الوسائل 1:162 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 12.
2- منهم العلامة في المنتهى 1:23،و فخر المحققين في الإيضاح 1:19،و صاحب الحدائق 1:447.
3- منهم المحقق في المعتبر 1:90،و العلامة في نهاية الأحكام 1:243،و التحرير 1:6، و التذكرة 1:5.
4- كالشيخ في الخلاف 1:172.

فيما يجب فيه التعدّد،كما عن الإصباح و المعتبر و ظاهر المقنع و صريح التحرير و التذكرة و المنتهى (1)،و هو ظاهر مختار المصنف هنا و في الشرائع (2).

لعموم ما دلّ على نجاسة القليل (3)باعتبار عموم مفهوم بعض أخباره ، فثبتت الكلية و انقدح فساد القدح فيها.

و عموم المستفيضة الدالة على إهراق ما لاقته المتنجسات من القليل،الدالة بظاهرها على النجاسة (4)،كما استدل بها لها،و لا اعتبار للنية في حصول التطهير ،فيحصل مع عدمها.

و يدل عليه في الجملة خصوص مضمرة عيص المروية في الخلاف و المعتبر و المنتهى:عن رجل أصابه قطرة من طشت فيه وضوء ،فقال:«إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه» (5)و في بعض النسخ:«و إن كان وضوء الصلاة فلا يضره».

و الإضمار-مع تسليم القدح بسببه-و كذلك القصور بحسب السند منجبر بالشهرة.

و في الخبر:«الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضأ[منه]و أشباهه» (6).

و الاستدلال به يتم على تقدير استلزام عدم رفع الحدث به النجاسة ،

ص:68


1- المعتبر 1:90،المقنع:6،تحرير الأحكام 1:5،التذكرة 1:5،المنتهى 1:24.
2- الشرائع 1:16.
3- الوسائل 1:150 أبواب الماء المطلق ب 8.
4- انظر الوسائل 1:151 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 2 و 4 و 7 و 10.
5- الخلاف 1:179،المعتبر 1:90،المنتهى 1:24،الوسائل 1:215 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 14.
6- التهذيب 1:630/221،الاستبصار 1:71/27،الوسائل 1:215 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 13،بدل ما بين المعقوفين في النسخ:به،و ما أثبتناه من المصادر.

و لا دليل عليه من الاخبار ،و الإجماع غير معلوم مع وجود القول بالانفكاك.

و مضمونه في المقام إجماعي كما عن المعتبر و المنتهى (1).فسقط الاستدلال به للمقام.

و قيل بالطهارة مطلقا (2)؛للأصل،و ما سيأتي في الاستنجاء.

و ضعفه ظاهر؛للخروج عن الأول بما قدّمناه،و عدم الكلام في الثاني و لكن لا ملازمة بينه و بين المقام،و هو مخصوص بالاستثناء عمّا تقدّم بالنص و الإجماع.

و قيل بها كذلك مع ورود الماء على النجاسة (3)؛التفاتا إلى أداء الحكم بالنجاسة إلى عدم طهارة المتنجس أبدا.

و فيه-مع كونه أعم من المدّعى-منع؛لتوقفه على ثبوت المنع من حصول التطهير بالمتنجس مطلقا،و ليس كذلك،كيف؟!و حصوله به في بعض المواضع-كحجر الاستنجاء و الأرض المطهّرة لباطن القدم مثلا-ممّا لا مجال لإنكاره.و الإجماع على المنع لم يثبت إلاّ في النجس قبله،و أمّا النجس في أثنائه فلا.و له جواب آخر .

و قيل بها في الولوغ مطلقا،و في الثانية من غسالة الثوب،و بضدها في الأولى منها (4)؛التفاتا فيهما إلى ما تقدّم في دليلي الطهارة و النجاسة مطلقا.

و هو مع ضعفه في الأول بما تقدّم جار في الشق الثاني،و كذلك الثاني جار في الشق الأول،فالتفصيل بقسميه لا وجه له.

و مرجع هذا القول بالنسبة إلى غسالة الثوب إلى أنّ الغسالة كالمحلّ

ص:69


1- المعتبر 1:90،المنتهى 1:24.
2- هو ظاهر الشهيد في الذكرى:9،و في المدارك 1:122 جعله أولى.
3- كالسيد المرتضى في الناصريات(الجوامع الفقهية):179.
4- قال بها الشيخ في الخلاف 1:179،181.

بعدها أي بعد انفصالها عن المحل،و بالنسبة إلى الولوغ إلى أنها كهو بعد الغسل،كما أنّ مرجع القولين بالطهارة مطلقا أو في الصورة الخاصة إلى الأخير أيضا.

و على المختار فهل هي كالمحل قبلها حتى إذا كانت غسالة الاولى فأصابت شيئا وجب غسلة العدد،و إن كانت غسالة الثانية نقصت واحدة و هكذا.أو كهو قبل الغسل حتى يجب كمال العدد مطلقا؟ وجهان،بل قولان:

من أن نجاستها فرع نجاسة المحل فتخفّ بخفّتها.و هو خيرة الشهيدين و غيرهما (1).

و من أن نجاستها ليست إلاّ النجاسة التي يجب لها العدد،و الخفة في المحل إنّما هي لنفي الحرج،إذ لولاها لم يطهر.و هو خيرة نهاية الأحكام.

و احتمل فيها النجاسة مطلقا،و كونها كالمحل بعدها،حتى أن الغسالة الأخيرة طاهرة و ما قبلها ينقص الواجب في المتنجس بها عن الواجب في المحل،لأنّ الماء الواحد الغير المتغير لا يختلف أحكام أجزائه طهارة و نجاسة،و الغسالة الأخيرة لا شبهة في طهارة الباقي منها في المحل فكذا المنفصل،و عليها قياس ما قبلها (2).

و الأقرب وجوب غسل ملاقيها مرتين مطلقا لو قلنا بوجوبهما في مطلق النجاسات.و أمّا على الاكتفاء بالمرة فيما لم يرد التعدد فيه-كما هو الأشهر الأظهر-فالمتجه الاكتفاء بالمرّة في الغسالة مطلقا و لو وجب التعدد لذي

ص:70


1- الشهيد الأوّل في الدروس 1:122،و الشهيد الثاني في الروضة البهية 1:64؛و انظر المقتصر: 45.
2- نهاية الأحكام 1:244.

الغسالة لخصوص نجاسة كالبول و الولوغ مثلا؛لصدق الامتثال،و عدم تسمية الغسالة بولا و لا ولوغا.صرّح بما ذكرناه في الروضة (1)،و لكن الثاني أحوط (2).

و ربما أشعر بالمختار هنا مضمرة عيص (3)؛لعدم التعرض فيها بغسل ما أصابته الغسالة مرتين مع التصريح فيها بكونها غسالة البول،و سيأتي اعتبار المرتين فيه،بل اكتفي فيها بإطلاق الغسل من دون تفصيل بين كونها من الأولى أو الثانية.

عدا ماء الاستنجاء للقبل و الدبر-مطلقا كما عن الأكثر،أو من الغسلة الثانية كما عن الخلاف (4)-إجماعا؛للمعتبرة المستفيضة،منها:

الصحيح:عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجي به،أ ينجّس ذلك ثوبه؟قال:«لا» (5).

و ظاهره؛كنفي البأس عنه في الصحيحين (6)،و المروي في العلل في تعليله بأن الماء أكثر من القذر (7)؛الطهارة،كما هو أظهر القولين في المسألة، بل عن المنتهى عليه الإجماع (8).

ص:71


1- الروضة البهية 1:64.
2- بل لعلّه أظهر عملا باستصحاب النجاسة و عدم ما يدل على حصول الطهارة بالمرة لعدم الأمر اللفظي فيجب الاقتصار على المتيقن حصول التطهير به شرعا و ليس إلاّ ما اجمع عليه و هو قضية هذا القول،و الأمر في رواية عيص و إن كان موجودا إلاّ أنه ضعيف لا جابر له هنا كما لا يخفى. منه رحمه اللّه.
3- المتقدمة في ص:68.
4- الخلاف 1:179.
5- التهذيب 1:228/86 الوسائل 1:223 أبواب الماء المضاف ب 13 ح 5.
6- الأول:الفقيه 1:162/41،التهذيب 1:223/85،الوسائل 1:221 أبواب الماء المضاف ب 13 ج 1.الثاني:التهذيب 1:227/86،الوسائل 1:222 أبواب الماء المضاف ب 13 ج 4.
7- علل الشرائع:1/287،الوسائل 1:222 أبواب الماء المضاف ب 13 ح 2.
8- حكاه عنه في روض الجنان:160.

و القول الآخر هو العفو عنه من دونها.

و لا ثمرة بينهما.إلاّ ما صرّح به بعضهم من جواز التطهير به على الأول دون الثاني (1)،و في المعتبر و المنتهى (2)الإجماع على عدم رفع الحدث بما تزال به النجاسة مطلقا،فتنحصر الثمرة في جواز إزالة النجاسة به ثانيا.و الأصح الجواز؛لما تقدّم،مع الأصل و العمومات،مضافا إلى أصالة بقاء المطهرية مطلقا،خرج ما خرج و بقي الباقي.

و يعتبر فيه مطلقا عدم العلم بتغييره بالنجاسة و وقوعه على نجاسة أخرى خارجة و لو من السبيلين.و وجهه واضح.

و ربما اعتبر أمور أخر،كعدم انفصال أجزاء من النجاسة متميزة مع الماء،و عدم سبق اليد محل النجو على الماء.و هو أحوط.

لا يغتسل بغسالة الحمّام إلا أن يعلم خلوها من النجاسة

و لا يجوز أن يغتسل بغسالة الحمّام و هي الجيّة (3)،وفاقا لأكثر الأصحاب،بل عليه الإجماع في كلام بعضهم (4)؛لأصالة بقاء التكليف، و للروايات المنجبرة ضعفها بالشهرة.

مع أنّ فيها الموثّق المروي في العلل:«إياك أن تغتسل من غسالة الحمّام، ففيها تجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهل البيت و هو شرّهم،فإنّ اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب،و إنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه» (5).

و يستفاد منه-كبواقي الروايات-أن العلّة في المنع عن الغسل النجاسة،

ص:72


1- انظر روض الجنان:160.
2- المعتبر 1:90،المنتهى 1:24.
3- بالكسر و تشديد الياء:مستنقع الماء.مجمع البحرين 1:93.
4- كما في السرائر 1:91.
5- علل الشرائع:1/292،الوسائل 1:220 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 5.

و لعلّه لذا منع بعضهم من الاستعمال مطلقا،و عليه ادعى الإجماع (1).

و ينزل عليه كلام من خصّ المنع عن الغسل كما في المتن و غيره (2)أو التطهير كما في بعض العبارات (3)بالذكر،كما يشعر به أيضا بعضها من حيث تضمنه للتعليل الوارد في الروايات،و بها صرّح بعض متأخري الأصحاب (4).

فينبغي تخصيص المنع بعدم العلم بالطهارة و احتمال تحقق الأمور المذكورة،كما يشير إليه قوله كغيره إلاّ أن يعلم خلوها من النجاسة.

و عليه ينزل بعض العبارات المانعة من استعمالها مطلقا.

و قوّى جماعة من المتأخرين-كالمصنف في المعتبر-الطهارة (5)؛ للأصل،و العمومات،و ضعف الأخبار المانعة،مع احتمال اختصاصها بما علم اشتماله على الغسالات المذكورة فيها،و منع الإجماع المدّعى.و هو قوي.

و تؤيده المعتبرة،ففي الصحيح:الحمّام يغتسل فيه الجنب و غيره، يغتسل من مائه؟قال:«نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب،و لقد اغتسلت فيه ثمَّ جئت فغسلت رجلي،و ما غسلتهما إلاّ ممّا لزق بهما من التراب» (6).

و فيه:قال:رأيت أبا جعفر عليه السلام جائيا من الحمّام و بينه و بين داره قذر،فقال:«لو لا ما بيني و بين داري ما غسلت رجلي،و لا تجنبت ماء الحمّام» (7).

ص:73


1- انظر السرائر 1:91.
2- راجع المعتبر 1:92.
3- راجع الفقيه 1:10.
4- كشف اللثام 1:33.
5- المعتبر 1:92؛و انظر المنتهى 1:25.
6- التهذيب 1:1172/378،الوسائل 1:148 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 2.
7- التهذيب 1:1173/379،الوسائل 1:148 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 3.

و بمعناه الخبر الموثق،و زيد فيه:لا يغسل رجله حتى يصلي (1).

و حمل الحمّام فيها على الغالب يأبى عن حملها على حمّام علم طهارة أرضه،مع أنه نفي البأس عن غسالته إذا أصابت الثوب في المرسل (2)من دون استفصال.

و كيف كان فينبغي القطع بعدم جواز التطهير به مطلقا مع عدم العلم بطهارته،و أما سائر الاستعمالات فالجواز قوي،لكن الاجتناب أحوط.

تكره الطهارة بماء أسخن بالشمس

و تكره الطهارة بل مطلق الاستعمالات على الأصح،وفاقا للنهاية و المهذّب و الجامع (3)بماء أسخن بالشمس قصدا خاصة،كما هو ظاهر المتن و عن السرائر و الجامع و الخلاف (4).

أو أسخنته مطلقا،كما عن المبسوط و نهاية الأحكام (5).و هو مع تعميم الكراهة في مطلق الاستعمال أوفق بظاهر النصوص؛للتعليل فيها بإيراثه البرص،و لا مدخل للقصد و الاستعمال الخاص فيه.

ففي الخبر:«الماء الذي تسخنه الشمس لا توضّؤوا به،و لا تغتسلوا به، و لا تعجنوا به،فإنه يورث البرص» (6).

و في النبوي في الواضعة قمقمتها في الشمس لغسل رأسها و جسدها:

«لا تعودي،فإنه يورث البرص» (7).

ص:74


1- التهذيب 1:1174/379،الوسائل 1:211 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 2.
2- الكافي 3:4/15،الوسائل 1:213 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 9.
3- النهاية:9،المهذب 1:27،الجامع للشرائع:20.
4- السرائر 1:95،الجامع للشرائع:20،الخلاف 1:54.
5- المبسوط 1:9،نهاية الأحكام 1:226.
6- الكافي 3:5/15،التهذيب 1:1177/379،علل الشرائع:2/281،الوسائل 1:207 أبواب الماء المضاف ب 6 ح 2.
7- التهذيب 1:1113/366،الاستبصار 1:79/30،علل الشرائع:1/281،عيون الأخبار 2:18/81،الوسائل 1:207 أبواب الماء المضاف ب 6 ح 1.

و الأصل-مع ضعف السند-مانع عن حمل النهي على الحرمة،مع ما عن الخلاف من دعوى الإجماع على الكراهة (1).

هذا،و في المرسل:«لا بأس بأن يتوضأ بالماء الذي يوضع في الشمس» (2).

و ظاهر الأول الكراهة في الآنية و غيرها من الأنهار و المصانع و نحوها،إلاّ أنه ينبغي تخصيصها بها كما في(ظاهر) (3)المتن و عن النهاية و السرائر (4)؛لما عن التذكرة و نهاية الأحكام (5)من الإجماع على نفيها في غيرها.

و ظاهره العموم في كل بلد و آنية،كما قطع به في التذكرة (6)،أخذا بعموم النص و الفتاوي.

و ربما خصّ بالبلاد الحارة و الأواني المنطبعة (7)؛لاعتبارات في مقابلة ما ذكرناه غير مسموعة،سيّما و المقام مقام كراهة يكتفي فيها بالاحتمالات و لو كانت بعيدة.

و في زوال الكراهة بزوال السخونة وجهان،الأظهر:العدم؛أخذا بإطلاق النص و الفتوى،معتضدا بالأصل و المسامحة في أدلتها،وفاقا لمستظهر المنتهى و محتمل التذكرة و مقطوع الذكرى (8).

ص:75


1- الخلاف 1:54.
2- التهذيب 1:1114/366،الاستبصار 1:78/30،الوسائل 1:208 أبواب الماء المضاف ب 6 ح 3.
3- ليست في:«ل»و«ح».
4- النهاية:9،السرائر 1:95.
5- التذكرة 1:3،نهاية الإحكام 1:226.
6- التذكرة 1:3.
7- كالحديدية و الرصاصية و النحاسية.(منه رحمه اللّه).
8- المنتهى 1:5،و التذكرة 1:3،و الذكرى:8.

و تكره أيضا الطهارة بماء أسخن بالنار في غسل الأموات إجماعا،كما عن الخلاف و المنتهى (1)؛للنصوص،منها الصحيح:«لا يسخن الماء للميت» (2)و في الحسن:«لا يقرب الميت ماء حميما» (3).

إلاّ مع الحاجة،كشدة البرد المتعذر أو المتعسر معه التغسيل أو إسباغه على ما قيل (4)؛للرضوي:«و لا يسخن له ماء إلاّ أن يكون باردا جدا فتوقي الميت ممّا توقي[منه]نفسك» (5)و رواه في الفقيه مرسلا (6).

و ينبغي الاقتصار في السخونة على ما تندفع به الضرورة،ذكره المفيد و بعض القدماء (7)،و في آخر الرضوي المتقدم:«و لا يكون حارّا شديدا و ليكن فاترا».

و ربما يلحق بالضرورة إسخانه لتليين أعضائه و أصابعه.و ربما يستفاد من بعض العبارات تجويزه لذلك من دونها؛لخروجه عن الغسل.

و هو محجوج بإطلاق النصوص المانعة من دون تعليق للكراهة على التغسيل،مع ظهور التعليل في الرضوي المتقدم فيه.

و بما ذكر ظهر ما في الإلحاق.فتأمّل .

ص:76


1- الخلاف 1:692،المنتهى 1:430.
2- الفقيه 1:397/86،التهذيب 1:938/322،الوسائل 1:208 أبواب الماء المضاف ب 7 ح 1.
3- التهذيب 1:939/322،الوسائل 2:499 أبواب غسل الميت ب 10 ح 2.
4- كما في كشف اللثام 1:33.
5- فقه الرضا«عليه السلام»:167،المستدرك 2:174 أبواب غسل الميت ب 10 ح 1 و بدل ما بين المعقوفين في النسخ:به،و ما أثبتناه من المصادر.
6- الفقيه 1:398/86،الوسائل 2:499 أبواب غسل الميت ب 10 ح 5.
7- المفيد في المقنعة:82:و حكاه عن والد الصدوق في كشف اللثام 1:33؛و الشيخ في الخلاف 1:692،و القاضي في المهذب 1:57،و ابن حمزة في الوسيلة:65.
الثالث في الأسآر

و أما الأسآر و هي جمع سؤر،و هو في اللغة:البقية من كل شيء (1)،أو ما يبقيه المتناول من الطعام و الشراب،أو من الماء خاصة مع القلة،فلا يقال لما يبقى في النهر أو البئر أو الحياض الكبار إذا شرب منها.

و المراد به هنا-على ما يظهر من الفتاوي في الباب و به صرّح جمع منهم (2)-ماء قليل باشره جسم حيوان.و يشهد به بعض الأخبار،ففي موثقة عيص:عن سؤر الحائض،قال:«توضأ منه،و توضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة و تغسل يدها قبل أن تدخلها الإناء،و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو و عائشة يغتسلان في إناء واحد» (3).فتأمّل .

فكلّها طاهرة إجماعا كما عن الغنية (4)؛للأصل و العمومات،و إن كره بعضها:

كسؤر الحائض مطلقا،كما عن الإسكافي و المصباح و المبسوط (5)؛ لإطلاق النهي عنه في الخبرين (6)،مع ظهور القريب من الصحيح في الكافي

ص:77


1- السؤر:بقية الشيء،و بقية كل شيء سؤره-لسان العرب 4:339 و 340.
2- كابن حمزة في الوسيلة:76،و الشهيد الثاني في روض الجنان:157،و صاحب الحدائق 1: 419.
3- التهذيب 1:633/222،الاستبصار 1:31/17،الوسائل 1:234 أبواب الأسآر ب 7 ح 1.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):551.
5- حكاه عن الإسكافي في كشف اللثام 1:31،و عن مصباح السيّد في المختلف:12، المبسوط 1:10.
6- الأول:الكافي 3:1/10،الوسائل 1:236 أبواب الأسآر ب 8 ح 1. الثاني:الكافي 3:3/10،التهذيب 1:635/222،الوسائل 1:236 أبواب الأسآر ب 8 ح 2.

فيه (1)و إن روي في التهذيبين بنحو يتوهم منه التقييد بغير المأمونة (2)،كما في الشرائع و عن المقنعة و المراسم و الجامع و المهذّب (3).

و دلّ عليه الموثق:في الرجل يتوضأ بفضل وضوء الحائض فقال:«إذا كانت مأمونة فلا بأس» (4).

و هذا هو الأوفق بالأصل،سيّما مع اعتضاده بالشهرة،فيقيّد به إطلاق الخبرين؛و الظاهر في الإطلاق لا يقاومه،سيّما مع اختلاف نسخه.

و لكن الأول غير بعيد بالنظر إلى الاحتياط من باب المسامحة في أدلة السنن.

و ربما نيطت الكراهة في القواعد و كذا عن النهاية و الوسيلة و السرائر بالمتهمة (5).و لا إشعار به في الأخبار؛لعدم التلازم بين المتهمة و غير المأمونة، فإن المتبادر من المأمونة من ظنّ تحفظها من النجاسات،و نقيضها من لم يظن بها ذلك،و هو أعم من المتهمة و المجهولة.

ثمَّ إن غاية ما يستفاد من الأخبار كراهة الوضوء،لا مطلق الاستعمال، بل المستفاد من بعضها عدم كراهة الشرب (6)،فالتعميم غير واضح.و لكن المسامحة في أدلة الكراهة تقتضي لنا ذلك،بل الظاهر الاتفاق عليه،و لعله

ص:78


1- الكافي 3:2/10،الوسائل 1:234 أبواب الأسآر ب 7 ح 1.
2- التهذيب 1:633/222،الاستبصار 1:31/17،الوسائل 1:234 أبواب الأسآر ب 7 ح 1.
3- الشرائع 1:16،المقنعة:584،المراسم:37،الجامع للشرائع:20،المهذب 2: 430.
4- التهذيب 1:632/221،الاستبصار 1:30/16،الوسائل 1:237 أبواب الأسآر ب 8 ح 5،بتفاوت يسير.
5- القواعد 1:5،النهاية:4،الوسيلة:76،السرائر 1:62.
6- انظر الوسائل 1:236 أبواب الأسآر ب 8.

كاف و لو قلنا بعدمها.

لكن عن المقنع:المنع عن الوضوء و الشرب من سؤرها مطلقا (1).

و هو جيد،لكن لا على إطلاقه،بل على التفصيل المتقدم لو لم ينعقد الإجماع على خلافه.فتأمل .

و ربما الحق بها كل من لا يؤمن،كما عن الشيخين و الحلّي و البيان و المصنف في الأطعمة (2)؛للاحتياط،و فحوى الأخبار الناهية عن سؤرها ، و بخصوص سؤر الجنب الغير المأمون خبر عيص.و هو غير بعيد.

و كسؤر الحمير و الخيل و البغال على المشهور؛للموثق:هل يشرب سؤر شيء من الدواب و يتوضأ منه؟فقال:«أما الإبل و البقر و الغنم فلا بأس» (3)و قريب منه غيره (4).

و لو لا الشهرة و تجويز المسامحة في أدّلة الكراهة لكان القول بنفيها في غاية القوة؛للمعتبرة المستفيضة التي أكثرها صحاح و موثقة،و مع ذلك صريحة الدلالة،ففي الصحيح:عن فضل الهرّة و الشاة و البقرة و الإبل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع،و لم أترك شيئا إلاّ سألته عنه،فقال:«لا بأس» الحديث (5).

ص:79


1- المقنع:13،قال فيه:و لا تتوضأ بفضل الجنب و الحائض.و أمّا المنع عن الشرب فقد نقله عن المقنع في كشف اللثام 1:31.
2- المفيد في المقنعة:584،الطوسي في النهاية:589،الحلي في السرائر 3:123،البيان:101 أطعمة الشرائع(3:228)و فيه:يكره أكل ما يعالجه من لا يتوقى النجاسات.
3- الكافي 3:3/9،التهذيب 1:656/227 بتفاوت يسير،الوسائل 1:232 أبواب الأسآر ب 5 ح 3.
4- التهذيب 1:657/227،الوسائل 1:232 أبواب الأسآر ب 5 ح 4.
5- التهذيب 1:646/225،الاستبصار 1:40/19،الوسائل 1:226 أبواب الأسآر ب 1 ح 4.

و كسؤر الدجاجة،كما عن الشيخ مطلقا (1)،و عن المصنف في المعتبر في الجملة (2)؛لعلّة ضعيفة في مقابلة الأصل و المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:«لا بأس بأن يتوضأ ممّا يشرب منه ما يؤكل لحمه» (3).

و في معناه الموثق (4).

و في مثله:عن ماء شربت منه الدجاجة قال:«إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه و لم يشرب،و إن لم تعلم أن في منقارها قذرا توضأ منه و اشرب» و قال:«كلّ ما يؤكل لحمه فليتوضأ منه و ليشرب» (5).

و في الخبر:«فضل الحمامة و الدجاجة لا بأس به و الطير» (6).

و مع هذا فالكراهة غير بعيدة بالنظر إلى المسامحة و فحاوي المعتبرة في الحائض المتهمة.فتأمّل.

عدا الكلب في الجملة و الخنزير و الكافر و تفصيل الكلام فيها يأتي في بحث أحكام النجاسات.

و في طهارة سؤر ما لا يؤكل لحمه أم نجاسته قولان الأشهر:

الأول مع الكراهة.

تمسكا في الأول بالأصل و العمومات و المعتبرة الواردة بطهارة كثير مما

ص:80


1- انظر المبسوط 1:10.
2- قال في المعتبر 1:100:قال في المبسوط:يكره سؤر الدجاج على كل حال،و هو حسن إن قصد المهملة،لأنها لا تنفك من الاغتذاء بالنجاسة.
3- الكافي 3:1/9،الوسائل 1:231 أبواب الأسآر ب 5 ح 1،بتفاوت يسير.
4- الكافي 3:5/9،الوسائل 1:230 أبواب الأسآر ب 4 ح 2.
5- الفقيه 1:8/10 رواه مرسلا،التهذيب 1:832/284،الوسائل 1:231 أبواب الأسآر ب 4 ح 4.
6- الكافي 3:2/9،التهذيب 1:659/228،الوسائل 1:230 أبواب الأسآر ب 4 ح 4.

وقع فيه النزاع،كالصحيح المتقدم في الحمول الثلاثة،و الصحاح في سؤر السنّور معللا في بعضها بأنها من السباع (1)،و هو مشعر بالتعميم فيها، و الصحيح في سؤر الفأرة (2)،و الموثق:عمّا يشرب منه باز أو صقر أو عقاب ، فقال:«كلّ شيء من الطير يتوضأ ممّا يشرب منه،إلاّ أن ترى في منقاره دما، فإن رأيت في منقاره دما،فلا توضأ منه و لا تشرب» (3).

و في الثاني بالاحتياط،و المرسل:إنه كان يكره سؤر كل شيء لا يؤكل لحمه (4)و مفهوم الموثّق الآتي.

خلافا للمبسوط و الحلّي (5)في الانسي منه،فمنعا منه،عدا ما لا يمكن التحرّز عنه؛لكن في الأول لم ينص على النجاسة بل إنما منع عن الاستعمال خاصة،و هو أعم منها.

للموثق:عن ماء شرب منه الحمام فقال:«كل ما يؤكل لحمه يتوضأ من سؤره و يشرب» (6).

و هو-مع قصوره سندا عن المقاومة لما تقدّم-لا دلالة فيه إلاّ بالمفهوم الضعيف.

و كذا في طهارة سؤر المسوخ قولان،الأشهر هنا أيضا الكراهة؛

ص:81


1- الوسائل 1:227 أبواب الأسآر ب 2.
2- الفقيه 1:28/14،التهذيب 1:1323/419،الاستبصار 1:65/26،الوسائل 1:239 أبواب الأسآر ب 9 ح 2.
3- الفقيه 1:18/10،التهذيب 1:832/284،الاستبصار 1:64/25،الوسائل 1:231 أبواب الأسآر ب 4 ح 4.
4- الكافي 3:7/10،الوسائل 1:232 أبواب الأسآر ب 5 ح 2.
5- المبسوط 1:10؛و انظر السرائر 1:85.
6- الكافي 3:5/9،الوسائل 1:230 أبواب الأسآر ب 4 ح 2.

لعين ما تقدم.خلافا لمن شذّ (1)،و دليله غير واضح .

و كذا الكلام فيما أكل الجيف مع خلو موضع الملاقاة عن النجاسة. و الجلاّل.و ما تقدّم من الخبر في الباز و الصقر و العقاب كالصريح في رفع المنع في الأول و اختصاصه بوجود أثر الدم خاصة،و مع ذلك فدليل المنع فيهما غير واضح ،فخلاف من شذّ (2)،ضعيف.

و الطهارة في الكل لما ذكرنا أظهر و إن كره،لما تقدّم.

و في نجاسة الماء بما لا يدركه الطرف من الدم قولان،أحوطهما النجاسة.

تقدّم الكلام في المقام في مسألة القليل الراكد.و ربما أشعر كلام المصنف بالطهارة،و هو ضعيف (3).

و لو نجس أحد الإناءين مثلا و اشتبه بالآخر و لم يتعين اجتنب ماؤهما إجماعا،كما عن صريح الخلاف و الغنية و المعتبر و التذكرة و نهاية الأحكام للعلاّمة و المختلف و ظاهر السرائر (4).

و لتوقف الاجتناب عن النجس الواجب على الاجتناب عنهما.

و للموثقين:عن رجل معه إناءان فيهما ماء،وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو،و ليس يقدر على ماء غيره،قال:«يهريقهما و يتيمم» (5).

ص:82


1- حكاهما عن ابن الجنيد في المختلف:12.
2- حكاهما عن ابن الجنيد في المختلف:12.
3- راجع ص 23.
4- الخلاف 1:196،الغنية(الجوامع الفقهية):552،المعتبر 1:103،التذكرة 1:10، نهاية الأحكام 1:248،المختلف:16،السرائر 1:85.
5- الأول:الكافي 3:6/10،التهذيب 1:662/229،الاستبصار 1:48/21،الوسائل 1: 151 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 2 الثاني:التهذيب 1:712/248،الوسائل 1:155 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 14.

و في وجوب الإراقة مطلقا،كما عن الشيخين (1)؛لظاهر الخبرين.

أو بشرط إرادة التيمم؛ليتحقق فقدان الماء الموجب له،كما عن ظاهر الصدوقين (2).

أو العدم مطلقا،كما هو ظاهر الأكثر،و منهم:الفاضلان و الحلّي (3)؛ للأصل،و قوة احتمال إرادة الكناية عن النجاسة في الخبرين،لورود الأمر بالإراقة في كثير من المياه القليلة الراكدة بوقوع النجاسة فيها مع عدم كونه فيها للوجوب قطعا.

أقوال،و لعلّ الأخير أقرب،و إن كان ما عداه أحوط.

و لو لاقى ماء أحدهما طاهرا فالظاهر بقاؤه على الطهارة؛للأصل،مع عدم المانع،و كونهما في حكم النجس يراد به المنع من الاستعمال خاصة، فاندفع القول بخلافها من هذه الجهة.

و في حكمه المشتبه بالمغصوب؛للدليل الثاني،مع عدم ظهور الخلاف فيه.

و لا كذلك المشتبه بالمضاف،فتجب الطهارة بكل منهما،ثمَّ الصلاة.

و مع انقلاب أحدهما يجمع بين التيمم مع الطهارة بالباقي،مخيّرا في تقديم أيهما شاء،و إن كان الأحوط تقديم الطهارة ثمَّ الإتيان بالتيمم كما قيل (4).

و لو اشتبه الإناء المتيقن طهارته بأحد الإناءين المشتبهين بالنجاسة أو المغصوب،اتجه المنع من استعمالهما من باب المقدمة،وفاقا للمنتهى (5).

ص:83


1- المفيد في المقنعة:69،الطوسي في الخلاف 1:198،و النهاية:6،و التهذيب 1:248.
2- حكاه عن والد الصدوق في المعالم:160،و الصدوق في المقنع:9.
3- المحقق في المعتبر 1:104،العلامة في المختلف:16،الحلي في السرائر 1:85.
4- انظر المدارك 1:109.
5- المنتهى 1:30.

و لا كذلك لو اشتبه بالإناء المشكوك في نجاسته من حيث الشك في ملاقاته النجاسة؛لجواز الاستعمال به-للأصل-فاستعمال المشتبه به أولى.

و لا ريب فيما ذكرناه،بل و لا خلاف.و لكن في ثبوت نجاسته بظن الملاقاة مطلقا،أو بشرط كونه معتبرا شرعا،أو العدم مطلقا أقوال،أقواها:

الأخير،و أحوطها:الثاني،و في الأول احتياط.

و كلّ ماء حكم بنجاسته شرعا و لو بالاشتباه بالنجس لم يجز استعماله في الطهارة مطلقا و الشرب اختيارا إجماعا؛ و المراد بعدم الجواز بالنسبة إلى الأخير مطلقا التحريم قطعا؛ و كذا بالنسبة إلى الأول مع اعتقاد حصولها به؛لاستلزامه التشريع المحرم.و مع عدمه فالظاهر عدمه،بل المراد منه حينئذ عدم الاعتداد به؛إذ لا دليل للمعنى الأول هنا.

و لو اضطر معه إلى الطهارة تيمم لدفع الضرورة هنا به.بخلاف ما لو اضطر معه إلى شربه؛لعدم المندوحة عنه،و عدم اندفاعها إلاّ به.

ص:84

الركن الثاني في الطهارة المائية

اشارة

الركن الثاني:في الطهارة المائية و هي:وضوء و غسل

الوضوء
اشارة

و الوضوء يستدعي بيان أمور :

الأمر الأول في موجباته

الأول:في موجباته الباعثة لخطاب المكلّف بالطهارة وجوبا أو ندبا، لمشروط بها فعله أو كماله،أو لا له،و إن حدثت قبل التكليف.

و هي:خروج البول و الغائط و الريح من الموضع الطبيعي المعتاد خروجه منه لعامة الناس و إن لم يحصل الاعتياد.

بالإجماع كما عن المعتبر و المنتهى و غيرهما (1)،و الصحاح المستفيضة.

منها:«لا ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك أو النوم» (2).

و منها:«لا يوجب الوضوء إلاّ غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها» (3).

و تقييد الريح الناقض في هذا الصحيح بأحد الأمرين المذكورين محمول على صورة حصول الشك بدونهما،و أما مع التيقن فلا ريب في عدم اعتباره و ناقضيته مطلقا؛للرضوي:«فإن شككت في ريح أنها خرجت منك أو لم تخرج،فلا تنقض من أجلها الوضوء إلاّ أن تسمع صوتها أو تجد ريحها،فإذا استيقنت أنها خرجت منك فأعد الوضوء سمعت وقعها أو لم تسمع،و شممت

ص:85


1- المعتبر 1:106،المنتهى 1:31؛و المدارك 1:142،و الذخيرة:12.
2- التهذيب 1:2/6،الاستبصار 1:244/79،الوسائل 1:248 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 1.
3- التهذيب 1:1016/346،الوسائل 1:245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 2.

ريحها أو لم تشم» (1).

و في رواية عليّ بن جعفر رواها في كتابه:أنه سأل أخاه عن رجل يكون في صلاته فيعلم أن ريحا قد خرجت منه و لا يجد ريحها و لا يسمع صوتها، قال:«يعيد الوضوء و الصلاة و لا يعتدّ بشيء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقينا» (2).

و في حكمه ما لو اتفق المخرج في غيره خلقة أو انسدّ الطبيعي و انفتح غيره،و عليه الإجماع في المنتهى (3)،و ظاهره عدم اعتبار الاعتياد فيه،فينقض الخارج و لو مرة.

و في ناقضية الخارج من غيره مع عدم انسداده أقوال،أشهرها:نعم مع الاعتياد و لا مع العدم.

و قيل بالأول مع الخروج من تحت المعدة و بالثاني مع الخروج من فوقها مطلقا (4).

و القول بالعدم مطلقا قوي؛للأصل،و فقد المانع،لعدم عموم في الأخبار يشمل ما نحن فيه،و ضعف حجج الأقوال الأخر.و لكن الاحتياط واضح بحمد اللّه و سبحانه.

و في اعتبار الاعتياد في نفس الخروج؛حتى لو خرجت المقعدة ملوثة بالغائط ثمَّ عادت و لم ينفصل لم يوجب؛أم العدم،إشكال.

و الأصل؛مع فقد العموم من الأخبار،و تبادر الخروج المعتاد من المطلقات؛يقتضي العدم،و به صرّح بعض المحقّقين (5)،وفاقا للذكرى (6).

ص:86


1- فقه الرضا«عليه السلام»:67،المستدرك 1:227 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 2.
2- قرب الإسناد:769/200،الوسائل 1:248 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 9.
3- المنتهى 1:32.
4- قال به الشيخ في الخلاف 1:115.
5- انظر جامع المقاصد 1:82.
6- الذكرى:26.

و المعتاد للريح هو الدبر،فلا يوجبه الخارج منه من القبل مطلقا،وفاقا للمنقول عن السرائر و المهذّب و المنتهى و البيان (1)؛لما تقدّم.

و عن التذكرة القطع بنقض الخارج منه من قبل المرأة (2)،و استقر به في المعتبر و الذكرى (3)مع الاعتياد.و لم نقف على مستندهما.

و النوم الغالب على الحاستين السمع و البصر تحقيقا أو تقديرا مطلقا،إجماعا كما في التهذيب و عن الانتصار و الناصريات و الخلاف (4)، و للصحاح المستفيضة،و بعضها صريح في الإطلاق.

ففي الصحيح:«من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء» (5).

و في آخر:«من نام و هو راكع أو ساجد أو ماش أو على أي الحالات فعليه الوضوء» (6).

و ما سواها من الروايات المنافية (7)-مع شذوذها و ضعفها-محمولة على الخفقة أو التقية،كما يشعر به بعضها.و حصر الناقض فيما يخرج من السبيلين (8)إضافي بالنسبة إلى ما يخرج و ليس بحقيقي إجماعا.و نسبة المخالفة

ص:87


1- السرائر 1:107،المهذب 1:49،المنتهى 1:32،البيان:40.
2- التذكرة 1:11.
3- المعتبر 1:108،الذكرى:26.
4- التهذيب 1:5؛و انظر الانتصار:30،و الناصريات(الجوامع الفقهية):186،و الخلاف 1: 109.
5- الكافي 3:15/37،الوسائل 1:354 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 9.
6- التهذيب 1:3/6،الاستبصار 1:247/79،الوسائل 1:253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 3.
7- انظر الوسائل 1:254 أبواب نواقض الوضوء ب 3 الأحاديث 11،13،14،15.
8- انظر الوسائل 1:249 أبواب نواقض الوضوء باب 2 الأحاديث 3،4،5،6.

إلى الصدوقين ضعيفة (1)،و عبارتهما مؤوّلة؛لدعوى أحدهما الإجماع على النقض به في الخصال (2).

و إطلاق النصوص و كلام الأصحاب يقتضي ناقضية النوم بنفسه،لا من حيث كونه محتملا لخروج الحدث معه،كما نسب إلى العامة (3)،و في الحسن تصريح به،حيث قال عليه السلام:«لا ينقض الوضوء إلاّ حدث،و النوم حدث» (4).

و ما ربما يتوهم منه المخالفة (5)لعلّه محمول على التقية؛لما ذكر، و لتصريح بعض المعتبرة بعدم نقض الطهارة باحتمال طروّ الناقض شكا أو ظنا.

ففي الصحيح:«عمّن حرّك إلى جنبه شيء و هو لم يعلم به،قال:

«لا حتى يستيقن أنه قد نام،حتى يجيء من ذلك أمر بيّن،و إلاّ فإنه على يقين من وضوئه،و لا ينقض اليقين بالشك أبدا،و لكن ينقضه بيقين آخر» (6).

و في الموثق:«إذا استيقنت أنك أحدثت فتوضأ،و إياك أن تحدث وضوءا حتى تستيقن أنك أحدثت» (7)و بذلك صرّح جمع من الأصحاب (8).

ص:88


1- راجع المعتبر 1:110،و التذكرة 1:11،و الذخيرة:13.
2- لم نعثر على هذا الإجماع في الخصال.نعم،نسبه إلى دين الإمامية في الأمالي:514.
3- نسبه إليهم المحقق في المعتبر 1:109،و العلامة في التذكرة 1:11،و انظر بداية المجتهد 1:36،و المغني 1:197.
4- التهذيب 1:5/6،الاستبصار 1:246/79،الوسائل 1:253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 4.
5- انظر الوسائل 1:255 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 13.
6- التهذيب 1:11/8،الوسائل 1:245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.
7- الكافي 3:1/33،التهذيب 1:268/102 بتفاوت يسير،الوسائل 1:247 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 7.
8- منهم السبزواري في الذخيرة:14،و صاحب الحدائق 2:99،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:16.

و في حكمه الإغماء و الجنون و المزيل للعقل مطلقا بإجماع المسلمين كما في التهذيب (1)،و بلا خلاف بين أهل العلم كما عن المنتهى (2)،و في الخصال:إنه من دين الإمامية (3)،و في الصحيحين (4)المعلّق فيهما الحكم بالنقض في النوم على ذهاب العقل دلالة عليه.

و عن بعض الكتب عن مولانا الصادق عليه السلام،عن آبائه عليهم السلام:«إنّ المرء إذا توضأ صلّى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلوات ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه أو يكون منه ما يجب منه إعادة الوضوء» (5).

و ربما استدل ببعض الصحاح (6)،و لا دلالة[له] (7)عليه.و بالتنبيه المستفاد من الصحاح في النوم،فإنه إذا وجب الوضوء بالنوم الذي يجوز معه الحدث وجب بالإغماء و السكر و الجنون بطريق أولى،و هو كما ترى.

و الاستحاضة القليلة الغير المثقبة للكرسف،على الأشهر الأظهر؛

ص:89


1- التهذيب 1:5.
2- المنتهى 1:34.
3- لم نعثر عليه في الخصال،و قال في الأمالي في بيان دين الإمامية:لا ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من الطرفين من بول أو غائط أو ريح أو مني و النوم إذا ذهب بالعقل.الأمالي:514.
4- الأول: الكافي 3:6/36،الفقيه 1:137/37،التهذيب 1:15/9،الوسائل 1:249 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 2. الثاني: التهذيب 1:4/6،الاستبصار 1:245/79،الوسائل 1:252 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 2.
5- دعائم الإسلام 1:101،المستدرك 1:229 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 4.
6- و هي صحيحة معمر بن خلاّد،استدلّ بها الشيخ في التهذيب 1:14/9.انظر الوسائل 1: 257 أبواب نواقض الوضوء ب 4 ح 1.
7- أضفناه لاستقامة المتن.

للصحاح.

خلافا للعماني،فلم يوجب بها وضوءا و لا غسلا (1).

و للإسكافي فأوجب بها غسلا واحدا في اليوم و الليلة (2).

و هما ضعيفان،كما سيأتي تحقيقه في محلّه إن شاء اللّه.

و في إيجاب مسّ باطن الدبر أو باطن الإحليل للوضوء،و كذلك المذي-بالتسكين-و هو ما يخرج عند الملاعبة و التقبيل،و كذا في التقبيل.

قولان الأشهر الأظهر:العدم للأصل،و الإجماع المحكي عن التذكرة و نهاية الأحكام للعلاّمة (3)،و الصحاح المستفيضة،و مثلها من المعتبرة، عموما و خصوصا.

ففي الصحيح:«ليس في القبلة و لا مسّ الفرج و لا الملامسة وضوء» (4).

و فيه في المذي ينقض الوضوء؟قال:«لا» (5).

و في المرسل كالصحيح:«ليس في المذي من الشهوة و لا من الإنعاظ و لا من القبلة و لا من مسّ الفرج و لا من المضاجعة وضوء،و لا يغسل منه الثوب و لا الجسد» (6).

خلافا للإسكافي في الجميع،مقيدا للأخيرين؛بكونهما عن شهوة (7)،

ص:90


1- نقله عنه في المختلف:40.
2- نقله عنه في المختلف:40.
3- التذكرة 1:11،نهاية الأحكام 1:74.
4- التهذيب 1:59/23،الوسائل 1:270 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 3.
5- التهذيب 1:40/17،الاستبصار 1:293/91،الوسائل 1:277 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 5.
6- التهذيب 1:47/19،الاستبصار 1:300/93،الوسائل 1:270 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 2.
7- حكاه عنه في المختلف:17.

و وافقه الصدوق في الأول،و زاد فتح الإحليل (1)؛لأخبار ضعيفة أو محمولة على التقية (2)،و مع ذلك ليست لما تقدّم مكافئة من وجوه عديدة،و ربما تحمل على الاستحباب بناء على الاحتياط و المسامحة.

و على ذلك تحمل أيضا الأخبار المتضمنة لناقضية غير ما ذكر؛لما ذكر ، مضافا إلى مخالفتها لإجماع الطائفة على ما حكاه جماعة (3).

ص:91


1- كما في الفقيه 1:39.
2- انظر الوسائل 1:272 و 279 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ج 9،10.و ب 12 ح 10،11، 12،16،17.
3- منهم العلامة في التذكرة 1:11،و صاحب المدارك 1:154،و السبزواري في الذخيرة: 14.
الثاني في آداب الخلوة
اشارة

الثاني:في بيان آداب الخلوة من واجباتها و مستحباتها.

لواجب

فالواجب على المتخلي بل مطلقا

ستر العورتين و الاجتناب عن استقبال القبلة و استدبارها

ستر العورتين قبلا و دبرا عن الناظر المحترم،بالإجماع و الكتاب و النصوص.

ففي المرسل:عن قوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [1] (1)فقال:«كلّ ما كان في كتاب اللّه من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلاّ في هذا الموضع،فإنه للتحفظ من أن ينظر إليه» (2).

و على التحريم يحمل لفظ الكراهة في بعض الأخبار (3)،مضافا إلى عدم ثبوت كونه حقيقة في المعنى المصطلح.

و يحرم عليه حين التخلي،أو مطلقا و لو حال الاستنجاء على الأحوط كما في الخبر (4)استقبال القبلة بمقاديم البدن خاصة،أو الفرج أيضا على الأحوط و استدبارها بالمآخير مطلقا و لو كان في الأبنية على الأشبه و عليه الأكثر،بل عن الخلاف و الغنية (5)عليه الإجماع.

للمستفيضة (6)و إن قصرت أسانيدها؛لانجبارها بالشهرة مع حكاية اتفاق الطائفة؛مؤيّدا بالاحتياط،و وجوب تعظيم القبلة،و ما دلّ على حرمة الأمرين عند المباشرة،بل و لعن فاعلهما عندها (7)فمع جميع ذلك لا حكم للأصل هنا.

و اشتمال بعضها على بعض المكروهات غير ضائر،و إن هو إلا كالعام

ص:92


1- النور:30.
2- الفقيه 1:235/63،الوسائل 1:300 أبواب أحكام الخلوة ب 1 ح 3.
3- الوسائل 2:33 و 36 أبواب آداب الحمام ب 3 و 6 ح 3 و 2.
4- انظر الوسائل 1:359 أبواب أحكام الخلوة ب 37.
5- الخلاف 1:101،الغنية(الجوامع الفقهية):549.
6- الوسائل 1:301 أبواب أحكام الخلوة ب 2.
7- انظر الوسائل 20:137 أبواب مقدمات النكاح و آدابه ب 69.

المخصص سيما بعد ملاحظة ما ذكرناه.

و إشعار بعض الحسان بالكراهة بمجرده غير صالح لصرف ظواهر المستفيضة إليها،سيّما مع عدم التكافؤ.

و الحسن-المتضمن لبناء الكنيف مستقبل القبلة في منزل مولانا الرضا عليه السلام (1)-مع عدم تكافئه لما تقدّم غير واضح الدلالة على جواز الاستقبال،مضافا إلى قوة احتمال بناء بابه إليها.

فسقط حجج القول بالجواز مع الكراهة مطلقا،كما ربما نسب إلى المقنعة (2)،أو في البنيان خاصة كما نسب إلى سلاّر (3).

غسل مخرج البول و الغائط

و يجب غسل ظاهر مخرج البول لا باطنه إجماعا و يتعيّن الماء لإزالته فلا يجزي غيره مطلقا (4)،بإجماعنا المحكي عن جماعة (5)، و الصحاح المستفيضة.

منها:«و لا يجزي من البول إلاّ الماء» (6).

و منها:الأخبار الدالة على وجوب غسل الذكر على من صلّى قبل غسله من دون استفصال،ففي الصحيح في التارك لغسله:«بئس ما صنع،عليه أن يغسل ذكره و يعيد صلاته و لا يعيد وضوءه» (7).

ص:93


1- التهذيب 1:1043/352،الوسائل 1:303 أبواب أحكام الخلوة ب 2 ح 7.
2- نسبه إلى المقنعة في المختلف:19،و هو في المقنعة:41.
3- نسبه إلى سلاّر في المختلف:19،و هو في المقنعة:32.
4- و لو حال الاضطرار،نبّه بذلك على رد ما يستفاد من عبارة الشرائع من إجزاء غيره مع الضرورة و عدم القدرة.منه رحمه اللّه.
5- منهم المحقق في المعتبر 1:124،و العلامة في التذكرة 1:13،و الشهيد الثاني في روض الجنان:23،و المحقق السبزواري في الذخيرة:16.
6- التهذيب 1:147/50،الاستبصار 1:166/57،الوسائل 1:348 أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 2.
7- التهذيب 1:137/48،الاستبصار 1:154/53،الوسائل 1:294 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 4.

و بعض الأخبار المنافي لذلك (1)؛مع ضعفه و شذوذه و عدم وضوح دلالته و عدم مقاومته لما تقدم؛مؤوّل بتأويلات جيّدة،أقربها الحمل على التقية، لاشتهاره بين العامة.

و أمّا ما في الموثق:إني ربما بلت فلا أقدر على الماء و يشتد ذلك عليّ،فقال:«إذا بلت و تمسحت فامسح ذكرك بريقك،فإن وجدت شيئا فقل هذا من ذاك» (2).

فليس بمناف لما تقدم كما يتوهم،إذ مع حصول الطهارة بالتمسح لا وجه لمسح الذكر بالريق بعده،و لا قول«هذا من ذاك»بعد وجدان البلل.

و ظني أن المراد به بيان حيلة شرعية يتخلص بها عمّا يوجد من البلل بعد التمسح،بأن يمسح الذكر دون المخرج بالريق و يجعل وسيلة لدفع اليقين بنجاسة ما يجده من البلل بعد ذلك باحتمال كونه منه لا من الخارج من المخرج؛التفاتا إلى ما ورد في المعتبرة من عدم نقض يقين الطهارة بالشك في حصول النجاسة،فهو بالدلالة على خلاف ما توهم أشبه.

و فيه دلالة حينئذ على كون المتنجس منجّسا مطلقا،لا على الخلاف كما توهّم (3).

مضافا إلى ضعفه في نفسه و مخالفته الإجماع و غيره من الأدلة، كالمعتبرة المستفيضة الآمرة بغسل الأواني و الفرش و البسط متى تنجس شيء منها (4)،و ليس ذلك إلاّ لمنع تعدي نجاستها إلى ما يلاقيها برطوبة ممّا يشترط

ص:94


1- و هي رواية سماعة،انظر الوسائل 1:283 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 4.
2- الكافي 3:4/20،الفقيه 1:160/41،التهذيب 1:1050/353،الوسائل 1:284 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 7.
3- انظر الوافي 6:150.
4- انظر الوسائل 3:أبواب النجاسات الأبواب 5،7،51،53.

فيه الطهارة.و لو كان مجرّد زوال العين فيها كافيا لعرى الأمر فيها بذلك عن الفائدة،لعدم استعمال شيء منها في مشروط بالطهارة،و لأشير في خبر منها بكفاية التمسح.فتأمّل .

و صرف الحيلة في الموثق إلى دفع اليقين بنقض الوضوء السابق بالبلل الذي يحس به بعد التمسح بفرض كون البلل المحسوس من الريق دون المخرج،ضعيف.

أولا:بعدم التعرض للوضوء و عدم الاستبراء فيه.

و ثانيا:بأولوية الجواب بالاستبراء حينئذ من الأمر بالحيلة المزبورة.

و ثالثا:بعدم المنافاة بين حصول هذه الحكمة و بين القول بتعدي النجاسة فجعله لذلك دليلا لعدم تعديها فاسد بالبديهة.

و رابعا:بأن هذا الاحتمال بعد تسليمه ليس بأولى ممّا ذكرناه من الاحتمال،فترجيحه عليه و جعله دليلا غير واضح.

و بالجملة فشناعة هذا التوهم أظهر من أن يبيّن.

و أقلّ ما يجزئ من الماء هنا مثلا ما على الحشفة على الأشهر؛ للخبر (1).و ضعفه-لو كان-بالشهرة قد انجبر،و إلاّ فهو حسن على الأظهر، و هو حجة في نفسه على الأصح،و العمل عليه متعيّن كيف كان.

و الأظهر في تفسيره كون المراد بالمثلين الكناية عن الغسلة الواحدة،بناء على اشتراط الغلبة في المطهّر،و هو لا يحصل بالمثل.

و به يظهر وجه القدح في تفسيره بالغسلتين (2)،و ما قيل في دفعه تكلّف مستغنى عنه.

ص:95


1- التهذيب 1:93/35،الاستبصار 1:139/49،الوسائل 1:344 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 5.
2- كما في الذكرى:21،و جامع المقاصد 1:94.

و منه يظهر كون النزاع بين المشهور و بين من قال بكفاية مسمّى الغسل -تمسكا بالأصل و الإطلاقات-لفظيا،كما نقل التصريح به عن البيان (1).

إلاّ أن يقال بحصول الثمرة فيما إذا تحقّق المسمّى بالمثل و نصفه،فظاهر القول الأخير كفايته،و ظاهر الأول العدم تمسّكا بالخبر.

هذا،و القول بالغسلتين إن لم نقل بقوته فلا ريب في أنه أحوط؛ للشبهة،و للأخبار الآمرة بالمرّتين في غسله من الجسد (2)؛و الثلاث أكمل، للصحيح:«كان يستنجي من البول ثلاث مرّات» (3).

و كذا يتعيّن غسل ظاهر مخرج الغائط لا باطنه إجماعا؛ للموثق:«إنما عليه ما ظهر منها و ليس عليه أن يغسل باطنها» (4)و في معناه الصحيح (5).

بالماء إن تعدّى الخارج إلى محل لا يعتاد وصوله إليه،و لا يصدق اسم الاستنجاء على إزالته،إجماعا كما عن المعتبر (6)؛للخبر«يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة» (7).

و كذا مع استصحاب نجاسة خارجية مع الخارج على الأحوط بل الأقوى،صرّح به شيخنا في الذكرى (8).

ص:96


1- البيان:50.
2- الوسائل 1:343 أبواب أحكام الخلوة ب 26 الأحاديث 1 و 4 و 9.
3- التهذيب 1:606/209،الوسائل 1:344 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 6.
4- التهذيب 1:127/45،الاستبصار 1:149/52،الوسائل 1:347 أبواب أحكام الخلوة ب 29 ح 2.
5- الكافي 3:3/17،الفقيه 1:60/21،التهذيب 1:128/45،الاستبصار 1: 146/51،الوسائل 1:347 أبواب أحكام الخلوة ب 29 ح 1.
6- المعتبر 1:128.
7- المعتبر 1:128.
8- الذكرى:21.

و حدّه:الإنقاء كما في الحسن:قلت له:للاستنجاء حدّ؟قال:

«لا،حتى ينقى ما ثمّة» (1).

و ربما فسّر بزوال العين و الأثر (2).و المراد به على الأظهر:الأجزاء الصغار التي لا تزول بالأحجار،لا اللون-كما توهّم-لدلالته على بقاء العين (3)؛لمنع الدلالة أوّلا،ثمَّ منع كون تلك العين الباقية على تقدير تسليمها غائطا ثانيا، و النقض بعدم البأس بلون الدم بعد إزالة عينه-كما في الخبر المعتبر- (4)ثالثا.

و لا عبرة بالرائحة الباقية على المحل أو اليد خاصة إجماعا كما حكي (5)؛ للأصل،و لذيل الحسن المتقدم،قال:فإنّه ينقى ما ثمّة و يبقى الريح،قال:

«الريح لا ينظر إليها».

و ربما حد بالصرير و خشونة المحل حتى يصوت (6).و هو كما ترى .

و إن لم يتعدّ المخرج تخيّر في التطهير بين الماء و الأحجار إجماعا؛للمعتبرة المستفيضة (7).

و كذا غيرها من الأجسام الطاهرة المزيلة للعين،على الأشهر الأظهر،بل عن الخلاف عليه الوفاق (8)؛لعموم الحسن السابق،و الموثق (9)،و النبوي:

ص:97


1- الكافي 3:9/17،التهذيب 1:75/28،الوسائل 1:322 أبواب أحكام الخلوة ب 13 ح 1.
2- كما في المبسوط 1:16،و السرائر 1:97.
3- انظر التنقيح 1:72.
4- الكافي 3:6/59،التهذيب 1:800/272،الوسائل 2:369 أبواب الحيض ب 52 ح 1.
5- حكاه صاحب المدارك 1:166،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:18.
6- حكاه عن سلاّر في المختلف:20.
7- الوسائل 1:246 أبواب أحكام الخلوة ب 30.
8- الخلاف 1:106.
9- التهذيب 1:134/47،الوسائل 1:316 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 5.

«إذا مضى أحدكم لحاجته فليمسح بثلاثة أحجار،أو بثلاثة أعواد،أو ثلاث حثيات من تراب» (1).

و خصوص الصحاح في الكرسف و المدر و الخرق و الخزف (2)،و إشعار الأخبار الناهية عن العظم و الروث (3)به.

خلافا للإسكافي في الآجر و الخزف (4).و ما تقدّم حجة عليه.

و لسلاّر فيما ليس أصله أرضا (5)،و فسّر في البيان بما ليس بأرض و لا نبات (6).و هو أحوط.

و لا يجزئ أقلّ من ثلاثة أحجار أو ما قام مقامها إذا لم يحصل النقاء به إجماعا.

و لو نقي بما دونها اعتبر الإكمال ثلاثا وجوبا على الأشهر الأظهر.

لاستصحاب النجاسة،و الاقتصار في استصحاب الأجزاء الباقية بعد الاستجمار في الصلاة و نحوها على القدر المجمع عليه،و ورود الأمر بالتثليث و النهي عمّا دونه في العامية (7)المنجبرة بالشهرة و الأصول المتقدمة، و الصحيحين المتضمنين لجريان السنّة به (8)،كالمرسل:«جرت السنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار» (9)مع إطلاق الإجزاء عليه في أحدهما،و خبر

ص:98


1- انظر الخلاف 1:106 بتفاوت يسير،و سنن البيهقي 1:111.
2- انظر الوسائل 1:357 أبواب أحكام الخلوة ب 35.
3- انظر الوسائل 1:357 أبواب أحكام الخلوة ب 35.
4- نقله عنه في الذكرى:21.
5- كما في المراسم:32.
6- البيان:42.
7- سنن البيهقي 1:102.
8- الأول:التهذيب 1:129/46،الوسائل 1:348 أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 3. الثاني:التهذيب 1:144/49،الاستبصار 1:160/55،الوسائل 1:315 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 1.
9- التهذيب 1:130/46،الوسائل 1:349 أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 4.

آخر (1)،المقتضي لعدمه فيما دونه.

خلافا لجماعة (2)،فاكتفوا بالأقل مع حصول النقاء به؛التفاتا إلى الحسن السابق،و الموثق:«يغسل ذكره و يذهب الغائط» (3).

و هما-مع قصورهما عن المقاومة لما تقدم-غير صريحي الدلالة؛ لاحتمال الحسن الاستنجاء بالماء كما يشعر به ذيله (4)،و إجمال الموثق فيحمل على الطريق المعروف من السنّة.

و ممّا ذكر يظهر عدم كفاية ذي الجهات الثلاث عنها،وفاقا لجماعة (5).

خلافا لآخرين (6)؛لاعتبارات هيّنة و استبعادات ظنّية غير لائقة بالأحكام الشرعية التعبدية.

و تستعمل الخرق جمع خرقة و نحوها بدل الأحجار وفاقا للمعظم؛لما تقدّم.

و في وجوب إمرار كل من الثلاث على مجموع المحل،أم الاكتفاء

ص:99


1- هو قوله عليه السلام:«يجزي من الغائط المسح بالأحجار و لا يجزي من البول إلاّ الماء»لأن أقل الجمع ثلاثة(الجواهر 2:36)و الرواية في التهذيب 1:147/50،الاستبصار 1: 166/57،الوسائل 1:348 أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 2.
2- منهم القاضي في المهذب 1:40،و ابن سعيد في الجامع:27.
3- التهذيب 1:134/47،الاستبصار 1:151/52،الوسائل 1:316 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 5.
4- و هو أنّ الراوي سأل بعد ذلك عن بقاء الريح فقال:«الريح لا ينظر إليها»إذ فيه قرينة على كون محط السؤال و الجواب إنّما هو الاستنجاء بالماء،إذ هو الذي يحسّ بالريح بعده لا الاستنجاء بالحجر.فتأمل.منه رحمه اللّه.
5- منهم المحقق في المعتبر 1:131،و الشهيد الثاني في الروضة 1:84،و صاحب المدارك 1:172.
6- كالقاضي في المهذب 1:40،و العلامة في القواعد 1:3،و المختلف:19،و الشهيد الأول في الذكرى:21،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:42.

بالتوزيع،قولان،أصحّهما:الأول،يعرف وجهه ممّا تقدم من الأصول و أخبار التثليث،لعدم تبادر المقام منها.

و لو لم ينق بها وجب الزيادة عليها إجماعا،تحصيلا للنقاء المأمور به في الأخبار.

و يستحب الوتر مع حصول النقاء بدونه؛للنبويين،في أحدهما:«من استجمر فليوتر،فإن فعل فقد أحسن،و من لا فلا حرج» (1).

و لا يجوز أن يستعمل النجس بغير الاستعمال إجماعا،كما عن المنتهى (2)؛قيل:لخبر الأبكار (3).و لا ما يزلق (4)عن النجاسة؛لعدم تحقق النقاء.و الأحوط مراعاة الجفاف،بل قيل بوجوبه (5).

و لا العظم و لا الروث بإجماعنا المحكي عن الفاضلين و ظاهر الغنية (6)،و المعتبرة المنجبرة بالشهرة،منها:«من استنجى برجيع أو عظم فهو برئ من محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» (7).

و منها:«لا تستنجوا بالروث و لا بالعظام،فإنه زاد إخوانكم من الجن» (8).

ص:100


1- انظر سنن ابن ماجه 1:337/121،و مسند أحمد 2:371،و سنن البيهقي 1:104. و أيضا:التهذيب 1:126/45،الاستبصار 1:148/52،الوسائل 1:316 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 4.
2- المنتهى 1:46.
3- قال به صاحب المدارك 1:172،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:20.
4- في«ل»و«ح»:يلزق.
5- كما في نهاية الأحكام 1:88.
6- المحقق في المعتبر 1:132،و العلامة في المنتهى 1:46؛و انظر الغنية(الجوامع الفقهية): 549.
7- سنن البيهقي 1:110 بتفاوت يسير،سنن أبي داود 1:36/9.
8- كنز العمال 9:26416/354.

و عن التذكرة احتمال الكراهة؛للأصل،و ضعف المعتبرة (1).و هو كما ترى.

و لا الحجر المستعمل لما تقدّم.و لا المطعوم إجماعا،كما عن المنتهى (2)؛لفحوى علّة المنع في العظم (3)،و خصوص الخبرين في الخبز (4).

و في الخبر:سأله عن صاحب له فلاّح يكون على سطحه الحنطة و الشعير،فيطؤونه و يصلّون عليه،فغضب و قال:«لو لا أني أرى أنه من أصحابنا للعنته» (5).

و لا المحترم،كورق المصحف و نحوه ممّا كتب عليه اسمه سبحانه،أو اسم أحد الأنبياء أو الأئمة عليهم السلام؛لفحوى ما دلّ على منع مسّ المحدث بالجنابة مثلا في الأوّلين،و كونه إهانة موجبة للكفر لو فعل بقصدها في الجميع،مضافا إلى فحوى الخبر المذكور في الحنطة و الشعير.

و كالتربة الحسينية على مشرّفها السّلام؛لما ذكر،و للخبر الطويل عن أمالي الشيخ (6).

ص:101


1- التذكرة 1:14.
2- المنتهى 1:46.
3- لأنه لو كان طعام الجن يحرم الاستنجاء به فطعام المؤمن بطريق أولى.منه رحمه اللّه.
4- الأول: الكافي 6:1/301،المحاسن:85/586،الوسائل 1:362 أبواب أحكام الخلوة ب 40 ح 1. الثاني: تفسير العياشي 2:79/273،الوسائل 24:386 أبواب آداب المائدة ب 79 ح 6.
5- المحاسن:88/588،الوسائل 24:385 أبواب آداب المائدة ب 79 ح 3؛و فيهما بتفاوت يسير.
6- أمالي الطوسي:328.

و في الإجزاء مع الاستعمال وجهان،و الأحوط:العدم،وفاقا لجماعة (1).و قيل:نعم (2).و هو مشكل،و قد روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تعليل النهي عن العظم و الروث بأنهما لا يطهّران (3).فتأمّل .

سننها

و سننها.

ستر البدن كملا،بتبعيد مذهب (4)،أو دخول بيت،أو ولوج حفرة؛تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله (5)،و للخبر في المحاسن في وصية لقمان لابنه:«إذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض» (6).

و ارتياد موضع مناسب للبول بالجلوس في مكان مرتفع أو ذي تراب كثير؛تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (7)،و توقيا منه،و للخبرين:«من فقه الرجل أن يرتاد موضعا لبوله» (8).

و التقنع عند الدخول؛للأخبار،منها ما في مجالس الشيخ في وصية

ص:102


1- منهم الشيخ في المبسوط 1:17،و ابن إدريس في السرائر 1:96،و المحقق في الشرائع 1: 19.
2- قال به العلامة في التذكرة 1:13.
3- راجع سنن الدارقطني 1:9/56.
4- المذهب:موضع الغائط.لسان العرب 1:394.
5- الوسائل 1:305 أبواب أحكام الخلوة ب 4 ح 3.
6- الفقيه 2:884/194،المحاسن:145/375،الوسائل 1:305 أبواب أحكام الخلوة ب 4 ح 1.
7- الفقيه 1:36/16،التهذيب 1:87/33،علل الشرائع:1/278،الوسائل 1:338 أبواب أحكام الخلوة ب 22 ح 2.
8- الأول: الكافي 3:1/15،الوسائل 1:338 أبواب أحكام الخلوة ب 22 ح 1. الثاني: التهذيب 1:86/33،الوسائل 1:338 أبواب أحكام الخلوة ب 22 ح 3.

النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأبي ذر رحمه اللّه:«يا أبا ذر استحي من اللّه، فإني-و الذي نفسي بيده-لأظلّ حين أذهب إلى الخلاء متقنّعا بثوبي استحياء من الملكين اللذين معي» (1).

و بفحوى هذه الأخبار ربما يمكن الاستدلال لاستحباب تغطية الرأس عند الدخول لو كان مكشوفا،مضافا إلى الاتفاق المحكي عن المعتبر و الذكرى (2).

و في الفقيه:إقرارا بأنه غير مبرئ نفسه من العيوب (3).

و في المقنعة:إنه يأمن به من عبث الشيطان،و من وصول الرائحة الخبيثة إلى دماغه،و أن فيه إظهار الحياء من اللّه سبحانه لكثرة نعمه على العبد و قلّة الشكر منه (4).

و التسمية دخولا و خروجا بالمأثور في الروايات،منها الصحيح (5)، و فيما وجده الصدوق-رحمه اللّه-بخط سعد بن عبد اللّه مسندا:«من كثر عليه السهو في الصلاة فليقل إذا دخل الخلاء:بسم اللّه و باللّه أعوذ باللّه من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم» (6).

و استحباب مطلقها محتمل.و ربما يستفاد من بعضها استحباب الإخفات بها (7).

ص:103


1- أمالي الطوسي:545،الوسائل 1:304 أبواب أحكام الخلوة ب 3 ح 3.
2- المعتبر 1:133،الذكرى:20.
3- الفقيه 1:17.
4- المقنعة:39.
5- الكافي 3:1/16،التهذيب 1:63/25،الوسائل 1:306 أبواب أحكام الخلوة ب 5 ح 1.
6- الفقيه 1:42/17،الوسائل 1:308 أبواب أحكام الخلوة ب 5 ح 8.
7- الوسائل 1:308 أبواب أحكام الخلوة ب 5 ح 7.

و عند (1)التكشف مطلقا؛للخبرين«إذا انكشف أحدكم لبول أو غيره فليقل:بسم اللّه،فإنّ الشيطان يغضّ بصره» (2).

و تقديم الرجل اليسرى عند الدخول؛لفتوى الجماعة (3)،مع المسامحة في أدلة الندب و الكراهة.

و هو في البناء واضح،و في الصحراء مثلا يتحقق بتقديمها إلى المجلس.و ربما يخص بالأول،و التعميم نظرا إلى ما قدّمناه أقرب؛لفتوى البعض (4).

و الاستبراء للرجل في البول،توقيا عن نقض الطهارتين،كما يستفاد من الإجماع المحكي عن ابن إدريس (5)،و فتاوي الأصحاب،و المعتبرة، منها:الحسن:«في الرجل يبول،ثمَّ يستنجي ثمَّ يجد بعد ذلك بللا،قال:

إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاث مرّات و غمز بينهما ثمَّ استنجى، فإن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي» (6).

و عليها يحمل إطلاق ما دلّ على عدم البأس بالبلل الحادث بعد البول (7).

ص:104


1- عطف على قوله دخولا و خروجا منه رحمه اللّه.
2- الأول: الفقيه 1:43/18،ثواب الأعمال:37،الوسائل 1:308 أبواب أحكام الخلوة ب 5 ح 9. الثاني: التهذيب 1:1047/353،الوسائل 1:307 أبواب أحكام الخلوة ب 5 ح 4.
3- منهم المفيد في المقنعة:39،و ابن البراج في المهذب 1:39،و المحقق الكاشاني في المفاتيح 1:42.
4- كالعلامة في نهاية الأحكام 1:81.
5- انظر السرائر 1:96.
6- التهذيب 1:50/20،الاستبصار 1:303/94،الوسائل 1:282 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 2؛و السوق جمع الساق.
7- الوسائل 1:282 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 1،4.

و فيه إشعار بعدم الوجوب.

و هو مع الشهرة العظيمة،و خلو الأخبار المستفيضة الواردة في الاستنجاء من البول عن الأمر به بالمرة،كالصحيح:«إذا انقطعت درّة البول فصبّ الماء» (1)بل و إشعار بعضها بانحصار الواجب فيه في غسل الإحليل خاصة، كالموثق:«إذا بال الرجل و لم يخرج منه شيء فإنما عليه أن يغسل إحليله وحده و لا يغسل مقعدته» (2)فتأمل .

كاف في حمل الصحيحين (3)الآمرين به على الاستحباب،مع عدم صراحتهما،و إشعار ذيلهما بكون المقصود منه ما قدّمنا لا الوجوب.

و يؤيده الخبران المشعران بترك مولانا الصادق و أبي الحسن عليهما السلام إيّاه،ففي أحدهما:بال الصادق عليه السلام و أنا قائم على رأسه [و معي إداوة (4)،أو قال:كوز]فلما انقطع شخب (5)البول قال بيده هكذا:إليّ، فناولته،فتوضأ مكانه (6).

ص:105


1- الكافي 3:8/17،التهذيب 1:1065/356،الوسائل 1:349 أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 1.
2- التهذيب 1:127/45،الاستبصار 1:149/52،الوسائل 1:346 أبواب أحكام الخلوة ب 28 ح 1.
3- الأول:التهذيب 1:70/27،الاستبصار 1:136/48،الوسائل 1:283 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 3. الثاني:الكافي 3:1/19،التهذيب 1:71/28،الاستبصار 1:137/49،مستطرفات السرائر:14/74،الوسائل 1:320 أبواب أحكام الخلوة 11 ح 2.
4- الإداوة:إناء صغير من جلد يتخذ للماء-لسان العرب 14:25.
5- الشّخب-بالضم-:الجريان،و بالفتح المصدر.مجمع البحرين 2:86.
6- الكافي 3:8/21،التهذيب 1:1062/355،الوسائل 1:350 أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 4.و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر. الخبر الثاني: التهذيب 1:95/35،الوسائل 1:344 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 8.

فسقط حجة القول بالوجوب،كما عن ابن زهرة و ابن حمزة (1)،و ربما نسب إلى الاستبصار،و سياق كلامه في بابه يخالفه (2).و الأحوط مراعاته كيف كان.

و الأحوط في كيفيته مراعاة تسع مسحات،بل لا يبعد عدم الخلاف فيه، كما سيأتي تحقيقه مستوفى في بحث غسل الجنابة.

و الدعاء بالمأثور في المعتبرة (3)عند الدخول و الخروج و عند النظر إلى الماء و عند الاستنجاء مطلقا و عند الفراغ منه.

و الجمع بين الأحجار و الماء مقدّما الأول على الثاني،كما في المرسل:«جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء» (4).

و ينبغي تخصيصه بغير المتعدي؛للأصل،و اختصاص الخبر به، فتعديته إلى المتعدي-كما عن المصنف في المعتبر (5)-يحتاج إلى دليل،و لعل المسامحة لنا في أمثال المقام تقتضيه.

و الاقتصار على الماء إن لم يتعد مخرجه إن لم يجمع،فإنه من الأحجار خاصة أفضل؛للمعتبرة،منها الصحيح:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا معشر الأنصار[إنّ اللّه]قد أحسن الثناء عليكم فما ذا تصنعون؟قالوا:نستنجي بالماء» (6).

و منها:«قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لبعض نسائه:مري نساء

ص:106


1- ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):549،و ابن حمزة في الوسيلة:47.
2- الاستبصار 1:48.
3- الوسائل 1:306 أبواب أحكام الخلوة ب 5.
4- التهذيب 1:130/46،الوسائل 1:349 أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 4.
5- المعتبر 1:136.
6- التهذيب 1:1052/354،الوسائل 1:354 أبواب أحكام الخلوة ب 34 ح 1.و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدرين.

المؤمنين أن يستنجين بالماء و يبالغن،فإنه مطهرة للحواشي و مذهبة للبواسير» (1).

و تقديم الرجل اليمنى عند الخروج لما تقدّم.

و البدأة في الاستنجاء بالمقعدة قبل الإحليل ؛للموثق:عن الرجل إذا أراد أن يستنجي بأيّما يبدأ،بالمقعدة أو الإحليل؟فقال:«بالمقعدة ثمَّ بالإحليل» (2).

مكروهاتها

و يكره الجلوس حال التخلي في المشارع جمع مشرعة،و هي موارد المياه،كشطوط الأنهار و رؤوس الآبار.

و الشوارع جمع شارع،و هو الطريق الأعظم،كما عن الجوهري (3).

و المراد بها هنا مطلق الطرق النافذة،إذ المرفوعة ملك لأربابها عند الأصحاب.

و مواضع اللعن المفسّرة في الصحيح (4)بأبواب الدور.و يحتمل أن يراد بها ما هو أعم منها،باحتمال خروج التفسير بها مخرج التمثيل.

و تحت الأشجار المثمرة بالفعل،كما يستفاد من الخبر:«نهى أن يتغوط على شفير بئر ماء يستعذب منها،أو نهر يستعذب،أو تحت شجرة فيها ثمرتها» (5).

ص:107


1- الكافي 3:12/18،الفقيه 1:62/21،التهذيب 1:125/44،الاستبصار 1: 147/51،علل الشرائع:2/286،الوسائل 1:316 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 3.
2- الكافي 3:4/17،التهذيب 1:76/29،الوسائل 1:323 أبواب أحكام الخلوة ب 14 ح 1.
3- راجع الصحاح 3:1236.
4- الآتي في الصفحة 108 رقم 2.
5- التهذيب 1:1048/353،الخصال:43/97،الوسائل 1:325 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 3.

و يشهد له الآخر في تعليل النهي بحضور الملائكة الموكّلين لحفظ الثمار (1)،هذا مضافا إلى الأصل.

أو مطلقا؛لإطلاق الصحيح الآتي مع المسامحة.فتأمل .

كلّ ذلك للمعتبرة،منها الصحيح:«تتقي شطوط الأنهار،و الطرق النافذة،و تحت الأشجار المثمرة،و مواضع اللعن،قيل له:و أين مواضع اللعن؟قال:أبواب الدور» (2).

و ظاهرها المنع.و حمل في المشهور على الكراهة؛للأصل.

و عن الهداية و الفقيه و المقنعة:المنع من التغوط في الأخير خاصة (3)، و هو أحوط.

و فيء النزّال أي المواضع المعدّة لنزول القوافل و المترددين،و التعبير به إمّا لغلبة الظل فيها،أو لفيئهم و رجوعهم إليها؛للتأذي،و كونه من مواضع اللعن بناء على الاحتمال المتقدم،و للخبرين (4)،و ظاهرهما التحريم و عدم الجواز كما عن الكتب الثلاثة المتقدمة،و هو أحوط.

و استقبال قرصي الشمس و القمر مطلقا حتى الهلال ،بفرجه

ص:108


1- الفقيه 1:64/22،علل الشرائع:278،الوسائل 1:327 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 8.
2- الكافي 3:2/15،الفقيه 1:44/18،التهذيب 1:78/30،الوسائل 1:324 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 1.
3- الهداية:15،الفقيه 1:21 ذيل الحديث 62،المقنعة:41.
4- الأول: الكافي 3:5/16،التهذيب 1:79/30،الوسائل 1:324 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 2. الثاني: الكافي 3:6/16،التهذيب 1:80/30،الوسائل 1:325 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 4.

دون مقاديمه أو مئاخيره؛مطلقا على الأشهر؛للمرسلين في الكافي (1)و الفقيه (2).

أو في البول خاصة،كما عن ظاهر الشيخ في الاقتصاد و الجمل و المصباح و مختصره و ابن سعيد و سلاّر (3)،و محتمل الإرشاد و البيان و النفلية (4)؛ للأصل،و اختصاص أكثر الأخبار به.و هو كما ترى.

و قيل بالمنع؛لظواهرها (5).و هو ضعيف؛لضعفها،و خلو كثير من الروايات المبيّنة لحدود الاستنجاء عمّا تضمّنته.

و لا يكره الاستدبار عند البول و الاستقبال عند الغائط مع ستر القبل؛ للأصل،و حكاية الإجماع عليه عن فخر الإسلام (6)،و ظهور اختصاص الأخبار بالاستقبال بالحدثين.و ما في المرسل (7):«لا تستقبل الهلال و لا تستدبره»غير صريح؛لإمكان اختصاص النهي في الأول بالبول و في الثاني بالغائط.

و البول في الأرض الصلبة لما تقدّم في ارتياد المكان المناسب.

و في مواطن الهوامّ و لا يحرم.

خلافا للهداية فلم يجوّزه (8).و الأصل مع ضعف ما فيه النهي عنه (9)

ص:109


1- الكافي 3:/15ذيل الحديث 3،الوسائل 1:343 أبواب أحكام الخلوة ب 25 ح 5.
2- الفقيه 1:48/18،الوسائل 1:342 أبواب أحكام الخلوة ب 25 ح 3.
3- الاقتصاد:241،الجمل و العقود(الرسائل العشر):157،مصباح المتهجد:6؛و انظر الجامع:26،و المراسم:33.
4- الإرشاد 1:222،البيان:42،النفلية:5.
5- قال به المفيد في المقنعة:42.
6- حكاه عنه في كشف اللثام 1:22.
7- المتقدم المنقول عن الفقيه.
8- الهداية:15.
9- كنز العمال ج 9 ص 26424/355،سنن أبي داود 1:29/8،سنن النسائي 1:33،مسند أحمد 5:82.

حجة عليه.

و في الماء جاريا أو ساكنا وفاقا للأكثر؛للمستفيضة،منها:الصحيح عن العلل:«و لا تبل في ماء نقيع،فإنّه من فعل فأصابه شيء فلا يلومنّ إلاّ نفسه» (1).

و منها:الخبر المحكي عن جامع البزنطي:«لا تشرب و أنت قائم،و لا تنم و بيدك ريح الغمر،و لا تبل في الماء،و لا تخلّ على قبر،و لا تمش في نعل واحدة،فإنّ الشيطان أسرع ما يكون على بعض هذه الأحوال»و قال:«ما أصاب أحدا على هذه الحال فكان يفارقه إلاّ أن يشاء اللّه تعالى» (2).

و منها:الخبر المروي في الخصال:«لا يبولنّ الرجل من سطح في الهواء،و لا يبولنّ في ماء جار،فإن فعل ذلك فأصابه شيء فلا يلومنّ إلاّ نفسه، فإنّ للماء أهلا و للهواء أهلا» (3).

و روي أنّ البول في الراكد يورث النسيان (4)،و أنه من الجفاء (5).

و عن بعض أنه فيه يورث الحصر،و في الجاري السلس (6).

خلافا لظاهر الهداية و والده (7)في الأول،فنفيا البأس عنه؛للصحيح:

«لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري،و كره أن يبول في الماء الراكد» (8).

ص:110


1- علل الشرائع:1/283،الوسائل 1:341 أبواب أحكام الخلوة ب 24 ح 6.
2- بحار الأنوار 77:49/191،المستدرك 1:264 أبواب أحكام الخلوة ب 13 ح 1.و فيهما: فكاد يفارقه.
3- الخصال:613،الوسائل 1:352 أبواب أحكام الخلوة ب 33 ح 6.
4- الفقيه 1:/16ذيل الحديث 35،الوسائل 1:341 أبواب أحكام الخلوة ب 24 ح 4.
5- دعائم الإسلام 1:104،المستدرك 1:270 أبواب أحكام الخلوة ب 19 ح 1.
6- عوالي اللئالي 2:70/187،المستدرك 1:271 أبواب أحكام الخلوة ب 19 ح 6.
7- الهداية:15،و نقله عن والده في الذكرى:20.
8- التهذيب 1:81/31،الاستبصار 1:23/13،الوسائل 1:143 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 1.

و يحمل على عدم تأكد الكراهة فيه،أو عدم التنجيس أو التقذير و إن كره من جهة أخرى جمعا.و لا يعتبر التكافؤ هنا مسامحة،و يحتملهما كلامهما.

و لظاهرهما و ظاهر المفيد (1)في الثاني،فلم يجوّزوه.و هو أحوط.

و تتأكد كراهتهما في الليل؛لما ينقل من أنّ الماء بالليل للجن،فلا يبال فيه و لا يغتسل،حذرا من إصابة آفة من جهتهم (2).

و ظاهر الروايات-كالمتن-مع الأصل يقتضي اختصاص الكراهة بالبول خاصة.

خلافا للأكثر و منهم الشيخان،فألحقا به الغائط (3).و لا بأس؛للأولوية كما عن الذكرى (4).فتأمّل .

و في ثبوتها في الماء المعدّ في بيوت الخلاء لأخذ النجاسة و اكتنافها كما يوجد في الشام و ما جرى مجراها من البلاد الكثيرة الماء.

إشكال،ينشأ من الإطلاق،و من الأصل و عدم تبادر مثله منه.و الأول أحوط.

و استقبال الريح به أي بالبول،بل مطلقا؛للمرفوع:ما حدّ الغائط؟ فقال:«لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها،و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها» (5)و مثلها في المرسل (6).

و عن علل محمّد بن علي بن إبراهيم بن هاشم:و لا يستقبل الريح

ص:111


1- كما في المقنعة:41.
2- غوالي اللئالي 2:187،و انظر نهاية الأحكام 1:83.
3- المفيد في المقنعة:41،و الطوسي في المبسوط 1:18.
4- الذكرى:20.
5- الكافي 3:3/15،الفقيه 1:47/18،التهذيب 1:65/26،الوسائل 1:301 أبواب أحكام الخلوة ب 2 ح 2.
6- المقنع:7،الوسائل 1:301 أبواب أحكام الخلوة ب 2 ذيل الحديث 2.

لعلّتين،إحداهما:أنّ الريح يردّ البول فيصيب الثوب و ربما لم يعلم الرجل ذلك أو لم يجد ما يغسله.و العلّة الثانية:أن مع الريح ملكا فلا يستقبل بالعورة (1).

و الخبران و إن احتملا الاستقبال عند البول و الاستدبار عند الغائط، و مرجعهما جميعا الاستقبال بالحدث،إلاّ أن الظهور بل مطلق الاحتمال في مثل المقام لعلّه كاف.و اللّه العالم.

و الأكل و الشرب حال التخلي،كما عن جماعة (2)،بل مطلقا كما عن غيرهم (3)؛لمهانة النفس،و فحوى مرسلة الفقيه:إنّ أبا جعفر عليه السلام دخل الخلاء،فوجد لقمة خبز في القذر،فأخذها و غسلها و دفعها إلى مملوك له و قال:«تكون معك لآكلها إذا خرجت» (4).

و أسند في عيون أخبار الرضا و في صحيفة الرضا،عن الرضا عليه السلام:أنّ الحسين بن علي عليهما السلام فعل ذلك (5).

و السواك أي الاستياك حال التخلي،أو مطلقا،بناء على اختلاف نسختي المرسل:«إنّ السواك على الخلاء يورث البخر» (6)كذا في الفقيه

ص:112


1- بحار الأنوار 77:53/194.
2- منهم الشيخ في مصباح المتهجد:6،و ابن البراج في المهذب 1:40،و العلامة في نهاية الأحكام 1:85.
3- كالمحقق في المعتبر 1:138،و الشهيد الأول في الذكرى:20،و الشهيد الثاني في الروضة 1:88،و السبزواري في الذخيرة:22.
4- الفقيه 1:49/18،الوسائل 1:361 أبواب أحكام الخلوة ب 39 ح 1.
5- العيون 2:154/43،صحيفة الرضا«عليه السلام»:176/80،الوسائل 1:361 أبواب أحكام الخلوة ب 39 ح 2.
6- الفقيه 1:110/32،التهذيب 1:85/32،الوسائل 1:337 أبواب أحكام الخلوة ب 21 ح 1،بخر الفم بخرا:أنتنت ريحه.المصباح المنير:37.

و ظاهره الأول،و في التهذيب بدل«على»«في»و ظاهره الثاني لو أريد به بيته، و إلاّ فكالأول.

و الاستنجاء و منه الاستجمار باليمين للنهي عنه في الأخبار (1)، و فيها أنه من الجفاء،و فيها النهي عن مسّ الذكر باليمين.

و عنه صلّى اللّه عليه و آله أنه كانت يمناه لطهوره و طعامه،و يسراه لخلائه و ما كان من أذى (2).

و استحب أن يجعل اليمين لما علا من الأمور،و اليسار لما دنا.و لا يدفعه ما في الخبر:«يجزيك من الغسل و الاستنجاء ما بلّت يمينك» (3)فتدبّر .

و باليسار و فيها خاتم عليه اسم اللّه تعالى بشرط عدم التلويث،و معه يحرم قطعا.

و الأخبار بالأول مستفيضة،منها:الخبر المروي في الخصال:«من نقش على خاتمه اسم اللّه عز و جل فليحوّله عن اليد التي يستنجي بها في المتوضّإ» (4).

و منها:الخبر المروي في أمالي الصدوق:الرجل يستنجي و خاتمه في إصبعه و نقشه لا إله إلاّ اللّه،فقال:«أكره ذلك له»فقلت:جعلت فداك أو ليس كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كلّ واحد من آبائك يفعل ذلك و خاتمه في إصبعه؟قال:«بلى،و لكن يتختّمون في اليد اليمنى،فاتقوا اللّه و انظروا

ص:113


1- الوسائل 1:321 أبواب أحكام الخلوة ب 12.
2- سنن أبي داود 1:33/9.
3- الكافي 3:6/22 و فيه:و في نسخة من الوسائل:ما ملئت،بدلا من«بلّت»،الوسائل 1:322 أبواب أحكام الخلوة ب 13 ح 2.
4- الخصال:10/610،الوسائل 1:331 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 4،و المتوضّأ:الكنيف و المستراح-مجمع البحرين 1:441.

لأنفسكم» (1).

و منها:المروي في قرب الإسناد:عن الرجل يجامع و يدخل الكنيف و عليه الخاتم أو الشيء من القرآن،أ يصلح ذلك؟قال:«لا» (2).

و ما ربما يوجد في شواذّ الأخبار من عدم الكراهة لفعل الأئمة ذلك (3)، فمع ضعفه مؤوّل أو محمول على التقية .

و ربما ينقل عن الصدوق المنع من ذلك (4).و هو حسن لو لا ضعف الأخبار.

و يلحق باسمه تعالى اسم الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام.و هو حسن، و إن اختصت النصوص بالأوّل؛لما دلّ على استحباب تعظيم شعائر اللّه تعالى (5).

و لا ينافيه ما في الخبر:الرجل يريد الخلاء و عليه خاتم فيه اسم اللّه تعالى،فقال:«ما أحبّ ذلك»قال:فيكون اسم محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،قال:«لا بأس» (6)لضعفه،و عدم تضمنه الاستنجاء.

و يلحق بذلك الفصّة [المفصة] من حجر زمزم؛للخبر:ما تقول في الفصّ من أحجار زمزم؟قال:«لا بأس به،و لكن إذا أراد الاستنجاء نزعه» (7)فتأمل .

ص:114


1- أمالي الصدوق:5/369،الوسائل 1:333 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 9.
2- قرب الإسناد:1157/293 الوسائل 1:333 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 10.
3- التهذيب 1:83/31،الاستبصار 1:134/48،قرب الإسناد:566/154،الوسائل 1:332 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 8.
4- كما في الفقيه 1:20،و الهداية:16،و المقنع:3.
5- الحج:32.
6- التهذيب 1:84/32،الاستبصار 1:135/48،الوسائل 1:332 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 6.
7- الكافي 3:6/17 و فيه:من حجارة زمرّد،التهذيب 1:1059/355،الوسائل 1:359 أبواب أحكام الخلوة ب 36 ح 1.

قيل (1):و يوجد في نسخة الكافي بلفظ«حجارة زمرّد»بدل«أحجار زمزم».

و الكلام حال التخلي مطلقا،كما عن جماعة (2)،أو التغوط خاصة، كما عن آخرين (3)؛للأخبار،منها:ما في العلل:«من تكلّم على الخلاء لم تقض حاجته» (4)و في خبر آخر:«إلى أربعة أيام» (5).

و هما مشعران بالكراهة.

و عليها يحمل النهي عن إجابة الرجل لآخر و هو على الغائط في آخر (6).

و هو مع الأصل و ضعف الخبر يكفي لدفع المنع كما عن الصدوق (7).

إلاّ بذكر اللّه تعالى فإنّه حسن على كلّ حال،كما في الصحيح و غيره (8)،و تعضده العمومات،مع عدم تبادره من الأخبار الناهية.

و الخبر كالمتن مطلقان فيه،و ربما يقيّدان بذكره فيما بينه و بين نفسه، و هو حسن؛لأخبار التسمية عند الدخول (9)،و عن قرب الإسناد مسندا عن أبي جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال:«كان أبي يقول:إذا عطس

ص:115


1- قال به الشهيد في الذكرى:20،و هو في الكافي 3:6/17.
2- منهم الشيخ في الاقتصاد:241،و ابن البراج في المهذب 1:42،و العلامة في نهاية الأحكام 1:84.
3- كالشيخ في المبسوط 1:18،و الحلي في السرائر 1:97،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:23.
4- علل الشرائع:1/283،الوسائل 1:310 أبواب أحكام الخلوة ب 6 ح 2.
5- لم نجده في كتب الحديث،و قد نقله بعينه في كشف اللثام 1:24.
6- التهذيب 1:69/27،علل الشرائع:2/283،الوسائل 1:309 أبواب أحكام الخلوة ب 6 ح 1.
7- انظر الفقيه 1:21.
8- انظر الوسائل 1:314 أبواب أحكام الخلوة ب 7،و ج 7:149 أبواب الذكر ب 1.
9- الوسائل 1:306 أبواب أحكام الخلوة ب 5.

أحدكم و هو على الخلاء فليحمد اللّه تعالى في نفسه» (1).

أو حكاية الأذان مطلقا،أو سرّا في نفسه؛للأخبار،منها الصحيح:

«و لو سمعت المنادي ينادي بالأذان و أنت على الخلاء فاذكر اللّه عزّ و جلّ و قل كما يقول» (2)و في رواية:«إنّه يزيد في الرزق» (3).

و لا يحتاج إلى تبديل الحيّعلات بالحوقلات؛التفاتا إمّا إلى إطلاق النصوص من دون إشارة فيها إلى ذلك،أو إلى الشك في دخول مثله في الكلام المنهي عنه.

أو للضرورة في طلب الحاجة إن لم يمكن بالإشارة أو التصفيق أو نحوهما،فربما وجب،و هو واضح.

أو لرّد السلام،و حمد العاطس،و تسميته،كما عن المنتهى و نهاية الأحكام (4)؛لعموم أدلة الوجوب و الاستحباب.

ص:116


1- قرب الإسناد:239/74،الوسائل 1:313 أبواب أحكام الخلوة ب 7 ح 9.
2- الفقيه 1:892/187،علل الشرائع:2/284،الوسائل 1:314 أبواب أحكام الخلوة ب 8 ح 1.
3- علل الشرائع:4/284،الوسائل 1:314 أبواب أحكام الخلوة ب 8 ح 3.
4- المنتهى 1:41،نهاية الأحكام 1:84.
الثالث في الكيفية
اشارة

الثالث:في الكيفية.

و الفروض سبعة

و الفروض سبعة :

الأول النية

الأول:النية و هي القصد إلى فعله مقارنة لغسل الوجه المعتبر شرعا،و هو أول جزء من أعلاه،لعدم تسمية ما دونه غسلا شرعا.

مشتملة على قصد الوجوب فيما لو كان واجبا بوقوعه في وقت عبادة واجبة مشروطة به،و الندب في غيره.

و التقرب به إلى اللّه تعالى،بأن يقصد فعله للّه سبحانه،امتثالا لأمره،أو موافقة لطاعته،أو طلبا للرفعة عنده بواسطته تشبيها بالقرب المكاني،أو لنيل الثواب عنده،أو الخلاص من عقابه.

على خلاف في صحة الأخيرين من جمع (1)،نسبه شيخنا الشهيد في قواعده إلى الأصحاب (2)،استنادا منهم إلى منافاته للإخلاص المأمور به.و هو خلاف ما يستفاد من الكتاب و السنّة المتواترة معنى،و لذا اختار جملة من المحقّقين الجواز (3).

و قيل:أو (4)مجردا عن ذلك ،فإنه تعالى غاية كل مقصود (5).

و على الاستباحة مطلقا (6)،أو الرفع حيث يمكن.

ص:117


1- نسب ذلك في روض الجنان:27 إلى السيد رضي الدين بن طاوس،و قال في الحدائق 2: 177:المشهور بين الأصحاب-بل ادعي عليه الإجماع-بطلان العبادة بهاتين الغايتين.
2- القواعد و الفوائد 1:77.
3- منهم الشهيد في الذكرى:79،و صاحب المدارك 1:187،و السبزواري في الذخيرة:24.
4- عطفا على قوله طلبا للرفعة.منه رحمه اللّه.
5- الذكرى:80.
6- أي سواء أمكن الرفع أم لا،كوضوء المستحاضة و السلس و المبطون.منه رحمه اللّه.

و لا شبهة في إجزاء النية المشتملة على ما تقدّم و إن كان في وجوب ما عدا القربة نظر،لعدم قيام دليل عليه يعتدّ به.أمّا هي فلا شبهة في اعتبارها في كل عبادة،بل و لا خلاف فيه فتوى و دليلا،كتابا و سنّة،و ربما نسب في الذكرى إلى الإسكافي الاستحباب في الطهارات الثلاث (1)،و لكن المصنف في المعتبر نسب إليه الوجوب (2).

و كذا (3)تمييز العبادة عن غيرها حيث يكون مشتركا،إلا أنه-على ما قيل (4)-لا اشتراك في مثل الوضوء حتى في الوجوب و الندب،لأنه في وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلاّ واجبا،و بدونه يكون مندوبا،و على التقديرين يكون معيّنا.

و يجوز بل و يستحب كما في القواعد (5)تقديمها عند غسل اليدين المستحب للوضوء لوقوعه من حدث البول أو الغائط أو النوم،و الاغتراف من إناء لا يسع كرّا أو مطلقا،مع خلوّهما عن النجاسة المتيقنة،عند الأكثر؛التفاتا إلى كونه من الأجزاء المندوبة له.

و هو غير معلوم،فالتأخير إلى غسل الوجه أولى،وفاقا لجماعة،منهم الشهيد في البيان و النفلية (6)،و عن ابن طاوس (7)التوقف في ذلك.

و على الأول جاز التقديم عند المضمضة و الاستنشاق أيضا.و عن ظاهر الغنية و موضع من السرائر تخصيص الجواز به خاصة (8).

ص:118


1- الذكرى:80.
2- المعتبر 1:138.
3- أي لا شبهة في اعتبار التمييز.منه رحمه اللّه.
4- قال به صاحب المدارك 1:188.
5- القواعد 1:9.
6- البيان:43،النفلية:7.
7- و هو السيد جمال الدين صاحب البشرى،نقله عنه في التنقيح 1:77.
8- الغنية(الجوامع الفقهية):553،السرائر 1:98.

و هو حسن لو ثبتت فيهما الجزئية،و لكن النصوص بخروجهما من الوضوء كثيرة (1).

و دعوى الوفاق (2)على كونهما-مع ما تقدّم (3)-من سننه لا يستلزم الدلالة على الجزئية؛لكونه أعم.

و تجب استدامة حكمها حتى الفراغ من الوضوء بمعنى أن لا ينتقل من تلك النية إلى نية تخالفها كما في الشرائع (4)،و عن المبسوط و المنتهى و الجامع و التذكرة و نهاية الأحكام (5).

و نسبه الشهيد إلى الأكثر،قال:و كأنه بناء منهم على أنّ الباقي مستغن عن المؤثر (6).

و لعلّه أراد أنه إذا أخلص العمل للّه تعالى ابتداء بقي الخلوص و إن غفل عنه في الأثناء.

و عن الغنية و السرائر:أن يكون ذاكرا لها غير فاعل لنية تخالفها (7).

و مقتضاه اعتبار استدامتها فعلا كما هو مقتضى الأدلة؛لوجوب تلبس العمل بجميعه بالنية،و الاستدامة الحكمية مستلزمة لخلوّ حلّ العمل عنها،إذ ليست بنية حقيقة.

ص:119


1- الوسائل 1:387 أبواب الوضوء ب 15.
2- ادّعاه العلامة في نهاية الأحكام 1:28،و التذكرة 1:20،و المنتهى 1:49،و الشهيد في الذكرى:93.منه رحمه اللّه.
3- أي غسل اليدين.منه رحمه اللّه.
4- الشرائع 1:20.
5- المبسوط 1:19،المنتهى 1:55،الجامع للشرائع:35،التذكرة 1:15،نهاية الأحكام 1:29.
6- كما في الذكرى:81.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):553،السرائر 1:98.

و مبنى الخلاف (1)هو الاختلاف في تفسير أصل النية المعتبرة،هل هي الصورة المخطرة بالبال،أم نفس الداعي إلى الفعل و إن لم يكن بالبال مخطرا في الحال؟ (2).

فعلى الأول لا يمكن اعتبار الاستدامة الفعلية بناء على تعذّرها أو تعسّرها،إذ ما جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [1] (3).و اعتبار الحكمية حينئذ بالمعنى المتقدّم بناء على أنّ«ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (4)و ذلك لاعتبارها بالمعنى المزبور في أصل النّية كاعتبار الجزء في الكل،و سقوط الكل بالأمرين لا يستلزم سقوط جزئه،لما عرفت.فتأمّل .

و على الثاني ممكن اعتبارها فيجب.

و حيث إنّ المستفاد من الأدلّة ليس إلاّ الثاني؛بناء على دلالتها على اعتبار النيّة في أصل العمل و مجموعه،و هو ظاهر في وجوب بقائها بنفسها إلى منتهاه،و هو في المخطر كما عرفت غير ممكن،و ليس بعد ذلك إلاّ الداعي؛ فتجب إرادته منها،و لا صارف يوجب المصير إلى الأوّل.

هذا مع أنّ معناها لغة و عرفا ليس إلاّ ذلك،و لذا العامل عملا لم يخطر القصد بباله حينه لا يكون في العرف عاملا بغير نيّة،بل لا ريب في تلبس عمله بها عند أهله،و ليست العبادات فيها (5)إلاّ مثل غيرها،و إنما الفارق بينهما اعتبار الخلوص و القربة في الأوّل دون الثاني.

فالمكلّف به المشترط في صحّة العبادات ليس إلاّ الخصوصيّة و هي

ص:120


1- أي اعتبار استدامة الفعلية أو الاكتفاء بالحكمية.منه رحمه اللّه.
2- أي حال الإتيان بالفعل.منه رحمه اللّه.
3- الأحزاب:4.
4- عوالي اللئالي 4:207/58.
5- أي في النية.منه رحمه اللّه.

الإخلاص دون أصل النيّة،لعدم القدرة على تركها،و لذا قيل:لو كلّفنا اللّه تعالى بإيقاع الفعل من دون نيّة لكان تكليفا بما لا يطاق (1).

و ممّا ذكر ظهر سقوط كلفة البحث عن المقارنة و تقديمها عند غسل اليدين؛لعدم انفكاك المكلّف على هذا التقدير عنها،فلا يتصوّر فقدها عند القيام إلى العمل ليعتبر المقارنة لأول العمل الواجبي أو المستحبّي.

الثاني غسل الوجه

و الثاني:غسل الوجه بالنص و الإجماع و طوله من قصاص شعر الرّأس أي منتهى منبته عند الناصية،و هو عند انتهاء استدارة الرّأس و ابتداء تسطيح الجبهة،فالنزعتان من الرّأس.

إلى محادر شعر الذقن أي المواضع الّتي ينحدر فيها الشعر عنه و يسترسل،بالنّص و الإجماع.

و عرضه ما اشتمل عليه الإبهام و الوسطى بهما،مراعيا في ذلك مستوي الخلقة في الوجه و اليدين،فيرجع فاقد شعر الناصية و أشعر الجبهة المعبّر عن الأول بالأنزع و الثاني بالأغمّ.و قصير الأصابع و طويلها بالنسبة إلى وجهه،إلى مستوي الخلقة؛لبناء الحدود الشرعيّة على الغالب.

و عليه يحمل الصحيح:«الوجه الذي قال اللّه عزّ و جل،و أمر اللّه عزّ و جل بغسله،الّذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه،إن زاد عليه لم يؤجر، و إن نقص منه أثم:ما دارت عليه الإبهام و الوسطى،من قصاص شعر الرّأس إلى الذقن،و ما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه و ما سوى ذلك فليس من الوجه»قلت:الصدغ من الوجه؟قال:«لا» (2).

ص:121


1- نقله صاحب المدارك 1:185 عن بعض الفضلاء.
2- الكافي 3:1/27،الفقيه 1:88/28،التهذيب 1:154/54 باختلاف في السند، الوسائل 1:403 أبواب الوضوء ب 17 ح 1.

و منه يعلم أنه لا يجب غسل ما استرسل من اللحية و زاد عليها طولا و عرضا إجماعا،كما حكي (1).

و لا الصدغ بجميعه لو فسّر بما فوق العذار من الشعر خاصة،كما هو ظاهر الصحيح،و جمع من الأصحاب،بل و صريح بعضهم (2).

أو بعضه (3)ممّا لم يصل إليه الإصبعان لو فسّر بمجموع ما بين العين و الاذن،كما عن بعض أهل اللغة (4)و ظاهر جماعة (5).

و كيف كان فعدم دخوله مطلقا أو في الجملة إجماعي،بل قيل:إنه مذهب جمهور العلماء (6)،مضافا إلى دلالة الصحيح عليه من وجهين.

خلافا للمنقول عن بعض الحنابلة (7)و ظاهر الراوندي في الأحكام (8).

و لا ما (9)يخرج من العذار-و هو ما حاذى الاذن من الشعر-عن إحاطة الإصبعين،كما عن المعتبر و التذكرة و نهاية الأحكام (10).

و منه يظهر ضعف القولين بوجوب غسله مطلقا كما عن ظاهر المبسوط و الخلاف (11)،و عدمه كذلك كما عن صريح التحرير و المنتهى (12).و ربما احتاط

ص:122


1- انظر الخلاف 1:77،و المدارك 1:201.
2- كالعلامة في المنتهى 1:57،و الشهيد في الذكرى:83،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:66.
3- عطف على جميعه.منه رحمه اللّه.
4- راجع القاموس المحيط 3:113،و مجمع البحرين 5:13،و الصحاح 4:1323.
5- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:5.
6- قال به السبزواري في الذخيرة:26.
7- كما في المغني 1:128.
8- فقه القرآن 1:13.
9- عطف على قوله:و الصدغ،أي لا يجب غسله.منه رحمه اللّه.
10- المعتبر 1:141،التذكرة 1:16،نهاية الأحكام 1:36.
11- المبسوط 1:20،الخلاف 1:77.
12- التحرير 1:9 و 10،المنتهى 1:57.

بالأول شيخنا في الذكرى و الدروس (1).

و منه يعلم عدم وجوب غسل البياض الذي بينه و بين الاذن بطريق أولى.

و لا ما خرج من العارض-و هو ما تحت العذار من جانبي اللحية إلى شعر الذقن-عن إحاطة الإصبعين كما عن نهاية الأحكام (2).

و منه يظهر ضعف القولين بوجوب غسله مطلقا كما عن الإسكافي و الشهيدين (3)،و عدمه كذلك كما عن المنتهى (4).و لكن الأول أحوط؛لدعوى ثانيهما الإجماع عليه.

و وجوب (5)غسل ما نالته الإصبعان من مواضع التحذيف،و هي:منابت الشعر الخفيف بين النزعة و الصدغ أو ابتداء العذار،كما عن الروضة و المسالك قطعا (6)،و الذكرى احتياطا (7).

خلافا للمنقول عن التذكرة و المنتهى (8)،بناء على دخولها في الرأس لنبات الشعر عليها.و ضعفه ظاهر.

و لا يجب تخليلها أي اللحية؛للأصل،و الإجماع،كما عن نص الخلاف و الناصريات (9).و هو كذلك في الكثيفة،و أمّا الخفيفة فربما يتوهم فيها

ص:123


1- الذكرى:83،الدروس:1:91.
2- نهاية الأحكام 1:36.
3- نقله عن الإسكافي في الذكرى:83،الشهيد الأول في الدروس:1:91،و الذكرى:83، الشهيد الثاني في الروضة 1:73.
4- المنتهى 1:57.
5- أي و يعلم منه وجوب غسل موضع التحذيف.منه رحمه اللّه.
6- الروضة 1:73،المسالك 1:5.
7- الذكرى:84.
8- التذكرة 1:16،المنتهى 1:57.
9- الخلاف 1:77،الناصريات(الجوامع الفقهية):184.

الخلاف،و الأشهر الأظهر:العدم؛للمعتبرة المستفيضة الصريحة الدلالة.

ففي الصحيح:«كلّ ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه» (1).

و في آخر:عن الرجل يتوضأ،أ يبطن لحيته؟قال:«لا» (2).

و في الموثق:«إنّما عليك أن تغسل ما ظهر» (3).

و تؤيده الصحاح المستفيضة المكتفية في غسل الوجه بالغرفة (4).

و المراد بتخليلها:إدخال الماء خلالها لغسل البشرة المستورة بها.

أما الظاهرة خلالها فلا بدّ من غسلها بلا خلاف كما يفهم من بعض العبارات (5)،بل و عن صريح بعض الإجماع عليه (6).

كما يجب غسل جزء آخر ممّا جاورها من المستورة من باب المقدمة، و ربما يحمل عليه كلام من أوجبه في الخفيفة،فيصير النزاع لفظيا،كما صرح به جماعة (7).

و هل يستحب (8)كما عن التذكرة و نهاية الأحكام و الشهيد (9)،أم لا كما

ص:124


1- الفقيه 1:88/28،الوسائل 1:476 أبواب الوضوء ب 46 ح 3.
2- الكافي 3:2/28،التهذيب 1:1084/360،الوسائل 1:476 أبواب الوضوء ب 46 ح 1.
3- التهذيب 1:202/78،الاستبصار 1:201/67،الوسائل 1:431 أبواب الوضوء ب 29 ح 6.
4- الوسائل 1:435 أبواب الوضوء ب 31.
5- انظر الذخيرة:28،و مشارق الشموس:104،و الحدائق 2:238.
6- كما في المقاصد العليّة:52.
7- منهم صاحب المدارك 1:203،و صاحب الحدائق 2:238،و الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك(المخطوط).
8- أي التخليل.منه رحمه اللّه.
9- التذكرة 1:16،نهاية الأحكام 1:58،و الشهيد في الدروس 1:91.

عن المصنف و المنتهى و ظاهر النفلية و البيان (1)؟ قولان،الظاهر:الثاني؛لعدم الثبوت،و احتمال الإخلال بالموالاة، و ظاهر النهي فيما تقدم،و احتمال دخوله في التعدي المنهي عنه،و كونه (2)مذهب العامة كما صرّح به جماعة (3)،و يستفاد من بعض المعتبرة المروي عن كشف الغمة فيما كتب مولانا الكاظم عليه السلام إلى عليّ بن يقطين اتقاء:

«اغسل وجهك[ثلاثا]و خلّل شعر لحيتك«ثمَّ كتب إليه»توضّأ كما أمر اللّه تعالى اغسل وجهك مرة فريضة و اخرى إسباغا إلى قال:«فقد زال ما كنّا نخاف عليك» (4).

و لم يتعرض له ثانيا،و لو كان مستحبا لأمر به كما أمر بالإسباغ.

و مع جميع ذلك لا يتم الثبوت من باب الاحتياط مع عدم تماميته مطلقا (5)؛للإجماع على عدم الوجوب في الكثيفة.

و يستوي في ذلك شعر اللحية و الشارب و الخدّ و العذار و الحاجب و العنفقة (6)و الهدب (7)مطلقا و لو من غير الرجل،مطلقا (8)،و عن الخلاف الإجماع عليه (9).

ص:125


1- المصنف في المعتبر 1:142،المنتهى 1:57،النفلية:6 و 7،البيان:45.
2- أي الاستحباب.منه رحمه اللّه.
3- منهم العلامة في المنتهى 1:57،و الفيض في المفاتيح 1:45؛و انظر المغني-لابن قدامة-1:116.
4- كشف الغمة 2:225،و رواه المفيد في إرشاده 2:227،الوسائل 1:444 أبواب الوضوء ب 32 ح 3؛و ما بين المعقوفين من المصادر.
5- أي حتى في الكثيفة.منه رحمه اللّه.
6- شعرات بين الشفة السفلى و الذقن.منه رحمه اللّه.
7- شعرات أشفار العين.منه رحمه اللّه.
8- أي و لو كان خفيفا.منه رحمه اللّه.
9- الخلاف 1:77.
الثالث غسل اليدين مع المرفقين

و الثالث:غسل اليدين مع المرفقين بالنص و الإجماع،و هو-بكسر الميم و فتح الفاء أو بالعكس-مجمع عظمي الذراع و العضد ،لا نفس المفصل،كما يستفاد من إطلاق الصحيحين الآمرين بغسل المكان المقطوع منه منهما (1)،الشاملين لما لو قطع من المفصل.

و خصوص ظاهر الصحيح:عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟قال:«يغسل ما بقي من عضده» (2).

بناء على جعل الموصول للعهد،و الجارّ ظرفا مستقرا على أنه حال مؤكدة،أو لغوا متعلقا ب:يغسل مع كونه للتبعيض.فتأمل.

و يظهر من هذا كون وجوب غسلهما أصالة لا من باب المقدمة،مضافا إلى ظواهر المعتبرة في الوضوءات البيانية المتضمنة لوضع الغرفة على المرفق كوضعها على الجبهة،فكما أنّ الثاني ليس من باب المقدمة بل بالأصالة فكذا الأول،و خصوص الإجماعات المنقولة عن التبيان و الطبرسي و المنتهى (3).

و مظهر ثمرة الخلاف (4)ما ذكرناه،و غسل الزائد على المفصل من باب المقدمة،فيجب على الأول دون الثاني.

و يجب أن يكون فيه مبتدئا بهما،و لو نكس فقولان،أشبههما و أشهرهما بل عن التبيان و غيره (5)الإجماع عليه أنه لا يجوز للأصل،

ص:126


1- الأول: التهذيب 1:1078/359،الوسائل 1:480 أبواب الوضوء ب 49 ح 4. الثاني: الكافي 3:8/29،الوسائل 1:479 أبواب الوضوء ب 49 ح 1.
2- الكافي 3:9/29،الفقيه 1:99/30،التهذيب 1:1086/360،الوسائل 1:479 أبواب الوضوء ب 49 ح 2.
3- التبيان 3:451،و الطبرسي في مجمع البيان 2:164،و المنتهى 1:58.
4- أي بين كونه أصالة أو من باب المقدمة.منه رحمه اللّه.
5- التبيان 3:451؛و انظر مجمع البيان 2:164.

و الوضوءات البيانية المستفادة من المعتبرة.

منها:الصحيح في بيان وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

أنه غمس كفه اليسرى،فغرف بها غرفة،فأفرغ على ذراعه اليمنى،فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردّها إلى المرفق،ثمَّ غمس كفه اليمنى،فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق،و صنع بها مثل ما صنع باليمنى (1).

مع قوله عليه السلام في المنجبر ضعفه بالشهرة:«هذا وضوء لا يقبل اللّه تعالى الصلاة إلاّ به» (2).

و خصوص المعتبرين المروي أحدهما في تفسير العيّاشي،و فيه الأمر بصب الماء على المرفق،و ظاهره الوجوب،مضافا إلى تأيده بما في آخره:

قلت له:يردّ الشعر؟قال:«إذا كان عنده آخر فعل و إلاّ فلا» (3).

و في ثانيهما:عن قول اللّه عزّ و جل فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ [1] فقلت:هكذا؟و مسحت من ظهر كفّي إلى المرافق،فقال:«ليس هكذا تنزيلها،و إنما هي:فاغسلوا وجوهكم و أيديكم من المرافق»ثمَّ أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه (4).

و ظاهره بل صريحه الوجوب،و ضعفها مجبور بما تقدّم.

و ممّا ذكر ظهر وجوب البدأة بالأعلى في غسل الوجه أيضا،مضافا إلى الأمر به بخصوصه في بعض الأخبار المنجبر قصور سنده بالاشتهار،رواه في قرب الإسناد،و فيه:«لا تلطم وجهك بالماء لطما،و لكن اغسل من أعلى

ص:127


1- الكافي 3:5/25،التهذيب 1:191/76 بتفاوت يسير،الوسائل 1:388 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.
2- الفقيه،1:76/25،الوسائل 1:438 أبواب الوضوء ب 31 ح 11.
3- تفسير العياشي 1:54/300،المستدرك 1:311 أبواب الوضوء ب 18 ح 2.
4- الكافي 3:5/28،التهذيب 1:159/57،الوسائل 1:405 أبواب الوضوء ب 19 ح 1.

وجهك إلى أسفله بالماء مسحا»الحديث (1).

خلافا للمرتضى و الحلّي (2)في المقامين،فلم يوجباه؛لإطلاق الآية.

و هو ضعيف بما قدّمناه.

و يجب غسل ما اشتملت عليه الحدود من لحم زائد و يد و إصبع و شعر مطلقا (3)،على الإشكال في الأخير،دون ما خرج و إن كان يدا على الأظهر، إلاّ أن تشتبه بالأصلية فيغسلان معا من باب المقدمة،قاصدا فيهما الوجوب أصالة ظاهرا.

و أقلّ الغسل مطلقا (4)ما يحصل به مسمّاه بأن ينتقل كل جزء من الماء عن محله إلى غيره بنفسه أو بمعين،فيكفي ذلك و لو كان دهنا بالفتح مع الجريان،و لا يجزي ما دونه مطلقا،على الأشهر الأظهر،بل كاد أن يكون إجماعا.

لظاهر الآية (5)،و النصوص المستفيضة الآمرة بالغسل في موضعين و المسح في آخرين (6)فلا يجوز العدول عنها،و خصوص ظاهر المعتبرة،منها الخبر:«الغسل من الجنابة و الوضوء يجزي منه ما اجري من الدهن الذي يبلّ الجسد» (7).

و على المبالغة في الاكتفاء بالمسمّى يحمل ما أطلق فيه الاجتزاء بالدهن

ص:128


1- قرب الإسناد:1215/312،الوسائل 1:398 أبواب الوضوء ب 15 ح 22.
2- المرتضى في الانتصار:16،الحلي في السرائر 1:99.
3- أي خفيفا كان شعره أو كثيفا.منه رحمه اللّه.
4- أي هنا و في الغسل.منه رحمه اللّه.
5- المائدة:6.
6- الوسائل 1:387 أبواب الوضوء ب 15.
7- التهذيب 1:385/138،الاستبصار 1:414/122،الوسائل 1:485 أبواب الوضوء ب 52 ح 5،و في الجميع:«ما أجزأ»بدل«ما اجري».

من المعتبرة (1)،و الخبر المزبور شاهد بذلك، لاعتبار الجريان فيه مع إطلاق الدهن فيه أيضا،و إلاّ (2)فهي مخالفة لظاهر ما تقدم،بل و الضرورة من الدين، لما اشتهر بين العامة و الخاصة من أن الوضوء غسلتان و مسحتان أو مسحة و ثلاث غسلات من دون تفصيل.

خلافا للمقنعة و النهاية (3)،فاكتفيا به حال الضرورة،و يمكن حملهما -كالمعتبرة-على المبالغة،و إلاّ فيتوجه عليهما ما تقدّم،مضافا إلى عدم ظهور المجوزة فيها،فلا وجه لتخصيصها بها مع حصول الجمع بما تقدم (4).و على تقدير عدم إمكانه به فطرحها متعيّن و الأخذ بما قابلها لازم؛للشهرة العظيمة، و ظاهر الآية و الأخبار المستفيضة،المؤيدة بوجوب تحصيل البراءة اليقينية.

فتأمّل.

الرابع مسح مقدّم الرأس

و الرابع:مسح بشرة مقدّم الرأس أو شعره الغير المتجاوز بمدّه عن حدّه،بالنصوص و الإجماع.

ففي الصحيح:«مسح الرأس على مقدّمه» (5)و في آخر:«تمسح ببلّة يمناك ناصيتك» (6).

و بها يقيد إطلاق الآية و الأخبار.

و ما في شواذ أخبارنا (7)-ممّا يخالف بظاهره ذلك-فضعيف متروك

ص:129


1- كصحيحة زرارة و محمد بن مسلم،انظر الوسائل 1:484 أبواب الوضوء 52 ح 1.
2- أي:و إن لم تحمل المعتبرة المذكورة عليه.منه رحمه اللّه.
3- المقنعة:59،النهاية:15.
4- هذا دفع دخل،و هو أنه قد يكون وجه التخصيص الجمع بين الروايات.منه رحمه اللّه.
5- التهذيب 1:171/62،الاستبصار 1:176/60،الوسائل 1:410 أبواب الوضوء ب 22 ح 1.
6- الكافي 3:4/25،الوسائل 1:387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.
7- الوسائل 1:411 أبواب الوضوء ب 22 الأحاديث 5 و 6 و 7.

بإجماعنا،محمول على التقية.

و المراد بالمقدّم ما قابل المؤخر،لا خصوص ما بين النزعتين المعبّر عنه بالناصية،فلو مسح القدر الواجب من أيّ موضع منه-و لو ارتفع الناصية و لم يصادف منها شيئا-كفى على ما يستفاد من ظاهر كلمة الأصحاب.

إلاّ أن ظاهر الصحيح المتقدم يعطي تعيّن الثاني؛لظاهر الأمر،بناء على تفسير الناصية به،إلاّ أنه ربما فسّرت بمطلق شعر مقدّم الرأس أيضا (1)،و في كتب جماعة من أهل اللغة (2):أنها خصوص القصاص الذي هو آخر منابت شعر الرأس.و به يخرج عن صلاحية تقييد الأخبار المطلقة في المقدم ،و لكن مراعاته أحوط.

و يجب أن يكون المسح ببقية البلل و لو بالأخذ من مظانها إن لم تبق،أو مطلقا.

و الأول أظهر؛نظرا إلى الاحتياط،و الوضوءات البيانية،و التفاتا إلى الحسن الآمر بمسح الناصية،و ظهر القدم اليمنى ببلّة اليمنى،و ظهر القدم اليسرى ببلّة اليسرى (3)،و المرسل المشترط في جواز الأخذ من بلّة اللحية و الحاجب و أشفار العينين جفاف بلة اليد (4)،و في معناه أخبار أخر (5).

و قصور أسانيدها بالشهرة منجبر،و حملها-ككلمة الأصحاب-على الغالب نافع مع وجود الدليل على إجزاء غيره و ليس،إذ المطلق منصرف إلى الشائع المتبادر ،فلا ينفع.

ص:130


1- انظر مجمع الفائدة و البرهان 1:103.
2- كالقاموس 4:398،و المصباح المنير:609.
3- الكافي 3:4/25،الوسائل 1:387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.
4- الفقيه 1:134/36،الوسائل 1:409 أبواب الوضوء ب 21 ح 8.
5- الوسائل 1:407 أبواب الوضوء ب 21.

و منه يظهر ضعف القول بالثاني و المستند (1)لأصل الحكم،مضافا إلى دعوى الإجماع عليه،و به يقيد إطلاق الآية و الأخبار.

و ربما نسب إلى الإسكافي تجويز استئناف ماء جديد مطلقا،أو مع الجفاف،على اختلاف النقلين (2).

للخبرين،أحدهما الصحيح:أ يجزي الرجل أن يمسح قدمه بفضل رأسه؟فقال برأسه:لا،فقلت:أ بماء جديد؟فقال برأسه:نعم (3).

و الآخر الموثق:أمسح بما في يدي من الندى رأسي؟قال:«لا بل تضع يدك في الماء ثمَّ تمسح» (4).

و دلالتهما كما ترى ،مع أن في الأول إشعارا بالتقية فيحملان عليها،و لا ينافيه مسح القدم في الأول؛لوجود القول به بينهم في سابق الزمان (5).

و أقلّ الواجب منه الإتيان بما يسمّى به مسحا و لو بجزء من إصبع،ممرا له على الممسوح ليتحقق اسمه،لا بمجرّد وضعه،على الأصح الأشهر،بل عن التبيان و مجمع البيان و روض الجنان للشيخ أبي الفتوح الرازي و أحكام القرآن للراوندي و عن ابن زهرة العلوي:الإجماع عليه (6).

للأصل،و الإطلاقات،و خصوص الصحاح،منها:«إذا مسحت بشيء

ص:131


1- عطف على ضعف أي و منه يظهر المستند.منه رحمه اللّه.
2- نسبه إليه في المختلف:24 و 25.
3- التهذيب 1:163/58،الاستبصار 1:173/58،الوسائل 1:409 أبواب الوضوء ب 21 ح 5.
4- التهذيب 1:164/59،الاستبصار 1:174/59،الوسائل 1:408 أبواب الوضوء ب 21 ح 4.
5- حكاه في التفسير الكبير 11:161 عن ابن عباس و أنس بن مالك و عكرمة و الشعبي.
6- التبيان 3:451،مجمع البيان 2:164،روض الجنان 4:125،فقه القرآن 1:17،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):553.

من رأسك أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك» (1).

و قيل:إنّ الأقل مقدار إصبع،كما في المقنعة و التهذيب (2)،و عن الخلاف و جمل السيّد و الغنية و المراسم و أبي الصلاح و المهذّب و الراوندي في موضع آخر من الكتاب المزبور (3).

للخبرين،أحدهما المرسل:في الرجل يتوضأ و عليه العمامة،قال:

«يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدّم رأسه» (4).

و ثانيهما القاصر سندا و المعيب متنا:عن الرجل يمسح رأسه من خلفه و عليه عمامة بإصبعه،أ يجزيه ذلك؟فقال:«نعم» (5).

و هما-مع ما هما عليه-غير واضحي الدلالة و المقاومة لما قدّمناه من الأدلة،فيحملان على كون الإدخال لتحصيل المسمّى أو الاستحباب.

و قد حمل على الأول كلام الجماعة،لكن عبارة التهذيب تأباه،فإنّها صريحة في المنع عن الأقل من الإصبع الواحدة،مستندا إلى أنّ السنّة منعت منه.

ص:132


1- التهذيب 1:237/90،الاستبصار 1:182/61،الوسائل 1:414 أبواب الوضوء ب 23 ح 4.
2- المقنعة:48،التهذيب 1:89.
3- الخلاف 1:82،جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):24،الغنية(الجوامع الفقهية):553،المراسم:37،أبو الصلاح في الكافي:132،المهذب 1:44،فقه القرآن 1:29.
4- التهذيب 1:238/90،الاستبصار 1:178/60،الوسائل 1:416 أبواب الوضوء ب 24 ح 1.
5- التهذيب 1:240/90،الاستبصار 1:179/60،الوسائل 1:411 أبواب الوضوء ب 22 ح 4.

و ربما عكس الأمر فأوّل كلام من تقدم بإرادتهم من المسمّى خصوص الإصبع.و هو مع بعده لا وجه له،سيّما مع تصريح بعضهم بالاكتفاء بالأقل، و لا ريب أنه أحوط.

و قيل:أقلّه أي المسح أن يمسح مقدار ثلاث أصابع مضمومة مطلقا،كما عن الشيخ في بعض كتبه (1)،و السيّد في خلافه (2)؛لظاهر الصحيح:«المرأة تجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدّمه قدر ثلاث أصابع، و لا تلقي عنها خمارها» (3).

و هو؛مع قصوره عن المقاومة لما تقدّم،و إشعاره باختصاصه بالمرأة، كما يعزى إلى الإسكافي حيث قال فيها بذلك و لكن في الرجل بالإصبع الواحدة (4)؛غير صريح الدلالة،لاحتمال إرادة الإجزاء من القدر المندوب لا الواجب،بل و لا يبعد ظهوره بملاحظة ما في خبر آخر:«يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع،و كذلك الرّجل» (5)فإنّ عدم التفصيل في ذلك بين الرأس و الرّجل-مع استحبابه في الرّجل إجماعا كما حكي (6)-قرينة (واضحة) (7)على كون الإجزاء بالنسبة إلى الرأس كذلك.

هذا و المنقول عن أبي حنيفة المصير إلى هذا القول (8)،فيتعيّن الحمل

ص:133


1- النهاية:14.
2- كما نقله عنه الشهيد في الذكرى:86.
3- الكافي 3:5/30،التهذيب 1:195/77،الوسائل 1:416 أبواب الوضوء ب 24 ح 3.
4- حكاه عنه الشهيد في الذكرى:86.
5- الكافي 3:1/29،التهذيب 1:167/60،الاستبصار 1:177/60،الوسائل 1:417 أبواب الوضوء ب 24 ح 5.
6- قال في مفتاح الكرامة 1:252:و لقد تتبّعت جملة من كتب الأصحاب فما وجدت أحدا وافق المصنف-أي العلامة-على هذا الاستحباب.
7- ليست في«ش».
8- نقله عنه في بدائع الصنائع 1:4،و المحلى لابن حزم 2:52.

على التقية،و لا بأس بالحمل على الاستحباب وفاقا للجماعة.

و ربما قيل:حدّه أن يمسح بثلاث أصابع مضمومة كذلك (1).و مستنده غير واضح.

و عن النهاية و الدروس:وجوبها اختيارا و الاكتفاء بالإصبع الواحدة اضطرارا (2).و هو كسابقه في عدم وضوح مستنده؛و لعلّه للجمع بين خبري الإصبع و الثلاث.و لا شاهد له،و ثقل نزع العمامة ليس بضرورة.هذا مع عدم التكافؤ بينهما،لما عرفت.

و لو استقبل الشعر في مسحه فنكس فالأشبه الجواز مع الكراهة وفاقا للمشهور؛للصحيح:«لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا» (3)مؤيّدا بالأصل و الإطلاقات.

خلافا لجماعة (4)؛للاحتياط،و الوضوءات البيانية،و غيرهما ممّا تقدم دليلا لعدم جواز النكس في الغسلتين.و هو كذلك لو لا الصحيح المعتضد بالشهرة.

و إنّما يكره تفصيا من الخلاف،و احتياطا عن الأدلة المزبورة،و الإجماع المنقول في الخلاف و الانتصار (5).و عدم مقاومته للصحيح-مع كونه في حكم الصحيح على الصحيح-لتطرق القدح إليه بمخالفته الشهرة الموهنة، المخرجة له عن حيّز الحجية في نفسه.

ص:134


1- قال به الصدوق في الفقيه 1:28.
2- النهاية:14،الدروس 1:92.
3- التهذيب 1:161/58،الاستبصار 1:169/57،الوسائل 1:406 أبواب الوضوء ب 20 ح 1.
4- منهم المفيد في المقنعة:44،و الشيخ في النهاية:14،و الشهيد في الدروس 1:92.
5- الخلاف 1:83،الانتصار:19.

و يجوز المسح على الشعر بالشرط المتقدم؛لإطلاق الأدلة مع كونه أغلب أفراده و البشرة بلا تأمل.

و لا يجزي المسح على حائل كالعمامة و غيرها،إجماعا منا؛ لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ،و أخبار رفع العمامة و القناع ثمَّ المسح كما تقدّم،و خصوص الصحيح:عن المسح على الخفّين و على العمامة،قال:

«لا تمسح عليهما» (1).

و المرفوع:في الذي يخضب رأسه بالحنّاء ثمَّ يبدو له في الوضوء،قال:

«لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه الماء» (2).

و الخبر المروي في كتاب عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام:عن المرأة هل يصلح لها أن تمسح على الخمار؟قال:«لا يصلح حتى تمسح على رأسها» (3).

و المجوّز لمسحه على الحنّاء-كالصحيحين (4)-مع شذوذه محتمل للضرورة أو اللون أو الإنكار أو غير ذلك.

و من العامة من جوّزه على العمامة (5)،و منهم من جوّزه على الرقيق الذي ينفذ منه الماء إلى الرأس (6).

ص:135


1- التهذيب 1:1090/361،الوسائل 1:459 أبواب الوضوء ب 38 ح 8.
2- الكافي 3:12/31،التهذيب 1:1080/359،الاستبصار 1:234/75،الوسائل 1: 455 أبواب الوضوء ب 37 ح 1.
3- مسائل علي بن جعفر:22/110،الوسائل 1:456 أبواب الوضوء ب 37 ح 5.
4- الأول:التهذيب 1:1079/359،الاستبصار 1:232/75،الوسائل 1:455 أبواب الوضوء ب 37 ح 3. الثاني:التهذيب 1:1080/359،الاستبصار 1:233/75،الوسائل 1:456 أبواب الوضوء ب 37 ح 4.
5- انظر بداية المجتهد 1:13،و المغني-لابن قدامة-1:142.
6- انظر بدائع الصنائع 1:5.

و يخصّ ذلك بحال الاختيار،فيجوز على الحائل حال الاضطرار اتفاقا على ما حكي (1)؛لعموم أدلة جواز المسح على الجبائر،كقوله عليه السلام في الحسن بعد أن سئل عن الرجل يكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من موضع الوضوء فيعصبها بخرقة و يتوضأ:«إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة» (2).

و يؤيّده ما دلّ على جوازه فيها في مسح الرجلين كما سيأتي.

فلا ينتقل حينئذ إلى التيمم.خلافا لمن شذّ (3).

الخامس مسح الرّجلين

و الخامس:مسح الرّجلين دون غسلهما؛بالضرورة من مذهبنا، و المتواترة معنى من أخبارنا (4).و ما في شواذّها ممّا يخالف بظاهره ذلك (5)محمول على التقية من أكثر من خالفنا،أو غير ذلك (6)ممّا ذكره بعض مشايخنا.

و محلّه:ظهرهما إجماعا،فتوى و رواية،و عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام:«لو لا أني رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يمسح ظاهر قدميه لظننت أنّ باطنهما أولى بالمسح من ظاهرهما» (7).

و ما في الخبرين-من مسح الظاهر و الباطن أمرا في أحدهما (8)و فعلا في

ص:136


1- حكاه صاحب الحدائق 1:310.
2- الكافي 3:3/33،التهذيب 1:1095/362،الاستبصار 1:239/77،الوسائل 1: 463 أبواب الوضوء ب 39 ح 2.
3- كصاحب المدارك 1:224.قال:و الانتقال إلى التيمم و الحال هذه محتمل.
4- الوسائل 1:418 أبواب الوضوء ب 25.
5- الوسائل 1:421 أبواب الوضوء ب 25 الأحاديث 13 و 14 و 15.
6- كالحمل على التنظيف.انظر التهذيب 1:64.
7- الفقيه 1:93/29،الوسائل 1:416 أبواب الوضوء ب 23 ح 9.
8- التهذيب 1:245/92،الاستبصار 1:185/62،الوسائل 1:415 أبواب الوضوء ب 23 ح 6.

الآخر (1)-محمول على التقية،و لا مانع منه من جهة تضمنهما المسح،إمّا لأن القائلين بغسلهما ربما يعبّرون بمسحهما،و إمّا لأن منهم من أوجب مسحهما مستوعبا (2)،و إمّا لأجل إيهام الناس الغسل بمسحهما كذلك.

و ربما يحمل على إرادة جواز الاستقبال و الاستدبار.هذا مع قصور سندهما و شذوذهما.

و حدّه طولا من رؤوس الأصابع إلى الكعبين إجماعا كما في الخلاف و الانتصار و التذكرة (3)،و ظاهر المنتهى و الذكرى (4)؛استنادا إلى ظاهر الكتاب،بجعل«إلى»غاية المسح.و لا يقدح فيه جعلها غاية للمغسول في اليدين بالإجماع،لعدم التلازم.نعم ربما ينافيه جواز النكس كما يأتي.(مع أنه على تقدير كونها غاية للممسوح يدل على لزوم الاستيعاب الطولي كما أن الأمر في غسل اليدين كذلك،هذا مضافا إلى) (5)الإجماعات و الاحتياط و الوضوءات البيانية،ففي الخبر:أخبرني من رأى أبا الحسن عليه السلام بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب،و من الكعب إلى أعلى القدم الحديث (6).

و خصوص الصحيح:عن المسح على القدمين،كيف هو؟فوضع كفه

ص:137


1- التهذيب 1:215/82،الاستبصار 1:181/61،الوسائل 1:415 أبواب الوضوء ب 23 ح 7.
2- انظر أحكام القرآن-للجصاص-2:345.
3- الخلاف 1:92،الانتصار:27،التذكرة 1:18.
4- المنتهى 1:63،الذكرى:88 و 89.
5- بدل ما بين القوسين في«ل»:فالعمدة..
6- الكافي 3:7/31،التهذيب 1:160/57،الاستبصار 1:170/58،قرب الإسناد: 1200/306 بتفاوت يسير،الوسائل 1:407 أبواب الوضوء ب 20 ح 3.

على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم الحديث (1).فتأمل.

و ربما احتمل الاكتفاء فيه بالمسمى؛بناء على كون الآية لتحديد الممسوح،بمعنى وجوب وقوع المسح على ما دخل في المحدود،تسوية بينه و بين المعطوف عليه،و للصحيح:«إذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من [دخل في المحدود تسوية بينه و بين المعطوف عليه و للصحيح إذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من] قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه» (2).

و يضعّفان بما تقدّم،و يضعّف الثاني بالخصوص باحتمال موصولية ما المفيدة للعموم،و الإبدال (3)من شيء،فيفيد بمفهوم الشرط توقف الإجزاء على مسح مجموع المسافة الكائنة بينهما،و هو يستلزم الوجوب،بل لعلّه الظاهر سيّما بملاحظة ما تقدم،فينهض دليلا على لزوم الاستيعاب.فتأمل.

و عرضا مسمّاه إجماعا،كما عن المعتبر و المنتهى و ظاهر التذكرة (4)؛ للصحيح المتقدم المعتضد بالأصل و الإطلاق.

و يستحب بثلاث أصابع؛للخبر المتقدم في مسح الرأس.

و قيل بوجوبه حكاه في التذكرة (5).

و عن النهاية و أحكام الراوندي:تحديد الواجب بالإصبع (6).

و عن ظاهر الغنية تحديده بالإصبعين (7).

و مستند الجميع غير واضح.

ص:138


1- الكافي 3:6/30،التهذيب 1:243/91،الاستبصار 1:184/62،الوسائل 1:417 أبواب الوضوء ب 24 ح 4.
2- الكافي 3:5/25،التهذيب 1:191/76،الوسائل 1:388 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.
3- عطف على الموصولية.منه رحمه اللّه.
4- المعتبر 1:150،المنتهى 1:63،التذكرة 1:18.
5- التذكرة 1:18.
6- النهاية:14،فقه القرآن 1:29.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):553.

و في الصحيح المتقدم إيماء إلى الوجوب بكل الكف،و لا قائل به، فيحمل على الاستحباب.

و عن بعض الأصحاب استحباب تفريج الأصابع (1).و لعله لا بأس به؛ للتسامح في مثله.

و في وجوب مسح الكعبين وجهان ،بل قولان،أحوطهما ذلك،و إن كان ظاهر بعض الصحاح-المتقدم في كفاية المسمى في المسح و المعتبرة النافية لوجوب استبطان الشراكين (2)-العدم.

و هما أي الكعبان قبّتا القدم أمام الساقين ما بين المفصل و المشط (3)،عند علمائنا أجمع،كما عن الانتصار و التبيان و الخلاف و مجمع البيان و المعتبر و المنتهى و الذكرى و ابن زهرة (4)،و ابن الأثير و غيره (5)،حيث نسبوا ذلك إلى الشيعة.

بل يستفاد من التهذيب كونه مجمعا عليه بين كل من قال بوجوب المسح من الأمة،صرح بذلك في شرح كلام المقنعة الصريح فيما ذكرناه بل هو عينه (6).

و هو المتفق عليه بين لغويينا (7)،و جمع من لغوي العامة بل جميعهم (8)؛

ص:139


1- كالشيخ أبي الحسن الحلبي في الإشارة:71،و نقله عنه في كشف اللثام 1:69.
2- الوسائل 1:414،415 أبواب الوضوء ب 23 ح 3 و 4 و 8.
3- مشط القدم:العظام الرقاق المفترشة فوق القدم دون الأصابع.لسان العرب 7:403.
4- الانتصار:28،التبيان 3:456،الخلاف 1:92،مجمع البيان 2:167،المعتبر 1: 151،المنتهى 1:64،الذكرى:88،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):553.
5- ابن الأثير في النهاية 4:178؛و انظر تفسير القرآن لابن كثير 2:49،و لسان العرب 1:718.
6- انظر المقنعة:44 و التهذيب 1:74.
7- كالفراهيدي في العين 1:207،و الطريحي في مجمع البحرين 2:160 و 161.
8- منهم الفيروزآبادي في القاموس 1:129،و المطرّزي في المغرب 2:153،و الفيومي في المصباح المنير 2:534.

لعدم الخلاف بينهم في تسمية ذلك كعبا،و إنّما الخلاف بينهم في تسمية ما عداه به،كما صرّح بالأمرين جماعة،بل و عن الصحاح كونه مذهب الناس عدا الأصمعي (1).

و هو المحكي في كلام الفرّاء،عن الكسائي،عن مولانا محمّد الباقر عليه السلام،حيث إنه أشار في البيان (2)إلى مشط الرّجل قائلا:إنه مذهب الخاصة (3).

و أخبارنا به مع ذلك مستفيضة،ففي الصحيح:«و إذا قطع-أي مولانا أمير المؤمنين عليه السلام-الرّجل قطعها من الكعب» (4).

و هو فيما ذكرنا ظاهر بناء على أن موضع القطع عند معقد الشراك بإجماعنا المستفيض نقله عن جماعة (5)من أصحابنا،و أخبارنا (6).

ففي المروي مسندا في الفقيه و التهذيب و الكافي عن مولانا الصادق عليه السلام:«إنما يقطع الرّجل من الكعب،و يترك من قدمه ما يقوم عليه و يصلّي و يعبد اللّه»الحديث (7).

و هو-كما ترى-صريح في المطلبين (8)،و سيأتي ما يدل على الثاني

ص:140


1- الصحاح 1:213.
2- أي بيان الكعب.منه رحمه اللّه.
3- حكاه في الذكرى:88.
4- الفقيه 4:157/46،الوسائل 254/28 أبواب حد السرقة ب 4 ح 8.
5- منهم الشيخ في الخلاف 1:93،و المبسوط 1:22،و المرتضى في الانتصار:28،و ابن حمزة في الوسيلة:49 و 50،و أبو الصلاح في الكافي:132.منه رحمه اللّه.
6- عطف على قوله بإجماعنا.منه رحمه اللّه.
7- الكافي 7:17/225،الفقيه 4:171/49،التهذيب 10:401/103،الوسائل 28: 2571 أبواب حد السرقة ب 5 ح 8.
8- أي كون الكعب وسط القدم و أنه مقطع رجل السارق.منه رحمه اللّه.

أيضا.

و في الصحيح:عن المسح على القدمين كيف هو؟فوضع كفه على الأصابع،فمسحها إلى الكعبين إلى ظهر القدم (1)أو:ظاهره على اختلاف النسختين.

و ظهوره فيما ذكرناه بناء على إطلاق اللفظتين لما ارتفع و ليس من القدم إلاّ وسطه.

و ينقدح منه وجه الاستدلال بالخبرين الموصف عليه السلام له في أحدهما في ظهر القدم (2)،و الواضع يده عليه قائلا:«إنّ هذا هو الكعب»في ثانيهما (3).

و حمل الثلاثة الأخيرة-ككلام أكثر الأصحاب-على قول من يذهب منّا إلى أنه المفصل بين الساق و القدم،بإرادة العظم المائل إلى الاستدارة الواقع في ملتقى الساق و القدم الناتئ في وسط القدم عرضا نتوّا غير محسوس،من العظم (4)الناتئ في وسط القدم،كما في عبارات الأكثر،و من ظهر القدم كما في الثلاثة.

بعيد مخالف للظاهر و المتبادر منهما كما اعترف به الحامل (5)،فلا وجه له أصلا سيّما بعد ذلك،مضافا إلى عدم قبول ظاهر عبارات الأكثر ذلك، لوصفه بالنتوّ في ظهر القدم عند معقد الشراك في عبارة،و كونه معقد الشراك في أخرى،و كونهما في ظهر القدم عند معقد الشراك في ثالثة،و أنهما في معقد

ص:141


1- تقدّم مصدره في ص:138-137.
2- التهذيب 1:189/75،الوسائل 1:435 أبواب الوضوء ب 31 ح 1.
3- التهذيب 1:190/75،الوسائل 1:391 أبواب الوضوء ب 15 ح 9.
4- متعلّق ب:إرادة.
5- و هو البهائي في الحبل المتين:18.

الشراك في رابعة.

و لعل الحامل للحامل بهذا الحمل و اختياره ذلك مذهبا نسبة ذلك إلى الشيعة في كلام جماعة من العامة (1)،و كلام أهل التشريح،و ظاهر الصحيح بزعمه،و فيه:قلنا:أين الكعبان؟فقال:«هاهنا»يعني المفصل دون عظم الساق،فقلنا:هذا ما هو؟فقال:«هذا عظم الساق» (2)كذا في التهذيب،و في الكافي بزيادة قوله:«و الكعب أسفل من ذلك» (3).

و في الجميع نظر:

ففي الأول بالمعارضة بنسبة من تقدّم من علمائهم أيضا ما ذكرناه إلينا.

و الثاني بالمعارضة بكلام اللغويين منّا و غيرهم ممّن خالفنا كما عرفت، مضافا إلى المعارضة بالإجماعات المستفيضة فيهما.

و الثالث بالمعارضة بالصحيح الأول و تاليه الصريحين فيما ذكرنا، و احتمال أن يراد بالمفصل فيه مقطع السارق أي المفصل الشرعي،بل لعلّه الظاهر بملاحظة بعض المعتبرة كالرضوي:«يقطع السارق من المفصل و يترك العقب يطأ عليه» (4)لإيمائه إلى معروفية المفصل عند الإطلاق في ذلك الزمان، و أنه الذي في وسط القدم،حيث أطلق عليه مجرّدا عن القرينة ابتداء اتكالا على معروفيته.

و منه ينقدح وجه استدلال المعظم من أصحابنا به لما ذهبوا إليه.

ص:142


1- كالفخر الرازي في التفسير الكبير 11:162،و النيسابوري(هامش تفسير الطبري 6):74.
2- التهذيب 1:191/76،الوسائل 1:388 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.
3- الكافي 3:5/25.
4- لم نعثر عليها في فقه الرضا،و قد نقلها صاحب الوسائل 28:254 أبواب حد السرقة ب 4 ح 7 عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى،و لعلّ منشأ النسبة إلى الرضوي امتزاج نوادر أحمد ابن محمد بن عيسى بالفقه الرضوي في بعض نسخه.

هذا،مضافا إلى دلالته على ما ذكرنا أيضا-مع قطع النظر عن ملاحظة ما ذكر-بملاحظة لفظ الدون الدالّ على لزوم مسافة و لو في الجملة بين المفصل و عظم الساق،و ليست مع إرادة المفصل بين عظم الساق و القدم من لفظ المفصل فيه،بل المفصل حينئذ عين عظم الساق أو جزؤه،لكونه عبارة عن مجمع العظمين منه و من القدم فكيف يكون دونه.و تتأيد الدلالة بملاحظة نسخة الكافي (1)كما لا يخفى.

فالمصير إلى هذا القول ليس بحسن مصير كما عن المختلف و الشهيد في الرسالة و صاحب الكنز و غيرهم من متأخري المتأخرين (2).

هذا،و ربما يؤوّل كلام الأول إلى ما يؤول إلى الأول و يدّعى عدم مخالفته له بتوجيه حسن مع شاهد جميل.

و كيف كان فالمذهب:الأول،و الأحوط:الثاني مع تأمل فيه.فتأمّل .

و يؤيد المختار ما نصّ من الأخبار على المسح على النعلين من غير استبطان الشراكين،خصوصا على دخول الكعبين في الممسوحين كما هو أحوط القولين المتقدمين قبيل المقام (3).

و يجوز المسح هنا كالرأس منكوسا على الأشهر الأظهر،لما تقدّم،مضافا إلى خصوص الخبر،بل الصحيح:أخبرني من رأى أبا الحسن بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب و من الكعب إلى أعلى القدم و يقول:«الأمر في مسح الرّجلين موسّع،من شاء مسح مقبلا و من شاء

ص:143


1- الكافي 3:5/25.
2- المختلف:24،الرسالة(الألفية في الصلاة اليومية):28 و 29،كنز العرفان 1:18؛و انظر مفاتيح الشرائع 1:46.
3- راجع ص 139.

مسح مدبرا،فإنه من الأمر الموسّع» (1).

و الصحيح المتقدم ثمّة المروي بطريق آخر هكذا:«لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا» (2).

خلافا لمن تقدّم؛لما تقدّم.و الجواب ما عرفت ثمّة (3).

و لا يجوز على حائل من خفّ و غيره و منه الشعر المختص على الأحوط؛لندرة إحاطة الشعر بالرّجل،فلا يعمّه الإطلاق،و عموم الأرجل بالنسبة إلى المكلّفين،و كذا النهي عن البحث عمّا أحاط به الشعر (4).

و الأصل في المقام-مضافا إلى ما تقدّم في المسح الأول من الإجماع منّا و غيره-النصوص (5).

إلاّ لضرورة اتفاقا على الظاهر؛للعمومات،و أخبار الجبائر،منها خبر وضع المرارة على الإصبع (6).

و منها التقية؛لخبر أبي الورد المعتبر بورود المدح فيه (7)،و رواية حمّاد عنه،و اشتهاره بين الأصحاب:عن الخفّين هل فيهما رخصة؟فقال:«لا إلاّ من عدوّ تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك» (8).

ص:144


1- الكافي 3:7/31،التهذيب 1:160/57،الاستبصار 1:170/58،قرب الإسناد:306 1200/ بتفاوت،الوسائل 1:407 أبواب الوضوء ب 20 ح 3.
2- التهذيب 1:217/83،الوسائل 1:406 أبواب الوضوء ب 20 ح 2.
3- راجع ص 129.
4- الفقيه 1:88/28،التهذيب 1:1106/364،الوسائل 1:476 أبواب الوضوء ب 46 ح 2،3.
5- انظر الوسائل 1:457 أبواب الوضوء ب 38.
6- الكافي 3:4/33،التهذيب 1:1097/363،الاستبصار 1:240/77،الوسائل 1: 464 أبواب الوضوء ب 39 ح 5.
7- الكافي 4:46/263.
8- التهذيب 1:1092/362،الاستبصار 1:236/76،الوسائل 1:458 أبواب الوضوء ب 38 ح 5.

و ما ورد في المعتبرة من عدم التقية في المسح على الخفّين و متعة الحج (1)-مع مخالفته الاعتبار و الأخبار عموما و خصوصا-يحتمل الاختصاص بهم عليهم السلام،كما قاله زرارة في الصحيح،و أنه (2)لا حاجة إلى فعلهما غالبا للتقية،لعدم إنكار العامة خلعهما للوضوء و لا متعة الحج،و إن كان فعلهما على بعض الوجوه مما يوهمهم الخلاف .

و في حكمه (3)غسل الرّجلين،فيجوز للتقية.و لو دارت بينه و بين ما تقدّم قيل:هو أولى،كما عن التذكرة (4)،لخروج الخفّ من الأعضاء.

و في وجوب إعادة الوضوء حينئذ مع زوال السبب من غير حدث وجهان، بل قولان ،أحوطهما:الأول لو لم يكن أقوى؛لتعارض أصالة بقاء الصحة بأصالة بقاء يقين اشتغال الذمة بالمشروط بالطهارة،و عدم ثبوت أزيد من الاستباحة من الخبر المجوّز له للضرورة،و هي تتقدّر بقدرها.و هو خيرة المنتهى و مقرب التذكرة (5)،و في التحرير ما ذكرناه (6).

خلافا للمشهور،لاختيارهم الثاني كما قيل (7).فلو زال قبل فوات الموالاة وجب المسح لبقاء وقت الخطاب،كما عن مقتضى المبسوط و المعتبر و المنتهى (8)،و يأتي العدم (9)على الثاني .

ص:145


1- الكافي 3:2/32،التهذيب 1:1093/362،الاستبصار 1:237/76،الوسائل 1: 457 أبواب الوضوء ب 38 ح 1.
2- عطف على قوله:الاختصاص.منه رحمه اللّه.
3- أي المسح على الخفين.منه رحمه اللّه.
4- التذكرة 1:18.
5- المنتهى 1:66،التذكرة 1:18.
6- قال في التحرير 1:10 فلو زال السبب ففي الإعادة نظر.
7- قال به صاحب الحدائق 2:313.
8- المبسوط 1:22،المعتبر 1:154،المنتهى 1:66.
9- أي عدم وجوب الإعادة.منه رحمه اللّه.
السادس الترتيب

و السادس:الترتيب بالكتاب و السنّة و الإجماع،و هو أن يبدأ بالوجه،ثمَّ باليمنى،ثمَّ باليسرى،ثمَّ بالرأس،ثمَّ بالرّجلين بلا خلاف في شيء من ذلك فتوى و رواية.

ففي الصحيح:«تابع بين الوضوء كما قال اللّه عزّ و جل،ابدأ بالوجه، ثمَّ باليدين،ثمَّ بمسح الرأس و الرّجلين،و لا تقدّمنّ شيئا بين يدي شيء تخالف ما أمرت به،فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد على الذراع،و إن مسحت الرّجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرّجل ثمَّ أعد على الرّجل، ابدأ بما بدأ اللّه عزّ و جل به» (1).

و في آخر:في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين،قال:«يغسل اليمين و يعيد اليسار» (2)و بضمّه مع الأول يتم المطلوب؛و في الموثّق تمامه (3).

و يكفي قصده (4)مع عدمه حسّا بوقوع الوضوء في المطر،و ينوي الأول فالأول،و عليه يحمل الخبر الصحيح المجوّز له فيه (5)،و إلاّ فهو غير باق على ظاهره إجماعا.

و في وجوب الترتيب بين الرّجلين بتقديم اليمنى على اليسرى أقوال،

ص:146


1- الكافي 3:5/34،الفقيه 1:89/28،التهذيب 1:251/97،الاستبصار 1:223/73، الوسائل 1:448 أبواب الوضوء ب 34 ح 1.
2- التهذيب 1:253/97،الاستبصار 1:225/73،الوسائل 1:451 أبواب الوضوء ب 35 ح 2.
3- الكافي 3:6/35،التهذيب 1:258/99،الاستبصار 1:227/74،الوسائل 1:452 أبواب الوضوء ب 35 ح 8.
4- أي الترتيب.منه رحمه اللّه.
5- التهذيب 1:1082/359،الاستبصار 1:231/75،قرب الإسناد:649/176،مسائل علي بن جعفر:353/183،الوسائل 1:454 أبواب الوضوء ب 36 ح 1.

ثالثها:نعم مع انفرادهما (1)و لا مع العدم (2)،كما في الذكرى عن بعض (3)، و اختاره جمع من متأخري المتأخرين (4)؛للمروي في الاحتجاج:«يمسح عليهما جميعا معا،فإن بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلاّ باليمين» (5).

و لا حجّة فيه؛لقصور السند،و لا جابر.

و قيل بالوجوب مطلقا،كما اختاره الشهيدان في اللمعة و شرحها (6)،و عن الصدوقين و الإسكافي و سلاّر (7)،و هو مختار جمع ممّن تقدم،و منهم الشيخ في ظاهر الخلاف مدّعيا عليه الإجماع (8).

للأصل ،و الصحيح أو الحسن:«امسح على القدمين و ابدأ بالشق الأيمن» (9).

و مروي النجاشي مسندا في رجاله عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول:«إذا توضّأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده» (10).و هو عامّ.

و ما روي عن مولانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه كان إذا توضأ

ص:147


1- بأن يمسح اليمين أو اليسار فقط.منه رحمه اللّه.
2- أي عدم الانفراد بأن يمسحهما معا.منه رحمه اللّه.
3- الذكرى:90.
4- منهم المحقق السبزواري في الذخيرة:35،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:71.
5- الاحتجاج:492،الوسائل 1:450 أبواب الوضوء ب 34 ح 5.
6- الروضة 1:77.
7- الفقيه 1:28،نقله عن الصدوقين و الإسكافي في المختلف:25،سلاّر في المراسم: 38.
8- الخلاف 1:95.
9- الكافي 3:2/29،الوسائل 1:449 أبواب الوضوء ب 34 ح 2.
10- رجال النجاشي:7،الوسائل 1:449 أبواب الوضوء ب 34 ح 4.

بدأ بميامنه (1).

و الوضوء البياني مع قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«هذا وضوء لا يقبل اللّه تعالى الصلاة إلاّ به» (2).

و حمل هذه الأخبار على الاستحباب-كما عن المعتبر و المنتهى و التذكرة و النفلية (3)-وجهه غير واضح،سوى الأصل (4)،و إطلاق الآية و غيرها.و هما غير صالحين له؛لما فيها من معتبر السند المؤيد بالأصل و الباقي (5)،فيقيّد الجميع بها.

و المشهور أنه لا ترتيب فيهما بل عن الحلّي في بعض فتاويه نفي الخلاف عنه (6)،فإن تمَّ إجماعا و إلاّ فالوجوب مطلقا قوي،لضعف مستند العدم بما تقدّم،و الاحتياط لا يترك.

السابع الموالاة

و السابع:الموالاة بالنص و الإجماع،و المراد بالوجوب هنا معناه الشرعي لا الشرطي خاصة كما ربما يتوهم من أدلتها ؛لا لها (7)،بل لعموم الناهي عن إبطال الأعمال.

و هي أن يكمل المتوضئ طهارته قبل حصول الجفاف في العضو السابق على اللاحق،و إن لم يتتابعا حقيقة أو عرفا،كما هنا و في اللمعة و شرحها (8)،و عن الجمل و العقود و المراسم و الغنية و الوسيلة و السرائر و الشرائع

ص:148


1- أمالي الطوسي:397،الوسائل 1:449 أبواب الوضوء ب 34 ح 3.
2- الفقيه 1:76/25،الوسائل 1:438 أبواب الوضوء ب 31 ح 11.
3- المعتبر 1:156،المنتهى 1:69،التذكرة 1:19،النفلية:6.
4- أي أصالة براءة الذمة.منه رحمه اللّه.
5- أي باقي الأخبار.منه رحمه اللّه.
6- نقله عنه في الذخيرة:35.
7- أي الوجوب الشرعي ليس من جهة أدلة وجوب الموالاة.منه رحمه اللّه.
8- الروضة البهيّة 1:77.

و الذكرى و الدروس و البيان و الألفية (1)و ظاهر الكامل،و هو المشهور بين الأصحاب.

للأصل،و إطلاق الآية و النصوص،و إطلاق الصحيح فيمن توضأ فبدأ بالشمال قبل اليمين إنه:«يغسل اليمين و يعيد اليسار» (2)الشامل للعامد.

و عن المقنعة و النهاية و التهذيب و المبسوط و الخلاف و الاقتصار و أحكام الراوندي و المعتبر و كتب العلاّمة (3):المتابعة الحقيقية حتى يجب أن يعقّب كلّ عضو بالسابق عليه عند كماله من دون مهلة.

للاحتياط.

و الوضوء البياني مع قوله عليه السلام:«هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلاّ به».

و الفورية المستفادة من الآية إمّا من الأمر فيها أو الفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة أو الإجماع.

و الحسن:«أتبع وضوءك بعضه بعضا» (4).

و الخبر فيمن نسي الذراع و الرأس إنه:«يعيد الوضوء،إنّ الوضوء يتبع بعضه بعضا» (5).

ص:149


1- الجمل و العقود(الرسائل العشر):159،المراسم:38،الغنية(الجوامع الفقهية):554، الوسيلة:50،السرائر 1:101،الشرائع 1:22،الذكرى:91،الدروس:4،البيان: 49 الألفية:29،و حكاه عن الكامل في الذكرى:91.
2- التهذيب 1:253/97،الاستبصار 1:225/73،الوسائل 1:451 أبواب الوضوء ب 35 ح 2.
3- المقنعة:47،النهاية:15،التهذيب 1:98،المبسوط 1:23،الخلاف 1:93، الاقتصاد:243،فقه القرآن:29،المعتبر 1:157؛و انظر نهاية الأحكام 1:49،و المنتهى 1:70،و المختلف:25.
4- الكافي 3:4/34،الوسائل 1:446 أبواب الوضوء ب 33 ح 1.
5- الكافي 3:9/35،علل الشرائع:1/289،الوسائل 1:448 أبواب الوضوء ب 33 ح 6.

و الأول معارض بالأصل،إمّا بنفسه،لجريانه في المقام و لو كان عبادة، بناء على عدم شرطيتها فيها،بل هي واجبة خارجية لا يبطل الوضوء بفواتها، كما هو ظاهر أكثر أصحاب هذا القول،حيث جعلوا الشرط خصوص عدم الجفاف،و أبطلوا الوضوء به لا بفواتها،من حيث عدم تعلقه حينئذ بالعبادة مطلقا بل بالتكليف الخارجي،و لا فرق حينئذ بينها و بين غيرها.

أو به بمعونة ما دلّ على عدم البطلان إلاّ بالجفاف من الأخبار لو قيل باشتراطها في الصحة لا وجوبها على حدة،كما عن المبسوط (1).

و الثاني معارض بهما (2)،مضافا إلى عدم انطباقه (3)على قول الأكثر من أصحاب هذا القول.

و الثالث مردود بعدم إفادة الأمر الفورية على الأظهر الأشهر،و الشك في إفادة الفاء المزبور لها للاختلاف فيها،و منع الإجماع في مثل المقام.و على تقدير تسليم الفورية فالثابت منها إنما هو بالنظر إلى نفس الوضوء و مجموعه لا أبعاض أفعاله و أجزائه(و لو سلّم فمفادها الفورية بالنسبة إلى غسل الوجه بالإضافة إلى إرادة القيام إلى الصلاة،و لا قائل بها،و صرفها إلى غسل اليدين و ما بعده خاصة ممّا كاد أن يقطع بفساده) (4).

و الاتباع المأمور به في الخبرين مراد به الترتيب ظاهرا على ما يشهد به سياقهما ،و مع التنزل فالاحتمال كاف في عدم الدلالة.

و هل يعتبر في الجفاف-على القول به-جفاف جميع ما سبق؟كما هو الأشهر الأظهر،و عن المعتبر و المنتهى و التذكرة و نهاية الأحكام و البيان و ظاهر

ص:150


1- المبسوط 1:23.
2- أي الأصل و ما دلّ على عدم البطلان.منه رحمه اللّه.
3- من حيث دلالته على الشرطية و عدم القبول إلاّ بها.منه رحمه اللّه.
4- ما بين القوسين ليست في«ل».

الخلاف و النهاية و الكامل و الكافي لأبي الصلاح (1)؛لاستصحاب بقاء الصحة، و الاتفاق فتوى و رواية على جواز أخذ البلل من الوجه للمسح إن لم يبق على اليدين،و ظاهر النصوص الناطقة بالبطلان بجفاف الوضوء الظاهر في جفاف الجميع خاصة،منها الموثق:«إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد على وضوئك،فإنّ الوضوء لا يتبعّض» (2)و المفهوم منه عدم لزوم الإعادة مع عدم يبس الوضوء بمجموعه،و هو حجة على الأصح.

أو جفاف البعض مطلقا؟كما عن الإسكافي (3)،ليقرب من الموالاة الحقيقية،و لعموم جفاف الوضوء الوارد في الأخبار الشامل لجفاف البعض مطلقا،و لا يخفى ضعفه.

أو الأقرب (4)؟كما عن الناصريات و المراسم و السرائر و الإرشاد و المهذّب (5)،بناء على تفسير الموالاة بذلك،فإنها إتباع الأعضاء بعضها بعضا،فالجفاف و عدمه إنما يعتبران في العضوين المتصلين.و هو مع ضعفه بما تقدم لا دليل عليه.

و في الصحيح:قلت:ربما توضأت و نفد الماء،فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي،فقال:«أعده» (6).

ص:151


1- المعتبر 1:157،المنتهى 1:70،التذكرة 1:20،نهاية الأحكام 1:49،البيان:49، الخلاف 1:93،النهاية:15،حكاه عن الكامل في الذكرى:91،الكافي في الفقه: 133.
2- الكافي 3:7/35،التهذيب 1:255/98،الاستبصار 1:220/72،علل الشرائع: 2/289،الوسائل 1:446 أبواب الوضوء ب 33 ح 2.
3- حكاه عنه في المختلف:27.
4- عطف على قوله البعض مطلقا أي جفاف الأقرب.منه رحمه اللّه.
5- الناصريات(الجوامع الفقهية):185،المراسم:38،السرائر 1:101،الإرشاد 1:223، المهذّب 1:45.
6- الكافي 3:8/35،التهذيب 1:256/98،الاستبصار 1:221/72،الوسائل 1:447 أبواب الوضوء ب 33 ح 3.

و المستفاد منه و من الموثق السابق بطلان الوضوء بالجفاف مع التأخير خاصة لا مطلقا،فإطلاق القول ببطلانه به غير وجيه،بل مقتضى استصحاب بقاء الصحة صحته لو جفّ بدونه.

و بالجملة الأصل مع فقد ما يدل على البطلان حينئذ-لاختصاص الخبرين بحال الضرورة الخاصة-دليل الصحة لو جفّ مع الموالاة لشدة حرارة و مثلها،بحيث لولاها و اعتدل الهواء لما جفّ و تمَّ الوضوء.و يظهر من الذكرى -كما سيأتي-كونه وفاقا بين الأصحاب (1)،مضافا إلى الرضوي،و فيه:«فإن فرغت من بعض وضوئك و انقطع بك الماء من قبل أن تتمّه،ثمَّ أوتيت بالماء، فأتمّ وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا،فإن كان قد جفّ فأعد الوضوء،و إن جفّ بعض وضوئك قبل أن تتمّ الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فامض على ما بقي،جفّ وضوؤك أو لم يجف» (2).

و بمضمونه أفتى الصدوقان في الرسالة و المقنع (3).و ينبغي حمله -ككلام الصدوقين-على الجفاف لنحو شدّة الحرّ لا على اعتدال الهواء؛لعدم تبادر غير ما ذكر منهما.و يؤيده ظاهر خبر حريز عن مولانا الصادق عليه السلام كما عن مدينة العلم (4)،و عن التهذيب و غيره الوقف على حريز قال:فإن جفّ

ص:152


1- الذكرى:92.
2- فقه الرضا«عليه السلام»:68،المستدرك 1:328 أبواب الوضوء ب 29 ح 1.
3- نقله عن والده في الفقيه 1:35،المقنع:6.
4- حكاه عنه في الذكرى:91،و كتاب مدينة العلم للشيخ الصدوق،أبي جعفر،محمد بن علي ابن الحسين بن موسى بن بابويه القمي،و هو أكبر من كتاب من لا يحضره الفقيه،و لكنّه ليس مرتبا على الأبواب،بل هو نظير روضة الكافي،و قد عدّه بعض علمائنا الأبرار خامس أصولنا الأربعة التي عليها مدار الشيعة في جميع الأعصار؛فالأسف على ضياع هذه النعمة العظمى من بين أظهرنا و أيدينا من لدن عصر والد الشيخ البهائي،مع نهاية اهتمام علمائنا في تحصيله،و إنفاقهم المبالغ الخطيرة في سبيله.راجع الفهرست:157،معالم العلماء:112،روضات الجنات 6:136،الذريعة 20:252.

الأول قبل أن أغسل الذي يليه،قال:«جفّ أو لم يجف اغسل ما بقي» (1)إلاّ أن الظاهر حمله على التقية كما يشهد به تتمته (2).

و الأصح اعتبار الجفاف حسّا لا تقديرا،فلو لم يحصل لعارض في مدّة مديدة لو فرض فقده لحصل قبلها و لو بكثير صحّ الوضوء،وفاقا للشهيدين (3).

و تقييد الأصحاب الجفاف بالهواء المعتدل ليخرج طرف الإفراط في الحرارة كما ذكرنا،لا لإخراج ما فرضناه ،صرّح به شيخنا في الذكرى (4)، و كلامه هذا كما ترى ظاهر فيما قدّمناه من عدم البطلان بالجفاف في غير الضرورة الخاصة الناشئة عن التأخير.

مسائل
الفرض في الغسلات مرّة و الغسلة الثانية سنة و الثالثة بدعة

و الفرض في الغسلات التي يتحقق به الامتثال مرّة واحدة إجماعا من الكلّ.

و الغسلة الثانية جائزة بلا خلاف،كما صرّح به بعض المحقّقين و نقله عن أمالي الصدوق (5)،و دل عليه الأخبار (6)حتى الأخبار النافية للاستحباب عنها،كالخبر المروي في الخصال:«هذه شرائع الدين لمن تمسّك بها و أراد اللّه تعالى هداه:إسباغ الوضوء كما أمر اللّه تعالى في كتابه

ص:153


1- التهذيب 1:232/88،الاستبصار 1:222/72،الذكرى:91،الوسائل 1:447 أبواب الوضوء ب 33 ح 4.
2- حيث جعل الوضوء مثل الغسل في عدم اعتبار الموالاة و جواز التعويق إلى العصر.منه رحمه اللّه.
3- الشهيد الأوّل في الذكرى:92،و الشهيد الثاني في الروضة البهيّة 1:77.
4- الذكرى:92.
5- انظر حاشية المدارك للبهبهاني(المدارك الطبع الحجري):35،و أمالي الصدوق:514.
6- الوسائل 1:435 أبواب الوضوء ب 31.

الناطق،غسل الوجه و اليدين إلى المرفقين،و مسح الرأس و القدمين إلى الكعبين مرّة مرّة،و مرّتان جائز» (1).

و القول المنقول في الخلاف (2)عن بعض الأصحاب بعدم مشروعيتها ضعيف قطعا.

و سنّة على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع عن الانتصار و الغنية و السرائر (3)؛للمسامحة في أدلة السنن،بناء على ما عرفت من الجواز قطعا، و للصحاح و غيرها المستفيضة المؤيدة بالشهرة و الإجماعات المنقولة و أدلة المسامحة،مع صراحة بعضها و عدم قبوله شيئا من الاحتمالات التي ذكرت للجمع بينها و بين الأخبار المانعة من الاستحباب،مع بعدها بالنسبة إلى غيره،إمّا في نفسه أو لقرائن ظاهره.

كمروي الكشّي في الرجال بسنده فيه عن داود الرقّي،و فيه الأمر بالثلاث أوّلا للتقية ثمَّ بعد ارتفاعها الأمر بالثنتين (4).

و مثله بل و أصرح:مروي المفيد-رحمه اللّه-في إرشاده عن علي بن يقطين،و فيه بعد الأمر بالثلاث و غسل الرّجلين و تبطين اللحية تقية و ظهور ارتفاع التقية:«ابتدئ الآن يا علي بن يقطين،توضأ كما أمر اللّه تعالى،اغسل وجهك مرّة فريضة و اخرى إسباغا،و اغسل يديك من المرفقين كذلك،و امسح بمقدّم رأسك و قدميك من فضل نداوة وضوئك،فقد زال ما كنّا نخاف عليك» (5).

و قصور سندهما منجبر بما تقدّم،مضافا إلى اعتبار متنيهما من حيث

ص:154


1- الخصال:9/603،الوسائل 1:397 أبواب الوضوء ب 15 ح 18.
2- الخلاف 1:87.
3- الانتصار:28،الغنية(الجوامع الفقهية):554،السرائر 1:100.
4- رجال الكشي 2:564/600،الوسائل 1:443 أبواب الوضوء ب 32 ح 2.
5- إرشاد المفيد 2:228،الوسائل 1:444 أبواب الوضوء ب 32 ح 3.

تضمنهما الإعجاز.

فتترجح على غيرها من بعض الأخبار المانعة من استحبابها،كما تقدّم (1)،و مرسل الفقيه:«من توضّأ مرّتين لم يوجر» (2)مضافا إلى ضعفه سندا.

و ليس منه الإخبار البيانية؛لورودها في بيان الواجبات،لخلوّها من كثير من المستحبات.

و كذا الأخبار الدالة على أنّ الوضوء مرّة مرّة؛لحملها على الواجبي.

و كذا الأخبار الدالة على كون وضوء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السلام مرّة مرّة (3)؛لعدم التصريح فيها بعدم استحباب الثانية،مع ما علم من حال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الاقتصار في الأعمال (4)على ما وجب اشتغالا منه بالأهم،و إظهار الاستحباب و جواز الترك،مضافا إلى معارضتها بما دلّ على تثنيتهما في غسله،ففي الخبر:«إني لأعجب ممّن يرغب أن يتوضأ اثنتين،و قد توضّأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اثنتين اثنتين» (5)مضافا إلى ضعف أسانيدها.

فالقول بعدم استحبابها مع الجواز-كما عن البزنطي و الكليني و الصدوق في الفقيه و الأمالي (6)-ضعيف جدا لا يلتفت إليه،سيّما مع عدم التئامه مع ما

ص:155


1- أي مثل الخبر المتقدم عن الخصال.منه رحمه اللّه.
2- الفقيه 1:83/26،الوسائل 1:438 أبواب الوضوء ب 31 ح 14.
3- الفقيه 1:76/25،الوسائل 1:438 أبواب الوضوء ب 31 ح 10. وضوء علي عليه السلام:الكافي 3:9/27،التهذيب 1:207/80،الوسائل 1:437 أبواب الوضوء ب 31 ح 7.
4- في«ل»:العمل.
5- الفقيه 1:80/25،الوسائل 1:439 أبواب الوضوء ب 31 ح 16.
6- نقله عن البزنطي في الوسائل 1:310،الكليني في الكافي 3:27،الفقيه 1:26،الأمالي: 514.

دلّ على وجوب رجحان العبادة و كون المسح ببقية البلّة.

و منه يظهر أنّ الثالثة بدعة مضافا إلى استفادتها من المعتبرة المنجبرة بالشهرة،ففي المرسل:أنها بدعة (1).

و في الخبر:«من توضأ ثلاثا فلا صلاة له» (2).

و في آخر:«توضأ مثنى مثنى و لا تزدن عليه،فإنك إن زدت عليه فلا صلاة لك» (3).

خلافا لمن شذّ،كالمفيد حيث جعلها تكلّفا و الزائد عليها بدعة (4)، و الإسكافي فجعل الثالثة غير محتاج إليها (5).

و مال إليه المصنف في المعتبر،قال:لأنه لا ينفك عن ماء الوضوء الأصلي (6).

و هو ضعيف؛لعدم انحصار دليل المنع في وجوب المسح بالبلّة، و مع ذلك فهو غير تام في نفسه،من حيث إنّ المستفاد من الأدلة المسح بالبلّة و المتبادر منه عدم ممازجتها بشيء آخر غيرها.

و لا تكرار في المسح عندنا،لا وجوبا و لا استحبابا؛للإجماع، و النصوص،و الأصل،و الوضوءات البيانية.

ص:156


1- التهذيب 1:212/81،الاستبصار 1:217/71،الوسائل 1:436 أبواب الوضوء ب 31 ح 3.
2- رجال الكشي 2:564/600،الوسائل 1:443 أبواب الوضوء ب 32 ح 2.
3- رجال الكشي 2:564/600 الوسائل 1:443 أبواب الوضوء ب 23 ح 2.
4- المقنعة:49.
5- نقله عنه العلامة في المختلف:22.
6- المعتبر 1:160.

خلافا للشافعي فاستحب تثليثه (1)،و ابن سيرين فأوجب التثنية (2).

و لكن لا ضرر في مجرد فعله،وفاقا للشهيد (3)من غير قصد المشروعية مطلقا (4).و معه حرام و بدعة البتة،كما عن التذكرة (5)،و عليه ينزل إطلاق التحريم عليه في كلام الشيخين و ابني حمزة و إدريس (6).و يكون حينئذ آثما و وضوؤه صحيحا،وفاقا للتذكرة (7)؛لخروجه بالمسح الأول عن العهدة.و عن الذكرى عدم الخلاف فيه و كذا عن السرائر (8).

يحرّك أو ينزع ما يمنع وصول الماء إلى البشرة

و يحرّك أو ينزع ما يمنع وصول الماء إلى البشرة كالخاتم و الدملج و نحوهما،و منه الوسخ تحت الأظفار الخارج عن العادة قطعا و غيره، على الأحوط وجوبا؛لعدم صدق الامتثال بدونه،و للنصوص،منها الصحيح:

عن المرأة عليها السوار و الدملج في بعض ذراعها،لا تدري يجري الماء تحته أم لا،كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت؟قال:«تحرّكه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه» (9).

و الحسن:عن الخاتم إذا اغتسلت،قال:«حوّله من مكانه،و في الوضوء

ص:157


1- كما في الأم 1:26.
2- نقله عنه الشيخ في الخلاف 1:79.
3- كما في الذكرى:95.
4- أي وجوبا أو استحبابا.
5- التذكرة 1:21.
6- المفيد في المقنعة:49،الطوسي في المبسوط 1:23،ابن حمزة في الوسيلة:51،ابن إدريس في السرائر 1:100.
7- التذكرة 1:21.
8- الذكرى:95،السرائر 1:100.
9- الكافي 3:6/44،التهذيب 1:222/85،قرب الإسناد:647/176،الوسائل 1:467 أبواب الوضوء ب 41 ح 1.

تديره» (1).

و لو لم يمنع قطعا حرّكه استحبابا و لا وجه له إلاّ أن يكون تعبّدا، و هو فرع الثبوت.

و الجبائر أي الألواح و الخرق التي تشدّ على العظام المنكسرة،و في حكمها ما يشدّ على الجروح أو القروح،أو يطلى عليها أو على الكسور من الدواء،اتفاقا فتوى و رواية تنزع وجوبا اتفاقا؛تحصيلا للامتثال،و التفاتا إلى ما يأتي من فحاوي الأخبار.أو يكرّر الماء،أو يغمس العضو فيه حتى يصل البشرة إن أمكن شيء منها لذلك.

على الترتيب بينها على الأحوط،بل قيل بتعينه كما عن التذكرة (2)، و التخيير على الأظهر،وفاقا لظاهر التحرير و نهاية الأحكام (3)؛للأصل، و حصول الغسل المعتبر شرعا،و ظاهر الإجزاء في الموثق في ذي الجبيرة:

كيف يصنع؟قال:«إذا أراد أن يتوضأ فليضع إناء فيه ماء و يضع موضع الجبر في الإناء حتى يصل إلى جلده،و قد أجزأه ذلك من غير أن يحلّه» (4).

و لهذا (5)يحمل عليه الأمر بالنزع الوارد في الحسن:«و إن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمَّ ليغسلها» (6).

هذا إذا كان في محلّ الغسل،و أما إذا كان في محل المسح تعيّن الأول

ص:158


1- الكافي 3:14/45،الوسائل 1:468 أبواب الوضوء ب 41 ح 2.
2- التذكرة 1:21.
3- التحرير 1:10،نهاية الأحكام 1:64.
4- التهذيب 1:1354/426،الاستبصار 1:242/78،الوسائل 1:465 أبواب الوضوء ب 39 ح 7.
5- أي للفظ الإجزاء في هذه الموثقة.منه رحمه اللّه.
6- الكافي 3:3/33،التهذيب 1:1095/362،الاستبصار 1:239/77،الوسائل 1: 463 أبواب الوضوء ب 39 ح 2.

مع الإمكان،و مع عدمه يمسح على الجبيرة.

و قيل بوجوب التكرار و الوضع هنا أيضا؛تحصيلا لما تيسّر من مباشرة الماء أصل المحل و لو في الجملة (1).و الاكتفاء به عن المسح على الجبيرة مشكل،و الجمع بين الأمرين احتياط لا يترك.

و إلاّ أي و إن لم يمكن النزع و لا شيء من الأمرين المذكورين بتعذر الحل أو عدم طهارة المحل مع عدم قبوله لها مسح عليها أي الجبائر و لو كانت في موضع الغسل اتفاقا،كما عن الخلاف و التذكرة و المنتهى و ظاهر المعتبر (2).

للحسان،منها:عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من مواضع الوضوء،فيعصبها بالخرقة و يتوضأ و يمسح عليها إذا توضأ،فقال:«إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة»الحديث (3).

و في آخر:قال،قلت له:عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة،فكيف أصنع بالوضوء؟قال:يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّه تعالى:

وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [1] (4).امسح عليه» (5).

و مثله في آخر:«إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره و ليصلّ» (6).

ص:159


1- قال به المحقق الكركي في جامع المقاصد 1:233.
2- الخلاف 1:159،التذكرة 1:21،المنتهى 1:72،المعتبر 1:161.
3- الكافي 3:3/33،التهذيب 1:1095/362،الاستبصار 1:239/77،الوسائل 1: 463 أبواب الوضوء ب 39 ح 2.
4- الحج:78.
5- الكافي 3:4/33،التهذيب 1:1097/363،الاستبصار 1:240/77،الوسائل 1: 464 أبواب الوضوء ب 39 ح 5.
6- التهذيب 1:1100/363،الوسائل 1:465 أبواب الوضوء ب 39 ح 8.

و في الحسن:عن الدواء إذا كان على يدي الرجل،أ يجزيه أن يمسح على طلاء الدواء؟قال:«نعم،يجزيه أن يمسح عليه» (1)و إطلاقه مقيد بتلك مع شيوعه هنا في المقيد.

و ليس فيما في الصحيح و غيره (2)من الاقتصار على غسل ما حوله منافاة لذلك؛إذ من المحتمل أن يكون المراد منها الاقتصار في بيان الغسل لا مطلق الواجب،و لعلّه الظاهر من الصحيح،فلا ينافي وجوب المسح على الجبيرة.

و ظاهر المعتبر كفاية المسح و لو بأقلّ مسمّاه لكن من دون تجفيف (3).

و عن العلاّمة في النهاية احتمال لزوم مراعاة أقلّ الغسل معه (4)،و ظاهره لزوم تحصيل الماء للمسح على الجبيرة تحصيلا لذلك لو جفّ الماء و لم يف به.و هو أحوط؛مصيرا إلى ما هو أقرب إلى الحقيقة.

و منه يظهر عدم جواز المسح على الجبيرة مع إمكانه-بنزعها-على البشرة،وفاقا للمصنف في المعتبر و العلاّمة في النهاية (5)،إلاّ إذا كانت البشرة نجسة فإشكال ،و الأحوط الجمع بين المسحين (6).بل قيل (7)بتعين المسح على البشرة مطلقا (8).و هو حسن إن لم يكن إجماع على اشتراط طهارة محل الطهارة مطلقا (9).

ص:160


1- التهذيب 1:1105/364،الوسائل 1:465 أبواب الوضوء ب 39 ح 9.
2- الكافي 3:2/32،التهذيب 1:1096/363،الوسائل 1:464 أبواب الوضوء ب 39 ح 3.
3- المعتبر 1:161.
4- نهاية الأحكام 1:65.
5- المعتبر 1:161،نهاية الأحكام 1:64.
6- أي المسح على الجبيرة و المسح على البشرة.منه رحمه اللّه.
7- قال به في كشف اللثام 1:74.
8- أي و لو كانت البشرة نجسة.
9- أي اختيارا و اضطرارا.

و لا بد من استيعاب الجبيرة بالمسح إذا كانت في موضع الغسل،كما عن الخلاف و التذكرة و نهاية الأحكام (1).و عن المبسوط جعله أحوط (2)،و ظاهره عدم اللزوم؛التفاتا إلى صدق المسح عليها بالمسمّى.و هو مشكل؛لعدم تبادره من الإطلاق هنا ،فالمصير إلى الأول متعين.و لكن لا يشترط فيه الاستيعاب حقيقة بحيث يشمل الخلل و الفرج و النقوب و الثقوب؛لتعذره أو تعسره عادة.

هذا كلّه إذا كانت الجبيرة طاهرة،و مع نجاستها يجب وضع طاهر عليها ثمَّ المسح عليه؛تحصيلا للأقرب إلى الحقيقة،و خروجا عن الشبهة،و طلبا للبراءة اليقينية كما عن التذكرة (3).و عن الشهيد إجراؤها مجرى الجرح في الاكتفاء عن غسله بغسل ما حولها فقط (4).

و ممّا ذكر يظهر وجوب تقليل الجبائر لو تعدّدت بعضها على بعض،مع احتمال العدم و الاكتفاء بالمسح على الظاهر،لأنه بالنزع لا يخرجه عن الحائل كما عن نهاية الأحكام (5)،و هو مشكل.

و الكسر المجرّد عن الجبيرة،و كذا القرح و الجرح إذا كان في موضع الغسل مع تعذر الغسل وجب مسحه مع الإمكان؛تحصيلا للأقرب إلى الحقيقة،و لتضمن الغسل إياه فلا يسقط بتعذر أصله،وفاقا لنهاية الأحكام و الدروس (6).

ص:161


1- الخلاف 1:160،التذكرة 1:21،نهاية الأحكام 1:65.
2- المبسوط 1:23.
3- التذكرة 1:21.
4- الذكرى:97.
5- نهاية الأحكام 1:66.
6- نهاية الأحكام 1:66،الدروس 1:94.

و مع عدمه فالأحوط بل اللازم وضع جبيرة أو لصوق عليه،وفاقا للمنتهى و نهاية الأحكام (1)؛تحصيلا للأقرب إلى الحقيقة،بل قيل:لا خلاف فيه ما لم يستر شيئا من الصحيح،كما عن الذكرى (2).و الجمع بينه و بين التيمم أحوط.

و يحتمل قويا الاكتفاء بغسل ما حوله كما عن المعتبر و النهاية و التذكرة (3)؛ للحسن:عن الجرح،قال:«اغسل ما حوله» (4)و نحوه غيره (5)،و لكنهما لا ينفيان المسح على نحو الجبيرة،و لكن في السكوت عنه إيماء إليه.فتأمل .

لا يجوز أن يولّي وضوئه غيره اختيارا

و لا يجوز أن يولّي واجبات أفعال وضوئه كنفس الغسل و المسح لا غير غيره اختيارا إجماعا،كما عن الانتصار و المعتبر و المنتهى و نهاية الأحكام و روض الجنان (6)؛لظاهر الأوامر بها في الكتاب و السنّة،و الوضوءات البيانية مع قوله صلّى اللّه عليه و آله:«هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلاّ به».

و خلاف الإسكافي و قوله بالجواز مع استحباب العدم (7)،شاذّ مدفوع بما ذكر.

و يستفاد من القيد هنا و في كلام الأصحاب الجواز اضطرارا،بل عن ظاهر المعتبر الإجماع عليه (8).و المراد منه معنى الأعم الشامل للوجوب،و لا

ص:162


1- المنتهى 1:72،نهاية الأحكام 1:66.
2- الذكرى:97.
3- المعتبر 1:410،النهاية:16،التذكرة 1:66.
4- الكافي 3:3/33،التهذيب 1:1095/362،الاستبصار 1:239/77،الوسائل 1: 463 أبواب الوضوء ب 39 ح 2.
5- التهذيب 1:1096/363،الوسائل 1:464 أبواب الوضوء ب 39 ح 3.
6- الانتصار:29،المعتبر 1:162،المنتهى 1:72،نهاية الأحكام 1:49،روض الجنان: 43.
7- نقله عنه العلامة في المختلف:25.
8- المعتبر 1:162.

ريب فيه هنا؛لعدم سقوط نفس الغسل بتعذر المباشرة،كيف لا؟!و الميسور لا يسقط بالمعسور كما في المعتبر (1)،مضافا إلى ورود الأمر بالتولية في تيمم المجدور في المعتبرة (2)،و لا قول بالفرق،فتجب أيضا في المسألة.

و من دام به السلس أي تقطير البول بحيث لا يكون معه فترة تسع الصلاة يصلّي كذلك من دون تجديد للوضوء،وفاقا للمبسوط و غيره (3)؛ لاستصحاب صحة الوضوء السابق مع الشك في حدثية القطرات الخارجة بغير اختيار بالشك في شمول إطلاقات حدثية البول لها لندرتها،و ظاهر إطلاق الموثق:عن رجل يأخذه تقطير في فرجه إمّا دم و إمّا غيره،قال:«فليضع خريطة و ليتوضأ و ليصلّ،فإنما ذلك بلاء ابتلي به،فلا يعيدنّ إلاّ من الحدث الذي يتوضأ منه» (4).

و يؤيده-مضافا إلى التعليل فيه-ظواهر المعتبرة الأخر التي لم يتعرض فيها لذكر الوضوء لكل صلاة،مع التعرض لما سواه ممّا دونه من التحفظ من الخبث بوضع الخريطة فيها و القطنة،كالحسن:في الرجل يعتريه البول و لا يقدر على حبسه[قال:فقال لي]:إذا لم يقدر على حبسه فاللّه تعالى أولى بالعذر، يجعل خريطة» (5)و مثله غيره (6)،مضافا إلى الملة السمحة السهلة.

و الأمر بالجمع بين الصلاتين الظهرين أو العشاءين بأذان و إقامتين في

ص:163


1- عوالي اللئالي 4:205/58.
2- الوسائل 3:346 أبواب التيمم ب 5.
3- المبسوط 1:68؛و انظر كشف الرموز 1:69.
4- التهذيب 1:1027/349،الوسائل 1:266 أبواب الوضوء ب 7 ح 9.
5- الكافي 3:5/20،الوسائل 1:297 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 2،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
6- التهذيب 1:1037/351،الوسائل 1:298 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 5.

الصحيح (1)لعلّه للخبث لا للحدث،أو فيمن يمكنه التحفظ مقدارهما،أو للاستحباب.

و قيل:يتوضأ لكل صلاة و هو أشهر،و عن الخلاف و السرائر (2)؛ لحدثية الصادر و ناقضيته للوضوء،و لا دليل على العفو مطلقا و استباحة أكثر من صلاة بوضوء واحد مع تخلله،و عليه تجب المبادرة إلى إيقاع المشروط بالوضوء عقيبه.

و هو حسن قويّ متين لو وجد عموم على الأمرين (3)فيه هنا أيضا ، و ليس إلاّ الإطلاق،و قد عرفت ما فيه مع ما تقدّم.و لا ريب أنه أحوط،و ليكن العمل عليه مهما أمكن.

و عن المنتهى المصير إلى هذا القول فيما سوى الظهرين و العشاءين، و فيهما إلى الأول لكن مع الجمع لا مطلقا (4)؛للصحيح المتقدم.و قد مرّ الكلام فيه.

و كذا الكلام قولا و دليلا و احتياطا في المبطون الغير القادر على التحفّظ من الغائط أو الريح بقدر الصلاة.و المختار:المختار،و يؤيده ما سيأتي من ظاهر بعض الأخبار،و ليس فيه القول الثالث.

و القادر على ذلك (5)لو فاجأه الحدث في أثناء الصلاة توضأ و بنى على الأشهر بين الأصحاب؛للمعتبرة،كالصحيح:«صاحب البطن

ص:164


1- الفقيه 1:146/38،التهذيب 1:1021/348،الوسائل 1:297 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 1.
2- الخلاف 1:249،السرائر 1:350.
3- أي الحدث و الناقضية.منه رحمه اللّه.
4- المنتهى 1:73.
5- أي التحفظ من الغائط بقدر الصلاة.منه رحمه اللّه.

الغالب يتوضأ و يبني على صلاته» (1)و مثله الموثق (2).

و يحتمل البناء فيهما عدم القطع،أي يبني على صحة صلاته و لا يقطعها بالحدث في الأثناء،و المراد بالوضوء المأمور به حينئذ قبل الدخول فيها، و يؤيده توصيف الداء بالغالب في الأول المشعر بالاستمرار المنافي للفترة المتسعة للصلاة،فهما حينئذ دليلان للمختار من عدم حدثية مثله،فلا يتم الاستناد إليهما حينئذ.

نعم في الموثق:«صاحب البطن يتوضأ ثمَّ يرجع في صلاته فيتم ما بقي» (3)و هو ظاهر في المرام،للفظي الرجوع و الإتمام.

و لكن في مقاومته لما دلّ على اشتراط الصلاة بالطهارة و عدم وقوع الفعل الكثير فيها-من الأخبار و الإجماع المحكي عن بعض الأخيار (4)-نوع تأمل، مع عدم الصراحة فيه،بل و عدم الظهور المعتدّ به،لاحتمال أن يراد منه أنه يجدد الوضوء بعد ما صلّى صلاة ثمَّ يرجع في الصلاة فيصلي الصلاة الباقية من عصر أو عشاء مثلا.

و لعلّه لهذا اختار في المختلف و التذكرة و نهاية الأحكام وجوب الوضوء و الاستئناف (5).و تمام التحقيق سيأتي إن شاء اللّه تعالى في قواطع الصلاة.

و الجمع بين القولين طريق الاحتياط،و ينبغي أن يكون العمل عليه.

ص:165


1- الفقيه 1:1043/237.
2- الكافي 3:7/411،الوسائل 1:297 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 3.
3- التهذيب 1:1036/350،الوسائل 1:298 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 4.
4- انظر التذكرة 1:132.
5- المختلف:28،التذكرة 1:21،نهاية الأحكام 1:68.
السنن عشرة

و السنن عشرة أمور:

الأول وضع الإناء على اليمين

الأول وضع الإناء على اليمين في المشهور؛للنبوي:كان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يحبّ التيامن في طهوره و شغله و شأنه كلّه (1).

و في الحسن المروي في الكافي في باب علّة الأذان:«فتلقّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الماء بيده اليمنى،فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمنى» (2).

و ربما علل بأنه أمكن في الاستعمال و أدخل في الموالاة.و في الأول تأمل،إلاّ أن يكون النظر فيه إلى ما ورد من محبوبية السهولة له تعالى (3).

و إطلاق المتن كغيره يشمل الإناء الضيّق الرأس كالإبريق،و التعليلان لا يساعدانه،بل يناسبهما الانعكاس،كما عن نهاية الأحكام (4).و لا بأس به، و لا تنافيه الروايتان بعد الاغتراف باليمين.فتأمّل .

الثاني الاغتراف بها

و الثاني الاغتراف بها لما مرّ،مضافا إلى الوضوءات البيانية المتضمنة لاغترافهم بها عليهم السلام (5).

و إطلاق المتن كغيره-و ربما نسب إلى المشهور (6)-الاستحباب مطلقا حتى لغسلها؛و لعلّه لإطلاق الدليل مع ما في الصحيح في الوضوء البياني من قوله:ثمَّ أخذ كفا آخر بيمينه،فصبّه على يساره،ثمَّ غسل به ذراعه الأيمن (7)

ص:166


1- مسند أحمد 6:94،صحيح البخاري 1:53،بتفاوت يسير.
2- الكافي 3:1/482،الوسائل 1:390 أبواب الوضوء ب 15 ح 5.
3- لم نعثر في كتب الحديث على نصّ يدلّ على ذلك،و لكن أورد متنه في الجواهر 2:329- نقلا عن بعض-و هو:«إن اللّه يحب ما هو الأيسر و الأسهل».
4- نهاية الأحكام 1:53.
5- الوسائل 1:387 أبواب الوضوء ب 15.
6- كما في الحدائق 2:154.
7- الكافي 3:3/24،الوسائل 1:391 أبواب الوضوء ب 15 ح 7.

و مثله الموثق على نسخة التهذيب (1)،و لكنه في الكافي بعكس ذلك كما في الصحاح (2).و حملها على مجرّد الجواز و عدم الالتفات فيها إلى بيان استحباب ذلك ممكن،و لكنه ليس بأولى من العكس (3)،و لكن إطلاق ما تقدم مع الشهرة يرجح الأول.

و الثالث التسمية

و الثالث التسمية عند وضع اليد في الماء،كما في الصحيح (4)و غيره (5)،أو عند وضعه على الجبينين،كما في آخر صريحا (6)،و الصحاح ظاهرا،ففي الصحيح:«من ذكر اسم اللّه تعالى على وضوئه فكأنما اغتسل» (7)و الجمع بينهما أكمل.

و لا ضرر في تركها إجماعا؛للأصل،و ظاهر الصحيح:«إذا سمّيت طهر جسدك كلّه،و إذا لم تسمّ لم يطهر من جسدك إلاّ ما مرّ عليه الماء» (8)مؤيدا بظاهر الصحيح المتقدم.

و ما في بعض الأخبار ممّا ينافي بظاهره ذلك (9)-مع قصوره سندا و مقاومة

ص:167


1- التهذيب 1:158/56،الاستبصار 1:168/57،الوسائل 1:392 أبواب الوضوء ب 15 ح 11.
2- الكافي 3:5/25،الوسائل 1:388 أبواب الوضوء ب 15 ح 3،و انظر أيضا إلى أحاديث 2 و 4 و 6 و 10 من ذلك الباب.
3- أي حمل الصحيح الأول على هذا الحمل دونها.منه رحمه اللّه.
4- التهذيب 1:192/76،الوسائل 1:423 أبواب الوضوء ب 26 ح 2.
5- الوسائل 1:423 أبواب الوضوء ب 26.
6- الكافي 3:4/25،الوسائل 1:387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.
7- ثواب الأعمال:15،المقنع:7(مرسلا)،الوسائل 1:425 أبواب الوضوء ب 26 ح 9.
8- الكافي 3:2/16،التهذيب 1:1060/355،الاستبصار 1:204/67،الوسائل 1: 424 أبواب الوضوء ب 26 ح 5.
9- التهذيب 1:1075/358،الاستبصار 1:206/68،الوسائل 1:424 أبواب الوضوء ب 26 ح 6.

لما تقدم و شذوذه-محمول على شدة تأكد الاستحباب.

و في استحباب الإتيان بها في الأثناء مع الترك ابتداء عمدا أو سهوا-كما عن الذكرى و غيره (1)-تأمل،خصوصا في الأول.و ثبوته في الأكل-مع حرمة القياس-غير نافع .و شمول المعتبرة بعدم سقوط الميسور بالمعسور (2)لمثله محل تأمل .و لكن الإتيان بها حينئذ بقصد الذكر حسن.

الرابع غسل اليدين

و الرابع غسل اليدين من الزندين؛للتبادر،و الاقتصار على المتيقن مرّة للنوم و البول،و مرّتين للغائط،قبل الاغتراف في المشهور،بل عن المعتبر الاتفاق عليه (3).

للحسن:كم يفرغ الرجل على يده قبل أن يدخلها في الإناء؟قال:

«واحدة من حدث البول،و اثنتان من الغائط،و ثلاث من الجنابة» (4).

و في الخبر:في الرجل يستيقظ من نومه و لم يبل،أ يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها؟قال:«لا،لأنه لا يدري أين باتت يده،فليغسلها» (5).

و في المرسل في الفقيه:«اغسل يدك من البول مرّة،و من الغائط مرّتين، و من الجنابة ثلاثا،و قال:اغسل يدك من النوم مرّة» (6).

و إطلاق المرّة فيما عدا الجنابة-كما عن البيان و النفلية (7)-لا دليل عليه،

ص:168


1- الذكرى:93؛و انظر الذخيرة:40.
2- عوالي اللئالي 4:205/58.
3- المعتبر 1:165.
4- الكافي 3:5/12،التهذيب 1:96/36،الاستبصار 1:141/50،الوسائل 1:427 أبواب الوضوء ب 27 ح 1،بتفاوت يسير.
5- الكافي 3:2/11،التهذيب 1:106/39،الاستبصار 1:145/51 و الوسائل 1:428 أبواب الوضوء ب 27 ح 3.
6- الفقيه 1:91/29 و 92،الوسائل 1:428 أبواب الوضوء ب 27 ح 4 و 5.
7- البيان:49،النفلية:6.

كإطلاق المرّتين فيه كما عن اللمعة (1).

و أمّا ما في الخبر:«يغسل الرجل يده من النوم مرّة،و من الغائط و البول مرّتين،و من الجنابة ثلاثا» (2)فمع شذوذه و قصوره سندا و مقاومة لما تقدم يحتمل التداخل،كما عن ظاهر الأصحاب (3).

و هل هو لدفع النجاسة المتوهمة فلا يستحب إلاّ في القليل و صورة عدم تيقن الطهارة و لا يحتاج إلى النية،أم تعبّد محض فيعمّ جميع ذلك؟ الأقرب الثاني،وفاقا للمنتهى (4)؛لإطلاق ما عدا الخبر الثاني،و ليس فيه -مع قصور سنده و اختصاصه بالنوم-ما يوجب التقييد مطلقا،فالتعميم أولى.

و منه يظهر عدم الاختصاص بالإناء الواسع الرأس و إن اختص هو (5)كالحسن به؛لإطلاق الأخيرين و غيرهما.و لا وجه للتقييد؛لعدم المنافاة .

الخامس و السادس المضمضة و الاستنشاق

و الخامس و السادس المضمضة و هي:إدارة الماء في الفم و الاستنشاق و هو:جذبه إلى داخل الأنف،على المشهور،بل عن الغنية الإجماع عليه (6)،و النصوص به مستفيضة.

ففي المروي في الكتب الثلاثة،مسندا فيما عدا الفقيه و مرسلا فيه،في وصف وضوء مولانا أمير المؤمنين عليه السلام:«ثمَّ تمضمض فقال-و ذكر الدعاء-ثمَّ استنشق و قال»الحديث (7).

ص:169


1- الروضة 1:78.
2- التهذيب 1:97/36،الاستبصار 1:142/50،الوسائل 1:427 أبواب الوضوء ب 27 ح 2.
3- انظر الحدائق 2:149.
4- المنتهى 1:48.
5- أي الخبر الثاني.منه رحمه اللّه.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):554.
7- الكافي 3:6/70،الفقيه 1:84/26،التهذيب 1:153/53،الوسائل 1:401 أبواب الوضوء ب 16 ح 1.

و المروي في مجالس أبي علي ولد شيخنا الطوسي رحمه اللّه:

«فانظر إلى الوضوء فإنه من تمام الصلاة،تمضمض ثلاث مرّات،و استنشق ثلاثا» (1).

و النبوي في ثواب الأعمال مسندا:«ليبالغ أحدكم في المضمضة و الاستنشاق،فإنه غفران لكم و منفرة للشيطان» (2).

و في الخصال في حديث الأربعمائة:«المضمضة و الاستنشاق سنّة و طهور للفم و الأنف» (3).

و قصور أسانيدها كغيرها منجبر بالشهرة و أدلّة المسامحة في أدلّة السنن و الكراهة.

خلافا للعماني،فليسا بفرض و لا سنّة (4)،و له شواهد من الأخبار (5)؛ لكنها-ككلامه-محتملة للتأويل القريب بحمل السنّة المنفية فيها على الواجبة النبوية،و لعلّ سياقها شاهد عليه ،مضافا إلى عدم ثبوت كونها فيها و في كلامه حقيقة في المعنى المصطلح.

و عن أمالي الصدوق:أنهما مسنونان خارجان من الوضوء،لكونه فريضة كلّه (6)،و حمل الأخبار عليه غير بعيد.

و مقتضى الخبر الأول كالترتيب الذكري في غيره:تقديم الأول،كما عن الوسيلة و التحرير و التذكرة و نهاية الأحكام و الذكرى و النفلية و الجامع و المقنعة

ص:170


1- أمالي الطوسي:29،الوسائل 1:397 أبواب الوضوء ب 15 ح 19.
2- ثواب الأعمال:19،الوسائل 1:432 أبواب الوضوء ب 29 ح 11.
3- الخصال:10/610،الوسائل 1:433 أبواب الوضوء ب 29 ح 13.
4- نقله عنه في المختلف:21.
5- الوسائل 1:431 أبواب الوضوء ب 29 ح 5 و 6.
6- لم نعثر عليه في الأمالي أو محكيّه،نعم وجدناه في الهداية:17.

و المصباح و مختصره و المهذّب و البيان (1)و المبسوط،و فيه:أنه لا يجوز تقديم الاستنشاق (2).و هو كذلك مع قصد المشروعية؛لعدم ثبوتها فيه،للشك في شمول إطلاق الأخبار له،سيّما مع الترتيب الذكري فيها و الفعلي في غيرها.

و مقتضى الخبر الثاني التثليث فيهما،و عن الغنية الإجماع عليه (3).

و ليس فيه كغيره تعداد الغرفات ستّا كما عن التذكرة و نهاية الأحكام (4)،أو الاقتصار بكف لكل منهما،أو مرّتين لهما بالتوزيع بينها فيهما كما عن المصباح و مختصره و النهاية و المقنعة و الوسيلة و المهذّب و الإشارة (5)،بل ظواهر الإطلاقات فيهما جواز الاكتفاء بكف لهما كما عن الاقتصاد و الجامع و المبسوط و الإصباح (6)،و في الأخيرين التصريح بالتخيير بين أن يكونا بغرفة أو بغرفتين كما في الأول،أو ثلاث كما في الثاني،و لكن المتابعة لهم جيدة بناء على المسامحة.

و مقتضى الخبرين الأخيرين و لا سيّما الأوّل منهما استحباب إدارة الماء في جميع الفم و الأنف؛للمبالغة،كما عن المنتهى و الذكرى (7).

ص:171


1- الوسيلة:52،التحرير 1:8،التذكرة 1:21،نهاية الأحكام 1:56،الذكرى:93، النفلية:7،جامع الشرائع:34،المقنعة:43،55،مصباح المتهجد:7،9،المهذب 1: 43،45،البيان:50.
2- المبسوط 1:20.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):554.
4- التذكرة 1:21،نهاية الأحكام 1:56.
5- مصباح المتهجد:7،النهاية:12،المقنعة:43،الوسيلة:52،المهذب 1:43،الإشارة: 71.
6- الاقتصاد:242،جامع الشرائع:34،المبسوط 1:20،و نقله عن الإصباح في كشف اللثام 1:72.
7- المنتهى 1:51،الذكرى:93.

و ليس في شيء منها كغيرها اشتراط المجّ و الاستنثار للمستعمل عن الموضعين في الاستحباب كما عن الذكرى وفاقا للمنتهى (1)،و جعلهما في النفلية مستحبا آخر (2).

السابع أن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه، و المرأة بباطنهما

و السابع أن يبدأ الرجل في صب الماء بظاهر ذراعيه، و المرأة بباطنهما مطلقا على الأشهر الأظهر؛للخبر:«فرض اللّه تعالى على النساء في الوضوء أن يبدأن بباطن أذرعهنّ،و في الرجال بظاهر الذراع» (3)و مثله مروي في الخصال (4).

و عن المبسوط و النهاية و الغنية و الإصباح و الإشارة و ظاهر السرائر:

اختصاص ذلك بالغسلة الاولى و ينعكس في الثانية (5)،و عليه الإجماع في الغنية و التذكرة (6).فإن تمَّ و إلاّ فمستنده غير واضح من الرواية،و اشتهار الإطلاق يدافع تمامية الإجماع.

و يتخير الخنثى بين البدأة بالظهر أو البطن على الأول،و بين الوظيفتين على الثاني.

الثامن الدعاء عند غسل كلّ من الأعضاء

و الثامن الدعاء عند غسل كلّ من الأعضاء الواجبة و المندوبة بالمأثور في الخبر (7).

ص:172


1- المنتهى 1:51،الذكرى:93.
2- النفلية:6.
3- الكافي 3:6/28،التهذيب 1:193/76،الوسائل 1:466 أبواب الوضوء ب 40 ح 1.
4- الخصال:12/585،المستدرك 1:338 أبواب الوضوء ب 35 ح 1.
5- المبسوط 1:20 و 21،النهاية:13،الغنية(الجوامع الفقهية):554،حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:73،الإشارة:71،السرائر 1:101.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):554،التذكرة 1:21.
7- الكافي 3:6/70،الفقيه 1:84/26،التهذيب 1:153/53،المقنع:3 و 4،ثواب الأعمال:16،أمالي الصدوق:11/445،المحاسن:61/45،الوسائل 1:401 أبواب الوضوء ب 16 ح 1.
التاسع إسباغ الوضوء بمدّ

و التاسع:إسباغ الوضوء بمدّ بإجماعنا و أكثر أهل العلم كما عن التذكرة (1)،و عليه تدل الأخبار المستفيضة،ففي الصحيح:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتوضأ بمدّ و يغتسل بصاع» (2).

خلافا لبعض من أوجبه من العامة (3).و يضعّفه بعد الإجماع ما تقدّم من الأخبار في إجزاء مثل الدهن (4).

و ليس في استحبابه دلالة على وجوب غسل الرّجلين،بناء على زيادته عن ماء الوضوء مع مسحهما،كما توهّمته العامة؛لمنعها على تقدير استحباب كلّ من المضمضة و الاستنشاق ثلاثا،و تعدّد الغسلات مرّتين،مع غسل اليدين مرّة أو مرّتين كما تقدّم،فإنّ مجموع ذلك يبلغ ثلاث عشرة كفا أو أربع عشرة، و المدّ لا يزيد عن ذلك،لكونه رطلا و نصفا بالمدني كما في الصحيح (5)بحمل الأرطال فيه عليه إجماعا مع تأيّده بكونه رطل بلد الإمام المذكور فيه،فيكون رطلين و ربعا بالعراقي.

و الرطل مائة و ثلاثون درهما على الأشهر كما تقدّم في بحث الكرّ (6).

و الدرهم ستة دوانيق باتفاق الخاصة و العامة و نصّ أهل اللغة (7).

و الدانق ثمان حبّات من أوسط حبّ الشعير بلا خلاف منّا،و الخبر الوارد

ص:173


1- التذكرة 1:21.
2- التهذيب 1:379/136،الاستبصار 1:409/121،الوسائل 1:481 أبواب الوضوء ب 50 ح 1.
3- كالسرخسي في المبسوط 1:45،و ابن قدامة في المغني 1:256.
4- راجع ص 128.
5- و هو الصحيح المتقدم في صدر المسألة.
6- راجع ص 27.
7- منهم الطريحي في مجمع البحرين 6:61،و الفيومي في المصباح المنير:193.

بخلافه (1)(مع شذوذه) (2)ضعيف بجهالة الراوي.

فيكون المدّ على ما قلناه وزن ربع منّ تبريزي واف.

نعم يشكل ذلك على القول بعدم استحباب الأوّلين أو الثالث.و ربما يؤوّل حينئذ بدخول ماء الاستنجاء فيه،و لكنه بعيد و إن استشهد له ببعض الأخبار .ففيه (3)شهادة حينئذ على استحباب الأمرين مع التثليث في كلّ من الأوّلين (4).

العاشر السواك

و العاشر السواك أي دلك الأسنان بعود و شبهه،و منه الإصبع كما في الخبر:«السواك بالمسبحة و الإبهام عند الوضوء سواك» (5).

و لكن في الصحيح:في الرجل يستاك بيده إذا قام إلى الصلاة و هو يقدر على السواك،قال:«إذا خاف الصبح فلا بأس» (6).

عنده أي قبل الوضوء،فإن لم يفعل فبعده؛للخبر:«الاستياك قبل أن يتوضأ»[قلت:]أرأيت إن نسي حتى يتوضأ،قال:«يستاك ثمَّ يتمضمض ثلاث مرّات» (7).

ص:174


1- الفقيه 1:69/23،التهذيب 1:374/135،الاستبصار 1:410/121،الوسائل 1:481 أبواب الوضوء ب 50 ح 3.
2- ليست في«ل».
3- أي في استحباب الإسباغ بالمد.منه رحمه اللّه.
4- أي المضمضة و الاستنشاق.منه رحمه اللّه.
5- التهذيب 1:1070/357،الوسائل 2:24 أبواب السواك ب 9 ح 4.
6- الفقيه 1:122/34،قرب الإسناد:806/207،الوسائل 2:24 أبواب السواك ب 9 ح 1، و في الجميع:«إذا قام إلى صلاة الليل».
7- الكافي 3:6/23،المحاسن:947/561،الوسائل 2:18 أبواب السواك ب 4 ح 1،بدل ما بين المعقوفين في النسخ:قال.و ما أثبتناه من المصادر.

و لعلّه مراد النفلية باستحبابه قبله و بعده (1).و يحتمل إرادة الظاهر (2)؛ لإطلاق النصوص باستحبابه لكل صلاة أو عندها (3).إلاّ أنّ الظاهر أنّ المأتي به قبل وضوء كل صلاة يكون لها أو عندها فلا تكرار.

و الأولى تقديمه على غسل اليدين كما استظهره في الذكرى (4)،و جعله الشيخ في بعض كتبه أفضل (5).

و ظاهر المتن كغيره كونه من سنن الوضوء،كما في الخبر:«السواك شطر الوضوء» (6)و ليس فيما دلّ على استحبابه على الإطلاق حتى فيمن لم يتمكن منافاة لذلك.

خلافا لنهاية الإحكام،فاحتمل كونه سنّة برأسها (7).فتأمل.

و المستند في شرعيته مطلقا و في خصوص المقام الإجماع،و النصوص بالعموم و الخصوص.

فمن الأول الصحيح النبوي:«ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى خفت أن أحفي-أو أدرد-» (8)و هما بإهمال الحاء و الدالين عبارة عن إذهاب الأسنان.

و من الثاني-بعد ما تقدّم-الصحيح:«و عليك بالسواك عند كل

ص:175


1- النفلية:7.
2- أي ظاهر العبارة من الاستحباب قبل الوضوء و بعده أيضا،دون تقييد الأخير بعدم فعله أولا. منه رحمه اللّه.
3- الوسائل 2:16 و 18 أبواب السواك ب 3 و 5.
4- الذكرى:93.
5- كما في عمل اليوم و الليلة(الرسائل العشر):142.
6- الفقيه 1:114/32،الوسائل 2:17 أبواب السواك ب 3 ح 3.
7- نهاية الأحكام 1:52.
8- الكافي 3:3/23،الوسائل 2:5 أبواب السواك ب 1 ح 1.

وضوء» (1).

و ظاهر كل منهما،و خصوص الصحيح و غيره،كالمتن و غيره:استحبابه للصائم مطلقا و لو كان بالرطب،و لعلّه الأشهر.

و ربما قيل بالكراهة له حينئذ (2)؛للمستفيضة الناهية عنه في هذه الصورة،منها الحسن:«لا يستاك بسواك رطب» (3).

و لعلّ مراعاته أحوط؛لظاهر النهي.إلاّ أن يكون إجماع على الجواز فالأوّل متعين (4).

ص:176


1- الروضة من الكافي 8:33/79،الوسائل 2:16 أبواب السواك ب 3 ح 1.
2- قال به الشيخ في الاستبصار 2:92،و الحلبي في الكافي في الفقه:179،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:72.
3- الكافي 4:2/112،التهذيب 4:992/323،الوسائل 10:84 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 10.
4- أي الاستحباب مطلقا،للشهرة و خصوص الصحيح.و ضعف المستفيضة و الحسن لا يقاوم الصحيح مضافا إلى شذوذ ظواهرها.منه رحمه اللّه.

و يكره الاستعانة فيه أي في مقدّمات الوضوء كصبّ الماء-لا نفسه، لكون توليته محرّمة كما تقدّم-للخبرين،في أحدهما:«إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان لا يدعهم يصبون الماء على يديه و يقول:لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا» (1).

و الآخر يظهر منه التحريم (2)،لكن لضعفه يحمل على الكراهة للاحتياط و المسامحة،أو التولية المحرّمة.

و توضئة أبي عبيدة الحذّاء مولانا الباقر عليه السلام في المشعر-كما في الصحيح (3)-محمولة على بيان الجواز أو الضرورة لو كانت من الاستعانة، و على الضرورة فقط لو كانت من التولية المحرّمة.

و ليس منها استحضار الماء و إسخانه؛للأصل،و الخروج عن الصب المرغوب عنه في الخبرين،و الشك في شمول التعليل فيهما لمثله ،مضافا إلى فعلهم عليهم السلام ذلك.فتأمل.

و التمندل أي تجفيف ماء الوضوء عن الأعضاء المغسولة بالمنديل؛ للشهرة،مع ما فيه من التشبه بالعامة المرغوب عنه في المعتبرة.

و استدل لها بالخبر (4).

ص:177


1- الفقيه 1:85/27،التهذيب 1:1057/354،المقنع:8،علل الشرائع:1/278، الوسائل 1:477 أبواب الوضوء ب 47 ح 2.
2- الكافي 3:1/69،التهذيب 1:1107/365،الوسائل 1:476 أبواب الوضوء ب 47 ح 1.
3- التهذيب 1:162/58،الاستبصار 1:172/58،الوسائل 1:391 أبواب الوضوء ب 15 ح 8.
4- الكافي 3:4/70،الفقيه 1:105/31،ثواب الأعمال:16،المحاسن:250/429، الوسائل 1:474 أبواب الوضوء ب 45 ح 5.

و فيه نظر ،مع معارضته بأخبار أخر (1)هي في استحباب التمندل من الكراهة أظهر،إلاّ أنّ مداومة العامة عليه شاهد(قوي) (2)على ورودها للتقية .

و لعلّه لما ذكرنا من الأخبار قيل بعدم الكراهة فيه،كما عن المرتضى في شرح الرسالة و الشيخ في أحد قوليه (3).

ص:178


1- الوسائل 1:473 أبواب الوضوء ب 45.
2- ليست في«ش».
3- نقله عن المرتضى في الذكرى:95،الشيخ في الخلاف 1:97.
الرابع:في الأحكام
اشارة

الرابع:في الأحكام :

من تيقن الحدث و شك في الطهارة أو تيقنهما و جهل المتأخر تطهّر

من تيقن الحدث و شك في الطهارة بعده،أو ظنّ،على الأشهر الأظهر هنا و فيما سيأتي أو تيقنهما و جهل المتأخر منهما و الحالة السابقة عليهما تطهّر فيهما إجماعا فتوى و نصا.

فممّا يتعلق بالأولى منه الصحيح:«ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا» (1)و بمعناه الأخبار المستفيضة (2).

مضافا إلى الإطلاقات و القاعدة فيها و في الثانية،لتكافؤ الاحتمالين الموجب لتساقطهما من البين الرافع لليقين بالطهارة الواجب للمشروط بها.

و ممّا يتعلق بالثانية منه الرضوي:«و إن كنت على يقين من الوضوء و الحدث و لا تدري أيّهما أسبق فتوضأ» (3).

و إطلاقه يعمّ صورتي العلم و الجهل بالحالة السابقة على الأمرين في الثانية كما هو الأظهر الأشهر،و ضعفه بها قد انجبر،مضافا إلى ما تقدّم.

و ربما فصّل هنا بتفصيلين متعاكسين في صورة العلم بالحالة السابقة على الأمرين،فيأخذ بضدّها على قول كما عن المصنف في المعتبر (4)، و بالمماثل على قول آخر كما عن الفاضل في القواعد و المختلف (5)؛لاعتبارات هيّنة و وجوه ضعيفة هي في مقابلة النص المتقدم المعتضد بالشهرة مع الإطلاقات و القاعدة غير مسموعة.

ص:179


1- التهذيب 1:1335/421،الاستبصار 1:641/183،علل الشرائع:1/361،الوسائل 3:466 أبواب النجاسات ب 37 ح 1.
2- الوسائل 1:245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.
3- فقه الرضا(عليه السلام):67،المستدرك 1:342 أبواب الوضوء ب 38 ح 1.
4- المعتبر 1:171.
5- القواعد 1:12،المختلف:27.
لو تيقن الطهارة و شك في الحدث أو شك في شيء من أفعال الوضوء بعد انصرافه بنى على الطهارة

و لو تيقن الطهارة و شك أو ظن في الحدث بعدها أو شك أو ظن في شيء من أفعال الوضوء بعد انصرافه عنه و إتمامه له و إن لم يقم من محلّه في الأشهر الأظهر كما عن ثاني المحقّقين و ثاني الشهيدين و غيرهما (1)؛لظاهر الصحيحين الآتيين مع قوة الظهور في أحدهما.

بنى على الطهارة إجماعا فيهما نصا و فتوى.

فمن الأوّل في الأوّل-بعد ما تقدّم من المستفيضة الناهية عن نقض اليقين بالشك-الصحيح:في متطهّر حرّك إلى جنبه شيء و لم يعلم به،قال:«لا حتى يستيقن أنه قد نام،حتى يجيء من ذلك أمر بيّن،و إلاّ فإنه على يقين من وضوئه،و لا ينقض اليقين أبدا بالشك،و لكن ينقضه بيقين آخر» (2).

و الموثق«إذا استيقنت أنك أحدثت فتوضأ،و إياك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنك أحدثت» (3).

و ظاهر النهي و التحذير فيهما الحرمة،و ربما حمل على الرخصة ،لا عليها،بناء على استحباب التجديد.و إبقاؤهما عليه مع تقييد إطلاقهما بقصد الوجوب لعلّه أظهر.

إلاّ إذا كان الشك بخروج البلل و لم يستبرئ،فتجب الإعادة بالإجماع كما عن الحلّي (4)،و مفهوم المعتبرة،منها الصحيح،و فيه بعد الأمر بالاستبراء:

«ثمَّ إن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي» (5).

ص:180


1- المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:237،و الشهيد الثاني في روض الجنان:44؛و انظر المدارك 1:257.
2- التهذيب 1:11/8،الوسائل 1:245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.
3- الكافي 3:1/33،التهذيب 1:268/102،الوسائل 1:247 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 7.
4- السرائر 1:97 و 122.
5- التهذيب 1:70/27،الاستبصار 1:136/48،الوسائل 1:283 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 3.

و مثله الحسن و فيه:«فإن خرج بعد ذلك شيء فليس من البول و لكنه من الحبائل» (1).

و من الأول في الثاني الصحيح:«فإذا قمت من الوضوء و فرغت،و قد صرت في حال أخرى في الصلاة أو غيرها،فشككت في بعض ما سمّى اللّه تعالى ممّا أوجب اللّه تعالى عليك فيه وضوءا لا شيء عليك» (2).

و مثله الآخر المضمر:قال،قلت:الرجل يشك بعد ما يتوضأ،قال:

«هو حين ما يتوضأ أذكر منه حين يشك» (3).

و من هذا التعليل يستفاد اتحاد الغسل مع الوضوء في حكم الشك المزبور،مضافا إلى استلزام وجوب الرجوع و الإتيان بالمشكوك فيه بعد الانصراف الحرج المنفي آية و رواية و فتوى،و خصوص الصحيح:عن رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة،فقال:«إذا شك و كانت به بلّة و هو في صلاته مسح بها عليه،و إن كان استيقن رجع فأعاد عليهما ما لم يصب بلّة،فإن دخله الشك و قد دخل في صلاته فليمض في صلاته و لا شيء عليه» (4).

و لو كان شكّه في العضو الأخير منه أو من الغسل وجب التدارك قبل الانصراف،لعدم تحقّق الإكمال،و منه الجلوس و إن لم يطل زمانه كذا قيل (5)، فتأمل .و لا ريب أنه أحوط في الجملة .

ص:181


1- الكافي 3:1/19،التهذيب 1:71/28،الاستبصار 1:137/49،الوسائل 1:320 أبواب أحكام الخلوة ب 11 ح 2.
2- الكافي 3:2/33،التهذيب 1:261/100،الوسائل 1:469 أبواب الوضوء ب 42 ح 1.
3- التهذيب 1:265/101،الوسائل 1:471 أبواب الوضوء ب 42 ح 7.
4- الكافي 3:2/33،التهذيب 1:261/100،الوسائل 2:260 أبواب الجنابة ب 41 ح 2.
5- المدارك 1:258.

و لو كان شكّه في شيء من أفعال الوضوء أو الغسل قبل انصرافه عنه أتى به أي بالمشكوك فيه و بما بعده وجوبا في الغسل مطلقا،و في الوضوء إن لم يحصل الجفاف،و معه فيعيد،لما تقدّم (1)،كما هو ظاهر الأصحاب.

للإجماع كما في المدارك و غيره (2)،و الأصل (3)،و الصحيح:«إذا كنت قاعدا على وضوئك،فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا،فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله أو تمسحه ممّا سمّى اللّه تعالى ما دمت في حال الوضوء»الحديث (4).

و لا ينافيه الموثق:«إذا شككت في شيء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشيء،إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه» (5).

لإجماله،باحتمال رجوع الضمير في«غيره»إلى الوضوء،و ما قبله (6).و لا منافاة على الأول،بل هو معاضد للصحيح حينئذ.فتأمل .

و به و بالإجماع تخصّ أو تقيّد المعتبرة الدالة على عدم العبرة بالشك مع تجاوز المحل-كما هو المجمع عليه في الصلاة-بغير المقام،و مع ظهور سياقها في ورودها فيها.و ربما خصت بها لذلك،و منع عمومها لما سوى ذلك،و فيه تأمل (7).فتأمل .

ص:182


1- من وجوب الموالاة.منه رحمه اللّه.
2- المدارك 1:256؛و انظر الذخيرة:43.
3- أي أصالة عدم الإتيان به.منه رحمه اللّه.
4- الكافي 3:2/33،التهذيب 1:261/100،الوسائل 1:469 أبواب الوضوء ب 42 ح 1.
5- التهذيب 1:262/101،مستطرفات السرائر:3/25،الوسائل 1:469 أبواب الوضوء ب 42 ح 2.
6- أي لفظ:شيء.منه رحمه اللّه.
7- في«ش»زيادة:لكون العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل.

و في عموم الحكم لمن كثر شكّه أيضا،أم تخصيصه بمن عداه وجهان.

للأول:إطلاق الصحيح المتقدم،و في شموله لمثله تأمل،مع كون المواجه بالخطاب خاصا لم يعلم كونه كذلك،و لا إجماع على التعميم.

فتأمل.

و للثاني-بعد التأيد بالحرج،و عدم الأمن من عروض الشك-مفهوم التعليل في الصحيح فيمن كثر شكّه في الصلاة بعد الأمر له بالمضي في الشك فيها:«لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه،فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد» (1).

و ظاهر خصوص الصحيح:قال:ذكرت له رجلا مبتلى بالوضوء و الصلاة و قلت:هو رجل عاقل،فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:«و أيّ عقل له و هو يطيع الشيطان؟!»فقلت له:كيف يطيع الشيطان؟فقال:«سله هذا الذي يأتيه من أيّ شيء،فإنّه يقول لك:من عمل الشيطان» (2).و هو أقوى،وفاقا لجماعة (3).

لو تيقن ترك غسل عضو أتى به على الحالين

و لو تيقن ترك غسل عضو أو بعضه أو مسحه أتى به على الحالين أي في حال الوضوء أو بعده و بما بعده إن كان و لو كان مسحا إن لم يجف البلل من الأعضاء مطلقا و لو مع عدم اعتدال الهواء على الأصح كما مرّ.

فإن جفّ مع الاعتدال استأنف الوضوء مطلقا على الأشهر بين الأصحاب.

خلافا للإسكافي،فاكتفى بغسل المتروك خاصة إن كان دون الدرهم،

ص:183


1- الكافي 3:2/358،التهذيب 2:747/188،الاستبصار 1:1422/374،الوسائل 8: 228 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 2.
2- الكافي 1:10/12،الوسائل 1:63 أبواب مقدمة العبادات ب 10 ح 1.
3- منهم العلامة في نهاية الأحكام 1:68،و الشهيد في الذكرى:98،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:237،و صاحب المدارك 1:257.

و قال:إنه حديث[أبي]أمامة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و زرارة عن أبي جعفر عليه السلام،و أبي منصور عن زيد بن علي عليه السلام (1).

و هو ضعيف،و أدلة وجوب الترتيب المتقدمة في بحثه من الأخبار تردّه.

لو لم تبق على أعضائه نداوة أخذ من لحيته

و لو لم تبق على أعضائه الماسحة نداوة أخذ من لحيته الغير المسترسل عن حدّ الوجه على الأحوط،أو مطلقا على الأقوى كما عن الذكرى (2)؛لإطلاق الروايات.و تعيّن الأول منقول عن العلاّمة في النهاية (3)و أجفانه لا مع البقاء كما تقدّم في مسح الرأس.

و لو لم تبق نداوة أصلا يستأنف الوضوء من أوّله؛لوجوب المسح،و عدم صحته بغير البلّة،و للروايات المنجبر ضعفها بالشهرة،ففي الخبر:«و إن لم يكن في[لحيته]بلل فلينصرف و ليعد الوضوء» (4).

و في آخر:«و إن لم يبق من بلة وضوئك شيء أعدت الوضوء» (5)و مثله في آخر (6).

و هو (7)مع إمكان المسح بالبلة بالوضوء ثانيا لكثرة الماء و اعتدال الهواء مقطوع به في كلام الأصحاب مدلول عليه بالروايات.

و أمّا مع العدم ففي وجوبه حينئذ مع استئناف ماء جديد للمسح كما عن

ص:184


1- نقله عنه في المختلف:27،و ما بين المعقوفين أضفناها من المصدر.
2- الذكرى:87.
3- نهاية الأحكام 1:43.
4- التهذيب 2:788/201،الوسائل 1:409 أبواب الوضوء ب 21 ح 7،ما بين المعقوفين في النسخ:رأسه.و ما أثبتناه من المصدر.
5- الفقيه 1:134/36،الوسائل 1:409 أبواب الوضوء ب 21 ح 8.
6- الكافي 3:7/35،التهذيب 1:230/87،الاستبصار 1:220/72،علل الشرائع: 2/289،الوسائل 1:446 أبواب الوضوء ب 33 ح 2.
7- أي الاستئناف من رأس.منه رحمه اللّه.

المعتبر و المنتهى و البيان (1)للضرورة،أو العدم و العدول إلى التيمم كما عن التحرير (2)،لإطلاق ما دل على لزوم التيمم مع عدم التمكن من الوضوء، قولان،و لعل الثاني أقوى،و العمل بهما أحوط.

لو ترك غسل أحد المخرجين يعيد الصلاة

و يعيد الصلاة وجوبا لو ترك غسل أحد المخرجين و ما في حكمه (3)و صلاّها في تلك الحال مطلقا،على الأصح الأشهر؛للمعتبرة المستفيضة،منها الصحاح و غيرها،ففي الصحيح فيمن بال و توضأ و نسي الاستنجاء:«اغسل ذكرك،و أعد صلاتك،و لا تعد وضوءك» (4)و مثله الصحيح الآخر (5)و الموثق (6).

و في الموثق:«إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ثمَّ توضأت و نسيت أن تستنجي فذكرت بعد ما صليت فعليك الإعادة،فإن كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صلّيت فعليك إعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذكرك،لأن البول مثل البراز» (7)أو«ليس» كما في بعض نسخ الكافي (8).

خلافا للإسكافي،فخص وجوب الإعادة في الوقت و استحبابها في

ص:185


1- المعتبر 1:158،المنتهى 1:70،البيان:9-10.
2- التحرير 1:10.
3- أي الاستنجاء بالأحجار.منه رحمه اللّه.
4- التهذيب 1:133/46،الاستبصار 1:150/52،الوسائل 1:294 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 3.
5- الكافي 3:14/18،التهذيب 1:135/47،الاستبصار 1:152/53،الوسائل 1:295 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 7.
6- الكافي 3:16/18،الوسائل 1:294 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 2.
7- التهذيب 1:146/50،الاستبصار 1:162/55،علل الشرائع:12/580،الوسائل 1: 319 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 5.
8- الكافي 3:17/19.

خارجه،و كلامه في البول خاصة (1).

و لا مستند له سوى الجمع بين المعتبرة و الروايات الآتية النافية للإعادة بقول مطلق،بحمل الأولة على الوقت و الثانية على الخارج.و لا شاهد له،مع عدم التكافؤ،لاعتضاد الأولة بالكثرة و صحة سند أكثرها و الشهرة التي هي العمدة في الترجيح.

و للصدوق في ترك الاستنجاء من الغائط خاصة،فلم يوجب الإعادة فيه في الفقيه مطلقا (2)؛و لعلّه للموثق:«لو أنّ رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلّي لم يعد الصلاة» (3).

و في المقنع في الخارج خاصة (4)؛للموثق الآخر:في الرجل ينسى أن يغسل دبره بالماء حتى يصلي إلاّ أنه قد تمسّح بثلاثة أحجار،قال:«إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الصلاة و ليعد الوضوء،و إن كانت قد خرجت تلك الصلاة التي صلى فقد جازت صلاته و ليتوضأ لما يستقبل من الصلاة» (5).

و هما-مع تعارض كل من مستندهما مع الآخر فيتساقطان-لا يصلحان لمقاومة ما قدّمناه من المعتبرة بوجوه عديدة .

و للعماني،فجعل الإعادة مطلقا أولى (6)؛و لعلّه للخبرين في أحدهما:

في الرجل يتوضأ و ينسى أن يغسل ذكره و قد بال،فقال:«يغسل ذكره و لا يعيد

ص:186


1- نقله عنه في المختلف:19 و 20.
2- الفقيه 1:21.
3- التهذيب 1:143/49،الاستبصار 1:159/54،الوسائل 1:318 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 3.
4- المقنع:5.
5- التهذيب 1:127/45،الاستبصار 1:149/52،الوسائل 1:317 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 1.
6- نقله عنه في المختلف:20.

الصلاة» (1).

و يرد عليهما ما تقدّم،مضافا إلى قصور سندهما و اختصاصهما بالبول خاصة،فلا يساعدان الإطلاق.و تتميمه بالموثق الأول للفقيه غير تام؛ لمعارضة الموثق الثاني للمقنع إياه.

و لا يجب أن يعيد الوضوء بترك أحد الاستنجاءين مطلقا (2)،على الأشهر(الأظهر) (3)للأصل،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الصريحة.

ففي الصحيح:عن الرجل يبول فلا يغسل ذكره حتى يتوضأ وضوء الصلاة،قال:«يغسل ذكره و لا يعيد وضوءه» (4)و قد تقدم مثله أيضا (5).

و تؤيده المعتبرة الأخرى الآمرة بإعادة الصلاة و غسل الذكر (6)،من دون تعرض للأمر بإعادته مع كون المقام مقامه.

خلافا للصدوق في الفقيه،فأوجب الإعادة في نسيان الاستنجاء من البول خاصة (7)؛للمعتبرة،منها الصحيح:عمّن توضأ و ينسى غسل ذكره،

ص:187


1- التهذيب 1:140/48،الاستبصار 1:157/54،الوسائل 1:317 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 2. و الخبر الثاني:التهذيب 1:148/51،الاستبصار 1:163/56،الوسائل 1:295 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 6؛بتفاوت يسير.
2- عمدا كان الترك أو سهوا،في الوقت أو خارجه.منه رحمه اللّه.
3- ليست في«ل»،و في«ح»زيادة:الأقوى.
4- الكافي 3:15/18،التهذيب 1:138/48،الاستبصار 1:155/53 بتفاوت يسير، الوسائل 1:294 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 1.
5- في ص:185.
6- الكافي 3:14/18،التهذيب 1:135/47،الاستبصار 1:164/56،الوسائل 1:295 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 7.
7- الفقيه 1:21.

قال:«يغسل ذكره ثمَّ يعيد الوضوء» (1)و مثله الموثق المتقدم (2).

و هي لقصورها عن المقاومة لما تقدم من طرق شتّى يجب طرحها،أو حملها على الاستحباب،أو ارتكاب التأويل فيها بنحو آخر.

و في المقنع،فأطلق الإعادة حتى في نسيان الاستنجاء من الغائط ظاهرا (3)؛للموثق المتقدم (4)مستندا له فيما تقدم من عدم إعادة الصلاة في خارج الوقت كما اختاره في هذا الكتاب.

و هو و إن لم أقف له على معارض هنا،إلاّ أن تطرّق القدح إليه من الجهات المتقدمة،و دلالته على عدم كفاية الاستجمار بدلا عن الماء مع كونها مجمعا عليها فتوى و رواية،يمنع من التمسك به.مع أنّ ظاهر الأصحاب الإجماع على عدم إعادة الوضوء هنا.هذا مع احتمال حمل الوضوء فيه كالوضوء في كلامه على الاستنجاء بالماء.فتأمّل .

و لو كان الخارج من السبيلين أحد الحدثين خاصة غسل مخرجه دون مخرج الآخر إجماعا،كما عن المعتبر و الذكرى (5)؛ للأصل،و الموثق:«إذا بال الرجل و لم يخرج منه شيء غيره فإنّما عليه أن يغسل إحليله وحده،و لا يغسل مقعدته،فإن خرج من مقعدته شيء و لم يبل فإنّما عليه أن يغسل المقعدة وحدها و لا يغسل الإحليل» (6).

ص:188


1- التهذيب 1:142/49،الاستبصار 1:158/54،الوسائل 1:296 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 9.
2- في ص:185.
3- المقنع:5.
4- في ص:186.
5- المعتبر 1:174،الذكرى:21.
6- التهذيب 1:127/45،الاستبصار 1:149/52،الوسائل 1:346 أبواب أحكام الخلوة ب 28 ح 1.
في جواز مسّ كتابة المصحف للمحدث قولان،أصحهما المنع

و في جواز مسّ كتابة المصحف للمحدث بالحدث الأصغر،أم العدم قولان،أصحهما المنع و هو أشهرهما،بل عن ظاهر التبيان و مجمع البيان:إجماعنا عليه و على رجوع الضمير في لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ [1] (1)إلى القرآن دون الكتاب (2).

لهذه (3)الآية بمعونة ما ذكر،مع تفسيرها بذلك في الخبر:«المصحف لا تمسّه على غير طهر،و لا جنبا،و لا تمسّ خطه أو خيطه-على الاختلاف في النسخة-و لا تعلّقه،إنّ اللّه تعالى يقول لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ [2] (4).

و مثله آخر مروي في مجمع البيان عن مولانا الباقر عليه السلام (5).

هذا مضافا إلى المعتبرة المعتضدة أو المنجبرة بالشهرة،و الآية بمعونة التفسير الوارد عن أهل العصمة.

ففي الموثق عمّن قرأ القرآن و هو على غير وضوء،قال:«لا بأس،و لا يمسّ الكتاب» (6).

و في المرسل:«لا تمسّ الكتابة،و مسّ الورق» (7).

و يؤيده الصحيح:عن الرجل أ يحلّ له أن يكتب القرآن في الألواح

ص:189


1- الواقعة:79.
2- التبيان 9:510،مجمع البيان 5:226.
3- متعلق بقوله:أصحّهما المنع.منه رحمه اللّه.
4- التهذيب 1:344/127،الاستبصار 1:378/113،الوسائل 1:384 أبواب الوضوء ب 12 ح 3.
5- مجمع البيان 5:226،الوسائل 1:385 أبواب الوضوء ب 12 ح 5.
6- الكافي 3:5/50،التهذيب 1:343/127،الاستبصار 1:377/113،الوسائل 1: 383 أبواب الوضوء ب 12 ح 1؛بتفاوت يسير.
7- التهذيب 1:342/126،الاستبصار 1:376/113،الوسائل 1:383 أبواب الوضوء ب 12 ح 2.

و الصحيفة و هو على غير وضوء؟قال:«لا» (1)بناء على أن المنع من الكتابة فيه للمحدث لعلّه من حيث احتمال تحقق المساورة لأصل الكتابة فمنع عنها من باب المقدمة،و إلاّ فلا قائل به على الظاهر.

خلافا للمبسوط و ابني برّاج و إدريس (2)،فالكراهة؛للأصل،و ضعف سند الأخبار و دلالة الآية باحتمال عود الضمير فيها إلى الكتاب المكنون، و التطهير:التطهير من الكفر.و ضعف الجميع ظاهر بما تقدّم.

و ليس في النهي عن التعليق و مس الخيط الذي هو للكراهة اتفاقا من المشهور دلالة على كون النهي عن المس لها أيضا لوحدة السياق؛لمعارضته (3)بنهي الجنب فيه عنه أيضا،و هو للتحريم إجماعا،كما يأتي إن شاء اللّه تعالى، فيكون النهي عن المس كذلك أيضا لذلك (4)،و تعارض السياقين يقتضي بقاء النهي عن المس على ظاهره.

هذا مع احتمال كون المنهي فيه عن تعليقه ما يمكن فيه مساورة كتابته لجسده،و لا تصريح فيه لغيره،و كون (5)الخط بدل الخيط كما في النسخة الأخرى،فيكون (6)حينئذ تأكيدا للنهي عن مس الكتابة،أو بيانا لأنواع المنهي عنه في المس،و لا إجماع على الكراهة في شيء من ذلك،فلا سياق يشهد على الكراهة أصلا.

ص:190


1- التهذيب 1:345/127،الوسائل 1:384 أبواب الوضوء ب 12 ح 4،و رواها في البحار 10:277.
2- المبسوط 1:23،ابن البراج في المهذب 1:32،و ابن إدريس في السرائر 1:57.
3- علة لقوله:ليس في النهي دلالة.منه رحمه اللّه.
4- أي وحدة السياق.منه رحمه اللّه.
5- أي و لاحتمال،فهو عطف على قوله:المنهي.منه رحمه اللّه.
6- أي النهي عن الأمرين.منه رحمه اللّه.
أمّا الغسل
اشارة

أمّا الغسل.

ففيه:الواجب و الندب :

الواجب منه ستة
اشارة

فالواجب منه ستة على الأشهر الأظهر،كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

ص:191

الأول غسل الجنابة و النظر في موجبه و كيفيته و أحكامه

الأول:

غسل الجنابة:و النظر فيه في أمور ثلاثة:

الأوّل في موجبه و سببه.

و الثاني في كيفيته.

و الثالث في أحكامه.

موجب الجنابة

أمّا الموجب له فأمران

الأوّل إنزال المني

الأوّل إنزال المني و خروجه إلى خارج الجسد-لا مطلقا-بجماع أو غيره يقظة أو نوما رجلا كان المنزل أو امرأة، إجماعا في الأوّل،و اشتهارا في الثاني،بل كاد أن يكون اتفاقا كما حكي في كلام جماعة (1)،بل في بعضها إجماع الأمّة (2)،و الصحاح به مستفيضة كغيرها.

منها الصحيح:في الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج و تنزل المرأة هل عليها غسل؟قال:«نعم» (3).

و في آخر:عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل،قال:«إن أنزلت فعليها الغسل،و إن لم تنزل فليس عليها الغسل» (4).

ص:192


1- انظر التذكرة 1:23،الذخيرة:49،كشف اللثام 1:78.
2- كما في المعتبر 1:177،المدارك 1:267،شرح المفاتيح(المخطوط).
3- الكافي 3:6/47،التهذيب 1:337/125،الوسائل 2:186 أبواب الجنابة ب 7 ح 3.
4- الكافي 3:5/48،التهذيب 1:331/123،الاستبصار 1:352/107،الوسائل 2:187 أبواب الجنابة ب 7 ح 5،و رواها في الفقيه 1:190 مرسلا.

نعم بإزائها أخبار معتبرة (1)،إلاّ أنها في الظاهر شاذة لا يرى القائل بها، و لم ينقل إلاّ عن ظاهر الصدوق في المقنع،لكن عبارته النافية في احتلامها خاصة (2).

و الأصل في المسألة بعد إجماع العلماء كافة-كما ادعاه جماعة (3)-الآية الكريمة (4)،و النصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة بل هي متواترة بالبديهة.

منها كالصحيح:«كان عليّ عليه السلام (5)لا يرى في شيء الغسل إلاّ في الماء الأكبر» (6)و الحصر إضافي بالنسبة إلى الوذي و الودي و المذي.

و مقتضى إطلاقه كغيره كالمتن-و عن صريح غيره- (7)عدم الفرق في ذلك بين خروجه عن المحل المعتاد،أو غيره مطلقا و إن لم يعتد أو ينسد الخلقي.

و ربما قيل باختصاصه بالأول أو الثاني مع اعتبار أحد الأمرين فيه؛ للأصل،و عدم انصراف إطلاق النصوص إلى غيرهما.

و هو أقوى كما عن الذكرى (8)،فلا فرق بينه و بين الحدث الأصغر،و لكن

ص:193


1- الوسائل 2:191 أبواب الجنابة ب 7،أحاديث 19 إلى 22.
2- المقنع:13.
3- منهم العلامة في التذكرة 1:23،و صاحب المدارك 1:267،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:78.
4- المائدة:6.
5- في النسخ زيادة:يقول.
6- التهذيب 1:315/119،الاستبصار 1:361/109،الوسائل 2:188 أبواب الجنابة ب 7 ح 11.
7- كالعلامة في نهاية الأحكام 1:99،و المنتهى 1:81.
8- الذكرى:27.

الأوّل أحوط.

و منه ينقدح وجه الإشكال في التعميم بالنسبة إلى الخالي عن الصفات الغالبة لو لا الإجماعات المنقولة (1)،و لكنها كافية في إثباته.

و لا ينافيه الصحيح:عن الرجل يلعب مع المرأة يقبّلها،فيخرج منه المني،فما عليه؟قال:«إذا جاءت الشهوة و دفع و فتر فعليه الغسل،و إن كان إنّما هو شيء لم يجد له فترة و لا شهوة فلا بأس» (2)و مثله الآخر:«إذا أنزلت بشهوة فعليها الغسل» (3).

لحملهما على صورة الاشتباه كما فهمه الأصحاب،أو التقية لاشتهاره بين العامة و نقل عن مالك و أحمد و أبي حنيفة (4).على أنّ المنافاة في الثاني بالمفهوم الوارد مورد الغالب،و لا عبرة به.

ثمَّ إنّ هذا مع القطع بكون الخارج منيا و أمّا لو اشتبه بغيره اعتبر في الرجل الصحيح بالدفق و الشهوة و فتور البدن إذا خرج،فما اشتمل عليها جميعا أوجبه و إلاّ فلا؛للصحيح المتقدم،مضافا إلى الأصل في الثاني (5).فتأمل.

و كذلك في المرأة،كما يقتضيه إطلاق المتن كغيره.و لم يساعده الصحيح المزبور؛لاختصاصه بالرجل.و لعلّه لإطلاق الآية بتوصيف الماء

ص:194


1- كما في كشف اللثام 1:78،شرح المفاتيح(المخطوط).
2- التهذيب 1:317/120،الاستبصار 1:342/104،الوسائل 2:194 أبواب الجنابة ب 8 ح 1.
3- الكافي 3:5/47،التهذيب 1:327/123،الاستبصار 1:354/108،الوسائل 2: 186 أبواب الجنابة ب 7 ح 2.
4- نقلها ابن رشد في بداية المجتهد 1:47،و الكاساني في بدائع الصنائع 1:37،و ابن قدامة في المغني 1:230،و المرداوي في الإنصاف 1:228.
5- أي إذا لم يشتمل فلا يجب.منه رحمه اللّه.

بالدافق (1)،و فيه تأمل.

و الأظهر فيها الاكتفاء بمجرّد الشهوة؛للصحيح المتقدم ذيل الصحيح الأوّل،و غيره:«إذا جاءت الشهوة فأنزلت الماء وجب عليها الغسل» (2).

و عن نهاية الأحكام الاستشكال في ذلك (3)؛و لعلّه لإطلاق الآية، و الاكتفاء في هذه الأخبار بمجرّد الشهوة.و قد عرفت ما في الأوّل.

و الاكتفاء بالأول في الأول (4)؛كما عن ظاهر نهاية الأحكام و الوسيلة و المبسوط و الاقتصاد و المصباح و مختصره و جمل العلم و العمل و العقود و المقنعة و التبيان و المراسم و الكافي و الإصباح و مجمع البيان و روض الجنان و أحكام الراوندي (5)؛لعلّه للآية.إلاّ أنّها معارضة بالصحيح المتقدم المعتبر فيه الأمور الثلاثة،إلاّ أن يحمل على الغالب،لكنه ليس بأولى من حملها عليه،المستلزم لعدم شمولها للماء الدافق خاصة،لغلبة مصاحبة الدفق باقي الأوصاف، و تجرّده عنها فرد نادر لا يحمل عليه،و الأصل يقتضي العدم.و اللّه العالم.و كيف كان فهو أحوط.

و اعتبار الأوصاف المزبورة للصحيح المتقدم خاصة مع الاعتضاد بعمل الطائفة،لا لكونها صفات لازمة غالبة حتى يعتبر فيه قربه من رائحة الطلع و غير ذلك،لأنه لا يستفاد منه إلاّ الظن و لا عبرة به،و لا ينقض يقين الطهارة إلاّ بمثله،

ص:195


1- الطارق:6.
2- الكافي 3:7/47،التهذيب 1:326/122،الوسائل 2:187 أبواب الجنابة ب 7 ح 4.
3- نهاية الأحكام 1:100.
4- أي الدفق في الرجل.منه رحمه اللّه.
5- نهاية الأحكام 1:98،الوسيلة:55،المبسوط 1:27،الاقتصاد:244،مصباح المتهجد:8،جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):25،الجمل و العقود(الرسائل العشر):160،المقنعة:51،التبيان 3:457،المراسم:41،الكافي في الفقه:127، مجمع البيان 2:167،روض الجنان:48،فقه القرآن 1:32.

لا به،نعم الأحوط المراعاة.

و تكفي في المريض الشهوة خاصة؛للصحاح منها:في الرجل يرى في المنام و يجد الشهوة فيستيقظ و ينظر فلا يجد شيئا ثمَّ يمكث بعد فيخرج، فقال:«إن كان مريضا فليغتسل،و إن لم يكن مريضا فلا شيء عليه»قال قلت:

فما فرق بينهما؟فقال:لأنّ الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفعة و قوة،و إذا لم يكن صحيحا لم يجئ إلاّ بعد» (1).

و يجب أن يغتسل المستيقظ إذا وجد منيا على جسده أو ثوبه الذي ينفرد به مع إمكان كونه منه،و عدم احتماله من غيره.

للموثق:عن الرجل ينام و لم ير في نومه أنه احتلم،فوجد في ثوبه و على فخذه الماء،هل عليه غسل؟قال:«نعم» (2).

و مثله في آخر:عن الرجل يرى في ثوبه المني بعد ما يصبح،و لم يكن رأى في منامه أنه احتلم،قال:«فليغتسل و يغسل ثوبه» (3).

و ظاهر إطلاقهما جواز الاكتفاء بالظاهر هنا عملا بشهادة الحال،و نقل القطع به هنا عن الشيخ و الفاضلين و الشهيد و غيرهم (4)،و عن التذكرة الإجماع عليه (5).

ص:196


1- التهذيب 1:1124/369،الاستبصار 1:365/110،الوسائل 2:195 أبواب الجنابة ب 8 ح 3،و في الجميع بتفاوت يسير.
2- الكافي 3:7/49،التهذيب 1:1119/368،الاستبصار 1:368/111،الوسائل 2: 198 أبواب الجنابة ب 10 ح 1.
3- التهذيب 1:1118/367،الاستبصار 1:367/111،الوسائل 2:198 أبواب الجنابة ب 10 ح 2.
4- الشيخ في النهاية:20،المحقق في المعتبر 1:178،العلامة في نهاية الأحكام 1:101، و التحرير 1:12،الشهيد في الذكرى:27؛و انظر الذخيرة:51،و كشف اللثام 1:79.
5- التذكرة 1:23.

و ينبغي الاقتصار فيه على ظاهر موردهما من وجدانه عليهما بعد الانتباه كظاهر المتن؛اقتصارا فيما خالف الأصل المتيقن-من عدم نقض اليقين إلاّ بمثله الوارد في الصحاح (1)و غيرها المعتضدة بالاعتبار و غيره-على القدر المتيقن من الروايتين.

فلا يجب الغسل بوجدانه عليهما مطلقا،بل ينحصر الوجوب في الصورة المزبورة دون غيرها.

و عليه يحمل الخبر:عن الرجل يصيب بثوبه منيا و لم يعلم انه احتلم، قال:«ليغسل ما وجد بثوبه و ليتوضأ» (2).

و حمله على ما سيأتي من الثوب المشترك كما عن الشيخ (3)بعيد.

و منه الوجدان في الثوب المشترك مطلقا-و لو بالتعاقب-مع وجدان صاحب النوبة له بعد عدم العلم بكونه منه و احتمال كونه من الشريك،وفاقا لظاهر المتن،و غيره ظاهرا كما في عبارة (4)،و صريحا كما في أخرى (5).

و عن الدروس و الروض و المسالك:وجوبه على صاحب النوبة (6)؛و لعلّه لأصالة التأخر،المعارضة بأصالة الطهارة و غيرها،فليس بشيء،إلاّ أن يستند إلى إطلاق الروايتين،و لعلّه خلاف المتبادر منهما.و لكنه أحوط.

و حيث لا يجب الغسل عليهما ففي جواز ائتمام أحدهما بالآخر،كما

ص:197


1- الوسائل 1:245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.
2- التهذيب 1:1117/367،الاستبصار 1:369/111،الوسائل 2:198 أبواب الجنابة ب 10 ح 3.
3- التهذيب 1:368،الاستبصار 1:111.
4- راجع النهاية:20.
5- انظر جامع المقاصد 1:258،و كشف اللثام 1:79.
6- الدروس 1:95،روض الجنان:49،المسالك 1:7.

عن التحرير و التذكرة و المنتهى و نهاية الأحكام (1)،و هو صريح غيرها (2).

أم العدم،كما عن المعتبر و الشهيدين (3).

قولان،أحوطهما الثاني؛احتياطا في العبادة،و تحصيلا للبراءة اليقينية، و إن كان الأوّل أقوى،لإناطة التكليف بالظاهر،و عدم العبرة بنفس الأمر و لو علم به إجمالا،و لذا تصح صلاتهما و تسقط أحكام الجنابة عنهما قطعا و وفاقا.

و يعيد من وجب عليه الغسل كل صلاة لا يحتمل سبقها على الجنابة، وفاقا للأشهر؛اقتصارا فيما خالف الأصل على القدر المتيقن.و فيه قول آخر للمبسوط و غيره (4)ضعيف لا دليل عليه.

الثاني الجماع في القبل

و الثاني الجماع في القبل إجماعا من المسلمين كافة،و لو في الميتة إجماعا منّا خاصة خلافا لأبي حنيفة (5).

و الصحاح و غيرها به مستفيضة،منها الصحيح:عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان،متى يجب الغسل؟فقال:«إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» (6).

و في آخر:«إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم» (7).

و حدّه غيبوبة الحشفة للصحيح:قلت:التقاء الختانين هو غيبوبة

ص:198


1- التحرير 1:12،التذكرة 1:23،المنتهى 1:81،نهاية الأحكام 1:101.
2- كالمدارك 1:270،الحدائق 3:27.
3- المعتبر 1:179،الشهيد الأول في البيان:54،الشهيد الثاني في روض الجنان:49.
4- المبسوط 1:28؛و انظر المسالك 1:7.
5- نقله عنه في المغني و الشرح الكبير 1:235.
6- الكافي 3:2/46،التهذيب 1:311/118،الاستبصار 1:359/108،الوسائل 2: 183 أبواب الجنابة ب 6 ح 2.
7- الكافي 3:1/46،التهذيب 1:310/118،الاستبصار 1:358/108،الوسائل 2:182 أبواب الجنابة ب 6 ح 1.

الحشفة؟قال:«نعم» (1).

أو قدرها في مقطوع الذكر كما عن ظاهر الأصحاب (2)لا غير،اقتصارا في مخالفة الأصل على المتيقن.و ربما احتمل الاكتفاء فيه بالمسمى (3)؛ لظاهر إطلاق:«إذا أدخله».و هو ضعيف؛لحمله على الغالب و هو غيره،فلا يشمله،مع تقييده في صحيح الذكر بقدر الحشفة بالصحيح المتقدم .

و مقتضى إطلاق الصحاح و صريح المتقدم منها كالإجماع:الاكتفاء بالدخول في وجوب الغسل و إن أكسل عن الإنزال.

و كذا يجب الغسل على الفاعل و المفعول في الجماع في دبر المرأة مع إدخال قدر الحشفة على الأشبه الأشهر،بل نقل عليه المرتضى إجماع المسلمين كافة،بل ادعى كونه ضروري الدين (4).

لفحوى الصحيح:«أ توجبون عليه الجلد و الرجم و لا توجبون عليه صاعا من ماء؟» (5).

و خصوص المرسل-المنجبر بالشهرة،المؤيد بإطلاق الملامسة في الآية (6)،المفسّرة بالإجماع و الصحيح (7)بالوقاع في الفرج الشامل للقبل و الدبر لغة و عرفا،و بالإدخال في المعتبرة (8)-:في رجل يأتي أهله من خلفها،قال:

ص:199


1- تقدم مصدره في الهامش 6 ص:198.
2- انظر مشارق الشموس:160.
3- كما في كشف اللثام 1:85.
4- حكاه عنه في المختلف:31.
5- التهذيب 1:314/119،السرائر 1:108،الوسائل 2:184 أبواب الجنابة ب 6 ح 5.
6- المائدة:6،النساء:43.
7- التهذيب 1:55/22،الاستبصار 1:278/87،الوسائل 1:271 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 4.
8- لم نعثر على رواية فسّرت،فيها الملامسة بالإدخال،و لكن قد فسّرت في عدّة روايات بالجماع و الوقاع.انظر الوسائل 1:273 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 11 إلى 14.

«هو أحد المأتيين فيه الغسل» (1).

مضافا إلى الإجماع المنقول (2)المتلقى حجيته-مطلقا و في خصوص المقام عند أكثر الأصحاب-بالقبول.

خلافا لظاهر الاستبصار و النهاية و سلاّر (3)،فلم يوجباه.

للأصل،و الصحيح:عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج،أ عليها غسل إن أنزل هو و لم تنزل هي؟قال:«ليس عليها غسل،و إن لم ينزل هو فليس عليه غسل» (4).

و المراسيل منها:«إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما،و إن أنزل فلا غسل عليها و عليه الغسل» (5).

و منها:في الرجل يأتي المرأة في دبرها و هي صائمة،قال:«لا ينقض صومها و ليس عليها غسل» (6)و نحوه غيره (7).

و في الجميع نظر؛لتخصيص الأول بما تقدّم؛و عدم الصراحة في الثاني لاحتمال إرادة التفخيذ،بل و لا يبعد عدم الظهور بناء على شمول الفرج حقيقة للدبر كما تقدّم،فتأمل ؛و الضعف بالإرسال في البواقي،مع عدم الصراحة في

ص:200


1- التهذيب 7:1658/414،الاستبصار 3:868/243،الوسائل 2:200 أبواب الجنابة ب 12 ح 1.
2- نقله عن السيد المرتضى في المختلف:31.
3- الاستبصار 1:112،النهاية:19،سلاّر في المراسم:41.
4- الفقيه 1:185/47،التهذيب 1:335/124،الاستبصار 1:370/111،الوسائل 2: 199 أبواب الجنابة ب 11 ح 1.
5- الكافي 3:8/47،التهذيب 1:336/125،الاستبصار 1:371/112،الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ح 2.
6- التهذيب 4:975/319،مستطرفات السرائر:40/103،الوسائل 2:200 أبواب الجنابة ب 12 ح 3.
7- التهذيب 7:1843/460،الوسائل 2:200 أبواب الجنابة ب 12 ح 3.

الدخول فيمكن إرادة ما تقدّم.

و على تقدير تمامية الجميع فهي لمقاومة شيء ممّا قدّمناه من الأدلة غير صالحة؛للاعتضاد بالشهرة العظيمة التي كادت تبلغ الإجماع لضعف المخالف قلّة مع رجوعه عنه في باقي كتبه (1).

و في وجوب الغسل بوطء الغلام تردّد ينشأ من الأصل،و عدم النص مطلقا.

و من دعوى السيّد الإجماع على الوجوب (2).

و عن المعتبر اختياره العدم (3)؛لمنع الدعوى.

و ليس في محلّه،لقوة دليل حجيتها،فالوجوب أقوى،مضافا إلى فحوى الصحيح المتقدم (4)،و ظاهر إطلاق الحسن في النبوي:«من جامع غلاما جاء جنبا يوم القيامة لا ينقيه ماء الدنيا»الحديث (5).

و من فحواه يظهر أيضا وجوب الغسل في وطء البهيمة،مضافا إلى ما روي عن الأمير عليه السلام:«ما أوجب الحدّ أوجب الغسل» (6)لكنه على القول بثبوت الحد في وطئها دون التعزير،أو شمول الحد فيه لمثله.

و عن السيّد ذهاب الأصحاب إليه (7)،و هو مختار المختلف و الذكرى و صوم المبسوط (8).خلافا له في غيره (9)،و للخلاف و الجامع و المصنف في

ص:201


1- انظر الخلاف 2:190،المبسوط 1:270،التهذيب 4:202.
2- حكاه عنه في المختلف:31.
3- المعتبر 1:181.
4- في ص:199.
5- الكافي 5:2/544،الوسائل 20:329 أبواب النكاح المحرم ب 17 ح 1.
6- لم نعثر عليه في كتب الحديث،نعم نقله صاحب الجواهر 3:38 عن بعض كتب الأصحاب.
7- كما حكاه عنه في المختلف:31.
8- المختلف:31،الذكرى:27،المبسوط 1:270.
9- كما في المبسوط 1:28.

الكتابين (1)؛للأصل،و فقد النص.و هو ضعيف.

ص:202


1- الخلاف 1:117،الجامع للشرائع:38،المصنف في المعتبر 1:181،الشرائع 1:26.
كيفية الغسل

و أمّا كيفيته

واجبها خمسة

فواجبها خمسة أمور:

الأوّل النية و قد تقدم تحقيقها في الوضوء.

و يجب على المشهور أن تكون مقارنة لغسل الرأس أو مقدّمة عند غسل اليدين بناء على ما مرّ،و فيه ما تقدّم.

و هل التقديم عند غسلهما على طريق الجواز فقط،كما هو ظاهر القواعد و عن غيره (1)،أو الاستحباب،كما عن الإصباح و المبسوط و السرائر و الشرائع و التذكرة و نهاية الأحكام (2)؟قولان.

و الثاني استدامة حكمها بالمعنى المتقدم على الأشهر، و نفسها كما هو الأظهر ،إلى الفراغ،إلاّ إذا لم يوال فيذهل عن النية السابقة فتجديدها عند المتأخر،كما عن نهاية الأحكام و الذكرى (3)؛و وجهه واضح.

و الثالث غسل البشرة بما يسمّى غسلا و لو كان كالدهن لما مرّ في الوضوء.

و الرابع تخليل ما لا يصل إليه أي البدن المدلول عليه بالبشرة الماء إلاّ به كالشعر و لو كان كثيفا و نحوه،إجماعا؛تمسكا بعموم ما علّق الحكم فيه على الجسد الغير الصادق على مثل الشعر و نحوه،و التفاتا إلى النبوي المقبول:«تحت كل شعرة جنابة فبلّوا الشعر و انقوا البشرة» (4).

ص:203


1- القواعد 1:13؛و انظر المعتبر 1:182.
2- المبسوط 1:29،السرائر 1:118،الشرائع 1:28،التذكرة 1:24،نهاية الأحكام 1: 106 و 108.
3- نهاية الأحكام 1:107،الذكرى:82،100.
4- سنن ابن ماجه 1:597/196،سنن الترمذي 1:106/71.

و مثله الرضوي:«و ميّز الشعر بأنا ملك عند غسل الجنابة،فإنه يروى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن تحت كل شعرة جنابة،فبلّغ الماء تحتها في أصول الشعر كلّها،و خلّل أذنيك بإصبعك،و انظر أن لا تبقى شعرة من رأسك و لحيتك إلاّ و تدخل تحتها الماء» (1).

و هذه الأدلة-كالإجماع-هي الفارقة بين المقام و الوضوء حيث يجب التخليل فيه دونه.

و ما في شواذ أخبارنا ممّا يشعر بالمخالفة لذلك و صحة الغسل بحيلولة الخاتم في حال النسيان كما في الحسن:«عن الخاتم إذا أغتسل،قال:«حوله من مكانه»و قال في الوضوء:«تديره،فإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد» (2).

أو صفرة الطيب مطلقا كما في الخبر:«كنّ نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب على أجسادهن،و ذلك أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمرهن أن يصببن الماء صبّا على أجسادهن» (3).

فمطروح كالصحيح:الرجل يجنب فيصيب رأسه أو جسده الخلوق و الطيب و الشيء اللكد مثل علك الروم و الطرار و نحوه،قال:«لا بأس» (4).

أو مؤوّل بحمل الأوّل على ما لا يمنع الوصول و إن استحب التحويل

ص:204


1- فقه الرضا(عليه السلام):83،المستدرك 1:479 أبواب الجنابة ب 29 ح 3.
2- الكافي 3:14/45،الوسائل 1:468 أبواب الوضوء ب 41 ح 2.
3- التهذيب 1:1123/369،علل الشرائع:1/293،الوسائل 2:239 أبواب الجنابة ب 30 ح 2.
4- الكافي 3:7/51،التهذيب 1:356/130،الوسائل 2:239 أبواب الجنابة ب 30 ح 1. اللّكد:الذي يلزم الشيء و يلصق به.العلك كحمل:كلّ ما يمضغ في الفم من لبان و غيره. الطرار:الطين.انظر مجمع البحرين 3:142،376 و ج 5 ص 282.

للاستظهار،و كذا الثاني بحمل الصفرة فيه على الأثر العسر الزوال الذي لا تجب إزالته في التطهير من النجاسات فهنا أولى.

و ظاهر الأصحاب عدم وجوب غسل الشعر،بل عن المعتبر و الذكرى الإجماع عليه (1).و هو مقتضى الأصل،و خلو الأخبار البيانية عنه،مع خروجه عن مسمى الجسد قطعا،و إطلاق الصحيح:«لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة» (2)الشامل لما لا يبلغ إليه الماء مع عدم النقض.

و في الصحيح:«من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار» (3).

و في آخر:«الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأها» (4).

و هما بالدلالة على ما تقدم (5)أولى من الدلالة على العدم كما فهمه الأصحاب،سيّما بملاحظة الرضوي المتقدم (6)،و الأمر ببلّة في النبوي (7)لعلّه من باب المقدمة لا بالأصالة كما يستفاد من سياقه.نعم هو أحوط.

و الخامس الترتيب و هو أن يبدأ برأسه إجماعا كما عن الخلاف و الانتصار و التذكرة و الغنية و الحلّي و غيرهم (8)ممّن سيذكر؛للمعتبرة المستفيضة،مضافا إلى ما سيأتي.

ص:205


1- المعتبر 1:194،الذكرى:100.
2- الكافي 3:16/45،التهذيب 1:417/147 بسند آخر،الوسائل 2:255 أبواب الجنابة ب 38 ح 4.
3- التهذيب 1:373/135،أمالي الصدوق:11/391،ثواب الأعمال و عقاب الأعمال: 228،الوسائل 2:175 أبواب الجنابة ب 1 ح 5.
4- الكافي 3:4/82،الوسائل 2:241 أبواب الجنابة ب 31 ح 4.
5- من عدم الوجوب.
6- في ص 204.
7- راجع ص:203.
8- الخلاف 1:132،الانتصار:30،التذكرة 1:24،الغنية(الجوامع الفقهية):554،الحلي في السرائر 1:119؛و انظر الحدائق 3:69.

منها الصحيح قولا:«ثمَّ تصبّ على رأسك ثلاثا،ثمَّ صبّ على سائر جسدك مرّتين» (1).

و مثله الحسن فعلا (2).

و في الحسن:«من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه،ثمَّ بدا له أن يغسل رأسه،لم يجد بدّا من إعادة الغسل» (3).

و مثله الرضوي:«فإن بدأت بغسل جسدك قبل الرأس فأعد الغسل على جسدك بعد غسل رأسك» (4).

و بعين هذه العبارة أفتى والد الصدوق كما نقلها عنه في الفقيه (5).و منه يظهر فساد نسبة القول بعدم وجوبه هنا إليهما في الكتاب المذكور.و عبارة الإسكافي المنقولة لا تنفيه،فنقل النفي عنه (6)لا وجه له،بل ربما أشعرت بثبوته،فالظاهر عدم الخلاف فيه.

و بالمعتبرة هنا يقيد إطلاق الصحاح منها:«ثمَّ تمضمض و استنشق ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك»الحديث (7).كتقييدها في الترتيب

ص:206


1- الكافي 3:1/43،التهذيب 1:365/132،الاستبصار 1:420/123،الوسائل 2:229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.
2- الكافي 3:3/43،التهذيب 1:368/133،الوسائل 2:229 أبواب الجنابة ب 26 ح 2 بتفاوت يسير،و لكن لا يخفى أنّ الرواية متكفّلة لبيان قول الامام عليه السلام لا فعله،و إليك صدر الرواية:«قلت:كيف يغتسل الجنب؟فقال:إن لم يكن أصاب كفّه شيء غمسها في الماء،ثمَّ بدأ بفرجه..ثمَّ صبّ على رأسه..».و ظاهر أنّ مرجع الضمائر هو الجنب.و لعلّ منشأ توهّم كون مضمون الرواية فعل الامام عليه السلام تقطيعها في الوسائل في ب 28 ح 2، فقد اثبت فيه من قوله:«ثمَّ بدأ بفرجه»فتوهّم أن مرجع الضمير الامام عليه السلام.
3- الكافي 3:9/44،الوسائل 2:235 أبواب الجنابة ب 28 ح 1.
4- فقه الرضا(عليه السلام):85،المستدرك 1:473 أبواب الجنابة ب 20 ح 1.
5- الفقيه 1:49.
6- حكاه عنه في الذكرى:101.
7- التهذيب 1:1131/370،الوسائل 2:230 أبواب الجنابة ب 26 ح 5.

الآخر بما سيأتي.

و ما لا يقبل التقييد كالصحيح في أمر مولانا الصادق عليه السلام الجارية في الحكاية المعروفة بخلاف الترتيب (1)،معارض لصحيح آخر لرواية تضمّن أمره الجارية بخلاف ما فيه (2)،و هذا مع ذلك دليل آخر لما نحن فيه.

و يدخل الرقبة هنا في الرأس،كما عن المقنعة و التحرير و كتب الشهيد (3)،و ظاهر أبي الصلاح و الغنية و المهذّب (4)؛لتصريحهم بغسل الرأس إلى أصل العنق.و ما عن الإشارة من غسل كل من الجانبين من رأس العنق (5)غير مخالف؛إذ يحتمل إرادة أصله من رأسه فيه فيوافق.و عن بعض مقاربي العصر الإجماع عليه (6)،و لعلّه كذلك.

و يشهد له الحسن :«ثمَّ صبّ على رأسه ثلاث أكف،ثمَّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين و على منكبه الأيسر مرّتين»الحديث (7).

و نقله في الكافي و التهذيب مقطوعا (8)غير قادح أوّلا باشتهار العمل به، و ثانيا بنقله في المعتبر و التذكرة (9)إلى الصادق عليه السلام مسندا.

ص:207


1- التهذيب 1:370/134،الاستبصار 1:422/124،الوسائل 2:236 أبواب الجنابة ب 28 ح 4.
2- التهذيب 1:371/134،الاستبصار 1:423/124،الوسائل 2:237 أبواب الجنابة ب 29 ح 1.
3- المقنعة:52،التحرير 1:12؛و الشهيد في الذكرى:100،و اللمعة(الروضة البهية 1):94، و الدروس 1:66،و البيان:55.
4- الكافي في الفقه:133،الغنية(الجوامع الفقهية):554،المهذّب 1:46.
5- الإشارة:72.
6- حكاه صاحب الحدائق 3:66 عن والده.
7- تقدم مصدره في ص:206.
8- الكافي 3:3/43،التهذيب 1:368/132.
9- المعتبر 1:183،التذكرة 1:24.

و قريب منه الموثّق:«ثمَّ ليصب على رأسه ثلاث مرّات ملء كفيه،ثمَّ يضرب بكف من ماء على صدره و كف بين كتفيه،ثمَّ يفيض الماء على جسده كلّه»الحديث (1).

ثمَّ يغسل ميامنه،ثمَّ مياسره كل منهما من أصل العنق إلى تمام القدم،في المشهور بين الأصحاب،بل عن المعتبر اتفاق فقهاء عصره عليه (2)،و عن التذكرة و الغنية،و ظاهر الانتصار و الخلاف و المنتهى و الحلّي:

الإجماع عليه (3)،و عن التذكرة و نهاية الأحكام و الذكرى و الروض:الإجماع ممّن رتّب الرأس على البدن (4)،و في الأخيرين:و من رتّب بينهما في الوضوء أيضا.

و الأصل فيه بعد الاحتياط الواجب هنا،و بعض الأخبار العامية (5)المعتضدة بالشهرة،و حبّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم التيامن في طهوره (6)، النصوص (7)المصرّحة به في غسل الأموات (8)،مع ما ورد باتحاده في الكيفيّة مع غسل الجنابة.

ففي الخبر:«غسل الميت كغسل الجنابة» (9).

ص:208


1- التهذيب 1:364/132،الوسائل 2:231 أبواب الجنابة ب 26 ح 8.
2- المعتبر 1:184.
3- التذكرة 1:24،الغنية(الجوامع الفقهية):554،الانتصار:30،الخلاف 1:132،المنتهى 1:83،الحلي في السرائر 1:119.
4- التذكرة 1:24،نهاية الأحكام 1:107،الذكرى:100،روض الجنان:53.
5- صحيح البخاري 1:73،سنن أبي داود 1:240/62.
6- تقدم في ص 166.
7- في«ح»زيادة:الرضوي المصرح بهذا الترتيب فيه.فقه الرضا(عليه السلام):81،المستدرك 1:470 أبواب الجنابة ب 18 ح 2.
8- الوسائل 2:479 أبواب غسل الميت ب 2.
9- الفقيه 1:586/122،التهذيب 1:1447/447،الاستبصار 1:732/208،الوسائل 2:486 أبواب غسل الميت ب 3 ح 1.

و في آخر بعد ما سئل مولانا الباقر عليه السلام عن الميت لم يغسّل غسل الجنابة،أجاب بما حاصله:لخروج النطفة التي خلق منها فلذلك يغسّل غسل الجنابة (1).

و فيه-زيادة على الدلالة من جهة التشبيه-الدلالة من جهة التعليل المستفاد منه كون غسله عين غسل الجنابة؛و الأخبار بهذا التعليل مستفيضة-بل كادت تكون متواترة-مروية في العلل و العيون (2)،و غيرهما من الكتب المعتبرة،فلا وجه لتأمّل بعض المتأخرين منّا (3)تبعا لشاذ من أصحابنا (4)في ذلك.

و لا يجب الابتداء في المواضع الثلاثة بالأعلى؛للأصل،مع ظاهر عبارات الأصحاب،و الصحيحة المصرّحة باكتفاء الإمام عليه السلام بغسل ما بقي في ظهره-بعد الإتمام-من اللمعة (5).و هي للعصمة غير منافية؛لعدم التصريح فيها بالنسيان أو الغفلة.

نعم،في الحسن السابق الآمر بصبّ الماء على الرأس و المنكبين (6)إيماء إلى رجحانه و استحبابه،و عن الذكرى استظهاره (7).و لا بأس به.

و يتبع السرّة و العورتان الجانبين،فيوزّع كلّ من نصفيها على كل منهما

ص:209


1- الكافي 3:1/161،الوسائل 2:487 أبواب غسل الميت ب 3 ح 2.
2- علل الشرائع:299 العيون الأخبار 2:87.
3- كالمحقّق في المعتبر 1:183،و صاحب المدارك 1:264،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:56.
4- كوالد الصدوق و ابن الجنيد على ما حكاه عنهما في المدارك 1:293،و الصدوق في الهداية: 20.
5- الكافي 3:15/45،التهذيب 1:1108/365،الوسائل 2:259 أبواب الجنابة ب 41 ح 1.
6- المتقدم في ص:206.
7- الذكرى:105.

مع زيادة شيء في كل من النصفين من باب المقدّمة.و عن الذكرى الاكتفاء بغسلها مع أحدهما عن ذلك؛لعدم الفصل المحسوس،و امتناع إيجاب غسلها مرّتين (1).و ما ذكرناه أحوط و غسلها مع الجانبين أولى.

و تغسل اللمعة المغفلة هنا خاصة مع الجانب الآخر مطلقا (2)إذا كانت في اليمين،و بدونه إذا انعكس،كما عن الأصحاب.

و يسقط الترتيب مطلقا بالارتماس و شمول الماء لجميع البدن بالانغماس فيه دفعة واحدة،إجماعا؛للنصوص المستفيضة.

منها الصحيح:«و لو أنّ رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك و إن لم يدلك جسده» (3)و مثله الآخر (4)،و الحسن (5).

و الترتيب الحكمي الذي قيل فيه (6)-مع شذوذه بجميع تفاسيره-مدفوع بالأصل،و خلوّ النصوص عنه،مع عدم الدليل عليه،لاختصاص أدلة الترتيب بغير ما نحن فيه،و مع ذلك لا ثمرة فيه في التحقيق و إن أثبتها جماعة (7).

و في اعتبار توالي غمس الأعضاء بحيث يتحد عرفا كما عن المشهور بين المتأخرين (8)،أو مقارنة النية للانغماس التام حتى تقارن انغماس جميع البدن كما عن الألفية (9)،أو عدم اعتبار شيء منهما حتى إذا نوى فوضع رجله مثلا في

ص:210


1- الذكرى:102.
2- أي و لو كان قد غسل.منه رحمه اللّه.
3- التهذيب 1:1131/370،الوسائل 2:230 أبواب الجنابة ب 26 ح 5.
4- الفقيه 1:191/48،الوسائل 2:233 أبواب الجنابة ب 26 ح 15.
5- الكافي 3:5/43،التهذيب 1:423/148،الاستبصار 1:424/125،الوسائل 2:232 أبواب الجنابة ب 26 ح 12.
6- قال به سلاّر في المراسم:42،و العلامة في المختلف:320.
7- منهم صاحب المدارك 1:296،و السبزواري في الذخيرة:57،و صاحب الحدائق 3:78.
8- حكاه في كشف اللثام 1:81.
9- الألفية:31.

الماء ثمَّ صبر ساعة فغمس عضوا آخر و هكذا إلى أن ارتمس كما هو مختار بعض المحقّقين (1)،أقوال.

و ليس في شيء من النصوص و العبارات الموصفة للارتماس بالوحدة دلالة على تعيين أحد الأوّلين؛لاحتمال إرادة عدم التفرقة من الوحدة تنبيها على سقوط التعدد و الترتيب فيصح مع التأنّي في إتيانه،كذا قيل (2).و هو مشكل ، و اعتبار الأوّلين أحوط.

و على الأوّل لا ينافي الوحدة توقف إيصال الماء إلى البشرة على تخليل ما يعتبر تخليله من الشعر و نحوه.

و يستفاد من مفهوم النصوص-مضافا إلى الاحتياط اللازم في مثل المقام- عدم سقوط الترتيب بالوقوف تحت المطر و نحوه،بناء على عدم صدق الارتماس عليه،مضافا إلى ما دلّ على وجوبه مطلقا إلاّ ما خرج قطعا،وفاقا لجماعة (3).

و ليس في الصحيح و غيره-مع ضعف الأخير-دلالة على السقوط،بل هما-في النظر-على الدلالة بالثبوت أظهر،و مع ذلك فهما مطلقان يقيّدان بما تقدّم.

فظهر سقوط حجة القول بالسقوط كما في القواعد (4)،و عن الإصباح و ظاهر الاقتصاد و المبسوط (5).

و لو أغفل لمعة ففي وجوب الاستئناف مطلقا،أم الاكتفاء بغسلها كذلك

ص:211


1- راجع كشف اللثام 1:81.
2- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:81،و صاحب الحدائق 3:78.
3- منهم المحقق في المعتبر 1:184،و السبزواري في الذخيرة:57.
4- القواعد 1:13.
5- الاقتصاد:245،المبسوط 1:29.

خاصة،أو مع ما بعده،أو التفصيل بين طول الزمان فالأوّل و قصره فالثاني، أقوال،أصحّها الأوّل كما عن الدروس و البيان و المنتهى (1)،لعدم صدق الارتماس المعنيّ منه شمول الماء لجميع البدن دفعة المشترط في سقوط الترتيب و صحة الغسل نصّا و إجماعا حينئذ،مضافا إلى الأصل.و حجج الباقي ركيكة،و الخبر:«ما جرى عليه الماء فقد طهر» (2)مورده الترتيبي خاصة، فافهم .

ص:212


1- الدروس 1:97 البيان 56،المنتهى 1:84.
2- الكافي 3:1/43،التهذيب 1:365/132،الاستبصار 1:420/123،الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.
مسنونها سبعة

و مسنونها سبعة :

الأوّل الاستبراء للمنزل أو محتمله،مع تعيّن الغسل أو عدمه،مع استحبابه بالبول للرجل.

و لا يجب على الأشهر الأظهر؛للأصل المؤيّد بخلوّ كثير من الأخبار البيانية المتضمنة لكثير من الواجبات و المستحبات عنه،و إشعار أخبار إعادة الغسل بتركه به (1).و هو المحكي عن المرتضى و الحلّي (2)(3)و مختار الفاضلين و الشهيدين (4).

خلافا للمبسوط و الجمل و العقود و المصباح و مختصره و المراسم و الكامل و الوسيلة و الغنية و الإصباح و الجامع (5)،و في الغنية الإجماع عليه كما حكي، فأوجبوه؛لأخبار إعادة الغسل مع الإخلال به و خروج شيء من الذكر.

و لا دلالة فيها إلاّ على الوجوب الشرطي،و لعلّه مرادهم،كما يومئ إليه كلامه في الاستبصار في المضمار،لذكره الأخبار المزبورة في هذا الباب مع عنوانه بالوجوب (6).

و ليس في الصحيح:عن غسل الجنابة،فقال:«تغسل يدك اليمنى من

ص:213


1- الوسائل 2:250 أبواب الجنابة ب 36.
2- حكاه عنهما العلامة في المختلف:32.
3- في«ح»زيادة:و ابن حمزة و ابن البرّاج و الحلبي.
4- المحقق في المعتبر 1:185،و الشرائع 1:28،العلامة في المنتهى 1:85،و المختلف: 32،الشهيد الأول في البيان:55،الشهيد الثاني في المسالك 1:8.
5- المبسوط 1:29،الجمل و العقود(الرسائل العشر):161،مصباح المتهجد:9،المراسم: 41،حكاه عن الكامل في كشف اللثام 1:82،الوسيلة:55،الغنية(الجوامع الفقهية): 554،الجامع للشرائع:39.
6- الاستبصار 1:118.

المرفقين إلى أصابعك و تبول إن قدرت على البول» (1)دلالة عليه؛لوروده في سياق الأوامر المستحبة الموهن لدلالة الأمر به على الوجوب،بل سياقه ربما أشعر بالاستحباب.و عدم الترك أحوط.

و تخصيصه بالرجل-كما ذكرنا-محكي عن المبسوط و الجمل و العقود و المصباح و مختصره و الوسيلة و الإصباح و السرائر و الجامع (2)؛لاختلاف المخرجين في المرأة فلا يثمر،و اختصاص الأخبار به.

خلافا للمحكي عن النهاية و المقنعة فعمّماه (3)،و هو أحوط.

ثمَّ إنّه مع تركه و عدم خروج شيء بعد الغسل فلا كلام.و كذا معه مع العلم بالخارج منيّا فيغتسل،و بولا فيتوضأ.و مع عدمه و الشك فيه فلا شيء إن بال و استبرأ منه بعده إجماعا؛للأصل،و العمومات،و الصحاح المستفيضة و غيرها.

منها:الصحيح في الغسل:«إلاّ أن يكون قد بال قبل أن يغتسل فإنّه لا يعيد غسله» (4).

و مثله في الوضوء:«ينتره ثلاثا ثمَّ إن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي» (5).

ص:214


1- التهذيب 1:363/131،الاستبصار 1:419/123،الوسائل 2:230 أبواب الجنابة ب 26 ح 6.
2- راجع ص:213،السرائر 1:118.
3- النهاية:21،المقنعة:54.
4- التهذيب 1:407/144،الاستبصار 1:402/119،الوسائل 2:251 أبواب الجنابة ب 36 ح 6.
5- التهذيب 1:70/27،الاستبصار 1:136/48،الوسائل 1:283 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 3،في التهذيب و الاستبصار:«حتى يبلغ الساق».

و ما في الصحيح:«يجب الوضوء ممّا خرج بعد الاستبراء» (1)محمول على التقية كما في الاستبصار (2).

و يغتسل إن لم يأت بهما على الأشهر الأظهر،بل عن الحلّي الإجماع عليه (3)؛للصحاح المستفيضة و غيرها الآمرة بإعادة الغسل مع عدم البول مطلقا (4)كالصحيح:«و إن لم يبل حتى اغتسل ثمَّ وجد البلل فليعد الغسل» (5).

و الروايات بعدم الإعادة مطلقا أو مع النسيان خاصة (6)-مع ضعفها-شاذة لم يعرف قائل بمضمونها و إن نقل عن ظاهر الفقيه و المقنع (7)الاكتفاء بالوضوء، لعدم التصريح به في شيء منها مع التصريح بنفي الشيء الشامل له في بعضها.و متمسّكه ليس إلاّ ما رواه مرسلا:«إن كان قد رأى بللا و لم يكن بال فليتوضأ و لم يغتسل،إنّما ذلك من الحبائل» (8).

و هو-مع ضعفه سندا و مقاومة لما تقدّم من وجوه شتّى-يدافع ذيله صدره،بناء على عدم الوضوء فيما يخرج من الحبائل إجماعا،فحمله على مجرّد الغسل غير بعيد.

ص:215


1- التهذيب 1:72/28،الاستبصار 1:138/49،الوسائل 1:285 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 9.
2- الاستبصار 1:49.
3- السرائر 1:122.
4- أي سواء استبرأ أم لا.
5- التهذيب 1:408/144،الاستبصار 1:403/119،الوسائل 2:252 أبواب الجنابة ب 36 ح 9.
6- الوسائل 2:252 أبواب الجنابة ب 36 ح 11 إلى 14.
7- الفقيه 1:47،المقنع:13.
8- الفقيه 1:187/47،الوسائل 2:250 أبواب الجنابة ب 36 ح 2.

و كذا إن لم يبل مع إمكانه و إن استبرأ،على الأشهر الأظهر،و عن الخلاف الإجماع عليه هنا و في الصورة الآتية (1)؛لإطلاق ما تقدّم من الصحاح،بل و عموم بعضها كالصحيح:عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شيء،قال:«يغتسل و يعيد الصلاة إلاّ أن يكون قد بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله» (2).

خلافا لظاهر المصنف هنا و في الشرائع (3)،فلم يوجبه،اكتفاء منه بالاستبراء باليد.و هو ضعيف،و الأصل مدفوع بما تقدّم من العموم.

و منه يظهر اتحاد الحكم في هذه الصورة و مثلها بدون قيد الإمكان.

خلافا للمحكي عن الأكثر،فلم يوجبوه.و الروايات المتقدمة النافية للإعادة -مع ما فيها ممّا تقدم-لا اختصاص لها بهذه الصورة،و الجمع بينها و بين الصحاح بذلك فرع وجود شاهد و ليس.

نعم،في الرضوي:«إذا أردت الغسل من الجنابة فاجتهد أن تبول حتى تخرج فضلة المني من إحليلك،و إن جهدت و لم تقدر على البول فلا شيء عليك» (4).

و هو أعم من المدعى ،و مع ذلك يحتمل نفي الشيء فيه نفي الإثم أو المرجوحية.و كيف كان فالأحوط ما ذكرنا.

و يتوضأ إن انعكس الفرض في الأخيرين،فبال و لم يستبرئ منه بلا خلاف؛للصحيح:«و إن كان بال ثمَّ اغتسل ثمَّ وجد بللا،فليس ينقض غسله

ص:216


1- الخلاف 1:126.
2- التهذيب 1:407/144،الاستبصار 1:402/119،الوسائل 2:251 أبواب الجنابة ب 36 ح 6.
3- الشرائع 1:28.
4- فقه الرضا(عليه السلام):81،المستدرك 1:470 أبواب الجنابة ب 18 ح 2.

و لكن عليه الوضوء» (1)و مثله الموثّق (2).

مضافا إلى عموم الأخبار الآمرة بالوضوء بترك الاستبراء بعد البول (3).

و بمفهومها يقيّد إطلاق هذين الخبرين الشامل لما إذا استبرأ.

و ربما ينقل عن ظاهر الشيخين في المقنعة و التهذيبين (4)عدم الوضوء أيضا،بناء على عدمه مع غسل الجنابة.و في إطلاقه منع؛لاختصاصه بخروج موجبه مطلقا قبل الغسل لا بعده،و الخبران صريحان في أنّ السبب للأمر بالوضوء نفس البلل المشتبه لا غير.

و كيفية الاستبراء مطلقا (5)هو أن يعصر ذكره من أصل المقعدة إلى طرفه أي الأنثيين بإصبعه الوسطى بقوّة ثلاثا و ينتره بجذب القضيب من أصله إلى الحشفة بالإصبع المذكورة و الإبهام ثلاثا على الأشهر الأظهر المحكي عن النهاية و الفقيه الهداية و بني حمزة و سعيد و إدريس و زهرة (6)، و شيخنا المفيد في المقنعة لكن بإسقاط مسحتين (7)،و لا دليل عليه.

و مستندهم الحسن:«إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاث مرّات

ص:217


1- التهذيب 1:407/144،الاستبصار 1:402/119،الوسائل 1:283 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 5.
2- التهذيب 1:406/144،الاستبصار 1:401/119،الوسائل 1:283 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 6.
3- الوسائل 2:250 أبواب الجنابة ب 36.
4- المقنعة:53،التهذيب 1:144،الاستبصار 1:120.
5- أي هنا و في الوضوء.منه رحمه اللّه.
6- النهاية:10-11،الفقيه 1:21،الهداية:16،ابن حمزة في الوسيلة:47،ابن سعيد في الجامع للشرائع:28،ابن إدريس في السرائر 1:96،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية): 549.
7- المقنعة:40.

و غمز ما بينهما ثمَّ استنجى»الحديث (1).بناء على رجوع ضمير التثنية إلى الأنثيين و المراد به الذكر و لقبحه لم يذكر-لا هما و المقعدة-للقرب و الاعتبار و الصحيح:في الرجل يبول،قال:«ينتره ثلاثا»الحديث (2).بناء على كون ضمير المفعول عائدا إلى الذكر أو البول ،و لا مجال لرجوعه إلى ما تحت الأنثيين.و على التقديرين يتمّ الاستشهاد به،بل هو على الثاني نصّ في المطلوب،فتدبّر .

و منه يظهر وجه تقييد الغمز المطلق في الحسن بالثلاث؛لتصريح الصحيح به،مضافا إلى عدم القول بالفصل حتى من المفيد،لتصريحه هنا بالمرتين و اكتفائه بهما أيضا فيما تحت الأنثيين،و الحسن مخالف له في الأمرين.

و لا فرق في التحقيق بين القول بالست مسحات و بين القول بالتسع مسحات،كما في القواعد و الشرائع و عن المبسوط و التحرير (3).

و عن والد الصدوق الاكتفاء بمسح ما تحت الأنثيين ثلاثا (4).

و لا دلالة في الحسن عليه،لما عرفت.

كما لا دلالة في الصحيح على مرتضى المرتضى و المهذّب (5)من الاكتفاء بنتر القضيب من أصله ثلاثا إلى الطرف كما زعم،لما تقدّم.و ربما حمل كلامهما على ما حمل الصحيح عليه،فلا خلاف.

ص:218


1- الفقيه 1:148/39،التهذيب 1:50/20،الاستبصار 1:303/94،الوسائل 1:282 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 2.
2- تقدّم في ص:260.
3- القواعد 1:13،الشرائع 1:28،المبسوط 1:17،التحرير 1:13.
4- حكاه عنه في كشف اللثام 1:21.
5- حكاه عن المرتضى في المنتهى 1:42،المهذّب 1:41.

و الثاني غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ثلاثا لما مرّ في الوضوء.

من الزندين في المشهور و أكثر الأخبار،منها الصحيح:«تبدأ بكفيك فتغسلهما ثمَّ تغسل فرجك»الحديث (1).

أو دون المرفق كما في الموثق (2).أو إلى نصف الذراع كما في المرسل (3).أو المرفقين كما في الصحيحين (4)و غيرهما.

و النصوص بالتثليث مستفيضة (5)و لا دليل على الاكتفاء بالمرة سوى الإطلاق في المعتبرة،و تقييده بها مقتضى القواعد الشرعية.

و الثالث و الرابع المضمضة و الاستنشاق بعد تنقية الفرج،وفاقا للمعظم،بل في المدارك عليه الإجماع (6)؛للنصوص منها الصحيح:«تبدأ فتغسل كفيك،ثمَّ تفرغ بيمينك على شمالك،فتغسل فرجك،ثمَّ تمضمض و تستنشق» (7).

و لم يذكرا في المقنع و الكافي لأبي الصلاح.و تمام الكلام قد مضى.

ص:219


1- الكافي 3:1/43،التهذيب 1:365/132،الاستبصار 1:420/123،الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.
2- التهذيب 1:364/132،الوسائل 2:231 أبواب الجنابة ب 26 ح 8.
3- الكافي 3:5/141،الوسائل 2:265 أبواب الجنابة ب 44 ح 1.
4- الأول: التهذيب 1:402/142،الوسائل 2:246 أبواب الجنابة ب 34 ح 1. الثاني: التهذيب 1:363/131،الاستبصار 1:419/123،الوسائل 2:247 أبواب الجنابة ب 34 ح 3.
5- انظر الوسائل 1:427 أبواب الوضوء ب 27.
6- المدارك 1:302.
7- التهذيب 1:1131/370،الوسائل 2:230 أبواب الجنابة ب 26 ح 5.

و مقتضى إطلاق المتن-كالنصوص (1)-الاكتفاء بالمرّة،و لكن عن صريح المقنعة و النهاية و السرائر و الوسيلة و المهذب و الإصباح و التذكرة و التحرير و نهاية الأحكام و الذكرى و البيان:استحباب التثليث (2)؛و لعلّه للرضوي و فيه:

«و قد يروى أن يتمضمض و يستنشق ثلاثا،و يروى مرّة يجزيه،و الأفضل الثلاث،و إن لم يفعل فغسله تام» (3).

و الخامس إمرار اليدين على الجسد إجماعا كما عن الخلاف و التذكرة و ظاهر المعتبر و المنتهى (4)،و استظهارا و التفاتا إلى الرضوي:

«ثمَّ تمسح سائر بدنك بيديك و تذكر اللّه تعالى»الحديث (5).

و في الصحيح:«و لو أنّ جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك و إن لم يدلك جسده» (6).

و هو نص في عدم الوجوب في الجملة كالإجماعات المنقولة و لكنها نفته بالكلية .و عن مالك إيجابه (7).

و السادس تخليل ما يصل إليه الماء للمعتبرة،منها الصحيح:

«يبالغن في الماء» (8)و في الحسن«يبالغن في الغسل» (9)و في الرضوي:

ص:220


1- الوسائل 2:225 أبواب الجنابة ب 24.
2- المقنعة:52،النهاية:13،السرائر 1:118،الوسيلة:56،المهذّب 1:45-46، التذكرة 1:24،التحرير 1:13،نهاية الأحكام 1:109،الذكرى:104،البيان:55.
3- فقه الرضا(عليه السلام):81،المستدرك 1:468 أبواب الجنابة ب 16 ح 1.
4- الخلاف 1:127،التذكرة 1:24،المعتبر 1:185،المنتهى 1:85.
5- فقه الرضا(عليه السلام):81،المستدرك 1:470 أبواب الجنابة ب 18 ح 2.
6- التهذيب 1:1131/370،الوسائل 2:230 أبواب الجنابة ب 26 ح 5.
7- حكاه عنه في بداية المجتهد 1:44،و المغني و الشرح الكبير 1:251.
8- التهذيب 1:419/147،الوسائل 2:255 أبواب الجنابة ب 38 ح 1.
9- الكافي 3:17/45،التهذيب 1:418/147،الوسائل 2:255 أبواب الجنابة ب 38 ح 2.

«الاستظهار إذا أمكن» (1).

و السابع:الغسل بصاع بالإجماع،و الصحاح منها:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يتوضأ بمدّ و يغتسل بصاع،و المدّ رطل و نصف،و الصاع ستة أرطال» (2).

و حمله الشيخ على أرطال المدينة (3)،فيكون تسعة أرطال بالعراقي و الكلام في تحديده يأتي في بحث الزكاة إن شاء اللّه تعالى.

و لا يجب بإجماع علمائنا و أكثر أهل العلم.خلافا لأبي حنيفة كما في المعتبر و المنتهى (4).و أخبارنا بإجزاء مثل الدهن (5)حجّة لنا؛و ما في الصحيح:

«من انفرد بالغسل وحده فلا بدّ له من الصاع» (6)محمول على الاستحباب أو التقية فتأمّل.

ص:221


1- تقدم مصدره في الهامش 5 ص:220.
2- التهذيب 1:379/136،الاستبصار 1:409/121،الوسائل 1:481 أبواب الوضوء ب 50 ح 1.
3- الخلاف 1:129.
4- المعتبر 1:186،المنتهى 1:86.
5- الوسائل 1:484 أبواب الوضوء ب 52،و وسائل 2:240 أبواب الجنابة ب 31.
6- الفقيه 1:72/23،الوسائل 2:240 أبواب الجنابة ب 31 ح 1.
أحكامه

و أمّا أحكامه أي الجنب

يحرم عليه قراءة العزائم و مسّ كتابة القرآن و دخول المساجد

فيحرم عليه قراءة إحدى العزائم بالإجماع كما عن المعتبر و المنتهى و أحكام الراوندي و التذكرة و غيرها (1)؛ للمعتبرة منها الموثق:الحائض و الجنب يقرءان شيئا؟قال:«نعم ما شاءا إلاّ السجدة» (2).و مثله في الحسن (3).

و المراد بالسجدة فيهما نفس السورة كما فهمه الأصحاب؛لشيوع التعبير عن السور بأشهر ألفاظها كالبقرة و آل عمران و الأنعام و الرحمن و الواقعة و غير ذلك،و للرضوي:«و لا بأس بذكر اللّه تعالى و قراءة القرآن و أنت جنب إلاّ العزائم التي يسجد فيها،و هي:الم تنزيل و حم السجدة و النجم و سورة اقرأ» (4).

فاحتمال تخصيص التحريم بنفس السجدة لا وجه له،مع أنّ في المعتبر بعد التعميم:رواه البزنطي عن المثنّى عن الحسن الصيقل عن الصادق عليه السلام (5).و لا بأس بضعف السند بعد الانجبار بالفتاوى.

و على هذا فتحرم قراءة أجزائها المختصة بها مطلقا،و المشتركة بينها و بين غيرها مع النيّة.

و مسّ كتابة القرآن إجماعا من علماء الإسلام كما عن المعتبر و المنتهى (6)،إلاّ داود كما عن التذكرة (7)؛لفحوى ما دلّ على تحريمه على

ص:222


1- المعتبر 1:186 و 187،المنتهى 1:86،فقه القرآن 1:50،التذكرة 1:24؛و انظر كشف اللثام 1:83.
2- التهذيب 1:67/26،الاستبصار 1:384/115،علل الشرائع:1/288،الوسائل 2: 216 أبواب الجنابة ب 19 ح 4.
3- التهذيب 1:1132/371،الوسائل 2:217 أبواب الجنابة ب 19 ح 7.
4- فقه الرضا(عليه السلام):84،المستدرك 1:465 أبواب الجنابة ب 12 ح 1.
5- المعتبر 1:187،الوسائل 2:218 أبواب الجنابة ب 19 ح 11.
6- المعتبر 1:187،المنتهى 1:87.
7- التذكرة 1:24.

المحدث بالحدث الأصغر،و لورود النهي عنه في النبوي (1)و الرضوي (2):

«لا تمسّ القرآن إن كنت جنبا أو على غير وضوء».

و خلاف الإسكافي و الشيخ في المبسوط فيه لفتواهما بالكراهة (3)غير معلوم؛لاحتمال إرادتهما التحريم منها كما عن المختلف و الذكرى (4).

و المراد بالكتابة صور الحروف،قيل:و منه المدّ و التشديد لا الإعراب (5).و يعرف كونها قرآنا بعدم احتمالها غير ذلك و بالنية،و أمّا مع انتفائهما فلا تحريم.

و دخول المساجد مطلقا (6)وفاقا للمعظم،بل عن المنتهى عدم الخلاف (7)،و في الخلاف الإجماع (8)،بالكتاب المفسّر بهذا في الصحيح:

الحائض و الجنب يدخلان المسجد أم لا؟قال:«لا يدخلان المسجد إلاّ مجتازين،إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ [1] » (9)مضافا إلى الصحاح الأخر (10).

و القول بالجواز مع استحباب الترك مطلقا للأصل،كما عن سلاّر (11)،أو

ص:223


1- سنن الدارقطني 1:121،سنن الترمذي 1:98.
2- فقه الرضا(عليه السلام):85،المستدرك 1:464 أبواب الجنابة ب 11 ح 1.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:36،المبسوط 1:23.
4- المختلف:26،الذكرى:33.
5- قال به المحقق الكركي في جامع المقاصد 1:267،و صاحب المدارك 1:279.
6- بوضوء أم لا،للنوم أم لا.منه رحمه اللّه.
7- المنتهى 1:87.
8- الخلاف 1:514.
9- علل الشرائع:1/288،تفسير القمي 1:139،الوسائل 2:207 أبواب الجنابة ب 15 ح 10،و الآية في النساء:43.
10- الوسائل 2:205 أبواب الجنابة ب 15.
11- المراسم:42.

للنوم خاصة،كما عن الصدوق في الفقيه و المقنع (1)،شاذّ؛و الأصل مخصّص بالدليل؛و ليس في الخبر:عن الجنب ينام في المسجد،فقال:«لا يتوضأ و لا بأس أن ينام في المسجد و يمرّ فيه» (2)-مع قصور السند-دلالة على شيء منهما ، و حمله على التقية ممكن ،لمصير بعض العامة إلى مضمونه كما حكي (3).

إلاّ اجتيازا فيها-لا مطلق المرور و المشي في الجوانب كما قيل (4)- على الأصح؛للصحيح المتقدم و غيره.

عدا المسجد الحرام و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيحرم الدخول مطلقا بالإجماع كما في المدارك (5)،و عن المعتبر و ظاهر الغنية و التذكرة (6)؛للمعتبرة المستفيضة منها الصحيح:«و لا يقربان المسجدين الحرامين» (7).

و ليس في عدم تعرض الصدوقين و المفيد و سلاّر و الشيخ في الجمل و الاقتصاد و المصباح و مختصره و الكيدري له مع إطلاقهم جواز الاجتياز في المساجد (8)تصريح بالمخالفة،بل و لا ظهور بملاحظة الإجماعات المنقولة.

فتأمّل.

ص:224


1- الفقيه 1:48،المقنع:14.
2- التهذيب 1:1134/371،الوسائل 2:210 أبواب الجنابة ب 15 ح 18.
3- انظر الخلاف 1:514،و الحدائق 3:51.
4- قال به صاحب المدارك 1:281.
5- المدارك 1:282.
6- المعتبر 1:189،الغنية(الجوامع الفقهية):549،التذكرة 1:25.
7- التهذيب 1:1132/371،الوسائل 2:209 أبواب الجنابة ب 15 ح 17.
8- حكاه عن والد الصدوق في الذكرى:34،الصدوق في الفقيه 1:48،المفيد في المقنعة: 51،سلاّر في المراسم:42،الجمل و العقود(الرسائل العشر):160،الاقتصاد:244، مصباح المتهجد:8.

و لو احتلم فيهما نوما أو يقظة،أو دخلهما سهوا أو عمدا،لضرورة أم لا،لإطلاق النص و عدم تعقل الفرق بين الأفراد،كذا قيل (1)،فتأمّل تيمّم لخروجه منهما على الأشهر الأظهر؛للصحيح:«إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمّم،و لا يمرّ في المسجد إلاّ متيمّما» (2).

و قول شاذ منّا بالاستحباب (3)ضعيف خال عن المستند،و لا عبرة بالأصل في مقابلة الصحيح.

و وضع شيء فيها مطلقا (4)على الأظهر الأشهر،بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه (5)؛للمعتبرة منها الصحيح:عن الجنب و الحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟قال:«نعم،و لكن لا يضعان في المسجد شيئا» (6).

و يظهر منه عدم تحريم الأخذ منها كما هو المجمع عليه.و علّل الأمران في آخر:بأنهما لا يقدران على أخذ ما فيه إلاّ منه و يقدران على وضع ما بيدهما في غيره (7).

و عن سلاّر و موضع من الخلاف (8)الكراهة.و هو ضعيف،و الأصل بما قدّمناه مخصّص.

ص:225


1- انظر كشف اللثام 1:83.
2- التهذيب 1:1280/407،الوسائل 2:206 أبواب الجنابة ب 15 ح 6.
3- قال به ابن حمزة في الوسيلة:70.
4- أي سواء استلزم اللبث أم لا.منه رحمه اللّه.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):449 و 550.
6- الكافي 3:8/51،التهذيب 1:339/125،الوسائل 2:213 أبواب الجنابة ب 17 ح 1.
7- علل الشرائع:1/288،الوسائل 2:213 أبواب الجنابة ب 17 ح 2.
8- سلاّر في المراسم:42،الخلاف 1:513.
يكره قراءة ما زاد على سبع آيات و مس المصحف و حمله و النوم و الأكل و الشرب

و يكره قراءة ما زاد على سبع آيات للمضمر:عن الجنب هل يقرأ القرآن؟قال:«ما بينه و بين سبع آيات» (1).

و تشتد فيما زاد على سبعين؛للمضمر الآخر:قال بدل ما تقدّم:«ما بينه و بين سبعين آية» (2).

أمّا الجواز فمقطوع به بين أكثر الأصحاب كما في المختلف (3)،بل عن الانتصار و الخلاف و الغنية و أحكام الراوندي و المعتبر:الإجماع عليه (4)، و الصحاح بذلك مستفيضة (5)كغيرها من المعتبرة المعتضدة بالأصل و العمومات و الشهرة(العظيمة) (6).و ليس شيء من المضمرين و غيرهما ممّا سيأتي يصلح لتخصيصها بالبديهة و لا سيّما لإثبات الحرمة،لعدم الصراحة،لكن باب المسامحة في أدلّة الاستحباب و الكراهة مفتوحة،فلأجل ذلك حكم بها في موردهما تبعا للجماعة.

و لا يمكن الحكم بها في مطلق القراءة؛لموافقة الناهية عنها كذلك (7)-مع ضعفها-للتقية (8)،مع مخالفته للشهرة العظيمة،فلا يمكن مع ذلك المسامحة،سيّما مع معارضتها بالمسامحة في أدلّة السنن،لفتوى الأصحاب

ص:226


1- التهذيب 1:350/128،الاستبصار 1:383/114،الوسائل 2:218 أبواب الجنابة ب 19 ح 9.
2- التهذيب 1:351/128،الاستبصار 1:383/114،الوسائل 2:218 أبواب الجنابة ب 19 ح 10.
3- المختلف:32.
4- الانتصار:31،الخلاف 1:100،الغنية(الجوامع الفقهية):549-550،فقه القرآن 1: 50،المعتبر 1:186-187.
5- الوسائل 2:215 أبواب الجنابة ب 19.
6- ليست في«ل»و«ح».
7- الوسائل 2:216 أبواب الجنابة ب 19 ح 3،الوسائل 6:246 أبواب القراءة ب 47 ح 1.
8- انظر المغني و الشرح الكبير 1:165.

بالاستحباب في الباب،و دلالة النصوص عليه.

فظهر ضعف القول بها مطلقا كما عن الخصال و المراسم و ابن سعيد (1)، لإطلاق النهي عنه في الخبر المروي في الأوّل:«سبعة لا يقرؤون القرآن:

الراكع،و الساجد،و في الكنيف،و في الحمّام،و الجنب،و النفساء، و الحائض» (2).

و القول (3)بنفيها كذلك كما عن الجمل (4).

و القول بالتحريم كذلك كما عن سلاّر (5)،للنبوي:«يا علي من كان جنبا في الفراش مع امرأته فلا يقرأ القرآن،فإني أخشى أن تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما» (6).

و هو مع ضعفه و احتماله للتقية محتمل لخصوص العزائم،بل صرّح بكونهما المراد منه في الفقيه (7).

أو (8)ما زاد على السبع خاصة،كما عن القاضي و ظاهر المقنعة و النهاية و محتمل التهذيبين (9)،و بعض الأصحاب كما حكاه في الخلاف (10).

ص:227


1- الخصال:358،المراسم:42،ابن سعيد في الجامع للشرائع:39.
2- الهداية:40،الخصال:42/357،المستدرك 2:27 أبواب الحيض ب 27 ح 4.
3- أي ظهر ضعف القول.منه رحمه اللّه.
4- الجمل و العقود(الرسائل العشر):161.
5- حكاه عنه في الذكرى:34.
6- الفقيه 3:1712/358،الأمالي:1/454،علل الشرائع:5/514،الوسائل 2:216 أبواب الجنابة ب 19 ح 3.
7- الفقيه 3:359.
8- عطف على قوله:كذلك،أي ظهر ضعف القول بالتحريم فيما زاد على السبع.منه رحمه اللّه.
9- القاضي في المهذّب 1:34،المقنعة:52،النهاية:20،التهذيب 1:128،الاستبصار 1:115.
10- الخلاف 1:100.

أو على السبعين كذلك،كما في المنتهى عن بعض الأصحاب (1)،و في نهاية الأحكام عن القاضي (2).

و عن المبسوط الاحتياط أن لا يزيد على سبع أو سبعين (3).و هو راجع إلى ما ذكرناه.

و مسّ المصحف و حمله للصحيح:«الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب»الحديث (4).

و في الخبر:«لا تمس خيطه و لا تعلقه» (5).

و في الاستدلال به للكراهة نظر؛لاختلاف النسخة في«الخيط»فذكر بدله في بعضها«الخط»و النهي عنه حينئذ للتحريم،و احتمال ما نهي عن تعلقه ما يباشر البدن من الكتابة،بل و هما قريبان بملاحظة تعليل النهيين فيه بالآية الكريمة (6).فتأمّل .

و لا يحرم وفاقا للمشهور؛للأصل،و الرضوي:«و لا تمسّ القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء،و مسّ الأوراق» (7).

فيحمل الصحيح على الكراهة جمعا،و ليس الصحيح أقوى من الرضوي بعد اعتضاده بالأصل و الشهرة،بل هو حينئذ مع اعتباره في نفسه أقوى منه.فظهر ضعف القول بالتحريم و مستنده كما عن المرتضى (8).

ص:228


1- المنتهى 1:87.
2- لم نعثر في نهاية الأحكام حكاية ذلك عن القاضي.
3- المبسوط 1:29.
4- التهذيب 1:1132/371،الوسائل 2:217 أبواب الجنابة ب 19 ح 7.
5- التهذيب 1:344/127،الاستبصار 1:378/113،الوسائل 1:384 أبواب الوضوء ب 12 ح 3.
6- الواقعة:79.
7- فقه الرضا(عليه السلام):85،المستدرك 1:300 أبواب الوضوء ب 12 ح 1.
8- حكاه عنه المحقق في المعتبر 1:190،و العلامة في المنتهى 1:87.

و النوم ما لم يتوضأ إجماعا كما عن المعتبر و المنتهى و الغنية و ظاهر الذكرى (1)؛للمعتبرة منها الصحيح:عن الرجل أ ينبغي له أن ينام و هو جنب؟ قال:«يكره ذلك حتى يتوضأ» (2).

و ظاهره كالمتن و غيره انتفاء الكراهة مع الوضوء،إلاّ أنّ مقتضى مثله سندا بقاؤها إلى الاغتسال،لتعليل الأمر بالغسل فيه بعد الفراغ ب«أنّ اللّه تعالى يتوفّى الأنفس في منامها و لا يدري ما يطرقه من البلية» (3).

و لذا قيل بها مع الخفة بالوضوء (4)،و حكي عن ظاهر النهاية و السرائر (5).

و هو حسن؛و في الموثّق:عن الجنب يجنب ثمَّ يريد النوم،قال:«إن أحبّ أن يتوضأ فليفعل،و الغسل أفضل من ذلك» (6)إشعار بذلك.و لا خلاف في الجواز،كما في آخره و الصحيح.

و لو لم يتمكن من الطهارتين بالماء أمكن استحباب التيمم؛للعموم، و خصوص الخبر:«لا ينام المسلم و هو جنب و لا ينام إلاّ على طهور،فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد» (7).

و يتخير في نية البدلية عن أحد الطهورين.و اختيار نية البدلية عن الغسل أفضل،فتأمّل. و عن الاقتصاد إطلاق الكراهية (8)،و عن المهذّب تخصيصها

ص:229


1- المعتبر 1:191،المنتهى 1:89،الغنية(الجوامع الفقهية):550،الذكرى:34.
2- الفقيه 1:179/47،الوسائل 1:382 أبواب الوضوء ب 11 ح 1.
3- التهذيب 1:1137/372،الوسائل 2:228 أبواب الجنابة ب 25 ح 4.
4- قال بها الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:83.
5- النهاية:21،السرائر 1:118.
6- الكافي 3:10/51،التهذيب 1:1127/370،الوسائل 2:228 أبواب الجنابة ب 25 ح 6.
7- علل الشرائع:1/295،الخصال:10/610،الوسائل 2:227 أبواب الجنابة ب 25 ح 3.
8- الاقتصاد:244.

بعدم الاغتسال أو الاستنشاق و المضمضة (1).

و الأكل و الشرب ما لم يتمضمض و يستنشق في المشهور،بل عن الغنية و التذكرة الإجماع عليه (2)؛لورود النهي عنهما في المعتبرة.

منها:خبر المناهي في آخر الفقيه :«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الأكل على الجنابة و قال:إنه يورث الفقر» (3).

و منها:الرضوي:«و إذا أردت أن تأكل على جنابتك فاغسل يديك و تمضمض و استنشق ثمَّ كل و اشرب إلى أن تغتسل،فإن أكلت أو شربت قبل ذلك أخاف عليك البرص،و لا تعوّد على ذلك» (4).

و في الخبر:«لا يذوق الجنب شيئا حتى يغسل يديه و يتمضمض،فإنه يخاف منه الوضح» (5)أي البرص.

و النهي فيها مع قصور أسانيدها للكراهة؛للأصل،مع ما تقدم من الإجماع،و الموثق:عن الجنب يأكل و يشرب و يقرأ القرآن؟قال:«نعم و يذكر ما شاء» (6)مع إشعار سياقها بالكراهة.

فالقول بالحرمة قبل الأمرين و غسل اليدين-كما عن الفقيه (7)-مع شذوذه ضعيف،مع احتمال عدم مخالفته،لإشعار التعليل في عبارته بعدمها بل

ص:230


1- المهذّب 1:34.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):550،التذكرة 1:25.
3- الفقيه 4:1/2،الوسائل 2:219 أبواب الجنابة ب 20 ح 5.
4- فقه الرضا(عليه السلام):84،المستدرك 1:466 أبواب الجنابة ب 13 ح 2.
5- الكافي 3:12/51،التهذيب 1:357/130،الاستبصار 1:391/116،الوسائل 2: 219 أبواب الجنابة ب 20 ح 2.
6- الكافي 3:2/50،التهذيب 1:346/128،الاستبصار 1:379/114،الوسائل 2:215 أبواب الجنابة ب 19 ح 2.
7- الفقيه 1:46.

بالكراهة.

و ظاهر المتن-كالمحكي عن المشهور (1)-انتفاؤها بالأمرين؛و لا مستند له من الأخبار في البين.كما لا مستند للمحكي عن المنتهى و التحرير و نهاية الأحكام و الدروس (2)من التخيير في نفيها بهما أو بالوضوء؛و ليس في الصحيحين النافيين لها به خاصة-كما في أحدهما (3)-أو مع غسل اليد مخيّرا بينهما مع أفضلية الوضوء-كما في ثانيهما (4)-دلالة عليه.

و ظاهر الفقيه و الهداية و الأمالي:انتفاؤها بالأمرين في المتن مع غسل اليدين (5)؛للرضوي المتقدّم.

و عن المعتبر انتفاؤها بغسلهما و بالأول منهما (6)؛و ليس في الصحيح:

«الجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يده و تمضمض و غسل وجهه» (7)دلالة عليه،لزيادة الثالث.كما لا دلالة فيه على ما حكي عن النفلية و إن زيد فيها (8)، لازدياد الاستنشاق أيضا مع خلوه عنه.

و الكلّ حسن-إن شاء اللّه-مع ترتب الكلّ في الفضيلة،فأكملها الوضوء،ثمَّ الأمران مع غسل الوجه و اليدين،ثمَّ هما مع الثاني،ثمَّ هما فقط، ثمَّ هو خاصة.

و نصّ الشرائع بثبوت الخفة بذلك لا الانتفاء بالكلية (9)،كما عن

ص:231


1- كما في المسالك 1:8.
2- المنتهى 1:89،التحرير 1:12،نهاية الأحكام 1:104،الدروس:1:96.
3- الفقيه 1:181/47،الوسائل 2:219 أبواب الجنابة ب 20 ح 4.
4- التهذيب 1:1137/372،الوسائل 2:220 أبواب الجنابة ب 20 ح 7.
5- الفقيه 1:46،الهداية:20،أمالي الصدوق:516.
6- المعتبر 1:191.
7- الكافي 3:1/50،التهذيب 1:354/129،الوسائل 2:219 أبواب الجنابة ب 20 ح 1.
8- النفلية:10-11.
9- الشرائع 1:27.

الاقتصاد و المصباح و مختصره و السرائر و النهاية (1)و لا بأس به؛لرواية المناهي المتقدمة (2)المعلّل فيها النهي عن الأكل على الجنابة بإيراثه الفقر و الفاقة، و شيء من الأمور المذكورة لا ترفع الجنابة التي هي المناط في هذه الآفة.

و الخضاب و هو ما يتلون به من حنّاء و غيره في المشهور،بل عن الغنية الإجماع عليه (3)؛للمستفيضة الناهية عن ذلك المعلّل في بعضها بإصابة الشيطان،رواه الفضل بن الحسن الطبرسي في مكارم الأخلاق من كتاب اللباس للعيّاشي،عن مولانا الرضا عليه السلام (4).

و لا يحرم إجماعا؛للمستفيضة النافية للبأس عنه،منها الموثق:عن الجنب و الحائض يختضبان؟قال:«لا بأس» (5).و مثله الحسن في الجنب على نسخة و بدلها يحتجم في أخرى (6)؛مع إشعار المعلّل به.

و على ظاهر الأخيرة جمد في الفقيه فنفى البأس مطلقا (7)،و يمكن حملها ككلامه على نفي التحريم المجامع للكراهة جمعا بينها و بين الأدلة،فلا خلاف فيها نصّا و فتوى.

و هي كما دلّت على ثبوتها في الخضاب بعد الجنابة كذا دلّت على العكس،و علّل هذا أيضا في الخبر المعلّل بما علّل،و لكن حدّت هنا بعدم أخذ الحنّاء مأخذه،و سلبت معه،ففي الخبر-بعد النهي عنه-:«أ فلا أدلّك

ص:232


1- الاقتصاد:244،مصباح المتهجد:9،السرائر 1:117،النهاية:21.
2- في ص:230.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):550.
4- مكارم الأخلاق:83،الوسائل 2:223 أبواب الجنابة ب 22 ح 10.
5- التهذيب 1:524/182،الاستبصار 1:319/116،الوسائل 2:222 أبواب الجنابة ب 22 ح 6.
6- الكافي 3:11/51،الوسائل 2:223 أبواب الجنابة ب 23 ح 1.
7- الفقيه 1:48.

على شيء تفعله؟»قلت:بلى،قال:«إذا اختضبت بالحنّاء و أخذ الحنّاء مأخذه فحينئذ فجامع» (1).و مثله المرسل (2).

و مقتضى حمل المطلقات على الأفراد المتبادرة تخصيص الاختضاب بالحنّاء و نحوه بالكراهة،فلا يكره غيره؛للأصل.و ما يوجد في عبارة المقنعة من تعليل الكراهة بمنع الخضاب وصول الماء إلى الجسد (3)و إن اقتضى العموم فيما له لون،إلاّ أنه فرع ثبوته؛مع ما فيه من اقتضائه التحريم لا الكراهة.

و لو رأى بللا بعد الغسل إعادة إلا مع البول قبله أو الاجتهاد كما تقدم الكلام فيه و في صور المسألة في بحث الاستبراء.

لو أحدث في أثناء غسله،ففيه أقوال أصحّها الإتمام و الوضوء

و لو أحدث بالأصغر في أثناء غسله،ففيه أقوال أصحّها:الإتمام و الوضوء بعده،وفاقا للمرتضى (4)و جماعة (5).

فعدم الإعادة للأصلين:البراءة و استصحاب الصحة المتيقنة.

و القدح فيهما بعدم جريانهما في العبادة مع معارضتهما بمثلهما من الأصل (6)و القاعدة (7)،مقدوح بعموم الأدلة لحصول الطهارة لما جرى عليه الماء من أعضاء الجنابة،كما ورد في المعتبرة،منها:«ما جرى عليه الماء فقد

ص:233


1- التهذيب 1:517/181،الاستبصار 1:386/116،الوسائل 2:221 أبواب الجنابة ب 22 ح 4.
2- الكافي 3:/51ذيل الحديث 9،الوسائل 2:221 أبواب الجنابة ب 22 ح 2.
3- المقنعة:58.
4- حكاه عن المرتضى في المعتبر 1:196،و المنتهى 1:92.
5- منهم المحقق في الشرائع 1:28،و الشهيد الثاني في روض الجنان:58،و البهائي في الحبل المتين:41.
6- أي أصالة بقاء الجنابة.منه رحمه اللّه.
7- و هي أنّ شغل الذمة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية.منه رحمه اللّه.

طهر» (1)و منها:«كل شيء أمسسته الماء فقد أنقيته» (2)و ضعف (3)المعارضين من حيث مهجورية العمل بهما هنا عند الجماعة بالبديهة،كيف لا؟!و العمل بمقتضاهما لا يحصل إلاّ بالعمل بالأقوال الثلاثة في المسألة،و هو إحداث قول رابع بالبديهة،و ليس فيهما تعيين لأحد الأقوال بالضرورة،فتأمل.فلا إعادة .

و وجوب الوضوء لعموم ما دلّ على إيجاب الأصغر إياه لحصول الاستباحة في المشروط بالطهارة من العبادة،خرج منه ما كان منه قبل غسل الجنابة بالإجماع و الأدلّة.

و قيل بوجوب الإعادة خاصة (4)؛التفاتا إلى أنّ الصحيح من غسل الجنابة ما يرتفع معه الأحداث الصغار بالمرّة،و مثل هذا الغسل بعد إتمامه لا يرفع ما تخلّله بالبديهة.

و أنّ المتخلّل حدث،و لا بدّ له من أثر،فهو إمّا موجب الغسل فلا كلام، أو الوضوء و ليس مع غسل الجنابة.

و أنّ الحدث بعد تمامه ينقض حكمه من إباحة الصلاة،فنقض حكم بعضه المتقدم أولى،و لا يكفي البعض في الإباحة،و لا يخلو عنها غسل جنابة.

و في الجميع نظر،لمنع كون شأن الصحيح منه ذلك على الإطلاق، كيف لا؟!و لا تساعده الأدلة المثبتة لذلك فيه،بل غايتها الثبوت في الجملة.

و منع المنع عن الوضوء مع غسل الجنابة مطلقا حتى المقام،لعدم تبادر

ص:234


1- الكافي 3:1/43،التهذيب 1:365/132،الاستبصار 1:420/123،الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.
2- التهذيب 1:1131/370،الوسائل 2:230 أبواب الجنابة ب 26 ح 5.
3- عطف على عموم الأدلة.منه رحمه اللّه.
4- انظر ص:236.

مثله من أدلته.

و لاقتضاء الأولوية المزبورة ثبوت ما للأصل للفرع،و ليس له إلاّ الوضوء و نحن نقول به،و ليس له إعادة الغسل فتثبت له.

توضيحه:أن لغسل الجنابة حكمين:

أحدهما:رفع الأثر الحاصل من الجنابة المانع من استباحة الدخول في المشروط بالطهارة.

و الآخر:رفع الأثر الحاصل من الحدث الأصغر المانع من ذلك.

و لا ينقض الحدث الأصغر بعد الإتمام منهما إلاّ الثاني دون الأوّل إجماعا.و مقتضى الأولويّة انتقاض هذا الحكم في بعض الأجزاء بالحدث في الأثناء،و نحن نقول به.

و القول بنقضه هنا للأوّل أيضا-مع عدم ثبوته من الأولوية-فرع التلازم بين النقضين،و هو ممنوع،كيف لا؟!و التفكيك ثابت فيه بعد صدوره بعده، و لا استبعاد فيه مطلقا إلاّ بتقدير انحصار معنى صحة الغسل في حصول الاستباحة،و تطرّق المنع إليه جلي.

كيف لا؟!و ما عدا غسل الجنابة صحيح مع عدم استباحة الدخول في المشروط بالطهارة به بخصوصه إلاّ بعد الإتيان بالوضوء على الأظهر الأشهر، و إليه ذهب أصحاب هذا القول.فليس معنى صحة الغسل هنا (1)إلاّ رفع الأثر الموجب له.

و لا امتناع في إرادته من الصحة في المقام؛فالمراد بصحة الغسل فيه ارتفاع الأثر الموجب له و إن لم يستبح به الصلاة إلاّ بالوضوء بعده كما في نظائره؛و لا دليل على كون صحة غسل الجنابة خاصة هو حصول الاستباحة

ص:235


1- في«ش»زيادة:أي ما عدا غسل الجنابة.

مطلقا،و لا إجماع،كيف؟!و هو أوّل الكلام.

و ربما يمكن الاستدلال لهذا القول بالرضوي:«فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوّله» (1).

و هو مع قوّته في نفسه معتضد بالشهرة المحكية عن بعض المحقّقين في شرح الألفية (2)و الخبر الذي بمعناه عن عرض المجالس (3).

فهو أقوى،وفاقا للفقيه و الهداية و النهاية و المبسوط و الإصباح و الجامع (4) و جماعة (5).و لكن الأحوط الجمع بين القولين بالإعادة ثمَّ الوضوء.

و ربما قيل بالاكتفاء بالإتمام،كما عن الحلّي و ابن البرّاج و الشيخ علي (6)؛بناء على عدم إيجاب المتخلّل الغسل فلا وجه للإعادة،و لا وجه للوضوء بناء على عدمه مع الغسل عن الجنابة.

و ضعفه ظاهر بما تحرّر.و لا احتياط في مراعاته،و إن قيل به فلا بأس به.

يجزي غسل الجنابة عن الوضوء

و يجزي غسل الجنابة عن الوضوء مطلقا بإجماعنا،حكاه جماعة من أصحابنا (7)و إن اختلف في استحبابه و عدمه،إلاّ أنّ المشهور الثاني.و يدلّ عليه جملة من أخبارنا الحاكمة ببدعيّة الوضوء قبل الغسل و بعده (8)،و يدل عليه أيضا

ص:236


1- فقه الرضا(عليه السلام):85،المستدرك 1:474 أبواب الجنابة ب 21 ح 1.
2- الظاهر أنه المحقق الكركي كما ذكره الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك.
3- لم نعثر عليه في أمالي الصدوق،و قد نقله في الذكرى:106،و المدارك 1:308،و رواه في الوسائل 2:238 أبواب الجنابة ب 29 ح 4 عن المدارك و الشهيدين و غيرهما.
4- الفقيه 1:49،الهداية:21،النهاية:22،المبسوط 1:29-30،الجامع للشرائع:40.
5- منهم العلامة في نهاية الأحكام 1:114،و الشهيد في البيان:55.
6- انظر السرائر 1:119،جواهر الفقه:11،جامع المقاصد 1:276.
7- منهم الشيخ في الخلاف 1:131،المحقق في المعتبر 1:195،العلامة في المختلف: 33.
8- الوسائل 2:244 أبواب الجنابة ب 33 الأحاديث 3،5،6،9،10،و الباب 34.

ما سيأتي.

و ما ربما يتوهم منه الجواز (1)-فمع متروكية ظاهره للأمر به فيه،مع قصور سنده-يوافق مذاهب جميع من خالفنا،إذ هم ما بين موجب (2)و مستحب (3)له فيه،فحمله على التقية مقتضى القواعد المقرّرة عن أئمتنا عليهم السلام.

فمصير الشيخ في التهذيب إلى الاستحباب (4)حملا للخبر عليه غير واضح؛ و لا يبعد ذكره ذلك لمجرّد الجمع بين الأخبار،لا لأجل الفتوى،فنسبة ذلك إليه لا يخلو عن شيء.

و في إجزاء غيره عنه تردّد،أظهره أنه لا يجزي وفاقا لجمهور أصحابنا،بل كاد أن يكون إجماعا بيننا كما صرّح به بعض أصحابنا (5).و عن الصدوق في الأمالي كونه من دين الإمامية (6)،و عبارته و إن قصرت عن التصريح بالوجوب إلاّ أنّها كعبارة المرسل كالصحيح الآتي الظاهر في الوجوب.

لإطلاق الآية الآمرة به للصلاة (7)من دون تقييد.

و عموم ما دلّ على وجوبه بحدوث أحد أسبابه،كما في الصحاح المستفيضة التي كادت تكون متواترة،بل متواترة بالضرورة،فإجزاء الغير عنه يحتاج إلى دليل،و ليس،كما يأتي.

و خصوص المرسل كالصحيح-على الصحيح -:«كلّ غسل قبله وضوء إلاّ

ص:237


1- انظر الوسائل 2:247 أبواب الجنابة ب 34 ح 6.
2- نقله عن داود في عمدة القارئ 3:191.
3- المغني و الشرح الكبير 1:249.
4- التهذيب 1:140.
5- كالشهيد في الذكرى:25.
6- أمالي الصدوق:515.
7- المائدة:6.

غسل الجنابة» (1)و ظاهره بنفسه اللزوم و المشروعية على التحتم،أو بمعونة الشهرة،أو الأخبار الأخر التي هي دليل برأسها،كالرضوي:«و ليس في غسل الجنابة وضوء ،و الوضوء في كلّ غسل ما خلا الجنابة،لأنّ غسل الجنابة فريضة [مجزية عن الفرض الثاني]و لا يجزيه سائر الأغسال عن الوضوء،لأن الغسل سنّة و الوضوء فريضة،و لا تجزي سنّة عن فريضة،و غسل الجنابة و الوضوء فريضتان فإذا اجتمعا فأكبرهما يجزي عن أصغرهما،و إذا اغتسلت لغير الجنابة فابدأ بالوضوء ثمَّ اغتسل و لا يجزيك الغسل عن الوضوء،فإن اغتسلت و نسيت الوضوء فتوضأ و أعد الصلاة» (2).

و لا يخفى ما فيه من الأمر به فيه و التأكيد في إيجابه و الأمر بإعادة الصلاة مع تركه؛و مثله حجّة لقوّته،سيّما مع اشتهاره.

و مثله في الأمر به و التأكيد في وجوبه المروي في الغوالي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«كلّ الأغسال لا بدّ فيها من الوضوء إلاّ الجنابة» (3).

هذا مع ما في الصحيح:«إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ و اغتسل» (4)و الأمر للوجوب،و لا قائل بالفصل،فيتمّ المطلوب.

خلافا للمرتضى و المحكي في المختلف عن الإسكافي (5)،فحكما بالإجزاء مع استحبابه.

ص:238


1- الكافي 3:13/45،التهذيب 1:391/139،الاستبصار 1:428/126،الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35 ح 1.
2- فقه الرضا(عليه السلام):82،المستدرك 1:476 أبواب الجنابة ب 26 ح 1،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- عوالي اللئالي 2:110/203،المستدرك 1:477 أبواب الجنابة ب 26 ح 3.
4- التهذيب 1:401/142،الاستبصار 1:434/127،الوسائل 2:248 أبواب الجنابة ب 35 ح 3.
5- حكاه عنهما في المختلف:33.

و استدل لهما بعض المتأخرين (1)تارة:بالصحيحين الحاكمين بالإجزاء، معلّلين له بأيّ وضوء أطهر من الغسل؟! (2).

و هما لعدم عمومهما-لفقد اللفظ الدال عليه فيهما،و انصرافهما إلى الفرد المتبادر الغالب الذي هو الغسل عن الجنابة،مع ظهور صدر أحدهما فيه و به تعلّق الجواب-لا يصلحان لصرف الأخبار المتقدمة عن ظواهرها.و ليس في التعليل إشعار بالعموم؛لاحتمال الخصوصية ،و نفيها هنا فاسد بالبديهة.

و اخرى:بما دلّ على بدعيته مع الغسل كالصحيح و غيره (3).

و فيه-مع ما تقدّم من الإطلاق المنصرف إلى ما تقدّم-:متروكية ظاهرها على تقدير تعميمها،كيف لا؟!و الاستحباب معتقد الخصم،و الرجحان و المشروعية في الجملة مجمع عليه،و هو من أعظم الشواهد على حمل الغسل المطلق فيها و في غيرها على ما ذكرنا .

و اخرى:بالأخبار النافية له عن غسل مثل الجمعة و العيد،معلّلا في بعضها بما تقدّم من العلّة (4).

و هي-مع قصور أسنادها كملا ،و ضعف أكثرها قطعا-معارضة بالصحيح المتقدم (5)الآمر به في غسل الجمعة.و لا شيء منها تبلغ قوة المقاومة له و لو

ص:239


1- كالعلاّمة في المختلف:33،و صاحب المدارك 1:359،و صاحب الحدائق 3:120- 121.
2- الأول: التهذيب 1:390/139،الاستبصار 1:427/126،الوسائل 2:244 أبواب الجنابة ب 33 ح 1. الثاني: التهذيب 1:392/139،الوسائل 2:247 أبواب الجنابة ب 34 ح 4.
3- المتقدم في ص:236.
4- الوسائل 2:244 أبواب الجنابة ب 33.
5- في ص:238.

صحت،لاعتضاده بإطلاق الآية،و الشهرة العظيمة،و صريح غيره من المعتبرة (1).

و اخرى:بالصحاح في غسل الحائض و المستحاضة و النفساء الظاهرة في عدم وجوبه،للاكتفاء فيها بذكر الغسل خاصة،و عدم تعرّضها له بالمرة مع ورودها في مقام الحاجة.

و فيها:أنّ الظاهر من سياقها الحاجة إلى معرفة الرافع للأحداث الثلاثة و بيانه،لا بيان غيره من الرافع للأصغر،فقد يكون وجوب رفعه في حقّهنّ معروفا معلوما من الخارج.و لو سلّم فلا عبرة بها بعد الثبوت،و إن هي حينئذ إلاّ كالعام المخصّص أو المطلق المقيّد أو الظاهر المؤوّل.

ثمَّ على المختار هل يستحب تقديم الوضوء على الغسل؟كما عن النهاية و الوسيلة و السرائر و الجامع و المعتبر و موضع من المبسوط و الشرائع القواعد (2)، و ادّعي عليه الشهرة (3)،بل عن الحلّي الإجماع عليه (4).

أم يجب؟كما عن ظاهر الصدوقين و المفيد و الحلبيّين (5).

قولان،و ظاهر أكثر الأخبار مع الثاني،و إطلاق بعضها مع الأوّل،إلاّ أنّ مقتضى القاعدة إرجاعه إلى الأوّل (6)،و إن كان القول بالاستحباب ليس بذلك البعيد،للإجماع المنقول المعتضد بالشهرة.

ص:240


1- الوسائل 2:248 أبواب الجنابة ب 35.
2- النهاية:23،الوسيلة:56،السرائر 1:113 و 151،الجامع للشرائع:33،المعتبر 1 196،المبسوط 1:30،الشرائع 1:31،القواعد 1:15.
3- كما في الحدائق 3:127.
4- السرائر 1:113.
5- حكاه عن الصدوقين في المختلف:34،المفيد في المقنعة:53،أبو الصلاح في الكافي في الفقه:134،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):554.
6- أي الوجوب.

و كيف كان،فلا تعلّق له بصحة الغسل بلا خلاف،على ما حكاه بعض مشايخي (1)سلّمه اللّه تعالى.فلو أثم بالتأخير عمدا على القول بالوجوب صحّ غسله و لزمه الإتيان به لمشروط به من العبادة.و هو العالم.

ص:241


1- الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح(المخطوط).
الثاني

غسل الحيض]

الثاني غسل الحيض و هو لغة في المشهور:السيل،من قولهم:حاض الوادي إذا سال؛و في القاموس:الدم السائل من المرأة (1).

و النظر فيه و في أحكامه،

النظر في الحيض
هو في الأغلب دم أسود أو أحمر غليظ حار له دفع

و هو دم تقذفه الرحم إذا بلغت المرأة،ثمَّ تعتاده في أوقات معلومة غالبا لحكمة تربية الولد،فإذا حملت صرف اللّه تعالى ذلك الدم إلى تغذيته،فإذا وضعت الحمل خلع اللّه تعالى عنه صورة الدم و كساه صورة اللبن غالبا لاغتذاء الطفل،فإذا خلت المرأة من حمل و رضاع بقي ذلك الدم بلا مصرف فيستقر في مكانه.

ثمَّ يخرج في الغالب في كلّ شهر ستة أيام أو تسعة أيام أو أقلّ أو أكثر بحسب قرب المزاج من الحرارة و بعده عنها.

و هو شيء معروف بين الناس،له أحكام كثيرة عند أهل الملل و الأطبّاء، ليس بيانه موقوفا على الأخذ من الشرع،بل هو كسائر الأحداث كالمني و البول و غيرهما من موضوعات الأحكام التي لا نحتاج في معرفتها إلى بيان منه،بل متى تحقّق و عرف تعلّق به أحكامه المترتبة عليه عرفا و شرعا و لو خلت من الأوصاف المتعارفة لها غالبا،كترتب أحكام الأحداث عليها بعد معرفتها و لو خلت عن أوصافها الغالبة لها.

نعم ربما يتحقق الاشتباه بينه و بين غيره من الدماء فاحتيج إلى مميّز شرعي يميّزه عمّا عداه،فإن اشتبه بالاستحاضة و دار الأمر بينهما رجع في الحكم به إلى الصفات الثابتة له في الأغلب لحصول المظنة به و هي أنه دم أسود

ص:242


1- القاموس 2:341.

أو أحمر كما هنا و في الشرح و عن التذكرة (1)و في الشرائع و عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و المنتهى و التبصرة و الإرشاد و التلخيص و التحرير:الاقتصار على الأوّل (2).و عن المقنعة الاقتصار على الثاني (3).

غليظ حارّ عبيط له دفع.

للنصوص،منها:الصحيح:«الحيض و الاستحاضة ليس يخرجان من مكان واحد،إنّ دم الاستحاضة بارد،و إنّ دم الحيض حارّ» (4).

و في آخر:«دم الحيض ليس به خفاء،و هو دم حارّ تجد له حرقة،و دم الاستحاضة دم فاسد بارد» (5).

و في الحسن:عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري حيض هو أم غيره، قال،فقال لها:«إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع و حرارة،و دم الاستحاضة أصفر بارد» (6).

و ظاهره يعطي الاقتصار على وصف الأول،إلاّ أنّ توصيف الاستحاضة بالصفرة و جعله في مقابلة توصيفه بالسواد قرينة إرادة الأعم من السواد الشامل لمثل الحمرة من الأسود في توصيفه.مضافا إلى الاعتبار و شهادة بعض الأخبار الموصف له ب«البحراني» (7)المفسّر في كتب اللغة بالحمرة الشديدة

ص:243


1- المعتبر 1:197،التذكرة 1:26.
2- الشرائع 1:28،النهاية:23،المبسوط 1:41،الوسيلة:56،المنتهى 1:95،التبصرة: 8،الإرشاد 1:226،التحرير 1:13.
3- المقنعة:54.
4- الكافي 3:2/91،التهذيب 1:430/151،الوسائل 2:275 أبواب الحيض ب 3 ح 1.
5- الكافي 3:3/91،التهذيب 1:431/151،الوسائل 2:275 أبواب الحيض ب 3 ح 3.
6- الكافي 3:1/91،التهذيب 1:429/151،الوسائل 2:275 أبواب الحيض ب 3 ح 2.
7- الكافي 3:1/83،التهذيب 1:1183/381،الوسائل 2:276 أبواب الحيض ب 3 ح 4.

الخالصة (1)و عن المعتبر و التذكرة:أنه الشديد الحمرة و السواد (2).

هذا مع ما في المرسل الآتي في الحبلى و فيه:«إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلّي،و إن كان قليلا أصفر فليس عليها إلاّ الوضوء» (3).

و نحوه المرسل الآخر:«إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة» الخبر (4).

فظهر وجه صحة ما في المتن من التخيير بين الوصفين و عدم الاقتصار على أحد الأمرين.

و ليس في هذه الأخبار-لاختلافها في بيان الأوصاف-دلالة على كونها خاصة مركّبة للحيض متى وجدت حكم بكون الدم حيضا و متى انتفت انتفى إلاّ بدليل من خارج كما زعم (5)،بل المستفاد من بعضها الرجوع إليها عند الاشتباه بينه و بين الاستحاضة خاصة.مضافا إلى أنّ الخاصة المركّبة شيء غير قابل للتخلف،و تخلّفها عنه غير عزيز.

هذا،مع ما عرفت من أنه كغيره من الموضوعات التي يرجع فيها إلى غير الشرع،فلو قطع فيه بكون مسلوب الصفات منه حيضا ما كان لنفيه معنى و الحكم له بغيره،كما هو الحال في المني.و لما ذكرناه قيّدها المصنف-كالأكثر- بالأغلب.

فإن اشتبه بالعذرة بضم العين المهملة و الذال المعجمة:البكارة،

ص:244


1- كما في المصباح المنير:36.
2- المعتبر 1:197،التذكرة 1:26.
3- الكافي 3:2/96،الوسائل 2:334 أبواب الحيض ب 30 ح 16.
4- الكافي 3:3/107،الفقيه 1:198/51،التهذيب 1:1236/397،الوسائل 2:335 أبواب الحيض ب 31 ح 2.
5- انظر روض الجنان:60،و المدارك 1:313،و الحدائق 3:152.

بفتح الباء حكم لها أي للعذرة بتطوّق القطنة التي تستدخلها،و للحيض بانغماسها،كما قطع به أكثر الأصحاب؛للصحيحين (1)،و بمعناهما الرضوي:

«و إن افتضّها زوجها و لم يرق دمها و لا تدري دم الحيض هو أم دم العذرة، فعليها أن تدخل قطنة،فإن خرجت القطنة مطوقّة بالدم فهو من العذرة،و إن خرجت منغمسة هو من الحيض» (2).

خلافا لظاهر المصنف هنا و في الشرائع و صريحه في المعتبر (3)في الثاني ،و يحتمله القواعد (4)،و وجّهه الشهيد بأنه قد لا يستجمع مع ذلك الشرائط،و لذا اعترضه فقال:قلنا بثبوت الحيض فيه إنما هو بالشرائط المعلومة،و مفهوم الخبرين أنه ملتبس بالعذرة لا غير (5).انتهى.

و يحتمل لما ذكره عدم المخالفة ،و إنما لم يحكما بالحيضية في صورة الانغماس اتكالا منهما إلى فرض انحصار الاشتباه بين الدمين خاصة،فإذا تميّز دم العذرة عن دم الحيض بمميّزه فقد ارتفع الإشكال في الحكم بالحيضية مع عدمه بحكم الفرض و ما ذكراه-تبعا للأصحاب من غير خلاف-من أنّ الأصل في دم المرأة الحيضية و أنّ كل ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض.

ص:245


1- الأول: الكافي 3:1/92،التهذيب 1:1184/385،المحاسن:22/307 الوسائل 2:272 أبواب الحيض ب 2 ح 1،3. الثاني: الكافي 3:2/94،التهذيب 1:432/152،المحاسن:21/307،الوسائل 2:273 أبواب الحيض ب 2 ح 2.
2- فقه الرضا(عليه السلام):194،المستدرك 2:6 أبواب الحيض ب 2 ح 1.
3- الشرائع 1:29،المعتبر 1:198.
4- قواعد الاحكام 1:14.
5- كما في الذكرى:28.

و إن اشتبه بالقرحة حكم لها إن خرج من الأيمن و للحيض إن انعكس، على الأصح الأشهر،كما في الفقيه و القواعد و البيان و النهاية و عن المقنع و المبسوط و المهذّب و السرائر و الوسيلة و الإصباح و الجامع (1).

للخبر المنجبر ضعفه بالشهرة،و فيه:«مرها فلتستلق على ظهرها و ترفع رجليها و تستدخل إصبعها الوسطى،فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض،و إن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة» (2)كما في التهذيب، و في الكافي بالعكس،و هو و إن كان أضبط إلاّ أن القرينة على ترجيح الأول هنا موجودة،لشهرة مضمونه،و التصريح به في الرضوي (3).

فظهر ضعف العكس المحكي عن الإسكافي (4).

و قصور الخبرين-مع قوة الثاني و حجيته في نفسه-منجبر بالشهرة.فلا وجه لعدم اعتبار الجانب بالمرّة كما عن المعتبر و ظاهر المتن و الشرائع (5).

و الاضطراب في متن الخبر مدفوع بما مضى من الترجيح.و مخالفة الاعتبار غير مسموعة في مقابلة النص،لا سيّما مع شهادة المتديّنة من النسوة بذلك،على ما حكاه بعض المشايخ (6).

لا حيض مع سنّ اليأس و لا مع الصغر

و لا حيض مع رؤيته بعد سنّ اليأس و هو خمسون مطلقا،أو ستّون كذلك،أو الأول فيما عدا القرشية و الثاني فيها،على الاختلاف الآتي

ص:246


1- الفقيه 1:54،القواعد 1:14،البيان:57،النهاية:24،المقنع:16،المبسوط 1:43، المهذّب 1:35،السرائر 1:146،الوسيلة:57،الجامع للشرائع:41.
2- الكافي 3:3/94،التهذيب 1:1185/385،الوسائل 2:307 أبواب الحيض ب 16 ح 2.
3- فقه الرضا(عليه السلام):193،المستدرك 2:14 أبواب الحيض ب 14 ح 1.
4- نقله عنه في المعتبر 1:199،و المختلف:36.
5- المعتبر 1:199،الشرائع 1:29.
6- الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح(المخطوط).

في بحث العدد إن شاء اللّه تعالى و لا مع الصغر أي قبل إكمال تسع سنين، إجماعا فيهما حكاه جماعة (1)؛للنصوص المستفيضة.

منها:الصحيح:«ثلاث يتزوجن على كل حال»و عدّ منها:«التي لم تحض و مثلها لا تحيض،و التي قد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض» (2).

و هل يجتمع الحيض مع الحمل مطلقا؟كما هو الأشهر الأظهر، و عن الفقيه و المقنع و الناصريات و القواعد و المبسوط (3).

أو بشرط عدم استبانة الحمل؟كما عن الخلاف و السرائر (4)و الإصباح، و في الأوّل الإجماع عليه.

أو لا مطلقا؟كما عن الإسكافي و التلخيص و في الشرائع (5)و ظاهر المتن.

أو بشرط تأخره عن العادة عشرين يوما؟كما عن النهاية و في كتابي الحديث (6).

أقوال و فيه روايات أكثرها و أشهرها مع صحتها و استفاضتها و تأيدها بغيرها من المعتبرة مع الأوّل،منها:الصحيح:عن الحبلى ترى الدم

ص:247


1- منهم المحقق في المعتبر 1:199،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 1:142،و صاحب الحدائق 3:169.
2- الكافي 6:4/85،التهذيب 8:478/137،الاستبصار 3:1202/337،الوسائل 2: 336 أبواب الحيض ب 31 ح 6.
3- الفقيه 1:51،المقنع:16،الناصريات(الجوامع الفقهية):191،القواعد 1:14،المبسوط 5:240.
4- الخلاف 1:239،السرائر 1:150.
5- نقله عن الإسكافي في المختلف:36،و نقله عن التلخيص في كشف اللثام 1:86، الشرائع 1:32.
6- النهاية:25،التهذيب 1:388،الاستبصار 1:140.

أ تترك الصلاة؟قال:«نعم إنّ الحبلى ربما قذفت بالدم» (1).

و أشهرها بين العامة كما حكاه جماعة (2)أنه لا يجتمع مطلقا،رواه السكوني و فيه:«ما كان اللّه تعالى ليجعل حيضا مع حبل» (3)و هو(لضعفه) (4)من وجوه لا يبلغ درجة المعارضة لتلك فيحمل على التقية،أو إرادة بيان الغلبة ؛ فلا تترك لأجله الصحاح المستفيضة.

فظهر ضعف القول الثالث و حجّته.

و ليس في أخبار الاستبراء بالحيض في العدد (5)دلالة عليه لو لم نقل بدلالته على خلافه،كيف لا؟!و لو صحّ عدم الجمع مطلقا لاكتفى بالحيضة الواحدة في مطلق الاستبراء البتة،فاعتبار التعدد دليل على مجامعته له.

و من هنا يتضح الجواب بالمعارضة عن الاستدلال بالأخبار الدالة على وجوب استبراء الأمة بالحيضة الواحدة (6)من حيث إنّ الاجتماع لا يجامع الاستبراء بها؛و ذلك بأن يقال:عدم اجتماعهما يوجب الاكتفاء بالحيضة الواحدة في عدّة الحرّة المطلّقة،فقد تعارضا فليتساقطا،فلا دلالة في كلّ منهما على شيء من القولين.

هذا،و يمكن أن يقال بصحة الاستدلال للمختار بأخبار عدّة المطلّقة،

ص:248


1- الكافي 3:5/97،التهذيب 1:1187/386،الاستبصار 1:474/138،الوسائل 2: 329 أبواب الحيض ب 30 ح 1.
2- راجع التذكرة 1:26،و المنتهى 1:96،و الحدائق 3:179،و قال به ابن قدامة في المغني 1: 405،و الكاساني في بدائع الصنائع 1:42،و ابن رشد في مقدماته 1:95.
3- التهذيب 1:1196/387،الاستبصار 1:481/140،الوسائل 2:333 أبواب الحيض ب 30 ح 12.
4- في«ح»:مع ضعفه.
5- الوسائل 22:198 أبواب العدد ب 12.
6- الوسائل 18:259 أبواب بيع الحيوان ب 10 ح 6،و ب 11 ح 4 و 5.

و يذبّ عن المعارضة باستبراء الأمة بإمكان كون اكتفاء الشارع فيه بالحيضة الواحدة ليس من حيث استحالة الاجتماع بل من حيث غلبته عادة،كما مرّت إليه الإشارة؛و لا ريب في حصول المظنة بها بعدم الاجتماع،و الشارع قد اعتبر هذه المظنة في هذه المسألة و إن كانت من الموضوعات،كما اعتبرها في مواضع كثيرة منها بلا شبهة،فلا يكون فيه دلالة على استحالة الاجتماع،كما هو مفروض المسألة.

و كذا ليس في عدم صحة طلاقها حين رؤيته مع صحة طلاق الحامل مطلقا و لو رأته دلالة عليه،إلاّ مع قيام الدليل على عدم صحته في مطلق الحائض،و هو في حيّز المنع،كيف لا؟!و قد صحّ طلاق الحائض مع غيبة زوجها عنها.

و يدل على الرابع الصحيح:«إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه،فإنّ ذلك ليس من الرحم و لا من الطمث فلتتوضأ و تحتشي بكرسف و تصلّي،و إذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة،فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها،فإن انقطع عنها الدم قبل ذلك فلتغتسل و لتصلّ» (1).

و هو صريح فيه،لكنه لوحدته و عدم اشتهاره لا يبلغ لمقاومة الصحاح مع ما هي عليه من الشهرة و الاستفاضة و المخالفة للعامة-فتأمّل -و التعليلات

ص:249


1- الكافي 3:1/95،التهذيب 1:1197/388،الاستبصار 1:482/140،الوسائل 2: 330 أبواب الحيض ب 30 ح 3.

الواردة فيها المخرجة لها عن حيّز العموم المقرّبة لها من حيّز الخصوص الذي لا يصلح معه التخصيص.

و لم نعثر للقول الثاني على دليل إلاّ الصحيح المتقدم لو أريد بالاستبانة مضيّ عشرين يوما من العادة،فتأمل،و إلاّ فدليله غير واضح.

نعم في الرضوي بعد الحكم بما تضمنته الصحاح:«و قد روي أنها تعمل ما تعمله المستحاضة إذا صحّ لها الحمل فلا تدع الصلاة،و العمل من خواص الفقهاء على ذلك» (1).

و هو-مع ضعفه بالإرسال-مقدوح بالفتوى في الصدر على خلافه، معارض بما تقدّم،و خصوص الصحيح:عن الحبلى قد استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدم،قال:«تلك الهراقة إن كان دما كثيرا فلا تصلّينّ، و إن كان قليلا فلتغتسل عند كلّ صلاتين» (2).

و المرسل:عن الحبلى قد استبان حملها ترى ما ترى الحائض من الدم،قال:«تلك الهراقة من الدم إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلّي،و إن كان قليلا أصفر فليس عليها إلاّ الوضوء» (3).

فلم يبق إلاّ الإجماع المحكي،و لا يعترض به ما تقدّم من الأدلة سيّما مع الوهن فيه بمصير معظم الأصحاب على خلافه.

هذا،و ربما يجمع بين الأخبار بحمل ما دلّ على الاجتماع على صورة اتصاف الدم بلون الحيض و كثرته و عدم تقدمه و تأخره عن أيام العادة كثيرا،و ما

ص:250


1- فقه الرضا(عليه السلام):192،المستدرك 2:23 أبواب الحيض ب 25 ح 1.
2- التهذيب 1:1191/387،الوسائل 2:331 أبواب الحيض ب 30 ح 5.
3- الكافي 3:2/96،الوسائل 2:334 أبواب الحيض ب 30 ح 16.

دلّ على المنع منه على غيرها.

و هو حسن إن لم يكن إحداث قول خامس في المسألة،و في الخبرين الأخيرين ربما كان دلالة عليه،كالرضوي المصرّح بأنه:«إذا رأت الدم كما كانت تراه تركت الصلاة أيام الدم،فإن رأت صفرة لم تدع الصلاة» (1)و الموثق:

«عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم و اليومين،قال:«إن كان دما عبيطا فلا تصلي ذينك اليومين،و إن كانت صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين» (2).و الاحتياط لا يترك.

أقلّه ثلاثة أيام و أكثره عشرة أيام

و أقلّه أي الحيض ثلاثة أيام متوالية و أكثره كأقل الطهر عشرة أيام بالإجماع منّا،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،منها:

الصحيح:«أدنى الحيض ثلاثة و أقصاه عشرة» (3).

و الصحيح المخالف للثاني لتحديده بالثمانية (4)شاذّ مؤوّل بإرادة بيان الغالب.و هو كذلك.

و كذا الخبران المخالفان للثالث-الدالاّن على جواز حصول الطهر بخمسة أيام أو ستة كما في أحدهما (5)،أو ثلاثة أو أربعة كما في الآخر (6)،و أنها

ص:251


1- فقه الرضا(عليه السلام):191،المستدرك 2:23 أبواب الحيض ب 25 ح 1.
2- التهذيب 1:1192/387،الاستبصار 1:483/141،الوسائل 2:331 أبواب الحيض ب 30 ح 6.
3- التهذيب 1:447/156،الاستبصار 1:448/130،الوسائل 2:296 أبواب الحيض ب 10 ح 10.
4- التهذيب 1:450/157،الاستبصار 1:451/131،الوسائل 2:297 أبواب الحيض ب 10 ح 14.
5- التهذيب 1:1180/380،الاستبصار 1:454/132،الوسائل 2:286 أبواب الحيض ب 6 ح 3.
6- الكافي 3:2/79،التهذيب 1:1179/380،الاستبصار 1:453/131،الوسائل 2: 285 أبواب الحيض ب 6 ح 2.

برؤية الدم تعمل بمقتضى الحيض،و برؤية الطهر تعمل بمقتضاه إلى ثلاثين- محمولان على أنها تفعل ذلك لتحيرها و احتمالها الحيض عند كل دم و الطهر عند كل نقاء إلى أن يتعين لها الأمران بما أمر به الشارع،لا أنّ كلا من هذه الدماء حيض و كلا ممّا بينها من النقاء طهر شرعا،كما قد يتوهم من الفقيه و المقنع و الاستبصار و النهاية و المبسوط (1)،كذا فسّر به المصنف كلام الاستبصار (2)،و هو جيّد.و توقف العلاّمة في المنتهى (3).

و لا حدّ لأكثر الثالث بلا خلاف،كما عن الغنية (4).

و عن ظاهر الحلبي تحديده بثلاثة أشهر (5)،و حمل على الغالب؛و عن البيان احتمال أن يكون نظره إلى عدّة المسترابة (6).

فلو رأت يوما أو يومين و لم تر إلى العشرة دما فليس حيضا إجماعا؛لما عرفت،و صرّح به الرضوي:«و إن رأت يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر ثلاثة أيام متواليات» (7).

و لو كمّلت المرأة اليوم أو اليومين ثلاثا في جملة العشرة من يوم رأت الدم ففي كونه حيضا قولان أصحّهما و أشهرهما العدم،و هو المحكي عن الصدوقين في الرسالة و الهداية و الإسكافي و الشيخ في الجمل و المبسوط و المرتضى و ابني حمزة و إدريس (8).

ص:252


1- الفقيه 1:54،المقنع:16،الاستبصار 1:132،النهاية:24،المبسوط 1:43.
2- كما في المعتبر 1:207.
3- المنتهى 1:105.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):550.
5- الكافي في الفقه:128.
6- البيان:58.
7- فقه الرضا(عليه السلام):192،المستدرك 2:12 أبواب الحيض ب 10 ح 1.
8- نقله الصدوق عن والده في الفقيه 1:50،الهداية:21،نقله عن الإسكافي في المختلف:36،الجمل و العقود(الرسائل العشر):16،المبسوط 1:42،نقله عن المرتضى في المعتبر 1:202،ابن حمزة في الوسيلة:56،ابن إدريس في السرائر 1:145.

للرضوي المتقدم الصريح المعتضد-مضافا إلى قوّته في نفسه-بالشهرة العظيمة،فلا تقاومه المرسلة الآتية و إن كانت في الدلالة على الخلاف صريحة.

و لا دليل في المقام سواه،عدا ما زعم من ثبوت الصلاة في الذمة بيقين، فلا يسقط التكليف بها إلاّ مع تيقن السبب،و لا يقين بثبوته مع فقد التوالي.و من تبادره من قولهم عليهم السلام:أدنى الحيض ثلاثة و أقلّه ثلاثة.و أصالة عدم تعلّق أحكام الحائض بها.

و يضعّف الأوّل:بالمنع من ثبوتها في الذمة في المقام،كيف لا؟!و هو أول الكلام،مع أنّ مقتضى الأصل عدمه.و التمسك بذيل الاستصحاب في صورة رؤيتها الدم المزبور بعد دخول الوقت و مضي مقدار الطهارة و الصلاة، و إلحاق ما قبله به بعدم القائل بالفرق،معارض بالتمسك به في صورة رؤيتها إياه قبل الدخول،و يلحق به ما بعده بالإجماع المزبور.هذا مع ضعف هذا الأصل من وجوه أخر لا يخفى على من تدبّر.

و الثاني:بتوقف صحته على ما لو ذهب الخصم إلى كون الثلاثة في ضمن العشرة حيضا خاصة،و هو غير معلوم،بل مقتضى إطلاق الإجماعات المنقولة في عدم كون الطهر أقلّ من عشرة كونها مع الباقي حيضا.فليس الاستدلال في محلّه؛إذ الكلام حينئذ يرجع إلى اشتراط التوالي في الثلاثة الأوّل من أكثر الحيض أم لا،و إلاّ فالأقل لا بدّ فيه منه إجماعا.

و الثالث:بمعارضته بأصالة عدم التكليف بالعبادات المشروطة بالطهارة.

ص:253

و المروي في المرسل أنه حيض (1)كما عن الشيخ في النهاية و القاضي (2).و هو ضعيف؛لعدم معارضته-بعد إرساله-لما تقدّم .

و ليس في الموثق:«إذا رأت الدم قبل العشرة فهو من الحيضة الاولى، و إذا رأته بعد عشرة أيام فهو من حيضة أخرى مستقبلة» (3)و مثله الحسن (4)دلالة عليه بوجه ،كما حقّقناه في بعض التحقيقات.

و على هذا القول فهل النقاء المتخلل طهر كما يظهر من صدر المرسل؟ أم حيض كما يظهر من ذيلها؟بل و ربما يتأمل في دلالة الصدر على الأوّل.

مقتضى الإطلاقات بعدم قصور أقلّ الطهر عن عشرة كإطلاقات الإجماعات المنقولة فيه هو الثاني.و ربما ينسب إلى القائل بهذا القول:

الأوّل.و فيه نظر.

و على المختار فهل يجب استمرار الدم في الثلاثة بلياليها بحيث متى وضعت الكرسف تلوّثت؟كما عن المحقّق الشيخ علي و المحرّر و معطي الكافي للحلبي و الغنية (5).أم يكفي وجوده في كل يوم من الثلاثة و إن لم يستوعبها؟كما عن الروض و ظاهر العلاّمة و اختاره في المدارك و عزاه إلى الأكثر (6).أم يعتبر وجوده في أول الأول و آخر الآخر و جزء من الثاني؟أقوال.

و ظاهر إطلاق النص مع الثاني؛لصدق رؤيته ثلاثة أيام بذلك،لأنها

ص:254


1- الكافي 3:5/76،التهذيب 1:452/157،الوسائل 2:299 أبواب الحيض ب 12 ح 2.
2- النهاية:26،القاضي في المهذّب 1:34.
3- التهذيب 1:448/156،الاستبصار 1:449/130،الوسائل 2:296 أبواب الحيض ب 10 ح 11.
4- الكافي 3:1/77،التهذيب 1:454/159،الوسائل 2:298 أبواب الحيض ب 11 ح 3.
5- المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد 1:287،المحرّر في الفتوى لابن فهد الحلّي مطبوع ضمن رسائله العشر:140،الكافي في الفقه:128،الغنية(الجوامع الفقهية):550.
6- روض الجنان:62،العلامة في القواعد 1:14،و الإرشاد 1:226،المدارك 1:322.

ظرف له و لا يجب المطابقة بين الظرف و المظروف.

و يؤيده ما حكي عن التذكرة و نهاية الأحكام:من أنّ لخروج الدم فترات معهودة لا تخلّ بالاستمرار؛و في الأوّل الإجماع عليه (1).

لكن عن المبسوط:أنه إذا رأت ساعة دما و ساعة طهرا كذلك إلى العشرة لم يكن ذلك حيضا على مذهب من يراعي ثلاثة أيام متواليات؛و من يقول يضاف الثاني إلى الأوّل يقول:ينتظر،فإن كان يتم ثلاثة أيام من جملة العشرة كان الكلّ حيضا،و إن لم يتم كان طهرا (2).

و عن المنتهى:أنه لو تناوب الدم و النقاء في الساعات في العشرة يضم الدماء بعضها إلى بعض على عدم اشتراط التوالي (3).و كذا عن الجامع (4).

و عن ابن سعيد انه لو رأت يومين و نصفا و انقطع لم يكن حيضا،لأنه لم يستمر ثلاثا بلا خلاف (5).

و ظاهر هم كما ترى-سيّما الشيخ و ابن سعيد-مسلّمية اعتبار الاستمرار عند القائلين بالتوالي،و ربما أشعر عبارة الثالث بالإجماع.

فدعوى الشهرة على الاكتفاء بالمسمى مشكلة.و التعلّق بذيل إطلاق النص-مع ظهور عبارات هؤلاء الأعاظم في الشهرة على الاستمرار بل و إشعار [البعض] بالإجماع-مشكل،لا سيّما مع احتمال وروده على الغالب من أحوال النساء في رؤيتهن الحيض و لعلّه لم يخل عن الاستمرار و لو بحصول تلويث ما ضعيف في القطنة متى ما وضعته؛فتنزيله عليه متعيّن.

و على هذا فلا يضرّه فترات الدم المعهودة للنساء في حيضهنّ،كما تقدّم

ص:255


1- التذكرة 1:35،نهاية الأحكام 1:164.
2- المبسوط 1:67.
3- المنتهى 1:108.
4- الجامع للشرائع:43.
5- الجامع للشرائع:43.

عن التذكرة و نهاية الأحكام مع دعوى الإجماع عليه في الأوّل.فهذا القول في غاية القوّة.

و على قول الشيخ فالظاهر اشتراط ثلاثة أيام كاملة بلا تلفيق في العشرة؛ لكونه المتبادر من الأيام .فما تقدّم عن المبسوط و المنتهى من الاكتفاء بها مطلقا و لو ملفّقة من الساعات في ضمن العشرة غير واضح.

ثمَّ على المختار هل يعتبر الثلاثة أيام بلياليها؟كما عن الإسكافي و المنتهى و التذكرة (1)،مع دعوى فهم الإجماع عليه منهما.أم يكفي ما عدا الليلة الأولى؟كما احتمله بعض المحقّقين (2)،و لعلّه الظاهر من النص، إشكال،و إن كان الأخير لا يخلو عن قوة،إلاّ أن يصح دعوى الإجماع المذكورة،و فيها تأمل.

هذا مع احتمال الاقتصار على النهار خاصة؛لصدق الثلاثة أيام،لعدم تبادر الليالي منها.إلاّ أنّ الظاهر عدم الخلاف في دخول الليلتين فيها.و اللّه العالم.

و ما تراه المرأة بين الثلاثة المتوالية أي بعدها إلى تمام العشرة من أول الرؤية ممّا يمكن أن يكون حيضا إمكانا مستقرا غير معارض بإمكان حيض آخر فهو حيض و إن اختلف لونه و كان بصفة الاستحاضة ما لم يعلم أنه لعذرة أو قرح أو جرح،بلا خلاف بين الأصحاب قطعا فيما لو اتصف بصفة الحيض مطلقا،أو وجد في أيام العادة و إن لم يكن بصفته.

و لا إشكال فيهما؛لعموم أخبار التميز في الأوّل (3)،و خصوص الصحيح

ص:256


1- نقله عن الإسكافي في المعتبر 1:202،المنتهى 1:97،التذكرة 1:26.
2- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:87.
3- الوسائل 2:275 أبواب الحيض ب 3.

في الثاني و فيه:عن المرأة ترى الصفرة في أيامها،قال:«لا تصلّي حتى تنقضي أيامها»الحديث (1).

و على الأشهر الأظهر فيما عداهما أيضا،بل كاد أن يكون إجماعا،بل عن المعتبر و المنتهى (2):الإجماع عليه؛لأصالة عدم كونه من قرح أو مثله.

و لا يعارض بأصالة عدم كونه من الحيض بناء على أنّ الأصل في دماء النساء كونها للحيض،كيف لا؟!و قد عرفت أنها خلقت فيهن لغذاء الولد و تربيته و غير ذلك،بخلاف مثل الاستحاضة فإنّه من آفة ،كما صرّح به في بعض الأخبار (3).

مضافا إلى الأخبار المستفيضة الدالة على جعل الدم المتقدم على العادة حيضا،معلّلا بأنه ربما تعجّل بها الوقت،مع تصريح بعضها بكونه بصفة الاستحاضة،ففي الموثق:عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها،قال:

«فلتدع الصلاة فإنّه ربما تعجّل بها الوقت» (4).

و في آخر:«الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض،و بعد أيام الحيض فليس من الحيض،و هي في أيام الحيض حيض» (5)و في معناه أخبار كثيرة.فتأمّل.

و يشهد له أيضا إطلاق الأخبار الدالة على ترتب أحكام الحائض على

ص:257


1- الكافي 3:1/78،التهذيب 1:1230/396،الوسائل 2:278 أبواب الحيض ب 4 ح 1.
2- المعتبر 1:203،المنتهى 1:98.
3- روي في الدعائم 1:128:«و قالوا:ما فعلت هذا امرأة مستحاضة احتسابا إلاّ أذهب اللّه عنها ذلك الداء»و رواها عن الدعائم في المستدرك 2:44 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 2.
4- الكافي 3:2/77،التهذيب 1:453/158،الوسائل 2:300 أبواب الحيض ب 13 ح 1.
5- الكافي 3:5/78،الوسائل 2:280 أبواب الحيض ب 4 ح 6.

مجرد رؤية الدم ،ففي الخبر:«أيّ ساعة رأت الصائمة الدم تفطر» (1).

و في آخر:«تفطر إنما فطرها من الدم» (2)و في معناهما غيرهما (3).

و يعضده أيضا-بعد فحوى إطلاق أخبار الاستظهار لذات العادة إذا رأت ما زاد عليها الشامل لغيرها بطريق أولى-إطلاق الموثق:«إذا رأت الدم قبل العشرة فهو من الحيضة الاولى،و إذا رأته بعد عشرة أيام فهو من حيضة أخرى مستقبلة» (4)و مثله الحسن (5).

و يؤيده أيضا إطلاق ما مرّ في أخبار اشتباه الدم بالعذرة من الحكم بكونه حيضا مع الاستنقاع (6)؛و في أخبار اشتباهه بالقرحة من الحكم بكونه كذلك بمجرّد خروجه من الأيسر أو الأيمن،على الخلاف المتقدم (7).

قيل:و لو لم يعتبر الإمكان لم يحكم بحيض ؛إذ لا يقين،و الصفات إنما تعتبر عند الحاجة إليها لا مطلقا،للنص و الإجماع على جواز انتفائها؛فلا جهة لما قيل من أصل الاشتغال بالعبادات،و البراءة من الغسل و ما على الحائض، و خصوصا إذا لم يكن الدم بصفات الحيض [انتهى] (8).

و هو حسن،و لكن الاحتياط مطلوب .

ص:258


1- التهذيب 1:1218/394،الاستبصار 1:499/146،الوسائل 2:366 أبواب الحيض ب 50 ح 3.
2- التهذيب 1:435/153،الوسائل 2:367 أبواب الحيض ب 50 ح 7.
3- التهذيب 1:434/153،الوسائل 2:367 أبواب الحيض ب 50 ح 6.
4- التهذيب 1:448/156،الاستبصار 1:449/130،الوسائل 2:296 أبواب الحيض ب 10 ح 11.
5- الكافي 3:1/77،التهذيب 1:454/159،الوسائل 2:298 أبواب الحيض ب 11 ح 3.
6- راجع ص 245.
7- راجع ص 246.
8- كشف اللثام 1:88.

و في حكمه النقاء المتخلل بين الثلاثة و العشرة فما دون فالمجموع حيض مطلقا ؛لما تقدّم سيّما الخبرين الأخيرين،مع عموم الأدلة الدالة على عدم نقص أقلّ الطهر عن عشرة.

هذا إذا لم يتجاوز الدم عن العشرة.

و أمّا مع تجاوزه عن العشرة ترجع ذات العادة إليها مطلقا وقتية و عددية كانت،أو الأوّل خاصة،أو بالعكس؛لكنها في الأخيرتين ترجع إلى أحكام المضطربة في الذي لم يتحقق لها عادة فيه،فتجعل ما يوافقها خاصة حيضا مع عدم التميز المخالف اتفاقا نصّا و فتوى،و مطلقا على الأشهر الأظهر، كما سيأتي إن شاء اللّه.

و المبتدأة بفتح الدال و كسرها،و هي من لم يستقر لها عادة،أمّا لابتدائها كما يستفاد من المعتبرة كرواية يونس الطويلة (1)و موثقتي ابن بكير (2)و سماعة (3)؛أو بعده مع اختلافه عددا و وقتا كما قيل (4).و لم أقف له على دليل.

و المضطربة و هي من نسيت عادتها وقتا أو عددا أو معا؛و ربما أطلقت على ذلك و على من تكرّر لها الدم مع عدم استقرار العادة.و تخص المبتدأة على هذا التفسير بمن رأته أول مرّة.و عن المشهور الأوّل (5).و تظهر فائدة الاختلاف في رجوع ذات القسم الثاني من المبتدأة إلى عادة أهلها

ص:259


1- الكافي 3:1/83،التهذيب 1:1183/381،الوسائل 2:288 أبواب الحيض ب 8 ح 3.
2- التهذيب 1:1251/400،الاستبصار 1:470/137،الوسائل 2:291 أبواب الحيض ب 8 ح 5.
3- الكافي 3:1/79،التهذيب 1:1178/380،الوسائل 2:304 أبواب الحيض ب 14 ح 1.
4- قال به الشهيد الثاني في الروضة 1:103.
5- كما حكاه في المسالك 1:10.

و عدمه (1)[و ظاهر اختصاص ما دل على الرجوع إلى أهلها بالمبتدئة بالمعنى الأول هو الثاني] .

و كيف كان:هما ترجعان أوّلا إلى التميز كما قطع به الشيخ و جماعة (2)،بل عن المعتبر و المنتهى:الإجماع عليه فيهما (3)؛و عن صريح الخلاف و التذكرة:الإجماع في المبتدأة (4)؛للعمومات الدالة على اعتبار الصفات و النصوص،منها الصحيح:عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري أحيض هو أو غيره،فقال لها:«إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع و حرارة،و دم الاستحاضة بارد أصفر،فإذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة» (5).

و ليس في ظاهره كغيره اختصاص الحكم بالرجوع إلى التميز في حق المضطربة دون المبتدأة،بل يعمّهما.

نعم:ظاهر مرسلة يونس الطويلة الاختصاص بها دونها.لكنها لا تبلغ قوة لمعارضة العمومات القوية الدلالة بالتعليلات الواردة فيها مثل إنّه:«ليس به خفاء» (6)و غيره الوارد مناطا للرجوع إلى الصفات منها الصحيح المزبور، و الإجماعات المستفيضة المعتضدة بالشهرة و عدم ظهور مخالف.فيخص الروايات في رجوعها إلى أهلها بقول مطلق بها،و تحمل المرسلة على أنّ مبنى ذلك على ندور الاختلاف في دم المبتدأة لغلبة دمها،كما يشعر به ما ورد من جعلها الحيض في الدور الأول عشرة أيّام (7).فتأمل.

ص:260


1- في«ح»زيادة:و ظاهر اختصاص ما دلّ على الرجوع إلى أهلها بالمبتدأة بالمعنى الأول هو الثاني.
2- الشيخ في المبسوط 1:49،المحقق في الشرائع 1:33،و المعتبر 1:204،العلامة في القواعد 1:14.
3- المعتبر 1:204،المنتهى 1:104.
4- الخلاف 1:230،التذكرة 1:31.
5- الكافي 3:1/91،التهذيب 1:429/151،الوسائل 2:275 أبواب الحيض ب 3 ح 2.
6- الكافي 3:3/91،التهذيب 1:431/151،الوسائل 2:275 أبواب الحيض ب 3 ح 3.
7- انظر الوسائل 2:291 أبواب الحيض ب 8 ح 5،6.

و يحصل التميز بأمور:

الأوّل:الاختلاف في الصفات المتقدمة،منها الثخانة،لوصف الاستحاضة في بعض الأخبار بالرقة،فتجعل ما بصفة الحيض حيضا و الباقي استحاضة.

و أمّا إلحاق الرائحة الكريهة بصفات الحيض و ضدّها بصفات الاستحاضة فلا دليل عليه سوى التجربة،و لا يستفاد منها سوى المظنة،و في اعتبارها في مثل المقام مناقشة،لمخالفته الأصل،لإناطة التكليف بالاسم،و مقتضاها حصول العلم به،فالاكتفاء بالمظنة بدله يحتاج إلى دليل.

فلا تميز لفاقدة الصفات المنصوصة،كما لا تميز لواجدتها للاستحاضة أو للحيض خاصة،إجماعا في المتساوية منها قوة و ضعفا،و على الأظهر في المختلفة جدّا.

خلافا للفاضلين و جماعة (1)،فحكموا بالتميز هنا،و أوجبوا الرجوع في الحيض إلى الأقوى،و في الاستحاضة إلى الأضعف.

و اعتبروا القوة بأمور ثلاثة:اللون،فالأسود قويّ الأحمر،و هو قويّ الأشقر،و هو قويّ الأصفر،و هو قويّ الأكدر.و الرائحة،فذو الرائحة الكريهة قويّ ما لا رائحة له أو رائحة ضعيفة.و الثخن،فالثخين قويّ الرقيق.و ذو الثلاث قويّ ذي الاثنين،و هو قويّ ذي الواحدة،و هو قويّ العادم.

و فيه ما عرفت؛إلاّ أن يدّعى حصول الظن بالاستقراء و تتبّع موارد الحيض باكتفاء الشارع بالمظنة لها في تعيين حيضها.و هو غير بعيد.

ثمَّ إن اختلفت الدماء ثلاث مراتب،كأن رأت الحمرة ثلاثا و السواد

ص:261


1- المحقق في المعتبر 1:205،العلامة في نهاية الأحكام 1:135؛و انظر جامع المقاصد 1: 297،المسالك 1:10،المدارك 2:15.

كذلك و الصفرة فيما بقي،فهل الحيض السواد خاصة؟كما عن المعتبر و المنتهى و موضع من التذكرة (1)،أم هو مع الحمرة؟كما عن نهاية الأحكام و موضع آخر من التذكرة (2).

إشكال:ينشأ من أنه مع انفرادهما مع التجاوز كان الحيض السواد خاصة،مؤيدا بالاحتياط و أصالة عدم الحيض.و من قوّتهما بالنسبة إلى الصفرة،و إمكان حيضيتهما،مؤيدا بأصالة عدم الاستحاضة.و هذا أقوى،لما عرفت،بشرط عدم تجاوزهما عن العشرة،و إلاّ فلا تميز.

الثاني:كون ما بصفة الحيض غير قاصر عن الثلاثة و لا زائد على العشرة؛لعموم ما دلّ على اعتبار الأمرين في الحيض من الإجماع المنقول (3)و الأخبار المعتبرة (4).و ليس في إطلاق ما دلّ على الصفات مخالفة لذلك، لورودها في بيان الوصف لا بيان المقدار،و على تقدير وروده فيه يقيّد بما دلّ على اعتباره.

و أمّا ما في رواية يونس الطويلة من الأمر بتحيّض المضطربة برؤية ما بالصفة مطلقا،قليلا كان أو كثيرا (5)،فليس بمضارّ لما ذكرنا؛لاحتمال أن يراد بالقلّة و الكثرة قليل الحيض و كثيره شرعا،و ليس فيها التصريح بقدر الأمرين، بل لعلّه المتعيّن،لذكر مثل ذلك في ذات العادة.

و على التسليم يحمل الإطلاق على ما تقدّم من الأدلة.و لو لم يحتمل ما ذكرناه وجب طرحها؛لشذوذها حينئذ و مخالفتها الإجماع و النصوص،فلا وجه

ص:262


1- المعتبر 1:205،المنتهى 1:105،التذكرة 1:31.
2- نهاية الأحكام 1:136،التذكرة 1:32.
3- كما في كشف اللثام 1:88.
4- الوسائل 2:291 أبواب الحيض ب 8 الأحاديث 4،5،6.
5- الكافي 3:1/83،الوسائل 2:288 أبواب الحيض ب 8 ح 3.

لتوهّم بعض من عاصرناه عدم اعتبار هذا الشرط (1)،فلا تميز لفاقدته.

و هل تتحيض ببعض ما زاد على العشرة ممّا يمكن جعله حيضا و بالناقص مع إكماله بما في الأخبار؟كما عن المبسوط (2)،أم لا بل يتعين الرجوع إلى عادة النساء و الروايات أوّلا؟كما عن المعتبر و التذكرة و المنتهى و التحرير (3).

قولان:من عموم أدلة التميز،و من عموم الرجوع إلى الأمرين.و لعلّ الأوّل أقرب،و مراعاة الاحتياط أولى.

الثالث:عدم قصور الضعيف المحكوم بكونه طهرا أو مع النقاء المتخلل عن أقلّه في المشهور،بل حكي عليه الإجماع (4)؛و يدل عليه ما دلّ على اعتباره فيه من الأخبار.فلا يمكن جعل كل من الدمين المتخلل بينهما ذلك حيضا و إن اجتمعت فيهما باقي الشرائط.

لكن وقع الخلاف فيما إذا تخلل الضعيف القوي الصالح للحيضية في كل من الطرفين،فعن المبسوط:لو رأت ثلاثة دم الحيض و ثلاثة دم الاستحاضة ثمَّ رأت بصفة الحيض تمام العشرة،فالكلّ حيض.و إن تجاوز الأسود إلى تمام ستة عشر كانت العشرة حيضا و الستة السابقة استحاضة (5).

و كأنه نظر إلى أنّ دم الاستحاضة لمّا خرج عن كونه حيضا خرج ما قبله أيضا؛كذا عن المحقّق (6)و هو ضعيف،لوروده فيما بعده أيضا،فالترجيح من دون مرجح قبيح.و منه يظهر الكلام في جعل المتقدم حيضا كما عن الذكرى

ص:263


1- انظر الحدائق 3:186،195.
2- المبسوط 1:46.
3- المعتبر 1:207،التذكرة 1:31،المنتهى 1:105،التحرير 1:14.
4- كما حكاه الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:88.
5- المبسوط 1:50.
6- انظر المعتبر 1:206.

و المدارك (1).و لعلّه لهذا حكي عنه استحسان نفي التميز مطلقا (2)،و استقربه في التذكرة (3)،و عن المنتهى و التحرير التردد فيه (4).

الرابع:التجاوز عن العشرة؛لما عرفت من حيضية ما انقطع عليها فما دون بالقاعدة المتفق عليها.

الخامس:عدم المعارضة بالعادة على المختار،لما سيأتي.

و ذكر الشرطين الأخيرين في المقام استطرادي،فتدبر .

و الحكم برجوعهما إلى التميز-كما عرفت-مشهور بين الأصحاب منقول عليه الإجماعات المستفيضة في المبتدأة،و الإجماعات في المضطربة.و لم ينقل في ذلك خلاف في الكتب المعتبرة،إلاّ أنه حكى بعض الأصحاب عن ابن زهرة في ذلك المخالفة،فجعل عملهما على أصل أقلّ الطهر و أكثر الحيض من دون ذكر التميز (5).

و كذا عن الصدوقين و المفيد (6)من عدم ذكرهم إياه.

و عن التقي:رجوع المضطربة إلى نسائها،فإن فقدن فإلى التميز؛ و المبتدأة إلى نسائها خاصة إلى أن تستقر لها عادة (7).

و عن المبسوط:أنه إذا رأت المبتدأة ما هو بصفة الاستحاضة ثلاثة عشر يوما،ثمَّ رأت ما هو بصفة الحيض بعد ذلك و استمر،كان ثلاثة أيام من أول

ص:264


1- الذكرى:29،المدارك 2:15.
2- المعتبر 1:206.
3- التذكرة 1:31.
4- المنتهى 1:105،التحرير 1:14.
5- حكاه عنه في كشف اللثام 1:88،و هو في الغنية(الجوامع الفقهية):550.
6- انظر الفقيه 1:50،و نقل فيه عن رسالة أبيه؛المقنعة:55.
7- الكافي في الفقه:128.

الدم حيضا و العشرة طهرا،و ما رأته بعد ذلك من الحيضة[الثانية] (1).

و عن المحقّق:استشكاله بعدم تحقق التميز لها،إلاّ أنه قال:لكن إن قصد أنه لا تميز لها فتقتصر على ثلاثة لأنه المتيقن كان وجها (2).و نحوه عن التذكرة (3).

و المعتمد ما عليه الأصحاب؛لما تقدّم من عدم دليل يعتدّ به على شيء من ذلك.

و مع فقده أي التميز بفقد أحد شروطه ترجع المبتدأة خاصة بالمعنى الأول كما عرفت إلى عادة أهلها من أمّها و عشيرتها من أيّ الأبوين كنّ،وفاقا للمشهور؛للخبر-المنجبر ضعفه بجميع جهاته بالشهرة و الإجماع من الأصحاب على العمل بمضمونه كما عن الخلاف (4)(و غيره) (5)-و فيه:عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر،قال:«قرؤها مثل قرء نسائها» (6).

و في الموثق:«المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها» (7).

و في آخر:«النفساء إن كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست مثل

ص:265


1- المبسوط 1:47،أضفنا ما بين المعقوفين من المصدر.
2- المعتبر 1:206.
3- التذكرة 1:31.
4- الخلاف 1:234.
5- كالمعتبر 1:208،و ما بين القوسين ليست في«ش».
6- الكافي 3:3/79،التهذيب 1:1181/380،الاستبصار 1:471/138،الوسائل 2: 288 أبواب الحيض ب 8 ح 2.و في الجميع:«مثل أقراء نسائها».
7- التهذيب 1:1252/401،الاستبصار 1:472/138،الوسائل 2:288 أبواب الحيض ب 8 ح 1.

أيام أمها أو أختها أو خالتها و استظهرت بثلثي ذلك» (1).

و لا دلالة فيهما على المطلوب بوجه؛لشمولهما المضطربة،و دلالتهما على الاكتفاء ببعض النسوة و لو كانت واحدة،و لا قائل بشيء من ذلك.

أمّا الثاني فظاهر،لتخصيص من جوّز الرجوع إلى البعض إياه بالأغلب.

و أمّا الأوّل فلإيجاب من جوّز رجوع المضطربة إلى النسوة الرجوع إلى الجميع و لم يجوّز الاقتصار بواحدة.

نعم:يمكن إرجاعهما إلى ما عليه الأصحاب بدفع الأول بتقييدهما بالمبتدأة،و الثاني بانحصار النسوة في البعض أو عدم التمكن من استعلام حال الباقيات للتشتّت.فتأمّل .

و ظاهر المرسل الطويل (2)رجوع المبتدأة إلى العدد خاصة مطلقا.لكن احتمل الشهيد-رحمه اللّه-في قوله-صلّى اللّه عليه و آله-لحمنة بنت جحش :

«تلجّمي و تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيام أو سبعة أيام»أن يكون المعنى:فيما علّمك اللّه تعالى من عادات النساء فإنّه الغالب عليهنّ (3).

و هو بعيد.

و الجواب بعدم المكافأة لما تقدم،أو تقييده به أولى.

و في اعتبار اتحاد البلد-كما عن الشهيد- (4)و عدمه وجهان:من عموم النص،و عدم تبادر غير المتحدة منه.و لعلّ الأول أولى؛لعدم اعتبار مثل هذا التبادر في العموم الوضعي المستفاد هنا من الإضافة مع عدم سبق معهود.

فتأمل .

ص:266


1- التهذيب 1:1262/403،الوسائل 2:389 أبواب النفاس ب 3 ح 20.
2- المتقدم في ص:259-262.
3- انظر الذكرى:30.
4- راجع الذكرى:31.

و خلاف الحلبيين (1)في المسألة-كما عرفت-ضعيف لا مستند له.

كخلاف النهاية و تردده بين احتمال الردّ إلى أقل الحيض لتيقنه و مشكوكية الزائد عليه و لا يترك اليقين إلاّ بيقين أو بأمارة ظاهرة كالتميز و العادة،و الردّ إلى الأكثر لإمكان حيضيته و لغلبة كثرة الدم في المبتدأة (2).و إن هما إلاّ اجتهاد في مقابلة النص المعتبر .

و ظاهر جماعة جواز الرجوع هنا إلى أقرانها و ذوات أسنانها أيضا،إمّا مطلقا كما هنا و عن التخليص (3)،عاطفين لهنّ على الأقارب بأو،أو مع فقد الأقارب خاصة مطلقا كما عن المهذّب و التحرير و التبصرة و جمل الشيخ و اقتصاده و السرائر (4)،أو مقيدا باتحاد البلد كما عن الوسيلة (5)،أو مع اختلافهن أيضا مطلقا كما في القواعد و عن الإرشاد و نهاية الأحكام (6)،أو مقيدا باتحاد البلد كما عن المبسوط و الإصباح (7).

و لا دليل عليه من أصله،عدا أمر اعتباري لا يصلح دليلا.

و الاستدلال عليه بلفظ«نسائها»في الخبر المتقدم-بناء على كفاية أدنى الملابسة في صدق الإضافة،و هي تحصل بالمشاكلة في السن و اتحاد البلد غالبا-لا يخلو عن نظر؛لعدم التبادر.و يضعّف بما تقدّم.

و عدم القول بالاكتفاء باتحاد البلد أو السنّ لا يوجب و هن الخبر بعد

ص:267


1- أبو الصلاح في الكافي:128،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):550.
2- نهاية الأحكام 1:138.
3- حكاه عنه في كشف اللثام 1:88.
4- المهذّب 1:37،التحرير 1:14،التبصرة:9،جمل الشيخ(الرسائل العشر):163، الاقتصاد:247،السرائر 1:146.
5- الوسيلة:59.
6- القواعد 1:14،الإرشاد 1:226،نهاية الأحكام 1:139.
7- المبسوط 1:46،نقله عن الإصباح في كشف اللثام 1:88.

شمول إطلاقه الاكتفاء بأحدهما،كيف لا؟!و العام المخصّص حجّة في الباقي.

فقول المصنف لا يخلو عن قوة،لا سيّما مع اشتهاره بين الأصحاب.

و يؤيده المرسل:«إنّ المرأة أوّل ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم، فيكون حيضها عشرة أيام،فلا تزال كلّما كبرت نقصت حتى ترجع إلى ثلاثة أيام» (1).

و هو-كما ترى-دالّ على توزيع الأيّام على الأعمار غالبا.

إلاّ أنّ الأحوط الرجوع إلى الأقارب،ثمَّ مع الفقد أو الاختلاف إلى الأقران.و لا يعتبر فيهن جميعهن،بل يكفي من كانت من بلدها ممّن يمكنها استعلام حالها،لاستحالة الرجوع إلى الجميع.

و يظهر من المصنف في الشرائع نوع تردد في الرجوع إليهنّ (2)،بل صرّح في المعتبر بالمنع منه (3)،و تبعه في المنتهى (4).و هو مشكل.

فإن لم يكنّ أو كنّ مختلفات مطلقا و إن اتفق الأغلب منهنّ،وفاقا لنهاية الأحكام و المعتبر (5)تبعا لظاهر الخبر،خلافا للذكرى (6)،و لا دليل عليه، و ما تقدم من الموثقين لا يقول بإطلاقهما.و حينئذ رجعت هي أي المبتدأة و المضطربة وقتا و عددا و تسمى بالمتحيرة بعد فقدها التميز إلى الأيام

ص:268


1- الكافي 3:5/76،التهذيب 1:452/157،الوسائل 2:294 أبواب الحيض ب 10 ح 4.
2- الشرائع 1:32.
3- المعتبر 1:208.
4- المنتهى 1:101.
5- نهاية الأحكام 1:139،المعتبر 1:208.
6- الذكرى:30.

التي في الروايات و هي ستة في كل شهر أو سبعة كما في مرسلة يونس -الطويلة-التي هي كالصحيحة-بل قيل:صحيحة،لعدم تحقق الإرسال بمثل غير واحد ،مضافا إلى كون المرسل مع وثاقته ممن أجمعت العصابة-من قوله عليه السلام للمبتدأة:«تحيّضي في كل شهر ستة أيام أو سبعة،ثمَّ اغتسلي و صومي ثلاثة و عشرين يوما أو أربعة و عشرين يوما».

و قول الصادق عليه السلام:«و هذه سنّة التي استمر بها الدم،أول ما تراه أقصى وقتها سبع و أقصى طهرها ثلاث و عشرون».

و قوله عليه السلام:«و إن لم يكن لها أيام قبل ذلك و استحاضت أول ما رأت فوقتها سبع و طهرها ثلاث و عشرون».

و قوله عليه السلام في المضطربة الفاقدة للتميز:«فسنّتها السبع و الثلاث و العشرون» (1).

و استفادة التخيير بين العددين في المرأتين منها مشكل؛لتخصيص المضطربة فيها بالعدد الأخير،مع احتمال مشاركة صاحبتها لها في ذلك-و إن وقع الترديد بينهما في حقّها-بناء على التصريح فيه أخيرا بعد الترديد بكون الثلاث و العشرين أقصى مدّة طهرها،و لو جاز الاقتصار على الست لما كان ذلك أقصى بل الأربع و العشرين.فتأمل.

و لا ينافيه الترديد أوّلا؛لاحتمال كونه من الراوي.و لذا عيّن السبع في القواعد (2)،و حكي عن الأكثر (3)؛فهو الأقوى.

فظهر به ضعف ما في المتن من التخيير كما عن التحرير و نهاية الأحكام

ص:269


1- الكافي 3:1/83،التهذيب 1:1183/381،الوسائل 2:288 أبواب الحيض ب 8 ح 3.
2- القواعد 1:14.
3- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:89.

و التذكرة و الخلاف (1)،نعم:فيه الإجماع على روايته،كما أنّ في سابقة دعوى مشهوريته.و لا ريب أنّ اختيار السبع أولى لاتفاقهم على جوازه.

أو تتحيّضان ثلاثة من شهر و عشرة من آخر في جميع الأدوار؛ للموثق:«إذا رأت الدم في أوّل حيضها فاستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيّام ثمَّ تصلّي عشرين يوما،فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام و صلّت سبعة و عشرين يوما» (2).

و عن الخلاف الإجماع على روايته (3).و مثله في آخر (4).

و ليس فيهما-مع اختصاصهما بالمبتدأة -دلالة على التحيض بذلك في جميع الأدوار،بل ظاهرهما الاختصاص بالدور الأول ،و مع ذلك تضمّنا تقديم العشرة ،و لم أر عاملا بهما سوى الإسكافي على ما حكاه بعض (5)،و ربما حكي عنه القول بتعين الثلاثة مطلقا (6).

فالرواية حينئذ شاذة،فالاستدلال بها لذلك و القول بالتخيير بينها و بين ما تقدم للجمع بينها و بين ما مرّ ضعيف.مضافا إلى عدم تكافئهما للأوّل ، و على تقدير التكافؤ فهو فرع وجود شاهد عليه،و ليس،فيبطل.فتأمل .فالقول بالأوّل متعيّن و لا تخيير.

ص:270


1- التحرير 1:14،نهاية الأحكام 1:138،التذكرة 1:31،الخلاف 1:230.
2- التهذيب 1:1182/381،الاستبصار 1:469/137،الوسائل 2:291 أبواب الحيض ب 8 ح 6.
3- الخلاف 1:234.
4- التهذيب 1:1251/400،الاستبصار 1:470/137،الوسائل 2:291 أبواب الحيض ب 8 ح 5.
5- نقله عنه الشهيد في الذكرى:31.
6- حكاه عنه العلامة في المختلف:38.

و عن الصدوق و المرتضى (1)في المبتدأة:أنها تتحيّض في كل شهر بثلاثة إلى عشرة؛لمضمرة سماعة:«فإن كان نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام و أقلّه ثلاثة أيام» (2).

و ما في بعض المعتبرة:عن المستحاضة كيف تصنع؟فقال:«أقلّ الحيض ثلاثة و أكثره عشرة و تجمع بين الصلاتين» (3).

و في التمسك بهما-مع أعمية الثاني-في مقابل المرسل المتقدم المعتضد بالشهرة و الإجماع المحكي إشكال ،و إن تأيّدا باختلاف الأخبار في التحديد.

و عن النهاية:الموافقة للمتن في المبتدأة (4)،لما مرّ،و المخالفة له-كغيره كالصدوق في الفقيه و المقنع و هو في الاستبصار (5)أيضا على احتمال-في المضطربة،فحكما بأنها تترك الصوم و الصلاة كلّما رأت الدم و تفعلهما كلّما رأت الطهر إلى أن ترجع إلى حال الصحة أي (6)تعرف عادتها.

للموثق:عن المرأة ترى الدم خمسة أيام و الطهر خمسة و ترى الدم أربعة أيام و الطهر ستة أيام،فقال:«إن رأت الدم لم تصل،و إن رأت الطهر صلّت ما بينها و بين ثلاثين يوما،فإذا تمت ثلاثون فرأت دما صبيبا اغتسلت

ص:271


1- نقله عنهما في المختلف:38.
2- الكافي 3:3/79،التهذيب 1:1181/380،الاستبصار 1:471/138،الوسائل 2: 288 أبواب الحيض ب 8 ح 2.
3- التهذيب 1:449/156،الاستبصار 1:450/131،الوسائل 2:291 أبواب الحيض ب 8 ح 4.
4- النهاية:24.
5- الفقيه 1:54،المقنع:16،الاستبصار 1:132.
6- في«ح»:أو،و في«ش»:إلى أن.

و استثفرت و احتشت بالكرسف في وقت كل صلاة،فإذا رأت صفرة توضأت» (1)و مثله الآخر (2).

و هما-مع قصورهما عن المعارضة لما دلّ على عدم قصور أقل الطهر عن عشرة من وجوه عديدة،و خصوص المرسلة المتقدمة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون اتفاق الطائفة-لا اختصاص لهما بالمضطربة،بل يعمان المبتدأة؛مع اختصاص الحكم فيهما بالشهر الأول و لم يقل به الشيخ في النهاية.فطرحهما رأسا متعيّن و الرجوع إلى المرسل لازم.

و هنا أقوال أخر متشتتة:

كالمنقول عن الجامع:من تحيّض كل منهما بسبعة أو ثلاثة عملا بالرواية و اليقين (3).

و المنقول عن الاقتصاد:من تحيّض المضطربة بسبعة في كل شهر،أو بثلاثة في الشهر الأول و عشرة في الثاني،و المبتدأة بسبعة خاصة (4).

و عن الخلاف و الجمل و العقود و المهذّب و الإصباح:العكس (5).لكن في الخلاف تحيّض المبتدأة بستة أو سبعة أو بثلاثة و عشرة.

و المنقول عن المبسوط و ابن حمزة:من القطع بتخير المبتدأة بين السبعة أو الثلاثة و العشرة،و إيجاب العمل بالاحتياط في(المتحيرة بأن تجمع بين عملي

ص:272


1- التهذيب 1:1180/380،الاستبصار 1:454/132،الوسائل 2:286 أبواب الحيض ب 6 ح 3.
2- الكافي 3:2/79،التهذيب 1:1179/380،الوسائل 2:285 أبواب الحيض ب 6 ح 2.
3- الجامع للشرائع:42.
4- الاقتصاد:247.
5- الخلاف 1:234،الجمل و العقود(الرسائل العشر):164،المهذّب 1:37،و حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:89.

الحيض و الاستحاضة (1).

و المنقول عن موضع آخر من المبسوط و الغنية:من جعل عشرة طهرا و عشرة حيضا (2).

و المنقول عن موضع آخر منه:من رجوع المبتدأة إلى ما حكم به في النهاية تبعا للصدوق في المضطربة مدعيا عليه رواية (3).

و المنقول عن المصنف في المعتبر:من التحيض بالمتيقن،استظهارا و عملا بالأصل في لزوم العبادة (4).

إلى غير ذلك من الأقوال.و ليس على شيء منها دليل يعتدّ به لا سيّما في مقابلة ما تقدّم؛مع ما في بعضها من لزوم العسر و الحرج المنفيين إجماعا و نصا آية (5)و رواية (6)؛مع ما عن البيان و في الروضة:من أن ذلك ليس مذهبا لنا. (7).

فالقول بالرجوع إلى السبع مطلقا أقوى،كما عن الجمل (8).

و حيثما خيّرت كان التعيين إليها،إلاّ إذا اختارت العدد الذي اختارته (9)، أو تعيّن عليها في أواسط الشهر أو أواخره الذي رأت الدم فيه؛فهل لها ذلك،

ص:273


1- المبسوط 1:47،ابن حمزة في الوسيلة:60.
2- المبسوط 1:46،الغنية(الجوامع الفقهية):550.
3- المبسوط 1:66.
4- المعتبر 1:210.
5- المائدة:6،الحج:78.
6- الكافي 3:4/33،التهذيب 1:1097/363،الاستبصار 1:240/77،الوسائل 1: 464 أبواب الوضوء ب 39 ح 5.
7- البيان:59،الروضة 1:106.
8- الجمل و العقود(الرسائل العشر):164.
9- في«ش»زيادة:على المشهور.

أم لا بل يتعين جعل أول ما رأته حيضا؟و:

أحدهما:نعم،و حكي عن المعتبر و الإصباح و المنتهى و التحرير (1)؛ للعموم،و عدم إمكان الترجيح.

و الآخر:لا،كما عن التذكرة و ظاهر المبسوط و الجواهر (2)؛للمرسل:

«عدّت من أول ما رأت الدم الأول و الثاني عشرة أيام،ثمَّ هي مستحاضة» (3).

و الموثق:«تركت الصلاة عشرة أيام ثمَّ تصلّي عشرين يوما» (4).

و المرسل الطويل:«تحيّضي في كل شهر في علم اللّه تعالى ستة أيام أو سبعة،ثمَّ اغتسلي و صومي ثلاثة و عشرين يوما أو أربعة و عشرين يوما» (5).

و لأنّ عليها أوّل ما ترى الدم و احتمل حيضيته أن تتحيض به للقاعدة المسلّمة:كلّ ما يمكن أن يكون حيضا إلى أن يتجاوز العشرة.ثمَّ لا وجه لرجوعها عن ذلك و تركها العبادة فيما بعد و قضائها لما تركته من الصلاة.

و اختيار هذا القول أحوط و أولى.

ثمَّ الظاهر موافقة الشهر الثاني لمتلوه،خلافا للروضة فأوجب عليها فيه الأخذ بما يوافق الشهر الأول في الوقت (6).و دليله غير واضح.

و هذا إذا نسيت المضطربة الوقت و العدد معا.

أمّا لو نسيت أحدهما خاصة و فقدت التميز:

ص:274


1- المعتبر 1:211،نقله عن الإصباح في كشف اللثام 1:90،المنتهى 1:102،التحرير 1: 14.
2- التذكرة 1:31 و 32،المبسوط 1:67،جواهر الفقه:16(الجوامع الفقهية):474.
3- الكافي 3:5/76،التهذيب 1:452/157،الوسائل 2:299 أبواب الحيض ب 12 ح 2.
4- التهذيب 1:1182/381،الاستبصار 1:469/137،الوسائل 2:291 أبواب الحيض ب 8 ح 6.
5- الكافي 3:1/83،التهذيب 1:1183/381،الوسائل 2:288 أبواب الحيض ب 8 ح 3.
6- الروضة 1:105.

فإن كان الوقت:أخذت العدد كالروايات ،مع أولوية اختيارها الأول.

أو العدد:جعلت ما تيقنت من الوقت حيضا أوّلا أو آخرا أو ما بينهما و أكملته بالسبع أو إحدى الروايات مطلقا على وجه يطابق.

فإن ذكرت أوّله أكملته ثلاثة متيقنة و أكملته بعدد مروي سبع أو غيره.أو آخره تحيضت بيومين قبله (1)و قبلهما تمام الرواية سبعا أو غيره.أو وسطه المحفوف بمتساويين و أنه يوم حفّته بيومين و اختارت السبع لتطابق الوسط،أو يومان حفتهما بمثلهما فتيقنت أربعة و اختارت هنا الستة مع احتماله الثمانية بل و العشرة،بناء على تعين السبع و إمكان كون الثامن و العاشر حيضا،فتجعل قبل المتيقن يوما أو يومين أو ثلاثة و بعده كذلك.أو الوسط بمعنى الأثناء مطلقا حفته بيومين متيقنة و أكملت السبع أو إحدى الروايات متقدمة أو متأخرة أو بالتفريق، و لا فرق هنا بين تيقن يوم و أزيد.

و لو ذكرت عددا في الجملة،كما لو ذكرت ثلاثة مثلا في وقت لم تجزم بكونها جميع العادة و لا بعضها و لا أوّلها و لا آخرها،فهو المتيقن خاصة،و أكملته بإحدى الروايات قبله أو بعده أو بالتفريق.

كلّ ذلك إمّا لعموم أدلّتي الاعتبار بالعادة و الرجوع إلى الروايات ،أو لعدم القول بالفصل.فتدبّر.

تثبت العادة باستواء شهرين

و إنما تثبت العادة بأقسامها عندنا و أكثر العامة باستواء شهرين متواليين،أو غيرهما مع عدم التحيض في البين في أيام رؤية الدم فتتحيّض بمجرد رؤيته في الثالث،و ترجع عند التجاوز عن العشرة إليها، فتجعل العدد و الوقت فيه كهما فيهما إن تساويا فيهما،و إلاّ فلتأخذ بما تساويا فيه و تراعي في غير المتساوي حكم المبتدأة أو المضطربة؛و ذلك لإطلاق أخبار

ص:275


1- في«ش»زيادة:متيقنة.

العادة بل و عموم بعضها الصادق بذلك،و خصوص المعتبرين منهما الموثق:

«إذا اتفق شهران عدّة أيام سواء فتلك عادتها» (1)مضافا إلى الإجماع.

و في اشتراط استقرار الطهر بتكرره مرتين متساويتين في استقرار العادة عددا و وقتا قولان.الأقوى:العدم؛للأصل،و ظاهر الخبرين،وفاقا للعلاّمة و الروض (2).و خلافا للذكرى فلا وقتية إلاّ به (3).

و تظهر الفائدة في الجلوس لرؤية الدم في الثالث لو تغاير الوقت فيه، فتجلس على المختار بمجردها،و على غيره بمضيّ ثلاثة أو حضور الوقت،و لا فرق فيه بين التقدم و التأخر.نعم في الأخير ربما قطع بالحيضية فتجلس برؤيته فلا ثمرة هنا بل تنحصر في الأوّل.

و لا تثبت برؤية الدم مرّة في الشهر الواحد إجماعا،خلافا لبعض العامة (4).

و كذا برؤيته فيه مرارا متساوية بينها أقل الطهر على قول؛تمسكا بظاهر الخبرين المعتبرين في تحققها الشهرين.

و الأصح حصولها بذلك،كما عن المبسوط و الخلاف و المعتبر و الذكرى و الروض (5)؛عملا بإطلاق أخبار العادة الصادق بذلك،و تنزيلا لهما على الغالب،فلا عبرة بمفهومهما.و لذا يحكم بحصول العادة برؤية الدمين المتساويين فيما يزيد على شهرين،و ورود مثله فيه مع عموم بعضها غير معلوم.

ص:276


1- الكافي 3:1/79،التهذيب 1:1178/380،الوسائل 2:286 أبواب الحيض ب 7 ح 1.و انظر أيضا الوسائل 2:287 أبواب الحيض ب 7 ح 2.
2- العلامة في المنتهى 1:103،و التذكرة 1:27،روض الجنان:63.
3- الذكرى:28.
4- نسبه في المغني 1:363 إلى ظاهر الشافعي،و انظر الام 1:67.
5- المبسوط 1:47،الخلاف 1:239،المعتبر 1:211،الذكرى:28،روض الجنان: 64.

فلا يعتبر تعدد الشهر الهلالي بل يكفي تعدد الحيضي.و المراد به ما يمكن أن يعرض فيه حيض و طهر صحيحان،و هو ثلاثة عشر يوما.

و مما ذكرنا من الإطلاق يظهر وجه حصول العادة بالتميز مع استمرار الدم الشهرين أو الأشهر.

لو رأت في أيام العادة صفرة أو كدرة،و قبلها أو بعدها بصفة الحيض و تجاوز العشرة،فالترجيح للعادة

و لو رأت في أيام العادة صفرة أو كدرة،و قبلها أو بعدها أيضا لكن بصفة الحيض و شرائطه و تجاوز المجموع العشرة،فالترجيح للعادة كما عن الجمل و العقود و جمل العلم و العمل و الشرائع و الجامع و المعتبر و الكافي و موضع من المبسوط و ظاهر الاقتصاد و السرائر (1)،و عن التذكرة و الذكرى و غيرهما (2):أنه المشهور.و هو كذلك.

و هو الأصح؛عملا بعموم أخبار العادة و العمل فيما عداها بالاستحاضة، و قولهم عليهم السلام:«إنّ الصفرة في أيام الحيض حيض» (3)و اختصاص أخبار التميز بغير ذات العادة،مع وقوع التصريح باشتراط فقدها في الرجوع إليه في المعتبرة منها،كالمرسلة الطويلة،و فيها بعد الحكم بأن الصفرة في أيام الحيض حيض:«و إذا جهلت الأيام و عددها احتاجت حينئذ إلى النظر إلى إقبال الدم و إدباره» (4).

و على تقدير تساوي العمومين فالترجيح للأول؛للشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،لرجوع الخصم عن المخالفة في باقي كتبه.مع كون

ص:277


1- الجمل و العقود(الرسائل العشر):164،جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3): 26،الشرائع 1:31،الجامع للشرائع:44،المعتبر 1:212،الكافي:128، المبسوط 1:43-44،الاقتصاد:246،السرائر 1:147.
2- حكاه عنهما في كشف اللثام 1:90،و قال في التذكرة 1:32:إنّه الأشهر،و هو في الذكرى: 29؛و انظر الحدائق 3:226.
3- المبسوط 1:44،الوسائل 2:281 أبواب الحيض ب 4 ح 9.
4- الكافي 3:1/83،التهذيب 1:1183/381،الوسائل 2:276 أبواب الحيض ب 3 ح 4.

العادة أفيد للظن لاطرادها إجماعا،بخلاف التميز لتخلفها إجماعا و نصوصا .

و فيه قول آخر بترجيح التميز لأخباره،كما نسب إلى النهاية و المبسوط و الإصباح (1).و ظهر ضعفه.و مع ذلك فقد قوّى المختار في الكتب المزبورة بعد الحكم بتقديمه.و كذا القول بالتخيير،كما عزي إلى ابن حمزة (2).

و لا فرق في العادة بين الحاصلة بالأخذ و الانقطاع و الحاصلة بالتميز ؛ للعموم.و تبادر الأوّل دون الثاني بعد تسليمه غير مجد في مثله،لكونه لغويا لا عرفيا يجري فيه ذلك.فالقول بترجيح التميز عليها حينئذ-كما ينسب إلى بعض (3)-لعدم مزية الفرع على أصله ضعيف.

ثمَّ إن محل الخلاف اتصال الدمين أو انفصالهما مع عدم تخلل أقل الطهر و تجاوزهما العشرة.أمّا مع الانفصال و التخلل و كذا مع عدم الأول و فقد التجاوز فالأقوى الرجوع إلى العادة هنا؛لعموم أخباره،مع عدم معلومية شمول أدلة إمكان الحيض لمثل المقام.إلاّ أن يتم الإجماع المنقول في الصورة الثانية.

فالقول بجعل الدمين حيضين في الصورة الاولى و حيضا في الثانية-كما نسب إلى جماعة من المتأخرين (4)-لعموم الأدلة مشكل؛لما عرفت،مضافا إلى المرسلة المشترطة في الرجوع إلى التميز فقد العادة.لكن ما ذكروه لا يخلو عن قوّة سيّما في الصورة الثانية،لما ستعرفه.

تترك ذات العادة الصلاة و الصوم برؤية الدم

و تترك ذات العادة الوقتية مطلقا الصلاة و الصوم برؤية الدم مطلقا إذا كانت في أيامها إجماعا،كما عن المعتبر و المنتهى و التذكرة (5)،و نصوصا

ص:278


1- النهاية:24،المبسوط 1:49،حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:90.
2- الوسيلة:60.
3- انظر جامع المقاصد 1:301.
4- نسب إليهم السبزواري في الذخيرة:65.
5- المعتبر 1:213،المنتهى 1:109،التذكرة 1:28.

عموما و خصوصا.

و كذا برؤيته قبيلها أو بعيدها مطلقا و لو كان المرئي بصفة الاستحاضة، على الأظهر الأشهر،بل قيل:إنه إجماع (1)،لأصالة عدم الآفة و الخروج عن الخلقة،و لعموم الأخبار المستفيضة في تحيّض المرأة بمجرد الرؤية كما سيأتي في حكم المبتدأة،و خصوص الأخبار الدالة على أن المرئي قبل الحيض حيض.

منها الموثق:عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها،قال:«فلتدع الصلاة فإنه ربما يعجّل بها الوقت» (2).

و هي مع ما سيأتي حجة على من يدعي إلحاق هذه الصورة بالمبتدأة مطلقا،فأوجب فيه الاستظهار على تقدير وجوبه في المبتدأة.

كما أن المعتبرة المستفيضة الناطقة بأن الصفرة المرئية قبل الحيض بيومين منه،كالموثقين (3)،في أحدهما:«ما كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض»الحديث.و مثلهما رواية أخرى (4).و الرضوي:«و الصفرة قبل الحيض حيض» (5)حجة على من خصّ المختار بصورة اتصاف الدم المتقدم أو المتأخر بصفة الحيض.

ص:279


1- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:90.
2- الكافي 3:2/77،التهذيب 1:453/158،الوسائل 2:300 أبواب الحيض ب 13 ح 1.
3- أحدهما: الكافي 3:2/78،الفقيه 1:196/51،التهذيب 1:1231/396،الوسائل 2:279 أبواب الحيض ب 4 ح 2. ثانيهما: الكافي 3:5/78،الوسائل 2:280 أبواب الحيض ب 4 ح 6.
4- الكافي 3:4/78،التهذيب 1:1132/396،الوسائل 2:280 أبواب الحيض ب 4 ح 5.
5- فقه الرضا(عليه السلام):191،المستدرك 2:8 أبواب الحيض ب 4 ح 2.

[هذا مع ما فيهما و لا سيما الأول من العسر و الحرج المنفيين ] و هي و إن اشتركت في الدلالة على أن الصفرة بعد الحيض ليس منه، لكنها-مع مخالفتها الإجماع البسيط أو المركب (1)و الأخبار الآتية في الاستظهار- محمولة على رؤيتها بعد انقضاء أيام العادة بيومين.و في القوي:«إذا رأت المرأة الصفرة قبل انقضاء أيامها لم تصلّ،و إن رأت صفرة بعد انقضاء أيام قرئها صلّت» (2)فتأمل.

هذا،مع ما فيهما و لا سيّما الأوّل من العسر و الحرج المنفيّين.

و في تحيّض المبتدأة مطلقا و المضطربة بمجرد الرؤية كذات العادة تردد ينشأ من الأصل المتقدم،و القاعدة المتفق عليها من أنّ ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض ،و عموم النصوص المعتبرة المستفيضة في التحيّض بمجرد الرؤية الناشئ من ترك الاستفصال في أكثرها،كالموثق:

«المرأة ترى الدم أول النهار في رمضان تصوم أو تفطر؟»قال:«تفطر،إنما فطرها من الدم» (3)و مثله الموثقات المستفيضة.

و في الصحيح:«أيّ ساعة رأت الدم فهي تفطر،الصائمة..» (4).

و خصوص بعض النصوص،كالموثق:«إذا رأت الدم في أول حيضها و استمرت تركت الصلاة عشرة أيام ثمَّ تصلي عشرين» (5).

ص:280


1- إذ كل من قال بكون ما قبل العادة من الحيض قال بكون ما بعده كذلك،و من لم يقل بالأول لم يقل بالثاني،فالقول بالأول دون الثاني كما في هذه المعتبرة خرق للإجماع المزبور.منه رحمه اللّه.
2- الكافي 3:3/78،الوسائل 2:280 أبواب الحيض ب 4 ح 4.
3- التهذيب 1:435/153،الوسائل 2:367 أبواب الحيض ب 50 ح 7.
4- التهذيب 1:1218/394،الاستبصار 1:499/146،الوسائل 2:366 أبواب الحيض ب 50 ح 3.
5- التهذيب 1:1182/381،الاستبصار 1:469/137،الوسائل 2:291 أبواب الحيض ب 8 ح 6.

و أوضح منه دلالة مماثلة في السند:في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة«إنها تنتظر بالصلاة،فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض،فإذا مضى ذلك و هو عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة» (1).

و مثله أيضا الموثق:عن الجارية البكر أول ما تحيض تقعد في الشهر يومين و في الشهر ثلاثة،يختلف عليها لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء، قال:«فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم تجز العشرة» (2).

و المناقشة في الأخبار الأخيرة بالتدبر فيها مدفوعة .

مضافا إلى عموم أخبار التميز فيما اتصف بصفة الحيض،و يتم الغير المتصف بها بعدم القول بالفصل ،فإنّ محل النزاع أعم،و ليس كما توهم من الاختصاص بالأول.

و من (3)أصالة اشتغال الذمة بالعبادة إلاّ مع تيقن المسقط،و لا مسقط كذلك إلاّ بمضيّ ثلاثة.

و فيه-بعد تماميته-:معارضة بالأصل المتقدم،و بعد التساقط يبقى ما عداه ممّا تقدم سليما من المعارض.و بعد تسليم فقد المعارض المزبور يكون ما عداه ممّا مرّ مخصصا لها،و الظن الحاصل منه قائم مقام اليقين كقيام غيره مقامه.و هو مسلّم عنده،و إلاّ لما حصل تيقن المسقط بمضيّ الثلاثة أيضا لجواز رؤيتها الأسود المتجاوز عن العشرة فيكون هو الحيض دونها.و التمسك

ص:281


1- التهذيب 1:1251/400،الاستبصار 1:470/137،الوسائل 2:291 أبواب الحيض ب 8 ح 5.
2- الكافي 3:1/79،التهذيب 1:1178/380،الوسائل 2:304 أبواب الحيض ب 14 ح 1.
3- متعلق بقوله:«ينشأ»في الصفحة السابقة.

في نفيه بالأصل غير مورث لليقين،بل غايته الظن،و هو حاصل بما تقدم من الأدلة على التحيض بمجرد الرؤية.

فالأصح الأول،وفاقا للشيخ و غيره (1)،و هو المشهور.خلافا للمرتضى و من تبعه (2)،و منهم الماتن في غير الكتاب صريحا (3)،و فيه احتياطا.

و لكن لا يبعد كون الاحتياط للعبادة و امتثال التروك بمجرد الرؤية أولى حتى يتيقن الحيض بمضيّ الثلاثة.

و هنا قولان آخران هما بمحل من الشذوذ.

ثمَّ إن المبتدأة إذا انقطع دمها لدون العشرة تستبرئ وجوبا-كما عن ظاهر الأكثر (4)،بل قيل:إنّه لا خلاف (5)،و عن الاقتصاد التعبير عنه بلفظ«ينبغي» الظاهر في الاستحباب (6)و لأجله احتمل الخلاف-بوضع القطنة مطلقا على الأصح،وفاقا لجماعة (7)؛عملا بإطلاق الصحيح (8)،و التفاتا إلى اختلاف غيره في الكيفية،ففي رواية (9)و الرضوي (10):قيامها و إلصاق بطنها إلى الحائط و رفع رجلها اليسرى،و في أخرى مرسلة بدل اليسرى اليمنى (11)،مع قصورها

ص:282


1- الشيخ في المبسوط 1:42،66؛العلامة في المختلف:37،و المنتهى 1:109.
2- نقله عن المرتضى في المعتبر 1:213؛و تبعه ابن إدريس في السرائر 1:149،و الشهيد في و الدروس:1:97.
3- المعتبر 1:213،الشرائع 1:30.
4- انظر كشف اللثام 1:96.
5- قال به صاحب الحدائق 3:191.
6- الاقتصاد:246.
7- منهم:صاحب المدارك 1:331،و السبزواري في الذخيرة:69.
8- الكافي 3:2/80،التهذيب 1:460/161،الوسائل 2:308 أبواب الحيض ب 17 ح 1.
9- الكافي 3:3/80،التهذيب 1:461/161،الوسائل 2:309 أبواب الحيض ب 17 ح 3.
10- فقه الرضا(عليه السلام):193،المستدرك 2:15 أبواب الحيض ب 15 ح 1.
11- الكافي 3:1/80،الوسائل 2:309 أبواب الحيض ب 17 ح 2.

-كالموثق المطلق في وضع الرجل (1)-عن المقاومة للصحيح سندا و اعتبارا، فحملها على الاستحباب متعين مسامحة في أدلّته.

فإن خرجت نقية طهرت،فلتغتسل من دون استظهار،كما عن الأصحاب،و عليه الأخبار.و لا وجه للقول به هنا مطلقا كما عن السرائر و توهّمه الشهيدان من المختلف (2)،أو مع ظن العود كما عن الدروس (3).

و إلاّ احتمل الحيض و إن لم يظهر عليها إلاّ ضد صفته،كما عن صريح سلاّر (4)،و محتمل المقتصر على ظهور الدم عليها كالشيخين و القاضي و العلاّمة في التذكرة (5).فعليها الصبر إلى النقاء أو مضي العشرة؛للإجماع المحكي (6)و الموثق:«فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة» (7)و قريب منه موثقتا ابن بكير (8).

و مثلها في وجوب الاستبراء ذات العادة العددية مطلقا مع انقطاع

ص:283


1- التهذيب 1:462/161،الوسائل 2:309 أبواب الحيض ب 17 ح 4.
2- السرائر 1:149،الشهيد الأول في الذكرى:29،الشهيد الثاني في روض الجنان:73.
3- الدروس 1:98.
4- المراسم:43.
5- المفيد في المقنعة:55،الطوسي في النهاية:26،القاضي في المهذّب 1:35،التذكرة 1:29.
6- حكاه في المدارك 1:332.
7- الكافي 3:1/79،الوسائل 2:304 أبواب الحيض ب 14 ح 1.
8- الأولى: التهذيب 1:1251/400،الاستبصار 1:470/137،الوسائل 2:291 أبواب الحيض ب 8 ح 5. الثانية: التهذيب 1:1178/380،الاستبصار 1:469/137،الوسائل 2:291 أبواب الحيض ب 8 ح 6.

دمها عليها فيما دون؛ و مع استمرار الدم و تجاوزه عنها تستظهر و تحتاط بترك العبادة مطلقا كما هو ظاهر الفتاوي،أو مع عدم استقامة الحيض كما في الصحيح (1)و يومئ إليه الخبر (2).

وجوبا كما عن ظاهر الأكثر (3)و صريح الاستبصار و السرائر (4)؛عملا بظاهر الأوامر الواردة به في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (5)، و الاحتياط في العبادة فإنّ تركها على الحائض عزيمة،و استصحاب الحالة السابقة.

أو استحبابا كما عن التذكرة و عامة المتأخرين (6)؛التفاتا إلى أخبار الأمر بالرجوع إلى العادة و العمل فيما عداها بالاستحاضة،و أخذا بظن الانقطاع على العادة و بظاهر لفظ الاحتياط في بعض المعتبرة (7)،و حملا للأوامر على الاستحباب جمعا.

و هو الأقوى،لا لما ذكر،لتصادم الأخبار من الطرفين ،و عدم مرجح ظاهر في البين إلاّ التقية في الثانية لكونه مذهب أكثر العامة (8)،و اختلاف الأدلة في مقادير الاستظهار مع التخيير فيها بينها الظاهر كل منهما في الاستحباب؛ بل للأصل السليم عن المعارض في البين،بناء على ما عرفت من تصادم الأدلة

ص:284


1- التهذيب 5:1390/400،الوسائل 2:375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8.
2- التهذيب 1:1257/402،الوسائل 2:379 أبواب الاستحاضة ب 3 ح 1.
3- انظر كشف اللثام 1:97.
4- الاستبصار 1:149،السرائر 1:149.
5- انظر الوسائل 2:300 أبواب الحيض ب 13،و ص 371 أبواب الاستحاضة ب 1.
6- التذكرة 1:29؛و انظر المدارك 1:333.
7- انظر الوسائل 2:302 أبواب الحيض ب 13 ح 7،و ص 375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8 و 12.
8- كما ذكره العلامة في المنتهى 1:103.

من الطرفين.

أو جوازا مطلقا عاريا عن قيدي الوجوب و الاستحباب.

و هو مردود بظاهر الأوامر في الصحاح التي أقلها الاستحباب.و لا يعارض بأوامر الرجوع إلى العادة؛لورودها في مقام توهم الحظر المفيد للإباحة خاصة.و المناقشة بورود مثله في الأدلة غير مسموعة .

و كيف كان فتستظهر بعد عادتها بيوم أو يومين كما هنا و في الشرائع (1)،و عن النهاية و الوسيلة و الصدوق و المفيد (2)؛للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

منها:الصحيح المحكي في المعتبر عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب:«إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين،ثمَّ تمسك قطنة،فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل»الحديث (3).

أو بثلاثة،كما عن السرائر و المعتبر و المنتهى و التذكرة و المقنع (4)،إلاّ أنه اقتصر عليها خاصة؛للنصوص المعتبرة،منها الصحيحان (5)و الموثقان (6)،

ص:285


1- الشرائع 1:30.
2- النهاية:24،الوسيلة:58،نقله عن الصدوق و المفيد في المعتبر 1:214،و المدارك 1: 334.
3- المعتبر 1:215،الوسائل 2:377 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 14.
4- السرائر 1:149،المعتبر 1:215،المنتهى 1:104،التذكرة 1:29،المقنع:16.
5- التهذيب 1:489/172 و 491،الاستبصار 1:514/149 و 515،الوسائل 2:302 أبواب الحيض ب 13 ح 9 و 10.
6- أحدهما في:التهذيب 1:1190/386،الاستبصار 1:477/139،الوسائل 2:302 أبواب الحيض ب 13 ح 6. و الآخر في:التهذيب 1:490/172،الاستبصار 1:513/149،الوسائل 2:302 أبواب الحيض ب 13 ح 8.

و أحدهما-كأحد الأولين-كالمقنع في الاقتصار عليها.

أو إلى العشرة كما عن السيّد و الإسكافي (1)،و ظاهر المقنعة و الجمل (2)، و أجازه الماتن في غير الكتاب و لكن احتاط بما فيه (3)،و كذا عن الشهيد إلاّ أنه اشترط في البيان ظنها بقاء الحيض (4).

للموثق:«تنتظر عدتها التي كانت تجلس،ثمَّ تستظهر بعشرة أيام» (5).

و في معناه المرسل:«إن كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة» (6).

و هما مع قصورهما سندا و عملا و عددا يحتملان الورود مورد الغالب، و هو كون العادة سبعة أو ثمانية،فيتحدان مع الأخبار السابقة.و هو و إن جرى فيها فيخلو ما عدا الغالب عن النص بالاستظهار،إلاّ أنّ إلحاقه به بالإجماع المركب كاف في ثبوته فيه؛و الإجماع لا يتم إلاّ في الناقص عن الثلاثة،فتبقى هي كالزائد عليها إلى العشرة خاليا من الدليل،فيرجع حينئذ إلى مقتضى الأصل و هو عدم مشروعية الاستظهار.

فتعيّن القول بالأول أو الثاني سيّما مع كثرة القائل بهما،و الأول أقرب إلى الترجيح و لكن الثاني غير بعيد.

و غير خفي أنّ الاختلاف بين الأوّلين و الثالث إنما هو مع قصور العادة عن العشرة بأزيد من الثلاثة،و بين الأوّلين مع قصورها عنها بها،و إلاّ فلا خلاف.

ص:286


1- نقله عن السيد في المعتبر 1:214،حكاه عن الإسكافي في كشف اللثام 1:96.
2- المقنعة:55،الجمل(الرسائل العشر):163.
3- المعتبر 1:215.
4- البيان:58.
5- التهذيب 1:1259/402،الاستبصار 1:516/149،الوسائل 2:303 أبواب الحيض ب 13 ح 12.
6- التهذيب 1:493/172،الاستبصار 1:517/150،الوسائل 2:303 أبواب الحيض ب 13 ح 11.

كما لا خلاف في عدم الاستظهار مع استتمامها إياها و تطابقها معها،إذ الاستظهار احتياط عن الحيض المحتمل و ليس معه،مع ورود بعض المعتبرة به (1).

ثمَّ هي بعد أيام الاستظهار كيف كان تعمل ما تعمله المستحاضة و تصبر إلى العشرة إن احتيج إلى الصبر فإن استمر و تجاوز العشرة كان ما عدا أيام الاستظهار مطلقا (2)استحاضة،و هي داخلة في الحيض حكمها حكمه،كما يستفاد من النصوص الواردة فيه (3).

و المشهور دخولها حينئذ في الاستحاضة،فيجب عليها قضاء ما تركته فيها من العبادة.

و لم أفهم المستند ،و به صرّح جماعة (4).و لعلّه لهذا الماتن لم يعدل عن ظواهر النصوص،كالمرتضى في المصباح و العلاّمة في ظاهر القواعد و النهاية (5)،حيث استشكل في الأخير وجوب قضاء العبادة،و لم يذكر في الأوّل مع تصريحه فيه بإجزائها ما فعلته،و من جملته الكفّ عن العبادة،و إجزاؤه كناية عن عدم وجوب قضائها.

و إلاّ يستمر بأن انقطع على العاشر فما دونه قضت الصوم الذي أتت به فيما بعد أيام الاستظهار أيضا دون الصلاة التي صلّتها فيه؛لظهور كون أيام الاستظهار مع ما بعده-إن كان-حيضا.

ص:287


1- انظر الوسائل 2:301 أبواب الحيض ب 13 ح 2 و 11.
2- أي و لو كان دون العشرة.
3- الوسائل 2:300 أبواب الحيض ب 13.
4- منهم صاحب المدارك 1:336،الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:15،صاحب الذخيرة:70.
5- نقله عن المصباح في المنتهى 1:103،القواعد:16،نهاية الأحكام 1:123.

هذا هو المشهور،بل ربما حكي عليه الإجماع (1).

و لا تساعده الأخبار في المضمار،بل هي في الدلالة على دخول ما بعد الاستظهار في الاستحاضة بقول مطلق و لو مع الانقطاع عليه واضحة المنار.

و لكن قوة احتمال ورودها مورد الغالب توجب ظهورها في الشق الأوّل و هو انتهاء أيام الاستظهار إلى العاشر و انقطاعها عليه.

و على هذا يحمل لفظة«أو»على التنويع و بيان ما هو الغالب من الأفراد -كما فعله في المنتهى و لو من وجه آخر (2)-لا التخيير كما هو المشهور،فلا تشمل حينئذ المقام ،و ليس في الحكم بتحيّضها الجميع حذر من جهتها .

نعم:فيه الحذر من جهة الأخبار الآمرة بالرجوع إلى العادة و جعلها حيضا خاصة (3)؛لكنها-مع تطرّق الوهن إليها بأخبار الاستظهار إجماعا-معارضة بأدلة«ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض»بالبديهة.و لا ريب في رجحانها بالضرورة؛لغلبة الظن بالحيضية،و الاعتضاد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون من الإجماع قريبة،مع أنّ الحكاية في نقله صريحة كما مرّت إليه الإشارة.

مضافا إلى الاعتضاد بإطلاق الحسنة:«إذا رأت المرأة الدم قبل العشرة أيام فهو من الحيضة الاولى،و إن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة» (4).

و خصوص المرسلة المنجبر ضعفها بالشهرة و قصور دلالتها بالإجماع

ص:288


1- التذكرة 1:32.
2- و هو بيان تنويع مزاج المرأة بحسب قوته و ضعفه الموجبين لزيادة الحيض و قلّته.انظر المنتهى 1:104.
3- انظر الوسائل 2:281 أبواب الحيض ب 5.
4- الكافي 3:1/77،التهذيب 1:454/159،الوسائل 2:298 أبواب الحيض ب 11 ح 3.

المركب من الطائفة،و فيها:«إذا حاضت المرأة و كان حيضها خمسة أيام ثمَّ انقطع الدم اغتسلت و صلّت،فإن رأت بعد ذلك الدم و لم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة،فإن رأت الدم أوّل ما رأته الثاني الذي رأته تمام العشرة أيام و دام عليها عدّت من أول ما رأت الدم الأول و الثاني عشرة أيام،ثمَّ هي مستحاضة تعمل ما تعمله المستحاضة» (1).

و في ذيلها دلالة أيضا على ما اخترناه في الشق الأوّل.فتأمّل.

فإذا الذي اختاره المصنف في المسألة بكلا شقّيها هو الأقرب.و لكن ما عليه المشهور أحوط،بل و عليه العمل.

أقلّ الطهر عشرة أيام و لا حدّ لأكثره

و أقلّ الطهر عشرة أيام لما تقدم في حدّي الحيض.

و لا حدّ لأكثره على المشهور،بل بلا خلاف كما عن الغنية (2).

و عن ظاهر الحلبي تحديده بثلاثة أشهر (3)،و حمل على الغالب (4)،و عن البيان احتمال أن يكون نظره إلى عدّة المسترابة (5).

ص:289


1- الكافي 3:5/76،التهذيب 1:452/157،الوسائل 2:299 أبواب الحيض ب 12 ح 2.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):550.
3- انظر الكافي:128.
4- كما في التذكرة 1:27.
5- البيان:58.
الأحكام
لا تنعقد لها صلاة و لا صوم و لا طواف و لا يرتفع لها حدث و يحرم عليها دخول المساجد و قراءة العزائم و مس كتابة القرآن

و أمّا الأحكام اللاحقة للحائض فأمور أشار إليها بقوله:

فلا تنعقد و لا تصح لها صلاة و لا صوم و لا طواف مع حرمتها عليها بالإجماع و النصوص.

ففي الصحيح:«إذا كانت المرأة طامثا فلا تحلّ لها الصلاة» (1).

و في الخبر في العلل:«لا صوم لمن لا صلاة له» (2)و علّل به فيه حرمة الأوّلين عليها.

و في نهج البلاغة جعل العلّة في نقص إيمانهن قعودهن عن الأوّلين (3).

و في النبوي خطابا للحائض:«اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي» (4).

و لا فرق في ذلك بين بقاء أيام الحيض و انقطاعها قبل الغسل فيما سوى الثاني إجماعا،و فيه أيضا على قول قوي،و فيه قول آخر بالتفصيل .

و لا فرق في العبادات بين الواجبة و المندوبة؛لفقد الطهور المشترط في صحة الأوّلين مطلقا،و الواجب من الأخير إجماعا،و على الأصح في المقابل له منه أيضا،و على غيره أيضا كذلك،لتحريم دخول المسجد مطلقا عليها.

و لا يرتفع لها حدث لو تطهرت قبل انقضاء أيامها و إن كان في الفترة

ص:290


1- الكافي 3:4/101،التهذيب 1:456/159،الوسائل 2:343 أبواب الحيض ب 39 ح 1.
2- علل الشرائع:271 ضمن علل الفضل بن شاذان،الوسائل 2:344 أبواب الحيض ب 39 ح 2.
3- نهج البلاغة 1:77/125،الوسائل 2:344 أبواب الحيض ب 39 ح 4.
4- مسند أحمد 6:245،سنن ابن ماجه 2:2963/988،سنن أبي داود 2:1744/144 و في الجميع بتفاوت.

أو النقاء بين الدمين الملحق بالحيض،و إن استحب لها الوضوء في وقت كل صلاة و الذكر بقدرها،و قلنا بوجوب التيمم إن حاضت في أحد المسجدين أو استحبابه-إلاّ مع مصادفته فقد الماء على قول -فإنّ جميع ذلك تعبّد ،ففي الحسن:عن الحائض تطهّر يوم الجمعة و تذكر اللّه تعالى،فقال عليه السلام:

«أمّا الطهر فلا،و لكنها تتوضأ في وقت الصلاة ثمَّ تستقبل القبلة و تذكر اللّه تعالى» (1)فتأمل.

و يحرم عليها أيضا كالجنب دخول المساجد مطلقا إلاّ اجتيازا فيما عدا المسجدين الحرامين فيختص التحريم فيه باللبث، و يعمّه و المستثنى فيهما.

كلّ ذلك على الأظهر الأشهر،بل لا خلاف في حرمة اللبث كما عن التذكرة و المنتهى و المعتبر و التحرير (2)،مع وقوع التصريح في الأخيرين بالإجماع.و لا ينافيه استثناء سلاّر في الأخير،بناء على عدم القدح فيه بخروجه،لمعلومية نسبه.

و ليس في إطلاق كراهة الجواز في المساجد كما في القواعد و الشرائع و عن الخلاف و التذكرة و الإرشاد و نهاية الأحكام (3)،أو إطلاقه من دونها كما عن الهداية و المقنعة و المبسوط و النهاية و الاقتصاد و المصباح و مختصره و الإصباح (4)،دلالة على المخالفة للمشهور في عدم جواز الجواز في

ص:291


1- الكافي 3:1/100،الوسائل 2:346 أبواب الحيض ب 40 ح 4.
2- التذكرة 1:27،المنتهى 1:110،المعتبر 1:221،التحرير 1:15.
3- القواعد 1:15،الشرائع 1:30،الخلاف 1:517،التذكرة 1:27،الإرشاد 1:228، نهاية الأحكام 1:119.
4- الهداية:21،المقنعة:54،المبسوط 1:41،النهاية:25،الاقتصاد:244،مصباح المتهجد:10،نقله عن مختصر المصباح و الإصباح في كشف اللثام 1:93.

المسجدين،لاحتمال وروده مورد الغالب و هو ما عداهما.

و عليه يحمل إطلاق الصحيح:«الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد إلاّ مجتازين» (1)لكونه الحكم في المطلق.

و للصحيح:«الحائض و الجنب يدخلان المسجد مجتازين و لا يقعدان فيه،و لا يقربان المسجدين الحرامين» (2).

و هما حجّة على سلاّر،مع عدم الوقوف له على دليل سوى الأصل الغير المعارض لهما.

كما أنهما حجّة على المانع من الدخول مطلقا،بناء على تحريم إدخال النجاسة في(مطلق) (3)المسجد مطلقا و لو مع عدم التلويث،كما عن الفقيه و المقنع و الجمل و العقود و الوسيلة (4).

و ليس في إطلاقهما دلالة على الجواز و لو مع التلويث؛لندرته،و غلبة ضده الموجبة لحمله عليه.

و كذا يحرم عليها وضع شيء فيها مطلقا على الأظهر الأشهر،بل قيل:بلا خلاف إلاّ من سلاّر (5)؛للصحاح.

و يجوز لها الأخذ منها مع عدم استلزامه المحرّم.و يحرم معه؛لعموم ما تقدّم،إلاّ مع الضرورة المبيحة للمحرّم.

ص:292


1- علل الشرائع:1/288،تفسير القمي 1:139،الوسائل 2:207 أبواب الجنابة ب 15 ح 10.
2- التهذيب 1:1132/371،الوسائل 1:209 أبواب الجنابة ب 15 ح 17.
3- ليست في«ش».
4- الفقيه 1:48،50،154،المقنع:13،الجمل و العقود(الرسائل العشر):162،الوسيلة: 58.
5- قال به صاحب الحدائق 3:256،و هو في المراسم:43.

و قراءة إحدى سور العزائم و كذا أبعاضها بقصدها إن اشتركت، و إلاّ فيحرم مطلقا؛لما مرّ في الجنب.و عن المعتبر و المنتهى:الإجماع عليه (1).

و مسّ كتابة القرآن على الأشهر الأظهر،بل عليه الإجماع كما عن الخلاف و المنتهى و التحرير (2)؛لما مر ثمة.

خلافا للإسكافي فحكم بالكراهة؛للأصل (3).و هو ضعيف.

و قد تقدم هناك المراد من الكتابة.

و يحرم على زوجها وطؤها و لا يصح طلاقها

و كذا يحرم على زوجها و من في حكمه وطؤها قبلا أي:

موضع الدم خاصة على الأشهر الأظهر،و مطلقا على قول يأتي ذكره،عالما به و بالتحريم،عامدا،إجماعا و نصوصا (4)،بل قيل:إنه من ضروريات الدين، و لذا حكم بكفر مستحلّه (5).

و المراد من العلم هنا المعنى الأعم الشامل لمثل الظن الحاصل من إخبارهنّ مع عدم التهمة-بلا خلاف بين الطائفة-به،لإشعار الآية وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ [1] (6)و صراحة المعتبرة كالحسن:«العدّة و الحيض إلى النساء إذا ادّعت صدّقت» (7).

و قيّدت بعدم التهمة،لاستصحاب الإباحة السابقة،و عدم تبادر المتّهمة

ص:293


1- المعتبر 1:223،المنتهى 1:110.
2- الخلاف 1:99،المنتهى 1:110،التحرير 1:15.
3- نقله عنه في المختلف:36.
4- الوسائل 2:317 أبواب الحيض ب 24.
5- قال به الشهيد الثاني في روض الجنان:76،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:93.
6- البقرة:228.
7- الكافي 6:1/101،التهذيب 8:575/165،الاستبصار 3:1276/356،الوسائل 2: 358 أبواب الحيض ب 47 ح 1.

من المعتبرة،و إشعار بعض المعتبرة:في امرأة ادّعت أنها حائض في شهر واحد ثلاث حيض،فقال:«كلّفوا نسوة من بطانتها أنّ حيضها كان فيما مضى على ما ادّعت،فإن شهدن صدّقت،و إلاّ فهي كاذبة» (1).

و يلحق بأيام الحيض أيام الاستظهار وجوبا على القول بوجوبه، و استحبابا على تقديره.و الأحوط اعتزالهن فيها إلى انقطاع العشرة مطلقا و لو على الثاني؛لاحتمال الحيضية بالانقطاع إليها،لما مرّ،و لكن في بلوغه حدّ الوجوب-كما عن المنتهى (2)-تأمل.

و لا يصح طلاقها اتفاقا مع دخوله أي الزوج بها و حضوره أو حكمه من الغيبة التي يجامعها معرفته بحالها و انتفاء الحمل،و إلاّ صحّ،كما يأتي في محلّه إن شاء اللّه.

يجب عليها الغسل مع النقاء و قضاء الصوم دون الصلاة

و يجب عليها الغسل لمشروط بالطهارة مع النقاء أو ما في حكمه إجماعا و نصوصا و قضاء الصوم الواجب المتفق في أيامه في الجملة،أو مطلقا حتى المنذور على قول أحوط دون الصلاة إجماعا و نصوصا فيهما، إلاّ ركعتي الطواف مع فواتهما بعده،و المنذورة المتفقة في أيّامها على قول.

و هل يجوز لها أن تسجد لو سمعت آية السجدة أو تلتها أو استمعت إليها؟ الأشبه الأشهر نعم كما عن المختلف و التذكرة و ظاهر التحرير و المنتهى و نهاية الأحكام و المبسوط و الجامع و المعتبر و الشرائع (3)،لكن ما عدا الثاني في صورتي التلاوة و الاستماع،و في الخمسة الأول عدا الثاني

ص:294


1- التهذيب 1:1242/398،الاستبصار 1:511/148،الوسائل 2:358 أبواب الحيض ب 47 ح 3.
2- المنتهى 1:117.
3- المختلف:34،التذكرة 1:28،التحرير 1:15،المنتهى 1:115،نهاية الأحكام 1: 119،المبسوط 1:114،الجامع للشرائع:83،المعتبر 1:227،الشرائع 1:30.

تصريح بالوجوب،و هو أيضا ظاهر فيه،و فيما عدا الأخيرين بالجواز،و فيهما الاكتفاء بلفظ:تسجد،المحتمل لهما الظاهر في الأوّل.

خلافا للمقنعة و الانتصار و التهذيب و الوسيلة و النهاية و المهذّب (1)، فحرّموا السجود عليها؛لاشتراطه بالطهارة كما في غيره؛و عن المفيد نفي الخلاف عنه (2).

و هو ضعيف؛لعدم وضوح الدليل عليه،و تطرّق الوهن إلى دعوى عدم الخلاف بمصير الأكثر من الأصحاب إلى العدم مع تصريح جمع منهم بالوجوب.

و ليس في الموثق:عن الحائض هل تقرأ القرآن و تسجد إذا سمعت السجدة؟قال:«تقرأ و لا تسجد» (3)و مثله الخبر المروي عن غياث في كتاب ابن محبوب:«لا تقضي الحائض الصلاة،و لا تسجد إذا سمعت السجدة» (4)حجة عليه و لا على المنع من سجود الحائض،لمعارضتهما-مع ضعف الأخير- الأقوى منهما الصحيح:عن الطامث تسمع السجدة،فقال:«إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها» (5).

و الموثق كالصحيح:«الحائض تسجد إذا سمعت السجدة» (6).

ص:295


1- المقنعة:52،الانتصار:31،التهذيب 1:129،الوسيلة:58،النهاية:25،المهذب: 34.
2- كلمة«بلا خلاف»ساقطة في المقنعة المطبوعة حديثا،و هي موجودة في الطبعة القديمة ص 6.
3- التهذيب 2:1172/292،الاستبصار 1:1193/320،الوسائل 2:341 أبواب الحيض ب 36 ح 4.
4- مستطرفات السرائر:47/105،الوسائل 2:342 أبواب الحيض ب 36 ح 5.
5- الكافي 3:3/106،التهذيب 1:353/129،الاستبصار 1:385/115،الوسائل 2: 340 أبواب الحيض ب 36 ح 1.
6- الكافي 3:4/318،التهذيب 2:1168/291،الاستبصار 1:1192/320،الوسائل 2:341 أبواب الحيض ب 36 ح 3.

و غيرهما من المعتبرة المعتضدة بالشهرة و مخالفة العامة،لكون المنع مذهب الشافعي و أحمد و أبي حنيفة (1).

و ظاهرهما-كما ترى-الوجوب بمجرد السماع كما عن الأكثر (2)مطلقا، و هو الأظهر كذلك.و لتحقيق المسألة محل آخر.

فما عن التذكرة و المنتهى من الفرق هنا بين الاستماع و السماع بالوجوب في الأوّل و التردد فيه في الثاني (3)،غير واضح؛و لذا صرّح في التحرير بعد اختيار جواز سجودها بعدم الفرق بينهما (4).

و في وجوب الكفارة على الزوج بوطئها روايتان،أحوطهما الوجوب

و في وجوب الكفارة على الزوج بل الواطئ مطلقا،لعموم المستند، مع ثبوت الحكم في بعض الصور بطريق أولى-فتأمل جدّا-و إن اختص بعض الأخبار به في الظاهر بوطئها المحرّم روايتان،أحوطهما الوجوب بل الأظهر عند أكثر المتقدمين كالمفيد و المرتضى و ابني بابويه و الشيخ في الخلاف و المبسوط (5)،بل عليه الإجماع عن الحلّي و الانتصار و الخلاف و الغنية (6)؛ تمسّكا بظواهر بعض المعتبرة،كرواية داود بن فرقد (7)المقيّدة هي-كالرضوي (8)- لغيرها من المعتبرة كالحسن:عمّن أتى امرأته و هي طامث،قال:«يتصدّق

ص:296


1- كما في المغني 1:685،بدائع الصنائع 1:186.
2- حكاه عنهم في الحدائق 3:257.
3- التذكرة 1:28،المنتهى 1:115.
4- تحرير الاحكام 1:15.
5- المفيد في المقنعة:55،المرتضى في الانتصار:33،الصدوق في الفقيه 1:53،و الهداية: 16،و نقله عن والده المحقق في المعتبر 1:229،الخلاف 1:225،المبسوط 1:41.
6- السرائر 1:144،الانتصار:34،الخلاف 1:226،الغنية(الجوامع الفقهية):550.
7- التهذيب 1:471/164،الاستبصار 1:459/134،الوسائل 2:327 أبواب الحيض ب 28 ح 1.
8- فقه الرضا(عليه السلام):236،المستدرك 2:21 أبواب الحيض ب 23 ح 1.

بدينار و يستغفر اللّه تعالى» (1).

و الموثق:«من أتى حائضا فعليه نصف دينار يتصدّق به» (2).

و الخبر:عن الرجل يأتي المرأة و هي حائض،قال:«يجب عليه في استقبال الحيض دينار و في وسطه نصف دينار» (3).

و هي-مع اعتبار سند أكثرها،و اعتضادها بالشهرة العظيمة بين متقدمي الأصحاب و الإجماعات المنقولة التي هي كأربع أحاديث صحيحة-مخالفة لما عليه الجمهور من العامة منهم مالك و أبو حنيفة كما حكاه العلاّمة (4).

خلافا لأكثر المتأخرين،فحكموا بالاستحباب (5)؛للأصل،و الصحيح:

عن رجل واقع امرأته و هي طامث،قال:«لا يلتمس فعل ذلك و قد نهى اللّه تعالى أن يقربها»قلت:إن فعل عليه كفارة؟قال:«لا أعلم[فيه]شيئا،يستغفر اللّه تعالى» (6)و مثله الموثق (7)،و الخبر (8)لكنه في المجامع خطأ.

ص:297


1- التهذيب 1:467/163،الاستبصار 1:455/133،الوسائل 2:327 أبواب الحيض ب 28 ح 3.
2- التهذيب 1:468/163،الاستبصار 1:456/133،الوسائل 2:327 أبواب الحيض ب 28 ح 4.
3- الكافي 7:20/243،التهذيب 10:576/145،الوسائل 377/28 أبواب بقية الحدود ب 13 ح 1.
4- العلامة في المنتهى 1:115؛و انظر المحلى لابن حزم 2:176،نيل الأوطار للشوكاني 1: 352،المغني لابن قدامة 1:384-385.
5- منهم العلامة في المنتهى 1:115،و القواعد 1:15،و الشهيد الثاني في روض الجنان: 77،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 1:152،و صاحب المدارك 1:353.
6- التهذيب 1:472/164،الاستبصار 1:460/134،الوسائل 2:329 أبواب الحيض ب 29 ح 1،و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.
7- التهذيب 1:474/165،الاستبصار 1:462/134،الوسائل 2:329 أبواب الحيض ب 29 ح 2.
8- التهذيب 1:473/165،الاستبصار 1:461/134،الوسائل 2:329 أبواب الحيض ب 29 ح 3.

مضافا إلى اختلاف الأخبار الموجبة،لأنها بين مطلق للدينار،و مطلق لنصفه كما في الموثقين المتقدمين،و مقيّد له بما يأتي كما في الرواية المتقدمة،و موجب للتصدّق على مسكين بقدر شبعه مطلقا كما في رواية (1)، و موجب له على عشرة كذلك كما في الموثق إلاّ أنه في وطء الجارية (2)،و موجب له على سبعة في استقبال الدم مع التصريح بلا شيء عليه في غيره مطلقا كما في الصحيح (3).

و لقائل الجواب عن الأول:بالعدول عنه بما تقدّم.

و عن الثاني:بحمله على التقية المؤيد بكون روايته عن الصادق عليه السلام و فتوى أبي حنيفة في زمانه مشتهرة.مع ورود الخبر الثالث في الخاطئ منه،و المراد منه إمّا الجاهل بالموضوع كما حمله الشيخ عليه (4)،أو الحكم كما يناسبه ذيله من نسبته إلى العصيان.و لا كفارة عليه على التقدير الأول إجماعا،و كذلك على التقدير الثاني،لاشتراط العلم في الوجوب كما عن الخلاف و الجامع (5)،أو الرجحان المطلق كما عن المنتهى و التذكرة و التحرير و نهاية الأحكام و الشرائع و الذكرى (6)،بل و عن بعض الأصحاب

ص:298


1- التهذيب 1:469/163،الاستبصار 1:457/133،الوسائل 2:328 أبواب الحيض ب 28 ح 5.
2- التهذيب 1:470/164،الاستبصار 1:458/133،الوسائل 2:327 أبواب الحيض ب 28 ح 2.
3- الكافي 7:13/462،الوسائل 22:391 أبواب الكفارات ب 22 ح 2.
4- التهذيب 1:165.
5- الخلاف 1:225،الجامع للشرائع:41.
6- المنتهى 1:115،التذكرة 1:27،التحرير 1:15،نهاية الأحكام 1:121،الشرائع 1: 31،الذكرى:34.

الإجماع عليه أيضا (1).فعدّ مثله من أدلة الاستحباب واضح الفساد.

و عن الثالث:بصحته مع استفادته من المعتبرة لا مطلقا.و ليس المقام كذلك؛إذ الاختلاف الذي تضمنته المعتبرة إنما هو بحسب الإطلاق و التقييد، و مقتضى القاعدة المسلّمة حمل الثاني على الأوّل.

و أمّا باقي الاختلافات فليس المشتمل عليها بمعتبر،إمّا سندا،كالموجب للتصدق على مسكين بقدر شبعه،لاشتمال سنده على جهالة.أو من حيث العمل،كهو و غيره و إن اعتبر سنده بالصحة في بعض و الموثقية في آخر،لعدم مفت بالتصدق بقدر الشبع لمسكين إلاّ نادرا (2)،أو العشرة،أو السبعة في استقبال الدم مع عدم شيء في غيره مطلقا لا وجوبا و لا استحبابا.بل و ربما نص على خلاف بعضها كالمتضمن للتصدق على عشرة،فإنّها وردت في الجارية و قد أفتى الأصحاب و ادعى عليه الإجماع في السرائر و الانتصار (3)ورود في الرضوي (4)بكون التصدق فيها بثلاثة أمداد،و ظاهره عدم اتساعها العشرة،بل و عن بعضهم التصريح بالتفريق على ثلاثة و هو الانتصار و المقنعة و النهاية و المهذّب و السرائر و الجامع (5).فهي شاذّة لا عمل عليها .

و بعد تسليم اعتبار مثل هذا الاختلاف فليس يبلغ درجة اعتبار تلك الإجماعات المنقولة التي هي بمنزلة الأخبار الصحاح الصراح المستفيضة؛إذ غاية الاختلاف التلويح و الإشارة،و أين هو من الظهور فضلا عن الصراحة.

ص:299


1- حكاه في كشف اللثام 1:95 عن كتاب الهادي.
2- كما قاله الصدوق في الهداية:16،و الفقيه 1:53.
3- السرائر 3:76،الانتصار:165.
4- فقه الرضا(عليه السلام):236،المستدرك 2:21 أبواب الحيض ب 23 ح 1.
5- الانتصار:165،المقنعة:569،النهاية:572،المهذّب 2:423،السرائر 3:76، الجامع للشرائع:41.

و لعلّه لهذا لم يحكم المصنف هنا و في الشرائع (1)بالاستحباب بل صرّح في الثاني أوّلا بالوجوب،و مثل الكتاب اللمعة (2).و ظاهرهم التردد و التوقف كشيخنا البهائي (3)،و لعلّه في محلّه،إلاّ أنّ الاحتياط في مثل المقام كاد أن يكون لازما،فلا يترك على حال.

و هي أي الكفارة فيما عدا وطء الأمة دينار أي مثقال ذهب خالص إجماعا،مضروب على الأصح،وفاقا لجماعة (4)؛للتبادر.خلافا لآخرين فاجتزؤا بالتبر (5)؛لإطلاق الاسم.و هو ضعيف.

و في إجزاء القيمة عنه قولان،أصحّهما:العدم؛جمودا على ظاهر النص،مع اختلافها و عدم انضباطها.و قيل بالجواز (6).و لا دليل عليه.

في أوّله أي الحيض و نصف في وسطه،و ربع في آخره.

و يختلف بحسب اختلاف الحيض الذي وطئت فيه،فالثاني أوّل لذات الستة،و وسط لذات الثلاثة،و هكذا.

و بالجملة:التثليث مرعيّ بالإضافة إلى أيام الحيض مطلقا،ذات عادة كانت أم غيرها،كانت العادة عشرة أم لا.هذا هو الأشهر الأظهر؛عملا بظاهر الخبر.

و عن المراسم تحديد الوسط بما بين الخمسة إلى السبعة (7)،فلا وسط

ص:300


1- الشرائع 1:31.
2- اللمعة(الروضة البهية 1):108.
3- انظر الحبل المتين:51.
4- منهم الشهيد الأول في الذكرى:35،و الشهيد الثاني في روض الجنان:77،و المحقق الثاني في جامع المقاصد:43.
5- كالعلامة في المنتهى 1:117،و التحرير 1:15،و نهاية الأحكام 1:122.
6- قال به ابن فهد الحلّي في الموجز الحاوي(الرسائل العشر):47.
7- المراسم:44.

و لا آخر لمن حيضها خمسة فما دون،و لا آخر إن لم يزد حيضها عن منتهى الحدّ.و هو لعدم الدليل عليه ضعيف.كاعتبار الراوندي التثليث بالإضافة إلى أقصى الحيض مطلقا (1)،فلا وسط و لا آخر لذي الثلاثة،و لا آخر لذي الأربعة و إن كان لها وسط و هو الثلثان الباقيان من اليوم الرابع.و هو الفارق بينه و بين القول الأوّل؛لأنّه في هذه الصورة على تقديره لا وسط لها،لقصورها عن الخمسة التي خامسها مبدأ الوسط.

و المستند في هذا التفصيل رواية داود بن فرقد،و الخبر المتقدم لكن ليس فيه ذكر الآخر ،و مثل الأوّل الرضوي (2).و قصور سندها مجبور بالعمل،مضافا إلى اعتبار الأخير في نفسه.

و مصرفها عند الأصحاب مستحق الزكاة.و لا يعتبر فيه التعدّد؛للأصل، و إطلاق الخبر.

و هي في وطء الأمة ما تقدّم؛لما تقدّم،مع شذوذ ما دلّ على خلافه (3).

و لا كفارة على الموطوءة مطلقا و لو كانت مطاوعة؛للأصل،و اختصاص دليلها بالواطئ.نعم:عليها الإثم حينئذ.

يستحب لها الوضوء لوقت كلّ فريضة و ذكر الله في مصلاها

و يستحب لها الوضوء المنوي به التقرب دون الاستباحة لوقت كلّ صلاة فريضة من فرائضها اليومية و الاستقبال للقبلة و ذكر اللّه تعالى بعده في مصلاّها كما عن المبسوط و الخلاف و النهاية و المهذّب و الوسيلة و الإصباح و الجامع (4).

ص:301


1- فقه القرآن 1:54.
2- راجع ص 296-297.
3- انظر المقنع:16.
4- المبسوط 1:45،الخلاف 1:232،النهاية:25،المهذّب 1:36،الوسيلة:58،و نقله عن الإصباح في كشف اللثام 1:96،الجامع للشرائع:24.

أو محرابها،كما عن المراسم و السرائر (1)،و هما بمعنى واحد،و يحتمله ما عن المقنعة:ناحية من مصلاّها (2).

أو حيث شاءت مطلقا (3)،كما في الشرائع و المعتبر و المنتهى و الذكرى (4)،بل نسب في الأخيرين إلى غير الشيخين مطلقا.

و هو أولى؛لإطلاق النصوص،مع عدم الدليل على شيء ممّا تقدم بالعموم أو الخصوص.و ليس في الصحيح:«و يجلس قريبا من المسجد» (5)دلالة على شيء منه لو لم نقل بالدلالة على خلاف بعضه.

و الأحوط ما ذكروه مع وجود ما عينوه،و إلاّ فالإطلاق أحوط.

و الحكم بالاستحباب مشهور بين الأصحاب؛للأصل،و ظاهر«ينبغي» في بعض المعتبرة (6).

خلافا للصدوقين فالوجوب (7)؛للرضوي المصرّح به (8)،كالمرسل في الهداية (9)،و قريب منهما الحسن:«عليها أن تتوضأ»إلى آخره (10)،مع الأوامر الظاهرة فيه في المعتبرة.و لو لا الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا بل

ص:302


1- المراسم:43،السرائر 1:145.
2- المقنعة:55.
3- أي سواء كان لها مصلّى أم لا.
4- الشرائع 1:31،المعتبر 1:232،المنتهى 1:115،الذكرى:35.
5- الفقيه 1:206/55،الوسائل 2:345 أبواب الحيض ب 40 ح 1.
6- الوسائل 2:345 أبواب الحيض ب 40 ح 3.
7- الصدوق في الفقيه 1:50،و نقل عن والده في المختلف:36.
8- فقه الرضا(عليه السلام):192،المستدرك 2:29 أبواب الحيض ب 29 ح 2.
9- الهداية:22،المستدرك 2:29 أبواب الحيض ب 29 ح 1.
10- الكافي 3:4/101،التهذيب 1:456/159،الوسائل 2:345 أبواب الحيض ب 40 ح 2.

إجماع في الحقيقة-كما عن الخلاف (1)-لكان المصير إليه في غاية القوة؛ لعدم معارضة ما تقدّم لمثل هذه الأدلة.

و إطلاق الذكر مذهب الأكثر؛لإطلاق أكثر المعتبرة.

و عن المراسم الاقتصار بالتسبيحة (2)،و مثله المقنعة بزيادة التحميدة و التكبيرة و التهليلة (3).

و لا دليل على شيء منهما [منها] إلاّ الدخول تحت الإطلاق.كما لا دليل على ازدياد الصلاة على النبي و آله مع الاستغفار على التسبيحات الأربع-كما عن النفلية (4)-إلاّ ذلك.

و ليس في الخبر:«إذا كان وقت الصلاة توضأت و استقبلت القبلة و هلّلت و كبّرت و تلت القرآن و ذكرت اللّه عز و جل» (5)-كالحسن الآتي-دلالة على شيء منها ،كما لا يخفى.

و هو و إن أطلق في أكثر المعتبرة إلاّ أنّ التقييد له بقدر صلاتها قائم في المعتبرة كالحسن:«و تذكر اللّه تعالى و تسبحه و تهلّله و تحمده بمقدار صلاتها» (6)و بمعناه غيره (7).

و يكره لها الخضاب و قراءة ما عدا العزائم و حمل المصحف و لمس هامشه

و يكره لها كالجنب الخضاب بالاتفاق،كما عن المعتبر و المنتهى و التذكرة (8).و الروايات في كل من النهي عنه و نفي البأس-مع

ص:303


1- الخلاف 1:232.
2- المراسم:43.
3- المقنعة:55.
4- النفلية:9.
5- الكافي 3:2/101،الوسائل 2:346 أبواب الحيض ب 40 ح 5.
6- تقدم مصدره في الهامش(10)ص:302.
7- الوسائل 2:345 أبواب الحيض ب 40 ح 3.
8- المعتبر 1:233،المنتهى 1:115،التذكرة 1:28.

اشتمالها في الجانبين على المعتبرة-مستفيضة (1).

و حمل الأوّلة على الكراهة طريق الجمع كما فعله الجماعة؛لرجحان الثانية بعملهم،مع أصالة الإباحة و الإجماعات المنقولة.

و لا ينافيها فتوى الصدوق بلا يجوز (2)؛لعدم البأس بخروجه مع معلومية نسبه،مع عدم صراحته في أمثال كلامه في الحرمة،فيحتمل شدة الكراهة ، و بإرادته لها من تلك العبارة صرّح العلاّمة (3).

و لا فرق فيه بين الحنّاء و غيره،كعدم الفرق في المخضوب بين اليد و الرجل و غيرهما في المشهور.و المسامحة في أدلة السنن تقتضيه و إن كان إثباته فيهما بالدليل فيه ما فيه؛لعدم عموم في المعتبرة ،إذ غايتها الإطلاق المنصرف إلى الأفراد المتبادرة التي ليس غير الحنّاء كما عدا اليدين و الرجلين و الشعور منها.

و لعلّه لذا اقتصر سلاّر على الحنّاء (4)،و المفيد على اليدين و الرجلين (5)و لكن الأحوط ما قدّمناه.

و قراءة ما عدا العزائم الأربع مطلقا حتى السبع أو السبعين المستثناة في الجنب،في المشهور،كما هنا و في الشرائع و عن المبسوط و الجمل و العقود و السرائر و الوسيلة و الإصباح و الجامع (6)؛لإطلاق النهي عنه في المستفيضة،

ص:304


1- الوسائل 2:352 أبواب الحيض ب 42.
2- كما في الفقيه 1:51.
3- انظر التذكرة 1:25.
4- المراسم:44.
5- المقنعة:58.
6- الشرائع 1:30،المبسوط 1:42،الجمل،العقود(الرسائل العشر):162،السرائر 1: 145،الوسيلة:58،حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:94،الجامع للشرائع:42.

كالنبوي:«لا يقرأ الجنب و لا الحائض شيئا من القرآن» (1).

و المروي في الخصال:«سبعة لا يقرؤون القرآن»و عدّ منها الجنب و الحائض (2).

و المرسل عنه عليه السلام في بعض الكتب:«لا تقرأ الحائض قرآنا» (3).

و عن مولانا الباقر عليه السلام:«إنّا نأمر نساءنا الحيّض أن يتوضأن عند وقت كل صلاة-إلى قوله-و لا يقربن مسجدا و لا يقرأن قرآنا» (4).

و هي لضعفها و مخالفتها الأصل و موافقتها العامة (5)محمولة على الكراهة،مع ما عن الانتصار و الخلاف و المعتبر (6)في الجواز من الإجماعات المنقولة.

و عن التحرير و المنتهى (7)-كبعض الأصحاب الذي حكي عنه في الخلاف (8)-قصر الكراهة كالجنب على الزائد على السبع أو السبعين آية.

و هو متجه لو لا المسامحة في أدلة الكراهة،بناء على اشتراكها معه في أغلب الأحكام الشرعية كما يستفاد من الأخبار المعتبرة،فيغلب لحوقها به هنا، لإلحاق الظن الشيء بالأعم الأغلب.

و حمل المصحف و لمس هامشه و بين سطوره؛للصحيح:«الجنب

ص:305


1- سنن الدارقطني 1:1/117،سنن ابن ماجه 1:596/196،سنن الترمذي 1:131/87.
2- الخصال:42/357،الوسائل 6:246 أبواب قراءة القرآن ب 47 ح 1.
3- دعائم الإسلام 1:128،المستدرك 2:26 أبواب الحيض ب 27 ح 1.و الرواية من علي عليه السلام.
4- دعائم الإسلام 1:128،المستدرك 2:29 أبواب الحيض ب 29 ح 3.
5- انظر:المغني 1:685،و بدائع الصنائع 1:186.
6- الانتصار:31،الخلاف 1:100،المعتبر 1:187.
7- التحرير 1:15،المنتهى 1:110.
8- الخلاف 1:100.

و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب» (1).

مضافا إلى ما عن المصنف في المعتبر من الإجماع على كراهة تعليقه (2)فتأمل.

و الأمر فيه محمول على الاستحباب؛لنفي البأس عن مسّ الورق للجنب في الرضوي (3)،فتلحق هي به أيضا،لما تقدّم،مع الأصل.فالقول بالتحريم كما عن المرتضى (4)-رحمه اللّه-ضعيف.

و الاستمتاع للزوج مطلقا كالسيّد منها بما بين السرّة و الركبة لظواهر المعتبرة كالصحيح:في الحائض ما يحلّ لزوجها؟قال:«تتّزر بإزار إلى الركبتين و تخرج سرّتها،ثمَّ له ما فوق الإزار» (5)و مثله الموثق (6)و غيره (7).

و حملت على الكراهة جمعا بينها و بين المعتبرة المستفيضة الصريحة في الجواز،المعتضدة بالأصل و العمومات الكتابية و السنّية و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،بل هي إجماع في الحقيقة،بل حكي صريحا عن جماعة كالتبيان و الخلاف و مجمع البيان (8)،المخالفة لما عليه أكثر العامة (9)،

ص:306


1- التهذيب 1:1132/371،الوسائل 2:217 أبواب الحيض ب 19 ح 7.
2- المعتبر 1:234.
3- فقه الرضا(عليه السلام):85،المستدرك 1:464 أبواب الجنابة ب 11 ح 1.
4- نقله عنه في المنتهى 1:87.
5- الفقيه 1:204/54،التهذيب 1:439/154،الاستبصار 1:442/129،الوسائل 2: 323 أبواب الحيض ب 26 ح 1.
6- التهذيب 1:440/154،الاستبصار 1:443/129،الوسائل 2:323 أبواب الحيض ب 26 ح 2.
7- التهذيب 1:441/155،الاستبصار 1:444/129،الوسائل 2:324 أبواب الحيض ب 26 ح 3.
8- التبيان 2:220،الخلاف 1:226،مجمع البيان 1:319.
9- منهم ابن قدامة في المغني 1:384،ابن حزم في المحلّى 2:176،الشوكاني في نيل الأوطار 1:439.

كالموثق بابن بكير فلا يضر الإرسال بعده:«إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم» (1).و مثله الموثق الآخر و غيره في الصراحة باختصاص المنع بموضع الدم (2).

و قريب منها الصحيح:ما للرجل من الحائض؟قال:«ما بين أليتيها و لا يوقب» (3).

للتصريح بحليّة ما عدا الإيقاب،فالمراد به هنا الجماع في القبل بالإجماع المركب .فيجوز الاستمتاع بما عداه و لو كان الدبر،كما عن صريح السرائر و نهاية الأحكام و المختلف و التبيان و مجمع البيان (4)،مع دعواهما الإجماع عليه،و ظاهر الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة و التحرير و الشرائع و المبسوط و النهاية و الاقتصاد (5)،و إن ضعف في الثلاثة الأخيرة،لتعليق الاستمتاع فيها بما عدا الفرج المحتمل للدبر أيضا؛و لكنه بعيد.

و ممّا ذكر ظهر ضعف مرتضى المرتضى من تبديل الكراهة بالمنع (6)؛ لضعف دليله المتقدم.كضعف باقي أدلته من الآيتين:الناهية عن قربهنّ حتى

ص:307


1- التهذيب 1:436/154،الاستبصار 1:437/128،الوسائل 2:322 أبواب الحيض ب 25 ح 5.
2- التهذيب 1:438/154،الاستبصار 1:439/129،الوسائل 2:322 أبواب الحيض ب 25 ح 6.
3- التهذيب 1:443/155،الاستبصار 1:441/129،الوسائل 2:322 أبواب الحيض ب 25 ح 8.
4- السرائر 1:150،نهاية الأحكام 1:122،المختلف:35،التبيان 2:220،مجمع البيان 1:319.
5- الخلاف 1:226،المعتبر 1:224،المنتهى 1:111،التذكرة 1:27،التحرير 1:15، الشرائع 1:31،المبسوط 4:242،النهاية:26،الاقتصاد:245.
6- نقله عنه في المختلف:35.

يطهرن و الآمرة باعتزالهنّ في المحيض (1)،لعدم إرادة المعنى اللغوي من القرب فينصرف إلى المعهود المتعارف،و كون«المحيض»اسم مكان لا مصدر أو اسم زمان،و إلاّ لزم الإضمار أو التخصيص ،المخالف كلّ منهما للأصل.

و وطؤها قبل الغسل مطلقا و تتأكد إذا لم يكن شبقا؛للنهي عنه في بعض المعتبرة كالموثق:أ فلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟قال:«لا حتى تغتسل» (2).

و هو محمول على الكراهة؛لإشعار الموثقين المتضمنين ل«لا يصلح» بها (3)،مع التصريح بالجواز إمّا مطلقا أو مع الشبق في المعتبرة المستفيضة، المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،بل إجماع في الحقيقة، بل حكي صريحا عن جماعة كالانتصار و الخلاف و الغنية و ظاهر التبيان و مجمع البيان و روض الجنان و أحكام الراوندي و السرائر (4)،و مع ذلك مخالفة لما عليه العامة (5).

ففي الموثق:«إذا انقطع الدم و لم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء» (6).

ص:308


1- البقرة:222.و لا يخفى أنهما آية واحدة.
2- التهذيب 1:479/167،الاستبصار 1:466/136،الوسائل 2:326 أبواب الحيض ب 27 ح 7.
3- الأول: التهذيب 1:478/166،الاستبصار 1:465/136،الوسائل 2:326 أبواب الحيض ب 27 ح 6. الثاني: التهذيب 1:1244/399،الوسائل 2:313 أبواب الحيض ب 21 ح 3.
4- الانتصار:34،الخلاف 1:228،الغنية(الجوامع الفقهية):550،التبيان 2:221، مجمع البيان 1:319،روض الجنان:80،فقه القرآن 1:55،السرائر 1:151.
5- انظر الأم 1:59،مغني المحتاج 1:110،بداية المجتهد 1:57.
6- التهذيب 1:476/166،الاستبصار 1:464/135،الوسائل 2:325 أبواب الحيض ب 27 ح 3.

و في آخر:عن الحائض ترى الطهر،يقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال:«لا بأس،و بعد الغسل أحبّ اليّ» (1).

و في الخبر:«إذا طهرت من الحيض و لم تمس الماء فلا يقع عليها زوجها حتى تغتسل،فإن فعل فلا بأس به»و قال:«تمس الماء أحب إليّ» (2).

و لا يبعد دلالة الآية وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ [1] (3)عليه،بناء على حجية مفهوم الغاية،و ظهور يطهرن-بناء على القراءة بالتخفيف-في انقطاع الدم خاصة،لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية له في معنى المتشرعة،و يؤيده هنا السياق ،مع ما في بعض المعتبرة من كون غسل الحيض سنّة (4)،أي لا فريضة إلهية تستفاد من الآيات القرآنية.فتأمل.

و لا ينافيه القراءة بالتشديد،إمّا لمجيء تفعّل بمعنى فعل مجازا شائعا، فيكون هنا من قبيله،لما تقدّم من الأدلة على الجواز من دون توقف على اغتسال؛و إمّا لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في التطهير في معنى المتشرعة أي الاغتسال،فيحتمل إرادة المعنى اللغوي و يكون إشارة إلى غسل الفرج،كما يعرب عنه الصحيح:في المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيّامها،قال:

«إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثمَّ يمسها إن شاء» (5).

ص:309


1- الكافي 5:2/539 بتفاوت يسير،التهذيب 1:481/167،الاستبصار 1:468/136، الوسائل 2:325 أبواب الحيض ب 27 ح 5.
2- التهذيب 1:480/167،الاستبصار 1:467/136،الوسائل 2:325 أبواب الحيض ب 27 ح 4.
3- البقرة:222.
4- التهذيب 1:289/110،الاستبصار 1:319/98،الوسائل 2:176 أبواب الجنابة ب 1 ح 11.
5- الكافي 5:1/539،التهذيب 1:475/166،الاستبصار 1:463/135،الوسائل 2: 324 أبواب الحيض ب 27 ح 1.

و لذا حكي عن ظاهر الأكثر وجوب الغسل المزبور (1)،إلاّ أن الآية لا تساعد عليه،بل غايته الشرطية كما عن صريح ابن زهرة (2).

و عن ظاهر التبيان و المجمع و أحكام الراوندي:توقف الجواز على أحد الأمرين منه و من الوضوء (3).و لا دليل عليه .

و عن صريح التحرير و المنتهى و المعتبر و الذكرى و البيان:استحبابه (4).

و هو غير بعيد؛للأصل،و خلوّ أكثر الأخبار المجوّزة الواردة في الظاهر في مقام الحاجة عنه،فلو وجب الغسل أو اشترط لزم تأخير البيان عن وقتها،إلاّ أن الأحوط مراعاته.

و قول الفقيه بالمنع فيما عدا الشبق (5)شاذ،كالصحيح الدال عليه.

و ربما حمل كلامه-كصحيحه-على شدة الكراهة،فلا شذوذ و لا مخالفة.

إذا حاضت بعد دخول الوقت و لم تصلّ مع الإمكان قضت

و إذا حاضت بعد دخول الوقت و لم تصلّ مع الإمكان بأن مضى من أوّل الوقت مقدار فعلها و لو مخفّفة مشتملة على الواجبات دون المندوبات، و فعل الطهارة خاصة و كلّ ما يعتبر فيها ممّا ليس بحاصل لها-كما في الروضة (6)- طاهرة قضت في المشهور،بل حكى عليه الإجماع بعض الأصحاب صريحا (7).

للموثق:في امرأة دخل وقت الصلاة و هي طاهرة،فأخّرت الصلاة حتى

ص:310


1- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:97.
2- كما في الغنية(الجوامع الفقهية):550.
3- التبيان 2:221،مجمع البيان 1:320،فقه القرآن 1:55.
4- التحرير 1:16،المنتهى 1:118،المعتبر 1:236،الذكرى:34،البيان:63.
5- الفقيه 1:53.
6- الروضة 1:110.
7- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:97.

حاضت،قال:«تقضي إذا طهرت» (1)و بمعناه غيره (2).

و تفسير الإمكان بما ذكرنا هو المشهور بين الأصحاب،فلا يجب القضاء مع عدمه مطلقا،و عن الخلاف الإجماع عليه (3).

خلافا للإسكافي و المرتضى،فاكتفيا في الإمكان الموجب للقضاء بمضيّ ما يسع أكثر الصلاة من الوقت و الزمان طاهرة (4).و هو ضعيف،و الدليل عليه غير معروف.

و ليس في الخبر:عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر و قد صلّت ركعتين ثمَّ ترى الدم،قال:«تقوم من مسجدها و لا تقضي الركعتين»قال:«فإن رأت الدم و هي في صلاة المغرب و قد صلّت ركعتين فلتقم من مسجدها،فإذا تطهّرت فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب» (5)-مع ضعفه،و أخصيته من المدّعى ،بل و إشعاره باختصاص الحكم بالمغرب-دلالة على ما حكي عنهما من لزوم قضاء مجموع الصلاة التي أدركت أكثرها طاهرة مطلقا،لدلالته على كفاية قضاء الغير المدرك مع فعل المدرك.فطرحه رأسا لشذوذه حينئذ متعيّن.

نعم:في الفقيه و المقنع (6)أفتى بمضمونه .و يكتفي حينئذ بما أسلفناه من ضعف السند في ردّه،مضافا إلى الأصل و الشهرة و دعوى الإجماع على

ص:311


1- التهذيب 1:1211/392،الاستبصار 1:493/144،الوسائل 2:360 أبواب الحيض ب 48 ح 4.
2- التهذيب 1:1221/394،الاستبصار 1:494/144،الوسائل 2:360 أبواب الحيض ب 48 ح 5.
3- الخلاف 1:274.
4- نقله عن الإسكافي في المختلف:148،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):38.
5- الكافي 3:5/103،التهذيب 1:1210/392،الاستبصار 1:495/144،الوسائل 2: 360 أبواب الحيض ب 48 ح 3.
6- الفقيه 1:52،المقنع:17.

خلافه.

ثمَّ إنّ ما ذكرنا من اعتبار مضيّ زمان الطهارة أو مطلق الشرائط في تفسير الإمكان ظاهر الأكثر.و هو الأظهر،بناء على عدم جواز الأمر بالصلاة مع عدم مضيّ زمان الطهارة،لاستلزامه التكليف بالمحال،بناء على اشتراطها في وجودها.فاستشكال العلاّمة في النهاية فيه بمجرد إمكان التقديم على الوقت (1)لا وجه له.

و مقتضى ما ذكرنا من الدليل عدم اعتبار مضي زمانها مع الإتيان بها قبل الوقت؛لإمكان التكليف حينئذ.و عن التذكرة و نهاية الأحكام و الذكرى (2)القطع بذلك.

و كذا لو أدركت من آخر الوقت قدر الطهارة حسب،أو و سائر الشروط كما في الروضة (3)،و حكي عن جماعة (4)و أداء أقلّ الواجب من ركعة من الصلاة بحسب حالها من ثقل اللسان و بطء الحركات و ضدّهما كما احتمله في نهاية الأحكام (5)وجبت بإجماع أهل العلم في العصر و العشاء و الصبح، كما عن الخلاف (6).

لعموم النبوي:«من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» (7).

و خصوص المرتضويين في الصبح و العصر،ففي أحدهما:«من أدرك ركعة

ص:312


1- نهاية الأحكام 1:317.
2- التذكرة 1:78،نهاية الأحكام 1:123،الذكرى:122.
3- الروضة 1:110.
4- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:97.
5- نهاية الأحكام 1:314.
6- الخلاف 1:272.
7- الذكرى:122،الوسائل 4:218 أبواب المواقيت ب 30 ح 4،و رواه أيضا في سنن ابن ماجه 1:1122/356،و سنن الدارقطني 1:1/346 و 2،و سنن الترمذي 1:523/19.

من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» (1).

و في الثاني:«من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة» (2).

و نحوه الصادقيّ:«فإن صلّى ركعة من الغداة ثمَّ طلعت الشمس فليتم الصلاة و قد جازت صلاته،و إن طلعت الشمس قبل أن يصلي ركعة فليقطع الصلاة و لا يصلي حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها» (3).

و كذلك في الظهر و المغرب على الأشهر الأظهر،بل نفي الخلاف عنه في الخلاف (4)؛لعموم النبوي المتقدم،و عموم المستفيضة في المقام كالصحيح:«إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر و العصر،و إن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب و العشاء» (5).

و نحوه روايات أخر،و أوضح منها الخبر:«إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر و العصر،و إن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر» (6).

و به يقيد الصحيح مع مضاهياته في الجملة،كتقييد المجموع بمفهوم النبوي المتقدم -كغيره-من أنّ من لم يدرك الركعة فلم يدرك الصلاة،فلا يشمل

ص:313


1- الذكرى:122،الوسائل 4:218 أبواب المواقيت ب 30 ح 5.
2- التهذيب 2:119/38،الاستبصار 1:999/275،الوسائل 4:217 أبواب المواقيت ب 30 ح 2.
3- التهذيب 2:1044/262،الوسائل 4:217 أبواب المواقيت ب 30 ح 3.
4- الخلاف 1:273.
5- التهذيب 1:1204/390،الاستبصار 1:490/143،الوسائل 2:364 أبواب الحيض ب 49 ح 10.
6- التهذيب 1:1202/390،الاستبصار 1:487/142،الوسائل 2:363 أبواب الحيض ب 49 ح 6.

إطلاقها وجوب الصلاة أداء أو قضاء بإدراك الطهارة و شيء من الصلاة و لو كان أقل من ركعة،فاحتمال المصنف العمل بإطلاقها مطلقا (1)ضعيف.كضعف ما عن النهاية من لزوم قضاء الفجر عليها بحصول الطهر لها قبل طلوع الشمس على كل حال (2).

فيجب-على المختار-قضاء الظهرين كالعشاءين بإدراك خمس ركعات بعد الطهارة أو الشروط قبل الغروب،و انتصاف الليل أو الفجر-على الاختلاف في آخر وقت العشاءين.و هو المحكي عن المبسوط في الظهرين في بحث الصلاة و ابن سعيد (3)و كافة المتأخرين.خلافا لموضع آخر من المبسوط و المهذّب فاستحبابهما حينئذ كالعشاءين (4).و هو ضعيف.كضعف ما عن الإصباح من استحباب فعل الظهرين بإدراك خمس قبل الغروب و العشاءين بإدراك أربع (5).

و ما عن الفقيه من وجوب الظهرين بإدراك ستّ ركعات (6)إن أريد به المثل فلا بأس به،و إن أريد به اشتراط الست في الوجوب-كما هو ظاهر العبارة- فهو كسابقه ضعيف.

ثمَّ في كون الصلاة المدركة منها ركعة لو أتى بها في الوقت أداء بجميعها،كما عن المبسوط و التحرير و المختلف و المنتهى و نهاية الأحكام (7)،

ص:314


1- المعتبر 1:240.
2- النهاية:27.
3- المبسوط 1:73،ابن سعيد في الجامع للشرائع:61.
4- المبسوط 1:45،المهذّب 1:36.
5- حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:97.
6- الفقيه 1:232.
7- المبسوط 1:72،التحرير 1:27،المختلف:75،المنتهى 1:209،نهاية الأحكام 1: 124.

و لعلّه المشهور،بل عن الخلاف نفي الخلاف عنه (1)؛لظاهر الإدراك في الأخبار المتقدمة.

أو قضاء كذلك،كما في المبسوط عن بعض الأصحاب (2)؛لعدم الوقوع في الوقت،بناء على أنّ أجزاء الوقت بإزاء أجزائها،فالآخر بإزاء الآخر،و أوقع فيه ما قبله،فلم يقع شيء منها في وقته.

أو المدركة أداء و الباقي قضاء؛لوقوع بعض في الوقت و بعضه خارجه، مع كون الظاهر و الأصل أن جملة الوقت بإزاء الجملة من دون توزيع .

أوجه،أوجهها الأوّل.

و لا ثمرة لهذا الاختلاف على القول بعدم لزوم نية الأداء و القضاء في العبادة،كما هو الأظهر.

و يجب عليها مع الإهمال بما وجب عليها أداؤه فعله قضاء إجماعا فتوى و نصوصا عموما و خصوصا.

ففي الموثق:عن المرأة ترى الطهر عند الظهر،فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر،قال:«تصلّي العصر وحدها،فإن ضيّعت فعليها صلاتان» (3)و مثله في آخر (4).

و فيهما دلالة على اعتبار إدراك مقدار الطهارة في وجوب الصلاة.

و لم أقف على دليل على اعتبار سائر الشروط الملحقة بها فيه أيضا ،مع

ص:315


1- الخلاف 1:271.
2- المبسوط 1:72.
3- التهذيب 1:1200/389،الاستبصار 1:486/142،الوسائل 2:363 أبواب الحيض ب 49 ح 5.
4- الكافي 3:3/103،التهذيب 1:1208/391،الاستبصار 1:496/145،الوسائل 2: 362 أبواب الحيض ب 49 ح 4.

اقتضاء عمومات الأوامر بالصلاة أو إطلاقاتها العدم،فتكون بالنسبة إليها واجبة مطلقة لا مشروطة،فالإلحاق ضعيف.كضعف احتمال عدم اعتبار وقت الطهارة،كما عن العلاّمة في النهاية (1)،بناء على عدم اختصاصها بوقت و اشتراطها (2)في اللزوم بل الصحة؛لدلالة المعتبرة المتقدمة المعتضدة بالشهرة العظيمة على خلافه و لزوم اعتباره.

تغتسل كاغتسال الجنب

و تغتسل كاغتسال الجنب في كيفيته و واجباته و مندوباته؛لعموم المعتبرة كالموثق:«غسل الجنابة و الحيض واحد» (3).

و في آخر:أ عليها غسل مثل غسل الجنابة؟قال:«نعم»يعني الحائض (4).

و لكن عن النهاية:أنها تغتسل بتسعة أرطال من ماء،و إن زادت على ذلك كان أفضل (5).و في الجنابة:فإن استعمل أكثر من ذلك جاز (6).

و لعلّه رأى الإسباغ لها بالزائد،لشعرها و جلوسها في الحيض أياما،أو لا حظ مكاتبة الصفّار:كم حدّ[الماء]الذي يغسّل به الميت؟كما رووا أنّ الجنب يغتسل بستة أرطال و الحائض بتسعة أرطال (7).

أو الخبر:عن الحائض كم يكفيها من الماء؟قال:«فرق» (8)و هو-كما

ص:316


1- نهاية الأحكام 1:315.
2- عطف على الاختصاص.
3- الفقيه 1:173/44،التهذيب 1:463/162،الوسائل 2:315 أبواب الحيض ب 23 ح 1.
4- التهذيب 1:464/162،الاستبصار 1:318/98،الوسائل 2:316 أبواب الحيض ب 23 ح 6.
5- النهاية:28.
6- النهاية:22.
7- التهذيب 1:1377/431،الوسائل 2:536 أبواب غسل الميت ب 27 ح 2،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
8- التهذيب 1:1247/399،الاستبصار 1:509/148،الوسائل 2:312 أبواب الحيض ب 20 ح 3.

قاله أبو عبيدة بلا اختلاف بين الناس-:ثلاثة أصوع.

و لا بأس به؛للتسامح،و إن كان في أدلته نظر .

لكن لا بد معه من وضوء على الأشهر الأظهر،كما مرّ في بحث الجنابة.

ص:317

الثالث غسل الاستحاضة

الثالث غسل الاستحاضة و هي الدم الخارج من الرحم زائدا على العشرة مطلقا،أو العادة خاصة على الأشهر و أيّام الاستظهار أيضا على الأظهر مستمرا إلى تجاوز العشرة،فيكون تجاوزها كاشفا عن كون السابق عليها بعد العادة خاصة أو الاستظهار أيضا استحاضة.

أو بعد اليأس ببلوغ سنّة.

أو بعد النفاس كالموجود بعد العشرة أو فيها بعد أيام العادة مع تجاوز العشرة،بشرط عدم تخلل نقاء أقل الطهر فلو تخلّله و أمكن الحيض فهو حيض،أو عدم (1)مصادفة أيام العادة بعد العشرة أو العادة (2)إذا كانت لها عادة فإذا صادفها فهو حيض،أو عدم حصول (3)شرائط التميز فيه إن لم يكن لها عادة،فلو حصل التميز بشرائطه التي من جملتها مضي عشرة فهو حيض.

دم الاستحاضة في الأغلب أصفر بارد رقيق

و دمها في الأغلب أصفر بارد رقيق كما عن المبسوط و الاقتصاد و المصباح و مختصره [المختصر] و التبيان و روض الجنان و الكافي و الوسيلة و المراسم و الغنية و المهذّب و الإصباح و الشرائع و المعتبر و جمل العلم و العمل (4).و ليس في الأربعة الأول ذكر الثالث.

ص:318


1- عطف على قوله:عدم تخلل.
2- عطف على العشرة.
3- عطف على:عدم مصادفة.
4- المبسوط 1:45،الاقتصاد:246،مصباح المتهجد:10،التبيان 2:220،روض الجنان:83،الكافي:128،الوسيلة:59،المراسم:44،الغنية(الجوامع الفقهية): 550،المهذّب 1:38،نقله عن الإصباح في كشف اللثام 1:98،الشرائع 1:31،المعتبر 1:241،جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):26.

و اعتبار هذه الصفات فيها معلوم ممّا سبق في أوصاف الحيض.كمعلومية اعتبار الفتور منه؛لوصف الحيض في بعض المعتبرة ثمّة بالدفع المقابل له.

و لذا صرّح باعتباره المصنّف في الشرائع (1)،كالشيخ في النهاية و الاقتصاد و المبسوط (2)،و الصدوق في الفقيه عن الرسالة،و المقنع و الهداية (3)،و إن لم يصرّحا بهذه،بل بنفي الدفع كما في كتب الأول،و عدم الإحساس بالخروج كما في كتب الثاني الملازمين لها،و صرّح باعتباره في اللمعة و الروضة (4).

لكن ما تراه بعد عادتها و أيام الاستظهار مستمرا إلى تجاوز العشرة و بعد غاية النفاس بالشرائط المتقدمة و بعد سنّ اليأس و قبل البلوغ إلى كمال تسع سنين و مع الحمل على الأظهر عند المصنف فهو استحاضة و لو كان مسلوب الصفات كأن كان عبيطا كما أن المتصف بها في أيّام الحيض و ما في حكمها حيض،و لذا قيّد بالأغلب،و تعريفه بها في المعتبرة منزّل عليه بالبديهة،فلا يمكن جعلها خاصة مركبة.

و يجب على المرأة بعد رؤيته

إن لطخ باطن القطنة فهي قليلة و إن غمسها و لم يسل فهي متوسطة و إن سال فهي كثيرة

اعتباره،فإن لطخ الدم باطن القطنة و لم يثقبها فهي قليلة و يلزمها إبدالها أو تطهيرها إذا تلوّثت،وفاقا لأكثر الأصحاب،بل عليه الإجماع عن الناصرية و المنتهى (5)؛لذلك،مع عدم ثبوت العفو عن مثله مطلقا ،و تصريح بعض الأخبار به في الكثيرة أو المتوسطة، و يتم بالإجماع المركب كما حكي صريحا (6).

ص:319


1- الشرائع 1:31.
2- النهاية:23،الاقتصاد:246،المبسوط 1:45.
3- الفقيه 1:54،المقنع:16،الهداية:22.
4- الروضة البهية 1:111.
5- الناصرية(الجوامع الفقهية):224،المنتهى 1:120.
6- الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح(المخطوط).

ففي كالصحيح:«فإذا ظهر عن الكرسف فلتغتسل،ثمَّ تضع كرسفا آخر ثمَّ تصلي» (1).

و في الصحيح:«هذه مستحاضة تغتسل و تستدخل قطنة بعد قطنة و تجمع بين صلاتين بغسل»الحديث (2).

و مثلهما غيرهما و سيجيء قريبا.

و لا ينافي الإجماع المدّعى عدم ذكر الصدوقين-كالقاضي-له مطلقا، بناء على معلومية النسب.

و لا يجب تغيير الخرقة هنا وفاقا لجماعة (3)؛للأصل،و عدم الدليل عليه.

فوجوبه-كما عن الشيخين و المرتضى (4)،بل و الأكثر (5)-غير جيد و إن كان أحوط.

و الوضوء خاصة لكل صلاة أيضا على الأشهر الأظهر،بل عن الناصريات و الخلاف الإجماع عليه (6)؛للمعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:

«و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت و دخلت المسجد و صلّت كل صلاة بوضوء» (7).

ص:320


1- التهذيب 5:1390/400،الوسائل 2:375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8.
2- الكافي 3:6/90،التهذيب 1:486/170 بتفاوت يسير،الوسائل 2:372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 3.
3- منهم العلامة في التذكرة 1:29،و نهاية الأحكام 1:126،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:99.
4- المفيد في المقنعة:56،الطوسي في النهاية:28،و المبسوط 1:67،و الاقتصاد:246، المرتضى في الناصريات(الجوامع الفقهية):188.
5- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:99.
6- الناصريات(الجوامع الفقهية):188،الخلاف 1:249.
7- الكافي 3:2/88،التهذيب 1:484/170،الوسائل 2:371 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

و في آخر:«و إن كان الدم فيما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ و لتصلّ عند وقت كل صلاة» (1).

و في الموثق:«و تصلّي كل صلاة بوضوء ما لم يثقب الدم الكرسف» (2).

و في الرضوي:«فإن لم يثقب الدم الكرسف صلّت صلاتها،كلّ صلاة بوضوء»الحديث (3).

مضافا إلى استفاضة المعتبرة بإطلاق الأمر بالوضوء مع رؤية الصفرة، كالصحيح:«فإن رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضأ و لتصلّ» (4).

و الحسن:«فإن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت و صلّت» (5)و هي كثيرة.

خلافا للعماني،فنفاه كالغسل،و لم يوجبهما (6).و لا دلالة في الصحيح المتضمن للأغسال الثلاثة (7)عليه؛لخروجه عن المقام.

نعم:في الخبر:«و إن هي لم تر طهرا اغتسلت و احتشت،فلا تزال تصلّي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف،فإذا ظهر أعادت الغسل و أعادت الكرسف» (8).

ص:321


1- الكافي 3:1/95،التهذيب 1:482/168،الاستبصار 1:482/140،الوسائل 2:374 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 7.
2- التهذيب 1:483/169،الوسائل 2:375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 9.
3- فقه الرضا(عليه السلام):193،المستدرك 2:43 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1 بتفاوت يسير.
4- الكافي 3:2/80،التهذيب 1:460/161،الوسائل 2:308 أبواب الحيض ب 17 ح 1.
5- الكافي 3:1/78،التهذيب 1:1230/396،الوسائل 2:278 أبواب الحيض ب 4 ح 1.
6- نقله عنه العلامة في المختلف:40.
7- الوسائل 2:372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4.
8- التهذيب 1:488/171،الاستبصار 1:512/149،الوسائل 2:375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 10.

و هو-مع ضعفه و عدم صراحته -لا يصلح لمعارضة ما تقدّم من وجوه .

و للإسكافي فأوجب الغسل في كل يوم و ليلة مرّة (1)؛للمضمر:

«المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين و للفجر غسلا،فإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة و الوضوء لكلّ صلاة» الحديث (2).

و هو-مع ضعفه بالإضمار-غير ظاهر الدلالة ،بل على الخلاف واضح المقالة،لإشعار عدم الجواز بحصول الثقب،مع تصريح ذيله بوجوب الوضوء خاصة مع الصفرة (3)،و ليس ذا إلاّ في القليلة،و هو يقوّي الإشعار المزبور.

و ببعض ما ذكر يظهر الجواب عن الخبر الآخر المشارك له في قصور السند بذلك ،و فيه:«إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد» (4)مضافا إلى احتمال إرادة غسل الحيض من الغسل الواحد و إن كان بعيدا.

و هما مع ذلك قاصران عن معارضة الأصل،و ظواهر المستفيضة المتقدمة الواردة في مقام الحاجة،و خصوص سياق الرضوي،ففيه بعد المتقدم:«و إن ثقب و لم يسل صلّت صلاة الليل و الغداة بغسل واحد و سائر الصلوات بوضوء، و إن ثقب و سال صلّت صلاة الليل و الغداة بغسل،و الظهر و العصر بغسل،تؤخر الظهر قليلا و تعجّل العصر،و تصلّي المغرب و العشاء بغسل،تؤخر المغرب قليلا و تعجّل العشاء»إلى آخره،مضافا إلى الإجماع المحكي عن الناصرية

ص:322


1- نقله عنه العلامة في المختلف:40.
2- الكافي 3:4/89،التهذيب 1:485/170،الوسائل 2:374 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 6.
3- في ذيله:«هذا إن كان دمها عبيطا،و إن كانت صفرة فعليها الوضوء».
4- الكافي 3:4/99،التهذيب 1:496/173 و فيه بسند آخر عن أبي عبد اللّه عليه السلام، الوسائل 2:373 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

على عدم وجوب ما ذكر (1).

ثمَّ إنّ عموم المستفيضة يقتضي عدم الفرق في الصلاة بين الفريضة و النافلة.و هو الأظهر،وفاقا للفاضلين (2).خلافا للمبسوط و المهذّب،فخصّا الوجوب بالفريضة و اكتفيا في النوافل بوضوئها (3).و لا دليل عليه .

و إن غمسها الأولى التعبير بالثقب أو الظهور كما ورد في النصوص و لم يسل فهي متوسطة و لزمها مع ذلك من تغيير القطنة،كما في الصحيح و غيره المتقدمين،و عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد [الشرح] إجماع المسلمين عليه (4).و الوضوء لكل صلاة،كما في الصحيح و الرضوي المتقدمين،مضافا إلى عموم وجوبه لكل غسل و يتم بالإجماع المركّب .و لا ينافيه عدم إيجاب الشيخ إياه للغداة في شيء من كتبه (5)،كالقاضي و الصدوقين في الرسالة و الهداية و الحلبيين و الناصرية (6)؛لاحتمال اكتفائهم بوجوب الغسل عنه بناء على وجوبه عندهم مع كل غسل،و اختيار السيّد خلافه يحتمل في غير الكتاب-فتأمّل -هذا مع تصريحه به في الجمل للغداة و غيرها (7).

هذا مضافا إلى شمول إطلاق المستفيضة المتقدمة في القليلة لها.

ص:323


1- الناصريات(الجوامع الفقهية):188.
2- المحقق في المعتبر 1:242،و الشرائع 1:28،و العلامة في نهاية الأحكام 1:127، و التحرير 1:16.
3- المبسوط 1:68،المهذّب 1:39.
4- نقله عنه في كشف اللثام 1:100.
5- كالمبسوط 1:67،الخلاف 1:249،النهاية:28.
6- القاضي في المهذّب 1:37،حكاه عن والد الصدوق في كشف اللثام 1:100،الصدوق في الهداية:21،أبو الصلاح في الكافي:129،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية): 550،الناصرية(الجوامع الفقهية):188.
7- جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):27.

تغيير الخرقة أيضا،وفاقا للأكثر؛للإجماع عليه كما عن المنتهى (1).

مضافا إلى شمول المثبت لتغيير القطنة في القليلة لتغييرها هنا؛لفحوى الخطاب.فتدبّر .و ليس في عدم ذكر السيّدين له و كذا القاضي في الناصرية و الجمل و شرحه و الغنية و المهذّب (2)منافاة للإجماع المحكي.فتأمّل .

و غسل للغداة بلا خلاف،كما صرّح به بعض الأصحاب (3)،بل عن الناصرية و الخلاف الإجماع عليه (4)؛للصحيح:«و لتغتسل»أي عن الحيض «و لتستدخل كرسفا،فإذا ظهر على الكرسف فلتغتسل ثمَّ تضع كرسفا آخر ثمَّ تصلي،فإن كان دما سائلا فلتؤخر الصلاة إلى الصلاة،ثمَّ تصلّى الصلاتين بغسل واحد»الحديث (5).

و في الصحيح:«فإن جاز الدم الكرسف تعصبت و اغتسلت،ثمَّ صلّت الغداة بغسل،و الظهر و العصر بغسل،و المغرب و العشاء بغسل،و إن لم يجز الكرسف صلّت بغسل واحد» (6).

و لا عموم فيه للقليلة؛لإشعاره بالمتوسطة كما عرفت .

نعم:ليس فيه-كالسابق-تعيين محل الغسل؛و الكافل له هو الإجماع و الرضوي المتقدم الصريح فيه.و هو-كالصحيحين-كالصريح في عدم اعتبار الأغسال الثلاثة هنا و اختصاصها بالكثيرة كما يأتي.مضافا إلى الصحيح

ص:324


1- المنتهى 1:120.
2- الناصرية(الجوامع الفقهية):188،جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):27، شرح الجمل:63،الغنية(الجوامع الفقهية):550،المهذّب 1:37.
3- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:99.
4- الناصرية(الجوامع الفقهية):224،الخلاف 1:249.
5- التهذيب 5:1390/400،الوسائل 2:375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8.
6- الكافي 3:4/99،التهذيب 1:496/173،الوسائل 2:373 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

الآخر (1)الدالّ على الأقسام الثلاثة بأوضح دلالة و إن توهّم عدمها جماعة (2)و لطوله أعرضنا عن ذكره؛و الموثقين بل الصحيحين (3)المشترطين في اعتبارها انصباب الدم و سيلانه،و فقده كما في المتوسطة يستلزم عدمها بمقتضى الشرطية؛و قريب منهما الصحيح في النفساء المستحاضة:«فإذا تمّت ثلاثون يوما فرأت دما صبيبا اغتسلت و استثفرت و احتشت في وقت كلّ صلاة،فإذا رأت صفرة توضأت» (4)و خروج البعض عن الحجية غير ملازم لخروج الجميع عنها، و إن هو إلاّ كالعام المخصّص.

و أمّا اعتبارها في مطلق الاستحاضة كما في الصحيحين (5)،أو مع الثقب كما في الصحيح (6)،فمقيّد بما ذكر كتقيد الأوّلين بالقليلة .مضافا إلى إشعار ذيل الأخير الآمر بالتحشي-المفسّر بربط القطنة للتحفظ من الدم-و الاستثفار

ص:325


1- الكافي 3:1/95،التهذيب 1:482/168،الاستبصار 1:482/140،الوسائل 2:374 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 7.
2- منهم صاحب المدارك 2:33،صاحب الذخيرة:75،البهائي في الحبل المتين:53.
3- الأول: التهذيب 5:1390/400،الوسائل 2:375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8. الثاني: التهذيب 1:1259/402،الاستبصار 1:516/149،الوسائل 2:376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 11.
4- التهذيب 1:1180/380،الاستبصار 1:454/132،الوسائل 2:286 أبواب الحيض ب 6 ح 3.
5- الأول:الكافي 3:6/90،التهذيب 1:486/170،الوسائل 2:286 أبواب الحيض ب 1 ح 3. الثاني:الكافي 3:5/90،التهذيب 1:487/171،الوسائل 2:372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4.
6- الكافي 3:2/88،التهذيب 1:277/106،الوسائل 2:371 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

و الاحتباء و ضمّ الفخذين في المسجد بالكثيرة.

هذا،مع ما في الإطلاق من الوهن؛لندرة المتوسطة،بناء على غلبة التجاوز مع الظهور على الكرسف؛بل و ندرة القليلة كما قيل (1).و لذا لم يتعرض لهما في كثير من المعتبرة،فتأمل.

و لذا ذهب الأكثر إلى اختصاص الأغسال بالكثيرة،و الواحد بالمتوسطة.

خلافا لجماعة (2)؛لإطلاق النصوص المتقدمة.

ثمَّ إنّ وجوب الغسل للصبح مشروط بالثقب قبله؛و مع عدمه له حكمه (3).

(نعم:معه بعده يجب الغسل للظهرين أو العشاءين أيضا إذا استمر إليهما أو حدث قبلهما،كالصبح من اليوم الآخر إذا استمرّ إليه أو حدث قبله؛لكونه حدثا بالنظر إلى جميع الصلوات اليومية و يرتفع بالغسل الواحد،غاية الأمر لزومه وقت الصبح،و ذلك لا يدل على اختصاص حدثيته بالنظر إليه خاصة.

و يؤيد كونه حدثا بالنسبة إلى الجميع الأمر بالجمع بينه و بين صلاة الليل بالغسل في الرضوي (4)،فلو لا عموم حدثيته لاجيز فيه الاكتفاء في صلاة الليل بالوضوء،فتدبر.

و يومئ إليه إطلاق الأمر بالغسل هنا فيما تقدّم في مقابل الأمر بالأغسال مع التجاوز،فكما أنّ موجبها حدث بالنظر إلى الصلوات مع الاستمرار كذلك موجبه حدث بالنسبة إليها،و الفارق بينهما حينئذ الاكتفاء بالغسل الواحد في

ص:326


1- شرح المفاتيح للبهبهاني(المخطوط).
2- منهم:المحقق في المعتبر 1:245،و العلامة في المنتهى 1:120،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 1:55،و الشيخ حسن في المنتقى 1:227،و صاحب المدارك 2:33،و صاحب الذخيرة:75،و الشيخ البهائي في الحبل المتين:53.
3- من هنا إلى قوله:وقت صلاة الصبح،غير موجودة في«ش».
4- المتقدم في ص:322.

جميعها في الثاني مع الاستمرار،بل و عدمه،و لزوم الثلاثة في الأوّل معه، نعم:لا فرق بينهما حينئذ مع رؤية الدم مطلقا في وقت الصلاتين ظهرين أو عشاءين،كما أنه لا فرق بينهما مع رؤيته كذلك في وقت صلاة الصبح) (1).

و إن سال لزمها مع ذلك غسل للظهر و العصر تجمع بينهما،و غسل للمغرب و العشاء تجمع بينهما،و كذا تجمع بين صلاة الليل و الصبح بغسل واحد إن كانت متنفلة و إلاّ فللصبح خاصة.

بلا خلاف فيما عدا الوضوء،بل و الإجماع عن الخلاف و التذكرة و المنتهى و المعتبر و الذكرى (2)في الأغسال؛للصحاح المستفيضة التي مرّ أكثرها،و هي فيها-كبعضها في تغيير القطنة-ظاهرة.و تغيير الخرقة مستفاد منه بفحوى الخطاب مع بعض ما مرّ سابقا.

و في الوضوء خلاف.و ظاهر المتن كالشرائع و المحكي عن ظاهر جماعة (3):لزومه هنا كالسابقتين؛لعموم الآية إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [1] إلى آخر الآية (4)،و ثبوت نقض قليل هذا الدم فكثيرة أولى،مع أصالة عدم إغناء الغسل عنه،و عموم:كلّ غسل قبله وضوء (5).

و في الجميع نظر؛لعدم العموم في الآية،و غايتها الإطلاق المنصرف إلى غير محل البحث أعني الأحداث الصغريات الأخر كالنوم مثلا،مع ورود

ص:327


1- من قوله:نعم معه بعده،إلى هنا غير موجودة في«ش».
2- الخلاف 1:249،التذكرة 1:29،المنتهى 1:120،المعتبر 1:245،الذكرى:30.
3- الشرائع 1:34؛و انظر السرائر 1:153،الجامع للشرائع:44،جامع المقاصد 1:342، الروضة 1:113.
4- المائدة:6.
5- الكافي 3:13/45،الوسائل 1:248 أبواب الجنابة ب 35 ح 1،عوالي اللئالي 3: 76/29.

المعتبرة بتفسير القيام فيها بالقيام منه (1)،و ذكر ذلك عن المفسّرين (2).و على تقدير العموم بالنظر إلى الأحداث لا عموم فيها بالنظر إلى الأشخاص،و غايتها إفادة الحكم للرجال،و إلحاق النسوة بهم بالإجماع،و هو مفقود في المقام.

و الأولوية ممنوعة مع وجوب الأغسال.و أصالة عدم الإغناء إنما هي على تقدير الدليل على اللزوم،و ليس إلاّ الأولوية الممنوعة،فلا أصالة.

و الثالث أخصّ من المدّعى.

و لعلّه لذا لم يتعرّض الصدوقان و لا الشيخ في شيء من كتبه و لا المرتضى في الناصرية و لا الحلبيّان و لا ابن حمزة و لا سلاّر للوضوء هنا.و لا دليل عليه سوى ظاهر خلو النصوص عنه،مع الأصل.

و هو قويّ لو لا صراحة الأدلّة بأنّ كلّ غسل قبله وضوء.و لذا اختار المفيد و المرتضى في الجمل و المصنف في المعتبر القول بلزومه في كل صلاتين،لا كلّ صلاة (3)،و حكي عن أحمد بن طاوس (4).

ثمَّ إنّه إنما يجب الغسل هنا و في المتوسط مع وجود الدم الموجب له قبل فعل الصلاة و إن كان في غير وقتها ،إذا لم تكن قد اغتسلت له بعده،كما يدلّ عليه خبر الصحّاف (5).و ربما قيل باعتبار وقت الصلوات (6)،و لا شاهد له منه -كما توهّم-و لا من غيره.

ص:328


1- انظر الوسائل 1:253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 7.
2- انظر التبيان 3:448،و الدر المنثور 2:262.
3- المفيد في المقنعة:57،جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):27،المعتبر 1: 247.
4- حكاه عنه في الذكرى:30.
5- الكافي 3:1/95،التهذيب 1:1197/388،الاستبصار 1:482/140،الوسائل 2: 374 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 7.
6- قال به الشهيد في الذكرى:30،و الدروس 1:100.

و تجب الثلاثة مع استمرار الكثرة من الفجر إلى الليل أو حدوثها قبل فعل كلّ من الصلوات و لو لحظة.و مع عدم استمرارها أو حدوثها كذلك فاثنان إن استمر و حدث إلى الظهر،أو واحد إن لم يستمر و لم يحدث كذلك.

و في وجوب معاقبة الصلاة للغسل مطلقا (1)كالوضوء كذلك (2)وجهان،بل قولان.الأحوط بل لعلّه الأظهر من الأخبار (3)ذلك.

و ظاهر المتن-كصريح المفيد و غيره (4)-وجوب الجمع بين الصلاتين من دون تفريق و تعدد الغسل لكل صلاة.و هو الأوفق بظواهر الأخبار.فالأحوط عدم تركه؛لضعف القول بالتفريق لضعف دليله.

و إذا فعلت المستحاضة مطلقا ذلك أي جميع الأعمال التي تجب عليها بحسب حالها لاستباحة الصلاة صارت طاهرة يباح لها كلّ مشروط بها كالصلاة،و الصوم،لتوقفه على الغسل على الأشهر الأظهر.و مسّ كتابة القرآن،بناء على منعها عنه لكونها محدثة،و كلّية الكبرى قد مرّ دليلها (5).و اللبث في المساجد كالجواز في المسجدين إن حرّمناهما عليها.

و إلاّ-كما هو الأصح،للأصل و عدم صارف عنه معتدّ به-فلا يتوقفان على الأفعال من الوضوء أو الأغسال.

نعم:يكره لها دخول الكعبة مطلقا حتى مع الأفعال؛للمرسل:

«المستحاضة تطوف بالبيت و تصلّي و لا تدخل الكعبة» (6).

ص:329


1- أي في المتوسطة و الكثيرة.
2- أي مطلقا.
3- الوسائل 2:372-374 أبواب الاستحاضة ب 1 الأحاديث 3،4،5،6.
4- المفيد في المقنعة:57؛و انظر جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):27.
5- راجع ص 222.
6- الكافي 4:2/449،التهذيب 5:1389/399،الوسائل 13:462 أبواب الطواف ب 91 ح 2.

و ليس يحرم؛للأصل،و ضعف الخبر،وفاقا للحلّي و ابن سعيد و التحرير و المنتهى و التذكرة (1).فما عن الشيخ و ابن حمزة من التحريم (2)،ضعيف.

و لا ريب في جواز جماعها بعد الأفعال،و قد ادعي عليه الإجماع صريحا (3)،و الأخبار الآتية ناصّة عليه.فما يخالفه من ظاهر بعض الأخبار في الكثيرة (4)،شاذّ و لا يلتفت إليه.

لكن في توقفه عليها مطلقا،كثيرة كانت الاستحاضة أو غيرها،أغسالا كانت الأفعال أم غيرها،كما عن المقنعة و الاقتصاد و الجمل و العقود و الكافي و الإصباح و الإسكافي و المصباح و الحلّي (5)؛لصحيح أو الصحيح:«و كل شيء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها» (6)و كالصحيح أيضا:«فإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها» (7).

أو على الغسل خاصة،كما عن الصدوقين في الرسالة و الهداية (8)؛

ص:330


1- الحلي في السرائر 1:153،ابن سعيد في الجامع للشرائع:44،التحرير 1:125، المنتهى 1:858،التذكرة 1:399.
2- الشيخ في المبسوط 1:331 و 332،و النهاية:277،ابن حمزة في الوسيلة:193.
3- كما في المنتهى 1:121.
4- لعلّه أراد به ما روي في قرب الإسناد في المستحاضة الكثيرة:«..قلت:يواقعها زوجها؟ قال:إذا طال بها ذلك فلتغتسل و لتتوضأ،ثمَّ يواقعها إن أراد»فبمفهومه يدل على عدم جواز المواقعة في صورة عدم طول الاستحاضة.قرب الإسناد:447/127،الوسائل 2:377 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 15.
5- المقنعة:57،الاقتصاد:246،الجمل و العقود(الرسائل العشر):164،الكافي:129، نقله عن الإصباح في كشف اللثام 1:101،نقله عن الإسكافي و المصباح في المعتبر 1:248، الحلي في السرائر 1:153.
6- التهذيب 5:1390/400،الوسائل 2:375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8.
7- التهذيب 1:1253/401،الوسائل 2:376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 12.
8- الفقيه 1:50،الهداية:22.

لمضمرة سماعة الموثقة:«و إن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل» (1).

أو مع تجديد الوضوء،كما عن المبسوط (2)؛للخبر:«فلتغتسل و لتتوضأ، ثمَّ يواقعها إن أراد» (3).

أو الاحتشاء بدل الوضوء،كما عن سلاّر (4)؛لما في باب المحرّمات من الكافي أن منها وطء المستحاضة حتى تستنجي (5)،فتأمّل.

أو عدم توقفه على شيء من ذلك،كما عن المهذّب و الدروس و البيان و المعتبر و التحرير و التذكرة (6)،و اختاره من المتأخرين جماعة (7)لكن مع الكراهة؛للأصل،و الآية،و العمومات،و ضعف خبر عبد الرحمن بأبان .

أقوال،أقواها الأوّل؛للنصوص المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة، فيخصص بها أدلة الجواز على الإطلاق كالأصل و الآية (8)و العمومات و ظواهر إطلاق الصحاح،كالصحيح:«و لا بأس أن يأتيها بعلها متى شاء إلاّ في أيام حيضها» (9).

ص:331


1- الكافي 3:4/89،التهذيب 1:485/170،الوسائل 2:374 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 6.
2- المبسوط 1:67.
3- قرب الإسناد:447/128،الوسائل 2:377 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 15.
4- المراسم:45.
5- الكافي في الفقه:284.
6- المهذّب 1:38،الدروس 1:99،البيان:66،المعتبر 1:248،التحرير 1:16،التذكرة 1:30.
7- منهم المحقق في المعتبر 1:249،صاحب المدارك 2:37،السبزواري في الذخيرة: 76.
8- البقرة:222.
9- الكافي 3:5/90،التهذيب 1:487/171،الوسائل 2:372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4،في الوسائل و الكافي بتفاوت يسير.

فمن المستفيضة-مضافا إلى المتقدم-الأخبار المتقدمة مستندا للقول الثاني و الثالث،و الرضوي:«و متى ما اغتسلت على ما وصفت حلّ لزوجها وطؤها»و فيه أيضا:«و الوقت الذي يجوز فيه نكاح المستحاضة وقت الغسل و بعد أن تغتسل و تنظف،لأنّ غسلها يقوم مقام الغسل للحائض» (1).

و الصحيح:«هذه مستحاضة تغتسل و تستدخل قطنة بعد قطنة،و تجمع بين الصلاتين بغسل،و يأتيها زوجها إن أراد» (2).

و مثله الصحيح المروي في المعتبر عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب و فيه-بعد الأمر بالأغسال و الجمع بين الصلاتين-:«و يصيب منها زوجها إذا أحبّ،و حلّت لها الصلاة» (3).

و هذه الأخبار و إن اختصت بالكثيرة،إلاّ أنه لا منافاة بينها و بين ما دلّ على الإطلاق كالخبرين المتقدمين (4)ليحملا عليها.إلاّ أن يقال لا عموم فيهما؛لورودهما في الكثيرة خاصة،و لا عموم في الجواب فيهما بناء على اشتماله على الضمير الراجع إليها،فيحتمل قويا اختصاص الحكم المزبور بها.مضافا إلى إشعار الأخبار الأخيرة بها،سيّما الرضوي لا سيّما عبارته الأوّلة الواردة بعد ذكر الأقسام الثلاثة للمستحاضة و أحكامها،فلو توقف على الوضوء في القليلة لكان الأنسب تغيير تلك العبارة بقوله:و متى أتت بالأفعال على ما وصفت،ليشمل الصور الثلاث،فعدم التغيير

ص:332


1- فقه الرضا(عليه السلام):191،193 بتفاوت يسير،المستدرك 2:45 أبواب الاستحاضة ب 3 ح 1.
2- الكافي 3:6/90،التهذيب 1:486/170،الوسائل 2:372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.
3- المعتبر 1:215،الوسائل 2:377 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 14.
4- في ص:330.

أمارة الاختصاص.

و لا ريب أنّ العمل على الأول أولى و أحوط،و أحوط منه غسل آخر مع وضوء مجدّد و غسل الفرج لخصوص الوطء،كما يستفاد من بعض المعتبرة (1)، و ربما احتمل في عبارات بعض الأجلة (2).

لا تجمع بين صلاتين بوضوء

و لا تجمع بين صلاتين بوضوء مطلقا إلاّ في الكثيرة على الأقوى؛لما مرّ من الأخبار في الأمرين.

و يجب عليها الاستظهار و الاحتياط في منع الدم من التعدي بقدر الإمكان بعد غسل الفرج و تغيير القطنة،كما هنا و في الشرائع (3)،و عن المعتبر و المنتهى و التلخيص و التذكرة و التحرير و نهاية الأحكام و البيان (4)،و ظاهر الفقيه و المقنع (5)،و معطي المبسوط و الخلاف (6)؛للمعتبرة المتقدمة.و مقتضاها كون محلّه قبل الوضوء في القليلة،و بعد الغسل في المتوسطة و الكثيرة.

و علّل الوجوب بدفع النجاسة و تقليلها؛لعدم العفو عنها و حدثيتها.

و مقتضاه الشرطية،حتى لو خرج الدم بعد الوضوء مثلا للتقصير في الشدّ بطل، أو في الصلاة بطلت.

و كذا يلزم من به داء السلس و البطن فيستظهر بقدر الإمكان؛ لعين التعليل المتقدم،مضافا إلى الخبر في الأوّل (7).

ص:333


1- الوسائل 2:377 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 15.
2- انظر كشف اللثام 1:101.
3- الشرائع 1:34.
4- المعتبر 1:250،المنتهى 1:122،حكاه عن التلخيص في كشف اللثام 1:101،التذكرة 1:29،التحرير 1:16،نهاية الأحكام 1:126،البيان:66.
5- الفقيه 1:54،المقنع:16.
6- المبسوط 1:68،الخلاف 1:233.
7- الفقيه 1:146/38،التهذيب 1:1021/348،الوسائل 1:297 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 1.
الرابع غسل النفاس

الرابع غسل النفاس بكسر النون،و هو-كما قيل-لغة:ولادة المرأة (1)، لاستلزامه خروج الدم غالبا،من النفس يعني الدم،و لذا سمّي اصطلاحا دم الولادة.

لا يكون نفاسا إلاّ مع الدم و لو ولدت تامّا

و لذا لا يكون الولادة نفاسا إلاّ مع رؤية الدم إجماعا منّا؛ تمسّكا بالأصل،و اقتصارا في الخروج عنه على المتبادر المتيقن من الأخبار، فليس غيره-كما نحن فيه-نفاسا و لو ولدت الولد تامّا و عن الشافعي قولان (2)،و عن أحمد روايتان (3).

ثمَّ إنه لا يكون الدم الخارج حال الطلق نفاسا مع رؤيته قبل خروج شيء من الولد،إجماعا و نصوصا.

ففي الموثق:في المرأة يصيبها الطلق أياما أو يوما أو يومين،فترى الصفرة أو دما،قال:«تصلّي ما لم تلد»الحديث (4).و نحوه غيره (5).مضافا إلى الأصل.

و لا ريب في كونه حينئذ استحاضة مع عدم إمكان حيضيته برؤيته أقل من ثلاثة إجماعا و نصوصا،و كذا معه بشرط عدم تخلل أقلّ الطهر بينه و بين النفاس على الأشهر الأظهر،بل نفي عنه الخلاف في الخلاف (6).و هو الحجّة فيه،

ص:334


1- كما في القاموس 2:265،و النهاية لابن الأثير 5:95.
2- انظر المغني-لابن قدامة-1:242،المجموع للنووي 2:150.
3- انظر المغني-لابن قدامة-1:242،المجموع للنووي 2:150.
4- الكافي 3:3/100،التهذيب 1:1261/403،الوسائل 2:391 أبواب النفاس ب 4 ح 1.
5- الفقيه 1:211/56،الوسائل 2:392 أبواب النفاس ب 4 ح 3.
6- الخلاف 1:249.

مضافا إلى الموثق المزبور و نحوه،و خبر الخلقاني الآتي،و المعتبرة الدالة على عدم نقص أقل الطهر عن العشرة مطلقا.و تخصيصها بما بين الحيضتين لا دليل عليه.

فاحتمال الحيضية حينئذ-كما عن النهاية و المنتهى و ظاهر التذكرة (1)- غير وجيه.

كلّ ذلك على المختار من اجتماع الحيض مع الحبل،و إلاّ فلا يكون هذا الدم حيضا كما لا يكون نفاسا حتى ترى بعد الولادة أو معها فيكون نفاسا في الأول إجماعا،كما عن المنتهى و الذكرى و نهاية الأحكام (2).و في الثاني على قول قوي محكي عن القواعد و المبسوط و الخلاف (3)صريحا،و عن النهاية و الاقتصاد و المصباح و مختصره و المراسم و السرائر و المهذّب و الشرائع (4)ظاهرا.و لعلّه المشهور،بل عليه الإجماع عن الخلاف.و هو الحجة فيه، كالخبر المعتضد به و بالشهرة،المروي في أمالي الشيخ-رحمه اللّه-عن رزيق الخلقاني،عن الصادق عليه السلام:عن امرأة حامل رأت الدم،فقال:«تدع الصلاة»قال:فإنها رأت الدم و قد أصابها الطلق فرأته و هي تمخض،قال:

«تصلّي حتى يخرج رأس الصبي،فإذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة» الخبر (5).و نحوه آخر على الظاهر (6).

ص:335


1- نهاية الأحكام 1:131،المنتهى 1:123،التذكرة 1:36.
2- المنتهى 1:123،الذكرى:33،نهاية الأحكام 1:131.
3- قواعد الأحكام 1:16،المبسوط 1:68،الخلاف 1:246.
4- النهاية:29،الاقتصاد:247،مصباح المتهجد:11،المراسم:44،السرائر 1:154، المهذّب 1:39،الشرائع 1:35.
5- أمالي الطوسي:708،الوسائل 2:334 أبواب الحيض ب 30 ح 17.
6- التهذيب 1:1196/387،الاستبصار 1:481/140،الوسائل 2:333 أبواب الحيض ب 30 ح 12.

خلافا للمحكي عن جمل العلم و العمل و الجمل و العقود و الكافي و الغنية و الوسيلة و الإصباح و الجامع (1)،من اختصاصه بالأوّل؛للأصل،و الموثق المتقدم ذكره كغيره المعلّق ترك الصلاة فيهما على الولادة المتبادر منها خروج الولد بتمامه.و يحتملان-كالكتب-ما تقدّم.و كيف كان:يتعين حملهما عليه؛لترجيح النص على الظاهر،و التكافؤ حاصل بما مرّ،فيخصّص به الأصل.

و مظهر الثمرة عدم بطلان الصوم كعدم وجوب الغسل بالدم الخارج مع الجزء،المفقود (2)بعد التمام،على الثاني،و عدمهما على الأوّل.

ثمَّ إنّ ظاهر الأخبار كمقتضى الأصل حصر النفاس في الدم الخارج مع الولد التام أو الناقص،لا مثل المضغة و العلقة و النطفة .فإلحاق الأوّل به-كما عن المعتبر و التحرير و المنتهى و النهاية و في الروضة (3)مطلقا،أو مع العلم بكونه مبدأ نشء آدمي كما عن الذكرى (4)،أو الاكتفاء بشهادة القوابل أنها لحم ولد كما عن التذكرة مع دعواه الإجماع على تحقق النفاس حينئذ (5)-غير واضح،إلاّ الإجماع المزبور المعتضد بالشهرة.و هو الحجّة فيه،لا صدق الولادة،لعدم كفايته في الإطلاق مع عدم تبادر مثله منه.

و مثله في ضعف الإلحاق من غير جهة الإجماع إلحاق الأخيرين به،

ص:336


1- حكاه عن جمل العلم و العمل في كشف اللثام 1:103،الجمل و العقود(الرسائل العشر): 165،الكافي في الفقه:129،الغنية(الجوامع الفقهية):550،الوسيلة:61،حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:103،الجامع للشرائع:44.
2- صفة للدم.
3- المعتبر 1:252،التحرير 1:16،المنتهى 1:123،نهاية الأحكام 1:130،الروضة 1:114.
4- الذكرى:33.
5- التذكرة 1:35.

و حيث لا إجماع محكيا هنا وجب القطع بعدمه مطلقا كما عن المعتبر و المنتهى (1)،أو مع عدم العلم بكونه مبدأ نشء آدمي كما عن التذكرة و نهاية الأحكام و الذكرى و الدروس و البيان (2).و لا وجه للثاني فتعيّن الأوّل.

و ذات التوأمين الوالدة لهما على التعاقب مع رؤية الدم معهما تبتدئ النفاس من الأول و تستوفي عدده من الثاني في المشهور،بل عليه الإجماع عن المنتهى و التذكرة (3)؛لصدق دم الولادة على كلّ منهما،و ثبوت أنّ أكثر النفاس عشرة أو ثمانية عشر،فحكم كلّ منهما ذلك .و لا دليل على امتناع تعاقب النفاسين و تداخل متمم العدد الأول مع قدره من الثاني.

و منه يظهر حكم ولادة القطعتين أو القطع،على المختار من ثبوت النفاس مع الولادة ،و على احتمال عن الذكرى و الدروس (4)،فتأمّل .

لا حدّ لأقلّه و في أكثره روايات أشهرها أنه لا يزيد عن أكثر الحيض

و لا حدّ لأقلّه بالنص و الإجماع،مضافا إلى الأصل،فيجوز أن يكون لحظة.

ففي الخبر:عن النفساء كم حدّ نفاسها حتى تجب عليها الصلاة و كيف تصنع؟قال:«ليس لها حدّ» (5)و المراد في جانب القلّة؛للإجماع و النصوص في ثبوت التحديد في طرف الكثرة.

و قريب منه الصحيح:«تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط» (6).

و في تحديد أكثره روايات مختلفة لأجلها اختلفت الفتاوى في

ص:337


1- المعتبر 1:252،المنتهى 1:123.
2- التذكرة 1:35،نهاية الأحكام 1:130،الذكرى:33،الدروس:1:100،البيان:67.
3- المنتهى 1:123،التذكرة 1:36.
4- الذكرى:33،الدروس:1:100.
5- التهذيب 1:497/174،الوسائل 2:387 أبواب النفاس ب 3 ح 16.
6- التهذيب 1:516/180،الاستبصار 1:533/154،الوسائل 2:382 أبواب النفاس ب 2 ح 1.

المسألة أشهرها و أظهرها أنه لا يزيد عن أكثر الحيض مطلقا و هو العشرة، و الصحاح منه بذلك مستفيضة كالموثقات.

ففي الصحيحين:«النفساء تكفّ عن الصلاة أيامها التي كانت تمكث فيها،ثمَّ تغتسل و تعمل كما تعمل المستحاضة» (1).

و في الصحيح:«تقعد بقدر حيضها،و تستظهر بيومين،فإن انقطع الدم و إلاّ اغتسلت و احتشت و استثفرت»الحديث (2).و نحوه الموثّق (3).

و في آخر:«تقعد النفساء أيامها التي كانت تقعد في الحيض،و تستظهر بيومين» (4).

و هي-كما ترى-كغيرها مختصة بذات العادة و أنها ترجع إليها و لو قصرت عن العشرة.

و ليس في عبارة المصنف بمجردها-كالأكثر-منافاة لذلك كما توهّم (5)؛ إذ ليس فيها غير أن أكثره ذلك،و ذلك لا ينافي وجود الأقل.و يومئ إليه استدلال من صرّح بها بالأخبار المزبورة التي لا يستفاد منها سوى الرجوع إلى العادة المحتملة لأقلّ من العشرة.و مثله نسبة المصنف مفاد العبارة إلى الأشهر ،و ليس

ص:338


1- التهذيب 1:495/173،الوسائل 2:382 أبواب النفاس ب 3 ح 1. و الصحيح الثاني: الكافي 3:1/97،التهذيب 1:499/175،الاستبصار 1:519/150،الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 3 ح 1.
2- الكافي 3:4/99،التهذيب 1:496/173،الوسائل 2:383 أبواب النفاس ب 3 ح 2.
3- الكافي 3:5/99،التهذيب 1:500/175،الاستبصار 1:520/150،الوسائل 2: 385 أبواب النفاس ب 3 ح 8.
4- الكافي 3:6/99،التهذيب 1:501/175،الاستبصار 1:521/151،الوسائل 2: 384 أبواب النفاس ب 3 ح 5.
5- راجع الذكرى:33.

سوى ما ذكرنا من الأخبار ممّا يومئ إليه عين و لا أثر.

نعم:في الرضوي:«النفساء تدع الصلاة أكثره مثل أيام حيضها و هي عشرة أيام،و تستظهر بثلاثة أيام ثمَّ تغتسل» (1).

و إرادة المصنف إياه منه بعيد ،مع احتمال جريان الاحتمال المتقدم فيه.

و منه يستفاد الحكم في المبتدأة و المضطربة من رجوعهما إلى العشرة، مضافا إلى الإجماع المركّب .

لعدم إمكان المصير إلى القول بالعشرة مطلقا و لو وجد القائل به،لعدم الدليل عليه سوى الرضوي المتقدم على تقدير وضوح دلالته عليه،و لا ريب في عدم مقاومته لشيء ممّا تقدم،مع أنه غير مناف لرجوعهما إلى العشرة.و منافاته لذات العادة مندفعة بالأخبار المتقدمة.

و لا إلى القول بالثمانية عشر كذلك،كما عن المفيد و المرتضى و ابن بابويه و الإسكافي و سلاّر (2)؛لقصور أدلته إمّا بحسب السند،كالمرويين في العلل و العيون (3).

أو الدلالة،كالمروي في الأخير و الصحاح الدالة على تنفس أسماء بثمانية عشر (4)،إذ ليس فعلها حجة،إلاّ مع ثبوت تقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله لها عليه و لم يثبت.

بل المستفاد من بعض الأخبار خلافه،و أنّ قعودها للجهل،و أنها لو سألته صلّى اللّه عليه و آله لأمرها بالاغتسال قبل ذلك،ففي المرفوع:«إنّ

ص:339


1- فقه الرضا(عليه السلام):191،المستدرك 2:47 أبواب النفاس ب 1 ح 1.
2- المفيد في المقنعة:57،المرتضى في الانتصار:35،ابن بابويه في المقنع:16،نقله عن الإسكافي في المختلف:41،سلاّر في المراسم:44.
3- علل الشرائع:1/291،العيون 2:1/120،الوسائل 2:390 أبواب النفاس ب 3 ح 23 و 24.
4- الوسائل 2:384 أبواب النفاس ب 3 ح 6 و 15 و 19 و 21.

أسماء سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد أتى لها ثمانية عشر يوما،و لو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل و تفعل ما تفعل المستحاضة» (1).

و نحوه الخبر المروي في المنتقى (2)مع التصريح في ذيله بما مرّ في الأخبار المتقدمة.

أو الشذوذ،كالصحيح الدالّ على الأمر بالقعود ثماني عشرة سبع عشرة (3)،إذ ظاهره التخيير و لا قائل به.مع احتماله-كمضاهيه-الحمل على التقية،مضافا إلى عدم مكافاتها لما تقدّم من الأدلة.

و لا إلى القول بالرجوع إلى العادة لمعتادتها و إلى الثمانية عشر لفاقدتها كما في المختلف (4)؛لعدم الدليل عليه سوى الجمع بين الأخبار الآمرة بالرجوع إلى العادة و الأخبار الآمرة بالرجوع إلى الثمانية عشر،حملا للأخيرة على فاقدة العادة.

و هو مع عدم الشاهد عليه ضعيف؛لاستلزامه حملها على الفرض النادر.مع بعد جريانه في حكاية أسماء؛لأنّها تزوجت بأبي بكر بعد موت جعفر بن أبي طالب عليه السلام،و كانت قد ولدت منه عدّة أولاد،و يبعد كلّ البعد عدم استقرار عادة لها في تلك المدّة.هذا مضافا إلى ما عرفت ممّا فيها من الأجوبة.

فإذا لم يمكن المصير إلى شيء من الأقوال المزبورة تعيّن ما قلناه،لعدم

ص:340


1- الكافي 3:3/98،التهذيب 1:512/178،الاستبصار 1:532/153،الوسائل 2: 384 أبواب النفاس ب 3 ح 7.
2- المنتقى 1:235،الوسائل 2:386 أبواب النفاس ب 3 ح 11.
3- التهذيب 1:508/177،الاستبصار 1:528/152،الوسائل 2:386 أبواب النفاس ب 3 ح 12.
4- المختلف:41.

إمكان غيرهما؛للإجماع منّا قطعا على عدم الصبر إلى الثلاثين فما زاد كالأربعين و الخمسين و إن دلّ على جوازه بعض الصحاح (1)؛لشذوذه،و موافقته العامة (2)و صرّح بها في الفقيه (3)؛و محكيّا عن الانتصار و المبسوط (4)فيما زاد على الثمانية عشر و لو يوما.

و تجب عليها أن تعتبر حالها و تستبرئ عند انقطاعه قبل العشرة بوضع قطنة في الفرج فإن خرجت القطنة نقية اغتسلت للنفاس و إلاّ توقّعت النقاء أو انقضاء العشرة،و لو رأت دما بعدها فهو استحاضة.

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين المبتدأة و ذات العادة.

و هو كذلك في الأوّل على المختار من أنّ أقصى مدّتها العشرة.و مشكل في الثاني؛للمستفيضة المتقدمة الدالّة على لزوم الرجوع إلى العادة مطلقا و لو تجاوز العشرة و لم ينقطع على العادة.و لذا ألزمت المعتادة في المشهور-كما عن العلاّمة في كتبه و الشهيد في الدروس و البيان و الجعفي و ابن طاوس (5)- بالرجوع إليها.

و لم يقم للإطلاق دليل واضح،عدا ما قيل:من أنّ العشرة أكثر الحيض،فهو أكثر النفاس لأنّه حيضة (6)،و الموثق:«تنتظر عدّتها التي كانت

ص:341


1- التهذيب 1:509/177،الاستبصار 1:529/152،الوسائل 2:387 أبواب النفاس ب 3 ح 13.
2- انظر المغني لابن قدامة 1:392.
3- الفقيه 1:56.
4- الانتصار:35،المبسوط 1:69.
5- العلامة في المختلف:41،و المنتهى 1:125،و نهاية الأحكام 1:132،الدروس 1:100،البيان:67،نقله عن الجعفي و ابن طاوس في الذكرى:33.
6- قال به العلامة في المنتهى 1:124،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:104.

تجلس،ثمَّ تستظهر بعشرة» (1).

و هو كما ترى؛لاقتضاء حيضية النفاس كونه مثله في عدم تنفس ذات العادة بالعشرة مع التجاوز عنها،بل أيامها خاصة على الأشهر،أو مع أيام الاستظهار التي أقصاها يومان أو ثلاثة-كما في النصوص المستفيضة-على الأظهر عند المصنف و الأحقر،كما في بحث الحيض قد مرّ.

و الموثق معارض بالمستفيضة في أنّ أيام الاستظهار يوم أو يومان أو ثلاثة، و قد اختارها-دون العشرة-ثمّة.

فإذا:الأجود ما عليه الجماعة من تنفس المعتادة بالعادة مع التجاوز عن العشرة،بل مع الانقطاع عليها؛لإطلاق الأمر بالرجوع إلى العادة و جعلها مع التجاوز عن العادة أيام النفاس خاصة،على احتمال قويّ.إلاّ أنّ الأقوى منه التنفس بالعشرة حينئذ؛لأنه حيضة،مضافا إلى الصحيح:«إنّ الحائض مثل النفساء» (2)-فتأمّل -و قد تقدّم ثبوته فيها ثمة.

ثمَّ إنه إنما يحكم بالدم نفاسا في أيام العادة و في مجموع العشرة مع وجوده فيهما أو في طرفيهما.أمّا لو رأته في أحد الطرفين أو فيه و في الوسط فلا نفاس لها في الخالي عنه متقدما أو متأخرا،بل في وقت الدم أو الدمين فصاعدا و ما بينهما.

فلو رأته أول لحظة و آخر السبعة لمعتادتها فالجميع نفاس؛لصدق دم الولادة على الطرفين.و يلحق بهما ما تراه من النقاء في البين؛لعموم ما دلّ على عدم نقص أقل الطهر عن العشرة.

ص:342


1- التهذيب 1:1259/402،الاستبصار 1:516/149،الوسائل 2:303 أبواب الحيض ب 13 ح 12.
2- الكافي 3:4/99،التهذيب 1:496/173،الوسائل 2:373 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

و لو رأته آخر السبعة خاصة فهو النفاس؛لكونه دم الولادة مع وقوعه في أيام العادة.و لا يلحق به المتقدم؛إذ لا مقتضي له،إذ لا حدّ لأقلّه.

و مثله رؤية المبتدأة و المضطربة في العشرة،بل المعتادة مطلقا على تقدير انقطاعه عليها كما مرّ.مع إشكال في المعتادة دون العشرة مع رؤيتها الدم في العاشر خاصة؛للشك في صدق دم الولادة عليه مع كون وظيفتها الرجوع إلى أيام العادة التي لم تر فيها شيئا بالمرّة.و الاحتياط لا يترك على حال؛ لإشعار بعض العبارات بالإجماع عليه.

و لو تجاوز عن العشرة فما وجد منه في العادة و ما قبله إلى أول زمان الرؤية نفاس خاصة،كما لو رأت رابع الولادة مثلا و سابعها لمعتادتها و استمر إلى أن تجاوز العشرة فنفاسها الأربعة الأخيرة من السبعة خاصة؛لما عرفت.

و لو رأته في السابع خاصة و تجاوزها فهو النفاس خاصة.

و لو رأته من أوّله و السابع و تجاوز العشرة سواء كان بعد انقطاعه على السبعة أم لا فالعادة خاصة نفاس.

و لو رأته أوّلا و بعد العادة و تجاوز فالأوّل خاصة نفاس،و على هذا القياس.

و لو لم تره إلاّ بعد العشرة فليس من النفاس على المختار في عدد الأكثر البتة،و به صرّح جماعة كابني سعيد و برّاج (1)؛لأن ابتداء الحساب (2)من الولادة،كما صرّح به العلاّمة (3)و أشعر به بعض المعتبرة:«إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها ثمَّ تستظهر بيوم،فلا بأس بعد أن يغشاها

ص:343


1- ابن سعيد في الجامع للشرائع:45،ابن البراج في المهذّب 1:39.
2- في«ش»:النفاس.
3- انظر نهاية الأحكام 1:131.

زوجها» (1)و مثله غيره (2).مع أنه لولاه لم يتحدد مدّة التأخر.

النفساء كالحائض فيما يحرم عليها و يكره

و النفساء كالحائض فيما يحرم عليها و يجب و يكره في حقها و يستحب؛للصحيح المتقدم (3)،و الإجماع المحكي في المعتبر و المنتهى و التذكرة عن أهل العلم (4)،مع شهادة الاستقراء باتحاد حكمهما في الأغلب إلاّ ما شذّ .و إليه يومئ بعض المعتبرة المسؤول فيه عن الحائض فأجيب بحكم النفساء (5).مضافا إلى ما عرفت من أن النفاس دم الحيض حبس لتربية الولد و غذائه.

و منه يظهر أنّ غسلها كغسلها في الوجوب و الكيفية،و في استحباب تقديم الوضوء على الغسل و جواز تأخيره عنه.

ص:344


1- التهذيب 1:505/176،الاستبصار 1:525/152،الوسائل 2:395 أبواب النفاس ب 7 ح 1.
2- التهذيب 1:514/179،الوسائل 2:388 أبواب النفاس ب 3 ح 19.
3- في ص:342.
4- المعتبر 1:257،المنتهى 1:126،التذكرة 1:36.
5- الكافي 3:4/99،التهذيب 1:496/173،الوسائل 2:373 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 5.
الخامس غسل الأموات و النظر في أمور أربعة

الخامس غسل الأموات.و النظر في أمور أربعة:

الأول الاحتضار

الأول:الاحتضار و هو السوق،أعاننا اللّه تعالى عليه و ثبّتنا بالقول الثابت لديه.سمّي به لحضور الموت،أو الملائكة الموكّلين به،أو إخوانه و أهله عنده.

الفرض فيه

و الفرض فيه كفاية استقبال الميت بالقبلة مع عدم الاشتباه على أحوط القولين و أشهرهما،كما في الشرائع و عن المقنعة و المراسم و المهذّب و الوسيلة و السرائر و الإصباح (1)؛للأمر به في المستفيضة،كالحسن بل الصحيح على الصحيح :«إذا مات لأحدكم ميّت فسجّوه (2)إلى القبلة، و كذلك إذا غسّل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة،فيكون مستقبلا بباطن قدميه و وجهه إلى القبلة» (3).

و المراد بالميّت المشرف على الموت إجماعا؛لعدم القائل بالأمر به بعد الموت،مع إشعار الذيل-قوله:إذا غسّل يحفر له-بذلك،للقطع بأن المراد إرادة الاغتسال لا تحققه.

ص:345


1- الشرائع 1:36،المقنعة:73،المراسم:47،المهذّب 1:53،الوسيلة:62،السرائر 1: 158،و فيه:و يستحب أن يوجّه إلى القبلة؛و حكاه عن الجميع في كشف اللثام 1:107.
2- سجّي الميت:غطّاه.و التسجية:أن يسجّى الميت بثوب أي يغطّى به.لسان العرب 14: 371.
3- الكافي 3:3/127،الفقيه 1:591/123،التهذيب 1:835/286،الوسائل 2:452 أبواب الاحتضار ب 35 ح 2.

و نحوه الخبران الآمران باستقبال باطن قدميه القبلة (1).و قصور سندهما منجبر بالشهرة،كالمرسل المصرّح بزمان الاستقبال و أنه قبل الموت (2).و وروده في واقعة خاصة لا ينافي التمسك به للعموم بعد تعليله بإقبال الملائكة عليه بذلك المشعر بالعموم.

و ليس فيه إشعار بالاستحباب،و على تقديره فلا يترك به ظاهر الأمر، سيّما مع اعتضاده بالشهرة،بل و عمل المسلمين في الأعصار و الأمصار،و ليس شيء من المستحبات يلتزمونه كذلك.

فالقول بالاستحباب-كما عن جماعة من الأصحاب (3)-ضعيف لا يلتفت إليه.

و يراعى في كيفيته عندنا بأن يلقى على ظهره و يجعل وجهه و باطن رجليه إليها لما مرّ من النصوص،مضافا إلى الصحيح:«إذا وجّهت الميت للقبلة فاستقبل بوجهه القبلة،لا تجعله معترضا كما يجعل الناس»الحديث (4).

ثمَّ-على المختار-إنّ مقتضى الأصل سقوط الوجوب بعد الموت؛ لاختصاص الأمر به في النصوص بحالة السوق كما عرفت.و ربما قيل بعدمه (5)،و هو أحوط.

ص:346


1- الأول: الكافي 3:2/127،التهذيب 1:834/285،الوسائل 2:453 أبواب الاحتضار ب 35 ح 4. الثاني: الفقيه 1:351/79،الوسائل 2:453 أبواب الاحتضار ب 35 ح 5.
2- الفقيه 1:352/79،الوسائل 2:453 أبواب الاحتضار ب 35 ح 6.
3- منهم الشيخ في الخلاف 1:691،و النهاية:30،و المحقق في المعتبر 1:259،و ابن سعيد في الجامع للشرائع:48.
4- التهذيب 1:1521/465،الوسائل 2:452 أبواب الاحتضار ب 35 ح 1.
5- مدارك الأحكام 2:54.
المسنون فيه

و المسنون أمور:

نقله مع تعسر نزعه إلى مصلاّه الذي أعدّه للصلاة فيه أو عليه؛ للنصوص المستفيضة،منها الصحيح:«إذا عسر على الميت موته و نزعه قرّب إلى مصلاّه الذي يصلي فيه» (1).أو«عليه».

و ليس فيه-كغيره-استحباب النقل مطلقا،بل ظاهره الاشتراط بعسر النزع.و لا مسامحة هنا؛لورود النهي عن تحريك المحتضر في بعض المعتبرة كالرضوي (2)و غيره (3).

و تلقينه الشهادتين بالتوحيد و الرسالة و الإقرار بالنبي و الأئمة عليهم السلام للنصوص المستفيضة.

ففي الصحيح:«إذا حضرت الميت قبل أن يموت فلقّنه شهادة أن لا إله إلاّ اللّه[وحده]لا شريك له و أنّ محمّدا عبده و رسوله» (4).

و في الخبر:«لقّنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا إله إلا اللّه و الولاية» (5).

و في آخر:«ما من أحد يحضره الموت إلاّ و كلّ به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر و يشككه في دينه حتى يخرج نفسه،فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه، فإذا حضرتم موتاكم فلقّنوهم شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه حتى

ص:347


1- الكافي 3:2/125،التهذيب 1:1356/427،الوسائل 2:463 أبواب الاحتضار ب 40 ح 1.
2- فقه الرضا(عليه السلام):165،المستدرك 2:139 أبواب الاحتضار ب 34 ح 1.
3- التهذيب 1:841/289،الوسائل 2:468 أبواب الاحتضار ب 44 ح 1.
4- الكافي 3:1/121،التهذيب 1:836/286،الوسائل 2:454 أبواب الاحتضار ب 36 ح 1،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
5- الكافي 3:5/123،التهذيب 1:838/287،الوسائل 2:458 أبواب الاحتضار ب 37 ح 2.

يموتوا» (1).

و كلمات الفرج ففي الحسن:«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دخل على رجل من بني هاشم و هو يقضي،فقال له:قل لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم،لا إله إلاّ اللّه العلي العظيم،سبحان اللّه ربّ السموات السبع و ربّ الأرضين السبع،و ما فيهنّ و ما بينهنّ و ربّ العرش العظيم،و الحمد للّه ربّ العالمين.فقالها،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:الحمد للّه الذي استنقذه من النار» (2).

و زيد فيها في الفقيه بعد روايته مرسلا:«و ما تحتهن»قبل«رب العرش العظيم»و «وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ» [1] بعده (3)،و بزيادة الأخير صرّح في الرضوي (4).

و أن تغمض عيناه بلا خلاف كما عن المنتهى (5)؛للصون عن قبح المنظر.و فيه نظر.نعم:في الموثق:ثقل ابن لجعفر و أبو جعفر جالس في ناحية،و كان إذا دنا منه إنسان قال:«لا تمسه فإنه إنما يزداد ضعفا،و أضعف ما يكون في هذه الحال،و من مسّه في هذه الحال أعان عليه»فلمّا قضى الغلام أمر به،فغمض عيناه و شدّ لحياه الحديث (6).

و في الخبر قال:حضرت موت إسماعيل بن جعفر و أبوه جالس عنده،فلما

ص:348


1- الكافي 3:6/123،التهذيب 1:353/79،الوسائل 2:455 أبواب الاحتضار ب 36 ح 3.
2- الكافي 3:9/124،الوسائل 2:459 أبواب الاحتضار ب 38 ح 2.
3- الفقيه 1:346/77.
4- فقه الرضا(عليه السلام):165،المستدرك 2:128 أبواب الاحتضار ب 28 ح 2.
5- المنتهى 1:427.
6- التهذيب 1:841/289،الوسائل 2:468 أبواب الاحتضار ب 44 ح 1.

حضر الموت شد لحييه و غمض عينيه و غطّاه بالملحفة (1).

و يطبق فوه و يشدّ لحياه؛للخبرين،و في المنتهى بلا خلاف (2).

و تمدّ يداه إلى جنبيه إن انقبضتا-كالساقين-كما عن الأصحاب (3)، و عن المعتبر:و لم أعلم في ذلك نقلا عن أهل البيت عليهم السلام،و لعلّ ذلك ليكون أطوع للغاسل و أسهل للدرج (4).

و يغطّى بثوب لما تقدّم من الخبر،مضافا إلى نفي الخلاف عنه في المنتهى (5).

و أن يقرأ عنده القرآن قبل الموت و بعده؛للتبرك،و استدفاع الكرب و العذاب،و سيّما يس و الصافات قبله،و قد قيل:روي أنه يقرأ عند النازع آية الكرسي و آيتان بعدها،ثمَّ آية السخرة إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ [1] إلى آخرها (6)،ثمَّ ثلاث آيات من آخر البقرة لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ [2] إلى آخرها،ثمَّ يقرأ سورة الأحزاب (7).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«من قرأ سورة يس و هو في سكرات الموت، أو قرئت عنده،جاء رضوان خازن الجنة بشربة من شراب الجنة فسقاها إياه و هو على فراشه،فيشرب،فيموت ريّان و يبعث ريّان،و لا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء» (8).

ص:349


1- التهذيب 1:842/289،الوسائل 2:468 أبواب الاحتضار ب 44 ح 3.
2- المنتهى 1:427.
3- حكاه عنهم في المدارك 2:58؛انظر المبسوط 1:174،و السرائر 1:158،و نهاية الأحكام 2:217.
4- المعتبر 1:261.
5- المنتهى 1:427.
6- الأعراف:54.
7- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:106.
8- مجمع البيان 4:413،المستدرك 4:322 أبواب قراءة القرآن ب 41 ح 1.

و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«أيما مسلم قرئ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس،نزل بكل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا،يصلّون عليه و يستغفرون له و يشهدون غسله و يتبعون جنازته و يصلّون عليه و يشهدون دفنه» (1).

و عن سليمان الجعفري:أنه رأى أبا الحسن عليه السلام يقول لابنه القاسم:«قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك وَ الصَّافّاتِ صَفًّا [1] حتى تستتمها»فقرأ فلمّا بلغ أَ هُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا [2] قضى الفتى،فلمّا سجّي و خرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال:كنّا نعهد الميت إذا نزل به الموت نقرأ عنده يس و القرآن الحكيم،فصرت تأمرنا بالصافات!؟فقال:«يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت إلاّ عجّل اللّه تعالى راحته» (2).

و الأمر بالإتمام يتضمن القراءة بعد الموت،كذا قيل (3).

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من دخل المقابر فقرأ يس خففت عنهم يومئذ،و كان له بعدد من فيها حسنات» (4).

و في الرضوي:«إذا حضر أحدكم الوفاة فاحضروا عنده بالقرآن و ذكر اللّه تعالى و الصلاة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (5).

و أن يسرج عنده كما عن الإصباح و الوسيلة و المهذّب و الكافي و المراسم و الشرائع و الجامع و التذكرة و نهاية الأحكام و التحرير و المنتهى (6)إن

ص:350


1- مصباح الكفعمي:8،المستدرك 2:136 أبواب الاحتضار ب 31 ح 2.
2- الكافي 3:5/126،التهذيب 1:1358/427،الوسائل 2:465 أبواب الاحتضار ب 41 ح 1.
3- كشف اللثام 1:106.
4- مجمع البيان 4:413.
5- فقه الرضا(عليه السلام):181.
6- نقله عن الإصباح في كشف اللثام 1:106،الوسيلة:62،المهذّب 1:54،الكافي:236،المراسم:47،الشرائع 1:36،الجامع للشرائع:49،التذكرة 1:37،نهاية الأحكام 2:217،التحرير 1:17،المنتهى 1:427.

مات ليلا كما عن الكتب الثلاثة بعد الأربعة الأول و المقنعة،و لكن ليس فيها لفظ عنده،بل فيها:إن مات ليلا في بيت أسرج فيه مصباح إلى الصباح (1).

و يمكن إرادتهم ما يعم الموت ليلا و البقاء إليه.و أقرب إلى العموم قول النهاية و الوسيلة:إن كان بالليل (2)،و قول المبسوط:إن كان ليلا (3)،و الأوضح قول القاضي:و يسرج عنده في الليل مصباح (4).

و لعلّه لفحوى الخبر أنه:لمّا قبض الباقر أمر أبو عبد اللّه بالسراج في البيت الذي كان يسكنه حتى قبض أبو عبد اللّه عليه السلام،ثمَّ أمر أبو الحسن بمثل ذلك في بيت أبي عبد اللّه حتى خرج به إلى العراق،ثمَّ لم يدر ما كان (5).

و ضعف السند-لو كان-منجبر بالشهرة بين الأعيان،مضافا إلى المسامحة في أدلة السنن.و الدلالة بالأولوية واضحة؛لظهور الخبر في موته عليه السلام في البيت المسرج فيه.فالمناقشة بكلا وجهيه مندفعة.

و ينبغي الإسراج إلى الصباح،كما عن المقنعة و النهاية و المبسوط و الإصباح و الجامع و المنتهى و التذكرة و نهاية الأحكام (6).

و أن يعلم المؤمنون بموته للنصوص،منها الصحيح:«ينبغي

ص:351


1- المقنعة:74.
2- النهاية:30،الوسيلة:62.
3- المبسوط 1:174.
4- المهذّب 1:54.
5- الكافي 3:5/251،الفقيه 1:450/97،التهذيب 1:843/289،الوسائل 2:469 أبواب الاحتضار ب 45 ح 1،بتفاوت يسير.
6- المقنعة:74،النهاية:30،المبسوط 1:174،عن الإصباح في كشف اللثام 1:106، الجامع للشرائع:49،المنتهى 1:427،التذكرة 1:37،نهاية الأحكام 2:217.

لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته،فيشهدون جنازته،و يصلون عليه،و يستغفرون له،فيكتب لهم الأجر،و يكتب للميت الاستغفار،و يكتسب هو الأجر فيهم و فيما اكتسب لميتهم من الاستغفار» (1).

و في آخر:عن الجنازة يؤذن بها الناس؟قال:«نعم» (2).

و هو يعم النداء العام.فما عن الخلاف:لا نص في النداء (3)،إن أراد بالخصوص فنعم،و إلاّ فقد عرفت النص.

و عن الجعفي:كراهة النعي إلاّ أن يرسل إليه صاحب المصيبة إلى من يختص به (4).

و هو-مع عدم الدليل عليه-ينافي ما يترتب على الحضور من الثواب الجزيل على السنن الموظفة في التشييع من الحمل و التربيع و الصلاة و التعزية، و ما فيه من الاتعاظ و التذكرة لأمور الآخرة،و تنبيه القلب القاسي لانزجار النفس الأمّارة،و نحو ذلك.

و في الخبر:عن رجل دعي إلى وليمة و إلى جنازة،فأيهما أفضل و أيهما يجيب؟قال:«يجيب الجنازة،فإنها تذكّر الآخرة،و ليدع الوليمة،فإنها تذكّر الدنيا» (5).

و أن يعجّل تجهيزه و إيداعه ثراه بلا خلاف؛للنصوص المستفيضة،منها:«لا تنتظروا موتاكم طلوع الشمس و لا غروبها،عجّلوهم

ص:352


1- الكافي 3:1/166،التهذيب 1:1470/452،علل الشرائع:1/301،الوسائل 3:59 أبواب صلاة الجنازة ب 1 ح 1.
2- الكافي 3:2/167،الوسائل 3:60 أبواب صلاة الجنازة ب 1 ح 3.
3- الخلاف 1:731.
4- نقله عنه في الذكرى:38.
5- التهذيب 1:1510/462،الوسائل 2:451 أبواب الاحتضار ب 34 ح 1.

إلى مضاجعهم رحمكم اللّه تعالى» (1).

و في المرسل:«كرامة الميت تعجيله» (2).

و يستفاد من بعضها أفضليته من تقديم الصلاة في وقت فضيلته (3).

إلاّ مع الاشتباه في موته فيحرم حتى يتحقق بمضي ثلاثة أيام؛ للنصوص المستفيضة،كالصحيحين (4)و الموثق (5)و الضعيف (6)في المصعوق و الغريق،و القوي في الأخير (7)،و لا قائل بالفرق.

و في الصحيح:«خمسة ينتظر بهم إلاّ أن يتغيروا:الغريق،و المصعوق، و المبطون»و في بعض«المطعون»«بدله و المهدوم،و المدخّن» (8).

و لعل التغيّر فيه و في الصحيح و الموثق يشمل الأمارات الدالة عليه من

ص:353


1- الكافي 3:1/137،الفقيه 1:389/85،التهذيب 1:1359/427،الوسائل 2:471 أبواب الاحتضار ب 47 ح 1.
2- الفقيه 1:388/85،الوسائل 2:474 أبواب الاحتضار ب 47 ح 7.
3- التهذيب 3:995/320،الاستبصار 1:1812/469،الوسائل 2:473 أبواب الاحتضار ب 47 ح 4.
4- الأول: الكافي 3:1/209،التهذيب 1:992/338،الوسائل 2:474 أبواب الاحتضار ب 48 ح 1. الثاني: الكافي 3:2/209،التهذيب 1:990/338،الوسائل 2:475 أبواب الاحتضار ب 48 ح 3.
5- الكافي 3:4/210،الوسائل 2:475 أبواب الاحتضار ب 48 ح 4.
6- الكافي 3:6/210،التهذيب 1:991/338،الوسائل 2:475 أبواب الاحتضار ب 48 ح 5.
7- دعائم الإسلام 1:229،الجعفريات:207،المستدرك 2:142 أبواب الاحتضار ب 37 ح 3.
8- الكافي 3:5/210،التهذيب 1:988/337،الخصال:74/300،الوسائل 2:474 أبواب الاحتضار ب 48 ح 2.

استرخاء رجليه،و انفصال كفيه،و ميل أنفه،و امتداد جلدة وجهه،و انخساف صدغيه،كما عن التذكرة (1).

و زيد في غيرها كاللمعة:تقلّص أنثييه إلى فوق مع تدلي الجلدة (2).

و عن الإسكافي:زوال النور من بياض العين و سوادها،و ذهاب النفس، و زوال النبض (3).

و عن جالينوس:الاستبراء بنبض عروق بين الأنثيين،أو عرق يلي الحالب و الذكر بعد الغمز الشديد،أو عرق في باطن الألية،أو تحت اللسان، أو في بطن المنخر (4).

إلاّ أن المتبادر منه التغيّر في الريح،كما في الخبر الضعيف عن أبي إبراهيم عليه السلام:«ينبغي للغريق و المصعوق أن يتربص به ثلاثا لا يدفن إلاّ أن تجيء منه ريح تدل على موته» (5).

فالأحوط الاقتصار عليه إلاّ مع حصول العلم به من تلك الأمارات كما هو الغالب،و إن كان المصير إليها مطلقا غير بعيد،للشهرة القرينة على الفرد الغير المتبادر .

و إن كان الميت مصلوبا لا يترك على خشبته أزيد من ثلاثة أيام إجماعا كما عن الخلاف (6)،و للخبر:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لا تقرّوا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل و يدفن» (7).

ص:354


1- التذكرة 1:37.
2- الروضة 1:120.
3- نقله عنه في الذكرى:38.
4- نقله عنه في الذكرى:38.
5- تقدم مصدره في ص:353 الرقم 6.
6- الخلاف 2:479.
7- الكافي 3:3/216،التهذيب 1:981/335،الوسائل 2:476 أبواب الاحتضار ب 49 ح 1.

كذا في التهذيب و بعض نسخ الكافي،و في أخرى:«لا تقربوا»بدل:

«لا تقرّوا»فلا دلالة فيه،فالعمدة الإجماع المحكي.

ما يكره فيه

و يكره أن يحضره حالة الاحتضار،كما عن التلخيص و نهاية الأحكام و غيرهما (1)جنب أو حائض إجماعا كما عن المعتبر (2)؛للنصوص،منها:

«لا بأس أن تمرّضه»أي الحائض«فإذا خافوا عليه و قرب ذلك فلتنحّ عنه و عن قربه،فإنّ الملائكة تتأذى بذلك» (3).

و منها الرضوي:«و لا يحضر الحائض و لا الجنب عند التلقين،فإنّ الملائكة تتأذى بهذا،و لا بأس أن يليا غسله و يصلّيا عليه و لا ينزلا قبره،فإن حضرا و لم يجدا من ذلك بدّا فليخرجا إذا قرب خروج نفسه» (4).

و يستفاد منهما أن غاية الكراهة تحقق الموت و انصراف الملائكة.

و عن الفقيه و المقنع:لا يجوز حضورهما عند التلقين (5).

و لعلّه للخبر المروي في الخصال،قال:«لا يجوز للمرأة الحائض و الجنب الحضور عند تلقين الميت؛لأن الملائكة تتأذى بهما؛و لا يجوز لهما إدخال الميت قبره» (6).

و لضعفه لا يجوز تخصيص الأصل،مع اعتضاده بعمل الأصحاب، فيحمل-كعبارة عامله-على شدة تأكد الكراهة.

ص:355


1- نقله عن التلخيص في كشف اللثام 1:107،نهاية الأحكام 2:215؛و انظر القواعد 1: 17،و الذخيرة:81.
2- المعتبر 1:263.
3- الكافي 3:1/138،التهذيب 1:1361/428،قرب الإسناد:1214/312،الوسائل 2:467 أبواب الاحتضار ب 43 ح 1.
4- فقه الرضا(عليه السلام):165،المستدرك 2:138 أبواب الاحتضار ب 33 ح 3.
5- لم نعثر عليه في الفقيه،نعم وجدناه في الهداية:23؛المقنع:17.
6- الخصال:12/585.

و قيل: هو الشيخان (1)،و في التهذيب أنه سمعه من الشيوخ مذاكرة (2)،و ادعى عليه في الخلاف الإجماع أنه يكره أن يجعل على بطنه حديد و لا بأس به؛لحجية الإجماع المحكي مع التسامح في مثله.

و لا يكره غيره في المشهور؛للأصل.و نقل القول بكراهته أيضا (3).

ص:356


1- المفيد في المقنعة:74،الطوسي في الخلاف 1:691.
2- التهذيب 1:290.
3- قال به العلامة في التذكرة 1:37،نهاية الإحكام 2:216.
الثاني في بيان الغسل

الثاني في بيان الغسل.

فروضه

و فروضه أمور،منها:

إزالة النجاسة العارضية عنه أي الميت قبل تغسيله كما عن المعتبر (1)،بلا خلاف كما عن المنتهى (2)و إجماعا كما عن التذكرة و نهاية الأحكام (3).

و فيهما كالأول التعليل بأنه يجب إزالة النجاسة الحكمية عنه فالعينية أولى.و فيه:أنه لا يستلزم وجوب التقديم،بل مطلق الإزالة،و لا كلام فيه.

و بصون ماء الغسل من التنجس.و فيه:لزومه على كل تقدير و لو أزيلت النجاسة،إلاّ أن يقال بالعفو عنه هنا للضرورة.

إلاّ أنه يتوجه منع لزوم الصون مطلقا،بل المسلّم منه ليس إلاّ المجمع عليه،و هو لزومه قبل الشروع في الغسل،و أما بعده فلا،كذا قيل.

و فيه نظر؛لتوقيفية صحة الغسل الذي هو عبادة على البيان،و ليس إلاّ فيما صين ماؤه عن النجاسة مطلقا و لو بعد الشروع في الاغتسال.و حيث لا يمكن الصيانة عن نجاسة الموت اغتفر بالإضافة إليها؛للضرورة.و إطلاقات الأوامر بالاغتسال لما ينجس ماؤه في الاغتسال فيما عدا الضرورة غير شاملة؛لعدم تبادر مثل تلك الصورة.

فلا يمكن الاجتزاء بالغسل الواحد عن الغسل و إزالة النجاسة العارضية.

و مثله الكلام في غسل الجنابة.

ص:357


1- المعتبر 1:264.
2- المنتهى 1:428.
3- التذكرة 1:38،نهاية الأحكام 2:223.

خلافا للشيخ فاجتزأ به عنهما (1).و هو كما ترى.

هذا مضافا إلى الإجماعات المنقولة هنا،و النصوص المستفيضة فيه و في الجنابة الآمرة بتقديم غسل الفرج على الغسل (2).و الأمر حقيقة في الوجوب، و لا صارف عنه سوى وروده فيها في سياق المستحبات،و هو بمجرّده سيّما مع الأمر فيها بكثير من الواجبات غير كاف في الصرف،عملا بالأصل في الاستعمال مع عدم تيقن الصارف.

و كثير من المستفيضة و إن اختص بالجنابة،إلاّ أن المستفاد من المعتبرة المستفيضة اتحاد غسل الأموات مع غسل الجنابة،بل ربما أشعر بعضها أنه عينه (3).

و بالجملة:شغل الذمة بغسل الميت يقيني لا بد في رفعه من يقين، و ليس إلاّ مع تقديم الإزالة و عدم الاجتزاء عن الأمرين بالغسلة الواحدة.

و منه ينقدح ضعف التأمل في وجوب التقديم،كالتأمل في لزوم الغسلتين لإزالة الحدث و الخبث،و الأخير أضعف،بل مقطوع بفساده جزما.

و القول باختصاص المستفيضة من الجانبين بنجاسة مخصوصة مدفوع بعدم القائل بالفرق،و لعلّه لغلبتها،لا لتغاير حكمها مع حكم ما عداها.

و من الفروض:ستر عورته عن الناظر المحترم بالإجماع و النصوص (4).

و تغسيله بماء السدر و يلقى منه فيه ما يصدق معه ماء السدر على الأشهر الأظهر،كما عن الخلاف و المصباح و مختصره و الجمل و العقود و جمل العلم و العمل و الفقيه و الهداية و المقنع و الوسيلة و الغنية و الإصباح و الإشارة

ص:358


1- انظر المبسوط 1:29.
2- الوسائل 2:229 أبواب الجنابة ب 26.
3- الوسائل 2:486 أبواب غسل الميت ب 3.
4- الوسائل 2:479 أبواب غسل الميت ب 2.

و الكافي و الإرشاد و التبصرة و ظاهر التحرير و محتمل الشرائع (1)؛لإطلاق النصوص بالغسل بالسدر أو بمائه أو بماء و سدر،فلا يجزي القليل الذي لا يصدق معه ماء السدر.و كذا الورق غير مطحون و لا ممروس؛إذ ليس المتبادر منه إلاّ ما ذكرنا.

خلافا لبعض،فمسمّى السدر (2).و هو ضعيف .كاعتبار الرطل كما عن المفيد (3).

و أضعف منه إضافة النصف إليه كما عن ابن البراج (4)؛لعدم الدليل.

و أضعف منه إيجاب سبع ورقات صحاح (5)؛للخبر:عن غسل الميت، فقال:«يطرح عليه خرقة،ثمَّ يغسل فرجه و يوضأ وضوء الصلاة،ثمَّ يغسل رأسه بالسدر و الأشنان،ثمَّ بالماء و الكافور،ثمَّ بالماء القراح يطرح فيه سبع ورقات صحاح من ورق السدر في الماء» (6).

لأن ظاهره كما ترى إلقاؤها في القراح،كخبر معاوية بن عمّار قال:

أمرني أبو عبد اللّه أن أعصر بطنه،ثمَّ أوضّيه،ثمَّ أغسله بالأشنان،ثمَّ أغسل رأسه بالسدر و لحيته،ثمَّ أفيض على جسده منه،ثمَّ أدلك به جسده،ثمَّ أفيض

ص:359


1- الخلاف 1:694،مصباح المتهجد:18،الجمل و العقود(الرسائل العشر):165،جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):50،الفقيه 1:90،الهداية:24،المقنع:18، الوسيلة:64،الغنية(الجوامع الفقهية):563،نقله عن الإصباح في كشف اللثام 1:112، الإشارة:75،الكافي:134،الإرشاد 1:230،التبصرة:11،التحرير 1:17،الشرائع 1: 38.
2- انظر البيان:70،و جامع المقاصد 1:370،و الروضة 1:121.
3- المقنعة:74.
4- المهذّب 1:56.
5- انظر التذكرة 1:38،و نهاية الأحكام 2:223.
6- التهذيب 1:878/302،الاستبصار 1:726/206،الوسائل 2:492 أبواب غسل الميت ب 6 ح 2.

عليه ثلاثا،ثمَّ أغسله بالماء القراح،ثمَّ أفيض عليه الماء بالكافور و بالماء القراح و أطرح فيه سبع ورقات (1).

و لكن يشترط عدم خروج الماء عن الإطلاق،فلا يجزي الخارج وفاقا لجماعة (2)؛للشك في الامتثال معه،مع إشعار الصحيحين به،ففي أحدهما:

عن غسل الميت،كيف يغسل؟قال:«بماء و سدر،و اغسل جسده كلّه،و اغسله اخرى بماء و كافور،ثمَّ اغسله اخرى بماء»الحديث (3).و في الثاني نحوه (4)، و نحوهما الرضوي (5)؛لظهورها في بقاء الإطلاق .

و التأيد بالمستفيضة في أن غسل الميت كغسل الجنابة (6).

و ليس فيما دلّ على ترغية السدر كالمرسل:«و اعمد إلى السدر،فصيّره في طست و صبّ عليه الماء،و اضرب بيدك حتى ترتفع رغوته،و اعزل الرغوة في شيء،فصب الآخر في الإجّانة التي فيها الماء،ثمَّ اغسل يديه ثلاث مرات كما يغسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع،ثمَّ اغسل فرجه و نقّه،ثمَّ اغسل رأسه بالرغوة»إلى آخره (7)دلالة عليه.

لعدم استلزام الإرغاء إضافة الماء الذي تحت الرغوة،و خصوصا مع

ص:360


1- التهذيب 1:882/303،الاستبصار 1:729/207،الوسائل 2:484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 8.
2- منهم العلامة في نهاية الأحكام 2:223،و التذكرة 1:38،الشهيد الأول في البيان:70، الشهيد الثاني في الروضة 1:121.
3- التهذيب 1:1443/446،الوسائل 2:483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 6.
4- الكافي 3:2/139،التهذيب 1:282/108،الوسائل 2:479 أبواب غسل الميت ب 2 ح 1.
5- فقه الرضا(عليه السلام):181،المستدرك 2:167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
6- الوسائل 2:486 أبواب غسل الميت ب 3.
7- الكافي 3:5/141،التهذيب 1:877/301،الوسائل 2:480 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

صبه في الماء المطلق الذي في الإجّانة الأخرى كما في الخبر،و ليس فيه مع ذلك إيماء إلى غسله بالرغوة،بل مصرّح بغسله بماء تحتها مع الماء المطلق الذي في الإجّانة الأخرى،و أن الرغوة إنما يغسل بها الرأس خاصة،و في الخبر حينئذ إشعار بل دلالة بما ذكرناه لا ما ذكر.

و نحو الخبر في عدم الدلالة على جواز المضاف كلام المفيد و ابن البراج (1)؛لذكرهما بعد غسل الرأس و اللحية بالرغوة تغسيله بماء السدر على الترتيب،من غير نص على أن ماء السدر هو الباقي تحت الرغوة،فيجوز كونه غيره أو إياه إذا صب عليه الماء حتى صار مطلقا،مع ما عرفت من عدم استلزام الإرغاء إضافة الماء الذي تحت الرغوة.

و خصوصا أفاد المفيد-رحمه اللّه-أنه يغسل رأسه و لحيته بعد الغسل بالرغوة بتسعة أرطال من ماء السدر ثمَّ ميامنه بمثل ذلك ثمَّ مياسره بمثل ذلك، و هو ماء كثير لعلّه لا يخرج عن الإطلاق برطل من السدر كما قاله.فتأمل .

مضافا إلى ظهور كون مستندهما المرسل المزبور،لمشابهة عبارتيهما مع عبارته،و قد عرفت الكلام في دلالته،فكذا الكلام في دلالة كلامهما،فافهم.

ثمَّ يجب بعد ذلك تغسيله بماء طرح فيه من الكافور ما يقع عليه الاسم من دون خروج عن الإطلاق؛لعين ما مرّ،مضافا إلى الموثق المقدّر للكافور بنصف حبة (2)،و في آخر إلقاء حبّات (3)،و في آخر تغسيل الأمير عليه السلام للنبي صلّى اللّه عليه و آله بثلاثة مثاقيل (4).و ليسا نصا في الوجوب،

ص:361


1- المفيد في المقنعة:75،ابن البراج في المهذّب 1:58.
2- التهذيب 1:887/305،الوسائل 2:484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 10.
3- الكافي 3:5/141،التهذيب 1:877/301،الوسائل 2:480 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
4- التهذيب 1:1464/450،الوسائل 2:485 أبواب غسل الميت ب 2 ح 11.

فيحتمل الاستحباب.

و كيف كان:فلا يقيّد بهما إطلاق المستفيضة كالصحيح:«و يجعل في الماء شيء من السدر و شيء من الكافور» (1).

خلافا للمفيد و سلاّر و ابن سعيد،فنصف مثقال (2)؛و هو مع عدم الدليل عليه ليس نصا في وجوبه.

ثمَّ بعد ذلك ب ماء القراح الخالص عن الخليط مطلقا حتى التراب كما عن بعض (3)،أو الخليطين خاصة كما هو ظاهر الأخبار،نعم يعتبر الإطلاق مع خليط غيرهما.

و يعتبر في القراح أن لا يسمى بماء السدر أو الكافور أو غيرهما،و لا يسمى الغسل به غسلا بهما أو بغيرهما و إن اشتمل على شيء منهما أو من غيرهما.و الأمر في المرسل (4)بغسل الآنية عن ماء السدر و الكافور قبل صب القراح فيها ليس نصا في الوجوب،فيحتمل الاستحباب،سيّما مع اشتماله لكثير من المستحبات،مضافا إلى الأمر بإلقاء سبع ورقات من السدر في القراح فيما تقدّم من الخبرين (5).

ثمَّ إن وجوب الأغسال مشهور بين الأصحاب بحيث كاد أن يكون إجماعا؛للصحاح المستفيضة،أظهرها دلالة الصحيحان المتقدمان قريبا (6).

و نحوهما الخبر الضعيف في المشهور بسهل و الصحيح على قول:

ص:362


1- التهذيب 1:1444/446،الاستبصار 1:731/208،الوسائل 2:483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 7.
2- المفيد في المقنعة:75،سلاّر في المراسم:47،ابن سعيد في الجامع للشرائع:51.
3- انظر كشف اللثام 1:114.
4- المتقدم في ص:360.
5- في ص 359،360.
6- في ص:360.

«يغسل الميت ثلاث غسلات:مرة بالسدر،و مرة بالماء يطرح فيه الكافور،و مرة أخرى بالماء القراح» (1).

و ضعفه لو كان-كغيره-منجبر بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،بل إجماع في الحقيقة،مضافا إلى التأسي اللازم الاتباع في أمثاله.

و لا يعارض شيئا من ذلك الأصل،و التشبيه بغسل الجنابة في المعتبرة (2)،و تغسيل الميت الجنب غسلا واحدا.مضافا إلى ضعف الأول في أمثال المقام.و احتمال التشبيه فيما عدا الوحدة،بل صرّح في الرضوي:

«و غسل الميت مثل غسل الحي من الجنابة،إلاّ أن غسل الحي مرة بتلك الصفات،و غسل الميت ثلاث مرات بتلك الصفات»إلى آخره (3).و التداخل في الغسل الواحد كما فهمه الأصحاب .

فالاكتفاء بالقراح-كما عن سلاّر (4)-ضعيف.

و في جواز الارتماس هنا كما في الجنابة نظر:

من ظاهر الأوامر بالترتيب.

و من ظاهر المستفيضة المسوّية بينه و بين الجنابة،منها الرضوي المتقدم،و الحسن:«غسل الميت مثل غسل الجنب» (5).

و هو الأظهر،إلاّ أن المصير إلى الأول أحوط.

و يجب أن يكون في كل غسل من الأغسال مرتبا للأعضاء بتقديم

ص:363


1- الكافي 3:3/140،التهذيب 1:876/300،الوسائل 2:481 أبواب غسل الميت ب 2 ح 4.
2- انظر الوسائل 2:486 أبواب غسل الميت ب 3.
3- فقه الرضا(عليه السلام):181،المستدرك 2:167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
4- المراسم:47.
5- الفقيه 1:586/122،التهذيب 1:1447/447،الاستبصار 1:732/208،الوسائل 2: 486 أبواب غسل الميت ب 3 ح 1.

الرأس على اليمين،و هو على اليسار كغسل الجنابة إجماعا هنا،كما عن الانتصار و الخلاف و المعتبر و التذكرة (1).

للنصوص المستفيضة المصرحة هنا بالأمر بالترتيب بين الأعضاء الثلاثة.

و بها تقيّد الأخبار المطلقة.

و المناقشة باشتمالها على كثير من المستحبات غير قادحة في الدلالة بعد الأصل و الشهرة العظيمة التي هي إجماع في الحقيقة،مع اشتمالها على كثير من الأمور الواجبة.

و تعتبر النية في الأغسال على أصح الأقوال؛لعموم ما دلّ على اعتبارها في الأعمال،خرج المجمع عليه و بقي الباقي بلا إشكال.و هو المشهور بين الأصحاب،بل عليه الإجماع عن الخلاف (2)،مضافا إلى المستفيضة المسوّية بينها و بين غسل الجنابة.

فالقول بعدم الاعتبار مطلقا-كما عن مصريات المرتضى و المنتهى- (3)ضعيف .كالاكتفاء بها في أوّلها ،كما في ظاهر اللمعة و عن جماعة (4).

ثمَّ إن اتحد الغاسل تولّى هو النية و لا تجزي من غيره.و إن تعدد و اشتركوا في الصبّ نووا جميعا.و لو كان البعض يصبّ و الآخر يقلب نوى الأول،لأنه الغاسل حقيقة،و استحبت من الآخر.و عن التذكرة الاكتفاء بها منه أيضا (5).

و لو ترتبوا بأن غسل كل واحد منهم بعضا اعتبرت من كل واحد عند ابتداء فعله.

و لو تعذّر السدر و الكافور كفت المرّة بالقراح عند المصنف

ص:364


1- الانتصار:36،الخلاف 1:693،المعتبر 1:266،التذكرة 1:38.
2- الخلاف 1:702.
3- حكاه عن مصريات المرتضى في كشف اللثام 1:112،المنتهى 1:435.
4- اللمعة(الروضة البهية)1:122؛و انظر المدارك 2:81،كفاية الأحكام:6.
5- التذكرة 1:38.

و جماعة (1)؛لفقد المأمور به بفقد جزئه.و هو-بعد تسليمه-كذلك إذا دلّت الأخبار على الأمر بالمركب.و ليس كذلك؛لدلالة أكثرها-و فيها الصحيح و غيره- على الأمر بتغسيله بماء و سدر،فالمأمور به شيئان متمايزان و إن امتزجا في الخارج،و ليس الاعتماد في إيجاب الخليطين على ما دلّ على الأمر بتغسيله بماء السدر خاصة حتى يرتفع الأمر بارتفاع المضاف إليه.

و بعد تسليمه لا نسلّم فوات الكل بفوات الجزء بعد قيام المعتبرة بإتيان الميسور و عدم سقوطه بالمعسور (2)،و ضعفها بعمل الأصحاب طرّا مجبور.

فإذن الأقوى وجوب الثلاث بالقراح وفاقا لجماعة (3).

و لو وجد الخليطان قبل الدفن ففي وجوب الإعادة وجهان ،و الأحوط الأول.

و أما بعد الدفن فلا؛لاستلزامه النبش الحرام.و قيل:للإجماع.مضافا إلى عدم المقتضي له؛لانصراف إطلاقات الأخبار إلى غير المقام .

و في وجوب الوضوء هنا قولان أظهرهما و هو الأشهر العدم؛ للأصل،و خلو المعتبرة المستفيضة الواردة في البيان عنه،مع تضمن كثير منها المستحبات.و فيه إشعار بعدم الاستحباب أيضا،كالصحيح:عن غسل الميت،أ فيه وضوء الصلاة أم لا؟فقال عليه السلام:«يبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض،ثمَّ يغسل وجهه و رأسه بسدر،ثمَّ يفاض عليه الماء ثلاث مرّات» الخبر (4).

ص:365


1- المصنف في المعتبر 1:266،و الشرائع 1:38؛و انظر الذكرى:45،مجمع الفائدة و البرهان 1:184،المدارك 2:84.
2- عوالي اللئالي 4:205/58.
3- منهم العلاّمة في نهاية الأحكام 2:225،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:372، و الشهيد الثاني في المسالك 1:13.
4- التهذيب 1:1444/446،الاستبصار 1:731/208،الوسائل 2:483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 7.

و هو-كما ترى-ظاهر في عدم الاستحباب؛لعدم الأمر به مع وقوع السؤال عنه،بل أمر بغيره من المستحبات.

و يؤيد عدم الاستحباب تشبيه غسل الميت بغسل الجنابة في المستفيضة،بل مصرح بعضها بالعينية.

و حينئذ فعدم الاستحباب أيضا أشبه كما عن الخلاف و ظاهر السرائر (1)،و محتمل كلام سلاّر (2)،و إن كان الاستحباب أشهر.

و عن التذكرة و نهاية الأحكام (3)التردد في المشروعية.

و عن المبسوط دعوى الإجماع على ترك العمل بما دل على الوضوء (4).

و ليس في أمر مولانا الصادق عليه السلام معاوية بن عمّار بأن يعصر بطنه ثمَّ يوضئه (5)-مع قصور سنده و مخالفته لأصول المذهب -منافاة لذلك؛ لاحتمال التوضؤ فيه التطهير،بل ربما أشعر سياقه به ،و يحتمل التقية.

نعم:في الخبر عن الصادق عليه السلام:«إنّ أبي أمرني أن اغسّله إذا توفّي،و قال لي:اكتب يا بني،ثمَّ قال:إنهم يأمرونك بخلاف ما تصنع،فقل لهم:هذا كتاب أبي،و لست أعدو قوله.ثمَّ قال:تبدأ فتغسل يديه ثمَّ توضئه وضوء الصلاة»الحديث (6).

و هو-كما ترى-لا يقبل الحمل المتقدم.إلاّ أنه ضعيف جدا بالإرسال

ص:366


1- الخلاف 1:693،السرائر 1:159.
2- كما في المراسم:48.
3- التذكرة 1:42،نهاية الأحكام 2:226.
4- المبسوط 1:178.
5- راجع ص:359.
6- التهذيب 1:883/303،الاستبصار 1:730/207،الوسائل 2:492 أبواب غسل الميت ب 6 ح 4.

و غيره،نعم:ربما كانت الشهرة جابرة،إلاّ أن الظن الحاصل منها أضعف من الظن الحاصل من الأمور المتقدمة.

و كيف كان:الأحوط الترك؛لأن احتمال الضرر في الترك أقل منه في الإتيان،لضعف القول بالوجوب-كما عن جماعة (1)-جدّا،لعدم معلومية شمول ما دلّ على أن كل غسل معه وضوء (2)لما نحن فيه،لتعقبه باستثناء غسل الجنابة المحتمل كون المقام منه،لما عرفت من المستفيضة،و بعد التسليم فيخصّص بما قدّمناه من الأدلة.

و لو خيف من تغسيله تناثر جلده أو غير ذلك ييمّم كالحي العاجز ،إجماعا كما في التهذيب و عن الخلاف (3)؛للنصوص المعتبرة بعموم البدلية،و خصوص الخبر المنجبر ضعفه بالوفاق:«إنّ قوما أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالوا:مات صاحب لنا و هو مجدور،فإن غسّلناه انسلخ،فقال يمّموه» (4).

و بجميع ما ذكر يرفع اليد عن الأصل،و الصحيح في الجنب و المحدث و الميت،الآمر باغتسال الأول،و تيمم الثاني،و دفن الثالث (5).المشعر بالعدم .

و ظاهر إطلاق النص و الفتاوي الاكتفاء بالمرة،و الأحوط التعدد بدل كل غسل.

ص:367


1- منهم المفيد في المقنعة:76،ابن البرّاج في المهذّب 1:58،الحلبي في الكافي:134.
2- انظر الوسائل 2:248 أبواب الجنابة ب 35.
3- لم نعثر على ادّعاء الإجماع في التهذيب،الخلاف 1:717.
4- التهذيب 1:977/333،الوسائل 2:513 أبواب غسل الميت ب 16 ح 3.
5- الفقيه 1:222/59،التهذيب 1:285/109،الاستبصار 1:329/101،الوسائل 3: 375 أبواب التيمم ب 18 ح 1.و لا يخفى أنّ في الفقيه:«يدفن الميت بتيمم».
سننه

و سننه.

أن يوضع الميت على لوح من خشب أو غيره مما يؤدي فائدته مرتفع بلا خلاف كما عن المنتهى (1)؛للمرسل:«و تضعه على المغتسل مستقبل القبلة» (2).

و الرضوي:«ثمَّ ضعه على المغتسل» (3).

و حفظا لجسده من التلطخ.

و ليكن مكان الرجلين منحدرا .

و أن يكون موجّها إلى القبلة نحو توجّهه حال السوق؛للأمر به في النصوص،منها الحسن المتقدم في توجيه المحتضر (4).و ليس للوجوب على الأشهر؛للأصل،و الصحيح:عن الميت،كيف يوضع على المغتسل، موجّها وجهه نحو القبلة،أو يوضع على يمينه و وجهه نحو القبلة؟قال:«يوضع كيف تيسّر» (5).

و ردّ الأصل بالأوامر،و الصحيح بعدم الكلام فيه؛لعدم وجوب ما تعسّر .

فالوجوب متعين و هو أحوط و إن كان في التعيين نظر.

مضلّلا مستورا عن السماء اتفاقا،كما عن الماتن و الذكرى (6)؛

ص:368


1- المنتهى 1:428.
2- الكافي 3:5/141،التهذيب 1:877/301،الوسائل 2:480 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
3- فقه الرضا(عليه السلام):165،المستدرك 2:167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
4- في ص:345.
5- التهذيب 1:871/298،الوسائل 2:491 أبواب غسل الميت ب 5 ح 2.
6- الماتن في المعتبر 1:275،الذكرى:45.

للخبرين،منهما الصحيح:عن الميت هل يغسل في الفضاء؟قال:«لا بأس، و إن ستر بستر فهو أحب إليّ» (1).

و أن يفتق جيبه إن احتاج إليه و ينزع ثوبه من تحته لأنه مظنة النجاسة فيتلطخ بها أعالي البدن.

و للخبر المروي في المعتبر (2)صحيحا كما قيل (3)،و فيه:«ثمَّ يخرق القميص إذا فرغ من غسله و ينزع من رجليه».

و صريحه-كظاهر التعليل-استحباب ذلك بعد الغسل.لكن ظاهر المتن-كالمقنعة (4)-استحبابه قبله،فلا دليل عليه.

و يستفاد من الخبر-كغيره-جواز تغسيله فيه،بل في الروضة عن الأكثر أنه الأفضل (5).و عن المختلف اشتهار العكس (6).و الصحاح مع الأول،ففيها:

قلت:يكون عليه ثوب إذا غسّل؟قال:«إن استطعت أن يكون عليه قميص تغسّله من تحته فيغسّل من تحت القميص» (7).

و ظاهرها طهره من غير عصر.

ص:369


1- الكافي 3:6/142،الفقيه 1:400/86،التهذيب 1:1379/431،الوسائل 2:538 أبواب غسل الميت ب 30 ح 1.و الآخر في:التهذيب 1:1380/432،الوسائل 2:539 أبواب غسل الميت ب 30 ح 2.
2- المعتبر 1:269-270.و رواه أيضا في الكافي 3:9/144،و التهذيب 1:894/308، و الوسائل 3:8 أبواب التكفين ب 2 ح 8،و لكن في جميعها:«إذا غسّل»بدل:«إذا فرغ من غسله».
3- مرآة العقول 13:312.
4- المقنعة:76.
5- الروضة 1:127.
6- المختلف:43.
7- الكافي 3:2/139،التهذيب 1:875/300،الوسائل 2:479 أبواب غسل الميت ب 2 ح 1،و انظر أيضا الحديثين 6 و 7 من الباب المذكور.

و على تقدير نزعه تستر عورته وجوبا،به أو بخرقة،إلاّ أن يكون الغاسل غير مبصر أو واثقا من نفسه بكفّ البصر فيستحب استظهارا.و على هذا يحمل عبارة المتن .

و و يستحب أيضا تليين أصابعه برفق إن أمكن و إلاّ فيترك؛ للخبر:«ثمَّ تليّن مفاصله،فإن امتنعت عليك فدعها» (1)و نحوه الرضوي (2).

و عليه الإجماع عن المعتبر و الخلاف (3).

و لا ينافيه النهي عن غمز المفاصل في الخبر (4)؛لضعفه.مضافا إلى احتمال كون الغمز غير التليين؛لاشتماله على العنف دونه.

و ربما حمل على ما بعد الغسل (5).و لعلّه تكلّف،مع عدم جريانه في الحسن:«إذا غسّلتم الميت منكم فارفقوا به،و لا تعصروه،و لا تغمزوا له مفصلا»الحديث (6).و الجواب ما قدّمناه.

و عن العماني الفتوى بمضمون الخبر (7)،فيجري فيه ما احتمله .

و أن يغسل رأسه و جسده أمام الغسل برغوة السدر لاتفاق فقهاء أهل البيت عليهم السلام كما عن المعتبر (8).و هو الحجة فيه مع

ص:370


1- الكافي 3:4/140،التهذيب 1:873/298،الوسائل 2:481 أبواب غسل الميت ب 2 ح 5.
2- فقه الرضا(عليه السلام):165-166،المستدرك 2:167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
3- المعتبر 1:272،الخلاف 1:691.
4- التهذيب 1:1445/447،الاستبصار 1:723/205،الوسائل 2:497 أبواب غسل الميت ب 9 ح 1.
5- كما في المختلف:42.
6- التهذيب 1:1445/447،الاستبصار 1:723/205،الوسائل 2:497 أبواب غسل الميت ب 9 ح 1.
7- نقله عنه في المختلف:42.
8- المعتبر 1:272.

المسامحة،لا المرسل:«ثمَّ اغسل رأسه بالرغوة،و بالغ في ذلك،و اجتهد أن لا يدخل الماء منخريه و مسامعه،ثمَّ أضجعه على جانبه الأيسر،و صبّ الماء من نصف رأسه إلى قدمه ثلاث مرّات»الخبر (1).

لعدم دلالته-كغيره من الأخبار-على خروج ذلك عن الغسل،بل ظهوره في أنه أوّله.

نعم:يشعر به الصحيح:«غسل الميت يبدأ بمرفقه فيغسل بالحرض، ثمَّ يغسل رأسه و وجهه بالسدر،ثمَّ يفاض عليه الماء ثلاث مرّات»الخبر (2).

فتأمل .

فإن تعذّر السدر فالخطمي و شبهه في التنظيف،كما عن التذكرة و المنتهى و التحرير و نهاية الأحكام (3).

و لم أقف له على دليل.و ليس في الخبر:«و إن غسلت رأسه و لحيته بالخطمي فلا بأس» (4)دلالة عليه بوجه.

و أن يغسل فرجه بالحرض أي الأشنان خاصة،كما عن المقنعة و الاقتصاد و المصباح و مختصره و المراسم و السرائر (5).أو بإضافة السدر إليه،كما عن النهاية و المبسوط و المهذّب و الوسيلة و الشرائع و الجامع (6).

ص:371


1- الكافي 3:5/141،التهذيب 1:877/301،الوسائل 2:480 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
2- التهذيب 1:1444/446،الاستبصار 1:731/208،الوسائل 2:483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 7.
3- التذكرة 1:38،المنتهى 1:428،التحرير 1:17،نهاية الأحكام 2:223.
4- الفقيه 1:585/122،الوسائل 2:485 أبواب غسل الميت ب 2 ح 12.
5- المقنعة:76،الاقتصاد:248،مصباح المتهجد:18،المراسم:48،السرائر 1:162.
6- النهاية:34،المبسوط 1:178،المهذّب 1:58،الوسيلة:64،الشرائع 1:39،الجامع للشرائع:51.

و لم أقف على مستندهما سوى رواية الكاهلي،و ليس فيها إلاّ غسله بالسدر خاصة (1).و في الصحيح غسل مرافقه بالحرض (2)،و في الخبر غسله به (3)،الظاهر في غسل جميعه.

و أن يبدأ بغسل يديه كما عن جمل العلم و العمل و الغنية و كتب المصنف (4).ثلاثا،كما عن الاقتصاد و المصباح و مختصره و السرائر و الفقيه (5).

بماء السدر،كما عن الأخير.من رؤوس الأصابع إلى نصف الذراع،كما عن الدروس (6).

كلّ ذلك للمرسل:«ثمَّ اغسل يديه ثلاث مرّات كما يغتسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع»الخبر (7).

و المراد:بماء السدر،كما يستفاد من سياقه،و صرّح به في الحسن أو الصحيح:«ثمَّ تبدأ بكفيه و رأسه ثلاث مرّات بالسدر ثمَّ سائر جسده» الحديث (8).

ص:372


1- الكافي 3:4/140،التهذيب 1:873/299،الوسائل 2:481 أبواب غسل الميت ب 2 ح 5.و فيها:«ثمَّ ابدأ بفرجه بماء السدر و الحرض»و لعله سهو منه رحمه اللّه،كما أشار إليه في الجواهر 4:152.
2- المتقدم في ص:371.
3- التهذيب 1:1442/446،الاستبصار 1:724/206،الوسائل 2:484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 9.
4- جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):50،الغنية(الجوامع الفقهية):563؛و انظر المعتبر 1:272،و الشرائع 1:39.
5- الاقتصاد:248،مصباح المتهجد:18،السرائر 1:162،الفقيه 1:90.
6- الدروس:1:106.
7- تقدم في ص:371.
8- الكافي 3:1/138،التهذيب 1:874/299،الوسائل 2:479 أبواب غسل الميت ب 2 ح 2.

و يحمل الكف فيه على ما يعمّ الذراعين.أو يجمع بينه و بين السابق بالحمل على الاختلاف في الفضل.

و نحو المرسل الرضوي (1).

و عن الغنية:الإجماع على الاستحباب مع خلوهما عن النجاسة،و إلاّ فالوجوب (2).

ثمَّ المستحب في غسل رأسه أن يبدأ بشق رأسه الأيمن ثمَّ بغسل الأيسر إجماعا كما عن المعتبر و التذكرة (3)؛للخبر:«ثمَّ تحوّل إلى رأسه، فابدأ بشقه الأيمن من لحيته و رأسه،ثمَّ تثني بشقه الأيسر من رأسه و لحيته و وجهه» (4).

و يعمّه ما في آخر:«تبدأ بميامنه» (5).

و أن يغسل كل عضو منه ثلاثا في كل غسلة إجماعا،كما عن المعتبر و التذكرة و الذكرى (6)؛للخبرين ليونس (7)و الكاهلي (8)،و نحوهما الرضوي:«تبتدئ بغسل اليدين إلى نصف المرفقين ثلاثا ثلاثا،ثمَّ الفرج

ص:373


1- فقه الرضا(عليه السلام):181،المستدرك 2:167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):563.
3- المعتبر 1:272،التذكرة 1:38.
4- الكافي 3:4/140،التهذيب 1:873/298،الوسائل 2:481 أبواب غسل الميت ب 2 ح 5.
5- التهذيب 1:1442/446،الاستبصار 1:724/206،الوسائل 2:484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 9.
6- المعتبر 1:273،التذكرة 1:38،الذكرى:46.
7- الكافي 3:5/141،التهذيب 1:877/301،الوسائل 2:480 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
8- الكافي 3:4/140،التهذيب 1:873/298،الوسائل 2:481 أبواب غسل الميت ب 2 ح 5.

ثلاثا،ثمَّ الرأس ثلاثا،ثمَّ الجانب الأيمن ثلاثا،ثمَّ الجانب الأيسر ثلاثا بالماء و السدر،ثمَّ تغسله مرّة أخرى بالماء و الكافور على هذه الصفة،ثمَّ بالماء القراح مرّة ثالثة،فيكون الغسل ثلاث مرّات كل مرّة خمسة عشر صبة»إلى آخره (1).

و أن يمسح بطنه برفق في الغسلتين الأوّلتين بالسدر و الكافور قبلهما،حذرا من خروج شيء بعد الغسل؛لخبر الكاهلي و غيره (2)، و عن المعتبر الإجماع عليه (3).

إلاّ الحامل فيكره،كما عن صريح الوسيلة و الجامع و المنتهى (4)، حذرا من الإجهاض؛لخبر أم أنس بن مالك،عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا توفّيت المرأة فإن أرادوا أن يغسلوها فليبدءوا ببطنها،و يمسح مسحا رقيقا إن لم تكن حبلى،و إن كانت حبلى فلا تحرّكيها» (5).

و لا يستحب في الثالثة اتفاقا،كما عن المعتبر و التذكرة و الذكرى و ظاهر نهاية الأحكام (6)؛للأصل،و خلوّ الأخبار البيانية عنه.بل و عن الخلاف و الوسيلة و الجامع و الذكرى و الدروس كراهته (7)؛لأنه تعرض لكثرة الخارج كما عن الشهيد (8)،فتأمل .

و أن يقف الغاسل له على يمينه ،كما عن النهاية و المصباح

ص:374


1- تقدّم في ص:373 الرقم(1).
2- انظر الوسائل 2:483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 7،9.
3- المعتبر 1:273.
4- الوسيلة:65،الجامع للشرائع:51،المنتهى 1:430.
5- التهذيب 1:880/302،الاستبصار 1:728/207،الوسائل 2:492 أبواب غسل الميت ب 6 ح 3.
6- المعتبر 1:273،التذكرة 1:39،الذكرى:45،نهاية الأحكام 2:225.
7- الخلاف 1:695،الوسيلة:65،الجامع للشرائع:51،الذكرى:45،الدروس 1:106.
8- انظر الذكرى:45.

و مختصره و الجمل و العقود و المهذّب و الوسيلة و السرائر و الجامع و الشرائع و الغنية (1)،و فيها الإجماع.و هو الحجّة فيه بعد المسامحة،مع عموم التيامن المندوب إليه في الأخبار (2).

و عن المقنعة و المبسوط و المراسم و المنتهى:الاقتصار على الوقوف على الجانب (3)؛و لعلّه للأصل،و خلوّ النصوص عن الأيمن بالخصوص.

و فيه نظر؛لكفاية العموم مع الشهرة و الإجماع المحكي،مضافا إلى المسامحة في السنن الشرعية.

و أن يحفر للماء المنحدر عن الميت حفيرة تجاه القبلة؛ لأنه ماء مستقذر فيحفر له ليؤمن تعدي قذرة؛و للحسن أو الصحيح:«و كذلك إذا غسّل يحفر له موضع الغسل تجاه القبلة»الحديث (4).

و أن ينشف بعد الفراغ بثوب إجماعا،كما عن المعتبر و نهاية الأحكام و التذكرة (5)؛للمستفيضة منها الصحيح أو الحسن:«فإذا فرغت من ذلك جعلته في ثوب ثمَّ جففته» (6).

ص:375


1- النهاية:35،مصباح المتهجد:18،الجمل العقود(الرسائل العشر):165،المهذّب 1: 58،الوسيلة:64،السرائر 1:166،الجامع للشرائع:52،الشرائع 1:39،الغنية (الجوامع الفقهية):563.
2- قد تقدّم خبر في بحث سنن الوضوء،و هو:«كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يحب التيامن في طهوره و شغله و شأنه كلّه».مسند أحمد 6:94،صحيح البخاري 1:53.
3- المقنعة:76،المبسوط 1:178،المراسم:49،المنتهى 1:431.
4- الكافي 3:3/127،التهذيب 1:835/286،الوسائل 2:452 أبواب الاحتضار ب 35 ح 2.
5- المعتبر 1:277،نهاية الأحكام 2:227 و 241 من دون ذكر الإجماع،التذكرة 1:42.
6- الكافي 3:1/138،التهذيب 1:874/299،الوسائل 2:479 أبواب غسل الميت ب 2 ح 2.

و منها الرضوي:«فإذا فرغت من الغسلة الثالثة فاغسل يديك من المرفقين إلى أطراف أصابعك،و ألق عليه ثوبا ينشف به الماء عنه»إلى آخره (1).

ما يكره فيه

و يكره إقعاده إجماعا،كما عن الخلاف (2)؛للنهي عنه في الخبر (3)، و لأنه ضدّ الرفق المأمور به في الخبرين منهما الحسن (4).

و لاشتماله على كثير من المستحبات،مع الأصل و الشهرة العظيمة على الجواز،بل عن المعتبر الإجماع عليه (5)،مع إشعار إجماع الشيخ به،و ورود الأمر به في الصحيح:عن الميت فقال:«أقعده و اغمز بطنه» (6)حمل على الكراهة.

فالحرمة-كما عن ابن سعيد و ابن زهرة (7)-ضعيف.كالتأمل من الماتن في المعتبر في الكراهة،بناء على الأمر به في الصحيح المتقدم،و نحوه

ص:376


1- فقه الرضا(عليه السلام):167،المستدرك 2:167 أبواب غسل الميت ب 2 ذيل الحديث 3.
2- الخلاف 1:693.
3- الكافي 3:4/140،التهذيب 1:873/298،الوسائل 2:481 أبواب غسل الميت ب 2 ح 5.
4- الأول: التهذيب 1:1445/447،الاستبصار 1:723/205،الوسائل 3:34 أبواب التكفين ب 14 ح 5. الثاني: التهذيب 1:1441/445،الاستبصار 1:722/205،الوسائل 2:497 أبواب غسل الميت ب 9 ح 2.
5- المعتبر 1:277.
6- التهذيب 1:1442/446،الاستبصار 1:724/206،الوسائل 2:484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 9.
7- ابن سعيد في الجامع للشرائع:51،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):563.

الرضوي (1)؛لاحتماله الإباحة،بناء على احتمال وروده مورد توهّم الحرمة من النهي الوارد عنه في الرواية،فلا يفيد سوى الإباحة.مضافا إلى قوّة احتمال الحمل على التقية؛لكون الاستحباب مذهب العامة (2).

و قصّ شيء من أظفاره و ترجيل شعره و جزّه و نتفه،وفاقا للأكثر، بل عن المعتبر و التذكرة الإجماع عليه (3)؛للنهي عن الجميع في المستفيضة، منها المرسل كالحسن أو الصحيح:«لا يمسّ من الميت شعر و لا ظفر،و إن سقط شيء فاجعله في كفنه» (4).

و ظاهره الحرمة،كما عن ابني سعيد و حمزة فيهما (5)،و الخلاف و المبسوط و المقنعة في الأوّل (6)،مدّعيا عليه الإجماع في الأوّل.

و هي أحوط،و إن كانت الكراهة ليست بذلك البعيد؛للأصل، و التصريح بها في الخبرين:«كره أن يقصّ من الميت ظفر،أو يقصّ له شعر، أو يحلق له عانة أو يغمز له مفصل» (7).

و هي و إن كانت أعم من الحرمة و الكراهة،إلاّ أن الشهرة العظيمة،و درج الغمز في الرواية مع كون الكراهة بالنسبة إليه اصطلاحية باتفاق الطائفة،مضافا

ص:377


1- فقه الرضا(عليه السلام):166،المستدرك 2:167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
2- كما في المغني لابن قدامة 2:318.
3- المعتبر 1:278،التذكرة 1:42.
4- الكافي 3:1/155،التهذيب 1:940/323،الوسائل 2:500 أبواب غسل الميت ب 11 ح 1.
5- ابن سعيد في الجامع للشرائع:51،ابن حمزة في الوسيلة:65.
6- الخلاف 1:695،المبسوط 1:181،المقنعة:82.
7- الكافي 3:3/156 بتفاوت يسير،التهذيب 1:941/323،الوسائل 2:500 أبواب غسل الميت ب 11 ح 4.و الثاني في الكافي 3:2/156،الوسائل 2:500 أبواب غسل الميت ب 11 ح 2.

إلى الإجماعين المحكيين عن المعتبر و التذكرة،تعيّن الثاني.

هذا مضافا إلى ضعف الأخبار كلّها حتى الأوّل بالإرسال.و جعله فيه كالمسند بناء على ذكر الأصحاب له،و قد خالفوا هنا،فكالمرسل.

و بالجملة:العمدة في قبول مثل هذا المرسل تصريح الأصحاب بقبوله، و هو مختص بمورده،و قد ردّه الأصحاب هنا،فلا عبرة به،فتأمل .

و لا يعارض شيئا ممّا ذكر-سيّما الإجماعين المحكيين على الكراهة- الإجماع المحكي عن الخلاف على تحريم الأوّل خاصة،مع تطرّق الوهن إليه بمصير معظم الأصحاب على خلافه.و يحتمل شدة الكراهة،و يؤيده النص عليها بعد ذلك في الكتاب المذكور و نقل الإجماع عليها.

و جعله بين رجلي الغاسل وفاقا للأكثر؛للنهي عنه في الخبر (1).

و قد صرف عن ظاهره لآخر:«لا بأس أن تجعل الميت بين رجليك و أن تقوم فوقه فتغسله إذا قلبته يمينا و شمالا تضبطه برجليك لئلاّ يسقط لوجهه» (2).

مع الأصل،و الشهرة العظيمة،و اتفاق الطائفة المحكية عن الغنية على الجواز و على الكراهة (3).

و إرسال الماء المغتسل به في الكنيف للبول و الغائط،وفاقا للمعظم،بل عن الذكرى الإجماع عليه (4)؛لمكاتبة الصفّار في الصحيح إلى مولانا العسكري عليه السلام:هل يجوز أن يغسّل الميت و ماؤه الذي يصبّ

ص:378


1- رواه في المعتبر 1:277.و لم نعثر عليه في كتب الحديث.
2- الفقيه 1:587/122،التهذيب 1:1448/447،الاستبصار 1:725/206،الوسائل 2: 543 أبواب غسل الميت ب 33 ح 1.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):563.
4- الذكرى:45.

عليه يدخل إلى بئر كنيف؟فوقّع عليه السلام:«يكون ذلك في بلاليع» (1).

و عن الفقيه عدم الجواز (2).و يحتمل شدة الكراهة.

و يظهر من المكاتبة أنه لا بأس بالبالوعة وفاقا للفقيه و كتب الماتن (3)،و نسب في المعتبر إلى الخمسة و أتباعهم.

و اشترط في ذلك في النهاية و المبسوط و الوسيلة و المهذّب و نهاية الأحكام و التذكرة تعذر اتخاذ حفيرة (4).

و هل تشمل البالوعة ما تشتمل على النجاسة؟وجهان.أظهرهما:نعم، و الأحوط:لا.

ص:379


1- الكافي 3:3/150،التهذيب 1:1378/431،الوسائل 2:538 أبواب غسل الميت ب 29 ح 1.
2- الفقيه 1:91.
3- الفقيه 1:91،الماتن في الشرائع 1:38،و المعتبر 1:278.
4- النهاية:33،المبسوط 1:177،الوسيلة:65،المهذّب 1:57،نهاية الأحكام 2:222، التذكرة 1:38.
الثالث في الكفن

الثالث :في بيان أحكام الكفن.

الواجب

و الواجب منه ثلاث قطع مطلقا في الرجل و المرأة،على الأشهر الأظهر،بل عليه الإجماع عن الخلاف و الغنية و المعتبر (1)؛للمعتبرة المستفيضة و غيرها.

منها الصحيح:«يكفّن الرجل في ثلاثة أثواب،و المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة:درع و منطق و خمار و لفّافتين» (2).

و الصحيح:«كفّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ثلاثة أثواب:برد أحمر حبرة،و ثوبين أبيضين صحاريين» (3).

و الحسن:«كتب أبي في وصيته أن أكفّنه بثلاثة أثواب:أحدها رداء حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة،و ثوب آخر،و قميص» (4).

و الموثق:عمّا يكفّن به الميت،فقال:«ثلاثة أثواب،و إنّما كفّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ثلاثة أثواب:ثوبين صحاريين و ثوب حبرة، و الصحارية تكون باليمامة.و كفّن أبو جعفر عليه السلام في ثلاثة أثواب» (5).

و ظاهر نقل تكفينهما صلّى اللّه عليهما و آلهما الدلالة على لزوم الثلاثة، بناء على لزوم التأسي في أمثال المسألة.و منه ظهر وجه الاستناد إلى الخبرين المتقدمين على هذه الرواية.

ص:380


1- الخلاف 1:701،الغنية(الجوامع الفقهية):563،المعتبر 1:279.
2- الكافي 3:3/147،التهذيب 1:945/324،الوسائل 3:8 أبواب التكفين ب 2 ح 9.
3- التهذيب 1:869/296،الوسائل 3:7 أبواب التكفين ب 2 ح 3.
4- الكافي 3:7/144،الفقيه 1:423/93،التهذيب 1:857/293،الوسائل 3:9 أبواب التكفين ب 2 ح 10.
5- التهذيب 1:850/291،الوسائل 3:7 أبواب التكفين ب 2 ح 6.

و ظاهرها الإطلاق،بل العموم للرجل و المرأة،فتحمل الخمسة في المرأة في الصحيحة الأولى على الندب،وفاقا للجماعة.و عليه تحمل المرسلة المصرّحة بكونها فيها مطلقا فريضة (1).مع ضعفها،و منافاة إطلاقها لإطلاق الرواية السابقة و مفهوم خصوص الصحيحة المزبورة.

و كيف كان:فمخالفة سلاّر بإيجابه الثوب الواحد خاصة (2)ضعيفة،مع عدم الإيماء إليه في شيء من الأخبار المعتبرة و غيرها بالمرّة.

و أمّا الصحيح:«إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب و ثوب تام لا أقلّ منه» (3).

فلا دلالة له عليه؛إذ هي على تقدير كون الواو بمعنى أو ،أو رجحان النسخة الموجودة هي فيها دونها،و لا دليل عليهما.مضافا إلى فقدهما معا في أكثر النسخ المعتبرة،فيكون كالأخبار السابقة في لزوم الثلاثة و عدم الاكتفاء بالواحد،و إن كان الظاهر وجود أحدهما،لاستلزام فقدهما حزازة العبارة ، مضافا إلى وجود الواو في رواية الكليني المرجحة على رواية غيره،للأضبطية.

و بعد تسليم اتفاق النسخ بلفظه«أو»يحتمل الحمل على الضرورة،و إن كان لا يخلو عن المناقشة .و الأقرب الحمل على التقية ؛لكون الاكتفاء بالثوب الواحد مذهب العامة (4).

و الثلاثة الأثواب هي مئزر يستر ما بين السرّة و الركبة ،كما عن المسالك و روض الجنان و الروضة (5)؛لأنه المفهوم منه في العرف و العادة.

ص:381


1- التهذيب 1:851/291،الوسائل 3:8 أبواب التكفين ب 2 ح 7.
2- المراسم:47.
3- الكافي 3:5/144،التهذيب 1:854/292،الوسائل 3:6 أبواب التكفين ب 2 ح 1 و 2.
4- كما في مغني المحتاج 1:337.
5- المسالك 1:13،روض الجنان:103،الروضة 1:129.

و يحتمل ما يسترهما كما عن بعض (1).

و عن المراسم و المقنعة:من سرّته إلى حيث يبلغ من ساقيه (2).

و عن المصباح و مختصره:من سرّته إلى حيث يبلغ المئزر (3).

و عن الوسيلة و الجامع:استحباب ستره من الصدر إلى الساقين (4).

و في الذكرى:استحباب ستر الصدر و الرّجلين (5)؛للخبر:«يغطّي الصدر و الرجلين» (6)و لا بأس به لكن للورثة أو بإذنهم أو مع الوصية.

و قميص يصل إلى نصف الساق؛لأنه المفهوم منه عرفا،كما عن الكتب الثلاثة المتقدمة و غيرها (7).

و عن الأخير استحباب كونه إلى القدم،و احتمال جوازه و إن لم يبلغ نصف الساق (8).و هو مشكل؛لندرته و لا سيّما في زمان صدور أخباره.

و إزار يشمل جميع بدنه طولا و عرضا و لو بالخياطة.و يستحب الزيادة طولا بحيث يمكن عقده من قبل الرأس و الرجلين،و عرضا بحيث يمكن جعل أحد جانبيه على الآخر.و الأصح وجوبها،وفاقا للروض و غيره (9)؛لعدم تبادر مثل ذلك من الأخبار (10).

ص:382


1- كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 1:382.
2- المراسم:49،المقنعة:78.
3- مصباح المتهجد:19.
4- الوسيلة:66،الجامع للشرائع:53.
5- الذكرى:49.
6- التهذيب 1:887/305،الوسائل 3:33 أبواب التكفين ب 14 ح 4.
7- المسالك 1:13،روض الجنان:103،الروضة 1:129.و انظر جامع المقاصد 1:382.
8- الروضة 1:129،و فيها استحباب كونه إلى القدم،و أما احتمال الجواز مطلقا فهو في الروض: 103.
9- روض الجنان:103؛و انظر جامع المقاصد 1:382.
10- أي:مثل ما كان شاملا و لو بالخياطة،بل المتبادر هو الزيادة بحيث يمكن عقده من قبل الرأس و الرجلين.حاشية في«ش».

و تعيين الأوليين هو المشهور بين الأصحاب و دلّ عليه أكثر أخبار الباب، فممّا دلّ منها عليهما الصحيحة السابقة أوّل المستفيضة؛للتصريح فيها للمرأة بالدرع الذي هو قميص،و المنطق الذي هو إزار،و لا فرق بينها و بين الرجل في ذلك إجماعا،و الزائد لها إنّما هو الخمار و اللفافة الثانية.

و الصحيح:كيف أصنع بالكفن؟قال:«خذ خرقة فتشدّ على مقعدته و رجليه»قلت:فالإزار؟قال:«إنها لا تعدّ شيئا،إنما تصنع لتضم ما هناك و أن لا يخرج منه شيء»إلى أن قال:«ثمَّ الكفن قميص غير مزرور و لا مكفوف» (1).

و دلالته واضحة على كون المراد بالإزار هنا المئزر بقرينة توهّم عدم لزومه بشد الخرقة،و لا وجه له لو كان المراد به اللفافة،لبعدها من محل التوهم.

مضافا إلى أنّ الإزار هو المئزر،لغة،كما عن الصحاح:المئزر:

الإزار (2)و مجمع البحرين:معقد الإزار من الحقوين ،و يستفاد منه أيضا أنّ إطلاق الإزار على الثوب الشامل للبدن على ندرة (3).و في الكنز:الإزار:لنگ كوچك (4).

و شرعا كما يستفاد من النصوص المستفيضة الواردة في باب ستر العورة لدخول الحمّام،ففي الموثق في جماعة دخلوا الحمّام بغير إزار:«ما يمنعكم من الإزار؟!فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:عورة المؤمن على المؤمن حرام» (5).

ص:383


1- الكافي 3:9/144،التهذيب 1:894/308،الوسائل 3:8 أبواب التكفين ب 2 ح 8. و في الجميع بتفاوت يسير.
2- صحاح الجوهري 2:578.
3- مجمع البحرين 3:204.
4- كنز اللغات:118 مادة«إزار».
5- الكافي 6:8/497،الفقيه 1:252/66،الوسائل 2:39 أبواب آداب الحمام ب 9 ح 4.

و في الخبر:كنت في الحمّام في البيت الأوسط،فدخل عليّ أبو الحسن و عليه النورة و عليه الإزار فوق النورة (1).

و الأخبار كثيرة في ذلك جدا في مقامات عديدة كما ذكر،و مبحث كراهة الاتزار فوق القميص،و بحث ثوبي الإحرام كما يأتي،بحيث يظهر كون الاستعمال بطريق الحقيقة.

و منه يظهر دلالة الموثق:«ثمَّ تبدأ فتبسط اللفافة طولا ثمَّ تذر عليها من الذريرة،ثمَّ الإزار طولا حتى يغطّي الصدر و الرّجلين،ثمَّ الخرقة عرضها قدر شبر و نصف،ثمَّ القميص» (2)مضافا إلى ظهور كون الإزار فيه بمعنى المئزر؛ للتصريح بتغطية الرجلين و الصدر به خاصة،و اللفافة تعمّ البدن.

و الخبر:«يكفن الميت في خمسة أثواب:قميص لا يزرّ عليه ،و إزار، و خرقة يعصب بها وسطه،و برد يلفّ فيه،و عمامة يعمّم بها» (3)و في تخصيص لفّ الميت بالبرد خاصة إشعار بعدمه في المئزر كالقميص،و ليس إلاّ لعدم وفائه بجميع بدن الميت.

و المرسل:«ابسط الحبرة بسطا،ثمَّ ابسط عليه الإزار،ثمَّ ابسط القميص عليه» (4)لظهور كون الحبرة فيه هي اللفافة،و عرفت أنّ الإزار حيث يطلق هو المئزر.

و أظهر منها الرضوي:«و يكفّن بثلاثة أثواب:لفّافة و قميص و إزار» (5)إذ

ص:384


1- الفقيه 1:251/65،التهذيب 1:1147/374،الوسائل 2:39 أبواب آداب الحمام ب 9 ح 3.
2- التهذيب 1:887/305،الوسائل 3:33 أبواب التكفين ب 14 ح 4.
3- الكافي 3:11/145،التهذيب 1:900/310،التهذيب 1:858/293،الوسائل 3: 10 أبواب التكفين ب 2 ح 13.
4- الكافي 3:1/143،التهذيب 1:888/306،الوسائل 3:32 أبواب التكفين ب 14 ح 3.
5- فقه الرضا(عليه السلام):182،المستدرك 2:205 أبواب الكفن ب 1 ح 1.

لو كان المراد بالإزار اللفّافة لكان اللازم أن يقال:قميص و لفافتان.

و بهذه الأخبار المستفيضة يحمل إطلاق غيرها من المعتبرة المتقدمة.

هذا،مع أنّ المستفاد من بعض الصحاح كون الثوبين اللذين كفّن بهما الرسول صلّى اللّه عليه و آله كما في المعتبرة هما الإزار و القميص،ففي الصحيح:«كان ثوبا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اللذان أحرم فيهما يمانيين، عبري و أظفار،و فيهما كفّن» (1).

لما سيأتي-إن شاء اللّه تعالى-في الحج أنّ ثوبي الإحرام إزار يتزر به و رداء يتردى به،كما يستفاد من الأخبار كالصحيح:«و التجرد في إزار و رداء، أو إزار و عمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء» (2).

و بذلك ثبت أن من أجزاء كفنه صلّى اللّه عليه و آله الإزار.

و نحوه الكلام في الصحيح عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال:

سمعته يقول:«إني كفّنت أبي في ثوبين شطويّين كان يحرم فيهما،و في قميص من قمصه» (3).

و ظاهر الحسن المتقدم (4)في تكفين أبي جعفر عليه السلام أيضا ذلك، حيث إنّ الظاهر من الرداء الحبرية عدم شموله البدن فليس إلاّ الإزار.

و حيث إنّ هذه الأخبار أفصحت عن المراد بالثلاثة الأثواب المأمور بها في الأخبار ظهر أن القطع الثلاث المزبورة مأمور بها واجبة و إن قصرت أكثر هذه الأخبار بنفسه عن إفادة الوجوب.

ص:385


1- الفقيه 2:975/214،الوسائل 3:16 أبواب التكفين ب 5 ح 1.
2- الكافي 4:7/249،الوسائل 11:223 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 15.
3- الكافي 3:8/149،التهذيب 1:1393/434،الاستبصار 1:742/210،الوسائل 3: 10 أبواب التكفين ب 2 ح 15.
4- في ص:380.

مع أنه يكفي في الوجوب وجوب تحصيل البراءة اليقينية،و لا ريب في حصولها بالقطع الثلاث المزبورة؛للأخبار المذكورة،مضافا إلى الشهرة العظيمة.و بدونها و لو كان ثلاثة أثواب شاملة لم تحصل؛للشك في أرادتها ممّا دلّ على الأثواب بقول مطلق،فيحتمل القطع المزبورة الواردة في هذه الأخبار.

و من جميع ما ذكر يظهر ضعف القول بالتخيير بين الثلاثة الأثواب الشاملة للبدن و بين القميص و الثوبين الشاملين (1)،مضافا إلى أنه ليس في شيء من الأخبار قيد الشمول،و إطلاقه يعمّه و غيره،فهو كالمجمل المعيّن بما قدّمناه من الأخبار المبيّنة.

و ليس في الحسن:قلت:فالكفن؟قال:«تؤخذ خرقة يشدّ بها سفله و يضمّ فخذيه بها ليضمّ ما هناك،و ما يصنع من القطن أفضل،ثمَّ يكفّن بقميص و لفافة و برد يجمع فيه الكفن» (2)دلالة على عدم المئزر و إبداله بلفّافة أخرى.

و ذلك لأنّ الظاهر من اللفافة و إن كان ما يعمّ البدن إلاّ أنّ المراد منها هنا ما يلفّ به الحقوان لا جميع البدن بقرينة أنه لم يقل:لفّافتان.و مع ذلك قوله:

«برد يجمع فيه الكفن»مشعر باختصاص شمول البدن به دون اللفافة،فتأمل .

و ربما دلّ بعض الأخبار على عدم وجوب القميص كالخبر:عن الثياب التي يصلي فيها الرجل و يصوم أ يكفّن فيها؟قال:«أحبّ ذلك الكفن يعني قميصا»قلت:يدرج في ثلاثة أثواب؟قال:«لا بأس به،و القميص أحب إليّ» (3).

ص:386


1- قال به ابن الجنيد على ما نقله عنه في المعتبر 1:279.
2- التهذيب 1:1445/447،الاستبصار 1:723/205 و فيهما:«سفليه»بدل:«سفله»، الوسائل 3:34 أبواب التكفين ب 14 ح 5.
3- التهذيب 1:855/292،الوسائل 3:7 أبواب التكفين ب 2 ح 5.

لكنه قاصر سندا،بل و دلالة ؛لاحتمال كون الألف و اللام في القميص للعهد،أي القميص الذي يصلي فيه أحب إليّ لا مطلق القميص حتى يقال إنه يجوز تركه.و هو و إن كان بعيدا إلاّ أنه لا بأس بالمصير إليه جمعا بين الأدلة فالقول باستحبابه-كما عن الإسكافي و المعتبر و به صرّح غيره (1)-ضعيف .

ثمَّ إنّ المشهور في كيفية التكفين بالقطع الثلاث الابتداء بالمئزر فوق خرقة الفخذين،ثمَّ القميص،ثمَّ اللفافة ،ثمَّ الحبرة المستحبة؛حكي عن المقنعة و النهاية و المبسوط و السرائر و الذكرى و الدروس و البيان (2).

و لم أقف في الأخبار على ما يدل عليه،بل دلّت على الابتداء بالقميص قبل المئزر كما حكي عن العماني.

و لعلّ متابعتهم أولى؛لقصور الأخبار عن إفادة الوجوب،و حصول الامتثال بذلك.و إن كان حصوله بما ذكره العماني أيضا غير بعيد؛للإطلاق، مع التصريح به في تلك الأخبار.

و يجب أن يكون الكفن ممّا تجوز الصلاة فيه للرجال اختيارا كما في القواعد و عن الوسيلة (3).فيحرم من الذهب و الحرير المحض للميت مطلقا حتى المرأة،كما عن المعتبر و نهاية الأحكام و الذكرى و التذكرة (4).

و عن الكافي و الغنية:اشتراط جواز الصلاة بقول مطلق من دون تصريح به للرجال (5).

ص:387


1- المعتبر 1:279؛و انظر المدارك 2:94.
2- المقنعة:77-79،النهاية:35،المبسوط 1:179،السرائر 1:164،الذكرى: 49،الدروس 1:110،البيان:71.
3- القواعد 1:18،الوسيلة:66.
4- المعتبر 1:280،نهاية الأحكام 2:242،الذكرى:46،التذكرة 1:43.
5- الكافي في الفقه:237،الغنية(الجوامع الفقهية):563.

و لا دليل على هذه الكلية من الأخبار؛إذ غاية ما يستفاد منها المنع عن الحرير المحض خاصة،كما في الخبر:في ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قزّ و قطن،هل يصلح أن يكفّن فيها الموتى؟قال:«إذا كان القطن أكثر من القزّ فلا بأس» (1).

و في المرسل في بعض الكتب:«و نهى أن يكفّن الرجال في ثياب الحرير» (2).

و الأخبار الناهية عن التكفين في كسوة الكعبة (3).

و هي-كالأول-عامة للرجل و المرأة.

مضافا إلى المرسل:كيف تكفّن المرأة؟قال:«كما يكفّن الرجل» (4)فتأمل .مضافا إلى دعوى الإجماع عليه (5).

فلا ينافيه تخصيص النهي عنه في المرسل السابق بالرجال،مع عدم الاعتبار بمفهومه.فاحتمال العلاّمة-رحمه اللّه-في النهاية و المنتهى (6)جوازه للنسوة-استصحابا للحالة السابقة-محل مناقشة .

و لاختصاص الأدلة بالمنع عن الحرير خاصة اقتصر عليه جماعة،كما في الشرائع و عن المبسوط و الاقتصاد و النهاية و الجامع و التحرير و المعتبر و نهاية الأحكام و التذكرة (7)،مع الإجماع على المنع منه في الكتب الثلاثة الأخيرة

ص:388


1- الكافي 3:12/149،الفقيه 1:415/90،التهذيب139/،الاستبصار 1: 744/211،الوسائل 3:45 أبواب التكفين ب 23 ح 1.
2- دعائم الإسلام 1:232،المستدرك 2:226 أبواب الكفن ب 19 ح 2.
3- الوسائل 3:44 أبواب التكفين ب 22.
4- الكافي 3:2/147،التهذيب 1:944/324،الوسائل 3:11 أبواب التكفين ب 2 ح 16.
5- انظر الذكرى:46.
6- نهاية الأحكام 2:242،المنتهى 1:438.
7- الشرائع 1:39،المبسوط 1:176،الاقتصاد:248،النهاية:31،الجامع للشرائع:53،التحرير 1:18،المعتبر 1:280،نهاية الأحكام 2:242،التذكرة 1:43.

كالذكرى (1).

و يمكن الاعتذار عمّا في المتن و غيره باختصاص أخبار التكفين بحكم التبادر بالقطن،مضافا إلى النهي عن الكتّان في الخبر (2)،و إشعار به في آخر (3)،المستلزم ذلك للنهي عن غيره بطريق أولى،و يلحق به ما اجمع على جوازه كالصوف ممّا يؤكل لحمه،و دلّ عليه الرضوي:«و لا بأس في ثوب صوف» (4)و يبقى جواز الباقي-و منه ما لا يتم الصلاة فيه-خاليا عن الدليل.و هو كاف في المنع،بناء على وجوب تحصيل البراءة اليقينية في مثل المقام .

و من هنا ينقدح وجه المنع عن الجلد مطلقا،وفاقا للمعتبر و النهاية و التذكرة و الذكرى (5)و إن استشكل في الثاني في جلد المأكول المذكى،مضافا إلى عدم إطلاق الثياب عليه.

و كذا الشعر و الوبر،وفاقا للإسكافي (6)،خلافا للكتب المزبورة.

و مع الضرورة تجزي اللفافة الواحدة الشاملة لجميع البدن إن أمكن، و إلاّ فما تيسر و لو ما يستر العورتين خاصة.و تجب إجماعا؛لأصالة بقاء الوجوب، و ما دلّ على أنّ«الميسور لا يسقط بالمعسور» (7).

و لو أحوجت إلى ما منع عنه سابقا،فإن كان المنع للنهي عنه كالحرير

ص:389


1- الذكرى:46.
2- التهذيب 1:1465/451،الاستبصار 1:745/211،الوسائل 3:42 أبواب التكفين ب 20 ح 2.
3- الكافي 3:7/149،الفقيه 1:414/89،التهذيب 1:1392/434،الاستبصار 1: 741/210،الوسائل 3:42 أبواب التكفين ب 20 ح 1.
4- فقه الرضا(عليه السلام):169.
5- المعتبر 1:280،نهاية الأحكام 2:243،التذكرة 1:43،الذكرى:46.
6- كما نقله عنه في المعتبر 1:280.
7- عوالي اللئالي 4:205/58.

اتجه المنع هنا؛للإطلاق.مع احتمال الجواز؛للأصل،و اختصاص النهي بحكم التبادر بحال الاختيار.

و إن كان لغيره ممّا ذكرنا اتجه الجواز؛للأصل،و انتفاء المانع، لاختصاصه بصورة وجود غيره ممّا يجوز التكفين به.و أمّا الوجوب فمشكل؛ لعدم الدليل عليه،لعدم الإجماع فيه،و اختصاص الأمر بالتكفين في الأخبار بحكم التبادر بغيره.و يمكن جريان الإشكال في الأوّل (1)؛لوجود المانع من إضاعة المال و تفويته من دون رخصة .فالمسألة محل إشكال.

و من هنا ينقدح وجه آخر للمنع عن الحرير هنا و حال الاختيار.

و يجب التحنيط-فيمن عدا المحرم فيحرم على الأشهر الأظهر- للإجماع عليه عن الخلاف و المنتهى و التذكرة (2).خلافا للمراسم فاستحبه (3).

و ينبغي الابتداء به قبل الأخذ في التكفين؛لظاهر المعتبرة،منها الخبر الصحيح:«إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور فمسحت آثار السجود» (4)و نحوه الرضوي (5)و المرسل (6).

و بالوجوب صرّح في القواعد (7).و في استفادته منها إشكال .

و عن صريح المراسم و التحرير و المنتهى و نهاية الأحكام و ظاهر النهاية

ص:390


1- أي الجواز.
2- الخلاف 1:708،المنتهى 1:439،التذكرة 1:44.
3- المراسم:49.
4- التهذيب 1:1403/436،الاستبصار 1:750/213،الوسائل 3:37 أبواب التكفين ب 16 ح 6.
5- فقه الرضا(عليه السلام):168،المستدرك 2:219 أبواب الكفن ب 13 ح 1.
6- الكافي 3:1/143،التهذيب 1:888/306،الوسائل 3:32 أبواب التكفين ب 14 ح 3.
7- القواعد 1:18.

و المبسوط و المقنعة و الوسيلة:كونه بعد التأزير بالمئزر (1)،بل عن المقنعة و المراسم و المنتهى:جواز التأخير عن لبس القميص،و عن المهذّب:التأخير عن لبسه و لبس العمامة أو عن شدّ الخامسة (2).

و لا ريب أنّ ما ذكرناه أحوط.

و يحصل ب إمساس مساجده السبعة خاصة على الأشهر الأظهر؛ للخبر:عن الحنوط للميت،قال:«اجعله في مساجده» (3).

و هو مع اعتبار سنده بالموثقية معتضد بالشهرة.

و عن العماني و المفيد و الحلبي و القاضي و المنتهى:إلحاق طرف الأنف الذي يرغم به (4)؛و لعلّه لعموم الخبر،حيث إنّه من المساجد،و لكن في وجوبه نظر.

و أما الزائد عليها فيستحب-إن لم يقم على النهي عنه دليل-كالمفاصل و الراحة و الرأس و اللحية و الصدر و العنق و اللّبة و باطن القدمين و موضع القلادة؛ لورود الأمر بها في المعتبرة (5).و ليس للوجوب؛للأصل،و لاختلافها بالنسبة إلى المذكورات نقيصة و زيادة،مع اشتمالها على كثير من المستحبات.

و أمّا ما قام الدليل على النهي عنه في الروايات كالمسامع و الاذن و غيرهما فالأحوط الاجتناب و إن ورد الأمر به في غيرها؛لموافقته العامة (6)؛مع ما عن

ص:391


1- المراسم:49،التحرير 1:18،المنتهى 1:439،نهاية الأحكام 2:246،النهاية:35، المبسوط 1:179،المقنعة:78،الوسيلة:66.
2- المهذّب 1:61.
3- الكافي 3:15/146،الوسائل 3:36 أبواب التكفين ب 16 ح 1.
4- نقله عن العماني في المختلف:43،المفيد في المقنعة:78،الحلبي في الكافي:237، القاضي في المهذّب 1:61،المنتهى 1:439.
5- الوسائل 3:37 أبواب التكفين ب 16 ح 5 و 6.
6- كما في المغني لابن قدامة 2:336.

الخلاف من الإجماع على أنه لا يترك على أنفه و لا اذنه و لا عينيه و لا فيه (1).

و يحصل ب مسمّى الكافور و إن قلّ كما في القواعد و الروضة و عن الجمل و العقود و الوسيلة و السرائر و الجامع (2)؛للأصل،و الإطلاق،و في الموثق:«و اجعل الكافور في مسامعه و أثر السجود منه و فيه،و أقلّ من الكافور» (3).

سننه

و سننه :

يغتسل الغاسل قبل تكفينه أو يتوضأ

أن يغتسل الغاسل قبل الأخذ في تكفينه أو يتوضأ كما في الشرائع و عن النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع (4).و ليس عليه رواية،و علّل بتعليلات عليلة معارضة باستحباب تعجيل التجهيز،و الصحيحين:«ثمَّ يلبسه أكفانه ثمَّ يغتسل» (5)و نحوه المروي في الخصال (6).فإذا التأخير أولى،وفاقا لبعض الأصحاب (7).

ثمَّ ظاهر المتن-كغيره-استحباب تقديم غسل المس.

و عن الذكرى أنّ من الأغسال المسنونة الغسل للتكفين (8).و عن النزهة

ص:392


1- الخلاف 1:704.
2- القواعد 1:18،الروضة 1:133،الجمل و العقود(الرسائل العشر):166،الوسيلة:66، السرائر 1:160،الجامع للشرائع:53.
3- التهذيب 1:887/305،الوسائل 3:33 أبواب التكفين ب 14 ح 4.
4- الشرائع 1:39،النهاية:35،المبسوط 1:179،السرائر 1:164،الجامع للشرائع: 52.
5- الكافي 3:2/160،التهذيب 1:1364/428،الوسائل 3:56 أبواب التكفين ب 15 ح 1.و الآخر في:التهذيب 1:1444/446،الاستبصار 1:731/208،الوسائل 3: 483،أبواب غسل الميت ب 2 ح 7.
6- الخصال:618،الوسائل 3:292 أبواب غسل المس ب 1 ح 13.
7- كصاحب المدارك 1:99.
8- الذكرى:24.

أنّ به رواية (1)؛و لم أقف عليها،و ليست الصحيح:«الغسل في سبعة عشر موطنا..و إذا غسلت ميتا أو كفّنته أو مسسته بعد ما يبرد» (2)إلاّ على تقدير حمل«إذا غسّلت»على إرادة التغسيل،و هو مجاز،مع منافاته السياق، فتدبر .

نعم يستحب غسل اليدين من العاتق قبل التكفين؛للصحيحين،في أحدهما:«ثمَّ يغسل الذي غسله يده قبل أن يكفنه إلى المنكبين ثلاث مرّات، ثمَّ إذا كفنه اغتسل» (3).

و دونه غسلهما إلى المرفقين،و الرّجلين إلى الركبتين؛لرواية عمّار (4).

و أن يزاد للرجل خاصة،كما عن الإصباح و التلخيص و الوسيلة (5)،أو المرأة أيضا،كما هو ظاهر جماعة (6)حبرة كعنبة:ضرب من برود اليمن يمنية. و يستحب كونها عبرية بكسر العين أو فتحها منسوبة إلى العبر:

جانب الوادي،أو موضع كما هنا و في الشرائع و المبسوط و الوسيلة و الإصباح و النهاية (7)؛للرواية:«كفّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ثلاثة أثواب:ثوبين

ص:393


1- نزهة الناظر:16.
2- الفقيه 1:172/44،الخصال:1/508،الوسائل 3:56 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 4.
3- التهذيب 1:1444/446،الاستبصار 1:731/208،الوسائل 3:56 أبواب التكفين ب 35 ح 2.و الصحيح الآخر:الكافي 3:2/160،التهذيب 1:1364/428،الوسائل 3: 56 أبواب التكفين ب 35 ح 1.
4- التهذيب 1:887/305،الوسائل 3:56 أبواب التكفين ب 35 ح 3.
5- حكاه عنها في كشف اللثام 1:116.
6- في«ح»زيادة:من المتأخرين.انظر التذكرة 1:43،و الذكرى:47،و جامع المقاصد 1: 52.
7- الشرائع 1:40،المبسوط 1:176،الوسيلة:65،حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1: 116،النهاية:31.

صحاريين ،و ثوب يمنية عبري أو أظفار» (1).

و المستفاد منها-كسائر الأخبار-كونها أحد الثلاثة كما عن العماني (2)، لا زائدة كما في المشهور.بل المستفاد من بعض المعتبرة كون الزيادة موافقة للتقية كالحسن أو الصحيح:«كتب أبي في وصيته أن أكفّنه في ثلاثة أثواب:

أحدها رداء له حبرة كان يصلّي فيه يوم الجمعة،و ثوب آخر،و قميص.فقلت لأبي:و لم تكتب هذا؟فقال:أخاف أن يغلبك الناس،فإن قالوا:كفّنه في أربعة أو خمسة فلا تفعل» (3).و نحوه بعينه الرضوي (4).

و يؤيده النهي عن الزيادة على الثلاثة،بل التصريح بأنها بدعة في بعض المعتبرة كالحسن أو الصحيح،و فيه بعد ذكر الثلاثة المفروضة:«و ما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة أثواب فما زاد فمبتدع،و العمامة سنّة» (5).

و لا ريب أن الزائد على الثلاثة الذي هو سنة هو العمامة و الخرقة المعبّر عنها بالخامسة.

هذا مع ما في الزيادة من إتلاف المال و الإضاعة المنهي عنهما في الشريعة.

إلاّ أن الحكم بذلك مشهور بين الطائفة،بل عليه الإجماع عن المعتبر و الذكرى و التذكرة (6)،و يومئ إليه بعض أخبار المسألة.

ص:394


1- التهذيب 1:853/292،الوسائل 3:7 أبواب التكفين ب 2 ح 4.
2- نقله عنه في الذكرى:48.
3- الكافي 3:7/144،الفقيه 1:423/93،التهذيب 1:857/293،الوسائل 3:9 أبواب التكفين ب 2 ح 10.
4- فقه الرضا(عليه السلام):183،المستدرك 2:205 أبواب الكفن ب 1 ح 1.
5- الكافي 3:5/144،التهذيب 1:854/292،الوسائل 3:6 أبواب التكفين ب 2 ح 1.
6- المعتبر 1:283،الذكرى:46،التذكرة 1:43.

ففي الخبر عن أبي الحسن الأول عليه السلام يقول:«إني كفّنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما،و في قميص من قمصه،و عمامة كانت لعلي بن الحسين عليهما السلام،و في برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربع مائة دينار» (1).

و لكنه يحتمل التقية،و لا سيّما مع شدتها في زمانه عليه السلام غاية الشدة.و الاحتياط بالترك لعلّه غير بعيد؛إذ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة،فتأمّل.

و يستحب أيضا أن تكون غير مطرّزة بالذهب كما في الشرائع و المبسوط و الوسيلة و الجامع و المعتبر و النهاية (2)،و لا بالحرير كما عمّا عدا الأول من الكتب المزبورة؛لأنّه إضاعة للمال منهي عنها في الشريعة مع عدم الرخصة.

و أن يراد أيضا خرقة ل ربط فخذيه بلا خلاف؛ للمستفيضة.و طولها ثلاثة أذرع و نصف في عرض شبر كما في المرسل (3)، و لكن ليس فيه ذكر الطول،أو و نصف كما في الخبر الموثق المتضمن للطول أيضا (4).

و يثفر بها الميت ذكرا أو أنثى،و يلفّ بالباقي حقويه إلى حيث ينتهي، ثمَّ يدخل طرفها تحت الجزء الذي ينتهي إليه.

ص:395


1- الكافي 3:8/149،التهذيب 1:1393/434،الاستبصار 1:742/210،الوسائل 3: 10 أبواب التكفين ب 2 ح 15.
2- الشرائع 1:40،المبسوط 1:176،الوسيلة:65،الجامع للشرائع:53،المعتبر 1: 282،النهاية:31.
3- الكافي 3:5/141،التهذيب 1:877/301،الوسائل 2:480 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
4- التهذيب 1:887/305،الوسائل 3:33 أبواب التكفين ب 14 ح 4.

سمّيت في عبارات الأصحاب خامسة،نظرا إلى أنها منتهى عدد الكفن الواجب و هو الثلاث،و الندب و هو الحبرة و الخامسة.و أمّا العمامة فلا تعدّ من أجزاء الكفن اصطلاحا و إن استحبت،و يشهد به بعض المعتبرة الآتية.لكن المستفاد من الصحيح و غيره (1)كونها منها.و كونها من المندوب دون المفروض -كما عن الشهيد (2)-طريق الجمع.و تظهر الثمرة في الدخول و الخروج بنذر الكفن المندوب،فيأتي بها على الأوّل دون الثاني.

و عمامة للرجل إجماعا؛للمستفيضة منها الصحيح:فالعمامة للميت من الكفن؟قال:«لا،إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب»ثمَّ قال:

«العمامة سنّة»و قال:«أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بالعمامة و عمّم النبي صلّى اللّه عليه و آله» (3).

و نحوه الحسن:«و عمّمه بعد عمامة،و ليس تعدّ العمامة من الكفن» (4).

و قدرها طولا ما يؤدي هيئتها المطلوبة المشهورة بأن يشتمل على ما تثني به محنّكا،و يخرج طرفا العمامة من الحنك،و يلقيان على صدره للمرسل:«ثمَّ يعمم و يؤخذ وسط العمامة،فيثنى على رأسه بالتدوير،ثمَّ يلقى فضل الأيمن على الأيسر و الأيسر على الأيمن و يمدّ على صدره» (5)و نحوه الرضوي (6).

و عرضا ما يصدق عليه معه اسم العمامة.

ص:396


1- انظر الوسائل 3:8،10 أبواب التكفين ب 2 ح 8،13.
2- راجع الذكرى:47.
3- الكافي 3:5/144،التهذيب 1:854/292،الوسائل 3:6 أبواب التكفين ب 2 ح 1.
4- الكافي 3:7/144،الفقيه 1:423/93،التهذيب 1:857/293،الوسائل 3:9 أبواب التكفين ب 2 ح 10.
5- الكافي 3:1/143،التهذيب 1:888/306،الوسائل 3:32 أبواب التكفين ب 14 ح 3.
6- فقه الرضا(عليه السلام):168،المستدرك 2:217 أبواب الكفن ب 12 ح 1.

و قد دلّ على استحباب التحنك-مضافا إلى الإجماع المحكي (1)- خصوص المرسل لابن أبي عمير:في العمامة للميت،قال:«حنّكة» (2).

و قد ورد بالكيفية أخبار أخر (3)،إلاّ أن الأول أشهر .

أن يكون الكفن قطنا

و أن يكون الكفن قطنا وفاقا للأكثر،بل عليه الإجماع عن التذكرة و نهاية الأحكام و المعتبر (4)؛للخبر:«الكتان كان لبني إسرائيل يكفّنون به، و القطن لامة محمّد صلّى اللّه عليه و آله» (5).

و أن يكون أبيض بلا خلاف كما عن الخلاف (6)،بل إجماعا كما عن نهاية الأحكام و المعتبر (7)؛للخبرين أحدهما الموثق:«البسوا البياض فإنه أطيب و أطهر،و كفّنوا فيه موتاكم» (8).

و يستثنى منه الحبرة؛للمعتبرة (9).

و أن يطيّب الكفن بالذريرة إجماعا من أهل العلم كافة كما عن المعتبر (10)؛للمعتبرة منها الموثق:«إذا كفّنت الميت فذر على كل ثوب شيئا

ص:397


1- التذكرة 1:43.
2- الكافي 3:10/145،التهذيب 1:895/308،الوسائل 3:32 أبواب التكفين ب 14 ح 2.
3- الكافي 3:8/144،التهذيب 1:899/309،الوسائل 3:36 أبواب التكفين ب 16 ح 2.
4- التذكرة 1:43،نهاية الأحكام 2:242،المعتبر 1:284.
5- الكافي 3:7/149،الفقيه 1:414/89،التهذيب 1:1392/434،الاستبصار 1: 741/210،الوسائل 3:42 أبواب التكفين ب 20 ح 1.
6- الخلاف 1:701.
7- نهاية الأحكام 2:242،المعتبر 1:284.
8- الكافي 6:1/445 و 2،الوسائل 3:41 أبواب التكفين ب 19 ح 1.و الآخر في:التعريف للصفواني:2،المستدرك 2:223 أبواب الكفن ب 16 ح 4.
9- الوسائل 3:7 أبواب التكفين ب 2 ح 3،و ص 31 ب 13 ح 2 و 3.
10- المعتبر 1:285.

من ذريرة و كافور» (1).

و في آخر:«يطرح على كفنه ذريرة» (2).

قيل:و الظاهر أن المراد بها طيب خاص معروف بهذا الاسم الآن في بغداد و ما والاها (3).

و عن الشيخ في التبيان:أنها فتات قصب الطيب و هو قصب يجاء به من الهند كأنه قصب النشّاب (4).و في المبسوط:يعرف بالقمّحة بضم القاف و تشديد الميم المفتوحة و الحاء المهملة (5).

و أن يكتب بالتربة الحسينية-على مشرّفها أفضل صلاة و سلام و تحية-إن وجدت،كما عن الشيخين و سائر متأخري الأصحاب (6)؛للتبرك، و الجمع بين وظيفتي الكتابة و التجاء الميت بالتربة،المستفاد كلتاهما من الرواية المروية في احتجاج الطبرسي في التوقيعات الخارجة عن الناحية المقدسة في أجوبة مسائل الحميري:إنه سأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره، هل يجوز ذلك أم لا؟فأجاب:«يوضع مع الميت في قبره و يخلط بحنوطه إن شاء اللّه»و سأل فقال:روي لنا عن الصادق عليه السلام أنه كتب على إزار إسماعيل ابنه:«إسماعيل يشهد أن لا إله إلاّ اللّه»فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين

ص:398


1- الكافي 3:3/143،التهذيب 1:889/307،الوسائل 3:35 أبواب التكفين ب 15 ح 1.
2- التهذيب 1:887/305،الوسائل 3:33 أبواب التكفين ب 14 ح 4.
3- قال به صاحب المدارك 2:106.
4- التبيان 1:448.
5- المبسوط 1:177.
6- المفيد في المقنعة:78،الطوسي في المبسوط 1:177،العلامة في المختلف:46، المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:395،الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:120.

القبر؟فقال:«يجوز و الحمد للّه تعالى» (1).

و يشترط التأثير ببلّها بالماء؛عملا بظاهر الكتابة ،كما عن السرائر و المختلف و المنتهى و الذكرى و المفيد في الرسالة (2).و عليه يحمل إطلاق الأكثر.

فإن فقدت فبالإصبع،كما عن المشهور (3).و عن الاقتصاد و المصباح و مختصره و المراسم (4)التخيير من دون شرط الفقد.

و الأولى بعد الفقد الكتابة بالماء و الطين المطلق؛تحصيلا لظاهر الكتابة كما عن الإسكافي و عزّية المفيد و كتب الشهيد (5).فإن لم يتيسر فبالإصبع و إن لم تؤثر.و اعتبار التأثير بنحو الماء حسن؛تحصيلا لما يقرب من ظاهر الكتابة مهما أمكن.

و المستفاد من الرواية المتقدمة كون الكتابة على الإزار خاصة،و في غيرها على حاشية الكفن (6)،و استحبها الأصحاب كما زاد على المكتوب في الرواية في الحبرة و القميص و اللفافة و الجريدتين و لا بأس به؛لكونه خيرا محضا،و انفتاح باب الجواز مع أصالته،و دعوى الإجماع عليه في الخلاف (7)؛مضافا إلى ما سيأتي من الأخبار المؤيدة.

ص:399


1- الاحتجاج:489،الوسائل 3:29 أبواب التكفين ب 12 ح 1،و ص 53 ب 29 ح 3.
2- السرائر 1:162،المختلف:46،المنتهى 1:441،الذكرى:49،نقله عن المفيد في المختلف:46.
3- انظر كشف اللثام 1:120.
4- الاقتصاد:248،مصباح المتهجد:18،المراسم:48.
5- نقله عن الإسكافي و عزّيّة المفيد في المختلف:46،الشهيد في البيان:72،و الذكرى:49، و الدروس:1:100.
6- التهذيب 1:842/289،الوسائل 3:51 أبواب التكفين ب 29 ح 1،و قد رواها في كمال الدين:72،73.
7- الخلاف 1:706.

و صورة الكتابة فلان كما في الرواية و كلام جماعة (1)،و عن سلاّر بزيادة ابن فلان (2)يشهد أن لا إله إلاّ اللّه و عن المبسوط و النهاية و المهذّب (3)بزيادة وحده.لا شريك له،و يشهد أنّ محمّدا رسول اللّه،و الإقرار بالأئمة عليهم السلام أنهم أئمته،و يسمّيهم واحدا بعد واحد.

و عن كتب الشيخ و الوسيلة و المهذّب و الغنية و جماعة:الاكتفاء بكتابة أساميهم الشريفة و إن خلت عن الشهادة بهم (4)؛للبركة.

و ربما يزاد في الكتابة بمثل الجوشن الكبير؛للرواية عن السجاد المروية في جنة الأمان للكفعمي (5).و القرآن بتمامه أو بعض آياته؛للمروي في العيون:أنّ مولانا الكاظم عليه السلام كفّن بكفن فيه حبرة استعملت له يبلغ ألفين و خمسمائة دينار كان معها القرآن كلّه (6)فتأمل .

و عن كتاب الغيبة لشيخ الطائفة عن أبي الحسن القمي:أنه دخل على أبي جعفر محمّد بن عثمان العمروي-رضي اللّه عنه-و هو أحد النواب الأربعة لخاتم الأئمة،فوجده و بين يديه ساجة و نقاش ينقش عليها آيات من القرآن و أسماء الأئمة عليهم السلام على حواشيها،فقلت:يا سيّدي ما هذه الساجة؟ فقال:لقبري تكون فيه و أو ضع عليها أو قال أسند إليها،و فرغت منه،و أنا في

ص:400


1- منهم الشيخ في الاقتصاد:248،ابن إدريس في السرائر 1:162،الشهيد في الذكرى: 49،الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:120.
2- المراسم:48.
3- المبسوط 1:177،النهاية:32،المهذّب 1:60.
4- الشيخ في المبسوط 1:177،النهاية:32،مصباح المتهجد:18،الوسيلة:66،المهذّب 1:60،الغنية(الجوامع الفقهية):563؛و انظر الشرائع 1:40،القواعد 1:19.
5- جنة الأمان(المصباح):هامش 246،المستدرك 2:232 أبواب الكفن ب 28 ح 1.
6- العيون 1:5/81،الوسائل 3:53 أبواب التكفين ب 30 ح 1.

كل يوم أنزل إليه[فأقرأ]أجزاء من القرآن الحديث (1).

و هذه الروايات و إن قصرت أسانيدها إلاّ أنه لا بأس بالمصير إليها استشفاعا بما فيها.

و توهّم الاستخفاف مدفوع بما تقدّم من أدلة جواز الشهادتين و أسامي الأئمة عليهم السلام،فجواز الغير بطريق أولى.

و منه يظهر جواز الاستشفاع بكتابة كل ما يستحسن عقلا مع عدم المنع عنه شرعا و إن لم يكن بخصوصه منصوصا-كالجوشن الصغير و كلمات الفرج و نحو ذلك-ما لم يحكم بكونه مستحبا شرعا.مع احتمال الجواز مطلقا و إن ادّعى الاستحباب شرعا؛لكونه من الاحتياط المأمور به نصّا و المندوب إليه عقلا.فتأمّل جدّا.

أن يجعل بين أليتيه قطن

و أن يجعل بين أليتيه قطن على فرجيه؛للخبر:«و اعمد إلى قطن فذر عليه شيئا من حنوط وضعه على فرجيه قبل و دبر» (2).

و حكي عن المقنعة و المبسوط و المراسم و الوسيلة و المصباح و مختصره و الإصباح و التحرير و النهاية (3).

و في آخر:«فتجعل على مقعدته شيئا من القطن و ذريرة» (4).

ص:401


1- الغيبة(للطوسي):222،المستدرك 2:332 أبواب الدفن ب 27 ح 4 بتفاوت يسير،ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- الكافي 3:5/141،التهذيب 1:877/301،الوسائل 2:480 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
3- المقنعة:77،المبسوط 1:179،المراسم:49،الوسيلة:66،المصباح:19،حكاه عن مختصر المصباح و الإصباح في كشف اللثام 1:119،التحرير 1:18،نهاية الأحكام 2: 246.
4- التهذيب 1:887/305،الوسائل 2:484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 10.

و به أفتى في المقنع و السرائر (1)،و هو ظاهر المتن و الشرائع (2)، و يحتملان الأوّل أيضا خصوصا في المرأة.

و اقتصر في الفقيه على وضعه على القبل و زاد حشوه في الدبر (3).

ثمَّ إن خاف خروج شيء حشا دبره بالقطن،كما عن الفقيه و الكافي و الخلاف و المعتبر و الجامع و النهاية و المبسوط و الوسيلة (4).لكنهم لم يشترطوا خوف خروج شيء،غير أنّ كلامي الخلاف و الجامع يعطيانه ككلام الإسكافي (5).

و المستند فيه-بعد الإجماع المحكي عن الخلاف-المرسل المضمر المرفوع:«و يضع لها القطن أكثر ممّا يضع للرجال و يحشى القبل و الدبر بالقطن و الحنوط» (6).

و نحوه المرسل الآخر:«و احش القطن في دبره لئلاّ يخرج منه شيء» (7).

و مقتضى التعليل الإشعار باختصاص الاستحباب باحتمال خروج شيء منه؛و لعلّه المراد من المرسل المتقدم كالخبر:«و تدخل في مقعدته من القطن ما دخل» (8).

ص:402


1- المقنع:18،السرائر 1:164.
2- الشرائع 1:40.
3- الفقيه 1:92.
4- الفقيه 1:92،الكافي:237،الخلاف 1:703،المعتبر 1:285،الجامع للشرائع: 54،النهاية:35،المبسوط 1:179،الوسيلة:66.
5- نقله عنه في المختلف:45.
6- الكافي 3:2/147،التهذيب 1:944/324،الوسائل 3:11 أبواب التكفين ب 2 ح 16.
7- الكافي 3:5/141،التهذيب 1:877/301،الوسائل 2:480 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.
8- التهذيب 1:887/305،الوسائل 2:484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 10.

مع أنه مقتضى الجمع بين هذه الأخبار و ما دلّ على أنّ حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا (1).و بظاهره جمد الحلّي فمنع عن الحشو مطلقا (2).و هو ضعيف جدّا.كتجويز الحشو مطلقا؛لضعف ما دلّ عليه سندا و دلالة مع عدم جابر أصلا.و لا يستفاد من الإجماع المحكي (3)سوى صورة خوف الخروج؛لتعليل الاستحباب في الحكاية بما يشعر باختصاصه بها كالمرسل المتقدم.و لذا صرّح بالشرط في الشرائع و القواعد و حكي عن المنتهى (4).

و أن تزاد المرأة لفافة أخرى لثدييها تلفّان بها و تشدّ إلى ظهرها، كيلا يبدو حجمها و لا يضطربا فينتشر الأكفان؛لمرفوع سهل المضمر (5).و عمل به الشيخ و جماعة كالحلّي و القاضي و ابن سعيد و المحقّق و ابن حمزة (6).

و لا ضير في قصور السند؛للانجبار بفتاوى هؤلاء الأخيار.و لولاه لأشكل العمل به؛لضعفه،و عدم جواز المسامحة في مثله لاستلزامه تضييع المال المحرّم.

و تزاد أيضا نمطا كما في الشرائع و عن الكامل و المهذّب (7)،أو لفافة مخيرا بينهما كما عن المقنعة و النهاية (8).و عن المبسوط و الخلاف و المراسم و الوسيلة:الاقتصار على اللفافة من دون ذكر النمط (9)؛و لعلّه لعدم

ص:403


1- التهذيب 1:1522/465،الوسائل 3:219 أبواب الدفن ب 51 ح 1.
2- كما في السرائر 1:164.
3- كما في الخلاف 1:703.
4- الشرائع 1:40،القواعد 1:18،المنتهى 1:439.
5- المتقدم في ص:402.
6- الشيخ في المبسوط 1:180،الحلي في السرائر 1:160،القاضي في المهذّب 1:60، ابن سعيد في الجامع:53،المحقق في المعتبر 1:285،ابن حمزة في الوسيلة:66.
7- الشرائع 1:40،حكاه عن الكامل في كشف اللثام 1:117،المهذب 1:60.
8- المقنعة:82،النهاية:31.
9- المبسوط 1:176،الخلاف 1:701،المراسم:47،الوسيلة:66.

الدليل عليه من الأخبار،فلا حاجة بنا إلى ذكر تفسيره و معناه.

و المستند في زيادة اللفافة هنا الصحيح:«يكفن الرجل في ثلاثة أثواب، و المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة:درع،و منطق،و خمار،و لفافتين» (1)بناء على كون إحدى اللفافتين المفروضة و الأخرى مستحبة.و جعلهما مفروضتين لا يتم إلاّ بتقدير جعل المنطق لفافة الثديين كما توهّمه بعض الأصحاب (2).و هو فاسد؛لعدم المناسبة لها بالمعنى اللغوي .و لذا فهم منه المئزر شيخنا الشهيد في الذكرى و شيخنا البهائي و غيرهما من المحقّقين (3).مضافا إلى تأيد ما ذكرنا بما مرّ من تعيّن المئزر كما هو الأشهر الأظهر.

و بهذا الخبر يخصّ ما دلّ على المنع عن الزائد على خمس قطع (4)؛ لصحة السند،و الاعتضاد بعمل الأصحاب،و لم أقف على رادّ له في الباب.

فينتهي لفائفها حينئذ إلى ثلاث كما عن المشهور (5)،بناء على استحباب الحبرة أو ما يقوم مقامها لها.أو ثنتين،بناء على عدمه كما هو الأحوط؛لعدم الدليل المعتد به من أصلها عليها.نعم:لو قيل باستحبابها للرجل أمكن زيادتها هنا لها أيضا؛للمرسل المرفوع:كيف تكفّن المرأة؟فقال:«كما يكفّن الرجل غير أنها تشدّ على ثدييها خرقة»الخبر (6).و ضعفه بالشهرة منجبر.

و يؤيده المرسل:«الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب،و العمامة و الخرقة سنّة،و أما النساء ففريضته خمسة أثواب» (7).

ص:404


1- الكافي 3:3/147،التهذيب 1:945/324،الوسائل 3:8 أبواب التكفين ب 2 ح 9.
2- كصاحبي المدارك 2:105،و الذخيرة:87.
3- الذكرى:47،البهائي في الحبل المتين:65؛و انظر الحدائق 4:32.
4- انظر الوسائل 3:6 أبواب التكفين ب 2 ح 1.
5- انظر الذخيرة:87.
6- تقدم مصدره في ص:402.
7- التهذيب 1:851/291،الوسائل 3:8 أبواب التكفين ب 2 ح 7.

و قد عرفت الإشكال في الثبوت للرجل.و على تقديره يشكل الاستدلال للشركة هنا بمثل المرسلتين؛لقصور دلالة الأولى باحتمال إرادة التشبيه في الكيفية،أو القطع المفروضة و المستحبة الوفاقية خاصة؛و متروكية ظاهر الثانية، مع احتمال أن يراد منها ما في الخبر:في كم تكفّن المرأة؟قال:«تكفن في خمسة أثواب أحدها الخمار» (1).

و كيف كان:فلا ريب في كون الاحتياط في الاقتصار على اللفافتين، بل الواحدة؛لأنّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة،فتأمل .

و تبدل المرأة بالعمامة قناعا كما في الشرائع و القواعد و الجامع (2)،و لعلّه المشهور؛للصحيح المتقدم قريبا المتضمن للخمار،سمّي به لتخميره الرأس؛و يدل عليه غيره.

أن يسحق الكافور باليد

و أن يسحق الكافور باليد ذكره الشيخان و أتباعهما (3)؛و دليله غير واضح،إلاّ أنه لا بأس به.و عن المبسوط:كراهة سحقه بحجر أو غير ذلك (4).

و إن فضل شيء من الحنوط عن المساجد و المواضع التي استحب تحنيطها ألقى على صدره للرضوي:«فإذا فرغت من كفنه حنّطه بوزن ثلاثة عشر درهما و ثلث من الكافور،و تبدأ بجبهته،و تمسح مفاصله كلّها به،و تلقي ما بقي على صدره و في وسط راحته»إلى آخره (5).

و يؤيده الحسن:«إذا أردت أن تحنط الميت فاعمد إلى الكافور،فامسح

ص:405


1- الكافي 3:1/146،التهذيب 1:946/324،الوسائل 3:12 أبواب التكفين ب 2 ح 18.
2- الشرائع 1:40،القواعد 1:18،الجامع للشرائع:53.
3- المفيد في المقنعة:78،الطوسي في المبسوط 1:179؛و انظر المراسم:49،المهذّب 1: 61،الوسيلة:66.
4- المبسوط 1:179.
5- فقه الرضا(عليه السلام):168،المستدرك 2:219 أبواب الكفن ب 13 ح 1.

به آثار السجود منه و مفاصله كلّها و رأسه و لحيته و على صدره من الحنوط» (1).

و نحوه غيره (2).

أن يكون درهما أو أربعة دراهم

و أن يكون أقل كافور الحنوط خاصة على المشهور الظاهر من بعض الأخبار غاية الظهور،كالرضوي المتقدم،و المرفوع:«السنّة في الحنوط ثلاثة عشر درهما و ثلث»الخبر (3).خلافا لنادر من متأخري المتأخرين،فجعل المقادير له مع الغسل (4)؛لإطلاق الأخبار.و هو محمول على المقيد منها.

درهما كما في الشرائع و عن النهاية و المبسوط و الجمل و العقود و المصباح و مختصره و الوسيلة و السرائر و الجامع و المعتبر (5)،و عنه نفي الخلاف عنه المؤذن بالإجماع.و لعلّه الحجة؛إذ لم أقف له على رواية.

و عن المقنعة و الخلاف و الاقتصاد و جمل العلم و العمل و المراسم و الكافي و الإسكافي و كتب الصدوق:مثقال (6)؛للمرسل:«أقل ما يجزي من الكافور للميت مثقال» (7)و نحوه الرضوي في موضع (8).و في موضع آخر:«مثقال

ص:406


1- الكافي 3:4/143،التهذيب 1:890/307،الاستبصار 1:746/212،الوسائل 3: 32 أبواب التكفين ب 14 ح 1.
2- التهذيب 1:1403/436،الاستبصار 1:750/213،الوسائل 3:37 أبواب التكفين ب 16 ح 6.
3- علل الشرائع:1/302،الوسائل 3:14 أبواب التكفين ب 3 ح 7.
4- انظر الوافي 3 الجزء 13 ص 47.
5- الشرائع 1:39،النهاية:32،المبسوط 1:177،الجمل و العقود(الرسائل العشر):166، مصباح المتهجد:18،الوسيلة:66،السرائر 1:160،الجامع للشرائع:53، المعتبر 1:286.
6- المقنعة:75،الخلاف 1:704،الاقتصاد:248،جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):50،المراسم:47،الكافي:237،نقله عن الإسكافي في الذكرى:46، الصدوق في المقنع:18،الهداية:25،الفقيه 1:91.
7- الكافي 3:5/151،التهذيب 1:846/291،الوسائل 3:13 أبواب التكفين ب 3 ح 2.
8- فقه الرضا(عليه السلام):168،المستدرك 2:209 أبواب الكفن ب 2 ح 2.

و نصف» (1).و نحوه مرسل آخر (2).و لم أقف على قائل به.

و عن الجعفي:مثقال و ثلث (3).و لم أعثر له على خبر.

و لا بأس بالجميع مع التفاوت في الفضيلة.

أو أربعة دراهم أوسطه،كما في الشرائع و عن المقنعة و السرائر و الخلاف (4)و فيه الإجماع،و المعتبر و فيه نفي الخلاف (5)؛و هما الحجة كالرضوي:«فإن لم تقدر على هذا المقدار»أي الأكمل الآتي«فأربعة دراهم» (6).

و عن كتب الصدوق و سائر كتب الشيخ و الوسيلة و الإصباح و الجامع (7):

أربعة مثاقيل؛للحسن:«الفضل من الكافور أربعة مثاقيل» (8)و فسّرها الحلّي بالدراهم (9)،و لعلّ القرينة عليه الرضوي.

و أكمله ثلاثة عشر درهما و ثلث درهم على المشهور؛للرضوي المتقدم في سحق الكافور؛مضافا إلى الأخبار الدالة على أن الحنوط الذي نزل به جبرئيل عليه السلام للنبي صلّى اللّه عليه و آله أربعون درهما،فقسّمه ثلاثة أقسام:له صلّى اللّه عليه و آله و لفاطمة و علي عليهما السلام،فصار سهم كلّ

ص:407


1- فقه الرضا(عليه السلام):182،المستدرك 2:209 أبواب الكفن ب 2 ح 2.
2- التهذيب 1:849/291،الوسائل 3:14 أبواب التكفين ب 3 ح 5.
3- نقله عنه في الذكرى:46.
4- الشرائع 1:39،المقنعة:75،السرائر 1:160،الخلاف 1:704.
5- المعتبر 1:286.
6- فقه الرضا(عليه السلام):168،المستدرك 2:219 أبواب الكفن ب 13 ح 1.
7- الصدوق في المقنع:18،الهداية:25،الفقيه 1:91،الشيخ في المبسوط 1:177، مصباح المتهجد:18،الاقتصاد:248،الوسيلة:66،الجامع للشرائع:53.
8- التهذيب 1:848/291،الوسائل 3:13 أبواب التكفين ب 3 ح 4،و فيهما«القصد»بدل «الفضل».
9- السرائر 1:160.

ما ذكر (1).

و عن القاضي إبدال الثلث بالنصف (2).و لا دليل عليه.

و قصور أسانيد أكثر هذه الأخبار،و ضعف دلالة الباقي منها على الوجوب،مع التصريح بالفضل في بعضها،و اختلاف الجميع في المقادير قلّة و كثرة كاختلاف الأصحاب أوضح قرينة على الاستحباب،مضافا إلى عدم الخلاف في كفاية المسمى،عملا بإطلاق أكثر أخبار الباب.

أن يجعل معه جريدتان

و أن يجعل معه أي الميت مطلقا جريدتان خضراوان، ليتجافي عنه العذاب ما دام الرطوبة فيهما،إجماعا منّا؛للنصوص المستفيضة الخاصية و العامية.

ففي الصحيح:أرأيت الميت إذا مات لم تجعل معه الجريدة؟فقال:

«يتجافى عنه العذاب و الحساب ما دام العود رطبا،إنّما الحساب و العذاب كلّه في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر و يرجع القوم،و إنما جعل السعفتان لذلك،فلا يصيبه عذاب و لا حساب بعد جفوفهما إن شاء اللّه تعالى» (3).

و في الحسن:لأيّ شيء تكون الجريدة مع الميت؟قال:«إنه يتجافى عنه العذاب ما دامت رطبة» (4).

ثمَّ المشهور في المقدار كون طول كل منهما بقدر عظم الذراع؛ للرضوي و فيه:«و روي أن الجريدتين كل واحدة بقدر عظم ذراع» (5).

ص:408


1- الوسائل 3:13 أبواب التكفين ب 3 ح 1،6-10.
2- نقله عنه في الذكرى:46.
3- الكافي 3:4/152،الفقيه 1:410/89،علل الشرائع:1/302،الوسائل 3:20 أبواب التكفين ب 7 ح 1.
4- الكافي 3:7/153،التهذيب 1:955/327،الوسائل 3:22 أبواب التكفين ب 7 ح 7.
5- فقه الرضا(عليه السلام):168،المستدرك 2:215 أبواب الكفن ب 8 ح 1.

ثمَّ قدر شبر؛للصحيح الآتي.

ثمَّ أربع أصابع.و لم أعثر فيه على خبر.

و قدّر في خبرين بالذراع (1).و لا بأس بهما وفاقا للصدوق و الذكرى (2)، و إن كان المشهور أولى؛لضعف الخبرين،و عدم جابر لهما في البين.

و نسبة الثلاثة الأول بالترتيب إلى الشهرة موجودة في الروضة (3)،و لكن المنسوب إليها في كلام جماعة-كشيخنا الشهيد في الذكرى-هو الأوّل خاصة.فمراعاة الأخير من الثلاثة و ندبيتها بالخصوص-كما عن العماني (4)- مشكلة،سيما مع عدم ما يدل عليه من الرواية.

و تجعل على الأشهر الأظهر إحداهما من ترقوة جانبه الأيسر بين قميصه و إزاره،و الأخرى مع ترقوة جانبه الأيمن يلصقها بجلده للصحيح أو الحسن المضمر:«إنّ الجريدة قدر شبر،توضع واحدة من عند الترقوة إلى ما بلغت ممّا يلي الجلد،و الأخرى في الأيسر من عند الترقوة إلى ما بلغت من فوق القميص» (5).

خلافا للجعفي،فإحداهما تحت الإبط الأيمن،و الأخرى نصف ممّا يلي الساق و نصف ممّا يلي الفخذ (6)؛لرواية يونس:«تجعل له واحدة بين ركبتيه نصف ممّا يلي الساق و نصف ممّا يلي الفخذ،و تجعل الأخرى تحت

ص:409


1- الكافي 3:3/152،1/143،التهذيب 1:896/308،الوسائل 3:27 أبواب التكفين ب 10 ح 4،5.
2- الصدوق في الفقيه 1:87،الذكرى:49.
3- الروضة 1:134.
4- نقله عنه في المختلف:44.
5- الكافي 3:5/152،التهذيب 1:897/309،الوسائل 3:26 أبواب التكفين ب 10 ح 2.
6- نقله عنه في الذكرى:49.

الإبط الأيمن» (1).

و للعماني،فواحدة خاصة تحت إبطه الأيمن (2).و لا شاهد عليه من الرواية و إن تكثرت بالوحدة،لكنها لبيان المحل له مخالفة.

ففي رواية يحيى بن عبادة:«تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع،فتوضع-و أشار بيده-من عند ترقوته إلى يده تلفّ مع ثيابه» (3).

و يحتمل حمل الجريدة فيها على الجنس الشامل للثنتين،فتوافق المشهور في الجملة و الخبرين:«يوضع للميت جريدتان،واحدة في الأيمن و الأخرى في الأيسر» (4)و يفصلهما-كالرواية الموجهة-المضمرة المتقدمة المعتضدة بالشهرة،لا رواية يونس الضعيفة الغير المكافئة لها بالمرة.

و للصدوقين،فتجعل اليمنى مع ترقوته ملصقة بجلده و اليسرى عند وركه بين القميص و الإزار (5).

و لم نقف على مستنده سوى الرضوي:«و اجعل معه جريدتين، إحداهما عند ترقوته تلصقها بجلده ثمَّ تمدّ عليه قميصه،و الأخرى عند وركه» (6).

و هو و إن اعتبر في نفسه إلاّ أنه غير صالح للتعارض للحسن المعتضد بالشهرة.

ص:410


1- الكافي 3:1/143،الوسائل 3:27 أبواب التكفين ب 10 ح 5.
2- كما نقله عنه في المعتبر 1:288.
3- الكافي 3:3/152،التهذيب 1:896/308،الوسائل 3:27 أبواب التكفين ب 10 ح 4.
4- الكافي 3:6/153،الوسائل 3:27 أبواب التكفين ب 10 ح 6.و الخبر الثاني:الكافي 3: 1/151،التهذيب 1:954/327،الوسائل 3:22 أبواب التكفين ب 7 ح 6.
5- الصدوق في الفقيه 1:91،المقنع:19،و نقله عن والده في المعتبر 1:288.
6- فقه الرضا(عليه السلام):167،المستدرك 2:213 أبواب الكفن ب 6 ح 1.

و ينبغي أن تكونا من سعف النخل لظواهر الأخبار،بل يستفاد من بعضها كون الجريدة حيث تطلق يومئذ حقيقة في المتخذ منه.

و قيل و القائل المشهور كما في المدارك (1)فإن فقد فمن السدر، و إلاّ فمن الخلاف،و إلاّ فمن غيره من الشجر الرطب كلّ ما كان؛للخبر:

قلنا له:جعلنا فداك إن لم نقدر على الجريدة؟فقال:«عود السدر»قيل:و إن لم نقدر على السدر؟فقال:«عود الخلاف» (2).

و قيل بعكس الترتيب فيه،كما عن المفيد و سلاّر (3).و لم نر عليه شاهدا من الأخبار.

و قيل:كل شجر رطب كان ابتداء،كما عن الصدوق و الجعفي و الحلّي (4)؛للخبرين في أحدهما الحسن:الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل،فهل يجوز مكان الجريدة شيء من الشجر غير النخل؟فإنّه روي عن آبائكم عليهم السلام:أنه يتجافى عنه العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين و أنهما تنفع المؤمن و الكافر.فأجاب عليه السلام:«يجوز من شجر آخر رطب» (5).

و الجمع بينهما و بين الخبر المتقدم يقتضي المصير إلى المشهور.

ثمَّ لو كان الحال حال تقية وضعها حيث يمكن؛للمستفيضة،كالمرفوع:

ربما حضرني من أخافه فلا يمكن وضع الجريدة على ما رويناه،فقال:«أدخله

ص:411


1- المدارك 2:110.
2- الكافي 3:10/153،التهذيب 1:859/294،الوسائل 3:24 أبواب التكفين ب 8 ح 3.
3- المفيد في المقنعة:75،سلاّر في المراسم:48.
4- الصدوق في الفقيه 1:88،نقله عن الجعفي في الذكرى:49،الحلي في السرائر 1: 164.
5- الفقيه 1:407/88،الوسائل 3:24 أبواب التكفين ب 8 ح 1.و الخبر الآخر:الكافي 3: 11/153،التهذيب 1:860/294،الوسائل 3:24 أبواب التكفين ب 8 ح 2.

حيث أمكن» (1).

و نحوه في غيره بزيادة:«و إن وضعت في القبر فقد أجزأه» (2).

و عليه يحمل الموثق:عن الجريدة توضع في القبر؟قال:«لا بأس به» (3).أو على عدم الوضع في المحل بنسيان و غيره.و يؤيده المرسل:مرّ رسول صلّى اللّه عليه و آله على قبر يعذّب صاحبه،فدعا بجريدة،فشقها نصفين،فجعل واحدة عند رأسه و الأخرى عند رجليه،و قيل له:في رواية أخرى:لم وضعتهما؟فقال:«إنه يخفف عنه العذاب ما كانتا خضراوين» (4).

ما يكره فيه

و يكره بلّ الخيوط التي يخاط بها الكفن بالريق ماء الفم،بلا خلاف كما يفهم من المعتبر (5).و لا بأس به و إن خفي مستنده.و لا يكره بغيره؛ للأصل من دون معارض و لا فتوى فقيه واحد،بل صرّح به الشهيد و غيره (6).

و أن يعمل لما يبتدئ به من الأكفان أكمام للقميص.و لا بأس بها لو كانت في قميصه الذي يراد تكفينه به.و عن الأصحاب القطع بهما (7)؛ للمرسل:«إذا قطع له و هو جديد لم يجعل له كمّا،فأما إذا كان ثوبا لبيسا فلا يقطع منه إلاّ الأزرار» (8).

و سأل ابن بزيع-في الصحيح-أبا جعفر عليه السلام قميصا لكفنه،

ص:412


1- الكافي 3:8/153،التهذيب 1:956/327،الوسائل 3:28 أبواب التكفين ب 11 ح 1.
2- التهذيب 1:957/328،الوسائل 3:28 أبواب التكفين ب 11 ح 2.
3- الكافي 3:9/153،التهذيب 1:958/328،الوسائل 3:28 أبواب التكفين ب 11 ح 3.
4- الفقيه 1:405/88،الوسائل 3:28 أبواب التكفين ب 11 ح 4.
5- المعتبر 1:289.
6- الشهيد في الذكرى:49؛و انظر جامع المقاصد 1:397،و المدارك 2:108.
7- كشف اللثام 1:121.
8- الفقيه 1:418/90،التهذيب 1:886/305،الوسائل 3:51 أبواب التكفين ب 28 ح 2.

فبعث به إليه،فسأله كيف يصنع؟فقال:«انزع أزراره» (1).

و في الخبرين في العلل:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كفّن فاطمة بنت أسد في قميصه (2).و نحوهما في المجالس (3).

و ليس فيها قطع الأزرار.و الجمع بينها و بين الصحيح يقتضي الحمل على الاستحباب إن اعتبر أسانيدها،و إلاّ فالوجوب إن لم يكن إجماع على عدمه.

و كيف كان:فالاحتياط قطعها؛عملا بظاهر الأمر به.

و أن يكفن في الكتان،وفاقا للأكثر؛للنهي عنه في الخبر (4).

خلافا لظاهر الصدوق فلا يجوز (5)؛عملا بظاهره.

و لكن ضعفه بالإرسال مع دعوى الإجماع على الجواز في الغنية (6)يمنع من العمل به.

و الأحوط الترك اختيارا؛لكون الإرسال بعدّة من الأصحاب الملحق مثله بالمسند الصحيح على الصحيح.مع أصالة عدم حصول الامتثال؛لعدم انصراف الإطلاقات في التكفين إلى مثله.و الإجماع المحكي موهون؛لدعواه على فضل البياض من الكتان مع أنّ كراهته مطلقا مشهور بين الأعيان،فتأمّل.

و في الخبر:«الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به،و القطن لامة محمّد

ص:413


1- التهذيب 1:885/304،رجال الكشي 2:450/514،الوسائل 3:50 أبواب التكفين ب 28 ح 1.
2- علل الشرائع:31/469 و 32،الوسائل 3:49 أبواب التكفين ب 26 ح 3 و 4.
3- أمالي الصدوق:14/258،الوسائل 3:48 أبواب التكفين ب 26 ح 2.
4- التهذيب 1:1465/451،الاستبصار 1:745/211،الوسائل 3:42 أبواب التكفين ب 20 ح 2.
5- الصدوق في الفقيه 1:89.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):563.

صلّى اللّه عليه و آله» (1).

و في الرضوي:«لا تكفّنه في كتان و لا ثوب إبريسم» (2).

و هو كالنص في حرمة التكفين به؛لتعلق النهي عن الإبريسم الذي هو للتحريم إجماعا به أيضا.فلا يمكن الحمل على الكراهة؛إذ هو على تقدير جواز استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه،و هو خلاف التحقيق.و لو لا الشهرة العظيمة بين الطائفة القريبة من الإجماع بل إجماع على الظاهر حقيقة على الكراهة لتعيّن المصير إلى ما عليه الصدوق-رحمه اللّه-ضرورة.

و أن يكفّن في السواد إجماعا كما عن التذكرة و نهاية الأحكام و المعتبر و المنتهى (3)،و لكن فيه بلا خلاف؛للخبرين في أحدهما:«لا يحرم في الثوب الأسود و لا يكفّن به» (4).

و عن الذكرى مطلق الصبغ (5)،بل و عن المهذّب و الإصباح المنع عنه (6).

و لا دليل عليه سوى ما دلّ على استحباب البياض و الأمر به في الموثّق و نحوه (7).و لا دلالة فيه على الكراهة إلاّ على تقدير كون ترك المستحب مكروها،و هو خلاف التحقيق.و لا على المنع إلاّ على تقدير حمل الأمر فيه

ص:414


1- الكافي 3:7/149،الفقيه 1:414/89،التهذيب 1:1392/434،الاستبصار 1: 741/210،الوسائل 3:42 أبواب التكفين ب 20 ح 1.
2- فقه الرضا(عليه السلام):169.
3- التذكرة 1:43،نهاية الأحكام 2:243،المعتبر 1:289،المنتهى 1:438.
4- الكافي 4:13/341،التهذيب 1:1395/435،الوسائل 3:43 أبواب التكفين ب 21 ح 2.و الخبر الثاني:الكافي 3:11/149،التهذيب 1:1394/434،الوسائل 3:43 أبواب التكفين ب 21 ح 1.
5- الذكرى:48.
6- المهذّب 1:60.
7- الوسائل 3:41 أبواب التكفين ب 19.

على ظاهره،و هو في حيّز المنع بناء على تعلقه بعينه باللبس و هو بالإضافة إليه ليس للوجوب،فكذا بالنسبة إلى التكفين،لما مرّ قريبا.

و مع ذلك لا بأس بالكراهة؛للمسامحة،و تأسيّا بصاحب الشريعة، فتأمّل.

و أن يجمّر الأكفان بالدخنة الطيّبة على المشهور بين الطائفة؛للنهي عنه في الروايات المستفيضة،منها الخبر:«لا تجمروا الأكفان،و لا تمسحوا موتاكم بالطيب إلاّ بالكافور،فإنّ الميت بمنزلة المحرم» (1)و نحو صدره المرسل (2).

و في الخبر:رأيت جعفر بن محمّد عليهما السلام ينفض بكمّه المسك عن الكفن (3).

و عن الخلاف:الإجماع على كراهية تجمير الكفن بالعود و خلط الكافور بالمسك أو العنبر (4).

و في الحسن:«أكره أن يتبع بمجمرة» (5).

خلافا للفقيه فأمر به (6)؛لما روي من تحنيط النبي صلّى اللّه عليه و آله بمثقال مسك سوى الكافور (7)؛و أنه:سئل أبو الحسن عليه السلام هل يقرب

ص:415


1- الكافي 3:3/147،التهذيب 1:863/295،الاستبصار 1:735/209،علل الشرائع: 1/308،الخصال:618،الوسائل 3:18 أبواب التكفين ب 6 ح 5.
2- الكافي 3:1/147،التهذيب 1:862/294،الاستبصار 1:734/209،الوسائل 3: 17 أبواب التكفين ب 6 ح 2.
3- قرب الاسناد:950/162،الوسائل 3:19 أبواب التكفين ب 6 ح 11.
4- الخلاف 1:703.
5- الكافي 3:4/143،التهذيب 1:890/307،الوسائل 3:17 أبواب التكفين ب 6 ح 1.
6- الفقيه 1:91.
7- الفقيه 1:422/93،الوسائل 3:19 أبواب التكفين ب 6 ح 10.

إلى الميت المسك و البخور؟فقال:«نعم» (1).

و هما-مع ضعفهما بالإرسال-محمولان على التقية،أو على الرخصة الغير المنافية للكراهة،مع احتمال الاختصاص به صلّى اللّه عليه و آله،و السؤال في الأخير عن فعل العامة.

أو يطيّب بغير الكافور و الذريرة لما تقدّم.و في القواعد و عن الغنية:

المنع من تطييب الميت به (2)؛و لعلّه للخبر المتقدم أوّل المستفيضة.و لكن ضعفها بوجوه عديدة يعيّن حملها على الكراهة.

نعم:في الخبر المعتبر الذي في سنده سهل و مرسل بالعدّة-و قد عرفت عدم القدح بهما في الحجية-:«لا يسخن للميت الماء،و لا يعجّل له النار، و لا يحنّط بمسك» (3).

إلاّ أن السياق ربما أشعر بالكراهة.

و لا ريب أن الاحتياط تركه؛لأنه من شعار العامة (4)الذين ليسوا على شيء من الحنيفية و قد أمرنا بمخالفتهم لذلك في المعتبرة (5).

أو يكتب عليه بالسواد كما عن الوسيلة و الجامع و كتب المصنف (6).

و عن النهاية لا يجوز (7).و يحتملهما المقنعة و المبسوط و الاقتصاد و المصباح و مختصره و المراسم (8).و يجوز إرادتهم شدة الكراهة.

ص:416


1- الفقيه 1:426/93،الوسائل 3:19 أبواب التكفين ب 6 ح 9.
2- القواعد 1:19،الغنية(الجوامع الفقهية):563.
3- الكافي 3:2/147،التهذيب 1:937/322،الوسائل 3:18 أبواب التكفين ب 6 ح 6.
4- انظر المغني لابن قدامة 2:342.
5- الوسائل 21:106 أبواب صفات القاضي ب 9.
6- الوسيلة:67،الجامع للشرائع:54؛و انظر المعتبر 1:290،و الشرائع 1:40.
7- النهاية:32.
8- المقنعة:78،المبسوط 1:177،الاقتصاد:248،مصباح المتهجد:18،المراسم: 48.

و مستنده بالخصوص غير واضح.نعم:ربما يشمله عموم النهي عن التكفين في السواد،كالخبر المتقدم (1)،و أقرب منه الآخر:«لا يكفن الميت في سواد» (2)و هما لقصور السند قاصران عن إفادة التحريم.

و عن المفيد المنع عن سائر الأصباغ (3).و لا بأس به.

و أن يجعل في سمع الميت أو بصره شيء من الكافور على الأشهر الأظهر؛للصحيح:«لا تجعل في مسامع الميت حنوطا» (4).

و المرسل بالرجال :«و لا تجعل في منخريه و لا في بصره و مسامعه و لا وجهه قطنا و لا كافورا» (5).

و الرضوي:«و لا تجعل في فمه و لا منخره و لا في عينيه و لا في مسامعه و لا على وجهه قطنا و لا كافورا» (6).

و غيرها من الأخبار المعتضد قصور أسانيدها بفتوى الأخيار،و خلوّ ما عداها عن الأمر به مع تضمن الأمر بغيره ممّا يستحب تحنيطه،مضافا إلى ما فيه من إضاعة المال المرغوب عنها.

خلافا للصدوق فاستحبّه (7)؛لورود الأمر به في المعتبرة كالصحيح:

ص:417


1- في ص:414.
2- الكافي 3:11/149،التهذيب 1:1394/434،الوسائل 3:43 أبواب التكفين ب 21 ح 1.
3- كما في المقنعة:78.
4- التهذيب 1:893/308،الاستبصار 1:748/212،الوسائل 3:37 أبواب التكفين ب 16 ح 4.
5- الكافي 3:1/143،التهذيب 1:888/306،الوسائل 3:32 أبواب التكفين ب 14 ح 3.
6- فقه الرضا(عليه السلام):168،المستدرك 2:219 أبواب الكفن ب 13 ح 1.
7- راجع الفقيه 1:91.

«تضع في فمه و مسامعه و آثار السجود من وجهه و يديه» (1)و نحوه الموثقان (2)، و خبر آخر (3).

و ليس في شيء منها ذكر البصر.و مع ذلك موافقة للعامة (4)،كما صرّح به بعض الأجلّة (5).

و قيل و هو الشيخان (6)يكره أن يقطع الكفن بالحديد ففي التهذيب:سمعناه مذاكرة من الشيوخ و كان عليه عملهم.و عن المعتبر:

يستحب متابعتهم تخلّصا من الوقوع فيما يكره (7).و لا بأس به.

ص:418


1- التهذيب 1:891/307،الاستبصار 1:749/212،الوسائل 3:37 أبواب التكفين ب 16 ح 3.
2- الأول: التهذيب 1:1399/435،الوسائل 3:35 أبواب التكفين ب 15 ح 2. الثاني: الكافي 3:15/146،الوسائل 3:36 أبواب التكفين ب 16 ح 1.
3- التهذيب 1:887/305،الوسائل 3:33 أبواب التكفين ب 14 ح 4.
4- كما في المغني لابن قدامة 2:336،341.
5- انظر الحدائق 4:23.
6- المفيد في المقنعة:75،الطوسي في التهذيب 1:294.
7- المعتبر 1:291.
الرابع في الدفن

الرابع: في أحكام الدفن.

الفرض فيه

و الفرض فيه كفاية أمران:

الأول مواراته في الأرض على وجه يحرس جثته عن السباع و يكتم رائحته عن الانتشار،بإجماع المسلمين،حكاه الفاضلان كغيرهما (1)من المعتمدين،فلا يجوز وضعه في بناء أو تابوت إلاّ عند الضرورة ؛تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و عترته و المسلمين من بعده.

و الوصفان المتقدمان في الغالب متلازمان.و لو قدّر وجود أحدهما وجب مراعاة الآخر؛للإجماع على وجوب الدفن،و لا يتم فائدته إلاّ بهما،كما قال مولانا الرضا عليه السلام في علل ابن شاذان:«إنه يدفن لئلاّ يظهر الناس على فساد جسده و قبح منظره و تغير ريحه،و لا يتأذى به الأحياء بريحه و بما يدخل عليه من الآفة و الدنس و الفساد،و ليكون مستورا عن الأولياء و الأعداء فلا يشمت عدوّ و لا يحزن صديق» (2).

و يكره دفنه بالتابوت في الأرض إجماعا حكاه في الخلاف (3).

و الثاني:أن يوضع على جنبه الأيمن موجّها إلى القبلة بلا خلاف بين الطائفة،عدا ابن حمزة فجعله من الأمور المستحبة (4).و هو محجوج بفحوى المعتبرة الدالة على الأمر به في حال الاحتضار المستلزم للأمر به هنا بالأولوية.

هذا مضافا إلى خبر العلاء بن سيابة في حديث القتيل الذي اتي برأسه:

ص:419


1- المحقق في المعتبر 1:291،العلامة في نهاية الأحكام 2:273؛و انظر المدارك 2:133، و كشف اللثام 1:133.
2- العيون 2:113،علل الشرائع:268،الوسائل 3:141 أبواب الدفن ب 1 ح 1.
3- لم نعثر عليه في الخلاف،و لكنه موجود في المبسوط 1:187.
4- الوسيلة:68.

«إذا أنت صرت إلى القبر تناولته مع الجسد و أدخلته اللحد و وجّهته للقبلة» (1).

و التأسي بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة الأطهار عليهم صلوات اللّه الملك الجبّار،و عمل المسلمين في الأعصار و الأمصار.

و عن القاضي:نفي الخلاف عنه في شرح الجمل،كنفيه إياه عن جعل مقاديمه إلى القبلة (2).و عن ظاهر التذكرة:إجماعنا عليه (3).

و روى في الدعائم:أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله شهد جنازة رجل من بني عبد المطلب،فلمّا أنزلوه في قبره قال:«أضجعوه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة،و لا تكبّوه لوجهه،و لا تلقوه لظهره»ثمَّ قال لوليه:«ضع.

يدك على أنفه حتى يتبيّن لك استقبال القبلة به» (4).

و في الصحيح:مات البراء بن معرور الأنصاري بالمدينة و رسول اللّه بمكة،فأوصى أنه إذا دفن يجعل وجهه إلى وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إلى القبلة فجرت به السنّة (5).و ظاهر السنّة فيها الطريقة اللازمة لا الاستحباب و الندبية.و يفصح عنه ما قدّمناه من الأدلة على الوجوب بالضرورة.و لا دليل على الاستحباب سوى الأصل المخصّص بها و بالرضوي:«ثمَّ ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة» (6).

و لو كان الميت في سفن البحر غسّل و كفّن و حنّط و صلّي عليه و نقل إلى البرّ إن أمكن؛تحصيلا للمأمور به بقدر الإمكان،و التفاتا إلى

ص:420


1- التهذيب 1:1449/448،الوسائل 3:231 أبواب الدفن ب 61 ح 3.
2- شرح جمل العلم و العمل:154.
3- التذكرة 1:52.
4- دعائم الإسلام 1:238،المستدرك 2:375 أبواب الدفن ب 51 ح 1.
5- الكافي 3:16/254،الوسائل 3:230 أبواب الدفن ب 61 ح 2.
6- فقه الرضا(عليه السلام):170،المستدرك 2:376 أبواب الدفن ب 51 ح 2.

ظاهر المرفوع الآتي.

و لو تعذّر النقل إلى البرّ ثقّل كما عن الفقيه و المقنعة و النهاية و المبسوط و السرائر و الوسيلة (1)؛للمعتبرة بالشهرة،كالمرفوع:إذا مات الرجل في السفينة و لم يقدر على الشط؟قال:«يكفّن و يحنّط و يلقى في الماء» (2).

و أوضح منه غيره،كالخبر:في الرجل يموت مع القوم في البحر فقال:

«يغسّل و يكفّن و يصلّى عليه و يثقّل و يرمى في البحر» (3).و نحوه آخر (4)و الرضوي (5).

و إطلاق هذه الأخبار كإطلاق كلام بعض الأصحاب الشامل لإمكان البرّ محمول على الغالب من عدم الإمكان،و يشهد له المرفوع المتقدم.

أو جعل في وعاء و خابية و أرسل إليه للصحيح:عن رجل مات في السفينة في البحر كيف يصنع به؟قال:«يوضع في خابية و يوكى رأسها و يطرح في الماء» (6).

و التخيير بينهما مشهور بين الأصحاب؛و لعلّه للجمع بينه و بين الروايات السابقة.و حملها على صورة تعذر الخابية أو تعسرها-كما هو الأغلب-أجود،

ص:421


1- الفقيه 1:441/96،المقنعة:86،النهاية:44،المبسوط 1:181،السرائر 1:169، الوسيلة:69.
2- الكافي 3:3/214،التهذيب 1:994/339،الاستبصار 1:760/215،الوسائل 3: 207 أبواب الدفن ب 40 ح 4.
3- الكافي 3:2/214،التهذيب 1:993/339،الاستبصار 1:759/215،الوسائل 3: 206 أبواب الدفن ب 40 ح 3.
4- التهذيب 1:995/339،الاستبصار 1:761/215،الوسائل 3:206 أبواب الدفن ب 40 ح 2.
5- فقه الرضا(عليه السلام):173،المستدرك 2:345 أبواب الدفن ب 37 ح 1.
6- الكافي 3:1/213،التهذيب 1:996/340،الاستبصار 1:762/215،الوسائل 3: 205 أبواب الدفن ب 40 ح 1.

وفاقا لظاهر المحكي عن الشيخ (1)؛لصحة مستندها،و اعتضادها بما فيها من صيانة الميت عن الحيوانات و هتك حرمته.

و في وجوب الاستقبال به حين الرمي-كما هو الأشهر-أو العدم وجهان، و الأول أحوط.

ثمَّ إنه لا خلاف في المنع عن دفن الكفّار مطلقا في مقبرة المسلمين، و كذا أولادهم،بل عن التذكرة و نهاية الأحكام:الإجماع عليه من العلماء (2)؛ لإشعار الخبر الآتي به،و لئلاّ يتأذى المسلمون بعذابهم.و لو كانت مسبّلة فغيرهم غير الموقوف عليهم.

و لو دفن نبش إن كان في الوقف ،و لا يبالي بالمثلة فإنه ليس له حرمة.

و لو كان في غيره أمكن؛صرفا للأذى عن المسلمين كما عن الشهيد (3).

و لكن لو كانت الميت ذمية حاملا من مسلم بنكاح أو ملك أو شبهة قيل:دفنت في مقبرة المسلمين يستدبر بها القبلة إكراما للولد و القول مشهور،بل عليه الإجماع عن الخلاف و التذكرة (4).و هو الحجّة،لا الرواية:عن الرجل تكون له الجارية اليهودية أو النصرانية حملت منه،ثمَّ ماتت و الولد في بطنها،و مات الولد،أ يدفن معها على النصرانية،أو يخرج منها و يدفن على فطرة الإسلام؟فكتب عليه السلام:«يدفن معها» (5).

إذ لا دلالة فيها على ذلك لو لم تدل على خلافه؛و لعلّه لذا تردّد الماتن في ظاهر العبارة.

ص:422


1- انظر الخلاف 1:705.
2- التذكرة 1:54،نهاية الأحكام 2:281.
3- الذكرى:70.
4- الخلاف 1:730،التذكرة 1:54.
5- التهذيب 1:980/334،الوسائل 3:205 أبواب الدفن ب 39 ح 2.

و لكن استدل لإثباته بأنّ الولد لمّا كان محكوما بإسلامه تبعا لم يجز دفنه في مقابر أهل الذمة،و إخراجه مع موتها غير جائز،فتعيّن دفنها معه و ردّ بمنع الأخير؛لعدم حرمة للكافرة .

و كيف كان:مقتضاه اشتراط موت الولد بعد ولوج الروح،كما عن ظاهر الشيخ و الحلّي (1)،و لعلّه المتبادر من إطلاق كلام المفيد و الفاضلين (2).كتبادر نشئه من نكاح و ما في حكمه،فلا يأتي الحكم في ولد الزنا بمقتضى التعليل و التبادر.و يحتمل الإتيان،تغليبا لجانب الإسلام.

و في اختصاص الحكم بالذمية كما يستفاد من ظاهر أكثر العبارات،أم يعم كل مشركة كما عن ظاهر الخلاف للتعبير بها فيه (3)، وجهان.و الأصل يقتضي الأول،و عموم احترام الولد المستفاد من أنّ:«الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» (4)يوجب الثاني،و لا بأس به مع عدم إمكان الإخراج بشق البطن في غير الكتابي.

سننه

و سننه:

اتباع الجنازة و تشييعها بإجماع العلماء كافة،و النصوص في فضله مستفيضة بل متواترة.

ففي خبرين:«من شيّع ميتا حتى صلّى عليه كان له قيراط من الأجر، فإذا مشى معه حتى يدفن كان له قيراطان،و القيراط مثل جبل احد» (5).

ص:423


1- الشيخ في الخلاف 1:730،الحلي في السرائر 1:168.
2- المفيد في المقنعة:85،المحقق في المعتبر 1:292،العلامة في التذكرة 1:54.
3- الخلاف 1:730.
4- الفقيه 4:778/243،الوسائل 26:14 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 11.
5- الكافي 3:5/173،الفقيه 1:455/99،التهذيب 1:1485/455،الوسائل 3:145 أبواب الدفن ب 3 ح 3. و الخبر الثاني:الكافي 3:4/173،الوسائل 3:146 أبواب الدفن ب 3 ح 4.

و في آخر:«من شيّع جنازة حتى دفن في قبره و كلّ اللّه تعالى به سبعين ملكا من المشيّعين يشيّعونه و يستغفرون له إذا خرج من قبره إلى الموقف» (1).

و في آخر:«من تبع جنازة مسلم اعطي يوم القيامة أربع شفاعات و لم يقل شيئا إلاّ قال الملك:و لك مثل ذلك» (2).

و يكره الركوب إجماعا من العلماء كما عن المنتهى (3)؛للمعتبرة ففي المرسل كالصحيح:«رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قوما خلف جنازة ركبانا فقال:

ما أستحيي هؤلاء أن يتبعوا صاحبهم ركبانا و قد أسلموه على هذه الحالة؟!» (4).

و ينبغي المشي خلفها أو مع جانبيها مطلقا وفاقا للمعظم (5)للنصوص منها الموثق:«المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين يديها» (6).

و في الخبر:«من أحب أن يمشي مشي كرام الكاتبين فليمش جنبي السرير» (7).

خلافا للمقنع و الخلاف فالخلف خاصة (8).و يجوز إضافيته بالنسبة إلى أمام الجنازة؛لجعلهما إياه مقابلا له،و هو على ما ذكرنا أوضح قرينة.

ص:424


1- الكافي 3:2/173،الفقيه 1:458/99،أمالي الصدوق:1/180،الوسائل 3:145 أبواب الدفن ب 3 ح 2.
2- الكافي 3:6/173،الفقيه 1:456/99،التهذيب 1:1483/455،الوسائل 3:141 أبواب الدفن ب 2 ح 1.
3- المنتهى 1:445.
4- الكافي 3:1/170،الوسائل 3:152 أبواب الدفن ب 6 ح 3.
5- ما بين القوسين ليست في«ش».
6- الكافي 3:1/169،الفقيه 1:464/100،التهذيب 1:902/311،الوسائل 3:148 أبواب الدفن ب 4 ح 1.و زاد في التهذيب:«و لا بأس بأن يمشي بين يديها».
7- الكافي 3:6/170،التهذيب 1:904/311،الوسائل 3:148 أبواب الدفن ب 4 ح 3.
8- المقنع:19،الخلاف 1:718.

ثمَّ المشهور كراهة الإمام مطلقا،كما عن صريح السرائر و الوسيلة و البيان و التذكرة (1)،و ظاهر المقنع و المقنعة و الاقتصاد و المراسم و جمل العلم و العمل (2).إلاّ أنّ في المقنع:و روي إذا كان الميت مؤمنا فلا بأس أن يمشي قدّام جنازته فإنّ الرحمة تستقبله،و الكافر لا يتقدم جنازته فإنّ اللعنة تستقبله (3).

و في الأخير:و قد روي جواز المشي أمامها.

و هو الأظهر؛لإطلاق النهي عنه في الخبرين.

أحدهما:الرضوي:«و إذا حضرت جنازة فامش خلفها و لا تمش أمامها، و إنما يوجر من تبعها لا من تبعته» (4).

و الثاني:خبر السكوني:«اتبعوا الجنازة و لا تتبعكم،خالفوا أهل الكتاب» (5).

و قصور السند-لو كان-منجبر بالشهرة،مع أن احتمال الكراهة المطلقة كافية بناء على المسامحة.

خلافا للمحكي عن صريح المعتبر و الذكرى (6)،و ظاهر المبسوط و النهاية و موضع من المنتهى (7)،فلا كراهة مطلقا؛لظاهر إطلاق المعتبرة كالصحيح:

عن المشي مع الجنازة،فقال:«بين يديها و عن يمينها و عن شمالها و خلفها» (8)

ص:425


1- السرائر 1:164،الوسيلة:69،البيان:78،التذكرة 1:48.
2- المقنع:19،المقنعة:79،الاقتصاد:249،المراسم:51،جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):51.
3- الوسائل 3:151 أبواب الدفن ب 5 ح 7.
4- فقه الرضا(عليه السلام):169،المستدرك 2:298 أبواب الدفن ب 4 ح 1.
5- التهذيب 1:901/311،الوسائل 3:149 أبواب الدفن ب 4 ح 4.
6- المعتبر 1:293،الذكرى:52.
7- المبسوط 1:183،النهاية:37،المنتهى 1:445.
8- الكافي 3:4/169،الفقيه 1:467/100،الوسائل 3:149 أبواب الدفن ب 5 ح 1.

و نحوه آخر (1).و هو ظاهر تفضيل الخلف عليه مع نفي البأس عنه في الموثق المتقدم.

و هي؛مع احتمال الأوّلين منها للتقية-لكون استحباب الامام مشهورا بين العامة (2)-و عدم صراحة الجميع في نفي الكراهة؛معارضة بالأخبار المفصّلة بين المعادي و أهل الولاية المصرّحة بالنهي عنه في الأول،و هي كثيرة كالخبر:«امش أمام جنازة المسلم العارف،و لا تمش أمام جنازة الجاحد،فإنّ أمام جنازة المسلم ملائكة يسرعون به إلى الجنة،و إنّ أمام جنازة الكافر ملائكة يسرعون به إلى النار» (3).

و لذا قيل بالتفصيل (4).و هو ضعيف؛لضعف أخباره.

و عن العماني:المنع عن تقدم جنازة المعادي لذوي القربى (5).و في الأخبار المفصّلة دلالة عليه.لكنها مضافا إلى ضعفها مردودة بالأخبار المطلقة للمنع المعتضدة بالشهرة العظيمة،فلتحمل على تفاوت مراتب الكراهة.

و عن الإسكافي:يمشي صاحب الجنازة بين يديها،و القاضون حقّه وراءها (6)؛جمعا بين الأخبار الناهية مطلقا،و المصرّحة بتقدم مولانا الصادق عليه السلام على سرير ابنه إسماعيل كما في الخبر (7).و هو ضعيف بضعفة، مع احتمال التقية فيه.

و تربيعها أي حملها من جوانبها الأربع كيف اتفق إجماعا منّا.و ليس

ص:426


1- الكافي 3:5/170،الوسائل 3:150 أبواب الدفن ب 5 ح 2.
2- كما في المغني لابن قدامة 2:356.
3- الكافي 3:2/169،الوسائل 3:150 أبواب الدفن ب 5 ح 4.
4- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:124.
5- نقله عنه في الذكرى:52.
6- نقله عنه في الذكرى:52.
7- الفقيه 1:524/112،الوسائل 2:441 أبواب الاحتضار ب 27 ح 3.

فيه دنوّة و لا سقوط مروّة،و إلاّ لما فعله النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام،و لما ورد الأمر به مع الحثّ عليه في المعتبرة كالحسن:«من حمل جنازة من أربع جوانبها غفر اللّه تعالى له أربعين كبيرة» (1).

و في الخبر:«من أخذ بقائمة السرير غفر اللّه تعالى له خمسا و عشرين كبيرة،و إذا ربّع خرج من الذنوب» (2).

و الأخبار فيما هو الفضل من الكيفية مختلفة كاختلاف الطائفة،إلاّ أن المشهور كما في كلام جماعة (3)البدأة بمقدّم السرير الأيمن على عاتقه الأيسر، ثمَّ بمؤخره،ثمَّ بمؤخره الأيسر على عاتقه الأيمن،ثمَّ يدور حوله إلى أن يرجع إلى المقدّم،و عليه الإجماع عن الشيخ (4).

و قيل:بالعكس (5)،و ادعي عليه الشهرة (6).و أيّد بالاعتبار؛لاجتماع يميني الحامل و الميت فيه مع يسار الجنازة،دون الأوّل،لاجتماع يساريهما حينئذ مع يمينها،و اعتبار اليمين أولى.و هو حسن،و يشهد له تشبيهه بدوران الرحى الغير الحاصل متعارفا إلاّ بذلك كما شاهدناه،و إن اشتهر خلافه في كلام أصحابنا.

إلاّ أنّ الشهرة العظيمة مع دعوى الإجماع يؤيد الأول فترجّح بهما أخباره،و دعوى الشهرة على الخلاف مهجورة،مع أنّ أخباره ما بين صريح و ظاهر.فالأوّل مروي في السرائر،عن جامع البزنطي،عن ابن أبي يعفور،عن

ص:427


1- الكافي 3:1/174،التهذيب 1:1479/454،الوسائل 3:153 أبواب الدفن ب 7 ح 1.
2- الكافي 3:2/174،الفقيه 1:462/99 و فيه:بقوائم بدل بقائمة،الوسائل 3:154 أبواب الدفن ب 7 ح 4.
3- انظر روض الجنان:314،و الحدائق 4:92.
4- ذكر هذه الكيفية في النهاية:37،و المبسوط 1:183،و لكن لا يوجد فيهما ادعاء الإجماع.
5- انظر الخلاف 1:718.
6- انظر كشف اللثام 1:126.

الصادق عليه السلام قال:«السنّة أن تستقبل الجنازة من جانبها الأيمن و هو ممّا يلي يسارك»إلى آخره (1).

و قريب منه المرسل:«ابدأ باليد اليمنى ثمَّ بالرجل اليمنى،ثمَّ ارجع من مكانك إلى ميامن الميت لا تمرّ خلفه» (2).

و هو كالصريح؛للأمر بالرجوع إلى ميامن الميت التي هي يسار الجنازة الظاهر في عدم حصوله بالحمل السابق،و لو كان المراد باليد اليمنى يمنى الميت لما كان للرجوع معنى .

و الثاني الخبر:«تبدأ في حمل السرير من جانبه الأيمن» (3)فإن الظاهر رجوع الضمير إلى السرير لا الميت.

و أخبار الخلاف ليست ناصة عليه بل ظاهرة قابلة للحمل بما يرجع إلى الأول.فإذا هو الأظهر،و يراد بالتشبيه بدوران الرحى حينئذ التشبيه في أصل الدوران لا الكيفية،ردّا على العامة،لمنعهم عن مطلق الدوران (4).

و من السنن حفر القبر قدر قامة معتدلة أو إلى الترقوة إجماعا كما عن الخلاف و الغنية و التذكرة (5).و هو الحجة فيه لا الرواية :«حدّ القبر إلى الترقوة،و قال بعضهم:إلى الثدي،و قال بعضهم:قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر» (6).

ص:428


1- مستطرفات السرائر:26/59،الوسائل 3:155 أبواب الدفن ب 8 ح 2.
2- الكافي 3:3/168،التهذيب 1:1473/452،الوسائل 3:156 أبواب الدفن ب 8 ح 3.
3- الكافي 3:4/169،التهذيب 1:1474/453،الاستبصار 1:763/216،الوسائل 3: 156 أبواب الدفن ب 8 ح 5.
4- كما في المغني لابن قدامة 2:361.
5- الخلاف 1:705،الغنية(الجوامع الفقهية):564،التذكرة 1:52.
6- الكافي 3:1/165،التهذيب 1:1469/451،الوسائل 3:165 أبواب الدفن ب 14 ح 2.

بناء على عدم معلومية كون القائل بالقامة من الأئمة عليهم السلام بل احتمل كونه من العامة،مع أن صدره ظاهر في التحديد له منه عليه السلام بالترقوة خاصة،و هو المناسب للنهي عن الحفر زائدا على الأذرع الثلاثة في الرواية (1)،إلاّ أنها خصّت بأرض المدينة،لبلوغ الزائد عليها إلى الرشح و الندى في أرضها،و لذا أمر مولانا علي بن الحسين عليهما السلام بالحفر إليه (2).

و أن يجعل له لحد أي حفيرة واسعة بقدر ما يجلس الميت ممّا يلي القبلة،إجماعا كما عن الخلاف و الغنية و التذكرة (3)؛للمعتبرة منها النبوي:

«اللحد لنا و الشق لغيرنا» (4).

و في الصحيح:«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لحّد له أبو طلحة الأنصاري» (5).

و لا ينافيه ما دلّ على أمر مولانا الباقر عليه السلام بالشقّ له (6)؛لاحتمال الاختصاص به لكونه بادنا و كون أرض البقيع رخوة كما صرّح به في الخبر:«إنّ أبي كتب في وصيته إليّ»إلى أن قال:«و شققنا له الأرض شقّا من أجل أنه كان

ص:429


1- الكافي 3:4/166،التهذيب 1:1466/451،الوسائل 3:165 أبواب الدفن ب 14 ح 1.
2- الكافي 3:1/165،التهذيب 1:1469/451،الوسائل 3:165 أبواب الدفن ب 14 ح 2.
3- الخلاف 1:706،الغنية(الجوامع الفقهية):564،التذكرة 1:52.
4- سنن الترمذي 2:1050/254،سنن ابن ماجه 1:1554/496،سنن أبي داود 3: 3208/213.
5- الكافي 3:3/166،التهذيب 1:1467/451،الوسائل 3:166 أبواب الدفن ب 15 ح 1.
6- الكافي 3:2/166،التهذيب 1:1468/451،الوسائل 3:166 أبواب الدفن ب 15 ح 2.

بادنا» (1).

و منه يظهر أفضلية الشق في الصورة المذكورة كما عن المنتهى و نهاية الأحكام و التذكرة (2).و يعمل له حينئذ شبه اللحد من بناء كما عن المعتبر (3)، تحصيلا للفضيلة.

و أن يتحفّى النازل إليه أي إلى القبر و يحلّ أزراره و يكشف رأسه للروايات الآتي بعضها.و عن المعتبر نسبته إلى مذهب الأصحاب (4).إلاّ أن في الخبر أن أبا الحسن عليه السلام دخل و لم يحلّ أزراره (5)؛و لعلّه لمانع .

و أن يدعو عند نزوله إليه بالمأثور في الصحيح:«لا تنزل في القبر و عليك العمامة و القلنسوة و الحذاء و الطيلسان ،و حلّ أزرارك،و بذلك سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جرت،و ليتعوّذ باللّه من الشيطان الرجيم و ليقرأ فاتحة الكتاب و المعوّذتين و قل هو اللّه أحد و آية الكرسي»الحديث (6).

و في آخر:«إذا وضعته في القبر فاقرأ آية الكرسي و قل:بسم اللّه و باللّه و في سبيل اللّه و على ملّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اللهم افسح له في قبره و ألحقه بنبيه صلّى اللّه عليه و آله.و قل كما قلت في الصلاة مرّة واحدة:اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه و إن كان مسيئا فاغفر له و ارحمه و تجاوز عنه، و استغفر له ما استطعت».قال:«و كان علي بن الحسين عليه السلام إذا أدخل الميت القبر قال:اللهم جاف الأرض عن جنبيه و اصعد عمله و لقّه منك

ص:430


1- الكافي 3:3/140،التهذيب 1:876/300،الوسائل 3:166 أبواب الدفن ب 15 ح 3.
2- المنتهى 1:461،نهاية الأحكام 2:274،التذكرة 1:52.
3- المعتبر 1:296.
4- المعتبر 1:296.
5- التهذيب 1:912/314،الاستبصار 1:752/213،الوسائل 3:171 أبواب الدفن ب 18 ح 6.
6- الكافي 3:2/192،الوسائل 3:170 أبواب الدفن ب 18 ح 1 و ص 173 ب 20 ح 1.

رضوانا» (1).

و عن المصباح و مختصره و ظاهر المقنعة و المبسوط و النهاية و المنتهى و نهاية الأحكام و التذكرة (2):أنه يقول إذا نزل قبل التناول:اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة و لا تجعلها حفرة من حفر النيران.

و نحوه عن الفقيه إلاّ أنه قال:يقال عند معاينة القبر (3).و هو يعم النازل و غيره.قيل (4):و يؤيده أنه أرسله الراوندي في دعواته عن الصادق عليه السلام:

إذا نظرت إلى القبر (5).

أقول:و نحوه في الرضوي (6).

و عن الحلبي التصريح بالتعميم فقال:إذا عاين المشيّعون القبر فليقولوا ذلك،و زاد في آخره:هذا ما وعدنا اللّه و رسوله و صدق اللّه و رسوله (7).

و عن المقنعة و النهاية و المبسوط و المصباح و مختصره و المنتهى و نهاية الأحكام و التذكرة (8):أنه يقول إذا تناوله:بسم اللّه و باللّه و على ملّة رسول اللّه، اللهم إيمانا بك و تصديقا بكتابك،هذا ما وعدنا اللّه و رسوله و صدق اللّه و رسوله، اللهم زدنا إيمانا و تسليما.

و ينبغي أن لا يكون النازل رحما كما عن النهاية و المبسوط

ص:431


1- الكافي 3:1/194،التهذيب 1:915/315،الوسائل 3:177 أبواب الدفن ب 21 ح 1.
2- مصباح المتهجد:19،المقنعة:80،المبسوط 1:186،النهاية:38،المنتهى 1:460 نهاية الأحكام 2:276،التذكرة 1:52.
3- الفقيه 1:107.
4- قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:134.
5- دعوات الراوندي:756/264،المستدرك 2:324 أبواب الدفن ب 21 ح 7.
6- فقه الرضا(عليه السلام):170،المستدرك 2:324 أبواب الدفن ب 21 ح 6.
7- الكافي في الفقه:238،و في«ح»زيادة:اللّهم ارزقنا إيمانا و تسليما.
8- المقنعة:80،النهاية:38،المبسوط 1:186،مصباح المتهجد:20،المنتهى 1:460، نهاية الأحكام 2:276،التذكرة 1:52.

و الوسيلة (1)؛لإيراثه القسوة كما عن الأوّلين و المقنعة و المعتبر و المنتهى و نهاية الأحكام (2).

و مستنده بعنوان العموم غير واضح من الأخبار،و المستفاد منها كراهة نزول الوالد قبر ولده و عدم البأس في نزول ولده في قبره،ففي الحسن:«يكره للرجل أن ينزل في قبر ولده» (3).

و في الخبر:«الرجل ينزل في قبر والده و لا ينزل الوالد في قبره» (4)و نحوه غيره (5).

و حمل نفي البأس على نفي تأكد الكراهة.و هو فرع وجود المعارض.و مع ذلك لا بأس به؛للتسامح؛مع أنه عن الذكرى عن عبد اللّه بن محمّد بن خالد عن الصادق عليه السلام:«الوالد لا ينزل في قبر ولده و الولد لا ينزل في قبر والده» (6)و لكن قيل:ليس لفظة«لا»في الأخير في كتب الفروع (7).

إلاّ في ما إذا كانت الميت المرأة فالمحارم حينئذ كالزوج أولى بإنزالها،اتفاقا كما عن التذكرة و المنتهى (8)؛للخبر:«الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها» (9).

ص:432


1- النهاية:39،المبسوط 1:187،الوسيلة:69.
2- المقنعة:81،المعتبر 1:297،المنتهى 1:462،نهاية الأحكام 2:275.
3- الكافي 3:2/193،الوسائل 3:185 أبواب الدفن ب 25 ح 1.
4- الكافي 3:1/193،الوسائل 3:185 أبواب الدفن ب 25 ح 2.
5- التهذيب 1:929/320،الوسائل 3:186 أبواب الدفن ب 25 ح 5.
6- الذكرى:66.
7- انظر كشف اللثام 1:134.
8- التذكرة 1:52،المنتهى 1:459.
9- الكافي 3:6/194،التهذيب 1:949/325،الوسائل 3:187 أبواب الدفن ب 26 ح 2.

و في آخر:«إن المرأة لا يدخل قبرها إلاّ من كان يراها في حياتها» (1).

و عن المفيد:أنه ينزلها قبرها اثنان يجعل أحدهما يديه تحت كتفيها و الآخر يديه تحت حقويها،و ينبغي أن يكون الذي يتناولها من قبل وركيها زوجها،أو بعض ذوي أرحامها كابنها أو أخيها أو أبيها إن لم يكن لها زوج (2).

فقصر الحكم على من يتناولها من وركيها،و لعلّه لكونه أهم.

و هل يتعين الزوج أو الرحم؟ظاهر العبارة كالمحكي عن المعتبر و الذكرى و التذكرة:الاستحباب (3).و هو الأوفق بالأصل؛لضعف الأخبار.

و عن ظاهر جمل العلم و العمل و النهاية و المبسوط و المنتهى:

الوجوب (4).و هو أحوط(لاعتبار سند الدال على ذلك عند جمع و لو ضعف في المشهور) (5).

و أن يجعل الميت عند رجلي القبر الذي هو بابه كما في الأخبار،منها الموثق:«لكلّ شيء باب و باب القبر من قبل الرّجلين،إذا وضعت الجنازة فضعها ممّا يلي الرجلين»الخبر (6).

و هي عامة في مطلق الميت،فتخصيص الحكم ب إن كان رجلا غير واضح.

و نحوها في العموم الحسن:«إذا أتيت بالميت القبر فسلّه من قبل رجليه» (7).

ص:433


1- الكافي 3:5/193،التهذيب 1:948/325،الوسائل 3:187 أبواب الدفن ب 26 ح 1.
2- المقنعة:82.
3- المعتبر 1:297،الذكرى:66،التذكرة 1:52.
4- جمل العلم و العمل(رسائل السيد 3):51،النهاية:37،المبسوط 1:186 المنتهى 1: 459.
5- ما بين القوسين ليست في«ل».
6- التهذيب 1:919/316،الوسائل 3:182 أبواب الدفن ب 22 ح 6.
7- الكافي 3:1/194،التهذيب 1:915/315،الوسائل 3:181 أبواب الدفن ب 22 ح 1.

و نحوه خبر آخر (1)ليس في سنده سوى سهل الثقة عند بعض.

و لعلّه المراد بالخبر :«لا تفدح ميتك بالقبر،و لكن ضعه أسفل منه بذراعين» (2)و نحوه آخر (3).

و لعلّ التخصيص به و استحباب الوضع قدّامه أي القبر إن كانت امرأة مستفاد من الرضوي،و فيه التصريح بالأمرين حيث قال:«و إن كانت امرأة فخذها بالعرض من قبل اللحد،و تأخذ الرجل من قبل رجليه تسلّه سلا» (4).

و على الثاني الإجماع عن الغنية و ظاهر المنتهى و نهاية الأحكام و التذكرة (5).

أقول:و هو المناسب لعدم رفع عجزها المرعي في نحو الركوع في الصلاة و غيره،و يؤيده الأخبار بوضع المرأة في القبر عرضا.

و أن ينقل الميت مطلقا و لو كان امرأة إلى القبر مرّتين بوضعه على الأرض في كل مرة مع الصبر عليه هنيئة ليأخذ أهبته و ينزل في الثالثة على المشهور.

للخبرين،أحدهما:الرضوي:«و إن حملت الميت إلى قبره فلا تفاجئ به القبر فإن للقبر أهوالا عظيمة،و تعوّذ باللّه سبحانه من هول المطّلع ،و لكن ضعه دون شفير القبر و اصبر عليه هنيئة ثمَّ قدّمه قليلا و اصبر عليه ليأخذ أهبته ثمَّ قدّمه

ص:434


1- الكافي 3:3/195،التهذيب 1:916/315،الوسائل 3:181 أبواب الدفن ب 22 ح 2.
2- الكافي 3:1/191،الوسائل 3:168 أبواب الدفن ب 16 ح 5.
3- التهذيب 1:907/312،الوسائل 3:167 أبواب الدفن ب 16 ح 2.
4- فقه الرضا(عليه السلام):171،المستدرك 2:328 أبواب الدفن ب 22 ح 4.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):564،المنتهى 1:459،نهاية الأحكام 2:274،التذكرة 1:52.

إلى شفير القبر،و يدخله القبر من يأمره وليّ الميت إن شاء شفعا و إن شاء وترا» الخبر (1).

و نحوه الثاني المروي في العلل (2).

خلافا للمحكي عن الإسكافي (3)،فلم يزد في وضعه على مرّة؛لخلو الأخبار المعتبرة عن التثليث،ففي الصحيح:«ينبغي أن يوضع الميت دون القبر هنيئة ثمَّ واره» (4).

و ينبغي أن يكون الميت حين إنزاله سابقا برأسه إن كان رجلا كخروجه إلى الدنيا،قطع به الشيخان و غيرهما (5)،بل عن الغنية الإجماع عليه (6)،و يرشد إليه أخبار سلّه من قبل الرّجلين.

و ينبغي أن يكون برفق؛للخبرين المروي أحدهما في العيون (7).

و إن كانت المرأة ينبغي أخذها عرضا في المشهور،بل عن الغنية و ظاهر نهاية الأحكام و المنتهى و التذكرة:الإجماع عليه (8)،و به يقيّد إطلاق أخبار السلّ،مع إشعار بعضها بالرجل،مضافا إلى المرفوع المنجبر بالعمل:«إذا أدخلت الميت القبر إن كان رجلا سلّ سلا،و المرأة تؤخذ

ص:435


1- فقه الرضا(عليه السلام):170،المستدرك 2:317 أبواب الدفن ب 16 ح 1.
2- علل الشرائع:2/306،الوسائل 3:168 أبواب الدفن ب 16 ح 6.
3- نقله عنه في الذكرى:65.
4- التهذيب 1:908/313،الوسائل 3:167 أبواب الدفن ب 16 ح 1.
5- المفيد في المقنعة:80،الطوسي في النهاية:38؛و انظر نهاية الأحكام 2:274.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):564.
7- العيون 2:1/120،الوسائل 3:78 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 20.و الخبر الثاني:الكافي 3:4/195،التهذيب 1:922/317،الوسائل 3:175 أبواب الدفن ب 20 ح 5.
8- الغنية(الجوامع الفقهية):564،نهاية الأحكام 2:275،المنتهى 1:459،التذكرة 1: 52.

عرضا» (1).

و في الخبر:«يسلّ الرجل سلا،و تستقبل المرأة استقبالا» (2).

و قد صرّح بالأمرين في الرضوي المتقدم (3).

و أن يحلّ عقد كفنه بعد وضعه في قبره،إجماعا كما عن الغنية و المعتبر (4)؛للمستفيضة،منها الرضوي:«ثمَّ ضعه على يمنية مستقبل القبلة، و حلّ عقد كفنه،وضع خده على التراب»الخبر (5).

و لعلّه بمعناه ما في الصحيحين الآمرين بشق الكفن من عند رأسه (6).

و أن يلقّنه الولي أو من يأمره قبل شرج اللبن أصول دينه،إجماعا كما عن الغنية (7)،و الأخبار باستحبابه كادت تكون متواترة.

ففي الصحيح:«و اضرب بيدك على منكبه الأيمن ثمَّ قل:يا فلان بن فلان،قل:رضيت باللّه ربّا،و بالإسلام دينا،و بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله نبيا و رسولا،و بعليّ إماما و يسمي إمام زمانه» (8).

و في الحسن:«و سمّ حتى إمام زمانه» (9).

ص:436


1- التهذيب 1:950/325،الوسائل 3:204 أبواب الدفن ب 38 ح 1.
2- التهذيب 1:951/326،الوسائل 3:204 أبواب الدفن ب 38 ح 2.
3- في ص:434.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):564،المعتبر 1:300.
5- فقه الرضا(عليه السلام):170،المستدرك 2:324 أبواب الدفن ب 21 ح 6.
6- الأول: التهذيب 1:1493/458،الوسائل 3:172 أبواب الدفن ب 19 ح 2. الثاني: الكافي 3:9/196،التهذيب 1:921/317،الوسائل 3:173 أبواب الدفن ب 19 ح 6.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):564.
8- التهذيب 1:1490/457،الوسائل 3:175 أبواب الدفن ب 20 ح 6.
9- الكافي 3:7/196،الوسائل 3:174 أبواب الدفن ب 20 ح 2.

و في الرضوي:«ثمَّ تدخل يدك اليمنى تحت منكبه الأيمن وضع يدك اليسرى على منكبه الأيسر و تحرّكه تحريكا شديدا و تقول:يا فلان بن فلان،اللّه ربك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله نبيك،و الإسلام دينك،و عليّ وليك و إمامك،و تسمي الأئمة واحدا بعد واحد إلى آخرهم،ثمَّ تعيد عليه التلقين مرّة أخرى» (1).

و نحوه عن الفقيه و الهداية (2)،و زاد في آخره:أئمتك أئمة هدى أبرار.

و في أمالي الصدوق عن ابن عباس:أنه لمّا وضعت فاطمة بنت أسد في قبرها زحف النبي صلّى اللّه عليه و آله حتى صار عند رأسها ثمَّ قال:«يا فاطمة، إن أتاك منكر و نكير فسألاك من ربك فقولي:اللّه ربي،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله نبيي،و الإسلام ديني،و ابني إمامي و وليّي» (3).

و عن الشيخين و القاضي و المنتهى (4)أن يقول:يا فلان بن فلان اذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّ محمّدا عبده و رسوله،و أنّ عليّا أمير المؤمنين و الحسن و الحسين-و يذكر الأئمة عليهم السلام إلى آخرهم-أئمتك أئمة هدى أبرار،كذا في المقنعة بالتنكير.و الباقون ذكروا:أئمة الهدى الأبرار بالتعريف،قال المفيد:و إذا لقّنه كفى المسألة بعد الدفن إن شاء اللّه تعالى.

أقول:و هذا هو التلقين الثاني.و قيل:الثالث (5)،بناء على ما ذكره من استحبابه عند التكفين.و لم أقف على ما يدل عليه.

ص:437


1- فقه الرضا(عليه السلام):171،المستدرك 2:320 أبواب الدفن ب 20 ح 1.
2- الفقيه 1:108،الهداية:27.
3- أمالي الصدوق:14/258،الوسائل 3:176 أبواب الدفن ب 20 ح 9.
4- المفيد في المقنعة:81،الطوسي في النهاية:38،القاضي في المهذب 1:64،المنتهى 1:460.
5- انظر الحدائق 4:128.

و أن يجعل معه كما عن النهاية و المبسوط و الأكثر (1)،أو تحت خدّه كما عن المفيد و الحلّي و شيخنا الشهيد رحمهم اللّه (2)،أو في وجهه كما عن الاقتصاد و العزّية (3)،و الظاهر أنه بمعنى جعلها تلقاء وجهه،و ظاهر الحلّي المغايرة و أنهما قولان لشيخ الطائفة و الكلّ جائز كما عن المختلف (4).

تربة مولانا الحسين عليه السلام،فإنها أمان من كل خوف كما في الأخبار،و ممّا ورد منها في المضمار المستفيضة.

فروى الشيخ في التهذيب في أبواب المزار في الصحيح،عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري قال:كتبت إلى الفقيه أسأله عليه السلام عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره،هل يجوز ذلك أم لا؟فأجاب عليه السلام -و قرأت التوقيع و منه نسخت:«يوضع مع الميت في قبره و يخلط بحنوطه إن شاء اللّه» (5).

و رواه في الاحتجاج عن محمّد بن عبد اللّه،عن أبيه،عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام (6).

و روى في المصباح عن جعفر بن عيسى أنه سمع أبا الحسن عليه السلام يقول:«ما على أحدكم إذا دفن الميت و وسده التراب أن يضع مقابل وجهه لبنة من الطين و لا يضعها تحت رأسه» (7).

و المراد بالطين هو التربة الشريفة،فإنها المراد من إطلاق العبارة حيث

ص:438


1- النهاية:38،المبسوط 1:186؛حكاه عن الأكثر في كشف اللثام 1:134.
2- نقله عن المفيد في الذكرى:66،الحلي في السرائر 1:165،الشهيد في الذكرى:66.
3- الاقتصاد:250،حكاه عن العزّيّة في الذكرى:66.
4- المختلف:121.
5- التهذيب 6:149/76،الوسائل 3:29 أبواب التكفين ب 12 ح 1.
6- الاحتجاج 2:489،الوسائل 3:29 أبواب التكفين ب 12 ح 1.
7- مصباح المتهجد:678،الوسائل 3:30 أبواب التكفين ب 12 ح 3.

تطلق في زمن الأئمة عليهم السلام،و لذا رواه الشيخ في فضل التربة الحسينية.

و في الرضوي:«و يجعل في أكفانه شيء من طين القبر و تربة الحسين عليه السلام» (1).و العطف تفسيري.

و حكي أن امرأة قذفها القبر مرارا لأنها كانت تزني و تحرق أولادها،و أن أمّها أخبرت الصادق عليه السلام بذلك فقال:إنها كانت تعذّب خلق اللّه تعالى اجعلوا معها شيئا من تربة الحسين عليه السلام فاستقرت (2).

و ربما يستفاد منها استحباب الدفن في الأرض المقدسة على مشرّفها السلام و أفضل التحية و الإكرام.

و أن يشرّج اللحد و ينضد باللبن على وجه يمنع دخول التراب إليه،لا يعرف فيه خلاف كما عن المنتهى (3).و هو الحجة كالخبر:«ثمَّ تضع الطين و اللبن فما دمت تضع اللبن و الطين تقول:اللّهم»الخبر (4).

و إشعار المعتبرة بالمداومة عليه في الأزمنة السابقة كالحسن:«إذا وضعت عليه اللبن فقل:اللهم صل وحدته» (5)و نحوه الرضوي (6)و غيره (7).

و في الصحيح:«جعل عليّ عليه السلام على قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله لبنا»فقلت:أرأيت إن جعل الرجل عليه آجرا هل يضرّ بالميت؟قال:

«لا» (8)فتأمل .

ص:439


1- فقه الرضا(عليه السلام):184،المستدرك 2:217 أبواب التكفين ب 10 ح 3.
2- المنتهى 1:461،الوسائل 3:29 أبواب التكفين ب 12 ح 2.
3- المنتهى 1:461.
4- التهذيب 1:1492/457،الوسائل 3:180 أبواب الدفن ب 21 ح 6.
5- الكافي 3:6/196،التهذيب 1:920/316،الوسائل 3:177 أبواب الدفن ب 21 ح 2.
6- فقه الرضا(عليه السلام):171،المستدرك 2:324 أبواب الدفن ب 21 ح 6.
7- الفقيه 1:500/108،الوسائل 3:179 أبواب الدفن ب 21 ح 5.
8- الكافي 3:3/197،الوسائل 3:189 أبواب الدفن ب 28 ح 1.

و يستفاد منها استحباب اللبن،إلاّ أن المحكي عن الغنية و المهذّب و المنتهى (1)جواز تبديله بما يقوم مقامه في منع التراب؛و لعلّه للمروي في العلل و فيه:«نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبر سعد بن معاذ حتى لحّده و سوّى عليه اللبن و جعل يقول:ناولني حجرا،ناولني ترابا رطبا يسدّ به ما بين اللبن، فلمّا أن فرغ و حثا التراب عليه و سوّى قبره قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

إني لأعلم أنه سيبلى و يصل إليه البلى،و لكن اللّه عزّ و جلّ يحبّ عبدا إذا عمل عملا فأحكمه»الحديث (2).

و يستفاد منه إطلاق اللبن على ما يعمّ الحجر،و استحباب الطين لسدّ الخلل كما استفيد من الخبر الأول،و حكي التصريح به عن الفاضلين في المعتبر و النهاية و المنتهى و التذكرة (3).

و أن يخرج من قبل رجليه مطلقا؛للخبرين:«من دخل القبر فلا يخرج منه إلاّ من قبل الرّجلين» (4).و يشعر به الدالّ على أنه الباب (5).

خلافا للإسكافي في المرأة فيخرج من عند رأسها؛لإنزالها عرضا، و للبعد عن العورة (6)،و إطلاق النص حجة عليه.

و أن يهيل الحاضرون و يصبون التراب في قبره بعد تشريجه؛ للمستفيضة،و هي ما بين مطلقة بإهالته باليد (7)،و مقيدة له بظهور الأكف

ص:440


1- الغنية(الجوامع الفقهية):564،المهذّب 1:63،المنتهى 1:461.
2- علل الشرائع:4/309،الوسائل 3:230 أبواب الدفن ب 60 ح 2.
3- المعتبر 1:299،نهاية الأحكام 2:277،المنتهى 1:461،التذكرة 1:53.
4- الكافي 3:4/193،التهذيب 1:917/316،الوسائل 3:183 أبواب الدفن ب 23 ح 1. و الخبر الثاني:الكافي 3:5/193،الوسائل 3:184 أبواب الدفن ب 23 ح 2.
5- الوسائل 3:182 أبواب الدفن ب 22 الأحاديث 4،6،7.
6- نقله عنه في المختلف:121.
7- الوسائل 3:189 أبواب الدفن ب 29.

كالرضوي:«ثمَّ احث عليه التراب بظهر كفك ثلاث مرّات» (1).

و قريب منه ما في آخر قال:رأيت أبا الحسن عليه السلام و هو في جنازة فحثا التراب على القبر بظهر كفّه (2).

و مصرحة بإهالة مولانا الصادق عليه السلام ببطن الكف كما في الصحيح (3).و فيه-كالرضوي و غيره-التثليث كما عن المنتهى و الفقيه و الهداية و الاقتصاد و السرائر (4)و الإصباح.

و عن الذكرى أقلّه ثلاث حثيات باليدين جميعا؛لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله (5).

و ينبغي كونهم عند الإهالة مسترجعين قائلين «إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» [1] و لم أعثر لاستحبابه هنا بخصوصه على أثر.

و الاقتصار عليه محكي عن الأكثر،و عن القاضي زيادة:« هذا ما وَعَدَنَا اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ [2] ،اللهم زدنا إيمانا و تسليما» (6).

و في الخبر:«إذا حثوت التراب على الميت فقل:إيمانا بك و تصديقا ببعثك،هذا ما وعدنا اللّه و رسوله،قال:و قال أمير المؤمنين عليه السلام:

سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:من حثا على ميت و قال هذا القول أعطاه اللّه بكل ذرة حسنة» (7).

ص:441


1- فقه الرضا(عليه السلام):171،المستدرك 2:334 أبواب الدفن ب 28 ذيل الحديث 3.
2- التهذيب 1:925/318،الوسائل 3:191 أبواب الدفن ب 29 ح 5.
3- الكافي 3:4/198،الوسائل 3:190 أبواب الدفن ب 29 ح 2.
4- المنتهى 1:462،الفقيه 1:109،الهداية:27،الاقتصاد:250،السرائر 1:165، حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:135.
5- الذكرى:67.
6- المهذّب 1:63.
7- الكافي 3:2/198،التهذيب 1:926/319،الوسائل 3:190 أبواب الدفن ب 29 ح 4.

و الأخبار في الأدعية المأثورة عند الإهالة مختلفة،لا بأس بالعمل بكلّ منها.

و ينبغي أن لا يهيل ذو رحم و عليه فتوى الأصحاب؛للموثق:

«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن أن يطرح الوالد ذو رحم على ميّته» و علّل فيه بإيراثه القسوة،و من قسا قلبه بعد عن ربّه (1).

ثمَّ يطمّ القبر و لا يوضع فيه من غير ترابه فإنه ثقل على الميت كما في المرسل (2).

و في الخبر:«إن النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه» (3).

و عن الإسكافي تخصيص الكراهة بوقت الدفن فلا بأس به بعده (4).

و ينبغي أن يرفع متسطحا مربعا ذا أربع زوايا قائمة،إجماعا منّا في التسطيح كما عن الذكرى (5)،و به صرّح جماعة (6)،للرضوي:«و السنة أن القبر يرفع أربع أصابع مفرّجة من الأرض،و إن كان أكثر فلا بأس،و يكون مسطّحا لا مسنّما» (7).

ص:442


1- الكافي 3:5/199،التهذيب 1:928/319،علل الشرائع:1/304،الوسائل 3:191 أبواب الدفن ب 30 ح 1.
2- الفقيه 1:576/120،الوسائل 3:202 أبواب الدفن ب 36 ح 3.
3- الكافي 3:4/202،التهذيب 1:1500/460،الوسائل 3:202 أبواب الدفن ب 36 ح 1.
4- نقله عنه في الذكرى:67.
5- الذكرى:67.
6- منهم الشيخ في الخلاف 1:706،العلامة في التذكرة 1:53،المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:443.
7- فقه الرضا(عليه السلام):175،المستدرك 2:335 أبواب الدفن ب 29 ح 1.

و يومئ إليه أخبار التربيع كالخبر:«و يربّع قبره» (1).

و المروي في العلل:لأيّ علة يربّع القبر؟قال:«لعلّة البيت لأنه نزل مربعا» (2).

و ينص على كراهة التسنيم المروي في الخصال:«القبور تربع و لا تسنّم» (3).

و في الخبر في المحاسن:«لا تدع صورة إلاّ محوتها،و لا قبرا إلاّ سوّيته، و لا كلبا إلاّ قتلته» (4).

و في آخر:«و لا قبرا مشرفا إلاّ سوّيته» (5)و الإشراف ظاهر في التسنيم.

و ينبغي كون الرفع مقدار أربع أصابع باتفاق الأصحاب كما عن المعتبر (6)،بل العلماء كما عن المنتهى (7)،و تكون على الأشهر مفرّجات كما في الرضوي المتقدم،و المعتبرة كالصحيحين في وصية مولانا الباقر عليه السلام بذلك (8)،و نحوهما غيرهما ممّا تضمّن الأمر به (9).

و عن العماني كونها مضمومة (10)؛للموثق (11).

ص:443


1- الكافي 1:8/307،إرشاد المفيد:271،الوسائل 3:194 أبواب الدفن ب 31 ح 9.
2- علل الشرائع:1/305،الوسائل 3:195 أبواب الدفن ب 31 ح 12.
3- الخصال:9/603،الوسائل 3:182 أبواب الدفن ب 22 ح 5.
4- المحاسن:34/613،الوسائل 3:209 أبواب الدفن ب 43 ح 2.
5- صحيح مسلم 2:93/666،سنن أبي داود 3:3218/215.
6- المعتبر 1:301.
7- المنتهى 1:462.
8- الكافي 3:3/140،التهذيب 1:876/300،التهذيب 1:934/321،الوسائل 3: 193 أبواب الدفن ب 31 ح 6 و 7.
9- العيون 1:6/82،الوسائل 3:195 أبواب الدفن ب 31 ح 11.
10- نقله عنه في الذكرى:67.
11- الكافي؟؟؟:2/199،التهذيب 1:932/320،الوسائل 3:192 أبواب الدفن ب 31 ح 4.

و عن ابن زهرة و ابن البراج (1)التخيير بين الأول و بين الشبر؛للخبر:«إنّ قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رفع شبر من الأرض» (2).

و الأول أولى،مضافا إلى المنع عن الزائد عن الأربع أصابع في المروي في العيون:«لا ترفعوا قبري أكثر من أربع أصابع مفرّجات» (3).

و قريب منه الخبر:«و يلزق القبر بالأرض إلاّ قدر أربع أصابع مفرّجات» (4).

و عن المنتهى أن كراهته فتوى العلماء (5).

و أن يصبّ عليه الماء باتفاق العلماء كما عن المنتهى (6)،و عن الغنية الإجماع عليه (7)؛للأخبار،منها المرسل:«يتجافى عنه العذاب ما دام الندى في التراب» (8).

و به أمر أبو جعفر عليه السلام في وصيته (9).

و هي مطلقة في كيفية الرش،و الأفضل أن يبدأ من قبل رأسه و ينتهي إليه دورا،و إن فضل ماء صبّه على وسطه و هو مذهب الأصحاب

ص:444


1- ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):564،ابن البراج في المهذّب 1:64.
2- التهذيب 1:1538/469،علل الشرائع:2/307،الوسائل 3:193 أبواب الدفن ب 31 ح 8.
3- العيون 1:6/82،الوسائل 3:195 أبواب الدفن ب 31 ح 11.
4- الكافي 3:3/195،التهذيب 1:1494/458،الوسائل 3:181 أبواب الدفن ب 22 ح 2.
5- المنتهى 1:462.
6- المنتهى 1:463.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):564.
8- الكافي 3:6/200،علل الشرائع:1/307،الوسائل 3:196 أبواب الدفن ب 32 ح 2.
9- الكافي 3:5/200،التهذيب 1:933/320،الوسائل 3:193 أبواب الدفن ب 31 ح 5.

كما عن المصنف (1)؛للخبر (2):«السنّة في رشّ الماء على القبر أن تستقبل القبلة و تبدأ من عند الرأس إلى عند الرجلين،ثمَّ تدور على القبر من الجانب الآخر،ثمَّ ترشّ على وسط القبر فكذلك السنّة» (3).

و قوله«تدور»يحتمل الدور بالصب كما فهمه الصدوق (4)،و صرّح به الرضوي (5).

و يستفاد منها استحباب استقبال القبلة في ابتداء الصب كما عن الفقيه و الهداية و المنتهى (6).

و أن يضع الحاضرون الأيدي عليه بعد رشّه بالماء،و هو مذهب فقهائنا كما عن الماتن (7)؛للمعتبرة المستفيضة كالصحيح:«إذا حثي عليه التراب و سوّي قبره فضع كفك على قبره عند رأسه ففرّج أصابعك و اغمز كفّك عليه بعد ما ينضح[بالماء]» (8).

و يستفاد منه كغيره استحباب تفريج الأصابع و التأثير بها في القبر كما عن الشيخين (9)و جماعة (10).

ص:445


1- المعتبر 1:302.
2- في«ش»:للموثق.
3- التهذيب 1:931/320،الوسائل 3:195 أبواب الدفن ب 32 ح 1.
4- الفقيه 1:109.
5- فقه الرضا(عليه السلام):171،المستدرك 2:336 أبواب الدفن ب 30 ح 2.
6- الفقيه 1:109،الهداية:28،المنتهى 1:463.
7- المعتبر 1:302.
8- التهذيب 1:1490/457،الوسائل 3:197 أبواب الدفن ب 33 ح 1.و بدل ما بين المعقوفين في النسخ:الماء،و ما أثبتناه من المصادر.
9- لم نعثر عليه في مقنعة المفيد،الطوسي في النهاية:39.
10- منهم ابن البراج في المهذّب 1:64،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:444، و الشهيد الثاني في الروضة 1:148.

و يستحب استقبال القبلة حينئذ كما عن المهذب (1)؛لأنه خير المجالس،و أقرب إلى استجابة الدعاء.و يؤيده الخبر:كيف أضع يدي على قبور المؤمنين؟فأشار بيده إلى الأرض و وضعها عليها و رفعها و هو مقابل القبلة (2).

و هو صريح الرضوي:«ثمَّ ضع يدك على القبر و أنت مستقبل القبلة» (3).

و ينبغي كونهم حينئذ مسترحمين طالبين للرحمة ذكره الأصحاب؛ للروايات،منها الخبر:كنت مع أبي جعفر عليه السلام في جنازة رجل من أصحابنا،فلمّا أن دفنوه قام إلى قبره فحثا على رأسه ثلاثا بكفه،ثمَّ بسط كفّه على القبر،ثمَّ قال:«اللهم جاف الأرض عن جنبيه،و أصعد إليك روحه،و لقّه منك رضوانا،و أسكن قبره من رحمتك ما تغنيه عن رحمة من سواك»ثمَّ مضى (4).

و قريب من الدعاء فيه الدعاء في الخبرين،أحدهما الرضوي (5).

و أن يلقنه الوليّ أو من يأمره به بعد انصرافهم عنه،إجماعا كما عن الغنية و المعتبر و ظاهر المنتهى و نهاية الأحكام و التذكرة (6)؛للروايات الخاصية و العامية و لكن ليس فيما يختص بهم ذكر الأئمة عليهم السلام،و هي

ص:446


1- المهذّب 1:64.
2- الكافي 3:3/200،التهذيب 1:1508/462،الوسائل 3:198 أبواب الدفن ب 33 ح 5.
3- فقه الرضا(عليه السلام):172،المستدرك 2:338 أبواب الدفن ب 31 ح 2.
4- الكافي 3:3/198،التهذيب 1:927/319،الوسائل 3:190 أبواب الدفن ب 29 ح 3.
5- فقه الرضا(عليه السلام):172 و 185،المستدرك 2:324 أبواب الدفن ب 21 ح 6. و الخبر الثاني:التهذيب 1:1492/457،الوسائل 3:180 أبواب الدفن ب 21 ح 6.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):564،المعتبر 1:303،المنتهى 1:463،نهاية الأحكام 2: 279،التذكرة 1:53.

من طرقنا مستفيضة،ففي الخبر:«ما على أحدكم إذا دفن ميّته و سوّى عليه و انصرف عن قبره أن يتخلف عند قبره ثمَّ يقول:يا فلان بن فلان،أنت على العهد الذي عهدناك به من شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و أن محمّدا رسول اللّه،و أن عليا أمير المؤمنين إمامك،و فلان و فلان حتى يأتي على آخرهم،فإنه إذا فعل ذلك قال أحد الملكين لصاحبه:قد كفينا الوصول إليه و مسألتنا إياه فإنه قد لقّن،فينصرفان عنه و لا يدخلان إليه» (1).

و نحوه غيره باختلاف يسير في كيفية التلقين (2).

و في المرسل المروي في العلل:«ينبغي أن يتخلف عند القبر أولى الناس به بعد انصراف الناس عنه،و يقبض على التراب بكفه و يلقّنه برفيع صوته،فإذا فعل ذلك كفى الميت المسألة في قبره» (3).

و نحوه في الرضوي (4).

و ينبغي استقبال القبلة حين التلقين كما في القواعد و عن السرائر (5)؛لأن خير المجالس ما استقبل فيه القبلة (6)،مع مناسبته للتلقين الثاني.

و عن المهذّب و الجامع استقبال وجه الميت و استدبار القبلة؛لأنه أنسب بالتلقين و التفهيم (7).

ص:447


1- التهذيب 1:1496/459،و فيه:و لا يدخلان عليه،الوسائل 3:201 أبواب الدفن ب 35 ح 2.
2- الكافي 3:11/201،الفقيه 1:501/109،التهذيب 1:935/321،الوسائل 3:200 أبواب الدفن ب 35 ح 1.
3- علل الشرائع:1/308،الوسائل 3:202 أبواب الدفن ب 35 ح 3.
4- فقه الرضا(عليه السلام):172،المستدرك 2:341 أبواب الدفن ب 33 ح 1.
5- القواعد 1:21،السرائر 1:165.
6- ورد فيه حديث مرسل رواه في الشرائع 4:73.
7- المهذّب 1:64،الجامع للشرائع:55.
ما يكره فيه

و يكره فرش القبر بالساج لاستلزامه الإتلاف المنهي عنه من دون رخصة إلاّ مع الحاجة كنداوة القبر؛للخبر:إنه ربما مات الميت عندنا و يكون الأرض ندية فيفرش القبر بالساج أو يطبق عليه ،فهل يجوز ذلك؟ فكتب:«ذلك جائز» (1).

و تجصيصه بإجماعنا،كما عن التذكرة و المبسوط و نهاية الأحكام و المنتهى (2)؛للمستفيضة الناهية عنه،منها الخبر (3):«لا يصلح البناء عليه،و لا الجلوس،و لا تجصيصه،و لا تطيينه» (4).

و إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين الباطن و الظاهر و الابتداء و بعد الاندراس.

و ربما خص الكراهة بالباطن دون الظاهر؛جمعا بينه و بين ما دلّ على أمر مولانا الكاظم عليه السلام بتجصيص قبر ابنته و وضع لوح عليه (5).

و ربما جمع بتخصيص الكراهة بما بعد الاندراس.

و لا شاهد عليهما.فإذا الكراهة مطلقا أقوى،و يحمل الخبر على وجود داع لم نطّلع عليه .

و ربما يستثنى من ذلك قبور الأنبياء و العلماء و الصلحاء؛استضعافا لخبر المنع،و التفاتا إلى أن في ذلك تعظيما لشعائر الإسلام و تحصيلا لكثير من

ص:448


1- الكافي 3:1/197،التهذيب 1:1488/456،الوسائل 3:188 أبواب الدفن ب 27 ح 1.
2- التذكرة 1:54،المبسوط 1:187،نهاية الأحكام 2:284،المنتهى 1:463.
3- في«ح»و«ل»:الخبر الموثق.
4- التهذيب 1:1503/461،الاستبصار 1:767/217،الوسائل 3:210 أبواب الدفن ب 44 ح 1.
5- الكافي 3:3/202،التهذيب 1:1501/461،الاستبصار 1:768/217،الوسائل 3: 203 أبواب الدفن ب 37 ح 2.

المصالح الدينية كما لا يخفى.

و هو في غاية الجودة.لا لضعف الخبر المانع؛للاكتفاء في مثل الكراهة بمثله،بناء على المسامحة.بل لوروده مورد الغالب،و هو ما عدا المذكورين .

و تجديده بعد الاندراس إن كان بالجيم كما عن النهاية و المبسوط و المصباح و مختصره و السرائر و المهذّب و الوسيلة و الإصباح (1)،أو بالحاء المهملة بمعنى تسنيمه،و يحتملهما قول مولانا أمير المؤمنين في خبر الأصبغ:

«من جدّد قبرا أو مثّل مثالا فقد خرج عن الإسلام» (2)و يحتمل قتل المؤمن ظلما فإنه سبب لتجديد قبر،إلى غير ذلك من الاحتمالات المعروفة .

و هذه الاحتمالات كافية لإثبات الكراهة في كل من المعاني المحتملة، بناء على المسامحة في أدلّتها،سيّما مع اعتضاد كلّ منها بفتوى جمع.

و عن المحقّق إسقاط الرواية لضعفها،فلا ضرورة إلى التشاغل بتحقيق نقلها (3).

و فيه:أن اشتغال الأفاضل كالصفار و سعد بن عبد اللّه و أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي و الصدوق و الشيخين (4)بتحقيق هذه اللفظة مؤذن بصحة الحديث عندهم.فتأمل .

و دفن ميتين ابتداء في قبر واحد كما هنا و في الشرائع و القواعد

ص:449


1- النهاية:44،المبسوط 1:187،المصباح:22،السرائر 1:171،المهذّب 1:65، الوسيلة:69،نقله عن الإصباح في كشف اللثام 1:138.
2- الفقيه 1:579/120،التهذيب 1:1497/459،المحاسن:33/612،الوسائل 3: 208 أبواب الدفن ب 43 ح 1.
3- المعتبر 1:304،و في حاشية«ش»و«ل»:متنها بدل نقلها،و في المصدر الحجري و المطبوع ما أثبتناه.
4- راجع التهذيب 1:459.

و عن الوسيلة (1)؛للمرسل في المبسوط عنهم عليهم السلام:«لا يدفن في قبر واحد اثنان» (2)و فحوى ما دلّ على كراهة حملهما على جنازة (3)،مع ما فيه من احتمال تأذي أحدهما بالآخر و افتضاحه عنده.

و عن ابن سعيد النهي عنه إلاّ لضرورة (4).و الأصل حجة عليه،و ضعف إسناد الناهي يمنعه من الاستناد إليه.

أما لو حفر قبر فيه ميت ليدفن فيه ميت آخر فعن المبسوط و النهاية الكراهة هنا أيضا (5)،إلاّ أن في المبسوط ما يشعر بإرادته منها التحريم (6)،و حكي عن المنتهى و النهاية و التحرير و التذكرة (7).

و علّله المصنف بصيرورة القبر حقا للأول (8).و فيه منع .و غيره باستلزامه النبش المحرّم (9).و فيه:أن الكلام في إباحة الدفن نفسه لا النبش ،و أحدهما غير الآخر.

فإذا القول بالكراهة أقوى،إلاّ أنه على التحريم إجماع المسلمين كما عن الذكرى (10)،و هو أحوط و أولى.

كل ذا مع الاختيار،و لا كلام في الجواز مع الاضطرار،و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال للأنصار يوم احد:«احفروا و وسّعوا و عمّقوا

ص:450


1- الشرائع 1:43،القواعد 1:21،الوسيلة:69.
2- المبسوط 1:155.
3- الوسائل 3:208 أبواب الدفن ب 42.
4- الجامع للشرائع:57.
5- المبسوط 1:187،النهاية:44.
6- لأنه قال بعد ذلك:و إن وجد فيه عظاما أو غيرها ردّ التراب و لم يدفن فيه.
7- المنتهى 1:464،نهاية الأحكام 2:283،التحرير 1:20،التذكرة 1:54.
8- المعتبر 1:306.
9- كما في الحدائق 4:141.
10- الذكرى:64.

و اجعلوا الاثنين و الثلاثة في القبر الواحد» (1).

و عن المعتبر و نهاية الأحكام و التذكرة:تقديم الأفضل،و جعل حاجز بين كلّ اثنين ليشبها المنفردين (2).و عن المهذّب:جعل الخنثى خلف الرجل و أمام المرأة،و جعل تراب حاجز بينهما (3).

و نقل الميت قبل الدفن إلى غير بلد موته بإجماع العلماء كما عن المعتبر و التذكرة و نهاية الأحكام (4)؛لمنافاته تعجيل التجهيز المأمور به.

و الأولى الاستدلال له بالمروي في الدعائم عن علي عليه السلام:إنه رفع إليه أن رجلا مات بالرستاق فحملوه إلى الكوفة،فأنهكهم عقوبة و قال:

«ادفنوا الأجساد في مصارعها و لا تفعلوا كفعل اليهود بنقل موتاهم إلى بيت المقدس»و قال:«إنّه لمّا كان يوم أحد أقبلت الأنصار لتحمل قتلاها إلى دورها، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مناديه فنادى:ادفنوا الأجساد في مصارعها» (5).

إلاّ إلى أحد المشاهد المشرّفة فيستحب بإجماعنا،و عليه عمل الأصحاب من زمن الأئمة عليهم السلام إلى الآن،و هو مشهور بينهم لا يتناكرونه،فهو إجماع منهم،صرّح به الفاضلان،قالا:و لأنه قاصد بذلك التمسك بمن له أهلية الشفاعة،و هو حسن بين الأحياء توصّلا إلى فوائد الدنيا، فالتوصل إلى فوائد الآخرة أولى (6).انتهى.

ص:451


1- سنن أبي داود 3:3215/214.
2- المعتبر 1:338،نهاية الأحكام 2:286،التذكرة 1:54.
3- المهذّب 1:65.
4- المعتبر 1:307،التذكرة 1:54،نهاية الإحكام 2:283.
5- دعائم الإسلام 1:238،المستدرك 2:313 أبواب الدفن ب 13 ح 15.
6- المحقق في المعتبر 1:307،العلامة في التذكرة 1:54.

و يرشد إليه المروي في مجمع البيان و قصص الأنبياء للراوندي،عن محمّد ابن مسلم،عن مولانا الباقر عليه السلام:«لمّا مات يعقوب حمله يوسف في تابوت إلى أرض الشام فدفنه في بيت المقدس» (1).

و في إرشاد القلوب للديلمي و فرحة الغري للسيد عبد الكريم بن السيد أحمد بن طاوس-رحمه اللّه-من حديث اليماني الذي قدم بأبيه على ناقة إلى الغري،قال في الخبر:أنه كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أراد الخلوة بنفسه ذهب إلى طرف الغري،فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النجف فإذا رجل قد أقبل من اليمن راكبا على ناقة قدّامه جنازة،فحين رأى عليا عليه السلام قصده حتى وصل إليه و سلّم عليه فردّ عليه و قال:«من أين؟»قال:من اليمن، قال:«و ما هذه الجنازة التي معك؟»قال:جنازة أبي لأدفنه في هذه الأرض، فقال له علي عليه السلام:«ألاّ دفنته في أرضكم؟!»قال:أوصى بذلك و قال:

إنه يدفن هناك رجل يدخل في شفاعته مثل ربيعة و مضر،فقال عليه السلام:

«أ تعرف ذلك الرجل؟»قال:لا،فقال عليه السلام:«أنا و اللّه ذلك الرجل -ثلاثا-فادفن»فقام فدفنه (2).فتأمل .

و فحوى المروي في الكافي و الفقيه و الخصال و العيون و غيرها عن الصادقين عليهم السلام:«إنّ اللّه تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أن أخرج عظام يوسف عليه السلام من مصر» (3).

ص:452


1- الأول: مجمع البيان 3:266،الوسائل 3:164 أبواب الدفن ب 13 ح 9. الثاني: قصص الأنبياء:126،المستدرك 2:310 أبواب الدفن ب 13 ح 6.
2- إرشاد القلوب:440،المستدرك 2:310 أبواب الدفن ب 13 ح 7.و لم نعثر عليه في فرحة الغري.
3- روضة الكافي 8:144/155،الفقيه 1:594/123،الخصال:21/205،العيون 1:18/203،الوسائل 3:162،163 أبواب الدفن ب 13 ح 2،7.

و عن العزّية:قد جاء حديث يدل على رخصة في نقل الميت إلى بعض مشاهد آل الرسول عليهم السلام إن وصّى الميت بذلك (1).

و عن الجامع:لو مات بعرفة فالأفضل نقله إلى الحرم (2).

قلت:لعلّه للخبرين:عن الميت يموت بمنى أو عرفات يدفن بعرفات أو ينقل إلى الحرم فأيّهما أفضل؟فكتب عليه السلام:«يحمل إلى الحرم و يدفن فهو أفضل» (3).

و قيّد الشهيد-رحمه اللّه-استحباب النقل بالقرب إلى أحد المشاهد و عدم خوف الهتك ،ثمَّ قال:أمّا الشهيد فالأولى دفنه حيث قتل (4)؛للنبوي المتقدم عن الدعائم (5).

يلحق بهذا الباب مسائل

و يلحق بهذا الباب مسائل:

الأولى كفن المرأة على الزوج

الاولى:كفن المرأة الواجب على الزوج و لو كان لها مال إجماعا كما عن صريح الخلاف و نهاية الأحكام و ظاهر المعتبر و المنتهى و التذكرة و الذكرى (6)؛للخبر:«على الزوج كفن امرأته» (7)و نحوه المرسل في الفقيه (8)،

ص:453


1- نقله عن عزيّة المفيد في الذكرى:65.
2- الجامع للشرائع:56.
3- الكافي 4:14/543،التهذيب 5:1624/465،الوسائل 13:287 أبواب مقدمات الطواف ب 44 ح 2.و الآخر في:التهذيب 5:1694/478،الوسائل 13:288 أبواب مقدمات الطواف ب 44 ح 3.
4- الذكرى:64.
5- في ص:451.
6- الخلاف 1:708،نهاية الأحكام 2:247،المعتبر 1:307،المنتهى 1:442،التذكرة 1:44،الذكرى:50.
7- التهذيب 1:1439/445،الوسائل 3:54 أبواب التكفين ب 32 ح 2.
8- الفقيه 4:491/143،الوسائل 3:54 أبواب التكفين ب 32 ح 1.

و قصور سندهما منجبر بالعمل.

و إطلاقهما ككلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين الصغيرة و الكبيرة، المدخول بها و غيرها،الدائمة و غيرها.فإن كان إجماع و إلاّ فهو محل كلام؛ لعدم انصراف الإطلاق إلى نحو المتمتع بها و الناشزة.

و في إلحاق سائر المؤن الواجبة به إشكال.و الأصل يدفعه.خلافا للمحكي عن المبسوط و السرائر و نهاية الأحكام،فملحق به (1).و هو أحوط.

و لو أعسر بعدم مالكيته لما يزيد عن قوت يومه و ليلته و المستثنيات في دينه كفّنت من تركتها إن كان،كما عن نهاية الأحكام (2)؛لتقدم الكفن على الإرث.

و إلاّ دفنت عارية،و لا يجب على المسلمين بذله لها و لا لغيرها إجماعا كما حكي (3).

و لا يلحق بها ما عداها من واجبي النفقة؛للأصل،و فقد النص،مع حرمة القياس،و إن اقتضى الإلحاق بعض تعليلاتهم في المسألة ،و هي قاصرة.

نعم يجب للمملوك على مولاه؛لدعوى الإجماع عليه (4)و إن كان مدبّرا أو مكاتبا،مشروطا أو مطلقا لم يتحرر منه شيء أو أمّ ولد.و لو تحرّر فبالنسبة.

الثانية كفن الميت من أصل تركته

الثانية:كفن الميت الواجب يخرج من أصل تركته قبل الدين و الوصية (5)بإجماع الطائفة و أكثر العامة حكاه جماعة (6)؛للمعتبرة منها

ص:454


1- المبسوط 1:188،السرائر 1:171،نهاية الأحكام 2:248.
2- نهاية الأحكام 2:248.
3- انظر المفاتيح 2:175.
4- انظر المدارك 2:118،المفاتيح 2:175.
5- في المختصر المطبوع زيادة:و الميراث.
6- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:400،و صاحب المدارك 2:119،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:175.

الصحيح:«الكفن من جميع المال» (1).

و الصحيح:عن رجل مات و عليه دين و خلف قدر ثمن كفنه،قال:

«يجعل ما ترك في ثمن كفنه،إلاّ أن يتّجر عليه إنسان يكفنه و يقضي دينه ممّا ترك» (2).

و الخبر:«أول شيء يبدأ به من المال الكفن ثمَّ الدين ثمَّ الوصية ثمَّ الميراث» (3).

و لأن المفلّس لا يكلّف بنزع ثيابه،و حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا.

و إطلاقها كالعبارة هنا و في كلام الطائفة يقتضي تقديمه على حق المرتهن و غرماء المفلّس.و فيه إشكال؛للشك في الانصراف إلى مثله.و أولى منهما حق المجني عليه،و لذا احتمل تقديمهما عليه بعض الأصحاب (4)،و أفتى به في الأول في الذكرى (5).

الثالثة لا يجوز نبش القبر و لا نقل الموتى بعد دفنهم

الثالثة:لا يجوز نبش القبر إجماعا من المسلمين،كما عن المعتبر و المنتهى و الذكرى و نهاية الأحكام و التذكرة (6)،و به صرّح جماعة (7)؛لأنه مثلة بالميت و هتك لحرمته.و لا نص هنا يدل عليه ،فالحجّة هو الإجماعات المنقولة

ص:455


1- الفقيه 4:490/143،التهذيب 1:1407/437،الوسائل 3:53 أبواب التكفين ب 31 ح 1.
2- التهذيب 6:391/187،الوسائل 18:345 أبواب الدين و القرض ب 13 ح 1.
3- الكافي 7:3/23،الفقيه 4:488/143،التهذيب 9:698/171،الوسائل 18:345 أبواب الدين و القرض ب 13 ح 2.
4- كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1:121.
5- الذكرى:50.
6- المعتبر 1:308،المنتهى 1:465،الذكرى:76،نهاية الأحكام 2:280،التذكرة 1: 54.
7- منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع:56،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:452، و صاحب المدارك 2:153.

التي هي في قوة الصحاح المستفيضة المعتضدة بعمل الأمة،فلا وجه للتأمل في المسألة.

و ليس في أخبار قطع يد النبّاش دلالة عليه؛لظهورها في كون الوجه في القطع السرقة لا نبش القبر و هتك الحرمة.

و قد استثني من التحريم مواضع ليس المقام محلّ ذكرها.

و لا نقل الموتى بعد دفنهم إلى غير المشاهد المشرفة إجماعا،و كذا إليها على الأشهر كما في القواعد و المنتهى و التلخيص و التذكرة و المختلف و نهاية الأحكام و العزّية و السرائر و الإصباح و الذكرى و البيان (1).

و لا دليل عليه سوى استلزام النبش المحرّم،و هو غير المدّعي .فإذا الجواز أقوى،وفاقا لظاهر النهاية و المبسوط و المصباح (2)و مختصره-لذكرهم ورود الرخصة به مع عدم ردّهم له الظاهر في قبوله-تمسّكا بالأصل السالم عن المعارض،مؤيدا بما روي من نقل نوح عليه السلام آدم (3)،و موسى يوسف عليهم السلام (4)،و إن لم يكن فيهما حجة،لاحتمال الاختصاص،و إمكان البلى-فتأمل -مع أن المنقول أن آدم كان في تابوت فأخرج التابوت،و يوسف في صندوق مرمر.و لا ريب أن الأحوط الترك.

الرابعة الشهيد إذا مات في المعركة لا يغسّل و لا يكفّن

الرابعة:الشهيد و هو المسلم و من بحكمه الميّت بمعركة قتال أمر به النبي صلّى اللّه عليه و آله أو الإمام عليه السلام كما عن المقنعة و المراسم

ص:456


1- القواعد 1:21،المنتهى 1:464،التذكرة 1:54،المختلف:123،نهاية الأحكام 2: 283،حكاه عن العزّية في الذكرى:65،السرائر 1:170،حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:139،الذكرى:65،البيان:81.
2- النهاية:44،المبسوط 1:187،المصباح:22.
3- كامل الزيارات:38،المستدرك 2:309 أبواب الدفن ب 13 ح 5.
4- تقدّم مصدره في ص:452.

و الشرائع (1)،أو نائبهما كما عن المبسوط و النهاية و السرائر و المهذّب و الوسيلة و الجامع و المنتهى (2)،أو في كل جهاد حقّ كما عن المعتبر و الغنية و الإشارة (3)، و ظاهر الكافي و محتمل نهاية الأحكام و التذكرة (4)،و رجّحه في الذكرى و جماعة (5)،لإطلاق الشهيد في المعتبرة (6)،و الحسن:«الذي يقتل في سبيل اللّه يدفن بثيابه و لا يغسل» (7).

و الخبر:«اغسل كلّ الموتى الغريق و أكيل السبع و كلّ شيء إلاّ ما قتل بين الصفّين» (8).

و الخروج عن مقتضى الأصل القطعي من وجوب تغسيل كلّ مسلم بمثل هذا الإطلاق مشكل،سيّما مع مخالفته الشهرة العظيمة؛لانصرافه إلى ما هو المتبادر منه و هو الذي قتل بين يدي الإمام أو نائبه الخاص .

نعم:ربما أشعر بعض المعتبرة بالعموم و إناطة حكم الشهيد بالطاعة و ارتفاعه عنه بالمعصية،كالرضوي:«و إن كان الميت قتيل المعركة في طاعة اللّه لم يغسّل و دفن في ثيابه التي قتل فيها بدمائه»إلى أن قال:«و إن كان قتل

ص:457


1- المقنعة:84،المراسم:45،الشرائع 1:37.
2- المبسوط 1:181،النهاية:40،السرائر 1:166،المهذّب 1:55،الوسيلة:63، الجامع للشرائع:49،المنتهى 1:433.
3- المعتبر 1:311،الغنية(الجوامع الفقهية):563،الإشارة:76.
4- الكافي في الفقه:237،نهاية الأحكام 2:236،التذكرة 1:41.
5- الذكرى:41؛و انظر الدروس 1:105،جامع المقاصد 1:50.
6- الوسائل 2:506 أبواب غسل الميت ب 14.
7- الكافي 3:5/212،التهذيب 1:973/332،الوسائل 2:510 أبواب غسل الميت ب 14 ح 9.
8- الكافي 3:7/213،التهذيب 1:967/330،الاستبصار 1:753/213،الوسائل 2: 506 أبواب غسل الميت ب 14 ح 3.

في معصية اللّه غسّل كما يغسّل الميت و ضمّ رأسه إلى عنقه»الحديث (1).

و لكن في مقاومته للأصل المعتضد بالشهرة إشكال.و الأحوط عند الفقير عدم إجراء أحكام الشهيد عليه و إن كان الإجراء لا يخلو عن قوة.

و كيف كان:لا يجري عليه الأحكام إلاّ إذا مات في المعركة و لم يدركه المسلمون و به رمق،فحينئذ لا يغسّل و لا يكفّن إلاّ إذا جرّد فيكفّن حينئذ،ذكره جماعة (2)،و أشعر به بعض المعتبرة (3).

بل يصلّى عليه و يدفن بثيابه وجوبا إجماعا حكاه جماعة (4)،و عن المعتبر أنه إجماع أهل العلم كافة خلا شذوذ من العامة (5).

و النصوص به مستفيضة كالصحيح أو الحسن يقول:«الذي يقتل في سبيل اللّه يدفن في ثيابه و لا يغسل،إلاّ أن يدركه المسلمون و به رمق ثمَّ يموت بعد فإنه يغسل و يكفن و يحنط،إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كفّن حمزة في ثيابه و لم يغسّله و لكن صلّى عليه» (6).

و بمعناه غيره من الصحاح و غيرها (7).

و ظاهرها الاكتفاء في وجوب التغسيل بإدراك المسلمين له حيّا و إن لم

ص:458


1- فقه الرضا(عليه السلام):174،المستدرك 2:179،180 أبواب غسل الميت ب 14،15 ح 5،1.
2- منهم العلامة في القواعد 1:17،المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:366،الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:111.
3- الكافي 3:1/210،الفقيه 1:447/97،التهذيب 1:969/331،الاستبصار 1: 755/214،الوسائل 2:509 أبواب غسل الميت ب 14 ح 7.
4- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):563،و العلامة في نهاية الأحكام 2:287.
5- المعتبر 1:309.
6- الكافي 3:5/212،التهذيب 1:973/332،الوسائل 2:510 أبواب غسل الميت ب 14 ح 9.
7- المتقدمة في ص:457.

ينقض الحرب و لا نقل من المعركة بل مات فيها،وفاقا للمهذّب و الذكرى و ظاهر شيخنا المفيد في المقنعة (1).

خلافا لإطلاق عبارة المصنف و جماعة (2)،و علّل في المنتهى بما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال يوم احد:«من ينظر ما فعل سعد بن ربيع؟» فقال رجل:أنا أنظر لك يا رسول اللّه،فنظر فوجده جريحا به رمق فقال له:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات، فقال:أنا في الأموات فأبلغ رسول اللّه عني السلام،قال:ثمَّ لم أبرح أن مات و لم يأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بتغسيل أحد منهم (3).

و هو ضعيف؛لعدم مقاومته الأصل و الصحاح و غيرها.

و ينزع عنه الخفّان مطلقا كما عن المقنعة و الغنية و الشرائع و المعتبر و المبسوط و المهذّب و النهاية (4)؛لخروجهما عن الثياب عرفا فيتعلق بدفنهما النهي عن تضييع المال المحترم جزما.

و عن المراسم و الوسيلة و السرائر (5):تخصيص ذلك بعدم إصابتهما الدم و إلاّ فيدفن؛لعموم الأخبار بدفنه بدمائه (6).

و فيه:أنّ المعنى النهي عن التغسيل،فإنّ من المعلوم أن العموم غير مراد،لنزع السلاح عنه.

و أما الخبر:«ينزع عن الشهيد الفرو و الخف و القلنسوة و العمامة و المنطقة

ص:459


1- المهذّب 1:55،الذكرى:41،المقنعة:84.
2- منهم الشيخ في الخلاف 1:710،و العلامة في المنتهى 1:433.
3- المنتهى 1:433.
4- المقنعة:84،الغنية(الجوامع الفقهية):563،الشرائع 1:43،المعتبر 1:313، المبسوط 1:181،المهذّب 1:55،النهاية:40.
5- المراسم:45،الوسيلة:63،السرائر 1:166.
6- الوسائل 2:506 أبواب غسل الميت ب 14.

و السراويل إلاّ ان يكون أصابه دم،فإن أصابه دم ترك» (1).

فلا دلالة فيه؛لاحتمال عود الضمير إلى الأخير؛مضافا إلى ضعف سنده،و مخالفته لعموم الصحاح و غيرها الدالة على الأمر بدفنه بثيابه،و لا ريب في شمولها لكثير ممّا فيه،و لذا اقتصر الأكثر على دفنها خاصة و نزع ما عداها، و منها السراويل و الفرو على إشكال فيه و إن كان الظاهر عدم إطلاق الثوب عليه عرفا فنزعه لازم ظاهرا.

و هنا أقوال أخر ضعيفة المستند و المأخذ،و المحصّل من الأدلة ما ذكرناه وفاقا للأكثر.

الخامسة إذا مات ولد الحامل قطع و اخرج

الخامسة:إذا مات ولد الحامل في بطنها فإن أمكن التوصل إلى إسقاطه صحيحا بعلاج فعل،و إلاّ قطع و اخرج بالأرفق فالأرفق،إجماعا كما عن الخلاف (2).

و يتولّى ذلك النساء،فإن تعذّر فالرجال المحارم،فإن تعذّر جاز أن يتولاه غيرهم؛للضرورة،و الخبر:في المرأة في بطنها الولد فيتخوف عليها،قال:

«لا بأس أن يدخل الرجل يده فيقطعه و يخرجه إذا لم ترفق به النساء» (3).

و الرضوي:«إن مات الولد في جوفها و لم يخرج أدخل إنسان يده في فرجها و قطع الولد بيده و أخرجه» (4).

و قصور الأسانيد منجبر بالعمل.

و لو ماتت هي دونه شقّ جوفها وجوبا من الجانب الأيسر و أخرج

ص:460


1- الكافي 3:4/211،الفقيه 1:449/97،التهذيب 1:972/332،الخصال: 33/333،الوسائل 2:510 أبواب غسل الميت ب 14 ح 10.
2- الخلاف 1:729.
3- الكافي 3:3/155،التهذيب 1:1008/344،قرب الإسناد:478/136،الوسائل 2:470 أبواب الاحتضار ب 46 ح 3،و في الجميع بتفاوت يسير.
4- فقه الرضا(عليه السلام):174،المستدرك 2:140 أبواب الاحتضار ب 35 ح 1.

مطلقا و لو كان ممّن لا يعيش عادة،توصلا إلى بقاء الحي،و لا يعرف فيه خلاف كما عن الخلاف (1)،و النصوص به مستفيضة.

ففي الصحيح:عن المرأة تموت و ولدها في بطنها يتحرك،قال:«يشق عن الولد» (2).

و إطلاقه كغيره ينزل على الغالب من عدم إمكان إخراجه بدون شق،و إلاّ فلو علم إمكان ذلك تعيّن كما عن الذكرى (3).

و إطلاقها يقتضي عدم الفرق في الشق بين أن يكون من الأيمن أو الأيسر.و لكن عن المقنعة و النهاية و المبسوط و المهذّب و السرائر و الجامع و التحرير و المنتهى و التلخيص و نهاية الأحكام و الشرائع:تعيّن الأيسر (4)،كما هنا؛و لعلّه للرضوي:«إذا ماتت المرأة و هي حاملة و ولدها يتحرك في بطنها شقّ من الجانب الأيسر و اخرج الولد» (5).

و بهذه العبارة عبّر الصدوق-رحمه اللّه-في الفقيه (6).

و ليس في هذه النصوص الأمر بخياطة المحل و لكن في رواية صحيحة أو حسنة إلى ابن أبي عمير،عن بعض أصحابه،عن مولانا الصادق عليه السلام إذ سئل:أ يشق بطنها و يخرج الولد؟فقال:نعم و يخاط

ص:461


1- الخلاف 1:729.
2- التهذيب 1:1004/343،الوسائل 2:471 أبواب الاحتضار ب 46 ح 6.
3- الذكرى:43.
4- المقنعة:87،النهاية:42،المبسوط 1:180،المهذّب 1:55،السرائر 1:169، الجامع للشرائع:49،التحرير 1:20،المنتهى 1:435،نهاية الأحكام 2:281،الشرائع 1:44.
5- فقه الرضا(عليه السلام):174،المستدرك 2:140 أبواب الاحتضار ب 35 ح 1.
6- الفقيه 1:97.

بطنها (1)و رواه الشيخ في التهذيب عنه عن ابن أذينة مقطوعا (2).و هو و إن ضعف إلاّ أن الأول مسند إلى الإمام،و إرساله غير ضارّ؛لإجماع العصابة في الراوي على تصحيح ما يصح عنه و غير ذلك،مضافا إلى أن الظاهر كون البعض هو ابن أذينة الثقة بقرينة رواية الشيخ،فتأمل .

فلا وجه للتأمل في الوجوب،و به أفتى المقنعة و النهاية و السرائر و المبسوط و المهذّب و الجامع و الشرائع (3).

و ليس في عدم التعرض له في باقي الأخبار دلالة على عدمه؛إذ محطّ النظر فيها ليس إلاّ جواز الإخراج و عدمه،و فيه مع ذلك الصيانة عن هتك حرمتها و المثلة بها و تسهيل لتغسيلها.

السادسة إذا وجد بعض الميت و فيه صدر

السادسة:إذا وجد بعض الميت و فيه صدر كما عن السرائر (4)،أو الصدر وحده أيضا كما عن الكتب الآتية فهو كما لو وجده كلّه فيجب تغسيله و تكفينه و الصلاة عليه،كما في الشرائع و عن صريح النهاية و المبسوط و المراسم و السرائر (5)،و ظاهر المقنعة و الخلاف و الوسيلة و المعتبر (6)؛لذكرهم الصلاة عليه المستلزمة للأحكام الباقية .

للأولوية المستفادة من ثبوتها فيما عدا الصدر ممّا وجد فيه العظم بالإجماع،كما عن الخلاف و المنتهى (7).

ص:462


1- الكافي 3:1/206،الوسائل 2:469 أبواب الاحتضار ب 46 ح 1.
2- التهذيب 1:1007/344،الوسائل 2:471 أبواب الاحتضار ب 46 ح 7.
3- المقنعة:87،النهاية:42،السرائر 1:169،المبسوط 1:180،المهذّب 1:55، الجامع للشرائع:49،الشرائع 1:44.
4- السرائر 1:167.
5- الشرائع 1:37،النهاية:40،المبسوط 1:182،المراسم:46،السرائر 1:167.
6- المقنعة:85،الخلاف 1:715،الوسيلة:63،المعتبر 1:317.
7- الخلاف 1:716،المنتهى 1:434.

و من هنا يظهر دلالة المعتبرة الناصة على وجوب الصلاة على النصف الذي فيه القلب كما في الصحيح (1)،أو مطلق العضو الذي فيه القلب كما في الخبرين (2)،أو الصدر و اليدين كما في الخبر (3)على ما ذكره المصنف و غيره (4).

و ضعف هذه الأخبار مجبور بأن الحكم مشهور معتضد بما في المعتبرة من عدم سقوط الميسور بالمعسور (5)،و إطلاق الحسن:«إذا قتل قتيل فلم يوجد إلاّ لحم بلا عظم لم يصلّ عليه،فإن وجد عظم بلا لحم صلّي عليه» (6).

و عن الإسكافي:إيجابه الصلاة على العضو التام بعظامه و التغسيل خاصة في غيره (7)؛للخبرين،في أحدهما:«إذا وجد الرجل قتيلا فإن وجد له عضو تام صلي عليه و دفن،و إن لم يوجد له عضو تام لم يصلّ عليه و دفن» (8).

و في الثاني المروي في المعتبر عن علي بن المغيرة قال:بلغني أن أبا جعفر عليه السلام قال:«يصلّى على كل عضو رجلا كان أو يدا أو الرأس،جزءا

ص:463


1- الكافي 3:1/212،التهذيب 1:983/336،الوسائل 3:136 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 6.
2- الأول: الفقيه 4:429/123،الوسائل 3:135 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 3. الثاني: المعتبر 1:317،الوسائل 3:138 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 12.
3- الفقيه 1:484/104،التهذيب 3:1030/329،الوسائل 3:135 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 4.
4- المصنف في المعتبر 1:317،الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:108.
5- عوالي اللئالي 4:205/58.
6- الكافي 3:2/212،التهذيب 1:1031/329،الوسائل 3:136 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 8.
7- نقله عن الإسكافي في المختلف:46.
8- الكافي 3:3/212،التهذيب 1:987/337،الوسائل 3:137 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 9.

فما زاد،فإذا نقص عن رأس أو يد أو رجل لم يصلّ عليه» (1).

و هو أحوط،و يؤيده القاعدة المستفادة من المعتبرة و إطلاق الحسن المتقدم،و إن كان في لزومه نظر؛للمعتبرة المتقدمة الظاهرة في اختصاص الصلاة بما فيه القلب و الصدر المعتضدة بالشهرة،فيخصّص بها القاعدة المزبورة.

مضافا إلى معارضتهما-مع ضعفهما-بالنص في عدم لزوم الصلاة على ما ذكر،كالخبر:«لا يصلى على عضو رجل من رجل أو يد أو رأس منفردا،فإذا كان البدن فصلّ عليه و إن كان ناقصا من الرأس و اليد و الرجل» (2).

و قال الكليني:روي أنه لا يصلى على الرأس إذا أفرد من الجسد (3).

و قصور السند بما تقدّم منجبر،فخلافه شاذ،و مختار المشهور متعيّن.

نعم:ما ذكره أحوط،و أحوط منه العمل بإطلاق الحسن المتقدم و إن لم يوجد قائل به.

و إن لم يوجد الصدر غسّل و كفّن ما فيه عظم في المشهور بين الأصحاب،بل عن الخلاف و المنتهى عليه الإجماع (4).و هو الحجة فيه، كالقاعدة المستفادة من المعتبرة من عدم سقوط الميسور بالمعسور،خرج منها الصلاة بما تقدم و بقي الباقي.

لا الصحيح الآمر بتغسيل عظام الميت و تكفينها و الصلاة عليها (5)؛ لظهوره في مجموع العظام،مع اشتماله على ما لم يقل به أحد من الأعلام لو عمّم العظام فيه ما يشمل الأبعاض.

ص:464


1- المعتبر 1:318،الوسائل 3:138 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 13.
2- التهذيب 3:1029/329،الوسائل 3:136 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 7.
3- الكافي 3:/212ذيل الحديث 2،الوسائل 3:137 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 10.
4- الخلاف 1:715،المنتهى 1:434.
5- التهذيب 1:1027/329،الوسائل 3:136 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 5.

و ظاهر العبارة تخصيص الحكم بالمبانة من الميت دون الحي،و هو مقتضى الأصل،مع عدم جريان ما ذكرناه من الأدلة فيه.خلافا لجماعة فعمّموه فيهما (1).و هو أحوط.

و في إلحاق العظم المجرّد به قولان،أحوطهما ذلك و إن كان في تعيّنه نظر.

ثمَّ ظاهر المتن كالمحكي عن المقنعة و المبسوط و النهاية و السرائر و الجامع و المراسم و المنتهى و الإرشاد و التلخيص و التبصرة (2):التكفين؛و لعلّه للقاعدة،فيعتبر القطع الثلاث على المختار و إن لم تكن بتلك الخصوصيات.

و ربما احتمل اختصاص وجوبها بما تناله الثلاث عند الاتصال بالكل،فإن كان ممّا تناله اثنان منها لفّ فيهما،و إن كان ممّا لا تناله إلاّ واحدة لفّ فيها (3).

و في الشرائع و عن التحرير و التذكرة و نهاية الأحكام:اللفّ في خرقة (4)؛ فكأنهما حملا التكفين عليه.و لكن ينافيه التعبير بالتكفين هنا و باللف في الخرقة فيما يأتي.

و المعيّن الأول؛للقاعدة.و منها يستفاد وجوب التحنيط لو كان الباقي محله كما عن التذكرة (5).و عليه يحمل إطلاق كلام جماعة (6).

و لفّ في خرقة و دفن ما خلا عن عظم كما في الشرائع و القواعد و عن

ص:465


1- منهم ابن إدريس في السرائر 1:168،و العلامة في نهاية الأحكام 2:235،و الشهيد في الذكرى:40،و المحقق الكركي في جامع المقاصد 1:357،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:107.
2- المقنعة:85،المبسوط 1:182،النهاية:40،السرائر 1:167،الجامع للشرائع:49، المراسم:46،المنتهى 1:434،الإرشاد 1:232،التبصرة:15.
3- انظر كشف اللثام 1:108.
4- الشرائع 1:38،التحرير 1:16،التذكرة 1:41،نهاية الأحكام 2:235.
5- التذكرة 1:41.
6- كالمفيد في المقنعة:85،الشيخ في المبسوط 1:182،سلاّر في المراسم:46.

سلاّر (1).و مستنده غير واضح،و القاعدة توجب التكفين،فهو كسائر الأحكام -دون الصلاة-متعيّن إن لم يجمع على خلافه.و إلاّ-كما هو الظاهر-كان اعتبار ما في المتن أحوط؛لعدم الدليل على لزومه ،مع أن الأصل ينفيه،وفاقا للمعتبر و غيره (2).

و يمكن أن يقال:لم يقع الإجماع إلاّ على عدم التكفين بالقطع الثلاث، و لا يستلزم ذلك الإجماع على عدم القطعة الواحدة،فالإجماع المخرج عن القاعدة مختص بما عدا القطعة الواحدة،فيقتصر في تخصيصها عليه،و تجب هي لعمومها.و هو قوي.

قال الشيخان و أكثر الأصحاب لا يغسّل السقط إلاّ إذا استكمل شهورا أربعة (3)فيغسّل حينئذ،قيل:و لا يعرف فيه خلاف إلاّ من العامة (4).

و هو ظاهر المحكي عن المعتبر (5).

للمرفوع:«إذا تمَّ للسقط أربعة أشهر غسّل» (6).

و الموثق:عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل و اللحد و الكفن؟قال:«نعم كل ذلك يجب إذا استوى» (7).

و ضعف الأول منجبر.و الثاني في نفسه معتبر،و دلالته واضحة بملاحظة المعتبرة المستفيضة الدالة على حصول الاستواء بالشهور الأربعة،ففي

ص:466


1- الشرائع 1:38،قواعد الاحكام 1:17،سلاّر في المراسم:46.
2- المعتبر 1:319؛و انظر الذخيرة:91.
3- المفيد في المقنعة:83،الطوسي في الخلاف 1:710.
4- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:107.
5- المعتبر 1:319.
6- التهذيب 1:960/328،الوسائل 2:502 أبواب غسل الميت ب 12 ح 2.
7- الكافي 3:5/208،التهذيب 1:962/329،الوسائل 2:501 أبواب غسل الميت ب 12 ح 1.

الصحيحين:«إذا وقعت النطفة في الرحم استقرت فيها أربعين يوما،و تكون علقة أربعين يوما،و تكون مضغة أربعين يوما،ثمَّ يبعث اللّه ملكين خلاّقين فيقول لهما:اخلقا كما أراد اللّه تعالى ذكرا أو أنثى»الحديث (1).

و نحوهما من المعتبرة المروية في الكافي في النكاح باب بدء خلق الإنسان.

و صرّح بالأمرين جميعا الرضوي:«إذا أسقطت المرأة و كان السقط تاما غسّل و حنّط و كفّن و دفن،و إن لم يكن تاما فلا يغسّل و يدفن بدمه،و حدّ تمامه إذا أتى عليه أربعة أشهر» (2).

و يستفاد منه كالموثق السابق وجوب التكفين و الدفن،كما عن المبسوط و المقنعة و النهاية و المراسم و الجامع و المنتهى و التبصرة و نهاية الأحكام (3).و في ظاهر الشرائع و عن التحرير:اللفّ في خرقة (4)،حملا للتكفين عليه.و هو مشكل،فالتكفين أولى.

و عن ظاهر الإرشاد (5)و التلخيص(و أكثر الكتب المذكورة) (6)وجوب التحنيط؛و لعلّه للرضوي المتقدم،أو عموم أدلة تحنيط الأموات.

و عن الذكرى التردد في الجميع (7)؛لما دلّ من الأخبار على عدم حلول الحياة إلاّ بمضي الخمسة أشهر (8).و هو مع قصور سنده غير مكافئ لما تقدّم من

ص:467


1- الكافي 6:4/13،7/16.
2- فقه الرضا(عليه السلام):175،المستدرك 2:175 أبواب غسل الميت ب 12 ح 1.
3- المبسوط 1:180،المقنعة:83،النهاية:41،المراسم:46،الجامع للشرائع:49، المنتهى 1:432،التبصرة:15،نهاية الأحكام 2:234.
4- الشرائع 1:38،التحرير 1:17.
5- الإرشاد 1:232.
6- ما بين القوسين ليست في«ش».
7- الذكرى:40.
8- الكافي 7:11/345،الفقيه 4:366/108،التهذيب 10:1105/283،الوسائل 29:315 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 6.

وجوه.

و لو كان لدونها لم يجب تغسيله،و عن المعتبر أنه مذهب العلماء خلا ابن سيرين (1).و في صريح الرضوي كمفهوم الخبرين دلالة عليه.

نعم لفّ في خرقة و دفن و مستند اللف غير واضح،بل في الرضوي المتقدم و غيره الاقتصار على الدفن بدمه الظاهر في عدم اللف،و لذا خلا عنه كلام الشيخ و غيره.و لكنه منقول عن المفيد و سلاّر و القاضي و الكيدري (2).و هو أحوط.

السابعة لا يغسّل الرجل إلاّ الرجل

السابعة: يشترط في الغاسل المماثلة أو المحرمية ف لا يغسّل الرجل إلاّ الرجل أو ذات محرم له و كذا المرأة لا يغسّلها إلاّ المرأة أو ذو محرم لها على الأشهر الأظهر،بل عليه الإجماع عن المعتبر (3)،و به صرّح جماعة (4)؛للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح:في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلاّ النساء قال:«يدفن و لا يغسّل،و المرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة تدفن و لا تغسّل» (5).

خلافا للمفيد فأوجب التغسيل من وراء الثياب (6)،و نحوه عن ابن زهرة

ص:468


1- المعتبر 1:320.
2- المفيد في المقنعة:83،سلاّر في المراسم:46،القاضي في المهذّب 1:56،نقله عن الكيدري في كشف اللثام 1:108.
3- المعتبر 1:323.
4- منهم العلامة في التذكرة 1:39،الشهيد الثاني في روض الجنان:96،الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:109.
5- التهذيب 1:1414/438،الاستبصار 1:693/197،الوسائل 2:521 أبواب غسل الميت ب 21 ح 4.
6- المقنعة:87.

مع اشتراطه تغميض العينين (1)؛لأخبار هي مع ضعفها شاذة (2)و لما قدّمناه غير مكافئة من وجوه عديدة .

و مقتضاه سقوط التيمم؛لعدم الأمر به فيها مع ورودها في مقام البيان.

و عن الشيخ التصريح بالسقوط في جملة من كتبه (3)،و علّل باتحاد المانع فيه و في التغسيل و إن قلّ في طرفه.و ما دلّ على الأمر به من الأخبار (4)ضعيف لا يعوّل عليه .

و يغسّل الرجل بنت ثلاث سنين مجرّدة اختيارا و اضطرارا و كذا المرأة تغسّل صبيا له ثلاث سنين مطلقا ،على الأشهر بين الأصحاب،بل عليه الإجماع في الأوّل عن نهاية الأحكام (5)،و في الثاني عنه و عن التذكرة و المنتهى (6).و هو الحجّة فيهما،كالخبر المنجبر ضعفه بالشهرة في الأخير:

«عن الصبي إلى كم تغسّله النساء؟فقال:إلى ثلاث سنين» (7).

و به يقيّد إطلاق الموثق:عن الصبي تغسله امرأة،قال:«إنما تغسّل الصبيان النساء» (8).

خلافا للشيخ و غيره،فاشترط فقد المماثل (9).و هو أحوط.

ص:469


1- الغنية(الجوامع الفقهية):563.
2- انظر الوسائل 2:524 أبواب غسل الميت ب 22 ح 5،9.
3- الخلاف 1:698،المبسوط 1:175.
4- انظر الوسائل 2:524 أبواب غسل الميت ب 22 ح 4.
5- نهاية الأحكام 2:231.
6- التذكرة 1:40،المنتهى 1:436-437.
7- الكافي 3:1/160،الفقيه 1:431/94،التهذيب 1:998/341،الوسائل 2:526 أبواب غسل الميت ب 23 ح 1.
8- التهذيب 1:1438/445،الوسائل 2:527 أبواب غسل الميت ب 23 ح 2.
9- الشيخ في المبسوط 1:176؛و انظر السرائر 1:168.

و للمفيد و سلاّر،فجوّزا للمرأة تغسيل ابن الخمس مجردا (1).

و للصدوق فجوّز للرجل تغسيل ابنة الخمس مجردة (2).

و لا دليل على الأوّل.و الخبر في الثاني مع ضعفه بالإرسال مضطرب المتن ؛لأنه مروي في التهذيب هكذا:«إذا كانت بنت أقلّ من خمس سنين أو ست دفنت» (3).

و في الفقيه و الذكرى (4)بدل الأقل:أكثر،مع التصريح بالتغسيل في الأقل،و فيه الدلالة عليه دون الأوّل،و في تعيّنه نظر.

و مال إلى القول بالخمس مطلقا بعض المتأخرين (5)،لا لما ذكر،بل للأصل و العمومات.و فيه نظر؛لعدم إثبات العبادة التوقيفية بالأول،و توقف الإثبات بالثاني على وجوده.و فيه تأمل ،و الإجماع في محل النزاع ممنوع.

و للمعتبر،فخصّ الجواز بتغسيل المرأة الصبي دون العكس،فارقا بينهما بإذن الشرع في اطلاع النساء على الصبي لافتقاره إليهن في التربية،و ليس كذلك الصبية،قال:و الأصل حرمة النظر (6).

و فيه نظر،بناء على عدم ثبوته بالإطلاق،مضافا إلى ما يستفاد من النص الصحيح من جواز النظر إلى الصبية إلى عدم البلوغ (7)،و حكي عليه عدم

ص:470


1- المفيد في المقنعة:87،سلاّر في المراسم:50.
2- الفقيه 1:94 ح 432،المقنع:19.
3- التهذيب 1:999/341،الوسائل 2:527 أبواب غسل الميت ب 23 ح 3.
4- الفقيه 1:94 ح 432،الذكرى:39.
5- كصاحب المدارك 2:68.
6- المعتبر 1:323-324.
7- انظر الوسائل 20:228 أبواب مقدمات النكاح ب 126.و لعلّ نظره-رحمه اللّه-إلى ثبوت الملازمة بين عدم وجوب الستر عليها و جواز النظر إليها.

الخلاف (1)،و في المعتبرة جواز تقبيلها إلى الست كما في كثير منها (2)،أو الخمس كما في بعضها (3).

نعم:يؤيده الموثق المتقدم حيث سئل في ذيله:عن الصبية و لا تصاب امرأة تغسّلها،قال:«يغسّلها رجل أولى الناس بها».

لكن ليس نصا في إطلاق المنع حتى فيما إذا لم يوجد رجل أولى بها، نعم ظاهر في المنع إذا وجد.إلاّ أنه لا يقاوم الإجماع المحكي في نهاية الأحكام المصرّح بالجواز هنا (4).و لكنه أحوط.

و يغسّل الرجل محارمه المحرّمات عليه مؤبدا بنسب(أو رضاع) (5)أو مصاهرة بلا خلاف في الجملة؛للنصوص المستفيضة،و عليه الإجماع عن التذكرة (6).

و يشترط في المشهور كونه من وراء الثياب؛للأمر به في المعتبرة المستفيضة،منها الموثق:عن الرجل يموت و ليس عنده من يغسّله إلاّ النساء هل تغسّله؟فقال:«تغسّله امرأته أو ذات محرم،و تصبّ عليه النساء الماء من فوق الثياب» (7).

و آخر:عن الرجل يموت في السفر و ليس معه رجل مسلم و معه رجال نصارى و معه عمته و خالته مسلمتان،كيف يصنع في غسله؟قال:«تغسّله عمته

ص:471


1- الحدائق 3:397.
2- انظر الوسائل 20:230 أبواب مقدمات النكاح ب 127 ح 2،4،6،7.
3- الكافي 5:3/533،الوسائل 20:230 أبواب مقدمات النكاح ب 127 ح 3.
4- نهاية الأحكام 2:231.
5- ما بين القوسين ليست في«ش».
6- التذكرة 1:39.
7- الكافي 3:4/157،التهذيب 1:1416/439،الاستبصار 1:695/197،الوسائل 2: 517 أبواب غسل الميت ب 20 ح 4.

و خالته في قميصه»و عن المرأة تموت في السفر و ليس معها امرأة مسلمة و معها نساء نصارى و عمها و خالها مسلمان؟قال:«يغسّلانها-و لا تقربها النصرانية-كما كانت المسلمة تغسّلها غير أنه عليها درع فيصب الماء من فوق الدرع» (1).

و آخر:عن رجل مات و ليس عنده إلاّ النساء،قال:«تغسله امرأة ذات محرم و تصب النساء عليه الماء و لا يخلع ثوبه».

و قال نحوه في المرأة:«و إن كان معها ذو محرم لها غسّلها من فوق ثيابها» (2).

و نحوها خبران آخران (3).

و عليها يحمل المطلق من الأخبار كالصحيح:عن الرجل يموت و ليس عنده من يغسله إلاّ النساء،قال:«تغسله امرأته أو ذو قرابته إن كانت و تصبّ النساء عليه الماء» (4).

و ربما جمع بينهما بحمل الأوّلة على الاستحباب؛لاستصحاب حلية النظر و اللمس المجمع عليهما،و النص الصحيح:عن الرجل يخرج في السفر

ص:472


1- الكافي 3:12/159،الفقيه 1:12/195،الفقيه 1:436/95،التهذيب 1: 997/340،الوسائل 2:517 أبواب غسل الميت ب 20 ح 5.
2- الفقيه 1:434/94،التهذيب 1:1435/444،الاستبصار 1:720/204،الوسائل 2: 519 أبواب غسل الميت ب 20 ح 9.
3- الأول: التهذيب 1:1432/443،الاستبصار 1:717/203،الوسائل 2:518 أبواب غسل الميت ب 20 ح 7. الثاني: التهذيب 1:1426/441،الاستبصار 1:711/201،الوسائل 2:519 أبواب غسل الميت ب 20 ح 8.
4- الكافي 3:1/157،التهذيب 1:1410/437،الاستبصار 1:689/196،الوسائل 2: 517 أبواب غسل الميت ب 20 ح 3.

و معه امرأته يغسّلها؟قال:«نعم و امه و أخته و نحو هذا،يلقي على عورتها خرقة» (1).

و الخبر:«إذا كان معه نساء ذوات محرم يؤزرنه و يصببن عليه الماء جميعا و يمسسن جسده و لا يمسسن فرجه» (2).

و لا يخلو عن القوة-لو لا الشهرة العظيمة-كما عن ظاهر الكافي و الإصباح و الغنية (3)،و به صرّح بعض الأصحاب (4)؛لتقديم النص على الظاهر،سيّما مع اعتضاده بالأصل و الإطلاقات و استصحاب حلّية التكشف حال الحياة؛مع احتمال كون الأمر بذلك لعارض خارجي كوجود أجنبي أو أجنبيات كما يشعر به بعض ما تقدّم من الروايات؛مضافا إلى ظهور سياق بعضها باتحاد حكم الزوجة و المحارم في ذلك ،و سيأتي أن الحكم فيها للاستحباب.

و كذا الحكم في المرأة تغسّل محارمها من وراء الثياب.

و إطلاق العبارة كالمصرّح به في كلام جماعة (5)إطلاق الحكم بالجواز.

خلافا للأكثر فخصّوه بحال الاضطرار؛لعموم الخبر:«لا يغسّل الرجل المرأة إلا أن لا توجد امرأة» (6).و اختصاص المجوّزة بصورة الاضطرار.و عورض بالأصل

ص:473


1- الكافي 3:8/158،التهذيب 1:1418/439،الاستبصار 1:699/199،الوسائل 2: 516 أبواب غسل الميت ب 20 ح 1.
2- التهذيب 1:1426/441،الاستبصار 1:711/201،الوسائل 2:519 أبواب غسل الميت ب 20 ح 8.
3- الكافي:236،حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:109 الغنية(الجوامع الفقهية): 563.
4- كصاحب الكفاية:6.
5- منهم العلاّمة في نهاية الأحكام 2:231،السبزواري في الكفاية:6،الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:109.
6- التهذيب 1:1421/440،الاستبصار 1:702/199،الوسائل 2:525 أبواب غسل الميت ب 22 ح 7.

و إطلاق الصحيح المتقدم المجوّز للتغسيل مجرّدا.و هو حسن،إلاّ أن الأوّل أولى .

كلّ ذا فيما عدا الزوجين،و أما فيهما فالأشهر الأظهر في المقامين ما تقدّم من القولين بجواز التغسيل مجردا و حال الاختيار،كما عن المرتضى-رحمه اللّه-و الخلاف و الإسكافي و الجعفي (1)و أكثر المتأخرين (2).

خلافا للشيخ و ابن زهرة في الأول (3)فمن وراء الثياب،و لأوّلهما في الثاني فالاضطرار خاصة.

و الصحيحان حجّة عليه،في أحدهما:عن الرجل يصلح له أن ينظر إلى امرأته حين تموت أو يغسّلها إن لم يكن عنده من يغسّلها،و عن المرأة هل تنظر إلى مثل ذلك من زوجها حين يموت؟قال:«لا بأس بذلك إنما يفعل ذلك أهل المرأة كراهة أن ينظر زوجها إلى شيء يكرهونه» (4)و نحوه الثاني (5).

و يعضدهما إطلاق الصحيح المتقدم (6).و لا يعارضه الخبر:«يغسل الزوج امرأته في السفر و المرأة زوجها في السفر إذا لم يكن معهم رجل» (7)لقصور السند .و نحوه الكلام في الخبرين المضاهيين له.

ص:474


1- نقله عن المرتضى في المعتبر 1:230،322،الخلاف 1:698،نقله عن الإسكافي و الجعفي في الذكرى:38.
2- منهم العلامة في التذكرة 1:39،صاحب المدارك 2:61.
3- الشيخ في النهاية:42،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):563.
4- التهذيب 1:1417/439،الاستبصار 1:698/198،الوسائل 2:528 أبواب غسل الميت ب 24 ح 1،و رواه في الكافي 3:2/157،و الفقيه 1:401/86.
5- الكافي 3:11/158،التهذيب 1:1419/439،الاستبصار 1:700/199،الوسائل 2: 529 أبواب غسل الميت ب 24 ح 4.
6- في ص:472.
7- التهذيب 1:1420/439،الاستبصار 1:701/199،الوسائل 2:533 أبواب غسل الميت ب 24 ح 14.

و إطلاقهما كصريح الثالث حجة عليهما في الأول،مضافا إلى ما تقدم، و عدم دليل عليه في تغسيل الزوجة صاحبها إلاّ الموثق الأوّل و الثالث و ليسا نصّا؛لاحتمال كون الأمر بالصب فوق الثياب لمانع خارجي من وجود أجنبية كما يشعران به.فتأمل .و الاحتياط في هذه المسائل أولى.

الثامنة من مات محرما كان كالمحلّ

الثامنة:من مات محرما كان كالمحلّ في الأحكام حتى ستر الرأس على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع في الخلاف (1)؛للأصل،و العمومات، و خصوص الصحيحين (2)؛و الموثق:«يصنع به كما يصنع بالحلال ،غير أنه لا يقرب طيبا» (3).

و الصحيح:عن المحرم يموت كيف يصنع به؟فحدّثني:«أن عبد الرحمن ابن الحسن مات بالأبواء مع الحسين عليه السلام و هو محرم،و مع الحسين عليه السلام عبد اللّه بن عباس و عبد اللّه بن جعفر،فصنع به كما صنع بالميت،و غطّى وجهه و لم يمسّه طيبا،قال:و ذلك في كتاب علي عليه السلام» (4).

و نحوه الموثق لكن فيه:«و خمروا وجهه و رأسه و لم يحنطوه» (5)و هو أوضح دلالة.

خلافا للمرتضى و العماني و الجعفي (6)،فأوجبوا كشف الرأس،و زاد

ص:475


1- الخلاف 1:697.
2- الأول: التهذيب 5:1338/384،الوسائل 2:504 أبواب غسل الميت ب 13 ح 4. الثاني: التهذيب 1:965/330،الوسائل 2:504 أبواب غسل الميت ب 13 ح 4.
3- الكافي 4:2/367،التهذيب 1:964/329،الوسائل 2:503 أبواب غسل الميت ب 13 ح 2.
4- التهذيب 5:1337/383،الوسائل 2:504 أبواب غسل الميت ب 13 ح 3.
5- الكافي 4:3/368،الوسائل 2:505 أبواب غسل الميت ب 13 ح 8.
6- نقله عن المرتضى و العماني في المعتبر 1:326،و عنهما و عن الجعفي في الذكرى:41.

الأخير كشف الرّجلين؛لدلالة النهي عن تطييبه على بقاء إحرامه.و فيه منع.

و أضعف منه الخبر:«من مات محرما بعثه اللّه ملبّيا» (1).

و أما الخبر:«لا تخمروا رأسه» (2)فلم يثبت عندنا،مع عدم مكافأته لأخبارنا.

نعم:ربما كان في الاكتفاء في الأخبار بالأمر بتغطية الوجه خاصة إشعار به،إلاّ أنه لا يعارض ما وقع من التصريح بعموم أحكام المحلّ له سوى التطييب،مع أنه مفهوم ضعيف،مع ما عرفت من النص الصريح بتخمير الرأس.

لكن لا يقرب الكافور بتغسيله بمائه أو بتحنيطه به،إجماعا كما عن الغنية و المنتهى (3).و عليه دلّت الأخبار المتقدمة،لكون الكافور طيبا قطعا،مع التصريح بعدم التحنيط في بعضها.

و ربما احتمل في بعض العبارة اختصاص المنع بالحنوط (4).و لا وجه له.

التاسعة لا يغسل الكافر و لا يكفنه و لا يدفنه بين المسلمين

التاسعة:لا يجوز أن يغسل المسلم الكافر و لا يكفنه و لا يدفنه بين المسلمين (5)لكون الكل عبادة توقيفية و وظيفة شرعية موقوفة على الثبوت عن صاحب الشرع،و لم يصل إلينا فيها رخصة،ففعلها بدعة؛مع ما عليه من الإجماع كما في الذكرى (6)،و التهذيب عن الأمة (7)،و قوله سبحانه:

ص:476


1- الفقيه 1:379/84،الوسائل 2:505 أبواب غسل الميت ب 13 ح 6.
2- المعتبر 1:327،المستدرك 2:177 أبواب غسل الميت ب 13 ح 5.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):563،المنتهى 1:432.
4- انظر كشف اللثام 1:121.
5- في المختصر المطبوع:لا يغسل الكافر و لا يكفن و لا يدفن بين مقبرة المسلمين.
6- الذكرى:42.
7- التهذيب 1:335.

وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [1] (1).و الموثق في التهذيب:عن النصراني يكون في السفر و هو مع المسلمين فيموت،قال:«لا يغسّله مسلم و لا كرامة،و لا يدفنه، و لا يقوم على قبره،و إن كان أباه» (2).

و في المعتبر عن شرح الرسالة للمرتضى-رحمه اللّه-أنه روى فيه عن يحيى ابن عمّار،عن مولانا الصادق عليه السلام النهي عن تغسيل المسلم قرابته الذمي و المشرك و أن يكفنه،و منهم الخوارج و الغلاة (3).

و في الاحتجاج عن صالح بن كيسان:أن معاوية قال للحسين عليه السلام:هل بلغك ما صنعت بحجر بن عدي شيعة أبيك و أصحابه؟قال عليه السلام:«و ما صنعت بهم؟»قال:قتلناهم و كفّنّاهم و صلّينا عليهم،فضحك الحسين عليه السلام فقال:«خصمك القوم يا معاوية،لكنا لو قتلنا شيعتك ما كفّنّاهم و لا غسّلناهم و لا صلّينا عليهم و لا دفناهم» (4).

و يلحق بهم على الأصح ما عدا الإمامية؛لما عرفت من القاعدة؛مع عدم انصراف إطلاقات الأدلّة إلى مثلهم؛مضافا إلى ما ورد من أن تغسيل الميت لاحترامه (5)،و لا حرمة لهم.خلافا للمشهور فجوّزوه.

العاشرة لو لقي كفن الميت نجاسة غسلت ما لم يطرح في القبر،و قرضت بعد جعله فيه

العاشرة:لو لقي كفن الميت نجاسة خارجة منه غسلت ما لم يطرح

ص:477


1- المائدة:51.
2- الكافي 3:12/159،الفقيه 1:437/95،التهذيب 1:982/335،الوسائل 2:514 أبواب غسل الميت ب 18 ح 1.
3- المعتبر 1:328،الوسائل 2:514 أبواب غسل الميت ب 18 ح 2.
4- الاحتجاج 2:296،الوسائل 2:515 أبواب غسل الميت ب 18 ح 3.
5- لم نعثر على خبر مصرّح بتلك العلّة.نعم:ورد في بعض الروايات في ذكر علل غسل الميت: (..لأنه يلقى الملائكة و يباشر أهل الآخرة،فيستحب إذا ورد على اللّه عزّ و جلّ و لقي أهل الطهارة و يماسّونه و يماسّهم أن يكون طاهرا نظيفا..)الوسائل 2:480 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

في القبر،و قرضت بعد جعله فيه وفاقا للصدوقين و الحلّي (1)؛للرضوي (2).

خلافا للمحكي عن الشيخ و بني حمزة و البراج و سعيد،فأطلقوا القرض (3)؛لإطلاق الحسنين،أحدهما المرسل كالحسن:«إذا خرج من الميت شيء بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض من الكفن» (4)و تقييدهما بالرضوي أولى .

و بالجميع يقيد إطلاق ما أمر فيه بالغسل كالموثق:«إن بدا من الميت شيء بعد غسله فاغسل الذي بدا منه و لا تعد الغسل» (5)مضافا إلى قصوره سندا.

و يستفاد منه كالرضوي عدم وجوب إعادة الغسل كما هو الأشهر الأظهر، مضافا إلى الأصل بعد حصول الامتثال.

خلافا للعماني فأوجب الإعادة؛لكونه كغسل الجنابة فينقض بالأحداث الخارجة (6).

و لا يخفى ما فيه من المناقشة،إلاّ أن يريد الإعادة بالحدوث في أثناء الغسل.و له وجه لو قلنا به في الجنابة ،إلاّ أن الأصح العدم كما مرّت إليه الإشارة ثمّة.

ص:478


1- نقله عن والد الصدوق في المعتبر 1:330،الصدوق في الفقيه 1:92،الحلي في السرائر 1:169.
2- فقه الرضا(عليه السلام):169،المستدرك 2:226 أبواب الكفن ب 20 ح 1.
3- الشيخ في المبسوط 1:181،ابن حمزة في الوسيلة:65،ابن البراج في المهذّب 1:59، ابن سعيد في الجامع للشرائع:52.
4- الكافي 3:3/156،الوسائل 3:46 أبواب التكفين ب 24 ح 1. و الحسن الثاني:التهذيب 1:1405/436،الوسائل 3:46 أبواب التكفين ب 24 ح 3.
5- التهذيب 1:1456/449،الوسائل 2:542 أبواب غسل الميت ب 32 ح 1.
6- نقله عنه في المختلف:43.

كلّ ذا [و فيهما دلالة على لزوم غسل النجاسة كما هو ظاهر الفتاوى و ينبغي تقييده بما] إذا كان الخروج قبل التكفين.أما بعده فلا يجب إجماعا؛ لاستلزام الإعادة المشقة العظيمة،و عليه في المنتهى الإجماع من أهل العلم كافة (1).

السادس غسل من مسّ ميتا

السادس: في بيان وجوب غسل من مسّ ميتا.

اعلم أنه يجب الغسل بمس الآدمي إذا مات بعد برده بالموت و قبل تطهيره بالغسل على الأشهر الأظهر للصحاح المستفيضة و غيرها،ففي الصحيح:«إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل» (2).

و يستفاد من إطلاقه كغيره وجوبه بعد البرد مطلقا و لو غسّل،بل ربما أشعر بذلك بعضها كالصحيح:«من غسّل ميتا فليغتسل»قال:«و إن مسّه ما دام حارا فلا غسل عليه،و إذا برد ثمَّ مسّه فليغتسل»قلت:على من أدخله القبر؟قال:

«لا غسل عليه إنما يمس الثياب» (3)و نحوه غيره (4).

و هو صريح الموثق:«كلّ من مسّ ميتا فعليه الغسل و إن كان الميت قد غسّل» (5).

إلاّ أن في الصحيح:«مسّ الميت عند موته و بعد غسله و القبلة ليس به بأس» (6).

ص:479


1- المنتهى 1:431.
2- التهذيب 1:1365/429،الاستبصار 1:324/100،الوسائل 3:290 أبواب غسل المس ب 1 ح 3.
3- الكافي 3:1/160،التهذيب 1:283/108،الاستبصار 1:321/99،الوسائل 3:292 أبواب غسل المس ب 1 الحديث 14.
4- الكافي 3:8/161،الوسائل 3:297 أبواب غسل المس ب 4 ح 4.
5- التهذيب 1:1373/430،الاستبصار 1:328/100،الوسائل 3:295 أبواب غسل المس ب 3 ح 3.
6- الفقيه 1:403/87،التهذيب 1:1370/430،الاستبصار 1:326/100،الوسائل 3: 295 أبواب غسل المس ب 3 ح 1.

و في الحسن:«لا بأس بأن يمسّه بعد الغسل و يقبّله» (1).

و أوضح منهما الصحيح:«إذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل» (2).

و هذه الأخبار هي المفتي بها عندهم دون تلك،و عليه الإجماع عن المنتهى (3)،و حملها على الاستحباب غير بعيد .

و خلاف المرتضى (4)القائل بالاستحباب مطلقا شاذ،و مستنده بحسب السند و الدلالة قاصر (5)؛إذ ليس المستفاد منه إلا كونه سنّة غير فريضة،و هي أعم من الاستحباب،فيحتمل الوجوب الثابت من جهة السنّة النبوية في مقابل ما استفيد وجوبه من الآيات القرآنية الذي يطلق عليه الفريضة في الأخبار المعصومية (6).و يقوّى هذا الاحتمال بتعداد الأغسال الواجبة بإجماع الأمة في الأغسال المسنونة فيه .

ثمَّ إن قضية الأصل و حمل إطلاقات النصوص على الظاهر المتبادر منها عند الإطلاق القطع بعدم وجوب الغسل بمسّ الشهيد كما عن المعتبر (7).

و في وجوب الغسل بمس عضو كمل غسله قبل تمام غسل الجميع وجهان،أقربهما العدم؛للأصل،و عدم انصراف إطلاق النصوص إلى مثله .

و كذا يجب الغسل بمس قطعة فيها عظم،سواء أبينت من حي أو

ص:480


1- التهذيب 1:1372/430،الاستبصار 1:322/99،الوسائل 3:295 أبواب غسل المس ب 3 ح 2.
2- التهذيب 1:1368/429،الوسائل 3:290 أبواب غسل المس ب 1 ح 5.
3- المنتهى 1:127.
4- كما نقله عنه في المعتبر 1:351.
5- انظر الوسائل 3:306 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 8.
6- انظر الوسائل 6:401 أبواب التشهد ب 7.
7- المعتبر 1:348.

ميت على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع في الخلاف (1)؛للمرسل المنجبر ضعفه بالشهرة:«إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة،فإذا مسّه إنسان فكل ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل» (2).

و هو كالصريح في الأوّل،و يستفاد من فحواه حكم الثاني،مضافا إلى الرضوي فيه:«و إن مسست شيئا من جسد أكله السبع فعليك الغسل إن كان فيما مسست عظم،و ما لم يكن فيه عظم فلا غسل عليك في مسّه» (3).

فخلاف المعتبر (4)للأصل-المخصّص بالخبرين و الإجماع المنقول- ضعيف.

و في إلحاق العظم المجرّد بها إشكال،و الأحوط ذلك و إن كان في تعيّنه نظر.و ليس في الخبر النافي للبأس عن مس العظم الذي مرّ عليه سنة (5)دلالة عليه،فتأمل.

و هو أي غسل المس كغسل الحائض في وجوب الوضوء معه على الأشهر الأظهر،و عدمه على غيره،و قد مرّ تحقيقه.

ص:481


1- الخلاف 1:701.
2- الكافي 3:4/212،التهذيب 1:1369/429،الاستبصار 1:325/100،الوسائل 3: 294 أبواب غسل المس ب 2 ح 1.
3- فقه الرضا(عليه السلام):174،المستدرك 2:492 أبواب غسل المس ب 2 ح 1.
4- المعتبر 1:353.
5- الكافي 3:13/73،التهذيب 1:814/277،الاستبصار 1:673/192،الوسائل 3: 294 أبواب غسل المس ب 2 ح 2.
المندوب من الأغسال

و أمّا المندوب من الأغسال فالمشهور منها ثمانية و عشرون غسلا،و ذكر الشهيد في النفلية أنها خمسون (1).

منها غسل الجمعة على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع في الخلاف و الأمالي (2).و منه يظهر فساد نسبة القول بالوجوب إلى الكليني و الصدوق (3)،مضافا إلى عدم دلالة لفظ الوجوب في كلامهم على المعنى المصطلح صريحا سيّما مع إردافه بلفظ السنّة في كلام الثاني فلا خلاف.

للأصل؛و النصوص المستفيضة،و هي ما بين صريحة و ظاهرة.

ففي الصحيحين:«إنه سنّة و ليس بفريضة» (4)بعد أن سئل ظاهرا عن حكمه دون مأخذه.و به يندفع حمل السنّة هنا على ما ثبت وجوبه بالسنّة، و يؤكده درج الفطر و الأضحى في السؤال في أحدهما.

و في الخبر:كيّف صار غسل الجمعة واجبا؟قال:«إن اللّه تعالى أتم صلاة الفريضة بصلاة النافلة،و أتم صيام الفريضة بصيام النافلة،و أتم وضوء النافلة بغسل الجمعة،ما كان في ذلك من سهو أو تقصير أو نقصان»كذا في

ص:482


1- النفلية:8.
2- الخلاف 1:219،أمالي الصدوق:515.
3- الكليني في الكافي 3:41،الصدوق في الهداية:22.
4- الأول: التهذيب 1:295/112،الاستبصار 1:333/102،الوسائل 3:314 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 9. الثاني: التهذيب 1:296/112،الاستبصار 1:334/102،الوسائل 3:314 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 10.

الكافي و التهذيب.

و عن المحاسن و العلل:«و أتم وضوء الفريضة بغسل الجمعة» (1)و هو الأنسب بالسياق،و الأول أقوى في الدلالة.

و في المرسل قال:«الغسل في سبعة عشر موطنا،الفرض ثلاثة»قيل:

ما الفرض منها؟قال:«غسل الجنابة و غسل من غسّل ميتا و الغسل للإحرام» (2).

فذكر الأخيرين دليل على أن الفرض ليس بمعنى الواجب بنص الكتاب، بل الواجب و ما يقرب منه في التأكيد.

و في الرضوي:«إن الغسل ثلاثة و عشرون:من الجنابة،و الإحرام، و غسل الميت،و غسل مسّ الميت،و غسل الجمعة-إلى أن قال-:الفرض من ذلك غسل الجنابة،و الواجب غسل الميت و غسل الإحرام،و الباقي سنّة» (3).

و فيه أيضا:«و عليكم بالسنن يوم الجمعة و هي سبعة:إتيان النساء، و غسل الرأس و اللحية بالخطمي،و أخذ الشارب،و تقليم الأظافير،و تغيير الثياب،و مس الطيب،فمن أتى بواحدة من هذه السنن نابت عنهن و هي الغسل،فإن فاتك غسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت أو بعده من أيام الجمعة،و إنما سنّ الغسل يوم الجمعة تتميما لما يلحق الطهور في سائر الأيام من النقصان» (4).

و في النبوي:«من توضأ يوم الجمعة فبها و نعمت،و من اغتسل فالغسل

ص:483


1- الكافي 3:4/42،التهذيب 1:293/111،المحاسن:30/313،علل الشرائع: 1/285،الوسائل 3:313 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 7.
2- التهذيب 1:271/105،الاستبصار 1:316/98،الوسائل 2:174 أبواب الجنابة ب 1 ح 4،بتفاوت.
3- فقه الرضا(عليه السلام):82،المستدرك 2:497 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.
4- فقه الرضا(عليه السلام):128،المستدرك 2:500 أبواب الأغسال المسنونة ب 3 ح 4.

أفضل» (1).

و في بعض الأخبار:«إن الغسل أربعة عشر وجها،ثلاثة منها غسل واجب مفروض متى نسيه ثمَّ ذكره بعد الوقت اغتسل و إن لم يجد الماء تيمم،فإن وجدت الماء فعليك الإعادة،و أحد عشر غسلا سنّة:غسل العيدين و الجمعة» الخبر (2).

و يؤيده درجة في قرن المستحبات في الأخبار،ففي الصحيح:«ليتزيّن أحدكم يوم الجمعة و يغتسل و يتطيب و يسرح لحيته و يلبس أنظف ثيابه» (3).

و فيه أيضا:«لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنّة،و شمّ الطيب،و البس صالح ثيابك»الحديث (4).

و يعضده الرخصة في بعض الأخبار للنساء في تركه في السفر،بل في بعضها في الحضر أيضا كالمروي في الخصال:«ليس على المرأة غسل الجمعة في السفر،و يجوز لها تركه في الحضر» (5).

و بهذه الأدلة يصرف ظاهر لفظ الوجوب و الأمر في الصحاح المستفيضة و غيرها،مضافا إلى الوهن في دلالة الوجوب فيها على المعنى المصطلح،بناء على كثرة استعماله في بحث الأغسال في المستحبة منها إجماعا.

و وقته ما بين طلوع الفجر إلى الزوال إجماعا،فلا يجوز

ص:484


1- مسند أحمد 5:15،سنن ابن ماجه 1:1091/347،سنن الترمذي 2:495/4.
2- فقه الرضا(عليه السلام):83،المستدرك 2:497 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.
3- الكافي 3:1/417،التهذيب 3:32/10،الوسائل 7:395 أبواب صلاة الجمعة ب 47 ح 2.
4- الكافي 3:4/417،الوسائل 7:396 أبواب صلاة الجمعة ب 47 ح 3.
5- الخصال:12/585 و فيه:«و لا يجوز لها تركه في الحضر»،المستدرك 2:500 أبواب الأغسال المسنونة ب 3 ح 3.

التقديم إلاّ يوم الخميس مع خوف إعواز الماء؛للخبرين (1).و ذلك لكونه عبادة موظفة معلّقة شرعيتها على يوم الجمعة،و لا يصدق إلاّ بما ذكر،مضافا إلى ما سيأتي من الأخبار.

و أما التحديد إلى الزوال ففي المعتبر عليه إجماع الناس (2).و هو المقيّد لإطلاق الأخبار كالصحيح :«و ليكن فراغك من الغسل قبل الزوال» (3).

خلافا للمحكي عن الشيخ من أن غايته صلاة الجمعة (4)؛للإطلاق، و إشعار المعتبرة بكون المقصود من شرعيته حصول التطهر حال الصلاة،و في الخبر:«إن الأنصار كانت تعمل في نواضحها و أموالها،فإذا كان يوم الجمعة جاؤوا فتأذى الناس من أرواح آباطهم،فأمرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالغسل يوم الجمعة،فجرت بذلك السنّة» (5).

و كلّما قرب من الزوال كان أفضل فيما قطع به الأصحاب،و لعلّ مستندهم الرضوي:«و يجزيك إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر،و كلّما قرب من الزوال فهو أفضل» (6).

و ربما كان في الصحيح السابق إشعار به،فتأمل .

ص:485


1- الأول: التهذيب 1:1109/465،الوسائل 3:319 أبواب الأغسال المسنونة ب 9 ح 1. الثاني: الكافي 3:6/42،الفقيه 1:227/61،التهذيب 1:1110/465،الوسائل 3:320 أبواب الأغسال المسنونة ب 9 ح 2.
2- المعتبر 1:354.
3- الكافي 3:4/417،الوسائل 3:312 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 5.
4- كما في الخلاف 1:612.
5- الفقيه 1:230/62،التهذيب 1:1112/366،علل الشرائع:3/285،الوسائل 3: 315 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 15.
6- فقه الرضا(عليه السلام):175،المستدرك 2:508 أبواب الأغسال المسنونة ب 7 ح 1.

و منها:غسل أول ليلة من شهر رمضان على المعروف من مذهب الأصحاب كما عن المعتبر (1)،و عن روض الجنان الإجماع عليه (2)؛ للمعتبرة منها الموثق (3)،و الرضوي:«و الغسل ثلاثة و عشرون-إلى قوله-:

و خمس ليال من شهر رمضان:أول ليلة منه»الخبر (4).

و عن مولانا الصادق عليه السلام:«من اغتسل أوّل ليلة من شهر رمضان في نهر جار،و صبّ على رأسه ثلاثين كفا من الماء،طهر إلى شهر رمضان من قابل» (5).

و روي نحوه في أول يوم منه (6).

و عنه عليه السلام:«من أحب أن لا يكون به الحكّة فليغتسل أول ليلة من شهر رمضان،يكون سالما منها إلى شهر رمضان من قابل» (7).

و ينبغي إيقاعه في هذه الليلة-كسائر الليالي المستحبة فيها الأغسال- في أوّلها كما في الأخبار (8)،و في الخبر:«عند وجوب الشمس قبيله ،ثمَّ يصلّي و يفطر» (9).

و يأتي أنه صلّى اللّه عليه و آله كان يغتسل[كلّ]ليلة من العشر الأواخر

ص:486


1- المعتبر 1:355.
2- روض الجنان:17.
3- الكافي 3:2/40،الفقيه 1:176/45،التهذيب 1:270/104،الوسائل 3:303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.
4- فقه الرضا(عليه السلام):82،المستدرك 2:497 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.
5- الإقبال:14،الوسائل 3:325 أبواب الأغسال المسنونة ب 14 ح 4.
6- الإقبال:86،الوسائل 3:326 أبواب الأغسال المسنونة ب 14 ح 7 و فيه بتفاوت.
7- الإقبال:14،الوسائل 3:325 أبواب الأغسال المسنونة ب 14 ح 5 بتفاوت يسير.
8- انظر الوسائل 3:322 أبواب الأغسال المسنونة ب 11 ح 2،و ص 325 ب 14 ح 2.
9- الكافي 4:1/153،الفقيه 2:448/100،الوسائل 3:324 أبواب الأغسال المسنونة ب 13 ح 2.وجوب الشمس:غروبها.

بين العشاءين (1).

و منها:غسل ليلة النصف منه كما عن الشيخين و غيرهما (2)؛ و لعلّه لما أسنده ابن أبي قرّة في كتاب عمل شهر رمضان،عن مولانا الصادق عليه السلام:«يستحب الغسل في أول ليلة من شهر رمضان و ليلة النصف منه» (3).

و فضّل الشيخ في المصباح غسلها على سائر ليالي الأفراد (4)،و الشهيد على أغسالها سوى الاولى و تسع عشرة و إحدى و عشرين و ثلاث و عشرين (5).

و منها:غسل ليلة سبع عشرة منه و ليلة تسع عشرة منه و ليلة إحدى و عشرين منه و ليلة ثلاث و عشرين منه الإجماع كما عن المعتبر (6)-و الأخبار،منها الصحيح:«[الغسل]في سبعة عشر موطنا:

ليلة سبع عشرة من شهر رمضان و هي ليلة التقى الجمعان ،و ليلة تسع عشرة و فيها يكتب الوفد وفد السنة،و ليلة إحدى و عشرين و هي الليلة التي أصيب فيها أوصياء الأنبياء و فيها رفع عيسى بن مريم عليه السلام و قبض موسى عليه السلام.و ليلة ثلاث و عشرين يرجى فيها ليلة القدر،و يومي العيدين» (7).

ص:487


1- الإقبال:21،الوسائل 3:326 أبواب الأغسال المسنونة ب 14 ح 6 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- المفيد في المقنعة:51،الطوسي في التهذيب 1:114،و المصباح:11؛و انظر المعتبر 1: 355.
3- الإقبال:14،الوسائل 3:325 أبواب الأغسال المسنونة ب 14 ح 1.
4- مصباح المتهجّد:11.
5- النفلية:8.
6- المعتبر 1:355.
7- التهذيب 1:302/114،الوسائل 3:307 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

و منها:غسل ليلة الفطر كما عن الشيخين و جماعة (1)؛للخبر:

ما ينبغي لنا أن نعمل في ليلة الفطر؟فقال:«إذا غربت الشمس فاغتسل،فإذا صلّيت الثلاث ركعات ارفع يديك و قل»تمام الحديث (2).

و منها:غسل يومي العيدين الفطر و الأضحى بإجماع العلماء كافة،حكاه جماعة (3)؛للمعتبرة،منها:الصحيح المتقدم،و نحوه الصحيح:

عن الغسل في الجمعة و الأضحى و الفطر،قال:«سنّة و ليس بفريضة» (4).

و في الذكرى عن ظاهر الأصحاب:امتداد وقته إلى الزوال خاصة (5)؛ و لعلّه للرضوي:«فإذا طلع الفجر يوم العيد فاغتسل،و هو أول أوقات الغسل ثمَّ إلى وقت الزوال» (6).

و يؤيده مساواة العيد للجمعة في أغلب الأحكام،و مرّ امتداد وقت غسل الجمعة إليه.

و أسند ابن أبي قرّة في عمل رمضان،عن مولانا الصادق عليه السلام في كيفية صلاة العيد يوم الفطر أن:«تغتسل من نهر،فإن لم يكن نهر فل أنت بنفسك استقاء الماء بتخشع،و ليكن غسلك تحت الظلال أو تحت حائط و تستر بجهدك،فإذا هممت بذلك فقل:اللهم إيمانا بك و تصديقا بكتابك

ص:488


1- المفيد في المقنعة:51،الطوسي في المصباح:11،المحقق في المعتبر 1:355،الشهيد في النفلية:8.
2- الكافي 4:3/167،الفقيه 1:466/109،التهذيب 1:303/115،الوسائل 3:328 أبواب الأغسال المسنونة ب 15 ح 1.
3- منهم المحقق في المعتبر 1:356،العلامة في التذكرة 1:60،الشهيد الثاني في روض الجنان:18.
4- التهذيب 1:295/112،الاستبصار 1:333/102،الوسائل 3:329 أبواب الأغسال المسنونة ب 16 ح 1.
5- الذكرى:24.
6- فقه الرضا(عليه السلام):131،المستدرك 2:512 أبواب الأغسال المسنونة ب 11 ح 1.

و اتباع سنة نبيك صلّى اللّه عليه و آله،ثمَّ سمّ و اغتسل،فإذا فرغت من الغسل فقل:اللهم اجعله كفارة لذنوبي و طهّر ديني،اللهم اذهب عنا الدنس» (1).

و منها:غسل يوم عرفة إجماعا كما عن الغنية (2)؛للمستفيضة منها الصحيح:«الغسل من الجنابة،و يوم الجمعة،و يوم الفطر،و يوم الأضحى،و يوم عرفة عند زوال الشمس» (3).

و منها:غسل ليلة النصف من رجب كما عن جمل الشيخ و مصباحه و اقتصاده و النزهة و الجامع و الإصباح (4)؛و وجّهه في المعتبر بشرف الزمان و استحباب الغسل في الجملة (5).و هو محل مناقشة.

و زيد اليوم في النزهة؛و لعلّه للمحكي عن الإقبال أنه أرسل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من أدرك شهر رجب فاغتسل في أوله و وسطه و آخره،خرج من ذنوبه كيوم ولدته امّه» (6).

و منها:غسل يوم المبعث و هو السابع و العشرون من رجب.

محكي عن جمل الشيخ و مصباحه و اقتصاده (7).و لم نظفر بمستنده.و وجّهه في المعتبر بما مرّ.و فيه نظر.

و منها:غسل ليلة النصف من شعبان للخبرين،في أحدهما:

«صوموا شعبان و اغتسلوا ليلة النصف منه» (8).

ص:489


1- الإقبال:279،الوسائل 3:329 أبواب الأغسال المسنونة ب 15 ح 4،و فيه بتفاوت يسير.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):555.
3- التهذيب 1:290/110،الوسائل 3:306 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 10.
4- الجمل و العقود(الرسائل العشر):167،مصباح المتهجد:11،الاقتصاد:250،النزهة: 15،الجامع للشرائع:32،و نقله عن الإصباح في كشف اللثام 1:10.
5- المعتبر 1:356.
6- الإقبال:628،الوسائل 3:334 أبواب الأغسال المسنونة ب 22 ح 1.
7- الجمل و العقود(الرسائل العشر):167،المصباح:11،الاقتصاد:250.
8- التهذيب 1:308/117،الوسائل 3:335 أبواب الأغسال المسنونة ب 23 ح 1.

و في الثاني المروي في المصباح،عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:

«من تطهّر ليلة النصف من شعبان فأحسن الطهر»و ساق الحديث إلى أن قال:«قضى اللّه تعالى[له]ثلاث حوائج،ثمَّ إن سأل أن يراني في ليلته رآني» (1).

و منها:غسل يوم الغدير بإجماع الطائفة حكاه جماعة (2)؛ للمعتبرة منها:الرضوي (3)،و الخبرين:«من صلّى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول بمقدار نصف ساعة»و ساق الحديث إلى قوله:«ما سأل اللّه حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة إلاّ قضيت له،كائنة ما كانت» (4).

و المروي في الإقبال:«إذا كانت صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل صدر نهاره» (5).

و منها:غسل يوم المباهلة و هو الرابع و العشرون من ذي الحجة في المشهور،و قيل:الخامس و العشرون (6).و عن الإقبال قيل:أحد و عشرون، و قيل:سبعة و عشرون (7).

و على الاستحباب الإجماع كما عن الغنية (8)؛لموثقة سماعة:«غسل

ص:490


1- مصباح المتهجد:769-770،الوسائل 8:108 أبواب الصلوات المندوبة ب 8 ح 6 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- منهم الشيخ في التهذيب 1:114،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):554،و الشهيد الثاني في روض الجنان:18.
3- فقه الرضا(عليه السلام):82،المستدرك 2:497 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.
4- التهذيب 3:317/143،الوسائل 8:89 أبواب الصلوات المندوبة ب 3 ح 1. الخبر الثاني:بحار الأنوار 95:6/321،العدد القوية:33،المستدرك 2:520 أبواب الأغسال المسنونة ب 20 ح 2.
5- الإقبال:474،المستدرك 2:520 أبواب الأغسال المسنونة ب 20 ح 1.
6- قال به المحقق في المعتبر 1:357.
7- انظر الإقبال:515.
8- الغنية(الجوامع الفقهية):555.

المباهلة واجب» (1).

و ليس فيها ذكر اليوم،فلعلّه لأصل إيقاع المباهلة كما في الاستخارة، و وردت به رواية صحيحة (2)،و عن جدّي المجلسي-رحمه اللّه-اشتهاره بين قدماء الطائفة (3).

و هو حسن،إلاّ أن فهم الأصحاب اليوم منها أقوى قرينة،مضافا إلى دعوى الإجماع عليه في الغنية.

و منها غسل الإحرام للحج أو العمرة على الأشهر الأظهر؛ للأصل،و فقد المخصّص له سوى ما تضمّن إطلاق الواجب عليه.و في دلالته على المصطلح في بحث الأغسال تأمل،مضافا إلى المحكي عن الشيخين (4) من دعوى عدم الخلاف المشعرة بالوفاق.و لا يعارضه نسبة المرتضى الوجوب إلى الأكثر (5)؛لوهنه بمصير الأكثر إلى خلافه و دعوى الإجماع عليه.و يحتمل إرادته منه التأكد؛لبعد الخطأ في النسبة،فيوافق الشيخين فيها،إلاّ أن كلامه مشعر بالخلاف و كلامهما بالوفاق.

و يؤيده تعداده مع المستحبات و كثير من الأغسال-المستحبة بالوفاق-في المعتبرة،كالصحيح (6)و غيره (7).

و يدل عليه صريحا المروي في العيون،عن مولانا الرضا عليه السلام

ص:491


1- الكافي 3:2/40،الفقيه 1:176/45،التهذيب 1:270/104،الوسائل 3:303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.
2- الكافي 2:1/513.
3- حكاه عنه في الحدائق 4:190.
4- المفيد في المقنعة:50،الطوسي في التهذيب 1:113.
5- انظر الناصريات(الجوامع الفقهية):188.
6- الكافي 4:1/326،الفقيه 2:914/200،الوسائل 3:336 أبواب الأغسال المسنونة ب 26 ح 1.
7- الوسائل 3:303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1.

أنه كتب إلى المأمون:«من محض الإسلام:..و غسل الجمعة سنّة،و غسل العيدين،و دخول مكة و المدينة،و الزيارة،و الإحرام،و أول ليلة من شهر رمضان،و سبعة عشر،و تسعة عشر،و إحدى و عشرين،و ثلاث و عشرين،و هذه الأغسال سنّة،و غسل الجنابة فريضة،و غسل الحيض مثله» (1).

و قصور السند منجبر بما مرّ،فلا يعارضه المرسل:«الغسل في سبعة عشر موطنا،الفرض ثلاثة:غسل الجنابة،و غسل من مسّ ميتا،و الغسل للإحرام» (2)و نحوه الرضوي (3).

إلاّ أن الأحوط المحافظة عليه،كما عن العماني (4).

و منها:غسل زيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام قطع به الأصحاب،و نصّت عليه الأخبار.إلاّ أن أكثرها اقتصرت على الزيارة بحيث تحتمل زيارة البيت خاصة كما صرّحت به بعض المعتبرة (5).

و لا ريب في الاستحباب لزيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأمير و الحسين و الرضا عليهم السلام؛لكثرة الأخبار.

و بالتعميم نص الرضوي:«و الغسل ثلاثة و عشرون»و عدّ منها غسل زيارة البيت،و غسل دخوله،و غسل الزيارات (6).

و المروي في التهذيب عن العلاء بن سيابة عن مولانا الصادق عليه السلام:في قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [1] قال:«الغسل عند لقاء

ص:492


1- العيون 2:1/120،الوسائل 3:305 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 6.
2- التهذيب 1:271/105،الاستبصار 1:316/98،الوسائل 2:174 أبواب الجنابة ب 1 ح 4.
3- فقه الرضا(عليه السلام):82،المستدرك 2:497 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.
4- نقله عن العماني في المختلف:28.
5- الكافي 3:1/40،الوسائل 3:303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.
6- تقدّم مصدره في الهامش 3 من نفس الصفحة.

كل إمام» (1).

و روى ابن قولويه في كامل الزيارات في زيارة مولانا الكاظم و الجواد عليهما السلام،عن محمّد بن عيسى بن عبيد،عمّن ذكره،عن أبي الحسن عليه السلام و فيه قال:«إذا أردت موسى بن جعفر و محمد بن علي عليهما السلام فاغتسل و تنظف»الحديث (2).

و روى فيه أيضا في زيارة أبي الحسن و أبي محمّد عليهما السلام و قال:

روي عن بعضهم أنه قال:«إذا أردت زيارة قبر أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهما السلام و أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام تقول إن وصلت -بعد الغسل-و إلاّ أومأت بالسلام»الخبر (3).

و منها:الغسل لقضاء صلاة الكسوف و الخسوف بشرط الاحتراق و الترك متعمدا [تعمدا] ،كما عن الهداية و مصباح الشيخ و اقتصاده و جمله و خلافه و النهاية و المبسوط و الكافي و المهذّب و المراسم و رسالة علي بن بابويه و النزهة و الجامع و الشرائع و المعتبر و الغنية و الإصباح و السرائر (4)،نافيا فيه الخلاف عن عدم الشرعية إذا انتفى الشرطان.و هو الأظهر؛للأصل،و الصحيح المروي في الخصال:«و غسل الكسوف،إذا احترق القرص كلّه فاستيقظت و لم تصلّ فاغتسل و اقض الصلاة» (5).

ص:493


1- التهذيب 6:197/110،الوسائل 14:390 أبواب المزار ب 29 ح 2.
2- كامل الزيارات:301.
3- كامل الزيارات:313،المستدرك 10:364 أبواب المزار ب 70 ح 3.
4- الهداية:19،مصباح المتهجد:12،الاقتصاد:250،الجمل و العقود(الرسائل العشر): 168،الخلاف 1:678،النهاية:136،المبسوط 1:172،الكافي:135،156، المهذّب 1:33،المراسم:52،نقله عن ابن بابويه في المختلف:28،النزهة:16، الجامع للشرائع:33،الشرائع 1:45،المعتبر 1:358،الغنية(الجوامع الفقهية):555، حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:111،السرائر 1:125.
5- الخصال:1/508،الوسائل 3:304 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 4.

و نحوه المرسل في الفقيه (1).

و اشتراط الاستيقاظ و عدم الصلاة و إن لم يكن نصا في اشتراط التعمد في الترك،إلاّ أن الإجماع قرينة عليه؛لعدم القائل باشتراطه بخصوصه،بل كل من اشترط زائدا على الاحتراق اشترط الترك متعمدا لا غير،و من لم يشترط لم يشترط مطلقا،فاشتراط خصوص ما في النص لا قائل به إن حمل على عدم التعمد،فحمله عليه لئلا يشذ أولى،مع ظهوره فيه في الجملة،فسقط الاعتراض عن عدم دلالته على اعتباره.

و أصرح منهما الرضوي:«و إن انكسفت الشمس أو القمر و لم تعلم به فعليك أن تصلّيها إذا علمت،فإن تركتها متعمدا حتى تصبح فاغتسل و صلّ، و إن لم يحترق القرص فاقضها و لا تغتسل» (2).

خلافا للمرتضى في المصباح و المفيد في المقنعة (3)،فاقتصرا على التعمد و لم يعتبرا الاحتراق؛للمرسل:«إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلّي فليغتسل من غد و ليقض الصلاة،و إن لم يستيقظ و لم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلاّ القضاء» (4).

و هو مع ضعفه غير مكافئ لما تقدم،و مع ذلك مطلق يقيّد به و بما يأتي.

و للمقنع و الذكرى (5)،فعكسا فلم يعتبرا التعمد و اقتصرا على الاحتراق؛ للصحيح:«و غسل الكسوف،إذا احترق القرص كلّه فاغتسل» (6).

ص:494


1- الفقيه 1:172/44.
2- فقه الرضا(عليه السلام):135،المستدرك 2:518 أبواب الأغسال المسنونة ب 17 ح 1.
3- نقله عن المرتضى في المعتبر 1:358،المفيد في المقنعة:51.
4- التهذيب 1:309/117،الاستبصار 1:1758/453،الوسائل 3:336 أبواب الأغسال المسنونة ب 25 ح 1.
5- نقله عن المقنع في المختلف:116،الذكرى:244.
6- التهذيب 1:302/114،الوسائل 3:307 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.

و هو مع قصوره عن المقاومة لما مرّ ليس فيه ذكر القضاء،و ظاهره العموم له و للأداء فخالف الوفاق من هذا الوجه.مع أن الظاهر اتحاده مع المروي في الخصال المتقدم،و إنما حصل التغيير بنقل الشيخ له في التهذيب كما هنا، فيرتفع الإشكال و يندفع الاستدلال.

و ظاهر الأخبار وجوب هذا الغسل،كما عن جمل السيّد و شرح القاضي له (1)،مدعيا في الأخير عليه الإجماع،و كذا في صلاة المقنعة و المراسم و ظاهر الهداية و النهاية و الخلاف و الكافي و صلاة الاقتصاد و الجمل و الغنية (2)،و مال إليه في المنتهى لذلك (3).

و الأشهر بين المتأخرين الاستحباب؛للأصل،و حصر الواجب من الأغسال في غيره في غير هذه الأخبار،و احتمال الأمر للندب.

و فيه نظر؛لضعف الاحتمال كالحصر مع احتمال التخصيص بما مرّ، و هو المعيّن في الجمع دون الاستحباب.

و عن ابن حمزة التردد فيه (4).و لعلّه في محلّه.

إلاّ أن الثاني أقوى؛لتعداده في الأغسال المستحبة،وفاقا للصحيحين المتقدمين (5).و هو مع الشهرة العظيمة المتأخرة على الاستحباب أقوى قرينة، فيحمل عليه الأوامر المتقدمة؛مضافا إلى الأمور المتقدمة.و الإجماع ممنوع

ص:495


1- جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):46،شرح الجمل:135،136.
2- المقنعة:211،المراسم:81،الهداية:19،النهاية:136،الخلاف 1:678،الكافي: 156،الاقتصاد:272،الجمل و العقود(الرسائل العشر):194،الغنية(الجوامع الفقهية): 562.
3- المنتهى 1:131.
4- الوسيلة:54.هذا في بحث الأغسال،و لكن ظاهره في بحث صلاة الكسوف الوجوب.انظر الوسيلة:112.
5- في ص:487،493.

في أمثال محل النزاع.و الأحوط عدم الترك.

و منها:الغسل للتوبة عن فسق أو كفر،كما عن المبسوط و السرائر و المهذّب و الجامع و الشرائع و المعتبر (1)،صغيرة كان الفسق أو كبيرة كما عن المنتهى و نهاية الأحكام و النفلية (2)،و عن المقنعة و كتاب الاشراف و الكافي و الغنية و الإشارة:التخصيص بالكبيرة (3)؛و عليه يساعد المعتبرة كالرواية المروية في الكافي صحيحة فيمن أتى مولانا الصادق عليه السلام فقال:إنّ لي جيرانا و لهم جوار يتغنين و يضربن بالعود،فربما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعا مني لهن،فقال عليه السلام:«لا تفعل»إلى أن قال الرجل:لا جرم أني تركتها و أنا أستغفر اللّه تعالى،فقال عليه السلام:«قم فاغتسل و صلّ ما بدا لك،فلقد كنت مقيما على أمر عظيم،ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك،استغفر اللّه تعالى و اسأله التوبة من كل ما يكره» (4).

و ما في أدعية السرّ من قوله سبحانه:«يا محمّد،قل لمن عمل كبيرة من أمتك فأراد محوها و التطهر منها:فليتطهّر لي بدنه و ثيابه،و ليخرج إلى برية أرضي،فليستقبل وجهي حيث لا يراه أحد،ثمَّ ليرفع يديه إليّ» الخبر (5).و الظاهر من التطهير الغسل،فتأمل .

و الإجماع المحكي عن الغنية غير معلوم المساعدة على الشمول للصغيرة،فإذا الاقتصار على الكبيرة أولى.إلاّ أن يتشبّث بذيل المسامحة في

ص:496


1- المبسوط 1:40،السرائر 1:125،المهذّب 1:33،الجامع للشرائع:33،الشرائع 1: 45،المعتبر 1:359.
2- المنتهى 1:131،نهاية الأحكام 1:178،النفلية:9.
3- المقنعة:51،الإشراف(مصنفات الشيخ المفيد 9):17،الكافي:135،الغنية(الجوامع الفقهية):555،الإشارة:72.
4- الكافي 6:10/432،الوسائل 3:331 أبواب الأغسال المسنونة ب 18 ح 1.
5- انظر الجواهر السنية:173،البحار 92:1/306.

أدلة الاستحباب و الكراهة و الاكتفاء فيها بذكر واحد فضلا عن جماعة.

و يستفاد من فحوى الرواية-مضافا إلى ما فيها من العلّة العامة- الاستحباب للتوبة عن الكفر أصليا كان أو ارتداديا،مضافا إلى ما روي من أمره صلّى اللّه عليه و آله بعض الكفار حين ما أسلم بالاغتسال (1).و فيه نظر؛ لاحتمال كونه عن جنابة،نعم:في أدعية السرّ:«يا محمّد،و من كان كافرا و أراد التوبة و الإيمان فليطهّر لي ثوبه و بدنه»الخبر (2).فتأمل.

و عن أحمد و مالك و أبي ثور:إيجابه للتوبة عن كفر (3).

و منها:الغسل لصلاة الحاجة و صلاة الاستخارة ممّا ورد له منهما الغسل،لا مطلقا،مع احتماله؛لإطلاق المعتبرة كالرضوي:«و غسل الاستخارة،و غسل طلب الحوائج من اللّه تبارك و تعالى» (4).

و نحوه غيره و لكن في الأخير خاصة (5).

و على الحكم في الجملة الإجماع عن الغنية و ظاهر المعتبر و التذكرة (6).

و منها:الغسل لدخول الحرم إجماعا كما عن الغنية (7)؛للمعتبرة منها الصحيح في تعداد ما فيه الغسل:«و إذا دخلت الحرمين» (8).

و لدخول المسجد الحرام كما في أكثر الكتب،إجماعا كما عن

ص:497


1- الجعفريات:175،المستدرك 2:513 أبواب الأغسال المسنونة ب 12 ح 3،و رواه في مسند أحمد 5:61،صحيح مسلم 3:59/1386.
2- الجواهر السنية:175.
3- راجع المغني لابن قدامة 1:239.
4- فقه الرضا(عليه السلام):82،المستدرك 2:497 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.
5- فلاح السائل:61-62،المستدرك 2:498 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 2.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):555،المعتبر 1:359،التذكرة 1:58.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):555.
8- الفقيه 1:172/44،التهذيب 1:302/114،الوسائل 3:307 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.

الخلاف و الغنية (1)؛للخبر:«إن اغتسلت بمكة ثمَّ نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك» (2)فتأمل جدّا .

و لدخول الكعبة -عظّمها اللّه تعالى-كما في أكثر الكتب، إجماعا كما عن الغنية و الخلاف (3)؛للمعتبرة منها الصحيحان في تعداد ما له الغسل،ففي أحدهما:«و دخول الكعبة» (4)و في الثاني:«و يوم تدخل البيت» (5).

و لدخول المدينة -شرّفها اللّه تعالى-إجماعا،كما عن الغنية؛ للمعتبرة منها الصحيح في تعداد ما مرّ:«و دخول مكّة و المدينة» (6)و الحسن:

«إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها» (7).

و لدخول مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله في المدينة إجماعا، كما عن الغنية؛للخبر:«و إذا أردت دخول مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله» (8).

و منها غسل المولود حين ولادته على الأشهر الأظهر؛للأصل.

و قيل:يجب (9)؛للموثق:«و غسل المولود واجب» (10).

ص:498


1- الخلاف 1:286،الغنية(الجوامع الفقهية):555.
2- الكافي 4:7/400،التهذيب 5:326/99،الوسائل 13:202 أبواب مقدمات الطواف ب 6 ح 2.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):555،الخلاف 1:286.
4- التهذيب 1:290/110،الوسائل 3:306 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 10.
5- التهذيب 1:302/114،الوسائل 3:307 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.
6- راجع الهامش(5)من نفس الصفحة.
7- الكافي 4:1/550،التهذيب 6:8/5،كامل الزيارات:15،الوسائل 14:341 أبواب المزار ب 6 ح 1.
8- التهذيب 1:272/105،الوسائل 3:307 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 12.
9- قال به ابن حمزة في الوسيلة:54.
10- الكافي 3:2/40،الفقيه 1:176/45،التهذيب 1:270/104،الوسائل 3:303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

و فيه:ما مرّ من عدم ظهور الوجوب في المصطلح في بحث الأغسال؛ لكثرة استعماله في المستحب إجماعا،و خصوصا في الرواية،فالمراد به تأكد الاستحباب.و الحمد للّه.

ص:499

المجلد 2

اشارة

سرشناسه:طباطبائی کربلائی، علی بن محمدعلی، 1161 - 1231ق.

عنوان و نام پديدآور:ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل/ تالیف محمدعلی الطباطبایی؛ تحقیق موسسه آل البیت(ع) لاحیاءالتراث.

مشخصات نشر:قم: موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاءالثرات، 1418ق.-= 1376-

مشخصات ظاهری:16 ج.: نمونه.

فروست:موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

شابک: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری

يادداشت:عربی.

يادداشت:کتاب حاضر شرحی بر مختصرالنافع محقق حلی است.

يادداشت:ج.9 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت:ج. 11 - 13 (چاپ؟: 1421ق. = 1379).

يادداشت:ج. 15و 16 (چاپ؟: 1422ق. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:محقق حلی، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 7ق.

شناسه افزوده:محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

شناسه افزوده:موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاء الثرات

رده بندی کنگره:BP182/م3م30216 1376

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

تتمة كتاب الطهارة

الركن الثالث في الطهارة الترابية

اشارة

الركن الثالث.

في الطهارة الترابية المسمّاة بالطهارة الاضطرارية،في مقابلة الاختيارية التي هي الطهارة المائية.

و هي التيمم،و هو لغة:مطلق القصد،و شرعا:القصد إلى الصعيد لمسح الوجه و الكفين على الوجه المخصوص.و شرعيته ثابتة بالكتاب (1)، و السنة،و الإجماع من المسلمين كافة.

و النظر فيه يقع في أمور أربعة

ص:5


1- المائدة:6.

ص:6

الأول شروط التيمم
اشارة

الأول:

فيما هو شرط في صحة التيمم و إباحته،و مجمله العجز عن استعمال الماء،و يتحقق بأمور

عدم الماء

عدم الماء بأن لا يوجد مع طلبه على الوجه المعتبر،إجماعا (1)،للآية (2)،و النصوص المستفيضة منها الصحيح:«إذا لم يجد الرجل طهورا و كان جنبا فليمسح من الأرض»الخبر (3).و نحوه الصحيحان (4).

و لا فرق فيه بين عدمه أصلا و وجود ما لا يكفيه لطهارته مطلقا،و لا يجب صرفه إلى بعض الأعضاء في الوضوء قطعا و إجماعا،و في الغسل كذلك أيضا، بل نسبه في التذكرة و المنتهى (5)إلى علمائنا.

خلافا لنهاية الإحكام فاحتمله (6)،و لعلّه لعموم:«الميسور لا يسقط بالمعسور» (7)مع عدم المانع عنه من فوات الموالاة كما في الوضوء،و لذا لا يحتمل ذلك فيه.

و هو حسن،إلاّ أنه خلاف ظواهر المستفيضة الواردة في مقام البيان،

ص:7


1- ليست في«ش».
2- المائدة:6.
3- التهذيب 1:556/193،الاستبصار 1:549/159،الوسائل 3:368 أبواب التيمم ب 14 ح 7.
4- الأول: الفقيه 1:213/57،المحاسن:132/372،الوسائل 3:366 أبواب التيمم ب 14 ح 1. الثاني: الكافي 3:3/63،الوسائل 3:367 أبواب التيمم ب 14 ح 4.
5- التذكرة 1:61،المنتهى 1:133.
6- نهاية الإحكام 1:186.
7- عوالي اللئالي 4:205/58.

لعدم التعرض له بوجه بل ظاهرها الاكتفاء بالتيمم خاصة،كالصحيح:في رجل أجنب في سفر و معه ماء قدر ما يتوضأ به،قال:«يتيمم و لا يتوضأ» (1)و نحوه آخر (2).

كل ذا إذا كان مكلّفا بطهارة واحدة.و لو كان مكلّفا بطهارتين متعددتين كوضوء و غسل-كما في الأغسال عدا الجنابة على الأشهر الأظهر-و كفى الماء لإحداهما وجب استعماله فيها وفاقا لجماعة (3).و وجهه واضح.

عدم الوصلة إلى الماء

أو عدم الوصلة إليه مع وجوده،إمّا للعجز عن الحركة المحتاج إليها في تحصيله لكبر أو مرض أو ضعف قوة،و لم يجد معاونا و لو بأجرة مقدورة،أو لضيق الوقت بحيث لا يدرك منه معه بعد الطهارة ركعة على الأظهر الأشهر، خلافا للمعتبر (4)،أو لكونه في بئر بعيد القعر يتعذر الوصول إليه بدون الآلة، و هو عاجز عن تحصيلها و لو بعوض مقدور أو شق ثوب نفيس أو إعارة،أو لكونه موجودا في محل يخاف من السعي إليه على نفس أو طرف أو مال محترمة أو بضع أو عرض أو ذهاب عقل و لو بمجرد الجبن.

لصدق فقد الماء مع جميع ذلك،بناء على استلزام التكليف بتحصيل الماء في هذه الصور العسر و الحرج المنفيين كالضرر المنفي عموما في الشريعة،مضافا إلى المعتبرة في بعضها كالصحاح في فقد الآلة (5)،مضافا إلى الإجماع المحكي عن المنتهى فيه و في خوف اللص و السباع و ضياع المال (6)،

ص:8


1- التهذيب 1:1272/405،الوسائل 3:387 أبواب التيمم ب 24 ح 4.
2- التهذيب 1:1266/404،الوسائل 3:387 أبواب التيمم ب 24 ح 3.
3- منهم الشهيد الأول في البيان:84،الكركي في جامع المقاصد 1:477،الشهيد الثاني في روض الجنان:119.
4- المعتبر 1:363.
5- الوسائل 3:343 أبواب التيمم ب 3.
6- المنتهى 1:137.

و في الخبر:عن الرجل لا يكون معه ماء،و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحوهما،قال:«لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لصّ أو سبع» (1).

حصول مانع من استعمال الماء

أو حصول مانع من استعماله كالبرد الشديد الذي يشق تحمله و المرض الحاصل يخاف زيادته أو بطء برئه أو عسر علاجه،أو المتوقع، لاستلزام التكليف باستعمال الماء معهما العسر و الحرج و الضرر المنفيات بعموم الآيات و الروايات،مضافا إلى خصوص الآية هنا (2)،و الأخبار المستفيضة منها الصحيحان:في الرجل تصيبه الجنابة و به قروح أو جروح أو يخاف على نفسه البرد،قال:«لا يغتسل و يتمم» (3).

و الصحيحان:عن الرجل يكون به القروح و الجراحات فيجنب،قال:

«لا بأس بأن يتيمم،و لا يغتسل» (4).

و مقتضى الأولين جواز التيمم بالتألم بالبرد باستعمال الماء و إن لم يخش سوء العاقبة،كما عن المنتهى و نهاية الإحكام و المبسوط و النهاية و الإصباح و ظاهر الكافي و الغنية و المراسم و البيان و الجامع (5)فيه و في التألم بالحرّ أو الرائحة أو المرض.

و هو حسن،مضافا إلى عموم الأدلة المتقدمة.

ص:9


1- الكافي 3:8/65،التهذيب 1:528/184،الوسائل 3:342 أبواب التيمم ب 2 ح 2.
2- المائدة:6.
3- التهذيب 1:531/185،و 566/196،الوسائل 3:347 أبواب التيمم ب 5 ح 7،8.
4- الفقيه 1:216/58،الوسائل 3:348 أبواب التيمم ب 5 ح 11. و الصحيح الثاني:الكافي 3:1/68،التهذيب 1:530/184،الوسائل 3:347 أبواب التيمم ب 5 ح 5.
5- المنتهى 1:136،نهاية الإحكام 1:195،المبسوط 1:30،نقله عن النهاية:46، و الإصباح في كشف اللثام 1:142،الكافي في الفقه:136،الغنية(الجوامع الفقهية): 555،المراسم:53،البيان:84،الجامع للشرائع:45.

و في القواعد (1):لا،للأصل،المخصّص بما مرّ،و ورود الخبر باغتسال مولانا الصادق عليه السّلام في ليلة باردة و هو شديد الوجع (2).و هو ضعيف، كضعف ما دلّ على وجوب اغتسال المجنب نفسه على ما كان (3).

و لو لم يوجد الماء إلاّ ابتياعا وجب و لو كثر الثمن و زاد على المثل أضعافا،إجماعا كما عن الخلاف (4)،و للمعتبرة منها الصحيح:عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة،و هو لا يقدر على الماء،فوجد قدر ما يتوضأ بمائة درهم أو بألف درهم و هو واجد لها،يشترى و يتوضأ أو يتيمم؟قال:«لا بل يشتري،قد أصابني مثل هذا فاشتريت و توضأت،و ما يشتري بذلك مال كثير» (5).

و المروي في تفسير العيّاشي مسندا إلى العبد الصالح أنه سأله إن وجد قدر وضوئه بمائة ألف أو بألف و كم بلغ؟قال:«ذلك على قدر جدته» (6).

و في شرح الإرشاد لفخر الإسلام:إنّ مولانا الصادق عليه السّلام اشترى وضوءه بمائة دينار (7).مضافا إلى أنه واجد للماء.

خلافا للإسكافي،فنفي الوجوب مع غلاء الثمن،لكن أوجب الإعادة إذا وجد الماء (8)،و هو محتمل نهاية الإحكام (9)،لأن بذل الزائد ضرر،و لسقوط

ص:10


1- قواعد الأحكام 1:22.
2- التهذيب 1:575/198،الاستبصار 1:563/162،الوسائل 3:373 أبواب التيمم ب 17 ح 3.
3- انظر الوسائل 3:373 أبواب التيمم ب 17.
4- الخلاف 1:165.
5- الكافي 3:17/74،الفقيه 1:71/23،التهذيب 1:1276/406،الوسائل 3:389 أبواب التيمم ب 26 ح 1.
6- تفسير العياشي 1:146/244،الوسائل 3:389 أبواب التيمم ب 26 ح 2.
7- نقله عن شرح الإرشاد في كشف اللثام 1:143.
8- نقله عنه في المعتبر 1:369.
9- نهاية الإحكام 1:194.

السعي في طلبه للخوف على شيء من ماله.و هو اجتهاد في مقابلة النص المعتضد بفتوى الأصحاب و الإجماع المحكي،مع صدق وجدان الماء حقيقة.

و قيل و القائل المشهور:إنما يجب ما لم يضرّ به في الحال حال المكلّف،أو زمان الحال في مقابلة الاستقبال.و الأوّل أوفق بأدلة هذا الشرط من نفي الضرر و العسر و الحرج،بناء على كون مثله ضررا مطلقا.

و هو أي اشتراط هذا الشرط أشبه و أشهر.بل عن المعتبر أنه مذهب فضلاء الأصحاب (1).و عن المنتهى أنه لو احتاج إلى الثمن للنفقة لم يجب عليه الشراء قولا واحدا.و عنه أيضا:لو كانت الزيادة كثيرة تجحف بماله سقط عنه وجوب الشراء،و لا نعرف فيه مخالفا (2).

و ظاهرهما دعوى الإجماع على عدم الوجوب مع الإجحاف مطلقا،و هو مع عموم الأدلة المتقدمة كاف في تقييد المعتبرة المزبورة،مع عدم تبادر صورة الإجحاف منها،فتأمل.

ثمَّ إن الفارق بين وجوب بذل المال الكثير في تحصيل الماء و ابتياعه، و وجوب حفظه و إن قلّ عن نحو اللص،هو الإجماع و الصحيح و مفهوم آية المقام الموجب للأوّل.و الخبر المتقدم كالإجماع الذي مرّ (3)و عموم نفي العسر و الحرج و الضرر الموجب للثاني.

و بالجملة:الأدلة هي الفارقة بين الأمرين،لا أنّ الحاصل بالثاني العوض على الغاصب و هو منقطع،و في الأول الثواب و هو دائم،لتحقق الثواب

ص:11


1- المعتبر 1:370.
2- المنتهى 1:133.
3- راجع ص:4.

فيهما مع بذلهما اختيارا طلبا للعبادة لو أبيح ذلك،بل قد يجتمع في الثاني العوض و الثواب،بخلاف الأول.

لو كان معه ماء و خاف العطش تيمّم

و لو كان معه ماء و خاف العطش باستعماله على نفسه أو رفقته ممّن يتضرر بمفارقته مطلقا و لو كان كافرا،أو لم يتضرر بها و لكن له نفس محترمة ، أو حيوان يتضرر بإتلافه و لو يسيرا قطعا،و بدونه على إشكال تيمّم إن لم يكن فيه سعة عن قدر الضرورة تفي للطهارة،إجماعا كما عن المعتبر و المنتهى و التذكرة (1)،للمعتبرة المستفيضة،منها الصحاح،أحدها:في الرجل أصابته جنابة في السفر،و ليس معه إلاّ ماء قليل يخاف إن هو اغتسل أن يعطش،قال:

«إن خاف عطشا فلا يهرق منه قطرة و ليتيمم بالصعيد،فإنّ الصعيد أحبّ إليّ» (2).

و لا فرق في العطش بين الحال و المتوقع في زمان يخاف فيه عدم حصول الماء،لإطلاقها،و عموم الأدلة النافية للضرر (3)و إلقاء النفس في التهلكة (4).

لو كان على جسده نجاسة و معه ماء يكفي لإزالتها أو للوضوء أزالها و تيمم

و كذا يجب التيمم لو كان على جسده أو ثوبه الذي يتم فيه الصلاة نجاسة غير معفوّ عنها و معه ماء يكفي لإزالتها و عليه الإجماع كما عن المعتبر و المنتهى و التذكرة (5).و هو الحجة،لا ما قيل من أن الطهارة عن الحدث له بدل،دون الطهارة عن الخبث (6)،لتوقف البدلية على فقد الماء و هو موجود كما هو فرض المسألة،فترجيح إزالة الخبث على إزالة الحدث محل

ص:12


1- المعتبر 1:367،المنتهى 1:134،التذكرة 1:59،61.
2- الكافي 3:1/65،التهذيب 1:1267/404،الوسائل 3:388 أبواب التيمم ب 25 ح 1.
3- غوالي اللئالي 1:11/383.
4- البقرة:195.
5- المعتبر 1:371،المنتهى 1:153،التذكرة 1:61.
6- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:143.

مناقشة.و تعارض موجبهما كتعارض العمومين من وجه،فلا بدّ من الترجيح.

و لو لا الإجماع المحكي لكان للتوقف مجال،و معه فلا إشكال في وجوب التيمم في هذه الصورة أو صورة وجدان الماء للوضوء خاصة مع وجوبه مع الغسل عليه فإنه يتوضأ،و يتيمم بدلا عن الغسل كما مرّ.

من كان معه ماء لا يكفيه لطهارته

و كذا مرّ (1)أن من معه ماء لا يكفيه لطهارته مطلقا يتيمم في الوضوء قطعا و إجماعا،و في الغسل كذلك على الظاهر،بل حكي عليه الإجماع صريحا كما مرّ.

و إذا لم يوجد للميت اللازم تغسيله ماء يمّم كالحي العاجز عن استعماله،و كذا إذا وجد الماء و لكن خيف من استعماله تناثر لحمه كما مرّ أدلته في بحثه.

ص:13


1- في ص 2.
الثاني في ما يتيمم به

الثاني:

في بيان ما يتيمم به،و هو التراب الخالص دون ما سواه عند الحلبيين و المرتضى و الإسكافي (1)،فلم يجوّزوا التيمم بغيره مطلقا،و هو ظاهر من منع عن استعمال الحجر حالة الاختيار كالنهاية و المقنعة و السرائر و الوسيلة و المراسم و الجامع (2)،بل هو مذهب الأكثر كما يوجد في كلام جماعة (3).

و هو نص كثير من أهل اللغة،كالصحاح و المجمل و المفصّل و المقاييس (4)،و الديوان و شمس العلوم و نظام الغريب و الزينة لأبي حاتم، و حكي عن الأصمعي و أبي عبيدة (5).و ربما ظهر من القاموس و صاحب الكنز الميل إليه (6)،لتقديمهما تفسير الصعيد به على التفسير بمجرد الأرض،فتأمل.

و هو ظاهر الآية،بناء على ظهور عود الضمير المجرور بمن إلى الصعيد (7).و لا ينافيه إرجاعه في الصحيح إلى التيمم (8)،لظهور أنّ المراد به ما يتيمم به فله أيضا ظهور في ذلك،كالصحيح:«إذا لم يجد الرجل طهورا

ص:14


1- أبو الصلاح في الكافي:136،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):552،حكاه عن المرتضى في المعتبر 1:372،نقله عن الإسكافي في المختلف:48.
2- النهاية:49،المقنعة:60،السرائر 1:137،الوسيلة:71،المراسم:53،الجامع للشرائع:47.
3- لم نعثر عليه إلاّ في شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني،و هو مخطوط.
4- الصحاح 2:498،مجمل اللغة 3:226،حكاه عن المفصّل في كشف اللثام 1:144، معجم مقاييس اللغة 3:287.
5- حكاه عن الأصمعي في معجم مقاييس اللغة 3:287،و عن أبي عبيدة في الجمهرة 2:654.
6- القاموس المحيط 1:318.
7- ..فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ .المائدة:6.
8- الكافي 3:4/30،الفقيه 1:212/56،التهذيب 1:168/61،الاستبصار 1: 186/62،الوسائل 3:364 أبواب التيمم ب 13 ح 1.

فليمسح من الأرض» (1)لظهور تبعيضية الجار.

و هو ظاهر أخبار اشتراط العلوق و غيرها ممّا فيه ذكر التراب كالصحيح:

«إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» (2).

و الصحيح:«إذا كانت ظاهر الأرض مبتلّة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر إلى أجف موضع تجده فتيمم» (3).

و نحوه الصحيح الآخر (4).

و في الخبر:عن الرجل لا يصيب الماء و التراب أ يتيمم بالطين؟قال:

«نعم» (5).و في آخر:«إنّ ربّ الماء ربّ التراب» (6).

و لا يعارضها الأخبار المعلّقة فيها التيمم على الأرض كالصحيح:«إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض» (7).

و الصحيح:«فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» (8).

ص:15


1- التهذيب 1:556/193،الاستبصار 1:549/159،الوسائل 3:368 أبواب التيمم ب 14 ح 7.
2- الكافي 3:3/66،الفقيه 1:223/60،التهذيب 1:1264/404،الوسائل 3:386 أبواب التيمم ب 24 ح 2.
3- التهذيب 1:546/189،الاستبصار 1:539/156،الوسائل 3:354 أبواب التيمم ب 9 ح 4.
4- الكافي 3:4/66،الوسائل 3:356 أبواب التيمم ب 9 ح 10.
5- التهذيب 1:549/190،الوسائل 3:354 أبواب التيمم ب 9 ح 6.
6- الفقيه 1:220/59،التهذيب 1:564/195 الاستبصار 1:554/160،الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 13.
7- الكافي 3:7/64،الفقيه 1:213/57،التهذيب 1:527/184،المحاسن: 133/372 بتفاوت يسير،الوسائل 3:343 أبواب التيمم ب 3 ح 1،4.
8- الكافي 3:1/63،التهذيب 1:588/203،الاستبصار 1:573/165،الوسائل 3: 384 أبواب التيمم ب 22 ح 1.

إذ غايتها الإطلاق المنصرف إلى التراب،لا إلى الحجر و نحوه،لندرته.

و نحو هذا الجواب يجري في كلام كثير ممّن فسّر الصعيد بوجه الأرض، كالعين و المحيط و الأساس و المفردات للراغب (1)و السامي و الخلاص،و الزجاج مع دعواه عدم الخلاف بين أهل اللغة في ذلك (2).و هذه الدعوى مؤيدة له،إذ لو حمل مراده على مطلق وجه الأرض و لو خلي عن التراب لكان مخالفا لكثير من اللغويين كما عرفت،و يبعد غاية البعد عدم وقوفه على كلامهم،أو عدم اعتباره لهم،فسقط حجج أكثر المتأخرين على أنه وجه الأرض مطلقا.

هذا مضافا إلى أنه بعد تسليم عدم رجحان ما ذكرنا فلا أقلّ من المساواة لما ذكروه،و هو يوجب التردد و الشبهة في معنى الصعيد،و توقيفية العبادة و وجوب الاقتصار فيها على ما يحصل به البراءة اليقينية يقتضي المصير إلى الأوّل بالضرورة،و رجحان ما ذكروه عليه بعد ما تقرر فاسد بالبديهة.

نعم:سيأتي ما يؤيد مختارهم من الأخبار المنجبر قصورها بالشهرة العظيمة بينهم،حتى أنه ادعى الطبرسي في المجمع الإجماع عليه في جواز التيمم بالحجر (3).و لا يخلو عن قوة.و يحمل أخبار التراب على الغالب بعين ما حمل عليه أخبار الأرض،مضافا إلى عدم استفادة المنع عن غيره منها، فتأمل .

و يؤيده حكاية الإجماع في المختلف على جواز التيمم بالحجر عند الاضطرار (4)،و لو لا دخوله في الصعيد لكان هو و غيره ممّا لا يجوز التيمم به

ص:16


1- العين 1:290،نقله عن محيط اللغة في كشف اللثام 1:144،أساس البلاغة:254، مفردات ألفاظ القرآن:280.
2- نقله عن الزجّاج في معجم مقاييس اللغة 3:287.
3- مجمع البيان 2:52.
4- المختلف:48.

سواء.

لكن الأحوط عدم الاكتفاء بأمثال هذه الظنون في مقام تحصيل البراءة اليقينية.

و أمّا ما يقال-بناء على ترجيح التفسير بالتراب-في توجيه جواز التيمم بالحجر بأنه تراب اكتسب رطوبة لزجة و عملت فيه الحرارة فأفادته استمساكا (1).

فبعد تسليم صدق التراب على نحوه مدفوع بعدم تبادره من إطلاق التراب حيث ما يوجد.مع أنّ مقتضى أخبار العلوق اعتبار التراب بالمعنى المتبادر دون نحو الحجر،لعدم علوق فيه.

مضافا إلى جريان نحو هذا التوجيه في المعادن و لم يقولوا بجواز التيمم به معلّلين العدم بالخروج عن اسم الأرض فضلا عن التراب.و شهادة العرف بالخروج عن الترابية هنا جارية في نحو الأحجار،و إنكاره مكابرة.

و كيف كان:فلا خلاف في المنع عن التيمم بغير الأرض من الأشياء المنسحقة الخارجة عن الاسم كالأشنان و الدقيق بل حكى عليه الإجماع منّا جماعة (2).

و ليس في الخبر:عن الدقيق يتوضأ به؟فقال:«لا بأس بأن يتوضأ به و ينتفع به» (3)-مع قصور سنده-دلالة على الجواز بالأخير،لقوة احتمال التوضؤ فيه التنظيف و التطهير من الدرن،كما صرّح به الشيخ (4).

ص:17


1- انظر الروضة البهية 1:154.
2- منهم العلامة في المنتهى 1:142،و صاحب المدارك 2:201،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:144.
3- التهذيب 1:541/188،الوسائل 3:351 أبواب التيمم ب 7 ح 7.
4- انظر التهذيب 1:541/188،و الاستبصار 1:155.

و المعادن كلّها كالكحل و الزرنيخ و عليه الإجماع في المنتهى (1)، لعدم صدق الأرض عليه.

خلافا للمعاني فجوّزه بها،معلّلا بخروجها منها (2).

و هو ضعيف،إذ المعتبر صدق الاسم لا الخروج من المسمى.و لا دليل على اعتباره مطلقا سوى مفهوم الخبر المعلّل منع التيمم بالرماد بأنه لا يخرج من الأرض (3).و نحوه المروي في نوادر الراوندي بسنده فيه عن علي عليه السلام مثله (4).

و هما مع قصور سندهما و عدم جابر لهما في المقام يمكن أن يراد بالخروج فيها الخروج الخاص الذي يصدق معه الاسم لا مطلقا،كيف لا؟! و الرماد خارج عنها بهذا المعنى قطعا.

و يدل على العدم في الرماد-مضافا إلى الخبرين-الإجماع المحكي في المنتهى (5).و مورده كالخبر رماد الشجر.و في إلحاق رماد الأرض به تردد، أقربه اعتبار الاسم فيه و في العدم كما عن الفاضل في التذكرة (6).و عنه في النهاية إطلاق الإلحاق (7).و فيه نظر.

و لا بأس بالتيمم بأرض النورة و الجصّ قبل الإحراق على الأشهر الأظهر،لصدق الاسم،و فحوى الخبرين.

ص:18


1- المنتهى 1:141.
2- نقله عنه في الذكرى:22.
3- التهذيب 1:539/187،الوسائل 3:352 أبواب التيمم ب 8 ح 1.
4- نوادر الراوندي:50،المستدرك 2:533 أبواب التيمم ب 6 ح 2.
5- المنتهى 1:142.
6- التذكرة 1:62.
7- نهاية الإحكام 1:199.

خلافا للحلّي فأطلق المنع عنهما،للمعدنية (1).و فيه منع.

و للطوسي فخصّ الجواز بالاضطرار دون الاختيار (2)،و لعلّه للاحتياط.

و هو حسن إلاّ أنه ليس بدليل.

و أمّا بعده فعن مصباح السّيد و المراسم و المعتبر و التذكرة و الذكرى:

الجواز (3)،لصدق الاسم.و فيه شك.و استصحاب الجواز و البقاء على الأرضية معارض بأصالة بقاء شغل الذمة اليقيني،و بعد التعارض يبقى الأوامر عن المعارض سليمة،فتأمل .

و الخبران و إن دلاّ على الجواز إلاّ أن ضعفهما هنا غير مجبور،فلذا عن الأكثر كالمبسوط و السرائر و الإصباح و نهاية الإحكام و التلخيص:المنع عنه (4).

و عن المنتهى و المختلف:الإحالة على الاسم (5).و هو الوجه إن اطمأن بصدقه.

كلّ ذلك على القول بكفاية مطلق وجه الأرض،و إلاّ فعلى القول باعتبار التراب فالبحث ساقط عن أصله.

و يكره التيمم بالسبخة و هي الأرض المالحة النشّاشة و الرمل على الأشهر،بل عليه الإجماع في المعتبر (6)،لصدق الاسم.

خلافا للإسكافي،فأطلق المنع عن الأول (7)،و لعلّه لما في الجمهرة عن

ص:19


1- قال في السرائر 1:137:و لا يجوز التيمم بجميع المعادن..و قد أجاز قوم من أصحابنا التيمم بالنورة،و الصحيح الأول.انتهى.
2- راجع النهاية:49.
3- نقله عن المصباح في المعتبر 1:375،المراسم:54،المعتبر 1:375،التذكرة 1:62، الذكرى:21.
4- المبسوط 1:32،السرائر 1:137،نقله عن الإصباح في كشف اللثام 1:144،نهاية الإحكام 1:199.
5- المنتهى 1:142،المختلف:48.
6- المعتبر 1:374.
7- حكاه عنه في المختلف:48.

أبي عبيدة:أن الصعيد هو التراب الخالص الذي لا يخلطه سبخ و لا رمل (1)، و الصحيح:«لا تصلّ على الزجاج و إن حدّثتك نفسك أنه ممّا أنبتت الأرض، و لكنه من الملح و الرمل و هما ممسوخان» (2)كذا قيل (3).و فيه نظر،إذ ليس فيه ذكر السبخة،و الرمل لا يقول بالمنع عنه،و الملح لا كلام في المنع فيه لمعدنيته.

و كيف كان:فالأحوط الترك حتى الرمل،لهذا الخبر.

و في جواز التيمم بالحجر الخالي عن التراب اختيارا تردّد منشؤه الاختلاف المتقدم في تفسير الصعيد.و هو في محلّه.

لكن روى الراوندي بسنده في نوادره عن علي عليه السلام قال:«يجوز التيمم بالجصّ و النورة،و لا يجوز بالرماد،لأنه لم يخرج من الأرض»فقيل له:

أ يتيمم بالصفا البالية على وجه الأرض؟قال:«نعم» (4).

و هو نص في إطلاق الجواز بالصفا الذي هو حجر،و ظاهر بحسب مفهوم التعليل،خرج منه ما ظاهرهم الإجماع عليه كما مرّ و بقي الباقي.

و نحوه الخبر الآخر بحسب المفهوم و التصريح بجواز الجصّ و النورة (5)و ضعفهما هنا بالشهرة منجبر،فالمصير إليه غير بعيد،مضافا إلى الإجماع المتقدم (6).

و يؤيده الموثق:عن رجل تمرّ به جنازة و هو على غير طهر،قال:«يضرب

ص:20


1- جمهرة اللغة 2:654.
2- الكافي 3:14/332،التهذيب 2:1231/304،الوسائل 5:360 أبواب ما يسجد عليه ب 12 ح 1.
3- انظر كشف اللثام 1:144،الحدائق 4:314.
4- تقدم مصادر الخبرين في ص 13.
5- تقدم مصادر الخبرين في ص 13.
6- و هو الإجماع المحكي عن الطبرسي،راجع ص 11.

يديه على حائط لبن فيتيمم» (1)لعدم صدق التراب على نحو اللبن،و لا قائل بالفرق،فتأمل.

لكن الأحوط المنع عنه حال الاختيار،و أمّا حال الاضطرار فجائز إجماعا كما عن المختلف (2)،و في الروضة:و لا قائل بالمنع منه مطلقا (3)،و لعلّهما فهما من إطلاق المنع في كلام من تقدم (4)التقييد بحال الاختيار.

لكن المستفاد من قوله و بالجواز قال الشيخان وقوع الخلاف حال الاضطرار أيضا،لتخصيصهما الجواز به في المقنعة و النهاية (5)،فلو لا الخلاف لما كان لنسبته إليهما خاصة وجه،لكنه لا ينافي دعوى الإجماع كوجود القائل بإطلاق المنع عندنا (6).

قيل:و من جوازه بالحجر يستفاد جوازه بالخزف بطريق أولى،لعدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض و إن خرج عن اسم التراب،كما لم يخرج الحجر مع أنه أقوى استمساكا منه (7).

و هو حسن إن صحّ عدم الخروج.و لم يحتج إلى الأولوية،لكفاية صدق الاسم الذي هو المستند عنده في الحجر،و لكنه محل شك موجب للشك في صحة التيمم به.و هو الأجود في الاستدلال للمنع عنه ممّا في المعتبر من

ص:21


1- الكافي 3:5/178،التهذيب 3:477/203،الوسائل 3:111 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 5.
2- المختلف:48.
3- الروضة 1:154.
4- راجع ص 9 الهامش 2.
5- المقنعة:60،النهاية:49.
6- بناء على عدم القدح في تحقق الإجماع خروج معلوم النسب.منه رحمه اللّه.
7- قال به الشهيد الثاني في الروضة 1:154.

دعوى خروجه عن الاسم (1)،إذ هو محل شك.و عرفت أن استصحاب الجواز معارض بمثله في فساد العبادة فتبقى الذمة مشغولة بها،للأوامر السليمة عمّا يصلح للمعارضة.

و مع فقد الصعيد مطلقا حتى الحجر على مذهب الأكثر كما عن التحرير و التذكرة (2)،و هو ظاهر جماعة (3).أو التراب خاصة و إن وجد الحجر كما في ظاهر القواعد و الشرائع (4)،و المحكي عن ظاهر المبسوط و المقنعة و المنتهى و نهاية الإحكام (5)،و صريح المراسم و الجامع (6).و مقتضاه جواز الغبار مع الحجر دون التراب.و الأول أنسب بما يرونه من تعميم الصعيد لهما و عدم اشتراط الأول بفقد الثاني:

تيمم بغبار متصاعد من الأرض على الثوب و اللّبد و عرف الدابة مخيّرا على الأشهر بين الثلاثة.

خلافا للنهاية فقدّم الأخيرين-مخيّرا بينهما-على الأول (7).و للحلّي فعكس فقدّم الأول عليهما (8).و لا مستند لهما سوى ما عن المنتهى للأول من كثرة وجود أجزاء التراب غالبا فيهما دون الثوب (9).

و ظاهر النصوص مع الأوّل،و هي المستند في أصل الحكم بعد الإجماع

ص:22


1- المعتبر 1:375.
2- التحرير 1:22،التذكرة 1:62.
3- منهم الشهيد في البيان:85،و المحقق الكركي في جامع المقاصد 1:483،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 1:223،و صاحب المدارك 2:206.
4- القواعد 1:23،الشرائع 1:48.
5- المبسوط 1:32،المقنعة:59،المنتهى 1:142،نهاية الإحكام 1:199.
6- المراسم:53،الجامع للشرائع:47.
7- النهاية:49.
8- كما في السرائر 1:138.
9- المنتهى 1:142.

المحكي عن المعتبر و التذكرة (1)،ففي الصحيح:عن المواقف إن لم يكن على وضوء و لا يقدر على النزول كيف يصنع؟قال:«يتيمم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته،فإنّ فيها غبارا» (2).

و فيه:«فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شيء مغبر» (3).

و يستفاد منه و من ظاهر الأكثر اعتبار اجتماع غبار يتيمم به في الثلاثة و نحوها،فيقيّد الأوّل به و بأصرح منه صحيح أيضا:«إذا كنت في حالة لا تقدر إلاّ على الطين فتيمّم به،فإنّ اللّه تعالى أولى بالعذر إذا لم يكن معك تراب جاف و لا لبد تقدر على أن تنفضه و تتيمّم به» (4).

ثمَّ ظاهر المتن كالأكثر و المحكي عن صريح نهاية الإحكام و السرائر (5)اشتراط التيمم بالغبار بعدم التمكن من الأرض،و عن التذكرة الإجماع عليه (6).

و هو الحجّة فيه كالصحيح:«إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه،فإنّ ذلك توسيع من اللّه عزّ و جلّ،و إن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شيء مغبر»الخبر (7).

و علّله في المنتهى بأن الصعيد هو التراب الساكن الثابت.و هو كما ترى.

ص:23


1- المعتبر 1:376،التذكرة 1:62.
2- التهذيب 1:544/189،الاستبصار 1:541/157،الوسائل 3:353 أبواب التيمم ب 9 ح 1.
3- التهذيب 1:546/189،الاستبصار 1:539/156،الوسائل 3:354 أبواب التيمم ب 9 ح 4.
4- الكافي 3:1/67،التهذيب 1:543/189،الاستبصار 1:537/156،الوسائل 3: 354 أبواب التيمم ب 9 ح 7.
5- نهاية الإحكام 1:200،السرائر 1:137.
6- التذكرة 1:62.
7- التهذيب 1:546/189،الاستبصار 1:539/156،الوسائل 3:354 أبواب التيمم ب 9 ح 4.

و احتمل فيه العدم مقوّيا له،معلّلا بأن الغبار تراب فإذا نفض أحد هذه الأشياء عاد إلى أصله فصار ترابا مطلقا (1).

و هو حسن-وفاقا له و للمرتضى في الجمل (2)-إن خرج منها تراب صالح مستوعب لمحالّ المسح و إلاّ فالعدم أقوى،لا لعدم تسميته صعيدا،بل لعدم امتثال المأمور به على وجهه.و لعلّ اختياره في كلام الأكثر منوط بعدم خروج مثل ذلك كما هو الغالب،و الأحوط مراعاة الأكثر.

و مع فقده أي الغبار تيمّم بالوحل اتفاقا كما عن المعتبر و ظاهر التذكرة و المنتهى (3).و هو الحجة فيه،كالمستفيضة منها الصحيح:«و إن كان في حال لا يجد إلاّ الطين فلا بأس أن يتيمم منه» (4).

و في الموثق نحوه في الحصر (5)المستفاد منه-كظاهر الأصحاب المدّعى عليه الوفاق (6)-الترتيب و اشتراط فقد ما سبق عليه في التيمم به.

فالقول بتقديمه على الغبار مطلقا-كما عن المهذّب (7)،و به صرّح بعض متأخري الأصحاب (8)-ليس في محلّه و إن دلّ عليه الخبر (9)،لضعفه.نعم:

ص:24


1- المنتهى 1:142.
2- جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):26.
3- المعتبر 1:377،التذكرة 1:62،المنتهى 1:142.
4- التهذيب 1:546/189،الاستبصار 1:539/156،الوسائل 3:354 أبواب التيمم ب 9 ح 4.
5- التهذيب 1:545/189،الاستبصار 1:545/158،الوسائل 3:353 أبواب التيمم ب 9 ح 2.
6- انظر المعتبر 1:377،و كشف اللثام 1:145.
7- المهذّب 1:32.
8- انظر الحدائق 4:304.
9- التهذيب 1:547/190،الاستبصار 1:540/156،الوسائل 3:354 أبواب التيمم ب 9 ح 5.

حسن لو أمكن تجفيفه بحيث يصير ترابا،و لكنه ليس محل خلاف.

و الأصح في الكيفية ما عن السرائر من أنه كالتيمم بالأرض (1).

خلافا لجماعة كالشيخين في المقنعة و النهاية،فاعتبروا بعد ضرب اليدين مسح إحداهما بالأخرى و فرك طينهما بحيث لا يبقى فيهما نداوة (2)، و علّله في المعتبر بعد أن استوجهه بظاهر الأخبار (3).و هو ممنوع،كيف لا؟! و لا ذكر لما ذكر فيها،مع احتماله الإخلال بالموالاة.

و لآخرين كالوسيلة و التحرير،فاعتبروا التجفيف ثمَّ النفض و التيمم به (4).

و عن التذكرة و نهاية الإحكام أنه الوجه إن لم يخف فوات الوقت،فإن خاف عمل على الأوّل أي مذهب الشيخين (5).

قلت:و قد يفوت الوقت بالأوّل،فتعيّن المسحان من غير فرك.

و مع فقد الوحل سقط فرض الصلاة و إن وجد الثلج الذي لا يتمكن معه على التوضؤ و الاغتسال و لو بأقل جريان مطلقا (6)،وفاقا للأكثر،لعدم صدق الوضوء و الاغتسال بمسحه على محلّهما بحيث يحصل شبههما،كعدم صدق التيمم المعتبر فيه الأرض بمسحه على محلّه،فظهر ضعف القول بالأوّل كما عن الشيخ (7)،و بالثاني كما عن المرتضى (8).

ص:25


1- السرائر 1:138.
2- المقنعة:59،النهاية:49.
3- المعتبر 1:377.
4- الوسيلة:71،التحرير 1:22.
5- التذكرة 1:62،نهاية الإحكام 1:200.
6- أي سواء أمكن مسح محل الطهارة بنداوته و حصول شبه الوضوء و الغسل أم لا،أمكن به التيمم أم لا.منه رحمه اللّه.
7- انظر المبسوط 1:31.
8- حكاه عنه العلامة في المختلف:49.

و ليس في الصحيح:عن رجل أجنب في سفر و لم يجد إلاّ الثلج و الماء الجامد،فقال:«هو بمنزلة الضرورة يتيمم»الخبر (1).

دلالة عليه،لاحتماله التيمم بالتراب،تنزيلا لكلام السائل بإرادته من السؤال عدم وجدانه من الماء إلاّ الثلج،لا عدم وجدانه ما يتطهّر به مطلقا (2).

كما لا دلالة لأخبار الاغتسال به إذا بل الجسد (3)على الأوّل،لاحتماله البلل الذي يحصل معه أقل الجريان،و معه يندفع الاستدلال.نعم:هو الأحوط إن أمكن و إلاّ فمختار المرتضى،و يتم الاحتياط بالقضاء إن أوجبناه بفقد الطهور مطلقا.و اللّه أعلم.

ص:26


1- الكافي 3:1/67،التهذيب 1:553/191،الاستبصار:544/158،الوسائل 3:391 أبواب التيمم ب 28 ح 2.
2- أي حتى الطهارة الاضطرارية.
3- الوسائل 3:357 أبواب التيمم ب 10 ح 3،4.
الثالث في كيفيته
اشارة

الثالث:في بيان كيفيته و يتعلق بها أنه لا يصح قبل دخول الوقت،و يصح مع تضيّقه إجماعا في المقامين،و نصوصا،فحوى في الأوّل و نصّا في الثاني.

و في صحته مع السعة قولان.

أحدهما:الجواز إمّا مطلقا،كما عن الصدوق و المنتهى و التحرير و الإرشاد و البيان و ظاهر الجعفي و البزنطي (1)،و هو مختار جمع من المتأخرين (2).أو مع عدم رجاء زوال العذر،كما عن الإسكافي و المعتبر و ظاهر العماني (3)،و إليه مصير الفاضل في جملة من كتبه (4)،و كثير من المتأخرين (5).

و ثانيهما و هو الذي جعله الماتن أحوطهما :لزوم التأخير إلى آخر الوقت مطلقا،و هو المشهور بين القدماء،بل عليه الإجماع عن الانتصار و الناصرية و الطوسي و القاضي في شرح جمل السيّد و الغنية و السرائر (6).و لا دليل عليه سواه،و سوى إطلاق الرضوي:«و ليس للمتيمّم أن يتيمّم إلاّ في آخر الوقت،أو:إلى أن يتخوف خروج وقت الصلاة» (7).

ص:27


1- نقله عن الصدوق في المعتبر 1:382،المنتهى 1:145،التحرير 1:22،الإرشاد 1: 234،البيان:86،نقله عن الجعفي و البزنطي في الذكرى:106.
2- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 1:223،و السبزواري في كفاية الأحكام:9،و الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:63.
3- نقله عن الإسكافي و العماني في المختلف:54،المعتبر 1:383.
4- راجع القواعد 1:23،التذكرة 1:64،المختلف:54.
5- منهم الشهيد في الروضة 1:160،المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:500.
6- الانتصار:31،الناصرية(الجوامع الفقهية):189،حكاه عن الطوسي في المدارك 2: 209،شرح جمل العلم و العمل:61 و لم يصرح فيه بالإجماع،الغنية(الجوامع الفقهية): 555،السرائر 1:140.
7- فقه الرضا(عليه السّلام):88 بتفاوت يسير،المستدرك 2:547 أبواب التيمم ب 17 ح 1.

و نحوه الخبر:«و اعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلاّ في آخر الوقت» (1).

و في الجميع نظر:

لوهن الأوّل بمصير أكثر المتأخرين إلى الخلاف و إن اختلفوا في إطلاق الجواز.

و الثاني بمصير الصدوق المعتمد عليه في الغالب إلى خلافه.و هو وهن عظيم فيه،إذ العمدة في اعتباره في الأحكام إنما هو بعمله به و توغل اعتماده عليه حتى يجعل عبارته في الغالب عين عبارته.

و قصور الثالث عن الدلالة على اللزوم لو لم نقل بدلالته على العدم.

و مع ذلك فالجميع معارض بالأخبار الكثيرة التي(كادت) (2)تبلغ التواتر، الظاهرة في الجواز المطلق،من حيث الدلالة على أن من تيمّم و صلّى ثمَّ وجد الماء لا إعادة عليه.و هي ما بين مطلقة بل عامة بترك الاستفصال في ذلك، و خاصة فيه مصرّحة بعدمها في الوقت.

فمن الأوّل الصحاح المستفيضة منها:عن رجل أجنب فتيمّم بالصعيد و صلّى ثمَّ وجد الماء،فقال:«لا يعيد إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد (3).

و التعليل هنا و في غيره يؤكد الإطلاق.

و من الثاني الأخبار المستفيضة،كالموثقين،في أحدهما:عن رجل تيمّم و صلّى ثمَّ بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت،فقال:«ليس عليه إعادة

ص:28


1- التهذيب 1:590/203،الاستبصار 1:575/166،الوسائل 3:382 أبواب التيمم ب 21 ح 3.
2- ليست في«ش».
3- التهذيب 1:571/197،الاستبصار 1:557/161،الوسائل 3:370 أبواب التيمم ب 14 ح 15.

الصلاة» (1).

و نحوهما الخبر:في رجل تيمّم و صلّى،ثمَّ أصاب الماء و هو في وقت، قال:«قد مضت صلاته و ليتطهّر» (2).

و قريب منها الصحيح:و إن أصاب الماء و قد صلّى بتيمّم و هو في وقت، قال:«تمّت صلاته و لا إعادة عليه» (3).

و حمله على كون الصلاة في الوقت دون إصابة الماء بعيد غير جار فيما تقدّمه،كحملها على صورة حصول العلم أو الظن بالضيق.

و لا ينافيها الأمر بالإعادة في الصورة المزبورة في الصحيح:عن رجل تيمم و صلّى فأصاب بعد صلاته ماء،أ يتوضأ و يعيد الصلاة أم تجزيه صلاته؟ قال:«إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ و أعاد،فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه» (4).

لاحتماله الاستحباب كما صرّح به الأصحاب.و يفصح عنه نفي الإعادة فيه في خارج الوقت،و ظاهر الموثق:في رجل تيمم و صلّى ثمَّ أصاب الماء، قال:«أما أنا فإني كنت فاعلا،إني كنت أتوضأ و أعيد» (5).

ص:29


1- التهذيب 1:565/195،الاستبصار 1:555/160،الوسائل 3:369 أبواب التيمم ب 14 ح 11. الموثق الثاني:التهذيب 1:587/202،الاستبصار 1:572/165،الوسائل 3:371 أبواب التيمم ب 14 ح 17.
2- التهذيب 1:563/195،الاستبصار 1:553/160،الوسائل 3:370 أبواب التيمم ب 14 ح 14.
3- التهذيب 1:562/194،الاستبصار 1:552/160،الوسائل 3:368 أبواب التيمم ب 14 ح 9.
4- التهذيب 1:559/193،الاستبصار 1:551/159،الوسائل 3:368 أبواب التيمم ب 14 ح 8.
5- التهذيب 1:558/193،الاستبصار 1:550/159،الوسائل 3:368 أبواب التيمم ب 14 ح 10.

مع أنه لا قائل بإطلاقه،و هو أمارة أخرى على استحبابه.و منه يظهر قوة القول الأوّل.

مضافا إلى إطلاق إيجابه سبحانه التيمم عند إرادة القيام إلى الصلاة عند فقد الماء،فلا يتقيد بضيق الوقت.

المؤيد بإطلاقات الكتاب و السنّة الدالّة على دخول الوقت بالزوال و نحوه و تيمم العاجز عن استعمال الماء و الصلاة بعده من دون تقييد.

و باستلزام التأخير المطلق العسر و الحرج المنفيين عقلا و شرعا،سيّما في الأوقات التي لا تعلم أواخرها إلاّ بالترصيد.و تكليف العوام بتحصيله كاد أن يلحق بالتكليف بالمحال،و خصوصا لذوي الأعراض و الأمراض الشاقّ عليهم التأخير إلى الضيق.

مع كون الأمر به على بعض الوجوه لغوا محضا مفوّتا لكثير من المستحبات المؤكدة الملحق بعضها بالوجوب كفعل العبادة في وقتها الاختياري،بل و مضيّعا لخصوص العبادة،فقد وجدنا كثيرا أداء التأخير إلى الضيق إلى التضييع و لو اضطرارا من غير اختيار بنوم و شبهه.

و المعتضد بالصحيح:في إمام قوم أصابته جنابة و ليس معه ماء يكفيه للغسل،أ يتوضأ بعضهم و يصلي بهم؟قال:«لا،و لكن يتيمم الجنب (1)و يصلي بهم،إنّ اللّه تعالى قد جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» (2).

لعدم إيجابه عليه السّلام على الإمام و المأمومين تأخيرهم الصلاة إلى ضيق الوقت مع غلبة وقوعها جماعة في أوّله،و يبعد غاية البعد تأخير المأمومين

ص:30


1- في النسخ:«الجنب الإمام».
2- الكافي 3:3/66،الفقيه 1:223/60،التهذيب 1:1264/404،الوسائل 3:386 أبواب التيمم ب 24 ح 2.

إلى آخر الوقت لدرك فضيلة الجماعة مع خصوص هذا الإمام المتيمم مع وجود إمام متوضئ،مع كونه في غاية شدة الكراهة و كمال المرجوحية بالاتفاق و المعتبرة،سيما على القول بتنويع الوقت بالاختياري و الاضطراري،و حمله على اتفاق وقوع التأخير للمأمومين سيّما و جميعهم إلى ذلك الوقت بعيد جدا.

و لو لا الأخبار الآمرة بالتأخير إلى الضيق مع رجاء الزوال-كما هو ظاهر موردها-المعتضدة بالكثرة و الشهرة بين قدماء الطائفة في الجملة،المدّعى عليها الإجماعات المستفيضة،المؤيدة بلزوم الاحتياط معها في العبادة التوقيفية،لكان المصير إلى التوسعة متعينا بالضرورة.

فمنها الصحيح:«إذا لم تجد ماء و أردت التيمم فأخّر التيمم إلى آخر الوقت،فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» (1).

و ليس فيه-كمضاهيه-الدلالة على اعتبار الضيق مطلقا،لإشعار التعليل بصورة الرجاء لا مطلقا.فالقول بالتفصيل قوي جدّا.

و مع ذلك فالمصير إلى إطلاق الجواز غير بعيد،لقوة الظن المستفاد من أدلته،و احتمال الأمر بالتأخير في الأخبار الاستحباب،لكثرة استعماله فيه،مع التعبير عنه فيما تقدّم (2)بلفظة«لا ينبغي»الظاهرة في الكراهة الصالحة لصرفها عن ظاهرها،فالظهور المستفاد منها ضعيف بالإضافة إلى الظنون المستفادة من أدلة التوسعة.

و لكن المسارعة إلى طرح الإجماعات المنقولة المستفيضة المؤيدة بالشهرة العظيمة و ظواهر الأخبار المزبورة بالمرّة جرأة عظيمة،سيّما في مثل

ص:31


1- الكافي 3:1/63،التهذيب 1:588/203،الاستبصار 1:573/165،الوسائل 3: 384 أبواب التيمم ب 22 ح 1.
2- راجع ص:23.

العبادة التوقيفية اللازم فيها تحصيل البراءة اليقينية،فلا يترك التأخير مع رجاء الزوال البتة،بل مطلقا،و إن كان القول بإطلاق التوسعة لا يخلو عن قوة.

استيعاب الوجه و الذراعين بالمسح

و هل يجب استيعاب الوجه و الذراعين بالمسح؟فيه روايتان،أشهرهما اختصاص المسح بالجبهة المكتنف بها الجبينان.

ففي الموثق:عن التيمم،فضرب بيديه الأرض،ثمَّ رفعهما فنفضهما، ثمَّ مسح بهما جبهته و كفّيه مرّة واحدة (1).

و هو و إن روى في الكافي-الذي هو أضبط-بذكر الجبين بدل الجبهة إلاّ أنه بالشهرة بين الأصحاب أرجح.مضافا إلى اعتضاده بالمحكي عن العماني (2)من تواتر الأخبار بمسح الجبهة و الكفّين في تعليم عمّار (3).

و بالرضوي:«تضرب بيديك على الأرض ضربة واحدة تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف»إلى آخره (4).

و بالإجماعات المنقولة على نفي وجوب مسح الزائد من القصاص إلى طرف الأنف المعبّر عنه بالجبهة عن الناصرية و الانتصار و الغنية (5).

هذا مع ما في النسخة الأخرى من الشذوذ و المرجوحية إن حمل الجبين فيها على ما اكتنف الجبهة خاصة،بناء على ظهورها-لورودها في العبادة-في كونه الواجب خاصة دون الجبهة،و لا قائل به،بل على وجوب مسحها الإجماع

ص:32


1- الكافي 3:1/61،التهذيب 1:601/207،الاستبصار 1:590/170،الوسائل 3: 359 أبواب التيمم ب 11 ح 3.
2- حكاه عنه في المختلف:50.
3- انظر الوسائل 3:358 أبواب التيمم ب 11 الأحاديث 2،4،8،9.
4- فقه الرضا(عليه السلام):88،المستدرك 2:535 أبواب التيمم ب 9 ح 1.
5- الناصرية(الجوامع الفقهية):188،الانتصار:32،الغنية(الجوامع الفقهية):555.

عن الانتصار (1)،و صرّح بالوفاق في الذكرى (2)،و صرّح به الصدوق في الأمالي (3)،و حكي عنه ذلك صريحا (4)و إن اختص عبارته في الفقيه بالجبين و ادعى عليه في الأمالي الإجماع (5).

فلا بدّ من طرح تلك النسخة كالأخبار المضاهية لها،كالصحيح:«ثمَّ مسح جبينه بأصابعه» (6)و نحوه آخران (7).

أو تأويلها إمّا بحملها على ما يعمّ الجبهة.أو تخصيصها بها كما هو الأقوى،للشهرة،و الإجماعات المنقولة،و شيوع التعبير عن الجبهة بالجبين خاصة في المعتبرة كالموثق:«لا صلاة لمن لا يصيب أنفه ما يصيب جبينه» (8)و نحوه الحسن (9).فيصلح حينئذ اتخاذ أخبار الجبين مستندا للجبهة.

و لعلّ دعوى الماتن كغيره أشهرية روايتها منوط بفهمهم من أخبار الجبين

ص:33


1- الانتصار:32.
2- الذكرى:108.
3- الموجود في الأمالي هكذا:..فيمسح بهما وجهه..و قد روي أن يمسح الرجل جبينه و حاجبيه و يمسح على ظهر كفيه،و عليه مضى مشايخنا.الأمالي:515.
4- حكي في كشف اللثام 1:147 عن الأمالي:و المسح من القصاص إلى طرف الأنف الأسفل. و لكنّا لم نعثر عليه فيه.
5- الفقيه 1:57.
6- الفقيه 1:212/57،الوسائل 3:360 أبواب التيمم ب 11 ح 8.
7- الأول: مستطرفات السرائر:4/26،الوسائل 3:360 أبواب التيمم ب 11 ح 9. الثاني: التهذيب 1:614/212،الاستبصار 1:594/171،الوسائل 3:360 أبواب التيمم ب 11 ح 6.
8- التهذيب 2:1202/298،الاستبصار 1:1223/327،الوسائل 6:344 أبواب السجود ب 4 ح 4.
9- الكافي 3:2/333،الوسائل 6:345 أبواب السجود ب 4 ح 7.

الجبهة،إذ هي الأخبار المشهورة دون الموثقة المزبورة المتزلزلة بحسب النسخة.

فانحصر الأخبار المقابلة لأشهر الروايتين في الدالّة على مسح الوجه الظاهرة في الاستيعاب،و هي كثيرة تبلغ اثنى عشر حديثا أكثرها بحسب السند معتبرة.

لكنها ما بين شاذة،لتضمنها الوجه و الكفين لا الذراعين،و لا قائل به، إذ القول بالاستيعاب يشملهما كالقول بالعدم و لا ثالث يفرق.أو محمولة على التقية،لتضمنها الذراعين.

و مع ذلك فهي غير مقاومة لما تقدّم من الأدلة،و خصوص الآية و الصحيح المفسّر باءها بالتبعيضية (1).

فتطرح أو تؤول بما يؤول إلى الأول بحمل الوجه فيها على الجبهة.و لا بعد فيه،لشيوع التعبير عنه في المعتبرة في بحث السجود،كالصحيح:«إني أحب أن أضع وجهي موضع قدمي» (2).

و الصحيح:«خرّ وجهك على الأرض من غير أن ترفعه» (3).

فالقول باستيعابه-كما عن والد الصدوق (4)-ضعيف جدّا.كضعف إلحاق الجبينين بالجبهة كما عنه (5).إلاّ أنه أحوط،لدعواه الإجماع عليه في

ص:34


1- الكافي 3:4/30،الفقيه 1:212/56،التهذيب 1:168/61،علل الشرائع:1/279، الوسائل 3:364 أبواب التيمم ب 13 ح 1.
2- التهذيب 2:316/85،الوسائل 6:357 أبواب السجود ب 10 ح 2.
3- التهذيب 2:1269/312،الاستبصار 1:1239/330،الوسائل 6:353 أبواب السجود ب 8 ح 2.
4- نقله عنه في المختلف:50.
5- نقله عن الفقيه في المدارك 2:219،و لكن ظاهر عبارة الفقيه اختصاص المسح بالجبينين و الحاجبين لا إلحاقهما بالجبهة.انظر الفقيه 1:57.

الأمالي (1)،مع ظهور الأخبار المتقدمة فيه،و إن عورضا بأقوى منهما،إلاّ أن الاحتياط مهما تيسّر أولى.

و ألحق الصدوق الحاجبين (2).و لا دليل عليه إلاّ ما يتوقف عليه منهما مسح تمام الجبينين من باب المتقدمة إن قلنا بلزوم مسحهما.

نعم:في الرضوي:«و قد روي أنه يمسح الرجل على جبينيه و حاجبيه» (3).

و لكنه مرسل غير مكافئ لما تقدّم من الأخبار البيانية المقتصرة على الجبهة أو الجبينين خاصة،و لكنه أحوط.

و أشهر الروايتين أيضا اختصاص المسح بظاهر الكفين من الزندين إلى رؤوس الأصابع.و هو الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

منها الصحيح:وضع كفّيه على الأرض،ثمَّ مسح وجهه و كفّيه،و لم يمسح الذراعين بشيء (4).

و الموثق:ثمَّ مسح بهما جبهته و كفّيه مرّة واحدة (5).

و الرضوي:«ثمَّ تضرب بهما اخرى فتمسح بها اليمنى إلى حدّ الزند، تمسح باليسرى اليمنى و باليمنى اليسرى» (6).

و بها يقيّد ما أطلق فيه اليدان كالصحيحين (7)،و عليها عمل أكثر

ص:35


1- الأمالي:515.
2- الفقيه 1:57.
3- فقه الرضا(عليه السلام):90،المستدرك 2:539 أبواب التيمم ب 11 ح 1.
4- التهذيب 1:603/208،الوسائل 3:359 أبواب التيمم ب 11 ح 5.
5- التهذيب 1:601/207،الاستبصار 1:590/170،الوسائل 3:359 أبواب التيمم ب 11 ح 3.
6- فقه الرضا(عليه السلام):88،المستدرك 2:535 أبواب التيمم ب 9 ح 1 بتفاوت يسير.
7- التهذيب 1:610/210 و 611،الاستبصار 1:598/172 و 599،الوسائل 3:361 أبواب التيمم ب 12 ح 1 و 4.

الأصحاب،بل عليه الإجماع عن الناصرية و الأمالي و الغنية (1).فالروايات [فيه] بمسح الذراعين (2)مع قلّتها و قصور سند بعضها مطرحة أو محمولة على التقية، فالقول به-كما عن والد الصدوق (3)-ضعيف.كضعف القول ببعض الكف من أصول الأصابع (4)،لضعف مستنده بالإضافة إلى ما تقدم كالمرسل كالصحيح:«فامسح على كفّيك من حيث موضع القطع،و قال وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا 5 [1] (5)مع احتماله موضع القطع عند العامة إشارة بالمعرّف باللام إلى المعهود الخارجي.

في عدد الضربات

و في عدد الضربات في بدل كلّ من الوضوء و الغسل هل هو واحد فيهما،كما عن العماني و الإسكافي و المفيد في العزّية و المرتضى في الجمل و شرح الرسالة و ظاهر الناصرية (6)،و الصدوق في ظاهر المقنع و الهداية (7)،و هو ظاهر الكليني-لاقتصاره بذكر أخبار المرّة-و القاضي (8)،و صريح المعتبر

ص:36


1- الناصرية(الجوامع الفقهية):188،الغنية(الجوامع الفقهية):555،و أما الأمالي ففيه:ثمَّ يضرب بيده اليسرى الأرض فيمسح بها يده اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع،ثمَّ يضرب بيمينه الأرض فيمسح بها يساره من المرفق إلى أطراف الأصابع.و قد روى أن يمسح الرجل جبينه و حاجبيه و يمسح على ظهر كفيه،و عليه مضى مشايخنا.الأمالي:515.
2- الوسائل 3:361،365 أبواب التيمم ب 12 ح 2،و ب 13 ح 3.
3- نقله عنه في المختلف:50.
4- نقله في السرائر 1:137 عن بعض الأصحاب.
5- الكافي 3:2/62،التهذيب 1:599/207،الاستبصار 1:588/170،الوسائل 3: 365 أبواب التيمم ب 13 ح 2.
6- نقله عن العماني و الإسكافي و المفيد في المختلف:50،جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):26،حكاه عن شرح الرسالة في المعتبر 1:388،الناصرية(الجوامع الفقهية):188.
7- المقنع:9،الهداية:18.
8- الكليني في الكافي 3:61،القاضي في المهذّب 1:47.

و الذكرى و المدارك (1)،و نسبه في السرائر إلى قوم من أصحابنا (2)،و إليه مال جدّي و خالي المجلسيان (3)-رحمهما اللّه-و ذهب إليه كثير من المتأخرين و متأخريهم (4)،و حكته العامة عن علي عليه السلام و عمّار و ابن عباس و جمع من التابعين (5).

أو متعدّد فيهما،كما عن أركان المفيد و والد الصدوق (6)،و المحكي من عبارته اعتبار الثلاث مرة للوجه و مرة لليمنى و اخرى لليسرى.

أو التفصيل،فالأوّل في الأوّل و الثاني في الثاني،كما ذهب إليه الأكثر.

أقوال أجودها الأخير للوضوء ضربة و للغسل ضربتان جمعا بين النصوص المستفيضة الظاهرة في إطلاق المرّة لورودها في بيان العبادة، و الظاهرة في إطلاق المرّتين.

و لا شاهد له إلاّ ما يتوهم من الصحيح:«هو ضرب واحد للوضوء، و الغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثمَّ تنفضهما نفضة للوجه و مرّة لليدين» الخبر (7).

بناء على كون الواو للاستيناف المقتضي جعل ما بعدها مبتدأ و جملة «تضرب»خبرا له.و هو مع مخالفته الظاهر لا دليل عليه بعد احتماله العطف

ص:37


1- المعتبر 1:389،الذكرى:108،المدارك 2:232.
2- السرائر 1:137.
3- انظر روضة المتقين 1:275،و بحار الأنوار 78:159.
4- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 1:231،صاحب المدارك 2:232،السبزواري في كفاية الأحكام:9،الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:62.
5- انظر المغني و الشرح الكبير 1:278.
6- نقله عنهما الشهيد في الذكرى:108.
7- التهذيب 1:611/210،الاستبصار 1:599/172،الوسائل 3:361 أبواب التيمم ب 12 ح 4.

المقتضي للتسوية بين الوضوء و الغسل المنافية لما ذكروه.

مضافا إلى رجحانه بملاحظة الموثق:عن التيمم من الوضوء و من الجنابة و من الحيض للنساء سواء؟فقال:«نعم» (1).

و نحوه الرضوي:«و صفة التيمم للوضوء و الجنابة و سائر أبواب الغسل واحد،و هو أن تضرب بيديك على الأرض ضربة واحدة تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف،ثمَّ تضرب بهما اخرى فتمسح بها اليمنى إلى حدّ الزند،و روى من أصول الأصابع تمسح باليسرى اليمنى و باليمنى اليسرى» (2).

و حمله على التقية بناء على مصيرهم إلى التسوية (3)غير ممكن، لاشتماله على الجبهة و الكفين،فيبعد في الموثق أيضا.

فحينئذ لا دليل على التفصيل،بل هو قائم على خلافه.نعم:ادعى عليه الإجماع في الأمالي فقال:من دين الإمامية الإقرار بأن من لم يجد الماء -إلى قوله-:ضرب على الأرض ضربة للوضوء و يمسح بها وجهه من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى،و إلى الأسفل أولى،ثمَّ يمسح ظهر يده اليمنى ببطن اليسرى من الزند إلى أطراف الأصابع،ثمَّ يمسح اليسرى كذلك، و يضرب بدل غسل الجنابة ضربتين ضربة يمسح بها وجهه و اخرى ظهر كفيه (4).

انتهى.و هو ظاهر التبيان و مجمع البيان (5).

ص:38


1- الفقيه 1:215/58،التهذيب 1:617/212،الوسائل 3:362 أبواب التيمم ب 12 ح 6.
2- فقه الرضا(عليه السلام):88،المستدرك 2:535 أبواب التيمم ب 9 ح 1.
3- راجع بداية المجتهد 1:70،المغني لابن قدامة 1:278.
4- قد نقلنا عبارة الأمالي من نسخته المطبوعة عندنا،في ص 31 الهامش(1)،و هي تخالف ما نقله الشارح(ره)من وجوه.انظر الأمالي:515.
5- التبيان 3:208،مجمع البيان 2:52.

فيصلح هذه الإجماعات المنقولة وجها للجمع.و لكن كلام الأخيرين ليس نصّا في دعوى الإجماع،سيّما مع نقلهما القول بالضربتين من قوم من أصحابنا.و الأوّل و إن كان أظهر منهما دلالة عليهما،إلاّ أن ظاهره دعوى الإجماع على كون الضربة الاولى في الجنابة للوجه الظاهر في المجموع،مضافا إلى تخصيصه الجبهة بالوضوء خاصة فيوهن لذلك.و بعد تسليمه فهو كسابقيه موهون بمصير معظم الأصحاب و منهم هو في كتابيه و والده و شيخه الكليني و غيرهم-كما عرفت-إلى خلافه.

و لقد كتبنا رسالة مبسوطة في تزييف هذا القول و تعيين الأول،لظواهر الأخبار البيانية المسلّم دلالتها عند المشهور على المرة و لو في الجملة،و لذا استدلوا بها للاكتفاء بها في الوضوء خاصة،و صحاحها واردة في بيان التيمم بدلا من الجنابة،و معه لا يصح الحمل على الوضوء،منهما الصحيح في بيان وصف النبي صلّى اللّه عليه و آله التيمم لعمّار:«أ فلا صنعت كذا»ثمَّ أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد،ثمَّ مسح جبينيه بأصابعه،و كفّيه إحداهما بالأخرى،ثمَّ لم يعد ذلك (1).

و في التتمة إشعار بل ظهور بكون المبيّن الملحوظ بيانه اتحاد الضرب أو تعدده،و ظاهره كونها من كلام الإمام عليه السلام،فنقله عليه السلام عدم الإعادة في نقل بيان العبادة ظاهر في عدم لزومها.

و قريب منه الموثق لزرارة عنه عليه السلام:عن التيمم،فضرب بيديه الأرض ثمَّ رفعهما فنفضهما،ثمَّ مسح على جبهته و كفّيه مرّة واحدة (2)و نحوه

ص:39


1- الفقيه 1:212/57،الوسائل 3:360 أبواب التيمم ب 11 ح 8.
2- التهذيب 1:601/207،الاستبصار 1:590/170،الوسائل 3:359 أبواب التيمم ب 11 ح 3.

خبر آخر (1).

و حمل المرة على المسح خاصة دون الضربة بعيد،إذ ليس تعدّده محل توهّم أو مناقشة من عامة أو خاصة،فنقله خال عن الفائدة بالمرّة.بل الظاهر رجوعها إلى الضربة،لفائدة بيان تخطئة ما عليه أكثر العامة من نفي الضربة الواحدة.

فاندفع ما يورد على هذه الأخبار من الإجمال المنافي للاستدلال، لاحتمال ورودها بيانا لكيفية المسح و أنه ليس يجب على جميع الأعضاء-كما توهّمه عمّار-بل على المواضع الخاصة،لا لبيان العدد.

لمخالفته الظاهر،مع عدم قبول ذلك الصحيح المتقدم كالخبرين بعده.

مضافا إلى أنّ الراوي له و للموثق-كغيره-زرارة الذي هو أفقه من أكثر رواه أصحابنا،و هو أجلّ شأنا عن سؤاله عن نفس الكيفية لأجل توهّمه ما توهّمه عمّار،بل الظاهر سؤاله عن عدد الضربات التي صارت مطرحا بين العامة و الخاصة، و لذا أجابه عليه السلام في الحديث المتقدم بما يتعلق به.و لعلّه الظاهر من سؤال غيرهم من الرواة،حيث رأوا العامة اتفقوا على تعدد الضربات مطلقا، فسألوا أئمتهم صلوات اللّه عليهم استكشافا لذلك،فأجابوهم عليهم السلام بما ظاهره الوحدة مطلقا.

و بما ذكرنا ظهر وضوح دلالتها عليها.و يؤيده اشتهار نقل ذلك بين العامة عن علي عليه السلام و ابن عباس و عمّار الموافقين للشيعة في أغلب الأحكام، و يؤيد النقل مصير أكثرهم إلى الخلاف و اعتبارهم الضربتين مطلقا.

و من هنا ينقدح الجواب عمّا دلّ على اعتبارهما كذلك من الصحاح،

ص:40


1- التهذيب 1:614/212،الاستبصار 1:594/171،الوسائل 3:360 أبواب التيمم ب 11 ح 6.

منها:عن التيمم،فقال:«مرّتين مرّتين للوجه و اليدين» (1).

نعم:ربما لا يجري ذلك في بعضها،كالصحيح:«التيمم ضربة للوجه و ضربة للكفين» (2)لمصير العامة إلى الذراعين (3).لكن عن الحنابلة اعتبار الكفين (4)،فيحتمل التقية فيه عن مذهبهم،و يتقوّى بمعاصرتهم لمولانا الرضا عليه السلام المروي عنه هذا الخبر.

و يؤيد الحمل المزبور تضمن بعضها المسح على الوجه و الذراعين، كالخبر:«تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين،ثمَّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك» (5).

نعم:ربما يأبى هذا الخبر الحمل المزبور من حيث تضمنه الأمر بالنفض الذي يأبى عنه العامة كما في المنتهى (6).

و نحوه في الإباء من هذا الوجه الصحيح:«تضرب بيديك مرّتين ثمَّ تنفضهما نفضة للوجه و مرّة لليدين» (7).

و نحوهما الرضوي المتقدم (8)في الإباء عنه،لكن من وجه آخر،و هو

ص:41


1- التهذيب 1:610/210،الاستبصار 1:598/172،الوسائل 3:361 أبواب التيمم ب 12 ح 1.
2- التهذيب 1:609/210،الاستبصار 1:597/171،الوسائل 3:361 أبواب التيمم ب 12 ح 3.
3- انظر مغني المحتاج 1:99.
4- كما في المغني و الشرح الكبير 1:291.
5- التهذيب 1:608/209،الاستبصار 1:596/171،الوسائل 3:361 أبواب التيمم ب 12 ح 2.
6- المنتهى 1:147.
7- التهذيب 1:611/210،الاستبصار 1:599/172،الوسائل 3:361 أبواب التيمم ب 12 ح 4.
8- في ص:33.

اشتماله على الجبهة و الزندين المخالف لهم.

لكن الأوّل قاصر السند.

و الثاني ضعيف الدلالة على اعتبار المرّتين،للوجه مرّة و اخرى لليدين.

بل ظاهره تعاقب الضربتين ثمَّ المسح بهما على الوجه و اليدين على التعاقب مع تخلل النفضة.

و الثالث موهون بمصير الصدوق-المعتبر له-إلى إطلاق الوحدة تارة، و إلى التفصيل اخرى،و أبيه إلى المرتين أو الثلاث كالمفيد إلى الأوّل.و السند في حجيته عملهم به المنتفي هنا،فلا عبرة به.مضافا إلى ما فيه أيضا بعد ما ذكرناه ممّا يشعر بالمرة مطلقا (1).

هذا،و الاحتياط بالجمع بين التيمم بضربة و اخرى بضربتين لا يترك مطلقا،سيّما في البدل عن الغسل،لأنّ المسألة من المتشابهات،و إن كان الاكتفاء بالمرّة مطلقا أقوى.

الواجب فيه النية و استدامة حكمها و الترتيب

و الواجب فيه النية المشتملة على القربة بإجماع العلماء كافة، و الوجوب و الندب و الاستباحة عند معتبرها في المائية.

دون رفع الحدث،لعدم زواله بالتيمم بإجماع الطائفة و أكثر العامة كما عن الخلاف و المنتهى (2)،بل كلّهم كافة كما عن المعتبر و التذكرة (3)،بل قيل بالبطلان معه (4)،فتركه أحوط.

ص:42


1- و هو:«و أروي:إذا أردت التيمم اضرب كفيك على الأرض ضربة واحدة..»فقه الرضا(عليه السلام):87.
2- الخلاف 1:144،المنتهى 1:145.
3- المعتبر 1:394،التذكرة 1:63.
4- قال به الشيخ في المبسوط 1:34،و ابن البراج في جواهر الفقه:13،و المحقق في المعتبر 1:395،و العلامة في القواعد 1:23.

و البدلية عن الوضوء و الغسل،إمّا مطلقا كما عن الخلاف (1)،أو مع عدم مساواة تيممهما في عدد الضربة كما عن المعتبر (2)،أو إذا كان في الذمة تيمّمان أحدهما بدل من الوضوء و الآخر من الغسل،للافتقار إلى التميز.و لا دليل على شيء من ذلك سوى الأخير،لتوقف صدق الامتثال عليه.

و الأشهر العدم مطلقا،للأصل،و فقد المخصّص،مضافا إلى صدق الامتثال.و هو حسن بالإضافة إلى ما عدا الأخير،و فيه لا،لوجود المخصّص بالإضافة إليه،و منع صدق الامتثال مطلقا.

و حيث إنّ النية عندنا هي الداعي إلى الفعل التي لا تنفك عنه على حال دون المخطر بالبال كفانا ذلك مئونة الاشتغال بذكر محلّها و بيان استدامة حكمها و مضى التحقيق فيه في بحث النية و مباحث الوضوء.

و الترتيب بأن يبدأ بوضع اليدين على الصعيد إجماعا،باعتماد كما هو الأشهر الأظهر،و ورد الأمر به في عدّة أخبار صحيحة (3)بها يقيّد إطلاق الآية و غيرها من المعتبرة (4)،مضافا إلى الاحتياط اللازم في العبادة التوقيفية.

خلافا للذكرى و الدروس،فاكتفى بمسمّى الوضع (5).و هو ضعيف.

و يعتبر معيّة اليدين في الضرب إجماعا كما حكي (6)،و دلّت عليه أكثر النصوص.و ينبغي تقييده بالاختيار،فلو تعذّرت لقطع أو مرض أو ربط اقتصر

ص:43


1- الخلاف 1:140.
2- المعتبر 1:391.
3- انظر الوسائل 3:361 أبواب التيمم ب 12 ح 2 و 4 و غيرهما من الأحاديث التي تشتمل على «الضرب».
4- انظر الوسائل 3:358 أبواب التيمم ب 11 ح 2 و 4 و غيرهما من الأحاديث التي تشتمل على «الوضع».
5- الذكرى:108،الدروس 1:132.
6- حكاه في المدارك 2:217.

على الميسور و مسح الجبهة به،و سقط مسح اليد.و يحتمل قويا مسحها بالأرض كما يمسح الجبهة بها لو كانتا مقطوعتين،لعموم عدم سقوط الميسور بالمعسور (1).

قيل:و ليس كذلك لو كانتا نجستين (2)،بل يمسح بهما كذلك مع تعذّر التطهير،إلاّ أن تكون متعدية أو حائلة فيجب التجفيف و إزالة الحائل مع الإمكان،فإن تعذّر ضرب بالظهر إن خلا منها،و إلاّ ضرب بالجبهة في الأوّل و باليد النجسة في الثاني،كما لو كان عليها جبيرة.

ثمَّ يبدأ بمسح الجبهة مستوعبة عندنا،بهما معا كما هو المشهور، تبعا لظاهر أكثر النصوص المعتبرة المقيّد به إطلاق ما عداه،مضافا إلى الاحتياط اللازم هنا.فظهر ضعف اجتزاء الإسكافي بإحداهما و مستنده (3).

و لا ريب فيه مع الاضطرار.

و المتبادر من الأخبار اعتبار الباطن كما هو نص المقنعة و المراسم و المهذّب و السرائر و الذكرى و الدروس (4).و لو تعذّر فالظهر كما عن الذكرى (5)، إذا الميسور لا يسقط بالمعسور.و إن اختص المانع منه بإحداهما ففي الاجتزاء بباطن الأخرى،أو لزوم ضمّ ظهر الاولى إليه وجهان، أوجههما الثاني،لما ذكر.

و ينبغي البدأة بالأعلى إلى طرف الأنف الأعلى كما هو الأشهر،للرضوي

ص:44


1- عوالي اللئالي 4:205/58.
2- قال به الشهيد الثاني في الروضة 1:157.
3- نقله عنه في المختلف:50.
4- المقنعة:62،المراسم:54،المهذّب 1:47،السرائر 1:136،الذكرى:109، الدروس:1:133.
5- الذكرى:109.

المتقدم (1)،و عموم البدلية-مع تأمل ما فيهما -مضافا إلى الاحتياط اللازم المراعاة.

ثمَّ يتبعه بمسح ظهر اليد اليمنى من الزند ببطن اليسرى ثمَّ بظاهر اليسرى كذلك ببطن اليمنى،مبتدئا فيهما بالأعلى،لما مرّ.مستوعبا لهما بإجماعنا و إجماع أكثر العامة كما عن المنتهى (2).و هو المتبادر من الأخبار.كتبادر البطن في الماسح و الظهر في الممسوح،مضافا إلى الإجماع عليه،و التصريح به في الخبرين:

أحدهما:الحسن:ثمَّ مسح كفيه إحداهما على ظهر الأخرى (3).

و الثاني:الموثق المروي في آخر السرائر:ثمَّ مسح بكفيه كل واحدة على ظهر الأخرى،مسح اليسرى على اليمنى و مسح اليمنى على اليسرى (4).

و بهما يقيد إطلاق غيرهما على تقديره.

و ظاهر الثاني الترتيب،و أصرح منه الرضوي المتقدم.و هما الحجة في اعتباره بين اليدين و بينهما و بين الجبهة،مضافا إلى الإجماع عليه في التذكرة (5)،و اقتضاء عموم البدلية،و الاحتياط اللازم في نحو المسألة.

ص:45


1- في ص 33.
2- المنتهى 1:147.
3- الكافي 3:3/62،التهذيب 1:600/207،الاستبصار 1:589/170،الوسائل 3: 358 أبواب التيمم ب 11 ح 1.
4- مستطرفات السرائر:4/26،الوسائل 3:360 أبواب التيمم ب 11 ح 9.
5- التذكرة 1:64.
الرابع في أحكامه
اشارة

الرابع:في أحكامه،و هي ثمانية:

الأوّل لا يعيد ما صلّى بتيممه

الأوّل:

لا يعيد ما صلّى بتيممه الصحيح شرعا في السفر مع ظن ضيق الوقت مطلقا إجماعا.و في الحضر كذلك على الأشهر الأظهر،بل عليه إجماع العلماء كافة عدا طاوس كما عن الخلاف و المعتبر و المنتهى (1)،للأصل، و إطلاق الصحاح المستفيضة،منها:عن الرجل إذا أجنب و لم يجد الماء، قال:«يتيمم بالصعيد فإذا وجد الماء فليغتسل و لا يعيد الصلاة» (2).

و منها:«لا يعيد،إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد،قد فعل أحد الطهورين» (3).

خلافا للمرتضى في شرح الرسالة فيه إذا تيمم لفقد الماء (4)،و مستنده غير واضح،عدا ما ربما يستدل له بالخبرين المبيحين للتيمم لمن في الزحام يوم الجمعة قال:«يتيمم و يصلّى معهم و يعيد إذا انصرف» (5).

و هما مع أخصيّتهما من المدّعى قاصران عن المكافأة لما تقدم.هذا مع أنّ المحكي عن الخلاف الإجماع على عدم الفرق بين المسافر و الحاضر في عدم الإعادة مطلقا (6).

ص:46


1- الخلاف 1:142،المعتبر 1:395،المنتهى 1:151.
2- الفقيه 1:213/57،المحاسن:132/372،الوسائل 3:366 أبواب التيمم ب 14 ح 1.
3- التهذيب 1:571/197،الاستبصار 1:557/161،الوسائل 3:370 أبواب التيمم ب 14 ح 15.
4- نقله عنه في المعتبر 1:365.
5- التهذيب 1:534/185،الوسائل 3:371 أبواب التيمم ب 15 ح 1. الخبر الثاني:التهذيب 3:678/248،الوسائل 3:371 أبواب التيمم ب 15 ح 2.
6- الخلاف 1:142.

و كذا لا إعادة مع التيمم في سعة الوقت مطلقا إن جوّزناه في الجملة أو مطلقا على الأشهر الأظهر،لعين ما تقدّم،مضافا إلى خصوص المعتبرة المستفيضة،المتقدمة في مسألة اعتبار الضيق أو كفاية السعة،الناصة على عدم الإعادة بوجدان الماء في الوقت (1).

خلافا للعماني و الإسكافي فأوجبا الإعادة (2)،للصحيح المتقدم مع الجواب عنه ثمّة،فلا وجه للإعادة.

و لو تعمد الجنابة لم يجز التيمم ما لم يخف التلف أو الضرر إجماعا،لتمكّنه من استعمال الماء بالضرورة.و مع خوف شيء منهما جاز و صحّ على الأصح الأشهر،للأصل،و العمومات،و إطلاق خصوص المعتبرة،منها الصحاح المستفيضة،منها:في الرجل تصيبه الجنابة و به جروح أو قروح، قال:«لا يغتسل و يتيمم» (3)و نحوها ما سيأتي.

خلافا للشيخين،فأوجبا عليه الطهارة بالماء و إن أصابه ما أصابه (4)، لأخبار قاصرة الأسانيد (5)ضعيفة التكافؤ لما مرّ،مخالفة للأصول القطعية من الكتاب و السنّة و الدلالة العقلية،مضادة للإجماع على جواز الجنابة حينئذ، و للنصوص الدالة عليه كالصحيحين:عن الرجل يكون معه أهله في السفر لا يجد الماء أ يأتي أهله؟قال:«ما أحبّ أن يفعل إلاّ أن يخاف على نفسه»قال قلت:يطلب بذلك اللذة أو يكون شبقا إلى النساء،قال:«إنّ الشبق يخاف على نفسه»قال،قلت:طلب بذلك اللذة،قال:«هو حلال»قلت:فإنه يروى عن

ص:47


1- راجع ص:23-24.
2- نقله عنهما في الذكرى:110.
3- التهذيب 1:531/185،الوسائل 3:348 أبواب التيمم ب 5 ح 8.
4- المفيد في المقنعة:60،الطوسي في الخلاف 1:156،و النهاية:46.
5- الوسائل 3:373 أبواب التيمم ب 17.

النبي صلّى اللّه عليه و آله أن أبا ذر سأله عن هذا فقال:«ائت أهلك تؤجر»فقال:

يا رسول اللّه آتيهم و أوجر؟!فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«كما أنت إذا أتيت الحرام أزرت و كذلك إذا أتيت الحلال أجرت»فقال الصادق عليه السلام:«ألا ترى أنه إذا خاف على نفسه فأتى الحلال أجر» (1).

و بالجملة:لا يرتاب في بطلان هذا القول ذو مسكة.

ثمَّ على المختار فإن خشي فتيمّم و صلّى ففي وجوب الإعادة كما عن النهاية و المبسوط و الاستبصار و التهذيب و المهذّب و الإصباح و روض الجنان (2)تردّد ناش من عموم الأدلة النافية لها من الأصل و الصحاح المستفيضة المتقدمة في المسألة السابقة،و من خصوص الخبرين،أحدهما الصحيح:

«عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة و يخاف على نفسه التلف إن اغتسل،فقال:يتيمم و يصلّي فإذا أمن البرد اغتسل و أعاد الصلاة» (3).

أشبهه و هو الأشهر أنه لا يجب أن يعيد لقصور الخبرين-مع إرسال الثاني-عن المكافأة لما مرّ،لكثرة العدد،و الاعتضاد بالأصل و الشهرة فيه دونهما،مع أنه لا إشعار فيهما بالتعمد بل ظاهران في الاحتلام،فحملهما على الاستحباب متعيّن،و التخصيص لما مرّ غير ممكن.

و كذا من أحدث في الجامع و منعه الزحام من الطهارة المائية يوم الجمعة تيمّم و صلّى الجمعة أو الظهر إذا ضاق وقتها (4)،بلا خلاف في

ص:48


1- الكافي 5:3/495،الوسائل 20:109 أبواب مقدمات النكاح ب 50 ح 1. و الصحيح الآخر:مستطرفات السرائر:53/107،الوسائل 3:390 أبواب التيمم ب 27 ح 2.
2- النهاية:46،المبسوط 1:30،الاستبصار 1:162،التهذيب 1:196،المهذّب 1:48، حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:149،روض الجنان:130 و فيه عدم وجوب الإعادة.
3- الفقيه 1:224/60،التهذيب 1:567/196،الاستبصار 1:559/161 رواه فيهما مرسلا،الوسائل 3:372 أبواب التيمم ب 16 ح 1.
4- في«ش»:الوقت.

الظاهر،بل حكي صريحا (1)،لصدق عدم التمكن منها بذلك،بناء على ضيق وقت الجمعة،و استلزام تحصيلها فواته،و للمعتبرين،أحدهما الموثق:عن رجل يكون وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس،قال:«يتيمّم و يصلّي معهم و يعيد إذا انصرف» (2).

و في لزوم الإعادة للصلاة مع الطهارة قولان ناشئان من الخبرين،و من الأصل،و العمومات،و تعليل عدم الإعادة في بعض الصحاح المتقدمة بأنّ ربّ الماء ربّ الصعيد،و أنه فعل أحد الطهورين،مضافا إلى عموم البدلية المستفاد من كثير من المعتبرة.

و هو الأظهر،وفاقا للمعتبر (3)،لقوة هذه الأدلة،و قصور الخبرين عن إفادة التخصيص،بناء على قصور سندهما عن المكافأة لها من وجوه عديدة،و ظهور ورودهما في الصلاة مع العامة المنبئ عن عدم صحة الجمعة معهم بل لزوم الظهر و وقتها متسع،فليس في تحصيل الطهارة المائية عذر يتوصل به إلى الانتقال إلى الترابية،و الأمر بها مع الصلاة فيهما لعلّه للتقية و الاتقاء على الشيعة،و هو غير ملازم لصحة التيمم و الصلاة معهم بالضرورة.فالأمر بالإعادة مبني على عدم صحة التيمم،لفقد شرطه المعتبر فيها،لا للزوم الإعادة معها.

و من هنا يظهر وجه تخصيص العبارة بصلاة الجمعة أو الظهر مع ضيق وقتها،إذ لولاهما لما صحّ التيمم و الصلاة،فالإعادة إن فعلهما و لو بوجه شرعي لازمة.

ص:49


1- انظر الحدائق 4:269.
2- التهذيب 1:534/185،الوسائل 3:371 أبواب التيمم ب 15 ح 1. الثاني:التهذيب 3:678/248،الوسائل 3:371 أبواب التيمم ب 15 ح 2.
3- المعتبر 1:399.
الثاني يجب على من فقد الماء الطلب

الثاني:

يجب على من فقد الماء الطلب مع الإمكان و انتفاء الضرر،إجماعا فتوى و نصّا.و مع عدمهما أو أحدهما فلا،إجماعا في الظاهر،و للخبرين:

«لا تطلب و لكن تيمّم،فإني أخاف عليك التخلف من أصحابك فتضلّ و يأكلك السبع» (1).

و عليه يحمل إطلاق الخبر:«لا تطلب الماء يمينا و شمالا و لا بئرا،إن وجدته على الطريق فتوضأ و إن لم تجده فامض» (2)جمعا،مضافا إلى قصور سنده، و مخالفته الإجماع و النص.

و حدّ في المشهور في الحزنة بسكون الزاء المعجمة خلاف السهلة، و هي المشتملة على نحو الأحجار و الأشجار و العلو و الهبوط المانع من رؤية ما خلفه بغلوة سهم بفتح الغين،و هي مقدار رمية من الرامي بالآلة المعتدلين هما كالهواء.

و غلوة سهمين في السهلة للخبر (3)المنجبر قصور سنده بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،بل إجماع كما عن ظاهر التذكرة و صريح الغنية (4)،و عن الحلّي دعوى التواتر فيه (5).

ص:50


1- الكافي 3:6/64،التهذيب 1:536/185،الوسائل 3:342 أبواب التيمم ب 2 ح 1. الخبر الثاني:الكافي 3:8/65،التهذيب 1:528/184،الوسائل 3:342 أبواب التيمم ب 2 ح 2.
2- التهذيب 1:587/202،الاستبصار 1:572/165،الوسائل 3:343 أبواب التيمم ب 2 ح 3.
3- التهذيب 1:586/202،الاستبصار 1:571/165،الوسائل 3:341 أبواب التيمم ب 1 ح 2.
4- التذكرة 1:59،الغنية(الجوامع الفقهية):555.
5- انظر السرائر 1:135.

و لا ينافيه الحسن:«إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتميمّم و ليصلّ» (1)إلاّ على تقدير فهم استيعاب الوقت بالطلب،و ليس نصّا فيه،فيحتمل الدلالة على أنّ الطلب في سعة الوقت و التيمم عند ضيقه.

و على تقدير المنافاة فلا يعترض به الخبر السابق بعد الاعتضاد بما مرّ الموجب لقوة اعتبار سنده على سنده،مضافا إلى شذوذه و عدم مائل إليه سوى المعتبر و بعض من تابعه ممّن تأخر (2).

و ربما يجمع بينهما بحمل هذا على رجاء الحصول و السابق على جوازه (3).

و إطلاقه يقتضي الاكتفاء بالطلب في الجهة الواحدة.و المشهور كما عن المبسوط و المهذّب و شرح الجمل للقاضي و الغنية و الإصباح و الإشارة و الشرائع:

إيجابه في الجهات الأربع (4)بل عن الغنية الإجماع عليه،و هو كاف في الحجة.و ربما وجّه استنباطها من النص بعدم المرجح لبعضها،و عدم معلومية تحقّق الشرط و براءة الذمة بدون الطلب فيها.

و عن النهاية و الاقتصاد و الوسيلة:الاقتصار على اليمين و اليسار و يحتملان الأربع (5).كالمحكي عن المفيد و الحلبي من ذلك بزيادة الامام (6)،

ص:51


1- الكافي 3:2/63،التهذيب 1:589/203،الاستبصار 1:574/165،الوسائل 3: 341 أبواب التيمم ب 1 ح 1.
2- المعتبر 1:393،و انظر المدارك 2:181،و مفاتيح الشرائع 1:59.
3- كما في الحدائق 4:250.
4- المبسوط 1:31،المهذّب 1:47،شرح الجمل:61،الغنية(الجوامع الفقهية):555، حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:141،الإشارة:74،الشرائع 1:46.
5- النهاية:48،الاقتصاد:251،الوسيلة:69.
6- المفيد في المقنعة:61،الحلبي في الكافي:136.

لكون الخلف مفروغا عنه بالمسير.فلا خلاف.

و إنما يجب الطلب كذلك مع احتمال وجوده فيها،فلو علم عدمه مطلقا أو في بعض الجهات سقط الطلب مطلقا أو فيه،كما أنه لو علم أو ظن-على اختلاف فيه-وجوده في أزيد من النصاب وجب قصده مع الإمكان ما لم يخرج الوقت.و النص و إن كان مطلقا إثباتا و نفيا إلاّ أن التقييد فيهما آت من الخارج، لاستلزام القبح في الأمر بالطلب مع الأوّل،و جواز التيمم مع فقد شرطه و هو العلم بعدم التمكن مع الثاني،مع أنّ شيئا من الصورتين ليس متبادرا منه، فالرجوع في غيره إلى الأصول متعيّن.

و تجوز الاستنابة فيه مع عدم إمكان المباشرة،بل قد يجب و لو بأجرة مع القدرة بشرط العدالة إن كانت ميسّرة،و إلاّ فالاستنابة المطلقة كافية،و يحتسب لهما الطلب على التقديرين بالضرورة.

فإن أخلّ بالطلب اللازم عليه فتيمّم و صلّى ثمَّ وجد الماء تطهّر و أعاد الصلاة إن أتى بها في السعة إجماعا.

و كذا في الضيق على قول ظاهر من إطلاق العبارة محكي عن ظاهر الخلاف و المبسوط و النهاية (1)،بناء على بطلان التيمم،لفقدان شرطه الذي هو الطلب.

و فيه منع،بل شرطه الفقدان الحاصل هنا،و الطلب واجب آخر.فإذا:

الأظهر العدم،وفاقا للأشهر،للأصل،و العمومات الخالية عن المعارض.

و يمكن تنزيل العبارة هنا و في الكتب المتقدمة على الصورة الاولى.فلا خلاف و لا كلام،لفقد شرطه الذي هو العلم بعدم التمكن.

ص:52


1- الخلاف 1:147،المبسوط 1:31،النهاية:48.
الثالث لو وجد المتيمم الماء قبل شروعه تطهّر

الثالث:

لو وجد المتيمم الماء قبل شروعه في مشروط بالطهارة تطهّر -مع عدم خوف فوات الوقت على الأصح،و قيل:مطلقا (1)-إجماعا،بناء على انتقاض تيممه بوجدانه مع تمكن استعماله إجماعا،و للنصوص المستفيضة، منها الصحيح:قلت:فإن أصاب الماء و رجا على ماء آخر و ظنّ أنه يقدر عليه فلمّا أراده تعسّر ذلك عليه؟قال:«ينتقض تيممه و عليه أن يعيد التيمم» (2).

و ليس في إطلاقه-كغيره-اعتبار تمكن الاستعمال بمضي زمان يسعه، كما هو أحد القولين و أحوطهما.

و قيل باعتباره (3)كما قدّمناه،لأصالة بقاء الصحة،و عدم ما ينافيها في المستفيضة،بناء على عدم تبادر عدم إمكان الاستعمال منها،فيقتصر في تخصيصها على القدر المتيقن.

و هو حسن لو لا معارضة أصالة الصحة في التيمم بأصالة بقاء اشتغال الذمة بالعبادة،و بعد التعارض تبقى الأوامر بها عن المعارض سليمة.

و مظهر الثمرة فقد الماء بعد الوجدان قبل مضي زمان الإمكان:فعليه إعادة التيمم مع عدم اعتباره ،و لا معه.

و لو كان الوجدان بعد فراغه منه فلا إعادة مطلقا أو في الجملة كما مرّ.

ص:53


1- كما في الخلاف 1:141،و المعتبر 1:399،و المنتهى 1:154.
2- الكافي 3:4/63،التهذيب 1:580/200،الاستبصار 1:570/164،الوسائل 3: 377 أبواب التيمم ب 19 ح 1.
3- انظر جامع المقاصد 1:507،و المسالك 1:17،و مجمع الفائدة 1:239،و كشف اللثام 1:150.

و لو كان في أثناء الصلاة مطلقا (1):

ففي وجوب الاستمرار مطلقا و لو قبل القراءة،كما عن المقنعة و الخلاف و المبسوط و الغنية و المهذّب و السرائر و الجامع (2)،و كتب الماتن (3)،و العلاّمة في جملة من كتبه (4)،و والد الصدوق و المرتضى في شرح الرسالة (5)،و هو الأشهر كما في الروضة (6)،بل عليه الإجماع في السرائر في بحث الاستحاضة (7).

أو بشرط الدخول في الركوع من الركعة الأولى،كما عن المقنع و النهاية و العماني و الجعفي و المرتضى في الجمل (8).

أو من الركعة الثانية،كما عن الإسكافي (9).

أو الدخول في القراءة،كما عن سلاّر (10).

أو لزوم القطع مطلقا إذا غلب على ظنه سعة الوقت بقدر الطهارة و الصلاة،و عدمه مع عدمه و استحباب القطع ما لم يركع،كما في الذكرى عن ابن حمزة (11).

ص:54


1- فريضة كانت أم نافلة.
2- المقنعة:61،الخلاف 1:141،المبسوط 1:33،الغنية(الجوامع الفقهية):555، المهذّب 1:48،السرائر 1:140،الجامع للشرائع:48.
3- راجع الشرائع 1:50،المعتبر 1:400.
4- منها:القواعد 1:23،و المختلف:51،و التذكرة 1:65.
5- نقله عنهما في المنتهى 1:154.
6- الروضة 1:163.
7- السرائر 1:153.
8- المقنع:9،النهاية:48،نقله عن العماني في المختلف:51،نقله عن الجعفي في الذكرى:110،جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):26.
9- نقله عنه في المختلف:51.
10- انظر المراسم:54.
11- الذكرى:111.

أقوال.

أمّا المشهور منها فقولان ذكرا أوّلا أصحّهما البناء و الاستمرار و لو كان على تكبيرة الإحرام تبعا لمن مرّ،لاستصحاب الصحة،و صريح بعض المعتبرة كالرضوي:«فإذا كبّرت في صلاتك تكبيرة الافتتاح و أوتيت بالماء فلا تقطع الصلاة،و لا تنقض تيمّمك،و امض في صلاتك» (1).

و ظاهر غيره كالخبر:رجل تيمّم ثمَّ دخل في الصلاة و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه،ثمَّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة،قال:«يمضي في الصلاة» (2).

و قصور السند منجبر بالشهرة و بالتعليل الآتي في الصحيح المتضمن للإمضاء في حقّ من صلّى ركعتين (3).

و في الجميع نظر:لمعارضة استصحاب الصحة باستصحاب بقاء شغل الذمة بالعبادة.فتأمل.

و الأخبار بما هو أصحّ منها،كالصحيح:إن أصاب الماء و قد دخل في الصلاة،قال:«فلينصرف و يتوضأ ما لم يركع،و إن كان قد ركع فليمض في صلاته،فإنّ التيمم أحد الطهورين» (4).

و نحوه الخبر:«إن كان لم يركع فلينصرف و ليتوضأ،و إن كان قد ركع فليمض في صلاته» (5).

ص:55


1- فقه الرضا(عليه السلام):90،المستدرك 2:546 أبواب التيمم ب 16 ح 3.
2- التهذيب 1:590/203،الاستبصار 1:575/166،الوسائل 3:382 أبواب التيمم ب 21 ح 3.
3- انظر ص:57.
4- التهذيب 1:580/200،الاستبصار 1:570/164،الوسائل 3:381 أبواب التيمم ب 21 ح 1.
5- الكافي 3:5/64،التهذيب 1:591/204،الاستبصار 1:576/166،الوسائل 3:381 أبواب التيمم ب 21 ح 2.

و بالتعليل في الأول يحصل الوهن في التأييد بالتعليل المتقدم،لوروده هنا بيانا للإمضاء بعد الركوع خاصة مع التصريح بالإعادة قبله،فلعلّ الأوّل كذلك.و ليس حمل الركوع في هذين الخبرين على الصلاة بأولى من حمل الصلاة في الأخبار السابقة على الركوع،و ليس بعده أقوى من بعد الأوّل.

فمرجع جميع وجوه النظر إلى المعارضة.

و يمكن الجواب عنها بشيء جامع،و هو رجحان الأدلة الأوّلة بالاعتضاد بالشهرة الظاهرة و المحكية التي هي أقوى المرجحات المنصوصة و الاعتبارية.

فالقول الأوّل لا يخلو عن القوة،إلاّ أنّ الأحوط الإتمام ثمَّ القضاء أو الإعادة.

كلّ ذا مع القول بجواز التيمم مع السعة،و إلاّ فلزوم الاستمرار و الاستدامة لازم بالضرورة،لاستلزام تركهما الإخلال بالعبادة في الوقت المضروب لها في الشريعة.

و بما ذكرنا يظهر ضعف باقي الأقوال المتقدمة،مع خلوّها عن الأدلّة الشرعية بالمرّة،عدا الثالث،لإمكان الاستدلال له بالجمع بين ما ظاهره لزوم الرجوع و لو صلّى ركعة كالخبرين،في أحدهما:عن رجل صلّى ركعة على تيمم ثمَّ جاء رجل و معه قربتان من ماء،قال:«يقطع الصلاة و يتوضأ ثمَّ يبني على واحدة» (1).

و ما صريحه الإمضاء بعد صلاة ركعتين كالصحيح:في رجل لم يصب

ص:56


1- التهذيب 1:1263/403،الاستبصار 1:579/167،الوسائل 3:383 أبواب التيمم ب 21 ح 5. الخبر الثاني:التهذيب 1:1277/406،الاستبصار 1:581/168،الوسائل 3:383 أبواب التيمم ب 21 ح 6.

الماء و حضرت الصلاة،فتيمّم و صلّى ركعتين ثمَّ أصاب الماء،أ ينقض الركعتين أو يقطعهما و يتوضأ ثمَّ يصلي؟قال:«لا،و لكنه يمضي في صلاته فيتمّها و لا ينقضها،لمكان أنه دخلها و هو على طهور بتيمّم»الحديث (1).

و لكن قصور سند الأوّلين يمنع الجمع،مضافا إلى عدم الشاهد عليه، بل وضوح الشاهد على خلافه كما مرّ،لاستفاضة المعتبرة المتقدمة المعتضدة بالشهرة القطعية بعدم الإعادة بعد الركوع المنافي للأمر بها بعده في الخبرين القاصرين مكافاة لها من وجوه عديدة .

الرابع لو تيمّم الجنب ثمَّ أحدث بما يوجب الوضوء أعاد

الرابع:

لو تيمّم الجنب و من في حكمه ثمَّ أحدث بما يوجب الوضوء أعاد التيمم بدلا عن الغسل مطلقا،وجد ماء لوضوئه أم لا،كما عن المبسوط و النهاية و الجواهر و السرائر و الإصباح و الجامع و الشرائع (2).و هو الأشهر الأظهر، بناء على بقاء حدث الجنابة و عدم ارتفاعه بالتيمم،لما مرّ من استفاضة حكاية الإجماع عليه (3)،و إنّما غاية التيمم حصول الاستباحة به و قد زالت بزواله بطروّ ناقضة،فالحدث أي الحالة المانعة الناشئة عن الجنابة بحاله.

هذا مضافا إلى إطلاق الأخبار الناطقة بلزوم التيمم و لو وجد ما يكفيه للوضوء،منها الصحيح:في رجل أجنب في سفر و معه ماء قدر ما يتوضأ به، قال:«يتيمّم و لا يتوضأ» (4).

ص:57


1- التهذيب 1:595/205،الاستبصار 1:580/167،الوسائل 3:382 أبواب التيمم ب 21 ح 4.
2- المبسوط 1:34،النهاية:50،جواهر الفقه:13،السرائر 1:141،حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:151،الجامع للشرائع:46،الشرائع 1:50.
3- راجع ص:37.
4- التهذيب 1:1272/405،الوسائل 3:387 أبواب التيمم ب 24 ح 4.

و مفهوم الصحيح:«و متى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا، و الوضوء إن لم تكن جنبا» (1).

شرط في الوضوء عدم الجنابة،و هي موجودة،لما عرفت من عدم ارتفاعها بالتيمم،إذ غايته حصول الاستباحة لا الطهارة عن الجنابة.

خلافا للمحكي عن المرتضى في شرح الرسالة فأوجب الوضوء عند وجدان ما يكفيه له (2)،و مقتضاه لزوم التيمم بدله عند فقده.

بناء على أصله من ارتفاع حدث الجنابة بالتيمم،المردود بالإجماعات المستفيضة،و صريح النصوص الموجبة للغسل عند وجدان ما يكفيه من الماء (3) المسلّمة عنده،الغير المجامعة لأصله،إذ لو لم تكن الجنابة باقية لكان وجوب الطهارة لوجود الماء خاصة،إذ لا وجه غيره على ما ذكره،و هو ليس بحدث إجماعا حتى عنده،مع أن حدثيته توجب استواء المتيممين في موجبه،ضرورة استوائهم،فيه،لكنه باطل،لأن المحدث لا يغتسل و المجنب لا يتوضأ إجماعا.

و ذلك واضح،و المناقشة في ذلك مردودة.

الخامس لا ينقض التيمم إلاّ ما ينقض الطهارة المائية

الخامس:

لا ينقض التيمم إلاّ ما ينقض الطهارة المائية،و وجود الماء مع التمكن من استعماله بإجماعنا،و نطق به أخبارنا،ففي الصحيح:عن الرجل لا يجد الماء أ يتيمم لكل صلاة؟فقال:«لا هو بمنزلة الماء» (4).

ص:58


1- التهذيب 1:611/210،الاستبصار 1:599/172،الوسائل 3:378 أبواب التيمم ب 19 ح 5.
2- نقله عنه في الذكرى:112.
3- الوسائل 3:366 أبواب التيمم ب 14.
4- التهذيب 1:581/200،الاستبصار 1:566/163،الوسائل 3:379 أبواب التيمم ب 20 ح 3.

و الصحيح:يصلّي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل و النهار كلّها؟فقال:

«نعم ما لم يحدث أو يصب ماء»قلت:فإن أصاب الماء و رجا أن يقدر على ماء آخر و ظن أنه يقدر عليه،فلمّا أراده تعسّر ذلك عليه،قال:«ينتقض ذلك تيمّمه و عليه أن يعيد التيمم» (1).

خلافا لبعض العامة فحكم بنقضه بخروج الوقت (2)،لأنّها طهارة ضرورية فيتقدر بالوقت كالمستحاضة.و لا ريب في بطلانه.

السادس يجوز التيمم لصلاة الجنازة و لو مع وجود الماء

السادس :

يجوز التيمم لصلاة الجنازة و لو مع وجود الماء مطلقا على الأشهر الأظهر،بل عليه الإجماع عن الخلاف و المنتهى و التذكرة (3).و هو الحجة فيه كإطلاق المعتبرة،ففي الموثق:عن رجل مرّت به جنازة و هو على غير وضوء كيف يصنع؟قال:«يضرب بيده على حائط اللبن فليتيمّم» (4).

و أولى منه المرسل:«و الجنب يتيمّم و يصلّي على الجنازة» (5).

خلافا للمعتبر تبعا للمحكي عن الإسكافي (6)،فخصّه بخوف فوت الصلاة،تمسّكا بعموم المشترط لعدم التمكن من استعمال الماء في صحة التيمم،و تضعيفا للإجماع بعدم العلم به،و للرواية الأولى بالوقف في الراوي

ص:59


1- التهذيب 1:580/200،الاستبصار 1:570/164،الوسائل 3:379 أبواب التيمم ب 20 ح 1.
2- كابن قدامة في المغني 1:299.
3- الخلاف 1:160،المنتهى 1:455،التذكرة 1:65.
4- الكافي 3:5/178،التهذيب 3:477/203 بتفاوت يسير،الوسائل 3:111 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 5.
5- الكافي 3:5/179،التهذيب 3:480/204،الوسائل 3:112 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 2.
6- المعتبر 1:405.

تارة و بالإضمار أخرى.

و ليس بشيء،لتخصيص العموم بما مرّ،و حجية الإجماع المنقول و إن لم نعلم به إلاّ من جهة النقل،و عدم القدح بالوقف بعد ثبوت العدالة،و كذا الإضمار بعد كونه من سماعة،مضافا إلى انجبار الضعف من جهتهما-لو تمَّ- بالشهرة العظيمة و المسامحة في أدلة السنن و الكراهة.

ثمَّ ليس في الحسن بل الصحيح:عن الرجل تدركه الجنازة و هو على غير وضوء فإن ذهب يتوضأ فاتته الصلاة،قال:«يتيمم و يصلّي» (1)تقييد الحكم بخوف الفوت إلاّ في كلام الراوي،و لا ينافي مثله ثبوت الإطلاق،فلا يتوهّم التقييد به.

و حيث جاز التيمم في الجملة أو مطلقا كان ندبا إجماعا،بناء على استحباب الطهر في هذه الصلاة اتفاقا،كما عن الغنية و ظاهر التذكرة (2).و ليس واجبا،للأصل،و الأخبار،و الإجماع المحكي عن الخلاف و التذكرة و نهاية الإحكام و الذكرى (3).

السابع إذا اجتمع ميت و محدث و جنب و هناك ماء يكفي أحدهم تيمم المحدث

السابع:

إذا اجتمع ميت و محدث و جنب و هناك ماء يكفي أحدهم خاصة اختص به مالكه،و ليس له بذله لغيره مع مخاطبته باستعماله،لوجوب صرفه في طهارته.و لو كان ملكا لهم جميعا مع عدم وفاء حصة كل بطهارته،أو لمالك يسمح ببذله،فلا ريب في ثبوت الخيرة لملاّكه في تخصيص من شاؤوا به.

و اختلفوا في ثبوتها بلا أولوية كما عن الخلاف (4)،أو معها كما هو المشهور.

ص:60


1- الكافي 3:2/178،الوسائل 3:111 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 6.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):564،التذكرة 1:65.
3- الخلاف 1:160،التذكرة 1:65،نهاية الإحكام 2:264،الذكرى:60.
4- الخلاف 1:166.

و ظاهرهم الاتفاق على تيمّم المحدث بالأصغر،لظاهر أكثر الروايات المتفقة في ثبوت الأولوية لمن عداه و إن اختلفت في تعيينه،كاختلافهم فيه و أنه هل يخص به الميّت أو الجنب؟فيه روايتان مختلفتان أشهرهما و أظهرهما أنه يخص به الجنب و هي كثيرة:

منها:الصحيح:عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب و الثاني ميت و الثالث على غير وضوء،و حضرت الصلاة و معهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم،من يأخذ الماء و كيف يصنعون؟قال:«يغتسل الجنب،و يدفن الميت بتيمّم،و يتيمّم الذي هو على غير وضوء،لأنّ الغسل من الجنابة فريضة، و غسل الميّت سنّة،و التيمم للآخر جائز» (1).

و نحو الخبران المتضمنان للحكم مع التعليل (2)المترجحان هما -كالصحيح-به و بالكثرة و الشهرة على غيره،مع قصور سنده،و هو روايتان،في إحداهما:«يتيمم الجنب و يغسل الميت بالماء» (3).

و في الثانية:يتيمم الجنب مع المحدثين و يتوضئون هم (4).

و ترجيحهما على المعتبرة المتقدمة مع اعتضادها بما مرّ كما ترى،

ص:61


1- الفقيه 1:222/59،التهذيب 1:285/109،الاستبصار 1:329/101،الوسائل 3: 375 أبواب التيمم ب 18 ح 1.
2- الأول: التهذيب 1:286/109،الاستبصار 1:330/101،الوسائل 3:376 أبواب التيمم ب 18 ح 3. الثاني: التهذيب 1:287/110،الاستبصار 1:331/102،علل الشرائع:1/305،العيون 2:19/81،الوسائل 3:376 أبواب التيمم ب 18 ح 4.
3- التهذيب 1:288/110،الوسائل 3:376 أبواب التيمم ب 18 ح 5.
4- التهذيب 1:548/190،الوسائل 3:375 أبواب التيمم ب 18 ح 2.

و الاستناد فيه إلى وجوه اعتبارية معارض بمثله أو أقوى.

فظهر ضعف القول بترجيح الميت على الجنب،مع عدم معروفية قائله، بل عدمه في ترجيح المحدث على الجنب.كضعف القول بالتخيير المطلق المبني على عدم المرجح،لظهوره بما مرّ.

ثمَّ إنّ كل ذا إذا لم يمكن الجمع بتوضؤ المحدث،و جمع مستعملة و اغتسال الجنب الخالي بدنه عن النجاسة به،ثمَّ تغسيل الميت بمستعمله إن قلنا بظهوريته.و إذا أمكن تعيّن،و وجهه واضح.

الثامن فيمن صلّى بتيمم فأحدث في الصلاة ثمَّ وجد الماء قطع و تطهّر و أتم

الثامن:

روي صحيحا فيمن صلّى بتيمم فأحدث في أثناء الصلاة ثمَّ وجد الماء قطع الصلاة و خرج منها و تطهّر و أتم الصلاة من موضع القطع (1).

و حيث إنّ ظاهره الشمول لصورتي العمد و النسيان المخالف للإجماع القطعي نزّلها الشيخان (2)على النسيان و عملا بها حينئذ،و تبعهما المصنف في غير الكتاب (3).

و ظاهره هنا التردد،لصحة الرواية و عمل الشيخين بها،و للأدلة الدالة بالعموم و الخصوص على الفساد في هذه الصورة المعتضدة بالشهرة العظيمة، مضافا إلى الإجماعات المنقولة عن الأمالي و الناصرية و التذكرة (4).و هو

ص:62


1- راجع ص:52.
2- المفيد في المقنعة:61،الطوسي في التهذيب 1:403.
3- المعتبر 1:407.
4- أمالي الصدوق:513،المسائل الناصرية(الجوامع الفقهية):199،التذكرة 1:67، 130.

الأقوى،لقصور الرواية و لو كانت صحيحة عن المقاومة لما مرّ من الأدلة،مع احتمالها التقية و قصورها عن وضوح الدلالة.

و لتحقيق المسألة محلّ آخر.

ثمَّ إنّ العامل بالرواية خصّها بموردها و وقف في غيره-و هو ما إذا دخل الصلاة متطهرا بالمائية،أو الترابية مع عدم الماء بعد الحدث-على محلّ الشهرة.

ص:63

الركن الرابع في النجاسات

اشارة

الركن الرابع في بيان النجاسات و النظر في أعدادها و أحكامها،و هي

أعدادها
اشارة

أي جنسها عشرة:.

الأول و الثاني البول و الغائط ممّا لا يؤكل لحمه

الأول و الثاني البول و الغائط ممّا لا يؤكل لحمه شرعا ذي النفس و الدم القوي الذي يخرج بقوة من العرق عند قطعه،بإجماع العلماء كافة كما عن المعتبر و المنتهى و الغنية (1).

و هو الحجة فيه،دون النصوص المستفيضة الآمرة بغسل الثوب أو الجسد أو إعادة الصلاة،من البول مرّتين أو مرّة،كما في الصحاح و الحسان و غيرها (2)في التطهير عنه المارّة بك في محلّه (3)،و من العذرة كالصحاح و غيرها المستفيضة (4)،لعدم الملازمة بين شيء من ذلك و بين النجاسة،لعدم انحصار وجهه فيها.

مضافا إلى أخصيتها من المدّعى،إذ غايتها الإطلاق في البول و العذرة المنصرف إلى المتبادر منهما،و هو من الإنسان خاصة.

نعم:في الصحيح:عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب أ يعيد صلاته؟قال:«إن كان لم يعلم فلا يعيد» (5).

و هو بمفهومه دالّ على الإعادة.و العذرة فيه و إن عمّت عذرة الإنسان

ص:64


1- المعتبر 1:410،المنتهى 1:159،160،الغنية(الجوامع الفقهية):550.
2- الوسائل 3:أبواب النجاسات ب 1،2،19،42.
3- انظر ص:103.
4- الوسائل 1:أبواب نواقض الوضوء ب 10،و ج 3:أبواب النجاسات ب 37،40.
5- الكافي 3:11/406،التهذيب 2:1487/359،الاستبصار 1:630/180،الوسائل 3: 475 أبواب النجاسات ب 40 ح 5.

و غيرها إلاّ أنها اختصت به و بالسنور و الكلب خاصة.و مع ذلك فليس الإعادة نصا في النجاسة،لاحتمال كونها من جهة استصحاب المصلّي فضلات ما لا يؤكل لحمه الموجب لها و لو كانت طاهرة.

فلا يتم الاستناد إليها في إثبات النجاسة إلاّ بعد ضمّ الإجماع و جعله قرينة للدلالة و التعدية،لكنه حينئذ هو الحجّة لا مجرّد المستفيضة.

و منه ينقدح أنّ الوجه الحكم بالطهارة حيث لم يكن إجماع و لا رواية.

ثمَّ إنّ الأشهر الأظهر نجاسة ذرق الطيور الغير المأكولة اللحم و أبوالها مطلقا،لعموم الإجماعين المحكيين عن الكتابين الأوّلين مع عدم القدح فيهما بخروج معلومي النسب عندنا.

و لعموم الحسن:«اغسل ثوبك من أبواب ما لا يؤكل لحمه» (1)المؤيّد بإطلاق ما مرّ،للإجماع على كون الأمر بالغسل فيهما للنجاسة،و على عدم الفرق بين موردهما و هو البول و غيره و هو الرجيع،و حكي عليه صريحا في الناصريات (2).

خلافا للعماني و الفقيه و الجعفي (3)فالطهارة مطلقا،تمسّكا بالأصل، و عموم:«كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر» (4)و خصوص الحسن:«كل شيء يطير فلا بأس بخرئه و بوله» (5)المؤيد بالصحيح:عن الرجل في ثوبه خرء الطير

ص:65


1- الكافي 3:3/57،التهذيب 1:770/264،الوسائل 3:405 أبواب النجاسات ب 8 ح 2.
2- الناصريات(الجوامع الفقهية):180.
3- نقله عن العماني في المختلف:56،الفقيه 1:41،نقله عن الجعفي في الذكرى:13.
4- الكافي 3:2/1،3،الفقيه 1:1/6،التهذيب 1:619/215،الوسائل 1:134 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 5 و في الجميع بتفاوت.
5- الكافي 3:9/58،التهذيب 1:779/266،الوسائل 3:412 أبواب النجاسات ب 10 ح 1.

و غيره هل يحكّه و هو في صلاته؟قال:«لا بأس» (1).

و للمبسوط ففرّق بين الخشّاف فالأوّل و غيره فالثاني (2)،استنادا فيه إلى ما مرّ،و في الأوّل إلى الخبر الذي سيذكر،و لا إشكال فيه و إنما الإشكال في غيره.

و في جميع ما ذكر أدلّة له أو مطلقا نظر ،لتخصيص الأوّلين بما مرّ كالثالث،و إن كان التعارض بينه و بينه عموما و خصوصا من وجه ،لكن الرجحان مع الأوّل،للشهرة العظيمة التي هي أقوى المرجحات النصيّة و الاعتبارية.

و ليس في الصحيح تأييد،بناء على وقوع السؤال و الجواب فيه عن الحك في الصلاة لا الطهارة و النجاسة.مضافا إلى عدم الملازمة بينها و بين نفي البأس عنه،لعدم السراية مع اليبوسة كما هي ظاهر الحك في الرواية،و ليس نصا في صحة الصلاة.مضافا إلى أنّ إطلاق الطير فيه ينصرف إلى المتبادر الغالب و هو مأكول اللحم،و غيره نادر.

و مع ذلك معارض بمؤيّد في طرف الأول،و هو موثقة عمّار،المروية في المختلف عن كتابه،عن مولانا الصادق عليه السلام قال:«خرء الخطّاف لا بأس به،هو ممّا يؤكل لحمه،و لكن كره أكله لأنه استجار بك و آوى إلى منزلك» (3).

و هي كالصريحة في أن المعيار في الطهارة و النجاسة في الطيور هو حلّ الأكل لا الطيران،و إلاّ لعلّل به دونه.

و القدح في الحسن السابق:باختصاصه بالبول مع عدم معلومية حصوله للطير،مدفوع بالإجماع على عدم الفرق ظاهرا و محكيا،و دلالة المعارض

ص:66


1- الفقيه 1:775/164،قرب الإسناد:726/192،الوسائل 7:284 أبواب قواطع الصلاة ب 27 ح 1.
2- المبسوط 1:39.
3- المختلف:679،الوسائل 3:411 أبواب النجاسات ب 9 ح 20.

بالحصول صريحا.

هذا مع أنّ عموم الحسن الثاني مخصّص بالخشّاف إجماعا كما في المختلف (1)،و لا يضره خروج معلوم النسب،مع احتمال إرادته من إطلاق عبارته ما عداه.مضافا إلى الخبر:عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه و لا أجده،قال:«أغسل ثوبك» (2).و المعارض (3)-مع ضعف سنده-غير مكافئ له محمول على التقية.

فإذا ثبت التخصيص حصل المرجوحية بالإضافة إلى عموم الحسنة السابقة التي ليست بمخصّصة.و خلاف الإسكافي في نجاسة بول الرضيع قبل أكله الطعام (4)شاذّ،على خلافه الإجماع عن المرتضى (5)،و مستنده قاصر سندا و دلالة (6)،معارض بأقوى منه كالحسن:عن بول الصبي،قال:«يصبّ عليه الماء فإن كان قد أكل فاغسله» (7).

الثالث المني

و الثالث المني ممّا له نفس سائلة،بإجماع الطائفة كما عن ظاهر المنتهى و صريح التذكرة و غيرهما من كتب الجماعة (8).

و هو الحجّة فيه،دون المستفيضة،لما مرّ سابقا،و لاختصاصها بحكم

ص:67


1- المختلف:56.
2- التهذيب 1:777/265،الاستبصار 1:658/188،الوسائل 3:413 أبواب النجاسات ب 10 ح 4.
3- التهذيب 1:778/266،الاستبصار 1:659/188،الوسائل 3:413 أبواب النجاسات ب 10 ح 5.
4- كما نقله عنه في المختلف:56.
5- راجع الناصريات(الجوامع الفقهية):181.
6- و هي رواية السكوني،انظر الوسائل 3:398 أبواب النجاسات ب 3 ح 4.
7- الكافي 3:6/56،التهذيب 1:715/249،الاستبصار 1:602/173،الوسائل 3:397 أبواب النجاسات ب 3 ح 2.
8- المنتهى 1:161،التذكرة 1:6،و انظر المدارك 2:265،و الذخيرة:146.

التبادر بالإنسان دون مطلق الحيوان.

نعم:في الصحيح:ذكر المني فشدّده و جعله أشد من البول (1).

و هو دالّ بفحواه على تبعية نجاسة المني للبول.و لكن ثبوت نجاسة المتبوع مطلقا إنما هو بمعونة الإجماع أيضا،فيكون هو الحجّة فيه أيضا جدا.

و التقييد بما ذكرنا-و هو ظاهر المتن-هو المشهور بين الأصحاب،بل كاد أن يكون إجماعا.

فالحكم في غير محل القيد الطهارة.

خلافا للمحكي عن المعتبر و المنتهى فتردّدا فيها (2).و يدفعه الأصل،مع اختصاص الأخبار-كما مرّ-بالإنسان،و عدم إجماع على النجاسة هنا،هذا.

و أما الصحيحان المشعران بطهارة المني مطلقا كما في أحدهما (3)،أو إذا كان جافا كما في الثاني (4)،فشاذان محمولان على التقية،لكون الأوّل مذهب جماعة من العامة (5)،و الثاني مذهب شرذمة منهم (6)كما حكاه بعض الأجلة (7)،فلا يرفع اليد بهما عن الإجماع القطعي و النصوص الصريحة الجليّة.

الرابع الميتة ممّا له نفس سائلة

و الرابع الميتة ممّا له نفس سائلة آدميا كان أو غيره،إجماعا

ص:68


1- التهذيب 2:880/223،الوسائل 3:478 أبواب النجاسات ب 41 ح 2.
2- المعتبر 1:415،المنتهى 1:162.
3- الكافي 3:2/52،الوسائل 3:445 أبواب النجاسات ب 27 ح 3.
4- التهذيب 1:1332/421،الاستبصار 1:657/188،الوسائل 3:446 أبواب النجاسات ب 27 ح 7.
5- منهم الشافعي في الأم 1:55،و نقله عن الشافعي و أحمد و داود في بداية المجتهد 1:82.
6- كابن قدامة في المغني 1:341.
7- نقله عن البهائي في الحدائق 5:34.

كما عن الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة و الشهيدين و ابن زهرة (1).و هو الحجّة فيه و المتمّم لدلالة المستفيضة بل المتواترة في مواضع متفرقة على النجاسة،كالصحاح و غيرها الواردة الآمرة بإلقاء الفأرة و نحوها و ما يليها الميتة في الأشياء الرطبة الجامدة،و الاستصباح بها إذا كانت أدهانا مائعة (2)،و ليس للأمر بذلك وجه سوى النجاسة بإجماع الطائفة.

و نحوها في وجه الدلالة على النجاسة المعتبرة الناهية عن الأكل من آنية أهل الذمة إذا كانوا يأكلون فيها الميتة (3).

و النصوص الواردة بنجاسة القليل بوقوع الجيفة،كالصحيح:«إذا كان الماء أكثر من رواية لم ينجسه شيء،تفسّخ فيه أو لم يتفسخ،إلاّ أن يجيء له ريح يغلب على ريح الماء» (4).

و في آخر:«كلّما غلب الماء ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب،و إذا تغيّر الماء و تغيّر الطعم فلا تتوضأ و لا تشرب» (5).

و نحوه الصحيحان،في أحدهما:عن غدير أتوه فيه جيفة،فقال:إذا كان الماء قاهرا و لا يوجد فيه الريح فتوضأ» (6).

ص:69


1- الخلاف 1:60،المعتبر 1:420،المنتهى 1:164،التذكرة 1:7،الشهيد الأول في الذكرى:13،الشهيد الثاني في روض الجنان:162،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية): 551.
2- الوسائل 24:194 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43.
3- الوسائل 24:210 أبواب الأطعمة المحرمة ب 54.
4- الكافي 3:3/2،التهذيب 1:117/42،الاستبصار 1:4/6،الوسائل 1:140 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 9.
5- الكافي 3:3/4 و فيه مرسلا،التهذيب 1:625/216،الاستبصار 1:19/12،الوسائل 1:137 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 1.
6- الكافي 3:4/4،الوسائل 1:141 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 11.

و في الثاني:يمرّ به الرجل و هو نقيع فيه الميتة الجيفة،فقال مولانا الصادق عليه السلام:«إن كان الماء قد تغير ريحه فلا تشرب و لا تتوضأ منه» الخبر (1).

و الموثق:عن الرجل يمرّ بالماء و فيه دابة ميتة قد أنتنت،قال:«إن كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ و لا تشرب» (2).

و نحوه آخر:في الفأرة التي يجدها في إنائه و قد توضأ من ذلك الإناء مرارا،و غسل ثيابه و اغتسل،و قد كانت الفأرة منسلخة،فقال:«إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثمَّ فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء، فعليه أن يغسل ثيابه و يغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلاة» الخبر (3).

مضافا إلى المروي عن الدعائم،عن مولانا الصادق عليه السلام قال، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«الميتة نجس و لو دبغت» (4).

و الرضوي:«و إن مسست ميتة فاغسل يدك» (5).

و في الموثق:عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك تموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه،قال:«كلّ ما ليس له دم فلا بأس» (6).

ص:70


1- التهذيب 1:112/40،الاستبصار 1:10/9،الوسائل 1:138 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 4.
2- التهذيب 1:624/216،الاستبصار 1:18/12،الوسائل 1:139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 6.
3- الفقيه 1:26/14،التهذيب 1:1322/418،الاستبصار 1:86/32،الوسائل 1:142 أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1.
4- دعائم الإسلام 1:126،المستدرك 2:592 أبواب النجاسات ب 39 ح 6.
5- فقه الرضا(عليه السلام):174،المستدرك 2:579 أبواب النجاسات ب 27 ح 7.
6- التهذيب 1:665/230،الاستبصار 1:66/26،الوسائل 1:241 أبواب الأسئار ب 10 ح 1.

و في الخبر:«لا يفسد الماء إلاّ ما كانت له نفس سائلة» (1).

و بهما مع الأصل يستدل على طهارة ميتة غير ذي النفس،مضافا إلى الإجماع المحكي عن المعتبر و المنتهى صريحا (2).و خلاف الشيخ و ابن حمزة في العقرب و الوزغة شاذ (3)،و مستنده قاصر (4).فالقول بالطهارة متعيّن.

ثمَّ ما تقدّم من الأخبار و ما ضاهاها مختصة بغير الإنسان،و أمّا الأخبار فيه فالحسن:عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت،قال:«يغسل ما أصاب الثوب» (5).

قيل:و لا دلالة فيه،لإمكان أن يكون المراد منه إزالة ما أصاب الثوب ممّا على الميت من رطوبة أو قذر تعدّيا إليه،يدل على ذلك ما في الرواية الأخرى:

«إن كان غسّل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه،و إن كان لم يغسّل فاغسل ما أصاب ثوبك منه» (6)فإنه إن كان نجس العين لم يطهر بالتغسيل (7).

و فيه نظر؛لمخالفة الاحتمال المذكور للظاهر أوّلا،و ظهور الدلالة معه ثانيا،بناء على استلزام نجاسة الرطوبة نجاسة الجسد لتفرعها عليها و صدورها منها.

و تقييدها بالرطوبة النجسة(بالذات) (8)ينافي عطف القذر عليها المقتضى

ص:71


1- التهذيب 1:669/231،الاستبصار 1:67/26،الوسائل 1:241 أبواب الأسئار ب 10 ح 2.
2- المعتبر 1:101،المنتهى 1:28.
3- الشيخ في النهاية:54،ابن حمزة في الوسيلة:78.
4- الوسائل 1:240 أبواب الأسآر ب 9 ح 5،6؛و ص 187 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 2.
5- الكافي 3:4/161،الوسائل 3:300 أبواب غسل المس ب 6 ح 3.
6- الكافي 3:7/161،التهذيب 1:811/276،الوسائل 3:461 أبواب النجاسات ب 34 ح 1.
7- انظر المفاتيح 1:66.
8- ليست في«ش».

للتغاير و القسيمية،و الحال أنه على التقييد نوع منه أو عينه.

و تقييد القذر بالنجس العيني و حمل الرطوبة على النجس العارضي بدون (1)الموت و إن أمكن إلاّ أن ارتكاب مثله في النص بعيد جدا،مع أن ظاهره وجوب غسل جميع ما لاقى من جسده الشامل للرطوبة الغير الملاقية للنجاسة الخارجية،و ذلك مستلزم للنجاسة كما مرّ،و التخصيص لا بدّ له من دليل،و لم يظهر.

و دعوى الملازمة بين النجاسة العينية و عدم حصول التطهير بالطهارة المائية ممنوعة،كيف لا؟!و الطهارة و النجاسة من الأمور التعبدية،فلا بعد في حصول الطهارة لها بها بعد ثبوتها من الشريعة،كحصول الطهارة بالإسلام للكافر بالضرورة.

ثمَّ ليس في الخبرين دلالة على تعدي النجاسة مع اليبوسة،بل ظاهرهما -كما ترى-اختصاصه بالرطوبة.

نعم:هو ظاهر إطلاق الرضوي:«و إن مسّ ثوبك ميّت فاغسل ما أصاب» (2)فتأمل.

و أظهر منه المروي في الاحتجاج عن مولانا القائم عليه السلام:«ليس على من مسّه-أي الميّت-إلاّ غسل اليد» (3).

و هو-مع قصور السند و المخالفة للأصل المعتمد-معارض بالموثق:

«كلّ يابس زكي» (4).

ص:72


1- في«ش»:دون.
2- فقه الرضا(عليه السلام):169،المستدرك 2:579 أبواب النجاسات ب 27 ح 7.
3- الاحتجاج:482،الوسائل 3:296 أبواب غسل المس ب 3 ح 4.
4- التهذيب 1:141/49،الاستبصار 1:167/57،الوسائل 1:351 أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 5.

و التعارض بينهما و إن كان عموما من وجه لا بدّ من ترجيح أحدهما عليه، إلاّ أن المرجح من الأصل و غيره مع الثاني،مع قوة عمومه،و اعتضاده بفحوى الصحيح:«وقع ثوبه على كلب ميت،قال:ينضحه و يصلّي فيه،و لا بأس به» (1).

و به و بالسابق يستدل على عدم تعدي نجاسة الميتة غير الآدمي مع اليبوسة،مضافا إلى عموم الصحيح الناشئ عن ترك الاستفصال:«وقع ثوبه على حمار ميت،قال:ليس عليه غسله،و ليصلّ فيه،و لا بأس» (2).

و أمّا ما ورد من الأمر بغسل ما لاقى الثعلب و غيره من السباع حيا أو ميتا (3)فهو محمول على الاستحباب قطعا،إذ لم يقل أحد بثبوت الحكم المذكور مع الحياة أيضا جدّا.

فالقول بتعدي النجاسة مع اليبوسة هنا و في السابق-كما عن الروض و المعالم و العلاّمة (4)-محل مناقشة.كالقول بعدم تعدي نجاستها مطلقا مع وجوب غسل الملاقي لها خاصة تعبدا كما عن الحلّي.و عبارته المحكية لا تساعد الحكاية (5).و على تقدير الصحة فهو ضعيف جدّا،للإجماع ظاهرا على نجاسة ملاقي الملاقي للميتة رطبا.

ثمَّ إن مقتضى إطلاق النص و كلام الأصحاب النجاسة بمجرّد الموت

ص:73


1- التهذيب 1:815/277،الاستبصار 1:674/192،الوسائل 3:442 أبواب النجاسات ب 26 ح 7.
2- التهذيب 1:813/276،الاستبصار 1:672/192،الوسائل 3:442 أبواب النجاسات ب 26 ح 5.
3- الكافي 3:4/60،التهذيب 1:763/262،الوسائل 3:462 أبواب النجاسات ب 34 ح 3.
4- روض الجنان:168،معالم الفقه:278،العلامة في نهاية الإحكام 1:280.
5- انظر السرائر 1:163.

و إن لم يبرد،مضافا إلى صريح المروي في الاحتجاج عن مولانا القائم عليه السلام:«إذا مسّ الميت بحرارته لم يكن عليه إلاّ غسل يده» (1)بل عن الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة:إجماع الطائفة عليه (2).

خلافا لبعض المتأخرين،فخصّها ببعد البرد (3)،لظاهر إطلاق الصحيح:«مسّ الميت عند موته و بعد غسله و القبلة ليس به بأس» (4).

و هو ضعيف،لعدم مقاومته لما مرّ.فيحمل نفي البأس على نفيه بالإضافة إلى لزوم الاغتسال بمسّه لا الغسل.

الخامس الدم

و كذا الدم نجس إذا كان ممّا له نفس سائلة،و هو الخامس.و عليه الإجماع عن المعتبر و المنتهى و التذكرة (5)،و هو الحجة فيه مع النصوص بضميمته،ففي الصحيح في نقط الدم إذا كانت أقلّ من درهم:«يغسله و لا يعيد الصلاة» (6).

و في الصحاح المستفيضة و غيرها الأمر بإعادة الصلاة منه مطلقا مع الأمر بغسله في بعضها بعده،كالصحيح:أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني،فعلّمت أثره إلى أن أصيب له الماء،فأصبت و قد حضرت الصلاة، و نسيت أنّ بثوبي شيئا و صلّيت،ثمَّ إني ذكرت بعد ذلك،قال:«تعيد الصلاة و تغسله» (7).

ص:74


1- الاحتجاج:482،الوسائل 3:296 أبواب غسل المس ب 3 ح 5.
2- الخلاف 1:701،المعتبر 1:420،المنتهى 1:164،التذكرة 1:57.
3- كصاحبي المدارك 2:271،و الذخيرة:91.
4- الفقيه 1:403/87،التهذيب 1:1370/430،الاستبصار 1:326/100،الوسائل 3: 295 أبواب غسل المس ب 3 ح 1.
5- المعتبر 1:420،المنتهى 1:163،التذكرة 1:7.
6- التهذيب 1:740/255،الاستبصار 1:611/176،الوسائل 3:429 أبواب النجاسات ب 20 ح 1.
7- التهذيب 1:1335/421،الاستبصار 1:641/183،الوسائل 3:479 أبواب النجاسات ب 42 ح 2.

و قد استدل بها لنجاسته مطلقا حتى في الناقص عن سعة الدرهم أو قدر الحمصة،ردّا على الإسكافي و الصدوق،حيث إنّ ظاهر الأول الحكم بطهارة الأول،و الثاني الحكم بطهارة الثاني (1)،لإطلاقها أو عمومها.

و ليس في محله،إذ الأمر بإعادة الصلاة قرينة على زيادته على المقدارين،و لا كلام لهما في نجاسته.و كيف كان فقولهما شاذّ،و مستندهما قاصر (2)معارض بالإجماعات و خصوص المتقدم على الصحاح.

ثمَّ إنّ مقتضى الأصل و اختصاص الأخبار بدم ذي النفس بحكم التبادر يوجب المصير إلى تقييد الحكم به و القول بالطهارة في غيره،مضافا إلى الإجماع عليها في السمك المحكي عن الخلاف و المعتبر و المنتهى و الذكرى و الغنية و السرائر (3).

و في الخبر:«إنّ عليا عليه السلام كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذكر يكون في الثوب،فيصلي فيه يعني دم السمك» (4).

و عن الأربعة الأول الإجماع عليها في غيره من مطلق غير ذي النفس، و المستند فيه الصحيح:ما تقول في دم البراغيث؟قال:«ليس به بأس»قال، قلت:إنه يكثر و يتفاحش،قال:«و إن كثر» (5).

ص:75


1- نقله عن الإسكافي في المعتبر 1:420،الصدوق في الفقيه 1:42.
2- انظر الوسائل 3:430 أبواب النجاسات ب 20 ح 5،7.
3- الخلاف 1:476،المعتبر 1:421،المنتهى 1:163،الذكرى:13،الغنية(الجوامع الفقهية):550،السرائر 1:174.
4- الكافي 3:4/59،التهذيب 1:755/260،مستطرفات السرائر:51/106،الوسائل 3:436 أبواب النجاسات ب 23 ح 2.
5- التهذيب 1:740/255،الاستبصار 1:611/176،الوسائل 3:435 أبواب النجاسات ب 23 ح 1.

و نحوه الخبر فيه:هل يمنعه ذلك من الصلاة؟قال:«لا و إن كثر» (1).

و نحوهما الخبر في دم البقّ (2).

و جمعهما آخر:«لا بأس بدم البراغيث و البقّ»الخبر (3).

و لا قائل بالفرق،و قصور الأسانيد منجبر بالعمل و الأصل.

و في حكمه عند أصحابنا الدم المتخلف في الذبيحة المأكولة اللحم بعد القذف المعتاد،لتخصيص الحرمة في الآية بالمسفوح (4)الظاهر في الحلّ في غيره المستلزم للطهارة،مع استلزام الحكم بالنجاسة عدم جواز حلّ الذبيحة، لعدم انفكاكها عن الدم و لو غسل اللحم مائة مرّة،مضافا إلى عمل المسلمين في الأعصار و الأمصار بالضرورة،و أيّ دليل أقوى من هذه الأدلة؟فلا وجه للمناقشة معهم في الحكم بالطهارة بشبهة عدم الدلالة.

السادس و السابع الكلب و الخنزير

و السادس و السابع الكلب و الخنزير البرّيان بإجماعنا،و وافقنا عليه أكثر من خالفنا،و استفاض حكايته في كلام جماعة من أصحابنا كالخلاف و المعتبر و التذكرة و المنتهى و غيرها (5).

و قد استفاض بالأوّل صحاح أخبارنا،بل قد صرّح بلفظ النجاسة في بعضها كالصحيح:«إنه رجس نجس» (6).

ص:76


1- الكافي 3:8/59،التهذيب 1:753/259،الوسائل 3:436 أبواب النجاسات ب 23 ح 4.
2- الكافي 3:9/60،التهذيب 1:754/260،الوسائل 3:436 أبواب النجاسات ب 23 ح 3.
3- التهذيب 1:778/266،الاستبصار 1:659/188،الوسائل 3:437 أبواب النجاسات ب 23 ح 5.
4- الأنعام:145.
5- الخلاف 1:186،المعتبر 1:439،التذكرة 1:7،المنتهى 1:166،و انظر الذكرى: 13.
6- التهذيب 1:646/225،الاستبصار 1:40/19،الوسائل 3:415 أبواب النجاسات ب 12 ح 2.

و في الخبر:أ ليس هو بسبع؟قال:«لا و اللّه إنه نجس،لا و اللّه إنه نجس» (1).

و المراد منه المعنى المصطلح قطعا بالإجماع و شهادة السياق.

و بنجاسة الثاني نطق القرآن الكريم أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [1] (2)و هو هنا النجس بلا خلاف كما في التهذيب (3)،مضافا إلى النصوص كالصحيح:

عن خنزير شرب ماء من إناء كيف يصنع به؟قال:«يغسل سبع مرّات» (4).

و النصوص الواردة بخلافها في المقامين (5)شاذة مطروحة،أو مؤوّلة،أو محمولة على التقية،فتأمل .

ثمَّ إنّ مقتضى الأصل و اختصاص ما مرّ من النص-بحكم التبادر و الغلبة- بالبري:الطهارة في البحري إن قلنا بكون اللفظ حقيقة في جنسه كما هو الأشهر.و إلاّ فالإشكال مرتفع من أصله إلاّ على القول بجواز استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه في إطلاق واحد إن كان المقام منه كما عن التحرير و نهاية الإحكام (6)،أو معنييه المشترك بينهما لفظا إن كان منه كما عن المنتهى (7).

و كلاهما غير مرضي عند المحقّقين،و مع ذلك يتوقف على وجود القرينة الصارفة أو المعيّنة،و كلّ منهما مفقود في مفروض المسألة.

ص:77


1- التهذيب 1:647/225،الاستبصار 1:41/19،الوسائل 3:415 أبواب النجاسات ب 12 ح 6.
2- الأنعام:145.
3- التهذيب 1:278.
4- التهذيب 1:760/261،الوسائل 3:417 أبواب النجاسات ب 13 ح 1.
5- الوسائل 1:أبواب الماء المطلق ب 14 الأحاديث 2،3،16،و أبواب الأسآر ب 2 ح 6.
6- التحرير 1:24،نهاية الإحكام 1:272.
7- المنتهى 1:166.

فالقول بنجاسة البحري كما عن الحلّي تبعا للاسم (1)ضعيف غايته.

كالقول بطهارة ما لا تحلّه الحياة منهما و من الكافر كما عن المرتضى (2)، بناء منه على الأصل،لوجوب تخصيصه بما مرّ لعمومه،بل كون ذلك أغلب أفراده.و دعواه الإجماع ممنوعة،كيف؟!و هو منفرد من بين الطائفة بالقول بالطهارة.

نعم:في الخبرين أحدهما الصحيح:عن الحبل يكون من شعر الخنزير،يستقى به الماء من البئر التي يشرب منها،أ يتوضأ من ذلك الماء؟ قال:«لا بأس» (3).

و ربما أشعر بالطهارة،إلاّ أنه مبني على رجوع الإشارة إلى الماء المستقى دون ماء البئر،و مع ذلك يتوقف على قلّته،و ليس بمتعيّن،فيحتمل الرجوع إلى الثاني،أو الأوّل بشرط كثرته،و يتصور في الدلاء العظيمة المحتملة لمقدار الكرّ.و لا ريب في نفي البأس عنه على الاحتمال الثاني، و كذا على الأوّل بناء على المختار من عدم الانفعال.

و على تقدير التسليم فحملهما على التقية لازم،لحكاية القائل به منّا ذلك عن أبي حنيفة المشتهر رأيه في زمان صدورهما.

هذا مع معارضتهما بالمستفيضة الصريحة بالنجاسة،منها:عن شعر الخنزير يخرز به،قال:«لا بأس و لكن يغسل يده إذا أراد أن يصلّي» (4).

و منها:«خذوه-أي شعر الخنزير-فاغسلوه،فما له دسم فلا تعملوا به، و ما لم يكن له دسم فاعملوا به،و اغسلوا أيديكم منه» (5).

ص:78


1- السرائر 2:220.
2- الناصريات(الجوامع الفقهية):182.
3- الكافي 3:10/6،التهذيب 1:1289/409،الوسائل 1:170 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 2. الخبر الثاني:الكافي 6:3/258،الوسائل 1:171 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3.
4- التهذيب 9:357/85،الوسائل 3:418 أبواب النجاسات ب 13 ح 3.
5- الفقيه 3:1019/220،التهذيب 9:356/85،الوسائل 17:228 أبواب ما يكتسب به ب 58 ح 4.

و منها فيمن يعمل الحبائل بشعر الخنزير،قال:«إذا فرغ فليغسل يده» (1).

و منها:«فاعمل به،و اغسل يدك إذا مسسته عند كل صلاة»قلت:

و وضوء؟قال:«لا،اغسل يدك كما تمس الكلب» (2).

و هي-مع استفاضتها و اعتبار أسانيد بعضها و اعتضادها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون بالغة حدّ الإجماع-ظاهرة الدلالة من جهة الأمر بغسل الملاقي الظاهر هنا في النجاسة بإجماع الطائفة،مع كونه عند الخصم من الأمور المسلّمة.فرجحانها على الخبرين ليس محل ريبة بالضرورة.

الثامن الكافر

و الثامن الكافر أصليا و مرتدّا و إن انتحل الإسلام مع جحده لبعض ضرورياته،و ضابطه من أنكر الإلهية أو الرسالة أو بعض ما علم ثبوته من الدين ضرورة.

و الحجة في الحكم بعد الإجماعات المستفيضة المحكية عن الناصريات و الانتصار و السرائر و الغنية و المنتهى و ظاهر نهاية الإحكام و التذكرة (3):الآية الكريمة إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [1] (4)المتمم دلالتها-حيث اختصت بالمشرك،و تضمنت لفظ«النجس»الغير المعلوم إرادة المعنى الاصطلاحي منه-بعدم القائل بالتخصيص،و ظهور المعنى المصطلح هنا بقرينة فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ [2] مع أن بيان النجاسة اللغوية خاصة ليس من وظيفة الحكمة الربانية.

فإرادة ما ذكرنا متعيّنة،لا الخباثة الباطنية كما اختارها بعض الأجلّة (5)،

ص:79


1- التهذيب 6:1129/382،الوسائل 17:227 أبواب ما يكتسب به ب 58 ح 1.
2- التهذيب 6:1130/382،الوسائل 17:228 أبواب ما يكتسب به ب 58 ح 2.
3- الناصريات(الجوامع الفقهية):180،الانتصار:10،السرائر 1:73،الغنية(الجوامع الفقهية):551،المنتهى 1:168،نهاية الإحكام 1:273،التذكرة 1:8.
4- التوبة:28.
5- انظر مجمع الفائدة 1:319،و المدارك 2:294.

إذ ليست من المعاني المعهودة المعروفة للفظ النجاسة حتى ينصرف إليها مع القرينة الصارفة عن اللغوية.

و النصوص المعتبرة بنجاسة أهل الكتاب مستفيضة (1)،و بفحواها يستدل على نجاسة غيرهم من أصناف الكفّار.

إلاّ أنها معارضة بروايات أخر معتبرة الأسانيد (2).لكنها موافقة للتقية، مخالفة للإجماعات المحكية و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،بل إجماع البتّة،كيف لا؟!و يعدّ نجاستهم عوام العامة و الخاصة-فضلا من فضلائهم-من خصائص الإمامية.

فحملها على التقية متعين البتة،مع إشعار بعض أخبار الطهارة بها،ففي الحسن:«أمّا أنا فلا أدعوه و لا أؤاكله،و إني لأكره أن أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم» (3)و يؤيده مصير الإسكافي إليها (4).

و مخالفة المفيد لنا في العزّية (5)غير معلومة،لذكره الكراهة،و ظهورها في المعنى المصطلح في زمانه غير معلوم،فيحتمل الحرمة.

و كذا مخالفة العماني (6)،لتصريحه بطهارة أسآرهم،و يحتمل إرادته الماء القليل من السؤر (7)،كما قيل:إنه المصطلح بين الفقهاء من لفظ السؤر حيثما ذكروه (8)فتأمل.

ص:80


1- الوسائل 3:419 أبواب النجاسات ب 14،و ج 24:210 أبواب الأطعمة المحرمة ب 54.
2- انظر الوسائل 1:229 أبواب الأسآر ب 3 ح 3،و ج 3 ص 422 أبواب النجاسات ب 14 ح 11،و ج 24 ص 208 أبواب الأطعمة المحرمة ب 53 ح 1،2،3،و ب 54 ح 4.
3- الكافي 6:4/263،الوسائل 3:419 أبواب النجاسات ب 14 ح 2.
4- نقله عنه في المعالم:249.
5- كما نقله عنه في المعتبر 1:96.
6- على ما حكى عنه في المدارك 2:295،و الذخيرة:150.
7- و هو قائل بعدم تنجّس الماء القليل بالملاقاة،كما حكي عنه في المعتبر 1:48.
8- حاشية المدارك للوحيد البهبهاني.المدارك(الطبع الحجري):23.

و أما الشيخ في النهاية فعبارته فيها صريحة في النجاسة (1)و إن أتى بعدها بما ربما ينافيها (2).لكنها مؤوّلة بتأويلات غير بعيدة تركن النفس إليها بعد إرادة الجمع بينه و بين العبارة الصريحة في النجاسة.

و على تقدير مخالفة هؤلاء المذكورين لا يمكن القدح في الإجماعات المستفيضة المحكية بخروجهم البتة،كما مرّ غير مرّة.

و حيث قد عرفت انحصار أدلة نجاسة الكفّار في الإجماع و فحوى الأخبار المزبورة ظهر لك وجه قوّة القول بطهارة من عدا الخوارج و الغلاة و النواصب من فرق المسلمين-إلاّ أن ينكر ضروريا من الدين على وجه يلحق بالكافرين- سواء كان جاحد النص أو غيره.و هو المشهور بين الأصحاب.

لأصالة الطهارة و عموماتها.مع عدم جريان شيء من الدليلين المخرجين عنهما هنا،لفقد الإجماع في محل النزاع سيّما مع شهرة الطهارة،و عدم الأولوية،إذ ليسوا-لشرف الإسلام-أمرّ من أهل الذمة.

هذا،مع لزوم الحرج على تقدير النجاسة،و الإجماع على عدم احتراز الأئمة عليهم السلام و الأصحاب عنهم في شيء من الأزمنة على حدّ يظهر عدم كونه من جهة التقية.

مضافا إلى النصوص المستفيضة بل المتواترة الحاكمة بحلّ ما يوجد في أسواق المسلمين و الطهارة (3)،مع القطع بندرة الإمامية في جميع الأزمنة سيّما في أزمنة صدور تلك النصوص،و أنه لا ينعقد لخصوصهم سوق يكون الأحكام المزبورة واردة عليه،فهو من أقوى الأدلة على طهارة هؤلاء الكفرة و إن كانوا في المعنى أنجس من الكلاب الممطورة.

ص:81


1- النهاية:589.
2- قال:و يكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفار إلى طعامه،فيأكل معه.فإن دعاه فليأمره بغسل يديه،ثمَّ يأكل معه إن شاء.
3- الوسائل 3:490 أبواب النجاسات ب 50.

خلافا للشيخ فحكم بنجاسة المجبرة (1)،و للسيّد-رحمه اللّه-فحكم بنجاسة المخالفين (2)،لإطلاق الكفر عليهم في كثير من الأخبار (3).

و هو كما ترى،فإنه أعم من الحقيقة،مع أنّ أمارات المجازات من عدم التبادر أو تبادر الغير و صحة السلب موجودة.و على تقديرها فلا دليل على النجاسة كلية،و إن هو إلاّ مصادرة محضة،لفقد الإجماع و ما مضى من الأولوية.

مضافا إلى معارضتها بكثير من المعتبرة الدالّة على إسلامهم من حيث الشهادتين،ففي الخبر:«الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و التصديق برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و به حقنت الدماء و عليه جرت المناكحة و المواريث و على ظاهره عامة الناس» (4).

و قريب منه آخر:«الإسلام ما ظهر من قول أو فعل،و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها،و به حقنت الدماء و عليه جرت المواريث و جاز النكاح» (5).

و المعتبرة بمعناهما مستفيضة (6)و فيها الصحيح و الحسن،لكن ليس فيها أن الإسلام هو الشهادتان و إن كان يظهر منها بنوع من التأمل.

فإذا ثبت إسلامهم ثبت طهارتهم،للخبر:أ يتوضأ من فضل وضوء جماعة المسلمين أحب إليك أو يتوضأ من ركو أبيض مخمّر؟فقال:«بل من فضل وضوء جماعة المسلمين،فإنّ أحبّ دينكم إلى اللّه تعالى الحنيفية السهلة

ص:82


1- انظر المبسوط 1:14.
2- كما نقله عنه في روض الجنان:163.
3- منها ما رواه في الكافي 1:11/187 و ص 7/437،و المحاسن:34/89،الوسائل 28: أبواب حدّ المرتد ب 10 ح 13،43،48.
4- الكافي 2:1/25.
5- الكافي 2:5/26.
6- انظر الكافي 2:24،25 كتاب الايمان و الكفر ب 14،15.

السمحة» (1).

و أمّا الحجّة على نجاسة الفرق الثلاث (2)و من أنكر ضروري الدين فهو الإجماع المحكي عن جماعة (3).و يدخل في الأخير المجسمة الحقيقية، لقولهم بالحدوث الباطل بالضرورة من الدين.

و لولاه لكان القول بالطهارة متعينا،للأخبار المزبورة الحاكمة بإسلام من صدر عنه الشهادتان،المستلزم للطهارة،للرواية المتقدمة.

التاسع كل مسكر

و التاسع كل مسكر مائع بالأصالة،كما عن المنتهى و التذكرة و المدنيّات و الذكرى و البيان و ظاهر المقنعة و الناصريات و النهاية و مصباح الشيخ و الغنية و المهذّب و الوسيلة (4)،لتعبيرهم بالشراب المسكر.

و عن الأكثر-و منهم الشيخ في المبسوط و الجمل-الإطلاق (5).و ليس في محلّه،للأصل،و اختصاص المثبت للنجاسة بالأشربة المائعة خاصة.

و الحجة في نجاسة الخمر منها بعد الإجماعات المستفيضة المحكية عن السرائر و النزهة و الخلاف و المبسوط و الناصريات و الغنية و التذكرة (6):الصحاح المستفيضة.و نحوها في الاستفاضة غيرها من المعتبرة في نفسها و المنجبر قصور أسانيدها بالشهرة العظيمة.

ص:83


1- الفقيه 1:16/9،الوسائل 1:210 أبواب الماء المضاف ب 8 ح 3.
2- أي:الخوارج و الغلاة و النواصب.
3- منهم:العلامة في المنتهى 1:168،و الشهيد الثاني في روض الجنان:163،و السبزواري في الذخيرة:152.
4- المنتهى 1:168،التذكرة 1:7،حكاه عن المدنيات في كشف اللثام 1:65،الذكرى: 14،البيان:91،المقنعة:73،الناصريات(الجوامع الفقهية):181،النهاية:51، مصباح المتهجد:13،الغنية(الجوامع الفقهية):550،المهذّب 1:51،الوسيلة:74.
5- المبسوط 1:11،36،الجمل و العقود(الرسائل العشر):171،و حكاه عن الأكثر في كشف اللثام 1:46.
6- السرائر 1:70،178،نزهة الناظر:17،الخلاف 2:484،المبسوط 1:36،الناصريات (الجوامع الفقهية):181،الغنية(الجوامع الفقهية):550،التذكرة 1:7.

ففي الصحيح:عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجرّي و يشرب الخمر فيردّه،أ يصلّي فيه قبل أن يغسله؟قال:«لا يصلّي فيه حتى يغسله» (1).

و الصحيح:عن آنية أهل الذمة و المجوس،فقال:«لا تأكلوا في آنيتهم، و لا من طعامهم الذي يطبخون،و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر» (2).

و الصحيح:«إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه،و إن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه،و إن صلّيت فيه فأعد صلاتك» (3).

و ليس شيء منها-كما ضاهاها-يقبل الحمل على التقية،لاتفاق العامة على أكل الجرّي و طهارة أهل الكتاب و حلّ النبيذ مع تصريحها بمخالفتهم في الأمور المزبورة،فليس حملها عليها إلاّ غفلة واضحة،بل يتعين حمل ما خالفها عليها (4)،سيّما مع ندرة القائل بها منّا (5)،و شذوذها عند أصحابنا و قلّة عددها بالإضافة إلى ما مضى.

و أما نجاسة سائر الأشربة المسكرة فكأنه لا فارق بينها و بين الخمر.و عن الناصريات:إنّ كلّ من حرّم شربها نجّسها (6).و عن الخلاف و المعتبر:

الإجماع على نجاستها (7).

ص:84


1- التهذيب 2:1494/361،الاستبصار 1:1498/393،الوسائل 3:468 أبواب النجاسات ب 38 ح 1.
2- الكافي 6:5/264،الوسائل 3:419 أبواب النجاسات ب 14 ح 1.
3- الكافي 3:14/407،التهذيب 1:826/281،الاستبصار 1:669/190،الوسائل 3: 468 أبواب النجاسات ب 38 ح 2.
4- انظر الوسائل 1:145 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 2،و ج 3 ص 471 أبواب النجاسات ب 38 ح 10 إلى 14.
5- و هو العماني كما حكاه عنه في المختلف:58،و الصدوق في الفقيه 1:43،و يظهر أيضا من المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1:312.
6- الناصريات(الجوامع الفقهية):181.
7- الخلاف 2:484،المعتبر 1:424.

و النصوص بنجاسة النبيذ مستفيضة (1)،و ربما ظهر من الصحيح الأخير المتقدم تفسيره بمطلق المسكر،فيستفاد منها بمعونته نجاستها بأجمعها،مضافا إلى المرسل:«لا تصلّ في ثوب أصابه خمر أو مسكر،و اغسله إن عرفت موضعه،و إن لم تعرف موضعه فاغسل الثوب كلّه،فان صلّيت فيه فأعد صلاتك» (2).

و نحوه الموثق:«لا تصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتى تغسل» (3).

و يعضده المعتبرة الناصة على شمول الخمر لجميعها،ففي الصحيح:

«الخمر من خمسة:العصير من الكرم ،و النقيع من الزبيب،و البتع من العسل، و المزر من الشعير،و النبيذ من التمر» (4).

و في خبر آخر:«الخمر من خمسة أشياء:من التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير و العسل» (5).

و نحوهما في روايات ثلاث أخر معتبرة (6).

و في المروي عن علي بن إبراهيم،عن مولانا الباقر عليه السلام:«و إنما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البسر و التمر،فلمّا نزل تحريمها خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقعد في المسجد ثمَّ دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فأكفاها كلّها»ثمَّ قال:«هذه خمر فقد حرّمها اللّه تعالى،و كان أكثر شيء

ص:85


1- منها ما رواه في الوسائل 3:470 أبواب النجاسات ب 38 ح 6 و 8.
2- الكافي 3:4/405،التهذيب 1:818/278،الاستبصار 1:661/189،الوسائل 3: 469 أبواب النجاسات ب 38 ح 3.
3- التهذيب 1:817/278،الاستبصار 1:660/189،الوسائل 3:470 أبواب النجاسات ب 38 ح 7.
4- الكافي 6:1/392،التهذيب 9:442/101،الوسائل 25:279 أبواب الأشربة المحرمة ب 1 ح 1.
5- الكافي 6:2/392،الوسائل 25:279 أبواب الأشربة المحرمة ب 1 ح 2.
6- الوسائل 25:280 أبواب الأشربة المحرمة ب 1 الأحاديث 3،4،6.

اكفئ من ذلك يومئذ من الأشربة الفضيخ ،و لا أعلم أكفئ من خمر العنب شيء إلاّ إناء واحد كان فيه زبيب و تمر جميعا،فأمّا عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شيء» (1).

و ذهب جماعة من أهل اللغة إلى ما تضمنته هذه الروايات (2).

و في الخبر (3):«ما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر» (4).

و إطلاق الخمر عليه يلازم الدلالة على النجاسة،إمّا لاقتضائه كونه حقيقة فيه،أو اشتراكه معه في أحكامه.و لكن المناقشة فيه بتبادر الحرمة منها خاصة ممكنة.

ثمَّ إن المشهور بين الأصحاب (5)أن في حكم الخمر العصير العنبي إذا غلى و اشتد،و لعلّه إمّا لكونه خمرا حقيقة،كما حكي عن جماعة من فقهاء العامة و الخاصة كالبخاري و الصدوقين و الكليني (6).أو لإطلاق لفظ الخمر عليه في النصوص الملازم لكونه حقيقة فيه أو مشتركا معها في الأحكام التي النجاسة

ص:86


1- تفسير القمي 1:180،الوسائل 25:280 أبواب الأشربة المحرمة ب 1 ح 5.
2- انظر القاموس 2:23،و المصباح المنير:182،و مجمع البحرين 3:292.
3- في«ل»:الصحيح.
4- الكافي 6:2/412،التهذيب 9:486/112،الوسائل 25:342 أبواب الأشربة المحرمة ب 19 ح 1.
5- كما ادعاه جماعة،و عن كنز العرفان 2:304 دعوى الإجماع عليه،و هو الحجة،المعتضدة بما في المتن من الأدلة،مضافا إلى الرضوي:«و اعلم أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار أو غلى من غير أن تصيبه النار فهو خمر و لا يحل شربه إلاّ أن يذهب ثلثاه على النار و يبقى ثلثه»فقه الرضا(عليه السلام):280 و هو سندا كالموثقة،و أظهر منها دلالة،لما فيه من عدم اختلاف النسخة،و بالجملة:القول بالنجاسة في غاية القوة.منه عفى عنه.
6- حكاه عنهم الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك(المخطوط)و قال فيها:لعلّ المأخذ هو الأخبار التي رواها في الكافي 6:393 في باب أصل تحريم الخمر،و رواه الصدوق في العلل:476 أيضا،إذ ظهر من تلك الأخبار أن العصير بمجرّد الغليان يدخل في حدّ الخمر حقيقة..إلى آخر ما قال.و انظر أيضا المقنع للصدوق:153 نقلا عن رسالة أبيه،و صحيح البخاري 7: 137،139.

منها،ففي الموثق المروي في التهذيب:عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج و يقول:قد طبخ على الثلث و أنا أعرف أنه يشربه على النصف،فقال:

«خمر لا تشربه» (1).

إلاّ أنه مروي في الكافي و ليس فيه لفظ الخمر (2)،لكن احتمال السقوط أولى من احتمال الزيادة و إن كان راوي الأول أضبط جدا.لكن في الاكتفاء بمثل هذا الاحتمال في تخصيص الأصول و العمومات إشكال.بل ربما انسحب الإشكال على تقديره أيضا،بناء على التأمل في تبادر النجاسة من علاقة الشباهة قطعا،سيّما بملاحظة سياق الخبر و تفريع حرمة الشرب فيه على الإطلاق المزبور خاصة.

فانحصر دليل النجاسة في كلام الجماعة.و الاستناد إليه في إثباتها يتوقف على ثبوت الحقيقة منه.و على تقديره فشمول ما دلّ على إطلاق الخمر لمثله محل نظر،لعدم التبادر.

فإذا الطهارة أقوى،وفاقا لجماعة من متأخري أصحابنا (3).إلاّ أن الاحتياط المصير إلى الأوّل إن لم يحصل له الإسكار،و إلاّ فالقول بنجاسته متعيّن جدا،لعموم ما تقدّم.

العاشر الفقّاع

و العاشر الفقّاع بالإجماع كما عن الانتصار و الخلاف و الغنية و المنتهى و نهاية الإحكام و ظاهر المبسوط و التذكرة (4)،مع التأيد بإطلاق الخمر عليه في المعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر،بل في بعضها:«إنه الخمر بعينها» (5).

ص:87


1- التهذيب 9:526/122،الوسائل 25:293 أبواب الأشربة المحرمة ب 7 ح 4.
2- الكافي 6:7/421.
3- منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 1:312،صاحب المدارك 2:289، السبزواري في الكفاية:12.
4- الانتصار:197،الخلاف 2:490،الغنية(الجوامع الفقهية):550،المنتهى 1:167، نهاية الإحكام 1:272،المبسوط 1:36،التذكرة 1:7.
5- الوسائل 25:359 أبواب الأشربة المحرمة ب 27.

و عليه يمكن الاستدلال بها على نجاسته جدا.

هذا مضافا إلى النص الصريح فيها،و لا يضر قصور سنده بعد الانجبار بعمل الأصحاب،و فيه:«لا تشربه فإنه خمر مجهول،فإذا أصاب ثوبك فاغسله» (1).

و المرجع فيه العرف و العادة،فحيثما ثبت إطلاق الاسم فيهما حكم بالنجاسة.

و اعلم أن الأظهر الأشهر بين قدماء الطائفة في عرق الجنب من الحرام مطلقا،حين الجنابة كان أم بعدها-و ربما خص بالأول-هو النجاسة، بل عدّه في الأمالي من دين الإمامية (2)،و صرّح بالإجماع في الخلاف شيخ الطائفة (3)،و هو الظاهر من عبارة ابن زهرة (4).و نحوها عبارة سلاّر (5)،إلاّ أن اختياره الطهارة بعد الحكاية بلا فاصلة يعيّن إرادته منها الشهرة العظيمة.

للنصوص المستفيضة،منها الرضوي:«إن عرقت في ثوبك و أنت جنب و كانت الجنابة من الحلال فتجوز الصلاة فيه،و إن كانت من حرام فلا تجوز الصلاة فيه حتى يغسل» (6).

و نحوه المروي في الذكرى عن زياد الكفرثوثي (7)،و في البحار عن مناقب ابن شهرآشوب نقلا من كتاب المعتمد في الأصول عن علي بن مهزيار (8)،و فيهما:«إن كان من حلال فصلّ فيه،و إن كان من حرام فلا تصلّ

ص:88


1- الكافي 6:7/423،التهذيب 9:544/125،الاستبصار 4:373/96،الوسائل 25: 361 أبواب الأشربة المحرمة ب 27 ح 8.
2- أمالي الصدوق:516.
3- الخلاف 1:483.
4- انظر الغنية(الجوامع الفقهية):551.
5- المراسم:56.
6- فقه الرضا(عليه السلام):84.
7- الذكرى:14،الوسائل 3:447 أبواب النجاسات ب 27 ح 12،البحار 77:7/118.
8- المناقب 4:414،البحار 77:5/117،المستدرك 2:569 أبواب النجاسات ب 20 ح 5.

فيه».

و نحوهما خبر آخر مروي في البحار (1).

و قصور أسانيدها منجبر بالشهرة العظيمة بين القدماء و الإجماعات المحكية،و الدلالة و إن لم تكن ناصة بالنجاسة إلاّ أنّ الملازمة بينها و بين عدم جواز الصلاة المصرّح به فيها هنا ثابتة،بناء على عدم القائل بما فيها خاصة من القائلين بالطهارة،و القول به خاصة دون الأحكام الأخر المترتبة على النجاسة إحداث قول في المسألة.

هذا مضافا إلى التأيد بالروايات الواردة في الحمّام الناهية عن غسالته معلّلة باغتسال الزاني فيها و الجنب عن حرام (2).فتأمل .

و كيف كان:فخلاف المتأخرين و مصيرهم إلى الطهارة ضعيف،و أدلتهم من الأصل و العمومات بما تقدّم مخصّصة.

و نحوه في النجاسة عرق الإبل الجلاّلة في الأظهر الأشهر بين قدماء الطائفة،بل ربما يستشعر الإجماع عليه من عبارة ابن زهرة (3)،و من عبارة سلاّر الشهرة العظيمة (4)،للصحيحين:«فإن أصابك من عرقها شيء فاغسله» (5).

و الثاني منهما عام للإبل و غيرها (6).و به صرّح بعض الأصحاب (7)و حكى عن النزهة (8).خلافا للأكثر فخصّوا الحكم بالأوّل.

ص:89


1- البحار 77:6/118،المستدرك 2:569 أبواب النجاسات ب 20 ذيل الحديث 5.
2- الوسائل 1:218 أبواب الماء المضاف ب 11.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):551.
4- المراسم:56.
5- الكافي 6:2/251،التهذيب 1:767/263،الوسائل 3:423 أبواب النجاسات ب 15 ح 2.
6- الكافي 6:1/250،التهذيب 1:768/263،الوسائل 3:423 أبواب النجاسات ب 15 ح 1.
7- انظر كشف اللثام 1:50.
8- نزهة الناظر:19.

و بهما يخصّ أدلة الطهارة التي تمسّك[بها] (1)الجماعة المتأخرة البالغين حدّ الشهرة.لكنها بالإضافة إلى شهرة القدماء مرجوحة.و على فرض التساوي فترجيحها عليها يحتاج إلى دلالة واضحة،و هي منتفية.و الأصل و العمومات بالصحيحين المرجّحين لشهرة القدماء مخصّصة،و هما أدلة خاصة،و تلك عامة،و الخاص مقدّم بالضرورة.فالمرجّح مع الشهرة القديمة البتة،مضافا إلى المخالفة للتقية،لتصريحهم بالطهارة كما حكاه بعض الأجلة (2).

و الأظهر طهارة لعاب المسوخ (3)عدا الخنزير و ذرق الدجاج غير الجلاّل،وفاقا للأشهر(سيّما) (4)بين من تأخر،للأصل،و العمومات، و خصوص النصوص في الأول في بعضها كالعقرب و الفأرة و الوزغة و العاج و نحوها (5)،و خصوص الخبر في الثاني:«لا بأس بخرء الدجاج و الحمام يصيب الثوب» (6).

خلافا للمراسم و الوسيلة و الإصباح في الأول فالنجاسة (7).و ليست مستندة إلى دلالة واضحة،و على تقديرها فهي لما تقدّم من الأدلة غير مكافئة، سيّما مع اعتضادها بالشهرة العظيمة،بل و الضرورة في بعض أفرادها كالزنبور و نحوه ممّا يوجب القول بوجوب التحرز عنه مخالفة الطريقة المستمرة بين المسلمين في الأعصار السابقة و اللاحقة،مضافا إلى استلزامه العسر و الحرج المنفيين في الشريعة السهلة السمحة.

ص:90


1- ما بين المعقوفين أثبتناه لاقتضاء السياق.
2- قال المحقق في المعتبر 1:414 بعد نقل قول سلاّر باستحباب غسل الثوب:و هو مذهب من خالفنا.و لم نعثر على غيره نسب التصريح بالطهارة إلى العامة.
3- قد وردت روايات في بيان أنواع المسوخ في الوسائل 24:104 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2.
4- ليست في«ش».
5- الوسائل 1:238 أبواب الأسئار ب 9،الوسائل 2:122 أبواب آداب الحمام ب 72.
6- التهذيب 1:831/283،الاستبصار 1:618/177،الوسائل 3:412 أبواب النجاسات ب 10 ح 2.
7- المراسم:55،الوسيلة:78،و نقله عن الإصباح في كشف اللثام 1:49.

فأبواب المناقشات في هذا القول مفتوحة.كانفتاحها في القول بنجاسة عينها و لعابها كما عن المبسوط في موضعين منه (1)،مدّعيا في أحدهما الإجماع.و هو غريب.و لا يبعد جعله أمارة لإرادته الخباثة من النجاسة لا المعنى المتعارف بين المتشرعة.

و يقربه المحكي عن اقتصاده من أنّ غير الطير على ضربين:نجس العين و نجس الحكم،فنجس العين هو الكلب و الخنزير،فإنّه نجس العين نجس السؤر نجس اللعاب،و ما عداه على ضربين:مأكول و غير مأكول،فما ليس بمأكول كالسباع و غيرها من المسوخات مباح السؤر و هو نجس الحكم (2).

انتهى.

فيحتمل إرادته من النجاسة فيما مضى ما فسّرها به هنا.و يؤيده حكمه في الخلاف بجواز التمشط بالعاج و استعمال المداهن منه مدّعيا عليه الإجماع (3).

و للصدوقين (4)،و الشيخين (5)في الثاني فنجّسوه،للخبر:عن ذرق الدجاج تجوز فيه الصلاة؟فكتب:«لا» (6).

و فيه-مع الضعف و الإضمار و كونه مكاتبة محتملة لأجلها الحمل على التقية-:قصور الدلالة،إلاّ على تقدير الملازمة بين نفي جواز الصلاة معه و النجاسة.و هي منتفية،لانتفائها في مواضع كثيرة.إلاّ أن ينجبر بعدم القول بالفرق بينه و بينها هاهنا.

ص:91


1- المبسوط 2:166،و ج 6:280.
2- الاقتصاد:254.
3- الخلاف 1:67.
4- الصدوق في المقنع:5،و لم نعثر على من نقله عن والده بل إنما نسبوه إلى الصدوق خاصة، انظر كشف اللثام 1:50،مفتاح الكرامة 1:153.
5- المفيد في المقنعة:71،الطوسي في المبسوط 1:36.
6- التهذيب 1:782/266،الاستبصار 1:619/178،الوسائل 3:412 أبواب النجاسات ب 10 ح 3.

و كيف كان:لا ريب في قصوره عن المقاومة لما مرّ من الأدلة بالضرورة، فينبغي طرحه،أو حمله على الجلاّل،لعدم خلاف في نجاسة ذرقه كما في التنقيح (1)،بل عليها الإجماع في المختلف (2).و يؤيده عموم ما دلّ على نجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه مطلقا،كما مضى (3).

و في نجاسة الثعلب و الأرنب و الفأرة و الوزغة اختلاف بين الطائفة:فبين حاكم بنجاسة الأربعة،كما عن موضع من المبسوط و موضع من النهاية (4)،مع حكمه بكراهة الرابع في الموضع الآخر من الأول (5)،و كراهة الثالث في الموضع الآخر من الثاني (6)،أو الأخيرين خاصة،كما عن المراسم و المقنعة (7).أو الأوّلين كذلك،كما عن الحلبيين (8).أو هما مع الرابع مكرها للثالث،كما عن القاضي (9).و عن الغنية الإجماع على القول الثالث.

و الكراهية في الجميع أظهر وفاقا لعامة من تأخر،للأصول و العمومات فيها أجمع.

و خصوص النصوص في الأول الدالة على قبولها التذكية،منها الصحيح:عن الصلاة في جلود الثعالب،قال:«إن كانت ذكية فلا بأس» (10)و لو كان نجس العين لما قبل التذكية.

و النصوص المستفيضة في الثالث،منها الصحاح و غيرها،فمن الاولى

ص:92


1- التنقيح الرائع 1:146.
2- المختلف:55.
3- في ص 60.
4- المبسوط 1:37،النهاية:52.
5- المبسوط 1:37.
6- النهاية:6.
7- المراسم:56،المقنعة:70.
8- أبو الصلاح في الكافي:131،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):551.
9- انظر المهذّب 1:51،52.
10- التهذيب 2:809/206،الاستبصار 1:1447/382،الوسائل 4:357 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 9.

الصحيح:عن الفأرة تقع في السمن و الزيت ثمَّ تخرج منه حيا،فقال:«لا بأس بأكله» (1).

و في الصحيح:«لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن تشرب منه و تتوضأ منه» (2).

و نحوه الخبر من الثاني المروي عن قرب الإسناد (3).

و في آخر منه:عن الفأرة و العقرب و أشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء و يتوضأ؟قال:«يسكب منه ثلاث مرّات،و قليله و كثيره بمنزلة واحدة،ثمَّ تشرب منه و تتوضأ منه،غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما وقع فيه» (4).

و خصوص الصحيح في الرابع:عن الوزغ يقع في الماء فلا يموت فيه، أ يتوضأ منه للصلاة؟قال«لا بأس» (5).

و المراد بعدم الانتفاع بما وقع فيه في الخبر السابق-و نحوه الرضوي (6)- الكراهة،أو المنع منه في مثل الشرب من جهة السّمّية لا النجاسة.

و لا معارض لهذه الأدلة سوى المرسل في الأوّلين:هل يجوز أن يمسّ الثعلب و الأرنب أو شيئا من السباع حيا أو ميتا؟قال:«لا يضره و لكن يغسل يده» (7).

ص:93


1- الكافي 6:4/261،التهذيب 9:362/86،الوسائل 24:197 أبواب الأطعمة المحرمة ب 45 ح 1.
2- الفقيه 1:28/14،التهذيب 1:1323/419،الاستبصار 1:65/26،الوسائل 1:239 أبواب الأسآر ب 9 ح 2.
3- قرب الإسناد:542/150،الوسائل 1:241 أبواب الأسآر 9 ح 8.
4- التهذيب 1:690/238،الاستبصار 1:113/41،الوسائل 1:240 أبواب الأسآر ب 9 ح 4.
5- التهذيب 1:1326/419،الاستبصار 1:58/23،الوسائل 1:238 أبواب الأسآر ب 9 ح 1.
6- فقه الرضا(عليه السلام):93،المستدرك 1:223 أبواب الأسآر ب 7 ح 2.
7- الكافي 3:4/60،التهذيب 1:763/262،الوسائل 3:300 أبواب غسل المس ب 6 ح 4.

و هو-مع إرساله و عدم مكافأته لما مرّ-دالّ بظاهر إطلاقه على نجاسة السباع أيضا،و مع ذلك شامل لحالتي الملاقاة برطوبة و بدونها جدّا،و لا قائل بالإطلاقين قطعا.

و النصوص في الثالث،أجودها سندا و دلالة الصحيح:عن الفأرة الرطبة قد وقعت على الماء تمشي على الثياب،أ يصلّى فيها؟قال:«أغسل ما رأيت من أثرها،و ما لم تره فانضحه بالماء» (1).

و هي-مع قصور سند أكثرها و دلالته-ضعيفة أجمع عن المكافأة لما مرّ من وجوه عديدة ،فلتحمل على الاستحباب.و مع ذلك محتملة للحمل على التقية،لحكاية نجاسة الفأرة في المنتهى عن بعض العامة (2).

و أما حكاية الإجماع المتقدمة عن الغنية فهي بمصير عامة المتأخرين إلى الطهارة موهونة،و مع ذلك فغايتها أنها رواية صحيحة لا تعارض-كسابقتها- شيئا من الأدلة السابقة.

ص:94


1- التهذيب 1:761/261،الوسائل 3:460 أبواب النجاسات ب 33 ح 2.
2- المنتهى 1:165.
أمّا أحكامها فعشرة
اشارة

و أمّا أحكامها فعشرة:

الأوّل كل النجاسات يجب إزالة قليلها و كثيرها عن الثوب و البدن

الأوّل كل النجاسات يجب شرعا إزالة قليلها و كثيرها عن الثوب و البدن للصلاة و الطواف الواجبين،و شرطا لهما،مطلقا إجماعا،إلاّ من الإسكافي في دون سعة الدرهم من النجاسات-عدا الحيض و المني-فلم يوجب الإزالة حاكما بالطهارة (1).و يدفعه إطلاق المستفيضة الآمرة بغسل النجاسات (2)الشامل لما ذكره و غيره.كدفعها المحكي في السرائر عن بعض الأصحاب من نفي البأس عمّا يترشح على الثوب أو البدن من النجاسات مطلقا (3)،أو مقيدا بالبول خاصة عند الاستنجاء كما عن ميافارقيات السّيد (4).مضافا إلى اندفاعهما و لا سيّما الأخير بالخصوص بالصحيح و غيره:عن رجل يبول بالليل،فيحسب أن البول أصابه و لا يستيقن،فهل يجزيه أن يصبّ على ذكره إذا بال و لا يتنشّف؟ قال:«يغسل ما استبان أنه قد أصابه و ينضح ما يشك فيه من جسده و ثيابه، و يتنشّف قبل أن يتوضأ» (5).

و بالجملة:لا ريب في وجوب الإزالة مطلقا عدا الدم فقد عفى عمّا دون الدرهم البغلي سعة لا وزنا في الصلاة خاصة،إجماعا كما عن المعتبر و المنتهى و نهاية الإحكام و المختلف و التذكرة (6)،للنصوص المستفيضة الآتية.

ص:95


1- نقله عنه في المختلف:59.
2- الوسائل 3:428 أبواب النجاسات ب 19.
3- السرائر 1:180.
4- رسائل الشريف المرتضى 1:288.
5- التهذيب 1:1334/421،الوسائل 3:466 أبواب النجاسات ب 37 ح 2.
6- المعتبر 1:429،المنتهى 1:172،نهاية الإحكام 1:285،المختلف:60،التذكرة 1: 8.

و موردها العفو عن الثوب خاصة،و لذا حكي الاقتصار عليه عن جماعة (1).و لكن المحكي عن المنتهى نسبة إلحاق البدن به إلى أصحابنا (2)، مشعرا بالإجماع عليه،فهو الحجّة إن تمَّ،لا الاشتراك في العلّة و هي حصول المشقة في الإزالة،فإنّها مستنبطة لا إشعار عليه في شيء من المعتبرة.

و لا الرواية:إني حككت جلدي فخرج منه دم،فقال:«إن اجتمع منه قدر حمصة فاغسله و إلاّ فلا» (3).

لقصور سندها أوّلا.و مخالفتها الإجماع ثانيا من حيث جعل المعيار قدر الحمصة و لا قائل به من الأصحاب إن أريد به سعة،و كذلك إن أريد به وزنا، لزيادة سعته من سعة الدرهم لو أشيع في البدن أو الثوب بكثير جدا و لا قائل به من الأصحاب أيضا.

إلاّ أن يجاب عن القصور بالانجبار بالعمل،و الدلالة بقراءة الحمصة بالخمصة بالخاء المعجمة،و هو (4)ما انخفض من راحة الكف،كما سيأتي نقل تقدير الدرهم به سعة عن بعض الأجلة (5)،لكنه يتوقف على القرينة على هذه النسخة و هي مفقودة.

فإذا المستند إنما هو حكاية الإجماع المستشعر بها عن عبارة العلاّمة إن تمَّ،و إلاّ فمقتضى الأصل المستفاد من النصوص المعتبرة المستفيضة عدم العفو و وجوب الإزالة.لكن الظاهر تماميته،فقد صرّح به المرتضى في الانتصار (6)،و لم نر فيه مخالفا،و كيف كان فالاحتياط مطلوب فيها البتة.

ص:96


1- منهم الصدوق في الفقيه 1:42،المفيد في المقنعة:69،الطوسي في المبسوط 1:35، سلاّر في المراسم:55.
2- المنتهى 1:173.
3- التهذيب 1:741/255،الاستبصار 1:613/176،الوسائل 3:430 أبواب النجاسات ب 20 ح 5.
4- في«ش»و«ل»زيادة:سعة.
5- و هو الحلّي في السرائر 1:177.
6- الانتصار:13.

ثمَّ إن المراد بالبغلي هو الكبير الوافي المضروب من درهم و ثلث على المستفاد من أكثر الأصحاب،بل حكي اتفاقهم عليه (1)،و عليه نص الرضوي:«إن أصاب ثوبك دم فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يكن مقدار درهم واف،و الوافي ما يكون وزنه درهما و ثلثا،و ما كان دون الدرهم الوافي فلا يجب عليك غسله و لا بأس بالصلاة فيه»إلى آخره (2).

و ربما ظهر من الحلّي مغايرة الوافي للبغلي (3).

و اختلفوا في سعته،فبين من قدّره بما يقرب سعته من سعة أخمص الراحة و ما انخفض منها كما عن الحلّي (4)،و بسعة الدينار كما عن العماني (5)، و بسعة العقد الأعلى من الإبهام كما عن الإسكافي (6)،و حكي اعتبار سعة العقد الأعلى من السبابة و من الوسطى (7).

و لا دليل على شيء منها و إن كان الأول منسوبا إلى الأشهر بين أصحابنا (8).و ربما يستشهد للثاني بالخبر المروي عن مسائل علي بن جعفر:

«و إن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله و لا تصلّ فيه حتى تغسله» (9)و لا حجة فيه من حيث السند،مع إجمال سعة الدينار.

و الأوفق بالقواعد الأخذ بالأقل من المقادير،وقوفا فيما خالف الأصل المتقدم على المتيقن،إلاّ أن الأخير ضعيف جدّا تشهد القرائن الحالية بفساده قطعا.بل و ربما لا يبعد ترجيح الأول،لإخبار الحلّي عن رؤيته كذلك و هو

ص:97


1- انظر الحدائق 5:331.
2- فقه الرضا(عليه السلام):95،المستدرك 2:565 أبواب النجاسات ب 15 ح 1.
3- السرائر 1:177.
4- السرائر 1:177.
5- نقله عنه في المختلف:60.
6- حكاه عنه في المختلف:59.
7- كما حكاه الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:52.
8- كشف اللثام 1:52.
9- مسائل علي بن جعفر:305/173،الوسائل 3:432 أبواب النجاسات ب 20 ح 8.

حجة،و ليس من باب الشهادة ليعتبر فيها التعدد،و مع ذلك فهو معتضد بالشهرة المحكية.

و اختلفوا أيضا في وجه التسمية بالبغلي،فعن المعتبر و التذكرة:إنه النسبة إلى قرية بالجامعين (1)،قيل:فعلى هذا فالغين مفتوحة و اللام مشددة (2).

و في الذكرى:إنه البغلي بإسكان الغين،و هو منسوب إلى رأس البغل ضربه الثاني في ولايته بسكة كسروية و وزنه ثمانية دوانيق،قال:و البغلية كانت تسمى قبل الإسلام الكسروية،فحدث لها هذا الاسم في الإسلام و الوزن بحاله و جرت في المعاملة مع الطبرية و هي أربعة دوانيق،فلمّا كان زمن عبد الملك جمع بينهما و اتخذ الدرهم منهما و استقر أمر الإسلام على ستة دوانيق،قال:

و هذه التسمية ذكرها ابن دريد،و حكى النسبة إلى قرية بالجامعين قولا،و استدل له بأن هذه الدراهم لا بدّ من تقدمها على الإسلام ليحمل عليها الأخبار،و أجاب بما أشار إليه آنفا من أنها متقدمة و إنما الحادث التسمية (3).

و عن المهذّب البارع ردّ ما في الذكرى بأن المسموع من الشيوخ فتح الغين و تشديد اللام،و اتباع المشهور بين الفقهاء أولى من اتباع المنقول عن ابن دريد (4).و لا ثمرة في هذا الاختلاف.

و ربما يستشكل في حمل إطلاق النصوص على البغلي،بناء على ما يستفاد من الذكرى و غيره إطلاق الدرهم عليه و على غيره من الطبرية و غيرها و أنه ترك في زمن عبد الملك،و هو متقدم على زمان صدور الروايات.و هو كذلك لو لا الفقه الرضوي المتقدم المعتضد بفتوى الأصحاب،و رواية العامة ذلك عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (5)،فتدبّر.

و لم يعف عمّا زاد عنه إجماعا،للعمومات،و صريح النصوص

ص:98


1- المعتبر 1:430،التذكرة 1:8.
2- انظر المهذب البارع 1:239،و المدارك 2:314.
3- الذكرى:16.
4- المهذّب البارع 1:239،240.
5- انظر سنن البيهقي 2:404.

الآتية.

و في العفو عمّا بلغ قدر الدرهم حال كونه مجتمعا روايتان، أشهرهما و أظهرهما وجوب الإزالة ففي الصحيح:«يغسله-أي الدم-و لا يعيد صلاته،إلاّ أن يكون قدر الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة» (1).

و نحوه المرسل لجميل:«لا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم» (2).

و نحوهما الرضوي المتقدم (3).

و هذه الأخبار-مع اعتبار أسانيدها و اعتضادها بالعمومات و الشهرة العظيمة-واضحة الدلالة.

و الروايات الثانية مع قصور أسانيدها-و لو بالإضافة إلى الروايات السابقة في بعضها-و قلّة عددها،و ندرة القائل بها-إذ لم ينقل إلاّ عن الديلمي و المرتضى (4)-غير واضحة الدلالة،فإنّ إحداها الخبر:«في الدم يكون في الثوب:«إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة،و إن كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه فلم يغسله حتى صلّى فليعد صلاته»الحديث (5).

و ليس فيها الدلالة إلاّ من جهة مفهوم العبارة الثانية،و هو معارض بمفهوم العبارة الاولى،و الترجيح معها-دون نية-لاعتضادها بالمعاضدات السابقة.

و ما يقال في ترجيح العكس من أصالة البراءة غفلة واضحة،كيف لا؟! و هي بالعمومات الدالّة على وجوب الإزالة،و استصحاب شغل الذمة اليقيني بالعبادة المستدعي للبراءة اليقينية مخصّصة،و على تقدير بقائها فلا ريب في

ص:99


1- التهذيب 1:740/255،الاستبصار 1:611/176،الوسائل 3:429 أبواب النجاسات ب 20 ح 1.
2- التهذيب 1:742/256،الاستبصار 1:612/176،الوسائل 3:430 أبواب النجاسات ب 20 ح 4.
3- في ص:92.
4- الديلمي في المراسم:55،حكاه عن المرتضى في المدارك 2:312.
5- التهذيب 1:739/255،الاستبصار 1:610/175،الوسائل 3:430 أبواب النجاسات ب 20 ح 2.

عدم مكافاتها لشيء من المعاضدات المتقدمة،فضلا عن جميعها،و لا سيّما الشهرة.و بالجملة:لا حجة في مثل هذه الرواية.

نعم في الحسن:قلت له:الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة، قال:«إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ،و إن لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك و لا إعادة عليك،و ما لم يزد على قدر الدرهم فليس بشيء رأيته أو لم تره،فإذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله و صلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه» (1).

و دلالته غير صريحة،و غايتها العموم القابل للتخصيص بما تقدم بحمل ما لم يزد و ما ليس بأكثر من الدرهم على خصوص الناقص عنه.

هذا مع أنّ هذا الخبر مروي في الكافي و الفقيه-اللذين هما أضبط من التهذيب الذي روي فيه كما مرّ-بإسقاط الواو في«و ما لم يزد»و زيادة:«و ما كان أقل من ذلك فليس بشيء»بعد قوله:«ما لم يزد على مقدار الدرهم» و سبيله حينئذ سبيل الرواية السابقة.

و لعل ترك ذكر الواسطة بين الأقل و الأكثر في الروايتين لأجل ندرتها و غلبة تحقق الأمرين،فليس فيهما على هذا ذكر حكمها لو لم نقل بدلالتهما على عدم العفو عنها،فالاستناد إليهما لا وجه له أصلا.

و لو كان مقدار الدرهم فصاعدا متفرقا لم تجب إزالته مطلقا و إن زاد الجميع عن مقدار الدرهم و تفاحش،وفاقا للطوسي و الحلّي و ابن سعيد (2) و التلخيص،و في الذكرى إنه المشهور (3)،لظاهر المرسل الذي مرّ (4)،إلاّ أن في السند مع الإرسال علي بن حديد.و دعوى الجبر بالشهرة المحكية مدفوعة

ص:100


1- الكافي 3:3/59،الفقيه 1:758/161،التهذيب 1:736/254،الاستبصار 1: 609/175،الوسائل 3:431 أبواب النجاسات ب 20 ح 6 بتفاوت يسير.
2- الطوسي في المبسوط 1:36،الحلي في السرائر 1:178،ابن سعيد في الجامع للشرائع: 23.
3- الذكرى:16.
4- راجع ص:94.

بالشهرة بين المتأخرين على الخلاف و هي وجدانية.

نعم:الصحيح المتقدم (1)ظاهر فيه،من حيث إن الظاهر كون«مجتمعا» خبرا ليكون،لا حالا مطلقا،لا مقدّرة و لا محقّقة،و إن تمَّ دلالته على الثاني أيضا بالضرورة،لظهور اتحاد زماني الاجتماع و الكون بقدر الدرهم مع أن تغايرهما شرط في المقدّرة اتفاقا،و لامتناع المحقّقة في النقط المتفرقة المفروضة في الرواية،فانحصر الأمر فيما مرّ و هو كون«مجتمعا»خبرا.و على تقديره فالدلالة ظاهرة،و مع ذلك معتضدة بالشهرة المحكية،و لكن في بلوغها قوة المعارضة للعمومات،و استصحاب اشتغال الذمة بالعبادة التوقيفية،و إطلاقات أكثر ما مضى من المعتبرة نوع مناقشة.

و لعله لذا قيل إنه تجب الإزالة حينئذ مطلقا و إن كان غير متفاحش،و لا ريب أنه أحوط لو لم يكن أقوى،وفاقا لسلاّر و ابني حمزة و البراج و أكثر المتأخرين (2).

و قيل كما عن النهاية و المعتبر (3)-كما حكاه عنه بعض الأجلّة (4)- بوجوب الإزالة بشرط التفاحش و لا دليل على الشرط و تقديره بالمرة كما اعترف به جماعة (5)،بل ربما يمكن المناقشة في نسبة هذا القول إلى النهاية، فإنّ عبارتها غير صريحة فيه بل و لا ظاهرة على ما حكاه بعض الأجلّة (6).

الثاني دم الحيض تجب إزالته و إن قلّ

الثاني:

دم الحيض تجب إزالته و إن قلّ و نقص عن سعة الدرهم اتفاقا،كما

ص:101


1- في ص:94.
2- سلاّر في المراسم:55،ابن حمزة في الوسيلة:77،ابن البراج في المهذّب 1:51، و انظر جامع المقاصد 1:172،و الذكرى:16،و روض الجنان:166.
3- النهاية:51،المعتبر 1:431.
4- انظر الحدائق 5:315.
5- منهم صاحب المدارك 2:320،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:53،و صاحب الحدائق 5:319.
6- كشف اللثام 1:52.

حكاه بعض الأجلة (1)،للأصل المستفاد من إطلاق المعتبرة الآمرة بغسله، كالنبوي الآمر لأسماء:«حتيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بالماء» (2).

و الصادقي:عن الحائض،قال:«تغسل ما أصاب ثوبها من الدم» (3).

مضافا إلى الأصل في العبادة و استصحاب شغل الذمة المحتاج إلى البراءة اليقينية في محل الشبهة.

و للخبر المروي في الكافي و موضع من التهذيب،مسندا إلى الصادقين عليهما السلام:«لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره إلاّ دم الحيض،فإنّ قليله و كثيره في الثوب إن رآه و إن لم يره سواء» (4).

و قصور السند بالعمل و الأصول مجبور،و السند-كما عرفت-على الراوي غير موقوف.

و نحوه الرضوي:«إلاّ أن يكون دم الحيض،فاغسل ثوبك منه و من البول و المني قلّ أو كثر» (5).

و هذه الأدلة مع ما هي عليه من القوة سليمة عمّا يصلح للمعارضة،سوى ما يتوهم من إطلاق أخبار العفو المتقدمة.و شموله للمقام محل مناقشة،لعدم التبادر،لاختصاص الخطابات فيها بالذكور دون النسوة،و احتمال إصابة ثيابهم دم الحيض نادر بالضرورة،و لذا لم يكن من الأفراد المتبادرة،فلا يعترض بمثل ذلك شيء من الأدلة السابقة.

ص:102


1- كشف اللثام 1:52.
2- سنن الترمذي 1:138/91،سنن النسائي 1:155 و فيهما بتفاوت يسير.
3- الكافي 3:1/109،التهذيب 1:796/270،الاستبصار 1:652/186،الوسائل 3: 449 أبواب النجاسات ب 28 ح 1.
4- الكافي 3:3/405،التهذيب 1:745/257،الوسائل 3:432 أبواب النجاسات ب 21 ح 1.
5- فقه الرضا(عليه السلام):95،المستدرك 2:566 أبواب النجاسات ب 16 ح 1.

و ألحق الشيخ به تبعا للمرتضى (1)،بل و غيره من القدماء (2)،بل و ربما يستفاد عن ظاهر الخلاف و صريح الغنية الإجماع عليه،و عن الحلّي نفي الخلاف عنه (3)دم الاستحاضة و النفاس و لا بأس به،للإجماعات المحكية،و الأصل المتقدم في العبادة،مع عدم عموم في أخبار العفو كما مضت إليه الإشارة،و اعتضاد إلحاق الثاني بما يستفاد من المعتبرة من أنه دم الحيض المحتبس في أرحام النسوة و أنه حيض في الحقيقة.

و عن ابن حمزة و القطب الراوندي و التحرير (4):إلحاق دم الكلب و الخنزير أيضا.

و عن العلاّمة في جملة من كتبه:التعميم لدم مطلق نجس العين الشامل لهما و للكافر و الميت (5).و لا دليل عليه سوى الأصل المتقدم السالم عن معارضة أخبار العفو لما مرّ.و هو الحجّة فيه،لا الاستدلال بملاقاته البدن النجس الغير المعفو ،لابتنائه على تزايد نجاسة نجس العين و قد يمنع.و لو سلّم فلا دليل على عدم العفو في مثله سوى إطلاق الأخبار بالغسل و إعادة الصلاة عنه،و لم ينصرف إليه،لما مرّ.فتأمل.

و العمدة في التعدية هو الإجماع،و ليس في المسألة،مع أن المحكي عن الحلّي إنكار الإلحاق مدّعيا عليه الوفاق (6).

فإذا:الأجود الاستدلال بما مرّ،و بالخبر الموثق بابن بكير-المجمع على تصحيح رواياته-:«إن الصلاة في كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و كل شيء منه فاسد،لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره ممّا

ص:103


1- الشيخ في النهاية:51،و المبسوط 1:35،و الخلاف 1:476،المرتضى في الانتصار: 13.
2- كسلاّر في المراسم:55،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):550.
3- السرائر 1:176.
4- ابن حمزة في الوسيلة:77،و نقله عن القطب الراوندي في المختلف:59،التحرير 1:24.
5- راجع نهاية الإحكام 1:285،و المختلف:59،و التذكرة 1:8.
6- السرائر 1:177.

أحلّ اللّه تعالى أكله»الخبر (1).فتدبّر.

و عفى عن دم القروح و الجروح الذي لا يرقأ و لا ينقطع،في الثوب كان أم البدن،قليلا كان أو كثيرا،إجماعا،للنصوص المستفيضة،منها الصحيح:

عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلّي؟فقال:«يصلّي و إن كانت الدماء تسيل» (2).

و نحوه الصحيحان (3)و الحسن (4)و غيرها.

و ظاهرها الدم السائل الغير المنقطع،و لذا خصّ العفو به في العبارة كجماعة (5)،نظرا إلى مخالفته الأصل المستفاد من إطلاق المعتبرة الآمرة بغسل الدم و الحاكمة بإعادة الصلاة عنه،فيقتصر فيها على مورد النص.

و حينئذ فإذا رقأ لم يعف عنه مطلقا بل اعتبر فيه سعة الدرهم جدّا،و هو أحوط و أولى.و إن كان ربما يقال:في تعيّنه نظر،لعدم انحصار أخبار العفو عنه فيما مرّ،بل هنا معتبرة أخر دالّة على العفو إلى أن يبرأ،منها الخبر:«إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ و ينقطع الدم» (6).و فيه نظر.

و الأولى الاستدلال بعموم الموثق:عن الدماميل تكون بالرجل فتنفجر

ص:104


1- الكافي 3:1/397،التهذيب 2:818/209،الاستبصار 1:1454/383،الوسائل 4:345 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1.
2- التهذيب 1:749/258،الاستبصار 1:615/177،الوسائل 3:434 أبواب النجاسات ب 22 ح 4.
3- الأول: التهذيب 1:750/258،الوسائل 3:434 أبواب النجاسات ب 22 ح 5. الثاني: التهذيب 1:751/259،الوسائل 3:435 أبواب النجاسات ب 22 ح 6.
4- الكافي 3:1/58،التهذيب 1:747/258،الاستبصار 1:616/177،الوسائل 3:433 أبواب النجاسات ب 22 ح 1.
5- منهم سلاّر في المراسم:55،الشهيد في البيان:94،العلامة في المنتهى 1:172.
6- التهذيب 1:752/259،الوسائل 3:435 أبواب النجاسات ب 22 ح 7.

و هو في الصلاة،قال:«يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض و لا يقطع الصلاة» (1).

مضافا إلى نص الموثق:دخلت على الباقر عليه السلام و هو يصلّي، فقال لي قائدي:إنّ في ثوبه دما،فلمّا انصرف قلت له:إن قائدي أخبرني أن بثوبك دما،قال عليه السلام:«إن بي دماميل فلست أغسل ثوبي حتى تبرأ» (2).

إلاّ أن في السند قصورا و لا جابر له يعتد به.و مع ذلك فليس في الدلالة صراحة فيحتمل البرء فيه الانقطاع،كاحتماله من البرء في الخبر السابق.بل و لا يبعد قربه فيه،لاشتراط السيلان في صدره،و عطف الانقطاع عليه في ذيله.

فلم يبق إلاّ العموم في الموثق السابق،و في تخصيص الأصل و العمومات بمثله نظر،سيّما مع كون العمل بهما في غير محل الوفاق هو الأشهر،كما يظهر من كلمات القوم للأحقر.

هذا مضافا إلى ظهور التقييد بعدم الانقطاع و الإشعار بكون العلّة في العفو هنا هو الحرج من روايات أخر،و قصور أسانيدها-لو كان-بالشهرة منجبر، ففي المروي عن السرائر عن البزنطي عن مولانا الباقر عليه السلام:«إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها و لا حبس دمها يصلّي و لا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة» (3).

و في الموثق:عن القرح و الجرح فلا يستطيع أن يربطه و لا يغسل دمه، قال:«يصلّي و لا يغسل ثوبه،فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة» (4).

فإذا:القول الأول حيث لا يلزم معه الحرج أظهر.و عليه فهل يناط الحكم بالانقطاع على الإطلاق كما هو ظاهر العبارة و جماعة،أو يقيد بزمان يتسع لأداء

ص:105


1- التهذيب 1:1028/349،الوسائل 3:435 أبواب النجاسات ب 22 ح 8.
2- الكافي 3:1/58،التهذيب 1:747/258 الاستبصار 1:616/177،الوسائل 3:433 أبواب النجاسات ب 22 ح 1.
3- مستطرفات السرائر:26/30.
4- الكافي 3:2/58،التهذيب 1:748/258،الاستبصار 1:617/177،الوسائل 3:433 أبواب النجاسات ب 22 ح 2.

الصلاة كما عن المعتبر و الذكرى (1)؟قولان.

و ربما يناط العفو و عدمه بحصول المشقة بالإزالة و عدمه،كما في الشرائع و عن ظاهر العلاّمة في النهاية (2)،و عن المنتهى و التحرير (3):الجمع بينه و بين عدم الانقطاع.و الأوّل من هذين في الجملة أقوى،و ذلك في صورة حصول المشقة مع الانقطاع،إذ الانقطاع بمجرده مع حصول المشقة بالإزالة غير كاف في عدم العفو قطعا،و ينزّل تعليق عدم العفو على مجرد البرء و الانقطاع في الخبرين على هذا قطعا.هذا،و لا يبعد قوّته مطلقا،فيجب الإزالة مع عدم المشقة في صورة عدم الانقطاع أيضا،لظهور سياق الروايات السابقة في العفو مع عدم الانقطاع في صورة حصول المشقة بالإزالة.

و الأقوى عدم وجوب إزالة البعض و لو مع إمكانها.خلافا لمحتمل نهاية الإحكام (4).و إطلاق النصوص تدفعه.كدفعها وجوب إبدال الثوب و لو مع الإمكان و إن حكي الحكم به عن الكتاب المذكور و المنتهى (5)،مع أن الشيخ ادعى في الخلاف على خلافه الوفاق (6)،و هو عليه حجّة أخرى.لكنه أحوط و أولى،لإشعار رواية البزنطي المتقدمة به جدّا،إلاّ أنها لضعفها و عدم جابر لها هنا مع عدم معارضتها لما مرّ ليست هنا محل الفتوى،فتأمل جدّا .

الثالث تجوز الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه منفردا مع نجاسته

الثالث:

تجوز الصلاة فيما لا تتم الصلاة للرجال فيه منفردا و لو كان مع نجاسة مغلّظة كالتكة و الجورب و القلنسوة و نحوها.مطلقا كما هو الأشهر الأقوى،وفاقا للمرتضى (7)،أو من الملابس خاصة مطلقا كما عن الحلّي

ص:106


1- المعتبر 1:429،الذكرى:16.
2- الشرائع 1:53،نهاية الإحكام 1:285.
3- المنتهى 1:172،التحرير 1:24.
4- نهاية الإحكام 1:285.
5- نهاية الإحكام 1:286،المنتهى 1:172.
6- انظر الخلاف 1:476.
7- الانتصار:38.

و غيره (1)،أو مقيدا بكونها في محالّها كما عليه العلاّمة في أكثر كتبه (2).

و لا خلاف في أصل الحكم في الجملة،بل عليه الإجماع عن الانتصار و الخلاف و السرائر و ظاهر التذكرة (3)،و صرّح به أيضا جماعة (4)،و النصوص به مع ذلك مستفيضة،منها الموثق:«كلّ ما كان لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يكون عليه الشيء،مثل القلنسوة و التكة و الجورب» (5).

و المرسل كالصحيح على الصحيح:«إذا كان مما لا تتم الصلاة فيه فلا بأس» (6).

و ظاهرهما-كغيرهما-تعليق الحكم بجواز الصلاة فيما لا تتم فيه منفردا على هذا الوصف.

و أظهر منهما الرضوي:«إن أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكة أو الجورب أو الخف منّي أو بول أو غائط فلا بأس بالصلاة،و ذلك أن الصلاة لا تتم في شيء من هذا وحده» (7).

و مقتضاه عدم اختصاص الحكم بالملابس فضلا عن اشتراط كونها في محالّها،و إن كان هذا غير بعيد بعد ثبوت الأول،نظرا إلى التبادر من المذكورات في سياق الأخبار.

و يقرّب العموم مضافا إلى ما مرّ (8)الإتيان بلفظه في بعضها،و الترديد بين كون تلك الأشياء عليه أو معه في المرسل (9).و بجميع ما ذكر يخص الأصل في

ص:107


1- الحلي في السرائر 1:184،و انظر نهاية الإحكام 1:383.
2- انظر التذكرة 1:96،و التحرير 1:24،و المنتهى 1:174.
3- الانتصار:38،الخلاف 1:479،السرائر 1:263،التذكرة 1:96.
4- منهم القطب الراوندي على ما حكي عنه في المختلف:61،و انظر المدارك 2:322، الذخيرة 160.
5- التهذيب 2:1482/358،الوسائل 3:455 أبواب النجاسات ب 31 ح 1.
6- التهذيب 2:1479/357،الوسائل 3:456 أبواب النجاسات ب 31 ح 2.
7- فقه الرضا(عليه السلام):95،المستدرك 2:575 أبواب النجاسات ب 24 ح 1.
8- من التعليل و التعليق على الوصف.منه رحمه اللّه.
9- التهذيب 1:810/275،الوسائل 3:456 أبواب النجاسات ب 31 ح 5.

العبادة كما مرّ.

و ما ربما يقال:من إثبات أصل الحكم هنا بأصالة البراءة عن إزالة النجاسة عن مثل هذه الأشياء السالمة عن المعارض،لخلو الأخبار عن الأمر بها،لاختصاص الآمرة منها بالثوب الغير الصادق على مثل هذه الأشياء.

ليس في محلّه،كيف لا؟!و هو بعد معارضته بالأصل المتقدم ذكره الذي هو منه أقوى يدفعه تصريح الأصحاب-كظواهر النصوص-باستثنائها الملازم لدخولها تحت أدلة المنع عنها.

و منه يظهر التمسك بمثل ذلك لإثبات العفو عن النجاسة في العمامة تبعا للصدوقين (1).و مستندهما من النصوص غير واضح،سوى الرضوي المتقدم.

و مع ذلك فهو غير ظاهر أيضا؛لاحتماله إرادة العمامة الصغيرة كما يشعر به التعليل في ذيله،فإنّ الكبيرة تتأتى الصلاة فيها قطعا،فلا وجه لتعليل الحكم بجواز الصلاة فيها بما ذكر،و عليها حمل الراوندي كلامهما (2).

الرابع يغسل الثوب و البدن من البول مرّتين

الرابع:

يغسل الثوب و البدن من البول مرّتين على الأظهر الأشهر،بل عن ظاهر المعتبر الإجماع عليه (3)،و هو الحجّة كالصحاح المستفيضة و غيرها،منها الصحيحان:عن الثوب يصيبه البول،قال:«اغسله مرّتين» (4).

و نحوهما الصحيح بزيادة:«فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة» (5).

خلافا للمنتهى و البيان فمرّة مطلقا (6)،لإطلاق الأمر.و يقيّد بما مرّ.

و لشاذ،فخص التعدد بالثوب خاصة (7)،عملا فيما عداه بالأصل و إطلاق

ص:108


1- الصدوق في الفقيه 1:42،و قد نقل عنه و عن والده العلامة في المختلف:61.
2- نقله عن القطب الراوندي في المعتبر 1:435.
3- المعتبر 1:435.
4- التهذيب 1:721/251 و 722،الوسائل 3:395 أبواب النجاسات ب 1 ح 1 و 2.
5- التهذيب 1:717/250،الوسائل 3:397 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.
6- المنتهى 1:175،البيان:93.
7- كما في التحرير 1:24.

الأمر السالمين عن معارضة النصوص المتقدمة،لاختصاصها بالثوب خاصة.

و الإجماع المحكي حجة عليه،و الأصل معارض باستصحاب النجاسة، و مع ذلك هو كالإطلاق مقيد بالإجماع الذي مرّ و نصوص أخرى هي ما بين صحيح و حسن و قاصر قصوره بالشهرة منجبر،ففي الصحيح:عن البول يصيب الجسد،قال:«صبّ عليه الماء مرتين» (1).

و نحوه الحسن بزيادة:«و إنما هو ماء» (2).

و نحوه بعينه المروي في مستطرفات السرائر،عن جامع أحمد بن محمّد ابن أبي نصر (3)و ربما يعدّ مثله صحيحا،لنقله عن الكتاب المشهور بلا واسطة، و هو معتبر.

ثمَّ إن إطلاق العبارة و النصوص المتقدمة و ظاهر جماعة (4)عموم التعدد لصور الغسل بالقليل،أم الكثير الراكد،أو الجاري.

خلافا لجماعة،فاكتفوا بالمرة فيما عدا الأوّل مطلقا،كما عن العلاّمة في التذكرة و النهاية و الشهيدين و غيرهم (5)،أو الجاري خاصة كما عن الجامع (6).

و ربما علّل الإطلاق بالاقتصار فيما خالف الأصل و إطلاق الأوامر على القدر المتيقن من النصوص المتقدمة،و ليس إلاّ القليل خاصة،للغلبة،و لما فيما عداه من الندرة زمن صدور تلك المعتبرة.

و الأصل معارض بمثله بل و أقوى،و الإطلاق مجاب بما أجيب به عن

ص:109


1- التهذيب 1:716/249،الوسائل 3:395 أبواب النجاسات ب 1 ح 3.
2- الكافي 3:1/55،التهذيب 1:714/249،الوسائل 3:395 أبواب النجاسات ب 1 ح 4.
3- مستطرفات السرائر:21/30،الوسائل 3:396 أبواب النجاسات ب 1 ح 7،و لكنه مروي في المستطرفات عن نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر لا عن جامعه.
4- منهم العلامة في التحرير 1:24،المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:173،الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:53.
5- التذكرة 1:9،نهاية الإحكام 1:279،الشهيد الأول في الذكرى:15،الشهيد الثاني في الروضة 1:62،و انظر الذخيرة:161.
6- الجامع للشرائع:22.

النصوص.

فإذا:القول الأخير أقوى،استنادا في لزوم التعدد فيما عدا الجاري باستصحاب النجاسة،لا إطلاق النصوص الآمرة بالإزالة ليرد عليها المناقشة المزبورة.و في الاكتفاء بالمرة فيه بالصحيح الثالث،لقوله:«فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة».

و الرضوي:«فإن أصاب بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة،و من ماء راكد مرتين،ثمَّ أعصره» (1).

و فيهما مفهوما في الأول و منطوقا في الثاني بحسب العموم ردّ للقول بنفي التعدد فيما عدا القليل على الإطلاق،إلاّ أن يجابا بالورود مورد الغلبة.

و اعلم أن ظاهر العبارة و صريح جماعة (2)اختصاص التعدد بالبول خاصة و الاكتفاء فيما عداه بالمرة الواحدة،تمسّكا بالأصل و إطلاق النصوص.

خلافا لآخرين،و هم ما بين مطلق للتعدد فيه (3)،و مقيّد له بما له قوام و ثخانة (4)،للأولوية،و هي ممنوعة ،و للصحيحة:ذكر المني فشدّده و جعله أشد من البول (5).و الدلالة غير واضحة،فيحتمل إرادة الأشدية في النجاسة ردّا لما ذهب إليه بعض العامة من القول بالطهارة (6)،لا الأشدية في كيفية الإزالة،مع أنها تستلزم الزيادة على المرتين و لو بواحدة.فإذا:الأقوى هو القول بالمرة و إن كان الأحوط مراعاة التعدد مطلقا البتة.

ص:110


1- فقه الرضا(عليه السلام):95،المستدرك 2:553 أبواب النجاسات ب 1 ح 1.
2- منهم الشهيد الأول في الذكرى:15،و الشهيد الثاني في الروضة 1:61،و صاحب الحدائق 5:364.
3- كالشهيد الأول في الدروس 1:125،و الشهيد الثاني في المسالك 1:18،و المحقق الكركي في جامع المقاصد 1:173.
4- كما في التحرير 1:24.
5- التهذيب 1:730/252،الوسائل 3:424 أبواب النجاسات ب 16 ح 2.
6- كالشافعي في الأم 1:55،و ابن رشد في بداية المجتهد 1:84.

ثمَّ إن الأقوى-وفاقا لأكثر أصحابنا (1)،بل ربما نفي الخلاف عنه (2)- لزوم العصر في الغسل،و قد حقّقناه في بعض تحقيقاتنا يطول الكلام بذكره هنا إلاّ من بول الصبي الذي لم يأكل أكلا مستندا إلى شهوته و إرادته كما في المعتبر و المنتهى (3)فإنه يكفي صب الماء عليه من غير عصر،بلا خلاف في الظاهر،مضافا إلى حكاية الإجماع عليه عن ظاهر المعتبر و الخلاف (4)، للحسن بل الصحيح:عن بول الصبي،قال:«صبّ عليه الماء،فإن كان قد أكل فاغسله غسلا،و الغلام و الجارية شرع سواء» (5).

و نحوه الرضوي مبدلا فيه الصبي بالرضيع (6).

و أمّا الموثق الآمر بالغسل (7)فإطلاق الصبي فيه محمول على ما فصّله الخبران.و نحوه الجواب عن الحسن القريب منه (8)،مع احتماله لمحامل أخر .

ثمَّ ظاهر الأولين-كالمحكي عن ظاهر الصدوقين (9)-مساواة الجارية للغلام في البين.

خلافا للأكثر،فنفوا المساواة و خصوا الحكم بالذكر.و هو الأظهر، للأصل،و الإطلاقات،و احتمال رجوع الحكم بالتسوية في الخبرين و عبارة القائلين إلى صورة لزوم الغسل لا صورة الاكتفاء بالصب.

ص:111


1- في«ح»:الأصحاب.
2- الحدائق 5:365.
3- المعتبر 1:436،المنتهي 1:176.
4- المعتبر 1:436،الخلاف 1:484،485.
5- الكافي 3:6/56،التهذيب 1:715/249،الاستبصار 1:602/173،الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 3 ح 2.
6- فقه الرضا(عليه السلام):95،المستدرك 2:554 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.
7- التهذيب 1:723/251،الاستبصار 1:604/174،الوسائل 3:398 أبواب النجاسات ب 3 ح 3.
8- الكافي 3:1/55،التهذيب 1:714/249،الاستبصار 1:604/174،الوسائل 3:397 أبواب النجاسات ب 3 ح 1.
9- الصدوق في الفقيه 1:40،و قد نقل عنه و عن والده العلامة في المختلف:56.

مضافا إلى صريح الخبر:«لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم،لأن لبنها يخرج من مثانة أمّها.و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا بوله قبل أن يطعم،لأن لبن الغلام يخرج من العضدين» (1).

و ضعف السند و كذا الاشتمال على ما لا يقول به أحد مجبور بالشهرة، مؤيد بروايات أخر حكاها بعض الأجلة (2)عن غير الكتب المشهورة،فأحدها العامي النبوي:«بول الغلام ينضح،و بول الجارية يغسل» (3).

و قريب منه الآخر و فيه:كان الحسن بن علي عليهما السلام في حجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فبال عليه،فقلت:أعطني إزارك لأغسله،فقال:

«إنما يغسل من بول الأنثى» (4)(5).

ثمَّ المفهوم من الصب يشمل ما ينفصل معه الماء و غيره،و المستوعب و غيره،فيشمل الرشّ،إلاّ أن المتبادر المنساق إلى الفهم المستوعب.

و عن الأصحاب القطع بعدم اعتبار الانفصال (6)،لمقابلة الصب في النصوص بالغسل الدالة على ذلك على كلّ من القول بتضمن الغسل العصر و القول بعدم تضمنه له و أن غايته و حدّه الانفصال كما عن الخلاف و نهاية الإحكام (7)،فالمقابلة صريحة في نفي الانفصال على الثاني،و ظاهرة فيه على الأوّل.و ربما يحتمل عليه وجوب الانفصال بناء على نجاسة الغسالة، و المقابلة غايتها على هذا القول الدلالة على عدم لزوم العصر،و هو أعم من عدم لزوم الانفصال،فقد يراد بغير العصر من وجوه الانفصال.

ص:112


1- التهذيب 1:718/250،الاستبصار 1:601/173،الوسائل 3:398 أبواب النجاسات ب 3 ح 4.
2- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:54.
3- مسند أحمد 1:76،سنن ابن ماجه 1:527/175،سنن الدار قطني 1:3/129.
4- سنن ابن ماجه 1:522/174،سنن أبي داود 1:375/102.
5- في«ح»زيادة:و المرتضوي.انظر المستدرك 2:554 أبواب النجاسات ب 2.
6- المدارك 2:333.
7- الخلاف 1:484،نهاية الإحكام 1:277.

و كيف كان:فلا ريب أن الانفصال أحوط و إن كان في تعيّنه نظر، لإطلاق الأمر بالصب،و لتصريح النبوي المتقدم بكفاية النضح و الرشّ الذي قد لا يتحقق معه الانفصال،و السند و إن ضعف إلاّ أنه كما مرّ بالشهرة بل و ظاهر حكاية الإجماع المتقدمة منجبر.

و يكفي إزالة عين النجاسة و إن بقي اللون و الرائحة على الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل عن المعتبر عليه إجماع العلماء كافة (1)،و هو الحجّة فيه كالنصوص المستفيضة،منها الحسن:قلت له:للاستنجاء حدّ؟قال:«لا، حتى ينقى ما ثمّة»قلت:فإنه ينقى ما ثمّة و يبقى الريح،قال:«الريح لا ينظر إليها» (2).

و قصوره عن إفادة تمام المدّعى بالإجماع المركب بل البسيط مجبور.

و به يجبر قصور باقي النصوص سندا و دلالة من حيث القصور عن إفادة تمام المطلوب،فعنه صلّى اللّه عليه و آله في الدم:«لا يضرك أثره» (3).

و عن مولانا الرضا عليه السلام:عن الرجل يطأ في الحمّام و في رجله الشقاق،فيطأ البول و النورة فيدخل الشقاق أثر أسود ممّا وطئ من القذر و قد غسله،كيف يصنع به و برجله الذي وطئ بها،أ يجزيه الغسل أم يخلّل أظفاره بأظفاره؟و يستنجي فيجد الريح من أظفاره و لا يرى شيئا،فقال عليه السلام:

«لا شيء عليه من الريح و الشقاق بعد غسله» (4).

و في الخبرين في دم الحيض الذي لم يذهب أثره:«اصبغيه بمشق» (5).

و الأمر للاستحباب عند كافة الأصحاب لا لإزالة الأثر،كيف لا و هي

ص:113


1- المعتبر 1:436.
2- الكافي 3:9/17،التهذيب 1:75/28،الوسائل 3:439 أبواب النجاسات ب 25 ح 2.
3- راجع سنن أبي داود 1:365/100،سنن البيهقي 2:408.
4- الفقيه 1:165/42،الوسائل 3:440 أبواب النجاسات ب 25 ح 6.
5- الكافي 3:6/59،التهذيب 1:800/272،الوسائل 3:439 أبواب النجاسات ب 25 ح 1. و الخبر الثاني:التهذيب 1:746/257،الوسائل 3:440 أبواب النجاسات ب 25 ح 4.المشق و المشق:المغرة و هو صبغ أحمر.لسان العرب 10:345.

بالصبغ غير حاصلة قطعا.

هذا،مع أن الأصل يساعد النصوص،و هو البراءة عن إزالة نحو اللون و الرائحة.و لا يعارضه المعتبرة بإزالة الأعيان النجسة،لعدم صدقها على نحو الأمرين في العرف و العادة و إن قلنا ببقاء الأجزاء الجوهرية.

و بالجملة:لا ريب في المسألة.و فتوى العلاّمة في النهاية بلزوم إزالة الطعم لأنّها سهلة (1)،ضعيفة.كفتواه في المنتهى بوجوب إزالة اللون مع الإمكان (2).

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق في الحكم بين صورتي العسر في الإزالة و عدمه.و ربما قيّد بالأولى.و هو أحوط.

و المرجع في العسر و المشقة إلى العادة،فلو كان بحيث يزول بمبالغة كثيرة لم يجب.

و هل يتعيّن له نحو الأشنان و الصابون،أم يتحقق المشقة بمجرّد الغسل بالماء و لو مرّة إذا لم يزل به الآثار المتقدم إليها الإشارة؟كلّ محتمل،و الأصل يقتضي الثاني،و الاحتياط الأوّل.

الخامس إذا علم موضع النجاسة غسل

الخامس:

إذا علم موضع النجاسة غسل خاصة بلا إشكال و إن جهل و كان محصورا غسل كل ما يحصل فيه الاشتباه وجوبا،و في النجس بالأصالة، و في الباقي من باب المقدمة،تحصيلا للبراءة اليقينية الغير الحاصلة بغسل مقدار ما وقع عليه النجاسة بالضرورة،و إن احتمله بحسب القاعدة بعض الأجلة (3).و إن هو إلاّ غفلة واضحة.

و الأصل في الحكم بعد ذلك إجماع الطائفة و كثير من العامة المحكي

ص:114


1- نهاية الإحكام 1:279.
2- المنتهى 1:171.
3- انظر المدارك 2:334.

عن المعتبر و المنتهى و التذكرة (1)،و صرّح به جماعة (2).و النصوص به مع ذلك مستفيضة،منها الصحيح:«تغسل ثوبك من الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك» (3).

و فيه إشارة إلى ما مرّ إليه الإشارة من القاعدة و ردّ للقاعدة التي ادعاها بعض الأجلّة.و منها يظهر عدم نجاسة الملاقي له ناقصا عن مقدار ما حصلت فيه النجاسة،و أنّ الأصل فيه الطهارة إلاّ إذا لاقى الجميع،فيحكم بالنجاسة حينئذ بالضرورة.

و لو نجس أحد الثوبين و لم يعلم عينه و فقد غيرهما و تعذّر التطهير صلّى الصلاة الواحدة في كل واحد منهما على حدة-ناويا فيهما الوجوب- على الأظهر الأشهر بين الطائفة،لتمكنه معه من الثوب الطاهر و استيفاء الشرائط،و للحسن:عن رجل كان معه ثوبان،فأصاب أحدهما بول و لا يدري أيهما هو،و حضرت الصلاة و خاف فوتها و ليس عنده ماء،كيف يصنع؟قال:

«يصلّي فيهما جميعا» (4).

و قيل: كما عن ابني إدريس و سعيد (5)يطرحهما و يصلي عريانا لوجوب الجزم عند الافتتاح بكونها هي الصلاة الواجبة و هو منتف في كل منهما.

و فيه:منع ذلك أوّلا.ثمَّ إسقاطه فيما نحن فيه ثانيا،لمكان الضرورة، و ليس بأولى من الستر و القيام و استيفاء الأفعال بل هي أولى،لكونها واجبات متعددة لا يعارضها الواجب الواحد البتة.ثمَّ النقض به في الصلاة عريانا ثالثا،لعدم

ص:115


1- المعتبر 1:437،المنتهى 1:180،التذكرة 1:10.
2- منهم السبزواري في الكفاية:13،و الذخيرة:165،و الفيض في المفاتيح 1:78،و صاحب الحدائق 5:401.
3- التهذيب 1:1335/421،الاستبصار 1:641/183،علل الشرائع:1/361،الوسائل 3:402 أبواب النجاسات ب 7 ح 2.
4- الفقيه 1:757/161،التهذيب 2:887/225،الوسائل 3:505 أبواب النجاسات ب 64 ح 1.
5- ابن إدريس في السرائر 1:185،ابن سعيد في الجامع للشرائع:24.

الجزم عند الافتتاح بكونها الصلاة الواجبة،لاحتمال كونها ما ذكرناه،و ليس يندفع إلاّ على النص القاطع بكونها ما ذكره و لم نقف عليه.نعم جعله في المبسوط رواية (1)،و هي-كما ترى-مرسلة غير مسندة،و القائل لا يعمل بالمسندة فضلا عن مثلها،و لذا لم يستند إليها في المسألة.ثمَّ على تقدير كونها مسندة لا تعارض الحسنة المتقدمة من وجوه متعددة أقواها الاعتضاد بالشهرة العظيمة.

السادس إذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر ثوبا أو جسدا و هو رطب غسل موضع الملاقاة

السادس:

إذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر ثوبا أو جسدا و هو رطب غسل موضع الملاقاة وجوبا إجماعا نصا و فتوى،إلاّ من الصدوق في كلب الصيد خاصة فأوجب الرش لملاقاته مع الرطوبة (2).و لم نجد له دلالة مع أنه انعقد على خلافه في الظاهر إجماع الطائفة.

و إن كان كل من الثلاثة حين الملاقاة يابسا رشّ الثوب بالماء استحبابا لا وجوبا،على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع عن المعتبر (3).

و به مع الأصل يصرف الأمر في الصحيحين في الأوّلين إلى الاستحباب،ففي أحدهما:«إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله،و إن مسّه جافا فاصبب عليه الماء» (4).

و في الثاني:في الخنزير يمسّ الثوب،قال:«و إن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب[من]ثوبه إلاّ أن يكون[فيه]أثر فيغسله» (5).

و لم أقف للحكم في الثالث على نص إلاّ أنه لا بأس بالمصير إليه، للتسامح في مثله بما لا يتسامح في غيره.

ص:116


1- المبسوط 1:39.
2- الفقيه 1:43.
3- المعتبر 1:439.
4- التهذيب 1:759/261،الوسائل 3:414 أبواب النجاسات ب 12 ح 1.
5- الكافي 3:6/61،التهذيب 1:760/261،الوسائل 3:417 أبواب النجاسات ب 13 ح 1 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

و الحكم بالوجوب فيه و في سابقيه مشكل و إن حكي عن الصدوق و ابن حمزة و المفيد في المقنعة (1)،لما تقدمت إليه الإشارة،مضافا إلى كثرة ورود الأمر بالنضح في مواضع عديدة المحمول فيها على الاستحباب بإجماع الطائفة.

ثمَّ مقتضى العبارة تبعا لظاهر الصحيحين اختصاص الحكم بالثوب خاصة.و هو كذلك،للأصل،و حرمة التعدية إلاّ بدلالة واضحة هي في المقام مفقودة.

السابع من علم النجاسة في ثوبه أو بدنه و صلّى عامدا أعادها في الوقت و بعده

السابع:

من علم النجاسة الغير المعفو عنها في ثوبه أو بدنه و صلّى عامدا ذاكرا لها حين الصلاة أعادها في الوقت و بعده إجماعا حكاه جماعة (2)، و الصحاح به مع ذلك مستفيضة،منها:«في الدم في الثوب إن كان أكثر من درهم و كان رآه و لم يغسله حتى صلّى فليعد صلاته،و إن لم يكن رآه حتى صلّى فلا يعيد الصلاة» (3).

هذا مضافا إلى فحوى النصوص الآتية في ناسي النجاسة.

و إطلاق النص و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في العالم بالنجاسة بين العالم بالحكم و عدمه،فعليه الإعادة في الوقت و القضاء في خارجه.

أمّا الأوّل فلعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فعليه الإتيان مع إمكانه، و الجهل غير موجب للإتيان كذلك و إن سلّم القول بمعذوريته،بمعنى عدم توجه الخطاب إليه حين جهله و عدم مؤاخذته،إلاّ أن ذلك لا يوجب الإتيان بما أمر به.

و منه يعلم الوجه في الثاني بعد ملاحظة ما دلّ على عموم وجوب قضاء

ص:117


1- الصدوق في الفقيه 1:43،ابن حمزة في الوسيلة:77،المقنعة:70.
2- منهم العلامة في نهاية الإحكام 1:383،الشهيد الثاني في روض الجنان:168،المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 1:342.
3- التهذيب 1:739/255،الاستبصار 1:610/175،الوسائل 3:430 أبواب النجاسات ب 20 ح 2.

الفوائت؛لصدق الفوت بمخالفته المأمور به في غير مورد الرخصة بالضرورة، و لذا صرّح(هنا) (1)جماعة (2)بأن الجاهل بالحكم كالعامد.

و لو علم بها قبل الصلاة إلاّ أنه نسي إزالتها في حال الاشتغال ب الصلاة فروايتان مختلفتان (3)،باختلافهما اختلف الأصحاب،فبين من أوجب الإعادة مطلقا وقتا و خارجا (4)،و من خصّه بالأول خاصة (5)،و من نفاه مطلقا حاكما بالاستحباب (6).

و لكن الأظهر و هو أشهرهما أن عليه الإعادة وقتا و خارجا،بل عن الحلّي و ابن زهرة العلوي و شرح الجمل للقاضي:الإجماع عليه (7).و هو الحجة،كالنصوص المستفيضة الآمرة على الإطلاق بالإعادة (8)الصادقة في العرف و العادة على القضاء البتة.

مع أن فيها ما هو ناصّ بالشمول له بالضرورة،كالصحيح المروي عن قرب الإسناد و كتاب المسائل لعلي بن جعفر،عن أخيه موسى عليهما السلام:

عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم،فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع؟قال:«و إن كان رآه و لم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلي و لا ينقض منه شيئا،و إن كان رآه و قد صلى فليعتدّ بتلك الصلاة» (9).

و هذه الأخبار-مع كثرتها و استفاضة الصحاح منها و صراحة بعضها

ص:118


1- ليست في«ش».
2- منهم العلامة في المنتهى 1:183،و البحراني في الحدائق 5:408.
3- انظر الوسائل 3:479 أبواب النجاسات ب 42.
4- كالشيخ في النهاية:52،و الشهيد الثاني في روض الجنان:169.
5- كالشيخ في الاستبصار 1:184،و العلاّمة في الإرشاد 1:240.
6- كالمحقق في المعتبر 1:441،و صاحب المدارك 2:348.
7- الحلي في السرائر 1:183،271،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):555،شرح الجمل:75-76.
8- انظر الوسائل 3:479 أبواب النجاسات ب 42.
9- قرب الإسناد:810/208،الوسائل 3:477 أبواب النجاسات ب 40 ح 10.

و اعتضادها بعمل أكثر الأصحاب و الإجماع المحكي-موافقة للأصل المتقدم في عدم معذورية الجاهل،إذ غاية النسيان رفع المؤاخذة،و عليه يحمل حديث رفع القلم،لا إيجابه الموافقة للمأمور به،لمخالفته له قطعا.

فما ربما يدّعى من أوفقية القول بعدم وجوب الإعادة على الإطلاق-كما عن المعتبر و اختاره بعض من تأخر (1)-للأصل و الحديث المتقدم ليس في محلّه،كالاستناد له بالصحيح:عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه ثمَّ يذكر أنه لم يكن غسله،أ يعيد الصلاة؟قال:«لا يعيد، قد مضت الصلاة و كتبت له» (2).

فإنه لوحدته و ندرة القائل به مع حكم الشيخ (3)بشذوذه و مخالفته الأصل لا يمكن أن يعترض به الأخبار المتقدمة،مع ما هي عليه من المرجحات المسطورة التي أعظمها الكثرة و الشهرة العظيمة،بل الإجماع كما حكاه بعض الأجلة (4)،و اعتضده خلو كلمات القدماء عن الفتوى به بالمرة،بل و تصريحهم بخلافه في المسألة،و إنما نشأ القول به عن زمان المعتبر و بعض من تأخر.

و بالجملة:لا ريب في ضعف هذا القول.كالقول بالتفصيل و إن استند له بالجمع بين النصوص المطلقة في الجانبين،بحمل الأوّلة على الإعادة في الوقت و الصحيحة المتقدمة على الإعادة في الخارج،فإنه مع كونه فرع التكافؤ لما مرّ و ليس،لا يلائمه الصحيح المتقدم عن قرب الإسناد،لصراحته في وجوب القضاء.

و قريب منه الحسن:«و إن كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار درهم فضيّعت غسله و صلّيت فيه صلوات كثيرة،فأعد ما صلّيت فيه» (5).

ص:119


1- راجع ص:113.
2- التهذيب 1:1345/423،الاستبصار 1:642/183،الوسائل 3:480 أبواب النجاسات ب 42 ح 3.
3- التهذيب 2:360.
4- راجع ص 113.
5- الكافي 3:3/59،الفقيه 1:758/161،التهذيب 1:736/254،الاستبصار 1: 609/175،الوسائل 3:431 أبواب النجاسات ب 20 ح 6.

فإنّ الظاهر أن المراد بالكثيرة هنا ما يزيد على صلاتي الفريضة بل و الخمس المفروضة.و الحمل على النافلة يدفعه الأمر بالإعادة الظاهر في الوجوب،و ليس في النافلة بالضرورة.

و بالجملة:ظهور شمول الرواية لصورة القضاء مما لا يحوم حوله مناقشة.

هذا مضافا إلى عدم الشاهد على هذا الجمع،عدا رواية (1)هي مع إضمارها و كونها مجملة غير واضحة الدلالة،فلا يكافئ شيئا ممّا مرّ من الأدلة،و مع ذلك لم نجد القائل به سوى الشيخ في الاستبصار (2)،و قد رجع عنه كما حكاه الحلّي (3)،و لذا ادعى الإجماع على خلافه،هذا مع أن نسبة القول إليه في الكتاب المسطور محل مناقشة ،و كيف كان فالقول به ضعيف البتة.

و لو لم يعلم بالنجاسة المزبورة إلى أن صلّى و خرج الوقت ثمَّ علم بها فلا قضاء عليه على الأشهر الأظهر،بل عليه الإجماع عن الغنية و السرائر و المهذّب (4)،و هو ظاهر الذكرى (5).و هو الحجّة فيه،مضافا إلى إطلاق النصوص الآتية أو فحواها،و بهما يخص الأصالة المتقدمة في عدم معذورية جاهل المسألة.

و هل عليه أن يعيد إذا علم بها بعد الفراغ مع بقاء الوقت؟فيه قولان،أشبههما و أشهرهما أنه لا يجب عليه إعادة للصحاح المستفيضة و نحوها من المعتبرة،ففي الصحيح:عن رجل صلّى و في ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثمَّ علم،قال:«قد مضت صلاته و لا شيء

ص:120


1- التهذيب 1:1355/426،الاستبصار 1:643/184،الوسائل 3:479 أبواب النجاسات ب 42 ح 1.
2- الاستبصار 1:184.
3- السرائر 1:183.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):555،السرائر 1:183،المهذّب البارع 1:246.
5- الذكرى:17.

عليه» (1).

خلافا للمبسوط فأوجب الإعادة (2)،و لا مستند له من الرواية و غيرها،عدا وجه اعتباري لا يعترض به الأخبار المتقدمة مع ما هي عليه من الكثرة و الشهرة العظيمة،و تخص بها الأصالة المتقدمة لو تمسّك بها،مع أنّ مقتضاها إطلاق لزوم الإعادة و لو خارج الوقت.و تخصيصه إياها بالإضافة إليه خاصة بإجماع الطائفة و الأخذ فيما عداه بمقتضاها حسن إن صحّ الإجماع عنده و ليس،كيف لا؟!و هو قد حكى الخلاف من الأصحاب في الخارج (3)مؤذنا بعدم الإجماع عليه،هذا.

و لو سلّم يقال:فكما تخصّص الأصالة في الخارج بإجماع الطائفة تخصّص في الوقت بما مرّ من المستفيضة التي لا وجه لردّها.

نعم:استدل له (4)بالخبرين،أحدهما الصحيح:في الجنابة تصيب الثوب و لم يعلم بها صاحبه فيصلّي فيه ثمَّ يعلم بعد (5)،قال:«يعيد إذا لم يكن علم» (6).

و الثاني الخبر:عن رجل صلّى و في ثوبه بول أو جنابة،فقال:علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم» (7).

و هما-مع قصور سند الثاني منهما،و قرب احتمال سقوط حرف النفي

ص:121


1- الكافي 3:6/405،التهذيب 2:1489/360،الاستبصار 1:634/181،الوسائل 3: 474 أبواب النجاسات ب 40 ح 2.
2- المبسوط 1:38.
3- و هو في الخلاف 1:478.
4- كما في كشف اللثام 1:41.
5- في«ح»:بعدها،و في المصادر:بعد ذلك.
6- التهذيب 2:1491/360،الاستبصار 1:635/181،الوسائل 3:476 أبواب النجاسات ب 40 ح 8.
7- التهذيب 2:792/202،الاستبصار 1:639/182،الوسائل 3:476 أبواب النجاسات ب 40 ح 9.

عن أوّلهما بملاحظة الشرط في ذيله-لا يعارضان ما سلف من الأخبار.مع أنه لم يقل بإطلاقهما الشامل لصورة القضاء.و الجمع بينهما و ما سبق بالتفصيل -كما قال به-فرع التكافؤ أوّلا،ثمَّ وجود الشاهد عليه ثانيا،و ليس هنا قطعا، فطرحهما أو حملهما على الاستحباب أو غيره متعيّن جدا.

ثمَّ إن مقتضى إطلاق أكثر النصوص و كلمات أكثر الأصحاب:انسحاب الحكم في صور الجهل بالنجاسة قبل الصلاة من دون مظنة بها أو معها مطلقا، اجتهد في الفحص عنها حينئذ أم لا.و هو الأقوى.

خلافا لشيخنا في الذكرى (1)-تبعا للمحكي عن جماعة من أصحابنا كالصدوق و الشيخين (2)-فخصّ الحكم بالجهل الساذج أو الظن مع الاجتهاد، و أوجب فيما عداهما الإعادة مطلقا،عملا بظاهر بعض الأخبار،كالصحيح:

«إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمَّ صلّيت ثمَّ رأيته بعد فلا إعادة عليك، و كذا البول» (3)الدالّ بمفهومه المعتبر على الإعادة مع عدم الاجتهاد و النظر.

و نحوه المرسل (4).

و أظهر منهما الخبر:عن رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل و صلّى،فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة،فقال:«الحمد للّه الذي لم يدع شيئا إلاّ و قد جعل له حدّا،إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه،و إن كان[حين]قام لم ينظر فعليه الإعادة» (5).

و لا ريب أنه أحوط و إن كان في تعيّنه نظر،لقصور الجميع عن المقاومة لما مرّ،مع قصور سند ما عدا الأوّل،و مخالفتها لما وقع النهي فيه عن الفحص و السؤال و جواز الاتكال على أصالة الطهارة إلى أن يعلم الحال،بناء على

ص:122


1- الذكرى:17.
2- الصدوق في الفقيه 1:42،المفيد في المقنعة:149،الطوسي في التهذيب 2:202.
3- التهذيب 1:730/252،الوسائل 3:478 أبواب النجاسات ب 41 ح 2.
4- الفقيه 1:167/42،الوسائل 3:478 أبواب النجاسات ب 41 ح 4.
5- الكافي 3:7/406،التهذيب 1:1346/424،الاستبصار 1:640/182،الوسائل 3: 478 أبواب النجاسات ب 41 ح 3.

ظهورها في مطلوبية السؤال.فتأمل.

و لو رأى النجاسة في أثناء الصلاة مع عدم العلم بها قبلها أعادها مع العلم بسبقها مطلقا،أمكنه إزالتها أم لا،وفاقا لجماعة من أصحابنا (1)، للصحاح،منها:إن رأيته-أي المني-في ثوبي و أنا في الصلاة،قال:«تنقض الصلاة» (2).

و منها:«إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل الصلاة فعليك إعادة الصلاة» (3).

و منها:في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمَّ علم به،قال:«عليه أن يبتدئ الصلاة»الخبر (4).

و لا يعارضها الحسن:«إن رأيته-أي الدم-و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ،و إن لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك و لا إعادة عليك» (5).

لقصور سنده عن المقاومة لما مرّ أوّلا.و عدم وضوح دلالته ثانيا،أمّا أوّلا فلعدم التصريح فيه بالعلم بالسبق فيحتمل اختصاص الحكم بغيره،و وجوب الاستئناف فيه،كما يعرب عن الأمرين الصحيح الأول حيث قال فيه بعد ما مرّ:

«و تعيد إذا شككت في موضع منه ثمَّ رأيته،و إن لم تشك ثمَّ رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثمَّ بنيت على الصلاة،لأنك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك».

و أمّا ثانيا فلتضمنه ما لا يقول به أحد،من حيث الحكم بعدم الإعادة مع

ص:123


1- منهم الكاشاني في المفاتيح 1:106،و جعلها في المدارك 2:352 أولى.
2- التهذيب 1:1335/421،الاستبصار 1:641/183،علل الشرائع:1/361،الوسائل 3:482 أبواب النجاسات ب 44 ح 1.
3- التهذيب 1:730/252،الوسائل 3:424 أبواب النجاسات ب 16 ح 2.
4- الكافي 3:6/405،التهذيب 2:1489/360،الاستبصار 1:634/181،الوسائل 3: 474 أبواب النجاسات ب 40 ح 2.
5- الكافي 3:3/59،الفقيه 1:758/161،التهذيب 1:736/254،الاستبصار 1: 609/175،الوسائل 3:431 أبواب النجاسات ب 20 ح 6.

عدم إمكان تبديل الساتر على الإطلاق الشامل لما إذا كان له ساتر آخر أم لا لكن هذا على النسخة المزبورة المروية في التهذيب.

و أمّا على الأخرى المروية في الكافي و الفقيه المتضمنة-زيادة على ما مرّ-لقوله:«ما لم يزد على مقدار الدرهم،فإن كان أقلّ من درهم فليس بشيء رأيته أو لم تره» (1)فهو بمفهومه ظاهر الدلالة على الإعادة فيما زاد على الدرهم البتة.

و على هذه النسخة لا دلالة في الرواية على ما يتوهم منها من جواز المضي في الصلاة مع عدم إمكان ساتر آخر،و عدم لزوم الإعادة،فأخذها حجة على ذلك ليس في محلّه.كأخذ الصحيح له مطلقا و لو مع إمكان الساتر:عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر و هو في صلاته كيف يصنع؟قال:«إن كان دخل في صلاته فليمض،و إن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه،إلاّ أن يكون أثر فيه فيغسله» (2).

لاحتماله-مع عدم القائل بإطلاقه-اختصاص الحكم بالمضي فيه بموجب النضح خاصة الذي ليس بنجاسة،و قد صرّح به بل و ظهوره من سياق الرواية جماعة (3).

كلّ ذا مع العلم بالسبق.و أما مع العدم و احتمال الحدوث في الأثناء أزالها و أتم الصلاة أو طرح عنه ما هي فيه،إلاّ أن يفتقر ذلك أي كلّ من الإزالة و الطرح إلى ما ينافي الصلاة من فعل كثير أو استدبار قبلة أو تكلّم أو نحو ذلك فيبطلها حينئذ،بلا خلاف أجده فيهما،و إن حكي القول بلزوم

ص:124


1- لا يخفى أنّ هذه الزيادة موجودة في الاستبصار المطبوع أيضا،و أما في التهذيب المطبوع فقد وردت هكذا:«و ما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشيء رأيته أو لم تره».
2- الكافي 3:6/61،التهذيب 1:760/261،الوسائل 3:417 أبواب النجاسات ب 13 ح 1.
3- منهم العلامة في المنتهى 1:184،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 1:348،349، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:42،و صاحب الحدائق 5:431.

الإعادة على الإطلاق عن المعتبر (1)،بناء على قول الشيخ بلزوم الإعادة في الوقت على الجاهل بالنجاسة،لكن المحكي عنه في المبسوط و النهاية (2)هو التفصيل الذي تضمنته العبارة،مع أنه ناقش في البناء جماعة (3).

و كيف كان فالتفصيل أقرب،استنادا في المضي مع إمكان الإزالة بدون مبطل بالصحيح الأول المتقدم في الصورة السابقة،كالحسنة المتقدمة ثمة، و إطلاقها مقيد بما مضى من الأدلة،و الصحيح:عن الرجل يأخذه الرعاف و القيء في الصلاة كيف يصنع؟قال:«ينتقل فيغسل أنفه و يعود في صلاته،و إن تكلّم فليعد صلاته و ليس عليه وضوء» (4).

و نحوه الصحيح الآخر (5).

و هما و إن أطلقا البناء مع عدم الكلام،إلاّ أنه خرج منهما ما إذا استلزم الإزالة الفعل الكثير و نحوه من المبطلات بالإجماع،و بقي الباقي،و هو الحجّة في الاستئناف مع توقف الإزالة أو الطرح على المنافي كمفهوم الصحيح في الجملة،و فيه:«لو أن رجلا رعف في صلاته و كان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فيتناوله فمال برأسه فغسله فليبن على صلاته و لا يقطعها» (6).

ثمَّ المستفاد من إطلاق العبارة-و عليه حكي الشهرة (7)-انسحاب التفصيل في الصورة السابقة و هي العلم بتقدم النجاسة.

و لعلّ المستند فيه:إطلاق الحسنة،و فحوى النصوص المتقدمة الحاكمة بعدم الإعادة على الجاهل بالنجاسة العالم بها بعد الفراغ من الصلاة،لأولوية

ص:125


1- المعتبر 1:443.
2- المبسوط 1:38،90،النهاية:96.
3- كصاحب المدارك 2:351،و السبزواري في الذخيرة:168.
4- الكافي 3:9/365،التهذيب 2:1323/323،الاستبصار 1:1536/403،الوسائل 7: 238 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 4.
5- التهذيب 2:1302/318،الوسائل 7:240 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 9.
6- التهذيب 2:1344/327،الوسائل 7:241 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 11.
7- الحدائق 5:426.

المعذورية في البعض مع إمكان تدارك الباقي بالطهارة من المعذورية في مجموع العبادة.

و هو حسن لو لا ما قدّمناه من الصحاح الآمرة بالإعادة في الصورة السابقة، سيّما الأول منها،لصراحتها-كما مضى-في الفرق بين الصورتين،و لزوم الإعادة في الأولى دون الثانية،و بها يعدل عن الأولوية،و يصرف إطلاق الحسنة إلى هذه الصورة و هي عدم العلم بسبق النجاسة،و بما ذكرنا تجتمع أخبار المسألة.

بقي الكلام فيما لو علم بها في الأثناء لكن مع ضيق الوقت عن الإزالة و الاستئناف.فإطلاق النصوص بالأمرين-كإطلاق العبارة و كلام جماعة-يشمل هذه الصورة،كما ذكره بعض الأجلّة (1).

و للفقير فيه مناقشة،لكونها من الأفراد النادرة الغير المنصرف إليها الإطلاقات البتة،فلا يمكن اتخاذ الإطلاق (2)حجة لإطلاق الإعادة و لو في هذه الصورة.

مع أن الأدلة على وجوب الصلاة في أوقاتها المعيّنة قطعية،و اشتراطها بإزالة النجاسة على هذا الوجه غير معلوم البتة،بل الظاهر من الاستقراء و وجدان العفو عن كثير من الواجبات الركنية و غيرها لأجل تحصيل العبادة في وقتها عدم الاشتراط بهذا الوجه بالضرورة.

فعدم الإعادة في هذه الصورة لازم البتة،وفاقا لجماعة (3).

و عليها يحمل إطلاق بعض المعتبرة كالخبرين،في أحدهما:في الرجل يصلي فأبصر في ثوبه دما،قال:«يتم» (4).

ص:126


1- المدارك 2:354.
2- في«ح»:الإطلاقات.
3- منهم الشهيد الأول في البيان:96،و الشهيد الثاني في روض الجنان:169،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 1:348،و انظر الحدائق 5:435.
4- التهذيب 1:1344/423،الوسائل 3:483 أبواب النجاسات ب 44 ح 2.

و في الثاني المروي في مستطرفات السرائر،عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب،عن ابن سنان،عن مولانا الصادق عليه السلام قال:«إن رأيت في ثوبك دما و أنت تصلي و لم تكن رأيته قبل ذلك فأتم صلاتك،فإذا انصرفت فاغسله»قال:«و إن رأيته قبل أن تصلّي فلم تغسله ثمَّ رأيته بعد و أنت في صلاتك فانصرف فاغسله و أعد صلاتك» (1)فتأمل .

و يستفاد منه وجوب الإعادة مطلقا إذا رآها في الأثناء (2)في صورة النسيان،و عليه تدل جملة من الأخبار،كالصحيح:عن رجل ذكر و هو في صلاته أنه لم يستنج من الخلاء،قال:«ينصرف و يستنجي و يعيد الصلاة» الخبر (3).

و في الموثق:عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلّي، قال:«يعيد الصلاة كي يهتم بالشيء إذا كان في الثوب عقوبة لنسيانه» (4).

و لعموم التعليل فيه يتعدى إلى ما نحن فيه.

و ليس في النصوص السابقة ما ينافي الحكم في هذه الصورة،لظهورها في صورة الجهل بالنجاسة و العلم بها في الأثناء خاصة،بل و ربما دلّت الأخبار بالإعادة في صورة الجهل بالنجاسة مع العلم بسبقها بعد المعرفة بها في الأثناء على الحكم هنا بالعموم أو الفحوى،كما لا يخفى.

الثامن المربية للصبي إذا لم يكن لها إلاّ ثوب واحد اجتزأت بغسله في اليوم و الليلة مرة

الثامن:

المربية للصبي إذا لم يكن لها إلاّ ثوب واحد اجتزأت بغسله في اليوم و الليلة مرة على الأظهر الأشهر بين الطائفة،لرواية قصور سندها منجبر بالشهرة،و فيها:عن امرأة ليس لها إلاّ قميص واحد و لها مولود فيبول عليها

ص:127


1- مستطرفات السرائر:13/81،الوسائل 3:483 أبواب النجاسات ب 44 ح 3.
2- في«ل»و«ح»زيادة:مطلقا.
3- التهذيب 1:145/50،الاستبصار 1:161/55،الوسائل 1:318 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 4.
4- التهذيب 1:738/254،الوسائل 3:480 أبواب النجاسات ب 42 ح 5.

كيف تصنع؟قال:«تغسل القميص في اليوم مرة» (1).

و بها يخص الأصل و القاعدة.

إلاّ أن اللازم الاقتصار على المتيقن من موردها،و هو الصبي خاصة، للشك في إرادة الصبية من المولود و إن كان مطلقا،لعدم التبادر،مع حصول الفرق بين بوليهما فيكتفي بالصب في بوله دونها.و لعلّه لذا اقتصر عليه في العبارة و كلام جماعة (2)،بل حكى عليه الأكثرية بعض الأجلّة (3).

و أظهر منه الاقتصار على البول خاصة،كيف لا؟!و هو عين مورد الرواية،لا يحتمل الغائط بحسب الحقيقة.و احتمال الإرادة مجازا محتاج إلى القرينة الصارفة،و ليست.و عدم تعقل الفرق مدفوع بوجوده في الشريعة، للاكتفاء بالصبّ في البول خاصة.

و نحوه الكلام في التعدي إلى المربي (4)،و ذات الولدين (5)،و البدن (6)، و غير ذلك من التعديات (7)،التي ذهب إلى كل منها قائل،التفاتا إمّا إلى عدم تعقل الفرق،أو إلى الاشتراك في وجه الحكمة،و هو المشقة بتكرار الغسل و الإزالة.

و المناقشة فيهما واضحة:

أمّا في الأول فقد تقدّمت إليه الإشارة،مضافا إلى عدم الملازمة بين عدم التعقل و عدم الفرق،كيف لا؟!و أحكام الشرع تعبدية مبنية على جمع

ص:128


1- الفقيه 1:161/41،التهذيب 1:719/250،الوسائل 3:399 أبواب النجاسات ب 4 ح 1.
2- منهم الشيخ في النهاية:55،المحقق في المعتبر 1:444،العلامة في نهاية الإحكام 1: 288.
3- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:55.
4- القواعد 1:8،الدروس:1:127.
5- كشف اللثام 1:54.
6- نقله عن بعض من تأخّر في معالم الفقه:308.
7- روض الجنان:167.معالم الفقه:307.

المختلفات و تفريق المتماثلات.

و أما في الثاني فلأنه علة مستنبطة،و لا ريب في التعدية مع حصولها، كيف لا؟!و لا عسر و لا حرج في الشريعة،و لكن تتقدّر الرخصة بقدرها،و لا دخل لها بمورد الرواية و لا خصوص اليوم و الليلة،و لا معنى حينئذ للتعدية،و إنما الكلام في التعدية مع عدمها و إثبات الحكم في الرواية لما عدا موردها،و ليس فيما ذكر عليه دلالة.

ثمَّ إن إطلاق العبارة و الرواية يقتضي جواز الإتيان بالغسل مرة في أيّ وقت شاء من يوم أو ليلة.

إلاّ أن المصرّح به في كلام جماعة (1)أفضلية الإتيان به في آخر النهار، مقدّمة له على الظهر،آتية بعده بالأربع صلوات طاهرات.

و لا ريب فيها،بل ربما احتمل الوجوب (2).و يدفعه إطلاق النص و كلام الأصحاب،إلاّ أنه أحوط.

التاسع من لم يتمكن من تطهير ثوبه ألقاه و صلّى عريانا

التاسع:

من لم يتمكن من تطهير ثوبه و لا تبديله ألقاه و صلّى عريانا وجوبا عينيا على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع عن الخلاف (3)،و هو الحجة فيه، كروايات ثلاث (4)منجبر قصور أسانيدها بالشهرة العظيمة،بل و إجماع الطائفة عليها في الجملة،فإنهم ما بين موجب للعمل بها،و مخيّر بينه و بين ما يأتي من الصحاح،و يستفاد من ذلك الإجماع على الرضا بالعمل بها،و قد صرّح به شيخنا في المنتهى (5).

ص:129


1- منهم العلامة في المنتهى 1:176،الشهيد الأول في البيان:95.الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:55.
2- التذكرة 1:98.
3- الخلاف 1:398،474.
4- الوسائل 3:486 أبواب النجاسات ب 46 الأحاديث 1،3،4.
5- المنتهى 1:182.

مع أن فيها الموثق:عن رجل يكون في فلاة من الأرض ليس عليه إلاّ ثوب واحد و أجنب فيه و ليس عنده ماء،كيف يصنع؟قال:«يتيمم و يصلي عريانا قاعدا و يومئ» (1).

خلافا لمن شذّ ممن تأخر (2)،فأوجب العمل بما في الصحاح المستفيضة:

منها:عن رجل عريان و حضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كلّه، أ يصلّي فيه أو يصلّي عريانا؟فقال:«إن وجد ماء غسله،و إن لم يجد ماء صلّى فيه و لم يصلّ عريانا» (3).

التفاتا إلى عدم مقاومة ما مرّ من الأخبار لها سندا و عددا و اعتبارا،من حيث أوفقية هذه بالمرجحات للصلاة في الثوب على الصلاة عريانا بالاشتمال على الستر و القيام و استيفاء الأفعال.

و فيه نظر:فإنّ شيئا من ذلك لا يكافئ الشهرة المعتضدة بالإجماع المحكي بل الحقيقي،كما عرفت و ادّعي،و لذا لم يجرأ (4)جماعة ممّن ديدنهم طرح الأخبار القاصرة الأسانيد و قصرهم العمل بالصحيح على طرح تلك و الأخذ بهذه،و حاولوا الجمع بينهما بالعمل بالتخيير (5).

و هو حسن لو تساويا في الرجحان،و هو محل كلام،سيّما مع قصور الأخيرة عن الصراحة،و إنما غايتها الإطلاق،و يحتمل الحمل على الضرورة، كما هو الغالب،و قد ارتكبه شيخ الطائفة (6).

ص:130


1- الكافي 3:15/396،التهذيب 2:881/223،الوسائل 3:486 أبواب النجاسات ب 46 ح 1.
2- معالم الفقه:312.
3- التهذيب 2:884/224،الاستبصار 1:585/169،الوسائل 3:484 أبواب النجاسات ب 45 ح 5.
4- في«ش»و«ل»:لم يجسر.
5- المختلف:62،الدروس 1:127،جامع المقاصد 1:177.
6- كما في الاستبصار 1:169.

و كيف كان:فالأحوط الجمع بينهما في العمل إن أمكن،و إلاّ فيتعين الأول.

و أما لو منعه مانع من التعرّي من برد و نحوه صلّى فيه قولا واحدا،عملا بإطلاق الصحاح المتقدمة الشاملة لهذه الصورة بالضرورة، و التفاتا إلى خصوص الرواية:عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول و ليس معه ثوب غيره،قال:«يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه» (1).

و لكن في الإعادة مع التمكن من الطهارة قولان،أشبههما أنه لا إعادة و هو الأشهر بين الطائفة،استنادا إلى أصالة البراءة و ظواهر الصحاح المتقدمة الواردة في مقام الحاجة،مع تضمن بعضها الأمر بغسل الثوب خاصة بعد زوال الضرورة،من دون تعرض لإعادة الصلاة بالمرة.

خلافا للنهاية و جماعة (2)فأوجبوها،للموثق:عن رجل ليس معه إلاّ ثوب و لا تحلّ الصلاة فيه و لا يجد ماء يغسله،كيف يصنع؟قال:«يتيمم و يصلّي،فإذا أصاب ماء غسله و أعاد الصلاة» (3).

و هو أحوط.

العاشر إذا جففت الشمس البول أو غيره عن الأرض و البواري و الحصر جازت الصلاة عليه

العاشر:

إذا جففت الشمس (4)عينها بالإشراق البول أو غيره من النجاسات الزائلة عينها بها عن الأرض و البواري و الحصر بل كل ما لا ينقل جازت الصلاة عليه مع اليبوسة المانعة عن السراية إجماعا،و مطلقا على الأظهر،بناء على الطهارة كما هو الأشهر بين الطائفة،بل عليه الإجماع في

ص:131


1- التهذيب 2:883/224،الاستبصار 1:584/169،الوسائل 3:485 أبواب النجاسات ب 45 ح 7.
2- النهاية:55،و نسبه في المدارك 2:362 إلى جمع من الأصحاب.
3- التهذيب 1:886/224،الاستبصار 1:587/169،الوسائل 3:485 أبواب النجاسات ب 45 ح 8.
4- في المختصر المطبوع:الشمس إذا جففت..

خصوص البول و الأمور الثلاثة في العبارة عن الخلاف (1)،و عن الحلّي،لكن في تطهير الشمس في الجملة (2).

و الأصل في الطهارة بعد حكايات الإجماع المزبورة:خصوص المعتبرة،منها الصحيح:عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي أصلّي فيه،فقال:«إذا جففته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر» (3).

و حمل الطهارة على النظافة دون المعنى المتشرعة يأباه سياق الرواية.

و اختصاصها بالبول و الأرض خاصة غير قادح بعد التمامية في الثاني بعدم القائل بالفرق بينه و بين أخويه،و في الأمرين بعموم المعتبرة،منها الرضوي:«ما وقعت عليه الشمس من الأماكن التي أصابها شيء من النجاسات مثل البول و غيره طهّرتها،و أما الثياب فإنها لا تطهّر إلاّ بالغسل» (4).

و الخبر الذي قصور سنده بالشهرة قد انجبر:«ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر» (5).

و هما و إن عمّا ما ينقل حتى الثياب في الثاني،و ما عداها في الأول،إلاّ أنهما مخصّصان بما وقع على إخراجه الإجماع.

و قريب منهما الموثق:عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس و لكنه قد يبس الموضع القذر،قال:لا تصلّ عليه و اعلم الموضع حتى تغسله»و عن الشمس هل تطهّر الأرض؟قال:«إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك و أصابته الشمس ثمَّ يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة،و إن أصابته الشمس و لم ييبس الموضع القذر و كان رطبا فلا تجوز الصلاة فيه حتى ييبس،و إن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك

ص:132


1- الخلاف 1:495.
2- السرائر 1:182.
3- الفقيه 1:732/157،الوسائل 3:451 أبواب النجاسات ب 29 ح 1.
4- فقه الرضا(عليه السلام):303،المستدرك 2:574 أبواب النجاسات ب 22 ح 5.
5- التهذيب 1:804/273،الاستبصار 1:677/193،الوسائل 3:452 أبواب النجاسات ب 29 ح 5.

ما يصيب ذلك الموضع فلا تصلّ على ذلك الموضع القذر،و إن كان عين الشمس (1)أصابه حتى يبس فإنه لا يجوز» (2).

و المناقشة في دلالتها أوّلا:بعدم التصريح فيها بالطهارة،إذ غايته الحكم بجواز الصلاة عليها الأعم منها و من العفو عن النجاسة في الصلاة خاصة كما قال به جماعة (3)،و ثانيا:بظهور الذيل في بقاء النجاسة،للتصريح بعدم الجواز مع إصابة عين الشمس لها.

مدفوعة:أما الأولى:فبعدم الحاجة إلى التصريح بعد الظهور من وجوه عديدة تظهر من سياق الرواية:

أحدها:السؤال عن الطهارة،و مراعاة المطابقة بين السؤال و الجواب تلازمها البتة.

و ثانيها:النهي فيه عن الصلاة في الأرض الجافة بغير الشمس ثمَّ الأمر بعده بإعلام الموضع للغسل و الإزالة،مع التصريح بجواز الصلاة في الجافة بها من دون أمر فيه بما أمر في السابق،و هو ظاهر في الطهارة،و إلاّ لأمر بالإعلام للغسل كما في الصورة السابقة.

و ثالثها:الحكم بجواز الصلاة كالصريح في الطهارة بعد ملاحظة الإجماعات المحكية المتجاوزة عن حدّ الاستفاضة على اشتراط الطهارة في موضع السجدة،و به تنادي أيضا الصحيحة السابقة حيث عقّب فيها الأمر بالصلاة بجملة«فهو طاهر»التي هي إمّا كالعلّة للحكم المحكوم به في الجملة السابقة،أو كالفرع له الملازم لدلالته على الطهارة،و إلاّ لما توجّه التفريع عليه بالمرة.

و منه ينقدح وجه القدح في دعوى الأعمية في الحكم بجواز الصلاة من

ص:133


1- في بعض نسخ التهذيب:«غير الشمس»كما سيشير إليه المصنف.
2- التهذيب 1:802/272،الاستبصار 1:675/193،الوسائل 3:452 أبواب النجاسات ب 29 ح 4.
3- نقله عن الراوندي في المختلف:61،و مال إليه المحقق في المعتبر 1:445،و البهائي في الحبل المتين:125،و الكاشاني في المفاتيح 1:80.

الطهارة و احتمال كون الوجه فيه هو العفو عن النجاسة،كما حكي عن الجماعة.

مضافا إلى انقداح وجه آخر لفساد احتمال العفو،من إطلاق الحكم بالجواز من دون اشتراط عدم الرطوبة الموجبة للسراية،كما اشترطه هؤلاء الجماعة،فالإطلاق وجه آخر للدلالة على الطهارة.

و أما الثانية:فلتوقفها-بعد تسليمها-على النسخة المتقدمة،و هي معارضة بنسخة اخرى مبدّلة للعين بالغير،الظاهرة في الطهارة،مع اعتضادها بتذكير الضمير في الإصابة،و مع ذلك فليس شيء منهما في(بعض) (1)نسخ التهذيب في باب الزيادات بمروية (2).

هذا مع إمكان تتميم الدلالة أيضا على النسخة السابقة بنوع من التوجيهات القريبة.

و بالجملة:دلالة الرواية-كسابقتها-على الطهارة واضحة،مع التأيد بظواهر إطلاق الصحاح المجوّزة للصلاة على الأراضي اليابسة (3)،الخارجة منها اليابسة بغير الشمس بدلالة خارجية،و يكون ما نحن فيه مندرجا فيها البتة، و العام المخصّص في الباقي مسلّم الحجية عند الطائفة.

مضافا إلى الاعتضاد بمعاضدات أخر،كالخبر:«حقّ على اللّه تعالى أن لا يعصى في دار إلاّ أضحاها بالشمس ليطهّرها» (4).

هذا مع أن بقاء النجاسة بعد زوال عينها بالشمس بالمرة من الأشياء المذكورة في العبارة و نحوها-ممّا لم يقطع ببقاء النجاسة فيها بعد زوال العين منها بها-يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة،كيف لا؟!و لا آية و لا رواية سوى الموثقة المختص الأمر فيها بالغسل بالأرض المخصوصة،اليابسة بغير الشمس،المنعقد على وجوب الإزالة فيها إجماع الطائفة.

و كذا الإجماع،كيف؟!و لا ينعقد و لا تسمع دعواه في مثل محل النزاع.

ص:134


1- ليست في«ش».
2- التهذيب 2:1548/372.
3- انظر الوسائل 3:451 أبواب النجاسات ب 29.
4- الكافي 2:18/272،الوسائل 15:306 أبواب جهاد النفس ب 41 ح 2.

و الاستصحاب على تقدير تسليم اقتضائه بقاء النجاسة هنا فمقتضاه النافع لثمرة النزاع نجاسة الملاقي بالملاقاة.و هو حسن إن خلا عن المعارض بالمثل،و ليس،كيف لا؟!و الأصل أيضا بقاء طهارة الملاقي،و لا وجه لترجيح الأول عليه بل هو به أولى،كيف لا؟!و الأصل طهارة الأشياء المسلّم بين العلماء و دلّت عليه أخبارنا،ففي بعضها:«كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر» (1)و لا علم هنا بعد تعارض الاستصحابين و تساقطهما من البين،فلا مخصّص للأصالة المزبورة هنا.فتأمل جدا .

و لو لا في المسألة من الأدلة سواها لكفانا الأخذ بها،و ما أحوجنا شيء إلى الاشتغال بغيرها.

و منها يظهر وجه تعميم الطهارة لكل ما وقع فيه الخلاف من نجاسة و أمكنة،مضافا إلى عموم بعض المعتبرة المتقدمة،و إن اختلف الأصحاب فيه بالإضافة إلى الأمرين إلى أقوال متعددة و آراء متكثرة،لكنها كملا-عدا ما وافق التعميم-في الضعف مشتركة.

و أضعف منها القول ببقاء النجاسة و ثبوت العفو عنها في الصلاة عليها مع اليبوسة خاصة،كما مرّت الإشارة إلى حكايته عن جماعة (2).

نعم:هنا رواية صحيحة ربما أوهمت المصير إلى ما عليه هؤلاء الجماعة،و فيها:عن الأرض و السطح يصيبه البول أو ما أشبهه هل تطهّره الشمس من غير ماء؟قال:«كيف يطهّر من غير ماء» (3).

و هي مع وحدتها قاصرة عن المقاومة لما مرّ من الأدلة،و مع هذا محتملة لمحامل قريبة لا مندوحة عنها في الجمع بين الأدلة و لو كانت في التقدير بعيدة، و أقربها الحمل على التقية،لموافقتها مذهب جماعة من العامة كما حكاه بعض

ص:135


1- التهذيب 1:832/284،الوسائل 3:467 أبواب النجاسات ب 37 ح 4،و انظر المستدرك 2:583 أبواب النجاسات ب 30 ح 4.
2- راجع ص 128.
3- التهذيب 1:805/273،الاستبصار 1:678/193،الوسائل 3:453 أبواب النجاسات ب 29 ح 7.

الأجلة (1).

هذا مع اقتضاء عدم الطهارة بإشراق الشمس العسر و الحرج المنفيين آية (2)و رواية (3)،مع منافاته الملّة السهلة السمحة،مع إطباق الناس كافة في جميع الأزمنة على عدم إزالة النجاسة عن أمثالها بالماء،و الاكتفاء بالتطهير بالشمس خاصة فيما عدا الأمور المنقولة في أيّ نجاسة.فلا ريب في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و هل تطهّر النار ما أحالته (4)رمادا أو دخانا؟ الأشبه نعم و هو الأشهر،بل عليه الإجماع في دخان الأعيان النجسة كما عن المنتهى و التذكرة (5)،و رمادها كما عن صريح الخلاف و ظاهر المبسوط (6)،و فيهما معا كما عن السرائر (7)،و هو الأصل.

مضافا إلى أصالة الطهارة السالمة عمّا يعارضها من الأدلة،سوى استصحاب النجاسة،و هو مع عدم كون المقام محلّه اتفاقا معارض بمثله في طرف الملاقي،و قد مرّ إلى نظيره الإشارة (8).مع أن الأحكام الشرعية تابعة للأسماء الزائلة بالاستحالة.

و منه ينقدح الوجه في طهارة كل ما وقع فيه الاستحالة،بنار كانت أو غيرها.

و من الأدلة في المسألة:الخبران،في أحدهما الصحيح:عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى و يجصّص به المسجد،أ يسجد عليه؟فكتب

ص:136


1- انظر الذخيرة:171،الوسائل 3:453.
2- البقرة:185،الحج:78.
3- عوالي اللئالي 1:5/381،و انظر الوسائل 14:155 أبواب الذبح ب 39 ح 4،6.
4- في المختصر المطبوع:و هل تطهّر[أي الشمس]؟الأشبه نعم،و النار ما أحالته.
5- المنتهى 1:180،التذكرة 1:8.
6- الخلاف 1:499،المبسوط 6:283.
7- السرائر 3:121.
8- راجع ص 130.

إليه بخطّه:«إن الماء و النار قد طهّراه» (1).

و في الثاني المروي في قرب الإسناد،عن علي بن جعفر،عن أخيه عليه السلام:عن الجصّ يطبخ بالعذرة أ يصلح أن يجصّص به المسجد؟قال:

«لا بأس» (2).

و المناقشة في دلالتهما واهية،كيف لا؟!و هما صريحتا الدلالة على جواز تجصيص المسجد(الممنوع من أن يدخل عليه مثل هذه النجاسة بإجماع الطائفة) (3)بالجصّ-المسؤول عنه في الرواية-مع كونه مختلطا برماد العذرة البتة.و هو الوجه في دلالة الرواية،لا ما توهّم منه و أوردت به المناقشة.

و بالجملة:لا ريب في الطهارة.

خلافا للمبسوط في دخان الأعيان النجسة (4)،لوجه اعتباري مدفوع بما قدّمناه من الأدلة.

و للماتن في الشرائع في كتاب الأطعمة حيث تردّد على الإطلاق في الطهارة (5).و المناقشة فيه بعد ما مرّ واضحة.

ثمَّ إن من أصالة الطهارة المؤسّسة هنا و في المسألة السابقة يظهر وجه القوة في القول بالطهارة في كل ما وقع الخلاف في ثبوتها فيه من الأشياء المستحيلة استحالة لا يقطع معها بالخروج عن الأسماء السابقة،كصيرورة الأرض النجسة آجرا أو خزفا أو نورة أو جصّا،و العود النجس فحما،و نحو ذلك.

لكن ربما يعتضد في ترجيح استصحاب النجاسة باستصحاب شغل الذمة اليقيني بالعبادة،الغير الحاصلة بالصلاة عليها أو مع ما لاقاها من الثياب

ص:137


1- الكافي 3:3/330،الفقيه 1:829/175،التهذيب 2:928/235،الوسائل 3:527 أبواب النجاسات ب 81 ح 1.
2- قرب الإسناد:1147/290،الوسائل 5:291 أبواب أحكام المساجد ب 65 ح 2.
3- ما بين القوسين ليست في«ش».
4- المبسوط 6:283.
5- الشرائع 3:226.

المساورة لها بالرطوبة،فترجيحه بالإضافة إلى هذه الصورة،و الرجوع فيما عداها إلى أصالة الطهارة المستفادة من الأدلة العامة غير بعيد إن لم يكن مثله إحداث قول في المسألة.

و كيف كان:الأحوط مراعاة أصالة النجاسة البتة و إن كان القول بترجيح أصالة الطهارة مطلقا لا يخلو عن قوة حتى في العبادة،نظرا إلى أن أصالة بقاء شغل الذمة فيها مندفعة بعدم معلومية النجاسة،و به يحصل البراءة القطعية.كيف لا؟!و اشتراط الطهارة في الصلاة ليس اشتراطا للواقعية منها بل للظاهرية،بمعنى وجوب التنزه فيها عن معلوم النجاسة،فيرجع الشرط إلى عدم العلم بالنجاسة،و لذا في المصلّي معها جاهلا قلنا بالمعذورية،فالبراءة اليقينية بمجرد عدم العلم بالنجاسة حاصلة،فقد خلت عن المعارض-زائدا على أصالة النجاسة-أصالة الطهارة،و يجب الرجوع فيما تعارضا فيه إلى أصالة الطهارة العامة المستفادة من قوله عليه السلام في الموثقة:«كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر»و أمثاله كثيرة.

و تطهّر الأرض بالمشي عليها أو الدلك بها مع يبوستها(مطلقا) (1)طاهرة كانت أم لا،كما عن جماعة من أصحابنا (2)،و استفيد من بعض أخبارنا (3)،أو مطلقا و لو كانت رطبة،كما هو مقتضى(إطلاق) (4)أكثر النصوص و الفتاوي.

باطن الخف و هو أسفله الملاصق لها و أسفل القدم مع زوال عين النجاسة بها إن كانت ذات عين،و إلاّ كفى مسمّى المشي عليها مطلقا.

ص:138


1- ليست في«ش».
2- منهم العلاّمة في نهاية الإحكام 1:291،و الشهيد الثاني في الروضة 1:66.
3- الكافي 3:5/39،مستطرفات السرائر:8/27،الوسائل 3:458،459 أبواب النجاسات ب 32 ح 3،9.
4- ليست في«ش».

و لا خلاف في أصل الحكم هنا في الجملة بين أصحابنا و إن اختلفوا فيما يطهّر بها:فبين مقتصر على الأمرين كما هنا،و مبدّل للأخير بالنعل كما عن العلاّمة (1)،و مزيد له عليهما كما هو الأشهر بين أصحابنا،بل ربما ادعي عليه وفاقنا (2)،و معمّم للثلاثة و غيرها مما يجعل للرجل وقاء كما عن الإسكافي (3).

و هو أقوى،وفاقا لبعض أصحابنا (4)،و اقتضاه التدبر في أخبارنا،نظرا إلى التعليل في المستفيض منها بأن الأرض يطهّر بعضها بعضا،هذا مضافا إلى الأصل الذي مضى مرارا،و إن كان الاقتصار على الثلاثة أحوط و أولى من دون تأمل فيها،للتصريح بها في الأخبار.

ففي النبويين:«إذا وطئ أحدكم الأذى بخفّيه فطهورهما التراب».كما في أحدهما (5).

و في الآخر بدل الخفّ:النعل (6).

و في الصحيح:رجل وطئ عذرة فساخت رجله فيها أ ينقض ذلك وضوءه،و هل يجب عليه غسلها؟فقال:«لا يغسلها إلاّ أن يقذرها،و لكنه يمسحها حتى يذهب أثرها و يصلّي» (7).

و نحوه الصحيحان و في أحدهما:«لا بأس،إن الأرض يطهّر بعضها بعضا» (8).

ص:139


1- المنتهى 1:178.
2- انظر المدارك 2:372.
3- على ما نقل عنه المحقق في المعتبر 1:447.
4- كالشهيد الثاني في روض الجنان:170،و المسالك 1:18،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:179،و صاحب الحدائق 5:455.
5- سنن أبي داود 1:386/105.
6- سنن أبي داود 1:385/105.
7- التهذيب 1:809/275،الوسائل 3:458 أبواب النجاسات ب 32 ح 7.
8- الكافي 3:2/38،الوسائل 3:457 أبواب النجاسات ب 32 ح 2.

و في الثاني:«لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا أو نحو ذلك» (1).

و اشتراط هذا الشرط محكي عن الإسكافي (2).

خلافا للأكثر فلا،تبعا لإطلاق أكثر النصوص و الفتاوي،و التفاتا إلى قرب احتماله الحمل على الغالب.و هو أقوى،بل التدبر في الأخبار يقتضي الاكتفاء بالمسح بالأرض مطلقا و لو لم يكن هناك مشي أصلا.

و كيف كان:النصوص ما بين مصرّح بالقدم و عام له،إمّا بترك الاستفصال أو التعليل العام،فالتوقف فيه-كما عن التحرير و المنتهى (3)-ضعيف جدا.

و قد جمع بينهما المعتبر المروي في السرائر،مسندا عن مولانا الصادق عليه السلام،و فيه:مررت فيه-أي الزقاق القذر-و ليس عليّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته،فقال:«أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟«فقلت:بلى، قال:«لا بأس،إن الأرض يطهّر بعضها بعضا» (4).

و في ظاهره-كما ترى-إشعار بل دلالة على اعتبار اليبوسة.

و نحوه الخبر:عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء أمرّ عليه حافيا،فقال:«أ ليس وراءه شيء جافّ؟»قلت:بلى،قال:

لا بأس،إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» (5).

إلاّ أن في سنديهما قصورا مع عدم جابر لهما هنا،لإطباق أكثر النصوص و الفتاوي بالإطلاق جدا،مع اعتضاده بالأصل الذي مضى.فهو أقوى،إلاّ أن اعتبار الجفاف أحوط و أولى.

ص:140


1- الكافي 3:1/38،الوسائل 3:457 أبواب النجاسات ب 32 ح 1.
2- حكاه عنه في الذكرى:15.
3- التحرير 1:25،المنتهى 1:179.
4- مستطرفات السرائر:8/27،الوسائل 3:459 أبواب النجاسات ب 32 ح 9.
5- الكافي 3:5/39،الوسائل 3:458 أبواب النجاسات ب 32 ح 3.

و نحوه الكلام في اعتبار الطهارة،بل هو أولى بالعدم،لعدم الإيماء إليه في النصوص أصلا،إلاّ ما ربما يتوهم من بعض الصحاح (1)،و ليس كذلك ظاهرا.

و قيل كما عن المبسوط و الخلاف و السرائر (2)في الذّنوب (3)إذا يلقى على الأرض النجسة بالبول أنها تطهّر مع بقاء ذلك الماء على طهارته لنبوية عامية ضعيفة قاصرة الدلالة (4)،و مع ذلك فهي معارضة بمثلها ممّا تضمّن-في تلك الحكاية التي تضمنتها الرواية-أنه صلّى اللّه عليه و آله أمر بإلقاء التراب الذي أصابه البول و صبّ الماء على مكانه (5)،فالرجوع في تطهيرها إلى مقتضى القواعد أولى،وفاقا لأكثر متأخري أصحابنا (6).

يلحق بذلك النظر في الأواني
اشارة

و يلحق بذلك النظر في الأواني استعمالا و تطهيرا.

أواني الذهب و الفضة

و يحرم منها من حيث ال استعمال أواني الذهب و الفضة مطلقا في الأكل كان أو غيره كالشرب و غيره،إجماعا،كما عن التحرير و الذكرى في الأولين خاصة (7)،و عن الأول و المنتهى و التذكرة في غيرهما أيضا (8).

ص:141


1- الوسائل 3:457 أبواب النجاسات ب 32 ح 1،و انظر الحدائق 5:456.
2- المبسوط 1:92،الخلاف 1:494،السرائر 1:188.
3- الذّنوب:الدلو فيها ماء..،و قيل:هي الدلو الملأى..قيل:هي الدلو العظيمة.لسان العرب 1:392.
4- انظر سنن أبي داود 1:380/103،و عمدة القارئ في شرح البخاري 3:127،83/128، 84،و سنن البيهقي 2:428.
5- سنن أبي داود 1:381/103.
6- منهم المحقق في المعتبر 1:449،و العلامة في القواعد 1:8،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:179،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:57.
7- التحرير 1:25،الذكرى:18.
8- التحرير 1:25-26،المنتهى 1:186،التذكرة 1:67.

و النصوص بالأولين مستفيضة من الطرفين:

ففي العاميين أحدهما النبوي:«لا تشربوا في آنية الذهب و الفضة،و لا تأكلوا في صحافها،فإنها لهم في الدنيا و لكم في الآخرة» (1).

و ثانيهما المرتضوي:«الذي يشرب في آنية الذهب و الفضة إنما يجرجر في بطنه نارا» (2).

و في الصحيح:«لا تأكل في آنية فضة و لا في آنية مفضّضة» (3).

و ظاهرها-كغيرها-اختصاص النهي بالأوّلين،و ليس في التعدية إلى غيرهما مع مخالفتها الأصل حجّة من النصوص سوى إطلاق بعضها، كالصحيح:عن آنية الذهب و الفضة فكرهها،فقلت:قد روي أنه كان لأبي الحسن عليه السلام مرآة ملبّسة فضة،فقال:«لا و اللّه إنما كانت لها حلقة من فضّة»الخبر (4).

و الخبرين،في أحدهما:«نهى عن آنية الذهب و الفضة» (5).

و في الثاني:«آنية الذهب و الفضة متاع الذين لا يوقنون» (6).

ص:142


1- سنن البيهقي 1:28،صحيح البخاري 7:99.
2- صحيح مسلم 3:1/1634 و 2،رواه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و كذلك في عوالي اللئالي 2:138/210 و 139،و عنه في المستدرك 2:598 أبواب النجاسات ب 42 ح 1. و في الجميع:«يجرجر في بطنه نار جهنم».
3- الكافي 6:2/267،التهذيب 9:386/90،الوسائل 3:509 أبواب النجاسات ب 66 ح 1.
4- الكافي 6:2/267،التهذيب 9:390/91،المحاسن:67/582،الوسائل 3:505 أبواب النجاسات ب 65 ح 1.
5- الكافي 6:4/267،المحاسن:59/581،الوسائل 3:506 أبواب النجاسات ب 65 ح 3.
6- الكافي 6:7/268،المحاسن:62/582،الوسائل 3:507 أبواب النجاسات ب 65 ح 4.

لكنها مع قصور سند أكثرها-و إن أمكن بالشهرة جبرها-قاصرة الدلالة، لاحتمال انصراف إطلاق النهي فيها إلى أغلب الاستعمال منها في العرف و العادة،و هو الأوّلان خاصة.

هذا و يزيد ضعف الدلالة في الصحيحة بأعمية الكراهة فيها من الحرمة.

هذا مع ما يستفاد من بعض الصحاح المروي عن المحاسن من حصر المنع في الشرب خاصة،إذ فيه:عن المرآة هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة من فضة؟قال:«نعم،إنما يكره ما يشرب به» (1).

فإذا:العمدة في التعدية إلى ما عداهما هو الإجماعات المحكية،مضافا إلى الشهرة العظيمة التي لا يبعد أخذها جابرة لقصور ما مضى من الروايات سندا و دلالة.

و ليس في شيء منهما (2)الدلالة على حرمة نفس الاتخاذ من دون استعمال بالمرة و إن حكم بها جماعة (3)،بل و ربما ادعي عليه الشهرة (4)،و وجّه بوجوه اعتبارية و إطلاقات الروايات المتقدمة.و لا يقاوم شيء منهما أصالة الإباحة،مع انتقاض الأول بما لا خلاف في إباحة اتخاذه بين الطائفة،و ضعف الثاني بما مرّ من المناقشة.لكن الأحوط مراعاتهم البتة.

ثمَّ الأصل و اختصاص النصوص بحكم التبادر بالأواني المتعارفة يقتضي المصير إلى جواز اتخاذ نحو المكحلة و ظرف الغالية و نحوهما من الأواني الغير المتبادرة من إطلاق لفظ الآنية،هذا مضافا إلى الصحيح:عن التعويذ يعلّق

ص:143


1- المحاسن:69/583،الوسائل 3:511 أبواب النجاسات ب 67 ح 5،6.
2- في«ح»:منها.
3- المعتبر 1:456،القواعد 1:9،إيضاح الفوائد 1:32.
4- كما ادعاه صاحب المدارك 2:380،و السبزواري في الكفاية:14.

على الحائض؟فقال:«نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قصبة حديد» (1)و الاحتياط لا يخفى.

و في جواز استعمال المفضّض قولان،أشبههما و أشهرهما،بل عليه عامة المتأخرين الكراهية للأصل و المعتبرة،منها الصحيح:عن الشرب في القدح فيه ضبّة من فضة ،قال:«لا بأس إلاّ أن تكره الفضة فتنزعها» (2).

و الحسن:«لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضّض،و اعزل فمك عن موضع الفضة» (3).

خلافا للخلاف،فساوى بينه و بين آنية الفضة (4)،للصحيح أو الحسن:

«لا تأكل في آنية فضة و لا في آنية مفضّضة» (5).

و الموثق عن مولانا الصادق عليه السلام:«أنه كره الشرب في الفضة و القدح المفضّض،و كذلك أن يدهن في مدهن مفضّض،و المشط كذلك» (6).

و ليس فيهما مكافاة لما مرّ من الأدلة،فلتحمل على الكراهة.

و المناقشة فيه بعدم الصحة من حيث استلزامه استعمال النهي في معنييه الحقيقيين،أو الحقيقي و المجازي،و هما فاسدان على الأشهر بين الطائفة.

ص:144


1- الكافي 3:4/106،الوسائل 3:511 أبواب النجاسات ب 67 ح 2.
2- التهذيب 9:391/91،المحاسن:65/582،الوسائل 3:509 أبواب النجاسات ب 66 ح 4.
3- التهذيب 9:392/91،الوسائل 3:510 أبواب النجاسات ب 66 ح 5.
4- الخلاف 1:69.
5- تقدم مصدره في ص:137.
6- الكافي 6:5/267،الفقيه 3:1032/222،التهذيب 1:387/90،المحاسن: 66/582،الوسائل 3:509 أبواب النجاسات ب 66 ح 2.المدهن بضم الميم و الهاء:ما يجعل فيه الدهن،و هو من النوادر التي جاءت بالضم و قياسه الكسر.المصباح المنير:202.

ممنوعة،لاحتمال تعدد حرف النهي في الصحيحة،بجعل الواو فيها للاستئناف و تقدير المنهي عنه ثانيا بنحو ما نهي عنه أوّلا،هذا.

و لو سلّم كون الواو فيها للعطف قطعا يحتمل أن يراد بالنهي المعنى المجازي العام الشامل لكل من الحقيقة و المجاز.

و بالجملة:أمثال هذه الاحتمالات و إن بعدت لكنها ممكنة،فينبغي ارتكابها جمعا بين الأدلة،نظرا إلى رجحان الأدلة الأوّلة بموافقة الأصل و الكثرة و الشهرة العظيمة،و إطلاق الكراهة المحتملة لكل من الحرمة و الكراهة الاصطلاحية في الثانية.

و لا تأبى الأولى عن حمل النهي الثاني فيها على الكراهة بعد قيام القرينة و إن كان فيه نوع مخالفة للحقيقة و سياق العبارة،و لكن لا يلزم منه ورود المناقشة المزبورة.

و أظهر منه الكلام في الثانية،لأعمية الكراهة فيها،فيراد بها الحرمة التي هي أحد أفرادها بالإضافة إلى الفضة،و الكراهة الاصطلاحية بالإضافة إلى المفضّضة،و لا مانع فيه من جهة القاعدة الأصولية.

و في وجوب عزل الفم عن محل الفضة قولان،الأشهر:نعم،لظاهر الأمر في الحسن،و هو الأظهر.

خلافا للمعتبر فالاستحباب،للأصل،و إطلاق الصحيح أو عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال (1).

و ضعفهما ظاهر بعد ما مرّ،لوجوب التقييد،و إن أمكن الجمع بالاستحباب،لرجحانه عليه في كل باب،مع كونه مجمعا عليه بين الأصحاب.

ص:145


1- المعتبر 1:455.
أواني المشركين طاهرة ما لم يعلم نجاستها

و أواني المشركين و كذا سائر ما يستعملونه عدا الجلود الغير المعلومة تذكيتها طاهرة لا يجب التورّع عنها ما لم يعلم نجاستها بمباشرتهم أو بملاقاة النجاسة لها،بلا خلاف أجده،إلاّ ما يحكى عن الخلاف من إطلاق النهي عن استعمالها،مدعيا عليه الإجماع (1).و مخالفته غير معلومة،لاحتمال إرادته من الإطلاق صورة العلم بالمباشرة،كما يستفاد من سياق أدلته المحكية،و لعلّه لذا أن أصحابنا لم ينقلوا عنه الخلاف في المسألة.

و الأصل فيها بعد الاتفاق على الظاهر:الأصل،و العمومات،و خصوص الصحاح المستفيضة و نحوها من المعتبرة.

ففي الصحيح:إني أعير الذمي ثوبي و أنا أعلم أنه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير،فيردّه عليّ،فأغسله قبل أن أصلّي فيه؟فقال عليه السلام:«صلّ فيه و لا تغسله من أجل ذلك،فإنك أعرته إياه و هو طاهر و لم تستيقن نجاسته، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه» (2).

و هي و إن اختصت مواردها بما ليس مفروض العبارة منها،إلاّ أنّ عدم القول بالفرق مع التعليل العام في بعضها كما مضى يدفع المناقشة عن الاستدلال بها هنا.

إلا أنها معارضة بأخبار أخر مطلقة للمنع عن استعمال أوانيهم و ثيابهم، فمنها:«لا تأكلوا في آنيتهم،و لا من طعامهم الذي يطبخون،و لا في آنيتهم التي يشربون فيها» (3).

و منها:عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجرّي و يشرب الخمر

ص:146


1- الخلاف 1:70.
2- التهذيب 2:1495/361،الاستبصار 1:1497/392،الوسائل 3:521 أبواب النجاسات ب 74 ح 1.
3- الكافي 6:5/264،الوسائل 3:419 أبواب النجاسات ب 14 ح 1.

فيردّه،أ يصلّي فيه قبل أن يغسله؟قال:«لا يصلّي فيه حتى يغسله» (1).

لكنها،مع عدم مكافاتها لما مرّ عددا و اعتبارا من وجوه شتى،و منها-و هو أقواها-اتفاق أصحابنا على العمل بها،محمولة على الاستحباب أو العلم بالمباشرة،كما فصّله بعض الروايات المتقدمة.

ثمَّ إن ظاهر العبارة-كغيرها و جميع ما مضى من الأدلة-اعتبار العلم بالنجاسة،و عدم الاكتفاء بالمظنة،و إن استندت إلى قرائن خارجية،أو عدل واحد،أو بيّنة شرعية.

خلافا لجماعة فاكتفوا بها،إمّا مطلقا (2)،أو مقيّدا بالثاني (3)،أو بالثالث (4)،و هو في الظاهر أشهر أقوالهم و أحوطها و إن لم ينهض عليه دليل يطمئن النفس إليه أصلا.

و أمّا الأوّلان فينبغي القطع بضعفهما جدّا،كيف لا؟!و في الصحيح:

قلت:فإن ظننت أنه قد أصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثمَّ صلّيت فرأيت فيه،قال:«تغسله و لا تعيد الصلاة»قلت:لم ذاك؟قال:«لأنك كنت على يقين من طهارتك ثمَّ شككت فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبدا» (5).

مع أن أغلب صور المسألة المفروضة في العبارة حصول المظنة القوية القريبة من العلم في العرف و العادة،التي هي قد تكون أقوى من الظنون التي

ص:147


1- التهذيب 1:1494/361،الاستبصار 1:1498/393،الوسائل 3:521 أبواب النجاسات ب 74 ح 2.
2- حكاه عن أبي الصلاح الحلبي في الحدائق 5:244.
3- الحدائق 5:251.
4- كما في المنتهى 1:9.
5- التهذيب 1:1335/421،الاستبصار 1:641/183،علل الشرائع:1/361،الوسائل 3:466 أبواب النجاسات ب 37 ح 1.

استند إليها هؤلاء الجماعة حتى من الحاصلة عن نحو البيّنة الشرعية،و مع ذلك فقد حكمت الأخبار المتقدمة بالطهارة و انحصار الحكم بالنجاسة في العلم بالمباشرة.

لا يستعمل من الجلود إلاّ ما كان طاهرا في حال حياته مذكى

و لا يستعمل شيء من الجلود إلاّ ما كان طاهرا في حال حياته و مذكى فلا يجوز استعمال جلود نجس العين مطلقا،مذكّى كان أم لا،في مشروط بالطهارة كان أم لا،و كذا الميتة من طاهر العين مطلقا،دبغ أم لا.

بلا خلاف أجده في الأول و إن لم أقف فيه على دليل إطلاق المنع عنه في غير المشروط بالطهارة،عدا فحوى إطلاق النص المانع عن الانتفاع بالميتة (1)،مع أنه معارض ببعض المعتبرة كالموثق:عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى من البئر التي يشرب منها أو يتوضأ،قال:«لا بأس» (2)و نحوه غيره (3).

و ظاهر الاستبصار (4)العمل به،حيث وجّه نفي البأس فيه إلى نفس الاستعمال لا إلى الطهارة،إلاّ أن العمل على الأوّل.

و كذا لا خلاف في الثاني إلاّ من الصدوق،فجوّز الانتفاع به فيما عدا مشروط بالطهارة مطلقا (5)،للخبر:عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن و السمن ما ترى فيه؟قال:«لا بأس أن تجعل فيها ما شئت من ماء أو سمن و تتوضأ منه و تشرب،و لكن لا تصلّ فيها» (6).

ص:148


1- انظر الوسائل 24:184 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34.
2- التهذيب 1:1301/413،الوسائل 1:157 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 16.مع اختلاف يسير.
3- الكافي 6:3/258،الوسائل 1:171 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3.
4- كذا في النسخ،و لكنّا لم نعثر عليه في الاستبصار،بل هو موجود في التهذيب 1: 1301/413.
5- الفقيه 1:9.
6- الفقيه 1:15/9،الوسائل 3:463 أبواب النجاسات ب 34 ح 5.

و هو مع قصور سنده و شذوذه-نظرا إلى دلالته على الطهارة-معارض بعدة نصوص،منها:الميتة ينتفع بشيء منها؟قال:«لا» (1).

و عن الإسكافي فجوّزه بعد الدبغ خاصة (2)،بناء على حصول الطهارة به،للخبر:في جلد شاة ميتة يدبغ فيصبّ فيه اللبن أو الماء،فأشرب منه و أتوضأ؟قال:«نعم»و قال:«يدبغ فينتفع[به]و لا تصلّ فيه» (3).

و هو-مع ما فيه ممّا في سابقة و زيادة هي موافقة العامة-معارض بإطلاقات المعتبرة المتقدمة المعتضدة بالشهرة العظيمة و الإجماعات المحكية عن المختلف و المنتهى و الذكرى (4).

و ربما أيدت باستصحاب النجاسة السابقة.و الأجود التأييد باستصحاب عدم جواز الانتفاع.

ثمَّ إن اعتبار التذكية في العبارة يقتضي اعتبار العلم بها،و إلحاق الجلد مع الجهل به بالميتة،و به صرّح جماعة من أصحابنا و إن اختلفوا في إطلاق الإلحاق (5)،أو لزوم التقييد بالوجدان فيما عدا بلاد أهل الإسلام (6).

خلافا لنادر من المتأخرين (7)،فاكتفى بالجهل بكونه جلد ميتة عن العلم بالتذكية،و حكم بالطهارة،للأصل.و يدفع بما يأتي.و لاستصحاب طهارة

ص:149


1- الكافي 6:7/259،التهذيب 2:799/204،الوسائل 3:502 أبواب النجاسات ب 61 ح 2.
2- نقله عنه في المختلف:64.
3- التهذيب 9:332/78،الاستبصار 4:343/90،الوسائل 24:186 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 7،و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.
4- المختلف:64،المنتهى 1:191،الذكرى:16.
5- انظر روض الجنان:212.
6- التذكرة 1:94.
7- المدارك 2:387.

الجلد و الملاقي.و يعارض باستصحاب عدم التذكية.

و للنصوص المستفيضة،منها الصحيح:عن الخفاف التي تباع في السوق،فقال:«اشتر و صلّ فيها حتى تعلم أنه ميّت بعينه» (1)و نحوه غيره من الصحيحين (2).

و هي مع عدم ظهورها في الدلالة-بناء على احتمال أن يراد من السوق سوق المسلمين،بل هو الظاهر،لأنه المعهود المتعارف زمن صدورها،و لا كلام هنا-معارضة بمثلها من المستفيضة الصريحة الدلالة المعتضدة بالشهرة، و استصحاب بقاء اشتغال الذمة بالعبادة المشروطة بالطهارة.

ففي الموثق كالصحيح:«لا بأس في الصلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام»قلت:فإن كان فيها غير أهل الإسلام،قال:«إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس» (3).

و في نحوه:«و إن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و كل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكّاه الذبح» (4).

و في الحسن كالصحيح:«تكره الصلاة في الفراء إلاّ ما صنع في أرض الحجاز أو ما علمت منه ذكاته» (5).

و في الخبر:عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل

ص:150


1- الكافي 3:28/403،التهذيب 2:920/234،الوسائل 3:490 أبواب النجاسات ب 50 ح 2.
2- الوسائل 3:491 أبواب النجاسات ب 50 ح 3،6.
3- التهذيب 2:1532/368،الوسائل 3:491 أبواب النجاسات ب 50 ح 5.
4- الكافي 3:1/397،التهذيب 2:818/209،الاستبصار 1:1454/383،الوسائل 3: 408 أبواب النجاسات ب 9 ح ذيل حديث 6.
5- الكافي 3:4/398،الوسائل 3:526 أبواب النجاسات ب 79 ح 1.

يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟قال:«عليكم أن تسألوا إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك،و إذا رأيتم المسلمين يصلّون فيه فلا تسألوا عنه» (1).

و بالجملة:التدبر في النصوص يقتضي المصير إلى نجاسة الجلد مع الجهل بذكاته،إلاّ مع وجوده في يد مسلم أو سوقه من يد من لا يظهر كفره.

خلافا لمن شذّ كما مرّ.و لآخر فأفرط و حكم بنجاسته و لو أخذ من يد المسلم إن كان ممن يستحل الميتة بالدبغ و إن أخبر بالتذكية (2).و إطلاق الصحاح السابقة يدفعه.

و لتحقيق المسألة مزيد يأتي في بحث الصلاة إن شاء اللّه تعالى.

و يكره استعمال الجلد فيما عدا الصلاة إذا كان مما لا يؤكل لحمه مما يقع عليه الذكاة،كالسباع و المسوخ-عند من لم ينجسها-و نحوهما،على الأظهر(الأشهر) (3)بل حكي على الأول الإجماع عن جماعة (4)حتى يدبغ.

و لا يحرم على الأشبه الأشهر بين المتأخرين،لإطلاق النصوص بجواز الاستعمال من دون تقييد بالدبغ،ففي الموثق:عن لحوم السباع و جلودها،فقال:«أما اللحوم فدعها،و أما الجلود فاركبوا عليها و لا تصلّوا فيها» (5).

و فيه:عن جلود السباع ينتفع بها؟فقال:«إذا رميت و سمّيت فانتفع

ص:151


1- الفقيه 1:788/167،التهذيب 2:1544/371،الوسائل 3:492 أبواب النجاسات ب 50 ح 7.
2- انظر المنتهى 1:226،و التحرير 1:30،و التذكرة 1:94.
3- ليست في«ش».
4- لم نعثر على من حكى الإجماع على كراهة استعمال جلد السباع قبل الدبغ.
5- التهذيب 9:338/79،الوسائل 24:114 أبواب الأطعمة المحرمة ب 3 ح 4.

بجلده» (1).

خلافا للشيخ و المرتضى،فمنعا عنه قبل الدبغ (2)،إمّا للنجاسة كما يحكى عنهما تارة (3)،أو للمنع عن ذلك تعبدا كما يحكى اخرى (4).

و مستندهما غير واضح،عدا ما يحكى عن الأول من الإجماع على الجواز بعده،و ليس هو و لا غيره قبله (5).و هو كما ترى.

نعم:عن بعض الكتب عن مولانا الرضا عليه السلام:«دباغة الجلد طهارته» (6).

و هو مع عدم وضوح السند و احتماله التقية غير دالّ،على تقدير الحكاية الثانية من كون المنع تعبدا لا للنجاسة.

و كذا يكره أن يستعمل من أواني الخمر ما كان منه خشبا أو قرعا أو خزفا غير مدهن.

و لا يحرم على الأظهر الأشهر،للأصل،و عموم ما دلّ على جواز الاستعمال بعد التطهير.

خلافا للإسكافي و القاضي (7)،لنفوذ النجاسة في الأعماق،فلا يقبل التطهير.

ص:152


1- التهذيب 9:339/79،الوسائل 24:185 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 4.
2- الشيخ في النهاية:587،حكاه عن المرتضى في المعتبر 1:466.
3- انظر كشف اللثام 2:258.
4- انظر كشف اللثام 2:258.
5- انظر الخلاف 1:63.
6- فقه الرضا(عليه السلام):302.
7- نقله عن الإسكافي المحقق في المعتبر 1:467،و العلامة في المختلف:65،القاضي في المهذّب 1:28 و ج 2:434.

و ردّ بنفوذ الماء فيها،فيحصل التطهير (1).و فيه منع،نعم يحصل به إزالة النجاسة الظاهرة،و هي كافية في الطهارة،و نجاسة الباطنة غير مانعة،كيف لا و لا سراية،فتأمل .

و للخبرين،أحدهما الصحيح:«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الدّبّاء و المزفّت» (2).

و نحوه الثاني بزيادة الحنتم و النقير،و تفسير الدبّاء بالقرع ،و المزفّت بالدنان ،و الحنتم بالجرار الخضر،و النقير بالخشب (3).

و ليس فيهما-مع قصور الثاني سندا-على النجاسة دلالة،كيف لا و وجه النهي غير منحصر فيها،و يحتمل توجه النهي إلى الانتباذ فيها،لاحتمال تحقق الإسكار بها،لا لأجل تحقق سراية النجاسة في أعماقها و عدم تحقق الطهارة لذلك فيها.

كيف لا؟!و من جملتها المزفّت المفسّر بالمقيّر،و الحنتم المفسّر بالمدهن ،و هما لا يجري فيهما السراية إلى الأعماق،و إن هما إلاّ كالأجسام الصلبة الغير القابلة لنفوذ شيء فيها المتفق على قبولها التطهير مطلقا جدّا، فليس الخبران من فرض المسألة بشيء قطعا.

فإذا:أدلة القول الأول لا معارض لها أصلا.

يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا

و يجب أن يغسل الإناء من ولوغ الكلب فيه ثلاثا إجماعا كما

ص:153


1- انظر المعتبر 1:467،جامع المقاصد 1:195.
2- الكافي 6:1/418،التهذيب 1:829/283،الوسائل 3:495 أبواب النجاسات ب 52 ح 1.
3- الكافي 3:3/418،التهذيب 9:499/115،معاني الأخبار:1/224،الوسائل 3:496 أبواب النجاسات ب 52 ح 2.

عن الانتصار (1)،و كذا عن الخلاف و الغنية (2)،و ظاهر المنتهى و الذكرى (3)، و هو الحجة فيه،كالمعتبرة،منها الصحيح:عن الكلب،فقال:«رجس نجس لا تتوضأ بفضله،و اصبب ذلك،و اغسله بالتراب أول مرة ثمَّ بالماء مرّتين» (4).

و ليس في نسخ كتب الحديث المشهورة ذكر المرتين بالمرة،إلاّ أن ما ذكرناه مروي عن المعتبر،و كذا عن الخلاف (5)،و تبعه الجماعة،و لعلّه أخذه من كتب الأصول الموجودة عنده،و نقله لنا حجة.

و لا يعارضه الحذف فيما مرّ من الكتب،لاحتماله فيها،و رجحانه على احتمال الزيادة،مع اعتضادها هنا بالرضوي المصرّح فيه بها،و فيه:«إن وقع الكلب في الماء أو شرب منه أهريق الماء و غسل الإناء ثلاث مرّات،مرة بالتراب،و مرتين بالماء» (6).

و ينبغي أن يكون أولاهن بالتراب على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع عن الغنية (7)،و هو الحجة فيه كالصحيحة المتقدمة.

و لا يعارضها إطلاق الرضوي المتقدم،و ليقيد بها جمعا بين الأدلة،و إن اقتصر على ظاهره من القدماء جماعة (8)،مع احتمال إرادتهم ما في الصحيحة،

ص:154


1- الانتصار:9.
2- الخلاف 1:177،الغنية(الجوامع الفقهية):551.
3- المنتهى 1:187،الذكرى:15.
4- التهذيب 1:646/225،الاستبصار 1:40/19،الوسائل 3:415 أبواب النجاسات ب 12 ح 2 بتفاوت يسير.
5- المعتبر 1:458،الخلاف 1:176.
6- فقه الرضا(عليه السلام):93،المستدرك 2:561 أبواب النجاسات ب 8 ح 1.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):551.
8- منهم السيد في جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):23،و الشيخ في الخلاف 1:175،و ابن حمزة في الوسيلة:80.

كالرضوي،سيّما مع ما فيه من التقديم الذكري.

و كيف كان:فظاهرهم الاتفاق على جوازه و إن اختلفوا في تعيّنه.

خلافا للمحكي عن المقنعة،فأوجب توسيط التراب بين العدد (1)و لا ريب في ضعفه و إن جعله في الوسيلة رواية (2)،فإنها مرسلة لا تعارض الصحيحة المعتضدة بعمل أكثر الطائفة.

و بالجملة:لا ريب في شذوذه و ضعفه.كالمحكي عن الإسكافي من وجوب السبع (3)و إن ورد به الخبران،أحدهما النبوي العامي:«إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أولاهنّ بالتراب» (4)و نحوه الخاصي (5).

إذ هما مع قصور سندهما و لا سيّما الأول بأبي هريرة لا يكافئان شيئا ممّا مرّ من الأدلة من وجوه عديدة ،مع معارضة الأول منهما بمثله لذلك الراوي أيضا بعينه،و فيه:«إذا ولغ في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرّات» (6).

و في آخر له أيضا:«فليغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا» (7).

و ظاهره استحباب الزائد،فليحملا عليه.

و في وجوب مزج التراب بالماء كما عن الحلّي و غيره (8)،تحصيلا لأقرب المجازات إلى مفهوم الغسل و إن حصل التجوز في التراب.

ص:155


1- المقنعة:65-68.
2- الوسيلة:80.
3- نقله عنه في المعتبر 1:458.
4- المحلى 1:/110المسألة 127،عوالي اللئالي 1:51/399.
5- التهذيب 9:502/116،الوسائل 25:368 أبواب الأشربة المحرمة ب 30 ح 2.
6- سنن الدار قطني 1:16/66،17.
7- عوالي اللئالي 2:142/212،سنن الدار قطني 1:13/65،14.
8- الحلي في السرائر 1:91،و نقله عن الراوندي في الذكرى:15.

أم العدم،كما عليه جماعة (1)،للأصل،و معارضة الأقربية بالحقيقة، و لزوم التجوز في التراب على التقديرين بالضرورة.

وجهان،أوجههما الثاني بالنظر إلى القواعد الأصولية.و الأحوط الجمع بينهما و طهارة التراب،اقتصارا فيما خالف الأصل على الفرد المتبادر من النص،و إن كان في تعيّنها [تعيينه] نظر،لمعارضة الأصل بمثله كما مر،فيكتفى في مثله باحتمال شمول النص لغير المتبادر.

و يلحق بالولوغ اللطع و ما في حكمه ممّا يوجب وصول لعاب الفم إلى الظرف،لفحوى النص و [عموم] الرضوي (2).و يستفاد منه انسحاب الحكم في مطلق الوقوع،و هو أحوط إن لم يكن أقوى،و هو نصّ الصدوقين (3).

و الأظهر الأشهر اختصاص الحكم بالكلب،فلا ينسحب إلى الخنزير، بل يجب فيه السبع من دون تعفير،للصحيح (4).

خلافا للخلاف فكالكلب (5)،لوجوه مدخولة هي اجتهادات صرفة في مقابلة الصحيحة.

يغسل الإناء من الخمر و الفأرة ثلاثا

و يغسل الإناء من نجاسة الخمر و موت الفأرة ثلاثا وفاقا للخلاف (6)للموثق في الأوّل:«عن قدح أو إناء يشرب فيه الخمر،فقال:تغسله ثلاث مرّات» (7).

ص:156


1- منهم العلامة في المختلف:63،و الشهيد في الذكرى:15،و ابن فهد في المهذّب البارع 1:266،و صاحب المدارك 2:392.
2- في«ح»:و عموم الرضوي.
3- الصدوق في المقنع:12،و نقله عنه و عن والده في المنتهى 1:188.
4- التهذيب 1:760/261،الوسائل 3:417 أبواب النجاسات ب 13 ح 1.
5- الخلاف 1:186.
6- الخلاف 1:182.
7- الكافي 6:1/427،التهذيب 1:830/283،الوسائل 3:494 أبواب النجاسات ب 51 ح 1.

و لا يجب السبع و إن ورد به الموثق الآخر:في الإناء يشرب فيه النبيذ،قال:«يغسله سبع مرّات» (1)،للأصل،و عدم معارضة الظاهر للنص.

نعم هو أفضل بل الأشهر تعيّنه،فالأحوط أن لا يترك.

و الاكتفاء بالمرة-كما عن المعتبر (2)-له وجه لو لم يرد بالزائد نص معتبر،و قد ورد كما مرّ،إلاّ أنه كما ترى مختص بالخمر،فليخص [فلتخص] بمورده، و يكتفي بالمرة في غيره.

إلاّ أن في الموثق تنصيصا بالأمر بالسبع في الجرذ (3).و في حمله على الوجوب كما حمله الشيخ و جماعة (4)إشكال،لاستلزامه قوة نجاسته على نجاسة الكلب،حيث يكتفي فيه بالثلاث دونه.إلاّ أنّ ضمّ التعفير إليه و حياة الكلب ربما دفع الفحوى.

و كيف كان:فالسبع في الجرذ أحوط و أولى إن لم نقل بكونه أقوى.

و أما الثلاث في الفأرة على الإطلاق فلم نجد مستنده مطلقا ،فلا وجه لحكم المصنّف به،فليتأمل جدا.

و يغسل الإناء من غير ذلك مرّة واحدة على الأشهر بين الطائفة، كما ذكره بعض الأجلة (5)،عملا فيها بالإطلاق،و في نفي الزائد بالأصل و عدم المعارض،سوى استصحاب النجاسة،المعارض بمثله في الملاقي كما مرّ.

نعم في الموثق:عن الكوز أو الإناء يكون قذرا كيف يغسل؟و كم مرة يغسل؟قال:«ثلاث مرّات،يصبّ فيه الماء فيحرك فيه ثمَّ يفرغ منه ذلك الماء،

ص:157


1- التهذيب 9:502/116،الوسائل 25:368 أبواب الأشربة المحرمة ب 30 ح 2.
2- المعتبر 1:461.
3- التهذيب 1:832/284،الوسائل 3:496 أبواب النجاسات ب 53 ح 1.
4- الشيخ في النهاية:6،المقنع:11،الذكرى:15،جامع المقاصد 1:191.
5- كشف اللثام 1:61.

ثمَّ يصبّ فيه ماء آخر ثمَّ يفرغ منه ذلك الماء،ثمَّ يصبّ فيه ماء آخر ثمَّ يفرغ منه و قد طهر» (1).

و حمله على الاستحباب ممكن،لاعتضاد الإطلاق بالأصل و الشهرة و ما عن المبسوط من الرواية بالاكتفاء بالمرة (2).

و لا ريب أن الثلاث أحوط و أوجبها جماعة كما عن الصدوق و الإسكافي و الطوسي و الذكرى و الدروس و المحقق الشيخ علي (3)،عملا بظاهر الموثق.و لا بأس به.

و الحمد للّه أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا،و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين المعصومين،و سلّم تسليما كثيرا.

ص:158


1- التهذيب 1:832/284،الوسائل 3:496 أبواب النجاسات ب 53 ح 1.
2- المبسوط 1:14.
3- لم نعثر على قول الصدوق في كتبه و لا على من حكى عنه ذلك،نقله عن الإسكافي في المعتبر 1:461،الطوسي في النهاية:5،و الجمل و العقود(الرسائل العشر):171،و الاقتصاد: 254،الذكرى:15،الدروس:125،و المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد 1:192.

كتاب الصلاة

اشارة

كتاب الصلاة بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه ربّ العالمين،و صلّى اللّه على خير خلقه محمد و آله الطاهرين.

ص:159

ص:160

كتاب الصلاة و النظر في المقدمات و المقاصد و هي لغة:الدعاء،و شرعا:العبادة المخصوصة بكيفيّاتها المعهودة، و عدّها جماعة من أهل اللغة من جملة معانيها اللغوية (1)،و في إثبات الحقيقة بذلك إشكال ،بل الظاهر العدم.

و النصوص في فضلها و عقاب تاركها أكثر من أن تحصى.

و النظر في هذا الكتاب يقع في المقدمات و المقاصد.

المقدمات سبع

اشارة

و المقدمات سبع:.

الاولى في الأعداد
اشارة

الاولى:

في بيان الأعداد و هي إمّا واجبة أو مندوبة،لأنّها عبادة و لا تكون بالذات إلاّ راجحة.

الواجبات تسع

ف الواجبات على الجملة بالحصر المستفاد من تتبّع الأدلّة الشرعية تسع: على المشهور،و قيل:سبع،بإدراج الكسوف و الزلزلة في الآيات (2).

الاولى الصلوات الخمس الفرائض اليوميّة أداء و قضاء و لو من وليّ الميت عنه و الثانية صلاة الجمعة و الثالثة:صلاة العيدين و

ص:161


1- انظر الصحاح 6:2402،نهاية ابن الأثير 3:50،مجمع البحرين 1:226.
2- قال به الشهيد الأول في البيان:107،و الدروس 1:136،الشهيد الثاني في الروضة 1:167.

الرابعة:صلاة الكسوف و الخامسة:صلاة الزلزلة و السادسة:صلاة الآيات و السابعة:صلاة الطواف و الثامنة:صلاة الأموات و التاسعة ما أي كل صلاة يلتزمه الإنسان بنذر و شبهه من العهد و اليمين،و يدخل فيه الملتزم بالإجارة،و صلاة الاحتياط في وجه ،و في آخر يدخل في الأولى،لكونها مكمّلة لما يحتمل فواته منها.

و في إدخال الثامنة اختيار إطلاقها عليها بطريق الحقيقة الشرعية،كما هو ظاهر الحلي (1)و صريح الذكرى فيما حكي [عنه] (2).

و قيل (3):إنّه على المجاز،لعدم التبادر،إذ يتبادر [أو تبادر] ذات الركوع و السجود أو ما قام مقامهما منها عند الإطلاق،و هو أمارة المجاز.مع أنّ نفي الصلاة عمّا لا فاتحة فيها و لا طهور و الحكم بتحليلها بالتسليم ينافي الحقيقة،بناء على أنّ الأصل في النفي تعلّقه بالمهية لا الخارج من الكمال و الصحة.

و هو حسن،إلاّ أنّه ربما يدّعى عدم صحة السلب عرفا،و دلالة بعض النصوص على كونها صلاة (4)،فيعترض بهما الدليلان السابقان.

الاولى الصلوات المسنونة

و ما سواه أي سوى ما ذكر من الصلوات مسنون.

و كلّ منهما إمّا بأصل الشرع كاليومية فرائضها و نوافلها،و الجمعة، و العيدين،و صلاة الطواف،أو بسبب من المكلّف كالملتزمات،و صلاة الاستخارة (5)و الحاجة،أولا منه كصلاة الآيات،و صلاة الشكر،و الاستسقاء، و يمكن إدخاله في الحاجات.

ص:162


1- السرائر 1:192.
2- حكاه عن الذكرى في الروضة 1:168.
3- قال به صاحب المدارك 3:8،الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:154.
4- و هو ما دلّ على أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله ما صلّى على النجاشي بل دعا له.أي ما صلّى صلاة الميت.(الوسائل 3:105 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 5).منه رحمة اللّه.
5- في«ش»:الاستيجار.

و منها ما يجب تارة و يستحب اخرى(كصلاة العيدين،و صلاة الطواف.

و منها ما يجب عينا تارة و تخييرا أخرى) (1)أو يجب و يحرم اخرى كصلاة الجمعة على الخلاف،و إطلاق الصلاة عليها على القول بحرمتها مجاز قطعا .

و الصلوات الخمس سبع عشرة ركعة في الحضر،و إحدى عشرة ركعة في السفر،و نوافلها أربع و ثلاثون ركعة فيكون المجموع إحدى و خمسين ركعة على الأشهر في الروايات.

ففي الصحيح:كم الصلاة من ركعة؟قال:«إحدى و خمسون» (2).

و في آخر:«الفريضة و النافلة إحدى و خمسون ركعة،منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدّان بركعة،و النافلة أربع و ثلاثون ركعة» (3).

و في ثالث:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي من التطوّع مثلي الفريضة،و يصوم من التطوّع مثلي الفريضة» (4).

و نحوها أخبار كثيرة سيأتي إليها الإشارة.

و أمّا الأخبار الأخر-الدالة على نقص النوافل عن الأربع و الثلاثين، بإسقاط الوتيرة خاصة كما في بعضها (5)،أو مع الست من نوافل العصر كما في

ص:163


1- ما بين القوسين ليست في«ش».
2- الكافي 3:16/446،التهذيب 2:1/3،الاستبصار 1:771/218،الوسائل 4:49 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 11.
3- الكافي 3:2/443،التهذيب 2:2/4،الاستبصار 1:772/218،الوسائل 4:46 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 3.
4- الكافي 3:3/443،التهذيب 2:3/4،الاستبصار 1:773/218،الوسائل 4:46 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 4.
5- الكافي 3:5/443،التهذيب 2:4/4،الاستبصار 1:774/218،الوسائل 4:47 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 6.

آخر منها (1)،أو مع الأربع منها كما في غيرهما (2)،و إن كثرت و تضمنت الصحيح و غيره-فلا يستفاد منها إلاّ تأكيد الاستحباب في الأقل.و اختلافها فيه محمول على اختلاف مراتبه في الفضل.

و لو سلّم مخالفتها لما سبق لكان اللازم طرحها،لعدم ظهور قائل بها، كما اعترف به جماعة من أصحابنا،حيث قالوا-بعد نقل ما في العبارة و نسبته إلى الأصحاب-:لا نعلم فيه مخالفا (3).بل زاد الصيمري فقال بعد نقله:

أطبق الأصحاب في كتب الفتاوى عليه،ثمَّ نقل الأخبار المزبورة و قال:و لم يعمل بها أحد من الأصحاب (4).و هو نص في الإجماع كما في الانتصار و الخلاف (5).فلا إشكال.

و احترز بقوله في الحضر عن السفر،لنقصان العدد فيه إجماعا كما سيذكر.

و اعلم أنّ الصحاح المتقدمة و إن أجملت النوافل لكن فصّلتها أخبار أخر غيرها بما أشار إليه بقوله ثمان للظهر قبلها،و كذا للعصر ثمان لها قبلها و أربع للمغرب بعدها،و بعد العشاء ركعتان من جلوس تعدّان بواحدة،و ثمان للّيل،و ركعتا الشفع،و ركعة الوتر،و ركعتان للغداة.

ففي الصحيح:«ثمان ركعات قبل الظهر،و ثمان بعدها»قلت:

فالمغرب؟قال:«أربع بعدها» (6).

ص:164


1- الوسائل 4:59 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 14 ح 1،2،3.
2- الوسائل 4:59 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 14 ح 2،6.
3- كما في الذكرى:112،و المدارك 3:10.
4- كشف الالتباس و غاية المرام في شرح الشرائع للشيخ مفلح بن حسين الصيمري تلميذ ابن فهد الحلّي،و هذان الكتابان لم يطبعا بعد.
5- الانتصار:50،الخلاف 1:526.
6- التهذيب 2:7/5،الوسائل 4:50 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 15.

و في الموثق:«صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر، و ستّ ركعات بعد الظهر،و ركعتان قبل العصر،و أربع ركعات بعد المغرب، و ركعتان بعد العشاء الآخرة تقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا،و القيام أفضل، و لا تعدّهما من الخمسين،و ثمان ركعات من آخر الليل تقرأ..»إلى أن قال:«ثمَّ الوتر ثلاث ركعات تقرأ فيها جميعا قل هو اللّه أحد،و تفصل بينهنّ،ثمَّ الركعتين اللتين قبل الفجر» (1)إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

و يسقط في السفر نوافل الظهرين إجماعا على الظاهر المصرّح به في كثير من العبائر (2)،و النصوص به مع ذلك مستفيضة،ففي الصحيح:«الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء إلاّ المغرب،فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في حضر و لا سفر» (3).

و في الخبر:عن صلاة النافلة بالنهار في السفر،فقال:«يا بنيّ لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة» (4).

و في آخر:عن التطوّع بالنهار و أنا في سفر،فقال:«لا» (5).

و ربما يستفاد منهما و من غيرهما-كالصحيح:عن الصلاة تطوعا في السفر،قال:«لا تصل قبل الركعتين و لا بعدهما شيئا نهارا» (6)-اختصاص

ص:165


1- التهذيب 2:8/5،الوسائل 4:51 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 16 و فيهما بتفاوت يسير.
2- كما في الخلاف 1:587،و السرائر 1:194،و مجمع الفائدة 2:7.
3- الكافي 3:3/439،التهذيب 2:36/14،الوسائل 4:83 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 7.
4- الفقيه 1:1293/285،التهذيب 2:44/16،الاستبصار 1:780/221،الوسائل 4: 82 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 4.
5- التهذيب 2:45/16،الاستبصار 1:781/221،الوسائل 4:82 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 5.
6- التهذيب 2:32/14،الوسائل 4:81 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 1.

السقوط بالنوافل النهارية دون الليليّة،و هو ظاهر الأصحاب في غير الوتيرة،من غير خلاف بينهم أجده،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة،منها-زيادة على الصحيحة المتقدمة في نافلة المغرب-صحيحان آخران،فيهما أيضا:

«لا تدعهنّ في حضر و لا سفر» (1).

و زيد في أحدهما:«و كان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر و لا حضر» (2).

و نحوه آخر:«صلّ صلاة الليل و الوتر و الركعتين في المجمل» (3).

و نحوهما في نافلتي الفجر الصحيح:«صلّهما في المحمل» (4).

و في سقوط الوتيرة قولان :مقتضى الأصل-زيادة على ما مر (5)- العدم،كما عن النهاية و الأمالي (6)،مدّعيا أنه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به،و به صريح الرضوي (7)،و رواية رجاء بن أبي الضحاك المروية عن العيون،المتضمّنة لفعل مولانا الرضا عليه السلام في السفر كما حكي (8).

ص:166


1- الكافي 3:2/439،التهذيب 2:35/14،الوسائل 4:86 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 24 ح 1.
2- التهذيب 2:39/15،الوسائل 4:90 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 25 ح 1.
3- التهذيب 2:42/15،الوسائل 4:90 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 25 ح 2.
4- الكافي 3:12/441،التهذيب 2:38/15،الوسائل 4:103 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 33 ح 1.
5- في«ش»زيادة:من ظهور النصوص في أنّ الساقط إنما هو النوافل النهارية خاصة.و هي مذكورة في«ح»و«ل»بعنوان حاشية منه رحمه اللّه.
6- النهاية:57،أمالي الصدوق:514.
7- فقه الرضا(عليه السلام):100،المستدرك 3:63 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 1 بتفاوت يسير.
8- العيون 2:5/178،الوسائل 4:83 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 8.حكي فيها أنه عليه السلام كان لا يصلّي من نوافل النهار في السفر شيئا.

و قوّاه الشهيدان في الذكرى و الروضة (1)،للخبر المعلّل بأنّها زيادة في الخمسين تطوّعا،ليتمّ بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوّع (2).

و ردّ بقصور السند (3).

و يمكن جبره بموافقة مضمونه لكثير من النصوص،منها الصحيح:هل قبل العشاء الآخرة و بعدها شيء؟فقال:«لا،غير أنّي أصلّي بعدها ركعتين و لست أحسبهما من صلاة الليل» (4).

و في آخر:عن أفضل ما جرت به السنّة،قال:«تمام الخمسين» (5).

و في الموثق:«لا تعدّهما من الخمسين» (6).

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على أنّها ليست من الرواتب،و زيدت لتمام العدد كما في بعضها (7)،أو ليتدارك بها صلاة الليل لو فاتت،و أنّها وتر تقدم لذلك كما في غيره (8)،و لذا ما كان يصلّيها النبي صلّى اللّه عليه و آله لوجوب الوتر عليه كما فيه.

و هذا القول في غاية القوّة لو لا ندرة القائل به،فإنّ الشيخ قد رجع عنه في

ص:167


1- الذكرى:113،الروضة 1:171.
2- العيون 2:112،الفقيه 1:1320/290،الوسائل 4:95 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29 ح 3.
3- كما في مجمع الفائدة و البرهان 2:8.
4- الكافي 3:6/443،التهذيب 2:19/10،الوسائل 4:93 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 27 ح 1.
5- الكافي 3:4/443،التهذيب 2:6/5،الوسائل 4:46 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 5.
6- التهذيب 2:8/5،الوسائل 4:51 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 16.
7- الكافي 3:2/443،التهذيب 2:2/4،الاستبصار 1:772/218،الوسائل 4:46 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 3.
8- علل الشرائع:1/330،الوسائل 4:96 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29 ح 8.

جملة من كتبه كالحائريات و الجمل و العقود فيما حكاه عنه الحلّي (1)بل المبسوط أيضا كما حكاه غيره (2).

و أمّا الشهيد فهو و إن قوّاه لكن قال:إلاّ أن ينعقد الإجماع على خلافه (3)، مشعرا بنوع تردّد له فيه،مع أنّ ظاهر إطلاق عبارته في الدروس و اللمعة القول بالسقوط (4)،كما هو المشهور على الظاهر،بل المقطوع به المصرّح به في كلام كثير (5).

بل في السرائر الإجماع عليه (6)،و حكي أيضا عن الغنية (7).و بهما يعارض إجماع الأمالي-مع رجحانهما عليه من وجوه ،و ضعفه كذلك،مع وهنه بشهرة خلافه-و يخصّص الأصل،و يذبّ عن الرضوي و تالييه،مع قصور سندها جميعا،و عدم جابر لها عدا ظهور ما مرّ من النصوص في اختصاص نوافل النهار بالسقوط،و يترك بالإجماع المنقول الذي هو-مع التعدّد-نصّ و معتضد بفتوى المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا،لندرة القائل كما مضى.

و لكنّ المسألة مع ذلك محل إشكال،فللتوقف فيها مجال،كما هو ظاهر الفاضلين هنا و في التحرير و المحقق المقداد (8)،و الصيمري،

ص:168


1- الحائريات(الرسائل العشر):286،الجمل و العقود(الرسائل العشر):173،الحلي في السرائر 1:194.
2- حكاه عنه في التنقيح الرائع 1:163،و هو في المبسوط 1:71.
3- انظر الذكرى:113.
4- الدروس 1:137،الروضة 1:171.
5- كما في الذكرى 113،و التنقيح 1:163،و الروضة 1:171.
6- السرائر 1:194.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):564.
8- التحرير 1:26،المقداد في التنقيح الرائع 1:163.

و غيرهم (1).

و الاحتياط يقتضي الترك إن كان المراد بالسقوط التحريم،كما هو ظاهر النصوص و الفتاوى ،و صريح الشيخ في كتابي الحديث عدم الاستحباب (2)، فيكون فعله بقصد القربة تشريعا محرّما.

و منه يظهر ما في الاستدلال لعدم السقوط بالتسامح في أدلّة السنن،إذ هو عند من يقول به يثبت حيث لا يحتمل التحريم،و إلاّ فلا تسامح قولا واحدا.

و ليس في النصوص الدالّة على تسويغ قضاء النوافل النهارية في الليل (3)دلالة على مشروعيتها نهارا،حتى يجعل دليلا على أنّ المراد بالسقوط حيث يطلق الرخصة في الترك و رفع تأكد الاستحباب.و لو سلّمت فهي معارضة ببعض الروايات السابقة (4)الدالة على عدم صلاحية النافلة في السفر كعدم صلاحية الفريضة فيه،و عدم الصلاح يرادف الفساد لغة بل و عرفا مع شهادة السياق بذلك.فتأمّل جدّا (5).

و لكل ركعتين من هذه النوافل و غيرها من النوافل تشهّد و تسليم لأنّه المعروف من فعل صاحب الشريعة فيجب الاقتصار عليه،لتوقيفيّة العبادة، و للنبوي:«صلّوا كما رأيتموني أصلّي» (6).

و لخصوص مستفيضة من طرق العامة و الخاصة،ففي النبوي:«بين كل

ص:169


1- كالسبزواري في الكفاية:15.
2- التهذيب 2:16،الاستبصار 1:222.
3- الوسائل 4:84 أبواب أعداد الفرائض ب 22.
4- في ص 159.
5- فإنّ عدم الصلاحية بالإضافة إلى الفريضة للتحريم إجماعا،فيكون بالإضافة إلى نافلتها كذلك أيضا.منه رحمه اللّه.
6- عوالي اللئالي 1:8/197،سنن البيهقي 2:124،سنن الدار قطني 1:1/272.

ركعتين تسليمة» (1)و في آخر:«صلاة الليل و النهار مثنى مثنى» (2).

و في الخبر المروي عن قرب الإسناد:عن الرجل يصلي النافلة، أ يصلح له أن يصلّي أربع ركعات لا يسلّم بينهنّ؟قال:«لا،إلاّ أن يسلّم بين كل ركعتين» (3).

و في آخر مروي عن كتاب حريز:«و افصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم» (4).

و ظاهر الأدلّة كالعبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة حرمة الزيادة على الركعتين و النقص عنهما من دون تشهّد و تسليم بعدهما،و بها صرّح جماعة، و منهم الحلي في السرائر مدّعيا الإجماع عليه (5).

خلافا لظاهري الشيخ في الخلاف و الفاضل في المنتهى (6)،فعبّرا عن المنع بلا ينبغي،و الأفضل،و ادّعى الأوّل الإجماع عليه،لكنّهما ذكرا بعيد ذلك ما يعرب عن إرادتهما منهما التحريم(بل صرّحا به أخيرا) (7)فلا خلاف لهما.

و للوتر تشهّد و تسليم بانفراده إجماعا منّا على الظاهر،المستظهر من عبارتي الخلاف و المنتهى (8)،و به صرّح جماعة من متأخّرينا (9)،و الصحاح

ص:170


1- سنن ابن ماجه 1:1324/419.
2- سنن ابن ماجه 1:1322/419.
3- قرب الاسناد:736/194،الوسائل 4:63 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 2.
4- مستطرفات السرائر:1/71،الوسائل 4:63 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 3.
5- السرائر 1:193.
6- الخلاف 1:200،المنتهى 1:196.
7- ما بين القوسين ليس في«م».
8- الخلاف 1:527،المنتهى 1:195.
9- منهم العلامة في المنتهى 1:195،و الشهيد في الدروس 1:137،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:155.

به مستفيضة،منها:عن الوتر أ فصل أم و صل؟قال:«فصل» (1).

و ظاهره كغيره لزومه،و يقتضيه قاعدة توقيفيّة العبادة،و لزوم الاقتصار على ما ثبت من صاحب الشريعة.

و النصوص المرخّصة للوصل (2)شاذة غير مكافئة لما سبقها من وجوه شتّى ،و إن تضمّنت الصحيحين و غيرهما،مع عدم صراحتهما،لاحتمال حمل التسليم في الأوّلين المخيّر بينه و بين عدمه فيهما على التسليم المستحب، يعنى«السلام عليكم»و لا بعد فيه،سيّما مع شيوع إطلاقه على الصيغة المزبورة في النصوص و الفتاوي إطلاقا شائعا،بحيث يفهم كون الإطلاق عليها حقيقيّا و على غيرها مجازيا.و حينئذ التخيير فيها لا يفيد جواز الوصل في الوتر أصلا،لاحتمال تعيين لزوم الفصل بالصيغة الأخرى،و ليس في الرواية الأخيرة -مع ضعفها بالجهالة-إلاّ قول مولانا الكاظم عليه السلام:«صله»بعد أن سئل عن الوتر (3).و هو كما يحتمل قراءته بسكون اللام يحتمل قراءته بكسرها و تشديدها،و يكون إشارة إلى الأمر بفعلها.

و لو لم تحتمل هذه النصوص شيئا مما قدّمناه تعيّن طرحها،أو حملها على التقية كما ذكره شيخ الطائفة،قال:لأنّها موافقة لمذاهب كثير من العامة (4).مع أنّ مضمون حديثين منها التخيير (5)،و ليس ذلك مذهبا لأحد،لأنّ من أوجب الوصل لا يجوّز الفصل،و من أوجب الفصل لا يجوّز الوصل.

ص:171


1- التهذيب 2:492/128،الاستبصار 1:1314/348،الوسائل 4:65 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 12.
2- الوسائل 4:66 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 الأحاديث 16،17،18.
3- التهذيب 2:496/129،الوسائل 4:66 أبواب أعداد الفرائض ب 15 ح 18.
4- راجع التهذيب 2:129.
5- الوسائل 4:66 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 16،17.
الثانية في المواقيت
اشارة

الثانية في بيان المواقيت.

و المراد بها هنا مواقيت الصلاة الخمس و نوافلها.

و النظر فيها يكون تارة في تقديرها و تعيينها و اخرى في لواحقها.

النظر الأول في تقديرها

أمّا الأول: ف اعلم أن الروايات فيه مختلفة كالفتاوى،بعد اتفاقهما على أنّ الزوال أوّل وقت الظهرين،و الغروب آخر وقتهما و أوّل وقت المغرب،و الفجر الثاني أوّل وقت صلاته،و طلوع الشمس آخر وقتها.و يأتي الإشارة إلى مواضع اختلافاتهما في أثناء البحث إن شاء اللّه تعالى.

و محصّلها الذي عليه الفتوى و يظهر من الجمع بينها هو اختصاص الظهر عند الزوال بمقدار أدائها تامة الأفعال و الشروط بأقلّ واجباتها بحسب حال المكلف،باعتبار كونه مقيما و مسافرا،صحيحا و مريضا،سريع القراءة و الحركات و بطيئها،مستجمعا بعد دخول الوقت لشروط الصلاة أو فاقدها،فإن المعتبر قدر أدائها و أداء شرائطها المفقودة.

ثمَّ بعد مضي هذا المقدار من الزوال يشترك الفرضان في الوقت، و الظهر مقدّمة على العصر إلاّ مع النسيان،فيصح العصر لو صلاّها قبل الظهر ناسيا مطلقا (1)،و هذا فائدة الاشتراك حتى يبقى للغروب مقدار أداء العصر خاصّة على الوجه المتقدم فيختص العصر به.

ثمَّ يدخل وقت المغرب،فإذا مضى مقدار أدائها على الوجه الذي مضى اشترك الفرضان،و المغرب مقدمة على العشاء إلاّ في صورة

ص:172


1- أي من دون فرق بين وقوع العصر بتمامها في الوقت المشترك أو بعضها.منه رحمه اللّه.

الاستثناء حتى يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء بالنحو الذي مضى فيختص به.

و إذا طلع الفجر الثاني و هو المعترض المستطير في الأفق،و يسمّى الصادق لأنّه صدقك عن الصبح،و يسمّى الأوّل الكاذب لأنّه ينمحي بعد ظهوره و يزول ضوؤه دخل وقت صلاته ممتدّا حتى تطلع الشمس.

و على هذه الجملة كثير من القدماء و المتأخّرون كافّة فيما أجده،و في السرائر الإجماع عليه (1)و يدل عليها-ما عدا الأخير-صريحا بعض المعتبرة و لو بالشهرة:«إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات،فإذا مضى ذلك فقد دخل الظهر و العصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي أربع ركعات،فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقي وقت العصر حتى تغيب الشمس،و إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات،فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي أربع ركعات،و إذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل» (2).

و يعضده الصحيح في قول اللّه تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ [1] الآية (3)،قال:

«إنّ اللّه تعالى افترض أربع صلوات،أوّل وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل،منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس،إلاّ

ص:173


1- السرائر 1:196.
2- التهذيب 2:70/25،الاستبصار 1:936/261،الوسائل 4:127 أبواب المواقيت ب 4 ح 7.
3- السرائر:78.

أنّ هذه قبل هذه،و منها صلاتان أول وقتهما من عند غروب الشمس إلى انتصاف الليل،إلاّ أنّ هذه قبل هذه» (1).

و في هذا الاستثناء ظهور تام في الأوقات المختصة ،كما صرّح به جماعة،و عليه يحمل إطلاق نحو الصحيح.«إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و العصر،و إذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة» (2)مع إشعار فيه بها أيضا.

و على تقدير عدم الإشعار فيه و الظهور في سابقة يحمل الاشتراك فيهما على ما عدا محل الاختصاص حمل المطلق على المقيد،و هو الخبر المتقدم، و النصوص الصحيحة و لو في الجملة،منها:في الرجل يؤخّر الظهر حتى يدخل وقت العصر:«أنّه يبدأ بالعصر ثمَّ يصلي الظهر» (3).

و منها:عن رجل نسي الاولى و العصر جميعا ثمَّ ذكر ذلك عند غروب الشمس،فقال:«إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ثمَّ ليصلّ العصر،و إن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر،و لا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعا» (4)الخبر.

(و بهذا يندفع القول بالاشتراك مطلقا كما عن الصدوقين (5)،مع احتمال إرادتهما فيما عدا محل الاختصاص كما يظهر من كلام المرتضى (6)،فيرتفع

ص:174


1- التهذيب 2:72/25،الاستبصار 1:938/261،الوسائل 4:157 أبواب المواقيت ب 10 ح 4.
2- الفقيه 1:648/140،التهذيب 2:54/19،الوسائل 4:125 أبواب المواقيت ب 4 ح 1.
3- التهذيب 2:1080/271،الاستبصار 1:1056/289،الوسائل 4:129 أبواب المواقيت ب 4 ح 17.
4- التهذيب 2:1074/269،الاستبصار 1:1052/287،الوسائل 4:129 أبواب المواقيت ب 4 ح 18.
5- حكاه عن الصدوق في المختلف:66،و حكاه عنهما في الذكرى:117.
6- انظر المسائل الناصرية(الجوامع الفقهية):193.

الخلاف كما في المختلف (1)و غيره) (2).

ثمَّ إنّ ظاهر النصوص المزبورة كغيرها و الآية الكريمة بمعونة التفسير الوارد عن أهل العصمة سلام اللّه عليهم:امتداد وقت إجزاء الظهرين إلى الغروب،و العشاءين إلى انتصاف الليل،و جواز تأخير كل منهما إلى كل منهما و لو اختيارا.

خلافا لنادر في المغرب،فوقتها عند الغروب.و هو-مع جهالته و إن حكاه القاضي (3)،و مخالفته النصوص المتقدمة،و الصحاح المستفيضة، و غيرها من المعتبرة في أنّ لكل صلاة وقتين (4)،و غيرها من النصوص المعتبرة الصريحة-شاذّ اتفق الأصحاب في الظاهر على خلافه،و إن اختلفوا من وجه آخر،كما سيظهر.و الصحيحان الموافقان له (5)محمولان على استحباب المبادرة مؤكدا.

و للشيخين و غيرهما من القدماء،فلم يجوّزوا التأخير عن الوقت الأوّل اختيارا (6)،للنصوص المستفيضة،و فيها الصحيح و غيره،منها:«لكل صلاة وقتان،و أوّل الوقت أفضله،و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلاّ في عذر من غير علة (7).

ص:175


1- المختلف:66.
2- ما بين القوسين ليس في«م».
3- المهذّب 1:69.
4- انظر الوسائل 4:119 أبواب المواقيت ب 3 ح 4،11،13.
5- الكافي 3:8/280 و 9،التهذيب 2:1036/260،الاستبصار 1:873/245،الوسائل 4:187 أبواب المواقيت ب 18 ح 1،2.
6- المفيد في المقنعة:94،الطوسي في النهاية:58،و انظر المهذّب 1:71،و الكافي في الفقه:138.
7- الكافي 3:3/274،التهذيب 2:124/39،الاستبصار 1:870/244،الوسائل 4: 122 أبواب المواقيت ب 3 ح 13.قال في الوافي 7:205 قوله«من.غير علّة»بدل من قوله«إلاّ في عذر».

و منها:«لكل صلاة وقتان،و أوّل الوقتين أفضلهما،و وقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء،و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا، و لكنّه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام،و وقت المغرب حين تجب الشمس (1)إلى أن تشتبك النجوم،و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلاّ من عذر أو علة» (2).

و منها:«أوّل الوقت رضوان اللّه،و آخره عفو اللّه،و العفو لا يكون إلاّ عن ذنب» (3)إلى غير ذلك من النصوص.

و هي معارضة بمثلها منها-زيادة على ما مضى-الموثق:«لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس،و لا صلاة الليل حتى يطلع الفجر،و لا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس» (4).

و منها:النصوص المستفيضة في أنّ نصف الليل آخر العتمة (5).

و منها:«وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس» (6).

و منها:«أحبّ الوقت إلى اللّه عزّ و جلّ[أوّله]حين يدخل وقت الصلاة،

ص:176


1- الوجوب من الأضداد،و معناه السقوط و الثبوت،قال اللّه تعالى فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها أي سقطت.منه رحمه اللّه.
2- التهذيب 2:123/39،الاستبصار 1:1003/276،الوسائل 4:208 أبواب المواقيت ب 26 ح 5.
3- الفقيه 1:651/140،الوسائل 4:123 أبواب المواقيت ب 3 ح 16.
4- التهذيب 2:1015/256،الاستبصار 1:933/260،الوسائل 4:209 أبواب المواقيت ب 26 ح 8.
5- التهذيب 2:1042/262،الاستبصار 1:987/273،الوسائل 4:185 أبواب المواقيت ب 17 ح 8.
6- التهذيب 2:114/36،الاستبصار 1:998/275،الوسائل 4:208 أبواب المواقيت ب 26 ح 6.

فصلّ الفريضة،فإن لم تفعل فإنّك في وقت منها حتى تغيب الشمس» (1).

و القول (2)بأن المراد من هذه بيان مطلق وقت الإجزاء،فلا ينافي الأخبار السابقة المانعة عن التأخير عن الوقت الأوّل مع الاختيار،فمقتضى الجمع بينهما تعيّن المصير إلى ما عليه الشيخان و أضرابهما.

حسن إن حصل شرط الجمع و هو التكافؤ،و صراحة دلالة الخاص.

و فيهما نظر،لرجحان الأخبار المطلقة بالأصل و موافقة الكتاب و الشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخرين إجماعا،بل إجماع في الحقيقة،كما في السرائر،و عن الغنية (3)،و ضعف الأخبار المانعة،إذ كما تضمنت جملة منها المنع عن التأخير كذا تضمنت ما هو صريح في الأفضليّة.و صرفها إلى ما يوافق المنع و إن أمكن إلاّ أنّه ليس بأولى من العكس،بل هو الأولى من وجوه شتّى، لموافقته الكتاب و الأصل و الشهرة العظيمة.

مع تبديل النهي في بعض الأخبار المانعة بلا ينبغي (4)،المشعر بل الظاهر في الكراهة،و خبر:«آخره عفو اللّه»كالصريح في عدم حرمة التأخير بحيث يوجب العقاب،إذ لو أوجب و عاقب لما صدق مضمون الخبر،فالمراد تأكد الاستحباب،و لا ينافيه الذنب،لإطلاقه على ترك كثير من المستحبات، كما ورد في النافلة:أنّ تركها معصية (5).

فبموجب ذلك انتفت الصراحة التي هي المناط في تخصيص العمومات و تقييد المطلقات،هذا.

ص:177


1- التهذيب 2:69/24،الاستبصار 1:935/260،الوسائل 4:119 أبواب المواقيت ب 3 ح 5،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
2- انظر 7:210،و الحدائق 6:92.
3- الغنية(الجوامع الفقهية)556،السرائر 1:197.
4- التهذيب 2:123/39،الاستبصار 1:1003/276،الوسائل 4:119 أبواب المواقيت ب 3 ح 4.
5- الوسائل 4:59 أبواب أعداد الفرائض ب 14 ح 1.

و في التهذيب:أنه إذا كان أوّل الوقت أفضل و لم يكن هناك منع و لا عذر فإنّه يجب فعلها فيه،و متى لم يفعلها فيه استحق اللوم و التعنيف،و هو مرادنا بالوجوب لا استحقاق العقاب (1).

و في النهاية:لا يجوز لمن ليس له عذر أن يؤخّر الصلاة من أوّل وقتها إلى آخره مع الاختيار،فإن أخّرها كان مهملا لفضيلة عظيمة،و إن لم يستحق العقاب،لأنّ اللّه تعالى قد عفا له عن ذلك (2)،و نحوه عن القاضي في شرح الجمل (3).

و هذه العبارات صريحة في الموافقة للمشهور،مع تضمّنها صيغة لا يجوز.

و بهذا يضعّف القول بالمنع عن التأخير،و يظهر قوّة احتمال إرادة المانعين منه ما يوافق المختار،كما وقع في هذه العبارات.و عليه فلا حاجة بنا مهمّة إلى بيان الأوقات الأوّلة لكل من الصلوات الخمس،حيث يجوز لنا التأخير عنها مطلقا.

و إنّما المهم بيان آخر وقت المغرب و أوّل وقت العشاء و آخره،و المشهور فيها ما قدمناه.

خلافا لجماعة من القدماء،فأطلقوا أنّ آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق (4)،للنصوص المستفيضة و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما (5).

ص:178


1- التهذيب 2:41.
2- النهاية:58.
3- شرح جمل العلم:66.
4- منهم الصدوق في الهداية:30،المرتضى في المسائل الناصرية(الجوامع الفقهية):193، الطوسي في الخلاف 1:84.
5- انظر الوسائل 4:174 أبواب المواقيت ب 16 ح 6،و ب 18 ح 2،14،و ب 19 ح 4.

و هي محمولة إمّا على التقيّة فقد حكاه في المنتهى عن جماعة من العامة،و منهم أصحاب الرأي،و هم أصحاب أبي حنيفة (1)،أو على الفضيلة، جمعا بينها و بين النصوص المستفيضة الأخر التي كادت تبلغ التواتر،و منها -زيادة على ما مر-المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر بجواز تأخير المغرب في السفر إلى ثلث الليل كما في الصحيح (2)،أو ربعه كما في الموثق (3)و غيره (4)، أو إلى خمسة أميال من الغروب كما في الصحيح و غيره (5)،أو ستّة أميال منه كما في الخبر (6).

و في جملة منها جواز التأخير عن الشفق بقول مطلق،إمّا في السفر خاصة كما في الصحيح:«لا بأس أن تؤخّر المغرب في السفر حتى يغيب الشفق» (7)و في آخر:عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق أ يؤخّرها إلى أن يغيب الشفق؟قال:«لا بأس بذلك في السفر،فأمّا في الحضر فدون ذلك شيئا» (8).

أو مطلقا كما في ظاهر الصحيح:رأيت الرضا عليه السلام و كنّا عنده لم يصلّ المغرب حتى ظهرت النجوم،ثمَّ قام فصلّى بنا على باب دار ابن أبي

ص:179


1- المنتهى 1:204.
2- الكافي 3:5/431،الوسائل 4:193 أبواب المواقيت ب 19 ح 1.
3- الكافي 3:14/281،الوسائل 4:194 أبواب المواقيت ب 19 ح 2.
4- التهذيب 3:610/233،الوسائل 4:194 أبواب المواقيت ب 19 ح 5.
5- التهذيب 3:611/234،الوسائل 4:194 أبواب المواقيت ب 19 ح 6.
6- التهذيب 3:614/234،الوسائل 4:195 أبواب المواقيت ب 19 ح 7.
7- التهذيب 2:108/35،الاستبصار 1:984/272،الوسائل 4:194 أبواب المواقيت ب 19 ح 4.
8- التهذيب 2:97/32،الاستبصار 1:967/267،الوسائل 4:197 أبواب المواقيت ب 19 ح 15.

محمود (1).

و أظهر منه الخبر:كنت عند أبي الحسن الثالث عليه السلام يوما، فجلس يحدث حتى غابت الشمس،ثمَّ دعا بشمع و هو جالس يتحدث،فلمّا خرجت من البيت نظرت فقد غاب الشفق قبل أن يصلي المغرب،ثمَّ دعا بالماء فتوضّأ و صلّى (2).

و في الموثق:في الرجل يصلّي المغرب بعد ما يسقط الشفق،فقال:

«لعلّة لا بأس»قلت:فالرجل يصلّي العشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق،فقال:

«لعلّة لا بأس» (3).إلى غير ذلك من النصوص الصريحة في جواز التأخير عن الشفق مطلقا أو في الجملة،فهي مضافة إلى ما قدّمناه من النصوص في صدر المسألة أقوى قرينة على أنّ المنع في المستفيضة السابقة على الفضيلة، و يحتمل قريبا أن يحمل عليها إطلاق كلام هؤلاء الجماعة،بل ظاهر المدارك الإجماع على عدم بقائها على ظاهرها،حيث قال-بعد حملها على الفضيلة أو الاختيار-:إذ لا قائل بأنّ ذلك آخر الوقت مطلقا (4).

و لآخرين،فجعلوه غيبوبة الشفق للمختار و ربعه للمضطر (5)،جمعا بين النصوص المانعة على الإطلاق،و النصوص المرخّصة للتأخير إلى ربع الليل

ص:180


1- التهذيب 2:89/30،الاستبصار 1:954/264،الوسائل 4:195 أبواب المواقيت ب 19 ح 9.
2- التهذيب 2:90/30،الاستبصار 1:955/264،الوسائل 4:196 أبواب المواقيت ب 19 ح 10.
3- التهذيب 2:101/33،الاستبصار 1:969/268،الوسائل 4:196 أبواب المواقيت ب 19 ح 13.
4- المدارك 3:54.
5- كابن حمزة في الوسيلة:83،و الطوسي في الاقتصاد:256،و أبي الصلاح في الكافي: 137.

للمسافر و غيره من ذوي الحاجة.

و فيه:أنّه إطراح للنصوص السابقة في صدر المسألة بأنّ وقت العشاءين إلى نصف الليل،عموما في بعضها،و صريحا في آخر.و هي أرجح من تلك بجميعها،للشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،بل هي من المتأخّرين إجماع في الحقيقة،بل مطلقا،كما في السرائر و عن الغنية (1)،فتكون بالترجيح أولى،سيّما مع اختلاف مقابلتها في التقدير بربع و بثلث و بخمسة أميال و ستة، و في التخصيص بالسفر،و التعميم له و لكل علّة مع الإطلاق في مدة التأخير.

و كل هذا قرائن واضحة على حمل الاختلافات على اختلاف مراتب الفضيلة.

و لجماعة من القدماء أيضا في أول وقت العشاء،فجعلوه غيبوبة الشفق (2)،للنصوص المستفيضة و فيها الصحيح و غيره (3).

و هي محمولة إمّا على التقية فقد حكاه في المنتهى (4)عن الجمهور (5)كافّة.

أو على الفضيلة،جمعا بينها و بين المعتبرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة،بل لعلّها متواترة،و منها-زيادة على ما مرّ في صدر المسألة-المعتبرة المستفيضة الدالّة على جواز تقديمها على الشفق إمّا مطلقا كما في جملة،منها الموثق:«صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالناس المغرب و العشاء الآخرة قبل الشفق من غير علّة في جماعة،ليتّسع الوقت على أمّته» (6).

ص:181


1- السرائر 1:196،الغنية(الجوامع الفقهية):556.
2- المفيد في المقنعة:94،الصدوق في الهداية:30،الطوسي في الخلاف 1:263،سلاّر في المراسم:62.
3- الوسائل 4:204 أبواب المواقيت ب 23 ح 1،3؛و ص 174 ب 16 ح 6.
4- المنتهى 1:205.
5- في«ح»(خ ل):و في الخلاف(ج 1 ص 263)نفي الخلاف عنه بين فقهائهم.
6- الكافي 3:1/286،التهذيب 2:1046/263،الاستبصار 1:981/271،الوسائل 4: 202 أبواب المواقيت ب 22 ح 2.

و الموثق:عن الجمع بين العشاءين في الحضر قبل أن يغيب الشفق؟ قال:«لا بأس» (1).

و نحوهما الموثقان الآخران:عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟فقال:«لا بأس به» (2).

و في الخبر:رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام صلّى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق (3).

أو في السفر خاصة كما في الصحيح:«لا بأس بأن تعجل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق» (4).

أو في المطر كما في آخر (5).

و احتمال اختصاص الرخصة في التقديم بهما أو مطلق العلّة-كما عن بعض هؤلاء الجماعة (6)-يدفعه تصريح الموثقين السابقين و لا سيّما الأوّل بجوازه مطلقا من غير علّة،هذا.

و في المختلف:لا قائل بالفرق بين الظهرين و العشاءين،فمن قال

ص:182


1- التهذيب 2:1047/263(و فيه:الشمس بدل الشفق)،الاستبصار 1:982/272، الوسائل 4:204 أبواب المواقيت ب 22 ح 8.
2- التهذيب 2:104/34،105،الاستبصار 1:978/271،979 الوسائل 4:203 أبواب المواقيت ب 22 ح 5،6.
3- التهذيب 2:106/34،الاستبصار 1:980/271،الوسائل 4:204 أبواب المواقيت ب 22 ح 7.
4- التهذيب 2:108/35،الاستبصار 1:984/272،الوسائل 4:202 أبواب المواقيت ب 22 ح 1.
5- التهذيب 2:109/35،الاستبصار 1:985/272،الوسائل 4:203 أبواب المواقيت ب 22 ح 3.
6- كالمفيد في المقنعة:95.

بالاشتراك عند الفراغ من الظهر قال به عند الفراغ من المغرب (1).

و لجماعة منهم أيضا في آخره،فجعلوه ثلث الليل،إمّا مطلقا كما عن بعضهم (2)،للخبرين:«وقت العشاء حين يغيب الشفق إلى ثلث الليل»كما في أحدهما (3)،و في الآخر:«آخر وقت العشاء ثلث الليل» (4).

أو مقيّدا بكونه للمختار،و للمضطر إلى النصف،كما عن غيره (5)، للموثق:«العتمة إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل،و ذلك التضييع» (6).

و هذه النصوص مع معارضتها بعضا مع بعض،معارضة بالنصوص المستفيضة زيادة على ما مر في صدر المسألة،ففي الخبرين:«آخر وقت العتمة نصف الليل» (7).

و في آخر مروي في العلل:«لو لا أن أشقّ على أمّتي لأخّرت العشاء إلى نصف الليل» (8).

و في الموثق:«و أنت في رخصة إلى نصف الليل و هو غسق الليل» (9).

ص:183


1- المختلف:69.
2- كالصدوق في الهداية:30،و المفيد في المقنعة:93،و الطوسي في الخلاف 1:264.
3- الكافي 3:6/279،التهذيب 2:95/31،الاستبصار 1:965/276،الوسائل 4:156 أبواب المواقيت ب 10 ح 2.
4- التهذيب 2:1045/262،الاستبصار 1:973/269،الوسائل 4:156 أبواب المواقيت ب 10 ح 3.
5- كالطوسي في المبسوط 1:75،و ابن حمزة في الوسيلة:83.
6- التهذيب 2:1043/262،الاستبصار 1:988/273،الوسائل 4:185 أبواب المواقيت ب 17 ح 9.
7- فقه الرضا(عليه السلام):74،المستدرك 3:133 أبواب المواقيت ب 14 ح 3.
8- علل الشرائع:1/340،الوسائل 4:201 أبواب المواقيت ب 21 ح 5.
9- التهذيب 2:1041/261،الاستبصار 1:986/272،الوسائل 4:200 أبواب المواقيت ب 21 ح 2.

و هما كالنص في جواز التأخير من غير عذر،بل ظاهر أوّلهما استحباب التأخير إلى النصف.

لكن في كثير من النصوص:«لو لا أن أشقّ على أمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل» (1).

و عليه فليحمل أخبار الثلث على الفضيلة جمعا.

و قيل:يمتدّ وقت العشاءين إلى طلوع الفجر (2)،للخبر:«لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس،و لا صلاة الليل حتى يطلع الفجر» (3).

و حمله الشيخ في كتابي الحديث و الماتن في المعتبر و بعض من تأخّر على وقت المضطر (4)،كما في الصحيحين:«إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما،و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء،و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل طلوع الشمس» (5).

و في الأوّل قصور من حيث السند،و في الثاني من حيث المتن،لتضمّنه تقديم الحاضرة على الفائتة،و هو خلاف الأظهر الأشهر فتوى و رواية.و مع ذلك قاصران عن المقاومة للنصوص المتقدمة من وجوه عديدة،و موافقان للعامة، كما صرّح به شيخنا في الروض،قال:و للأصحاب أن يحملوا الروايات الدالّة

ص:184


1- الوسائل 4:200 أبواب المواقيت ب 21 ح 2،6.
2- حكاه عن بعض الأصحاب في المبسوط 1:75.
3- التهذيب 2:1015/265،الاستبصار 1:933/260،الوسائل 4:159 أبواب المواقيت ب 10 ح 9.
4- التهذيب 2:256،الاستبصار 1:273،المعتبر 2:43،و انظر المدارك 3:60، و الذخيرة:194،195.
5- التهذيب 2:1076/270،1077،الاستبصار 1:1053/288،1054،الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت ب 62 ح 3،4،بتفاوت.

على امتداد الوقت إلى الفجر على التقية،لإطباق الفقهاء الأربعة عليه،و إن اختلفوا في كونه آخر وقت الاختيار أو الاضطرار (1).

أقول:و حكاه في المنتهى عن أبي حنيفة (2).

و وقت نافلة الظهر حين الزوال في ظاهر النصوص (3)و كلمة الأصحاب.و لكن في جملة من النصوص جواز التقديم إمّا مطلقا،كما في كثير منها،معلّلة بأنّ النافلة بمنزلة الهدية متى اتي بها قبلت (4)،أو بشرط خوف فواتها في وقتها،كما في بعضها:عن الرجل يشتغل عن الزوال أ يعجّل من أوّل النهار؟قال:«نعم إذا علم أنّه يشتغل فيعجّلها في صدر النهار كلها» (5).

و لم أر عاملا بها عدا الشيخ في كتابي الحديث،فاحتمل الرخصة في التقديم مع الشرط المتقدم،لما دلّ عليه،حاملا للنصوص المطلقة عليه (6).

و تبعه الشهيد و غيره (7)،بل زادوا فاستوجهوا التقديم مطلقا،لظاهر الخبر:

«صلاة النهار ستّ عشرة أيّ ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّها،إلاّ أنّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل» (8).

و فيه-كأكثر ما تقدم-قصور سندا و مكافاة لما تقدم من وجوه شتى،

ص:185


1- روض الجنان:180.
2- المنتهى 1:205.
3- الوسائل 4:229 أبواب المواقيت ب 36.
4- الكافي 3:14/454،الوسائل 4:232 أبواب المواقيت ب 37 ح 3.
5- الكافي 3:1/450،التهذيب 2:1067/268،الاستبصار 1:1011/278،الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب 37 ح 1.
6- التهذيب 2:266،الاستبصار 1:278.
7- الشهيد في الذكرى:123،و انظر مجمع الفائدة 2:16،المدارك 3:72.
8- التهذيب 2:1063/267،الاستبصار 1:1007/277،الوسائل 4:233 أبواب المواقيت ب 37 ح 5.

فليحمل في صورة التقديم على أنّ المراد جواز فعلها لا بقصد نافلة الزوال بل نافلة مبتدأة و يعتدّ بها مكانها،كما هو ظاهر بعضها،و هو الصحيح:«إنّي أشتغل،قال:فاصنع كما نصنع،صلّ ستّ ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر-يعني ارتفاع الضحى الأكبر-و اعتدّ بها من الزوال» (1).

و في صورة التأخير على فعلها بنيّة القضاء،كما هو ظاهر بعضها أيضا، و هو الحسن:عن نافلة النهار،قال:«ستّ عشرة ركعة متى ما نشطت،إنّ علي ابن الحسين عليه السلام كان له ساعات من النهار يصلي فيها،فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها،إنّما النافلة مثل الهدية،متى ما اتي بها قبلت» (2).

و في الخبر:«فإن عجّل بك أمر فابدأ بالفريضتين و اقض بعدهما النوافل» (3).

و يمتد وقتها حتى يصير الفيء على قدمين أي سبعي الشاخص.

و وقت نافلة العصر مما بعد الظهر إلى أن يزيد الفيء أربعة أقدام على الأشهر،كما صرّح به جمع ممن تأخّر (4)،للمعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر،ففي الصحيح:«إنّ حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان قامة،و كان إذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر،و إذا مضى من

ص:186


1- التهذيب 2:1062/267،الاستبصار 1:1006/277،الوسائل 4:232 أبواب المواقيت ب 37 ح 4.
2- التهذيب 2:1065/267،الاستبصار 1:1009/278،الوسائل 4:233 أبواب المواقيت ب 37 ح 7.
3- التهذيب 2:991/250،الاستبصار 1:914/255،الوسائل 4:148 أبواب المواقيت ب 8 ح 31.
4- منهم المحقق في الشرائع 1:62،و نسبه الشهيد الثاني في الروضة 1:181 و السبزواري في الذخيرة:199 إلى المشهور.

فيئه ذراعان صلّى العصر،ثمَّ قال:«أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟»قلت:

لم جعل ذلك؟قال:«لمكان النافلة،لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع،فإذا بلغ فيئك ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة،و إذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة» (1).

و صدره قد تضمن القدمين و الأربعة أقدام و أنّهما و الذراع و الذراعين بمعنى واحد،كما صرّح به الأصحاب،و جملة من النصوص (2)،و لذا جمع الإسكافي بينهما (3).

خلافا للحلي و جماعة (4)،فقالوا بالامتداد إلى المثل في الاولى و المثلين في الثانية،إمّا مطلقا،أو مستثنى منهما مقدار الفرضين.

و استدل عليه تارة:بالصحيحة المتقدمة بناء على أن حائط المسجد كان ذراعا،لتفسير القامة به في النصوص (5).

و فيها ضعف سندا بل و دلالة،لعدم تفسيرها القامة في الصحيحة بذلك، بل مطلق القامة،و عليه نبّه الشهيد-رحمه اللّه-في الذكرى (6).

و يحتمل أن يكون المراد بالقامة المفسّرة به القامة التي وردت وقتا للظهر و العصر في نحو الصحيح:عن وقت الظهر و العصر؟فكتب:«قامة للظهر و قامة للعصر» (7).

ص:187


1- الفقيه 1:653/140،التهذيب 2:55/19،الاستبصار 1:899/250،الوسائل 4: 141 أبواب المواقيت ب 8 ح 3،4.
2- انظر الوسائل 4:152 أبواب المواقيت ب 9 ح 2،3.
3- كما حكاه عنه في الذكرى:123.
4- الحلي في السرائر 1:199،و انظر الجمل و العقود(الرسائل العشر):174،التذكرة 1:77، الروضة 1:181.
5- الوسائل 4:144 أبواب المواقيت ب 8 ح 14،15.
6- الذكرى:123.
7- التهذيب 2:61/21،الاستبصار 1:890/248،الوسائل 4:144 أبواب المواقيت ب 8 ح 12.

و يكون محصّله التنبيه على أنّ وقت الظهر من بعد الزوال إلى أن يرجع الفيء ذراعا،أي سبعي الشاخص،كما عليه المفيد (1).

و بالجملة:ليس في تلك النصوص أنّ قامة حائط المسجد كان ذراعا، بل يحتمل أنّ القامة التي وردت أنّها من فيء الزوال للظهر و ضعفها للعصر كان ذراعا،و إذا جاء الاحتمال فسد الاستدلال.

و ينبغي الرجوع في تفسير القامة المطلقة إلى ما هو المتبادر منها عند الإطلاق عرفا و عادة من قامة الشاخص الإنساني،و به صرّح أيضا في الرضوي، و فيه:«إنّما سمّي ظل القامة قامة لأنّ حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان قامة إنسان» (2).

و هو معارض صريح لتلك الأخبار و أقوى منها سندا،فيتعين حمل الصحيح السابق عليه،سيّما مع شهادة سياقه عليه،و تأيّده بظاهر الموثق:عن صلاة الظهر،قال:«إذا كان الفيء ذراعا»قلت:ذراعا من أيّ شيء؟قال:

«ذراعا من فيئك»الخبر (3).

و اخرى:بالمعتبرة المستفيضة الدالّة على أنّ لكلّ من الصلاتين سبحة بين يديها طولت أو قصرت (4)،من دون تعيين مقدار لها أصلا من نحو الذراع و الذراعين و القدمين و الأربعة أقدام،بل ظاهر بعضها عدم اعتبار هذه المقادير أصلا،ففي الصحيح:كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام:

ص:188


1- المقنعة:92.
2- فقه الرضا(عليه السلام):76،المستدرك 3:109 أبواب المواقيت ب 6 ح 8.
3- التهذيب 2:996/251،الاستبصار 1:886/247 و فيه صدر الحديث،الوسائل 4:145 أبواب المواقيت ب 8 ح 18.
4- الوسائل 4:131 أبواب المواقيت ب 5.

روي عن آبائك القدم و القدمين و الأربع،و القامة و القامتين،و ظل مثلك، و الذراع و الذراعين،فكتب عليه السلام:«لا القدم و لا القدمين،إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين و بين يديها سبحة،و هي ثمان ركعات،إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت،ثمَّ صل الظهر،فإذا فرغت كان بين الظهر و العصر سبحة،و هي ثمان ركعات،فإن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت،ثمَّ صلّ العصر» (1).

و قريب منه الصحيح الآخر (2).

و فيه نظر،لعدم إشعار فيها بالتحديد بالمثل و المثلين كما هو المدّعى، بل ظاهرها(سيما الصحيح الأول) (3)تجويز فعل نافلة الفريضتين و لو بعدهما، و لم يقل به أحد إلاّ النادر و هو الحلبي فيما حكي عنه،حيث قال بامتداد وقت نوافل كل فريضة بامتداد وقتها (4).

و مع ذلك فهي قاصرة عن المقاومة للنصوص المستفيضة القريبة من التواتر،المانعة من النافلة عموما في جملة منها وافرة (5)،و خصوصا في أخرى كذلك (6)،و منها الصحيحة المتقدمة المتضمنة لقوله عليه السلام:«أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟» (7).و نحوها أخبار كثيرة.

ص:189


1- التهذيب 2:990/249،الاستبصار 1:913/254،الوسائل 4:134 أبواب المواقيت ب 5 ح 13.
2- الكافي 3:4/276،التهذيب 2:63/22،الاستبصار 1:898/250،الوسائل 4:131 أبواب المواقيت ب 5 ح 1.
3- ما بين القوسين ليست في«م».
4- الكافي في الفقه:158.
5- الوسائل 4:226 أبواب المواقيت ب 35.
6- الوسائل 4:146 أبواب المواقيت ب 8 ح 20،21.
7- راجع ص:180-181.

فإذا:مختار الأكثر أظهر،و مع ذلك فهو أحوط،و إن كان القول الثاني ليس بذلك البعيد،لظاهر الموثق:«إذا كان ظلك مثلك فصلّ الظهر،و إذا كان ظلك مثليك فصلّ العصر» (1)بناء على أنّ الأمر بتأخير الفرضين إلى المثل و المثلين ليس إلاّ لأجل نافلتهما.فتأمّل جدّا.

و وقت نافلة المغرب بعدها حتى تذهب الحمرة المغربية وفاقا للشيخ و الجماعة،كما في شرح القواعد للمحقق الثاني (2)،و في المدارك:أنّه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا (3)،و في المنتهى و عن المعتبر دعوى الاتّفاق عليه (4)،و هو الحجّة.

مضافا إلى النصوص المانعة عن فعل النافلة في وقت الفريضة (5)،خرج منها النوافل الرواتب لما عدا المغرب في أوقاتها المضروبة،و كذا نافلتها إلى ذهاب الحمرة المغربية بالإجماع فتوى و رواية،و يبقى ما عداها و منه نافلة المغرب بعدها تحتها داخلة.

و النصوص الدالّة على استحباب نافلة المغرب بعدها و إن كانت معتبرة مستفيضة شاملة لما بعد الحمرة،إلاّ أنّ شمولها بالإطلاق،و هو غير معلوم الشمول لنحو المقام بعد ورودها لإثبات أصل استحباب النافلة من دون نظر إلى وقتها بالمرة،و إن هي حينئذ إلاّ كالنصوص الدالة على استحباب باقي النوافل الراتبة،من دون تقييد فيها بوقت بالمرّة مع أنّها مقيدة بأوقات خاصة اتّفاقا

ص:190


1- التهذيب 2:62/22،الاستبصار 1:891/248،الوسائل 4:144 أبواب المواقيت ب 8 ح 13.
2- جامع المقاصد 2:20.النهاية:60.
3- المدارك 3:73.
4- المنتهى 1:207،المعتبر 2:53.
5- الوسائل 4:226 أبواب المواقيت ب 35.

فتوى و رواية.

و من هنا يظهر مؤيّد آخر لما عليه الأصحاب من توقيت نافلة المغرب بذهاب الحمرة لا بقائها ما دام وقت الفريضة،لبعد اختصاصها من بين الرواتب بالبقاء إلى وقت الفريضة.

مع أنّ عموم التعليل الوارد لتحديد نوافل الظهرين بوقت-و هو أنّه لا تزاحم الفريضة-يقتضي التحديد هنا أيضا،و لا حدّ لها إلاّ ما ذكره الأصحاب من ذهاب الحمرة.

و أمّا الصحيح:صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام المغرب بالمزدلفة،فقام فصلّى المغرب ثمَّ صلى العشاء الآخرة و لم يركع بينهما،ثمَّ صلّيت خلفه بعد ذلك بسنة،فلمّا صلّى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات ثمَّ أقام فصلّى العشاء الآخرة (1).

فمعارض بالنصوص المانعة عن التنفل بين العشاءين إذا جمع بينهما في المزدلفة،ففي الصحيح:عن صلاة المغرب و العشاء بجمع،فقال:«بأذان و إقامتين،لا تصلّ بينهما شيئا» (2)فتأمّل جدّا.

و ممّا ذكرنا ظهر ضعف ميل الشهيد في الذكرى و الدروس (3)إلى احتمال بقائها ببقاء الفريضة،و إن تبعه من متأخّري المتأخّرين جماعة (4)و نقله بعضهم عن الحلبي (5)لقوله المتقدم (6).

ص:191


1- الكافي 3:1/267،الوسائل 4:224 أبواب المواقيت ب 33 ح 1 و فيهما بتفاوت.
2- التهذيب 3:615/234،الوسائل 4:225 أبواب المواقيت ب 34 ح 1.
3- الذكرى:124،الدروس:1:141.
4- منهم صاحب المدارك 3:74،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:160.
5- كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1:160.
6- في ص:183.

و ركعتا الوتيرة يمتد وقتهما بامتداد وقت العشاء بلا خلاف أجده،بل عليه الاتّفاق في صريح المنتهى و عن ظاهر المعتبر (1)،و هو الحجّة بعد الأصل المؤيّد بإطلاقات ما دلّ على استحبابهما بعدها مطلقا،مع سلامتهما هنا عن المعارض بالكلية.

و وقت صلاة الليل بعد انتصافه عندنا،بل عليه إجماعنا عن الخلاف و المعتبر (2)،و في كلام المرتضى و السرائر و المنتهى و غيرها (3)، و هو الحجة.

مضافا إلى أنها عبادة يجب الاقتصار في وقتها على ما تيقن ثبوته من الشريعة،و هو فعلها بعد الانتصاف،ففي المعتبرة المستفيضة-و فيها الصحاح و غيرها-:أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأمير عليه السلام ما كانا يصلّيان من الليل إذا صلّيا العتمة شيئا حتى ينتصف الليل (4).

و في بعضها:«ثمَّ يصلّي ثلاث عشرة ركعة منها الوتر و منها ركعتا الفجر» (5).

و في آخر:«فإذا زال نصف الليل صلّى ثماني ركعات و أوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات» (6).

ص:192


1- المنتهى 1:208،المعتبر 2:54.
2- الخلاف 1:533،المعتبر 2:54.
3- المرتضى في المسائل الناصرية(الجوامع الفقهية):194،السرائر 1:196،المنتهى 1: 208،و انظر الحبل المتين:147.
4- التهذيب 2:1045/262،1061/266،الاستبصار 1:973/269،1005/269، الوسائل 4:231 أبواب المواقيت ب 36 ح 6،7.
5- التهذيب 2:1045/262،الاستبصار 1:973/269،الوسائل 4:156 أبواب المواقيت ب 10 ح 3.
6- الفقيه 1:678/146،الوسائل 4:61 أبواب المواقيت ب 14 ح 6.

هذا مضافا إلى خصوص المعتبرة الموقّتة لها بذلك،صريحا في بعضها،كالمرسل:«وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره» (1).

و ظاهرا في جملة منها،و منها الأخبار الآتية المجوّزة لفعلها قبل الانتصاف لعلّة (2)،فإنّها ظاهرة بل كالصريحة في أنّ ذلك رخصة في التقديم لأجلها،لا أنّه لكونه فعلا في وقتها كما يتوهم من الموثقين:«لا بأس بصلاة الليل من أول الليل إلى آخره،إلاّ أنّ أفضل ذلك إذا انتصف الليل» (3)كما في أحدهما،و في الثاني:عن وقت صلاة الليل في السفر فقال:«من حين تصلّي العتمة إلى أن ينفجر الصبح» (4).

و هما و إن أوهما ذلك إلاّ أنّهما مع قصور سندهما و عدم معارضتهما لشيء مما قدمناه (5)ليسا نصّين فيه،فيحتمل أن يراد بهما ما أفادته الأخبار السابقة من كون التقديم رخصة للضرورة،لا لكون أوّل الليل وقتا حقيقة.

و إليه أشار في الفقيه،فقال:و كل ما روي من الإطلاق في صلاة الليل من أوّل الليل فإنّما هو في السفر،لأنّ المفسّر من الأخبار[يحكم] (6)على المجمل (7).و كذا قال في التهذيبين،و زاد:و في وقت أيضا يغلب على ظنّ الإنسان أنّه إن لم يصلّها فاتته أو شقّ عليه القيام في آخر الليل و لا يتمكّن من القضاء،فحينئذ يجوز له تقديمها (8).

ص:193


1- الفقيه 1:1379/302،الوسائل 4:259 أبواب المواقيت ب 46 ح 10.
2- انظر ص 212.
3- التهذيب 2:1394/337،الوسائل 4:252 أبواب المواقيت ب 44 ح 9.
4- الفقيه 1:1317/289،التهذيب 3:577/227،الوسائل 4:251 أبواب المواقيت ب 44 ح 5.
5- في«ح»زيادة:و موافقتهما لما عليه العامة العمياء.
6- في النسخ:يحمل،و ما أثبتناه من المصدر.
7- الفقيه 1:303.
8- التهذيب 2:118،الاستبصار 1:279.

أقول:و يرشد إلى هذا التوجيه الخبر:كتبت إليه في وقت صلاة الليل، فكتب:«عند الزوال-و هو نصفه-أفضل،فإن فات فأوّله و آخره جائز» (1)لتضمنه التوقيت بالزوال بعد السؤال عن أصل وقت صلاة الليل مع لفظة«فات» الصريحة (2)في التوقيت.و مع ذلك صرّح بالأفضليّة الظاهرة في اشتراك ما قبل الانتصاف لما بعده في فضيلة الوقت،لكن ما ذكرنا أصرح دلالة على التوقيت منها على الاشتراك فيها فلتحمل عليه،فتأمّل .

فما يقال من احتمال حمل أخبار التنصيف على الفضيلة،و الموثقين و ما بعدهما على كون الليل بتمامه وقتا،ضعيف غايته،سيّما مع مخالفته الإجماع على الظاهر،المصرّح به فيما مرّ من عبائر الجماعة حدّ الاستفاضة.

و كلّما قرب من الفجر كان أفضل بلا خلاف أجده،بل عليه في الكتب المتقدمة و الناصريات إجماع الإماميّة (3)،و هو الحجّة.

مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:سمعته عليه السلام يقول-في قول اللّه عزّ و جلّ وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [1] (4)-:في الوتر في آخر الليل سبعين مرّة» (5)و السحر ما قبل الفجر على ما نصّ عليه أهل اللغة (6).

و الصحيح:عن ساعات الوتر،فقال:«أحبّها إليّ الفجر الأوّل»و عن أفضل ساعات الليل،قال:«الثلث الباقي» (7).

ص:194


1- التهذيب 2:1392/337،الوسائل 4:253 أبواب المواقيت ب 44 ح 13.
2- في«ح»و«ل»:الصريحين.
3- الخلاف 1:533،السرائر 1:196،المعتبر 2:54،الناصريّات(الجوامع الفقهيّة):230.
4- الذاريات:18.
5- التهذيب 2:498/130،الوسائل 6:280 أبواب القنوت ب 10 ح 7.
6- انظر الصحاح 2:678،و القاموس المحيط 2:46،و مجمع البحرين 3:325،و لسان العرب 4:350.و في جميعها:السحر:قبيل الصبح.
7- التهذيب 2:1401/339،الوسائل 4:272 أبواب المواقيت ب 54 ح 4.

و الخبر:متى أصلّي صلاة الليل؟فقال:«صلّها آخر الليل» (1).

و ضعف سنده كاختصاص الأوّلين بالوتر مجبور بالفتاوى و عدم فارق أصلا،مع تصريح الصحيح الثاني بأنّ أفضل ساعات الليل الثلث الباقي.

هذا مضافا إلى جملة من المعتبرة الواردة في تعداد النوافل اليومية أنّ في السحر ثماني ركعات ثمَّ يوتر،و أحبّ صلاة الليل إليهم آخر الليل،كما في الصحيح (2).

و في الموثق القريب منه:عمّا جرت به السنة في الصلاة،فقال:«ثماني ركعات الزوال»إلى أن قال:«ثلاث عشرة ركعة من آخر الليل» (3)و نحوه في مثله سندا (4).

و عن العلل بطريق صحيح:عن مولانا الباقر عليه السلام-في قوله تعالى تَتَجافى جُنُوبُهُمْ [1] (5)الآية-:«نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام و أتباعه من شعيتنا،ينامون في أوّل الليل فإذا ذهب ثلثا الأوّل أو ما شاء اللّه فزعوا إلى ربهم» (6)الحديث.

و عن كتاب الخصال في الخصال التي سأل عنها أبو ذر-رضي اللّه عنه- رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،سأله:أيّ ساعات الليل أفضل؟قال:«جوف الليل الغابر» (7)أي الباقي.

ص:195


1- التهذيب 2:1382/335،الوسائل 4:256 أبواب المواقيت ب 45 ح 6.
2- التهذيب 2:11/6،الاستبصار 1:777/219،الوسائل 4:59 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 14 ح 2.
3- التهذيب 2:12/7،الوسائل 4:59 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 14 ح 3.
4- التهذيب 2:8/5،الوسائل 4:51 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 16.
5- السجدة:16.
6- علل الشرائع:4/365،الوسائل 8:154 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 39 ح 26. و فيهما:ثلثا الليل
7- الخصال:13/523.

هذا مضافا إلى النصوص في فضل الثلث الأخير و استجابة الدعاء فيه (1)و يعضدها الكتاب (2)و السنة (3)باستحباب الاستغفار في الأسحار.

لكن المستفاد من الصحيحين (4)توزيع النبي صلّى اللّه عليه و آله لها على تمام الوقت،و توسيط النومتين،و الإيتار بين الفجرين،كما عليه الإسكافي (5).

و يمكن الجمع بينهما و ما سبق بتخصيصهما بمريد التفريق و ما سبق بمريد الجمع كما قيل (6)،لكن فتوى الأصحاب و أدلّتهم من الإجماعات و الروايات مطلقة،و لا يكافئها الصحيحان،مع أنّ الجمع بين الروايات بذلك فرع شاهد عليه،و ليس،هذا.

و يحتمل حملهما على وقوع التوزيع في آخر الليل،إذ ليس فيهما الدلالة على أنّه صلّى اللّه عليه و آله متى كان يقوم،بل صرّح في الثاني أنّه كان يقوم بعد ثلث الليل.لكن قال الكليني:و في حديث آخر:بعد نصف الليل (7)، و مع ذلك أفضليّة التوزيع من أوّل الثلث تنافي كليّة أفضليّة ما قرب منه إلى الفجر،فتدبّر.

و من هنا يظهر وجه النظر في بعض ما مرّ من النصوص الدالة على كون أفضل ساعات الليل الثلث الآخر (8)،فإنّ غايته أفضليّته خاصّة،لا كونه أيضا

ص:196


1- الوسائل 7:69 أبواب الدعاء ب 26.
2- آل عمران:17،الذاريات:18.
3- الوسائل 6:277 أبواب القنوت ب 9،و ج 7 ص 67 أبواب الدعاء ب 25.
4- الكافي 3:13/445،التهذيب 2:1377/334،الوسائل 4:269 أبواب المواقيت ب 53 ح 1،2.
5- حكاه عنه في الحبل المتين:148-149،و صاحب الحدائق 6:227.
6- قال به صاحب الحدائق 6:228-229.
7- الكافي 3:/445ذيل الحديث 13،الوسائل 4:270 أبواب المواقيت ب 53 ح 3.
8- راجع ص:188-189.

متفاوت الأجزاء بحسب الفضيلة،كما هو ظاهر الكليّة في العبارة و عبائر الجماعة.فإذا العمدة هو إجماع الإمامية على هذه الكلية.

و المراد بالفجر هو الثاني،كما هو ظاهر النصوص و أكثر الفتاوي، و صريح جملة منهما (1).

خلافا للمرتضى،فقيّده بالأوّل (2)،قال في الذكرى:و لعلّه نظر إلى جواز ركعتي الفجر حينئذ،و الغالب أنّ دخول وقت صلاة يكون بعد خروج وقت اخرى (3).و دفعه بأنّهما من صلاة الليل،كما في الأخبار الآتية،و ظاهر أنّ ما قبل طلوع الفجر الثاني من الليل.مضافا إلى ما سيأتي من أنّ محل ركعتي الفجر قبله و معه و بعده.

ثمَّ إنّ المتبادر من الانتصاف هو منتصف ما بين غيبوبة الشمس إلى طلوع الفجر.

إلاّ أنّه صرّح بعض الأصحاب بأنّ المعتبر تنصيف ما بين طلوع الشمس و غروبها،قال:و يعرف بانحدار النجوم الطالعة مع غروب الشمس (4).

و لعلّه لمروي الفقيه بسنده عن عمر بن حنظلة:أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام فقال له:زوال الشمس نعرفه بالنهار،فكيف لنا بالليل؟فقال:«للّيل زوال كزوال الشمس»قال فبأيّ شيء نعرفه؟قال:«بالنجوم إذا انحدرت» (5).

و قريب منه آخر مروي في مستطرفات السرائر،نقلا عن كتاب محمد بن

ص:197


1- منهم العلامة في المختلف:71،المحقق الكركي في جامع المقاصد 2:22،الشهيد الثاني في روض الجنان:182،الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:33.
2- حكاه عنه في المختلف:71،و جامع المقاصد 2:22.
3- الذكرى:125.
4- كفاية الأحكام:15.
5- الفقيه 1:677/146،الوسائل 4:273 أبواب المواقيت ب 55 ح 1.

علي بن محبوب،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«دلوك الشمس زوالها، و غسق الليل بمنزلة الزوال من النهار» (1).

و فيهما قصور من حيث السند،لكنّهما مناسبان لتوزيع الصلوات اليومية على أوقاتها،مع أنّ ذلك أحوط جدّا،سيّما مع وقوع التعبير عن الانتصاف في بعض ما مرّ من الأخبار بزوال الليل (2)كما في الخبرين،و إن شاركهما في قصور السند،لاحتمال حصول الجبر بكثرة العدد،فتأمّل .

و ركعتا الفجر وقتهما بعد الفراغ من الوتر على الأشهر،سيّما بين من تأخّر،بل عليه عامّتهم إلاّ من ندر،بل في ظاهر الغنية و السرائر الإجماع عليه (3)،للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،الدالة جملة منها وافرة على أنّهما من صلاة الليل،و تضمّن اخرى كذلك،للأمر بحشوهما في صلاة الليل (4)،و قريب منها المعتبرة المستفيضة و فيها الصحاح و غيرها،المرخّصة لفعلهما قبل الفجر و معه و بعده (5)خلافا للمرتضى و المبسوط (6)،فوقّتاهما بالفجر الأوّل،للصحيح و غيره:

«صلّهما بعد ما يطلع الفجر» (7)بحمل الفجر فيهما على الفجر الأوّل،ليناسب

ص:198


1- مستطرفات السرائر:7/94،الوسائل 4:373 أبواب ب 55 ح 2.
2- راجع ص 186-188.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):556،السرائر 1:196.
4- الوسائل 4:263 أبواب المواقيت ب 50.
5- الوسائل 4:268 أبواب المواقيت ب 52.
6- حكاه عن المرتضى في المختلف:71،المبسوط 1:76.
7- الأول: التهذيب 2:523/134،الاستبصار 1:1040/284،الوسائل 4:267 أبواب المواقيت ب 51 ح 5. الثاني: التهذيب 2:521/34،الاستبصار 1:1038/284،الوسائل 4:267 أبواب المواقيت ب 51 ح 6.

الأخبار السابقة.

و فيهما-مع ضعف الثاني سندا،و عدم مقاومتهما لما مرّ جدّا-ضعف دلالة،لإجمال مرجع الضمير المحتمل كونه الغداة و يراد بالفجر هو الثاني، كما هو المتبادر منه عند الإطلاق.

و لو سلّم كونه الركعتين فضعف الدلالة من إجمال الفجر المحتمل للأوّل و الثاني على تقدير التنزّل،و إلاّ فقد مرّ أنّه ظاهر في الثاني،و يكون سبيلهما حينئذ سبيل النصوص المرخّصة لفعلهما بعد الفجر و معه و قبله،إن حمل الأمر فيهما على الرخصة،و إلاّ فالمتعيّن حملهما على التقية،لأنّه مذهب كثير من العامة كما صرّح به جماعة (1)،و يفهم من بعض النصوص:متى أصلّي ركعتي الفجر؟قال،فقال لي:«بعد طلوع الفجر»قلت له:إنّ أبا جعفر عليه السلام أمرني أن أصلّيهما قبل.طلوع الفجر،فقال:«يا أبا محمد إنّ الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحق،و أتوني شكّاكا فأفتيتهم بالتقيّة» (2).

و بالجملة:لا ريب في ضعف هذا القول،و إن مال إليه الماتن في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و القواعد (3)،لكن جوّزا تقديمهما على الأوّل كتقديم باقي النوافل قبل أوقاتها رخصة.

و لا ريب أنّ تأخيرهما حتى يطلع الفجر الأوّل أفضل خروجا عن شبهة الخلاف،و أخذا بفحوى ما دلّ على استحباب إعادتهما بعد الفجر الأوّل لو صلّيتا قبله،ففي الصحيح:قال،قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«ربما

ص:199


1- منهم الشهيد الأول في الذكرى:126،و المجلسي في البحار 80:73.
2- التهذيب 2:526/135،الاستبصار 1:1043/285،الوسائل 4:264 أبواب المواقيت ب 50 ح 2.
3- الشرائع 1:63،الإرشاد 1:243،القواعد 1:24.

صلّيتهما و عليّ ليل فإن قمت و لم يطلع الفجر أعدتهما» (1).

و في الموثق:قال:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:«إنّي لا صلّي صلاة الليل فأفرغ من صلاتي و أصلّي الركعتين فأنام ما شاء اللّه تعالى قبل أن يطلع الفجر،فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما» (2).

و هما و إن لم يقع التصريح فيهما بكون الفجر الأوّل وقت الإعادة،لكنّه ظاهرهما،سيّما الثاني،لظهوره في وقوع الإعادة عند الفجر الذي هو الثاني بحكم التبادر،و عنده القريب منه و هو الفجر الأوّل.

و للإسكافي هنا قول آخر،فقال:لا أستحب صلاة الركعتين قبل سدس الليل من آخره (3)،و لعلّه للخبر:عن أوّل ركعتي الفجر،فقال:«سدس الليل الباقي» (4).

و لضعفه يحمل على الفضل،و ربما يومئ إليه أيضا عبارة الإسكافي.

فتدبّر.

و يمتد وقتهما حتى تطلع الحمرة المشرقية على الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية و السرائر (5)،للصحاح و غيرها:

«صلّهما قبل الفجر و معه و بعده» (6)بناء على أنّ المراد من الفجر هو الثاني،لما

ص:200


1- التهذيب 2:527/135،الاستبصار 1:1044/285،الوسائل 4:267 أبواب المواقيت ب 51 ح 8.
2- التهذيب 2:528/135،الاستبصار 1:1045/285،الوسائل 4:267 أبواب المواقيت ب 51 ح 9.
3- حكاه عنه في المختلف:71.
4- التهذيب 2:515/133،الاستبصار 1:1033/283،الوسائل 4:265 أبواب المواقيت ب 50 ح 5.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):556،السرائر 1:196.
6- الوسائل 4:268 أبواب المواقيت ب 52.

مرّ،و البعديّة تستمرّ إلى ما بعد الإسفار و طلوع الحمرة،إلاّ أنّ جملة من النصوص دلّت على انتهاء الوقت بهما،ففي الصحيح:عن الرجل لا يصلّي الغداة حتى تسفر و تظهر الحمرة و لم يركع ركعتي الفجر،أ يركعهما أو يؤخّرهما؟ قال:«يؤخّرهما» (1).

خلافا لظاهر الإسكافي و الشيخ في التهذيبين (2)،فوقتهما إلى الفجر الثاني،عملا بما مرّ من النصوص من أنّهما من صلاة الليل،و حملا لهذه الصحاح تارة على التقيّة لما مرّ إليه الإشارة،و اخرى على أوّل ما يبدو الفجر استظهارا ليتبيّن الوقت يقينا،للمرسل:«صلّ الركعتين ما بينك و بين أن يكون الضوء حذاء رأسك،فإذا كان بعد ذلك فابدأ بالفجر» (3).

و الخبر:عن الرجل يقوم و قد نوّر بالغداة،قال:«فليصلّ السجدتين اللتين قبل الغداة ثمَّ ليصلّ الغداة» (4).

و هما مع ضعف سندهما أوفق بما عليه الأكثر.و حمل النصوص السابقة على التقية حسن إن وافقت مذهب أكثرهم الذي لأجله حملت عليها،و ليس، فإنّ مذهبهم تحتّم الركعتين بعد الفجر،و عدم جواز فعلهما قبله و لا معه، و النصوص أباحت جميع ذلك.إلاّ أن يقال:إن مراده تقيّة السائل في فعلهما بعده ،و لكن فيه بعد.

و لعلّ الداعي إلى ارتكابه رجحان الأخبار الدالة على أنّهما من صلاة

ص:201


1- التهذيب 2:1409/340،الوسائل 4:266 أبواب المواقيت ب 51 ح 1.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:71،التهذيب 2:133،الاستبصار 1:283.
3- التهذيب 2:524/134،الاستبصار 1:1041/284،الوسائل 4:267 أبواب المواقيت ب 51 ح 7.
4- التهذيب 2:525/135،الاستبصار 1:1042/285،الوسائل 4:267 أبواب المواقيت ب 51 ح 4.

الليل عددا،و اعتضادا بالعمومات المانعة عن فعل النافلة في وقت الفريضة، و ظهور جملة منها دلالة بل بعضها كالصريح في ذلك،و هو الصحيح:عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟فقال:«قبل الفجر،إنّهما من صلاة الليل،أ تريد أن تقايس؟لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تتطوع؟إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» (1).

و هو كالصريح في أنّ الصلاة كالصوم الواجب لا يجوز أن تزاحمه النافلة، فالأمر بالبدأة بالفريضة للوجوب جدّا.و منه يظهر ما في حمله على الاستحباب و الفضيلة.

فقولهما لا يخلو من قوّة لو لا الشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخّرين إجماعا،بل لعلّها إجماع في الحقيقة،مع بعد حمل أخبارهم على التقية كما عرفته،كحمل الفجر فيها على الفجر الأوّل،مع عدم نفع في هذا الحمل إلاّ بعد ارتكاب مخالفة أخرى للظاهر هي تقييد البعدية بالمستمرّة إلى الفجر الثاني خاصة.

و مع ذلك فالأحوط تركهما بعد الفجر و قضاؤهما بعد الفريضة.

و ما أبعد ما بين هذا و بين القول بامتدادهما بامتداد الفريضة،كما مال إليه الشهيد في الذكرى،للصحيح:عن الركعتين قبل الفجر؟قال:«يتركهما» -و في خطّ الشيخ-:«يركعهما حين يترك الغداة،إنّهما قبل الغداة» (2).

قال:و هذا يظهر منه امتدادهما بامتدادها و ليس ببعيد،و قد تقدم رواية فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله إيّاهما قبل الغداة في قضاء الغداة،فالأداء أولى، و الأمر بتأخيرهما عن الإقامة أو عن الإسفار جاز كونه لمجرد الفضيلة لا توقيتا،

ص:202


1- التهذيب 2:513/133،الاستبصار 1:1031/283،الوسائل 4:264 أبواب المواقيت ب 50 ح 3.
2- التهذيب 2:514/133،الوسائل 4:266 أبواب المواقيت ب 51 ح 2.

انتهى (1).

و يضعّف:بأنّه لا جهة للأولوية،و استظهاره من خبر سليمان على لفظ يتركهما ظاهر،فإنّ ظاهر معناه أنّه إنّما يتركهما حين يترك الفرض،أي إنّما يصيران قضاء إذا صارت الفرض قضاء،و إنّما يتركهما إذا أدّى فعلهما إلى ترك الفرض،أمّا على خط الشيخ فالظاهر هو التقديم على الفجر الثاني،سيّما و أنّه روى في رواية أخرى بدل«حين يترك الغداة»«حين ينوّر الغداة» (2)فتدبّر.

و بالجملة:الاستناد إلى مثل هذه الرواية المختلفة النسخ و الأولوية المزبورة لا وجه له،سيّما في مقابلة ما قدّمناه من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة.

ص:203


1- الذكرى:126.
2- الاستبصار 1:1032/283،الوسائل 4:267 أبواب المواقيت ب 51 ح 3.
أمّا اللواحق فمسائل
اشارة

و أمّا اللواحق فمسائل تسع:

الاولى يعلم الزوال بزيادة الظل بعد نقصه

الاولى:يعلم الزوال الذي هو ميل الشمس عن وسط السماء و انحرافها عن دائرة نصف النهار بزيادة الظل بعد نقصه كما في النصوص (1)المنجبرة بالاعتبار و فتوى الأصحاب.أو حدوثه بعد عدمه،كما في مكة و صنعاء في بعض الأزمنة.

و بميل الشمس إلى الحاجب (2)الأيمن لمن يستقبل القبلة لأطراف العراق الغربية التي قبلتها نقطة الجنوب،كما ذكره جماعة من الأصحاب (3)، و منهم الشيخ في المبسوط كما حكي عنه،فقال:و قد روي أن من يتوجه إلى الركن العراقي إذا استقبل القبلة و وجد الشمس على حاجبه الأيمن علم أنّها قد زالت (4).

و يعلم منه أنّ هذا الاعتبار موجود في الروايات،و لم نقف عليها كما ذكره.

نعم:في الوسائل روي عن مجالسة في حديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«أتاني جبرئيل عليه السلام فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس،فكانت على حاجبه الأيمن» (5).

ص:204


1- الوسائل 4:162 أبواب المواقيت ب 11.
2- في«ش»:الجانب.
3- منهم الشهيد في البيان:108،و الذكرى:117،صاحب المدارك 3:66.
4- المبسوط 1:73.
5- أمالي الطوسي:29(و فيه:فأراني وقت الصلاة..)،الوسائل 4:164 أبواب المواقيت ب 11 ح 5.

و ليس فيه التقييد بمتوجّه الركن العراقي،كما قيّده هو و الفاضل في المنتهى (1).و قيّده آخرون (2)بمكان قبلته نقطة الجنوب،أو قريبة منها،أو بمن استقبل الجنوب كما ذكرنا،و وجه التقييدات واضح،فإنّ المقصود العلم بانحراف الشمس عن دائرة نصف النهار،و هو لا يحصل بهذه العلامة كليا،بل ربما يحصل القطع بعدمه معها،فينبغي أن يدار في تحصيل المعرفة بالزوال بهذه العلامة مدار القيود المزبورة.

و لمعرفته طرق أخر ذكرها جملة من الأصحاب (3)،و ورد ببعضها بعض الروايات (4)،و لا بأس بها،بل و بغيرها مما أفاد المعرفة بالزوال و لو ظنّا إن قلنا باعتباره،و إلاّ فلا بد من القطع كيف اتفق.

و يعرف الغروب الذي هو وقت للمغرب اتفاقا فتوى و نصّا بذهاب الحمرة المشرقية على الأشهر الأظهر،بل عليه عامّة من تأخّر إلاّ من ندر (5)، لتوقيفية العبادة،و لزوم الاقتصار في فعلها على المتيقن ثبوته من الشريعة فتوى و رواية،و ليس إلاّ بعد ذهاب الحمرة.

و للأخبار المستفيضة،و إن اختلفت ظهورا و صراحة،منها الموثق:عن الإفاضة من عرفات،قال:«إذا ذهبت الحمرة من ها هنا»و أشار بيده إلى

ص:205


1- المنتهى 1:199.
2- كالشهيد،و صاحب المدارك(راجع ص 198)،و الحرّ العاملي في الوسائل 4:164 أبواب المواقيت ب 11 ذيل الحديث 5.
3- كالشيخ المفيد في المقنعة:92،و الشيخ البهائي في الحبل المتين:137،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:94.
4- انظر الوسائل 4:163 أبواب المواقيت ب 11 ح 3.
5- كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:22،و الشيخ البهائي في الحبل المتين:142،فقد مالا إلى القول الآخر و هو غيبوبة الشمس عن الحسّ،و قوّاه صاحب المدارك 3:53، و السبزواري في الكفاية:15،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:94.

المشرق و إلى مطلع الشمس (1).

و منها:«وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق»قال:«لأنّ المشرق مطلّ على المغرب هكذا»و رفع يمينه فوق يساره»فإذا غابت الشمس هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا» (2).

و منها:«و إنّما أمرت أبا الخطاب أن يصلّي المغرب حين زالت الحمرة، فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب» (3).

و منها:عن وقت المغرب،قال:«إذا تغيّرت الحمرة في الأفق،و ذهبت الصفرة،و قبل أن تشتبك النجوم» (4).

و في عدّة منها:«إذا غابت الحمرة من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها» (5).إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

و قصور أسانيدها أو ضعفها منجبر بفتوى الفقهاء و عملهم كافة،كما ذكره الماتن في المعتبر،قال:و عليه-يعني ذهاب الحمرة-عمل الأصحاب (6).

و ذهاب الحمرة المشرقية في العبارة و ما ضاهاها و الروايات و إن كانت مطلقة،إلاّ أنّ الظاهر أنّ المراد ذهابها من الأفق إلى أن تجاوز سمت الرأس، كما صرح به في الكافي،و شيخنا الشهيد الثاني في كتبه الثلاثة و غيرهما (7).

ص:206


1- التهذيب 5:618/186،الوسائل 13:557 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 22 ح 2.
2- الكافي 3:1/278،2 لتهذيب 2:83/29،الاستبصار 1:959/265،الوسائل 4:173 أبواب المواقيت ب 16 ح 3.
3- التهذيب 2:1033/259،الاستبصار 1:960/265،الوسائل 4:175 أبواب المواقيت ب 16 ح 10.
4- التهذيب 2:1024/257،الوسائل 4:176 أبواب المواقيت ب 16 ح 12.
5- الوسائل 4:172،175 أبواب المواقيت ب 16 الأحاديث 1،7،11.
6- المعتبر 2:51.
7- الكافي 3:279،الشهيد الثاني في المسالك 1:20،و روض الجنان:179،و الروضة 1: 178،و انظر كشف اللثام 1:156.

و دلّ عليه جملة من النصوص منها المرسل:«وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار أن تقوم بحذاء القبلة و تتفقّد الحمرة التي ترفع من المشرق إذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار و سقط القرص» (1).

و منها الرضوي:«و قد كثرت الروايات في وقت المغرب و سقوط القرص، و العمل في ذلك على سواد المشرق إلى حدّ الرأس» (2).

و منها:أيّ ساعة كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوتر؟فقال:«على مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب» (3).

خلافا للإسكافي و الصدوق في العلل و المبسوط،فعلامة المغرب غيبتها عن الحس بالغروب (4).

قيل:و يحتمله كلام الديلمي،و المرتضى و القاضي في بعض كتبهما، لجعلهم الوقت سقوط القرص،و ليس نصّا فيه (5).

و ربما نسب إلى الاستبصار و الفقيه،لذكره بعض الأخبار الآتية (6).

و فيه نظر،لأنّ الأول كلامه صريح في موافقة المشهور،حيث قال-بعد ذكر جملة من الأخبار الدالّة على الأمر بالصبر إلى ذهاب الحمرة-:فالوجه في هذه الأخبار أحد شيئين،أحدهما:أن يكون إنّما أمرهم أن يمسّوا قليلا أو يحتاطوا ليتيقن بذلك سقوط الشمس،لأنّ حدّها غيبوبة الحمرة من ناحية

ص:207


1- الكافي 3:4/279،التهذيب 4:516/185،الوسائل 4:173 أبواب المواقيت ب 16 ح 4 و في الجميع بتفاوت يسير.
2- فقه الرضا(عليه السلام):104،المستدرك 3:130 أبواب المواقيت ب 13 ذيل حديث 3.
3- الكافي 3:24/448،الوسائل 4:174 أبواب المواقيت ب 16 ح 5.
4- نقله عن الإسكافي في المختلف:72،علل الشرائع:350،المبسوط 1:74.
5- كشف اللثام 1:157،و انظر المراسم:62،و رسائل السيد 1:274،و المهذّب 1:69.
6- نسبه إليهما في المختلف:72،و الذخيرة 191،و الحدائق 6:163.

المشرق لا غيبوبتها عن العين.ثمَّ استشهد عليه بجملة من الأخبار السابقة،ثمَّ نقل ما ظاهره المنافاة لها مما يأتي،و قال بعده:فلا تنافي بين هذين الخبرين و بين ما اعتبرناه في غيبوبة الشمس من زوال الحمرة من ناحية المشرق،لأنّه لا يمتنع (1)..إلى آخر ما ذكره.

و أمّا الفقيه فلم نجد فيه ما يدل على صحة النسبة عدا ذكره بعض الأخبار الآتية (2)،بناء على ما قدّمه في أوّل كتابه من أنّه لا يروي فيه إلاّ ما يفتي به و يحكم بصحته (3).

و هو-بعد تسليمه-معارض بروايته فيه ما ينافي القول المزبور أيضا، فقال:و روى بكر بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:أنّه سأله سائل عن وقت المغرب،فقال:«إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول في كتابه لإبراهيم عليه السلام فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي [1] (4)فهذا أوّل الوقت،و آخر الوقت غيبوبة الشفق» (5)الخبر.

و هو-كما ترى-كالصريح بل صريح في عدم الاعتبار بغيبوبة الشمس عن النظر،و اشتراط شيء زائد من ظهور كوكب،بل جعله بعض المحققين من أدلّة الأكثر،قال:لأنّ ذهاب الحمرة المشرقية يستلزم رؤية كوكب غالبا (6).

و لنعم ما ذكره.

ص:208


1- الاستبصار 1:265.
2- الفقيه 1:656/142،661.
3- الفقيه 1:3.
4- الأنعام:76.
5- الفقيه 1:657/141،التهذيب 2:88/30،الاستبصار 1:953/264،الوسائل 4: 174 أبواب المواقيت ب 16 ح 6 بتفاوت يسير.
6- كما نقله الحرّ العاملي أيضا عن بعض المحققين.انظر الوسائل ذيل الحديث.

و نسب أيضا إلى المرتضى،و فيه ما عرفته (1).بل يمكن التأمّل في مصير المبسوط إليه أيضا،و إن حكم أوّلا بما حكي عنه،إلاّ أنّه بعد نقله المشهور حكم بأنّه الأحوط (2).و الاحتياط في كلامه ليس نصّا في الاستحباب،فيحتمل الوجوب،بناء على طريقته المستمرة من استدلاله بالاحتياط في العبادة لإيجاب كثير من الأمور التي يدّعي وجوبها فيها.

و كيف كان،فلا ريب في ضعف هذا القول،و إن استدلّ عليه بالنصوص الكثيرة المتواترة معنى،الدالة على أنّ أوّل المغرب سقوط القرص،أو استتاره، أو غيبوبة الشمس (3)،بناء على أنّ المفهوم منها لغة و عرفا هو الغيبوبة عن النظر.

لضعفه أوّلا:بأنّ المراد بسقوط القرص و غيبوبة الشمس سقوطه عن الأفق المغربي،لا خفاؤها عن أعيننا قطعا،و عليه نبّه شيخنا في روض الجنان، قال:لأنّ ذلك يحصل بسبب ارتفاع الأرض و الماء و نحوهما،فإنّ الأفق الحقيقي غير مرئي (4).

و أمّا ما يقال عليه من أن غيبوبة الشمس عن الأفق الحقيقي في الأرض المستوية حسّا إنّما تتحقق بعد غيبوبتها عن الحسّ بمقدار دقيقة تقريبا،و هذا أقلّ من ذهاب الحمرة المشرقية بكثير (5).

فمنظور فيه أوّلا:بأنّ فيه اعترافا برفع اليد عن المفهوم اللغوي و العرفي، و اعتبار شيء زائد عليه و لو دقيقة،و معه لا يتوجه الاستدلال بالأخبار المزبورة بالتقريب المتقدم.

ص:209


1- راجع ص:201.
2- المبسوط 1:74.
3- انظر الوسائل 4:178 أبواب المواقيت ب 16 ح 16 إلى 30،و ب 17 من تلك الأبواب.
4- روض الجنان:179.
5- قال به السبزواري في الذخيرة:193.

و ثانيا:بأنّ كون غيبوبتها عن الحس بمقدار دقيقة أقلّ من ذهاب الحمرة و إن كان صحيحا،إلاّ أنّه لمّا كان مجهولا غير مضبوط لا يمكن إحالة عامة المكلّفين و لا سيّما العوام منهم عليه،لا جرم وجب إحالته على أمر منضبط و هو ذهاب الحمرة من أفق المشرق،أو بدوّ النجم،و نحو ذلك،و على هذا فيكون ذهاب الحمرة علامة لتيقّن الغروب،كما صرّحت به جملة من النصوص،لا أنّه نفس الغروب.

و به يندفع ما يقال على المشهور من أنّه لا فرق بحسب الاعتبار بين طلوع الشمس و غروبها،فلو كان وجود الحمرة المشرقية دليلا على عدم غروب الشمس و بقائها فوق الأرض بالنسبة إلينا،لكان وجود الحمرة المغربية دليلا على طلوع الشمس و وجودها فوق الأرض بالنسبة إلينا من دون تفاوت.

و وجه دفعه:أنّا لا نقول:إنّ وجود الحمرة دليل على بقاء الشمس في الأفق المغربي للمصلّي،بل نقول:إنّ معه لا يحصل القطع بالغروب الذي هو المعيار في صحة الصلاة،و قطع استصحاب عدم الغروب به،فلا يرد النقض بظهور الحمرة عند الطلوع في أفق المغرب،لأنّ مقتضى ذلك حصول الشك بذلك في طلوع الشمس على الأفق المشرقي،و لا يقطع به يقين بقاء الوقت، بل بظهور الشمس الحسّي،فينعكس الأمر.

و ثانيا:بعد تسليم دلالتها فغايتها أنّها من قبيل المجمل،أو المطلق، و أخبارنا من قبيل المفسّر،أو المقيّد،فيجب حملها عليها قطعا،و لا استبعاد فيه بعد ورودها قطعا،كما هو الحال في حمل المطلقات و إن كثرت و تواترت على المقيدات و إن قلّت.و لو أثّر الاستبعاد في منعه لما استقام لنا أكثر الأحكام،لكونها من الجمع بين نحو المطلقات و المقيدات.

و دعوى عدم قوة أخبارنا و عدم بلوغها حدّ المكافأة للأخبار المعارضة، لاستفاضتها بل و تواترها و صحّة أكثرها دون أخبارنا،فاسدة.

ص:210

كدعوى أنّ الجمع بالتقييد إنّما يتعيّن إذا انحصر طريق الجمع فيه،و لم يكن في المقام حمل أقرب منه،مع أنّ الجمع بحمل أخبار المشهور على الفضل ممكن،بل و أقرب.

و ذلك لقوة أخبارنا بالاستفاضة القريبة من التواتر أيضا،و انجبارها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،بل لعلّها من المتأخّرين إجماع في الحقيقة،و قد عرفت استشعاره من عبارة الماتن في المعتبر (1).و مع ذلك كثير منها في المدعى صريحة،و لا سيّما الدال منها على تفسير استتار القرص بذهاب الحمرة.

و مع ذلك مخالفة لما عليه الجمهور كافّة،كما صرّح به جماعة،و منهم الفاضل في المنتهى و التذكرة (2)،فقال-مشيرا إلى قول المبسوط و هو قول الجمهور-:و يستفاد ذلك من كثير من النصوص،منها-زيادة على ما يأتي- رواية أبان بن تغلب و ربيع بن سليمان و أبان بن أرقم و غيرهم،قالوا:أقبلنا من مكة حتى إذا كنّا بواد الأخضر،إذا نحن برجل يصلّي و نحن ننظر إلى شعاع الشمس،فوجدنا في أنفسنا،فجعل يصلّي و نحن ندعو عليه،حتى صلّى ركعة و نحن ندعو عليه و نقول:هذا من شباب المدينة،فلمّا أتينا إذا هو أبو عبد اللّه عليه السلام،فنزلنا و صلّينا معه و قد فاتتنا ركعة،فلمّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا:جعلنا فداك هذه الساعة تصلّي؟فقال:«إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت» (3).

و ذلك فإنّ صدره-كما ترى-يدل على أنّه كان مقرّرا عند الشيعة أنّه

ص:211


1- راجع ص 200.
2- المنتهى 1:203،التذكرة 1:76.
3- أمالي الصدوق:16/75 و فيه:الأجفر بدل:الأخضر،الوسائل 4:180 أبواب المواقيت ب 16 ح 23.

لا يدخل الوقت قبل مغيب الحمرة المشرقية،و لذا كانوا يدعون على المصلّي قبله و زعموه من شباب المدينة،أي من شباب العامة.

و منها:رواية جارود،قال،قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام:«يا جارود ينصحون فلا يقبلون،و إذا سمعوا بشيء نادوا به،أو حدّثوا بشيء أذاعوه،قلت لهم:مسّوا بالمغرب قليلا،فتركوها حتى اشتبكت النجوم،فأنا الآن أصلّيها إذا سقط القرص» (1).

و ذلك لدلالة الأمر بالإمساء قليلا على مذهب المشهور،و لما رأى عليه السلام أنّهم نادوا به و أذاعوه قال:أنا أفعل الآن،إلى آخره.و هو كالصريح في أنّ فعله عليه السلام ذلك للتقية.

و منها:كتبت إلى العبد الصالح عليه السلام:يتوارى القرص و يقبل الليل ثمَّ يزيد الليل ارتفاعا،و تستر عنا الشمس،و ترتفع فوق الليل حمرة و يؤذّن عندنا المؤذّنون،أ فأصلّي حينئذ و أفطر إن كنت صائما،أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الليل؟فكتب إليّ:«أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة و تأخذ بالحائطة لدينك» (2).

و هو صريح في أنّ المؤذّنين يومئذ كانوا يؤذّنون قبل ذهاب الحمرة،و لا ريب أنّهم كانوا من العامّة.

و هذه الرواية كسابقتها دليل على المختار أيضا،و إن استدل بالأولى و هذه على خلافه،لفعله عليه السلام في الاولى،و تخصيصه لراوي هذه بقوله:

«أرى لك..»الظاهر في الاستحباب،و إلاّ لعمّم و ما عبّر بلفظ الاحتياط.

و قد عرفت ما في فعله عليه السلام،من كونه للتقية.و تخصيص الراوي

ص:212


1- التهذيب 2:1032/259،الوسائل 4:177 أبواب المواقيت ب 16 ح 15.
2- التهذيب 2:1031/259،الاستبصار 1:952/264 بتفاوت يسير فيهما،الوسائل 4:176 أبواب المواقيت ب 16 ح 14.

لعلّه بل الظاهر أنّه من جهة علمه عليه السلام بعدم ابتلائه بالتقية،أو بمعرفته سبيل الخلاص عنها،و لفظ الاحتياط ليس نصّا بل و لا ظاهرا في الاستحباب،لأنّ ذلك إنّما هو بالاصطلاح المتأخّر بين الأصحاب،و إلاّ فالاحتياط هو الاستظهار و الأخذ بالأوثق لغة،بل و في كلمة متقدّمي الأصحاب أيضا،كما مضى (1)،و لا ريب أنّ مثله في أمثال العبادات واجب،للرجوع إلى حكم الاستصحاب ببقاء شغل الذمة اليقيني الذي لا بد في الخروج عنه من اليقين.

و بالجملة لا ريب في دلالة هذه الأخبار على المختار،و أنّ خلافه مذهب أولئك الكفرة الفجّار.

و به يظهر جواب آخر عن تلك الأخبار الدالة على حصول الغروب بمجرد الاستتار،و هو حملها على التقيّة.

و نحوها الأخبار الظاهرة من غير جهة الإطلاق،كالخبر:عن وقت المغرب،فقال:إذا غاب«كرسيّها»قلت:و ما كرسيّها؟قال:«قرصها»قلت:

و متى يغيب قرصها؟قال:«إذا نظرت إليه فلم تره» (2).

و منها:«إنّا ربما صلّينا و نحن نخاف أن تكون الشمس خلف الجبل،و قد سترنا منها الجبل،قال،فقال:«ليس عليك صعود الجبل» (3).

و نحوه آخر:«إنّما تصلّيها إذا لم تر خلف الجبل غارت أو غابت،ما لم يتجلّلها سحاب أو ظلمة تظلمها،فإنّما عليك مشرقك و مغربك،و ليس على

ص:213


1- راجع ص 203.
2- التهذيب 2:79/27،علل الشرائع:4/350،أمالي الصدوق:10/74،الوسائل 4: 181 أبواب المواقيت ب 16 ح 25.
3- الفقيه 1:656/141،التهذيب 2:87/29،1054/264،الاستبصار 1:962/266، الوسائل 4:198 أبواب المواقيت ب 20 ح 1.

الناس أن يبحثوا» (1).

و في صدره أيضا إشعار بوروده تقيّة،فإنّ فيه:قال-يعني الراوي-:

صعدت مرّة جبل أبي قبيس و الناس يصلّون المغرب،فرأيت الشمس لم تغب إنّما توارت خلف الجبل عن الناس،فلقيت أبا عبد اللّه فأخبرته بذلك،فقال:

«و لم فعلت ذلك؟بئس ما صنعت».

مع أنّها قاصرة الأسانيد،و إن قيل:روي الأوّل في مجالس الصدوق بسند صحيح (2).مع أنّ ظاهرها و لا سيّما الأخير عدم البأس بوجود الضوء و الشعاع على نحو التلال و الجبال،و أنّ المعتبر غيبوبة الشمس عن نظر المصلّي و هو على الأرض،و هو مما قطع جماعة من أرباب هذا القول بفساده، و منهم صاحبا المدارك و الذخيرة،حيث قالا-بعد أن نقلا عن التذكرة تحديد الغروب على هذا القول في العمران بأن لا يبقى شيء من الشعاع على رؤوس الجدران و قلل الجبال-ما لفظه:و هو حسن (3).

و هو-كما ترى-خلاف ما دلّت عليه تلك الأخبار،فكيف يستدلّون بها؟ مع أنّ الذي يظهر من المبسوط كون ما دلّت عليه مما يتفرع على هذا القول حيث قال بعد نقل القولين:فأمّا على القول الأول-و أشار به إلى هذا-إذا غابت الشمس عن البصر و رأى ضوءها على جبل يقابلها أو على مكان عال مثل منارة الإسكندرية و شبهها فإنّه يصلّي و لا يلزم حكم طلوعها-إلى أن قال-:

و على الرواية الأخرى لا يجوز حتى تغيب في كل موضع تراه و هو الأحوط (4).

ص:214


1- الفقيه 1:661/142،التهذيب 2:1053/264،الاستبصار 1:961/266،أمالي الصدوق:12/74،الوسائل 4:198 أبواب المواقيت ب 20 ح 2.
2- أمالي الصدوق:10/74.
3- المدارك 3:53،الذخيرة:193.
4- المبسوط 1:74.

و منه يظهر جواب آخر عما دلّ على حصول الغروب بالاستتار من الإطلاقات،لعدم صدقه قطعا بمجرد غيبتها عن النظر مع رؤية شعاعها على قلل الجبال.

و العجب عن غفلة هؤلاء الجماعة من قول المبسوط هذا،و زعمهم موافقتهم له،و تفريعهم ما مرّ نقله عن التذكرة عليه (1)،مع أنّ عبارته كما عرفت صريحة في خلاف ما زعموه،و لعلّه لذا قال في الذخيرة بعد قوله حسن:و إن أمكن المنازعة فيه،و ليت شعري كيف حسّنه مع إمكان المنازعة؟و مع ذلك فالظاهر أنّ وجه المنازعة إنّما هو ظهور عبارة المبسوط و النصوص الأخيرة في خلاف ما حسّنه،و هو الاكتفاء بالغيبة عن النظر،و عدم البأس برؤية الشعاع على الجبل، و هذا كيف يمكن احتماله فضلا عن المصير إليه،مع ضعف النصوص الدالّة عليه،و عدم جابر لها بالكليّة،و مخالفته الأصول و الأخبار المتواترة حتى الأخبار التي استدل بها على مذهبه (2)،لما عرفت من عدم صدق الغيبة و الاستتار

ص:215


1- راجع ص 205.
2- في حاشية«ش»و«ح»:منها الصحيح:«وقت المغرب إذا غاب القرص،فإن رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة،و مضى صومك،و تكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا» الوسائل 4:178 أبواب المواقيت ب 16 ح 17. و قد حمله الأصحاب على ما حملوا عليه سائر الأخبار التي بمضمونها من أنّ المراد بغيبوبة القرص ذهاب الحمرة كما فسّرت به بعض المعتبرة. و لكن ظاهر شيخنا البهائي في الحبل المتين إباء هذا الصحيح عن ذلك الحمل،و لعلّه لقوله:«فإن رأيته بعد ذلك»و ذلك فإنّ المراد لو كان بغيبوبة القرص ذهاب الحمرة لما أمكن رؤيتها بعد ذلك،فكيف يقول بعد ذلك:«فإن رأيته». و فيه نظر،لأنّ ذلك إنّما يتوجّه لو اختصّت الرواية بصورة الصحو و خلوّ السماء عن الغيم، و ليست مختصّة بها،بل هي مطلقة يمكن تقييدها بصورة الغيم،و يكون محصّله:إنّ علامة الغروب غيبوبة الحمرة المشرقية،فإذا اشتبهت عليك كالغيم أو حجاب فظننت أنّها قد ذهبت ثمَّ ظهر خلافه برؤيته صحّ صومك،و بهذا صرّح في الوافي،مع أنّه من أهل هذا القول،أي القول الثاني فيه و في المفاتيح،فمع هذا الاحتمال كيف تكون الرواية تأبى عن هذا الحمل و لم تقبله. و اعلم أنّ الفاضل في المنتهى اعترض على العاملين بهذه الصحيحة و ظاهرها،بأنّه لو كان الوقت قد دخل بالاستتار لما أمرنا بالإعادة عند الظهور إذ هي صلاة قد فعلت في وقتها،فلا يستتبع وجوب الإعادة.و اعترضه في الذخيرة بأنّ وجوب الإعادة مبني على ظهور الخطأ في الظن،و نظيره في الأحكام غير عزيز.و هذا الاعتراض غريب،فإنّ الخطأ في الظن إنّما يصحّ حيث يحصل الوقت بأمارات ظنية من دون مشاهدة لحصول غيم و ما ضارعه يوجب عدم حصول العلم الواقعي بالوقت و المعرفة،و مورد الصحيحة-لو بني على ظاهرها-و كلام الفاضل في المنتهى إنّما هو صورة العلم بالوقت الذي هو غيبوبة الشمس عن النظر،و القطع به من دون خطأ و حصول شبهة،فأين هذا من حصول الخطأ في الوقت،بل لا يكون ذلك إلاّ من جهة أنّ مجرّد الغيبة عن النظر ليس بوقت،و أنّه هو خصوص ذهاب الحمرة،و بموجب ذلك يجب رفع اليد عن ظاهر الرواية،و حمله على ذهاب الحمرة و حصول الاشتباه بغيم و نحوه،و بالجملة:ذلك واضح كما لا يخفى على من تدبّر(منه عفى عنه و عن والديه).

الواردين فيها مع وجود الأشعّة على قلل الجبال قطعا لغة و عرفا،فليس بعد ذلك إلاّ طرحها.

و بالجملة فقول المبسوط حينئذ على تقديره ضعيف جدّا يستحيل المصير إليه قطعا.

و أمّا ما اختاره هؤلاء الجماعة فالظاهر أنّه قول محدث،إذ ليس إلاّ قول المشهور و ما في المبسوط الذي يرجع إليه قول الإسكافي،و المرتضى على تقدير ثبوته (1)،و قول العماني الآتي و غيره،و هو لا يوافق شيئا منها،فيندفع زيادة على ما مرّ بالندرة و الشذوذ،و مخالفته الإجماع،فتأمّل جدّا.

و هنا قولان آخران باعتبار اسوداد الأفق من المشرق كما عن العماني (2)، للخبرين (3)،و يبدو ثلاثة أنجم كما عن الصدوقين في المقنع

ص:216


1- تقدم ذكرهما في ص:201.
2- نقله عنه في المختلف:69.
3- الأول:التهذيب 2:86/29،الاستبصار 1:958/265،الوسائل 4:175 أبواب المواقيت ب 16 ح 8. الثاني:فقه الرضا(عليه السلام):104،المستدرك 3:130 أبواب المواقيت ب 13 ذيل الحديث 3.

و الرسالة (1)،للصحيح (2).

و هما شاذّان،و مستنداهما لا يقاومان شيئا مما قدّمناه من وجوه شتّى،مع ضعف دلالتهما،و احتمالهما ككلامهم الرجوع إلى ما عليه القوم،بل أرجعهما إليه بعض الفضلاء بوجه قريب لا فائدة في التعرض لذكره و لا جدوى.

و إنّما طوّلنا الكلام في المسألة لأنّها من المهمّات،و ذيل الكلام فيها أطول من ذلك،تركناه خوفا من زيادة التطويل الذي لا يناسب هذا التعليق.

الثانية لا يدخل وقت العشاء حتى تذهب الحمرة المغربية

الثانية:

قيل و القائل الشيخان و جماعة (3):إنه لا يدخل وقت العشاء حتى تذهب الحمرة المغربية و لا يجوز أن تصلى قبله إلاّ مع العذر فيجوز حينئذ كما هو ظاهر بعضهم،و أطلق بعضهم المنع عن الصلاة قبله من دون استثناء.

و قد مرّ في أواخر مواقيت الفرائض ما يصلح مستندا لهم مطلقا (4)و أنّ الأشهر الأظهر جواز التقديم مطلقا و لو اختيارا لكن مع الكراهة خروجا عن الشبهة الناشئة من اختلاف الفتوى و الرواية،و إن كان الأظهر حمل المانعة منها على التقيّة،لكونه مذهب الجمهور كافّة كما عرفته.

الثالثة لا تقدم صلاة الليل على الانتصاف

الثالثة:

لا يجوز أن تقدم صلاة الليل على الانتصاف لما مر في توقيتها به (5).

ص:217


1- المقنع:65،نقله عن والده في الفقيه 2:81.
2- التهذيب 4:968/318،الوسائل 10:124 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 52 ح 3.
3- المفيد في المقنعة:94،الطوسي في المبسوط 1:75،و الخلاف 1:262،و انظر المراسم:62.
4- راجع ص 177-178.
5- في ص:186.

إلاّ لشابّ تمنعه من فعلها في وقتها رطوبة رأسه و دماغه أو مسافر أو شبههما من ذوي الأعذار المحتملة منعها لهم عن فعلها في الوقت، فيجوز لهم حينئذ تقديمها عليه على الأظهر الأشهر،بل في الخلاف الإجماع عليه (1)،بل عليه عامّة من تأخّر،عدا الفاضل في المختلف و التحرير (2)،لكنّه فيه توقّف،و في الأوّل صرّح بالمنع وفاقا للحلي (3)،و زرارة من القدماء (4).

لعدم جواز فعل الموقّت قبل وقته.و فيه منع على إطلاقه.

و لظاهر الصحيح:قلت له:إنّ رجلا من مواليك من صلحائهم شكا إليّ ما يلقى من النوم،و قال:إني أريد القيام بالليل فيغلبني النوم حتى أصبح، فربما قضيت صلاتي الشهر المتتابع و الشهرين أصبر على ثقله،فقال:«قرّة عين له و اللّه،قرة عين و اللّه»و لم يرخّص في النوافل أوّل الليل،و قال:«القضاء بالنهار أفضل» (5).

و هو معارض بالصحاح المستفيضة،و غيرها من المعتبرة المرخّصة للتقديم مطلقا كما في بعضها،و قد مضى (6)،أو في السفر خاصة كما في كثير منها،و فيها الصحيح و غيره (7)،أو مطلق العذر كما في أكثرها،و فيها الصحاح و غيرها (8).و هي أرجح من تلك الصحيحة من وجوه عديدة،و منها صراحة

ص:218


1- الخلاف 1:537.
2- المختلف:74،التحرير 1:28.
3- السرائر 1:307.
4- حكى عنه في ذيل خبر محمد بن مسلم،انظر الوسائل 4:256 أبواب المواقيت ب 46 ح 7.
5- الكافي 3:20/447،الفقيه 1:1381/302،التهذيب 2:447/119،الاستبصار 1: 1015/279،الوسائل 4:255 أبواب المواقيت ب 45 ح 1.
6- في ص:179،و انظر الوسائل 4:253 أبواب المواقيت ب 44 ح 13،14.
7- الوسائل 4:249-250 أبواب المواقيت ب 44 ح 1،4،5،6،7،10،11،19.
8- الوسائل 4:أبواب المواقيت ب 44 ح 2،12.

الدلالة،و الاعتضاد بالشهرة العظيمة،فلتحمل على الكراهة لا الحرمة،و يشير إليه ما في آخرها برواية الكليني و الشيخ:قلت:فإنّ من نسائنا أبكارا الجارية تحبّ الخير و أهله،و تحرص على الصلاة فيغلبها النوم،حتى ربما قضت و ربما ضعفت عن قضائه،و هي تقوى عليه أوّل الليل،فرخّص لهنّ الصلاة في أوّل الليل إذا ضعفن و ضيّعن القضاء.

و هو-كما ترى-صريح في الترخيص لغلبة النوم.لكن ظاهره اختصاصه بصورة خوف فوت القضاء،كما حكي عن التذكرة (1)،و ربما يفهم من المختلف و المنتهى (2).و لا ريب أنّه أحوط،و إن كان جواز التقديم مع العذر مطلقا أقوى.

و مع ذلك ف قضاؤها أفضل من تقديمها اتفاقا فتوى و نصّا.و منه -زيادة على ما تقدم-الصحيح:الرجل من أمره القيام بالليل،تمضي عليه الليلة و الليلتان و الثلاث لا يقوم،فيقضي أحبّ إليك،أم يعجل الوتر أوّل الليل؟قال:«لا،بل يقضي و إن كان ثلاثين ليلة» (3).

و نحوه الخبر:«يقضي أحب إليّ،إنّي أكره أن يتّخذ ذلك خلقا» (4).

و في آخر عن قرب الإسناد:عن الرجل يتخوّف أن لا يقوم من الليل، أ يصلّي صلاة الليل إذا انصرف من العشاء الآخرة فهل (5)يجزيه ذلك،أم عليه قضاء؟قال:«لا صلاة.حتى يذهب الثلث الأول من الليل،و القضاء بالنهار

ص:219


1- التذكرة 1:85.
2- المختلف:74،المنتهى 1:213.
3- التهذيب 2:1295/338،الوسائل 4:256 أبواب المواقيت ب 45 ح 5.
4- التهذيب 2:448/119،الاستبصار 1:1016/280،الوسائل 4:256 أبواب المواقيت ب 45 ح 7.
5- في المصدر:و هل.

أفضل» (1).

و حيث تقدم فلا يجوز قبل الغروب:لتصريح النص و الفتوى بأوّل الليل، بل ظاهر الخبر الأخير اعتبار مضيّ ثلثه الأوّل،و ضعف سنده يمنع عن تقييد النص و الفتوى به.و إطلاقهما بجواز التقديم أوّل الليل ظاهره بحكم التبادر كونه بعد العشاءين،و لعلّه متعيّن،قصرا للضرورة على محلها،و التفاتا إلى عموم ما دلّ على المنع من فعل النافلة في وقت الفريضة إلاّ في المواضع المستثناة (2)،و لم يعلم كون هذا منها.

و المراد بصلاة الليل المقدّمة مجموع الثلاث عشرة ركعة،لإطلاقها عليها إطلاقا شائعا،مع التصريح بتقديم الوتر في جملة من النصوص،و مرّ في كثير من النصوص أن ركعتي الفجر من صلاة الليل (3)،و تسمى الدساستين لدسّهما فيها،فما في روض الجنان من استثنائهما من الحكم (4)غير ظاهر الوجه.

و هل ينوي مع التقديم الأداء؟الأقوى لا،بل ينوي التعجيل.

و لو أنبته في الوقت بعد أن قدّمها عليه فهل يسوغ الإتيان بها ثانيا؟ وجهان .

الرابعة إذا تلبس بنافلة الظهر و لو بركعة ثمَّ خرج وقتها أتمّها

الرابعة:

إذا تلبس بنافلة الظهر و لو بركعة ثمَّ خرج وقتها أتمّها مقدمة على الظهر (5)،و كذا لو تلبس بنافلة العصر و لو بركعة ثمَّ خرج وقتها أتمّها مقدمة

ص:220


1- قرب الإسناد:759/198،الوسائل 4:257 أبواب المواقيت ب 45 ح 8 بتفاوت فيهما.
2- انظر الوسائل 4:226 أبواب المواقيت ب 35.
3- الوسائل 4:263 أبواب المواقيت ب 50.
4- روض الجنان:183.
5- في المختصر المطبوع:الفريضة.

عليه،كما في السرائر (1)،و عن النهاية و المهذب (2)،و عزا في المدارك و غيره إلى الشيخ و أتباعه و اختاره أيضا (3)،كالفاضلين و الشهيدين و غيرهم من المتأخّرين (4)،من غير خلاف بينهم أجده.

للموثق:«للرجل أن يصلي من نوافل الزوال[ما بين زوال الشمس]إلى أن يمضي قدمان،فإن كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل أن يمضي قدمان أتمّ الصلاة حتى يصلي تمام الركعات،فإن مضى قدمان قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالأولى و لم يصلّ الزوال إلاّ بعد ذلك،و للرجل أن يصلّي من نوافل الاولى ما بين الاولى إلى أن يمضي أربعة أقدام،فإن مضت الأربعة أقدام و لم يصلّ من النوافل شيئا فلا يصلّ النوافل،و إن كان قد صلّى ركعة فليتمّ النوافل حتى يفرغ منها ثمَّ يصلّي العصر» (5)الخبر.

و هو نص في نافلة العصر.و فيه نوع إجمال في نافلة الظهر،لكن يدفع بعدم القائل بالفرق،و بظهور قوله عليه السلام:«فإن مضى قدمان قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالأولى»فيه.

و لعل معنى قوله عليه السلام:«فإن كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل أن يمضي قدمان»أنه إن بقي من وقت الزوال أي ما قبل فرض الظهر من النوافل قدر ركعة،أو الزوال هنا الوقت من الزوال إلى قدمين.و على التقديرين قوله:«أو قبل أن يمضي قدمان»تعبير عنه بعبارة أخرى للتوضيح،أو الترديد من

ص:221


1- السرائر 1:202.
2- النهاية:60،المهذّب 1:71.
3- المدارك 3:71،و انظر الذخيرة:198.
4- المحقق في الشرائع 1:48،العلامة في التبصرة:20،الشهيد الأول في الدروس 1:140، الشهيد الثاني في المسالك 1:20،و انظر مجمع الفائدة 2:19.
5- التهذيب 2:1086/273،الوسائل 4:245 أبواب المواقيت ب 40 ح 1.و ما بين المعقوفين من المصدر.

الراوي.

و من الجائز أن يكون فيه سهو من الأقلام و تكون العبارة«قد صلى» مكان«قد بقي»و يكون«أو»سهوا،كذا ذكره بعض الأفاضل (1).و فيه اعتراف بقصور الصدر عن إفادة حكم نافلة الظهر كما ذكرناه،و به صرح في الذخيرة (2).

و من هنا ينقدح ما في المدارك من دعوى صراحة الخبر في الحكمين (3).

و لعله إنما نشأ من اقتصاره على الشرطية التي دلت عليه و لم يذكر الشرطية الأخرى و هي قوله:«فإن كان قد بقي»إلى آخره.و الإجمال إنما نشأ منها.

و إطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم اشتراط التخفيف في المزاحمة،إلاّ أن في السرائر و عن المعتبر و جماعة اشتراطه (4).و النص كما ترى مطلق،لكن في ذيله اشتراط المزاحمة بأن يمضي بعد القدمين نصف قدم في الظهر و بعد الأربعة أقدام قدم في العصر،فإن صحّ مستندا لهم،و إلاّ فلا أعرف مستندهم عدا ما قيل (5)من أن فيه محافظة على المسارعة إلى فعل الواجب (6).

و هو حسن إن كان اشتراط التخفيف لمجرد الفضل.و إن كان المقصود به حرمة النافلة مع عدمه فلا تفيدها المحافظة على السنن،إذ غايتها إثبات

ص:222


1- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:168.
2- الذخيرة:198،فقال:و الحكم الذي ذكروه في العصر مصرح في الخبر،و أما الظهر فلا،لأن مفهومي الشرطين المذكورين في حكمهما متعارضان إلاّ أن يثبت عدم القائل بالفصل.منه رحمه اللّه.
3- المدارك 3:71.
4- السرائر 1:202،المعتبر 2:59،و انظر النهاية:60،و الشرائع 1:48،و المسالك 1: 20.
5- كما في المدارك 3:71.
6- ربما يتطرق إليه النظر بأنه كما يوجب المسارعة إلى فضيلة فعل الواجب في وقته،لكنه يوجب فوات فضيلة التطويل المندوب إليه في الصلاة مطلقا و لو نافلة.إلاّ أن يقال:إنّ فضيلة الفريضة أولى من فضيلة النافلة.منه رحمه اللّه.

الفضل بناء على جواز تأخير الفريضة عن وقت الفضيلة اختيارا،كما هو الأشهر الأقوى.نعم،لو قلنا بالمنع عنه-كما هو مذهب الشيخين و غيرهما (1)-اتجه ذلك.

كما لو قلنا بحرمة النافلة في وقت الفريضة و عدم حجية الموثقة،فإنه حينئذ يجب الاقتصار-في المزاحمة المزبورة المخالفة للأصل على هذا التقدير-على القدر المجمع عليه.

و إطلاق الموثق لا عبرة به،لعدم حجيته،مع عدم معارضته لإطلاق خصوص النصوص المانعة عن مزاحمة نافلة الظهرين لهما بعد خروج وقتهما، و فيها الصحيح و غيره (2)،خرج منها القدر المتفق عليه،و هو المزاحمة مع التخفيف،و بقي الباقي.

و من هنا يتوجه إثبات شرطية التخفيف بناء على الأصل المتقدم و لو قلنا بحجية الموثق،إذ هو حيث لم يعارضه أقوى منه عددا و سندا و اعتضادا بالأصول،فتأمّل جدّا (3).

و كيف كان فلا ريب أن التخفيف أحوط و أولى.

و المراد به-كما ذكروه-الاقتصار على أقل ما يجزي فيها من قراءة الحمد وحدها،و تسبيحة واحدة في محلها.بل عن بعض المتأخرين أنه لو تأدّى التخفيف بالصلاة جالسا آثره على القيام،قال:لإطلاق الأمر بالتخفيف (4).

ص:223


1- المفيد في المقنعة:94،الطوسي في النهاية:58،و انظر الوسيلة:81،و المهذّب 1:71، و الكافي في الفقه:138.
2- انظر الوسائل 4:141 أبواب المواقيت ب 8 ح 1 إلى 4،و ح 35،و ص 226 ب 35 من تلك الأبواب.
3- وجهه:أنّ المعارض هنا من قبيل المطلقات و الموثقة من قبيل المقيّد،و لا يشترط في مثلهما التكافؤ العددي و السندي و نحوهما.منه رحمه اللّه.
4- نقله في المدارك 3:71-أيضا-عن بعض المتأخرين.

و هل يختص الحكم بجواز المزاحمة بما عدا يوم الجمعة،أو صلاتها، أو يعمّهما أيضا؟أوجه،إطلاق النص و الفتوى يقتضي الأخير.و اختصاصه بما عدا صلاة الجمعة بحكم التبادر يقتضي الاختصاص بما عداها،سيّما مع كثرة الأخبار بضيقها (1)،و هذا أحوط و أولى.

و هل هي أداء؟قيل:الأقرب ذلك (2)،تنزيلا لها منزلة صلاة واحدة أدرك ركعة منها.

و لا يبعد هذا إن اشترطنا قصد الأداء،و إلاّ-كما هو الأقوى-فيكفي قصد القربة مطلقا.

و لو ظن خروج وقت النافلة قبل إكمال ركعة حيث لا طريق له إلى العلم فشرع في الفريضة فتبين السعة:قيل:يصلّيها بعدها أداء لبقاء وقتها (3).

و فيه نظر.و يأتي على المختار كفاية قصد القربة هنا أيضا،إن لم يحصل الإشكال في أصل فعلها،كما إذا كانت نافلة العصر و صليت في وقتها بعد فريضتها.و يشكل فيما لو كانت نافلة الظهر،إذ فعلها بعد فريضتها فعل نافلة في وقت فريضة لم يعلم استثناؤه،لاختصاص المستثنى لها من النص و الفتوى بحكم التبادر بفعلها في وقتها قبل فريضتها لا مطلقا،و هذا هو وجه النظر الذي قدّمناه،فتأمّل جدّا .

و اعلم أن هذا الحكم يختص بنافلة الظهرين أما نوافل المغرب فمتى ذهبت الحمرة المغربية التي هي آخر وقتها كما مضى (4)و لم يكملها

ص:224


1- انظر:الوسائل 7:315 أبواب صلاة الجمعة ب 8.
2- قال به الشهيد في الدروس 1:141.
3- كما قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:41،و الشهيد الثاني في روض الجنان: 181.
4- في ص:184.

بدأ بالعشاء إن لم نقل بامتدادها بامتداد وقت الفريضة،كما هو الأشهر الأقوى،بل نفي الحلي عنه الخلاف في نوافل الظهرين (1)،و لا قائل بالفرق جدّا،للأصل من غير معارض،لاختصاصه بنوافلهما،و التعدّي قياس لا يجوز عندنا.

فقول الحلي هنا بإتمام الأربع بالشروع في ركعة منها (2)-كما في الظهرين-لا وجه له ظاهرا إلاّ أن يكون إجماعا.و هو ضعيف جدّا،لاشتهار خلافه بين الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في الذخيرة (3)،و إن اختلفوا في إطلاق الحكم كما هنا و في القواعد و الإرشاد و التحرير و المنتهى (4)،أو تقييده بما إذا لم يكن شرع في ركعتين منها،و إلاّ فيكمّلهما خاصّة،أوليين كانتا أم أخيرتين،كما ذكره الشهيدان و غيرهما (5)،قالوا:للنهي عن إبطال العمل.

و هو حسن إن قلنا بتحريمه مطقا.و إن خصّصناه بالفريضة و قلنا بكراهته في النافلة كما عليه شيخنا الشهيد الثاني (6)،أو مطلقا كما عليه بعض هؤلاء الجماعة،أشكل الاستثناء،لعموم أدلّة تحريم النافلة في وقت الفريضة، و الإبطال لا يستلزم غير الكراهة،و هي بالإضافة إلى التحريم مرجوحة بل منتفية، لاختصاصها بما إذا لم تعارضها حرمة،و قد عارضتها في المسألة،لعموم الأدلّة على الحرمة.

إلاّ أن يمنع و يدّعى اختصاصها بحكم التبادر بابتداء النوافل في وقت الفريضة،لا عدم وقوعها فيه مطلقا و لو بجزء منها.و هو غير بعيد،فما قالوه

ص:225


1- السرائر 1:199.
2- السرائر 1:202.
3- الذخيرة:199.
4- القواعد 1:25،الإرشاد 1:243،التحرير 1:28،المنتهى 1:214.
5- الشهيد الأول في الذكرى:124،الشهيد الثاني في روض الجنان:181،و انظر جامع المقاصد 2:21،و المدارك 3:75.
6- روض الجنان:182.

حسن،سيّما على المختار من عموم تحريم الإبطال للنوافل أيضا.

و ربما يشكل لو علم قبل الشروع فيها بمزاحمتها الفريضة في الأثناء،لقوة احتمال شمول أدلّة حرمة النافلة في وقت الفريضة لمثل هذا،مع احتمال منعه أيضا

الخامسة إذا طلع الفجر الثاني فقد فاتت النافلة

الخامسة:

إذا طلع الفجر الثاني فقد فاتت وقت النافلة الليلية عدا ركعتي الفجر فتبقيان إلى ظهور الحمرة المشرقية على المشهور،و الشيخ-كما عرفت- لم يستثنهما بل جعلهما من صلاة الليل التي تفوت بطلوع الفجر الثاني (1).

بلا خلاف إلاّ منه في كتاب الحديث،فجوّز فعلها بعده مزاحما بها الفريضة (2)، و تبعه الماتن في المعتبر و صاحبا المدارك و الذخيرة (3)،للنصوص المستفيضة الدالة عليه،و فيها الصحيحان و ما يقرب منهما سندا و غيرهما (4)،و لعله ظاهر الصدوق أيضا حيث قال:و قد رويت رخصة في أن يصلي الرجل صلاة الليل بعد طلوع الفجر المرّة بعد المرّة،و لا يتخذ ذلك عادة (5).

لكنه كما ترى اشترط في ذلك عدم الاعتياد،كما هو ظاهر جملة منها، و إلى هذا يميل في المنتهى (6)،و به جمع بين هذه الأخبار و الأخبار الآتية الناهية عن الإيتار في وقت الفريضة (7)،فقال:لا منافاة بينهما،فإنّ ما دل على جواز إيقاع صلاة الليل و الوتر بعد الفجر مخصوص بما إذا لم يجعل ذلك عادة،

ص:226


1- راجع ص:195.
2- انظر التهذيب 2:126،340.
3- المعتبر 2:57،المدارك 3:84،الذخيرة:201.
4- الوسائل 4:261 أبواب المواقيت ب 48.
5- الفقيه 1:/308ذيل حديث 1404،الوسائل 4:262 أبواب المواقيت ب 48 ح 7.
6- منتقى الجمان 1:449.
7- في ص 223-224.

و النهي متوجه إلى من يتّخذه عادة.

و هو حسن مع حصول التكافؤ بينهما،و ليس،لضعف سند أكثر الأخبار المرخّصة،و عدم مقاومة صحيحها-كالباقية-للأخبار المقابلة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،و بالاستفاضة التي كادت تبلغ التواتر،بل لعلها متواترة،في أنّ آخر صلاة الليل طلوع الفجر الثاني (1)،و إن اختلف في المنع عن فعلها بعده ظهورا و صراحة.

فمن الأوّل:كلّ ما دلّ منها على أنّه آخرها،إذ لو ساغ فعلها بعده لما كان آخر لها.مع أنه يستلزم وقوع النافلة في وقت الفريضة،و قد منعت عنه النصوص المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة،و منها خصوص الصحيحة المتقدمة في آخر ركعتي الفجر،المانعة عن فعلهما بعد الفجر،معلّلا بقوله:

«أ تريد أن تقايس»إلى آخره (2)،الصريح في كون النهي على جهة الحرمة كما عرفته.

و من الثاني:الصحيح:أوتر بعد ما يطلع الفجر؟قال:«لا» (3).

و المنع عن الإيتار يستلزم المنع عن غيره بطريق أولى.و منع الأولوية -كما في الذخيرة (4)-لا أعرف له وجها،مع أنه لا قائل بالفرق جدّا.

و أظهر منه الصحيح:عن الرجل يكون في بيته و هو يصلي،و هو يرى أنّ عليه ليلا،ثمَّ يدخل عليه الآخر من الباب،فقال:قد أصبحت،هل يصلّي

ص:227


1- الوسائل 4:257 أبواب المواقيت ب 46.
2- راجع ص:196.
3- التهذيب 2:479/126،الاستبصار 1:1021/281،الوسائل 4:259 أبواب المواقيت ب 46 ح 6.
4- الذخيرة:200.

الوتر أم لا،أو يعيد شيئا من صلاته؟قال:«يعيد أن صلاّها مصبحا» (1).

و الخبر:«إذا أنت قمت و قد طلع الفجر فابدأ بالفريضة و لا تصلّ غيرها، فإذا فرغت فاقض ما فاتك» (2)الحديث.

و قريب منه الرواية الآتية من حيث دلالتها على المنع بالمفهوم إذا لم يصلّ أربع ركعات (3)،هذا.

مع أنّ النصوص السابقة غير صريحة في الترخيص لفعلها في وقت الفريضة مطلقا كما ذكره الشيخ و من تبعه،أو مع عدم الاعتياد كما ذكره الصدوق و من بعده (4)،بل مطلقة أو ظاهرة،يحتمل تقييدها بما إذا أدرك أربعا في الليل،للاتفاق على الجواز حينئذ،كما سيأتي إليه الإشارة،أو حمل الفجر فيها على الأوّل.

و هما و إن بعد إلاّ أنّهما أولى من الجمع الذي ذكروه جدّا،فإنّ فيه إيثارا للأخبار المرجوحة،و طرحا للأخبار المشهورة،و لا كذلك الجمع الذي ذكرناه، و هو مع ذلك أوفق للنصوص المستفيضة المانعة عن النافلة في وقت الفريضة (5)،و أنسب بطريق الاحتياط اللازم المراعاة في نحو العبادات التوقيفية،فلا معدل عما ذكره الأصحاب و لا مندوحة،سيّما مع احتمال الأخبار المرخّصة للتقية.

و لو تلبس من صلاة الليل بأربع ركعات زاحم بها صلاة الصبح

ص:228


1- التهذيب 2:1404/339،الاستبصار 1:1070/292،الوسائل 4:259 أبواب المواقيت ب 46 ح 7.
2- التهذيب 2:1402/339،الوسائل 4:262 أبواب المواقيت ب 48 ح 4.
3- انظر ص:223.
4- راجع ص:220.
5- الوسائل 4:226 أبواب المواقيت ب 35.

ما لم يخش فوات الفرض عن وقت فضيلته،بلا خلاف أجده،و به صرّح بعض الأجلّة (1)،بل و ادعى عليه الشهرة جماعة (2).

للخبر المنجبر ضعفه بعمل الأصحاب-كما في المنتهى و الذخيرة (3)- و فيه:«إذا كنت صلّيت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتمّ الصلاة طلع أم لم يطلع» (4).و نحوه الرضوي (5).

و عليه يحمل إطلاق ما مرّ و خبر آخر:قلت له عليه السلام:أقوم و أنا أشكّ في الفجر،فقال:«صلّ على شكك،فإذا طلع الفجر فأوتر و صلّ الركعتين» (6)الخبر.

و أمّا ما في آخر:قلت له:أقوم قبل الفجر بقليل فأصلّي أربع ركعات ثمَّ أتخوّف أن ينفجر الفجر،أبدأ بالوتر أو أتمّ الركعات؟فقال:«لا،بل أوتر و أخّر الركعات حتى تقضيها في صدر النهار» (7).

فمع قصور سنده بالضعف و الإضمار،غير معلوم المنافاة لما سبق،فإنّ مورده من صلّى أربعا و طلع الفجر،و مورد هذا من صلاّها و خشي طلوعه.

و إنما أمره بالإيتار حينئذ ليدرك الوتر في الليل،لتظافر الأخبار بفضل الإيتار في الليل،منها:عن الرجل يقوم آخر الليل و هو يخشى أن يفجأه الصبح

ص:229


1- كالأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:36.
2- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:169،و السبزواري في الذخيرة:200.
3- المنتهى 1:214،الذخيرة:200.
4- التهذيب 2:475/125،الاستبصار 1:1025/282،الوسائل 4:260 أبواب المواقيت ب 47 ح 1.
5- فقه الرضا(عليه السلام):139،المستدرك 3:154 أبواب المواقيت ب 38 ح 1.
6- التهذيب 2:1402/339،الوسائل 4:262 أبواب المواقيت ب 48 ح 4.
7- التهذيب 2:476/125،الاستبصار 1:1026/282،الوسائل 4:260 أبواب المواقيت ب 47 ح 2.

أ يبدأ بالوتر،أو يصلي الصلاة (1)على وجهها حتى يكون الوتر آخر ذلك؟قال:

«بل يبدأ بالوتر» (2).

و في الصحيح:«أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح و يوتر و يصلّي ركعتي الفجر و يكتب له بصلاة الليل؟!» (3).

و بما ذكرنا من عدم المنافاة صرح من المحققين جماعة (4)و لكن ظاهر الشيخ و الفاضل في المنتهى و غيرهما فهم المنافاة (5)،و لذا حملوه على الفضيلة،و الرواية السابقة على مطلق الجواز.

و قد ذكر جماعة هنا التخفيف أيضا (6).و الكلام فيه كما في التخفيف في نافلة الظهرين.و ربما يعضد ثبوته هنا الخبر:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

إني أقوم آخر الليل و أخاف الصبح،قال:«اقرأ الحمد و اعجل و اعجل» (7).

و فيه دلالة أيضا على المنع عن نافلة الليل بعد الفجر كما مر،و إلاّ لما أمر بالإعجال.

و عليه ف لو تلبس (8)بما دون الأربع ثمَّ طلع الفجر،بدأ بالفريضة و قضى نافلة الليل اقتصارا في محل الرخصة على مورد الرواية المقبولة،مع

ص:230


1- في«م»:صلاة الليل،و في«ح»:النافلة.
2- الكافي 3:28/449،التهذيب 2:474/125،الاستبصار 1:1020/281،الوسائل 4: 257 أبواب المواقيت ب 46 ح 2.
3- التهذيب 2:1391/337،الوسائل 4:258 أبواب المواقيت ب 46 ح 3.
4- منهم:صاحب المدارك 3:82،و السبزواري في الذخيرة:200،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:169،و صاحب الحدائق 6:234.
5- الشيخ في التهذيب 2:125،المنتهى 1:214،و انظر الوسائل 4:260.
6- منهم المحقق في المعتبر 2:62،و العلامة في المنتهى 1:214.
7- الكافي 3:27/449،التهذيب 2:473/124،الاستبصار 1:1019/280،الوسائل 4: 257 أبواب المواقيت ب 46 ح 1.
8- في المختصر المطبوع:و لو كان التلبس.

أنها على المنع هنا بالمفهوم المعتبر دالة.

هذا إذا لم يشرع في ركعتين،و إلاّ يتمّهما إن قلنا به فيما مضى من نافلة المغرب (1)،فإنه بحسب الدليل لا فرق بينهما.

السادسة تصلّى الفرائض أداء و قضاء ما لم يتضيّق وقت الحاضرة

السادسة:

يجوز أن تصلّى الفرائض أداء و قضاء ما لم يتضيّق وقت (2)الحاضرة فتقدّم إجماعا في المقامين،على الظاهر،المصرح به في جملة من العبائر (3)، و هو الحجة،مضافا إلى الأصل و العمومات السليمة عن المعارض،و خصوص النصوص الآتية في بحث القضاء و الصلوات الآتية مثل الكسوف و الزلزلة.

و كذا تصلى النوافل مطلقا ما لم يدخل وقت الفريضة فتقدّم عليها،إلاّ إذا كانت راتبة لم يخرج وقتها المضروب لها،و إلاّ فتقدم عليها أيضا وجوبا.

وفاقا للمبسوط و المقنعة و النهاية و الاقتصاد و الجمل و العقود و السرائر و الوسيلة و الإصباح و الجامع (4)،و كتب الماتن (5)،و محتمل المهذب فيما حكي (6)،و الفاضل في القواعد و الإرشاد (7)،و بالجملة المشهور،على الظاهر،

ص:231


1- راجع ص:184.
2- في المختصر المطبوع زيادة:الفريضة.
3- المدارك 3:87،كشف اللثام 1:161.
4- المبسوط 1:76،المقنعة:212،النهاية:127.الاقتصاد:256،الجمل و العقود (الرسائل العشر):175،السرائر 1:203،الوسيلة:84،الجامع للشرائع:61.
5- الشرائع 1:49،المعتبر 2:60.
6- المهذب 1:127،قال فيه:و كذلك يقضي النافلة المنسية أيّ وقت ذكرها،إلاّ أن يكون قد حضر وقت فريضة،فينبغي أن يصلّي الفريضة ثمَّ يقضي النافلة بعد ذلك إن أراد.
7- القواعد 1:24،الإرشاد 1:244.

المصرح به في روض الجنان و غيره (1)،بل أسنده الماتن في المعتبر إلى علمائنا (2)،مؤذنا بدعوى الإجماع عليه،و هو الحجة.

مضافا إلى الصحاح المستفيضة،و غيرها من المعتبرة المستفيضة المتجاوزة حدّ الاستفاضة.

منها-زيادة على النصوص المتقدمة في تحديد وقت نوافل الظهرين بالذراع و الذراعين،الآمرة بالبدأة بالفريضة بعد خروج وقت النافلة (3)، و المتقدمة في آخر ركعتي الفجر (4)،و في عدم جواز الإيتار بعد طلوع الفجر الثاني (5)-الصحيح:«إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى تبدأ بالمكتوبة» (6).

و الصحيح المروي في كلام جماعة:«لا تصلّي نافلة في وقت فريضة، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان كان لك أن تتطوّع حتى تقضيه؟»قلت:

لا،قال:«فكذلك الصلاة»قال:فقايسني و ما كان يقايسني (7).

و نحوه في المقايسة الصحيحة المتقدمة في آخر ركعتي الفجر،الناهية عن فعلهما بعده (8).

و الصحيح المروي في مستطرفات السرائر:«لا تصلّ من النافلة شيئا في

ص:232


1- روض الجنان:183،و انظر جامع المقاصد 2:23.
2- المعتبر 2:60.
3- راجع ص:181.
4- في ص:196.
5- في ص:221.
6- الذكرى:134،الوسائل 4:285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.
7- روض الجنان:184،المدارك 3:88،الحبل المتين:150،الوافي 7:365،المستدرك 3:160 أبواب المواقيت ب 46 ح 3.
8- في ص:196.

وقت فريضة فإنه لا تقضى نافلة في وقت فريضة،فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ بها» (1).

و في الموثق:قيل لأبي جعفر عليه السلام:مالي لا أراك تتطوع بين الأذان و الإقامة كما يصنع الناس،فقال:«إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوعنا في غير وقت الفريضة،فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع» (2).

إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في المطلوب من جهة الأمر بالبدأة بالفريضة و النهي عن النافلة،أو النفي لها الراجع إليهما في إفادة التحريم، و المفيد للبطلان على الأشهر الأقوى.

و يعضد وجوه الدلالة المقايسة و التنظير في الصحيحين بصوم النافلة لمن عليه صوم فريضة الممنوع عنه منع تحريم اتفاقا،فيكون المنع هناك كذلك بحكم السياق كما لا يخفى.

و منه يظهر عدم إمكان حمل نحوهما على الكرهة،كما زعمه الشهيدان و جماعة (3)،جامعين بها بين النصوص المتقدمة و النصوص الأخر المرخّصة لفعلها،و هي مستفيضة،مستشهدين عليه بالصحيح أو الحسن:قلت له عليه السلام:إذا دخل وقت الفريضة أتنفّل أو أبدأ بالفريضة؟قال:«الفضل أن تبدأ بالفريضة،إنما أخرت الظهر ذراعا عند الزوال من أجل صلاة الأوّابين» (4).

و فيه-زيادة على ما عرفته من عدم قبول نحو الصحيحين المانعين الحمل

ص:233


1- مستطرفات السرائر:7/73،الوسائل 4:228 أبواب المواقيت ب 35 ح 8.
2- التهذيب 2:661/167،الاستبصار 1:906/252،الوسائل 4:227 أبواب المواقيت ب 35 ح 3.
3- الشهيد الأول في الدروس 1:142،الشهيد الثاني في روض الجنان:184،و انظر جامع المقاصد 2:24،مجمع الفائدة 2:44،و المدارك 3:89.
4- الكافي 3:6/289،الوسائل 4:230 أبواب المواقيت ب 36 ح 3.

على الفضيلة-أن الجمع فرع المكافأة.و هي في المقام مفقودة،لصحة كثير من الأخبار،و استفاضتها القريبة من التواتر،و اعتضادها بالشهرة العظيمة و التعليلات الواردة فيها،منها-زيادة على ما مر في الصحيحين-التعليل الوارد في تحديد نوافل الظهرين بالذراع و الذراعين بقولهم عليهم السلام:«لمكان النافلة،لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع»إلى آخر ما عرفت (1).

و مفهومه أنه بعد مضيّ الذراع ليس لك أن تنفّل،و هو كالنص في التحريم،و مع ذلك مؤكّد فيما بعد بالأمر بفعل الفريضة و ترك النافلة (2)و لا كذلك أخبارهم،فإنها-مع مخالفتها الشهرة بل الإجماع إذ لم نجد قائلا بها عدا الشهيد-رحمه اللّه-و من تبعه،و إلاّ فلم يعرف قائل بها قبله من الطائفة،و لعله لذا ادّعى الماتن عليه إجماع الطائفة (3)-كثير منها (4)قاصرة الأسانيد،غير صريحة الدلالة،بل و لا ظاهرة،كالصحيح منها أيضا:«إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاة فإن كانت الاولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأوليين،و إن كانت العصر فليجعل الركعتين الأوليين نافلة و الأخيرتين فريضة» (5).

و ذلك فإن النافلة فيه إن أريد بها الفريضة المعادة لم يرتبط بموضع المسألة.كما لا ربط به للصحيح:عن رجل دخل المسجد و افتتح الصلاة، فبينما هو قائم يصلي إذ أذّن مؤذّن و أقام الصلاة،قال:«فليصلّ ركعتين ثمَّ

ص:234


1- راجع ص:181.
2- راجع ص:229.
3- المعتبر 2:60.
4- في«م»:مع أنّ كثيرا منها.
5- التهذيب 2:573/226،الوسائل 8:329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 4 و فيهما بتفاوت يسير.

ليستأنف الصلاة مع الإمام،و لتكن الركعتان تطوعا» (1).

لكون هذه النافلة مستثناة إجماعا،كما سيأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.

و كذلك النصوص الدالة على خصوص بعض النوافل في بعض أوقات الفرائض-كالغفيلة-لا ربط لها بالمقام،لأنه ارتضاها الأصحاب و استثنوها بالخصوص.

و إن أريد بها النافلة الحقيقية لدلّت حينئذ على جواز الجماعة في النافلة،و هو خلاف الإجماع،كما ستعرفه في بحثها إن شاء اللّه تعالى، فتكون الرواية لذلك شاذة،فتأمّل.

كالصحيح الآخر:عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة،ما حدّ هذا الوقت؟قال:«إذا قام المقيم و قد شرع في الإقامة» فقال له:الناس يختلفون في الإقامة،قال:«المقيم الذي تصلي معه» (2).

و ذلك لعدم قائل بهذا التفصيل فيما أجده،و إن احتمله بعضهم (3)في مقام الجمع بين الأخبار المختلفة،لكن فتواه القول بإطلاق الكراهة.

و أما النصوص الدالّة على شرعيّة النوافل مطلقا و قضاء الرواتب منها متى شاء (4)،فهي و إن كانت كثيرة قريبة من التواتر،و فيها الصحاح و غيرها،إلاّ أنّ دلالتها بالعموم،و ما قدمناه من الأدلة خاصة يجب تخصيصه بها،كما هو

ص:235


1- الكافي 3:3/379،التهذيب 3:792/274،الوسائل 8:404 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 1.
2- الفقيه 1:1136/252(و فيه بتفاوت يسير)،التهذيب 3:841/283،الوسائل 4:228 أبواب المواقيت ب 35 ح 9.
3- انظر المدارك 3:89،و الذخيرة:203.
4- الوسائل 4:43 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 12،و ص 231 أبواب المواقيت ب 37، 39.

القاعدة المقررة المسلمة.

فليت شعري كيف يمكن الاستناد بمثل هذه الأخبار في ردّ تلك الأخبار الواضحة الدلالة و الإسناد،المعتضدة بعمل الأصحاب،المخالفة للعامة على ما يستفاد من الموثقة السابقة (1)لقوله:«كما يصنع الناس»و المراد بهم العامة كما لا يخفى على المتتبع لأخبار الأئمة عليهم السلام،ثمَّ قوله عليه السلام:

إنا إذا أردنا»إلى آخره،حيث جعل عليه السلام ذلك من خواصهم.

و ربما يومئ إليه الصحيحان المتقدمان المتضمنان لقياس الصلاة بالصيام (2)،فإنّ الظاهر أن المقصود منه إنما هو إثبات ما هم عليه على هؤلاء العبدة للأصنام،جدلا معهم بمقتضى مذهبهم في العمل بالقياس.

و بذلك يقوى احتمال حمل الأخبار المتقدمة-على تقدير تسليم دلالتها- على التقية.

و كذا يحمل عليها ماله على الجواز ظهور دلالة أو صراحة،و منها:

الحسنة المتقدمة المتضمنة لقوله عليه السلام:«الفضل أن تبدأ بالفريضة» (3)مع أنه تأمّل في دلالتها أيضا جماعة (4)،بناء على أن الفضل غير الأفضلية،و هو يحصل في الواجب أيضا،فتأمّل جدا .

و منها:الصحيحان:عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟قال:

«متى شاء،إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء» (5).

ص:236


1- في ص 227.
2- راجع ص:226.
3- راجع ص:227.
4- منهم صاحب الحدائق 6:262.
5- الكافي 3:6/452،7،التهذيب 2:639/163،640،الوسائل 4:241 أبواب المواقيت ب 39 ح 6،7.

و الموثق:«إن فاتك شيء من تطوّع النهار و الليل فاقضه عند زوال الشمس،و بعد الظهر عند العصر،و بعد المغرب،و بعد العتمة،و من آخر السحر» (1)،و نحوه المروي عن قرب الإسناد (2).

و إن أبيت عن الحمل على التقية لأجبنا عن الأخبار السابقة بما عرفته، و عن هذه:

أوّلا:بقصورها جملة من المقاومة لأخبارنا المتقدمة من وجوه عديدة، كما عرفته.

و ثانيا:بقصور سند الأخيرين منها-و إن كانا صريحين-مع عدم جابر لهما في مقابلة ما قدمناه و لا سيّما الصحيحين الصريحين.و أمّا الصحيحان الأوّلان فليس نصّين في قضاء النوافل،فيحتمل الفرائض خاصة.و ترك الاستفصال و إن اقتضى عمومهما لهما،لكن العموم غايته الظهور و يصرف عنه بما قدمناه من أدلّة المشهور فيخصّصان بها.

لكن على هذا ينافيان المشهور القائلين بالمضايقة في أوقات الفرائض الفائتة،و لزوم تقديمها على الحاضرة،لدلالتهما على هذا التقدير على جواز فعل الحاضرة قبل الفائتة،و لم يقولوا به.

لكن فيما ذكرناه أوّلا من الأجوبة كفاية إن وافقنا المشهور على القول بالمضايقة كما هو الأقرب،و إلاّ فلا يرد علينا الإشكال المزبور بالمرة.

و اعلم أن ظاهر العبارة-كغيرها من عبائر الجماعة-عدم البأس بفعل النافلة لمن عليه فريضة،مع أنّ الأشهر الأظهر عدم الفرق و حرمتها عليه أيضا.

و سيأتي في بحث القضاء من الماتن و غيره ممن ضاهى عبارته هنا عبارته ما

ص:237


1- التهذيب 2:642/163،الوسائل 4:277 أبواب المواقيت ب 57 ح 10.
2- قرب الإسناد:780/202،الوسائل 4:263 أبواب المواقيت ب 49 ح 1.

يعرب عن الموافقة،و قولهم أيضا بالحرمة،و يمكن استنباطه من العبارة بتعميم وقت الفريضة فيها لوقتي الحاضرة و الفائتة،و خالف فيه أيضا كل من قال هنا بالكراهة.

و بالجملة لم أعرف قائلا بالفرق بين المسألتين فيما أجده،و به صرّح شيخنا في روض الجنان في هذه المسألة (1).

و تحقيق القول في المسألة الثانية يأتي في بحث القضاء إن شاء اللّه سبحانه.

السابعة يكره ابتداء النوافل

السابعة:

يكره ابتداء النوافل في خمسة مواطن،ثلاثة تعلق النهي فيها بالزمان،و هي عند طلوع الشمس حتى ترتفع و تذهب الحمرة و يستوي سلطانها بظهور أشعّتها،فإنه في ابتداء طلوعها ضعيف.

و عند غروبها أي ميلها إلى الغروب،و هو اصفرارها حتى يكمل الغروب بذهاب الحمرة المشرقية.

و عند قيامها في وسط النهار،و وصولها إلى دائرة نصف النهار المعلوم بانتهاء نقصان الظل إلى أن تزول.

و وقتان تعلق النهي فيهما بالفعل بعد صلاتي الصبح حتى تطلع الشمس و العصر حتى تغرب.

كل ذلك على المشهور بين الأصحاب-بل لعله عليه عامة متأخّريهم على الظاهر-المصرّح به في عبائر جماعة (2)،و عن الغنية الإجماع عليها (3)،

ص:238


1- روض الجنان:184.
2- انظر مجمع الفائدة 2:46،و المفاتيح 1:98،و الكفاية:15.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):556.

و هو الحجّة.

مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:«يصلّى على الجنازة في كل ساعة،إنها ليست بصلاة ركوع و لا سجود،و إنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس و عند غروبها التي فيها الخشوع و الركوع و السجود،لأنها تغرب بين قرني شيطان و تطلع بين قرني شيطان» (1).

و فيه:«لا صلاة نصف النهار إلاّ يوم الجمعة» (2).

و في الموثق:«لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس،فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:إنّ الشمس»و ذكر العلة المتقدمة في الصحيحة المتقدمة،و قال:«لا صلاة بعد العصر حتى تصلّي المغرب» (3)و نحوه الموثق الآخر (4)لكن من دون ذكر التعليل.

و ظاهرهما-كالعبارة-تعلق النهي بالنوافل بعد زماني الفجر و العصر،لا بعد صلاتيهما كما قلناه وفاقا للمشهور،بل قيل:إنّ الأصحاب قاطعون به (5)، مؤذنا بنقل الإجماع،و هو ظاهر الشهيد-رحمه اللّه-حيث حكى ظاهر الخبرين عن بعض العامة خاصة (6).

و في الخبرين:«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الصلاة بعد

ص:239


1- الكافي 3:2/180،التهذيب 3:474/202،الاستبصار 1:1814/470،الوسائل 3: 108 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 2.
2- التهذيب 3:44/13،الاستبصار 1:1576/412،الوسائل 7:317 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 6.
3- التهذيب 2:694/174،الاستبصار 1:1065/290،الوسائل 4:234 أبواب المواقيت ب 38 ح 1.
4- التهذيب 2:695/174،الاستبصار 1:1066/290،الوسائل 4:235 أبواب المواقيت ب 38 ح 2.
5- كشف اللثام 1:156.
6- انظر الذكرى:126.

طلوع الشمس و عند غروبها و عند استوائها» (1)و زيد في أحدهما التعليل بما مرّ (2)،إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

و ظاهر أكثرها التحريم،كما عليه المرتضى في الثلاثة الأول،مدّعيا على الأوّل منها الإجماع في صريح الانتصار و ظاهر الناصرية (3)،و زاد فيها الخامس (4)،و قال فيهما (5)بامتداد الكراهة في الأول إلى الزوال،و يوافقه ظاهر العماني فيه كذلك،و في الخامس (6)،و ظاهر الإسكافي (7)في الثلاثة الأول كما في العبارة (8).لكن كلامهما ليس نصا في التحريم،و كذا كلام السيد، لاحتمال نفي الجواز الذي لا كراهة فيه،كما يستعمل كثيرا في عبارات القدماء،و إلاّ فهو شاذ،بل على خلافه الإجماع في المختلف (9).

و هو مع الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا أوجبا صرف النهي و ما في معناه في النصوص إلى الكراهة.مضافا إلى التعبير بها عن المنع في الصحيحة الاولى (10)،و ب«لا ينبغي»في المروي عن العلل (11)،هذا.

و توقف الصدوق-رحمه اللّه-في أصل الحكم،قال في الفقيه-بعد نقل

ص:240


1- الفقيه 4:1/2،أمالي الصدوق:1/344،الوسائل 4:236 أبواب المواقيت ب 38 ح 6.
2- الفقيه 1:1430/315،الوسائل 4:236 أبواب المواقيت ب 38 ح 7.
3- الانتصار:50،الناصرية(الجوامع الفقهية):194.
4- أي التنفّل بعد صلاة العصر.
5- أي في الانتصار و الناصرية.
6- حكاه عنه في المختلف:76.
7- حكاه عنه في المختلف:76.
8- أي من دون القول بامتداد الكراهة في الأول إلى الزوال كما عليه المرتضى و العماني.منه رحمه اللّه.
9- المختلف:76.
10- راجع ص:233.
11- علل الشرائع:1/343،الوسائل 4:237 أبواب المواقيت ب 38 ح 9.

رواية النهي في الثلاثة الأول-:إلاّ أنه روى جماعة من مشايخنا،عن الحسين ابن محمد بن جعفر الأسدي-رضي اللّه عنه-أنه ورد عليه فيما ورد من جواب مسائله عن محمد بن عثمان العمري-قدس اللّه روحه-:«و أمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس و عند غروبها فلئن كان كما يقول الناس:إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان و تغرب بين قرني الشيطان،فما أرغم أنف الشيطان بشيء أفضل من الصلاة،فصلّها و أرغم أنف الشيطان» (1).

و قال في الخصال-بعد أن روى عن عائشة و غيرها نصوصا مستفيضة متضمنة لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله ركعتين بعد العصر و ركعتين بعد الفجر، كما في جملة منها،و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«من صلّى البردين دخل الجنة» يعني بعد الغداة و بعد العصر،كما في بعضها،ما لفظه-:كان مرادي بإيراد هذه الأخبار الردّ على المخالفين،لأنّهم لا يرون بعد الغداة و بعد العصر صلاة، فأحببت أن أبيّن لهم أنهم قد خالفوا النبي صلّى اللّه عليه و آله في قوله و فعله (2).

و نحوه المفيد-رحمه اللّه-في كتابه المسمى ب«افعل لا تفعل»حيث شنع على العامة في روايتهم عن النبي صلّى اللّه عليه و آله ذلك (3).و مال إليه جماعة من محققي متأخّري المتأخّرين (4).

و هو غير بعيد،سيّما مع إطلاق بعض النصوص بفعل النوافل في الأخيرين،ففي الخبر:«صلّ بعد العصر من النوافل ما شئت،و بعد صلاة

ص:241


1- الفقيه 1:1431/315،الوسائل 4:236 أبواب المواقيت ب 38 ح 8.
2- الخصال:69-105/71-107،الوسائل 4:237 أبواب المواقيت ب 38 ح 10-12.
3- لم نعثر في المصادر الرجالية على من نسب هذا الكتاب إلى المفيد(رحمه اللّه)،و إنما الموجود فيها نسبته إلى أبي جعفر محمد بن علي بن النعمان الأحول الملقب بمؤمن الطاق،انظر رجال النجاشي:325،الفهرست:131،معالم العلماء:95،الذريعة 2:261.
4- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:46،47،صاحب المدارك 3:108-109.

الغداة ما شئت» (1).

و لكن كان الأولى عدم الخروج عمّا عليه الأصحاب من الكراهة،نظرا إلى التسامح في أدلّتها،كما هو الأشهر الأقوى.

و اعلم أنّ قوله عدا قضاء النوافل المرتّبة،و ماله سبب كصلاة الطواف،و الإحرام،و الزيارة،و الحاجة،و الاستخارة،و الاستسقاء،و التحيّة، و الشكر،و نحو ذلك،استثناء متصل إن أريد بابتداء النوافل الشروع فيها،و إلاّ فمنقطع.

و كيف كان فهذا الاستثناء مشهور بين الأصحاب،بل عليه عامّة متأخّريهم،و في الناصرية الإجماع عليه (2)،و هو الحجّة المخصّصة لعموم النصوص المانعة.

مضافا إلى عموم المستفيضة بقضاء النافلة في أيّ وقت شاء،بل ظاهر جملة منها،المترجحة بذلك و بالشهرة على الأخبار المانعة،ففي الصحيح:

عن قضاء النوافل،قال:«ما بين طلوع الشمس إلى غروبها» (3).

و في المرسل كالصحيح:عن القضاء قبل طلوع الشمس و بعد العصر، فقال:«نعم،فاقضه فإنه من سرّ آل محمد المخزون» (4).و نحوه الخبران (5).

ص:242


1- التهذيب 2:688/173،الاستبصار 1:1059/289،الوسائل 4:235 أبواب المواقيت ب 38 ح 5.
2- الناصرية(الجوامع الفقهية):194.
3- التهذيب 2:1084/272،الاستبصار 1:1064/290،الوسائل 4:242 أبواب المواقيت ب 39 ح 9.
4- التهذيب 2:693/174،الوسائل 4:244 أبواب المواقيت ب 39 ح 17.
5- الأول: التهذيب 2:680/171،الوسائل 4:244 أبواب المواقيت ب 39 ح 16. الثاني: الفقيه 1:1032/235،الوسائل 4:240 أبواب المواقيت ب 39 ح 2.

و في آخرين أحدهما الحسن:«اقض صلاة الليل أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار،كل ذلك سواء» (1)و نحوهما الصحيح (2).

و في آخر:كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس،و من بعد العصر إلى أن تغيب الشمس،فكتب إلىّ:«لا يجوز ذلك إلاّ للمقتضي» (3)فتدبر .

و في الخبر:في قضاء صلاة الليل و الوتر تفوت الرجل،أ يقضيها بعد صلاة الفجر و بعد صلاة العصر؟قال:«لا بأس بذلك» (4).

و عموم أدلّة شرعية ذوات الأسباب عند حصولها،بل ظاهر جملة منها في ركعتي الإحرام،و فيها الصحيح و غيره:«خمس صلوات لا تترك على حال، إذا طفت بالبيت،و إذا أردت أن تحرم،و صلاة الكسوف،و إذا نسيت فصلّ إذا ذكرت،و صلاة الجنازة» (5)كما في الأوّل،و نحوه الثاني بزيادة:«و صلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس،و بعد العصر إلى الليل» (6).

و التعارض بينه و بين عموم الأخبار المانعة أو إطلاقها و إن كان تعارض

ص:243


1- التهذيب 2:690/173،691 الاستبصار 1:1061/290،1062،الوسائل 4:243 أبواب المواقيت ب 39 ح 11،13.
2- التهذيب 2:692/174،الاستبصار 1:1063/290،الوسائل 4:243 أبواب المواقيت ب 39 ح 12.
3- التهذيب 2:696/175،الاستبصار 1:1068/291،الوسائل 4:235 أبواب المواقيت ب 38 ح 3.
4- التهذيب 2:687/173،الاستبصار 1:1058/289،الوسائل 4:242 أبواب المواقيت ب 39 ح 10.
5- الكافي 3:2/287،التهذيب 2:683/172،الوسائل 4:241 أبواب المواقيت ب 39 ح 4.
6- الكافي 3:1/287،التهذيب 2:682/171،الوسائل 4:241 أبواب المواقيت ب 39 ح 5.

العموم من وجه يمكن تخصيص كل منهما بالآخر،إلاّ أن الأصل و الشهرة العظيمة و حكاية الإجماع المتقدمة أوجب ترجيح هذا العموم و تخصيصه لعموم المنع،سيّما مع وهنه بتخصيص قضاء النوافل عنه كما مر.

و كذا الفرائض مطلقا كما هو المشهور،لفحوى ما دلّ على استثناء قضاء النوافل،و للإجماع المحكي عليه في صريح الناصرية و المنتهى و التحرير، و ظاهر التذكرة (1).

و للنصوص المستفيضة،منها النصوص الآمرة بقضاء الفرائض متى ذكرها (2)،كما سيأتي في بحثه إن شاء اللّه تعالى.

و أوامر المسارعة إلى المغفرة (3)،و إلى نقل الموتى إلى مضاجعهم (4)، و احتمال فوات الوقت إذا أخّرت نحو صلاة الكسوف.

و خصوص نصوص صلاة طواف الفريصة،و هي كثيرة،منها:عن رجل طاف طواف الفريضة و فرغ من طوافه حين غربت الشمس،قال:«وجبت عليه تلك الساعة الركعتان،فليصلّهما قبل المغرب» (5).

و منها:عن الرجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر،أ يصلي الركعتين حين يفرغ من طوافه؟قال:«نعم،أما بلغك قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا بني عبد المطلب لا تمنعوا الناس عن الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من الطواف» (6).

ص:244


1- الناصرية(الجوامع الفقهية):194،المنتهى 1:215،التحرير 1:27،التذكرة 1:80.
2- الوسائل 8:256 أبواب قضاء الصلوات ب 2.
3- آل عمران:133.
4- الكافي 3:1/137،التهذيب 1:1359/427،و رواها في الفقيه 1:389/85 مرسلا، الوسائل 2:471 أبواب الاحتضار ب 47 ح 1.
5- الكافي 4:3/423،الوسائل 13:434 أبواب الطواف ب 76 ح 1.
6- الكافي 4:7/424،الوسائل 13:434 أبواب الطواف ب 76 ح 2.

و خصوص الصحيحة المتقدمة في صلاة الجنازة (1)،و نحوها اخرى:

«لا بأس بصلاة الجنازة حين تغيب الشمس و حين تطلع،إنما هو استغفار» (2).

و قريب منهما بعض الأخبار:هل يمنعك شيء من هذه الساعات عن الصلاة على الجنازة؟قال:«لا» (3).

و خصوص ما ورد في صلاة الكسوف،كالصحيح:«وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس و عند غروبها» (4).

و ما ورد بكراهة قضاء الفرائض (5)و صلاة الجنازة في بعض هذه الأوقات (6)فلا تكافئ هذه النصوص من وجوه شتى،و إن تضمنت الصحاح و غيرها، و ينبغي حملها على التقية جدّا،كما أنّه ينبغي أن يحمل عليها مطلق الأخبار المانعة،لما عرفته،لكن الشهرة ربما أبعدته فيها،أو أوجبت هي الكراهة بنفسها،و ينبغي حينئذ أن ندور مدارها،و حيث لا شهرة على الكراهة في المستثنيات و الفرائض،بل الشهرة على خلافها،نفيناها بالأصل السليم عن المعارض،بعد ما عرفت من حمل الأخبار المانعة على التقية.

و من هنا ظهر ضعف قول الشيخين بعدم استثناء ما استثنى في المتن في

ص:245


1- راجع ص:237.
2- التهذيب 3:999/321،الاستبصار 1:1815/470،الوسائل 3:108 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 1.
3- الكافي 3:1/180،التهذيب 3:997/321،الاستبصار 1:1813/469،الوسائل 3: 109 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 3.
4- الكافي 3:4/464،التهذيب 3:886/293،الوسائل 7:488 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 2.
5- التهذيب 2:1076/270،الاستبصار 1:1053/288،الوسائل 4:288 أبواب المواقيت ب 62 ح 4.
6- التهذيب 3:1000/321،الاستبصار 1:1816/470،الوسائل 3:109 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 5.

الأوّلين (1)،و زاد في الخلاف الثالث (2).

و اعلم أن الصحيحة الثانية من النصوص الماضية في صدر المسألة تضمنت استثناء نوافل يوم الجمعة (3).و هو المشهور بين الأصحاب،بل عليه الإجماع في المنتهى و الناصرية (4)،و لا خلاف فيه أيضا أجده إلاّ من إطلاق العبارة و نحوها بكراهة ابتداء النوافل من دون استثنائها، و ليس ذلك نصّا،بل و لا ظاهرا في المخالفة،سيّما مع إمكان إدراجها في النوافل الراتبة المستثناة،فإنّها منها،لكونها النوافل النهارية قدّمت على الجمعة،و زيادة أربع ركعات فيها لا تخرجها عن كونها راتبة.

الثامنة الأفضل في كلّ صلاة تقديمها في أول وقتها

الثامنة الأفضل في كلّ صلاة تقديمها في أول وقتها لعموم أدلّة استحباب المسارعة إلى الطاعة،و خروجا عن شبهة الخلاف فتوى و رواية في الفرائض، ما عدا العشاء فيستحب تأخيرها إلى ذهاب الشفق المغربي،بل قيل بوجوبه كما مضى (5).

و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة التي كادت تبلغ التواتر،بل لعلها متواترة،ففي الصحيح:«أول الوقت أفضل،فعجّل الخير ما استطعت» (6)و بمعناه كثير.

و فيه:«الصلوات المفروضات في أول وقتها-إذا أقيم حدودها-أطيب

ص:246


1- المفيد في المقنعة:212،الطوسي في النهاية:62.
2- الخلاف 1:520.
3- راجع ص:233.
4- المنتهى 1:217،الناصرية(الجوامع الفقهية):194.
5- راجع ص:184.
6- الكافي 3:8/274،التهذيب 2:130/41،مستطرفات السرائر:6/72 بتفاوت يسير، الوسائل 4:121 أبواب المواقيت ب 3 ح 10.

ريحا من قضيب الآس حين يؤخذ من شجره في طيبه و ريحه و طراوته،فعليكم بالوقت الأوّل» (1).

إلاّ ما مرّ من تأخير المستحاضة الظهر و المغرب إلى آخر وقت فضيلتهما،و تأخير المتيمم التيمّم إلى آخر الوقت بقدر ما يصلي الفريضة،إن قلنا بجواز تقديمه في أوّل وقتها في الجملة أو مطلقا،و إلاّ فيجب التأخير، و تأخير المربّية للصبي ذات الثوب الواحد الظهرين إلى آخر الوقت لتغسل الثوب قبلهما و يحصل فيه أربع صلوات بغير نجاسة،و تأخير صلاة الليل إلى الثلث الأخير و ما يقرب من الفجر،و تأخير ركعتيها إلى الفجر الأوّل،و تأخير فريضة الصبح لمن أدرك من صلاة الليل أربع ركعات إلى أن يتمّها و الوتر و صلاة الفجر،و تأخير العشاء إلى الشفق-كما مر-بل إلى ثلث الليل أو نصفه كما في النصوص المتقدمة جملة منها..إلى غير ذلك من المواضع المستثناة.

و منها ما نستثنيه في مواضعه إن شاء اللّه تعالى و من تأخير دافع الأخبثين إلى أن يخرجهما،و تأخير الصائم المغرب إلى بعد الإفطار لرفع منازعة النفس أو الانتظار،و تأخير المفيض من عرفة العشاءين إلى جمع (2)،و تأخير مريد الإحرام الفريضة الحاضرة حتى يصلي نافلة الإحرام.

و منها:تأخير صاحب العذر الراجي للزوال ليقع صلاته على الوجه الأكمل،بل أوجبه السيد و جماعة (3).و لا يخلو عن قوة،و إن اشتهر بين المتأخرين خلافه.

و منها:ما إذا كان التأخير مشتملا على صفة كمال كاستيفاء الأفعال، و تطويل الصلاة،و اجتماع البال،و مزيد الإقبال،و إدراك فضيلة الجماعة،

ص:247


1- التهذيب 2:128/40،ثواب الأعمال:36،الوسائل 4:118 أبواب المواقيت ب 3 ح 1.
2- يقال للمزدلفة:جمع لاجتماع الناس فيها.الصحاح 3:1198.
3- حكاه عن السيد في المختلف:149،و عنه و عن ابن الجنيد و سلاّر في الذكرى:130.

و السعي إلى مكان شريف،و نحو ذلك،على المشهور.قيل:و يستفاد من النصوص،و لم أقف عليها،نعم ربما دلّ بعضها على استحباب التأخير لانتظار الإمام،و قد تقدم (1).

و في الخبر الوارد في المغرب:«إذا كان أرفق بك و أمكن لك في صلاتك و كنت في حوائجك،فلك أن تؤخّرها إلى ربع الليل» (2).

و غاية ما يستفاد منه جواز التأخير لا استحبابه،كما يفهم منهم.

نعم في الصحيح:أكون في جانب المصر فتحضر المغرب و أنا أريد المنزل،فإن أخّرت الصلاة حتى أصلّي في المنزل كان أمكن لي،و أدركني المساء،فأصلّي في بعض المساجد؟فقال:«صلّ في منزلك» (3).

و نحوه خبر آخر:«ائت منزلك و انزع ثيابك» (4).

و ربما كان فيهما دلالة على الاستحباب الذي هو أقلّ مراتب الأمر الذي تضمناه.و لكن يمكن وروده لمطلق الرخصة باحتمال و روده مورد توهم المنع، كما يستفاد من السؤال فيهما،إلاّ أن الشهرة ربما ترجّح إرادة الاستحباب.

و هنا مواضع أخر مستثناة في كلام الأصحاب لا فائدة مهمة في ذكرها مع تأمّل في بعضها.

التاسعة إذا صلّى ظانّا دخول الوقت،ثمَّ تبيّن الوهم،أعاد إلاّ أن يدخل الوقت

التاسعة:

لا يجوز صلاة الفريضة قبل وقتها إجماعا،و النصوص به مع ذلك-مضافا إلى الأصول-مستفيضة جدّا،و فيها الصحاح و غيرها (5).

ص:248


1- في ص:228-229.
2- التهذيب 2:94/31،الاستبصار 1:964/267،الوسائل 4:195 أبواب المواقيت ب 19 ح 8.
3- التهذيب 2:92/31،الوسائل 4:197 أبواب المواقيت ب 19 ح 14.
4- التهذيب 2:91/30،الوسائل 4:196 أبواب المواقيت ب 19 ح 11.
5- الوسائل 4:166 أبواب المواقيت ب 13.

و أما الصحيح:«إذا صلّيت في السفر شيئا من الصلوات في غير وقتها فلا يضرك» (1)فمحمول على خارج الوقت،أو النافلة،أو وقت الفضيلة، و يحتمل التقية،فقد حكي عن الحسن و الشعبي و ابن عباس أنهم قالوا في مسافر صلّى قبل الزوال:يجزيه (2).

و حيث ثبت ذلك وجب تحصيل العلم بالوقت،و لا يجوز التعويل على الظن.و هو مع التمكن من العلم إجماعي،كما صرّح به جماعة (3).و لا ينافيه إطلاق كلام الشيخين (4)بكفاية المظنّة،لعدم معلومية شموله لنحو الصورة المفروضة،بل الظاهر بحكم التبادر عدمه.

و بنحو ذلك يجاب عن النصوص المعتبرة للمظنة الحاصلة من أذان المؤذّنين و صياح الديكة،و فيها الصحيح و غيره (5).

مع أنه قضية الجمع بينها و بين النص المانع عن الاعتماد على الأذان (6)، بحمله على صورة التمكن من العلم و السابقة على صورة عدم التمكن إلاّ من المظنة،و إن أمكن الجمع بحمل الأولة على أذان الثقة و الثاني على غيره، لكون الجمع الأول أوفق بالأصول و الشهرة،بل الإجماع،كما حكاه الفحول.

و يجوز التعويل مع عدمه على الأمارات المفيدة للظن على المشهور، بل في التنقيح دعوى الاتّفاق عليه (7)،لما مر من الروايات،مضافا إلى

ص:249


1- التهذيب 2:551/141،الوسائل 4:168 أبواب المواقيت ب 13 ح 9.
2- حكاه عنهم في المنتهى 1:212،و انظر المغني و الشرح الكبير 1:396.
3- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:52،الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 163.
4- المفيد في المقنعة:94،الطوسي في النهاية:62.
5- الوسائل 4:170 أبواب المواقيت ب 14.
6- الذكرى:129،الوسائل 4:280 أبواب المواقيت ب 58 ح 4.
7- التنقيح الرائع 1:171.

خصوص ما سيأتي من الخبر.

خلافا للإسكافي و غيره (1)،فيصبر حتى يتيقن.و هو الأوفق بالأصول، لو لا ما مرّ من النصوص المعتضدة بالشهرة،و الإجماع المنقول،و النصوص المستفيضة،و فيها الصحيح و غيره:بجواز الإفطار عند ظن الغروب (2)،و لا قائل بالفرق بينه و بين جواز الصلاة بعده،فهي أيضا أدلّة مستقلة،كالموثقة:إني ربما صلّيت الظهر في يوم الغيم فانجلت،فوجدتني صليت حين زوال النهار، قال،فقال:«لا تعد و لا تعد» (3).

و على المختار ف إذا صلّى ظانّا دخول الوقت،ثمَّ تبيّن الوهم،أعاد الصلاة إجماعا،فتوى و نصّا إلاّ أن يدخل الوقت و هو متلبّس بشيء منها و لو كان تشهّدا أو تسليما و لما يتم فيتمّها،و لا قضاء على الأشهر الأظهر.

للخبر:«إذا صلّيت و أنت ترى أنك في وقت،فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك» (4).

و قوله:«و أنت ترى»ظاهر في الظن.و قصور السند أو ضعفه منجبر بالشهرة الظاهرة،و المحكية في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (5)،و مؤيّد بالاعتبار،فإنه امتثل بناء على أنه مأمور باتباع ظنه فتجزي،خرج ما إذا وقعت الصلاة كلها خارج الوقت بالإجماع و النص،فيبقى الباقي.

ص:250


1- حكاه عنه في المختلف:73،و قوّاه في المدارك 3:99.
2- الوسائل 10:122،124 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51،52.
3- التهذيب 2:979/246،الاستبصار 1:903/252،الوسائل 4:129 أبواب المواقيت ب 4 ح 16.
4- الكافي 3:11/286،الفقيه 1:666/143،التهذيب 2:550/141،الوسائل 4:206 أبواب المواقيت ب 25 ح 1.
5- انظر التنقيح 1:171،و جامع المقاصد 2:29،و المسالك 1:21.

و فيه قول آخر للمرتضى و جماعة (1)،فأوجبوا الإعادة.

لوجوب تحصيل يقين الخروج عن العهدة و إنما يحصل إذا وقعت بتمامها في الوقت.

و لعدم الامتثال للأمر بإيقاعها في الوقت.

و للنهي عنها قبله فتفسد.

و للزوم تبعية الوقت للأفعال ،فإنها قد تكون إذا اختصرت وقعت كلّها قبل الوقت فيخرج الوقت عن كونه مضروبا لها.

و لعموم الموثّق:«من صلّى في غير وقت فلا صلاة له» (2).

مع ضعف الخبر المتقدم بجهالة الراوي.و فيه:أنه منجبر بما مرّ.

و أما باقي الوجوه،فمع أنها اجتهادات في مقابلة النص مضعّفة.

فالثلاثة الأول:بمنعها أجمع إن أريد بالوقت فيها الوقت النفس الأمري، كيف لا و المفروض كفاية الظن،و لزوم الإعادة ينفيه أصالة البراءة.و إن أريد به ما هو وقت في ظن المكلف،فقد خرج عن العهدة،و امتثل بإيقاعها في الوقت، و لم يوقعها قبله حتى يتعلق بها النهي فتفسد.

و بنحوه يجاب عن الرابع،و زيادة هي المنع عنه بشهادة الصحة إذا أدرك في الآخر ركعة.و دعوى خروجها بالأدلّة معكوسة،لخروج ما نحن فيه أيضا بما مرّ من الأصول و الرواية المعتبرة،و لا يعارضها الموثقة،مع أنها عامة لصورتي وقوع تمام الصلاة قبل الوقت أو بعضها،و المعتبرة خاصة بالأخيرة،فليخصّص بها الموثقة،أو يحمل الوقت فيها على الوقت الظاهري الذي يظنه المكلف،

ص:251


1- المرتضى في المسائل الرسّية(رسائل السيد)2:350،و اختاره العلامة في المختلف:74 و حكاه فيه عن ابن أبي عقيل و ابن الجنيد،و استجوده في المدارك 3:101.
2- الكافي 3:6/285،التهذيب 2:547/140،الاستبصار 1:868/244،الوسائل 4: 109 أبواب المواقيت ب 1 ح 6.

و عليه فلا صلاة قبل الوقت.

و بالجملة:خيرة الأكثر أظهر،و إن كان القول الثاني أحوط.

و يستفاد من العبارة بطلان الصلاة لو فعلت قبل الوقت في غير صورة الظن مطلقا (1)،و به صرح في الشرائع (2).

و هو موضع وفاق لو لم تصادف الصلاة شيئا من الوقت،و نفى عنه الخلاف المحقق الثاني و غيره (3).

و يشكل فيما لو صادفت شيئا منه،أو وقعت فيه بتمامها.و المشهور البطلان في الأول أيضا مطلقا،و عن التذكرة الإجماع عليه فيه كذلك (4)، لعدم صدق الامتثال المقتضي لبقاء المكلف تحت العهدة،سيّما مع العمد، لوقوع النهي فيه عن الشروع في العبادة فتفسد.

خلافا للمحكي عن النهاية و المهذب و الكافي و البيان (5)فتصح،لكن الأخيرين قالا بها في الناسي،و زاد أوّلهما الجاهل أيضا.

لرفع النسيان.و فيه:أن معناه رفع الإثم.

و لتنزيل إدراك الوقت في البعض منزلته في الكل.و هو ممنوع على إطلاقه.

و للخبر المتقدم في الظان (6).و هو-مع ضعف سنده و عدم جابر له في المقام-مخصوص بالظان،فإنّ«ترى»بمعنى:«تظن»كما عرفت،و القياس

ص:252


1- أي في صورة العمد أو الجهل أو النسيان.منه رحمه اللّه.
2- الشرائع 1:64.
3- جامع المقاصد 2:28،و انظر الحدائق 6:287.
4- التذكرة 1:85.
5- النهاية:62،المهذّب 1:72،الكافي في الفقه:138،البيان:112.
6- راجع ص:244.

حرام.

و للدروس و غيره (1)،فقالوا بالصحة فيما لو صادفت الوقت بتمامها ناسيا أو جاهلا.

و هو قويّ في الناسي مطلقا،سواء فسّر بناسي مراعاة الوقت،كما هو المتبادر منه،أو من جرت منه الصلاة حال عدم خطور الوقت بالبال ،كما أطلقه عليه في الذكرى (2)،لوقوع الصلاة في الوقت،غاية ما في الباب انتفاء علم المكلف به،و هو غير قادح،لعدم دليل على الشرطية،مع أن الأصل ينفيه.

و يشكل في الجاهل بأيّ معنى فسّر،بجاهل الحكم أو جاهل دخول الوقت،لأنه بالمعنى الثاني بحكم الشاك،بل هو عينه،فيتعلق به النهي عن الدخول الوارد في النصوص بالعموم،كما مر من الموثق (3)،و نحوه آخر:«إيّاك أن تصلي قبل أن تزول،فإنك تصلّي في وقت العصر خير لك من أن تصلّي قبل أن تزول» (4).

و بالخصوص،كالحسن المروي عن مستطرفات السرائر:«إذا كنت شاكّا في الزوال فصلّ ركعتين،فإذا استيقنت أنها زالت بدأت بالفريضة» (5).

و بالمعنى الأوّل في حكم العامد،لم يتأتّ منه قصد التقرب،كما تقرّر في محله.

ص:253


1- الدروس 1:143،و انظر مجمع الفائدة 2:54،و المدارك 3:102.
2- الذكرى:128.
3- في ص:245.
4- التهذيب 2:54/141،الوسائل 4:16 أبواب،المواقيت ب 13 ح 6.
5- مستطرفات السرائر 22/30،الوسائل 4:279 أبواب المواقيت ب 58 ح 1.
الثالثة في القبلة
اشارة

الثالثة:في القبلة و هي

القبلة هي الكعبة مع الإمكان و إلا فجهتها

في اللغة-على ما قيل (1)-حالة المستقبل،أو الاستقبال على هيئة.

و في الاصطلاح ما يستقبل.

و اختلف الأصحاب في تعيينه بعد اتفاقهم على أنه الكعبة في الجملة فأكثر المتأخّرين (2)على أنها القبلة مطلقا مع الإمكان من مشاهدتها،كمن كان في مكة متمكنا منها و لو بمشقة يمكن تحمّلها عادة.

و إلاّ يتمكن-بالبعد عنها،أو تعذّر مشاهدتها لمرض أو حبس أو نحوهما فجهتها و إن بعد.

وفاقا منهم للمحكي عن كثير من القدماء،كالمرتضى،و الحلبي، و الحلي،و الإسكافي (3).

و لعله الأقوى،استنادا في الشق الأوّل إلى الإجماع المحكي عن المعتبر و التذكرة (4).

و النصوص المستفيضة،بل المتواترة،المتضمنة للصحيح و الموثق و غيرهما (5)على أنها القبلة.

ص:254


1- كشف اللثام 1:171.
2- منهم الشهيدان في البيان:114،و روض الجنان:189،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:48،و صاحب المدارك 3:119،و السبزواري في الذخيرة:213.
3- المرتضى في الناصريات(الجوامع الفقهية):195،الحلبي في الكافي:138،الحلي في السرائر 1:204،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:76.
4- المعتبر 2:65،التذكرة 1:100.
5- الوسائل 4:297 أبواب القبلة ب 2.

و الاحتياط،للإجماع على صحة الصلاة إليها،و الخلاف في الصلاة إلى المسجد و الحرم،مع اختلاف المسجد صغرا و كبرا في الأزمان،و عدم انضباط ما كان مسجدا عند نزول الآية (1)بيقين.

و خصوص المروي في الاحتجاج عن مولانا العسكري عليه السلام في احتجاج النبي صلّى اللّه عليه و آله على المشركين،قال:«إنّا عباد اللّه تعالى..إلى أن قال:فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا،ثمَّ أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي تكون بها» (2).

نقله في الوسائل،و هو نص في المدّعى كملا حتى في الشق الثاني.

و الحجة فيه بعده أيضا:النصوص المتقدمة بأنّ القبلة هي الكعبة،بناء على أنّ تعذّر عينها للبعيد يوجب إرادة الجهة.

مضافا إلى ظهور جملة منها في كونها مرادة،و هي ما دلّ على أنه صلّى اللّه عليه و آله حوّل إليها،و هي أيضا مستفيضة،متضمنّة للصحيح و غيره (3).

مضافا إلى الصحيحين و غيرهما:«ما بين المشرق و المغرب قبلة» (4).

و هو و إن اختصّ بالمضطرّ،إلاّ أنه صريح في تعيّن الجهة و لو في الجملة،كما صرّح به الشهيد رحمه اللّه (5).و يندفع به القول بتعيّن العين للقبلة المشار إليه بقوله و قيل: و القائل الشيخ في أكثر كتبه (6)،و القاضي و ابن حمزة و الديلمي (7)،بل ذكر الشهيدان انه أكثر الأصحاب (8)،و زاد أوّلهما

ص:255


1- إشارة إلى قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ.. -البقرة:144،150.
2- الاحتجاج:27،الوسائل 4:302 أبواب القبلة ب 2 ح 14.
3- الوسائل 4:297 أبواب القبلة ب 2.
4- الوسائل 4:314 أبواب القبلة ب 10 الأحاديث 1،2،3.
5- الذكرى:162.
6- انظر النهاية:62،المبسوط 1:77،الخلاف 1:295.
7- القاضي في المهذّب 1:84،ابن حمزة في الوسيلة:85،الديلمي في المراسم:60.
8- الشهيد الأول في الذكرى:162،الشهيد الثاني في روض الجنان:189.

و غيره (1)فادعيا أنه هو المشهور هي أي الكعبة قبلة لأهل المسجد، و المسجد قبلة من صلّى في الحرم،و الحرم قبلة أهل الدنيا.

لنصوص ضعيفة (2)لا تصلح من أصلها للحجيّة،فضلا عن أن تقاوم ما قدّمناه من الأدلّة.

و الشهرة المحكية على تقدير تسليمها معارضة بالشهرة المتأخّرة المحققة،و المحكيّة أيضا في كلام جماعة (3)،فلا تصلح للضعف جابرة.

و ظاهر النصوص كالعبارة،و المحكي عن الخلاف و الاقتصاد و المصباح و مختصره و المراسم و النهاية (4):جواز صلاة من خرج من المسجد إليه منحرفا عن الكعبة و إن شاهدها أو تمكن من المشاهدة،و من خرج من الحرم إليه منحرفا عن الكعبة و المسجد.

و لكن عن المبسوط و الجمل و العقود و المهذب و الوسيلة و الإصباح (5)أنهم اشترطوا في استقبال المسجد أن لا يشاهد الكعبة و لا يكون بحكمه،و في استقبال الحرم أن لا يشاهد المسجد و لا يكون بحكمه.

و هو صريح في الموافقة للمختار في الشق الأوّل.و يمكن تنزيل إطلاق ما مرّ من العبائر عليه،فيرتفع فيه الخلاف،كما صرّح به بعض الأصحاب و حكاه عن ابن زهرة (6)،و لعلّه لذا صرّح الماتن بالإجماع في المعتبر (7)،

ص:256


1- السبزواري في الذخيرة:214.
2- الوسائل 4:303 أبواب القبلة ب 3.
3- منهم الأردبيلي في أحكام القرآن:63،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:112.
4- الخلاف 1:295،الاقتصاد:257،مصباح المتهجد:24،المراسم:60،النهاية:62.
5- المبسوط 1:77،الجمل و العقود(الرسائل العشر):144،المهذب 1:84،الوسيلة: 85.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):556،و انظر الذخيرة:213.
7- المعتبر 2:65.

كالفاضل المقداد في كنز العرفان (1).

و ربما يفهم أيضا من شيخنا الشهيد في الذكرى و جملة ممن تبعه (2)، حيث فهموا من كلام القائلين بهذا القول تعيّن استقبال عين المسجد و الحرم لمن كان خارجهما و عدم اعتبار جهتهما،و حملوا كلامهم و الروايات على الجهة،و أن ذلك ذكر على سبيل التقريب إلى الأفهام إظهارا لسعة الجهة، و زعموا بذلك الجمع بين القولين،و لو لا اتفاقهما على تعيّن الكعبة للمشاهد و من بحكمه لما ارتفع بمجرد ذلك الخلاف بينهما،فإن ثمرة الاختلاف بينهما تظهر في شيئين:

أحدهما:تعيّن الكعبة للمشاهد و من بحكمه و لو كانا خارج المسجد مثلا،كما هو مقتضى القول الأوّل،و عدمه و جواز استقبال جزء من المسجد و الحرم و لو منحرفا عنها،كما هو مقتضى القول الثاني.

و ثانيهما:تعيّن استقبال عين المسجد أو الحرم للنائي دون الجهة،كما هو مقتضى القول الثاني،و كفاية الجهة دون عينهما،كما هو مقتضى القول الأوّل.

و حيث إنّ الشهيد و من بعده لم يتعرضوا إلاّ للثمرة الأخيرة و جمعوا بين القولين بما مر،ظهر منهم انحصار ثمرة الخلاف فيها خاصة،دون السابقة، و ليس ذلك إلاّ لتعيّن الكعبة للمشاهد و من بحكمه كما عرفته.

و اعلم إن الجمع الذي ذكروه حسن،إلاّ أنه ربما يأبى عنه عبارة الخلاف المحكية،حيث استدل على مختاره-بعد النصوص المتقدمة و ما ادّعاه من إجماع الإمامية-بأنّ المحذور في استقبال عين الكعبة لازم لمن أوجب استقبال

ص:257


1- كنز العرفان 1:85.
2- الذكرى:162،و انظر كشف اللثام 1:171،و الحدائق 6:375.

جهتها،فإن لكل مصلّ جهة،و الكعبة لا تكون في الجهات كلها.و لا كذلك التوجّه إلى الحرم،لأنه طويل يمكن أن يكون كل واحد متوجّها إلى جزء منه (1).

و هو كما ترى صريح في نفي الجهة و تعيّن استقبال عين الحرم خاصة، فلا يقبل الجمع المتقدم إليه الإشارة.

و لكن فيه ضعف لا يخفى وجهه،لاتّفاق الفريقين-كما ذكره جماعة (2)-على أن فرض النائي هو التعويل على الأمارات المتفق عليها بينهم لأهل كلّ إقليم،و عليه فلا ثمرة لهذا الاختلاف،إلاّ بالنسبة إلى الثمرة الاولى،و قد عرفت ارتفاع الخلاف فيها أيضا.

و لو سلّم وجوده لمنع كل ما في الخلاف من الدليل:

فالنصوص بما مرّ.

و الإجماع المحكي بالمعارضة بما يحكى من ابني زهرة و شهرآشوب (3)من نفي الخلاف عن وجوب استقبال جهة المسجد لمن نأى عنه،كما هو ظاهر الآية.و لو سلّم فغايته أنه خبر صحيح لا يعارض ما قدّمناه من الأدلّة.

و أما الاعتبار فبما ذكره جماعة:من أنا نعني بالجهة السمت الذي فيه الكعبة لا نفس البنيّة (4)،و ذلك متّسع يمكن أن يوازي جهة كلّ مصلّ،على أن الإلزام في الكعبة لازم في الحرم و إن كان طويلا.

و اعلم أن للأصحاب اختلافا كثيرا في تعريف الجهة،لكنه قليل الفائدة

ص:258


1- الخلاف 1:295.
2- منهم صاحبا المدارك 3:121،و الحدائق 6:375.
3- ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):556،حكاه عن ابن شهرآشوب في كشف اللثام 1: 173.
4- منهم المحقق في المعتبر 2:66،الشهيد الثاني في روض الجنان:190،صاحب المدارك 3:121.

بعد اتفاق الكلّ على أن فرض النائي رعاية العلامات المقررة،و التوجّه إلى السمت الذي عيّنته رعاية تلك العلامة،فالأولى إناطة تعريفها بذلك،كما ذكره بعض الأجلّة (1).

لو صلّى في وسطها استقبل أيّ جدرانها شاء

و لو صلّى في وسطها حيث جازت له الصلاة فيه استقبل أيّ جدرانها شاء مخيّرا بينها،و إن كان الأفضل استقبال الركن الذي فيه الحجر، على ما ذكره الصدوق (2).بلا خلاف في أصل الحكم على الظاهر،المصرح به في بعض العبائر (3)،بل في المنتهى أنه قول كل أهل العلم (4).

و هو الحجّة،لا ما ذكروه من حصول استقبال القبلة بناء على أنها ليست مجموع البنيّة،بل نفس العرصة و كل جزء من أجزائها،إذ لا يمكن محاذاة المصلّي بإزائها منه إلاّ قدر بدنه و الباقي خارج عن مقابلته،و هذا المعنى يتحقق مع الصلاة فيها كما يتحقق مع الصلاة في خارجها.

لقوة احتمال تطرّق الوهن إليه بأن الثابت من الأدلّة كون جملة البنيّة قبلة، و أمّا كون أيّ بعض منها قبلة فلم يثبت،لاختصاص ما دلّ على أن الكعبة قبلة -بحكم التبادر-بكون القبلة جملتها،و المراد بها القطر و القدر الذي يحاذي المصلي من قطر الكعبة و مجموعها،و المصلّي داخلها لم يحصل له هذا، فتأمّل (5).

ص:259


1- انظر المدارك 3:121.
2- الفقيه 1:178.
3- انظر المعتبر 2:67،و الحدائق 6:381.
4- المنتهى 1:218.
5- و وجهه هو أنّ الاتفاق على جواز النافلة فيها اختيارا كاشف عن كون القبلة ما ذكروه،بناء على أنّ الإجماع على عدم جواز النافلة إلى غير القبلة اختيارا من غير استثناء،و كذا جواز الفريضة إلى ركن من أركان الكعبة بحيث يتجرّد عن أصل و يتوجّه إلى جزء من الركن بمقدار ما يحاذي بدن المصلّي.و يعضده أيضا ما سيأتي من دعوى اتفاق المتأخرين على جواز التطوع على السطح بعد أن يبرز من الكعبة شيئا بين يديه بحيث يكون مواجها و مستقبلا له في أحواله. و بالجملة فكل هذه القرائن أمور واضحة على ما ذكروه،كما لا يخفى على من تأمل و تدبر(منه دام فضله).

و لهذا منع الشيخ في الخلاف و القاضي و غيرهما (1)من صلاة الفريضة جوفها،و يعضده الصحيحان الناهيان عنه (2)،و غيرهما (3).

و الموثق المرخّص لفعلها فيها (4)-مع قصوره عن المقاومة لهما سندا-موافق للعامة،فقد نسبه في المنتهى إلى جماعة منهم،و منهم أبو حنيفة (5).

نعم هو مشهور بين المتأخّرين،بل عليه عامّتهم (6)،و في السرائر الإجماع عليه (7).

و به-مضافا إلى الموثقة المعتضدة بالشهرة-يصرف النهي في الصحيحين و غيرهما إلى الكراهة،سيّما مع تبديل النهي في أحدهما في بعض الطرق ب«لا تصلح» (8)،المشعر بالكراهة،بل جعله الشيخ صريحا،مع أنه

ص:260


1- الخلاف 1:439،القاضي في المهذّب 1:76،و مال إليه البهبهاني في حاشية المدارك: (المدارك الحجري):130.257.
2- الأول: الكافي 3:18/391،التهذيب 2:1564/376،الوسائل 4:336 أبواب القبلة ب 17 ح 1 الثاني: التهذيب 5:953/279،الاستبصار 1:1101/298،الوسائل 4:337 أبواب القبلة ب 17 ح 3.
3- المقنعة:447،الوسائل 4:338 أبواب القبلة ب 17 ح 9.
4- التهذيب 5:955/279،الوسائل 4:337 أبواب القبلة ب 17 ح 6.
5- المنتهى 1:218.
6- في«م»زيادة:كما صرّح به.
7- السرائر 1:266.
8- التهذيب 5:954/279،الاستبصار 1:1102/298،الوسائل 4:337 أبواب القبلة ب 17 ح 4.

رواه بطريق آخر«تصلح» (1)بدون لا،و هو صريح في الجواز.

و هنا روايتان لم أجد عاملا بهما،مع ضعف إحداهما بالجهالة، و الأخرى بالإرسال،ففي الأولى:عن الرجل إذا حضرته صلاة الفريضة و هو في الكعبة و لم يمكنه الخروج منها:«استلقى على قفاه و يصلّي إيماء» (2)الحديث.

و في الثانية:«يصلّي إلى أربع جوانبها إذا اضطر إلى ذلك» (3).

قال في الذكرى بعد نقل هذه:هذا إشارة إلى أن القبلة إنما هي جميع الكعبة،فإذا صلّى في الأربع فكأنه استقبل جميع الكعبة (4).و هو حسن.

و فيها بل و في الأولى أيضا-كالرواية الآتية (5)-تأييد لما قدّمناه من أن القبلة هي مجموع قطر الكعبة يجب استقباله و لو بعضا حيث كان خارجها.لكن ضعف سندهما و معارضتهما بعضا مع بعض يمنع عن العمل بهما،و إن تؤيدا بالصحيحين الناهيين،لما عرفت من مرجوحيتهما بالإضافة إلى الموثقة المعتضدة بالشهرة،و حكاية الإجماع المتقدمة،لكنّها معارضة بنقل الشيخ في الخلاف الإجماع على المنع (6).

و الشهرة المرجّحة معارضة باحتمال التقية،الموجب للمرجوحيّة.

و الموثقة لا تعارض الصحيحين من وجوه عديدة،و إن كانت صريحة.

ص:261


1- التهذيب 2:1597/383،و الموجود فيه«لا تصلح»أيضا،نعم نقله بدون«لا»في الوسائل 4:337 أبواب القبلة ب 17 ح 5،و قال في ذيله:لفظة«لا»هنا غير موجودة في النسخة التي قوبلت بخطّ الشيخ،و هي موجودة في بعض النسخ.
2- التهذيب 5:1583/453،الوسائل 4:338 أبواب القبلة ب 17 ح 7 بتفاوت فيهما.
3- الكافي 3:18/391،الوسائل 4:336 أبواب القبلة ب 17 ح 2.
4- الذكرى:151.
5- في ص:257.
6- الخلاف 1:439.

و الاحتياط اللازم المراعاة في العبادة التوقيفية يقتضي المنع عن فعل الفريضة جوف الكعبة إلاّ مع الضرورة المسوّغة له.و لكن الأقرب الجواز مع الكراهة بلا شبهة.

لو صلّى على سطحها أبرز بين يديه شيئا منها
اشارة

و لو صلّى على سطحها صلّى قائما و أبرز بين يديه شيئا منها و لو (1)قليلا ليكون توجّهه إليه،و يراعي ذلك في جميع أحواله حتى الركوع و السجود،فلو خرج بعض بدنه عنها أو ساواها في بعض الحالات كما لو حاذى رأسه نهايتها حال السجود بطلت صلاته.

هذا هو المشهور بين المتأخّرين،بل عليه عامّتهم،على الظاهر، المصرّح به في التنقيح و غيره (2)،وفاقا منهم للحلي و المبسوط (3)،و لكن عبارته قاصرة عن إفادة الوجوب،لتعبيره عن الأمر بالصلاة قائما بجوازها الذي هو أعم منه،و إن أرجعه الماتن إليه،قال:لأن جواز الصلاة قائما يستلزم الوجوب،لأن القيام شرط مع الإمكان (4).

و هو حسن لو كان بناء الشيخ على ما ذكروه من حصول الاستقبال باستقبال المبرز من الكعبة و أمّا على ما قدّمناه-و هو خيرته في المسألة السابقة- من أنّ القبلة إنّما هي مجموع قطر الكعبة و لو بعضا ممّا يحاذيه المصلّي فلا يستلزم الجواز الوجوب،لاحتمال كون المراد منه مطلق الرخصة.و وجهه دوران الأمر بين فوات الاستقبال لو صلّى قائما،أو القيام و نحوه من الواجبات

ص:262


1- في المختصر المطبوع زيادة:كان.
2- لم نعثر في التنقيح على التصريح بذهاب عامّة المتأخرين إلى ذلك.انظر التنقيح 1:174. نعم،نقله في مفتاح الكرامة 2:82 عن غاية المرام،و ادّعى في روض الجنان:203 الشهرة بل الإجماع على ذلك.
3- الحلي في السرائر 1:271،المبسوط 1:85.
4- المعتبر 2:68.

لو صلّى مستلقيا موميا،و حيث لا ترجيح فلم يبق إلاّ التخيير،كذا قيل (1).

و فيه نظر،لفوات الاستقبال المأمور به في الكتاب و السنة على التقديرين.و مع ذلك فترجيح الصلاة قائما أظهر،لعدم فوات شيء من الواجبات معه عدا الاستقبال.و لا كذلك الصلاة مستلقيا،لفوات القيام و الركوع و السجود و رفع الرأس منهما معها،فيكون الأول بالترجيح أولى.

و من هنا ظهر مستند الأكثر في تعيين الصلاة قائما،و هو الأقوى.

و يتعيّن الإبراز،أمّا على ما اختاروه في القبلة و أنه ما حاذى المصلّي من أبعاضها مطلقا فظاهر.

و أمّا على ما ذكرناه،فللاحتياط اللازم المراعاة،مضافا إلى الإجماع من كل من جوّز الصلاة قائما.

و الفرق بين المختار و ما اختاروه إنّما هو أصل جواز الصلاة عليها اختيارا، فيأتي على مختارهم و لا على المختار إلاّ مع الاضطرار.و حكي التصريح بعدم الجواز هنا إلا مع الاضطرار عن المهذّب و الجامع (2).

و قيل و القائل الشيخ في النهاية و الخلاف (3)،مدّعيا فيه الإجماع، و القاضي و غيرهما (4):إنه لو صلّى فوقها وجب عليه أن يستلقي و يصلّي موميا إلى البيت المعمور للخبر (5).

و فيه ضعف سندا و مقاومة،كالإجماع،للأدلة الدالّة على لزوم الأفعال

ص:263


1- انظر كشف اللثام 1:172.
2- المهذّب 1:85،الجامع للشرائع:64.
3- النهاية:101،الخلاف 1:441.
4- القاضي في المهذّب 1:85،جواهر الفقه:20 و اختاره الصدوق في الفقيه 1:178.
5- الكافي 3:21/392،التهذيب 2:1566/376،الوسائل 4:340 أبواب القبلة ب 19 ح 2.

الواجبة من القيام و الركوع و غيرهما،المعتضدة من أصلها بالإجماع،و في خصوص المسألة بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعا،بل لعلّها إجماع في الحقيقة،كما صرّح به في روض الجنان (1).

يتوجه أهل كلّ إقليم إلى سمت الركن الذي يليهم

و اعلم أنه ذكر جماعة من الأصحاب (2)أنه يجب أن يكون توجه أهل كلّ إقليم إلى سمت الركن الذي يليهم،فأهل المشرق -و هم أهل العراق و من والاهم و كان في جهتهم إلى أقصى المشرق و جنبيه مما بينه و بين الشمال و الجنوب-إلى الركن الذي يليهم،و هو الركن العراقي الذي فيه الحجر الأسود،و أهل المغرب إلى الغربي،و أهل الشام إلى الشامي،و أهل اليمن إلى اليمني.

و هذا لا يلائم شيئا من القولين المتقدمين في قبلة النائي:أنها جهة الكعبة أو الحرم،فإنهما أوسع من ذلك،فلا يتم الحكم بوجوب التوجّه إلى سمت الركن نفسه،إلاّ أن يراد بسمت الركن سمت الكعبة.و لا بأس به،إلاّ أنه لا فائدة لذكره هنا بعد معلوميته سابقا،لكنّهم أعرف بما قالوه.

و مع ذلك فالتعبير بسمت الركن أولى من التعبير بالركن،كما اتفق في القواعد (3)،لإيهامه وجوب التوجّه إلى عينه لا سمته.

و لذا قال المحقق الثاني:و المراد بالإقليم هنا الجهة و الناحية،و يتوجّه أهل كلّ إقليم إلى ركنهم توجّههم إلى جهة الركن الذي يليهم،لأنّ البعيد لما كان قبلته الجهة-و كونها أوسع من الكعبة بمراتب أمر معلوم-فلا بد أن يراد بتوجّههم إلى الركن توجّههم إلى جهته.أو يراد أن حق توجّههم الصحيح في

ص:264


1- روض الجنان:203.
2- منهم المفيد في المقنعة:96،و الديلمي في المراسم:60،و المحقق في المعتبر 2:69.
3- القواعد 1:26.

الواقع الذي ليس فيه ميل أصلا و لا انحراف:أن يكون إلى الركن الذي يليهم،و إن اكتفى منهم بالتوجه إلى الجهة،لأن البعد يمنع عن العلم بذلك.

انتهى (1).

و هو حسن،إلاّ أنّ قوله في التوجيه الأخير:حق توجّههم الصحيح..

غير مفهوم للعبد،لأنّ التوجّه الصحيح بالنسبة إلى القريب إنّما هو إلى نفس الكعبة و أيّ قطر منها يحاذي المصلّي و لو كان ركنا مخالفا لركنه،كما إذا توجّه إلى الركن اليمني و هو عراقي مثلا،فإنه صحيح،و بالنسبة إلى البعيد جهتها، و هي أوسع من الركن،كما مضى،فحصره التوجّه الصحيح فيما ذكره غير مستقيم على التقديرين،و لا أعرف وجهه،و هو أعرف بما حرّره.

و كيف كان فقد ذكر الأصحاب لأهل الأركان علامات:

فلأهل الشام جعل الجدي (2)خلف الكتف اليسرى،و سهيل عند طلوعه بين العينين،و عند غروبه على العين اليمنى،و بنات النعش عند غيبوبتها خلف الاذن اليمنى.

و لأهل اليمن جعل الجدي بين العينين،و سهيل عند غيبوبته بين الكتفين.

و لأهل المغرب جعل الجدي على الخدّ الأيسر،و الثريّا و العيّوق على اليمين و اليسار.

و لأهل السند و الهند جعل الجدي إلى الاذن اليمنى،و سهيل عند طلوعه خلف الاذن اليسرى،و بنات النعش عند طلوعها على الخدّ الأيمن،و الثريّا عند غيبوبتها على العين اليسرى.

ص:265


1- راجع جامع المقاصد 2:53.
2- قال في المغرب 1:77:الجدي:العاشرة من البروج،و يقال لكوكب القبلة جدي الفرقد.. و المنجمون يسمّونه الجدي على لفظ التصغير فرقا بينه و بين البرج.

و لأهل البصرة و فارس جعل الجدي على الخدّ الأيمن،و الشولة إذا نزلت للمغيب بين العينين،و النسر الطائر عند طلوعه بين الكتفين.

و لأهل المشرق ما أشار إليه بقوله يجعلون المشرق إلى المنكب و هو مجمع العضد و الكتف الأيسر،و المغرب إلى الأيمن هذه علامة و اخرى أن يجعلوا الجدي و هو نجم مضيء في جملة أنجم بصورة سمكة يقرب من القطب الشمالي،الجدي رأسها و الفرقدان ذنبها خلف المنكب الأيمن،و ثالثة أن يجعلوا الشمس عند الزوال محاذية لطرف الحاجب الأيمن مما يلي الأنف و رابعة ذكرها بعضهم (1)،و هي:جعل القمر ليلة السابع من كل شهر عند غروب الشمس بين العينين،و كذا ليلة إحدى و عشرين عند طلوع الفجر.

و مستندهم في هذه العلامات قوانين الهيئة،فإنّها مفيدة للظن الغالب بالعين،و القطع بالجهة،كما ذكره جماعة (2).و إلاّ فلم يرد بشيء منها نص و لا رواية،عدا العلامة الثانية لأهل العراق،فقد ورد بها نصوص،منها الموثق:

«عن القبلة،فقال:ضع الجدي في قفاك و صلّ» (3).

و منها المرسل:أكون في السفر و لا أهتدي إلى الكعبة بالليل،فقال:

«أ تعرف الكوكب الذي يقال لها جدي؟»قلت:نعم،قال:«اجعله علي يمينك، و إذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك» (4).

و منها المروي عن تفسير العياشي في تفسير وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [1] (5)

ص:266


1- كالشيخ البهائي في الحبل المتين:192.
2- منهم الشهيد في الذكرى:162،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:112.
3- التهذيب 2:143/45،الوسائل 4:306 أبواب القبلة ب 5 ح 1.
4- الفقيه 1:860/181،الوسائل 4:306 أبواب القبلة ب 5 ح 2.
5- النحل:16.

قال:«هو الجدي،لأنه نجم لا يزول،و عليه بناء القبلة،و به يهتدي أهل البرّ و البحر» (1).

و نحوه آخر مروي فيه أيضا في تفسيره (2).

و هي و إن كانت مطلقة ليس فيها التقييد بأهل العراق لكنّها خصّت بهم بقرينة الرواة،لكونهم منهم،لكنها مع ذلك لا تخلو من إجماع،سيّما الروايات الأخيرة،مع ضعف أسانيدها جملة بالإرسال،و الضعف بالسكوني في المشهور بين الطائفة (3).

فإذا العمدة هو استعمال قوانين الهيئة.و عليه لا يستقيم جعل الأمور الأخيرة علامات لأهل العراق على الإطلاق،كما نبّه عليه جماعة من المحققين (4)،فقيّدوا المشرق و المغرب بالاعتداليين،حاكين له عن الأكثر، و جملة منهم (5)قيّدوا الجدي بحالة غاية ارتفاعه،بأن يكون إلى جهة السماء و الفرقدان إلى جهة الأرض،أو غاية انخفاضه عكس الأوّل.

و مع ذلك فقالوا:إن بين العلامات الثلاث الأول اختلافا واضحا،فإن العلامة الأولى-سواء قيد المشرق و المغرب بالاعتداليين،أو كان المقصود أن

ص:267


1- تفسير العياشي 2:12/256،الوسائل 4:307 أبواب القبلة ب 5 ح 3.
2- تفسير العياشي 2:13/256،الوسائل 4:307 أبواب القبلة ب 5 ح 4.
3- و قد وثقه الشيخ في العدة:380،و حكي عن المحقق في الرسالة العزّية أنه ثقة أجمع الأصحاب على العمل بروايته،و حكاه عنهما في خاتمة الوسائل 30:230،231،318، و وثقه أيضا المحقق الداماد في الرواشح السماوية:56،57،فضعفه من المشهورات التي لا أصل لها.و لمزيد الاطلاع راجع رجال السيد بحر العلوم 2:121-125،مفتاح الكرامة 8: 256،تنقيح المقال 1:127-129،الكنى و الألقاب 2:285،286.
4- منهم الشهيدان في البيان:114،و روض الجنان:196،و الفاضل المقداد في التنقيح 1: 174،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:54.
5- كالشهيد الثاني في روض الجنان:196،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:174.

يجعل مشرق يوم على اليسار و مغرب ذلك اليوم على اليمين-تقتضي محاذاة نقطة الجنوب،و كذا العلامة الثالثة،و أمّا الثانية فتقتضي انحرافا بيّنا عنها نحو المغرب،و هو الموافق لمعظم بلاد العراق.

و الأولى حمل العلامة الاولى و الثالثة على أطراف العراق الغربيّة، كالموصل،و بلاد الجزيرة،فإن قبلتهما تناسب نقطة الجنوب.و العلامة الثانية على أوساط العراق،كبغداد و الكوفة و الحلة و المشاهد المقدّسة،فإنه تنحرف قبلتها عن نقطة الجنوب نحو المغرب.و أما أطرافها الشرقية-كالبصرة-فهي أشدّ انحرافا،و يقرب منها تبريز و أردبيل و قزوين و همدان و ما والاها من بلاد خراسان.و نزّلوا إطلاق عبائر الأصحاب على ما ذكروه.

و فيه بعد،و لذا جعل ذلك سبيلا إلى سهولة الأمر في القبلة و اتساع الدائرة فيها،و أنه لا ضرورة إلى ما ذكروه أرباب الهيئة.

مضافا إلى خلوّ النصوص عن بيان العلامات بالكلية،إلاّ ما مرّ إليه الإشارة،و قد عرفت أيضا إجماله.

و مع ذلك فقد ورد في الصحيح و غيره:«ما بين المشرق و المغرب قبلة» (1).

قيل:و يؤيّد ذلك بأوضح تأييد ما عليه قبور الأئمة عليهم السلام في العراق من الاختلاف،مع قرب المسافة بينها على وجه يقطع بعدم انحراف القبلة فيه،مع استمرار الأعصار و الأدوار من العلماء الأبرار على الصلاة عندها، و دفن الأموات،و نحو ذلك،و هو أظهر ظاهر في التوسعة كما لا يخفى (2).

و فيه نظر،يظهر وجهه بالتدبّر فيما ذكره شيخنا في روض الجنان،فقال

ص:268


1- الفقيه 1:855/180،الوسائل 4:314 أبواب القبلة ب 10 ح 2.
2- الحدائق 6:387.

في جملة كلام له:و أما توهّم اغتفار التفاوت الحاصل بينها-أي بين العلامات الثلاث-و عدم تأثيره في الجهة ففاسد،لما تقدم في تحقيق الجهة من اعتبار تعيين (1)الكعبة[أو] (2)ظنها أو احتمالها،و هذا القدر من التفاوت لا يبقى معه شيء منها.فإنّ من كان بالموصل مثلا و كان عارفا مجتهدا في القبلة يقطع بكونه -إذا انحرف عن نقطة الجنوب نحو المغرب بنحو ثلث ما بين الجنوب و المغرب الاعتداليين-خارجا عن سمت الكعبة.و كذا من كان بأطراف العراق الشرقية -كالبصرة-إذا استقبل خط الجنوب.و هذا أمر لا يخفى على من تدبّر قواعد القبلة و ما يتوقف عليه من المقدمات.و من طريق النص إذا كان جعل الجدي على الأيمن يوجب مسامتة الكعبة في الكوفة التي هي بلد الراوي و نحوها كيف يوجب مسامتتها إذا كان بين الكتفين؟!لبعد ما بينهما بالنسبة إلى بعد المسافة، فإنّ الانحراف اليسير عن الشيء مع البعد عنه يقتضي انحرافا فاحشا بينه و بين محاذاته،فإنّا إذا أخرجنا خطين من نقطة واحدة لم يزالا يزدادان بعدا كلّما ازدادا امتدادا،كما لا يخفى.و أيضا:فلو كان جعله بين الكتفين محصّلا للجهة كان الأمر بجعله على اليمنى لغوا خاليا عن الحكمة (3).

و إنما ذكرناه بطوله لحسن مفاده و جودة محصوله.

و لذا منع هو و كثير من الأصحاب-كالمحقق الثاني و جملة ممّن تأخّر عنهما (4)-عما قيل: من أنه يستحب التياسر لأهل المشرق عن سمتهم قليلا (5)قالوا:لأن البعد الكثير لا يؤمن معه الانحراف الفاحش بالميل

ص:269


1- في«ل»و«ش»:تعيّن،و في المصدر:يقين.
2- في النسخ:و.و ما أثبتناه من المصدر.
3- روض الجنان:198.
4- جامع المقاصد 2:57،و انظر المدارك 3:130،و المفاتيح 1:113.
5- مصباح المتهجّد:24،الجامع للشرائع:63،و انظر ص 252.

اليسير.

و مع ذلك هو أي هذا الحكم بناء أي مبني على توجّههم إلى الحرم كما يستفاد من النصوص الدالة عليه.

منها:الخبر:عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة،و عن السبب فيه،فقال:«إن الحجر الأسود لما انزل به من الجنّة و وضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر،فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال و عن يساره ثمانية أميال،كله اثنا عشر ميلا،فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة لقلّة أنصاب الحرم،و إذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حدّ القبلة» (1)و نحوه المرفوع (2).

و الرضوي:«إذا أردت توجّه القبلة فتياسر مثل (3)ما تيامن،فإن الحرم عن يمين الكعبة أربعة أميال و عن يسارها ثمانية أميال» (4).

و المبني عليه ضعيف كما تقدم (5).و كذا النصوص الواردة هنا سندا،لرفع الثاني،و إرسال الأوّل في التهذيب،و ضعفه في الفقيه،لتضمّن سنده محمد ابن سنان و مفضّل بن عمر الضعيفين عند الأكثر،و الرضوي قاصر عن الصحّة، و إنما غايته القوّة،و هي بمجرّدها لا تصلح لمعارضة الاعتبار الذي ذكره الجماعة،فما ذكروه لا يخلو عن قوّة.

و لذا توقف فيه في ظاهر الدروس (6)،كالماتن في ظاهر العبارة،إلاّ أنّ

ص:270


1- الفقيه 1:842/178،التهذيب 2:142/44،علل الشرائع:1/318،الوسائل 4:305 أبواب القبلة ب 4 ح 2.
2- الكافي 3:6/487،التهذيب 2:141/44،الوسائل 4:305 أبواب القبلة ب 4 ح 1.
3- في المصدر:«مثلي».
4- فقه الرضا(عليه السلام):98،المستدرك 3:180 أبواب القبلة ب 3 ح 1.
5- في ص 252.
6- الدروس 159.

ظاهر من تقدّمهم من الأصحاب عدم الخلاف في رجحان التياسر،و إن اختلفوا في استحبابه،كما هو المشهور على الظاهر،المصرّح به في عبائر هؤلاء الجماعة حدّ الاستفاضة (1)،و غيرهم كالشهيد في الذكرى،و بها قد اختاره (2).

أو وجوبه،كما هو ظاهر جماعة من القدماء،و منهم الشيخ في كثير من كتبه و منها الخلاف مدعيا عليه الإجماع (3)،و حكي أيضا عن غيره (4).فيمكن أن يجبر بذلك ضعف سند الروايات أو قصورها.

و البناء المتقدم و إن كان ظاهر كثير من الأصحاب،كالفاضل في المنتهى و المحقق الثاني و الشهيد الثاني و جملة ممن تبعهم (5)،و لكن ظاهر آخرين -كالفاضل في المختلف و التحرير و الإرشاد و القواعد و الشهيد في الذكرى و غيرهما (6)-اطراد الحكم على كل من القول بالمبني عليه و مقابله،لتصريحهم بهذا الحكم مع اختيارهم القول الثاني.

و لعل وجهه ما ذكره في الذكرى و غيره:من أنّ القبلة هي الجهة،و لا يخفى ما فيها من السعة (7).و مرجعه إلى ما مرّ إليه الإشارة من سهولة الأمر في

ص:271


1- الدروس:159،جامع المقاصد 2:56،روض الجنان:199،المدارك 3:130،المفاتيح 1:113.
2- الذكرى:167.
3- الخلاف 1:297،النهاية:63،المبسوط 1:78.
4- كالشيخ أبي الفتوح في تفسيره 1:224،و ابن حمزة في الوسيلة:85.
5- المنتهى 1:219،المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:56،الشهيد الثاني في روض الجنان:198،و انظر المدارك 3:130،و مفاتيح الشرائع 1:113.
6- المختلف:77،التحرير 1:28،الإرشاد 1:245،القواعد 1:26،الذكرى:167،و انظر الشرائع 1:66،و الجامع للشرائع:63.
7- الذكرى:167.

القبلة،و لكن فيه ما عرفته (1).

فإذا:العمدة هي النصوص المعمول عليها بين الطائفة،مضافا إلى حكاية الإجماع المتقدمة،و إن لم يصلح للحجيّة،لوهنه بندرة القول به من حيث دلالته على الوجوب،و لم نر قائلا به عدا الناقل و نادر.و كيف كان فهو أحوط من الترك،لضعف القول به بضعف دليله عن المقاومة لما دلّ على رجحان التياسر من الإجماع المنقول و النص المعمول به.

و أمّا ما ربما يجاب عنه:بوروده مورد التقية،لكون المحاريب المشهورة المبنية في العراق في زمان خلفاء الجور و لا سيّما المسجد الأعظم كانت مبنيّة على التيامن عن القبلة،و لم يمكنهم إظهار خطأ هؤلاء الفسقة،فأمروا شيعتهم بالتياسر عن تلك المحاريب،معلّلين بما عرفته من العلة،لئلاّ يشتهر منهم عليهم السلام الحكم بخطإ من مضى من هؤلاء الكفرة (2).

فغير مفهوم للعبد،فإن مراعاة التقية على تقدير ثبوت بناء المساجد على التيامن تقتضي أمر الشيعة بمتابعة قبلة هؤلاء الفجرة،كي لا يعرفوا فيقتلوا،لا أن يأمروا بالمخالفة لهم فيؤخذ برقابهم.

و اعلم أنّ مقتضى الأصول و النصوص و فتوى الأصحاب من غير خلاف معروف:وجوب تحصيل العلم بالقبلة عينا أو جهة مع الإمكان،و لو بالأمارات المتقدمة المستندة إلى القواعد الرياضية،بناء على إفادتها العلم بالجهة،كما صرّح به جماعة،كالفاضلين في المعتبر و المنتهى على ما حكي عنهما (3)، و الشهيدين في روض الجنان و الذكرى (4)،و إن كان يظهر من بعضهم إفادتها

ص:272


1- راجع ص:262.
2- انظر البحار 81:53.
3- المعتبر 2:70،المنتهى 1:219.
4- روض الجنان:194،الذكرى:162.

المظنة،و لعلّها بالنسبة إلى العين،و إلاّ فالأمر بالنسبة إلى الجهة كما ذكره الجماعة.

و إن فقد العلم جاز الاكتفاء بالظن الحاصل بأيّ نحو كان من الأمارات المفيدة له،متحرّيا في ذلك الظن الأقوى،بلا خلاف إلاّ ما يحكى عن المبسوط،حيث أوجب الصلاة إلى أربع جهات إذا فقد العراقي ما نصب له من العلامات (1).

و هو غير ظاهر في المخالفة حتى في صورة حصول المظنة بجهة القبلة من غير تلك العلامة،لاحتمال اختصاصه بصورة فقدها بالكلية كما هو الغالب،و لعلّه لذا لم ينقل عنه الخلاف هنا إلاّ نادر.و على تقدير ظهور المخالفة فهو شاذّ،محكيّ على خلافه الإجماع من المسلمين كافّة في كثير من العبائر،كالمعتبر و المنتهى و التحرير و التذكرة و الذكرى (2)،و به صرّح بعض الأجلّة،حيث قال:و هل له الاجتهاد إذا أمكنه الصلاة إلى أربع جهات؟الظاهر إجماع المسلمين على تقديمه وجوبا على الأربع قولا و فعلا،و أن فعل الأربع حينئذ بدعة،فإن غير المشاهد للكعبة و من بحكمه ليس إلاّ مجتهدا أو مقلدا، فلو تقدّمت الأربع على الاجتهاد لوجبت على عامة الناس و هم غيرهما أبدا،و لا قائل به..إلى آخر ما قال (3)،و نعم ما قال.

و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،ففي الصحيح:«يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (4).

ص:273


1- المبسوط 1:78.
2- المعتبر 2:70،المنتهى 1:219،التحرير:28،التذكرة 1:102،الذكرى:164.
3- كشف اللثام 1:177.
4- الكافي 3:7/285،التهذيب 2:146/45،الاستبصار 1:1087/295،الوسائل 4: 307 أبواب القبلة ب 6 ح 1.

قوائم،أو مطلقا كيف اتفق،أو بشرط التباعد بينها بحيث لا يكون بين كل واحدة و بين الأخرى ما يعدّ قبلة واحدة لقلّة الانحراف،على اختلاف الأقوال،إلاّ أن أشهرها بل و أصحّها الأوّل،اقتصارا على المتبادر من النص و الفتوى.

و مع الضرورة بخوف لصّ أو سبع أو نحوهما أو ضيق الوقت عن الصلوات الأربع يصلي إلى أيّ جهة شاء ما قدر منها (1)و لو واحدة،كما صرّح به جماعة (2)،أو يصلّيها خاصة و لو قدر على الزيادة،كما هو ظاهر العبارة و كثير من عبائر الجماعة (3)،و هو الأوفق بالأصل،كالأول بالاحتياط اللازم المراعاة في العبادة.

و لا خلاف نصّا و فتوى في جواز الاقتصار عن الأربع صلوات بالمقدور منها أو الواحدة في صورة الضرورة.و إنما اختلفوا في وجوبها مع الإمكان على أقوال ،ما في المتن من وجوبها أشهرها،بل في ظاهر المعتبر و المنتهى و شرح القواعد للمحقق الثاني أنّ عليه إجماعنا (4)،و حكي التصريح به عن الغنية (5)،و هو الحجة،مضافا إلى الأصل المتقدم إليه الإشارة من لزوم الإتيان بالأربع من باب المقدمة تحصيلا للأمر المطلق باستقبال القبلة.

و خصوص المرسل:قلت:جعلت فداك إنّ هؤلاء المخالفين علينا يقولون:إذا أطبقت السماء علينا أو أظلمت فلم يعرف السماء كنا و أنتم سواء في الاجتهاد،فقال:ليس كما يقولون،إذا كان ذلك فليصلّ لأربع وجوه» (6).

ص:275


1- في«ش»و«م»:يصلي ما قدر منها إلى أيّ الجهات شاء.
2- منهم المحقق في المعتبر 2:70-71،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:179.
3- انظر المقنعة:96،و المبسوط 1:78،و الوسيلة:86،و السرائر 1:205.
4- المعتبر 2:70،المنتهى 1:219،جامع المقاصد 2:72.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):556.
6- التهذيب 2:144/45،الاستبصار 1:1085/295،الوسائل 4:311 أبواب القبلة ب 8 ح 5.

خلافا للعماني (1)،و ظاهر الصدوق كما قيل (2)،فيصلّي حيث شاء،و مال إليه الفاضل في المختلف و الشهيد في الذكرى (3)،و غيرهما من متأخّري متأخّري أصحابنا (4).

التفاتا إلى الصحيح:«يجزي المتحير أبدا أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (5).

و الصحيح المروي في الفقيه:عن الرجل يقوم في الصلاة ثمَّ ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا و شمالا،فقال:«قد مضت صلاته،فما بين المشرق و المغرب قبلة،و نزلت هذه الآية في قبلة المتحير:

وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ [1] (6).

و المرسل كالصحيح بابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصح عنه:

عن قبلة المتحيّر،فقال:«يصلي حيث يشاء» (7).

و طعنا في الإجماع:بعدم المسموعية في محل النزاع.و في الأصل:

بمنع وجوب الاستقبال مع الجهل بالقبلة استنادا إلى ما تقدم من المعتبرة.و في الخبر:بضعف السند بالإرسال و غيره،و المتن بتضمنه سقوط الاجتهاد من

ص:276


1- كما حكاه عنه في المختلف:77.
2- حكاه عنه في المختلف:77،و انظر الفقيه 1:179.
3- المختلف:78،الذكرى:166.
4- كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:67،و صاحبي المدارك 3:136، و الذخيرة:218،و المحدث المجلسي في روضة المتقين 2:205،و المحدث الكاشاني في المفاتيح 1:114،و المحدث الشيخ يوسف البحراني في الحدائق 6:400.منه رحمه اللّه.
5- الفقيه 1:845/179،الوسائل 4:311 أبواب القبلة ب 8 ح 2.
6- الفقيه 1:846/179،الوسائل 4:314 أبواب القبلة ب 10 ح 1.و الآية في البقرة:115.
7- الكافي 3:10/286،الوسائل 4:311 أبواب القبلة ب 8 ح 3.

أصله،و هو مخالف للإجماع الظاهر و المحكي (1).

و في الجميع نظر:لانجبار الضعف بالإرسال و غيره بالشهرة العظيمة و الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة التي كل منها حجة (2)مستقلة.

و احتمال الاجتهاد الممنوع عنه،الاجتهاد في مسألة قبلة فاقد العلم، و هي جملة أنه يعمل بالظن مع القدرة عليه و إلاّ فيسقط اعتبار القبلة.

و هو و إن بعد لكن لا محيص عنه،جمعا،و صيانة للنص عن المخالفة للإجماع مهما أمكن،سيّما مع اعتضاده-بعد فتوى الأصحاب و الإجماع المحكي-بالمرسل الآخر المروي في الفقيه من دون هذا المحذور،و كذا في الكافي (3).مع أنه حجّة مستقلّة بنفسه،لانجباره بما مضى،و بالأصل الذي قدّمناه.

و الجواب عنه بما مرّ (4)فرع تسليم سند المنع.و هو غير مسلّم،لإرسال الخبر الأخير و إن قرب من الصحيح،لضعفه عن المقاومة للمنجبر بالعمل، لكونه أقوى منه،بل و من الصحيح و إن تعدّد و استفاض،على الصحيح.

و به يظهر الجواب عن الصحيحين الأوّلين.مع احتمال القدح في أوّلهما بأنّ راويه قد رواه بدل ما هنا:«يجزي التحرّي» (5)لا المتحيّر،فيحتمل كون الأصل هذا و التحريف وقع في المبدل،و معه لا يصح الاعتماد عليه في مقابلة ما مضى.

و اتحادهما سندا و متنا-غير ما وقع فيه الاختلاف-مع الأصل،يدفع

ص:277


1- راجع ص:269.
2- في«م»زيادة:برأسه.
3- انظر الفقيه 1:854/180،و الكافي 3:10/286،الوسائل 4:310،311 أبواب القبلة ب 8 ح 1،4.
4- من منع وجوب استقبال القبلة مع الجهل بها.منه رحمه اللّه.
5- كما تقدم في ص:270.

احتمال التعدّد رواية،و أنه روى بهذا مرّة و بالآخر اخرى.

و في الثاني منهما بأن محل الدلالة:«و نزلت هذه الآية في قبلة المتحيّر» إلى آخره.و هو كما يحتمل كونه من تتمّته كذا يحتمل كونه من كلام الفقيه،بل هذا أظهر على ما يشهد به سياق الخبر ،مع أنه مروي في التهذيب بدون هذه الزيادة (1).

فإذا:يشكل الاستناد إلى هذه المعتبرة سيّما في مقابلة خصوص ما مرّ من المراسيل المنجبرة بالشهرة و الإجماعات المحكية التي كل منها حجّة مستقلة.و تخيّل الجواب عنه بما مرّ إليه الإشارة،مضعّف بعدم انطباقه على قواعد الإمامية،كما مرّ غير مرّة.

ثمَّ لو سلّم اعتبار هذه الأدلة و خلوصها عن القوادح المتقدمة،فغايتها إيراث شبهة في المسألة،بناء على أنّ ترجيحها على الأدلة المقابلة فاسد بلا شبهة.فينبغي الرجوع إلى مقتضى الأصل،و هو ما مرّ من لزوم فعل الأربع من باب المقدمة.

و القدح فيه-زيادة على ما مر-بإمكان تحصيل المأمور به بصلوات ثلاث إلى ثلاث جهات.

ممنوع بعدم تحصيل القبلة الواقعية بذلك،بل غايتها تحصيل ما بين المشرق و المغرب،و هو ليس بقبلة،بل هي الجهة المخصوصة التي لا يجوز الانحراف عنها و لو بشيء يسير،إلاّ فيما استثني بالمرة،و كون ما نحن فيه منه أوّل الكلام.و لا كذلك الصلاة إلى الأربع جهات،فإنّها و إن لم تحصل الجهة الواقعية كما هي،إلاّ أنه يدفع الزائد عنها بعدم القائل به بلا شبهة (2).

ص:278


1- التهذيب 2:157/48.
2- في«ح»:و لا شبهة.

و لو سلّم فساد هذا الأصل،فلنا أصل آخر هو استصحاب شغل الذمة اليقيني،المقتضي لوجوب تحصيل البراءة اليقينية،و مرجعه إلى استصحاب الحالة السابقة،و هو أخصّ من أصالة البراءة فتكون مخصّصة.

و للمحكي عن ابن طاوس،فأوجب استعمال القرعة،فإنها لكل أمر مشكل (1).

و يضعف بأنه لا إشكال هنا على كلّ من القولين السابقين،لاستناد كل منهما إلى حجّة شرعيّة ينتفي معها الإشكال بالمرة.

و من هنا ينقدح ما في المدارك من نفي البأس عن هذا القول (2)،مع أنّه اختار القول الثاني الذي مقتضاه جواز الصلاة إلى أيّ جهة شاء،و صحّتها كذلك و لو من دون قرعة،و لا كذلك القول بلزومها،فإنّ مقتضاه البطلان لو صلّيت من دونها.

و اعلم أنّ من ترك الاستقبال إلى القبلة عمدا أعاد (3)وقتا و خارجا،إجماعا،لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.

مضافا إلى النهي المفسد للعبادة،فكأنه ما أتى بها فيصدق الفوت،كما إذا ترك أصل الصلاة عامدا،فيجب القضاء.

مضافا إلى النصوص المستفيضة بإعادة الصلاة بترك القبلة (4)بقول مطلق، خرج منها ما سيأتي لما يأتي،فيبقى الباقي.

لو صلّى ظانّا أو ناسيا و تبين الخطأ لم يعد ما كان بين المشرق و المغرب

و لو صلّى (5)إلى القبلة ظانّا لجهتها،أو لضيق الوقت عن الصلاة

ص:279


1- الأمان من أخطار الأسفار و الأزمان:81.
2- المدارك 3:137.
3- في«ح»زيادة:مطلقا.
4- الوسائل 4:312 أبواب القبلة ب 9.
5- في المختصر المطبوع:و لو كان.

إلى الجهات الأربع،أو لاختيار المكلف لها إن قلنا بتخيير المتحيّر أو ناسيا لمراعاة القبلة أو لجهتها و بعد الفراغ تبيّن الخطأ و الصلاة إلى غير القبلة لم يعد ما كان صلاّه بين المشرق و المغرب مطلقا،في وقت كان أو خارجا،إجماعا في الظانّ،كما في التنقيح و روض الجنان (1)و غيرهما (2)،بل في المنتهى و عن المعتبر أنّ عليه إجماع العلماء (3).

و هو الحجّة،مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،منها-زيادة على الصحاح و غيرها المتضمّنة لأن ما بين المشرق و المغرب قبلة (4)-خصوص الصحيح:

قلت:الرجل يقوم في الصلاة ثمَّ ينظر بعد ما فرغ،فيرى أنّه قد انحرف من القبلة يمينا و شمالا،قال:«قد مضت صلاته،و ما بين المشرق و المغرب قبلة» (5).

و موثّقة عمّار عنه عليه السلام:في رجل صلّى على غير القبلة،فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته،قال:إن كان متوجّها فيما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم،و إن كان متوجّها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمَّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمَّ يفتتح الصلاة» (6).

و الخبر المروي عن قرب الإسناد:«من صلّى على غير القبلة و هو يرى أنه على القبلة ثمَّ عرف بعد ذلك،فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق

ص:280


1- التنقيح الرائع 1:177،روض الجنان:203.
2- كالمفاتيح 1:114.
3- المنتهى 1:223،المعتبر 2:72.
4- الوسائل 4:314 أبواب القبلة ب 10.
5- الفقيه 1:846/179،الوسائل 4:314 أبواب القبلة ب 10 ح 1.
6- الكافي 3:8/285،التهذيب 2:159/48،الاستبصار 1:1100/298،الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 10 ح 4.

و المغرب» (1).

و نحوها المروي عن نوادر الراوندي:«من صلّى على غير القبلة فكان إلى غير المشرق و المغرب فلا يعيد الصلاة» (2).

و ربما تنافي هذه النصوص الصحاح الآتية بلزوم الإعادة في الوقت ما صلّى إلى غير القبلة،و نحوها عبائر كثير من قدماء الطائفة كالشيخين و المرتضى و الحلي و ابن زهرة (3).

لكن الإجماعات المنقولة أوجبت تقييد إطلاق فتاويهم بالصورة الآتية (4)،كما أوجبت هي-مضافا إلى المعتبرة المستفيضة المتقدمة-تقييد النصوص المطلقة بها.

يعيد الظانّ ما صلاّه إلى المشرق و المغرب في وقته لا ما خرج وقته

و يعيد الظانّ بل كلّ من مرّ ما صلاّه إلى المشرق و المغرب إذا كان في وقته و لا يعيد ما خرج وقته بإجماعنا الظاهر المحكي في جملة من العبائر،كالخلاف و الناصرية و السرائر و المختلف و التنقيح و المدارك (5)،و غيرها من كتب الجماعة (6).

و هو الحجّة مضافا إلى الأصول و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح و الموثق:قال:الرجل يكون في قفر من الأرض في

ص:281


1- قرب الإسناد:394/113،الوسائل 4:315 أبواب القبلة ب 10 ح 5.
2- لم نعثر عليه في نوادر الراوندي المطبوع،و قد نقله عنه في المستدرك 3:184 أبواب القبلة ب 7 ح 1.
3- المفيد في المقنعة:97،الطوسي في المبسوط 1:80،«رسائل السيد 3»:29،الحلي في السرائر 1:206،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):556.
4- و هي ما إذا صلّى منحرفا عن القبلة إلى اليمين و اليسار.منه رحمه اللّه.
5- الخلاف 1:302،الناصرية(الجوامع الفقهية):194،السرائر 1:205،المختلف:78، التنقيح الرائع 1:177،المدارك 3:151.
6- كالمبسوط 1:80،و المهذّب البارع 1:310.

يوم غيم فيصلي لغير القبلة،ثمَّ يصحى فيعلم أنه قد صلّى لغير القبلة،كيف يصنع؟قال:«إن كان في وقت فليعد صلاته،و إن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده» (1).

و فيهما:«إذا صلّيت و أنت على غير القبلة و استبان لك أنّك صلّيت و أنت على غير القبلة و أنت في وقت فأعد،و إن فاتك الوقت فلا تعد» (2).

و كذا لو استدبر القبلة فيعيد في الوقت دون خارجه،إجماعا في الأوّل.

و على الأصح في الثاني،وفاقا للمرتضى و الحلي (3)،و هو الأشهر بين من تأخّر،بل عليه عامتهم،إلاّ من ندر كالفاضل في جملة من كتبه و المقداد في الشرح و المحقق الثاني في شرح القواعد (4)،مع أن الأوّل قد رجع عنه في المختلف (5)،و الأخيرين لم يصرّحا بهذا القول،بل الأوّل قد احتاط به،و الثاني قال:و العمل عليه،بعد أن قوّى المختار،فلا خلاف منهم أيضا حقيقة.

لإطلاق الأدلّة المتقدمة السليمة عما يصلح للمعارضة عدا ما يأتي، و ستعرف جوابه.

و قيل و القائل الشيخان (6)و جماعة (7):إنّه يعيد مطلقا و إن خرج

ص:282


1- الكافي 3:9/285،التهذيب 2:152/47 و 153،الاستبصار 1:1091/296 و 1092،الوسائل 4:317 أبواب القبلة ب 11 ح 6.
2- الكافي 3:3/284،التهذيب 2:151/47،الاستبصار 1:1090/296،الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 11 ح 1.
3- المرتضى جمل العلم و العمل«رسائل السيد 3»:29،الحلي في السرائر 1:205.
4- الفاضل في نهاية الإحكام 1:399 و القواعد 1:27،و الإرشاد 1:245،المقداد في التنقيح الرائع 1:178،جامع المقاصد 2:75.
5- المختلف:78.
6- المفيد في المقنعة:97،الطوسي في المبسوط 1:80،و الخلاف 1:303.
7- منهم الديلمي في المراسم:61،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):556،و القاضي في المهذّب 1:87،و الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 1):202.

الوقت لموثقة عمار المتقدمة.و فيه قصور سندا و ضعف دلالة،كما نبّه عليه جماعة (1)،قالوا:فإنّ مقتضاها أنه علم و هو في الصلاة،و هو دالّ على بقاء الوقت،و نحن نقول بموجبة،إذ النزاع إنما هو فيما إذا علم بعد خروجه.

أقول:مع أن ظاهرها بقرينة السياق كون المراد بالاستدبار ما يعم التشريق و التغريب،و قضاء الصلاة معه خلاف الإجماع.

و بالجملة فالاستدلال بها ضعيف،سيّما في مقابلة الأدلّة المتقدّمة.

كالاستدلال باشتراط الصلاة بالقبلة بالنص و الإجماع،و المشروط منتف عند انتفاء شرطه،فهي إلى غير القبلة فائتة،و من فاتته صلاة وجب عليه القضاء إجماعا،نصّا و فتوى،و إنما لم يجب إعادة ما بين المشرق و المغرب و لا قضاء ما صلّى إليهما للاتفاق عليهما نصّا و فتوى،كما مضى.

و بالخبرين:عن رجل صلّى على غير القبلة ثمَّ تبيّن القبلة و قد دخل وقت صلاة أخرى،قال:«يصلّيها قبل أن يصلّي هذه التي قد دخل وقتها،إلاّ أن يخاف فوت التي دخل فيها» (2).

لمنع الأوّل بمنع الاشتراط بالقبلة،بل بظنها،فلا فوت،للامتثال،و لذا قال الفاضل في النهاية:و الأصل أنه إن كلف بالاجتهاد لم يجب القضاء،و إن كلّف بالاستقبال وجب (3).انتهى.

و لا يرد أنه لو كفى الاجتهاد لم تجب الإعادة في الوقت،للخروج بالنص و الإجماع.

ص:283


1- انظر المدارك 3:153،و الذخيرة:222.
2- التهذيب 2:149/46،150،الاستبصار 1:1098/297،1099،الوسائل 4:313 أبواب القبلة ب 9 ح 5 بتفاوت يسير.
3- نهاية الإحكام 1:399.

و لضعف الخبرين و قصورهما سندا و مكافاة لما مضى،بل و دلالة أيضا، لعدم تقييدهما بالاستدبار،بل هما عامّان له و للتشريق و التغريب و ما دونهما، و هو خلاف الإجماع.

و تقييدهما بالأوّل جمعا بينهما و بين الأخبار المتقدمة فرع الشاهد عليه، و ليس،مضافا إلى استلزامه حمل المطلق على الفرد النادر،إذ الاستدبار الحقيقي قلّما يتفق،سيّما للمجتهد،كما هو بعض أفراد محلّ البحث.

و لا يرد مثله على النصوص السابقة،لعموم بعضها من حيث التعليل بقوله:«فحسبه اجتهاده».

مضافا إلى اعتضادها أجمع بالأصول العامّة،مثل أصالة البراءة،بناء على أن القضاء بفرض جديد،و لا يثبت إلاّ حيثما يصدق الفوت حقيقة،و لا يصدق هنا كذلك،بناء على أن الامتثال يقتضي الإجزاء و معه لا يصدق الفوت قطعا.و مع التنزّل فلا أقل من التردّد في الصدق و عدمه،و بمجرده لا يخرج عن الأصل القطعي.

و من هنا يصح إلحاق الناسي بالظان في عدم وجوب القضاء،كما عليه جماعة من أصحابنا كالشيخين (1)،و غيرهما،و كثير من المتأخّرين (2).

و زادوا فألحقوه به في جميع الأحكام،حتى في عدم الإعادة و لو صلّى منحرفا إلى ما بين المشرق و المغرب،كما صرّح الماتن هنا (3).

و هو حسن،لعموم النصوص المتقدمة في هذه الصورة له (4)،كعموم

ص:284


1- المفيد في المقنعة:97،الطوسي في النهاية:64.
2- كالعلاّمة في التبصرة:22،و الشهيدين في الذكرى:166،و الروض:203،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:76.
3- حيث أفرد الظانّ بالذكر غير الناسي في الصورتين الأخيرتين.منه رحمه اللّه.
4- راجع ص 274.

بعض الصحاح النافية للقضاء خارج الوقت له أيضا (1)،بل و للجاهل مطلقا.

و لولاه لأشكل الإلحاق كليّا،لاقتضاء الأصل إعادة ما صلّى إلى غير القبلة و لو لم يصل إلى حدّ التشريق و التغريب،كما ستعرفه.

خلافا لآخرين،منهم الماتن في ظاهر عبارته هنا (2)،فمنعوا عن إلحاقهما مطلقا،عملا بالأصول،و تنزيلا للنصوص على الظان،بدعوى اختصاصها به بحكم التبادر و غيره دونهما.

و فيهما نظر،لاختصاص الأصول بمنع الإلحاق في صورة عدم الإعادة في الوقت لا غيرها ،بل مقتضاها فيه الإلحاق جدّا،أما صورة عدم القضاء فلما مضى،و أما صورة الإعادة في الوقت-كما إذا صلّى مشرّقا و مغرّبا-فلبقاء وقت الأمر بالأداء فيجب امتثاله بعد ظهور المخالفة و الخطاء،مضافا إلى فحوى ما دلّ على لزومها على الظان،فهاهنا أولى.

و أما دعوى اختصاص النصوص به فممنوعة في بعضها،لعمومه له و للناسي بل الجاهل أيضا،بترك الاستفصال في مقام جواب السؤال مع قيام الاحتمال، المقتضي للعموم في المقال.لكن الحكم بشموله للجاهل بالحكم-نظرا إلى قطعيّة ما دلّ على كونه كالعامد-لا يخلو عن إشكال.و الاحتياط فيه لا يترك على حال.

ثمَّ إن هذا كله إذا تبين الخطأ بعد الفراغ من الصلاة كما قدّمناه.

و إذا تبيّن في أثنائها فكما بعد الفراغ في الصور الثلاث ،إلاّ أنه يستدير إلى القبلة في الصورة الأولى منها (3)بلا خلاف،بل عليه الإجماع في صريح

ص:285


1- راجع ص 276 الرقم 2.
2- و منهم:الفاضل الآبي في كشف الرموز 1:135،و العلامة في المختلف:79،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:180.
3- و هي الصلاة إلى ما بين المشرق و المغرب.منه رحمه اللّه.

المدارك و عن ظاهر المعتبر (1)،و عن المبسوط و في غيره نفي الخلاف عنه (2).

و هو الحجّة،مضافا إلى صريح موثقة عمار السابقة (3)،و فيها الدلالة على الاستيناف في الصورة الثالثة،و لا خلاف فيها أيضا على الظاهر المحكي عن المبسوط (4).

و يحتمل شمولها للصورة الثانية أيضا إن عمّمنا الاستدبار فيها للتشريق و التغريب،كما هو ظاهر سياقها،و تقدم الإشارة إليه سابقا (5).و فيها الحجة حينئذ على المبسوط فيما حكي عنه:من إلحاقه الصورة الثانية بالأولى في لزوم الاستدارة إلى القبلة نافيا الخلاف عنه (6).مضافا إلى تطرّق الوهن إلى قوله و نفيه الخلاف بندرته و شذوذه،مع عدم صراحة عبارته في المخالفة،و احتمالها الموافقة لما عليه الجماعة و الموثقة.

و إطلاقها في صورة الاستيناف يقتضي عدم الفرق بين بقاء الوقت بعد القطع و عدمه.

و يشكل في الثاني،بناء على أن الظاهر أن مراعاة الوقت مقدّمة على مراعاة القبلة،و لذا يجب على الجاهل بها الغير المتمكن من الاجتهاد فيها أن يصلّي إلى حيث شاء في الجملة أو مطلقا ،بل مقدمة على جلّ واجبات الصلاة من الشرائط و الأجزاء.

و استشكل فيه الشهيدان أيضا (7)،بل رجّح الإلحاق بالصورة الأولى ثانيهما

ص:286


1- المدارك 3:154،المعتبر 2:72.
2- المبسوط 1:81،و انظر الحدائق 6:430.
3- في ص:274.
4- انظر المبسوط 1:81.
5- في ص:277.
6- المبسوط 1:81.
7- الذكرى:166،المسالك 1:23.

و سبطه في المدارك (1)،و غيرهما (2)و هو الأقوى.

لا يصلّي الفريضة على الراحلة اختيارا

و لا يجوز أن يصلّي الفريضة على الراحلة اختيارا إجماعا من العلماء،كما في المعتبر و المنتهى و الذكرى (3)،لكنّه قال:إجماعا،و أطلق.

و لا شبهة فيه إذا استلزم فوات الاستقبال،أو غيره من الشرائط و الأجزاء، للأصول المعتضدة بالنصوص،منها الصحيح:«لا يصلّي على الدابة الفريضة إلاّ مريض يستقبل به القبلة» (4)و نحوه الموثق (5)و غيره (6).

و يشكل إذا لم يستلزم الفوات،كالصلاة على الدواب المعقولة بحيث يؤمن عن الاضطراب و الحركة:

من إطلاق الفتوى و النصوص-بل عموم الصحيح منها من حيث الاستثناء-بالمنع.

و من انصرافه بحكم التبادر و الغلبة إلى الصورة الأولى خاصة.و الاستثناء في الصحيح يفيد عموما في حالات المصلّي لا المركوب،كما هو واضح.و به صرّح جماعة (7)مختارين الجواز في هذه الصورة،وفاقا للفاضل في النهاية (8)، و لا يخلو من قوة.خلافا للأكثر،فاختاروا المنع.و هو أحوط،تحصيلا للبراءة القطعية.

و هل الفريضة تشمل كل واجب حتى نحو الصلاة المنذورة،أم تختصّ

ص:287


1- المدارك 3:154.
2- كالسبزواري في الذخيرة:222.
3- المعتبر 2:75،المنتهى 1:222،الذكرى:167.
4- التهذيب 3:952/308،الوسائل 4:325 أبواب القبلة ب 14 ح 1.
5- التهذيب 3:598/231،الوسائل 4:326 أبواب القبلة ب 14 ح 7.
6- التهذيب 3:954/308،الوسائل 4:326 أبواب القبلة ب 14 ح 4.
7- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:64،و صاحبا المدارك 3:143،و الحدائق 6:414.
8- نهاية الإحكام 1:404.

بالصلوات الخمس اليومية؟ مقتضى الإطلاق الأوّل،و صرّح به الفاضل في المنتهى و التحرير (1)، وفاقا للمحكيّ عن المبسوط (2)،و تبعهما الشهيد في الذكرى.قال:و لا فرق في ذلك بين أن ينذرها راكبا أو مستقرّا على الأرض،لأنّها بالنذر أعطيت حكم الواجب (3).

و تنظّر فيه جمع (4)،قالوا:عملا بالأصل،و عموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالنذر،مضافا إلى الخبر:عن رجل جعل للّه تعالى[عليه]أن يصلّي كذا و كذا،هل يجزيه أن يصلّي ذلك على دابته و هو مسافر؟قال:«نعم» (5).

و فيه نظر،لاندفاع الأوّلين بعموم أدلّة المنع،فإنه بالنظر إليهما أخصّ فليقدّم.

و الخبر غير معلوم الصحة،و مع ذلك غير صريح الدلالة،بل و لا ظاهرة إلاّ من حيث العموم لحالتي الاختيار و الضرورة،و يمكن تخصيصه بالأخيرة جمعا بين الأدلّة.

إلاّ أن يمنع عموم المانعة منها،باختصاصها-بحكم التبادر و الغلبة، و التعبير بلفظ الفريضة المستعمل كثيرا في النصوص فيما استفيد وجوبه من الكتاب لا السنة-بالصلوات الخمس اليومية.

و لا يخلو عن قوة.و إن كان الأحوط عموم المنع،تحصيلا للبراءة اليقينيّة،

ص:288


1- المنتهى 1:223،التحرير 1:29.
2- المبسوط 1:80.
3- الذكرى:167.
4- منهم:صاحب المدارك 3:139،و السبزواري في الذخيرة:217،و صاحب الحدائق 6:410.
5- التهذيب 3:596/231،الوسائل 4:326 أبواب القبلة ب 14 ح 6.و ما بين المعقوفين من المصدر.

سيّما مع مقابلة الفريضة بالنافلة في بعض النصوص:أصلّي في محملي و أنا مريض؟قال،فقال:«أمّا النافلة فنعم،و أما الفريضة فلا» (1).

و هو مشعر بعموم الفريضة لكل صلاة واجبة و لو بالسنّة،إلاّ أن الإشعار لا يصلح الاستناد إليه للمنع،مع ضعف السند بالإضمار و الجهالة،و تضمن الذيل الذي لم نذكره عدم جواز الفريضة على الراحلة و لو حال الضرورة،و لم يقل به أحد من الطائفة،كما عرفته.

و احترز بقوله:اختيارا،عن الصلاة عليها اضطرارا،لجوازها حينئذ إجماعا ظاهرا،و مصرّحا به في المعتبر و المنتهى و غيرهما (2).

و النصوص به-مع ذلك،بعد الأصول-مستفيضة جدّا،منها،زيادة على المعتبرين السابقين (3)،الصحاح،منها:يصيبنا المطر و نحن في محاملنا و الأرض مبتلّة و المطر يؤذي،فهل يجوز لنا يا سيّدي أن نصلّي في هذه الحالة في محاملنا أو على دوابّنا الفريضة؟فوقّع عليه السلام:«يجوز ذلك مع الضرورة الشديدة» (4).

و منها:«إن كنت في أرض مخافة فخشيت لصّا أو سبعا فصلّ الفريضة و أنت على دابّتك» (5).

و في النصوص الكثيرة-و فيها الصحيح و غيره-:«أنه صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الفريضة في المحمل في يوم و حل و مطر» (6).

ص:289


1- التهذيب 3:953/308،الوسائل 4:327 أبواب القبلة ب 14 ح 10.
2- المعتبر 2:75،المنتهى 1:222،و انظر كشف اللثام 1:176.
3- في ص:281.
4- التهذيب 3:600/231،الوسائل 4:326 أبواب القبلة ب 14 ح 5.
5- الكافي 3:3/456،الفقيه 1:1345/295،التهذيب 3:381/172،الوسائل 8:442 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 3 ح 10.
6- الوسائل 4:326-327 أبواب القبلة ب 14 الأحاديث 5،8،9.

و كما تجوز على الراحلة للضرورة كذا تجوز ماشيا،كما صرّح به جماعة (1)،و حكي عن الأصحاب كافة (2)،و بإجماعهم صرّح في المنتهى (3)، للأصول،و خصوص النصوص الدالّة عليه بالعموم و الخصوص.

ففي الصحيح:عن الرجل يخاف من سبع أو لصّ كيف يصلّي؟قال:

«يكبّر و يومئ برأسه» (4)و نحوه آخر (5).

و في ثالث:عن الصلاة في السفر و أنا أمشي؟قال:«نعم يومئ إيماء، و ليجعل السجود أخفض من الركوع» (6).

و نحوها غيرها من الصحاح الدالّة عليه عموما من حيث الشمول للفريضة (7).

و من الدالّة عليه بالخصوص الرضوي،ففيه-بعد ما ذكر صلاة الراكب الفريضة على ظهر الدابة،و أنه يستقبل القبلة بالتكبيرة ثمَّ يمضي حيث توجّهت دابّته،و أنه وقت الركوع و السجود يستقبل القبلة و يركع و يسجد،إلى أن قال-:

«و تفعل فيها مثله إذا صلّيت ماشيا،إلاّ أنك إذا أردت السجود سجدت على الأرض» (8).

و قريب منه بعض النصوص المرخصة للفريضة على الراحلة حال

ص:290


1- منهم المحقق في المعتبر 2:77،و العلامة في نهاية الإحكام 1:407،و صاحب المدارك 3:141.
2- انظر الحدائق 6:412.
3- المنتهى 1:223.
4- التهذيب 3:382/173،الوسائل 8:442 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 3 ح 9.
5- الكافي 3:6/457،التهذيب 3:912/299،الوسائل 8:439 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 3 ح 1.
6- الكافي 3:7/440،الوسائل 4:335 أبواب القبلة ب 16 ح 4.
7- الوسائل 4:334 أبواب القبلة ب 16.
8- فقه الرضا(عليه السلام):163،المستدرك 3:189 أبواب القبلة ب 10 ح 2.

الضرورة من حيث التعليل فيه بقوله عليه السلام:«فاللّه تعالى أولى بالعذر» (1)و هو كالصريح في العموم.

مضافا إلى الاعتبار،و الأصول،و قوله سبحانه فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً [1] (2).

و هل يجب الاستقبال بقدر الإمكان،كما ذكره جماعة (3)،اقتصارا في الضرورة المرخّصة على قدرها؟.

أم يكفي الاستقبال بتكبيرة الإحرام خاصّة،كما في ظاهر الصحيح و غيره،معتضدا بإطلاقات الأخبار؟.

وجهان،أحوطهما الأوّل،بل لعلّه أظهرهما،لقوّة دليله،و ضعف معارضه من الإطلاق و ظاهر الخبرين،لاحتمال ورودهما مورد الغالب من عدم التمكن من الاستقبال فيما عدا التكبيرة للراكب.

و إذا لم يتمكن من الاستقبال مطلقا حتى في التكبيرة سقط قولا واحدا، للضرورة.كما أنه يجب الاستقبال فيها مع الإمكان قولا واحدا،و بالإجماع صرّح الفاضل في المنتهى هنا و سابقا (4)،و غيره هنا (5).

و هل يجب التأخير إلى ضيق الوقت،أم يجوز مع السعة؟ مقتضى الإطلاقات نصّا و فتوى الثاني،و صريح الرضوي (6)الأول،و به صرح الماتن في الشرائع في الماشي (7).و هو أحوط،سيّما مع أوفقيته بمقتضى

ص:291


1- التهذيب 3:603/232،الوسائل 4:325 أبواب القبلة ب 14 ح 2.
2- البقرة:239.
3- منهم العلامة في المنتهى 1:223،و الشهيد الأول في الذكرى:168،و صاحب المدارك 3:141.
4- المنتهى 1:223.
5- انظر كشف اللثام 1:176.
6- فقه الرضا(عليه السلام):148.
7- الشرائع 1:67.

الأصول الدالة على اعتبار القبلة و سائر الشروط،فيجب تحصيلها و لو بالتأخير من باب المقدمة.

و رخّص في النافلة سفرا أن تصلّي على الراحلة حيثما توجهت الراحلة و لو إلى غير القبلة،إجماعا ظاهرا،و مصرّحا به في المعتبر و المنتهى و الذكرى (1)و غيرها (2)،و للصحاح المستفيضة و غيرها.

و يستفاد من جملة منها صحيحة عدم الاختصاص بالسفر و جوازها في الحضر،بل و ماشيا أيضا مطلقا،ففي الصحيح في الرجل يصلي النافلة و هو على دابته في الأمصار،قال:«لا بأس» (3).و نحوه آخر (4).

و فيه:عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريبا من أبيات الكوفة أو كنت مستعجلا بالكوفة،فقال:«إن كنت مستعجلا لا تقدر على النزول و تخوّفت فوت ذلك إن تركته و أنت راكب فنعم،و إلاّ فإنّ صلاتك على الأرض أحبّ إليّ» (5).

و فيه:«و لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل بالسفر و هو يمشي،و لا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار و هو يمشي،يتوجه إلى القبلة و يقرأ،فإذا أراد أن يركع حوّل وجهه إلى القبلة و ركع و سجد ثمَّ مشى» (6).

إلى غير ذلك من النصوص.

ص:292


1- المعتبر 2:75،المنتهى 1:222،الذكرى:168.
2- كالخلاف 1:299.
3- التهذيب 3:589/229،الوسائل 4:330 أبواب القبلة ب 15 ح 10.
4- الكافي 3:8/440،الفقيه 1:1298/285،التهذيب 3:591/230،الوسائل 4:328 أبواب القبلة ب 15 ح 1.
5- التهذيب 3:605/232،الوسائل 4:331 أبواب القبلة ب 15 ح 12.
6- التهذيب 3:585/229،الوسائل 4:334 أبواب القبلة ب 16 ح 1.

و هو خيرة الشيخ في الخلاف (1)،لكن في خصوص الجواز على الراحلة في الحضر مدعيا هو عليه،و كذا الفاضل في ظاهر المنتهى في الماشي مطلقا (2)،إجماع الأصحاب،و تبعهما عامة متأخّري الأصحاب.

و النصوص المتقدمة و إن لم يستفد منها جواز الصلاة ماشيا في الحضر، لكنه مستفاد من إطلاق الإجماع المنقول،مضافا إلى إطلاق الخبرين،في أحدهما:«إن صلّيت و أنت تمشي كبّرت ثمَّ مشيت ثمَّ قرأت،فإذا أردت أن تركع أومأت بالركوع ثمَّ أومأت بالسجود،و ليس في السفر تطوع» (3).

و في الثاني:أنه لم يكن يرى بأسا أن يصلّي الماشي و هو يمشي و لكن لا يسوق الإبل (4).

كذا قيل.

و فيه نظر،بل العمدة في التعميم للماشي في الحضر هو الإجماع المنقول،بل المحقق،لعدم قائل بالمنع عن صلاته فيه مع تجويز صلاة الراكب فيه،فكل من صحّحها صحّح صلاة الماشي حضرا،و كل من أبطلها أبطلها،و هو العماني (5)،و الحلي في ظاهر كلامه،حيث خصّ صلاة النافلة على الراحلة بالسفر خاصة (6).

و لعل مستندهما إمّا الاقتصار فيما خالف الأصل-الدال على لزوم الصلاة إلى القبلة مطلقا و لو نافلة من العموم و توقيفية العبادة-على المجمع

ص:293


1- الخلاف 1:298.
2- المنتهى 1:222.
3- التهذيب 3:587/229،الوسائل 4:334 أبواب القبلة ب 16 ح 2.
4- الكافي 3:9/441،الفقيه 1:1318/289،التهذيب 3:592/230،الوسائل 4: 335،أبواب القبلة ب 16 ح 5.
5- كما نقله عنه في المختلف:79.
6- انظر السرائر 1:208.

عليه،و هو في السفر خاصة.

أو ظهور بعض الصحاح المتقدمة المرخّصة لها فيه في التقييد به،مؤيّدا بجملة من النصوص الواردة في تفسير قوله سبحانه فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ [1] (1)أنه ورد في النوافل في السفر خاصة (2).

و في الجميع نظر،لضعف النصوص المفسّرة سندا،بل و دلالة،إذ غايتها بيان ورود الآية فيه خاصّة،و هو لا يستلزم عدم المشروعية في غيره.

و الصحيح غير صريح،بل و لا ظاهر في التقييد إلاّ بالمفهوم الضعيف بورود القيد فيه مورد الغالب.

و الاقتصار على المتيقّن غير لازم حيث يوجد ما يقوم مقامه،و هو النصوص الصحيحة المتقدّمة الظاهرة في الجواز حضرا على الراحلة،و لا قائل بالفرق كما عرفته.

و بها يذبّ عن النصوص المفسّرة و الصحيحة المقيّدة على تقدير تسليم صحة السند و وضوح الدلالة،فإنّ هذه النصوص أقوى دلالة منها بلا شبهة، سيّما بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة و الإجماعات المنقولة.

و هل يتعيّن هنا الاستقبال بتكبيرة الإحرام كما في الصحيح (3)،و عن الحلي حاكيا له عن جماعة (4)؟أم لا،بل يستحب كما عليه آخرون (5)،لإطلاق النصوص،و صريح الصحيح الآخر (6)؟.

ص:294


1- البقرة:115.
2- الوسائل 4:332،333 أبواب القبلة ب 15 الأحاديث 18،19،23.
3- التهذيب 3:606/233،الوسائل 4:331 أبواب القبلة ب 15 ح 13.
4- السرائر 1:336.
5- انظر مجمع الفائدة و البرهان 2:62،و المدارك 3:148،و الحدائق 6:428.
6- التهذيب 3:581/228،الوسائل 4:329 أبواب القبلة ب 15 ح 7.

قولان،و لعل الثاني أظهر و إن كان الأوّل أحوط.

و يكفي في الركوع و السجود هنا الإيماء.و ليكن السجود أخفض من الركوع،كما في النصوص (1).

و لا يجب في الإيماء للسجود وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، للصحيح:«يضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شيء و يومئ في النافلة إيماء» (2).

و لو ركع و سجد مع الإمكان كان أولى،للصحيح.و أولى منه أن يصلّي على الأرض مستقرّا،للصحيح الآخر الماضي كسابقه (3).

الرابعة في لباس المصلي
مسائل
اشارة

الرابعة:

في بيان ما يجوز الصلاة فيه من لباس المصلي.

اعلم أنه

لا يجوز الصلاة في جلد الميتة و لو دبغ و ما لا يؤكل لحمه

لا يجوز الصلاة في جلد الميتة و لو دبغ إجماعا على الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر (4):

و للنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة،بل قيل:متواترة (5)، ففي الصحيح:عن جلد الميتة أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟قال:«لا،و لو دبغ سبعين مرّة» (6).

و في القريب منه سندا:في الميتة،قال:«لا تصلّ في شيء منه

ص:295


1- الوسائل 4:335 أبواب القبلة ب 16 ح 3،4.
2- التهذيب 4:952/308،الوسائل 4:325 أبواب القبلة ب 14 ح 1.
3- راجع ص 288.
4- كالذكرى:142،و المدارك 3:157،و كشف اللثام 1:183.
5- قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:80،و الشهيد الثاني في روض الجنان:212.
6- الفقيه 1:750/160،التهذيب 2:794/203 بتفاوت يسير،الوسائل 3:501 أبواب النجاسات ب 61 ح 1.

و لا شسع » (1)(2).

و ظاهره عموم المنع لما ليس بساتر أيضا،و به صرّح جماعة من أصحابنا (3)،و يستفاد من أخبار أخر أيضا،منها الموثق و غيره:«لا بأس بتقليد السيف في الصلاة فيه الغراء (4)و الكيمخت (5)ما لم يعلم أنه ميتة» (6).

و في الخبر (7):كتبت إلى أبي محمد عليه السلام:يجوز للرجل أن يصلّي و معه فارة المسك؟فكتب:«لا بأس به إذا كان ذكيّا» (8).

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين ذات النفس و غيرها،و به صرّح بعض أصحابنا (9).خلافا لآخرين (10)،فقيّدوها بالأولى،لكونها المتبادر من الإطلاق جدّا.و هذا أقوى،و إن كان الأوّل أحوط و أولى (11).

ص:296


1- الشسع-بالكسر-واحد شسوع النعل،و هو ما يدخل بين الإصبعين في النعل العربي ممتد إلى الشراك.مجمع البحرين 4:352.
2- التهذيب 2:793/203،الوسائل 4:343 أبواب لباس المصلي ب 1 ح 2.
3- منهم العلامة في المنتهى 1:225،و الشهيد الثاني في روض الجنان:212،و صاحب المدارك 1:161،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:108.
4- ما أثبتناه موافق للفقيه و نسخة الوافي من التهذيب و«ل»و«م»،و هو بالمدّ و القصر:الذي يلصق به الأشياء و يتّخذ من أطراف الجلود و السمك(النهاية 3:364).و في التهذيب المطبوع و الوسائل و«ش»و«ح»:الفراء-بالفاء-جمع الفرو،و هو الذي يلبس من الجلود التي صوفها معها (مجمع البحرين 1:329).
5- الكيمخت-بالفتح فالسكون-فسّر بجلد الميتة المملوح،و قيل هو الصاغري المشهور(مجمع البحرين 2:441).
6- الفقيه 1:811/172،التهذيب 2:800/205،الوسائل 3:493 أبواب النجاسات ب 50 ح 12.
7- في«ح»زيادة:الصحيح.
8- التهذيب 2:1500/362،الوسائل 4:433 أبواب لباس المصلي ب 41 ح 2.
9- كالشيخ البهائي في الحبل المتين:180،و نقله عن والده أيضا.
10- منهم صاحب المدارك 3:161،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:108،و صاحب الحدائق 7:56.
11- و قد ادعى الفاضل في المنتهى 1:226،إجماعنا على فساد الصلاة في جلد ما لا يؤكل،و عدّ منه القنفذ و اليربوع و الحشرات،و الظاهر أن نحو القنفذ و كثير من الحشرات ليس لها نفس،لكن علل المنع فيه بما يدل على اختصاص المنع فيها بما له نفس سائلة.منه رحمه اللّه.

و ينبغي عليه تقييد غير ذي النفس بنحو السمك ممّا له الجلد الذي هو مورد النص،دون نحو القمل و البق و البرغوث،للقطع بعدم البأس فيها.

ثمَّ إن هذا إذا علم كونه ميتة،أو وجد في يد كافر.أما مع الشك في التذكية فقد مضى في أواخر كتاب الطهارة المنع عنه أيضا (1).وفاقا لجماعة (2).

خلافا لنادر (3)،و قد عرفت مستنده،و ضعفه بمعارضته بالمعتبرة المستفيضة المعتضدة بالشهرة و استصحاب بقاء شغل الذمة.

نعم لو أخذ من بلاد الإسلام حكم بذكاته،و كذا لو أخذ من يد مسلم، للنصوص المستفيضة المتقدمة ثمة (4).و مقتضاها إطلاقا عدم الفرق بين كون المسلم المأخوذ منه ممّن يستحل الميتة بالدبغ و عدمه.و به صرح جماعة (5)، مستندين إلى إطلاق المستفيضة،بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال في جملة منها.

خلافا للتذكرة و التحرير و المنتهى (6)،فمنع عمّا يؤخذ عن يد مستحلّ الميتة بالدبغ مطلقا و إن أخبر بالتذكية،لأصالة العدم.

و فيه-بعد ما عرفت من إطلاق النص أو عمومه-نظر.

و أما الخبران:«كان علي بن الحسين عليه السلام رجلا صردا (7)لا يدفئه

ص:297


1- راجع ص:146-147.
2- منهم الشهيدان في الدروس:1-150 و روض الجنان:212.
3- كصاحبي المدارك 3:158،و الحدائق 7:55.
4- في ص:143-144.
5- منهم:صاحب المدارك 3:158،و الفيض في المفاتيح 1:108،و صاحب الحدائق 7: 53.
6- التذكرة 1:94،التحرير 1:30،المنتهى 1:226.
7- الصرد بفتح الصاد و كسر الراء المهملة:من يجد البرد سريعا-مجمع البحرين 3:85.

فراء الحجاز،فإن دباغها بالقرظ (1)،فكان يبعث إلى العراق فيؤتى من قبلكم بالفراء فيلبسه،فإذا حضرت الصلاة ألقاه و ألقى القميص الذي يليه،و كان يسأل عن ذلك،فيقول:إن أهل العراق يستحلّون لباس الجلود الميتة،و يزعمون أن دباغه ذكاته» (2).كما في أحدهما.

و في الثاني:إني أدخل سوق المسلمين فأشتري منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها:أ ليست ذكية؟فيقول:بلى،فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية؟فقال:«لا،و لكن لا بأس أن تبيعها و تقول:قد شرط الذي اشتريتها منه أنّها ذكية»قلت:و ما أفسد ذلك؟قال:«استحلال أهل العراق للميتة،و زعمهم أن دباغ جلد الميتة ذكاته» (3)الحديث.

فلا يعارضان ما قدّمنا،لضعف سندهما،بل و دلالتهما أيضا،فإنّ غاية ما يستفاد من الأوّل أنه عليه السلام كان ينزع منه فرو العراق حال الصلاة،و من الجائز أن يكون ذلك على جهة الأفضلية.و في لبسها في غير حال الصلاة إشعار بعدم كونه ميتة.

و من الثاني المنع عن بيع ما أخبر بذكاته على أنه مذكّى،و هو غير دالّ على تحريم استعماله.بل نفي البأس عن بيعه أخيرا يشعر بل يدل على عدم كونه ميتة،لعدم جواز بيعها إجماعا.

و كذا لا تجوز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه شرعا مطلقا و لو ذكّي و دبغ،و لا في صوفه و شعره و وبره بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في كثير

ص:298


1- القرظ بالتحريك:ورق السلم يدبغ به الأديم-مجمع البحرين 4:289.
2- الكافي 3:2/397،التهذيب 2:796/203،الوسائل 4:462 أبواب لباس المصلي ب 61 ح 2.
3- الكافي 3:5/398،التهذيب 2:798/204،الوسائل 3:503 أبواب النجاسات ب 61 ح 4.

من العبائر،كالخلاف و الغنية و المعتبر و المنتهى و التذكرة و نهاية الإحكام،و شرح القواعد للمحقق الثاني،و روض الجنان (1)،و نفى عنه الخلاف في السرائر (2)، و ادعاه في الانتصار في وبر الثعالب و الأرانب و جلودهما،قال:و إن ذبحت و دبغت (3).

و النصوص به مع ذلك مستفيضة،و فيها الصحاح و الموثّقات و غيرها،منها الصحيح:عن الصلاة في جلود السباع،فقال:«لا تصلّ فيها» (4).

و الموثّق المرويّ بعدّة طرق:عن جلود السباع،فقال:«اركبوها و لا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه» (5)كما في طريقين،و في آخرين:عن لحوم السباع و جلودها،فقال:«أما لحوم السباع فمن الطير و الدواب فإنّا نكرهه،و أما الجلود فاركبوا عليها و لا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه» (6).

و اختصاصها بالسباع غير ضائر بعد عدم قول بالفرق بين الأصحاب، مستندا إلى عموم كثير من النصوص في الباب،منها الموثق كالصحيح-بل قيل صحيح-«إن الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شيء منه فاسد،لا تقبل تلك الصلاة حتّى تصلّي في غيره مما أحلّ اللّه تعالى أكله»ثمَّ قال:«يا زرارة،فإن كان ممّا يؤكل

ص:299


1- الخلاف 1:511،الغنية(الجوامع الفقهية):555،المعتبر 2:78،المنتهى 1:226، التذكرة 1:94،نهاية الإحكام 1:373،جامع المقاصد 2:80،روض الجنان:213.
2- السرائر 1:262.
3- الانتصار:38.
4- الكافي 3:12/400،التهذيب 2:801/205،الوسائل 4:354 أبواب لباس المصلي ب 6 ح 1.
5- الكافي 6:2/541،المحاسن:106/629،الوسائل 4:353 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 4 و ذيله.
6- الفقيه 1:801/169،التهذيب 2:802/205،الوسائل 4:353 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 3 و ذيله.

لحمه فالصلاة في وبره و بوله[و شعره]و روثه و ألبانه و كلّ شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكّاه الذبح،و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله أو حرم عليك أكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد،ذكّاه الذبح أو لم يذكّه» (1).

و منها المروي في الفقيه في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام:«يا علي لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه و لا يؤكل لحمه» (2).

و المروي عن العلل:«لا تجوز الصلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه، لأن أكثره مسوخ» (3).

و المرسل في التهذيب،المروي عن العلل صحيحا.كان أبو عبد اللّه عليه السلام يكره الصلاة في وبر كل شيء لا يؤكل لحمه (4)و المراد بالكراهة فيهما التحريم،كما يستفاد من تتبّع نصوص الباب.

و الخبر:كتبت إليه:يسقط على ثوبي الوبر و الشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية و لا ضرورة،فكتب:«لا تجوز الصلاة فيه» (5).

و ظاهره إطلاق المنع و لو كان شعرات ملقاة على الثوب،فضلا عن أن يكون قلنسوة أو تكة مضافا إلى وقوع التصريح بالمنع فيهما على الخصوص في الصحيح المروي في الكافي و التهذيب عن علي بن مهزيار:

قال:كتب إليه إبراهيم بن عقبة:عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصلاة فيه من غير ضرورة و لا تقية؟فكتب عليه السلام:«لا تجوز

ص:300


1- الكافي 3:1/397،التهذيب 2:818/209،الاستبصار 1:1454/383،الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1.و ما بين المعقوفين من المصادر.
2- الفقيه 4:265،الوسائل 4:346 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 6.
3- علل الشرائع:1/342،الوسائل 4:347 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 7.
4- التهذيب 2:820/209،علل الشرائع:2/342،الوسائل 4:346 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 5.
5- التهذيب 2:819/209،الاستبصار 1:1455/384،الوسائل 4:346 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 4.

الصلاة فيها» (1).

و نحوه الخبر المروي في التهذيب و الاستبصار بسند محتمل الصحة في الأخير (2).

هذا مضافا إلى إطلاق النصوص بالمنع عن الصلاة في نحو الوبر و الشعر (3).

و توهم اختصاصه بالملابس بملاحظة لفظة«في»المقتضية لذلك.

مدفوع بعدم جريانه في الموثق كالصحيح المتقدم (4)،لدخولها عليهما و على البول و الروث أيضا،و ليست بالنسبة إليهما للظرفية قطعا،بل لمطلق الملابسة.و مثله حجّة،سيّما بعد اعتضاده بالشهرة بين الطائفة عموما في أصل المسألة،و خصوصا في نحو التكّة،على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة و منهم صاحبا المدارك و الذخيرة (5)،بل صرّح الأخير بالشهرة على الإطلاق حتى في نحو الشعرات الملقاة،كخالي العلامة المجلسي فيما حكي عنه (6).

مع مخالفته العامّة،كما صرّح به جماعة (7)،و اعتضاده بالصحيحين و ما قبلهما من الرواية.

خلافا للمبسوط و ابن حمزة،فيجوز مع الكراهة (8)،و حجّتهما غير واضحة عدا ما في المختلف من وجه اعتباري ضعيف (9)،و مكاتبة أخرى

ص:301


1- الكافي 3:9/399،التهذيب 2:806/206،الوسائل 4:356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 3.
2- التهذيب 2:805/206،الاستبصار 1:1452/383،الوسائل 4:356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 5.
3- الوسائل 4:345 أبواب لباس المصلي ب 2.
4- في ص:294.
5- المدارك 3:167،الذخيرة:234.
6- بحار الأنوار 80:221.
7- منهم صاحبا الذخيرة:234،و الحدائق 7:79.
8- المبسوط 1:84،ابن حمزة في الوسيلة:88.
9- و هو:إنه قد ثبت للتكّة و القلنسوة حكم مغاير لحكم الثوب من جواز الصلاة فيهما و إن كانا نجسين أو من حرير محض،فكذا يجوز لو كانا من وبر الأرانب و غيرها.المختلف:80.

صحيحة:هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه،أو تكة حرير محض،أو تكة من وبر الأرانب؟فكتب:لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض، و إن كان الوبر ذكيّا حلّت الصلاة فيه» (1).

و فيها-بعد الإغماض من كونها مكاتبة تضعف عن مقاومة الرواية مشافهة و إن قصرت عن الصحة،لانجبارها كما عرفت بالشهرة المرجّحة لها على الصحيح،بل الصحاح،مع اعتضادها بالمكاتبات الثلاث التي جملة منها كما عرفت صحيحة لا يعارضها هذه المكاتبة للشهرة-:أنها قاصرة الدلالة بما ذكره الماتن في المعتبر-و حكاه عنه في الذكرى ساكتا عليه-:من أن غايتها أنها تضمنت قلنسوة عليها وبر،فلا يلزم جوازها من الوبر (2).

و ما يقال:من أنها مصرّحة بجواز الصلاة في الوبر المسؤول عنه،و من جملة ما وقع السؤال عنه التكّة المعمولة من وبر الأرانب،فكيف يدّعى أنها تضمنت ما على القلنسوة من الوبر لا غير؟ (3).

يمكن الجواب عنه:بأن ما ذكره حسن لو عطف قوله:«أو تكة»على قوله:«قلنسوة»مع أنه يحتمل العطف على قوله:«وبر»بعد قوله:«عليها» و لا ترجيح للأول (4)،بل قرب المرجع يرجّح الثاني و إن بعد عن الاعتبار،لكن غايته التوقف في الترجيح (5).

و لو سلّم ترجيح الأوّل لكان المتعين حملها على التقية،لكون الجواز مذهب العامة كما صرّح به جماعة (6)،و يشير إليه كونها مكاتبة.

مع أنّها متضمنة لاشتراط كون الوبر مذكّى في حلّ الصلاة فيه،و هو

ص:302


1- التهذيب 2:810/207،الاستبصار 1:1453/383،الوسائل 4:377 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 4.
2- المعتبر 2:83،الذكرى:144.
3- قال به الشهيد الثاني في روض الجنان:214.
4- في«ح»زيادة:على الثاني.
5- في«ح»زيادة:فتأمل.
6- راجع ص 296 الهامش(7).

خلاف الإجماع نصّا و فتوى بأيّ معنى اعتبر التذكية فيها:بمعنى الطهارة أو قبول الحيوان ذي الوبر التذكية،إذ الطهارة غير مشترطة في نحو التكة التي هي مورد السؤال مما لا يتم فيه الصلاة اتفاقا.و كذا قبول الحيوان التذكية،لعدم اشتراطها في الوبر من طاهر العين منه الذي هو مورد البحث في المسألة إجماعا.

قيل:و لعل المراد من التذكية فيها كونه مما يؤكل لحمه،و يشير إلى ذلك بعض الأخبار:في الصلاة في الفراء،فقال:«لا تصلّ فيها إلاّ ما كان ذكيّا» قال،قلت:أ ليس الذكي ما ذكّي بالحديد؟فقال:«بلى إذا كان مما يؤكل لحمه» (1).

و لا بأس به-و إن بعد-جمعا.و لكن الأولى حملها على التقية،لما مرّ؛ مضافا إلى مناسبة اشتراط التذكية فيها لما يحكى عن الشافعي و أحمد:من اشتراطهما كون الشعر و نحوه مأخوذا من الحي،أو بعد التذكية،و أنه إذا أخذ من الميت فهو نجس لا تصح الصلاة فيه (2).

و مما ذكر ظهر ضعف الاستناد إلى هذه الرواية للحكم بجواز الصلاة في الشعرات الملقاة خاصة دون التكة،نظرا إلى صحتها و ضعف الرواية السابقة المصرحة بالمنع فيها بالخصوص.

لأن الضعف كما عرفت بما مرّ مجبور،و الصحيحة قد عرفت وجوه القدح فيها،سيّما التقية.

و أضعف منه الاستناد لذلك بأن فيه الجمع بين الأخبار المانعة بحملها

ص:303


1- الكافي 3:3/397،التهذيب 2:797/203،الوسائل 4:345 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 2.
2- نقله عن الشافعي في صحيح مسلم بشروح النووي(إرشاد الساري 2):432،و حكاه عن أحمد في المغني و الشرح الكبير 1:105.

على الثوب المعمول من ذلك،و المجوّزة بحملها على الشعرات الملقاة على الثوب (1).

لعدم الشاهد عليه أوّلا،و فقد التكافؤ ثانيا،مع تصريح المكاتبة الصحيحة أخيرا-بزعمه-بجواز الصلاة في التكة و المكاتبة الأولى بالمنع من الشعرات الملقاة،و قريب منها الموثقة كالصحيحة المتقدمة (2)كما عرفته، فكيف يتم له الجمع بما ذكره؟ و قريب منه في الضعف ما ذكره الشيخ:من الجمع بينهما بحمل المجوّزة على ما يعمل منها ما لا يتم الصلاة فيه وحده كالتكة و نحوها،و المانعة على غيره (3).

إذ فيه إطراح للمكاتبتين المصرّحتين بالمنع عن التكة و القلنسوة (4).

و أضعف من الجميع الاستناد للجواز في الشعر الملقى بالمعتبرة الدالة على جواز الصلاة في شعر الإنسان و أظفاره كما في الصحيحين (5)،و بزاقه كما في المروي عن قرب الإسناد (6).

فإنّ الظاهر خروج ذلك-كفضلات ما لا يؤكل لحمه غير ذي النفس مما لا يمكن التحرز عنه كالقمل و البرغوث و البق و نحوه-عن محل النزاع،كما صرّح به جماعة من الأصحاب (7)،لاختصاص أدلّة المنع نصا و فتوى بحكم التبادر و غيره

ص:304


1- انظر روض الجنان:214.
2- في ص:293.
3- كما في التهذيب 2:207.
4- المتقدمتين في ص:294.
5- الفقيه 1:812/172،التهذيب 2:1526/367،الوسائل 4:382 أبواب لباس المصلي ب 18 ح 1،2.
6- قرب الاسناد:282/86،الوسائل 3:427 أبواب النجاسات ب 17 ح 6.
7- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:184،و صاحب الحدائق 7:84،و انظر روض الجنان:214.

بغير ذلك جدّا،مع لزوم العسر الحرج و الضيق في التجنب عن نحو ذلك قطعا، و مخالفته لإجماع المسلمين،بل الضرورة أيضا.

و يعضد المختار ما سيأتي من الأخبار المانعة عن الصلاة في الخزّ المغشوش بوبر الأرانب (1)،فتأمّل ،و المانعة عن الصلاة في الثياب الملاصقة لوبر الأرانب و الثعالب (2)،بناء على أنّ الظاهر أنّ وجه المنع فيها إنما هو احتمال تساقط الشعرات منهما عليها،و لا يتمّ إلاّ بتقدير المنع عن الصلاة معها مطلقا.

و يجوز استعماله أي كلّ من جلد ما لا يؤكل لحمه و صوفه و شعره و وبره لا في الصلاة مطلقا و لو أخذ من ميتة إلاّ إذا كانت نجسة العين أو كان المأخوذ منها جلدا.

و لو كان كل من المذكورات مما يؤكل لحمه شرعا جاز استعماله في الصلاة و غيرها مطلقا فيما عدا الجلد،و يشترط التذكية فيه و إلاّ فهو ميتة.بلا خلاف في الجواز في شيء من ذلك أجده،بل عليه في المتخذ من مأكول اللحم إجماع الإمامية في عبائر جماعة (3).

و النصوص به مع ذلك بعد الأصل مستفيضة،منها الصحيح:«عن لباس الفراء و الفنك و السمور و الثعالب و جميع الجلود،قال:لا بأس» (4).

و في الصحيح:عن لبس فراء السمور و السنجاب و الحواصل و ما أشبهها،و المناطيق و الكيمخت و المحشوّ بالقزّ و الخفاف من أصناف الجلود،

ص:305


1- انظر ص:1232.
2- في ص:342.
3- منهم الصدوق في أماليه:510،513،و انظر المعتبر 2:83،و المنتهى 1:230،و جامع المقاصد 2:77.
4- التهذيب 2:826/211،الاستبصار 1:1560/385،الوسائل 4:352 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 1.

فقال:«لا بأس بهذا كله إلاّ بالثعالب» (1).

و يستفاد منه البأس في الثعالب و لعلّه للكراهة،و إلاّ فقد صرّحت الصحيحة السابقة بالجواز،و نحوها غيرها:قلت لأبي جعفر عليه السلام:

الثعالب يصلى فيها؟قال:لا،و لكن تلبس بعد الصلاة» (2)إلى غير ذلك من النصوص الآتية.

و في الصحيح:«لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة،لأن الصوف ليس فيه روح» (3).

و فيه:«اللبن و اللبأ (4)و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كل شيء ينفصل من الشاة و الدابة فهو ذكي،و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صلّ فيه» (5).

و في الموثق كالصحيح السابق:«فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكّاه الذبح (6).

و في الخبر:عن لباس الفراء و الصلاة فيها،فقال:لا تصلّ فيها إلاّ ما كان ذكيّا»إلى آخر ما مرّ قريبا (7).

ص:306


1- التهذيب 2:1533/369،الوسائل 4:352 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 2.
2- الكافي 3:14/400،التهذيب 2:822/210،الاستبصار 1:1457/384،الوسائل 4: 356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 4.
3- التهذيب 2:1530/368،الوسائل 4:457 أبواب لباس المصلي ب 56 ح 1.
4- اللبأ على فعل بكسر الفاء و فتح العين:أوّل اللبن في النتاج.الصحاح 1:70.
5- الكافي 6:4/258،التهذيب 9:321/75،الوسائل 24:180 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 3.
6- تقدم مصدره في ص:294.
7- في ص:298.

و في آخر:إنّ بلادنا بلاد باردة فما تقول في لبس هذا الوبر؟فقال:«البس منها ما أكل و ضمن» (1).

و عن تحف العقول في حديث:«و كل شيء يؤكل لحمه فلا بأس بلبس جلده الذكيّ منه و صوفه و شعره و وبره،و إن كان الصوف و الشعر و الوبر و الريش من الميتة و غير الميتة ذكيّا فلا بأس بلبس ذلك و الصلاة فيه» (2)إلى غير ذلك من النصوص.

و إطلاقها بل صريح بعضها كما ترى يقتضي جواز استعمال نحو الصوف و الشعر مطلقا و إن أخذ من ميتة جزّا و قرضا أو قلعا و نتفا.

و لا خلاف فيه في الأوّل،و هو في الثاني مشهور بين الأصحاب،على الظاهر،المصرّح به في كلام بعض (3)،للإطلاق.و هو و إن عمّ صورتي كون القلع مع غسل موضع الاتصال (4)و عدمه،إلاّ أنه يجب تقييده بالصحيح المتقدم المتضمن لقوله:«و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله».

و ظاهر أنّ المأمور بغسله هو موضع الاتّصال خاصة،أو المجموع بعد امتزاج بعضها مع بعض-كما هو الغالب-فيلزم غسله أجمع من باب المقدمة.

و علّل-زيادة عليه-بأنّ باطن الجلد لا يخلو عن رطوبة،مع أنّ بعضهم نجّس الملاقي للميتة مطلقا (5).

خلافا للمحكي عن ابن حمزة (6)،و الصيد و الذبائح من النهاية

ص:307


1- الكافي 6:3/450،الوسائل 4:346 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 3.
2- تحف العقول:252،الوسائل 4:347 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 8.
3- الحدائق 5:82.
4- في المختصر المطبوع زيادة:نتفا.
5- انظر نهاية الإحكام 1:292،و روض الجنان:168،و المعالم:276.و قد تقدّم البحث فيه في ص 143-144.
6- الوسيلة:88.

و المهذّب (1)،و كتاب المأكول و المشروب من الإصباح (2)،فقالوا:لا يحل الصوف و الشعر و الوبر من الميتة إذا كان مقلوعا.

و حمل في السرائر و المعتبر و المنتهى (3)على أن لا يزال ما يستصحبه و لا يغسل موضع الاتصال.

قيل:و قد يقال:إنّ ما في باطن الجلد لم يتكوّن صوفا أو شعرا أو وبرا (4).و ضعفه ظاهر.

و عن الوسيلة اشتراط أن لا ينتف من حي أيضا (5).

و هو مبنيّ على استصحابها شيئا من الأجزاء،و الأجزاء المبانة من الحي كالمبانة من الميت،و لذا اشترط في المنتهى و نهاية الإحكام في المنتوف منه

ص:308


1- النهاية:585،المهذّب 2:441.
2- الإصباح في فقه الإمامية،لأبي الحسن محمد بن الحسين بن الحسن البيهقي النيسابوري، المشتهر بقطب الدين الكيدري(بالدال المهملة،و كيدر قرية من قرى بيهق)أو الكيذري (بالذال المعجمة،كما ضبطه السيد علي خان في طراز اللغة)أو الكندري(بالنون،كما ضبطه الفاضل الهندي في كشف اللثام).و كان فقيها متبحّرا فاضلا أديبا من أكمل علماء زمانه في أكثر الفنون،و أقواله في الفقه مشهورة،منقولة في المختلف و غاية المراد و المسالك و كشف اللثام و غيرها،و له كتب منها:حدائق الحقائق،في شرح نهج البلاغة،فرغ منه في شعبان سنة 576، و كفاية البرايا في معرفة الأنبياء و الأولياء،و مباهج المنهج في مناهج الحجج،و لبّ الألباب في الكلام،و الدرر في دقائق النحو،و كتاب أنوار العقول،و لا يبعد كونه بعينه هو الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام.انظر طراز اللغة(كذر)،أمل الآمل 2:220،أعيان الشيعة 8:451،روضات الجنّات 6:295-300،فوائد الرضوية:493،رجال السيد بحر العلوم 3:240-248،الكنى و الألقاب 3:60،الذريعة 2:118.و غير بعيد اتحاده مع قطب الدين محمد بن الحسين بن أبي الحسين القزويني،الذي ذكره منتجب الدين في فهرسته: 489/187.
3- السرائر 3:111،المعتبر 2:84،المنتهى 1:231.
4- كما في كشف اللثام 1:182.
5- الوسيلة:87.

أيضا الإزالة و الغسل،و ذكر أنه لا بد فيه من استصحاب شيء من مادته (1).

قلت:نعم،و لكن في كون مادته جزاء له نظر،بل الظاهر كونه فضلة، إلاّ أن يحسّ بانفصال شيء من الجلد أو اللحم معه.كيف و لو صحّ ذلك لم يصح الوضوء غالبا،خصوصا في الأهوية اليابسة،لأنها لا تخلو عن انفصال شيء من الحواجب و اللحى.

يجوز في الخزّ الخالص

و يجوز الصلاة في وبر الخزّ الخالص من الامتزاج بوبر الأرانب و الثعالب و غيرهما مما لا تصح الصلاة فيه،لا مطلق الخلوص.فلو كان ممتزجا بالحرير مثلا بحيث لا يكون الخزّ مستهلكا به لم يضرّ،و به وقع التصريح في بعض الأخبار (2).

و الأصل فيه-بعد الإجماع،على الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر (3)حدّ الاستفاضة بل فصاعدا-المعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح و الموثق و غيرها (4).

و كذلك جلده عند الأكثر،على الظاهر،المصرّح به في كلام بعض (5)، للصحيح:عن جلود الخزّ،فقال:«هو ذا نحن نلبس»فقلت:ذاك الوبر،

ص:309


1- المنتهى 1:231،نهاية الإحكام 1:374.
2- التهذيب 2:1524/367،الاستبصار 1:1468/386،الوسائل 4:374 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 5.
3- كالغنية(الجوامع الفقهية):555،و السرائر 1:261-262،و المعتبر 2:84،و المنتهى 1: 231،و التذكرة 1:95،و نهاية الإحكام 1:374.و الذكرى:144،و شرح القواعد للمحقق الثاني(جامع المقاصد 2:78)،و روض الجنان للشهيد الثاني:206،و شرح الشرائع للصيمري،و نفى عنه الخلاف في التنقيح 1:178،و غيره.منه رحمه اللّه.
4- انظر الوسائل 4:أبواب لباس المصلي ب 8،9.
5- لم نعثر على من نسب الجواز إلى الأكثر،نعم نقل في مفتاح الكرامة 2:133 عن كشف الالتباس للصيمري أنه المشهور.

فقال:«إذا حلّ وبره حلّ جلده» (1).

و الموثق:عن الصلاة في الخزّ،فقال:«صلّ فيه» (2).

و فيهما نظر،لعدم تصريح في الأوّل بجواز الصلاة،فيحتمل حلّ اللبس كما يشعر به سياقه.

نعم قوله:«إذا حلّ وبره»إلى آخره،ربما أشعر بتلازمهما في الحلّ مطلقا حتى في الصلاة.لكنّه ليس بصريح،بل و لا ظاهر،لقوّة احتمال اختصاص التلازم في حلّ اللبس-المستفاد من السياق-خاصة،فيشكل الخروج بمجرّده عن عموم ما دلّ على المنع عن الصلاة في جلد كل ما لا يؤكل لحمه.

و بنحوه يجاب عن الموثق،و إن صرّح فيه بجواز الصلاة،لإطلاقه أو عمومه من وجه آخر،و هو عدم التصريح فيه بالمراد من الخزّ المطلق فيه أ هو الجلد،أو الوبر،أو هما معا؟فيحتمل إرادة الوبر منه خاصة،كما هو المتبادر منه حيثما يطلق،سيّما في الأخبار،كما لا يخفى على الناظر فيها بعين الإنصاف.

و أضعف منهما الاستدلال له بالصحيح:عن جلود الخز،فقال:«ليس بها بأس» (3).

لعدم التصريح فيه بالصلاة،مع عدم تضمنه ما في الصحيح الأوّل مما يشعر بالتلازم بين حكم الجلد و الوبر على الإطلاق.

ص:310


1- الكافي 6:7/452،التهذيب 2:1547/372،الوسائل 4:366 أبواب لباس المصلي ب 10 ح 14.
2- التهذيب 2:829/212،الوسائل 4:360 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 5.
3- الكافي 6:3/451،علل الشرائع:1/357 الوسائل 4:362 أبواب لباس المصلي ب 10 ح 1.

و من هنا ظهر عدم نص في الجلد يطمئن إليه في تخصيص عموم المنع.

و لعله لذا أفتى الفاضل في التحرير و المنتهى (1)بالمنع،قائلا إنّ الرخصة وردت في وبر الخز لا في جلده،فيبقى على المنع المستفاد من العموم،و هو خيرة الحلي نافيا الخلاف عنه كما حكي (2).

و لا ريب أنه الأحوط للعبادة،تحصيلا للبراءة اليقينية.و إن كان الجواز لا يخلو عن قرب،لقوة الإشعار السابق المعتضد بعموم الموثق المتقدم.

مضافا إلى ظاهر الخبر المنجبر ضعفه بعمل الأكثر:ما تقول في الصلاة في الخز؟فقال:«لا بأس بالصلاة فيه»إلى أن قال عليه السلام:«فإنّ اللّه تعالى أحلّه و جعل ذكاته موته كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها» (3).

و التقريب وروده في الصلاة مع التصريح فيه بالذكاة،و هي إنما تعتبر في نحو الجلد لا الوبر مما لا تحلّه الحياة.

لكنه ينافيه الخبر المروي في الاحتجاج عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام أنه سئل:روي لنا عن صاحب العسكر عليه السلام أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغشّ بوبر الأرانب،فوقّع عليه السلام:«يجوز»و روي عنه أيضا:«لا يجوز»فأيّ الخبرين نعمل به؟فأجاب عليه السلام:«إنما حرم في هذه الأوبار و الجلود،فأما الأوبار وحدها فكل حلال» (4).

و كيف كان،فالاحتياط لا يترك،بل عن أمالي الصدوق أن الأولى ترك الصلاة في الخز من أصله (5).

ص:311


1- التحرير 1:30،المنتهى 1:231.
2- السرائر 1:262.
3- الكافي 3:11/399،التهذيب 2:828/211،الوسائل 4:359 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 4.
4- الاحتجاج:492،الوسائل 4:366 أبواب لباس المصلي ب 10 ح 15.
5- أمالي الصدوق:513.

قيل:و لم يذكر جواز الصلاة فيه الحلبي و لا الصدوق في الهداية بل اقتصر فيها على رواية،و لا الشيخ في عمل يوم و ليلة بل اقتصر فيه على حرمة الصلاة فيما لا يؤكل لحمه من الأرنب و الثعلب و أشباههما،و كذا العلامة في التبصرة (1).

و لا يجوز الصلاة في المغشوش منه بوبر الأرانب و الثعالب على الأظهر الأشهر،بل لا خلاف فيه يظهر إلاّ من الصدوق في الفقيه،حيث قال-بعد نقل رواية الجواز (2)-:هذه رخصة،الآخذ بها مأجور و الرادّ لها مأثوم،و الأصل ما ذكره أبي -رحمه اللّه-في رسالته إليّ:و صلّ في الخزّ ما لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب (3).

و هو شاذ كروايته،مع ضعف سندها،و بشذوذها صرّح الشيخ في التهذيبين،حاملا لها على التقية (4)،مؤذنا بدعوى إجماعنا عليه،كما صرّح به في الخلاف في المغشوش بوبر الأرانب (5)،و كذا ابن زهرة فيه و في المغشوش بوبر الثعالب (6)،كما حكي عنهما (7)،و به صرّح فيهما أيضا في المنتهى،حاكيا نقله عن كثير من أصحابنا (8)،كالماتن في المعتبر (9).

ص:312


1- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:181.
2- الفقيه 1:805/170،التهذيب 2:834/212،الاستبصار 1:1471/387،الوسائل 4:362 أبواب لباس المصلّي ب 9 ح 2.
3- الفقيه 1:171.
4- التهذيب 2:213،الاستبصار 1:387.
5- الخلاف 1:512.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):555.
7- حكاه عنهما في كشف اللثام 1:181.
8- المنتهى 1:231.
9- المعتبر 2:84.

و هو الحجة على المنع،مضافا إلى النصوص،منها الخبران:«الصلاة في الخزّ الخالص ليس به بأس،و أما الذي يخلط فيه[وبر]الأرانب أو غيرها هذا فلا تصلّ فيه» (1).

و منها الرضوي:«و صلّ في الخزّ إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب» (2).

و قصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل،و المخالفة لما عليه العامة العمياء،مضافا إلى عموم أدلّة المنع عمّا لا يؤكل لحمه،خرج منه الخزّ الخالص بالنص و الإجماع المختصين به بحكم التبادر و غيره،فيبقى الباقي تحت العموم مندرجا.

و يستفاد منه-مضافا إلى قوله:«مما يشبه هذا»في الخبرين-المنع عن الخزّ المغشوش بوبر ما لا يؤكل لحمه و شعره و صوفه مطلقا،كما استقربه في التحرير (3)،و احتاط به في المنتهى (4)،و يظهر أيضا من جماعة من أصحابنا (5).

و في جواز الصلاة في فرو السنجاب قولان،أظهرهما الجواز وفاقا للمقنع و الشيخ في المبسوط و موضع من النهاية و الخلاف (6)،نافيا عنه في الأوّل الخلاف،مؤذنا بدعوى الإجماع عليه،كالصدوق في الأمالي،حيث جعله من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به (7)،و نسبه في المنتهى إلى أكثر

ص:313


1- الكافي 3:26/403،التهذيب 2:830/212 و 831،الاستبصار 1:1469/387 و 1470،الوسائل 4:361 أبواب لباس المصلي ب 9 ح 1.و ما بين المعقوفين من المصادر.
2- فقه الرضا(عليه السلام):157،المستدرك 3:202 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 1.
3- التحرير 1:30.
4- المنتهى 1:231.
5- انظر جامع المقاصد 2:78،و روض الجنان:206،و الحدائق 7:60.
6- المقنع:24،المبسوط 1:82،النهاية:97،الخلاف 1:511.
7- أمالي الصدوق:513،510.

الأصحاب (1)،و في شرح القواعد للمحقق الثاني إلى جمع من كبرائهم (2)،و في الذخيرة و غيرها إلى المشهور بين المتأخرين (3).

و هو كذلك،بل لعلّه عليه عامّتهم عدا الفاضل في التحرير و القواعد و فخر الدين في شرحه و الصيمري (4)،و ظاهرهم التردد،لاقتصارهم على نقل القولين من غير ترجيح.

و لعله في محله.و إن كان القول بالجواز ليس بذلك البعيد،للإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة الظاهرة و المحكية في كلام جماعة،مضافا إلى النصوص المستفيضة:

ففي الصحيح:«صلّ في الفنك و السنجاب،و أما السمور فلا تصلّ فيه» قلت:و الثعالب يصلى فيها؟قال:«لا» (5)الحديث.

و فيه:عن الفراء (6)و السمور و السنجاب و الثعالب و أشباهه،قال:«لا بأس بالصلاة فيه» (7).

و في الخبر:«صلّ في السنجاب و الحواصل الخوارزمية ،و لا تصلّ في الثعالب و لا السمور» (8).

ص:314


1- المنتهى 1:228.
2- جامع المقاصد 2:79.
3- الذخيرة:226،و انظر الحدائق 7:68.
4- التحرير 1:30،قواعد الأحكام 1:27،إيضاح الفوائد 1:83.
5- التهذيب 2:822/210،الاستبصار 1:1457/384،الوسائل 4:349 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 5.
6- الفرا:الحمار الوحشي،و الجمع:الفراء،مثل الجبل و الجبال.حياة الحيوان 2:148.
7- التهذيب 2:825/210،الاستبصار 1:1459/384،الوسائل 4:350 أبواب لباس المصلي ب 4 ح 2.
8- التهذيب 2:823/210،الاستبصار 1:1458/384،الوسائل 4:348 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 4.

و في آخر:أصلّي في الفنك و السنجاب؟قال:«نعم»قلت:تصلّى في الثعالب إذا كانت ذكية؟قال:«لا تصلّ فيها» (1).

و في آخرين:عن الصلاة في السمور و السنجاب و الثعالب،فقال:«لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب،فإنه دابّة لا تأكل اللحم» (2)كما في أحدهما، و نحوه الثاني (3).

و ضعف الأسانيد و التضمن لما لا يقولون به غير ضائر،لانجبار الأوّل بالشهرة و الإجماع المحكي،و عدم الخروج عن الحجية بالثاني،كما قرر في محله،و إن أوجب الوهن في مقام التعارض،لانجباره بالكثرة و الشهرة، و بالصراحة بالإضافة إلى المعارض،إذ ليس إلاّ العمومات المانعة حتى الموثق كالصحيح (4)الذي هو الأصل و العمدة من أدلّة المنع.

و دعوى صراحته في المنع عن السنجاب،لابتناء الجواب العام فيه عليه،لسبق السؤال عنه الذي يصيّره كالنص في المسؤول عنه.

غير مفهومة،و إن صرّح بها جماعة (5)،لإمكان تخصيص السنجاب في الجواب بأن يقال:كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره مثلا حرام إلاّ وبر السنجاب الذي سألت عنه،و حيث جاز التخصيص متصلا جاز منفصلا،لعدم الفرق بينهما جدّا.

ص:315


1- التهذيب 2:811/207،الاستبصار 1:1450/382،الوسائل 4:349 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 7.
2- الكافي 3:16/401،التهذيب 2:821/210،الاستبصار 1:1456/384،الوسائل 4: 348 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 2.
3- الكافي 3:3/397،التهذيب 2:797/203،الوسائل 4:348 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 3.
4- تقدّم في ص 294.
5- انظر روض الجنان:214،و الذخيرة:226.

و بالجملة:لم أجد من المعارض ما يدل على المنع بالخصوص،بل ما وقفت عليه منه دلالته كله من جهة العموم،و هو لا يعارض الخصوص و إن اشتمل على ما لا يقول به أحد.

نعم،في الرضوي:«و لا يجوز الصلاة في سنجاب و لا سمور و فنك..

و إيّاك إيّاك أن تصلّي في الثعالب» (1).كما عن موضع منه،و عن موضع آخر منه:

«و إن كان عليك غيره من سنجاب أو سمور أو فنك و أردت الصلاة فيه فانزعه» (2).

و هو نص في المنع،كما هو خيرة المختلف،و عن صريح والد الصدوق،و الشيخ في قوله الآخر،و الحلي و القاضي (3)،و ظاهر الإسكافي و الحلبي و المرتضى و ابن زهرة (4)،حيث منعوا عن كل ما لا يؤكل لحمه من دون استثناء ما نحن فيه،و نسبه الشهيدان في الذكرى و الروض و المحقق الثاني في شرح القواعد إلى أكثر الأصحاب (5)،و عن ابن زهرة دعوى الإجماع عليه (6)، و في السرائر:جلد ما لا يؤكل لحمه لا يجوز الصلاة فيه بغير خلاف من غير استثناء (7).

و لذا يشكل الحكم بالجواز في المسألة؛لنفي الخلاف في كلام الحلي و دعوى الإجماع في كلام ابن زهرة،المعتضدين بالشهرة المنقولة في كلام

ص:316


1- فقه الرضا(عليه السلام):157،المستدرك 3:199 أبواب لباس المصلي ب 4 ح 2.
2- لم نعثر عليه في فقه الرضا(عليه السلام)و وجدناه في الفقيه 1:170 حاكيا عن رسالة والده.
3- المختلف:79،نقله فيه عن والد الصدوق،الشيخ في النهاية:587،الحلي في السرائر 1: 262،القاضي في المهذب 1:74.
4- حكاه عن ظاهر الإسكافي في المختلف:79،الحلبي في الكافي:140،المرتضى في الانتصار:13،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):555.
5- الذكرى:144،روض الجنان:207،جامع المقاصد 2:79.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):555.
7- السرائر 1:262.

هؤلاء الجماعة،و صريح الرضوي المعتضد بعموم الأخبار المانعة،مع خلوصها عن التضمّن لما لا يقول به أحد من الطائفة،و بعدها عن طريقة العامة.

و لكن يمكن الذبّ عن جميع ذلك:فنفي الخلاف و الإجماع بالمعارضة بالمثل،مع كون الثاني مدّعى على المنع عموما.و لا كذلك معارضه،لدعواه على الجواز في السنجاب بالخصوص.

و كذا الشهرة المحكية معارضة بمثلها كما عرفت،مع قوّته و أرجحيّته عليها بالتحقق و القطع به من غير جهة النقل،دون الشهرة المحكية في كلام هؤلاء،لعدم تحققها،بل ظهور استناد حكايتهم إلى إطلاق المنع من غير استثناء:في عبائر جملة من القدماء.

و الرضوي-مع قصور سنده و عدم اشتهاره و عدم مكافأته للمستفيضة المتضمنة للصحيح و غيره-مصرّح بعد المنع بورود رواية بالرخصة،مشعرا بأن الأصل المنع و الجواز رخصة،كما هو ظاهر الصدوق و جماعة كالشيخ في الخلاف و التهذيبين و الديلمي و الجامع (1)كما حكي،فهو أيضا مؤيد للجواز و لو رخصة،و عموم الأخبار مخصّص بخصوص الأخبار المرخّصة،و هي أقوى دلالة،و بعيدة أيضا عن مذهب العامة،لتضمن أكثرها المنع عما ظاهرهم الإطباق على الجواز فيه،كما حكاه جماعة (2)،فالتفصيل لا يوافق مذهبهم بلا شبهة.

و بالجملة:فالجواز لعله لا يخلو عن قوة،و لكن مع الكراهة كما عن ابن حمزة (3).و إن كان الأحوط الترك بلا شبهة،تحصيلا للبراءة اليقينية،و خروجا عن

ص:317


1- الصدوق في المقنع:24،الخلاف 1:511،التهذيب 2:211،الاستبصار 1:385، الديلمي في المراسم:64،الجامع للشرائع:66.
2- منهم السبزواري في الذخيرة:227،و البحراني في الحدائق 7:77.
3- الوسيلة:87.

شبهة الخلاف في المسألة فتوى و أدلّة.

و في جواز الصلاة في الثعالب و الأرانب روايتان كل منهما مستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها،و قد تقدّم الإشارة إلى جملة من كل منهما (1).

إلاّ أن أكثرهما و أشهرهما ما دلّ على المنع و استفاض نقل الشهرة في كلام جماعة من الأصحاب،كالمعتبر و المنتهى و الذكرى و التنقيح و المدارك (2)،بل زاد هو كسابقه،فادعى الإجماع بحسب الظاهر كما في كلام الأخير،أو نفي الخلاف كما في الأوّل،و المحكي عن الخلاف (3)،و يشعر به عبارة الدروس و البيان (4)،حيث جعل رواية الجواز مهجورة متروكة،مشعرا بدعوى الإجماع عليه،كما هو ظاهر المحقق الثاني و الشهيد الثاني (5)و غيرهما (6)،حيث ادعوا الإجماع على المنع عن كل ما لا يؤكل لحمه من غير استثناء لما نحن فيه أصلا،و بالإجماع هنا صرح في الانتصار (7)،و هو حجّة أخرى زيادة على ما مضى من الإجماعات المحكية في خصوص المغشوش بوبر الأرانب و الثعالب عن الخلاف و المنتهى و ابن زهرة (8).

و على هذا فلا ريب في ضعف رواية الجواز و شذوذها فلتطرح،أو تحمل

ص:318


1- راجع ص 295-305.
2- المعتبر 2:86،المنتهى 1:227،الذكرى:144،التنقيح الرائع 1:180،المدارك 3: 173.
3- الخلاف 1:511.
4- الدروس 1:150،البيان:120.
5- جامع المقاصد 2:81،روض الجنان:213.
6- كالعلامة في التذكرة 1:94،و نهاية الإحكام 1:373.
7- الانتصار:38.
8- راجع ص 307.

على التقيّة،سيّما و أن أمارتها في صحيحين منها لائحة (1)،لتضمنهما الرخصة في الفراء و السمور و الفنك و الثعالب و جميع الجلود،كما في أحدهما،و فيما ذكر و أشباهه،كما في الثاني،و لا يقول به الأصحاب على الظاهر المصرح به في الذكرى،فإنه قال-بعد نقل إذعان المحقق بهما لوضوح سندهما-قلت:

هذان الخبران مصرّحان بالتقية لقوله في الأول:«و أشباهه»و في الثاني:

«في جميع الجلود»و هذا العموم لا يقول به الأصحاب (2).

و منه يظهر ضعف إذعان المحقق و إن تبعه في المدارك،سيّما مع اعترافهما باتفاق الأصحاب على المنع. (3).و وضوح السند بمجرده لا يبلغ قوة المعارضة لذلك،سيما مع موافقته للعامة،و اشتمال المعارض على متّضح السند أيضا كما عرفته.فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

لا تجوز الصلاة في الحرير المحض

و لا تجوز الصلاة و لا تصح في الحرير المحض أو الممتزج على وجه يستهلك الخليط لقلته للرجال بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر،كالانتصار و الخلاف و المنتهى و المدارك و الذكرى و غيرها (4)،لكن فيهما (5):عندنا،و هو و إن لم يكن صريحا في الإجماع،لكنه ظاهر فيه جدّا.

و هو الحجة،مضافا إلى النهي عن استعماله مطلقا الثابت بإجماع علماء الإسلام على الظاهر،المحكي في ظاهر الانتصار و الخلاف،و صريح المعتبر و المنتهى و التذكرة و الذكرى و شرح القواعد للمحقق الثاني و التحرير و روض

ص:319


1- راجع ص 294-309.
2- الذكرى:144.
3- المحقق في المعتبر 2:84،المدارك 3:169.
4- الانتصار:205،الخلاف 1:504،المنتهى 1:228،المدارك 3:173،الذكرى: 145،و انظر كشف اللثام 1:185.
5- أي:في الذكرى و كشف اللثام.

الجنان (1)و غيرها (2)،و في الأخير و شرح القواعد للمحقق الثاني:أن به أخبارا متواترة.

و هو كذلك بعد ضمّ بعضها إلى بعض من طرق العامة و الخاصة (3).و هي ما بين عامة للنهي عن لبسه مطلقا،و مصرّح [مصرحة] بعدم حلّ الصلاة فيها الظاهر في فسادها بنفسه،أو بضميمة اقتضاء النهي في العبادة الفساد،كما عليه علماؤنا.

و لا فرق في إطلاق النص و الفتوى بين كونه ساترا للعورة أم لا،و به صرّح جماعة و منهم الفاضلان في المعتبر و المنتهى (4)،و عزاه في الأخير إلى علمائنا بعد أن نسبه-وفاقا للأوّل-إلى الشيخين و أتباعهما.

و كثير من النص و الفتوى و إن دلّ على المنع مطلقا إلاّ أنه مقيد بحالة الاختيار و غير الحرب،إذ يجوز استعماله مطلقا و لو في الصلاة مع الضرورة أو في حال الحرب المرخص فيه مطلقا و لو من غير ضرورة،بإجماعنا الظاهر،المحكي في كثير من العبائر كالمنتهى و روض الجنان و الذكرى (5)و غيرها (6)،لكن في الأوّل حكاه في الضرورة خاصّة.

و هو الحجّة،مضافا إلى العمومات بأن:الضرورات تبيح المحظورات.

و قولهم عليهم السلام:«كلّ ما غلب اللّه تعالى فاللّه تعالى أولى بالعذر» (7).

ص:320


1- الانتصار:205،الخلاف 1:504،المعتبر 2:87،المنتهى 1:228،التذكرة 1:95، الذكرى:145،جامع المقاصد 2:83،التحرير 1:30،روض الجنان:207.
2- راجع المدارك 3:173.
3- انظر الوسائل 4:367 أبواب لباس المصلي ب 11،و كنز العمال 15:318.
4- المعتبر 2:87،المنتهى 1:228.
5- المنتهى 1:228،روض الجنان:207،الذكرى:145.
6- انظر المدارك 3:174،و كشف اللثام 1:185.
7- الوسائل 8:259-261 أبواب قضاء الصلوات ب 3 الأحاديث 3،7،8،13،16.

و قوله عليه السلام:«رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان و ما أكرهوا عليه و ما لا يطيقون» (1).

و خصوص المستفيضة،و فيها الموثقات و غيرها،منها:«لا يلبس الرجل الحرير و الديباج إلاّ في الحرب» (2).

و نحوه آخر،لكن بدل«لا يلبس»«لا يصلح للرجل» (3)و هو و إن أشعر بالكراهة-ككثير من الأخبار المتضمّنة للفظها-لكنها محمولة على الحرمة بإجماع علماء الإسلام كما عرفته.

و منها:عن لباس الحرير و الديباج،فقال:«أما في الحرب فلا بأس به و إن كان فيه تماثيل» (4).

و منها المروي عن قرب الإسناد:«أن عليا عليه السلام كان لا يرى بلبس الحرير و الديباج إذا لم يكن فيه التماثيل بأسا» (5).

و في الفقيه:«لم يطلق النبي صلّى اللّه عليه و آله لبس الحرير إلاّ لعبد الرحمن بن عوف،و ذلك أنه كان رجلا قملا» (6).

و احترز بالمحض عن الممتزج بما يصح الصلاة فيه مزجا لا يستهلك فيه الخليط،لجواز لبسه حينئذ و لو في الصلاة إجماعا،على الظاهر،المصرّح به

ص:321


1- الفقيه 1:132/36،الخصال:9/417،الوسائل 8:249 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.
2- الكافي 6:1/453،الوسائل 4:372 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 2.
3- الكافي 6:4/453،الوسائل 4:371 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 1.
4- التهذيب 2:816/208،الاستبصار 1:1466/386،الوسائل 4:372 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 3.
5- قرب الإسناد:347/103،الوسائل 4:372 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 5.
6- الفقيه 1:/164ذيل حديث 774،الوسائل 4:372 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 4.

في الخلاف و شرح القواعد للمحقق الثاني (1)و غيرهما (2).

و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة جدّا،ففي الصحيح:عن الثوب الملحم بالقز و القطن و القز أكثر من النصف،أ يصلّى فيه؟«لا بأس» (3).

و في المرسل كالموثق:في الثوب يكون فيه الحرير،فقال:«إن كان فيه خلط فلا بأس» (4).

و في الخبر:سمعت أبا جعفر عليه السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال و للنساء،إلاّ ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خزّ أو قطن أو كتان،و إنما يكره المحض للرجال و النساء (5).

هذا،مضافا إلى الأصل،و اختصاص النصوص المانعة و الإجماعات المحكية-بحكم التبادر،بل و التقييد بالمحض و المبهم في جملة منها-به خاصة.

و ظاهر جملة من النصوص المزبورة كفاية مطلق الخليط و لو كان أقل من الحرير،و به صرّح جماعة،قالوا:سواء كان الخليط أقل أو أكثر و لو كان عشرا، ما لم يكن مستهلكا بحيث يصدق على الثوب أنه إبريسم محض (6).

و هو حسن،و في شرح القواعد للمحقق الثاني-بعد ذكر ذلك و أنه يشترط في الخليط أن يكون محللا-و على ذلك كلّه إجماع الأصحاب نقله في

ص:322


1- الخلاف 1:505،جامع المقاصد 2:83.
2- انظر المنتهى 1:229،و كشف اللثام 1:185،و مفاتيح الشرائع 1:110.
3- الكافي 6:11/455،الوسائل 4:373 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 1.
4- الكافي 6:14/455،الوسائل 4:374 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 4.
5- التهذيب 2:1524/367،الاستبصار 1:1468/386،الوسائل 4:374 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 5.
6- كما في المعتبر 2:90،و جامع المقاصد 2:83،و الحدائق 7:93.

المعتبر و المنتهى (1).

و اعلم أن ما تضمنته الرواية الأخيرة-من نهي النساء عن لباس الحرير كالرجال-مخالف لإجماع علماء الإسلام،لإطباقهم على الجواز في غير الصلاة، كما في المعتبر و المنتهى و شرح القواعد للمحقق الثاني و الذكرى و روض الجنان (2)و غيرها (3)،و يعضده الأصل،و اختصاص الأدلّة المانعة-نصّا و فتوى بعد ضمّ بعضها إلى بعض-بالرجال خاصّة،فالرواية شاذّة من هذه الجهة،مع أنها بحسب السند ضعيفة لا تصلح للحجّية،و معارضة بالنصوص المستفيضة بجواز لبسهنّ الحرير مطلقا،كما في جملة منها (4)،أو في غير الإحرام كما في بعضها (5)،أو غير الصلاة أيضا كما في آخر منها (6).

و من هنا ظهر أن لا تحريم على الخناثى و الصبيان.قطعا في الأخير،وفاقا لجماعة (7)،للأصل،و عدم صدق الرجال عليهم،مع عدم قابليّتهم لتوجّه المنع إليهم،و توجّهه إلى أوليائهم لا دليل عليه،فيندفع بالأصل.

و على الظاهر في الأول،لما مرّ.و يحتمل المنع فيهم احتياطا،لاحتمال كونهم في نفس الأمر ذكورا فيتوجّه إليهم النهي أيضا.

و هل يجوز للنساء الصلاة فيه من غير ضرورة؟فيه قولان،أظهرهما

ص:323


1- جامع المقاصد 2:83،المعتبر 2:90،المنتهى 1:229.
2- المعتبر 2:89،المنتهى 1:228،جامع المقاصد 2:84،الذكرى:145،روض الجنان:208.
3- راجع الدروس 1:150،التحرير 1:30.
4- الوسائل 4:379 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 1،2،5.
5- الوسائل 4:379 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 3،4.
6- الخصال:12/585،الوسائل 4:380 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 6.
7- منهم المحقق في المعتبر 2:91،العلامة في المنتهى 1:229،المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:87.

الجواز و هو أشهرهما،بل لا خلاف فيه ظاهرا إلاّ من الصدوق في الفقيه حيث قال بالمنع (1)،و الفاضل في المنتهى حيث توقف بينهما (2).

و هما شاذّان،بل على خلافهما إطباق باقي الأصحاب،كما صرح به في المختلف (3)و يفهم أيضا من الشهيدين في الذكرى و روض الجنان (4)و غيرهما (5).

و لعلّه كذلك،سيّما بملاحظة حال المسلمين في الأعصار و الأمصار من عدم منعهم النساء عن الصلاة فيه كما لا يمنعونهنّ عن لبسه في غيرها،و هو إجماع قطعيّ لا يكاد ينكر،و مع ذلك معاضد بالأصل السليم عن المعارض، عدا إطلاق النصوص المانعة عن الصلاة و حلّها فيه بقول مطلق،كالصحيحين في أحدهما:هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟فكتب:

«لا تحلّ الصلاة في حرير محض» (6)و نحوه الثاني لكن بزيادة السؤال فيه عن الصلاة في تكة حرير (7).

و الموثق:عن الثوب يكون علمه ديباجا،قال:«لا يصلّى فيه» (8).

و نحوه الرواية السابقة (9)المسوّية بين الرجل و المرأة في كراهة الحرير

ص:324


1- الفقيه 1:171.
2- المنتهى 1:229.
3- المختلف:80.
4- الذكرى:145،روض الجنان:208.
5- راجع كشف اللثام 1:185،و التنقيح الرائع 1:180.
6- الكافي 3:10/399،الوسائل 4:376 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 1.
7- التهذيب 2:810/207،الاستبصار 1:1453/383،الوسائل 4:377 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 4.
8- التهذيب 2:1548/372،الوسائل 4:369 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 8.
9- في ص:317.

لهما،بناء على عدم إمكان حملها على مطلق اللبس لمخالفة النص و الإجماع،كما مر،فينبغي التقييد بحال الصلاة.

و خصوص المروي في الخصال:«يجوز للمرأة لبس الحرير و الديباج في غير صلاة و إحرام،و حرّم ذلك على الرجال إلاّ في الجهاد» (1).

و شيء من ذلك لا يصلح دليلا لإثبات المنع،لمعارضة الإطلاق-بعد تسليمه-بإطلاق النصوص المتقدمة (2)المرخّصة لهنّ في لبسه الشاملة لحال الصلاة و غيرها،بل عموم بعضها لهما،كالمرسل كالموثق بابن بكير المجمع على تصحيح ما يصح عنه:«النساء يلبسن الحرير و الديباج إلاّ في الإحرام» (3)و قضيّة الاستثناء جواز لبسهن في الصلاة.

و قريب منه الموثق:«لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض و هي محرمة،فأمّا في الحر و البرد فلا بأس» (4).

و قصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بعمل العلماء كافّة كما مضى (5).

و التعارض بين الإطلاقين و إن كان من قبيل تعارض العمومين من وجه يمكن تقييد كل منهما بالآخر،إلاّ أن تقييد الإطلاق الأوّل بهذا-بأن يراد منه المنع و عدم الحلّ لخصوص الرجال،كما ربما يشعر به سياق الصحيحة الأولى- أولى من العكس،بأن يقيّد الإطلاق الأخير بحلّ اللبس في غير الصلاة،و ذلك لرجحان هذا الإطلاق بالأصل و الشهرة العظيمة المحققة و المحكية في كلام جماعة حد الاستفاضة،بل قد عرفت قوة احتمال كونها إجماعا.

ص:325


1- الخصال:12/585،الوسائل 4:380 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 6.
2- في ص 318.
3- الكافي 6:8/454،الوسائل 4:379 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 3.
4- الكافي 6:12/455،الوسائل 4:380 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 4.
5- راجع ص:318.

و الرواية السابقة-مع ضعف دلالتها و مخالفة إطلاقها إجماع العلماء-قد عرفت أنها ضعيفة سندا (1)،و كذلك رواية الخصال ضعيف سندها بعدّة من المجاهيل،فلا حجّة فيهما من أصلهما و إن اتضح دلالتهما،فكيف تقاومان أدلّة المشهور و تخصّصانها؟!بل ينبغي طرحهما،أو حملهما على الأفضليّة كما عن المبسوط و الجامع و في السرائر (2)،أو الكراهة كما عن الوسيلة و النزهة (3).

و لا بأس بهما،خروجا عن الشبهة،و مسامحة في أدلّة السنن و الكراهة.

و في جواز الصلاة في نحو التكة و القلنسوة مما لا تتم فيه من الحرير للرجال تردّد و اختلاف بين الأصحاب:

فبين مانع عنه،كالمفيد و الديلمي و الصدوق و الإسكافي و ابن حمزة (4)، و غيرهم من القدماء (5)،و الفاضل في المختلف و القواعد و المنتهى و الشهيد في اللمعة (6)،و كثير من متأخّري المتأخّرين (7).

و مجوّز،كالنهاية و المبسوط و السرائر،و الحلبي،و الفاضلين في المعتبر و الإرشاد و التلخيص و التذكرة،و الشهيدين في صريح الدروس و روض الجنان

ص:326


1- راجع ص:317.
2- المبسوط 1:83،الجامع للشرائع:65،السرائر 1:263.
3- الوسيلة:87،نزهة الناظر:24.
4- المفيد في المقنعة:150،الديلمي في المراسم:64،الصدوق في الفقيه 1:172،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:80،ابن حمزة في الوسيلة:88.
5- كالسيد المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):28،و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):555.
6- المختلف:80،القواعد 1:28،المنتهى 1:229،اللمعة(الروضة 1):206.
7- كصاحبي المدارك 3:179،و الذخيرة:227،و الكفاية:16،و خالي المجلسي(في البحار 80:241)،و المحدث الكاشاني في المفاتيح 1:110،و غيرهم،و لعلّه الأقرب.منه رحمه اللّه.

و ظاهر الروضة و الذكرى (1)أو محتملهما،و نسبه في الذخيرة و غيرها إلى المشهور (2)،و في المفاتيح و غيره إلى المتأخّرين (3)،و هو كما ترى.

و متردّد فيه،كالفاضل في التحرير (4)و الصيمري،و غيرهما (5)،و الماتن في الشرائع (6)و هنا،لكن قال أظهره الجواز مع الكراهة استنادا فيها إلى الشبهة الناشئة من اختلاف الفتوى و الرواية،و في الجواز إلى الأصل، و خصوص الخبر:«كلّ ما لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بالصلاة فيه،مثل التكة الإبريسم و القلنسوة و الخف و الزنار يكون في السراويل» (7).

مع سلامتهما عن المعارض،عدا إطلاقات الأدلّة المانعة عن الصلاة في الحرير أو لبسه مطلقا أو عمومها،و هي تقبل التقييد بالرواية الصريحة.

و يضعف الأصل:بمعارضته بالاحتياط اللازم المراعاة في نحو المسألة من العبادات التوقيفية.

و الرواية:بضعف سندها،فإن فيه أحمد بن هلال،و هو ضعيف لا يلتفت إلى روايته جدّا و إن روى عن ابن أبي عمير كما هنا،فإن ذلك لا يفيد توثيقا و إن أفاد اعتبارا ما عند بعض علماء الرجال (8)أو جملة منهم،فإن الاعتماد على مثل

ص:327


1- النهاية:98،المبسوط 1:84،السرائر 1:263،الحلبي في الكافي:140،المعتبر 2: 89،الإرشاد 1:246،التذكرة 1:95،الدروس 1:150،روض الجنان:207،الروضة البهية 1:206،الذكرى:145.
2- راجع الذخيرة:227،و الحدائق 7:97،و بحار الأنوار 80:241.
3- المفاتيح 1:110.
4- التحرير 1:30.
5- راجع نهاية الإحكام 1:376،و المقتصر:71،و منتقى الجمان 1:478.
6- الشرائع 1:69.
7- التهذيب 2:1478/357،الوسائل 4:376 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 2.
8- قال العلامة الحلّي في رجاله(ص 202):توقّف ابن الغضائري في حديثه-أي أحمد بن هلال-إلاّ فيما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة،و محمد بن أبي عمير من نوادره،و قد سمع هذين الكتابين جل أصحاب الحديث و اعتمدوه فيهما.

ذلك هنا مع إطراح جملة من القدماء و المتأخرين بل المشهور لها بالخصوص مما يوهن التمسك بها لذلك و الخروج بها عن الإطلاقات و العمومات القطعية، مع قوّة دلالة جملة منها صحيحة،من حيث وقوع الجواب فيها بالمنع عن الصلاة في الحرير المحض بعد أن سئل عنها في المعمول منه من نحو التكة و القلنسوة (1)،و ذلك كالنصّ إن لم يكن نصّا،كما ذكره جماعة (2)،و هي أكثر و أصحّ،فلتكن بالتقديم أرجح.

و لا يقدح كونها مكاتبة،لكونها-على الأصح-حجّة،سيّما مع اتفاق الأصحاب على العمل عليها و لو في غير المسألة،و مخالفتها العامة،لظهورها في أن للصلاة في المنع عن لبسه فيها مدخلية و ليس إلاّ من حيث بطلانها به، و هو من خصائص الإماميّة كما عرفته،فكيف يمكن تصور حملها على التقية كما قيل؟!بل حمل الرواية السابقة عليها جماعة،كما ذكره في الوسائل فقال:

و ذهب جماعة إلى المنع و حملوا الجواز على التقية،و هو الأحوط (3).

و لا ريب أن حمل الرواية عليها أمكن من حمل الصحاح عليها،لبعدها عن طريقتهم في الغاية دون الرواية،فإنها تنطبق على مذهبهم لو لا ما يتوهم من مفهومها:من المنع عن الصلاة فيما تتم فيه،المخالف للعامة،إلاّ أن الذب عنه ممكن بأن دلالتها على ذلك بالمفهوم الضعيف،فلعلّ العامة زمان صدور الرواية لم يقولوا به.

هذا مع معارضة الرواية بصريح بعض المعتبرة كالرضوي:«لا تصلّ في ديباج و لا في حرير»إلى أن قال:«و لا في ثوب إبريسم محض و لا في تكة

ص:328


1- راجع ص:319.
2- انظر المدارك 3:179،و الذخيرة:228.
3- الوسائل 4:377.

إبريسم،و إذا كان الثوب سداه إبريسم و لحمته قطن أو كتان أو صوف فلا بأس بالصلاة فيه» (1).

و يستفاد منه-زيادة على ذلك-إطلاق الحرير على المنسوج من الإبريسم فيشمل نحو القلنسوة،و نحوه في ذلك الصحاح المتقدمة المعبرة في السؤال بالقلنسوة من الحرير (2).

و الإطلاق و إن كان أعم من الحقيقة،إلاّ أن أمارتها فيه هنا موجودة،لعدم صدق سلب الحرير عن القلنسوة المعمولة منه بلا شبهة.

و حيث ثبت شمول الحرير لنحو المعمول منه مما لا تتم فيه الصلاة،ظهر شمول الإطلاقات المانعة عن لبسه مطلقا و في الصلاة له جدّا،فمنع الإطلاقات لا وجه له جدّا،فإذا المنع أقوى.

و هل يجوز الركوب عليه و الافتراش به؟ فيه تردد المروي:نعم ففي الصحيح:عن الفراش الحرير و مثله من الديباج،و المصلّى الحرير و مثله من الديباج،يصلح للرجل النوم عليه و التكأة و الصلاة عليه؟قال:«يفترشه و يقوم عليه و لا يسجد عليه» (3).

و في الخبر:«لا بأس أن يأخذ من ديباج الكعبة فيجعله غلاف مصحف أو يجعله مصلّى يصلّي عليه» (4).

و هو المعروف بين الأصحاب،كما في المدارك و الذخيرة (5)،مؤذنين

ص:329


1- فقه الرضا(عليه السلام):157،المستدرك 3:206 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 1،و ص 207 ب 13 ح 1.
2- راجع ص:319.
3- الكافي 6:8/477،التهذيب 2:1553/373،قرب الاسناد:687/185،الوسائل 4: 378 أبواب لباس المصلي ب 15 ح 1.
4- الفقيه 1:809/172،الوسائل 4:378 أبواب لباس المصلي ب 15 ح 2.
5- المدارك 3:179،الذخيرة:228.

بدعوى الإجماع عليه.و لعله كذلك،و إن أشعرت العبارة بالتردّد،كما هو ظاهر الصيمري و صريح المعتبر (1)،لعدم ثبوت الخلاف بالتردّد.

نعم،حكي المنع عن المبسوط و الوسيلة (2)،و نسبه في المختلف إلى بعض المتأخرين (3).

و لكنه شاذّ غير معروف المستند،عدا عموم بعض النصوص بالمنع، كخبر:«هذان محرّمان على ذكور أمّتي» (4).

و هو-على تقدير تسليم سنده و عمومه لما نحن فيه-مخصّص بما مرّ، لكونه خاصّا فليكن مقدّما.

و الجمع بينهما بحمل الحرير و الديباج فيه على الممتزج،و إن أمكن، لكنّه مجاز و ما قدّمناه تخصيص فهو عليه مقدّم،كما هو الأشهر الأقوى،و بيّن وجهه في الأصول مستقصى،مع كون التخصيص هنا أوفق بالأصل جدّا.

و لكن الأحوط ترك الصلاة عليه،للرضوي:«و لا تصلّ على شيء من هذه الأشياء إلاّ ما يصلح لبسه» (5)و أشار بالأشياء إلى نحو الحرير و الذهب و غيرهما.

و ذكر جماعة (6)أن في حكم الافتراش التوسّد عليه و الالتحاف به.

و هو حسن،لا للإلحاق بالنص،لكونه قياسا،بل للأصل،و عدم دليل

ص:330


1- المعتبر 2:89.
2- المبسوط 1:82،الوسيلة:88،و حكاه عنهما في كشف اللثام 1:186.
3- المختلف:80.
4- عوالي اللئالي 2:74/30،المستدرك 3:209 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 1،سنن أبي داود 4:4057/50،سنن ابن ماجه 2:3597/1190 و فيهما بتفاوت يسير.
5- فقه الرضا(عليه السلام):158،المستدرك 3:218 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 2 و فيهما: «إلاّ ما لا يصلح..».
6- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:23،صاحب المدارك 3:180.

يعتد به إلاّ على تحريم اللبس لا مطلق الاستعمال،و هو غير صادق في محل البحث.

و زاد شيخنا الشهيد الثاني لذلك جواز التدثّر به (1).و منعه سبطه (2)،زعما منه صدق اللبس عليه.

و فيه نظر.و لو سلّم ففي دخوله في إطلاق اللبس الوارد في النصوص نوع شك،فيندفع بالأصل.فتأمّل .

و لا بأس بثوب مكفوف به أي بالحرير،أن يلبس و يصلّى فيه،على الأشهر بين الأصحاب،بل لا خلاف فيه يظهر إلاّ من نادر سيذكر،و نسب في الذكرى إلى الأصحاب (3)،مؤذنا بدعوى الإجماع عليه،و في المدارك:أنه مقطوع به بين المتأخّرين (4)،مشعرا بدعواه،كجملة ممن لم ينقلوا الخلاف فيه مع كون ديدنهم نقله حيث كان.

و استدل عليه الفاضلان في المعتبر و المنتهى و المحقق الثاني و الشهيد في الذكرى (5)بالنبوي العامي أنه صلّى اللّه عليه و آله:نهى عن الحرير إلاّ موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع (6).

و الخبر:كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج،و يكره لباس الحرير (7)الحديث.

ص:331


1- المسالك 1:23.
2- المدارك 3:180.
3- الذكرى:145.
4- المدارك 3:180.
5- المعتبر 2:90،المنتهى 1:229،جامع المقاصد 2:86،الذكرى:145.
6- درر اللئالي 1:117،المستدرك 3:209 أبواب لباس المصلي ب 15 ح 1،صحيح مسلم 3:15/1643،سنن أبي داود 4:4042/47،سنن النسائي 8:202.
7- الكافي 3:27/403،التهذيب 2:1510/364،الوسائل 4:370 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 9.

و في الاستدلال بهما-لو لا الشهرة بل الإجماع-نظر،لضعف سندهما، و ضعف دلالة الأخير جدّا،إذ الكراهة أعم منها بالمعنى المصطلح و من الحرمة،مع ظهور السياق فيه و في كثير من النصوص المعبّرة عن حرمة الحرير بلفظ الكراهة،في إرادة الأخير خاصّة،فالخروج بهما عما دلّ على حرمة لبس الحرير و الصلاة فيه مشكل،لو لا الشهرة الجابرة لضعف السند و الدلالة.

و ربما أيّد الجواز بالأصل،و الخبر:«لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريرا» (1).

و فيهما نظر،لمعارضة الأوّل بالاحتياط اللازم المراعاة في العبادات التوقيفية.

و ضعف الثاني سندا.بل و دلالة كالخبرين السابقين،لعدم إشعار فيهما بجواز الصلاة فيه،و إن أمكن الذبّ عن هذا بكفاية الشمول إطلاقا مع عدم القائل بالفرق أصلا.

لكن في الموثق:عن الثوب يكون علمه ديباجا ،قال:«لا تصلّ فيه» (2).

و هو بالنسبة إلى المنع عن الصلاة فيه خاص و تلك الأخبار باللبس مطلقة تصلح أن تكون به مقيّدة،و لعله لذا منع عنه القاضي (3)و المرتضى في بعض مسائله فيما حكي عنه (4).و هو أحوط،و إن كان في تعينه نظر،لقصور الموثق عن المقاومة لما مر.

و أما ما عليه الصدوق:من المنع عن الصلاة في تكة رأسها من إبريسم (5)،

ص:332


1- الفقيه 1:808/171،التهذيب 2:817/208،الاستبصار 1:1467/386،الوسائل 4:375 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 6.
2- التهذيب 2:1548/372،الوسائل 4:369 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 8.
3- المهذّب 1:75.
4- حكى عنه صاحب المدارك 3:181.
5- الفقيه 1:172.

فلم يقم عليه دليل صالح إلاّ عموم ما دلّ على المنع عن الصلاة في الحرير.

و هو غير معلوم الشمول لنحو ذلك من خيوط الإبريسم،إما لاقتضاء الظرفية كونه من الملابس،أو لعدم صدق الحرير عليه لغة و لا عرفا،لاختصاصه فيهما بالمنسوج منه لا مطلقا.

و لو سلّم الصدق عليه حقيقة فغير معلوم كونه من الأفراد المتبادرة له عند الإطلاق جدّا،و عليه فيجب الرجوع إلى مقتضى الأصل.مع كون قوله شاذّا لم أعرف به قائلا حتى القاضي و المرتضى،لمنعهما عن الكفّ به خاصة.

و المراد به أن يجعل في رؤوس الأكمام و الذيل و حول الزيق (1).

و قدّر عند جماعة (2)بما مر في النبوي من الأربع الأصابع،و توقف فيه نادر (3).

و لا وجه له إلاّ ضعف السند،و قد انجبر بالعمل كما مر.مضافا إلى لزوم الاقتصار فيما خالف دليل المنع على المتيقن من الرخصة فتوى و رواية،و ليس إلاّ قدر الأصابع الأربع مطلقا بل مضمومة [الأصابع] .و لا ينافيه إطلاق العبارة و غيرها من عبائر الجماعة،لورودها مورد الغلبة،و ليس إلاّ الأربع الأصابع مضمومة أو غايتها منفرجة،فالزيادة تعدية تحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة.

و الحق بالكف اللبنة أي الجيب،للنبوي الآخر:كان له صلّى اللّه عليه و آله جبة كسروانية لها لبنة ديباج و فرجاها مكفوفان بالديباج (4).

لا تجوز في ثوب مغصوب مع العلم

و لا تجوز الصلاة و لا تصح في ثوب مغصوب مع العلم بالغصبية،

ص:333


1- زيق القميص-بالكسر-:ما أحاط بالعنق منه.القاموس 3:251.
2- منهم الشهيد الثاني في الروضة 1:206،و المسالك 1:23،و صاحب المدارك 3:180.
3- الشهيد الثاني في روض الجنان:208.
4- صحيح مسلم 3:10/1641.

بلا خلاف أجده فيما لو كان ساترا إلاّ من نادر لا يعبأ به (1)،مع دعوى الإجماع على خلافه في كلام كثير،كالسيدين في الناصريات و الغنية،و الفاضل في ظاهر المنتهى و صريح التحرير و نهاية الإحكام و التذكرة،و المحقق الثاني في شرح القواعد و الشهيدين في الذكرى و روض الجنان (2).

و هو الحجة،مضافا إلى الأصول الآتية.

و مقتضى إطلاق العبارة و غيرها من عبائر الجماعة-و منهم كثير من نقلة الإجماع-عدم الفرق بين كونه ساترا أو غيره،و به صرّح جماعة (3)و منهم الشهيد -رحمه اللّه-في جملة من كتبه (4)،بل زاد فقال:و لا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب و لو خيطا،فتبطل الصلاة مع علمه بالغصب.

و هو حسن،لما ذكره جماعة (5):من أن الحركات الواقعة في الصلاة منهي عنها،لأنها تصرّف في المغصوب،و النهي عن الحركة نهي عن القيام و القعود و الركوع و السجود،و كل منها جزء للصلاة فتفسد؛لأن النهي في العبادة يقتضي الفساد،فتكون الصلاة باطلة لفساد جزئها.

و بأنه مأمور بإبانة المغصوب عنه و ردّه إلى مالكه،فإذا افتقر إلى فعل كثير كان مضادّا للصلاة،و الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده (6)بالتقريب الآتي

ص:334


1- نقله في الكافي 6:94 عن الفضل بن شاذان.
2- الناصريات(الجوامع الفقهية):195،الغنية(الجوامع الفقهية):555،المنتهى 1:229، التحرير 1:30،نهاية الإحكام 1:378،التذكرة 1:96،جامع المقاصد 2:87، الذكرى:146،روض الجنان:204.
3- منهم العلامة في نهاية الإحكام 1:378،و التحرير 1:30،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:78،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:186.
4- انظر البيان:121،و الدروس 1:151.
5- منهم المحقق في المعتبر 2:92،و العلامة في التذكرة 1:96،و المنتهى 1:229.
6- في«م»زيادة:الخاص.

فيفسد (1).

و أما ما يقال (2)في الجواب عن الأوّل:بأن النهي إنما يتوجه إلى التصرّف في المغصوب من حيث هو تصرّف فيه،لا إلى الحركات من حيث هي حركات الصلاة،فالنهي متعلق بأمر خارج عنها ليس جزءا و لا شرطا،فلا يتطرق إليه الفساد،بخلاف ما لو كان المغصوب ساترا أو مسجدا أو مكانا،لفوات بعض الشروط أو بعض الأجزاء.

و عن الثاني:بمنع اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاص،و إنما يقتضي النهي عن ضده العام الذي هو الترك أو الكفّ.

فضعيف،أما الأوّل فلما ذكره بعض الأفاضل:من أنّ الإنسان إذا كان متلبّسا بلباس مغصوب في حال الركوع مثلا فلا خفاء في أنّ الحركة الركوعية حركة واحدة شخصية محرمة،لكونها محرّكة للشيء المغصوب،فيكون تصرّفا في مال الغير محرّما،فلا يصح التعبّد به مع أنه جزء الصلاة،و اعتبار الجهتين غير نافع في صحة تعلق الوجوب و الحرمة إلاّ مع اختلاف المتعلقين لا مطلقا، و بالجملة لا يصح هذا الكلام على رأي أصحابنا القائلين بأن الشيء الواحد الشخصي لا يجوز أن يكون متعلّقا للوجوب و الحرمة معا مطلقا،و إنما يتم على رأي جماعة من العامة المخالفين في هذه المسألة..إلى آخر ما ذكره (3).

و لنعم ما أفاده و إجادة،شكر اللّه سعيه.

هذا،مع أن اختلاف الجهة لو أثّر للزم صحة الصلاة فيه و لو تعلق بها أو بجزئها أو بشرطها النهي،و لا يقول به،لما عرفت من تصريحه بالفساد لو كان

ص:335


1- انظر ص 332.
2- روض الجنان:204.
3- المحقق السبزواري في الذخيرة:224.

ساترا،لفوات الشرط.هذا.

و دعوى فساد المشروط بتعلق النهي بشرطه مطلقا كما يقتضيه عبارته ممنوعة،بل يختص بذلك بما إذا كان الشرط عبادة،فإنّ تعلق النهي به يستلزم فساده و يترتب عليه فساد مشروطه.و أما إذا لم يكن عبادة فلا وجه لذلك فيه، فإن النهي لا يقتضي فساده حتى يترتب عليه فساد المشروط،و إنما يقتضي حرمته،و لا تلازم بينها و بين حرمة المشروط،كما لو أوقع إزالة الخبث المشترطة في صحة الصلاة بالماء الغصبي،فإن ذلك لا يؤثّر في بطلان مشروطها،و الستر من قبيلها ليست بعبادة جدّا،و إلاّ لما صح صلاة من ستر عورته من دون قصد القربة بناء على اشتراطه في مطلق العبادة،و أنها به تفترق عما ليس بعبادة.

و من هنا يظهر ما في دعوى بعض الأفاضل كون الستر عبادة،حيث قال -بعد نقل كلام الماتن في المعتبر:اعلم أني لم أقف على نصّ من أهل البيت بإبطال الصلاة و إنما هو شيء ذهب إليه المشايخ الثلاثة و أتباعهم.و الأقرب أنه إن ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة،لأن جزء الصلاة يكون منهيا عنه و تبطل الصلاة بفواته.أما لو لم يكن كذلك لم تبطل كلبس خاتم من ذهب (1)-ما صورته:

يعني جزأها و ما جرى مجرى الجزء من الشرط المقارن،يعني أنّ النهي إنما يقتضي الفساد إذا تعلق بالعبادة،فإذا استتر بالمغصوب صدق أنه استتر استتارا منهيّا عنه،فإن الاستتار به عين لبسه و التصرف فيه،فلا يكون استتارا مأمورا به في الصلاة،فقد صلّى صلاة خالية عن شرطه الذي هو الاستتار المأمور به، و ليس هذا كالتطهير من الخبث بالمغصوب،فإنه و إن نهي عنه لكن يحصّل

ص:336


1- في المعتبر 2:92:و كان كلبس خاتم مغصوب.

الطهارة،و شرط الصلاة إنما هو الطهارة لا فعلها لينتفي الشرط إذا نهي عنه..

إلى آخر ما ذكره (1).

و محصل كلامه-كما ترى-في وجه الفرق بين التطهير و الستر كونه عبادة دون سابقة،إذ به تتمّ الخصوصية للستر،و قد عرفت ما فيه.

و ليت شعري ما الذي دعاه إلى جعله عبادة؟و لم أر له أثرا عدا تعلّق الأمر بالستر،و أن الأصل فيما تعلق به أوامر الشرع أن تكون عبادة موقوفة على قصد القربة،و هذا بعينه موجود في إزالة الخبث عن الثوب.

فإن ادعى خروج ذلك بالإجماع على عدم اعتبار قصد القربة فيه.

قلنا له:كذلك الأمر في محل النزاع،و إلاّ لما صحّ صلاة من ستر عورته بمحلّل إلاّ بقصد القربة،و هو خلاف الإجماع،بل البديهة.

و من هنا ظهر أنه لا وجه لفساد الصلاة في المغصوب الساتر للعورة غير ما قدّمنا إليه الإشارة:من كون الحركات الأجزائية منهيّا عنها باعتبار كونها تصرّفا فيه،و هذا لا يختلف فيه الحال بين الساتر و غيره.فالقول بالفرق-كما عليه الماتن في المعتبر و شيخنا في روض الجنان و سبطه في المدارك و قواه في الذكرى (2)-ضعيف،سيّما مع إطلاق جملة من الإجماعات المحكية المؤيّدة بالدليلين المتقدم إليهما الإشارة (3)،لضعف ما يرد عليهما:

أما الأوّل:فلما مر.

و أما الثاني:فلأن الأمر بالشيء و إن كان لا يقتضي النهي عن ضده الخاص لفظا و لا معنى-كما هو الأشهر الأقوى-إلاّ أنه يستلزم عدم اجتماع أمر آخر معه يضادّه لو كان مضيّقا و الآخر موسّعا كما فيما نحن فيه،فإن الأمر

ص:337


1- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:186.
2- المعتبر 2:92،روض الجنان:204،المدارك 3:182،الذكرى:146.
3- في ص:329.

بالإبانة فوريّ إجماعا و الفرض سعة وقت الصلاة،و إلاّ فهي مقدمة على جميع الواجبات،و حيث استلزم عدم الاجتماع بقي الصلاة بلا أمر،و هو عين معنى الفساد،إذ الصحة في العبادة عبارة عن موافقة الأمر،و حيث لا أمر فلا موافقة، فجاء الفساد من هذه الجهة لا استلزام الأمر بالشيء النهي عن ضده (1)و إن أوهمه ما سبق في الدليل من العبارة،لكن المراد ما عرفت،و إنما وقع التعبير بذلك مسامحة.

و بهذا الوجه يصح المنع عن الصلاة و بطلانها في خاتم الذهب و الثوب المموّه به @(إذا استلزم نزعهما ما ينافي الصلاة،لتحريم لبسه و وجوب نزعه إجماعا،فتوى و نصا،و به صرّح الفاضل في المنتهى و التحرير و التذكرة، و الشهيد في الدروس و البيان و الذكرى و عن الصدوق و الإسكافي (2)،و نسب إلى الأكثر (3).

و لعله كذلك،بل لا خلاف فيه مطلقا يظهر إلاّ من الماتن في المعتبر، في خصوص الخاتم كما مر (4)،و توقف فيه خاصّة في الذكرى بعد أن حكم ببطلان الصلاة في الثوب المموّه منه (5))@ (6).و يظهر من المنتهى التردد فيه و في المنطقة أيضا،لكن اختار المنع في الأوّل قال:لأن النهي في العبادة يدل على الفساد (7).

ص:338


1- في«م»زيادة:الخاص.
2- المنتهى 1:230،التحرير 1:30،التذكرة 1:95،الدروس 1:150،البيان:121، الذكرى:146،الصدوق في العلل:348 باب 57،و حكاه عن الإسكافي في المختلف: 80.
3- الحدائق 7:101.
4- في ص 331،و انظر المعتبر 2:92.
5- الذكرى:146.
6- ما بين القوسين ليست في«ح».
7- المنتهى 1:230.

و فيه نظر،لمنع توجه النهي هنا إلى العبادة،بل إلى اللبس خاصة،و هو ليس جزءا من العبادة،فالأولى الاستدلال عليه بما قدمنا إليه الإشارة،لكنه في الجملة،و يتم بعدم القائل بالفرق بين الطائفة.

مضافا إلى النصوص المستفيضة:ففي الموثق المروي في الكافي و التهذيب و العلل:«لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلّي فيه،لأنه من لباس أهل الجنة» (1).

و في الرضوي:«و لا تصلي في جلد الميتة و لا في خاتم الذهب» (2)الخبر.

و في المروي عن الخصال:«يجوز للمرأة لبس الديباج»إلى أن قال:

«و يجوز أن تتختم بالذهب و تصلي فيه،و حرّم ذلك على الرجال» (3).

و في آخر:«جعله اللّه تعالى حلية أهل الجنة،فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه» (4).

و قصور الأسانيد منجبر بالفتاوى،و بالقاعدة.و لكن مقتضاها بطلان الصلاة في الملبوس منه خاصة،كالخاتم و الثوب المموّه به و كذا المنطقة، لصدق اللبس عليها عادة،دون ما يستصحبه المصلّي من نحو الدنانير مما لا يصدق اللبس عليه عادة،إذ لا نهي فيه عموما و لا خصوصا،بل ظاهر جملة من النصوص جواز شدّ السنّ الثنيّة بالذهب مطلقا من دون تقييد له بغير حال الصلاة (5)،مع أن الظاهر من حال الشد دوامه و لو حال الصلاة.

ص:339


1- لم نعثر عليه في الكافي و هو موجود في التهذيب 2:1548/372،علل الشرائع:1/348، الوسائل 4:413 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 4.
2- فقه الرضا(عليه السلام):157،المستدرك 3:218 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 2.
3- الخصال:12/585،الوسائل 4:380 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 6.
4- التهذيب 2:894/227،الوسائل 4:414 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 5.
5- الوسائل 4:416 أبواب لباس المصلي ب 31.

فالظاهر عدم البأس به،و إن كان الأحوط تركه ما لم يخف ضياعه،أو تدعوه ضرورة أخرى إلى استصحابه فلا بأس به،بل ينبغي القطع بجوازه حينئذ و لو كان مثل خاتم أو ثوب مموّه،فإن الضرورات تبيح المحظورات.

و احترز بالعلم بالغصبية عن صورة الجهل بها،لصحة الصلاة هنا قطعا، إذ لا نهي معه إجماعا،و الفساد إنما ينشأ من جهته لا من حيث كون الثوب مغصوبا،إذ لا دليل عليه جدّا.

و منه يظهر وجه الصحة لو صلّى فيه ناسيا للغصبية،و به صرّح جماعة (1)، مؤيدين له بعموم رفع النسيان عن الأمّة (2)،و فيه مناقشة .

خلافا للفاضل في القواعد و المختلف (3)،فيعيد مطلقا كما في الأوّل، أو في الوقت خاصة كما في الثاني.و ربما فصّل بين العالم بالغصب عند اللبس الناسي له عند الصلاة فالإعادة،و الناسي له عند اللبس خاصة فالعدم (4).

و لم أجد لشيء من هذه الأقوال دلالة عدا وجوه اعتبارية هي-مع معارضتها بعضا مع بعض-لا تصلح حجّة في مقابلة الأصل المعتضد بما قدّمناه من الحجّة.

و في إلحاق الجاهل بالحكم مطلقا بالعامد وجهان،بل قولان،أحدهما:

نعم،وفاقا للتحرير و المنتهى (5)،قال:لأن التكليف لا يتوقف على العلم به، و إلاّ لزم الدور،و عليه الشهيد في الدروس و الذكرى و المحقق الثاني في شرح

ص:340


1- منهم العلامة في المنتهى 1:230،و الشهيد الأول في البيان:121 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:87.
2- الفقيه 1:132/36،الخصال 9/417،الوسائل 8:249 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.
3- القواعد 1:27،المختلف:82.
4- كشف اللثام 1:186.
5- التحرير 1:30،المنتهى 1:229.

القواعد (1).

و ظاهر الأصحاب فيما أعلم-و به صرّح بعض (2)-إلحاق ناسي حكم الغصبية بجاهله في وجوب الإعادة.و لا يخلو عن إشكال إن لم يكن إجماع.

و كذا لا تجوز الصلاة و لا تصح فيما يستر ظهر القدم،ما لم يكن له ساق بحيث يغطّي المفصل الذي بين الساق و القدم و شيئا من الساق، كالشمشك (3)-بضم الأوّلين أو ضم الأول و كسر تاليه،على الاختلاف في الضبط-و النعل السندي و شبههما،كما عليه الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و القواعد و الشهيد في الدروس و غيره (4)،بل نسبوه إلى النهاية و المقنعة و القاضي و الديلمي و غيرهم من القدماء (5)،بل ادعى شيخنا في الروضة و روض الجنان كونه مشهورا (6).

و فيه نظر،فإن المحكي عن الشيخين و أضرابهما إنما هو المنع عن الصلاة في النعل السندي و الشمشك خاصة،و هو أخصّ من المدعى،فقد لا يكون لسترهما ظهر القدم كما ظنه الفاضلان و غيرهما،بل لورود خبر بهما ، كما صرّح به ابن حمزة في الوسيلة (7)،و لعله الحجّة لهم دون ما قرّره الفاضلان

ص:341


1- الدروس 1:151،الذكرى:146،جامع المقاصد 2:87.
2- البيان:151،روض الجنان:205.
3- الشمشك بضم الشين و كسر الميم.و قيل:إنّه المشاية البغدادية،و ليس فيه نص من أهل اللغة. مجمع البحرين 5:277.
4- الشرائع 1:69،الإرشاد 1:247،القواعد 1:28،الدروس 1:151،الذكرى:146 اللمعة(الروضة 1):207.البيان:151.
5- النهاية:98،المقنعة:153،القاضي في المهذّب 1:75،الديلمي في المراسم:65، و انظر السرائر 1:263.
6- الروضة 1:207،روض الجنان:214.
7- الوسيلة:88.قال:«و روي أن الصلاة محظورة في النعل السنديّة و الشمشك».و انظر الوسائل 4:428 أبواب لباس المصلي ب 38 ح 7.

من حجج ضعيفة غير صالحة للحجية أصلا،حتى على إثبات الكراهة،فكيف تثبت بها الحرمة؟ و لذا أعرض عن القول بها المتأخّرون أو أكثرهم كما في المدارك و الذخيرة و غيرهما (1)،و لكن قالوا بالكراهة،وفاقا للمبسوط و الإصباح و الوسيلة (2)في الشمشك و النعل السندي خاصة،و للتحرير و ظاهر المنتهى (3)في كل ما يستر ظهر القدم،كما في عنوان العبارة.

لا لما مر من الحجج الضعيفة،بل تفصّيا عن شبهة الخلاف الناشئة من اختلاف الفتوى و الرواية مسامحة في أدلّة السنن و الكراهة.و المراد بالرواية ما وقع الإشارة إليه في الوسيلة،لكنها-كما عرفت-غير عامة لكل ما يستر ظهر القدم،بل في خصوص ما مرّ من الأمرين.

و في الاحتجاج و عن كتاب الغيبة لشيخ الطائفة فيما ورد من التوقيع عن مولانا صاحب الزمان عليه و على آبائه السلام إلى الحميري فيما كتب إليه يسأله:هل يجوز للرجل أن يصلي و في رجليه بطيط و لا يغطّي الكعبين أم لا يجوز؟فوقّع عليه السلام:«جائز» (4).

و البطيط كما في القاموس:رأس الخف بلا ساق (5)،كأنه سمي به تشبيها له بالبطّ.

قيل:و فيه تأييد القول بالمنع.

و فيه نظر،بل هو لتأييد القول الآخر أظهر،كما صرّح به بعض من

ص:342


1- المدارك 3:184،الذخيرة:235،و انظر كفاية الأحكام:16،و الحدائق 7:160.
2- المبسوط 1:83،و حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:191،الوسيلة:88.
3- التحرير 1:30،المنتهى 1:230.
4- الاحتجاج:484،كتاب الغيبة:234،الوسائل 4:427 أبواب لباس المصلي ب 38 ح 4.
5- القاموس المحيط 2:363.

تأخّر (1).

و كيف كان،فالأحوط الترك مطلقا،سيّما فيما ورد به المنع في خصوص النص،و إن كان من المرسل،لكفايته في الاحتياط.بل لو لا الشهرة المتأخّرة المحققة و المحكية و رجوع الشيخ في المبسوط عن القول بالحرمة (2)لكان القول بها للرواية لا يخلو عن قوة و لو كانت مرسلة،لقوة احتمال انجبارها بالشهرة القديمة على ما حكاه شيخنا في كتابيه المتقدم إليهما الإشارة (3).

و احترز بقوله:ما لم يكن..إلى آخره،عما لو كان له ساق يغطّي و لو شيئا من الساق كالخف و الجرموق (4)،فإنه يجوز الصلاة فيه إجماعا على الظاهر،المصرّح به في التحرير و التذكرة و غيرهما (5).

و هو الحجة،مضافا إلى الأصل،و الإطلاقات السليمة هنا عن المعارض و لو على الكراهة بالكلية.

يستحب في النعل العربية و يكره في الثياب السود

و يستحب الصلاة في النعل العربية عند علمائنا أجمع،كما صرّح به جماعة (6)حد الاستفاضة،مؤذنين بدعوى الإجماع عليه.

و هو الحجة،مضافا إلى الصحاح المستفيضة المرغّبة إليه أمرا، كالصحيح:«إذا صلّيت فصلّ في نعليك إذا كانت طاهرة،فإن ذلك من السنة» (7).

ص:343


1- كصاحب الحدائق 7:161.
2- المبسوط 1:83.
3- في ص:336.
4- الجرموق كعصفور:الذي يلبس فوق الخف.القاموس المحيط 3:224.
5- التحرير 1:30،التذكرة 1:98،و انظر نهاية الإحكام 1:389،و كشف اللثام 1:191.
6- كالفاضلين في المعتبر 2:93،و المنتهى 1:230،و المحقق الثاني في شرح القواعد(جامع المقاصد 2:107)،و صاحب الذخيرة:235،و غيرهم من المتأخرين(كالشهيد الثاني في الروض:214).منه رحمه اللّه.
7- الفقيه 1:1573/358،الوسائل 4:424 أبواب لباس المصلي ب 37 ح 1.

و نحوه آخر،إلاّ أن فيه بدل«إن ذلك من السنة»:«يقال ذلك من السنة» (1).

و فعلا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الصادقين عليهم السلام،كما في الصحاح (2).

و في الخبر:سمعت الرضا عليه السلام يقول:«أفضل موضع القدمين في الصلاة النعلان» (3).

و مقتضى هذه الروايات استحباب الصلاة في النعل مطلقا.و ربما كان الوجه في حملها على العربية أنها هي المتعارفة في ذلك الزمان،كما صرّح به جماعة من الأصحاب،لكن قالوا:و لعلّ الإطلاق أولى (4).

و لعل وجهه-مع الاعتراف بصحة الحمل-كفاية الاحتمال في المستحبات من باب التسامح(و الاحتياط) (5)فاندفع عنهم الاعتراض:بأنه محل تأمّل،لما ذكروه،لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف و ليس هنا عموم لغوي ينفع (6).

و يكره الصلاة في الثياب السود عدا العمامة و الخفّ و الكساء، لإطلاق المستفيضة بكراهة لبسها عدا المستثنيات الثلاثة (7)،مع تصريح جملة من النصوص بكراهة الصلاة في خصوص القلنسوة،معلّلة بأنها لباس أهل النار (8)،و التعليل عام لا يخصّ المورد،كما يستفاد من النصوص،ففي الخبر:

ص:344


1- التهذيب 2:919/233،الوسائل 4:425 أبواب لباس المصلي ب 37 ح 5.
2- الوسائل 4:424 أبواب لباس المصلي ب 37.
3- الكافي 3:13/489،الوسائل 4:426 أبواب لباس المصلي ب 37 ح 9.
4- منهم صاحب المدارك 3:185،و انظر البحار 80:275.
5- ليست في«ل».
6- حاشية المدارك للبهبهاني(المدارك بالطبع الحجري:140).
7- الوسائل 4:382 أبواب لباس المصلي ب 19.
8- الكافي 3:30/403،الفقيه 1:765/162،التهذيب 2:836/213.علل الشرائع: 1/346،الوسائل 4:386 أبواب لباس المصلي ب 20 ح 1،3.

«كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام بالحيرة،فأتاه رسول أبي العباس الخليفة يدعوه،فدعا بممطر (1)أحد وجهيه أسود و الآخر أبيض فلبسه،ثمَّ قال:«أما إني ألبسه و أنا أعلم أنه لباس أهل النار» (2).

مضافا إلى عموم المرسل:«لا تصلّ في ثوب أسود،فأما الخفّ و الكساء و العمامة فلا بأس» (3).

فلا إشكال في كل من حكمي المستثنى و المستثنى منه،إلاّ في استثناء الكساء،لعدم وقوعه في العبارة و نحوها من عبائر كثير من الجماعة كالحلي في السرائر و الماتن في(الشرائع) (4)و الفاضل في الإرشاد و القواعد (5)و كذا المفيد و الديلمي و ابن حمزة فيما حكي عنهم (6)،بل قيل (7):إنهم لم يستثنوا غير العمامة.

و بالجملة أكثر الأصحاب على عدم استثناء الكساء،بل قيل (8):كلهم لم يستثنوه إلاّ ابن سعيد في الجامع (9).

و فيه نظر،فقد استثناه جماعة ممن تأخّر (10)تبعا للمستفيضة،و لا يخلو عن قوّة و إن كان عدم الاستثناء أيضا لا بأس به،مسامحة في أدلّة الكراهة بناء على

ص:345


1- الممطر و الممطرة بكسرهما ثوب صوف يتوقى به من المطر.القاموس المحيط 2:140.
2- الكافي 6:2/449،الفقيه 1:770/163،علل الشرائع:4/347،الوسائل 4:384 أبواب لباس المصلي ب 19 ح 7.
3- الكافي 3:24/402،الوسائل 4:387 أبواب لباس المصلي ب 20 ح 2.
4- في«م»:المعتبر(2:94).
5- السرائر 1:268،الشرائع 1:70،الإرشاد 1:246،القواعد 1:28.
6- المفيد في المقنعة:150،الديلمي في المراسم:63،ابن حمزة في الوسيلة:87.
7- كشف اللثام 1:191.
8- كشف اللثام 1:191.
9- الجامع للشرائع:65.
10- منهم:الشهيد الأول في البيان:122،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:107،و الشهيد الثاني في روض الجنان:208.

حصول الشبهة،لعدم استثناء الأكثر و اقتصارهم على ما في العبارة،و منهم الفاضل في المنتهى مدعيا عليه إجماع الإمامية (1)،مع عموم بعض النصوص (2)ككلام الصدوق (3)بكراهة مطلق السود،خرج المجمع على استثنائه و يبقى الباقي.

و ظاهر العبارة-كغيرها من عبائر الجماعة-اختصاص الكراهة بالسود و عدم كراهة غيرها،مع أن في الموثق:«يكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المقدم» (4).

و في الخبر:«يكره الصلاة في المشبع بالعصفر و المضرّج (5)بالزعفران» (6).

و بهما أفتى الفاضلان في المعتبر و التحرير و المنتهى (7)،و غيرهما (8).

بل عن الشيخ و جماعة-و منهم الحلي و الإسكافي-كراهية الصلاة في الثياب المفدمة بلون من الألوان (9)،و لعل مستندهم الموثق المتقدم،بناء على تفسير المفدم بالخاثر المشبع بقول مطلق من دون تقييد بالحمرة.

ص:346


1- المنتهى 1:232.
2- الوسائل 4:383،385 أبواب لباس المصلي ب 19 ح 5،8.
3- المقنع:24.
4- الكافي 3:22/402،التهذيب 2:1549/373،الوسائل 4:460 أبواب لباس المصلي ب 59 ح 2.ثوب مفدم-ساكنة الفاء-:إذا كان مصبوغا بحمرة مشبعا.الصحاح 5:2001.
5- العصفر:نبت معروف يصبغ به.مجمع البحرين 3:408.ثوب مضرّج:مصبوغ بالحمرة أو الصفرة.لسان العرب 2:313.
6- التهذيب 2:1550/373،الوسائل 4:461 أبواب لباس المصلي ب 59 ح 3.
7- المعتبر 2:94،التحرير 1:30،المنتهى 1:232.
8- كالشهيد في الذكرى:147،و حكي أيضا عن موجز ابن فهد في مفتاح الكرامة 2:183.
9- الشيخ في المبسوط 1:95،الحلي في السرائر 1:263،و نقله عن الإسكافي في المختلف: 80.

و أما على التفسير الآخر المقيد بها فلا يعم كل لون،بل يخصّ المشبع بالحمرة خاصة،و لذا اقتصر الفاضلان على كراهيته للموثقة،و كراهة المضرج بالزعفران و المعصفر أيضا لما بعدها.و التعميم أولى بالمسامحة في نحو محل البحث،كما مر.

تكره الصلاة في الثوب الذي يكون تحت وبر الأرانب و الثعالب أو فوقه

و كذا تكره الصلاة في الثوب الذي يكون تحت وبر الأرانب و الثعالب أو فوقه وفاقا للأكثر،بل لا خلاف فيه يظهر إلاّ من الشيخ في النهاية و الصدوق،فقالا بالحرمة (1).و الأول قد رجع عنها إلى الكراهة في المبسوط (2)، فانحصر المانع في الثاني،و هو شاذّ على الظاهر،المصرّح به فيما يحكى من كلام الماتن (3)،مشعرا بدعوى الإجماع على الجواز.فإن تمَّ،و إلاّ فالمنع لا يخلو عن قوة،لورود النهي عنه في المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح:قلت لأبي جعفر عليه السلام:الثعالب يصلّى فيها؟ قال:«لا،و لكن تلبس بعد الصلاة»قلت:أصلي في الثوب الذي يليه؟قال:

«لا» (4).

و فيه:عن رجل سأل الماضي عليه السلام عن الصلاة في جلود الثعالب، فنهى عن الصلاة فيها،و في الثوب الذي يليه،فلم أدر أيّ الثوبين،الذي يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد؟فوقّع عليه السلام بخطه:«الثوب الذي يلصق بالجلد» (5)الحديث.

ص:347


1- النهاية:98،الصدوق في المقنع:24.
2- المبسوط 1:83.
3- المعتبر 2:82.
4- الكافي 3:14/400،التهذيب 2:822/210،الاستبصار 1:1457/384،الوسائل 4:356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 4.
5- الكافي 3:8/399،التهذيب 2:808/206،الاستبصار 1:1446/381 و فيهما:عن رجل سأل الرضا(عليه السلام)،الوسائل 4:357 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 8.

و في الرضوي:«و إيّاك أن تصلّي في الثعالب و لا في ثوب تحته جلد ثعالب» (1).

و قريب منها المروي في الاحتجاج عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام أنه كتب إليه الحميري:قد سأل بعض العلماء عن معنى قول الصادق عليه السلام:«لا تصلّ في الثعلب و لا في الأرنب و لا في الثوب الذي يليه»فقال عليه السلام:«إنما عنى الجلود دون غيرها» (2).

و هي مع استفاضتها أكثرها معتبرة السند بالصحة و القوة،فلا وجه لحمل النهي فيها على الكراهة،عدا ما يتخيّل من عدم وجه للمنع عدا تخيّل نجاسة الجلود الملاقية بالرطوبة،و هو خلاف الأظهر الأشهر:من قبولها التذكية فحينئذ لا وجه للمنع بالمرّة،فينبغي الحمل على الكراهة.

و فيه نظر،لاحتمال التعبد،أو كونه باعتبار ما يسقط عليه من الوبر و يتناثر عليه في وقت لبسه له،تحت الوبر كان أو فوقه،كذا قيل (3).

و فيه نظر،لظهور سياق الروايات بعد ضمّ بعضها إلى بعض في كون المنع متوجّها إلى الثوب الذي يلي الجلد لا الوبر،بل صرّح بعضها بعدم المنع في الملاصق للوبر،فظهر أن المنع ليس لما ذكر من تناثر الشعر،بل من حيث الملاصقة للجلد،و لا وجه للمنع حينئذ غير ما ذكروه،و يتوجه حينئذ حمل المنع فيها على الكراهة كما قرروه،بناء على بعد احتمال تعبدية المنع،فلا يخرج بمجرده عن الأصل المعتضد بالشهرة،بل الإجماع المنقول كما عرفته.

و لكن المسألة بعد مشكلة،لعدم ظهور نقل الإجماع من لفظ الشذوذ

ص:348


1- فقه الرضا(عليه السلام):157،المستدرك 3:201 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 1.
2- الاحتجاج:492،الوسائل 4:358 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 12.
3- قال به صاحب الحدائق 7:82.

بحيث يطمئن به،و الشهرة و الاعتماد عليها لعلّه لا يخلو عن إشكال،بناء على ظهور كلمة جملة منهم بانحصار مستند المنع في الصحيحة الثانية و مع ذلك أجابوا عنها بأنها مرسلة.

و هما كما ترى،لتعدّد روايات المنع و استفاضتها،و عدم إرسال فيما أجابوا به عنه،و إن كان فيه:عن رجل،إذ هو ليس راويا،بل الراوي له هو الراوي عنه،و ليس روايته عنه بطريق الإرسال بحيث يسند الخبر إليه،بل أخبر الراوي الثقة عنه بأنه سأل الماضي،فكأنه المخبر عن السؤال و الجواب،فتأمل جدّا.

مع أنّ في ذيل الخبر ما يعرب عن مشافهة الثقة له و سؤاله عن ذلك فأجابه بالمنع أيضا،حيث قال:و ذكر علي بن مهزيار-و هو الراوي عن الرجل-أنه سأله عن هذه المسألة،فقال:«لا تصلّ في الذي فوقه و لا في الذي تحته».

فالخبر على أيّ تقدير مسند،لكن اختلف الجوابان فيه ففي الأوّل:

خص المنع بالذي يلصق الجلد،و في الثاني:عمّم له و لما يلصق الوبر،و هو الأوفق لما ذكروه:من تعميم المنع كراهة أو تحريما.

و بالجملة:المسألة محل إشكال،و لا ريب أنّ التنزه عنه أفضل إن لم نقل بكونه المتعيّن.

تكره في ثوب واحد للرجل

و كذا تكره في ثوب واحد رقيق لم يحك ما تحته من العورة للرجل خاصة،بلا خلاف أجده،و النصوص به مع ذلك مستفيضة،ففي الصحيح:يصلّي الرجل في قميص واحد؟فقال:«إذا كان كثيفا فلا بأس» (1).

و في آخر بعد السؤال عن نحو ذلك:«إذا كان عليه قميص صفيق أو قباء ليس بطويل الفرج فلا بأس» (2).

ص:349


1- الكافي 3:2/394،التهذيب 2:855/217،الوسائل 4:387 أبواب لباس المصلي ب 21 ح 1.
2- الكافي 3:1/393،التهذيب 2:852/216،الوسائل 4:390 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 2.

و مقتضاهما-ككلام أكثر الأصحاب،بل عامتهم كما يفهم من الذكرى و روض الجنان (1)-عدم الكراهة في الثوب الواحد إذا كان كثيفا،و هو أيضا ظاهر جملة من الصحاح،منها:«لا بأس أن يصلّي أحدكم في الثوب الواحد و أزراره محلولة،إنّ دين محمد صلّى اللّه عليه و آله حنيف» (2).و نحوه غيره (3).

خلافا لبعض أصحابنا،كما حكاه في المنتهى (4)و لعله الماتن هنا، حيث لم يقيّد كراهة الثوب الواحد بما إذا كان رقيقا كما عليه باقي أصحابنا مؤذنا بكراهة الصلاة فيه للرجل مطلقا.

و تبعه الشهيد في الذكرى (5)،قال:لعموم خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [1] (6)و دلالة الأخبار على أن اللّه تعالى أحقّ أن يتزيّن له (7)،و الاتفاق على أنّ الإمام يكره له ترك الرداء،و ما روي عنه عليه السلام من قوله صلّى اللّه عليه و آله:«إذا كان لأحدكم ثوبان فليصلّ فيهما» (8).

قال:و الظاهر أنّ القائل بثوب واحد من الأصحاب إنما يريد به الجواز المطلق،و يريد به أيضا على البدن،و إلاّ فالعمامة مستحبة مطلقا و كذا السراويل،و قد روي تعدد الصلاة الواحدة بالتعمم و التسرول (9).

ص:350


1- الذكرى:146،روض الجنان:209.
2- الكافي 3:8/395،الفقيه 1:823/174،التهذيب 2:1477/357،الاستبصار 1: 1492/392،الوسائل 4:393 أبواب لباس المصلي ب 23 ح 1.
3- التهذيب 2:850/216،الوسائل 4:393 أبواب لباس المصلي ب 23 ح 1.
4- لم نعثر عليه في المنتهى.
5- الذكرى:146.
6- الأعراف:31.
7- سنن البيهقي 2:236.
8- سنن أبي داود 1:635/172،سنن البيهقي 2:236.
9- مكارم الأخلاق:119،الذكرى:147،الوسائل 4:464 أبواب لباس المصلي ب 64 ح 1،2،3.

و في جميع ما ذكره نظر،فإن غايته-عدا كراهية ترك الإمام الرداء- الدلالة على استحباب التعدد،و هو غير كراهية الوحدة،إلاّ أن يريد بها ترك الأولى،و لعله غير المتنازع فيه.

نعم في قرب الإسناد للحميري،عن عبد اللّه بن الحسن،عن جده،عن علي بن جعفر أنه سأل أخاه عليه السلام:عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في سروال واحد و هو يصيب ثوبا؟قال:«لا يصلح» (1).

و احترزنا بعدم الحكاية لما تحته عما لو حكى ما تحته فإنه لم يجز قولا واحدا إذا كان لبشرة العورة و لونها حاكيا،للزوم سترها كما يأتي (2)إجماعا.و كذا لو حكي حجمها و خلقتها على الأحوط،بل قيل بتعينه (3)،لرواية قاصرة السند ضعيفة الدلالة (4).

و لذا اختار الأكثر الإجزاء هنا.و لعله الأقوى،للأصل،و صدق الستر عرفا،مع إطلاق ما مرّ:من النص الصحيح بعدم البأس بالصلاة في الثوب الواحد إذا كان كثيفا،إذ قد لا يفيد إلاّ ستر البشرة دون الحجم.

مضافا إلى التأيّد بأخبار:«أنّ النورة سترة» (5)و أنّ جسد المرأة عورة،و لو وجب ستر الحجم وجب فيه.و إن كان في الاستدلال بهما نظر .

ص:351


1- قرب الإسناد:717/191،الوسائل 4:453 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 7.
2- في ص:369.
3- جامع المقاصد 2:95.
4- و هي مرفوعة أحمد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا تصلّ فيما شفّ أو صف يعني الثوب المصقل».الوسائل 4:388 أبواب لباس المصلّي ب 21 ح 4.و ذكر هذه الرواية الشهيد في الذكرى:146،ثمَّ قال:معنى شفّ:لاحت منه البشرة،و وصف-بواوين-:حكي الحجم، و في خط الشيخ أبي جعفر في التهذيب:أوصف بواو واحدة،و المعروف بواوين،من الوصف.
5- الوسائل 2:53 أبواب آداب الحمام ب 18.
يكره أن يتّزر فوق القميص

و يكره أن يتّزر فوق القميص على المشهور،للصحيح الصريح فيه المروي في الكافي:«لا ينبغي أن تتوشح بإزار فوق القميص و أنت تصلّي، و لا تتّزر بإزار فوق القميص إذا أنت صلّيت،فإنه من زيّ الجاهلية» (1).

خلافا للفاضلين في المعتبر و المنتهى (2)و كثير ممن تبعهما (3)،فلا يكره، للصحيحين النافيين للبأس عنه،فعلا في أحدهما (4)،و قولا في الآخر (5).

و فيه نظر،بل حمل نفي البأس فيهما على نفي التحريم طريق الجمع، سيّما مع اشتهار الكراهة و جواز المسامحة في أدلّتها كما عرفت غير مرة.

و ما تضمنته الصحيحة من كراهة التوشح فوق القميص قد أفتى بها جماعة (6)،و النصوص بها مع ذلك مستفيضة،و هي ما بين ناهية عنه ب«لا»كما في بعضها،و ب«لا يجوز»كما في آخر،و ب«يكره»في جملة منها (7).و حملت على الكراهة الاصطلاحية جمعا بينها و بين الحسن:هل يصلّي الرجل و عليه إزار يتوشح به فوق القميص؟فكتب:«نعم» (8).

و قيل:لا يكره (9)،و لا وجه له.

ص:352


1- الكافي 3:7/395،الوسائل 4:395 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 1.
2- المعتبر 2:96،المنتهى 1:233.
3- كصاحب المدارك 3:203،و السبزواري في الذخيرة:229،و المجلسي في البحار 80: 205-207.
4- التهذيب 2:843/215،الاستبصار 1:1476/388،الوسائل 4:397 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 6.
5- التهذيب 2:842/214،الاستبصار 1:1475/388،الوسائل 4:397 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 5.
6- منهم المحقق في المعتبر 2:96،و صاحب المدارك 3:204،و صاحب الحدائق 7:120.
7- الوسائل 4:395 أبواب لباس المصلي ب 24.
8- التهذيب 2:844/215،الاستبصار 1:1477/388،الوسائل 4:397 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 7.
9- نفى عنه البعد في المدارك 3:204.

و اختلف أهل اللغة في معنى التوشّح،ففي القاموس:توشّح الرجل بثوبه و سيفه إذا تقلّد بهما (1).

و في المصباح المنير:توشّح به أن يدخله تحت إبطه الأيمن و يلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم (2)،و نحوه عن المغرب (3).

و في مجمع البحرين:و فيه«كان يتوشّح بثوبه»أي يتغشى به،و الأصل في ذلك كله من الوشاح ككتاب،و هو شيء ينسج من أديم عريضا و يرصّع بالجواهر و يوضع شبه قلادة تلبسها النساء،يقال:توشّح الرجل بثوبه أو بإزاره، و هو أن يدخله تحت إبطه الأيمن و يلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم، و كما يتوشح الرجل بحمائل سيفه،فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى و يكون اليمنى مكشوفة (4).

و كلماتهم و إن كانت مختلفة في ذلك إلاّ أنّ ظاهرها الاتفاق على أنه غير الاتّزار فوق القميص،فلا وجه للاستدلال بأخبار كراهة التوشّح على كراهته.

لكن في بعض النصوص إشعار باتحادهما،كالخبر:في الذي يتوشّح و يلبس قميصه فوق الإزار،قال:«هذا عمل قوم لوط»قلت:فإنه يتوشّح فوق القميص، قال:«هذا من التجبّر» (5).

و لكنه معارض بظاهر الصحيحة الأولى (6)،حيث عطفت الاتّزار فوق

ص:353


1- القاموس المحيط 1:264.
2- المصباح المنير:661.
3- المغرب 2:250.
4- مجمع البحرين 2:423.
5- الفقيه 1:795/168،التهذيب 2:1542/371،الوسائل 4:396 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 4.
6- المتقدمة في ص:347.

القميص على التوشح فوقه،مؤذنة بتغايرهما.و مع ذلك الخبر ضعيف السند متضمن صدره لما لم يقل به أحد،و هو كراهة جعل المئزر تحت القميص،بل نفي الخلاف عن عدم كراهته في المنتهى (1)مؤذنا بدعوى الإجماع عليه،كما حكي عن صريح المعتبر (2).

و أن يشتمل الصماء إجماعا،كما في التحرير و المنتهى و الذكرى و شرح القواعد للمحقق الثاني و روض الجنان و المدارك (3)،و في غيرها نفي الخلاف فيه بين علمائنا (4)،للصحيح:«إيّاك و التحاف الصماء»قلت:و ما التحاف الصماء؟قال:«أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد» (5).

و به فسر في معاني الأخبار و النهاية و المبسوط و الوسيلة (6)،و فيها أنه فعل اليهود،و تبعهم المتأخّرون،و نسبه في الروضة و روض الجنان إلى المشهور (7)،مشعرا بوقوع الخلاف فيه،و لم أجده بيننا (8)،و لعلّه لأهل اللغة

ص:354


1- المنتهى 1:233.
2- المعتبر 2:96.
3- التحرير 1:31،المنتهى 1:233،الذكرى:147،جامع المقاصد 2:108،روض الجنان:209،المدارك 3:204.
4- انظر الذخيرة:229،و الحدائق 7:123.
5- الكافي 3:4/394،الفقيه 1:792/168،التهذيب 2:841/214،الاستبصار 1: 1474/388،معاني الأخبار:32/390،الوسائل 4:399 أبواب لباس المصلي ب 25 ح 1.
6- معاني الأخبار:32/390،النهاية:97،المبسوط 1:83،الوسيلة:87.
7- الروضة 1:208،روض الجنان:209.
8- نعم حكاه الحلي(السرائر 1:261)من المرتضى،حيث قال:و يكره السدل في الصلاة كما يفعله اليهود،و هو أن يتلفّف بالإزار و لا يرفعه على كتفيه،و هذا تفسير أهل اللغة في اشتمال الصماء،و هو اختيار السيد المرتضى.منه رحمه اللّه.

و فقهاء العامة،و لا عبرة بمقالتهم في مقابلة الرواية الصحيحة الصريحة، المعتضدة بالشهرة الظاهرة و المحكية،و خصوص المروي في معاني الأخبار:

أنه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن لبستين:اشتمال الصماء،و أن يلتحف (1)الرجل بثوب ليس بين فرجه و بين السماء شيء قال،و قال الصادق عليه السلام:«التحاف الصماء هو أن يدخل الرجل رداءه تحت إبطيه (2)،ثمَّ يجعل طرفيه على منكب واحد» (3).

لكن ظاهره كون المراد إدخال أحد طرفي الثوب من تحت أحد الجانبين و الطرف الآخر من تحت الجناح الآخر ثمَّ جعلهما على منكب واحد.و هذا و إن أمكن إرادته من الصحيحة بأن يراد من الجناح الجنس،إلاّ أنه خلاف الظاهر المتبادر منها،و هو كون المراد إدخال طرفي الثوب معا من تحت جناح واحد سواء كان الأيمن أو الأيسر ثمَّ وضعه على منكب واحد،و يتبادر هذا المعنى من الصحيحة صرح المحقق الثاني في شرح القواعد و غيره (4)،و لكن التنزّه عن كلا المعنيين المحتملين لعله أحوط.

و أن يصلّي في عمامة لا حنك لها باتفاق علمائنا،كما في المعتبر و المنتهى (5)،و هو الحجة.

مضافا إلى خصوص النبوي المروي عن الغوالي و غيره،و فيه:«من صلى مقتعطا (6)فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلاّ نفسه» (7).

ص:355


1- في المصدر:يحتبي.
2- في المصدر و«ش»و«م»:إبطه.
3- معاني الأخبار:281،282،الوسائل 4:400 أبواب لباس المصلي ب 25 ح 5،6.
4- جامع المقاصد 2:108،و انظر الحدائق 7:125.
5- المعتبر 2:97،المنتهى 1:233.
6- قعط عمامته و اقتعطها:أدارها على رأسه و لم يتلحّ بها..لسان العرب 7:384.
7- عوالي اللئالي 2:6/214،المستدرك 3:215 أبواب لباس المصلي ب 21 ذيل حديث 2.

و إطلاق النصوص بكراهة التعمم من دون تحنك،ففي المرسل كالصحيح:«من تعمّم و لم يتحنّك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلاّ نفسه» (1).

و نحوه غيره من كثير من النصوص (2)،مبدّلا في بعضها«لم يتحنك» ب:«لم يدر العمامة تحت حنكه»و في آخرين:«الفرق بيننا و بين المشركين في العمائم الالتحاء بالعمائم»كما في أحدهما،و نحوه الثاني بأدنى تفاوت في الألفاظ لا يخلّ بالمقصود.

و لما كان التحنّك و التلحّي في اللغة و العرف إدارة العمامة أي جزء منها تحت الحنك فالظاهر أنه لا تتأدّى السنة بالتحنك بغيرها،وفاقا للشهيد الثاني و سبطه و غيرهما (3).

خلافا للمحقق الثاني،فاحتمل تأدّي السنة به أيضا،لكن متردّدا بعد أن حكاه عن الشهيد في الذكرى (4)،و تبعهما في الاحتمال بعض الفضلاء (5)،و لم أعرف له وجها.

ثمَّ إن ظاهر النصوص و الفتاوي-و لا سيّما الحاكم منهما بكراهة ترك التحنك في الصلاة-استحباب دوامه و عدم الاكتفاء به عند التعمم خاصة، و عليه فيشكل الجمع بين ما دلّ على استحبابه مطلقا مما مضى من النص و الفتوى،و بين النصوص المستفيضة الدالّة على استحباب إسدال طرف

ص:356


1- الكافي 6:1/460،التهذيب 2:846/215،الوسائل 4:401 أبواب لباس المصلي ب 26 ح 1.
2- الوسائل 4:401 أبواب لباس المصلي ب 26 ح 2،5،8،10.
3- الشهيد الثاني في روض الجنان:210،المدارك 3:207،و انظر المسالك 1:24،و كشف اللثام 1:192.
4- المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:110،الذكرى:140.
5- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:192.

العمامة على الصدر أو القفاء (1)،و لذا اضطرب كلام جملة من الفضلاء في الجمع بينهما:

فبين من جمع بينهما تارة بحمل الأولة على إرادة التحنك حين التعمم و الأخيرة على الإسدال بعده (2)،و اخرى بتخصيص السدل بحال الحرب و نحوه مما يراد فيه الترفّع و الاختيال و التحنك بما يراد فيه التخشّع و السكينة (3).

و بين من جمع بإرجاع أخبار التحنك إلى الإسدال بضرب من التوجيه، بل ادعى اتحادهما معنى لغة (4).و هو مشكل جدّا.

و يحتمل الجمع بوجه آخر،و هو تخصيص استحباب السدل بالرسول صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام،و استحباب التحنك بنا.

و لا بعد فيه إلاّ من حيث عموم أخبار التحنك،و إلاّ فأخبار الإسدال لا عموم فيها،فإنّ منها:«اعتمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فسدلها من بين يديه و من خلفه،و اعتمّ جبرئيل عليه السلام فسدلها من بين يديه و من خلفه» (5).

و منها:«عمم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السلام،فسدلها من بين يديه و قصّرها من خلفه قدر أربع أصابع،ثمَّ قال:أدبر،فأدبر،ثمَّ قال:

أقبل،فأقبل،ثمَّ قال:هكذا تيجان الملائكة» (6).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الظاهر اختصاص موردها بالرسول صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام،فلا غرو إن جمعنا بينها و بين

ص:357


1- الوسائل 5:55 أبواب أحكام الملابس ب 30.
2- كما في الحدائق 7:135.
3- كما في كشف اللثام 1:192.
4- كما في البحار 80:199.
5- الكافي 6:2/460،الوسائل 5:55 أبواب أحكام الملابس ب 30 ح 1.
6- الكافي 6:4/461،الوسائل 5:55 أبواب أحكام الملابس ب 30 ح 3.

النصوص الماضية بذلك،و قيّدنا إطلاقاتها بمن عداهم عليهم السلام،بل لعله أظهر وجوه الجمع هنا.

و يحتمل آخر ضعيفا،و هو التخيير بينهما ،و يكون المقصود من استحبابهما كراهة الاقتعاط المقابل لهما.

و اعلم أنّ جمعا من الأصحاب حكوا المنع هنا-الظاهر في التحريم- عن الصدوق (1)،و لم أقف على تصريحه به.نعم،في الفقيه:سمعت مشايخنا يقولون لا تجوز الصلاة في طابقيّة،و لا يجوز للمتعمّم أن يصلّي إلاّ و هو متحنّك (2).

و هو ظاهر في اتفاق مشايخه على ذلك،فيبعد مخالفته لهم،بل الظاهر موافقته لهم،و لعله لذا نسبوه إليه،أو وجدوا التصريح منه به في محل آخر.

و كيف كان،فالمنع تحريما-كما هو ظاهرهم-ضعيف جدّا،للأصل، مع عدم دليل صالح على ما ذكروه،فإن غاية النصوص-حتى النبوي الوارد في الصلاة (3)-إفادة الكراهة لا التحريم،فإثباته مشكل،سيّما مع إطباق المتأخّرين و اختيارهم خلافه،مع دعوى جملة منهم الإجماع عليه كما عرفته (4).

و يحتمل إرادة المشايخ من«لا يجوز»الكراهة،لاستعماله كثيرا فيها في الأخبار و كلام قدماء الطائفة.

و أن يؤمّ بغير رداء على المشهور،على الظاهر،المصرح به في

ص:358


1- حكاه عنه العلامة في المختلف:83،و الشهيد الثاني في روض الجنان:210،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:110.
2- الفقيه 1:172.
3- راجع ص:350.
4- في ص:350.

المدارك و غيره (1)،بل عليه الاتّفاق في الذكرى (2)،و هو الحجة.

مضافا إلى الصحيح:عن رجل أمّ قوما في قميص ليس عليه رداء، فقال:«لا ينبغي إلاّ أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها» (3).

و أخصّيته من المدعى-بدلالته على كراهة الإمامة من دون رداء في القميص وحده لا مطلقا-مجبورة بعدم القول بالفرق بين جمهور أصحابنا،و إن توهّمه شاذّ من متأخّري متأخرينا (4)،مع أنّ المقام مقام كراهة يتسامح في دليله بما لا يتسامح في غيره،فيكتفي في إثباتها بفتوى فقيه واحد،فما ظنك بفتاوى جمهور أصحابنا؟! و أما قول أبي جعفر عليه السلام لمّا أمّ أصحابه في قميص بغير رداء:

«إن قميصي كثيف،فهو يجزي أن لا يكون عليّ إزار و لا رداء» (5).

فليس فيه تأييد لما توهّمه الشاذ المتقدم:من اختصاص الكراهة بمورد الصحيحة،لاحتمال الإجزاء في هذه الرواية الاكتفاء بأقل الواجب من ستر العورة،لا الإجزاء عن الاستحباب،و إلاّ لنافي إطلاق الصحيحة المتقدمة، بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال عن القميص هل هو كثيف أم رقيق؟ فحكمه حينئذ ب«لا ينبغي»يعم الصورتين.

مع أنّ الرواية السابقة على التقدير الثاني قد نفت استحباب الرداء في الصورة الاولى،و هذا الشاذّ لا يقول به ،فكيف يجعل قوله عليه السلام في هذه

ص:359


1- المدارك 3:208،و انظر الحدائق الناضرة 7:135.
2- الذكرى:147.
3- الكافي 3:3/394،التهذيب 2:1521/366،الوسائل 4:452 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 1.
4- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:192.
5- التهذيب 2:1113/280،الوسائل 4:391 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 7.

الرواية مؤيّدا؟!و إن هو إلاّ غفلة واضحة.

و ظاهر الشهيدين و غيرهما (1)استحباب الرداء لمطلق المصلي و لو لم يكن إماما،للصحاح الدال بعضها على أنّ أدنى ما يجزيك أن تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف (2)،و الباقي على استحباب ستر المنكبين لمن يصلّي في إزار أو سراويل (3).

و لا ذكر للرداء في الرواية الاولى،و البواقي خارجة عما نحن فيه جدّا، فلا وجه للاستدلال بها لما ذكروه أصلا.

و لا بأس بالقول باستحباب ما فيها،و في الخبر:«عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في قميص واحد أو قباء واحد؟قال:ليطرح على ظهره شيئا» (4).

و عن الرجل هل يصلح له أن يؤم في ممطر وحده أو جبّة وحدها؟قال:

«إذا كان تحته قميص فلا بأس» (5).

و عن الرجل يؤم في قباء و قميص،قال:«إذا كان ثوبين فلا بأس» (6).

و المعتبر في الرداء ما يصدق عليه الاسم عرفا،قيل:و يقوم التكة و نحوها مقامه مع الضرورة (7).و لم أقف على ما دلّ على إقامتها مقامه،حيث يكون هو المعتبر،كما في أصل البحث.

نعم،النصوص المتقدمة في المصلّي في الإزار و السراويل (8)دلّت على

ص:360


1- الدروس:1:147،الروضة 1:209،و انظر البحار 80:190.
2- الفقيه 1:783/166،الوسائل 4:453 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 6.
3- انظر الوسائل 4:452 أبواب لباس المصلّي ب 53 ح 3،4.
4- مسائل على بن جعفر:57/118،الوسائل 4:392 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 11.
5- مسائل علي بن جعفر:58/118،الوسائل 4:392 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 12.
6- مسائل على بن جعفر:62/119،الوسائل 4:392 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 13.
7- كما قال به صاحب المدارك 3:210.
8- راجع الرقم(3)من نفس الصفحة.

استحباب نحو التكة له،و لكنه غير قيامه مقام الرداء حيث يكون مستحبّا.

و أن يصحب معه حديدا ظاهرا على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر،و في الخلاف الإجماع عليه في الجملة (1).

و هو الحجة،لا النصوص المستفيضة و إن كان فيها الموثق و غيره (2)،لأن ظاهرها التحريم مطلقا،كما عن المقنع مستثنيا منه السلاح (3)،و النهاية و المهذب مستثنيين ما إذا كان مستورا (4)،لأنها شاذّة لا يوافق إطلاقها شيئا من الأقوال المزبورة،فلتكن مطرحة،و يكون المستند في الكراهة هو الشبهة الناشئة من الفتوى بالحرمة،مع احتمال الاستناد إليها لإثباتها بعد تقييدها بما إذا كان بارزا،جمعا بينها و بين ما دلّ على نفي البأس عن الصلاة فيه،إما مطلقا كما في المروي في الاحتجاج للطبرسي عن الحميري:أنه كتب إلى الناحية المقدسة يسأله عليه السلام عن الرجل يصلّي و في كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد،هل يجوز ذلك؟فوقّع عليه السلام:«جائز» (5).

أو إذا كان مستورا،كما في المروي في الكافي مرسلا،قال:و روي:

«إذا كان المفتاح في غلاف فلا بأس» (6).

و في التهذيب:و قد قدمنا في رواية عمار أنّ الحديد إذا كان في غلافه فلا بأس بالصلاة فيه (7).

لكن تعليل المنع في جملة من المستفيضة بكونه من لباس أهل النار كما

ص:361


1- الخلاف 1:507-508.
2- الوسائل 4:417 أبواب لباس المصلي ب 32.
3- المقنع:25.
4- النهاية:99،المهذّب 1:75.
5- الاحتجاج:484،الوسائل 4:420 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 11.
6- الكافي 3:35/404،الوسائل 4:418 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 3.
7- التهذيب 2:227.

في بعضها (1)،أو الجن و الشياطين كما في آخر منها (2)،أو أنه نجس ممسوخ كما في غيرهما (3)،ربما يشعر بالعموم-كما عليه المقنع (4)-لكن من دون استثناء السلاح.لكن لا بعد في التقييد بعد وجود ما يدل عليه صريحا (5)،سيّما مع كونه-و لو في الجملة-متفقا عليه.هذا.

و ربما يستشعر من التعليل الكراهة،قال الماتن في المعتبر:و قد بيّنا أنّ الحديد ليس بنجس بإجماع الطوائف،فإذا ورد التنجيس حملناه على كراهية استصحابه،فإن النجاسة تطلق على ما يستحب أن يجتنب و يسقط الكراهة مع ستره وقوفا في الكراهة على موضع الوفاق (6).

و هو حسن،إلاّ ما يستشعر منه من لزوم الاقتصار في الكراهة على محل الوفاق،فإنّ فيه نظرا،لما عرفت مرارا:من جواز التسامح فيها و الاكتفاء في إثباتها بقول فقيه واحد،فضلا عن إطلاق روايات بالمنع،كما فيما نحن فيه، فإطلاق الكراهة لا بعد فيه،لو لا الاتفاق على الظاهر ممن عدا المقنع على عدمها إذا كان مستورا.

و أن يصلّي في ثوب يتهم صاحبه بعدم التوقي من النجاسة،أو بمساورته له و هو نجس،بلا خلاف أجده إلاّ من المبسوط،فمنع عن الصلاة في ثوب عمله كافر أو أخذ ممن يستحلّ شيئا من النجاسات أو المسكرات،

ص:362


1- الفقيه 1:773/164،التهذيب 2:1548/372،علل الشرائع:1/348،الوسائل 4: 418 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 5.
2- التهذيب 2:894/227،الوسائل 4:419 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 6.
3- الكافي 3:13/400،التهذيب 2:894/227،الوسائل 4:419 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 6.
4- راجع ص:356.
5- انظر الوسائل 4:458 أبواب لباس المصلّي ب 57.
6- المعتبر 2:98.

معلّلا بأن الكافر نجس (1).و تبعه الحلّي للتعليل،قائلا:إن إجماع أصحابنا منعقد على أن أسآر جميع الكفار نجسة بلا خلاف بينهم (2).و هو خيرة الإسكافي (3)لكن مع اضطراب لكلامه فيه.

و ما ذكروه من المنع حسن مع العلم بالمباشرة برطوبة،كما يفهم من تعليلهما،بناء على أن نجاسة الكفّار عينيّة لا تؤثّر في الملاقي إلاّ بالمباشرة له برطوبة قطعا لا مطلقا،و لعله لذا لم ينقل الخلاف هنا كثير من الأصحاب، معربين عن عدم خلاف فيه.

و محل نظر مع عدم العلم بذلك،بل يجوز الصلاة حينئذ مطلقا و لو كان حصول النجاسة بالمباشرة رطبا مظنونا،بناء على الأقوى من اشتراط العلم أو ما يقوم مقامه شرعا-إن قلنا به-في الحكم بالنجاسة،و أن مع عدمهما فالأقوى الطهارة،لعموم قولهم عليهم السلام:«كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر» (4).

و خصوص الصحاح في مفروض المسألة،منها:إني أعير الذمي ثوبي و أنا أعلم أنه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير،فيردّه عليّ،أ فأغسله قبل أن أصلّي فيه؟فقال عليه السلام:«صلّ فيه و لا تغسله من أجل ذلك،فإنك أعرته إيّاه و هو طاهر،و لم تستيقن أنه نجّسه،فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه» (5).

ص:363


1- المبسوط 1:84.
2- السرائر 1:269.
3- كما نقله عنه في المختلف:82.
4- راجع الوسائل 3:466 أبواب النجاسات ب 37،المستدرك 2:582 أبواب النجاسات ب 30.
5- التهذيب 2:1495/361،الاستبصار 1:1497/392،الوسائل 3:521 أبواب النجاسات ب 74 ح 1.

و منها:عن الثياب السابريّة يعملها المجوس و هم أخباث و هم يشربون الخمر و نساؤهم على تلك الحال،ألبسها و لا أغسلها و أصلّي فيها؟قال:

«نعم» (1)الحديث.

و منها:عن الصلاة في ثوب المجوس،قال:«يرشّ بالماء» (2).إلى غير ذلك من الأخبار.

نعم،في الصحيح:عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجرّيّ (3)و يشرب الخمر فيردّه،أ يصلي فيه قبل أن يغسله؟قال:«لا يصلّي فيه حتى يغسله» (4).

و هو و إن دلّ على المنع إلاّ أنه قاصر عن المقاومة لما مرّ جدّا من وجوه شتّى،فليحمل على الكراهة جمعا.و لأجله قالوا بها،مضافا إلى الشبهة الناشئة من القول بالمنع،و لخصوص الصحيح:في الرجل يصلّي في إزار المرأة و في ثوبها و يعتمّ بخمارها قال:«نعم إذا كانت مأمونة» (5)و أقلّ النفي المفهوم منه الكراهة.

و ليس فيه-كالعبارة و نحوها كما ترى-بيان المأمومنية عن أيّ شيء، فيشمل عن كلّ محذور و لو غير النجاسة من نحو الغصب،و استصحاب فضلات ما لا يؤكل لحمه،كما عليه جماعة و منهم الشهيدان (6)،قال ثانيهما:

ص:364


1- التهذيب 2:1497/362،الوسائل 3:518 أبواب النجاسات ب 73 ح 1.
2- التهذيب 2:1498/362،الوسائل 3:519 أبواب النجاسات ب 73 ح 3.
3- الجرّيّ:ضرب من السمك عديم الفلس،و يقال له:الجرّيث بالثاء المثلّثة.مجمع البحرين 3:244.
4- التهذيب 2:1494/361،الاستبصار 1:1498/393،الوسائل 3:521 أبواب النجاسات ب 74 ح 2.
5- الكافي 3:19/402،الفقيه 1:781/166،التهذيب 2:1511/364،الوسائل 4: 447 أبواب لباس المصلي ب 49 ح 1.
6- الذكرى:148،روض الجنان:212.

و ينبّه عليه كراهة معاملة الظالم و أخذ عطائه.

و ظاهر كثير من العبارات تقييد نحو العبارة بمن لا يتوقى النجاسة خاصة، و الأوّل أقرب بالاحتياط،و أنسب بحال الكراهة،كما مرّ غير مرّة.

و أن يصلّي في قباء بل مطلق الثوب الذي يكون عليه تماثيل، أو خاتم فيه صورة بلا خلاف في المرجوحية على الظاهر،المصرّح به في كلام بعض الأجلة (1)،بل عليه الإجماع في شرح القواعد للمحقق الثاني (2)، و هو الحجة.

مضافا إلى المعتبرة المعبّر بعضها عنها بلفظ الكراهة،كالصحيحين المتضمن أحدهما لقوله:كره أن يصلي و عليه ثوب فيه تماثيل (3)و ثانيهما لقوله:فكره ما فيه التماثيل بعد أن سئل عن الصلاة في الثوب المعلم (4).

و آخر منها ب«لا»و«لا يجوز»كالموثق:عن الثوب يكون في علمه مثال طير أو غير ذلك،أ يصلّي فيه؟قال:«لا»و عن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك،قال:«لا يجوز الصلاة فيه» (5).

و ظاهره و إن أفاد التحريم-كما عليه الشيخ في النهاية و المبسوط في الثوب و الخاتم (6)،و القاضي في المهذب و الصدوق في المقنع في الأخير خاصة (7)-إلاّ أنه محمول على الكراهة،لا للأصل و ضعف الموثق مع تصريح

ص:365


1- الذخيرة:231،و انظر البحار 80:243.
2- جامع المقاصد 2:114.
3- الكافي 3:17/401،الوسائل 4:437 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 2.
4- الفقيه 1:810/172،عيون الأخبار 2:44/17،الوسائل 4:437 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 4.
5- التهذيب 2:1548/372،الوسائل 4:440 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 15.
6- النهاية:99،المبسوط 1:84.
7- المهذّب 1:75،المقنع:25.

الصحيحين بالكراهة،لأعمّيتها في الأخبار من المعنى المصطلح عليه الآن و من الحرمة،و حجّية الموثق فلا يعارضه الأصل.

بل للجمع بينه و بين ما نصّ على الجواز من الأخبار،كالمروي في قرب الإسناد عن علي بن جعفر:أنه سأل أخاه عليه السلام عن الخاتم يكون فيه نقش سبع أو طير أ يصلّى فيه؟قال:«لا بأس» (1).

و قصور السند مجبور بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،بل هي من المتأخّرين إجماع في الحقيقة.مع أنّ في المنتهى احتمل حمل«لا يجوز» في كلام الشيخ على الكراهة (2)،لشيوع استعماله فيها في عبارته،بل مطلق القدماء و الأخبار كما لا يخفى،و عليه فلا خلاف.

و اختصاصه بالخاتم مجبور بعدم القائل بالفرق،إذ كل من جوّز الصلاة فيه جوّز في الثوب أيضا،و إن لم يكن بحسب المنع كذلك (3).مع ظهور الموثقة المانعة-كفتوى الأصحاب كافة-في كون المنع إنما هو من حيث المثال خاصة،لا الثوبية مع الصورة،و لذا ورد كراهة الصلاة في الدراهم السود التي فيها التماثيل،كما في الصحيح:«ما أشتهي أن يصلّي و معه هذه الدراهم التي فيها التماثيل» (4)و نحوه غيره (5)،و في البسط التي فيها المثال و نحو ذلك (6).

و بتتبّع جميع ذلك يظهر كون وجه المنع ما ذكرناه،و عليه فتدل هذه الصحيحة الواردة في الدراهم على الكراهة و الجواز في مطلق ما فيه المثال و لو

ص:366


1- قرب الإسناد:827/211،الوسائل 4:442 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 23.
2- المنتهى 1:234.
3- فإن الصدوق و القاضي منعا عن الخاتم دون الثوب.منه رحمه اللّه.
4- الفقيه 1:779/166،الوسائل 4:437 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 3.
5- الخصال:627(حديث الأربعمائة)،الوسائل 4:438 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 5.
6- الوسائل 4:أبواب لباس المصلي ب 45 الأحاديث 5،7،11،14.

كان الثوب و الخاتم،لظهور لفظ:«ما أشتهي»فيها،مضافا إلى الصحيح الصريح في الجواز لكن فيما إذا كانت الدراهم مواراة،و فيه:عن الدراهم السود فيها التماثيل أ يصلّي الرجل و هي معه؟فقال:«لا بأس إذا كانت مواراة» (1).

و هل المثال و الصورة يعمّان ما كان منهما للحيوان و غيره،أم يختصّان بالأوّل؟ ظاهر الأكثر-على الظاهر،المصرح به في كلام جمع (2)-الأوّل،بل نسبه في المختلف إلى باقي الأصحاب من عدا الحلي،و اختاره للإطلاق (3).

و فيه نظر،لاختصاصه-بحكم التبادر،و شهادة جملة من النصوص،و بها اعترف جملة من الفحول (4)-بالأوّل،مع أن عن المغرب اختصاص التمثال بصور أولي الأرواح و عموم الصور حقيقة،قال:و أمّا تمثال شجر فمجاز (5)و عن المصباح المنير في تفسير قوله:و في ثوبه تماثيل،أي صور حيوانات مصوّرة (6).

و كلامهما-سيما الأوّل-ظاهر في اختصاص التمثال بصور الحيوان حقيقة،و كون إطلاقه على غيرها مجازا،نعم كلام الأوّل ظاهر في عموم الصور،و لكنه غير ضائر بعد اختصاص مورد النصوص المانعة مطلقا بالتمثال

ص:367


1- الكافي 3:20/402،التهذيب 2:1508/364،الوسائل 4:439 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 8.
2- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:114،و الشهيد الثاني في المسالك 1:24، و صاحب الحدائق 7:149.
3- المختلف:81،و انظر السرائر 1:263.
4- منهم:الشهيد في الذكرى:147،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:114،و صاحب الحدائق 7:156.
5- المغرب 2:177.
6- المصباح المنير:564.

دون الصور،و لعله لذا اختار الحلّي التخصيص بالحيوان،و قوّاه جماعة من المحققين (1)،مضافا إلى الأصل.

و هو حسن لو لا اشتهار إطلاق الكراهة،و شبهة دعوى الاتفاق عليه في المختلف (2)،مع المسامحة في أدلّتها،كما سبق غير مرة.

و ترتفع الكراهة بتغيير الصورة و الضرورة،كما صرّح به جماعة (3)، للصحيح (4)في الأول،و فحوى ما دلّ على سقوط التكليف الحتمي في الثاني (5)،مضافا إلى الموثّق:عن لباس الحرير و الديباج،فقال:«أما في الحرب فلا بأس و إن كان فيه تماثيل» (6).و قريب منه ظواهر جملة من النصوص (7).

يكره للمرأة أن تصلّي في خلخال له صوت،أو متنقّبة و يكره للرجال اللثام

و يكره للمرأة أن تصلّي في خلخال له صوت،أو متنقّبة على وجهها و كذا يكره للرجال اللثام.

بلا خلاف إلاّ من القاضي في الأول فحرّمه (8).و لا دلالة للصحيح (9)

ص:368


1- كالمجلسي في بحار الأنوار 80:246،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:193.
2- المختلف:81.
3- منهم الشهيد الثاني في روض الجنان:212،و صاحب المدارك 3:214،و السبزواري في الذخيرة:232.
4- التهذيب 2:1503/363،الوسائل 4:440 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 13.
5- مثل قولهم عليهم السلام:«ليس شيء ممّا حرّم اللّه إلاّ و قد أحلّه لمن اضطرّ إليه».الوسائل 5:482 أبواب القيام ب 1 ح 6،7.
6- التهذيب 2:816/208،الاستبصار 1:1466/386،الوسائل 4:372 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 3.
7- الوسائل 4:371 أبواب لباس المصلي ب 12.
8- المهذّب 1:75.
9- الكافي 3:33/404،الفقيه 1:/65ذيل حديث 775،قرب الإسناد:881/226، الوسائل 4:463 أبواب لباس المصلي ب 62 ح 1.

عليه،لتضمّنه:«لا يصلح»الظاهر في الكراهة،أو الأعمّ منها و من الحرمة، فتدفع بالأصل،مع عمومه لحال الصلاة و غيرها،و لا يقول به.فتأمّل (1).

و من الشيخين في المقنعة و المبسوط و النهاية فيما عداه،فأطلقا المنع عن اللثام و النقاب حتى يكشف عن الفم و موضع السجود (2).

و هو حسن إن أرادا المنع إذا منعا عن القراءة و غيرها من الواجبات،و إلاّ فمحل نظر.بل ظاهر المعتبرة المستفيضة-و منها الصحيحان (3)و الموثقان (4)- نفي البأس عنهما على الإطلاق،إلاّ أن في أحد الموثقين التصريح بأفضليّة عدمهما،و لعلّه لذا حكموا بالكراهة،و فيه نظر.و يحتمل كون الوجه فيها الخروج عن شبهة إطلاق القول بالمنع.

و يحتمل اختصاصه بصورة ما إذا منع القراءة مثلا،و المنع حينئذ متّفق عليه ظاهرا،و إن اختلفوا في انسحابه فيما إذا منع سماعها دونها،فقيل:

نعم (5).و هو الأظهر،و عليه الفاضلان و غيرهما (6)،لما في بعض المعتبرة «لا يحسب لك من القراءة و الدعاء إلاّ ما أسمعت نفسك» (7)مؤيّدا بالصحيح

ص:369


1- وجهه ما قيل من ظهور سياق الصحيح في الاختصاص بحال الصلاة.منه رحمه اللّه.
2- المقنعة:152،المبسوط 1:83،النهاية:98.
3- الأول:الفقيه 1:818/173،الوسائل 4:423 أبواب لباس المصلي ب 35 ح 2. الثاني:الكافي 3:15/315،الفقيه 1:/173ذيل الحديث 818،التهذيب 2: 903/229،الاستبصار 1:1519/398،الوسائل 4:423 أبواب لباس المصلي ب 35 ح 3.
4- الأول:التهذيب 2:901/229،الاستبصار 1:1517/397،الوسائل 4:423 أبواب لباس المصلي ب 35 ح 5. الثاني:التهذيب 2:904/230،الوسائل 4:424 أبواب لباس المصلي ب 35 ح 6.
5- قال به الشهيد الثاني في روض الجنان:210.
6- المحقق في المعتبر 2:99،العلامة في المنتهى 1:234،و التذكرة 1:98،و انظر التهذيب 2:229،و المدارك 3:208.
7- الكافي 3:6/313 بتفاوت يسير،التهذيب 2:363/97،الاستبصار 1: 1194/320،الوسائل 6:96 أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 1.

النافي للبأس عن اللثام إذا سمع الهمهمة (1).

و في الخلاف الإجماع على كراهة اللثام،قال:بل ينبغي أن يكشف عن جبهته موضع السجود (2).

و قيل:يكره الصلاة في قباء مشدود إلاّ في حال الحرب قال في التهذيب-بعد ذكر عبارة المقنعة المتضمنة للفظة«لا يجوز»الظاهرة في التحريم-:ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه،و سمعناه من الشيوخ مذاكرة، و لم أعرف خبرا مسندا (3).

و ظاهره التردد كالماتن هنا،و الفاضل في التحرير و المنتهى،و الشهيدين في روض الجنان و الروضة و الذكرى (4)،و غيرهم من متأخّري أصحابنا،حيث اقتصروا على نقل الكراهة عن الشيخين و المرتضى كما في جملة من العبارات (5)،أو مع زيادة كثير من الأصحاب كما في غيرها (6)،أو عن المشهور كما في الروضة و المدارك و الذخيرة و غيرها (7).

و هو حسن إن لم نتسامح في أدلّة الكراهة،و إلاّ فالكراهة أولى،و لذا صرّح الماتن بها في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و القواعد و الشهيد في اللمعة

ص:370


1- راجع الرقم ص:364،الرقم(4)الصحيح الثاني.
2- الخلاف 1:508.
3- التهذيب 2:232.
4- التحرير 1:31،المنتهى 1:235،روض الجنان:210،الروضة 1:209،الذكرى: 148.
5- كالمعتبر 1:99،و المنتهى 1:235،و التحرير 1:31.
6- كروض الجنان:210،و جامع المقاصد 2:109.
7- الروضة 1:209،المدارك 3:208،الذخيرة:230،و انظر البيان:123،و بحار الأنوار 80:207.

و الدروس (1)،مع أن ظاهر المقنعة و صريح الوسيلة التحريم (2)،كما عن ظاهر المبسوط و النهاية (3)،فتقوّى الكراهة بالاحتياط في العبادة،و إن كان ظاهر الجماعة-عدا الفاضل في المختلف (4)-أنهم فهموا من العبارات المانعة الكراهة،حيث لم ينقلوا عنهم الحرمة،بل صرّحوا بنقل الكراهة.

و ذكر الشهيد في الذكرى-بعد نقل الكراهة عنهم و ذكر كلام التهذيب- أنه روت العامة أن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا يصلّي أحدكم و هو متحزّم» (5)و هو كناية عن شدّ الوسط،و كرهه في المبسوط (6).

و اعترضه كثير منهم شيخنا الشهيد الثاني،فقال:و ظاهر استدراكه لذكر الحديث جعله دليلا على كراهة القباء المشدود،و هو بعيد (7).

و فيه نظر،فإن ظاهر الاستدراك و إن أوهم ذلك،إلاّ أن نسبته بعد ذلك و في البيان (8)كراهة شدّ الوسط-الذي جعل الرواية كناية عنه-إلى المبسوط خاصة دون الجماعة ظاهرة في المغايرة بينه و بين القباء المشدود،و لذا جعلهما مكروهين-مؤذنا بتغايرهما-في الدروس،فقال:و يكره في قباء مشدود في غير

ص:371


1- الشرائع 1:70،الإرشاد 1:247،القواعد 1:28،اللمعة(الروضة البهية 1):209، الدروس 1:148.
2- المقنعة:152،الوسيلة:88.
3- المبسوط 1:83،النهاية:98.
4- المختلف:82.
5- لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب العامّة،نعم في مسند أحمد 2:458:«لا يصلي الرجل إلاّ و هو محتزم»،و في سنن البيهقي 2:240،و نهاية ابن الأثير 1:479:نهى أن يصلي الرجل حتى يحتزم.
6- الذكرى:148.
7- روض الجنان:211.
8- البيان:123.

الحرب و مشدود الوسط (1).

أقول:و ما عزاه إلى المبسوط هو خيرته أيضا في الخلاف، قال:و يكره أن يصلّي و هو مشدود الوسط،و لم يكره ذلك أحد من الفقهاء،دليلنا إجماع الفرقة،و طريقة الاحتياط (2).

و هو ظاهر شيخنا أيضا في الروضة،فقال:و يمكن الاكتفاء في دليل الكراهة بمثل هذه الرواية (3)،مشيرا بها إلى ما في الذكرى من الرواية النبوية.

و هو حسن.

قيل:و بكراهته يمكن أن يستدل على كراهية القباء المشدود بالفحوى، لأن كراهة الصلاة مع التحزّم الذي ليس فيه إلاّ قليل شدّ تستلزم كراهيتها في القباء المشدود الذي هو أكثر شدّا بطريق أولى.إلاّ أن يقال:إن الفقهاء لم يفتوا بكراهة التحزّم،و القياس بطريق أولى حجّة إذا كان الحكم في المقيس عليه مقبولا (4).

و فيه نظر،لعدم وضوح الأولوية بعد احتمال كون القباء له مدخلية في الكراهة،كما هو ظاهر الجماعة،و ليس كل متحزم عليه من نحو القميص و الرداء و غيرهما قباء،بل هو ثوب خاص،و عن نظام الغريب:أنه قميص ضيّق الكمين مفرج المقدّم و المؤخّر (5).

ثمَّ دعوى عدم مصير الفقهاء إلى كراهة الصلاة مع التحزّم قد عرفت ما فيها،لكونها مذهب الشيخ في جملة من كتبه،مدّعيا في بعضها إجماعنا (6).

ص:372


1- الدروس:1:148.
2- الخلاف 1:509.
3- الروضة 1:210.
4- حاشية المدارك للبهبهاني(المدارك بالطبع الحجري:143).
5- حكى عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:192.
6- لم نعثر في كتب الشيخ على ما نسب إليه من كراهة شدّ الوسط،إلاّ ما في الخلاف من ادّعاء الإجماع على ذلك،كما مرّ في ص 366.و الناسب إلى الشيخ هو الشهيد في البيان:123.

نعم،لا يمكن أن يكون الأولوية سندا لجميع الفقهاء،بل لمن قال بكراهة الأصل من الفقهاء.

و في الذخيرة:أن الشيخ أورد في زيادات التهذيب خبرين دالّين على كراهيّة حلّ الأزرار في الصلاة (1)،فيمكن تخصيص كراهية الشدّ بما عدا الأزرار،أو تخصّ كراهية حلّ الأزرار بما إذا كان واسع الجيب (2).

و لعلّه فهم من القباء المشدود ما يعمّ المشدود بالأزرار،و لذا فهم التعارض بين الخبرين،و ما ذكروه من كراهة الصلاة في القباء المشدود.

و فيه نظر،لعدم صدق الشدّ على الزرّ بالإزار،و عليه فلا تعارض بين الحكمين ليحتاج في الجمع بينهما إلى ما ذكره من أحد التخصيصين.

و هنا

مسائل ثلاث
اشارة

مسائل ثلاث :

الاولى ما يصح فيه الصلاة يشترط فيه الطهارة

الأولى:ما يصح فيه الصلاة يشترط فيه الطهارة من النجاسة على تفصيل تقدم ذكره في كتابها،من أراده فليراجعه ثمة (3).

و أن يكون مملوكا للمصلّي عينا و منفعة،أو منفعة خاصّة أو مأذونا فيه للصلاة فيه،أو مطلقا بحيث يشملها،كالإذن صريحا،أو فحوى،أو بشاهد الحال إذا أفاد علما بالرضا المباح معه التصرف في مال الغير المنهي عنه من دونه شرعا،فلا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب كما مضى بيانه مفصّلا (4).

ص:373


1- التهذيب 2:1334/326،1476/357،1535/369،الوسائل 4:394 أبواب لباس المصلي ب 23 ح 3،5.
2- الذخيرة:230.
3- راجع ص:90.
4- راجع ص:328.
الثانية يجب للرجل ستر قبله و دبره

الثانية:يجب ستر العورة في الصلاة مطلقا،و في غيرها إذا كان هناك ناظر محترم،بإجماع العلماء كافّة،كما حكاه جماعة حدّ الاستفاضة (1)، و النصوص به مع ذلك مستفيضة،بل متواترة،منها:«عورة المؤمن على المؤمن حرام» (2).

و هو شرط في الصلاة عند علمائنا و أكثر العامة،كما صرّح به جماعة حدّ الاستفاضة (3)،و هو ظاهر جملة من المستفيضة الآتية في صلاة العراة منفردين و جماعة (4)،حيث أسقطت معظم الأركان من الركوع و السجود و القيام بفقد الساتر،و لو لا كونه شرطا للصحة لما ثبت ذلك.

و هل شرطيته ثابتة مع المكنة على الإطلاق،أو مقيّدة بالعمد؟ الأصح الثاني،وفاقا للأكثر على الظاهر،المصرّح به في كلام بعض (5)، للأصل،و عدم دليل على الشرطية على الإطلاق،و خصوص الصحيح:عن الرجل يصلّي و فرجه خارج لا يعلم به،هل عليه الإعادة؟قال:«لا إعادة عليه و قد تمت صلاته» (6).

خلافا للإسكافي،فيعيد في الوقت (7).و لا دليل عليه،مع أن الشرطية إن ثبتت على الإطلاق وجب الإعادة مع تركه على الإطلاق.

ص:374


1- منهم:المحقق في المعتبر 2:99،و العلامة في التحرير 1:31،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:92،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:186.
2- انظر الوسائل 2:37 أبواب آداب الحمام ب 8.
3- منهم:المحقق في المعتبر 2:99،و العلامة في المنتهى 1:235،و التذكرة 1:92.
4- راجع ص:386-390.
5- كالمحدّث البحراني في الحدائق 7:5.
6- التهذيب 2:851/216،الوسائل 4:404 أبواب لباس المصلي ب 27 ح 1.
7- كما حكاه عنه في المختلف:83.

و للشهيد قول آخر (1)لا أعرف وجهه،و إن استحسنه في المدارك بعد اختياره المختار (2)،و هو الفرق بين نسيان الستر ابتداء فيشترط،و عروض التكشّف في الأثناء فلا.

و يجب الستر بعد العلم بعدمه في الأثناء قولا واحدا.

و يجزي للرجل ستر قبله و دبره على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة متأخّري أصحابنا،بل و متقدميهم أيضا،كما يفهم من الأصحاب،حيث لم ينقلوا الخلاف إلاّ عمن يأتي،مؤذنين بندورهما و شذوذهما،كما صرّح به الشهيدان في روض الجنان و الذكرى (3)،و في الخلاف و الغنية أن عليه إجماع الفرقة (4)،و في السرائر أن عليه إجماع فقهاء أهل البيت (5)،و هو الحجة.

مضافا إلى الأصل،و ظواهر النصوص المستفيضة،منها:«العورة عورتان:القبل و الدبر،و الدبر مستور بالأليتين،فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة» (6).

و منها:عن الرجل بفخذه أو أليتيه الجرح،هل يصلح للمرأة أن تنظر إليه و تداويه؟قال:«إذا لم يكن عورة فلا بأس» (7).

و منها:«الفخذ ليس من العورة» (8).

ص:375


1- انظر الذكرى:141،و البيان:125.
2- المدارك 3:191.
3- روض الجنان:215،الذكرى:139.
4- الخلاف 1:293،الغنية(الجوامع الفقهية):555.
5- السرائر 1:260.
6- الكافي 6:26/501،التهذيب 1:1151/374،الوسائل 2:34 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 2.
7- مسائل علي بن جعفر:269/166،الوسائل 20:233 أبواب مقدمات النكاح و آدابه ب 130 ح 4.
8- الفقيه 1:253/67،الوسائل 2:34 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 4.

و في آخر:«أن الركبة ليست من العورة» (1).

و قصور الأسناد و الدلالة في بعضها مجبور بالشهرة،و عدم قائل بالفرق بين الطائفة.

و ستر ما بين السرة و الركبة أفضل كما هو المشهور،بل في الخلاف الإجماع عليه (2).

و أوجبه القاضي (3)،و لعله للخبر المروي في قرب الإسناد للحميري:

«إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظر إلى عورتها،و العورة ما بين السرة و الركبة» (4).

و فيه-مع عدم وضوح السند،و عدم المقاومة لما مرّ-ظهوره في عورة الأمة لا الرجل،أو العورة المطلقة على بعد،فهو على التقديرين مخالف للإجماع فتوى و نصا.

على أن المرأة مطلقا جميع جسدها عورة إلاّ الوجه و ما شابهه مما سيأتي إليه الإشارة (5).

و تقييده بالرجل بعيد عن سياقه،و لو سلّم فلا يبعد حمله على التقية،فإن القول بذلك نسبه في المنتهى إلى مالك و الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين، و أصحاب الرأي و أكثر الفقهاء (6)،و يعضده أن الراوي حسين بن علوان و هو عامي.

و في الخبر:أن أبا جعفر عليه السلام اتّزر بإزار و غطّى ركبتيه و سرّته،ثمَّ

ص:376


1- لم نعثر عليه في كتب الحديث،و رواه بهذا المتن في الذكرى:139 عن محمد بن حكيم، و لكن ما روي عنه في التهذيب 1:1150/374 هكذا:«إن الفخذ ليست من العورة».انظر الوسائل 2:34 أبواب آداب الحمّام ب 4 ح 1.
2- الخلاف 1:394.
3- المهذّب 1:83.
4- قرب الإسناد:345/103،الوسائل 21:148 أبواب نكاح العبيد ب 44 ح 7.
5- في ص 373.
6- المنتهى 1:236.

أمر صاحب الحمام فطلى ما كان خارجا من الإزار،ثمَّ قال:«اخرج عنّي»ثمَّ طلى هو ما تحته بيده،ثمَّ قال:«هكذا فافعل» (1).

و فيه دلالة على استحباب ستر الركبة أيضا،كما عن ابن حمزة (2).

و إنما حمل على الفضيلة لما مرّ من الأدلّة؛مضافا إلى أنه روي-في مثل هذه الحكاية التي تضمنها-:أنه عليه السلام كان يطلي عانته و ما يليها، ثمَّ يلفّ إزاره على طرف إحليله و يدعو قيّم الحمّام فيطلي سائر بدنه (3).

و ربما يحكى عن الحلبي أنه جعل العورة من السرة إلى نصف الساق (4).

و فيه نظر،فإن المحكي عنه في المختلف موافقته للقاضي،إلاّ أنه قال:

و لا يمكن ذلك إلاّ بساتر من السرة إلى نصف الساق ليصح سترها في حال الركوع و السجود (5).

و هو-كما ترى-ظاهر في موافقته القاضي.و إيجابه الستر إلى نصف الساق لا ينافيه،لظهور عبارته في أنه من باب المقدمة لا من حيث كون الركبة فما دونها من العورة،و لعلّه لذا ادعى الفاضلان الإجماع على أن الركبة ليست من العورة في المعتبر و المنتهى و التحرير و التذكرة (6)،فلا وجه لتلك الحكاية.

و المراد بالقبل هو:القضيب و البيضتان دون العانة،و بالدبر:نفس المخرج دون الأليين-بفتح الهمزة و الياء بغير تاء،كما قيل (7)،تثنية الألية بالفتح أيضا-كما صرح به جماعة (8)،من غير خلاف بينهم أجده إلاّ من الفاضل في

ص:377


1- الكافي 6:22/501،الوسائل 2:67 أبواب آداب الحمام ب 31 ح 1.
2- الوسيلة:89.
3- الكافي 6:7/497،الفقيه 1:250/65،الوسائل 2:68 أبواب آداب الحمام ب 31 ح 2.
4- حكاه عنه الشهيد في الذكرى:140.
5- المختلف:83،و انظر الكافي في الفقه:139.
6- المعتبر 2:100،المنتهى 1:236،التحرير 1:31،التذكرة 1:92.
7- مجمع البحرين 1:29.
8- منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع:65،و الشهيد الأول في الذكرى:139،و السبزواري في الكفاية:16.

التحرير،فظاهره التردد في جعل البيضتين من القبل (1)،و هو شاذّ يردّه أول المستفيضة (2)،مع شهادة العرف بأنهما من العورة.

و ستر جسده كله مع الرداء أو ما يقوم مقامه مما يجعل على الكتفين أكمل كما مر في النصوص في بحث كراهة الإمامة من غير رداء (3).

و لا تصلّي الحرة إلاّ في درع و خمار ساترة بهما جميع جسدها عدا الوجه و الكفّين بلا خلاف في كل من حكمي المستثنى منه و المستثنى إلاّ من الإسكافي في الأول،فلم يوجب عليها إلاّ ستر سوأتيها القبل و الدبر كالرجل (4).و هو شاذّ مخالف لإجماع العلماء على كون جميع جسدها عورة من غير استثناء،كما في المنتهى (5)،أو مع استثناء الوجه خاصّة كما عن المعتبر و التذكرة (6)،أو مع الكفّين و القدمين،كما في الذكرى،قال:اقتصارا على المتّفق عليه فيما بين جميع العلماء (7).

و حيث ثبت كونها بجميعها أو ما عدا المستثنى عورة وجب عليها سترها، لإجماع العلماء على وجوب ستر العورة مطلقا،كما مضى،مع النصوص الدالة على ذلك أيضا (8).

هذا مضافا إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة،قال:«درع و ملحفة تنشرها على رأسها و تجلل بها» (9).

ص:378


1- التحرير 1:31.
2- تقدّمت في ص:370.
3- راجع ص:354.
4- كما حكاه عنه في المختلف:83.
5- المنتهى 1:236.
6- المعتبر 2:101،التذكرة 1:92.
7- الذكرى:139.
8- راجع ص:369.
9- التهذيب 2:853/217،الاستبصار 1:1478/388،الوسائل 4:407 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 9.

و فيه:«المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان كثيفا»يعني ستيرا (1).

بل يستفاد من جملة منها الأمر بملحفة تضمّها عليها زيادة على الدرع و الخمار،كما في الصحيح (2)،و نحوه الموثق:«تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب:

إزار و درع و خمار،و لا يضرّها بأن تقنّع بالخمار،فإن لم تجد فثوبين تتّزر بأحدهما و تقنّع بالآخر» (3)الخبر.

و حمله الشيخ على الفضل أو على كون الدرع و الخمار لا يواريان شيئا (4).

و لا بأس به،جمعا بينهما و بين الصحيحين الظاهرين في كفاية الخمار و الدرع إذا كان ستيرا (5)،و نحوهما غيرهما،كالخبر:عن المرأة تصلي في درع و ملحفة ليس عليها إزار و لا مقنعة،قال:«لا بأس إذا التفّت بها،و إن لم تكن تكفيها عرضا جعلتها طولا» (6).

و من (7)صريح الاقتصاد و ظاهر الجمل و العقود و الغنية (8)-فيما حكي- في استثناء الكفين،فأوجبوا سترهما،و لعلّه للمعتبرين السابقين الدالّين على

ص:379


1- الفقيه 1:1081/243،الوسائل 4:405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 3.
2- التهذيب 2:860/218،الاستبصار 1:1484/390،الوسائل 4:407 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 11.
3- الكافي 3:11/395،التهذيب 2:856/217،الاستبصار 1:1480/389،الوسائل 4: 406 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 8.
4- كما في التهذيب 2:219.
5- الأول:المتقدم في نفس الصفحة الرقم(1). الثاني: الكافي 3:2/394،التهذيب 2:855/217،الوسائل 4:406 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 7.
6- الفقيه 1:1084/244،الوسائل 4:405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 5.
7- عطف على قوله:الإسكافي،في ص 373.
8- الاقتصاد:258،الجمل و العقود(الرسائل العشر):176،الغنية(الجوامع الفقهية):555.

لزوم ملحفة تضمّها عليها زيادة على الثوبين،و ضمّها عليها يستلزم سترهما.

و قد عرفت ما فيهما،مضافا إلى الإجماع المحكي في المختلف و المنتهى و شرح القواعد للمحقق الثاني و الذكرى (1)على عدم وجوب سترهما، بل ظاهر الأخيرين كونه مجمعا عليه بين العلماء إلاّ نادرا من العامة العمياء.

فإيجاب سترهما ضعيف،سيّما مع مخالفته الأصل،و عدم معلومية كونهما عورة ليجب سترهما،لعدم دليل عليه إلاّ الإجماع المحكي في المنتهى و غيره (2)على كونها جملة عورة،و هو عام مخصّص بما مرّ من الإجماع المحكي فيها أيضا على عدم وجوب سترهما.

مع ما عرفت من الذكرى من جعل العورة فيها ما عدا المستثنيات خاصّة، مؤذنا بعدم كونها عورة،كما صرّح به الفاضل في المختلف و غيره (3)،بل هو المشهور فتوى و رواية لكن في الوجه و الكفين خاصة،حيث جوّزوا النظر إليهما للأجنبي في الجملة أو مطلقا،كما سيأتي بيانه في كتاب النكاح مفصّلا إن شاء اللّه تعالى،و لذا لا يتأتّى لنا القطع بكون المرأة بجملتها عورة من جهة الإجماع، لمكان الخلاف.

نعم،في جملة من النصوص العامية و الخاصية ما يدل عليه (4)،لكنها بحسب السند قاصرة.و دعوى جبرها بفتوى العلماء غير ممكنة على سبيل الكلّية،بل هي جابرة في الجملة.

و أضعف منه ما يستفاد من إطلاق الكتب الثلاثة بعد الاقتصاد (5):من

ص:380


1- المختلف:83،المنتهى 1:236،جامع المقاصد 2:96،الذكرى:139.
2- المنتهى 1:236،و انظر جامع المقاصد 2:96.
3- المختلف:83،و انظر المعتبر 2:101،و جامع المقاصد 2:96،و البحار 80:179.
4- سنن الترمذي 2:1183/319،و انظر الوسائل 20:66 أبواب مقدمات النكاح و آدابه ب 24 ح 4،6،و ص 234 ب 131 من تلك الأبواب ح 1.
5- راجع ص:374،و الكتب التي بعد الاقتصاد ليست ثلاثة،بل اثنان و هما:الجمل و العقود، و الغنية.

لزوم ستر الوجه أيضا،لمخالفته-زيادة على ما مرّ-لإجماع العلماء،كما عن المعتبر و الذكرى و المختلف و التذكرة و غيرها (1)،من دون أن يستثنوا أحدا، و لعله لبعد دخول الوجه في إطلاق تلك الكتب.بل في السرائر حكى استثناء الثلاثة عن الجمل و العقود و الخلاف (2)،و عبارة الأخير غير صريحة إلاّ في استثناء الوجه خاصّة،مدّعيا الإجماع عليه،نعم روى نحو الصحيحين السابقين الدالين على كفاية الدرع و الخمار (3)و أفتى به صريحا،و هما لا يستران الكفّين و لا القدمين،كما صرّح به الأصحاب،مستدلّين بهما لذلك على استثناء القدمين أيضا،هذا.

و ما مر من الأدلّة في كراهة النقاب للمرأة (4)أقوى حجة على استثناء الوجه،بل يستفاد منها كونه على الفضيلة.

و في استثناء القدمين تردّد و اختلاف بين الأصحاب:

فبين غير مستثن كالاقتصاد و الكتب التي بعده (5)،صريحا في الأوّل، و ظاهرا فيها،و ربما نسب إلى الحلبي أيضا،و فيه نظر،بل ظاهر كلامه بالدلالة على الاستثناء أظهر (6).

و مستند هذا القول ما مرّ من المعتبرين (7)،مضافا إلى الاحتياط في العبادة،

ص:381


1- المعتبر 2:101،الذكرى:139،المختلف:83،التذكرة 1:92،و انظر جامع المقاصد 2:96،و روض الجنان:217.
2- السرائر 1:260،و هو في الجمل و العقود(الرسائل العشر):176،و الخلاف 1:393.
3- راجع ص:371-373.
4- في ص:362.
5- راجع ص:374،و ص 375 الهامش(5).
6- الكافي في الفقه:139.و عبارته هكذا:أقلّ ما يجزى الحرّة البالغة درع سابغ إلى القدمين و خمار.
7- راجع ص 374.

و كون جسدها عورة،و خصوص الصحيح:عن المرأة ليس لها إلاّ ملحفة واحدة كيف تصلّي؟قال:«تلتفّ فيها و تغطّي رأسها و تصلّي،فإن خرجت رجلها و ليست تقدر على غير ذلك فلا بأس» (1).

و بين من استثنى و جعل أشبهه الجواز أي جواز الصلاة من غير سترهما،و هم عامّة متأخّري أصحابنا،وفاقا للمبسوط و الحلي (2)،و ادعى جماعة عليه الشهرة و الأكثرية المطلقة إلى حدّ الاستفاضة (3).

للنصوص المكتفية بالدرع[و الخمار]بالتقريب الذي عرفته (4)،مع ضعف ما قابلها من الأدلّة المتقدّمة بما عرفته،عدا الاحتياط و الرواية الأخيرة.

و يمكن الجواب عنهما بعدم إفادة الأوّل سوى الاستحباب،كما هو ظاهر الأصحاب،سيّما مع ظهور ما مرّ من النصوص في عدم لزوم سترهما، و بالجملة فيعارض بالأصل،و النصوص المزبورة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي هي من المتأخرين إجماع في الحقيقة.

و الرواية و إن كانت صحيحة لكنها غير صريحة في المخالفة،بل و لا ظاهرة،لأن المفهوم منها البأس،و هو أعم من المنع و الكراهة،و لا شبهة فيها، مع احتمال الرجل فيها ما فوق القدم أو مجموعهما.و على تقدير الظهور في المنع و القدم خاصّة يمكن حملها على الاستحباب،جمعا بينها و بين النصوص المكتفية بالدرع[و الخمار]الظاهرة في عدم لزوم سترهما بالتقريب المتقدم.

و ما يقال عليه:من أن ذلك يتم لو علم من ثياب النساء في وقت خروج

ص:382


1- الفقيه 1:1083/244،الوسائل 4:405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 2.
2- المبسوط 1:87،الحلي في السرائر 1:260.
3- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:96،و الشهيد الثاني في روض الجنان:217، و العلامة المجلسي في البحار 80:179،و صاحب الحدائق 7:7.
4- راجع ص:374.

هذه الأخبار كانت على ما يدّعونه من عدم سترها الكفين و القدمين،و لم لا يجوز أن دروعهن كانت مفضية إلى ستر أيديهنّ و أقدامهنّ،كما هو مشاهد الآن في نساء أعراب الحجاز،بل أكثر بلدان العرب.

فيمكن دفعه بأن ما ذكر من الاحتمال و إن كان ممكنا إلاّ أن ورود الروايات عليه بعيد جدّا،و لذا لم يحتمله أحد من الأصحاب فيها،بل استدلّوا بها من دون تزلزل أصلا مع أنهم أكثر اطّلاعا و علما بثياب نساء العرب في زمانهم و زمان صدور الروايات جدّا.

و الذي نشاهد من نساء العرب في زماننا هذا عدم ستر دروعهنّ لأقدامهنّ أصلا و لو كانت واسعة ذيلا،بل لو زاد السعة إلى جرّ الأذيال على الأرض لم تستر الأقدام بجميعها،بل يبدو منها شيء و لو رؤوسها،سيّما حالة المشي.

و منه يظهر الجواب و لو سلم ورود تلك الروايات على ذلك الاحتمال، لأنها تدل حينئذ أيضا على عدم لزوم ستر جزء من القدمين،و لا قائل بالفرق في البين،فتأمّل جدّا .

هذا،مع أن ورود الروايات على ذلك الاحتمال يستلزم الدلالة على لزوم ستر جميع الكفّين و القدمين،و هو كمال الستر الواجب إجماعا،مع أنّ في بعض الصحاح المتقدمة (1)كون القميص و الدرع أدنى ما تستر به المرأة عورتها، و لا يخفى التنافي بينهما.

و لو سلّم عدم المنافاة قلنا:يكفي في ردّ هذا الاحتمال-زيادة على ما مرّ-دلالة النصوص (2)الآتية في بحث النكاح-تفسيرا ل:«ما ظهر منها»في الآية الشريفة وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها [1] (3)بأنه الوجه و الكفّان،و زيد

ص:383


1- في ص:374.
2- انظر الوسائل 20:200 أبواب مقدمات النكاح و آدابه ب 109.
3- النور:31.

في بعضها القدمان أيضا،و ظاهر الكليني القول به (1)،و إن لم أقف على من عداه قائلا به-على خلافه،و هو كون الوجه و الكفّين و القدمين من مواضع الزينة الظاهرة،و لم يتمّ ذلك إلاّ على تقدير كون دروعهن يومئذ غير ساترة للمواضع المزبورة.

و بالجملة:فما عليه المتأخّرون كافّة في غاية القوّة،سيّما مع إمكان إثباته بوجه آخر،و هو عدم القائل بالفرق بين الكفّين و القدمين منعا و جوازا-كما يستفاد من تتبّع الفتاوى-عدا الماتن،حيث فرّق بينهما،فحكم بالاستثناء في الأوّلين قطعا،و في الأخيرين متردّدا،و لكن أثر هذا التردّد هيّن بعد التصريح بعده بالجواز كما عليه الأصحاب.و حيث ثبت عدم القول بالفرق توجّه إلحاق القدمين بالكفّين في الاستثناء،لثبوته فيهما بما قدّمناه من الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة،فثبت الاستثناء في القدمين أيضا لما عرفت من عدم القائل بالفرق أصلا.

ثمَّ إن ظاهر العبارة-ككثير،و صريح جماعة (2)-عدم الفرق في القدمين بين ظاهرهما و باطنهما.و لعلّه الأقوى،للأصل،و عدم دليل على وجوب ستر باطنهما عدا:دعوى كون القدمين عورة،خرج الظاهر بظواهر النصوص المكتفية بالدرع و الخمار (3)و كونه مجمعا عليه بين القائلين بالجواز،و يبقى الباطن داخلا،لكونه مستورا بالأرض حالة القيام،و بالدرع حالة الجلوس و السجود،و إنما ينكشف عن الدرع الظاهر في الحالة الاولى،فلا يمكن إدخاله في ظاهر النصوص المزبورة جدّا.

ص:384


1- الكافي 5:521.
2- منهم الشهيد الأول في الدروس 1:147،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:97،و الشهيد الثاني في روض الجنان:217.
3- المتقدمة في ص:374.

كما لا يمكن دعوى الوفاق من القائلين بالجواز عليه أيضا،لمكان الخلاف و مصير جمّ غفير إلى وجوب ستر الباطن لذلك.

و قد عرفت ما فيها.

مع إمكان المناقشة في دعوى عدم دخوله في النصوص المخرجة للظاهر،بناء على انكشاف الباطن عن الدرع الذي ينكشف عنه الظاهر حالة المشي جدّا،و لعلّه لذا جعل القدمان بقول مطلق من مواضع الزينة الظاهرة في بعض الروايات (1).

و لكن الأحوط ستره،بل ستر الظاهر،بل الكفّين أيضا،مع تفاوت مراتبه شدّة و ضعفا.

و أما ستر الشعر و العنق فظني كونه مجمعا عليه،و إن تأمّل فيه نادر (2)، لشذوذه،و مخالفته لإطلاق النصوص و الفتاوى بكون بدن المرأة جملتها عورة، و قد مرّ دعوى جماعة الإجماع عليه من العلماء كافة من غير استثناء لهما بالمرة و إن استثنوا غيرهما كما عرفته (3).و المراد من البدن ما يعمّ الشعر،لتصريحهم بلزوم نحو الخمار الساتر للشعر جدّا،و لو كان مرادهم بالجسد ما يقابل الشعر لما كان لأمرهم بلزوم الخمار وجه،لستر الشعر جلد الرأس جدّا،فكان فيه غنى عن الخمار الساتر قطعا.

و مع ذلك النصوص مستفيضة-كادت تبلغ التواتر،بل لعلّها متواترة- بلزوم سترهما عن الأجنبي،بل في الصلاة أيضا،كما مرّ في أخبار الخمار (4)، فإن خمر نساء العرب اللواتي هنّ موردها تسترهما قطعا،و ليس الأمر بسترهما

ص:385


1- الكافي 5:2/521،الوسائل 20:201 أبواب مقدمات النكاح و آدابه ب 109 ح 2.
2- انظر المدارك 3:189،و الكفاية:16.
3- راجع ص:373.
4- في ص:374.

عن الأجنبي إلاّ لكونهما من العورة المأمور بسترها في الصلاة بإجماع العلماء كافّة،كما عرفت نقله من جماعة حدّ الاستفاضة.

مضافا إلى التأييد ببعض المعتبرة:«صلّت فاطمة عليها السلام في درع و خمار،و ليس عليها أكثر مما وارت به شعرها و أذنيها» (1).بل ربما استدل به على ذلك.

و أما الاستدلال به على عدم لزوم ستر العنق (2)فضعيف في الغاية، لقصور السند،و عدم المقاومة لما مرّ من الأدلّة،مع احتمال ضعف في الدلالة بوروده مورد الضرورة،بل قيل:بأنها ظاهرة (3)،و لا يخلو عن مناقشة.

بل يمكن أن يقال:إن المراد بقوله:«ليس عليها أكثر»إلى آخره،بيان عدم وجوب نحو الإزار زيادة عن الخمار و الدرع،و إلاّ لالتفّت بها صلوات اللّه عليها،و ليس فيه أنه ما كان على رأسها من الخمار إلاّ قدر قليل تستر به الشعر الذي فوق الأذنين خاصة،بل ظاهر قوله:«وارت شعرها»كون خمارها عليها السلام كالخمر المتعارفة أو دونها بحيث يستر الشعر المنسدل على الكتفين و العنق غالبا،و ليس فيه أنها عليها السلام جمعت الشعر كله تحت ذلك الخمار،و حينئذ يكون الخمار المزبور ساترا للعنق أيضا،لاستلزام ستر الشعر المنسدل عليه ستره قطعا،فتأمّل جدّا .

و الأمة و الصبية غير البالغة تجتزيان بستر الجسد خاصة، و لا يجب عليهما ستر الرأس إجماعا من العلماء كافة إلاّ الحسن البصري،كما

ص:386


1- الفقيه 1:785/167،الوسائل 4:405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 1 و فيهما:و خمارها على رأسها.
2- كما في المدارك 3:190.
3- كما في الحدائق 7:14.

حكاه الشيخ في الخلاف و الفاضلان و الشهيدان و المحقق الثاني (1).

و الصحاح به مع ذلك مستفيضة،مضافا إلى غيرها من المعتبرة (2)،لكن أكثرها مختصّة بالأمة.

و أما الصبيّة فقد استدل على عدم الوجوب في حقها جماعة (3)بأنه تكليف و ليست من أهله.

و بالموثق:«لا بأس بالمرأة المسلمة الحرّة أن تصلّي و هي مكشوفة الرأس» (4)بحمله على الصغيرة.

و فيهما نظر،لضعف الأوّل بابتنائه على كون المراد بالوجوب الشرعي لا الشرطي ،و يحتمل الثاني و هي من أهله،و يكون حال الستر في حقها كاشتراط الوضوء و غيره في صلاتها.

و الثاني:بظهوره في البالغة،كما يحكى القول بمضمونه عن الإسكافي (5)؛نظرا إلى تضمنه لفظ المرأة التي لا تطلق حقيقة إلاّ على البالغة.

و حمله على الصغيرة و إن أمكن-جمعا بينه و بين الأدلّة المتقدّمة على وجوب ستر الرأس على الحرة البالغة،لرجحانها عليه من وجوه عديدة،و بها يضعف مذهب الإسكافي-إلاّ أن الجمع غير منحصر في ذلك،لاحتماله الحمل على

ص:387


1- الخلاف 1:396،المحقق في المعتبر 2:103،العلامة في المنتهى 1:237،الشهيد الأول في الذكرى:140،الشهيد الثاني في روض الجنان:217،المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:98.
2- الوسائل 4:409 أبواب لباس المصلي ب 29.
3- منهم:الشيخ في التهذيب 2:218،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:98،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:188.
4- التهذيب 2:857/218،الاستبصار 1:1481/389،الوسائل 4:410 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 5.
5- نقله عنه في المختلف:83.

الضرورة،أو التخلّي عن الإزار و الملحفة.أو على أن المراد أنه لا بأس بها أن تكون بين يدي المصلي مكشوفة الرأس و يكون صيغة«تصلّي»خطابا لا غيبة.

و الأجود الاستدلال عليه بالأصل،و عدم دليل على اشتراط الستر في حقها،لظهور ما دلّ على اشتراط الستر في ستر ما هو عورة خاصة،و كون رأس الصبية قبل البلوغ عورة غير معلوم من الشريعة.

هذا،مضافا إلى الإجماع المحكيّة (1)،و في الخبر:«على الجارية إذا حاضت الصيام و الخمار،إلاّ أن تكون مملوكة فإنه ليس عليه خمار إلاّ أن تحبّ أن تختمر،و عليها الصيام» (2).

و لا فرق في الأمة بين المملوكة،و المدبّرة،و المكاتبة المشروطة، و المطلقة التي لم تؤدّ شيئا من المكاتبة،و أمّ الولد مطلقا و لو كان ولدها حيّا و سيّدها باقيا،كما يقتضيه إطلاق العبارة و غيرها و أكثر النصوص،و به صرّح جماعة،و منهم الشيخ في الخلاف،لكن في أمّ الولد خاصّة،مدّعيا عليه إجماع الإماميّة (3)،و هو الحجة بعد الإطلاقات.

مضافا إلى الصحيح:«ليس على الأمة قناع في الصلاة،و لا على المدبّرة،و لا على المكاتبة إذا اشترط عليها قناع في الصلاة،و هي مملوكة حتى تؤدّي جميع مكاتبتها»إلى أن قال:و سألته عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار؟ قال:«لو كان عليها لكان عليها إذا حاضت،و ليس عليها التقنّع في الصلاة» (4).

و أما الصحيح:الأمة تغطّي رأسها؟فقال:«لا،و لا على أمّ الولد أن

ص:388


1- المتقدمة في ص:381.
2- التهذيب 4:851/281،الوسائل 4:409 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 3.
3- الخلاف 1:397.
4- الفقيه 1:1085/244،1086،علل الشرائع:3/346،الوسائل 4:411 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 7.

تغطّي رأسها إذا لم يكن لها ولد» (1).

فمع قصوره عنه المقاومة لما سبق من وجوه،دلالته بعموم المفهوم القابل للتخصيص بما بعد وفاة المولى مع كون ولدها حيا.و يحتمل مع ذلك الحمل على التقيّة،فقد حكاه في الخلاف عن مالك و أحمد (2).

و يلحق العنق بالرأس هنا في عدم وجوب الستر،كما صرّح به جماعة (3)، لأنه الظاهر من نفي وجوب الخمار عليهن،قيل:و لعسر ستره من دون الرأس (4).

أقول:و يدلّ عليه صريح الخبر المروي في قرب الإسناد:عن الأمة هل يصلح لها أن تصلّي في قميص واحد؟قال:«لا بأس» (5).

و ستر الرأس مع ذلك أفضل كما عليه الفاضلان هنا و في المعتبر و التحرير و المنتهى،و حكي عن صريح ابني زهرة و حمزة و الجامع و شرح الكتاب و التذكرة و ظاهر المهذب و المراسم (6).قيل:لأنه أنسب بالخفر و الحياء،و هو مطلوب من الإماء كالحرائر (7).

ص:389


1- التهذيب 2:859/218،الاستبصار 1:1483/390،الوسائل 4:410 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 4.
2- الخلاف 1:398.
3- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:98،و صاحب المدارك 3:199،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:188،و صاحب الحدائق 7:19.
4- قال به صاحب المدارك 3:199،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:188.
5- قرب الإسناد:876/224،الوسائل 4:412 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 10.
6- المعتبر 2:103،التحرير 1:31،المنتهى 1:237،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):555،ابن حمزة في الوسيلة:89،الجامع للشرائع:65،شرح الكتاب،هو أحد شروح النافع،و لا نعلم أيّ شرح أراد منه،التذكرة 1:93،المهذّب 1:84،المراسم: 64.
7- كما قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:188.

و لا بأس به على القول بالمسامحة في السنن و أدلّتها،و يشكل على غيره، لقصور التعليل عن إفادة الحكم الشرعي على هذا التقدير،مع عدم نص فيه (1) كما اعترف به الفاضلان في المعتبر و المنتهى و التحرير و غيرهما (2).و لذا اختار جماعة العدم (3)،بل و في الدروس روى استحبابه و أشار بها إلى ما رواه في الذكرى (4)،و روي عن المحاسن و العلل للصدوق-رحمه اللّه-أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام:في المملوكة تقنّع رأسها إذا صلّت؟قال:«لا،قد كان أبي عليه السلام إذا رأى الخادمة تصلّي مقنّعة ضربها لتعرف الحرة من المملوكة» (5).

أقول:و ظاهره التحريم كما هو ظاهر الصدوق (6).و لكنه ضعيف، لضعف السند بالجهالة،مع احتمال الحمل على التقية كما يشعر به نسبته ضربهن إلى أبيه عليه السلام،و يعضده نقل ذلك عن عمر أنه ضرب أمة لآل أنس رآها مقنّعة و قال:اكشفي و لا تشبّهي بالحرائر (7).

و منه يظهر ضعف القول باستحباب الكشف أيضا،لظهور الخبر في الوجوب مع عدم قابليّته للحمل على الندب بطريق الجمع،لمكان الضرب الذي لا يفعل بتارك المستحب،فلم يبق محمل له غير التقية،كما يستفاد مما

ص:390


1- في«ح»زيادة:بخصوصه.
2- المعتبر 2:103،المنتهى 1:237،التحرير 1:31،و انظر المدارك 3:199،و كشف اللثام 1:188.
3- كالشهيد الثاني في روض الجنان:217،و صاحب المدارك 3:199،و انظر الذكرى:140.
4- الدروس 1:147،الذكرى:140،الوسائل 4:412 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 11.
5- المحاسن:45/318،علل الشرائع:2/345،الوسائل 4:411 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 9.
6- علل الشرائع:345 ب 54.
7- انظر المغني و الشرح الكبير 1:674.

مر.

مضافا إلى المروي في الذكرى:عن الأمة تقنّع رأسها؟فقال:«إن شاءت فعلت و إن شاءت لم تفعل،سمعت أبي يقول:كنّ يضربن فيقال لهن:لا تشبّهن بالحرائر» (1).

و ظاهره التسوية كباقي النصوص النافية لوجوب التقنّع عنهن.و يمكن حملها على التسوية في الإجزاء،فلا ينافي فضيلة الستر،كما هو المشهور بين الطائفة.

الثالثة يجوز الاستتار في الصلاة بكل ما يستر به العورة

الثالثة:يجوز الاستتار في الصلاة بكل ما يستر به العورة كالحشيش و ورق الشجر و الطين بلا خلاف فيه بيننا في الجملة،و إن اختلف في جواز الستر بالحشيش و ما بعده مطلقا،كما في ظاهر العبارة و غيرها،أو بشرط فقد الثوب و إلاّ فتعين.و لا دليل على شيء منهما يعتدّ به،و لا ريب أن الثاني أحوط،و أحوط منه عدم الستر بالطين إلاّ مع فقد سابقيه،بل قيل بتعينه (2).

و لو لم يجد المصلي ساترا مطلقا لم يسقط عنه الصلاة إجماعا كما في المنتهى و الذكرى و غيرهما (3)،بل صلّى عاريا قائما موميا للركوع و السجود،جاعلا الإيماء فيه أخفض منه في الأوّل.

و قوله إذا أمن المطّلع -يعني الناظر المحترم-شرط لقوله:قائما، بدلالة قوله و مع وجوده أي المطّلع يصلّي جالسا موميا للركوع و السجود على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر إلاّ من ندر (4).

للمرسل كالصحيح:في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة،قال:

ص:391


1- تقدّم مصدره في ص 385 الهامش(4).
2- قرّبه الشهيد في الذكرى:141.
3- المنتهى 1:238،الذكرى:141،و انظر المدارك 3:194.
4- انظر المدارك 3:195.

«يصلّي عريانا قائما إن لم يره أحد،فإن رآه أحد صلّى جالسا» (1).و نحوه غيره (2).

و به يجمع بين النصوص الآمرة بالقيام مطلقا،كالصحيح:«و إن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم» (3).

و الصحيح:«و إن كان معه سيف و ليس معه ثوب فليتقلّد السيف و يصلّي قائما» (4).

و الآمرة بالجلوس كذلك كالصحيح:«يصلّي إيماء،و إن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها،و إن كان رجلا وضع يده على سوأته،ثمَّ يجلسان فيومئان إيماء،و لا يركعان و لا يسجدان فيبدو ما خلفهما،تكون صلاتهما إيماء برؤوسهما» (5).

و الصحيح:عن قوم صلّوا جماعة و هم عراة قال:«يتقدّمهم الإمام بركبتيه و يصلّي بهم جلوسا و هو جالس» (6)و نحوه الموثق (7).

بحمل الأوّلة على صورة الأمن من المطّلع و الأخيرة على غيرها،مع ظهور الأخيرين منها فيه جدّا.

خلافا للمرتضى،فأطلق الأمر بالجلوس في المصباح و الجمل، كالصدوق في الفقيه و المقنع،و الشيخين في المقنعة و التهذيب فيما حكي

ص:392


1- التهذيب 2:1516/365،الوسائل 4:449 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 3.
2- الفقيه 1:793/168،الوسائل 4:449 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 5.
3- التهذيب 2:1515/365،الوسائل 4:448 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 1.
4- الفقيه 1:782/166،التهذيب 2:1519/366،الوسائل 4:449 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 4.
5- الكافي 3:16/396،التهذيب 2:1512/364،الوسائل 4:449 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 6.
6- التهذيب 2:1513/365،الوسائل 4:450 أبواب لباس المصلي ب 51 ح 1.
7- التهذيب 2:1514/365،الوسائل 4:451 أبواب لباس المصلي ب 51 ح 2.

عنهم (1)،أخذا بالأخبار الأخيرة.

و فيه ما عرفته،مضافا إلى مخالفته الأصول الدالة على وجوب القيام، السليمة عن المعارض في صورة الأمن من المطّلع.

و للحلّي،فعكس (2)،و أخذ بالأخبار الأوّلة،و الأصول المزبورة.

و في الأخبار:ما عرفته،و في الأصول:إنها معارضة في صورة عدم الأمن من المطّلع بما دلّ من الأصول الأخر على لزوم الستر عن الناظر المحترم، و بعد التعارض لا بدّ من الترجيح،و هو مع الأخيرة،للشهرة المرجّحة،مضافا إلى الأخبار الأخيرة و الرواية المفصّلة.مع أنه شاذّ لم ينقل خلافه جماعة ،بل ادّعى في الخلاف على خلافه-و هو لزوم الجلوس مع عدم الأمن من الناظر- إجماع الإمامية (3).

و للمعتبر و بعض من تأخر (4)،مخيّرا بين الأمرين،لتعارض الأخبار من الطرفين،و عدم مرجّح لأحد المتعارضين،مع ضعف المفصّلة.

و فيه نظر،لانجبار الضعف بما مرّ،مضافا إلى عمل الأكثر،مع أنها مروية في المحاسن بطريق صحيح (5)،و إن قيل فيه أيضا شائبة الإرسال (6).

و اعلم:أن النصوص الآمرة بالإيماء للركوع و السجود في كل من حالتي القيام و الجلوس زيادة على ما مر كثيرة،مع التصريح في جملة منها بكونه

ص:393


1- حكاه عن المصباح في المعتبر 2:104،جمل العلم و العمل«رسائل السيد المرتضى 3:» 49،الفقيه 1:296،المقنع 36،المقنعة:216،التهذيب 3:178،و حكاه عن الجميع في كشف اللثام 1:189.
2- السرائر 1:260.
3- الخلاف 1:400.
4- المعتبر 2:105،و انظر المدارك 3:195.
5- المحاسن:135/372،الوسائل 4:450 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 7.
6- كشف اللثام 1:189.

بالرأس،و جعله للسجود أخفض منه للركوع (1)،و به صرح أكثر الأصحاب من غير خلاف يعرف،إلاّ من ابن زهرة،فنصّ على أن الإيماء إذا صلّى جالسا، فإن صلّى قائما ركع و سجد (2).

و نحوه عن الفاضل في النهاية،لكن متردّدا في الأخيرة مستقربا الإيماء فيه أيضا (3).

قيل:و وجه فرقهما بين الحالتين الأمن حال القيام (4)،فلا وجه لترك الركوع و السجود،بخلاف حالة الجلوس لعدم الأمن فيها.

و فيه-بعد تسليمه-أنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر.

و الديلمي،فلم يذكره أصلا (5).و كذا الشيخ و ابن حمزة و القاضي،فلم يذكروه أيضا إلاّ في صلاة العراة جماعة،فأوجبوا الإيماء على الإمام خاصّة (6)،قيل:و عليه الإصباح و الجامع (7).

للموثق:«يتقدّمهم إمامهم يجلس و يجلسون خلفه،فيومئ بالركوع و السجود،و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم» (8).

و رجّحه الفاضلان في المعتبر و المنتهى،و الشهيد في الدروس (9)،لقوّة الموثّق.قال في المنتهى:لا يقال:إنه قد ثبت أن العاري مع وجود غيره يصلّي

ص:394


1- الوسائل 4:448 أبواب لباس المصلي ب 50.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):561.
3- نهاية الإحكام 1:368.
4- كشف اللثام 1:190.
5- المراسم:77،87.
6- الشيخ في النهاية:130،ابن حمزة في الوسيلة:107،القاضي في المهذّب 1:116.
7- حكي عنهما في كشف اللثام 1:190،و انظر الجامع للشرائع:91.
8- التهذيب 2:1514/365،الوسائل 4:451 أبواب لباس المصلي ب 51 ح 2.
9- المعتبر 2:107،المنتهى 1:240،الدروس:1:149.

بالإيماء،لأنّا نقول:إنما ثبت ذلك فيما إذا خاف من المطّلع،و هو مفقود هاهنا،إذ كل واحد منهم مع سمت صاحبه لا يمكنه أن ينظر إلى عورته حالتي الركوع و السجود.

و في الذكرى:أن الظاهر اختصاص الحكم بأمنهم المطّلع،و إلاّ فالإيماء لا غير،و اطّلاع بعضهم على بعض غير ضائر،لأنهم في حيّز التستّر باعتبار التضامّ و استواء الصفّ،قال:و لكن يشكل بأن المطّلع هنا إن صدق وجب الإيماء و إلاّ وجب القيام.و يجاب:بأن التلاصق في الجلوس أسقط اعتبار القيام (1)،فكأنّ المطّلع موجود حالة القيام و غير معتدّ به حال الجلوس (2).

و أوجب المفيد و المرتضى و الحلي (3)الإيماء على الجميع،كما يقتضيه إطلاق العبارة و كثير،بل ادّعى الأخير عليه الإجماع،لعموم أدلّته و كثرتها،و منها الصحيحة الاولى من الأخبار الأخيرة (4)،فإنها ظاهرة في المنع عن الركوع و السجود مطلقا،و إن اختص ظاهر موردها بصلاة المنفرد،لعموم التعليل فيها بقوله:«فيبدو ما خلفهما»و هو ظاهر في أن علّة المنع إنما هو بدوّ الخلف،و لا يختلف فيه الحال في الجماعة و الانفراد،و هي أصح من الموثقة (5)،معتضدة بإطلاق غيرها أيضا،مع إطلاق كثير من الفتاوى و صريح جملة منها،فالعمل بها أقوى.

قال في الذكرى-معترضا على الموثقة-:إنه يلزم من العمل بها أحد

ص:395


1- في المصدر:الاطّلاع.
2- الذكرى:142.
3- المفيد في المقنعة:216،المرتضى في جمل العلم و العمل«رسائل السيد المرتضى 3:» 49،الحلي في السرائر 1:260.
4- المتقدمة في ص:387.
5- المتقدمة في ص:389.

الأمرين،إما اختصاص المأمومين بعدم الإيماء مع الأمن،أو عمومه لكل عار أمن،و لا سبيل إلى الثاني،و الأوّل بعيد (1).

قلت:مع احتمال ركوعهم و سجودهم بوجوههم فيها ركوعهم و سجودهم على الوجه الذي لهم،و هو الإيماء،و لذا نقل عن نهاية الإحكام أنها متأوّلة (2).

و في التحرير و المختلف و التذكرة (3)التردد،و لا وجه له لما عرفته.

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي جواز الصلاة عاريا و لو أول الوقت مطلقا، كما عليه الأكثر.

خلافا لجماعة،فأوجبوا التأخير،إما مطلقا،كما عليه جملة منهم (4)،أو بشرط رجاء حصول الساتر و إلاّ فيجوز التقديم (5).

و هو أحوط،بل لا يترك مهما أمكن،ففي الخبر المروي عن قرب الإسناد:«من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثيابا،فإن لم يجد صلّى عاريا جالسا يومئ إيماء،و يجعل سجوده أخفض من ركوعه،فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثمَّ صلّوا كذلك فرادى» (6).

و ضعف السند و الدلالة مجبور بموافقة الأصل و القاعدة الدالّين على اشتراط الستر في الصلاة بقول مطلق،فيجب تأخيرها لتحصيله و لو من باب المقدمة.

ص:396


1- الذكرى:142.
2- نهاية الإحكام 1:371.
3- التحرير 1:32،المختلف:84،انظر التذكرة 1:94.
4- كالسيد المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):49،و الدّيلمي في المراسم: 76.
5- كما ذهب إليه المحقق في المعتبر 2:108،و العلامة في المنتهى 1:239،و استحسنه في المدارك 3:196.
6- قرب الإسناد:511/142،الوسائل 4:451 أبواب لباس المصلي ب 52 ح 1.

و كذا لا يقدح تضمّنه لما لا يقول به أحد:من تعيّن الصلاة فرادى،مع أن استحباب الجماعة لهم أيضا متفق عليه ظاهرا،إلاّ من الصدوق في الفقيه في باب صلاة الخوف و المطاردة،فأفتى بمضمون الرواية (1)،و بالإجماع صرّح في الذكرى (2).

فإنّ خروج جزء الحديث عن الحجية لا يوجب خروجه عنها طرّا،و إن هو حينئذ إلاّ كالعامّ المخصّص حجّة في الباقي.مع عدم صراحته في المنع عن الجماعة بعد احتمال اختصاصه بما إذا لم يريدوها،أو إذا لم يكن لهم من يصلح أن يكون إماما

ص:397


1- الفقيه 1:296.
2- الذكرى:142.

المجلد 3

اشارة

سرشناسه:طباطبائی کربلائی، علی بن محمدعلی، 1161 - 1231ق.

عنوان و نام پديدآور:ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل/ تالیف محمدعلی الطباطبایی؛ تحقیق موسسه آل البیت(ع) لاحیاءالتراث.

مشخصات نشر:قم: موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاءالثرات، 1418ق.-= 1376-

مشخصات ظاهری:16 ج.: نمونه.

فروست:موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

شابک: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری

يادداشت:عربی.

يادداشت:کتاب حاضر شرحی بر مختصرالنافع محقق حلی است.

يادداشت:ج.9 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت:ج. 11 - 13 (چاپ؟: 1421ق. = 1379).

يادداشت:ج. 15و 16 (چاپ؟: 1422ق. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:محقق حلی، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 7ق.

شناسه افزوده:محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

شناسه افزوده:موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاء الثرات

رده بندی کنگره:BP182/م3م30216 1376

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

تتمة كتاب الصلاة

تتمة المقدمات السبع

المقدمة الخامسة في مكان المصلّي

الخامسة :

في بيان أحكام مكان المصلّي اعلم:أنه يجوز أن يصلّى في كل مكان خال عن نجاسة متعدّية إلى المصلّي إذا كان مملوكا عينا و منفعة،أو منفعة خاصّة أو مأذونا فيه صريحا،كالكون أو الصلاة فيه،أو فحوى،كإدخال الضيف منزله مع عدم ما يدلّ على كراهة المضيف لصلاته من نحو المخالفة في الاعتقاد و هيئات الصلاة على وجه تشهد القرائن بكراهته لها على تلك الحال،إذ معه لا فحوى.

قالوا:أو بشاهد الحال (1)،كما إذا كان هناك أمارة تشهد أن المالك لا يكره،كما في الصحاري و البساتين الخالية من أمارات الضرر و نهي المالك، فإن الصلاة فيها جائزة و إن لم يعلم مالكها،بشهادة الحال.و في حكم الصحاري الأماكن المأذون في غشيانها على وجه مخصوص إذا اتصف بها المصلّى،كالحمّامات و الخانات و الأرحية و غيرها.

و هو حسن إن أفادت الأمارة القطع بالإذن،و إلاّ فيشكل،لعدم دليل على جواز الاعتماد على الظنون في نحو المقامات.

و أضعف منه ما يقال من أن الأقرب جواز الصلاة في كل موضع لم يتضرر المالك بالكون فيه،و جرت العادة بعدم المضايقة في أمثاله و إن فرضنا عدم العلم بالرضا،نعم لو ظهرت من المالك أمارة عدم الرضا لم تجز الصلاة فيه مطلقا (2).

ص:5


1- كما في الشرائع 1:71،و روض الجنان:219.
2- الكفاية:16،البحار 80:281.

و ذلك فإن مناط جواز التصرف في ملك الغير إذنه لا عدم تضرّره بالتصرّف فيه،و لذا مع ظهور كراهته لم يجز قطعا،كما اعترف به.

و بالجملة:فالمتّجه اعتبار القطع بالرضا عادة،و لا يجوز الاعتماد على الظن إلاّ مع قيام دليل عليه،و الظاهر قيامه في الصلاة في نحو الصحاري و البساتين مع عدم العلم بكراهة المالك،فقد نفى عنه الخلاف على الإطلاق جماعة،و منهم شيخنا الشهيد في الذكرى و صاحب الذخيرة (1).لكن ظاهر الأوّل كون الإذن فيها بالفحوى،فيكون مقطوعا،و عليه فلا يظهر شمول دعواه نفي الخلاف لما أفاد شاهد الحال في هذه المواضع ظنّا،و كيف كان فالاحتياط يقتضي التورع عن الصلاة مع عدم القطع بالإذن عادة مطلقا.

و لا تصح الصلاة في المكان المغصوب و لو منفعة مع العلم بالغصبية حال الصلاة اختيارا،بإجماعنا الظاهر،المنقول في جملة من العبائر، كالناصريات و نهاية الإحكام و المنتهى و الذكرى و شرح القواعد للمحقق الثاني و المدارك (2)،و في الذخيرة نفى الخلاف عنه بين الأصحاب (3)،و هو الحجة، مضافا إلى ما مرّ في بحث اللباس من القاعدة (4).

و في وصية مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام لكميل:«يا كميل،انظر فيما تصلّي و على ما تصلّي،إن لم يكن من وجهه و حلّه فلا قبول»رويت في الوسائل و غيره (5).

ص:6


1- الذكرى:149،الذخيرة:238.
2- الناصريات(الجوامع الفقهية):195،نهاية الإحكام 1:340،المنتهى 1:241،الذكرى: 149،جامع المقاصد 2:116،المدارك 3:217.
3- الذخيرة:238.
4- راجع ج 2:ص 333،334.
5- تحف العقول:117،بشارة المصطفى:28،الوسائل 5:119 أبواب مكان المصلي ب 2 ح 2.

و ظاهر ما حكاه في الكافي-في باب الفرق بين من طلّق على غير السنّة و بين المطلّقة إذا خرجت و هي في عدّتها أو أخرجها زوجها-عن الفضل الصحة (1).

و لكنه شاذ،قيل:و يحتمل كلامه الإلزام (2).

و لا فرق بين الفريضة و النافلة،كما صرّح به جماعة (3)،و يقتضيه إطلاق الفتوى و الرواية،و كثير من الإجماعات المحكية،بل و القاعدة.

خلافا للمحكي عن الماتن،فقال بصحة النافلة (4)،لأن الكون ليس جزءا منها و لا شرطا فيها،يعني أنها تصحّ ماشيا موميا للركوع و السجود،فيجوز فعلها في ضمن الخروج المأمور به.

و فيه-بعد تسليمه-أنه مختص بما إذا صلّيت كذلك،لا إن قام و ركع و سجد،فإن هذه الأفعال و إن لم تتعيّن عليه فيها،لكنها أحد أفراد الواجب فيها.

و عن المرتضى و أبي الفتح الكراجكي (5)وجه بالصحة في الصحاري المغصوبة،استصحابا لما كانت الحال تشهد به من الإذن.

و ليس فيه مخالفة لما ذكرنا من البطلان مع العلم بالغصبيّة و عدم الإذن

ص:7


1- الكافي 6:92.
2- كشف اللثام 1:194.
3- منهم العلامة في التذكرة 1:87،و الشهيد الأول في الذكري:150،و الشهيد الثاني في روض الجنان:219.
4- لم نعثر عليه في كتب المحقق،نعم قال في كشف اللثام(ج 1 ص 194):و عن المحقق صحة النافلة لأن الكون ليس جزءا منها و لا شرطا فيها،يعني أنها تصحّ ماشيا موميا..،و لعلّ مستند هذه النسبة كلام الذكرى(ص 150)حيث قال:حكم النافلة حكم الفريضة هنا،و كذا الطهارة، و في المعتبر(ج 2 ص 109):لا تبطل في المكان المغصوب لأن الكون ليس جزءا منها و لا شرطا فيها..،فتوهّم أن قوله:لا تبطل راجع إلى النافلة،و هو غير صحيح بل يرجع إلى الطهارة.
5- حكى عنهما في كشف اللثام 1:194.

للمصلّي حال الصلاة،بل مرجعه إلى دعوى حصوله و لو استصحابا.و هو من السيد غريب،لعدم مصيره إلى حجّيته .

و عن المبسوط أنه قال:فإن صلّى في مكان مغصوب مع الاختيار لم تجز الصلاة فيه،و لا فرق بين أن يكون هو الغاصب أو غيره ممن اذن له في الصلاة فيه،لأنه إذا كان الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فيه (1).

و ليس فيه أيضا مخالفة لما ذكرنا من(الصحة مع الإذن) (2)لاحتمال كون المراد من الآذن هو الغاصب لا المالك،كما فهمه الفاضل في كتبه (3)،و إن استبعده الشهيد و قرّب العكس-وفاقا للماتن (4)-قال:لأنه لا يذهب الوهم إلى احتماله،و لأن التعليل لا يطابقه.و فيه منع.

و وجّهه بأن المالك لما لم يكن متمكّنا من التصرف فيه لم يفد إذنه الإباحة،كما لو باعه،فإنه باطل لا يبيح المشتري التصرف فيه.و احتمل أن يريد الإذن المستند إلى شاهد الحال،لأن طريان الغصب يمنع من استصحابه،كما صرّح به الحلّي،قال:و يكون فيه التنبيه على مخالفة المرتضى،و تعليل الشيخ مشعر بهذا (5)،انتهى.

أقول-وفاقا لبعض المحققين (6)-:و الظاهر اختلاف الأمكنة و الملاّك و المصلّين و الأحوال و الأوقات في منع الغصب من استصحاب الإذن الذي شهدت به الحال.

ص:8


1- المبسوط 1:84.
2- بدل ما بين القوسين في«م»و«ل»:البطلان.
3- كالمنتهى 1:241.
4- في المعتبر 2:109.
5- الذكرى:150.
6- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:194.

و يلحق بالعلم بالغصبيّة جاهل حكمها.أما ناسيها و جاهلها فلا،كما مضى في بحث اللباس (1)،و على الأخير هنا الإجماع في المنتهى (2).و في ناسي الحكم ما مضى (3).

و في جواز صلاة المرأة إلى جانب المصلّي أو أمامه مع عدم الحائل بينهما و لا التباعد عشرة أذرع قولان مشهوران:

أحدهما:المنع،سواء صلّت بصلاته أو منفردة،محرما له كانت أو أجنبيّة ذهب إليه أكثر القدماء (4)،بل ادعى عليه في الخلاف و الغنية (5)الإجماع.

و لعله الحجة لهم،مضافا إلى النصوص المستفيضة،ففي الصحيح:

عن المرأة تزامل الرجل في المحمل،يصليان جميعا؟فقال:«لا،و لكن يصلّي الرجل فإذا فرغ صلّت المرأة» (6)و نحوه الخبر (7).

و في آخر:«و إن كانت تصلّي-يعني المرأة بجنبه-فلا» (8).

و في الموثق عن الرجل يستقيم له أن يصلّي و بين يديه امرأة تصلّي؟

ص:9


1- راجع ج 2:ص 340.
2- المنتهى 1:241.
3- راجع ج 2:ص 341.
4- منهم:المفيد في المقنعة:152،و الطوسي في المبسوط 1:86،و ابن حمزة في الوسيلة: 89.
5- الخلاف 1:423،الغنية(الجوامع الفقهية):558.
6- الكافي 3:4/298 بتفاوت يسير،التهذيب 2:907/231،الاستبصار 1:1522/399، الوسائل 5:124 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 2.
7- التهذيب 5:1404/403،الوسائل 5:132 أبواب مكان المصلي ب 10 ح 2.
8- الكافي 3:5/298،التهذيب 2:910/231،الوسائل 5:121 أبواب مكان المصلي ب 4 ح 1.

فقال:«إن كانت المرأة قاعدة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس» (1).

و نحوه غيره في إثبات البأس في المحاذاة و الامام (2).

و هو و إن كان أعم من التحريم،إلاّ أنه محمول عليه بقرينة النهي في الأخبار السابقة الظاهر فيه،مضافا إلى الإجماعين المصرّحين به،و الصحيح المصرّح بالفساد:عن إمام في الظهر قامت امرأته بحياله تصلّي و هي تحسب أنها العصر،هل يفسد ذلك على القوم؟و ما حال المرأة في صلاتها و قد كانت صلت الظهر؟فقال عليه السّلام:«لا يفسد ذلك على القوم و تعيد المرأة» (3).

و أكثر هذه النصوص و إن شملت بإطلاقها صورتي وجود الحائل و التباعد بعشرة أذرع المرتفع فيهما المنع كراهة و تحريما إجماعا كما يأتي (4)،إلاّ أنها مقيّدة بغيرهما،لذلك،مضافا إلى الموثق:عن الرجل يستقيم له أن يصلّي و بين يديه امرأة تصلّي؟قال:«لا يصلّي حتى يجعل ما بينه و بينها أكثر من عشرة أذرع،و إن كانت عن يمينه و يساره جعل بينه [و بينها] مثل ذلك،فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس و إن كانت تصيب ثوبه» (5).و نحوه آخر (6).

و في هذا الموثق أيضا دلالة على المنع،بل هو العمدة في دليلهم عليه،

ص:10


1- التهذيب 2:911/231،الاستبصار 1:1526/399،الوسائل 5:122 أبواب مكان المصلي ب 4 ح 6.
2- الظاهر هو قطعة من الموثق السابق لا غيره،و هي:«إن كانت تصلّي خلفه فلا بأس»و منشأ توهم المصنف هو تقطيع الرواية في الوسائل،فقد أورد قطعة منها في ب 4 ح 6 كما مرّ،و قطعة اخرى -و هي مراد المصنف هنا-في ب 6 ح 4،و أورد تمامها في ب 7 ح 1،كما سيذكر المصنف تمامها أيضا عن قريب.
3- التهذيب 2:913/232،الوسائل 5:130 أبواب مكان المصلي ب 9 ح 1.
4- في ص:14.
5- التهذيب 2:911/231،الاستبصار 1:1526/399،الوسائل 5:128 أبواب مكان المصلي ب 7 ح 1.
6- قرب الإسناد:788/204،الوسائل 5:128 أبواب مكان المصليّ ب 7 ح 2.

كما يظهر من الحلي (1).

و القول الآخر:الجواز على كراهية ذهب إليه المرتضى و الحلي (2)،و يحتمله كلام الشيخ في الاستبصار،حيث حمل بعض الأخبار المانعة على الاستحباب (3)،و تبعهما عامة المتأخرين عدا الماتن هنا،فظاهرة التردّد،كالصيمري،و الفاضل المقداد (4)،حيث اقتصروا على نقل القولين من غير ترجيح،و لكن جعل الأخير الكراهة أحوط.و هو غريب،فإن الاحتياط في القول بالحرمة،و إن كان في تعيّنه نظر.

للأصل،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة المصرّحة بعدم المنع،إمّا مطلقا،كما في الصحيح:«لا بأس أن تصلّي المرأة بحيال الرجل و هو يصلّي» (5)الخبر،و نحوه المرسل لراويه (6).

و أصرح منهما الخبر:عن امرأة صلّت مع الرجال و خلفها صفوف و قدّامها صفوف،قال:«مضت صلاتها و لم تفسد على أحد و لا تعيد» (7).

أو إذا كان بينهما شبر،كما في الصحيحين (8)و غيرهما (9)،أو قدر ما

ص:11


1- السرائر 1:267.
2- المرتضى على ما حكاه عنه في السرائر 1:267،الحلي في السرائر 1:267.
3- الاستبصار 1:399.
4- التنقيح الرائع 1:187.
5- الفقيه 1:749/159،الوسائل 5:122 أبواب مكان المصلي ب 4 ح 4.
6- التهذيب 2:912/232،الاستبصار 1:1527/400،الوسائل 5:125 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 6.
7- لم نعثر عليه في كتب الحديث،و ذكره في كشف اللثام(ج 1 ص 194)معبّرا عنه بخبر عيسى ابن عبد اللّه القمي.
8- الكافي 3:4/298،الفقيه 1:747/159،التهذيب 2:905/230،الاستبصار 1: 1520/398،الوسائل 5:123،125،أبواب مكان المصلي ب 5 ح 1،7.
9- التهذيب 2:906/230،الاستبصار 1:1521/398،الوسائل 5:124 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 3.

لا يتخطى أو قدر عظم الذراع،كما في آخرين (1)،أو موضع رحل (2)،كما في مثلهما سندا (3)،أو بتقدمها بصدره،كما في الصحيح (4)،أو إذا كان سجودها مع ركوعه،كما في المرسلين (5).

و البأس المفهوم منها بغير هذه المقادير و إن احتمل التحريم،إلاّ أنه مندفع بالأصل و ضمّ بعضها إلى بعض،مضافا إلى الإجماع،و عدم قائل بالمنع تحريما بغيرها و الجواز معها إلاّ الجعفي،فقال بالمنع فيما دون عظم الذراع و الجواز معه (6).و لكن الدال عليه من النصوص قليل،و مع ذلك معارض بما يدل على ارتفاع المنع بشبر،و هو دون عظم الذراع بيقين،و مع ذلك فهو شاذ لم ينقله إلاّ قليل،بل ظاهر جمع الإجماع على خلافه،حيث ادّعوا عدم القول بالفرق بين القولين المشهورين،مؤذنين بدعوى الإجماع على فساد القول

ص:12


1- الأول: مستطرفات السرائر:15/74،الوسائل 5:126 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 13. الثاني: الفقيه 1:748/159 و فيه:ما يتخطّى،و هو موافق لنسخة«ح»من الكتاب،الوسائل 5: 125 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 8.
2- في«ل»و«ح»:رجل.
3- الكافي 3:1/298،الوسائل 5:126 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 11.و فيه:موضع رجل.
4- التهذيب 2:1582/379،الاستبصار 1:1525/399،الوسائل 5:127 أبواب مكان المصلي ب 6 ح 2.
5- الأول: التهذيب 2:1581/379،الاستبصار 1:1524/399 الوسائل 5:127 أبواب مكان المصلي ب 6 ح 3. الثاني: الكافي 3:7/299،الوسائل 5:128 أبواب مكان المصلي ب 6 ح 5.
6- كما حكاه عنه في الذكرى:150.

الثالث.

و بالجملة:فهذه النصوص-مع صحة أكثرها،و استفاضتها،و اعتضادها بالشهرة العظيمة المتأخرّة القريبة من الإجماع،بل هي إجماع في الحقيقة- واضحة الدلالة على نفي الحرمة،و إثبات الكراهة و لو مختلفة المراتب ضعفا و قوة،و مع ذلك معتضدة بأصالة البراءة،و الإطلاقات،بل استدل بهما أيضا جلّ الطائفة.

و لا ريب أنها أرجح بالإضافة إلى الأدلّة السابقة،مع قصور أكثر أخبارها سندا و دلالة،و قبولها الحمل على الكراهة دون هذه الأدلّة،إذ لا تقبل أكثرها الحمل على شيء يجمع به بينها و بين تلك،مع مراعاة عدم القائل بالفرق بين الطائفة الظاهر،المصرح به في كلام جماعة كما عرفته،فالعمل بتلك يوجب ترك هذه بالمرّة،و لا كذلك العكس،لقبولها الحمل على الكراهة دون هذه.

نعم،يبقى الكلام في دعوى الإجماع على المنع،فإن تأويلها إلى الكراهة في غاية البعد،لنص الشيخ الناقل له ببطلان الصلاة،حيث منع عنها (1)،و هو لا يجتمع مع الكراهة.

لكن إطراحها أولى من إطراح هذه الأدلّة القويّة بما عرفته.

مضافا إلى الصحيحين المعبّرين عن المنع ب«لا ينبغي»كما في أحدهما (2)،مع الاكتفاء في رفعه فيه بشبر على إحدى النسختين (3)

ص:13


1- راجع ص:9.
2- الكافي 3:4/298،التهذيب 2:905/230،الاستبصار 1:1520/398،الوسائل 5: 123 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 1.
3- النسخة موجودة في الكافي و غيره،و الاولى في التهذيبين.منه رحمه اللّه.

و الاحتمالين (1)،و ب«يكره»كما في الثاني المروي في العلل (2).

و دلالتهما على كل من التحريم و الكراهة و إن كان غير ظاهر ظهورا معتدا به،إلاّ أن الإشعار فيهما بالكراهة حاصل،سيّما في الأول،مضافا إلى ضمّ باقي الأخبار إليهما.فالقول بالجواز أقوى،و إن كان التجنّب أحوط بلا شبهة.

و يتفرع على القول بالحرمة فروعات جليلة لا فائدة لنا في ذكرها مهمة بعد اختيارنا الكراهة.

و لو كان بينهما حائل من نحو ستر دون ظلمة و فقد بصر على الأظهر أو تباعد عشرة أذرع فصاعدا بين موقفيهما كما هو المتبادر أو كانت متأخّرة عنه و لو بمسقط الجسد بحيث لا يحاذي جزء منها جزءا منه،ارتفع المنع و صحّت صلاتهما إجماعا كما في المعتبر و المنتهى (3)و غيرهما (4).

و للمعتبرة المستفيضة المتقدم إلى بعضها الإشارة.

بل ظاهر جملة من الصحاح المتقدمة انتفاء المنع مطلقا بالذراع و الشبر و نحوهما (5)كما عن الجامع (6)،و هو ظاهر الفاضلين في المعتبر و المنتهى،لكن في صورة تأخّرها لا مطلقا كما احتمله الشيخ في كتابي الحديث (7)،و به قال في الذخيرة أيضا (8).

ص:14


1- الاحتمال هنا إشارة إلى أن في تتمة الحديث تفسيرا محتملا كونه من الحديث المبني عليه الكلام كونها من الشيخ.منه رحمه اللّه.
2- علل الشرائع:4/397،الوسائل 5:126 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 10.
3- المعتبر 2:111،المنتهى 1:243.
4- انظر البحار 80:336.
5- راجع ص:11 و 12.
6- الجامع للشرائع:69.
7- التهذيب 2:232،الاستبصار 1:400.
8- الذخيرة:243.

و لا بأس به لو لا الموثقة السابقة (1)الظاهرة في بقاء المنع في صورة التأخّر إلى أن تتأخّر عنه بحيث لا يحاذي جزء منها جزءا منه.و الأخبار الصحيحة و إن ترجّحت عليها من وجوه عديدة،و لكن الأخذ بها أولى في مقام الكراهة،بناء على المسامحة في أدلّتها،مع اشتهار العمل بها أيضا،فلتحمل الصحاح على خفّة الكراهة لا انتفائها،و عليه تحمل الموثقة.

و هل يعتبر في الحائل كونه ستيرا بحيث لا يرى أحدهما الآخر مطلقا، كما هو المتبادر من النص و الفتوى؟ أم يكفي مطلقا و لو لم يكن ستيرا،كما في الصحيح:عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى (2)كله قبلته و جانباه،و امرأته تصلّي حياله يراها و لا تراه، قال:«لا بأس» (3)؟ وجهان،و الأوّل أنسب بمقام الكراهة .

و يرتفع المنع أيضا مطلقا مع الضرورة،كما صرّح به جماعة (4)،اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن من النص و الفتوى،لاختصاصهما بحكم التبادر و غيره بحال الاختيار.

مضافا إلى فحوى ما دلّ على جواز الصلاة في المغصوب مع الضرورة.

و في الصحيح المروي في العلل:«إنما سمّيت مكّة بكّة لأنها يبتكّ (5)بها الرجال و النساء،و المرأة تصلّي بين يديك و عن يمينك و عن يسارك و معك،و لا

ص:15


1- في ص:10.
2- الكوّة-بالضم و الفتح و التشديد-النقبة في الحائط غير نافذة.مجمع البحرين 1:364.
3- التهذيب 2:1553/373،الوسائل 5:129 أبواب مكان المصلي ب 8 ح 1.
4- منهم فخر المحققين في الإيضاح 1:89،و صاحب المدارك 3:224،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:195.
5- أي:يزاحم و يدافع.مجمع البحرين 5:259.

بأس بذلك،و إنما يكره في سائر البلدان» (1).

و عليه ف لو كان كل منهما في مكان لا يمكن فيه التباعد و لا الحائل،و لا يقدران على غيره و ضاق الوقت ارتفع المنع مطلقا.و مع عدم الضيق صلّى الرجل أوّلا ثمَّ المرأة استحبابا،للأمر به في بعض الصحاح المتقدمة (2)المحمول عليه عندنا قطعا،و كذا عند جملة من القائلين بالمنع،إذ هو لا يقتضي تعين تقدم الرجل،بل تقدم أحدهما،كما في ظاهر الموثق كالصحيح:أصلّي و المرأة إلى جنبي تصلّي؟فقال:«لا،إلاّ أن تتقدّم هي أو أنت» (3).

خلافا للمحكي عن الشيخ (4)،فعيّن تقديم الرجل.

و لعله لظاهر الأمر في الصحيح،و عدم وضوح الصحيح الآخر في إرادة التقديم الفعلي،لاحتماله المكاني،بل فهمه منه صاحبا المدارك و الذخيرة (5)، فاستدلاّ به على جواز تقديم المرأة مكانا من غير حرمة.

و لكنه بعيد،لظهور الاحتمال الأول،للإجماع على ثبوت المنع و لو كراهة في تقدّم المرأة مكانا بعد توافقهما فعلا،فهو أقوى قرينة على تعيّن الاحتمال الأوّل،فيصرف به الأمر في الصحيح الأول عن ظاهره إلى الاستحباب.

ثمَّ إنّ هذا إذا لم يختص المكان بها عينا أو منفعة،بل تساويا فيه ملكا أو إباحة.و إن اختصّ بها دونه فلا أولوية للرجل في تقديمه إلاّ أن تأذن له فيه.

ص:16


1- علل الشرائع:4/397،الوسائل 5:126 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 10.
2- في ص:9.
3- التهذيب 2:909/231،الوسائل 5:124 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 5.
4- في النهاية:101.
5- المدارك 3:222،الذخيرة:243.

و هل الأولى لها أن تأذن له في ذلك أم لا؟كل محتمل،و بالأوّل صرّح جمع (1)،و لا بأس به.

و لا يشترط طهارة موضع الصلاة إذا لم تتعدّ نجاسته إلى المصلّي أو محمولة الذي يشترط طهارته على وجه يمنع من الصلاة و لا طهارة مواقع المساجد السبعة عدا موقع الجبهة فيعتبر طهارة القدر المعتبر منه في السجود مطلقا،إجماعا فيه كما يأتي.

و عدم اعتبار الطهارة فيما عداه مطلقا مشهور بين الأصحاب على الظاهر المصرح به في كلام جماعة (2)،بل لا يكاد يعرف فيه خلاف إلاّ من المرتضى و الحلبي (3)،فاعتبرا طهارة مكان المصلّي مطلقا،و إن اختلفا في تفسيره بالمساجد السبعة خاصة،كما عليه الثاني،أو مطلق مكان المصلّي،كما عليه المرتضى.

و لا حجّة لهما يعتدّ بها عدا ما يستدلّ لهما من الموثقين المانع أحدهما عن الصلاة على الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس و لكنه قد يبس (4)،و ثانيهما عن الصلاة على الشاذكونة (5)التي يصيبها الاحتلام (6).

ص:17


1- كصاحب المدارك 3:225 و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:195 و صاحب الحدائق 7: 190.
2- منهم:العلامة في التذكرة 1:87 و الشهيد في الذكرى:150،و السبزواري في الكفاية:16، و صاحب الحدائق 7:194.
3- حكاه عن المرتضى في الذكرى:150،الحلبي في الكافي:141.
4- التهذيب 2:1548/372،الوسائل 3:452 أبواب النجاسات ب 29 ح 4.
5- بفتح الذال،ثياب غلاظ مضرّبة تعمل باليمن،و الى بيعها نسب أبو أيوب الحافظ لأن أباه كان يبيعها.القاموس المحيط 4:241.
6- التهذيب 2:1536/369،الاستبصار 1:1501/393،الوسائل 3:455 أبواب النجاسات ب 30 ح 6.

و من قوله تعالى وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ [1] (1)و لا هجر إذا صلّى عليه.

و وجوب تجنيب المساجد النجاسة (2)،و إنما هو لكونها مواضع الصلاة.

و النهي عنها في المزابل و الحمامات (3)،و هي مواطن النجاسة.

و في الجميع نظر،لضعف الخبرين بمعارضتهما بالمعتبرة المستفيضة المجوّزة للصلاة في كل من الموضعين الممنوع عن الصلاة عليهما في الخبرين،ففي الصحيح:عن البيت و الدار لا تصيبهما الشمس و يصيبهما البول،و يغتسل فيهما من الجنابة،أ يصلى فيهما إذا جفّا؟قال:«نعم» (4)و نحوه غيره من الصحيح (5)و غيره (6)و هو كثير.

و في الصحيح:عن الشاذكونة تكون عليها الجنابة،أ يصلّي عليها في المحمل؟فقال:«لا بأس» (7)و نحوه الخبر بدون قوله:«في المحمل» (8).

و هي-مع كثرتها،و صحة جملة منها،و استفاضتها،و اعتضادها بالأصل و الإطلاقات و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،بل هي إجماع ظاهرا -تترجح على الخبرين،فليطرحا،أو يحملا على الكراهة،أو النجاسة

ص:18


1- المدثر:5.
2- انظر الوسائل 5:229 أبواب أحكام المساجد ب 24 ح 2.
3- سنن ابن ماجه 1:246.
4- الفقيه 1:737/158،قرب الإسناد:743/196،الوسائل 3:453 أبواب النجاسات ب 30 ح 1.
5- التهذيب 2:1553/373،قرب الإسناد:830/212،الوسائل 3:453 أبواب النجاسات ب 30 ح 2.
6- الوسائل 3:451،453،أبواب النجاسات ب 29،30.
7- التهذيب 2:1537/369،الاستبصار 1:1499/393،الوسائل 3:454 أبواب النجاسات ب 30 ح 3.
8- التهذيب 2:1538/370،الاستبصار 1:1500/393،الوسائل 3:454 أبواب النجاسات ب 30 ح 4.

المتعدّية،أو موضع الجبهة خاصة.

و على أحد هذه يحمل النهي في الرواية الأخيرة على تقدير تسليمها،مع أن النهي فيها بالإضافة إلى الحمام للكراهة،فليحمل بالإضافة إلى الباقي عليها،جمعا بين الأدلة.

و لا دليل على أن المراد بالرجز النجاسة،فلعلّ المراد به العذاب و الغضب.

و دعوى كون وجوب تجنيب المساجد لكونها مواضع الصلاة ممنوعة،مع احتمال المساجد في أخباره مواضع السجود،و أن العلّة صلاحيتها للسجود على أيّ موضع أريد منها.

ثمَّ إن كل ذا إذا صلّى على نفس الموضع النجس من غير أن يستره بطاهر يصلي عليه،و إلاّ صحّت صلاته قولا واحدا،و عليه نبّه في الذكرى (1)،و في التحرير الإجماع عليه (2)،و هو الحجة.

مضافا إلى النصوص الكثيرة الناطقة بجواز اتخاذ الحشّ (3)مسجدا إذا القي عليه من التراب ما يواريه،ففي الصحيح:عن المكان يكون حشّا زمانا فينظف و يتّخذ مسجدا،فقال:«ألق عليه من التراب حتى يتوارى،فإن ذلك يطهّره إن شاء اللّه تعالى» (4).

و يستحب صلاة الفريضة المكتوبة في المسجد بالإجماع،بل الضرورة،و النصوص المستفيضة بل المتواترة إلاّ العيدين بغير مكة،كما

ص:19


1- الذكرى:150.
2- التحرير 1:32.
3- الحشّ:البستان،فقولهم:بيت الحش،مجاز لأن العرب كانوا يقضون حوائجهم في البساتين فلما اتّخذوا الكنف و جعلوها خلفا عنها أطلقوا عليها ذلك الاسم.المصباح المنير:137.
4- التهذيب 3:730/260،الاستبصار 1:1703/442،الوسائل 5:210 أبواب أحكام المساجد ب 11 ح 4.

سيأتي إليه الإشارة (1)،و كذا الفريضة في جوف الكعبة فيكره،أو يحرم،على الخلاف المتقدم إليه الإشارة في بحث القبلة (2).

و أما النافلة ف في المنزل أفضل،كما عن النهاية و المبسوط و المهذب و الجامع،و في الشرائع و الإرشاد و القواعد و شرحه للمحقق الثاني و روض الجنان (3)و بالجملة المشهور على الظاهر،المصرح به في الذخيرة (4)، بل فيها عن المعتبر و المنتهى أنه فتوى علمائنا (5)،و حكى عن غيرهما أيضا، و هو ظاهر في الإجماع عليه.

و استدلّ عليه بعده بأنها فيه أقرب إلى الإخلاص و أبعد عن الوسواس (6)، و لذا كان الإسرار بالصدقات المندوبة أفضل.

و النصوص النبوية منها:«أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة» (7).

و منها:أمر صلّى اللّه عليه و آله أن يصلّوا النوافل في بيوتهم (8).

و منها:في وصيته لأبي ذر المروية في مجالس الشيخ:«يا أبا ذر،أيّما رجل تطوّع في يوم باثني عشر ركعة سوى المكتوبة كان له حقا واجبا بيت في الجنة.يا أبا ذر،صلاة في مسجدي هذا تعدل مائة ألف صلاة في غيره من

ص:20


1- في ص 392 و 393.
2- راجع ج 2:ص 260.
3- النهاية:111،المبسوط 1:162،المهذّب 1:77،الجامع للشرائع:103،الشرائع 1: 128،الإرشاد 1:249،القواعد 1:29،جامع المقاصد 2:143،روض الجنان:234.
4- الذخيرة:248.
5- المعتبر 2:112،المنتهى 1:244.
6- في«ش»:الرياء.
7- مسند أحمد 5:186،سنن الترمذي 1:449/279 و فيه بتفاوت يسير.
8- سنن الدارمي 1:317.

المساجد إلاّ المسجد الحرام،و صلاة في مسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره،و أفضل من هذا كله صلاة يصلّيها الرجل في بيته حيث لا يراه إلاّ اللّه عز و جل يطلب بها وجه اللّه تعالى.يا أبا ذر،إن الصلاة النافلة تفضل في السر على العلانية كفضل الفريضة على النافلة» (1).

و قال في الذخيرة-بعد نقل جملة من هذه الأدلّة-:و في الكل ضعف، و القول الأخير حسن (2).

و أشار به إلى ما حكاه عن الشهيد الثاني أنه رجّح في بعض فوائده رجحان فعلها في المسجد أيضا كالفريضة،قال بعد الاستحسان:و قد مرّ أخبار كثيرة دالّة عليه في المسألة المتقدمة،كصحيحة ابن أبي عمير (3)،و صحيحة معاوية ابن عمار (4)،و رواية هارون بن خارجة (5)،و رواية عبد اللّه بن يحيى الكاهلي (6)، و رواية أبي حمزة (7)،و رواية نجم بن حطيم (8)،و رواية الأصبغ (9)و العمومات

ص:21


1- أمالي الطوسي:539،الوسائل 5:296 أبواب أحكام المساجد ب 69 ح 7.
2- الذخيرة:248.
3- الكافي 3:14/370،التهذيب 3:723/258،الوسائل 5:225 أبواب أحكام المساجد ب 21 ح 1.
4- التهذيب 6:30/14،كامل الزيارات:21،الوسائل 5:280 أبواب أحكام المساجد ب 57 ح 6.
5- الكافي 3:1/490،التهذيب 3:688/250،الوسائل 5:252 أبواب أحكام المساجد ب 44 ح 3.
6- الكافي 3:2/491،التهذيب 3:689/251،الوسائل 5:261 أبواب أحكام المساجد ب 45 ح 1.
7- التهذيب 3:700/254،الوسائل 5:254 أبواب أحكام المساجد ب 44 ح 6.
8- التهذيب 6:60/32،كامل الزيارات:28،الوسائل 5:256 أبواب أحكام المساجد ب 44 ح 14.
9- التهذيب 6:61/32،كامل الزيارات:28،الوسائل 5:257 أبواب أحكام المساجد ب 44 ح 15.

الكثيرة،و قد مرّ-عند شرح قول المصنف:و كلّما قرب من الفجر كان أفضل- خبر صحيح (1)دلّ على أن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي صلاة الليل في المسجد (2).

أقول:و لعلّه ظاهر الكافي لأبي الصلاح،حيث قال في فصل صلاة الجمعة منه:يستحب لكل مسلم تقديم دخول المسجد لصلاة النوافل بعد الغسل و تغيير الثياب و مسّ النساء و الطيب و قصّ الشارب و الأظافير،فإن اختلّ شرط من شروط الجمعة المذكورة سقط فرضها،و كان حضور مسجد الجامع لصلاة النوافل و فرضي الظهر و العصر مندوبا إليه (3)(4).

و عن السرائر:أن صلاة نافلة الليل خاصة في البيت أفضل (5).

و لعله للنصوص الدالة على أن أمير المؤمنين عليه السلام:اتخذ مسجدا في داره،فكان إذا أراد أن يصلّي في آخر الليل أخذ معه صبيّا لا يحتشم منه،ثمَّ يذهب إلى ذلك البيت فيصلّي (6).

و للشهيد الثاني (7)و غيره (8)قول آخر،فقال:و لو رجا بصلاة النافلة في الملإ اقتداء الناس به و رغبتهم في الخير،و أمن على نفسه الرياء و نحوه مما يفسد العبادة لم يبعد زوال الكراهة،كما في الصدقة المندوبة،و يؤيّده ما رواه

ص:22


1- التهذيب 2:1377/334،الوسائل 4:269 أبواب المواقيت ب 53 ح 1.
2- الذخيرة:248.
3- الكافي في الفقه:152.
4- في«ش»زيادة:و في الخلاف(ج1 ص 439):لا يجوز أن تصلّي الفريضة جوف الكعبة مع الاختيار،و أما النافلة فلا بأس بها جوف الكعبة،بل هو مرغّب فيه،إلى آخر ما قال.
5- السرائر 1:264.
6- قرب الإسناد:586/161،الوسائل 5:295 أبواب أحكام المساجد ب 69 ح 3.
7- روض الجنان:234.
8- انظر المدارك 4:407.

محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:«لا بأس أن تحدّث أخاك(إذا تعين بالعمل) (1)إذا رجوت أن ينفعه و يحثه،و إذا سألك هل قمت الليلة أو صمت فحدّثه بذلك إن كنت فعلته،قل:رزق اللّه تعالى ذلك،و لا تقل:لا، فإن ذلك كذب» (2).

ثمَّ إن إطلاق العبارة-كغيرها من الفتوى و الرواية-يقتضي عدم الفرق في استحباب المكتوبة في المسجد بين ما لو كان المصلّي رجلا أو امرأة.

و في الفقيه:و روي أن خير مساجد النساء البيوت،و صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في صفّتها،و صلاتها في صفّتها أفضل من صلاتها في صحن دارها،و صلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في سطح بيتها (3).

و لم أقف على مفت بها من الأصحاب عدا قليل.و لكن في الذخيرة نسبها إلى الأصحاب،فقال:و أما النساء فذكر الأصحاب أن المستحب لهنّ أن لا يحضرن المساجد،لكون ذلك أقرب إلى الاستتار المطلوب منهن،و عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«خير مساجد نسائكم البيوت» (4)رواه الشيخ عن يونس بن ظبيان (5).

أقول:رواه في التهذيب في أوائل باب فضل المساجد.

و تكره الصلاة في بيت الحمام دون المسلخ و سطحه و في بيوت الغائط أي المواضع المعدّة له و مبارك الإبل،و مساكن النمل،و

ص:23


1- ما بين القوسين ليس في المصادر.
2- كتاب العلاء بن رزين(الأصول الستة عشر):154،المستدرك 1:115 أبواب مقدمة العبادات ب 14 ح 3.
3- الفقيه 1:1088/244،الوسائل 5:237 أبواب أحكام المساجد ب 30 ح 3.
4- التهذيب 3:694/252،الوسائل 5:237 أبواب أحكام المساجد ب 30 ح 4.
5- الذخيرة:246.

في مرابط الخيل و البغال و الحمير،و بطون الأودية و مجرى المياه و في أرض السبخة و الثلج،إذا لم تتمكّن الجبهة من السجود عليهما كمال التمكّن.

للنهي عن جميع ذلك في النصوص المستفيضة (1)المحمولة على الكراهة بلا خلاف إلاّ من الحلبي،فقال:لا يحلّ للمصلّي الوقوف في معاطن الإبل، و مرابط الخيل و البغال و الحمير و البقر،و مرابض الغنم،و بيوت النار،و المزابل، و مذابح الأنعام،و الحمامات،و على البسط المصوّرة،و في البيت المصور، قال:و لنا في فسادها في هذه المحالّ نظر (2).انتهى.

و هو شاذ،كقول المقنعة:لا يجوز في بيوت الغائط و السبخة (3).و كذا الصدوق في العلل في الأخير (4).

بل على خلافهم الإجماع،على الظاهر،المحكي في الخلاف في بيت الحمام و معاطن الإبل (5).و عن الغنية في الجميع عدا بطون الأودية و الثلج (6).

و هو الحجة الصارفة للنهي إلى الكراهة،مضافا إلى شهادة سياق جملة منها بناء على تضمنها النهي عنها فيما ليست بحرام فيه إجماعا،و لا يجوز استعماله في المعنى الحقيقي و المجازي على الأشهر الأقوى.

مع كونها وجه جمع بينها و بين جملة من المعتبرة المصرّحة بالجواز في بيت الحمام و معاطن الإبل،ففي الصحيح:عن الصلاة في بيت الحمام،

ص:24


1- راجع الوسائل 5:أبواب مكان المصلي ب 17،20،28،29،31،34.
2- الكافي في الفقه:141.
3- المقنعة:151.
4- علل الشرائع:326.
5- الخلاف 1:498،519.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):555.

فقال:«إذا كان موضعا نظيفا فلا بأس» (1)و نحوه الموثق (2).

و في مثله:عن الصلاة في أعطان الإبل و في مرابض البقر و الغنم، فقال:«إن نضحته بالماء و كان يابسا فلا بأس» (3)هذا.

و ربما حمل كلام المفيد على إرادته من:لا يجوز،الكراهة،كما شاع استعماله فيها في عبائره،و لا بأس به.

و عليه فلا خلاف إلاّ من التقي،و لا ريب في ندرته و ضعف قوله.

و أضعف منه تردّده في الفساد،مع كونه مقتضى النهي المتعلق في النصوص بالصلاة التي هي من العبادات.

و أما ما يقال:من عدم نهي في بطون الأودية،فمحل مناقشة،ففي المروي في الفقيه في جملة المناهي المنقولة عنه صلّى اللّه عليه و آله أنه«نهى أن يصلّي الرجل في المقابر،و الطرق،و الأرحية،و الأودية،و مرابض الإبل، و على ظهر الكعبة» (4).

و يستفاد من هذه الرواية،حيث تضمنت النهي عنها في مرابض الإبل التي هي مطلق مباركها ،صحة ما في العبارة-و عليه الفقهاء،كما في السرائر و التحرير و المنتهى (5)-من تعميم معاطن الإبل الوارد في النصوص إلى مطلق المبارك،مع اختصاصها عند أكثر أهل اللغة بمبرك (6)الإبل حول الماء لتشرب

ص:25


1- الفقيه 1:727/156،الوسائل 5:176 أبواب مكان المصلي ب 34 ح 1.
2- التهذيب 2:1554/374،الاستبصار 1:1505/395،الوسائل 5:177 أبواب مكان المصلي ب 34 ح 2.
3- التهذيب 2:867/220،الاستبصار 1:1506/395،الوسائل 5:145 أبواب مكان المصلي ب 17 ح 4.
4- الفقيه 4:1/2،الوسائل 5:158 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 2.
5- السرائر 1:266،التحرير 1:33،المنتهى 1:245.
6- في النسخ المخطوطة:بمنزل.

علاّ بعد نهل (1).مع إشعار تعليل المنع الوارد في النبوي:«بأنها جن خلقت من الجن» (2)به.

و قريب منه الصحيح:عن الصلاة في مرابض الغنم،فقال:«صلّ فيها و لا تصلّ في أعطان الإبل،إلاّ أن تخاف على متاعك الضيعة فاكنسه و رشّه بالماء و صلّ» (3)فتدبّر.مع أن المحكي عن العين و المقاييس (4)ما يوافق هذا.

و بين المقابر على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في ظاهر المنتهى و عن الغنية الإجماع عليه (5).

للنهي عنه في النصوص المستفيضة (6)المحمول على الكراهة،جمعا بينها و بين غيرها من المعتبرة،ففي الصحيحين:عن الصلاة [هل يصلح] بين القبور،قال:

«لا بأس» (7).

خلافا للمحكي عن الديلمي،فأفسد أخذا بظاهر النهي (8).

ص:26


1- راجع المصباح المنير:416،و نهاية ابن الأثير 3:258،و مجمع البحرين 6:282.
2- سنن البيهقي 2:449.
3- الكافي 3:5/388،الفقيه 1:729/157،التهذيب 2:865/220،الوسائل 5:145 أبواب مكان المصلي ب 17 ح 2.
4- العين 2:14،معجم مقاييس اللغة 4:352.
5- المنتهى 1:244،الغنية(الجوامع الفقهية):555.
6- الوسائل 5:158 أبواب مكان المصلي ب 25.
7- الأول: الفقيه 1:737/158،قرب الإسناد:749/197،الوسائل 5:158 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 1. الثاني: التهذيب 2:1555/374،الاستبصار 1:1515/397،الوسائل 5:159 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 4.
8- المراسم:65.

و فيه نظر،لضعف سند المشتمل عليه عدا الموثّق:عن الرجل يصلّي بين القبور،قال:«لا يجوز ذلك،إلاّ أن يجعل بينه و بين القبور إذا صلّى عشرة أذرع من بين يديه،و عشرة أذرع من خلفه،و عشرة أذرع عن يمينه،و عشرة أذرع عن يساره،ثمَّ يصلّي إن شاء» (1).

و هو معارض بما هو أصحّ منه سندا و أشهر بين الأصحاب،و لذلك لا يمكن أن يقيّد به إطلاقهما،بأن يحملا على أنه لا بأس مع التباعد بعشرة أذرع،كما في الموثق.

و للصدوق و المفيد و الحلبي،فلم يجوّزوا الصلاة إليها (2).قيل (3):

للموثق:«لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتّخذ القبر قبلة» (4).

و الصحيح:قلت له:الصلاة بين القبور،قال:«صلّ بين خلالها، و لا تتّخذ شيئا منها قبلة» (5)و نحوهما غيرهما (6).

و قوّاه بعض المعاصرين،قال:لأن الصحيحين السابقين النافيين للبأس عامّان و هذان خاصان فليقدما عليهما (7).

و هو حسن،لو لا رجحان الصحيحين على هذين سندا،و اشتهار

ص:27


1- الكافي 3:13/390،التهذيب 2:896/227،الاستبصار 1:1513/397، الوسائل 5:159 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 5.
2- الصدوق في الفقيه 1:156،المفيد في المقنعة:151،نقله عن الحلبي الشهيد الثاني في الروض:228.
3- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:197.
4- التهذيب 2:897/228،الاستبصار 1:1514/397،الوسائل 5:159 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 3.
5- علل الشرائع:1/358،الوسائل 5:161 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 5.
6- كامل الزيارات:245،الوسائل 14:519 أبواب المزار و ما يناسبه ب 69 ح 6.
7- الحدائق 7:226.

عمومهما بين الأصحاب اشتهارا كاد أن يكون إجماعا،بل إجماع من المتأخرين حقيقة،و قد مرّ نقله عن الغنية صريحا و المنتهى ظاهرا.

مع قصور هذين دلالة،فإن التوجه إلى القبر أعم من اتّخاذه قبلة ،كما أن البأس المفهوم من أوّلهما أعم من التحريم،فلا يصلح شيء منهما لإثباته جدّا.

مع معارضتهما-زيادة على ما مر-بالنصوص الكثيرة الدالة على جواز الصلاة خلف قبر الإمام عليه السلام،بل استحبابها،كما يستفاد من بعضها بالنسبة إلى الحسين عليه السلام:منها:الصحيح المروي في التهذيب:عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهم السلام هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟و هل يجوز لمن صلّى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر و يجعل القبر قبلة،أو يقوم عند رأسه و رجليه؟و هل يجوز أن يتقدّم القبر و يصلّي و يجعله خلفه أم لا؟فأجاب عليه السلام-و قرأت التوقيع،و منه نسخت-:«أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة و لا فريضة و لا زيارة،بل يضع خدّه الأيمن على القبر،و أما الصلاة فإنها خلفه يجعله الامام،و لا يجوز أن يصلّي بين يديه،لأن الإمام لا يتقدّم،و يصلّي عن يمينه و شماله» (1).

و منها:ما أسنده ابن قولويه في مزاره عن هشام:أن مولانا الصادق عليه السلام سئل:هل يزار والدك؟قال:«نعم،و يصلّى عنده»و قال:«يصلّى خلفه و لا يتقدم عليه» (2).

و ما أسنده عن محمد البصري،عنه،عن أبيه عليه السلام،في حديث

ص:28


1- التهذيب 2:898/228،علل الشرائع:490،الوسائل 5:160 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 1،2.
2- كامل الزيارات:123،246،الوسائل 5:162 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 7.

زيارة الحسين عليه السلام،قال:«من صلّى خلفه صلاة واحدة يريد بها اللّه تعالى لقي اللّه يوم يلقاه و عليه من النور ما يغشى له كل شيء يراه» (1).

و ما أسنده عن الحسن بن عطية،عنه عليه السلام قال:«إذا فرغت من التسليم على الشهداء أتيت قبر أبي عبد اللّه عليه السلام تجعله بين يديك ثمَّ تصلّي ما بدا لك» (2).

و هي-مع كثرتها،و صحّة بعضها،و اعتضادها بالشهرة العظيمة،و حكاية الإجماع المتقدمة،و الأخبار المتقدمة-واضحة الدلالة،سيما الرواية الأخيرة، فإن جعل القبر بين يديه في غاية الظهور في وقوعه في القبلة.

و لذا إن المعاصر اعترف بدلالة هذه الأخبار على الجواز،و جعلها مستثناة من الأخبار المانعة قائلا:إنه لا حرمة في الصلاة إلى قبور الأئمة عليهم السلام مستندا إلى الروايات المزبورة (3).

و هو إحداث قول ثالث،لم يقل به القائلون بالحرمة سيما المفيد،فإنه بعد المنع قال:و قد روي أنه لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام.و الأصل ما قدمناه (4).

و أعجب من ذلك أنه قال بالكراهة إلى قبورهم عليهم السلام مطلقا،مع أن بعض الروايات صرّحت بالاستحباب خلف قبر أبي عبد اللّه عليه السلام.

و اعلم أنه يستفاد من الصحيحة:المنع من الصلاة بين يدي الإمام (5)،

ص:29


1- كامل الزيارات:122،الوسائل 5:162 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 6.
2- كامل الزيارات:245،الكافي 4:4/578،الوسائل 14:517 أبواب المزار و ما يناسبه ب 69 ح 1.
3- الحدائق 7:226.
4- انظر المقنعة:152.
5- راجع ص:28.

و ظاهر الإطلاقات،و صريح جماعة الكراهة (1)،بل لم أجد قائلا به عدا جماعة من متأخّري المتأخّرين (2).

و هو غير بعيد إن لم ينعقد الإجماع على خلافه،لصحتها،و اعتضادها بغيرها مما مضى،لكنه قاصر السند،و الأوّل أجاب عنه الماتن في المعتبر- انتصارا للمفيد في المنع عن الصلاة إلى القبر (3)-بضعفة،و شذوذه،و اضطراب لفظه (4).

قيل:و لعلّ الضعف لأن الشيخ-رحمه اللّه-رواه عن محمد بن أحمد بن داود عن الحميري،و لم يبيّن طريقه إليه،و رواه صاحب الاحتجاج مرسلا، و الاضطراب لأنها في التهذيب كما سمعت،و في الاحتجاج:«و لا يجوز أن يصلّي بين يديه،و لا عن يمينه،و لا عن يساره،لأن الإمام لا يتقدّم و لا يساوى» (5)و لأنه في التهذيب:مكتوب إلى الفقيه،و في الاحتجاج:إلى صاحب الأمر عليه السلام،و الحق أنه ليس شيء منهما من الاضطراب في شيء.انتهى (6).

و هو حسن،و لم يجب عن شبهة ضعف السند في التهذيب مؤذنا بالإذعان له.

و فيه نظر،فإن الشيخ-رحمه اللّه-و إن لم يبيّن طريقه في كتاب الحديث،لكن قال في الفهرست في ترجمته:أخبرنا بكتبه و رواياته جماعة،

ص:30


1- انظر المنتهى 1:245،و الدروس 2:23،و مجمع الفائدة 2:140.
2- انظر الحبل المتين:159،و البحار 80:315،و الحدائق 7:220.
3- المقنعة:151.
4- المعتبر 2:115.
5- الاحتجاج:490،الوسائل 5:160 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 2.
6- انظر كشف اللثام 1:198.

منهم محمد بن محمد بن النعمان،و الحسين بن عبيد اللّه،و أحمد بن عبدون كلهم (1).

و هو ظاهر في صحة طريقه إليه مطلقا،و لذا نصّ بصحته جماعة من أصحابنا (2).

نعم،رواية الطبرسي ضعيفة،فلا يمكن الاستناد إليها للمنع عن الصلاة محاذيا للإمام عليه السلام،سيّما مع تصريح الصحيحة بجوازها.

مضافا إلى نصوص كثيرة بجوازها في زيارة الحسين عليه السلام و غيره من الأئمة عليهم السلام (3)بل صرّح بعضها بأنها أفضل من الصلاة خلفه عليه السلام (4)،مع أنه لا قائل بالمنع أجده بين الأصحاب عدا نادر من متأخري المتأخرين،و ظاهرهم الإطباق على خلافه،و لكنه أحوط.

إلاّ مع حائل أو بعد عشرة أذرع،فيرتفع المنع مطلقا،للموثق المصرّح به في الثاني (5).

و أما ارتفاعه مع الأول فهو و إن لم نجد عليه من النص أثرا،إلاّ أن معه يخرج عن مفهوم ألفاظ النصوص و الفتاوى،و إلاّ لزمت الكراهة و إن حالت جدران.

مع أنه لا خلاف في زوال المنع في المقامين،و إن اختلفت العبارات في

ص:31


1- الفهرست:592/136.
2- منهم صاحب المدارك 3:232،و السبزواري في الذخيرة:245،و صاحب الحدائق 7: 220.
3- الوسائل 14:517 أبواب المزار و ما يناسبه ب 69.
4- بحار الأنوار 98:186(ضمن حديث طويل)،كامل الزيارات:240،المستدرك 10:327 أبواب المزار و ما يناسبه ب 52 ح 3.
5- راجع ص:27.

التعبير عنهما بالإطلاق،كما هنا و في الجامع في الأول (1)،و في الشرائع (2)و غيره (3)في الثاني.

أو تعميم الأوّل لكل حائل و لو عنزة،كما في الشرائع و القواعد و النهاية، و زيد فيها:ما أشبهها (4)،و المقنعة،و زيد فيها:قدر لبنة أو ثوب موضوع (5).

قيل:لعموم نصوص الحيلولة بها (6).و لم أجده.

و تعميم الثاني للبعد بالمقدار المزبور من كل جانب،كما في الموثق (7)، و عن المقنعة و النزهة (8)،أو ما سوى الخلف،كما عن النهاية و المبسوط و المهذب و الوسيلة و الجامع و الإصباح و نهاية الإحكام و التذكرة (9).

و في بيوت المجوس و النيران و الخمور على المشهور،بل لا خلاف فيها بين المتأخرين،و عن الغنية الإجماع على الثاني (10).

و هو الحجة فيه،كالموثق في الأخير:«لا تصلّ في بيت فيه خمر أو مسكر» (11).

ص:32


1- الجامع للشرائع:68.
2- الشرائع 1:72.
3- راجع المنتهى 1:245،و التحرير 1:33،و الروضة 1:223.
4- الشرائع 1:72،القواعد 1:28،النهاية:99.
5- المقنعة:151.
6- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:197.
7- المتقدم في ص:27.
8- حكاه عنهما في كشف اللثام 1:197،و هو في النزهة:26،و لم نعثر عليه في المقنعة.
9- النهاية:99،المبسوط 1:85،المهذّب 1:76،الوسيلة:90،الجامع للشرائع:68، الإصباح(نقله عنه صاحب كشف اللثام 1:197)،نهاية الإحكام 1:346،التذكرة 1:88.
10- الغنية(الجوامع الفقهية):555.
11- الكافي 3:24/392،التهذيب 2:1568/377،الوسائل 5:153 أبواب مكان المصلي ب 21 ح 1.

و صريح الخبر أو فحواه في الأول:«لا تصلّ في بيت فيه مجوسي، و لا بأس أن تصلّي و فيه يهودي أو نصراني» (1).

و ربما يشعر بالكراهة فيه النصوص المتضمنة للصحيح الآمرة برشّ بيت المجوسي ثمَّ الصلاة فيه (2).

خلافا للمحكي عن جماعة كالديلمي و المقنعة و النهاية (3)،فمنعوا عن الصلاة فيها أجمع،بل صرّح الأول بالفساد فيما عدا الثاني.و عن المقنع، فمنع عنها في الأخير،لكن قال:روي أنها تجوز (4)،و بالمنع صرّح في الفقيه (5)من دون نقل رواية.

و هذه الأقوال-مع ندرتها الآن-حجّتها ضعيفة،عدا الموثق في الأخير، فإنه بحسب السند معتبر.لكنه معارض بالرواية المرسلة في المقنع،المنجبرة بالشهرة العظيمة التي هي من المتأخّرين إجماع في الحقيقة،فتترجّح عليه، مضافا إلى اعتضادها بالأصل و العمومات.

فالقول بالمنع ضعيف،و لا سيّما في بيوت النيران،لعدم ورود نص فيها بالكلية.

و إنما علّل المنع فيها بأن الصلاة فيا تشبّها بعبّادها.و هو كما ترى لا يفيد المنع قطعا،بل الكراهة أيضا،كما هو ظاهر صاحبي المدارك و الذخيرة (6)،بل

ص:33


1- الكافي 3:6/389،التهذيب 2:1571/377،الوسائل 5:144 أبواب مكان المصلي ب 16 ح 1.
2- الوسائل 5:140 أبواب مكان المصلي ب 14.
3- الديلمي في المراسم:65،المقنعة:151،النهاية:100.
4- المقنع:25.
5- الفقيه 1:159.
6- المدارك 3:232،الذخيرة:245.

صريحهما،حيث إنهما بعد تضعيف التعليل احتملا اختصاص الكراهة بمواضع عبادة النيران،لأنها ليست موضع رحمة،فلا تصلح لعبادة اللّه سبحانه،بل قطع به في المدارك.

و ذكر جماعة (1)أن المراد ببيوت النيران المواضع المعدّة لإضرامها فيها، كالأتون و الفرن (2)،لا ما وجد فيه نار مع عدم إعداده لها،كالمسكن إذا أوقدت فيه و إن كثر.

و في جوادّ الطرق أي العظمى منها،و هي التي يكثر سلوكها،كما ذكره جماعة (3)،للنهي عنها في الصحيحين (4)و غيرهما (5).و أخذ بظاهره الصدوق و الشيخان (6)فيما حكي عنهم.

خلافا للسرائر (7)،و عامة المتأخّرين،فحملوه على الكراهة،جمعا بينها و بين الأصل و العمومات،المؤيّدين بالمعتبرين،أحدهما الصحيح:«لا بأس أن تصلّي بين الظواهر،و هي جوادّ الطرق،و يكره أن تصلّي في الجواد» (8)و في

ص:34


1- كالشهيد الثاني في روض الجنان:229.
2- الأتون بالتشديد:الموقد،و هو للحمّام و الجصّاصة.المصباح المنير:3،تهذيب اللغة 14: 325. و الفرن:الذي يخبز عليه الفرني،و هو خبز غليظ نسب إلى موضعه،و هو غير التنور. الصحاح 6:2176.
3- منهم صاحب المدارك 3:233،و صاحب الحدائق 7:209.
4- الكافي 3:5/388،التهذيب 2:865/220،869/221،الوسائل 5:147 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 2،5.
5- الوسائل 5:أبواب مكان المصلي ب 19 الأحاديث 6،8،9،10.
6- الصدوق في الفقيه 1:156،المفيد في المقنعة:151،الطوسي في النهاية:100.
7- السرائر 1:266.
8- الكافي 3:10/389،التهذيب 2:1560/375،الوسائل 5:147 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 1.

غيره:«لا ينبغي» (1)لظهورهما في الكراهة.و لا بأس به،سيّما مع دعوى المنتهى في ظاهر كلامه:أن عليه إجماعنا (2).

و يستفاد من جملة من النصوص (3)،و فيها الموثق،كراهة الصلاة في مطلق الطرق الموطوءة،و به صرّح جماعة (4).و لا بأس به أيضا،للمسامحة، سيّما مع اعتبار سند الموثقة (5).لكنها معارضة بالنصوص المتضمنة لنفي البأس عن الصلاة في الظواهر التي بين الجواد،و فيها الصحيح و غيره (6)،و هو الأوفق بفتوى الأكثر،إلاّ أن عموم الكراهة و لو مختلفة المراتب طريق الجمع،و أنسب بباب الكراهة،بناء على المسامحة.

هذا كله في الطرق النافذة،و أما المرفوعة فلعلّها كذلك مع إذن أربابها، و إلاّ فيحرم قطعا.

و أن يكون بين يديه نار مضرمة مشتعلة،بل مطلقا أو مصحف مفتوح،أو حائط ينزّ من بالوعة البول و الغائط،بلا خلاف إلاّ من الحلبي (7)، فحرم مع التردّد في الفساد،أخذا بظاهر النهي في النصوص المحمول عند الأكثر-بل عامّة من تأخّر-على الكراهة،جمعا بينها و بين الأصل و العمومات.

و خصوص بعض النصوص المصرّحة بالجواز في الأول،إما مطلقا، كالمرسل:«لا بأس أن يصلّي الرجل و النار و السراج و الصورة بين يديه،إن

ص:35


1- الكافي 3:8/389،الفقيه 1:728/156،التهذيب 2:866/220،الوسائل 5:147 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 3.
2- المنتهى 1:247.
3- الوسائل 5:147 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 3،6.
4- منهم العلامة في التحرير 1:33،و الشهيد الثاني في المسالك 1:25.
5- التهذيب 2:870/221،الوسائل 5:148 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 6.
6- الوسائل 5:147 أبواب مكان المصلي ب 19.
7- لم نعثر عليه في الكافي و نقل عنه في المختلف:85.

الذي يصلّي له أقرب إليه من الذي بين يديه» (1).

أو لمن لم يكن من أولاده عبدة الأصنام و النيران،كما في المرسل الآخر المروي في الاحتجاج،و فيه:«و لا يجوز ذلك لمن كان من عبدة الأوثان و النيران» (2).

و لكنه-مع ضعف سنده-شاذّ غير معروف القائل،و يمكن حمله على تفاوت مراتب الكراهة.

و الخبر المروي عن قرب الإسناد في الثاني:عن الرجل هل يصلح له أن ينظر في خاتمه كأنه يريد قراءته،أو في مصحف،أو في كتاب في القبلة؟ فقال:«ذلك نقص في الصلاة و ليس يقطعها» (3).

و ضعف الأسانيد مجبور بالشهرة،بل الإجماع.

و يستفاد من هذه الرواية إلحاق كل مكتوب و منقوش،كما ذكره جماعة (4)،معلّلين بحصول التشاغل المرغوب عنه في الصلاة.

و لا بأس بالبيع و الكنائس و مرابض الغنم أن يصلّى فيها،على المشهور،لنفي البأس عنها في النصوص المستفيضة (5)،و فيها الصحاح و غيرها،و في ظاهر المنتهى الإجماع عليه في الأوّلين (6).

خلافا للمحكي عن المراسم و المهذب و الغنية و السرائر و الإصباح

ص:36


1- الفقيه 1:764/162،التهذيب 2:890/226،الاستبصار 1:1512/396،المقنع: 25،علل الشرائع:1/342،الوسائل 5:167 أبواب مكان المصلي ب 30 ح 4.
2- الاحتجاج:480،الوسائل 5:168 أبواب مكان المصلي ب 30 ح 5.
3- قرب الإسناد:715/190،الوسائل 5:163 أبواب مكان المصلي ب 27 ح 2.
4- منهم العلامة في نهاية الإحكام 1:348،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:139، و الشهيد الثاني في المسالك 1:25.
5- الوسائل 5:138 أبواب مكان المصلي ب 13.
6- المنتهى 1:246.

و الإشارة و النزهة (1)،فكرهوها فيهما،و هو خيرة الدروس أيضا (2).

و لم أظفر بمستند لهم سوى توهّم النجاسة.و التشبّه بأهلها،و عن الغنية الإجماع عليه (3).و لا بأس به مسامحة في أدلّة السنن.

و في الصحيح:«رشّ و صلّ» (4).و ظاهره استحباب الرشّ،و به صرّح في المنتهى (5).

و للحلبي في الأخير،فحرّم متردّدا في الفساد (6)،كما حكي عنه في التحرير و المنتهى (7)،للموثق:عن الصلاة في أعطان الإبل و مرابض البقر و الغنم،فقال:«إن نحته بالماء و كان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها،و أما مرابط الخيل و البغال فلا» (8).

و هو معارض بما هو أكثر عددا،و أصحّ سندا،و اعتضادا بفتوى الفقهاء و الأصل و العموم المتقدمين مرارا.

و قيل:يكره الصلاة إلى باب مفتوح،أو إنسان مواجه و القائل الحلبي،كما حكاه عنه الأصحاب (9)،مؤذنين بعدم الوقوف له على مستند،إلاّ

ص:37


1- المراسم:65،المهذّب 1:76،الغنية(الجوامع الفقهية):555،السرائر 1:270،و حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:196،إشارة السبق:88،نزهة الناظر:26.
2- الدروس 1:154.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):555.
4- التهذيب 2:875/222،الوسائل 5:138 أبواب مكان المصلي ب 13 ح 2.
5- المنتهى 1:246.
6- راجع الكافي في الفقه:141.
7- التحرير 1:33،المنتهى 1:246.
8- التهذيب 2:867/220،الاستبصار 1:1506/395 بتفاوت يسير،الوسائل 5:145 أبواب مكان المصلي ب 17 ح 4.
9- كما في المعتبر 2:116،و التذكرة 1:88.

أن بعضهم (1)استدل له في الأوّل:باستفاضة الأخبار باستحباب السترة ممّن يمرّ بين يديه و لو بعود،أو عنزة،أو قصبة،أو قلنسوة،أو كومة من تراب (2).

و في الثاني:بالخبر المروي في قرب الإسناد:عن الرجل يكون في صلاته،هل يصلح له أن تكون امرأة مقبلة بوجهها عليه في القبلة قاعدة أو قائمة؟قال:«يدرؤها عنه» (3).

و في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام:أنه كره أن يصلي الرجل و رجل بين يديه قائم (4).

و الاستدلال الأول غير مفهوم .

و الثاني معارض بالأخبار الكثيرة النافية للبأس عن أن تكون المرأة بحذاء المصلّي قائمة و جالسة و مضطجعة (5)،إلاّ أن يخصّ البأس المنفي فيها بالحرمة جمعا،و لكنه فرع التكافؤ المفقود هنا،إلاّ أن يكون في مقام الكراهة مغتفر.

ص:38


1- كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1:199.
2- الوسائل 5:136 أبواب مكان المصلي ب 12.
3- قرب الإسناد:789/204،المستدرك 3:332 أبواب مكان المصلي ب 4 ح 1.
4- دعائم الإسلام 1:150،المستدرك 3:332 أبواب مكان المصلي ب 4 ح 2.
5- الوسائل 5:121 أبواب مكان المصلي ب 4.
المقدمة السادسة في ما يسجد عليه

السادسة:

في بيان ما يجوز أن يسجد عليه و ما لا يجوز.

اعلم أنه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض و لا ما أنبتته كالجلود و الصوف و الشعر و لا ما يخرج باستحالته عن اسم الأرض كالمعادن من نحو الذهب،و الفضة،و الملح،و العقيق،و نحو ذلك،بإجماعنا،بل الضرورة من مذهبنا،مضافا إلى النصوص المستفيضة،بل المتواترة من أخبارنا.

ففي الصحيح و غيره:«لا يجوز السجود إلاّ على الأرض،أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أكل أو لبس» (1)الحديث.و قريب منه آخر (2).

و في ثالث:أسجد على الزفت-أي القير-؟قال:«لا،و لا على الثوب الكرسف،و لا على الصوف،و لا على شيء من الحيوان،و لا على طعام،و لا على شيء من ثمار الأرض،و لا على شيء من الرياش» (3).

و في رابع:«لا تصلّ على الزجاج و إن حدّثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض،و لكنه من الملح و الرمل و هما ممسوخان» (4).

و في الخبر:«لا تسجد على الذهب و الفضة» (5).

ص:39


1- الفقيه 1:840/177،التهذيب 2:925/234،علل الشرائع:1/341،الوسائل 5:343 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 1.
2- الفقيه 1:826/174،التهذيب 2:924/234،الوسائل 5:344 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 2.
3- الكافي 3:2/303،التهذيب 2:1226/303،الاستبصار 1:1242/331،الوسائل 5: 346 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 1.
4- الكافي 3:14/332،التهذيب 2:1231/304،علل الشرائع:5/342،الوسائل 5: 360 أبواب ما يسجد عليه ب 12 ح 1.
5- الكافي 3:9/332،التهذيب 2:1229/304،الوسائل 5:361 أبواب مكان المصلي ب 12 ح 2.

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الآتي إلى جملة منها الإشارة.

و يستفاد منها أنه يجوز السجود على الأرض و ما ينبت منها ما لم يكن مأكولا و لا ملبوسا بالعادة مضافا إلى الإجماع عليه،بل الضرورة.

فلا إشكال في شيء من أحكام المسألة،و إنما الإشكال في الأراضي المستحيلة بالحرق و غيره عن مسمّى الأرض،كالجصّ،و النورة،و الخزف، فإنّ في جواز السجود عليها قولين.

فالأكثر على الجواز،بل ربما أشعر عبارة الفاضلين (1)و غيرهما (2) بالإجماع في الخزف.فإن تمَّ،و إلاّ فالأحوط،بل الأظهر المنع،وفاقا لجمع (3)، إما لعدم صدق الأرض عليها،أو للشك،فإنه كاف في المنع،لتعارض استصحاب بقاء الأرضية مع استصحاب بقاء شغل الذمة،فيتساقطان،فيبقى الأوامر عن المعارض سليمة،فتأمّل .

مضافا إلى التصريح به في الرضوي في الآجر-يعني المطبوخ-كما فيه (4).

نعم في الصحيح:عن الجصّ توقد عليه النار (5)و عظام الموتى يجصّص به المسجد،أ يسجد عليه؟فكتب بخطّه:«إن الماء و النار قد

ص:40


1- المحقق في المعتبر 1:375،العلامة في التذكرة 1:62.
2- كصاحب المدارك 3:244،و صاحب الحدائق 4:301.
3- منهم صاحب الذخيرة صريحا في الخزف(الذخيرة:241)و صاحب المدارك(2:202) و الشهيدان(في البيان:134 و الروضة 1:228)في نحو النورة،و كذا الحلي(السرائر 1: 268).منه رحمه اللّه.
4- فقه الرضا(عليه السلام):113،المستدرك 4:10 أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 1.
5- في«ح»و المصادر:بالعذرة.

طهراه» (1).

و فيه إشعار بالجواز،لكنه ليس بظاهر،و مع ذلك مكاتبة تحتمل التقية.

و احترز بقوله:بالعادة،عما أكل أو لبس نادرا،أو في مقام الضرورة، كالعقاقير التي تجعل في الأدوية من النباتات التي لم يطرّد أكلها و لبسها عادة فإنه يجوز السجود عليها،لدخولها فيما أنبتت الأرض مع عدم شمول الاستثناء لها،لانصرافه بحكم التبادر و الغلبة إلى المأكول و الملبوس العاديّين،لكونهما من الأفراد المتبادرة.

و في مثل الزنجبيل و الزعفران و الدارجيني و نحوها وجهان،أقربهما المنع،لاعتياد أكلها ظاهرا.

أما مثل عود الصندل و أصل الخطمي و ما ماثلهما فالظاهر الجواز،لعدم صدق الاعتياد.

و لو اعتيد أكله أو لبسه شائعا في قطر دون آخر فإشكال،كما لو كان له حالتان يؤكل و يلبس في إحداهما شائعا دون الأخرى،و الأحوط المنع.

ثمَّ إن الأظهر أنه لا يشترط في المأكول و الملبوس فعليّة الانتفاع بهما فيهما،بل يكفي القوة القريبة منه،للصدق العرفي،فإن مثل الحنطة و الشعير و القطن و الكتان يصدق عليها كونها مأكولة و ملبوسة عادة،مع توقفهما على أفعال كثيرة كالطحن،و الخبز،و الطبخ،و الإخراج من القشر،ثمَّ الحلج،ثمَّ الندف ثمَّ الغزل،ثمَّ الحياكة،ثمَّ الخياطة.

خلافا للفاضل في المنتهى و التذكرة و التحرير و نهاية الإحكام (2)،فيما

ص:41


1- الكافي 3:3/330،الفقيه 1:829/175،التهذيب 2:928/235،الوسائل 5:358 أبواب ما يسجد عليه ب 10 ح 1.
2- المنتهى 1:251،التذكرة 1:92،التحرير 1:34،نهاية الإحكام 1:362.

حكي،فجوّز السجود على الحنطة و الشعير قبل الطحن،معلّلا له في الأول:

بكونهما حينئذ غير مأكولين عادة،و في الثاني:بأنّ القشر حائل بين المأكول و الجبهة.

و المناقشة فيهما-بعد ما عرفت من صدق كونهما مأكولين عادة-واضحة، مع أن في بعض الصحاح المتقدمة التصريح بالنهي عن السجود على الطعام (1)،و هو شامل للحنطة و الشعير قبل الطحن قطعا،لغة و عرفا و شرعا.

و في المرتضوي المروي في الخصال:«و لا يسجد الرجل على كدس (2)حنطة ،و لا شعير،و لا على لون ممّا يؤكل،و لا يسجد على الخبز» (3).

و له أيضا في النهاية فجوّز السجود على القطن و الكتان قبل الغزل و النسج،و توقّف بعد الغزل (4).

و ضعفه ظاهر ممّا مر،نعم في الصادقي المروي عن تحف العقول:«كل شيء يكون غذاء الإنسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه، و لا السجود،إلاّ ما كان من نبات الأرض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولا،فإذا صار مغزولا فلا تجوز الصلاة عليه إلاّ في حال الضرورة» (5)و هو ظاهر فيما ذكره،إلاّ أن في الاستناد إليه-لقصور سنده-مناقشة.

و في جواز السجود على الكتان و القطن روايتان،أشهرهما المنع و هو أظهرهما،بل عليه عامة متأخّري أصحابنا،بل و قدمائهم أيضا،عدا

ص:42


1- راجع ص:39.
2- الكدس-وزان قفل-:ما يجمع من الطعام في البيدر.مصباح المنير:527.
3- الخصال:628،الوسائل 5:344 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 4.
4- نهاية الإحكام 1:362.
5- تحف العقول:252،الوسائل 5:346 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 11.

المرتضى في بعض رسائله (1)،مع انه قد أفتى بالمنع أيضا في جملة من كتبه، مدعيا في بعضها الإجماع عليه (2)،كالشيخ في الخلاف (3)،و الفاضل في المختلف (4)،و هو ظاهر كل من ادعى الإجماع على اعتبار الأرضية أو ما ينبت منها،ما لم يكن مأكولا و ملبوسا.

و هو حجة أخرى،معاضدة للرواية،مع صحة أكثرها و استفاضتها عموما و خصوصا،و قد مضى شطر منها (5)،و منها-زيادة عليه-الرضوي:«كل شيء يكون غذاء الإنسان في المطعم و المشرب و الثمر و الكثر (6)،فلا تجوز الصلاة عليه،و لا على ثياب القطن،و الكتان،و الصوف،و الشعر،و الوبر،و على الجلد،إلاّ على شيء لا يصلح للّبس فقط و هو مما يخرج من الأرض،إلاّ أن يكون حال ضرورة» (7).

و الصادقي المروي عن الخصال:«لا تسجد إلاّ على الأرض،أو ما أنبتت الأرض،إلاّ المأكول،و القطن،و الكتان» (8).إلى غير ذلك من النصوص (9).

و أما الرواية الثانية فهي و إن كانت مستفيضة (10)،إلاّ أنها بحسب السند

ص:43


1- جوابات المسائل الموصليات الثانية(رسائل الشريف المرتضى 1):174.
2- كالانتصار:38.
3- الخلاف 1:357.
4- المختلف:86.
5- راجع ص 39،42.
6- الكثر:جمّار النخل أو طلعها.القاموس المحيط 2:129.
7- فقه الرضا(عليه السلام):302،المستدرك 4:6،7 أبواب ما يسجد عليه ب 1،3 ح 3،1.
8- الخصال:9/603،الوسائل 5:344 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 3.
9- الوسائل 5:343 أبواب ما يسجد عليه ب 1.
10- انظر الوسائل 5:348 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 6،7.

قاصرة،بل جملة منها ضعيفة،و مع ذلك نادرة غير مكافئة لشيء مما قدمناه من الأدلة،موافقة للعامة،فلتكن مطرحة،أو محمولة على الضرورة،أو التقية، و ان استدعى في بعضها الجواب عن السجود من غير تقية،إذ لا يلزم الإمام عليه السلام إلاّ الجواب بما فيه مصلحة السائل من التقية أو غيرها،و إن ألحّ عليه في سؤال الحكم من غير تقية.

و أما الجمع بينها و بين الأخبار المانعة بحملها على الكراهة،كما استحسنه في المعتبر (1)،و تبعه بعض من تبعه (2)،فضعيف في الغاية،لكونه فرع التكافؤ،بل و رجحان الأخبار المرخّصة،مع أن الأمر بالعكس،كما عرفته.

مع أن المنع في جملة من الأخبار المانعة لا يمكن صرفه إلى الكراهة، لتعلّقه بجملة مما لا يجوز السجود عليه و يحرم بإجماع الطائفة بعبارة واحدة، و استعمال اللفظة الواحدة في معنييه الحقيقي و المجازي في استعمال واحد مرغوب عنه عند المحققين،كما تقرّر في محلّه،فتأمّل .

و بالجملة:القول بالجواز ضعيف في الغاية،كتردّد الماتن هنا فيما يستفاد من ظاهر العبارة،و في الشرائع (3)،و نحوه الفاضل في التحرير (4)،و الصيمري في شرح الشرائع،حيث اقتصروا على نقل الروايتين أو القولين،مع نسبة المنع إلى المشهور من غير ترجيح في البين.بل المقطوع به المنع إلاّ مع الضرورة بفقد ما يصح السجود عليه،أو عدم التمكّن منه لتقية و نحوها، فيصحّ السجود عليه حينئذ اتفاقا،فتوى و نصّا،و منه-زيادة على ما تقدم (5)-

ص:44


1- المعتبر 2:119.
2- احتمله في المدارك 3:248،و اختاره المحدث الكاشاني في الوافي 8:742.
3- الشرائع 1:73.
4- التحرير 1:34.
5- في ص 42،43.

الصحيح:عن الرجل يسجد على المسح و البساط،فقال:لا بأس إذا كان في حال التقية» (1)و نحوه الموثق (2).

و الرضوي:«و إن كانت الأرض حارّة تخاف على جبهتك أن تحترق،أو كانت ليلة مظلمة خفت عقربا أو حية أو شوكة أو شيئا يؤذيك،فلا بأس أن تسجد على كمّك،إذا كان من قطن أو كتان» (3).

و قريب منه كثير من النصوص الدالة على جواز السجود عليهما في شدة الحرّ و الرمضاء (4).

مضافا إلى الأدلّة الآتية الدالّة على جواز السجود على ما لا يصح عليه في حال الاختيار في حال الضرورة،منطوقا في بعض،و فحوى في أخرى (5).

و لا يجوز أن يسجد على شيء من بدنه اختيارا،إذا ليس أرضا و لا ما ينبت منها.

فإن منعه الحر أو البرد أو نحوهما من السجود عليهما و لم يتمكن من دفع المانع و لو بالتبريد مثلا سجد على ثوبه مطلقا،فإن لم يتمكن منه سجد على ظهر كفّه،بلا خلاف،للضرورة المبيحة لكلّ محظور،و للنصوص المستفيضة،بل المتواترة و لو معنى،و قد مضى شطر منها،و سيأتي جملة أخرى (6).

ص:45


1- الفقيه 1:831/176،التهذيب 2:930/235،الاستبصار 1:1244/332،الوسائل 5:349 أبواب ما يسجد عليه ب 3 ح 1،2.
2- التهذيب 2:1244/307،الاستبصار 1:1245/332،الوسائل 5:349 أبواب ما يسجد عليه ب 3 ح 3.
3- فقه الرضا(عليه السلام):114،المستدرك 4:7 أبواب ما يسجد عليه ب 3 ح 1.
4- الوسائل 5:350 أبواب ما يسجد عليه ب 4.
5- انظر ص:47.
6- في ص:46،47.

و أما الترتيب بين الثوب و الكفّ بتقديم الأول على الثاني،فقد ذكره جماعة من الأصحاب من غير نقل خلاف (1)،و ربما يشعر به الخبران،في أحدهما:قلت له:أكون في السفر فتحضر الصلاة و أخاف الرمضاء على وجهي،كيف أصنع؟قال:«تسجد على بعض ثوبك»قلت له:ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه و لا ذيله،قال:«اسجد على ظهر كفّك فإنها أحد المساجد» (2).

و في الثاني المروي عن علل الصدوق:عن الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق،فيبقى عريانا في سراويل،و لا يجد ما يسجد عليه،يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه،قال:«يسجد على ظهر كفه فإنها أحد المساجد» (3).

و لا دلالة فيهما على اعتبار الترتيب،بل و لا إشعار أيضا،فيشكل إثباته بهما،بل و بالقاعدة إذا كان الثوب من غير القطن و الكتان من نحو الشعر و الصوف،لعدم الفرق بينهما و بين الكفّ في عدم جواز السجود عليها اختيارا، و اشتراك الضرورة المبيحة له عليها اضطرارا.

نعم،لو كان من القطن و الكتان أمكن القول بأولويّة تقديمهما على اليد، بناء على الفرق بينها و بينهما في حالة الاختيار،بالإجماع على العدم فيها حينئذ و الخلاف فيهما نصا و فتوى،فتقديمهما عليها لعلّه أولى،فتأمّل جدّا .

و يجوز السجود على الثلج و القير و غيره من المعادن و نحوها مع

ص:46


1- منهم الشيخ في النهاية:102،و المحقق في الشرائع 1:73،و العلامة في نهاية الإحكام 1: 364.
2- التهذيب 2:1240/306،الاستبصار 1:1249/333،الوسائل 5:351 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 5.
3- علل الشرائع:1/340،الوسائل 5:351 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 6.

عدم الأرض و ما ينبت منها،فإن لم يكن شيء من ذلك موجودا فعلى ظهر كفّه لعين ما مضى.

مضافا إلى النصوص الأخر المستفيضة،ففي الخبر:«إن أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه،و إن لم يمكنك فسوّه و اسجد عليه» (1).

و في الصحيح:عن الصلاة في السفينة-إلى أن قال-:«يصلّي على القير و القفر و يسجد عليه» (2).

و في آخر:عن السجود على القفر و القير،فقال:«لا بأس به» (3).

و يستفاد منه كغيره جواز السجود على القير مطلقا،و لكنها حملت على الضرورة،أو التقية،جمعا بينها و بين الأدلّة المانعة من الإجماعات المحكية (4)،و النصوص المستفيضة المانعة عن السجود عليه عموما و خصوصا (5).

و الجمع بينها-بحمل المانعة على الكراهة إن لم ينعقد الإجماع على الحرمة-لا وجه له،لكثرة الأدلّة المانعة،و مخالفتها العامة،و موافقتها الخاصة،فتكون هذه الروايات بالإضافة إليها مرجوحة لا يمكن الالتفات إليها بالكلية.

و لا بأس ب السجود على القرطاس بلا خلاف فيه في الجملة،بل

ص:47


1- الكافي 3:14/390،الفقيه 1:798/169،التهذيب 2:1256/310،الاستبصار 1: 1263/336،الوسائل 5:164 أبواب مكان المصلي ب 28 ح 3.
2- التهذيب 3:895/295،الوسائل 5:354 أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 6.
3- الفقيه 1:828/175،التهذيب 2:1224/303،الاستبصار 1:1255/334، الوسائل 5:354 أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 4.
4- انظر البحار 82:156،و الحدائق 7:256.
5- الوسائل 5:343 أبواب ما يسجد عليه ب 1،و ص 353 ب 6 من تلك الأبواب ح 1،3.

عليه الإجماع في ظاهر جماعة (1)،و صريح المسالك و الروضة (2)،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة،منها:عن القراطيس و الكواغذ المكتوبة هل يجوز السجود عليها أم لا؟فكتب:«يجوز» (3).

و عمومه من وجهين،كإطلاق البواقي و كلام الأصحاب،على الظاهر- المصرح به في كلام جماعة (4)-يقتضي عدم الفرق في القرطاس بين القطن و غيره حتى الإبريسم.

خلافا للفاضل في جملة من كتبه (5)،و غيره (6)،فاعتبروا كونه مأخوذا من غير الإبريسم،لأنّه ليس بأرض و لا من نباتها.

و هو تقييد للنص و كلام الأصحاب من غير دليل،عدا مراعاة الجمع بينه و بين ما مضى من الأدلّة على اعتبار كون ما يسجد عليه أرضا أو ما أنبته (7)بحملها على ظاهرها،و إرجاع إطلاق النص و الفتاوى هنا إليها،بتقييده بما إذا كان من نبات الأرض لا مطلقا.و لا دليل عليه،مع عدم إمكانه،من حيث اشتمال القرطاس على النورة المستحيلة،فلا فرد له آخر يبقى بعد التقييد أو التخصيص،بل لا بد من طرحه،أو العمل به بإطلاقه،و الأوّل باطل اتفاقا، فتوى و نصا،فتعين الثاني.

ص:48


1- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:165،و الشهيد الثاني في روض الجنان:223، و صاحب المدارك 3:249.
2- المسالك 1:26،الروضة البهيّة 1:227.
3- الفقيه 1:830/176،التهذيب 2:1250/309،الاستبصار 1:1257/334،الوسائل 5:355 أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 2.
4- منهم الشهيد في الذكرى:160،المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:164.
5- كالتذكرة 1:92،و نهاية الإحكام 1:362.
6- كالشهيد في الذكرى:160،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:164.
7- راجع ص:39.

و لا يتوجه حينئذ أن يجعل إطلاق النص هنا مقيّدا لما مضى بالنسبة إلى النورة خاصة،و يعكس بالنسبة إلى غيرها،لأن هذا تخريج بحت لا يمكن المصير إليه قطعا،لعدم شاهد عليه أصلا.

ثمَّ إن كل ذا على تقدير صدق كونه من نبات الأرض عرفا إن اتخذ منه، و عدم خروجه و استحالته بصيرورته قرطاسا إلى حقيقة أخرى،و إلاّ فلا إشكال في كون إطلاق النص و الفتوى هنا مقيّدا للأدلّة المانعة عن السجود على ما ليس بأرض و لا نباتها،فإن التعارض بينهما حينئذ تعارض العموم و الخصوص مطلقا لا من وجه،و الجمع بينهما لا يكون إلاّ بتخصيص العام بالخاص قطعا.

مع أن على قولهم،لو شك في جنس المتّخذ منه-كما هو الأغلب-لم يصح السجود عليه،للشك في حصول شرط الصحة،و بهذا ينسدّ باب السجود عليه غالبا،و هو غير مسموع في مقابل النص و عمل الأصحاب.

و بالجملة فما ذكروه من التقييد ضعيف.

و أضعف منه توقّف الشهيد في أصل السجود عليه مطلقا،حيث قال:

و في النفس من القرطاس شيء،من حيث اشتماله على النورة المستحيلة عن اسم الأرض بالإحراق،قال:إلاّ أن نقول:الغالب جوهر القرطاس،أو نقول:

جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض (1).

فإن هذا الإيراد متوجّه لو لا خروج القرطاس بالنص الصحيح و عمل الأصحاب.

و ما دفع به الإشكال غير واضح،فإن أغلبيّة المسوّغ لا تكفي مع امتزاجه بغيره و انبثاث أجزائهما بحيث لا يتميّز.و كون جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض في غاية الضعف.

ص:49


1- الذكرى:160.

و يكره منه ما فيه كتابة بلا خلاف،للصحيح:عليه أنه السلام كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة (1).

و الكراهة فيه مراد بها المعنى الاصطلاحي بالإجماع و الصحيح الماضي (2).

هذا إن لاقى الجبهة ما يقع عليه اسم السجود خاليا من الكتابة،و إلاّ فلم يجز،كما أنه لا يكره إذا كانت الكتابة من طين و نحوه مما يصح السجود عليه،لأنه فرد نادر لا ينصرف إليه إطلاق النص و الفتوى.

و يراعى فيه أن يكون مملوكا للمصلّي و لو منفعة أو مأذونا فيه كما مضى (3)خاليا من النجاسة إجماعا محققا،و محكيا في كلام جماعة، كالغنية و المعتبر و المنتهى و المختلف و التذكرة و الذكرى و روض الجنان و شرح القواعد للمحقق الثاني (4)،و غيرهم (5).

و لظواهر المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:عن البول يكون على السطح و في المكان الذي يصلّى فيه،فقال:«إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر» (6).

و قريب منه الصحيح المتقدم المتضمن للسؤال عن السجود على الجصّ الموقد عليه النار و عظام الموتى،و الجواب عنه بقوله:«إن الماء و النار قد

ص:50


1- الكافي 3:12/332،التهذيب 2:1232/304،الاستبصار 1:1256/334،الوسائل 5:356 أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 3.
2- رجع ص 47.
3- في ص 5،6.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):555،المعتبر 2:121،المنتهى 1:242،المختلف:83، التذكرة 1:87،الذكرى:160،روض الجنان:221،جامع المقاصد 2:126.
5- انظر مجمع الفائدة و البرهان 2:115.
6- الفقيه 1:732/157،الوسائل 3:451 أبواب النجاسات ب 29 ح 1.

طهّراه» (1).

و قريب منهما النصوص الدالة على اشتراط جعل الكنيف مسجدا بتطهيره بالتراب (2)،و النبوي:«جنّبوا مساجدكم النجاسة» (3).

و أما المعتبرة-الواردة بجواز الصلاة في الأمكنة التي أصابها البول و المني إذا كانت يابسة (4)-فغير واضحة المعارضة،بعد قوة احتمال اختصاصها بإرادة ما عدا موضع الجبهة،كما فهمه الأصحاب الذين لم يشترطوا طهارة ما عدا موضعها إذا لم تتعدّ النجاسة،حيث استدلوا بها في تلك المسألة (5).

و فيها أيضا ضعف دلالة من وجه آخر ،ليس لذكره كثير فائدة.

و أما ما ينقل عن الراوندي و صاحب الوسيلة:من المخالفة في المسألة (6)،فغير معلومة،كما بيّنته في شرح المفاتيح بما لا مزيد عليه.

ص:51


1- راجع ص:40.
2- الوسائل 5:209 أبواب أحكام المساجد ب 11.
3- تذكرة الفقهاء 1:91،الوسائل 5:229 أبواب أحكام المساجد ب 24 ح 2.
4- الوسائل 3:451 أبواب النجاسات ب 29.
5- راجع ص 18،19.
6- حكاه عنهما في المعتبر 1:446.
المقدمة السابعة في الأذان و الإقامة
اشارة

السابعة:

في الأذان و الإقامة و النظر هنا يقع في أمور أربعة المؤذّن،و ما يؤذّن له،و كيفية الأذان،و لواحقه.

الأمر الأول:في المؤذن

أما المؤذّن فيعتبر فيه لصحة أذانه و الاعتداد به العقل حال الأذان، و كذا الإسلام إجماعا،على الظاهر،المصرّح به في المعتبر و التذكرة و المنتهى و شرح القواعد للمحقق الثاني و الذكرى و روض الجنان (1)، لكن في الأخير خاصّة (2).

و هو الحجة،مضافا إلى الموثقة الآتية (3).

و أنه عبادة توقيفية يجب الاقتصار فيها على المتيقن ثبوته من الشريعة، و ليس إلاّ إذا كان المؤذّن متّصفا بهذين الوصفين.

و لأنه أمين و ضامن،كما في النصوص من طرق الخاصة و العامة،منها:

«المؤذّن مؤتمن،و الإمام ضامن» (4)و منها في المؤذّنين:«إنهم الامناء» (5).

و الكافر و المجنون لا أمانة لهما،مع كون عبارة الأخير مسلوبة العبرة، فكأنه ما صدر منه أذان أصلا.و في حكمه الصبي الغير المميز.

ص:52


1- المعتبر 2:125،التذكرة 1:107،المنتهى 1:257،جامع المقاصد 2:157،الذكرى: 172،روض الجنان:242.
2- أي:ادّعى الإجماع في روض الجنان على اعتبار الإسلام خاصة.
3- في ص 53.
4- التهذيب 2:1121/282،الوسائل 5:378 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 2،و رواه في سنن أبي داود 1:517/143،و مسند أحمد 2:378،و سنن الترمذي 1:207/133.
5- الفقيه 1:898/189،الوسائل 5:379 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 6.

و في اشتراط الإيمان قولان،ظاهر الأكثر لا،للنصوص الظاهرة في جواز الاعتماد على أذان هؤلاء،منها الصحيح:«صلّ الجمعة بأذان هؤلاء،فإنهم أشدّ شيء مواظبة على الوقت» (1).

و في الخبر:«إذا نقص المؤذّن الأذان و أنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه» (2).

و الأصح اشتراطه،وفاقا لجماعة (3)،لما مر من القاعدة،و لبطلان عبادة المخالف،كما في النصوص الكثيرة (4)،و خصوص النبوي:«يؤذّن لكم خياركم» (5)خرج منه المجمع على جوازه،فبقي الباقي.

و للموثق:عن الأذان،هل يجوز أن يكون من غير عارف؟قال:«لا يستقيم الأذان و لا يجوز أن يؤذّن به إلاّ رجل مسلم عارف،فإن علم الأذان و أذّن به و لم يكن عارفا لم يجز أذانه و لا إقامته،و لا يقتدى به» (6).و المراد بالعارف الإمامي،كما يستفاد من تتبّع النصوص.

و في الصحيح:«إذا دخل الرجل المسجد و هو لا يأتمّ بصاحبه،و قد بقي على الإمام آية أو آيتان،فخشي إن هو أذّن و أقام أن يركع فليقل:قد قامت

ص:53


1- الفقيه 1:899/189،التهذيب 2:1136/284،الوسائل 5:378 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 1.
2- التهذيب 2:1112/280،الوسائل 5:437 أبواب الأذان و الإقامة ب 30 ح 1.
3- منهم الشهيد الثاني في روض الجنان:243،و صاحب المدارك 3:269،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:206.
4- الوسائل 1:118 أبواب مقدمة العبادات ب 29.
5- الفقيه 1:880/185،الوسائل 5:410 أبواب الأذان و الإقامة ب 16 ح 3.
6- الكافي 3:13/304،التهذيب 2:1101/277،الوسائل 5:431 أبواب الأذان و الإقامة ب 26 ح 1.

الصلاة،اللّه أكبر اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه،و ليدخل في الصلاة» (1).

و في الخبر:«أذّن خلف من قرأت خلفه» (2).

و لا يعارضها الخبران السابقان (3)،و إن صحّ أوّلهما،و انجبر بالشهرة ثانيهما (4)،لقصور دلالتهما،فالأوّل باحتمال أن يكون المراد جواز الاعتداد بأذانه في معرفة الوقت،حيث لا يمكن العلم بدخوله،بناء على حصول الظن منه به،لا ترك الأذان بسماع أذانه،فتأمّل .

و الثاني باحتمال اختصاص المؤذّن فيه بالمؤمن المنقص لبعض الفصول سهوا لا مطلقا.

و لا يعتبر فيه البلوغ و لا الحرية فالصبي المميز يجوز أن يؤذّن و كذا العبد إجماعا،على الظاهر،المصرّح به في المنتهى و التذكرة فيهما معا (5)،و في الخلاف و المعتبر و الذكرى و شرح القواعد للمحقق الثاني في الأوّل خاصّة (6).

و هو الحجة،مضافا إلى العموم في الأخير،مضافا إلى فحوى ما دلّ على جواز إمامته (7)،كما يأتي إن شاء اللّه تعالى،و خصوص المعتبرة المستفيضة في الأول،و فيها الصحيح و غيره:«لا بأس أن يؤذن الذي لم يحتلم» (8).

ص:54


1- الكافي 3:22/306،التهذيب 2:1116/281،الوسائل 5:443 أبواب الأذان و الإقامة ب 34 ح 1.
2- التهذيب 3:192/56،الوسائل 5:443 أبواب الأذان و الإقامة ب 34 ح 2.
3- المتقدم في ص:52.
4- في«ل»و هامش«ش»و«ح»زيادة:مع أنه روي مضمونه صحيحا أيضا.
5- المنتهى 1:257،التذكرة 1:107.
6- الخلاف 1:281،المعتبر 2:125،الذكرى:172،جامع المقاصد 2:175.
7- الوسائل 8:325 أبواب صلاة الجماعة ب 16.
8- التهذيب 2:1112/280،الوسائل 5:440 أبواب الأذان و الإقامة ب 32 ح 1.

و بها-مضافا إلى الإجماع-يخصّ ما دلّ على اعتبار أمانة المؤذّن، و حديث:«يؤذّن لكم خياركم» (1).

و يشترط المذكورة أيضا في الاعتداد عند الأكثر،إلا أن تؤذّن المرأة للنساء أو المحارم خاصة لظاهر الموثق السابق:«لا يؤذّن إلاّ رجل مسلم عارف» (2)و إن لم يبق على عمومه،لجواز أذان الصبي،و أذانها لهنّ و للمحارم إذا لم يسمعها الأجانب،فإن العام المخصّص حجّة في الباقي.

قيل:و لأنها إن أسرّت لم يسمعوا،و لا اعتداد بما لا يسمع،و إن جهرت كان أذانا منهيا عنه،فيفسد للنهي،فكيف يعتدّ به (3).

و يضعف-بعد تسليم النهي-بأنه عن كيفيته،و هو لا يقتضي فساده.

و أيضا:فلا يتمّ فيما إذا جهرت و هي لا تعلم بسماع الأجانب،فاتفق أن سمعوه.

و أيضا:فاشتراط السماع في الاعتداد ممنوع،و إلاّ لم يكره للجماعة الثانية ما لم تتفرق الاولى،كذا قيل (4).

و في جميعه نظر ،ما عدا الوجه الثاني،فإنه حسن،إلاّ أنه يحتمل خروج ما فرض فيه عن محلّ النزاع.

خلافا للمبسوط،فأطلق اعتداد الرجال بأذانها (5).

قيل:إن أراد الاعتداد مع الإسرار فهو بعيد،لأن المقصود بالأذان

ص:55


1- المتقدم في ص 52،53.
2- راجع ص 53.
3- قال به المحقق في المعتبر 2:127،و العلامة في المنتهى 1:257،و التذكرة 1:107، و المختلف:88.
4- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:206.
5- المبسوط 1:97.

الإبلاغ،و عليه دلّ قوله صلّى اللّه عليه و آله:«القه على بلال،فإنه أندى (1)منك صوتا» (2).و إن أراد مع الجهر فأبعد،للنهي عن سماع صوت الأجنبية،إلاّ أن يقال:إنه-من قبيل الأذكار و تلاوة القرآن-مستثنى،كما استثني الاستفتاء من الرجال،و تعلّمهن منهم و المحاورات الضرورية (3).

و الأجود في الجواب:عدم دليل على جواز الاعتداد بأذانها، لاختصاص ما دلّ على جواز الاعتداد بأذان الغير بحكم التبادر و غيره بغير أذانها،فيكون بالأصل مدفوعا،مضافا إلى ما قدّمناه للمشهور دليلا من الموثقة و غيرها.

و يستحب أن يكون عدلا بلا خلاف إلاّ من الإسكافي (4)،فأوجبه.

و هو شاذّ،بل على خلافه الإجماع في صريح المنتهى و ظاهر المحقق الثاني و الشهيد في الذكرى (5).

و هو الحجة عليه،مضافا إلى النصوص المتقدمة في الصبي (6)،لعدم تعقل اتصافه بالعدالة بناء على أنها من أوصاف المكلفين.

قيل:و يحتمل أن يريد عدم الاعتداد به في دخول الوقت (7).و عليه فلا خلاف.

ص:56


1- أي أرفع و أعلى،و قيل:أحسن و أعذب،و قيل:أبعد،النهاية لابن الأثير 5:37.
2- سنن البيهقي 1:390،391،سنن أبي داود 1:512/141.
3- قال به الشهيد في الذكرى:172.
4- حكاه عنه في المختلف:90،و الذكرى:172.
5- المنتهى 1:257،جامع المقاصد 2:176،الذكرى:172.
6- في ص 54.
7- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:206.

صيّتا شديد الصوت كما عن جماعة من اللغويين (1)(2)،لما مرّ من قوله صلّى اللّه عليه و آله:«القه على بلال،فإنه أندى منك صوتا» (3).و لغيره من النصوص،و فيها الصحيح و غيره (4).و لأن إبلاغه أبلغ،و المنتفعين بصوته أكثر.

مبصرا،ليتمكن من معرفة الوقت.

بصيرا بالأوقات التي يؤذّن لها.

و لا خلاف في جواز أذان غيرهما،فإن ابن أمّ مكتوم كان يؤذّن لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (5)،و الجاهل بالأوقات ليس أسوأ حالا من الأعمى،لكنهما إنما يجوز لهما أن يؤذّنا إذا سدّدا،و لا يعتمد على أذانهما في دخول الوقت.

نعم،إذا علم الوقت و أذنّا اكتفي بأذانهما،للأصل،و العمومات.

متطهرا من الحدثين،إجماعا،على الظاهر،المصرّح به في المعتبر و المنتهى و التذكرة (6)،و غيرها (7).

و هو الحجّة،مضافا إلى النبوي المشهور:«حقّ و سنّة أن لا يؤذّن أحد إلاّ و هو طاهر» (8).

و ظاهره عدم الوجوب،كما في المعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح

ص:57


1- انظر الصحاح 1:257،و لسان العرب 2:57.
2- في هامش«ش»و«ل»:و لا خلاف فيه أيضا كما صرح به في المنتهى 1:258.
3- راجع ص 56.
4- الوسائل 5:409 أبواب الأذان و الإقامة ب 16.
5- انظر الوسائل 5:389 أبواب الأذان و الإقامة ب 8 ح 2،3.
6- المعتبر 2:127،المنتهى 1:257،التذكرة 1:107.
7- راجع الخلاف 1:280،و جامع المقاصد 2:176،و كشف اللثام 1:206.
8- سنن البيهقي 1:397.

و غيرها (1).

و فيها الدلالة على لزومه في الإقامة،كما عليه جماعة (2)،لسلامتها عن المعارض بالكلية،عدا الأصل،و يجب تخصيصه بها،فما عليه الأكثر من الاستحباب فيها أيضا غير ظاهر الوجه.

قائما إجماعا،كما في الكتب المتقدمة،و نهاية الإحكام للعلاّمة (3)، و للنص المحمول على الاستحباب (4)،للمعتبرة المستفيضة بجواز الترك،و فيها أيضا الصحاح و غيرها (5).

و ظاهرها اللزوم في الإقامة أيضا،كما هو ظاهر المفيد و النهاية (6)، و تبعهما جماعة (7).

خلافا للأكثر،فكما مر.نعم في بعض الأخبار الرخصة في الإقامة و هو ماش إلى الصلاة (8)،و عن المقنع:و إن كنت إماما فلا تؤذّن إلاّ من قيام (9).

و يستحب قيامه على موضع مرتفع بلا خلاف إلاّ من المبسوط، فقال:لا فرق بين أن يكون الأذان في المنارة أو على الأرض (10).

ص:58


1- الوسائل 5:391 أبواب الأذان و الإقامة ب 9.
2- منهم الحلي في السرائر 1:211،العلامة في نهاية الإحكام 1:423،الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:206.
3- نهاية الإحكام 1:423.
4- التهذيب 2:199/57،الاستبصار 1:1120/302،الوسائل 5:404 أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 11.
5- الوسائل 5:401 أبواب الأذان و الإقامة ب 13.
6- المفيد في المقنعة:101،النهاية:66.
7- منهم صاحب الحدائق 7:341،و القاضي في المهذب 1:89 أوجبه في صلاة الجماعة.
8- التهذيب 2:1125/282،الوسائل 5:403 أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 9.
9- المقنع:27،المستدرك 4:33 أبواب الأذان و الإقامة ب 12 ح 3.
10- المبسوط 1:96.

و الظاهر أن مراده المساواة في الإجزاء أو الاستحباب،و إلاّ فإنه قال:

و يستحب أن يكون المؤذّن على موضع مرتفع (1).و كيف كان فهو على تقدير المخالفة شاذ بل على خلافه في التذكرة و نهاية الإحكام الإجماع (2).

و هو الحجة،مضافا إلى الخبر-بل هو في المحاسن صحيح،كما قيل (3)- عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«أنه كان يقول إذا دخل الوقت:يا بلال، اعل فوق الجدار و ارفع صوتك بالأذان» (4).

مع أنه أبلغ في الإبلاغ المقصود من شرعيته.

مستقبل القبلة إجماعا،محققا و محكيا (5).و الكلام في وجوبه في الإقامة و عدمه كما تقدم في سابقة فتوى و دليلا.

و يتأكّد في الشهادتين،للصحيح:عن الرجل يؤذّن و هو يمشي،قال:

«نعم،إذا كان في التشهّد مستقبل القبلة فلا بأس» (6).

رافعا به صوته للصحاح المستفيضة،منها-زيادة على ما مر-:

عن الأذان،فقال:«اجهر بصوتك،و إذا أقمت فدون ذلك» (7).

و منها:«كلّما اشتدّ صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر، و كان أجرك في ذلك أعظم» (8).

ص:59


1- المبسوط 1:98.
2- التذكرة 1:107،نهاية الإحكام 1:424.
3- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:206.
4- المحاسن:67/48،و رواه في الكافي 3:31/307،و التهذيب 2:206/58،و الوسائل 5:411 أبواب الأذان و الإقامة ب 16 ح 7.
5- كما في نهاية الإحكام 1:423،و الحدائق 7:344.
6- الفقيه 1:878/185،التهذيب 2:196/56،الوسائل 5:403 أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 7.
7- الفقيه 1:876/185،الوسائل 5:409 أبواب الأذان و الإقامة ب 16 ح 1.
8- الفقيه 1:875/184،الوسائل 5:410 أبواب الأذان و الإقامة ب 16 ح 2.

و منها:«إذا أذّنت فلا تخفينّ صوتك،فإن اللّه تعالى يأجرك مدّ صوتك فيه» (1).

و تسرّ به المرأة عن الأجانب،لأن صوتها عورة،يجب سترة أو يستحب.

و ظاهر العبارة استحباب السرّ أو وجوبه مطلقا (2)،و لا وجه له على التقدير الأخير.و لا بأس به على الأول،لأنه أنسب بالحياء المطلوب منها،كما يرشد إليه من النصوص ما مرّ في استحباب أن لا تحضر المساجد،و أن صلاتها في بيتها أفضل منها فيه (3).

و يكره الالتفات به يمينا و شمالا لمنافاته الاستقبال المأمور به،كما مضى،خلافا لبعض العامة العمياء (4).

و لو أخلّ بالأذان و الإقامة ساهيا (5)و صلّى تداركهما استحبابا ما لم يركع و استقبل صلاته.و لو تعمد الإخلال بهما لم يجز أن يرجع على الأظهر الأشهر،بل لعله عليه عامة من تأخر،للصحيح:«إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن و تقيم ثمَّ ذكرت قبل أن تركع فانصرف و أذّن و أقم و استفتح الصلاة،و إن كنت قد ركعت فأتمّ على صلاتك (6).

و فيه الدلالة على حكمي النسيان و العمد منطوقا في الأول،و مفهوما في

ص:60


1- التهذيب 2:205/58،الوسائل 5:410 أبواب الأذان و الإقامة ب 16 ح 5.
2- أي:و لو عن المحارم.
3- راجع ص 23.
4- انظر المغني و الشرح الكبير لا بني قدامة 1:472.
5- في المختصر المطبوع:ناسيا.
6- التهذيب 2:1103/278،الاستبصار 1:1127/304،الوسائل 5:434 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 3.

الثاني،و به صرح فخر المحققين (1).

و يعضد الثاني-زيادة عليه-عموم دليل تحريم إبطال العمل،مع اختصاص ما دلّ على جوازه هنا بالصورة الاولى.

و الأمر بالإعادة في الرواية في هذه الصورة محمول على الندب،بدلالة المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:رجل نسي الأذان و الإقامة حتى دخل في الصلاة،قال:«ليس عليه شيء» (2).

و نحوه آخر،بزيادة التعليل بقوله:«فإنما الأذان سنّة» (3).

و في الخبر:رجل ينسى الأذان و الإقامة حتى يكبّر،قال:«يمضي على صلاته و لا يعيد» (4).و نحوه غيره (5).

خلافا للنهاية و السرائر،فقالا بالعكس:يرجع إذا لم يركع مع تعمّد الإخلال،و يمضي مع النسيان (6).

و للمبسوط،فأطلق الرجوع ما لم يركع (7).

و حجة القولين غير واضحة،مع مخالفتهما الأصل المتقدّم في العمد، مضافا إلى مخالفتهما الصحيح المعتضد بفتوى الأكثر.

ص:61


1- في إيضاح الفوائد 1:97.
2- التهذيب 2:1140/285،الاستبصار 1:1131/305،الوسائل 5:434 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 2.
3- التهذيب 2:1139/285،الاستبصار 1:1130/304،الوسائل 5:434 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 1.
4- التهذيب 2:1106/279،الاستبصار 1:1121/302،الوسائل 5:436 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 7.
5- التهذيب 2:1107/279،الاستبصار 1:1122/303،الوسائل 5:436 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 8.
6- النهاية:65،السرائر 1:209.
7- المبسوط 1:95.

نعم يمكن الاستدلال-لما في النهاية لصورة النسيان-بالمستفيضة المتقدمة،الدالة على عدم الإعادة فيها،و حيث لا إعادة حرم،للأصل المتقدم بتحريم إبطال العمل.

و لصورة العمد بالخبر:عن رجل نسي أن يؤذّن و يقيم حتى كبّر و دخل في الصلاة،قال:«إن كان دخل المسجد و من نيّته أن يؤذّن و يقيم فليمض في صلاته و لا ينصرف» (1).

فإن مفهومه عدم الإمضاء في الصلاة إذا لم يكن من نيّته الأذان،و هو عام شامل لصورة العمد.

و في الجميع نظر،لضعف هذا الخبر سندا،بل و يحتمل دلالة ،فتدبّر.

و عدم دلالة المستفيضة إلاّ على عدم لزوم الرجوع لا حرمته،و استفادتها من الأصل المتقدم حسن،إن لم تكن الصحيحة السابقة-الصريحة في الرخصة،لا أقلّ منها-موجودة،و أما معها فيجب تخصيص الأصل بها،سيّما مع اعتضادها بالشهرة،و بأخبار أخر محتملة الموافقة لها في الدلالة على الرخصة،منها الصحيح:في الرجل ينسى الأذان و الإقامة حتى يدخل في الصلاة،قال:«إن كان ذكر قبل أن يقرأ فليصلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله و ليقم،و إن كان قد قرأ فليتمّ صلاته» (2).

و الحسن:عن الرجل يستفتح الصلاة ثمَّ يذكر أنه لم يقم،قال:«فإن ذكر أنه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلّم على النبي صلّى اللّه عليه و آله ثمَّ يقيم

ص:62


1- التهذيب 2:1107/279،الاستبصار 1:1122/303،الوسائل 5:436 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 8.
2- التهذيب 2:1102/278،الاستبصار 1:1126/303،و ليس فيه«و ليقم»،الوسائل 5: 434 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 4.

و يصلّي،و إن ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتمّ على صلاته» (1).

قال في الذكرى-بعد نقلهما-:أشار بالصلاة على النبي أوّلا و بالسلام في هذه الرواية إلى قطع الصلاة،فيمكن أن يكون السلام على النبي صلّى اللّه عليه و آله قاطعا لها،و يكون المراد بالصلاة هناك السلام،و أن يراد الجمع بين الصلاة و السلام،فيجعل القطع بهذا من خصوصيات هذا الموضع،لأنه قد روي أن التسليم على النبي صلّى اللّه عليه و آله آخر الصلاة ليس بانصراف (2).

و يمكن أن يراد القطع بما ينافي الصلاة إما استدبار أو كلام،و يكون التسليم على النبي مبيحا لذلك (3).

و ظاهره-كما ترى-القطع بموافقة هاتين الروايتين الصحيحة في الدلالة على الرخصة،كما هو أيضا ظاهر جماعة (4)،و أجابوا عن منافاتهما لها-من حيث الدلالة على المضي و عدم الرجوع إن شرع في القراءة-بجواز أن يكون الوجه أن الرجوع قبل القراءة آكد منه بعدها.

و لعل إذعانهم بدلالتهما على ما في الصحيحة-من جواز القطع-إنما هو للجمع بين الأدلّة،و إلاّ فلا دلالة لهما عليه ظاهرا،لقوة احتمال أن يكون المراد الإتيان بالصلاة على النبي أو السلام ثمَّ الإقامة ثمَّ إتمام الصلاة من دون قطع.

و لا استبعاد فيه بعد ورود جملة من النصوص بمعناه،ففي الخبر:قلت

ص:63


1- التهذيب 2:1105/278،الاستبصار 1:1129/304،الوسائل 5:435 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 5.
2- الفقيه 1:1014/229،التهذيب 2:1292/316،مستطرفات السرائر:16/97،الوسائل 6:426 أبواب التسليم ب 4 ح 2.
3- الذكرى:174.
4- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:210،صاحب المدارك 3:274،275.

لأبي الحسن الرضا عليه السلام:جعلت فداك،كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية و أنا في القراءة أنى لم أقم،فكيف أصنع؟قال:«اسكت موضع قراءتك و قل:قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة،ثمَّ امض في قراءتك و صلاتك و قد تمّت صلاتك» (1).و قريب منه الرضوي (2).

و على هذا الاحتمال تخرج الروايتان عن حيّز الاعتضاد،و يبقى الكلام في جواز العلم بهما على هذا لاحتمال و ما شابههما.

و استشكله الشهيد-رحمه اللّه-في الذكرى،فقال:و يشكل بأنه كلام ليس من الصلاة و لا من الأذكار (3).

و أجيب عنه (4)باحتمال كون هذا مستثنى،و لا بعد فيه بعد ورود النص به، سيّما مع وجود النظائر المتفق عليها،كغسل دم الرعاف،و قتل الحية،و إرضاع الصبي في الصلاة،مع خروجها عنها اتفاقا،فلا يبعد كون ما نحن فيه كذلك أيضا.

و هو حسن إن لم تشذّ الرواية الدالّة عليه،و إلاّ-كما هو الظاهر-فلا.سيّما مع قصور الصريح منها كالرضوي و سابقة سندا،و الصحيح و ما بعده دلالة،لقوة احتمال ظهورهما فيما فهمه منها القوم جدّا،نظرا إلى قوله عليه السلام:«فليتم على صلاته»فيما إذا شرع في القراءة،الظاهر في أنه لا يتم عليها قبل الشروع فيها،و لا يكون ذلك إلاّ بإبطالها ظاهرا.

هذا،مع قصور الجميع عن مقاومة مستند المشهور جدّا.

ص:64


1- التهذيب 2:1104/278،الاستبصار 1:1128/304،الوسائل 5:435 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 6.
2- فقه الرضا(عليه السلام):116،المستدرك 4:47 أبواب الأذان و الإقامة ب 24 ح 1.
3- الذكرى:174.
4- الحدائق 7:371.

و هنا رواية صحيحة ظاهرها جواز الرجوع إلى الإقامة ما لم يفرغ من صلاته و لو بعد الركوع (1).

و لكنها مطلقة محتملة للتقييد بما قبلها،كما أجاب به عنها جمع،و منهم الفاضل في المختلف،مدّعيا الإجماع على عدم جواز الرجوع بعد الركوع (2)، مع أن ظاهر الشيخ في التهذيبين العمل بإطلاقها،حيث حملها على الاستحباب (3).

و لعله لمجرد الجمع بين الأخبار من غير أن يقصد به الفتوى،و لكنها ظاهر بعض متأخّر متأخّري الأصحاب (4).و هو شاذ.

و هنا أقوال (5)أخر شاذّة لا جدوى في التعرض لنقلها و لا فائدة مهمة.

ثمَّ إن ظاهر العبارة و نحوها-كالصحيحة الاولى (6)-اختصاص جواز الرجوع بما إذا نسي الأذان و الإقامة معا.و الأصحّ جوازه للإقامة خاصة أيضا، وفاقا لجماعة (7)،للصحيح و الحسن المتقدمين (8)،مضافا إلى الصحيح الأخير بالتقريب الذي قدمناه في الجمع.و عدمه للأذان وحده،لعدم الدليل عليه، لاختصاص النصوص جملة بنسيانهما معا أو الإقامة خاصة،و الأصل حرمة إبطال العمل كما عرفته،مضافا إلى دعوى الإجماع عليه في

ص:65


1- التهذيب 2:1110/279،الاستبصار 1:1125/303،الوسائل 5:433 أبواب الأذان و الإقامة ب 28 ح 3.
2- المختلف:88.
3- التهذيب 2:279،الاستبصار 1:303.
4- كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:119.
5- في«م»:أخبار.
6- المتقدمة في ص 60.
7- منهم العلامة في المنتهى 1:261 و الشهيد في الدروس 1:165 و النفلية:18.
8- في ص:62،63.

الإيضاح (1).

خلافا لثاني المحققين في الأول فلا (2)،و ثاني الشهيدين في الثاني، فنعم (3).و ما أبعد ما بينهما.

ثمَّ إن الفاضلين في الشرائع و التحرير اقتصرا على نسيان المنفرد (4)، و لعله لاكتفاء الجامع بأذان غيره،مع بعد نسيان الجميع،أو للتنبيه بالأدنى على الأعلى،كما في الإيضاح (5).

الأمر الثاني:ما يؤذن له

و أما ما يجوز أن يؤذّن له من الصلوات فالصلوات الخمس اليومية و منها الجمعة لا غير إجماعا من المسلمين و العلماء،كما في المعتبر و المنتهى و الذكرى (6)،و في شرح القواعد للمحقق الثاني قال:اتفاقا (7).

و هو الحجة،مضافا إلى أصالة عدم الشرعية،و اختصاص ما دلّ على ثبوتها باليومية.

و في الخبر الوارد في العيدين:«ليس فيهما أذان و لا إقامة،و لكنه ينادى:

الصلاة،ثلاث مرّات» (8).

و هو صريح في نفيهما فيهما،و يتم المطلوب بعدم القائل بالفرق.

ص:66


1- إيضاح الفوائد 1:97.
2- جامع المقاصد 2:199.
3- المسالك 1:27.
4- الشرائع 1:75،التحرير 1:36.
5- إيضاح الفوائد 1:97.
6- المعتبر 2:135،المنتهى 1:260،الذكرى:173،و في«م»:التذكرة(1:106)بدل: الذكرى.
7- جامع المقاصد 2:169.
8- الفقيه 1:1473/322،التهذيب 3:873/290،الوسائل 7:428 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 1.

و ظاهره استحباب النداء بالصلاة ثلاث مرّات،كما أفتى به جمع من الأصحاب (1)،و إن اختلفوا في الاقتصار على مورده أو التعدية إلى غير اليومية مطلقا،حتى النوافل.و لا بأس بهذا-إن لم يحتمل التحريم-مسامحة .

و لا فرق في استحبابهما لليومية بين أن تكون أداء و قضاء و إن كان استحبابهما في الأداء آكد،كما عن التذكرة و روض الجنان (2)،و ادعى الأوّل الإجماع عليه.

و يستحبان استحبابا مؤكّدا،سيّما الإقامة مطلقا للرجال و النساء، المنفرد منهما و الجامع بل التأكّد فيه أقوى.

كل ذلك على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامة من تأخّر،للأصل، و الصحاح المستفيضة و غيرها (3)،الظاهرة-بل الصريحة-في استحباب الأذان مطلقا.و يلحق به الإقامة كذلك،لعدم القائل بالفرق بينهما كذلك على الظاهر،المصرّح به في المختلف (4).و أذعن له جماعة (5).فالقول باستحبابه في كل موضع و وجوبها كذلك خرق للإجماع المركب،هذا مضافا إلى بعض المعتبرة الآتية،الظاهر في استحباب الإقامة أيضا بالتقريب الذي سيأتي إليه الإشارة (6).

و في الصحيح المروي عن علل الصدوق:«و الأذان و الإقامة في جميع

ص:67


1- منهم المحقق في الشرائع 1:74،و العلامة في القواعد 1:30،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:169.
2- التذكرة 1:106،روض الجنان:239.
3- الوسائل 5:381،388 أبواب الأذان و الإقامة ب 4،7.
4- المختلف:88.
5- منهم صاحب المدارك 3:258،و السبزواري في الذخيرة:252.
6- في ص:69.

الصلوات أفضل» (1).

و في الرضوي:«أنهما من السنن اللازمة،و ليستا بفريضة،و ليس على النساء أذان و لا إقامة،و ينبغي لهنّ إذا استقبلن القبلة أن يقلن:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أن محمدا رسول اللّه» (2).

و قيل: و القائل الشيخان (3)و جماعة من القدماء (4)،أنهما يجبان في صلاة الجماعة إما مطلقا،أو على الرجال خاصّة،على اختلاف تعابيرهم،للخبر:«إن صلّيت جماعة لم يجز إلاّ أذان و إقامة،و إن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك تجزيك إقامة إلاّ الفجر و المغرب،فإنه ينبغي أن تؤذّن فيهما و تقيم،من أجل أنه لا تقصر فيهما كما تقصر في سائر الصلوات» (5).

و هو-مع ضعف سنده،و عدم مكافأته لما تقدم-قاصر الدلالة،لأن الإجزاء كما يجوز أن يراد به الإجزاء في الصحّة كذا يجوز أن يراد به الإجزاء في الفضيلة،و هو إن كان خلاف الظاهر،لكن به تخرج الرواية عن الصراحة.

بل لا يبعد دعوى ظهوره من هذه الرواية،بملاحظة ذيلها المعبّر عن عدم الإجزاء المفهوم من قوله:«و إن كنت وحدك-إلى قوله-:يجزئك إقامة إلاّ الفجر و المغرب»بقوله فيهما:«فإنه ينبغي أن تؤذّن فيهما و تقيم»و لفظة«ينبغي» ظاهرة في الاستحباب.

ص:68


1- علل الشرائع:1/337،الوسائل 5:386 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 2.
2- فقه الرضا(عليه السلام):98.المستدرك 4:35 أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 4 و ب 23 ح 2.
3- المفيد في المقنعة:97،الطوسي في النهاية:64.
4- منهم السيد في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):29،و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):556 و القاضي في المهذب 1:88،و ابن حمزة في الوسيلة:91.
5- الكافي 3:9/303،التهذيب 2:163/50،الاستبصار 1:1105/299،الوسائل 5: 388 أبواب الأذان و الإقامة ب 7 ح 1.

مضافا إلى تعيّن إرادته منها هنا بملاحظة ما دلّ من الصحاح المستفيضة و غيرها (1)على استحباب الأذان،و هو أحد ما يتعلق به لفظة«ينبغي» فتكون بالإضافة إلى الإقامة للاستحباب أيضا،لوحدة السياق فتأمّل ،و حيث ثبت أن المراد بالإجزاء في ذيلها الاستحباب فكذا في الصدر،لوحدة السياق.هذا.

مع أنه معارض-زيادة على إطلاق جملة من الصحاح-بخصوص جملة من النصوص،منها:الصحيح المروي عن قرب الإسناد،عن علي بن رئاب:

قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام قلت:تحضرني الصلاة و نحن مجتمعون في مكان واحد،أ تجزينا إقامة بغير أذان؟قال:«نعم» (2).

و الخبر:«إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة» (3).

و قصور سنده و دلالتهما-بالأخصّية من المدعى-مجبور بالشهرة و عدم القائل بالفرق أصلا.

و يتأكد الاستحباب فيهما فيما يجهر فيه بالقراءة،كالصبح و العشاءين و آكده الغداة و المغرب للمعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح و الموثق و غيرها،ففي الصحيح:«تجزيك في الصلاة إقامة واحدة إلاّ الغداة و المغرب» (4).

و فيه:«إن أدنى ما يجزي من الأذان أن يفتتح الليل بأذان و إقامة،و يفتتح

ص:69


1- راجع ص 67.
2- قرب الإسناد:596/163،الوسائل 5:385 أبواب الأذان و الإقامة ب 5 ح 10.
3- التهذيب 2:164/50،الوسائل 5:385 أبواب الأذان و الإقامة ب 5 ح 8.
4- التهذيب 2:168/51،الاستبصار 1:1107/300،الوسائل 5:387 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 4.

النهار بأذان و إقامة» (1).

و فيه:«و لا بد في الفجر و المغرب من أذان و إقامة،في الحضر و السفر، لأنه لا تقصير فيهما في حضر و لا سفر،و تجزيك إقامة بغير أذان في الظهر و العصر و العشاء الآخرة،و الإقامة و الأذان في جميع الصلوات أفضل» (2).

و صريحه-كظاهر البواقي-مساواة العشاء للظهرين في استحباب الأذان،فما في المتن و الشرائع (3)،و عبائر كثير (4)-من تأكّده في العشاء-غير ظاهر الوجه،عدا ما وجّه به في المعتبر و المنتهى:من أن الجهر دليل اعتناء الشارع بالتنبيه و الإعلام،و شرعهما لذلك (5).

و في الاستناد إليه-سيّما في مقابلة النصوص-إشكال،إلاّ أن المقام مقام الاستحباب لا بأس فيه بمتابعة الأصحاب.

و هذه النصوص و إن أفادت الوجوب في الصلاتين لكنها محمولة على تأكّد الاستحباب،جمعا بينها و بين الصحاح المستفيضة و غيرها،و هي ما بين مطلقة للاستحباب،كما مر (6)،و الصحيح:«أنه عليه السلام كان إذا صلّى وحده في البيت أقام إقامة واحدة و لم يؤذّن» (7).

و الصحيح:«يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان» (8).

ص:70


1- الفقيه 1:885/186،الوسائل 5:386 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 1 و فيهما كما في«م» زيادة:«و تجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان».
2- علل الشرائع:1/337،الوسائل 5:386 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 2.
3- الشرائع 1:74.
4- كما في روض الجنان:239،و الذخيرة:252.
5- المعتبر 2:135،المنتهى 1:260.
6- في ص:67.
7- التهذيب 2:165/50،الوسائل 5:385 أبواب الأذان و الإقامة ب 5 ح 6.
8- التهذيب 2:166/50،الوسائل 5:384 أبواب الأذان و الإقامة ب 5 ح 4.

و مصرّح به في المغرب،كالصحيح:عن الإقامة بغير أذان في المغرب،فقال:«ليس به بأس،و ما أحبّ أن يعتاد» (1).

و لا قائل بالفرق بينها و بين الغداة،فالقول بوجوبهما فيهما-كما عن العماني و المرتضى و الإسكافي (2)-ضعيف.

و أضعف منه مصير الأوّل إلى شرطيّتهما فيهما،و بطلانهما بدونهما،إذ لا أثر لذلك في النصوص المتقدمة و غيرها أصلا.

و قاضي الفرائض الخمس اليومية يؤذّن و يقيم لأوّل صلاة من ورده،ثمَّ يقيم لكل صلاة واحدة بلا خلاف،للصحيحين (3)، و الرضوي (4)،و غيرهما (5).

و لو جمع بين الأذان و الإقامة لكلّ فريضة كان أفضل على المشهور بين الأصحاب،بل لا خلاف فيه ممن يعتدّ به،و في الناصرية و الخلاف عليه الإجماع (6).

و هو الحجة،مضافا إلى إطلاقات أكثر السنّة الواردة باستحباب الأذان و الإقامة في الصلاة،بل عموم بعضها،و هو الصحيح المتقدم المتضمن لقوله

ص:71


1- التهذيب 2:169/51،الاستبصار 1:1108/300،الوسائل 5:387 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 6.
2- نقله عن العماني و الإسكافي في المختلف:87،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):29.
3- الأول:الكافي 3:1/291،التهذيب 3:340/158،الوسائل 5:446 أبواب الأذان و الإقامة ب 37 ح 1. الثاني:التهذيب 3:342/159،الوسائل 8:254 أبواب قضاء الصلاة ب 1 ح 3.
4- فقه الرضا(عليه السلام):125،المستدرك 4:51 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 1.
5- مسند أحمد 1:375،سنن ابن ماجه 2:3074/1022،سنن أبي داود 2:1905/182 و فيهما بتفاوت،سنن الترمذي 1:179/115.
6- الناصرية(الجوامع الفقهية):192،الخلاف 1:282.

عليه السلام:«و الإقامة و الأذان في جميع الصلوات أفضل» (1)(2).

و يعضده عموم الصحيح:«من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (3).

و الموثق:عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان و الإقامة؟قال:

«نعم» (4).

بل استدل بهما جماعة (5)،و لكن تنظّر فيهما آخرون بضعف السند، و قصور الدلالة (6).

و لعلّه في الأوّل من حيث إن المتبادر من قوله:«كما فاتته»أي بجملة أجزائها و صفاتها الداخلة تحت حقيقتها،دون الأمور الخارجية عنها.

و في الثاني من حيث عدم الدلالة على تعدّد الصلاة المعادة،بل ظاهره كونها واحدة،و هي خارجة عن مفروض المسألة.

قيل (7):و هذا الوجه جار في الرواية الاولى.و الثانية مع ذلك معارضة بمثلها سندا،و فيه:كتبت إليه:رجل يجب عليه إعادة الصلاة،أ يعيدها بأذان و إقامة؟فكتب:«يعيدها بإقامة» (8).

و يمكن الذب عن الجميع بانجبار قصور السند بالعمل،مع اختصاصه

ص:72


1- راجع ص:70.
2- خرج عنه المجمع على عدم شرعيتهما فيه،كالنوافل و غيرها مما مضى و بقي الباقي.منه رحمه اللّه.
3- لم نعثر على صحيحة بهذا اللفظ،بل هو موجود في عوالي اللئالي 2:143/54،نعم،ورد بلفظ:«يقضي ما فاته كما فاته»في صحيحة زرارة و في سندها إبراهيم بن هاشم كما سيشير إليه الشارح.انظر الوسائل 8:268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1.
4- التهذيب 3:367/167،الوسائل 8:270 أبواب قضاء الصلاة ب 8 ح 2.
5- منهم العلامة في المنتهى 1:260،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:171.
6- كصاحبي المدارك 3:262،و الحدائق 7:373.
7- انظر الحدائق 7:372.
8- التهذيب 2:1124/282،الوسائل 5:446 أبواب الأذان و الإقامة ب 37 ح 2.

بالأخير،و إلاّ فالأوّل صحيح،أو حسن كالصحيح بإبراهيم بن هاشم.

و منع اختصاص الكيفية المشبّه بها بالأمور الداخلة بعد الاتفاق على الاستدلال بالرواية على إثبات الأمور الخارجة عن الصلاة-مما هو شرط فيها، كالطهارة عن الحدث و الخبث،و الاستقبال،و ستر العورة،و نحو ذلك-في الفائتة أيضا،فتأمّل جدّا .

و الرواية الثانية عامة في الصلاة المعادة لا مطلقة،لترك الاستفصال في مقام جواب السؤال المفيد للعموم في المقال.

و منه يظهر ما في دعوى ظهورها في الواحدة،فإنها فاسدة،كدعوى ظهور الصحيحة فيها أيضا،و ذلك لنظير ما عرفت،و هو استدلال الأصحاب بها لإثبات كثير مما يعتبر في الحاضرة في الفائتة،من دون تخصيص لها بالواحدة أو المتعدّدة.

و الرواية المعارضة-مع قصور سندها و عدم جابر لها-متروكة الظاهر، لدلالتها على استحباب الإقامة خاصّة مطلقا حتى في الأول من ورده،و لا قائل به من الأصحاب،و مع ذلك لا يعترض بها ما قابلها من الرواية المنجبرة بالعمومات و الإجماعات المحكية و الشهرة العظيمة.

و من هنا يظهر فساد ما عليه بعض العامة:من أفضلية ترك الأذان في الصلاة الثانية فما فوقها من ورده (1).

و أضعف منه قول بعض متأخّري الطائفة:من عدم المشروعية،لعدم ثبوت التعبّد به على هذا الوجه (2)،و ذلك فإن التعبد ثابت بما قدّمناه من الأدلّة.

و يستحب أن يجمع يوم الجمعة بين الظهرين بأذان واحد

ص:73


1- انظر المغني و الشرح الكبير لابني قدامة 1:445.
2- انظر المدارك 3:263.

و إقامتين و نسبه في المنتهى إلى علمائنا،قال:لأن يوم الجمعة يجمع فيه بين الصلاتين و يسقط ما بينهما من النوافل فيكتفي فيهما بأذان واحد (1).

أقول:و على هذا لا يختص سقوط الأذان للثانية بصلاة العصر يوم الجمعة،بل يجزي في كل صلاتين جمع بينهما،فإنه لا ينبغي أن يؤذّن للثانية إجماعا،على الظاهر،المصرّح به في الخلاف (2).و بالحكم على العموم أيضا صرّح الفاضل في المنتهى (3)،و غيره من أصحابنا (4)،مستدلّين عليه بالصحيح:

«إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء بأذان[واحد]و إقامتين» (5)و نحوه آخر (6).

و الخبر:صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام الظهر و العصر عند ما زالت الشمس بأذان و إقامتين (7).و نحوها النبوي العامي (8).

و إنما خص الماتن ظهري يوم الجمعة بالذكر-مع اشتراكهما لكل صلاتي فريضة جمع بينهما في سقوط الأذان لثانيتهما-لاختصاصهما باستحباب الجمع بينهما،بناء على ما سيأتي في سنن الجمعة:من أن منها تقديم نوافلها على الزوال (9)،فلم يكن حينئذ بينهما نافلة أصلا،و حيث لا نافلة

ص:74


1- المنتهى 1:261.
2- الخلاف 1:284.
3- المنتهى 1:261.
4- نهاية الشيخ:107،الروضة البهيّة 1:244.
5- التهذيب 3:66/18،الوسائل 5:445 أبواب الأذان و الإقامة ب 36 ح 2.و ما بين المعقوفين من المصدر.
6- الفقيه 1:886/186،الوسائل 4:220 أبواب المواقيت ب 32 ح 1.
7- الكافي 3:5/287،التهذيب 2:1048/263،الوسائل 4:219 أبواب المواقيت ب 31 ح 2.
8- سنن النسائي 2:16.
9- انظر ص 368.

صدق الجمع،كما في الموثق:سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام يقول:

«الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوّع،فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع» (1).

و في الخبر:سمعته عليه السلام يقول:«إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوع» (2).

و بما ذكرنا-من الفرق بين ظهري الجمعة و غيرها-صرّح المفيد (3)و غيره أيضا (4)،فقال في باب غسل ليلة الجمعة:و الفرق بين الصلاتين في سائر الأيام مع الاختيار و عدم العوارض أفضل قد ثبتت السنة به،إلاّ في يوم الجمعة،فإن الجمع بينهما أفضل و هو السنة.

ثمَّ إن ما في الموثق و غيره-من تحديد الجمع بأن لا يصلّى بينهما نافلة- قد صرّح به الحلّي (5).

قيل:و يستفاد ذلك من الذكرى أيضا (6)،لكن لا يخفى أنه يعتبر مع ذلك صدق الجمع عرفا،بحيث لا يقع بينهما فصل يعتدّ به،و لا يتخلّل عوارض خارجة عن الأمور المرتبطة بالصلاة.

و يستفاد من بعض الأصحاب أن مناط الاعتبار في الجمع حصولهما في وقت فضيلة إحداهما،و هو على إطلاقه مشكل (7)،كاحتمال تحقق التفريق

ص:75


1- الكافي 3:4/287،الوسائل 4:224 أبواب المواقيت ب 33 ح 3.
2- الكافي 3:3/287،التهذيب 2:1050/263،الوسائل 4:224 أبواب المواقيت ب 33 ح 2.
3- المقنعة:165.
4- كصاحب الحدائق 7:378.
5- السرائر 1:304.
6- الذكرى:174،و انظر الذخيرة:252.
7- قال به السبزواري أيضا في الذخيرة:252،253.

بالتعقيب مطلقا.نعم لو طال بحيث صدق معه الوصف أمكن.

و عليه يحمل إطلاق المفيد استحباب الأذان لعصر يوم الجمعة بعد أن عقّب للأولى (1)،و إلاّ فإبقاؤه على إطلاقه و الحكم بحصول التفريق بمطلق التعقيب مشكل جدّا،لأنهم يستحبون الجمع بين صلاتي الجمعة و العصر،و الحكم باستحباب عدم التعقيب بعد صلاة الجمعة بعيد قطعا،بل غير ممكن، للتصريح باستحبابه في عبارة المفيد المشار إلى مضمونها.

و لو صلّى قوم في مسجد جماعة ثمَّ جاء آخرون جاز أن يصلّوا جماعة أيضا،و لكن لم يؤذّنوا و لم يقيموا ما دامت الصفوف باقية غير متفرقة،على المشهور،للنص:«في رجلين دخلا المسجد و قد صلّى علي عليه السلام بالناس،فقال عليه السلام لهما:إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه و لا يؤذّن و لا يقيم» (2).

و ضعف السند مجبور بالعمل.و إطلاقه بسقوط الأذان و الإقامة مقيّد ببقاء الصفوف،بالإجماع و النصوص الأخر،منها الموثق:قلت له:الرجل يدخل المسجد و قد صلّى القوم،أ يؤذّن و يقيم؟قال:«إذا كان دخل و لم يتفرق الصف صلّى بأذانهم و إقامتهم،و إن كان تفرق الصف أذّن و أقام» (3).و نحوه غيره (4).

و هي و إن اختصت بالمنفرد الخارج عن مفروض العبارة و كثير،إلاّ أنه ملحق به عند جماعة (5)،معربين عن عدم الخلاف فيه إلاّ من ابن حمزة (6)،

ص:76


1- المقنعة:162.
2- التهذيب 3:191/56،الوسائل 8:415 أبواب صلاة الجماعة ب 65 ح 3.
3- التهذيب 2:1120/281،الوسائل 5:430 أبواب الأذان و الإقامة ب 25 ح 2.
4- الكافي 3:12/304،التهذيب 2:1100/277،الوسائل 5:429 أبواب الأذان و الإقامة ب 25 ح 1.
5- منهم الشهيد في الذكرى:173،المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:172،الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:205،صاحب الحدائق 7:389.
6- الوسيلة:106.

و ضعّفوه بالنصوص المزبورة،و الأولوية المستفادة من الرواية السابقة،من حيث دلالتها على سقوط الأذان و الإقامة عن الجماعة الثانية التي يتأكّدان فيها،بل قيل بوجوبهما فيها (1)،فلئن يسقطا في المنفرد الذي لا يتأكّدان في حقه كتأكّدهما فيها بطريق أولى.

و من هنا يظهر وجه تخصيصهم الخلاف بابن حمزة،حيث خصّ السقوط بالجماعة الثانية،مع أن عبائر الأكثر مختصة بها،لزعمهم شمول عبائر الأكثر للمنفرد بالفحوى،و به صرّح في روض الجنان،فقال:إنما خصّ المصنف الثانية بالجماعة لأنه يستفاد منها حكم المنفرد بطريق أولى (2).

و فيه نظر،لجواز أن تكون الحكمة في السقوط مراعاة جانب إمام المسجد الراتب بترك ما يوجب الحثّ على الاجتماع ثانيا،و هي مفقودة في المنفرد.

فانحصر دليل الإلحاق في النصوص،و أكثرها ضعيفة السند غير معلومة الجابر،بعد اختصاص عبائر الأكثر بالجماعة الثانية.

و الموثقة و إن اعتبر سندها،إلاّ أنها معارضة بمثلها:في الرجل أدرك الإمام حين سلّم،قال عليه السلام:«عليه أن يؤذّن و يقيم» (3).

و هو الأوفق بالأصل،و العمومات،و ظاهر فتوى الأكثر،فليكن بالترجيح أحقّ.

و حمله على صورة التفرق-مع بعده عن السياق-لا وجه له بعد فرض رجحانه على الموثّقة السابقة.

ص:77


1- القائل المفيد في المقنعة:97،و الشيخ في النهاية:64،و ابن حمزة في الوسيلة:91.
2- روض الجنان:241.
3- الفقيه 1:1170/258،التهذيب 3:836/282،الوسائل 5:431 أبواب الأذان و الإقامة ب 25 ح 5.

لكن يمكن أن يقال:إنها معتضدة بباقي الروايات،و فتوى الجماعة،مع دعواهم عدم الخلاف إلاّ من ابن حمزة.و يعضدها استدلال جملة ممن اختص عبارته بالجماعة (1)بها و أمثالها،و هي مختصة بالمنفرد،كما عرفت،فلو لا عدم الفرق بينه و بين الجماعة لخلا استدلالهم بها عن الوجه بالكلية.

و عليه فينبغي حمل الموثقة الأخيرة على الرخصة،و النهي في النصوص الأخيرة على الكراهة،جمعا بين الأدلّة.و هي ظاهر جماعة منهم الشيخ في ظاهر الخلاف و موضع من المبسوط (2)،و ظاهره في التهذيب:المنع (3)، كالعبارة و نحوها،و اقتصر جماعة على السقوط المطلق المحتمل للأمرين (4).

و لا ريب أن الترك أحوط،خروجا عن شبهة القول بالتحريم،مع معاضدته بما مر من الأخبار ،و صريح آخر:صلّينا الفجر فانصرف بعضنا و جلس بعض بالتسبيح،فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه،فقال عليه السلام:«أحسنت،ادفعه عن ذلك و امنعه أشدّ المنع»فقلت:فإن دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة،قال:«يقومون في ناحية المسجد و لا يبدر بهم إمام» (5).

لكنه-مع ضعف سنده-يتوهم منه المنع عن الجماعة الثانية مطلقا،و لو من غير أذان و إقامة،كما هو ظاهر الفقيه (6)،و تبعه بعض متأخّري المتأخّرين (7)،و هو خلاف النص المتقدم و المعروف من مذهب الأصحاب،بل

ص:78


1- كالشيخ في الخلاف 1:543،و العلامة في المنتهى 1:260.
2- الخلاف 1:542،المبسوط 1:152.
3- التهذيب 3:55.
4- منهم الشهيد الثاني في روض الجنان:241،و السبزواري في الذخيرة:253.
5- الفقيه 1:1215/266،التهذيب 3:190/55،الوسائل 8:415 أبواب صلاة الجماعة ب 65 ح 2،و في«ل»:«و لا يبدو لهم إمام».
6- الفقيه 1:265.
7- المحدث الكاشاني في الوافي 7:608.

لم ينقلوا فيه خلافه.

مع أنه معارض ببعض الأخبار الدالّة على كون السقوط رخصة لا عزيمة، ففيه:عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم،فقال:«ليس عليه أن يعيد الأذان،فليدخل معهم في أذانهم،فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان» (1).

و هل يختص الحكم بالمسجد-كما في ظاهر العبارة،و صريح جماعة (2)-أو يعمه و غيره؟ وجهان بل قولان،أجودهما الأول،اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن فتوى و رواية.و إطلاق بعضها يحتمل الورود مورد الغالب،و هو وقوع صلاة الجماعة الأولى-التي هي مفروض المسألة-في المساجد.

و منه يظهر الوجه في اشتراط اتحاد الصلاتين-الساقط من ثانيتهما الأذان -نوعا،أداء و قضاء،كما عن صريح النهاية و المبسوط و المهذب (3).قال المحقق الثاني و الشهيد الثاني:و هو متّجه إن كان قد تجدّد دخول وقت الصلاة الأخرى،أما لو أذّنوا و صلّوا الظهر في وقت فالظاهر أنّ من دخل ليصلّي العصر حينئذ لا يؤذّن،تمسكا بإطلاق الأخبار (4).

أقول:و هو غير بعيد،للشك في غلبة الاتحاد من جميع الوجوه.

و لو انفضّت و تفرقت الصفوف،بأن لا يبقى منهم و لو واحد،كما يستفاد من بعض الروايات السابقة (5)،و صرّح به جماعة (6)،فيكون مبيّنا لباقي

ص:79


1- الكافي 3:12/304،التهذيب 2:1100/277،الوسائل 5:429 أبواب الأذان و الإقامة ب 25 ح 1.
2- كالشيخ في النهاية:65،و المحقق في المعتبر 2:136،و العلامة في المنتهى 1:260.
3- النهاية:118،المبسوط 1:152،المهذّب 1:79.
4- جامع المقاصد 2:173،روض الجنان:241.
5- راجع ص:78.
6- منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:173،الشهيد الثاني في روض الجنان:241، و البحراني في الحدائق 7:388.

الروايات المطلقة،مع ظهور بعضها فيه أذّن الآخرون و أقاموا بلا خلاف، للأصل،و ما مر من النصوص (1).

و لو أذّن و أقام بنية الانفراد ثمَّ أراد الاجتماع استحب له الاستيناف لهما،وفاقا للمشهور،للموثق:في الرجل يؤذّن و يقيم ليصلي وحده،فيجيء رجل آخر فيقول له:نصلّي جماعة،هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان و الإقامة؟قال:«لا،و لكن يؤذّن و يقيم» (2).

قال الشهيد في الذكرى:و بها أفتى الأصحاب،و لم أر لها رادّا سوى الشيخ نجم الدين،فإنه ضعّف سندها بأنهم فطحية،و قرّب الاجتزاء بالأذان و الإقامة أوّلا (3).

و فيه إشعار بالإجماع على مضمون الخبر،كعبارته في الدروس (4)، و عبارة المحقق الثاني في شرح القواعد (5)،و إن نقل الخلاف عن الفاضل في المنتهى أيضا (6)،و موافقة الماتن في الاجتزاء،و به صرّح في التحرير أيضا (7)، و احتجّا عليه:بأنه قد ثبت جواز اجتزائه بأذان غيره مع الانفراد فبأذان نفسه أولى،و لا معارض له سوى الموثق،و قد عرفت تضعيفه سندا في المعتبر و كذا في المنتهى (8).

ص:80


1- في ص:76.
2- الكافي 3:13/304،التهذيب 2:1101/277،الوسائل 5:432 أبواب الأذان و الإقامة ب 27 ح 1.
3- الذكرى:174.
4- الدروس 1:164.
5- جامع المقاصد 2:173.
6- المنتهى 1:260.
7- التحرير 1:34.
8- المعتبر 2:137،المنتهى 1:260.

و فيه نظر:لمنع الضعف أوّلا،لكونه موثقا،و هو حجة كما قرّر في محله مستقصى،و على تقديره فهو مجبور بعمل الأصحاب.و الاجتزاء بأذان الغير لعلّه لمصادفة نية السامع للجماعة،فكأنه أذّن لها،بخلاف الناوي بأذانه الانفراد .

و يعضد المختار عموم ما دلّ على تأكّد استحباب الأذان و الإقامة في صلاة الجماعة،و المتبادر منهما ما وقع في حال نية الجماعة لا قبلها،و مع ذلك فالاستيناف أحوط و أولى.

الأمر الثالث:في كيفية الأذان و الإقامة

و أما كيفيته:

ف اعلم أنه لا يجوز أن يؤذّن لفريضة إلاّ بعد دخول وقتها إجماعا،و للتأسّي و النصوص،و الأصل،لوضعه للإعلام بدخول وقت الصلاة و الحثّ عليها و يقدّم في الصبح رخصة على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر،و ظاهر المنتهى دعوى الإجماع عليه (1)،كالمعتبر (2)،و قريب منه الذكرى في موضع (3)،حيث لم ينقل فيه خلافا،و كذا المحقق الثاني في شرح القواعد (4).

للصحاح المستفيضة،و غيرها من المعتبرة،بل ادّعى العماني تواترها (5)،ففي الصحيح:إن لنا مؤذّنا يؤذّن بليل،فقال:«أما إنّ ذلك لينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة،و أمّا السنّة فإنه ينادى مع طلوع الفجر،و لا يكون بين الأذان و الإقامة إلاّ الركعتان» (6).

ص:81


1- المنتهى 1:262.
2- المعتبر 2:138.
3- الذكرى:169.
4- جامع المقاصد 2:174.
5- حكاه عنه في المختلف:89.
6- التهذيب 2:177/53،الوسائل 5:390 أبواب الأذان و الإقامة ب 8 ح 7.

و روي:أنه كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مؤذّنان،أحدهما ابن أمّ مكتوم،و كان يؤذّن قبل الصبح (1).

إلاّ أن في الصحيح:عن الأذان قبل الفجر،فقال:«إذا كان في جماعة فلا،و إذا كان وحده فلا بأس» (2).

و لكنه شاذ غير معروف القائل،لأن الأصحاب ما بين مجوّز على الإطلاق لكن مع الحكم باستحباب أن يعيده بعد دخوله كما كان يؤذّن بلال بعد ابن أمّ مكتوم،و روي:أنه أذّن قبل الفجر فأمر بإعادته (3)،مع أن للوقت أذانا،و الأصل عدم سقوطه بسابقه.

و بين مانع كذلك،كالمرتضى و الحلي (4)،و حكي عن الإسكافي و الجعفي و الحلبي (5)،للأصل،و أمره صلّى اللّه عليه و آله بلالا بالإعادة إذا أذّن قبله،و نهيه له عن الأذان حتى يستبين له الفجر (6).

و الأصل معارض لما مر من النصوص.و الإعادة نقول بها.و نهي بلال- إن ثبت-لما عرفت من أن ابن أمّ مكتوم كان يؤذّن قبله.

نعم،في جملة من النصوص المروية في البحار عن كتاب زيد النرسي ما يدل على المنع (7).

ص:82


1- الفقيه 1:193،الوسائل 5:389 أبواب الأذان و الإقامة ب 8 ح 2.
2- الكافي 3:23/306،التهذيب 2:176/53،مستطرفات السرائر:1/93،الوسائل 5: 390 أبواب الأذان و الإقامة ب 8 ح 6.
3- درر اللئالي 1:144،المستدرك 4:26 أبواب الأذان و الإقامة ب 7 ح 3.
4- المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):30،الحلي في السرائر 1: 210.
5- حكاه عنهم في الذكرى:175،و هو في الكافي:121.
6- درر اللئالي 1:141،المستدرك 4:26 أبواب الأذان و الإقامة ب 7 ح 4.
7- بحار الأنوار 81:75/171،الأصول الستة عشر:54.

لكنها-مع عدم وضوح سندها-لا تقاوم الأخبار التي قدمناها من وجوه شتى،فكان طرحها متعيّنا،و إن كان ترك التأذين لعله أحوط و أولى،لئلاّ يغترّ العوام المعتمدون في دخول الوقت على الأذان،بل العلماء المجوّزون لذلك حيث لا يمكن تحصيل العلم به،تبعا لجملة من النصوص.

و ليس في أذان ابن أمّ مكتوم قبل الفجر منافاة لذلك،بعد إعلام النبي صلّى اللّه عليه و آله المسلمين بوقت أذانه،كما قال الصدوق:و كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مؤذّنان،أحدهما بلال،و الآخر ابن أمّ مكتوم،و كان ابن أمّ مكتوم أعمى،و كان يؤذّن قبل الصبح،و كان بلال يؤذّن بعد الصبح،فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إن ابن أمّ مكتوم يؤذّن بليل،فإذا سمعتم أذانه فكلوا و اشربوا حتى تسمعوا أذان بلال» (1).

نعم،لو فرض عدم الاغترار بذلك جاز التقديم بلا إشكال،و لعله مراد الأصحاب و إن أطلقت الجواز عباراتهم في الباب،عدا الشهيد في الذكرى، فقال:و ينبغي أن يجعل ضابطا في هذا التقديم ليعتمد عليه الناس (2).و كذا غيره (3).

و فصولهما على أشهر الروايات و الأقوال،بل المجمع عليه بين الأصحاب،على الظاهر،المستفاد من كثير من العبارات خمسة و ثلاثون فصلا،الأذان ثمانية عشر فصلا التكبير أربع،ثمَّ الشهادة بالتوحيد،ثمَّ بالرسالة،ثمَّ قول:حيّ على الصلاة،ثمَّ حيّ على الفلاح،ثمَّ حيّ على خير العمل،ثمَّ التكبير،ثمَّ التهليل،كل فصل مرتان.

ص:83


1- الفقيه 1:193-194،الوسائل 5:389 أبواب الأذان و الإقامة ب 8 ح 2.
2- الذكرى:169.
3- انظر جامع المقاصد 2:174،و المدارك 3:279.

و الإقامة سبعة عشر فصلا بنقص تكبيرتين من الأربع،و إبدالهما ب «قد قامت الصلاة»مرتين،بعد حيّ على خير العمل،و حذف تهليلة من آخرها.

و على هذا ف كله أي كل من الأذان و الإقامة مثنى مثنى عدا التكبير في أوّل الأذان،فإنه أربع،و التهليل في آخر الإقامة،فإنه مرة واحدة.

ففي الموثق كالصحيح:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:«الأذان و الإقامة خمسة و ثلاثون حرفا،فعدّ ذلك بيده واحدا واحدا،الأذان ثمانية عشر حرفا،و الإقامة سبعة عشر حرفا» (1).

و هو و إن كان مجملا غير مبيّن لفصولهما بالنحو المشهور،إلاّ أنه غير ضائر بعد ثبوت البيان من الإجماع،إذ لا قائل بما دلّ عليه من فصولهما معا، و كونها خمسة و ثلاثين،و الأذان ثمانية عشر،و الإقامة سبعة عشر،مع تغيير الفصول عما عليه المشهور.

مضافا إلى ثبوت بيان فصول الأذان من نصوص أخر معتبرة،ففي الحسن و غيره،الواردين فيه إنه:«اللّه أكبر،اللّه أكبر،اللّه أكبر،اللّه أكبر،أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،أشهد أنّ محمدا رسول اللّه،أشهد أنّ محمدا رسول اللّه،حيّ على الصلاة،حيّ على الصلاة،حيّ على الفلاح،حيّ على الفلاح،حيّ على خير العمل،حيّ على خير العمل،اللّه أكبر اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه إلاّ اللّه لا إله إلاّ اللّه» (2).

ص:84


1- الكافي 3:3/302،التهذيب 2:208/59،الاستبصار 1:1132/305،الوسائل 5: 413 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 1.
2- التهذيب 2:60،211/61،212،الاستبصار 1:1135/306،1136،الوسائل 5: 415 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 6،9.

و في الصحيح:«تفتح الأذان بأربع تكبيرات و تختمه بتكبيرتين و تهليلتين» (1).

مع أنّه لم أجد لهذه النصوص معارضا عدا النصوص الدالّة على تثنية التكبير في أوّله (2)،و هي و إن كانت معتبرة مستفيضة،متضمنة للصحيح و الحسن و غيرهما،إلاّ أنها شاذّة لا قائل بها،بل على خلافها الإجماع في صريح الخلاف و الناصرية و الغنية و المنتهى (3)،و ظاهر غيرها من كلمة كثير من أصحابنا (4).

مع أنها غير صريحة في المخالفة،لأنها ما بين مصرّح في بيان الفصول بتثنية التكبير،و هو يحتمل كون المقصود إفهام السائل التلفّظ به،لا بيان تمام عدده،كما ذكره شيخ الطائفة (5).

و هو و إن بعد في الغاية-كما ذكره جماعة (6)-إلاّ أنه أولى من طرحه،أو حمله على الجواز مع كون الفضل في الأربع،كما يستفاد من النهاية (7) و غيره (8)،أو على كون التكبيرتين الأوليين للإعلام،كما يستفاد من غيرهما (9)،

ص:85


1- الكافي 3:5/303،التهذيب 2:213/61،الاستبصار 1:1137/307،الوسائل 5: 413 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 2.
2- الوسائل 5:413 أبواب الأذان و الإقامة ب 19.
3- الخلاف 1:278،الناصرية(الجوامع الفقهية):192،الغنية(الجوامع الفقهية):557، المنتهى 1:254.
4- منهم المحقق في المعتبر 2:139،و الشهيد في الذكرى:169،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:191،و صاحب المدارك 3:279،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:207.
5- التهذيب 2:61.
6- منهم:صاحب المدارك 3:281،و صاحب المنتقى 1:506،و السبزواري في الذخيرة: 254.
7- النهاية:68.
8- انظر مجمع الفائدة 2:170،و المنتقى 1:505،و المفاتيح 1:117،و البحار 81:109.
9- انظر كشف اللثام 1:207.

فإنّ في ذلك خروجا عن الأخبار المعتمدة المجمع عليها،و هو غير جائز،و إن شهد لصحة الأخير الخبر المروي في علل الفضل:عن مولانا الرضا عليه السلام أنه قال:«علّة تربيع التكبير في أوله إن أوّل الأذان إنما يبدأ غفلة،و ليس قبله كلام ينبّه المستمع له،فجعل الأوليان تنبيها على الأذان» (1).

لعدم معارضته للأدلّة القاطعة،بل لا يبعد دعوى ظهوره في موافقتها،كما لا يخفى.

و بين دال على أن الأذان مثنى مثنى،كالصحيحين (2)و غيرهما (3)،و هو يحتمل القصد إلى بيان أغلب فصولهما،و لا بعد فيه،ألا ترى إلى الرضوي:

«أن الأذان ثماني عشرة كلمة،و الإقامة سبع عشرة كلمة»و ذكر فيه صورة الأذان و الإقامة بالتفصيل،بكون التكبير في أوّلهما أربعا،و الباقي مثنى مثنى،إلاّ التهليل في آخر الإقامة،فإنه واحدة،ثمَّ بعد تمام الذكر التفصيلي لهما قال:

«الأذان و الإقامة جميعا مثنى مثنى على ما وصفت لك» (4).

و هو حجّة أخرى على كون التكبير في أوّل الأذان أربعا،كما أنّه حجّة على وحدة التهليل في آخر الإقامة،فيكون مبيّنا-بالنسبة إليه-لإجمال الرواية السابقة (5)،مضافا إلى ثبوت بيانه أيضا بأدلّة أخر،كالإجماع الظاهر المحكي

ص:86


1- الفقيه 1:915/195،علل الشرائع:9/259،الوسائل 5:418 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 14،بتفاوت يسير.
2- الأول:الكافي 3:4/303،التهذيب 2:217/62،الاستبصار 1:1141/307، الوسائل 5:414 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 4. الثاني:التهذيب 2:214/61،الاستبصار 1:1138/307،الوسائل 5:415 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 7.
3- علل الشرائع:1/337،الوسائل 5:386 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 2.
4- فقه الرضا(عليه السلام):96،97،المستدرك 4:40 أبواب الأذان و الإقامة ب 18 ح 2.
5- في ص:84.

في صريح الناصرية و الغنية و المنتهى (1)،و ظاهر غيرها (2)،و الأخبار الأخر،منها الصحيح:«إذا دخل الرجل المسجد و هو لا يأتمّ بصاحبه و قد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذّن و أقام أن يركع فليقل:قد قامت الصلاة،قد قامت الصلاة،اللّه أكبر،اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه» (3).

و منها الخبر المروي عن دعائم الإسلام:«الأذان و الإقامة مثنى مثنى، و تفرد الشهادة في آخر الإقامة بقول:لا إله إلاّ اللّه،مرة واحدة» (4).

و أمّا النصوص الدالة على أن الإقامة مثنى مثنى كالأذان (5)،فالجواب عنها كما تقدم الآن،و من جملته شذوذها،لعدم قائل بها حتى الإسكافي (6)، و من حكي عنه الخلاف في المبسوط و الخلاف (7)،لتفصيل الأوّل بين الإقامة منفردة عن الأذان فالتهليل فيها مثنى مثنى،و معه فمرّة واحدة،و مصير الثاني إلى كون فصولها كالأذان حتى في التكبير أربعا أوّلهما مع زيادة:قد قامت الصلاة، فيها مرّتين.

و ليس في شيء من تلك النصوص دلالة على شيء من هذين القولين، كما لا دلالة لغيرها عليهما أيضا.

و منه-زيادة على ما مر-يظهر ضعفهما،و ضعف ما حكي في المبسوط

ص:87


1- الناصرية(الجوامع الفقهية):192،الغنية(الجوامع الفقهية):557،المنتهى 1:254.
2- منهم المحقق في المعتبر 2:140،الشهيد في الذكرى:169،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:191.
3- الكافي 3:22/306،التهذيب 2:1116/281،الوسائل 5:443 أبواب الأذان و الإقامة ب 34 ح 1.
4- دعائم الإسلام 1:144،المستدرك 4:41 أبواب الأذان و الإقامة ب 18 ح 4.
5- الوسائل 5:421 أبواب الأذان و الإقامة ب 19،20.
6- كما نقله عنه في المختلف:90.
7- المبسوط 1:99،الخلاف 1:91.

و الخلاف من القول بتربيع التكبير في آخرهما (1).

ثمَّ إن كل ذا مع الاختيار،و يجوز إفراد فصولهما عند الحاجة و الاستعجال،كما ذكره جماعة من الأصحاب (2)،للصحيح:رأيت أبا جعفر عليه السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان،فقلت له:لم تكبّر واحدة واحدة؟ فقال:«لا بأس به إذا كنت مستعجلا» (3).

و في المرسل:«لأن أقيم مثنى مثنى أحبّ إليّ من أن أؤذّن و أقيم واحدا واحدا» (4).

و في الخبر:«الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة،و الأذان واحدا واحدا و الإقامة واحدة واحدة» (5).

و في آخر:«يجزيك من الإقامة طاق طاق في السفر» (6).

و الترتيب بينهما و بين فصول كل منهما شرط في صحتهما بالإجماع،و النصوص.فإن تعمّد خلافه أثم إن قصد شرعيته،و إلاّ بطل فقط،كما إذا سها أو جهل فأخلّ،و يأتي بما يحصل معه الترتيب حينئذ.

و السنة أي المستحب فيه أي الأذان بالمعنى الأعم الشامل

ص:88


1- المبسوط 1:99،الخلاف 1:90.
2- منهم المحقق في المعتبر 2:140،و العلامة في النهاية 1:412 و صاحب المدارك 3: 281.
3- التهذيب 2:216/62،الاستبصار 1:1140/307،الوسائل 5:425 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 4.
4- التهذيب 2:218/62،الاستبصار 1:1142/308،الوسائل 5:423 أبواب الأذان و الإقامة ب 20 ح 2.
5- التهذيب 2:219/62،الاستبصار 1:1143/308،الوسائل 5:424 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 2.
6- التهذيب 2:220/62،الاستبصار 1:1144/308،الوسائل 5:425 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 5.طاق طاق أي:من غير تكرار.مجمع البحرين 5:210.

للإقامة الوقوف على فصوله بترك الإعراب من أواخرها،إجماعا،على الظاهر،المحكي عن المعتبر و التذكرة و في الخلاف و روض الجنان و المنتهى (1)،و غيرها (2)،للنص بأنهما:«مجزومان» (3)و في آخر:«موقوفان» (4).

و في الصحيح«الأذان جزم بإفصاح الألف و الهاء،و الإقامة حدر» (5).

و جعله الحلبي من شروطهما كما حكي (6)،و هو ظاهر النصوص،إلاّ أنه محمول على الاستحباب،للأصل المعتضد بالشهرة و الإجماع المنقول.

و أن يكون متأنّيا في الأذان بإطالة الوقوف على أواخر الفصول حادرا في الإقامة أي:مسرعا فيها بتقصير الوقوف على كل فصل،لا تركه،لكراهة إعرابهما لما مضى،بلا خلاف يعرف،كما عن التذكرة و في المنتهى (7)،للصحيح المتقدم بأن«الإقامة حدر»و نحوه آخر (8)،و في الخبر:«الأذان ترتيل،و الإقامة حدر» (9).

و الفصل بينهما أي بين الأذان و الإقامة بركعتين،أو جلسة،أو

ص:89


1- المعتبر 2:141،التذكرة 1:105،الخلاف 1:282،روض الجنان:244.المنتهى 1: 256.
2- كجامع المقاصد 2:184.
3- الفقيه 1:874/184،الوسائل 5:409 أبواب الأذان و الإقامة ب 15 ح 4.
4- الفقيه 1:874/184،الوسائل 5:409 أبواب الأذان و الإقامة ب 15 ح 5.
5- التهذيب 2:203/58،الوسائل 5:408 أبواب الأذان و الإقامة ب 15 ح 2،الحدر: الإسراع من غير تأن و ترتيل-مجمع البحرين 3:260.
6- الكافي في الفقه:121.
7- التذكرة 1:105،المنتهى 1:256.
8- الفقيه 1:871/184،التهذيب 2:204/58،الوسائل 5:408 أبواب الأذان و الإقامة ب 15 ح 3.
9- الكافي 3:26/306،التهذيب 2:232/65،الوسائل 5:429 أبواب الأذان و الإقامة ب 24 ح 3.

سجدة،أو خطوة،خلا المغرب،فإنه لا يفصل بين أذانيها إلاّ بخطوة،أو سكتة،أو تسبيحة على المشهور بين الأصحاب،بل عن المعتبر و التذكرة و في المنتهى (1)و غيره (2)الإجماع عليه،و المعتبرة به-مع ذلك-مستفيضة،ففي الصحيح:«افرق بين الأذان و الإقامة بجلوس،أو ركعتين» (3).

و هذه الرواية مطلقة كالفتاوى باستحباب الفصل بالركعتين و لو كانتا من غير الرواتب و في وقت الفرائض،لكن ظاهر جملة من النصوص التخصيص بالرواتب في أوقاتها،كما عن بعض (4)،ففي الصحيح:«القعود بين الأذان و الإقامة في الصلوات كلها إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة يصليها» (5).

و في آخر في حديث أذان الصبح قال:«السنّة أن ينادى مع طلوع الفجر، و لا يكون بين الأذان و الإقامة إلاّ الركعتان» (6).

و في الخبر:«يؤذّن للظهر على ستّ ركعات،و يؤذّن للعصر على ستّ ركعات» (7).

و في آخر مروي عن دعائم الإسلام،عن مولانا الباقر عليه السلام،قال:

«و لا بدّ من فصل بين الأذان و الإقامة بصلاة أو بغير ذلك،و أقلّ ما يجزي في صلاة المغرب التي لا صلاة قبلها أن يجلس بعد الأذان جلسة يمسّ فيها الأرض

ص:90


1- المعتبر 2:142،التذكرة 1:106،المنتهى 1:256.
2- كالذكرى:175،و جامع المقاصد 2:185،و الكفاية:17.
3- التهذيب 2:227/64،الوسائل 5:397 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 2.
4- انظر الحدائق 7:414.
5- الكافي 3:24/306،التهذيب 2:228/64،الوسائل 5:397 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 3.
6- التهذيب 2:177/53،الوسائل 5:449 أبواب الأذان و الإقامة ب 39 ح 4.
7- التهذيب 2:1144/286،الوسائل 5:449 أبواب الأذان و الإقامة ب 39 ح 5.

بيده» (1).

و يستفاد منها علة سقوط الفصل بالركعتين في المغرب بين الأذانين، و لا يبعد أن يكون ذلك مراد الأصحاب أيضا،كما يرشد إليه استثناؤهم المغرب -كالروايات-مع احتمال إحالتهم له على الوضوح من الخارج،من حرمة النافلة في وقت الفريضة،فهو أحوط،حتى أنه لا يصلى من الراتبة بينهما إذا خرج وقتها،و في الخبر:«لا بدّ من قعود بين الأذان و الإقامة» (2).

و إطلاقه-كأكثر الأخبار المتقدمة،و صريح بعضها-استحباب الفصل بالجلوس بينهما مطلقا،حتى في المغرب،كما عن النهاية و الحلي (3)،لكنهما قيّداه بالخفيف و السريع.

و يعضدها-زيادة على ذلك-الخبر:«من جلس فيما بين أذان المغرب و الإقامة كان كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه تعالى» (4).

و المروي عن مجالس الشيخ:قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«من السنة الجلسة بين الأذان و الإقامة في صلاة الغداة و صلاة المغرب و صلاة العشاء،ليس بين الأذان و الإقامة سبحة،و من السنة أن يتنفّل بركعتين بين الأذان و الإقامة في صلاة الظهر و العصر» (5)فتأمّل .

و المروي عن فلاح السائل للسيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس-رضي اللّه عنه-عن[الحسن بن] (6)معاوية بن وهب،عن أبيه،قال:

ص:91


1- دعائم الإسلام 1:145،المستدرك 4:30 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 1.
2- التهذيب 2:226/64،الوسائل 5:397 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 1.
3- النهاية:67،الحلي في السرائر 1:214.
4- التهذيب 2:231/64،الاستبصار 1:1151/309،الوسائل 5:399 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 10.
5- مجالس الشيخ:704،الوسائل 5:400 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 13.
6- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام وقت المغرب،فإذا هو قد أذّن و جلس، فسمعته يدعو (1)الحديث.

و ظاهره-كإطلاق البواقي-يدفع التقييد بالخفيف كما ذكراه،و لعلّهما أخذاه من مراعاة ما دلّ على ضيق وقت المغرب،و لا بأس به.بل الأحوط ترك الجلوس مطلقا،للمرسل:«بين كل أذانين قعدة إلاّ المغرب،فإنّ بينهما نفسا» (2)و لعلّ المراد به السكتة.

و ضعف السند مجبور بالشهرة،و ما عرفته من الإجماعات المحكية، و بذلك يترجّح على الأخبار المزبورة.

مع أن الصريح منها غير واضحة الأسانيد،و معتبرتها مطلقة قابلة للتقييد، و مع ذلك فهي بإطلاقها شاذّة غير معروفة القائل،لما عرفت من تقييد النهاية و السرائر (3)بما ليس فيها.

مع أن ظاهر الحلّي تخصيص استحباب الجلسة و باقي الأمور المتقدمة بالمفرد دون الجامع،فاستحب له الفصل بالركعتين (4).

و ذكر جماعة عدم وقوفهم على نصّ يدل على استحباب الخطوة و السجود،و إنما نسبوه إلى الأصحاب (5)،مشعرين بدعوى الإجماع،مع أنه روي في فلاح السائل:عن الصادق عليه السلام قال:«كان أمير المؤمنين عليه

ص:92


1- فلاح السائل:228،المستدرك 4:31 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 1.
2- التهذيب 2:229/64،الاستبصار 1:1150/309،الوسائل 5:398 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 7.
3- راجع ص 91.
4- السرائر 1:213.
5- منهم الشهيد الأول في الذكرى:175،و صاحب المدارك 3:287،و السبزواري في الكفاية: 17.

السلام يقول لأصحابه:من سجد بين الأذان و الإقامة فقال في سجوده:ربّ لك سجدت خاضعا خاشعا ذليلا يقول اللّه تعالى:ملائكتي،و عزّتي و جلالي لأجعلنّ محبته في قلوب عبادي المؤمنين،و هيبته في قلوب المنافقين» (1).

و روي فيه أيضا عنه عليه السلام أنه:«من أذّن ثمَّ سجد فقال:لا إله إلاّ أنت،ربّي سجدت لك خاضعا خاشعا غفر اللّه تعالى ذنوبه» (2).

و في الرضوي:«و إن أحببت أن تجلس بين الأذان و الإقامة فافعله،فإنّ فيه فضلا كثيرا،و إنما ذلك على الإمام،و أما المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمنى،ثمَّ يقول:باللّه أستفتح..» (3)و ذكر الدعاء.

و في الموثق:«إذا قمت إلى الصلاة الفريضة فأذّن و أقم،و افصل بين الأذان و الإقامة بقعود،أو بكلام،أو بتسبيح»قال:و سألته:و كم الذي يجزي بين الأذان و الإقامة من القول؟قال:«الحمد للّه» (4).

و في الصحيح:رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام أذّن و أقام من غير أن يفصل بينهما بجلوس (5).

و يستفاد منه كون الفصل به للاستحباب،كما فهمه الأصحاب مما مر من الأخبار الظاهرة في الوجوب.

و يكره الكلام في خلالهما و تتأكّد في الإقامة،بلا خلاف أجده إلاّ من القاضي،فكرهه في الإقامة خاصة (6)،مشعرا بعدمها في الأذان،و قريب

ص:93


1- فلاح السائل:152،الوسائل 5:400 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 14.
2- فلاح السائل:152،الوسائل 5:400 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 15.
3- فقه الرضا(عليه السلام):97،المستدرك 4:30 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 2.
4- الفقيه 1:877/185،التهذيب 2:162/49،الوسائل 5:397،399 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 4،11.
5- التهذيب 2:1138/285،الوسائل 5:399 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 9.
6- المهذّب 1:90.

منه الفاضل في المنتهى،فقال:و لا يستحب الكلام في أثناء الأذان-إلى أن قال-:و يكره في الإقامة بغير خلاف بين أهل العلم (1).

و في الكفاية:و يكره الكلام في أثناء الإقامة،و المشهور استحباب ترك الكلام في خلال الأذان،و مستنده غير واضح (2).

أقول:بل ظاهر النصوص عدم البأس به،ففي الصحيح:أ يتكلم الرجل في الأذان؟قال:«لا بأس»قلت:في الإقامة؟قال:«لا» (3).

و فيه:أ يتكلم الرجل في الأذان؟قال:«لا بأس» (4).و نحوه الموثق (5).

قال الشهيد الثاني و غيره-بعد نقل الصحيح الأوّل-:و لا ينافي الكراهة في الأذان،لأن الجواز أعم،و نفي البأس يشعر به،و قطع توالي العبادة بالأجنبي يفوّت إقبال القلب عليها (6).

و هو كما ترى،لكن لا بأس به بعد شهرة الكراهة،بناء على جواز المسامحة في أدلّتها.

و ظاهر الصحيح الأول و غيره تحريم التكلم في الإقامة،كما عن المفيد و المرتضى (7)و غيرهما (8)،إلاّ أنه محمول على الكراهة،جمعا بينها و بين

ص:94


1- المنتهى 1:256.
2- الكفاية:17.
3- الكافي 3:10/304،التهذيب 2:182/54،الاستبصار 1:1110/300،الوسائل 5: 394 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 4.
4- التهذيب 2:184/54،الوسائل 5:396 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 11.
5- التهذيب 2:183/54،الوسائل 5:394 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 6.
6- الشهيد الثاني في روض الجنان:244،و انظر جامع المقاصد 2:189.
7- المفيد في المقنعة:98،حكي عن جمل المرتضى في شرحه للقاضي:79،و في المختلف:88،و لكنّا لم نجده في النسختين المطبوعتين من الجمل عندنا.
8- انظر النهاية:66،و التهذيب 2:55.

الصحاح المستفيضة و غيرها،ففي الصحيح:عن الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة؟قال:«نعم» (1).

و نحوه آخر،لكن بزيادة قوله عليه السلام:«فإذا قال المؤذّن:قد قامت الصلاة،فقد حرم الكلام على أهل المسجد،إلاّ أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى و ليس لهم إمام،فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض:تقدم يا فلان» (2).

و نحوه في الزيادة الموثق:«إذا أقام المؤذّن فقد حرم الكلام،إلاّ أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام» (3).

و ظاهرهما-كغيرهما-تحريم الكلام بعد قول المؤذّن:قد قامت الصلاة،إلاّ ما يتعلق بالصلاة،من تقديم إمام أو تسوية صفّ أو نحو ذلك، كما عليه الشيخان و المرتضى و الإسكافي (4).

خلافا لعامّة المتأخرين إلاّ النادر (5)،فقطعوا بالكراهة،للمعتبرة المستفيضة،منها الصحيح و غيره المرويان في مستطرفات السرائر:أ يتكلم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟قال:«لا بأس» (6).

و يعضده إطلاق الصحيح السابق،بل عمومه الناشي عن ترك

ص:95


1- التهذيب 2:187/54،الاستبصار 1:1114/301،الوسائل 5:395 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 9.
2- التهذيب 2:189/55،الاستبصار 1:1116/301،الوسائل 5:395 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 7.
3- التهذيب 2:190/55،الاستبصار 1:1117/302،الوسائل 5:394 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 5،بتفاوت يسير.
4- المفيد في المقنعة:98،الطوسي في المبسوط 1:99،و حكاه عن المرتضى في المختلف: 90،و نقله عن الإسكافي في المختلف:90.
5- و هو الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:118.
6- مستطرفات السرائر:4/94،5،الوسائل 5:395 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 10،13.

الاستفصال عن كون المقيم مفردا أو جامعا،متكلّما قبل قد قامت الصلاة أو بعده،لما يتعلق بالصلاة أم غيره.

و نحوه الخبر:عن الرجل يتكلم في أذانه و إقامته؟فقال:«لا بأس» (1).

و أظهر منه آخر بحسب الدلالة و السند:«لا بأس بأن يتكلم الرجل و هو يقيم للصلاة،أو بعد ما يقيم إن شاء» (2).

و الجمع بينها و بين الأخبار السابقة و إن أمكن،بتقييد هذه بقبل قول:قد قامت الصلاة،أو بعده مع كون الكلام لما يتعلق بها،إلاّ أنه فرع التكافؤ المفقود هنا جدّا،لندرة القائل بالمنع،و مخالفته الأصل المقطوع به،المعتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا.فالكراهة الشديدة أقوى،و إن كان الترك حينئذ-بل مطلقا-أحوط و أولى.

و لو تكلم أعادها مطلقا،كما ذكره جماعة (3)،و نسبه في روض الجنان إلى الأصحاب كافة (4)،للصحيح:«لا تتكلم إذا أقمت الصلاة،فإنك إذا تكلّمت أعدت الإقامة» (5).

و لو تكلم في خلال الأذان لم يعده،عامدا كان أو ناسيا،إلاّ أن يتطاول بحيث يخرج عن الموالاة،و مثله السكوت الطويل.

و من الكلام المكروه الترجيع كما عليه معظم المتأخّرين،بل

ص:96


1- التهذيب 2:186/54،الاستبصار 1:1113/301،الوسائل 5:395 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 8.
2- التهذيب 2:188/55،الاستبصار 1:1115/301،الوسائل 5:395 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 10.
3- منهم الشهيد في الدروس 1:165،و صاحب المدارك 3:296،و صاحب الحدائق 7:428.
4- روض الجنان:245.
5- التهذيب 2:191/55،الاستبصار 1:1112/301،الوسائل 5:394 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 3.

عامتهم عدا نادر (1)،و في المنتهى و عن التذكرة أنه مذهب علمائنا (2).

و هو الحجة،مضافا إلى الإجماع في الخلاف على أنه غير مسنون (3)، فيكره لأمور:قلة الثواب عليه بالنسبة إلى أجزاء الأذان،و إخلاله بنظامه، و فصله بأجنبيّ بين أجزائه،و كونه شبه ابتداع.

و قال أبو حنيفة:إنه بدعة (4)،و عن التذكرة:هو جيّد (5)،و في السرائر و عن ابن حمزة أنه لا يجوز (6).

و هو حسن إن قصد شرعيّته،كما صرّح به جماعة من المحققين (7)، و إلاّ فالكراهة متعيّن،للأصل،مع عدم دليل على التحريم حينئذ،عدا ما قيل:من أن الأذان سنة متلقّاة من الشارع كسائر العبادات،فتكون الزيادة فيه تشريعا محرّما،كما تحرم زيادة:أن محمدا و آله خير البرية،فإن ذلك و إن كان من أحكام الإيمان إلاّ أنه ليس من فصول الأذان (8).

و هو كما ترى،فإن التشريع لا يكون إلاّ إذا اعتقد شرعيّته من غير جهة أصلا.

و منه يظهر جواز زيادة:أنّ محمدا و آله-إلى آخره-و كذا عليا وليّ اللّه، مع عدم قصد الشرعية في خصوص الأذان،و إلاّ فيحرم قطعا.و لا أظنّهما من

ص:97


1- و هو صاحب المدارك 3:290.
2- المنتهى 1:254،التذكرة 1:105.
3- الخلاف 1:288.
4- حكاه عنه في التذكرة 1:107.
5- التذكرة 1:105.
6- السرائر 1:212،ابن حمزة في الوسيلة:92.
7- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:188،و صاحب المدارك 3:290،و السبزواري في الذخيرة:257،و صاحب الحدائق 7:417.
8- المدارك 3:290.

الكلام المكروه أيضا،للأصل،و عدم انصراف إطلاق النهي عنه إليهما بحكم عدم التبادر،بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب الشهادة بالولاية بعد الشهادة بالرسالة (1).

و قد استثنى المتأخّرون-تبعا للشيخ (2)-من كراهة الترجيع ما أشار إليه بقوله إلاّ للإشعار و التنبيه،كما في الخبر:«لو أنّ مؤذّنا أعاد في الشهادة أو في حيّ على الصلاة أو حيّ على الفلاح المرّتين و الثلاث أو أكثر من ذلك إذا كان إماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس» (3).

و ضعف السند مجبور بالشهرة،بل الاتفاق،كما في صريح المختلف (4)،و ظاهر غيره (5).

و فيه دلالة على الكراهة بالمفهوم حيث لا يقصد الإشعار،لكن لا تصريح فيه بلفظ الترجيع،و لا معناه المشهور من تكرار الشهادتين مرّتين أخريين،كما في الخلاف و عن الجامع و التحرير و التذكرة و المنتهى و نهاية الإحكام (6)،و عن المبسوط و المهذب و في الدروس:أنه تكرير التكبير و الشهادتين في أول الأذان (7)،و عن جماعة من أهل اللغة:أنه تكرير الشهادتين جهرا بعد إخفاتهما (8).

ص:98


1- الاحتجاج:158،بحار الأنوار 81:112.
2- راجع النهاية:67،و المبسوط 1:95.
3- الكافي 3:34/308،التهذيب 3:225/63،الاستبصار 1:1149/309،الوسائل 5: 428 أبواب الأذان و الإقامة ب 23 ح 1.
4- المختلف:89.
5- انظر جامع المقاصد 2:188.
6- الخلاف 1:288،الجامع للشرائع:71،التحرير 1:35،التذكرة 1:105،المنتهى 1: 254،نهاية الإحكام 1:414.
7- المبسوط 1:95،المهذّب 1:89،الدروس 1:162.
8- منهم ابن الأثير في النهاية 2:202،و المطرزي في المغرب 1:203،و الفيروزآبادي في القاموس 3:29.

نعم فسّره في الذكرى بتكرار الفصل زيادة على الموظّف (1).و هو يوافق ما في الخبر،و قريب منه الرضوي:«ليس فيهما-أي في الأذان و الإقامة-ترجيع و لا ترديد و لا الصلاة خير من النوم» (2).فتأمّل.

و كذا التثويب مكروه،سواء فسّر بقول:الصلاة خير من النوم كما هو المشهور،أو بتكرير الشهادتين دفعتين،كما عليه الحلي و غيره (3)،أو بالإتيان بالحيعلتين مثنى بين الأذان و الإقامة كما قيل (4).

للإجماع على أنه بالمعنى الأوّل غير مسنون،كما في التهذيبين و الخلاف (5)،و فيه الإجماع على أنه في العشاء الآخرة بدعة (6)،و في الناصريات:أنه في صلاة الصبح بدعة (7)،و في الانتصار كذلك،إلاّ أنه قال:

إنه مكروه (8).و يظهر منه أن مراده بالكراهة المنع،حيث قال:و الدليل على صحة ما ذهبنا إليه من كراهيته و المنع منه الإجماع الذي تقدم.

و في السرائر الإجماع على أنه لا يجوز،و استدل عليه-كالناصرية و الخلاف-بعده بانتفاء الدليل على شرعيته،و بالاحتياط،لأنه لا خلاف في أنه لا ذمّ على تركه،فإنه إمّا مسنون أو غيره،مع احتمال كونه بدعة (9).

ص:99


1- الذكرى:169.
2- فقه الرضا(عليه السلام):96،المستدرك 4:44 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 1،و فيهما: «تردّد»بدل«ترديد».
3- السرائر 1:212،و انظر النهاية:67.
4- قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:118.
5- التهذيب 2:63،الاستبصار 1:308،الخلاف 1:286،287.
6- الخلاف 1:288.
7- الناصريات(الجوامع الفقهية):192.
8- الانتصار:39.
9- السرائر 1:212.

و ظاهره التحريم،كما عليه المشهور على الظاهر،المصرّح به في المختلف (1).و لا ريب فيه مع قصد الشرعية،كما في المسألة المتقدمة (2)،و إلاّ فما ذكروه من الأدلة على التحريم لا تفيده كلية عدا الإجماع،و في شمول دعواه لمحل الفرض إشكال،بل ظاهر سياق عباراتهم الإجماع على المنع عنه بالنحو الذي يراه جماعة من العامة من كونه سنة (3)،فمحصّله الإجماع على عدم كونه سنة،لا أنه محرّم مطلقا،و لو مع عدم قصد الشرعية.

و بالجملة:الظاهر أن محل النزاع الذي يدّعى فيه الإجماع إنما هو التثويب الذي يفعل بقصد الاستحباب،كما عليه العامة،و لذا أن المحقق الثاني مع تصريحه أوّلا بالتحريم مطلقا قال-بعد الاستدلال عليه و نقل معارضه من الأقوال و الأخبار-:نعم لو قاله معتقدا أنه كلام خارج من الأذان اتّجه القول بالكراهة،لكن لا يكون بينه و بين غيره من الكلام فرق،على أن البحث فيه مع من يقول باستحبابه في الأذان و عدّه من الفصول،فكيف يعقل القول بالكراهة (4).انتهى.

و لنعم ما أفاد و أجاد،رحمه اللّه.و يعضده ما في كتاب زيد النرسي عن مولانا الكاظم عليه السلام:«الصلاة خير من النوم بدعة بني أميّة،و ليس ذلك من أصل الأذان،و لا بأس إذا أراد الرجل أن ينبّه الناس للصلاة أن ينادي بذلك،و لا يجعله من أصل الأذان،فإنا لا نراه أذانا» (5)فتأمّل (6).

ص:100


1- المختلف:89.
2- راجع ص 97،98.
3- انظر نيل الأوطار 2:18،و المجموع 3:98.
4- جامع المقاصد 2:190.
5- الأصول الستة عشر:54،المستدرك 4:44 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 2.
6- وجهه أنه يحتمل أن يكون المراد بالرخصة في قوله،الرخصة فيه في غير الأذان،أي خارجه، و هو غير بعيد،و يشهد له ما روي فيه أيضا(أصل زيد النرسي:54،المستدرك 4:25،44) أنه عليه السلام سئل عن الأذان قبل طلوع الفجر،فقال:«لا،إنما الأذان عند طلوع الفجر أوّل ما يطلع،قيل:فإن كان يريد أن يؤذن الناس بالصلاة و ينبّههم،قال:فلا يؤذّن،و لكن ليقل و ينادي بالصلاة خير من النوم،يقولها مرارا،و إذا طلع الفجر أذّن»فتأمل.منه رحمه اللّه.

و به يجمع بين القول بالكراهة و التحريم،بحمل الأوّل على صورة عدم قصد الاستحباب و الثاني على قصده.فلا خلاف في المسألة إلاّ من الإسكافي،حيث قال:لا بأس به في أذان الفجر،و الجعفي حيث قال:تقول في أذان صلاة الصبح-بعد قولك:حيّ على خير العمل-:الصلاة خير من النوم،مرتين،و ليستا من الأذان (1).

و ظاهرهما عدم الكراهة،بل ظاهر الثاني الاستحباب،و هما شاذان مخالفان للإجماع المحكي-بل القطعي-فلا يمكن المصير إليهما،و إن أيّد الثاني الخبران،أحدهما الصحيح:«كان أبي ينادي في بيته بالصلاة خير من النوم» (2)و في الثاني الموثق:«النداء و التثويب في الإقامة من السنة» (3).

لشذوذهما،و عدم وضوح دلالتهما،لاحتمال كون النداء في الأوّل في غير الأذان،أو للتقية،و عدم معلوميّة المراد منه و من التثويب في الثاني كما قيل (4).و الأجود حمله على التقية.

و به يجاب أيضا عن الصحيح المروي في المعتبر عن كتاب البزنطي:

«إذا كنت في أذان الفجر فقل:الصلاة خير من النوم،بعد حيّ على خير العمل،

ص:101


1- حكاه عنهما في الذكرى:175.
2- التهذيب 2:222/63،الاستبصار 1:1146/308،الوسائل 5:427 أبواب الأذان و الإقامة ب 22 ح 4.
3- التهذيب 2:221/62،الاستبصار 1:1145/308،الوسائل 5:426 أبواب الأذان و الإقامة ب 22 ح 3.
4- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:209.

و قل بعد اللّه أكبر،اللّه أكبر:لا إله إلاّ اللّه،و لا تقل في الإقامة:الصلاة خير من النوم،إنما هذا في الأذان» (1).

و أما ما استبعده به الماتن بناء على اشتماله على حيّ على خير العمل، و هو انفراد الأصحاب.

فمنظور فيه،لجواز الإسرار به،فلا ينافي التقية.

و يدلّ على كراهة التثويب بالمعنى الثالث-زيادة على الإجماع المدعى عليها في الخلاف (2)-ظاهر خصوص الصحيح:عن التثويب الذي يكون بين الأذان و الإقامة،فقال:«ما نعرفه» (3).

الأمر الرابع:في اللواحق
اشارة

و أما اللواحق:ف اعلم أن من السنة حكايته أي الأذان عند سماعه ممن يشرع منه،بالإجماع المستفيض النقل (4)،و المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أذان سمع المؤذّن يؤذّن،قال مثل ما يقول في كل شيء» (5).

و ظاهره-كإطلاق البواقي-استحباب الحكاية له بجميع فصوله حتى الحيعلات.

خلافا للدروس،فجوّز الحولقة بدل الحيعلة (6)،و رواها في

ص:102


1- المعتبر 2:145،الوسائل 5:427 أبواب الأذان و الإقامة ب 22 ح 5.
2- الخلاف 1:289.
3- الكافي 3:6/303،الفقيه 1:895/188،التهذيب 2:223/63،الاستبصار 1: 1147/308،الوسائل 5:425 أبواب الأذان و الإقامة ب 22 ح 1.
4- كما في الخلاف 1:94،و التذكرة 1:109،و المنتهى 1:163،و الذكرى:170،و جامع المقاصد 2:191.
5- الكافي 3:29/307،الوسائل 5:453 أبواب الأذان و الإقامة ب 45 ح 1.
6- الدروس 1:163.

المبسوط (1)،و الظاهر أنها عاميّة،كما ذكره جماعة (2)،قال بعضهم:فإنه قد روى مسلم في صحيحه و غيره في غيره بأسانيد عن عمر و معاوية أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3)..و ذكر نحو الرواية (4).و عليه فيشكل الخروج بها عن ظواهر المستفيضة،كما صرّح به جماعة (5).

و هل يختص الحكم بالأذان،أم يعمّ الإقامة،ظاهر الأصل و اختصاص أكثر الفتاوى و النصوص بالأوّل يقتضيه،و به صرّح جمع (6).

خلافا للمحكي عن النهاية و المبسوط و المهذب،فالثاني (7).

و هو غير بعيد،لعموم التعليل في بعض تلك المستفيضة بأنّ ذكر اللّه تعالى حسن على كل حال (8)،و لا ريب أن الإقامة كالأذان في كونها ذكرا.

ثمَّ إن استحباب الحكاية ثابت على كل حال،إلاّ في الصلاة مطلقا، على ما حكي عن المبسوط و التذكرة و نهاية الإحكام (9)،لأن الإقبال على الصلاة أهمّ.و إن حكى فيها جاز،إلاّ أنه يبدّل الحيعلات بالحولقات.

و ذكر جماعة (10)أنه يستحب حكاية الأذان المشروع،فلا يحكى أذان

ص:103


1- المبسوط 1:97.
2- منهم المجلسي في البحار 81:176،و البهبهاني في حاشية المدارك(المدارك):156.
3- صحيح مسلم 1:12/289،سنن النسائي 2:25.
4- الحدائق 7:423.
5- منهم السبزواري في الذخيرة:256.
6- منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:191،و الشهيد الثاني في المسالك 1:27، و المجلسي في البحار 81:179.
7- النهاية:67،المبسوط 1:97،المهذّب 1:90.
8- علل الشرائع:1/284،الوسائل 1:314 أبواب أحكام الخلوة ب 8 ح 2.
9- المبسوط 1:97،التذكرة 1:109،نهاية الإحكام 1:429.
10- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:295،و الشهيد الثاني في الروض:245، و صاحب المدارك 2:191.

عصر الجمعة و المرأة حيث يكون حراما.قيل:و لا أذان الجنب في المسجد (1).

و فيه نظر،لعدم تعلق النهي به،بل باللبث الخارج من أذانه.

و قول ما يخلّ به المؤذّن من فصوله عمدا و سهوا،تحصيلا للأذان الكامل،و في الصحيح:«إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان و أنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه» (2).

و الكفّ عن الكلام بعد قول المؤذّن:قد قامت الصلاة،إلاّ أن يكون بما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام،أو تسوية صفّ،أو نحو ذلك،بل يكره ذلك كراهة مغلظة،حتى أنه قال بتحريمه جماعة،كما تقدم إليه الإشارة (3).

هنا مسائل ثلاث

و هنا مسائل ثلاث الأولى:إذا سمع الإمام أذانا جاز أن يجتزئ به عن أذانه في صلاة الجماعة و لو كان ذلك المؤذّن منفردا في صلاته و أذانه،على المشهور،بل لا خلاف فيه على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (4)،إلاّ من نادر (5)،لظاهر الصحيح السابق،مضافا إلى الخبرين المنجبرين بالعمل، في أحدهما:صلّى بنا أبو جعفر عليه السلام في قميص بلا إزار و رداء،و لا أذان و لا إقامة-إلى أن قال-:«و إني مررت بجعفر و هو يؤذّن و يقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك» (6).

ص:104


1- قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:192،و الشهيد الثاني في الروض:245.
2- التهذيب 2:1112/280،الوسائل 5:437 أبواب الأذان و الإقامة ب 30 ح 1.
3- راجع ص:94،95.
4- انظر المدارك 3:299،و الحدائق 7:429.
5- و هو الشهيد الثاني في المسالك،كما سيأتي.
6- التهذيب 2:1113/280،الوسائل 5:437 أبواب الأذان و الإقامة ب 30 ح 2.

و في الثاني:كنّا معه عليه السلام فسمع إقامة جار له بالصلاة،فقال:

«قوموا»فقمنا فصلّينا معه بغير أذان و لا إقامة،و قال:يجزئكم أذان جاركم» (1).

و ظاهرهما-من حيث التضمن للفظ الإجزاء-كون السقوط هنا رخصة لا عزيمة،و به صرّح جماعة (2).

و كذا ظاهرهما جواز الاجتزاء بالإقامة عنها أيضا،لكن يستفاد من أوّلهما اشتراط عدم التكلم بعدها.و هو حسن،لأن الكلام من المقيم بعد الإقامة مقتض لإعادتها،كما مضى،و هذه الإقامة أضعف حكما،فبطلانها بالكلام بعدها أولى.

و هل يجتزئ المنفرد بأذان المنفرد؟قال الشهيد-رحمه اللّه-:فيه نظر، أقربه ذلك،لأنه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى (3).و هو حسن.

ثمَّ إن إطلاق النص و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في المؤذّن بين كونه مؤذّن مصر،أو مسجد،أو منفردا.

و جزم بعضهم (4)باختصاص الحكم بمؤذّن الجماعة و المصر،و منع من الاجتزاء بسماع أذان المنفرد بأذانه-و هو ما عدا مؤذّن الجماعة و المصر-و حمل قولهم:و إن كان منفردا،على أن المراد بالمنفرد المنفرد بصلاته لا بأذانه.

و هو خروج عن إطلاق النصوص و الفتاوى المتقدمين،بل ظاهر الأخيرين منها.

الثانية:من أحدث في الأذان و الإقامة بنى بعد الطهارة و قبلها إذا لم يقع فصل فاحش،و لا يستأنف،بناء على عدم اشتراط الطهارة فيهما.و لكن

ص:105


1- التهذيب 2:1141/285،الوسائل 5:437 أبواب الأذان و الإقامة ب 30 ح 3.
2- منهم الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:116،و انظر المدارك 3:300،و الذخيرة:258.
3- راجع الذكرى:173.
4- الشهيد الثاني في المسالك 1:28.

الأفضل إعادة الإقامة،لتأكّد استحبابها فيها،و للخبر المروي عن قرب الإسناد:عن المؤذّن يحدث في أذانه أو في إقامته،قال:«إن كان الحدث في الأذان فلا بأس،و إن كان في الإقامة فليتوضّأ و ليقم إقامة» (1).

و قريب منه آخر:«الإقامة من الصلاة» (2)و من حكمها الاستيناف بطروّ الحدث في أثنائها،فتكون الإقامة كذلك(و يأتي على القول بالاشتراط وجوبها) (3).

و لو أحدث في الصلاة أعادها أي الصلاة و لا يعيد الإقامة إلاّ مع الكلام بما لا يتعلق بالصلاة،و إن أوجبنا الإعادة مع الحدث في الإقامة،كما عن صريح المبسوط (4).

قيل:و الفرق ظاهر (5).و لعلّ وجهه ما ذكره في المنتهى-بعد أن عزا الحكم إلى الشيخ-من أن فائدة الإقامة-و هي الدخول في الصلاة-قد حصل (6).

و الأولى الإعادة،كما يفهم من الرواية الأخيرة.

و أما الإعادة مع التكلّم فللصحيح:«لا تتكلّم إذا أقمت،فإنك إذا تكلّمت أعدت الإقامة» (7).

ص:106


1- قرب الإسناد:673/182،الوسائل 5:393 أبواب الأذان و الإقامة ب 9 ح 7.
2- الكافي 3:20/305،التهذيب 2:185/54،الاستبصار 1:1111/301،الوسائل 5: 396 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 12.
3- ما بين القوسين ليس في«ش».
4- المبسوط 1:98.
5- كشف اللثام 1:209.
6- المنتهى 1:258.
7- التهذيب 2:191/55،الاستبصار 1:1112/301،الوسائل 5:394 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 3.

الثالثة:من صلّى خلف من لا يقتدى به أذّن لنفسه و أقام لما مر:من عدم الاعتداد بأذان المخالف (1)،و للنصوص منها:«أذّن خلف من قرأت خلفه» (2).

و لو خشي فوات الصلاة خلفه اقتصر من فصوله على تكبيرتين و قد قامت الصلاة مرتين و تهليلة،كما في الصحيح المتقدم في بيان فصول الأذان و الإقامة (3).

ص:107


1- راجع ص 53.14.
2- الفقيه 1:1130/251،التهذيب 2:192/56،الوسائل 5:443 أبواب الأذان و الإقامة ب 34 ح 2.
3- في ص 87.

أما المقاصد فثلاثة:

الأوّل:في بيان أفعال الصلاة
أما واجبات الصلاة
الأول:النية

و أما المقاصد فثلاثة:

الأوّل:في بيان أفعال الصلاة و هي واجبة و مندوبة.

فالواجبات ثمانية:

الأوّل:النية و هي ركن و المراد به ما يلتئم منه الماهية مع بطلان الصلاة بتركه عمدا و سهوا،كالركوع و السجود.و ربما قيّد بالأمور الوجودية المتلاحقة ليخرج التروك،كترك الحدث في الأثناء،فإنها لا تعدّ أركانا عندهم.

و يمكن أن يكون المراد بالركن ما تبطل الصلاة بتركه مطلقا،فيكون أعم من الشرط.

و لكنه بعيد،و خلاف المصطلح عليه بينهم،و لذا قال الماتن بعد الحكم بالركنية و إن كانت بالشرط أشبه و لو صحّ الركنية بهذا المعنى بينهم

ص:108

لما كان بينها و بين الشرطية منافاة،فلا وجه لجعله لها مقابلا للركنية.

و كيف كان فلا خلاف في ركنيتها بهذا المعنى،و ادعى عليه جماعة اتفاق العلماء (1)،و هو الحجة بعد الكتاب (2)،و السنة المستفيضة الدالة على اعتبار الإخلاص في العبادة (3)،و أنه لا عمل بلا نية (4).و المناقشة في الدلالة واهية .

و اختلفوا في كون النية شرطا أو جزءا،فالذي اختاره الماتن هنا و كثير (5):

الأول،قال في المنتهى:لأن الشرط ما يقف عليه تأثير المؤثّر،أو ما يقف عليه صحة الفعل،و هذا متحقق فيها،و أيضا فإنها تقع مقارنة لأوّل جزء من الصلاة-أعني التكبير-أو سابقة عليه،فلا يكون جزءا (6).

و هما ضعيفان ،كأكثر الوجوه المستدل بها على القولين .و قد فرع عليهما أمور لا يتفرع بعضها عليهما،و بعضها قليل الفائدة.

و حيث كانت المسألة بهذه المثابة كانت الفائدة في تحقيقها قليلة، فالإعراض عن الإطالة فيها أولى،و الاشتغال بتحقيق ما هو أهمّ أحرى و هو أنه لا بد في النية من نية القربة و هي غاية الفعل المتعبّد به،قرب الشرف لا الزمان و المكان،لتنزّهه تعالى عنهما،و لو جعلها للّه تعالى كفى .

و التعيين من ظهر و عصر أو غيرهما. و الوجوب إن كان واجبا أو الندب إن كان مندوبا. و الأداء إذا كان في الوقت أو القضاء إذا كان

ص:109


1- منهم العلامة في المنتهى 1:266،و التذكرة 1:111،و الشهيد الثاني في المسالك 1: 28.
2- الأنعام:162،الإسراء:23،البينة:5.
3- الوسائل 1:59 أبواب مقدمة العبادات ب 8.
4- الوسائل 1:46 أبواب مقدمة العبادات ب 5.
5- كالمحقق في المعتبر 2:149،و الشهيد الثاني في روض الجنان:254،و صاحب المدارك 3:308.
6- المنتهى 1:266.

في خارجه.

و لا إشكال في اعتبار الأوّلين،لما مضى في أوّلهما،و دعوى الفاضل في التذكرة و غيره في الثاني إجماعنا (1)،و نفى عنه الخلاف في المنتهى (2).

و هو الحجة،مضافا إلى أن الفعل إذا كان مما يمكن وقوعه على وجوه متعدّدة افتقر اختصاصه بأحدها إلى النية،و إلاّ لكان صرفه إلى البعض دون البعض ترجيحا من غير مرجح،مع أن الامتثال عرفا متوقف عليه جدّا.

و منه يظهر الوجه في عدم الإشكال في اعتبار البواقي،حيث تكون الذمة مشغولة بكل من الواجب و المندوب أو الأداء و القضاء،إذ مع عدم تشخيص المتعبد به المشترك بين هذه الأفراد بأحد مشخصاتها لم يصدق الامتثال عرفا مطلقا و لو صرف إلى بعض الأفراد بعده،مع أنه ترجيح من غير مرجّح،كما مضى.و أما مع تشخص الفعل في الواقع شرعا فمشكل جدا.

و إليه أشار بعض الأفاضل،فقال-بعد نقل الاستدلال من الجماعة على اعتبار الفصول الباقية،بأن جنس الفعل لا يستلزم وجوهه إلاّ بالنية،فكلّ ما أمكن أن يقع على أكثر من وجه واحد افتقر اختصاصه بأحد الوجوه إلى النية، فينوي الظهر مثلا ليتميّز عن بقية الصلوات،و الفرض ليتميّز عن إيقاعه ندبا، كمن صلّى منفردا ثمَّ أدرك الجماعة،و كونها أداء ليتميز عن القضاء-ما صورته:

و هو استدلال ضعيف،فإنّ صلاة الظهر مثلا لا يمكن وقوعها من المكلف في وقت واحد على وجهي الوجوب و الندب،ليعتبر تميّز أحدهما من الآخر، لأن من صلّى الفريضة ابتداء لا تكون صلاته إلاّ واجبة،و من أعادها ثانيا لا تقع

ص:110


1- التذكرة 1:111،و انظر المدارك 3:310.
2- المنتهى 1:266.

إلا مندوبة،و قريب من ذلك الكلام في الأداء و القضاء (1).

أقول:و يمكن أن يقال:إن مرادهم من الإمكان.الإمكان بحسب النية لا بحسب الشريعة،و عليه فيمكن وقوع صلاة الظهر الواجبة على جهة الندب بحسب قصد المكلف إمّا عمدا،أو سهوا،أو جهلا،و لا ريب أنها بهذه الجهة و هذه الصفة غير مأمور بها في الشريعة،فتكون فاسدة،كما أنه لو صلاّها بقصد العصر فسدت.و كذلك الكلام لو صلاّها أداء زاعما بقاء الوقت مع خروجه،أو قضاء زاعما خروجه مع بقائه بطلت أيضا،كما صرّح به في المنتهى (2)،جاعلا له من فروع المسألة،مشعرا بعدم الخلاف في الأصل بيننا،بل عن ظاهر التذكرة أن عليه إجماعنا (3).

و هو الحجة المؤيّدة بالشهرة العظيمة،حتى ممن تأمّل في اعتبار قصد الوجه في الطهارة،كشيخنا الشهيد الثاني في الروضة،حيث إن ظاهره في كتاب الطهارة التردّد في اعتبار قصد الوجه،بل الجزم بعدمه،مدعيا عدم الدليل عليه،و عدم اشتراك في الوضوء حتى في الوجوب و الندب،قال:لأنه في وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلاّ واجبا،و بدونه ينتفي (4).

و ظاهره في هذا الكتاب الجزم باعتباره مطلقا-كما هو ظاهر اللمعة-قائلا في تقريبه:و لمّا كان القصد متوقفا على تعيين المقصود بوجه ليمكن توجّه القصد إليه،اعتبر فيها إحضار ذات الصلاة،و صفاتها المميزة لها حيث تكون مشتركة،و القصد إلى هذا المعيّن متقرّبا،و يلزم من ذلك كونها معيّنة الفرض،

ص:111


1- المدارك 3:310.
2- المنتهى 1:266.
3- التذكرة 1:111.
4- الروضة البهية 1:72.

و الأداء أو القضاء،و الوجوب أو الندب (1).

و لا يخفى ما بين كلاميه في المقامين من التدافع (2).و ما ذكرناه من التوجيه لتصحيح نحو الكلام الثاني غير نافع في كلامه الأول،لظهوره في أن المراد بالإمكان الإمكان بحسب الشرع،لا قصد المكلف،و إلاّ فيمكن وقوع الوضوء أيضا من المكلّف بقصد الندب حيث يكون واجبا عليه،و بالعكس، كما إذا قصد الوجوب بظن دخول الوقت أو يقينه ثمَّ انكشف عدمه،و بالعكس، مع انه صرّح بعدم إمكانه على الوجهين،و ليس إلاّ من حيث إرادته منه إيّاه بحسب الواقع و هو جار في المقام كما ذكره من مرّ من بعض الأفاضل (3).و لكن الجواب عنه بما عرفت ظاهر.

لكن يمكن أن يقال:إن مقتضاه وجوب قصد الوجه إذا بنى المكلف على التعدد عمدا أو تشريعا مثلا.و أمّا إذا بنى على الاتحاد مع كونه في الواقع كذلك

ص:112


1- اللمعة(الروضة البهية 1):252.
2- بناء على أن قوله:معيّنة الفرض،إلى آخر الفصول،إنما هو من كلام المتن-أي اللمعة- و ظاهره اعتبار هذه الفصول في النية على الإطلاق و لو في محلّ البحث المشخّص فيه المنوي الذي لم يحصل فيه اشتراك شرعي،و حينئذ فتفريع هذا الإطلاق على ما ذكره من الدليل و التوجيه المشار إليه بقوله:و لمّا كان.لا يتم إلاّ بجعل الاشتراك المستفاد من قوله:حيث يكون مشتركة،أعم من الاشتراك في الشرع أو بحسب نية المكلّف،أو جعل متعلق الظرف- و هو حيث-قوله:المميّزة،و المعنى حينئذ ان الصفات المميزة للصلاة-حيث يقع فيها اشتراك -إحضارها معتبر في النيّة،نعم لو أرجعناه إلى قوله:اعتبر،أفاد انحصار اعتبار هذه المميّزات فيما إذا حصل هنا اشتراك شرعي لا مطلقا،فلا يدخل فيه محل النزاع،و يوافق ما صرّح به في كتاب الطهارة،لكنه بعيد عن سياق العبارة،لبعد المرجع أوّلا،و عدم استقامة تفريع إطلاق المتن باعتبار الفصول على ما ذكره من التوجيه ثانيا،إذ غايته على هذا التقدير انما هو وجوب اعتبارها في النيّة حيثما يحصل فيه اشتراك لا مطلقا،كما أفاده إطلاق المتن.و حينئذ فيتعيّن الأول و يصح التفريع و يظهر المنافاة بين ما هنا و بين ما ذكره في كتاب الطهارة.منه قدس سره.
3- المدارك 3:310.

و قصده متقربا فقد قصد الذي هو متصف بالوجوب أو الندب،لأنه أحضر المنوي المتصف بأحدهما واقعا،لأن النية أمر بسيط فيكون ممتثلا و إن لم يخطر بباله كون ما أتى به واجبا أو مندوبا،لأن الامتثال يحصل بقصد المأمور به المعيّن،و إن كان الواجب أن لا يخطر ما هو متصف بالوجوب بصفة الندب، و لا العكس.

مع إمكان التأمّل في هذا أيضا،كما عن الماتن في بعض تحقيقاته في نية الوضوء،حيث إنه-بعد أن استظهر عدم اشتراط نية الوجه في صحته-قال في جملة كلام له:و ما يقوله المتكلمون-من أن الإرادة تؤثّر في حسن الفعل و قبحه،فإذا نوى الوجوب و الوضوء مندوب فقد قصد إيقاع الفعل على غير وجهه-كلام شعري،و لو كان له حقيقة لكان الناوي مخطئا في نيّته،و لم تكن النيّة مخرجة للوضوء عن التقريب (1).انتهى.

و هو في غاية الجودة،لكن ينبغي تخصيصه بصورة ما إذا نوى المأمور به المعيّن في الوقت الذي يفعله و كان واحدا،كما فرضنا.

و لكن الأحوط اعتبار الوجه مطلقا،كما ذكروه،خروجا عن شبهة الإجماع المؤيّدة بالشهرة العظيمة بين الأصحاب،و إن خالف فيه جماعة من محقّقي متأخّري المتأخّرين (2).

و اعلم أن شيخنا في الروضة-بعد اختياره مذهب الأصحاب،و تحقيقه الأمر في النية-قال:-و لنعم ما قال-و قد تلخّص من ذلك أن المعتبر في النية أن يحضر بباله مثلا صلاة الظهر الواجبة المؤداة،و يقصد فعلها للّه تعالى،و هذا أمر سهل،و تكليف يسير،قبل أن ينفكّ عن ذهن المكلف عند إرادته الصلاة،

ص:113


1- حكاه عنه في الذخيرة:23.
2- انظر مجمع الفائدة و البرهان 1:98،و المدارك 3:310،و الذخيرة:24،و نقل في مفتاح الكرامة 1:220 عن شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني.

و كذا غيرها،و تجشّمها زيادة على ذلك وسواس شيطاني قد أمرنا بالاستعاذة منه و البعد عنه (1).

و لا يشترط نية القصر و لا الإتمام مطلقا و لو كان المصلّي المدلول عليه بالمقام مخيّرا بينهما،فيما جزم به كثير من الأصحاب على الظاهر، المصرح به في الذكرى (2).

و استدل عليه في المنتهى فقال:أما في مواضع لزوم أحدهما فلا يفتقر إلى نيته،لأن الفرض متعيّن له،و أما في مواضع التخيير-كالمسافر في أحد المواطن الأربعة-فلا يتعين أحدهما بالنيّة،بل جائز له أن يقتصر على الركعتين و جائز أن يتمّ،فلا يحتاج إلى التعيين (3).و قريب منه كلام المحقق الثاني في شرح القواعد (4).

و هو حسن على ما قدمناه،إلاّ أن في التعليل الأوّل منافاة لما ذكروه في اشتراط نية الوجه،من اشتراك المتعبّد به بين فصوله لا يتعين لأحدها إلاّ بنيّته، بناء على ما وجّهناه به،من أن المراد بالاشتراك الاشتراك بحسب نيّة المكلّف لا الواقع،و هذا الوجه جار في المقام،لإمكان أن ينوي ما كلّف به من قصر أو إتمام بضده،و الفرض أن التعيّن واقعا غير كاف.

و بالجملة فالجمع بين الكلامين مشكل،إلاّ أن يقيّد الأول بما إذا حصل اشتراك في المتعبّد به واقعا،كما إذا كان عليه واجب و ندب أو أداء و قضاء،و لا ريب في اشتراط قصد الوجه حينئذ،كما قدمناه،و الشاهد على هذا التقييد كلامهم هنا.لكن مقتضى ذلك الاكتفاء باشتراط نية التعيين عن نية الوجه،فلا

ص:114


1- الروضة البهية 1:255.
2- الذكرى:117.
3- المنتهى 1:266.
4- جامع المقاصد 2:231.

وجه لاشتراطها أيضا إلاّ لزومه مطلقا،و لو كان المتعبد به في الواقع واحدا، و ربما يشير إليه أيضا ما قدمناه عن المنتهى من التفريعات (1)،فتأمّل جدّا.

و كيف كان،فالمتجه على ما قدمناه صحة ما حكموا به هنا من غير خلاف أجده إلاّ من المحقق الثاني،فأوجب مع التخيير نية أحدهما (2).

و احتمله الشهيد-رحمه اللّه-في الذكرى،قال:لأن الفرضين مختلفان،فلا يتخصص أحدهما إلاّ بالنية،و على الأوّل لو نوى أحدهما فله العدول إلى الآخر،و على الثاني يحتمل ذلك،لأصالة بقاء التخيير،و يحتمل جواز العدول من التمام إلى القصر دون العكس،كيلا يقع الزائد بغير نية (3).و هو كما ترى .

و يتعين استحضارها عند أوّل جزء من التكبير خاصة،أو مستمرة إلى انتهائه،أو بين الألف و الراء،أو قبله متصلة به،بحيث يكون آخر جزء منها عند أول جزء منه،على اختلاف الآراء،بعد اتفاقها على لزوم أصل المقارنة في الجملة،على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (4).

و يظهر من التذكرة دعوى الإجماع على صحة العبادة بالمقارنة بالمعنى الأخير (5).

و به يضعف القول الثالث لو أريد به تعيينه،مضافا إلى ندرة قائله، و استلزامه-زيادة على العسر-حصول أوّل التكبير بغير نية.

و بذلك يضعف الثاني أيضا لو أريد به التعيين،مع عدم وضوح مأخذه

ص:115


1- راجع ص:110.
2- جامع المقاصد 2:231.
3- الذكرى:177.
4- منهم العلامة في التحرير 1:37،و الشهيد الأول في الذكرى:177،و صاحب المدارك 3: 313.
5- التذكرة 1:112.

إلاّ ما يقال:من أن الدخول في الصلاة إنما يتحقق بتمام التكبير،بدليل أن المتيمّم لو وجد الماء قبل إتمامه وجب عليه استعماله بخلاف ما لو وجده بعد الإكمال،و المقارنة معتبرة في النية فلا يتحقق من دونها.

و يضعف تارة:بأن آخر التكبير كاشف عن الدخول في الصلاة من أوّله.

و اخرى:بأن الدخول في الصلاة يتحقق بالشروع في التكبير،لأنه جزء من الصلاة بالإجماع،فإذا قارنت النية أوّله فقد قارنت أو الصلاة،لأن جزء الجزء جزء،و لا ينافي ذلك توقف التحريم على انتهائه و وجوب استعمال الماء قبله،لأن ذلك حكم آخر لا ينافي المقارنة.

و ثالثة:باستلزامه العسر و الحرج المنفيين شرعا.و الحقّ أن هذا الجواب جار أيضا في التفسير الأوّل،كما أجاب به عنه الحلّي على ما حكاه عنه في التنقيح (1)،و لذا اختار هو التفسير الأخير،و هو أسلم التفاسير و أوضحها، مع دعوى الإجماع على حصول المقارنة به،كما مضى هذا.

مع أن هذه التفاسير كلها تناسب القول بأن النية عبارة عن الصورة المخطرة بالبال،كما هو المشهور بين الأصحاب،دون القول بأنها عبارة عن الداعي إلى الفعل،كما هو المختار،لأنها بهذا المعنى لازمة الاقتران من الفاعل المختار،فلا يحتاج إلى هذه التدقيقات.

و قد تقدم الكلام فيها و في وجوب استدامتها حكما حتى الفراغ، في بحث الوضوء من كتاب الطهارة،من أراد التحقيق فليراجع ثمة (2).

الثاني:التكبير

الثاني:التكبير تكبيرة الإحرام،نسبت إليه لأن بها يحصل الدخول

ص:116


1- التنقيح الرائع 1:193.
2- في ج 1:ص 117-121.

في الصلاة،و يحرم ما كان محلّلا قبلها من الكلام و غيره.

و هو ركن في الصلاة تبطل بتركه مطلقا،إجماعا منّا و من أكثر العامة، بل جميع الأمّة إلاّ النادر منهم،كما حكاه جماعة (1)،و للصحاح المستفيضة المصرّح جملة منها بفساد الصلاة بتركه نسيانا (2)،ففي العمد و ما في معناه أولى.

و ما في شواذها-مما ينافي بظاهره ذلك،من عدم البأس بتركها نسيانا مطلقا،كما في بعض (3)،أو إذا كبّر للركوع فيجتزئ به،كما في آخر (4)،أو قضائه قبل القراءة أو بعدها،كما في ثالث (5)،أو قبل الركوع و إلاّ فيمضي،كما في رابع (6)-مؤوّل بتأويلات غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلّة.

و صورته: التي يجب الاقتصار عليها إجماعا،كما في الانتصار و الناصرية و المنتهى و عن الغنية (7)،و تأسّيا بصاحب الشريعة اللّه أكبر،مرتّبا بين الكلمتين،بتقديم الاولى على الثانية،مواليا بينهما،غير مبدّل حرفا منهما بغيره،و لا كلمة بأخرى،و لا مزيد لها و لا لحرف مطلقا،حتى الألف بين اللام

ص:117


1- منهم المحقق في المعتبر 2:151،و الشهيد في الذكرى:178،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:235،و صاحب المدارك 3:319.
2- الوسائل 6:12 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2.
3- الوسائل 6:15 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 9،10.
4- الفقيه 1:100/226،التهذيب 2:566/144،الاستبصار 1:1334/353،الوسائل 6:16 أبواب تكبيرة الإحرام ب 3 ح 2.
5- الفقيه 1:1001/226،التهذيب 2:567/145،الاستبصار 1:1331/352،الوسائل 6:14 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 8.
6- التهذيب 2:568/145،الاستبصار 1:1332/352،الوسائل 6:15 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 10.
7- الانتصار:40،الناصرية(الجوامع الفقهية):196،المنتهى 1:268،الغنية(الجوامع الفقهية):557.

و الهاء من اسمه تعالى على الأحوط بل الأولى،غير معرّف لأكبر،و لا مضيف له إلى شيء،و لا غير ذلك،و إن وافق القانون العربي،وفاقا للمشهور،لما مر.

خلافا للإسكافي،فجوّز التعريف على كراهية (1).و لهم،فجوّزوا زيادة الألف بين اللام و الهاء إذا مدّه،بحيث لا يزيد على العادة،أو زاد و لكن لم يخرج الكلمة عن هيئتها على كراهية،كما يأتي،لعدم تغيّر المعنى.

و هما ضعيفان،لما مر.و لا سيّما الأوّل،بل هو شاذّ على خلافه الإجماع،كما عرفته،و ما اخترناه في الثاني خيرة المبسوط،كما قيل (2).

و منه-مضافا إلى القاعدة المتقدمة-يظهر أنه لا ينعقد التكبير بالترجمة عنه بمعناه مطلقا و لا مع الإخلال بشيء منه و لو بحرف مطلقا،حتى بهمزة الجلالة متصلة بالنية المتلفّظ بها،فإنّ الإخلال بها بإسقاطها بالدرج حينئذ و إن وافق العربيّة إلاّ أنه مخالف لما قدمناه من الأدلّة.

و مع التعذر و العجز عن الإتيان به بصيغة العربية المأثورة تكفي الترجمة عن معناه بلغته،أو مطلقا مع المعرفة بها،و لا يتعين السريانية و العبرانية،و لا الفارسية بعدهما.و إن قيل بتعين الثلاثة مرتّبا بينهما كما قلنا، لعدم وضوح مستنده،و إن كان مراعاته أولى.

و هذا الحكم مشهور بين الأصحاب،بل لا يكاد يظهر فيه منهم خلاف عدا بعض متأخّريهم (3)،فاحتمل سقوط التكبير،وفاقا لبعض العامة العمياء (4)، مع أنه و غيره (5)ادّعيا كونه مذهب علمائنا و أكثر العامة،معربين عن كونه مجمعا

ص:118


1- كما حكاه عنه في المنتهى 1:268.
2- المبسوط 1:102.
3- صاحب المدارك 3:320.
4- كما في المغني و الشرح الكبير 1:543.
5- كصاحب الحدائق 8:32.

عليه بيننا،و معه لا وجه للاحتمال،و إن اتّجه من دونه،لضعف ما يقال في توجيه الحكم و دليله،كما بيّنته في شرح المفاتيح،من أراده فعليه بمراجعته.

و إطلاق العبارة و نحوها يقتضي كفاية الترجمة مع التعذّر مطلقا،من دون الاشتراط لضيق الوقت،حتى لو صلّى مترجما في أوّل الوقت مع علمه بعدم إمكان التعلّم إلى آخره لكفى،و به صرّح بعض الأصحاب (1).

خلافا لآخرين،فاشترطوه (2).و هو حسن مع إمكان التعلّم لا مطلقا.

و لا يجب التعلم ما أمكن بلا خلاف أجده،لتوقف الواجب عليه، و لا يتمّ إلاّ به،فيجب و لو من باب المقدمة.

و الأخرس الذي سمع التكبيرة و أتقن ألفاظها و لا يقدر على التلّفظ بها أصلا،و كذا من بحكمه،كالعاجز عن النطق لعارض ينطق بالممكن منها و يعقد قلبه بها أي بالتكبيرة و لفظها و أنها ثناء عليه تعالى،لا معناها المطابقي،إذ لا يجب إخطاره بالبال.

و أما قصد اللفظ فلا بدّ منه مع الإشارة بلا خلاف في اعتبارها،و إن اختلف في اعتبار ما زاد عليها من عقد القلب خاصة أيضا،كما هنا و في الشرائع و الإرشاد و عن النهاية (3)،أو بزيادة تحريك اللسان،كما في القواعد و روض الجنان و عن الشهيد في البيان (4)،أو الاكتفاء بالإشارة خاصة،كما في التحرير و المنتهى (5)حاكيا له عن الشيخ،و حكى عنه في المبسوط و عن المعتبر في

ص:119


1- كالعلامة في نهاية الإحكام 1:456.
2- كالمحقق في الشرائع 1:79،و العلامة في القواعد 1:32،و يحيى بن سعيد في الجامع: 79،و صاحب المفاتيح 1:126.
3- الشرائع 1:79،الإرشاد 1:152،النهاية:75.
4- القواعد 1:32،روض الجنان:259،البيان:155.
5- التحرير 1:37،المنتهى 1:268.

الذخيرة (1).

لكن الظاهر أن عقد القلب بالتكبيرة لا بدّ منه،و إلاّ لما تشخّص لها الإشارة عن غيرها،و لعلّه مراد الجماعة،فاتّحد قولهم مع ما في العبارة.

بقي الكلام في اعتبار تحريك اللسان،و استدل على اعتباره بوجوبه مع القدرة على النطق،فلا تسقط،إذا لا يسقط الميسور بالمعسور،فهو أحد الواجبين.

و لا يخلو عن نوع نظر ،كالاستدلال له و لاعتبار الإشارة بالخبر:«تلبية الأخرس و تشهّده و قراءته للقرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه» (2)لخروجه عن المفروض كما ترى،إلاّ أن يستدلّ به عليه بالفحوى،أو عدم تعقّل الفرق بين التكبير و مورد الخبر أصلا،فتدبّر.

و كيف كان،فلا بد من اعتبار ما عدا التحريك،لعدم الخلاف فيه على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (3).و أما اعتباره فهو أحوط،بل لعلّه أظهر.

و يشترط فيها جميع ما يشترط في الصلاة،من الطهارة و الستر و القيام و الاستقبال،للصلوات البيانية،و لأن ذلك مقتضى الجزئية و الركنية الثابتة بما قدّمناه من الأدلة (4).

و عليه ف لا يجزئ التكبيرة أو الصلاة لو كبّر غير متطهّر،أو غير متستّر،أو غير مستقبل،أو غير قائم مطلقا،سواء كبّر قاعدا أو آخذا في القيام،أو هاويا إلى الركوع كما يتفق للمأموم مع القدرة على القيام،بلا

ص:120


1- حكاه عنهما في الذخيرة:267،و هو في المبسوط 1:103،و المعتبر 2:145.
2- الكافي 3:17/315،التهذيب 5:305/93،الوسائل 6:136 أبواب القراءة في الصلاة ب 59 ح 1.
3- انظر مجمع الفائدة 2:196،و لكنه ادّعى فيه عدم ظهور الخلاف في اعتبار عقد القلب و الإشارة و التحريك.
4- راجع ص 117.

خلاف أجده إلاّ من المبسوط و الخلاف،فقال:إنه إن كبّر المأموم بتكبيرة واحدة للافتتاح و الركوع و أتى ببعض التكبير منحنيا صحّت صلاته (1).و في الذكرى و غيره:لم نقف على مأخذه (2).مع أنه استدلّ له في الخلاف بأن الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير و انعقاد الصلاة به من غير تفصيل بين أن يكبّر قائما أو يأتي به منحنيا،فمن ادّعى البطلان احتاج إلى دليل.

قلت:قد عرفته،و بعبارة أخرى:كلّ عبادة خالفت كيفيتها المتلقّاة من الشرع زيادة و نقصانا أو هيئة فالأصل بطلانها مطلقا،إلى أن يقوم دليل على الصحة،للتأسّي الواجب في العبادة التوقيفية بحسب القاعدة الأصولية،مضافا إلى الرواية في الصلاة الموجبة له،و هي مشهورة (3)،هذا.

و في الصحيح:«إذا أدرك الإمام و هو راكع فكبّر الرجل و هو مقيم صلبه، ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه،فقد أدرك الركعة» (4).

و نحوه في الدلالة على اعتبار القيام في التكبيرة و لو في الجملة الموثق:

عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة،قال:«يعيد الصلاة،و لا صلاة بغير افتتاح»و عن رجل وجبت عليه صلاة من قعود فنسي حتى قام و افتتح الصلاة و هو قائم،ثمَّ ذكر،قال:يقعد و يفتتح الصلاة و هو قاعد،و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام[فنسي] (5)حتى افتتح الصلاة و هو قاعد،فعليه أن[يقطع

ص:121


1- المبسوط 1:105،الخلاف 1:341.
2- الذكرى:178،و انظر المدارك 3:322.
3- و هي منقولة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و متنها:«صلّوا كما رأيتموني أصلّي». انظر عوالي اللئالي 1:8/197،و صحيح البخاري 1:162،و سنن الدار قطني 1: 10/346.
4- الكافي 3:6/282،التهذيب 3:152/43،الاستبصار 1:1679/435، الوسائل 8:382 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 1.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

صلاته] (1)و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم،و لا يعتدّ بافتتاحه و هو قاعد» (2).

و للمصلّي الخيرة في تعيينها أي تكبيرة الإحرام من أيّ التكبيرات السبع التي يستحب التوجّه بها-كما سيأتي في مندوبات الصلاة (3)-بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (4)،بل ظاهر المنتهى و الذكرى إجماع الأصحاب عليه (5)،لإطلاق النصوص باستحباب السبع (6)، من دون تصريح فيها بجعل أيّها تكبيرة الإحرام،مع أنها واحدة إجماعا فتوى و رواية.

نعم في الرضوي:«و اعلم أن السابعة هي الفريضة،و هي تكبيرة الافتتاح،و بها تحريم الصلاة» (7).

قيل:و قد يظهر من المراسم و الكافي و الغنية أنها متعيّنة (8)،كما في ظاهر الرواية.

و هي قاصرة السند عن الصحة و لو كانت معتبرة،و فتوى الجماعة بها غير صريحة،مع أنها معارضة بجملة من النصوص الصحيحة الدالّة على أنها الاولى-مضافا إلى الإجماعات المتقدمة على التخيير المنافي للتعيين-منها:

ص:122


1- في«ح»:يفتتح الصلاة،و في«م»و«ل»:يفتتح لصلاته،و في«ش»:يفتتح لصلواته،و ما أثبتناه من المصدر.
2- التهذيب 2:1466/353،الوسائل 6:14 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 7.
3- في ص 257.
4- كما في المفاتيح 1:127.
5- المنتهى 1:268،الذكرى:179.
6- الوسائل 6:20 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7.
7- فقه الرضا(عليه السلام):105.
8- قال به في كشف اللثام 1:214،و هو في المراسم:70،و الكافي في الفقه:142،و الغنية (الجوامع الفقهية):559.

ما دلّ على تعليل استحباب السبع بأن النبي صلّى اللّه عليه و آله افتتح الصلاة و الحسين عليه السلام إلى جانبه يعالج التكبير فلا يحيره ،فلم يزل صلّى اللّه عليه و آله يكبّر و يعالجه عليه السلام حتى أكمل سبعا فأحار عليه السلام في السابعة (1).

و هو ظاهر-بل صريح-في أن الأولى هي التي افتتح بها الصلاة، و الافتتاح لا يطلق حقيقة إلاّ على تكبيرة الإحرام.

و بهذا التقريب يظهر وجه دلالة الصحيح:«إذا افتتحت فارفع كفّيك ثمَّ ابسطهما بسطا،ثمَّ كبر ثلاث تكبيرات» (2)الحديث.

و قريب منه آخر:قلت له:الرجل ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح و هذه أصحّ من تلك سندا،و أكثر عددا (3).

و مقتضى الجمع بينهما التخيير كما ذكروه،مع أفضلية جعلها الأخيرة، كما عن المبسوط و الاقتصاد و المصباح و مختصره،و عليه الشهيدان في الذكرى و الروضة و روض الجنان و المحقق الثاني (4)،و نسبه بعض إلى الشيخ و المتأخرين (5)،خروجا عن شبهة القول بالتعيين،كما عمّن مرّ من الجماعة، و التفاتا إلى صراحة الرضوية بأنّها السابعة،و أقلّها الاستحباب.و لا كذلك الصحاح المتقدمة،إذ غايتها الدلالة على الجواز،لا الرجحان وجوبا أو

ص:123


1- التهذيب 2:243/67،علل الشرائع:1/331،الوسائل 6:20 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 1.
2- الكافي 3:7/310،التهذيب 2:244/67،الوسائل 6:24 أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.
3- الفقيه 1:1001/226،التهذيب 2:567/145،الاستبصار 1:1331/352، الوسائل 6:14 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 8.
4- المبسوط 1:104،الاقتصاد:261،مصباح المتهجد:33،الذكرى:179،الروضة 1: 281،روض الجنان:260،المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:239.
5- الناسب هو الشيخ البهائي في الاثنا عشرية الصلاتية:39.

استحبابا كما يتوهم،و لأجله يقال بعكس ما في الرضوية (1)،مع أنه لا قائل به من معتبري الطائفة،مع رجحان ما فيها بأنه أبعد من عروض المبطل و قرب الإمام من لحوق لاحق به،فهو أولى.

و سننها و مستحباتها أمور:

منها النطق بها على وزن«أفعل»من غير مدّ أي إشباع حركتي الهمزة و الباء أو إحداهما،لا بحيث يؤدّي إلى زيادة ألف،و إلاّ فهو مبطل،كما في السرائر و الدروس و عن المبسوط في أكبار،قالوا:لأن أكبار جمع كبر،و هو الطبل (2)،و تبعهم جماعة من الأصحاب،و إن اختلفوا في إطلاق المنع،كما هو ظاهرهم،أو تقييده بقصد الجمع،كما في المنتهى و التحرير و المعتبر على ما نقل (3)،أو تردد في غير صورة القصد،كالشهيد في الذكرى (4).

و الأصح الأوّل،وفاقا للشهيد الثاني و سبطه (5)و غيرهما (6)أيضا،لخروجه بذلك عن المنقول.

و منها إسماع الإمام من خلفه من المأمومين إيّاها،بلا خلاف يعرف على الظاهر،المصرح به في المنتهى (7)،قالوا:ليقتدوا به فيها،لعدم الاعتداد بتكبيرهم قبله.

ص:124


1- انظر الوافي 8:638،و الحدائق 8:21،و حكاه فيه عن البهائي في حواشي الاثنا عشرية و عن السيد نعمة اللّه الجزائري.
2- السرائر 1:216،الدروس 1:167،المبسوط 1:102.
3- نقله عنهم في كشف اللثام 1:214،و هو في المنتهى 1:268،و التحرير 1:37،و المعتبر 2:156.
4- الذكرى:179.
5- الشهيد الثاني في روض الجنان:260،و سبطه في المدارك 3:323.
6- انظر الحدائق 8:35.
7- المنتهى 1:269.

أقول:مضافا إلى عموم ما دلّ على استحباب إسماع الإمام من خلفه كلّ ما يقول (1)،و هو و إن دلّ على استحباب إسماعه إيّاهم التكبيرات الست أيضا، إلاّ أن به تفوت الحكمة المتقدمة في كلام الجماعة،مع أن هنا جملة من النصوص الدالة على استحباب الإسرار بها،ففي الصحيح:«إذا كنت إماما فإنه يجزيك أن تكبّر واحدة تجهر فيها و تسرّ ستا» (2)و نحوه غيره (3).

و ليس فيها الدلالة على استحباب الجهر بتكبيرة الإحرام و لا إسماعها من خلفه كما زعم.

هذا إذا لم يفتقر إسماع الجميع إلى العلوّ المفرط،و لو افتقر اقتصر على الوسط.

و احترز بالإمام عن غيره،فإن المأموم يسرّ بها كالباقي الأذكار.و يتخيّر المنفرد،للإطلاق.

و قيل باستحباب رفع الصوت بها مطلقا (4).

و مستنده غير واضح،عدا إطلاق بعض النصوص بأن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يكبّر واحدة و يجهر بها و يسرّ ستا (5).

لكنه بيان للفعل الذي لا عموم فيه،فيحتمل وقوعه جماعة،كما هو الغالب في صلواته صلوات اللّه و سلامه عليه،فتأمّل (6).

ص:125


1- الوسائل 8:396 أبواب صلاة الجماعة ب 52.
2- التهذيب 2:1151/287،الوسائل 6:33 أبواب تكبيرة الإحرام ب 12 ح 1.
3- الخصال:18/347،الوسائل 6:33 أبواب تكبيرة الإحرام ب 12 ح 3.
4- قال به الجعفي على ما حكاه عنه في الذكرى:179.
5- عيون الأخبار 1:18/217،الخصال 2:16/347،الوسائل 6:33 أبواب تكبيرة الإحرام ب 12 ح 2.
6- وجهه واضح،فإنه صلّى اللّه عليه و آله ما كان يقتصر على الفرائض،و جماعته الغالبة إنما هي فيها،و أما المندوبات و النوافل فغير نادرة منه صلّى اللّه عليه و آله،بل كثيرة لازمة بعضها عليه، و استحباب التوجّه بسبع تكبيرات غير مختصة بالفرائض.منه رحمه اللّه.

و منها أن يرفع بها و بسائر التكبيرات المستحبة المصلّي يديه محاذيا وجهه إلى شحمتي أذنيه أو منكبيه أو نحره،على اختلاف الأقوال- كالنصوص-بعد اتفاقها على كراهة أن يتجاوز بهما الرأس و الأذنين.و الأوّل أشهر،و في الخلاف الإجماع عليه و على أصل الحكم (1)،بل نفى عنه الخلاف بين علماء الإسلام جماعة من الأصحاب (2)،و جعله في الأمالي من متفردات الإمامية (3).

و لعله كذلك،إذ لم يخالف فيه إلاّ المرتضى،حيث أوجب الرفع، مدّعيا الإجماع عليه (4).

و هو شاذّ،و إجماعه لا يبلغ قوّة المعارضة لتلك الإجماعات المستفيضة، المعتضدة بفتوى الطائفة.و بها تصرف الآية (5)و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (6)-على تقدير دلالتها على الوجوب-إلى الاستحباب جمعا،مع ظهور جملة من النصوص بحسب السياق و غيره فيه،مضافا إلى خصوص الصحيح:

«على الإمام أن يرفع يده في الصلاة،و ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة» (7).

ص:126


1- الخلاف 1:320.
2- منهم المحقق في المعتبر 2:156،و العلامة في المنتهى 1:269،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:240.
3- أمالي الصدوق:511.
4- كما في الانتصار:44.
5- الكوثر:2.
6- الوسائل 6:26 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9.
7- التهذيب 2:1153/287،قرب الإسناد:808/208 بتفاوت يسير،الوسائل 6:27 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 7.

و هو نصّ في عدم وجوب الرفع مطلقا على غير الإمام،و ظاهر في وجوبه عليه،و صرف الظاهر إلى النص لازم،حيث لا يمكن الجمع بينهما بإبقاء كل منهما على حاله،كما هنا،للإجماع على عدم الفرق بين الإمام و غيره مطلقا، و هو هنا أن تحمل الظاهرة في الوجوب على تأكّد الاستحباب.و من أراد زيادة التحقيق فعليه بمراجعة شرح المفاتيح.

و ينبغي أن يكون يداه مضمومتي الأصابع كلها،كما عليه الأكثر،و منهم الخلاف،مدعيا عليه الإجماع (1)،أو ما عدا الإبهام،كما عليه الإسكافي و المرتضى (2).

و أن يستقبل القبلة ببطنهما،للصحيحين (3).

و أن يكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبيرة و انتهاؤه مع انتهائها،على المشهور،بل عن المعتبر و في المنتهى أنه قول علمائنا (4)،و قيل:فيه قولان آخران،يبتدئ بالتكبير حال إرسالهما،كما في أحدهما،أو يبتدئ بالتكبير عند انتهاء الرفع فيكبّر عند تمام الرفع ثمَّ يرسلهما (5).

و يشهد لهذا القول نحو الصحيح:«إذا افتتحت فارفع يديك ثمَّ ابسطهما بسطا ثمَّ كبّر ثلاث تكبيرات» (6).فتدبّر.

و للأوّل نحو الصحيحين رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام:يرفع يديه حيال

ص:127


1- الخلاف 1:321.
2- حكاه عنهما في المعتبر 2:156.
3- التهذيب 2:240/66،الوسائل 6:27 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 6.و لم نعثر على الصحيح الآخر.
4- المعتبر 2:200،المنتهى 1:285.
5- كما في الحدائق 8:49.
6- الكافي 3:7/310،التهذيب 2:244/67،الوسائل 6:24 أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.

وجهه حين استفتح (1)و العمل بهما أظهر.

و أما دليل القول الآخر فلم يظهر.

الثالث:القيام

الثالث:القيام و هو في الفرائض ركن مع القدرة عليه،تبطل الصلاة بالإخلال به مطلقا،بإجماع العلماء،كما عن المعتبر و في المنتهى (2)و غيره (3).

و هو الحجة،مضافا إلى الإجماعات الأخر،المحكيّة حدّ الاستفاضة، و الكتاب (4)،و السنة المستفيضة-بل المتواترة-بوجوبه (5)،المستلزم لركنيته، بناء على أن الإخلال به مع القدرة عليه يوجب عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه،فيبقى تحت عهدة التكليف إلى أن يتحقق الامتثال به،هذا.و في الصحيحين:«من لم يقم صلبه فلا صلاة له» (6).

و هل الأصل فيه الركنية مطلقا،إلاّ في المواضع التي لا تبطل الصلاة بزيادته أو نقيصته بالدليل الخارجي؟ أو ما كان منه في تكبيرة الإحرام و قبل الركوع متصلا به خاصة؟ أو أنه تابع لما وقع فيه،فركن إذا كان المتبوع ركنا،و شرط إذا كان شرطا،و واجب إذا كان واجبا،و مستحب إذا كان مستحبا؟

ص:128


1- الأول:التهذيب 2:236/66،الوسائل 6:26 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 3. الثاني:التهذيب 2:240/66،الوسائل 6:27 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 6.
2- المعتبر 2:158،المنتهى 1:264.
3- كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2:200،و صاحب كشف اللثام 1:210.
4- البقرة:238.
5- الوسائل 5:689 أبواب القيام ب 1.
6- الأول:الفقيه 1:917/197،الوسائل 5:488 أبواب القيام ب 2 ح 1. الثاني:الكافي 3:4/320،المحاسن:7/80،الوسائل 5:489 أبواب القيام ب 2 ح 2.

أقوال،لم يظهر للعبد ثمرة في اختلافها،بعد اتفاقهم على عدم ضرر في نقصانه بنسيان القراءة و أبعاضها،و بزيادته في غير المحل سهوا،و بطلان الصلاة بالإخلال بما كان منه في تكبيرة الإحرام و قبل الركوع مطلقا.

نعم،اتفاقهم على البطلان في المقامين كاشف عن ركنيّته فيهما، و ثمرتها فساد الصلاة لو أتى بهما من غير قيام.

و منه ينقدح وجه النظر فيما قيل من أنه لو لا الإجماع المدّعى على الركنية لأمكن القدح فيها،لأن زيادته و نقصانه لا يبطلان إلاّ مع اقترانه بالركوع،و معه يستغنى عن القيام،لأن الركوع كاف في البطلان (1).

لمنع الحصر في قوله:إلاّ مع اقترانه بالركوع،أوّلا،لما عرفت من البطلان بالإخلال به في التكبير أيضا.و توجّه النظر إلى قوله:و الركوع كاف في البطلان،ثانيا،لدلالته على التلازم بين ترك القيام قبل الركوع و تركه.و هو ممنوع،لتخلّف ترك القيام من تركه فيما لو أتى به عن جلوس،لأنه ركوع حقيقة عرفا،و لا وجه لفساد الصلاة حينئذ إلاّ ترك القيام جدّا.

و كيف كان،لا شبهة و لا خلاف في ركنيته في المقامين،إلاّ من المبسوط في القيام حال التكبير،و هو شاذ،و قد تقدم الكلام فيه في التكبير (2).

و اعلم أن حدّه الانتصاب عرفا،و يتحقق بنصب فقار الظهر ،كما هو ظاهر الصحيحين المتقدمين (3)،فلا يخلّ به الإطراق و إن كان الأولى تركه، للمرسل:«النحر:الاعتدال في القيام،أن يقيم صلبه و نحره» (4).

و يشترط فيه الاستقرار،لأنه معتبر في مفهومه،و في الخبر:«يكفّ عن

ص:129


1- قال به الشهيد الثاني في الروضة البهية 1:290-291.
2- راجع ص 120،121.
3- في ص 128.
4- الكافي 3:9/336،التهذيب 2:309/84،الوسائل 5:489 أبواب القيام ب 2 ح 3.

القراءة حال مشيه» (1).

و الأظهر الأشهر-بل عليه عامة من تأخر،إلاّ من ندر (2)-وجوب الاستقلال مع الاختيار،بمعنى عدم الاعتماد على شيء بحيث لو رفع السناد لسقط،للتأسي،و للصحيح«[لا تمسك] (3)بخمرك (4)و أنت تصلي ،و لا تستند إلى جدار إلاّ أن تكون مريضا» (5).

و قريب منه الخبر المروي عن قرب الإسناد:عن الصلاة قاعدا أو متوكئا على عصا أو حائط،فقال:«لا» (6).

هذا،مضافا إلى أن المتبادر من القيام-المأمور به كتابا و سنة-إنما هو الخالي عن السناد،بل ربما كان حقيقة فيه مجازا في غيره،كما يفهم من فخر المحققين في الإيضاح،حيث قال-بعد نقل الرواية المعارضة في الجواب عنها-:و لا يعمل بها،لقوله تعالى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ [1] (7)و القيام الاستقلال (8).و نحو المحقق الثاني (9).

و يظهر من قوله:و لا يعمل بها شذوذها،كما يفهم من عبارة الصيمري في شرح الشرائع أيضا.

ص:130


1- الكافي 3:24/316،التهذيب 2:1165/290،الوسائل 6:98 أبواب القراءة في الصلاة ب 34 ح 1.
2- انظر ص 131.
3- في النسخ:لا تستند،و ما أثبتناه من المصدر.
4- الخمر بالتحريك:ما واراك من خزف أو جبل أو شجر.مجمع البحرين 3:293.
5- التهذيب 3:394/176،الوسائل 5:500 أبواب القيام ب 10 ح 2.
6- قرب الإسناد:626/171،الوسائل 5:487 أبواب القيام ب 1 ح 20.
7- البقرة:238.
8- إيضاح الفوائد 1:99.
9- جامع المقاصد 2:202.

و فيه إشعار بدعوى الإجماع على الخلاف،و به صرّح في المختلف، فقال-بعد الاستدلال للقول بالعدم بالأصل مجيبا عنه-:الأصل معارض بالإجماع الدال على وجوب الاستقلال في القيام (1).

و منه يظهر ضعف القول المزبور المحكي عن الحلبي (2)،و قوّاه جماعة من متأخّري المتأخّرين (3)،للنصوص،منها الصحيح:عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد و هو يصلّي،أو يضع يده على حائط و هو قائم، من غير مرض و لا علة؟فقال:«لا بأس» (4)و بمعناه الموثق (5)و غيره (6)،لكن فيهما التكأة بدل الاستناد،و للأصل.

و يجاب عنه بما مرّ.

و عن النصوص-مع قصور سند أكثرها،بل ضعف بعضها-بعدم مقاومتها لما قدّمناه من الأدلّة جدّا،فلتطرح،أو تحمل على ما لا اعتماد فيه جمعا،أو التقية،كما أجاب به عنها فخر المحققين معربا عن كونها مذهب العامة (7).

فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه،سيّما و أن راوي الموثقة بعينه قد روى الرواية الثانية المتقدمة (8)المانعة،و ما بعدها ضعيفة السند لا جابر لها

ص:131


1- المختلف:100.
2- راجع الكافي في الفقه:125.
3- منهم:صاحب المدارك 3:328،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:121،و السبزواري في الذخيرة:261،و الكفاية:18.
4- الفقيه 1:1045/237،التهذيب 2:1339/326،قرب الإسناد:792/204، الوسائل 5:499،أبواب القيام ب 10 ح 1.
5- التهذيب 2:1341/327،قرب الاسناد:626/171،الوسائل 5:500 أبواب القيام ب 10 ح 4.
6- التهذيب 2:1340/327،الوسائل 5:500 أبواب القيام ب 10 ح 3.
7- راجع إيضاح الفوائد 1:99.
8- في ص 130.

بالكلية،فلم يبق إلاّ الصحيحة،و لا ريب أنها قاصرة عن مقاومة أدلّة المشهور من وجوه عديدة،فيجب طرحها،أو تأويلها بما عرفته.

هذا مع الاختيار.

و لو تعذر الاستقلال اعتمد على ما مرّ في النصوص و نحوه قولا واحدا،و لم يسقط عنه القيام عندنا،للنصوص بأن«الميسور لا يسقط بالمعسور» (1)و للشافعي قول بسقوطه عنه (2).

و إن عجز عن الانتصاب قام منحنيا و لو إلى حد الراكع،لما مرّ.

و لو عجز عن القيام في البعض أتى بالممكن منه في الباقي،بلا خلاف،لذلك،فيقوم عند التكبيرة و يستمر قائما إلى أن يعجز فيجلس.

و إذا قدر على القيام زمانا لا يسع القراءة و الركوع معا،ففي أولوية القيام قارئا ثمَّ الركوع جالسا،كما عن نهاية الإحكام (3)،أو لزوم الجلوس ابتداء ثمَّ القيام متى علم قدرته عليه إلى الركوع-حتى يركع عن قيام-كما عن النهاية و المبسوط و السرائر و المهذب و الوسيلة و الجامع (4)،وجهان.

للأول:أنه حال القراءة غير عاجز عما يجب عليه،فإذا انتهى إلى الركوع صار عاجزا.

و للثاني:أن الركوع عن قيام لركنيته أهم من إدراك القراءة قائما،مع ورود النصوص بأن الجالس إذا قام في آخر السورة فركع عن قيام تحتسب له صلاة

ص:132


1- عوالي اللئالي 4:205/58.
2- حكاه عنه في التذكرة 1:109،و حكاه في المجموع(شرح المهذب 4):313 عن إمام الحرمين و الغزالي.
3- نهاية الإحكام 1:439.
4- النهاية:129،المبسوط 1:100،السرائر 1:348،المهذّب 1:111،الوسيلة:114، الجامع للشرائع:79.

القائم (1).

لكنها محتملة للاختصاص بالجالس في النوافل اختيارا،كاحتمال المهذب و ما بعده من الكتب تجدّده القدرة،كما في المسألة الآتية.

و لو عجز عن الركوع و السجود أصلا دون القيام لم يسقط عنه بسقوطهما، باتفاقنا،كما في صريح المنتهى (2)،و ظاهر غيره (3)،لأن كلا منهما واجب بحياله،فلا يسقط بتعذّر غيره.

و إن تعارض القيام و السجود و الركوع-بأن يكون إذا قام لم يمكنه الجلوس للسجود و لا الانحناء للركوع-ففي لزوم الجلوس و الإتيان بهما،أم القيام و الاكتفاء عنهما بالإيماء احتمالان،تردّد بينهما المحقق الثاني (4)و غيره (5).

و منه يظهر ما في دعوى جماعة كون الثاني متفقا عليه (6).

و قريب منه في الضعف دعوى بعضهم ظهور الإجماع عليه من المنتهى (7)،فإنه و إن أشعر عبارته بذلك في بادئ النظر،حيث قال:لو أمكنه القيام و عجز عن الركوع قائما أو السجود لم يسقط عنه فرض القيام بل يصلي قائما و يومئ للركوع ثمَّ يجلس و يومئ للسجود و عليه علماؤنا (8).إلاّ أن سياق احتجاجه فيما بعد يشعر باختصاص الاتفاق المدّعى بصورة العجز عنهما أصلا

ص:133


1- الوسائل 5:498 أبواب القيام ب 9.
2- المنتهى 1:265.
3- انظر كشف اللثام 1:210،و الحدائق 8:66.
4- جامع المقاصد 2:204.
5- انظر كشف اللثام 1:210.
6- منهم السبزواري في الذخيرة:261،و صاحب الحدائق 8:67.
7- انظر الحدائق 8:66.
8- المنتهى 1:265.

و لو جالسا،مع أن قوله:ثمَّ يجلس و يومئ للسجود،ظاهر-بل صريح-فيما ذكرنا.فتأمّل جدّا.

و لو عجز عن القيام أصلا أي في جميع الصلاة بجميع حالاته منتصبا و منحنيا و مستقلا و معتمدا صلّى قاعدا إجماعا،فتوى و نصا، و لكن في حدّ ذلك أي العجز المسوّغ قولان،أصحهما و أشهرهما،بل عليه عامة متأخّري أصحابنا مراعاة التمكن و عدمه العاديّين،الموكول معرفتهما إلى نفسه،فإن اَلْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [1] .

و في الصحيح:«إن الرجل ليوعك (1)و يحرج (2)و لكنه أعلم بنفسه،و لكن إذا قوي فليقم» (3).

و في آخرين:عن حدّ المرض الذي يفطر صاحبه و يدع الصلاة من قيام،فقال: «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [2] ،و هو أعلم بما يطيقه» (4)كما في أحدهما،و في الثاني-بعد قوله:بصيرة-:«ذلك إليه،هو أعلم بنفسه» (5).

و لو كان للعجز حدّ معين لبيّن و لم يجعل راجعا إلى العلم بنفسه،الذي هو عبارة عن القدرة على القيام و عدمها عادة.

خلافا للمحكي عن المفيد في بعض كتبه،فحدّه بأن لا يتمكن من المشي بمقدار زمان الصلاة (6)،للخبر:«المريض إنما يصلي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها أن يمشي بقدر صلاته إلى أن يفرغ قائما» (7).

ص:134


1- أي يحمّ،الوعك:الحمّى و قيل:ألمها-مجمع البحرين 5:298.
2- في«ش»و الكافي:و يخرج،و في«ح»و موضع من التهذيب:و يجرح.
3- الكافي 3:3/410،التهذيب 2:673/169،الوسائل 5:495 أبواب القيام ب 6 ح 3.
4- الفقيه 2:369/83،الوسائل 5:495 أبواب القيام ب 6 ح 2.
5- الكافي 4:2/118،التهذيب 3:399/177،الوسائل 5:494 أبواب القيام ب 6 ح 1.
6- المقنعة:215.
7- التهذيب 3:402/178،الوسائل 5:495 أبواب القيام ب 6 ح 4.

و فيه ضعف سندا،بل و دلالة،لابتنائها على أن المراد به بيان مقدار العجز المجوّز للقعود،و أنه إذا عجز عن المشي مقدار صلاته قائما فله أن يقعد فيها.مع أنه يحتمل أن يكون المراد به أنه من قدر على المشي مصلّيا و لم يقدر على القيام مستقرّا فحكمه الصلاة ماشيا دون الصلاة جالسا.و قد فهم هذا منه بعض أصحابنا (1)،فاستدل به على لزوم تقديم الصلاة ماشيا على الصلاة جالسا مستقرا.

و في الاستدلال نظر.

هذا مضافا إلى مخالفته الاعتبار،فإن المصلّي قد يتمكن من القيام بمقدار الصلاة و لا يتمكن من المشي بمقدار زمانها،و بالعكس.فينبغي طرحه، أو حمله على أن المراد به الكناية عن العجز عن القيام،لتلازم العجزين و القدرتين غالبا،كما نبّه عليه الشهيد في الذكرى (2)،فلا مخالفة فيه لمذهب المشهور أصلا.

و لو وجد القاعد خفا نهض متما (3)للقراءة بعد النهوض إن تمكن منه قبلها أو في أثنائها.و إن تمكن منه بعدها نهض مطمئنا،على الأحوط،و قيل:

لا يجب (4).

و لا خلاف بيننا في أصل لزوم النهوض مع التمكن منه،على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (5)،و في ظاهر المنتهى دعوى إجماعنا عليه (6)، لارتفاع العذر المانع.

ص:135


1- انظر البحار 81:335.
2- الذكرى:180.
3- في النافع:خفّة نهض قائما حتما.
4- انظر الحدائق 8:74.
5- كالحدائق 8:73.
6- المنتهى 1:265.

و لا يجب استئناف الصلاة كما قال به بعض العامة (1)،لأصالتي الصحة و البراءة.

و لو عجز عن القعود مطلقا و لو مستندا صلّى مضطجعا بالنص و الإجماع،على الجانب الأيمن إن أمكن،وفاقا للمعظم،فإن لم يمكنه فالأيسر،كما عن الجامع و السرائر (2).

و عن المعتبر و في الخلاف و المنتهى:دعوى إجماعنا على تعيّن الأيمن (3)،و هو الحجة فيه،مضافا إلى الخبرين مطلقا،أحدهما الموثق:

«يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده،و ينام على جنبه الأيمن،ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء،فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه له جائز، و يستقبل بوجهه القبلة،ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء» (4).و نحوه الثاني المرسل (5).

و المروي عن دعائم الإسلام:«فإن لم يستطع أن يصلّي جالسا صلّى مضطجعا لجنبه الأيمن و وجهه إلى القبلة،فإن لم يستطع أن يصلّي على جنبه الأيمن صلّى مستلقيا و رجلاه مما يلي القبلة يومئ إيماء» (6).

لكن ظاهرة تعيّن الاستلقاء بعد اليمين،كما هو ظاهر جماعة (7).و يدفعه -مضافا إلى قصور سند الرواية-عدم مقاومتها للخبرين،سيّما المرسلة، لتصريحها بالأيسر بعد الأيمن ثمَّ الاستلقاء.

ص:136


1- كأبي حنيفة كما في المجموع 4:321.
2- الجامع للشرائع:79،السرائر 1:349.
3- المعتبر 2:160،الخلاف 1:420،المنتهى 1:265.
4- التهذيب 3:392/175،الوسائل 5:483 أبواب القيام ب 1 ح 10.
5- الفقيه 1:1037/236،الوسائل 5:485 أبواب القيام ب 1 ح 15.
6- دعائم الإسلام 1:198،المستدرك 4:116 أبواب القيام ب 1 ح 5.
7- منهم:الشيخ في المبسوط 1:129،و المحقق في المعتبر 2:160-161،و العلامة في التحرير 1:36.

و أما الموثقة فهي و إن لم تصرّح بذلك،إلاّ أنها صرّحت بالجواز كيفما قدر بعد العجز عن الأيمن،و من جملته الصلاة على الأيسر،و حيث جازت تعيّنت،لعدم قائل بالتخيير بينهما و بين الصلاة مستلقيا،هذا.و في قوله:

«و يستقبل بوجهه القبلة»إيماء بإرادة الأيسر،فتدبّر.

هذا،مضافا إلى اعتضادهما بإطلاق ما دلّ على وجوب الصلاة مضطجعا بعد العجز عنها قاعدا،و هو يشمل الاضطجاع على الأيسر،و لذا قيل بالتخيير بينه و بين الأيمن،كما هو ظاهر إطلاق العبارة و غيرها (1)،و حكي التصريح به عن الفاضل في النهاية و التذكرة (2).

و هو ضعيف،لضعف دلالة الإطلاق بعد تبادر الأيمن منه خاصة،و مع ذلك فهو مقيد به بما مرّ من النصوص المقيدة،مضافا إلى حكاية الإجماعين المتقدمة إليهما الإشارة (3).

و يجب أن يكون حينئذ مستقبل القبلة بمقاديم بدنه كالملحّد،لما مرّ من الموثق (4).

موميا للركوع و السجود بالرأس مع رفع ما يسجد عليه مع الإمكان، و إلاّ فبالعينين،جاعلا ركوعه تغميضهما و رفعه فتحهما،و كذلك سجوده،على المشهور هنا و في الاستلقاء.

و النصوص مختلفة في ذلك،فبين مطلقة للإيماء،كما في بعضها (5)،

ص:137


1- الشرائع 1:81.
2- نهاية الإحكام 1:440،التذكرة 1:110،و قد حكاه عنه في كشف اللثام 1:211.
3- في ص 136.
4- في ص 136.
5- الكافي 3:6/410،الوسائل 5:482 أبواب القيام ب 1 ح 4.

و مقيّدة له بالرأس،كما في كثير منها (1)،و فيها الصحيح و غيره،و مقيّدة له بالعينين كما في آخر منها (2)،و موردها الاستلقاء و مورد سابقها الاضطجاع.

و لعل وجه ما ذكروه من التفصيل هو الجمع بينها بحمل المطلق منها على مقيّدها،و تقييد المقيّد بالرأس بصورة إمكانه،و المقيد بالعين بصورة عدمه، كما هو الغالب في مورد القيدين.

و وجه الجمع هو الأصول،فإن الإيماء بالرأس أقرب منه بالعين إلى الركوع الأصلي المأمور به،بل لعلّه جزؤه،و الميسور لا يسقط بالمعسور.و هو حسن،و مع ذلك أحوط.

و يجب جعل السجود أخفض من الركوع قطعا لو أومأ برأسه و احتياطا لو أومأ بعينه،بل عن ظاهر جماعة تعينه (3)،و لعلّ وجهه مراعاة الفرق بينهما مهما أمكن،و لا ريب أنه أولى.

و كذا لو عجز عن الصلاة مضطجعا وجب عليه أن يصلّي مستلقيا على قفاه،مستقبل القبلة بباطن قدميه كالمحتضر،مومئا لركوعه و سجوده كما مضى،بالنص و الإجماع.

و من العامة من قدّمه على الاضطجاع،كسعيد بن المسيب و أبي ثور و أصحاب الرأي،و هم أصحاب أبي حنيفة (4)،و في بعض أخبارنا ما يدل

ص:138


1- الوسائل 5:أبواب القيام ب 1 الأحاديث 2،11،16.
2- الكافي 3:12/411،الفقيه 1:1033/235،التهذيب 2:671/169،و ج 3: 393/176،الوسائل 5:484 أبواب القيام ب 1 ح 13.
3- منهم:ابن سعيد في الجامع:79،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:210،و الشهيد الثاني في الروضة 1:251-252.
4- حكاه عنهم في المغني و الشرح الكبير 1:815.

عليه (1)،إلاّ أنه-لشذوذه و مخالفته الإجماع و الأخبار بل و الكتاب (2)بمعونة التفسير الوارد عن الأئمة الأطياب (3)-مطروح،أو محمول على التقية.

و يستحب أن يتربّع القاعد حال كونه قارئا،و يثني رجليه حال كونه راكعا كما في الحسن:«كان أبي عليه السلام إذا صلّى جالسا تربّع، و إذا ركع ثنى رجليه» (4).

و لا يجبان إجماعا،كما في المنتهى (5)،للأصل،و النصوص،منها:

أ يصلّي الرجل و هو جالس متربع و مبسوط الرجلين؟فقال:«لا بأس بذلك» (6).

و منها:في الصلاة في المحمل:«صلّ متربّعا و ممدود الرجلين،و كيفما أمكنك» (7).

و في الخلاف الإجماع على أفضلية التربع (8).و في المدارك الإجماع عليها فيه و في ثني الرجلين (9).

ثمَّ المعروف من التربّع لغة-بل و عرفا-جمع القدمين و وضع إحداهما تحت الأخرى.و لكن ذكر جمع من الأصحاب (10)من غير نقل خلاف

ص:139


1- الكافي 3:12/411،الفقيه 1:1033/235،التهذيب 2:671/169،عيون الأخبار 2:316/67،الوسائل 5:484،486 أبواب القيام ب 1 ح 13،18.
2- آل عمران:191،النساء:103.
3- الكافي 3:11/411،التهذيب 2:672/169،المحكم و المتشابه:28-29، الوسائل 5:481،487 أبواب القيام ب 1 ح 1،22.
4- الفقيه 1:1049/238،التهذيب 2:679/171،الوسائل 5:502 أبواب القيام ب 11 ح 4.
5- المنتهى 1:266.
6- الفقيه 1:1050/238،التهذيب 2:678/170،الوسائل 5:502 أبواب القيام ب 11 ح 3.
7- الفقيه 1:1051/238،التهذيب 3:584/228،الوسائل 5:502 أبواب القيام ب 11 ح 5.
8- الخلاف 1:418.
9- المدارك 3:334.
10- منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:206،و الشهيد الثاني في الروض:251، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:211.

بل قيل جميعهم (1)-أن المراد به هنا نصب الفخذين و الساقين،قيل:و هو القرفصاء (2)،و هو الذي ينبغي فضله،لقربه من القيام،و لا يأباه ماهية اللفظ و لا صورته،و إن لم نظفر له بنصّ من أهل اللغة (3).

و المراد بثني الرجلين فرشهما تحته و قعوده على صدورهما بغير إقعاء.

و قيل: و القائل الشيخ في المبسوط (4)يتورك متشهدا و تبعه جماعة من الأصحاب (5)،لعموم ما دلّ على استحبابه،مع عدم ظهور خلاف فيه إلاّ من ظاهر عبارة الماتن،حيث عزاه إلى القليل،مشعرا بضعفة،أو تردّده فيه،و لم أعرف له وجها عدا عدم ورود نصّ فيه بالخصوص كما في سابقيه،و هو غير محتاج إليه،فإنّ العموم كاف.

الرابع:القراءة

الرابع:القراءة و هي واجبة بإجماع العلماء كافة إلاّ من شذّ (6)،و الأصل فيه بعده فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام،و النصوص المستفيضة، كالصحيح:«إن اللّه عزّ و جلّ فرض الركوع و السجود،و القراءة سنّة،فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة،و من نسي القراءة فقد تمّت صلاته» (7).

ص:140


1- انظر كشف اللثام 1:211.
2- ضرب من القعود،و هو أن يجلس على أليتيه و يلصق فخذيه ببطنه و يحتبي بيديه يضعهما على ساقيه كما يحتبي بالثوب تكون يداه مكان الثوب.الصحاح 3:1051.
3- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:211.
4- المبسوط 1:115.
5- منهم العلامة في نهاية الإحكام 1:493،و الشهيد الثاني في روض الجنان:278.
6- حكي عدم الوجوب عن الحسن بن صالح بن حي و أبي بكر الأصم في المجموع للنووي 3:330.
7- التهذيب 2:569/146،الاستبصار 1:1335/353،الوسائل 6:87 أبواب القراءة في الصلاة ب 27 ح 2.

و فيه دلالة على كون وجوبها من السنة لا الكتاب.فالاستدلال عليه بآية:

فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ [1] (1)فيه ما فيه،مضافا إلى إجمالها،و احتياج الاستدلال بها على المدّعى إلى تكلّف أمور مستغنى عنها.

و فيه-كغيره-الدلالة أيضا على عدم الركنية،كما هو الأظهر الأشهر، بل المجمع عليه،إلاّ من بعض الأصحاب المحكي عنه القول بالركنية في المبسوط (2)،و تبعه ابن حمزة،فقد حكاه عنه في التنقيح (3).و هو شاذ،و عن الشيخ على خلافه الإجماع (4).

نعم،في الصحيح:عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب،قال:«لا صلاة له،إلاّ أن يقرأ بها في جهر أو إخفات» (5).و هو محمول على العامد جمعا.

و القراءة الواجبة ليست مطلقة بل متعينة بالحمد و السورة في كل ثنائية كالصبح و في الركعتين الأوليين من كل رباعية كالظهرين و العشاء و ثلاثية كالمغرب،إجماعا في الحمد،و على الأشهر الأقوى في السورة، كما ستأتي إليه الإشارة (6).و النصوص بذلك مستفيضة ستقف على جملة منها في تضاعيف الأبحاث الآتية زيادة على ما عرفته.

و هل يتعين الفاتحة في النافلة؟الأقرب ذلك،لأن الصلاة كيفيّة متلقّاة من الشارع،فيجب الاقتصار فيها على موضع النقل،مضافا إلى عموم قوله

ص:141


1- المزمل:20.
2- المبسوط 1:105.
3- التنقيح الرائع 1:197.
4- كما في الخلاف 1:327.
5- التهذيب 2:573/146،الاستبصار 1:1339/354،الوسائل 6:37 أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 1.
6- في ص 148.

عليه السلام:«لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» (1).

خلافا للتذكرة،فلا يجب،للأصل (2).و يضعف بما مرّ،إلاّ أن يريد بالوجوب المنفي الشرعي،فحسن،إذ الفرع لا يزيد على أصله.

و يجب قراءتها أجمع عربية على الوجه المنقول بالتواتر.مخرجا للحروف من مخارجها.مراعيا للترتيب بين الآيات،و للموالاة العرفية.آتيا بالبسملة،لأنها آية منها بإجماعنا و أكثر أهل العلم،و للصحاح المستفيضة (3).

و ما ينافيها من الصحاح (4)فمحمول على محامل أقربها التقية ،كما يشعر به جملة من الأخبار (5).

و الأصل في جميع ذلك-بعد عدم خلاف فيه بيننا على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (6)-التأسّي،و لزوم الاقتصار على الكيفية المنزلة و ما هو المتبادر من القراءة المأمور بها في الشريعة.

و على هذا ف لا تصح الصلاة مع الإخلال بها عمدا حتى ركع و لو بحرف منها،حتى التشديد،فإنه حرف مع زيادة .

و كذا الإعراب و المراد به ما يعمّ حركات البناء توسّعا.

و لا فرق فيه بين كونه مغيّرا للمعنى و عدمه،على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة أصحابنا،عدا المرتضى-في بعض رسائله فيما حكي عنه (7)-فخصّ

ص:142


1- عوالي اللئالي 2:13/218،و ج 3:65/82.
2- التذكرة 1:114.
3- الوسائل 6:57 أبواب القراءة في الصلاة ب 11.
4- الوسائل 6:60 أبواب القراءة في الصلاة ب 12.
5- تفسير العياشي 1:41/19 و 12/21،16،مستدرك الوسائل 4:165 أبواب القراءة في الصلاة ب 8 ح 2،6،7.
6- كما في المنتهى 1:273،و الذخيرة:273،و الحدائق 8:94 و 114.
7- نسب إليه في المدارك 3:338.

البطلان بالأول،تبعا لبعض العامة العمياء.

و هو شاذّ،بل عن الماتن على خلافه الإجماع (1)،و هو الحجة،مضافا إلى ما عرفته.

مع عدم وضوح حجّة له عدا ما يستدل له من أن من قرأ الفاتحة على هذا الوجه يصدق عليه المسمّى عرفا.و الظاهر أن أمثال تلك التغييرات مما يقع فيه التسامح و التساهل في الإطلاقات العرفية (2).

و المناقشة فيه واضحة سيما في مقابلة ما عرفته من الأدلة.

و كذا لو أخلّ ب ترتيب آيها و حروف كلماتها.

و لا يختلف الحال في جميع ذلك بين الحمد و السورة على القول بوجوبها،بل يحتمل مطلقا.

و كذا الحال في الإخلال ب البسملة عمدا في كل من الحمد و السورة تبطل الصلاة به،لما عرفته.

و احترز بقوله:عمدا،عما لو أخلّ بشيء من ذلك حتى ركع نسيانا،فإنه لا يبطل به الصلاة،بناء على عدم ركنية القراءة،كما مضى (3).

و لا تجزئ الترجمة مع القدرة على القراءة العربية،بإجماعنا المحقق،المصرّح به في كلام جماعة حدّ الاستفاضة،كالخلاف و المنتهى و الذكرى و المدارك و الناصرية (4)،بل ظاهرها-كالأوّلين-الإجماع على عدم إجزائها مطلقا،كما هو ظاهر العبارة و نحوها،و حكي عن ظاهر الكافي و الغنية

ص:143


1- المعتبر 2:166.
2- المستدلّ هو المحقق السبزواري في الذخيرة:273.
3- في ص 141.
4- الخلاف 1:343،المنتهى 1:273،الذكرى:186،المدارك 3:341،الناصرية(الجوامع الفقهية):197.

و التحرير و المعتبر و صريح البيان أيضا (1).

و عن الفاضل في نهاية الإحكام وجوبها،و في التذكرة جوازها مع العجز عن القرآن و بدله من الذكر (2)،و نحوه عن الذكرى،إلاّ أنه اقتصر على العجز عن القرآن (3).

و فيه مخالفة لما دلّ على أنه بعد العجز عنه يبدل بالذكر،من النص الصحيح الآتي (4).

و منه يظهر ضعف ما في النهاية بطريق أولى،لكن الموجود فيها عين ما في التذكرة،إلاّ أنه عبّر فيها بالوجوب و في التذكرة بالجواز،كما عرفته.

و أما القول بالمنع مطلقا فمردود بما دلّ على جواز الترجمة عن التكبيرة مع العجز عنها (5)،فهنا أولى،فما في التذكرة أقوى،فتأمّل .

لكن هل الواجب ترجمة القراءة أو بدلها من الذكر؟وجهان،أظهرهما الأول،كما هو ظاهر ما فيها.

خلافا للمحقق الثاني،فالثاني،معلّلا بأن الذكر لا يخرج عن كونه ذكرا باختلاف الألسنة بخلاف القرآن (6).

و فيه:أنه و إن لم يخرج عن كونه ذكرا لغة،إلاّ أنه يخرج عن الذكر المأمور به فيما سيأتي من النص (7)،فتأمّل جدّا .

ص:144


1- الكافي في الفقيه:118،الغنية(الجوامع الفقهية):557،التحرير 1:38،المعتبر 2: 169،البيان:158.
2- نهاية الإحكام 1:462،التذكرة 1:115.
3- الذكرى:187.
4- في ص 146.
5- راجع ص 118.
6- جامع المقاصد 2:246.
7- في ص 146.

و اعلم أن من لم يحسن القراءة تعلّمها وجوبا،كما يأتي (1)و لو تعذر أو ضاق الوقت قيل:ائتمّ إن أمكنه،أو قرأ في المصحف إن أحسنه،أو اتّبع القارئ الفصيح إن وجده،لأنه أقرب إلى القراءة المأمور بها،بل لعلّه عينها (2).

و لا ريب أنه أحوط و أولى،و إن لم يذكره الماتن و كثير،حيث اقتصروا في جزاء الشرطية عن ذلك على قولهم قرأ ما يحسن منها إجماعا،كما في الذكرى (3)و غيرها (4)،فإن الميسور لا يسقط بالمعسور.

و لو كان بعض آية ففي وجوب قراءته مطلقا،كما هو مقتضى الدليل،أو العدم كذلك،أو الأوّل لو سمّي قرآنا و إلاّ فالثاني،أقوال،أحوطها-بل و أولاها -الأول.

و عليه ففي وجوب التعويض عن الباقي و عدمه قولان،أحوطهما-بل أظهرهما و أشهرهما،كما قيل (5)-الأوّل.

و عليه ففي وجوب التعويض منها،بأن يكرّر ما يحسنه مرارا بقدرها،أو من غيرها من القرآن إن عرفه و إلاّ فمن الذكر،أو مخيّرا بينهما،أوجه،بل و أقوال.

و يجب مراعاة الترتيب بين البدل و المبدل،فإن علم الأوّل أخّر البدل، أو الآخر قدّمه،أو الطرفين وسّطه،أو الوسط حفّه به.

و يجب التعلم لما لا يحسنه ما أمكن إجماعا من كل من أوجب القراءة،كما في المنتهى (6)،لتوقفها عليه،فيجب من باب المقدمة.

ص:145


1- في ص:146.
2- الروضة 1:267،268.
3- الذكرى:187.
4- كالمدارك 3:343.
5- قال الشهيد الثاني في الروضة 1:267 بأنه الأشهر.
6- المنتهى 1:274.

و لو عجز عنها طرّا قرأ من غيرها من القرآن ما تيسّر له منه، و لو آية،مقتصرا عليها،أو مبدلا عن الباقي منها بتكرارها،أو من الذكر،على الاختلاف الذي مضى.

و إلاّ يتيسّر له شيء من القرآن سبّح اللّه تعالى و كبّره و هلّله على المشهور،للصحيح:«إن اللّه تعالى فرض من الصلاة الركوع و السجود،ألا ترى لو أن رجلا دخل في الإسلام ثمَّ لا يحسن أن يقرأ القرآن،أجزأه أن يكبّر و يسبّح و يصلي» (1).

و ظاهره الاكتفاء بمطلق الذكر،كما هو المشهور.

خلافا للذكرى،فاعتبر الواجب في الأخيرتين،لثبوت بدليته عنها في الجملة (2)،و هو أحوط.

ثمَّ إن ظاهره اشتراط العجز عن القرآن مطلقا في بدلية الذكر عن الفاتحة،كما هو الأشهر الأقوى،بل قيل:لا خلاف فيه (3)،و هو حجة أخرى، مضافا إلى النبوية الآمرة بقراءة القرآن بعد العجز عنها (4).فالقول بالتخيير بينها و بين الذكر-كما هو ظاهر اختيار الماتن في الشرائع (5)-ضعيف لا أعرف وجهه.

و هل يجب أن يكون البدل من القرآن أو الذكر بقدر القراءة أم لا؟ قولان،أشهرهما الأوّل،و هو أحوط.

و عليه ففي وجوب المساواة في الآيات،أو الحروف،أو فيهما معا،أقوال،

ص:146


1- التهذيب 2:575/147،الاستبصار 1:1153/310،الوسائل 6:42 أبواب القراءة في الصلاة ب 3 ح 1.
2- الذكرى:187.
3- كشف اللثام 1:217.
4- سنن البيهقي 2:380.
5- الشرائع 1:81.

خيرها أوسطها،بل قيل:إنه أشهرها (1).

و اعلم أن ظاهر إطلاق العبارة و نحوها اشتراك الحمد و السورة في جميع ما مرّ من الأحكام،حتى وجوب التعويض عما لا يحسن منها كلا أو بعضها،كما حكي التصريح به عن التذكرة (2).

و لعل مستنده إطلاق الصحيحة المتقدمة،و هو أحوط.و إن كان في تعينه نظر،لمصير عامة الأصحاب-عداه-إلى العدم،حتى الماتن هنا،لأنه و إن أطلق العبارة-بحيث تشمل مطلق القراءة حتى السورة-إلاّ أنه سيصرّح باختصاص الخلاف في وجوبها بصورة إمكان التعلّم،معربا عن الاتفاق على عدمه في صورة عدمه،كغيره من الأصحاب،و في صريح المنتهى و المدارك و الذخيرة و ظاهر التنقيح نفي الخلاف عنه (3).

قالوا:اقتصارا في التعويض المخالف للأصل على موضع الوفاق،مع أن السورة تسقط مع الضرورة،و الجهل بها مع ضيق الوقت قريب منها.

و هذه الأدلّة و إن كانت لا تخلو عن شوب مناقشة ،إلاّ أنها-مع الشهرة العظيمة التي لعلّها إجماع في الحقيقة-معاضدة لنفي الخلاف المحكي في كلام هؤلاء الجماعة،مضافا إلى أصالة البراءة.

و يحرّك الأخرس و من بحكمه لسانه بالقراءة و يعقد بها قلبه لما مر في بحث التكبيرة مع جملة ما يتعلّق بالمسألة (4).

و في وجوب قراءة سورة كاملة مع الحمد أي بعده في الفرائض للمختار مع سعة الوقت و إمكان التعلم أو استحبابه قولان،

ص:147


1- قال به الشهيد الثاني في الروضة البهية 1:267.
2- لم نعثر عليه في التذكرة.
3- المنتهى 1:272،المدارك 3:347،الذخيرة:268،التنقيح الرائع 1:198.
4- راجع ص:119.

أظهرهما الوجوب وفاقا للمشهور،و في الانتصار و عن أمالي الصدوق و الغنية و القاضي و ابن حمزة نقل الإجماع عليه (1)،كما يشعر به عبارة التهذيب،فإنه قال:و عندنا أنه لا يجوز قراءة هاتين السورتين-يعنى الضحى و ألم نشرح-إلاّ في ركعة واحدة (2).و لا يتوجه ذلك إلاّ على القول بالوجوب،لجواز التبعيض على القول الآخر.

و هو الحجة،مضافا إلى التأسّي،و الأخبار البيانية،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح الوارد في المسبوق بركعتين قال عليه السلام:«قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأمّ الكتاب و سورة» (3)الحديث.

و فيه:«يجوز للمريض أن يقرأ فاتحة الكتاب وحدها،و يجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل و النهار» (4).

و المقابلة بالصحيح يدلّ على اعتبار مفهوم المريض ،كما يشهد به الذوق السليم،فدلّ على أن غير المريض لا يجوز له ذلك.

و فيه:سألته أكون في طريق مكّة فنزل للصلاة في مواضع فيها الأعراب،أ نصلّي المكتوبة على الأرض فنقرأ أمّ الكتاب وحدها،أم نصلّي على الراحلة فنقرأ فاتحة الكتاب و السورة؟قال:«إذا خفت فصلّ على الراحلة المكتوبة و غيرها،و إذا قرأت الحمد و سورة أحبّ إلي،و لا أرى بالذي فعلت

ص:148


1- الانتصار:44،أمالي الصدوق:512،الغنية(الجوامع الفقهية):557،القاضي في شرح الجمل:86،ابن حمزة في الوسيلة:93.
2- التهذيب 2:72.
3- الفقيه 1:1162/256،التهذيب 3:158/45،الاستبصار 1:1683/436، الوسائل 8:388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.
4- الكافي 3:9/314،التهذيب 2:256/70،الاستبصار 1:1171/315،الوسائل 6:40 أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 5.

بأسا» (1).

و لو لا وجوب السورة لما جاز لأجله ترك الواجب من القيام و غيره،و وجه التخيير اشتمال كل صورة على ترك واجب،مع أن ظاهر سوق السؤال قطع السائل بوجوب السورة،و إن تردّد في ترجيحها على القيام و نحوه حيثما حصل بينهما معارضة،و هو عليه السلام قرّره على معتقده،و التقرير حجة كما تقرر في محله.

و به يظهر وجه دلالة الصحيح على الوجوب:عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب،قال:«لا صلاة له إلاّ أن يقرأ بها في جهر أو إخفات»قلت:أيّهما أحبّ إليك إذا كان خائفا أو مستعجلا يقرأ بسورة أو فاتحة الكتاب؟قال:«يقرأ فاتحة الكتاب» (2).

لظهور السؤال في اعتقاد الراوي تساوي الحمد و السورة في الوجوب إلى حد سأله عن ترجيح ترك أيّهما في حال الاستعجال المرخّص له،فأقرّه على معتقده غير منكر عليه بأن السورة غير واجبة،و أن المستحب كيف يقاوم الواجب،سيّما و أن يكون مما لا صلاة إلاّ به.

و في الرضوي:«و يقرأ سورة بعد الحمد في الركعتين الأوليين،و لا يقرأ في المكتوبة سورة ناقصة» (3).

و في الصحيح،أو القريب منه،المروي عن علل الفضل عن مولانا الرضا عليه السلام:«إنما أمر الناس بالقراءة في المكتوبة لئلاّ يكون القرآن

ص:149


1- الكافي 3:5/457،التهذيب 3:911/299،الوسائل 6:43 أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 1.
2- التهذيب 2:573/146،الاستبصار 1:1339/354،الوسائل 6:37 أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 1.
3- الفقيه 1:927/203،عيون الأخبار 2:105،علل الشرائع:260،الوسائل 6:38 أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 3.

مهجورا مضيّعا،و إنما بدئ بالحمد دون سائر السور لأنه ليس شيء من القرآن»الخبر.

و هو ظاهر في أنه لا قراءة و لا صلاة حتى يبدأ بالحمد،و لو لا وجوب السورة و تعيّنها بعده في الشريعة لما صحّ إطلاق لفظ البدأة .

و نحوه-في الدلالة عليه من هذا الوجه-الموثق:«لا صلاة له حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات» (1).

و في بعض المعتبرة و لو بالشهرة،بل الصحيح كما قيل (2)-و لا يبعد-:

«لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة و لا بأكثر» (3).

و في آخر:عمّن ترك البسملة في السورة،قال:يعيد (4)..

إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة الدلالة أو المعاضدة المنجبر ضعفها سندا في بعض و دلالة في آخر بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع، بل لعلّها من القدماء إجماع في الحقيقة،إذا لا مخالف منهم إلاّ الشيخ في النهاية و الإسكافي و الديلمي (5).

و الأوّل غير ظاهر عبارته في المخالفة،بل هي مشوّشة،فبعضها و إن أوهمها إلاّ أن بعضها الآخر ظاهر في الوجوب،كما لا يخفى على من راجعها، و لو سلّم المخالفة فقد رجع عنها في جملة من كتبه المتأخرة و منها الخلاف

ص:150


1- التهذيب 2:574/147،الاستبصار 1:1340/354،الوسائل 6:89 أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 2.
2- قال به في الحدائق 8:118.
3- الكافي 3:12/314،التهذيب 2:253/69،الوسائل 6:43 أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 2.
4- الكافي 3:2/313،التهذيب 2:252/69،الاستبصار 1:1156/311،الوسائل 6:58 أبواب القراءة في الصلاة ب 11 ح 6.
5- النهاية:75،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:91،الديلمي في المراسم:69.

و المبسوط (1)،مدّعيا فيهما أن الوجوب هو الظاهر من روايات الأصحاب و مذهبهم.

فلم يبق إلاّ الإسكافي و الديلمي،و هما معلوما النسب،غير قادح خروجهما بالإجماع،و لذا ادّعاه من تقدّم ذكرهم من الأصحاب،هذا.

مع أن عبارة الأوّل المحكية و إن أفادت عدم وجوب كمال السورة،إلاّ أنها ظاهرة في لزوم بعضها،فإنه قال:و لو قرأ بأمّ الكتاب و بعض سورة في الفرائض أجزأ.و هو ظاهر في لزوم البعض،و لم أر من يقول به ممن يوافقه في عدم وجوب السورة بكمالها،و لذا ادّعى بعضهم عدم القائل بالفرق بينه و بين جواز الاقتصار على الحمد وحده (2)،هذا.

و يحتمل إرادة الإسكافي من الإجزاء الإجزاء في صحة الصلاة،بمعنى أنها مع التبعيض صحيحة،و هو يجتمع مع وجوب كمال السورة،كما يظهر من عبارة المبسوط المحكية،حيث قال:قراءة سورة بعد الحمد واجبة،غير أن من قرأ بعض السورة لا يحكم ببطلان الصلاة (3).

و قريب منه الفاضل في المنتهى،حيث إنه-بعد حكمه بوجوب السورة بكمالها وفاقا لأكثر علمائنا-حكى المخالفة فيه عن النهاية خاصة،ثمَّ نقل عن الإسكافي و المبسوط عبارتيهما المتقدمة،و مال إلى قولهما بعده (4)،معربا عن تغاير المسألتين-أي مسألة وجوب السورة بكمالها و عدم صحة الصلاة بتبعيضها-و حينئذ فلم يظهر من الإسكافي المخالفة في المسألة الأولى.فلم يبق إلاّ الديلمي،و هو في مقابلة باقي القدماء شاذّ،كالماتن في المعتبر (5)

ص:151


1- الخلاف 1:335،المبسوط 1:107.
2- قال به العلامة في المختلف:91.
3- المبسوط 1:107.
4- المنتهى 1:272.
5- المعتبر 2:171.

و بعض من تبعه (1)في مقابلة المتأخّرين،مع أنه هنا و في الشرائع (2)وافق الأصحاب.

و من هنا ينقدح ندرة القول الثاني و شذوذه،فلا ريب في ضعفه،و إن دلّ عليه الصحيحان:«إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة» (3).

لقصورهما عن المقاومة لما مرّ من الأدلة من وجوه عديدة،سيّما مع عدم صراحة الدلالة،و احتمالهما الحمل على حال الضرورة،لجواز الترك فيها اتفاقا،فتوى و رواية،أو التقية،لكون المنع عن الوجوب مطلقا مذهب العامة، كما صرّح به جماعة (4).

و به يجاب عن الصحاح المستفيضة و غيرها المبيحة لتبعيض السورة،مع ابتناء دلالتها على عدم وجوب السورة على عدم القائل بالفرق بين الطائفة،و فيه ما عرفته،هذا.

مع اختلافها و تعارضها بعضا مع بعض من حيث إطلاق جواز التبعيض، كما في جملة منها (5)،أو التقييد بما إذا كانت ستّ آيات منصّفة بين الركعتين، كما في بعضها (6)،أو بما إذا كانت زيادة عن ثلاث آيات،كما في آخر منها (7).

ص:152


1- كصاحب المدارك 3:347،و السبزواري في الذخيرة:268.
2- الشرائع 1:82.
3- الأول:التهذيب 2:259/71،الاستبصار 1:1169/314،الوسائل 6:39 أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 1. الثاني:التهذيب 2:260/71،الوسائل 6:40 أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 3.
4- منهم:المحقق في المعتبر 2:171،و العلامة في المنتهى 1:271.
5- الوسائل 6:أبواب القراءة في الصلاة ب 4 الأحاديث 5،6،7،و الباب 5 ح 1،3.
6- التهذيب 2:1182/294،الاستبصار 1:1175/315،الوسائل 6:46 أبواب القراءة في الصلاة ب 5 ح 2.
7- التهذيب 2:262/71،الاستبصار 1:1173/315،الوسائل 6:47 أبواب القراءة في الصلاة ب 6 ح 3.

فكيف يمكن الاستناد إليها أجمع،لعدم إمكان المصير إليها بعد تضادّ بعضها مع بعض.

مع أن الرواية المشترطة للزيادة عن ثلاث آيات غير صريحة في إرادة التبعيض،بل و لا ظاهرة،لاحتمالها إرادة تكرار السورة الواحدة،بقراءتها في كل من ركعتي المكتوبة على حدّه،بل هذا هو الذي فهمه منها جماعة (1)،و إن استبعده الشهيد قائلا:إنه لو أريد تكريرها لم يكن للتقييد بزيادتها على ثلاث آيات فائدة (2).

و ربما يناقش فيه بجواز كراهة تكريرها إذا كانت ثلاث آيات تعبّدا.

و دفعه بعدم القائل به مشترك الورود بين هذا الاحتمال و احتمال إرادة التبعيض،إذ كل من قال بجوازه لم يشترط الزيادة عليها.

مع أن اشتراطها على هذا الاحتمال يشعر بورود الرواية للتقية،لدلالتها على كون البسملة ليست من السورة،إذ ليس في السور ما يكون مع البسملة ثلاث آيات،فإنّ أقصرها الكوثر و هي مع البسملة آيات أربع،فاشتراط الزيادة لا يناسب طريقة الإمامية،فتكون الرواية من جملة الدلائل على ورود أخبار التبعيض للتقية.

و من جملتها أيضا الموثق كالصحيح،بل قيل صحيح (3):صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام أو أبو جعفر عليه السلام،فقرأ بفاتحة الكتاب و آخر سورة المائدة،فلما سلّم التفت إلينا فقال:«أما إني أردت أن أعلّمكم» (4).

ص:153


1- منهم الشيخ في التهذيب 2:71،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:206-205،انظر المختلف:92.
2- كما في الذكرى:186.
3- قال به في الحدائق 8:118.
4- التهذيب 2:1183/294،الاستبصار 1:1176/316،الوسائل 6:46 أبواب القراءة في الصلاة ب 5 ح 1.

و نحوه خبر آخر مروي في الوسائل عن العلل (1)،فتدبّر.

و لا يجوز أن يقرأ في الفرائض عزيمة من العزائم الأربع،على الأشهر الأظهر،بل لا خلاف فيه بين القدماء يظهر إلاّ من الإسكافي،حيث قال:لو قرأ سورة من العزائم في النافلة سجد،و إن قرأ في الفريضة أومأ فإذا فرغ قرأها و سجد (2).

و ليس نصّا في المخالفة،و إن فهمها منه الجماعة،إذ ليس فيها التصريح بجواز القراءة،بل غايته أنه لو قرأ فعل كذا،و يحتمل الاختصاص بصورة القراءة ناسيا أو تقيّة.و على تقدير ظهور مخالفته فهو شاذّ،بل على خلافه الإجماع في الانتصار و الخلاف و الغنية و شرح القاضي لجمل السيد و نهاية الإحكام و التذكرة (3).

و هو الحجة،مضافا إلى الخبرين الناهيين (4)معلّلا في أحدهما بأن السجود زيادة في المكتوبة.

و أما النصوص المخالفة فمع قصور سند أكثرها غير صريحة فيها،لأنها ما بين مطلقة للجواز،كالصحيح:عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة، قال:«يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثمَّ يركع و يسجد» (5)و نحوه غيره من

ص:154


1- علل الشرائع:1/339،الوسائل 6:46 أبواب القراءة في الصلاة ب 5 ح 3.
2- حكاه عنه في المعتبر 2:175.
3- الانتصار:43،الخلاف 1:426،الغنية(الجوامع الفقهية):558،شرح جمل العلم و العمل:86،نهاية الإحكام 1:466،التذكرة 1:116.
4- الكافي 3:6/318،التهذيب 2:361/96،و ص 1174/292،الاستبصار 1: 1191/320،الوسائل 6:105 أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 1،2.
5- الكافي 3:5/318،التهذيب 2:1167/291،الاستبصار 1:1189/319، الوسائل 6:102 أبواب القراءة في الصلاة ب 37 ح 1.

الصحيح و غيره (1)،و هي محتملة للحمل على النافلة أو الفريضة على بعض الوجوه.

و مصرّحة فيها بقراءتها فيها،كالصحيح:عن إمام قرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟قال:«يقدّم غيره فيتشهّد و يسجد و ينصرف هو و قد تمّت صلاتهم» (2)و نحوه غيره (3)،و هي محتملة للحمل على صورة النسيان أو غيره من الأعذار.

و الموجب للخروج عن ظواهر هذه الأخبار و حملها على ما مر في المضمار رجحان الخبرين المانعين بالشهرة العظيمة بين الأصحاب،الجابرة لضعفهما لو كان.

مضافا إلى الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة التي كل منها في حكم رواية صحيحة،و المخالفة للعامّة،كما صرّح به جماعة (4)،و يشهد لها أحد الخبرين و غيره من المعتبرة (5)،هذا.

مضافا إلى ما احتجّ به الأصحاب زيادة عليهما:من أن قراءتها مستلزمة لأحد محذورين،إما الإخلال بالواجب إن نهيناه عن السجود،و إما زيادة سجدة في الصلاة متعمّدا إن أمرناه به.

و ما يقال:إن هذا-مع ابتنائه على وجوب إكمال السورة و تحريم القران -إنما يتم إذا قلنا بفورية السجود مطلقا،و أن زيادة السجدة مبطلة كذلك،و كل

ص:155


1- الوسائل 6:102 أبواب القراءة في الصلاة ب 37.
2- التهذيب 2:1178/293،قرب الإسناد:795/205،الوسائل 6:106 أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 5.
3- الفقيه 1:1196/262،التهذيب 3:843/283،الوسائل 8:426 أبواب القراءة في صلاة الجماعة ب 72 ح 1.
4- انظر المعتبر 2:175،و التذكرة 1:116،و الحدائق 8:156.
5- الوسائل 6:103 أبواب القراءة في الصلاة ب 38.

هذه المقدمات لا يخلو عن نظر (1).

فمنظور فيه،لصحة المقدمات:أما وجوب إكمال السورة فلما تقدم إليه الإشارة.و أما فورية السجود فللإجماع عليها على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (2)،مع ظهور أخبار المسألة في ذلك،حتى الأخبار المخالفة، لتضمنها الأمر بالسجود بعد الفراغ من الآية بلا فاصلة،و لو لا الفورية لما كان له وجه بالكلية.

و أما بطلان الصلاة بزيادة السجدة فلعلّه إجماعي،كما صرّح به في التنقيح (3).و يشهد له خصوص ما مرّ من أحد الخبرين المعلّل للمنع باستلزام قراءتها الزيادة (4)،و عموم النصوص المانعة عنها مطلقا،منها الحسن:«إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها و استقبل صلاته استقبالا» (5).

و الخبر:«من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (6)هذا.

مع أنه مقتضى العبادة التوقيفية،و لزوم الاقتصار فيها بحكم التأسّي الثابت بالأصل و النص (7)-على الثابت منها في الشريعة،من غير زيادة و لا نقيصة.

ص:156


1- قال به صاحب المدارك 3:352،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:132.
2- و منها عبارة المدارك في بحث السجود و ذكر سجدة التلاوة،حيث قال:أجمع الأصحاب على أن سجود التلاوة واجب على الفور(3:421)،و منها عبارة الخال العلامة-أدام اللّه سبحانه ظلاله-في حاشية على المدارك في هذه المسألة و غيرها.منه رحمه اللّه.
3- التنقيح الرائع 1:199.
4- المتقدم في ص 154.
5- الكافي 3:2/354،التهذيب 2:763/194،الاستبصار 1:1428/376،الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1.
6- التهذيب 2:764/194،الاستبصار 1:1429/376،الوسائل 8:231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 2.
7- عوالي اللئالي 1:8/197،صحيح البخاري 1:162،سنن الدار قطني 1:10/346.

و أما تحريم القران فهو الأظهر الأشهر،بل عن أمالي الصدوق و في الانتصار دعوى الإجماع عليه (1)،للمعتبرة المستفيضة (2)،و فيها الصحيح، و القريب منه،و غيره.و النصوص المعارضة (3)محمولة على التقية و إن تضمنت الصحيح و غيره،و ذهب إليها جماعة (4).

لكن المحقّق من أخبار المنع ثبوته في القران بين السورتين لا سورة و بعض اخرى،و إن دلّ على المنع فيها أيضا بعضها المتقدم المتضمّن لقوله عليه السلام:«لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة و لا بأكثر» (5)لعدم صراحته، لاحتمال تقييد الأكثر فيه بما إذا بلغ سورة كاملة،أو إذا قصد جزئية الزيادة لا مطلقا،و الداعي إليه ما دلّ من النص (6)و الإجماع على جواز العدول من سورة إلى أخرى ما لم يبلغ النصف،و دعوى الإجماع على جواز قراءة القرآن و بعض الآيات في القنوت،و جواب السلام و نحوه بها.

و عليه فيتجه ما مرّ من الإيراد،لعدم مانع حينئذ عن قراءة سورة السجدة إلى آيتها،أو مطلقا،و تركها ثمَّ قراءة سورة كاملة بعدها أو قبلها.

لكن التحقيق منع ما ذكر فيه من البناء،لتوقّفه على كون مراد الأصحاب المنع من قراءة العزيمة مطلقا حتى أبعاضها،و محصّله المنع من الشروع فيها، و هو غير متعيّن،و إن لزم القائلين بلزوم سورة كاملة و المنع عن القران مطلقا حتى بين سورة و أبعاض أخرى بل يحتمل كون مرادهم المنع من قراءتها

ص:157


1- أمالي الصدوق:512،الانتصار:44.
2- الوسائل 6:50 أبواب القراءة في الصلاة ب 8.
3- انظر الوسائل 6:51 أبواب القراءة في الصلاة ب 8 ح 6،9.
4- منهم الحلّي في السرائر 1:220،و المحقق في المعتبر 2:174،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:247،و صاحب المدارك 3:354.
5- في ص 150.
6- الوسائل 6:100 أبواب القراءة في الصلاة ب 36.

بتمامها،كما يومئ إليه تعليلهم الذي مضى (1)،و التعليل في أحد الخبرين المانعين اللذين تقدما (2).

و على هذا فلا يكون المنع مبتنيا على وجوب إكمال السورة،و لا تحريم القران بالكلية،بل يبتني على فورية السجدة و كون زيادتها للصلاة مبطلة،و كل من هاتين المقدمتين حق كما عرفه.

و لا يجوز أيضا قراءة ما أي سورة يفوت الوقت بقراءتها إما بإخراج الفريضة الثانية على تقدير قراءتها في الفريضة الأولى،كالظهرين،أو بإخراج بعض الفريضة عن الوقت،كما لو قرأ سورة طويلة يقصر الوقت عنها و عن باقي الصلاة،مع علمه بذلك،لاستلزام ذلك تعمّد الإخلال بفعل الصلاة في وقتها المأمور به إجماعا،فتوى و نصا،كتابا و سنة،فيكون منهيا عنه و لو ضمنا.

مضافا إلى التصريح به في الحسن:«لا تقرأ في الفجر شيئا من ال حم» (3)و لا وجه له عدا فوت الوقت بقراءتها،و به وقع التصريح في الخبر:«من قرأ شيئا من ال حم في صلاة الفجر فاته الوقت» (4).

و لا خلاف في هذا الحكم إلاّ من بعض متأخّري المتأخرين (5)،حيث فرّعه على البناء المتقدم:من وجوب إكمال السورة و حرمة القران،مع عدم قوله بهما.و فيه ما عرفته.

و في المسألة و سابقتها فروع جليلة ذكرناها في شرح المفاتيح،من أرادها

ص:158


1- في ص 155،156.
2- في ص 154.
3- التهذيب 3:803/276،الوسائل 6:111 أبواب القراءة في الصلاة ب 44 ح 2.
4- التهذيب 2:1189/295،الوسائل 6:111 أبواب القراءة في الصلاة ب 44 ح 1.
5- كصاحب المدارك 3:354،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:132.

فليطلبها ثمة.

و يتخير المصلي في كل ركعة ثالثة و رابعة من الفرائض الخمس اليومية بين قراءة الحمد وحدها و التسبيح خاصة،بإجماعنا المحقق و المنقول في كلام الأصحاب مستفيضا،بل متواترا،كأخبارنا.

و إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين ناسي القراءة و غيره،كما هو الأشهر الأقوى،بل عليه عامة أصحابنا عدا الشيخ في الخلاف (1)،فعيّن القراءة في الأول،كما قيل.

و هو شاذ،مع قصور عبارته عن إفادة الوجوب،لتعبيره بالاحتياط الظاهر في الأولوية و الاستحباب،كما صرّح به هو في المبسوط (2)،و تبعه الأصحاب.

لعموم أدلّة التخيير من النصوص (3)و الإجماعات المحكية،مع خلوصها عما يصلح للمعارضة،عدا عموم ما دلّ على أنه:«لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» (4).

و خصوص الصحيح:قلت له:رجل نسي القراءة في الأوليين فذكرها في الأخيرتين،فقال:«يقتضي القراءة و التكبير و التسبيح الذي فاته في الأوليين في الأخيرتين،و لا شيء عليه» (5).

و الخبر:قلت له:أسهو عن القراءة في الركعة الأولى،قال:«أقر في الثانية»قلت:أسهو في الثانية،قال:«اقرأ في الثالثة»قلت:أسهو في صلاتي كلها،قال:«إذا حفظت الركوع و السجود فقد تمّت صلاتك» (6).

ص:159


1- الخلاف 1:341.
2- المبسوط 1:106.
3- الوسائل 6:107 أبواب القراءة في الصلاة ب 42.
4- عوالي اللئالي 1:2/196،المستدرك 4:158 أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 5.
5- الفقيه 1:1003/227،الوسائل 6:94 أبواب القراءة في الصلاة ب 30 ح 6.
6- الفقيه 1:1004/227،التهذيب 2:579/148،الاستبصار 1:1342/355،الوسائل 6:93 أبواب القراءة في الصلاة ب 30 ح 3.

و في الجميع نظر،لأن العموم بعد تسليمه مرجوح بالنسبة إلى العموم الأول،لرجحانه بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل لعلّها إجماع في الحقيقة كما عرفته،فيكون هو المخصّص للعموم المعارض.

مضافا إلى ضعف دلالته في نفسه،و قصوره عن الشمول لما نحن فيه، لاختصاصه بحكم التبادر-الموجب عن تتبع النصوص و الفتاوى-بالفاتحة في محلّها المقرّر لها مطلقا شرعا،و هو الركعتان الأوليان خاصّة.

و الخبر الثاني ضعيف سندا،بل و لا دلالة أيضا،كالأول،لظهورهما في الإتيان بالقراءة في الأخيرتين بقول مطلق،و المراد بها حيث تطلق الحمد و السورة معا،و هو مخالف للإجماع جدّا.

و تزيد الصحيحة ضعفا بظهورها في كون الإتيان بها قضاء عما فات في الأوليين،لا أداء لما وظّف في الأخيرتين.زيادة على ما فيها أيضا من الحكم بقضاء التكبير و التسبيح،مصرّحا بفواتهما في الأوليين،و هو مخالف للإجماع أيضا.

و مع التنزل فهما موافقان لرأي أبي حنيفة،كما يظهر من الخلاف (1)و غيره (2)،إلاّ أنه أطلق الترك في الأوليين بحيث يشمل ما لو كان عمدا.

و مع ذلك فهما معارضان بالمعتبرة الظاهرة فيما ذكرناه ظهورا تامّا،ففي الموثق:«إذا نسي أن يقرأ في الاولى و الثانية أجزأه تكبير الركوع و السجود» (3)الحديث.

ص:160


1- الخلاف 1:341.
2- التذكرة 1:116.
3- التهذيب 2:572/146،الاستبصار 1:1338/354،الوسائل 6:90 أبواب القراءة في الصلاة ب 29 ح 3.

و في القوي:عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب،قال:

«فليقل-إلى أن قال-:فإذا ركع أجزأه إن شاء اللّه تعالى» (1).

و في الخبر:عن رجل نسي أمّ القرآن:«إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن» (2).

و هي ظاهرة في إجزاء الركوع و تسبيحه عن القراءة إذا شرع فيهما،و لو وجب القراءة في الأخيرتين تداركا لما صدق معه الإجزاء جدّا،هذا.

و في الصحيح:في الرجل يسهو عن القراءة في الأوليين فيذكر في الأخيرتين،قال:«أتم الركوع و السجود؟»قلت:نعم،قال:«إني أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها» (3).

و في قوله«أتم الركوع»إلى آخره،إشارة إلى ما أفادته الأخبار السابقة من إجزائه عن القراءة قبله.

و في قوله:«أكره»ردّ على أبي حنيفة،حيث جعل الأخيرتين كالأوليين في تحتّم القراءة فيهما.و فيه حينئذ دلالة على أفضليّة التسبيح و كراهة القراءة، كما اعترف به جماعة،حاكين القول بها عن العماني (4).و لكن الأحوط القراءة، خروجا عن شبهة الخلاف في المسألة.

و في أفضلية التسبيح مطلقا،أم لغير الإمام الذي لم يتيقن عدم المسبوق،أم القراءة مطلقا،أم للإمام خاصة كذلك،أم مع تجويزه دخول

ص:161


1- التهذيب 2:574/147،الاستبصار 1:1340/354،الوسائل 6:88 أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 2.
2- الكافي 3:2/347،الوسائل 6:88 أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 1.
3- التهذيب 2:571/146،الاستبصار 1:1337/354،مستطرفات السرائر:21/98، الوسائل 6:92 أبواب القراءة في الصلاة ب 30 ح 1.
4- منهم العلامة في المختلف:92،و الشهيد في الذكرى:189،و البهائي في الحبل المتين: 232.

مسبوق خاصة،أم تساويهما،أقوال مختلفة،منشؤها اختلاف الأخبار في المسألة،إلاّ أن أكثرها و أظهرها ما دلّ على الأول،كما بيّنته في الشرح،من أرادها راجعها ثمّة.

و يجهر من الصلوات الخمس اليومية واجبا في الصبح و أوليي المغرب و العشاء الأخيرة و يسرّ في الباقي على الأظهر الأشهر،و في الخلاف و الغنية الإجماع على جميع ذلك (1)،و في السرائر نفي الخلاف عن عدم جواز الجهر في الإخفاتية (2).

و هو الحجة بعد التأسّي بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:قلت له:رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه،أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه،فقال:«أيّ ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته و عليه الإعادة،فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه» (3).

و نحوه آخر،لكن بزيادة في السؤال هي قوله:و ترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه و تبديل الجواب بقوله:«أيّ ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شيء عليه» (4).

و وجوه الدلالة فيهما واضحة،سيّما بعد الاعتضاد بالأخبار الأخر الصريحة،منها:«أن الصلوات التي يجهر فيها إنما هي في أوقات مظلمة، فوجب أن يجهر فيها ليعلم المارّ أنّ هناك جماعة» (5).

ص:162


1- الخلاف 1:331،الغنية(الجوامع الفقهية):558.
2- السرائر 1:218.
3- الفقيه 1:1003/227،التهذيب 2:635/162،الاستبصار 1:1163/313، الوسائل 6:86 أبواب القراءة في الصلاة ب 26 ح 1.
4- التهذيب 2:577/147،الوسائل 6:86 أبواب القراءة في الصلاة ب 26 ح 2.
5- الفقيه 1:927/204،علل الشرائع:263،عيون الأخبار 2:108،الوسائل 6:83 أبواب القراءة في الصلاة ب 25 ح 1.

و منها:لأيّ علّة يجهر في صلاة الجمعة و صلاة المغرب و صلاة العشاء الآخرة و صلاة الغداة،و سائر الصلوات الظهر و العصر لا يجهر فيهما؟قال:«لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله لما اسري به إلى السماء كان أول صلاة فرض[اللّه] عليه الظهر يوم الجمعة،فأضاف[اللّه عزّ و جلّ]إليه الملائكة يصلون خلفه و أمر نبيه صلّى اللّه عليه و آله أن يجهر بالقراءة ليبيّن لهم فضله،ثمَّ فرض عليه العصر و لم يضف إليه أحدا من الملائكة،و أمره أن يخفي القراءة لأنه لم يكن وراءه أحد،ثمَّ فرض عليه المغرب و أضاف إليه الملائكة و أمره بالإجهار،و كذلك العشاء الآخرة،فلما كان قرب الفجر نزل ففرض اللّه تعالى عليه الفجر و أمره بالإجهار ليبيّن للناس فضله كما بين للملائكة،فلهذه العلّة يجهر فيها» (1).

و ضعف سندهما بالجهالة و دلالتهما بالأخصّية مجبور بالشهرة،و عدم القائل بالفرق بين الطائفة،مضافا إلى الأصول،و الإجماع المنقول،و المعتبرة المستفيضة الصريحة في انقسام الصلوات إلى جهرية و إخفاتية (2)،و ظاهرها التوظيف الظاهر في الوجوب،سيّما بعد ضمّ الأخبار بعضها مع بعض.

خلافا للإسكافي،فقال بالاستحباب (3)،و نسب إلى المرتضى حيث قال:إنه من وكيد السنن (4).

و ليس بصريح في المخالفة،و على تقديرها فهو كسابقه شاذّ،و مستندهما غير واضح،عدا الصحيح في الجهرية:«إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر» (5).

ص:163


1- الفقيه 1:925/202،علل الشرائع:1/323،الوسائل 6:83 أبواب القراءة في الصلاة ب 25 ح 2.و ما بين المعقوفين من المصادر.
2- الوسائل 6:82 أبواب القراءة في الصلاة ب 25.
3- كما حكاه عنه في المعتبر 2:176،و المختلف:93.
4- نسبه إليه في المعتبر 2:176،و المختلف:93.
5- التهذيب 2:636/162،الاستبصار 1:1164/313،قرب الإسناد:796/205، الوسائل 6:85،أبواب القراءة في الصلاة ب 25 ح 6.

و هو-مع قصوره عن المقاومة لما مر من وجوه عديدة-محمول على التقية،لكونه مذهب العامة،كما صرّح به جماعة و منهم شيخ الطائفة حيث قال -بعد نقله-:هذا الخبر موافق للعامة و لسنا نعمل به،و العمل على الخبر الأوّل (1).و في عبارته هذه إشعار بالإجماع أيضا.

و أما الاعتراض على هذا الحمل بأنه فرع عدم وجود قائل به من الطائفة (2)فغريب،إذ ما دلّ على لزوم حمل الأخبار على التقية من الاعتبار و الأخبار غير مشترطة لما ذكر بالمرّة.

و أما الاحتجاج للاستحباب بآية وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً [1] (3)فلا وجه له،لدلالتها بظاهرها على وجوب القراءة المتوسطة في جهرية أو إخفاتية،أو استحبابها،و كلاهما ينفيان رجحانهما في مواضعهما،و هو مخالف للإجماع جدّا،و كذا إن فرض دلالتها على التسوية بينهما.

و إن حملت على ان المراد من الوسط الوسط من الجهر فيما يجهر و من الإخفات فيما يخافت فيه،و محصّلها حينئذ المنع من الجهر و الإخفات الزائدين عن المعتاد،كما فسّرته به كثير من النصوص (4)فحسن،إلاّ أنه لا حجة فيها على القائل بالوجوب،بل هي مجملة تفسّرها الأخبار السابقة.و بالجملة فلا ريب في المسألة.

و يعذر الناسي و الجاهل هنا إجماعا على الظاهر،المصرّح به في التذكرة

ص:164


1- التهذيب 2:162،الاستبصار 1:313.
2- انظر المعتبر 2:177.
3- الإسراء:110.
4- كما في تفسير العياشي 2:173/318،175،177.

و المنتهى (1)،للصحيحين الماضيين (2).

و يختص الجهر و الإخفات بالقراءة و بدلها دون غيرها من الأذكار،بلا خلاف أجده،للأصل،و الصحيح:عن التشهد و القول في الركوع و السجود و القنوت،للرجل أن يجهر به؟قال:«إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر» (3).

و أدناه أي الإسرار أن يسمع نفسه ما يقرؤه،و لا يجزي ما دونه إجماعا على الظاهر،المصرّح به في المعتبر و المنتهى و التذكرة (4)،و نسبه في التبيان إلى الأصحاب،مشعرا بدعوى الإجماع عليه أيضا،فقال:و حدّ أصحابنا الجهر فيما يجب الجهر فيه بأن يسمع غيره،و المخافتة بأن يسمع نفسه (5).

و هو الحجة،مضافا إلى المعتبرة،منها الصحيح:«لا يكتب من القراءة و الدعاء إلاّ ما أسمع نفسه» (6).قيل:و الظاهر من الإسماع إسماع جواهر الحروف (7).

و لا ينافيه الصحيح المكتفي بسماع الهمهمة (8)،لأنها الصوت الخفي، كما في القاموس (9)،و لا يعتبر فيه عدم الفهم و إن كان كلام ابن الأثير

ص:165


1- التذكرة 1:134،المنتهى 1:408.
2- في ص 162.
3- التهذيب 2:1272/313،و ص 385/102،قرب الإسناد:758/198،الوسائل 6: 290،أبواب القنوت ب 20 ح 1 و 2.
4- المعتبر 2:177،المنتهى 1:277،التذكرة 1:117.
5- التبيان 6:534.
6- الكافي 3:6/313،التهذيب 2:363/97،الاستبصار 1:1194/320،الوسائل 6:96 أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 1.
7- الذخيرة:275.
8- الكافي 3:15/315،التهذيب 2:364/97،الاستبصار 1:1195/320،الوسائل 6:97 أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 4.
9- القاموس المحيط 4:194.

يقتضيه (1).

و أما الصحيح:«لا بأس أن لا يحرّك لسانه،يتوهّم توهما» (2)فقد حمله الشيخ على من يصلّي خلف من لا يقتدى به (3)،للخبر:«يجزيك من القراءة معهم مثل حديث النفس» (4).و نحوه الصحيح في الصلاة معهم:«اقرأ لنفسك،و إن لم تسمع نفسك فلا بأس» (5).

و الذي يظهر للعبد من الجمع بين الصحيحين الأولين:كفاية سماع الهمهمة و لو من دون تشخيص الحروف،و لكنه خلاف المتبادر من كلام القوم، فالأحوط مراعاته.

ثمَّ إن ظاهر العبارة هنا و في التحرير و بعض نسخ التلخيص-كما حكي -و نهاية الإحكام (6)عدم منافاة إسماع الغير للإسرار في الجملة،و هو خلاف ظاهر عبارة التبيان المتقدمة و كثير كالفاضلين في أكثر كتبهما،و الراوندي و الحلّي و الشهيد (7)،حيث جعلوا حدّ الإخفات إسماع النفس،مؤذنين بخروج ما أسمع الغير عنه،حتى إنّ الحلّي صرّح بأنّ أعلاه أن تسمع أذناك،و ليس له

ص:166


1- انظر النهاية 5:276.
2- التهذيب 2:365/97،الاستبصار 1:1196/321،الوسائل 6:97 أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 5.
3- كما في التهذيب 2:97،و الاستبصار 1:321.
4- الكافي 3:16/315،التهذيب 2:366/97،الاستبصار 1:1197/321، الوسائل 6:128 أبواب القراءة في الصلاة ب 52 ح 3.
5- التهذيب 2:129/36،الاستبصار 1:1663/430،الوسائل 6:127 أبواب القراءة في الصلاة ب 52 ح 1.
6- التحرير 1:39،حكاه عن التلخيص في كشف اللثام 1:219،نهاية الإحكام 1:471.
7- المحقق في المعتبر 2:177 و 180،و الشرائع 1:82،العلامة في المنتهى 1:277، و التذكرة 1:117،الراوندي في فقه القرآن 1:104،الحلّي في السرائر 1:223،الشهيد في الدروس 1:173،و البيان:158،و الذكرى:190.

حدّ أدنى،بل إن لم تسمع أذناه القراءة فلا صلاة له،و إن سمع من عن يمينه أو شماله صار جهرا،فإذا فعله عمدا بطلت صلاته (1).

و ظاهر الشيخ و الفاضلين في المعتبر و التذكرة و المنتهى كونه مجمعا عليه (2).فإن تمَّ،و إلاّ فالأقوى ما عليه المحقق الثاني و الشهيد الثاني و جملة ممن تأخّر عنهما من الفضلاء (3)،من الرجوع فيهما إلى العرف،لأنه المحكّم فيما لم يرد به توظيف من الشرع،و لا ريب أن إسماع الغير لا يسمّى فيه جهرا ما لم يتضمّن صوتا.

و محصّل تعريفهما على هذا أنّ أقلّ الجهر أن يسمعه من قرب منه صحيحا مع اشتمالها على الصوت الموجب لتسميته جهرا عرفا،و أكثره أن لا يبلغ العلوّ المفرط،و أقلّ السرّ أن يسمع نفسه صحيحا أو تقديرا،و أكثره أن لا يبلغ أقلّ الجهر.

و يعضد العرف ما في الصحاح:جهر بالقول:رفع الصوت به (4).قيل:

و يظهر ذلك أيضا من القاموس (5).

مع أن ضبط التحديد الذي ذكروه يفضي إلى العسر و الضيق و الشديد غالبا،و الحال أنه لم يعهد منهم عليهم السلام المضايقة في أمثال هذا،كما صرّح به بعض الفضلاء (6)،و صرّح آخر بنظيره،فقال-تضعيفا لما ذكروه-:

قلت:عسى أن لا يكون إسماع النفس بحيث لا يسمع من يليه مما يطاق،ثمَّ

ص:167


1- السرائر 1:223.
2- الشيخ في التبيان 6:534،المعتبر 2:177،التذكرة 1:117،المنتهى 1:277.
3- المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:260،الشهيد الثاني في روض الجنان:265،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 2:226،و المدارك 3:358،و الذخيرة:275.
4- الصحاح للجوهري 2:618.
5- القاموس 1:409.
6- السبزواري في الذخيرة:275.

قال:و يدلّ على السماع ما مرّ عن العيون (1)،من أن أحمد بن علي صحب الرضا عليه السلام فكان يسمع ما يقوله في الأخراوين من التسبيحات (2).

أقول:مبنى الاستدلال به على ما ظاهرهم الاتفاق عليه من وجوب الإخفات في الأخيرتين،و عليه فالرواية صريحة في المطلوب،معتضدة بالعرف و اللغة و الاعتبار،كما عرفته.

لكن الأحوط ما ذكروه،لشبهة الإجماع الذي ادّعوه،و إن أمكن الذبّ عنه بأن عبارة التبيان (3)غير صريحة فيه،بل و لا ظاهرة.

و أما الفاضلان (4)فهما و إن صرّحا به إلاّ أنه يحتمل-احتمالا قريبا يشهد له سياق عبارتهما-كون متعلّقه خصوص لزوم اعتبار إسماع النفس في الإخفات،و من السياق الشاهد بذلك عطفهما على الإجماع قولهما:و لأن ما لا يسمع لا يعدّ كلاما و لا قراءة،و منه أيضا قولهما-فيما عدا المنتهى في حدّ الإخفات-:و أقلّه أن يسمع نفسه.

و هو كالصريح في أن للإخفات فردا آخر أعلى من إسماع النفس، و لا يكون إلاّ بإسماع الغير من دون صوت،و إلاّ لتصادق الجهر و الإخفات في بعض الأفراد،و هو معلوم البطلان،لاختصاص الجهر ببعض الصلاة و الإخفات ببعض،وجوبا أو استحبابا.

و لا يجب أن تجهر المرأة في مواضعه إجماعا محققا،و محكيا في كلام جمع (5)مستفيضا،للأصل،مع اختصاص النصوص الموجبة له

ص:168


1- العيون 2:5/178،الوسائل 6:110 أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 8.
2- كشف اللثام 1:220.
3- كالمحقق في المعتبر 2:178،و العلاّمة في التذكرة 1:117،و المنتهى 1:277،و الشهيد في الذكرى:190،و المحقق الكركي في جامع المقاصد 2:261.
4- راجع ص 165.
5- راجع ص 166.

و للإخفات-بحكم التبادر الموجب من سياق أكثرها و فتوى الفقهاء-بالرجل دونها.

و منه يظهر عدم وجوب الإخفات في مواضعه أيضا،كما صرّح به جمع (1).

و لكن ينافيه ظاهر العبارة ككثير،حيث خصّوا الجهر بالنفي،و وجهه غير واضح .

و في الخبر:هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟قال:«لا،إلاّ أن تكون المرأة تؤمّ النساء فتجهر بقدر ما تسمع»و لم يظهر بذيله عامل .

و الظاهر جواز الجهر لها إذا لم يسمعها الأجانب،كما صرّح به جمع (2)من غير نقل خلاف.

و في جوازه مع السماع قولان،و المشهور المنع مع الفساد،بناء منهم على كون صوتها عورة يجب إخفاتها من الأجانب،و ظاهر المنتهى و غيره و صريح غيرهما الإجماع عليه (3).فإن تمَّ،و إلاّ فما ذكروه مشكل ،و إن كان أحوط.

و من السنن: الاستعاذة بعد التوجه قبل القراءة،للآية (4)،و المعتبرة المستفيضة فعلا في جملة منها (5)،و أمرا في أخرى (6).

و توهم الوجوب منها-كالقول به المحكي عن أبي علي ولد شيخنا

ص:169


1- كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:228،و المجلسي في البحار 82:83،و السبزواري في الذخيرة:275.
2- كالشهيد الثاني في الروضة 1:260،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:134،و المجلسي في البحار 82:83.
3- المنتهى 1:277،و انظر التذكرة 1:117،و كشف اللثام 1:219.
4- النحل:98.
5- الوسائل 6:134،135 أبواب القراءة في الصلاة ب 57 الأحاديث 4،5،6،7.
6- الوسائل 6:133 أبواب القراءة في الصلاة ب 57 ح 1،ح 3.

الطوسي (1)-مردود بإجماعنا على عدمه في الظاهر،المحكي في الخلاف و مجمع البيان و المنتهى و الذكرى (2)،و غيرها (3).و يشهد له جملة من النصوص أيضا،منها: «إذا قرأت بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فلا تبالي أن لا تستعيذ» (4).

و محلها الركعة الاولى من كل صلاة لا مطلقا إجماعا،كما في صريح المنتهى و شرح القواعد للمحقق الثاني و ظاهر الذكرى (5)و غيرها (6)،و هو ظاهر من الأخبار،حيث لم يستفد منها الشرعية إلاّ فيها،و إطلاق الآية يقيّد بذلك، مع أن القصد هو التعوّذ من الوسوسة،و هو حاصل في أول ركعة،فيكتفى به في الباقي،كذا في المنتهى و غيره (7)،و زاد في الأوّل فاستدل بالنبوية العامية أنه صلّى اللّه عليه و آله إذا نهض عن الركعة الثانية استفتح بقراءة الحمد (8).

و هي سرّيّة و لو في الجهرية،بلا خلاف أجده،و في الخلاف الإجماع عليه (9).و الخبر الفعلي محمول على تعليم الجواز،إذ ليس الإجهار بها حراما، بل جائز و إن ترك المستحب،كما صرّح به جمع (10).

و الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات من أوّل الحمد مطلقا و السورة حيث تقرأ،للإمام و المأموم،وفاقا للأكثر على الظاهر،المصرّح به

ص:170


1- حكاه عنه في الذكرى:191.
2- الخلاف 1:324،مجمع البيان 3:385،المنتهى 1:269،الذكرى:191.
3- انظر كشف اللثام 1:221.
4- الكافي 3:3/313،الوسائل 6:135 أبواب القراءة في الصلاة ب 58 ح 1.
5- المنتهى 1:270،جامع المقاصد 2:271،الذكرى:191.
6- راجع كشف اللثام 1:221.
7- المنتهى 1:270،و انظر كشف اللثام 1:221.
8- صحيح مسلم 1:148/419،بتفاوت يسير.
9- الخلاف 1:326.
10- منهم الشهيد الثاني في الذكرى:191،المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:271،الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:198.

في كلام جمع (1)،بل المشهور في كلام آخرين (2)،و في الخلاف الإجماع عليه (3).

و هو الحجة،مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،بل المتواترة (4)،ففي جملة منها مستفيضة عدّه من علامات المؤمن الخمس المذكورة فيها،و هي:

«صلاة الخمسين،و زيارة الأربعين،و التختم باليمين،و التعفير بالجبين، و الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم» (5).

و ليس فيها كغيرها التقييد بالإمام كما عليه الإسكافي (6)،و لا بالأوليين كما عليه الحلّي (7)،مع أنهما شاذّان،غير واضحي المستند عدا لزوم الاقتصار فيما خالف لزوم الإخفات المجمع عليه،على المجمع عليه و المتيقن من النص،و هو عند الأول الإمام خاصّة دون غيره،و صرّح بالاستحباب في الأخيرتين،و عند الثاني بالعكس.

و يضعّفهما-بعد الشذوذ-الإطلاق المتقدم الراجع إلى العموم المقوّي بفتوى المشهور،و تزيد الحجة على الثاني بعدم ثبوت الإجماع على وجوب الإخفات في الأخيرتين مطلقا حتى في البسملة إلاّ بنقله،و هو موهون بمصير عامة الأصحاب-و لا أقل من الأكثر-على خلافه.

ص:171


1- كالعلاّمة في المنتهى 1:278،و صاحب المدارك 3:359،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:135،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:220.
2- كالعلاّمة في المختلف:93،و الشهيد في الذكرى:191،و المحقق الكركي في جامع المقاصد 2:268،و المجلسي في البحار 82:75،و صاحب الحدائق 8:167.
3- الخلاف 1:332.
4- انظر الوسائل 6:74 أبواب القراءة في الصلاة ب 21.
5- التهذيب 6:122/52،مصباح المتهجد:730،الوسائل 14:478 أبواب المزار ب 56 ح 1،و انظر البحار 82:79-81.
6- حكاه عنه في المختلف:93.
7- السرائر 1:218.

ثمَّ إن ظاهر سياق الأخبار المزبورة الاستحباب،حيث ساقت الإجهار به في سياق المستحبات بلا خلاف،مع إشعاره به من وجه آخر ،مضافا إلى التصريح بالإجماع عليه في الخلاف (1)،و في المروي عن العيون أن الجهر به في جميع الصلوات سنة (2).

فالقول بالوجوب مطلقا،كما عن القاضي (3)،أو في الأوليين خاصة، كما عن الحلبي (4)،ضعيف،يدفعه مع ذلك الأصل السليم عما يصلح للمعارضة عدا مداومتهم عليهم السلام بذلك،مضافا إلى الاحتياط.و يدفعان بما مرّ.

نعم،الأحوط عدم الترك،للمروي في الخصال أنه واجب (5)،و عن الأمالي دعوى الإجماع على الوجوب (6).

و ضعف الأوّل سندا،بل و دلالة،لعدم الصراحة بعد ظهور كثرة استعمال لفظة الوجوب في المتأكّد استحبابه في أخبار الأئمة عليهم السلام،مع كونه أعم من الوجوب بالمعنى المصطلح عليه الآن لغة.

و وهن الثاني بعدم ظهور موافق له عدا القاضي،مع ظهور عبارة ناقلة في الفقيه في عدم الوجوب (7)،كما بيّنته في الشرح،مع معارضته بنقل الحلّي الإجماع على صحة الصلاة مع ترك الإجهار (8)،مضافا إلى قصور لفظ الوجوب

ص:172


1- الخلاف 1:331.
2- عيون الأخبار 2:1/120،الوسائل 6:76 أبواب القراءة في الصلاة ب 21 ح 6.
3- المهذّب 1:92.
4- الكافي في الفقه:117.
5- الخصال:/604ضمن ح 9،الوسائل 6:75 أبواب القراءة في الصلاة ب 21 ح 5.
6- أمالي الصدوق:511.
7- الفقيه 1:202.قال فيه:و اجهر ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم في جميع الصلوات..
8- السرائر 1:218.

في عبارته عن إفادة معناه المصطلح عليه الآن،لعين ما ذكر في ضعف دلالته عليه في الأخبار.

يمنع المصير إلى هذا القول و تعيينه،سيّما مع إطباق المتأخّرين على خلافه،هذا.

و ربما يتردد في الاحتياط بالإجهار به في الأخيرتين،لمعارضة وجهه من الخروج عن شبهة القول بالوجوب بمثله من شبهة القول بالحرمة،كما عرفته من الحلّي،مع تردّد ما في شمول الإطلاقات بالإجهار وجوبا أو استحبابا،نصا أو إجماعا منقولا،لهما.و لو لا ما قدمناه،من عدم دليل على وجوب الإخفات فيهما عدا الإجماع الغير المعلوم الثبوت في محل النزاع إلاّ بدعوى الحلّي الموهونة بلا شبهة،كما عرفته،لكان المصير إلى قوله لا يخلو عن قوة،و إن اعتضد خلافه بالشهرة.

و ترتيل القراءة بالكتاب،و السنة،و إجماع العلماء كافة،كما حكاه جماعة (1).و هو لغة:الترسّل فيها و التبيين بغير بغي و تجاوز عن حدّ (2)،و شرعا -على ما في الذكرى و غيرها (3)-:حفظ الوقوف و أداء الحروف.

أقول:و لعلّهما متقاربان مع ورودهما في النصوص،منها في تفسير قوله تعالى وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً [1] (4)قال:قال أمير المؤمنين عليه السلام:«تبيّنه بيانا،و لا تهذّه (5)هذّ الشعر ،و لا تنثره نثر الرمل» (6).

ص:173


1- منهم:صاحب المدارك 3:361،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:135،و صاحب الحدائق 8:172.
2- كما في الصحاح 4:1704.
3- الذكرى:192،و انظر الروضة 1:261،و المفاتيح 1:135.
4- المزّمل:4.
5- قال في الصحاح 2:572:الهذّ:الإسراع في القطع و في القراءة.يقال:هو يهذّ القرآن هذّا و يهذّ الحديث هذّا،أي يسرده.
6- الكافي 2:1/614،الوسائل 6:207 أبواب قراءة القرآن ب 21 ح 1.و فيهما:«بيّنه تبيانا».

و به فسّر علي بن إبراهيم في تفسيره (1).

و منها:«هو أن تتمكّث فيه و تحسن به صوتك» (2).

و منها:«ترتيل القرآن حفظ الوقوف و بيان الحروف» (3)و نحوه عن ابن عباس لكن مبدّلا بيانها بأدائها (4)،فلا يبعد استحبابهما.

و فسّر الوقوف بالوقف التام،و هو الوقوف على كلام لا تعلّق له بما بعده لفظا و لا معنى،و الحسن،و هو الذي له تعلق لفظا لا معنى (5).

و منه يظهر عدم وجوب الوقف مطلقا،مضافا إلى الأصل،و دعوى الإجماع في كلام جمع (6)،و الصحيح المجوّز لقراءة الفاتحة في الفريضة بنفس واحد (7).

نعم،تجب المحافظة على النظم،تأسّيا،و وقوفا على المتيقن،و حذرا من الخروج عن الأسلوب الذي فيه الإعجاز،و لذا يجب فيها الموالاة العرفية المتحققة بأن لا يسكت فيها طويلا،و لا يقرأ فيها قرآنا أو ذكرا بحيث يخرج عن كونه قارئا عرفا،و لو أتى بهما مع صدق القارئ عليه عرفا جاز، بلا خلاف يعرف فيه بين علمائنا،كما في المنتهى (8).

و قراءة سورة بعد الحمد في النوافل إجماعا،و لا فرق فيها بين

ص:174


1- تفسير القمي 2:392،المستدرك 4:270 أبواب قراءة القرآن ب 18 ح 2.
2- مجمع البيان 5:378،الوسائل 6:207 أبواب قراءة القرآن ب 21 ح 4.
3- الوافي 9:1739.
4- حكاه عنه في الروض:268،و البحار 82:8.
5- حكاه عن شرح النفلية للشهيد الثاني في البحار 82:8.
6- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:239.
7- التهذيب 2:1193/196،قرب الإسناد:783/203،الوسائل 6:133،أبواب القراءة في الصلاة ب 46 ح 1.
8- المنتهى 1:279.

الرواتب و غيرها،و لا فيه بين ما وظّف فيه سورة خاصة و غيره إلاّ وجوبها شرطا في الأوّل دون غيره.

و الاقتصار في الظهرين و المغرب على قصار المفصل كالقدر، و الجحد،و التوحيد،و ألهاكم،و ما شابهها و في الصبح على مطوّلاته كالمدّثّر،و المزّمّل،و هل أتى،و شبهها و في العشاء على متوسطاته كالانفطار،و الطارق،و الأعلى،و شبهها.

قال في المنتهى:قاله الشيخ،و أومأ المفيد إلى بعضه،و علم الهدى (1).

و عزاه غيره إلى المشهور (2)،معربين عن عدم دليل عليه من طرقنا،و لذا اختاروا -وفاقا للشهيد في الذكرى (3)-العمل بما في الصحيح (4)و غيره (5)من استحباب مثل الأعلى و الشمس في الظهر و العشاء،و النصر و التكاثر في العصر و المغرب، و ما يقرب من الغاشية و القيامة و النبإ في الغداة.و هذا أولى،و إن كان الأوّل لشهرته مع المسامحة في المستحب و دليله ليس بعيدا،سيّما مع قربه مما ورد من طرقنا.

و أن يقرأ في ظهري الجمعة أي ظهرها و عصرها ب سورة ها في الركعة الاولى و بالمنافقين في الثانية،للمعتبرة،منها الصحيح:

عن القراءة في الجمعة إذا صلّيت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟قال:«نعم» و قال:«اقرأ سورة الجمعة و المنافقين يوم الجمعة» (6).

ص:175


1- المنتهى 1:279،الشيخ في النهاية:78،و المبسوط 1:108،و المفيد في المقنعة:135، و حكاه عن المرتضى في المعتبر 2:181.
2- انظر روض الجنان:263،و المدارك 3:362،و المفاتيح 1:136.
3- الذكرى:192.
4- التهذيب 2:354/95،الوسائل 6:117 أبواب القراءة في الصلاة ب 48 ح 2.
5- الوسائل 6:116 أبواب القراءة في الصلاة ب 48.
6- الكافي 3:5/425،التهذيب 3:49/14،الوسائل 6:160 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 3.

له» (1).

و ظاهره كسابقه و الصحيح الثاني المتقدم و غيرها وجوبهما فيها،كما عن المرتضى و الصدوق و الحلبي (2)،و زادا فألحقا الظهر بها أيضا،لظاهر الأمر بهما في الصحيح الأوّل من الصحيحين المتقدمين (3).

لكنها محمولة على الاستحباب على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر،للأصل،و حذرا عن لزوم العسر و المشقة المنفيين في الشريعة.

و خصوص المعتبرة،منها-زيادة على المرفوعة المتقدمة المصرّحة بالاستحباب-الصحيح:عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا،فقال:«لا بأس بذلك» (4).و نحو الخبر (5).

و إطلاق آخر:رجل صلّى الجمعة فقرأ سبّح اسم ربك الأعلى،و قل هو اللّه أحد،قال:«أجزأه» (6).

و في الصحيح:سمعته يقول في صلاة الجمعة:«لا بأس بأن يقرأ فيها بغير الجمعة و المنافقين إذا كنت مستعجلا» (7)و الاستعجال أعم من الضرورة

ص:177


1- التهذيب 3:17/7،الاستبصار 1:1584/414،الوسائل 6:155 أبواب القراءة في الصلاة ب 70 ح 7.
2- حكاه عن مصباح السيّد في كشف الرموز 1:154،و المهذب البارع 1:365،الصدوق في المقنع:45،الحلبي في الكافي:151 و 152.
3- في ص 175،176.
4- التهذيب 3:19/7،الاستبصار 1:1586/414،الوسائل 6:157 أبواب القراءة في الصلاة ب 71 ح 1.
5- التهذيب 3:20/7،الاستبصار 1:1587/414،الوسائل:158 أبواب القراءة في الصلاة ب 71 ح 4.
6- التهذيب 3:654/242،الوسائل 6:158 أبواب القراءة في الصلاة ب 71 ح 5.
7- الفقيه 1:1225/268،التهذيب 3:653/242،الاستبصار 1:1591/415،الوسائل 6: 157 أبواب القراءة في الصلاة ب 71 ح 3.

المبيحة و غيرها.

و هذه المعتبرة ما بين صريحة و ظاهرة في جواز الترك في الجمعة،ففي الظهر أولى.

مضافا إلى عدم القول بالفرق أصلا إلاّ من الصدوق-رحمه اللّه-على نقل ضعيف أنه قال بوجوبهما في ظهر الجمعة خاصة لا جمعتها.و هي مع بعده لا يلائم عبارته التي وصلت إلينا (1)كما بيّنته في الشرح مفصّلا،و لذا نسب إليه في الذكرى (2)و غيرها (3)ما قلنا،هذا.

و في الصحيح:عن الجمعة في السفر ما أقرأ فيهما؟قال:«اقرأهما بقل هو اللّه أحد» (4).

و هو صريح في عدم الوجوب في الظهر أيضا،بل يستفاد منه كون الظهر يطلق عليه الجمعة حقيقة أو مجازا شائعا،فيحتمل لذلك الاستناد إلى الأخبار المتقدمة بعدم الوجوب في الجمعة هنا أيضا،فتأمّل جدّا .

و نوافل الليل جهر و نوافل النهار إخفات إجماعا منا،كما في المعتبر و المنتهى و الذكرى و شرح القواعد للمحقق الثاني (5)و غيرها (6)، و للنصوص،منها:«السنة في صلاة النهار الإخفات و في صلاة الليل الإجهار» (7).

ص:178


1- انظر المدارك 3:366،و الذخيرة:279.
2- الذكرى:192.
3- انظر المختلف:94.
4- الفقيه 1:1224/268،التهذيب 3:23/8،الاستبصار 1:1590/415،الوسائل 6:157 أبواب القراءة في الصلاة ب 71 ح 2.
5- المعتبر 2:184،المنتهى 1:278،الذكرى:194،جامع المقاصد 2:275.
6- المدارك 3:368،و المفاتيح 1:136.
7- التهذيب 2:1161/289،الاستبصار 1:1165/313،الوسائل 6:77 أبواب القراءة في الصلاة ب 22 ح 2.

و ليس للوجوب،بالإجماع،و الموثق:عن الرجل هل يجهر بقراءته في التطوع بالنهار؟قال:«نعم» (1).

و يستحب إسماع الإمام من خلفه قراءته ما لم يبلغ العلو إجماعا من العلماء،كما في المدارك و المنتهى (2)،و للصحيح:«ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول» (3)و لعمومه لما عدا القراءة أيضا قال و كذا الشهادتين بل مطلق الأذكار التي لم يجب إخفاتها.نعم يتأكّد فيهما،للصحيحين الآتيين في بحث الجماعة (4)إن شاء اللّه تعالى.

و المتصف بالاستحباب في الجهر بالقراءة عند من أوجبه القدر الزائد على ما يتحقق به أصل الجهر.

حرمة قول آمين في آخر الحمد

و هنا مسائل أربع:.

الأولى:يحرم قول آمين في آخر الحمد بل في أثناء الصلاة مطلقا، و تبطل به أيضا على الأشهر الأقوى،بل كاد أن يكون إجماعا منا على الظاهر، المصرّح به في شرح القواعد للمحقق الثاني (5)،و بالإجماع حقيقة صرّح الصدوق في الأمالي و الشيخان و المرتضى و ابن زهرة و الفاضل في ظاهر المنتهى و صريح التحرير و نهج الحق و النهاية (6).

ص:179


1- التهذيب 2:1160/289،الاستبصار 1:1166/314،الوسائل 6:77 أبواب القراءة في الصلاة ب 22 ح 3.
2- المدارك 3:370،المنتهى 1:277.
3- التهذيب 3:170/49،الوسائل 8:396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.
4- راجع ج 4 ص:258.
5- جامع المقاصد 2:244.
6- أمالي الصدوق:512،حكاه عن المفيد في المعتبر 2:186،الطوسي في الخلاف 1:334 المرتضى في الانتصار:42،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):558،المنتهى 1:281، التحرير 1:39،نهج الحق:424،نهاية الإحكام 1:465.

و هو الحجة،مضافا إلى النهي عنه في المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد ففرغ منها فقل أنت:الحمد للّه ربّ العالمين،و لا تقل:آمين» (1).

و الحسن المروي في العلل:«و لا تقولنّ إذا فرغت من قراءتك:

آمين» (2).و الخبر:«أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب:آمين؟قال:لا» (3).

و عن دعائم الإسلام أنه قال:و روينا عنهم عليهم السلام أنهم قالوا..إلى أن قال:و حرموا أن يقال بعد قراءة فاتحة الكتاب:آمين،كما يقول العامة،قال جعفر بن محمد عليه السلام:«إنما كانت النصارى تقولها» و عنه عن آبائه عليهم السلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أمّتي بخير و على شريعتي ما لم يتخطّوا القبلة بأقدامهم،و لم ينصرفوا قياما كفعل أهل الكتاب،و لم تكن ضجّة آمين» (4).

و قصور السند،أو ضعفه في بعضها،و أخصّيتها من المدّعى مجبور بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل الإجماع كما عرفت نقله مستفيضا.

و قيل: و القائل الإسكافي (5)إنه يكره و مال إليه في المعتبر (6)، للصحيح:عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب:آمين،

ص:180


1- الكافي 3:5/313،التهذيب 2:275/74،الاستبصار 1:1185/318،الوسائل 6:67 أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 1.
2- علل الشرائع:1/358،الوسائل 5:464 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 6.
3- التهذيب 3:276/74،الاستبصار 1:1186/318،الوسائل 6:67 أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 3.
4- دعائم الإسلام 1:160،المستدرك 4:175 أبواب القراءة في الصلاة ب 13 ح 3،4،بتفاوت يسير.
5- نقله عنه في الدروس 1:174،و جامع المقاصد 2:249.
6- المعتبر 2:186.

قال:«ما أحسنها،و اخفض الصوت بها» (1)قيل:مع أصالة الجواز و كونه دعاء (2).

و في الجميع نظر:أما الأوّل فلابتنائه على كون«ما أحسنها»بصيغة التعجب،مع أنه يحتمل أن يكون جملة منفية،بل لعلّه المتعين،لاستلزام الأول الاستحباب و لا يقول به،مع مخالفته الإجماع قطعا،و مع ذلك فليس للأمر بخفض الصوت على تقديره وجه قطعا.

و أما على التقدير الثاني فهو خبر و من كلام الراوي ،و يكون الوجه فيه حينئذ التقية.

ثمَّ على تقدير دلالتها على الجواز خالصة مما مرّ من الاعتراض فهو محمول عليها،كما صرّح به جماعة (3)،و يفهم من الصحيح:أقول:آمين، إذا قال الإمام:غير المغضوب عليهم و لا الضالين؟فقال:«هم اليهود و النصارى» (4)فإنّ عدوله عليه السلام عن الجواب إلى تفسيره الآية قرينة على ذلك واضحة.

و ربما جعل مرجع الضمير في الجواب إلى قائليه،فيكون حينئذ جوابا مطابقا للسؤال جدّا،و عليه فلا شهادة فيه على التقية.

لكنه على هذا التقدير-بل على التقدير الأوّل أيضا،كالصحيح السابق بالتقريب المتقدم-ظاهر في المنع جدّا،كما اعترف به جمع،و منهم صاحب

ص:181


1- التهذيب 2:277/75،الاستبصار 1:1187/318،الوسائل 6:68 أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 5.
2- قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:130.
3- منهم الشيخ في التهذيب 2:75،و الاستبصار 1:319،و الشهيد الثاني في روض الجنان: 267،و صاحبا المدارك 3:374،و الذخيرة:277.
4- التهذيب 2:278/75،الاستبصار 1:1188/319،الوسائل 6:67 أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 2.

المدارك قائلا لذلك:إن الأجود التحريم،لكن منع عن الإبطال قائلا:إن النهي إنما يفسد العبادة إذا توجّه إليها أو إلى جزء منها أو إلى شرط لها،و هو هنا إنما توجه إلى أمر خارج عن العبادة فلا يقتضي فسادها (1).

و فيه:أنه إحداث قول ثالث على الظاهر،المصرّح به في الذخيرة (2)و غيرها (3).

و يضعّفه مضافا إلى ذلك شمول كثير من الإجماعات المنقولة للإبطال أيضا،كالانتصار و الخلاف و التحرير و النهاية و المنتهى (4)و غيرها (5).

و مع ذلك يدفعه قاعدة العبادة التوقيفية المقتضية لإخلاء العبادة عمّا هو منهي عنه في الشريعة،و قضائها لو أتى به فيها تحصيلا للبراءة اليقينية.

و أما الأخيران فبعد تسليمهما يندفعان بما مضى من الأدلة،هذا.

مع أن جماعة منعوا عن أجزاء أوّلهما في العبادة،و آخرين بل الأكثرين منعوا عن كون التأمين دعاء .و من أراد تحقيق ذلك فعليه بمراجعة الشرح.

الضحى و ألم نشرح سورة واحدة،و كذا الفيل و لإيلاف

الثانية:و الضحى و ألم نشرح سورة واحدة،و كذا الفيل و لإيلاف إجماعا،كما في صريح الأمالي و الانتصار و ظاهر التهذيب و الاستبصار و التحرير و التذكرة و النهاية (6)،و في التبيان و مجمع البيان و الشرائع نسب إلى رواية الأصحاب (7)مشعرين بدعوى الإجماع أيضا،و هي مستفيضة و إن لم

ص:182


1- المدارك 3:373.
2- الذخيرة:277.
3- كما في شرح المفاتيح للبهبهاني(المخطوط).
4- الانتصار:42،الخلاف 1:332،التحرير 1:39،نهاية الإحكام 1:465،المنتهى 1: 281.
5- كالغنية(الجوامع الفقهية):858،و نهج الحق:424.
6- أمالي الصدوق:512،الانتصار:44،التهذيب 2:72،الاستبصار 1:317،التحرير 1: 39،التذكرة 1:116،نهاية الإحكام 1:468.
7- التبيان 10:371،مجمع البيان 5:507،الشرائع 1:83.

يقف على شيء منها من المتأخّرين جماعة (1)،منها الرضوي:«و لا تقرأ في الفريضة الضحى و ألم نشرح،و كذا ألم تر كيف و لإيلاف-إلى أن قال-:لأنه روي أن الضحى و ألم نشرح سورة واحدة،و كذلك ألم تر كيف و لإيلاف سورة واحدة» (2).

و منها:مروي الصدوق في الهداية مرسلا عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال:«و موسّع عليك أيّ سورة قرأت في فرائضك إلاّ أربع،و هي:الضحى و ألم نشرح في ركعة،لأنهما جميعا سورة واحدة،و لإيلاف و ألم تر كيف، لأنهما سورة واحدة،و لا تنفرد بواحدة من هذه الأربع سور في ركعة فريضة» (3).

و في المجمع:و روى العياشي عن أبي العباس عن أحدهما عليهما السلام:«ألم تر كيف و لإيلاف سورة واحدة»قال:و روي أن ابيّ بن كعب لم يفصّل بينهما في مصحفه (4).

و نقل خالي العلاّمة-أدام اللّه تعالى ظلاله (5)-عن كتاب القراءات لأحمد ابن محمد بن[سيّار] (6)أنه روى البرقي،عن القاسم بن عروة،عن أبي العباس،عن مولانا الصادق عليه السلام،و محمد بن علي بن محبوب،عن أبي جميلة،عنه عليه السلام،قال:«الضحى و ألم نشرح سورة واحدة» (7).

ص:183


1- كما ذكره المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:263،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:244، و صاحبا المدارك 3:377،و الذخيرة:279.
2- فقه الرضا(عليه السلام):112،المستدرك 4:164 أبواب القراءة في الصلاة ب 7 ح 3.
3- الهداية:31،بتفاوت.
4- مجمع البيان 5:544،الوسائل 6:55 أبواب القراءة في الصلاة ب 10 ح 6،7.
5- الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح(المخطوط).
6- في النسخ:سنان،و الظاهر أنه سهو كما يظهر من شرح المفاتيح و كتب الرجال،فإن المذكور فيها أحمد بن محمد بن سيّار أبو عبد اللّه السيّاري،له كتاب التنزيل و التحريف يعرف بكتاب القراءات.
7- التنزيل و التحريف:68-أ،المستدرك 4:163 أبواب القراءة في الصلاة ب 7 ح 1.

و البرقي،عن القاسم بن عروة،عن شجرة أخي بشير النبال،عنه عليه السلام أن:«ألم تر كيف و لإيلاف سورة واحدة» (1).و محمد بن علي بن محبوب،عن أبي جميلة مثله (2).

و ضعف الأسانيد مجبور بالفتاوى و الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة.

مضافا إلى التأيّد بالصحيح:صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام[الفجر] فقرأ الضحى و أ لم نشرح في ركعة [واحدة] (3).

و الخبر:«لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلاّ الضحى و أ لم نشرح، و سورة الفيل و لإيلاف» (4).

و حيث إن الجماعة المتأخّرة لم يقفوا إلاّ عليهما اعترضوهما بعدم الدلالة على الوحدة فأنكروها،و لكن اعترف بعضهم-كشيخنا الشهيد الثاني في روض الجنان-بدلالتهما على وجوب قراءتهما معا في الركعة الواحدة،فقال-بعد الاعتراض عليهما بأنه لا إشعار فيهما بذلك،و إنّما يدلاّن على وجوب قراءتهما معا،و هو أعم من المدّعى،بل الأخير واضح في كونهما سورتين،لأن الاستثناء حقيقة في المتّصل،غاية ما في الباب كونهما مستثنيين من القران المحرم أو المكروه،و يؤيّده الإجماع على وضعهما في المصحف سورتين-ما صورته:و الأمر في ذلك سهل،فإن الغرض من ذلك على التقديرين وجوب قراءتهما في الركعة الواحدة،و هو حاصل (5).

ص:184


1- التنزيل و التحريف:71-أ،المستدرك 4:163 أبواب القراءة في الصلاة ب 7 ح 2.
2- التنزيل و التحريف:71-أ،المستدرك 4:163 أبواب القراءة في الصلاة ب 7 ح 2.
3- التهذيب 2:266/72،الاستبصار 1:1182/317،الوسائل 6:54 أبواب القراءة في الصلاة ب 10 ح 1.و ما بين المعقوفين من المصادر.
4- مجمع البيان 5:544،المعتبر 2:188،الوسائل 6:55 أبواب القراءة في الصلاة ب 10 ح 5.
5- روض الجنان:269.

و قريب منه المحقق الثاني،إلاّ أنه زاد فبيّن وجه الدلالة على وجوب قراءتهما في الركعة الواحدة (1).

و عليه فلا ثمرة مهمة للنزاع في المسألة،فإن المقصود الأهم من دعوى الاتحاد المنع عن الانفراد بإحدى السور الأربع في ركعة واحدة من الفريضة على القول بوجوب سورة كاملة،و هو ثابت من الخبرين باعتراف هذين المحققين،و إن كان بعض ما ذكراه لا يخلو عن نظر.

نعم،ظاهر المعتبر (2)و بعض من تأخّر (3)التأمل في المنع،و احتمال جواز إفراد بعض السور،كما في المرسل كالصحيح:صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام،فقرأ في الأولى الضحى و في الثانية ألم نشرح (4).

و فيه أنه-بعد تسليم سنده-محمول على التقية،أو النافلة كما ذكره شيخ الطائفة (5).

و هل تعاد البسملة بينهما؟قيل:لا و القائل الشيخ (6)و غيره (7)و هو عند الماتن أشبه لاقتضاء الوحدة ذلك.و فيه نظر.

و القول الثاني للحلّي (8)و كثير من المتأخّرين (9)،لثبوتها بينهما تواترا،

ص:185


1- جامع المقاصد 2:262.
2- المعتبر 2:188.
3- كالعلاّمة في المختلف:93،و الشهيد الأول في الذكرى:191،و الشهيد الثاني في روض الجنان:269.
4- التهذيب 2:265/72،الاستبصار 1:1184/318،الوسائل 6:54 أبواب القراءة في الصلاة ب 10 ح 3.
5- التهذيب 2:72،الاستبصار 1:318.
6- في التبيان 10:371،و الاستبصار 1:317.
7- كما في الجامع للشرائع:81،و الشرائع 1:83.
8- السرائر 1:221.
9- كالعلاّمة في التحرير 1:39 و نهاية الإحكام 1:468،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:204، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:263.

و كتبتها في المصاحف إجماعا.و هو أحوط،لأن بالإعادة بينهما تصح الصلاة بلا خلاف،كما في السرائر.

و لكن في تعيّنه نظر،فعن المجمع أن الأصحاب لا يفصلون بينهما بها (1)،و كذا عن التبيان (2)،و في الرضوي:«فإذا قرأت بعض هذه السور فاقرأ و الضحى و ألم نشرح و لا تفصل بينهما،و كذلك ألم تر كيف و لإيلاف» (3)و مرّ عن ابيّ عدم فصله بينهما بها في مصحفه (4).

و أحوط مما مرّ عدم قراءة شيء من هذه السور.

في تسبيحات أربع

الثالثة:يجزي بدل الحمد في الركعات الأواخر من الرباعية و الثلاثية تسبيحات أربع،و صورتها:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر للصحيح-كما قالوا-:ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال:«أن تقول:سبحان اللّه» (5)إلى آخر ما في المتن.

و هو خيرة المفيد (6)و كثير من المتأخرين (7).

و هو حسن لو صح السند.و فيه منع،فإنّ فيه محمد بن إسماعيل،عن الفضل بن شاذان،و في الأوّل كلام مشهور (8).

ص:186


1- مجمع البيان 5:507.
2- التبيان 10:371.
3- فقه الرضا(عليه السلام):113.
4- في ص:1712.
5- الكافي 3:2/319،التهذيب 2:367/98،الاستبصار 1:1198/321،الوسائل 6:109 أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 5.
6- المقنعة:113.
7- منهم العلامة في التذكرة 1:116،المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:256،الشهيد الثاني في روض الجنان:261.
8- قال في المدارك 3:380 و هو مشترك بين جماعة منهم الضعيف و لا قرينة على تعيينه.و ربما ظهر من كلام الكشّي أن محمد بن إسماعيل هذا يعرف بالبندقي و أنه نيسابوري فيكون مجهولا..

و مع ذلك الدلالة ليست بذلك الوضوح،لاحتمال أن يكون بيانا لإجزاء ما يقال لا العدد.

مع أنه معارض بما دلّ على الزائد من النصوص لراويه و غيره،و منها ما أشار إليه بقوله و روي في الفقيه و السرائر (1)صحيحا أنها تسع بتكريرها كما في المتن ثلاثا مع حذف التكبير في كل منها،كما هو خيرة والد الصدوق (2)،بل هو أيضا في الفقيه (3)،و الحلبي كما قيل (4).

و فيه نظر،إذ لم يظهر من الفقيه ما يوجب قوله به إلاّ روايته للرواية كذلك في بحث الجماعة،لكنه رواها في باب كيفية الصلاة بزيادة التكبيرات الثلاث (5)،كما هو القول الأخير.

و أما الحلبي فالذي يظهر منه-على ما نقله في المنتهى (6)-أنه قائل بثلاث تسبيحات،كما في بعض النصوص (7).

فانحصر القائل المعلوم قوله بهذه الرواية في الأول.نعم،حكى في المعتبر و الذكرى و التذكرة عن حريز بن عبد اللّه من القدماء (8).

ص:187


1- الفقيه 1:1158/256،مستطرفات السرائر:2/71،الوسائل 6:122 أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 1.
2- كما حكاه عنه في المختلف:92.
3- الفقيه 1:256.
4- كما في المختلف:92.
5- انظر الفقيه 1:209.
6- المنتهى 1:275،و هو في الكافي في الفقه:117.
7- التهذيب 2:372/99،الاستبصار 1:1203/322،الوسائل 6:124 أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 7.
8- المعتبر 2:189،الذكرى:188،التذكرة 1:116.

و هذه الرواية و إن صحّت سندا،إلاّ أنها مضطربة متنا،لما عرفت من اختلاف نسختها في الفقيه،و كذا في السرائر بعين ذلك،فقد رواها في باب كيفية الصلاة متضمنة للتسع كما رويت في الفقيه في باب الجماعة (1)،و في آخر الكتاب فيما استطرفه من كتاب حريز بن عبد اللّه بنحو ما في الفقيه في باب كيفية الصلاة (2).

و مع اختلاف النسخة يشكل التمسك بالرواية،سيّما و أن احتمال السقوط أرجح من احتمال الزيادة،مع مرجوحيته أيضا بوجودها في كثير من روايات المسألة،و منها:الصحيحة الأولى (3)التي هي أيضا لراوي هذه الصحيحة بعينه.

و منها:النصوص المعلّلة لشرعية التسبيح في الأواخر:«بأن النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة اللّه سبحانه،فدهش و قال:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر» (4).

و منها:«إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين،و على الذين خلفك أن يقولوا:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و هم قيام،فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب،و على الإمام التسبيح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأوليين (5)» (6).

و قريب منها في الدلالة على اعتبار التكبير بعض الصحاح الواردة فيما

ص:188


1- السرائر 1:219،و فيه زيادة:و اللّه أكبر.
2- مستطرفات السرائر:2/71،و ليس فيه التكبير.
3- المتقدمة في ص 186.
4- الفقيه 1:925/202،علل الشرائع:1/322،الوسائل 6:123 أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 3.
5- في المصدر و نسخة«م»و«ش»:الأخيرتين،و الظاهر أنه خطأ.
6- التهذيب 3:800/275،الوسائل 6:126 أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 13.

تقرأ في الركعتين الأخيرتين أنه:«إنما هو تسبيح و تهليل و تكبير و دعاء» (1).

فبملاحظة مجموع هذه الأخبار بل و غيرها مما سيأتي يترجّح احتمال السقوط،و يتعين القول بزيادة التكبير،و تكون الرواية حينئذ دليلا للقول بالاثنتي عشرة تسبيحة.

و قيل: إنها عشر بزيادة التكبير في المرة الثالثة،و القائل السيدان في المصباح و الجمل و الغنية،و الشيخ في المصباح و المبسوط و الجمل و عمل يوم و ليلة،و الديلمي و الحلي و القاضي (2)،و حجتهم غير واضحة عدا ما يتوهم من بعض (3)أنها الرواية بالتسع المتقدمة،و ليس فيها ما يتوهم منه ذلك إلاّ قوله عليه السلام بعد إتمام العدد:«ثمَّ تكبّر و تركع»و الظاهر أن المراد به تكبير الركوع،و مع التنزّل فلا أقل من احتماله،و معه لا يمكن الاستدلال.

و قيل: إنها اثنتا عشرة و القائل العماني و الشيخ في ظاهر النهاية و مختصر المصباح و الاقتصاد و القاضي في ظاهر المهذب و الفاضل في التلخيص كما حكي (4).

و هو أحوط للصحيحة المتقدمة،بناء على ما مرّ من رجحان ما فيها من النسخة بزيادة التكبير في كل مرة (5).

ص:189


1- الكافي 3:7/273،الوسائل 6:109 أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 6.
2- حكاه عن مصباح السيد في المعتبر 2:189،جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):33،الغنية(الجوامع الفقهية):557،مصباح المتهجد:44، المبسوط 1:106،الجمل و العقود(الرسائل العشر):181،و عمل يوم و ليلة(الرسائل العشر): 146،الديلمي في المراسم:72،الحلي في السرائر 1:230،القاضي في المهذّب 1:91.
3- كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2:256.
4- حكاه عن العماني في المختلف:92،النهاية:76،و حكاه عن مختصر المصباح في كشف اللثام 1:219،الاقتصاد:261،المهذّب 1:371،و حكاه عن التلخيص في كشف اللثام 1:219.
5- راجع ص 187،188.

و هي ظاهرة في الوجوب،لمكان الأمر الذي هو في الوجوب حقيقة.

و حمله على الندب بقرينة الصحيحة الأولى (1)حسن،لو سلمت عما مر فيها من المناقشة،و ليست عنها بسالمة،سيما ضعف الدلالة،لما عرفته.

مع أن الراوي لها حريز عن زرارة،و قد روى عنه أيضا الرواية المعارضة الآمرة بالتسع أو الاثني عشر على اختلاف النسخة،و هو ظاهر في أن المراد من الإجزاء في روايته الاولى ما ذكرنا،و إلاّ لتناقضت رواياته،فتأمّل جدّا .

و مع التنزّل و تسليم ظهور الإجزاء بحسب المقدار فلا ريب أنه ليس أظهر من ظهور الأمر في الوجوب،و كما يحتمل الجمع بحمله على الاستحباب كذا يحتمل الجمع بحمل ما يجزئ على نفس القول لا المقدار،فالترجيح لا بد له من دليل،و هو غير واضح للحمل الأوّل،بل وجوب تحصيل البراءة اليقينية يعاضد الثاني.

مضافا إلى الرضوي:«تقرأ فاتحة الكتاب و سورة في الركعتين الأوليين، و في الركعتين الأخراوين الحمد وحده،و إلاّ فسبّح فيهما ثلاثا ثلاثا،تقول:

سبحان اللّه،و الحمد للّه،و لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر،تقولها في كل ركعة منهما ثلاث مرّات» (2).

و نحوه الخبر المروي عن العيون عن مولانا الرضا عليه السلام أنه سبّح في الأخيرتين بالاثنتي عشرة (3).

لكن قيل:في بعض النسخ تسع (4).و لعلّه بعيد،لظهور الرواية في

ص:190


1- المتقدمة في 186.
2- فقه الرضا(عليه السلام):105،المستدرك 4:202 أبواب القراءة في الصلاة ب 31 ذيل حديث 1.
3- العيون 2:5/180،الوسائل 6:110 أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 8.
4- كما قال به المجلسي في البحار 82:88.

مداومته عليه السلام على ذلك،و لو كان تسعا لكان على ترك هذا المستحب الذي لا خلاف في استحبابه،و مداومة الإمامية عليه جيلا بعد جيل و حديثا بعد قديم مداوما،و هو بعيد جدّا،مع أن الظاهر مع بعض الروايات المتقدمة في ترجيح النسخة و غيرها اعتبار كون التسبيح بمقدار القراءة و هو لا يتحقق بالأربع بالضرورة.

و بالجملة المسألة محل إشكال،و الاحتياط فيها بما مرّ مطلوب على كل حال.و فيها أقوال أخر نادرة ليس في التعرض لذكرها كثير فائدة.

قراءة إحدى العزائم في النافلة

الرابعة:لو قرأ في النافلة إحدى العزائم الأربع المنهي عنها في الفريضة جاز و لو عمدا،بلا خلاف أجده فتوى و رواية،خاصة و عامة،و قد تقدّمت إليها الإشارة (1).

و حيث قرأها أو استمع إلى ما يوجب السجود منها سجد عند ذكره وجوبا على الأشهر الأقوى،للعموم،و خصوص الأمر به فيما مرّ من النصوص.

و به يخصّ ما دلّ على المنع عن الزيادة في الصلاة من القاعدة،مع إشعار بعض النصوص المعاضدة لها باختصاصه بالمكتوبة.

و قيل:إن سجد جاز و إن لم يسجد جاز (2)،و لعلّه للخبر الآتي.و هو- لضعف سنده،و عدم مقاومته لسابقه،مع عدم جابر له فيما نحن فيه-يمتنع العمل به.

ثمَّ إنه بعد ما يسجد يقوم فيتم ما بقي من السورة من غير إعادة الفاتحة إذا لم يكن السجود في آخر السورة و يركع،و لو كان السجود في آخرها

ص:191


1- راجع ص 154،155.
2- نقله كذلك في مفتاح الكرامة 2:358 عن الخلاف،و لكن مورد الكلام في الخلاف هو قراءة غير العزائم من السور التي فيها سجدة غير واجبة.انظر الخلاف 1:430.

قام بعد سجدة العزيمة و قرأ الحمد استحبابا ليركع عن قراءة كما في الصحيح (1)و غيره (2).

و لكن ليس فيهما التعليل،و لا التصريح بالاستحباب،بل ظاهرهما الوجوب،كما هو ظاهر الشيخ في كتابي الحديث (3)و غيره (4).لكن حمله الأصحاب على الاستحباب،للأصل،و الخبر:«إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها» (5)و لا يخلو عن نظر .و لا ريب أن الوجوب أحوط.

ثمَّ إن ظاهر الأكثر و الصحيح و ما بعده الاقتصار على إعادة الحمد خاصة.و عن المبسوط:و سورة أخرى أو آية (6)،و لم أعرف مستنده.

ص:192


1- الكافي 3:5/318،التهذيب 2:1167/291،الاستبصار 1:1189/319، الوسائل 6:102 أبواب القراءة في الصلاة ب 37 ح 1.
2- التهذيب 2:1174/292،الاستبصار 1:1191/320،الوسائل 6:102 أبواب القراءة في الصلاة ب 37 ح 2.
3- التهذيب 2:292،الاستبصار 1:319.
4- كصاحب المدارك 3:383.
5- التهذيب 2:1173/292،الاستبصار 1:1190/319،الوسائل 6:102 أبواب القراءة في الصلاة ب 37 ح 3.
6- المبسوط 1:114.
الخامس:الركوع

الخامس:الركوع و هو واجب في كل ركعة من الفرائض و النوافل مرّة واحدة بالضرورة من الدين،و الأخبار المتواترة عن سيد المرسلين و الأئمة الطاهرين عليهم السلام إلاّ في صلاة الآيات ك الكسوف و الخسوف و الزلازل فيجب في كل ركعة خمس مرّات،بالنص و الإجماع،كما سيأتي في بحثها إن شاء اللّه تعالى (1).

و هو مع ذلك ركن في الصلاة تبطل بتركه فيها مطلقا،و لو في الأخيرتين من الرباعية إجماعا إلاّ من المبسوط،ففيه:أنها لا تبطل بتركه فيهما سهوا إن ذكره بعد السجود،بل يسقط السجود و يركع ثمَّ يسجد (2).

و لو فسّر الركن بأنه ما تبطل الصلاة بتركه بالكلية لم يكن منافيا لذلك، لأن الآتي بالركوع بعد السجود لم يتركه في جميع الصلاة،و لعلّه لذا صرّح بعدم الخلاف في الركنية من غير استثناء للشيخ جماعة (3)،أو لشذوذه و معلومية نسبه، أو لنفيه في الحقيقة ركنية السجود،بمعنى عدم بطلان الصلاة بزيادته لا ركنية الركوع.

فلا خلاف فيها إلاّ ما يحكى من المبسوط أنه حكى قولا من بعض الأصحاب بأنّ من نسي سجدتين من ركعة أيّة ركعة كانت حتى ركع فيما بعدها أسقط الركوع و اكتفى بالسجدتين بعده،و جعل الركعة الثانية أوّلة،و الثالثة

ص:193


1- في ج 4 ص:16 و 17.
2- المبسوط 1:109.
3- منهم:العلاّمة في المنتهى 1:281،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:206،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:283.

ثانية،و الرابعة ثالثة (1).

قيل:و أفتى به ابن سعيد في الركعتين الأخيرتين خاصة (2).

و في الصحيح:عن رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشيء منها،فقال:«يقضي ذلك بعينه»قال:أ يعيد الصلاة؟قال:«لا» (3).و يحتمل على بقاء المحل.

و الواجب فيه خمسة أشياء:

الأوّل الانحناء ب قدر ما يمكن أن تصل معه كفّاه إلى ركبتيه إجماعا ممن عدا أبي حنيفة،كما حكاه جماعة (4)حدّ الاستفاضة،للتأسّي، و المعتبرة،منها الصحيح:«فإذا وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك،و أحبّ إليّ أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة و تفرج بينهما» (5).

و يستفاد منه و من غيره كفاية الانحناء بمقدار إمكان بلوغ رؤوس الأصابع إلى الركبتين،و أن الزائد مستحب،و به صرّح بعض (6)،بل عن خالي العلاّمة المجلسي-رحمه اللّه-في البحار أنه مذهب الأكثر (7).

ص:194


1- المبسوط 1:120.
2- الجامع للشرائع:83.
3- التهذيب 2:588/150،الاستبصار 1:1350/357،الوسائل 6:314 أبواب الركوع ب 11 ح 1.
4- منهم المحقق في المعتبر 2:193،و العلامة في المنتهى 1:281،و التذكرة 1:118،و الشهيد في الذكرى:197،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:283.
5- الكافي 3:1/334،التهذيب 2:308/83،الوسائل 5:461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
6- كصاحب الحدائق 8:238.
7- البحار 81:190 و نسبه فيه إلى المشهور.

خلافا لجماعة،فأوجبوا الزيادة (1).و هو أحوط،لظهور عبائر الأكثر فيه، و منهم جملة من نقلة الإجماع،كالفاضلين في المعتبر و التذكرة (2).

و لكن في تعينه نظر،لظهور النص المعتبر في خلافه،مع سلامته عن المعارض عدا شبهة دعوى الإجماع،و يحتمل تعلقها بالتحديد المشترك بين التحديدين،و هو ملاقاة اليدين الركبتين إما بالبلوغ أو الوضع،فأما خصوصه فلعلّه من اجتهاد الناقل.

مع أن ظاهر عبائر جملة آخرين من نقلة الإجماع هو ما ذكرنا،و إن كان يأباه سياق عبارتهم في الاستدلال عليه،كما يأبى سياق عبارة النقلة السابقين في الاستدلال ما يستفاد من ظاهر عبارتهم أيضا،و هذا من أوضح الشواهد على ما ذكرنا من أن المقصود من دعوى الإجماع إنما هو إثبات القدر المشترك ردّا على أبي حنيفة في قوله بكفاية أقلّ ما يقع عليه اسم الانحناء.

و إنما عبرنا بإمكان الوصول لعدم وجوبه إجماعا على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (3).

و هل يشترط في الانحناء قصد الركوع،حتى لو انحنى لا له ثمَّ ركع بقصده لم يكن زاد ركوعا،أم لا؟وجهان،ظاهر جماعة الأول (4)،بل قيل:

لا خلاف فيه (5).

ص:195


1- منهم الشهيد الأول في البيان:164،و الشهيد الثاني في الروض:271،و الروضة 1:270، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:284.
2- المعتبر 2:193،التذكرة 1:118.
3- كما في الذكرى:197،و انظر الحدائق 8:237.
4- منهم العلاّمة في نهاية الاحكام 1:481،و الشهيد في الدروس 1:176،و الذكرى: 197،و صاحب الحدائق 8:241.
5- الحدائق 8:241.

و لهم الخبر:رأيت أبا الحسن عليه السلام يصلّي قائما و إلى جنبه رجل كبير يريد أن يقوم و معه عصا له فأراد أن يتناولها،فانحطّ عليه السلام و هو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثمَّ عاد إلى صلاته (1).

و قريب منه إطلاق نحو الموثق:«لا بأس أن تحمل المرأة صبيها و هي تصلّي أو ترضعه و هي تتشهّد» (2).

و عليه فلو هوى لسجدة العزيمة أو غيرها في النافلة أو لقتل حية أو لقضاء حاجة،فلما انتهى إلى حدّ الراكع و أراد أن يجعله ركوعا لم يجزئ،فإن الأعمال بالنيات،و لكل امرئ ما نوى،فيجب عليه الانتصاب ثمَّ الهويّ للركوع، و لا يكون ذلك زيادة ركوع،صرّح بذلك الشهيد-رحمه اللّه-في الذكرى (3)، وفاقا للتذكرة و نهاية الإحكام (4)،و فيها:و لا فرق بين العامد و الناسي على إشكال.قيل:من حصول هيئة الركوع،و عدم اعتبار النية لكل جزء،كما في المعتبر و المنتهى و التذكرة،و غايته أنه لا ينوي غيره (5).و فيه نظر .

و لو عجز عن الانحناء الواجب اقتصر على الممكن منه،فإنّ الميسور لا يسقط بالمعسور. و إلاّ يتمكن منه أصلا و لو بالاعتماد على شيء أومأ برأسه إن أمكن،و إلاّ فبعينيه،بلا خلاف،للنصوص (6).

و الثاني الطمأنينة إجماعا،كما في الناصريات و الغنية و المعتبر

ص:196


1- الفقيه 1:1079/243،التهذيب 2:1369/332،الوسائل 5:503 أبواب القيام ب 12 ح 1.
2- التهذيب 2:1355/330،الوسائل 7:280 أبواب قواطع الصلاة ب 24 ح 1.
3- الذكرى:197.
4- التذكرة 1:119،نهاية الإحكام 1:482.
5- كشف اللثام 1:224.
6- انظر الوسائل 5:484 أبواب القيام ب 1 ح 11،13،15.

و المنتهى و التذكرة (1)و غيرها (2)،و في الخلاف الإجماع على ركنيتها (3)،و في المنتهى بعد نقل الركنية عنه:إن عنى بها ما بيّناه فهو في موضع المنع،على ما سيأتي من عدم إفساد الصلاة بتركه سهوا،و إن أطلق عليه اسم الركن بمعنى أنه واجب إطلاقا لاسم الكل على الجزء فهو مسلم (4).انتهى.و هو حسن.

و فسّرها كباقي الأصحاب بالسكون حتى يرجع كل عضو مستقرّه و إن قلّ.

قيل (5):و هو معنى قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في الخبر المروي في قرب الإسناد للحميري:«إذا ركع فليتمكّن ركوعه» (6).

قالوا:و يجب كونها بقدر الذكر الواجب و ظاهرهم الإجماع عليه، كما في المعتبر و المنتهى (7)و غيرهما (8).لكنه نسبه بعض الأفاضل (9)إلى السرائر و كتب الماتن خاصة،مشعرا باختصاص هذا التحديد بها.و ليس كذلك،لتصريح باقي الأصحاب أيضا بذلك جدّا،مع دعوى جملة منهم الإجماع عليه،كما مضى.

و هو الحجة،لا ما يقال من توقف الذكر الواجب عليها،لأنه إنما يتمّ إذا لم يزد في الانحناء على قدر الواجب،و إلاّ فيمكن الجمع بين مسمّى الطمأنينة

ص:197


1- الناصريات(الجوامع الفقهية):234،الغنية(الجوامع الفقهية):558،المعتبر 2:194 المنتهى 1:282،التذكرة 1:119.
2- كجامع المقاصد 2:284،و المفاتيح 1:139،و كشف اللثام 1:224.
3- الخلاف 1:348.
4- المنتهى 1:282.
5- كشف اللثام 1:224.
6- قرب الإسناد:118/36،الوسائل 4:35 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 8 ح 14.
7- المعتبر 2:194،المنتهى 1:282.
8- كالمفاتيح 1:139.
9- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:224.

و الذكر حين الركوع مع عدمها .

و الثالث تسبيحة واحدة كبيرة،و صورتها:سبحان ربي العظيم و بحمده،أو:سبحان اللّه ثلاثا وفاقا لجماعة (1)،للصحاح منها:عن الرجل يسجد كم يجزيه من التسبيح في ركوعه و سجوده؟فقال:«ثلاث،و تجزيه واحدة» (2)و نحوه آخران (3)،لكن بزيادة قوله عليه السلام:«تامة»بعد:«واحدة» في أحدهما.

و الظاهر أن المراد بالواحدة التامة التسبيحة الكبرى،و بالثلاث الصغريات،فإنّ جعل كل منهما في قالب الإجزاء يقتضي كونهما في مرتبة واحدة،هذا.

مضافا إلى النصوص المصرّحة بإجزاء الثلاث الصغريات،كالصحيح:

عن أخفّ ما يكون من التسبيح في الصلاة،قال:«ثلاث تسبيحات مترسّلا، تقول:سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه» (4)و نحوه الموثق (5)و غيره مما يأتي (6).

ص:198


1- منهم الصدوقان حكاه عنهما في الذكرى:197،و هو في المقنع:28،و الهداية:32،و الشيخ في التهذيب 2:80.
2- التهذيب 2:285/76،الاستبصار 1:1207/323،الوسائل 6:300 أبواب الركوع ب 4 ح 4.
3- التهذيب 2:283/76،284،الاستبصار 1:1205/323،1206،الوسائل 6:299 أبواب الركوع ب 4 ح 2،3.
4- التهذيب 2:288/77،الاستبصار 1:1212/324،الوسائل 6:303 أبواب الركوع ب 5 ح 2.
5- التهذيب 2:287/77،الاستبصار 1:1211/324،الوسائل 6:303 أبواب الركوع ب 5 ح 3.
6- و هو المرسل المروي في الهداية الآتي في ص 199،200.

و به يتضح إجمال الثلاث تسبيحات في الصحاح لو كان،و كذا في غيرها،كالحسن،بل الصحيح-كما قيل (1)-:«يجزيك من القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ مترسّلا» (2)و نحوه آخر (3)و غيره (4).

و في قوله عليه السلام:«أو قدرهنّ»إشارة إلى جواز التسبيحة الكبرى أيضا،فإنها بقدر الثلاث جدّا،مع ظهور جملة من النصوص في جوازها، منها:«أ تدري أيّ شيء حدّ الركوع و السجود؟»قلت:لا،قال:«تسبّح في الركوع ثلاث مرّات:سبحان ربّي العظيم و بحمده،و في السجود:سبحان ربّي الأعلى و بحمده،ثلاث مرات،فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته،و من نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته،و من لم يسبّح فلا صلاة له» (5).

و منها:عن التسبيح في الركوع،فقال:«تقول في الركوع:سبحان ربي العظيم،و في السجود:سبحان ربي الأعلى،الفريضة من ذلك تسبيحة، و السنة ثلاث،و الفضل في سبع» (6)و قريب منه غيره (7).

ص:199


1- قال به في المدارك 3:391.
2- التهذيب 2:286/77،مستطرفات السرائر:10/95،الوسائل 6:302 أبواب الركوع ب 5 ح 1.
3- التهذيب 2:297/79،الاستبصار 1:1208/323،الوسائل 6:303 أبواب الركوع ب 5 ح 4.
4- التهذيب 2:299/80،الاستبصار 1:1210/323،الوسائل 6:303 أبواب الركوع ب 5 ح 6.
5- الكافي 3:1/329،التهذيب 2:615/157،الاستبصار 1:1213/324،الوسائل 6: 301 أبواب الركوع،4 ح 7.
6- التهذيب 2:282/76،الاستبصار 1:1204/322،الوسائل 6:299 أبواب الركوع ب 4 ح 1.
7- الفقيه 1:/206ذيل الحديث 932،التهذيب 2:1273/313،علل الشرائع:6/333، الوسائل 6:327 أبواب الركوع ب 21 ح 1.

و قصورهما عن إفادة تمام التسبيحة غير ضائر بعد وجوده في أخبار كثيرة، منها الرضوي:«فإذا ركعت فمدّ ظهرك و لا تنكس رأسك،و قل في ركوعك بعد التكبير:اللّهم لك ركعت-ثمَّ ساق الدعاء إلى أن قال بعد تمامه:«سبحان ربي العظيم و بحمده-ثمَّ ساق الكلام في السجود كذلك إلى أن قال-:

«سبحان ربي الأعلى و بحمد» (1).

و بالجملة بهذه الأخبار بعد ضمّ بعضها مع بعض يتّضح وجه صحة ما في المتن من التخيير بين الثلاث الصغريات و واحدة كبرى،و ضعف القول بوجوبها خاصة،كما عن النهاية (2)،و بإجزاء التسبيح مطلقا و لو واحدة صغرى مطلقا،كما عن المرتضى (3)،و بالتخيير بين ثلاث كبريات و مثلها صغريات مع أفضلية الكبريات،كما عن الحلبي (4)،و بوجوب ثلاث كبريات خاصة،كما حكاه عن بعض علمائنا في التذكرة (5)،هذا،مع دعوى الفاضل في المنتهى اتفاق كل من قال بتعيين التسبيح على ما هنا (6)،مؤذنا بكونه مجمعا عليه بينهم.

كل ذلك مع الاختيار.

و مع الضرورة تجزي الواحدة الصغرى قطعا،و في المنتهى الإجماع عليه (7)،و في المرسل المروي عن الهداية:«سبّح في ركوعك ثلاثا،تقول:

سبحان ربي العظيم و بحمده ثلاث مرّات،و في السجود سبحان ربي الأعلى و بحمده ثلاث مرّات،لأن اللّه تعالى-إلى أن قال-:فإن قلت:سبحان اللّه

ص:200


1- فقه الرضا(عليه السلام):106،المستدرك 4:435 أبواب الركوع ب 15 ح 2.
2- النهاية:82.
3- الانتصار:45.
4- الكافي في الفقه:118.
5- التذكرة 1:119.
6- المنتهى 1:282.
7- المنتهى 1:283.

سبحان اللّه سبحان اللّه أجزأك،و التسبيحة الواحدة تجزي للمعتلّ و المريض و المستعجل» (1).

و اعلم أن القول بتعيّن التسبيح في كلّ من الركوع و السجود هو المشهور بين الأصحاب،بل في الانتصار و الخلاف و الغنية (2)الإجماع عليه.

و قيل:يجزي مطلق الذكر فيه و في السجود و القائل:الشيخ في المبسوط و الجمل و الحلّي (3)،نافيا الخلاف عنه،و تبعهما أكثر المتأخرين، للأصل،و الصحاح:يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود:لا إله إلاّ اللّه و الحمد للّه و اللّه أكبر؟قال:«نعم،كلّ هذا ذكر اللّه» (4).

مضافا إلى التأيّد بالحسنين أو الصحيحين المتقدمين،المتضمّنين لقوله عليه السلام:«يجزيك من القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسّلا» (5)و قدرهن أعم من أن يكون من التسبيحة الكبرى أو مطلق الذكر فيهما.

مع أنّ عموم ما في الصحاح ممّا هو كالتعليل لإجزاء الذكر المخصوص فيها يدفع توهم جوازه خاصة بعد التسبيح،كما عن الجامع و النهاية (6).

و هذا القول في غاية المتانة،لصراحة هذه الصحاح،و اعتضادها بالأصل،و الشهرة المتأخّرة،و حكاية نفي الخلاف المتقدمة،مع سلامتها عن معارضة الصحاح المتقدمة و غيرها من المعتبرة،المتضمنة لبيان ما يجزي من

ص:201


1- الهداية:32،المستدرك 4:424 أبواب الركوع ب 4 ح 4.
2- الانتصار:45،الخلاف 1:348،الغنية(الجوامع الفقهية):558.
3- المبسوط 1:111،الجمل و العقود(الرسائل العشر):60،الحلي في السرائر 1:224.
4- الوسائل 6:307 أبواب الركوع ب 7.
5- راجع ص:198،199.
6- الجامع للشرائع:83،النهاية:81.

التسبيح في الركوع و السجود،إذ هو أعم من الأمر به و الحكم بلزومه.

و أما ما تضمن الأمر به كالخبر:لمّا نزلت فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [1] قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«اجعلوها في ركوعكم»فلمّا نزلت:

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [2] قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«اجعلوها في سجودكم» (1)أو أنه«من لم يسبّح فلا صلاة له»كالخبر (2).

فمع ضعف سندهما ليسا نصّين في الوجوب،فيحتملان الحمل على الفضيلة جمعا بين الأدلة،و حذرا من إطراح الصحاح الصريحة،فإن العمل بظاهر الأمر يوجب إطراحها بالكلية،و لا كذلك لو حمل على الفضيلة،فإنّ معه لا يطرح شيء من أخبار المسألة،هذا.

و المستفاد منها بعد ضمّ بعضها مع بعض أنّ الأصل في ذكري الركوع و السجود هو التسبيح،و أن غيره من الأذكار مجز عنه،و يمكن أن ينزل على هذا كلمة كلّ من عيّن التسبيح بإرادتهم كونه الأصل،و إن ذكر بعضهم أنه لا صلاة لمن لا يسبّح،لاحتمال إرادته نفي الصلاة مع عدم التسبيح و بدله،ألا ترى إلى الصدوق أنه قال في الأمالي:إنه من دين الإمامية الإقرار بأن القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات-إلى أن قال-:و من لم يسبّح فلا صلاة له إلاّ أن يهلّل أو يكبّر أو يصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله بعدد التسبيح،فإنّ ذلك يجزيه (3).

و على هذا فلا خلاف و الحمد للّه تعالى.و لكن عدم العدول عن التسبيح أولى،خروجا عن شبهة الخلاف المشهور تحققه بين أصحابنا،و إن كان القول

ص:202


1- الفقيه 1:/206ذ.ح 932،التهذيب 2:1273/313،علل الشرائع:6/333، الوسائل 6:327 أبواب الركوع ب 21 ح 1.
2- التهذيب 2:300/80،الوسائل 6:300 أبواب الركوع ب 4 ح 5.
3- أمالي الصدوق:512.

بكفاية مطلق الذكر لعلّه أقوى.

و عليه فهل يكفي مطلقه و لو مقدار تسبيحة صغرى،ككلمة لا إله إلاّ اللّه وحدها،كما هو ظاهر إطلاق الصحاح و أكثر الفتاوى،أم يتعيّن منه مقدار ثلاث صغريات أو واحدة كبرى،كما هو ظاهر كلام الصدوق المتقدم،و الحسنين المتضمنين لإجزاء الثلاث الصغريات أو قدرها (1)؟ وجهان،و لعلّ الثاني أظهر و أولى،حملا لمطلق النصوص على مقيّدها.

و الرابع و الخامس رفع الرأس منه و الطمأنينة في الانتصاب إجماعا على الظاهر المستفيض النقل في جملة من العبائر (2)،و للتأسي، و النصوص،منها:«إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك،فإنه لا صلاة لمن لم يقم صلبه» (3).

و نحوه الرضوي (4)لكن من دون زيادة:«فإنه لا صلاة».

و ظاهر إطلاقها الركنية،كما عليه الشيخ في الخلاف،مدعيا عليه الوفاق (5)،و يعضده القاعدة في نحو العبادة التوقيفية،إلاّ أن المشهور خلافه ، بل لا يكاد يعرف فيه مخالف سواه،و لعله شاذّ،و سيأتي الكلام فيه في بحث الخلل الواقع في الصلاة (6).

و لا فرق في إطلاق النص و الفتوى بين صلاتي الفريضة و النافلة،خلافا للفاضل في النهاية،فقال:لو ترك الاعتدال في الرفع من الركوع و السجود في

ص:203


1- راجع ص 197،198.
2- كما نقله في الغنية(الجوامع الفقهية):558،و التذكرة 1:119،و جامع المقاصد 2:288، و المفاتيح 1:139.
3- الكافي 3:6/320،التهذيب 2:290/78،الوسائل 6:321 أبواب الركوع ب 16 ح 2.
4- فقه الرضا(عليه السلام):102،المستدرك 4:431 أبواب الركوع ب 12 ح 1.
5- الخلاف 1:351.
6- في ج 4 ص:107.

صلاة النفل عمدا لم تبطل صلاته،لأنه ليس ركنا في الفرض و كذا في النفل (1).

و هو كما ترى ،مع أنه شاذّ لا يرى له موافق من الأصحاب.

و يكفي في هذه الطمأنينة مسمّاها اتفاقا.

و من السنة فيه:أن يكبّر له قائما قبل الهوي رافعا يديه، محاذيا بهما وجهه كغيره من التكبيرات ثمَّ يركع بعد إرسالهما،و أن يضعهما على عيني ركبتيه حالة الذكر أجمع،مالئا كفيه منهما.

مفرّجات الأصابع،رادّا ركبتيه إلى خلفه،مسوّيا ظهره بحيث لو صبّت عليه فطرة ماء لم تزل لاستوائه مادّا عنقه مستحضرا فيه:آمنت بك و لو ضربت عنقي.

داعيا أمام التسبيح بالمأثور.

مسبّحا ثلاثا كبرى أي:سبحان ربي العظيم و بحمده فما زاد فقد عدّ لمولانا الصادق عليه السلام في الركوع و السجود ستّون تسبيحة،كما في الصحيح (2)،و في الخبر:دخلنا عليه عليه السلام و عنده قوم و قد كنّا صلّينا، فعددنا له في ركوعه و سجوده:سبحان ربي العظيم و بحمده أربعا أو ثلاثا و ثلاثين مرّة (3).

و في الموثق:«و من كان يقوى على أن يطوّل الركوع و السجود فليطوّل ما استطاع،يكون ذلك في تحميد اللّه تعالى و تسبيحه و تمجيده و الدعاء و التضرع» (4)الحديث.

ص:204


1- نهاية الإحكام 1:483.
2- الكافي 3:2/329،التهذيب 2:1205/299،الوسائل 6:304 أبواب الركوع ب 6 ح 1.
3- الكافي 3:3/329،التهذيب 2:1210/300،الاستبصار 1:1214/325، الوسائل 6:304 أبواب الركوع ب 6 ح 2.
4- التهذيب 2:287/77،الوسائل 6:305 أبواب الركوع ب 6 ح 4.

إلاّ أن يكون إماما،فلا يزيد على الثلاث إلاّ مع حبّ المأمومين الإطالة.

و ظاهر الأكثر الاقتصار على السبع،للخبر (1)،و فيه ضعف سندا و دلالة، و في آخر على التسع (2).

قائلا بعد انتصابه:سمع اللّه لمن حمده،داعيا بعده بالمأثور.

كلّ ذلك للنصوص،ففي الصحيح المتضمن لفعل مولانا الصادق عليه السلام تعليما لحمّاد:ثمَّ رفع يديه حيال وجهه و قال:«اللّه أكبر»و هو قائم،ثمَّ ركع و ملأ كفّيه من ركبتيه مفرّجات،و ردّ ركبتيه إلى خلفه،ثمَّ سوّى ظهره حتى لو صبّ عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره،و مدّ عنقه و غمض عينيه ثمَّ سبح ثلاثا،فقال:«سبحان ربي العظيم و بحمده» (3)الحديث.

و في آخر«إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب:اللّه أكبر،ثمَّ اركع و قل:

ربّ لك ركعت،و لك أسلمت،و بك آمنت،و عليك توكّلت،و أنت ربي، خشع لك سمعي و بصري و شعري و بشري و لحمي و دمي و مخّي و عصبي و عظامي و ما أقلّته قدماي ،غير مستنكف و لا مستكبر و لا مستحسر،سبحان ربي العظيم و بحمده،ثلاث مرّات في ترسّل،و صفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر،و تمكّن راحتيك من ركبتيك،و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى،و بلّع (4)بأطراف أصابعك[عين الركبة و فرّج أصابعك] (5).

إذا وضعتها على ركبتيك(إلى أن قال:و أحبّ إليّ أن تمكّن كفيك من ركبتيك

ص:205


1- المتقدم في ص 199.
2- فقه الرضا(عليه السلام):106،المستدرك 4:423 أبواب الركوع ب 4 ح 2.
3- الكافي 3:8/311،الفقيه 1:916/196،التهذيب 2:301/81،الوسائل 5:459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
4- في«م»و«ل»و الوسائل:بلّغ بالمعجمة،و في التهذيب:تلقم.
5- أضفناها من المصادر.

فتجعل أصابعك في عين الركبة و تفرّج بينهما) (1)و أقم صلبك،و مدّ عنقك، و ليكن نظرك إلى ما بين قدميك ثمَّ قل:سمع اللّه لمن حمده-و أنت منتصب قائم-الحمد للّه رب العالمين أهل الجبروت و الكبرياء و العظمة،الحمد (2)للّه ربّ العالمين،تجهر بها صوتك،ثمَّ ترفع يديك بالتكبير و تخرّ ساجدا» (3).

و لا يجب شيء من ذلك على المشهور،بل لا خلاف فيه أجده إلاّ من العماني و الديلمي في التكبير فأوجباه (4).و للمرتضى،فأوجب رفع اليدين فيه و في كل تكبير (5).و قد مضى ضعف الثاني (6).

و أما الأوّل فيضعّفه شذوذه أوّلا،و دعوى الذكرى استقرار الإجماع على خلافه (7)ثانيا،و تصريح جملة من النصوص بعدم الوجوب،منها الموثق:عن أدنى ما يجزي من التكبير في الصلاة،قال:«تكبيرة واحدة» (8).

و المروي في علل الفضل:أن التكبير المفروض في الصلاة ليس إلاّ واحدة (9)و قصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل و الأصل.

فيصرف بها ظاهر الأمر،مع وروده في ضمن كثير من الأوامر المستحبة

ص:206


1- ما بين القوسين ليست موجودة في مصادر هذا الصحيح،و الظاهر وقوع الخلط بينه و بين الصحيح الآخر،و هو في الكافي 3:1/334،و التهذيب 2:308/83،و الوسائل 5:461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
2- كلمة الحمد ليست في الكافي و الوسائل و«م».
3- الكافي 3:1/319،التهذيب 2:289/77،الوسائل 6:295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.
4- نقله عن العماني في المختلف:96،الديلمي في المراسم:69.
5- الانتصار:44.
6- راجع ص:126.
7- الذكرى:198.
8- التهذيب 2:238/66،الوسائل 6:10 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 5.
9- الذي عثرنا عليه في علل الفضل هكذا:«فإن قال:فلم جعل في الاستفتاح سبع تكبيرات؟ قيل:لأن الفرض منها واحد و سائرها سنة..»علل الشرائع:261.

إجماعا،و هو موجب للتزلزل في الظهور جدّا.

و يكره أن يركع و يداه تحت ثيابه كما ذكره الجماعة (1)،وفاقا للمبسوط (2)،و مستنده غير معلوم،نعم في الموثق:في الرجل يدخل يديه تحت ثوبه،قال:«إن كان عليه ثوب آخر إزار أو سراويل فلا بأس،و إن لم يكن فلا يجوز له ذلك،و إن أدخل يدا واحدة و لم يدخل الأخرى فلا بأس» (3).

و هو غير مطابق لما ذكروه،لعدم اختصاصه بالركوع و نفيه البأس إذا كان عليه مئزر أو سراويل،كما عن الإسكافي (4).

و عن الحلبي إطلاق الكراهة،ملحقا الكمّين بالثياب (5).

و يدفعه الصحيح:عن الرجل يصلّي و لا يخرج يديه عن ثوبه،قال:«إن أخرج يديه فحسن،و إن لم يخرج فلا بأس» (6).

ص:207


1- منهم المحقق في الشرائع 1:85،و العلامة في الإرشاد 1:255،و الشهيد الأوّل في الذكرى: 198.
2- المبسوط 1:112.
3- الكافي 3:10/395،التهذيب 2:1475/356،الاستبصار 1:1494/392، الوسائل 4:432 أبواب لباس المصلي ب 40 ح 4.
4- على ما نقله عنه في الذكرى:198.
5- الكافي في الفقه:125.
6- الفقيه 1:822/174،التهذيب 2:1474/356،الاستبصار 1:1491/391، الوسائل 4:431 أبواب لباس المصلي ب 40 ح 1.
السادس:السجود

السادس:السجود و يجب في كل ركعة من فريضة أو نافلة سجدتان بالنص و الإجماع،بل الضرورة من الدين.

و هما معا ركن في الصلاة تبطل بالإخلال بهما إجماعا على الظاهر،المصرّح به في المعتبر و التذكرة و المنتهى (1)و غيرها (2)،و لصحيح:

«لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة:الطهور،و الوقت،و القبلة،و الركوع، و السجود» (3)و نحوه غيره (4).

و كذا بزيادتهما مطلقا،للقاعدة المستندة إلى الاعتبار،و الأخبار،منها- زيادة على ما مرّ في النهي عن قراءة العزيمة في الفريضة (5)-الصحيح:«إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها و استقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا» (6).و الموثق القريب منه:«من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (7).

خلافا للشيخ في جملة من كتبه،فجعلهما ركنين في الأوليين و ثالثة

ص:208


1- المعتبر 2:206،التذكرة 1:110،المنتهى 1:286.
2- كنهاية الإحكام 1:487،و المفاتيح 1:141.
3- التهذيب 2:597/152،الوسائل 6:313 أبواب الركوع ب 10 ح 5.
4- الفقيه 1:991/225،الوسائل 6:91 أبواب القراءة في الصلاة ب 29 ح 5.
5- راجع ص 153.
6- الكافي 3:2/354،التهذيب 2:763/194،الاستبصار 1:1428/376،الوسائل 8:231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1.
7- التهذيب 2:764/194،الاستبصار 1:1429/376،الوسائل 8:231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 2.

سجدها و بنى على صلاته،ثمَّ يسجد سجدتي السهو بعد انصرافه،و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة،و نسيان السجدة في الأوليين و الأخيرتين سواء» (1).

و هو-مع ضعف سنده بالإرسال و غيره،و معارضته بما تقدم مما هو أرجح سندا و عددا و عملا-غير صريح بل و لا ظاهر في المخالفة،لاحتمال السجدة المنسية فيها السجدتين لا الواحدة،بقرينة تعريفها باللام المفيدة للجنسية، قال الشيخ:و لأجل هذا قال:«و نسيان السجدة في الأوليين و الأخيرتين سواء» يعني في السجدتين معا (2).و كيف كان فيتعين حمله على ذلك جمعا،و إرجاعا له إلى الراجح.

و للمحكي عن الأوّل و السيد في الجمل و الحلبيين و الحلّي (3)،فتبطل بالزيادة،للقاعدة و ما بعدها من المعتبرة،و هو في غاية القوة لو لا الموثقان المتقدمان الظاهر ان في عدم البطلان بها،بل الثاني صريح فيه،لاعتضادهما بالشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخّرين إجماعا،بل هو إجماع في الحقيقة.

مضافا إلى فحوى ما دلّ على عدمه بالإخلال بواحدة من الفتوى و الرواية،فتدبّر و تأمّل .

و للشيخ في ظاهر التهذيب و محتمل الاستبصار (4)،فوافق العماني في

ص:210


1- التهذيب 2:606/154،الاستبصار 1:1363/359،الوسائل 6:366 أبواب السجود ب 14 ح 5.
2- الاستبصار 1:359.
3- الكليني في الكافي 3:361،و لم نجده في النسختين المطبوعتين من جمل السيد،و لكنه موجود في متن الجمل المطبوع في ضمن شرحه للقاضي:105،الحلبي في الكافي في الفقه:119،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):565،الحلّي في السرائر 1:253.
4- التهذيب 2:154،الاستبصار 1:359.

البطلان بالإخلال بالواحدة إذا كانت من الأوليين،و الأصحاب إذا كانت من الأخيرتين،للصحيح:«إذا تركت السجدة في الركعة الأولى فلم تدر واحدة أو ثنتين استقبلت حتى يصحّ لك ثنتان،و إذا كان في الثالثة و الرابعة فتركت سجدة بعد ان تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود» (1).

و فيه-مع إجماله كما بيّنته في الشرح-قصور عن مقاومة ما مر،لاعتضاده بعد الكثرة بالأصل و الشهرة العظيمة،مضافا إلى صريح بعض الأخبار المنجبر ضعفه بها:عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها، فقال:«إذا خفت أن لا تكون وضعت جبهتك إلاّ مرّة واحدة فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة و ليس عليك سهو» (2)فتأمل (3).

مع أن ظاهره اختصاص الحكم بالبطلان بتركها بالركعة الاولى و عدمه فيما عداها،كما يحكى عن والد الصدوق و الإسكافي (4).

نعم ربما يعضده تظافر الأخبار بأنه لا سهو في الأوليين،و أنه لا بدّ من سلامتهما (5)،لكنها محمولة على الشك في الأعداد خاصة،جمعا بين الأدلّة.

و واجباته أمور سبعة الأول السجود على الأعضاء السبعة يعني الجبهة،و الكفّين، و الركبتين،و إبهامي الرجلين بلا خلاف فيه بيننا أجده إلاّ من المرتضى

ص:211


1- الكافي 3:3/349(و فيه صدر الحديث)،التهذيب 2:605/154، الاستبصار 1:1364/360،الوسائل 6:365 أبواب السجود ب 14 ح 3.
2- التهذيب 2:607/155،الاستبصار 1:1365/360،الوسائل 6:366 أبواب السجود ب 14 ح 6.
3- وجهه:تضمّنه لما لا يقول به الأصحاب من الاعتداد بالشك بعد التجاوز عن المحلّ،و من نفي سجدتي السهو عن تارك السجدة الواحدة،مع أن ظاهرهم الإجماع على خلافه.منه رحمه اللّه.
4- حكاه عنهما في المختلف:131.
5- انظر الوسائل 8:187 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1.

و الحلّي،فجعلا عوض الكفّين المفصل عند الزندين (1).و هما شاذّان،بل على خلافهما الإجماع في الخلاف و الذكرى و شرح القواعد للمحقق الثاني و عن التذكرة (2)،و هو الحجة.

مضافا إلى النصوص المستفيضة،منها الصحيح:«السجود على سبعة أعظم:الجبهة،و اليدين،و الركبتين،و الإبهامين،و ترغم بأنفك إرغاما،فأمّا الفرض فهذه السبعة،و أما الإرغام بالأنف فسنّة من النبي صلّى اللّه عليه و آله» (3)و نحوه آخر،مبدّلا فيه اليدين بالكفين (4).

و من جماعة من القدماء،فجعلوا عوض الإبهامين أصابع الرجلين،كما في كلام جملة منهم (5)،أو أطرافهما،كما في كلام آخرين (6).

و فيه ما في سابقة،مع عدم وضوح مستندهما عدا ما يحكى من القاضي في شرح الجمل (7)،من نقله الإجماع على الأول في ظاهر كلامه،و ما ورد في بعض الأخبار من لفظ الرجلين،أو أطراف أصابعهما (8).

و الأوّل-مع عدم صراحته بل و لا ظهوره،كما لا يخفى على المراجع

ص:212


1- المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):32،الحلّي في السرائر 1:225.
2- الخلاف 1:123،الذكرى:201،جامع المقاصد 2:300،التذكرة 1:120.
3- التهذيب 2:1204/299،الاستبصار 1:1224/327،الوسائل 6:343 أبواب السجود ب 4 ح 2.
4- الخصال:23/349،الوسائل 6:343 أبواب السجود ب 4 ذيل الحديث 2.
5- كالشيخ في الجمل و العقود(الرسائل العشر):180،و ابن حمزة في الوسيلة:94.
6- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):558،الحلبي في الكافي:119،الشيخ في المبسوط 1:112.
7- شرح جمل العلم و العمل:90.
8- هناك خبران ورد أحدهما بلفظ الرجلين كما في قرب الإسناد:74/22،الوسائل 6: 345 أبواب السجود ب 4 ح 8.و الثاني ورد بلفظ أطراف أصابعهما كما في عوالي اللئالي 1:5/196،المستدرك 4:455 أبواب السجود ب 4 ح 3.

لكلامه-موهون بمصير الأكثر،بل الكل على خلافه،و معارض بأجود منه.

و الثاني-مع عدم سلامة سنده-مطلق،و الصحيحان المتقدمان مقيّدان، فيجب حمله عليهما جمعا.

و يكفي فيما عدا الجبهة المسمّى،على الأشهر الأقوى،بل في المدارك و الذخيرة أنه لا نعرف فيه خلافا (1)،مع أنه تردّد في المنتهى في كفايته في الكفّين،قال:و الحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل (2).

و هو كما ترى،فإنّ ما دلّ عليها فيها يدلّ عليها هنا بالفحوى،مؤيدا بإطلاق الأمر،و الخبر المروي عن تفسير العياشي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام أنه سأله المعتصم عن[السارق] (3)من أيّ موضع يجب أن يقطع؟ فقال:«إن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف» قال:و ما الحجة في ذلك؟قال:«قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:السجود على سبعة أعضاء:الوجه،و اليدين،و الركبتين،و الرجلين،فإذا قطعت اليدين دون المرفق لم يبق له يد يسجد عليها» (4)الخبر.

و هو صريح في عدم وجوب السجود على الأصابع.

و كذا فيها،على الأشهر الأقوى،للإطلاق،و المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«إذا مسّ شيء من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه و قصاص شعره فقد أجزأ عنه» (5)و نحوه آخران،و الموثق،و الخبران (6).

ص:213


1- المدارك 3:440،الذخيرة:286.
2- المنتهى 1:290.
3- بدل ما بين المعقوفين في«ح»و«ل»و«ش»:المازني،و الصحيح ما أثبتناه من المصادر.
4- تفسير العياشي 1:109/319،المستدرك 4:454 أبواب السجود ب 4 ح 1.
5- الفقيه 1:833/176،التهذيب 2:314/85،الوسائل 6:355 أبواب السجود ب 9 ح 1.
6- الوسائل 6:355 أبواب السجود ب 9.

خلافا للصدوق و الحلّي و الشهيد في الدروس و موضع من الذكرى (1)، فأوجبوا مقدار الدرهم،قال في الأخير:لتصريح الخبر و كثير من الأصحاب به، فيحمل المطلق من الأخبار و كلام الأصحاب على المقيد.

و هو أعرف بما قال،إذ لم نقف على الخبر و لا الكثير من الأصحاب.

و في المدارك:و لعلّ مستنده ما رواه زرارة في الحسن،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود،فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم و مقدار طرف الأنملة» (2).و الإجزاء إنّما يستعمل في أقل الواجب (3).

و لم أعرف وجه دلالته أصلا،بل هو بالدلالة على خلافه أشبه و أخرى، كما اعترف به أخيرا،فقال:و مقتضاها الاكتفاء بقدر طرف الأنملة و هو دون الدرهم،و الأجود حملها على الاستحباب.

و في الصحيح:عن المرأة تطول قصّتها ،فإذا سجدت وقعت بعض جبهتها على الأرض و بعض يغطّيه الشعر،هل يجوز ذلك؟قال:«لا،حتى تضع جبهتها على الأرض» (4).

و ظاهره إيجاب تمام الجبهة كما يحكى عن الإسكافي (5)،مع أن جماعة اعترفوا بعدم قائل به (6).و لعلّه لذا استدل به على القول بالدرهم،و لا دلالة فيه

ص:214


1- الصدوق في المقنع:26،الحلي في السرائر:225،الدروس 1:180،الذكرى:201.
2- الكافي 3:1/333،الوسائل 6:356 أبواب السجود ب 9 ح 5.
3- المدارك 3:405.
4- التهذيب 2:1276/313،قرب الإسناد:874/224،الوسائل 5:363 أبواب ما يسجد عليه ب 14 ح 5.
5- نقله عنه في الذكرى:201.
6- منهم صاحب المدارك 3:405،و السبزواري في الذخيرة:286،و صاحب الحدائق 8: 282.

على اعتباره.و الحمل عليه بعد عدم الاكتفاء بما حصل من الجبهة على الأرض ليس أولى من حمل ما وقع على ما دون المسمّى و الأمر بوضع المسمى.

مع أن ظاهره اعتبار جميع الجبهة،و لم يوجبه أحد،فليحمل على الاستحباب جمعا،و لصريح الموثقة:«الجبهة إلى الأنف أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك،و السجود عليه كله أفضل» (1).

و الثاني وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه مما مرّ في المقدمة السادسة مع دليله (2).

و الثالث أن ينحني بحيث لا يكون موضع السجود عاليا من الموقف بما يزيد عن قدر لبنة بكسر اللام فسكون الباء،أو فتحها فكسرها،بإجماعنا الظاهر،المحكي في كثير من العبائر (3)،و للمرسل المروي في الكافي:«إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن رجليك قدر لبنة فلا بأس» (4):

و نحوه الخبر (5)،بل الحسن،لكن فيه:«بدنك»بدل رجليك بالباء ثمَّ النون،و ربما يوجد في بعض النسخ بياءين مثنّاتين من تحت،فلا يفيد العلوّ على الموقف، فالاستدلال به لذلك مشكل و إن اتفق لجمع (6).

و ربما يشكل من وجه آخر يجري أيضا في المرسل لو لا الجبر بالإجماع، و هو أن غايتهما ثبوت البأس مع العلوّ زيادة عن اللبنة،و هو كما يحتمل التحريم يحتمل الكراهة،لكن الإجماع جابر معيّن للأوّل.

ص:215


1- التهذيب 2:1199/298،الاستبصار 1:1221/326،الوسائل 6:356 أبواب السجود ب 9 ح 3.
2- راجع ص:39-52.
3- كما في المنتهى 1:288،و الذكرى:160،و المدارك 3:407.
4- الكافي 3:/333ذيل الحديث 4،الوسائل 6:359 أبواب السجود ب 11 ح 3.
5- التهذيب 2:1271/313،الوسائل 6:358 أبواب السجود ب 11 ح 1.
6- منهم العلاّمة في المنتهى 1:288،و صاحب المدارك 3:407،و صاحب الحدائق 8:284.

مضافا إلى أن الانحناء بهذا القدر غير معلوم كونه سجودا مأمورا به شرعا،فيجب الاقتصار فيه على المتيقّن،و هو ما لا يزيد عن اللبنة جدّا.

بل الأحوط التساوي بين المسجد و الموقف بحيث لا يزيد بقدرها أيضا.

بل ربما قيل بوجوبه (1)،للصحيح:عن موضع جبهة الساجد يكون أرفع من مقامه،قال:«لا،و ليكن مستويا» (2)و هو محمول على الندب جمعا،و لظاهر الصحيح:«إني أحبّ أنّ أضع وجهي في موضع قدمي» (3).

و يلحق الانخفاض بالارتفاع عند جماعة (4)،للموثق:في المريض يقوم على فراشه و يسجد على الأرض،فقال:«إن كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقلّ استقام له أن يقوم عليه و يسجد على الأرض،و إن كان أكثر من ذلك فلا» (5).

و قيل بجواز الانخفاض مطلقا،و حكي عن الفاضل في النهاية (6)،قيل:

و نقل في التذكرة الإجماع عليه (7).

و يدل عليه بعده صدق السجود معه،فيحصل الامتثال،فيمكن حمل الموثق على الاستحباب.

و منهم من ألحق بالجبهة بقية المساجد (8).و لا ريب أنه أحوط،و إن كان مستنده بعد لم يظهر.

ص:216


1- قال به ابن الجنيد على ما نقله عنه في الذكرى:202.
2- الكافي 3:4/333،التهذيب 2:315/85،الوسائل 6:357 أبواب السجود ب 10 ح 1.
3- التهذيب 2:316/85،الوسائل 6:357 أبواب السجود ب 10 ح 2.
4- منهم الشهيد الأول في البيان:168،الشهيد الثاني في الروض:276،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:309.
5- الكافي 3:13/411،التهذيب 3:949/307،الوسائل 6:358 أبواب السجود ب 11 ح 2.
6- نهاية الإحكام 1:488،و قال به السبزواري في الذخيرة:285.
7- التذكرة 1:121.
8- كالشهيد في الذكرى:202.

و لو وقعت الجبهة على موضع مرتفع عن القدر الذي يجوز السجود عليه تخيّر بين رفعها و جرّها إلى موضع الجواز،لعدم تحقق السجود على ذلك القدر.

و أما لو وقعت على ما لا يصح السجود عليه مع كونه مساويا للموقف أو مخالفا بقدر المجزي لم يجز رفعها،حذرا من تعدّد السجود،بل يجرّها إلى موضع الجواز،و في الصحيح:«عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكّن جبهته على الأرض،فقال:«يحرّك جبهته فينحّي الحصى عن جبهته و لا يرفع رأسه» (1).

و الخبر المخالف له (2)ضعيف الإسناد فلا يعبأ به،مع معارضته بأجود منه بحسب السند،و الاعتضاد بالأصل.

و أما النصوص في المنع عن المرتفع و جوازه فهي مطلقة (3)،إلاّ أن حملها على التفصيل المتقدم طريق الجمع بينها،و الجامع الدليل المتقدم المعتضد بفتوى الأكثر،بل قيل (4):لا خلاف فيه يعرف إلاّ من صاحبي المدارك و الذخيرة،حيث عملا بإطلاق الخبر المانع،لصحته و ضعف مقابله (5).

و لكن الأحوط ما ذكراه،لا لما ذكراه من صحة الخبر المانع (6)،فإنّ فيها كلاما مشهورا،من حيث تضمّن سنده محمد بن إسماعيل عن الفضل بن

ص:217


1- التهذيب 2:1270/312،الاستبصار 1:1240/331،الوسائل 6:353 أبواب السجود ب 8 ح 3.
2- التهذيب 2:1260/310،الوسائل 6:354 أبواب السجود ب 8 ح 5.
3- الوسائل 6:353 أبواب السجود ب 8 ح 1،2،4.
4- الحدائق 8:287.
5- المدارك 3:408،الذخيرة:285.
6- الكافي 3:3/333،التهذيب 2:1221/302،الاستبصار 1:1238/330، الوسائل 6:353 أبواب السجود ب 8 ح 1.

شاذان،و الأوّل مجهول على المشهور،و إن عدوّا السند الذي هو فيه صحيحا أو قريبا منه،بل لتوقف ما مرّ من دليل الجواز في صورته على عدم صدق السجود على الانحناء المفروض فيها،و كونه حقيقة في الانحناء إلى الوضع على ما يساوي الموقف فصاعدا إلى قدر اللبنة،و هو مشكل.

و إثباته بما دلّ على المنع عن الوضع على الزائد عنها غير ممكن،لأن غايته المنع،و يمكن أن يكون وجهه فوات بعض واجبات السجود لا نفسه،نعم ذلك حسن حيث لا يصدق السجود معه عرفا،و أما معه فمشكل.و لا ريب أن الأحوط حينئذ عدم الرفع،و كذا الموضع الذي يشك في الصدق و عدمه،مع احتمال جواز الرفع هنا،كصورة عدم الصدق قطعا،و لكن الأحوط عدم الرفع مطلقا،خروجا عن شبهة الخلاف نصّا و فتوى.

و لو تعذّر الانحناء الواجب أتى بالممكن منه و رفع ما يسجد عليه ليسجد عليه بلا خلاف فيه على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (1)، و ظاهر المعتبر و المنتهى دعوى الإجماع عليه (2).

و هو الحجة،مضافا إلى عموم النصوص بعدم سقوط الميسور بالمعسور (3)،و خصوص النصوص،منها-مضافا إلى فحوى الموثق الآتي و غيره -الخبر:رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء،و لا يمكنه الركوع و السجود،فقال عليه السلام:«ليوم برأسه إيماء،و إن كان له من يرفع له الخمرة فليسجد،فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة» (4).

ص:218


1- مجمع الفائدة و البرهان 2:191،الذخيرة:263،الحدائق 8:81.
2- المعتبر 2:208،المنتهى 1:288.
3- عوالي اللئالي 4:205/58.
4- الفقيه 1:1052/238،التهذيب 3:951/307،الوسائل 6:375 أبواب السجود ب 20 ح 1.

و في الحسن أو الصحيح:«لا يصلّي على الدابة فريضة إلاّ مريض يستقبل بوجهه القبلة و يجزيه فاتحة الكتاب،و يضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شيء،و يومئ في النافلة إيماء» (1).

و أما الصحيحان المخالفان لذلك،كما يأتي،فشاذّان مطرحان،أو مؤوّلان بما يأتي.

و إن تعذّر رفع ما يسجد عليه اقتصر على الانحناء،و إن تعذّر رأسا أومأ برأسه إن أمكن،و إلاّ فبعينيه مع الإمكان،و إلاّ فبواحدة.

و هل يجب مع ذلك رفع ما يسجد عليه إلى الجبهة مع الإمكان؟قولان، أجودهما الأوّل،للعموم المتقدم،مضافا إلى خصوص النصوص،منها الموثق:عن المريض لا يستطيع الجلوس،قال:«فليصلّ و هو مضطجع، و ليضع على جبهته شيئا إذا سجد» (2).و نحوه المرسل في الفقيه (3).

و المروي في قرب الإسناد:عن المريض الذي لا يستطيع القعود و لا الإيماء،كيف يصلّي و هو مضطجع؟قال:«يرفع مروحة إلى وجهه و يضع على جبينه» (4).

و قيل:لا،للأصل،و خلوّ كثير من الأخبار و الفتاوى عنه (5).

و يندفعان بما مر.

و لظاهر الصحيح:عن المريض إذا لم يستطع القيام و السجود،قال:

ص:219


1- التهذيب 3:952/308،الوسائل 4:325 أبواب القبلة ب 14 ح 1.
2- التهذيب 3:944/306،الوسائل 5:482 أبواب القيام ب 1 ح 5.
3- الفقيه 1:1034/235،الوسائل 5:485 أبواب القيام ب 1 ح 14.
4- قرب الإسناد:834/213،الوسائل 5:487 أبواب القيام ب 1 ح 21.
5- انظر المدارك 3:333.

يومئ برأسه إيماء،و أن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ» (1)و بمعناه آخر (2).

و موردهما وضع الجبهة على الأرض لا العكس،كما هو محل البحث.

و ما يقال في توجيهه:بأن حملهما على ظاهرهما مصادم لوقوع الشهرة على خلافهما فيجب صرفهما و حملهما على وضع الأرض و ما يجري مجراها على الجبهة.

فبعيد،و مع ذلك فغير نافع،مع إمكان التوجيه بغير ذلك مما لا يخالفان معه الإجماع أيضا،و قد ذكرناه في الشرح.

و أما الخبر:عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا فيسجد عليه؟فقال:

«لا،إلاّ أن يكون مضطرّا ليس عنده غيرها» (3)فمع قصور سنده لا يخالف ما ذكرناه من وجوب الرفع،فإنه إنما يفيد كراهية إمساك المرأة إذا وجد غيرها،كما عن المقنع (4)،و كذا في المقنعة (5)،لكن من دون تقييد بالمرأة،بل أطلق كراهة وضع الجبهة على سجّادة يمسكها غيره أو مروحة،و هو غير كراهة أصل الرفع، مع أنها مخالفة للإجماع،إذ لا خلاف في رجحانه،مع ظهور الخبر في لزومه، كما لا يخفى على من تدبّر في سياقه و مفهومه.

و لو كان بجبهته دمل و نحوه مما يمنع الجبهة بأجمعها عن السجود احتفر حفيرة أو عمل شيئا من طين أو خشب و نحوهما وجوبا و لو من باب المقدمة ليقع السليم منها على الأرض.

ص:220


1- الكافي 3:5/410،الوسائل 5:481 أبواب القيام ب 1 ح 2.
2- الفقيه 1:1039/236،التهذيب 2:1264/311،الوسائل 5:364 أبواب ما يسجد عليه ب 15 ح 1،2.
3- التهذيب 3:397/177،الوسائل 5:483 أبواب القيام ب 1 ح 7.
4- المقنع:36.
5- المقنعة:36.

و للنص:خرج بي دمل و كنت أسجد على جانب،فرآني أبو عبد اللّه عليه «السلام فقال:«ما هذا؟»قلت:لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل،فإنما أسجد منحرفا،فقال لي:«لا تفعل ذلك احفر حفيرة،و اجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض» (1).

و نحوه الرضوي:«فإن كان في جبهتك دمل لا تقدر على السجود فاحفر حفيرة،فإذا سجدت جعلت الدمل فيها» (2).و قريب منهما المروي في تفسير علي بن إبراهيم (3).

و قصور السند أو ضعفه مجبور بما مر من القاعدة،و الشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخّرين إجماعا،بل لعلّها إجماع في الحقيقة.

و لم يذكر جماعة منهم خلافا في المسألة،مشعرين بعدم خلاف فيها، كما صرّح به في المدارك،فقال:هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء (4).

و فيه نظر،فقد خالف فيها الشيخ في المبسوط و النهاية فلم يوجب الحفيرة،بل قال بجوازها بعد الأمر بالسجود على أحد جانبيه (5).و ظاهره التخيير بينهما،كما عن جامع المقاصد (6)أيضا،و عن ابن حمزة عكس المختار،فأوجب السجود على أحد الجبينين،و مع عدم التمكن فالحفيرة (7).

لكن مستندهما-سيّما الأخير-غير واضح،سيّما في مقابلة ما قدّمناه من النصوص المعتضدة بالقاعدة و فتوى المشهور،فلا إشكال فيه.و مع ذلك فهو

ص:221


1- الكافي 3:5/333،التهذيب 2:317/86،الوسائل 6:359 أبواب السجود ب 12 ح 1.
2- فقه الرضا(عليه السلام):114،المستدرك 4:459 أبواب السجود ب 10 ح 1.
3- تفسير القمي 2:30،الوسائل 6:360 أبواب السجود ب 12 ح 3.
4- المدارك 3:416.
5- المبسوط 1:114،النهاية:82.
6- جامع المقاصد 2:303.
7- حكاه عنه في الذكرى:201،و قال في مفتاح الكرامة 2:442:و لعلّه ذكره في الواسطة.

أحوط،لجوازه عند الشيخ أيضا،و أما ابن حمزة فهو نادر بلا شبهة.

و لو تعذر ذلك إمّا لعدم إمكان النقل،أو لاستيعابه الجبهة،أو نحو ذلك سجد على أحد الجبينين بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (1)،و في المدارك أنه قول علمائنا و أكثر العامة (2)،و ظاهره الإجماع عليه.

للمعتبرين،أحدهما الرضوي،ففيه بعد ما مر:«و إن كان على جبهتك علّة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على قرنك الأيمن،فإن تعذّر فعلى قرنك الأيسر،فإن تعذر فاسجد على ظهر كفّيك،فإن لم تقدر فاسجد على ذقنك،يقول اللّه تعالى يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً [1] (3)» (4).

و قريب منه المروي في التفسير المتقدم (5)،و فيه:قلت للصادق عليه السلام:رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد عليها،قال:«يسجد ما بين طرف شعره،فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيمن،و إن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر،و إن لم يقدر فعلى ذقنه»الحديث.

و ظاهرهما اعتبار الترتيب بين الجبينين،كما عن الصدوقين (6)،و هو أحوط.

خلافا لظاهر الأكثر،و صريح جمع (7)،فالتخيير بينهما،للأصل،و قصور

ص:222


1- كما في الذخيرة:286.
2- المدارك 3:417.
3- الاسراء:107.
4- راجع ص:221.
5- في ص:221.
6- والد الصدوق في المقنع:26،الصدوق في الفقيه 1:175.
7- منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد 2:304،و صاحب المدارك 3:417، و السبزواري في الذخيرة:286.

النص سندا عن تخصيصه.و يمكن دفعه لو لا الشهرة،و عدم دلالة الروايتين على وجوب الترتيب صريحا،و لكن مراعاته مهما أمكن أولى.

و إلاّ يقدر من السجود على أحد الجبينين ف ليسجد على ذقنه بلا خلاف إلاّ من الصدوقين،فعلى ظهر كفه،و إلاّ فعلى ذقنه،لما مر من الرضوي.

و هو-مع شذوذه و ندرته،بل و انعقاد الإجماع على خلافه،كما صرّح به في المدارك (1)-غريب لا معنى له،معارض بما مرّ من الخبر المروي في التفسير المتقدم،و في آخر:فيمن لا يقدر على السجود على الجبهة:«يضع ذقنه على الأرض،إنّ اللّه تعالى يقول يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً [1] » (2).

و ضعف السند منجبر بالعمل،و إطلاق الأمر بالسجود على الذقن بعد العجز عن الجبهة مقيّد بما مرّ من النص و الإجماع.

و لو عجز عن جميع ذلك أومأ واضعا جبهته على ما يصح السجود عليه،كما مرّ (3).

و الرابع الذكر فيه مطلقا أو التسبيح منه خاصة،على الخلاف المتقدم في الركوع (4)،فإن السجود كالركوع في أمثال هذه المباحث،لاتحاد الدليل مطلقا.

و الخامس الطمأنينة بقدر الذكر الواجب.

و السادس رفع الرأس.

و السابع أن يكون مطمئنا عقيب السجدة الأولى بإجماعنا

ص:223


1- المدارك 3:417.
2- الكافي 3:6/334،التهذيب 2:318/86،الوسائل 6:360 أبواب السجود ب 12 ح 2.
3- في ص:218.
4- راجع ص:197-200.

في الجميع على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضا (1)، و للنصوص (2)،و التأسي.

و قول الخلاف بركنية الطمأنينة كما في الركوع (3)شاذّ،و إن ادّعى الإجماع عليه.و يكفي في الطمأنينة بعد الرفع مسمّاها اتفاقا.

و سننه:التكبير للأولى حال كونه قائما،و الهويّ بعد إكماله كما في الصحاح و غيرها.

و القول بوجوب أصل التكبير شاذّ،كالقول باستحباب البدأة به قائما و الانتهاء به مع مستقرّه ساجدا،و قد مرّ الكلام في الأول (4).

و أما الثاني فعن المعتبر دعوى كون المختار فيه اختيار الأصحاب (5)، و في المنتهى و عن التذكرة أن عليه فتوى علمائنا (6)،و ظاهرهما دعوى الإجماع عليه.

و هو الحجة،مضافا إلى ظواهر الصحاح السليمة عما يصلح للمعارضة، عدا الخبر:«كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا هوى ساجدا انكبّ و هو يكبّر» (7)و فيه ضعف من وجوه شتى.

و أن يكون سابقا بيديه إلى الأرض قبل ركبتيه إجماعا،كما في

ص:224


1- كالتذكرة 1:121،و المنتهى 1:288،و جامع المقاصد 2:301،و المدارك 3:410.
2- منها ما ورد في الوسائل 5:459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1،10،11.
3- الخلاف 1:351،359.
4- راجع ص:206.
5- المعتبر 2:210.
6- المنتهى 1:288،التذكرة 1:121.
7- الكافي 3:5/336،الوسائل 6:383 أبواب السجود ب 24 ح 2.

الخلاف و المنتهى و التذكرة و نهاية الإحكام (1)،و للنصوص (2)و فيها الصحيح و غيره.

و زاد الصدوق في الأمالي فقال:إنه واجب (3)،مدّعيا في ظاهر كلامه الإجماع عليه.و هو شاذّ ضعيف كدعواه،مدفوعان بالأصل،و الصحيح:«بأيّ ذلك بدأ فهو مقبول» (4)و الموثق:«لا بأس إذا صلّى الرجل أن يضع ركبتيه إلى الأرض قبل يديه» (5).

و في الذكرى:يستحب أن تكونا معا،و روي السبق باليمنى،و هو اختيار الجعفي (6).

و أن يكون موضع سجوده مساويا لموقفه بل قيل بوجوبه،كما مرّ (7).

و أن يرغم بأنفه على المشهور،بل المجمع عليه،كما في المدارك و غيره (8).و عن الصدوق القول بوجوبه (9)،كما في الموثق و غيره:«لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه» (10).

ص:225


1- الخلاف 1:354،المنتهى 1:288،التذكرة 1:121،نهاية الإحكام 1:492.
2- الوسائل 6:337 أبواب السجود ب 1.
3- أمالي الصدوق:512.
4- التهذيب 2:1211/300،الاستبصار 1:1219/326،الوسائل 6:337 أبواب السجود ب 1 ح 3.
5- التهذيب 2:294/78،الاستبصار 1:1218/326،الوسائل 6:338 أبواب السجود ب 1 ح 5.
6- الذكرى:202.
7- في ص:216.
8- المدارك 3:411،كما في المعتبر 2:212،و المنتهى 1:289.
9- كما في الهداية:32،و الفقيه 1:205.
10- الكافي 3:2/333،التهذيب 2:1202/298،الاستبصار 1:1223/327،الوسائل 6: 344 أبواب السجود ب 4 ح 4،7.

و يحتملان-ككلامه-تأكّد الاستحباب لا الوجوب،لانتفائه بالأصل، و ظاهر النصوص:إن«السجود على سبعة أعظم» (1)و صريح الخبر:«إنما السجود على الجبهة،و ليس على الأنف سجود» (2).

و الإرغام:إلصاق الأنف بالرغام و هو التراب،لكن ظاهر الأصحاب حصوله هنا بما يصيب الأنف،و استحبابه هو المستفاد من الموثق و غيره.

و ظاهر إطلاقهما إجزاء إصابة الأنف المسجد بأيّ جزء اتّفق.

خلافا للمرتضى،فعيّن الجزء الأعلى منه (3)،و لم نقف على مأخذه،مع احتمال إرادته بذلك الإجزاء لا التعيين.

و أن يدعو قبل التسبيح بالمأثور أو غيره،للنصوص،منها:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:أدعو و أنا ساجد؟فقال:«نعم،فادع للدنيا و الآخرة،فإنه ربّ الدنيا و الآخرة» (4).

و الزيادة على التسبيحة الواحدة الكبرى إلى السبع أو ما يتّسع له الصدر،كما مرّ في الركوع (5).

و التكبيرات الثلاث التي منها التكبير للرفع من السجدة الأولى قاعدا معتدلا،ثمَّ التكبير للسجدة الثانية معتدلا أيضا،ثمَّ التكبير لها بعد رفعه،كما في الصحيح الفعلي المشهور (6).

ص:226


1- الوسائل 6:343 أبواب السجود ب 4.
2- التهذيب 2:1200/298،الاستبصار 1:1220/326،الوسائل 6:343 أبواب السجود ب 4 ح 1.
3- كما في جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):32.
4- الكافي 3:6/323،التهذيب 2:1207/299،الوسائل 6:371 أبواب السجود ب 17 ح 2.
5- راجع ص:204.
6- الكافي 3:8/311،الفقيه 1:916/196،التهذيب 2:301/81،الوسائل 5:459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

و الدعاء بين السجدتين بقوله:أستغفر اللّه ربي و أتوب إليه،كما فيه أيضا،و في المنتهى دعوى الإجماع عليه (1)،و في آخر:«قل بين السجدتين:

اللّهم اغفر لي و ارحمني و أجرني» (2)الدعاء.إلى آخره،و في الرضوي:

«اللّهم اغفر لي و ارحمني و اهدني و عافني فإني لما أنزلت إليّ من خير فقير» (3).

و القعود بينهما متوركا بأن يجلس على وركه الأيسر،و يخرج رجليه جميعا من تحته،و يجعل رجله اليسرى على الأرض،و ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى،و يفضي بمقعدته إلى الأرض،كما في الصحيحين (4)،و ظاهرهما تفسيره بما قلناه،وفاقا للشيخ و من تبعه من متأخري أصحابنا (5).

خلافا للإسكافي و المرتضى (6)،فقالا بقولين مع تخالفهما لم نجد لشيء منهما مستندا،هذا و قول المرتضى قريب مما قلناه،إلاّ أنه زاد:و ينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض و يستقبل القبلة بركبتيه معا.

و الطمأنينة عقيب رفع الرأس من السجدة الثانية و تسمّى بجلسة الاستراحة.و فضلها مجمع عليه بين الأصحاب،و في بعض الأخبار أنها من توقير الصلاة و تركها من الجفاء،و في بعضها الأمر به،كالموثق:«إذا رفعت

ص:227


1- المنتهى 1:290.
2- الكافي 3:1/321،التهذيب 2:295/79،الوسائل 6:339 أبواب السجود ب 2 ح 1.
3- فقه الرضا(عليه السلام):107.
4- الأول:تقدم ذكره في الهامش(6)من الصفحة المتقدّمة. الثاني:الكافي 3:1/334،التهذيب 2:308/83،الوسائل 5:461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
5- الشيخ في الخلاف 1:363،و المبسوط 1:115،و انظر المعتبر 2:214،و المنتهى 1:290، و الشهيد في الذكرى:202،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:307.
6- حكاه عنهما في الذكرى:202،و عن مصباح المرتضى في المنتهى 1:290.

رأسك من السجدة الثانية من الركعة الأولى حين تريد أن تقوم فاستو جالسا ثمَّ قم» (1).

و ظاهره الوجوب،كما عليه المرتضى (2)،مدعيا الإجماع عليه،مستدلاّ به و بالاحتياط،و يعضده التأسّي،لفعلهم عليهم السلام لها،كما في جملة من النصوص،ففي الصحيح:رأيته-يعني الصادق عليه السلام-إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتى يطمئنّ (3).

و نحوه الخبر:كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئنّ ثمَّ يقوم،فقيل له:يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر و عمر إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما ينهض الإبل، فقال عليه السلام:«إنما يفعل ذلك أهل الجفاء» (4).

خلافا للأكثر،بل عامّة من تأخّر،فلا يجب،و ادّعى الفاضل في نهج الحق الإجماع عليه (5)،و هو الحجة،بعد الأصل المعتضد بالشهرة،و بعض المعتبرة المصرّحة بأنّ أبا جعفر عليه السلام و أبا عبد اللّه عليه السلام إذا رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا و لم يجلسا (6)،مع إشعار سياق كثير من نصوص الفضيلة بها مجرّدة عن الوجوب،كما لا يخفى على من تدبّرها،و لكن

ص:228


1- التهذيب 2:303/82،الاستبصار 1:1229/328،الوسائل 6:346 أبواب السجود ب 5 ح 3.
2- الانتصار:46.
3- التهذيب 2:302/82،الاستبصار 1:1228/328،الوسائل 6:346 أبواب السجود ب 5 ح 1.
4- التهذيب 2:1277/314،الوسائل 6:347 أبواب السجود ب 5 ح 5.
5- نهج الحق:428.
6- التهذيب 2:305/83،الاستبصار 1:1231/328،الوسائل 6:346 أبواب السجود ب 5 ح 2.

مع ذلك فالوجوب أحوط و أولى.

و الدعاء عند القيام من السجود إلى الركعة الأخرى بقوله:اللّهم ربي بحولك و قوّتك أقوم و أقعد،و إن شاء قال:و أركع و أسجد،كما في الصحيحين (1)،و في آخرين:«بحول اللّه أقوم و أقعد»كما في أحدهما (2)و الحسن (3)،و في الثاني:«بحولك و قوّتك أقوم و أقعد» (4).و في الصحيح:«إذا جلست في الركعتين الأوليين فتشهّدت ثمَّ قمت فقل:بحول اللّه و قوّته أقوم و أقعد» (5).

ثمَّ يقوم معتمدا على يديه سابقا برفع ركبتيه للنصوص (6)،و فيها الصحيح و غيره،و في المنتهى و عن التذكرة إجماعنا عليه (7)،كما هو ظاهر المدارك و غيره (8).

و يكره الإقعاء بين السجدتين على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر،و في الخلاف الإجماع عليه (9)،للنهي عنه في المعتبر،ففي الصحيح:

ص:229


1- الأول:التهذيب 2:320/86،الوسائل 6:361 أبواب السجود ب 13 ح 1. الثاني:مستطرفات السرائر:14/96،الوسائل 6:362 أبواب السجود ب 13 ح 6.
2- التهذيب 2:321/87،الوسائل 6:361 أبواب السجود ب 13 ح 2.
3- الكافي 3:10/338،التهذيب 2:328/89،الوسائل 6:362 أبواب السجود ب 13 ح 5.
4- التهذيب 2:327/88،الاستبصار 1:1268/338،الوسائل 6:361 أبواب السجود ب 13 ح 4.
5- الكافي 3:11/338،التهذيب 2:326/88،الوسائل 6:361 أبواب السجود ب 13 ح 3.
6- التهذيب 2:291/78،الاستبصار 1:1215/325،الوسائل 6:337 أبواب السجود ب 1 ح 1 و أيضا:كتاب زيد النرسي:52،المستدرك 4:445 أبواب السجود ب 1 ح 2.
7- المنتهى 1:291،التذكرة 1:122.
8- المدارك 3:415،و انظر المعتبر 2:216،و جامع المقاصد 2:308.
9- الخلاف 1:361.

«لا تقع بين السجدتين كإقعاء الكلب» (1).و قريب منه الموثق (2).

خلافا للمرتضى و غيره (3)،فلا يكره،لنفي البأس عنه في الصحيحين (4)، و حمل على نفي التحريم جمعا،و مسامحة في أدلّة الكراهة و السنن.

و هو عند الفقهاء:أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض و يجلس على عقبه،و به صرّح جمع (5)،مشعرين بدعوى الإجماع عليه،لكن في بعض النصوص المانعة التقييد بإقعاء الكلب ،كما عرفته.

نعم في الصحيح و غيره:«لا تلثم،و لا تحتفز -إلى أن قال-:و لا تقع على قدميك،و لا تفترش ذراعيك» (6).

و في آخر:«إيّاك و القعود على قدميك فتتأذى بذلك،و لا تكون قاعدا على الأرض فيكون قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد» (7).

و هذه النصوص ظاهرة في كراهة الإقعاء بالمعنى الذي ذكروه،و إطلاقها يشمل حال الجلوس مطلقا من غير اختصاص بما بين السجدتين،كما في

ص:230


1- التهذيب 2:306/83،الاستبصار 1:1227/328،الوسائل 6:348 أبواب السجود ب 6 ح 2.
2- التهذيب 2:1213/301،الاستبصار 1:1225/327،الوسائل 6:348 أبواب السجود ب 6 ح 1.
3- حكاه عن المرتضى في المعتبر 2:218،و المنتهى 1:290،و كما في المبسوط 1:113.
4- الأول:التهذيب 2:1212/301،الاستبصار 1:1226/327،الوسائل 6:348 أبواب السجود ب 6 ح 3. الثاني:مستطرفات السرائر:9/73،الوسائل 6:349 أبواب السجود ب 6 ح 7.
5- منهم:المحقق في المعتبر 2:218،و العلامة في المنتهى 1:291،و البهبهاني في حاشية المدارك(المدارك):174.
6- الكافي 3:9/336،التهذيب 2:309/84،الوسائل 6:342 أبواب السجود ب 3 ح 4.
7- الكافي 3:1/334،التهذيب 2:308/83،الوسائل 5:461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

العبارة و كثير من عبائر الجماعة (1)،و بالإطلاق أيضا صرّح جماعة،و منهم الشيخ في الخلاف (2)،مع دعواه الإجماع.

ص:231


1- منهم العلاّمة في الإرشاد 1:255،و الشهيد في الدروس 1:181.
2- الخلاف 1:360.
السابع:التشهد

السابع:التشهد و هو واجب بإجماعنا،بل الضرورة من مذهبنا و أخبارنا في كل صلاة ثنائية مرة بعدها و في الصلاة الثلاثية و الرباعية مرّتين مرّة آخرهما و اخرى بعد ثانيتهما.

و أما الخبر:«إذا جلس الرجل للتشهّد فحمد اللّه تعالى أجزأه» (1)فمحمول إما على التقية،كما ذكره شيخ الطائفة (2)،أو على أن المراد بيان ما يستحب فيه،أي أدنى ما يستحب فيه ذلك،ففي الحسن:«التشهّد في الركعتين الأوليين الحمد للّه،أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد أن محمدا عبده و رسوله،اللّهم صلّ على محمد و آل محمد،و تقبل شفاعته و ارفع درجته» (3).

و في الخبر:عن التشهد،فقال:«لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا،إنما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون،إذا حمدت اللّه تعالى أجزأ عنك» (4).فتدبّر .

و كل تشهّد يشتمل على واجبات خمسة:الجلوس بقدره الواجب،للتأسّي و الأمر به في خصوص الصلاة،مضافا إلى الإجماع،ففي

ص:232


1- التهذيب 2:376/101،الاستبصار 1:1286/341،الوسائل 6:399 أبواب التشهد ب 5 ح 2.
2- كما في التهذيب 2:320،و الاستبصار 1:344.
3- التهذيب 2:344/92،الوسائل 6:393 أبواب التشهد ب 3 ح 1.
4- الكافي 3:1/337،التهذيب 2:378/101،الاستبصار 1:1288/342، الوسائل 6:399 أبواب التشهد ب 5 ح 3.

المنتهى:أنه قول كل من أوجب التشهد (1)،و في جملة من النصوص إيماء إليه أيضا،مع الأمر به في بعضها (2).

و الطمأنينة (3).

و الشهادتان مطلقا،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر، و في الخلاف و غيره،و عن الغنية و التذكرة و الذكرى الإجماع عليه (4).

للمعتبرة المستفيضة،منها:عن أدنى ما يجزي من التشهد،قال:

«الشهادتان» (5).و نحوه الرضوي (6).

خلافا للمحكي عن المقنع،فأدنى ما يجزي في التشهد الشهادتان،أو قول:بسم اللّه و باللّه (7).

و عن صاحب الفاخر (8)،فيجزي شهادة واحدة في التشهد

ص:233


1- المنتهى 1:294.
2- الوسائل 6:391 أبواب التشهد ب 1،و ص 405 ب 9 من تلك الأبواب.
3- أضفناها من المختصر المطبوع.
4- الخلاف 1:372،الغنية(الجوامع الفقهية):558،التذكرة 1:125،الذكرى:204،و انظر جامع المقاصد 2:319،و مجمع الفائدة 2:274.
5- الكافي 3:3/337،التهذيب 2:375/101،الاستبصار 1:1285/341، الوسائل 6:398 أبواب التشهد ب 4 ح 6.
6- فقه الرضا(عليه السلام):111،المستدرك 5:10 أبواب التشهد ب 3 ح 1.
7- انظر المقنع:29،و حكاه عنه في الذكرى:204.
8- هو محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان(سليم)أبو الفضل الجعفي الكوفي المعروف بالصابوني،كان زيديا ثمَّ استبصر و عاد إلى القول بالإمامة،و كان من أفاضل قدماء أصحابنا و أعلام فقهائنا من أصحاب كتب الفتوى،و من كبار الطبقة السابعة ممن أدرك الغيبتين،الصغرى و الكبرى،و كان عارفا بالسير و الأخبار و النجوم.و عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الهادي(عليه السلام)،يروي عنه أبو القاسم جعفر بن محمد بن موسى بن قولويه بلا واسطة و الشيخ و النجاشي بواسطتين،و له كتب كثيرة،منها:كتاب:الفاخر في الفقه،و هو كتاب كبير يشتمل على الأصول و الفروع و الخطب و غيرها،و كتاب تفسير معاني القرآن،و كتاب التوحيد و الإيمان،و كتاب التحبير و غيرها.راجع رجال النجاشي:1022/374،رجال الشيخ الطوسي:8/422،الفهرست:877/192،معالم العلماء:922/135،رجال بحر العلوم 3: 205/199،الكنى و الألقاب 2:363،الذريعة 16:92.

الأول (1).

و هما-مع شذوذهما و ضعفهما بما قدمناه-لم أعرف مستندهما،نعم في الصحيح:ما يجزي من التشهد في الركعتين الأوليين؟قال:«أن تقول:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له»قال:قلت:فما يجزي من التشهد في الركعتين الأخيرتين؟قال:«الشهادتان» (2).

و في الخبر:«إن نسي الرجل التشهّد في الصلاة فذكر أنه قال:بسم اللّه فقط فقد جازت صلاته و إن لم يذكر شيئا من التشهّد أعاد الصلاة» (3).

و في آخر مروي عن قرب الإسناد:عن رجل ترك التشهّد حتى سلّم، قال:«إن ذكر قبل أن يسلّم فليتشهّد و عليه سجدتا السهو،و إن ذكر أنه قال:

أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،أو بسم اللّه،أجزأه في صلاته،و إن لم يتكلّم بقليل و لا كثير حتى يسلّم أعاد الصلاة» (4).

و هذه النصوص-مع قصور الأخيرين منها سندا،و عدم انطباقهما كما هو على شيء من القولين كما ترى-لا تقاوم شيئا مما قدّمناه،سيّما مع تضمّن الأخيرين ما يخالف الإجماع قطعا،من فساد الصلاة و لزوم إعادتها بترك التشهّد

ص:234


1- نقله عنه الشهيد في الذكرى:206.
2- التهذيب 2:374/100،الاستبصار 1:1284/341،الوسائل 6:396 أبواب التشهد ب 4 ح 1.
3- التهذيب 2:1303/319،الاستبصار 1:1293/343،الوسائل 6:403 أبواب التشهد ب 7 ح 7.
4- قرب الإسناد:741/195،الوسائل 6:404 أبواب التشهد ب 7 ح 8.

شكّا أو نسيانا.

و الصلاة على النبي و آله عليهم السلام مطلقا،على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخّر،و في الخلاف و عن الغنية و المعتبر و المنتهى و التذكرة و الذكرى (1)الإجماع عليه.

و هو الحجة،مضافا إلى قوله سبحانه صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً [1] (2) لإفادته الوجوب،و ليس في غير الصلاة إجماعا،كما في الناصرية و الخلاف و عن المعتبر و المنتهى (3)،فليكن واجبا فيها خاصة،و تقييده بهذا أولى من حمله على الاستحباب مطلقا.

و النصوص المستفيضة،منها-زيادة على ما يأتي إليه الإشارة- الصحيح:«إن الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله من تمام الصلاة،و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله» (4).

و منها:«من صلّى و لم يصلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله و ترك ذلك متعمّدا فلا صلاة له» (5)الخبر.

و منها:«إذا صلّى أحدكم و لم يذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنة» (6).

ص:235


1- الخلاف 1:373،الغنية(الجوامع الفقهية):558،المعتبر 2:226،المنتهى 1:294، التذكرة 1:125،الذكرى:204.
2- الأحزاب:56.
3- الناصرية(الجوامع الفقهية):199،الخلاف 1:131،المعتبر 2:226،المنتهى 1:293.
4- الفقيه 2:515/119،الوسائل 6:407 أبواب التشهد ب 10 ح 1.
5- التهذيب 2:625/159،الاستبصار 1:1292/343،الوسائل 6:407 أبواب التشهد ب 10 ح 2.
6- الكافي 2:19/495،المحاسن:53/95،أمالي الصدوق:19/465،الوسائل 6:408 أبواب التشهد ب 10 ح 3.

و منها:«من صلّى و لم يصلّ فيها عليّ و على آلي لم تقبل منه تلك الصلاة» (1)إلى غير ذلك من النصوص.

قيل (2):خلافا للصدوق،فلم يذكر في شيء من كتبه شيئا من الصلاتين في شيء من التشهدين،كأبيه في الأوّل،للأصل،و ظاهر الخبرين الماضيين بإجزاء الشهادتين (3)،كالصحاح،و منها:«إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته،فإن كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه» (4).

و في الجميع نظر،لضعف الأصل بما مرّ،و قصور النصوص عن مقاومته،بل و عن الدلالة على خلافه بعد قوة احتمال ما قيل:من أن الغرض منها بيان ما يجب من التشهّد (5)،و إنما يصدق حقيقة على التشهّد،مع احتمال الحمل على التقية،و على كون ترك الصلاة على محمد و آله للعلم بوجوبها من الكتاب،أو لعدم اختصاص وجوبها بالتشهّد بل بوقت ذكره عليه السلام على القول به،و هذه الاحتمالات محتملة في كلام الصدوقين أيضا،فلا خلاف كما يشعر به الإجماعات المحكية،و ما يحكى عن الصدوق في أماليه أنه قال:من دين الإمامية الإقرار بأنه يجزي في التشهد الشهادتان و الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله (6).

ثمَّ إن مقتضى الأصل و إطلاق الأدلّة الموجبة للصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله ما عدا الإجماعات المنقولة إنما هو وجوبها في الصلاة مطلقا و لو

ص:236


1- متشابه القرآن 2:170،المستدرك 5:15 أبواب التشهد ب 7 ح 4.
2- كشف اللثام 1:231.
3- راجع ص:233.
4- التهذيب 2:1298/317،الوسائل 6:397 أبواب التشهد ب 4 ح 2.
5- انظر الحدائق 8:448.
6- أمالي الصدوق:512.

مرّة،كما عن الإسكافي (1)،إلاّ أن الإجماعات عيّنتها في التشهدين،و بها يقيّد الإطلاق،مضافا إلى انصرافه إلى المعهود من النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام و المسلمين في الأعصار و الأمصار.

و في الصحيح الوارد في بدء الأذان و الصلاة:أنه صلّى اللّه عليه و آله بعد ما جلس للتشهّد أوحى اللّه تعالى إليه:«يا محمد،صلّ على نفسك و على أهل بيتك،فقال:صلّى اللّه عليّ و على أهل بيتي» (2)و يوافقه الحسن المتقدم في أوّل البحث (3).

و أقله أي التشهد المجزي أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله،ثمَّ يأتي بالصلاة على النبي و آله فيقول:

اللّهم صلّ على محمّد و آل محمد.

و لا خلاف في إجزاء هذا المقدار،بل عليه الإجماع في الروضة و المدارك (4)،و إنما اختلفوا في وجوب ما زاد عن الشهادتين من قوله:وحده لا شريك له،و عبده.فقيل:نعم،كما هو ظاهر المتن و جماعة (5)،لوروده في جملة من المعتبرة،منها-زيادة على ما مرّ من الصحيح و غيره (6)-المروي في الخصال:«إذا قال العبد في التشهد الأخير و هو جالس:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد أن محمدا عبده و رسوله،و أن الساعة آتية لا ريب

ص:237


1- حكاه عنه في الذكرى:204.
2- الكافي 3:1/482،علل الشرائع:1/312،الوسائل 5:465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.
3- راجع ص:232.
4- الروضة 1:276،المدارك 3:426.
5- منهم الشهيد في الدروس 1:182،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:272.
6- في ص:232.

فيها،و أن اللّه يبعث من في القبور،ثمَّ أحدث حدثا فقد مضت صلاته» (1).

خلافا للأكثر على الظاهر،المصرّح به في كلام جمع (2)،فلا يجب،بل يجزي الشهادتان مطلقا،لإطلاق جملة من النصوص،و منها:الرضوي المتقدم و سابقة (3).

و يضعف بوجوب حمل المطلق على المقيّد.

و هو حسن لو لا اشتمال جملة من المقيّدات على ما لم يجب إجماعا، و اخرى على ترك ما يجب كذلك،و هو الصلاة على النبي و آله،كما مضى،مع قصور سند بعضها.

و أما معه فيشكل،سيّما بعد اشتهار الإطلاق بين الأصحاب،حتى أن الشهيد-رحمه اللّه-في الذكرى عزاه إليهم بصيغة الجمع المفيد للاستغراق، فقال:و ظاهر الأصحاب و خلاصة الأخبار الاجتزاء بالشهادتين مطلقا،فعلى هذا لا يضرّ ترك:وحده لا شريك له،و لا لفظة:عبده،و في رواية أبي بصير:«و أنّ محمدا»بغير لفظة:أشهد (4).

و هو كما ترى مشعر بالإجماع عليه،و لكنه في اللمعة و الدروس (5)عبّر بما في المتن،و لا ريب أنه أحوط،و إن كان القول بتعيّنه لعلّه لا يخلو عن نظر،لما مر،مضافا إلى أن جملة ممّا دلّ على إجزاء الشهادتين الصادقتين على ما عليه الأكثر أوضح دلالة على عدم وجوب الزائد عليهما من دلالة المقيّدات على وجوبه و أظهر،من حيث التصريح فيها بأنهما أدنى ما يجزي،بخلافها،فإنّ

ص:238


1- الخصال:629(ضمن حديث الأربعمائة)،الوسائل 6:412 أبواب التشهد ب 13 ح 5. و فيهما:«تمّت صلاته».
2- انظر جامع المقاصد 2:318،و روض الجنان:278.
3- راجع ص:233.
4- الذكرى:204.
5- اللمعة(الروضة البهيّة 1:276،الدروس 1:182.

غايتها الدلالة على الأمر به و رجحانه،و هو ظاهر في الوجوب،و أدنى ما يجزي صريح في العدم،سيّما مع ضمّ بعض النصوص المعبّر عن الشهادتين بلفظهما من دون ذكر للزيادتين أصلا (1)،فلا يمكن صرف الشهادتين إلى ما يشملهما و الزيادتين،و قصور السند أو ضعفه منجبر بالأصل،و الشهرة بين الأصحاب.

و سننه:أن يجلس متوركا كما في الصحيح:«فإذا قعدت في تشهّدك فألصق ركبتيك بالأرض و فرّج بينهما شيئا،و ليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض،و ظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى،و أليتاك على الأرض و طرف إبهامك اليمنى على الأرض،و إيّاك و القعود على قدميك فتتأذى بذلك، و لا تكون قاعدا على الأرض فيكون إنما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهّد و الدعاء» (2).

و يستفاد منه تفسيره بما قدمناه و هو أن يخرج رجليه من تحته ثمَّ يجعل ظاهر اليسرى إلى الأرض،و ظاهر اليمنى إلى باطن اليسرى و زيادة ما ذكره المرتضى (3).

و أن يخطر بباله حال التورك فيه حين يرفع اليمنى و يخفض اليسرى:

اللهم أمت الباطل و أقم الحق،كما في النص (4).

و الدعاء بعد الواجب من التشهد و قبله بما مرّ في بعض النصوص و غيره (5)،و أفضله ما تضمنه الموثق الطويل من الأذكار (6).

ص:239


1- الوسائل 7:234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 6.
2- الكافي 3:1/334،التهذيب 2:308/83،الوسائل 5:461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
3- راجع ص 227.
4- الفقيه 1:945/210،علل الشرائع:4/336،الوسائل 6:392 أبواب التشهد ب 1 ح 4.
5- راجع ص:232،237.
6- التهذيب 2:373/99،الوسائل 6:393 أبواب التشهد ب 3 ح 2.

و أن يسمع الإمام من خلفه الشهادتين،كما مرّ في بحث القراءة (1).

ص:240


1- راجع ص:179.
الثامن:التسليم

الثامن:التسليم و هو واجب في أصحّ القولين و أشهرهما،و عن الأمالي أنه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به (1).و في الناصرية الإجماع عليه من كل من جعل التكبير جزءا من الصلاة (2).و أوجبه للتأسّي،و الاحتياط،و استصحاب تحريم ما يحرم فعله في الصلاة،و جعله في النصوص المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر تحليل الصلاة بما يفيد الحصر في كثير منها،و هو لا يجامع القول بالاستحباب،لحصول التحليل عليه بمجرّد الفراغ من التشهّد،فلا معنى لحصوله بالتسليم بعد ذلك.

و قصور أسانيد هذه الأخبار أو ضعفها غير موهن للتمسك بها بعد بلوغها من الكثرة إلى قرب التواتر،مع اشتهارها بين العلماء بحيث سلّمها لذلك جماعة من القائلين بالاستحباب أيضا،هذا.

مضافا إلى الأمر به في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،التي كادت تبلغ التواتر،بل لعلّها متواترة،مروية جملة منها في بحث الشكوك في عدد الركعات،كالصحيح:«إذا لم تدر أربعا صلّيت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهّد و سلّم و اسجد سجدتين» (3)الحديث.

و ما يقال عليها-من ضعف دلالة الأمر فيها على الوجوب من حيث و هن دلالته في عرف الأئمة عليهم السلام عليه-فضعيف في الغاية،كما بيّن في

ص:241


1- أمالي الصدوق:512.
2- الناصرية(الجوامع الفقهية):196.
3- الفقيه 1:1019/230،التهذيب 2:772/196،الاستبصار 1:1441/380، الوسائل 8:224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4.

الأصول.

و الاعتذار للضعف-بوجود ما هو صريح في الاستحباب فيحمل الأمر عليه جمعا،فإن النص حيثما تعارض مع الظاهر مقدم-حسن لو سلّم النص، و إلاّ كما سيأتي فالوجوب معيّن،سيّما مع اعتضاده بما مر،و نصوص أخر، كالموثق فيمن رعف قبل التشهّد:«فليخرج فليغسل أنفه ثمَّ ليرجع فليتمّ صلاته، فإن آخر الصلاة التسليم» (1)و الموثق حجة،و الدلالة ظاهرة،فإن المتبادر من قوله:«آخر الصلاة التسليم»كونه الجزء الأخير الواجبي لا الندبي،كما يقتضيه أيضا تعليل الأمر بالرجوع الذي هو للوجوب به،و متروكية ظاهر آخره غير ضارّة، فإن الرواية على هذا كالعام المخصص في الباقي حجة.مع احتماله الحمل على ما لا يوجب المتروكية.

و قريب منه في الدلالة على كونه آخر الصلاة جملة من المعتبرة الآتية (2)، و فيها الصحيح و غيره،أنّ به يحصل الانصراف من الصلاة،و هو ظاهر في عدم حصوله بالتشهّد،كما يدّعيه القائل بالاستحباب.

و روى الصدوق في العلل عن المفضل بن عمر،انه سأله عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة،فقال:«لأنه تحليل الصلاة» (3)و هو نصّ في الوجوب،فتأمّل .

قيل:و لأنّ التسليم واجب بنصّ الآية الكريمة (4)،و لا شيء منه بواجب في غير الصلاة،و أنه لو لم يجب لم تبطل صلاة المسافر بالإتمام.

ص:242


1- التهذيب 2:1307/320،الاستبصار 1:1302/345،الوسائل 6:416 أبواب التسليم ب 1 ح 4.
2- الوسائل 6:1003 أبواب التسليم ب 1.
3- علل الشرائع:1/359،الوسائل 6:417 أبواب التسليم ب 1 ح 11.
4- الأحزاب:56.

و يضعف الأول:بأنه يحتمل كون المراد التسليم لأمره و الإطاعة له، و الثاني:باحتمال استناد البطلان إلى نية التمام (1).

و القول الثاني بالاستحباب للشيخين (2)و جماعة من الأصحاب (3)للأصل.و يندفع بما مرّ.

و للصحاح المستفيضة،منها:«إذا استويت جالسا فقل:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد أن محمدا عبده و رسوله،ثمَّ تنصرف» (4).

و منها:«إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته،و إن كان مستعجلا في أمر يخاف فوته فسلّم و انصرف أجزأه» (5)و المراد الإجزاء في حصول الفضيلة، كما يقتضيه صدر الرواية.

و منها:عن المأموم يطوّل الامام فتعرض له الحاجة،قال:«يتشهّد و ينصرف و يدع الامام» (6).

و منها:«إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم عليه السلام فصلّ ركعتين و اجعله أمامك،فاقرأ فيهما في الأولى منهما:قل هو اللّه أحد،و في الثانية:قل يا أيّها الكافرون،ثمَّ تشهّد و احمد اللّه و أثن عليه،و صلّ على

ص:243


1- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:232.
2- المفيد في المقنعة:139،الطوسي في النهاية:89،و الجمل و العقود(الرسائل العشر): 183.
3- منهم:القاضي في المهذّب 1:99،و ابن إدريس في السرائر 1:231،و العلاّمة في نهاية الإحكام 1:540،و الإرشاد 1:256،و صاحب المدارك 3:430.
4- التهذيب 2:379/101،الاستبصار 1:1289/342،الوسائل 6:397 أبواب التشهد ب 4 ح 4.
5- التهذيب 2:1298/317،الوسائل 6:397 أبواب التشهد ب 4 ح 2.
6- الفقيه 1:1191/261،التهذيب 2:1446/349،الوسائل 8:413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2،بتفاوت يسير.

النبي،و اسأله أن يتقبّله منك» (1)فإنّ ظاهره عدم الوجوب في ركعتي الطواف، و لا قائل بالفصل.

و يرد على الصحاح الأوّلة:أنها كما تدلّ على عدم وجوب التسليم كذا تدلّ على عدم وجوب الصلاة على النبي و آله،و لا قائل به منا.هذا على تقدير تسليم الدلالة،و إلاّ فإنّ غايتها الدلالة على حصول الانصراف من الصلاة بالفراغ من الشهادتين،و هو لا يستلزم عدم وجوب التسليم مطلقا،بل عدم وجوبه في الصلاة،و هو لا ينافي وجوبه خارجا من الصلاة كما هو رأي بعض الأصحاب (2)،و إن كان الأشهر الأظهر بل المجمع عليه-كما ذكره جماعة (3)- خلافه.

هذا،مع أن الذي يقتضيه جملة من النصوص (4)،و فيها الصحيح و غيره، أن المراد بالانصراف هو التسليم.و يشهد له الأمر به في جملة من هذه الصحاح،إذ أقلّه الطلب،و هو يستدعي عدم حصول المطلوب بعد الفراغ من الشهادتين،و لا يكون ذلك إلاّ على تقدير كون المراد بالانصراف ما ذكرناه، لا المعنى اللغوي،لحصوله بمجرد الفراغ من الشهادتين على القول باستحباب التسليم،فلا معنى لطلبه،فتأمّل .

ص:244


1- الكافي 4:1/423،التهذيب 5:973/286،الوسائل 13:300 أبواب الطواف ب 3 ح 1.
2- كالبهائي في الحبل المتين:254،و الكاشاني في المفاتيح 1:152،و صاحب الحدائق 8:483 و حكاه عن الحرّ العاملي أيضا.
3- كالمرتضى و الفاضل و السيّد السند في المدارك.منه رحمه اللّه.المرتضى في الناصريّات (الجوامع الفقهية):196،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:213،و هما ادّعيا الإجماع المركّب فالأول إجماع كلّ من جعل التكبير جزءا من الصلاة،و الثاني إجماع كلّ من جعل التسليم واجبا.و أما صاحب المدارك فهو ادّعى الإجماع على الملازمة بين وجوب التسليم و بطلان الصلاة بتخلّل المنافي بينه و بين التشهّد(المدارك 3:431).
4- انظر الوسائل 6:426 أبواب التسليم ب 4.

و يشهد له أيضا لفظ الإجزاء في الصحيحة الثانية.و صرفه عن ظاهره الذي هو الوجوب إلى الفضيلة بقرينة صدر الرواية ليس بأولى من صرف الصدر عن ظاهره إلى ظاهر الإجزاء،بحمل الشهادتين فيه على ما يشمل السلام،فإنّ إطلاق التشهّد على ما يشمله شائع و وارد في الأخبار،مع أنه لا بدّ منه بالإضافة إلى الصلاة على النبي و آله،و على هذا فهذه الروايات بالدلالة على الوجوب أولى.

هذا،مع أنّ الصحيحة الثالثة نسخها مختلفة،ففي موضع من التهذيب كما ذكر،و في آخر منه و في الفقيه بدل يتشهّد يسلّم (1)،و يعضد هذه النسخة- مضافا إلى التعدد و أضبطيّة الفقيه-الموافقة لصحيحين آخرين مرويين فيهما:

عن رجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد قال:«يسلّم و يمضي لحاجته إن أحبّ» (2)هذا،مع أوفقيتها بالسؤال في صدر الصحيحة فتدبّر تجده.

و على الصحيحة الرابعة أنّ الذي يقتضيه التدبّر فيها أنّ المقام فيها ليس مقام ذكر واجبات الصلاة،و لذا لم يذكر منها سوى قليل منها،بل المقام فيها مقام بيان بعض ما يستحب فيها،و لذا ذكر فيه الجحد و التوحيد،مع أنّ عدم ذكر التسليم فيها كما ينفي وجوبه كذا ينفي استحبابه،و الخصم لا يقول به.

و لئن تنزّلنا عن جميع ذلك نقول:إنها معارضة بالنصوص المستفيضة القريبة من التواتر بل المتواترة،الآمرة بالتسليم (3)،و هي بالنسبة إليها أوضح دلالة،و إن ضعف دلالتها في نفسها من حيث استعمال الأمر في الندب كثيرا،

ص:245


1- انظر التهذيب 3:842/283،الفقيه 1:1191/261.
2- الأول:الفقيه 1:1163/257،الوسائل 8:413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ذيل الحديث 3. الثاني:التهذيب 2:1299/317،1445/349،الوسائل 6:416 أبواب التسليم ب 1 ح 6.
3- الوسائل 6:415 أبواب التسليم ب 1.

اللّه،دون و بركاته،كالحلبي (1).

و لعل منشأ الاختلاف اختلاف النصوص في التأدية،مع اختلاف الأنظار في الجمع بينها،فللأولين حمل ما دلّ منها على الناقص مطلقا على أن ترك الزيادة لأجل وضوحها من الخارج عملا،و للمقتصرين على الناقص حمل الزيادة على الاستحباب.

و الكل محتمل،إلاّ أن الأحوط الأول،و إن كان في تعينه نظر،لما يظهر من المنتهى من عدم الخلاف في عدم وجوبه،و أنه لو قال:السلام عليكم و رحمة اللّه جاز و إن لم يقل:و بركاته،بلا خلاف (2).و لا يبعد ترجيح الوسط، لرجحانه بفتوى الأكثر.

و السنة فيه:أن يسلّم المنفرد تسليمة واحدة إلى القبلة كما في الموثق و غيره المتقدمين،و الصحيح:«و إن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة» (3)و يومئ بمؤخر (4)عينيه إلى يمينه على المشهور،جمعا بين تلك النصوص و الخبر المروي عن جامع البزنطي:«إذا كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك» (5).

خلافا للمبسوط،فتجاه القبلة (6)،كما هو ظاهر الأخبار الأوّلة مع قصور الرواية الأخيرة.

ص:251


1- الكافي في الفقه:119.
2- المنتهى 1:296.
3- التهذيب 2:345/92،الاستبصار 1:1303/346،الوسائل 6:419 أبواب التسليم ب 2 ح 3.
4- مؤخر العين،مثال مؤمن:الذي يلي الصدغ.و مقدمها:الذي يلي الأنف.الصحاح 2:577.
5- المعتبر 2:237،الوسائل 6:421 أبواب التسليم ب 2 ح 12.
6- المبسوط 1:116.

و للصدوق،فيميل بأنفه إلى يمينه (1)،لرواية العلل الآتية (2).

و ربما قيل بالتخيير (3)،للرضوي:«ثمَّ تسلّم عن يمينك،و إن شئت يمينا و شمالا،و إن شئت تجاه القبلة» (4).

و فيه مناقشة،بل هو ظاهر في الدلالة على أفضلية اليمين،فيكون نحو الرواية الأخيرة،فيكون مؤيّدا لها،مضافا إلى الشهرة.

و الجمع بينهما و بين الروايات الأوّلة كما يمكن بطريق المشهور كذا يمكن بطريق الصدوق،إلاّ أن الأوّل أقرب إلى مضمون الأوّلة،و الثاني أوضح،لوضوح الشاهد عليه من الرواية،و أوفق بما هو المتبادر من إطلاق:

«عن يمينك»بل المتبادر منه ما كان الالتفات فيه بتمام الوجه.لكن عدل عنه اتفاقا،للرواية،و حذرا عن الالتفات المكروه اتفاقا،فتوى و رواية.

و مع ذلك لعلّ الأوّل أولى،للشهرة المرجحة،و أوفقيته للأخبار المعتبرة الدالة على استقبال القبلة.و ما قابلها من أخبار اليمين قاصرة الأسانيد أو ضعيفة،فطرحها متعيّن،إلاّ أن حملها على اليمين في الجملة و لو بمؤخر العين أولى جمعا تبرعيا،إذ يكفي في صدق الإضافة أدنى الملابسة.

و كذلك الإمام يسلم تسليمة واحدة إلى القبلة،لكن يومئ بصفحة وجهه إلى يمينه.

أمّا أنه يسلّم واحدة إلى القبلة فللمعتبرة،منها الصحيح:«إذا كنت إماما فسلّم تسليمة واحدة مستقبل القبلة» (5)و نحوه الموثق و غيره المتقدمان (6)،و ظاهر

ص:252


1- كما في المقنع:29،و الفقيه 1:210.
2- في ص:255.
3- الحدائق 8:493 و 495.
4- فقه الرضا(عليه السلام):109،المستدرك 5:22 أبواب التسليم ب 2 ح 1.
5- الكافي 3:7/338،الوسائل 6:419 أبواب التسليم ب 2 ح 1.
6- في ص:246.

كنت مع إمام فتسليمتين» (1).

و إطلاقه بالإضافة إلى اليمين و الشمال مقيّد بالمصرّح بهما،كالصحيح:

«إذا كنت في صفّ فسلّم تسليمة عن يمينك و تسليمة عن يسارك،لأنّ عن يسارك من يسلّم عليك» (2).

و إطلاقهما بالإضافة إلى التسليم على اليسار و إن شمل ما لو لم يكن فيه أحد،لكن مقيّد بما دلّ على اشتراطه من المعتبرة،كالصحيح:«الإمام يسلّم واحدة،و من وراءه يسلّم اثنتين،فإن لم يكن على شماله أحد سلّم واحدة» (3)و نحوه الموثق و غيره المتقدمان (4)،و غيرهما (5).

مضافا إلى عدم معلومية انصراف إطلاق الصحيحين إلى من عدا محل المقيّد،سيّما مع ما في ثانيهما من التعليل الظاهر في اختصاصه بالمقيّد، فتدبّر.

و منه يظهر عدم استقامة ما في العبارة من الإطلاق.كما لا استقامة لما فيها من التسليم بالوجه يمينا و شمالا،الظاهر في تمامه لا صفحته خاصة،لأن ذلك و إن كان أظهر من يتبادر من لفظ عن يمينك و عن يسارك كما مرّ،إلاّ أنه مستلزم للالتفات المكروه بلا خلاف،بل المحرّم كما قيل (6)،ففيما ذكره المشهور احتراز عن ذلك،كما في الإمام.

ص:254


1- التهذيب 2:345/92،الاستبصار 1:1303/346،الوسائل 6:419 أبواب التسليم ب 2 ح 3.
2- الكافي 3:7/338،الوسائل 6:419 أبواب التسليم ب 2 ح 1.
3- التهذيب 2:346/93،الاستبصار 1:1304/346،الوسائل 6:420 أبواب التسليم ب 2 ح 4.
4- في ص:246.
5- الوسائل 6:491 أبواب التسليم ب 2.
6- كشف اللثام 1:234.

مع أنه روى الصدوق في العلل مسندا عن مفضّل بن عمر أنه سأله عليه السلام:لأيّ علّة يسلّم على اليمين و لا يسلّم على اليسار؟قال:«لأن الملك الموكّل يكتب الحسنات على اليمين،و الذي يكتب السيّئات على اليسار، و الصلوات حسنات ليس فيها سيّئات،فلهذا يسلّم على اليمين دون اليسار» قال:فلم لا يقال:السلام عليك،و على اليمين واحد،و لكن يقال:السلام عليكم؟قال:«ليكون قد سلّم عليه و على من في اليسار،و فضل صاحب اليمين عليه بالإيماء إليه»قال:فلم لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كلّه و لكن يكون بالأنف لمن صلّى وحده،و بالعين لمن يصلّي بقوم؟قال:«لأن مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين ،فصاحب اليمين على الشدق الأيمن و يسلّم المصلّي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته»قال:فلم يسلّم المأموم ثلاثا؟قال:«تكون واحدة ردّا على الإمام،و تكون عليه و على ملكيه،و تكون الثانية على يمينه و الملكين الموكّلين به،و تكون الثالثة على يساره و الملكين الموكّلين به،و من لم يكن على يساره أحد لم يسلّم على يساره،إلاّ أن يكون يمينه إلى الحائط و يساره إلى من صلّى معه خلف الإمام فيسلّم على يساره» (1).

و أفتى بما فيه في الفقيه و المقنع (2)،إلاّ أنه قال:لا تدع السلام على يمينك كان على يمينك أحد أو لم يكن.كما في الصحيح المروي عن قرب الاسناد (3).و قال:إنك تسلّم على يسارك أيضا إلاّ أن لا يكون على يسارك أحد،إلاّ أن تكون بجنب الحائط فسلّم على يسارك،و نحوه عن أبيه (4).قال

ص:255


1- علل الشرائع:1/359،الوسائل 6:422 أبواب التسليم ب 2 ح 15.
2- الفقيه 1:210،المقنع:29.
3- قرب الإسناد:814/209 الوسائل 6:423 أبواب التسليم ب 2 ح 16.
4- حكاه عنه في الذكرى:208.

الشهيد-رحمه اللّه-و لا بأس باتّباعهما،لأنهما جليلان لا يقولان إلاّ عن تثبّت (1).

ص:256


1- الذكرى:208.
مندوبات الصلاة
الأول:التوجه بالتكبيرات

و مندوبات الصلاة أمور خمسة:

الأول:التوجه إليها بسبع تكبيرات منها التكبير الواجب فالمندوب ستة في الحقيقة،بإجماع الإمامية،على الظاهر،المصرّح به في الانتصار و الخلاف (1).و الصحاح به مع ذلك مستفيضة.

و يستحب بينها ثلاثة أدعية مأثورة في الصحيح (2)،و كيفيتها كما فيه:

أن يكبّر ثلاثا ثمَّ يدعو فيقول:اللهمّ أنت الملك الحق لا إله إلاّ أنت، سبحانك،إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي،إنه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت، و يكبّر اثنتين ثمَّ يدعو فيقول:لبيك و سعديك،و الخير في يديك،و الشرّ ليس إليك،و المهديّ من هديت،لا ملجأ منك إلاّ إليك،سبحانك و حنانيك، تباركت و تعاليت،سبحانك ربّ البيت ثمَّ يكبّر اثنتين تمام السبع و يتوجه بعد ذلك فيقول: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ [1] ، عالم الغيب و الشهادة،حنيفا مسلما وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [2] ، إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا [3] من المسلمين.

و دونها في الفضل الخمس،ثمَّ الثلاث،كما في الصحيحين (3)، و غيرهما (4).

و يجزي التكبيرات ولاء كما في الموثق فعلا (5).

ص:257


1- الانتصار:40،الخلاف 1:107.
2- الكافي 3:7/310،التهذيب 2:244/67،الوسائل 6:24 أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.
3- الأول:الخصال:19/347،الوسائل 6:23 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 9. الثاني:التهذيب 2:242/66،الوسائل 6:10 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 4.
4- التهذيب 2:239/66،الوسائل 6:21 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 3.
5- التهذيب 2:1152/287،الخصال:17/347،الوسائل 6:21 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 2.

و يتخيّر في جعل أيّها شاء تكبيرة الإحرام بلا خلاف،لكن في أفضلية جعلها الأولى أو الأخيرة وجهان،بل قولان،تقدم ذكرهما مع دليل أصل التخيير في بحث التكبير (1).

و هل يشمل ذلك الحكم جميع الصلوات،أم يختص بالفرائض منها، أم بها و بأوّل صلاة الليل و المفردة من الوتر و أوّل نافلة الزوال و أول نافلة المغرب و أوّل ركعتي الإحرام،أم بهذه الست و الوتيرة؟أقوال.

أظهرها الأوّل،وفاقا للأكثر،بل قيل:الأشهر (2)،لإطلاق النصوص،بل عموم جملة منها الناشئ من ترك الاستفصال،المؤيد بالشهرة و قاعدة التسامح في أدلّة السنن،و أنه ذكر اللّه تعالى.

مضافا إلى فحوى رواية ابن طاوس:«افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه و التكبير:في أوّل الزوال،و صلاة الليل،و المفردة من الوتر،و قد يجزيك فيما سوى ذلك من التطوع أن تكبّر تكبيرة لكلّ ركعتين» (3).

و في لفظة الإجزاء دلالة على ما ذكرناه.و لا ينافيه الصدر،لحمله على التأكّد،و عليه أيضا يحمل الرضوي:«افتتح بالصلاة و توجّه بعد التكبيرة،فإنه من السنة الموجبة في ستّ صلوات و هي:أول ركعة من صلاة الليل،و المفردة من الوتر،و أول ركعة من نوافل المغرب،و أوّل ركعة من ركعتي الزوال،و أول ركعة من ركعتي الإحرام،و أوّل ركعة من ركعتي الفريضة (4)» (5).

و لعله مستند القول الثالث.لكن ليس بصريح فيه،لاحتماله إرادة

ص:258


1- راجع ص:122.
2- قال في الكفاية:20،و الحدائق 8:52 إنّه المشهور.
3- فلاح السائل:130،المستدرك 4:139 أبواب تكبيرة الإحرام ب 5 ح 1.
4- في المصدر:«ركعات الفرائض».
5- فقه الرضا(عليه السلام):138.

التأكّد في هذه المواضع كما يقتضيه سياقه،لا نفي الاستحباب في غيرها.

ثمَّ ظاهر إطلاق النصوص و الفتاوى عدم اختصاص الاستحباب بالمنفرد،و عمومه للجامع،و هو أيضا صريح الصحيح:«و إذا كنت إماما فإنه يجزيك أن تكبّر واحدة تجهر فيها و تسرّ ستا» (1).

خلافا للمحكي عن الإسكافي،فقال بالاختصاص (2).و هو-مع عدم وضوح مأخذه و مخالفته لما مرّ-شاذّ.و حكى الشهيدان عنه أنه زاد بعد التوجه استحباب تكبيرات سبع زيادة على التكبيرات الافتتاحية و سبحانه اللّه سبعا، و الحمد للّه سبعا،و لا إله إلاّ اللّه سبعا،و نسبه إلى الأئمة عليهم السلام (3).

و يناسبه الصحيح المروي في العلل:«تكبّر سبعا،و تحمد سبعا،و تسبّح سبعا،و تحمد و تثني عليه ثمَّ تقرأ» (4).

لكن في تطبيقه على قوله إشكال،لخلوّه عن التهليل،مع عدم دلالة على كون التكبيرات السبع غير السبع الافتتاحية،كما هو ظاهره.

الثاني:القنوت

الثاني:القنوت في كل ركعة ثانية من كل صلاة فريضة أو نافلة إجماعا،كما في الانتصار و الخلاف و المنتهى و نهج الحق للعلامة و عن المعتبر (5)،للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (6).

و أما الأخبار المنافية لذلك (7)مطلقا أو في الجملة،فمحمولة على

ص:259


1- الخصال:18/347،الوسائل 6:33 أبواب تكبيرة الإحرام ب 12 ح 1.
2- حكاه عنه في الذكرى:180.
3- حكاه عنه الشهيد الأول في الذكرى:179،و الشهيد الثاني في شرح النفلية على نقل صاحب الحدائق 8:55.
4- علل الشرائع:2/332،الوسائل 6:32 أبواب تكبيرة الإحرام ب 11 ح 1.
5- الانتصار:46،الخلاف 1:133،المنتهى 1:298،نهج الحق:437،المعتبر 2:238.
6- الوسائل 6:266 أبواب القنوت ب 3.
7- الوسائل 6:269 أبواب القنوت ب 4.

التقية،أو على أن المراد بها بيان عدم الوجوب،كما هو الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،بل و من تقدّم أيضا عدا الصدوق في الفقيه،فقال:إنه سنّة واجبة من تركه في كل صلاة فلا صلاة له (1)،و في المقنع و الهداية:من ترك قنوته متعمّدا فلا صلاة له (2).و هو شاذّ،و إن وافقه العماني في نقل مشهور (3)،و في آخر:إنه خصّ الوجوب بالصلاة الجهرية (4).

و حجتهما غير واضحة عدا الآية الكريمة وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ [1] (5)و هي محتملة لمعان متعددة،و حملها على المتنازع فيه فرع القول بثبوت الحقيقة الشرعية مطلقا حتى في لفظ القنوت في الآية،مع أن الأخبار الواردة في تفسيرها بخلافه مصرّحة،ففي المروي في تفسير العياشي في تفسير قانِتِينَ [2] أي «مطيعين راغبين» (6).و في آخر مروي فيه أيضا:«مقبلين على الصلاة محافظين لأوقاتها» (7).و نحوه روى علي بن إبراهيم في التفسير (8).

نعم في مجمع البيان عن مولانا الصادق عليه السلام في تفسيرها:أي «داعين في الصلاة حال القيام» (9).

و هو و إن ناسب المعنى الشرعي إلاّ أنه غير صريح فيه،بل و لا ظاهر، فإن الدعاء فيها حال القيام لا يستلزمه،لأعمّيته منه،مع تضمن الحمد الدعاء،

ص:260


1- الفقيه 1:207.
2- المقنع و الهداية:35.
3- حكي عنه في المعتبر 2:243،و المختلف:96.
4- استظهره من كلامه الشهيد في الذكرى:183.
5- البقرة:238.
6- تفسير العياشي 1:416/127.
7- تفسير العياشي 1:418/127 بتفاوت يسير.
8- تفسير القمي 1:79.
9- مجمع البيان 1:343.

فيحتمل كونه المراد من الدعاء في الخبر،أو الأعم منه و من غيره.

ثمَّ لو سلّم الدلالة فمبناها الأمر الظاهر في الوجوب المحتمل هو كالموثق:«ليس له أن يدعه متعمدا» (1)للحمل على الاستحباب،فيتعين، للإجماعات المتقدمة حتى الذي في المنتهى،فإنه قال:اتّفق علماؤنا على استحباب القنوت في كل ثانية من كل فريضة و نافلة (2).و لا ينافيه نسبة الخلاف بعد ذلك إلى الصدوق،لمعلومية نسبه،و عدم القدح في انعقاد الإجماع بخروجه،فتأمّل .

هذا مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:«إن شئت فاقنت و إن شئت فلا تقنت،و إذا كانت التقية فلا تقنت» (3)و نحوه آخر لكن في قنوت الفجر (4).

و في الموثق الوارد في صلاة الجمعة:«أما الإمام فعليه القنوت في الركعة الأولى-إلى أن قال-:و من شاء قنت في الركعة الثانية قبل أن يركع،و إن شاء لم يقنت،و ذلك إذا صلّى وحده» (5).

و بالجملة بهذه الأدلة-المعتضدة بعضها ببعض،و الأصل،و الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل لعلها إجماع في الحقيقة-يتوجه صرف الأمر في الآية و نحوه عن ظاهره إلى الاستحباب.و كذا ما(بحكمه) (6)من قوله عليه

ص:261


1- التهذيب 3:1285/315،الوسائل 6:286 أبواب القنوت ب 15 ح 3.
2- المنتهى 1:298.
3- التهذيب 2:340/91،الاستبصار 1:1281/340،الوسائل 6:269 أبواب القنوت ب 4 ح 1.
4- التهذيب 2:634/161،الوسائل 6:269 أبواب القنوت ب 4 ذيل حديث 1.
5- التهذيب 3:665/245،الوسائل 6:272 أبواب القنوت ب 5 ح 8.
6- في«م»:يحكونه.

السلام الوارد في الخبر،بل الصحيح:«من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» (1)يحتمل الصرف إليه أيضا،بأن يراد من المنفي الكمال لا الصحة،أو يقيّد نفي الصحة بمن كان تركه القنوت رغبة عنه،و هم العامة.و لعل هذا أقرب، كما يدلّ عليه التقييد بقوله:«رغبة عنه»و فيه حينئذ دلالة على الاستحباب و جواز الترك من غير رغبة،و يشهد له حصر صدره محلّ القنوت في الجمعة و العشاء و العتمة و الوتر و الغداة،لمخالفته الإجماع،إذ لا قائل به حتى الصدوق و العماني.

و يحتمل أن يكون مراد الصدوق من المتعمّد في الكتابين متعمّد الترك للرغبة عنه،لا مطلق متعمّد الترك،و ربما أشعر به تقييد البطلان بالتعمّد، فتدبّر،و حينئذ فمخالفته فيهما غير معلومة و كذا في الفقيه (2)،بل سياق كلامه فيه ظاهر في الاستحباب.

فانحصر المخالف في العماني.و لا ريب في شذوذه و ضعفه،سيّما على النقل الثاني (3)،و إن دلّ عليه المروي بطرق متعددة فيها الصحيح و الموثق:

عن القنوت في الصلوات الخمس،فقال:«اقنت فيهنّ جميعا»قال:و سألت أبا عبد اللّه عليه السلام بعد ذلك،فقال لي:«أما ما جهرت فيه فلا تشك» (4).

لوروده مورد التقية ،كما يظهر من الموثق:عن القنوت،فقال:«فيما يجهر فيه بالقراءة»قال:فقلت:إني سألت أباك عن ذلك فقال لي:في

ص:262


1- الكافي 3:6/339،التهذيب 2:335/90،الاستبصار 1:1276/339،الوسائل 6:263. أبواب القنوت ب 1 ح 11 و ص 265 ب 2 ح 2.
2- الفقيه 1:207.
3- راجع ص:260.
4- الكافي 3:1/339،التهذيب 2:331/89،الاستبصار 1:1272/338،الوسائل 6:262 أبواب القنوت ب 1 ح 7.

الخمس كلّها،فقال:«رحم اللّه تعالى أبي،إن أصحاب أبي أتوه فسألوه فأخبرهم بالحق،ثمَّ أتوني شكّاكا فأفتيتهم بالتقية» (1).

و محله بعد القراءة قبل الركوع إجماعا،كما في الخلاف و المنتهى و نهج الحق (2)و غيرها (3)،و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:«القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع» (4).

و أما الخبر الدال على التخيير بينه و بين بعد الركوع (5)-فمع ضعف سنده و عدم مكافأته لمعارضة من وجوه عديدة-شاذّ ضعيف،لا يمكن القول به و لا الميل إليه،و إن حكي عن الماتن في المعتبر (6)،و استحسنه بعض من تأخّر عنه (7).

و قوله إلاّ في الجمعة استثناء من الحكم بالقبلية لا الندبية،بدلالة قوله فإنه أي القنوت في صلاة الجمعة مستحب في ركعتيها معا في الأولى قبل الركوع،و في الثانية بعده على الأشهر الأقوى،و في الخلاف الإجماع عليه (8).

ص:263


1- الكافي 3:3/339،التهذيب 2:341/91،الاستبصار 1:1282/340،الوسائل 6:263 أبواب القنوت ب 1 ح 10.
2- الخلاف 1:328،المنتهى 1:299،نهج الحق:437.
3- كالتذكرة 1:128،و الذكرى:183،و المفاتيح 1:148.
4- الكافي 3:7/340،التهذيب 2:330/89،الاستبصار 1:1271/338،الوسائل 6:266 أبواب القنوت ب 3 ح 1.
5- التهذيب 2:343/92،الاستبصار 1:1283/341،الوسائل 6:267 أبواب القنوت ب 3 ح 4.
6- المعتبر 2:242.
7- الشهيد الثاني في الروضة البهية 1:284.
8- الخلاف 1:631.

و إرجاعها إلى الأول ممكن،بل قريب بعد ملاحظة الصحيحة الأولى، الشاهد سياقها بأن المراد من الإمام فيها من يقابل المنفرد و من يصلّي أربعا لا المأموم أيضا،مضافا إلى بعد أن يقنت الإمام و يسكت من خلفه.

و لو نسي القنوت قبل الركوع قضاه بعد الركوع بلا خلاف أجده، و به صرّح في المنتهى و المدارك و الذخيرة (1)،للمعتبرة و فيها الصحيح و الموثق (2).

و أما الصحيح:عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع،أ يقنت؟قال:

«لا» (3)و نحوه المرسل،أو الصحيح الوارد في الوتر (4).

فمحمول على نفي اللزوم،أو التقية،قال في الفقيه بعد نقل الأخير:

إنما منع عليه السلام من ذلك في الوتر و الغداة لأنهم يقنتون فيهما بعد الركوع، و إنما أطلق ذلك في سائر الصلوات لأن جمهور العامة لا يرون القنوت فيها (5).

و ظاهر العبارة كغيرها فعله بنية القضاء و لعلّه لفوات المحل.خلافا للمنتهى فتردّد فيه (6).و لعلّه لذلك و لخلوّ المعتبرة عن التعرّض لها.

و فيه نظر،و لعلّه لذا جعل الأول بعد التردّد أظهر.

و تظهر الثمرة على القول بوجوب التعرض للأداء و القضاء في النية،و إلاّ كما هو الأقوى فلا ثمرة،و لعلّه السرّ في عدم التعرض لهما في شيء من المعتبرة.

ص:266


1- المنتهى 1:300،المدارك 3:448،الذخيرة:295.
2- الوسائل 6:287 أبواب القنوت ب 18.
3- التهذيب 2:633/161،الاستبصار 1:1300/345،الوسائل 6:288 أبواب القنوت ب 18 ح 4.
4- الفقيه 1:1421/312،الوسائل 6:288 أبواب القنوت ب 18 ح 5.
5- الفقيه 1:313.
6- المنتهى 1:300.

و ذكر الشيخان في المقنعة و النهاية (1)-و نسبه في روض الجنان إلى الشيخ و الأصحاب كافة (2)-:أنه لو لم يذكر القنوت حتى ركع في الثالثة قضاه بعد الفراغ،قيل (3):للصحيح:في الرجل إذا سها في القنوت:«قنت بعد ما ينصرف و هو جالس» (4).

قال شيخنا في روض الجنان:و لا دلالة فيه على كون الذكر بعد ركوع الثالثة،فلو قيل بشموله ما بعد الدخول في سجود الثانية أمكن (5).انتهى.

و هو حسن،سيّما مع التصريح به في الرضوي:«فإن ذكرته بعد ما سجدت فاقنت بعد التسليم» (6).

و لو لم يذكره حتى انصرف من محلّه قضاه في الطريق مستقبل القبلة، وفاقا للمحقق الثاني و الشهيد الثاني (7)،للنص،و فيه:«إني لأكره للرجل أن يرغب عن سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو يدعها» (8).

و لو في التحرير:و لو نسيه حتى ركع في الثالثة ففي قضائه بعد الصلاة قولان (9).

و ظاهره وجود قول بالمنع،و هو للشيخ في المبسوط،على ما حكاه عنه

ص:267


1- المقنعة:139،النهاية:90.
2- روض الجنان:283.
3- المعتبر 2:245.
4- التهذيب 2:631/160،الاستبصار 1:1298/345،الوسائل 6:287 أبواب القنوت ب 16 ح 2.
5- روض الجنان:283.
6- فقه الرضا(عليه السلام):118،119،المستدرك 4:412 أبواب القنوت ب 12 ح 1.
7- المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:333،الشهيد الثاني في روض الجنان:283.
8- الكافي 3:10/340،التهذيب 2:1283/315،الوسائل 6:286 أبواب القنوت ب 16 ح 1.
9- التحرير 1:42.

في المنتهى و اختاره (1).و لعلّ مستنده الخبر:عن رجل نسي القنوت في المكتوبة،قال:«لا إعادة عليه» (2).و المعاد فيه مجمل يحتمل كونه الصلاة كما يحتمل القنوت،مع احتمال تعلّق النفي فيه باللزوم دون الشرعية و الثبوت،و مع ذلك فإطلاق الإعادة على إعادة القنوت لعدم الإتيان به بعيد،و لعلّه لذا لم يستدل به في المنتهى بعد أن نقل المنع عن المبسوط و اختاره،بل استدل عليه بنحو الصحيح:عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع،قال:«يقنت بعد الركوع،فإن لم يذكر فلا شيء عليه» (3)ثمَّ استدل على الثبوت بما قدّمناه من نحو الصحيح.

أقول:و في الاستناد للمنع بما مرّ نظر،إذ ظاهره نفي لزوم القضاء و لو على طريق تأكّد الاستحباب،و هو لا ينافي ثبوت أصله في الجملة،فالجمع بينه و بين ما قدّمناه بهذا غير بعيد،سيّما على القول بجواز التسامح في أدلّة السنن، كما هو التحقيق،أو بحمل الصحيح المانع على ما إذا لم يذكر أصلا و لو بعد الصلاة،و هذان الحملان أقرب من طرح الصحيح المثبت،المعتضد بقاعدة التسامح،و فتوى جمع (4)،و فحوى النص (5)و الرضوي (6)المثبتين لقضائه مستقبل القبلة في الطريق.

الثالث:النظر في حال الصلاة

الثالث: أن يكون نظره حال كونه قائما إلى موضع سجوده بلا

ص:268


1- المنتهى 1:300،و هو في المبسوط 1:113.
2- التهذيب 2:632/161،الاستبصار 1:1299/345،الوسائل 6:285 أبواب القنوت ب 15 ح 1.
3- التهذيب 2:628/160،الاستبصار 1:1296/344،الوسائل 6:287 أبواب القنوت ب 18 ح 1.
4- راجع ص 266،267.
5- المتقدم في ص 267 الرقم 8.
6- فقه الرضا(عليه السلام):119،المستدرك 4:412 أبواب القنوت ب 11 ح 1.

خلاف،للصحاح (1).

و قانتا إلى باطن كفّيه على المشهور،قيل (2):جمعا بين الخبرين الناهي أحدهما عن النظر في الصلاة إلى السماء (3)،و ثانيهما عن التغميض فيها (4).

و راكعا إلى ما بين رجليه على المشهور،للصحيح (5)و الرضوي (6)الآمرين به.

خلافا للنهاية،فيستحب التغميض فيه (7)،كما في الصحيح الفعلي (8)،و تبعه الحلّي (9).

و ربما يجمع بينهما بالتخيير،كما هو ظاهر المنتهى (10).و يضعّف بفقد التكافؤ المشترط فيه،لرجحان الأوّل بالتعدد،و الشهرة،و قوة الدلالة،مضافا إلى إطلاق النهي عن التغميض في الرواية السابقة.

و ساجدا إلى طرف أنفه،و متشهدا و جالسا بين السجدتين،بل قيل:

مطلقا (11)إلى حجره للرضوي:«و يكون نظرك في حال سجودك إلى طرف

ص:269


1- الوسائل 5:510 أبواب القيام ب 16.
2- المعتبر 2:246،و المنتهى 1:301.
3- الكافي 3:6/300،التهذيب 2:782/199،الاستبصار 1:1545/405، الوسائل 5:510 أبواب القيام ب 16 ح 1،3.
4- التهذيب 2:1280/314،الوسائل 7:249 أبواب قواطع الصلاة ب 6 ح 1.
5- الكافي 3:1/319،التهذيب 2:289/77،الوسائل 6:295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.
6- فقه الرضا(عليه السلام):106،المستدرك 4:435 أبواب الركوع ب 15 ح 2.
7- النهاية:71.
8- الكافي 3:8/311،الفقيه 1:916/196،التهذيب 2:301/81،الوسائل 5:459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
9- انظر السرائر 1:225.
10- المنتهى 1:301.
11- كما قال به ابن البراج في المهذّب 1:93.

أنفك،و بين السجدتين في حجرك،و كذلك وقت التشهد» (1).

و علّل الجميع مع ذلك بكونه أبلغ في الخضوع و الإقبال المطلوبين في الصلاة.

الرابع:كيفية وضع اليدين

الرابع:وضع اليدين قائما على فخذيه بحذاء ركبتيه كما في الصحيحين المشهورين الواردين في كيفية الصلاة قولا و فعلا (2)و قانتا تلقاء وجهه كما في الصحيح:«و ترفع يديك في الوتر حيال وجهك» (3)و لا قائل بالفرق.

مضافا إلى إطلاق الخبر المروي عن معاني الأخبار:«الرغبة أن تستقبل براحتيك السماء و تستقبل بهما وجهك» (4).

و يستفاد منه ما ذكره الأصحاب-كما في المعتبر و الذكرى و غيرهما (5)- من استحباب كونهما مبسوطتين يحاذي ببطونهما السماء و ظهورهما الأرض.

و حكي في المعتبر القول بالعكس (6)،لظواهر جملة من الأخبار (7).و هو نادر،كقول المقنعة باستحباب الرفع حيال الصدر (8).فالمشهور أولى،سيّما في مقابلة المفيد رحمه اللّه،لعدم ظهور دليل عليه أصلا،مع ظهور الصحيحة المشهورة بخلافه،كما عرفتها.

ص:270


1- فقه الرضا(عليه السلام):106،المستدرك 4:454 أبواب السجود ب 4 ح 2.
2- الكافي 3:8/311 و 1/334،الفقيه 1:916/196،التهذيب 2:301/81، الوسائل 5:459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1،2،3.
3- الفقيه 1:1410/309،التهذيب 2:504/131،الوسائل 6:282 أبواب القنوت ب 12 ح 1.
4- معاني الأخبار:2/369،الوسائل 7:50 أبواب الدعاء ب 13 ح 6.
5- المعتبر 2:247،الذكرى:184،و انظر الحدائق 8:385.
6- المعتبر 2:247.
7- مثل ما ورد في قرب الإسناد:146/45.
8- المقنعة:124.

و الأخبار الظاهرة في القول الآخر مطلقة تقبل التقييد بما عدا الصلاة، للرواية المشهورة.و هو أولى من الجمع بينهما بالتخيير،و إن قاله في المعتبر، لكونه فرع التكافؤ المفقود هنا،لاشتهار الرواية دون الأخبار المقابلة.

و ساجدا بحذاء أذنيه كما في أحد الصحيحين المشهورين،و في الآخر:«و لا تلزق كفيك بركبتيك،و لا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك،و لا تجعلهما بين يدي ركبتيك،و لكن تحرّفهما عن ذلك شيئا»و العمل بكل منهما حسن.

و متشهدا على فخذيه مبسوطة الأصابع مضمومة،على المشهور،كما في الذخيرة (1)،و في روض الجنان:تفرّد ابن الجنيد بأنه يشير بالسبابة في تعظيم اللّه عز و جل كما تفعله العامة (2).

الخامس:التعقيب

الخامس:التعقيب و هو تفعيل من العقب،قال الجوهري:التعقيب في الصلاة الجلوس بعد أن يقضيها لدعاء أو مسألة (3).

و فضله عظيم،و ثوابه جسيم،و النصوص به مستفيضة بل متواترة،منها في تفسير قوله سبحانه فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ [1] (4):«إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء و ارغب إليه في المسألة يعطك» (5).

و منها:«من عقّب في صلاته فهو في صلاة» (6).

و منها:«الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفّلا» (7).

ص:271


1- الذخيرة:295.
2- روض الجنان:283.
3- راجع الصحاح 1:186.
4- الإنشراح:7.
5- مجمع البيان 5:509.
6- نقله الجوهري في الصحاح 1:186،و الطريحي في مجمع البحرين 2:126.
7- الفقيه 1:962/216،الوسائل 6:437 أبواب التعقيب ب 5 ح 1.

و منها:«التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد» (1).

و يتأدّى بمطلق الدعاء المحلّل،و لكن المنقول عنهم عليهم السلام أفضل.

و لا حصر له،و أفضله تسبيح الزهراء عليها السلام للنصوص،منها:

«ما عبد اللّه بشيء من التحميد أفضل منه» (2).

و منها:«هو دبر كل صلاة أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة» (3)و:«من سبّحه قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر اللّه تعالى له،و يبدأ بالتكبير» (4).

و إنما نسب إليها عليها السلام لأنها السبب في تشريعه كما في النص (5).

ص:272


1- التهذيب 2:391/104،الوسائل 6:429 أبواب التعقيب ب 1 ح 1.
2- الكافي 3:14/343،التهذيب 2:398/105،الوسائل 6:443 أبواب التعقيب ب 9 ح 1.
3- الكافي 3:15/343،التهذيب 2:399/105،الوسائل 6:443 أبواب التعقيب ب 9 ح 2.
4- الكافي 3:6/342،التهذيب 2:395/105،الوسائل 6:439 أبواب التعقيب ب 7 ح 1.
5- علل الشرائع:1/366،الوسائل 6:446 أبواب التعقيب ب 11 ح 2،3.
خاتمة:في التروك
الأول:كل ما يبطل الطهارة

خاتمة:

في التروك اعلم أنه يقطع الصلاة و يبطلها أمور:

منها:كل ما يبطل الطهارة و ينقضها من الأحداث مطلقا و لو كان صدوره سهوا عن كونه في الصلاة،أو من غير اختيار،على الأظهر الأشهر، بل عن الناصرية و نهج الحق و التذكرة و أمالي الصدوق:الإجماع عليه (1)،و كذا في روض الجنان و شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (2)-رحمه اللّه-لكن فيما إذا كانت الطهارة المنتقضة مائيّة،و نفي عنه الخلاف في التهذيب (3)،و عن نهاية الإحكام الإجماع عليه فيما لو صدر من غير اختيار (4).

و هو الحجة،مضافا إلى شرطية الطهارة في الصلاة،و بطلانها بالفعل الكثير إجماعا،و النصوص المستفيضة القريبة من التواتر،بل المتواترة كما صرّح به بعض الأجلّة (5)،فلا يضر قصور أسانيد جملة منها أو ضعفها،سيّما مع اعتبار أسانيد جملة منها،و اعتضادها بالشهرة العظيمة الجابرة لما عداها، و هي قريبة من الإجماع بل إجماع حقيقة،كما عرفته من النقلة له.سيّما فيما إذا كانت الطهارة المنتقضة طهارة مائيّة،إذ المخالف فيها ليس إلاّ المرتضى في المصباح و الشيخ في المبسوط و الخلاف (6)،حيث قالا بالتطهير و البناء،كما

ص:273


1- الناصرية(الجوامع الفقهية):199،نهج الحق:431،التذكرة 1:130،أمالي الصدوق: 513.
2- روض الجنان:329،شرح الإرشاد(مجمع الفائدة و البرهان 3):48.
3- التهذيب 1:205.
4- نهاية الإحكام 1:513.
5- الحرّ العاملي في الوسائل 7:237.
6- حكاه عن المرتضى في المعتبر 2:250،المبسوط 1:117،الخلاف 1:409.

يفهم من عبارتهما حيث قالا:و من سبقه الحدث من بول أو ريح أو غير ذلك فلأصحابنا فيه روايتان،إحداهما و هي الأحوط أنه تبطل الصلاة.

و في لفظ الاحتياط دلالة على ذلك،لكنه غير صريح فيه،بل و لا ظاهر،كما بيّنته في الشرح،و يعضده تصريح الخلاف بعد ذلك بأن الرواية الأولى التي احتاط بها أوّلا هي المعمول عليها عنده و المفتي بها (1)،فلعلّ السيد كان كذلك أيضا،سيّما مع دعواه كالشيخ الإجماع عليها.

فعلى هذا لا مخالف [أصلا] في الطهارة المائية،و يكون الحكم فيها مجمعا عليه،كما عرفته من شرحي الإرشاد و غيرهما.

و أما ما في الذخيرة:من أنّ دعوى الإجماع هنا و هم (2).فلعلّه وهم، و لو سلّم ظهور خلاف الشيخ و المرتضى،لمعلومية نسبهما و عدم القدح في الإجماع بخروجهما و أمثالهما من معلومي النسب عندنا،بل عند العامة العمياء أيضا،كما قرّر مرارا.

و حيث كانت المسألة بهذه المثابة فلا حاجة بنا إلى نقل أدلّة قولهما و ما أورد من المناقشات على أدلّتنا،مع ضعفها في حدّ ذاتها أجمع،و قوة احتمال ورود أخبارهما-مع قصور سند بعضها و ضعف دلالتها-مورد التقية جدّا،كما صرّح به بعض الأجلّة (3)،فقد حكي القول بمضمونها في الناصرية و الخلاف عن الشافعي في أحد قوليه،و مالك و ابي حنيفة (4).

و بهذا يمكن الجواب عن الصحاح المستفيضة الدالّة جملة منها على التطهر و البناء في المتيمم خاصّة،كالصحيحين:قلت:رجل دخل في

ص:274


1- الخلاف 1:412.
2- الذخيرة:351.
3- الحر العاملي في الوسائل 7:237.
4- الناصرية(الجوامع الفقهية):199،الخلاف 1:410.

الصلاة و هو متيمّم،فصلّى ركعة ثمَّ أحدث فأصاب الماء،قال:«يخرج و يتوضّأ ثمَّ يبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمم» (1).

و الدالة جملة أخرى منها عليهما في المحدث قبل التشهد مطلقا، كالصحيح:في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهّد،قال:«ينصرف و يتوضّأ،فإن شاء رجع إلى المسجد،و إن شاء ففي بيته،و إن شاء حيث شاء قعد فتشهّد ثمَّ يسلّم،و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» (2)و نحوه الموثقان (3).

مضافا إلى ضعف دلالة الأخبار الأوّلة باحتمال أن يكون المراد بالصلاة في قوله:«يبني على ما مضى من صلاته»هي الصلاة التي صلاّها بالتيمم تامة قبل هذه الصلاة التي أحدث فيها،و مرجعه إلى أنّ هذه الصلاة قد بطلت بالحدث،و أنه يخرج و يتوضّأ من هذا الماء الموجود،و لا يعيد ما صلاّها بهذا التيمم و إن كان في الوقت،و يكون قوله عليه السلام في آخر الكلام:«التي صلّى بالتيمم»قرينة على هذا المعنى.

و من هنا ظهر ضعف القول بها كما عن الشيخين و غيرهما (4).

ص:275


1- الفقيه 1:214/58،التهذيب 1:594/204،الاستبصار 1:580/167،الوسائل 7:236 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 10.
2- الكافي 3:2/347،التهذيب 2:1301/318،الاستبصار 1:1291/343، الوسائل 6:410 أبواب التشهد ب 13 ح 1.
3- الأول: التهذيب 2:1300/318،الاستبصار 1:1290/342،الوسائل 6:410 أبواب التشهد ب 13 ح 2. الثاني: الكافي 3:1/346،الوسائل 6:412 أبواب التشهد ب 13 ح 4.
4- المفيد في المقنعة:61،الطوسي في النهاية:48،و المبسوط 1:117،و انظر المعتبر 1: 407،و المدارك 3:459.

و أضعف منه القول بالأخيرة،لندرته و عدم اشتهاره بين الفقهاء،و إن كان ظاهر الصدوق في الفقيه (1)،و بعض متأخّري المتأخّرين (2)،مقوّيا لعموم الحكم فيها لصورتي العمد و النسيان بعد أن ادّعى ظهوره من عبارة الفقيه و الروايات.

و هو غريب،فإنّ الحكم بالبطلان في الصورة الأولى كاد أن يكون ضروري المذهب،بل الدين جدّا،و قد استفاض بل تواتر نقل الإجماع عليه أيضا.

الثاني:الالتفات دبرا

و منها الالتفات عن القبلة دبرا و إلى الخلف،بلا خلاف فيه في الجملة،للصحاح المستفيضة،منها:«لا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك» (3).

و بمعناه غيره من الأخبار،ففي بعضها:«إن تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد» (4).

و في آخر:«إذا حوّل وجهه فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا» (5).

و إطلاقها و إن شمل البطلان مع الالتفات يمينا و شمالا فما دونهما،كما عن فخر المحققين (6)،و ما إليه بعض المتأخّرين (7).إلاّ أنه مقيّد بجملة

ص:276


1- الفقيه 1:233.
2- المجلسي في البحار 81:282.
3- الكافي 3:6/300،التهذيب 2:782/199،الاستبصار 1:1545/405، الوسائل 4:312 أبواب القبلة ب 9 ح 3.
4- الفقيه 1:1057/239،الوسائل 4:313 أبواب القبلة ب 9 ح 4.
5- التهذيب 2:732/184،الاستبصار 1:1401/368،الوسائل 8:209 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 6 ح 2.
6- قال في الذكرى:217 و كان بعض مشايخنا المعاصرين يرى أنّ الالتفات بالوجه يقطع الصلاة. و قال في الحدائق 9:34:و الظاهر أنه فخر المحققين ابن العلاّمة كما نقله غير واحد من الأصحاب.
7- الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3:62.

من المعتبرة الناصّة بأنّ الالتفات يقطع الصلاة إذا كان إلى خلفه،كما يأتي (1)،أو إذا كان بكله،كما في الصحيح (2)،و في آخر:«أعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا» (3).

و قريب منه المروي في الخصال،عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الأربعمائة قال:«الالتفات الفاحش يقطع الصلاة» (4).

و المتبادر من الالتفات الفاحش هو ما كان إلى الخلف،فاشتراطه و ما بمعناه يدل بمفهومه على عدم البطلان بغيره،كما هو المشهور على الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر (5).

و تقييد المطلقات بهذه النصوص متعيّن،لاعتبار أسانيد جملة منها، و انجبار باقيها بالشهرة المحققة و المحكية.

مضافا إلى التأيّد بنصوص أخر،كالصحيح:عن الرجل يكون في صلاته فيظن أن ثوبه قد انخرق،أو أصابه شيء،هل يصلح له أن ينظر فيه أو يمسّه؟قال:«إن كان في مقدّم ثوبه أو جانبيه فلا بأس،و إن كان في مؤخّره فلا يلتفت،فإنه لا يصلح» (6).

ص:277


1- في ص:278.
2- التهذيب 2:780/199،الاستبصار 1:1543/405،الوسائل 7:244 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 3.
3- الكافي 3:10/365،التهذيب 2:1322/323،الوسائل 7:244 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 2.
4- الخصال:622(ضمن حديث طويل)،الوسائل 7:245 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 7.
5- كالمفاتيح 1:173.
6- التهذيب 2:1374/333،قرب الإسناد:716/191،الوسائل 7:245 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 4.

و الخبر:عن الالتفات في الصلاة،أ يقطع الصلاة؟قال:«لا،و ما أحبّ أن يفعل» (1).

و المروي في عقاب الأعمال و المحاسن عن مولانا الصادق عليه السلام:

قال:«إذا قام العبد إلى الصلاة أقبل اللّه تعالى عليه بوجهه،و لا يزال مقبلا عليه حتى يلتفت ثلاث مرّات،فإذا التفت ثلاث مرّات أعرض عنه» (2).و نحوه المروي عن قرب الإسناد (3).

و هي صريحة في عدم البطلان بالالتفات إلى ما عدا الخلف أو مطلقا، خرج منه ما كان إلى الخلف إجماعا،فتوى و نصّا،و بقي الباقي.

و لو لا احتمال أن يكون المراد بالالتفات في الصحيح و ما بعده الالتفات بالعين خاصة و في غيرهما الالتفات بالقلب لا بالجارحة لكانت حجة،لانجبار الأسانيد بالشهرة.

ثمَّ إنّ إطلاق أكثر النصوص كالعبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة عدم الفرق في البطلان بين صور العمد و السهو و النسيان،كما عن صريح الغنية و التهذيبين (4)و ظاهر إطلاق الصدوق في الفقيه و المقنع و الهداية و الأمالي (5)، و يعضده القاعدة:من استلزام فوات الشرط الذي هو استقبال القبلة فوات مشروطه.

ص:278


1- التهذيب 2:784/200،الاستبصار 1:1546/405،الوسائل 7:245 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 5.
2- عقاب الأعمال:229،المحاسن:9/80،الوسائل 7:288 أبواب قواطع الصلاة ب 32 ح 1.
3- قرب الإسناد:546/150،الوسائل 7:288 أبواب قواطع الصلاة ب 32 ح 2.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):565،التهذيب 2:181،الاستبصار 1:368.
5- الفقيه 1:198،المقنع:23،الهداية:39،الأمالي:513.

خلافا للمحكي عن المبسوط و المراسم و الوسيلة و الإصباح و غيرها (1)، فقيدوه بالأولى،و هو خيرة جماعة من المتأخرين،و منهم الفاضل في المنتهى (2)،قال:لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«رفع عن أمتّي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه» (3).

و هو كما ترى،فإنّ غايته رفع المؤاخذة لا الصحة.

نعم،ربما يعضده إطلاق جملة من النصوص الواردة في المأموم المسبوق بركعة أنه يعيدها بعد ما فرغ الإمام و خرج هو مع الناس (4).و هي ظاهرة في وقوع الالتفات دبرا.بل في بعضها:رجل صلّى الفجر بركعة ثمَّ ذهب و جاء بعد ما أصبح و ذكر أنه صلّى ركعة،قال:«يضيف إليها ركعة» (5).

لكن في جملة من النصوص تقييد ذلك بعدم الانحراف منها:في رجل دخل مع الإمام في صلاته و قد سبقه بركعة،فلمّا فرغ الإمام خرج مع الناس ثمَّ ذكر أنه فاتته ركعة،قال:«يعيد ركعة واحدة،يجوز له ذلك إذا لم يحوّل وجهه عن القبلة،فإذا حوّل وجهه عن القبلة فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا» (6).

و في آخر:«إن كنت في مقامك فأتمّ بركعة،و إن كنت قد انصرفت فعليك الإعادة» (7).

ص:279


1- المبسوط 1:117،المراسم:70،الوسيلة:97،و حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1: 238.
2- المنتهى 1:308،روض الجنان:332،الحدائق 9:36.
3- الفقيه 1:132/36،الخصال:9/417،الوسائل 7:293 أبواب قواطع الصلاة ب 37 ح 2.
4- الفقيه 1:1020/230،التهذيب 2:1436/346،الوسائل 8:198 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 1،12.
5- التهذيب 2:729/182،الوسائل 8:204 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 18.
6- التهذيب 2:1441/348،الوسائل 8:202 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 12.
7- الكافي 3:11/383،التهذيب 2:731/183،الاستبصار 1:1400/367،الوسائل 8: 209 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 6 ح 1.

و اعلم أن هذا كله إذا كان الالتفات بالوجه خاصة،و أما إذا كان بجميع البدن فله شقوق مضى أحكامها في مباحث القبلة.

ثمَّ إن مقتضى إطلاق النص و الفتوى عدم الفرق في البطلان بالالتفات إلى الوراء بين الفريضة و النافلة.لكن في جملة من النصوص الفرق بينهما بتخصيص الحكم بالأولى دون الثانية:

ففي الخبر المروي عن قرب الإسناد،و كتاب مسائل علي بن جعفر، عنه،عن أخيه عليه السلام:عن الرجل يلتفت في صلاته،هل يقطع ذلك صلاته؟قال:«إذا كانت الفريضة و التفت إلى خلفه فقد قطع صلاته،فيعيد ما صلّى و لا يعتدّ به،و إن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته» (1).

و نحوه المروي في مستطرفات السرائر،عن جامع البزنطي،عن مولانا الرضا عليه السلام بزيادة قوله:«و لكن لا يعود» (2).

و في جملة من الصحاح إيماء إليه أيضا،منها:«إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد إذا كان الالتفات فاحشا» (3).

و قريب منه الصحيحان المعلّلان حظر الالتفات بأن اللّه عزّ و جلّ يقول لنبيه صلّى اللّه عليه و آله في الفريضة فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [1] (4)الآية.

ص:280


1- قرب الإسناد:820/210،مسائل على بن جعفر:574/243،مستطرفات السرائر: 2/53،الوسائل 7:246 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 8.
2- قرب الإسناد:820/210،مسائل على بن جعفر:574/243،مستطرفات السرائر: 2/53،الوسائل 7:246 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 8.
3- الكافي 3:10/365،التهذيب 2:1322/323،الاستبصار 1:1547/405،الوسائل 7: 244 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 2.
4- الكافي 3:6/300،الفقيه 1:856/180،التهذيب 2:1146/286،الوسائل 4:312 أبواب القبلة ب 9 ح 3،و الآية في البقرة:144.

فلا يبعد المصير إليه،و لكن لم أجد مصرّحا به.

الثالث:الكلام بحرفين فصاعدا عمدا

و منها الكلام أي التكلم بحرفين فصاعدا عمدا مما ليس بدعاء و لا ذكر و لا قرآن مطلقا و لو كان مهملا،لعمومه له لغة،كما عن شمس العلوم (1)و نجم الأئمة (2)،و الخبرين:«من أنّ في صلاته فقد تكلم» (3).

إجماعا على الظاهر،المصرح به في عبائر جماعة (4)حدّ الاستفاضة، و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة تقدم إلى بعضها الإشارة (5).

و إطلاقه كغيره و إن شمل صورتي السهو و النسيان عن كونه في الصلاة و ظنّ الخروج منها،إلاّ أنهما خرجتا عنه بالصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،منها:في الرجل يسهو في الركعتين و يتكلم،قال:«يتمّ ما بقي من

ص:281


1- حكاه عنه في(كشف اللثام 1:237)و هو كتاب:شمس العلوم و دواء كلام العرب من الكلوم، في اللغة،ثمانية عشر جزءا،لنشوان بن سعيد بن نشوان اليمني الحميري المتوفى سنة 573، و قد اختصره ولده في جزأين و سمّاه ضياء الحلوم في مختصر شمس العلوم.انظر كشف الظنون 2:1061،الذريعة إلى تصانيف الشيعة 14:224.
2- شرح الكافية:2 و هو للشيخ رضي الدين محمد بن الحسن الأسترآبادي النحوي نجم الأئمة، المتوفى سنة 686-و كان فاضلا،عالما،محققا،مدققا،كاملا في فنون العربية و من أقطابها -ألّفه في النجف الأشرف،و كان فراغه من تأليفه سنة 683.لم يؤلّف على كتاب الكافية و لا على غالب كتب النحو مثله جمعا و تحقيقا،و له كتب اخرى،منها:شرح الشافية،شرح قصائد ابن أبي الحديد،شرح الكافية بالفارسية.انظر كشف الظنون 2:1370،مجالس المؤمنين: 568،أمل الآمل 2:255،رياض العلماء 5:53،تنقيح المقال 3:101،الذريعة 14: 30.
3- الفقيه 1:1029/237،التهذيب 2:1356/330،الوسائل 7:281 أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 2،4.
4- منهم:المحقق في المعتبر 2:253،و العلامة في المنتهى 1:308،و الشهيدين في الذكرى: 216،و روض الجنان:331.
5- في ص 276.

صلاته تكلّم أو لم يتكلم،و لا شيء عليه» (1)و نحوه آخر (2)و غيره (3).

و منها:في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة فسلّم و هو يرى أنه قد أتمّ الصلاة،و قد تكلّم،ثمَّ ذكر أنه لم يصلّ غير ركعتين،فقال:«يتمّ ما بقي من الصلاة و لا شيء عليه» (4).

و في كلام جماعة الإجماع عليه في الصورة الاولى (5)،و هو حجة أخرى فيها،مؤيّدة-بعد الأصل و النصوص-بعدم الخلاف فيها و لا في الثانية إلاّ من الشيخ في النهاية و بعض من تبعه كالحلبي و غيره (6)،فأبطل الصلاة فيها، و لعلّه للإطلاق المقيد بما عرفته إن سلّم شموله لمثلها.و إن ادّعي تبادر العمد منه-كما قيل (7)-ارتفع الإشكال من أصله،و لا احتياج إلى التقييد به بالكلية.

و في الحرف الواحد المفهم ك:«ق»و إن كان بدون هاء السكت لحنا، و الحرف بعده مدّة،أي مدّ صوت لا يؤدّي إلى حرف آخر،و كلام المكره عليه نظر:

أما الأوّل فمن الخلاف في دخوله في الكلام لغة كما عن شمس

ص:282


1- التهذيب 2:756/191،الاستبصار 1:1434/378،الوسائل 8:200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 5.
2- الفقيه 1:1011/228،التهذيب 2:726/181،الاستبصار 1:1411/371، الوسائل 8:199 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 3.
3- التهذيب 2:1461/352،الوسائل 8:203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 17.
4- التهذيب 2:757/191،الاستبصار 1:1436/379،الوسائل 8:200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 9.
5- كالمحقق في المعتبر 2:253،و العلاّمة في المنتهى 1:309،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:170.
6- النهاية:90،الكافي في الفقه:120،و انظر الوسيلة:100.
7- الحدائق 9:25.

العلوم (1)،و اختار دخوله نجم الأئمة كما قيل (2).و عن نهاية الإحكام أنه من اشتماله على مقصود الكلام و الإعراض به عن الصلاة،و من أنه لا يعدّ كلاما إلاّ ما انتظم من حرفين،و الحرف الواحد ينبغي أن يسكت عليه بالهاء (3).و عن التذكرة أنه من حصول الإفهام فأشبه الكلام،و من دلالة مفهوم النطق بحرفين على عدم الإبطال به (4).و عنهما القطع بخروجه عن الكلام.و في المنتهى أن الوجه الإبطال،لوجود مسمى الكلام فيه،و فيه الإجماع على عدم إبطال غير المفهوم من الحرف الواحد،كما هو الظاهر،لأنه لا يسمّى كلاما (5).و عن التذكرة نفى الخلاف عنه (6).

و أما الثاني:فمن التردّد في أنّ الحركات المشبعة إنما يكون ألفا أو واوا أو ياء،و لعلّه المراد بما عن التذكرة و نهاية الإحكام من أنه ينشأ من تولّد المدّ من إشباع الحركة و لا يعدّ حرفا،و من أنه إما ألف أو واو أو ياء (7).

و أما الثالث:فمن عموم النصوص و الفتاوى،و هو الأقوى،كما عن التذكرة و نهاية الإحكام (8)،و هو فتوى التحرير (9).و من الأصل،و رفع ما استكرهوا عليه،و حصر وجوب الإعادة في الخمسة:الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود،و تبادر الاختيار من الإطلاق.

ص:283


1- حكاه عنه في كشف اللثام 1:237.
2- حكاه عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:238،و انظر شرح الكافية:2.
3- نهاية الإحكام 1:515.
4- التذكرة 1:131.
5- المنتهى 1:309.
6- التذكرة 1:131.
7- التذكرة 1:131،نهاية الإحكام 1:515.
8- التذكرة 1:131،نهاية الإحكام 1:516.
9- التحرير 1:43.

و في الإيضاح:المراد حصول الإكراه مع اتساع الوقت (1).

قيل:لأنّه مع الضيق مضطر إلى فعله مؤد لما عليه.و فيه:أنه مع السعة أيضا كذلك،خصوصا إذا طرأ الإكراه في الصلاة،و لا دليل على أن الضيق شرط في الاضطرار،و لا على إعادة المضطر إذا بقي الوقت (2).

الرابع:القهقهة

و كذا القهقهة تبطلها عمدا لا سهوا،إجماعا على الظاهر،المصرح به فيهما في كلام جماعة (3)حدّ الاستفاضة.و المعتبرة بالأوّل مع ذلك مستفيضة، منها الصحيح:«القهقهة لا تنقض الوضوء،و تنقض الصلاة» (4)و نحوه الموثق و غيره،بزيادة«إن التبسّم لا يقطع الصلاة» (5)و هو إجماعي أيضا على الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر (6).و بذلك يقيّد النص المطلق،كما يقيّد هو و غيره من النصوص بالإضافة إلى القهقهة سهوا بما مرّ من الإجماع المنقول.

و هل المراد بالقهقهة مطلق الضحك المقابل للتبسّم؟كما هو ظاهر مقابلتها له في النصوص،و يقتضيه ما عن المفصل و المصادر للزوزني و البيهقي:من أنها الضحك بصوت (7).

أو الضحك المشتمل على المدّ و الترجيع؟كما عن العين و ابن

ص:284


1- إيضاح الفوائد 1:117.
2- انظر كشف اللثام 1:237.
3- منهم:المحقق في المعتبر 2:254،و العلامة في التذكرة 1:132،و الشهيد الثاني في روض الجنان:332،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:172.
4- الكافي 3:6/364،التهذيب 2:1324/324،الوسائل 7:250 أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 1.
5- الكافي 3:1/364،الفقيه 1:1062/240،التهذيب 1:24/12،2:1325/324، الاستبصار 1:274/86،الوسائل 7:250 أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 2،3،4.
6- كالتذكرة 1:132،و روض الجنان:333،و المفاتيح 1:172.
7- كما نقله عنهم في كشف اللثام 1:238.

المظفّر (1)،و قريب منهما ما عن المجمل و المقاييس من أنها الإغراب في الضحك (2)،و عن شمس العلوم من أنها المبالغة فيه (3)،و عن الديوان و الصحاح من أنها أن يقول:قه قه (4)،و عن الأساس:قهّ الضاحك إذا قال في ضحكه:

قه،فإذا كرّره قيل:قهقه،كذا في القاموس (5).

إشكال،و العرف يساعد الثاني،و المقابلة تقتضي التجوّز بإدخال مالا مدّ فيه من الضحك في القهقهة أو التبسم،و لا يتعين الأول،و كلام بعض أهل اللغة و إن اقتضاه،إلاّ أنه معارض بكلام الأكثر منهم المعتضد بما عرفت من العرف، فلعلّه الأرجح،لكن ظاهر روض الجنان كون الأوّل مراد الأصحاب (6)، فالاحتياط لا يترك.

و إن غلب الضحك فقهقه اضطرارا بطلت الصلاة،كما عن نهاية الإحكام و الذكرى و التذكرة (7)،و ظاهره-كما قيل (8)-الإجماع عليه،لعموم النصوص.قيل:خلافا للشافعية و جمل العلم و العمل على احتمال (9).

الخامس:الفعل الكثير الخارج عن الصلاة

و كذا الفعل الكثير الخارج عن الصلاة يبطلها عمدا لا سهوا،بلا خلاف حتى في الثاني إن لم يمح صورة الصلاة به،بل قيل:ظاهر الأصحاب

ص:285


1- العين 3:341،و نقله عن ابن المظفر في كشف اللثام 1:238.
2- مجمل اللغة 4:111،المقاييس 5:5.
3- كما حكاه عنه في كشف اللثام 1:238.
4- نقله عن الديوان في كشف اللثام 1:238،الصحاح 6:2246.
5- أساس البلاغة:380،القاموس 4:293.
6- روض الجنان:332.
7- نهاية الإحكام 1:519،الذكرى:216،التذكرة 1:132.
8- الذخيرة:355.
9- انظر كشف اللثام 1:238،و جمل العلم و العمل(رسائل السيد 3):34.

عدم البطلان فيه مطلقا.و ظاهره دعوى الإجماع،كما في التذكرة و الذكرى (1).

و هو الحجة فيه،كالإجماعات المستفيضة النقل في الأوّل (2)،مضافا فيه إلى إطلاق المستفيضة،كالمروي في قرب الإسناد في التكتف في الصلاة:

«أنه عمل في الصلاة،و ليس في الصلاة عمل» (3).

و الموثق الناهي عن قتل الحيّة بعد أن يكون بينه و بينها أكثر من خطوة (4).

و الخبر الناهي عن الإيماء في الصلاة (5).

و المروي في قرب الإسناد أيضا:عن الرجل يقرض أظافيره أو لحيته و هو في صلاته،و ما عليه إن فعل ذلك متعمّدا؟قال:«إن كان ناسيا فلا بأس،و إن كان متعمّدا فلا يصلح» (6).

لكنها مطلقة شاملة لصور العمد و السهو و الكثرة و القلة،إلاّ الأخير، فمفصّل بين الصورتين الأوليين،مع أنّ الصلاة غير فاسدة في الثانية منهما إجماعا،كما مضى،و كذا في الثانية من الأخيرتين على الظاهر،المصرّح به في المنتهى (7).

و مع ذلك معارضة بالصحاح المستفيضة و غيرها المجوّزة لقتل البرغوث

ص:286


1- التذكرة 1:132،الذكرى:215.
2- كما في المنتهى 1:310،و المفاتيح 1:171.
3- قرب الإسناد:809/208،الوسائل 7:266 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 4.
4- الفقيه 1:1072/241،التهذيب 2:1364/331،الوسائل 7:273 أبواب قواطع الصلاة ب 19 ح 4.
5- الكافي 3:20/305،التهذيب 2:185/54،الاستبصار 1:1111/301،الوسائل 5: 396 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 12.
6- قرب الإسناد:713/190،الوسائل 7:290 أبواب قواطع الصلاة ب 34 ح 1.
7- المنتهى 1:310.

و الحيّة و العقرب و البقة و القمل و الذباب،كما في الصحاح و غيرها (1).

و ضمّ الجارية المارّة إليه،كما في الصحيح (2).

و حمل الصبي و إرضاعه،كما في الموثق و غيره (3).

و تصفيق المرأة عند إرادة الحاجة،كما في الصحيح (4).

و عدّ الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذه بيده،كما فيه (5)،و في المنتهى دعوى الإجماع عليه (6).

و تسوية الحصى في السجود بين السجدتين،كما في الموثق (7).

و ضرب الحائط لإيقاظ الغلام،كما في الصحيح (8).

و مسح الرجل جبهته في الصلاة إذا لصق بها تراب،كما في الموثق (9).

و نحو ذلك من الأفعال التي تضمّنتها الأخبار الكثيرة التي كادت تبلغ هي مع سابقتها التواتر.

و مع ذلك معمول بها بين الأصحاب،و إن اختلفوا في الاقتصار على مواردها،كما عن المعتبر و نهاية الإحكام (10)،أو إلحاق ما يضاهيها بها،كما

ص:287


1- الوسائل 7:274 أبواب قواطع الصلاة ب 20.
2- التهذيب 2:1350/329،الوسائل 7:278 أبواب قواطع الصلاة ب 22 ح 1.
3- التهذيب 2:1355/330،الوسائل 7:280 أبواب قواطع الصلاة ب 24 ح 1.
4- الفقيه 1:1074/242،الوسائل 7:254 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 28 ح 3.
5- الفقيه 1:987/224،الوسائل 8:247 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 28 ح 3.
6- المنتهى 1:310.
7- الفقيه 1:834/176،التهذيب 2:1215/301،الوسائل 6:373 أبواب السجود ب 18 ح 2.
8- الكافي 3:8/301،التهذيب 2:1329/325،الوسائل 7:256 أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 8.
9- التهذيب 2:1216/301،الوسائل 6:373 أبواب السجود ب 18 ح 1.
10- المعتبر 2:255،نهاية الإحكام 1:521.

يميل إليه بعض الأصحاب،حيث قال-بعد نقل جملة من هذه الأخبار-:ففي النظر إليها يظهر قلّة وجود الفعل الكثير المبطل،و عدم مدخلية الكثرة،و أن بعض الأبحاث في هذه المسألة لا يخلو عن شيء مثل:هل يشترط في الكثرة التوالي أم لا؟و أن المرجع في القلّة و الكثرة إلى العادة،و أنه لا عبرة بالعدد،فقد يكون الكثير قليلا كحركة الأصابع،و القليل كثيرا كالطفرة الفاحشة.انتهى (1)و هو حسن.

مع أن ما ذكروه من الرجوع في تحقيق الكثرة و القلة إلى العادة منظور فيه،أوّلا:بما ذكره بعض الأصحاب:من أن ذلك متجه إن كان مستند الحكم النص،و ليس كذلك،فإني لم أطّلع على نصّ يتضمن أن الفعل الكثير مبطل، و لا ذكر نصّ في هذا الباب في شيء من كتب الاستدلال،فإذا مستند الحكم هو الإجماع،فيجب إناطة الحكم بمورد الاتفاق،فكل فعل ثبت الاتفاق على كونه فعلا كثيرا كان مبطلا.و متى ثبت أنه ليس بكثير فهو ليس بمبطل.و متى اشتبه الأمر فلا يبعد القول بعدم كونه مبطلا،لأن اشتراط الصحة بتركه يحتاج إلى دليل بناء على أن الصلاة اسم للأركان مطلقا ،فيكون هذه الأمور خارجة عن حقيقتها.و يحتمل البطلان،لتوقّف البراءة اليقينية من التكليف الثابت عليه (2).

و ثانيا:بأن العادة المحكوم بالرجوع إليها في ضبط الكثرة إن كان المراد بها ما يرادف العرف العام ففساده واضح،و إن كان المراد بها عرف المتشرّعة فهو فرع ثبوته،و هو في حيّز المنع لو أريد بهم العلماء خاصة،لاختلافهم في الكثير المبطل،فبعض يبطل بما لا يبطل به الآخر،و معه لا يحصل الحقيقة التي

ص:288


1- انظر مجمع الفائدة 3:71.
2- انظر الذخيرة:355.

هي المرجع،و كذا لو أريد بهم العوام،مع أنهم ليسوا المرجع في شيء.

نعم،هذا حسن فيما لو اتّفق الكل على كونه كثيرا،كالأكل و الشرب و الوثبة العظيمة و الخياطة و الحياكة و نحوها مما تشهد بفساد الصلاة به البديهة، و معلوم أن الفعل الكثير المستدل لبطلان الصلاة به بهذا الدليل أعم منه،و مع ذلك فحيث اتفقوا يكون المناط في البطلان هو الإجماع حقيقة،كما مرّ عن بعض الأصحاب،و ما عداه يكون الوجه فيه ما ذكره،و إن كان الوجه الأخير الذي احتمله أحوط.

السادس:البكاء لأمور الدنيا

و البكاء لأمور الدنيا يبطلها عمدا،بلا خلاف يعتدّ به،بل ظاهرهم الإجماع عليه كما عن ظاهر التذكرة (1)،للخبر:«إن بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة،و إن كان ذكر ميّتا له فصلاته فاسدة» (2).

و ضعفه سندا و قصوره عن إفادة تمام المدّعى مجبور بالشهرة،و عدم القائل بالفرق بين الطائفة،المؤيّدة بقرينة المقابلة الظاهرة في أن ذكر خصوص البكاء على الميت إنما هو لمجرّد التمثيل،و إلاّ لجعل مقابله مطلق البكاء على غيره،لا البكاء على خصوص ذكر الجنة و النار.

و في السهو قولان،من إطلاق النص،و احتمال اختصاصه بحكم التبادر بصورة العمد كما في نظائره،مضافا إلى الأصل،و حديث رفع القلم،و حصر وجوب الإعادة في الخمسة،و هذا خيرة الحلبيين و ابن حمزة (3)و ظاهر العبارة.

ص:289


1- التذكرة 1:132.
2- التهذيب 2:1295/317،الاستبصار 1:1558/408،الوسائل 7:247 أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 4.
3- أبو الصلاح في الكافي في الفقه:120،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):558،ابن حمزة في الوسيلة:97.

خلافا للمحكي عن المبسوط و المهذب و الإصباح (1)،فالأول،و هو أحوط.

ثمَّ إن إطلاق النص يقتضي عدم الفرق في البكاء بين أنواعه،حتى ما خلا عن صوت و نحيب.

و ربما خصّ بما اشتمل عليهما،اقتصارا على المتفق عليه.

و هو حسن إن انحصر الدليل في الاتفاق،مع أن النص دليل آخر،إلاّ أن يضعّف دلالته باشتماله على لفظ البكاء و لا يدرى أ ممدود فيه فيختص أم مقصور فيعمّ.

و فيه:أن لفظ البكاء المحتمل للأمرين إنما هو في كلام الراوي،و أما لفظ الإمام الذي هو المعتبر فإنما هو«بكى»بصيغة الفعل المطلق الشامل للأمرين،فتأمل .

هذا مع أن الفرق بين الأمرين أمر لغوي لا أظن العرف يعتبره،و هو مقدم على اللغة حيثما حصل بينهما معارضة،كما قرّر في محله.

السابع:وضع اليمين على الشمال على الأظهر

و في بطلان الصلاة بالتكفير المفسّر عند الأصحاب ب وضع اليمين على الشمال مطلقا،و بالعكس أيضا على ما ذكره جماعة منهم (2)،و يظهر من بعض الروايات،و إن كان ظاهر الصحيح أنه الأول خاصة.أو كراهته قولان.

إلاّ أنّ أظهرهما و أشهرهما الإبطال بل عليه عامّة المتأخّرين، و في الانتصار و الخلاف و عن الأمالي و الغنية (3)الإجماع عليه،و النصوص به مع

ص:290


1- المبسوط 1:118،المهذّب 1:154.
2- العلاّمة في القواعد 1:35،و ابن فهد الحلّي في المهذب 1:311،و الشهيد الثاني في الروضة 1:235.
3- الانتصار:41،الخلاف 1:109،الأمالي:512،الغنية(الجوامع الفقهية):558.

ذلك مستفيضة،منها الصحيح:قلت:الرجل يضع يده في الصلاة اليمنى على اليسرى؟قال:«ذلك التكفير فلا تفعل» (1).

و في الصحيح و غيره:«لا تكفّر فإنما يفعل ذلك المجوس» (2).

و في جملة من النصوص المتقدم بعضها المروية عن قرب الإسناد و غيره أن:«وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل،و ليس في الصلاة عمل» (3).

و في المروي عن دعائم الإسلام،عن جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام أنه قال:«إذا كنت قائما في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى،و لا اليسرى على اليمنى،فإن ذلك تكفير أهل الكتاب،و لكن أرسلهما إرسالا، فإنه أحرى أن لا تشغل نفسك عن الصلاة» (4).

و هو صريح فيما ذكره الجماعة من انسحاب الحكم في وضع الشمال على اليمين أيضا،و ظاهر الشيخ في الخلاف دعوى الإجماع عليه (5)،و هو ظاهر كل من استدل على المنع بكونه فعل كثير و نحوه كالمرتضى و غيره (6).

و لا بأس به،و إن تردّد فيه في المنتهى (7)،لضعفه بدعوى الإجماع على خلافه،المعتضدة بصريح الرواية،و ظاهر ما تقدمها،بل صريحها من حيث التعليل المشترك بينه و بين الملحق به.

ص:291


1- التهذيب 2:310/84،الوسائل 7:265 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 1.
2- الكافي 3:1/299،الوسائل 7:266 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 2.
3- قرب الإسناد:809/208،الوسائل 7:266 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 14.
4- دعائم الإسلام 1:159،المستدرك 5:421 أبواب قواطع الصلاة ب 14 ح 2.
5- الخلاف 1:321.
6- المرتضى في الانتصار:41،و انظر المنتهى 1:311.
7- المنتهى 1:311.

ثمَّ إن الحكم تحريما أو كراهة يختص بحال الاختيار،فلو اضطرّ إليه لتقية و شبهها جاز،بل و ربما وجب قولا واحدا.

و يحرم قطع الصلاة بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة (1)،معربين عن دعوى الإجماع عليه،كما صرّح به جملة منهم في جملة من المنافيات المتقدمة،كالشهيد-رحمه اللّه-في الذكرى في الكلام، و الحدث في الأثناء،و تعمّد القهقهة (2).

و هو الحجة،مضافا إلى الآية الكريمة وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ [1] (3)و النهي للتحريم،خرج منه ما أخرجه الدليل و يبقى الباقي،و العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل،و العام المخصص حجة في الباقي.

و النصّ بأن«تحريمها التكبير،و تحليلها التسليم» (4)و لا معنى لكون تحريمها التكبير..إلاّ تحريم ما كان محلّلا قبله به،و تحليله بالتسليم و بعده.

و في الصحيح:عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه و هو يستطيع أن يصبر عليه،أ يصلّي على تلك الحال أو لا يصلّي؟فقال:«إذا احتمل الصبر و لم يخف إعجالا عن الصلاة فليصلّ و ليصبر» (5)و الأمر بالصبر حقيقة في الوجوب،و لو لا حرمة القطع لما وجب.

ص:293


1- منهم:صاحب المدارك 3:477،و السبزواري في الكفاية:23،و الفيض في المفاتيح 1: 169.
2- الذكرى:216.
3- محمد:33.
4- الكافي 3:2/69،الوسائل 6:415 أبواب التسليم ب 1 ح 1.
5- الكافي 3:3/364،الفقيه 1:1061/240،التهذيب 2:1326/324،الوسائل 7:251 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 1.

و في آخرين:«لا تقلّب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك» (1)،و هو أظهر دلالة على حرمة الإفساد كلية،حيث علّل به تحريم الالتفات.

و في آخر:«إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق،أو غريما لك عليه مال،أو حيّة تتخوفها على نفسك،فاقطع الصلاة و اتّبع غلامك و غريمك و اقتل الحية» (2).

و هو بمفهومه دالّ على الحكم المزبور،و بمنطوقه على ما ظاهرهم الاتفاق عليه من الجواز في صورة خوف الضرر بترك القطع،المشار إليها بقوله:

إلاّ لخوف ضرر،كفوات غريم أو تردّي طفل أو نحو ذلك.

مضافا إلى الموثق الوارد فيها:عن الرجل يكون قائما في صلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعا يخاف ضيعته أو هلاكه،قال:«يقطع صلاته و يحرز متاعه ثمَّ يستقبل القبلة»قلت:فيكون في صلاة الفريضة فتفلّت عليه دابته فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنتا،فقال:«لا بأس،يقطع صلاته و يتحرّز و يعود إلى صلاته» (3).

و في القوي:رجل يصلّي و يرى الصبي يحبو إلى النار،و الشاة تدخل البيت لتفسد الشيء،قال:«فينصرف و ليتحرّز ما يتخوف منه و يبني على صلاته ما لم يتكلم» (4).و هو ظاهر في الجواز،لكن مع البناء دون القطع.

ص:294


1- الكافي 3:6/300،الفقيه 1:856/180،التهذيب 2:1146/286،الوسائل 4:312. أبواب القبلة ب 9 ح 3 و ذيله.
2- الكافي 3:5/367،الفقيه 1:1073/242،التهذيب 2:1361/331،الوسائل 7: 276 أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 1.
3- الكافي 3:3/367 بتفاوت،الفقيه 1:1071/241،التهذيب 2:1360/330، الوسائل 7:277 أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 2.
4- التهذيب 2:1375/333،الوسائل 7:278 أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 3.

و الاستثناء من المنع يقتضي ثبوت الجواز المطلق المجامع للوجوب و الاستحباب و الكراهة و الإباحة،و لذا قسّمه إليها الشهيدان و غيرهما (1)،فقالوا:

يجب لحفظ النفس و المال المحترمين حيث يتعين عليه.و يستحب لاستدراك الأذان و الإقامة و قراءة الجمعة و المنافقين في الظهر و الجمعة،و للائتمام بإمام الأصل.و يباح لإحراز المال اليسير الذي لا يتضرّر بفواته،و قتل الحية التي لا يظن أذاها.و يكره لإحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته،قاله في الذكرى و احتمل التحريم.و قال:و إذا أراد القطع فالأجود التحليل بالتسليم،لعموم:

«و تحليلها التسليم»و لو ضاق الحال عنه سقط،و إن لم يأت به و فعل منافيا آخر فالأقرب عدم الإثم،لأن القطع سائغ،و التسليم إنما يجب التحلّل به في الصلاة التامة.

و هل الحكم بتحريم القطع يختص بالفريضة،أم يعمّها و النافلة؟ظاهر إطلاق العبارة كغيرها من أكثر الفتاوي و الأدلّة الثاني.

خلافا للقواعد و شيخنا الشهيد الثاني و غيرهما (2)،فالأوّل،لمفهوم بعض الصحاح المتقدمة،و خصوصا ما مرّ من المعتبرة في بحث الالتفات عن القبلة (3).

و هو غير بعيد،لاعتبار هذه الأدلة،فتصلح أن تكون للإطلاقات مقيدة،

ص:295


1- الشهيد الأول في الذكرى:215،الشهيد الثاني في روض الجنان:338،و انظر جامع المقاصد 2:359،و المسالك 1:33.
2- القواعد 1:36،الشهيد الثاني في روض الجنان:338،و قال الحلّي في السرائر 1:422: لأن عندنا العبادة المندوب إليها لا تجب بالدخول فيها-بخلاف ما ذهب إليه أبو حنيفة-ما خلا الحج المندوب فإنه يجب بالدخول فيه،و حمل باقي المندوبات قياس..،و انظر مجمع الفائدة 3:109.
3- راجع ص:276-280.

نعم يكره لشبهة الخلاف الناشئ من الإطلاق.

و قيل و القائل الشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف (1)يقطعها الأكل و الشرب.

و لا ريب فيه إذا بلغا الكثرة،بل على البطلان حينئذ الإجماع في كلام جماعة (2).كما لا ريب في العدم مع النسيان مطلقا،للأصل،مع دعوى الإجماع عليه في المنتهى (3).

و يشكل مع القلّة،لعدم دليل على البطلان بهما حينئذ يعتدّ به عدا دعوى الإجماع في الخلاف على البطلان بهما بقول مطلق،و في انصرافه إلى القليل منهما نظر،لاختصاصه بحكم التبادر بالكثير،مع أن في المنتهى الإجماع على عدم البطلان بابتلاع نحو ما بين الأسنان،و بوضع سكرة في فيه فتذوب و تسوق مع الريق (4).

و في الصحيح:عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي و في فيه الخبز و اللوز (5)؟قال:«إن كان يمنعه من قراءته فلا،و إن كان لا يمنعه فلا بأس» (6)و هو ظاهر أيضا في عدم البطلان.

مضافا إلى الأصل،و فحوى النصوص المجوّزة لكثير من الأفعال المتقدمة في بحث الفعل الكثير،من نحو إرضاع الطفل و إحضانه و قتل الحية

ص:296


1- لم نعثر في النهاية إلاّ على التصريح بجواز شرب الماء عند لحوق العطش في صلاة الوتر. راجع النهاية:121،المبسوط 1:118،الخلاف 1:413.
2- منهم الشيخ في الخلاف 1:413،جامع المقاصد:351،روض الجنان:331.
3- المنتهى 1:312.
4- المنتهى 1:312.
5- كذا في النسخ،و في المصدر:«الخرز و اللؤلؤ».
6- الفقيه 1:775/164،الوسائل 4:461 أبواب لباس المصلي ب 60 ح 3.

و العقرب و نحو ذلك (1).فالأجود وفاقا لجماعة من المتأخرّين (2)عدم البطلان بالقليل،و اختصاصه بالكثير.

و لا فرق في القطع بهما في الجملة أو مطلقا بين الفريضة و النافلة إلاّ في الوتر لمن عزم الصوم و لحقه عطش (3)و كان الماء أمامه بعيدا عنه بخطوتين أو ثلاثة،فيجوز له الشرب حينئذ،كما في النص (4).

و هذا الاستثناء بهذه القيود مجمع عليه كما في التنقيح (5).و ظاهره عدم الفرق بين القليل و الكثير،مع أن في المنتهى:الأقرب اعتبار القلّة (6).و في المختلف:أن الرخصة إمّا في القليل،أو في الدعاء بعد الوتر (7).

أقول:و عليه لا معنى للاستثناء،لاشتراك مطلق النافلة بل الفريضة أيضا في جواز القليل من الأكل و الشرب،بل مطلق الأفعال فيها،إلاّ على القول بالمنع عنهما فيها مطلقا،و لم أجد به قائلا صريحا،بل و لا ظاهرا،لانصراف الإطلاق في كلام الشيخ الذي هو الأصل في هذا القول إلى الكثير المتفق على البطلان به كما مضى.

نعم،كل من عطفهما على الفعل الكثير ظاهره كونهما مبطلين عنده مطلقا،فيصحّ الاستثناء على هذا مطلقا و لو قيّد الشرب في المستثنى بالقليل، لكنه خلاف ظاهر النص و الأكثر.

ص:297


1- راجع ص:287.
2- كالمحقق في المعتبر 2:259،و العلامة في المنتهى 1:312،و الشهيد في الذكرى:215.
3- في«ح»زيادة:شديد.
4- الفقيه 1:1424/313،التهذيب 2:1354/329،الوسائل 7:279 أبواب قواطع الصلاة ب 23 ح 1،2.
5- التنقيح الرائع 1:217.
6- المنتهى 1:312.
7- المختلف:103.

و في جواز استثناء مطلق النافلة مع القيود المزبورة أو مطلقا كالوتر بدونها إشكال.و الأصل يقتضي العدم،كما هو ظاهر الأكثر (1).

و يحتمل الجواز،لتخلّف حكم النافلة عن الفريضة في مواضع عديدة، مع ورود النص بأن النافلة ليست كالفريضة (2)،و في الخلاف:و روي إباحة الشرب في النافلة (3).و ظاهره المصير إلى هذا الاحتمال و ورود نصّ به،و إن احتمل أن يريد به المنصوص في هذا النص خاصة من غير تعميم لغيره، و لا ريب أن الأحوط العدم.

و في جواز الصلاة و الشعر معقوص قولان،أشبههما الكراهة وفاقا للمفيد و الحلّي و الديلمي و الحلبي (4)و عامة المتأخرين،للأصل،و ضعف دليل المانع،و هو الشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف (5)،مدعيا فيه الإجماع، و مستندا إلى الخبر:في رجل صلّى صلاة فريضة و هو معقوص الشعر،قال:

«يعيد صلاته» (6).

و في السند ضعف،و في الإجماع و هن بندرة القائل به،بل عدمه إلاّ مدّعيه،فلا يخصّص به الأصل المعتضد بفتوى الأكثر،بل الكل إلاّ النادر،

ص:298


1- و منهم:الحلّي(السرائر:309)و الفاضلان(المحقق في الشرائع 1:91،العلاّمة في القواعد 1:36)و غيرهما،و بالجملة كل من رخّص الاستثناء بالوتر بالقيود المزبورة.منه رحمه اللّه.
2- الكافي 3:22/448،التهذيب 2:1387/336،الوسائل 6:404 أبواب التشهد ب 8 ح 1.
3- الخلاف 1:413.
4- المفيد في المقنعة:152،الحلّي في السرائر 1:271،الديلمي في المراسم:64،الحلبي في الكافي:125.
5- النهاية:95،المبسوط 1:119،الخلاف 1:510.
6- الكافي 3:5/409،التهذيب 2:914/232،الوسائل 4:424 أبواب لباس المصلي ب 36 ح 1.

و إن تبعه الشهيد في الذكرى (1)لشبهة نقل الإجماع و للاحتياط.و في الأول ما مرّ،و في الثاني أنه مرجوح بالنسبة إلى المعارض،مع أن في التمسك به للوجوب إشكالا ليس هنا محل ذكره.

و الحكم تحريما أو كراهة مختصّ بالرجل دون المرأة إجماعا،كما صرّح به جماعة (2)،و لكن بعض العبارات كالمتن مطلقة (3).

و العقص هو جمع الشعر في وسط الرأس و شدّه،كما عن المعتبر و التذكرة و في غيرهما من كتب الجماعة (4).

قيل:و يقرب منه قول الفارابي و المطرزي في كتابيه أنه جمعه على الرأس قال المطرزي:و قيل هو ليّه و إدخال أطرافه في أصوله (5).

قلت:هو قول ابن فارس في المقاييس (6).قال المطرزي:و عن ابن دريد:عقصت شعرها شدّته في قفاها و لم تجمعه جمعا شديدا.و في العين:

العقص أخذك خصلة من شعر فتلويها ثمَّ تعقدها حتى يبقى فيها التواء ثمَّ ترسلها (7).و نحوه المجمل و الأساس (8)و المحيط،و إن خلا عن الإرسال.

و يقرب منه ما في الفائق:أنه الفتل (9).و ما في الصحاح:أنه ضفره وليّه على

ص:299


1- الذكرى:217.
2- منهم:العلامة في التذكرة 1:99،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:353،و صاحب المدارك 3:469.
3- كما في الشرائع 1:91،و التبصرة للعلاّمة:30.
4- المعتبر 1:260،التذكرة 1:99،و انظر الذكرى:217،و جامع المقاصد 2:353.
5- كشف اللثام 1:239.
6- المقاييس 4:97.
7- العين 1:127.
8- مجمل اللغة 3:395،أساس البلاغة:309.
9- الفائق 3:17.

الرأس (1).و هو المحكي في تهذيب اللغة (2)و الغريبين عن أبي عبيدة،إلاّ أنه قال:ضرب من الضفر،و هو ليّه على الرأس.و في المنتهى:و قد قيل:إن المراد بذلك ضفر الشعر و جعله كالكبّة في مقدم الرأس على الجبهة،و على هذا يكون ما ذكره الشيخ حقّا،لأنه يمنع من السجود (3).انتهى.و حكى المطرزي قولا إنه وصل الشعر بشعر الغير (4).

المكروهات

و يكره الالتفات بالبصر أو الوجه يمينا و شمالا ففي الخبر:«انه لا صلاة لملتفت» (5).و حمل على نفي الكمال جمعا كما مضى.

و في آخر عنه صلّى اللّه عليه و آله:«أما يخاف الذي يحوّل وجهه في الصلاة أن يحوّل اللّه تعالى وجهه وجه حمار» (6).و المراد تحويل وجه قلبه كوجه قلب الحمار في عدم اطّلاعه على الأمور العلويّة،و عدم إكرامه بالكمالات العليّة.

و التثاؤب بالهمزة،يقال:تثاءبت،و لا يقال:تثاوبت،قاله الجوهري (7). و التمطّي و هو مدّ اليدين.

ففي الخبر:أنهما من الشيطان (8).و في النهاية الأثيرية:إنما جعلهما من الشيطان كراهية له،لأنه إنما يكون مع ثقل البدن و امتلائه و استرخائه و ميله

ص:300


1- الصحاح 3:1046.
2- تهذيب اللغة 1:173.
3- المنتهى 1:235.
4- حكاه عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:239.
5- عمدة القارئ 5:311.
6- أسرار الصلاة(رسائل الشهيد الثاني):107،صحيح مسلم 1:115/321،116 بتفاوت يسير.
7- انظر الصحاح 1:92.
8- الكافي 3:7/301،الوسائل 7:259 أبواب قواطع الصلاة ب 11 ح 3،4.

إلى الكسل و النوم،و أضافه إلى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها،و أراد به التحذير من السبب الذي يتولّد منه و هو التوسيع في المطعم و الشبع،فيثقل عن الطاعات و يكسل عن الخيرات (1).

و العبث بشيء من أعضائه،فقد رأى النبي صلّى اللّه عليه و آله رجلا يعبث في الصلاة فقال:«لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» (2).

و في بعض النصوص:أنه يقطع الصلاة (3).و حمل على ما إذا بلغ الكثرة المبطلة،جمعا.

و نفخ موضع السجود،و التنخّم،و البصاق و خصوصا إلى القبلة و اليمين و بين يديه.

و فرقعة الأصابع و نقضها لتصوت.

و التأوّه بحرف واحد،و أصله قول:أوه،عند التوجّع و الشكاية، و المراد به هنا النطق به على وجه لا يظهر منه حرفان.

و مدافعة الأخبثين البول و الغائط.

و لا خلاف في شيء من ذلك عدا الالتفات،فقيل بتحريمه (4)،و هو ضعيف.

و النصوص بالجميع مستفيضة،ففي الصحيح:«إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك،فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه،و لا تعبث فيها بيدك و لا برأسك و لا بلحيتك،و لا تحدث نفسك،و لا تتثاءب و لا تتمطّ

ص:301


1- نهاية ابن الأثير 1:204.
2- الجعفريات:36،المستدرك 5:417 أبواب قواطع الصلاة ب 11 ح 3 و فيه بتفاوت.
3- التهذيب 2:1575/378،الوسائل 7:262 أبواب قواطع الصلاة ب 12 ح 9.
4- راجع ص:276.

و لا تكفّر،فإنما يفعل ذلك المجوس،و لا تلتثم،و لا تحتفز (1)،و لا تفرج (2)كما يتفرج البعير،و لا تقع على قدميك،و لا تفترش ذراعيك،و لا تفرقع أصابعك، فإن ذلك كله نقصان من الصلاة،و لا تقم إلى الصلاة متكاسلا و لا متناعسا و لا متثاقلا،فإنها من خلال النفاق،فإن اللّه تعالى نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة و هم سكارى،يعني سكر النوم،و قال للمنافقين وَ إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النّاسَ وَ لا يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاّ قَلِيلاً [1] » (3).

و في آخر:«لا صلاة لحاقن و لا لحاقب ،و هو بمنزلة من هو في ثيابه» (4).

و المراد نفي الفضيلة،للإجماع على الصحة.

و يستفاد من الأوّل كراهة فعل ما يشعر بترك الخشوع و الإقبال إلى الصلاة مطلقا،كما عليه الأصحاب،و يستفاد من نصوص أخر أيضا،و فيها الصحاح و غيرها (5).

و منها يظهر وجه كراهة لبس الخفّ حال كونه ضيّقا لما فيه من سلب الخشوع و المنع من التمكن من السجود.

و يجوز للمصلّي تسميت العاطس و هو الدعاء له عند العطاس بنحو

ص:302


1- أي:لا تتضامّ في سجودك بل تتخوّى كما يتخوّى البعير الضامر،و هكذا عكس المرأة،فإنّها تحتفز في سجودها و لا تتخوّى..،و قولهم:«هو محتفز»أي مستعجل متوفر غير متمكّن في جلوسه،كأنه يريد القيام.مجمع البحرين 4:16.
2- في«ش»و«م»و الوسائل:و تفرج.
3- الكافي 3:1/299،الوسائل 5:463 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 5.و الآية في النساء: 142.
4- التهذيب 2:1372/333،المحاسن:15/83،الوسائل 7:251 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 2.و فيها:«حاقنة»بدل«حاقب».و الحاقن:الذي به البول،و الحاقب:الذي به الغائط، كما فسرّا بهما في رواية معاني الأخبار:237،و نهاية ابن الأثير 1:416.
5- انظر الوسائل 7 أبواب قواطع الصلاة ب 11،12،14،و مستدرك الوسائل 4:86 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 5،6،7.

قوله:يرحمك اللّه،إذا كان مؤمنا،بلا خلاف إلاّ من المعتبر،فقد تردّد فيه (1).

و لا وجه له بعد ثبوت كونه دعاء بنصّ جماعة من أهل اللغة (2)،فيشمله عموم ما دلّ على جوازه في الصلاة،كما يأتي،مضافا إلى عموم ما دلّ على جواز التسميت،بل استحبابه مطلقا (3)،مع أنه رجع عنه بعده إلى الجواز كما عليه الأصحاب،و جعله مقتضى المذهب.

نعم،روت العامة عن معاوية بن حكم أنه قال:صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعطس رجل من القوم،فقلت:يرحمك اللّه،فرماني القوم بأبصارهم،فقلت:ما شأنكم تنظرون إليّ؟فجعلوا يضربون على أفخاذهم، فعلمت أنهم يصمّتوني،فلمّا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«إن هذه الصلاة لا يصلح فيها كلام الناس،إنما هي التكبيرة و قراءة القرآن» (4).

و فيه-مع ضعف سنده-:عدم وضوح دلالته،باحتمال رجوع الإنكار فيه إلى قوله الثاني،أو إلى إنكارهم،كما بينته في الشرح.

و هل يجب على العاطس الرّد؟قيل:الأظهر لا،لأنه لا يسمّى تحيّة (5).

و فيه نظر،مع أنه روى الصدوق في آخر كتاب الخصال في حديث طويل عن أبي جعفر،عن آبائه،عن أمير المؤمنين عليهم السلام أنه قال:«إذا عطس أحدكم (6)فسمّتوه قولوا:يرحمكم اللّه،و هو يقول:يغفر اللّه تعالى لكم و يرحمكم،قال اللّه تعالى عزّ و جلّ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها [1]

ص:303


1- المعتبر 2:263.
2- منهم:الفيروزآبادي في القاموس 1:156،و الطريحي في مجمع البحرين 2:206،و ابن الأثير في النهاية 2:397.
3- انظر الوسائل 12:86 أبواب أحكام العشرة ب 57.
4- صحيح مسلم 1:33/381،سنن أبي داود 1:930/244 بتفاوت فيهما.
5- قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:355،و صاحب المدارك 3:472.
6- في«ل»و«م»و«ح»:أخوكم.

(1).

و كما يجوز بل يستحب التسميت يجوز له إذا عطس أن يحمد اللّه و يصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله،و أن يفعل ذلك إذا عطس غيره، للعمومات،و في المنتهى أنه مذهب أهل البيت عليهم السلام (2).

و يجوز له ردّ السلام أيضا على المسلّم،بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر (3)،و هو الحجة بعد العمومات من الكتاب و السنة المستفيضة (4).

مضافا إلى خصوص المعتبرة،منها الصحيح:دخلت على أبي جعفر عليه السلام و هو في الصلاة،فقلت:السلام عليك،فقال:«السلام عليك» فقلت:كيف أصبحت؟فسكت،فلما انصرف قلت:أ يردّ السلام و هو في الصلاة؟فقال:«نعم،مثل ما قيل له» (5).

و الموثق:عن الرجل يسلّم عليه و هو في الصلاة،فقال:«يردّ بقوله:سلام عليكم،و لا يقول:عليكم السلام» (6).

و يستفاد منه وجوب كون الرد ب مثل قوله:سلام عليكم و إطلاقه كالعبارة يشمل ما إذا سلّم به أم بغيره من صيغ السلام الأربع المشهورة.

و هو مشكل،بل ضعيف،لتصريح الصحيحة المتقدمة بخلافه،مع

ص:304


1- الخصال:10/633،الوسائل 12:88 أبواب أحكام العشرة ب 58 ح 3.و الآية في النساء: 86.
2- المنتهى 1:313.
3- كالمنتهى 1:313،و جامع المقاصد 2:355،و المدارك 3:473.
4- انظر الوسائل 12:57 أبواب أحكام العشرة ب 33.
5- التهذيب 2:1349/329،الوسائل 7:267 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 1.
6- الكافي 3:1/366،التهذيب 2:1348/328،الوسائل 7:267 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 2.

اعتضادها بالعمومات،مضافا إلى الأصل.

و يستفاد منها وجوب كون الردّ بالمثل،كما هو المشهور بين الأصحاب، و في ظاهر المدارك و غيره و صريح المرتضى و الخلاف أن عليه إجماع الأصحاب (1)،و هو حجة أخرى بعد الصحيح المعتضد بالموثق السابق و لو في الجملة،و لو لا دلالته على تعين الصيغة المذكورة فيه للردّ لكان كالصحيح حجة.مع احتمال أن يقال في توجيه تعيينه إياها غلبة حصول السلام بها و ندرة السلام بعليكم السلام،بل عدمه،و في بعض الأخبار أنه تحية الأموات (2).

و على هذا فالأمر فيه بالصيغة المزبورة إنما هو لمراعاة المماثلة،و يشير إلى هذا التوجيه كلام الشيخ في الخلاف (3)،كما لا يخفى على من راجعه و تدبّره.

خلافا للحلي و الفاضل في المختلف،فجوّزا الرد بالمخالف،و لو بقوله:

عليكم السلام،خصوصا مع تسليم المسلّم به (4)،لعموم الآية (5)،و استضعافا للرواية بناء على أنها من الآحاد.

و فيه:أنها من الآحاد المعمول بها،فيتعين العمل و تخصيص العموم بها.

ثمَّ ليس في العبارة ككثير إلاّ جواز الردّ دون وجوبه (6).و بالوجوب صرّح الفاضل و جماعة (7)،و منهم الشهيد رحمه اللّه،قال:و الظاهر أن الأصحاب

ص:305


1- المدارك 3:474،و الروض:339،الانتصار:47،الخلاف 1:388،و انظر المعتبر 2: 263.
2- سنن أبي داود 4:5209/353.
3- الخلاف 1:388.
4- الحلي في السرائر 1:236،المختلف:102.
5- لنساء:86.
6- انظر المنتهى 1:313،و التنقيح 1:220،و روض الجنان:338.
7- الفاضل في القواعد 1:36،و انظر التذكرة 1:131،و جامع المقاصد 2:355،و المدارك 3: 473.

أرادوا بيان شرعيته،و يبقى الوجوب معلوما من القواعد الشرعية (1).انتهى.و هو حسن.

و يجب إسماع الردّ تحقيقا أو تقديرا،كما في غير الصلاة،على الأشهر الأقوى،عملا بعموم ما دلّ عليه،و حملا للصحيح و الموثق-الدالّين على الأمر بإخفائه،كما في الأول (2)،أو على الإتيان به فيما بينه و بين نفسه،كما في الثاني (3)-على التقية،كما بيّنته في الشرح مع جملة ما يتعلق بالمقام و سابقة، من أبحاث شريفة و مسائل مهمة،يضيق عن نشرها هذه التعليقة.

و يجوز له الدعاء في أحوال الصلاة قائما و قاعدا و راكعا و ساجدا و متشهدا بالعربية و إن كان غير مأثور،إجماعا على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (4)،و للمعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر،ففي الصحيح:عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شيء يناجي ربه؟قال:

«نعم» (5).

و هل يجوز بغير العربية؟قيل:نعم (6).و قيل:لا (7).و لعلّه الأقوى،

ص:306


1- الذكرى:218.
2- التهذيب 2:1366/332،الوسائل 7:268 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 3.
3- الفقيه 1:1064/240،التهذيب 2:1365/331،الوسائل 7:268 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 4.
4- كالانتصار:47،و المنتهى 1:314،و المدارك 3:476.
5- التهذيب 2:1337/326،الوسائل 7:263 أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 1.
6- قال به الفاضل المقداد في التنقيح 1:222.
7- و قال الصدوق في الفقيه 1:208 و ذكر شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد-رضي اللّه عنه-عن سعد بن عبد اللّه إنه كان يقول:لا يجوز الدعاء في القنوت بالفارسيّة.و قال في جامع المقاصد 2:322 و نقل الأصحاب عن سعد بن عبد اللّه من فقهائنا عدم جوازه مع القدرة و هو المتّجه.إلاّ أن الشهرة بين الأصحاب-حتّى أنّه لا يعلم قائل بالمنع سوى سعد المذكور مانعة من المصير إليه.

اقتصارا في الكلام المنهي عنه في الصلاة على المتيقن حصول الرخصة فيه منه نصّا و فتوى،و ليس إلاّ العربية.

و منه يظهر وجه اشتراط كون الدعاء بسؤال المباح دينا و دنيا دون المحرم مع انه متفق عليه ظاهرا،فلو دعا به بطل الصلاة بلا خلاف أجده، و عن التذكرة الإجماع عليه (1)،و إن اختلفوا في إطلاق الحكم أو تقييده بصورة العلم بتحريم المدعوّ به.و الأصح الأوّل،لعموم الدليل،و الجهل ليس بعذر مطلقا،خصوصا في الصحة و البطلان.

و تنظّر فيه شيخنا في روض الجنان،قال:من عدم وصفه بالنهي و تفريطه بترك التعلم،ثمَّ حكى عن الذكرى ترجيح عدم الصحة.قال:و قطع المصنف بعدم عذره،ثمَّ قال:و لا يعذر جاهل كون الحرام مبطلا،لتكليفه بترك الحرام و جهله تقصير منه،و كذا الكلام في سائر منافيات الصلاة لا يخرجها الجهل بالحكم عن المنافيات (2).انتهى.

أقول:و ظاهره الفرق بين الجهل بكون الحرام مبطلا فلا يعذر،و الجهل بحرمة المدعوّ به.و فيه نظر،و سؤال وجه الفرق متّجه.فتدبّر.

ص:307


1- التذكرة 1:132.
2- روض الجنان:338.
المقصد الثاني بقية الصلوات
الصلوات الواجبة
الجمعة

المقصد الثاني في بيان بقية الصلوات المعدودة في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب.

و هي قسمان واجبة و مندوبة.فالواجبات كثيرة.

منها: صلاة الجمعة على من اجتمعت فيه شرائطها الآتية، بالكتاب و السنّة المتواترة و إجماع الأمة.

و هي ركعتان كالصبح يسقط معهما الظهر بالنص و الإجماع.

و وقتها ما بين الزوال زوال الشمس حتى يصير ظلّ كل شيء مثله على المشهور بين الأصحاب.

خلافا للمحكي في الخلاف عن المرتضى في أوّله فجوّز فعلها عند قيام الشمس (1).و هو شاذّ،بل في الخلاف و روض الجنان و شرح القواعد للمحقّق الثاني (2)على خلافه الإجماع،و هو الحجّة عليه،مضافا إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،و سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

هذا مع أن الحلّي قال بعد نقل نسبة الشيخ هذا القول إلى المرتضى:

و لعلّ شيخنا سمعه من المرتضى مشافهة،فإن الموجود في مصنّفات السيّد موافق للمشهور،من عدم جواز إيقاعها قبل تحقق الزوال (3).و هو كما ترى صريح في موافقة السيّد للأصحاب،فلا خلاف و لا إشكال هنا.

و إنما الإشكال في التحديد بالمثل،فإنه و إن كان مشهورا،بل عن

ص:308


1- الخلاف 1:620.
2- الخلاف 1:620،روض الجنان:284،جامع المقاصد 1:129.
3- انظر السرائر 1:296.

المنتهى أنه مذهب علمائنا أجمع (1)،إلاّ أن مستنده من النص غير واضح.بل ظاهر النصوص المعتبرة المستفيضة خلافه،و هو:التحديد بما دونه و أنه عند الزوال و أنه من الأمور المضيّقة كما في الصحاح و غيرها،منها:«إنّ من الأمور أمورا مضيّقة و أمورا موسّعة،و إنّ الوقت وقتان،و الصلاة ممّا فيه السعة،فربما عجّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ربما أخّر،إلاّ صلاة الجمعة فإنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق،إنما لها وقت واحد حين تزول الشمس،و وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام» (2)و نحوه غيره (3).

و في آخر:«فإنّ وقتها حين تزول الشمس» (4).

و حكي القول بمضمونها عن جماعة من القدماء كابن زهرة و الحلبي و ابن حمزة و الجعفي (5)،و إن اختلفت عبارتهم في التأدية،فقيل (6):نص الأوّلان على فواتها إذا مضى من الزوال مقدار الأذان و الخطبتين و الركعتين،و في الغنية الإجماع عليه،و الثاني على وجوب أن يخطب قبل الزوال ليوقع الصلاة أوّله، و الثالث على أن وقتها ساعة من النهار.

قيل (7):و نحو ابن حمزة محتمل عبارة المهذّب و الإصباح و المقنعة،فإنّ فيها:إنّ وقت صلاة الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس (8)،لما جاء عنهم

ص:309


1- المنتهى 1:318.
2- التهذيب 3:46/13،الوسائل 7:316 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 3.
3- الكافي 3:2/274،الوسائل 7:315 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 1.
4- التهذيب 3:45/13،الاستبصار 1:1577/412،الوسائل 7:317 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 7.
5- ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):560،الحلبي في الكافي:151،ابن حمزة في الوسيلة:104،نقله عن الجعفي في الذكرى:235.
6- كشف اللثام 1:242.
7- كشف اللثام 1:242.
8- المقنعة:27.

عليهم السلام:«إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يخطب في الفيء الأوّل، فإذا زالت نزل عليه جبرئيل فقال:يا محمد قد زالت الشمس فصلّ بالناس فلا يلبث أن يصلّي بالناس» (1).

و في الأوّلين:إن الإمام يأخذ في الخطبة قبل الزوال بمقدار ما إذا خطب زالت،فإذا زالت صلّى (2).

و لا ينافي قولهم أخبار التحديد بالساعة (3)،و إن ضعّفه بها جماعة (4)، لإجمال الساعة فيها،و احتمالها الساعة التي توقع فيها الصلاة وحدها أو مع الخطبة،مع قصور أسانيدها،بل ضعفها،فلا يمكن المصير بها إلى ما عليه الجعفي إن أراد من الساعة ما يتوهم منها.

و يعضد مختارهم ما يقال من إجماع المسلمين على المبادرة بها حين الزوال،و هو دليل التضيق،و إلاّ لوقع التأخير أحيانا.و به يعارض إجماع المنتهى،مع عدم صراحته في دعواه،و وهنه بمصير هؤلاء الأعاظم من القدماء على خلافه،مع أنه لم يحك القول به منهم إلاّ عن ظاهر المبسوط (5)،فتأمّل.

و للحلي قول بامتداد وقتها بامتداد وقت الظهر،لتحقق البدلية،و أصالة البقاء (6).و اختاره الشهيد-رحمه اللّه-في جملة من كتبه (7).

و هو ضعيف في الغاية،فإنّ فيه إطراحا للأدلة المتقدمة و سيّما الأخبار

ص:310


1- التهذيب 3:42/12،الوسائل 7:316 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 4.
2- المهذّب 1:103،حكي عن الإصباح في كشف اللثام 1:242.
3- الوسائل 7:315 أبواب صلاة الجمعة ب 8.
4- منهم صاحب المدارك 4:13،و صاحب الذخيرة:298.
5- كشف اللثام 1:241،و انظر المبسوط 1:147.
6- راجع السرائر 1:301.
7- كما في الدروس 1:188،البيان:186.

منها،و يخصّص بها أصالة البقاء و قاعدة البدلية إن سلّمنا،و إلاّ فلا تخلوان عن مناقشة،سيّما الأخيرة،فإنها فرع وجود لفظ دالّ عليها أو على المنزلة في النصوص،و لم أر منها ما يشير إليها بالكلية،نعم ربما أشعر بعض النصوص بأن بناء الضيق على الفضيلة،ففي الصحيح:عن وقت الظهر،فقال:«بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلاّ يوم الجمعة أو في السفر،فإنّ وقتها حين تزول الشمس» (1).

و روى الشيخ في المصباح عن محمّد بن مسلم،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن صلاة الجمعة،فقال:«وقتها إذا زالت الشمس فصلّ ركعتين قبل الفريضة،و إن أبطأت حتى يدخل الوقت هنيئة فابدأ بالفريضة ودع الركعتين حتى تصلّيهما بعد الفريضة» (2).

و في الصحيح:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك» (3)فتدبر.

و بالجملة:المسألة محل إشكال،و لا ريب أن الاحتياط يقتضي المبادرة إلى فعلها عند تحقق الزوال.

و تسقط الجمعة بالفوات و تقضى ظهرا إجماعا على الظاهر، المصرّح به في عبائر جماعة (4)،و للمعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:عمّن

ص:311


1- التهذيب 3:45/13،الاستبصار 1:1577/412،الوسائل 7:317 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 7،و لا ريب أن كون وقت الفريضة في السفر حين الزوال ليس على الضيق بل على الفضيلة،لسقوط النافلة،فلتكن الجمعة كذلك،لتقدم نافلتها على الزوال.منه رحمه اللّه.
2- مصباح المجتهد:323،الوسائل 7:319 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 17.لا ريب أن فعل الركعتين بعد الزوال ينافي الضيق المستفاد من تلك الأخبار،و قريب منه الوجه في الصحيح الآتي(منه رحمه اللّه).
3- التهذيب 3:42/12،الوسائل 7:316 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 4.
4- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:14،و الشهيد الثاني في المسالك 1:33، و صاحب المدارك 4:14،و المحقق السبزواري في الذخيرة:298.

لم يدرك الخطبة يوم الجمعة،قال:«يصلّيها ركعتين،فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصلّ أربعا» (1).

و في آخر:«فإن أدركته و هو يتشهد فصلّ أربعا» (2).

و في ثالث:«من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة» (3).

و يستفاد منه حصول الفوات بعدم إدراك ركعة كما عليه الشهيدان و جماعة (4)،و يعضده عموم مفهوم:«من أدرك من الوقت ركعة فكأنّما أدرك الوقت» (5).

خلافا للمحكي عن الشيخ و جماعة (6)فما لم يتلبس بالتكبير،و معه فلا فوت،لاستصحاب الصحة،و حرمة إبطال العمل في الشريعة.و هما بعد تسليمهما اجتهاد في مقابلة المعتبرة المعتضدة بالاتفاق على العمل بها فيما عدا الجمعة.

و المراد بالقضاء في العبارة مطلق الأداء الشامل للأداء و القضاء بالمعنى

ص:312


1- الكافي 3:1/427،التهذيب 3:656/243،الاستبصار 1:1622/421،الوسائل 7: 345 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 3.
2- التهذيب 3:659/244،الاستبصار 1:1625/422،الوسائل 7:346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 5.
3- التهذيب 3:346/161،الوسائل 7:346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 6.
4- الشهيد الأول في الدروس 1:188،و البيان:187،و الذكرى:235،الشهيد الثاني في المسالك 1:33،و روض الجنان:284،العلامة في المختلف:108،صاحب المدارك 4: 14.
5- صحيح البخاري 1:151،صحيح مسلم 1:161/423،سنن الترمذي 1:523/19 و في الجميع:من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة،في«م»زيادة:كله.
6- الشيخ في المبسوط 1:148،و انظر الشرائع 1:94،و المسالك 1:34،و كشف اللثام 1: 252.

المصطلح،فلا يرد أن القضاء تابع لأصله،و الجمعة ركعتان فكيف تقضى أربعا.

و لو لم يدرك المأموم الخطبتين أجزأته الصلاة،و كذا لو أدرك مع الإمام الركوع خاصة و لو في الركعة الثانية بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر (1)،و للمعتبرة المستفيضة المتقدم إلى جملة منها الإشارة، و منها الصحيح:«إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى» (2)و نحوه الخبر (3).

و في آخر:«إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة،فإن فاتته فليصلّ أربعا» (4).

و أما الصحيح:«الجمعة لا تكون إلاّ لمن أدرك الخطبتين» (5)فمع شذوذه يحتمل الحمل على التقية،لكونه مذهب جماعة من العامة (6)و إن وافقنا أكثرهم.أو على أن المراد نفي حقيقة الجمعة فإنّ حقيقتها ركعتان مع ما ناب عن الأخيرتين،فمن لم يدركهما لم يدرك الجمعة حقيقة و إن أجزأه ما أدركه، و هو معنى ما مضى من المعتبرة.و حمله الشيخ على نفي الكمال و الفضيلة (7).

ص:313


1- كالخلاف 1:622،و المدارك 4:17.
2- التهذيب 3:659/244،الاستبصار 1:1625/422،الوسائل 7:346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 5.
3- الفقيه 1:1232/270،الوسائل 7:345 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 2.
4- التهذيب 3:657/243،الاستبصار 1:1623/422،الوسائل 7:346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 4.
5- التهذيب 3:658/243،الاستبصار 1:1624/422،الوسائل 7:346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 7.
6- حكاه ابن قدامة في المغني 2:158،عن عطاء،و طاوس،و مجاهد،و مكحول.
7- انظر الاستبصار 1:422 ذيل الحديث 1624.

و يدرك الجمعة أيضا بإدراك الإمام راكعا على الأشهر الأظهر،بل عليه عامة من تأخر،و في الخلاف عليه الإجماع (1)،و هو الحجّة.

مضافا إلى أن إدراك الركعة مع الإمام موجب لإدراك الجمعة كما مرّ في المعتبرة،و هو يحصل بإدراك الإمام راكعا كما في الصحاح الصراح المستفيضة،منها:«إذا أدركت الإمام و قد ركع فكبّرت و ركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة،و إن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة» (2).

خلافا للمحكي عن المقنعة و النهاية و القاضي (3)،فاشترطوا في إدراكها إدراك تكبيرة الركوع،للصحيح:«إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة» (4).

و في لفظ آخر:«لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام» (5).

و في ثالث:«إذا أدركت التكبير قبل أن يركع فقد أدركت الصلاة» (6).

و هو مع قصوره عن المقاومة لسابقته غير صريح،لاحتماله الحمل على الكراهة.و هو أولى من حمل تلك على التقية،كما اتّفق لبعض الأجلّة معتذرا

ص:314


1- الخلاف 1:622.
2- الكافي 3:5/382،الفقيه 1:1149/254،التهذيب 3:153/43،الاستبصار 1: 1680/435،الوسائل 8:382 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 2.
3- لم نعثر عليه في المقنعة و حكاه عنها في الذخيرة:311،النهاية:105،114،المهذّب 1: 82،103.
4- التهذيب 3:149/43،الاستبصار 1:1676/434،الوسائل 8:381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 2.
5- التهذيب 3:150/43،الاستبصار 1:1677/435،الوسائل 8:381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 3.
6- التهذيب 3:151/43،الاستبصار 1:1678/435،الوسائل 8:381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 1.

بموافقتها العامة،لرجحانها على هذا الصحيح بالاستفاضة و الصراحة و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة كما عرفت من الخلاف نقله،و قريب منه في السرائر و الذكرى (1)،حيث عزياه إلى باقي الفقهاء من عدا الشيخ كما في الأوّل،و إلى المتأخرين كافة كما في الثاني،و زاد في الأول فادّعى تواتر الأخبار به.

و بنحوه يجاب عن الصحيح الآخر الوارد في المقام:«إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة،و إن أدركته بعد ما ركع فهي أربع بمنزلة الظهر» (2).مع احتماله الحمل على أن المراد بعد الفراغ منه أي الرفع،أو الفراغ من الركعة المعروفة التي إنما تتم بتمام السجدتين.

و على المختار:المعتبر اجتماعهما في حدّ الراكع.و هل يقدح في ذلك أخذ الإمام في الرفع مع عدم مجاوزته حدّ الراكع؟فيه وجهان.

و عن التذكرة:اعتباره ذكر المأموم قبل رفع الإمام رأسه (3)،و مستنده غير واضح كما صرّح به جماعة (4)،نعم قيل:في الاحتجاج عن الحميري،عن مولانا الصاحب عليه السلام أنه:«إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتدّ بتلك الركعة» (5)و لا ريب أنه أحوط.

ص:315


1- السرائر 1:285،الذكرى:275.
2- الكافي 3:1/427،التهذيب 3:656/243،الاستبصار 1:1622/421،الوسائل 7:345 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 3.
3- التذكرة 1:148.
4- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:409،صاحب المدارك 4:20،السبزواري في الذخيرة:311.
5- الاحتجاج:488،الوسائل 8:383 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 5.
الشروط خمسة
الأول:السلطان العادل

ثمَّ النظر في شروطها،و من تجب عليه،و لواحقها،و سننها.

و الشروط خمسة:

الأول:السلطان العادل أي المعصوم عليه السلام أو من نصبه، إجماعا منّا كما حكاه جماعة مستفيضا بل متواترا (1)،بل قد قيل:قد أطبق الأصحاب على نقل الإجماع عليه لا رادّ له في الأصحاب،و هو الحجّة.

مضافا إلى الأصل و القاعدة في العبادة التوقيفية من وجوب الاقتصار فيها على القدر الثابت منها في الشريعة،و ليس هنا إلاّ الجمعة بهذا الشرط و باقي الشروط الآتية.و نفيه بأصالة البراءة إنما يتّجه على القول بكونها أسامي للأعم من الصحيحة و الفاسدة.و أمّا على القول بأنها أسامي للصحيحة خاصة كما هو الأقرب فلا،إذ لا دليل على الصحة بدونه لا من إجماع و لا من كتاب و لا سنّة، لمكان الخلاف لو لم نقل بانعقاد الإجماع على الاشتراط،و غاية الأخيرين الدلالة على وجوب الجمعة،و لا كلام فيه،بل هو من ضروريات الدين،و إنما الكلام في أن الجمعة المؤدّاة بدون هذا الشرط جمعة صحيحة أم فاسدة،و لا ريب أن المأمور به فيهما إنما هو الصحيحة منها خاصة،و لا إشارة فيهما إلى صحتها من دونه بالكلية.

مع أن في جملة من النصوص و غيرها دلالة واضحة على الاشتراط و إن اختلفت بحسب الظهور و الصراحة،ففي النبوي المشهور المنجبر بالعمل:

«أربع إلى الولاة:الفيء،و الحدود،و الصدقات،و الجمعة» (2).

ص:316


1- منهم:الشيخ في الخلاف 1:626،و المحقق في المعتبر 2:279،و العلامة في التذكرة 1: 144،و نهاية الإحكام 2:13،و الشهيدان في الذكرى:230،و الروض:285،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:371.
2- انظر بدائع الصنائع 1:261.

و في آخر:«إن الجمعة و الحكومة لإمام المسلمين» (1).

و في الصحيفة السجّادية:«اللّهم إنّ هذا المقام مقام لخلفائك و أصفيائك و مواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها،قد ابتزّوها و أنت المقدّر لذلك-إلى قوله عليه السلام-:حتى عاد صفوتك و خلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين،يرون حكمك مبدّلا و كتابك منبوذا-إلى قوله عليه السلام-:و عجّل الفرج و الروح و النصرة و التمكين و التأييد لهم» (2).

و في الموثّق:عن الصلاة يوم الجمعة،فقال:«أما مع الإمام فركعتان، و أمّا لمن صلّى وحده فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة» (3).

و هو ظاهر بل صريح في ان المراد بإمام الجمعة إمام الأصل لا إمام الجماعة ،و إلاّ فصلاة الأربع ركعات جماعة يستلزمه،فلا معنى لقوله:«أمّا مع الإمام فركعتان»مضافا إلى أن المتبادر من لفظ الإمام حيث يطلق و لم يضف إلى الجماعة إنما هو المعصوم عليه السلام.

و من هنا يصحّ الاستدلال على الاشتراط بالمعتبرة الدالة على اعتبار الإمام في الجمعة بقول مطلق و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما،كما اتفق لجماعة من أصحابنا و منهم الفاضل في المنتهى (4).

و أما ما يجاب عنه:بأنه لا ينافي عدم الاشتراط،لأنه يشترط في إمام

ص:317


1- لم نعثر عليه في كتب الحديث،نعم ورد مؤدّاه عن عليّ عليه السلام في الجعفريات:43، و الدعائم 1:182،و عنهما في مستدرك الوسائل 6:13 أبواب صلاة الجمعة ب 5 ح 2،4.
2- الصحيفة السجادية:الدعاء 48.
3- الكافي 3:4/421،التهذيب 3:70/19 و فيهما زيادة سيشير إليها المصنّف، الوسائل 7:314 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 8.و قد ورد في الفقيه 1:1230/269 بدون: «و إن صلّوا جماعة».
4- المنتهى 1:317.

الجمعة كونه يحسن الخطبتين و يتمكن منهما لعدم الخوف و التقية بخلاف إمام الجماعة (1).

فضعيف غايته،لأن لفظ الإمام المطلق حقيقة إمّا فيمن هو المتبادر منه عند الإطلاق،أو من يعمّه و إمام الجماعة،لا سبيل في الرواية إلى الثاني،لما عرفت،فتعيّن الأول.و ما ذكره إنما يتوجه لو كان للإمام معنى آخر خاص،و هو إمام الجماعة بقيد أنه يحسن الخطبة و يتمكن من الجمعة من غير خوف و تقية، و هذا المعنى لا أثر له في الاستعمالات و الإطلاقات بالكلية،بل لم أر أحدا احتمله.

نعم،روي هذا الموثق بنحو آخر بزيادة بين قوله:«أربع ركعات»و قوله:

«و إن صلّوا جماعة»و هي هذه:«يعني إذا كان إمام يخطب،فإن لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة» (2)فيكشف عن أن المراد بالإمام المطلق من فسّر به فيه،و هو أعم من إمام الأصل.

لكن يحتمل كون التفسير من الراوي،و مع ذلك فالظاهر أنّ المراد بمن يخطب خصوص الإمام أو نائبه الخاص،لحصول أقلّ الخطبة الذي هو قول:

«الحمد للّه و الصلاة على محمّد و آله،يا أيها الناس اتقوا اللّه»من كل إمام جماعة،و يبعد غاية البعد وجوده مع عدم تمكنه منه،و إطلاق النص محمول على الغالب،و عليه فلا معنى لاشتراطه و أنه مع عدمه يصلي الجمعة أربعا و لو جماعة،فتأمل .

و في الصحيح أو القريب منه المروي في العلل:«إنما صارت صلاة الجمعة إذا كان مع الإمام ركعتين،و إذا كان بغير إمام ركعتين و ركعتين،لأن

ص:318


1- انظر الوسائل 7:314 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ذيل الحديث 8.
2- انظر الوسائل 7:310 أبواب صلاة الجمعة ب 5 ح 3.

الناس يتخطّون إلى الجمعة من بعد،فأحبّ اللّه عزّ و جل أن يخفّف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه،و لأن الإمام يحبسهم للخطبة و هم ينتظرون للصلاة و من انتظر للصلاة فهو في الصلاة في حكم التمام،و لأن الصلاة مع الإمام أتم و أكمل،لعلمه و فقهه و فضله و عدله،و لأنّ الجمعة عيد و صلاة العيد ركعتان،و لم تقصر لمكان الخطبتين» (1).

و فيه وجوه من الدلالة :

منها:ظهوره في لزوم اتصاف إمام الجمعة بأوصاف لا يشترط ما عدا العدالة منها في إمام الجماعة بلا شبهة.

و منها جعل الجمعة كالعيد،و يشترط فيه الإمام إجماعا كما يأتي إن شاء اللّه تعالى،فكذا الجمعة.

و منها:دلالته على وجوب تخطي الناس إليها من بعد،و لا يكون ذلك إلاّ بكونها منصب شخص معيّن يجب تخطّيهم إليه لأدائها،و لا معنى لذلك و لا وجه لو كان إمامها مطلق إمام الجماعة كما لا يخفى على من تدبّره.

و بهذا الوجه يمكن الاستدلال على الاشتراط بالصحاح الدالة على وجوب شهود الجمعة على جميع المكلّفين إلاّ من كان على رأس فرسخين (2).

و منها:إطلاق الإمام فيه المنصرف-كما عرفت-إلى المعصوم عليه السلام،مع وقوع التصريح به فيه في موضع آخر منه فقال:«إنما جعلت الخطبة يوم الجمعة لأنّ الجمعة مشهد عام،فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم و ترغيبهم في الطاعة و ترهيبهم عن المعصية و توقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم و دنياهم و يخبرهم بما ورد عليهم من الآفات»الحديث.

ص:319


1- علل الشرائع:9/264،العيون 2:109،الوسائل 7:312 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 3.
2- الوسائل 7:307 أبواب صلاة الجمعة ب 4.

و في القوي المروي صحيحا أيضا-كما قيل (1)-:«تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين و لا تجب على أقل منهم:الإمام،و قاضيه،و المدّعي حقا،و المدّعى عليه،و الشاهدان،و الذي يضرب الحدود بين يدي الإمام» (2).

و هو نصّ في الاشتراط.و عدم القول بتعيين السبعة بأعيانهم بالإجماع غير قادح،لدلالته بمعونته على أن المقصود منه بيان أصل وضع الجمعة.هذا مع أن ظاهر الصدوق في الفقيه العمل به (3)،كما حكي عنه في الهداية (4).

و بالجملة:فتتبع أمثال هذه النصوص يوجب الظن القوي بل القطع بشرطية الإمام،سيّما بعد شهرتها بين علمائنا بحيث لا يكاد يختلج لأحد الشك فيه حتى ادّعوا عليها الإجماعات المتواترة و إن اختلفت عبائرهم في التأدية:

فبين من جعل المشروط نفس الجمعة بحيث يظهر منه أنه شرط الصحة، كالشيخ في الخلاف،و الحلّي في السرائر،و القاضي،و الفاضل في المنتهى، و الشهيد في الذكرى،و المحقّق الثاني في شرح القواعد (5)و رسالته المصنفة في صلاة الجمعة،و غيرهم.و بين من جعله الوجوب العيني كابن زهرة،و الفاضلين في المعتبر و النهاية و التذكرة،و شيخنا الشهيد الثاني في الروضة و روض الجنان (6)و شرح الألفيّة.

ص:320


1- الذخيرة:299.
2- الفقيه 1:1222/267،التهذيب 3:75/20،الاستبصار 1:1608/418، الوسائل 7:305 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 9.
3- الفقيه 1:267.
4- الهداية:34.
5- الخلاف 1:626،السرائر 1:293،القاضي في المهذّب 1:100،المنتهى 1:317، الذكرى:231،جامع المقاصد 2:371.
6- ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):560،المعتبر 2:279،نهاية الإحكام 2:14، التذكرة 1:144،الروضة 1:301،روض الجنان:290.

و ناهيك هذه الإجماعات على نفي الوجوب العيني،مع عدم ظهور قائل به إلى زمان صاحب المدارك (1)و نحوه (2).و ما يحكى عن المفيد و الحلبي و الكراجكي (3)من أنّ ظاهرهم الوجوب العيني غير واضح،بل محل مناقشة ليس هنا محل ذكرها،مع أنّ المحكي عن الأول التصريح بالاشتراط في كتاب الإرشاد (4)،مع تصريحه بالاشتراط في صلاة العيدين و أنّ شروطها شروط الجمعة (5)،و عن الثاني القول بالوجوب التخييري كما في المختلف (6)،بل في البيان حكى عنه القول بالحرمة (7).

و بالجملة:اشتراط الإمام أو من نصبه في الوجوب العيني ممّا لا شبهة فيه،و إنما الإشكال في الوجوب التخييري،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى الكلام فيه.

الثاني:العدد

الثاني:العدد إجماعا فتوى و نصّا.

و في أقلّه روايتان أشهرهما على الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر (8)أنه خمسة،الإمام أحدهم.

ص:321


1- المدارك 4:8.
2- من القائلين بالوجوب العيني في زمان الغيبة:والد الشيخ البهائي،و الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني و ابنه الشيخ محمد(حكاه عنهم في الحدائق 9:387،389)و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:17،و السبزواري في الذخيرة:308،و المجلسيان في روضة المتقين 2:574، و البحار 86:146،و صاحب الحدائق 9:355،378.
3- حكي عنهم في المدارك 4:23،24.
4- الإرشاد 2:342.
5- المقنعة:194.
6- المختلف:108.
7- البيان:188.
8- منها:الذكرى:231،و نقل عن إرشاد الجعفرية في مفتاح الكرامة 3:100.

ففي الصحيح:«يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا،فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم» (1).

و الجملة الخبرية تفيد الوجوب الظاهر في العيني منه لا التخييري.و لا إشعار في قوله في الذيل:«فلا جمعة لهم»بأن المراد بها إثبات الصحة المطلقة المجامعة للوجوب العيني و التخييري،فلا دلالة لها على الأول،لابتنائه على تساوي الصحة بالنسبة إلى الفردين،و هو ممنوع،بل هي تلازم الأوّل حيث لا مانع منه كما نحن فيه،فتدبّر.

و في آخر:«لا يكون الجمعة و الخطبة و صلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط،الإمام و أربعة» (2)و مفهومه ثبوتها على الخمسة،و لفظة«على»ظاهرة في الوجوب العيني كالأمر بل أظهر منه.

و في الموثق:«فإن كان لهم من يخطب به جمّعوا إذا كانوا خمسة نفر» (3)و التقريب فيه كالأول،بل أظهر،لفقد ما يوهم الإشعار فيه بالخلاف.

هذا مضافا إلى الاتفاق فتوى و نصّا على صحة الجمعة إذا كانوا خمسة فتجب،لعموم ما دلّ على وجوب الجمعة الصحيحة من الكتاب و السنّة المتواترة،خرج منها ما إذا لم يكونوا خمسة بالإجماع و الرواية،و بقي الباقي تحتها مندرجة،فتأمل.

و الرواية الثانية:الصحيح:«إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في

ص:322


1- التهذيب 3:636/239،الاستبصار 1:1610/419،الوسائل 7:304 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 7.
2- الكافي 3:4/419،التهذيب 3:640/240،الاستبصار 1:1612/419،الوسائل 7: 303 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 2.
3- التهذيب 3:634/238،الاستبصار 1:1614/420،الوسائل 7:304 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 6.

جماعة» (1).

و أظهر منها الصحيحة المتقدمة (2)،لتصريحها بأنها لا تجب على أقل من السبعة.

و نحوها الصحيح المروي في الفقيه،و فيها:على من تجب الجمعة؟ قال:«على سبعة نفر من المسلمين،و لا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام،فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم» (3).

و ظاهره كون السبعة شرطا للوجوب العيني و الخمسة للتخييري،كما هو خيرة الشيخ و القاضي و ابن زهرة (4)فيما حكي عنهم،و به حملوا الوجوب في الروايات السابقة على التخييري.

مضافا إلى الموثق كالصحيح بأبان:«أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه» (5).

و قريب منه الصحيح في صلاة العيدين:«إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة» (6).

و إليه ذهب جماعة من فضلاء متأخري المتأخرين (7).

ص:323


1- التهذيب 3:664/245،الاستبصار 1:1607/418،الوسائل 7:305 أبواب صلاة أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 10.
2- في ص 320.
3- الفقيه 1:1218/267،الوسائل 7:304 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 4.
4- الشيخ في الخلاف 1:598،القاضي في المهذّب 1:100،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):560.
5- الكافي 3:5/419،التهذيب 3:76/21،الاستبصار 1:1609/419،الوسائل 7:303 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 1.
6- الفقيه 1:1489/331،الوسائل 7:303 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 3.
7- منهم:صاحب المدارك 4:29،و السبزواري في الكفاية:20،و صاحب الحدائق 10:75.

و هو مشكل أوّلا بفقد التكافؤ،لاشتهار تلك و اعتضادها بإطلاقات الكتاب و السنّة و الاحتياط في الشريعة دون هذه.

و ثانيا بإمكان الجواب عن الصحيحة الأولى:بأنّ دلالتها بالمفهوم، و تلك بالمنطوق،و هو مقدّم عليه على المشهور.

و عن الثانية:بتضمنها لزوم حضور السبعة المعدودة فيها،و لم يقل به أكثر القائلين بهذه الرواية،بل ربما كان مخالفا للإجماع،و خروج بعض الحديث عن الحجية و إن لم يقدح في حجية باقية إلاّ أنه معتبر في مقام التعارض فيوجب مرجوحية ما اشتمل عليه.

و عن الثالثة:بأن قوله:«و لا جمعة لأقلّ من خمسة»إلى آخره يحتمل كونه من الفقيه كما صرّح به بعض الأفاضل حاكيا الجزم به عن بعضهم (1)،و مع هذا الاحتمال يرتفع الاستدلال إلاّ من حيث مفهوم العدد في قوله«سبعة»و هو مع غاية ضعفه هنا يجاب عنه بما أجيب به عن سابقتها.

و عن الموثقة:بعدم معلومية متعلق الإجزاء فيها هل هو وجوب الجمعة عينا فيصير مفاد العبارة:يجزي في عينية وجوبها سبعة أو خمسة؟أو وجوبها تخييرا؟أو صحتها مطلقة؟و لا يتم الاستدلال بها على الأوّل بل هي عليه بالدلالة على الخلاف أشبه.و على الثاني مخالفة للإجماع،لانعقاده على كون الوجوب مع السبعة عينيا لا تخييريا.و على الثالث لا كلام فيها،للاتفاق على صحة الجمعة على التقديرين.

و تقدير العيني بالنسبة إلى السبعة و التخييري بالنسبة إلى الخمسة موجب للتفكيك المتوقف على الدليل،و هو مفقود،اللهم إلاّ أن يجعل لفظة«أو» الموجودة فيها،إذ لا وقع لها إلاّ على تقديره.و فيه نظر،لاحتمال كون الترديد

ص:324


1- انظر مفتاح الكرامة 3:76 و 102.

فيها لغير ذلك،و هو التنبيه على كفاية أحد العددين في الوجوب العيني حيث حصل و عدم انحصاره في السبعة كما يتوهم من قوله«سبعة»لو ترك قوله بعده:

«أو خمسة»و إنما لم يكتف بقوله«خمسة»المفيد للمرام من غير احتياج إلى ترديد رافع للوهم في المقام،لندرة تحقق مصر لا يكون فيه سبعة،كما أشار إليه الفاضل في بعض كتبه (1).

و بمثل هذا يجاب عن الصحيحة الأخيرة،مع أن الحكم المشروط فيها بالعدد هو الوجوب العيني بمقتضى الصيغة و النسبة إلى عدد السبعة،فليكن بالنسبة إلى الخمسة كذلك.مع احتمال كون الترديد فيها من الراوي كما يشعر به تأخير عدد السبعة عن عدد الخمسة،لاستلزام الحكم فيها ثبوته في السبعة بطريق أولى.

و بالجملة:قول الأكثر لعلّه أقوى،و مع ذلك هو أحوط و أولى.

و اعلم:أن هذا الشرط يختص بالابتداء دون الاستدامة،بلا خلاف فيه بيننا أجده،و جعله الشيخ قضية المذهب بعد أن قال:لا نصّ لأصحابنا فيه، قال:دليلنا أنه قد دخل في صلاة الجمعة و انعقدت بطريقة معلومة فلا يجوز إبطالها إلاّ بيقين (2).و مقتضاه الصحة و لو انفضّ العدد بمجرد التلبس بالتكبيرة كما هو المشهور.

خلافا لمحتمل نهاية الإحكام و التذكرة (3)،فاشترط إتمامهم ركعة، لمفهوم:«من أدرك ركعة».

و يضعف:بأن الباقي بعد الانفضاض مدرك لركعة بل للكل،و إنما

ص:325


1- انظر المنتهى 1:318.
2- راجع الخلاف 1:600.
3- نهاية الإحكام 2:23،التذكرة 1:147.

لا يكون مدركا لو اشترط في الإدراك بقاء العدد و هو أوّل المسألة.

و احتمل في الأوّل آخر و هو الاكتفاء بركوعهم،لكونه حقيقة إدراك ركعة.

و فيه و في التذكرة ثالثا،و هو العدول إلى الظهر إذا انفضّ العدد قبل إدراك الركعة،لانعقادها صحيحة فجاز العدول كما يعدل عن اللاحقة إلى السابقة.

و على المشهور هل المعتبر تلبّس الجميع بالتكبيرة.أو يكفي تلبّس الإمام خاصة؟قولان،مقتضى ما تقدّم من الدليل:الثاني.

الثالث:الخطبتان

الثالث:الخطبتان بإجماعنا و أكثر أهل العلم على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (1)،للتأسي و المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيحين (2)و غيرهما (3):«إنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتى ينزل الإمام».

و نحوها الموثق المروي في المعتبر عن جامع البزنطي (4)بزيادة قوله:

«لا جمعة إلاّ بخطبة»و نقص قوله:«فهي صلاة»إلى آخره.

قيل:و في العامة قول بالاجتزاء بخطبة (5)،و يوهمه الكافي للحلبي (6).

و آخر بعدم الاشتراط (7).و لا ريب في ضعفهما.

و يجب في الخطبة الأولى حمد اللّه سبحانه،بلا خلاف،

ص:326


1- منهم:الشيخ في الخلاف 1:614،و العلامة في التذكرة 1:150،و الشهيد في الذكرى: 235.
2- التهذيب 3:42/12،الوسائل 7:313 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 4.
3- الفقيه 1:1228/269،المقنع:45،الوسائل 7:331 أبواب صلاة الجمعة 14 ح 2.
4- المعتبر 2:283،الوسائل 7:314 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 9.
5- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:249.
6- الكافي في الفقه:151.
7- نقله عن الحسن في المغني و الشرح الكبير 2:150.

بلفظه،للاحتياط،و التأسي،و عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه (1)،و للأمر به في الموثق الآتي.

و في تعيين«الحمد للّه»كما هو صريح جماعة (2)،أو إجزاء«الحمد للرحمن»أو«لربّ العالمين»إشكال.و الأحوط:الأوّل.خلافا لنهاية الإحكام فقرّب إجزاء«الحمد للرحمن» (3).

و يجب فيها أيضا الصلاة على الرسول و آله،وفاقا للأكثر،بل في ظاهر الخلاف و عن التذكرة (4)الإجماع عليه،و هو الحجّة،مضافا إلى الاحتياط.

دون الصحيح المتضمن للأمر بها (5)،لتضمنه كثيرا من المستحبات الموجب لوهن دلالته على الوجوب جدّا،سيّما مع خلوّ الموثق الآتي عنها هنا.و لعلّه لذا لم يوجبها الماتن هنا وفاقا للحلّي و المرتضى (6)رحمهما اللّه،مضافا إلى الأصل،لكنه مخصّص بما مرّ من الإجماع المعتضد بعمل أكثر الأصحاب، و به يقيّد الموثق و يصرف عن ظاهره أيضا.

و تتعيّن بلفظها،لما مضى.

و الثناء على اللّه تعالى بما هو أهله،وفاقا للمرتضى و الخلاف (7)، للموثق الآتي.لكن يحتمل اتحاده مع الحمد كما هو ظاهر الخلاف،و لا ريب أن الإتيان به أحوط.

ص:327


1- التذكرة 1:150.
2- منهم الشهيد الأول في ذكري:236،و البيان:189،المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:394.
3- نهاية الإحكام 2:33.
4- الخلاف 1:616،التذكرة 1:150.
5- الكافي 3:6/422،الوسائل 7:342 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 1.
6- الحلّي في السرائر 1:295،نقله عن مصباح المرتضى في المعتبر 2:284.
7- حكاه عن مصباح المرتضى في المعتبر 2:284،الخلاف 1:616.

و الوصية بتقوى اللّه سبحانه،وفاقا للأكثر،و في ظاهر الخلاف الإجماع عليه (1)،للموثق الآتي.

خلافا للمرتضى (2)-رحمه اللّه-فلم يذكرها في شيء من الخطبتين.و هو ضعيف.

و لا يتعيّن لفظها و لا لفظ الوعظ بلا خلاف أجده،و بعدم التعيّن صرّح جماعة (3)،و منهم الفاضل في النهاية،و فيها:لا يكفي الاقتصار على التحذير من الاغترار بالدنيا و زخارفها،لأنه يتواصى به المنكرون للمعاد،بل لا بدّ من الحمل على إطاعة اللّه تعالى و المنع عن المعاصي (4).

و ذكر جماعة (5)أنه يكفي المسمى كاتقوا اللّه و أطيعوه و أمثالهما،و لعلّه للإطلاق.

و قراءة سور خفيفة كما عن المبسوط و الجمل و العقود و المراسم و الوسيلة و السرائر و الجامع و به صرّح الماتن في الشرائع و جماعة (6)،للموثق، و فيه:«ينبغي للإمام الذي يخطب بالناس يوم الجمعة أن يلبس عمامة في الشتاء و الصيف،و يتردّى ببرد يمنية أو عدنية،و يخطب و هو قائم يحمد اللّه تعالى

ص:328


1- الخلاف 1:616.
2- على ما حكاه عنه في المعتبر 2:284.
3- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 1:297،و المسالك 1:34،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:395،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:249.
4- نهاية الإحكام 2:33.
5- منهم:العلامة في التذكرة 1:151،و نهاية الإحكام 2:33،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:395.
6- المبسوط 1:147،الرسائل العشر:190،المراسم:77،الوسيلة:403،السرائر 1:295، الجامع للشرائع:94،الشرائع 1:95،و انظر نهاية الإحكام 2:33،35،و التذكرة 1: 150،و اللمعة(الروضة 1):297.

و يثني عليه،ثمَّ يوصي بتقوى اللّه تعالى،و يقرأ سورة من القرآن خفيفة،ثمَّ يجلس،ثمَّ يقوم فيحمد اللّه و يثني عليه و يصلّي على محمد صلّى اللّه عليه و آله و على أئمة المسلمين و يستغفر للمؤمنين و المؤمنات»الخبر (1).

و لا ضعف فيه كما قيل (2)،بل هو من الموثق الذي هو حجّة سيّما مع عمل الجماعة.و دلالته واضحة،لمكان الأمر الظاهر في الوجوب،و لا صارف عنه حتّى ممّا فيه من لفظة«ينبغي»الظاهرة في الاستحباب،بناء على ظهور رجوعها إلى ما عدا الأحكام الواردة في الخطبة كما لا يخفى على من تدبّره.

هذا مضافا إلى الاحتياط و الأمر بها في هذه الخطبة في الصحيح السابق،و إن كان في الاستناد به لذلك مناقشة ،لما عرفته.

خلافا للحلبي فلم يذكرها (3)،مشعرا بعدم الوجوب.و هو،مع عدم وضوح مستنده سوى الأصل المخصّص بما مرّ إن قلنا بجريانه في مثل ما نحن فيه،و إلاّ فلا أصل له من أصله،شاذ.

و للخلاف و جماعة (4)فاكتفوا بآية تامة الفائدة،للأصل،و ضعف الموثق بما مر.و فيهما ما مرّ.

و في الخبر:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول على المنبر:

«وَ نادَوْا يا مالِكُ» [1] (5).و فيه ضعف سندا و دلالة و مقاومة لما مرّ جدا.

نعم،في الصحيح السابق الاجتزاء بها في الخطبة الثانية،و به استدل

ص:329


1- الكافي 3:1/421،التهذيب 3:655/243،الوسائل 7:342 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 2.
2- المختلف:105،جامع المقاصد 2:396،كشف اللثام 1:249.
3- انظر الكافي في الفقه:151.
4- الخلاف 1:616،و انظر المنتهى 1:326،و جامع المقاصد 2:395.
5- انظر صحيح مسلم 2:49/594.

على الاجتزاء بها مطلقا حتى في الخطبة الأولى بناء على عدم القائل بالفرق بينهما.

و فيه-بعد ما مرّ-تضمنه الأمر بالسورة في الاولى،و هو حقيقة في الوجوب،و كلّ من قال بوجوبها فيها قال في الأخيرة بوجوبها أو عدم وجوب شيء من القرآن فيها.و بعبارة أخرى:كلّ من قال بكفاية الآية في الأخيرة قال بها في الاولى.

فلا يمكن الاستناد إليه لإثبات شيء من القولين إلاّ بعد حمل الصدر أو الذيل على الاستحباب.و لا ترجيح هنا،إذ كما يمكن حمل الأول عليه فيوافق القول بكفاية الآية،كذا يمكن العكس فيوافق القول بعدم وجوب شيء من القرآن في الثانية،كما هو ظاهر الماتن هنا و في المعتبر (1)و جماعة (2)،و لهم:

الموثقة السابقة المعتضدة بالأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة عدا الصحيحة،و هي لما عرفت غير صالحة للحجية،نعم لو كان القراءة في الثانية متعينة كما هو المشهور أمكن ترجيح الأول،فتدبّر.

و للاقتصاد و الإصباح و المهذّب و الجامع (3)،فأوجبوا السورة لكن بين الخطبتين،و مستنده غير واضح،نعم،في الصحيح:«يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب،و لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر،ثمَّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو اللّه احد،ثمَّ يقوم فيفتتح خطبته ثمَّ ينزل

ص:330


1- المعتبر 2:284.
2- منهم:الفاضل الآبي في كشف الرموز 1:172،و المحقق السبزواري في الذخيرة:300، و صاحب المدارك 4:34.
3- الاقتصاد:267،حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:249،المهذّب 1:103،الجامع للشرائع:94.

و يصلّي بالناس» (1).و دلالته على ما ذكروه ضعيفة بل لا دلالة له.

و يجب في الخطبة الثانية بعض ما مرّ في الاولى من حمد اللّه تعالى و الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و على أئمة المسلمين عليهم السلام لعين ما مضى،مع عدم خلاف ظاهر في وجوب الصلاة هنا.

و يجب هنا زيادة على ذلك الاستغفار للمؤمنين و المؤمنات للموثق السابق.و لا يجب غيره،للأصل.

خلافا للأكثر،فأوجبوا جملة ما في الأولى حتى الوعظ و القراءة أيضا، و مستندهم من النص غير واضح،عدا الصحيحة المتقدمة المتضمنة لجملة من الأمور المستحبة،و دلالتها على الوجوب لذلك كما عرفت غير واضحة.

نعم،عن ظاهر الفاضلين دعوى الإجماع على اعتبار ما عدا القراءة في الخطبة (2)،و هو ظاهر الخلاف أيضا (3)،بل زاد فادّعاه على الأمور الأربعة جملة،فيكون هذا هو الحجة المقيّدة لإطلاق الموثقة .

و عليه فيشكل الأمر في القراءة هل هي السورة الخفيفة أو يكفي آية تامة الفائدة،و حيث قد أوجبنا السورة في الأولى لزمنا إيجابها في الثانية أيضا،لعدم القائل بالفرق بين الخطبتين بوجوب السورة في الاولى و كفاية الآية في الثانية و إن قيل بالفرق بينهما من وجه آخر،هذا مضافا إلى الاحتياط.إلاّ أن الاكتفاء بالآية التامة الفائدة ممكن،لما مرّ،مع احتمال فهم ظهور دعوى الإجماع عليه من الخلاف،بل ظاهره كفاية مطلق شيء من القرآن الصادق على نحو

ص:331


1- الكافي 3:7/424،التهذيب 3:648/241،الوسائل 7:343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.
2- حكاه عنهما في المدارك 4:32،و انظر التذكرة 1:150،و المنتهى 1:326.
3- الخلاف 1:617.

مُدْهامَّتانِ [1] (1)لكن نزّله المتأخرون على الآية التامة الفائدة،و يمكن تنزيله على ما ذكره في أكثر كتبه من السورة الخفيفة.

و يتحصّل ممّا ذكرنا أنه يجب في الخطبتين أمور أربعة:الحمد، و الصلاة،و الوعظ،و القراءة،كما هو المشهور بين الطائفة.و الأحوط زيادة الاستغفار للمؤمنين كما في العبارة و الموثقة،و إن كان في وجوبه نظر،لدعوى الشيخ الإجماع في الخلاف على كون الأربعة أقلّ ما يجب في الخطبة و أنه إذا أتى بها تجزيه بلا خلاف،و أطلقها بحيث تشمل الثانية،فيحمل الأمر به في الموثقة على الاستحباب.

و في المقام أقوال متشتتة ليس في نقلها كثير فائدة.

و المشهور وجوب الترتيب بين الأمور الأربعة،و عربيتها،إلاّ إذا لم يفهمها العدد المنعقد بهم الجمعة و لم يمكنهم التعلّم فبغيرها،و احتمل بعض وجوبها مطلقا (2)،و آخر سقوط الجمعة حينئذ من أصلها (3).

و يجب تقديمهما على الصلاة بالنص (4)و الإجماع الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (5)،و في المنتهى لا نعرف فيه مخالفا (6).

نعم،عن الصدوق في العلل و العيون و الهداية (7)الفتوى بتأخيرهما، معلّلا بأنّ الخطبتين مكان الركعتين الأخراوين.

ص:332


1- الرحمن:64.
2- الحدائق 10:94.
3- المدارك 4:35.
4- انظر الوسائل 7:313 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 7،و ص 330 ب 14 ح 1،3،ص 332 ب 15 ح 1،2،4.
5- كشف اللثام 1:249.
6- المنتهى 1:327.
7- علل الشرائع:355،العيون 2:110،الهداية:45.

و هو اجتهاد في مقابلة النص و إن روى في الفقيه ما يوافقه فقال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«أوّل من قدّم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة عثمان» الخبر (1).لإرساله و احتماله التصحيف ،أو أن المراد يوم الجمعة في العيد.

و قد صرّح الأصحاب ببطلان الصلاة مع التأخير،قالوا:لانتفاء شرطها.

و قاعدة العبادة التوقيفية و التأسي تقتضيه و إن كان استفادته من النصوص مشكلة.

و يجب أن يكون الخطيب قائما حال الخطبة مع القدرة بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الخلاف و التذكرة و شرح القواعد للمحقّق الثاني و روض الجنان (2)،للتأسي،و النصوص (3)،مضافا إلى المعتبرة المتقدم إليها الإشارة و فيها:«إنّها صلاة حتى ينزل الإمام» (4)و عموم التشبيه أو المنزلة يقتضي الشركة في جميع الأحكام حتى وجوب الطمأنينة كما عن التذكرة (5).

قالوا:و لو خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاته و صلاة من علم بذلك من المأمومين،و يعلم وجهه ممّا سبق.

و في وجوب الاستنابة مع الضرورة إشكال كما عن التذكرة (6)،و عن نهاية الإحكام الأولى أن يستنيب غيره.و لو لم يفعل و خطب قاعدا أو مضطجعا جاز كالصلاة (7).

ص:333


1- الفقيه 1:1263/278،الوسائل 7:332 أبواب صلاة الجمعة ب 15 ح 3.
2- الخلاف 1:615،التذكرة 1:151،جامع المقاصد 2:398،روض الجنان:285.
3- الوسائل 7:334 أبواب صلاة الجمعة ب 16.
4- راجع ص:326.
5- التذكرة 1:151.
6- التذكرة 1:151.
7- نهاية الإحكام 2:36.

و في وجوب الفصل بينهما بالجلوس تردّد للفاضلين هنا و في المعتبر و المنتهى (1):من التأسي بالنبي و الأئمة عليهم السلام،و خصوص المعتبرة المستفيضة الآمرة به (2).و من أنه فصل بين ذكرين جعل للاستراحة فلا يتحقق فيه معنى الوجوب،و إنّ فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله كما يحتمل أن يكون تكليفا يحتمل أنه للاستراحة و ليس فيه معنى التعبد،و لأنّا لا نعلم الوجه الذي أوقعه عليه فلا يجب المتابعة.

نعم أحوطه الوجوب تحصيلا للبراءة اليقينية،سيّما مع عدم ظهور قائل بالاستحباب صريحا بين الطائفة و إن احتمله عبارة المهذّب و النهاية (3)المعبّرة عنه ب:ينبغي،الظاهر فيه.

و الأظهر الوجوب،كما هو الأشهر على الظاهر،المصرّح به في عبائر جمع (4)،بل لعلّه عليه عامة من تأخر،لما مرّ،مع ضعف وجوه الاستحباب بابتناء بعضها على منع وجوب التأسي في العبادات،و هو ضعيف كما قرّر في محلّه،و ضعف آخر منها بعدم نصّ عليه،بل هو استنباط محض لا يجوز الاستناد إليه،و مع ذلك شيء منها لا يصلح لصرف الأوامر عن ظواهرها إلى الاستحباب.

و الأولى السكوت في حالة الجلوس،للنهي عن التكلم حالته في الصحيح (5).و أن يكون بقدر قراءة التوحيد كما في آخر (6).

ص:334


1- المعتبر 2:285،المنتهى 1:327.
2- الوسائل 7:334 أبواب صلاة الجمعة ب 16،و ص 342 ب 25 ح 3،5.
3- المهذّب 1:103،النهاية:105.
4- كصاحب الحدائق 10:86.
5- التهذيب 3:74/20،الوسائل 7:334 أبواب صلاة الجمعة ب 16 ح 1.
6- الكافي 3:7/424،التهذيب 3:648/241،الوسائل 7:343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.

و ذكر جماعة أنه لو عجز عن القيام في الخطبتين فصل بينهما بسكتة (1)، و لا يبعد.و في التذكرة احتمال الفصل بينهما بالاضطجاع (2)،و هو ضعيف.

و لا يشترط فيهما الطهارة وفاقا للحلّي (3)،و عليه الفاضل في القواعد و غيره (4)،للأصل،مع عدم وضوح المخرج عنه،سوى التأسي،و الاحتياط، و عموم التشبيه في المعتبرة المتقدمة بأنها صلاة حتى ينزل الإمام.

و لا حجة في شيء منها،لضعف الأوّل بما مرّ.و فيه ما سبق.

و الثاني:بمعارضته بالأصل.و فيه:أنه عام بالنسبة إلى ما دلّ على لزوم الاحتياط في نحو العبادات من استصحاب شغل الذمة المستدعي للبراءة اليقينية،و هو خاص فليقدّم.

و الثالث:باحتمال عود الضمير إلى الجمعة،و يعارض القرب الوحدة.

«و حتى»غاية للخطبتين.سلّمنا لكن ليس المراد الحقيقة الشرعية إجماعا بل المشابهة،و يكفي فيها بعض الوجوه،و حمله على اشتراط الطهارة ليس بأولى من الحمل على الثواب و الحرمة.

و فيه:ظهور السياق في رجوع الضمير إلى الخطبة،و لا يعارضه الوحدة، لتوسط الضمير بين اسمين فيجوز مراعاة أيّهما كان في المطابقة،و جعل«حتى» غاية للخطبة بعيد غايته.

مع أن هذا الاحتمال على تقدير تسليمه لا يجري إلاّ في الصحيح من تلك المعتبرة،و أمّا المرسل منها المروي في الفقيه و المقنع (5)فلا يحتمله،لتثنية

ص:335


1- كما في نهاية الإحكام 2:36،و كشف اللثام 1:250.
2- التذكرة 1:151.
3- السرائر 1:291.
4- القواعد 1:37،و انظر المعتبر 2:285.
5- الفقيه 1:1228/269،المقنع:45،الوسائل 7:331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 2.

الضمير فيه بقوله:«فهما صلاة»و الأصل في المشابهة الشركة في جميع وجوه الشبه حيث لا يكون لبعضها على بعض رجحان بالشيوع و التبادر و الغلبة كما في مفروض المسألة،و كفاية بعض الوجوه في صحة التشبيه حسن حيث يعلم و لم يلزم إجمال،و أما معه كما فيما نحن فيه فلا.

فإذا الوجوب أظهر،وفاقا للمبسوط و الخلاف و ابن حمزة (1)،و عليه من المتأخرين جماعة (2).

و ظاهر الأدلة اعتبار الطهارة عن الحدث و الخبث مطلقا،و كونها شرطا في الخطبتين،بل الصلاة أيضا كما مضى.

و في جواز إيقاعهما أي الخطبتين خاصة قبل الزوال روايتان،أشهرهما الجواز ففي الصحيح:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك و يخطب في الظل الأول،فيقول جبرئيل عليه السلام:

يا محمّد قد زالت الشمس فانزل فصلّ» (3).

و عليه جماعة من القدماء و منهم الشيخ في الخلاف مدّعيا عليه الإجماع (4)،و هو حجة أخرى بعد الرواية.

مضافا إلى النصوص الموقتة لصلاة الجمعة أو الظهر يومها بأول الزوال و هي كثيرة (5).و تأويل الصلاة بها و ما في حكمها أعني الخطبة لكونها بدلا من الركعتين خلاف الظاهر،كتأويل الخطبة في الرواية بالتأهب لها كما عن

ص:336


1- المبسوط 1:147،الخلاف 1:618،ابن حمزة في الوسيلة:103.
2- منهم:العلامة في المنتهى 1:327،و ولده في الإيضاح 1:123،و الشهيد الثاني في المسالك 1:34.
3- التهذيب 3:42/12،الوسائل 7:332 أبواب صلاة الجمعة ب 15 ح 1.
4- الخلاف 1:620.
5- الوسائل 7:315 أبواب صلاة الجمعة ب 8.

التذكرة (1)،و تأويل الظلّ الأول بأول الفيء كما في المنتهى (2)،و تأويله بما قبل المثل من الفيء،و الزوال عن المثل كما في المختلف (3)،مع أن الأخير يستلزم إيقاع الصلاة بعد خروج وقتها عنده إلاّ أن يؤوّل الزوال بالقريب منه.

و الرواية الثانية ما دلّ على أن الخطبة بعد الأذان كآية إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ [1] (4)ففي الصحيح:عن الجمعة،فقال:

«بأذان و إقامة،يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب»الخبر (5).

لكنه مضمر،إلاّ أن يجبر بموافقته الكتاب.لكن في دلالته كالرواية قصور،لابتنائها على كون الأذان يوم الجمعة عند الزوال،و هو ممنوع كما قيل (6).و لا يخلو عن نظر.فتصح الدلالة و يحصل الجبر،مضافا إلى حصوله بالشهرة المتأخرة المقطوعة،و المطلقة المحكية في صريح روض الجنان و ظاهر الذكرى و التذكرة (7).

فلا يخلو القول بهذه الرواية عن قرب،سيّما مع تأيدها بالنصوص الدالة على أنّ الخطبتين بدل من الركعتين أو صلاة فلا تقدّمان على وقتها،و بالاحتياط لظهور الاتفاق على جوازهما بعد الزوال.

و يذبّ عن الرواية السابقة بأحد الوجوه المتقدم إليها الإشارة جمعا،أو يقال:المراد بها أنه عليه السلام كان إذا أراد تطويل الخطبة للإنذار و الإبشار

ص:337


1- التذكرة 1:151.
2- المنتهى 1:325.
3- المختلف:104.
4- الجمعة:9.
5- الكافي 3:7/424،التهذيب 3:648/241،الوسائل 7:313 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 7.
6- قال به السبزواري في الذخيرة:312.
7- روض الجنان:293،الذكرى:236،التذكرة 1:151.

و التبليغ و التذكير كان يشرع فيها قبل الزوال و لم ينوها خطبة الصلاة،حتى لو زالت الشمس كان يأتي بالواجب منها للصلاة،ثمَّ ينزل فيصلّي و قد زالت بقدر شراك.

و لا بعد في توقيت الصلاة بأول الزوال مع وجوب تأخير مقدماتها عنه فهو من الشيوع بمكان،و خصوصا الخطبة التي هي كجزء منها،مع أن جواز الخطبة بعد الزوال مجمع عليه،و هو ينافي ظواهر الإطلاقات فلا بدّ من تأويلها،و هو كما يحصل بما يوافق الاستدلال كذا يحصل بما ينافيه و هو ما ذكرنا.

و عن الإجماع:بالوهن بمصير المعظم إلى الخلاف مع معارضته بالشهرة المحكية على الخلاف،و لكن المسألة مع ذلك لا تخلو عن الشبهة،و الاحتياط يقتضي مراعاة الرواية المانعة.

و يستحب أن يكون الخطيب بليغا جامعا بين الفصاحة التي هي عبارة عن خلوص الكلام من ضعف التأليف و تنافر الكلمات و التعقيد و عن كونها غريبة وحشية،و بين البلاغة التي هي القدرة على تأليف الكلام المطابق لمقتضى الحال من التخويف و الإنذار و غيرهما بحيث يبلغ به كنه المطلوب من غير إخلال و لا إملال.

مواظبا على الصلوات محافظا عليها في أوقاتها.

متّصفا بما يأمر به مجانبا ما ينهى عنه.

متعمّما شتاء كان أو صيفا.

مرتديا ببرد يمنية أو عدنية.

معتمدا في حال الخطبة على شيء من قوس أو عصا أو سيف و أمثالها.

و أن يسلّم على الناس أوّلا،و يجلس أمام الخطبة على المستراح و هو الدرجة من المنبر فوق التي يقوم عليها للخطبة.

ص:338

للنصوص المستفيضة فيما عدا الأوليين (1)،و أمّا هما فقد علّلا بأنّ لهما أثرا بيّنا في القلوب و للوعظ معهما وقعا في النفوس.

و لا خلاف في شيء من ذلك إلاّ من الخلاف في استحباب السلام فنفاه (2)،لأصالة البراءة عمّا لم يثبت التكليف به و لو ندبا في الشريعة.

و هو حسن لو لا المرفوعة الناصّة به (3)المنجبرة بالشهرة،مضافا إلى جواز المسامحة في أدلة السنن و الكراهة،و عموم أدلة استحباب التسليم (4)، الشامل لمفروض المسألة،و لذا عن الفاضل في النهاية و التذكرة استحباب التسليم مرتين (5)،مرّة إذا دنا من المنبر يسلّم على من عنده،قال:لاستحباب التسليم على كلّ وارد،و اخرى إذا صعده فانتهى إلى الدرجة التي تلي موضع القعود استقبل الناس فسلّم عليهم بأجمعهم،قال:و لا يسقط بالتسليم الأول، لأنه مختص بالقريب من المنبر و الثاني عام.

و اعلم أنّ قوله ثمَّ يقوم فيخطب جاهرا أي رافعا صوته بها ليس ممّا يتعلق به الاستحباب،لوجوب القيام كما مرّ،و كذا الإجهار،للتأسي، و تحصيلا لفائدة الخطبة من الإبلاغ و الإنذار.

الرابع:الجماعة

الرابع:الجماعة،فلا تصح فرادى إجماعا فتوى و نصا،و منه الصحيح:«فرضها اللّه تعالى في جماعة» (6).

ص:339


1- الوسائل 7:349 أبواب صلاة الجمعة ب 28.
2- الخلاف 1:624.
3- التهذيب 3:662/244،الوسائل 7:349 أبواب صلاة الجمعة ب 28 ح 1.
4- الوسائل 12 أبواب أحكام العشرة 32،33،34.
5- نهاية الإحكام 2:40،التذكرة 1:152.
6- الكافي 3:6/419،الفقيه 1:1217/266،التهذيب 3:77/21،أمالي الصدوق: 17/319،الوسائل 7:295 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 1.

و هي شرط في الابتداء لا الانتهاء اتفاقا.

و تتحقق الجماعة بنية المأمومين الاقتداء بالإمام،فلو أخلّوا بها أو أحدهم لم تصح صلاة المخلّ.و يعتبر في انعقاد الجمعة نية العدد المعتبر.

و في وجوب نية القدوة للإمام هنا نظر،من حصول الإمامة إذا اقتدي به، و من وجوب نية كل واجب.و لا ريب أن الوجوب أحوط،و هو خيرة الشهيد و المحقق الثاني (1).

الخامس:أن لا يكون بين الجمعتين أقلّ من ثلاثة أميال

الخامس:أن لا يكون بين الجمعتين أقلّ من ثلاثة أميال يعني أقلّ من فرسخ إجماعا(منّا) (2)فتوى و نصّا،ففي الصحيح:«لا يكون جمعة إلاّ فيما بينه و بين ثلاثة أميال» (3).

و نحوه الموثق:«لا يكون بين الجمعتين أقلّ من ثلاثة أميال» (4).

و لا فرق في ذلك بين المصر و المصرين،و لا بين حصول فاصل بينهما كدجلة و عدمه عندنا.

قيل:و يعتبر الفرسخ من المسجد إن صلّيت فيه و إلاّ فمن نهاية المصلّين (5).و يشكل الحكم فيما لو كان بين الإمام و العدد المعتبر و بين الجمعة الأخرى فرسخ فصاعدا،و بين بعض المأمومين و بينها أقلّ منه،فعلى ما ذكره القائل لا تصح الجمعة،و يحتمل بطلان القريب من المصلّين خاصة.

ص:340


1- الشهيد في الذكرى:234،المحقق الثاني في جامع المقاصد:135.
2- ليست في«ش».
3- الكافي 3:7/419،التهذيب 3:79/23،الوسائل 7:314 أبواب صلاة الجمعة ب 7 ح 1.
4- الفقيه 1:1257/274،التهذيب 3:80/23،الوسائل 7:315 أبواب صلاة الجمعة ب 7 ح 2،و في الجميع:بين الجماعتين بدل الجمعتين.
5- كما في جامع المقاصد:136.

و أمّا الذي تجب عليه حضور الجمعة فهو كلّ مكلف ذكر حرّ سليم من المرض و العرج و العمى حال كونه غير همّ (1)و لا مسافر و لا بعيد عنها بفرسخين أو بأزيد منهما على الخلاف الآتي.

فلا تجب على الصبي مطلقا و إن صحّت من المميز تمرينا و أجزأته عن ظهره كذلك.

و لا على المجنون حال جنونه.

و لا على المرأة مطلقا (2).

و لا على الخنثى إذا كان مشكلا على قول.

و لا على العبد مطلقا،أذن له السيّد أم لا،قنّا كان أو مدبّرا أو مكاتبا، أدّى شيئا أم لا،إلاّ إذا هايأه المولى فاتّفق الجمعة في نوبته فتجب الجمعة على قول (3).

و لا على المريض مطلقا و لو لم يشقّ عليه الحضور في ظاهر إطلاق النص (4)و الفتوى،و إن قيل بوجوب الحضور مع عدم المشقة التي لا تتحمل عادة إلاّ مع خوف زيادة المرض فلا تجب الجمعة (5).

و لا على الأعرج إذا كان مقعدا قطعا لا مطلقا وفاقا لجماعة (6)و إن أطلق

ص:341


1- بالكسر:الشيخ الفاني-المصباح المنير:641.
2- أي:و لو أذن لها زوجها(منه رحمه اللّه).
3- انظر المبسوط 1:145.
4- الكافي 3:1/418،التهذيب 3:69/19،المعتبر 2:274،الوسائل 7:299 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 14.
5- كما قال به الشهيد الثاني في المسالك 1:34.
6- منهم المحقق الأول في المعتبر 2:290،المحقق الثاني في جامع المقاصد:132،الشهيد الأول في الذكرى:234،الشهيد الثاني في روض الجنان:287.

آخرون (1)،لعدم دليل عليه يعتدّ به عدا رواية مرسلة (2)لا جابر لها،عدا دعوى المنتهى إجماعنا على اشتراط عدم العرج مطلقا (3)،لكنها كالرواية تحتمل الانصراف إلى المتبادر منه و هو الذي ذكرناه،و يشعر به سياق عبارة المنتهى، مع أنه في التذكرة قيّده بالبالغ حدّ الإقعاد و ادّعى عليه إجماعنا (4)،و فيها و في نهاية الإحكام (5)أنه إن لم يبلغه فالوجه السقوط مع المشقة و العدم بدونها.

و لا على الأعمى مطلقا كالمريض،و قيل فيه أيضا ما مضى (6).

و لا على الشيخ الكبير العاجز عن الحضور أو الشاق عليه مشقة لا تتحمل عادة.

و لا على المسافر سفرا يجب عليه التقصير لا مطلقا.

و لا على البعيد بفرسخين أو أزيد.

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده إلاّ ما مرّ فيه الخلاف،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة و إن اختلفت في دعواه في الجميع كالمنتهى و غيره (7)،أو في البعض خاصة كالفاضل في التذكرة فقد ادّعاه في الحرّية و انتفاء الشيخوخة و ما عرفته (8)،كالشهيدين في الذكرى و روض الجنان (9)في الحرّية

ص:342


1- منهم الشيخ في المبسوط 1:143،ابن البراج في المهذّب 1:100،المحقق في الشرائع 1: 96،ابن إدريس في السرائر 1:290.
2- العروس:56،المستدرك 6:5 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 1.
3- المنتهى 1:323.
4- التذكرة 1:153.
5- نهاية الاحكام 2:43.
6- نقله عن الشهيد الثاني في الحدائق 10:150 و لكنه في الروضة البهية 1:303،و المسالك 1:34 قال بالسقوط عن الأعمى مطلقا.
7- المنتهى 1:323،و انظر المعتبر 2:289.
8- التذكرة 1:153.
9- الذكرى:233،روض الجنان:287.

خاصة و إن كان ظاهرهما كغيرهما انعقاد إجماعنا على الجميع،و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى السنّة المستفيضة،ففي الصحيح:«وضعها عن تسعة:عن الصغير،و الكبير،و المجنون،و المسافر،و العبد،و المرأة،و المريض، و الأعمى،و من كان على رأس فرسخين» (1).

و نحوه في بعض خطب أمير المؤمنين عليه السلام المروية في الفقيه (2).

قيل:و روي مكان المجنون الأعرج (3).

و فيه:«إلاّ خمسة:المريض،و المملوك،و المسافر،و المرأة، و الصبي» (4).

و لا تنافي بينهما واقعا و إن توهّم ظاهرا،لأن الهمّ و الأعمى و الأعرج كأنهم مرضى،و المجنون بحكم الصبي،و الإعراض عن البعيد لأن المقصود حصر المعدود في المسافة التي يجب فيها الحضور،و لعلّه لذا لم يعبّر الماتن عن هذا الشرط بما ذكرناه،بل قال و تسقط عنه الجمعة لو كان بينه و بين الجمعة أزيد من فرسخين و ما اعتبره من الزيادة عليهما هو الأشهر،بل عليه عامة من تأخر،و في ظاهر المنتهى دعوى الإجماع عليه (5)،كالخلاف و الغنية كما حكاه بعض الأجلة (6)،و فيه الحجّة،مضافا إلى العموم و المعتبرة كالصحيحين:

ص:343


1- الكافي 3:6/419،الفقيه 1:1217/266،التهذيب 3:77/21،أمالي الصدوق: 17/319،الوسائل 7:295 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 1،في غير«ح»:على فرسخين.
2- الفقيه 1:1262/275،الوسائل 7:297 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 6.
3- قال به الشيخ الفقيه أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمّي في كتاب العروس:56.
4- الكافي 3:1/418،التهذيب 3:69/19،الوسائل 7:299 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 14.
5- المنتهى 1:323.
6- الخلاف 1:594،الغنية(الجوامع الفقهية):560،و حكاه عنهما الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:253.

«تجب الجمعة على من كان منها على رأس فرسخين» (1).

و نحوهما المروي في العلل و العيون:«إنما وجبت الجمعة على من كان منها على فرسخين لا أكثر من ذلك،لأن ما يقصر فيه الصلاة بريدان ذاهبا،أو بريد ذاهبا و جائيا،و البريد أربعة فراسخ،فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير،و ذلك أنه يجيء فرسخين و يذهب فرسخين فذلك أربعة فراسخ و هو نصف طريق المسافر» (2).

خلافا للصدوق و ابن حمزة (3)فأسقطاها عمّن على رأس فرسخين، للصحيحة المتقدمة (4).و أجيب عنها بالحمل على من زاد بقليل،لامتناع الحصول على نفس الفرسخين حقيقة (5).و حملت في المختلف على السهو (6).و الأوّل أقرب.

و هنا قولان آخران يحتملان-كالصحيح المستدل به عليهما-الحمل على ما اخترناه (7).

ص:344


1- الأول: الكافي 3:2/419،التهذيب 3:643/240،الاستبصار 1:1620/421،الوسائل 7: 309 أبواب صلاة الجمعة ب 4 ح 5. الثاني: الكافي 3:3/419،التهذيب 3:641/240،الاستبصار 1:1619/421،الوسائل 7: 309 أبواب صلاة الجمعة ب 4 ح 6.
2- علل الشرائع:9/266،عيون الأخبار 2:1/111،الوسائل 7:308 أبواب صلاة الجمعة ب 4 ح 4.
3- الصدوق في الفقيه 1:266،ابن حمزة في الوسيلة:103.
4- في ص 343 الرقم(1).
5- كما في جامع المقاصد 2:387،المدارك 4:52.
6- المختلف:107.
7- قد أشار إليهما و إلى الصحيح المستدل به لهما في الذكرى:234،و كذا في المدارك 4:56.

و ظاهر العبارة كغيرها عدم سقوط الجمعة عمّن اجتمعت فيه الشرائط المتقدمة فيه مطلقا مع أنّ في الصحيح:«لا بأس أن تدع الجمعة في المطر» (1).

و في التذكرة:لا خلاف فيه،و الوحل كذلك،للمشاركة في المعنى (2).

و في الذكرى:و في معناه الوحل و الحرّ الشديد و البرد الشديد إذا خاف الضرر معهما،و في معناه من عنده مريض يخاف فوته بخروجه إليها أو تضرره به،و من كان له خبز يخاف احتراقه،و شبه ذلك (3).

و في المنتهى:السقوط مع المطر المانع و الوحل الذي يشقّ معه المشي و أنه قول أكثر أهل العلم،قال:لو مرض له قريب و خاف موته جاز له الاعتناء به و ترك الجمعة،و لو لم يكن قريبا و كان معنيّا به (4)جاز له ترك الجمعة إذا لم يقم غيره مقامه،و لو كان عليه دين يمنعه من الحضور و هو غير متمكن سقطت عنه الجمعة،و لو تمكّن لم يكن عذرا (5).

و عن الإسكافي:من كان في حقّ لزمه القيام بها،كجهاز ميت أو تعليل والد أو من يجب حقه،و لا يسعه التأخير عنها (6).

و هو مشكل إن استلزم القيام بها و الحال هذه الضرر أو المشقة التي لا تتحمل مثلها عادة،لعموم نفيهما في الشريعة المرجح على عموم التكليفات طرّا اتفاقا و اعتبارا.و منه يظهر الوجه في إلحاق بعض ما مرّ بشرط البلوغ إلى

ص:345


1- الفقيه 1:1221/267،التهذيب 3:645/241،الوسائل 7:341 أبواب صلاة الجمعة ب 23 ح 1.
2- التذكرة 1:153.
3- الذكرى:234.
4- من الإخوان المحبوبين له(منه رحمه اللّه).
5- المنتهى 1:323.
6- نقله عنه في المختلف:108.

هذا الحدّ،و يمكن فهمه من العبارة بجعل العنوان فيها كلّ مكلف،و لا تكليف معه.

و لو حضر أحد هؤلاء المدلول عليهم بالقيود المذكورة في العبارة- من الأعمى و المسافر و المريض و الأعرج و الهمّ و البعيد (1)-محلا أقيم فيه الجمعة وجبت عليه،عدا الصبي و المجنون و المرأة.

أما وجوبها على من عدا هذه الثلاثة بعد الحضور فهو المشهور على الظاهر،المصرّح به في كلام بعض (2)،و عن ظاهر الغنية دعوى الإجماع عليه مطلقا (3)،كما هو ظاهر الإيضاح و المحقّق الثاني لكن فيمن عدا العبد و المسافر (4)،و المنتهى في المريض خاصة و صريحة في الأعرج (5)،و صريح التذكرة في المريض و المحبوس لعذر المطر أو الخوف (6)،و في المدارك نفي الخلاف عنه في البعيد (7).

و لعلّه للعموم،و اختصاص ما دلّ على وضعها عنهم من النصوص-بعد ضمّ بعضها إلى بعض-بإفادة وضع لزوم الحضور إليها لا مطلقا،و إلاّ لما جاز لهم فعلها عن الظهر،و هو باطل إجماعا كما هو ظاهر المدارك في الجميع (8)،

ص:346


1- في«ش»:و العبد.
2- انظر المدارك 4:54.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):560.
4- إيضاح الفوائد 1:124،المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:388.
5- المنتهى 1:323.
6- التذكرة 1:147.
7- في«ح»:العبد.و لم نعثر على نفي الخلاف في المدارك.
8- المدارك 4:55.

و المنتهى في العبد و البعيد و المسافر (1)،و الذكرى في الأخير (2).

هذا مضافا إلى الخبر المنجبر بعمل الأكثر و فيه:«إنّ اللّه عز و جل فرض الجمعة على جميع المؤمنين و المؤمنات،و رخّص للمرأة و المسافر و العبد أن لا يأتوها،فلمّا حضروها سقطت الرخصة و لزمهم الفرض الأوّل فمن أجل ذلك أجزأ عنهم» (3).

و بما ذكر يذبّ عن النصوص الدالّة على كون الظهر فريضة المسافر (4)، بحملها على صورة عدم الحضور إلى مقام الجمعة كما هو الغالب المتبادر من إطلاقاتها.

خلافا لظاهر المبسوط و المنقول عن ابن حمزة و الفاضل (5)في العبد و المسافر،فلا تجب عليهما و إن جاز لهما فعلهما،لما مرّ مع الجواب عنه.

و يتأكد في الأخير،لورود النصر باستحبابها له،ففي الموثق المروي عن ثواب الأعمال و الأمالي:«أيّما مسافر صلّى الجمعة رغبة فيها و حبّا لها أعطاه اللّه تعالى أجر مائة جمعة» (6).

و هو صريح في عدم وجوب الظهر معينة في حقّه،بناء على أن فعلها و لو مستحبة يسقط فرض الظهر إجماعا،كما صرّح به في المدارك و غيره (7).فهو دليل

ص:347


1- المنتهى 1:322-323.
2- الذكرى:233.
3- التهذيب 3:78/21،الوسائل 7:337 أبواب صلاة الجمعة ب 18 ح 1.
4- الوسائل 6:161 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 6،7،8،و ج 7:302 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 29.
5- المبسوط 1:143،ابن حمزة في الوسيلة:103،الفاضل في المنتهى 1:322.
6- ثواب الأعمال:63،أمالي الصدوق:5/19،الوسائل 7:339 أبواب صلاة الجمعة ب 19 ح 2.
7- المدارك 4:79،و انظر روض الجنان:292.

على الحمل الذي قدّمناه في أخبار المسافر،أو حملها على أن الظهر فريضة تخييرا بينها و بين الجمعة حيث يحضرها،لكنه مبني على كون المراد بالوجوب في عبارة الأصحاب و النص الوجوب التخييري،دفعا لتوهم احتمال وجوب الترك، و هو خلاف الظاهر،بل عن صريح التهذيب و الكافي و الغنية و السرائر و نهاية الإحكام (1)التصريح بالوجوب العيني،و عليه فيتعيّن الحمل الأول.

و حيث وجبت عليهم انعقدت بهم أيضا،بلا خلاف ظاهر فيمن عدا العبد و المسافر،بل في المدارك دعوى الاتفاق عليه في البعيد و المريض و الأعمى و المحبوس بعذر المطر و نحوه حاكيا له عن جماعة (2)،و لعلّ منهم فخر الدين في الإيضاح و المحقّق الثاني في شرح القواعد و الفاضل في التذكرة (3)،لكنه لم يدّعه إلاّ في المريض و المحبوس بالعذر خاصة.

و أمّا فيهما فقولان،أظهرهما نعم وفاقا للأكثر،للعموم،و ظاهر الخبر المتقدم،مع نقل الإجماع عليه عن الغنية (4)،و ضعف ما يقال في توجيه المنع.

و أمّا عدم الوجوب على الصبي و المجنون فلا خلاف فيه،كما لا خلاف في عدم الانعقاد بهما و بالمرأة،بل عن التذكرة و في المدارك و الذخيرة و غيرهما (5) التصريح بالاتفاق عليه فيها،و يعضده الأصل مع اختصاص النصوص الدالة على اعتبار العدد بحكم التبادر و غيره بغيرهم.

و أما الوجوب عليها مع الحضور ففيه قولان.

ص:348


1- التهذيب 3:21،الكافي في الفقه:151،الغنية(الجوامع الفقهية):560،السرائر 1: 290،نهاية الإحكام 2:9.
2- مدارك الأحكام 4:55.
3- إيضاح الفوائد 1:120،جامع المقاصد 2:388،التذكرة 1:147.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):560.
5- التذكرة 1:147،153،المدارك 4:55،الذخيرة:300،و انظر روض الجنان:287.

للأوّل-كما عن التهذيب و المقنعة و النهاية و الكافي و الإشارة و التحرير و المنتهى (1)-الخبر المتقدم و غيره.

و للثاني-كما عن ظاهر المبسوط (2)،و عزاه في الذكرى إلى الأشهر (3)- الأصل و ضعف الخبر.

و لعلّه أقرب،لاختصاص الجابر للضعف بغير محل البحث،مع إطلاق الصحيح بالكراهة الغير المجامعة للوجوب:«إذا صلّت المرأة في المسجد مع الإمام يوم الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها،و إن صلّت في المسجد أربعا نقصت صلاتها،لتصلّ في بيتها أربعا أفضل» (4)فتأمل.

و هو صريح في الجواز.و قد حكى في المدارك القول بالمنع عن المعتبر (5)،و هو خلاف ظاهر الأصحاب،بل قيل:لا خلاف في جواز صلاتهن الجمعة إذا أمن الافتتان و الافتضاح و أذن لهنّ من عليهن استيذانه،و إذا صلّين كانت أحد الواجبين تخييرا (6).

ص:349


1- التهذيب 3:21،المقنعة:164،النهاية:103،الكافي في الفقه:151،إشارة السبق: 97،التحرير 1:44،المنتهى 1:321.
2- المبسوط 1:143.
3- الذكرى:232.
4- التهذيب 3:644/241،الوسائل 7:340 أبواب صلاة الجمعة ب 22 ح 1.
5- المدارك 4:55.
6- كشف اللثام 1:254.
اللواحق سبع
الأولى إذا زالت الشمس و هو حاضر حرم عليه السفر

و أمّا اللواحق فسبع:

الأولى:إذا زالت الشمس و هو أي المصلّي المدلول عليه بالمقام حاضر مستجمع لشرائط الوجوب عليه حرم عليه قبل فعلها السفر إلى غير جهتها،إجماعا على الظاهر،المصرّح به في التذكرة و المنتهى (1)لتعيّن الجمعة و تحقق الأمر بها،و هو موجب لتفويتها المحرّم قطعا فيكون حراما أيضا.

و فيه نظر،بل العمدة هو الإجماع المعتضد بظواهر جملة من النصوص، منها المرتضوي المروي في نهج البلاغة:«لا تسافر يوم الجمعة حتى تشهد الصلاة إلاّ فاصلا (2)في سبيل اللّه أو في أمر تعذر به» (3).

و لا خلاف فيما فيه من الاستثناء،و يعضده إباحة الضرورات للمحظورات المتفق عليها نصّا و فتوى و اعتبارا.

و أمّا في سفر البعيد إلى جهة الجمعة أو عن الجمعة إلى أخرى فوجهان، و احتمل في الذكرى ثالثا مفصّلا بين ما لو كانت قبل محل الترخص كموضع يرى الجدار أو يسمع الأذان فيجوز إن أمكن الفرض،و ما لو كانت في محلّه فلا (4).

و يكره بعد الفجر إجماعا كما في التذكرة و المنتهى (5)،و في الأوّل الإجماع على عدم كراهيته ليلا،و لا ريب فيه،للأصل،كما لا ريب في الأوّل،

ص:350


1- التذكرة 1:144،المنتهى 1:336.
2- أي:خارجا ذاهبا.و في النسخ المخطوطة و الوسائل:ناضلا.
3- نهج البلاغة(محمد عبده)3:69/141،الوسائل 7:407 أبواب صلاة الجمعة ب 52 ح 6.
4- الذكرى:233.
5- التذكرة 1:144،المنتهى 1:336.

للإجماع المعتضد بإطلاق المنع في جملة من الروايات،مضافا إلى المسامحة في أدلة السنن.

الثانية:يستحب الإصغاء إلى الخطبة

الثانية:يستحب الإصغاء إلى الخطبة و استماعها.و لا يجب،وفاقا للمبسوط و جماعة (1)،للأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة،عدا ما استدلّ به على الوجوب من انتفاء الفائدة بدونه،و الآية الآمرة بالإنصات و الاستماع للقرآن (2)، بناء على ما ذكروا في التفسير من ورودها في الخطبة،و سمّيت قرآنا لاشتمالها عليه (3)،و عموم المعتبرة بأنها صلاة حتى ينزل الإمام (4).

و شيء من ذلك لا يصلح للخروج عن الأصل،لمنع حصر الفائدة في الإصغاء خصوصا غير الوعظ،و معارضة التفسير المتقدم بما عن تفسير العيّاشي (5)من أنها في الصلاة المكتوبة (6).

و عن تفسير علي بن إبراهيم:أنها في صلاة الإمام الذي يأتم به (7).

و عن التبيان أنّ فيها أقوالا،الأوّل:أنها في صلاة الإمام،فعلى المقتدي به الإنصات.و الثاني:في الصلاة فإنهم كانوا يتكلّمون فيها فنسخ.و الثالث:

أنها في خطبة الإمام.و الرابع:أنها في الصلاة و الخطبة.قال الشيخ:و أقواها الأول،لأنه لا حال يجب فيها الإنصات لقراءة القرآن إلاّ حال قراءة الإمام في

ص:351


1- المبسوط 1:146،و انظر المعتبر 2:294،و القواعد 1:37،و مجمع الفائدة و البرهان 2: 384.
2- الأعراف:204.
3- مجمع البيان 2:515.
4- راجع ص 326.بناء على أنّ الإصغاء لقراءة الإمام واجب على المأمومين في الصلاة فكذا ما هو بمنزلته.منه رحمه اللّه.
5- في«ش»و«م»:ابن عباس.
6- تفسير العياشي 2:131/44.
7- تفسير القمي 1:254.

الصلاة،فإنّ على المأموم الإنصات لذلك و الاستماع له،فأما خارج الصلاة فلا خلاف أنه لا يجب الإنصات و الاستماع،و عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه في حال الصلاة و غيرها،و ذلك على وجه الاستحباب (1).

و نحوه في نفي الخلاف عن[عدم] (2)وجوب الإنصات خارج الصلاة عن فقه القرآن للراوندي (3).و هو دليل آخر على الاستحباب.

هذا مع أخصّية هذا الدليل عن المدّعى كالسابق (4)،و ضعف عموم المعتبرة بما سبق إليه الإشارة (5).

و قيل:يجب و القائل الشيخ في النهاية و أكثر الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في عبائر جمع (6).و لعلّه الأظهر،لما مرّ من الأدلة مع ضعف ما قيل في الجواب عنها،إذ لا وجه لمنع الحصر بعد عدم تصور فائدة غير الإصغاء،و الأخصية باختصاصها بالوعظ مدفوعة بعدم القائل بالفرق بين أجزاء الخطبة،مع احتمال استلزام لزوم الإصغاء إليه لزومه بالإضافة إلى الباقي و لو من باب المقدمة،سيّما على القول بعدم لزوم الترتيب بين أجزائها،فتأمل.

و بنحو هذا يجاب عن أخصية الدليل الثاني،و معارضة مبناه بمثله حسن إلاّ أن غايتها القدح في البناء،و هو لا يستلزم عدم إمكان الاستدلال بالآية بوجه آخر و هو الإطلاق الشامل لمحل النزاع.و دفعه بنفي الخلاف المتقدم المنقول

ص:352


1- التبيان 5:67.
2- أضفناه من المصدر و لاقتضاء المعنى.
3- فقه القرآن 1:141.
4- لاختصاصه بوجوب إنصات القراءة من الخطبة لا جميعها.منه رحمه اللّه.
5- في ص 335،336.
6- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:401،و المحقق السبزواري في كفاية الأحكام:21.

حسن إن لم يكن في محل النزاع موهونا و الحال أنه موهون،كيف لا و المخالف موجود،و هو كاف في وهنه و إن كان واحدا فضلا عن أن يكون مشهورا.

و تضعيف المعتبرة بما سبق إليه الإشارة قد عرفت ضعفه.

و بهذه الأدلة يضعّف الأصل سيّما بعد اعتضادها بالاحتياط و النصوص الناهية عن الكلام،بناء على ظهور أن وجه النهي فيها إنما هو وجوب الإصغاء، و لذا كان حكمهما متلازما فتوى كما أشار إليه بقوله و كذا الخلاف في تحريم الكلام معها فكل من أوجب الإصغاء حكم بالتحريم هنا،و من قال بالكراهة فيه قال باستحباب الإصغاء،ففي المرسل:«لا كلام و الإمام يخطب،و لا التفات إلاّ كما يحلّ في الصلاة،و إنما جعلت الجمعة ركعتين» (1)إلى آخر ما مرّ إليه الإشارة في بحث اشتراط الطهارة.

و نحوه بعينه الرضوي و المرتضوي المروي عن دعائم الإسلام (2)،لكن بدون قوله:«و إنما جعلت»إلى آخره.

و أظهر منه الآخر المروي عنه أيضا أنه عليه السلام قال:«يستقبل الناس الإمام عند الخطبة بوجوههم و يصغون إليه» (3).

و الصادقي المروي عنه:«إذا قام الإمام يخطب وجب على الناس الصمت» (4).و هو نصّ في الوجوب.

و قصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بالشهرة و الاعتضاد بالأدلة المتقدمة، مضافا إلى الإجماع المنقول في الخلاف هنا (5)،فتأمل.

ص:353


1- الفقيه 1:1228/269،المقنع:45،الوسائل 7:331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 2.
2- دعائم الإسلام 1:182،المستدرك 6:22،أبواب صلاة الجمعة ب 12 ح 3.
3- دعائم الإسلام 1:183،المستدرك 6:22،أبواب صلاة الجمعة ب 12 ح 5.
4- دعائم الإسلام 1:182،المستدرك 6:22،أبواب صلاة الجمعة ب 12 ح 2.
5- الخلاف 1:625.

و فحوى الصحيحة المانعة عن الصلاة حال الخطبة (1)،فإن المنع عنها يستلزم المنع عن نحو الكلام بطريق أولى.

نعم ربما يؤيد الكراهة وقوع التعبير عن المنع بلفظها في بعض النصوص المروي عن قرب الإسناد (2)،و ب«لا ينبغي»في الصحيح (3)،لكنهما محمولان على التحريم جمعا،مع ضعف الرواية الأولى بأبي البختري جدّا.

ثمَّ إنّ وجوب الإصغاء هل يختص بالعدد أم يعمّ الحاضرين،و كذا تحريم الكلام هل يختص بهم أم يعمّهم و الإمام؟ وجهان،بل قولان.ظاهر الأدلة:الثاني في المقامين.خلافا للتذكرة فيهما،و فيها:إن الخلاف إنما هو في القريب السامع،أما البعيد و الأصمّ فإن شاءا سكتا و إن شاءا قرءا و إن شاءا ذكرا (4).

و اعلم أنّ وجوب الإصغاء و ترك الكلام تعبدي لا شرطي،فلا يفسد الخطبة و لا الصلاة بالإخلال بهما إجماعا،كما عن التحرير و نهاية الإحكام و غيرهما (5).

الثالثة:الأذان الثاني للجمعة

الثالثة:الأذان الثاني للجمعة و هو ما وقع ثانيا بالزمان بعد أذان آخر واقع في الوقت،سواء كان بين يدي الخطيب أم على المنارة أم غيرهما بدعة لتأدّي الوظيفة بالأول،فيكون هو المأمور به و ما سواه بدعة،لأنه لم يفعل في عهده صلّى اللّه عليه و آله و لا في عهد الأوّلين،و إنما أحدثه عثمان أو

ص:354


1- قرب الإسناد:838/214،الوسائل 7:417 أبواب صلاة الجمعة ب 58 ح 2.
2- قرب الإسناد:544/150،الوسائل 7:331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 5.
3- الكافي 3:2/421،التهذيب 3:73/20،الوسائل 7:330 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 1.
4- التذكرة 1:152.
5- التحرير 1:44،نهاية الإحكام 2:38،و انظر جامع المقاصد 2:402.

معاوية على اختلاف النقلة،و إذا لم يكن مشروعا أوّلا فتوظيفه ثانيا على الوجه المخصوص يكون بدعة و إحداثا في الدين ما ليس منه فيكون محرّما.

و للخبر:«الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة» (1).

فإنّ المشهور أنّ المراد بالثالث فيه هو الثاني المفروض،و إنّما سمّي ثالثا-كما عن بعض الأصحاب أيضا- (2)لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله شرّع للصلاة أذانا و إقامة،فالأذان الثاني يكون بالنسبة إليهما ثالثا،و سمّيناه ثانيا لوقوعه بعد الأول و ما بعده يكون إقامة،صرّح بذلك الماتن في المعتبر و غيره (3).

و لكن احتمل كون المراد بالثالث فيه أذان العصر،و لذا قيل بالمنع عنه، و هو ضعيف.و إلى هذا القول ذهب الحلّي (4)و جمهور المتأخرين.

و قيل: إنه مكروه و القائل الشيخ في المبسوط و اختاره الماتن في المعتبر (5)،للأصل،و ضعف الخبر،و عموم البدعة فيه للحرام و غيره،و حسن الذكر و الدعاء إلى المعروف و تكريرهما،قال الماتن:لكن من حيث لم يفعله النبي صلّى اللّه عليه و آله و لم يأمر به كان أحق بوصف الكراهة.

و يدفع الأصل بما مرّ.و يجبر ضعف الخبر بعمل الأكثر.و يمنع عموم البدعة لغير الحرام لظهورها بحكم التبادر فيه،و في الصحيح:«ألا و إنّ كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار» (6).

ص:355


1- الكافي 3:5/421،التهذيب 3:67/19،الوسائل 7:400 أبواب صلاة الجمعة ب 49 ح 1،2.
2- كابن فهد في المهذّب البارع 1:410.
3- المعتبر 2:296،و انظر الشرائع 1:97.
4- السرائر 1:304.
5- المبسوط 1:149،المعتبر 2:296.
6- الفقيه 2:394/87،التهذيب 3:226/69،الاستبصار 1:1807/467،الوسائل 8:45 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 ح 1.

و حسن الذكر و التكرير مسلّم إن لم يقصد به التوظيف على الوجه المخصوص،و إلاّ كما هو محل البحث فممنوع.

و أرى النزاع هنا لفظيا كما صرّح به بعض الأصحاب (1)،للاتفاق على حرمة التشريع و حسن الذكر الخالي عنه،و إن أطلقت العبارات بالمنع أو الكراهة،لكن سياقها ظاهر في التفصيل و أن المقصود بالمنع صورة التشريع و بالجواز غيرها.

ثمَّ إن تفسير الثاني بما مرّ خيرة ثاني المحقّقين و الشهيدين (2)،و احتمل الأول تفسيره بما لم يقع بين يدي الخطيب،سواء وقع أوّلا أو ثانيا،لأنه الثاني باعتبار الإحداث.و حكاه الثاني عن بعض الأصحاب مضعّفا له كالأوّل بأن كيفية الأذان الواقع في عهده غير شرط في شرعيته إجماعا،إذ لو وقع قبل صعود الخطيب إلى المنبر أو خطب على الأرض و لم يصعد منبرا لم يخرج بذلك عن الشرعية،و إنما المحدث ما فعل ثانيا كيف كان.

و قيل في تفسيره غير ذلك (3).

الرابعة:يحرم البيع بعد النداء

الرابعة:يحرم البيع بعد النداء للجمعة إجماعا على الظاهر، المصرّح به في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (4)،و للآية الكريمة وَ ذَرُوا الْبَيْعَ [1] (5).

و المرسلة:«كان بالمدينة إذا أذّن يوم الجمعة نادى مناد:حرم البيع» (6).

ص:356


1- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:255.
2- جامع المقاصد 2:425،روض الجنان:295.
3- انظر:مجمع الفائدة و البرهان 2:376.
4- منهم العلامة في التذكرة 1:156،و السبزواري في الذخيرة:314،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:22.
5- الجمعة:9.
6- الفقيه 1:914/195،الوسائل 7:408 أبواب صلاة الجمعة ب 53 ح 4.

و ظاهرها كالآية و العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة توقف التحريم على الأذان،و مقتضاه عدمه قبله مطلقا و لو زالت الشمس،و به صرّح جماعة و منهم الفاضل في النهاية و المنتهى (1)مدّعيا عليه إجماعنا،مع أنه في الإرشاد رتّبه على الزوال (2)،و اختاره في روض الجنان،قال:لأنه السبب الموجب للصلاة،و النداء إعلام بدخول الوقت،فالعبرة به،فلو تأخر الأذان عن أول الوقت لم يؤثر في التحريم السابق،لوجود العلّة و وجوب السعي المترتب على دخول الوقت و إن كان في الآية مترتبا على الأذان،إذ لو فرض عدم الأذان لم يسقط وجوب السعي،فإنّ المندوب لا يكون شرطا للواجب (3).

و لا يخلو عن نظر،سيّما في مقابلة الإجماع المنقول المعتضد بعمل الأكثر.

و في اختصاص الحكم (4)بالبيع أو عمومه لأنواع المعاوضات بل مطلق الشواغل قولان.

من الأصل،و اختصاص دليل المنع من الكتاب و السنّة به.

و من إشعار ما هو كالتعليل في الأول بالعموم،مع إمكان دعوى قطعية المناط بالاعتبار في المنع عن البيع،و هو خوف الاشتغال عن الصلاة الحاصل في محل النزاع.لكن هذا إنما يتوجه على تقدير اختصاص المنع عن البيع بصورة حصول الاشتغال به لا مطلقا،لكن الدليل مطلق كالفتاوي،مع تصريح بعضهم بالمنع عنه مطلقا كالمحقّق الثاني (5)،لكن يمكن الجواب عنه

ص:357


1- نهاية الإحكام 2:53،المنتهى 1:330.
2- الإرشاد 1:258.
3- روض الجنان:295.
4- في«ش»:المنع.
5- راجع جامع المقاصد 2:428.

بانصراف الإطلاق إلى الصورة الأولى،لكونها الغالب دون غيرها.

ثمَّ إنّ الحكم بالتحريم لمن توجّه إليه الخطاب بالجمعة واضح،و في غيره الواقع طرف المعاوضة وجهان،بل قولان:من الأصل،و اختصاص المانع بحكم التبادر بالأوّل.و من إعانته على الإثم المحرّمة كتابا و سنّة،و هذا أجود حيثما تحصل،و إلاّ فالجواز.

و اعلم أنه لو باع انعقد البيع و صحّ و إن أثم،وفاقا للأكثر،بل عليه عامة من تأخر،لعدم اقتضاء النهي في المعاملات الفساد.و قيل:

لا ينعقد (1)،تضعيفا للدليل.

و التحقيق في الأصول.

الخامسة:صلاة الجمعة في زمان الغيبة

الخامسة:إذا لم يكن الإمام عليه السلام موجودا أي كان غائبا عنّا كزماننا هذا و أمكن الاجتماع و الخطبتان استحبت الجمعة (2)و كانت أفضل الفردين الواجبين،وفاقا للأكثر،قيل:لعموم الأوامر بالجمعة من الكتاب و السنّة،و مقتضاها الوجوب،و هو أعم من العيني و التخييري،و لمّا انتفى الأوّل بالإجماع تعيّن الثاني (3).

و للمعتبرة،منها الصحيح:حثّنا أبو عبد اللّه عليه السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه،فقلت:نغدو عليك فقال:«[لا]إنما عنيت عندكم» (4).

و الموثق:«مثلك يهلك و لم يصلّ فريضة فرضها اللّه تعالى»قال،قلت:

ص:358


1- كما قال به الشيخ في الخلاف 1:631.
2- في المختصر المطبوع:الجماعة.
3- كما في جامع المقاصد 2:375.
4- المقنعة:164،التهذيب 3:635/239،الاستبصار 1:1615/420،الوسائل 7:309 أبواب صلاة الجمعة ب 5 ح 1،و ما بين المعقوفين أضفناها من المصادر.

كيف أصنع؟قال:«صلّوا جماعة»يعني صلاة الجمعة (1).

و في الجميع نظر،لمنع أعمية الوجوب المستفاد من الأمر من العيني و التخييري،لاختصاصه بحكم التبادر بالأوّل دون الثاني،و لو سلّم فغايتها الدلالة على وجوب الجمعة الصحيحة،و هي على ما عرفت ما كانت بإذن الإمام مقرونة،و ليست بمفروض المسألة.

و دعوى حصول الإذن للفقيه الجامع لشرائط الفتوى في صلاتها ممنوعة،لعدم ظهور دليل يدل عليه لا من إجماع لمكان الخلاف،و لا من رواية لاختصاصها بإفادة الإذن له في خصوص الحكومة و الفتوى،و هما غير الإذن له في صلاة الجمعة و فعلها.

و دعوى الأولوية ممنوعة هنا قطعا،لظهور أن الإذن في الحكومة و الفتيا إنما هو للزوم تعطيل الأحكام و تحيّر الناس في أمور معادهم و معاشهم و ظهور الفساد فيهم و استمراره إن لم يقضوا أو يفتوا،و لا كذلك الجمعة إذا تركت كما لا يخفى،هذا.

و مفاد هذا الكلام على تقدير تسليمه إنما هو اختصاص الاستحباب بصورة وجود الفقيه و حرمتها من دونه،و هو خلاف ما يقتضيه إطلاق العبارة و كلام جماعة بل أكثر المجوّزين كما صرّح به في روض الجنان فقال:ثمَّ على تقديره -أي الاستحباب-هل يشترط في شرعيتها حينئذ الفقيه الشرعي أم يكفي اجتماع باقي الشرائط و الايتمام بإمام يصحّ الاقتداء به في الجماعة؟أكثر المجوّزين على الثاني،و هم بين مطلق للشرعية مع إمكان الاجتماع و الخطبتين،و بين مصرّح بعدم اشتراط الفقيه،و ممّن صرح به أبو الصلاح،

ص:359


1- التهذيب 3:638/239،الاستبصار 1:1616/420،الوسائل 7:310 أبواب صلاة الجمعة ب 5 ح 2.

و نقله عنه المصنف في المختلف،و صرّح به أيضا الشهيد في الذكرى، و المستند إطلاق الأوامر من غير تقييد بالإمام أو من نصبه عموما أو خصوصا، خرج منه ما اجمع عليه،و هو مع إمكان إذنه و حضوره،فيبقى الباقي على أصل الوجوب من غير شرط (1).

أقول:ما ذكره من إطلاق الأوامر من غير تقييد ممنوع،لما عرفت من الأدلة على اشتراط الإذن مطلقا و و لذا منعه أي عقد الجمعة في هذه الأزمنة قوم كالمرتضى و الحلّي و الديلمي و غيرهم (2)،و تبعهم من المتأخرين الفاضل في المنتهى،و جهاد التحرير كما قيل،و الشهيد في الذكرى (3).

و في عبارات كثير من الأصحاب المجوّزين لفعلها زمن الغيبة ما يدلّ عليه،كعبارة الشهيد-رحمه اللّه-في الدروس و اللمعة و الفاضل في النهاية (4)، فإنهم عبّروا بأن الفقهاء يجمّعون في حال الغيبة،و لو كان اشتراط الإذن مختصا بحال الحضور لجاز فعلها في غيرها مطلقا و لو لغير الفقيه،و حينئذ فلا وجه لتخصيصهم الرخصة به،فليس ذلك إلاّ لعموم الاشتراط.

و قد بالغ المحقّق الثاني في تعميم الاشتراط فقال:لا نعلم خلافا بين أصحابنا في أنّ اشتراط الجمعة بالإمام أو نائبه لا يختلف فيه الحال بظهور الإمام و غيبته،و عبارات الأصحاب ناطقة بذلك،ثمَّ نقل الإجماعات المنقولة على الاشتراط مطلقا عن التذكرة و الذكرى و غيرهما،ثمَّ قال:فلا يشرع فعل

ص:360


1- روض الجنان:291.
2- المرتضى في جوابات المسائل الميافارقيات(رسائل الشريف المرتضى 1):272،الحلّي في السرائر 1:303،الديلمي في المراسم:77،و انظر الجمل و العقود(الرسائل العشر):190، الوسيلة لابن حمزة:103.
3- المنتهى 1:317،التحرير 1:158،الذكرى:231.
4- الدروس 1:186،الروضة 1:299،نهاية الأحكام 2:14.

الجمعة في الغيبة بدون حضور الفقيه الجامع للشرائط،و قد نبّه المصنف على ذلك في المختلف و الشهيد في شرح الإرشاد.و ما يوجد من إطلاق بعض العبارات بفعل الجمعة من غير تقييد-كما في عبارات هذا الكتاب-فللاعتماد فيه على ما تقرّر من المذهب و صار معلوما،بحيث صار التقييد به في كل عبارة ممّا يكاد يعدّ تسامحا (1).انتهى.

و حيث ثبت اشتراط الاذن مطلقا قوي المنع و لو للفقيه،لعدم دليل على الجواز أصلا،سوى ما سبق من عموم الأمر،و ضعفه قد ظهر،و المعتبرة،و هي غير واضحة الدلالة،لاحتمال استناد الجواز فيها إلى إذن الإمام عليه السلام، و هو يستلزم نصب نائب من باب المقدمة،كما نبّه عليه الفاضل في النهاية فقال:لمّا أذن لزرارة و عبد الملك جاز،لوجود المقتضي و هو إذن الإمام (2).

أقول:مع احتمال اختصاص الإذن لهما بفعلهما مع العامة كما يفهم من المقنعة حيث قال:و يجب حضور الجمعة مع من وصفناه من الأئمة فرضا، و يستحب مع من خالفهم تقية و ندبا روى هشام (3).ثمَّ نقل الصحيحة،مؤذنا بفهمه منها اختصاص الرخصة بفعلها مع العامة.

و يؤيد هذا عدم تمكن الأئمة عليهم السلام و أصحابهم يومئذ من إقامتها مطلقا،للتقية،و إلاّ لوجبت عليهم الإقامة عينا و لو مرّة،هذا.

و لا ريب أنّ المنع أحوط بعد الإجماع منهم على الظاهر المصرّح به كما عرفت في كثير من العبائر على إجزاء الظهر،لعدم وجوب الجمعة عينا.

و مرجعه إلى أنّ اشتغال الذمة بالعبادة يوم الجمعة يقينا يستدعي البراءة

ص:361


1- راجع جامع المقاصد 2:379.
2- نهاية الإحكام 2:14.
3- المقنعة:164.

اليقينية،و هي تحصل بالظهر،للإجماع عليها دون الجمعة.

و لعلّ هذا مراد من استدل على المنع عنها بأنّ الظهر ثابتة في الذمة بيقين فلا يبرأ المكلّف إلاّ بفعلها.

أو يكون المراد من ثبوتها في الذمة بيقين أنّ اللّه سبحانه ما أوجب الجمعة إلاّ بعد مدّة مديدة من البعثة،و كان الفريضة بالنسبة إلى جميع المكلّفين في تلك المدّة هو الظهر بالضرورة،ثمَّ بعد تلك المدة تغيّر التكليف بالنسبة إلى بعض المكلّفين خاصة لا كلّية بالإجماع و الضرورة و الأخبار المتواترة،فمن ثبت تغيّر حكمه فلا نزاع،و من لم يثبت فالأصل بقاء الظهر اليقينية بالنسبة إليه حتى يثبت خلافه و لم يثبت.

و مرجعه إلى استصحاب الحكم السابق على زمان تشريع الجمعة،و هو وجوب الظهر على جميع المكلّفين،و بعد تشريعها لم يثبت نقض ذلك الحكم إلاّ بالنسبة إلى بعضهم،و كوننا منهم أوّل الدعوى لو لم نقل بكوننا غيرهم.

و أمّا الاستدلال على الاستحباب بالاستصحاب بتخيّل أنّ الإجماع واقع من جميع أهل الإسلام على وجوب الجمعة في الجملة حال ظهور الإمام عليه السلام بالشرائط فيستصحب إلى زمان الغيبة.

فمنظور فيه،لمعارضته بإجماعهم على عدم الوجوب على من اختلّ فيه أحد الشرائط فيستصحب إلى زمان الغيبة.و دعوى اجتماع الشرائط في زمان الغيبة ممنوعة،كيف لا و هو أوّل المسألة،و ليس قولك هذا أولى من قول من يدّعي عدم اجتماعها في زماننا،بل هذا أولى،لما مضى.

مع أنّ الوجوب المجمع عليه حال الظهور هو العيني لا التخييري، و الاستصحاب لو سلّم يقتضي ثبوت الأوّل لا الثاني.

السادسة:إذا حضر إمام الأصل مصرا لم يؤمّ غيره إلاّ لعذر

السادسة:إذا حضر إمام الأصل مصرا لم يؤمّ غيره إلاّ لعذر بلا

ص:362

خلاف فيه بين علمائنا كما في المنتهى (1)،و في غيره بين المسلمين (2)، و للنص:«إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمّع الناس،ليس ذلك لأحد غيره» (3).

و في السرائر لأنه ليس للإمام أن يكلها إلى غيره في بلده مع القدرة و التمكن و سقوط الأعذار (4).

السابعة:منع الزحام المأموم عن السجود

السابعة:لو ركع المأموم مع الإمام في الركعة الأولى و منعه الزحام عن السجود معه فيها لم يركع مع الإمام في الركعة الثانية بل يصبر إلى أن يسجد الإمام لها فإذا سجد الإمام سجد المأموم معه و نوى بهما أي بالسجدتين المدلول عليهما بالسجود كونهما منه ل الركعة الأولى و صحّت جمعته إجماعا،كما في المعتبر و المنتهى و التنقيح و الذكرى (5).

و لو نوى بهما للأخيرة أو أهمل بطلت الصلاة وفاقا للنهاية و الحلّي و جماعة (6).

أمّا على الأول فلأنه إن اكتفى بهما للأولى و أتى بالركعة الثانية تامة خالف النية،و إنما الأعمال بالنيات،و إن ألغاهما و أتى بسجدتين أخريين للأولى ثمَّ أتى بالركعة الثانية زاد في الصلاة ركنا،و إن اكتفى بهما و لم يأت بعدهما إلاّ بالتشهد و التسليم نقص من الركعة الأولى السجدتين و من الثانية ما قبلهما.

ص:363


1- المنتهى 1:324.
2- انظر كشف اللثام 1:245.
3- التهذيب 3:81/23،الوسائل 7:339 أبواب صلاة الجمعة ب 20 ح 1.
4- السرائر 1:291.
5- المعتبر 2:299،المنتهى 1:333،التنقيح الرائع 1:232،الذكرى:234.
6- النهاية:107،الحلّي في السرائر 1:300،و انظر الذكرى:234،و التنقيح الرائع 1:232.

و أمّا على الثاني فلأن متابعة الإمام تصرفهما إلى الثانية ما لم ينوهما للأولى.

و قيل في الأوّل،و القائل المرتضى في المصباح و الشيخ في المبسوط و الخلاف و غيرهما (1):لا تبطل بل يحذفهما و يسجد أخريين ل الركعة الأولى للنص:«و إن كان لم ينو السجدتين للركعة الأولى لم تجز عنه الاولى و لا الثانية،و عليه أن يسجد سجدتين و ينوي أنهما للركعة الاولى و عليه بعد ذلك ركعة تامة» (2).

و للإجماع على ما في الخلاف.و فيه وهن،لمكان الخلاف،و ندرة القائل به.

و في الأوّل قصور من حيث السند،بل و الدلالة أيضا كما صرّح به جماعة (3)،و ذلك لجواز أن يكون قوله عليه السلام:«و عليه أن يسجد»إلى آخره مستأنفا بمعنى أنه كان عليه أن ينويهما للأولى،فإذا لم ينوهما لها بطلت صلاته.

و في الذكرى:ليس ببعيد العمل بهذه الرواية،لاشتهارها بين الأصحاب،و عدم وجود ما ينافيها.و زيادة سجدة مغتفرة في المأموم كما لو سجد قبل إمامه،و هذا التخصيص يخرج الروايات الدالة على الإبطال عن الدلالة.و أمّا ضعف الراوي فلا يضرّ مع الاشتهار،على أنّ الشيخ قال في الفهرست:إنّ كتاب حفص يعتمد عليه (4).

ص:364


1- نقله عن المصباح في المعتبر 2:299،المبسوط 1:145،الخلاف 1:603،و انظر الجامع للشرائع:95.
2- الكافي 3:9/429،الفقيه 1:1235/270،التهذيب 3:78/21،الوسائل 7:335 أبواب صلاة الجمعة ب 17 ح 2.
3- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 1:232،و صاحب الحدائق 10:117.
4- الذكرى:235.

و فيه-بعد تسليم دعواه الشهرة مع أنها على الخلاف ظاهرة-أنّ الجبر بها فرع وضوح الدلالة مع أنها كما عرفت غير واضحة،و مع ذلك المنافي لها موجود كما يفهم من المبسوط حيث قال:إنّ على البطلان رواية (1).و هذه أظهر رجحانا من تلك و إن كانت مرسلة،لانجبارها بالأخبار الدالّة على الإبطال بالزيادة في الفريضة المعتضدة بعد العمل بالقاعدة الاعتبارية.

و خالف الحلّي و جماعة (2)في الثاني فقالوا بالصحة،لأنّ أجزاء الصلاة لا تفتقر إلى نية بل هي على ما افتتحت عليه ما لم يحدث نية مخالفة،فهما على هذا تنصرفان إلى الاولى.

و في المنتهى:إنه ليس بجيّد،لأنه تابع لغيره،فلا بدّ من نية تخرجه عن المتابعة في كونهما للثانية،و ما ذكره من عدم افتقار الأبعاض إلى نية إنما هو إذا لم يقم الموجب،أمّا مع قيامه فلا (3).

و يضعّف:بأن وجوب المتابعة له لا يصيّر المنوي له منويا للمأموم و لا يصرف فعله عمّا في ذمته،و الأصل في صلاته الصحة،و ما ذكره لا يصح سببا للبطلان.

و اعلم أنّ ما مرّ إنما هو إذا لم يتمكن المأموم من السجود قبل ركوع الإمام في الثانية،و إلاّ سجد ثمَّ نهض و ركع مع الإمام بلا خلاف أجده،و به صرّح في المنتهى (4)،بل قيل:اتفاقا (5).

قيل:و لا يقدح ذلك في صلاته،للحاجة و الضرورة،و مثله وقت في صلاة

ص:365


1- المبسوط 1:145.
2- الحلّي في السرائر 1:300،و انظر روض الجنان:298،جامع المقاصد 2:430.
3- المنتهى 1:334.
4- المنتهى 1:333.
5- انظر كشف اللثام 1:256.

عسفان حيث سجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و بقي صفّ لم يسجد،و المشترك الحاجة (1).

ص:366


1- جامع المقاصد 2:429،و انظر سنن أبي داود 2:1236/11،سنن البيهقي 3:257.
سنن الجمعة

و سنن الجمعة أمور:

منها:الغسل،و قد مرّ.

و منها التنفل بعشرين ركعة زيادة عن كل يوم بأربع ركعات على الأشهر فتوى و رواية.

خلافا للمحكي عن الإسكافي،فزاد ركعتين نافلة العصر (1)،للصحيح الآتي.و فيه:أنهما بعد العصر.

و عن الصدوقين،فكسائر الأيام إذا قدّمت النوافل على الزوال أو أخّرت عن المكتوبة (2).

و في الصحيح:عن صلاة النافلة يوم الجمعة،فقال:«ست عشرة ركعة قبل العصر،و كان علي عليه السلام يقول:ما زاد فهو خير»و قال:«إن شاء رجل أن يجعل منها ست ركعات في صدر النهار،و ست ركعات في نصف النهار، و يصلّي الظهر و يصلّي معها أربعة ثمَّ يصلّي العصر» (3).

و في آخر:«النافلة يوم الجمعة ست ركعات قبل زوال الشمس،و ركعتان عند زوالها،و بعد الفريضة ثماني ركعات» (4).

و ظاهر النص و الفتوى عموم استحباب العشرين لمن يصلّي الجمعة أو الظهر.و عن نهاية الإحكام ما يشعر باختصاصه بالأول فإنه قال:و السرّ فيه أن

ص:367


1- نقله عنه في المختلف:110.
2- نقله عن والد الصدوق في المختلف:110،الصدوق في المقنع:45.
3- التهذيب 3:667/245،الاستبصار 1:1580/413،الوسائل 7:323 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 7.
4- التهذيب 3:37/11،الاستبصار 1:1568/410،الوسائل 7:324 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 9.

الساقطة ركعتان فيستحب الإتيان ببدلهما،و النافلة الراتبة ضعف الفريضة (1).

و فيه نظر.

و في الرضوي:«إنما زيد في صلاة السنّة يوم الجمعة أربع ركعات تعظيما لذلك اليوم و تفرقة بينه و بين سائر الأيام» (2).

و ينبغي فعل العشرين كلّها قبل الزوال وفاقا للأكثر كما قيل (3)،لتظافر الأخبار بإيقاع فرض الظهر فيه أول الزوال و الجمع فيه بين الفرضين و نفي التنفل بعد العصر (4).

و الصحيح:عن النافلة التي تصلّى يوم الجمعة،قبل الجمعة أفضل أو بعدها؟قال:«قبل الصلاة» (5).

و الخبر:«إذا زالت الشمس يوم الجمعة فلا نافلة» (6).

و في المنتهى:و لأنّ وقت النوافل يوم الجمعة قبل الزوال إجماعا،إذ يجوز فعلها فيه،و في غيره لا يجوز،و تقديم الطاعة أولى من تأخيرها (7).

خلافا لوالد الصدوق فتأخيرها عن الفريضة أفضل (8)،للخبرين (9).

ص:368


1- نهاية الإحكام 2:52.
2- علل الشرائع 266،عيون الأخبار 2:111،الوسائل 7:322 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 1.
3- كشف اللثام 1:257.
4- الوسائل 7 أبواب صلاة الجمعة ب 8،9،و ج 4:234 أبواب المواقيت ب 38.
5- التهذيب 3:38/12،الاستبصار 1:1570/411،الوسائل 7:322 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 3.
6- أمالي الطوسي:705،الوسائل 7:329 أبواب صلاة الجمعة ب 13 ح 5.
7- المنتهى 1:337.
8- نقله عنه في المختلف:110.
9- الأول: التهذيب 3:48/14،الاستبصار 1:1573/411،الوسائل 7:328 أبواب صلاة الجمعة ب 13 ح 1. الثاني: التهذيب 3:670/246،الاستبصار 1:1572/411،الوسائل 7:328 أبواب صلاة الجمعة ب 13 ح 3.

و حملا على ما إذا زالت الشمس و لم يتنفل.

و يستحب التفريق بأن يصلّي ستّ عند انبساط الشمس،و ستّ عند ارتفاعها،و ستّ قبل الزوال،و ركعتان عنده قبل تحقّقه،وفاقا للأكثر كما قاله بعض الأفاضل،مستدلاّ عليه بالصحيح:عن الصلاة يوم الجمعة كم هي من ركعة قبل الزوال؟قال:«ستّ ركعات بكرة،و ستّ بعد ذلك اثنتا عشرة ركعة،و ستّ ركعات بعد ذلك ثماني عشرة ركعة،و ركعتان بعد الزوال،فهذه عشرون ركعة، و ركعتان بعد العصر فهذه ثنتان و عشرون ركعة» (1).

قال:فإن البكرة و إن كانت أول اليوم من الفجر إلى طلوع الشمس أو يعمه،لكن كراهية التنفل بينهما و عند طلوع الشمس دعتهم إلى تفسيرها بالانبساط.

و في الخبر:«أمّا أنا فإذا كان يوم الجمعة و كانت الشمس من المشرق مقدارها من المغرب في وقت العصر صلّيت ستّ ركعات» (2).

و في آخر مروي في السرائر:«فافعل ستّا بعد طلوع الشمس» (3).

و لمّا كره التنفل بعد العصر و تظافرت الأخبار بأن وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في غيره (4)،و روي أن الأذان الثالث فيه بدعة (5)،و كان التنفل قبلها

ص:369


1- التهذيب 3:669/246،الاستبصار 1:1571/411،مصباح المتهجد:309، الوسائل 7:323 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 5.
2- الكافي 3:2/428،التهذيب 3:35/11،الاستبصار 1:1566/410،الوسائل 7:325 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 12.
3- مستطرفات السرائر:1/71،الوسائل 7:326 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 18.
4- الوسائل 7:315 أبواب صلاة الجمعة ب 8.
5- الكافي 3:5/421،التهذيب 3:67/19،الوسائل 7:400 أبواب صلاة الجمعة ب 49 ح 1،2.

يؤدي إلى انفضاض الجمعة رجّحوا هذا الخبر على الصحاح و غيرها المتضمنة للتنفل بست ركعات منها بين الصلاتين أو بعدهما،و لمّا تظافرت الأخبار بأنّ وقت الفريضة يوم الجمعة أول الزوال و أنه لا نافلة قبلها بعد الزوال لزمنا أن نحمل«بعد الزوال»في الخبر على احتماله كما في الخبر:«إذا كنت شاكّا في الزوال فصلّ الركعتين،فإذا استيقنت الزوال فصلّ الفريضة» (1).

و في الصحيح:عن ركعتي الزوال يوم الجمعة،قبل الأذان أو بعده؟ فقال:«قبل الأذان» (2).

و في الرضوي المروي في السرائر عن كتاب البزنطي:«إذا قامت الشمس فصلّ ركعتين،فإذا زالت فصلّ الفريضة ساعة تزول» (3).

و الصادقي المروي فيه عن كتاب حريز:«و ركعتين قبل الزوال» (4).

انتهى (5).

و في بعض ما ذكره من المقدّمات لتصحيح الاستدلال بالصحيح إشكال،كدعواه الأكثرية على تقديم الركعتين على الزوال فإنه خيرة العماني خاصة (6)كما يظهر من جماعة (7)مدّعين على استحباب تأخيرها عنه

ص:370


1- التهذيب 3:39/12،الاستبصار 1:1574/412،الوسائل 7:324 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 11.
2- التهذيب 3:677/247،الوسائل 7:322 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 2.
3- مستطرفات السرائر:6/54،قرب الإسناد:840/214،الوسائل 7:326 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 16.
4- مستطرفات السرائر:1/71،الوسائل 7:326 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 18.
5- كشف اللثام 1:257.
6- نقله عنه في المختلف:111.
7- كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2:435،و صاحب الذخيرة:317.

الشهرة،و الصحيحة المتقدمة بذلك صريحة،لكن الأدلة التي ذكرها أقوى منها،فما ذكره من استحباب التقديم لا يخلو عن قوة،مع أن المقام مقام استحباب،فلا مشاحّة في اختلاف الروايات فيها،فإنّ العمل بكلّ منها حسن إن شاء اللّه تعالى.

و منها حلق الرأس لمن اعتاده و قصّ الأظفار أو حكّها إن قصّت في الخميس و الأخذ من الشارب.

و مباكرة المسجد و المبادرة إليه،و أن يكون على سكينة و وقار و المراد بهما إمّا واحد و هو التأنّي في الحركة و المشي،أو المراد بأحدهما الاطمئنان ظاهرا و بالآخر قلبا،أو التذلّل ظاهرا و باطنا،كلّ ذلك إما عند إتيان المسجد أو في اليوم كما في بعض النصوص.

و أن يكون متطيّبا لابسا أفضل ثيابه و أنظفها و الدعاء بالمأثور، قيل:و غيره (1)أمام التوجه إلى المسجد.

كلّ ذلك للنصوص المستفيضة (2)،عدا حلق الرأس فلم أجد به رواية عدا ما قيل من أنه ورد في بعض الأخبار أن مولانا الصادق عليه السلام كان يحلق رأسه في كل جمعة (3).و يمكن إدخاله فيما ورد من الأمر بالتزين يوم الجمعة (4).

و يستحب الجهر بالقراءة في الفريضة جمعة كانت أ و ظهرا

ص:371


1- كشف اللثام 1:258.
2- الوسائل 7:أبواب صلاة الجمعة الأبواب 33،37،47.
3- الكافي 6:7/485،الفقيه 1:286/71،الوسائل 2:107 أبواب آداب الحمام ب 60 ح 7 و فيها:«إنّي لأحلق في كلّ جمعة فيما بين الطلية إلى الطلية».
4- الوسائل 7:395 أبواب صلاة الجمعة ب 47.

بلا خلاف في الأول،بل عليه الإجماع في كلام جماعة مستفيضا (1)،و على الأشهر الأقوى في الثاني أيضا،بل عليه الإجماع في الخلاف (2)،للصحاح و غيرها (3).

و قيل بالمنع مطلقا،للصحيحين (4).و حملا على التقية كما يشعر به بعض تلك الصحاح:«صلّوا في السفر الجمعة جماعة بغير خطبة و اجهروا بالقراءة»فقلت:إنه ينكر علينا الجهر بها في السفر،قال:«اجهروا بها» (5).

هذا مع أن القائل بهذا القول بعد لم يظهر،نعم حكاه الماتن في المعتبر قائلا أنه الأشبه بالمذهب (6).و استقر به بعض من تأخر (7).

و وافقه الحلّي فيما إذا صلّيت فرادى و استحب الجهر إذا صلّيت جماعة (8)،للصحيح المروي عن قرب الإسناد:عن رجل صلّى العيدين وحده و الجمعة هل يجهر فيها؟قال:«لا يجهر إلاّ الإمام» (9).

ص:372


1- منهم العلامة في نهاية الإحكام 2:49،و التذكرة 1:155،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:424.
2- الخلاف 1:632.
3- الوسائل 6:160 أبواب القراءة في الصلاة ب 73.
4- الأول: التهذيب 3:53/15،الوسائل 6:161 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 8. الثاني: التهذيب 3:54/15،الوسائل 6:162 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 9.
5- التهذيب 3:51/15،الاستبصار 1:1595/416،الوسائل 6:161 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 6.
6- المعتبر 2:304.
7- هو الشهيد في الذكرى:193.(منه رحمه اللّه).
8- راجع السرائر 1:298.
9- قرب الإسناد:842/215،الوسائل 6:162 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 10.

قيل:و رواه المرتضى (1).

و يدفعه الصحيحان،في أحدهما:عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟فقال:«نعم» (2).

و قريب منه الثاني (3).و إطلاق ما عدا الصحيح الماضي.

و أن يصلّي في المسجد و لو كانت صلاته تلك ظهرا قيل:

للعمومات (4)،و للنص:إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يبكّر إلى المسجد حين تكون الشمس قدر رمح،فإذا كان شهر رمضان يبكّر قبل ذلك و كان يقول:«إنّ لجمع شهر رمضان على جمع سائر الشهور فضلا كفضل رمضان على سائر الشهور» (5)فتدبر.

و أن يقدّم المصلّي ظهره إذا لم يكن الإمام الذي يريد صلاة الجمعة معه عادلا مرضيا كما في الحسن:قلت لأبي جعفر عليه السلام:كيف تصنع يوم الجمعة؟قال:«كيف تصنع أنت؟»قلت:أصلّي في منزلي ثمَّ أخرج فأصلّي معهم،قال:«كذلك أصنع أنا» (6).

و لو صلّى معه ركعتين و أتمّهما ظهرا بعد تسليم الإمام جاز للمعتبرة،منها الصحيح:قلت لأبي جعفر عليه السلام:إنّ أناسا رووا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه صلّى أربع ركعات بعد الجمعة و لم يفصل بينهنّ

ص:373


1- قال به الحلي في السرائر 1:298.
2- الكافي 3:5/425،التهذيب 3:49/14،الوسائل 6:160 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 3.
3- التهذيب 3:50/14 بتفاوت،الوسائل 6:160 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 1.
4- كما في كشف اللثام 1:258.
5- الكافي 3:8/429،التهذيب 3:660/244،الوسائل 7:348 أبواب صلاة الجمعة ب 27 ح 2 بتفاوت.
6- التهذيب 3:671/246،الوسائل 7:350 أبواب صلاة الجمعة ب 29 ح 3.
صلاة العيدين

و منها:صلاة العيدين أي عيدي الفطر و الأضحى.

و هي واجبة جماعة بإجماعنا،و المستفيض بل المتواتر من أخبارنا، و إنما تجب بشروط الجمعة المتقدمة بلا خلاف أجده فيما عدا الخطبة، بل بالإجماع عليه صرّح جماعة كالمرتضى في الانتصار و الناصرية،و الشيخ في الخلاف،و الفاضل في المنتهى،و المحقّق الثاني في شرح القواعد،و الفاضل المقداد في شرح الكتاب (1)،لكنه و المنتهى عبّرا فيما عدا العدد بلا خلاف،إلاّ أنّ الظاهر أنّ مرادهما به الإجماع كما حكي أيضا عن الفاضلين في المعتبر و النهاية و التذكرة (2).و هو الحجّة.

مضافا إلى المعتبرة المستفيضة القريبة من التواتر،بل المتواترة في اعتبار الإمام و الجماعة (3)،و جملة منها و إن نكّرت الإمام و قابلت الجماعة بالوحدة بحيث يستشعر منها كون المراد من الإمام فيها مطلق إمام الجماعة،لكن

ص:375


1- الانتصار:56،الناصرية(الجوامع الفقهية):203،الخلاف 1:651،المنتهى 1:342، جامع المقاصد 2:440،التنقيح الرائع 1:234.
2- المعتبر 2:308،نهاية الإحكام 2:55،التذكرة 1:157.
3- الوسائل 7:421 أبواب صلاة العيد ب 2.

جملة أخرى منها عرّفته باللام،فيظهر أنّ المقصود من التنكير ليس ما ذكر و إلاّ لما عرّف،و حينئذ فيحمل على ما هو عند الإطلاق و التجرد عن القرينة متبادر.

و مقابلة الوحدة بالجماعة ليس فيها ذلك الإشعار المعتدّ به،سيّما على القول بمنع الجماعة فيها مع فقد الشرائط،مع أنه على تقدير تسليمه معارض بظاهر الموثق،بل صريحه:قلت له:متى يذبح؟قال:«إذا انصرف الإمام» قلت:فإن كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلّي بهم جماعة،فقال:«إذا استقلّت الشمس«و قال:«لا بأس أن تصلّي وحدك،و لا صلاة إلاّ مع إمام» (1)فتدبّر.

هذا مضافا إلى بعض ما مرّ في اشتراط هذا الشرط في بحث الجمعة من القاعدة و عبارة الصحيفة السجادية (2).

و يدل على اعتبار العدد مضافا إلى الإجماع الظاهر المصرّح به هنا على الخصوص في الخلاف و المنتهى و غيرهما (3)الصحيح:في صلاة العيدين«إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنّهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة» (4).

و ظاهره الاكتفاء بالخمسة.خلافا للعماني فاشترط السبعة مع اكتفائه بالخمسة في الجمعة (5)،و الظاهر أنه رواه كما يظهر من عبارته المحكية (6).

و لم أر ما يدل على اعتبار الوحدة عدا الإجماع و توقيفية العبادة المؤيدين

ص:376


1- التهذيب 3:861/287،الوسائل 7:422 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 6.
2- راجع ص:316،317.
3- الخلاف 1:664،المنتهى 1:342،و انظر الحدائق 10:207.
4- الفقيه 1:1489/331،الوسائل 7:482 أبواب صلاة العيد ب 39 ح 1.
5- نقله عنه في المختلف:111.
6- و هي هذه:و لو كان إلى القياس لكان جميعا سواء لكنه تعبّد من الخالق سبحانه.منه رحمه اللّه.

بظاهر الصحيح:«قال الناس لأمير المؤمنين عليه السلام:ألا تخلف رجلا يصلّي العيدين؟قال:لا أخالف السنّة» (1).

و أظهر منه المروي عن دعائم الإسلام و فيه:قيل له:يا أمير المؤمنين لو أمرت من يصلّي بضعفاء الناس يوم العيد في المسجد،قال:«أكره أن أستنّ سنّة لم يستنّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (2).

و نحوه المروي في البحار،عن كتاب عاصم بن حميد،عن محمّد بن مسلم،عن مولانا الصادق عليه السلام (3).

و عن كتاب المحاسن عن رفاعة عنه (4).

و في هذه الأخبار دلالة واضحة على كون صلاة العيدين منصب الإمام، لمكان استيذان الناس منه نصب إمام لها،و على ما ذكرنا فلا وجه للتوقف في اعتبار هذا الشرط كما يحكى عن الفاضل في التذكرة و النهاية (5)،و لا في اعتبار الشرط الأوّل كما اتّفق لجماعة من متأخري المتأخرين و منهم خالي العلامة المجلسي (6)طاب رمسه.

و أما الخطبتان فظاهر العبارة كغيرها اشتراطهما،وفاقا لصريح المبسوط و جماعة (7)،بل قيل:إنه خيرة الأكثر (8)،و ظاهر الخلاف دعوى الإجماع عليه،

ص:377


1- التهذيب 3:302/137،الوسائل 7:451 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 9.
2- دعائم الإسلام 1:185،المستدرك 6:133 أبواب صلاة العيد ب 14 ح 2.
3- بحار الأنوار 87:26/373،المستدرك 6:134 أبواب صلاة العيد ب 14 ح 6.
4- المحاسن:136/222،بحار الأنوار 87:6/356.
5- التذكرة 1:157،نهاية الإحكام 2:56.
6- منهم:صاحب المدارك 4:94،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:28،و العلامة المجلسي في بحار الأنوار 87:355.
7- المبسوط 1:169،و انظر الجامع للشرائع:106،و المنتهى 1:345.
8- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:259.

حيث ادّعاه على اشتراط وجوب العيدين بشرائط الجمعة و لم يستثن الخطبة (1).

و عن القاضي أنهما واجبتان عندنا (2)،مشعرا بدعوى الإجماع.

و لعلّه الأقوى،له،و لصريح الرضوي:«صلاة العيد مع الإمام فريضة و لا تكون إلاّ بإمام و خطبة» (3).

مع أنه المعهود من فعلهم و المأثور من أوامرهم.و ذكرهم الخطبتين في بيان كيفية الصلاة أيضا ظاهر في ذلك،إذ قضية الذكر في بيان كيفية الواجب الوجوب في جميع ما اشتملت عليه الكيفية إلاّ ما أخرجه الدليل.

خلافا للمحكي عن النزهة و المعتبر (4)،فاستحبّاهما،و ادّعى الأخير الإجماع عليه،و نسبه في الدروس و الذكرى إلى المشهور (5).و هو غريب،فإنّا لم نقف على مصرّح بالاستحباب عداهما و إن تبعهما من متأخري المتأخرين جماعة (6)،للأصل.و يدفع بما مرّ.

و لأن الخطبتين متأخرتان عن الصلاة،و لا يجب استماعهما،إجماعا في المقامين كما حكاه جماعة (7)،و دلّ على الأوّل منهما المعتبرة المستفيضة (8).

و يدفع بمنع الملازمة،ألا ترى أنّ جمعا من الأصحاب قالوا بعدم وجوب

ص:378


1- الخلاف 1:651.
2- شرح جمل العلم و العمل:133.
3- فقه الرضا(عليه السلام):131،المستدرك 6:122 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 1 بتفاوت يسير.
4- نزهة الناظر:41،المعتبر:324.
5- الدروس 1:193،الذكرى:240.
6- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:453،و الشهيد الثاني في المسالك 1:36، و صاحب المدارك 4:96.
7- منهم:العلامة في التحرير 1:46،و صاحب المدارك 4:96،و صاحب مفاتيح الشرائع 1: 28.
8- الوسائل 7:440 أبواب صلاة العيد ب 11.

استماع خطبة الجمعة مع أن اشتراطها فيها مجمع عليه بلا شبهة.

و اختار الفاضل الوجوب دون الشرطية (1)،للأمر به في بعض النصوص و لو في ضمن الجملة الخبرية،مع عدم ما يدلّ على الشرطية،فتكون بالأصل مدفوعة.و المناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.

و يدخل في شروط الجمعة ما يتعلّق منها بالمكلّفين بها،فلا تجب هذه الصلاة إلاّ على من تجب عليه الجمعة،و لا خلاف فيه بينهم أجده،و به صرّح في الذخيرة حاكيا هو كغيره التصريح بالإجماع عليه عن التذكرة،و في المنتهى لا نعرف فيه خلافا (2).

و المعتبرة من الصحاح و غيرها به في المسافر و المريض و المرأة مستفيضة (3)،و يلحق الباقي بعدم القائل بالفرق بينه و بينهم بين الطائفة،مضافا إلى الرضوي المصرّح بأنها مثل صلاة الجمعة واجبة إلاّ على خمسة:المريض و المملوك و الصبي و المسافر و المرأة (4).و هو ظاهر بل نصّ في المطلوب بتمامه و إن أوهم في بادئ النظر من حيث مفهوم العدد خلافه،فإنه كبعض الصحاح المتقدمة في الجمعة يجري فيه التوجيه لإدراج من عدا الخمسة فيهم بنحو ما مرّ فيه الإشارة (5).

و هي مندوبة مع عدمها أي تلك الشروط أو بعضها أو فوتها مع اجتماعها و بقاء وقتها جماعة و فرادى على الأشهر،بل عليه عامة من تأخر، و في ظاهر كلام الحلّي و القطب الراوندي (6)دعوى الإجماع على جواز فعلها

ص:379


1- المنتهى 1:345.
2- الذخيرة:319،التذكرة 1:157،المنتهى 1:342.
3- الوسائل 7:أبواب صلاة العيد الأبواب 3،8،28.
4- فقه الرضا(عليه السلام):132،المستدرك 6:124 أبواب صلاة العيد ب 5 ح 2.
5- راجع ص 341-343.
6- الحلّي في السرائر 1:316،و نقله عن القطب الراوندي في المختلف:113.

جماعة-كما سيظهر-ففرادى أولى،و هو الحجّة،مضافا إلى النصوص المستفيضة الآتي إلى جملة منها الإشارة.

خلافا للعماني و المقنع (1)،فمنعا عنها مطلقا،للنصوص المتقدمة المتضمنة لأنه لا صلاة إلاّ مع إمام (2)،و خصوص بعضها:أرأيت إن كان مريضا لا يستطيع أن يخرج أ يصلي في بيته؟قال:«لا» (3).

و هي محمولة على أنه لا صلاة واجبة إلاّ معه،ألا ترى إلى الموثق:

«لا صلاة في العيدين إلاّ مع إمام،و إن صلّيت وحدك فلا بأس» (4)و نحوه آخر (5).

و للحلبي فمنع عنها جماعة خاصة (6)،كما هو ظاهر المحكي عن المقنعة و التهذيب و المبسوط و الناصرية و جمل العلم و العمل و الاقتصاد و المصباح و مختصره و الجمل و العقود و الخلاف (7)،و قوّاه من فضلاء المعاصرين جماعة (8)،لظاهر الموثقين و سيّما ثانيهما،حيث إنه بعد ما سئل فيه عن فعلها

ص:380


1- نقله عن العماني في المختلف:113،المقنع:46.
2- راجع ص 375.
3- الفقيه 1:1464/321،التهذيب 3:864/288،الاستبصار 1:1721/445،الوسائل 7: 422 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 8.
4- الفقيه 1:1459/320،التهذيب 3:293/135،الاستبصار 1:1719/445،ثواب الأعمال:78،الوسائل 7:421 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 5.
5- التهذيب 3:861/287،الوسائل 7:422 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 6.
6- الكافي في الفقه:154.
7- المقنعة:194،التهذيب 3:135،المبسوط 1:171،الناصرية(الجوامع الفقهية):203، جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):44،الاقتصاد:270،المصباح:598، الجمل و العقود(الرسائل العشر):193،الخلاف 1:666.
8- منهم:صاحب الحدائق 10:206،و الوحيد البهبهاني في مصابيح الظلام على ما نقل عنه في مفتاح الكرامة 3:196.

جماعة حيث لم يكن إمام الأصل،لم يجب بنعم،بل أجاب ببيان وقت الذبح ثمَّ أردفه بقوله:«و إن صلّيت وحدك»إلى آخره.

و قريب منهما الصحيح:«من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل و ليتطيب بما وجد،و ليصلّ في بيته وحده كما يصلّي في جماعة» (1).

مضافا إلى ورود النهي في الموثق عن إمامة الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو بيت (2)،و لا قائل بالفرق.

مع سلامته كسابقه عمّا يصلح للمعارضة،عدا مرسلة كالموثقة:

«صلّهما ركعتين في جماعة و غير جماعة» (3)و نحوها رواية أخرى مروية عن كتاب الإقبال مسندة (4).

و هما بعد الإغماض عن سندهما غير واضحتي الدلالة بعد قرب احتمال كون المراد بهما بيان أن صلاة العيدين ركعتان مطلقا،صلّيت وجوبا في جماعة أو ندبا في غيرها،ردّا على من قال بالأربع ركعات متى فاتت الصلاة مع الإمام.

مع أنّ التخيير المستفاد من إطلاقهما-لو لم نقل بأن المراد بهما هذا- مخالف للإجماع،لانعقاده على اختصاصه على تقديره بصورة فقد الشرائط و إلاّ فمع اجتماعها تجب جماعة إجماعا،فلا بدّ فيه من مخالفة للظاهر،و هي كما يحتمل أن يكون ما ذكر كذا يحتمل أن يكون ما ذكرنا.بل لعلّه أولى، للنصوص المتقدمة التي هي في الدلالة على اعتبار الانفراد ظاهرة،و على تقدير

ص:381


1- الفقيه 1:1463/320،التهذيب 3:297/136،الاستبصار 1:1716/444،الوسائل 7: 424 أبواب صلاة العيد ب 3 ح 1.
2- التهذيب 3:872/289،الوسائل 7:471 أبواب صلاة العيد ب 28 ح 2.
3- الفقيه 1:1461/320،التهذيب 3:294/135،الاستبصار 1:1724/446،الوسائل 7: 426 أبواب صلاة العيد ب 5 ح 1.
4- الإقبال:285 الوسائل 7:425 أبواب صلاة العيد ب 3 ح 4.

التساوي فهو يوجب التساقط.

فتجويز الجماعة في هذه الصلاة المندوبة في مفروض المسألة يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة،بل إطلاق الأدلة على المنع عن الجماعة في مطلق النافلة على المنع أقوى حجة.

و دعوى الحلّي اختصاصها بما لا يجب في وقت و هذه أصلها الوجوب، ممنوعة بأنه لا دليل عليها لا من إجماع و لا من رواية.

و أبعد منها دعواه أنّ مراد الأصحاب بفعلها على الانفراد انفرادها عن الشرائط لا عدم الاجتماع و أنه اشتبه ذلك على الحلبي من قلّة تأمله.

إلاّ أن يكون مستنده فيها الإجماع الذي ادّعاه على جوازها جماعة حيث قال:و أيضا فإجماع أصحابنا يدمّر ما تعلّق به،و هو قولهم بأجمعهم:يستحب في زمان الغيبة لفقهاء الشيعة أن يجمعوا صلوات الأعياد (1).

و قريب منه كلام القطب حيث قال:من أصحابنا من ينكر الجماعة في صلاة العيد سنّة بلا خطبتين،لكن جمهور الإمامية يصلّون هاتين الصلاتين جماعة،و عملهم حجة (2).

و قريب منهما كلام الفاضل في المختلف،حيث إنه بعد تقوية القول بالمنع قال:إلاّ أن فعل الأصحاب في زماننا الجمع فيها (3).

أقول:و على هذا فيقوّى القول بالجواز مطلقا كما عليه جمهور الأصحاب قولا و عملا.

و يمكن الذبّ عن أدلة المنع بعدم صراحتها،بل و لا ظهورها فيه،بعد

ص:382


1- انظر السرائر 1:316.
2- نقله عنه في المختلف:113.
3- المختلف:113.

احتمال كون المراد بصلاتها وحده صلاتها مع غير الإمام و لو في جماعة،كما مرّ نظيره في بعض أخبار الجمعة (1).

و يمكن أن يكون هذا أيضا مراد الفقهاء المحكي عنهم المنع عن الجماعة،عدا الحلبي،و هو نادر.

أو يكون مرادهم ما أشار إليه بعض الأفاضل (2)من أنهم إنما أرادوا الفرق بينها و بين الجمعة،باستحباب صلاتها منفردة بخلاف الجمعة كما هو نصّ المراسم (3)،و احتاجوا إلى ذلك،إذ شبّهوها بها في الوجوب إذا اجتمعت الشرائط.

أقول:و أما الموثق المانع عن جماعة الرجل بأهله في بيته و إن لم يقبل شيئا من هذه الحاصل،إلاّ أنه يمكن الجواب عنه بأنّ المراد به نفي تأكّد الجماعة في حق النسوة كما ذكره في الذكرى (4)،و يشعر به التعرض في ذيله للنهي عن خروجهن أيضا،أو يخصّ بما إذا خوطب الرجل بفعلها كما ذكره المحقّق الثاني (5)،و لعل هذا أولى.

هذا،و لا ريب انّ فعلها فرادى أحوط و أولى،خروجا عن شبهة الخلاف فتوى و نصّا.

و وقتها أي هذه الصلاة ما بين طلوع الشمس إلى الزوال على المشهور،بل الظاهر أنه متفق عليه كما في الذخيرة (6)،بل فيه و في غيره نقل

ص:383


1- راجع ص 316-321.
2- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:263.
3- المراسم:78.
4- الذكرى:238.
5- جامع المقاصد 2:453.
6- الذخيرة:320.

الإجماع عليه صريحا عن الفاضل في النهاية و التذكرة (1)،و به صرّح المحقق الثاني في شرح القواعد (2)،و في المنتهى الإجماع على الفوات بالزوال (3)،و هو الحجّة عليه.

مضافا إلى ظاهر الصحيح،بل صريحه،لقوله فيه:«إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس،فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم و أخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم» (4)و لو لا الفوات بعد الزوال لما كان للتأخير إلى الغد وجه.

و نحوه المرفوع (5).

و في الأول-مضافا إلى الإجماعات-الدلالة على الامتداد إلى الزوال، لظهور الشرطيتين فيه في سقوط قوله:«و صلّى بهم»بعد قوله:«في ذلك اليوم» في الشرطية الاولى (6)،و إلاّ للغتا و خلتا عن الفائدة طرّا،فلا وجه للتفصيل بهما بعد اشتراكهما في الحكم بالإفطار،و عليه يحمل إطلاق المرفوع بتأخير الصلاة إلى الغد،حمل المطلق على المقيّد.

و أما المروي عن دعائم الإسلام عن علي عليه السلام:في القوم لا يرون الهلال فيصبحون صياما حتى مضى وقت صلاة العيد أول النهار،

ص:384


1- نهاية الإحكام 2:56،التذكرة 1:157،و انظر كشف اللثام 1:261،و الحدائق 10:226.
2- جامع المقاصد 2:451.
3- المنتهى 1:343.
4- الكافي 4:1/169،الفقيه 2:467/109،الوسائل 7:432 أبواب صلاة العيد ب 9 ح 1.
5- الكافي 4:2/169،الفقيه 2:468/110،الوسائل 7:433 أبواب صلاة العيد ب 9 ح 2.
6- لا يخفى أنّ الموجود في الكافي في الشرطية الأولى بعد قوله عليه السلام:«أمر الإمام بالإفطار»:«و صلّى في ذلك اليوم»،فما ذكره من السقط إنما هو على نسخة الفقيه.

فيشهد شهود عدول أنهم رأوا من ليلتهم الماضية،قال:«يفطرون و يخرجون من غد فيصلون صلاة العيد أول النهار» (1).

فبعد الإغماض عن سنده يمكن حمل أول النهار فيه على ما يمتدّ إلى الزوال بقرينة ما مرّ من النص و الإجماع،فتوهّم بعض المعاصرين عدم امتداد وقتها إليه و اختصاصه بصدر النهار (2)ضعيف.

سيّما مع إمكان الاستدلال عليه بالاستصحاب،لدلالة الأخبار و كلمة الأصحاب بثبوت وقته بطلوع الشمس أو انبساطها مع سكوت الأدلّة عن آخره، فالأصل بقاؤه إلى ما قام الإجماع فتوى و نصّا على خلافه و هو الزوال.

و إن أبيت الاستصحاب فلنا على ذلك إطلاق الأخبار المضيفة لهذه الصلاة إلى يوم العيد الظاهر في الامتداد إلى الغروب،و إنما خرج منه ما بعد الزوال بما مرّ،فيبقى الباقي تحت الإطلاق.

و بهذا استدلّ جماعة (3)على كون مبدئها طلوع الشمس،لأنه مبدأ اليوم العرفي،أو الأعم منه و من قبل طلوعها من عند الفجر،لكنّه خارج بنحو ما مرّ.

و هو حسن.

و يدل عليه بعده و بعد الإجماع المحكي المتقدم خصوص الصحيح:

«ليس في الفطر و الأضحى أذان و لا إقامة،أذانهما طلوع الشمس،إذا طلعت خرجوا» (4).

و التقريب أنّ الأذان إعلام بدخول الوقت،و الخروج مستحب،فدلّ على

ص:385


1- دعائم الإسلام 1:187،المستدرك 6:124 أبواب صلاة العيد ب 6 ح 1.
2- الحدائق 10:227.
3- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:261.
4- الكافي 3:1/459،التهذيب 3:276/129،ثواب الأعمال:79،الوسائل 7:429 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 5.

جواز الصلاة عنده لو لم يخرجوا.

و منه يظهر ضعف ما قيل في ضعف دلالته بأن الشرطية قرينة على أن الطلوع وقت الخروج إلى الصلاة لا وقتها (1)،مضافا إلى ظهور ضعفه أيضا باستلزامه جهالة أول وقت الصلاة،لعدم تعيّن مقدار زمان الخروج قلّة و كثرة بحسب الأوقات و الأشخاص و الأمكنة،فتعيّن كون الطلوع مبدأ لنفس الصلاة لا للخروج إليها كما لا يخفى.

و بهذا يجاب عن النصوص المضاهية لهذا الصحيح في جعل الطلوع وقتا للخروج،منها الموثق:عن الغدوّ إلى الصلاة في الفطر و الأضحى،فقال:

«بعد طلوع الشمس» (2).

و منها المروي عن كتاب الإقبال بسنده عن زرارة:«لا تخرج من بيتك إلاّ بعد طلوع الشمس» (3).

و المروي عنه أيضا بسنده عن أبي بصير المرادي:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يخرج بعد طلوع الشمس» (4).

و نحوها حديث صلاة مولانا الرضا عليه السلام بمرو:فلمّا طلعت الشمس قام عليه السلام فاغتسل و تعمّم الخبر (5).

مضافا إلى قصور أسانيدها.

فظهر ضعف القول بأنّ وقتها الانبساط،كما عن النهاية و المبسوط

ص:386


1- كشف اللثام 1:261.
2- التهذيب 3:859/287،الوسائل 7:473 أبواب صلاة العيد ب 29 ح 2.
3- الإقبال:281،الوسائل 7:452 أبواب صلاة العيد ب 18 ح 2.
4- الإقبال:281،الوسائل 7:452 أبواب صلاة العيد ب 18 ح 1.
5- الكافي 1:7/488،عيون الأخبار 2:21/147،إرشاد المفيد 2:265،الوسائل 7:453 أبواب صلاة العيد ب 19 ح 1.

و الاقتصاد و الكافي و الغنية و الوسيلة و الإصباح (1).هذا إن أرادوا أنه وقتها على الإطلاق،و إلاّ فلو أرادوا به اختصاصه بمريدي الخروج إلى الجبّانة كما هو الغالب فلا خلاف.

و في الذكرى بعد نقل هذين القولين:و هما متقاربان (2).

و لو فاتت بأن زالت الشمس و لم تصلّ سقطت و لم تقض مطلقا وفاقا للمشهور،للأصل،و الصحيح:«من لم يصلّ مع الإمام في جماعة فلا صلاة له و لا قضاء عليه» (3).

و قوله عليه السلام:«لا صلاة له»محمول على نفي الكمال دون الصحة، لما مرّ من الأدلة فتوى و رواية على استحباب فعلها بعد فوتها مع الإمام فرادى و جماعة.

و ما في الذخيرة من حمله على حال الاختيار لا مطلقا (4)غير نافع للذبّ عن مخالفته لو حمل على نفي الصحة للإجماع،لعدم قائل بعدم استحباب فعلها فرادى أو جماعة لو فاتته اختيارا.

و كما لا قضاء عليه لا يستحب أيضا كما في ظاهر العبارة و صريح جماعة (5)،قيل:و يعطيه المعتبر (6)،للأصل.و ظاهر الخلاف و المنتهى دعوى

ص:387


1- النهاية:134،المبسوط 1:169،الاقتصاد:270،الكافي:153،الغنية(الجوامع الفقهية):561،الوسيلة:111،نقله عن الإصباح في كشف اللثام 1:261.
2- الذكرى:239.
3- التهذيب 3:273/128،الاستبصار 1:1714/444،ثواب الأعمال:78،الوسائل 7: 421 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 3.
4- الذخيرة:320.
5- منهم:الشيخ في الخلاف 1:667،و الحلبي في الكافي:154 و العلاّمة في المنتهى 1: 343.
6- قال به في كشف اللثام 1:261،و انظر المعتبر 2:311.

الإجماع عليه (1).

خلافا للإسكافي فقال:إن تحققت الرؤية بعد الزوال أفطروا و غدوا إلى العيد (2)،و احتجّ له في المختلف بعموم:من فاتته فليقضها كما فاتته،و أجاب بأن المراد اليومية،لظهورها عند الإطلاق.

قلت:و يؤيده أنه لو عمّم لوجب القضاء مع أنه يردّه الصحيح السابق، مضافا إلى الإجماع المتقدم.

و احتجّ له في الذكرى بالنبويين،في أحدهما:إنّ ركبا شهدوا عنده صلّى اللّه عليه و آله أنهم رأوا الهلال،فأمرهم أن يفطروا فإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاّهم (3)و أجاب عنها بأنها لم تثبت من طرقنا (4).

أقول:قد عرفت في المسألة النصوص من طرقنا بمضمونها،و فيها الصحيح و غيره (5)،و ظاهر الكليني و الصدوق العمل بها،و لذا مال إليه جماعة من متأخري(متأخري) (6)أصحابنا (7).

و هو حسن لو لا الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحقّقة و المحكية، مع أنه قول جماعة من العامة،فقد حكاه الفاضل في المنتهى عن الأوزاعي و الثوري و إسحاق و أحمد (8)،و لذا حملها بعض الأصحاب على التقية (9).

ص:388


1- الخلاف 1:667،المنتهى 1:343.
2- نقله عنه في المختلف:114.
3- سنن البيهقي 4:249.
4- الذكرى:239.
5- راجع ص 383.
6- ليست في«ل».
7- منهم:صاحب المدارك 4:102،و المحقق السبزواري في الذخيرة:320،و صاحب الحدائق 10:231.
8- المنتهى 1:343،و انظر المغني لابن قدامة 2:244.
9- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:261.

و في تعيّنه مناقشة،لاختلاف العامة،فبين قائل بها كهؤلاء،و قائل بما عليه أصحابنا كأبي حنيفة (1)،و مفصّل بين علمهم بالعيد بعد غروب الشمس فالأوّل و علمهم به بعد الزوال فلا يصلّي مطلقا (2).فلو لا الإجماع المنقول في ظاهر الخلاف و المنتهى المعتضد بالشهرة بين أصحابنا لكان القول بمضامين هذه الأخبار متعيّنا.

و عن المقنعة:من أدرك الإمام و هو يخطب فليجلس حتى يفرغ من خطبته ثمَّ يقوم فيصلّي القضاء (3).

و عن الوسيلة:إذا فاتت لا يلزم قضاؤها إلاّ إذا وصل إلى الخطبة و جلس مستمعا لها (4).

و هو[يعمّ] (5)بعد الزوال،و به الخبر،بل قيل:الصحيح (6):قلت:

أدركت الإمام على الخطبة،قال:«تجلس حتى يفرغ من خطبته ثمَّ تقوم فتصلّي» (7).

و هو-مع قصور سنده-يحتمل أن يكون المراد منه إن لم تزل الشمس، و يحتمل أن يراد بالقضاء في الكتابين الأداء إن لم تزل،و كذا قول الحلّي:ليس على من فاتته صلاة العيدين مع الإمام قضاء واجب و إن استحب له أن يأت بها منفردا (8).

و كذا قول الإسكافي:من فاتته و لحق الخطبتين صلاّها أربعا مفصولات

ص:389


1- انظر المغني لابن قدامة 2:244.
2- انظر المغني لابن قدامة 2:244.
3- المقنعة:200.
4- الوسيلة:111.
5- أضفناه-بعد مراجعة المصدر-لاقتضاء المعنى.
6- قال به المجلسي في روضة المتقين 2:757.
7- التهذيب 3:301/136،الوسائل 7:425 أبواب صلاة العيد ب 4 ح 1.
8- السرائر 1:318.

يعني بتسليمتين (1).

و نحوه كلام علي بن بابويه،إلاّ أنه قال:يصلّيها بتسليمة (2).

مع أنه لا مستند لهذه الأقوال الأخيرة عدا رواية ضعيفة:«من فاتته صلاة العيد فليصلّ أربعا» (3).

و هي غير منطبقة على شيء منها،لأنّ قوله«أربعا»ينافي ما عليه ظاهر الحلّي.و عدم تقييده بلحوق الخطبتين ينافي الأخيرين،مع عدم دلالتها على التسليمة الواحدة أو التسليمتين،لكنها ظاهرة في هذا.

و نحو هذه الأقوال في عدم الدليل عليه ما اختاره في التهذيب من أنه مع الفوت لا قضاء و لكن يجوز أن يصلّي إن شاء ركعتين و إن شاء أربعا من غير أن يقصد بها القضاء (4).

و هي ركعتان مطلقا جماعة صلّيت أو فرادى على الأشهر الأقوى، للنصوص الآتية،مضافا إلى الخبرين الماضيين (5):«صلّهما ركعتين في جماعة و غير جماعة».

خلافا لمن سبق إليه قريبا الإشارة في فوتها مع الإمام خاصة فأربع ركعات،إمّا حتما بتسليمتين أو بتسليمة،أو مخيرا بينها و بين الركعتين.و مرّ ضعفهما.

و كيفيتهما كصلاة الفريضة غير أنه يكبّر هنا في الركعة الأولى خمسا و في الثانية أربعا غير تكبيرة الإحرام و الركوع فيهما على الأشهر

ص:390


1- نقله عنهما في المختلف:114.
2- نقله عنهما في المختلف:114.
3- التهذيب 3:295/135،الاستبصار 1:1725/446،الوسائل 7:426 أبواب صلاة العيد ب 5 ح 2.
4- التهذيب 3:134.
5- في ص 381.

الأقوى،بل عليه عامة متأخري أصحابنا،و في المختلف:لا خلاف في عدد التكبيرات و أنه تسع تكبيرات،خمس في الاولى و أربع في الثانية (1).و ظاهره دعوى الإجماع عليه،و به صرّح في الانتصار و الناصرية و الاستبصار و الخلاف (2)،و هو الحجّة.

مضافا إلى المعتبرة المستفيضة المتضمنة للصحاح و الموثق و غيرها، ففي الصحيح:«تكبّر تكبيرة تفتتح بها الصلاة،ثمَّ تقرأ،و تكبّر خمسا و تدعو بينهما،ثمَّ تكبر أخرى و تركع بها،فذلك سبع تكبيرات بالتي تفتتح بها،ثمَّ تكبّر في الثانية خمسا تقوم فتقرأ،ثمَّ تكبّر أربعا و تدعو بينهن،ثمَّ تكبّر تكبيرة الخامسة» (3)و نحوه الموثق (4).

و غيره من أخبار كثيرة،و فيه:«الصلاة قبل الخطبتين،و التكبير بعد القراءة،سبع في الاولى و خمس في الأخيرة» (5).

و فيه:عن التكبير في العيدين،فقال:«سبع و خمس» (6).

قيل:و يحتمل كتب الصدوق و المفيد و الديلمي الثمان،و في المنتهى عن العماني و ابن بابويه أنها سبع (7).

ص:391


1- المختلف:112.
2- الانتصار:56،الناصرية(الجوامع الفقهية):203،الاستبصار 1:448،الخلاف 1:658.
3- التهذيب 3:287/132،الاستبصار 1:1737/449،الوسائل 7:435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 8.
4- التهذيب 3:288/132،الاستبصار 1:1738/449،الوسائل 7:436 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 10.
5- التهذيب 3:860/287،الوسائل 7:441 أبواب صلاة العيد ب 11 ح 2.
6- التهذيب 3:270/127،الاستبصار 1:1729/447،الوسائل 7:435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 4.
7- كشف اللثام 1:259.

و مستندهما غير واضح،نعم لعلّه لا بأس بهما على القول باستحباب هذه التكبيرات كما أشار إليه في المنتهى فقال:الوجه عندي أنّ التكبير مستحب،لما يأتي،فجائز فيه الزيادة و النقصان (1).

و هو حسن.لكن القول بالاستحباب ضعيف،لمخالفته التأسي و ظاهر النصوص و الإجماع المنقول عن ظاهر الانتصار (2)،المؤيد جميع ذلك بالشهرة الظاهرة و المحكية في كلام جماعة (3)،مع عدم وضوح دليل عليه،عدا الأصل المضعّف بما مرّ،و الصحيح (4)و غيره (5)المحمولين-على تقدير تسليم دلالتهما-على التقية كما في الاستبصار و غيره قال:لأنهما موافقان لمذاهب كثير من العامة و لسنا نعمل به،و إجماع الفرقة المحقة على ما قدّمنا (6).

و محل هذه التكبيرات بعد قراءة الحمد و السورة و قبل تكبير الركوع على الأظهر الأشهر بين الطائفة،و في صريح الانتصار و الخلاف (7)الإجماع عليه،و هو الحجّة،مضافا إلى المعتبرة المتقدمة.

خلافا للإسكافي و الصدوق في الهداية (8)،فجعلاه في الركعة الأولى قبل القراءة،و به أخبار صحيحة (9)،لكنها محمولة على التقية،قال الشيخ:لأنها

ص:392


1- المنتهى 1:341.
2- الانتصار:56.
3- منهم:فخر المحققين في الإيضاح 1:128،و المحقق السبزواري في الذخيرة:321. التهذيب 3:291/134،الاستبصار 1:1732/447،الوسائل 7:438 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 17.
4- التهذيب 3:854/286،الاستبصار 1:1731/447،الوسائل 7:437 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 14.
5- الاستبصار 1:448.
6- الانتصار:56،الخلاف 1:660.
7- الانتصار:56.
8- حكاه عن الإسكافي في المنتهى 1:342،الهداية:53.
9- التهذيب 3:284/131،285،الاستبصار 1:1740/450،1741،الوسائل 7:439 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 18،20.

موافقة لمذاهب العامة (1).

و للمفيد و غيره قول آخر (2)ذكرته في الشرح.

و يقنت وجوبا مع كل تكبيرة أي بعده بالمرسوم استحبابا.

و لم يتعين بل يقنت بما شاء من الكلام الحسن كما في الصحيح (3)، المعتضد باختلاف النصوص في القنوت المأثور،مع أنه لا خلاف فيه إلاّ من الحلبي فقال:يلزمه أن يقنت بين كل تكبيرتين فيقول:اللهم أهل الكبرياء و العظمة (4).

و هو شاذ،مع أنّ في الذكرى:إن أراد به الوجوب تخييرا و الأفضلية فحقّ،و إن أراد به الوجوب عينا فممنوع (5).

و ما قلنا من وجوب القنوتات هو المشهور بين الأصحاب،و في الانتصار و الغنية (6)الإجماع عليه،و هو الحجّة،مضافا إلى ما مرّ في وجوب التكبيرات من الأدلة.

خلافا للخلاف و جماعة (7)فتستحب،للأصل،و يضعّف بما مرّ،و لعدم نصوصية الأخبار و الصلوات في الوجوب،و يضعّف بكفاية الظهور.

و لخصوص ظاهر قوله في المضمر:«و ينبغي أن يقنت بين كلّ تكبيرتين

ص:393


1- التهذيب 3:131،الاستبصار 1:451.
2- و هو أن محلّ التكبير الأول في الركعة الثانية قبل القراءة و باقي التكبيرات بعدها،و هذا القول محتمل نسخة من المقنعة(ص 195 الهامش 1)،و الغنية(الجوامع الفقهية):561.
3- التهذيب 3:863/288،الوسائل 7:467 أبواب صلاة العيد ب 26 ح 1.
4- الكافي في الفقه:154.
5- الذكرى:242.
6- الانتصار:57،الغنية(الجوامع الفقهية):561.
7- الخلاف 1:661،و انظر الوسيلة:111،و المعتبر 2:314،و الجامع للشرائع:107.

خلافا للمقنعة فقبل الطلوع (1).قيل (2):و يوافقه الطبرسي في ظاهر جوامع الجامع،إذ قال:كانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر و بعد الفجر مغتصّة بالمبكّرين يوم الجمعة يمشون بالسرج،و قيل:أول بدعة أحدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجمعة (3).انتهى.

و هو مع مخالفته لما مرّ-مضافا إلى استحباب الجلوس بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس-غير واضح المستند،مع أنّ في الخلاف نسب التبكير إلى الشافعي خاصة،مدعيا على خلافه إجماع الإمامية كما عرفته.

و السجود على الأرض للنصوص الصحيحة (4)،و هو و إن كان أفضل في سائر الصلوات و في غيرها لكنه آكد هنا.

و عن الهداية و في غيرها:قم على الأرض و لا تقم على غيرها (5).و لا بأس به،للصحيح (6)و غيره (7).

و أن يقول المؤذّن:الصلاة بالرفع أو النصب ثلاثا كما في الصحيح (8)،و لا خلاف فيه بين العلماء كما قيل (9).

و عن العماني أن يقول:الصلاة جامعة (10).و لم أعرف مستنده.

ص:396


1- المقنعة:194.
2- كشف اللثام 1:261.
3- جوامع الجامع:493.
4- الوسائل 5:117 أبواب صلاة العيد ب 17.
5- الهداية:53،و انظر الحدائق 10:265.
6- التهذيب 3:849/285،الوسائل 7:451 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 10.
7- الوسائل 7:450 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 6،12،فقه الرضا(عليه السلام):213.
8- الفقيه 1:1473/322،التهذيب 3:873/290،الوسائل 7:428 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 1.
9- المدارك 4:113.
10- نقله عنه في المعتبر 2:316.

و هل المقصود به إعلام الناس بالخروج إلى الصلاة فيكون كالأذان المعلم بالوقت كما في الذكرى عن ظاهر الأصحاب (1)،أو بالدخول فيها فيكون بمنزلة الإقامة قريبة منها كما عن الحلبي (2)؟وجهان،و الظاهر تأدّي السنّة بكلّ منهما كما قيل (3).

و خروج الإمام حافيا تأسّيا بمولانا الرضا عليه السلام مع نقله ذلك عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و الوصي عليه السلام (4)،و لأنه أبلغ في التذلل و الاستكانة.

قيل:و أطلق استحبابه في التذكرة و نهاية الإحكام (5)،و فيهما الإجماع، و في التذكرة إجماع العلماء.

و نصّ في المبسوط على اختصاصه بالإمام (6)،و هو ظاهر الأكثر،و لا أعرف له جهة سوى أنهم لم يجدوا به نصّا عاما،و لكن في المعتبر و التذكرة (7):

إنّ بعض الصحابة كان يمشي حافيا و قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«من اغبرت قدماه في سبيل اللّه حرّمهما على النار» (8).

و أن يكون على سكينة و وقار ذاكرا للّه،للإجماع المحكي عن الخلاف و نهاية الإحكام و التذكرة (9)،قيل:و فيها إجماع العلماء.و عن مولانا

ص:397


1- الذكرى:240.
2- الكافي في الفقه:153.
3- المدارك 4:113.
4- الكافي 1:7/488،العيون 2:21/147،إرشاد المفيد 2:265،الوسائل 7:453 أبواب صلاة العيد ب 19 ح 1.
5- التذكرة 1:160،نهاية الإحكام 2:64.
6- المبسوط 1:170.
7- المعتبر 2:317،التذكرة 1:160.
8- سنن البيهقي 3:229.
9- لم نعثر عليه في الخلاف،و قد نقل الإجماع في مفتاح الكرامة 3:181 عن نهاية الإحكام و التذكرة فقط،نهاية الإحكام 2:64،و التذكرة 1:160.

الرضا عليه السلام أنه:كان يمشي و يقف في كل عشر خطوات و يكبّر ثلاث مرّات (1).

و أن يطعم و يأكل قبل خروجه إلى الصلاة في الفطر،و بعد عوده منها في الأضحى إجماعا،للنصوص المستفيضة (2).

و يستحب في الأول التمر،للنصوص،و منها الرضوي،و زيد فيه الزبيب (3).

و في المنتهى و التحرير و التذكرة و المبسوط و المهذّب و السرائر و غيرها (4):

استحباب الحلو،و في السرائر و الذكرى و البيان (5)أنّ أفضله السكر،و لعلّه للرضوي:«و روي عن العالم الإفطار بالسكر»و فيه أيضا«أفضل ما يفطر عليه طين قبر الحسين عليه السلام» (6).

أقول:و به رواية علي بن محمد النوفلي (7).

لكنهما مع ضعف سندهما و مخالفتهما لعموم المنع عن الطين (8)شاذتان،كما صرّح به الشهيد-رحمه اللّه-و الحلّي (9)،فطرحهما متعين.

ص:398


1- راجع الهامش(4)من الصفحة المتقدّمة.
2- الوسائل 7:443 أبواب صلاة العيد ب 12.
3- فقه الرضا(عليه السلام):210،المستدرك 6:130 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 2.
4- المنتهى 1:345،التحرير 1:46،التذكرة 1:160،المبسوط 1:169، المهذّب 1:121،السرائر 1:318،و انظر جامع المقاصد 2:447.
5- الذكرى:240،البيان:203.
6- فقه الرضا(عليه السلام):210،المستدرك 6:130 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 2.
7- الكافي 3:4/170،الفقيه 2:485/113 و فيهما بتفاوت يسير،الوسائل 7:445 أبواب صلاة العيد ب 13 ح 1.
8- الوسائل 24:220 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58.
9- الشهيد في الذكرى:240،الحلي في السرائر 1:318.

و يمكن حملهما على الاستحباب الإفطار بها في صورة جواز أكله بقصد الاستشفاء لا مطلقا.

و في الثاني كون مطعومه ممّا يضحّي به إن كان ممّن يضحّي، للصحيح:«لا تخرج يوم الفطر حتى تطعم شيئا،و لا تأكل يوم الأضحى إلاّ من هديك و أضحيّتك إن قويت عليه،و إن لم تقو فمعذور» (1).

و أن يقرأ بعد الحمد في الركعة الأولى ب سورة الأعلى، و في الثانية ب سورة و الشمس و ضحيها،كما في الخبرين (2).و قيل:

بالشمس في الاولى و الغاشية في الثانية (3)،للصحيحين (4).

و هذان القولان مشهوران،بل على ثانيهما الإجماع في الخلاف،و لعلّه الأقرب.

و هنا أقوال أخر (5)غير واضحة المأخذ،عدا الرضوي (6)لبعضها.

ص:399


1- الفقيه 1:1469/321،الوسائل 7:443 أبواب صلاة العيد ب 12 ح 1.
2- الأول: التهذيب 3:288/132،الاستبصار 1:1738/449،الوسائل 7:436 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 10. الثاني: الفقيه 1:1485/324،التهذيب 3:290/132،الوسائل 7:469 أبواب صلاة العيد ب 26 ح 5.
3- قال به الشيخ في الخلاف 1:662،و صاحب المدارك 4:104.
4- الأول. التهذيب 3:270/127،الوسائل 7:435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 4. الثاني: الكافي 3:3/460،التهذيب 3:278/129،الاستبصار 1:1733/448،الوسائل 7: 434 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 2.
5- انظر المختلف:112.
6- فقه الرضا(عليه السلام):131،المستدرك 6:126 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 4.

و لا خلاف في جواز العمل بالكل،و إنما اختلفوا في الأفضل،و لعلّه ما ذكرنا.

و التكبير في العيدين معا على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة متأخري أصحابنا (1)،و عليه الإجماع في المنتهى (2)،و هو الحجّة،مضافا إلى الأصل و المعتبرة كالصحيح:عن التكبير أيام التشريق أ واجب هو؟قال:

«يستحب» (3).

و في آخر مروي عن نوادر البزنطي في السرائر:عن التكبير بعد كل صلاة،فقال:«كم شئت إنه ليس بمفروض» (4).

و في الخبر:«أما إنّ في الفطر تكبيرا و لكنه مسنون» (5).

و العدول عن الجواب ب«نعم»إلى الجواب بقوله:«يستحب»في الأول صريح في أنّ المراد به الاستحباب بالمعنى المصطلح.

كما أنّ التفويض إلى المشيّة مع التعليل بأنه ليس بمفروض-في الثاني -صريح في نفي الوجوب بالمعنى المصطلح،لا نفي الوجوب الفرضي المستفاد من الكتاب في مقابلة الوجوب المستفاد من السنّة،مع عدم استقامته بعد تضمّن الكتاب للأمر به في قوله تعالى وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ [1] (6)و عن التبيان و مجمع البيان و فقه القرآن للراوندي (7):أنّ المراد به التكبير المراد

ص:400


1- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:448،و صاحب المدارك 4:107،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:260.
2- المنتهى 1:346.
3- التهذيب 5:1745/488،الوسائل 7:464 أبواب صلاة العيد ب 23 ح 1.
4- مستطرفات السرائر:27/30،الوسائل 7:465 أبواب صلاة العيد ب 24 ح 1.
5- الكافي 4:1/166،الفقيه 2:464/108،التهذيب 3:311/138،الوسائل 7:455 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 2.
6- البقرة:185.
7- التبيان 2:125،مجمع البيان 1:277،فقه القرآن 1:160.

هنا،كما في النصّ المروي عن الخصال (1)،و قوله تعالى وَ اذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ [1] (2)و هي أيام التشريق بلا خلاف كما في الخلاف (3)و الصحيح (4)، و الذكر فيها التكبير كما في الأخير.

و منه يظهر الجواب عن حمل السنّة في الخبر الأخير على الوجوب النبوي،مع منافاته الاستدراك فيه،مع عدم مصير القائل بالوجوب إليه، لاستناده في إثباته إلى الأمر الكتابي.

و بهذه الأدلة المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع يحمل على الاستحباب ما ظاهره الوجوب من الكتاب و السنّة.

فظهر ضعف القول بالوجوب فيهما كما عن المرتضى في الانتصار (5)،أو في التشريق خاصة مطلقا كما عنه في الجمل (6)،أو على من كان بمنى كما عن الشيخ في التبيان و الاستبصار و الجمل و الشيخ أبي الفتوح في روض الجنان و ابن حمزة و الراوندي في فقه القرآن (7)،أو في الفطر خاصة كما عن ابن شهرآشوب في متشابه القرآن (8).

هذا،و اختلاف النصوص و الفتاوي في بيان كيفية التكبير مطلقا كما يأتي أقوى دليل على الاستحباب،سيّما بعد اعتضاده بترك عامة الناس له مع عموم

ص:401


1- الخصال:9/609،الوسائل 7:457 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 6.
2- البقرة:203.
3- الخلاف 1:667.
4- الكافي 3:1/516،الوسائل 7:457 أبواب صلاة العيد ب 21 ح 1.
5- الانتصار:57.
6- جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):45.
7- التبيان 2:175،الاستبصار 2:299،الجمل و العقود(الرسائل العشر):238،روض الجنان 1:333،الوسيلة:189،فقه القرآن 1:300.
8- متشابه القرآن 2:177.

البلوى به و اشتراك جميع المكلّفين فيه من رجل أو امرأة،صغير أو كبير،في جماعة أو فرادى،في بلد أو قرية،في سفر أو حضر،كما يقتضيه إطلاق الأدلة،و ادّعى في الخلاف عليه إجماع الفرقة (1)،و في الخبر:«على الرجال و النساء أن يكبّروا أيام التشريق في دبر الصلاة،و على من صلّى وحده،و من صلّى تطوعا» (2).

ثمَّ التكبير في الفطر عقيب أربع صلوات،أوّلها المغرب و آخرها صلاة العيد للأصل،و صريح الخبر:أين هو؟قال:«في ليلة الفطر في المغرب و العشاء الآخرة و في صلاة الفجر و صلاة العيد ثمَّ يقطع» (3).

و في الفقيه (4)و في غيره (5):و في الظهر و العصر.و ظاهره الفتوى بالاستحباب عقيبهما أيضا كما حكي التصريح به عنه في المقنع و الأمالي (6).

قيل:و أسنده في العيون عن الفضل بن شاذان،عن الرضا عليه السلام:

«و التكبير في العيدين واجب في الفطر في دبر خمس صلوات» (7).

و في الخصال عن الأعمش،عن الصادق عليه السلام:«أمّا في الفطر ففي خمس صلوات يبدأ به من صلاة المغرب إلى صلاة العصر من يوم

ص:402


1- الخلاف 1:670.
2- التهذيب 3:869/289،الوسائل 7:463 أبواب صلاة العيد ب 22 ح 2.
3- الكافي 4:1/166،الفقيه 2:464/108،التهذيب 3:311/138،الوسائل 7:455 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 2.
4- الفقيه 2:/109ضمن الحديث 464،الوسائل 7:456 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 3.
5- فقه الرضا(عليه السلام):209،تفسير العيّاشي 1:195/82،مستدرك الوسائل 6:137 أبواب صلاة العيد ب 16 ح 4.
6- حكاه عن المقنع في المختلف:115،الأمالي:517.
7- العيون 2:124،تحف العقول:315 رواه مرسلا،الوسائل 7:456 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 5.

الفطر» (1).

و كأنّه فهم منهما خمس فرائض مع العيد فتكون ستّا كما نصّ عليه فيما قد ينسب إلى الرضا عليه السلام (2).

أقول:و على القول بجواز التسامح في أدلة السنن لا بأس بمتابعته.

و في الأضحى عقيب خمس عشرة فريضة أولها ظهر يوم العيد لمن كان بمنى،و في غيرها عقيب عشر صلوات فرائض مبدؤها كما ذكر بلا خلاف أجده،و النصوص به مستفيضة (3).

و ظاهرها-كالعبارة و نحوها من عبائر الجماعة-اختصاص الاستحباب بالفريضة دون النافلة،كما صرّح به في الصحيح:التكبير في كل فريضة، و ليس في النافلة تكبير أيام التشريق» (4).

خلافا للشيخ و الإسكافي (5)،فألحقاها بها و إن فرّقا بينهما بوجوبه في الاولى و استحبابه في الثانية،للمعتبرة المصرّحة بذلك (6)،المعتضدة بإطلاق جملة من المستفيضة.لكنها مقيدة بجملة أخرى منها،مضافا إلى الصحيحة الصريحة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا كما يفهم من الفاضل في بعض كتبه (7)،فهذه أرجح من تلك المعتبرة.لكن لا بأس بها أيضا على القول بالمسامحة في أدلة السنن و الكراهة.

ص:403


1- الخصال:9/609،الوسائل 457 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 6.
2- انظر كشف اللثام 1:260.
3- الوسائل 7:457 أبواب صلاة العيد ب 21.
4- التهذيب 5:925/270،الاستبصار 2:1072/300،الوسائل 7:467 أبواب صلاة العيد ب 25 ح 2.
5- الشيخ في الاستبصار 2:300،و نقله عن الإسكافي في البيان:204.
6- الوسائل 7:466 أبواب صلاة العيد ب 25.
7- انظر المختلف:311.

كما لا بأس لأجله بالمصير إلى إلحاقها بها في الفطر كما قال به الإسكافي فيه أيضا (1)،و إن لم نقف له فيه على نصّ أصلا،و استدل له في المختلف بأنه ذكر يستحب على كلّ حال،و أجاب بأنه مستحب من حيث إنه تكبير،أمّا من حيث إنه تكبير عيد فيمنع مشروعيته.

و صورته على ما ذكره الماتن هنا أن يقول في التشريق اللّه أكبر، اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر،اللّه أكبر على ما هدانا،اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام [و الحمد لله على ما أبلانا] .

و في الفطر:اللّه أكبر ثلاثا،لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر (2)،و للّه الحمد، اللّه أكبر على ما هدانا و له الشكر على ما أولانا.

و المشهور على ما في روض الجنان و غيره (3)في الفطر:اللّه أكبر،اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر،اللّه أكبر على ما هدانا و له الشكر على ما أولانا.

و كذا في الأضحى إلاّ أنه يزاد فيه بعد قوله:على ما أولانا:و رزقنا من بهيمة الأنعام.

أقول:و الأقوال هنا مختلفة غاية الاختلاف كالنصوص،فممّا يتعلق منها بالفطر روايات،منها كما في المتن،لكن بزيادة:اللّه أكبر قبل:و للّه الحمد، و إسقاط:و له الشكر..إلى آخره،و حذف التكبيرة الثالثة في أكثر النسخ (4).

و نحوها اخرى،لكن بحذفها طرّا،و حذف التكبيرة الأخرى قبل:و للّه

ص:404


1- نقله عنه في المختلف:115.
2- في المختصر المطبوع زيادة:اللّه أكبر.
3- روض الجنان:302،و انظر كشف اللثام 1:260.
4- الكافي 4:1/166،التهذيب 3:311/138،الوسائل 7:455 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 2.

الحمد كالمتن،و زيادة:و الحمد للّه على ما أبلانا بعد قوله:هدانا (1).

و منها:المروي عن الإقبال:«التكبير أن يقول:اللّه أكبر،اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر،اللّه أكبر،و للّه الحمد على ما هدانا» (2).

و ممّا يتعلق منها بالأضحى روايات أيضا منها الصحيح كما في المتن، و لكن بزيادة:و للّه الحمد،اللّه أكبر،قبل:على ما هدانا،و الحمد للّه على ما أبلانا بعد قوله:من بهيمة الأنعام (3).و نحوه آخران (4)،لكن بإسقاط الزيادة الأخيرة..إلى غير ذلك من النصوص الغير الملتئمة هي-كنصوص الفطر- مع شيء من الأقوال المنقولة في المقامين،و كلّ ذلك أمارة الاستحباب، فالعمل بكل منها حسن إن شاء اللّه تعالى،و به صرّح جماعة من أصحابنا (5).

و يكره الخروج بالسلاح إلاّ للضرورة،للنص (6).

و أن يتنفّل أداء و قضاء قبل الصلاة أي صلاة العيد و بعدها إلى الزوال،للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:«صلاة العيد ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء» (7).

ص:405


1- الفقيه 2:464/108،الوسائل 7:456 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 3.
2- الإقبال:271.
3- الكافي 4:4/517،التهذيب 5:922/269،الوسائل 7:459 أبواب صلاة العيد ب 21 ح 4.
4- الكافي 4:2/516،3 التهذيب 5:921/269،علل الشرائع:1/447،الخصال: 4/502،الوسائل 7:458 أبواب صلاة العيد ب 21 ح 2،3.
5- منهم الشهيد الأول في الذكرى:241،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:451، و الشهيد الثاني في الروضة 1:310.
6- الكافي 3:6/460،التهذيب 3:305/137،الوسائل 7:448 أبواب صلاة العيد ب 16 ح 1.
7- الوسائل 7:428 أبواب صلاة العيد ب 7.

و المراد بها نفي الصلاة قبلهما و بعدهما كما يعرب عنه الصحيحان:

«لا تقض وتر ليلتك في العيدين إن فاتك حتى تصلّي الزوال» (1).

و ظاهر النهي فيهما-كالنفي في سابقتهما-المنع عنها و حرمتها كما حكي عن جماعة من قدمائنا (2).لكن الأشهر ما في المتن،بل لا خلاف فيه يظهر بين عامة من تأخر،و ربما يظهر من جملة منهم كونه مجمعا عليه كما هو ظاهر المنتهى (3)،و صرّح به في الخلاف و شرح القواعد للمحقّق الثاني (4)فقال:

أجمع علماؤنا على كراهة التنفل قبلها و بعدها إلى الزوال للإمام و المأموم..

إلى آخر ما قاله.

و لو لا هذه الإجماعات المنقولة الصريحة في نفي الحرمة المعتضدة بالشهرة العظيمة و أصالة البراءة،لكان القول بها في غاية القوة،لظواهر المستفيضة السليمة عن المعارض فيما أجده.

نعم،أسند الصدوق في ثواب الأعمال عن سلمان،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من صلّى أربع ركعات يوم الفطر بعد صلاة الإمام يقرأ في أولاهنّ سبّح اسم ربك الأعلى،فكأنما قرأ جميع الكتب كل كتاب أنزله اللّه تعالى،و في الركعة الثانية الشمس و ضحيها،فله من الثواب ما طلعت عليه الشمس،و في الثالثة و الضحى،فله من الثواب كمن أشبع جميع المساكين و دهّنهم و نظّفهم،و في الرابعة قل هو اللّه أحد ثلاثين مرّة،غفر اللّه تعالى له

ص:406


1- الفقيه 1:1474/322،التهذيب 2:1088/274،الوسائل 7:428 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 2،9.
2- منهم:الشيخ في المبسوط 1:170،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):562،و ابن حمزة في الوسيلة:111.
3- المنتهى 1:346.
4- الخلاف 1:665،جامع المقاصد 2:457.

ذنوب خمسين سنة مستقبلة و خمسين سنة مستدبرة» (1).

لكنه غير واضح السند و التكافؤ لما مرّ،مع ظهوره في الاستحباب و لم يظهر به قائل من معتمدي الأصحاب.

قال الصدوق بعد نقله:هذا لمن كان إمامه مخالفا فيصلّي معه تقية ثمَّ يصلّي هذه الأربع ركعات للعيد،فأما من كان إمامه موافقا لمذهبه و إن لم يكن مفروض الطاعة لم يكن له أن يصلّي بعد ذلك حتى تزول الشمس.

أقول:و بهذا التوجيه يخرج الخبر عن محل الفرض،لكون الأربع ركعات حينئذ هي صلاة العيد كما عليه جماعة تقدّم إلى ذكرهم مع دليلهم الإشارة.

هذا،و لا ريب أن الترك أحوط و أولى إلاّ بمسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله بالمدينة فإنه يصلي فيه قبل خروجه إلى الصلاة ركعتين على المشهور،للنص (2)،و به يقيّد إطلاق ما مرّ،و يضعف القول بإطلاق الكراهة كما في الخلاف و عن المقنع (3).

و نحوه في الضعف إلحاق المسجد الحرام كما عن الكيدري (4).

و كذا عن الإسكافي و لكن بزيادة كل مكان شريف قال:و روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يفعل ذلك في البدأة و الرجعة في مسجده (5).

ص:407


1- ثواب الأعمال:4/104،الوسائل 7:427 أبواب صلاة العيد ب 6 ح 1.
2- الكافي 3:11/461،الفقيه 1:1475/322،التهذيب 3:308/138،الوسائل 7:430 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 10.
3- الخلاف 1:665،المقنع:46.
4- نقله عنه في كشف اللثام 1:263.
5- نقله عنه في المختلف:114.

قال الشهيد:و كأنه قياس،و هو مردود (1).

أقول:و الرواية أيضا لم تثبت.

و احتجّ له في المختلف بتساوي المسجدين في أكثر الأحكام،و بتساوي الابتداء و الرجوع،و أجاب بمنع التساوي في المقامين.

و ربما يحتج له بعموم أدلة استحباب صلاة التحية،مع عدم صلاحية المستفيضة المتقدمة لتخصيصها،إذ ليس مفادها إلاّ أنه لم يرتّب في ذلك اليوم نافلة إلى الزوال،و أن الراتبة لا تقضى فيه قبل الزوال،و ذلك لا ينافي التحية إذا اجتاز بمسجد بدءا و عودا،و النص المستثنى إنما أفاد استحباب إتيان مسجده صلّى اللّه عليه و آله و الصلاة فيه و عدم استحباب مثله في غير المدينة،و هو أمر وراء صلاة التحية إذا اجتاز بمسجد و إن فهم منه الحلّي استحباب الصلاة إن اجتاز به (2).

و فيه نظر،لابتنائه على أنّ المراد من نفي الصلاة في المستفيضة نفي التوظيف،لا المنع عن فعل أصل النافلة،و هو خلاف ما فهمه منها الجماعة حتى الإسكافي و المستدل له بهذه الحجّة،حيث إنه قال بعد نقل أحد الصحيحين الأخيرين:و لولاه أمكن أن يكون معنى تلك الأخبار أنه لم يوظّف في العيدين قبل صلاتهما صلاة،و لأجله وافق القوم على استنباط الكراهة من الأخبار المزبورة.

و منه يظهر ضعف ما عن الفاضلين في المعتبر و النهاية و التذكرة (3)من استحباب صلاة التحية إن صلّيت العيد في المسجد،لعدم ظهور وجه له،عدا

ص:408


1- انظر الذكرى:239.
2- انظر كشف اللثام 1:263.
3- المعتبر 2:324،نهاية الإحكام 2:58،التذكرة 1:161.

ما يقال من عموم أدلة استحباب التحية.

و فيه:أنه أعم من المستفيضة الواردة هنا،و هي خاصة بالنسبة إليه كما صرّح به في الذكرى (1)،و يظهر أيضا من المنتهى (2)،و لذا قالا بالمنع عنها.

و يمكن أن يقال:بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه لا مطلقا، كما صرّح به بعض أصحابنا (3)،و معه فيكفي في استحباب التحية عموم:

الصلاة خير موضوع.

لكن فيه:أنّ بين هذا العموم و النصوص المانعة عموما و خصوصا مطلقا فيخص بها قطعا،فيبقى شرعية التحية في مفروض المسألة لا دليل عليها.

و لو سلّم عموم ما دلّ على استحبابها كان مطلوبيتها غير مشروط بوقوع صلاة العيد في المسجد أو غيره،و مع ذلك لا وجه لتخصيص الاستحباب بتحية المسجد بل ينبغي إلحاق مطلق النوافل ذوات الأسباب،و كلّ منهما خلاف ما ذكراه،و هذا أوضح شاهد على أنّ النصوص المانعة هنا أخص من عمومات التحية و نحوها،و أنّ دليلهما غيرها كما لا يخفى.

و هل كراهة النافلة أو حرمتها تختص بما إذا صلّيت العيد كما هو ظاهر العبارة و غيرها،أم يعمّه و غيره كما هو مقتضى إطلاق الصحيحين الأخيرين؟ وجهان،و لعلّ الثاني أجودهما.

و هنا مسائل خمس الأولى:قيل:التكبير الزائد في الصلاة و هو التسع التكبيرات التي تفعل بعد القراءة أو قبلها على التفصيل المتقدم في كيفيتها على اختلاف

ص:409


1- الذكرى:240.
2- المنتهى 1:346.
3- الحدائق 10:296.

القولين واجب لما مرّ ثمّة (1).

و الأشبه عند الماتن الاستحباب هنا و كذا في القنوت.

و الأشهر الوجوب فيهما.و هو الأقوى،لما مضى هناك مفصّلا.

الثانية:من حضر صلاة العيد فهو بالخيار في حضور صلاة الجمعة إذا اتّفقا مطلقا على الأشهر الأقوى،للصحيح و غيره (2)،و في الخلاف الإجماع عليه أيضا (3).

خلافا لظاهر الإسكافي و جماعة (4)،فخصّوه بقاصي المنزل، للخبرين (5).و فيهما ضعف سندا،بل قيل:و دلالة (6)،و فيه نظر.و كيف كان فهما لا يكافئان ما مضى.

و لجماعة من القدماء،فمنعوا عن التخيير مطلقا (7)،تمسكا بعمومات ما دلّ على الفرضين مع عدم صلوح أخبار الآحاد لتخصيصها في البين.

و فيه منع ظاهر،لما قرّر في الأصول من جواز تخصيص الكتاب بالآحاد،سيّما مع اعتضادها بالاستفاضة و الشهرة و عمل الأصحاب.

و في اختصاص التخيير بالمأموم أو يعمّه و الإمام قولان.أشهرهما

ص:410


1- راجع ص 390.
2- الفقيه 1:1377/323،و رواه المفيد في المقنعة:201 مرسلا،الوسائل 7:447 أبواب صلاة العيد ب 15 ح 1.
3- الخلاف 1:673.
4- حكاه عن الإسكافي في المختلف:113،و انظر المعتبر 2:326،و الشرائع 1:102، و الحدائق 10:238.
5- الكافي 3:8/461،التهذيب 3:304/137،306،الوسائل 7:447 أبواب صلاة العيد ب 15 ح 2،3.
6- المدارك 4:119.
7- منهم:الحلبي في الكافي في الفقه:155،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):562، و ابن فهد في المهذّب البارع 1:123.

و أظهرهما الأوّل،اقتصارا فيما خالف العمومات على المتيقن من الفتاوي و الروايات،مع إشعار بعضها بل جملتها بذلك.

و يستحب للإمام إعلامهم أي المأمومين بذلك للنص:«إذا اجتمع عيدان في يوم واحد فإنه ينبغي للإمام أن يقول للناس في خطبته الاولى:إنه قد اجتمع لكم عيدان فأنا أصلّيهما جميعا،فمن كان مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له» (1).

و ظاهره الاستحباب كما في المتن و عبائر الأكثر.

خلافا للماتن في الشرائع فأوجب (2)،و تبعه شيخنا في روض الجنان (3)، و ظاهره كون المستند التأسي.و وجوبه في نحو ما نحن فيه ممنوع.

الثالثة:الخطبتان هنا بعد صلاة العيد بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر (4)،بل في المنتهى لا نعرف فيه خلافا إلاّ من بني أمية (5).

و النصوص به و بأن تقديمهما على الصلاة بدعة عثمان مستفيضة،ففي الصحيح:«و كان أوّل من أحدثها-أي الصلاة بعد الخطبة- عثمان لمّا أحدث أحداثه كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس ليرجعوا،فلمّا رأى ذلك قدّم الخطبتين و احتبس الناس للصلاة» (6).

و لا يجب استماعهما إجماعا كما مضى الإشارة إليه في بحث أن

ص:411


1- التهذيب 3:304/137،الوسائل 7:448 أبواب صلاة العيد ب 15 ح 3.
2- الشرائع 1:102.
3- روض الجنان:300.
4- كالخلاف 1:663،و السرائر 1:317،و التذكرة 1:159.
5- المنتهى 1:345.
6- التهذيب 3:860/287،الوسائل 7:441 أبواب صلاة العيد ب 11 ح 2.

شروط هذه الصلاة شروط الجمعة (1)،و في النبوي:«إنا نخطب،فمن أحبّ أن يجلس للخطبة فليجلس،و من أحبّ أن يذهب فليذهب» (2).

نعم يستحب،للنص (3).

الرابعة:لا ينبغي أن ينقل المنبر إلى الصحراء و يستحب أن يعمل شبه منبر من طين بلا خلاف أجده،و بالإجماع عليه صرّح جماعة (4)،بل عن الفاضل في النهاية و التذكرة أنّ عليه إجماع العلماء كافة (5).

و عن المعتبر أنّ على الكراهة فتوى العلماء و فتوى الصحابة (6).

و به رواية صحيحة صريحة (7)،غير أن ظاهرها الحرمة كما ربما يفهم من العبارة و نحوها،لكن ظاهر الأصحاب الكراهة كجملة من إجماعاتهم المنقولة، و منها-زيادة على ما عرفته-ما في المنتهى من قوله:يكره نقل المنبر من موضعه بلا خلاف،بل ينبغي أن يعمل شبه المنبر (8).

و في المدارك:إن هذين الحكمين إجماعيان (9).يعني كراهة الأول و استحباب الثاني.

و في شرح القواعد للمحقّق الثاني:لا خلاف في كراهية نقل المنبر من

ص:412


1- راجع ص 378.
2- سنن الدار قطني 2:30/50.
3- أمالي الطوسي:409،الوسائل 7:474 أبواب صلاة العيد ب 30 ح 2.
4- منهم الشهيد في الذكرى:241،و صاحب المدارك 4:122.
5- نهاية الإحكام 2:65،التذكرة 1:160.
6- المعتبر 2:325.
7- الفقيه 1:1473/322،التهذيب 3:873/290،الوسائل 7:137 أبواب صلاة العيد ب 33 ح 1.
8- المنتهى 1:345.
9- المدارك 4:122.

الجامع بل يعمل من طين ما يشبه المنبر (1).

الخامسة:إذا طلعت الشمس حرم السفر حتى يصلّي العيد على المخاطب بها،لاستلزامه الإخلال بالواجب،مع أنه لا خلاف فيه ظاهرا،و به صرّح بعض أصحابنا (2).

و يكره قبل ذلك،للصحيح (3)،و ظاهره الحرمة كما عن القاضي (4)،لكن ظاهر الأصحاب الإطباق على خلافه،فينبغي حمله على الكراهة.

هذا إذا طلع الفجر،و أمّا قبله فيجوز بلا كراهة كما هو ظاهرهم، و بالإجماع عليه صرّح جماعة (5).

ص:413


1- جامع المقاصد 2:458.
2- انظر الحدائق 10:300.
3- الفقيه 1:1480/323،التهذيب 3:853/286،الوسائل 7:471 أبواب صلاة العيد ب 27 ح 1.
4- المهذّب 1:123.
5- منهم:العلامة في التذكرة 1:162،و نهاية الاحكام 2:57،و يظهر أيضا من الحدائق 10: 300.

المجلد 4

اشارة

سرشناسه:طباطبائی کربلائی، علی بن محمدعلی، 1161 - 1231ق.

عنوان و نام پديدآور:ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل/ تالیف محمدعلی الطباطبایی؛ تحقیق موسسه آل البیت(ع) لاحیاءالتراث.

مشخصات نشر:قم: موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاءالثرات، 1418ق.-= 1376-

مشخصات ظاهری:16 ج.: نمونه.

فروست:موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

شابک: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری

يادداشت:عربی.

يادداشت:کتاب حاضر شرحی بر مختصرالنافع محقق حلی است.

يادداشت:ج.9 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت:ج. 11 - 13 (چاپ؟: 1421ق. = 1379).

يادداشت:ج. 15و 16 (چاپ؟: 1422ق. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:محقق حلی، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 7ق.

شناسه افزوده:محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

شناسه افزوده:موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاء الثرات

رده بندی کنگره:BP182/م3م30216 1376

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

تتمة كتاب الصلاة

تتمة المقصد الثاني في بقية الصلوات

تتمة الصلوات الواجبة
صلاة الكسوف
اشارة

و منها:صلاة الكسوف و في نسبتها إلى الكسوف مع كونه بعض أسبابها تغليب و تجوّز،و لو عنونها بصلاة الآيات كما صنعه الشهيد و غيره (1)كان أولى.

و النظر هنا يقع في بيان سببها و كيفيتها و أحكامها.

في سببها

و سببها الموجب لها كسوف الشمس أو خسوف القمر أو الزلزلة أي الرجفة،بلا خلاف أجده في شيء من هذه الثلاثة،بل على الأولين الإجماع حقيقة،و حكي أيضا في كلام جماعة حدّ الاستفاضة (2)؛ و هو الحجّة فيهما.

مضافا إلى المعتبرة المستفيضة:«صلاة الكسوف فريضة» (3).

و في رواية:«إذا انكسفتا أو إحداهما فصلّوا» (4).

ص:5


1- الشهيد في اللمعة(الروضة 1):311؛و انظر نهاية الإحكام 2:71.
2- منهم:العلامة في التذكرة 1:164،و الشهيد في الذكرى:243،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:464.
3- الوسائل 7:483 أبواب صلاة الكسوف ب 1.
4- الكافي 3:7/208،التهذيب 3:329/154،الوسائل 7:485 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 10.

و على الأخير الإجماع في ظاهر المعتبر و المنتهى و غيرهما (1)، و صريح الخلاف و التذكرة (2)؛و هو الحجّة،مضافا إلى ما سيأتي إليه الإشارة.

و في رواية بل روايات صحيحة أنّها تجب لأخاويف السماء.

منها:«كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتى يسكن» (3).

و منها:«إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّيتها ما لم تخف أن يذهب وقت الفريضة» (4).

و قريب منهما غيرهما:عن الريح و الظلمة تكون في السماء و الكسوف،فقال عليه السلام:«صلاتها سواء» (5)و ظاهره التسوية في كل شيء حتى الوجوب.

و في الصحيح:«إنما جعلت للكسوف صلاة لأنه من آيات اللّه» الحديث (6).و مفهوم التعليل حجّة.

و في الرضوي:«إذا هبّت ريح صفراء أو سوداء أو حمراء فصلّ لها

ص:6


1- المعتبر 2:328،المنتهى 1:349؛و انظر شرح جمل العلم و العمل للقاضي ابن البراج:135.
2- الخلاف 1:678،التذكرة 1:163.
3- الكافي 3:3/464،الفقيه 1:1529/346،التهذيب 3:330/155،الوسائل 7:486،أبواب صلاة الكسوف ب 2 ح 1.
4- الفقيه 1:1530/346،الوسائل 7:491 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 4.
5- الفقيه 1:1512/341،الوسائل 7:486 أبواب صلاة الكسوف ب 2 ح 2.
6- الفقيه 1:1513/342،علل الشرائع:269،الوسائل 7:496 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 11.

صلاة الكسوف،و كذلك إذا زلزلت الأرض فصلّ صلاة الكسوف» (1).

و في دعائم الإسلام،عن جعفر بن محمّد عليهما السلام:«تصلّي في الرجفة و الزلزلة و الريح العظيمة و الظلمة و الآية تحدث و ما كان مثل ذلك كما تصلّي في صلاة كسوف الشمس و القمر سواء» (2).

و على هذه الروايات عمل عامة المتأخرين، وفاقا لأكثر المتقدمين بل عامّتهم أيضا عدا نادر ممّن لم يتعرض لغير الكسوفين،و هو غير صريح بل و لا ظاهر في المخالفة؛و لعلّه لذا ادعى الشيخ في الخلاف على الرواية إجماع الطائفة (3)،و لم ينقل فيها في المنتهى خلاف عن أحد من الطائفة (4).

و عليه فلا وجه للتردد المستفاد من العبارة؛إذ لا معارض للرواية، مع ما هي عليه من الصحة و الاستفاضة و الاعتضاد بعمل الطائفة،عدا أصالة البراءة اللازم تخصيصها بالرواية،فإنها بالإضافة إليها خاصة،فلتكن عليها مقدمة.

و اعلم أنّ ضابط الأخاويف ما يحصل به لمعظم الناس،كما صرّح به جماعة (5)،و يظهر من بعض نصوص المسألة.

و نسبتها إلى السماء لعلّه باعتبار كون بعضها فيها،أو أريد بالسماء مطلق

ص:7


1- فقه الرضا(عليه السّلام):135،المستدرك 6:165 أبواب صلاة الكسوف ب 2 ح 1.
2- دعائم الإسلام 1:202،المستدرك 6:165 أبواب صلاة الكسوف ب 2 ح 2.
3- الخلاف 1:682.
4- المنتهى 1:349.
5- منهم:صاحب المدارك 4:128،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:30.

العلو،أو المنسوبة إلى خالق السماء و نحوه لإطلاق نسبته إلى اللّه تعالى كثيرا.

و وقتها أي صلاة الكسوف،و يدخل فيها صلاة الخسوف من الابتداء فيه إجماعا فتوى و نصا،ففي الصحيح:«وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس و عند غروبها» (1).

إلى الأخذ في الانجلاء في المشهور بين أصحابنا،قيل للصحيح (2):ذكروا انكساف الشمس و ما يلقى الناس من شدته،فقال عليه السلام:«إذا انجلى منه شيء فقد انجلى» (3).

و ردّ باحتمال أن يكون المراد تساوي الحالين في زوال الشدّة لا بيان الوقت،فلا يمكن الخروج به عن مقتضى الأصل و إطلاق النصوص بإيجاب الصلاة بالكسوف الصادق في المفروض،و خصوص المعتبرة الظاهرة في بقاء الوقت إلى تمام الانجلاء كالصحيح:«صلّى رسول صلّى اللّه عليه و آله في كسوف الشمس،ففرغ حين فرغ و قد انجلى كسوفها» (4)و لو كان يخرج الوقت قبل تمام الانجلاء لم يجز التطويل إليه سيّما من النبي صلّى اللّه عليه و آله قطعا.

و الصحيح:«إن فرغت قبل أن ينجلي فأعد» (5)و لو كان الوقت قد خرج قبل الانجلاء لم تشرع الإعادة لا وجوبا و لا استحبابا إجماعا.

ص:8


1- الكافي 3:4/464،التهذيب 3:886/293،الوسائل 7:488 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 2.
2- قال به الشهيد الثاني في روض الجنان:303.
3- الفقيه 1:1535/347،التهذيب 3:877/291،الوسائل 7:488 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 3،و في المصادر:انكساف القمر.
4- التهذيب 3:333/155،الوسائل 7:489 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 4.
5- التهذيب 3:334/156،الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 8 ح 1.

و نحوه الكلام في الموثق:«إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس و القمر و تطول في صلاتك فإن ذلك أفضل» (1)و الذهاب إنما يكون بالانجلاء التام.

و لذا ذهب الفاضلان في المعتبر و الشرائع و المنتهى و الشهيد في الدروس و الذكرى و جماعة من متأخري المتأخرين (2)إلى امتداد الوقت إلى تمام الانجلاء،وفاقا لجماعة من القدماء كالعماني و الديلمي و الحلبي و المرتضى (3)، و لعلّه الأقوى.

و تظهر الفائدة فيما جعل وقتا،فإنه يشترط مساواته للصلاة أو زيادته عنها، فلو قصر عنها سقطت،لاستحالة التكليف بعبادة في وقت يقصر عنها،إلاّ إذا أريد القضاء فيما لو أدرك ركعة من الوقت بعد أن مضى منه ما يسع الصلاة مع ما بقي فإنه يجب الشروع فيها،لا أقلّ من ذلك.

و اعلم أنّ الماتن لم يتعرض لوقت هذه الصلاة في سائر الآيات، و المشهور أنه في الزلزلة تمام العمر،فإنها سبب لوجوبها لا وقت،لقصورها عنها غالبا فهي أداء و إن سكنت.

و عن نهاية الاحكام احتمال أن يكون ابتداؤها وقتا لابتداء الصلاة فتجب المبادرة إليها،و يمتدّ الوقت مقدار الصلاة،ثمَّ تصير قضاء (4).و يؤيده أنّ شرع

ص:9


1- التهذيب 3:876/291،الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 8 ح 2.
2- المعتبر 2:330،الشرائع 1:130،المنتهى 1:352،الدروس 1:195،الذكرى:244؛ و انظر الذخيرة:324،و كشف الغطاء:257.
3- نقله عن العماني في المنتهى 1:352،الحلبي في الكافي:156،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):46.و أما الديلمي فقد صرّح في المراسم:80 بأن نهاية وقتها ابتداء الانجلاء فلاحظ.
4- نهاية الإحكام 2:77.
الصلاة لاستدفاع العذاب

.

و فيما عداها:مدّتها لا إلى الشروع في الانجلاء كما في الكسوفين على الأقوى،و لا مدة العمر؛لأصلي الامتداد إلى الانجلاء من غير معارض هنا،و البراءة بعده،بناء على عدم ما يدلّ على كونها من الأسباب تجب صلاتها مطلقا كالزلزلة،سوى الإطلاقات كالصحيح:«إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّيتها ما لم تخف أن تذهب وقت فريضة» (1).

و يجب تقييدها بما يدل على التوقيت فيها،كالصحيح:«كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن» (2).

فإنّ«حتى»هنا إما لانتهاء الغاية أو للتعليل،و على كل منهما يثبت التوقيت،نصّا على الأوّل و فحوى على الثاني.

و مثله و إن جرى في الزلزلة لكن قصورها عن مقدار أداء الصلاة غالبا كما مضى يعيّن المصير إلى عدم كونها موقّتة؛لاستلزامه التكليف بفعل في زمان يقصر عنه،و هو باطل إجماعا و اعتبارا،إلاّ أنّ يخصّ فائدته بالابتداء فتجب فورا،و هو قوي كما مضى.

و ممّا ذكرنا ظهر وجه إطباق الأصحاب على التوقيت في الكسوفين، مضافا إلى الصحيحة السابقة في بيان ابتداء وقتهما و النصوص الآتية في القضاء نفيا و إثباتا؛لصراحتها في التوقيت مبدأ و منتهى فيهما على الأول،و ظهورها كذلك على الثاني.

فما يقال فيهما-من أنّ الظاهر أنّ الأدلة غير دالّة على التوقيت،بل ظاهرها سببية الكسوف لإيجاب الصلاة-فيه ما فيه،سيّما مع مخالفته لظاهر إطباق الأصحاب.

ص:10


1- تقدّم مصدره في ص 6.
2- تقدّم مصدره في ص 6.

و قريب منه القول بإلحاق ما عدا الكسوفين بالزلزلة في التوقيت بمدة العمر كما عن المنتهى و التحرير (1).

و لا يجب قضاء صلاة الكسوفين مع الفوات بشرطين أشار إليهما و هما عدم العلم بالسبب و احتراق بعض القرص على الأظهر الأشهر في الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة ممّن تأخر (2)،و عن ظاهر التذكرة عدم الخلاف فيه إلاّ من المفيد (3)،و فيه إشعار بدعوى الإجماع، و حكي التصريح به عن القاضي (4).

للمعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:«إذا انكسفت الشمس كلّها و احترقت و لم تعلم و علمت بعد ذلك فعليك القضاء،و إن لم يحترق كلّها فليس عليك قضاء» (5).

و فيه:أ يقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم و إذا أمسى فعلم؟ قال:«إذا كان القرصان احترقا[كلّهما قضيت]و إن كان إنما احترق بعضهما فليس عليك قضاء» (6)و نحوه الخبر (7).

و قريب منهما الموثق،عن مولانا الباقر عليه السلام قال:«انكسفت

ص:11


1- المنتهى 1:352،التحرير 1:47.
2- منهم:المحقق في المعتبر 2:331،و العلامة في التذكرة 1:164،و فخر المحققين في الإيضاح 1:131.
3- التذكرة 1:164.
4- المهذّب 1:124.
5- الكافي 3:6/465،التهذيب 3:339/157،الاستبصار 1:1759/454، الوسائل 7:500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 2.
6- الفقيه 1:1532/346،الوسائل 7:499 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 1،بدل ما بين المعقوفين في النسخ:كلاهما قضيتا،و ما أثبتناه من المصادر.
7- التهذيب 3:336/157،الوسائل 7:500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 4.

الشمس و أنا في الحمّام فعلمت بعد ما خرجت فلم أقض» (1)و هو محمول على صورة عدم الاحتراق؛للإجماع على لزوم القضاء فيه على الإطلاق.

خلافا للصدوقين و المفيد و الإسكافي و الحلبي و الانتصار و الخلاف (2)فيجب القضاء،و في ظاهر الكتابين دعوى الإجماع عليه؛و لعلّه الحجّة لهم، مضافا إلى العمومات الآمرة بقضاء الفوائت (3)،و خصوص الرضوي:«و إن انكسفت الشمس أو القمر و لم تعلم به فعليك أن تصلّيها إذا علمت،فإن تركتها متعمدا حتى تصبح فاغتسل و صلّ،و إن لم يحترق القرص فاقضها و لا تغتسل» (4).

و في الجميع نظر؛لعدم صراحة الأوّل حيث حكي على وجوب قضاء هذه الصلاة على الإطلاق المحتمل قريبا اختصاصه بصورة العلم أو الاحتراق، لمصير أحد الناقلين في جملة من كتبه كالجمل و المسائل المصرية (5)إلى المختار،مع أنه معارض بأجود منه و أصرح.

و العموم بحيث يشمل المقام ممنوع؛لاختصاصه بحكم التبادر و الغلبة بفوائت اليومية كما صرّح به جماعة (6)،و لو سلّم فهو كالإجماعين يحتمل التخصيص و التقييد بصريح ما قدّمناه من الأدلة،المعتضدة بالأصل و الشهرة

ص:12


1- التهذيب 3:883/292،الاستبصار 1:1755/453،الوسائل 7:501 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 8.
2- نقله عن الصدوقين في المختلف:114،المفيد في المقنعة:211،نقله عن الإسكافي في المختلف:116،الحلبي في الكافي:156،الانتصار:58،الخلاف 1:678.
3- الوسائل 8:253 أبواب قضاء الصلوات ب 1.
4- فقه الرضا(عليه السلام):135،المستدرك 6:174 أبواب صلاة الكسوف ب 9 ح 1.
5- جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):46،نقله عن المسائل المصرية في المختلف:116.
6- منهم:صاحب المدارك 4:136،و السبزواري في الذخيرة:325.

العظيمة التي كادت تكون من المتأخرين إجماعا،بل لعلّها إجماع في الحقيقة كما يفهم عن التذكرة (1).

و بمثله يجاب عن الرضوي،فإنّ موضع الدلالة فيه إطلاق صدره المحتمل للتقييد بذلك،و أما ذيله فهو و ان تضمّن الأمر بالقضاء مع عدم الاحتراق لكنه يحتمل الاختصاص بصورة العلم و تعمد الترك،كما يقتضيه السياق،و ما فيه قبل ذلك:«فإن علمت بالكسوف فلم يتيسر لك الصلاة فاقض متى شئت،و إن أنت لم تعلم بالكسوف في وقته ثمَّ علمت بعد ذلك فلا شيء عليك و لا قضاء»و هو كالنصّ،بل نصّ في المذهب المختار،و إن لزم تقييد إطلاقه بصورة عدم الاحتراق بالنصّ و الإجماع.

و يعضده-مضافا إلى ما مرّ-إطلاق النصوص النافية للقضاء بعد الفوت في هذه الصلاة على الإطلاق،منها الصحيح:«إذا فاتتك فليس عليك قضاء» (2).

و في الخبر:«ليس فيها قضاء،و قد كان في أيدينا أنها تقضى» (3).

لكنها شاذة محتملة للحمل على التقية كما يفهم من الانتصار و الخلاف (4)؛حيث جعلا أصل قضاء هذه الصلاة من متفردات الإمامية و قالا:

إنه لم يوافقنا على ذلك أحد من فقهاء العامة،و ربما أشعر بذلك الرواية الأخيرة،فتدبّر.

ص:13


1- التذكرة 1:164.
2- التهذيب 3:884/292،الاستبصار 1:1756/453،الوسائل 7:501 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 7.
3- التهذيب 3:338/157،الاستبصار 1:1757/453،الوسائل 7:501 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 9.
4- الانتصار:58،الخلاف 1:678.

و تقضى هذه الصلاة لو علم بالسبب و أهمل أو نسي أن يصلّيها و كذا تقضى لو احترق القرصان كلّهما على التقديرات كلّها أي سواء لم يعلم بالسبب أو علم و أهمل أو نسي.

بلا خلاف في الأخير على الظاهر،المصرّح به في كلام جمع (1)،و عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه (2)،كما يستفاد من إطلاق عبارتي الانتصار و الخلاف (3)،و به صرّح في المنتهى لكن في صورة العلم خاصة (4)؛و هو الحجّة،مضافا إلى صريح المعتبرة المستفيضة المتقدمة.و أمّا إطلاق النصوص الأخيرة فقد عرفت الجواب عنها مع احتمالها الحمل على صورة عدم العلم و احتراق البعض خاصة.

و على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر فيما عداه مطلقا،و قد نفى الخلاف عنه و عن عدم وجوب الغسل في صورة العمد منه في السرائر (5)، و يشمله مطلقا إطلاق عبارتي الانتصار و الخلاف المنقول فيهما الإجماع؛و هو الحجّة.

مضافا إلى صريح المرسل:«إذا علم بالكسوف و نسي أن يصلّي فعليه القضاء،و إن لم يعلم فلا قضاء عليه،هذا إذا لم يحترق كلّه» (6)و هو و إن اختص بالنسيان إلاّ أنه يلحق به العمد بالفحوى مع عدم قائل بالفرق بينهما.

ص:14


1- منهم الشيخ في المبسوط 1:172،المحقق في الشرائع 1:103،العلامة في المنتهى 1: 353.
2- التذكرة 1،:164.
3- الانتصار:58،الخلاف 1:678.
4- المنتهى 1:354.
5- السرائر 1:321.
6- الكافي 3:/465ذيل الحديث 6،الوسائل 7:500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 3.

و إطلاق الموثق:«و إن أعلمك أحد و أنت نائم فعلمت ثمَّ غلبتك عيناك فعليك قضاؤها» (1).

و المرسل كالصحيح:«إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل و لم يصلّ فليغتسل من غد و ليقض الصلاة،و إن لم يستيقظ و لم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلاّ القضاء» (2).

و إطلاقهما يقرب من النصّ؛لندرة الاحتراق و غلبة انكساف البعض فيحمل عليه.

نعم ربما يشعر سياق الأخير بكون مورده خصوص صورة الاحتراق؛للأمر بالغسل في صورة التعمد،و نفيه و إثبات القضاء في صورة الجهل،و شيء منهما لم يوافق مذهب الأكثر مع عدم الاحتراق،إلاّ أن يحمل على الاستحباب.

و كيف كان،ففيما عداه كفاية إن شاء اللّه تعالى و إن قصر السند أو ضعف؛للانجبار بالشهرة العظيمة و حكاية الإجماعات المتقدمة؛مضافا إلى التأيد بعمومات ما دلّ على قضاء الفريضة أو إطلاقاته لو لم نقل بكونها حجّة مستقلّة كما يظهر من جماعة (3).

و من هنا ظهر ضعف القول بعدم وجوب القضاء مطلقا كما عن مصباح المرتضى (4)،أو في النسيان خاصة كما عن المبسوط و النهاية و القاضي و ابن

ص:15


1- التهذيب 3:876/291،الاستبصار 1:1760/454،الوسائل 7:501 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 10.
2- التهذيب 3:337/157،الاستبصار 1:1758/453،الوسائل 7:500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 5.
3- منهم:الحلي في السرائر 1:321،و المحقق في المعتبر 2:331،و العلامة في المختلف: 117.
4- نقله عنه في المعتبر 2:331.

حمزة (1)،سيّما مع عدم دليل عليه مطلقا إلاّ الأصل المخصّص بما مرّ، و النصوص النافية للقضاء مطلقا،و قد عرفت الجواب عنها،مع عدم انطباقها إلاّ على مذهب المرتضى و إلاّ فالتفصيل لا يظهر منها،بل و لا من الأصل أيضا.

هذا كلّه في قضاء صلاة الكسوفين.و أمّا سائر الآيات ما عدا الزلزلة فالمشهور عدم وجوب القضاء مع الجهل بها مطلقا،و وجوبه مع العلم كذلك، بل قيل في الأول:إنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا (2).

و يدلّ على الحكم فيه-بعد الأصل،و اختصاص النصوص الآمرة بقضاء الفوائت بحكم التبادر باليومية منها كما مضى-فحوى ما دلّ عليه في الكسوفين؛لكون وجوب صلاتهما أقوى،فعدم وجوب قضائهما يستلزم عدم وجوب قضاء صلاة سائر الآيات بطريق أولى.

و لا أعلم لهم دليلا على الحكم في الثاني،سوى عموم نصوص قضاء الفوائت،و فيه ما مضى،مع جريانه في الأوّل أيضا و لم يقولوا بمقتضاه فيه، فينبغي القول بعدم الوجوب هنا أيضا،لكن لم أجد به قائلا.

ثمَّ إنّ هذا كلّه على المختار من التوقيت في صلاة الآيات،و يأتي على غيره من جعلها من الأسباب لزوم أدائها على كل حال و لا تكون قضاء.

في كيفيتها

و كيفيتها أن ينوي فيكبّر تكبيرة الافتتاح و يقرأ الحمد و سورة أو بعضها،ثمَّ يركع،فإذا انتصب منه قرأ الحمد ثانيا و سورة أو بعضها إن كان أتم السورة في الركعة الاولى،و إلاّ يكن أتمها فيها قرأ من حيث قطع و لا يقرأ الحمد ثانيا،و هكذا يفعل إلى أن يكمل خمس ركوعات فإذا أكملها خمسا سجد اثنتين،ثمَّ قام بغير تكبير للقيام فقرأ الحمد

ص:16


1- المبسوط 1:172،النهاية:137،القاضي في المهذّب 1:124،ابن حمزة في الوسيلة: 112.
2- المدارك 4:134.

و سورة أو بعضها و ركع فإذا انتصب قرأ الحمد ثانيا و سورة إن كان أتمها في الأولى،و إلاّ قرأ من حيث قطع،و بالجملة يكون معتمدا و مراعيا في هذه الركعة ترتيبه الأول الذي راعاه و فعله في الركعة الأولى إلى أن يكمل عدد الركوعات خمسا ثمَّ يسجد و يتشهّد و يسلّم.

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده فتوى و نصا،إلاّ من الحلّي فلم يوجب الحمد زيادة على مرّة في كل من الركعة الأولى و الثانية مطلقا و لو أكمل السورة و أتمها في كل ركعة،بل استحبها (1).

و هو شاذّ على خلافه الإجماع في ظاهر عبائر جماعة (2)؛و هو الحجّة عليه،مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها،المتضمنة للأمر بها في الصورة المذكورة (3)،السليمة عمّا يصلح للمعارضة،عدا بعض الوجوه الاعتبارية و النصوص القاصرة سندا بل و دلالة.

و من (4)الخبرين الدالّ أحدهما على أنّ عليا عليه السلام صلّى في كسوف الشمس ركعتين في أربع سجدات و أربع ركعات (5).

و ثانيهما على أنّ مولانا الباقر عليه السلام صلّى في خسوف القمر ثماني ركعات كان (6)يصلي ركعة و سجدتين (7).

ص:17


1- انظر السرائر 1:324.
2- منهم الشيخ في الخلاف 1:679،المحقق في المعتبر 2:334،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:241.
3- الوسائل 7:492 أبواب صلاة الكسوف ب 7.
4- عطف على قوله:من الحلي(منه رحمه اللّه).
5- التهذيب 3:879/291،الاستبصار 1:1753/452،الوسائل 7:493 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 4.
6- في المصادر:كما.
7- التهذيب 3:880/292،الاستبصار 1:1754/453،الوسائل 7:494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 5.

و هما-بعد الإغماض عن سندهما-موافقان للعامة كما صرّح به جماعة و منهم شيخ الطائفة (1)،و مع ذلك شاذان على خلافهما و ما في المتن من أنها ركعتان في كل ركعة خمس ركوعات و سجدتان الإجماع في الناصرية و الانتصار و الخلاف و المعتبر و المنتهى (2)و غير ذلك من كتب الجماعة؛و هو الحجّة.

مضافا إلى النصوص المتقدم إليها الإشارة،و منها الصحيح:«هي عشر ركعات و أربع سجدات،تفتتح الصلاة بتكبيرة و تركع بتكبيرة و ترفع رأسك بتكبيرة إلاّ في الخامسة التي تسجد فيها و تقول:سمع اللّه لمن حمده،و تقنت في كل ركعتين قبل الركوع و تطيل القنوت و الركوع على قدر القراءة و السجود، فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد و ادع اللّه حتى ينجلي،و إن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتمّ ما بقي و اجهر بالقراءة»قال:قلت:كيف القراءة فيهما؟ فقال:«إن قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب،و إن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت و لا تقرأ فاتحة الكتاب»الحديث (3).

و يستفاد من إطلاقه جواز التفريق بأن يبعّض سورة واحدة في إحدى الركعتين و يقرأ في الأخرى خمسا،و الجمع في الركعة الواحدة بين الإتمام و التبعيض بأن يتم سورة مثلا في القيام الأوّل و يبعّض سورة في الأربعة الباقية.

و على ذلك تدل جملة من المعتبرة،منها الصحيح المروي في مستطرفات السرائر،عن جامع البزنطي،عن مولانا الرضا عليه السلام،و فيه:

ص:18


1- التهذيب 3:292.
2- الناصرية(الجوامع الفقهية):203،الانتصار:58،الخلاف 1:679،المعتبر 2:333، المنتهى 1:350.
3- الكافي 3:2/463،التهذيب 3:335/156،الوسائل 7:494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6

عن القراءة في صلاة الكسوف[و هل]تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب؟قال:

«إذا ختمت سورة و بدأت بأخرى فاقرأ فاتحة الكتاب،و إن قرأت سورة في ركعتين أو ثلاث فلا تقرأ فاتحة الكتاب حتى تختم السورة،و لا تقل:سمع اللّه لمن حمده في شيء من ركوعك إلاّ الركعة التي تسجد فيها» (1).

و نحوه الآخر المروي عن علي بن جعفر في كتابه (2).

و الصحيح:«و إن شئت قرأت سورة في كل ركعة،و إن شئت قرأت نصف سورة في كل ركعة،فإذا قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب،و إن قرأت نصف السورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلاّ في أول ركعة حتى تستأنف أخرى»الخبر (3).

و ظاهر هذه النصوص عدم لزوم الاقتصار على قراءة خمس سور في كل ركعة،أو تفريق سورة على الخمس،فلا وجه للاحتياط به كما قيل (4).

كما لا وجه للحكم بتحتّم ترك الفاتحة في صورة التبعيض،لمكان النهي عنها الذي هو حقيقة في التحريم.

و ذلك لاحتمال وروده مورد توهم الوجوب،كما يفصح عنه الصحيحة الأخيرة،لمكان قوله«أجزأك..»إلى آخره،فتدبر.

و لا لما ذكره الشهيدان من أنه متى ركع عن بعض سورة تخيّر في القيام بعده بين القراءة من موضع القطع،و بين القراءة من أيّ موضع شاء من السورة

ص:19


1- مستطرفات السرائر:54 ذيل الحديث 7،الوسائل 7:497 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 13. بدل ما بين المعقوفين في النسخ:قال،و ما أثبتناه من المصادر.
2- قرب الإسناد:(857/219.
3- الفقيه 1:1533/346،الوسائل 7:495 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 7.
4- المدارك 4:140.

متقدما أو متأخرا،و بين رفضها و قراءة غيرها (1).

لمخالفته لما في الصحيحة الأولى من قوله:«فإن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت»فإنّ مقتضاه تعيّن القراءة من موضع القطع، فلا يكون العدول إلى غيره من السورة و غيرها جائزا،و بذلك صرّح جماعة (2)، و يستفاد أيضا من العبارة.

و يستحب فيها أي في هذه الصلاة مطلقا الجماعة بإجماعنا كما عن التذكرة و في غيرها (3)؛للعمومات،و التأسي ففي الصحيح:«صلاّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الناس خلفه في كسوف الشمس» (4)و أظهر منه غيره (5)؛ و للنص (6).

و لا فرق في المشهور بين احتراق القرص كلّه أو بعضه،أداء و قضاء؛ للعموم.

خلافا للصدوقين فنفياها عند احتراق البعض (7).

و للمفيد فنفاها في القضاء (8).

و مستندهم غير واضح،نعم في الخبر:«إذا انكسفت الشمس و القمر فانكسف كلّها فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلّي بهم،و أيّهما كسف

ص:20


1- الذكرى:245،الروضة البهيّة 1:312.
2- منهم:الشيخ في المبسوط 1:173،و الشهيد في البيان:221،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:465.
3- التذكرة 1:164؛و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):562.
4- التهذيب 3:333/155،الوسائل 7:492 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 1.
5- الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 9.
6- الوسائل 7:503 أبواب صلاة الكسوف ب 12.
7- نقله عنهما في المختلف:118،المقنع و الهداية:44.
8- انظر المقنعة:211.

بعضه فإنه يجزي الرجل أن يصلّي وحده» (1).

و هو مع قصور سنده غير دالّ على المنع عنها في صورة احتراق البعض، و إنما غايته الدلالة على إجزائها فرادى،و هو لا ينافي استحباب الجماعة فيها.

و يفهم من بعض وجود قول بوجوبها مع الاحتراق (2)؛و لعلّه ظاهر عبارة الصدوقين المحكية في المختلف،و يستفاد منه قولهما بوجوبها مع الاحتراق، و المنع عنها مع عدمه.

و يردّه-مضافا إلى الأصل و الإجماع المتقدم-الإجماع المحكي في الخلاف على جوازها جماعة و فرادى،و في السفر و الحضر (3).

و في الذكرى:و ليست الجماعة شرطا في صحتها عندنا و عند أكثر العامة (4).

و في الموثق:عن صلاة الكسوف تصلى جماعة؟قال:«جماعة و غير جماعة» (5)و نحوه الخبر (6).

و الإطالة بقدر زمان الكسوف المعلوم،قيل:أو المظنون (7).

بإجماع العلماء كما عن المعتبر (8)،و في المنتهى لا نعرف فيه خلافا (9).

و لاستحباب الإطالة مطلقا.و للنصوص (10).

ص:21


1- التهذيب 3:881/292،الوسائل 7:503 أبواب صلاة الكسوف ب 12 ح 2.
2- انظر الذكرى:246.
3- الخلاف 1:683.
4- الذكرى:246.
5- التهذيب 3:882/292،الوسائل 7:503 أبواب صلاة الكسوف ب 12 ح 1.
6- التهذيب 3:889/294،الوسائل 7:503 أبواب صلاة الكسوف ب 12 ح 3.
7- قال به الشهيد الأول في البيان:211،الشهيد الثاني في روض الجنان:305.
8- المعتبر 2:336.
9- المنتهى 1:350.
10- الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 9.

و يستفاد من جملة منها آتية إطلاق استحبابها حتى للإمام مطلقا،و لكن في الصحيح:«و كان يستحب أن يقرأ فيهما بالكهف و الحجر،إلاّ أن يكون إماما يشقّ على من خلفه» (1).

و هو مع صحة سنده أوفق بعموم النصوص الآتية في بحث الجماعة-إن شاء اللّه تعالى-الآمرة بالتخفيف و الإسراع مراعاة لحال المأمومين،فيمكن حمل أخبار الباب على صورة رغبة المأمومين في الإطالة.

و ظاهر الأصحاب مساواة الكسوفين في مقدار الإطالة،لكن في الصحيح:«إنّ صلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر» (2).

و في آخر:و رووا«أن الصلاة في هذه الآيات كلّها سواء،و أشدّها و أطولها كسوف الشمس» (3).

و إعادة الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء للأمر بها في الصحيح (4) و ظاهره الوجوب كما عن جماعة من القدماء (5)،و حمله الأكثر على الاستحباب،جمعا بينه و بين الصحيح (6)و غيره (7)الآمرين بدل الإعادة بالجلوس و الدعاء حتى ينجلي.

و الجمع بينهما بالوجوب التخييري و إن أمكن،و ربما استفيد من الرضوي:«و إن صلّيت و بعد لم ينجل فعليك الإعادة أو الدعاء و الثناء على اللّه

ص:22


1- الكافي 3:2/463،التهذيب 3:335/156،الوسائل 7:494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6.
2- تقدّم مصدره في الهامش 1.
3- التهذيب 3:333/155،الوسائل 7:492 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 1.
4- التهذيب 3:334/156،الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 8 ح 1.
5- منهم الحلبي في الكافي في الفقه:156،و سلاّر في المراسم:81.
6- التهذيب 3:334/156،الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 8 ح 1.
7- التهذيب 3:876/291،الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 8 ح 2.

تعالى و أنت مستقبل القبلة» (1)..لكنه غير معروف القائل كما صرّح به في الذخيرة و المدارك (2)و مع ذلك الأول أوفق بالأصل،المؤيد بالشهرة و ظاهر بعض المعتبرة،كالموثق:«إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب عن الشمس و القمر و تطول في صلاتك فإن ذلك أفضل،و إن أحببت أن تصلي و تفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز» (3)فتدبّر.

و ممّا ذكرنا يظهر ضعف ما عليه الحلّي من إنكار الإعادة مطلقا (4)و إن حسن على أصله،لكون النص الدال عليه من الآحاد التي لا يعمل بها.و في التنقيح:إنّ ذلك منه عجيب مع حصول النص (5)و لا عجب منه،لما مرّ،بل التعجب منه عجيب.

و أن يكون ركوعه بقدر قراءته للمضمر:«و يكون ركوعك مثل قراءتك» (6)و في الخلاف و عن الغنية (7)الإجماع عليه.

و في الصحيح:«و تطيل القنوت على قدر القراءة و الركوع و السجود» (8).

و استدل به جماعة على المطلوب (9)،و هو يتم إن نصبنا الركوع و السجود،و هو غير متعين لو لم يتعين الخفض.

ص:23


1- فقه الرضا(عليه السلام):135،المستدرك 6:173 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 1.
2- الذخيرة:326،المدارك 4:143.
3- التهذيب 3:876/291،الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 8 ح 2.
4- السرائر 1:324.
5- التنقيح الرائع 1:243.
6- التهذيب 3:890/294،الوسائل 7:493 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 2.
7- الخلاف 1:680،الغنية(الجوامع الفقهية):562.
8- الكافي 3:2/463،التهذيب 3:335/156،الوسائل 7:494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6.
9- منهم:المحقق في المعتبر 2:336،و العلامة في التذكرة 1:163،و نهاية الإحكام 2:75.

و فيه على تقدير النصب دلالة على انسحاب الحكم في السجود أيضا كما عليه جماعة (1)،بل القنوت أيضا كما في الذكرى و غيره (2).

و لا بأس به؛للتسامح في أدلة السنن،مع أنّ في المنتهى الإجماع على استحباب التطويل في كل من الركوع و السجود من أهل العلم في الأول، و منّا في الثاني (3).

و هو و إن لم يقدّر التطويل بقدر القراءة،لكنه استدل عليه في الأوّل بالصحيحة السابقة المتوقف دلالتها على النصب،و مقتضاه التقدير بقدر القراءة،و في الثاني بالمضمرة السابقة المتضمنة لقوله بعد ما مرّ:«و سجودك مثل ركوعك».

و عن المفيد تقدير الإطالة بقدر السورة (4)؛و لعلّ مراده بها ما يعمّ الفاتحة،فلا مخالفة.

و أن يقرأ السور الطوال إجماعا كما في الخلاف و المنتهى (5).

و هي مثل يس و النور كما في المضمر،و فيه:فمن لم يحسن يس و أشباهها،قال:«فليقرأ ستّين آية في كل ركعة».

و في المقنعة،عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام:أنّه صلّى بالكوفة صلاة الكسوف،فقرأ فيها الكهف و الأنبياء و ردّدها خمس مرّات،و أطال في ركوعها حتى سال العرق على أقدام من كان معه و غشي على كثير منهم (6).

ص:24


1- منهم:المحقق في المعتبر 2:336،و العلامة في التذكرة 1:163،و الشهيد في الذكرى: 245.
2- الذكرى:245؛و انظر نهاية الإحكام 2:75.
3- المنتهى 1:351.
4- المقنعة:209.
5- الخلاف 1:680،المنتهى 1:351.
6- المقنعة:210،الوسائل 7:499 أبواب صلاة الكسوف ب 9 ح 3.

و نحوه المرسل المروي في صلاة الرسول صلّى اللّه عليه و آله (1).

و مرّ في الصحيح استحباب خصوص الكهف و الحجر.

و قوله مع السعة متعلق بكل من تطويل الركوع و السورة جميعا،و وجه التقييد به واضح.

و أن يكبّر كلّما انتصب من الركوع في كل من العشر ركعات إلاّ في الخامس و العاشر فإنه يقول عند الانتصاب منهما سمع اللّه لمن حمده بإجماعنا الظاهر المصرّح به في الخلاف و المنتهى (2)،و المعتبرة المستفيضة المتقدمة إلى بعضها الإشارة (3).

و في بعض الأخبار التسميع عند الانتصاب من ركوع تمت السورة قبله (4).

و أن يقنت بعد القراءة قبل الركوع من كل مزدوج من الركوعات حتى يقنت في الجميع خمس قنوتات بلا خلاف أجده؛للمعتبرة المستفيضة المتقدم بعض منها (5).

قال الصدوق:و إن لم يقنت إلاّ في الخامسة و العاشرة فهو جائز؛لورود الخبر به (6).

و عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و الإصباح و الجامع و البيان (7)جواز

ص:25


1- التهذيب 3:885/293،الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 9 ح 1.
2- الخلاف 1:679،المنتهى 1:351.
3- راجع ص 18،19.
4- لم نعثر عليه في كتب الحديث،و رواه الشهيد-رحمه اللّه-في النفلية ص 37،قال:و روي نادرا عمومه-أي عموم التسميع-إذا فرغ من السورة لا مع التبعيض.
5- الوسائل 7:492 أبواب صلاة الكسوف ب 7.
6- الفقيه 1:347.
7- النهاية:137،المبسوط 1:173،الوسيلة:113،عن الإصباح في كشف اللثام 1:265، الجامع للشرائع:109،البيان:211.

الاقتصار عليه في العاشرة.

أحكامها

و الأحكام فيها اثنان:

الأول إذا اتفق في وقت حاضرة تخيّر في الإتيان بأيّهما شاء

الأول:إذا اتفق إحدى هذه الآيات في وقت صلاة حاضرة تخيّر المكلّف في الإتيان ب صلاة أيّهما شاء مع اتساع وقتهما على الأصح الأشهر على الظاهر،المنقول عن المعتبر (1)،و المصرّح به في كلام جمع ممن تأخر (2)؛للأصل،و التساوي في الوجوب و الاتساع؛مضافا إلى عموم ما دلّ على جواز الفريضتين في وقتهما.

و فيه مع ذلك الجمع بين ما دلّ على الأمر بتقديم الفريضة على الكسوف من المعتبرة،كالصحيح:عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة،فقال:«ابدأ بالفريضة» (3).

و ما دلّ على العكس،كالصحيح:«إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّيتها ما لم تتخوف أن يذهب وقت الفريضة،فإن تخوّفت فابدأ بالفريضة و اقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف،فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت» (4).

خلافا للصدوق و غيره (5)فقال بالأول؛عملا بظاهر الأمر،المعتضد بصريح الرضوي:«و لا تصلّها في وقت الفريضة،فإذا كنت فيها و دخل عليك وقت الفريضة فاقطعها و صلّ الفريضة،ثمَّ ابن على ما صلّيت من صلاة

ص:26


1- المعتبر 2:340.
2- كالمحقق السبزواري في الكفاية:22،و صاحب الحدائق 10:345.
3- الكافي 3:5/464،الوسائل 7:490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 1.
4- الفقيه 1:1530/346،الوسائل 7:491 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 4.
5- الصدوق في الفقيه 1:347؛و انظر نهاية الشيخ:137.

الكسوف» (1).

و يعارضان بالمثل،و قد عرفته في الأوّل،و هو في الثاني المروي عن دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال:فيمن وقف في صلاة الكسوف حتى دخل عليه وقت صلاة،قال:«يؤخرها و يمضي في صلاة الكسوف حتى يصير إلى آخر الوقت،فإن خاف فوت الوقت قطعها و صلّى الفريضة» (2).

و حيث لا ترجيح وجب التخيير.

و ربما يحمل وقت الفريضة في الثاني على وقت الفضيلة (3)؛فيجب تقديم الحاضرة مطلقا-كما عليه الصدوق رحمه اللّه-جمعا،و التفاتا إلى ظاهر الصحيحين،في أحدهما:عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس و يخشى فوات الفريضة،فقال:«اقطعوا و صلّوا الفريضة و عودوا إلى صلاتكم» (4).

و في الثاني:ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة،فإن صلّينا الكسوف خشينا أن تفوتنا الفريضة،فقال:«إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك و اقض فريضتك ثمَّ عد فيها»الحديث (5).

و فيه نظر؛لعدم ظهور الصحيحين فيما ذكر،و عدم شاهد على الجمع،مع أنه ليس بأولى من الجمع بالعكس بحمل وقت الفريضة في الأولى على آخر وقت الإجزاء،و يكون العمل على الرواية الأخيرة من تقديم صلاة الكسوف كما عليه بعض الجماعة (6).

ص:27


1- فقه الرضا(عليه السلام):135،المستدرك 6:167 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 1.
2- دعائم الإسلام 1:201،المستدرك 6:167 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 2.
3- كما في الحدائق 10:348.
4- التهذيب 3:888/293،الوسائل 7:490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 3.
5- التهذيب 3:332/155،الوسائل 7:490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 2.
6- في«م»زيادة:و قال السيد المرتضى و ابن أبي عقيل:يصلي الكسوف ما لم يخش فوت الحاضرة (نقله عنهما في المختلف:117).

و حيث وقع التعارض بين هذين الجمعين و لا مرجح لأحدهما في البين تعيّن التخيير بين الأمرين،مع تأيده-زيادة على ما قدّمناه-بأنه لا معنى لتضيق وجوب أحدهما بمجرد معارضته للآخر مع كونه في أصل الشرع موسّعا.

و بالجملة:لا ريب في التخيير و إن كان تقديم الحاضرة أولى؛لأهميتها في نظر الشارع،مع كثرة ما يدل على لزوم تقديمها نصا و فتوى.

ما لم يتضيق وقت الحاضرة فيتعين الأداء إجماعا كما في المنتهى و المدارك و الذخيرة و غيرها (1)؛للنصوص المتقدمة الدالة عليه بظاهرها بل بصريحها؛مع استلزام تقديم الكسوف حينئذ الإخلال بالواجب لا لضرورة.

و منه يظهر الحكم بوجوب تقديم الكسوف لو انعكس الفرض بأن تضيّق وقتها و اتسع الحاضرة،و عليه الإجماع في الكتابين الأخيرين أيضا.

و إن تضيّق وقتهما معا قدّمت الحاضرة إجماعا كما في التنقيح (2)،و نفى عنه الخلاف في الذكرى (3)،و وجهه ظاهر ممّا قدّمنا.

و حيث قدّمها وجب عليه قضاء الكسوف إن فرّط في فعلها،و إلاّ فلا مطلقا و إن فرّط في الحاضرة،على قول (4)مستند إلى أن تأخيرها كان مباحا إلى ذلك الوقت،ثمَّ تعين عليه الفعل بسبب التضيق و اقتضى ذلك الفوات، و هو بالنظر إلى هذه الحال غير متمكن من فعل الكسوف،فلا يجب الأداء لعدم التمكن،و لا القضاء لعدم الاستقرار.

و قيل:يجب القضاء مع التفريط فيها؛لاستناد إهمالها إلى ما تقدّم من

ص:28


1- المنتهى 1:353،المدارك 4:144،الذخيرة:326؛و انظر الحدائق 10:345.
2- التنقيح الرائع 1:244.
3- الذكرى:246.
4- انظر المعتبر 2:341،و الذخيرة:327.

تقصيره (1).

و في كل من القولين نظر،بل الوجه التفصيل بين ما لو علم المكلّف باستلزام تأخير الحاضرة فوات الكسوف عن وقتها كما يتفق أحيانا فالثاني،و إلاّ فالأوّل،فتدبّر.

و إذا دخل في صلاة الكسوف بظن سعة الحاضرة ثمَّ تبيّن له ضيقها في الأثناء قطعها و صلّى الحاضرة إجماعا،فتوى و نصا،ثمَّ بنى على ما قطع،وفاقا للأكثر،و في ظاهر المنتهى الإجماع عليه (2)؛لصريح الصحيحة الثانية و الرضوية المتقدمة؛و قريب منهما الصحيحة الأخيرة.

خلافا للمبسوط فليستأنف (3)،و اختاره في الذكرى (4)،لأمر اعتباري غير مسموع في مقابلة النصوص الصحيحة المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع كما عرفت حكايته.

و لو كانت الحاضرة نافلة فالكسوف أولى بالتقديم وجوبا بلا خلاف ظاهرا،و في المنتهى:إنّ عليه علماءنا أجمع (5).و يدل عليه-بعد الإجماع الظاهر منه-الاعتبار المعتضد بالصحيحين الواردين في خصوص تقديم الكسوف على نافلة الليل (6)،و لا قائل بالفرق،مضافا إلى تنقيح المناط القطعي

ص:29


1- انظر المنتهى 1:354،و الذكرى:247،و الروضة 1:314.
2- المنتهى 1:354.
3- المبسوط 1:172.
4- الذكرى:247.
5- المنتهى 1:354.
6- الأول: الكافي 3:5/464،الوسائل 7:490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 1. الثاني: التهذيب 3:332/155،الوسائل 7:490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 2.

المستند إلى الاعتبار السابق،و هو أولوية الواجب بالتقديم على غيره.

و لا فرق فيها بين ما لو خرج وقت النافلة بتقديم الفريضة أو لم يخرج،و لا بين ما إذا اتّسع وقت صلاة الكسوف بحيث ما لو أتى بالنافلة أدركها بعدها أولا؛لإطلاق النص و الفتوى المعتضد بعموم ما دلّ على المنع عن النافلة وقت الفريضة.

الثاني تصلّى هذه الصلاة على الراحلة و ماشيا

الثاني: يجوز أن تصلّى هذه الصلاة على الراحلة و ماشيا مع الضرورة إجماعا.و في جوازها على الراحلة اختيارا قولان،فعن الإسكافي الأول.لكن مع استحباب فعلها على الأرض (1).و حكاه في المنتهى عن الجمهور (2).

و في التنقيح عن الماتن في المعتبر نقله عن باقي الأصحاب (3).

و هو غريب فإنّ أحدا ممّن وصل إلينا كلامه لم ينقله عن أحد عدا الإسكافي،بل صرّح بعضهم بأنّ المشهور خلافه (4)،و هو المشار إليه بقوله:

و قيل و القائل الشيخ في النهاية (5)بالمنع مطلقا إلاّ مع العذر و الضرورة،و اختاره الماتن هنا و في الشرائع (6)بقوله و هو أشبه.

و تبعه عامة متأخري الأصحاب فيما أعرفه؛عملا بعموم ما دلّ على المنع عن الفريضة على الراحلة،مع سلامتها عن المعارض بالكلية.

عدا ما ربما يستدل للجواز من رواية ضعيفة السند بالجهالة و الكتابة،مع

ص:30


1- كما نقله عنه في المختلف:118.
2- المنتهى 1:354.
3- التنقيح الرائع 1:244.
4- المهذّب البارع 1:428.
5- النهاية:138.
6- الشرائع 1:104.

أنها غير واضحة الدلالة،فإن فيها:كتبت إلى الرضا عليه السلام:إذا انكسفت الشمس و القمر و أنا راكب لا أقدر على النزول،فكتب:«صلّ على مركبك الذي أنت عليه» (1).

و السؤال فيها مختص بحال الضرورة،و الجواب يتبعه؛للمطابقة، و لا عموم فيه لغة حتى يكون العبرة به لا بالمورد.و لو سلّم الدلالة نقول:إنّها محمولة على التقية،لما مرّ،و يشهد له كونها مكاتبة،هذا.

و في المنتهى قد استدل بها على المختار،و قال في تقريبه:و التعليق بالوصف يقتضي التخصيص ظاهرا (2).

و هو كما ترى؛لمنع الاقتضاء أوّلا؛و تخصيصه ثانيا-على تقدير تسليمه- بما إذا وقع في كلام الإمام عليه السلام لا مطلقا،و مطابقة الجواب للسؤال تقتضي اختصاص الحكم الوارد فيه بمحلّ الوصف لا تخصيصه به بحيث ينفى عن غيره كما هو واضح.

صلاة الجنازة
اشارة

و منها:صلاة الجنازة هي واحدة الجنائز،قيل:هي بالكسر:الميت بسريره (3).و قيل:

بالكسر:السرير،و بالفتح:الميت يوضع عليه (4).

و النظر فيها يقع في أمور أربعة من يصلّى عليه،و المصلّي، و كيفيتها،و أحكامها.

فيمن يصلى عليه

فأما الأول:فاعلم أنّه تجب هذه الصلاة على كلّ مسلم إجماعا

ص:31


1- الكافي 3:7/465،الفقيه 1:1531/346،التهذيب 3:878/291،قرب الإسناد: 1377/393،الوسائل 7:502 أبواب صلاة الكسوف ب 11 ح 1.
2- المنتهى 1:354.
3- نقله في مجمع البحرين 4:10 عن النهاية،و لكن الموجود فيها(ج 1 ص 306):الجنازة بالفتح و الكسر..
4- نقله ابن الأثير في النهاية 1:306.

كما عن التذكرة (1)،و في المنتهى بلا خلاف (2).قال-كباقي متأخري الأصحاب-:إنّ المراد به هو كلّ مظهر للشهادتين ما لم يعتقد خلاف ما علم بالضرورة ثبوته من الدين،كالقادحين في عليّ عليه السلام أو أحد الأئمة كالخوارج،أو من غلا فيه كالنصيريّة و السبأيّة و الخطابيّة،فهؤلاء لا تجب عليهم الصلاة-إلى أن قال-:و تجب الصلاة على غيرهم.

و ظاهره دعوى الإجماع على وجوب الصلاة على المخالفين الذين لم ينكروا شيئا من ضروري الدين،و هو أحد القولين في المسألة و أشهرهما؛ لعموم النبوي المشهور:«صلّوا على من قال:لا إله إلاّ اللّه» (3).

و الخبرين في أحدهما:«صلّ على من مات من أهل القبلة و حسابه على اللّه تعالى» (4).

و في الثاني:«لا تدعوا أحدا من أمتي بغير صلاة» (5).

و ضعفهما منجبر بالشهرة العظيمة بين أصحابنا،مع اعتبار ما في سند أوّلهما.

خلافا لجماعة من القدماء،فمنعوا عن الصلاة عليهم جوازا أو وجوبا (6)؛ للنصوص المتواترة بكفرهم (7)المستلزم لذلك إجماعا كتابا و سنّة.

ص:32


1- التذكرة 1:45.
2- المنتهى 1:447.
3- سنن الدار قطني 2:3/56،4،5،الجامع الصغير للسيوطي 2:5030/98.
4- التهذيب 3:1025/328،الاستبصار 1:1809/468،الوسائل 3:133 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 2.
5- الفقيه 1:480/103،التهذيب 3:1026/328،الاستبصار 1:1810/468،الوسائل 3: 133 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 3.
6- منهم:المفيد في المقنعة:229،و الحلبي في الكافي:157،و الحلّي في السرائر 1:356.
7- وردت جملة منها في الوسائل 28:339 أبواب حدّ المرتدّ ب 10.

و فيه:منع كلّية الكبرى،مع أنّ المستفاد منها ليس إلاّ إطلاق لفظ الكفر عليهم،و هو أعمّ من الحقيقة.

إلاّ أن يقال:إنه و لو مجازا كاف في إثبات هذا الحكم؛لكونه أحد وجوه الشبه و العلاقة بين الحقيقي و المجازي.

و هو حسن إن تساوت في التبادر و عدمه.و فيه منع؛لاختصاص الخلود بالنار و أمثاله منها بالتبادر.

و لو سلّم فهو معارض بما دلّ على إسلام مظهري الشهادتين.و لو سلّم فهو مخصّص بما مرّ من النصوص المعتضدة بالشهرة.

لكن يمكن أن يقال:إن التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه،لعدم صراحتها في مخالفي الحق،فيحتمل الاختصاص أو التخصيص بمعتقديه.

و بالجملة:فكما يمكن وقوعها مخصّصة بالعموم السابق كذا يمكن العكس،بل هو أولى،لموافقته الأصل.و هو حسن لو لا الشهرة المرجّحة للأول مع ضعف عموم التشبيه بما مرّ.

لكن المسألة بعد محلّ شبهة و إن كان مراعاة المشهور أحوط؛لندرة القول بالحرمة،مع اختصاصها بحق من يعلم بها،و الفرض عدمه هنا،فتأمل جدا.

هذا مع عدم التقية،و أمّا معها فتجب قولا واحدا و لكن لا يدعو له في الرابعة بل عليه،كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

و يلحق بالمسلم من هو بحكمه ممّن بلغ ستّ سنين فصاعدا من طفل،أو مجنون،أو لقيط دار الإسلام،أو الكفر و فيها مسلم صالح للاستيلاد تغليبا للإسلام.

و يستوي في ذلك الذكر و الأنثى،و الحرّ و العبد للعموم و الإجماع.

ص:33

و تقييد الوجوب بالستّ هو المشهور،بل عليه عامة المتأخرين كما قيل (1).و عن المرتضى و في المنتهى (2):الإجماع عليه،و يشعر به عبارة الدروس،حيث نسب القولين المخالفين إلى الترك و الشذوذ (3)؛و هو الحجّة.

مضافا إلى الصحيح:متى تجب عليه الصلاة؟فقال:«إذا عقل الصلاة و كان ابن ستّ سنين» (4).

و قريب منه آخر:عن الصلاة على الصبي متى يصلّى عليه؟فقال:«إذا عقل الصلاة»قلت:متى تجب الصلاة عليه؟قال:«إذا كان ابن ستّ سنين، و الصيام إذا أطاقه» (5).

و المراد بالوجوب فيه مطلق الثبوت،و المعنى أنّه:متى يعقل الصلاة بحيث يؤمر بها تمرينا؟فقال:«إذا كان..»إلى آخره،كما يفهم من الصحيح:

في الصبي متى يصلّي؟فقال:«إذا عقل الصلاة»قلت:متى يعقل الصلاة و تجب؟فقال:«لستّ سنين» (6).

و أما الصحيح:عن الصبي أ يصلّى عليه إذا مات و هو ابن خمس سنين؟ قال:«إذا عقل الصلاة صلّي عليه» (7)فلا ينافي ما ذكرنا بعد تعليقه الحكم في

ص:34


1- قال به المحقق السبزواري في الذخيرة:327.
2- المرتضى في الانتصار:59،المنتهى 1:448.
3- الدروس 1:112.
4- الفقيه 1:488/105،الوسائل 3:95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 2.
5- الكافي 3:2/206،الفقيه 1:486/104،التهذيب 3:456/198،الاستبصار 1: 1855/479،الوسائل 3:95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.
6- التهذيب 2:1589/381،الاستبصار 1:1562/408،الوسائل 4:18 أبواب أعداد الفرائض ب 3 ح 2.
7- التهذيب 3:458/199،قرب الإسناد:855/218،الوسائل 3:96 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.

الجواب على عقله الصلاة المحدود ببلوغ الستّ فيما مرّ من الأخبار.

خلافا للعماني فاشترط في الوجوب البلوغ (1)؛للأصل،و عدم احتياجه إليها قبله،و الموثق:أنّه سئل عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلّى عليه؟قال:«لا،إنما الصلاة على الرجل و المرأة إذا جرى عليهما القلم» (2).

و في الجميع نظر؛لضعف الأوّل في مقابلة ما مرّ.

و منع الثاني،و انتقاضه بالصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله،مع أنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر المعتضد بما مرّ.

و به يجاب عن الثالث،لعدم مقاومته له؛مع عدم صراحته و احتماله الحمل على ما يؤول إلى النص،بأن يراد بجري القلم فيه مطلق الخطاب الشرعي،و التمرين خطاب شرعي.

لكنه كما قيل:ربما ينافيه حصر الصلاة في الرجل و المرأة؛إذ لا يصدقان إلاّ على البالغ (3).

و فيه نظر:لأن ظهورهما في البالغ ليس بأظهر من ظهور جري القلم في الخطاب التكليفي،فكما جاز صرفه إلى خلاف ظاهره كذا يمكن صرفهما إلى خلاف ظاهرهما بإرادة المعنى الأعم الشامل للصبي،و مع الإمكان يتعيّن جمعا.

مع أنّ ظاهر قوله:«إذا جرى عليهما القلم»كونه شرطا لم يستفد من سابقة،و هو إنما يتم لو أريد منهما المعنى الأعم،و إلاّ لكان تأكيدا لا شرطا، إلاّ على تقدير اشتراط عقل الميت في الصلاة عليه،و هو باطل إجماعا،و معه

ص:35


1- نقله عنه في المختلف:119.
2- التهذيب 3:460/199،الاستبصار 1:1858/480،الوسائل 3:97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 5.
3- الحدائق 10:373.

لا يبقى للشرطية وجه أصلا إلاّ كونه تأكيدا،و ما ذكرناه تأسيس،و هو منه أولى.

و للإسكافي،فلم يشترط شيئا و أوجب الصلاة على الصبي مطلقا بعد أن يكون خرج حيّا مستهلا (1)؛للنصوص المستفيضة،منها الصحيح:«إذا استهلّ فصلّ عليه» (2).و نحوه الخبر (3).

و منها:الصحيح (4)و غيره (5):«يصلّى عليه على كلّ حال إلاّ أن يسقط لغير تمام».

و هي-مع ضعف سند ما عدا الصحيح منها و عدم مقاومتها أجمع لما مضى-محمولة على التقية،كما صرّح به جماعة (6)،و يشهد له جملة من المعتبرة،منها الصحيح:مات ابن لأبي جعفر عليه السلام،فأخبر بموته، فأمر به فغسل-إلى أن قال-:فقال عليه السلام:«أما إنه لم يكن يصلّى على مثل هذا-و كان ابن ثلاث سنين-كان علي عليه السلام يأمر به فيدفن و لا يصلّى عليه،و لكن الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله» (7)و نحوه غيره (8).

و يستفاد منها عدم الاستحباب أيضا كما هو ظاهر جماعة (9).

ص:36


1- نقله عنه في المختلف:119.
2- التهذيب 3:459/199،الاستبصار 1:1857/480،الوسائل 3:96 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 1.
3- التهذيب 3:1035/331،الوسائل 3:97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 3.
4- التهذيب 3:1037/331،الاستبصار 1:1860/481،الوسائل 3:97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 2.
5- التهذيب 3:1036/331،الاستبصار 1:1859/480،الوسائل 3:97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 4.
6- منهم:الشيخ في الاستبصار 1:481،و المحقق السبزواري في الذخيرة:328.
7- الكافي 3:4/207،الوسائل 3:95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 3.
8- الفقيه 1:487/105،الوسائل 3:101 أبواب صلاة الجنازة ب 15 ح 4.
9- منهم:الكليني في الكافي 3:206،و الصدوق في المقنع:21،و المفيد في المقنعة:231.

خلافا للأكثر-و منهم الماتن-فقالوا و تستحب الصلاة على من لم يبلغ ذلك أي الستّ سنين ممّن ولد حيّا مستهلا؛عملا بعموم النصوص المتقدمة للإسكافي سندا،و فيه ما مضى،إلاّ أن يذبّ عنه بالمسامحة في أدلة السنن و الكراهة،خروجا عن شبهة الخلاف فتوى و رواية، و ليس فيه تشبّه بالعامة بعد الاختلاف في النية،و معه لا مشابهة و لا بأس به.

في المصلي

و أما الثاني:فاعلم أنه يجب أن يقوم بها أي بهذه الصلاة كسائر أحكام الميت كلّ مكلّف على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، و إن لم يقم به أحد استحقوا بأسرهم العقاب،بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى (1)،و قد نقل جماعة أيضا الإجماع عليه (2)؛لأن الغرض إدخالها في الوجود،و هو يحصل بالوجوب الكفائي.

و ربما ينافيه توجه الخطاب في النصوص بأكثر أحكامه إلى الولي؛إذ مقتضاه الوجوب العيني عليه،كذا قيل (3).

و فيه نظر:فإنّ الخطاب فيها و إن توجه إلى الولي إلاّ أن مقتضاه هنا ليس الوجوب العيني،لوقوع التصريح في جملة منها بجواز أمره غيره بها (4)، و هو خلاف ما يقتضيه الوجوب العيني من لزوم مباشرة المكلّف للمكلّف به بنفسه،فجواز أمر الغير به دليل على أن المقصود من تخصيص الولي بالخطاب إثبات أولويته به كما فهمه الأصحاب،حيث قالوا مع حكمهم بالوجوب الكفائي:

ص:37


1- المنتهى 1:443.
2- منهم:المحقق في المعتبر 1:264،و العلامة في النهاية 2:33،و المحقق السبزواري في الذخيرة:327.
3- الحدائق 10:387.
4- الوسائل 3:114 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 1،2.

و أحقّ الناس بالصلاة على الميت أولاهم بميراثه.

و إلى مثل هذا نظر جماعة من الأصحاب فقالوا:لا منافاة بين الوجوب كفاية و الإناطة برأي بعض المكلّفين،على معنى أنه إن قام بنفسه أو بنصب غيره و قام ذلك الغير سقط عن الغير،و إلاّ سقط اعتباره و انعقدت جماعة و فرادى بغير إذنه (1).

و الحكم بالأحقية المزبورة مقطوع به في كلامهم من غير خلاف بينهم أجده،و به صرّح جماعة مؤذنين بنقل الإجماع،كما صرّح به في الخلاف (2)، مستدلا عليه بعده كباقي الأصحاب بآية أولي الأرحام (3).

و يدل عليه أيضا المعتبرة و منها المرسل كالصحيح (4)،و الرضوي (5):

«يصلّي على الجنازة أولى الناس بها،أو يأمر من يحبّ».

و قصور الأسانيد و الدلالة مجبور بفهم الطائفة و عملهم بها كافّة،و لذلك وافق الأصحاب في الذخيرة (6)بعد أن ضعّف الأدلة عدا الإجماع-وفاقا للمدارك (7)-بما عرفته في المعتبرة،و بعدم عموم يشمل مفروض المسألة في الآية الكريمة.

و يمكن الذبّ عنه مع قطع النظر عن الجابر بحجيّة الخبرين المزبورين، لاعتبار سندهما،مع اعتضادهما بغيرهما.

ص:38


1- مدارك الأحكام 4:156،السبزواري في الذخيرة:334.
2- الخلاف 1:719.
3- الأنفال:75.
4- الكافي 3:1/177،التهذيب 3:483/204 الوسائل 3:114 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 1.
5- فقه الرضا(عليه السلام):177،المستدرك 2:278 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 1.
6- الذخيرة:334.
7- المدارك 4:155.

و ظهور عموم الآية بالاعتبار الذي يثبت به العموم في الإطلاقات؛و لذا يستدل بها في الأخبار و كلام الأصحاب على إثبات الإمامة و غيرها من دون تزلزل و لا ريبة.

و المعتبرة و إن لم تصرح بكون المراد بالأولى فيها المستحق للميراث إلاّ أنه ربما يفهم من تتبّع النصوص،ألا ترى إلى المرسل:في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام،قال:«يقضيه أولى الناس به» (1).

فقد أطلق فيه الأولى و لم يبيّن المراد به،مع أنّ متنه بعينه مروي في الصحيح سؤالا و جوابا إلى قوله:«أولى الناس به»مبدّلا لفظة«به»فيه «بميراثه» (2)فظهر شيوع إطلاق الأولى به على الأولى بميراثه.

مضافا إلى صحيحة يزيد الكناسي المشهورة الواردة بتفصيل الأولى من ذوي الأرحام بقوله:«ابنك أولى بك من[ابن ابنك]و ابن ابنك أولى بك من أخيك» (3)فقد أطلق فيه الأولوية مع أنّ المراد بها بحسب الميراث قطعا.

و بالجملة:فلا إشكال فيما ذكره الأصحاب.

و إطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في أحقية الأولى بالميراث بالصلاة بين ما لو أوصى الميت بها إلى غيره أم لا،و لعلّه المشهور،بل عزاه في المختلف إلى علمائنا (4)مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

خلافا للإسكافي في الأول فقدّم الغير (5)؛لحجج غير ناهضة،عدا عموم

ص:39


1- الوسائل 8:278 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 6،نقله عن كتاب غياث سلطان الورى (مخطوط).
2- الكافي 4:1/123،الوسائل 10:330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.
3- الكافي 7:1/76،التهذيب 9:974/268،الوسائل 26:63 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 2.بدل ما بين المعقوفين في النسخ:أمّك،و ما أثبتناه موافق للمصادر.
4- المختلف:120.
5- نقله عنه في المختلف:120.

الآية بالنهي عن تبديل الوصية (1)،و لكنه معارض بعموم الآية و المعتبرة المتقدمة.و الترجيح معها؛للشهرة،و إن كان تقديم الموصى إليه أحوط للورثة.

و اعلم أنّ المراد بأحقّية الأولى بالميراث أنه أولى بها ممّن لا يرث كالطبقة الثانية مع وجود أحد من الأولى.

و أمّا الطبقة الواحدة في نفسها فتفصيلها ما ذكره الأصحاب بقولهم:

و الأب أولى من الابن بلا خلاف،بل قيل:اتفاقا (2).قيل:لاختصاصه بالشفقة،فيكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة (3).

و الولد و إن نزل أولى من الجدّ على المشهور،خلافا للإسكافي فجعله أولى منه و من الأب (4).و هو ضعيف؛لكون الولد أولى بالإرث.

قيل:و الجدّ للأب أولى من الأخ،و الأخ من الأبوين أولى ممّن يتقرب بأحدهما،و الأخ للأب أولى من الأخ للأم،و العمّ أولى من الخال،و العمّ للأبوين أولى من العمّ لأحدهما،كما أنّ العمّ للأب أولى من العمّ للام،و كذا القول في الخال،و المعتق من ضامن الجريرة،و هو من الحاكم،فإذا فقد الجميع فوليه الحاكم،ثمَّ عدول المسلمين (5).

و هذا الترتيب بعضه مبني على أولوية الميراث،و بعضه-و هو أفراد الطبقة الواحدة على غيرها-على كثرة الشفقة كالأب بالنسبة إلى الابن،أو التولد كالجدّ بالنسبة إلى الأخ،أو كثرة النصيب كالعمّ بالنسبة إلى الخال.و العمل

ص:40


1- البقرة:181.
2- المدارك 4:157.
3- انظر المدارك 4:157.
4- حكاه عنه في المختلف:120.
5- انظر روض الجنان:311.

بهذا الوضع هو المشهور.

و الزوج مع وجوده أولى بالمرأة من الأخ بل مطلق الأقارب، بالنص (1)،و الإجماع.و ما يخالفه بإثبات أولوية الأخ عليه من الصحيح و غيره (2)شاذّ لا عمل عليه،فليطرح أو يحمل على التقية كما ذكره شيخ الطائفة و غيره (3).

و ظاهر الأصل و اختصاص المستند بالزوج اختصاص الحكم به دون الزوجة كما صرّح به جماعة (4).و فيه قول بإلحاقها به (5)؛لوجه تخريجي يدفعه ما عرفته.

قيل:و لا فرق بين الدائمة و المتمتع بها،و لا بين الحرّة و المملوكة؛ لإطلاق النص (6).و هو حسن،إلاّ في المتمتع بها؛فإنّ إطلاق الزوج بالإضافة إلى المتمتع بها حقيقة لا يخلو عن مناقشة.

ثمَّ إنّ إطلاق النص و العبارة يقتضي عدم الفرق بين الزوج الحرّ و العبد، لكن في المنتهى:إنّ الحرّ أولى من العبد و إن كان قريبا و الحرّ بعيدا،قال:

لأنّ العبد لا ولاية له على نفسه ففي غيره أولى،و لا نعلم فيه خلافا (7).

قيل:و لعلّ الزوج مستثنى عن الحكم المزبور؛للنص (8).

ص:41


1- الكافي 3:2/177 و 3،الفقيه 1:474/102،التهذيب 3:484/205،الاستبصار 1: 1883/486،الوسائل 3:115 أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 1،2.
2- التهذيب 3:485/205،486،الاستبصار 1:1884/486،1885،الوسائل 3:116 أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 4،5.
3- الشيخ في الاستبصار 1:487؛و انظر الذخيرة:335.
4- منهم صاحب المدارك 4:159،المحقق السبزواري في الذخيرة:335.
5- نقله الشهيد الثاني عن بعض الأصحاب في روض الجنان:311.و وجهه شمول اسم الزوج لهما لغة.
6- قال به السبزواري في الذخيرة:335.
7- المنتهى 1:451.
8- قال به السبزواري في الذخيرة:335.

و فيه:أنه عام أيضا يمكن تخصيصه بالحرّ،لما ذكره في المنتهى.

و بالجملة:التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه،يمكن تخصيص كلّ بالآخر،ففي الترجيح نظر.

و ذكر الأصحاب من غير خلاف يعرف أن الذكر من الأولياء أولى من الأنثى،و نفى عنه الخلاف في المنتهى (1)،و أطلق كغيره.

و قيّده جماعة (2)بما إذا اجتمعا في طبقة واحدة،أو كان الذكر أقرب طبقة أو درجة،و إلاّ فالأنثى أولى؛للصحيح:المرأة تؤم النساء؟قال:«لا،إلاّ على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها» (3).

و لا يجوز أن يؤم أحد و لو كان وليا إلاّ من اجتمع فيه شرائط الإمامة حتى العدالة و إلاّ يجتمع فيه شرائط الإمامة استناب إن كان وليا،بلا خلاف أجده،و في المنتهى:إنه اتّفاق علمائنا (4)؛و هو الحجّة، المؤيدة بإطلاق ما دلّ على اعتبارها في إمام الجماعة،و إن كان في أخذه حجة من دونه مناقشة أشار إلى وجهها في الذخيرة فقال:لعموم النص،و عدم كونها صلاة حقيقة،فلا يعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة الحقيقة (5).

و يجوز للوليّ الاستنابة مطلقا (6)؛إذ لا مانع منه،مع تصريح النصوص السابقة به.و لو وجد الأكمل استحب استنابته؛لأن كماله قد يكون سببا

ص:42


1- المنتهى 1:451.
2- منهم:الشهيد في الذّكرى:56.و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:123.
3- التهذيب 3:488/206،الاستبصار 1:1648/427،الوسائل 3:117 أبواب صلاة الجنازة ب 25 ح 1.
4- المنتهى 1:451.
5- الذخيرة:335.
6- أي مع الصلاحية أيضا(منه رحمه اللّه).

لاستجابة دعائه.و يحتمل ترجيح الولي؛لاختصاصه بمزيد الرقة التي هي مظنة الإجابة.

و يستحب للولي تقديم الهاشمي للرضوي (1).

و لا خلاف أجده إلاّ من المفيد فأوجبه (2).قيل:فإن أراد به إمام الأصل فهو حقّ،و إلاّ فهو ممنوع،بل الأولى للولي التقديم،أمّا الوجوب فلا،لعموم الآية (3).

أقول:و للمعتبرة المتقدمة أيضا،مع سلامتها عن المعارض بالكلية، عدا رواية غير معلومة الصحة:«قدّموا قريشا و لا تقدّموهم» (4)مع أنها أعم من المدّعى.

و بها استدل الماتن في المعتبر على الاستحباب (5)،و ردّه في الذكرى بما ذكرنا (6).و هو حسن إنّ قصد بالاستدلال إثبات الوجوب،و أما الاستحباب-كما هو المفروض-فيتسامح في أدلته بما لا يتسامح في غيره على الأشهر الأقوى، سيّما مع انجبار الضعف بما ذكر بالفتوى،فيمكن الاستدلال بها مطلقا.

و مع وجود الإمام أي إمام الأصل و حضوره فهو أولى بالتقديم قطعا؛و للخبرين المتفقين على كونه أولى،و إن اختلفا في الدلالة على توقفه على إذن الولي كما هو ظاهر أحدهما (7)،و عن المبسوط و في المنتهى (8)،مدّعيا

ص:43


1- فقه الرضا(عليه السلام):177،المستدرك 2:278 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 1.
2- المقنعة:232.
3- قال به العلامة في المختلف:120.
4- سنن البيهقي 3:121.
5- المعتبر 2:347.
6- الذكرى:57.
7- التهذيب 3:490/206،الوسائل 3:114 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 4.
8- المبسوط 1:18،المنتهى 1:450.

في ظاهر كلامه الإجماع عليه؛أو العدم كما هو ظاهر إطلاق الثاني منهما (1)، و عن الحلبي و في الذكرى (2).

و لقد أحسن جماعة من الأصحاب فقالوا:إنّ البحث في ذلك تكلّف مستغنى عنه (3).

و يجوز أن تؤم المرأة النساء إمّا مطلقا كما هنا و في كثير من العبائر،أو بشرط عدم الرجال كما في السرائر (4)،و لعلّه وارد مورد الغالب فلا عبرة بمفهومه،و لا خلاف فيه هنا أجده،و به صرّح في الذخيرة (5)؛للصحيحة المتقدّمة (6).

و هي المستند أيضا فيما ذكروه من غير خلاف من أنها تقف في وسطهنّ و لا تبرز و لا تخرج عن الصف،ففيها بعد ما مرّ إليه الإشارة:«تقوم وسطهن معهنّ في الصف فتكبّر و يكبّرن».

و كذا العاري إذا صلّى بالعراة كما يأتي في بحث الجماعة إن شاء اللّه تعالى.

و ظاهر العبارة عدم اعتبار الجلوس هنا كما يعتبر في اليومية،و به صرّح جماعة (7)؛و لعلّ الفارق إنما هو النص الوارد باعتباره فيها دون المقام،لا ما قيل

ص:44


1- الكافي 3:4/177،التهذيب 3:489/206،الوسائل 3:114 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 3.
2- الحلبي في الكافي:156،الذكرى:57.
3- منهم:المحقق السبزواري في الذخيرة:335،و صاحب الحدائق 10:395.
4- السرائر 1:358.
5- الذخيرة:335.
6- في ص 42 الهامش(3).
7- منهم:المحقق في المعتبر 2:347،و المحقق السبزواري في الذخيرة:335.

من احتياجها إلى الركوع و السجود (1)،لأن الواجب الإيماء.

و لا يجوز أن يؤمّ من لم يأذن له الوليّ سواء كان بشرائط الإمامة أم لا،إجماعا؛لما مضى.

و لو امتنع من الصلاة و الإذن ففي الذكرى:الأقرب جواز الجماعة، لإطباق الناس على صلاة الجنازة جماعة على عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى الآن،و هو يدلّ على شدة الاهتمام،فلا يزول هذا المهمّ بترك إذنه،نعم لو كان هناك حاكم شرعي كان الأقرب اعتبار إذنه،لعموم ولايته في المناصب الشرعية (2).

و ربما يفهم منه و من العبارة و غيرها اختصاص اعتبار إذن الولي بالجماعة، و نسبه في روض الجنان إلى الأصحاب كافة فقال:و اعلم أن ظاهر الأصحاب أنّ إذن الولي إنما يتوقف عليه الجماعة،لا أصل الصلاة،لوجوبها على الكفاية،فلا يناط برأي أحد من المكلّفين،فلو صلّوا فرادى بغير إذن أجزأ (3).

و تبعه في النسبة في الذخيرة (4)،لكن علّل الحكم بما ذكره في المدارك لنفي البأس عن المصير إليه من قوله:قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق إن تمَّ،و حملا للصلاة في قوله:«يصلّي على الجنازة أولى الناس بها» على الجماعة،لأنه المتبادر (5).و لكن لم يذكر الاقتصار على موضع الوفاق، بناء منه على ثبوت الأولوية بالنصوص و لو بمعونة فهم الأصحاب.

ص:45


1- كما في الذخيرة:335.
2- الذكرى:57.
3- روض الجنان:311.
4- الذخيرة:334.
5- المدارك 4:156.
في كيفيتها

و أما الثالث:

فاعلم أن هذه الصلاة هي خمس تكبيرات أوّلها تكبيرة الإحرام مقرونة بنية القربة،بإجماعنا،و الصحاح المستفيضة و غيرها المتواترة و لو معنى من طرقنا (1).

و الواردة بالأربع إما محمولة على التقية،لأنها مذهب جميع العامة كما صرّح به شيخ الطائفة (2).

أو متأوّلة تارة:بالحمل على الصلاة على المنافقين المتّهمين بالإسلام كما في الصحيح:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يكبّر على قوم خمسا و على آخرين أربعا،فإذا كبّر على رجل أربعا اتّهم بالنفاق» (3).

و أصرح منه آخر:«فأما الذي كبّر عليه خمسا فحمد اللّه تعالى و مجّده في التكبيرة الأولى،و دعا في الثانية للنبي صلّى اللّه عليه و آله،و دعا في الثالثة للمؤمنين و المؤمنات،و دعا في الرابعة للميت،و انصرف في الخامسة،و اما الذي كبّر عليه أربعا فحمد اللّه تعالى و مجّده في التكبيرة الأولى،و دعا لنفسه و لأهل بيته في الثانية،و دعا للمؤمنين و المؤمنات في الثالثة،و انصرف في الرابعة و لم يدع له لأنه كان منافقا» (4).

و اخرى:بأنّ المراد بقوله:«أربعا»الإخبار عمّا يقال بين التكبيرات من

ص:46


1- الوسائل 3:72 أبواب صلاة الجنازة ب 5.
2- انظر التهذيب 3:316.
3- الكافي 3:2/181،التهذيب 3:454/197،الوسائل 3:72 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 1.
4- التهذيب 3:983/317،الاستبصار 1:1840/475،الوسائل 3:64 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 9.

الدعاء،لأن التكبيرة الخامسة ليس بعدها دعاء كما في الخبر:سأله عليه السلام رجل عن التكبير على الجنائز،فقال«خمس تكبيرات»ثمَّ سأله آخر عن الصلاة على الجنازة،فقال:«أربع صلوات»فقال الأول:جعلت فداك،سألتك فقلت:

خمسا،و سألك هذا فقلت:أربعا،فقال:«إنك سألتني عن التكبيرة و سألني هذا عن الصلاة»ثمَّ قال:«إنّها خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات» (1).

و ظاهره كغيره وجوب أن يكون بينها أربعة أدعية كما هو خيرة الأكثر على الظاهر،المصرّح به في كلام جملة ممّن تأخّر (2)،بل في ظاهر الخلاف و المنتهى و الذكرى (3)الإجماع عليه.

خلافا للماتن في صريح الشرائع (4)و ظاهر المتن؛لقوله و هو أي الدعاء المدلول عليه بالأدعية لا يتعين و لا يجب،بل يستحب.

و مستنده غير واضح،عدا الأصل اللازم تخصيصه بما مرّ،و ما قيل له من إطلاقات الروايات المتضمنة لأنّ الصلاة على الميّت خمس تكبيرات الواردة في مقام البيان الدالّة بظاهرها على عدم وجوب ما عدا ذلك.

و يضعّف أوّلا:بأنّ الظاهر منها كون السؤال و الجواب فيها إنما هو بالقياس إلى خصوص التكبير و مقداره،لكونه المعركة العظمى بين الخاصة و العامة؛و لذا لم يذكر النية و القيام و الاستقبال و غيرها مع وجوبها إجماعا.

و ثانيا:بعد تسليمه فغايته الإطلاق،و يجب تقييده بما مرّ.

ص:47


1- التهذيب 3:986/318،الاستبصار 1:1842/476،الوسائل 3:75 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 12.
2- منهم:صاحب المدارك 4:166،و المحقق السبزواري في الكفاية:22،و المحدّث الكاشاني في المفاتيح 2:167.
3- الخلاف 1:724،المنتهى 1:451،الذكرى:58.
4- الشرائع 1:106.

و يحتمل أن يكون مراد الماتن بقوله:و هو لا يتعيّن،عدم تعيّنه في شيء مخصوص و إن وجب أصله،و هو خيرة جماعة من محقّقي متأخري المتأخرين (1)،تبعا للإسكافي (2)؛للمعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«ليس في الصلاة على الميت قراءة و لا دعاء موقّت إلاّ أن تدعو بما بدا لك،و أحقّ الموتى أن يدعى له(المؤمن،و) (3)أن يبدأ بالصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله» (4).

و الموثق:«إنما هو تكبير و تسبيح و تحميد و تهليل» (5).

مضافا إلى الأصل،و اختلاف النصوص و عدم توافق بعضها مع بعض في تعيين الأذكار مع كثرتها و استفاضتها.و هو قوي.

إلاّ أنّ المشهور و لا سيّما بين المتأخرين-كما ذكره جماعة (6)-هو تعيّن ما أشار إليه الماتن بقوله و أفضله أن يكبّر و يتشهد الشهادتين،ثمَّ يكبّر و يصلّي على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،ثمَّ يكبّر و يدعو للمؤمنين،و في التكبيرة الرابعة أن يدعو للميت،و ينصرف بالخامسة حال كونه مستغفرا بما يأتي في الرضوي،أو بقوله:«اللّهم عفوك عفوك»كما صرّح به في المنتهى (7)،و يفهم من بعض النصوص لكن مع زيادة عليه (8).

ص:48


1- منهم:صاحب المدارك 4:167،و المحقق السبزواري في الذخيرة:328.
2- نقله عنه في الذكرى:59.
3- ليس في«ح»،«ش»،«ل».
4- الكافي 3:1/185،التهذيب 3:442/193،الاستبصار 1:1843/476،الوسائل 3: 88 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 1.
5- الكافي 3:1/178،الفقيه 1:495/107،التهذيب 3:475/203،الوسائل 3:89 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 2.
6- منهم:المحقق السبزواري في الكفاية:22،و الذخيرة:328.
7- المنتهى 1:454.
8- التهذيب 3:1034/330،الوسائل 3:65 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 11.

و في الخلاف دعوى الإجماع عليه (1)؛و هو الحجّة،مضافا إلى بعض المعتبرة و لو بالشهرة،و فيه:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا صلّى على ميّت كبّر و تشهّد،ثمَّ كبّر و صلّى على الأنبياء و دعا،ثمَّ كبّر و دعا للمؤمنين،ثمَّ كبّر الرابعة و دعا للميت،ثمَّ كبّر خامسة و انصرف» (2).

و يؤيده بعض الصحاح المتقدمة (3)،و الرضوي:«و ارفع يديك بالتكبير الأول و قل:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمّدا عبده و رسوله، و أنّ الموت حق،و الجنة حق،و النار حق،و البعث حق،و أن الساعة آتية لا ريب فيها،و أنّ اللّه يبعث من في القبور.

ثمَّ كبّر الثانية:و قل:اللّهم صلّى على محمد و آل محمد،و بارك على محمد و آل محمد،و ارحم محمدا و آل محمد،أفضل ما صلّيت و باركت و رحمت و ترحّمت و سلّمت على إبراهيم و آل إبراهيم في العالمين،إنك حميد مجيد.

ثمَّ تكبّر الثالثة و تقول:اللّهم اغفر لي و لجميع المؤمنين و المؤمنات، و المسلمين و المسلمات،الأحياء منهم و الأموات،و تابع بيننا و بينهم بالخيرات، إنّك مجيب الدعوات و وليّ الحسنات،يا أرحم الراحمين.

ثمَّ تكبّر الرابعة و تقول:اللّهم إنّ هذا عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك نزل بساحتك و أنت خير منزول به،اللّهم إنّا لا نعلم منه إلاّ خيرا و أنت أعلم به منّا، اللّهم إن كان محسنا فزد في إحسانه،و إن كان مسيئا فتجاوز عنه،و اغفر لنا و له،اللّهم احشره مع من يتولاّه و يحبّه،و أبعده ممّن يتبرأ و يبغضه،اللّهم ألحقه

ص:49


1- الخلاف 1:724.
2- الكافي 3:3/181،الفقيه 1:469/100،التهذيب 3:431/189،الوسائل 3:60 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1 بتفاوت يسير.
3- في ص 46.

بنبيك و عرّف بينه و بينه،و ارحمنا إذا توفّيتنا يا إليه العالمين.

ثمَّ تكبّر الخامسة و تقول: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ [1] .و لا تسلّم و لا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال» (1).

لكنه في مواضع أخر تضمن أدعية أخر مختلفة الكيفية مع هذا الدعاء، و بعضها مع بعض.

و الصحيح السابق تضمّن في التكبير الأول بدل التشهد التحميد و التمجيد،و الرواية الأولى غير صريحة الدلالة،بل و لا ظاهرة حتى على القول بوجوب التأسي في العبادة؛إذ هو حيث لا يعارض الكيفية المنقولة من فعله صلّى اللّه عليه و آله كيفية أخرى مخالفة،مع أنها كما عرفت من الصحيحة منقولة.

فلم يبق إلاّ الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة.و في مقاومة الظن الحاصل منه للظن الحاصل من جميع الأخبار الواردة في المسألة مختلفة الكيفية مناقشة،سيّما مع تصريح ما مرّ من المعتبرة بأنه ليس فيها دعاء موقّت و لا قراءة،بل لعلّ الظن الحاصل منها أقوى و إن كان ما ذكره الجماعة أحوط و أولى خروجا عن شبهة الخلاف فتوى بل رواية،و تحصيلا للبراءة اليقينية مهما أمكن،و لعلّه الوجه فيما في المتن و غيره من الأفضلية.

و قيل في وجهها:دلالة الرواية المشهورة عليها؛لقوله:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يفعل،فإنه يشعر بالدوام و المواظبة،و أقلّه الرجحان (2).و فيه ما عرفته.

ص:50


1- فقه الرضا(عليه السلام):177،المستدرك 2:247 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.
2- المدارك 4:168.

و العماني و الجعفي (1)جعلا الأفضل جميع الأذكار الأربعة عقيب كل تكبيرة،و إن اختلف عبارتهما في تأدية كيفية الأدعية.

قال الفاضل:و كلاهما جائز (2).

و في الذكرى:قلت:لاشتمال ذلك على الواجب،و الزيادة غير منافية، مع ورود الروايات بها،و إن كان العمل بالمشهور أولى.و ينبغي مراعاة هذه الألفاظ تيمنا بما ورد عنهم عليهم السلام (3).انتهى.و هو حسن.

و قيل:الأولى العمل بما في الصحاح من تكرار الدعاء له عقيب كل تكبيرة،بل تكرار التشهد و الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله أيضا كما في أكثرها (4).

و لعلّه لصحة السند،إلاّ أنّ الأفضل ما قدّمنا؛فإنّ دفع الشبهة و موافقة المشهور مهما أمكن لعلّه أولى.

ثمَّ إنّ هذا كلّه في المؤمن،و أمّا غيره فسيأتي الكلام في الدعاء له أو عليه.

و ليست الطهارة من الحدث من شرطها بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر كالخلاف و التذكرة و المنتهى و الذكرى و روض الجنان و الروضة (5)؛و هو الحجّة،مضافا إلى المعتبرة المستفيضة (6).

ص:51


1- نقله عنهم في الذكرى:59.
2- انظر المختلف:119.
3- الذكرى:59.
4- المفاتيح 2:168.
5- الخلاف 1:724،التذكرة 1:49،المنتهى 1:455،الذكرى:60،روض الجنان:309، الروضة 1:141.
6- الوسائل 3:110 أبواب صلاة الجنازة ب 21.

و علّل في الموثق منها بأنه:«إنما هو تكبير و تسبيح و تحميد و تهليل كما تسبح و تكبر في بيتك على غير وضوء» (1).

و في الرضوي:«لأنه ليس بالصلاة،إنما هو التكبير،و الصلاة هي التي فيها الركوع و السجود» (2).

و ربما يفهم منهما عدم اشتراط الطهارة من الخبث أيضا كما صرّح به بعض الأصحاب (3)-و إن تردّد فيه الشهيد-رحمه اللّه-في الذكرى (4)-و يعضده إطلاق المعتبرة المستفيضة بجواز صلاة الحائض (5)مع عدم طهارتها عن الخبث غالبا.

و هي أي الطهارة من فضلها للنص:«تكون على طهر أحبّ إليّ» (6).

و لا يجوز أن يتباعد المصلّي عن الجنازة بما يخرج به عن كونه مصلّيا عليها أو عندها في العادة للتأسي،و عدم تيقّن الخروج عن العهدة من دونه.

و لا يصلّى على الميت إلاّ بعد تغسيله و تكفينه إلاّ أن يكون شهيدا، و لا نعلم فيه خلافا كما في المنتهى (7).

و في المدارك:إنه قول العلماء كافة،لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله هكذا

ص:52


1- تقدّم مصدره في ص 48.الهامش(5).
2- فقه الرضا(عليه السلام):179،المستدرك 2:269 أبواب صلاة الجنازة ب 8 ح 1.
3- كصاحب المدارك 4:172.
4- الذكرى:61.
5- الوسائل 3:112 أبواب صلاة الجنازة ب 22.
6- الكافي 3:3/178،التهذيب 3:476/203،الوسائل 3:110 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 2.
7- المنتهى 1:456.

فعل،و كذا الصحابة و التابعون،فيكون الإتيان بخلافه تشريعا محرّما (1).

و في التفريع على إطلاقه نظر.و الأولى تبديله بما في المنتهى و غيره (2)من قوله:فلو صلّى قبل ذلك لم يعتدّ بها،لأنه فعل غير مشروع فيبقى في العهدة.

هذا مع الإمكان،و إلاّ قام التيمم مقام الغسل في اعتبار الترتيب،فإن تعذّر سقط.

و لو كان الميت عاريا فاقد الكفن جعل في القبر بعد تغسيله، أو ما في حكمه و سترت عورته،ثمَّ يصلّى عليه بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في ظاهر المدارك و الذخيرة (3)؛للموثق (4)و غيره (5).

و ذكر الشهيدان أنه إن أمكن ستره بثوب صلّي عليه قبل الوضع في اللحد (6)؛و يدل عليه الخبر الأخير:«إذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته فليحضروا قبره و يضعوه في لحده يوارون عورته بلبن أو أحجار أو تراب،ثمَّ يصلّون عليه،ثمَّ يوارونه في قبره».

و هو حسن إن أريد به الجواز،و إلاّ فالوجوب مشكل،لضعف السند،مع الأصل،و إطلاق الموثق.نعم هو لعلّه أحوط.

ص:53


1- المدارك 4:173.
2- المنتهى 1:456؛و انظر كشف اللثام 1:125.
3- المدارك 4:173،الذخيرة:333.
4- الكافي 3:4/214،الفقيه 1:482/104،التهذيب 3:406/179،الوسائل 3:131 أبواب صلاة الجنازة ب 36 ح 1.
5- التهذيب 3:1023/328،المحاسن:12/303،الوسائل 3:132 أبواب صلاة الجنازة ب 36 ح 2.
6- انظر الذكرى:53.

و سننها أمور:

منها وقوف الإمام أو المصلّي وحده عند وسط الرجل و صدر المرأة على الأظهر الأشهر،بل في الغنية الإجماع عليه (1)؛للخبرين (2).

خلافا للشيخ في الاستبصار،فيقف عند رأس المرأة و صدر الرجل (3)للخبر (4).

و فيه مع ضعف السند عدم المكافأة لما مرّ.

و له في الخلاف فعكس ما في الاستبصار،قال:للإجماع (5).

و وهنه ظاهر لكل ناظر،لعدم ظهور قائل به عدا والد الصدوق كما حكاه في المختلف (6)،و هو نادر.و حكى فيه عن المقنع إطلاق الوقوف عند الصدر، و مستنده غير واضح.

و ظاهر النصوص الوجوب،و لضعفها حملت على الاستحباب؛مضافا إلى الأصل،و الإجماع على عدمه فيما أعرفه،و في المنتهى هذه الكيفية

ص:54


1- الغنية(الجوامع الفقهية):564.
2- الأول: الكافي 3:1/176،التهذيب 3:433/190،الاستبصار 1:1818/470،الوسائل 3: 119 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 1. الثاني: الكافي 3:2/177،التهذيب 3:432/190،الاستبصار 1:1817/470،الوسائل 3: 119 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 2.
3- الاستبصار 1:470.
4- التهذيب 3:432/190،الاستبصار 1:1817/470،الوسائل 3:119 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 2.
5- الخلاف 1:731.
6- المختلف:119.

مستحبة بلا خلاف عندنا (1).

و لو اتفقا جعل الرجل إلى ما يلي الإمام،و المرأة إلى القبلة بلا خلاف فيه أجده،و به صرّح جماعة (2)،بل عليه الإجماع في الخلاف و المنتهى و غيرهما (3)؛و هو الحجّة،مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:

عن الرجال و النساء كيف يصلّي عليهم؟فقال:«يجعل الرجل وراء المرأة و يكون الرجل ممّا يلي الإمام» (4).

و أما الواردة بالعكس (5)فمع قصور سندها بل ضعفها شاذة مطرحة أو محمولة على التقية،فقد حكاه في المنتهى عن بعض العامة (6)،مع احتمال بعضها الحمل على ما دلّت عليه المستفيضة.

و ظاهرها و إن أفاد الوجوب إلاّ أنه محمول على الاستحباب؛لعدم الخلاف فيه على الظاهر،المصرّح به في المنتهى (7)،و في الغنية الإجماع عليه (8)؛و للصحيح:«لا بأس بأن يقدّم الرجل و تؤخّر المرأة و يؤخّر الرجل و تقدّم المرأة» (9).

ص:55


1- المنتهى 1:456.
2- منهم:الشهيد في الذكرى:62،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:126.
3- الخلاف 1:722،المنتهى 1:457؛نهاية الإحكام 2:265.
4- التهذيب 3:1006/323 و فيه:يجعل الرجل و المرأة،الاستبصار 1:1823/471،الوسائل 128/3 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 10.
5- التهذيب 3:1008/323،الاستبصار 1:1825/472،الوسائل 3:127 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 4،5،7،8.
6- المنتهى 1:457.
7- المنتهى 1:456.
8- الغنية(الجوامع الفقهية):564.
9- الفقيه 1:493/106،التهذيب 3:1009/324،الاستبصار 1:1828/473،

و ينبغي أن يحاذي بصدرها وسطه ليقف الإمام موقف الفضيلة منهما.

و ربما يستفاد من جملة من النصوص خلافه،ففي الموثق:«يقدّم الرجل قدّام المرأة قليلا،و توضع المرأة أسفل من ذلك عند رجليه،و يقوم الإمام عند رأس الميت فيصلي عليهما جميعا» (1).

و في آخر:«يجعل رأس المرأة إلى ألية الرجل» (2).

و لو اجتمع معهما ثالث و كان طفلا ف الفضل أن يجعل من ورائها إلى القبلة إن لم يبلغ ستا،و إلاّ فقدّامها ممّا يلي الرجل،وفاقا لجماعة و منهم الشيخ في الخلاف (3)،تلويحا في الأول،و تصريحا في الثاني،مدّعيا الإجماع عليه؛و هو الحجة فيه،مضافا إلى المرسل كالموثق:في جنائز الرجال و الصبيان و النساء،قال:«توضع النساء ممّا يلي القبلة،و الصبيان دونهم، و الرجال دون ذلك،و يقوم الإمام ممّا يلي الرجال» (4).

و أما الأول فقد علّل بأمر اعتباري لا بأس به في إثبات الاستحباب،سيّما مع اعتضاده بما قدّمناه من التأمل في استحباب الصلاة على نحو هذا الصبي (5)، بل مقتضاه لزوم الترتيب حيث يستلزم عكسه البعد العرفي للإمام أو الميت الذي

ص:56


1- التهذيب 3:435/191،الوسائل 3:127،أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 8.
2- الكافي 3:2/174،التهذيب 3:1004/322،الاستبصار 1:1827/472،الوسائل 3: 125 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 2.
3- الخلاف 1:722؛المنتهى 1:457،جامع المقاصد 1:420.
4- الكافي 3:5/175،التهذيب 3:1007/323،الاستبصار 1:1824/472،الوسائل 3: 125 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 3.
5- راجع ص 36 و 37. الوسائل 3:126 أبواب صلاة الجنازة 32 ح 6.

يليه عن المرأة؛لما عرفت سابقا من وجوب فقده.

و ممّا ذكرناه ظهر ضعف إطلاق القول بجعله وراءها كما في ظاهر العبارة و غيرها و عن النهاية (1)،و بعكسه كما عن الصدوقين (2)،مع عدم وضوح مستندهما،عدا الثاني فله إطلاق المرسل المتقدم،و في شموله للصبي الذي لم يبلغ الستّ إشكال،سيّما بعد ظهور الأخبار-كما مضى-في عدم شرعية استحباب الصلاة عليه،فيمكن تنزيله على غيره،كما يمكن تنزيل إطلاق الصدوقين عليه،لما يظهر من الفقيه من قوله بمضمون تلك الأخبار (3).

و ربما ينزل إطلاق العبارة و غيرها على الصبي الذي لم يبلغ الستّ،و به نصّ الماتن في المعتبر و شيخنا في روض الجنان (4).

و على التنزيل فلا خلاف و لا بحث.لكن ظاهر المعتبر القول بما عليه الصدوقان حتى في غير البالغ ستا،استنادا إلى إطلاق الرواية،قال:و هي و إن كانت ضعيفة لكنها سليمة عن المعارض.

و في المدارك و غيره (5)بعد نقله:و لا بأس به.

و هي لما عرفته ضعيفة غايته.

و يستفاد من هذه الأخبار و ما في معناها و كلمة الأصحاب و الإجماع المنقول جواز الصلاة الواحدة على الجنائز المتعددة،و في المنتهى:إنه لا نعرف فيه خلافا (6).

ص:57


1- النهاية:144.
2- الصدوق في المقنع 21،و حكاه عن أبيه في الفقيه 1:107.
3- الفقيه 1:104،105.
4- المعتبر 2:354،روض الجنان:309.
5- المدارك 4:176؛و انظر الذخيرة:332.
6- المنتهى 1:456.

لكن استشكل جماعة ذلك فيما إذا كان فيهم صبي لم تجب الصلاة عليه،لاختلاف الوجه (1).

و يندفع بالنص كما في تداخل الأغسال،هذا على القول باعتبار قصد الوجه و ثبوت استحباب الصلاة على هذا الصبي،و إلاّ-كما هو الأقوى-فلا إشكال من أصله.

و منها وقوف المأموم هنا وراء الإمام و لو كان واحدا و تفرد الحائض بصف،للنصوص (2).و النفساء كالحائض،لمساواتها لها في جميع الأحكام إلاّ ما استثني.

و منها أن يكون المصلّي متطهرا لما مضى.

حافيا كما هنا و عن القاضي،و في المعتبر و المنتهى (3)،قالا:لأنه موضع اتّعاظ فكان التذلل فيه أنسب بالخشوع،و لما رواه الجمهور عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«من اغبرت قدماه في سبيل اللّه حرّمه اللّه تعالى على النار» (4).

و عبّر الأكثر باستحباب نزع النعلين خاصة،و في المدارك:إنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا (5)،و نحوه في الذخيرة (6).

و قد صرّح جماعة بعدم البأس بالخف (7)،للنص:«لا يصلّى على الجنازة

ص:58


1- منهم:العلاّمة في التذكرة 1:50،و صاحب المدارك 4:176.
2- الوسائل 3:112 أبواب صلاة الجنازة ب 22.
3- القاضي في المهذّب 1:130،المعتبر 2:355،المنتهى 1:455.
4- مسند أحمد 5:226،سنن الترمذي 3:1682/92.
5- المدارك 4:178.
6- الذخيرة:332.
7- منهم:الشهيدان في الذكرى:61،و الروض:310.

بحذاء،و لا بأس بالخف» (1).

و هو مناف لما أطلقه الماتن،و به صرّح في الذكرى فقال:استحباب التحفّي يعطي استحباب نزع الخف،و الشيخ و ابن الجنيد و يحيى بن سعيد استثنوه،و الخبر ناطق به (2).

و في روض الجنان بعد ذكر ما في المتن قال:إنه غير مناف لنفي البأس عن الخف،لأنه مستثنى من المكروه،و لا يلزم منه عدم استحباب التحفي الذي هو مبحث المحقّق (3).

و في الرضوي:«و لا يصلّى على الجنازة بنعل حذو» (4).

و عن المقنع الفتوى بظاهره حتى في المنع،لكنه رواه بلفظ«لا يجوز»عن محمّد بن موسى الهمداني،و حكى عن شيخه تضعيفه برؤية،و ردّه بلزوم العمل بالخبر الضعيف إذا خلا عن المعارض كما نحن فيه (5).و هو ضعيف.

رافعا يديه بالتكبير كلّه أي بالتكبيرات الخمس أجمع،بلا خلاف في الأولى منها،بل عليه إجماع العلماء كافة كما حكاه جماعة حدّ الاستفاضة (6).

و على قول في البواقي أيضا،اختاره الماتن هنا و في المعتبر و الشرائع (7)، و الفاضل في المنتهى و الإرشاد،و غيرهما (8)،تبعا للشيخ في التهذيبين و والد

ص:59


1- الكافي 3:2/176،التهذيب 3:491/206،الوسائل 3:118 أبواب صلاة الجنازة ب 26 ح 1.
2- الذكرى:62.
3- روض الجنان:310.
4- فقه الرضا(عليه السلام):179،المستدرك 2:281 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 1.
5- المقنع:106.
6- منهم:ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):502،و المحقق في الشرائع 1:106،و العلاّمة في النهاية 2:265،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:426.
7- المعتبر 2:355،الشرائع 1:106.
8- المنتهى 1:455،الإرشاد 2:448،و انظر نهاية الإحكام 2:265.

الصدوق فيما حكي عنه (1)،و هو خيرة جماعة من محقّقي متأخري المتأخرين (2)،للصحيح (3)،و غيره (4).

خلافا للأكثر على ما حكاه جمع (5)فخصّوه بالأولى،للموثق (6)، و غيره (7)،و حملا في التهذيبين على التقية،و يشهد له الخبر:سألت الرضا عليه السلام قلت:جعلت فداك،إنّ الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الأولى و لا يعرفون فيما بعد ذلك،فأقتصر في التكبيرة الأولى كما يفعلون أو أرفع يديّ في كل تكبيرة؟فقال:ارفع يديك في كل تكبيرة» (8).

لكنه ضعيف السند مع عدم وضوح الجابر،و العامة مختلفة في المسألة كالخاصة و إن كان أكثرهم و منهم أبو حنيفة على المنع (9)،فإنّ غاية الكثرة إفادة المظنة،و في مقاومتها للظن الحاصل من الشهرة المرجحة مناقشة واضحة،بل

ص:60


1- التهذيب 3:194،الاستبصار 1:478،و حكاه عن والد الصدوق في التنقيح 1:248.
2- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:448،و صاحب المدارك 4:179، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:130.
3- التهذيب 3:445/194،الاستبصار 1:1851/478،الوسائل 3:92 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 1.
4- الكافي 3:5/184،التهذيب 3:446/195،الاستبصار 1:1852/478،الوسائل 3: 93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 3.
5- منهم الشهيد في الذكرى:63،و صاحب المدارك 4:178.و المحقق السبزواري في الذخيرة:333.
6- التهذيب 3:443/194،الاستبصار 1:1854/479،الوسائل 3:93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 4.
7- التهذيب 3:444/194،الاستبصار 1:1853/478،الوسائل 3:93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 5.
8- الكافي 3:5/184،التهذيب 3:446/195،الاستبصار 1:1852/478،الوسائل 3: 93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 3.
9- انظر المغني لابن قدامة 2:370.

هي أولى بالترجيح بمراتب عديدة،فيرجح بها الضعيفة-فضلا عن الموثقة- على الصحيحة الغير المعتضدة بها،سيّما و أنّ الشيخ القائل بها في الكتابين قد رجع عنها في المبسوط (1)إلى القول الآخر،فلعلّه الأظهر،سيّما و أنّ في صريح الغنية و السرائر و عن القاضي في شرح الجمل (2)الإجماع عليه،و إن كان ما في المتن أولى بقاعدة المسامحة في أدلة السنن،سيّما مع كونه مشهورا بين المتأخرين.

داعيا للميت المكلّف بما مضى و نحوه ممّا ورد في الصحاح و غيرها (3)في التكبيرة الرابعة أي بعدها إن كان مؤمنا.

و الأصح وجوبه كما مضى،و إنما جعله الماتن من السنن بناء على مختاره من استحباب أصل الدعاء.

و يحتمل كون المسنون هنا إيقاعه بعد الرابعة لا نفس الدعاء،و لكنه خلاف الظاهر،و لذا نسب الماتن في ظاهر المتن إلى القول باستحباب أصل الدعاء (4).

و عليه إن كان منافقا أي مخالفا للحق مطلقا،كما في ظاهر العبارة و غيرها (5)و الصحيح:«فإن كان جاحدا للحق فقل:اللّهم املأ جوفه نارا و قبره نارا،و سلّط عليه الحيّات و العقارب» (6).

ص:61


1- المبسوط 1:185.
2- الغنية(و الجوامع الفقهية):564،السرائر 1:356،شرح جمل العلم و العمل:158.
3- الوسائل 3:60 أبواب صلاة الجنازة ب 2.
4- نسبه إليه المحقق السبزواري في الذخيرة:328.
5- انظر الشرائع 1:106،و نهاية الإحكام 2:268،و المفاتيح 2:168.
6- الكافي 3:5/189،الوسائل 3:71 أبواب صلاة الجنازة ب 4 ح 5.

و فسّره بعضهم بالناصب (1).قيل:و به عبّر في المبسوط (2).و زاد في النهاية المعلن به (3)،و هو ظاهر مورد أكثر النصوص،منها الصحيح:«إذا صلّيت على عدوّ اللّه تعالى فقل:اللّهم إنّ فلانا لا نعلم إلاّ أنه عدوّ لك و لرسولك،اللّهم فاحش قبره نارا و احش جوفه نارا و عجّل به إلى النار،فإنه كان يتولّى أعداءك و يعادي أولياءك و يبغض أهل بيت نبيك،اللّهم ضيّق عليه قبره، فإذا رفع فقل:اللّهم لا ترفعه و لا تزكّه» (4).

و قريب منه الآخر و غيره الواردان في صلاة الحسين عليه السلام على المنافق (5).

و ظاهر هذه النصوص و لا سيّما الأولين وجوب الدعاء هنا أيضا كما هو ظاهر جماعة،و منهم الشهيد في البيان و اللمعة (6).

خلافا له في الدروس و الذكرى (7)فلم يوجبه،قال:لأن التكبير عليه أربع،و بها يخرج عن الصلاة.

و يضعّف بأن الدعاء للميت أو عليه لا يتعين وقوعه بعد الرابعة.

و فيه نظر،لدعوى الشيخ الإجماع (8)،و دلالة النصوص على وجوب الدعاء للميت بعدها كما مرّ،و في بعض النصوص:«و تدعو في الرابعة

ص:62


1- ذكره المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:424.
2- المبسوط 1:185.
3- النهاية:145.
4- الكافي 3:4/189،الفقيه 1:491/105،الوسائل 3:69 أبواب صلاة الجنازة ب 4 ح 1.
5- الكافي 3:188،2/189،3،الفقيه 1:490/105،التهذيب 3:453/197،قرب الإسناد: 190/9،الوسائل 3:70 أبواب صلاة الجنازة ب 4 ح 2،6.
6- البيان:76،اللمعة(الروضة 1):139.
7- الدروس 1:113،الذكرى:60.
8- كما في الخلاف 1:724.

لميتك» (1)و لا قائل بالفرق.

و بالجملة:مبنى هذا القول على ذلك كما هو المشهور،فتأمل،هذا.

و في جملة من المعتبرة التصريح بعدم الدعاء له في الرابعة معلّلة بكونه منافقا،و منها-زيادة على الصحيحين المتقدم إليهما الإشارة في أول بحث الكيفية (2)-الرواية التي هي مستند الأصحاب في وجوب الأدعية المخصوصة المتقدمة،و فيها بعد صدرها المتقدم ثمة:«فلمّا نهاه اللّه تعالى عن الصلاة على المنافقين كبّر فتشهّد،ثمَّ كبّر و صلّى على النبيين عليهم السلام،ثمَّ كبّر و دعا للمؤمنين،ثمَّ كبّر الرابعة و انصرف و لم يدع للميت» (3)و الجمع بينها و بين النصوص المتقدمة يقتضي حملها على الاستحباب، لأنّ هذه صريحة و تلك ظاهرة.

و أمّا ما يقال في الجمع بينها بحمل تلك على المخالف و هذه على المنافق،كما يقتضيه اعتبار سياقهما و موردهما و إن أطلق في جملة من تلك المنافق،لكون المقصود منه المخالف،لشيوع إطلاقه عليه في النصوص و الفتاوي.

فلعلّه إحداث قول،مع قوة احتمال عدم الفرق بينهما،فتأمل،و لا ريب أن ما ذكره أحوط.

و بدعاء المستضعفين و هو:«اللهم اغفر للذين تابوا و اتبعوا سبيلك و قهم عذاب الجحيم»كما في الصحاح و غيرها (4)إن كان مستضعفا و هو:

ص:63


1- التهذيب 3:440/193،الاستبصار 1:1844/477،الوسائل 3:64 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 8.
2- راجع ص 46.
3- تقدّم مصدرها في ص 49 الهامش 2.
4- الوسائل 3:67 أبواب صلاة الجنازة ب 3.

من لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب،و لا يبغض أهل الحق على اعتقادهم، كما عن الحلي (1).

و في الذكرى و الروضة:إنه الذي لا يعرف الحق و لا يعاند فيه و لا يوالي أحدا (2).

و فيها عن المفيد في العزّية:إنه الذي يعترف بالولاء و يتوقف عن البراءة (3).

و هذه التفاسير متقاربة،و به صرّح جماعة (4).

و قيل:إنه الذي لا يعرف الولاية و لا ينكر (5)،كما يفهم من الأخبار،و منها الصحيح الوارد في المضمار:«و إن كان واقفا مستضعفا فكبّر و قل:اللهم»إلى آخر الدعاء (6).

بناء على أنّ الظاهر أنّ المراد من الواقف المتحير في دينه لا الواقف بالمعنى المشهور.

و لكن في روض الجنان روى بدل«واقفا»:«منافقا»و قال بعد نقله:و في هذا الخبر دلالة على أنّ المنافق هو المخالف مطلقا،لوصفه له بكونه قد يكون مستضعفا،فكيف يخصّ بالناصب،و على أنّ المستضعف لا بد أن يكون مخالفا،فيقرب حينئذ تفسير ابن إدريس،كما يسقط قول بعضهم إنّ المراد به

ص:64


1- السرائر 1:84.
2- الذكرى:59،الروضة 1:138.
3- نقله عن العزّية في الذكرى:59.
4- منهم الشهيد الثاني في روض الجنان:307،و المحقق السبزواري في الذخيرة:330.
5- الحدائق 10:443.
6- الكافي 3:2/187،التهذيب 3:450/196،الوسائل 3:67 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 3.

من لا يعرف دلائل اعتقاد الحق و إن اعتقده،فإن الظاهر كون هذا القسم مؤمنا و إن لم يعرف الدليل التفصيلي (1)انتهى.

و منه يظهر قول رابع في تفسيره و إن لم يشتهر،و لعلّه لضعفه كما ذكره و صرّح به في الذخيرة،فقال بعد نقله:و الظاهر أنه ليس بجيّد،لدخول هذا القسم في المؤمن على الظاهر،و يؤيده ما رواه الكليني في كتاب الإيمان و الكفر في باب المستضعف،عن إسماعيل الجعفي،عن أبي جعفر عليه السلام في جملة حديث قلت:فهل سلم أحد لا يعرف هذا الأمر؟فقال:«لا إلاّ المستضعف»قلت:من هم؟قال:«نساؤكم و أولادكم»ثمَّ قال:«أرأيت أمّ أيمن فإني أشهد أنها من أهل الجنة،و ما كانت تعرف ما أنتم عليه» (2).

و أورد الكليني في الباب المذكور و الذي قبله أخبارا نافعة في تحقيق معنى المستضعف،من أراد فليرجع إليه (3).

و بأن يحشره مع من يتولاّه و أحبّه إن جهل حاله و لم يعرف مذهبه كما يستفاد من بعض النصوص (4)،و في بعض الصحاح يدعو له بدعاء المستضعف (5).

و في آخر:«و إذا كنت لا تدري ما حاله فقل:اللّهم إن كان يحب الخير و أهله فاغفر له و ارحمه و تجاوز عنه» (6).

و ذكر جماعة (7)أنّ الظاهر أنّ معرفة بلد الميت الذي يعرف إيمان أهله

ص:65


1- روض الجنان:307.
2- الكافي 2:6/405.
3- إلى هنا كلام الذخيرة:330.
4- الفقيه 1:489/105،الوسائل 3:67 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 1.
5- الكافي 3:1/186،الوسائل 3:67 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 2.
6- الكافي 3:3/187،الفقيه 1:491/105،الوسائل 3:68 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 4.
7- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:438،و الشهيد الثاني في روض الجنان:307،و المحقق السبزواري في الذخيرة:330.

كاف في إلحاقه بهم.

و يقول في الدعاء على الطفل المتولد من مؤمنين أو من مؤمن بقوله اللّهم اجعله لنا و لأبويه سلفا و فرطا و أجرا كما في الخبر (1).

و الفرط-بفتح الراء-في أصل الوضع:المتقدم على القوم ليصلح لهم ما يحتاجون إليه ممّا يتعلق بالماء (2).

و الظاهر أن المراد بالطفل هنا من لم يبلغ الحلم و إن وجبت الصلاة عليه كما صرّح به في الروضة و روض الجنان (3)،و علّله فيه بعدم احتياج من كان كذلك إلى الدعاء له،و ليس في الدعاء قسم آخر غير ما ذكر.

و منها:أن يقف المصلّي موقفه و لا يبرح عنه حتى ترفع الجنازة من بين يديه،للنصوص،و منها الرضوي (4).

و إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين كون المصلّي إماما أو غيره،كما هو ظاهر إطلاق العبارة و غيرها أيضا،و به صرّح جماعة (5)،قالوا:نعم لو اتفق صلاة جميع الحاضرين استثنى منهم أقل ما يمكن به رفع الجنازة.

و خصّه الشهيد-رحمه اللّه-بالإمام تبعا للإسكافي (6)،و مستنده مع إطلاق النص غير واضح.

و منها:إيقاع الصلاة في المواضع المعتادة لذلك،إمّا تبركا بها،

ص:66


1- التهذيب 3:449/195،الوسائل 3:94 أبواب صلاة الجنازة ب 12 ح 1.
2- نهاية ابن الأثير 3:434.
3- الروضة 1:139،روض الجنان:308.
4- فقه الرضا(عليه السلام):187،المستدرك 2:247 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.
5- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:38،و المحقق السبزواري في الذخيرة:331،و صاحب الحدائق 10:442.
6- الذكرى:64،و نقله فيه عن الإسكافي،الدروس 1:113.

لكثرة من صلّى فيها،و إمّا لتكثير المصلّين عليه،فإنه أمر مطلوب،لرجاء مجاب الدعوة فيهم.

و في النبوي:«ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون باللّه شيئا إلاّ شفّعهم اللّه فيه» (1).

و في الصحيح:«إذا مات الميت فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا:اللهم إنا لا نعلم منه إلاّ خيرا و أنت أعلم به منّا،قال اللّه تبارك و تعالى:قد أجزت شهادتكم و غفرت له ما أعلم ممّا لا تعلمون» (2).

و تكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرتين فصاعدا على المشهور كما في المختلف و غيره (3)،و في الغنية الإجماع عليه (4)،و كذا عن الخلاف في الجملة (5).

للخبرين:«إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله صلّى على جنازة،فلمّا فرغ جاء قوم فقالوا:فاتتنا الصلاة عليها،فقال:إنّ الجنازة لا يصلّى عليها مرتين،ادعوا له و قولوا خيرا» (6).

و لضعف سندهما حملا على الكراهة،مضافا إلى الاتفاق على الجواز في الظاهر المصرّح به في المدارك (7)،مع تصريح الموثقين (8)و غيرهما

ص:67


1- مسند أحمد 1:277،صحيح مسلم 2:59/655.
2- الكافي 3:14/254،الفقيه 1:472/102،الوسائل 3:285 أبواب الدفن ب 90 ح 1.
3- المختلف:120،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 2:453.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):564.
5- الخلاف 1:726.
6- التهذيب 3:1010/324،1040/332 الاستبصار 1:1878/484،1879/485، الوسائل 3:87 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 23،24.
7- المدارك 4:183.
8- التهذيب 3:1045/334،1046،الاستبصار 1:1874/484،1875،الوسائل 3:86 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 19،20.

بالجواز،و إن اختص ظاهر أحدهما و صريح الآخر بمن لم يدرك الصلاة عليها، لعدم القائل بالفرق.

و ليس في ظاهرهما الاستحباب حتى ينافي الخبرين،لردّ الأمر في أحدهما بالصلاة عليها ثانيا إلى المشيئة،و هو ظاهر في كونه للإباحة و الرخصة ردّا على من قال بالحرمة من العامة كمالك و أبي حنيفة (1)،و يجعل هذا قرينة على صرف الأمر في الآخر إلى ذلك.

ثمَّ إنّ إطلاق الخبرين أو عمومهما يقتضي عدم الفرق في المنع بين ما لو صلّيت ثانيا جماعة أو فرادى.

خلافا للحلّي فخصه بالأولى،لتكرار الصحابة الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله فرادى (2).

و فيه:أنّ المستفاد من نصوصها كون المراد بها الدعاء لا التكبيرات المتخلل بينها الأدعية،و أنها وقعت من الأمير و أهل البيت خاصة.

و لا بين ما لو كان المصلّي صلّى أوّلا أم لا و إن وردا في الثاني،فإنّ العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل.

خلافا للخلاف فخصّه بالأول (3).

و تدفعه مع ذلك النصوص الدالة على صلاة الأمير عليه السلام على سهل بن حنيف خمسا،و فيها الصحيح و غيره (4)،بل تدفع القول بالكراهة مطلقا،إلاّ

ص:68


1- راجع بدائع الصنائع 1:311.
2- السرائر 1:360،و انظر الوسائل 3 أبواب صلاة الجنازة ب 6 الأحاديث 2،9،10،11،16.
3- الخلاف 1:726.
4- الوسائل 3:أبواب صلاة الجنازة ب 6 الأحاديث 1،5،12،21.

أن يستثنى هذه الواقعة من قضية المنع بما يظهر من بعضها و من نهج البلاغة (1)من كون ذلك لخصوصية فيه،و إليه أشار في المختلف (2)فقال:إنّ حديث سهل بن حنيف مختص به إظهارا لفضله،كما خصّ النبي صلّى اللّه عليه و آله حمزة بسبعين تكبيرة (3).

و منه يظهر ضعف القول باستحباب التكرار على الإطلاق لها و إن احتمله الشيخ في الاستبصار (4).

و لا بين ما لو خيف على الجنازة أو نافى التعجيل أم لا.

خلافا لجماعة (5)،فقيّدوه بالخوف منهما أو من أحدهما على اختلافهم في التقييد.

و ممّا ذكرنا ظهر عدم الإشكال في الكراهة مطلقا،مضافا إلى جواز التسامح في أدلتها.و القول بأنه يقتضي الاستحباب مدفوع:بعدم ظهور قائل به حتى الشيخ في الاستبصار،فإنه ذكره وجه جمع بين الأخبار لا فتوى،مع أنه جمع بينهما بالكراهة أوّلا،و أمّا باقي الأصحاب المقيدون للمنع بما تقدم من القيودات فظاهرهم اختصاص الكراهة بها و عدمها في غيرها،و هو لا يستلزم الاستحباب فيه،فتأمّل جدّا.

ص:69


1- لم نعثر في نهج البلاغة على ما يدلّ على كيفية صلاة الأمير عليه السلام على سهل بن حنيف، نعم،فيه ما يدلّ على مزيد فضل لحمزة و صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله على جنازته بسبعين تكبيرة.راجع نهج البلاغة(لصبحي صالح):386.
2- المختلف:120.
3- الكافي 3:2/211،الوسائل 3:81 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 3.
4- الاستبصار 1:300.
5- منهم:العلامة في التذكرة 1:51،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:131.
أحكامها

و أما أحكامها فهي أربعة :

الأول من أدرك بعض التكبيرات أتم ما بقي

الأول:من أدرك مع الإمام بعض التكبيرات و فاته البعض دخل معه في الصلاة عليه،بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى (1)،و أتم ما بقي منها إجماعا كما في الخلاف (2)،للنصوص المستفيضة،منها الصحيح:

«إذا أدرك الرجل التكبيرة و التكبيرتين من الصلاة على الميت فليقض ما بقي منها متتابعا» (3).

و هو المستند فيما ذكروه من الإتمام ولاء أي من غير دعاء بينها و إن اختلفوا في إطلاقه كما هو ظاهر النص و العبارة و غيرها،أو تقييده بصورة عدم التمكن منه باستلزامه المنافي من البعد و الانحراف عن الميت و القبلة،كما عليه الشهيدان في الذكرى و روض الجنان و الروضة (4)،تبعا للمحكي عن العلاّمة في بعض كتبه (5)،و عن خالي العلاّمة المجلسي إنه مذهب الأكثر (6).

و لعلّه الأظهر،عملا بعموم ما دلّ على وجوب الدعاء،خرج منه صورة الضرورة بالنص و الإجماع.

و ما يقال من أنّ الاتّفاق على الوجوب الكفائي ينفي شمول أدلة الوجوب لموضع النزاع (7)،حسن لو كان متعلق الوجوب هو نفس الدعاء لا الصلاة،

ص:70


1- المنتهى 1:455.
2- الخلاف 1:725.
3- الفقيه 1:471/102،التهذيب 3:463/20،الاستبصار 1:1865/482،الوسائل 3: 102 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 1.
4- الذكرى:63،روض الجنان:313،الروضة 1:141.
5- كما في القواعد 1:20،و نهاية الإحكام 2:270.
6- انظر بحار الأنوار 78:363.
7- الحدائق 10:465.

و ليس كذلك،بل المتعلق هو الصلاة،و ليس الكلام فيه،بل في وجوب الدعاء،و هو في حق من دخل في الصلاة عيني،للأمر به الذي هو حقيقة فيه، و لا إجماع على كفائيته.

نعم،يمكن أن يقال:إنّ عموم ما دلّ على وجوبه معارض بعموم الصحيح المتقدم الآمر بالتتابع،و كما يمكن تخصيصه بذلك كذا يمكن العكس؛فإنّ التعارض بينهما من قبيل تعارض العموم و الخصوص من وجه.

و يضعّف:بمنع العموم في الصحيح؛فإنّ غايته الإطلاق المنصرف إلى صورة عدم التمكن من الدعاء خاصة كما هو الغالب،و لذا ورد في النص و الفتوى استحباب أن لا يبرح المصلّي عن موقفه إلى أن يرى الجنازة في أيدي الرجال.و مع ذلك فالاحتياط في العبادة يقتضيه.

و يؤيده إشعار بعض النصوص بذلك،فإنّ فيه:سمعته يقول في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين،فقال:«يتم التكبير و هو يمشي معها،فإذا لم يدرك التكبير كبّر عند القبر،فإن كان أدركهم و قد دفن كبّر على القبر» (1)إذ لو والى لم يبلغ الحال إلى المشي خلف الجنازة.

و لعلّ هذا مراد الشهيدين في بيان وجه الإشعار و إن قصرت عبارتهما عن إفادته،فإنهما قالا:إذ لو والى لم يبلغ الحال إلى الدفن (2).

فإن أرادا به ما تلوناه و إلاّ فضعفه ظاهر،فإنّ معنى قوله عليه السلام:

«فإن كان قد أدركهم و قد دفن»أنه لم يدرك شيئا من التكبيرات مع الإمام،لا أنه أدرك البعض و لم يدرك الباقي حتى دفن.

ص:71


1- التهذيب 3:462/200،الاستبصار 1:1862/481،الوسائل 3:103 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 5.
2- الذكرى:63،روض الجنان:313.

و لا يضر ضعف سنده بالجهالة و الإرسال؛لكونه مستند الأصحاب فيما ذكروه من قولهم و إن رفعت الجنازة أتم و لو على القبر فينجبر بذلك؛ مضافا إلى موافقته لباقي الأخبار،و إن كان من غير جهة الإشعار،و ينجبر من هذه الجهة بالموافقة لعموم ما دلّ على وجوب الأدعية كما عرفته.

و من هنا يظهر عدم سقوط الدعاء عن المأموم مطلقا كباقي الأذكار،عدا القراءة في الصلوات الخمس المفروضة.و الظاهر الإجماع عليه فيما إذا كان مع الإمام و لو مسبوقا،قال في المنتهى:إذا فاتته تكبيرة مثلا كبّر أولة و هي ثانية الإمام يتشهد هو و يصلّي الإمام،فإذا كبر الإمام الثالثة و دعا للمؤمنين كبّر هو الثانية و صلّى هو،فإذا كبر الإمام الرابعة و دعا للميت كبّر هو الثالثة و دعا للمؤمنين،و هكذا؛لأنّا قد بيّنا في الفرائض أنّ المسبوق يجعل ما يلحقه أول صلاته (1).انتهى،و لم ينقل فيه خلافا.

الثاني لو لم يصلّ على الميت صلّي على قبره

الثاني:لو لم يصلّ على الميت و دفن بغير صلاة صلّي على قبره وجوبا مطلقا وفاقا لجماعة (2).

لعموم:«لا تدعوا أحدا من أمتي بغير صلاة» (3)و نحوه،السالم عن المعارض بالكلية،عدا النصوص المستفيضة الناهية عن الصلاة عليه بعد دفنه (4).

و هي غير مصالحة للمعارضة-و إن تضمنت الموثقات و غيرها-أوّلا:

ص:72


1- المنتهى 1:456.
2- منهم العلامة في المختلف:120،و الشهيد في البيان:771،و المحقق السبزواري في الذخيرة:333.
3- التهذيب 3:1026/328،الاستبصار 1:1810/468،الوسائل 3:133 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 3.
4- الوسائل 3 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 19،20،و ب 18 ح 5،6،و ب 19 ح 1،و ب 36 ح 2.

بمعارضتها بأصح منها سندا و فيه:«لا بأس بأن يصلّي الرجل على الميت بعد ما يدفن» (1).

و نحوه نصوص أخر،منها:«إذا فاتتك الصلاة على الميت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه و قد دفن» (2)و بمعناه الرضوي (3).

و آخر:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا فاتته الصلاة على الميت يصلّي على القبر» (4).

و هذه النصوص مع استفاضتها أيضا أوفق باستصحاب الجواز بل الوجوب حيث يثبت قبل الدفن،و لا قائل بالفرق.و عليه فهو دليل على الوجوب كاف في إثباته و لو لم يكن هناك عموم أو منع بدعوى اختصاصه بحكم التبادر بالميت قبل الدفن،مع أنها فاسدة في العمومات اللغوية.

و ثانيا:بضعف سند جملة منها،و قصورها أجمع عن إثبات المنع مطلقا حتى في محل الفرض،لأن غايتها الإطلاق الغير المنصرف إليه.

و ثالثا:بشذوذها،لدلالتها على المنع مطلقا مع أنّ الأصحاب أطبقوا ظاهرا-و يستفاد من الذكرى أيضا (5)-على الجواز في الجملة و إن اختلفوا في إطلاقه كما عن والد الصدوق و العماني (6)،أو تحديده بما إذا لم يتغير الصورة

ص:73


1- التهذيب 3:466/200،الاستبصار 1:1866/482،الوسائل 3:104 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 1.
2- الفقيه 1:475/103،التهذيب 3:467/201،الاستبصار 1:1867/482،الوسائل 3:104 أبواب،صلاة الجنازة ب 18 ح 2.
3- فقه الرضا(عليه السلام):179،المستدرك 2:274 أبواب صلاة الجنازة ب 16 ح 1.
4- التهذيب 3:468/201،الاستبصار 1:1868/482،الوسائل 3:105 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 3.
5- الذكرى:55.
6- نقله عنهما في المختلف:120.

كما عن الإسكافي (1)،أو بأيام ثلاثة كما عن الديلمي (2)،و جعله في الخلاف رواية (3)،أو يوما و ليلة حسب كما عن الشيخين و الحلّي و القاضي و ابني زهرة و حمزة (4)،و ادّعى عليه الشهيدان في الذكرى و الروضة (5)الشهرة.

و مع ذلك فهي محتملة للحمل على التقية،فقد حكاه جماعة عن أبي حنيفة (6)،و على فتاويه غالب العامة في جميع الأزمنة،فينبغي حينئذ طرحها، أو حملها على الكراهة فيما إذا صلّي على الميت قبل الدفن،كما هو المتبادر منها،و لعلّ الوجه فيها حينئذ كراهة تكرار الصلاة على الجنازة مرتين كما مضى.لكن ظاهر الأصحاب الجواز من غير كراهة قبل ما حدّدوه من المدة، حيث أطلقوه من غير إشارة إليها،إلاّ أنه يحتمل إحالتهم لها إلى المسألة التي أشرنا إليها،و قصدهم بتحديد المدة إثبات التحريم بعدها.

و على هذا التقريب يصير التحريم بعدها مشهورا كما عزاه إليهم جماعة (7)؛و لم أعرف مستندهم،عدا الأخبار الناهية،و هي-كما عرفت- بإطلاقها شاذة،و مع ذلك فلم يعلم منها و لا من غيرها شيء من التقديرات المذكورة في عبائر الجماعة،و بذلك اعترف الفاضلان في المعتبر و المنتهى و غيرهما (8)،و الجمع بين النصوص المختلفة في المنع و الجواز بذلك فرع

ص:74


1- نقله عنه في المختلف:120.
2- المراسم:80.
3- الخلاف 1:726.
4- المفيد في المقنعة:231،الطوسي في الخلاف 1:726،الحلي في السرائر 1:260، القاضي في المهذّب 1:132،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):564،ابن حمزة في الوسيلة:679.
5- الذكرى:55،لم يصرّح فيه بالشهرة،نعم تستفاد من مجموع كلامه،الرّوضة 1:142.
6- حكاه عنه الشيخ في الخلاف 1:726،و العلامة في المنتهى 1:449.
7- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح 1:251،و الشهيد الثاني في الروضة 1:142.
8- المعتبر 2:358،المنتهى 1:449؛و انظر مجمع الفائدة و البرهان 2:453.

شاهد عليه و حجة.

و نحوه الجمع بينها بحمل الأولة على ما إذا صلّي عليه فتحرم،و الثانية على ما إذا لم يصلّ عليه فتجب،كما في المختلف (1)؛إذ لا شاهد عليه أيضا، بل و لا وجه له،سيّما مع ظهور الأخبار المجوّزة بحكم التبادر أو غيره في الصورة الأولى التي منع عن الصلاة فيها،مع أنّ مقتضاها نفي البأس،فلا يستفاد منها الوجوب،فتأمل.

و أمّا الجمع بينها بحمل المانعة على الصلاة و المجوّزة على الدعاء خاصة،كما يدل عليه بعض الأخبار المانعة (2)،و فيه الصحيح المقطوع و غيره، فهو و إن حسن من حيث الشاهد عليه و القرينة إلاّ أنه لا قائل به من الطائفة كما عرفته،لأن مرجعه إلى حرمة الصلاة بعد الدفن مطلقا،و هو كما ترى.

و الأولى في الجمع ما ذكرنا؛فإنّ فيه إبقاء للنصوص مطلقا على مواردها المستفاد منها بحكم التبادر،و هو ما إذا صلّي على الميت قبل الدفن؛و صرفا للأخبار المانعة المرجوحة بالإضافة إلى المجوّزة إليها؛مع وضوح الشاهد عليه من الحكم بكراهة تكرار الصلاة على الميت كما قدّمناه.

الثالث يجوز أن تصلّى هذه في كل وقت

الثالث:يجوز أن تصلّى هذه الصلاة في كل وقت و لو كان أحد الأوقات الخمسة المكروهة من غير كراهة؛بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة كالخلاف و المنتهى و التذكرة و غيرها (3)؛و النصوص به مع ذلك بالخصوص مستفيضة و فيها الصحاح و غيرها (4)؛مضافا إلى أنها من ذوات

ص:75


1- المختلف:120.
2- الوسائل 3:104 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 5،6،7،8.
3- الخلاف 1:721،المنتهى 1:458،التذكرة 1:51؛و انظر المدارك 4:188،و الحدائق 10:474.
4- الوسائل 3:108 أبواب صلاة الجنازة ب 20.

الأسباب فتصلّي في كل وقت كما مرّ.

ما لم يتضيق وقت الحاضرة فتقدم هي لو لم يخف على الجنازة و لا يضيق وقت صلاتها،بلا خلاف فيه،و لا في وجوب تقديم الجنازة مع ضيق وقتها وسعة الحاضرة.

و لو تضيّقا معا ففي وجوب تقديم الحاضرة كما هو ظاهر إطلاق العبارة و صريح جماعة (1)،بل حكى عليه الشهرة خالي العلاّمة المجلسي (2)،أو صلاة الجنازة كما عن ظاهر المبسوط خاصة (3)،قولان،و لعلّ الأول لا يخلو عن قوة.

و لو اتّسعا فالأولى تقديم الحاضرة على ما صرّح به جماعة (4)؛ للمعتبرة (5).

و في بعض النصوص العكس،و فيه:إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيهما أبدأ؟فقال:«عجّل الميت إلى قبره إلاّ أن تخاف فوت وقت الفريضة» (6).

و هو و إن ضعف سنده إلاّ أنه معتضد بعموم ما دلّ على استحباب تعجيل التجهيز (7)،لكنه معارض بمثله بل بأجود منه كالنص،مع أني لم أر قائلا بمضمون هذا النص و إن حكي عن الماتن التخيير من دون ترجيح

ص:76


1- منهم:العلاّمة في المنتهى 1:458،و الشهيد في الدروس 1:114،و صاحب المدارك 4:189.
2- ملاذ الأخيار 5:614.
3- المبسوط 1:185.
4- منهم:الشيخ في النهاية:146،و الحلّي في السرائر 1:360،و الشهيد في الذكرى:62.
5- الوسائل 3:123 أبواب صلاة الجنازة ب 31 ح 1،3.
6- التهذيب 3:995/320،الاستبصار 1:1812/469،الوسائل 3:124 أبواب صلاة الجنازة ب 31 ح 2.
7- الوسائل 2:471 أبواب الاحتضار ب 47.

للتعارض (1)،فإنه غير القول به.

الرابع لو حضرت جنازة في أثناء الصلاة تخيّر في الإتمام على الأولى و الاستيناف على الثانية،و في ابتداء الصلاة عليهما

الرابع:لو حضرت جنازة في أثناء الصلاة على اخرى تخيّر (2)المصلّي في الإتمام على الأولى و الاستيناف على الثانية،و في قطع الصلاة على الاولى و ابتداء الصلاة عليهما معا على الأشهر؛للرضوي:«و إن كنت تصلّي على الجنازة و جاءت الأخرى فصلّ عليهما صلاة واحدة بخمس تكبيرات،و إن شئت استأنفت على الثانية» (3).

خلافا للإسكافي (4)،فما في الصحيح:«إن شاؤوا تركوا الاولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة،و إن شاؤوا رفعوا الاولى و أتموا التكبيرة على الأخيرة،كلّ ذلك لا بأس به» (5).

و مال إليه من المتأخرين جماعة (6)؛لصحة السند،و عدم و فوقهم على مستند الأول،مع مخالفته في صورة القطع للنهي عن إفساد العبادة.

قال في الذكرى:نعم لو خيف على الجنائز قطعت الصلاة ثمَّ استأنف عليها؛لأنه قطع للضرورة (7).

و هو حسن لو لا ما مرّ من المستند المعتضد بالعمل،فيخصّص به عموم النهي،مع إمكان التأمل في شموله لنحو هذه العبادة،لما ورد في كثير من النصوص من أنها دعاء لا صلاة حقيقة،و قطعه جائز قطعا.

ص:77


1- كما في المعتبر 2:360.
2- في المختصر المطبوع:تخيّر الإمام.
3- فقه الرضا(عليه السلام):179،المستدرك 2:285 أبواب صلاة الجنازة ب 29 ح 1.
4- كما نقله عنه في الذكرى:64.
5- الكافي 3:1/190،التهذيب 3:1020/327،الوسائل 3:129 أبواب صلاة الجنازة ب 34 ح 1.
6- منهم الشهيد الثاني في الروضة 1:144،المحدث الكاشاني في المفاتيح 2:170.
7- الذكرى:64.

و لعلّه لذا استدل في المنتهى على المختار بأن مع كلّ من هذين الأمرين -و أشار بهما إلى شقّي التخيير-يحصل الصلاة عليهما،و هو المطلوب،ثمَّ قال:و يؤيده الصحيح و ساقه كما مرّ (1).

و ظاهره-كما ترى-أنّ عمدة الدليل هو التعليل لا الصحيح كما قيل (2)و هو إنما يتجه لو جاز القطع،و لا يكون ذلك إلاّ لما ذكرناه من عدم عموم في النهي يشمل محلّ البحث.

ص:78


1- المنتهى 1:458.
2- جامع المقاصد 1:433،الحدائق 9:467.
الصلوات المندوبات
اشارة

و أما الصلوات المندوبات :

ف هي كثيرة جدا ذكر الماتن منها جملة يسيرة.

صلاة الاستسقاء

منها:صلاة الاستسقاء أي طلب السقيا من اللّه عند الحاجة إليها.

و هي مستحبة عند الجدب و غور الأنهار و فتور الأمطار؛بإجماعنا الظاهر،المحكي في التذكرة و غيره (1)،بل العلماء كافة إلاّ أبا حنيفة كما في المنتهى (2)؛و للتأسي،و النصوص المستفيضة.

و الكيفية هنا ك هي في صلاة العيدين بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في الخلاف و المنتهى (3)؛و للصحيح:عن صلاة الاستسقاء، قال:«مثل صلاة العيدين تقرأ فيهما و تكبّر فيهما،يخرج الإمام فيبرز إلى مكان نظيف في سكينة و وقار و خشوع و مسألة،و يبرز معه الناس،فيحمد اللّه تعالى و يمجّده و يثني عليه،و يجتهد في الدعاء،و يكثر من التسبيح و التهليل و التكبير، و يصلّي مثل صلاة العيد ركعتين في دعاء و مسألة و اجتهاد،فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه و جعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر،و الذي على المنكب الأيسر على الأيمن،فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كذلك فعل» (4).

و لا ريب في شمول المماثلة فيه المماثلة في عدد الركعات و القراءة المستحبة و الكبيرات الزائدة و القنوت بعد كل تكبيرة،إلاّ أنّه يقنت هنا

ص:79


1- التذكرة 1:167؛و انظر البيان:218،و مفاتيح الشرائع 1:35.
2- المنتهى 1:354.
3- الخلاف 1:685،المنتهى 1:354.
4- الكافي 3:2/462،التهذيب 3:323/149،الوسائل 8:5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 1.

بسؤال الرحمة و توفير المياه.

و لا يتعين فيه دعاء خاص بل يدعو بما يتيسّر له و أمكنه و إن كان أفضل ذلك الأدعية المأثورة عن أهل العصمة عليهم السلام،فإنهم أعرف بما يناجي به الربّ سبحانه.

و ظاهر الشهيدين و غيرهما (1)تعميم المماثلة للوقت،فيخرج فيها ما بين طلوع الشمس إلى الزوال،و عزاه في الذكرى إلى ظاهر الأصحاب (2).

مع أنّ المحكي عن الفاضلين (3)التصريح بأنّ لا وقت لها،فأيّ وقت خرج جاز،و ادّعى في نهاية الإحكام و التذكرة (4)الإجماع عليه.

و هو الأوفق بالإطلاقات.و المتبادر من المماثلة المماثلة في الكيفية لا الأمور الخارجة.

و لكن الأحوط ما ذكروه بلا شبهة و إن حكي عن الإسكافي التوقيت بما بعد الفجر (5)،و عن التذكرة بما بعد الزوال،قال:لأنّ ما بعد العصر أشرف (6)؛ لضعفهما في الغاية.

و من سننها:صوم الناس ثلاثا و الخروج يوم الثالث للنص (7)؛المؤيد بما دلّ على استجابة دعاء الصائم (8).

ص:80


1- الشهيد الأول في الذكرى:251،الشهيد الثاني في الروضة 1:319؛و انظر الكافي في الفقه:162،و المختلف:126.
2- الذكرى:251.
3- المحقق في المعتبر 2:364،العلامة في نهاية الأحكام 2:104.
4- نهاية الأحكام 2:104،التذكرة 1:168.
5- حكاه عنه في المختلف:126.
6- التذكرة 1:168.
7- التهذيب 3:320/148،الوسائل 8:8 أبواب صلاة الاستسقاء ب 2 ح 1.
8- الوسائل 10:310 أبواب أحكام شهر رمضان ب 18 ح 14.

و أن يكون الخروج يوم الاثنين أو الجمعة مخيرا بينهما كما هنا و في كلام جماعة (1)،أو مرتبا بتقديم الأول و إن لم يتيسر فالثاني كما في الشرائع و كلام آخرين (2).

و الأكثر لم يذكروا سوى الأول (3)؛للنص:قلت له:متى يخرج جعلت فداك؟قال:«يوم الاثنين» (4)و نحوه المروي في العيون عن مولانا الحسن العسكري عليه السلام (5).

و عكس الحلبي فلم يذكر سوى الثاني (6).

قيل:و لعلّه نظر إلى ما ورد في ذم يوم الاثنين و أنه يوم نحس لا يطلب فيه الحوائج،و أنّ بني أمية تتبرك به،و يتشاءم به آل محمد صلّى اللّه عليه و آله لقتل الحسين عليه السلام فيه،حتى ورد أنّ من صامه أو طلب الحوائج فيه متبركا حشر مع بني أمية (7)،و أنّ هذه الأخبار ظاهرة الرجحان على الخبرين المذكورين (8).

أقول:لكنهما معتضدان بعمل أكثر الأصحاب و إن اختلفوا في الجمود عليهما أو ضمّ الجمعة،مخيّرا أو مرتبا بينهما،جمعا بينهما و بين ما دلّ على

ص:81


1- منهم العلامة في التذكرة 1:167،و الشهيدان في اللمعة و الروضة 1:319،و المحقق السبزواري في الكفاية:23.
2- الشرائع 1:109؛و انظر التحرير 1:47،و الدروس 1:196،و البيان:218.
3- كالصدوق في المقنع:47،و الطوسي في النهاية:138،و ابن حمزة في الوسيلة:113.
4- الكافي 3:1/462،التهذيب 3:322/148،الوسائل 8:5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.
5- العيون 2:1/165،الوسائل 8:8 أبواب صلاة الاستسقاء ب 2 ح 2.
6- راجع الكافي في الفقه:162.
7- انظر الوسائل 10:460 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 3،و ج 11:357 أبواب آداب السفر ب 6 ح 3.
8- الحدائق 10:485.

شرف الجمعة و استجابة الدعاء فيه حتى ورد أن العبد ليسأل الحاجة فيؤخر الإجابة إليه (1).

و كلّ من ساوى بينه و بين الخبرين مكافاة قال بالأول.و من رجّحهما لفتوى الأصحاب-سيّما نحو القاضي و الحلّي (2)اللذين لم يعملا بأخبار الآحاد إلاّ بعد قطعيتها-قال بالثاني،و لعلّه الأقوى.

و الإصحار بها إجماعا كما في المعتبر و المنتهى و الذكرى (3)؛ و للتأسي،و النصوص،و فيها الصحيح و غيره،و فيه:«مضت السنّة أنه لا يستسقى إلاّ بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء،و لا يستسقى في المساجد إلاّ بمكة» (4).

و استثناء مكة مجمع عليه عندنا و عند أكثر أهل العلم كما في المنتهى (5).

و عن الإسكافي إلحاق مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله بها (6).و هو مع عدم وضوح مستنده سوى القياس الذي لا نقول به يدفعه بعض النصوص بظاهره (7).

نعم،ذكر الشهيدان أنه لو حصل مانع من الصحراء كخوف و شبهه.

ص:82


1- المقنعة:155،المحاسن:94/58،مصباح المتهجد:230،الوسائل 7:383 أبواب صلاة الجمعة ب 41 ح 1.
2- القاضي في المهذّب 1:144،الحلي في السرائر 1:325.
3- المعتبر 2:363،المنتهى 1:355،الذكرى:251.
4- التهذيب 3:325/150،قرب الإسناد:481/137،الوسائل 8:10 أبواب صلاة الاستسقاء ب 4 ح 1.
5- المنتهى 1:355.
6- نقله عنه في المختلف:126.
7- الوسائل 8:5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.

صلّيت فيه بل في سائر المساجد (1).و لا بأس به.

و ليكن خروجهم إلى الصحراء في حال كونهم حفاة على سكينة و وقار كما يخرج في العيدين،و في الخبر«يمشي كما يمشي يوم العيدين» (2).

مضافا إلى الصحيح المتقدم المصرّح باستحباب الأخيرين.

و استصحاب الشيوخ و لا سيّما أبناء الثمانين و الأطفال و العجائز في المشهور بين الأصحاب،قالوا:لأنهم أقرب إلى الرحمة و أسرع إلى الإجابة.

و في النبوي:«لو لا أطفال رضّع و شيوخ ركّع و بهائم رتّع لصبّ عليكم العذاب صبّا» (3).

و في آخر:«إذا بلغ الرجل ثمانين سنة غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر» (4).

و في الرضوي في جملة الخطبة المأثورة فيه هنا:«اللّهم ارحمنا بمشايخ ركّع و صبيان رضّع و بهائم رتّع و شبّان خضّع» (5).

و ليكونوا من المسلمين خاصة كما ذكره جماعة (6)،فيمنع من الحضور معهم أهل الذمة و جميع الكفّار.

و زاد الحلّي فقال:و المتظاهرين بالفسوق و المنكر و الخداعة من أهل

ص:83


1- الذكرى:251،روض الجنان:324.
2- الكافي 3:1/462،التهذيب 3:322/148،الوسائل 8:5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.
3- سنن البيهقي 3:345،الجامع الصغير(للسيوطي)2:443 بتفاوت يسير.
4- الذكرى:251،و انظر مسند احمد 2:89(و فيه:إذا بلغ الرجل التسعين).
5- فقه الرضا(عليه السلام):154،المستدرك 6:181 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.
6- منهم:العلامة في المنتهى 1:355،و الشهيد الثاني في روض الجنان:324.

الإسلام (1).

قال في المنتهى:لأنهم أعداء اللّه تعالى و مغضوب عليهم و قد بدّلوا نعمة اللّه تعالى كفرا فهم بعيدون من الإجابة،قال اللّه تعالى وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ [1] (2)ثمَّ ذكر ما روي في حكاية دعاء فرعون حين غار النيل (3)، و رجّح عدم المنع (4).

قيل (5):و يعضده خروج المنافقين مع النبي صلّى اللّه عليه و آله،فإنهم أكثر الناس أو كثير منهم يومئذ،و كذا خروج المخالفين مع الرضا عليه السلام كما تضمنه بعض النصوص (6)فإنهم الأكثر يومئذ.

و يعضده أيضا ما ورد في بعض الأخبار من أنّ اللّه تعالى ربما حبس الإجابة عن المؤمن لحبّ سماع صوته و تضرعه و إلحاحه،و عجّل الإجابة للكافر لبغض سماع صوته (7).

على أنهم يطلبون ما ضمنه اللّه تعالى لهم من رزقهم و هو سبحانه لا يخلف الميعاد.

و التفريق بين الأطفال و أمهاتهم كما ذكره جماعة (8)،قالوا:

استجلابا للبكاء و الخشوع بين يدي اللّه تعالى،فربما أدركتهم الرحمة بلطفه.

و أن تصلّى جماعة للتأسي،و ظواهر النصوص.و تجوز فرادى

ص:84


1- السرائر 1:325.
2- الرعد:14.
3- الفقيه 1:1502/334.
4- المنتهى 1:355.
5- الحدائق 10:488.
6- العيون 2:1/165،الوسائل 8:5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.
7- الوسائل 7:61 أبواب الدعاء ب 21.
8- العلامة في التذكرة 1:168،و الشهيد الثاني في روض الجنان:325.

بإجماعنا،بل أهل العلم كافة إلاّ أبا حنيفة كما في المنتهى (1).

و تحويل الإمام الرداء بأن يجعل الذي على يمينه على يساره و بالعكس كما في الصحيح و غيره مستفيضا (2).

و ظاهرها-بعد حمل مطلقها على مقيدها-استحبابه من الإمام مرّة واحدة بعد الصلاة و صعود المنبر كما عليه الأكثر.

خلافا لبعضهم فذكر التحويل بعد الخطبة (3)،و لآخر فأثبته للمأموم أيضا (4)،و لجماعة فاستحبّوه ثلاث مرات (5).و لم نعرف لشيء من ذلك مستندا واضحا.

و استقبال القبلة حال كونه مكبّرا مائة مرة رافعا بها صوته، و إلى اليمين مسبّحا،و إلى اليسار مهلّلا،و عند استقبال الناس حامدا (6)كل ذلك مائة مرة رافعا بها صوته،على المشهور المأثور في الخبرين (7).

خلافا للمفيد و جماعة (8)في ذكر اليسار و استقبال الناس،فيحمد في الأول و يستغفر في الثاني،كلا منهما مائة مرة.

ص:85


1- المنتهى 1:356.
2- الوسائل 8:9 أبواب صلاة الاستسقاء ب 3.
3- كالصدوق في الفقيه 1:334،و العلامة في التذكرة 1:168.
4- منهم:الشيخ في المبسوط 1:135،و العلامة في التذكرة 1:168،و الشهيد الثاني في روض الجنان:325.
5- منهم:المفيد في المقنعة:208،و سلاّر في المراسم:83،و القاضي في المهذّب 1:144.
6- في المختصر المطبوع:داعيا.
7- الكافي 3:1/462 و ذيله،التهذيب 1:322/148،الوسائل 8:5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2 و ذيله.
8- المفيد في المقنعة:208؛و انظر المراسم:83،و المهذّب 1:144،و الغنية(الجوامع الفقهية):565.

و للصدوق فيهما أيضا فعكس ما عليه المشهور (1).

و لم نعرف مستندهما و لا مستند من قال باستحباب أن يتابعه الناس في ذلك،أي في الأذكار و رفع الصوت بها أيضا كما عن الحلبي و الصدوق و القاضي (2)،أو الأذكار خاصة من غير رفع الصوت كما عن الإسكافي و الحلّي (3).و لكن لا بأس بالمتابعة؛للتسامح في أدلة السنن.

و الخطبة مرتين كما يفعل في العيدين بعد الصلاة بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضا (4)؛و النصوص المروية من طرق العامة و طرقنا عموما و خصوصا (5).و الموثق الدال على أنها قبل الصلاة (6)شاذ يحتمل الحمل على التقية،فقد حكي في المنتهى و غيره (7)عن جماعة من العامة.

و المبالغة في الدعاء،و المعاودة إن تأخرت الإجابة إجماعا منّا كما حكاه في المنتهى،قال:لأن اللّه تعالى يحبّ الملحّين في الدعاء،و لأن الحاجة باقية فكان طلبها بالدعاء مشروعا،و لأنها صلاة يستدفع بها أذى فكانت

ص:86


1- كما نقله عنه في المختلف 125،لكن في الفقيه 1:334،و المقنع:47 ذكر الكيفية وفق ما عن المشهور.
2- الحلبي في الكافي:163،الصدوق في المقنع:47،القاضي في المهذّب 1:144.
3- نقله عنه في المختلف:125،السرائر 1:326.
4- منها:ما ذكره الشيخ في الخلاف 1:687،و العلامة في التذكرة 1:168،و المحدّث الكاشاني في المفاتيح 1:35.
5- الوسائل 8:5 و 11 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 و 5.و نقل من طرق العامّة في التذكرة 1:168 عن أبي هريرة.
6- التهذيب 3:327/150،الاستبصار 1:1749/451،الوسائل 8:11 أبواب الاستسقاء ب 5 ح 2.
7- المنتهى 1:356؛و انظر المعتبر 2:365.

مشروعة كالأولى (1).

نافلة شهر رمضان

و منها:نافلة شهر رمضان و قد اختلفت الروايات في توظيفها و استحبابها،إلاّ أنّ أشهر الروايات و أكثرها و أظهرها بين الأصحاب،بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعا،كما يستفاد من جملة من العبارات (2)،بل بانعقاده صرّح الحلّي و المرتضى و الفاضل في المختلف حاكيا له عن الديلمي (3)،و ربما احتمله عبارة الخلاف أيضا (4)،يدل على استحباب ألف ركعة،زيادة على النوافل المرتبة اليومية.

و قول الصدوق بأنه لا نافلة في شهر رمضان زيادة على غيره (5)شاذ، كالصحاح الدالة عليه (6)،و إن حكاه في الخلاف عن قوم من أصحابنا (7)،إذ لم نعرفهم و لا نقله غيره،غير أنه قيل:لأنه لم يتعرض لها والد الصدوق و لا العماني (8).و هو غير صريح،بل و لا ظاهر في المخالفة.

مع أنّ ظاهر عبارة الصدوق المشتهر نقل خلافه في المسألة لا يدل على نفي المشروعية،بل صريحها الجواز (9)؛و لذا نفى عنه الخلاف جماعة (10)

ص:87


1- المنتهى 1:356.
2- انظر المهذّب البارع 1:432،و مجمع الفائدة 3:25.
3- الحلّي في السرائر 1:310،المرتضى في الانتصار:56،المختلف:126.
4- الخلاف 1:530.
5- انظر الفقيه 2:89.
6- الوسائل 8:42 أبواب نافلة شهر رمضان ب 9.
7- الخلاف 1:531.
8- المختلف:126.
9- انظر من لا يحضره الفقيه 2:89.
10- منهم:صاحبا المدارك 4:200،و الحدائق 10:510.

قائلين أنّ غايتها نفي تأكد الفضيلة لا المشروعية.و هو حسن.

فما يقال من:أنّ المسألة من المشكلات (1)لا وجه له،غير صحة الأخبار المانعة،و هي معارضة بتلك الروايات المشهورة المتضمنة للموثق و غيره، المعتضدة بفتوى الأصحاب و الإجماعات المنقولة،و عموم ما دلّ على أن الصلاة خير موضوع (2)،مضافا إلى المسامحة في أدلة السنن،بناء على الإجماع على الجواز كما عرفته.

و الصحاح-بعد القطع بشذوذها-لا تفيد الحرمة صريحا لينبغي الاحتياط عنها،مع انها معارضة-زيادة على الروايات المشهورة باستحباب ألف ركعة- بالنصوص المستفيضة القريبة من التواتر بل لعلّها متواترة بشرعية الزيادة و لو مطلقة،و مع ذلك فجملة منها صحيحة صريحة في خلاف ما دلّت عليه الصحاح المتقدمة من أنه:ما صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الزيادة قطّ، و لو كان خيرا لم يتركه (3).

ففي الصحيح:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يزيد في صلاته في شهر رمضان إذا صلّى العتمة صلّى بعدها»الخبر (4).

و نحوه آخر و غيره (5).

و حينئذ فينبغي طرحها،أو حملها على نفي الزيادة في جماعة خاصة كما

ص:88


1- الحدائق 10:514.
2- بحار الأنوار 79:307.
3- التهذيب 3:223/68،الاستبصار 1:1804/466،الوسائل 8:42 أبواب نافلة شهر رمضان ب 9 ح 1.
4- الكافي 4:2/154،التهذيب 3:208/61،الاستبصار 1:1792/461،الوسائل 8:22 أبواب نافلة شهر رمضان ب 2 ح 1.
5- التهذيب 3:204/60،205،الاستبصار 1:1793/461،1795،الوسائل 8:22 أبواب نافلة شهر رمضان ب 2 ح 2،3.

في التهذيبين (1)،للصحيح (2).و لكن لا دلالة له عليه.

أو على نفي الزيادة في النوافل الراتبة،كما رواها الإسكافي بأربع في صلاة الليل كما في المختلف (3).و هو أبعد.

أو على نفي كونها سنّة موقتة موظفة لا ينبغي تركها كالرواتب اليومية،بل إن كانت فهي من التطوعات التي من أحبها و قوي عليها كما يشعر به بعض النصوص المثبتة (4).و لكن فيه بعد.

أو على التقية كما عن بعض الأجلّة (5)حاكيا له عن ابن طاوس،مؤيدا له بأمور و منها ورد جملة من الأخبار بتكذيب راوي النفي و الدعاء عليه (6).لكنها معارضة ببعض الأخبار الواردة بالعكس (7)،مع أنّ بعض الأصحاب حمل الأخبار المثبتة على التقية (8).

و كيف كان فالمذهب ما عليه الأصحاب.

ص:89


1- التهذيب 3:69،الاستبصار 1:467.
2- الفقيه 2:394/87،التهذيب 3:226/69،الاستبصار 1:1807/467،الوسائل 8:45 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 ح 1.
3- المختلف:126.
4- التهذيب 3:209/61،الاستبصار 1:1794/461،الوسائل 8:26 أبواب نافلة شهر رمضان ب 5 ح 1.
5- نقله صاحب الحدائق 10:514 عن بعض المحققين من متأخّري المتأخرين.
6- الكافي 4:6/155،التهذيب 3:221/68،222،الاستبصار 1:1799/463، الوسائل 8:34 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 8،10.
7- لم نعثر عليه في كتب الحديث،و رواه المحقق في المعتبر 2:366 عن الأصحاب عن محمد ابن مسلم،و متنه:سمعت إبراهيم بن هشام يقول:هذا شهر رمضان فرض اللّه صيامه و سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قيامه،فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه السلام فقال:«كذب إبراهيم ابن هشام،كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر و ركعتان قبل الفجر في رمضان و غيره».
8- الوافي 11:438.

و قد اختلفوا في كيفية توزيع الألف ركعة على الشهر،فالمشهور أنه يصلّى في كل ليلة من العشرين الأوّلين عشرون ركعة موزّعة هكذا بعد المغرب ثماني ركعات،و بعد العشاء اثنتا عشرة ركعة،و في العشر الأواخر في كل ليلة ثلاثون ركعة موزّعة كما مرّ،بعد المغرب ثماني ركعات و الباقي بعد العتمة و في ليالي الأفراد المحتملة لليلة القدر في كل ليلة منها مائة ركعة مضافا إلى ما عيّن فيها من العشرين في الاولى و الستين في الأخيرتين.

للنصوص المستفيضة الدالة على هذا التفصيل بتمامه بعد ضمّ بعضها إلى بعض (1)،و هي متفقة الدلالة على كيفية توزيع العشرين و الثلاثين بجعل الثمان بعد المغرب و الباقي بعد العشاء مطلقا.

خلافا للنهاية و الإسكافي (2)،فخيّرا في العشرين بين ذلك و بين عكسه فيصلي اثنتي عشرة ركعة بين المغرب و العتمة،و ثماني ركعات بعد العتمة كما في الموثقة (3)،جمعا بينها و بين المستفيضة.

و للقاضي و الحلبي (4)في الثلاثين،فيصلي ما بين العشاءين اثنتي عشرة ركعة،و ثماني عشرة بعد العشاء كما في الخبر (5).

و ربما يقال هنا بالتخيير أيضا جمعا.و لا بأس به و إن كان المشهور أولى،

ص:90


1- الوسائل 8:28 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7.
2- النهاية:140،و نقله عن الإسكافي في المختلف:126.
3- الفقيه 2:397/88،التهذيب 3:214/63،الاستبصار 1:1797/462،الوسائل 8:30 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 3.
4- القاضي في المهذّب ب 1:145،الحلبي في الكافي في الفقه:159.
5- التهذيب 3:213/62،الاستبصار 1:1796/462،الوسائل 8:29 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 2.

لكثرة أخباره و اشتهاره بين الأصحاب،بل في الخلاف عليه الإجماع (1).

و فيه الإجماع أيضا على استحباب الثمانين ركعة في ليالي الأفراد زيادة على المئات.

و في رواية (2)يقتصر فيها عن الثمانين على المائة في كل منها و يصلّي الثمانين المتخلّفة و هي العشرون في التاسعة عشرة و الستون في الليلتين بعدها في الجمع الأربع أربعون موزّعة عليها،فيصلّي في كل يوم جمعة عشرا:

أربعا بصلاة علي عليه السلام يقرأ فيها بالحمد في كل ركعة و خمسين مرة قل هو اللّه أحد.

و أربعا بصلاة جعفر عليه السلام يقرأ في الركعة الأولى الحمد و إذا زلزلت،و في الثانية الحمد و العاديات،و في الثالثة الحمد و إذا جاء نصر اللّه،و في الرابعة الحمد و قل هو اللّه أحد.

و ركعتين بصلاة فاطمة عليها السلام يقرأ في الركعة الأولى بالحمد و إنا أنزلناه في ليلة القدر مائة مرة،و في الثانية بالحمد و قل هو اللّه أحد مائة مرة.

و عشرون في آخر جمعة أي ليلة الجمعة الأخيرة بصلاة علي عليه السلام،و في عشيتها ليلة السبت عشرون بصلاة فاطمة عليها السلام.

و يوافقها في الاقتصار على المائة غيرها من الروايات (3)،و حكي القول بمضمونها عن كثير من القدماء كالمفيد و المرتضى و القاضي و الديلمي و ابن

ص:91


1- الخلاف 1:202.
2- التهذيب 3:218/66،الاستبصار 1:1802/466،المقنعة:168،الوسائل 8:28 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 1.
3- الوسائل 8:32 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 6،8.

حمزة (1)،و عزاه في الذكرى إلى أكثر الأصحاب (2)،و في الانتصار الإجماع عليه،و عليه رتّب الشيخ الدعوات المختصة بالركعات (3).و التخيير غير بعيد كما هو ظاهر كثير.

صلاة ليلة الفطر

و منها:صلاة ليلة الفطر.

و هي ركعتان يقرأ في الأولى مرة بالحمد و بالإخلاص ألف مرة،و في الثانية الحمد و الإخلاص كلّ منهما مرة كما في الخبر المنجبر بقول الأصحاب كما في الذكرى (4)،مضافا إلى التسامح في أدلة السنن،و فيه:«من صلاّها لم يسأل اللّه تعالى شيئا إلاّ أعطاه» (5).

و لها صلوات مذكورة في محالّها.

صلاة يوم الغدير

و منها:صلاة يوم الغدير.

و هو الثامن عشر من شهر ذي الحجّة قبل الزوال بنصف ساعة.

و هي ركعتان يقرأ في كل منهما الحمد مرة،و كلا من التوحيد و آية الكرسي و القدر عشر مرّات،كما في الخبر،و فيه:أنها تعدل مائة ألف حجة و مائة ألف عمرة،و من صلاّها لم يسأل اللّه تعالى حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة إلاّ قضيت له كائنة ما كانت الحاجة (6).

ص:92


1- المفيد في المقنعة:165،المرتضى في الانتصار:55،القاضي في المهذّب 1:146،الديلمي في المراسم:82،ابن حمزة في الوسيلة:117.
2- الذكرى:254.
3- كما في مصباح المتهجد:487.
4- الذكرى:254.
5- التهذيب 3:228/71،المقنعة:171،الوسائل 8:85 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 1 ح 1.
6- التهذيب 3:317/143،الوسائل 8:89 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 3 ح 1.

و ضعف السند منجبر بما عرفته،مضافا إلى أخبار أخر مؤيدة له (1).

فإنكار الصدوق له (2)ضعيف،كقول الحلبي باستحباب الجماعة فيها و الخطبتين و الخروج إلى الصحراء (3)،إذ لم نقف له على مستند،مع مخالفة الأول لعموم الأدلة بإنكار الجماعة في النافلة.

و الأولى مراعاة الترتيب الذكري في القراءة،و عليه جماعة (4)،و قدّم آخرون القدر على آية الكرسي،و يظهر من الحلّي أنّ به رواية (5).

صلاة ليلة النصف من شعبان

و منها:صلاة ليلة النصف من شعبان.

و هي عديدة و بكل منها رواية،فمنها أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة و التوحيد مائة مرّة ثمَّ يدعو بالمرسوم كما في المرفوع المروي في الكافي و غيره (6).

و نحوه الخبر المروي في المصباح،و لكن في العدد خاصة،و أما القراءة ففيه أنه«تقرأ في كل ركعة الحمد مرة و التوحيد مائتين و خمسين مرة» (7).

و منها:ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد الجحد و في الثانية بعده التوحيد،و تقول بعد السلام:سبحان اللّه ثلاثا و ثلاثين مرة،و الحمد للّه كذلك، و اللّه أكبر أربعا و ثلاثين مرة،ثمَّ يدعو بالمروي،رواه في المصباح (8).و روي

ص:93


1- مصباح المتهجد:680،703،تفسير فرات الكوفي:123/117.
2- انظر الفقيه 1:55.
3- كما في الكافي في الفقه:160.
4- منهم الشيخ في مصباح المتهجد:691،و النهاية:141،و سلاّر في المراسم:81، و المحقق في المعتبر 2:373،و العلامة في التذكرة 1:71.
5- راجع السرائر 1:312.
6- الكافي 3:7/469،التهذيب 3:419/185،الوسائل 8:106 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 8 ح 2.
7- مصباح المتهجد:769،الوسائل 8:108 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 8 ح 7.
8- مصباح المتهجد:762،الوسائل 8:106 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 8 ح 3.

فيه غير ذلك.

صلاة ليلة المبعث و يومها

و منها:صلاة ليلة المبعث و يومها.

و هو السابع و العشرون من رجب.

و كيفية ذلك أي كل من هذه الصلوات و ما يقال فيه و بعده مذكور في كتب تخصّ به،و كذا سائر النوافل الغير المذكورة في الكتاب،من أرادها فليطلبها هناك.

ص:94

المقصد الثالث في التوابع

اشارة

المقصد الثالث:في التوابع و هي أمور خمسة :

الأول في الخلل الواقع في الصلاة
اشارة

الأول:في الخلل الواقع في الصلاة.

و هو يكون إما عن عمد و قصد أو سهو لعزوب المعنى عن الذهن حتى حصل بسببه الإخلال أو شك و هو:تردّد الذهن بين طرفي النقيض حيث لا رجحان لأحدهما على الآخر.

و المراد بالخلل الواقع عن عمد أو سهو ترك شيء من أفعالها مثلا، و الواقع بالشك النقص الحاصل للصلاة بنفس الشك،لا أنه كان سبب ترك كقسيميه.

الخلل العمدي

أما العمد:ف كلّ من أخلّ معه بواجب أبطل صلاته،شرطا كان ما أخلّ به كالطهارة،و الستر،و الوقت و القبلة أو جزءا و إن لم يكن ركنا كالقراءة،و أجزائها حتى الحرف الواحد أو كيفية كالطمأنينة،و الجهر و الإخفاف في القراءة،و ترتيب الواجبات بعضها على بعض.

و تعريف العامد بما مرّ يشمل ما لو كان جاهلا بالحكم الشرعي كالوجوب،أو الوضعي كالبطلان.

و الأصل في جميع ذلك عدم الإتيان بالمأمور به على الوجه المطلوب شرعا،فيبقى في عهدة التكليف.

و هذه الكلية ثابتة في جميع مواردها عدا الجهر و الإخفات،فإنّ الجهل فيهما عذر إجماعا كما مرّ في بحثهما.

و كذا تبطل لو فعل معه ما يجب تركه في الصلاة كالكلام بحرفين فصاعدا،و نحوه ممّا مرّ في قواطع الصلاة مع أدلتها.

و تبطل الصلاة في الثوب المغصوب،أو الموضع المغصوب و كذلك

ص:95

فيهما نجسين و السجود على الموضع النجس مع العلم مطلقا و إن جهل الحكم لا مع الجهل بالغصبية و النجاسة إذ لا إعادة في الأول مطلقا،و في الثاني مع خروج الوقت،و مع بقائه قولان تقدّما كسائر ما يتعلّق بهذه المسائل في أبحاثها.

لكن لم يتقدم لحكم السجود على الموضع النجس جهلا ذكر لا هنا، و لا في شيء ممّا وقفت عليه من كتب الفقهاء،عدا شيخنا الشهيد الثاني في روض الجنان في بحث الصلاة في الثوب النجس فألحقه به و بالبدن في الأحكام (1)،و هو ظاهر غيره من الأصحاب،حيث أحالوا الحكم في المقام إلى ذلك البحث و بحث المكان،مع أنهم لم يذكروه في شيء منهما على الخصوص،و هو ظاهر فيما ذكرناه من الإلحاق.

و لا ريب فيه إن كان إجماعا،و إلاّ فللتوقف فيه مجال؛فإنّ مقتضى الأصول الإعادة في الوقت هنا،للشك في الامتثال،لإطلاق ما دلّ على اشتراط طهارة محل السجود من دون تقييد بصورة العلم و إن احتمل قريبا كطهارة الثوب و البدن،لكنه ليس بمتحقق كما تحقّق فيهما،فبمجرده لا يخرج عن إطلاق الأمر القطعي.

نعم لو خرج الوقت لم يعلم وجوب القضاء؛بناء على كونه فرضا مستأنفا،و لا دليل عليه هنا عدا عموم الأمر بقضاء الفوائت،و هو فرع تحقق الفوت،و لم يتحقق بعد احتمال اختصاص الشرطية بحال العلم كما في النظائر،و حينئذ فيدفع القضاء بالأصل السالم عن المعارض.

الخلل السهوي
ما إذا كان عن ركن

و أما السهو:فإن كان عن ركن من الأركان الخمسة المتقدمة و كان محلّه باقيا بأن لا يكون دخل في ركن آخر أتى به ثمَّ بما بعده بلا خلاف

ص:96


1- روض الجنان:168.

بين أهل العلم كما في المنتهى (1)؛لإمكان الإتيان به على وجه لا يؤثر خللا و لا إخلالا بماهية الصلاة؛و لفحوى ما دلّ على هذا الحكم في صورة الشك في الجملة.

و إن كان دخل في ركن آخر أعاد الصلاة،و ذلك كمن أخلّ بالقيام حتى نوى،أو بالنية حتى افتتح الصلاة أو بالافتتاح حتى قرأ،أو بالركوع حتى سجد،أو بالسجدتين حتى ركع.

بلا خلاف فيما عدا الأخيرين و لا إشكال،إلاّ في الأول،فإنه يتوقف على ثبوت ركنية القيام حتى حال النية.و وجهه غير واضح،خصوصا على مذهب من جعل النية شرطا خارجا عن حقيقة الصلاة،إلاّ أن يوجّه باشتراط مقارنتها للتكبير الذي القيام ركن فيه قطعا،و هي لا تتحقق إلاّ حالة القيام، فتدبر.

و وجه فساد الصلاة بالإخلال بالنية حتى كبّر على القول بجزئيتها واضح.

و كذا على غيره؛فإنّ التكبير جزء من الصلاة إجماعا فيعتبر فيه النية و غيرها من الشرائط،لأن شرط الكل شرط لجزئه،و يلزم من فوات الشرط فوات المشروط.

و على الأشهر الأقوى أيضا فيهما،بل عليه جمهور متأخري أصحابنا، بل عامّتهم في الأخير إذا كان السهو في الركعتين الأوليين أو الصبح أو المغرب؛و حجتهم عليه-بعد الإجماع ظاهرا-استلزام التدارك زيادة ركن، و عدمه نقصانه،و هما مبطلان،إجماعا في الثاني،و نصّا في الأول.

و هذه الحجة عامة للصور المزبورة و غيرها من السهو عن السجدتين إلى أن يركع في أخيرتي الرباعية،و عن الركوع إلى أن يسجد السجدتين،مضافة فيه إلى الصحيح:عن الرجل ينسى أن يركع حتى يسجد و يقوم،قال:

ص:97


1- المنتهى 1:408.

«يستقبل» (1)و نحوه غيره (2).

و حيث لا قائل بالفرق بينه و بين السهو عنه إلى أن يسجد الواحدة عمّ الحكم لهما؛مع اعتضاده بالقاعدة من أنه لم يأت بالمأمور به على وجهه، فيبقى تحت العهدة،و لا يتيقن الخروج عنها إلاّ باستيناف الصلاة من أوّلها؛ و إطلاق جملة من المعتبرة:

منها،الموثق:عن الرجل ينسى أن يركع،قال:«يستقبل حتى يضع كلّ شيء موضعه» (3).

و الخبر:عن رجل نسي أن يركع،قال:«عليه الإعادة» (4).

و قصور السند أو ضعفه مجبور بالشهرة العظيمة المتأخرة و الموافقة للقاعدة المتيقنة المشار إليها في الموثقة أيضا بقوله:«حتى يضع كل شيء موضعه»فتعمّ غير موردها أيضا،و هو جملة الصور في المسألتين.

و قيل:إن كان السهو عن أحد الركنين مع الدخول في الآخر في الركعتين الأخيرتين من الرباعية أسقط الزائد و أتى بالفائت.

القائل بذلك الشيخ في المبسوط و كتابي الأخبار (5)،جمعا بين الأخبار المتقدمة و بين الصحيحين الدالّين على التلفيق مطلقا،كما حكاه عن بعض

ص:98


1- الكافي 3:2/348،التهذيب 2:581/148،الاستبصار 1:1344/355،الوسائل 6:312 أبواب الركوع ب 10 ح 1.
2- التهذيب 2:583/149،الاستبصار 1:1347/356،الوسائل 6:313 أبواب الركوع ب 10 ح 2.
3- التهذيب 2:587/149،الاستبصار 1:1343/355،الوسائل 6:313 أبواب الركوع ب 10 ح 2.
4- التهذيب 2:584/149،الاستبصار 1:1346/356،الوسائل 6:313 أبواب الركوع ب 10 ح 4.
5- المبسوط 1:109،التهذيب 2:149،الاستبصار 1:356.

الأصحاب (1)و عزاه إليه في المنتهى (2).

في أحدهما:رجل شكّ بعد ما سجد أنه لم يركع،فقال:«يمضي في صلاته حتى يستيقن أنه لم يركع،فإن استيقن أنه لم يركع فليلق السجدتين اللتين لا ركوع لهما و يبني صلاته على التمام،و إن كان لم يستيقن إلاّ بعد ما فرغ و انصرف فليقم و ليصل ركعة و سجدتين و لا شيء عليه» (3).

و في الثاني:عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثمَّ ذكر أنه لم يركع،قال:«يقوم و يركع و يسجد سجدتي السهو» (4).

و فيه نظر؛فإنّ الجمع بذلك فرع التكافؤ،و ليس،لرجحان الأخبار الأوّلة من وجوه عديدة دون الصحيحين،سيّما مع تضمن الأول منهما ما لا يقول به الخصم بل و لا أحد من:وجوب صلاة ركعة مع سجدتين بعد الانصراف من الصلاة إذا استيقن ترك الركوع.

و منه يظهر شذوذ الثاني رأسا،و عدم ارتباطه بما نحن فيه أصلا.

و لو سلّم ذلك كلّه فالجمع بذلك فرع الشاهد عليه،و لم نجده،عدا ما اشتهر عنه و عن المفيد من أنّ كل سهو يلحق الأوليين في الأعداد و الأفعال فهو موجب للإعادة دون الأخيرتين (5).و لم أتحققه،بل المتحقق خلافه.

و في الرضوي:«و إن نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة الأولى فأعد صلاتك،لأنه إذا لم تصحّ لك الأولى لم تصح صلاتك،و إن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين و اجعلها-أعني الثانية-الأولى،

ص:99


1- المبسوط 1:119.
2- المنتهى 1:408.
3- التهذيب 2:585/149،الاستبصار 1:1348/356،الوسائل 6:314 أبواب الركوع ب 11 ح 2.
4- التهذيب 2:586/149،الوسائل 6:315 أبواب الركوع ب 11 ح 3.
5- نقله عنهما الشهيد في الذكرى:220،لاحظ المقنعة:145،و التهذيب 2:150.

و الثالثة ثانية،و الرابعة ثالثة» (1).

و هو-كما ترى-ظاهر في خلاف ما ذكراه،و هو وجوب المحافظة على الركعة الأولى خاصة لا الركعتين معا.

و يؤيده بعض الأخبار المروية عن العلل و العيون عن مولانا الرضا عليه السلام قال:«إنما جعل أصل الصلاة ركعتين،و زيد على بعضها ركعة،و على بعضها ركعتين،و لم يزد على بعضها شيء،لأن أصل الصلاة هي ركعة واحدة، لأن أصل العدد واحد،فإذا نقصت عن واحدة فليست هي صلاة»الحديث (2).

و ما تضمنه الرضوي من الحكم في المسألة محكي عن والد الصدوق و الإسكافي (3)،و هو مع ندرته و قصوره عن المقاومة لما مرّ من الأدلة من وجوه عديدة شاذ.

و اعلم:أنّ النصوص الدالة على التلفيق مطلقا مختصة بالمسألة الأولى كفتوى الشيخ في كتبه المتقدمة،فلا وجه لتعديته و إجزائه في الثانية كما حكي عنه في جمله و اقتصاده (4)؛و لذا وافق القوم هنا في موضع من المبسوط (5)لكن قال في موضع آخر منه ما يشعر باتحاد طريق المسألتين و اتحاد حكمهما (6)؛ و لعلّه الوجه في التعدية،كما احتجّ لهم في المختلف من أنّ السجدتين مساويتان للركوع في الحكم فانسحب فيهما حكم التلفيق الثابت للركوع (7).

ص:100


1- فقه الرضا(عليه السلام):116،المستدرك 4:429 أبواب الركوع ب 9 ح 2.
2- عيون الأخبار 2:106،علل الشرائع:261،الوسائل 4:53 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 22.
3- نقله عنهما في المختلف:131.
4- الجمل و العقود(الرسائل العشر):186،الاقتصاد:265.
5- المبسوط 1:112.
6- المبسوط 1:120.
7- المختلف:130.

و ضعف هذا الاستدلال ظاهر.

و يعيد الصلاة لو زاد فيها ركوعا أو سجدتين مطلقا عمدا كانت الزيادة أو سهوا و كذا غيرهما من الأركان إلاّ ما استثني،بلا خلاف أجده،و به صرّح جماعة (1)؛لكونها كالنقيصة مغيّرة لهيئة العبادة التوقيفية موجبة لبقاء الذمة تحت العهدة؛و مع ذلك المعتبرة به مستفيضة،منها الصحيح:«إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها و استقبل الصلاة استقبالا» (2)و بمعناه الموثق و غيره (3).

و في الموثقين القريب أحدهما من الصحيح،بل صحيح:«لا يعيد الصلاة من سجدة و يعيدها من ركعة» (4).

و مقابلة الركعة فيهما بالسجدة قرينة على أنّ المراد بالركعة الركوع،و لا قائل بالفرق بينه و بين السجدتين.

و خروج كثير من الأفراد من إطلاق الصحيح الأول و ما في معناه غير قادح و لو كانت أكثر؛إذ ليس كالعموم اللغوي لا يقبل التخصيص إلى أن يبقى الأقل.

فما يقال في الجواب عنهما من حملهما على زيادة ركعة حذرا عن ارتكاب التخصيص البعيد ضعيف.

و أضعف منه التأمل في الدليل الأول مع عدم ظهور وجهه (5)،سيما و أنّ

ص:101


1- منهم السبزواري في الكفاية:25،و صاحب الحدائق 9:119.
2- الكافي 3:2/354،التهذيب 2:763/194،الاستبصار 1:1428/376،الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1.
3- التهذيب 2:764/194،الاستبصار 1:1429/376،الوسائل 8:231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 2 و ذيله.
4- الفقيه 1:1009/228،التهذيب 2:610/156،611،الوسائل 6:319 أبواب الركوع ب 14 ح 2،3.
5- انظر الحدائق 9:119.

دأب العلماء حتى المتأمل التمسك به في إثبات كثير من الواجبات في العبادات،و بطلانها بالإخلال بها مطلقا.

و كما تبطل بزيادة أحد الركنين كذا تبطل بزيادة ركعة مطلقا على الأشهر الأقوى؛لما مضى من الأدلة حتى القاعدة،بناء على المختار من وجوب التسليم و جزئيته مطلقا،و كذا على غيره لكن في الجملة.

مضافا إلى بعض الأخبار المنجبر ضعفها بالشهرة و المخالفة للعامة:في رجل صلّى العصر ست ركعات أو خمس ركعات،قال:«إن استيقن أنه صلّى خمسا أو ستا فليعد» (1).

خلافا للإسكافي فلا إعادة في الرابعة إن جلس بعدها بقدر التشهد (2)، و اختاره الفاضلان في المعتبر و التحرير و المختلف (3)؛للصحيحين (4)؛و لأن نسيان التشهد غير مبطل فإذا جلس بقدره فقد فصل بين الفرض و الزيادة.

و فيهما نظر؛لضعف الثاني بأن تحقّق الفصل بالجلوس لا يقتضي عدم وقوع الزيادة في أثناء الصلاة.

و الخبرين:بأنّ الظاهر أنّ المراد من الجلوس فيهما بقدر التشهد:

التشهد؛لشيوع مثل هذا الإطلاق،و ندور تحقق الجلوس بقدره من دون الإتيان به.و لو سلّم ففي مكافاتهما لما مرّ من الأدلة مناقشة واضحة،سيّما بعد احتمالهما الحمل على التقية كما صرّح به جماعة (5)حاكين القول بمضمونهما

ص:102


1- التهذيب 2:1461/352،الوسائل 8:232 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 3.
2- نقله عنه في المختلف:135.
3- المعتبر 2:380،التحرير 1:49،المختلف:135.
4- الفقيه 1:1016/229،التهذيب 2:766/194،الاستبصار 1:1431/377، الوسائل 8:232 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 4،6.
5- منهم الشيخ في الخلاف 1:451،و صاحب الحدائق 9:117.

عن أبي حنيفة المشهور رأيه في جميع الأزمنة و عليه أكثر العامة.

و قيل:إنّ تشهّد قبل الزيادة فلا إعادة (1)؛عملا بظاهر الصحيحين بالتقريب الذي عرفته،و لذا جعلا من أدلة استحباب التسليم لا التشهد.

و فيه ما عرفته من عدم المكافأة للأدلة المشهورة هنا؛مضافا إلى أدلة وجوب التسليم المتقدمة في بحثه.

و على هذا القول لا فرق في وقوع الزيادة بعد تشهد الرباعية أو الثلاثية أو الثنائية إن علّل زيادة على الصحيحين باستحباب التسليم و الخروج بالتشهد عن الصلاة،فتكون الزيادة بعدها.

و لو نقص من عدد ركعات الصلاة سهوا ثمَّ ذكر النقصان بعد التسليم أتم مطلقا و لو تكلّم على الأشهر الأظهر؛للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة المتقدمة جملة منها (2)،مضافا إلى الإجماعات المنقولة على عدم بطلان الصلاة بالتكلّم ناسيا في بحث قواطع الصلاة،و تقدّم ثمة خلاف النهاية و قوله فيه بوجوب الإعادة مع ذكر ما يصلح له دليلا و الجواب عنه (3).

و يحكى هذا القول هنا عن جماعة من القدماء كالعماني و الحلبي (4).

و حكى الشيخ عن بعض الأصحاب قولا بوجوب الإعادة في غير الرباعية (5)،و لم نعرف مستنده.

و إطلاق العبارة-كغيرها و جملة من النصوص الصحيحة و غيرها-يقتضي عدم الفرق بين ما إذا طال الزمان أو الكلام كثيرا بحيث يخرج عن كونه مصلّيا

ص:103


1- قال به الشيخ في الاستبصار 1:377؛و انظر الذكرى:219.
2- راجع ج 3 ص:280.
3- راجع ض 1816.
4- نقله عن العماني في المختلف:136،الحلبي في الكافي:120.
5- انظر المبسوط 1:121.

أم لا،و عزاه في التذكرة إلى ظاهر علمائنا (1).

خلافا لبعضهم ففرّق بينهما،فوافق الشيخ في الأول،و المشهور في الثاني (2).

و وجهه غير واضح،عدا الجمع بين النصوص و ما دلّ على البطلان بالفعل الكثير.و فيه نظر؛لاختصاص ما دلّ على البطلان بصورة العمد كما مرّ في بحثه (3)؛مع نقل الإجماع على عدمه فيما نحن فيه (4).

و مع ذلك يردّه ظاهر الحسن-لو لم نقل صريحه-:قلت:أجيء إلى الإمام و قد سبقني بركعة في الفجر،فلمّا سلّم وقع في قلبي أني أتممت،فلم أزل أذكر اللّه تعالى حتى طلعت الشمس،نهضت فذكرت أنّ الإمام قد سبقني بركعة،قال:«فإن كنت في مقامك فأتم بركعة،و إن كنت قد انصرفت فعليك الإعادة» (5)فتدبّر.

نعم،الأحوط الإعادة كما ذكره (6)،بل مطلقا كما عليه الشيخ في النهاية و من تبعه،لكن بعد إتمام الصلاة (7)كما ذكرنا و تدارك ما يلزم السهو من سجدتيه.

و يعيد لو استدبر القبلة أو فعل ما ينافي الصلاة عمدا و سهوا كالحدث،على الأشهر الأقوى؛للمعتبرة المستفيضة في استدبار القبلة و منها

ص:104


1- التذكرة 1:135.
2- انظر التنقيح 1:259.
3- راجع ج 3 ص:285.
4- و هو صورة السهو و النسيان.منه رحمه اللّه.
5- التهذيب 2:731/183،الاستبصار 1:1400/367،الوسائل 8:209 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 6 ح 1.
6- أي:في صورة تخلّل الفعل الكثير.
7- أي:الاحتياط المذكور يجب أن يكون بعد الإتمام.منه رحمه اللّه.

الصحيح و الموثقان (1)،و غيرها الواردة في خصوص المسألة (2)،مضافا إلى الصحاح المستفيضة و غيرها المتقدمة في كونه قاطعا للصلاة مطلقا (3).و قد مرّ ثمة نقل خلاف جماعة في ذلك بتخصيصهم له بصورة العمد خاصة مع مستندهم و الجواب عنه (4).

و أما هنا فلم ينقل الخلاف إلاّ من المقنع خاصة حيث قال:يتم صلاته و لو بلغ الصين (5)،و وافقه بعض متأخري المتأخرين (6)؛للصحاح المستفيضة إطلاقا في بعضها و تصريحا في جملة منها (7).

و هي غير مكافئة لما مرّ من الأدلة؛مع احتمالها الحمل على التقية كما صرّح به بعض الأجلة (8).و مع ذلك فقول الصدوق-رحمه اللّه-بها غير معلوم و إن اشتهرت حكايته عنه،لما ذكره خالي العلاّمة المجلسي-رحمه اللّه-بأنّه لم يجده فيما عنده من نسخة المقنع (9)،و قد مرّ في بحث القواطع موافقة إطلاق كلامه لما عليه الأكثر من كون الاستدبار من القواطع مطلقا،و بالجملة فالقول المزبور ضعيف.

و أضعف منه القول بالتخيير بينه و بين المختار مع أفضليته،كما اتّفق

ص:105


1- الوسائل 4:312 أبواب القبلة ب 9.
2- الوسائل 8:198 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3.
3- راجع ج 3 ص:276 و 277.
4- راجع ج 3 ص:278.
5- نقله عنه في المختلف:136،و الموجود في المقنع:31:و إن صلّيت ركعتين ثمَّ قمت فذهبت في حاجة لك فأعد الصلاة و لا تبن على ركعتين.
6- كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:175.
7- الوسائل 8:204 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 19،20؛و ص 210 ب 6 ح 3.
8- العلامة المجلسي في البحار 88:200،و صاحب الحدائق 9:130.
9- بحار الأنوار 88:199.

لصاحبي المدارك و الذخيرة (1)؛للجمع بين الأخبار.

لفقد التكافؤ،مع عدم وضوح الشاهد عليه،و قوة احتمال كونه إحداث قول غير جائز.

و حيث ثبت الإعادة بالاستدبار ثبت بغيره؛لعدم قائل بالفرق،مضافا إلى عموم أدلة كونه من القواطع.

السهو عن غير ركن

و إن كان السهو عن غير ركن فمنه ما لا يوجب تداركا و هو الإتيان به بعد فواته و منه ما يقتصر معه على التدارك خاصة و منه ما يتدارك مع سجود السهو بعد التسليم.

لأول ما لا يوجب تداركا

فالأول كمن نسي القراءة كلا أو بعضا حتى ركع،بلا خلاف أجده إلاّ من ابن حمزة القائل بركنيتها (2).و هو شاذّ كالصحيح الدالّ عليه (3)؛و لعلّه لذا نفى الخلاف عن خلافه هنا جماعة (4)،معربين عن دعوى الإجماع عليه، كما تقدّم نقله عن الشيخ-رحمه اللّه-في بحث القراءة مع تزييف هذا القول (5).و نقول هنا:إن المعتبرة على ردّه زيادة على ما مرّ مستفيضة (6)،و فيها الصحاح و الموثّقات و غيرها،معتضدة بالأصل و عمل الأصحاب.

أو الجهر أو الإخفات في مواضعهما مطلقا؛لإطلاق الصحيحين الماضيين في بحثهما بأنه لا شيء عليه إن أخلّ بهما ساهيا،من دون تقييد له بالتذكر لهما في الركوع كما قيد به في القراءة على ما عرفته و ستعرفه.

ص:106


1- المدارك 4:228،الذخيرة:360.
2- نقله عنه الفاضل المقداد في التنقيح 1:197،و لكنه قال في الوسيلة:93 بعدم ركنيتها.
3- التهذيب 2:573/146،الاستبصار 1:1339/354،الوسائل 6:88 أبواب القراءة في الصلاة ب 27 ح 4.
4- منهم:صاحب المدارك 4:231،و المحقق السبزواري في الذخيرة:368.
5- انظر الخلاف 1:335،409.
6- الوسائل 6:90 أبواب القراءة في الصلاة ب 29.

أو الذكر في الركوع،أو الطمأنينة فيه حتى رفع الرأس أو رفع الرأس منه،أو الطمأنينة في الرفع بلا خلاف أجده إلاّ من الشيخ-رحمه اللّه- في الطمأنينتين فقال بركنيتهما مدّعيا عليها الإجماع (1).و هو شاذ،و لعله لذا نفى عن خلافه الخلاف هنا جماعة (2)معربين عن دعوى الإجماع؛و هو الحجة.

مضافا إلى الخبر:عن رجل ركع و لم يسبح ناسيا،قال:«تمّت صلاته» (3)و نحوه آخر سيذكر.

و هما دالاّن على الحكم في الذكر،ففي طمأنينته أولى،و لا قائل بالفرق بينه و بين الطمأنينة الأخرى،و كذا الرفع أيضا.

و ضعف السند مجبور بالعمل؛مضافا إلى التأيّد بالصحيح:«لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة:الطهور،و الوقت،و القبلة،الركوع،و السجود» (4).

و الذكر في السجود،أو السجود على أحد الأعضاء السبعة ما عدا الجبهة،فإنّ نسيانها في السجدتين معا يوجب فوات الركن المبطل،و في الواحدة يقتضي فواتها الموجب لإلحاقه بالقسم الثالث.

و إنما لم يستثنها الماتن لدلالة السياق عليه،بناء على أنّ السجود لا يتحقق بدون وضعها و إن وضعت باقي الأعضاء،و عليه فيدخل عدم وضعها في كلية ترك السجدة التي سيتعرض لها في القسم الثالث.

أو الطمأنينة فيه أي في السجود أو إكمال رفع الرأس منه،أو الطمأنينة في الرفع من الأولى،أو الطمأنينة في الجلوس للتشهد بلا خلاف في شيء من ذلك.

ص:107


1- الخلاف 1:348.
2- منهم:صاحب المدارك 4:232،و المحقق السبزواري في الذخيرة:368.
3- التهذيب 2:612/157،الوسائل 6:320 أبواب الركوع ب 15 ح 1.
4- الفقيه 1:991/225،التهذيب 2:597/152،الوسائل 6:313 أبواب الركوع ب 10 ح 5.

للخبر:عن رجل نسي تسبيحه في ركوعه و سجوده،قال:«لا بأس بذلك» (1).

و التقريب ما مرّ حتى في التأيّد بالصحيح و الجواب عن ضعف السند.

الثاني ما يقتصر معه على التدارك

الثاني:من ذكر أنه لم يقرأ الحمد و هو أخذ في السورة أو تممها و لم يركع قرأ الحمد و أعادها أي تلك السورة أو غيرها من السور وجوبا إن قلنا بوجوبها،و إلاّ فاستحبابا؛بلا خلاف يظهر،بل بالإجماع صرّح بعض من تأخر (2).

و للخبرين أحدهما الموثق:عن الرجل يقوم فينسى فاتحة الكتاب،قال:

«فليقل:أستعيذ باللّه من الشيطان الرجيم إنّ اللّه هو السميع العليم ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع» (3).

و إنما يجب إعادة السورة محافظة على الترتيب بينها و بين الفاتحة، الواجب اتفاقا فتوى و رواية.

و من ذكر قبل السجود أنه لم يركع قام منتصبا مطلقا،و قيل:إن نسيه حال القيام،و إلاّ فمنحنيا إلى حدّ الراكع إن نسيه بعد الوصول إليه (4)،و فيه نظر فركع بلا خلاف،بل بالإجماع صرّح جمع (5)؛لإطلاق الأمر و بقاء المحل؛مضافا إلى فحوى ما دلّ عليه في صورة الشك.

و في الصحيح:«إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا

ص:108


1- التهذيب 2:614/157،الوسائل 6:320 أبواب الركوع ب 15 ح 2.
2- المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:131.
3- التهذيب 2:574/147،الاستبصار 1:1340/354،الوسائل 6:89 أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 2. و الخبر الثاني:الكافي 3:2/347،الوسائل 6:88 أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 1.
4- قال به صاحب المدارك 4:234.
5- منهم:صاحب المدارك 4:234،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:138.

فاقض الذي فاتك» (1)و حمل على صورة التذكر قبل فوات المحل بقرينة الإجماع على عدم قضاء الأركان بعده مطلقا.

و كذا من ترك السجود أو التشهد و ذكر ذلك قبل ركوعه قعد فتداركه بلا خلاف في التشهد و السجدة الواحدة،بل بالإجماع فيهما صرّح جماعة (2)؛و هو الحجة.

مضافا إلى الصحاح المستفيضة،منها:عن رجل نسي أن يسجد واحدة فذكرها و هو قائم،قال:«يسجدها إذا ذكرها و لم يركع،و إن كان قد ركع فليمض على صلاته،فإذا انصرف قضاها وحدها و ليس عليه سهو» (3).

و منها:عن الرجل يصلّي ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما،فقال:

«إذا ذكر و هو قائم في الثالثة فليجلس،و إن لم يذكر حتى ركع فليتم صلاته ثمَّ يسجد سجدتين و هو جالس قبل أن يتكلم» (4).

و أما نسيان السجدتين فكذلك أيضا على الأظهر الأشهر كما صرّح به جمع (5)،بل عليه عامة من تأخر كما صرّح به بعض (6)؛لبقاء المحل بدلالة تدارك السجدة الواحدة؛مضافا إلى أصالة بقاء الصحة المؤيدة-زيادة على الشهرة العظيمة-بالصحيحة السابقة المتضمنة لأنه لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة.

ص:109


1- الفقيه 1:1007/228،التهذيب 2:1450/350،الوسائل 8:238 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 7.
2- منهم:الشيخ الطوسي في الخلاف 1:454،و صاحب المدارك 4:235.
3- الفقيه 1:1008/228،التهذيب 2:598/152،الوسائل 6:365 أبواب السجود ب 14 ح 4.
4- الفقيه 1:1026/231،الوسائل 6:402 أبواب التشهد ب 7 ح 4.
5- لم نعثر عليه،و قد نسب إلى الشهرة في الروض:344،و الحدائق 9:136.
6- المحقق السبزواري في الذخيرة:371.

و قيل:و بالصحيحة المتضمنة لتدارك الركوع بعد السجدتين (1)،فإنه إذا جاز تداركه مع تخلل السجدتين اللتين هما ركن في الصلاة جاز تدارك السجود مع تخلل القيام خاصة بطريق أولى (2).

و هو حسن إن قلنا بحكم الأصل،و إلاّ-كما هو الأقوى و قد مضى-فلا.

خلافا لجماعة من القدماء فأبطلوا الصلاة بنسيانهما مطلقا (3)،و لم نعرف لهم مستندا.

و على المختار لو عاد إليهما لم يجب الجلوس قبلهما.أما لو كان المنسي إحداهما فإن كان قد جلس عقيب السجدة الأولى و اطمأنّ(سواء كان) (4)بنية الجلوس الواجب للفصل أو لا بنيته،لم يجب الجلوس قبلها أيضا، لحصوله من قبل،و إن لم يكن جلس كذلك أو لم يطمئن وجب،لأنه من أفعال الصلاة و لم يأت به مع إمكان تداركه.

خلافا للمحكي عن المبسوط فجوّز تركه؛لتحقق الفصل بين السجدتين بالقيام (5).

و يضعف بأن الواجب هو الجلوس على الوجه المخصوص الغير الحاصل لا مطلق الفصل.

و لو شك هل جلس أم لا بنى على الأصل و جلس و إن كان حالة الشك قد انتقل عن المحل؛لأنه بالعود إلى السجدة مع استمرار الشك يصير في

ص:110


1- الفقيه 1:1006/228،التهذيب 2:585/149،الاستبصار 1:1348/356،الوسائل 6: 314 أبواب الركوع ب 11 ح 2.
2- قال به صاحب المدارك 4:236.
3- منهم الشيخ في النهاية:88،الحلبي في الكافي:119.و ابن إدريس في السرائر 1:245.
4- أثبتناه من«ح».
5- المبسوط 1:120.

المحل.

و متى تدارك المنسي قام و أتى بالأذكار الواجبة بعده،و لا يعتدّ بما أتى به قبله؛لوقوعه في غير محلّه،فيكون كالعدم،و لا يضر زيادته،لعدم كونه ركنا.

و اعلم:أنّه لم يتعرض الماتن لحكم نسيان السجود في الركعة الأخيرة و التشهد الأخير.و الأجود تدارك الجميع مع الذكر قبل التسليم و إن قلنا باستحبابه؛لإطلاق الأمر بفعلهما و بقاء محلّهما،كذا قيل (1)،و فيه نظر.نعم، هو على القول بوجوب التسليم و دخوله في الصلاة كما هو المختار حسن.

و ينبغي إعادة التشهد بعد تدارك السجدة المنسية مراعاة للترتيب،و به صرّح في الذكرى (2).

و لو لم يذكر إلاّ بعد التسليم فإن كان المنسي التشهد قضاه بعده؛لعدم الفرق بينه و بين التشهد الأول الذي حكمه ذلك-كما يأتي-عند الجماعة فيما أجده،و به صرّح جماعة و منهم الشهيد في الذكرى (3).

و لإطلاق الصحيح بل ظاهره كما قيل (4):في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهد حتى ينصرف من صلاته،فقال:«إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهّد،و إلاّ طلب مكانا نظيفا فتشهّد فيه» (5).

و يعضده إطلاق غيره من الأخبار،منها الصحيح على الظاهر:في رجل نسي ركعة أو سجدة أو الشيء منها ثمَّ يذكر بعد ذلك،قال:«يقضي ذلك

ص:111


1- المدارك 4:237.
2- الذكرى:221.
3- الذكرى:221،المدارك 4:237،و الحدائق 9:141.
4- الحدائق 9:141.
5- التهذيب 2:617/157،الوسائل 6:401 أبواب التشهد ب 7 ح 2.

بعينه»،قلت:أ يعيد الصلاة؟قال:«لا» (1)و نحوه آخر (2).

و إطلاقها كالصحيح يقتضي عدم الفرق بين ما لو تخلّل الحدث بينه و بين الصلاة أم لا،و به صرّح جماعة (3).

خلافا للحلّي في الأول فيعيد الصلاة؛لأنه أحدث فيها،لوقوع التسليم في غير محلّه (4).

و هو حسن على أصله من استحباب التسليم و انحصار المخرج عن الصلاة في التشهد و لم يقع،فيكون قد أحدث قبل خروجه منها،فتبطل صلاته.

و لا يتوجه ذلك على المختار فيه من وجوبه؛لوقوعه مقصودا به الخروج من الصلاة فيكون كافيا،و التشهد ليس بركن حتى يكون نسيانه قادحا في صحة الصلاة؛مضافا إلى إطلاق ما مرّ من الأخبار،و لذا قال بالمختار هنا من لا يوافقنا في التسليم و يقول باستحبابه (5)كما عليه الحلّي (6)،فتأمل.

و إن كان السجدة الواحدة قضاها خاصة على الأقوى، وفاقا للذكرى (7)، أو مع التشهد مرتبا بينهما على احتمال ضعيف ذكر فيها؛لإطلاق الخبرين

ص:112


1- التهذيب 2:588/150،الاستبصار 1:1350/357،الوسائل 6:314 أبواب الركوع ب 11 ح 1.
2- الظاهر هو رواية الحلبي المنقولة في الذكرى:220،و لم نعثر عليها في المجامع الحديثيّة و متنها:«إذا نسيت من صلاتك فذكرت قبل أن تسلّم أو بعد ما تسلّم أو تكلّمت فانظر الذي كان نقص من صلاتك فأتمه».
3- منهم:المحقق في المعتبر 2:386،و الشهيد الثاني في روض الجنان:346،و المحقق السبزواري في الذخيرة:374.
4- السرائر 1:259.
5- كصاحب المدارك 3:430،4:238،و المحقق السبزواري في الذّخيرة:289،374.
6- السرائر 1:241.
7- الذكرى:222.

المتقدمين و نحوهما،و الصحيح:«إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا» (1).

و شموله الأركان و غيرها ممّا لا يجب قضاؤه مع خروجها بالإجماع و غيره غير قادح؛إذ غايته كونه مقيدا للإطلاق،و هو لا يوجب خروج الباقي عن الحجية،فتأمل.

هذا مع أني لم أجد في الحكم خلافا،و به صرّح بعض الأصحاب أيضا (2).

و إن كان السجدتين بطل الصلاة؛لفوات الركن،مع عدم التدارك، للخروج من الصلاة بالتسليم.

و اعلم أن ذكر حكم السهو عن الركن هنا استطرادي و إلا فلا يرتبط بمفروض العبادة و من ذكر أنه لم يصلّ على النبي و آله عليهم السلام في التشهد بعد أن سلّم قضاهما على المشهور على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (3).

خلافا للحلّي فردّ شرعية القضاء؛لعدم النص (4).

و ردّ بأن التشهد يقضى بالنص فكذا أبعاضه؛تسوية بين الجزء و الكل (5).

و منع التسوية جماعة (6)،معللين بأن الصلاة تقضى و لا يقتضي جميع أجزائها،و كذا مجموع السجدة الواحدة و واجباتها من الذكر و الطمأنينة تقضى و لا تقضى واجباتها منفردة.

و يمكن أن يقال:إنّ الأصل يقتضي التسوية؛فإنّ فوات الجزء يستلزم

ص:113


1- التهذيب 2:1450/350،الوسائل 8:238 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 7.
2- كصاحب الحدائق 9:142.
3- روض الجنان:346.
4- السرائر 1:257.
5- انظر المختلف:139،و الذكرى:221.
6- منهم:الشهيد في الروضة 1:325،و المحقق السبزواري في الذخيرة:372،و صاحب الحدائق 9:145.

فوات الكل الموجب للقضاء بالنص؛مضافا إلى أن الإخلال بالجزء يستلزم الإخلال بالأمور به على وجهه،فيبقى إطلاق الأمر به بحاله،و فوات المحل لا يقتضي الصحة،بل مقتضاه الفساد كما في كل جزء،و ثبوت الصحة في موارد من دون تدارك لا يستلزم ثبوتها في غيرها كذلك إلاّ بدليل،و ليس هنا إلاّ الإجماع، و لا يستفاد منه سوى الصحة بمعنى الخروج عن شغل الذمة مع التدارك خاصة، و أمّا من دونه فلا،فقاعدة وجوب تحصيل البراءة اليقينية تقتضي لزوم التدارك كما ذكره الجماعة.

هذا مضافا إلى إطلاق الأخبار المتقدمة بقضاء ما أخلّ به في الصلاة من سجدة أو ركعة أو نحوها من الأجزاء المنسية.و خروج كثير من الأفراد منها غير قادح كما عرفته و لو كان الخارج أكثر؛لأن منعه عن حجية الباقي يختص بالعموم اللغوي دون الإطلاقي،لاختصاص وجه المنع به دونه،للاتفاق على قبوله التقييد إلى واحد.

هذا إن ذكرها بعد التسليم،و لو ذكرها قبله و كانت من التشهد الأخير أتى بها قبله ثمَّ به.

و إن كانت من التشهد الأول و ذكرها بعد الركوع فكما لو ذكرها بعد التسليم بلا خلاف كما في المنتهى (1)،قال:و هل يجب سجود السهو؟فيه تردّد أقربه الوجوب.

و إن ذكرها قبل الركوع قال فيه:فالوجه وجوب العود و الجلوس للصلاة، و هل تجب إعادة التشهد؟الوجه:لا (2).انتهى.و هو حسن.

و اعلم:أنّ عدم وجوب سجدتي السهو في هذه المسائل-كما يقتضيه درجها في هذا القسم-ليس متفقا عليه؛لوقوع الخلاف فيه كما يأتي.

ص:114


1- المنتهى 1:415.
2- المنتهى 1:415.
الثالث ما يتدارك مع سجود السهو

الثالث:من ذكر بعد الركوع أنه لم يتشهد أو ترك سجدة قضى ذلك بعد التسليم و سجد سجدتين للسهو على الأظهر الأشهر،بل على وجوب قضاء التشهد و لزوم الإتيان بسجدتي السهو له بعده الإجماع في الخلاف (1)؛ و هو الحجّة فيهما؛مضافا إلى الصحاح الصحاح المستفيضة و غيرها في الثاني و في وجوب قضاء السجدة المنسية أيضا،و قد تقدّم إلى جملة منها الإشارة.

و فيها الحجّة على من أفسد الصلاة بترك السجدة مطلقا كما عن العماني (2)؛للخبر (3).

أو إذا كانت من الركعتين الأوليين خاصة كما عن المفيد و التهذيب (4)؛ للصحيح (5).

و على من أوجب قضاء السجدة قبل التسليم بعد ركوع الثانية إذا كانت من الأولى،و إذا كانت من الثانية فبعد ركوع الثالثة،و إذا كانت منها فبعد الرابعة،و إذا كانت منها فبعد التسليم،كما عن والد الصدوق (6)؛للرضوي (7).

و قريب منه عن المفيد في العزّية و الإسكافي (8).

و على من لم يوجب سجدتي السهو للتشهد كما عن العماني و الشيخ في

ص:115


1- الخلاف 1:453.
2- نقله عنه في المختلف:131.
3- التهذيب 2:606/154،الاستبصار 1:1363/359،الوسائل 6:366 أبواب السجود ب 14 ح 5.
4- المفيد في المقنعة:145،التهذيب 2:154.
5- الكافي 3:3/349،التهذيب 2:605/154،الاستبصار 1:1364/360، الوسائل 6:365 أبواب السجود ب 14 ح 3.
6- نقله عنه في المختلف:131.
7- فقه الرضا(عليه السلام):116،117،المستدرك 4:461 أبواب السجود ب 12 ح 1.
8- كما نقله عنهما في المختلف:131.

جملة من كتبه (1)؛للخبر (2).

لضعف هذه الأخبار عن المقاومة لتلك من وجوه عديدة،مع ضعف ما عدا الصحيح منها أو قصوره سندا،و ضعفه دلالة بل الأخير أيضا كما لا يخفى على من راجعهما،لتضمن الأول ما يدل على وروده في صورة الشك لا السهو فلا ينطبق على المدّعى،و كذا الخبر،لتضمنه لفظ الرجوع الظاهر في تدارك التشهد قبل الركوع.

هذا،و يعارض الصحيح خصوص بعض النصوص:عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها،فقال:«إذا خفت أن لا تكون وضعت جبهتك إلاّ مرّة واحدة فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة و تضع وجهك مرة واحدة و ليس عليك سهو» (3)و نحوه آخر (4)،فتأمّل.

و أما الصحيح:«إذا نسي الرجل سجدة و أيقن أنه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلّم» (5).

فليس فيه دلالة على ما ذهب إليه والد الصدوق و متابعاه كما زعم في المختلف (6)،بل هو على القول بوجوب التسليم و دخوله في الصلاة-كما هو

ص:116


1- نقله عن العماني في المختلف:140،الشيخ في الاقتصاد:267،الجمل و العقود(الرسائل العشر):189.
2- التهذيب 2:622/158،الاستبصار 1:1376/363،الوسائل 4:406 أبواب التشهد ب 9 ح 4.
3- التهذيب 2:607/155،الاستبصار 1:1365/360،الوسائل 6:366 أبواب السجود ب 14 ح 6.
4- الفقيه 1:1008/228،التهذيب 2:598/152،الوسائل 6:365 أبواب السجود ب 14 ح 4.
5- التهذيب 2:609/156،الاستبصار 1:1366/360،الوسائل 6:370 أبواب السجود ب 16 ح 1.
6- المختلف:131.

المختار-شاذّ مطروح،أو محمول على كون المراد من التسليم فيه التسليم المستحب بعد الواجب و هو:السلام عليكم،و إطلاقه عليه شائع في الأخبار.

و أما على القول باستحبابه فليس فيه منافاة لأخبار المسألة،و به صرّح جماعة كصاحبي المدارك و الذخيرة (1).

و يدل على قضاء التشهد-مضافا إلى ما مرّ (2)-ما مرّ من عموم الأخبار بقضاء ما أخلّ به في الصلاة،و خصوص الصحيح الوارد فيه مطلقا (3)،و الخبر في التشهد الأول:«إذا قمت في الركعتين الأوليين و لم تتشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهّد،و إن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت،فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما،ثمَّ تشهد التشهد الذي فاتك» (4).

و القدح في الأوّل بما مرّ،ضعفه قد ظهر.

و في الصحيح بظهوره في التشهد الأخير،وجهه غير معلوم بعد إطلاقه بل عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال،مع عدم ظهور قائل بهذا التفصيل كما قيل (5).

و في الأخير بضعف السند،بل الدلالة،لاحتمال التشهد فيه التشهد الذي في سجدتي السهو كما يشعر به العطف بثمّ،و يفهم من أخبار أخر و منها

ص:117


1- المدارك 4:243،الذخيرة:374.
2- من الإجماع المنقول في الخلاف.(منه رحمه اللّه).
3- المتقدم في ص 111 الهامش 5.
4- الكافي 3:7/357،التهذيب 2:1430/344،الوسائل 8:244 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 26 ح 2.
5- قال به السبزواري في الذخيرة:373.

الموثقان (1)و الرضوي (2).

ضعيف،لانجبار الضعف بموافقة الأكثر.

و ضعف الإشعار،سيّما مع معارضته بتقييد التشهد بالذي فات،و التشهد في سجدتي السجود خفيف-كما يأتي-و هو خلاف التشهد المنسي.

و ظهور الموثقين غير واضح.

و الرضوي لما قدّمناه غير مقاوم،فترجيحه-سيّما مع اشتهار خلافه و اعتضاده بالاحتياط اللازم المراعاة-مشكل و إن اعتضد بظواهر الصحاح الواردة بسجدتي السهو من دون بيان لقضاء التشهد فيها و لا إشارة؛فإنّ الظاهر لا يعارض النص،و لا سيّما الإجماع المنقول،مع ندرة القول بالرضوي،إذ لم يحك إلاّ عن الصدوقين و المفيد في بعض فتاويه،مع أنه وافق في المقنعة المشهور (3)،فانحصر المخالف في الأولين و هما نادران،فتأمل.

و على وجوب سجدتي السهو:الإجماع المحكي في الخلاف و الغنية و المنتهى و التذكرة (4)؛مضافا إلى عموم بعض المعتبرة:«تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان» (5).

ص:118


1- الأول: التهذيب 2:621/158،الوسائل 6:403 أبواب التشهد ب 7 ح 6. الثاني: الكافي 3:22/448،التهذيب 2:1387/336،الوسائل 6:404 أبواب التشهد ب 8 ح 1.
2- فقه الرضا(عليه السلام):118،المستدرك 5:12 أبواب التشهد ب 5 ح 1.
3- المقنعة:147.
4- الخلاف 1:459،الغنية(الجوامع الفقهية):566،المنتهى 1:417،التذكرة 1:138.
5- التهذيب 2:608/155،الاستبصار 1:1367/361،الوسائل 8:251 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 3.

لكنه-مع قصور سنده بل ضعفه بالجهالة-معارض بظواهر الصحاح الواردة في مقام البيان الآمرة بقضاء السجدة خاصة من دون بيان لسجدتي السهو و لا إشارة (1)؛مضافا إلى تصريح جملة من النصوص بنفيهما فيها (2)،و فيها الصحيح و غيره،و قد تقدّما (3).

فانحصر الدليل في الإجماع.و في التمسك به في مقابلة هذه النصوص إشكال،سيّما مع احتمال وهنه بنقل الماتن في المعتبر الخلاف في ذلك عن رؤساء الأصحاب كالصدوقين و المفيد في الرسالة و العماني (4)،و مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين (5)،و لا يخلو عن قوة،و لكن العمل على المشهور.

و أما الشك: اعلم أنّ من شك في عدد ركعات الفريضة الثنائية كالصبح و الجمعة و العيدين و الكسوف أو الثلاثية كالمغرب أعاد الصلاة.

و كذا يعيدها من لم يدر كم صلّى ركعة أم ركعتين أم ثلاثا أم أربعا و هكذا أو لم يحصّل الأوليين من الرباعيّة و لم يتيقنهما بأن شك فيما فيه أنه الثانية أم الأولى؛إجماعا ممّن عدا الصدوق مطلقا كما في المنتهى (6)،و كذا في الذكرى لكن في الصورة الأخيرة خاصة (7)،و بالإجماع مطلقا من غير استثناء صرّح جماعة من القدماء كالشيخ و الحلّي و المرتضى (8)رحمهم اللّه.

ص:119


1- الوسائل 6:364 أبواب السجود ب 14.
2- الوسائل 6:368 أبواب السجود ب 15.
3- في ص 116.
4- لم نعثر عليه في المعتبر،و قد حكاه عنهم في المختلف:140.
5- منهم:صاحب المدارك 4:241،و المحقق السبزواري في الذخيرة:373،و صاحب الحدائق 9:151.
6- المنتهى 1:410.
7- الذكرى:224.
8- الشيخ في الخلاف 1:444،الحلّي في السرائر 1:248،المرتضى في الانتصار:48.

و هم كالفاضل في المنتهى و إن لم يصرّحوا به في الصورة الثالثة،لكن تصريحهم به في الأخيرة يستلزمه فيها؛لدخولها في الأخيرة.

و عدم استثناء الصدوق هو الأقوى و إن اشتهر الاستثناء بين أصحابنا؛لما بيّنته في الشرح مستوفى،و من جملته أنه وافق الأصحاب فيما وصل إلينا من كتبه كالفقيه و المقنع و الأمالي (1)مدّعيا في الأخير كونه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به،مؤذنا بدعوى الإجماع عليه و على فساد ما نسبوا إليه من التخيير بينه و بين البناء على الأقل.

و على تقدير تسليم مخالفته فلا ريب في شذوذه،كبعض ما يحكى عن والده في بعض الصور (2)،مع معلومية نسبهما،فلا يقدح في الإجماع خروجهما؛ و هو الأصل في المسألة.

مضافا إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة في كل من الصور الثلاث المزبورة (3)،مع سلامتها عن المعارض بالكلية،عدا أخبار نادرة دالّة على البناء على الأقل (4)-لا التخيير بينه و بين الإعادة-و هو ليس مذهب أحد حتى الصدوقين.

و تنزيلها على التخيير جمعا بين النصوص-كما قيل (5)في تقوية الصدوق -فرع التكافؤ المفقود هنا؛لرجحان أخبار المشهور بمرجحات شتّى كالاستفاضة و الموافقة لطريقة الخاصة و المخالفة للعامة،بخلاف تلك،فإنها في طرف الضد من المرجحات المزبورة.

ص:120


1- الفقيه 1:225،المقنع:30،الأمالي:513.
2- نقله عن والد الصدوق في المختلف:133.
3- الوسائل 8:187،193 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 و 2.
4- الوسائل 8:192 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 الأحاديث 20،22،23.
5- قال به المحقق السبزواري في الذخيرة:362.

و أقرب الأجوبة عنها الحمل على التقية كما صرّح به جماعة (1)،و أماراته في جملة منها و غيرها لائحة؛مع أنّ ما ذكرنا مجمع على جوازه،فيجب أن يكون العمل عليه،تحصيلا للبراءة اليقينية في نحو المسألة من العبادات التوقيفية.

و بالجملة:فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و اعلم:أنه لا فرق في إطلاق النص و الفتوى بالإعادة بالشك في الصورة الأولى و الثانية بين تعلقه بالنقيصة أو الزيادة،و بها صرّح بعض الروايات في المغرب:«إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك» (2).

خلاف للمقنع (3)فيها إذا تعلق بالزيادة فيضيف ركعة أخرى.و هو مع عدم وضوح مستنده نادر كما في الذكرى (4)،مشعرا بدعوى الإجماع عليه كما هو الظاهر.

و الشك المبطل للكسوف إنما هو إذا تعلّق بعدد ركعاتها.أما إذا تعلّق بالركوعات فإنه يجب البناء على الأقل؛لأصالة عدم فعله،مع وقوع الشك في محلّه،إلاّ أن يستلزم الشك في الركعات،كما لو شك بين الخامس و السادس و علم أنه لو كان في الخامس فهو في الأولى،أو في السادس ففي الثانية فتبطل؛لتعلقه بعدد الثنائية.

و احترزنا بالفريضة عن النافلة،لأن الشك فيها لا يبطلها،كما ستأتي إليه الإشارة.

و لو شك في فعل من أفعالها فإن كان في موضعه كما لو شك في

ص:121


1- منهم صاحب الحدائق 9:195.
2- التهذيب 2:719/179،الاستبصار 1:1407/370،الوسائل 8:195 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 9.
3- المقنع:30.
4- الذكرى:225.

النية قبل التكبيرة،و فيها قبل القراءة،و فيها قبل الركوع،و فيه قبل السجود أو الهوي إليه على الاختلاف فيه،و هكذا أتى به و أتم الصلاة بلا خلاف فيه في الجملة؛لأصالة عدم فعله،و بقاء محل استدراكه.

و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (1)،و هي،و إن اختصت بالشاك في الركوع و هو قائم،و في السجود و لم يستو جالسا أو قائما،إلاّ أنه لا قائل بالفرق على الظاهر،المصرّح به في كلام بعض (2)،فلا ضير.

مضافا إلى عموم مفهوم بعض الصحاح بل جملة منها-كما يأتي-بلزوم التدارك للشيء قبل فوات محله،و به يقيد إطلاق جملة من هذه الصحاح، منها:عن رجل سها فلم يدر سجد سجدة أم اثنتين،قال:«يسجد اخرى» (3)و منها:في الرجل لا يدري ركع أم لم يركع،قال:«يركع» (4).

و أما الموثق كالصحيح:استتمّ قائما فلا أدري ركعت أم لا،قال:«بلى قد ركعت فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان» (5)فمع قصور سنده شاذّ محمول على محامل أقربها الحمل على كثير الشك أو الظان لفعل الركوع كما يفهمان من السياق.

و لو ذكر بعد الإتيان بالمشكوك فيه أنه كان قد فعله استأنف صلاته إن كان ركنا لأن زيادته مبطلة كما مضى.

ص:122


1- الوسائل 6:315 أبواب الركوع ب 12.و ص 368 أبواب السجود ب 15.
2- المحقق السبزواري في الذخيرة:374.
3- الكافي 3:1/349،التهذيب 2:599/152 الاستبصار 1:1368/361،الوسائل 6 368 أبواب السجود ب 15 ح 1.
4- التهذيب 2:591/150،الاستبصار 1:1353/357،الوسائل 6:316 أبواب الركوع ب 12 ح 4.
5- التهذيب 2:592/151،الاستبصار 1:1354/357،الوسائل 6:317 أبواب الركوع ب 13. ح 3.

و قيل في الركوع إذا ذكر بعد الإتيان به حال الشك أنه فعله و هو راكع أي ذكر ذلك و هو في حالة ركوعه قبل أن يقوم عنه أرسل نفسه إلى السجود و لا يرفع رأسه فتفسد صلاته إجماعا كما لو ذكره بعد رفعه،و القائل جماعة من أعيان القدماء كالكليني و الشيخ و الحلّي و الحلبي و المرتضى (1)(2)و قوّاه جماعة من المتأخرين و منهم:الشهيد-رحمه اللّه-في الدروس و الذكرى (3)؛ و لعلّ لهم عليه رواية و إلاّ فما اعتذر لهم جماعة (4)من الأمور الاعتبارية لا يفيدنا حجة كما بيّنته في الشرح،من أراد التحقيق فليطلبه ثمة (5).

و اختلف هؤلاء في تعميم الحكم لجميع الركوعات من جميع الصلوات كمن عدا الشيخ و منهم من خصّه ب الركوع من الأخيرتين في الرباعية كهو في النهاية (6)،بناء منه على ما قدّمناه عنه من أن كل سهو يلحق بالركعتين الأوليين يبطل الصلاة،سواء كان في أعدادها أو أفعالها،أركانا كانت أم غيرها، فوجه التخصيص عنده إنما هو نفس الشك في الركوع في الأوليين حتى لو حصل من دون أخذ في الركوع ثانيا لبطلت الصلاة أيضا،لا زيادته فيهما بالخصوص كما ربما يتوهم من ظاهر العبارة.

و يتوجه عليه-مضافا إلى ما سبق-عدم دليل على صحة المبني عليه، عدا النصوص الدالة على أنّ من شك في الأوليين و لم يحفظهما أعاد

ص:123


1- الكليني في الكافي 3:348،الشيخ في الجمل و العقود(الرسائل العشر):188،الحلّي في السرائر 1:252،الحلبي في الكافي:118،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):36.
2- في«م»زيادة:و ابن زهرة.
3- الدروس 1:199،الذكرى:222.
4- منهم الشهيد في الذكرى:222.
5- في«م»زيادة:نعم في الغنية الإجماع عليه.
6- النهاية:92.

الصلاة (1).

و هي و إن كانت صحاحا و مستفيضة معتضدة بغيرها من المعتبرة لكنها قاصرة الدلالة،لاحتمال اختصاصها بصورة تعلق الشك بالعدد لا غيره.

مع أنّها معارضة بعموم الصحاح المستفيضة المتقدمة بصحة الصلاة مع تدارك المشكوك في محلّه.

و نحوها عموم الصحاح الآتية بها بعد التجاوز عنه،بل خصوص بعضها المصرّح بها في صورة الشك في التكبير و قد قرأ،أو في القراءة و قد ركع.

المؤيد بما مر من الخبرين في عدم فساد الصلاة بالسهو عن السجدة الواحدة و لو من الركعتين الأوليين (2)،و لا قائل بالفرق،مع ظهور ذيل أحدهما في الشك،مع أن ثبوت هذا الحكم في السهو ملازم لثبوته في الشك بطريق أولى،فتأمل.

و بموجب ذلك يترجح صحاح المسألة على عموم تلك فتقيد بها بلا شبهة،سيّما مع اعتضادها بالأصل و الشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخرين إجماعا،بل إجماعا،بل إجماع في الحقيقة.

و لا يمكن العكس فتقيّد هذه بتلك بتوهم رجحانها على صحاح المسألة بخصوص الصحيحة الماضية فيمن ترك سجدة من الركعة الاولى أن صلاته فاسدة (3)،و مع أنه لا قائل بالفرق كما سبق إليه الإشارة،مع ظهورها في الشك كما هو مورد المسألة.

و ذلك لقصورها عن المقاومة للأخبار الخاصة المتقدمة سيّما الصحيحة منها؛لتعدّدها و اشتهارها بالشهرة التي عرفتها.

ص:124


1- الوسائل 8:187 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1.
2- راجع ص 116.
3- راجع ص 115 الهامش 5.

و بما ذكرناه هنا و سابقا ظهر أن الأشبه في عنوان المسألة،و هو حكم زيادة الركوع في الصلاة بعد الشك فيه البطلان مطلقا و لو لم يرفع رأسه منه و كان من الركعتين الأخيرتين.

و يفهم من العبارة عدم البطلان في غير الركن مطلقا،سجدة كان أم غيرها،و هو الأشهر الأقوى.

خلافا للعماني و الحلبي و المرتضى (1)-رحمهم اللّه-فيها فأبطلوا الصلاة بزيادتها.و هو حسن لو لا المعتبرة المصرّحة بعدم البطلان بزيادتها بالخصوص كالصحيح:عن رجل صلّى فذكر أنه زاد سجدة،فقال:«لا يعيد الصلاة من سجدة و يعيدها من ركعة» (2)و نحوه الموثق (3).

و لو كان شكه في شيء من الأفعال بعد انتقاله عن موضعه و دخوله في غيره مضى في صلاته،ركنا كان المشكوك فيه أو غيره إجماعا إذا لم يكن من الركعتين الأوليين،و كذلك إذا كان منهما على الأشهر الأقوى كما مضى.

للصحاح المستفيضة و غيرها،ففي الصحيح:رجل شك في الأذان و قد دخل في الإقامة،قال:«يمضي»،قلت:رجل شك في الأذان و الإقامة و قد كبّر،قال:«يمضي»،قلت:رجل شك في التكبير و قد قرأ،قال:«يمضي»، قلت:رجل شك في القراءة و قد ركع،قال:«يمضي»،قلت:رجل شك في الركوع و قد سجد،قال:«يمضي»،ثمَّ قال:«إذا خرجت من شيء ثمَّ دخلت

ص:125


1- نقله عن العماني في المختلف:131،الحلبي في الكافي في الفقه:119،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):36.
2- الفقيه 1:1009/228،التهذيب 2:610/156،الوسائل 6:319 أبواب الركوع ب 14 ح 2.
3- التهذيب 2:611/156،الوسائل 6:319 أبواب الركوع ب 14 ح 3.

في غيره فشكك ليس بشيء» (1).

و في صريحه كإطلاق البواقي بل عمومها حجة على الشيخ كما مرّ.و على الفاضل في التذكرة حيث وافقه إذا تعلق الشك بالركن دون غيره (2).و هو-مع عدم وضوح مستنده عدا أمر اعتباري-ضعيف.

و اعلم:أنّ المتبادر من«غيره»الذي حكم في الصحيح المتقدم و نحوه بالمضيّ بعد الدخول فيه:ما كان من أفعال الصلاة المفردة بالترتيب في كتب الفقهاء من النية و التكبير و القراءة و نحو ذلك من الأمور المعدودة فيها أيضا،لا ما كان من مقدمات تلك الأفعال كالهويّ للسجود و النهوض للقيام و نحوهما، فيعود للركوع في الأول و للسجود في الثاني،وفاقا للشهيدين و غيرهما (3)؛ لذلك.

مضافا إلى مفهوم الصحيح فيهما:«و إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض،و إن شك في السجود بعد ما قام فليمض،كل شيء شك فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه» (4).

و خصوص الموثق كالصحيح في الثاني:«رجل رفع رأسه من السجود فشك قبل أن يستوي جالسا فلم يدر أسجد أم لم يسجد،قال:«يسجد»، قلت:فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد،قال:«يسجد» (5).

ص:126


1- التهذيب 2:1459/352،الوسائل 8:237 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 1.
2- التذكرة 1:136.
3- الشهيد الأول في الذكرى:224،الشهيد الثاني في روض الجنان:350،الروضة 1:323؛ و انظر الحدائق 9:179.
4- التهذيب 2:602/153،الوسائل 6:317 أبواب الركوع ب 13 ح 4.
5- التهذيب 2:603/153،الاستبصار 1:1371/361،الوسائل 6:369 أبواب السجود ب 15 ح 6.

خلافا لبعض المتأخرين في الأول فكما لو دخل في السجود فلا يعود للركوع (1)؛للموثق الآخر كالصحيح:رجل أهوى إلى السجود فلا يدري أركع أم لم يركع،قال:«قد ركع» (2).

و هو محمول على حصول الشك في السجود،و ليس فيه ما ينافيه بصريحه و لا بظاهره،لأنّ غايته إفادة وقوع الشك بعد الهوي إلى السجود،و هو أعم من وقوعه قبل الوصول إليه و بعده لو لم ندّع الأخير و ظهوره،نعم لو كان بدل«إلى السجود»:«للسجود»أمكن دعوى الأول و ظهوره.

و لو سلّم فهو معارض بما مرّ سيّما الصحيح في الثاني،فإنه بحسب الدلالة أظهر،و مورده و إن اختلف مع مورد الأول إلاّ أنهما من باب واحد، لاشتراكهما في كونهما من مقدمات أفعال الصلاة،فإن عمّمنا الغير لها دخلا و إلاّ خرجا.فالتفصيل بينهما و تخصيص كل منهما بحكمه لا يجتمع مع إطلاق النص و الفتوى بل عمومهما بأنه متى شك و قد دخل في غيره فلا يلتفت و إلاّ فإنه يرجع،لظهورهما في أن مناط الرجوع و عدمه إنما هو الدخول في ذلك الغير و عدمه،و الغير إمّا الأفعال خاصة أو ما يعمها و مقدّماتها،و على أيّ تقدير فلا وجه للتفصيل بين الموردين و العمل في كل منهما بما ورد في الصحيحين و إن اختاره بعض المتأخرين المتقدم (3).

فلا بدّ من الجمع بينهما بما يدفع تنافيهما،و هو ما ذكرنا من حمل ثانيهما على صورة وقوع الشك في حال السجود.و يحتمل الحمل على وقوعه كثيرا،

ص:127


1- الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:174،و صاحب المدارك 4:249،و المحقق السبزواري في الذخيرة:375.
2- التهذيب 2:596/151،الاستبصار 1:1358/358،الوسائل 6:318 أبواب الركوع ب 13 ح 6.
3- المدارك 4:250.

و لكن الأول أولى إن لم يكن منه ظاهرا كما ذكرنا.

ثمَّ إنّ إطلاق«غيره»يعمّ جميع أفعال الصلاة بل و أجزائها،فلو شك في السجود و هو يتشهد،أو فيه و قد قام فلا يلتفت،وفاقا للأكثر.

خلافا للنهاية فيهما،فيرجع ما لم يركع (1).و هو بعيد جدا،بل ادّعى الإجماع على خلافه في السرائر صريحا (2)،و حكاه عنه في سائر كتبه كالجمل و العقود و الاقتصاد و المبسوط (3).و يردّه مع ذلك الصحيح المتقدم:«إن شك في السجود بعد ما قام فليمض».

و للذكرى،فأوجب الرجوع في الأول (4)؛لعموم مفهوم هذا الصحيح، و منطوق الموثق بعده.

و فيه:أنّ المتبادر منهما وقوع الشك في السجود الذي لا تشهّد بعده كما يقتضيه عطف الشك على النهوض في الثاني بالفاء المقتضية للتعقيب بلا مهلة، و يلزمه عدم تخلل التشهد،كذا قيل (5)،و فيه نظر.

و الأولى إسناد ظهور عدم تخلل التشهد إلى تبادره من النهوض من السجود؛إذ مع تخلله لا يقال ذلك،بل يقال:من التشهد،فتأمل.

و لو شك في الحمد و هو في السورة لم يلتفت،وفاقا للحلّي و المفيد فيما حكاه عنه و الماتن في ظاهر المعتبر (6)،و هو خيرة كثير من أفاضل المتأخرين (7)؛

ص:128


1- النهاية:92.
2- السرائر 1:253.
3- الجمل و العقود(الرسائل العشر):188،الاقتصاد:266،المبسوط 1:122.
4- الذكرى:224.
5- قال به صاحب الحدائق 9:184.
6- الحلي في السرائر 1:248،المعتبر 2:390.
7- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:169،و المحقق السبزواري في الذخيرة:375،و كفاية الأحكام:26،و العلاّمة المجلسي في البحار 85:158.

لظهور الغيرية بينهما،بل و بين أجزاء كل منهما،فلو شك في بعضها و دخل في الأخرى قوي عدم الالتفات أيضا.

خلافا لجماعة (1)لحجة ضعيفة،بل واهية.و لكن الأحوط ما ذكروه، سيّما في الشك في أجزاء القراءة،لكن ربما يتردد فيه لو كانت من الفاتحة و كان شكه فيها بعد الفراغ من السورة،فإنّ الرجوع لتدارك الأجزاء يستلزم إعادتهما مراعاة للترتيب الواجب إجماعا،و فيها احتمال القران بين السورتين المنهي عنه إذا قرأ غير السورة الاولى بل يحتمل مطلقا،أو قراءة زيادة أكثر من سورة للنهي عنها أيضا مطلقا،فتأمل جدّا.

ثمَّ في شمول الغير لما استحبّ من أفعال الصلاة كالقنوت و التكبيرات و نحوهما وجهان،أجودهما ذلك؛للعموم المؤيد بذكر الأذان و الإقامة و تعدادهما من الأفعال المشكوك فيها المنتقل عنها إلى غيرها في الصحيح الأول الذي هو العمدة في هذا الأصل،فتأمل.

و قد ظهر ممّا مرّ حكم الشك في الأفعال و الأعداد من الفريضة مطلقا عدا أخيرتي الرباعية.و أما فيهما فقد أشار إليه بقوله:

فإن حصّل الأوليين من الرباعية عددا و تيقنهما و شك بعد رفع الرأس من السجدة الثانية في الزائد عليهما هل أتى به أم لا فإن غلب على ظنّه أحدهما بمعنى رجحانه و صيرورته عنده مظنونا بنى على ظنّه فيجعل الواقع ما ظنّه من غير احتياط:

فإن غلب الأقل بنى عليه و أكمل،و إن غلب الأكثر من غير زيادة في عدد الصلاة كالأربع تشهّد و سلّم،و إن كان زيادة كما لو غلب على ظنّه الخمس

ص:129


1- منهم:الشهيد الأول في الذكرى:224،و الدروس 1:200،و الشهيد الثاني في روض الجنان:347،و صاحب المدارك 4:249.

صار كأنه زاد ركعة في آخر الصلاة فتبطل إن لم يكن جلس في الرابعة أو مطلقا، و هكذا.

بلا خلاف هنا أجده،بل بالإجماع صرّح جماعة (1)،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة،منها-زيادة على ما ستأتي إليه الإشارة-الصحيح:«إن كنت لم تدر كم صلّيت و لم يقع و وهمك على شيء فأعد الصلاة» (2).

و المراد بالوهم فيه و غيره الظن لا المعنى المعروف.

و يستفاد من إطلاق مفهومه بل عمومه-كما قرّر في محلّه-جواز العمل بالظن في الأعداد مطلقا،بل الأفعال أيضا؛للفحوى.

و نحوه النبوي العامي:«إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه» (3).

و عليه أكثر علمائنا على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (4)؛بل قيل:إنّه إجماع (5)؛و هو دليل آخر،مضافا إلى ما مرّ،و أنّ تحصيل اليقين عسر في كثير من الأحوال فاكتفى بالظن تحصيلا،لليسر و دفعا للحرج و العسر.

و فيه نظر؛إذ لا عسر إلاّ مع الكثرة،و معها يرتفع حكم الشك.

و في الإجماع و هن؛لظهور عبارة الناقل في أنّ منشأ نقله هو عدم

ص:130


1- منهم الشيخ في الخلاف 1:445؛و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):565،و الذكرى:222 و البحار 85:210.
2- الكافي 3:1/358،التهذيب 2:744/187،الاستبصار 1:1419/373،الوسائل 8: 225 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 1.
3- انظر بدائع الصنائع 1:165،و سنن النسائي 3:28.
4- كالشهيد الأول في الذكرى:222،و الشهيد الثاني في المسالك 1:42،و صاحب الحدائق 9:206.
5- مجمع الفائدة و البرهان 3:128.

الخلاف،مع أنه ظاهر الحلّي (1)،بل الشيخين أيضا في المقنعة و النهاية و المبسوط و الخلاف (2)،حيث ذكرا أن الشك في عدد الصبح و المغرب و عدد الركعات بحيث لا يدري كم صلّى يوجب الإعادة،من غير تفصيل بين صورة الظن و غيرها،ثمَّ ذكر أحكام الشك المتعلق بالأخيرة مفصّلين بينهما،و كذا الفاضل في المنتهى (3)،و الماتن هنا.

و منه يظهر ما في نسبة الشهيد في الذكرى قول الأكثر إلى الأصحاب عدا الحلّي (4)،مشعرا بدعوى الإجماع عليه.

و النبوي مع ضعف سنده لا عموم فيه،كمفهوم الصحيح الماضي عند جمع (5).لكنه ضعيف،كالقدح بالضعف في النبوي،لانجباره سندا بالشهرة، و دلالة بها أيضا،و بما يرجع به الإطلاق إلى العموم العرفي ممّا قرّر في محلّه.

لكنهما معارضان بالنصوص الدالة على اعتبار اليقين فيما عدا الأخيرتين كالصحيح:«من شك في الأوليين أعاد حتى يحفظ و يكون على يقين،و من شك في الأخيرتين عمل بالوهم» (6).

و هي بإطلاقها و إن شملت الأعداد و الأفعال إلاّ أنك عرفت ما يوجب تقييده بالأولى.

إلاّ أن يرجحا عليها بالشهرة و ما مرّ من الإجماع و الاعتبار و إن لم يكونا حجة مستقلة،لما مرّ.مع إمكان الذبّ عمّا يتعلق منه بالإجماع بعدم وضوح

ص:131


1- السرائر 1:245.
2- المقنعة:144،النهاية:90،المبسوط 1:121،الخلاف 1:447.
3- المنتهى 1:410.
4- الذكرى:225.
5- منهم:صاحب المدارك 4:263،و المحقق السبزواري في الذخيرة:368.
6- الفقيه 1:605/128،الوسائل 8:187 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 1.

مخالفة هؤلاء:

أمّا الحلّي فلأن بعض عباراته و إن أوهم ذلك (1)إلاّ أنّه ذكر ما يخالفه؛ و لذا لم ينسب إليه في المختلف و غيره (2)صريحا،و في غيرهما أصلا.

و أمّا من عداه كالشيخين فلأن ما تقدم عنهما و إن اقتضى ذلك لكن تعبيرهما عن المبطل في نحو الصبح بالشك ربما دلّ على انحصاره فيه،و هو على ما يساعده العرف ما تساوى طرفاه،و حكي التصريح به عن الزمخشري (3)، و صرّح به في الأصول.

و ربما يعضد إرادتهما منه ذلك تعليل المبسوط الحكم في الأخيرتين عند غلبة الظن بما ينسحب في الجميع (4).

و كذا الفاضل في المنتهى (5)؛لاستدلاله عليه بما مرّ من النبوي،و هو كما مرّ عام؛مع أنه أجاب عمّن أوجب اليقين فيهما أيضا مستدلا بالنبوي الآخر:«إذا شكّ أحدكم في صلاته فليلق الشك و ليبن على اليقين» (6)بأنه غير متناول لصورة النزاع؛إذ البحث في الظن بوقوع أحد الطرفين،و الحديث يتناول الشك.

و هو كالصريح،بل صريح في أن الشك عنده حقيقة فيما ذكرنا.لكنه ذكر في مسألة الشك في الأوليين (7)ما يعرب عن إرادته منه ما هو حقيقة فيه عند

ص:132


1- السرائر 1:250.
2- المختلف:136؛و انظر المنتهى 1:410.
3- حكاه عنه في بحار الأنوار 85:210 و انظر الكشّاف 1:587.
4- المبسوط 1:120.
5- المنتهى 1:415.
6- سنن البيهقي 2:333،مسند أحمد 3:87،سنن الدار قطني 1:21/372.
7- المنتهى 1:415.

أهل اللغة،و هو ما قابل اليقين و شمل الظن،كما صرّح به جماعة (1)،و يستفاد من كثير من أخبار تلك المسألة؛لتعبيرهم عليهم السلام عن الموضوع فيها بإذا لم يدر ركعة صلّى أم ثنتين،أو إذا لم يحفظهما،و نحوهما،و هي تشمل صورة الظن أيضا.

و تعليل الشيخ-رحمه اللّه-في المبسوط بما يعمّ لا يستلزم تلك الإرادة فيما عداه،سيّما المقنعة،بل ربما يحصل التردد في الاستلزام فيه أيضا؛إذ التعليل بالأعم شائع سيّما في الشرعيات،فتأمل جدّا.

و أمّا الحلّي فإنه و ان ذكر ما يومئ إلى موافقة الأصحاب (2)لكن عبارته المستظهر منها المخالفة لهم أظهر دلالة عليها من ذلك على الموافقة،هذا.

و عبارة الماتن ظاهرة فيها بلا شبهة؛لعدم ذكره نحو ما في المبسوط و المنتهى،بل عبّر عن الشك في الأوليين ب:لم يحصّلهما،العام لما إذا ظنّ فيهما أم لا.

و عليه فيقوى الخلاف في المسألة و لا ينبغي ترك الاحتياط فيها البتة بالبناء على الظن و الإتمام ثمَّ الإعادة مطلقا و لو حصل له فيها نحو الحالة الأولى.

خلافا لوالد الصدوق فيبني على الظن هنا لا أوّلا (3)،كما في الرضوي:

«و إن شككت في الركعة الاولى و الثانية فأعد صلاتك،و إن شككت مرة أخرى فيهما و كان أكثر و وهمك إلى الثانية فابن عليها و اجعلها ثانية،فإذا سلّمت صلّيت ركعتين من قعود بأمّ الكتاب،و إن ذهب وهمك إلى الأولى جعلتها الاولى

ص:133


1- انظر القاموس المحيط 3:319،و الصحاح 4:1594،و مجمع البحرين 5:276.
2- السرائر 1:245.
3- نقله عنه في المختلف:132.

و تشهّدت في كل ركعة،فإن استيقنت بعد ما سلّمت أنّ التي بنيت عليها واحدة كانت ثانية و زدت في صلاتك ركعة لم يكن عليك شيء،لأن التشهد حائل بين الرابعة و الخامسة،و إن اعتدل وهمك فأنت بالخيار إن شئت صلّيت ركعتين من قيام و إلاّ ركعتين و أنت جالس» (1).

و هو شاذ،و مع ذلك موافق للمحكي في المنتهى عن أبي حنيفة (2).

و نحوه في الشذوذ قوله الآخر في الشك بين الثنتين و الثلاث أنه يبني على الثلاث إذا ظنها و يتم و يصلّي صلاة الاحتياط ركعة قائما و يسجد سجدتي السهو (3).

و ليس في الموثق في الشك بين الثلاث و الأربع:«إن رأى أنه في الثالثة و في قلبه من الرابعة شيء سلّم بينه و بين نفسه،ثمَّ يصلّي ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب» (4)دلالة عليه بوجه و إن ظنّ،مع شذوذه أيضا،كالصحيح الوارد في مورده:

«و إن كان أكثر و همه إلى الأربع تشهّد و سلّم،ثمَّ قرأ فاتحة الكتاب و ركع و سجد،ثمَّ قرأ و سجد سجدتين و تشهّد و سلّم» (5).

و نحوه آخر (6)لكن من غير ذكر لصلاة الاحتياط.

و بالجملة:هذه النصوص-كالخبر الدال على وجوب سجدتي السهو

ص:134


1- فقه الرضا(عليه السلام):117،المستدرك 6:401 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 1،و في المصدر:إن شئت صليت ركعة من قيام و إلاّ ركعتين و أنت جالس.
2- المنتهى 1:415.
3- نقله عنه في المختلف:132.
4- الكافي 3:1/351،التهذيب 2:736/185،الوسائل 8:218 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 7.
5- الكافي 3:5/352،الوسائل 8:217 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 4.
6- الكافي 3:8/353،الوسائل 8:217 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 5.

حيث يذهب و همه إلى التمام-لم أر عاملا بها،مع مخالفتها لما ظاهرهم الاتفاق عليه-عدا من مرّ-من أنّ مع العمل بالظن لا شيء عليه كما هو مقتضى جملة من النصوص الواردة في البناء (1)؛لخلوها عن ذلك كلّه مع ورودها في مقام البيان،و يمكن حملها على الاستحباب.

و اعلم:أنّ على المشهور من جواز الاعتماد على الظن في أعداد الركعات حتى ما عدا الأخيرتين لا إشكال في جواز الاعتماد عليه في الأفعال مطلقا أيضا؛لما قدّمناه من الفحوى.

و أما على غيره فكذلك أيضا في الأفعال من الأخيرتين،لذلك.و فيها من غيرهما إشكال إن حملنا الشك فيها الوارد حكمه في النصوص على المعنى اللغوي الشامل للظنّ،و ربما يومئ إليه سياقها من حيث تضمنها تفريع:

لا يدري،عليه.

و إن حملناه على المعنى العرفي المتقدم المختص بتساوي الطرفين فلا إشكال أصلا.قيل:و ظاهر الأصحاب الإطباق على هذا (2).

و يمكن دفع الاشكال بمنع إرادة المعنى الأول؛لما عرفت من جواز الاكتفاء بالظن في الركعتين الأخيرتين مطلقا حتى أفعالهما المستلزم ذلك لظهور الشك في تلك النصوص في المعنى العرفي بالنسبة إليهما،فكذا بالنسبة إلى غيرهما،لعدم جواز استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في معنيين متخالفين،فتأمل جدّا.

و إن تساوى الاحتمالان فصوره المشهورة الغالبة أربع:أن يشك بين الاثنين و الثلاث،أو بين الثلاث و الأربع،أو بين الاثنين و الأربع،أو بين

ص:135


1- الوسائل 8:211،212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 7،8.
2- بحار الأنوار 85:210.

الاثنين و الثلاث و الأربع.

ففي القسم الأول من هذه الصور يبني على الأكثر و يتم الصلاة ثمَّ بعد الإتمام يحتاط بركعتين حال كونه فيهما جالسا،أو بركعة قائما.

أما وجوب البناء على الأكثر هنا-بل في جميع الصور-فهو مذهب الأكثر،بل عليه الإجماع في صريح الانتصار و الخلاف و ظاهر السرائر و غيره (1)، و عن أمالي الصدوق أنه جعله من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به (2)؛و هو الحجّة.

مضافا إلى الموثقة العامة لجميع الصور كالإجماعات المنقولة،و فيها:

«أجمع لك السهو في كلمتين:متى ما شككت فخذ بالأكثر،فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنك قد نقصت» (3).

و قصور السند مجبور بالعمل و الموافقة للصحاح المستفيضة و غيرها في باقي الصور،و خصوص الصحيح في هذه الصورة،و فيه:رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا،قال:«إن دخله الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمَّ صلّى الأخرى و لا شيء عليه و يسلّم» (4).

و الإنصاف عدم وضوح دلالته بحيث يصلح للحجية و إن أمكن تصحيحها بنوع ممّا ذكرته في الشرح مشروحا،لكنه غير خال عن شوب المناقشة،

ص:136


1- الانتصار:48،الخلاف 1:445،السرائر 1:254؛و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):566. و مجمع الفائدة 3:177،و روض الجنان:351.
2- أمالي الصدوق:513.
3- الفقيه 1:992/225،الوسائل 8:212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 1.
4- الكافي 3:3/350،التهذيب 2:759/192،الاستبصار 1:1423/375،الوسائل 8: 214 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 1.

و لا حاجة لنا إليه بعد قيام الحجة ممّا قدّمنا إليه الإشارة،مضافا إلى ما يحكى عن العماني من تواتر الأخبار في المسألة (1).

و أما الصحيح:عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثا قال:«يعيد»، قلت:أ ليس يقال:لا يعيد الصلاة فقيه؟!فقال:«إنما ذلك في الثلاث و الأربع» (2).

فشاذّ منقول على خلافه الإجماع عن الفاضلين (3)،و إن حكي الفتوى بمضمونه عن المقنع و الفقيه (4)،محمول على محامل أقربها الحمل على وقوع الشك قبل إكمال السجدتين كما يفهم من الصحيحة الأولى المفصّلة بين الصورتين كالأصحاب فيما نقله عنهم جماعة (5)،معلّلين بوجوب المحافظة على ما سبق من اعتبار سلامة الأوليين.

و مقتضى الرواية اعتبار رفع الرأس عن السجدة.خلافا لبعضهم،فاكتفى بكمالها و لو لم يرفع الرأس منها (6).و هو ضعيف.و أضعف منه الاكتفاء بالركوع كما حكي في المسألة قولا (7).

و لا يختص هذا الحكم بما نحن فيه،بل يجري في كل موضع تعلق فيه الشك بالاثنتين؛لما مرّ (8).

ص:137


1- حكاه عنه في الذكرى:226.
2- التهذيب 2:760/193،الاستبصار 1:1424/375،المقنع:31،الوسائل 8:215 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 3.
3- المحقق في المعتبر 2:391،العلامة في المنتهى 1:415.
4- المقنع:31،الفقيه 1:225.
5- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:176؛و انظر الذكرى:227،و المدارك 4:257.
6- كالشهيد الأول في الذكرى:227،و الشهيد الثاني في روض الجنان:351
7- حكاه الشهيد في الذكرى:227.
8- من حكاية تصريح الأصحاب،مضافا إلى عموم تعليل جماعة.(منه رحمه اللّه).

و أمّا النصوص المتضمنة للبناء على الأقل مطلقا (1)فغير مكافئة لما مرّ من الأدلة من وجوه عديدة و إن تضمنت الصحيح و الموثق و غير هما،سيّما مع قوة احتمال ورودها مورد التقية كما صرّح به جماعة (2)،مع عدم صراحتها في الدلالة:

فإنّ غاية ما تضمنه الأوّلان هو البناء على اليقين،و هو كما يحتمل البناء على الأقل كذا يحتمل البناء على الأكثر،بل لعلّ هذا أظهر كما يستفاد من الخبر المروي عن قرب الإسناد و فيه:رجل صلّى ركعتين و شك في الثالثة، قال:«يبني على اليقين،فإذا فرغ تشهد و قام و صلّى ركعة بفاتحة القرآن» (3)فتدبر.

و وجه اليقين حينئذ ما أشار إليه جمع و منهم المرتضى-رحمه اللّه-في الانتصار حيث قال في توجيه مذهب الأصحاب زيادة على الإجماع:و لأن الاحتياط أيضا فيه؛لأنه إذا بنى على النقصان لم يأمن أن يكون قد صلّى على الحقيقة الأزيد،فيكون ما أتى به زيادة في صلاته.

ثمَّ قال:فإذا قيل:و إذا بنى على الأكثر كان كما تقولون لا يأمن أن يكون إنما فعل الأقل فلا ينفع ما فعله من الجبران،لأنه منفصل من الصلاة و بعد التسليم.قلنا:ما ذهبنا إليه أحوط على كل حال؛لأن الإشفاق من الزيادة في الصلاة لا يجري مجرى الإشفاق من تقديم السلام في غير موضعه (4).

و قريب منه كلام الفاضلين في المعتبر و المنتهى (5)،و كلاهما-كغيرهما-

ص:138


1- الوسائل 8:187 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1
2- منهم صاحب الحدائق 9:214.
3- فرب الإسناد:99/30،الوسائل 8:215 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 2.
4- الانتصار:49.
5- المعتبر 2:391،المنتهى 1:415.

كالصريح بل صريح في أنّ البناء على اليقين إنما يحصل بالبناء على الأكثر لا الأقل.

و من هنا ينقدح فساد نسبة جماعة (1)القول بالبناء على الأقل إلى المرتضى-رحمه اللّه-في الناصرية،لقوله فيها:إنّ من شك في الأخيرتين يبني على اليقين،قائلا:إنّ هذا مذهبنا،و هو الصحيح عندنا،و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك (2).و في قوله«هذا»إشارة أخرى إلى ما ذكرنا أيضا كما لا يخفى،فتأمل.

و أما غيرهما فهو و إن تضمّن لفظ البناء على النقص لكنه مطلق بالنسبة إلى وقت البناء،فيحتمل كونه بعد السلام و الخروج عن الصلاة،كما وجّه به الحلّي كلام المرتضى،زعما منه كون البناء في كلامه-رحمه اللّه-هو البناء على الأقل،قال في جملة كلام له:فقبل سلامه يبني على الأكثر،لأجل التسليم،و بعده يبني على الأقل كأنه ما صلّى إلاّ ما تيقنه،و ما شك فيه يأتي به ليقطع على براءة ذمته (3).

و بالجملة:فمعارضة هذه النصوص لما قدّمنا غير معلومة،و على تقديرها فهي لها غير مكافئة،لما عرفته.فلا وجه للقول بها،كما لا وجه لنسبته إلى المرتضى رحمه اللّه.

و أضعف منهما حملها على التخيير،جمعا بينها و بين ما مضى؛لفقد التكافؤ أوّلا،و عدم شاهد على الجمع ثانيا،مع ندرة القائل به،إذ لم يحك إلاّ عن الصدوق (4)و قد مرّ دعواه الإجماع على البناء على الأكثر.

ص:139


1- منهم:صاحب المدارك 4:256،و الحدائق 9:210،و المحقق السبزواري في الذخيرة: 376
2- الناصريات(الجوامع الفقهية):201.
3- السرائر 1:256.
4- المقنع:31.

هذا حكم البناء.

و أما وجوب الاحتياط بركعتين من جلوس أو ركعة من قيام مخيّرا بينهما فلم نقف فيه على رواية بالخصوص،نعم وردت بذلك في الصورة الثانية، و قد أجرى هذه الصورة مجراها معظم الأصحاب كما في الذكرى (1)،بل عامتهم،كما يستفاد من روض الجنان (2)،و نقلا عن العماني تواتر الأخبار بذلك.

و بورود الرواية بكل من الأمرين هنا صرّح الحلّي في السرائر بعد أن أفتى بهما مخيّرا بينهما (3)،و عليه الإجماع في الانتصار و الخلاف (4)هنا و في الصورة الثانية،هو الأشهر الأقوى فيهما.

خلافا للمحكي عن المفيد و القاضي (5)فعيّنا الأخير مطلقا؛لظاهر البدلية في الموثقة (6)و غيرها.

و يردّه-مضافا إلى ما مرّ-خصوص ما سيأتي من النصوص بالأول أيضا في الصورة الثانية،فكذا في هذه الصورة،لعدم القول بالفرق بينهما منهما، بل و لا من أحد من الطائفة كا عرفته.

و عكس العماني و الجعفي (7)،فعيّنا الأول مطلقا،لظاهر الصحاح الآتية الآمرة به في الثانية،فكذا في هذه الصورة،لما عرفته.

و يردّه-مضافا إلى ما مرّ-خصوص ما سيأتي من المرسل المنجبر بالعمل

ص:140


1- الذكرى:226.
2- روض الجنان:351.
3- السرائر 1:254.
4- الانتصار:49،الخلاف 1:446.
5- المفيد في المقنعة:146،القاضي في المهذّب 1:154.
6- المتقدمة في ص 136.
7- نقله عنهما في الذكرى:227.

المصرّح بالتخيير بين الأمرين،هذا.

و القول الأول أحوط هنا كالثاني فيما يأتي،عملا في كل منهما بظواهر الأخبار،و لو لا الإجماعات المنقولة،و الروايات المرسلة المنجبرة بالشهرة، و شبهة عدم القول بالفرق بين الصورتين لكان الاحتياط بكل منهما متعينا،لكن بعدها لا تأمل في التخيير و لا شبهة.

و يفعل في الثاني منها [منهما] كذلك فيبني على الأكثر و يتم ثمَّ يحتاط بما مرّ؛لما مرّ،مضافا إلى المعتبرة المستفيضة هنا،و فيها الصحاح و غيرها.

ففي الصحيح:«إذا كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا و لم يذهب و وهمك إلى شيء فسلّم ثمَّ صلّ ركعتين و أنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب» الخبر (1).

و ظاهره كغيره و إن أفاد وجوب الجلوس في الاحتياط،لكنه محمول على التخيير،جمعا بينها و بين ما مرّ.

و منه صريح المرسل:«إذا اعتدل الوهم في الثلاث و الأربع فهو بالخيار إن شاء اللّه صلّى ركعة و هو قائم و إن شاء صلّى ركعتين و أربع سجدات و هو جالس» الخبر (2).

و الضعف بالإرسال و غيره منجبر بما مرّ.

و أما الصحيح الآمر بالبناء على الأقل (3)فيجاب عنه بما مرّ،مع شذوذ

ص:141


1- الكافي 3:8/353،الوسائل 8:217 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 5.
2- الكافي 3:9/353،التهذيب 2:734/184،الوسائل 8:216 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 2.
3- الكافي 3:7/353،التهذيب 2:733/184،الوسائل 8:211 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 7 ح 1.

ظاهره،إذ لم يحك عن أحد،بل قيل هنا:لا خلاف في جواز البناء على الأكثر (1).و الجمع بينه و بين ما مرّ بالتخيير-كما عن الصدوق و الإسكافي (2)ضعفه قد ظهر ممّا سبق.

و كذلك يفعل في الثالث لكن يحتاط بركعتين من قيام حتما إجماعا كما في الانتصار و الخلاف (3)؛للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (4).

و الصحيحة الدالة على الإعادة (5)شاذة و إن نقل القول بها عن المقنع (6)؛ لندوره،مع نقل الإجماع عن الفاضلين على خلافه (7)،فلتطرح أو تحمل على الشك في نحو المغرب،أو الرباعية مع وقوعه قبل إكمال السجدتين.

و يستفاد من بعض الصحاح وجوب سجدتي السهو هنا (8)،مع أنّ في جملة منها بعد صلاة الاحتياط:«لا شيء عليه» (9)و لذا حمل على الاستحباب تارة،و على ما إذا تكلّم ناسيا اخرى.و هو أولى؛لورود الصحيح باشتراطه فيهما (10).و أمّا جعله من جملة النصوص بالبناء على الأقل فبعيد كما بيّنّاه في

ص:142


1- المدارك 4:258.
2- نقله عنهما في المختلف:133.
3- الانتصار:48،49،الخلاف 1:445.
4- الوسائل 8:222 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13.
5- التهذيب 2:760/193،الاستبصار 1:1424/375،الوسائل 8:215 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 3.
6- المقنع:31.
7- لم نعثر عليه في كتب المحقق و نقله عنه في الذخيرة:376،العلامة في التذكرة 1:139
8- التهذيب 2:738/185،الوسائل 8:221 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 8.
9- الوسائل 8:220 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 3،4،6
10- الكافي 3:4/352،التهذيب 2:739/186،الاستبصار 1:1415/372،الوسائل 8: 206 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.

الشرح مستوفى،و على تقديره يحمل على التقية كما قدّمناه في نظائره.

و كذلك يفعل في الرابع لكنه يحتاط فيه بركعتين من قيام ثمَّ بركعتين من جلوس على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع في الانتصار (1)؛ للمرسل المنجبر بالعمل،مع كونه في حكم الصحيح على الأشهر الصحيح:في رجل صلّى فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثا أم أربعا،قال:«يقوم فيصلّي ركعتين من قيام و يسلّم،ثمَّ يصلّي ركعتين من جلوس و يسلّم» (2).

خلافا للصدوقين و الإسكافي (3)،فاكتفوا بركعة من قيام و اثنتين من جلوس؛للصحيح (4).

و في كل من سنده و متنه اضطراب بيّنت وجههما في الشرح.و ممّا يتعلق بالمتن وجود نسخة بركعتين من قيام،بدل ركعة من قيام،كما هو المشهور، و يمكن ترجيحها بالموافقة للرواية السابقة،مضافا إلى الشهرة العظيمة،إلاّ أنّ النسخة المشهورة ضبطا هي الاولى.

و يؤيدها الرضوي (5)المصرّح بعينها من غير نقل اختلاف فيها.لكنه كالصحيح قاصر عن مقاومة الرواية الأولى؛لشهرة الفتوى بها،سيّما من نحو الحلّي و المرتضى-رحمهما اللّه-اللذين لم يعملا إلاّ بالمجمع عليه و المتواترات و الآحاد المحفوفة بالقرائن قطعا.

ص:143


1- الانتصار:48،49.
2- الكافي 3:6/353،التهذيب 2:742/187،الوسائل 8:223 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 4.
3- نقله عنهما في المختلف:133.
4- الفقيه 1:1021/230،الوسائل 8:222 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 1.
5- فقه الرضا(عليه السلام):118،المستدرك 6:411 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 12 ح 1.

و تقوية الشهيد في الذكرى (1)هذا القول من حيث الاعتبار منظور فيها كما بيّنته في الشرح مستوفى.

ثمَّ إنّ وجوب الوقوف على المنصوص يقتضي تعيّن الركعتين من جلوس بعد الركعتين من قيام كما هو المشهور،بل عزا الأول في الذكرى إلى الأصحاب (2)،فلا يجوز تبديلهما بركعة مطلقا،لا حتما كما عن المفيد في العزّية و الديلمي (3)،و لا تخييرا بينهما كما عن الفاضل و الشهيدين (4).

و لا تقديمهما على الركعتين من قيام مطلقا،لا حتما كما حكي قولا (5)، و لا تخييرا كما عن المرتضى في الانتصار و أكثر الأصحاب (6).

و في الحكاية عنهم نظر؛إذ ليس في عبارة نحو الانتصار ما يوهم التخيير عدا عطف الركعتين من جلوس عليهما من قيام بالواو (7)،المفيدة لمطلق الجمعية،دون«ثمَّ»المفيدة للترتيب.

و في الاكتفاء بمثل ذلك في النسبة مناقشة،سيّما مع عدم العلم بمذهبهم في الواو هل تفيد الترتيب أو مطلق الجمعية،مع كون مستندهم في الحكم الرواية المفيدة للترتيب بلا شبهة؛و لذا أن في الروضة عزا الترتيب بينهما إلى المشهور كما ذكرنا،قال:رواه ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام،

ص:144


1- الذكرى:226.
2- الذكرى:226.
3- نقله عن العزّية في الذكرى:226،المراسم:89.
4- الفاضل في المنتهى 1:416،الشهيد الأول في الذكرى:226،الشهيد الثاني في الروضة 1:330،و روض الجنان:351.
5- حكاه الشهيد الثاني في روض الجنان:352.
6- نقله عنهم في الذكرى:226.
7- الانتصار:48.

عاطفا لركعتي الجلوس بثم كما ذكر هنا،فيجب الترتيب بينهما (1)،و في الدروس جعله أولى (2).

أقول:و نحو الرواية في العطف بثمّ الصحيحة المتقدمة.

و اعلم:أنه يجب أن يكون كلّ ذلك أي كل من هذه الصلوات الاحتياطية بعد التسليم بلا خلاف أجده؛للأمر به قبلها ثمَّ بها بعده في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة؛مع تضمن جملة منها-و فيها الصحيح و غيره-أنه إن كان ما صلاّه تماما كانت هذه نافلة،و لا يستقيم ذلك إلاّ بعد انفرادها عن الفريضة و خروجها عنها ليتوجه احتمال وقوعها نافلة،فتأمل جدّا.

و ما تضمّن الأمر ببعضها مطلقا من النصوص مقيدة بذلك جمعا.

و من هنا يظهر وجوب اعتبار النية فيها و الإحرام و التشهد و التسليم،بل جميع واجبات الصلاة،عدا القيام،إلاّ حيث يجب؛لأنها صلاة منفردة، مضافا إلى ورود الأمر بجملة منها في جملة منها.

و هل يتعين فيها قراءة الفاتحة خاصة،أم لا بل يتخير بينها و بين التسبيح؟ الأكثر على الأول.و هو الأظهر؛للأمر بها في نصوصها (3)؛مع تضمن جملة منها كما عرفت احتمال وقوعها نافلة،و لا صلاة إلاّ بفاتحة.

خلافا للمفيد و الحلّي (4)فالثاني؛للبدلية المستفادة من هذه؛مضافا إلى الموثقة العامة (5).و ضعفه ظاهر ممّا عرفته.

ص:145


1- الروضة 1:330.
2- الدروس 1:203.
3- في«ش»زيادة:كالسجدات و التشهد و التسليم.
4- المفيد في المقنعة:146،الحلي في السرائر 1:256.
5- المتقدمة في ص:136.

و هل يجب تعقيبها للصلاة من غير تخلل المنافي؟ظاهر الأكثر:نعم، بل جعله في الذكرى ظاهر النصوص و الفتاوي (1)،معربا عن الإجماع.

و عليه فتبطل بتخلله كما عن المفيد (2)،و عليه الفاضل في المختلف و الشهيد في الذكرى (3)،مستدلّين عليه بما يرجع حاصله إلى أنّ شرعيته ليكون استدراكا للفائت من الصلاة،فهو على تقدير وجوبه جزء من الصلاة فيكون واقعا في الصلاة فيبطلها،حتى ورد سجود سجدتي السهو للكلام قبله ناسيا.

و للأمر به فورا في الصحيح (4)،و تخلّل الحدث يوجب الإخلال به،و هو يوجب بقاء التكليف بحاله،و لا يخرج عنه إلاّ بإعادة الصلاة.

خلافا للحلّي و جماعة من المتأخرين (5)،فلا تبطل بتخلله؛لوجوه اعتبارية مرجعها إلى إنكار عموم البدلية،و منع اقتضائها مساواة البدل للمبدل منه في جميع الأحكام التي منها بطلان الصلاة بتخلل المنافي بينها.

و هو ضعيف كما برهن في محلّه مستقصى،و لو سلّم فإيجاب سجدتي السهو لما مرّ قرينة على إرادته هنا.

و كذا الكلام في تخلله بين الصلاة و الأجزاء المنسية.بل الحكم بالبطلان به هنا أولى؛للقطع بجزئيتها.و خروجها كالاحتياط عن محض الجزئية في بعض الموارد الإجماعية للضرورة لا يقتضي الخروج عنها بالكلية،هذا.

و لا ينبغي ترك الاحتياط في نحو المسألة،و يحصل بإتيان البدل بعد

ص:146


1- الذكرى:227.
2- نقله عنه في المختلف:139.
3- المختلف:139،الذكرى:227.
4- التهذيب 2:738/185،الوسائل 8:221 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 8.
5- الحلّي في السرائر 1:256؛و انظر إرشاد الأذهان 1:270،و روض الجنان:353،و المدارك. 4:267.

تخلّل الحدث،ثمَّ إعادة الصلاة من رأس.

و اعلم:أنّ ظاهر إطلاق النص و الفتوى يقتضي صحة الصلاة بعد الاحتياط و إن تذكّر كونه متمما لها،بل به صرّح الموثق:«و إن ذكرت أنك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت» (1).

و عمومه كإطلاق البواقي يقتضي عدم الفرق في ذلك بين جميع الصور حتى الرابعة.

خلافا للشهيد في الذكرى فاستشكل الحكم في هذه الصورة،إلاّ أنه بعد ذلك قوّى الصحة،قال:لأن امتثال الأمر يقتضي الإجزاء،و الإعادة خلاف الأصل،و لأنه لو اعتبر المطابقة لم يتم لنا احتياط يذكر فاعله الاحتياج إليه، لحصول التكبير الزائد المنوي به الافتتاح (2).انتهى.و هو حسن.

و لو ذكر في أثناء الاحتياط الاحتياج إليه ففي الإجزاء مطلقا،أو الإعادة كذلك،أو التفصيل بين ما طابق فالأول و إلاّ فالثاني أوجه.و لعلّ أوجهها الأول؛لاقتضاء امتثال الأمر الإجزاء،و جعله في الروضة (3)و السابق ظاهر الفتوى مشعرا بكونهما إجماعيا،و لكن الأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة.

و لو ذكر عدم الاحتياج إليه ففي جواز نقضه أو العدم وجهان،مبنيان على جواز إبطال النافلة اختيارا أم لا،و قد مرّ الكلام فيه مستوفى.

و اعلم:أنه لا سهو و لا حكم له على من كثر سهوه بلا خلاف أجده،و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،ففي الصحيح و غيره:«إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك» (4)و زيد في الأول:«فإنه يوشك أن يدعك

ص:147


1- التهذيب 2:1448/349،الوسائل 8:213 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 3.
2- الذكرى:227.
3- الروضة 1:334.
4- الوسائل 8:227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16.

الشيطان» (1).

و هل المراد بالسهو فيهما و في غيرهما من الفتاوي خصوص الشك،كما عن صريح المعتبر و ظاهر الفاضل في التذكرة و النهاية و المنتهى (2)؟ أو ما يعمّه و السهو بالمعنى المقابل له،كما في صريح الروضة و روض الجنان (3)،و عن ظاهر جماعة (4)؟ وجهان،بل قولان:

من عموم ما دلّ على لزوم الإتيان بمتعلق السهو و موجبه،مع سلامته عن معارضة هذه النصوص؛لاختصاص جملة منها بالشك،و الاتفاق على إرادته من لفظ السهو فيما عداها.و إرادة معناه الحقيقي منه أيضا توجب استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي و المجازي،و هو أمر مرغوب عنه عند المحققين.

و ارتكاب عموم المجاز حسن مع قيام القرينة عليه بالخصوص،و لم نجدها،و الاتفاق على إرادة الشك أعم من إرادته، لاحتمال كونه قرينة على إرادة الشك بالخصوص.

و بالجملة:الاتفاق على إرادة الشك في الجملة،أما أنها على الخصوص أو من حيث العموم،فأمر غير معلوم،و احتماله لا يوجب الخروج عن العموم المتقدم المقطوع،سيّما مع كونه مرجوحا،لاتفاق المعمّم صريحا بل مطلقا-كما قيل (5)-على بطلان الصلاة بالسهو عن الركن مطلقا،و وجوب تدارك

ص:148


1- الكافي 3:8/359،الفقيه 1:989/224،التهذيب 2:1424/343،الوسائل 8:227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 1.
2- المعتبر 2:393،التذكرة 1:136،نهاية الإحكام 1:533،المنتهى 1:411.
3- الروضة 1:339،روض الجنان:343.
4- منهم:الشيخ في المبسوط 1:119،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):565،و ابن إدريس في السرائر 1:248.
5- قال به العلامة المجلسي في بحار الأنوار 85:277.

غيره فيها أو بعدها كذلك،فتنحصر فائدة نفي السهو بهذا المعنى في سقوط سجدتي السهو له كما صرّح به أيضا،و ارتكاب مثل هذا التخصيص بعيد جدا، مع أنّ الموجود في الصحيح و غيره المتقدمين إنما هو المضي في الصلاة،و هو غير مناف لوجوب السجدتين بعدها،فكيف يجعلان دليلا على سقوطهما؟!.

و من قرب احتمال حمل السهو المنفي على المعنى الأعم الشامل للشك،و له بالمعنى الأخص؛لكونه أقرب المجازين إلى الحقيقة المتعذرة؛ فهو الدليل عليه،و لا وجه لمنعه.

و الحكم بوجوب تدارك المسهو عنه في الصلاة أو بعدها لا يوجب تخصيص نفي السهو؛إذ ليس هو السبب في وجوب الحكم بتداركه،و إنما السبب عموم أدلته،و سببية السهو ليست إلاّ بالنسبة إلى سجود السهو،فلا يجب مع الكثرة و ليس فيه تخصيص بالمرة.

بالجملة:المراد من السهو المنفي موجبه،و ليس إلاّ خصوص سجود السهو،و إلاّ فالمسهوّ عنه ما وجب أداء و تداركا إلاّ بعموم أدلة لزوم فعله،و كذا فساد الصلاة بالسهو عن الركن لم ينشأ من نفس السهو بل من حيث الترك حتى لو حصل من غير جهته لفسدت أيضا.

فهذا القول أقوى و إن كان الأول أحوط(و أولى) (1).

و حيث تعيّن الشك أو كان مرادا فهل المراد بكثرته ما يترتب عليه حكم من نقض أو تدارك أو سجود سهو؟أو ما يعمّه و غيره حتى لو شك كثيرا بعد تجاوز المحل،أو في النافلة،أو مع رجحان الطرف في الأخيرتين أو مطلقا ثمَّ شك شكا يترتب عليه حكم لسقط؟ وجهان،بل قيل:قولان (2)،و لعل الأجود:الأول كما اخترناه في الشرح،

ص:149


1- ليست في«م».
2- انظر الأربعين للعلامة المجلسي:551.

اقتصارا فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم حكم الشك على المتيقن من النص،و ليس إلاّ الشك الكثير الذي له حكم.

ثمَّ المراد بنفي الشك عدم الالتفات إليه و البناء على وقوع المشكوك فيه و إن كان في محلّه ما لم يستلزم الزيادة فيبني على المصحّح،على ما صرّح به جمع (1)،من غير خلاف فيه بينهم يعرف،و به صرّح بعض (2).

و لعلّه لتبادر ذلك من النصوص،مع ظهور جملة منها في بعض أفراد المطلوب،كالصحيح الوارد فيمن لم يدر كم صلّى أنه لا يعيد (3)،و الموثق الوارد في الشاك في الركوع و السجود أنه لا يعود إليهما و يمضي في صلاته حتى يستيقن يقينا (4)،و لا قائل بالفرق.

و ظاهر النصوص بل الفتاوي أيضا كون ذلك حتما لا رخصة.و عليه فلو أتى بالمشكوك فيه فسد الصلاة قطعا إن كان ركنا،و كذا إن كان غيره على الأقوى كما بيّنته في الشرح مستوفى.

و لو كثر شكه في فعل بعينه فهل يعدّ كثير الشك مطلقا فيبني مطلقا في غيره على فعله أيضا،أم يقتصر على ذلك؟ وجهان،أجودهما الأول،وفاقا لجمع (5)؛للإطلاق المؤيد بالتعليل الوارد

ص:150


1- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 1:339،و صاحب المدارك 4:271،و العلامة المجلسي في البحار 85:278،و صاحب الحدائق 9:295.
2- الحدائق 9:295.
3- الكافي 3:2/358،التهذيب 2:747/188،الاستبصار 1:1422/374،الوسائل 8: 228 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 2.
4- التهذيب 2:604/153،الاستبصار 1:1372/362 الوسائل 8:229 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 5.
5- منهم:الشهيد في الذكرى:223،و صاحب المدارك 4:272،و المحقق السبزواري في الذخيرة:371.

في النصوص بأن ذلك من الشيطان (1)،و هو عام.

و المرجع في الكثرة إلى العرف،وفاقا للأكثر؛لأنه المحكّم فيما لم يرد به بيان من الشرع.

و تحديده في الصحيح بالسهو في كل ثلاث (2)مجمل؛لتعدد محتملاته و إن كان أظهرها كون المراد أنه لا يسلم من سهوه ثلاث صلوات متتالية،و لكن ليس فيه مخالفة للعرف،بل لعلّه بيان له و ليس حصرا.

خلافا لابن حمزة،فإن يسهو ثلاث مرات متوالية (3).

و للحلّي،فأن يسهو في شيء واحد أو فريضة ثلاث مرّات،فيسقط بعد ذلك حكمه،أو يسهو في أكثر الخمس أعني الثلاث منها فيسقط في الفريضة الرابعة (4).

و لم نعرف لشيء منها حجة،إلاّ أن يراد بيان المعنى العرفي لا التحديد الشرعي فلا نزاع،و إن كان يستشكل في مطابقة بعضها على الإطلاق للعرف.

و متى حكم بثبوت الكثرة بالثلاثة تعلق الحكم بالرابع،و يستمر إلى أن يخلو من السهو فرائض يتحقق بها الوصف،فيتعلق به حكم السهو الطارئ إن حدّدناها بها،و يحتمل مطلقا كما في الذكرى (5)،و به قطع شيخنا في روض الجنان و الروضة (6).و هو حسن إن صدق زوال الكثرة عرفا بذلك،و إلاّ فلا يتعلق حكم السهو الطارئ إلاّ بزوال الشك غالبا بحيث يصدق في العرف أنه

ص:151


1- الوسائل 8:227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16.
2- الفقيه 1:990/224،الوسائل 8:229 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 7.
3- الوسيلة:102.
4- السرائر 1:248.
5- الذكرى:223.
6- روض الجنان:343،الروضة 1:340.

غير كثير الشك كما أفتى به في الذكرى أوّلا،و هو الأقوى و إن كان الأول محتملا.

و كذا لا حكم للسهو على من سها في سهو بلا خلاف؛ للصحيح:«ليس على الإمام سهو،و لا على من خلف الإمام سهو،و لا على السهو سهو،و لا على الإعادة إعادة» (1).

و لكن في العبارة إجمال؛لاحتمال كون المراد بالسهو في المقامين معناه المعروف خاصة،أو الشك كذلك،أو الأول في الأول و الثاني في الثاني،أو بالعكس.

و على التقادير يحتمل السهو الثاني نفسه من دون حذف مضاف،و حذفه من الموجب بالفتح،فالصور ثمان.

و ظاهر جملة من المتأخرين إمكان إرادتها من النص أجمع (2).و هو مشكل؛لمخالفته لمقتضى الأصل في جملة منها،و الخروج عنه بمثل هذا النص المجمل مشكل.

هذا،مع ظهور سياق النص و العبارة-كغيرها-في كون المراد من السهو في المقامين هو المعنى الثاني،و ربما يظهر من الفاضل و غيره عدم الخلاف فيه،و أن مورده إنما هو كون المراد من السهو الثاني هو الشك نفسه أو موجبة بالفتح.

قال في المنتهى:و معنى قول الفقهاء:لا سهو في السهو،أي لا حكم للسهو في الاحتياط الذي يوجبه السهو،كمن شك بين الاثنتين و الأربع فإنه

ص:152


1- الكافي 3:7/359،التهذيب 2:1428/344،الوسائل 8:240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 3.
2- كما في الذخيرة:369.

يصلي ركعتين احتياطا،فلو سها فيهما و لم يدر صلّى واحدة أو اثنتين لم يلتفت إلى ذلك.و قيل:معناه أنّ من سها فلم يدر سها أم لا لم يعتدّ به و لا يجب عليه شيء،و الأول أقرب (1).

و أظهر منه كلام التنقيح،فإنه قال بعد نقل العبارة:و له تفسيران،الأول:

أن يشك فيما يوجبه الشك كالاحتياط و سجود السهو.الثاني:أن يشك هل شك أم لا،قال:و كلا هما لا حكم له،و يبني في الأول على الأكثر،لأنه فرضه (2).

و نقلهما في أمثال ذلك حجّة،و عليه فلا يمكن إرادة السهو بالمعنى المعروف مطلقا،لما مضى.و عليه فيندفع أكثر وجوه الإجمال و يبقى من حيث الاختلاف بين التفسيرين.

و لا ريب في مطابقة الثاني لمقتضي الأصل فلا يحتاج إلى النص و إن أكده على تقدير وضوح دلالته على ما يطابقه.و إنما المحتاج إليه إنما هو الأول؛لمخالفته الأصل الدال على لزوم تحصيل المأمور به على وجهه، و لا يتم إلاّ مع عدم الشك؛مضافا إلى إطلاق ما دلّ على لزوم تدارك المشكوك مع بقاء المحل مثلا،فتأمل.

و حيث إن النص يحتمله و الثاني،لا يمكن التمسك به لإثباته،إلاّ أن يرجح إرادته بإخبار الفاضل كونه مراد الفقهاء،مع ظهوره من كلماتهم و استدلالهم بالنص على أنه لا سهو في سهو،بناء على أن ظاهره إثبات حكم مخالف للأصل لا موافق له،و ليس إلاّ على تقدير التفسير الأول.

مع اعتضاده بما في المعتبر و المنتهى و غير هما (3)من الاعتبار،و هو أنه لو

ص:153


1- المنتهى 1:411.
2- التنقيح الرائع 1:262.
3- المعتبر 1:394،المنتهى 1:411؛و انظر نهاية الإحكام 1:533.

تداركه أمكن أن يسهو ثانيا و لا يتخلص من ورطة السهو؛و لأنه حرج فيسقط اعتباره؛و لأنه شرّع لإزالة حكم السهو فلا يكون سببا لزيادته.

و ممّا ذكرنا ظهر استقامة الحكم على كلا التفسيرين،كما هو ظاهر كلام التنقيح المتقدم،و هو لازم لكل من اختار التفسير الأول،لموافقة الثاني للأصل.

و المتبادر من عدم الالتفات إلى المشكوك فيه البناء على الأكثر إن لم يستلزم الفساد،و إلاّ فعلى المصحّح،كما مرّ في كثير الشك،و به صرّح جمع (1)؛لمقتضى التعليلات المتقدمة.

خلافا لنادر من متأخري المتأخرين (2)،فاحتمل البناء على الأقل،و هو ضعيف.

و اعلم:أن قوله عليه السلام في الصحيحة:«و لا على الإعادة إعادة» فسرّ بتفسيرين أظهر هما أنه إذا أعاد الصلاة لخلل موجب للإعادة ثمَّ حصل أمر موجب لها فإنه لا يلتفت إليه،و يعضده الصحيح:«لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه،فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد» (3).

و الاعتياد لغة يحصل بالمرتين كما صرّح به في الحيض.لكن في حصوله بهما عرفا تأمل و بعد،إلاّ أن يدفع بملاحظة الصحيحة و الرضوي الوارد في الشك في الأوليين أنه يعيد مطلقا،و يبني على المظنون لو شك ثانيا،و قد مرّ فتوى والد الصدوق به (4).لكنه كما عرفت شاذّ،فالمصير إليه مشكل.و كذا إلى

ص:154


1- منهم:الشهيد الثاني في روض الجنان:341،و الروضة 1:339،و المحقق السبزواري في الذخيرة:369.
2- مجمع الفائدة 3:136.
3- الكافي 3:2/358،التهذيب 2:747/188،الاستبصار 1:1422/374.
4- راجع ص 133.

الصحيح؛لعدم وضوح القائل به كما صرّح به جمع (1)،مع ظهور الفتاوي في انحصار المقتضي لعدم الالتفات إلى الشك في أمور محصورة ليس ما في الصحيح شيئا منها بلا شبهة و إن جعل في الذكرى و غيره (2)من الشك الكثير، لضعفه (3)بأن الحكم بعدم الإعادة لا يستلزم الكثرة،و به صرّح جماعة (4).

و ربما يوجّه بوروده مورد الغالب،و هو كثير الشك؛لأنه الذي يحصل له الشك بعد الإعادة أيضا غالبا دون غيره،فنفي الإعادة على الإعادة إنما هو للكثرة.

و فيه نظر؛لجريانه في نفي السهو على من سها في سهو الذي تضمنه الصحيح أيضا.و حمله على الغالب يخرجه عن صلاحيته للاستدلال به على نفي السهو في السهو من حيث هو سهو في سهو و إن لم يكن هناك كثرة،كما هو الفرض في البحث السابق،و هو خلاف طريقة المستدلين به لذلك حتى الموجّه،مع أن دعوى الغلبة لا تخلو عن مناقشة،هذا.

و لا يبعد العمل بما في الصحيحة؛لحجيتها،و ظهور دلالتها،و اعتضادها بغيرها،و عدم القطع بشذوذها و إن لم يظهر قائل صريح بها،فإنّ ذلك لا يستلزم الإجماع على خلافها.و لكن الاحتياط بالإعادة إلى أن يحصل مزيل حكم الشك أولى.

و اعلم:أنّ ما تضمنته الصحيحة من أنه لا سهو على المأموم،و لا على الإمام بمعنى الشك لا خلاف فيه يعرف،و به صرّح بعض (5)،و ذكر جمع أنه مقطوع به بين الأصحاب (6)،مؤذنين بدعوى الإجماع

ص:155


1- منهم:صاحب المدارك 4:274.
2- الذكرى:223،و انظر المدارك 4:274.
3- أي الجعل المذكور.منه رحمه اللّه.
4- منهم المحقّق السبزواري في الذخيرة:371.
5- كصاحب الحدائق 9:268.
6- منهم:صاحب المدارك 4:269،و المحقق السبزواري في الذخيرة:369.

عليه؛و هو حجة أخرى بعد الصحيحة.

مضافا إلى المعتبرة الأخر،منها الصحيح:عن رجل يصلّي خلف الإمام لا يدري كم صلّى،هل عليه سهو؟قال:«لا» (1).

و المرسل:«ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه بإيقان أو اتفاق منهم-على اختلاف النسخ-و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام» (2).

و ما فيه من اشتراط حفظ كلّ منهما على الآخر في نفي حكم الشك مقطوع به بينهم،و لا ريب فيه؛لأنّ الحكم برجوع كلّ منهما إلى الآخر على التعيين مع التساوي في الشك ترجيح من غير مرجح،و به يقيد إطلاق باقي الأخبار.

و المتبادر من الحفظ و عدم السهو المشترط هو الحفظ بعنوان القطع،كما يدل عليه لفظ الإيقان في بعض النسخ،فالحكم برجوع الشاك منهما إلى الظان مشكل،و كذا الظان إلى المتيقن،و إن صرّح بهما جماعة (3)؛لعموم ما دل على تعبّد المصلّي بظنه،و التخصيص يحتاج إلى دليل،و ليس.

إلاّ أن يقال:إنّ السهو بمعنى الشك المنفي حكمه عن كل من الإمام و المأموم في الفتاوي و النصوص يشمل الظن؛لأعميته لغة منه و من الشك بالمعنى المعروف،فنفيه بعنوان العموم يقتضي دخولهما فيه.

ص:156


1- التهذيب 2:1453/350،الوسائل 8:239 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 1.
2- الكافي 3:5/358،الفقيه 1:1028/231،التهذيب 3:187/54،الوسائل 8:241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 8.
3- منهم:الشهيد الثاني في روض الجنان:342،و الروضة 1:341،و صاحب المدارك 4:270،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:179.

مع أن في الخبر:«الإمام يحفظ أوهام من خلفه» (1)و يدخل في الأوهام الظن؛لإطلاقه عليه في الشرع.

و حفظ الإمام على من خلفه الأوهام معناه:أنه يترك و همه و يرجع إلى يقين الإمام.و إذا ثبت الحكم في هذا الفرد ثبت في العكس؛لعدم تعقل الفرق، مع عدم ظهور قائل به.

بل و لا الفرق بين رجوع الظان إلى المتيقن مطلقا،و الشاك إلى الظان كذلك،لكن الحكم في هذا مشكل إن لم يبلغ حدّ الإجماع.

و ما قيل في توجيهه من أن الظن في باب الشك بمنزلة اليقين (2)فضعيف؛ لمنع المنزلة بالنسبة إلى غير الظان،كيف لا و هو أول الكلام،و تسليمها بالنسبة إليه لا يجدي نفعا،فعدم الرجوع أقوى إن لم يفد ظنا،و إلاّ فالرجوع متعين، كما يتعين على الظان الرجوع إلى المتيقن إذا أفاده ظنا أقوى مطلقا و إن قلنا بالمنع فيه أيضا مع عدم إفادة الرجوع الظن الأقوى،لكنه خروج عن محل البحث،و هو رجوع كل منهما إلى الآخر مع حفظه مطلقا و لو لم يفده ظنا، كما يقتضيه إطلاق النصوص و الفتاوي.

و عليه فلا يشترط عدالة المأموم و لا تعدده،فيرجع إليه الإمام و لو كان واحدا فاسقا،و لا يتعدى إلى غيره و إن كان عدلا،نعم لو أفاده الظن رجع إليه لذلك لا لكونه مخبرا.

و لو اشتركا في الشك و اتّحد محلّه لزمهما حكمه،كما أنهما لو اتّفاقا على الظن و اختلف المحل تعيّن الانفراد،و إن اختلف رجعا إلى ما اتفقا عليه و تركا ما

ص:157


1- الكافي 3:3/347،الفقيه 1:1205/264،التهذيب 2:563/144،الوسائل 6:14، 15 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 6،12 و في الجميع:يحمل،بدل:يحفظ،و رواها في التهذيب 3:812/277 بلفظة:يتحمل.
2- مجمع الفائدة و البرهان 3:139.

انفرد كلّ به،و إن لم يجمعهما رابطة تعيّن الانفراد و لزم كلا منهما حكم شك نفسه.

و لو تعدّد المأموم و اختلفوا مع الإمام فالحكم كالأول في رجوع الجميع إلى الرابطة و الانفراد بدونها.

و لو اشترك الشك بين الإمام و بعضهم قيل:يرجع الإمام إلى الذاكر منهم و إن اتحد،و باقي المأمومين إلى الإمام (1).

و فيه نظر،بل ظاهر المرسل المتقدم اعتبار اتّفاق المأمومين،سيّما على النسخة المبدل فيها الإيقان بالاتفاق،و لا يضرّ الإرسال بعد الانجبار بالأصل و عمل الأصحاب،و هو ظاهر الماتن هنا و في الشرائع و غيره (2)من الأصحاب، و صريح بعضهم (3).و لعلّه الأقوى.

و لا ينافيه إطلاق ما عدا المرسل من الأخبار بأنه لا سهو على الإمام (4)؛ لعدم انصرافه بحكم التبادر إلى نحو المقام.

و لو حصل الظن بقول الذاكر منهم اتّجه اعتباره لذلك في موضع يسوغ فيه التعويل على الظن.

و كلّما عرض لأحدهما ما يوجب سجدتي السهو كان له حكم نفسه و لا يلزم الآخر متابعته فيهما،على الأشهر بين المتأخرين و الأقوى؛للأصول و العمومات،و خصوص ما سيأتي من الروايات.

خلافا للمرتضى و الخلاف (5)،فنفياهما عن المأموم مطلقا و إن عرض له

ص:158


1- قال به الشهيد الثاني في روض الجنان:343 و مسالك الافهام 1:42.
2- الشرائع 1:118؛و انظر مجمع الفائدة و البرهان 3:141.
3- كصاحب المدارك 4:270.
4- الكافي 3:7/359،التهذيب 2:1428/344،الوسائل 8:240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 3.
5- جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):41،الخلاف 1:463.

السبب،و ادعى الثاني عليه الإجماع.

و استدل له تارة بما مرّ من الأخبار بأنه ليس على من خلف الإمام سهو.

و هي محمولة على الشك في العدد كما فهمه الأصحاب،و يشهد له السياق بقرينة قولهم عليهم السلام:و ليس على الإمام سهو،مع أنه مقطوع الإرادة من لفظ السهو فيها،فيمتنع إرادة السهو بالمعنى المعروف منها،لما مضى مرارا،إلاّ أن يوجّه بما مضى أيضا.

و اخرى بالموثقين،في أحدهما:عن الرجل ينسى و هو خلف الإمام أن يسبّح في السجود أو في الركوع،أو ينسى أن يقول بين السجدتين شيئا،فقال:

«ليس عليه شيء» (1).

و في الثاني:عن رجل سها خلف إمام بعد ما افتتح الصلاة و لم يقل شيئا و لم يكبّر و لم يسبّح و لم يتشهّد حتى يسلّم،فقال:«قد جازت صلاته،و ليس عليه إذا سها خلف الإمام سجدتا السهو،لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه» (2).

و لا دلالة للأول على المطلوب؛للقول بالموجب كما سيظهر.

و الثاني معارض بأجود منه سندا،كالصحيح:عن الرجل يتكلم في الصلاة،يقول:أقيموا صفوفكم،قال:«تتم صلاته ثمَّ يسجد سجدتي السهو» (3)و الظاهر كون الرجل مأموما.

ص:159


1- الفقيه 1:1202/263،التهذيب 3:816/278،الوسائل 8:240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 4.
2- الفقيه 1:1204/264،التهذيب 3:817/278،الوسائل 8:240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 5.
3- الكافي 3:4/356،التهذيب 2:755/191،الاستبصار 1:1433/378،الوسائل 8:206 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 4 ح 1.

و أظهر منه الخبر:أسهو في الصلاة و أنا خلف الإمام،فقال:«إذا سلّمت فاسجد سجدتي السهو» (1).

و مع ذلك محتمل للحمل على التقية؛لموافقته لمذهب أكثر العامة بل عامتهم إلاّ مكحولا كما صرّح به جماعة (2)؛مع أن التعليل فيه بضمان الإمام صلاة من خلفه معارض بجملة من الروايات بأنه لا يضمنها إما مطلقا كما في الصحيح (3)و غيره (4)،أو ما عدا القراءة منها كما في غيرهما (5).

و للمبسوط،فأوجب عليه متابعة الإمام فيهما و إن لم يعرض له السبب، وفاقا للجمهور؛لما دلّ على وجوب المتابعة (6).

و يضعّف بمنع وجوبها إلاّ في نفس الصلاة،و سجدة السهو خارجة عنها.

نعم،في الموثق:عن الرجل يدخل مع الإمام و قد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فسها الإمام،كيف يصنع؟فقال عليه السلام:«إذا سلّم الإمام فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه،و إذا قام و بنى على صلاته و أتمها و سلّم سجد الرجل سجدتي السهو» (7).

و فيه موافقة للشيخ-رحمه اللّه-إلاّ أنه يمكن حمله على التقية،أو على

ص:160


1- التهذيب 2:1464/353،الوسائل 8:241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 6.
2- منهم:الشيخ في الخلاف 1:463،و المحقق في المعتبر 2:394،و العلامة في المنتهى 1: 412،و المحقق السبزواري في الذخيرة:370.
3- الفقيه 1:1206/264،التهذيب 3:819/279،الوسائل 8:353 أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 2.
4- الكافي 3:5/377،التهذيب 3:769/269،الوسائل 8:354 أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 4.
5- التهذيب 3:820/279،الاستبصار 1:1694/440،الوسائل 8:353 أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 1.
6- المبسوط 1:124.
7- التهذيب 2:1466/353،الوسائل 8:241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 7.

اشتراكهما في السهو،فإنّ الحكم فيه ذلك،سواء اتّحد حكمهما أو اختلف.

و قد ذكرنا جملة من صورهما و جملة من الصور المتعلقة بشك الإمام و المأموم مع حفظ الآخر أو لا في الشرح مستوفى.

و لو سها في النافلة فشك في عددها تخيّر في البناء على الأقل أو الأكثر،إجماعا على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضا (1).

و الأمر بالبناء على الأقل في المرسل (2)محمول على الأفضل بلا خلاف فيه يظهر،بل ظاهر جمع كونه مجمعا عليه (3)،و علّل زيادة عليه بأنه المتيقن.

و الأصل في البناء على الأكثر-بعد الإجماع الذي مرّ-نفي السهو فيها في الصحيح (4)و غيره (5).

و عمومه فيهما سيّما الأول يشمل الشك في الأفعال أيضا مطلقا،أركانا كانت أو غيرها،كان الشك قبل تجاوز محلّها أو بعده.

خلافا للروض و المدارك (6)،فخصّاه بالأعداد،و لا وجه له بعد عموم اللفظ،مع إمكان استفادة الحكم فيها من الحكم بنفي الشك في العدد بطريق أولى،فالعموم أقوى إن لم يكن للإجماع مخالفا.

و إن عمّمنا السهو المنفي لمعناه المعروف-كما هو الأقوى على ما قدّمناه

ص:161


1- كالصدوق في الأمالي:513،و الطوسي في التهذيب 2:178،و المحقق في المعتبر 2:396،و العلامة في التذكرة 1:138.
2- الكافي 3:/359ذيل الحديث 9،الوسائل 8:230 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ح 2.
3- انظر التذكرة 1:138،و المدارك 4:274.
4- الكافي 3:6/359،التهذيب 2:1422/343،الوسائل 8:230 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ح 1.
5- المقنع:33،المستدرك 6:414 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 2.
6- روض الجنان:355،المدارك 4:274.

في بحث كثير الشك-أفاد نفي موجبه من سجدتي السهو أيضا،كما صرّح به في المدارك (1)،تبعا لظاهر الخلاف و صريح المنتهى (2)،و ظاهر هما بل صريح الأول عدم خلاف فيه بيننا.خلافا للروض فجعل النافلة هنا كالفريضة (3).

و هل المراد بالبناء على الأكثر البناء عليه مطلقا حتى لو استلزم فساد النافلة،كما يقتضيه إطلاق العبارة و غيرها؟أو إذا لم يستلزم فسادها،و إلاّ فالبناء على الأقل يكون متعينا؟ وجهان،أحوطهما الثاني إن لم ندّع ظهوره من إطلاق النص و الفتاوي، و إلاّ فهو أظهر هما،سيّما على القول بحرمة إفساد النافلة اختيارا.

و اعلم:أنه تجب سجدتا السهو زيادة على من مرّ (4)على من تكلّم ناسيا أو ظانا لخروجه من الصلاة و من شكّ بين الأربع و الخمس و هو جالس و من سلّم قبل إكمال الركعات على الأظهر الأشهر،بل في الغنية الإجماع على الجميع (5)،و في المنتهى و غيره (6)الاتّفاق على الأخير و الأول،و حكي عن ظاهر الماتن أيضا في الثالث (7).

للصحيح في الأول:عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول:أقيموا صفوفكم،قال:«يتمّ صلاته ثمَّ يسجد سجدتين»الخبر (8).

و نحوه صحيح آخر وارد في الشك بين الثنتين و الأربع و فيه:«و إن تكلّم

ص:162


1- المدارك 4:274.
2- الخلاف 1:465،المنتهى 1:417.
3- روض الجنان:353.
4- أي:ناسي التشهد و السجدة الواحدة.منه رحمه اللّه.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):566.
6- المنتهى 1:417؛و انظر مفاتيح الشرائع 1:170،176.
7- راجع المعتبر 2:397.
8- تقدّم مصدره في ص:159.

فليسجد سجدتي السهو» (1).

و في ثالث وارد في تسليم النبي صلّى اللّه عليه و آله على الركعتين في الرباعية و تكلّمه مع ذي الشمالين أنه سجد سجدتين لمكان الكلام (2).و ظاهره كونهما للكلام دون السلام،و لكنهما من باب واحد كما صرّح به من الأصحاب غير واحد (3)مستدلّين به على وجوبهما في الثالث.

و للمعتبرين فيه،أحدهما الصحيح:عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثمَّ ذكر أنه لم يركع،قال:«يقوم فيركع و يسجد سجدتين» (4).

و الثاني الموثق:عن رجل صلّى ثلاث ركعات و ظنّ أنها أربع فسلّم ثمَّ ذكر أنها ثلاث،قال:«يبني على صلاته و يصلّي ركعة و يتشهد و يسلّم و يسجد سجدتي السهو» (5)و هو أظهر دلالة من الأول.

و للصحاح المستفيضة في الثاني (6).

خلافا لظاهر الصدوقين في الجميع (7)،و مال إليه بعض من تأخر فيما عدا الثاني (8)؛للصحاح المستفيضة و غيرها:«لا شيء عليه» (9)و حمل الأخبار

ص:163


1- الكافي 3:4/352،التهذيب 2:739/186،الاستبصار 1:1415/372،الوسائل 8:219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.
2- الكافي 3:6/357،التهذيب 2:1433/345،الوسائل 8:203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 16.
3- كالعلامة في المنتهى 1:417.
4- التهذيب 2:1451/350،الوسائل 8:200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 8.
5- التهذيب 2:1466/353،الوسائل 8:203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 14.
6- الوسائل 8:224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14.
7- نقله عن والد الصدوق في المختلف:140،الصدوق في الأمالي:513.
8- المحقق السبزواري في الذخيرة:379.
9- الوسائل 7:235 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 9،و ج 8:200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 5،9.

السابقة على الاستحباب جمعا.

و هو ضعيف جدا؛لفقد التكافؤ بينهما،لقوة تلك بالشهرة العظيمة،بل الإجماع حقيقة كما عرفت حكايته،و يعضده موافقة الصدوق في الأول للأكثر في موضع آخر (1).

و أما عدم ذكر العماني-ككثير من القدماء-الثالث فغير ظاهر في المخالفة للأكثر بعد ذكرهم الكلام من جملة ما يوجبهما؛لما قدّمناه (2).

مع أنّ الجمع بينهما كما يمكن بذلك كذا يمكن بتخصيص الشيء المنفي في هذه المستفيضة بالإثم و الإعادة،و الترجيح لا بد له من دليل، و ليس،سوى الأصل الغير المعارض لما دلّ على ترجيح التخصيص على المجاز حيثما تعارضا،فالجمع الثاني أقوى.

و للمفيد و الخلاف و الديلمي و الحلبي (3)في الثاني،فلم يذكروهما فيه، بل ظاهر الأولين نفيهما؛و لم أجد لهم عليه مستندا مع استفاضة الصحاح المتقدمة بخلافه و اشتهاره بين أصحابنا،فهو ضعيف جدّا.

و أضعف منه القول بوجوب إعادة الصلاة كما حكاه عن الخلاف في المنتهى (4)؛لندرته،و دعوى شيخنا الشهيد الثاني في شرح الألفية الإجماع على خلافه.

و قريب منهما في الضعف ما عن المقنع من تبديل السجدتين بالاحتياط

ص:164


1- كما في المقنع:32.
2- من أن الكلام و التسليم في غير المحلّ من باب واحد.منه رحمه اللّه.
3- المفيد في المقنعة:148،الخلاف 1:202،الديلمي في المراسم:90،الحلبي في الكافي: 149.
4- المنتهى 1:417.

بركعتين من جلوس (1)،للرضوي (2)؛لقصوره عن المقاومة للصحاح المستفيضة من وجوه عديدة.

ثمَّ إنّ الموجود في جملة منها إنما هو أن من لم يدر أربعا صلّى أو خمسا فليسجد سجدتي السهو،و مقتضاه وقوع الشك الموجب للسجدتين حالة الجلوس كما قلنا،و صرّح به جماعة من أصحابنا (3).

و عليه فيشكل الحكم بوجوبهما في غير هذه الصورة من الصور المتصورة في المسألة البالغة اثنتي عشرة ما عدا المتقدمة،إذ منها وقوع الشك بينهما قبل الركوع،و يجب فيها هدم الركعة مطلقا و إتمام الصلاة و الاحتياط بركعتين من جلوس؛لرجوعه إلى الشك بين الثلاث و الأربع،و ليس فيه سجود السهو على الأصح،نعم إن قلنا بوجوبه للقيام موضع القعود أو بالعكس اتجه،لكنه ليس من جهة الشك بين الخمس و الأربع.

و ما عدا هذه الصورة يشكل الحكم بصحة الصلاة فيها مطلقا،سيّما ما كان الشك فيه قبل السجدتين،فقد حكي عن الفاضل في جملة من كتبه (4)الحكم بالبطلان هنا،لتردده بين محذورين:الإكمال المعرّض للزيادة،و الهدم المعرّض للنقيصة.

و في الذكرى احتمال البطلان فيما إذا وقع بين السجدتين؛لعدم الإكمال

ص:165


1- المقنع:31،و فيه:الشك بين الاثنتين و الخمس،و لكن المنقول عنه في المختلف:134 هو الشك بين الأربع و الخمس.
2- فقه الرضا(عليه السلام):120،المستدرك 6:412 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 1.
3- منهم:المحقق في المعتبر 2:397،و العلامة في المنتهى 1:417،و صاحب المدارك 4:277.
4- انظر التذكرة 1:140،و القواعد 1:43،و المختلف:134.

و تجويز الزيادة (1).

و هو جار في باقي الصور،و مع الإشكال في الصحة كيف يمكن الحكم بوجوب السجدة فإنه فرعها؟!و لو سلّمناها كما حكي عن الماتن القطع بها- لأن تجويز الزيادة لا ينفي ما هو ثابت بالأصل من عدم الزيادة،و لأن تجويزها لو أثّر لأثّر في جميع الصور (2)-كان الحكم بوجوب السجدة غير ظاهر الوجه،بعد ما عرفت من اختصاص النصوص الموجبة لها بفرد خاص قد مرّ.لكن في جملة أخرى منها غير ما قدّمنا متنها إيجابها للشك في مطلق الزيادة و النقصان، فيشمل المقام،إلاّ أنّ في الاستناد إليها كلاما يأتي.

و هل تجبان في غير ما ذكر؟ قيل :نعم لكل زيادة و نقصان،و للقعود في موضع القيام،و القيام في موضع القعود.

و القائل الصدوق (3)صريحا في الثاني،كأبيه و المرتضى و الديلمي و الحلّي و القاضي و ابن حمزة و الحلبي و ابن زهرة (4)مدعيا عليه إجماع الإمامية، و غيرهم من المتأخرين (5).

و ظاهرا في الأول؛حيث أوجبهما على من لم يدر زاد في صلاته أم نقص،كما في جملة من المعتبرة كالصحيح و الموثق:«من حفظ سهوه فأتمه

ص:166


1- الذكرى:227.
2- حكاه عنه في الذكرى:227.
3- كما في الأمالي:513،و الفقيه 1:225.
4- نقله عن والد الصدوق في المختلف:140،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):37،الديلمي في المراسم:90،الحلّي في السرائر 1:257،القاضي في المهذّب 1:156،ابن حمزة في الوسيلة:102،الحلبي في الكافي:148،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):566.
5- منهم الشهيدان في اللمعة(الروضة 1):327،و روض الجنان:353.

فليس عليه سجدتا السهو،و إنما السهو على من لم يدر زاد في صلاته أو نقص منها» (1).

و الصحيح:«إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين و هو جالس» (2).

و ذلك فإن وجوبهما هنا يستلزم وجوبهما مع القطع بالزيادة أو النقيصة بطريق أولى كما صرّح به جماعة من أصحابنا (3)؛و لعلّه لذا نسب شيخنا في الروضة القول بوجوبهما في كل زيادة و نقيصة إلى الصدوق (4).

هذا إن قلنا إنّ المراد من قوله:من لم يدر زاد في صلاته أم نقص، الشك في الزيادة و عدمها،و في النقيصة و عدمها،كما فهمه الجماعة،و لعلّه المتبادر منه عرفا و عادة.

أما لو كان المراد منه معناه الحقيقي لغة و هو الشك في خصوص الزيادة أو النقيصة بعد القطع بإحداهما فيكون نصا في وجوب السجدتين بإحداهما مطلقا،إلاّ أن يخصّ متعلقهما بالركعة خاصة دون غيرها مطلقا؛و لعلّه لذا لم ينسب في الدروس القول بوجوبهما في الأول إلى الصدوق و لا غيره-مع أنه حكى عنه القول بوجوبهما للشك في الزيادة و النقيصة،و عن المفيد الموافقة له،لكن في الشك في زيادة السجدة الواحدة و نقصها أو الركوع كذلك-بل قال:نقل الشيخ أنهما يجبان في كل زيادة و نقصان،و لم نظفر بقائله و لا بمأخذه إلاّ رواية الحلبي السابقة،و أشار بها إلى نحو الصحيحة الأخيرة،قال:و ليست

ص:167


1- الكافي 3:4/355،الفقيه 1:1018/230،الوسائل 8:225 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 6؛و ص 239 ب 23 ح 8.
2- الكافي 3:1/354،الوسائل 8:224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 2.
3- منهم ابن فهد في المهذّب البارع 1:446.
4- الروضة 1:327.

صريحة في ذلك؛لاحتمالها الشك في زيادة الركعات و نقصانها،أو الشك في زيادة فعل أو نقصانه و ذلك غير المدّعى،إلاّ أن يقال بأولوية المدّعى على المنصوص (1).انتهى.

لكنه بعيد و إن احتمله،و يشهد له عدم نفيه الظهور بل الصراحة.

و على هذا فيتقوى القول المزبور؛لدلالة المعتبرة عليه بالأولوية؛مع اعتضادها ببعض المعتبرة:«تسجد سجدتي السهو لكل زيادة تدخل عليك أو نقصان» (2).

لكن المشهور عدم وجوبهما فيهما؛و لعلّه لقصور سند الرواية الأخيرة بالجهالة،مع معارضتها-كالمعتبرة-بجملة من الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الواردة في نسيان ذكر الركوع و الجهر و الإخفات و القراءة و نحوها (3)الظاهرة في عدم الوجوب؛لدلالتها على صحة الصلاة مع ترك الأمور المزبورة من دون إشارة في شيء منها إلى وجوب السجدتين مع ورودها في مقام الحاجة.

مع أنّ في جملة منها صحيحة التصريح ب«لا شيء عليه»الشامل للسجدة.و تخصيصها بما عداها من الإثم أو الإعادة بدلالة هذه المعتبرة و إن أمكن،لأنها أظهر دلالة،إلاّ أنه يمكن العكس،فتقيّد هذه المعتبرة بما إذا كان المشكوك فيه ركعة،و هذا أرجح؛للأصل المعتضد بالشهرة الظاهرة المحكية في كلام جماعة.

هذا مع تصريح بعض الصحاح المتقدمة في نسيان السجدة بعدم وجوب

ص:168


1- الدروس 1:207.
2- التهذيب 2:608/155،الاستبصار 1:1367/361،الوسائل 8:251 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 3.
3- الوسائل 6:320 أبواب الركوع ب 15،و ص 86 أبواب القراءة في الصلاة ب 26،27،29.

السجدتين فيها (1)،و يتم الباقي بعدم القائل بالفرق أصلا،فالعدم أقوى و إن كان الوجوب أحوط و أولى هنا.

و كذا في الموضع الثاني أيضا؛لدلالة جملة من المعتبرة عليه،و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما (2)،و إن كان العدم هنا أيضا أقوى؛لمعارضة الصحيح و الموثق بمثلهما المتقدم (3)الدال على عدم الوجوب هنا مفهوما بل منطوقا أيضا.

مع أنهما-كغير هما-معارضان بالصحاح المستفيضة و غيرهما من المعتبرة الواردة في نسيان السجدة الواحدة و التشهد قبل تجاوز المحل و بعده (4)،الدالة على عدم الوجوب بنحو من التقريب المتقدم في المستفيضة السابقة.و تخصيصها بهذه المعتبرة و إن أمكن إلاّ أنه يمكن حمل هذه المعتبرة على التقية؛لكونها موافقة لمذهب الشافعي و أبي حنيفة كما صرّح به في المنتهى (5).و مع ذلك قد عرفت معارضتها بمثلها من المعتبرة.و هي أولى بالترجيح؛للأصل،و مخالفة العامة،و موافقة ظواهر تلك الصحاح المستفيضة.و لكن الاحتياط قد عرفته.

و عن الصدوق القول بوجوبهما للشك بين الثلاث و الأربع إذا توهّم الرابعة (6)؛للصحيحين (7)و غيرهما (8).

ص:169


1- راجع ص 116.
2- الوسائل 8:250 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32.
3- في ص 166 و 167.
4- الوسائل 6:364 أبواب السجود ب 14،و ص 405 أبواب التشهّد ب 9.
5- المنتهى 1:418.
6- كما نقله عنه في الدروس 1:206.
7- الكافي 3:5/352 و 8/353،الوسائل 8:217 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 4، 5.
8- الوسائل 8:216 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10.

و في الدروس إنه نادر (1).

و لعلّه كذلك،فينبغي حمل النصوص على الاستحباب،مع ضعف ما عدا الصحيح منها سندا و دلالة،مع إشعاره بوروده تقية.و الصحيح منها لا يعارض النصوص الواردة بالبناء على المظنون خصوصا و عموما من غير إشارة فيها إلى وجوبهما أصلا مع ورودها في بيان الحاجة.و هي بالترجيح أولى؛ لاعتضادها بالأصل و الشهرة العظيمة بين أصحابنا بحيث كاد أن يكون إجماعا، و لكن فعلهما لعلّه أحوط و أولى.

و هما أي السجدتان بعد التسليم مطلقا على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة متأخري أصحابنا،و في صريح الناصرية و الخلاف و الأمالي أن عليه إجماعنا (2)،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة (3).

و قيل:إن كانتا للنقصان فقبل و إلاّ فبعد (4)؛للصحيح (5).

و حمل على التقية (6)،و يعضده مصير الإسكافي إليه،حكاه عنه جماعة (7)و إن أنكره في الذكرى،لأن عبارته المنقولة ظاهرة فيما نقلوه عنه و إن لم تكن فيه صريحة،هذا،و قال بعد الإنكار:نعم هو مذهب أبي حنيفة (8).

ص:170


1- الدروس 1:207.
2- الناصرية(الجوامع الفقهية):201،الخلاف 1:448،الأمالي:513.
3- الوسائل 8:207 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5.
4- قال به ابن جنيد كما في المختلف:142.
5- التهذيب 2:769/195،الاستبصار 1:1439/380،الوسائل 8:208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 4.
6- كما في التهذيب 2:195،و مجمع الفائدة و البرهان 3:161.
7- منهم:العلامة في المختلف:142،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:264،و صاحب المدارك 4:282.
8- الذكرى:229.

و هو أيضا من المعاضدات القوية إلاّ أنّ المنسوب إليه في المعتبر و المنتهى هو الموافقة لأصحابنا (1)،و كيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول.

و أضعف منه القول المحكي في الشرائع أنهما قبل التسليم مطلقا (2)؛ لضعف ما دلّ عليه من الأخبار (3)سندا و مكافاة-كالصحيح المتقدم-لما تقدّم من وجوه شتّى.و حمل هذا على التقية أيضا (4)،و لا بأس به جمعا بين الأدلة.

و يجب عقيبهما تشهد خفيف و تسليم على الأشهر الأقوى،و في ظاهر المعتبر و المنتهى أنّ عليهما إجماعنا (5)؛و هو الحجة.

مضافا إلى المعتبرة المستفيضة في الأول،منها الصحيح:«و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا» (6).

و نحوه المعتبران الواردان فيمن لا يدري كم صلّى أنه يبني على الجزم و يسجد سجدتي السهو و يتشهد تشهدا خفيفا (7)،فتأمل.

و بها يقيّد ما أطلق فيه التشهد من المعتبرين الواردين في ناسي التشهد (8).

ص:171


1- المعتبر 2:399،المنتهى 1:418.
2- الشرائع 1:119.
3- انظر الوسائل 8:208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 4،5.
4- كما في التهذيب 2:195.
5- المعتبر 2:400،المنتهى 1:418.
6- الفقيه 1:1019/230،التهذيب 2:772/196،الاستبصار 1:1441/380،الوسائل 8:224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4.
7- الأول: التهذيب 2:745/187،الاستبصار 1:1420/374،الوسائل 8:227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 6. الثاني: الفقيه 1:1023/230،الوسائل 8:223 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 2.
8- الأول: التهذيب 2:621/158،الوسائل 6:403 أبواب التشهد ب 7 ح 6. الثاني: الكافي 3:22/448،التهذيب 2:1387/336،الوسائل 6:404 أبواب التشهد ب 8 ح 1.

و الصحيح في الثاني الوارد فيمن صلّى أربعا أو خمسا،و فيه:«فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمَّ سلّم بعد هما» (1).

خلافا للمختلف فلا يجبان (2)؛للأصل،و الموثق:عن سجدتي السهو هل فيهما تسبيح أو تكبير؟فقال:«لا،إنما هما سجدتان فقط،فإن كان الذي سها الإمام كبّر إذا سجد و إذا رفع رأسه ليعلم من خلفه أنه قد سها،و ليس عليه أن يسبح فيهما و لا فيهما تشهد بعد السجدتين» (3).

و هو نصّ في نفي التشهد،و لا قائل بالفرق بينه و بين نفي التسليم،مع استفادته من الحصر في الصدر.

و يضعف الأصل بما مر،و يضعف عن مقاومته الموثق.

و لو لا الشهرة العظيمة المعتضدة بظواهر الإجماعات المحكية لكان ترجيح الموثقة لا يخلو عن قوة؛لاعتبار سندها،و صراحتها،و اعتضادها بالنصوص الواردة بالأمر بالسجدتين من غير إيجاب لشيء بعدهما مع ورودها في بيان الحاجة ظاهرا؛مضافا إلى مخالفتها لما عليه أكثر العامة العمياء و منهم أصحاب الرأي و هم أصحاب أبي حنيفة كما صرّح به في المنتهى (4).

ص:172


1- الكافي 3:3/355،التهذيب 2:767/195،الوسائل 8:207 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 2.
2- المختلف:143.
3- الفقيه 1:996/226،التهذيب 2:771/196،الاستبصار 1:1442/381،الوسائل 8:235 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 20 ح 3.
4- المنتهى 1:418.

و بموجب ذلك ينبغي حمل الصحيحين و ما في معناهما على التقية، و يحتمل الاستحباب على بعد،لكن لا ينبغي من حيث الشهرة تركهما على حال.

و صريح الموثقة كظاهر العبارة و غيرها عدم وجوب شيء آخر.و هو الأقوى؛للأصل أيضا،فلا يجب التكبير لهما كما هو المشهور.خلافا للمبسوط فأمر به (1)،و لا دليل على الوجوب إن أراده،و الاستحباب لا بأس به.

و لا ذكر فيهما (2)كما عليه الفاضلان في المعتبر و المختلف و المنتهى (3)،و قوّاه جماعة من متأخري متأخرينا (4).

خلافا للأكثر فأوجبوه و عينوا ما في رواية الحلبي الصحيحة أنه سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول فيهما:«بسم اللّه و باللّه و صلّى اللّه على محمد و آله».

و في بعض النسخ:«اللّهم صلّ»..إلى آخره.

و سمعه مرة أخرى يقول:«بسم اللّه و باللّه،السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته» (5).

و في بعض النسخ بإضافة الواو قبل السلام.و الكل حسن كما صرّح به

ص:173


1- المبسوط 1:125.
2- في المختصر المطبوع:و لا يجب فيهما ذكر.
3- المعتبر 2:400،المختلف:143،المنتهى 1:418.
4- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:162،و صاحب المدارك 4:285 و المحقق السبزواري في الكفاية:27،و الذخيرة:381،و العلامة المجلسي في بحار الأنوار 85:221.
5- الكافي 3:5/356،الفقيه 1:997/226،التهذيب 2:773/196،الوسائل 8:234 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 20 ح 1.

جمع (1).

و استضعفها الماتن أولا:بأن الحقّ رفع منصب الإمامة عن السهو في العبادة بل مطلقا،بناء على فهمه منها أنه عليه السلام سها فقال ما ذكر فيهما.و ثانيا:باحتمال كون ما قاله على وجه الجواز لا اللزوم (2).

و يضعّف الأول:بجواز كون المراد بقوله فيهما على وجه الإفتاء لا أنه سها.و الثاني:بأن اللزوم هو المتبادر،كما هو الحال في سائر الجمل الاسمية أو الفعلية المنساقة في سياق الطلب.

نعم،يمكن حمله على الاستحباب جمعا بينه و بين ما مرّ من الموثق المعتضد بالأصل و إطلاق كثير من النصوص،لكن الأحوط،بل اللازم عدم الترك.

و يجب فيهما-مضافا إلى ما مرّ-النية؛لأنها عبادة.و رفع الرأس بينهما،بل و الجلوس بينهما مطمئنا تحقيقا للتثنية المتبادرة من الفتوى و الرواية.و السجود على الأعضاء السبعة،و وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه،و الطهارة، و الستر،و استقبال القبلة.

كل ذلك احتياطا للعبادة،و تحصيلا للبراءة اليقينية،و أخذا بما هو المتبادر من سياق الأخبار الموجبة لهما في صورهما المتقدمة،مع أنه لا خلاف أجده في اعتبار النية و كثير ممّا بعدها.

و هل المراد بالتشهد الخفيف ما اشتمل على مجرد الشهادتين و الصلاة على النبي و آله صلّى اللّه عليه و آله،أم التشهد المعهود في الصلاة و يكون

ص:174


1- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 1:328،و روض الجنان:354،و المحقق السبزواري في الذخيرة:381،و صاحب الحدائق 9:334.
2- انظر المعتبر 2:401.

المراد بالخفة تخفيف الأجزاء المندوبة في كيفية التشهد الطويلة المشهورة؟ وجهان،و لعلّ الأظهر الأول كما صرّح به جمع،و منهم خالي العلاّمة المجلسي-رحمه اللّه-في البحار عازيا له إلى الأصحاب،مشعرا بدعوى الإجماع (1).

ثمَّ إنه هل التخفيف عزيمة أو رخصة؟كلّ محتمل،و لكن الأحوط الأول،تبعا لظاهر الأمر المتعلق بالقيد المقتضي لوجوبه،و إن احتمل عدمه بتخيّل احتمال ورود الأمر مورد توهم وجوب ضده.

و المراد بالسلام ما يخرج به عن الصلاة من إحدى الصيغتين المشهورتين،دون السلام عليك أيها النبي (2).

خلافا للحلبي فينصرف به (3)،و لم أقف على مستنده،و الاقتصار على المتبادر من النصوص مقتض لتعين ما ذكرنا و تحتمه.و اللّه سبحانه هو العالم بحقائق أحكامه.

ص:175


1- البحار 85:221.
2- في«ح»زيادة:و رحمة اللّه و بركاته.
3- الكافي في الفقه:148.
الثاني في القضاء
اشارة

الثاني:في بيان أحكام القضاء.

من أخلّ بالصلاة وجب عليه القضاء

اعلم:أنّ من أخلّ بالصلاة الواجبة عليه فلم يؤدّها في وقتها عمدا كان الإخلال بها أو سهوا،أو فاتته بنوم أو سكر مع بلوغه و عقله و إسلامه و سلامته عن الحيض و شبهه و قدرته على الطهور الاختياري أو الاضطراري وجب عليه القضاء بإجماع العلماء كما في الذكرى و غيرها (1)،بل ربما كان نقل الإجماع عليه كالنصوص مستفيضا.

ففي النبوي المشهور:«من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها فذلك وقتها» (2).

و الصحاح بذلك مستفيضة من طرقنا،و منها:«يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها» (3).

عدا ما استثني من صلاة الجمعة و العيدين كما مضى في بحثهما.

و احترز بقوله:مع بلوغه إلى آخره عما لو فاتته و هو صغير أو مجنون أو كافر أصلي،فإنه لا يجب عليه القضاء بإجماع العلماء كما في المنتهى

ص:176


1- الذكرى:134؛و انظر المدارك 4:290.
2- المسائل الرسية(رسائل الشريف المرتضى 2):346،و فيه بتفاوت يسير.
3- الكافي 3:3/292،التهذيب 2:685/172،الاستبصار 1:1046/286،الوسائل 8:256 أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 3.

و غيره (1)مستفيضا،بل يجعل من الدين ضرورة؛لحديثي رفع القلم (2)و جبّ الإسلام (3).

و كذا الحائض و النفساء بالنص و الإجماع الماضيين في بحثهما.

و مقتضى إطلاق النصوص و الفتاوي بالقضاء بالنوم عدم الفرق فيه بين وقوعه بفعله أم لا،و لا بين كونه على خلاف العادة و عدمه.

خلافا للذكرى،فألحق النوم على غير العادة بالإغماء في عدم وجوب القضاء،قال:و قد نبّه عليه في المبسوط (4).

و في الذخيرة:إنّ الحجة على ما ذكره غير واضحة (5).

أقول:لعلّها الأصل،و عدم دليل على وجوب القضاء هنا؛ لاختصاص النصوص الواردة به في النوم بالعادي منه،لأنه المتبادر المنساق منه إلى الذهن عند الإطلاق،و لا إجماع،لمكان الخلاف.

و عموم من فاتته غير معلوم الشمول لمفروض المسألة،بل مطلق النوم و الأحوال التي لم يصحّ فيها التكليف بالأداء إجماعا،لأن موضوعه من صدق عليه الفوت،و ليس إلاّ من طولب بالأداء،و هذا غير مطالب به أصلا،و معه فلا يصدق الفوت جدّا،كما لا يصدق على الصغير و المجنون و نحو هما.

و هذا الوجه مذكور في مسألة سقوط القضاء بالإغماء و نحوها في عبائر كثير من العلماء كالفاضل في المنتهى و الشهيدين في الروضة

ص:177


1- المنتهى 1:419-420؛و انظر المدارك 4:289/287،و الحدائق 11:2.
2- الخصال:40/93،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
3- عوالي اللئالي 2:38/224،مسند أحمد 4:199.
4- الذكرى:135.
5- الذخيرة:383.

و الذكرى (1)،و هو و إن اقتضى عدم وجوب القضاء على النائم و نحوه مطلقا إلاّ أنه خرج عنه الفرد العادي منه اتفاقا فتوى و نصا،و يبقى ما عداه تحته باقيا.

و منه ينقدح وجه تخصيص جماعة من العلماء السكر الذي يجب معه القضاء بالذي يكون من قبله (2)،فلو شربه غير عالم به أو أكره عليه أو اضطر إليه فلا قضاء عليه كالإغماء.بل جريانه هنا أولى؛لانحصار دليل القضاء فيه في الإجماع المفقود في محل النزاع،إذ لا إطلاق فيه نصا يتوهم شموله له قطعا؛هذا مضافا إلى فحوى التعليل الوارد بعدم القضاء مع الإغماء الجاري هنا أيضا.

و المراد بالكافر الأصلي:من خرج عن فرق المسلمين؛لأنه المتبادر من إطلاق النص و الفتوى الدالين على سقوط القضاء منه بإسلامه؛فالمسلم يقضي ما تركه و إن حكم بكفره كالناصبي و إن استبصر،و كذا ما صلاّه فاسدا عنده؛لعموم النص بقضاء الفوائت،خرج منه الكافر الأصلي و بقي الباقي.

نعم،لا تجب عليه إعادة ما فعله في تلك الحال و إن كان الحق بطلان عبادته كما يستفاد من الصحاح المستفيضة (3)؛لمثلها من المعتبرة و فيها الصحاح و غيرها (4)،و هو تفضّل من اللّه تعالى.

و لا قضاء واجبا مع الإغماء المستوعب للوقت،إلاّ أن يدرك مقدار الطهارة و الصلاة و لو ركعة فيجب فعلها في الوقت كاملة أداء أو

ص:178


1- المنتهى 1:420،الروضة 1:343،الذكرى:134.
2- كما في الذكرى:135،و روض الجنان:355،و الروضة 1:343.
3- الوسائل 1:118 أبواب مقدّمة العبادات ب 29.
4- الوسائل 1:125 أبواب مقدمة العبادات ب 31.

قضاء أو ملفقا على الاختلاف المتقدم في بحث الحيض،و قضاؤها في الخارج إجماعا؛لما مضى ثمة من الأدلة الشاملة بعمومها للمسألة؛مضافا إلى ما ورد فيها من الصحاح المستفيضة التي ستأتي إليها الإشارة.

أما عدم القضاء في غير صورة الاستثناء فهو الأظهر الأشهر،بل في الغنية الإجماع عليه (1)،و عليه عامة من تأخر.بل لا خلاف فيه إلاّ من نادر كالصدوق في المقنع (2)؛للصحاح المستفيضة،منها:عن المغمى عليه شهرا ما يقضي من الصلاة؟قال:«يقضيها كلّها،إنّ أمر الصلاة شديد» (3).

و غيره المحكي عنه في روض الجنان و غيره (4):أنّه يقضي آخر يوم إفاقته إن أفاق نهارا و آخر ليلته إن أفاق ليلا؛للمستفيضة:«لا يقضي إلاّ صلاة اليوم الذي أفاق فيه و الليلة التي أفاق فيها» (5)كما في بعضها.

و في جملة منها:«يقضي صلاة اليوم الذي أفاق فيه» (6).

و هما نادران،كالنصوص الواردة بقضاء ثلاثة أيام (7)،بل صرّح بمتروكية الجميع الشهيد في الدروس (8)،مشعرا بدعوى الإجماع على

ص:179


1- الغنية(الجوامع الفقهية):562.
2- المقنع:37.
3- التهذيب 3:938/305،الاستبصار 1:1785/459،الوسائل 8:265 أبواب قضاء الصلوات ب 4 ح 4.
4- روض الجنان:355؛و انظر الذكرى:134.
5- المقنع:37،الوسائل 8:260 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 10.
6- قرب الإسناد:836/213،الوسائل 8:264 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 25.
7- الوسائل 8:265 أبواب قضاء الصلوات ب 4 الأحاديث 5،7،11.
8- الدروس 1:145.

المشهور،كالفاضل في المنتهى و غيره (1)،حيث لم ينقل فيهما خلافا منّا، فلا عبرة بشيء منها،سيّما مع استفاضة الصحاح الصراح كغيرها بعدم القضاء مطلقا معلّلة له بأنّ كلّ ما غلب اللّه تعالى عليه فهو أحق بالعذر و أولى (2).

و لأجله لا يمكن تقييدها بالمستفيضة الدالة على القول الثاني،سيّما مع ضعف أسانيد أكثرها،و قصور دلالتها كلّها،بل ضعفها،لقوة احتمال أن يكون المراد بصلاة اليوم الذي أفاق فيهما أفاق فيها لا مطلقا،كما يستفاد من الصحاح المستفيضة،منها:«لا يقضي إلاّ الصلاة التي أفاق فيها» (3).

و في جملة منها:«يقضي الصلاة التي أدرك وقتها» (4).

مع احتمال حملها كما عداها على التقية؛لوجود القول بمضامينها بين العامة (5).

أو على الاستحباب،كما صرّح به المتأخرون كافة،تبعا للصدوق في الفقيه و الشيخ في كتابي الحديث (6).و لا بأس به جميعا بين الأدلّة،و يحمل الاختلافات على تفاوت مراتب الفضيلة،فأعلاها الجميع،ثمَّ الشهر خاصة

ص:180


1- المنتى 1:420؛و انظر التحرير 1:50.
2- الوسائل 8:258 أبواب قضاء الصلوات ب 3.
3- الفقيه 1:1040/236،التهذيب 3:933/304،الاستبصار 1:1780/459، الوسائل 8:258 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 1.
4- الكافي 3:4/412،التهذيب 3:932/304،الاستبصار 1:1779/459، الوسائل 8:262 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 17.
5- انظر المجموع 3:7.
6- الفقيه 1:237،التهذيب 3:304 و ج 4:244،الاستبصار 1:458.

كما حكاه في السرائر رواية (1)،ثمَّ الأيام الثلاثة،ثمَّ صلاة يوم الإفاقة.

و للحمل على الاستحباب شواهد من النصوص ذكرناها في الشرح من أرادها فليراجعها ثمة.

و اعلم:أنّ مقتضى إطلاق النصوص-كالعبارة و نحوها-عدم الفرق بين كون الإغماء بفعل المكلّف أم لا.

خلافا للشهيدين و غيرهما (2)فقيدوه بالثاني،و أوجبوا القضاء في الأوّل،و عزاه في الذكرى إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

و لعلّه لانصراف الإطلاقات-بحكم التبادر و غيره كالتعليل في جملة من الصحاح بأن ما غلب اللّه تعالى فهو أولى بالعذر-إليه،دون الأوّل، فيرجع فيه إلى عموم ما دلّ على قضاء الفوائت.و هو حسن إن سلّم العموم،و لكنه كما عرفت سابقا ممنوع؛إذ هو حيث يصدق الفوت، و لا يصدق هنا،لعدم التكليف بالأداء حال الإغماء مطلقا إجماعا،و الأصل براءة الذمة،و هو كاف في إثبات عدم وجوب القضاء الوارد في النصوص و إن لم تشمله هنا لما مضى.فالقول بعدم وجوب القضاء أقوى لو لم يكن وجوبه إجماعا كما يفهم من الذكرى،بل و غيرها أيضا (3).

و في وجوب قضاء الفائت لعدم ما يتطهر به من ماء و تراب و ما في معناه تردّد قولان:

من عموم ما دلّ على وجوب قضاء الفوائت.

ص:181


1- السرائر 1:276.
2- الشهيد الأوّل في الذكرى:135،الشهيد الثاني في روض الجنان:355؛و انظر جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):38،و السرائر 276/1.
3- كما في الغنية(الجوامع الفقهية):562.

و ممّا قدّمناه من تبعية القضاء للأداء مفهوما و إن قلنا بعدم تبعيته له حكما كما هو الأقوى،و لا أداء هنا على الأشهر الأقوى،بل في روض الجنان و غيره (1)أنه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا.

و ظاهر هما كونه إجماعا.و لعلّه كذلك و إن حكى الماتن في الشرائع قولا بأنه يصلّي و يعيد (2)؛لندرته،و عدم معروفية قائلة.

نعم،حكى المرتضى في الناصرية عن جدّه وجوب الأداء دون القضاء (3)،و هو كسابقه نادر محجوج بعموم:«لا صلاة إلاّ بطهور» (4)مع سلامته عن المعارض.

و حيث لم يثبت الأداء لم يثبت القضاء؛لما مضى.و هذا أقوى،وفاقا للمحكي في المختلف عن المفيد في رسالته إلى ولده و الفاضلين و غيرهما (5).

خلافا للمرتضى في الناصرية و الشيخ في المبسوط و الحلّي فيما حكي عنهما و الشهيدين و غيرهما (6)فالأول.

و جعلته في الشرح أقوى،بتخيّل صدق الفوت،بدعوى ثبوت مطلوبية الأداء و إن لم يكن واجبا،فإنّ عدم وجوبه بفوات شرط وجوده لا يستلزم عدم

ص:182


1- روض الجنان:128؛و انظر المدارك 2:242.
2- الشرائع 1:49.
3- الناصرية(الجوامع الفقهية):190.
4- الفقيه 1:67/22،التهذيب 1:144/49،الاستبصار 1:160/55،الوسائل 1:365 أبواب الوضوء ب 1 ح 1،6.
5- المختلف:149،المحقق في الشرائع 1:120،العلامة في التذكرة 1:81،و القواعد 1:23؛ و انظر جامع المقاصد 1:486.
6- الناصرية(الجوامع الفقهية):190،المبسوط 1:31،الحلي في السرائر 1:138،الشهيدان في الذكرى:23،و الروضة البهية 1:350؛و انظر المنتهى 1:143،و المدارك 2:243.

مطلوبيته،بعد ثبوتها بعموم ما دلّ على مطلوبية الصلاة و محبوبيتها،و إلاّ لزم أن يكون الطهور شرطا لوجوبها لا لوجودها،و هو باطل إجماعا.

و هو كما ترى؛لتوقف صحته بوجود عموم يدل على مطلوبية الصلاة الفريضة حين عدم وجوبها،و لم نجد له أثرا،عدا العمومات الآمرة بها في أوقاتها،و هي كما تدل على مطلوبيتها كذا تدل على وجوبها،فلا تكون من العموم المدّعى في شيء أصلا.

و عموم:«الصلاة خير موضوع من شاء استقل و من شاء استكثر» (1)مخصوص بالنافلة كما يشهد به السياق،و مع ذلك فيدل على مطلوبية الصلاة، و لا تكون صلاة إلاّ بشرطها و شروطها،و إلاّ ففعلها من دونها يكون مبغوضا فكيف يدّعى دلالته على كونها محبوبة حين عدم شرطها؟! و بالجملة:فإنّ انتفاء الشرط على هذا الوجه الذي فرضنا يستلزم انتفاء كون المشروط واجبا لا من حيث انتفائه من حيث هو هو حتى يلزم منه كون الطهور شرطا لوجوبها،بل من حيث إنّ انتفاءه يستلزم انتفاء القدرة على المشروط و لو شرعا،و هي شرط في الوجوب إجماعا،و لذا اتّفق على عدم الوجوب هنا،فانتفاؤها هنا يستلزم انتفاء وجوب المشروط بها إجماعا،بل و مطلوبيته أيضا،حيث لا يكون دليل عليها سوى ما دلّ على الوجوب أيضا كما هو مفروض المسألة على ما قدّمناه.

و حيث لم يجب المشروط الذي هو الأداء و لا يكون مطلوبا لم يصدق القضاء حقيقة فلا يجب أيضا.

و لكن أحوطه القضاء خروجا عن الشبهة فتوى،بل و دليلا،لصدق الفوت في نحو ما نحن فيه حقيقة لغة،بل و عرفا،لعدم صدق السلب فيه

ص:183


1- معاني الأخبار:1/332،الخصال:13/523،أمالي الطوسي:551،الوسائل 5:247 أبواب أحكام المساجد ب 42 ح 1.

ظاهرا،فلا يقال لمن ترك الصلاة لفقد الطهورين:إنه ما فاتته،كما لا يقال فيما لو تركها بنوم أو نسيان أو نحو هما ذلك،بل يقال و يطلق الفوت عليه حقيقة، كما وجد في الأخبار بالنسبة إلى النوم و نحوه كثيرا،بحيث يستفاد كون الإطلاق على سبيل الحقيقة لا مجازا أو أعم.

و حينئذ فيتقوى شمول عموم ما دلّ على وجوب قضاء الفوائت لما نحن فيه أيضا،سيّما و قد اشتهر بين الأصوليين أنه يكفى في صدق القضاء حقيقة حصول سبب وجوب الأداء-كدخول الوقت مثلا-و إن لم تجب فعلا،و لعلّ وجهه ما ذكرنا.

و بموجب ذلك لا يبعد أن يكون القول بالوجوب أقوى كما اخترناه في الشرح،لا لما ذكرناه ثمة فإنه غفلة،بل لما ذكر هنا.

لكن يؤيد ما اخترناه هنا أوّلا-بعد الأصل-فحوى التعليل في النصوص الواردة في الإغماء بأن كلّ ما غلب اللّه تعالى فهو بالعذر أولى (1)؛لظهوره بل صراحته في أنّ سقوط القضاء في الإغماء موجب عن عدم القدرة على الأداء، و هو حاصل هنا كما قدّمناه.و خروج نحو النائم غير ضائر؛لأن العام المخصّص حجة في الباقي كما مرّ مرارا.

تترتب الفوائت كالحواضر

و تترتب الفوائت بعضها على بعض كالحواضر بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر كالخلاف و المعتبر و المنتهى و التنقيح (2)؛لعموم النبوي:«من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (3).

و نحوه الصحيح الآتي في مسألة أن الاعتبار في القضاء بحال الفوات في

ص:184


1- الوسائل 8:258 أبواب قضاء الصلوات ب 3.
2- الخلاف 1:382،المعتبر 2:406،المنتهى 1:421،التنقيح 1:267.
3- عوالي اللئالي 2:143/54.

كل من القصر و الإتمام (1).

و ضعف سند الأول مجبور بالعمل.و الدلالة واضحة؛لأن الأصل في التشبيه حيث لم يظهر وجه الشبه و لو بتبادر أو غلبة أو شيوع و نحوها-كما فيما نحن فيه-المشاركة في جميع وجوه الشبه،كما حقّق في الأصول مستقصى، و منها الترتيب هنا.

و ورود الصحيح في مورد خاص غير ضائر بعد عموم الجواب و عدم القائل بالفرق بين الأصحاب.

و للصحيح:«إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء و كان عليك[قضاء] صلوات فابدأ بأولاهنّ،فأذّن و أقم لها ثمَّ صلّها،ثمَّ صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة» (2)و قريب منه آخر (3).

و الأمر للوجوب و إن كان في أخبار الأئمة عليهم السلام كما قرّر في الأصول،سيّما بعد اعتضاده بفتوى المشهور و الإجماع المنقول.

و بهما يذبّ عن المناقشات التي تورد على النصوص على تقدير تسليم الورود،مع أنّ بعضها مردود من غير جهتيهما أيضا كما بيّنته هنا،و أمّا باقي المناقشات الأخر فقد أوردناها في الشرح مستوفى.

و إطلاق العبارة و النصوص يقتضي عدم الفرق في وجوب الترتيب بين العلم به و الجهل.و هو في الأول-كما عرفت-لا ريب فيه و إن حكى في الذكرى القول بالاستحباب عن بعض الأصحاب (4)،لكنه شاذّ و إن مال إليه

ص:185


1- انظر ص 195.
2- الكافي 3:1/291،التهذيب 3:340/158،الوسائل 8:254 أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 4،ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
3- التهذيب 3:342/159،الوسائل 8:254 أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 3.
4- الذكرى:136.

بعض متأخري متأخري الأصحاب (1).

و أما في الثاني فهو محل خلاف.و الأكثر على العدم؛لعدم ظهور تبادره من الإطلاق،بل ظهور عدمه،كما صرّح به جملة من الأصحاب (2)؛ فيدفع وجوب التكرار المحصّل له بالأصل و امتناع التكليف بالمحال و الحرج اللازمين لكثير من صور وجوبه،و لا قائل بالفرق،كما صرّح به جملة من الأصحاب (3)،و هذا القول أنسب بالملة السهلة،سيّما و أنه اشتهر بين الطائفة.

و آخرون على وجوبه إما مطلقا كما هو خيرة الفاضل في الإرشاد و غيره (4)، أو مع ظنه أو و همه كما في الدروس (5)،أو مع ظنه خاصة كما في الذكرى (6)، و لا ريب أن هذا القول أحوط و أولى.

و عليه فيصلّي من فاته الظهران من يومين ظهرا بين عصرين أو بالعكس، لحصول الترتيب بينهما على تقدير سبق كل واحدة،و لو جامعهما مغرب من ثالث صلّى الثلاث قبل المغرب و بعدها،أو عشاء معها فعل السبع قبلها و بعدها،أو صبح معها فعل الخمس عشرة قبلها و بعدها،و هكذا.

و الضابط تكريرها على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات، و هي اثنان في الأول،و ستّ في الثاني،و أربعة و عشرون في الثالث،و مائة و عشرون في الرابع،حاصلة من ضرب ما اجتمع سابقا في عدد الفرائض المطلوبة.و لو أضيف إليها سادسة صارت الاحتمالات سبعمائة و عشرين،

ص:186


1- كصاحب الذخيرة:385.
2- منهم:صاحب المدارك 4:296.
3- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 1:345،و المحقق السبزواري في الذخيرة:385. و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3:233.
4- الإرشاد 1:271،التذكرة 1:82.
5- الدروس 1:145.
6- الذكرى:136.

فتأمل (1).و صحته على الأول (2)من ثلاث و ستين فريضة،و هكذا.

و يمكن صحتها من دون ذلك بأن يصلّي الفرائض جمع كيف شاء مكررة عددا ينقص عنها بواحدة ثمَّ يختمه بما بدأ به منها،فتصح فيما عدا الأولين من ثلاث عشرة في الثالث،و إحدى و عشرين في الرابع،و إحدى و ثلاثين في الخامس،و يمكن فيه بخمسة أيام ولاء و الختم بالفريضة الزائدة.

و تترتب الفائتة الواحدة مطلقا على الحاضرة وجوبا أيضا ما لم يتضيق وقتها فتقدم إجماعا فيه.

و أما الأول فهو الأشهر الأقوى،بل عليه عامة قدماء أصحابنا إلاّ الصدوقين (3)،و هما نادران،بل على خلافهما و وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة مع سعة وقتها مطلقا إجماع أصحابنا،كما حكاه جماعة مستفيضا، كالشيخ في الخلاف،و المفيد في بعض رسائله،و الحلّي في السرائر في بحث مواقيت الصلاة،و ابن زهرة في الغنية على ما حكاه عنه في الذخيرة (4).

و هو ظاهر المرتضى في بعض مسائله،حيث إنه بعد أن سأله السائل عن حكم المسألة و ما يتفرع عليه قاطعا بالإجماع عليه قائلا:إذا كان إجماعنا مستقرا بوجوب تقديم الفائت من فرائض الصلوات على الحاضر منها إلى أن

ص:187


1- وجهه ما قيل من أنّ الظاهر أن الاحتمالات في هذه الصورة لا تزيد على ثلاثمائة و ستين،لأنّ السادسة إحدى الخمس و ترتيبها على مثلها لا تزيد احتمالا.و توضيحه:أنّ الفائت إذا كان ظهرين و عصرا فالاحتمالات لا تزيد على ثلاثة،فإذا أضيف إليها مغرب صارت اثنتي عشرة حاصلة من ضرب عدد الأربع في الثلاثة،و بإضافة العشاء إليها تصير الاحتمالات ستين.منه رحمه اللّه.
2- أي صحة هذا الفرض الأخير على هذا الضابط الذي هو أول بالنسبة إلى الضابط الآتي.
3- نقله عن والد الصدوق في المختلف:144،الصدوق في المقنع:33.
4- الخلاف 1:383،السرائر 1:203،الغنية(الجوامع الفقهية):562،الذخيرة:211.

يبقى[من] (1)وقته مقدار فعله،فما القول فيمن صلّى حاضرا؟.إلى آخر ما سأل (2)،لم ينبهه-رحمه اللّه-بفساد قطعه و عدم الإجماع،بل أقرّه على ذلك و أجابه بما أجاب.

و ناهيك هذه الإجماعات في إثبات حكم المسألة،سيّما بعد اعتضادها بالشهرة العظيمة بين قدماء الطائفة،بل مطلقا كما صرّح به جماعة (3).

و ظاهر إطلاقاتها عدم الفرق بين الفائتة الواحدة و المتعددة،ليومه أم لا، كما هو مقتضى إطلاق أكثر الأدلة على وجوب تقديم الفائتة كتابا و سنّة،قال سبحانه أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [1] (4)و هو في الفائتة كما في الذكرى و غيرها (5).

و دلّت عليه جملة من المعتبرة،منها الصحيح:«من نسي شيئا من الصلوات فليصلّ إذا ذكرها،فإنّ اللّه عزّ و جل يقول أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [2] » (6).

و هو-كما ترى-ظاهر في العموم،كالنبوي:«لا صلاة لمن عليه صلاة» (7).

و الصحيح:عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها،فقال:«يقضيها إذا ذكرها من ليل أو نهار،فإذا دخل وقت صلاة و لم يتم ما فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت،و هذه أحق بوقتها فليصلّها،فإذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى،و لا يتطوع بركعة

ص:188


1- في النسخ:إلى،و ما أثبتناه من المصدر.
2- المسائل الرسية الاولى(رسائل الشريف المرتضى 2):363.
3- منهم:الشهيد الثاني في الروض:188،و الصيمري في كشف الالتباس على ما حكاه عنه في مفتاح الكرامة 3:391.
4- طه:14.
5- الذكرى:132؛و انظر المدارك 4:300،و الحدائق 6:338.
6- الذكرى:134،الوسائل 4:285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.
7- الرسالة السهوية للشيخ المفيد:11،المستدرك 3:160 أبواب المواقيت ب 46 ح 2.

حتى تقضى الفريضة كلّها» (1)و هذا صريح في العموم.

و أصرح منه الصحيح الآخر الطويل المشهور،فإنّ في آخره:«و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة،ابدأ بالمغرب ثمَّ بالعشاء،فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثمَّ بالغداة ثمَّ صلِّ العشاء،و إن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثمَّ صلّ المغرب و العشاء،ابدأ باولاهما لأنهما جميعا قضاء،فلا تصلّهما إلاّ بعد شعاع الشمس»،قال:قلت:لم ذلك؟قال:

«لأنك لست تخاف فوتها» (2).

و قريب منها إطلاق كثير من النصوص المستفيضة المنجبر ضعفها- كبعض ما سبقها-بالشهرة و الإجماعات المستفيضة و الاحتياط للعبادة.

فقول الماتن بوجوب تقديم الواحدة دون المتعددة،لقوله و في وجوب ترتب الفوائت المتعددة على الحاضرة تردّد يظهر وجهه ممّا مرّ و سيأتي أشبهه الاستحباب لا وجه له،عدا ما في المدارك (3)حيث تبعه من الاستناد في الأول إلى الصحيح:عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس و قد كان صلّى العصر،فقال:«إذا كان أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوت المغرب بدأ بها، و إلاّ صلّى المغرب أوّلا ثمَّ صلاّها» (4)و نحوه صحيح آخر (5).

ص:189


1- الكافي 3:3/292،التهذيب 3:341/159،الاستبصار 1:1046/286،الوسائل 8:256 أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 3.
2- الكافي 3:1/291،التهذيب 3:340/158،الوسائل 4:290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.
3- المدارك 4:299.
4- الكافي 3:6/293،التهذيب 2:1073/269،الوسائل 4:289 أبواب المواقيت ب 62 ح 7.
5- الكافي 3:2/292،التهذيب 2:1069/268،الوسائل 4:290 أبواب المواقيت ب 62 ح 8.

و في الثاني إلى الصحيح:«إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة،فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء،و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل طلوع الشمس» (1).

و نحوه الخبر بزيادة:«فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب و يدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها» (2).

و للصحيح:عن الرجل تفوته صلاة النهار،قال:«يصلّيها إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء» (3).

قال:و يؤيده الأخبار المتضمنة لاستحباب الأذان و الإقامة في قضاء الفوائت (4)،و الروايات المتضمنة لجواز النافلة ممن عليه فريضة،كالصحيح:

«إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رقد،فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حرّ الشمس،ثمَّ استيقظ فركع ركعتين ثمَّ صلّى الصبح،فقال:يا بلال ما لك؟ قال:أرقدني الذي أرقدك يا رسول اللّه،قال:و كره المقام و قال:نمتم بوادي الشيطان» (5).

قال:و الظاهر أنّ الركعتين اللتين صلاّهما أوّلا ركعتا الفجر كما في

ص:190


1- التهذيب 2:1076/270،الاستبصار 1:1053/288،الوسائل 4:288 أبواب المواقيت ب 62 ح 4.
2- التهذيب 2:1077/270،الاستبصار 1:1054/288،الوسائل 4:288 أبواب المواقيت ب 62 ح 3.
3- الكافي 3:7/452،التهذيب 2:640/163،الوسائل 4:241 أبواب المواقيت ب 39 ح 6.
4- الوسائل 8:270 أبواب قضاء الصلوات ب 8.
5- التهذيب 2:1058/265،الاستبصار 1:1049/286،الوسائل 4:283 أبواب المواقيت ب 61 ح 1.

الصحيح (1).

و هو كما ترى:فإنّ الصحيح الأول نقول بمضمونه.

و الثاني معارض بمثله بل و أمثاله ممّا مضى،فهي أرجح منه بمراتب شتّى، و منها تضمنه-كالخبر بعده مع ضعف سنده-ما هو مذهب العامة من توقيت العشاءين إلى الفجر (2)،و المنع عن الصلاة بعد طلوع الشمس إلى أن يذهب شعاعها كما في بحث المواقيت قد مضى،فتكون بالترجيح أولى و إن تضمّن بعضها الأخير و غيره ممّا لا قائل به،و هو العدول عن الحاضرة إلى الفائتة بعد الفراغ منها معلّلا بأنها أربع مكان أربع،لانجباره بالشهرة و الإجماعات المستفيضة و الاحتياط.

و لا كذلك هذه الصحيحة و ما في معناها؛لعدم جابر لها مطلقا،عدا الأصل المعارض بالاحتياط اللازم المراعاة في العبادات،و الإطلاقات كتابا و سنّة بتوسعة أوقات الصلوات الخمس اليومية،و هي عامة،و ما ذكرناه من الأدلة خاصة،فلتكن عليها مقدمة،مع أنّ في شمولها لنحو المسألة مناقشة لا يخفى وجهها؛مع أنّ ظاهر الأمر فيهما الوجوب كما هو ظاهر الصدوقين (3)،و أقلّه الاستحباب كما يعزى إليهما (4)،و لا يقول به الماتن و من تبعه.

و بنحوه يجاب عن الصحيحة بعدهما؛لتضمنها التخيير الظاهر في تساوي الفردين المخيّر بينهما إباحة و رجحانا،و لا يقولان به أيضا.

مضافا إلى أنّ صلاة النهار فيها مطلقة تشمل النافلة و الفريضة الواحدة و المتعددة،و تخصيصها بأحد هذه الأفراد جمعا بين الأدلة و إن أمكن،إلاّ أنه

ص:191


1- الذكرى:134،الوسائل 4:285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.
2- المغني لابن قدامة 1:427.
3- راجع ص 187.
4- نقله عنهما في المعتبر 2:405،و الذكرى:132.

يمكن حملها على التقية أو النافلة إن جوّزناها في وقت الفريضة،و الترجيح لهذا،لما مضى.

مع أنّ إطلاقها معارض بالإطلاقات المتقدمة كتابا و سنة،و هي أرجح من هذا بمراتب عديدة كما عرفت.

و أما المؤيدات فهي بمكان من الضعف:

أمّا الأول منها و هو استحباب الأذان و الإقامة:فلكونهما من توابع الصلاة و مستحباتها،فيكون التأخير بمقدار هما خارجا عن محل نزاعنا،سيّما مع كونه إجماعيا،و لذا يقول به الماتن (1)و نحوه ممّن جعل تقديم الفائتة أولى،و إلاّ لتناقض حكمهم هذا و تصريحهم باستحبابهما للفائتة أيضا.

و أما الثاني فهو حسن إن قلنا به،و إلاّ-كما هو الأشهر الأقوى-فلا تأييد فيه أصلا،بل ينبغي حمل الأخبار الدالة عليه على التقية قطعا سيّما مع تضمن بعضها ما لا يقول به أصحابنا،هذا.

و لو صحّ هذا المؤيد للزم صحة القول بالمواسعة مطلقا حتى في الواحدة،لجريانه فيها أيضا.بل الصحيحة المتقدمة منها صريحة في فعل النافلة قبل الفائتة الواحدة،و هو ينافي التضييق الذي قالا به فيها،فتأمل جدّا.

و ممّا ذكرناه يظهر ما في القول بالمواسعة مطلقا مع رجحان تقديم الحاضرة وجوبا كما هو ظاهر الصدوقين،أو استحبابا كما عزي إليهما،أو بالعكس مطلقا كما هو خيرة الشهيدين و غيرهما (2)،أو في غير يوم الفوات و أما فيه فالوجوب كما عليه العلامة (3).

و يضعّف هذا-زيادة على ما مضى-عدم شاهد عليه أصلا مع مخالفته

ص:192


1- كما في المعتبر 2:135.
2- الشهيد الأول في الروضة 1:360،الشهيد الثاني في المسالك 1:43.
3- في المختلف:144.

كمختار الماتن لإجماع القدماء،بل و المتأخرين أيضا.

و أما ما يورد على أدلة المختار من المناقشات فقد استوفينا الكلام فيها و في جملة ما يتعلق بالمسألة في الشرح بما لا مزيد عليه،من أراد التحقيق فيها كما هو فعليه بمراجعته ثمة.

و اعلم:أنّ في صحة الحاضرة لو قدّمت على الفائتة حيث يجب تقديمها قولان،أكثر القدماء المحكي لنا كلامهم على العدم،و منهم المرتضى-رحمه اللّه-و الحلّي (1)،و زادا فمنعا من أكل ما يفضل ممّا يمسك الرمق و من نوم يزيد على ما يحفظ الحياة،و من الاشتغال بجميع المباحات و المندوبات و الواجبات الموسّعة قبل القضاء.

و هو حسن إن قلنا بإفادة الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاص،و إلاّ كما هو الأقوى و عليه أكثر متأخري أصحابنا فلا.

نعم،يشكل الحكم بصحة الضد لو كان عبادة؛إذا المقتضي لصحتها ليس إلاّ الأمر،و هو لا يجامع الأمر بالقضاء المضيّق الثابت قطعا،لتضادّهما، و إذا انتفى لم يكن لصحة العبادة معنى،لفقد مقتضيها؛مضافا إلى ظاهر النبوي المتقدم:«لا صلاة لمن عليه صلاة».

فما ذكروه من بطلان الحاضرة لعلّه أقوى،كما عليه الماتن في الشرائع (2)،و هنا أيضا،لقوله و لو قدّم الحاضرة على الفائتة مع سعة وقتها حال كونه ذاكرا للفائتة أعاد الحاضرة بعد أداء الفائتة،و يظهر من المدارك عدم الخلاف فيه على القول بوجوب تقديم الفائتة حيث فرّعه عليه،قال:و إلاّ فلا إعادة (3).

ص:193


1- المسائل الرسية(رسائل الشريف المرتضى 2):364،الحلّي في السرائر 1:272.
2- الشرائع 1:121.
3- المدارك 4:304.

و لا يعيد ها لو سها عن الفائتة قولا واحدا؛للصحيح الآتي قريبا.

و يعدل عن الحاضرة إلى الفائتة لو ذكر ها بعد التلبس بالحاضرة؛للصحيح:

«إن نسيت الظهر حتى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى فإنما هي أربع،و إن ذكرت أنك لم تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين فانوها الاولى و صلّ الركعتين الباقيتين و قم فصلّ العصر،و إن كنت ذكرت أنك لم تصلّ العصر حتى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها فصلّ العصر ثمَّ صلّ المغرب،و إن كنت قد صلّيت المغرب فصلّ العصر،و إن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمَّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمَّ قم فأتمها بركعتين ثمَّ سلّم ثمَّ صلّ المغرب، و إن كنت قد صليت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصلّ المغرب،و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمَّ سلّم ثمَّ قم فصلّ العشاء الآخرة،و إن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صلّيت الفجر فصلّ العشاء الآخرة،و إن كنت ذكرتها و أنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمَّ قم فصلّ الغداة»الحديث (1).

و لا خلاف فيه أيضا إلاّ من القائلين بالمواسعة فاستحبوا العدول و لم يوجبوه،و ظاهر الأمر يردّهم.

و إنما يعدل إلى الفائتة مع الإمكان،و هو حيث لا يتحقق زيادة ركوع على عدد السابقة.

و ظاهر الصحيحة جواز العدول مع الفراغ من الفريضة،و لا قائل به أجده،و حملها الشيخ في الخلاف على أن المراد بالفراغ ما قاربه (2).و لا بأس

ص:194


1- الكافي 3:1/291،التهذيب 3:340/158،الوسائل 4:290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.
2- الخلاف 1:386.

به؛حذرا من مخالفة الإجماع،و عملا بما دلّ على أن الصلاة على ما افتتحت عليه (1)،خرج ما خرج بالنص و الإجماع،و بقي الباقي.

و منه يظهر أنه لو سها ف تلبّس بنافلة ثمَّ ذكر أن عليه فريضة فائتة أو حاضرة أبطلها أي النافلة و استأنف الفريضة و لم يجز له العدول.

و أما وجوب الإبطال فمبني على القول بعدم جواز النافلة لمن عليه فريضة،كما هو الأشهر الأقوى،و قد مضى في بحث المواقيت مفصّلا،و يأتي على القول الآخر عدم الوجوب،لكن في جواز الإبطال حينئذ و عدمه وجهان مبنيان على جواز إبطال النافلة اختيارا أم لا،و قد تقدّم الكلام في هذا أيضا مستوفى.

يقضي ما فات سفرا قصرا و لو كان حاضرا،و ما فات حضرا تماما و لو كان مسافرا

و يجب أن يقضي ما فات سفرا قصرا مطلقا و لو كان حال القضاء حاضرا،و يقضي ما فات حضرا تماما و لو كان مسافرا فإن العبرة هنا بحال الفوات لا الأداء؛إجماعا،و للمعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:

«يقضي ما فاته كما فاته،إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها،و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته» (2).

و لو اختلف الفرض في أول الوقت و آخره،بأن كان حاضرا ثمَّ سافر،أو مسافرا فحضر و فاتته الصلاة،ففي اعتبار حال الوجوب أو الفوات قولان، أظهر هما-و عليه الأكثر-الثاني،و سيأتي البحث فيه في صلاة المسافر إن شاء اللّه تعالى.

و كما أن الاعتبار في القصر و الإتمام بحال الفوات كذلك الاعتبار بحاله

ص:195


1- انظر عوالي اللئالي 1:34/205.
2- الكافي 3:7/435،التهذيب 3:350/162،الوسائل 8:268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1.

في كل من الجهر و الإخفات،فيقضي الجهرية جاهرا فيها و لو نهارا،و الإخفاتية مخفتا فيها و لو ليلا؛كلّ ذلك لعموم التشبيه المتقدم و الإجماع المحكي في الخلاف (1).

و الاعتبار في الكيفية بحال الفعل لا حال الفوت،فيقضي ما فاته و هو قادر على القيام فيه بأيّ نحو قدر و لو قاعدا أو مضطجعا أو مستلقيا،و بالعكس، و الوجه فيهما واضح كما بيّنته في الشرح.

و يقضي المرتد مطلقا إذا أسلم كلّ ما فاتته زمان ردّته إجماعا؛ لعموم وجوب قضاء الفوائت،مع سلامته عن المعارض،عدا حديث جبّ الإسلام (2).و هو لإطلاقه و عدم عمومه لغة غير معلوم الشمول لنحو المقام؛ لعدم تبادره منه إلى الأذهان.

و من فاتته فريضة حضرا من يوم و لم يعلمها بعينها صلّى اثنتين و ثلاثا معيّنتين للصبح و المغرب و أربعا مطلقة بين الرباعيات الثلاث، ناويا بها عمّا في ذمته،على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة متأخري أصحابنا، و في الخلاف و السرائر (3)الإجماع عليه.

للخبرين (4)المروي أحدهما في المحاسن عن مولانا الصادق عليه السلام،و فيه:عن رجل نسي صلاة من الصلوات لا يدري أيّتها هي،قال:

«يصلّي ثلاثا و أربعا و ركعتين،فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلّى

ص:196


1- الخلاف 1:387.
2- عوالي اللئالي 2:38/224،مسند أحمد 4:199.
3- الخلاف 1:309،السرائر 1:274.
4- الأول: المحاسن:68/325،الوسائل 8:276 أبواب قضاء الصلوات ب 11 ح 2. الثاني: التهذيب 2:774/197،الوسائل 8:275 أبواب قضاء الصلوات ب 11 ح 1.

أربعا،و إن كانت المغرب و الغداة فقد صلّى»و إرسالهما مجبور بالفتاوي.

خلافا للحلبي و ابن حمزة (1)،فأوجبا قضاء الخمس؛تحصيلا لنية التعيين الواجبة إجماعا مع الإمكان كما هنا،و للجهر و الإخفات أن أوجبناهما، كما هو الأقوى.و هو متين لو لا ما قدّمناه من الخبرين المنجبرين بما قدّمنا.

و على المختار يتخير بين الجهر و الإخفات؛لاستحالة التكليف بهما؛ و عدم إمكان الجمع بينهما،و حيث لا ترجيح ثبت التخيير بينهما.

و كذا بين تقديم أيتها شاء مطلقا.

و لو كان في وقت العشاء ردّد بين الأداء و القضاء إن أوجبنا نيتهما أو احتيط بها،و إلاّ فلا احتياج إليها و كفى قصد القربة مطلقا.

و يستفاد من فحوى الرواية انسحاب الحكم فيما لو فاتته سفرا،و عليه جماعة (2)،فيصلّي مغربا و ثنائية مطلقة بين الثنائيات الأربع كما سبق.

خلافا للحلي فأوجب هنا قضاء الخمس (3).و هو أحوط؛اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص المنجبر بالعمل.و ظهور الرواية في العموم مسلّم لكن لم يظهر لها في محل البحث جابر؛لاختصاص الشهرة الجابرة بغيره،اللهم إلاّ أن تجبر بالاعتبار و فتوى هؤلاء الجماعة،و لا يخلو عن قوة.

و لو فاته من الفرائض ما لم يحصه عددا قضى حتى يغلب على ظنه الوفاء على المشهور،بل المقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك (4)،مشعرا بالإجماع.فإن تمَّ و إلاّ كان الرجوع إلى الأصول لازما،

ص:197


1- الحلبي في الكافي:150،لم يعثر عليه في الوسيلة،قال في مفتاح الكرامة 3:404:و في الرياض نقل وجوب قضاء الخمس عن ابن حمزة و لم أجده في الوسيلة.
2- منهم:العلامة في القواعد 1:45،و الشهيد الأول في الدروس 1:146،و الشهيد الثاني في روض الجنان:358.
3- انظر السرائر 1:274.
4- المدارك 4:306.

و مقتضاها القضاء حتى يحصل العلم بالوفاء،تحصيلا للبراءة اليقينية عمّا تيقن ثبوته في الذمة مجملا،و به أفتى شيخنا في روض الجنان في بعض الصور، وفاقا للذكرى (1).

خلافا لسبطه في المدارك،فاستوجه الاكتفاء بقضاء ما تيقن فواته خاصة مطلقا،وفاقا لمحتمل التذكرة (2)،قال:لأصالة البراءة من التكليف بالقضاء مع عدم تيقن الفوات (3).

و يؤيده الحسن:«متى ما استيقنت أو شككت في وقت صلاة أنك لم تصلّها صلّيتها،و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوات فقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شيء حتى تستيقن،و إن استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال» (4).

و فيه نظر؛لابتناء الأول على عدم حجية الاستصحاب،و هو خلاف الصواب.

و المتبادر من الثاني هو الشك في ثبوت أصل القضاء في الذمة و عدمه، و نحن نقول بحكمه الذي فيه،و لكنه غير ما نحن فيه،و هو الشك في مقدار القضاء بعد القطع بثبوت أصله في الذمة و اشتغالها به مجملا،و الفرق بينهما واضح لا يخفى.

يستحب قضاء النوافل الموقتة

و يستحب قضاء النوافل الموقتة استحبابا مؤكدا؛بإجماعنا المصرّح به في الخلاف و روض الجنان و المنتهى و غيرها (5)؛و للصحاح و غيرها،منها:«إنّ

ص:198


1- روض الجنان:359،الذكرى:137.
2- التذكرة 1:83.
3- المدارك 4:307.
4- الكافي 3:10/294،التهذيب 2:1098/276،الوسائل 4:282 أبواب المواقيت ب 60 ح 1.
5- الخلاف 1:425،روض الجنان:361،المنتهى 1:423؛و انظر التذكرة 1:83.

العبد يقوم فيقضي النافلة فيعجب الرب ملائكته منه و يقول:يا ملائكتي،عبدي يقضي ما لم افترض عليه» (1).

و منها:عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها، كيف يصنع؟قال:«فليصلّ حتى لا يدري كم صلّى من كثرتها فيكون قد قضى بقدر ما علم من ذلك»،ثمَّ قال:قلت له:فإنه لا يقدر على القضاء،فقال:

«إن كان شغله في طلب معيشة لا بدّ منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شيء عليه، و إن كان شغله لجمع الدنيا و التشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء،و إلاّ لقي اللّه تعالى و هو مستخفّ متهاون مضيّع لحرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»، قال:قلت:فإنه لا يقدر على القضاء فهل يجزي أن يتصدّق،فسكت مليا ثمَّ قال:«فليتصدق بصدقة»،قلت:فما يتصدّق؟قال:«بقدر طوله،و أدنى ذلك مدّ لكلّ مسكين مكان كل صلاة»،قلت:و كم الصلاة التي يجب فيها مدّ لكل مسكين؟قال:«لكلّ ركعتين من صلاة الليل و لكل ركعتين من صلاة النهار مدّ»،قلت:لا يقدر،فقال:«مدّ إذا لكلّ أربع ركعات من صلاة النهار» (2)قلت:لا يقال،قال:«فمدّ إذا لصلاة الليل و مدّ لصلاة النهار،و الصلاة أفضل، و الصلاة أفضل،و الصلاة أفضل» (3).

و لو فات بمرض لم يتأكد القضاء للصحيح:«ليس عليك قضاء،إنّ المريض ليس كالصحيح،كلّ ما غلب اللّه تعالى فهو أولى بالعذر فيه» (4).

ص:199


1- الكافي 3:8/488،التهذيب 2:646/164،الوسائل 4:75 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 18 ح 1،في النسخ:فيعجب الرب و ملائكته منه.
2- جملة من صلاة النهار،ليست في الكافي.و في الوسائل زيادة«مدّ لكل أربع ركعات من صلاة الليل».
3- الكافي 3:13/453،الفقيه 1:1577/359،التهذيب 2:25/11،المحاسن: 33/315،الوسائل 4:75 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 18 ح 2.
4- الكافي 3:4/451،الفقيه 1:1434/316،التهذيب 2:779/199،الوسائل 4:80 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 20 ح 2.

و يستفاد من التعليل عموم الحكم لكل معذور من غير اختصاص بالمريض،و لا بأس به و إن لم أجد من الأصحاب مصرّحا به.

و تستحب الصدقة مع العجز عن القضاء عن كل ركعتين بمدّ،فإن لم يتمكن فعن كل يوم بمدّ للصحيح المتقدم،إلاّ أنه غير منطبق على ما في العبارة و نحوها،و العمل عليه أحوط و أولى.

ص:200

الثالث في صلاة الجماعة
اشارة

الثالث:في بيان أحكام صلاة الجماعة و النظر فيه في أطراف:.

الأوّل الجماعة مستحبة في الفرائض متأكدة في الخمس
اشارة

الأوّل:الجماعة مستحبة في الفرائض كلّها حتى المنذورة و صلاة الاحتياط و ركعتي الطواف،أداء و قضاء،على ما يقتضيه عموم العبارة و نحوها،و الصحيح:«الصلاة فريضة،و ليس الاجتماع بمفروض في الصلاة كلّها،و لكنّها سنّة،من تركها رغبة عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له» (1).

و بالتعميم إلى المنذورة و الأداء و القضاء صرّح الشهيدان في روض الجنان و الذكرى (2)،بل فيها ما يفهم كونه إجماعا بيننا.فإن تمَّ و إلاّ كان التعميم بالإضافة إلى ما عدا الأداء و القضاء محلّ نظر،سيّما صلاتي الاحتياط و الطواف؛لما بيّنته في الشرح مستوفى،و لا ريب أن الأحوط تركها فيهما.

و هي متأكدة في الخمس اليومية بالضرورة من الدين و بالكتاب (3)و السّنّة المتواترة العامة و الخاصة،العامية و الخاصية،ففي الصحيح:«الصلاة في جماعة تفضل على صلاة الفذّ-أي الفرد-بأربع و عشرين درجة،تكون

ص:201


1- الكافي 3:6/372،التهذيب 3:83/24،الوسائل 8:285 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 2.
2- روض الجنان:363،الذكرى:265.
3- البقرة:43 وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ .

خمسة و عشرين صلاة» (1).

و بمعناه أخبار مستفيضة،بل في بعضها:تفضل بخمس و عشرين (2)، و في آخر:بسبع و عشرين (3)،و في غيرهما:بتسع و عشرين (4).

و فيه:قال صلّى اللّه عليه و آله:«لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلاّ من علّة،و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لا غيبة إلاّ لمن صلّى في بيته و رغب عن جماعتنا،و من رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته و سقطت بينهم عدالته و وجب هجرانه،و إذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره و حذّره،فإن حضر جماعة المسلمين و إلاّ أحرق عليه بيته» (5).

و تقييد المنع عن تركها بالرغبة عنها ظاهر في عدمه مع عدمها،كما يدل عليه أيضا إطلاق أخبار الأفضلية المتقدمة.و عليها يحمل الأخبار الكثيرة الظاهرة في المنع عن الترك من غير تقييد بالرغبة (6)،جمعا بين الأدلة و التفاتا إلى مخالفتها لإجماع الطائفة على أنها لا تجب إلاّ في صلاة الجمعة و العيدين مع الشرائط المتقدمة لوجوبها في بحثها،على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (7).

ص:202


1- التهذيب 3:85/25،الوسائل 8:285 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 1.
2- الكافي 3:1/371،التهذيب 3:82/24،الوسائل 8:286 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 3.
3- الروضة البهية 1:377،الوسائل 8:286 أبواب صلاة الجماعة 1 ح 16.
4- لم نعثر عليه في الكتب الحديثية.
5- التهذيب 6:596/241،الاستبصار 3:33/12،الوسائل 27:392 أبواب الشهادات ب 41 ح 2.
6- الوسائل 8:291 أبواب صلاة الجماعة ب 2.
7- منهم:المحقق في المعتبر 2:414،و العلامة في التذكرة 1:170،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:159.

و هذا الجمع أولى من حمل الموجبة على هذه الصلوات التي تجب فيها الجماعة؛لأن من جملتها ما أوجبها في الفجر و العشاء،و مع ذلك فهو بعيد جدا،و هنا محامل أخر ذكرناها في الشرح.

و يدلّ على عدم الوجوب صريحا الصحيحة المتقدمة المصرّحة بأنها سنّة.و لا يمكن أن يراد بالسنّة فيها ما يقابل الفرض الإلهي فيشمل الواجب النبوي فتنتفي الدلالة باحتمال كونه المراد بها؛لضعفه بورود الأمر الإلهي بها في قوله تعالى وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ [1] (1)فانحصر كون المراد بها المعنى المعروف بين أصحابنا و هي السنّة في مقابل مطلق الواجب،فتأمل جدّا.

و لا يجوز أن تجمع في نافلة بإجماعنا الظاهر المنقول في ظاهر المنتهى و التذكرة و كنز العرفان (2)،و للنصوص المستفيضة به من طرقنا:

منها:المروي في الخصال عن مولانا الصادق عليه السلام:«و لا يصلّى التطوع في جماعة؛لأن ذلك بدعة،و كلّ بدعة ضلالة،و كلّ ضلالة في النار» (3).

و نحوه المروي في العيون عن مولانا الرضا عليه السلام (4).

و منها:«لا جماعة في نافلة» (5).

و منها:المرتضوي المروي في الكافي أنه عليه السلام قال في خطبته:

«و أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة،و أعلمتهم أنّ

ص:203


1- البقرة:43.
2- المنتهى 1:364،التذكرة 1:170،كنز العرفان 1:194.
3- الخصال:606(ضمن حديث شرائع الدين)،الوسائل 8:335 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 5.
4- العيون 2:122،الوسائل 8:335 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 6.
5- التهذيب 3:217/64،الاستبصار 1:1801/464،إقبال الأعمال:12،الوسائل 8:32 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 6.

اجتماعهم في النوافل بدعة»الخبر (1).

و قصور الأسانيد مجبور بعمل الأصحاب،و باستفاضة النصوص-و فيها الصحيح و غيره-بالمنع عن الاجتماع في النافلة بالليل في شهر رمضان و انه بدعة (2).

و لا قائل بالفرق بين الطائفة،فإن من منع عنه منع مطلقا.

عدا ما استثني من الاستسقاء إجماعا،و صلاة العيدين مع عدم اجتماع شرائط الوجوب على المشهور،و الغدير على قول للحلبي و الشهيد في اللمعة و المحقّق الثاني فيما حكي (3).

و من حكي عنه الجواز حكي عنه مطلقا،فتخصيص المنع بنوافل شهر رمضان إحداث قول لا يجوز قطعا.

هذا،مع مخالفة الجماعة للأصول و القواعد المقررة،من حيث تضمنها نحو سقوط القراءة و وجوب المتابعة ممّا الأصل عدمه بلا شبهة،خرج عنها الصلاة المفروضة بما مرّ من الأدلة المقطوعة،و بقي النافلة تحتها مندرجة.

و إطلاق بعض الروايات باستحباب الجماعة في الصلاة (4)من دون تقييد بالفريضة غير معلوم الشمول للنافلة بعد اختصاصه بحكم التبادر و الغلبة بالفريضة،مع أنه منساق لإثبات أصل استحبابها في الجملة من دون نظر إلى تشخيص كونها في فريضة أو نافلة،فيكون بالنسبة إليهما كالقضية المهملة يكفي في صدقها هنا الثبوت في الفريضة.

ص:204


1- الكافي 8:21/58،الوسائل 8:46 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 ح 4.
2- الوسائل 8:45 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10.
3- الحلبي في الكافي:160،اللمعة(الروضة 1):377،جامع المقاصد 2:485.
4- الوسائل 8:285 أبواب صلاة الجماعة ب 1 الأحاديث 1،3،5.

نعم ربما يتوهم من الصحاح الجواز،منها:«صلّ بأهلك في رمضان الفريضة و النافلة» (1).

و منها:عن المرأة تؤم النساء؟فقال:«تؤمّهنّ في النافلة،فأما في المكتوبة فلا» (2)و نحوه آخر (3).

لكنها غير ظاهرة الدلالة و لا واضحة؛لعدم تصريح في الأول منها بالجماعة،لاحتمال كون المراد بالصلاة بالأهل الصلاة في الأهل بمعنى في البيت،يعني لا في الخارج.

و لا في الأخيرين بالمراد بالنافلة،فتحتمل-لإطلاقها-النافلة المشروع فيها الجماعة لا مطلق النافلة.

و لو سلّم فهي محمولة على التقية،فميل جماعة من متأخري المتأخرين إلى الجواز (4)-لهذه الصحاح،مع القدح فيما مرّ من الأخبار بضعف،سند ما دلّ منها على العموم،و أخصّية صحيحها من المدّعى-ضعيف،سيّما مع ورود الأخصية التي اعترضوا بها على الصحيح على صحاحهم كما لا يخفى،و الذبّ عنها بالإجماع المركب و إن أمكن إلاّ أنه مشترك.

و الترجيح لذلك الطرف؛للشهرة العظيمة،بل الإجماع كما عرفته، و اعتضاد الصحيحة المانعة عن الاجتماع في شهر رمضان بتلك المستفيضة الموافقة لها في الدلالة.

ص:205


1- التهذيب 3:762/267،الوسائل 8:337 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 13.
2- الفقيه 1:1176/259،التهذيب 3:487/205،الوسائل 8:333 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 1.
3- الكافي 3:2/376،التهذيب 3:768/269،الاستبصار 1:1646/426،الوسائل 8:336 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 12.
4- منهم صاحب المدارك 4:315،و المحقق السبزواري في الذخيرة:389،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:159.

و لا كذلك الصحيحة الاولى من هذه الصحاح،فإنّها بالنسبة إليها مرجوحة؛لأنها بطرف الضد من المرجحات المزبورة،سيّما مع موافقتها للعامة كما تشهد بها الروايات المسطورة،و حكى في المنتهى القول بالجواز مطلقا عن جماعة من العامة (1)،و لأجله حملنا الصحاح بجملتها على التقية.

و أما حكاية استثناء الحلبي و مشاركيه-و منهم المفيد كما حكي (2)-صلاة الغدير فإنما هي لرواية على ما حكي التصريح به عن التذكرة (3)،و علّله في الروضة بثبوت الشرعية في صلاة العيد و أنه عيد (4)،و لا دخل له بجوازها في أصل النافلة.

و حيث إن تعليل الروضة عليل،و الرواية لم نقف عليها كان عدم استثنائها أقوى،وفاقا لأكثر أصحابنا.

و لا يمكن الحكم به من باب التسامح؛لأنه حيث لا يحتمل التحريم، و هو قائم هنا.

يدرك المأموم الركعة بإدراك الركوع

و يدرك المأموم الركعة بإدراك الركوع اتفاقا فتوى و نصا و بإدراكه أي إدراك الإمام المدلول عليه بالمقام في حال كونه راكعا أي في الركوع على الأشهر الأقوى كما مضى بيانه و بيان وجه تردّد الماتن في بحث الجمعة مفصّلا.

و أقلّ ما تنعقد به الجماعة بالإمام و مؤتم واحد و لو كان صبيا أو امرأة كما في المعتبرة (5).

ص:206


1- المنتهى 1:364.
2- الذكرى:265.
3- التذكرة 1:73.
4- الروضة 1:377.
5- الوسائل 8:298 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 7،8.

و لا خلاف في أصل الحكم أجده،و به صرّح جماعة (1)،و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،و فيها الصحيح و غيره،بل يستفاد من بعضها أنّ المؤمن وحده جماعة (2)،لكنه-مع ضعف سنده-محمول على أن المراد به إدراك فضيلة الجماعة لطالبها و لم يجدها،تفضّلا من اللّه تعالى و معاملة له على قدر نيته، فإنها خير من عمله.

و أما ما في الفقيه من أن الواحد جماعة،لأنه إذا دخل المسجد و أذّن و أقام صلّى خلفه صفّان من الملائكة،و متى أقام و لم يؤذّن صلّى خلفه صفّ واحد (3).

فلعلّه محمول على شدة استحباب الأذان و الإقامة لا أنه جماعة حقيقة.

و لا تصح الجماعة و الحال أن بين الإمام و المأموم ما يمنع المشاهدة،و كذا لو كان بين الصفوف فتفسد صلاة من وراء الحائل، بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضا (4).

للصحيح:«إن صلّى قوم بينهم و بين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام،و أيّ صفّ كان أهله يصلّون بصلاة إمام و بينهم و بين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطّى فليس ذلك لهم بصلاة،فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلاّ من كان حيال الباب،قال:و هذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس و إنما أحدثها الجبّارون،و ليس لمن صلّى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة» (5).

ص:207


1- منهم العلامة في المنتهى 1:364،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:159.
2- الفقيه 1:1096/246،الوسائل 8:297 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 5.
3- الفقيه 1:246.
4- منها:المعتبر 2:416،و التذكرة 1:173.
5- الكافي 3:4/385،الفقيه 1:1144/253،التهذيب 3:182/52،الوسائل 8:410 أبواب صلاة الجماعة ب 62 ح 2 و في الجميع بتفاوت.

و احترز بقوله:يمنع المشاهدة،عمّا لا يمنع عنها و لو حال القيام خاصة، كالحائل القصير و الشبابيك المانعة عن الاستطراق دون المشاهدة،فإنه تصح صلاة من خلفها مقتديا بمن فيها كما هو المشهور.

خلافا للخلاف في الشبابيك،مستدلا عليه بالإجماع و الصحيح المتقدم،قال:و هو صريح بالمنع (1).

و هو غريب؛لعدم وضوح وجه الدلالة فيه بعد،و لذا اختلف فيه:فبين من جعله النهي فيه عن الصلاة خلف المقاصير،بناء على أن الغالب فيها كونها مشبكة.

و أجاب عنه في المختلف بجواز كون المقاصير المشار إليها فيه غير مخرّمة (2).

و يعضده ذكر حكم المقاصير التي أحدثها الجبّارون بعد اشتراط عدم حيلولة سترة أو جدار بنحو يفهم منه دفع إيراد يحتمل الورود على الاشتراط، و لو كانت المقاصير المشار إليها مخرّمة لما كان سترة و لا جدارا حتى يحتاج إلى دفع إيراد يرد على الاشتراط،فتأمل.

و بين من جعله ما تضمن صدره من قوله عليه السلام:«و إن صلّى قوم و بينهم و بين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام»فإنّ مالا يتخطى يتناول الحائط و الشباك مطلقا و غيرهما (3).

و هذا بعيد جدّا؛لأن المراد بما لا يتخطى عدم التخطي بواسطة البعد لا باعتبار الحائل،كما هو المتبادر المدلول عليه بذيل الصحيح بعد التدبر

ص:208


1- الخلاف 1:558.
2- المختلف:159.
3- كما في المختلف:159،و نهاية الإحكام 2:122.

الصحيح،هذا.

و لا ريب أن ما ذكره الشيخ أحوط،سيّما مع دعواه الإجماع عليه.

و اعلم:أنّ مشاهدة المأموم لمثله المشاهد للإمام أو لمن يشاهده و إن تعدّد كاف في صحة الجماعة،و إلاّ لم تحصل للصفوف المتعددة،مع أنه خلاف الإجماع،بل الضرورة فتوى و رواية.

و هل يكفي المشاهدة مطلقا،فيصح ما في المنتهى و غيره (1)من أنه لو وقف المأموم خارج المسجد بحذاء الباب و هو مفتوح بحيث يشاهد الإمام أو بعض المأمومين صحّت صلاته و صلاة من على يمينه و على يساره و ورائه؟ أم يشترط فقد الحائل بينه و بين الإمام أو الصف السابق،و إلاّ صحّ صلاة من فقده و من بعده من الصفوف إذا شاهدوه دون غيره؟ وجهان،أحوطهما الثاني،سيّما مع قوة احتمال ظهوره من الصحيح الماضي،إلاّ أن الأول أشهر،بل لا يكاد خلاف فيه يعرف إلاّ من بعض من تأخّر، حيث إنّه بعد نقل ما في المنتهى عن الشيخ و من تبعه استشكله.

فقال:و هو متّجه إن ثبت الإجماع على أن مشاهدة بعض المأمومين تكفي مطلقا،و إلاّ كان في الحكم المذكور إشكال،نظرا إلى قوله عليه السلام:«إلاّ من كان بحيال الباب»فإنّ ظاهره قصر الصحة على صلاة من كان بحيال الباب،و جعل بعضهم هذا الحصر إضافيا بالنسبة إلى الصف الذي يتقدمه عن يمين الباب و يساره،و فيه عدول عن الظاهر يحتاج إلى دليل (2).

انتهى.و هو حسن.

و يجوز الحيلولة بما يمنع المشاهدة في المرأة أي بينها و بين

ص:209


1- المنتهى 1:365؛و انظر المدارك 4:318.
2- الذخيرة:394.

إمامها إذا كان رجلا،و عرفت انتقال الإمام من القيام إلى السجود و منه إليه مثلا، بلا خلاف يظهر إلاّ من الحلّي،فجعلها كالرجل؛لعموم الدليل (1).

و هو مخصّص بصريح الموثق:عن الرجل يصلّي بالقوم و خلفه دار فيها نساء،هل يجوز لهنّ أن يصلّين خلفه؟قال:«نعم،إن كان الإمام أسفل منهن» قلت:فإن بينهن و بينه حائطا أو طريقا،قال:«لا بأس» (2).

و قصور السند مجبور بالعمل،بل بالإجماع كما في التذكرة (3).

نعم،ما ذكره أحوط.

و لا يجوز أن يأتم المصلّي بمن هو أعلى منه موقفا بما يعتدّ به كالأبنية على رواية عمّار الموثقة:عن الرجل يصلّي بقوم و هم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلّي فيه،فقال:«إن كان الإمام على شبه الدكّان أو على موضع أرفع من موضعهم لم يجز صلاتهم» (4).

و هي كما ترى صريحة في الحرمة كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة، بل لا خلاف فيها أجده،إلاّ من الخلاف فصرّح بالكراهة،مدّعيا عليها أخبار و إجماع الطائفة (5).

لكنه شاذ،و إجماعه موهون إن أراد بالكراهة المعنى المعروف.و إن أراد بها الحرمة-كما صرّح به الفاضل في المختلف (6)،و ربما يشهد له سياق عبارة

ص:210


1- السرائر 1:289.
2- التهذيب 3:183/53،الوسائل 8:409 أبواب صلاة الجماعة ب 60 ح 1.
3- التذكرة 1:174.
4- الكافي 3:9/386،الفقيه 1:1146/253،التهذيب 3:185/53،الوسائل 8:411 أبواب صلاة الجماعة ب 63 ح 1.
5- الخلاف 1:556.
6- المختلف:160.

الخلاف-فلا خلاف له في المسألة و إن حكاه عنه جماعة مائلين إليه (1)؛ للأصل؛و عموم أدلة صحة القدوة من غير إشارة في شيء منها إلى هذا الشرط بالمرّة؛و ضعف الرواية سندا و متنا.

و هو كما ترى؛لوجوب الخروج عن الأولين-على تقدير جريانهما في المقام-بالرواية،لأنها من الموثق و هو حجة،و على تقدير الضعف فهو منجبر بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل الإجماع في الحقيقة كما عرفته.

و أما المتن فلا ضعف فيه إلاّ من حيث التهافت و اختلاف النسخة،و هما لا تعلّق لهما بالحكم الذي يتعلق بأصل المسألة،و إنما هما في بيان البعد الممنوع عنه و المرخّص فيه،و هو غير أصل المسألة،و ضرر هما إنما هو فيه لا فيها؛و لذا لم يستند الأكثر في بيان البعد إلى الرواية و إنما عوّلوا فيه على العرف و العادة.

و قدّره في الدروس بما لا يتخطى كالفاضل في التذكرة (2).و قيل:بشبر، بزعم استفادته من الرواية (3)،و ادّعى الفاضل الإجماع على اغتفاره في التذكرة (4).

و يعضد الرواية في أصل المسألة نصوص أخر جملة منها صريحة (5)، و هي و إن كان الظاهر أنها عامية إلاّ أنها منجبرة بما عرفته.

و يجوز الائتمام بالأعلى لو كانا على أرض منحدرة بلا خلاف فيه

ص:211


1- منهم:المحقق في المعتبر 2:419،و الشهيد في الذكرى:273،و صاحب المدارك 4:320.
2- الدروس 1:220،التذكرة 1:174.
3- الذكرى:273.
4- التذكرة 1:174.
5- انظر سنن البيهقي 3:108،109.

و لا في أنه لو كان المأموم أعلى منه أي من الإمام مطلقا صحّ الائتمام؛لما في ذيل الموثقة المتقدمة من قوله عليه السلام:«و إن كان أرضا مبسوطة و كان في موضع منها ارتفاع فقام الإمام في الموضع المرتفع و قام من خلفه أسفل منه و الأرض مبسوطة إلاّ أنهم في موضع منحدر فلا بأس»قال:

و سئل:فإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلّي خلفه،قال:«لا بأس»و قال:

«و إن كان رجل فوق بيت أو غير ذلك دكانا كان أو غيره و كان الإمام يصلّي على الأرض أسفل منه جاز أن يصلّي خلفه و يقتدي بصلاته و إن كان أرفع منه بشيء كثير».

و قد عرفت الجواب عمّا يرد عليها،مع كون الحكم فيها هنا إجماعيا كما صرّح به في الأخير في المنتهى (1)،و يظهر من غيره أيضا (2)؛معتضدا بالأصل و العمومات أيضا؛و لذا لم ينسبه الماتن هنا إلى رواية عمّار مع كونه مذكورا فيها،و إنما نسب الحكم سابقا إليها إشعارا بالتردد فيه المعلوم وجهه و جوابه ممّا قدّمنا،و يحتمل كون المنسوب إليها في كلامه كون البعد الممنوع منه بما يعتدّ به كالدكان و شبهه لا المنع عن أصله،و لكنه بعيد جدّا،هذا.

و أما الخبر المنافي للحكم في الثاني (3)فمع ضعف سنده بالجهالة شاذّ محمول على الفضيلة.

و لا يجوز أن يتباعد المأموم عن الإمام أو الصف الذي يليه بما يخرج به عن العادة؛إلاّ مع اتصال الصفوف.

أما عدم جواز التباعد في غير صورة الاستثناء فهو مجمع عليه بيننا على

ص:212


1- المنتهى 1:366.
2- كالذخيرة:394.
3- التهذيب 3:835/282،الوسائل 8:412 أبواب صلاة الجماعة ب 63 ح 3.

الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة من أصحابنا (1).

و اما تحديده بما في العبارة فهو الأظهر الأشهر بين الطائفة.

استنادا في عدم جواز البعد العرفي الخارج عن العادة بحيث يسمى كثيرا إلى الأصل،مع عدم مصحّح للعبادة معه،عدا إطلاق النصوص بتبعّد المأموم عن الإمام مثلا و قيامه خلفه،و هو غير معلوم الانصراف إلى البعد بهذه الكيفية.

مع أنه لا قائل بالصحة معه منّا إلا ما ينقل من ظاهر المبسوط من حكمه بجواز التباعد ثلاثمائة ذراع (2).و عبارته المحكية غير صريحة في اختياره ذلك، بل و لا ظاهرة،بل أفتى أوّلا بما في العبارة ثمَّ حكى القول المحكي عنه عن قوم،و الظاهر أن المراد بهم من العامة،كما صرّح به في المختلف،قال:إذ لا قول لعلمائنا في ذلك (3).و عبارته هذه ظاهرة في دعوى الإجماع على فساد هذا القول،كما صرّح به الشيخ نفسه في الخلاف (4).

و إذا انتفى هذا القول بالإجماع ظهر انعقاده على عدم جواز البعد الكثير مطلقا؛إذ لا قائل بجوازه دون الثلاثمائة،إلاّ ما ربما يتوهم من الخلاف،من حيث تحديده البعد الممنوع عنه بما يمنع عن مشاهدة الإمام و الاقتداء بأفعاله (5)،الظاهر بحسب عموم المفهوم في جواز البعد بما لا يمنع عن المشاهدة مطلقا و إن كان كثيرا عادة.

و هو غير صريح،بل و لا ظاهر في المخالفة ظهورا يعتدّ به،سيّما و أن

ص:213


1- منهم:العلامة في التذكرة 1:173،و صاحب المدارك 4:322،و المحقق السبزواري في الذخيرة:394.
2- المبسوط 1:156.
3- المختلف:159.
4- الخلاف 1:556.
5- الخلاف 1:559.

غالب صور مفهوم العبارة هو البعد الذي لم يخرج به عن العادة،فيحمل عليه، و لعلّه لذا لم ينقل عنه في المختلف الخلاف في المسألة،و إنما نقل في مقابلة المشهور القول بما لا يتخطى و الثلاثمائة خاصة،مشعرا بأنهما المخالفان في المسألة.

و في الصحة مع عدم البعد الكثير العرفي و إن كان بما لا يتخطى إلى الإطلاق الذي مضى،المعتضد بالأصل و الشهرة العظيمة بين أصحابنا بحيث كاد أن يكون إجماعا،بل على جواز البعد بنحو من الطريق و النهر الإجماع في الخلاف صريحا (1)،و الغالب في البعد بهما كونه بما لا يتخطى.

و منه يظهر جواز الاستناد إلى الموثق الذي مضى في جواز ائتمام المرأة خلف الرجل و إن كان المسافة بينهما حائطا أو طريقا.

خلافا للحلبي (2)و ابن زهرة (3)،فمنعا عن البعد بما لا يتخطى؛للصحيح الذي مضى المصرّح بأنه لا صلاة لمن بينه و بين الإمام أو الصف المتقدم عليه هذا (4).

و هو محمول على الفضيلة جمعا و التفاتا إلى ما في ذيله من قوله:

«و ينبغي أن يكون الصفوف تامة متواصلة بعضها إلى بعض لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى»و هو ظاهر في الاستحباب،أظهر من ظهور:«لا صلاة»في الفساد،سيّما مع درج تواصل الصفوف و تماميتها معه في حيّز:«ينبغي»فإنه بالنسبة إليه للاستحباب قطعا،فكذا بالنسبة إلى مصحوبه المفسّر له ظاهرا.

ص:214


1- الخلاف 1:215.
2- في«م»:الحلي.
3- الحلبي في الكافي:144،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):560.
4- راجع ص 207.

و قريب منه رواية أخرى مروية عن دعائم الإسلام،إذ فيها:«و ينبغي للصفوف أن تكون متواصلة،و يكون بين كل صفين قدر مسقط جسد الإنسان إذا سجد» (1).

و الظاهر أن جملة:«و يكون»معطوفة على جملة«تكون»الأولى،للقرب؛ و شهادة الصحيحة.و يمكن جعلها قرينة على كون العطف في هذه الرواية تفسيريا.

هذا مع أنّ فيها إجمالا من حيث عدم تعيينهما مبدأ ما يتخطى،أ هو من المسجد أم الموقف،فكما يحتمل الثاني يحتمل الأول أيضا،و عليه فلا مخالفة للمختار فيهما،فتأمل جدّا.

هذا مضافا إلى ما يرد على هذا القول ممّا ذكرناه في الشرح مستقصى.

و بالجملة:فالمشهور أقوى و إن كان ما ذكراه أحوط و أولى.

و هل اشتراط هذا الشرط مطلق كما عليه الشهيدان (2)؟أم مختص بابتداء الصلاة خاصة حتى لو فقد بخروج الصفوف المتخللة عن الاقتداء بنية الانفراد أو بلوغ الصلاة إلى الانتهاء لم تنفسخ القدوة كما عليه جماعة؟ (3).

وجهان،و الأصل-مع اختصاص ما دلّ على الاشتراط بحكم التبادر بالابتداء-مع الثاني.

و على الأول فهل تنفسخ القدوة مطلقا فينوي الانفراد للضرورة،أم إذا لم يمكن تجديدها بالتقرب إلى محل الصحة مع عدم حصول المنافي؟ وجهان،و الأحوط تجديدها ثمَّ الصلاة مرة أخرى.

ص:215


1- دعائم الإسلام 1:156،المستدرك 6:499 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 1.
2- الشهيد الأول في البيان:235،الشهيد الثاني في روض الجنان:370.
3- منهم صاحب المدارك 4:323،و المحقق السبزواري في الذخيرة:394.

و اعلم:أن اغتفار البعد في صورة الاستثناء مجمع عليه،بل ضروري جدّا.

و هل يجب أن لا يحرم البعيد من الصفوف بالصلاة حتى يحرم بها قبله من المتقدم من يزول معه التباعد كما يتوهم من بعض العبارات (1)؟أم لا بل يكون مستحبا حيث لا يستلزم فوات القدوة و إلاّ فالعدم أولى؟ وجهان،و لعلّ الثاني أقوى.

تكره القراءة خلف الإمام

و تكره القراءة من المأموم الغير المسبوق خلف الإمام المرضي عنده في الصلوات الإخفاتية على الأظهر الأشهر بين الطائفة على ما حكاه الماتن هنا،و جماعة كالشهيدين في الدروس و روض الجنان (2)؛للنهي عنها في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (3).

و إنما حملت على الكراهة جمعا بينها و بين ما دلّ على الجواز من صريح المعتبرة،كالصحيح:عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام،يقرأ فيهما بالحمد و هو إمام يقتدى به؟قال:«إن قرأت فلا بأس و إن سكتّ فلا بأس» (4).

و الخبر المنجبر ضعف سنده بعمل الأكثر:«إذا كنت خلف إمام تولاّه و تثق به فإنه يجزيك قراءته،و إن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه،فإذا جهر فأنصت» (5).

و في الصحيح:يقرأ الرجل في الاولى و العصر خلف الإمام و هو لا يعلم أنه يقرأ؟فقال:«لا ينبغي له أن يقرأ،يكله إلى الإمام» (6).

ص:216


1- راجع الحدائق 11:107.
2- الدروس 1:222،روض الجنان:372.
3- الوسائل 8:353 أبواب صلاة الجماعة ب 30.
4- التهذيب 2:1192/296،الوسائل 8:358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 13.
5- التهذيب 3:120/33،الوسائل 8:359 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 15.
6- التهذيب 3:119/33،الاستبصار 1:1654/428،الوسائل 8:357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 8.

و هو ظاهر في الكراهة،أظهر من دلالة النهي على الحرمة،سيّما مع شيوع استعماله في الكراهة،مع قوة احتمال وروده هنا لدفع توهم وجوب القراءة كما زعمته جماعة من العامة (1)،فلا يفيد سوى إباحة الترك،لا الحرمة،بل و لا الكراهة،و هي في الجملة من خصائص الإمامية،و ادّعى إجماعهم عليها جماعة كالفاضلين في المعتبر و المنتهى و التذكرة (2).

و لعلّه لهذا قيل بعدم الكراهة هنا (3).و لكنه ضعيف؛لما عرفت من ظهور الصحيحة الأخيرة فيها؛مضافا إلى التسامح فيها و الاكتفاء في ثبوتها بفتوى فقيه واحد فضلا عن الشهرة،و باحتمال الحرمة،كما عليها هنا من القدماء جماعة (4)لظاهر النواهي،لكن قد عرفت جوابه.

و لصريح الصحيح:«من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة» (5).

و يمكن حمله على الكراهة-و إن بعد غايته-جمعا بينه و بين ما مرّ ممّا هو أصرح دلالة على الجواز منه على الحرمة.أو على ما عدا الإخفاتية.أو على ما إذا قرأ بقصد الوجوب كما عليه جماعة من العامة،فيكون المقصود به ردّهم لا إثبات إطلاق الحرمة.

و أما القول باستحباب القراءة لكن للحمد خاصة-كما عن الشيخ في

ص:217


1- منهم ابن قدامة في المغني 2:12،و ابن رشد في بداية المجتهد 1:154.
2- المعتبر 2:420،المنتهى 1:378،التذكرة 1:184.
3- اللمعة(الروضة البهية 1):381.
4- منهم الشيخ في النهاية:113،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):560.
5- الكافي 3:6/377،الفقيه 1:1155/255،التهذيب 3:770/269،الوسائل 8:356 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 4.

المبسوط و النهاية و جماعة (1)-فلم أقف له على دلالة،فهو أضعف الأقوال في المسألة.

و كذا تكره في الصلوات الجهرية لو سمع القراءة و لو همهمة و هي الصوت الخفي من غير تفصيل الحروف،بلا خلاف في أصل المرجوحية،على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة،كالفاضل المقداد في التنقيح و الشهيد الثاني في روض الجنان و الروضة (2)،و يشمله دعوى الفاضلين الإجماع على السقوط في كتبهما المتقدمة،كنفي الحلّي الخلاف في السرائر عن ضمان الإمام للقراءة (3).

و هل هي على الحرمة كما عليه من القدماء و المتأخرين جماعة (4)؟أم الكراهة كما عليه آخرون،و ادّعى عليها الشهيدان الشهرة في الدروس و الروضة (5)، بل في التنقيح نسب وجوب الإنصات المنافي للقراءة إلى ابن حمزة خاصة،ثمَّ قال:و الباقون سنّوه (6).و لعلّه ظاهر في دعوى الاتفاق؟إشكال:

من الأمر بالإنصات في الآية الكريمة (7)،و جملة من الصحاح،منها:

«و إن كنت خلف الإمام فلا تقرأنّ شيئا في الأوليين و أنصت لقراءته،و لا تقرأ شيئا في الأخيرتين،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول للمؤمنين وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ [1] يعني في

ص:218


1- المبسوط 1:158،النهاية:113؛و انظر المهذّب 1:81،و الجامع للشرائع:100،و نهاية الإحكام 2:160.
2- التنقيح الرائع 1:272،روض الجنان:372،الروضة 1:381.
3- السرائر 1:284.
4- منهم:الشيخ في النهاية:113،و الحلبي في الكافي:144،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):560 و العلامة في المختلف:158،و صاحب المدارك 4:323.
5- الدروس 1:222،الروضة 1:381.
6- التنقيح 1:272.
7- الأعراف:204.

الفريضة فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [1] و الأخيرتان تبع للأوليين» (1)و منها:«إنّ الصلاة التي يجهر فيها بالقراءة فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه،فإن سمعت فأنصت،و إن لم تسمع فاقرأ» (2).

و منها:«إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت و سبّح» (3)و نحوها غيرها (4).

مضافا إلى النهي عنها في الصحاح المستفيضة عموما و خصوصا في المسألة (5)،و الأمر و النهي حقيقتان في الوجوب و الحرمة.

و من احتمال كونهما هنا للاستحباب و الكراهة كما يفهم من بعض المعتبرة،كالموثق:عن الرجل يؤم الناس فيستمعون صوته و لا يفهمون ما يقول،فقال:«إذا سمع صوته فهو يجزيه،و إذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه» (6).

فإنّ في التعبير بالإجزاء إشعارا بل ظهورا في عدم المنع عن القراءة أصلا،أو عدم كونه للحرمة.

هذا مضافا إلى الإجماع على ما حكاه بعض الأصحاب (7)على عدم وجوب الإنصات للقراءة على الإطلاق،كما هو ظاهر الآية،بل هو كذلك للاستحباب،فتعليل الأمر بالإنصات في النصوص بالأمر به فيها قرينة عليه،

ص:219


1- الفقيه 1:1160/256،الوسائل 8:355 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 3.
2- الكافي 3:1/377،التهذيب 3:114/32،الاستبصار 1:1649/427،الوسائل 8:356 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 5.
3- الكافي 3:3/377،التهذيب 3:116/32،الاستبصار 1:1651/428،الوسائل 8:357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 6.
4- تفسير العياشي 2:44،المستدرك 6:480 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
5- الوسائل 8:355 أبواب صلاة الجماعة ب 31.
6- التهذيب 3:123/34،الاستبصار 1:1656/429،الوسائل 8:358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 10.
7- منهم المحقق الأردبيلي في زبدة البيان:130،و العلامة المجلسي في بحار الأنوار 85:21.

كما صرّح به الماتن (1).

و فيه نظر؛لتصريح الصحيحة باختصاص الآية بالفريضة،و لا إجماع على عدم الوجوب فيها؛و الإجماع على الاستحباب في غيرها لا ينافي الوجوب فيها،فهذا الاستدلال ضعيف.

و أضعف منه الاستدلال بنحو الصحيح:عن الرجل يصلّي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة،قال:«لا بأس إن صمت و إن قرأ» (2).

فإنه أخصّ من المدّعى؛لدلالته على جواز القراءة في صورة خاصة، و هي صورة عدم سماع القراءة،و قد أطبق الأكثر بل الكل-عدا الحلّي (3)-على الجواز هنا و إن اختلفت عبائرهم في كونه على الوجوب كما هو ظاهر الماتن هنا؛لقوله و لو لم يسمع قرأ لظهور الأمر فيه.

أو الاستحباب كما هو صريح جمع (4).

أو الإباحة كما هو ظاهر القاضي و غيره (5)،و يحتمله المتن و غيره،حتى النصوص الآمرة به كالصحيح:«فإن سمعت فأنصت،و إن لم تسمع فاقرأ» (6)لوروده في مقام توهم المنع،فلا يفيد سوى الإباحة،و يدفع الرجحان بالأصل و الصحيحة المتقدمة المجيزة الظاهرة في تساوي الطرفين في الرجحان و المرجوحية.

ص:220


1- انظر المعتبر 2:421.
2- التهذيب 3:122/34،الاستبصار 1:1657/429،الوسائل 8:358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 11.
3- السرائر 1:284.
4- الماتن في المعتبر 2:421؛و انظر المختلف:158،و الذكرى:277.
5- القاضي في المهذّب 1:81؛و انظر النهاية:113.
6- تقدّم مصدره في ص:219.

هذا إن لم نقل بالمسامحة في أدلة السنن و إلاّ فلا بأس بالاستحباب كما هو الأشهر الأقوى.

و أما القول بالوجوب فضعيف غايته،و أضعف منه القول بالحرمة.

ثمَّ إن ظاهر إطلاق النصوص جواز القراءة في هذه الصورة مطلقا و لو مع سماع الهمهمة؛لصدق عدم سماع القراءة معه،و نحوها إطلاق كثير من عبائر القدماء (1).

خلافا لصريح العبارة و جماعة (2)،فقيّدوه بصورة عدم سماع الهمهمة؛ للصحيح:«و إن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ» (3).

و هذا أقرب؛لوجوب حمل المطلق على المقيّد،سيّما و أنّ محل المقيد أظهر أفراد المطلق،فتأمل.

و اعلم:أنّ الأحوط للعبادة ترك القراءة فيما عدا هذه الصورة مطلقا، سيّما في الصلاة الجهرية،للإجماع على السقوط فتوى و دليلا كما مضى،مع سلامة الأدلة المانعة في الجهرية عمّا يصلح للمعارضة،سوى الموثقة المتقدمة.و في الاكتفاء بها للخروج عن ظواهر الكتاب و السنّة جرأة عظيمة، سيّما مع قصور دلالتها عن الظهور المعتد به،فضلا عن الصراحة التي هي المناط في الخروج عن ظواهر الأدلة.

ص:221


1- منهم:السيد المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):40،و ابن البراج في شرح الجمل:120،و المهذّب 1:81،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية): 560.
2- منهم:العلامة في القواعد 1:47،و الشهيد في الدروس 1:222،صاحب الحدائق 11:126.
3- الكافي 3:4/377،التهذيب 3:117/33،الاستبصار 1:1652/428،الوسائل 8:357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 7.

و هل السقوط يختص بالركعتين الأوليين مطلقا،كما عليه الصدوق و الحلبي و ابن زهرة (1)،و جعله المرتضى أولى (2)؟أم يعمّهما و الأخيرتين كذلك، كما عليه الحلّي حتما و ابن حمزة جوازا (3)مع رجحان القراءة ثمَّ التسبيح،أو الأول في الإخفاتية دون الجهرية كما عليه الفاضل في المختلف (4)،أو بالعكس كما في الذخيرة (5)؟ أقوال،أجودها أوّلها؛للأصل،و عموم ما دلّ على وجوب وظيفتهما؛مع اختصاص ما دلّ على سقوط القراءة بحكم التبادر-الموجب عن تتبع النصوص و الفتاوي-بالمتعينة منها لا مطلقا،و ليست إلاّ في الأوليين دون الأخيرتين؛فإنّ وظيفتهما القراءة المخيرة بينها و بين التسبيح مع أفضليته كما في بحثها قد مضى،و ليس المراد بالقراءة المحكوم بسقوطها ما يعمّ نحو التسبيح قطعا كما يستفاد من تتبع النصوص و الفتاوي أيضا؛و لذا لا يسقط القنوت و الأذكار و نحو هما.

مضافا إلى الصحيح:«إن كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ و كان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأوليين» و قال:«يجزيك التسبيح في الأخيرتين»قلت:أيّ شيء تقول أنت؟قال:«أقرأ فاتحة الكتاب» (6).

ص:222


1- الصدوق في المقنع:36،الحلبي في الكافي:144،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية): 560.
2- راجع جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):41.
3- الحلي في السرائر 1:284،نقله عن ابن زهرة في الحدائق 11:124.
4- المختلف:158.
5- الذخيرة:397.
6- التهذيب 3:124/35،الوسائل 8:357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 9.

و هو صريح في ردّ الحلّي و ظاهر في المختار.

و قريب منه الخبر:«إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوليين،و على الذين خلفك أن يقولوا:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و هم قيام،فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب و على الإمام التسبيح مثل ما يسبّح القوم في الأخيرتين» (1)فتأمل (2).

لكنهما-مع ضعف سند ثانيهما،و مخالفة ظاهره للإجماع،و ظهورهما في رجحان القراءة على التسبيح و لو في الجملة،مع أنه خلاف ما قدّمنا تحقيقه في بحث القراءة-معارضان ببعض الصحاح المتقدمة الناهي عن القراءة في أخيرتي الجهرية،معلّلا بأنهما تبع للأوليين اللتين يجب الإنصات فيهما.

و تعليله النهي عن القراءة بالإنصات المأمور به في الآية ظاهر في عمومها للتسبيح و القراءة.

و حكمه بالتبعية على الإطلاق ظاهر في عدم اختصاص النهي عن القراءة المزبورة بالجهرية و إن كانت مورده،لأنه لا يخصّص عموم الجواب كما مرّ غير مرّة،إلاّ أن يقال:إنه لا عموم له،و إنما غايته الإطلاق المحتمل للانصراف إلى المعهود.

و عليه فيتقوى القول بالسقوط مطلقا،أو في الجملة،لكن الخروج به عن مقتضى الأصل و العمومات مشكل،سيّما مع اعتضادهما بالخبرين المتقدمين، و صحيحين آخرين:

ص:223


1- التهذيب 3:800/275،الوسائل 8:362 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 6.
2- ليست في«ش»و«م».

في أحدهما:عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين،فقال:

«الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب و من خلفه يسبّح» (1).

و في الثاني:«إني أكره للمؤمن أن يصلّي خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار»قال:قلت:يصنع ما ذا؟قال:«يسبّح» (2).

و هي و إن كانت ظاهرة في الأوليين من الإخفاتية إلاّ أن قوله:«فيقوم كأنه حمار»ظاهر في كراهة السكوت مطلقا،و إنما لم يكره في أوليي الجهرية كما يفهم منها لقيام الإنصات مقام القراءة فيها،فكأنه غير ساكت أصلا.

و الكراهة فيها يمكن أن يراد بها المعنى الأعم من الحرمة و من المصطلح كما هو الأصل،مع عدم ثبوت كونها حقيقة في الثاني في الشرع،و عليه فيمكن إرادة المعنيين منها بدليل من خارج،بالنسبة إلى الركعتين الأوليين فالمصطلح كما صرّح به جمع،و إلى الأخيرتين فالمنع عن السكوت كما يقتضيه العمومات و الأصل.هذا مع أنه أحوط؛لندرة القول بتحتم السقوط هنا،و إطباق من عدا القائل به على جواز التسبيح و القراءة مخيرا بينهما،و إن اختلف في جواز السكوت أيضا أم لا،و أفضلية التسبيح أو القراءة أو تساويهما.

و يمكن الاستدلال على عدم تحتم السقوط هنا بفحوى الصحاح المستفيضة و غيرها المتقدمة الدالة على جواز القراءة بل استحبابها في أوليي الجهرية مع عدم سماع الهمهمة،فلأن تجوز في أخيرتيها بطريق أولى؛و لعلّه لهذا لم يمنع في الذخيرة عن القراءة فيهما (3).و حيث ثبت جواز القراءة فيهما

ص:224


1- الكافي 3:1/319،التهذيب 2:1185/294،الوسائل 8:361 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 5.
2- الفقيه 1:1161/256،التهذيب 3:806/276،الوسائل 8:360 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 1.
3- الذخيرة:397.

أو استحبابها ثبت جواز التسبيح أيضا؛لعدم القائل بالفرق من هذه الجهة بينهما.

و بالجملة:الأحوط،بل لعلّه المتعيّن عدم السقوط هنا مطلقا،أما الجهرية فلما عرفته،و كذا الإخفاتية،مضافا إلى جواز القراءة في أولييها كما مضى فكذا في الأخيرتين منها،بل بطريق أولى.

و لا ينافيه الصحيحة المتقدمة الدالة على أن الأخيرتين تبع للأوليين أصلا،إمّا لاحتمال اختصاصها بالجهرية كما مضى،أو من حيث حكمها بالتبعية،و مقتضاها الجواز في أخيرتي الإخفاتية،بناء على ثبوته في أولييها كما عرفته لكن مع الكراهة.

و ينبغي القطع بعدمها فيهما؛لندرة القول بالمنع،و قوة أدلة الوجوب، فيكون مراعاة احتماله أولى من مراعاة الكراهة،و عليه فيقيّد إطلاق التبعية في أصل جواز القراءة و عدمه من غير ملاحظة نحو وصف الكراهة،فتأمل.

و إنما قيّدنا الإمام بالمرضي و المأموم بغير المسبوق؛لوجوب القراءة على المسبوق فيما سبق به،أو استحبابها،على الاختلاف كما يأتي؛و على من هو خلف من لا يقتدى به وجوبا بلا خلاف يعرف كما في السرائر و المنتهى (1)؛ لانتفاء القدوة،و للمعتبرة،منها:الصحيح:«إذا صلّيت خلف إمام لا يقتدى به فاقرأ خلفه،سمعت قراءته أو لم تسمع» (2).

و لا ينافيها المعتبرة الآمرة بالإنصات و الاستماع لقراءته في الجهرية (3)؛ لاحتمالها الحمل على حال التقية،فحينئذ ينصت و يقرأ فيما بينه و بين نفسه

ص:225


1- السرائر 1:284،المنتهى 1:378.
2- الكافي 3:4/373،التهذيب 3:125/35،الاستبصار 1:1658/429،الوسائل 8:366 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 9.
3- الوسائل 8:363 أبواب صلاة الجماعة ب 33.

سرّا.

و لا يجب الجهر بالقراءة،كما في الصحيح:عن الرجل يصلّي خلف من لا يقتدى بصلاته و الإمام يجهر بالقراءة،قال:«اقرأ لنفسك،و إن لم تسمع نفسك فلا بأس» (1).

و المرسل:«يجزيك إذا كنت معهم في القراءة مثل حديث النفس» (2).

و يجزي الفاتحة وحدها مع تعذر السورة؛للضرورة،و المعتبرة.

و في الذخيرة:الظاهر أنه لا خلاف فيه،و نقل بعضهم الإجماع (3).

و لو ركع الإمام قبل فراغ المأموم من الفاتحة سقطت أيضا،كما قطع به الشيخ في التهذيب (4)؛للمعتبرة،منها:الصحيح:قلت:من لا يقتدى به في الصلاة؟قال:«افرغ قبل أن يفرغ فإنك في حصار،فإن فرغ قبلك فاقطع القراءة و اركع معه» (5).

و هي حجة على من أوجب إتمامها في الركوع (6)،مع أني لا أعرف مستنده.

و يجب متابعة الإمام المرضي في الأفعال و تكبيرة الإحرام إجماعا، كما حكاه جماعة حدّ الاستفاضة (7)؛للنبوي المشهور:«و إنما جعل الإمام

ص:226


1- التهذيب 3:129/36،الاستبصار 1:1663/430،الوسائل 8:363 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 1.
2- التهذيب 3:128/36،الاستبصار 1:1662/430،الوسائل 8:364 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 4.
3- الذخيرة:398.
4- التهذيب 3:37.
5- التهذيب 3:801/275،الوسائل 8:367 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 1.
6- كالشهيد في الذكرى:275.
7- منهم:الشهيدان في الذكرى:274،و الروضة 1:384،و صاحب المدارك 4:326،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:162.

إماما ليؤتم به،فإذا كبّر فكبّروا،و إذا ركع فاركعوا،و إذا سجد فاسجدوا» (1).

و نحوه النصوص المتضمنة للإمامة و القدوة؛لعدم صدقهما إلاّ بالمتابعة فتجب و لو من باب المقدمة،فتأمل (2).

و في وجوبها في الأقوال عدا التكبيرة قولان،أحوطهما ذلك حيث لا توجب فوات القدوة،بل قيل بوجوبها مطلقا (3).خلافا للأكثر فلم يوجبوها فيها مطلقا.

و فسّرت في المشهور بأن لا يتقدمه،فيجوز المقارنة لكن مع انتفاء فضيلة الجماعة،كما عليه الصدوق و شيخنا في الروضة (4)،و اختار في روض الجنان نقصانها لا انتفاءها بالكلية (5)،و ظاهر الباقين ثبوتها تامة.

و هذا التفسير و إن كان خلاف ظواهر الأدلة،سيّما الرواية النبوية المتضمنة للفاء المفيدة للتعقيب المنافي للمقارنة،لكن عليه شواهد من المعتبرة،كالقويّة الواردة في مصلّيين قال كل منهما:كنت إماما أو مأموما، المصحّحة لصلاتهما في الصورة الأولى (6)،فلو لا جواز المقارنة لما تصورت فرض المسألة،فتأمل (7).

ص:227


1- عوالي اللئالي 2:42/225.
2- وجهه أن وجوب المتابعة المستدل عليه بهذه الإطلاقات إنما هو الوجوب الشرعي لا الشرطي المعبّر عنه بمن باب المقدمة كما ستعرفه.منه رحمه اللّه.
3- قال به الشهيد في الدروس 1:221.
4- حكاه عن الصدوق في الذكرى:279،الروضة 1:384.
5- روض الجنان:373.
6- الكافي 3:3/375،الفقيه 1:1123/250 رواها مرسلة،التهذيب 3:186/54،الوسائل 8:352 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 1.
7- وجهه:احتمال فرضها في صورة التقية،كما إذا اقتديا بثالث غير مرضيّ،فاقتدى أحدهما بالآخر مع عدم تمكنهما من التأخر أفعالا و لا موقفا.منه رحمه اللّه.

و كالصحيح المروي عن قرب الإسناد:عن الرجل يصلّي،إله أن يكبّر قبل الإمام؟قال:«لا يكبّر إلاّ مع الإمام،فإن كبّر قبله أعاد التكبيرة» (1).

و ظاهر المعية المقارنة،سيّما مع تفريع التكبير قبله خاصة.و إذا جازت في التكبيرة جازت في غيرها؛لعدم قائل بالفرق بينهما جوازا فيها و منعا في غيرها و إن وجد قائل به عكسا،كصاحبي المدارك و الذخيرة و غيرهما (2).

و نحوه في الدلالة على جواز المعية لكن في غير التكبيرة بعض الصحاح الآتية في المسألة،هذا.

و الأحوط تركها،سيّما في التكبيرة،فإن القائل بجوازها فيها لم أعرفه و إن حكاه في الذكرى (3)،و أشعر به عبائر جماعة (4)،لكن لم أعرف قائله منّا،نعم حكاه في المنتهى عن أبي حنيفة (5)و لأجله يمكن حمل الرواية السابقة على التقية،سيّما مع كون المروي عنه فيها مولانا موسى بن جعفر عليهما السلام و حالها في زمانه معروفة.

و لئن تنزّلنا عن حملها عليها فهي لا تقاوم الرواية النبوية المنجبرة،بل المعتضدة بفتوى أصحابنا-و إن احتملت الحمل على التقية أيضا؛لكونها مذهب أكثر العامة كما يفهم من المنتهى (6)-مع أنها أحوط للعبادة التي لا ينبغي ترك الاحتياط فيها.

و اعلم:أنّ مقتضى وجوب المتابعة فساد الصلاة مع المخالفة مطلقا،إذ

ص:228


1- قرب الإسناد:854/218،الوسائل 3:101 أبواب صلاة الجنازة ب 16 ح 1.
2- المدارك 4:327،الذخيرة:398؛و انظر الحدائق 11:139.
3- الذكرى:274.
4- منهم:الشيخ في المبسوط 1:103،و الشهيد الأول في البيان:238،و الشهيد الثاني في المسالك 2:222،و المجلسي في بحار الأنوار 85:75.
5- المنتهى 1:379.
6- المنتهى 1:379.

معها لا يعلم كونها العبادة المطلوبة و إن احتمل كون الوجوب تعبديا لا شرطيا، لكنه غير كاف في نحو العبادة التوقيفية اللازم فيها تحصيل البراءة اليقينية، و ليست بحاصلة مع المخالفة،سيّما و أن يكون قد ترك القراءة أو أتى بها و قلنا إن المندوب لا يجزي عن الفرض أصلا،و لعلّه لذا قال الشيخ-رحمه اللّه-في المبسوط:من فارق الإمام لغير عذر بطلت صلاته (1).و نحوه الصدوق (2).

خلافا للمشهور و قالوا لو رفع المأموم رأسه من الركوع و السجود أو أهوى إليهما قبله أي قبل الإمام ناسيا عاد إليهما و إلى القيام و لو كان عامدا أثم و استمر و بقي على حاله إلى أن يلحقه الإمام.

و هو في العمد مشكل مطلقا (3)؛لما قدّمنا،مع سلامته عما يصلح للمعارضة له أصلا عدا الموثق:عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام، أ يعود فيركع إذا أبطأ الإمام و يرفع رأسه[معه]؟قال:«لا» (4).

و هو-مع كونه أخص مع المدّعى،مع عدم وضوح ما يدل على التعميم أصلا،و مع معارضته بما هو أصح منه سندا و أكثر عددا-لا إشعار فيه بصورة العمد أصلا لو لم نقل بظهوره في غيرها.

و تخصيصه بها-جمعا بينه و بين المعتبرة الآتية بحملها على صورة السهو خاصة،و حمله على صورة العمد كذلك-لا أعرف له وجها لا من فتوى و لا من رواية و لا غيرهما،إلاّ ما قيل من استلزام العود في العمد زيادة ركن من غير عذر،و لا كذلك النسيان،فإنه عذر (5).و هو كما ترى؛فإن زيادة الركن عندهم

ص:229


1- المبسوط 1:157.
2- نقله عنه في الذكرى:279.
3- أي في جميع صوره من الركوع و السجود عامدا أو رفع الرأس منهما كذلك.منه رحمه اللّه.
4- الكافي 3:14/384،التهذيب 3:164/47،الاستبصار 1:1689/438،الوسائل 8:391 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 6،و ما بين المعقوفين أضفناها من المصادر.
5- نهاية الإحكام 2:136.

مبطلة مطلقا.

و بالجملة:فما ذكروه هنا مستنده غير واضح،إلاّ أن يكون إجماعا من المتأخرين كما يفهم من الذكرى (1)،أو مطلقا كما من غيرها (2).

و كيف كان الاحتياط بإتمام الصلاة-كما ذكروه-ثمَّ الإعادة ممّا لا ينبغي تركه جدّا.

و أما القول بوجوب العود هنا-كما في النسيان-لإطلاق المعتبرة الآتية، و ضعف الموثقة عن المقاومة.

فضعيف في الغاية؛لاختصاصه-كإطلاق المقنعة (3)-بحكم التبادر بصورة النسيان خاصة.

و كذا في الهوي إلى الركوعين نسيانا؛لعدم دليل عليه فيه أصلا، لاختصاص المعتبرة الحاكمة بما ذكروه بصورة الرفع منهما؛مع عدم وضوح ما يدلّ على التعميم حتى الإجماع؛لفتوى الفاضل في المنتهى بالاستمرار هنا و إن قوّى الرجوع أخيرا (4)،لإشعاره بعدم إجماع على ما قوّاه،و إلاّ لما أفتى بخلافه أوّلا.

و وافقه في التقوية في الذخيرة (5)؛للموثق:في رجل كان خلف إمام يأتم به،فيركع قبل أن يركع الإمام و هو يظن أن الإمام قد ركع،فلمّا رآه لم يركع فرفع رأسه ثمَّ أعاد الركوع مع الإمام،أ يفسد ذلك عليه صلاته أم تجوز تلك

ص:230


1- الذكرى:275.
2- المدارك 4:327.
3- لم نعثر عليه في المقنعة،بل وجدناه في التهذيب 3:47،48.
4- المنتهى 1:379.
5- الذخيرة:399.

الركعة؟فكتب:«يتم صلاته و لا يفسد لما صنع صلاته» (1).

و هو-مع أخصيته من المدّعى مع عدم وضوح معمّم أصلا-وارد في صورة المظنة،و هو غير مفروض المسألة.

و دعوى تنقيح المناط بحيث يوجب التعدية هنا و في باقي الفروض المتقدمة مشكلة،كدعوى الإجماع عليها كما عرفته.و لا ينبغي ترك الاحتياط هنا كما في المسألة السابقة.

و أمّا ما ذكروه في صورة الرفع من الركوعين نسيانا فممّا لا ريب فيه في الجملة؛للمعتبرة،ففي الصحيح:عن الرجل يركع مع إمام يقتدي به ثمَّ يرفع رأسه قبل الإمام،فقال:«يعيد ركوعه معه» (2).

و نحوه غيره،و فيه:عن رجل صلّى مع إمام يأتمّ به،فرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود،قال:«فليسجد» (3).

و ظاهرها وجوب الرجوع كما هو المشهور.

خلافا للفاضل في النهاية و التذكرة (4)،فاستحبه،جمعا بينه و بين الموثقة السابقة الناهية عنه.

و هو ضعيف في الغاية؛لفقد المكافأة.و مع ذلك فالنهي ظاهر في الحرمة،و مع التنزل فالكراهة،و أين هما من الاستحباب كما ذكره،إلاّ أن يحمل النهي فيه على الإباحة دفعا لتوهم وجوب الرجوع،لكنه خلاف ما فهمه الجماعة.

ص:231


1- التهذيب 3:823/280،الوسائل 8:391 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 4.
2- التهذيب 3:810/277،الوسائل 8:391 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 3.
3- الفقيه 1:1173/258،التهذيب 3:165/48،الوسائل 8:390 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 1.
4- نهاية الإحكام 2:136،التذكرة 1:185.

و على الوجوب فلو ترك العود فالوجه فساد الصلاة؛لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.و فيه قول بالصحة ضعيف.و أولى بالفساد ما لو عاد العامد، لزيادة الركن عمدا المبطلة قطعا،هذا إن أوجنبا عليه الاستمرار،و إلاّ فالفساد ثابت بأول فعله.

و لا يجوز أن يقف المأموم قدّامه أي قدّام الإمام المرضي مطلقا،بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في المنتهى و الذكرى و المدارك و غيرها (1).

أما التساوي في الموقف فجائز مطلقا عند الأكثر،بل لا خلاف فيه يظهر إلاّ من الحلّي،فأوجب التقدم بقليل (2)،و هو شاذ،بل على خلافه الإجماع عن التذكرة (3)؛و هو الحجّة.

مضافا إلى الأصل،و إطلاق أدلة شرعية الجماعة،و القوية المتقدمة في المسألة السابقة (4).

و ظواهر خصوص (5)المعتبرة الآتية الآمرة بوقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام و المتعدّد خلفه (6).و ظاهر الأول المحاذاة و المساواة،و الثاني و إن كان صريحا في الأمر بالتأخر يوجب صرف الظاهر إليه،إلاّ أن هذا الأمر-كالأول من حيث تعلّقهما باليمين و الخلف-للاستحباب قطعا حتى عند الحلّي،

ص:232


1- المنتهى 1:365،الذكرى:272،المدارك 4:330؛و انظر مفاتيح الشرائع 1:161، و الذخيرة:394.
2- السرائر 1:277.
3- التذكرة 1:171.
4- راجع ص 227 الهامش 6.
5- في«ش»زيادة:بعض.
6- الوسائل 8:341 أبواب صلاة الجماعة ب 23.

حيث صرّح بأنهما من سنن الموقف،و أنه لو وقف المأموم الواحد عن الخلف و الشمال و المتعدد عنه و عن اليمين جاز (1)و ادّعى الفاضل في المنتهى عليه الإجماع (2).و لعلّه كذلك؛إذ لا خلاف فيه إلاّ من الإسكافي (3)كما يأتي،و هو شاذّ و إن كان أحوط كخيرة الحلّي.

و اعلم:أنّ الظاهر أن المعتبر في التقدم و التساوي العرف و العادة؛لأنه المحكّم فيما لم يرد فيه نصّ في الشريعة.

خلافا لجماعة (4)فبالأعقاب خاصة،فلا يضر تقدم الأصابع أو الصدر أو الرأس مع تساويها،كما لا ينفع التأخر بأحد الأمور المزبورة مع عدم التساوي فيها و تأخر عقب الإمام عن أعقاب المأمومين.

و للفاضل في النهاية فبها و بالأصابع خاصة،و صرّح بأنه لا يقدح في التساوي تقدّم ما عداهما في بعض الأحوال (5).

و لا دليل على شيء منهما عدا الثاني فيساعده العرف في الجملة،بل مطلقا،لو لا التصريح الذي مضى،بل معه أيضا.و لكن الأحوط عدم التقدم بشيء من الأعضاء في شيء من الأحوال أصلا،بل الأحوط عدم التساوي مطلقا.

و لا بدّ من نية الائتمام بإمام معيّن بالاسم أو الصفة أو الحاضر معه بعد العلم باستجماعه لشرائط الإمامة،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل

ص:233


1- السرائر 1:277.
2- المنتهى 1:376.
3- حكاه عنه في المختلف:160.
4- منهم:العلامة في التذكرة 1:171،و الشهيد الأوّل في البيان:234،و صاحب المدارك 4:331.
5- نهاية الإحكام 2:117.

في المنتهى و نهاية الإحكام و الذكرى (1)الإجماع على وجوب أصل نية الاقتداء،فلو لم ينوه،أو نوى الاقتداء بغير معيّن فسدت الصلاة فضلا عن الجماعة.

و كذا لو نوى باثنين و لو توافقا فعلا؛لعدم دليل على الصحة في نحو هذه الصورة من فتوى أو رواية،لاختصاص مورد هما بغيرها.

و منه يظهر وجه ما ذكره الشهيدان في الذكرى و روض الجنان و الروضة من فسادها لو نوى الاقتداء بزيد فبان عمروا و إن كان أهلا للإمامة.أما لو نوى الاقتداء بالحاضر على أنه زيد فبان عمروا ففي صحة الاقتداء ترجيحا للإشارة، و عدمها ترجيحا للاسم وجهان،أحوطهما العدم (2).

و ظاهر العبارة-كغيرها-عدم وجوب نية الإمامة،و لا خلاف فيه أجده، بل عليه الإجماع عن التذكرة (3).

و لا ريب فيه في الجماعة المندوبة بالإضافة إلى صحة الصلاة خاصة.

أمّا في الواجبة فواجبة،وفاقا للشهيدين و غيرهما (4)،و كذا في المندوبة بالإضافة إلى فضيلة الجماعة،إلاّ مع عدم العلم بالاقتداء،فلا يبعد ثبوتها له أيضا،نظرا إلى عموم كرمه سبحانه تعالى،سيّما بالنظر إلى ما ورد في فضيلتها من تزايد ثوابها بتزايد المأمومين و لو مع عدم اطلاع الإمام و لا أحدهم به أصلا.

و لو صلّى اثنان و قال كل منهما: بعد الفراغ كنت مأموما لك أعادا،و لو قال:كنت إماما لم يعيدا للقوي (5)المنجبر قصور سنده بعمل

ص:234


1- المنتهى 1:365،نهاية الإحكام 1:125،الذكرى:271.
2- الذكرى:271،و روض الجنان:375،الروضة 1:382.
3- التذكرة 1:174.
4- الشهيد الأول في الذكرى:271،الشهيد الثاني في المسالك 1:44؛و انظر الجامع العباسي (للشيخ البهائي):93.
5- تقدّم مصدره في ص 227 الهامش 6.

الأصحاب كافة على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (1)،مشعرين بدعوى الإجماع عليه،كما صرّح به في المنتهى في الثاني.

و لا شبهة فيه و لا في الأول أيضا إذا لم يظنّ كلّ منهما قيام الآخر بوظائف الصلاة التي منها القراءة و السبق بالتحريمة و لم يأت أيضا بالقراءة أو أتى بها و لم يجتزئ بها عن القراءة الواجبة.و يشكل في غير ذلك،لكنه مندفع بإطلاق النص المعتضد أو المنجبر بالعمل،بل الإجماع كما في نهاية الإحكام (2)،مع إمكان دفعه بما ذكرناه في الشرح،هذا.

و يظهر من المنتهى رواية أخرى بذلك لعمّار،قال:رواها الشيخ (3).

و لكني لم أرها و لا من أشار إليها غيره أصلا.

لا يشترط في الجماعة تساوي الفرضين

و لا يشترط في الجماعة تساوي الفرضين أي فرض الإمام و المأموم في العدد و لا في النوع و لا في الصنف بعد توافق نظمهما،فيجوز أن يقتدي كل من الحاضر و المسافر بصاحبه في فريضة و يقتدي المفترض بمثله و بالمتنفل نافلة يجوز فيها الجماعة كالمعادة في جماعة و المتنفل بمثله و بالمفترض و مصلّي إحدى الخمس اليومية بمصلّيها و غيرها.

بلا خلاف أجده إلاّ من والد الصدوق فمنع عن ائتمام المتمم بالمقصّر و بالعكس (4).

و منه فمنع عن ائتمام مصلّي العصر بمصلّي الظهر خاصة إلاّ أن يتوهمها العصر ثمَّ يعلم أنها كانت الظهر فتجزي عنه (5).

ص:235


1- منهم:العلامة في المنتهى 1:366،و الشهيد الثاني في المسالك 1:44؛و السبزواري في الذخيرة:399.
2- نهاية الإحكام 2:127.
3- المنتهى 1:366.
4- حكاه عنه في المختلف:155.
5- راجع الفقيه 1:233.

و هما نادران،بل على خلافهما الإجماع كما صرّح به الفاضل في المنتهى في الثاني (1)،و حكي عنه و عن الماتن في الأول (2).

و مع ذلك مستند هما غير واضح،عدا الموثق (3)و غيره (4)للأول، و الصحيح (5)و أمر اعتباري في الثاني.

و الأوّلان مع قصور سندهما،بل و دلالتهما أيضا-لتصريحهما بالصحة مع المخالفة،فيكون قرينة على كون النهي في صدرهما للكراهة،لعدم اجتماع الصحة مع الحرمة،بناء على مذهب الإمامية (6)،و لعلّه لذا صرّح بأنهما صريحان في الكراهة بعض الأجلة (7)-محمولان على الكراهة،جمعا بينهما و بين الصحاح الصراح المستفيضة الآتية المعتضدة-زيادة على الشهرة العظيمة،بل الإجماع كما عرفت نقله-بالأصل و العمومات كتابا و سنّة.

و الأخيران مع ضعفهما دلالة،بل دلالة أوّلهما على خلاف ما ذكره الصدوق في صورة الاستثناء كما لا يخفى على من راجعهما،معارضان بالصحاح الصراح أيضا.

و أما اقتداء المتنفل بالمفترض فلا خلاف فيه بين العلماء،كما لا خلاف في العكس عندنا،و قد صرّح بالإجماعين في المنتهى (8)،و في الخلاف

ص:236


1- المنتهى 1:367.
2- حكاه عنهما في الذخيرة:392.
3- التهذيب 3:355/164،الاستبصار 1:1643/426،الوسائل 8:330 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.
4- التهذيب 3:358/165،الاستبصار 1:1642/426،الوسائل 8:329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 3.
5- التهذيب 3:173/49،الوسائل 8:399 أبواب صلاة الجماعة ب 53 ح 2.
6- من عدم اجتماع الأمر و النهي في الشيء الواحد الشخصي و لو اختلفت الحيثيّة.منه رحمه اللّه.
7- كصاحب المدارك 4:364.
8- المنتهى 1:367.

بإجماعنا خاصة فيهما (1).و سيأتي من النصوص ما يدل عليهما قريبا إن شاء اللّه تعالى،مضافا إلى الأصل و العمومات السليمة هنا عن المعارض أصلا.

كلّ هذا مع توافقهما نظما،و أما مع العدم فلا يجوز الاقتداء في أحدهما بالآخر إجماعا،فلا يقتدى في الخمس مثلا بصلاة الجنازة و الكسوفين و العيدين و لا العكس؛لعدم إمكان المتابعة المشترطة نصّا و فتوى.

يستحب أن يقف الواحد عن يمين الإمام،و الجماعة خلفه

و يستحب أن يقف المأموم الواحد إذا كان رجلا عن يمين الإمام،و الجماعة و لو كانوا اثنين مطلقا خلفه بإجماعنا المقطوع المصرّح به في الخلاف و المنتهى و غير هما (2)،و المعتبرة مستفيضة بذلك جدّا:

ففي الصحيح:«الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه،و إن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه» (3).

و ظاهره كغيره و إن كان الوجوب كما عن الإسكافي (4)،إلاّ أنه نادر محكي في ظاهر الخلاف و صريح المنتهى الإجماع على خلافه فيه.

مضافا إلى الأصل و الإطلاقات،فيصرف الأمر و ما في معناه عن ظاهره، سيّما مع تأيده ببعض النصوص الدالة على الصحة مع المخالفة،و فيه:عن رجل صلّى إلى جنب رجل،فقام عن يساره و هو لا يعلم كيف يصنع ثمَّ علم و هو في الصلاة،قال:«يحوّله عن يمينه» (5)و نحوه غيره (6).

ص:237


1- الخلاف 1:546.
2- الخلاف 1:554،المنتهى 1:376؛و انظر المعتبر 2:426.
3- التهذيب 3:89/26،الوسائل 8:341 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 1.
4- نقله عنه في المختلف:160.
5- الكافي 3:10/387،الوسائل 8:344 أبواب صلاة الجماعة ب 24 ح 1.
6- الفقيه 1:1174/258،التهذيب 3:90/26،الوسائل 8:345 أبواب صلاة الجماعة ب 24 ح 2.

و هو كالصريح في عدم الشرطية و لو في الجملة.

و إذا ثبت الصحة بدونه سهل الأمر في احتمال الوجوب التعبدي؛ لإمكان الاكتفاء في دفعه بالأصل القطعي المعتضد بالشهرة زيادة على الإجماع المحكي،و لا كذلك الوجوب الشرطي،لعسر الاكتفاء في دفعه بمثله إن لم يكن إجماع محكي.

و أن لا يتقدم الإمام العاري أي فاقد الساتر أمام العراة، بل يجلسون و يجلس وسطهم بارزا ركبتيه كما في الصحيح (1).

و ظاهر إطلاقه-كالمتن و كثير-تعيّن الجلوس عليهم مطلقا.

خلافا للمحكي عن الماتن،فخصّه بصورة عدم الأمن من المطّلع، و أوجب القيام في غيرها (2).و هو ضعيف.

و الأصح وجوب الإيماء على الجميع،وفاقا للأكثر،بل عن الحلّي الإجماع عليه (3)،و قد مرّ الكلام فيه في بحث الساتر مستوفى.

و كذا لو أمّت المرأة النساء وقفن معها أي إلى جانبيها استحبابا (4)إلاّ أنه ينبغي هنا أن يكنّ صفا أي في صف واحد أو أزيد من غير أن تبرز بينهن مطلقا،بلا خلاف بين القائلين بجواز إمامتها،بل عليه اتفاقهم كما عن المعتبر و المنتهى (5)؛و هو الحجّة،مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح و الموثق و غيرها (6)،و سيأتي إلى جملة منها الإشارة

ص:238


1- التهذيب 2:1513/365،الوسائل 4:450 أبواب لباس المصلي ب 51 ح 1.
2- الشرائع 1:70.
3- السرائر 1:260.
4- ليست في«ش».
5- المعتبر 2:427،المنتهى 1:377.
6- الوسائل 8:333 أبواب صلاة الجماعة ب 20.

إن شاء اللّه تعالى.

و لو أمّهنّ الرجل وقفن خلفه وجوبا على القول بحرمة المحاذاة، و استحبابا على القول بكراهتها،كما هو الأقوى،و إن كان الأول أحوط و أولى مطلقا،خصوصا هنا،للأمر به في النصوص من غير معارض لها فيها،مع قوة دلالة بعض الصحاح فيما لو حاذت على فساد صلاتها،ففيه:عن إمام كان في الظهر،فقامت امرأته بحياله تصلّي معه و هي تحسب أنها العصر،هل يفسد ذلك على القوم؟و ما حال المرأة في صلاتها معهم و قد كانت صلّت الظهر؟ قال:«لا يفسد ذلك على القوم،و تعيد المرأة صلاتها» (1).

و التقريب:أنّ وجه الإعادة إما المحاذاة أو اختلاف الفرض،لا سبيل إلى الثاني،لما مرّ،فتعيّن الأول.

و حمله على الاستحباب لإيقاع الفرض على الوجه الأكمل-كما في غير محل-يتوقف على وجود معارض،و ليس إلاّ أن يكون ما دلّ على جواز المحاذاة في غير الجماعة،لعدم قول بالفرق أجده بينه و بينها أصلا.و مع ذلك فترك المحاذاة أولى.

و كذا لو كانت واحدة إلاّ أنه ينبغي لها مع التأخر أن تقف عن يمين الإمام،كما في الصحيح:«الرجل إذا أمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه» (2)و نحوه غيره (3).

و إن كان مع المأموم الرجل الواحد امرأة وقف هو عن يمينه و هي خلفه، كما في الخبر (4).

ص:239


1- التهذيب 2:913/232،الوسائل 5:130 أبواب مكان المصلي ب 9 1.
2- الفقيه 1:/259ذيل الحديث 1178،الوسائل 5:125 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 9.
3- التهذيب 3:758/267،الوسائل 8:332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 2.
4- التهذيب 3:763/268،الوسائل 8:332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 3.
يستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد جماعة إماما أو مأموما

و يستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد من يصلّي جماعة، إماما كان فيها ذلك المنفرد أو مأموما إجماعا منّا على الظاهر المحكي مستفيضا (1)،و الصحاح به مستفيضة جدّا (2).

و قصور جملة منها دلالة على الاستحباب-لاحتمال ورود الأمر فيها للرخصة؛لوقوعه جوابا عن السؤال عنها فلا يفيد سوى الإباحة-مجبور بأن جملة أخرى منها فيها الأمر من غير تلك القرينة،و أقله الاستحباب،لانتفاء الوجوب بالإجماع،مع تصريح الموثق بالأفضلية (3).

و أما الصحيح المخيّر بين الإعادة و عدمها (4)فهو و إن أوهم الإباحة المحضة إلاّ أن تصريحه أخيرا بجعل المعادة سبحة أوضح قرينة على استحباب الإعادة.هذا مع أن الرخصة في الإعادة تستلزم كون المعادة سنّة؛لأنها عبادة، و هي لا تكون إلاّ بفضيلة.

و يستفاد من الصحيح و نحوه الرضوي (5)كون الوجه المنوي فيها الندب لا الفرض.و هو خيرة الأكثر (6)؛لخروجه بالأولى عن العهدة،فلا معنى لقصد الوجوب بالثانية.

خلافا للشهيدين فجوّزاه بنيته أيضا (7)؛للصحيحين الآمرين بجعلها

ص:240


1- حكاه صاحب المدارك 4:341،و المحقق السبزواري في الذخيرة:395،و صاحب الحدائق 11:162.
2- الوسائل 8:401 أبواب صلاة الجماعة ب 54.
3- التهذيب 3:175/50،الوسائل 8:403 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 9.
4- الفقيه 1:1212/265،التهذيب 3:821/279،الوسائل 8:402 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 8.
5- فقه الرضا(عليه السلام):124.
6- كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:291،صاحب المدارك 4:343،و المحقق السبزواري في الذخيرة:395.
7- الشهيد الأول في الذكرى:266،و الدروس 1:223،الشهيد الثاني في المسالك 1:44، و روض الجنان:371.

الفريضة (1).و الدلالة ليست واضحة؛لاحتمال الفريضة فيهما الفائتة دون التي تراد فيها الإعادة،أو كون المراد إدراك الجماعة في أثناء الأولى فيجعلها نافلة و الثانية المعادة الفريضة،كما ذكرهما شيخ الطائفة (2)،مستدلا عليهما ببعض المعتبرة.

و يحتمل فيهما غير ذلك ممّا ذكره جماعة (3)،فلا يمكن أخذ هما لما ذكراه حجة،سيّما مع مخالفتهما الأصول الشرعية.

و ظاهر العبارة-ككثير و صريح جماعة (4)-اختصاص استحباب الإعادة بالمنفرد دون الجامع.

خلافا للشهيدين فعمّماه لهما (5)؛للعموم.و فيه منع،إلاّ أن يدّعى استفادته من بعض الصحاح المتضمنة لترك الاستفصال،و هو غير بعيد،و لكنه لا يخلو عن نظر،و لا ريب أن الأول أحوط.

و نحوه الكلام في استحبابها لمصلّين فرادى،إلاّ أنّ الاحتياط فيه آكد و أولى.

و أن يخصّ بالصفّ الأول الفضلاء و أهل المزية الكاملة من علم أو

ص:241


1- الأول: الفقيه 1:1132/251،الوسائل 8:401 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 1. الثاني: الكافي 3:1/379،التهذيب 3:176/50،الوسائل 8:403 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 11.
2- راجع التهذيب 3:50 ذيل الحديث 176.
3- منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:291،و الفيض الكاشاني في الوافي 8: 1247،و العلاّمة المجلسي في مرآة العقول 15:268.
4- منهم:صاحب المدارك 4:342،و صاحب الحدائق 11:163.
5- الدروس 1:223،روض الجنان:371.

عمل أو عقل،و بالصف الثاني من دونهم،و هكذا،كما في النصوص (1)،مضافا إلى الإجماع.

و إطلاقها-كالعبارة و نحوها-يقتضي عدم الفرق في ذلك بين صلاة الجنازة و غيرها.

خلافا لجماعة في الأولى،فجعلوا أفضل الصفوف فيها أواخرها (2)، و ربما عزي إلى الأصحاب جملة (3)،و لا بأس به؛للمعتبرة المستفيضة (4)(5).

و لا بين جماعة الذكور أو النساء،خلافا لبعض النصوص العامية في الثانية،فجعل خير الصفوف فيها أواخرها،و شرّها أولها،عكس الاولى (6).

و ليكن يمين الصف لأفاضلهم؛لأنه أفضل كما في النصوص،منها:

«فضل ميامن الصفّ على مياسرها فضل الجماعة على صلاة الفرد» (7).

و في الذكرى:و ليكن يمين الصف لأفاضل الصف الأول؛لما روي أن الرحمة تنتقل من الإمام إليهم،ثمَّ إلي يسار الصف،ثمَّ إلى الباقي،و الأفضل

ص:242


1- الوسائل 8:305 أبواب صلاة الجماعة ب 7.
2- منهم الحلي في السرائر 1:282،و ابن سعيد في الجامع للشرائع:120،و العلامة في المنتهى 1:458.
3- الحدائق 10:400.
4- الوسائل 3:121 أبواب صلاة الجنازة ب 29.
5- في«م»زيادة:منها:ما رواه خالي العلامة في البحار عن كتاب الإمامة و التبصرة لابن بابويه، عن هارون بن موسى،عن محمد بن علي،عن محمد بن الحسين،عن علي بن أسباط،عن فضالة،عن الصادق عليه السلام،عن آبائه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«الصف الأول في الصلاة أفضل،و الصف الأخير في الجنازة أفضل»و نحوها ما رواه السكوني و الفقه الرضوي.
6- مسند أحمد 2:340،سنن ابن ماجه 1:1000/319،سنن الترمذي 1:224/143.
7- الكافي 3:8/273،الوسائل 8:307 أبواب صلاة الجماعة ب 8 ح 2.

للأفضل (1).

و أن يسبّح المأموم حتى يركع الإمام إن سبقه بالقراءة للموثقين (2)، و في ثالث:«أمسك آية و مجّد اللّه و أثن عليه،فإذا فرغ فاقرأ الآية و اركع» (3)و نحوه الرضوي في الصلاة خلف المخالف (4).

و إطلاق ما عداه يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الصلاة خلفه أو خلف المرضي المستحب خلفه القراءة فيما إذا كانت جهرية و لم يسمع الهمهمة.

قيل:و يحتمل الاختصاص بالأول؛لأنه المتبادر من النص (5).

و أن يكون القيام إلى الصلاة إذا قيل:قد قامت الصلاة على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر،و في الخلاف في أواسط كتاب الصلاة الإجماع عليه (6)؛الخبرين (7).

خلافا للمحكي عن المبسوط و الخلاف هنا فعند فراغ المؤذّن (8).و هو غير واضح المستند،كالقول الآخر المحكي في المختلف عن بعض

ص:243


1- الذكرى:273.
2- الكافي 3:3/373،التهذيب 3:134/38،الوسائل 8:370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 2،3.
3- الكافي 3:1/373،التهذيب 3:135/38،المحاسن:73/326،الوسائل 8:370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 1.
4- فقه الرضا(عليه السلام):145،المستدرك 6:484 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 1.
5- قال به صاحب المدارك 4:344.
6- الخلاف 1:317.
7- الأول:الفقيه 1:1137/252،التهذيب 2:1143/285،الوسائل 8:379 أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 1. الثاني:التهذيب 3:146/42،الوسائل 8:380،أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 2.
8- المبسوط 1:157،الخلاف 1:564.

الأصحاب من أنه عند قول المقيم حيّ على الصلاة (1).

و بعض الأمور الاعتبارية-مع معارضته بالمثل-اجتهاد في مقابلة النص المعتبر المنجبر بالعمل،هذا مع أن القول الأخير محكي عن أبي حنيفة (2)، و عن الشافعي ما قبله (3).

و يظهر عن الخلاف أن النزاع بينهما و بينه إنما هو في الجواز و المشروعية لا الاستحباب و الفضيلة،و هو خلاف مفروض المسألة في كلام الجماعة،و لذا أنه في الموضع الآخر من الخلاف ادعى الإجماع على المختار.

و يكره أن يقف المأموم وحده إلاّ مع العذر

و يكره أن يقف المأموم وحده خارج الصف إلاّ مع العذر كامتلاء الصفوف على المشهور؛للنهي عنه في النصوص المستفيضة (4).و إنما حمل على الكراهة مع ظهوره في الحرمة كما عليه الإسكافي (5)؛لضعفها سندا و مقاومة لما دلّ على الجواز و لو مطلقا،كالصحيح (6)و غيره (7):عن الرجل يقوم في الصفّ وحده،فقال:«لا بأس إنما يبدو واحد بعد واحد».

مضافا إلى الأصل،و الإطلاقات،و خصوص الإجماع المحكي في صريح المنتهى و ظاهر المدارك (8)على الجواز.

ص:244


1- المختلف:160.
2- حكاه عنه الشيخ في الخلاف 1:317،و نقله ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 1:538.
3- انظر المغني و الشرح الكبير 1:538.
4- الوسائل 8:405،407،422 أبواب صلاة الجماعة ب 57،58،70.
5- نقله عنه في الذكرى:274.
6- التهذيب 3:828/280،علل الشرائع:1/361،الوسائل 8:406 أبواب صلاة الجماعة ب 57 ح 2.
7- الفقيه 1:1147/254،الوسائل 8:406 أبواب صلاة الجماعة ب 57 ح 4.
8- المنتهى 1:377،المدارك 4:345.

و أن يصلّي نافلة بعد الأخذ في الإقامة كما في الصحيح (1).

و لا يحرم على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر؛للأصل،مع إشعار الصحيح به،لتضمنه لفظة:«لا ينبغي».

خلافا للنهاية و ابن حمزة (2)فالحرمة.و الحجّة عليها غير واضحة،مع مخالفتها لما عرفته،مضافا إلى الاعتبار،لأن الجماعة مندوبة فلا تحرم لأجلها النافلة،إذ لا يحرم تركها،و هو أقلّ من التشاغل بالنفل رتبة،فيكون بالجواز أولى.

الطرف الثاني:يعتبر في الإمام العقل و الإيمان و العدالة و طهارة المولد و البلوغ
اشارة

الطرف الثاني:يعتبر في الإمام العقل حالة الإمامة و إن عرض له الجنون في غيرها.فيجوز لذي الأدوار لكن على كراهة على الأشهر،و بها قطع الفاضل في موضع من التذكرة (3)،و في آخر منها بالحرمة (4)،لحجة غير ناهضة.و لكنها أحوط؛خروجا عن الشبهة،و احتياطا للعبادة.

و الإيمان أي الاعتقاد بالأصول الخمسة بحيث يعدّ من الإمامية.

و العدالة و هي ملكة نفسانية باعثة على ملازمة التقوى التي هي القيام بالواجبات،و ترك المنهيات الكبيرة مطلقا،و الصغيرة مع الإصرار عليها، و ملازمة المروّة التي هي اتّباع محاسن العادات و اجتناب مساويها و ما ينفر عنه من المباحات و يؤذن بخسّة النفس و دناءة الهمّة،في المشهور بين أصحابنا.

و يأتي الكلام فيها و فيما يتعلق بها في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

و طهارة المولد عن الزنا،و لا بأس بمن تناله الألسن و ولد الشبهة.

ص:245


1- الفقيه 1:1136/252 بتفاوت،التهذيب 3:841/283،الوسائل 5:452 أبواب الأذان و الإقامة ب 44 ح 1.
2- النهاية:119،ابن حمزة في الوسيلة:106.
3- التذكرة 1:176.
4- التذكرة 1:144.

و لا خلاف بيننا في اشتراط هذه الأمور الأربعة-كالبلوغ في الجملة-بل عليه دعوى الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (1)،و هي في العدالة كادت تبلغ التواتر،كالنصوص فيها،و أما فيما عداها فهي في جملة منه مستفيضة،و هي ما عدا الإيمان،و فيها الصحاح و غيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح:«لا يصلّينّ أحدكم خلف المجنون و ولد الزنا» (2).

و في آخر:«خمسة لا يؤمّون الناس على حال»و عدّا منهم (3).

و أما هو فيدل على اعتباره-بعد فحوى ما دلّ على اعتبار العدالة،بل صريحه إن قلنا بأن المخالف فاسق-الصحيح:في الصلاة خلف الواقفية، فقال:لا (4).

و قريب منه النصوص الواردة في الصلاة خلف المخالف و أمر المؤتم به بالقراءة خلفه (5).

و يشترط البلوغ مطلقا على الأظهر الأشهر،و عن المنتهى في كتاب الصوم نفي الخلاف عنه (6)،مؤذنا بدعوى الإجماع عليه؛للخبر (7)

ص:246


1- منهم:المحقق في المعتبر 2:431،و العلامة في نهاية الإحكام 2:139،142،و الشهيد في الذكرى:267.
2- الكافي 3:4/375،الفقيه 1:1106/247،الوسائل 8:321 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 2.
3- الكافي 3:1/375،التهذيب 2:92/26،الاستبصار 1:1626/422،الوسائل 8:321 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 1.
4- الفقيه 1:1113/248،التهذيب 3:98/28،الوسائل 8:310 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 5.
5- الوسائل 8:309 أبواب صلاة الجماعة ب 10.
6- المنتهى 1:596.
7- الفقيه 1:1169/258،التهذيب 3:103/29،الاستبصار 1:1632/423،الوسائل 8:322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 7.

المنجبر ضعفه بعمل الأكثر؛و الأصل الدالّ على عدم سقوط القراءة بفعل الغير إلاّ مع العلم بالمسقط،و على اعتبار العدالة و الإيمان المتفرعين على التكليف المفقود فيه بالنص و الإجماع؛مضافا إلى سائر ما ذكرته في الشرح.

خلافا للمبسوط و الخلاف (1)،فجوّز إمامة المراهق المميّز العاقل،مدّعيا عليه الإجماع.

و هو موهون بمصير الأكثر-على ما صرّح به جمع (2)بقول مطلق-إلى الخلاف،و منهم هو في التهذيبين و النهاية و الاقتصاد و القاضي (3)من القدماء، مع عدم ظهور موافق له عدا المرتضى فيما يحكى عنه في التنقيح (4).

و مع ذلك فهو معارض بالمثل المترجح عليه بما مرّ،فالاستدلال به للجواز ضعيف.كالاستدلال له بالنصوص المجوّزة لإمامته مطلقا،كما في الموثق (5)و غيره (6)،أو إذا كان له عشر سنين كما فيه (7)؛لقصورها عن المقاومة لما مضى من وجوه شتّى،و منها قصور دلالتها،لأعميتها من المدّعى،لعدم تقييد فيها بشيء من القيود التي ذكرها،و التقييد بالعشر في بعضها لا يستلزمها.

و لا فرق في إطلاق الأدلة منعا و جوازا بين كونه سلطانا مستخلفا أو غيره؛

ص:247


1- المبسوط 1:154،الخلاف 1:553.
2- منهم:الشهيد الثاني في روض الجنان:363،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:244،و المحقق السبزواري في الذخيرة:389.
3- التهذيب 3:30،الاستبصار 1:424،النهاية:113،القاضي في المهذّب 1:80،و لم نعثر عليه في الاقتصاد.
4- التنقيح الرائع 1:274.
5- الكافي 3:6/376،الوسائل 8:321 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 3.
6- التهذيب 3:104/29،الاستبصار 1:1633/424،الوسائل 8:323 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 8.
7- الفقيه 1:1571/358،الوسائل 8:322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 5.

خلافا للإسكافي ففرّق،فقال في الثاني بالأول،و في الأول بالثاني (1).

و لا بين إمامته بالبالغين في الفرائض أو في النوافل أو بغيرهم مطلقا؛ خلافا للدروس ففرّق بين الأول فالأول،و غيره فالثاني (2).

و لا أعرف لهما حجة يعتد بها،سيّما في مقابلة الأدلة المتقدمة مطلقا.

و لا يجوز أن يؤم القاعد القائم إجماعا على الظاهر،المصرّح به في الخلاف و السرائر و التذكرة و غيرها (3)،و يظهر أيضا من المنتهى (4).

و للنبوية المشهورة المروية من طرق الخاصة و العامة:«لا يؤمّن أحد بعدي جالسا» (5).

و إطلاقه و إن اقتضى المنع عن إمامة القاعد بمثله أيضا،إلاّ أنه مقيد بما إذا أمّ قائما،كما ذكر الأصحاب،من غير خلاف يعرف بينهم،و في روض الجنان الإجماع عليه (6)؛و هو الحجة عليه،مضافا إلى الأصل و الإطلاقات و خصوص ما ورد في جماعة العراة من صحيح الروايات (7)المعمول به بين الأصحاب.

قالوا:و كذا الكلام في جميع المراتب:لا يؤم الناقص الكامل،فلا يجوز اقتداء الجالس بالمضطجع،و يؤيده-بعد الأصل في العبادة-القوية:«لا يؤمّنّ

ص:248


1- نقله عنه في المختلف:153.
2- الدروس 1:219.
3- الخلاف 1:544،السرائر 1:281،التذكرة 1:177؛و انظر المعتبر 2:436،و المفاتيح 1:160.
4- المنتهى 1:371.
5- الفقيه 1:1119/249،الوسائل 8:345 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 1 و قد رواه البيهقي في سننه 3:80.
6- روض الجنان:364.
7- الوسائل 4:450 أبواب لباس المصلّي ب 51.

المقيّد المطلقين،و لا صاحب الفالج الأصحّاء» (1).

و لا الأمي و هو هنا على ما ذكروه من غير خلاف يعرف بينهم:من لا يحسن قراءة الحمد و السورة أو أبعاضهما و لو حرفا أو تشديدا أو صفة القارئ الذي يحسن ذلك كلّه،إجماعا على الظاهر،المصرّح به في الذكرى (2).

و احتجّ عليه جماعة (3)بالنبوي المشهور و غيره:«يؤمكم أقرؤكم» (4)و لا يخلو عن نظر.

و احترز بالقارئ عن مثله،فإنه يجوز بلا خلاف مع تساويهما في شخص المجهول أو نقصان المأموم،و عجزهما عن التعلّم لضيق الوقت،و عن الايتمام بقارئ أو أتم منهما.

و ذكر جماعة (5)أنه لو اختلفا فيه لم يجز و إن نقص قدر مجهول الإمام، إلاّ أن يقتدي جاهل الأول بجاهل الآخر ثمَّ ينفرد عنه بعد تمام معلومه،كاقتداء محسن السورة خاصة بجاهلها،و لا يتعاكسان.

و لا المؤوف اللسان كالألثغ بالمثلثة،و هو الذي يبدّل حرفا بغيره مطلقا،كما عن المبسوط و في الروضة و غير هما (6)؛أو الراء بالغين أو اللام و السين بالثاء،كما عن الصحاح و في المجمع (7)؛أو الراء باللام خاصة،كما

ص:249


1- الكافي 3:2/375،الفقيه 1:1108/248،الوسائل 8:340 أبواب صلاة الجماعة ب 22 ح 1.
2- الذكرى:268.
3- منهم الشيخ في الخلاف 1:550،العلامة في المنتهى 1:371.
4- مسند أحمد 3:163.
5- منهم:العلامة في نهاية الإحكام 2:147،و الشهيد الثاني في الروضة 1:390،و صاحب المدارك 4:350.
6- المبسوط 1:153،الروضة 1:391؛و انظر نهاية الأحكام 2:148.
7- الصحاح 4:1325،مجمع البحرين 5:15.

عن الفراء (1)،و قيل فيه غير ذلك (2).

و الأليغ بالمثناة من تحت،و هو الذي لا يبين الكلام.

و التمتام و الفأفاء،و هو الذي لا يحسن تأدية الحرفين على أحد التفسيرين.

السليم لسانه عن ذلك كلّه،بلا خلاف فيه كالسابق؛لإخلاله بالقراءة،فتكون صلاته عنها خالية،و لا صلاة إلاّ بفاتحة،فكيف يضمن قراءة المأموم كما دلّت عليه المعتبرة؟!نعم قالوا:يجوز إمامته بمثله بالنهج الذي ذكر في سابقة.

و الأكثر على إلحاق اللاحن في قراءته به مطلقا؛لما ذكرنا،بناء على استلزام اللحن تغيير القرآن عمّا أنزل به.

خلافا للشيخ و الحلّي (3)فجوّزا إمامته للمتقن مطلقا،كما عليه الأول، و إذا لم يغيّر اللحن المعنى،كما عليه الثاني.و لم أعرف مستندهما لا من نصّ و لا من غيره.

و لا المرأة ذكرا و لا خنثى مشكلا لم يعرف ذكوريته عن أنوثيته.

و لا الخنثى مثله؛لجواز اختلافهما في الوصفين،و كون الإمام هو الأنثى.

خلافا لابن حمزة فقال بالجواز هنا (4)،و هو نادر.

و هو في حق الأنثى كالرجل في حقها.

و الأصل في أصل الحكم-المترتب عليه حكم الخنثى-بعد الإجماع

ص:250


1- نقله عنه في الذكرى:268.
2- انظر تهذيب اللغة للأزهري 8:92.
3- المبسوط 1:153،السرائر 1:281.
4- الوسيلة:105.

الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر كالخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة و روض الجنان و الذكرى و غيرها (1)،النبوي المشهور:«لا تؤمّ المرأة رجلا» (2).

و نحوه المرتضوي المروي عن الدعائم بزيادة:«و لا تؤمّ الخنثى الرجال، و لا الأخرس المتكلّمين،و لا المسافر المقيمين» (3).

و يستفاد من فحوى العبارة جواز إمامة المرأة بمثلها،و هو إجماع في النافلة التي يجوز الاجتماع فيها كالاستسقاء و نحوها،على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (4).

و أما في الفريضة فقولان،أصحّهما نعم،وفاقا للأكثر،بل عليه عامة من تأخر،و في صريح الخلاف و التذكرة و ظاهر المعتبر و المنتهى الإجماع عليه (5)؛ للمعتبرة المستفيضة،و هي ما بين صريحة في ذلك و ظاهرة.

فمن الأوّلة،النبوي:إنه صلّى اللّه عليه و آله أمر أمّ ورقة أن تؤمّ أهل دارها و جعل لها مؤذّنا (6).

و الخاصي المروي في الفقيه:كيف تصلّي النساء على الجنائز إذا لم يكن معهنّ رجل؟قال:«يقمن جميعا في صف واحد و لا تتقدمهن امرأة»قيل:

ففي صلاة المكتوبة تؤمّ بعضهن بعضا؟قال:«نعم» (7).

ص:251


1- الخلاف 1:548،المعتبر 2:438،المنتهى 1:373،التذكرة 1:177،روض الجنان:365،الذكرى:267؛و انظر مفاتيح الشرائع 1:160.
2- سنن البيهقي 3:90.
3- دعائم الإسلام 1:151،المستدرك 6:466 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 2.
4- انظر روض الجنان:367،و الحدائق 11:187.
5- الخلاف 1:562،التذكرة 1:177،المعتبر 2:427،المنتهى 1:368.
6- سنن البيهقي 3:130.
7- الفقيه 1:479/103،الوسائل 3:117 أبواب صلاة الجنازة ب 25 ح 2.

و من الأخيرة،الموثق (1)و المرسل (2)القريب منه:عن المرأة تؤمّ النساء،؟ قال:«نعم تقوم وسطا بينهن و لا تتقدمهن».

و في الصحيح:عن المرأة تؤمّ النساء،ما حدّ رفع صوتها بالقراءة؟قال:

«قدر ما تسمع» (3).

و نحوه غيره لرواية مروي في قرب الإسناد عن كتابه بزيادة قوله:و سألته عن النساء هل عليهن الجهر بالقراءة في الفريضة و النافلة؟قال:«لا،إلاّ أن تكون امرأة تؤمّ النساء» (4).

و في هذه الزيادة تلويح،بل دلالة على العموم للفريضة زيادة على ما في هذين الخبرين كسابقيهما،من ترك الاستفصال المفيد للعموم في المقال، سيّما مع كون الفريضة أظهر الأفراد فتدخل فيها حتما و لو كان دلالتها من باب الإطلاق،فتأمل.

و قصور الأسانيد أو ضعفها-حيث كان-مجبور بعمل الأصحاب، مضافا إلى الأصل و الإطلاقات.

خلافا للمرتضى و الجعفي و الإسكافي (5)فلا؛للصحاح:«تؤمّهنّ في النافلة،و أما في المكتوبة فلا» (6).

ص:252


1- التهذيب 3:111/31،الاستبصار 1:1644/426،الوسائل 8:336 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 11.
2- التهذيب 3:112/31،الاستبصار 1:1645/426،الوسائل 8:336 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 10.
3- الفقيه 1:1201/263،التهذيب 3:761/267،الوسائل 8:335 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 7.
4- قرب الإسناد:867/223،الوسائل 6:95 أبواب القراءة في الصلاة ب 31 ح 3.
5- حكاه عن السيد في السرائر 1:281،و عن الجعفي في الذكرى:265،و عن الإسكافي في المختلف:154.
6- الوسائل 8:333 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 1،12.

و أجيب عنها بالندرة في المعتبر و المنتهى (1)،بل صرّح في الأخير بعدم قائل بها منّا،مؤذنا بإجماعنا عليه كما قدّمنا.و لو سلّم عدم ندورها فهي غير مكافئة لما قدّمنا؛لاعتضاده بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع و الإجماعات المنقولة دونها.

مع ظهورها في جواز الجماعة في النافلة مطلقا،و هو غير مرضي عند أصحابنا كما قدّمنا،إلاّ أن تقيّد بنافلة تجوز فيها،لكن فيه صرف للمطلق إلى أندر أفراده،فهي نادرة من هذا الوجه أيضا،و لأجله يمكن حملها على التقية، سيّما و أن ما فيها من التفصيل مذهب جماعة من العامة كما حكاه في المنتهى (2)،مع أن المنع مطلقا كما ربما ينسب إلى الجعفي و المرتضى مذهب أكثرهم (3)و إن اختلفوا فيه كراهة و تحريما.

و على هذا فأخبارنا أبعد ممّا عليه أكثر هؤلاء-خذلهم اللّه-و أشهر بين أصحابنا،فتكون بالترجيح أولى،و لا بدّ من طرح ما خالفها و إن كان صحاحا، أو حملها على التقية،أو عدم تأكد الاستحباب كما في الذكرى (4)،لا على الكراهة،لثبوت الاستحباب عندنا،كما صرّح به في المنتهى (5)،مؤذنا بإجماعنا عليه،كما صرّح به في الخلاف (6)أيضا.

أو كون المراد من النافلة و المكتوبة الجماعة،لا الصلاة كما فهمه الجماعة،كما قيل (7)،و لا بأس به و إن بعد غايته،جمعا بين الأدلة.

ص:253


1- المعتبر 2:427،المنتهى 1:368.
2- المنتهى 1:368.
3- نقله عنهم في الحدائق 11:192؛و انظر المغني و الشرح الكبير 2:36.
4- الذكرى:265.
5- المنتهى 1:368.
6- الخلاف 1:562.
7- الحدائق 11:189.

و من أراد تحقيق المسألة زيادة على ما هنا فعليه بمراجعة الشرح،فقد أشبعنا الكلام فيها ثمة.

صاحب المسجد و المنزل،و الإمارة أولى بها من غيره

و كلّ من صاحب المسجد و هو الإمام الراتب فيه و صاحب المنزل،و صاحب الإمارة من قبل العادل في إمارته مع اجتماع الشرائط المعتبرة في الإمامة أولى بها من غيره مطلقا و لو كان أفضل منهم،عدا إمام الأصل مع حضوره،فإنه أولى منهم و من غيرهم مطلقا،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و به صرّح الفاضل في المنتهى و غيره (1)في الجميع،و كذا غيره مستفيضا (2)،إلاّ أنهم لم يتعرضوا لنقله في أولوية الإمام على غيره مطلقا، و لكنهم قطعوا بها،مشعرين بعدم الخلاف فيها أيضا،بل كونه ضروريا.

و الأصل في جميع ذلك بعده النصوص المستفيضة،و هي فيما يتعلق بما عدا الأول مشهورة من طرق الخاصة (3)و العامة (4)،و فيما يتعلق به الرضوي في موضعين منه:«و صاحب المسجد أحقّ بمسجده» (5)،و نحوه الصادقي المروي في الدعائم (6).

و أظهر منهما النبوي المروي فيه:«و كلّ أهل مسجد أحقّ بالصلاة في مسجدهم إلاّ أن يكون أمير حضر فإنه أحقّ بالإمامة» (7).

ص:254


1- المنتهى 1:374؛و انظر نهاية الإحكام 2:154-155،و التذكرة 1:180.
2- كابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):560،المحقق في المعتبر 2:438،الشهيد في الذكرى:270،الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:164،صاحب الحدائق 11:197.
3- الكافي 3:5/376،التهذيب 3:113/31،الوسائل 8:351 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
4- دعائم الإسلام 1:152،المستدرك 6:474 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 1.
5- فقه الرضا(عليه السلام):124،143،المستدرك 6:475 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 5،4.
6- دعائم الإسلام 1:152،المستدرك 6:475 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 2.
7- دعائم الإسلام 1:152،المستدرك 6:474 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 1.

و في إطلاقه تأييد لما ذكره الشهيدان (1)من رجحان صاحب الإمارة على صاحبيه حيث اجتمعوا،إلاّ أن يحمل الأمير فيه على الأصلي كما هو الظاهر بحكم التبادر.و عليه فترجيحهما عليه لعلّه أولى كما صرّح به بعض أصحابنا (2)؛لإطلاق النص و الفتوى بأنهما في محلّهما أولى؛مع عدم معلومية شمول أولوية ذي الإمارة لنحو مفروضنا،فتأمل جدا.

و ذكر جماعة أن أولوية هذه الثلاثة سياسة أدبية،لا فضيلة ذاتية،فلو أذنوا لغيرهم انتفت الكراهة (3)،و نفى عنه الخلاف في المنتهى (4).

قالوا:و لا يتوقف أولوية الراتب على حضوره،بل ينتظر لو تأخر و يراجع إلى أن يضيق وقت الفضيلة فيسقط اعتباره.

مع أن المستفاد من جملة من النصوص خلافه،منها:«إذا قال المؤذّن:

قد قامت الصلاة،ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم و يقدّموا بعضهم و لا ينتظروا الإمام»قلت:فإن كان الإمام هو المؤذّن،قال:«و إن كان فلا ينتظرونه و يقدّموا» (5)و قريب منه آخر (6)،و النبوي (7).

إلاّ أن تقيّد بصورة خوف فوت وقت الفضيلة؛جمعا بينها و بين إطلاق ما دلّ على الأولوية من الفتوى و الرواية،لكنه فرع الشاهد عليه و ليس،مع

ص:255


1- الذكرى:270،الروضة 1:393.
2- كالشهيد الثاني في روض الجنان:366.
3- منهم الشهيد الثاني في روض الجنان:366،و الروضة 1:393،و انظر الذكرى:270.
4- المنتهى 1:374.
5- التهذيب 3:146/42،الوسائل 8:380 أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 2.
6- الفقيه 1:1137/252،التهذيب 2:1143/285،الوسائل 8:379 أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 1.
7- انظر صحيح مسلم 1:105/317.

اختصاص الإطلاق بصورة حضور الإمام الراتب دون الغيبة بحكم التبادر.

و حكم في المنتهى بعدم الانتظار مطلقا؛معلّلا-بعد النصوص المشار إليها-بأن فيه تأخيرا للعبادة في أول وقتها،و ذلك شيء رغب عنه (1)،هذا.

و لعلّ ما ذكروه أحوط و أولى؛إذ ليس في النصوص مع قصور أسانيدها ما يدل على كون الإمام راتبا،فتأمل جدّا.

و لا فرق في صاحب المنزل بين المالك للعين و المنفعة و غيره كالمستعير،و لو اجتمعا قيل:فالمالك أولى (2)،و قيل:المستعير (3)،و لعلّه الأقوى.

و لو اجتمع مالك الأصل و المنفعة فالثاني أولى.

و كذا الهاشمي يقدّم مع استجماعه الشرائط على غيره من عدا الثلاثة لا مطلقا،على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (4).

و أولويته كذلك مشهورة بين الأصحاب على ما في المختلف (5)،أو متأخريهم خاصة كما في روض الجنان،قال:و أكثر المتقدمين لم يذكروه (6).

قال في الذكرى:و لم نره مذكورا في الأخبار إلاّ ما روي مرسلا أو مسندا بطريق غير معلوم من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«قدّموا قريشا و لا تقدّموهم» (7)و هو على تقدير تسليمه غير صريح في المدّعى،نعم هو مشهور

ص:256


1- المنتهى 1:383.
2- نهاية الإحكام 2:155.
3- مجمع الفائدة و البرهان 3:252.
4- منهم:الشيخ في المبسوط 1:154،و النهاية:111،و المحقق في الشرائع 1:125، و العلامة في التحرير 1:53.
5- المختلف:156.
6- روض الجنان:365.
7- انظر الجامع الصغير 2:6108/253،6109،6110.

في التقديم في صلاة الجنازة من غير رواية تدل عليه،نعم فيه إكرام للنبي صلّى اللّه عليه و آله؛إذ تقديمه لأجله نوع إكرام،و إكرام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تبجيله ممّا لا خفاء بأولويته (1).

أقول:و من بعض ما قدّمنا في بحث صلاة الجنازة يتضح وجه مناقشة في بعض ما ذكره.

و إذا تشاحّ الأئمة فأراد كلّ تقديم الآخر أو تقدّم نفسه على وجه لا ينافي العدالة قدّم من يختاره المأموم مطلقا على ما ذكره جماعة،قالوا:لما فيه من اجتماع القلوب و حصول الإقبال المطلوب (2).

خلافا لكثير فلم يذكروه،و لعلّه لإطلاق النص الآتي بالرجوع إلى المرجحات الآتية من غير ذكر لهذا فيه و لا إشارة،مع قصور التعليل عن إفادة التقييد له،سيّما و أنه لا يخلو عن إشكال،كما نبّه عليه في الذخيرة (3).

و منه يظهر وجه النظر في ترجيح مختار أكثر المأمومين مع اختلافهم ثمَّ التراجيح الآتية،كما عن التذكرة (4)،سيّما و قد أطلق أكثر الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في كلام جمع حدّ الاستفاضة و منهم الذكرى (5)،بل ظاهره أنه مذهب الأصحاب عدا التذكرة:أنه لو اختلفوا أي المأمومون قدّم الأقرأ منهم أي الأجود قراءة كما ذكره جماعة (6)،أو الأكثر كما قيل (7)،و نسبه

ص:257


1- الذكرى:270.
2- كما في الذكرى:270،و المدارك 4:358.
3- الذخيرة:391.
4- التذكرة 1:179.
5- الذكرى:270.
6- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 1:391،و المسالك 1:45،و صاحب المدارك 4:358.
7- الذخيرة:391.

في البيان إلى رواية (1)،و لعلّها ما ورد في الأعمى أنه لا بأس بإمامته إذا رضوا به و كان أكثرهم قرآنا (2).و قيل فيه غير ذلك (3).

فإن اتفقوا في القراءة جودة و كثرة فالأفقه في أحكام الصلاة،فإن تساووا فيها فالأفقه في غيرها،وفاقا لجماعة (4)،لإطلاق الرواية.

خلافا للذكرى فلم يعتبر الزيادة؛لخروجها عن كمال الصلاة (5).

و يضعّف:بعدم انحصار المرجح فيها،بل كثير منها كمال في نفسه، و هذا منها،مع شمول الرواية لها.

فإن تساووا في الفقه و القراءة فالأقدم هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام،كما هو الظاهر من الرواية (6)،و صرّح به جماعة منهم الفاضل في التذكرة،و لكن زاد:أو الأسبق إسلاما،أو يكون من أولاد من تقدّمت هجرته (7).

و في الروضة بعد ذكر التفسير الأول:هذا هو الأصل،و في زماننا قيل:

هو السبق إلى طلب العلم،و قيل:إلى سكنى الأمصار،مجازا عن الهجرة الحقيقة،لأنها مظنة الاتصاف بالأخلاق الفاضلة و الكمالات النفسية،بخلاف القرى و البادية (8).

ص:258


1- البيان:233.
2- الفقيه 1:1109/248،الوسائل 8:338 أبواب صلاة الجماعة ب 21 ح 3.
3- انظر روضة المتقين(للمولى محمد تقي المجلسي)2:488.
4- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:45،و روض الجنان:367،و المحقق السبزواري في الذخيرة:391.
5- الذكرى:270.
6- الوسائل 8:351 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
7- التذكرة 1:180.
8- الروضة 1:392.

فإن تساووا في ذلك فالأسنّ مطلقا،كما هو المتبادر من الرواية،أو في الإسلام خاصة كما في الدروس و الذكرى (1).

فإن تساووا فيه فالأصبح وجها.

كلّ ذلك للرضوي المصرّح بهذا الترتيب من أوله إلى آخره (2).و نحوه النبوي فيما عدا الأخير فلم يذكر فيه (3)،و عليه جماعة (4).

و فيه أخبار أخر مختلفة و أقوال متشتتة،و كلّها متفقة على تقديم الأقرأ على الأفقه،و نسبه في المنتهى إلى علمائنا (5)،مؤذنا بدعوى الإجماع عليه، كما هو الظاهر؛لاتفاق كلمة الأصحاب و النصوص على ذلك،إلاّ ما يحكى في التذكرة (6)عن نادر منّا من المصير إلى عكس ذلك،و اختاره في المختلف (7)،و تبعه جمع من متأخري المتأخرين (8)؛لأدلة قوية متينة من الاعتبار و الكتاب و السنّة بسطناها في الشرح،من أرادها فليطلبها ثمة،إلاّ أنها لا تبلغ قوة المعارضة لما قدّمنا من اتفاق الفتوى و الرواية بحيث يقطع بكونه إجماعا كما عرفت من المنتهى حكايته،فتخصّص به تلك الأدلة.

ص:259


1- الدروس 1:219،الذكرى:271.
2- فقه الرضا(عليه السلام):143،المستدرك 6:475 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 4.
3- الكافي 3:5/376،التهذيب 3:113/31،علل الشرائع:2/326،الوسائل 8:351 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
4- منهم:العلامة في نهاية الإحكام 1:111،و الشهيد في البيان:232،و اللمعة(الروضة 1):392،و المحقق السبزواري في الذخيرة:391.
5- المنتهى 1:375.
6- التذكرة 1:180.
7- المختلف:155.
8- منهم:صاحب المدارك 4:359،و الفيض في المفاتيح 1:164،و صاحب الحدائق 11:204.

و اعلم:أن هذا كلّه تقديم استحباب لا تقديم اشتراط و إيجاب،فلو قدّم المفضول جاز بلا خلاف كما في التذكرة و المنتهى (1).و القول بالإيجاب كما عن ظاهر المبسوط و العماني و صريح الديلمي (2)شاذ محجوج بالأصل و الإطلاقات،مع قصور سند ما دلّ على وجوب الترتيب من الروايات.

يستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين

و يستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين للصحيحين (3)،بل مطلق القراءة و الأذكار التي يجوز الإجهار فيها ما لم يبلغ العلو المفرط،كما في الصحيح:«ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول،و لا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا ممّا يقول» (4).

و يستفاد منه كراهة إسماع من خلفه له شيئا،كما في أحد الصحيحين المتقدمين أيضا.

و في الخبر:«لا تسمعنّ الإمام دعاءك خلفه» (5).

و لو أحدث الإمام،أو عرض له ضرورة من نحو دخوله في الصلاة من غير طهارة نسيانا،أو حصول رعاف مخرج له عنها،أو انتهاء صلاته بأن كان مسافرا قدّم من ينوبه في الصلاة بهم.

و لو لم يقدّم أو مات أو أغمي عليه قدّموا من يتمّ بهم الصلاة،

ص:260


1- التذكرة 1:180،المنتهى 1:375.
2- المبسوط 1:157،و نقله عن العماني في الذكرى:269،الديلمي في المراسم:87.
3- الأول: الكافي 3:5/337،الفقيه 1:1189/260،التهذيب 2:384/102،الوسائل 8:396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 1. الثاني: التهذيب 2:382/102،الوسائل 6:401 أبواب التشهد ب 6 ح 3.
4- التهذيب 3:170/49،الوسائل 8:396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.
5- الفقيه 1:1187/260،الوسائل 8:396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 2.

بلا خلاف في شيء من ذلك بيننا أجده،بل بالإجماع في جملة الأعذار المسطورة في العبارة عدا الإغماء صرّح جماعة (1)حدّ الاستفاضة،بل في الذكرى و غيرها (2)الإجماع في مطلق العذر،فيدخل ما ذكرناه أيضا و نحو الإغماء.و حكي الإجماع فيه و في الموت عن التذكرة (3)،و الصحاح و غيرها فيما عداه مستفيضة.

ففي الصحيح:عن الرجل يؤم القوم فيحدث و يقدّم رجلا قد سبق بركعة،كيف يصنع؟قال:«لا يقدّم رجلا قد سبق بركعة،و لكن يأخذ بيد غيره فيقدّمه» (4).

و فيه:رجل أمّ قوما على غير وضوء،فانصرف و قدّم رجلا و لم يدر المقدّم ما صلّى الإمام قبله،قال:«يذكره من خلفه» (5).

و فيه:عن رجل أمّ قوما فصلّى بهم ركعة ثمَّ مات،قال:«يقدّمون رجلا آخر و يعتدّون بالركعة»الحديث (6).

و في الموثق الناهي عن إمامة المسافر بالحضري:«فإن ابتلى بشيء من ذلك فأمّ قوما حضريين،فإذا أتمّ الركعتين سلّم ثمَّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم»الحديث (7).

ص:261


1- منهم:العلامة في التذكرة 1:181،و صاحب المدارك 4:362،و الفيض في المفاتيح 1:168؛و انظر مجمع الفائدة 3:259،و الحدائق 11:213.
2- الذكرى:277؛و انظر المفاتيح 1:168.
3- التذكرة 1:181.
4- التهذيب 3:147/42،الاستبصار 1:1675/434،الوسائل 8:378 أبواب صلاة الجماعة ب 41 ح 1.
5- الفقيه 1:1194/262،الوسائل 8:377 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 2.
6- الكافي 3:9/383،الفقيه 1:1197/262،التهذيب 3:148/43،الوسائل 8:380 أبواب صلاة الجماعة ب 43 ح 1.
7- الفقيه 1:1180/259،التهذيب 3:355/164،الاستبصار 1:1643/426،الوسائل 8:330 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.

و في الخبر:عن رجل أمّ قوما فأصابه رعاف بعد ما صلّى ركعة أو ركعتين، فقدّم رجلا ممّن قد فاته ركعة أو ركعتان،قال:«يتم بهم الصلاة ثمَّ يقدّم رجلا فيسلّم بهم و يقوم هو فيتم صلاته» (1).

و ليست الاستنابة للوجوب،بل للاستحباب في ظاهر الأصحاب،و عن التذكرة عليه الإجماع (2)؛لفحوى ما سيأتي من جواز انفراد المأموم عن الإمام مع وجوده فمع عدمه أولى.

و في الصحيح:عن رجل صلّى بقوم ركعتين،ثمَّ أخبرهم أنه ليس على وضوء،قال:«يتم القوم صلواتهم،لأنه ليس على الإمام ضمان» (3)و قد استدل به على عدم الوجوب،و في الدلالة نظر.

و أما الصحيح الآخر:عن إمام أحدث فانصرف و لم يقدّم أحدا ما حال القوم؟قال:«لا صلاة لهم إلاّ بإمام،فليتقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها و قد تمّت صلاتهم» (4).

فمحمول على نفي الكمال؛جمعا بينه و بين ما مرّ،و عليه فيجوز لهم الانفراد أجمع،و التبعيض بأن ينوي بعضهم الائتمام ببعض و غيره بغيره،و نفى عن جميع ذلك الخلاف في الذخيرة (5).

ص:262


1- التهذيب 3:145/41،الاستبصار 1:1673/433،الوسائل 8:378 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 5.
2- التذكرة 1:181.
3- الكافي 3:3/378،الفقيه 1:1207/264،التهذيب 3:772/269،الاستبصار 1:1695/440،الوسائل 8:371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 2.
4- الفقيه 1:1196/262،التهذيب 3:843/283،الوسائل 8:426 أبواب صلاة الجماعة ب 72 ح 1.
5- الذخيرة:392.

و إطلاق الفتوى و الرواية يقتضي جواز استنابة المؤتم و غيره،و به صرّح في المنتهى و كذا في الذخيرة (1)؛لما مرّ،مضافا إلى صريح الخبر في الثاني (2).

و يكفي في الأول الإطلاق،سيّما مع كونه هو المتبادر،و لذا جعله في المدارك أحوط (3).

و إطلاقهما أيضا يقتضي وجوب الإتمام من موضع القطع مطلقا و لو حصل العارض في أثناء القراءة،و قيل:يجب الابتداء من أول السورة التي حصل القطع في أثنائها (4)،و جعله في المدارك أحوط أيضا (5).

يكره أن يأتمّ الحاضر بالمسافر و بالعكس

و يكره أن يأتمّ الحاضر بالمسافر و بالعكس؛للموثق:«لا يؤمّ الحضري المسافر و لا المسافر الحضري» (6).

و نحوه الرضوي مبدلا لفظة«لا»بلا يجوز (7).

و ظاهر هما و سيّما الثاني و إن كان هو التحريم كما مرّ نقله عن والد الصدوق،و حكي عنه أيضا في المقنع لكن في الثاني خاصة (8)،إلاّ أنهما محمولان على الكراهة،كما عليه من عداهما كافة،جمعا بينهما و بين الصحاح المستفيضة المصرّحة بالجواز و الصحة.

منها:عن المسافر يصلّي خلف المقيم،قال:«يصلّي ركعتين و يمضي

ص:263


1- المنتهى 1:381،الذخيرة:392.
2- التهذيب 3:784/272،الوسائل 8:378 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 4.
3- المدارك 4:363.
4- روض الجنان:368.
5- المدارك 4:363.
6- الفقيه 1:1180/259،التهذيب 3:355/164،الاستبصار 1:1643/426،الوسائل 8:330 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.
7- فقه الرضا(عليه السلام):163،المستدرك 6:466 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 1.
8- نقله عنهما في المختلف:155.

حيث شاء» (1).و نحوه البواقي (2).

و هي صريحة في ردّ الصدوق و كذا والده في الثاني،بل الأول أيضا، لعدم القائل بالفرق،هذا مع تصريح الخبرين بعد ذلك بأنه:«فإن ابتلى بشيء من ذلك فأمّ قوما حضريين فإذا أتم الركعتين سلّم ثمَّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم،و إذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين و يسلّم».

و زاد في الأول:«و إن صلّى مع قوم الظهر فليجعل الأوليين الظهر و الأخيرتين العصر».

و هذه التتمة كما ترى صريحة في الصحة مع المخالفة،و هو لا يلائم كون النهي للحرمة،لاقتضائها الفساد في العبادة عند الإمامية،و لعلّه لذا قال جماعة بأنهما صريحان في الكراهة (3).

و فيه مناقشة؛لاحتمال اختصاص الصحة بصورة الضرورة و التقية،كما هو مورد الخبرين و سيّما الثاني،إذ فيه زيادة على«و إن ابتلى»:«و لم يجد بدّا من أن يصلّي معهم»و هو كما ترى نصّ في اختصاص الحكم بالجواز و الصحة بحال الضرورة،و هو لا يستلزم ثبوته كلية،كما هو ظاهر الجماعة.

و لا ريب أن الترك أحوط؛لاعتبار سند الخبرين،و صلاحيتهما بذلك لتقييد إطلاق الصحاح بحال الضرورة،إذ غايتها إفادة الصحة في الجملة،و لا إشكال فيها كذلك،و إنما هو في كلّيتها و عمومها لحال الاختيار،و ليس فيها تصريح بها فيها،بل و لا إشارة،بل غايتها الإطلاق المحتمل للتقييد بالضرورة جمعا بين الأدلة.

ص:264


1- الكافي 3:1/439،التهذيب 3:357/165،الاستبصار 1:1641/425،الوسائل 8:329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 2.
2- الوسائل 8:329 أبواب صلاة الجماعة ب 18.
3- منهم:المحقق في المعتبر 2:441،و العلامة في المنتهى 1:373،و صاحب المدارك 4:364.

مع أنه منساق لبيان حكم آخر غير الجواز،و هو كيفية اقتداء المسافر بالحاضر و بالعكس لو اتّفق،ردّا على جماعة من العامة القائلين بأنه إذا اقتدى المسافر بالمقيم لزمه التمام،و هم الشافعي و الثوري و أبو حنيفة و أصحابه،كما حكاه عنهم السيّد في الناصرية و الفاضل في المنتهى و التذكرة (1)مدّعيين على خلافهم إجماع الإمامية،و عليه فلا عبرة به فيما نحن فيه كما برهن عليه في محلّه.

و لو لا إطباق المتأخرين المعتضد بالإجماع المحكي كما عرفته لكان القول بما عليه الصدوقان في غاية القوة.

و ظاهر العبارة و جماعة (2)اختصاص الكراهة بالصورة الاولى؛و لم أعرف وجهه،عدا ما في المختلف من الأصل،و ضعف الرواية (3).

و لا وجه له بعد كونها موثقة،و هي حجة،سيّما مع اعتضادها بالرضوية التي هي كالقوية،فيخصّص بهما الأصل،سيّما في إثبات الكراهة التي يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها من الأحكام الشرعية على الأظهر الأشهر بين الطائفة؛و لذا اختار الأكثر الكراهة مطلقا حتى في الثانية.

و ظاهر إطلاق العبارة و الرواية عدم الفرق في الحكم بين الفريضة المقصورة و غيرها،و به صرّح في الروضة (4).

خلافا لجماعة فقيّدوه بالمقصورة (5)،و لعلّه لكونها المتبادر من الإطلاق،

ص:265


1- الناصريات(الجوامع الفقهية):239،المنتهى 1:398،التذكرة 1:186.
2- منهم:الشيخ في المبسوط 1:154،و سلاّر في المراسم:86،و القاضي في المهذّب 1:471.
3- المختلف:155.
4- الروضة البهية 1:386.
5- منهم:المحقق في المعتبر 2:441،و العلامة في نهاية الإحكام 2:151،و صاحب المدارك 4:366.

إلاّ أن الأول أنسب بقاعدة المسامحة في أدلة السنن و الكراهة.

و أن يأتم المتطهر بالماء بالمتيمم على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر،و في المنتهى الإجماع عليه (1)؛للنهي عنه في المعتبرين (2)المحمول على الكراهة،جمعا بينهما و بين المعتبرة المستفيضة المصرّحة بالجواز من غير كراهة،و فيها الصحيح (3)و الموثقان (4)و غير هما (5).

و لرجحانها عليهما سندا و دلالة احتمل بعض متأخري المتأخرين الجواز من غير كراهة (6).و هو ضعيف؛لما عرفته في المسألة السابقة.

و أضعف منه القول بالمنع المحكي في المختلف و الذكرى (7)عن ظاهر المرتضى،سيّما مع ندرته و عدم اشتهار نقل خلافه.

و أن يستناب المسبوق بركعة فصاعدا حيث يحتاج إليها؛للصحيح (8)و غيره (9).و النهي في الأول و إن كان ظاهرا في المنع إلاّ أن التعبير عنه في غيره

ص:266


1- المنتهى 1:373.
2- التهذيب 3:361/166،362،الاستبصار 1:1634/424،1635،الوسائل 8:328 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 5،6.
3- التهذيب 3:365/167،الاستبصار 1:1638/425،الوسائل 8:327 أبواب الجماعة ب 17 ح 1.
4- التهذيب 3:364/167،366،الاستبصار 1:1637/424،1639/425،الوسائل 8:327 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 2،3.
5- الوسائل 8:328 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 4.
6- المدارك 4:372.
7- المختلف:154،الذكرى:268.
8- التهذيب 3:147/42،الاستبصار 1:1675/434،الوسائل 8:378 أبواب صلاة الجماعة ب 41 ح 1.
9- التهذيب 3:146/42،الاستبصار 1:1674/434،الوسائل 8:379 أبواب صلاة الجماعة ب 41 ح 2.

ب«لا ينبغي»ظاهر في الكراهة،سيّما مع تضمنه الحكم بالصحة مع المخالفة، هذا مضافا إلى الصحاح الظاهرة بل الصريحة فيها،و سيأتي إلى جملة منها الإشارة في المسألة التاسعة من المسائل الآتية.

و أن يؤمّ الأجذم و الأبرص بلا خلاف في المرجوحية،بل عليها الإجماع في الانتصار و الخلاف (1)؛للنهي في الصحاح و غيرها،منها:

«خمسة لا يؤمّون الناس على كل حال:المجذوم،و الأبرص،و المجنون،و ولد الزنا،و الأعرابي» (2)و نحوه آخر بزيادة قوله:«حتى يهاجر،و المحدود» (3).

و منها:«لا يصلّين أحدكم خلف المجذوم و الأبرص و المجنون و ولد الزنا،و الأعرابي لا يؤمّ المهاجرين» (4).

و ظاهرها المنع مطلقا،كما عليه جماعة من القدماء كالشيخ في الخلاف و المرتضى (5)،قيل:و أتباعهما (6).

خلافا للفاضلين و الشهيدين و أتباعهم (7)،بل عامة المتأخرين-إلاّ النادر

ص:267


1- الانتصار 50،الخلاف 1:561.
2- الكافي 3:1/375،الوسائل 8:325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 5.
3- الفقيه 1:1105/247،الوسائل 8:324 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 3.
4- الكافي 3:4/375،الفقيه 1:1106/247،الوسائل 8:325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.
5- الخلاف 1:561،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):39.
6- كما قال به صاحب المدارك 1:368؛و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):560،و إشارة السبق: 96،و المهذّب 1:80،و شرح جمل العلم و العمل لابن البراج:117.
7- المحقق في المعتبر 2:442،العلامة في المنتهى 1:374،و المختلف:154،و التحرير 1:53،الشهيد الأول في الدروس 1:219،و البيان:232،و الذكرى:269،الشهيد الثاني في روض الجنان:368،المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:372،الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3:263.

منهم (1)-فاختاروا الجواز،جمعا بينها و بين ما دلّ على الجواز،كالخبر:عن المجذوم و الأبرص يؤمّان المسلمين؟فقال:«نعم» (2)و نحوه آخر مروي عن المحاسن (3).

و هو حسن لو لا ضعف سندهما،إلاّ أن يجبر بالشهرة المتأخرة الظاهرة و المحكية في كلام جماعة (4).

مع أن في الانتصار ادّعى الإجماع على الكراهة (5).لكنها في كلامه محتملة للحرمة،فقد أفتى بها في ولد الزنا،مدّعيا الإجماع عليها،ثمَّ قال:

و الظاهر من مذهب الإمامية أن الصلاة خلفه غير مجزية،و الحجّة في ذلك الإجماع و طريقة براءة الذمة.

فما ينسب إليه من القول بالكراهة لا وجه له؛لإجمال العبارة،و مع ذلك معارض بإجماع الخلاف حيث ادّعاه على المنع.

بقي الكلام في الشهرة،و الظاهر أنها ليست بتلك الشهرة التي تصلح أن تكون للروايات الضعيفة جابرة،سيّما و أن يعترض بها نحو الصحاح المتقدمة الظاهرة الدلالة،بل الصريحة،من حيث تضمنها النهي عن جملة من لا يجوز إمامته بإجماع الإمامية.و حمله بالنسبة إلى من عداهم على الكراهة يوجب استعماله في معنييه الحقيقي و المجازي في استعمال واحد،و هو مرغوب عنه عند المحقّقين،و حمله على المجاز العام بعيد.

ص:268


1- انظر المدارك 4:71،369.
2- التهذيب 3:93/27،الاستبصار 1:1627/422،الوسائل 8:323 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 1.
3- المحاسن:76/326،الوسائل 8:324 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 4.
4- منهم الفيض في المفاتيح 1:160،و الشهيد الثاني في روض الجنان:368.
5- الانتصار:50.

و كيف كان:فالمسألة محل إشكال إلاّ أنّ المصير إلى المنع أحوط للعبادة.

و هنا قولان آخران مفصّلان بين إمامتهما بمثلهما فالجواز،و بغيره فالمنع، كما في أحدهما (1)؛و إمامتهما في الجمعة فالثاني و غيرها فالأول،كما في ثانيهما (2).

و لم أعرف مستندهما،مع إطباق النصوص مطلقا و أكثر الفتاوي على خلافهما؛لإطلاقهما.

إلاّ أن يدّعى اختصاصه بحكم التبادر و غيره بإمامتهما بغير هما،فيرجع في إمامتهما بمثلهما إلى مقتضى الأصل و إطلاقات الأمر بالصلاة و شرعية الجماعة،إلاّ أن يمنع التمسك بمثلها في تصحيح العبادة،و لا يخلو عن مناقشة،فهذا التفضيل لا يخلو عن قوّة،سيّما و قد ادّعى عليه ابن زهرة إجماع الإمامية (3).

و كذا الكلام في إمامة المحدود بعد توبته فالمشهور بين المتأخرين الجواز على كراهة،و عند جماعة من القدماء الحرمة،إمّا مطلقا كما عليه جملة (4)،أو إلاّ بمثله كما عليه آخرون (5)،و منهم ابن زهرة مدّعيا عليه إجماع الإمامية،و عليه ينزل إطلاق النهي في بعض الصحاح المتقدمة كما عرفته.

ص:269


1- المبسوط 1:155،الغنية(الجوامع الفقهية):560،شرح الجمل للقاضي:117.
2- السرائر 1:280.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):560.
4- منهم:المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):39،و الشيخ في النهاية:112،و القاضي في شرح جمل العلم و العمل:117.
5- منهم أبو الصلاح في الكافي في الفقه:144،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):560.

و لا معارض له و لا للإجماع المنقول عدا فحوى ما دلّ على جواز إمامة الكافر بعد إسلامه و استجماعه شرائط الإمامة،و لا يخلو عن مناقشة،سيّما بعد ورود النهي في الصحيحة.

و الجمع بينهما و إن أمكن بحمله على الكراهة،إلاّ أن إبقاءه على ظاهره من الحرمة و صرف الأولوية عن ظاهرها و الخروج عنها-إن سلّمناها-أوفق بالقواعد الأصولية،سيّما بعد الاتفاق على صرفها بالإضافة إلى الكراهة، و اعتضاد المنع بإجماع ابن زهرة و أخبار أخر سيأتي إليها الإشارة.

مضافا إلى ما عرفته من أن حمل النهي فيها على الكراهة يوجب استعمال اللفظ الواحد في معنييه الحقيقي و المجازي في استعمال واحد،و هو مرغوب عنه.

و به يعرف الجواب عن مفهوم الخمسة في جملة من الصحاح المتقدمة الدالة على الجواز فيمن عداهم حتى المحدود الذي لم يعدّ منهم لو تمسك به للكراهة؛لأن دلالته بالعموم،و الصحيحة و معاضدها بالخصوص،و هو مقدّم؛ لما عرفته.

و أن يؤمّ الأغلف غير المقصّر في الختان؛للنهي عنه في النصوص المروية في الخصال و غيره،منها:«ستة لا ينبغي أن يؤمّوا الناس:ولد الزنا،و المرتد،و الأعرابي بعد الهجرة،و شارب الخمر،و المحدود، و الأغلف» (1).

و منها:«لا يؤمّ الناس المحدود،و ولد الزنا،و الأغلف،و الأعرابي،

ص:270


1- الخصال:29/330،مستطرفات السرائر:17/145،الوسائل 8:322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 6.

و المجنون،و الأبرص،و العبد» (1).

و بظاهرهما من المنع أخذ المرتضى و التقي (2)،لكنه استثنى إمامته بمثله،و لعلّه لما قدّمنا.

و الأصح الكراهة مطلقا،وفاقا لعامة متأخري أصحابنا؛للأصل، و الإطلاقات،و عموم مفهوم جملة من الصحاح المتقدمة،مع سلامتها عمّا يصلح للمعارضة،لضعف سند الروايتين،مع قصور دلالة الأولى،فإنّ «لا ينبغي»لو لم نقل بظهوره في الكراهة فهو أعم منها و من الحرمة قطعا.

مع إشعار بعض النصوص المانعة المتضمنة للتعليل بقوله عليه السلام:

«لأنه ضيّع من السنّة أعظمها،و لا تقبل له شهادة،و لا يصلّى عليه،إلاّ أن يكون صنع ذلك خوفا على نفسه» (3)بالجواز،بل ظهوره فيه إن قلنا برجوع الاستثناء المتعقب للجمل المتعددة إليها كلّها،لكنه خلاف التحقيق كما حقّق في محلّه مستقصى.

و أما الاستدلال به على المنع فيتوجه عليه زيادة على ما قدّمناه اختصاصه بصورة التفريط المنافي للعدالة المشترطة إجماعا.

و أن يؤمّ من يكرهه المأموم على المشهور؛للنصوص المستفيضة المروية في الفقيه (4)و الخصال (5)و الأمالي (6)و غيرها من الكتب

ص:271


1- كتاب جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي:76،المستدرك 6:464 أبواب صلاة الجماعة ب 13 ح 1.
2- جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):39،الكافي في الفقه:144.
3- الفقيه 1:1107/248،التهذيب 3:108/30،علل الشرائع:1/327،المقنع:35، الوسائل 8:320 أبواب صلاة الجماعة ب 13 ح 1.
4- الفقيه 1:131/36،الوسائل 8:348 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 1.
5- الخصال:94/242،الوسائل 8:349 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 3.
6- أمالي الطوسي:196،الوسائل 8:350 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 6.

المعتبرة.

خلافا للفاضل في المنتهى فلا يكره مطلقا،قال:إذ الإثم إنما يتعلق بمن يكرهه لا به (1).و هو اجتهاد في مقابله النص.

و له في التذكرة ففصّل بين كراهة المأمومين له لدينه فالثاني،و إلاّ فالأول (2).و لا بأس به؛للأصل،مع اختصاص النصوص بحكم التبادر و غيره بالثاني،و هو كراهتهم له لكونه إماما بأن يريدوا الائتمام بغيره لا لدينه.

و ان يؤمّ الأعرابي و هو المنسوب إلى الأعراب و هم سكّان البادية بالمهاجرين و سكّان الأمصار المتمكنين من تحصيل شرائط الإمامة و معرفة الأحكام؛للنهي عنه في الصحاح المتقدمة و إن اختلفت في الإطلاق كما في جملة منها،و التقييد بالمهاجرين كما في غيرها،و عليه عامة أصحابنا إلاّ نادرا، و هو الجعفي على ما حكاه عنه في الذكرى (3).

و بظاهر النهي أخذ أكثر القدماء،حتى ادّعى عليه في الخلاف الإجماع (4)،بل لا خلاف أجده بينهم صريحا إلاّ من الحلّي فأفتى بالكراهة (5)، و تبعه الماتن و المتأخرون قاطبة.

و لعلّه لقوة احتمال اختصاص الأعرابي الوارد في الصحاح و كلمة المانع من قدماء الأصحاب بمن لا يعرف محاسن الإسلام و لا وصفها،و من يلزمه المهاجرة وجوبا،لأنه الغالب المتبادر منه عند إطلاقه يومئذ،بل مطلقا.و لا ريب في المنع عن إمامته حينئذ؛لعدم العدالة المشترطة في الصحة إجماعا،

ص:272


1- المنتهى 1:374.
2- التذكرة 1:179.
3- الذكرى:269.
4- الخلاف 1:561.
5- السرائر 1:281.

و عليه فلا يتوجه المنع مطلقا،هذا.

و يمكن أن يكون المراد بالأعرابي:الأعرابي بعد الهجرة،كما يفهم من بعض الروايات المتقدمة في الأغلف،و يشعر به بعض الصحاح المتقدمة.

و التعرّب بعد الهجرة من الكبائر اتفاقا فتوى و رواية،و عليه فيتوجه المنع كما في سابقة،لما عرفته،و المنع فيه لا يستلزم المنع في الأعرابي بالمعنى الذي فسّرنا به العبارة.

لكن إرادة هذا (1)خلاف ما يظهر من الجماعة،بل صرّح بما ذكرناه في تفسيره أوّلا جملة (2)و يومئ إليه المرتضوي المروي عن بعض الكتب المعتبرة، قال:«و كره أن يؤمّ الأعرابي لجفائه عن الوضوء و الصلاة» (3).

و تقييد بعض الصحاح (4)-كسائر الأصحاب-المنع عن إمامته بما إذا كانت بالمهاجرين مشعر بل ظاهر باختصاصه به و جوازها بمثله،و هو لا يلائم ما قدّمناه من الاحتمال الأول أيضا،لعدم فرق عليه في المنع التحريمي بين اقتدائه بمثله و بغيره؛مع أن تخصيصه بالذكر في مقابلة الفاسق كالصريح في أن المنع من غير جهته،و إلاّ فالفسق فيه على تقديره أحد أقسامه،و لا فائدة ظاهرة في تخصيصه بالذكر و إفراده به.

و عليه فالمنع مطلقا (5)قوي،عملا بظاهر النهي المعتضد بالشهرة

ص:273


1- أي التفسير المستفاد من قوله:المراد.
2- منهم:العلامة في التذكرة 1:178،و الشهيد الثاني في المسالك 1:45،و انظر مجمع البيان 3:62،و الذخيرة:393.
3- قرب الإسناد:575/156،الوسائل 8:323 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 9.
4- الكافي 3:4/375،الفقيه 1:1106/247 رواه مرسلا،الوسائل 8:325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.
5- أي:و لو لم يكن فاسقا.منه رحمه اللّه.

القديمة و الإجماع المحكي.

و لا ينافيه الرواية السابقة المتضمنة للفظة الكراهة؛لعدم وضوح سندها؛ بل و لا دلالتها،لأعمية الكراهة فيها من المعنى المعروف الآن و المنع التحريمي؛مع ضعفها عن المقاومة لما مضى من وجوه شتّى.

الطرف الثالث في الأحكام
اشارة

الطرف الثالث:في الأحكام و مسائله تسع :

الاولى لو علم فسق الإمام،أو كفره،أو حدثه بعد الصلاة لم يعد

الاولى:لو علم المأموم فسق الإمام،أو كفره،أو حدثه أو كونه على غير القبلة،أو إخلاله بالنية،أو نحو ذلك بعد الصلاة لم يعد ها مطلقا،على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة أصحابنا،عدا الإسكافي،فقد حكي عنه القول بالإعادة في الأمور المذكورة في العبارة مطلقا لها في أوّليها، و مقيّدا لها بالوقت في أخيرها (1).

و وافقه المرتضى في الجميع،غير أنه لم يقيد الأخير بالوقت خاصة (2).

و هما شاذّان على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (3)،مشعرين بدعوى الإجماع على خلافهما،كما صرّح به الشيخ-رحمه اللّه-في الخلاف (4)في الأمر الثاني.

و نحوهما في الشذوذ إيجاب الإعادة عليه في الوقت في الرابع أيضا،كما عليه الحلّي (5)حاكيا له عن الشيخ،مع احتمال اختصاص خلافهم هنا بما إذا

ص:274


1- حكاه عنه في المختلف:156.
2- الناصريات(الجوامع الفقهية):200.
3- منهم:ابن سعيد في الجامع للشرائع:98،و العلامة في المختلف:156،و المحقق السبزواري في الذخيرة:393.
4- الخلاف 1:551.
5- السرائر 1:289.

تبع المأموم الإمام في الصلاة إلى غير القبلة،فيكون خارجا عن مفروض المسألة.

و بإجماع الخلاف يستدل على عدم الإعادة في البواقي بطريق الفحوى، مع أن الصحاح مستفيضة كغيرها من المعتبرة بعدم الإعادة في جميع ما ذكرنا عدا الفسق،لكنه ملحق بالكفر إجماعا و بطريق أولى كما مضى.

ففي المرسل كالصحيح:قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال و كان يؤمّهم رجل،فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي،قال:«لا يعيدون» (1)و نحوه غيره (2).

و في الصحيح:عن قوم صلّى بهم إمامهم و هو على غير طهر،أ تجوز صلاتهم أم يعيدونها؟فقال:«لا إعادة عليهم تمّت صلاتهم و عليه هو الإعادة، و ليس عليه أن يعلمهم،هذا عنه موضوع» (3)و الصحاح كغيرها بمعناه مستفيضة.

و فيه:رجل يصلّي بالقوم ثمَّ يعلم أنه قد صلّى بهم إلى غير القبلة،قال:

«ليس عليهم إعادة شيء» (4)و نحوه آخر معلّلا بأنهم قد تحرّوا (5).

و في آخرين:رجل دخل مع قوم في صلاتهم و هو لا ينويها صلاة و أحدث إمامهم فأخذ بيد ذلك الرجل فقدّمه فصلّى بهم،أ تجزيهم صلاتهم بصلاته و هو

ص:275


1- الكافي 3:4/378،التهذيب 3:141/40،الوسائل 8:374 أبواب صلاة الجماعة ب 37 ح 1.
2- الفقيه 1:1200/263،الوسائل 8:374 أبواب صلاة الجماعة ب 37 ح 2.
3- التهذيب 3:139/39،الاستبصار 1:1670/432،الوسائل 8:372 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 5.
4- التهذيب 3:142/40،الوسائل 8:375 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 1.
5- الكافي 3:2/378،التهذيب 3:771/269،الوسائل 8:375 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 2.

لا ينويها صلاة؟فقال:«لا ينبغي»إلى أن قال:«و قد تجزي عن القوم صلاتهم و إن لم ينوها» (1).

و هذه النصوص-مع ما هي عليه من الصحة و الاعتبار و الاستفاضة القريبة من التواتر،و الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل الإجماع حقيقة كما عرفت حكايته-موافقة للقاعدة؛لامتثال المأمور به،و هو الصلاة خلف من يظن استجماعه لشرائط الإمامة،إذ تكليفه بتحصيل العلم بالاستجماع واقعا تكليف بما لا يطاق،و امتثال الأمر يقتضي الإجزاء.

و مع ذلك فهي سليمة عمّا يصلح للمعارضة،عدا أمر اعتباري،و هو- مع ضعفه في نفسه و معارضته بأقوى منه-اجتهاد في مقابله النصوص التي قدّمناها.

و معارضتها بنصوص أخر مانعة (2)ضعيفة غايته،بعد ضعف أسانيدها جملة،و موافقتها لجماعة من العامة،و منهم أصحاب الرأي و هم أصحاب أبي حنيفة (3)،و مع ذلك فقد تضمّن بعضها ما لا يوافق مذهب الإمامية في الإمامة من التلازم بينها و بين العصمة،مع أن الرواية في خلافها صريحة،و ما عداها مروية في كتب غير مشهورة،فلا تكافئ ما قدّمناه من وجوه عديدة.

و للصدوق في المقنع هنا قول ثالث حكاه عن جملة ممّن عاصره من المشايخ،و هو الفرق بين الجهرية فالأول،و السرّية فالثاني (4).و لا يعرف له وجه

ص:276


1- الكافي 3:8/382،الفقيه 1:1195/262،التهذيب 3:143/41،الوسائل 8:376 أبواب صلاة الجماعة ب 39 ح 1.
2- الوسائل 8:373 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 9،مستدرك الوسائل 6:485 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 2،3.
3- منهم ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 1:777،778،القرطبي في بداية المجتهد 1:156.
4- حكاه عن المقنع في المختلف:157،و لم نعثر عليه فيه،بل وجدناه في الفقيه 1:263 ذيل الحديث 1200.

بالكلية.

هذا إذا تبيّن الخلل بعد الصلاة.

أما في أثنائها،ففي جواز الانفراد،و لزوم الاستيناف،قولان مبنيّان على الخلاف المتقدم،فيأتي الأول على المختار،و غيره على غيره.

و يدل على خصوص المختار هنا جملة من النصوص،منها:ما مرّ في بحث ما لو عرض للإمام حدث من نحو الصحيح:عن رجل صلّى بقوم ركعتين ثمَّ أخبر هم أنه ليس على وضوء،قال:«يتم القوم صلاتهم،فإنه ليس على الإمام ضمان» (1)فتأمل.

و لو كان المأموم قبل الصلاة عالما بالخلل فائتمّ به أعاد ها قطعا؛لعدم الامتثال،إلاّ إذا اقتدى بمخالف تقية أو مطلقا،فظاهر جملة من النصوص (2)و الفتاوي (3)عدم الإعادة مطلقا،إلاّ أن الإعادة مع عدم التقية أحوط و أولى حيث يكون لشيء من الواجبات تاركا.

و قد استوفينا الكلام في هذه المسألة في الشرح في بحث استحباب الصلاة مع المخالفين،من أرادها فليطلبها من هناك.

و إنما لم يذكر الأصحاب هذا الاستثناء هنا بناء على أن الاقتداء بالمخالف ليس اقتداء حقيقة و إنما هو شبه اقتداء،و لما أن كان يوجب سقوط بعض الواجبات و أقلّه الجهر بالقراءة أحيانا ذكره العبد هنا.

الثانية خاف فوت الركوع عند دخوله فركع جاز له أن يمشي راكعا ليلتحق

الثانية: قد سبق أنّ الأشهر الأقوى إدراك المأموم الركعة بإدراك الإمام

ص:277


1- الكافي 3:3/378،الفقيه 1:1207/264،التهذيب 3:772/269،الاستبصار 1:1695/440،الوسائل 8:371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 2.
2- الوسائل 8:367 أبواب صلاة الجماعة ب 34.
3- كما في النهاية:113،و نهاية الإحكام 2:156،و الذكرى:275.

راكعا (1)،و عليه ف إذا دخل موضعا يقام موضعا يقام فيه الجماعة و قد ركع الإمام و خاف بالتحاقه به فوت الركوع عند دخوله في الصلاة برفع الإمام رأسه ف نوى و كبّر في موضعه و ركع محافظة على إدراك الركعة جاز إذا لم يكن هناك مانع شرعي من بعده عن الإمام بما لا يجوز له التباعد عنه به على ما نصّ به جماعة،كالفاضل المقداد و غيره (2)و له أن يمشي راكعا ليلتحق بالصف، بلا خلاف يعرف،و به صرّح بعض (3)،و ظاهر المنتهى الإجماع عليه (4)،و به صرّح في الخلاف (5).

للصحيح:عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة،فقال:

«يركع قبل أن يبلغ القوم و يمشي و هو راكع حتى يبلغهم،و يجوز له السجود في مكانه ثمَّ الالتحاق» (6).

و لآخر:«إذا دخلت المسجد و الإمام راكع،فظننت أنك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه،فكبّر و اركع،فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك،فإذا قام فالحق بالصف،و إن جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف» (7).

و في ثالث:رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يوما و قد دخل المسجد لصلاة العصر،فلمّا كان دون الصفوف ركعوا فركع وحده و سجد سجدتين،ثمَّ قام

ص:278


1- راجع ص 206.
2- التنقيح الرائع 1:277؛و انظر روض الجنان:376.
3- كالفيض الكاشاني في المفاتيح 1:167.
4- المنتهى 1:382.
5- الخلاف 1:555.
6- الفقيه 1:1166/257،التهذيب 3:154/44،الاستبصار 1:1681/436،الوسائل 8:384 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 1.
7- الكافي 3:5/385،الفقيه 1:1148/254،التهذيب 3:155/44،الاستبصار 1:1682/436،الوسائل 8:385 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 3.

فمضى حتى لحق بالصف (1).

و عليه الإجماع أيضا أيضا في ظاهر المنتهى (2).

و إطلاق النص و العبارة يقتضي جواز المشي و لو حالة الذكر.خلافا لجماعة فقيّدوه بغيرها (3)؛محافظة على الطمأنينة الواجبة فيها اتفاقا،و لا ريب أنه أحوط و إن كان في تعيّنه نظر،لأن تقييد الفتوى و النص هنا بأدلة الطمأنينة ليس بأولى من تقييدها بهما،إلاّ أن يرجح الأول بأن في الثاني تركا للواجب لإدراك أمر مستحب،و هو غير معقول،لكنه بترك القراءة و نحوها لأجل إدراكه منقوض.

و نحوه الكلام فيما مرّ ممّا ذكره الجماعة من المانع الشرعي،كيف و لو كان البعد بما لا يجوز له التباعد اختيارا مانعا شرعيا هنا لما كان الحكم هنا اتفاقيا، بل كان اللازم اختصاصه بالمشهور،دون من لا يجوّز التباعد بما لا يتخطى،مع أنه لم ينقل الخلاف عنه هنا،فتأمل جدا.

و لا ريب أن ما ذكروه أحوط و اولى،كاعتبار عدم وقوع فعل كثير في مشيه و أن يجر رجليه حينئذ و لا يتخطى،كما قاله الصدوق و رواه (4).

الثالثة إذا كان الإمام في محراب داخل لم تصح صلاة من إلى

جانبيه في الصف الأول]

الثالثة:إذا كان الإمام في محراب داخل في الحائط أو المسجد على وجه يكون إذا كان وقف فيه لا يراه من على جانبيه لم تصح صلاة من إلى جانبيه في الصف الأول أي الصف الذي هو جملتهم؛لعدم المشاهدة

ص:279


1- الكافي 3:1/384،التهذيب 3:785/272،الوسائل 8:384 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 2.
2- المنتهى 1:382.
3- منهم الشهيد الأول في الدروس 1:223،و الشهيد الثاني في روض الجنان:376، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:323.
4- الفقيه 1:254 ذيل الحديث 1148.

المشترطة في صحة الجماعة.

و احترز بالصف الأول عمن إلى جانبيه في الصف المتأخر عنه،فإن صلاتهم صحيحة على ما صرّح به الشيخ فيما حكاه عنه في الذكرى (1)،مصرّحا هو به أيضا،وفاقا له و لصريح الفاضل في التذكرة و نهاية الإحكام و المنتهى (2)، و تبعهم في المدارك (3)من غير نقل خلاف فيه أصلا حتى من الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في التحرير (4)،بانيا على أن المراد من العبارة التي اتفقت عليه الكتب الثلاثة-و لو بتغيير ما لا يخلّ بمقصودنا-ما فهمناه،لا ما ربما يفهم منها من أن المراد بالصف الأول هو الصف المتأخر عن الإمام،فتدل على فساد صلاة من على يمين مقابل الإمام و يساره منه.

و وجه البناء هو أن المتبادر ممن إلى الجانب إنما هو الذي يحاذي يمين الإمام و يساره بحيث يحاذي منكبيه حقيقة،لا من يكون إلى جانبيه في الصف المتأخر عنه،و لا وجه لفهم هذا منه إلاّ التقييد بقوله:في الصف الأول.

و ليس فيه منافاة لما ذكرناه بعد ظهور إطلاقه حقيقة على الصف الذي فيه الإمام قطعا،و إنما أتى به تأكيدا و دفعا لتوهم فهم من إلى جانبيه في الصف المتأخر منه،لغلبة إطلاق من إلى جانبيه عليه أيضا و لو مجازا.

و يشهد لما فهمنا-تبعا للمدارك-زيادة على ما ذكرنا:ملاحظة ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني (5)و المحقّق الثاني في شرحهما لعبارة الشرائع،فإنّ عبارتهما صريحة في ذلك،و في فتواهما به مع عدم نقل مخالف مشعرين بعدم

ص:280


1- الذكرى:272.
2- التذكرة 1:173،نهاية الإحكام 2:122،المنتهى 1:364،365.
3- المدارك 4:376.
4- الشرائع 1:126،التحرير 1:51.
5- المسالك 1:45.

الخلاف.

و يعضده أيضا أنّ أحدا من الأصحاب المتأخرين من الفاضلين لم ينقل الخلاف عنهما مع تصريح جملة منهم بالحكم كما ذكرنا،كالفاضل نفسه في التذكرة و المنتهى و النهاية من غير نقل خلاف أصلا.و صاحب الذخيرة (1)مع استشكاله فيه بما قدمناه في بحث الشروط لم ينسب الخلاف إلى أحد أصلا، بل نسب الحكم المزبور إلى الشيخ و من تبعه جملة،مشعرا بكونه بينهم إجماعيا،و قد صرّح بعدم الخلاف فيه في الكفاية (2).

و بالجملة:لم أر مخالفا فيه بالكلية،و الظاهر عدمه كما يفهم من عبائر المتعرضين للحكم في المسألة.

نعم،ربما يفهم من عبارة القواعد المخالفة،فإنه قال:لو صلّى الإمام في محراب داخل صحّت صلاة من يشاهده من الصفّ الأول خاصة،و تصح صلاة الصفوف الباقية أجمع لأنهم يشاهدون من يشاهده (3).انتهى.

و ذلك فإن فرض المشاهدة في الصف الأول يقتضي كون المراد به الصف المتأخر عن الإمام،بناء على أن المحراب لا يسع غير الإمام و لا يكون مخروما غالبا،فلا يمكن فرض مشاهد له في صفه.

لكن يمكن الذب عنه بحمله على غيره،و التعرض لحكم الفرض النادر في كلام الفقيه غير عزيز،ألا ترى إلى الذكرى قد تعرّض له،فقال:و لو ولجها -أي المقصورة-الإمام و شاهده الجناحان أو انتهت مشاهدتهما إلى من يشاهده صحّ الائتمام،و إلاّ فلا،و أما الذين يقابلون الإمام فصلاتهم صحيحة،لانتهاء

ص:281


1- الذخيرة:393.
2- الكفاية:31.
3- القواعد 1:46.

مشاهدتهم إليه (1).

و ذلك فإن عبارته كالصريحة،بل صريحة في أن المراد بالجناحين من في صف الإمام عن يمينه و يساره،و مع ذلك فرض مشاهدتهما له،و لا تكون إلاّ بولوجهما معه في المقصورة،أو فرض كونها مخرومة.

و وجه صراحة هذه العبارة في حكم أصل المسألة-كما قدّمنا إليه الإشارة -هو تصريحها بالاكتفاء في الصحة بانتهاء مشاهدة الجناحين إلى من يشاهد الإمام،فإن خصصناهما بمن في صف الإمام كما هو ظاهر العبارة بل صريحها كما عرفته فالدلالة واضحة،و كذا إن عمّمناهما لمن في الصف المتأخر عنه، فإن انتهاء مشاهدتهما فيه إلى من يشاهد الإمام إنما هو عن يمينهما و يسارهما لا قدّامهما،هذا.

و تعليله-كالفاضلين و غيرهما-صحة صلاة الصفوف المتأخرة عن الإمام بأنهم يشاهدون من يشاهد الإمام قرينة على حكمهم بالصحة في مفروض المسألة،حيث لم يقيّدوا المشاهدة بوقوعها ممّن في الخلف لقدّامه،بل تشمل ما لو وقعت عن الجانبين،فتعمّ الصحة لمن هو مفروض المسألة و لو فرض اختصاص مورد التعليل بغيره،فإن العبرة بعمومه لا بخصوص مورده.

و ما يقال من أنه لا دليل على ما ذكروه من اعتبار المشاهدة و أخذها قاعدة كلية مطلقا حتى لو حصلت بواسطة أو وسائط لكانت كافية،فممّا لا ينبغي الإصغاء إليه و لا العروج في مقام التحقيق عليه،لظهور إطباقهم عليها،بل قال في المنتهى:إنه لا نعرف فيها خلافا (2)،مؤذنا بكونها بين الخاصة و العامة مجمعا عليها.

ص:282


1- الذكرى:272.
2- المنتهى 1:365.

و بالجملة:لا أرى شبهة في حكم المسألة من حيث الفتوى.و أما من جهة النص فمشكل؛إذ لم أقف على ما يدل عليه منه عدا الصحيحة المتقدمة في بحث الشروط (1)،و دلالتها عليه غير واضحة،إلاّ أن يتمم بفهم الطائفة، مع احتمال تتميمها من غير هذه الجهة،هذا.

و في الصحيح:«لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا» (2).

و في آخر:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إني أصلي في الطاق يعني المحراب،فقال:«لا بأس إذا كنت تتوسع به» (3).

و في هذا إشعار،بل ظهور تام بصحة صلاة المأمومين من جانبي من يقابل الإمام خلفه في المحراب،إذ معها تحصل التوسعة الكاملة المتبادرة من الرواية،و إلاّ فلا تحصل من و لوجه في المحراب إلاّ التوسعة بنفس واحدة، و هي خلاف المتبادر منها كما عرفته،فتأمل.

الرابعة إذا شرع في نافلة فأحرم الإمام قطعها إن خشي الفوات

الرابعة:إذا شرع المأموم في نافلة فأحرم الإمام قطعها أي قطع المأموم النافلة إن خشي الفوات تحصيلا للجماعة التي هي أهمّ من النافلة،على ما صرّح به الجماعة،و يستفاد من المعتبرة الآتية الآمرة بالعدول من الفريضة إلى النافلة،إذ هو في معنى إبطال الفريضة،فإذا جاز لدرك فضيلة الجماعة فجواز إبطال النافلة لدركها أولى.

و للرضوي:«و إن كنت في صلاة نافلة و أقيمت الصلاة فاقطعها و صلّ الفريضة مع الإمام» (4).

ص:283


1- راجع ص 207.
2- الكافي 3:6/386،الفقيه 1:1141/253،التهذيب 3:180/52،الوسائل 8:408 أبواب صلاة الجماعة ب 59 ح 2.
3- التهذيب 3:181/52،الوسائل 8:409 أبواب صلاة الجماعة ب 61 ح 1.
4- فقه الرضا(عليه السلام):145،المستدرك 6:496 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ذيل حديث 1.

و إطلاقه يقتضي عدم الفرق بين خوف الفوات و عدمه،كما هو ظاهر إطلاق الحلّي و المحكي في المختلف عن الشيخ و القاضي (1).

خلافا للأكثر فقيّدوه بالأول،قالوا:ليحوز الفضيلتين.و هو أحوط، سيّما على القول بمنع قطع النافلة اختيارا.

و عليه فهل المعتبر خوف فوات الركعة،أو الصلاة جملة؟ وجهان،الظاهر الأول،لأوفقيته بظاهر الرضوي و النصوص الآتية على ما سيأتي.

و لو كان المأموم في فريضة و أحرم الإمام أو أذّن و أقام كما يستفاد من نصوص المقام نقل نيته من الفرض إلى النفل و أتم ركعتين بلا خلاف صريح،بل عليه في ظاهر التذكرة و غيرها (2)الإجماع؛للمعتبرة،منها الصحيح:عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة،فبينما هو قائم يصلّي إذا أذّن المؤذن و أقام الصلاة،قال:«فليصلّ ركعتين ثمَّ ليستأنف الصلاة مع الإمام و لتكن الركعتان تطوعا» (3).

و بمعناه الموثق (4)و الرضوي (5)،بزيادة فيه،و هي:النهي عن قطع الفريضة و تعيين العدول إلى النافلة،و فيهما،و هي:تخصيصه بالإمام المرضي دون من لا يقتدى به.

ص:284


1- الحلي في السرائر 1:289،المختلف:159.
2- التذكرة 1:184؛و انظر نهاية الإحكام 2:159.
3- الكافي 3:3/379،التهذيب 3:792/274،الوسائل 8:404 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 1.
4- الكافي 3:7/380،التهذيب 3:177/51،الوسائل 8:405 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 2.
5- فقه الرضا(عليه السلام):145،المستدرك 6:496 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 1.

و بالزيادة الأولى مضافا إلى عموم ما دلّ على حرمة إبطال الفريضة يضعّف ما في المختلف (1)عن الشيخ و القاضي من جواز القطع هنا مطلقا،و قوّاه الشهيد في الذكرى أيضا (2)،لكن مع خوف الفوات لا مطلقا،حاكيا له عن الشيخ في المبسوط أيضا.

ثمَّ إنّ هذا مع إمكان النقل،و أما مع عدمه كأن دخل في الثالثة ففي جواز النقل هنا أيضا بأن يهدمها،أو قطع الفريضة من أصلها،أو لا ذاك و لا هذا، بل يبقى مستمرا أوجه،استقرب الفاضل في جملة من كتبه أخيرها (3)، و هو أقوى،اقتصارا فيما خالف الأصل الدالّ على تحريم قطع الفريضة اختيارا على مورد النص و الفتوى،و ليس منه هذا.

إلاّ أن يستدل على الثاني بفحوى ما دلّ على جواز القطع لإدراك فضيلة الأذان و الإقامة،فجوازه لإدراك فضيلة الجماعة أولى.

و هو على تقدير تسليمه أخص من المدّعى؛لاختصاص الجواز في الأذان بصورة خاصة،دونه هنا،فإنه يعمّها و غيرها،إلاّ إن يتمّم بعدم القائل بالفرق،و لا يخلو عن نظر.

و اعلم:أنّ قوله استحبابا الظاهر رجوعه إلى المسألتين،و إلاّ فلم يقل أحد بوجوب القطع المستفاد من ظاهر العبارة في أولاهما،إلاّ أن يحمل الأمر فيها على الرخصة،لوروده مورد توهّم الحرمة،فلا يفيد سوى الإباحة، و هو لا يستلزم الندب و الفضيلة.

لكنه خلاف الظاهر،بل لعلّ الاستحباب متفق عليه بين الجماعة و إن

ص:285


1- المختلف:159.
2- الذكرى:277.
3- انظر نهاية الإحكام 2:159،و التذكرة 1:184.

عبّر جملة منهم بالجواز المطلق،لكون الظاهر إرادتهم منه الاستحباب لا الإباحة.و كيف كان فلا ريب في ثبوته؛لورود الأمر به في الرضوي؛مضافا إلى التسامح في أدلة السنن حيثما لا يحتمل التحريم كما نحن فيه.

و لو كان المأموم قد دخل الفريضة و أحرم إمام الأصل قطعها استحبابا و استأنف الصلاة معه فيما ذكره الشيخ و الحلّي و جماعة (1).

و حجتهم عليه غير واضحة،عدا أمر اعتباري لا أظنه يصلح لمعارضة إطلاق النصوص المتقدمة المؤيدة بأدلة تحريم إبطال الفريضة،و مع ذلك فالمسألة قليلة الجدوى و الثمرة.و تردّد فيها الفاضلان،بل قطع في المختلف و المنتهى بالحرمة (2).

و لو كان الإمام ممن لا يقتدى به استمر المأموم على حاله في المسألتين،فلا يقطع النافلة و لا يعدل إليها من الفريضة؛للأصل،مضافا إلى الزيادة المتقدم إليها الإشارة في الرضوي و الموثقة المتقدمة.

الخامسة:ما يدركه المأموم يكون أول صلاته،فإذا سلّم الإمام أتمّ هو ما بقي

الخامسة:ما يدركه المأموم المسبوق بركعة فصاعدا مع الإمام من الركعات يكون أول صلاته،فإذا سلّم الإمام أتمّ هو ما بقي عليه،بإجماعنا الظاهر،المنقول في ظاهر جملة من العبائر مستفيضا كالمعتبر و التذكرة و المنتهى(و نهاية الأحكام) (3)و روض الجنان و غيرها (4)،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة جدا كغيرها،و في أكثرها الأمر بقراءة الحمد و السورة،أو الحمد

ص:286


1- الشيخ في النهاية:118،الحلي في السرائر 1:289؛و انظر الذكرى:277،و روض الجنان:377،378،و الذخيرة:401.
2- المحقق في المعتبر 2:445،العلامة في المختلف:159،المنتهى 1:383.
3- ما بين القوسين ليست في«ش»و«م».
4- المعتبر 2:446،التذكرة 1:181،المنتهى 1:383،نهاية الإحكام 2:134،روض الجنان:376؛و انظر المدارك 4:382.

خاصة مع الضرورة أو مطلقا،في الأوليين اللتين هما أخيرتا الإمام.

ففي الصحيح:«إذا أدرك الرجل بعض الصلاة و فاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه،جعل أول ما أدرك أول صلاته،و إن أدرك من الظهر أو العصر أو العشاء ركعتين و فاتته الركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك في نفسه بأمّ الكتاب و سورة،فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أمّ الكتاب،فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما»إلى أن قال:«و إن أدرك ركعة قرأ فيها فإذا سلّم الإمام قام فقرأ بأمّ الكتاب و سورة ثمَّ قعد فتشهد ثمَّ قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة» (1).

و فيه:عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام و هي له الأولى،كيف يصنع إذا جلس الإمام؟قال:«يتجافى و لا يتمكن من القعود، فإذا كانت الثالثة للإمام و هي له الثانية فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهد ثمَّ يلحق الإمام»و عن الرجل يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟فقال:«اقرأ فيهما فإنهما لك الأوليان،و لا تجعل أول صلاتك آخرها» (2).

و هل هذه القراءة على الوجوب أو الندب؟قولان:

من ظاهر الأوامر فيها،مضافا إلى عموم ما دلّ على وجوبها.

و من عموم ما دلّ على سقوطها خلف الإمام المرضي المخصّص به العموم المتقدم،و تحمل الأوامر على الندب جمعا،و لا سيّما مع انضمامها في

ص:287


1- الفقيه 1:1162/256،التهذيب 3:158/45،الاستبصار 1:1683/436،الوسائل 8:388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.
2- الكافي 3:1/381،التهذيب 3:159/46،الاستبصار 1:1684/437،الوسائل 8:387 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 2.

بعض النصوص بما هو للندب أو الكراهة قطعا،مع أن في بعضها الأمر بالقراءة في النفس،و هو غير القراءة الحقيقية،فيكون هذا قرينة أخرى على الندب أيضا.

و الأول أقوى،وفاقا لأعيان القدماء كالشيخ في التهذيبين و النهاية و الحلبي و المرتضى بل الكليني و الصدوق (1)أيضا؛لقوة أدلته،و ضعف معارضها:

فالأول:بمنع العموم،بل غايته الإطلاق الغير المنصرف بحكم التبادر إلى محل النزاع.و لو سلّم فهو مخصّص بالأوامر هنا،و هو أولى من حملها على الندب،لأولوية التخصيص من المجاز حيثما تعارضا على الأشهر الأقوى.

و القرينة الأولى على الندبية على تقدير تسليمها معارضة بمثلها،و هو تضمن بعضها ما هو للوجوب قطعا،و بعد تعارضهما يبقى الأمر الظاهر في الوجوب عن الصارف سليما.

و أما القرينة الثانية فممنوعة؛إذ القراءة في النفس كناية عن الإخفاء بها، كما شاع التعبير بها عنه في الأخبار،و منها ما ورد في الصلاة خلف المخالف (2)مع الاتفاق على وجوب القراءة الحقيقية فيها،و لو سلّم فكيف يجعل القراءة في النفس التي ليست قراءة حقيقة ملفوظا بها قرينة على استحبابها،بل إبقاؤها على حقيقتها خلاف الإجماع قطعا،و هو من أعظم الشواهد على أن المراد بها ما ذكرنا.

ص:288


1- التهذيب 3:45،46،الاستبصار 1:437،النهاية:115،الحلبي في الكافي في الفقه: 145،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):41،الكليني في الكافي 3:281 ح 4،الصدوق في المقنع:36.
2- الفقيه 1:1185/260،التهذيب 3:128/36،الاستبصار 1:1662/430،الوسائل 8:364 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 4.

و بالجملة:فالقول الثاني-كما عليه الحلّي و الفاضل في جملة من كتبه كالتذكرة و المختلف و المنتهى و غيرهما (1)-ضعيف جدا.

و هل الإخفات هنا و لو في الجهرية على الوجوب،كما هو ظاهر الصحيحة الاولى (2)و غيرها (3)،و صريح المرتضى (4)؟ أو الندب كما يقتضيه الأصل،و خلو باقي النصوص عنه،و قوة ورود الأمر به لمراعاة ما يستحب اتفاقا من عدم إسماع المأموم الإمام شيئا؟ وجهان،أحوطهما الأول،إلاّ مع عدم المتابعة بأن خرج الإمام عن الصلاة و قام المأموم إلى الركعة التي يجب عليه الجهر فيها بالقراءة،فالأحوط الجهر و إن احتمل العدم ضعيفا بتخيل اختصاص ما دلّ على وجوب الجهر بحكم التبادر بغير مفروضنا هذا،لكن لا وجه لرجحان الإخفات هنا.

ثمَّ إنه على المختار من وجوب قراءة السورتين يختص بحالة التمكن منهما،و إلاّ فالحمد خاصة مع إمكانها بلا إشكال؛لتصريح الصحيحة به و غيرها كالرضوي و غيره (5).

و يشكل مع عدم التمكن منها أيضا،فهل يأتي بها و إن فاته الركوع فيقرؤها و يلحق الإمام في السجود،أم يتابعه في الركوع و يتركها؟ وجهان،أجودهما الثاني كما بيّنته في الشرح مستوفى.و لكن مراعاة

ص:289


1- الحلي في السرائر 1:286،التذكرة 1:182،المختلف:159،المنتهى 1:384؛و انظر مجمع الفائدة و البرهان 3:326.
2- المتقدمة في ص:287.
3- دعائم الإسلام 1:191،192 المستدرك 6:489 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 1،4.
4- انظر جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):41.
5- فقه الرضا(عليه السلام):144،دعائم الإسلام 1:192،المستدرك 6:490 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 4.

الأول أحوط و أولى بأن لا يدخل مع الإمام إلا عند تكبيره للركوع إذا عرف عدم التمكن منها،و إن دخل قبل ذلك فليقرأ منها الممكن ثمَّ ليتابعه في الركوع و يعيد الصلاة احتياطا.

و إذا جلس الإمام للتشهد و ليس له محل للتشهد تجافى و لم يتمكن من القعود كما في الصحيح المتقدم و غيره (1).

و هل هو على الوجوب كما هو الظاهر منهما،و عليه الصدوق (2)؟ أم الندب،كما هو ظاهر الأكثر؛للأصل،و خلو كثير من النصوص عنه؛ مع الأمر بالقعود في الموثق:عن رجل يدرك الإمام و هو قاعد يتشهد،و ليس خلفه إلاّ رجل واحد عن يمينه قال:«لا يتقدم الإمام و لا يتأخر الرجل،و لكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام،فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتم صلاته» (3)؟ وجهان،أحوطهما الأول إن لم نقل بكونه المتعين؛لقوة مستنده بالإضافة إلى مقابلة بالأخصّية و الصحة و التعدّد فيخص به الأصل و النص، و يحمل القعود على ما يقابل القيام في الموثق.

مع أنه لا بدّ فيه من ارتكاب خلاف ظاهر؛إذ لا قائل بوجوب القعود الحقيقي و لا استحبابه،فحمله عليه موجب لشذوذ الموثق و ندرته،أو صرف الأمر فيه إلى خلاف ظاهره من الإباحة و الرخصة،و هو ليس بأولى من حمل

ص:290


1- معاني الأخبار:1/300،المستدرك 6:501 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.
2- انظر الفقيه 1:256.
3- الكافي 3:7/386،التهذيب 3:788/272،الوسائل 8:392 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 3.

القعود فيه على ما ذكرنا إن لم نقل بكونه أولى.و عليه فلا يمكن صرف الأمر في الصحيح و غيره عن ظاهره بمجرده،مع اعتضاد هما بغيرهما كالصحيح:«من أجلسه الإمام في موضع يجب أن يقوم فيه تجافى و أقعى إقعاء و لم يجلس متمكنا» (1).

و كيف كان لا ريب أن التجافي أولى.

و يأتي بالتشهد استحبابا؛لأنه بركة،كما في المعتبرين (2).

خلافا لجماعة فمنعوه عنه (3)،و أثبت بعضهم بدله التسبيح (4)،و لعلّه أحوط و إن كان لا بأس بالأول حيث لم يقصد به الأمر الموظّف،بل قصد به الذكر المطلق.

و إذا جاء محل تشهد المأموم فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر التشهد المجزي ثمَّ يلحقه،كما مرّ في الصحيح.

و ينبغي أن يتابع الإمام في قنوته كما في الموثق (5)،و يأتي بقنوت نفسه؛ للعموم.

السادسة إذا أدركه بعد انقضاء الركوع الأخير كبّر و سجد معه

السادسة :المأموم إذا أدركه أي الإمام بعد انقضاء الركوع الأخير بأن لم يجتمع معه بعد التحريمة في حدّه كبّر و سجد معه بغير ركوع

ص:291


1- الفقيه 1:1168/263،الوسائل 8:418 أبواب صلاة الجماعة ب 67 ح 2.
2- الأول:التهذيب 3:196/56،المحاسن:326،الوسائل 8:416 أبواب صلاة الجماعة ب 66 ح 1. الثاني:الكافي 3:3/381،التهذيب 3:779/270،الوسائل 8:416 أبواب صلاة الجماعة ب 66 ح 2.
3- منهم الشيخ في النهاية:115،الحلبي في الكافي:145،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):560،ابن سعيد في الجامع للشرائع:100.
4- كالشيخ في النهاية:115.
5- التهذيب 2:1287/315،الوسائل 6:287 أبواب القنوت ب 17 ح 1.

فإذا سلّم الإمام استقبل المأموم الصلاة و استأنفها من أوّلها بلا خلاف،إلاّ من الفاضل في المختلف،فتوقف في استحباب الدخول (1)؛لورود النهي عنه في الصحيح (2).

و فيه-بعد تسليم العمل به مع أنه خلاف الأظهر الأشهر كما مرّ في بحثه- أنّ المراد به الدخول على سبيل الاعتداد بالركعة،لا على سبيل إدراك فضيلة الجماعة،كما يفصح عنه تبديل النهي عن الدخول ب«لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام»في الصحيح الآخر لراوي الأول (3)،مع تصريح ثالث له أيضا بإدراك فضيلة الجماعة بإدراك الإمام و هو في السجدة الأخيرة (4)،و هو شامل للمسألة بالأولوية.

و ما ذكرناه من الأجوبة أولى ممّا في المدارك من حمل النهي على الكراهة (5)؛إذ ليس فيها منافاة لما ذكره العلاّمة من القدح في استحباب الدخول،كما عليه الجماعة حاكمين بأنه يدرك به فضيلة الجماعة،بل هو ضعيف.

و أضعف منه ميله إلى موافقة العلاّمة،معلّلا بعدم ثبوت التعبد بما عليه الجماعة؛لما عرفت من ثبوته بالصحيحة الثالثة بالأولوية في المسألة،و في موردها بالصراحة،و قد اعترف هو بها في تلك المسألة.و نحوها ما سيأتي من المعتبرة.

ص:292


1- المختلف:158.
2- التهذيب 3:149/43،الاستبصار 1:1676/434،الوسائل 8:381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 2.
3- التهذيب 3:150/43،الاستبصار 1:1677/435،الوسائل 8:381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 3.
4- التهذيب 3:197/57،الوسائل 8:392 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 1.
5- المدارك 4:385.

هذا مضافا إلى صريح الخبر في المسألة المنجبر ضعف سنده و قصر دلالته بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل الإجماع في الحقيقة:«إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته و قد رفع رأسه فاسجد معه و لا تعتدّ بها» (1).

و من ظاهر الشيخ و الحلّي (2)؛فلم يوجبا الاستيناف؛قيل:لاغتفار الزيادة في المتابعة (3).

و هو حسن مع وجود الدليل عليه،و ليس لا من إجماع كما هو ظاهر،و لا من نصّ،إذ لم نقف عليه عدا ما مرّ،و ليس فيه عدا بيان إدراك فضيلة الجماعة،و هو لا يلازم اغتفار الزيادة.

إلاّ أن يجعل السكوت عن الأمر بالاستيناف دليلا على عدم لزومه؛لورود النصّ مورد الحاجة.

لكن في الخروج بمثله عن عموم ما دلّ على فساد العبادة بالزيادة من الاعتبار و الرواية-كما عرفته غير مرّة-مناقشة،سيّما مع احتمال عدم السكوت بعد الإتيان بقوله:«و لا تعتدّ بها»في الرواية الأخيرة،لاحتمال رجوع الضمير فيها إلى الصلاة،فتوافق المختار من عدم الاغتفار،بل استدل بها عليه كما ذكره جماعة من الأصحاب (4).

لكنه ضعيف؛لاحتمال رجوعه إلى الركعة أيضا،فلا ينافي ما عليه الشيخ و من تبعه؛مع أن هذا الاحتمال أولى،لكون المرجع عليه مذكورا قبل الضمير صريحا،بخلاف الأول،لعدم سبق ذكر له قبله إلاّ ضمنا.

ص:293


1- التهذيب 3:166/48،الوسائل 8:392 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 2.
2- الشيخ في النهاية:115،و المبسوط 1:159،الحلي في السرائر 1:286.
3- الذكرى:275،المدارك 4:385.
4- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:334،و صاحب الحدائق 11:252.

و كذا الكلام فيما لو أدركه بعد السجود فيستحب له المتابعة له فيه و يستأنف الصلاة صلاة من أوّلها.

و إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحكمين بين الإدراك بعد رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة أو قبله.

و لا إشكال في الحكم الأول على التقديرين،و لا خلاف فيه أيضا إلاّ ممّن سبق،و يضعّفه-زيادة على ما مر في الجملة من الصحيح المصرّح بدرك فضيلة الجماعة و الإمام في السجدة الأخيرة-القويّ المروي في الفقيه كما يأتي.

و الموثق:في الرجل يدرك الإمام و هو قاعد يتشهد و ليس خلفه إلاّ رجل واحد عن يمينه،قال:«لا يتقدم الإمام و لا يتأخر الرجل،و لكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام،فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتم صلاته» (1).

و النبوي المروي في الوسائل عن مجالس الشيخ:«إذا جئتم إلى الصلاة و نحن سجود فاسجدوا و لا تعتدّوها شيئا» (2).

و المقطوع:«إذا أتيت الإمام و هو جالس قد صلّى ركعتين فكبّر ثمَّ اجلس فإذا قمت فكبّر» (3).

و الأمر بالمتابعة ليس إلاّ لإدراك فضيلة الجماعة كما صرّحت به الصحيحة السابقة و جماعة (4)،و قصور السند أو ضعفه مجبور بالشهرة العظيمة.

و أما النصوص المخالفة للأخبار المزبورة كالموثق:عن رجل أدرك الإمام

ص:294


1- تقدّم مصدره في ص 290.
2- أمالي الطوسي:399،الوسائل 8:394 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 7.
3- الفقيه 1:1184/260.
4- منهم:الشهيد الثاني في روض الجنان:378،و صاحب المدارك 4:386 و المحقق السبزواري في الذخيرة:402.

و هو جالس بعد الركعتين،قال:«يفتتح الصلاة و لا يقعد مع الإمام حتى يقوم» (1).

و الخبر:«إذا وجدت الإمام ساجدا فاثبت مكانك حتى يرفع رأسه،و إن كان قاعدا قعدت و إن كان قائما قمت» (2).

فغير مكافئة لمقابلتها من وجوه عديدة،أعظمها اعتضاد تلك مع صحة بعضها بالشهرة العظيمة،بل الإجماع في الحقيقة؛لعدم عامل بهذه أجده إلاّ شيخنا الشهيد الثاني فعمل بها جامعا بينها و بين الأخبار السابقة بالتخيير، مفضّلا للعمل بها على هذه (3).

و هو حسن بعد المكافئة،و هي مفقودة،لرجحان تلك بما عرفته؛مع أن ظاهر هذه حرمة المتابعة و هو لا يقول بها،و تنزيلها على ما ذكره فرع حجة هي في المقام مفقودة.

و قريب منه في الضعف ما عن التذكرة و في غيرها (4)من عدم إدراك فضيلة الجماعة إلاّ بإدراك السجدة الأخيرة؛لضعفه بما عرفته من المعتبرة الآمرة بالمتابعة بإدراك الإمام بعدها،و قد مرّ أنه ليس إلاّ لإدراك الفضيلة.

مضافا إلى صريح القوية المروية في الفقيه في حديث قال:«و من أدرك الإمام و هو ساجد سجد معه و لم يعتدّ بها،و من أدرك الإمام في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة،و من أدرك و قد رفع رأسه من السجدة الأخيرة و هو في التشهد فقد أدرك الجماعة» (5).

ص:295


1- التهذيب 3:793/274،الوسائل 8:393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 4.
2- الكافي 3:4/381،التهذيب 3:780/271،الوسائل 8:393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 5.
3- انظر روض الجنان:278.
4- التذكرة 1:183؛و انظر المفاتيح 1:167.
5- الفقيه 1:1214/265،الوسائل 8:393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 6.

و احتمال كون هذه العبارة من الفقيه بعيد على ما يفهم من جماعة (1).

و بصريحها مضافا إلى ظواهر الروايات السابقة يعدل عمّا ربما يفهم من الصحيحة المتقدمة من انحصار إدراك فضيلة الجماعة في إدراك الإمام في السجدة الأخيرة.

و لا في الحكم الثاني (2)أيضا على التقدير الثاني (3)على المختار في المسألة السابقة من عدم اغتفار الزيادة؛إذ لا فرق بين المسألتين إلاّ من حيث كون الزائد ثمّة ركنا و هنا غيره،و هو غير صالح للفرق بعد اشتراكهما في تعمد الزيادة؛فإنه مبطل مطلقا على ما تقتضيه القاعدة العقلية و النقلية كما عرفته غير مرّة،فما في الروضة (4)من الاغتفار هنا لا ثمة لا أعرف وجهه،و يأتي على قول الشيخ (5)الاغتفار هنا أيضا،بل بطريق أولى.

و يشكل على التقدير الأول (6)؛لعدم زيادة فيه مبطلة إلاّ التشهد،و هو بركة كما مرّ في المعتبرة.هذا إن حصل فيه المتابعة،و إلاّ فليس إلاّ القعود خاصة،و هو غير مبطل بلا شبهة،كما يفصح عنه الأمر به في المسبوق حيث لم يكن له محل للتشهد.

نعم،في المقطوعة السابقة الأمر بإعادة التكبيرة.و قطعها يمنع عن العمل بها في المسألة،مع أني لا أجد قائلا بها و لا أعرف،مع أنها معارضة بالموثقة الأولى المتقدمة،لظهورها،بل صراحتها في عدم لزوم الإتيان بالتكبيرة،

ص:296


1- منهم:الفيض الكاشاني في الوافي 8:1230.
2- و هو وجوب استيناف الصلاة.
3- و هو إدراك الإمام قبل رفع رأسه من السجدة الأخيرة.
4- الروضة 1:384.
5- راجع ص 293.
6- و هو:إدراك الإمام بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة.

لقوله:«فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتم صلاته».

و بالجملة:فعدم الاستيناف هنا أقوى.

و يمكن أن يقيّد العبارة بصورة الإدراك في السجود لا بعده،أو يقيّد التشبيه بالحكم الأول و هو استحباب الدخول،لا الثاني و إن أو همته العبارة، و على هذا التنزيل فلا مخالفة.

السابعة يجوز أن يسلّم قبل الإمام مع العذر

السابعة:يجوز للمأموم أن يسلّم قبل الإمام مع العذر كنسيان أو عروض حاجة يخاف فوتها أو نية الانفراد بلا خلاف أجده،بل في المدارك و الذخيرة:أنه مقطوع به بين الأصحاب (1)،مؤذنين بالإجماع عليه،كما صرّح به المرتضى في الناصرية في التسليم قبله نسيانا (2)،و الفاضل في المنتهى في مطلق العذر مع نية الانفراد مطلقا (3)؛و هو الحجة.

مضافا إلى فحاوي الإجماعات الآتية و الصحاح الصراح،منها:في الرجل يصلّي خلف إمام فيسلّم قبل الإمام،قال:«ليس عليه بذلك بأس» (4).

و منها:في الرجل يكون خلف إمام فيطيل في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شيء أن يفوت أو يعرض له وجع،كيف يصنع؟قال:«يسلّم من خلفه و يمضي في حاجته إن أحب» (5).

و منها:عن الرجل يكون خلف إمام فيطيل في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شيء أن يفوت أو يعرض له وجع،كيف يصنع؟قال:«يسلّم و ينصرف و يدع الإمام» (6).

ص:297


1- المدارك 4:387،الذخيرة:402.
2- الناصرية(الجوامع الفقهية):201.
3- المنتهى 1:385.
4- التهذيب 3:189/55،الوسائل 8:414 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 4.
5- الفقيه 1:1163/257،التهذيب 2:1445/349،الوسائل 8:413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 3.
6- الفقيه 1:1191/261،التهذيب 2:1446/349،قرب الإسناد:803/207 الوسائل 8:413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.

و إطلاق جملة منها يقتضي جواز المفارقة في ضرورة و غيرها،بنيّتها و عدمها،كما هو ظاهر الماتن في الشرائع و غيره (1)،بل في روض الجنان و الذخيرة (2)نسب إلى ظاهر الأصحاب و الجماعة مشعرين بدعوى الإجماع، و هو الأقوى.

خلافا لظاهر المتن و الذكرى (3)فاعتبرا نيتها.و لم أعرف له وجها،عدا الاتفاق على عدم جواز مفارقة المأموم الإمام في غير المقام من سائر أحوال الصلاة اختيارا من غير نيتها،فكذا هنا،و هو كما ترى؛و وجوب المتابعة في الأقوال كما عليه في الذكرى (4)،لكنه خلاف الأشهر،بل الأقوى،فإني لم أقف على ما يدل عليه صريحا،بل و لا ظاهرا،مع إطلاق النصّ و الفتوى هنا بجواز المفارقة مطلقا،فإنّ فيه تأييدا للعدم،كما نبّه عليه شيخنا في روض الجنان (5).

و في جواز المفارقة فيما عدا المقام بنيتّها من غير ضرورة قولان،أظهرهما نعم،وفاقا للأكثر،بل لا خلاف فيه يظهر إلاّ من المبسوط حيث أفسد الصلاة بالمفارقة لغير عذر (6)،و هو غير صريح في المخالفة،بل و لا ظاهر ظهورا يعتدّ به،لاحتمال اختصاصه بما إذا لم ينوها.

و كذا كلام السيّد في الناصرية:إن تعمّد سبقه إلى التسليم بطلت

ص:298


1- الشرائع 1:126؛و انظر المعتبر 2:448.
2- روض الجنان:379،الذخيرة:402.
3- الذكرى:278.
4- الذكرى:274.
5- روض الجنان:379.
6- المبسوط 1:157.

صلاته (1)،يحتمل التقييد بذلك أيضا.

و عن الخلاف الإجماع على الجواز (2)،كالفاضل في ظاهر المنتهى و صريح التذكرة و النهاية (3).

و لا حاجة لنا-بعد هذه الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة العظيمة،بل الإجماع كما عرفته-إلى الاستدلال بما ذكره جماعة من أمور لا تخلو عن مناقشة،كأدلة القول بالمنع،فإنها قاصرة،عدا قاعدة وجوب تحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة،و يجاب عنها بحصولها بما عرفته.

و أما الاستدلال للمنع بجملة من النصوص المتقدمة في بحث ما لو أحدث الإمام قدّم من ينوبه (4)،من حيث الأمر فيها بالاستنابة،مع تصريح الصحيح منها بأنه:«لا صلاة لهم إلاّ بإمام» (5).

فغريب بعد ما عرفت ثمة من أن ذلك على جهة الفضيلة لا الوجوب في ظاهر الأصحاب،مع دعوى التذكرة عليه الإجماع (6)،مع احتمال عدّ ذلك من قسم الضرورة المبيحة للمفارقة.

و حيث جازت المفارقة فإن كانت قبل القراءة أتى بها،و لو كان في أثنائها ففي البناء على قراءة الإمام،أو إعادة السورة التي فارق فيها،أو استيناف

ص:299


1- الناصرية(الجوامع الفقهية):237.
2- الخلاف 1:552.
3- المنتهى 1:384،التذكرة 1:175،نهاية الإحكام 2:128.
4- راجع ص 261 و 262.
5- الفقيه 1:1196/262،التهذيب 3:843/283،الوسائل 8:426 أبواب صلاة الجماعة ب 72 ح 1.
6- التذكرة 1:181.

القراءة من أوّلها،أوجه،أوجهها الأول،وفاقا لروض الجنان (1)؛لأن قراءة الإمام كافية عنهما.و أولى بالإجزاء ما لو فارقه بعدها.

خلافا للذكرى فأوجب في الموضعين استينافها (2)،و هو أحوط و أولى.

و أحوط منه ترك الانفراد فيهما إن كان مختارا و إلاّ فما ذكرنا،و أحوط من جميع ذلك عدم مفارقة الإمام اختيارا مطلقا،و اضطرارا من غير نيّتها.

الثامنة النساء يقفن من وراء الرجال

الثامنة:النساء يقفن من وراء الرجال أو الإمام الذي يؤمّهنّ فلو جاء رجال آخرون تأخرن عنهم وجوبا إن لم يكن لهم موقف أمامهنّ بلا خلاف في أصل الرجحان،بل صريح الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في جملة من كتبه كالمنتهى و التحرير (3)الوجوب،بمعنى توقف(صحة) (4)صلاة لرجل على تأخرهن،لا الوجوب بالمعنى المعروف؛لبعده على إطلاقه.

للأمر به في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح (5)، و المرسل كالموثق (6):عن الرجل يؤمّ المرأة في بيته؟قال:«نعم تقوم وراءه».

و فيه:«المرأة تصلّي خلف زوجها الفريضة و التطوع و تأتمّ به» (7).

و فيه:أصلّي المكتوبة بأمّ علي؟قال:«نعم،تكون على يمينك يكون

ص:300


1- روض الجنان:378.
2- الذكرى:272.
3- الشرائع 1:127،المنتهى 1:376،التحرير 1:53.
4- ليست في«ش»و«م».
5- الكافي 3:1/376،التهذيب 3:757/267،الوسائل 8:333 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 5؛و لا يخفى أن في سنده محمد بن سنان،و هو ضعيف على المشهور،و قال الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح:هذه الرواية صحيحة عندي.
6- التهذيب 3:112/31،الاستبصار 1:1645/426،الوسائل 8:332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 4.
7- التهذيب 2:1579/379،الوسائل 8:332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 1.

سجودها بحذاء قدميك» (1).

و في الخبر:عن الرجل يصلّي مع الرجل الواحد و معهما النساء؟قال:

«يقوم الرجل إلى جنب الرجل و يتخلّفن النساء خلفهما» (2).

و في الصحيح (3)و غيره (4):«إذا كان معهنّ غلمان فأقيموهم بين أيديهن و إن كانوا عبيدا».

خلافا لجماعة بل الأكثر،فلم يوجبوه (5)،بناء على ما اختاروه في مسألة محاذاة المرأة للرجل في الصلاة من الكراهة،مؤذنين بكونها هنا قول كلّ من قال بها ثمة.

فإن تمَّ إجماعا مركبا فلا محيص عمّا ذكروه،إلاّ أنه محل نظر،فإنّ الفاضلين في كتبهما المسطورة مع اختيارهم الكراهة ثمة صرّحا بالوجوب في المسألة (6)،و لذا اعترض الجماعة خالي العلاّمة-أدام اللّه سبحانه أيامه-فقال على بناء هذه المسألة على تلك:كون البناء على ذلك محل تأمل،لأن هيئة الجماعة وظيفة شرعية،و الظاهر من الأخبار تعيّن تأخير النساء فيها،فتأمل (7).

أقول:لعلّ وجه التأمل هو قوة احتمال تحقّق الإجماع المركب.و لا ينافيه فتوى الفاضلين هنا بالوجوب مع تصريحهما ثمة بالكراهة،لاحتمال تغير رأيهما

ص:301


1- التهذيب 3:758/267،الوسائل 8:332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 2.
2- التهذيب 3:763/268،الوسائل 8:332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 3.
3- الفقيه 1:1179/259،الوسائل 8:343 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 9.
4- التهذيب 3:759/267،الوسائل 8:341 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 3.
5- منهم:ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):560،و ابن إدريس في السرائر 1:267، و صاحب المدارك 3:221،و ج 4:376،و المحقق السبزواري في الذخيرة:495.
6- المحقق في الشرائع 1:126،العلامة في المنتهى 1:376.
7- الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك(المدارك الطبع الحجري):240.

هنا،كما هو الظاهر من المنتهى،حيث صرّح في مسألة المحاذاة بكراهتها هنا أيضا،فإنه-بعد أن نقل بعض الصحاح الدالة على فساد صلاة المرأة بمحاذتها في صلاة العصر لإمامها-قال ما لفظه:و وجه هذه الرواية أن المرأة منهية عن هذا الموقف فيختص الفساد بها،لكن لما بيّنّا أن ذلك مكروهة حملنا الرواية على الاستحباب (1).

و مع ذلك فقد استدل للوجوب في المسألة بالنبوية العامية:«أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ اللّه تعالى» (2)مع أنه أجاب عنها ثمة بأنها ليست من طرقنا فلا تعويل عليها.

و كلماته هذه كما ترى صريحة في تغير رأيه،لا القول بالفصل،فيحتمل قويا أن يكون بناؤه في غير الكتاب كذلك.

و كذا الماتن هنا و في الشرائع،مع أنه فيه كغيره صرّح في تحرير تلك المسألة بما يعمّ صورتي الانفراد و الجماعة،و قال بعد نقل القولين:أن الأشبه الكراهة.

و حيث تمَّ الإجماع المركب كان التأخر على الاستحباب؛لثبوته على المختار ثمة،و يحمل الأخبار هنا على الكراهة،كما حمل عليها نظيرها ثمة،أو على التقية؛لموافقتها سيّما الصحيحة الأخيرة لمذهب أبي حنيفة على ما حكاه عنه في المنتهى،و مع ذلك الاحتياط لا ينبغي تركه،سيّما في المسألة.

التاسعة إذا استنيب المسبوق فانتهت صلاة المأمومين أومأ إليهم ليسلّموا ثمَّ يتم

التاسعة:إذا استنيب المسبوق فانتهت صلاة المأمومين جلس حتى إذا فرغوا من التشهد أومأ بيده إليهم يمينا و شمالا ليسلّموا ثمَّ يتم هو ما بقي عليه،كما في الصحيحين (3).

ص:302


1- المنتهى 1:242،243.
2- انظر المغني و الشرح الكبير 2:37.
3- الأول:الفقيه 1:1193/262،الوسائل 8:377 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 1. الثاني:الكافي 3:7/382،الفقيه 1:1171/258،التهذيب 3:144/41،الاستبصار 1:1672/433،الوسائل 8:377 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 3.

فإن لم يدر ما صلّى الإمام قبله ذكره من خلفه،كما في الصحيح (1).

و في رواية:إنه يقدّم رجلا منهم ليسلّم بهم (2).و حملها في المنتهى على الاستحباب (3).و جعلها الشيخ أحوط (4).و فيه إشكال؛لضعف السند،و عدم المقاومة لما مرّ.

و قريب منه القول بالتخيير كما قيل (5)،و تجويز المنتهى انتظارهم إلى فراغ الإمام ليسلّم بهم؛لعدم وضوح مستندهما،عدا الجمع بين النصوص للأول،و فيه ما مرّ،و القياس بصلاة الخوف للثاني،و لا حجة فيه.

ص:303


1- الفقيه 1:1194/262،الوسائل 8:377 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 2.
2- التهذيب 3:145/41،الاستبصار 1:1673/433،الوسائل 8:378 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 5.
3- المنتهى 1:381.
4- كما في التهذيب 3:41.
5- قال به صاحب الحدائق 11:220.
خاتمة في جملة من أحكام المساجد
اشارة

خاتمة :

في بيان جملة من أحكام المساجد و ذيّلت بها صلاة الجماعة لغلبة وقوعها فيها،فناسب ذكرها هنا و إن كان مبحث مكان المصلي-كما فعله جماعة (1)-أولى.

و فضل اتخاذها و الاختلاف إليها مجمع عليه بين المسلمين،بل من ضروريات الدين منصوص به في الكتاب الكريم إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ [1] (2).

و في الصحيح:«من بنى مسجدا بنى اللّه تعالى بيتا له في الجنة» (3).

و في ذيله و غيره (4)الاكتفاء فيه بنحو مفحص قطاة أو تسوية أحجار.

و

يستحب أن تكون المساجد مكشوفة

يستحب أن تكون المساجد المتخذة مكشوفة غير مظلّلة على المشهور،كما في الصحيح:عن المساجد المظلّلة يكره المقام فيها؟ قال:«نعم،و لكن لا يضركم الصلاة فيها اليوم،و لو كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك» (5).

ص:304


1- منهم:الشهيد الثاني في روض الجنان:231،و المحقق السبزواري في الذخيرة: 248،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:200.
2- التوبة:18.
3- الكافي 3:1/368،التهذيب 3:748/264،الوسائل 5:203 أبواب أحكام المساجد ب 8 ح 1.
4- الفقيه 1:704/152،الوسائل 5:204 أبواب أحكام المساجد ب 8 ح 2.
5- الكافي 3:4/368،التهذيب 3:695/253،الوسائل 5:207 أبواب أحكام المساجد ب 9 ح 2،بتفاوت.

و خصّ بعض المتأخرين الكراهة بنحو السقوف دون العريش (1)؛ للصحيح الآخر المتضمن لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله له (2).و لا بأس به إن لم يفهم منه اختصاص فعله بصورة الضرورة كما ربما يفهم من سياقه.

نعم في المرسل:«أول ما يبدأ به قائمنا سقوف المساجد،فيكسرها و يأمر بها فتجعل عريشا كعريش موسى» (3).

لكنه مع قصور سند يحتمل تقييد إطلاق الأمر بالعريش فيه على ما فهم من سابقة،اللّهم إلاّ أن يمنع عموم الصحيح السابق لنحو العريش، بدعوى اختصاصه بحكم التبادر و العهد الخارجي بغيره،سيّما إذا لو حظ ذيله و ضمّ المرسل به،فالتخصيص غير بعيد إن لم يتسامح في المستحب و دليله،و إلاّ فالعموم أولى لاشتهاره.

و ربما يفهم من الحلّي التأمل في هذا الحكم من أصله،حيث نسبه إلى رواية و لم يفت به (4).

و أن تكون الميضاة و هي المطهرة للحدث و الخبث على أبوابها بلا خلاف؛للنبوي الخاصي:«و اجعلوا مطاهركم على أبواب

ص:305


1- كصاحب المدارك 4:391.
2- الكافي 3:1/295،التهذيب 3:738/261،معاني الأخبار:1/159،الوسائل 5:205،أبواب أحكام المساجد ب 9 ح 1.
3- الفقيه 1:707/153،الوسائل 5:207 أبواب أحكام المساجد ب 9 ح 4.
4- السرائر 1:278.

مساجدكم» (1).

و في المنتهى و روض الجنان و غير هما (2):و لئلاّ يتأذى الناس برائحتها.

و في السرائر:و لا يجوز أن تكون داخلها (3).و هو حسن إن سبقت مسجدية محلّها،لا مطلقا،كما ذكره جماعة (4).

و يكره فيه الوضوء من البول و الغائط؛للصحيح (5).و ربما حمل الوضوء فيه على المعنى اللغوي،و لا وجه له بعد القول بثبوت الحقيقية الشرعية في أمثاله،مع فتوى الأكثر به.

و أن تكون المنارة مع حائطها على المشهور،و في النهاية:

لا يجوز في وسطها (6).و هو حسن إن تقدمت المسجدية على بنائها.

و في الخبر:«لا ترفع المنارة إلاّ مع سطح المسجد» (7).

و استدل به في المنتهى على المطلب،و استحباب عدم تعليتها على الحائط (8)؛كما أفتى به الأكثر.

ص:306


1- التهذيب 3:702/254،الوسائل 5:231 أبواب أحكام المساجد ب 25 ح 3.
2- المنتهى 1:387،روض الجنان:234؛و انظر الذخيرة:249.
3- السرائر 1:279.
4- منهم:الشهيد في الذكرى:158،و المحقق السبزواري في الذخيرة:249.
5- الكافي 3:9/369،التهذيب 3:719/257،الوسائل 1:492 أبواب الوضوء ب 57 ح 1.
6- النهاية:109.
7- الفقيه 1:723/155،التهذيب 3:710/256،الوسائل 5:230 أبواب أحكام المساجد ب 25 ح 2.
8- المنتهى 1:387.

و في الدلالة على الأول نظر؛و لذا لم يستدل به عليه أحد،بل علّل بأن فيه التوسعة و رفع الحجاب بين المصلّين،و هو أيضا لا يخلو عن نظر.

و أن يقدّم الداخل يمينه و يخرج بيساره عكس المكان الخسيس كما قالوه؛للنص:«الفضل في دخول المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى إذا دخلت و باليسرى إذا خرجت» (1).

و أن يتعاهد نعله و يستعلم حاله عند دخوله؛استظهارا للطهارة،و للمرتضوي:«تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم» (2).

و أن يدعو داخلا و خارجا بالمأثور في الموثق (3)و غيره (4).

و كنسها و خصوصا يوم الخميس و ليلة الجمعة؛للرواية:«من كنس المسجد يوم الخميس و ليلة الجمعة فأخرج من التراب ما يذرّ في العين غفر اللّه تعالى له» (5).

و الإسراج فيها ليلا؛للخبر:«من أسرج في مسجد من مساجد اللّه تعالى إسراجا لم يزل الملائكة و حملة العرش يستغفرون له ما دام في المسجد ضوء من ذلك السراج» (6).

ص:307


1- الكافي 3:1/308،الوسائل 5:246 أبواب أحكام المساجد ب 40 ح 2.
2- التهذيب 3:709/255،الوسائل 5:229 أبواب أحكام المساجد ب 24 ح 1.
3- التهذيب 3:744/263،الوسائل 5:245 أبواب أحكام المساجد ب 39 ح 4.
4- التهذيب 3:745/263،الوسائل 5:245 أبواب أحكام المساجد ب 39 ح 5.
5- الفقيه 1:701/152،التهذيب 3:703/254،ثواب الأعمال:31،أمالي الصدوق:15/405،الوسائل 5:238 أبواب أحكام المساجد ب 32 ح 1.
6- الفقيه 1:717/154،التهذيب 3:733/261،المقنع:27،المحاسن:88/57، الوسائل 5:241 أبواب أحكام المساجد ب 34 ح 1.

و لا يشترط تردّد المصلّين؛لإطلاق الفتوى و النص.

قيل:و لا يتوقف على إذن الناظر إذا كان من مال المسرّج،و إذا كان من مال المسجد اعتبر ذلك،و لو لم يكن ناظر استأذن الحاكم،فإن تعذّر جاز ذلك لآحاد المسلمين (1).

و إعادة ما استهدم بكسر الدال،و هو المشرف على الانهدام،فإنها في معنى عمارتها.

و يجوز نقض المستهدم خاصة

و يجوز نقض المستهدم منها خاصة ،بل قد يجب إذا خيف من ضرر الانهدام.

و لا يشترط في جوازه العزم على الإعادة؛لأن المقصود دفع الضرر، و إعادته مستحب آخر.

و يجوز النقض للتوسعة مع الحاجة إليها كما في المدارك و غيره (2)، لعموم ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [1] (3)و للصحيح المتضمن لأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله به (4).

و تردّد فيه الشهيدان (5)،و ربما يفهم ميلهما إلى الجواز،قالا:و عليه فلا ينقض إلاّ مع الظن الغالب بوجود العمارة.

و كذا يجوز استعمال آلته من نحو الأحجار و الأخشاب في غيره

ص:308


1- المدارك 4:397.
2- المدارك 4:396؛و انظر المسالك 1:46.
3- التوبة:91.
4- الكافي 3:1/295،التهذيب 3:738/261،معاني الأخبار:1/159،الوسائل 5:205 أبواب أحكام المساجد ب 9 ح 1.
5- الذكرى:157،روض الجنان:235.

من المساجد خاصة،إمّا مطلقا كما يقتضيه إطلاق العبارة و نحوها،أو إذا استهدم و لم يتمكن من إعادته كما في السرائر و المنتهى (1)،لكن لم يذكر فيه الأخير قيدا.

و ذكر شيخنا في الروض و المسالك (2)جوازه مع استغنائه عنها،أو تعذر استعمالها فيه،أو كون الثاني أحوج،لكثرة المصلّين،حاكيا له عن الذكرى، قال:للمصلحة،و لأن المالك هو اللّه تعالى،و أولى بالجواز صرف غلّة وقفه على غيره بالشرط،و لا يجوز لغير ذلك.

و زاد في المسالك:و ليس كذلك المشهد،فلا يجوز صرف ماله إلى مشهد آخر،و لا صرف مال مسجد إليه مطلقا.

و التعليل الثاني مذكور في المنتهى،و هو كما ترى.

و في المدارك بعد نقله:إن للنظر في هذا الحكم من أصله مجالا، و المتجه عدم جواز صرف مال المسجد إلى غيره مطلقا كالمشهد؛لتعلق النذر أو الوقف بذلك المحل المعين،فيجب الاقتصار عليه،نعم لو تعذر صرفه إليه أو علم استغناؤه عنه في الحال و المآل أمكن القول بجواز صرفه في غيره من المساجد و المشاهد،بل لا يبعد جواز صرفه في مطلق القربة،لأن ذلك أولى من بقائه إلى أن يعرض له التلف،فيكون صرفه في هذا الوجه إحسانا محضا، و ما على المحسنين من سبيل (3).انتهى.و وافقه في الذخيرة (4).

و هو حسن،إلاّ أن ما احتملاه من جواز صرفه في سائر القرب حيثما

ص:309


1- السرائر 1:279،المنتهى 1:389.
2- روض الجنان:235،المسالك 1:47.
3- المدارك 4:396.
4- الذخيرة:249.

يتعذر استعماله في المسجد أو المشهد المعيّن محل نظر،بل الاقتصار على المتيقن يقتضي صرفه في مثله،مع أنه أقرب إلى مقصود الواقف و نظره.

يحرم زخرفتها و نقشها بالصور

و يحرم زخرفتها أي نقشها بالذهب و نقشها بالصور مطلقا (1)، على ما ذكره الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و المنتهى و الشهيد في الذكرى (2)و علّلوه بأن ذلك لم يعهد في عهده صلّى اللّه عليه و آله و عهد الصحابة فيكون بدعة،و بالخبر:عن الصلاة في المساجد المصوّرة،فقال:«أكره ذلك و لكن لا يضرّكم اليوم،و لو قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك» (3).

و هما كما ترى،لضعف الأول بما لا يخفى.و الثاني سندا،بل و دلالة، لأعمية الكراهة من التحريم لو لم نقل بظهورها في ضده؛مع أن المنهي عنه فيه على تقدير تسليمه إنما هو الصلاة فيه،لا نفس التصوير،فتأمل.و مع ذلك فهو نصّ في نفي المنع الآن.

و بالجملة:فالخروج عن الأصل بمثل هذين الأمرين كما ترى،نعم لا بأس بالكراهة مسامحة في أدلتها،و هو خيرة جماعة (4)،إلاّ أن نقول بحرمة التصوير في غير المساجد ففيها أولى.

و أن يؤخذ منها إلى غيرها من طريق أو ملك لأن الوقف للتأبيد و قد اتخذ للعبادة فلا ينصرف إلى غيرها و عليه ف يعاد لو أخذ و كذا لو أخذ ملكا أو جعل طريقا.و لا خلاف في المقامين يعرف،و يفهم من روض

ص:310


1- أي:بالذهب أو غيره،ذات روح كانت الصورة أو غيرها.
2- الشرائع 1:127،الإرشاد 1:250،المنتهى 1:388،الذكرى:156.
3- الكافي 3:6/369،التهذيب 3:726/259،الوسائل 5:215 أبواب أحكام المساجد ب 15 ح 1.
4- منهم:الشهيد في الدروس 1:156،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:156،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:104.

الجنان (1).

و إدخال النجاسة فيها،و غسلها فيها لو تلوثت بها،إجماعا على الظاهر،المحكي في ظاهر الذكرى،و فيها بعد الحكم:قاله الأصحاب؛لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«جنّبوا مساجدكم النجاسة» (2)و لأن كراهية الوضوء من البول و الغائط يشعر به،و لم أقف على إسناد هذا الحديث النبوي،و الظاهر أن المسألة إجماعية؛و لأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بتطهير مكان البول (3)؛ و لظاهر قوله تعالى فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ [1] (4)و للأمر بتعاهد النعل.نعم الأقرب عدم تحريم إدخال نجاسة غير ملوثة للمسجد و فرشه؛للإجماع على جواز دخول الصبيان و الحيّض من النساء جوازا مع عدم انفكاكهم من نجاسة غالبا،و قد ذكر الأصحاب جواز دخول المجروح و السلس و المستحاضة مع أمن التلويث (5).

و على منهجه سلك شيخنا الشهيد الثاني في الروض،غير أنه لم يدّع الإجماع على أصل الحكم،و جعل ما استقربه من عدم التحريم مع عدم التلويث مذهب الأكثر (6).

و لعلّه كذلك بين المتأخرين،بل لم أقف فيهم على مخالف،فلعلّه عليه عامتهم،كما صرّح به بعضهم (7)،مؤذنا بدعوى إجماعهم عليه،فلا بأس به.

ص:311


1- روض الجنان:238.
2- الوسائل 5:229 أبواب أحكام المساجد ب 24 ح 2.
3- الملهوف على قتلى الطفوف:6،الوسائل 3:405 أبواب النجاسات ب 8 ح 5.
4- التوبة:28.
5- الذكرى:157.
6- روض الجنان:238.
7- مفاتيح الشرائع 1:105.

و إن كان المنع مطلقا أحوط؛لدعوى الحلّي الإجماع عليه كما حكي (1)،و قوة احتمال استنباطه من إطلاق الآية الكريمة و إن اختصت بالمشركين خاصة،لظهورها في أن علّة المنع هي النجاسة،و هي جارية في مفروض المسألة،و نحوها الرواية النبوية و إن كانت مرسلة،لأنها بموافقتها لها منجبرة،و هما كما ترى مطلقتان شاملتان لصورتي التلويث و عدمه.

و ليس ما ذكره الشهيدان من أدلة الجواز في الصورة الثانية بعامة لجميع أفرادها حتى التي لم يتحقق فيها الإجماع و كانت محل النزاع؛لأن غاية تلك الأدلة إخراج مواردها خاصة من إطلاق الآية و الرواية.و تتميمها بالإجماع المركب غير متوجه في محل الخلاف و البحث،اللهم إلاّ أن يدّعى حصول الظن من تتبع الجواز في تلك الموارد بالجواز في غيرها،و هو في غاية القوة.

مع إمكان المناقشة في دلالة الآية و الرواية:

أما الأولى فلعدم معلومية المراد ممّا فيها من لفظ النجس هل هو المعنى اللغوي أو المعنى المصطلح،و لا يتم دلالتها إلاّ بالثاني،و هو غير معلوم،بناء على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في أمثاله،و تعيينه بتفريع«فلا يقربوا»عليه غير متضح بعد عموم المعنى اللغوي للخبث الباطني الموجود في المشركين،فلا ينافيه،فتأمل.

و أما الثانية فلاحتمال المساجد في مواضع الجبهة،مع أنها ضعيفة السند،و الآية بعد المناقشة في دلالتها أيضا لا تصلح للجبر.

و حيث ضعف الاستناد إليهما في أصل الحكم انحصر الدليل في إثباته في الإجماع،و ليس في مفروضنا لا محقّقا و لا محكيا،عدا إجماع الحلّي.

و في الخروج بمجرده عن الأصل القطعي المعتضد بعمل الأكثر،بل عامة من

ص:312


1- حكاه عنه في الذخيرة:250.

تأخر كما مرّ نظر،مع أنه معارض بنقل الشهرة في روض الجنان على خلافه بقول مطلق،و هي و إن لم تصلح للحجية إلاّ أنها موهنة للإجماع المحكي إذا كانت محققة فكذا إذا كانت منقولة،و سيّما إذا اعتضدت بالشهرة المتأخرة عن الحكاية شهرة محقّقة،و بظن الاستقراء المتقدم إليه الإشارة،فمختار المتأخرين في غاية القوة.

و إخراج الحصى منها و يعاد إليها أو إلى غيرها من المساجد لو أخرج كما في الخبر:«إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردّها مكانها أو في مسجد آخر،فإنها تسبّح» (1).

و ظاهره و إن أفاد وجوب الردّ المستلزم للمنع عن الإخراج فحوى،مع عدم القائل بالفرق،و عليه الفاضلان هنا و في الشرائع و الإرشاد و الشهيدان في اللمعة و روض الجنان (2)،إلاّ أنه ضعيف السند،فلا يمكن الخروج به عن الأصل.نعم،لا بأس بالكراهة،كما عليه جماعة منهم أكثر هؤلاء في المعتبر و التحرير و المنتهى و الدروس و الذكرى (3)،حاكيا لها عن الشيخ أيضا،مسامحة في أدلّتها.

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق في الحصى بين ما لو كان جزءا من المسجد أو آلاته أو قمامة.

خلافا لجماعة فقيّدوه بالأول (4)؛و لعلّه للجمع بين النصوص هنا و ما مرّ

ص:313


1- الفقيه 1:718/154،التهذيب 3:711/256،علل الشرائع:1/320،الوسائل 5:232 أبواب أحكام المساجد ب 26 ح 4.
2- الشرائع 1:128،الإرشاد 1:250،اللمعة(الروضة البهية 1):219،روض الجنان: 238.
3- المعتبر 2:452،التحرير 1:54،المنتهى 1:388،الدروس 1:156،الذكرى:156.
4- منهم:الشهيد الثاني في روض الجنان:238،و صاحب المدارك 4:398،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:201.

في استحباب الكنس.و في تعيينه نظر؛لاحتمال العكس بتقييد الثاني بغير الحصى،فتأمل جدّا.

تكره تعليتها و أن تشرّف

و تكره تعليتها اتباعا لسنّة النبي صلّى اللّه عليه و آله،فإنّ مسجده كان قامة،كما في الصحيح (1)و أن تشرّف أي يعمل لها شرف بضم الشين و فتح الراء،جمع شرفة بسكون الراء،و المراد بها ما يجعل في أعلى الجدران؛ للخبر:«إن المساجد لا تشرّف بل تبنى جمّا» (2).

أو تجعل محاريبها داخلة في الحائط كثيرا كما ذكره جماعة (3)،أو (4)في المساجد كما يستفاد من الرواية المرتضوية:«كان عليه السلام يكسر المحاريب إذا رآها في المسجد و يقول:كأنها مذابح اليهود» (5).

و ينبغي تقييدها بسبقها على المسجدية،و إلاّ حرمت،كما صرّح به في روض الجنان (6).

أو تجعل طرقا على وجه لا يلزم منه تغيير صورة المسجد و إلاّ فيحرم، و في حديث المناهي المروي في الفقيه:«لا تجعلوا المساجد طرقا حتى تصلّوا فيها ركعتين» (7).

ص:314


1- الكافي 3:1/295،التهذيب 3:738/261،معاني الأخبار:1/159،الوسائل 5:205 أبواب أحكام المساجد ب 9 ح 1.
2- الفقيه 1:709/153،التهذيب 3:697/253،علل الشرائع:1/320،الوسائل 5:215 أبواب أحكام المساجد ب 15 ح 2.
3- منهم الشهيدان في الذكرى:156،و المسالك 1:47.
4- في غير«ح»:و.
5- الفقيه 1:708/153،التهذيب 3:696/253،علل الشرائع:1/320،الوسائل 5:237 أبواب أحكام المساجد ب 31 ح 1.
6- روض الجنان:236.
7- الفقيه 4:1/2،الوسائل 5:293 أبواب أحكام المساجد ب 67 ح 1.
يكره فيها البيع و الشراء،و تمكين المجانين و إنفاذ الأحكام و تعريف الضوالّ و إقامة الحدود

و يكره فيها أيضا البيع و الشراء،و تمكين المجانين و الصبيان و إنفاذ الأحكام و تعريف الضوالّ و إقامة الحدود و رفع الصوت؛للنهي عنها في المرسل (1)و غيره،و فيه بعد النهي عن رفع الصوت:إلاّ بذكر اللّه تعالى (2)، قيل:لحسن رفع الصوت بالأذان و التكبير و الخطب و المواعظ و إن كان الأحوط عدم رفع الصوت فيما لم يتوقف الانتفاع به عليه،و معه يقتصر على ما تتأدى به الضرورة،فإن المشهور كراهة الرفع مطلقا و إن كان في القرآن،للأخبار المطلقة (3).

و ربما يقيّد الصبي بمن لا يوثق به،أما من علم منه ما يقتضي الوثوق بمحافظته على التنزه عن النجاسات و أداء الصلوات فإنه لا يكره تمكينه بل يستحب تمرينه،و ذكر هذا التقييد شيخنا في روض الجنان عن بعض الأصحاب ساكتا عليه،و لا بأس به.

و استدل فيه على كراهة إنفاذ الأحكام-زيادة على النص-بما فيه من الجدال و التخاصم و الدعاوي الباطلة المستلزمة للمعصية في المسجد المتضاعف بسببه العصيان (4).

لكن ظاهره عدم الكراهة،كما صرّح به جماعة،و منهم الشيخ في الخلاف و الحلّي و الفاضل في المختلف (5)،قالوا:لأن أمير المؤمنين عليه السلام حكم في مسجد الكوفة و قضى بين الناس بلا خلاف،و دكّة القضاء إلى

ص:315


1- التهذيب 3:682/249،الخصال:13/410،علل الشرائع:2/114،الوسائل 5:233 أبواب أحكام المساجد ب 27 ح 1.
2- المستدرك 3:381 أبواب أحكام المساجد ب 20 ح 2.
3- قال به العلامة المجلسي في البحار 80:349.
4- انظر روض الجنان:236.
5- الخلاف 2:589،الحلي في السرائر 1:279،المختلف:690.

يومنا هذا معروفة،و لأن الحكم طاعة فجاز إيقاعها فيها،لأن وضعها للطاعة، و حملوا الرواية على وجوه غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلة.

و إنشاد الشعر و قراءته؛للنبوي الخاصي الناهي عنه الآمر بأن يقال للمنشد:فضّ اللّه فاه (1).

و روي نفي البأس عنه في الصحيح (2)،و يحمل على الرخصة جمعا.

قال في الذكرى:ليس ببعيد حمله على ما يقلّ منه و يكثر منفعته،كبيت حكمة،أو شاهد على لغة في كتاب اللّه تعالى و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و آله و شبههما؛لأنه من المعلوم أن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان ينشد بين يديه البيت و الأبيات من الشعر في المسجد و لم ينكر ذلك (3).

و ألحق بعض الأصحاب به ما كان منه موعظة أو مدحا للنبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام أو مرثية للحسين عليه السلام أو نحو ذلك؛لأنه عبادة و لا ينافي الغرض المقصود من المساجد (4).

و لا بأس بذلك كلّه وفاقا لجماعة من المتأخرين (5)؛لذلك،مع احتمال اختصاص النهي بما هو الغالب من الإشعار يومئذ الخارجة عن هذه الأساليب، و للصحيح:عن إنشاد الشعر في الطواف،فقال:«ما كان من الشعر لا بأس به

ص:316


1- الكافي 3:5/369،التهذيب 3:725/259،الوسائل 5:213 أبواب أحكام المساجد ب 14 ح 1.
2- التهذيب 3:683/249،قرب الإسناد:1143/289،الوسائل 5:213 أبواب أحكام المساجد ب 14 ح 1.
3- الذكرى:156.
4- جامع المقاصد 2:151.
5- منهم:صاحب المدارك 4:402،و العلامة المجلسي في البحار 80:364،و صاحب الحدائق 7:289.

فلا بأس به» (1).

و عمل الصنائع للصحيح الناهي عن سلّ السيف و بري النبل فيه، معلّلا بأنه بني لغير ذلك (2)،و نحوه في التعليل غيره (3)؛و هو دليل العموم و إن اختص المورد ببعض أفراده،مع أنه نسبه في الذكرى إلى الأصحاب (4)،مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

و ذكر جماعة اختصاص الكراهة بما إذا لم يناف العبادة و إلاّ فالحرمة (5)، و هو كذلك.

و النوم فيها من غير ضرورة،قال في الذكرى:قاله الجماعة (6).

مشعرا بدعوى الإجماع،و تردّد فيه لولاه،و لعلّه لعدم دليل عليه،إلاّ ما قيل من رواية ضعيفة السند و الدلالة (7)،معارضة بأقوى منها سندا ناف للبأس عنه فيما عدا المسجدين (8)و لذا قيل بالكراهة فيهما خاصة (9)،مع أن في جملة من

ص:317


1- التهذيب 5:418/127،الاستبصار 2:784/227،الوسائل 13:402 أبواب الطواف ب 54 ح 1.
2- الكافي 3:8/369،التهذيب 3:724/258،الوسائل 5:217 أبواب أحكام المساجد ب 17 ح 1.
3- علل الشرائع:1/319،الوسائل 5:218 أبواب أحكام المساجد ب 17 ح 3.
4- الذكرى:157.
5- منهم:الشهيد الثاني في روض الجنان:237،و صاحب المدارك 4:403،و المحقق السبزواري في الذخيرة:250.
6- الذكرى:157.
7- الكافي 3:15/371،التهذيب 3:722/258،الوسائل 7:233 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 3.
8- الكافي 3:11/370،التهذيب 3:721/258،الوسائل 5:219 أبواب أحكام المساجد ب 18 ح 2.
9- انظر المدارك 4:403.

النصوص نفيه فيهما أيضا (1)،فغير هما أولى،لكنها محتملة للاختصاص بحال الضرورة كما يشهد به سياقها.

و مع ذلك فالكراهة مطلقا أولى،بناء على التسامح في أدلتها،و الاكتفاء فيها بفتوى الفقهاء،مع احتمال كونها إجماعا كما يفهم من الذكرى،و تحمل الروايات النافية للبأس على نفي الحرمة أو تأكد الكراهة،أو الضرورة كما عرفته.

هذه (2)في المطلق منها،و يحمل المفصّل منها بين المسجدين و غير هما على تفاوت مراتب الكراهة شدّة و ضعفا،كلّ ذلك جمعا.

و دخولها و في الفم رائحة مؤذية من نحو رائحة البصل أو الثوم أو الكراث؛للنصوص المستفيضة (3).

و يتأكد في الثوم حتى ورد:«أعد كلّ صلاة صلّيتها ما دمت تأكله» (4)و حمله الشيخ على الكراهة المغلّظة،قال:بدلالة الأخبار الأوّلة و الإجماع الواقع على أن أكل هذه الأشياء لا يوجب الإعادة (5).

و كشف العورة مع أمن المطّلع،قالوا:لمنافاته التعظيم.

و يكره أيضا كشف السرّة و الفخذ و الركبة،وفاقا لجماعة (6)،بل عن ظاهر النهاية القول بالحرمة (7)؛للنبوية القائلة إن كشفها فيه من العورة (8).

ص:318


1- الوسائل 5:219 أبواب أحكام المساجد ب 18 ح 1،4،5.
2- أي:هذه المحامل.
3- الوسائل 5:226 أبواب أحكام المساجد ب 22.
4- التهذيب 9:419/96،الاستبصار 4:352/92،الوسائل 25:216 أبواب الأطعمة المباحة ب 128 ح 8.
5- راجع الاستبصار 4:92.
6- منهم:العلامة في المختلف:160،و الشهيد الثاني في روض الجنان:237،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:155.
7- النهاية:16.
8- التهذيب 3:742/263،الوسائل 5:244 أبواب أحكام المساجد ب 37 ح 1.

و يمكن درج المذكورات في العبارة،بأن يراد من العورة فيها ما يتأكد استحباب ستره في الصلاة،لأنه أحد معانيها.

و قتل القمل،بل ينبغي دفنه في التراب،كما في الصحيح (1)و غيره (2)، و هما و إن لم ينصّا على الكراهة بل على دفنه في التراب خاصة،إلاّ أنهما مشعران بها،مع أنها نسبت في الذكرى إلى أصحابنا (3).

و البصاق و في معناه التنخم فإن فعله ستره بالتراب للخبر (4).

و في آخر:«من وقّر بنخامته المسجد لقي اللّه تعالى يوم القيامة ضاحكا و أعطاه كتابه بيمينه» (5).

و في ثالث:«من تنخع في المسجد ثمَّ ردّها في جوفه لم يمرّ بداء في جوفه إلاّ أبرأته» (6).

و بمعناهما أخبار كثيرة (7).

الرابع:في صلاة الخوف و أحكامها
اشارة

الرابع:في صلاة الخوف و أحكامها و الأصل في شرعيتها مطلقا (8)-بعد إجماعنا و أكثر العامة-الكتاب و السنّة

ص:319


1- الكافي 3:4/367،الوسائل 7:275 أبواب قواطع الصلاة ب 20 ح 4.
2- الكافي 3:6/368،الوسائل 7:275 أبواب قواطع الصلاة ب 20 ح 5.
3- الذكرى:157.
4- المحاسن:58/320،الوسائل 5:224 أبواب أحكام المساجد ب 20 ح 4.
5- التهذيب 3:713/256،الاستبصار 1:1705/442،الوسائل 5:223 أبواب أحكام المساجد ب 20 ح 2.
6- الفقيه 1:700/152،التهذيب 3:714/256،الاستبصار 1:1706/442،ثواب الأعمال:18،الوسائل 5:223 أبواب أحكام المساجد ب 20 ح 1.
7- الوسائل 5:221،223 أبواب أحكام المساجد ب 19،20.
8- أي حتى في حقّ غير النبي صلّى اللّه عليه و آله.منه رحمه اللّه.

المستفيضة،بل المتواترة،قال اللّه سبحانه وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ [1] الآية (1)و هي مقصورة سفرا إذا كانت رباعية إجماعا و كذا حضرا مطلقا جماعة و فرادى على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة متأخري أصحابنا؛لإطلاق الآية المتقدمة في الجملة؛و قوله سبحانه؛ وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ [2] (2)الآية.

لبناء التقصير فيه على و صفين:السفر و الخوف،فإمّا أن يكون كلّ منهما سببا مستقلا،أو لا،و عليه إمّا أن يكون المجموع هو السبب،أو أحد هما بشرط الآخر،لا سبيل إلى ما عدا الأول،لمخالفته بجميع شقوقه الإجماع،إلاّ اشتراط التقصير في الخوف بالسفر،و هو و إن لم يخالف الإجماع إلاّ أن تعيينه ترجيح من غير سبب،فتعيّن الأول،و عليه فيتم المطلب،كذا قيل (3)،و لا يخلو عن نظر.

و للصحيح:صلاة الخوف و صلاة السفر تقصران جميعا؟قال:«نعم، و صلاة الخوف أحقّ أن تقصر من صلة السفر الذي لا خوف فيه» (4).

و أظهر منه بالإضافة إلى الشمول لحال الانفراد آخر:«إذا جالت الخيل و تضطرب بالسيوف أجزأت التكبيرة» (5)لبعد الجماعة في هذه الحال.

ص:320


1- النساء:102.
2- النساء:101.
3- قال به الفاضل المقداد في التنقيح 1:280.
4- الفقيه 1:1342/294،التهذيب 3:921/302،الوسائل 8:433 أبواب صلاة الخوف ب 1 ح 1 بتفاوت.
5- الكافي 3:1/457،التهذيب 3:913/300،الوسائل 8:445 أبواب صلاة الخوف ب 4 ح 7،و في الجميع:أجزأه تكبيرتان.

خلافا لنادر غير معروف-و إن حكاه الحلّي و الشيخ عن بعض الأصحاب في السرائر و الخلاف و المبسوط (1)-فلا تقصير إلاّ في السفر.

و للمبسوط و السرائر (2)،فتقصر في الحضر جماعة لا فرادى.

و لا دليل على القولين عدا الأصل المخصّص بما مرّ،مع ندور هما، و لا سيّما الأول،و ربما أشعر بالإجماع على خلافه عبارة الخلاف و السرائر (3)، فلا شبهة في ضعفه كالثاني.

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي جواز التقصير و إن تمكن من الصلاة بتمامها،و قيّده في الدروس بعدم التمكن (4)،و لعلّه لبعد انصراف الإطلاق بحكم التبادر و غيره إلى غيره،فيشكل الخروج بمجرّده عن الأصل المقطوع به، و لا بأس به.

و المشهور أن القصر هنا كما في السفر من ردّ الرباعيتن إلى الركعتين.

خلافا للمحكي عن الإسكافي فالركعتين ينقص منهما واحدة (5)،كما في الصحيح (6)و غيره (7).

و هو نادر،و مستنده-مع عدم صراحته و احتماله الحمل على ما يؤول إلى الأول،أو التقية كما صرّح به جماعة (8)-عن المقاومة لما سيأتي من النصوص

ص:321


1- السرائر 1:346،الخلاف 1:637،المبسوط 1:163.
2- المبسوط 1:165،السرائر 1:348.
3- الخلاف 1:638،السرائر 1:346.
4- الدروس:1:214.
5- كما نقله عنه في المختلف:151.
6- الكافي 3:4/458،التهذيب 3:914/300،الوسائل 8:434 أبواب صلاة الخوف ب 1 ح 3.
7- الفقيه 1:1343/295،الوسائل 8:433 أبواب صلاة الخوف ب 1 ح 2.
8- منهم:صاحب المدارك 4:412،و المحقق السبزواري في الذخيرة:403،و صاحب الحدائق 11:268.

المستفيضة قاصر.

و إذا صلّيت هذه الصلاة جماعة و العدو في خلاف جهة القبلة و لا يؤمن هجومه أي العدو و أمكن أن يقاومه بعض و يصلّي مع الإمام الباقون جاز أن يصلّوا صلاة ذات الرقاع بلا خلاف.

في كيفيتها

و في كيفيتها روايتان مختلفتان أشهرهما رواية الحلبي الصحيحة عن مولانا أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال ما حاصله:

يصلّي الإمام في الثنائية بالأولى ركعة و يقوم في الثانية و يقومون معه فيمتثل (1)قائما حتى يتموا الركعة الثانية ثمَّ يسلّم بعضهم على بعض ثمَّ ينصرفون فيقومون مقام أصحابهم ثمَّ تأتي الطائفة الأخرى فيقومون خلفه فيصلي بهم ركعة يعني الثانية ثمَّ يجلس و يطيل التشهد حتى يتم من خلفه ركعتهم الثانية ثمَّ يسلّم بهم و ينصرفون بتسليمة.

و في المغرب يصلّي بالأولى ركعة ثمَّ يقوم و يقومون و يقف في الثانية حتى يتموا الركعتين الباقيتين و يتشهدون و يسلّم بعضهم على بعض و ينصرفون و يقفون موقف أصحابهم ثمَّ يأتي الآخرون و يقفون موقف أصحابهم فيصلّي بهم ركعتين يقرأ فيهما و يجلس عقيب الثالثة و يتشهد حتى يتم من خلفه ثمَّ يسلّم (2).

و لا خلاف فيما تضمنته في الثنائية فتوى و رواية إلاّ ما سبق إليه الإشارة، و قد عرفت شذوذه،بل على خلافه الإجماع في عبائر جماعة كالخلاف و الناصرية

ص:322


1- في المصادر:«فيمثل»يقال:مثل بين يديه مثولا:أي:انتصب قائما بين يديه.مجمع البحرين 5:471.
2- الكافي 3:1/455،التهذيب 3:379/171،الاستبصار 1:1766/455،المقنع:39، الوسائل 8:436 أبواب صلاة الخوف ب 2 ح 4.

و ظاهر المنتهى و غيره من كتب الجماعة (1)،و هو الرواية الثانية في الثنائية من الروايتين المشار إليهما في العبارة إن عمّمناهما فيها إليها،كما هو ظاهرها،و صرّح به في التنقيح أيضا (2)،لكنها مطلقة غير معلومة الشمول لمفروض المسألة و هو الصلاة في جماعة،و على تقديره فينبغي تقييدها بالنصوص في المسألة،فيبعد التعميم في العبارة،و يكون المراد بالروايتين في المغرب خاصة كما في التنقيح عن بعض الشارحين (3).

و الرواية الثانية فيها صحيحه أيضا متضمنة لعكس ما في الاولى من صلاة الإمام ركعتين بالطائفة الاولى و ركعة بالأخرى (4).

و لاختلافهما اختلف الأصحاب،فبين مقتصر على الاولى غير ذاكر للثانية أصلا و هم الأكثر على الظاهر،المصرّح به في الذكرى (5)(6)،و بين مخيّر بينهما كأكثر المتأخرين (7)،وفاقا لجماعة من القدماء (8).

و اختلف هؤلاء في الأفضل منهما،فالأكثر و منهم القدماء على أنّه الاولى،خلافا للتذكرة فالثانية (9)،وفاقا لبعض العامة العمياء (10).

ص:323


1- الخلاف 1:640 الناصرية(الجوامع الفقهية):203،المنتهى 1:401؛و انظر المدارك 4:415.
2- التنقيح الرائع 1:280.
3- التنقيح الرائع 1:281.
4- التهذيب 3:917/301،الاستبصار 1:1767/456،تفسير العياشي 1:257/272، الوسائل 8:436 أبواب صلاة الخوف ب 2 ح 2.
5- الذكرى:262.
6- في«م»زيادة:و المسالك(1:48).
7- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3:347،صاحب المدارك 4:418.
8- منهم:الشيخ في المبسوط 1:164،و الحلبي في الكافي:146.
9- التذكرة 1:196.
10- انظر مغني المحتاج 1:303،و المغني لابن قدامة 2:262.

و الذي يقتضيه النظر تعيّن الاولى؛لكثرتها حتى ادعى العماني تواترها (1)،و صحة جملة منها،و اعتضادها بفتوى أكثر القدماء،مع كون جواز العمل بها مقطوعا به بين الفقهاء؛و لذا جعله الشيخ-رحمه اللّه-في الاقتصاد أحوط (2)،مع أنّ فى بعضها لراوي الثانية أيضا.

إلاّ أن ظاهر المنتهى (3)الإجماع على التخيير (4)،فلا يبعد المصير إليه جمعا،مع قيامه عليه شاهدا،إلاّ أن الاحتياط في العمل بالأولى،لحصول البراءة بها يقينا.

و احترز بقوله:و العدوّ في غير جهة القبلة،عمّا لو كان إلى جهتها.

و بقوله:لا يؤمن هجومه،عمّا لو أمن.

و بقوله:و أمكن أن يقاومه بعض إلى آخره،عمّا لو احتيج إلى تفريق الطوائف أكثر من فرقتين.

فإنه لا يجوز هذه الصلاة في هذه الصور الثلاث على المشهور بين الأصحاب،بل المقطوع به في كلامهم،على ما ذكره في المدارك في الأولى (5)،مشعرا بدعوى الإجماع،كما هو ظاهر المنتهى (6)،مع أنه حكى عن التذكرة الخلاف،لكنّه شاذ.

و لا ريب في الثانية؛لانتفاء الخوف الذي هو مناط هذه الصلاة فيها.

و كذا في الثالثة في الثنائية؛لتعذر التوزيع فيها،أما الثلاثية فقد قطع

ص:324


1- كما نقله عنه في المختلف:151.
2- الاقتصاد:270.
3- المنتهى 1:402.
4- في«م»زيادة:كما عن صريح الغنية(الجوامع الفقهية):561.
5- المدارك 4:414.
6- المنتهى 1:403.

الشهيدان بجواز هذه الصلاة بتفريق الطوائف ثلاث فرق و تخصيص كل فرقة بركعة (1).

و هو إنما يتم إذا جوّزنا الانفراد اختيارا،و إلاّ فالمتجه المنع؛لأن المروي أنه يصلي في الثلاثية ركعة بقوم و ركعتين بالباقين،و بهذا التحقيق صرّح جماعة كصاحبي المدارك و الذخيرة (2).

و هل يجب على المصلّين أخذ السلاح و آلة الدفع من نحو السيف و الخنجر و السكّين،و ما يكنّ من نحو الدرع و الجوشن و المغفر؟ فيه تردّد و اختلاف بين الأصحاب،فبين من قال بالاستحباب كالإسكافي (3)،و نفى عنه البعد بعض المتأخرين (4)؛للأصل؛و قوة ورود الأمر به في الكتاب للإرشاد (5)،و بين من جعل أشبهه الوجوب ما لم يمنع أحد واجبات الفرض من ركوع أو سجود،و هم أكثر الأصحاب،بل عامتهم،عدا من مرّ؛عملا بظاهر الأمر؛و منع كونه للإرشاد بعدم عدم دليل عليه،و مجرد احتماله غير ضارّ.

و بفحواه يستدل على وجوب الأخذ على الفرق المقاتلة،مضافا إلى توقف الحراسة الواجبة عليه،و هو خيرة الحلّي و غيره (6).

ص:325


1- الذكرى:263،المسالك 1:47.
2- المدارك 4:414،الذخيرة:402.
3- نقله عنه في المختلف:152.
4- كصاحب المدارك 4:420.
5- النساء:102.
6- الحلي في السرائر 1:347؛و انظر نهاية الإحكام 2:197.

و احترز بقوله:ما لم يمنع،عمّا لو منع فإنه لا يجب،بل لا يجوز إلاّ مع الضرورة فيجب.

هنا مسائل
اشارة

و هنا مسائل ثلاث:

الأولى إذا انتهى الحال إلى المسايفة أو المعانقة فالصلاة بحسب الإمكان

الأولى:إذا انتهى الحال في الخوف و القتال إلى المسايفة أو المعانقة أو نحوهما مما لا يتمكن معه من الصلاة على الوجوه المقررة في أنواع صلاة الخوف ف لا تسقط الصلاة بل تجب بحسب الإمكان واقفا أو ماشيا أو راكبا و يركع و يسجد مع الإمكان و لو على قربوس سرجه، و إلاّ يتمكن من شيء منهما أو أحد هما أتى بالممكن موميا.

و يستقبل في جميع صلاته القبلة ما أمكن و إلاّ فبحسب الإمكان في بعض الصلاة و إلاّ ف بتكبيرة الإحرام إن أمكن و إلاّ سقط الاستقبال.

و لو لم يتمكن من الإيماء للركوع و السجود اقتصر بعد نية الصلاة على تكبيرتين عن الصلاة الثنائية و على ثلاث تكبيرات عن الصلاة الثلاثية.

و بالجملة:اقتصر عن كل ركعة بما فيها من الأفعال و الأذكار بتكبيرة.

و صورتها أن يقول في كل واحدة:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر فإنه يجزى عن القراءة و الركوع و السجود بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (1)، و الصحاح بها مستفيضة،مؤيدة بغيرها من المعتبرة،لكنها قاصرة عن إفادة التفضيل المذكور في عبائر الجماعة من وجوب الإتيان بالواجبات و الشروط بحسب الإمكان،و إلاّ فما دون،و إلاّ فالسقوط.إلاّ أنه جاء بعد الإجماع ممّا

ص:326


1- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):561،و صاحب المدارك 4:422، و المحقق السبزواري في الذخيرة:404،و صاحب الحدائق 11:288.

دلّ عيل أن:«الميسور لا يسقط بالمعسور» (1).

مع أن في الصحيح:«يصلّي و يجعل السجود أخفض من الركوع، و لا يدور إلى القبلة و لكن أينما دارت دابته غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة» (2).

و هو صريح في وجوب الاستقبال في التكبيرة مع الإمكان،فكذا في غيرها،لعدم قائل بالفرق بينهما.و لا ينافيه تصريحه بعدم الوجوب في غيرها؛ لاحتمال وروده مورد الغالب من عدم الإمكان فيه.

و بنحوه يجاب عن إطلاق باقي النصوص الغير المعتبرة للاستقبال و نحوه من الواجبات،بحملها على الغالب أيضا،كما يحمل الأمر بالاستقبال في التكبيرة فيه على صورة الإمكان بالاعتبار و الإجماع.

ثمَّ إن مقتضى إطلاق النصوص و أكثر الفتاوي إجزاء التكبيرة مع تعذر الإيماء عن الركعة بما فيها من الأفعال و الأذكار حتى تكبيرة الإحرام و التشهد و التسليم،خلافا لجماعة فاستثنوا الثلاثة (3)،و هو أحوط و إن لم يظهر له وجه، كما صرّح به جمع ممّن تأخر (4).

و اعلم:أن ما ذكروه في كيفية التكبير غير مستفاد من النصوص التي عثرت عليها في المسألة،بل المستفاد من بعضها إجزاء مجردها (5)،و من آخر التخيير في ترتيب التسبيحات كيف شاء (6)،و بذلك اعترف جماعة و منهم

ص:327


1- عوالي اللئالي 4:205/58.
2- الكافي 3:6/459،الفقيه 1:1348/295،التهذيب 3:383/173،الوسائل 8:441 أبواب صلاة الخوف ب 3 ح 8.
3- كالعلامة في القواعد 1:48،و التحرير 1:55،و الشهيدين في الذكرى:265،و الروض: 382.
4- منهم:صاحب المدارك 4:423،و المحقق السبزواري في الذخيرة:404.
5- التهذيب 3:916/300،الوسائل 8:446 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 4 ح 9.
6- الكافي 3:2/457،التهذيب 3:384/173،و في تفسير العياشي 1:257/272 عن زرارة و محمد بن مسلم،الوسائل 8:445 أبواب صلاة الخوف و المطارة ب 4 ح 8.

الشهيد في الذكرى (1)،لكن استجود تعيّن ما ذكروه،للإجماع على إجزائه، و عدم تيقن الخروج من العهدة بدونه.

و لا ريب أنه أحوط،بل متعيّن إن لم نكتف في إثبات صحة العبادة بالإطلاقات،و إلاّ فيقين البراءة لعلّه يحصل بها،إلاّ أن يشكك فيها بتظافر الفتاوي على تقييدها،مع أنها منساقة لبيان كفاية التكبيرة لا بيان فيها بتظاهر الفتاوي على تقييدها،مع أنها منساقة لبيان كفاية التكبيرة لا بيان كيفيتها،فلا عبرة بها فيها،سيّما مع ورود نظائر هذه النصوص في التسبيحات في الأخيرتين مختلفة الكيفية مع الإجماع على وجوب الكيفية المخصوصة هنا ثمة،فتأمل جدّا.

الثانية كل أسباب الخوف يجوز معها القصر

الثانية:كل أسباب الخوف يجوز معها القصر في العدد بردّ الرباعيات (2)إلى ركعتين و في الكيفية ب الانتقال من الركوع و السجود إلى الإيماء لهما مع الضيق و عدم التمكن من الإتيان بهما و الاقتصار على التسبيح بالنهج السابق إن خشي الضرر مع الإيماء و لو كان الخوف من لصّ أو سبع أو نحو هما على المشهور،بل في المعتبر:إن عليه فتوى علمائنا (3)مؤذنا بدعوى الإجماع عليه؛و هو الحجة.

مضافا في الأول إلى إطلاق الصحيح،بل عمومه:قلت له:صلاة الخوف و صلاة السفر تقصيران جميعا؟قال:«نعم،و صلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر الذي لا خوف فيه» (4)و في الأحقية التي نبّه عليها عليه

ص:328


1- الذكرى:264.
2- في غير«ح»:الرباعيتين.
3- المعتبر 2:461.
4- الفقيه 1:1342/294،التهذيب 3:921/302،الوسائل 8:433 أبواب صلاة الخوف ب 1 ح 1.

السلام مع ترك الاستفصال عن أسباب الخوف دلالة واضحة على ما ذكرنا.

و قريب منه الصحيح:«الذي يخاف اللصوص و السبع يصلي صلاة المواقفة إيماء على دابته» (1)و صلاة المواقفة قصر في الكمية و الكيفية،فكذا صلاة الخائف منهما،بل و من غيرهما أيضا؛لعدم القائل بالفرق بينهما، و قوله:«إيماء على دابته»لا يقتضي حصر الشركة فيه،فتدبر.

و قريب منهما آخر،أو موثق قريب منه سندا؛عن قوله اللّه عز و جل:

فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً [1] (2)كيف يصلّي،و ما يقول؟إن خاف من سبع أو لصّ كيف يصلّي؟قال:«يكبّر و يومئ برأسه إيماء» (3)لظهور سياقه في اتحاد الصلاتين حالا،فتأمل جدا.

و في الثاني إلى فحوى هذه الصحاح أو ظاهرها،بل صريح أخيرها، و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

و في الثالث إلى الصحيح في الفقيه،قال:«و قد رخّص في صلاة الخوف من السبع إذا خشية الرجل على نفسه أن يكبّر و لا يومئ»رواه محمد بن مسلم عن أحد هما عليهما السلام (4).و أخصّيته كسابقيه من المدّعى تجبر بما مضى.

خلافا للمنتهى فتردّد في الأول بعد أن حكى المنع عنه عن بعض أصحابنا (5)،و لعلّه الحلّي في السرائر فقد صرّح بذلك فيه (6)،و مال إليه

ص:329


1- الفقيه 1:1348/295،التهذيب 3:383/173،الوسائل 8:441 أبواب صلاة الخوف ب 3 ح 8.
2- البقرة:239.
3- الكافي 3:6/457،التهذيب 3:912/299،الوسائل 8:439 أبواب صلاة الخوف ب 3 ح 1.
4- الفقيه 1:12348/295،الوسائل 8:441 أبواب صلاة الخوف ب 3 ح 5.
5- المنتهى 1:405.
6- السرائر 1:348.

جماعة من متأخري المتأخرين (1)؛اقتصار فيما خالف الأصل الدال على لزوم الإتمام على المتقين نصّا و فتوى،و ليس إلاّ قصر العدد في صلاة السفر أو الخوف من العدو دون نحو السبع.

و يضعّف:بما ذكرنا من الإجماع المنقول،المعتضد بالصحاح و الشهرة العظيمة بين الأصحاب،و إن كان الإنصاف أن دلالة الصحاح لا تخلو عن شيء لا تطمئن معه النفس في الاستدلال بها لو لا الإجماع المعتضد بالشهرة العظيمة،بل عدم الخلاف إلاّ من نحو الحلّي،و هو شاذ؛مضافا إلى إشعار تعليق الحكم بالوصف في الآية و الرواية بالعلّية؛مع قوة ظهور الصحيحة الاولى بل الثانية أيضا.

الثالثة الموتحل و الغريق يصليان بحسب الإمكان

الثالثة:الموتحل و الغريق يصليان بحسب الإمكان فيصلّيان إيماء عن الركوع و السجود مع عم التمكن منهما و لا يقصر أحد هما عدد صلاته إلاّ في سفر أو خوف بلا خلاف في شيء من ذلك.

استنادا في الأول إلى الاستقراء الكاشف عن لزومه (2)حيثما يتعذر مبدله.

و في الثاني إلى الأصل الدال على لزوم التمام إلاّ ما خرج بالدليل، و ليس إلاّ صورة الخوف و السفر المنفيين في محل الفرض.

نعم،لو خاف من إتمام الصلاة استيلاء الغرق و رجا عند قصر العدد السلامة و ضاق الوقت اتّجه القصر،كما استظهره في الذكرى (3)،و استحسنه في

ص:330


1- منهم:صاحب المدارك 4:425،و المحقق السبزواري في الذخيرة:405،و صاحب الحدائق 11:292.
2- أي:الإيماء.
3- الذكرى:264.

روض الجنان،قال:نظرا إلى أنه يجوز له الترك فقصر العدد أولى،لكن في سقوط القضاء بذلك نظر،لعدم النص على جواز القصر هنا،و وجه السقوط حصول الخوف في الجملة كما مرّ،قال:و الحاصل أن علّية مطلق الخوف توجب تطرّق القصر إلى كل خائف،قال:و وجهه غير واضح،إذ لا دليل عليه، و الوقوف على المصوص عليه بالقصر أوضح (1).انتهى.

و اعترضه جملة من الفضلاء:بأن الحكم بوجوب القصر ينافي الحكم بوجوب القضاء؛لأن الإتيان بالمأمور به يقتضي الإجزاء،و الحكم بوجوب القضاء إنما يكون عند عدم الأداء،و أيضا:الحكم بوجوب القصر محل تأمل، و ما علّل به ضعيف؛إذ لا يلزم من جواز الترك للعجز جواز فعلها مقصورة (2).

انتهى.

و هو حسن،إلاّ ظاهر هم الإذعان له فيما ذكره من عدم دليل على القصر في مطلق الخوف،مع أن الصحيحة الأولى في المسألة السابقة دليل عليه و لو عموما كما مضى،و كذلك عبائر الفقهاء و منها عبارة الماتن التي ادعى الإجماع فيها،فقوله:و الوقوف على المنصوص عليه بالقصر أوضح،ممنوع إن أراد به المنع عن القصر فيما لم ينص عليه بالخصوص،و مسلّم إنّ أراد بالمنصوص عليه ما يعمّ المنصوص و لو بالعموم؛لما عرفت من أنه موجود.

و اعلم:أن ظاهر الشهيد اعتبار ضيق الوقت هنا في جواز القصر (3).

و هو حسن إن اعتبره في مطلق صلاة الخوف،و به صرّح الرضوي في صلاة الخائف من اللصّ و السبع (4)،و هو الأوفق بالأصول،و عليه المرتضى في

ص:331


1- روض الجنان:382.
2- المدارك 4:426،الذخيرة:405،و انظر مجمع الفائدة 3:353.
3- انظر الذكرى:266.
4- فقه الرضا(عليه السلام):148،المستدرك 6:519 أبواب صلاة الخوف ب 3 ح 2.

مطلق صلاة ذوي الأعذار (1).

و لكن المشهور عدمه مطلقا؛للإطلاقات،فتوى و نصا،كتابا و سنّة هنا، سيّما الصحيحة المتقدمة الدالّة على اتحاد صلاتي السفر و الخوف فحوى،مع الإجماع على عدم اشتراط الضيق في الاولى،و يشكل إن خصّه بالمقام،لعدم دليل عليه.

ص:332


1- نقله عنه صاحب الحدائق 11:293.
الخامس في صلاة المسافر
اشارة

الخامس من التوابع:

في بيان أحكام صلاة المسافر التي يجب قصرها كمية.

و النظر فيه تارة في الشروط،و اخرى في أحكام القصر.

الشروط خمسة
اشارة

أما الشروط ف هي خمسة.

الأول المسافة

الأول:المسافة بإجماع العلماء كافة،كما حكاه جماعة (1)، و النصوص به مع ذلك مستفيضة،بل متواترة.

و هي أربعة و عشرون ميلا بإجماعنا و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة و إن اختلفت في التأدية،فبين مؤدّ بما في العبارة كالصحيحين (2)و الحسنين (3).

و ببريدين أو بياض يوم كالصحيح (4)،و مثله في ذكر الثاني أحد الصحيحين،و في ذكر الأول أحد الحسنين.

و بمسيرة يوم كالصحيح (5)،و الموثق،و فيه:«إن ذلك بريدان ثمانية

ص:333


1- منهم:العلاّمة في نهاية الإحكام:2:168،و المنتهى 1:389،و صاحبا المدارك 4:428 و الحدائق 11:298.
2- الأول:الفقيه:1:1266/278،الوسائل 8:452 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 4. الثاني:التهذيب 4:649/222،الوسائل 8:455 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 15.
3- الأول:الفقيه 1:1269/279،التهذيب 3:493/207،الاستبصار 1:787/223،الوسائل 8:452 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 3. الثاني التهذيب 4:647/221،الاستبصار 1:788/223،الوسائل 8:454 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 14.
4- التهذيب 4:651/222،الاستبصار 1:789/223،الوسائل 8:454 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 11.
5- التهذيب 3:503/209،الاستبصار 1:799/225،الوسائل 8:455 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 16.

فراسخ» (1).

و بثمانية فراسخ كما فيه و في أحد الصحيحين،و[في] (2)غير هما القريب منهما سندا:«إنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك و لا أكثر؛ لأن ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة و القوافل و الأثقال فوجب التقصير في مسيرة يوم» (3).

و يستفاد منها كغيرها أن الجميع واحد.

و أما ما يخالفها ممّا دلّ على أنّه مسيرة يوم و ليلة كما في الصحيح (4)،أو ثلاثة برد كما في آخر (5)،أو مسيرة يومين كما في الخبر (6)،فمع قصوره عن المقاومة لما مرّ من وجوه شتى محمولة على التقية،فإن بكل منها قائلا من العامة كما حكاه بعض الأجلة (7).

و الميل أربعة آلاف ذراع تعويلا على المشهور بين الناس و المتعارف بينهم،و عزاه الحلّي إلى بعض اللغويين (8)،و في القاموس دلالة عليه أيضا

ص:334


1- التهذيب 3:492/207،الاستبصار 1:786/222،الوسائل 8:453 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 8.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
3- الفقيه 1:1320/290،علل الشرائع:9/266،عيون الأخبار 2:1/111،الوسائل 8:451 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 1.
4- الفقيه 1:1305/287،الوسائل 8:452 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 5.
5- التهذيب 3:504/209،الاستبصار 1:800/225،الوسائل 8:454 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 10.
6- التهذيب 3:505/209،الاستبصار 1:801/225،الوسائل 8:453 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 9.
7- صاحب الحدائق 11:300.
8- السرائر 1:328.

و عزاه إلى المحدّثين (1)،كالأزهري فيما حكي (2)،مؤذنين بدعوى إجماعهم عليه،و في المدارك أنه مقطوع به بين الأصحاب (3)،و في غيره لا خلاف فيه بينهم يعرف (4).

أو قدر مدّ البصر من الأرض تعويلا على الوضع اللغوي المستفاد من الصحاح و غيره (5).

و ربما يفهم من العبارة و نحوها التردد في التفسير الأول حيث نسبه إلى الشهرة،و الثاني إلى أهل اللغة.

و يضعّف:بأن المراد بالشهرة هنا الشهرة العرفية و العادية،لا الفتوائية، حتى يفهم منها التردد في المسألة،و حينئذ فتقديمه على اللغة ذكرا يقتضي ترجيحه عليها،كما صرّح به في التنقيح،فقال:و المصنف ذكر التقديرين معا، و قدّم العرفي على اللغوي،لتقدمه عليه عند التعارض،كما تقرّر في الأصول (6).

و قال بعض مشايخنا:و إنما نسبه إلى الشهرة تنبيها على مأخذ الحكم، بناء على أن الرجوع إليها في موضوعات الأحكام و ألفاظها من المسلّمات.

أقول:و حيث انتفى الخلاف في هذا التقدير وجب الرجوع إليه و إن ورد في النصوص ما يخالفه:من التقدير بألف و خمسمائة ذراع (7)،أو ثلاثة آلاف

ص:335


1- القاموس المحيط 4:54.
2- لم نعثر عليه في تهذيب اللغة؛نعم،قاله الفيّومي في المصباح المنير:588،و يحتمل وجود النسبة إلى الأزهري في بعض نسخ المصباح كما نبّه عليه صاحب الجواهر 14:199.
3- المدارك 4:430.
4- كما في الحدائق 11:301.
5- الصحاح 5:1823؛و انظر تهذيب اللغة 15:396.
6- التنقيح الرائع 1:285.
7- الفقيه 1:1303/286،الوسائل 8:461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 16.

و خمسمائة ذراع (1)،مع ضعف سندهما و مهجوريتهما و لا سيّما الأول.

و قدّر في المشهور الذراع بأربع و عشرين إصبعا،و الإصبع بسبع شعيرات متلاصقات بالسطح الأكبر،و قيل:ستّ (2)،و لعل الاختلاف بسبب اختلافها.

و عرض كل شعيرة بسبع شعرات من أوسط شعر البرذون.

و ضبط مدّ البصر في الأرض بأنه ما يتميز به الفارس من الراجل للمبصر المتوسط في الأرض المستوية.

و لو وافق أحد هذين التقديرين المسير في بياض اليوم المعتدل قدرا و زمانا و مكانا على الأقوى فذاك،و إلاّ ففي ترجيحهما عليه كما عليه الشهيد الأول في الذكرى (3)،أو العكس كما عليه الثاني في روض الجنان و غيره (4)،أو الاكتفاء في لزوم القصر بأيّهما حصل أوّلا كما عليه سبطه (5)،أوجه و أقوال، و الاحتياط واضح.

و ذكر جماعة (6)أن مبدأ التقدير من آخر خطّة البلد في المعتدل،و آخر محلّته في المتسع.

و لا ريب في الأول؛لكونه المتبادر من إطلاق الفتوى و النص.

و لعلّ الوجه في الثاني عدم تبادره من الإطلاق،فيرجع إلى المتبادر منه، كما يرجع في إطلاق الوجه مثلا غير مستوي الخلقة إلى مستويها،لكونه

ص:336


1- الكافي 3:3/432،الوسائل 8:460 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 13.
2- المصباح المنير:588.
3- الذكرى:259.
4- روض الجنان:383؛و انظر الذخيرة:407.
5- المدارك 4:432.
6- منهم:ابن فهد في المهذب البارع 1:482،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3:366،و صاحبا المدارك 4:432،و الحدائق 11:305؛و انظر المسالك 1:49.

المتبادر دونه.لكن إطلاق التحديد بآخر المحلّة مشكل،بل ينبغي تقييده بما إذا وافق آخر البلد المعتدل تقديرا،فتأمل جدّا.

و ربما قيل بأن المبدأ هو مبدأ السير بقصد السفر (1).

و لا فرق مع ثبوت المسافة بالأذرع بين قطعها في يوم أو أقلّ أو أكثر،إلاّ إذا تراخى الزمان كثيرا بحيث يخرج عن اسم المسافر عرفا،كما لو قطع المسافة في شهرين أو ثلاثة فقد جزم في الذكرى بعدم الترخص (2).و لا بأس به؛عملا بالأصل،و اقتصارا فيما خالفه على المتبادر من إطلاق الفتوى و النص،و ليس إلاّ ما صدق معه السفر في العرف.

و البحر كالبرّ في جواز القصر مع بلوغ المسافة بالأذرع و إن قطعت في ساعة،كما صرّح به جماعة و منهم المنتهى قائلا إنه لا يعرف في ذلك خلافا (3).

و إنما يجب القصر مع العلم ببلوغ المسافة بالاعتبار أو الشياع أو شهادة البيّنة،و مع الشك يتم بلا خلاف أعرف،و به صرّح في الذخيرة (4)؛عملا بالأصل،و في وجوب الاعتبار معه وجهان.

و لو صلّى قصرا حينئذ أعاد مطلقا و لو ظهر أنه مسافة؛لأن فرضه التمام و لم يأت به،و ما أتى به لم يؤمر به.

و لو سافر مع الجهل ببلوغ المسافة ثمَّ ظهر أن المقصد مسافة قصر حينئذ و إن قصر الباقي عن مسافة.و لا يجب إعادة ما صلّى تماما قبل ذلك؛لأنه صلّى صلاة مأمورا بها فتكون مجزية.

و لو كان لبلد طريقان أحدهما مسافة دون الآخر فسلكه أتم،و إن عكس

ص:337


1- انظر الذخيرة:407.
2- الذكرى:258.
3- المنتهى 1:390.
4- الذخيرة:407.

لعلّة غير الترخيص قصر إجماعا،كما في التذكرة و الذخيرة (1)،و كذا لعلّته على الأظهر الأشهر،بل عن ظاهر الأول الإجماع عليه.

خلافا للقاضي فيتم؛لأنه كاللاهي بصيده (2).

و لا ريب في ضعفه؛لأن السفر بقصد الترخيص غير محرّم قطعا كما يقتضيه إطلاق النص و الفتوى،و القياس فاسد عندنا سيّما إذا كان مع الفارق كما هنا.

و لو كانت المسافة أربعة فراسخ فصاعدا دون الثمانية و أراد الرجوع ليومه أو لليلته أو الملفّق منهما،مع اتصال السير عرفا،دون الذهاب في أول أحد هما و العود في آخر الآخر،على ما صرّح به.جمع ممن تأخر (3)من غير خلاف بينهم و لا من غيرهم يظهر قصّر وجوبا على الأشهر الأقوى،و عن ظاهر الأمالي أنه من ديننا (4)،مشعرا بكونه إجماعا.

و به نصّ الرضوي:«فإن كان سفرك بريدا واحدا و أردت أن ترجع من يومك قصرت،لأن ذهابك و مجيئك بريدان»إلى أن قال:«فإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ و لم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار،فإن شئت أتممت و إن شئت قصّرت» (5).

و قريب منه النصوص المستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها،منها:عن

ص:338


1- التذكرة 1:188،الذخيرة:407.
2- المهذّب 1:107.
3- منهم:العلامة في المنتهى 1:390،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:285،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:511،الشهيد في الذكرى:259.
4- أمالي الصدوق:514،510.
5- فقه الرضا(عليه السلام):159،المستدرك 6:528،529 أبواب صلاة المسافر ب 2،3 ح 1،2.

التقصير،فقال:«بريد ذاهبا و بريد جائيا،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتى ذبابا (1)قصر،لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ» (2).

و هو كالنص في وجوب التقصير؛لتعليله فيه بحصول الثمانية التي هي أصل المسافة التي يجب فيها التقصير إجماعا.

و نحوه الموثق المعلّل له بأنه إذا ذهب بريدا و آب بريدا فقد شغل يومه (3).

و بهذه الأدلة يجمع بين النصوص المتقدمة بكون المسافة ثمانية و الصحاح المستفيضة الآمرة بالقصر في أربعة،بتعميم الأوّلة للثمانية الملفّقة من الأربعة الذهابية و الإيابية،و تقييد الأربعة بها لا مطلقا و إن كان (4)متبادرا منها،كما أن الثمانية الذهابية خاصة متبادرة من الأوّلة،لكن التبادر لا حكم له بعد وجود الصارف عنه من نحو ما قدمناه من الأدلّة.

خلافا للشهيدين و غيرهما من المتأخرين (5)،فلم يوجبوا القصر و خيروا بينه و بين التمام،وفاقا للتهذيب (6)؛جمعا بين أخبار الثمانية و الأربعة المطلقة و الملفقة،بحمل الأوّلة على ظواهرها مطلقا (7)،و تقييد الأربعة المطلقة بالملفقة،لأخبارها،أو من غير تقييدها،ثمَّ حمل الأمر بالقصر فيها أجمع على الرخصة ترجيحا لأخبار الثمانية.

و لا شاهد له عليه مع إمكان الجمع بما مرّ،مع كونه أظهر؛لوضوح

ص:339


1- ذباب:جبل قرب المدينة على نحو من بريد.مجمع البحرين 2:58.
2- الفقيه 1:1304/287،الوسائل 8:461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 14،15.
3- التهذيب 4:658/224،الوسائل 8:459 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 9.
4- أي الإطلاق.
5- الشهيد الأول في الذكرى:256،الشهيد الثاني في روض الجنان:384؛و انظر المدارك 4:437.
6- التهذيب 3:208.
7- أي:في كل من ظاهر امتداد الثمانية و وجوب القصر.منه رحمه اللّه.

الشواهد عليه،مضافا إلى شهرته،و ندرة القول بخلافه في القديم،إذ ليس إلاّ الشيخ في التهذيب،و هو على تقدير تسليم مخالفته قد رجع عنه و وافق المشهور في جملة من كتبه (1).

لكن بعض أخبار الأربعة لا يقبل التقييد بالتلفيق مطلقا (2)،كالصحيح:

إنّ لي ضيعة على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ ربما خرجت إليها فأقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام،فأتمّ الصلاة أو أقصّر؟قال:«قصّر في الطريق و أتمّ في الضيعة» (3).

لكنه لا يعارض أخبار الثمانية أجمع فليطرح،أو يحمل على التخيير- و سيأتي الكلام فيه-أو على التقية،بمعنى حمل الأمر فيه بالإتمام في الضيعة عليها،لعدم كونها بنفسها من القواطع عندنا،و إنما هو مذهب جماعة من العامة (4)،كما سيأتي إليه الإشارة إن شاء اللّه تعالى،فيرتفع المانع عن الحمل على التلفيق،فتدبّر.

و لا بدّ في القصر من كون المسافة المشترطة مقصودة و لو تبعا كالزوجة و العبد و الأسير مع عدم قصدهم الرجوع متى تمكّنوا منه،أو عدم احتمالهم له لعدم ظهور أماراته.

فلو قصد ما دونها ثمَّ قصد مثل ذلك أو لم يكن له قصد أصلا فلا قصر مطلقا و لو تمادى في السفر و قطع مسافات عديدة؛بالنص (5)

ص:340


1- كما في النهاية:122،و المبسوط 1:141.
2- لا في يومه و لا في غيره.منه رحمه اللّه.
3- التهذيب 3:509/210،الاستبصار 1:811/229،الوسائل 8:496 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 14.
4- انظر المغني لا بن قدامة 2:135.
5- انظر الوسائل 8:468 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 1،3.

و الإجماع.نعم يقصّر في الرجوع إذا بلغ مسافة إجماعا؛لحصول الشرط، و خصوص الموثق:عن الرجل يخرج في حاجة له و هو لا يريد السفر،فيمضي في ذلك فيتمادى به المضيّ حتى يمضي به ثمانية فراسخ،كيف يصنع في صلاته؟قال:«يقصّر و لا يتم الصلاة حتى يرجع إلى منزله» (1).

و المراد يقصّر في رجوعه قطعا،كما أن المراد بالموثق الآخر:عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ فيأتي قرية فينزل فيها،ثمَّ يخرج منها [فيسير]خمسة فراسخ أخرى أو ستّة فراسخ لا يجوز ذلك،ثمَّ ينزل في ذلك الموضع،قال:«لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ، فليتم الصلاة» (2)الإتمام في الذهاب خاصة؛لما مضى.

و هل يضمّ إلى الرجوع ما بقي من الذهاب ممّا هو أقل من المسافة؟ أوجه،ثالثها:نعم إن بلغ الرجوع وحده المسافة،و إلاّ فلا،وفاقا لجماعة (3)؛ لصدق قصدها،و التلفيق لا مانع منه هنا،إذ الظاهر أن الممنوع منه على تقديره إنما هو ما حصل به نفس المسافة لا مطلقا،و هي في المقام من دونه حاصلة لكن ظاهر الأكثر المحكي عليه الإجماع (4)العدم مطلقا.

و يعتبر في هذا الشرط استمراره إلى نهاية المسافة،بلا خلاف فيه أجده، بل قيل:إنه إجماع (5)،و يفهم من جملة؛للمعتبرة،منها:الصحيح في الذي بدا له في الليل بعد أن سافر نهارا:«إن كنت سرت في يومك بريدا لكان عليك

ص:341


1- التهذيب 4:663/226،الاستبصار 1:807/227،الوسائل 8:469 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 2.
2- التهذيب 4:661/225،الاستبصار 1:805/226،الوسائل 8:469 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 3 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
3- مفاتيح الشرائع 1:25،و انظر البحار 86:62.
4- انظر الحدائق 11:330.
5- انظر مجمع الفائدة و البرهان 3:369،و الذخيرة:407.

حين رجعت أن تصلي بالقصر؛لأنك كنت مسافرا إلى أن تصير إلى منزلك،و إن كنت لم تسر بريدا فإنّ عليك أن تقضي كل صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير» (1).

و الخبر في منتظري الرفقة الذين لا يستقيم لهم من دونهم المسافرة:«إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم،أقاموا أم انصرفوا،و إن كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة،أقاموا أم انصرفوا» (2).

و في آخر:«إذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا،و ذلك أربعة فراسخ،ثمَّ بلغ فرسخين و نيّته الرجوع أو فرسخين آخرين قصّر،و إن رجع عمّا نوى عند ما بلغ فرسخين و أراد المقام فعليه التمام،و إن كان قصّر ثمَّ رجع عن نيته أعاد الصلاة» (3).

و ضعف السند غير مانع،كتضمن الصحيح و الأخير ما لا يقول به أحد من قضاء الصلاة بعد البداء كما في الأول،و تحديد المسافة بستة أميال و أنها فرسخان و تصريح صدره بأن التقصير في أربعة فراسخ؛لانجبار الأول بالشهرة، و الثاني غير قادح في حجية ما بقي.

و بنحوه يجاب عن تضمن الجميع الأمر بالقصر في نصف المسافة، و الأخير الأمر بإعادة الصلاة المقصورة بعد تغيّر النية مع أنه لا يقول بهما الأكثر، مع أن الأول محمول على التخيير كما يأتي،و الثاني على الاستحباب، للصحيح:«تمّت صلاته و لا يعيد» (4).

ص:342


1- التهذيب 3:909/298،الوسائل 8:469 أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.
2- الكافي 3:5/433،الوسائل 8:466 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 10.
3- التهذيب 4:664/226،الاستبصار 1:808/227،الوسائل 8:457 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 4.
4- الفقيه 1:1272/281،التهذيب 3:593/230،الاستبصار 1:809/228،الوسائل 8:521 أبواب صلاة المسافر ب 23 ح 1.

و حمله على خروج الوقت-كما في الاستبصار-ليس بأولى ممّا ذكرنا.

بل هو أولى؛لاعتضاده بالأصل،و اقتضاء امتثال الأمر الإجزاء،مضافا إلى الشهرة،و ضعف سند المعارض،و خلوّ ما ذكره من الحمل عن الشاهد،مع مضادّته لظاهر الصحيح السابق،و مع ذلك فقد(رجع عنه) (1)في النهاية (2).

و على هذا الشرط ف لو قصد مسافة فتجاوز سماع الأذان و محل الرخصة ثمَّ توقّع رفقة لم يجزم بالمسافرة من دونهم أتمّ.و إن جزم أو بلغ المسافة قصّر ما بينه و بين مضيّ شهر ما لم ينو المقام عشرة أيام،فيتم بعد النية،كما يتمّ بعد مضيّ الشهر،بلا خلاف ظاهر إلاّ من الذكرى في الثاني،فتنظّر فيه (3)،و تبعه بعض المعاصرين (4)؛معلّلا بأن مورد النص التردّد في المصر (5).و فيه نظر؛لأنه كثير،و بعضها و إن اختص به،إلاّ أن بعضا آخر منها ورد في التردد في الأرض بقول مطلق (6)،كما سيظهر.

و لو كان توقّع الرفقة دون ذلك أي محل الرخصة أتم مطلقا؛ لكون التجاوز عنه من الشرائط أيضا،كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

و اعلم:أن الظاهر أن المعتبر قصد المسافة النوعية،لا الشخصية،فلو قصد مسافة معيّنة فسلك بعضها ثمَّ رجع إلى موضع آخر بحيث يكون نهايته مع ما مضى مسافة فإنه يبقى على التقصير؛للأصل،و صدق السفر إلى المسافة،

ص:343


1- في«م»:وافق المشهور.
2- النهاية:123.
3- الذكرى:257.
4- صاحب الحدائق 11:337.
5- انظر الوسائل 8:500 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 9،13،17،20.
6- انظر الوسائل 8:498 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 3،16.

مع اختصاص ما دلّ من النص و الفتوى على التمام إذا لم يقصد المسافة أو رجع عنها-بحكم التبادر و غيره-بغير محل البحث،و هو ما لم يقصد فيه المسافة أصلا،أو قصد الرجوع في أثنائها إلى منزله.

و بما ذكرنا صرّح في روض الجنان،إلاّ أنه احتمل في المثال عدم الترخيص،قال:لبطلان المسافة الأولى بالرجوع عنها،و عدم بلوغ القصد الثاني مسافة (1).

و هو ضعيف؛إذ لا دليل على بطلانها بمجرد الرجوع عن شخصها مع بقاء نوعها،لما عرفت من اختصاص النص و الفتوى الدالّين عليه بصورة الرجوع عنها أصلا،و عليه فيرجع إلى حكم الأصل،و هو استصحاب بقاء وجوب القصر.

و لعلّه لذا أفتى في النهاية بوجوب القصر هنا في الأربعة الإيابية مطلقا (2)، مع أن مذهبه فيها إذا قصد في مبدإ السفر تلفيقها ثمانية مع عدم الرجوع ليومه عدم وجوبه،بل جوازه.

و وجه الفرق بينهما عدم ثبوت ما يوجب تحتم القصر في الثاني من ثبوته و استصحاب وجوبه،بخلاف الأول،لثبوته فيه.و محصّله:حصول موجب القصر الاتفاقي،و هو قصد الثمانية الذهابية في مبدأ السفر في الأول،دون الثاني،إذ المسافة المقصودة فيه أوّلا إنما هو الثمانية الملفّقة المختلف في إيجابها القصر أو ترخيصه.

و الحاصل:أن الشيخ لم يكتف بالتلفيق في إيجابه القصر إذا حصل في أول السفر و قبل ثبوت القصر،و اكتفى به فيه بعد ثبوته بحصول موجبه من قصد

ص:344


1- روض الجنان:385.
2- النهاية:122.

الثمانية الممتدة،و حينئذ فلا يبعد موافقة الشيخ هنا و إن خالفناه ثمّة،لاختلاف موضوع المسألتين،سيّما مع اتفاق النصوص المتقدمة قريبا (1)على ما ذكره، مع سلامتها عن المعارض أصلا،فتدبّر و تأمل.

الثاني أن لا يقطع سفره بعزم الإقامة

الثاني:أن لا يقطع سفره بعزم الإقامة الشرعية في أثنائها،المتحققة بالوصول إلى الوطن مطلقا،أو نية الإقامة عشرا،بلا خلاف بيننا،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة في الثاني،و في الأول دونه (2)، و الصحاح بهما-كغيرها-مستفيضة قريبة من التواتر،بل متواترة،و سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

و هي و إن قصرت عن إفادة تمام المدّعى من حصول القطع بهما بحيث يجب التمام في محل الإقامة و قبله و بعده إلى أن يستأنف مسافة أخرى جديدة، من غير كفاية ضمّ ما بقي بعد القاطع من المسافة إليها قبله،إلاّ أنها صريحة في وجوب التمام بهما،فيستصحب إلى تيقن القصر،و ليس إلاّ باستئناف مسافة أخرى؛إذ ليس في إطلاق ما دلّ على وجوب القصر في المسافة عموم يشمل نحو هذه المسافة المنقطعة بالتمام في أثنائها،لاختصاصه بحكم التبادر بغيرها.

هذا مضافا إلى الإجماعات المحكية،و تنزيل المقيم عشرا،أو المتردد ثلاثين يوما أو شهرا منزلة من هو في أهله في الصحيحين:«من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه التمام و هو بمنزلة أهل مكة» (3)كما في أحدهما.

و في الثاني:عن أهل مكة إذا زاروا،عليهم إتمام الصلاة؟قال:«نعم،

ص:345


1- سندا لاشتراط استمرار قصد المسافة.منه رحمه اللّه.
2- انظر التذكرة 1:190،روض الجنان:386،المدارك 4:441،المفاتيح 1:24.
3- التهذيب 5:1742/488،الوسائل 8:501 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 10.

و المقيم إلى شهر بمنزلتهم» (1)و عموم المنزلة يقتضي الشركة في جميع الأحكام،و لا يخصّصه خصوص المورد لو كان كما مرّ في غير مقام.

و كيف كان فلو عزم مسافة و له في أثنائها منزل مملوك له قد استوطنه ستّة أشهر فصاعدا و لو متفرقة على ما نصّ عليه الجماعة،و يعضده إطلاق الرواية (2)أو عزم في أثنائها إقامة عشرة أيام أتم و سيأتي الكلام فيما يتعلق بالثاني.

و أمّا الأول فالحكم فيه مطلق و إن جزم على السفر قبل تخلّل العشرة.

و ظاهر العبارة الاكتفاء بستة أشهر واحدة ماضية،و هو المشهور،بل عليه الإجماع في روض الجنان و التذكرة (3).فإن تمَّ،و إلاّ فالحجة عليه غير واضحة.

مع أن ظاهر الصحاح المستفيضة اعتبار فعليّة الاستيطان و بقائه على الدوام،كما هو ظاهر الشيخ و جملة ممّن تبعه (4)،بل ظاهر جماعة اعتبارها في كلّ سنة (5).

ففي جملة منها:«كل منزل لا تستوطنه فليس ذلك بمنزل،فليس لك أن تتم» (6).

ص:346


1- التهذيب 5:1741/487،الوسائل 8:501 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 11.
2- الفقيه 1:1310/288،التهذيب 3:520/213،الاستبصار 1:821/231،الوسائل 8:494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 11.
3- روض الجنان:386،التذكرة 1:190.
4- الشيخ في النهاية:124؛و انظر المهذّب 1:106،و الوسيلة:109.
5- منهم:الصدوق في الفقيه 1:288،و صاحب المدارك 4:444،و المحقق السبزواري في الذخيرة:408.
6- التهذيب 3:515/212،الاستبصار 1:817/230،الوسائل 8:493 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 6 بتفاوت يسير.

و منها:ما الاستيطان؟فقال:«أن يكون له فيها منزل يقيم ستّة أشهر،فإن كان كذلك أتمّ متى دخلها» (1).

و به يقيّد إطلاق سابقة،مع أن المتبادر منه ما يوافقه؛لعدم صدق الوطن على ما قصر عن استيطان الستّة عادة،فتأمل.

و كيف كان،فوجه ما ذكروه غير واضح،إلاّ أن يكون الصحيح:عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمرّ بها،قال:«إن كان ممّا سكنه أتم فيه الصلاة،و إن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر» (2).

و قريب منه آخر:في الرجل يسافر فيمرّ بالمنزل في الطريق يتمّ الصلاة أم يقصّر؟قال:«يقصّر،إنما هو المنزل الذي توطّنه» (3).

و فيه:أنّ راوي الأول روى بعض الصحاح المتقدمة التي هي أظهر دلالة على اعتبار دوام الستّة منهما على الاكتفاء بها في الزمن الماضي و لو مرة.

و«توطّنه»في الثاني يحتمل كونه بصيغة المضارع المفيدة للتجدد الاستمراري من باب التفعل محذوفة فيها إحدى التاءين.

فالمسألة قوية الإشكال و إن كان اعتبار فعليّة الاستيطان و دوامه لا يخلو عن رجحان.

ثمَّ إن ظاهر الصحاح المتقدمة و العبارة و نحوها من عبائر الجماعة-و منهم

ص:347


1- الفقيه 1:1310/288،التهذيب 3:520/213،الاستبصار 1:821/231،الوسائل 8:494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 11.
2- التهذيب 3:518/212،الاستبصار 1:819/230،الوسائل 8:494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 9.
3- التهذيب 3:517/212،الاستبصار 1:818/230،الوسائل 8:493 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 8.

الصدوق و الشيخ و جملة ممّن تبعه و الشهيد في اللمعة (1)-إناطة الحكم بالاستيطان في المنزل خاصة دون الملك،و إن تضمّنت اللام لمجيئها للاختصاص،بل ظهورها فيه،كما قيل (2).

خلافا للفاضلين في جملة من كتبهما و من تأخر عنهما (3)،فأناطوه بالملك بشرط الاستيطان في بلده و لو في غيره،حتى صرّحوا بالاكتفاء في ذلك بالنخلة الواحدة؛للموثق (4).

و فيه:انه كسائر الصحاح و غيرها المتضمنة للأمر بالإتمام بمجرّد الوصول إلى الملك من القرى و الضيعة لم يقل بإطلاقها أحد من الطائفة،و النصوص بخلافها مع ذلك مستفيضة متضمنة للصحيح و غيره دالّة على الأمر بالتقصير ما لم ينو المقام عشرة،ففي الصحيح:عن الرجل يقصر في ضيعته،قال:

«لا بأس ما لم ينو المقام عشرة أيام،إلاّ أن يكون له فيها منزل يستوطنه»قلت:

ما الاستيطان؟..الحديث كما مرّ (5).

و هو كالصريح،بل صريح فيما ذكرنا من أن العبرة بالاستيطان في المنزل دون الملك،و إلاّ لعطفه على إقامة العشرة و لم يخصّه بالمنزل.

و مع ذلك فهي موافقة لمذهب جماعة من العامة كما صرّح به جماعة (6)،

ص:348


1- الصدوق في الفقيه 1:288،الشيخ في النهاية:124،و تبعه القاضي في المهذّب 1:106، و ابن حمزة في الوسيلة:109،و الحلبي في الكافي:117،اللمعة(الروضة 1):372.
2- راجع الحدائق 11:373.
3- المحقق في المعتبر 2:469،و الشرائع 1:133،العلامة في نهاية الإحكام 2:176، و المختلف:170؛و انظر الذكرى:258،و روض الجنان:386،و التنقيح الرائع 1:287.
4- التهذيب 3:512/211،الاستبصار 1:814/229،الوسائل 8:493 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 5.
5- في ص 347.
6- منهم المجلسي في البحار 86:37؛و انظر الحدائق 11:368.

حاملين لها لذلك على التقية.

و مع ذلك فغايتها إفادة الإتمام في الملك مطلقا،كما هو ظاهر إطلاقها، أو بشرط الاستيطان ستة أشهر،كما هو قضية الجمع بينها و بين غيرها،و هو لا يستلزم اشتراط الملك،حتى لو انتفى و حصل الاستيطان في المنزل غير الملك وجب القصر كما ذكروه،بل وجوب الإتمام فيه لا ينافيه و يجامعه.

و بالجملة:فما ذكروه لا وجه له،كما صرّح به من متأخري المتأخرين جماعة (1).

لكن يمكن الاعتذار لهم بأن اعتبارهم الملكية انما هو بناء على اكتفائهم في الوطن القاطع بما حصل فيه الاستيطان ستة أشهر و لو مرّة،من دون اشتراط الفعليّة،حتى لو هجره بحيث لم يصدق عليه الوطنية عرفا لزمه التمام بمجرّد الوصول إليه،و لذا اشترطوا دوام الملك أيضا،إبقاء لعلاقة الوطنية ليشبه الوطن الأصلي الذي لا خلاف فتوى و نصا في انقطاع السفر به مطلقا و لو لم يكن له فيه ملك و لا منزل مخصوص أصلا.

و على هذا فلا ريب في اعتباره؛لعدم دليل على كفاية مجرد الاستيطان ستة أشهر مع عدم فعليته و دوامه أصلا،إذ النصوص الدالّة عليه ظاهرها اعتبار فعليّته،فلم يبق إلاّ الإجماع المحكي و الفتاوي،و هما مختصان بصورة وجود الملك و دوامه،فعلى تقدير العمل بهما ينبغي تخصيص الحكم بها.

و يرشد إلى ما ذكرنا (2)أنهم ألحقوا بالملك اتّخاذ البلد أو البلدين دار إقامة على الدوام،معربين عن عدم اشتراط الملك فيه،و إن اختلفوا في اعتبار

ص:349


1- انظر الذخيرة:408،و الحدائق 11:365.
2- من اختصاص اعتبارهم الملك بصورة الاكتفاء في الوطن القاطع بما حصل فيه الاستيطان ستة أشهر و لو مرّة.منه رحمه اللّه.

الاستيطان ستة أشهر فيه كالملحق به،كما عليه الشهيد في الذكرى و جملة ممن تأخر عنه (1)،أو العدم كما عليه الفاضل (2)،و الوطن المستوطن فيه المدة المزبورة على الدوام أحد أفراده،فلا يعتبر فيه عندهم الملكية كما عرفته.

و يتحصّل ممّا ذكرنا أنه لا أشكال و لا خلاف في عدم اعتبار الملك في الوطن المستوطن فيه المدّة المزبورة كلّ سنة،و لا في اعتباره في المستوطن فيه تلك المدة مرة.و إنما الخلاف و الإشكال في كون مثل الوطن الأخير و لو مع الملك قاطعا،و لكن الأقوى فيه العدم كما تقدّم،و مرجعه إلى إنكار الوطن الشرعي و انحصاره في العرفي،و هو قسمان:أصلي نشأ فيه أو اتّخذه،و طارئ يعتبر في قطعه السفر فعليّة الاستيطان فيه ستة أشهر بمقتضى الصحيحة المتقدمة.

و لو قصد مسافة فصاعدا و له على رأسها منزل قد استوطنه القدر المذكور أي الستة أشهر المطلقة،أو الدائمة الفعلية،على الاختلاف المتقدم إليه الإشارة قصّر في طريقه لحصول الشرط فيه و أتم في منزله لأنه غير مسافر فيه،لحصول القطع به.

و الفرق بين هذه المسألة و ما سبق توسّط المنزل المزبور فيه في أثناء أصل المسافة المشترطة،فلا قصر فيه بالكلية،ما لم يقصد مسافة أخرى جديدة، و وقوعه هنا في رأسها مثلا،فيثبت القصر قبله،و بالجملة:المنزل قاطع للسفر دون المسافة هنا،و لهما معا ثمة،و الحكم فيها يناسب الشرطية المقصودة في ظاهر العبارة فلذ فرّعه عليها،دونه هنا،فإنه مذكور تبعا للأول للمناسبة بينهما.

و كذلك إقامة العشرة تارة تكون قاطعة لأصل المسافة،و هي التي تناسب

ص:350


1- الذكرى:258؛و انظر روضة البهية 1:372،و الذخيرة:408،و المدارك 4:445.
2- راجع نهاية الإحكام 2:178.

الشرطية و فرّع حكمه عليها،و أخرى تكون قاطعة للسفر دونها،و سيذكر حكمها إن شاء اللّه تعالى،فلا تكرار أصلا.

و إذا عزم مسافة و لم يعزم الإقامة في أثنائها ف قصّر ثمَّ نوى الإقامة في أثنائها عشرا لم يعد ما كان صلاّه قصرا؛لما مرّ في الشرط الأول.

و لو كان دخل في الصلاة بنية القصر ثمَّ عنّ له الإقامة في أثنائها أتمّ بلا خلاف فيه بيننا أجده،بل عليه إجماعنا في ظاهر التذكرة (1)،و قريب منها الخلاف و المنتهى (2)،حيث لم ينقلا الخلاف فيه إلاّ من بعض العامة؛ للعموم كما في الخلاف،و خصوص الصحيح (3)و غيره (4):عن الرجل يخرج في السفر ثمَّ يبدو له و هو في الصلاة،قال:«يتم إذا بدت له الإقامة».

و لو نوى إقامة بعد ما صلّى ركعة ثمَّ خرج وقت تلك الصلاة فإنه يحوّل فرضه إلى الأربع.أما لو خرج قبل أن يصلّي ركعة ثمَّ نوى الإقامة فإنه لا يحوّل فرضه إلى الأربع في حين تلك الصلاة،لأنها فاتته قصرا،و به صرّح في المنتهى أيضا (5).

الثالث أن يكون السفر مباحا

الثالث:أن يكون السفر مباحا غير محرّم فلا يترخص العاصي بسفره كالمتّبع للجائر في جوره و اللاهي بصيده بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (6)،و المعتبرة به مع ذلك

ص:351


1- التذكرة 1:193.
2- الخلاف 1:583،المنتهى 1:398.
3- الكافي 3:8/435،الفقيه 1:1299/285،التهذيب 3:564/224،الوسائل 8:511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 1.
4- التهذيب 3:565/224،الوسائل 8:511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 2.
5- المنتهى 1:398.
6- منهم:المحقق في المعتبر 2:470،و العلامة في المنتهى 1:392،و صاحب المدارك 4:445،و المحقق السبزواري في الذخيرة:409.

مستفيضة.

ففي الصحيح:«من سافر قصّر و أفطر،إلاّ أن يكون رجلا سفره إلى صيد،أو في معصية،أو رسولا لمن يعصي اللّه تعالى،أو في طلب عدوّ،أو شحناء،أو سعاية،أو ضرر على قوم مسلمين» (1).

و في الموثق:عن الرجل يخرج إلى الصيد،أ يقصّر أو يتم؟قال:«يتم، لأنه ليس بمسير حق» (2).

و إطلاقهما-كغيرهما و أكثر الفتاوي و صريح جملة منها (3)-يقتضي عدم الفرق في السفر المحرّم بين ما كان غايته معصية،كالسفر لقطع الطريق،أو قتل مسلم،أو إضرار بقوم مسلمين؛أو كان بنفسه معصية،كالفرار (4)من الزحف،و الهرب من الغريم مع القدرة على الوفاء.

خلافا لشيخنا الشهيد الثاني فخصّه بالأول،مدّعيا اختصاص النصوص به (5).و لا وجه له،كما صرّح به جماعة (6).

ثمَّ إطلاق الخبرين-كغيرهما-بعدم ترخّص الصائد محمول على الغالب في العادة فيما هو مورد لها،و هو:ما يقصد به اللهو دون الحاجة

ص:352


1- الكافي 4:3/129 بتفاوت،الفقيه 2:409/92،التهذيب 4:640/219،الوسائل 8:476 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 3.
2- الكافي 3:8/438،التهذيب 3:537/217،الاستبصار 1:841/236،الوسائل 8:479 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 4.
3- كالمدارك 4:446.
4- في«ح»:كما يتضمّن الفرار..
5- انظر روض الجنان:388.
6- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3:384،و صاحب المدارك 4:447، و المحقق السبزواري في الذخيرة:409.

و التجارة،و به يشعر أيضا الموثقة.

و أظهر منها اخرى:عمّن يخرج من أهله بالصقور و البزاة و الكلاب يتنزّه الليلة و الليلتين و الثلاثة،هل يقصّر من صلاته أو لا يقصّر؟قال:«إنما خرج في لهو لا يقصّر» (1).

و نحو هما الخبر:في المتصيد أ يقصّر الصلاة؟قال:«لا،فإنّ الصيد مسير باطل لا تقصر الصلاة فيه» (2).

و آخر:«سبعة لا يقصّرون الصلاة»إلى أن قال:«و الرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا،و المحارب الذي يقطع السبيل» (3).

و أظهر من الجميع المرسل:قلت له:الرجل يخرج إلى صيد مسيرة يوم أو يومين،أ يقصّر أو يتم؟فقال:«إن خرج لقوته و قوت عياله فليفطر و ليقصّر، و إن خرج لطلب الفضول فلا و لا كرامة» (4).

و الرضوي:«و إذا كان ممّا يعود به على عياله فعليه التقصير في الصلاة و الصوم» (5).

و هما نصّ في أنه يقصّر لو كان الصيد للحاجة كما أفتى به

ص:353


1- التهذيب 3:540/218،الاستبصار 1:842/236،الوسائل 8:478 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 1.
2- الكافي 3:4/437،التهذيب 3:536/217،الاستبصار 1:840/235،المحاسن: 129/371،الوسائل 8:480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 7.
3- الفقيه 1:1282/282،التهذيب 3:524/214،الاستبصار 1:826/232،الوسائل 8:480 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 5.
4- الكافي 3:10/438،الفقيه 1:1312/288،التهذيب 3:538/217،الاستبصار 1:845/236،الوسائل 8:480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 5.
5- فقه الرضا(عليه السلام):162،المستدرك 6:533 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.

الأصحاب كافة،من غير خلاف بينهم فيه أجده،و به صرّح جماعة (1)،بل عليه الإجماع في المنتهى و التذكرة (2).

و اختلفوا فيما لو كان للتجارة ف قيل:يقصّر صومه و يتم صلاته و القائل به أكثر القدماء (3)،و منهم الحلّي مدّعيا كونه إجماعيا و ورود رواية بذلك أيضا (4)،كما يفهم من المبسوط،حيث قال:روى أصحابنا (5).

و لم أر هذه الرواية،و لا نقلها أحد من أصحابنا،نعم في الرضوي:«و إذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة و القصر في الصوم» (6).

و المشهور بين المتأخرين،بل عليه عامّتهم التقصير في الصلاة أيضا؛ للعمومات،و خصوص ما دلّ من الصحاح و غيرها على أنه إذا قصّرت أفطرت و إذا أفطرت قصّرت (7)،و الإجماع واقع على ثبوت القصر في الصوم على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (8)،فيثبت في الصلاة أيضا عملا بمقتضاها.

و هو حسن لو لا الإجماع المحكي،و الرواية المرسلة و الفقه الرضوي، المنجبر قصور سندهما بالشهرة القديمة المحقّقة القريبة من الإجماع،بل لم

ص:354


1- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:288،و المحقق السبزواري في الذخيرة:409، و العلامة المجلسي في ملاذ الأخيار 5:403.
2- المنتهى 1:392،التذكرة 1:192.
3- منهم الشيخ في النهاية:122،القاضي في المهذّب 1:106،و ابن سعيد في الجامع للشرائع:91.
4- السرائر 1:327.
5- المبسوط 1:136.
6- راجع الهامش(5)من الصحفة السابقة.
7- الوسائل 8:498 أبواب صلاة المسافر ب 15.
8- كما في المختلف:161،البيان:263،مجمع الفائدة و البرهان 3:386.

ينقل لها مخالف من القدماء عدا المرتضى،حيث نفى الخلاف بين الأمة في تلازم القصرين (1)،لكن من غير تنصيص به في المسألة،و هو غير صريح في المخالفة،كالعمومات المتقدمة،لقبولها التخصيص بما مرّ من الرواية و إن لم تكن الآن مشهورة،لظهور عبارتي المبسوط السرائر في كونها يومئذ مشهورة، بل و مجمعا عليها كما عرفته،و الشهرة المتأخرة لم تتحقق إلاّ من زمن العلاّمة.

لكنه في التذكرة-كغيره-ادّعى الشهرة المطلقة على ما اختاره (2)،فيمكن أن يوهن بهذه الدعوى دعوى الإجماع المتقدمة.

و يجاب عن المرسلة:بضعف السند،و عدم وضوح الجابر إلاّ الشهرة القديمة،و هي معارضة بالشهرة المتأخرة القطعية،بل مطلقا كما عرفت حكايته في كلام جماعة،فلا يمكن أن يخصّص بها العمومات المتقدمة،كما لا يمكن تخصيصها بالرضوي و إن اعتبر سنده في الجملة،لقصوره عن المقاومة لها و المكافأة.

لكن المسألة بعد لا تخلو عن شبهة،و الاحتياط فيها مطلوب بلا شبهة.

و كما يعتبر هذا الشرط ابتداء يعتبر استدامة،فلو عرض قصد المعصية في الأثناء انقطع الترخص حينئذ،و بالعكس،و يشترط حينئذ كون الباقي مسافة و لو بالعود قطعا.كما يشترط في الأول أيضا لو رجع إلى القصد الأول على قول قوي؛للأصل (3)،و لا على آخر (4)؛لإطلاق الخبر:«إنّ صاحب الصيد يقصّر ما دام على الجادة،فإذا عدل عن الجادة أتم،فإذا رجع إليها قصر» (5).

ص:355


1- انظر الانتصار:51.
2- لم نعثر فيها و غيرها على ادّعاء الشهرة المطلقة،راجع التذكرة 1:193.
3- أي:أصالة بقاء وجوب التمام.
4- راجع المنتهى 1:392.
5- التهذيب 3:543/218،الاستبصار 1:846/237،الوسائل 8:480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 6.

و فيه ضعف سندا،بل و دلالة،فيشكل الخروج به عن مقتضى الأصل جدّا،لكن الاحتياط بالجمع بين القولين أولى.

ثمَّ إن إطلاق النص و الفتوى يقتضي وجوب التمام على اللاهي بصيده مطلقا.

خلافا للمحكي عن الإسكافي فإلى ثلاثة أيام (1)؛للمرسل (2).

و هو مع ضعفه نادر،و في المختلف:إنه لم يعتبره علماؤنا (3).

الرابع:أن لا يكون سفره أكثر من حضره

الرابع:أن لا يكون سفره أكثر من حضره،كالبدوي،و المكاري بضم الميم و تخفيف الياء،و هو:من يكري دابته بغيره و يذهب معها فلا يقيم ببلدة غالبا لإعداد نفسه لذلك و الملاّح و هو:صاحب السفينة و التاجر الذي يدور في تجارته و الأمير الذي يدور في إمارته و الراعي الذي يدور بماشيته و البريد المعدّ نفسه للرسالة،و أمين البيدر.

فإن هؤلاء يتمون في أسفارهم بلا خلاف إلاّ من العماني،فأطلق وجوب القصر على كل مسافر (4).و هو نادر،بل على خلافه انعقد الإجماع على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر،كالانتصار (5)و الخلاف و السرائر (6)؛ و هو الحجّة،مضافا إلى المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح:المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام يتم

ص:356


1- كما حكاه عنه في المختلف:162.
2- الفقيه 1:1313/288،التهذيب 3:542/218،الاستبصار 1:844/236،الوسائل 8:479 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 3.
3- المختلف:162.
4- كما نقله عنه في المختلف:163.
5- في«م»زيادة:و الفقيه.
6- الانتصار:53،الخلاف 1:224،السرائر 1:338.

الصلاة و يصوم شهر رمضان» (1).

و فيه:«أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أم حضر:المكاري، و الكريّ (2)،و الراعي،و الأشتقان (3)،لأنه عملهم» (4).

و نحوه المرفوع القريب منه،لكن بزيادة الملاّح،و تفسير الأشتقان بالبريد،مع إسقاط لفظة«قد» (5).

و فيه:«ليس على الملاّحين في سفينتهم تقصير،و لا على المكارين، و لا على الجمّالين» (6).

و نحوه الموثق (7)و غيره (8)في الملاّحين و الأعراب،معلّلين بأن بيوتهم معهم.

و يستفاد منها أجمع-بعد ضمّ بعضها مع بعض-:أنّ وجوب التمام على هؤلاء إنما هو من حيث كون السفر عملهم،لا لخصوصيّة فيهم،فلو فرض كثرة

ص:357


1- الكافي 4:1/128،التهذيب 4:634/218،الوسائل 8:484 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 1.
2- الكريّ-بالفتح على فعيل-:المكتري،و إن جاء لمكري الدوابّ أيضا،كما يقتضيه ظاهر العطف و أصالة عدم الترادف.مجمع البحرين 1:358.
3- الأشتقان قيل:هو الأمير الّذي يبعثه السلطان على حفاظ البيادر.و قيل:البريد.مجمع البحرين 6:272.
4- الكافي 3:1/436،التهذيب 3:526/215،الاستبصار 1:828/232،الوسائل 8:485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 2.
5- الخصال:77/302،الوسائل 8:487 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 12.
6- التهذيب 3:525/214،الاستبصار 1:827/232،الوسائل 8:486 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 8.
7- الكافي 3:2/437،الفقيه 1:1277/281،الوسائل 8:485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 4.
8- الكافي 3:437،5/438،9،التهذيب 3:527/215،الاستبصار 1:829/233، الوسائل 8:485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 5،6.

السفر بحيث يصدق كونه عملا لزم التمام و إن لم يصدق وصف أحد هؤلاء، كما أنه لو صدق وصف أحدهم و لم يتحقق الكثرة المزبورة لزم القصر.

خلافا للحلّي في الثاني،فحكم بالتمام فيه و لو بمجرد السفرة الأولى؛ لإطلاق الأدلة بوجوب التمام على هؤلاء (1).

و هو مع ضعفه بما مضى مقدوح بلزوم حمل المطلقات على الغالب الشائع منها،و هو من تكرّر منه السفر مرارا،لا من يحصل منه في المرة الاولى.

و منه يظهر ضعف ما في المختلف من حكمه بالإتمام في السفرة الثانية مطلقا (2).

و لجماعة فجعلوا المدار في الإتمام على صدق وصف أحدهم أو صدق كون السفر عمله،و منهم الشهيد في الذكرى (3)،إلاّ أنه قال:إنّ ذلك إنما يحصل غالبا بالسفرة الثالثة التي لم يتخللها إقامة عشرة،كما صرّح به الحلّي في متّخذ السفر عملا له.

و فيه ما عرفته من أن المستفاد من النصوص أن وجوب التمام على أحد هؤلاء إنما هو من حيث كون السفر عمله،فلا وجه لجعله مقابلا له.

ثمَّ دعوى حصول صدق أحد العنوانين بمجرّد السفرة الثالثة ممنوع، كيف لا و قد يحصل السفر زائدا عليها و لا يصدق أحدهما؟!و ذلك حيث يتفق كثرة السفر مع عدم قصد إلى اتّخاذه عملا،و مثله يقصّر جدّا،كما صرّح به بعض متأخري أصحابنا،فقال بعد نقل ما قدّمناه من الأقوال:و إذ قد عرفت أن الحكم في الأخبار ليس معلّقا على الكثرة،بل على مثل المكاري و الجمّال

ص:358


1- السرائر 1:339.
2- المختلف:163.
3- الذكرى:259.

و من اتّخذ السفر عمله،وجب أن يراعى صدق هذا الاسم عرفا،فلو فرض عدم صدق الاسم بالعشر لم يتعلق حكم الإتمام (1).انتهى.

نعم،يعتبر السفرات الثلاث مع صدق العنوان،فلا إتمام فيما دونها و لو صدق؛لما مرّ من لزوم حمل المطلقات على المتبادر منها،و ليس إلاّ من تكرّر منه السفر ثلاثا فصاعدا،و يمكن أن يكون مراد الشهيد في اعتباره التعدّد ثلاثا هذا.

و بالجملة:المعتبر عدم اتّخاذ السفر عملا مع تكرره مرة بعد اخرى، و معه كذلك يجب التمام كما يستفاد من النصوص على ما قدّمنا.

و ظاهر إطلاق أكثرها و إن اقتضى وجوبه معه مطلقا إلاّ أن ظاهر جملة أخرى منها أن ضابطه أن لا يقيم في بلد عشرة أيام،و منها الصحيحة الأولى المقيدة للمكاري و نحوه بالذي يختلف و ليس له مقام.

و نحوها رواية أخرى (2).

و المراد بالمقام فيهما الإقامة عشرا إجماعا؛إذ لا قائل بوجوب التمام مطلقا-كما فيهما-بإقامة دونها،مع أنها المتبادر منه حيثما يطلق في النص و الفتوى بشهادة التتبع و الاستقراء،مع أن الإقامة دونها حاصلة لكل من كثيري السفر،لصدقها على إقامة نحو يوم بل و ساعة و ساعتين مثلا،و لا يخلو منها أحد منهم جدّا،و موجب التقييد على هذا عدم وجود كثير سفر يلزمه التمام إلاّ نادرا، بل مطلقا،و هو كما ترى.

هذا مضافا إلى المرسل:«عن حدّ المكاري الذي يصوم و يتم،قال:

أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من عشرة أيام وجب عليه

ص:359


1- الذخيرة:410.
2- التهذيب 4:636/218،الوسائل 8:478 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 10.

التمام و الصيام أبدا،و إن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير و الإفطار» (1).

و هو صريح في المدّعى،و ضعف سنده مجبور بالشهرة العظيمة بين أصحابنا حتى نحو الحلّي (2)الذي لا يعمل إلاّ بالقطعيات،بل صرّح جملة من المتأخرين (3)بأن الحكم به معروف بين الأصحاب،مقطوع به بينهم،مؤذنين بنفي الخلاف فيه بينهم،كالماتن في المعتبر (4)،حيث نفى الخلاف في وجوب القصر على من كان سفره أكثر من حضره مع الإقامة عشرا.

و اشتراط إقامة الأقلّ من العشرة في التمام ظاهر في انتفائه مع الإقامة عشرا.و لا ينافيه مفهوم الشرطية الأخرى؛لورودها على الغالب،لندرة الإقامة عشرا بحيث لا يزيد عليها،فلا عبرة بمفهومها،فلا يمكن القدح في الرواية بهذا.

و قريب منها رواية أخرى سيأتي الإشارة إليها (5)،إلاّ أنها تضمّنت ما لا يقول به أحد أو الأكثر،و اختصّت بإقامة العشرة في غير البلد أو عمّتها و إقامتها فيه.

و كلاهما غير قادحين في الاستدلال بها هنا بعد انجبارها و اعتضادها بفتوى أصحابنا.

ص:360


1- التهذيب 4:639/219،الاستبصار 1:837/234،الوسائل 8:488 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 1.
2- انظر السرائر 1:340.
3- كالشهيد الأول في الذكرى:260،و الشهيد الثاني في المسالك 1:49،و المحقق السبزواري في الذخيرة:409،و صاحب المدارك 4:452.
4- المعتبر 2:472.
5- في ص:363 و 364.

أما الأول:فلأنها بالإضافة إليه كالعامّ المخصّص حجة في الباقي.

و أما الثاني:فلعدم منافاته الاستدلال باحتماليه؛لإمكانه بالأولوية على الاحتمال الأول،و العموم أو الإطلاق على الثاني،و نحن نقول به،وفاقا للمشهور بين المتأخرين و غيرهم،و منهم الماتن لقوله و لو أقام في بلده أو غير بلده ذلك أي مقدار عشرة أيام قصّر لصريح المرسلة المتقدمة المنجبرة هنا أيضا بالشهرة.

و إطلاقها-كالعبارة و الرواية الآتية-و إن اقتضى الاكتفاء في غير البلد بإقامة العشرة و لو من غير نية،إلاّ أن ظاهرهم تقييدها فيه بالنية،بل ادّعى عليه الإجماع جماعة،و منهم شيخنا في روض الجنان (1)،و خالي العلاّمة المجلسي -رحمه اللّه-فيما نقله عنه خالي المعاصر-أدام اللّه ظلّه-و أيّده قائلا:إنه ربما يظهر ذلك و يظنّ به من اتّفاق فتاويهم (2).

ثمَّ أيّد الحكم المزبور و إلحاق العشرة الحاصلة بعد التردد ثلاثين يوما- كما فعله جماعة منهم الشهيدان (3)-بقوله:مع أنه ظهر ممّا مرّ أن العشرة إذا صارت منويّة تصير بمنزلة الحضور،و إن لم تكن منويّة لا تصير كذلك إلاّ بعد مضيّ ثلاثين يوما،و ربما ظهر ممّا ذكرنا أن اعتبار هذه الإقامة للإخراج عن كثير السفر،و العشرة الغير المنويّة سفر أيضا.

إلى أن قال-بعد نقل إلحاق العشرة بعد التردد ثلاثين يوما عن الشهيد-:

و لعلّه لعموم المنزلة التي ظهرت لك؛إذ بعد التردد ثلاثين يوما يصير بمنزلة الوطن،و إذا أقام في الوطن عشرة أيام صارت إقامته موجبة للقصر فكذا هنا، و مقتضى عموم المنزلة عدم اعتبار قصد الإقامة في هذه العشرة،و لذا أفتى به

ص:361


1- روض الجنان:391.
2- شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني(مخطوط).
3- الشهيد الأول في الدروس 1:212،الشهيد الثاني في روض الجنان:391.

كذلك.

ثمَّ قال:و ألحق بعض الأصحاب بإقامة العشرة إقامة ثلاثين يوما متردّدا، و لعلّه لكونه حينئذ حضريا و بمنزلته؛لعموم المنزلة التي عرفته.و فيه:أن هذا لا يوجب انقطاع كثرة السفر؛إذ أقصى ما يقتضي أن يكون بمنزلة من هو في وطنه كما عرفت،و بمجرد الكون في الوطن لا ينقطع الكثرة حتى يتمّ عشرة،كما هو مقتضى الروايات،بل ستعرف أن الخمسة لا تكفي للقصر في خصوص النهار فضلا أن تكون ملحقة بالعشرة،فما ظنّك بما نقص عن الخمسة (1).

انتهى كلامه الذي يتعلق بالمقام،و إنما نقلناه بطوله لكثرة فوائده و جودة محصوله.

و أشار بعموم المنزلة إلى ما قدّمناه في صدر مسألة القواطع الذي تضمنته جملة من المعتبرة (2).

و بالجملة:لا ريب في المسألة بحمد اللّه تعالى،سيّما بعد ما عرفت من دعوى جماعة كونها مقطوعا بها بين الطائفة، و إن قيل: إنّ هذا الحكم يختصّ بالمكاري و المراد به المعنى اللغوي فيدخل فيه الملاّح و الأجير لندرة القائل به و شذوذه،حتى اعترف جماعة بمجهوليته (3)،و ربما احتمل كونه الماتن بنفسه (4).

و مع ذلك فلا وجه له غير اختصاص النصّ الوارد بالحكم به.

و لا ضير فيه بعد ما عرفت من ظهور النصوص في كون المناط في التمام

ص:362


1- شرح المفاتيح للوحيد للبهبهاني(مخطوط).
2- راجع ص 345.
3- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:289،و ابن فهد في المهذّب البارع 1:488، و صاحب المدارك 4:454.
4- انظر الذكرى:260،روض الجنان:391.

هو نفس اتّخاذ السفر عملا و كثرته من غير خصوصية للمكاري و نحوه،و إذا انقطع كثرة السفر التي هي المناط بإقامة العشرة في المكاري بمقتضى روايات المسألة انقطعت في غيره،و لعلّه لذا اتّفقت الفتاوي بعدم الفرق بينهما،مع تأيّده بالاعتبار،فتأمل جدّا.

ثمَّ على المختار من وجوب القصر بعد إقامة العشرة فهل يمتدّ إلى السفرة الثالثة فلا يتم في الثانية،أم إليها فيتم فيها و يختص وجوب القصر بالأولى؟ قولان.

و الثاني أقوى وفاقا للحلّي و جماعة (1)؛اقتصارا فيما خالف الأصل الدالّ على وجوب التمام على هؤلاء على المتيقن من النص و الفتوى بلزوم القصر إذا أقام عشرا،و ليس إلاّ السفرة الأولى،دون الثانية فما فوقها؛مضافا إلى استصحاب بقاء وجوب التمام الثابت له في منزله أو ما في حكمه الذي هو منتهى سفرته الاولى إلى أن يثبت المزيل،و ليس ثابتا.

خلافا للشهيد فالأول؛لزوال الاسم بالإقامة فيكون كالمبتدئ (2).و فيه نظر.

ثمَّ إن هذا إذا أقام عشرة و لو أقام خمسة قيل و القائل الشيخ في المبسوط و النهاية و القاضي و ابن حمزة (3)يقصّر صلاته نهارا و يتمّ ليلا،و يصوم شهر رمضان تعويلا على رواية عبد اللّه بن سنان المروية في الصحيح و غيره،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«المكاري إذا لم يستقر في منزله إلاّ

ص:363


1- الحلي في السرائر 1:339؛و انظر المهذّب البارع 1:488،و المدارك 4:453،و الذخيرة: 410.
2- الذكرى:259.
3- المبسوط 1:141،النهاية:122،القاضي في المهذّب 1:106،ابن حمزة في الوسيلة: 108.

خمسة أيام أو أقل قصّر في سفره بالنهار و أتم بالليل و عليه صوم شهر رمضان، و إن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر و ينصرف إلى منزله و يكون له مقام عشرة أيام أو أكثر قصّر في سفره و أفطر» (1).

هكذا في الصحيح،و كذا في غيره،لكن بدون قوله:«و ينصرف»إلى قوله:«أكثر» (2).

خلافا للحلّي (3)و عامة المتأخرين فيتم مطلقا،و صرّح في السرائر بكونه إجماعا.

تمسكا بإطلاق النصوص المتضمنة لأن كثير السفر يجب عليه التمام (4).

مضافا إلى عموم ما دلّ على تلازم القصر و الإفطار ثبوتا و عدما (5).

و الرواية متروكة الظاهر؛لتضمنها ثبوت الحكم في الأقل من الخمسة أيضا الصادق على نحو الثلاثة و الأربعة،و لم يقل به هؤلاء الجماعة،كما لا يقولون بما تضمّنته أيضا في الطريق الصحيح من اعتبار إقامة العشرة في المنزل و المكان الذي يذهب إليه معا،الظاهر في عدم الاكتفاء بها في أحد هما.

و شيء منهما و إن لم يكن قادحا في حجية الرواية من أصلها بعد صحة بعض طرقها؛لما مضى من كونها حينئذ كالعام المخصّص يكون في الباقي حجة،سيّما مع إمكان الذب عنهما بنحو من التوجيه القريب كما ذكره الخال

ص:364


1- الفقيه 1:1278/281،الوسائل 8:489 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 5.
2- التهذيب 3:531/216،الاستبصار 1:836/234،الوسائل 8:490 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 6.
3- السرائر 1:341.
4- الوسائل 8:484 أبواب صلاة المسافر ب 11.
5- الوسائل 10:184 أبواب من يصح منه الصوم ب 4.

العلاّمة أدام اللّه تعالى أيامه (1)،إلاّ أنهما قادحان في مقام المعارضة لنحو الأدلة المتقدمة الكثيرة المعتضدة بالشهرة العظيمة المتأخرة المتحققة،بل مطلقا كما في (2)التذكرة (3)،سيّما الصريح منها،و هو الإجماع المنقول.

و بالجملة:فهذا القول في غاية القوة و إن كان الأولى مراعاة الاحتياط (4)في نحو المسألة،خروجا عن شبهة قول هؤلاء الجماعة و إن كان الظاهر ممّا ذكرنا ضعفه.

و أولى منه ضعفا ما يحكى عن الإسكافي من جعل الخمسة كالعشرة قاطعة لكثرة السفر مطلقا (5)؛لعدم دليل عليه مع ذلك (6)أصلا.

و ما في الصحيحين (7)من أن المكاري و الجمّال إذا جدّ بهما السير فليقصّرا (8)؛لإجمالهما،و عدم وضوح المراد من جدّ السير فيهما.

و لذا اختلف الأصحاب في تنزيلهما و حملهما على من يجعل المنزلين منزلا مع تخصيص التقصير بالطريق،كما عليه الكليني و الشيخ في التهذيب (9)،استنادا إلى رواية مع ضعف سندها لا دلالة لها على ما اعتبراه.

أو على ما إذا أنشئا سفرا غير صنعتهما،كما عليه الشهيد في الذكرى،

ص:365


1- راجع شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني(مخطوط).
2- في«م»زيادة:النهاية و.(راجع نهاية الإحكام 2:179).
3- التذكرة 1:191.
4- بالجمع بين القصر و الإتمام نهارا.منه رحمه اللّه.
5- حكاه عنه في المختلف:164.
6- مع معارضته بالأدلة المتقدمة كلها حتى التي استدل بها الجماعة.منه رحمه اللّه.
7- عطف على:ما يحكى.
8- التهذيب 3:528/215،529،الاستبصار 1:830/233،831،الوسائل 8:490 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 1،2.
9- الكافي 3:437،التهذيب 3:215.

قال:و يكون المراد بجدّ السير أن يكون مسيرهما متصلا كالحج و الأسفار التي لا يصدق صنعته عليها (1).

أو على أنهما إذا أقاما عشرة أيام قصّرا،كما عليه الفاضل في المختلف (2).

أو على ما إذا قصدا المسافة قبل تحقق الكثرة،كما عليه في روض الجنان شيخنا (3).

أو على ما يصدق عليه جدّ السير عرفا،و هو السير العنيف الذي يستعقب مشقة شديدة،كما عليه جماعة من متأخري متأخرينا (4).

و لعلّه الأقوى،إلاّ أني لم أجد بهما على هذا التأويل قائلا صريحا و إن احتمله بل قواه هؤلاء،و بعضهم قوّى ما مرّ عن الذكرى أيضا (5).و لا وجه له، بل هو كسائر التأويلات في البعد-عدا الأخير-إلاّ أن يريد به تقوية أصل الحكم بوجوب القصر إذا أنشئا سفرا غير صنعتهما كما صرّح به جماعة (6).

و هو أيضا مشكل؛لعدم دليل صالح عليه،إلاّ بعض التلويحات و الإشعارات المستخرجة من جملة من المعتبرة المعلّلة لوجوب التمام على كثير السفر بأنه عمله أو أنّ بيته معه،و بعض الصحاح الذي لم أفهم دلالته.و في الاعتماد عليها بمجردها إشكال يصعب معه الخروج عن مقتضى الأدلة العامة،

ص:366


1- الذكرى:259.
2- المختلف:163.
3- روض الجنان:390.
4- منهم:صاحب المدارك 4:456،و المحقق السبزواري في الذخيرة:410،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:24،و صاحب الحدائق 11:393.
5- قربه صاحب المدارك 4:456.
6- منهم:ابن فهد في المهذب البارع 1:488،و الشهيد في الذكرى:259،و صاحبا المدارك 4:456،و الحدائق 11:394.

و الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه في المسألة.

الخامس أن تتوارى جدران البلد الذي يخرج منه،أو يخفى أذانه

الخامس:أن تتوارى عنه جدران البلد الذي يخرج منه،أو يخفى عنه أذانه بلا خلاف فيه في الجملة،إلاّ من والد الصدوق (1)،فلم يعتبر هذا الشرط بالكلية،بل اكتفى بنفس الخروج من البلد؛للمرسل:«إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه» (2)و نحوه بعينه الرضوي (3).

و في معناهما الموثق:«أفطر إذا خرج من منزله» (4).

و هو نادر،بل على خلافه الإجماع في الخلاف (5)،و مع ذلك فمستنده- مع قصور سنده جملة،بل ضعف بعضها-غير صريحة الدلالة على المخالفة، ككلامه،لاحتماله التقييد بهذا الشرط،ألا ترى إلى الرضوي مع أنه أطلق القصر فيما إذا خرج-كما مرّ-قيّده به في موضع آخر فقال:«و إن كان أكثر من بريد فالتقصير واجب إذا غاب عنك أذان مصرك» (6).

و على هذا فلا خلاف في المسألة من هذه الجهة و إن حصل من جهة أخرى،و هي التعبير عن هذا الشرط بخفاء أحد الأمرين مخيّرا بينهما،كما هو المشهور بين القدماء،أو خفائهما معا كما هو المشهور بين المتأخرين كما قيل (7)،أو الأول خاصة كما عن المقنع (8)،أو الثاني كذلك،إمّا مطلقا كما عن

ص:367


1- كما نقله عنه في المختلف:163.
2- الفقيه 1:1268/279،الوسائل 8:475 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 5.
3- فقه الرضا(عليه السلام):162،المستدرك 6:530 أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.
4- التهذيب 4:669/228،الاستبصار 2:319/98،الوسائل 10:187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 10.
5- الخلاف 1:222.
6- فقه الرضا(عليه السلام):159،المستدرك 6:529 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 1.
7- قال به الشهيد الثاني في روض الجنان:392.
8- المقنع:37.

الديلمي (1)،أو المتوسط منه خاصة كما عن الحلّي (2).

و منشؤه اختلاف النصوص الواردة في المسألة،فبعض بخفاء الأول خاصة كالصحيح (3)،و بعض بالثاني كذلك،و هو مستفيض،منها زيادة على الرضوي المتقدم الصحيحان المروي أحد هما في المحاسن،و فيه:«إذا سمع الأذان أتمّ المسافر» (4).

و الموثق:«أ ليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم؟» (5).

فبناء القولين الأخيرين على ترجيح أحد المتعارضين و طرح الآخر في البين.و لا وجه له بعد اشتراكهما في استجماع شرائط الحجية،مع إمكان الجمع بينهما بالتخيير كما هو خيرة الأوّلين،أو تخصيص كل واحد منهما بالآخر كما هو المشهور بين المتأخرين.و هو الأقوى،أما لرجحانه على نحو الجمع الأول حيثما تعارضا،أو لأوفقيته لمقتضى الأصل و استصحاب بقاء وجوب التمام إلى ثبوت الترخيص،و ليس بثابت بأحدهما بعد تساوي الجمعين و تكافئهما.

و أما ترجيح الجمع الأول على الثاني فهو ضعيف جدا.

هذا مع وجود الأمارتين و ظهور التفاوت بينهما،و إلاّ فالظاهر الاكتفاء

ص:368


1- المراسم:75.
2- السرائر 1:331.
3- الكافي 3:1/434،الفقيه 1:1267/279،التهذيب 2:27/12،الوسائل 8:470 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 1.
4- المحاسن:127/371،الوسائل 8:473 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 7؛و الصحيح الآخر:التهذيب 4:675/230،الاستبصار 1:862/242،الوسائل 8:472 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 3.
5- المحاسن:29/312،الوسائل 8:466 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 11.

بإحداهما،و لعلّ هذه الصورة هو الغالب المتبادر ممّا دلّ على إحداهما.

هذا،و الموجود فيما دلّ على الاولى تواري المسافر عن البيوت- لا تواريها عنه-كما فهمه منه جماعة من الفضلاء (1)،قالوا:فتتقارب الأمارتان إحداهما بالأخرى،لكنه خلاف ما عقله منه سائر أصحابنا.

و كيف كان ف بخفائهما معا يقصّر في صلاته و صومه قطعا،و كذا بخفاء أحد هما حيث لا يكون الآخر،و يحتاط فيما لو كان و لم يخف بتأخير القصر أو الجمع بينه و بين التمام إلى أن يخفى أيضا.

و المعتبر من كلّ من الجدران و الأذان و الحاسّتين الوسط منها و لو تقديرا، كالبلد المنخفض و المرتفع،و مختلف الأرض،و عادم الجدار و الأذان و السمع و البصر،لكونه المتبادر من الإطلاق.

و لعلّه الوجه فيما قالوه من أن المعتبر آخر البلد المتوسط فما دون، و محلّته في المتّسع.

قالوا:و لا عبرة بأعلام البلد كالمنائر و القباب المرتفعة،و لا بالبساتين و المزارع،فيجوز القصر قبل مفارقتها مع خفاء الجدران،و الأذان؛و لعلّه لإناطة القصر في النصّ و الفتوى بتواري البيوت،و المذكورات غيرها.

و ذكر شيخنا الشهيد الثاني و غيره (2)أن المعتبر خفاء صورة الجدران و الأذان،لا الشبح و الكلام.و لا يخلو عن إشكال؛فإن المتبادر من النصّ و الفتوى خفاؤهما أصلا،لا صورتهما خاصة.

و الظاهر أن المراد بالأذان و الجدران المعتبر خفاؤهما ما كان في آخر البلد

ص:369


1- كما حكاه العلامة المجلسي في ملاذ الأخيار 5:418 عن الفاضل التستري،و اختاره صاحبا المدارك 4:457 و الحدائق 11:406.
2- الشهيد الثاني في روض الجنان:392،المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3:402.

الذي يخرج منه المسافر،كما يفهم من الذكرى و غيرها (1)،لا مطلقا كما توهمه العبارة و نحوها في الأذان،و ذلك فإن الأذان الواقع في الوسط قد يخفى عند الخروج من البلد و لو كان وسطا،فلو حدّ الترخص به لزم حصوله عنده حينئذ، و هو فاسد قطعا.

و اعلم:أنّ هذا الشرط إنما يعتبر فيمن خرج عن نحو بلده مسافرا،دون نحو الهائم و العاصي بسفره،فإنهما يقصّران في أثناء سفرهما متى زال مانعهما؛للعمومات،مع اختصاص ما دلّ على هذا الشرط بمن ذكرناه؛مضافا إلى خصوص جملة من المعتبرة الواردة فيهما بأنهما يقصّران متى زال مانعهما.

و كما يعتبر هذا الشرط في بدء السفر كذا يعتبر في الآخر، فيقصّر في العود من السفر إلى أن ينتهي إلى ظهور أحد الأمرين فيتمّ و لو لم يدخل البلد فضلا عن المنزل على الأشهر الأظهر،بل عليه عامة من تأخر إلاّ من ندر (2)،بل في الذكرى كاد أن يكون إجماعا (3).

للصحيح:«إذا كنت في الموضع الذي تسمع الأذان فأتمّ،و إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع الأذان فقصّر،و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك» (4).

مضافا إلى إطلاق ما دلّ على وجوب التمام على من كان في الوطن، و اشتراط القصر بالسفر،و لا يصدق عرفا على من بلغ هذا الحدّ،و هذا هو السرّ في اشتراط أصل هذا الشرط،و قد استدل عليه به جمع (5).

ص:370


1- الذكرى:260؛و انظر روض الجنان:392،و المدارك 4:458.
2- كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:26،و صاحب الحدائق 11:412.
3- الذكرى:259.
4- التهذيب 4:675/230،الوسائل 8:472 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 3.
5- منهم:العلامة في المختلف:164،و الشهيد في روض الجنان:392،و الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح(مخطوط).

خلافا لوالد الصدوق فلا يعتبر كما مرّ (1)،و ضعفه قد ظهر.

و عن المرتضى و الإسكافي (2)الموافقة له هنا.

للمعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:«لا يزال المسافر مقصّرا حتى يدخل بيته» (3).

و في آخر:«إن أهل مكة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم أتموا،و إن لم يدخلوا منازلهم قصّروا» (4).

و نحوه آخر (5).

و في الموثق:عن الرجل يكون مسافرا ثمَّ يقدم فيدخل بيوت الكوفة،أ يتمّ الصلاة أم يكون مقصّرا حتّى يدخل أهله؟قال:«لا بل يكون مقصّرا حتى يدخل أهله» (6).

و في آخر:عن الرجل يكون بالبصرة و هو من أهل الكوفة له بها دار و منزل،فيمرّ بالكوفة و إنما هو مجتاز لا يريد المقام إلاّ بقدر ما يتجهز يوما أو يومين،قال:«يقيم في جانب المصر و يقصّر»قلت:فإن دخل؟قال:«عليه التمام» (7).

ص:371


1- في ص 367.
2- حكاه عن المرتضى في المعتبر 2:474،و عن الإسكافي في المختلف:164.
3- التهذيب 3:556/222،الاستبصار 1:864/242،الوسائل 8:475 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 4
4- الكافي 4:1/518،الوسائل 8:474 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 1.
5- الكافي 4:2/518،الوسائل 8:465 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 8.
6- التهذيب 3:555/222،الاستبصار 1:863/242،الوسائل 8:474 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 3.مع تفاوت يسير في الجميع.
7- الكافي 3:2/435،التهذيب 3:550/220،الوسائل 8:474 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.

و نحوه المروي عن قرب الإسناد صحيحا (1).

و لو لا الشهرة العظيمة المرجحة للأدلة الأوّلة لكان المصير إلى هذا القول في غاية القوة؛لاستفاضة نصوصه،و صحة أكثرها،و ظهور دلالتها جملة،بل صراحة كثير منها،بل ما عدا الصحيحة الأولى،لبعد ما يقال في توجيهها جدّا و هو:أن المراد من البيت فيها و المنزل ما بحكمهما،و هو ما دون الترخص؛ لأن سياقها يأبى هذا ظاهرا و إن أمكن بعيدا،سيّما في الموثق الأول المتضمن لدخول البلد و الحكم فيه مع ذلك بالقصر،إلى دخول الأهل.

و حمله على أن الحكم به معه إنما هو لسعة الكوفة يومئذ،فلعلّ البيوت التي دخلها لم يبلغ حدّ الترخص المعتبر في مثلها،و هو آخر محلّته كما مضى.

يدفعه عموم الجواب الناشئ عن ترك الاستفصال،مضافا إلى قوله بعد الحكم بالتقصير:«حتى يدخل أهله».

و تأويل جميع ذلك و إن أمكن إلاّ أنه بعيد جدا،مع أنّ مثله جار في أدلة المشهور،بتقييد العمومات بهذه؛لكونها بالنسبة إليها أظهر دلالة،بل صريحة كما عرفته.

و أما الصحيحة فبأن المقصود من تشبيه الإياب بالذهاب فيها تشبيهه به في وجوب القصر عند خفاء الأذان خاصة،لا عدمه عند ظهوره،سيّما و أن بعض النسخ ليس فيه ذكر هذا في الذهاب،فلا يشمله التشبيه صريحا،بل و لا ظهورا إلاّ ظهورا لا يمكن الاعتداد به جدّا.

و بالجملة:لو لا الشهرة لكان المصير إلى هذا القول متعيّنا بلا شبهة،بل معها أيضا لا تخلو المسألة عن شبهة،سيّما على النسخة المزبورة؛فإنّ الدلالة

ص:372


1- قرب الإسناد:630/172،الوسائل 8:474 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.

على تقديرها ضعيفة كما عرفته،و الإطلاقات غير معلومة الشمول لنحو المسألة،و الاحتياط يقتضي تأخير الصلاة إلى بلوغ الأهل،أو الجمع بين الإتمام و القصر.

و إن كان الاكتفاء بالتمام لعلّه أظهر كما مرّ؛لانجبار ما مرّ من قصور الدلالة بالشهرة العظيمة،سيّما و أن النسخة التي قدّمناها مشهورة،فتترجح على هذه المستفيضة.

مع إمكان القدح في دلالة ما عدا الموثّق منها بورودها جملة مورد الغالب،من أن المسافر إذا بلغ إلى حدّ الترخص يسارع إلى أهله من غير مكث للصلاة،كما هو المشاهد غالبا من العادة،فلا يطمئن بشمول إطلاق الحكم بالقصر إلى دخول الأهل لمحلّ البحث،فتدبّر.

و أما الموثّق فهو و إن لم يجر فيه ذلك،لكن الجواب عنه بعد الذبّ عمّا عداه سهل؛لقصور السند،و عدم المقاومة لأدلة الأكثر بوجوه لا يخفى على من تدبّر.

هذا مع احتماله كغيره الحمل على التقية،كما صرّح به في الوسائل، قال:لموافقتها لمذهب العامة (1).

و على المختار يعتبر خفاء الجدران هنا كالأذان أيضا بلا خلاف،إلاّ من بعض المتأخرين (2)،فاقتصر هنا على الأذان خاصة؛لاختصاص الصحيح به.

و هو ضعيف؛لعدم انحصار الدليل فيه،و وجود غيره الشامل له و للجدران؛و مع ذلك فالظاهر عدم القائل بالفرق كما قيل (3)،و إن كان ربما

ص:373


1- الوسائل 8:477.
2- كصاحب المدارك 4:458.
3- حاشية المدارك للوحيد البهبهاني(مخطوط).

يتوهم من الفاضلين في الشرائع و التحرير (1)؛و لكنه ضعيف.

أحكام القصر
القصر عزيمة إلاّ في أحد المواطن الأربعة

و أما القصر و المراد به حذف أخيرتي الرباعية،و الإفطار في الصوم فهو عزيمة أي واجب لا رخصة،بالضرورة من مذهب الإمامية،و عليه أكثر العامة (2)،و النصوص به من طرقهم مستفيضة،بل متواترة (3).

إلاّ في أحد المواطن الأربعة المشهورة،و هي مكة،و المدينة، و جامع الكوفة،و الحائر على مشرّفه أفضل صلاة و سلام و تحية فإنه مخيّر فيها في الصلاة بين القصر و الإتمام و هو أفضل.

بلا خلاف يظهر إلاّ من صريح الصدوق-رحمه اللّه-فلا يتمّ إلاّ بعد نية إقامة العشرة (4).

و مقتضاه لزوم القصر كما في الصحاح المستفيضة و غيرها،منها:عن التقصير في الحرمين و التمام،قال:«لا تتمّ حتى تجمع على مقام عشرة أيام» فقلت:إن أصحابنا رووا عنك أنك أمرتهم بالتمام،فقال:«إن أصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلّون و يأخذون نعالهم فيخرجون و الناس يستقبلونهم يدخلون المسجد للصلاة فأمرتهم بالتمام» (5).

و نحوه آخر لراويه مروي في العلل،لكن فيه:روى عنك أصحابنا أنك قلت لهم:«أتمّوا بالمدينة لخمس»فقال:«إنّ أصحابكم..»إلى آخر

ص:374


1- الشرائع 1:134،التحرير 1:56.
2- انظر إرشاد الساري 2:294،و المجموع شرح المهذب 4:337،و بداية المجتهد 1:166.
3- راجع مسند أحمد 2:99،صحيح البخاري 2:54،سنن الترمذي 2:542/28،سنن النسائي 3:116.
4- الفقيه 1:283.
5- التهذيب 5:1485/428،الاستبصار 2:1181/332،الوسائل 8:534 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 34.

التعليل (1).

و منها:عن الصلاة بمكة و المدينة بتقصير أو إتمام؟قال:«تقصّر ما لم تعزم على مقام عشرة» (2).

و من ظاهر المرتضى و الإسكافي (3)فلزوم التمام؛للأمر به أو ما في معناه في المعتبرة المستفيضة فيها الصحاح و غيرها.

ففي الصحيح:عن التمام بمكة و المدينة،قال:«أتمّ و إن لم تصلّ فيهما إلاّ صلاة واحدة» (4).

و نحوه الموثق (5)،و غيره،و منه الحسن:«إذا دخلت مكة فأتمّ يوم تدخل» (6).

و الخبر:أقدم مكّة أتمّ أم أقصّر؟قال:«أتمّ»قلت:أ مرّ على المدينة فأتمّ أو أقصّر؟قال:«أتمّ» (7).

و نحوه آخر مروي عن كامل الزيارة لابن قولويه:عن الصلاة في

ص:375


1- علل الشرائع:10/454،الوسائل 8:531 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 27.
2- التهذيب 5:1482/426،الاستبصار 2:1178/331،الوسائل 8:533 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 32.
3- المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):47،و نقله عن الإسكافي في المختلف:168.
4- التهذيب 5:1481/426،الاستبصار 2:1177/331،الوسائل 8:525 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 5.
5- الكافي 4:2/524،التهذيب 5:1477/425،الاستبصار 2:1173/330،قرب الاسناد:118/300،الوسائل 8:529 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 17.
6- التهذيب 5:1480/426،الاستبصار 2:1176/331،الوسائل 8:526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 7.
7- التهذيب 5:1479/426،الاستبصار 2:1175/330،الوسائل 8:526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 9.

الحرمين،قال:«أتمّ و لو مررت به مارّا» (1).

و هما نادران،و لا سيّما الثاني،مع عدم صراحة كلام قائله في لزومه، و احتمال إرادته الاستحباب كما في السرائر عن المرتضى (2)،بل قد حكى على خلافهما الإجماع في صريح الخلاف و السرائر (3)،و ظاهر روض الجنان،حيث جعل التخيير من متفردات الأصحاب من غير نقل خلاف (4)،و كذا الذكرى، لكنه نقل الخلاف عن الصدوق خاصة (5).

و في الوسائل:إنه-مع أفضلية التمام-مذهب جميع الإمامية،قال:

و خلافه-أي الصدوق-شاذّ نادر (6).

و ظاهره أيضا الإجماع،و هو الحجّة.

مضافا إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة القريبة هي مع السابقة من التواتر،بل لعلّها متواترة،فلا يضرّ قصور أسانيد جملة منها أو ضعفها،سيّما مع الانجبار بالشهرة العظيمة،بل الإجماع كما عرفته من عبائر النقلة له.

و هي ما بين صريحة في ذلك و ظاهرة،ففي الصحيح:في الصلاة بمكة،قال:«من شاء أتمّ و من شاء قصّر» (7).

و في الخبر:أقصّر في المسجد الحرام أو أتم؟قال:«إن قصّرت فلك

ص:376


1- كامل الزيارات:250،الوسائل 8:532 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 31.
2- السرائر 1:342.
3- الخلاف 1:576،السرائر 1:343.
4- روض الجنان:397.
5- الذكرى:255.
6- الوسائل 8:534.
7- التهذيب 5:1492/430،الاستبصار 2:1189/334،الوسائل 8:526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 10.

و إن أتممت فهو خير،و زيادة الخير خير» (1)و نحوه آخر (2).

و في الصحيح:«أحبّ لك إذا دخلتهما-أي الحرمين-أن لا تقصّر و تكثر فيهما الصلاة»فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة:إني كتبت بكذا فأجبتني بكذا،فقال:«نعم»فقلت:فأيّ شيء تعني بالحرمين؟فقال:«مكة و المدينة» (3).

و نحوه الخبر،بل أظهر:عن التقصير بمكة،فقال:«أتمّ و ليس بواجب،إلاّ أني أحبّ لك ما أحبّ لنفسي» (4).و نحوه آخر في المواطن الأربعة (5).

و في الصحيح:«إنّ من مخزون علم اللّه تعالى الإتمام في أربعة مواطن:

حرم اللّه تعالى،و حرم رسوله،و حرم أمير المؤمنين،و حرم الحسين عليهم السلام» (6).

و نحوه المرسل لكن معبّرا عن المواطن بمكة و المدينة و الحائر و مسجد

ص:377


1- التهذيب 5:1493/430،الاستبصار 2:1190/334،الوسائل 8:526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 11.
2- التهذيب 5:1669/474،كامل الزيارات:250 بسند آخر.
3- التهذيب 5:1187/428،الاستبصار 2:1183/333،الوسائل 8:525 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 4.
4- الكافي 4:3/524،التهذيب 5:1488/429،الاستبصار 2:1184/333، الوسائل 8:529 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 19.
5- التهذيب 5:1495/430،الاستبصار 2:1192/335،الوسائل 8:527 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 13.
6- التهذيب 5:1494/430،الاستبصار 2:1191/334،الوسائل 8:524 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 1.

الكوفة (1).و نحو هما الحسن (2)و غيره (3)،لكن في الحرمين خاصة.

و هذه النصوص بعد ضمّ بعضها مع بعض صريحة في المذهب المشهور،و بها يجمع بين كل من النصوص المتقدمة الآمرة بالقصر أو الإتمام؛ بحمل الأمر الأول على الرخصة،و يكون المراد من النهي عن التمام فيها إلاّ بنية الإقامة النهي عنه بقصد الوجوب،يعني لا يكون واجبا إلاّ بها (4)؛و الأمر الثاني على الفضيلة.

و أما حمله على صورة قصد الإقامة،و كذا ما قدّمناه من النصوص على التخيير مع أفضلية التمام-كما عليه الصدوق-فبعيد في الغاية،سيّما فيما دلّ منها على الأمر بالتمام بمجرد المرور أو الدخول و لو صلاة واحدة،فإنها ناصّة في صورة غير قصد الإقامة.

و كذا حمله على التقية و إن أشعر به الصحيحان المتقدمان سندا للصدوق؛لأن إيجاب التمام-على ما هو مقتضى الأمر-ليس مذهبا لأحد من

ص:378


1- الفقيه 1:1284/283،الوسائل 8:531 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 26.
2- الكافي 4:7/524،التهذيب 5:1478/426،الاستبصار 2:1174/330، الوسائل 8:524 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 2.
3- الكافي 4:5/524،التهذيب 5:1490/429،الاستبصار 2:1187/334،الوسائل 8:530 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 20.
4- و وجه هذا الحمل:أنه لمّا اشتهر الأمر بالتمام في ذلك الزمان و كان مقتضاه الوجوب،احتمل فهم الرواة منه إيّاه،فردّوه عليهم بأنّه لا يجب التمام إلاّ بقصد المقام عشرة أيام.و مما يؤنس لهذا الحمل بعض الأخبار الواردة فيها المتضمنّة بعد الأمر بالتمام لقوله عليه السلام:«و ليس بواجب إلاّ أنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي»فتدبّر. و محصّل هذا الحمل:لمّا كان وجوب التمام متوهّما من الأوامر الواردة به في أخبارهم عليهم السلام كثيرا بحيث إنّ نحو المرتضى و الإسكافي حكما به و سألوا الرواة عنه نهوهم عنه، و مثل هذا النهي الوارد في توهّم الوجوب لا يفيد سوى رفعه لا حرمته،كما تقرّر في الأصول. منه رحمه اللّه.

العامة،لأنهم ما بين موجب للقصر مطلقا،و هم أكثرهم،و منهم أبو حنيفة (1)؛ و مخيّر بينه و بين القصر كذلك،و هو الشافعي و غيره (2)(3).

و منه يظهر أن حمل أوامر التقصير على التقية أولى،كما صرّح به جماعة من أصحابنا (4)؛لاتّفاقهم على جواز القصر،مع اشتهار مذهب أبي حنيفة قديما و حديثا،فتأمل.

و أما الصحيحان فالظاهر منهما بعد ضمّ أحد هما إلى الآخر أن الأمر بالإتمام إنما هو بعد مضيّ خمسة أيام لا مطلقا،و لا ريب أنه للتقية؛فإن الاكتفاء بها في أيام الإقامة هو مذهب الشافعي (5)،و هو لا يجري في الأخبار الآمرة بالتمام و لو في يوم الورود من غير الإقامة.

و مع ذلك فهما معارضان بما دلّ على أن الأمر بالتمام ليس للتقية،و أنه مخالف للعامة،و هو الصحيح:قلت لأبي الحسن عليه السلام:إن هشاما

ص:379


1- راجع عمدة القارئ 7:117،122.
2- الشافعي في الأم 1:187،185؛و انظر المغني و الشرح الكبير 2:108.
3- ثمَّ لو سلّمنا جريان نحو هذه المحامل و اجتماع الأخبار بها بعض مع بعض نقول:إنها معارضة بما قدّمناه من المحامل،لاجتماعها بها أيضا.و حيث دار الأمر في الجمع بين الأخبار بين أحد الجمعين كان خيرة المشهور أرجح و أقوى من وجوه شتّى،لاعتضاده بالشهرة،و حكايات الإجماعات المتقدّمة،و كثرة الأخبار الدالّة على التمام الآمرة به على الإطلاق أو مخيّرة. بخلاف الجمع الّذي ذكره،فإنّه بطرف الضدّ من هذه المرجّحات المزبورة،و ليس مرجّح في طرفه إلاّ عمومات بل إطلاقات الكتاب و السنّة بلزوم القصر على كلّ مسافر،مضافا إلى إطلاق ما دلّ من الفتوى و المعتبرة بأنّه إذا قصّرت أفطرت و إذا أفطرت قصّرت،الظاهرة في تلازم الصلاة و الصوم قصرا و إتماما.و شيء منهما لا يعارضان المرجّحات المتقدّمة،فإنّ هذين المرجحين من باب العموم و الإطلاق و تلك من باب الخصوص،فهي مقدّمة عليهما كما لا يخفى.منه عفى عنه.
4- منهم:صاحب الوسائل 8:534،و الحدائق 11:442،و الوافي 7:187.
5- كما في الأم 1:186،و بدائع الصنائع 1:97.

روى عنك أنك أمرته بالتمام في الحرمين،و ذلك من أجل الناس،قال:«لا، كنت أنا و آبائي إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة و استترنا من الناس» (1).

هذا،و لكن يستفاد من جملة من النصوص اشتهار التقصير ما لم ينو المقام بين قدماء الأصحاب،ففي الصحيح:كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام:أن الرواية قد اختلفت عن آبائك عليهم السلام في الإتمام و التقصير في الحرمين،فمنها:أن تتمّ الصلاة و لو صلاة واحدة،و منها:أن يقصر ما لم ينو مقام عشرة أيام،و لم أزل على الإتمام فيهما إلى أن صدرنا في حجّنا في عامنا هذا،فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا عليّ بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيام،فصرت إلى التقصير و قد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك،فكتب عليه السلام إليّ بخطّه:«قد علمت-يرحمك اللّه تعالى-فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما،فأنا أحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر»إلى آخر ما مضى (2).

و في الخبر المروي عن كامل الزيارة،عن سعد بن عبد اللّه قال:سألت عن أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد:مكة و المدينة و قبر الحسين عليه السلام و الكوفة،و الذي روي فيها،فقال:أنا أقصّر،و كان صفوان يقصّر،و ابن أبي عمير و جميع أصحابنا يقصّرون (3).

فالأحوط التزام القصر و إن كان في تعيّنه نظر؛لإمكان الذبّ عن الخبرين -مع قصور سند الثاني-بأن المقصود منهما الإشارة إلى جواز التقصير،و عدم تعيّن التمام كما يفهم من أوامره،لا تعيّنه.

ص:380


1- التهذيب 5:1486/428،الاستبصار 2:1182/332،الوسائل 8:526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 6.
2- في ص:374 الرقم 3.
3- كامل الزيارات:248،المستدرك 6:545 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 3.

مع تضمن الأول تحبيب التمام منه عليه السلام،و العبرة به لا بغيره؛مع ظهور صدره في رجحان التمام عند رواية.

و نحوه في هذا:الخبر:سألت الرضا عليه السلام فقلت:إن أصحابنا اختلفوا في الحرمين،فبعضهم يقصّر،و بعضهم يتمّ،و أنا ممّن يتمّ على رواية قد رواها أصحابنا في التمام،و ذكرت عبد اللّه بن جندب و أنه كان يتمّ،قال:

«رحم اللّه تعالى ابن جندب»ثمَّ قال لي:«لا يكون الإتمام إلاّ أن تجمع على إقامة عشرة أيام،و صلّ النوافل ما شئت»قال الراوي:و كان محبّتي أن يأمرني بالتمام (1).

و هو صريح في اشتهار رواية التمام بين قدماء الأصحاب،و أن عليها عمل جملة منهم،و إنما أمره عليه السلام بالقصر و لم يأمره بالتمام لمصلحة من تقية أو غيرها.

و لو سلّم اشتهار تعيّن القصر بينهم فلا ريب في أنه لم يبلغ حدّ الإجماع، فيعارض باشتهار خلافه بين أصحابنا الآن بحيث كاد أن يكون إجماعا ظاهرا، كما عرفت نقله من جماعة من أصحابنا؛لعدم وجود مخالف مطلقا،ظاهرا و لا محكيا،عدا الصدوق،و هو نادر جدّا،بل لم يتعرض لنقل خلافه جماعة كالحلّي و غيره.

و لا ريب أن مثل هذه الشهرة أقوى من تلك بمراتب عديدة،فالقول بالتخيير في غاية القوة و إن كان الأحوط القصر،تحصيلا للبراءة اليقينية.

و قد اختلف الأصحاب في التعبير عن المواطن الأربعة-لاختلاف النصوص فيه-على أقوال،إلاّ أن ما في العبارة مطلقا أشهرها و أظهرها

ص:381


1- التهذيب 5:1483/426،الاستبصار 2:1179/331،الوسائل 8:533 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 33.

و أحوطها،إلاّ بالنسبة إلى المواطنين الأوّلين،فالأحوط فيهما الاقتصار على المسجدين،بل لا ينبغي أن يتعدّاهما،أخذا فيما خالف الأصل على المتيقن من النصّ و الفتوى.

ثمَّ إن مقتضى الأصول و اختصاص النصوص المخالفة لها بإثبات التمام به في الصلاة في المواطن المزبورة:عدم التعدية به إلى الصوم،كما هو في الظاهر إجماع.

و لا إلى الصلاة في غير هذه المواطن و لو كان من المشاهد الشريفة.

و خلاف المرتضى و الإسكافي (1)فيها نادر،فلا يفيدهما التمسك ببعض التعليلات و الظواهر.

نعم في الرضوي:«إذا بلغت موضع قصدك من الحجّ و الزيارة و المشاهد و غير ذلك ممّا قد بيّنته لك فقد سقط عنك السفر و وجب عليك التمام» (2).

لكن في الخروج به عن مقتضى الأصل و العمومات المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع بل الإجماع مشكل،سيّما مع تضمّنه الحكم بوجوب التمام،لما مرّ من شذوذه،و مخالفته الإجماع و الأخبار المستفيضة بل المتواترة،إلاّ أن يحمل الوجوب على مطلق الثبوت.

و اعلم:أن وجوب القصر في غير محلّ الاستثناء و ثبوته فيه إنما هو بعد اجتماع شروطه،و إلاّ فالواجب التمام،إلاّ مع انتفاء الأول منها بقسميه (3)، فاختلف فيه الأصحاب.

ص:382


1- المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):47،و نقله عن الإسكافي في المختلف:168.
2- فقه الرضا(عليه السلام):160.
3- أي الشرط الأول و هو المسافة،و مراده بقسميه:الثمانية الذهابيّة،و الملفقة من الأربعة الذهابيّة و الإيابيّة.

و المشهور بين المتأخرين وجوبه أيضا مطلقا،وفاقا للمرتضى و القاضي و الحلّي (1)؛للأصل،و ظواهر ما مرّ من النصوص باعتبار الثمانية فراسخ،و حملا للصحاح المستفيضة بالأربعة على ما إذا أريد الرجوع ليومه،عملا بالمعتبرة الأخر الدالة على اعتبار الرجوع.

و هي و إن قصرت عن الدلالة على اعتبار كونه ليومه،إلاّ أن بعضها مشعر به كالموثق:عن التقصير،قال:«في بريد»قال،قلت:بريد؟!قال:«إنه إذا ذهب بريدا و رجع بريدا فقد شغل يومه» (2).

و فيه نظر؛لضعف الإشعار،مع ظهور جملة من المعتبرة المستفيضة بوجوب التقصير في الأربعة مع عدم إرادة الرجوع ليومه:

منها الصحيح:إنّ أهل مكة يتمّون الصلاة بعرفات،فقال:«ويحهم أو ويلهم و أيّ سفر أشدّ منه؟!لا تتمّ» (3).

و قريب منه الموثق:«ألا ترى إن أهل مكة إذا خرجوا إلى عرفة كان عليهم التقصير؟» (4).

و الخبر:في كم التقصير؟فقال:«في بريد، ويحهم كأنهم لم يحجّوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقصّروا» (5).

ص:383


1- جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):47،القاضي في المهذّب 1:106،الحلي في السرائر 1:329.
2- التهذيب 4:658/224،الوسائل 8:459 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 9.
3- الكافي 4:5/519،الفقيه 1:1302/286،التهذيب 3:507/210،الوسائل 8:463 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 1.
4- التهذيب 3:499/208،الاستبصار 1:795/224،الوسائل 8:464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 5.
5- التهذيب 3:502/209،الاستبصار 1:798/225،الوسائل 8:464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 6.

و حملها على إرادة الرجوع ليومه كما ذكروه مستبعد جدّا؛لظهور سياقها في خروج أهل مكة حجّاجا،كما وقع التصريح به في الخبر الأخير،و الصحيح:

«إن أهل مكة إذا خرجوا حجّاجا قصّروا،و إذا زاروا و رجعوا إلى منازلهم أتمّوا» (1).

و بالجملة:لا ريب في أن ظاهر هذه النصوص بل صريحها،مع صحة جملة منها و استفاضتها:وجوب التقصير في الأربعة مطلقا و لو لم يرد الرجوع ليومه،كما عليه العماني (2)،و مال إليه جملة من فضلاء متأخري المتأخرين (3)، و هو قوي متين.

و به يجمع الأخبار المختلفة بالثمانية الظاهرة في الذهابية،و بالأربعة المطلقة الظاهرة فيها كذلك،و بالثمانية الملفقة من الأربعة،بحمل القسمين الأولين منها على الثمانية المطلقة و لو كانت ملفّقة من الأربعة الذهابية و الإيابية،كما دلّت عليه المعتبرة الأخيرة.

لكن ربما يخدشه ندرة القول به و شذوذه بين القدماء و المتأخرين؛ لإطباقهم-عدا العماني-على عدم وجوب التقصير،و إن اختلفوا في جوازه و عدمه،و المشهور بين المتأخرين كما مرّ هو الثاني،و بين القدماء هو الأول مخيّرين بينه و بين التمام،و إلى قولهم أشار بقوله:

و قيل:من قصد أربعة فراسخ و لم يرد الرجوع ليومه تخيّر في القصر و الإتمام و القائل الصدوقان و الشيخان و الديلمي (4)،و غيرهم،بل عن الأمالي

ص:384


1- الكافي:2/518،الوسائل 8:465 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 8.
2- حكاه عنه في المختلف:162.
3- منهم:صاحب الوسائل 8:463،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:25،و المحقّق السبزواري في الذخيرة:406،و صاحب الحدائق 11:325.
4- الصدوق في الفقيه 1:280،و قد نقل عن والده و عن المفيد العلاّمة في المختلف:162، الطوسي في التهذيب 3:208،الديلمي في المراسم:75.

دعوى الإجماع عليه (1).

و على هذا فيشكل المصير إلى هذا القول (2)،سيّما مع ظهور دعوى الإجماع من السرائر و المختلف (3)على خلافه؛لتصريح الأول بالإجماع على جواز التمام،و حصول البراءة به بلا خلاف،و استدلال الثاني على لزوم التمام بأنه أحوط.و لا يتمّ الاحتياط إلاّ بالإجماع على جواز التمام؛لأنه الأخذ بالأوثق،و لا يكون إلاّ حيث لا يكون خلاف.

و أظهر منهما عبارة شيخنا الشهيد الثاني في بعض رسائله،فإنه قال في جملة كلام له:و لو كان عدم العود على الطريق الأول موجبا لاتّحاد حكم الطريق لزم منه كون قاصد نصف مسافة مع نية العود على غير الطريق الأول يخرج مقصّرا مع عدم العود ليومه،و هو باطل إجماعا (4).

و حينئذ فيدور الأمر بين مذهب المتأخرين و القدماء.لا سبيل إلى الأول؛ لأن فيه إطراحا للمعتبرة المستفيضة الظاهرة بل الناصّة في ثبوت القصر في الأربعة مع عدم الرجوع ليومه (5)،و هو من غير معارض صريح بل و لا ظاهر كما مرّ مشكل،فتعيّن الثاني.

لكن ربما ينافيه ظهور جملة من تلك المعتبرة في وجوب القصر- كظهورها فيما مرّ-لتضمنها النهي عن التمام،و الإنكار على فاعله بالويل و الويح الظاهر بل الصريح-كالأول-في حرمته،كما عليه العماني.

ص:385


1- أمالي الصدوق:514.
2- أي قول العماني.منه رحمه اللّه.
3- السرائر 1:329،المختلف:162.
4- رسائل الشهيد الثاني:172.
5- راجع ص 377 و 378.

إلاّ أن يذبّ عنه بصرف النهي و الإنكار على فاعل التمام بقصد وجوبه، كما عليه الناس يومئذ،و لا بأس به،لإمكانه،فيتعيّن ارتكابه.

و حينئذ فيقوّى القول بالتخيير،بل و يتعيّن؛لاجتماع النصوص عليه أيضا،مع وضوح الشاهد عليه من الإجماع المتقدم عن الأمالي؛مضافا إلى ما مرّ من صريح الرضوي المتضمن لقوله:«فإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ و لم ترد الرجوع ليومك فأنت بالخيار،فإن شئت أتممت و إن شئت قصّرت» (1).

و ممّا ذكرنا ظهر ما في قول الماتن و لم يثبت إذ أيّ دليل أجود من الرضوي و إجماع الأمالي،المعتضدين بالشهرة القديمة،و خصوص ما ورد من أخبار عرفة،بناء على ما عرفت من الإجماع ممّن عدا العماني على عدم إبقائها على ظاهرها من وجوب القصر،و عدم إمكان تخصيصها بإرادة الرجوع ليومه،لصراحة جملة منها في الرجوع لغيره.

فليس بعد ذلك إلاّ حملها على أن المقصود بها إثبات جواز القصر لا وجوبه،و يصرف الإنكار فيها عن التمام بالنهي و ما في معناه إلى فاعله بقصد وجوبه،كما قدّمناه،و سيأتي مزيد تحقيق لهذا البحث (2).

و لذا اختار جماعة من المتأخرين-كشيخنا الشهيد الثاني و ولده و سبطه (3)-القول بالتخيير مع عدم وقوفهم على الرضوي و إجماع الأمالي.

و عليه فهل الأحوط اختيار التمام أو القصر؟إشكال:من إجماع السرائر و المختلف و الأمالي و شيخنا الشهيد الثاني على حصول البراءة بالأول،مع

ص:386


1- راجع ص 338.
2- في مسألة اشتراط التوالي في نيّة الإقامة عشرة.منه رحمه اللّه.
3- الشهيد في روض الجنان:384،و ولده في منتقى الجمان 2:173،و سبطه في المدارك 4:437.

اعتضاده بالشهرة القديمة و المتأخرة القريبة من الإجماع،بل الإجماع حقيقة، لندرة العماني و شذوذه،و لذا لم ينقله الماتن و كثير و إنما نقلوا القول بوجوب التمام و التخيير.

و من ظاهر أخبار عرفة بوجوب التقصير.

و لعل الأول أجود،بل لعلّه المتعين.

و حيث جاز القصر فهل يعمّ الصلاة و الصوم،أم يختص بالأول؟ظاهر الأكثر،بل من عدا النهاية الأول؛لعموم الأدلة،و خصوص ما دلّ من تلازم القصرين من المعتبرة.

خلافا للنهاية فالثاني (1).

و اعلم:أن ظاهر إطلاق عبارة القدماء-عدا الديلمي (2)-بالتخيير في الأربعة ما لم يرد الرجوع ليومه يشمل ما لو لم يرد رجوعا أو أراده في غير يومه، انقطع سفره بأحد القواطع أم لا.

و لعلّ وجهه إطلاق الأدلة عدا أخبار عرفة،مع ظهور بعض الصحاح في ثبوت القصر في الأربعة مع التصريح فيه بالتمام بالوصول بعدها إلى الضيعة (3).

و لكن يمكن دعوى انصراف الإطلاق نصّا و فتوى إلى مريد الرجوع قبل القاطع،لأنه الغالب؛و لذا أنه عليه السلام في الموثقة المتقدمة بعد الحكم بأن المسافة بريد بقول مطلق و تعجّب الراوي عنه علّل بأنه إذا رجع شغل يومه (4)،و هو ظاهر في أن الأربعة حيث يطلق يراد بها ما يتعقبه الرجوع،فلا

ص:387


1- النهاية:161.
2- المراسم:75.
3- التهذيب 3:509/210،الاستبصار 1:811/229،الوسائل 8:496 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 14.
4- راجع ص 383.

يمكن إثبات القصر فيها على الإطلاق.

و أما بعض الصحاح فيمكن الجواب عنه بما قدّمناه في ذيل البحث في الشرط الأول من حمله على التلفيق و لو نافاه الأمر فيه بالتمام في الضيعة؛ لإمكان حمله على التقية،كما عرفته ثمة (1).

نعم ربما يقال:إنه كباقي الإطلاقات ليس فيه اشتراط الرجوع قبل أحد القواطع فتعمّه و غيره،و دعوى اختصاصها بحكم الغلبة بالأول لا تخلو عن ريبة، و عليه فيؤول الأمر إلى كفاية الأربعة بقول مطلق.

و فيه نظر؛لظهور الموثقة المزبورة في اشتراط الرجوع قبل القاطع؛ لمكان التعجب و تقريره بالتعليل مشيرا به إلى حصول المسافة المعتبرة في التقصير،و لا ريب أنها تنقطع بما مرّ من القواطع.

و نحوها الأخبار الأخر الدالة على اعتبار الإياب.

إلاّ أن يقال:المراد منها بيان المسافة المعتبرة في الوجوب دون الرخصة،كما يفهم من تعليل الموثقة و غيرها،فلا تكون هذه من أخبار المسألة.

لكن مثله يتوجّه في أخبار الأربعة أيضا؛لما عرفت من انصراف إطلاقها إلى ما يتعقبه الإياب بحكم الغلبة و الموثقة،مع دلالتها على أن بالإياب تحصل مسافة الثمانية المشترطة في أصل التقصير و وجوبه،و ظاهرها و إن كان كفاية مطلق الإياب فيها مع عدم القاطع في وجوبه كما عليه العماني،إلاّ أنك عرفت انعقاد الإجماع ممّن عداه على خلافه،فكان هو السبب الأهمّ لتقييد الإياب في النصوص المتضمنة له ب«من يومه» (2).

ص:388


1- راجع ص 340.
2- في«م»:من يريد الرجوع ليومه.

و على هذا فينحصر الدليل على ثبوت التخيير في الأربعة إذا أراد الرجوع لغير يومه في الرضوي و إجماع الأمالي،و لعلّهما كافيان في إثباته فيها،سيّما مع اعتضادهما بفتوى أعيان القدماء.

و حيث قد عرفت قوة احتمال انصراف إطلاقهما كغيرهما إلى الأربعة مع الإياب ظهر لك عدم نهوضهما بإثبات التخيير فيها من غير إياب،فيتحتم فيها التمام،سيّما و في بعض عبارة الرضوي ممّا لم ننقله ما يدلّ عليه،و هو قوله عليه السلام بعد الحكم بوجوب التقصير في الأربعة مع إرادة الرجوع ليومه:«و إن عزمت على المقام و كان سفرك بريدا واحدا ثمَّ تجدّد لك فيه الرجوع من يومك فلا تقصّر»إلى أن قال:«و إن سافرت إلى موضع بمقدار أربعة فراسخ»إلى آخر ما مرّ (1).

و هو صريح في اعتبار الإياب في ثبوت أصل التقصير في الأربعة وجوبا إن وقع ليومه،و جوازا إن وقع في غيره،و أن مع عدمه أو تخلّل القاطع لا يجوز التقصير.

و هو يقوّي ما قدّمناه من تخصيص عبائر القدماء بصورة إرادة الرجوع، لإبقائها على إطلاقها؛لأن الظاهر أنه المستند لهم في التخيير،و إن استند الشيخ له بالجمع بين النصوص،و يبعد عملهم به فيما عدا هذا الحكم الذي تضمنه.

و كيف كان،فيتحصّل ممّا ذكرنا:عدم جواز القصر في الأربعة من غير إياب،و جوازه معه لغير يومه،و وجوبه معه ليومه،كما تضمّن جميع ذلك الرضوي،و على جملة منه إجماع الأمالي.

و لو أتم المقصّر عامدا أعاد

و لو أتم المقصّر المتحتم عليه التقصير عالما بوجوبه عامدا أعاد

ص:389


1- في ص 338.

وجوبا،وقتا و خارجا،إجماعا؛لعدم صدق الامتثال،و للصحيحين (1)و غيرهما المروي في الخصال،و فيه:«و من لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته،لأنه قد زاد في فرض اللّه تعالى» (2).

و لو كان جاهلا لم يعد مطلقا على الأشهر الأقوى،بل عليه الإجماع في الجملة في ظاهر بعض العبارات؛للصحيح:في رجل صلّى في السفر أربعا أ يعيد أم لا؟قال:«إن كان قرئت عليه آية التقصير و فسّرت له فصلّى أربعا أعاد،و إن لم تكن قرئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه» (3).

خلافا للمحكي عن الإسكافي و الحلبي،فيعيد في الوقت دون خارجه (4).و عن العماني فيعيد مطلقا (5).

و هما نادران و لا سيّما الثاني،مع عدم وضوح مستندهما عدا الأصول، و إطلاق ما مرّ من رواية الخصال للثاني،و إطلاق ما سيأتي من النصوص في الناسي للأول.

و تخصيصها أجمع بما هنا لازم؛لأخصّيته بالإضافة إلى الأصول و تاليها مطلقا،و بالإضافة إلى ما سيأتي من وجه،و هو التصريح فيه بالجاهل و إن شمل الإعادة فيه لغة للوقت و الخارج،فيقبل التقييد بالثاني؛لوقوع التصريح بالإعادة في الأول فيما سيأتي،و إن عمّ الجاهل و الناسي.

ص:390


1- الأول:التهذيب 2:33/14،الوسائل 8:507 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 6.و الصحيح الثاني سيأتي مصدره في الهامش(3).
2- الخصال:9/603،الوسائل 8:508 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 8.
3- الفقيه 1:1266/278،التهذيب 3:571/226،الوسائل 8:506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 4.
4- حكاه عن الإسكافي في المختلف:164،الحلبي في الكافي:116.
5- حكاه عنه في المختلف:164.

أما لزومه (1)بالإضافة إلى الأول فواضح؛لوجوب بناء العام على الخاص مطلقا حيثما تعارضا و حصل التكافؤ بينهما،كما هنا.

و أما لزومه بالإضافة إلى الثاني مع كون التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه-كما مرّ-يقبل كلّ منهما التخصيص بالآخر:فلرجحان ما هنا على مقابله بالأصل (2)و الشهرة العظيمة بين الأصحاب.

هذا إن قلنا بعموم لفظة الإعادة و شمولها لنحو القضاء،و أما على تقدير اختصاصه بما حصل في الوقت-كما هو المصطلح عليه بين الأصوليين-فهو بالإضافة إلى مقابله أخصّ مطلقا كسابقه،و لعلّه لذا جعل الأصحاب التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص مطلقا.

هذا مضافا إلى اعتضاده أيضا بصريح الرضوي:«و إن كنت صلّيت في السفر صلاة تامة فذكرتها و أنت في وقتها فعليك الإعادة،و إن ذكرتها بعد خروج الوقت فلا شيء عليك،و إن أتممتها بجهالة فليس عليك فيما مضى شيء و لا إعادة عليك إلاّ أن تكون قد سمعت الحديث» (3).

و يستفاد منه أيضا حكم الناسي من أنه يعيد في الوقت لا مع خروجه كما هو الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر،و في صريح الانتصار و الخلاف و السرائر و ظاهر التذكرة دعوى الإجماع عليه (4)،و زاد في السرائر دعوى تواتر الأخبار به.

و لم نقف على شيء منها يدل على الحكم صريحا،نعم في الصحيح:

عن رجل صلّى و هو مسافر فأتمّ الصلاة،قال:«إن كان في وقت فليعد،و إن

ص:391


1- أي:لزوم التخصيص.
2- و هو:أنّ امتثال الأمر يقتضي الإجزاء.منه رحمه اللّه.
3- فقه الرضا(عليه السلام):163،المستدرك 6:539 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 2.
4- الانتصار:52،الخلاف 1:229،السرائر 1:328،التذكرة 1:193.

كان الوقت قد مضى فلا» (1).

و هو كما ترى غير صريح في الناسي،لكن بعمومه يشمله،و هو كاف، سيّما مع قيام الدليل على خروج العامد و الجاهل.

خلافا للمحكي عن والد الصدوق و المبسوط فيعيد مطلقا (2)؛لإطلاق الصحيح أو عمومه:صلّيت الظهر أربع ركعات و أنا في السفر،قال:«أعد» (3).

و حمله الأصحاب على العامد.و الأولى حمله على الناسي مع تقييده بالوقت؛لما مرّ من حمل العام على الخاص،أو المطلق على المقيّد.

و للمقنع،فيعيد إن ذكر في يومه،فإن مضى اليوم فلا إعادة (4)؛للصحيح أو الخبر (5).و هو ككلامه مجمل؛لشيوع إطلاق اليوم على النهار فقط،فيحتمل الحمل عليه،بل و يتعيّن،للجمع،لأن ما مرّ أصرح،فيكون من أدلة المختار، و يجبر قصوره عن إفادة تمام المدّعى بعدم قائل بالفرق بين الظهر و العشاء مثلا،فتأمل جدّا.

لو دخل وقت الصلاة فسافر و الوقت باق قصّر

و لو دخل عليه وقت الصلاة حاضرا بحيث مضى منه قدر الصلاة بشرائطها المفقودة قبل مجاوزة الحدّين فسافر و الوقت باق بحيث أدرك منه ركعة فصاعدا قصّر على الأظهر الأشهر كما هنا،و في المعتبر و في السرائر عليه الإجماع (6)؛و هو الحجّة بعد العمومات القطعية كتابا و سنّة،

ص:392


1- الكافي 3:6/435،التهذيب 3:372/169،الاستبصار 1:860/241،الوسائل 8:505 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 1.
2- نقله عن والد الصدوق في المختلف:164،المبسوط 1:139.
3- التهذيب 2:33/14،الوسائل 8:507 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 6.
4- المقنع:38.
5- الفقيه 1:1275/281،التهذيب 3:570/225،الاستبصار 1:861/241،الوسائل 8: 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 2.
6- المعتبر 2:480،السرائر 1:334.

و خصوص المعتبرة.

منها الصحيح:قلت له عليه السلام:يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر،فلا أصلّي حتى أدخل أهلي،قال:«صلّ و أتمّ الصلاة»قلت:فدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في أهلي أريد السفر،فلا أصلّي حتى أخرج،فقال:

«صلّ و قصّر،فإن لم تفعل فقد و اللّه خالفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» (1)و قريب منه آخر (2).

و منها:الرضوي:«فإن خرجت من منزلك و قد دخل عليك وقت الصلاة و لم تصلّ حتى خرجت فعليك التقصير،فإن دخل عليك وقت الصلاة و أنت في السفر و لم تصلّ حتى تدخل أهلك فعليك التمام» (3).

خلافا لجماعة (4)فيتمّ؛للأصل المخصّص بما مرّ،و للصحيح (5)و غيره (6)المحتملين-و لا سيّما الأول-للحمل على ما يؤولان به إلى الأول كما يأتي، مع ضعف سند الثاني و احتماله الحمل على التقية،كسابقه.

و للصدوق و النهاية (7)(8)،فالتفصيل بين ضيق الوقت عن التمام فالأول،

ص:393


1- التهذيب 3:353/163،الاستبصار 1:856/240،الوسائل 8:512 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 2.
2- الفقيه 1:1288/283،الوسائل 8:512 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 2.
3- فقه الرضا(عليه السلام):162،المستدرك 6:541 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 1.
4- منهم:الصدوق في المقنع:37،و العلاّمة في المنتهى 1:395،و الشهيد الثاني في المسالك 1:50.
5- الفقيه 1:1289/284،التهذيب 3:557/222،الاستبصار 1:853/239،الوسائل 8:513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 5.
6- الكافي 3:3/434،التهذيب 3:563/224،الاستبصار 1:855/240،الوسائل 8:515 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 10.
7- الصدوق في الفقيه 1:284،النهاية:123.
8- في«ح»زيادة:و المبسوط.راجع المبسوط 1:141.

وسعته فالثاني؛جمعا،و للموثق (1)و غيره (2):في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة،فقال:«إن كان لا يخاف الفوت فليتمّ،و إن كان يخاف خروج الوقت فليقصر».

و فيهما نظر؛لإمكان الجمع أيضا بما مرّ،بل هو أظهر.و الخبران-مع ضعف سند ثانيهما و قصور الأول،و عدم ارتباطهما بمحل البحث،لكون موردهما صورة العكس-لا يقاومان ما مرّ من وجوه لا تخفى على من تدبّر.

مع احتمال كون المراد منهما ما في الصحيح:في الرجل يقدم من غيبته فيدخل عليه وقت الصلاة،فقال:«إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل و ليتمّ،و إن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصلّ و ليقصّر» (3).

فلا دلالة فيهما على المطلوب إن لم يكن لهما دلالة على خلافه.

و للخلاف فخيّر مع استحباب التمام (4)،و احتمله في كتابي الحديث؛ جمعا،و للصحيح:«إذا كان في سفر فدخل وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتى يدخل أهله فإن شاء قصّر و إن شاء أتمّ،و إن أتمّ أحبّ إليّ» (5).

و يتوجه إليهما النظر بعين ما مرّ،غير القدح في السند،و يبدّل باحتماله الحمل على التقية-كما قيل (6)-لأنه مذهب بعض العامة.

ص:394


1- التهذيب 3:559/223،الاستبصار 1:857/240،الوسائل 8:514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 6.
2- التهذيب 3:560/223،الاستبصار 1:858/241،الوسائل 8:514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 7.
3- التهذيب 3:354/164،الوسائل 8:514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 8.
4- الخلاف 1:577.
5- التهذيب 3:561/223،الاستبصار 1:859/241،الوسائل 8:515 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 9 بتفاوت يسير.
6- قال به صاحب الوسائل 8:515.

و يزاد بعدم قبول بعض نصوص القولين الأولين لهذا الجمع؛لتضمن الصحيح في الأول الحلف باللّه إن لم يفعله فقد خالف،و الخبر في الثاني للفظ الوجوب الذي هو كالصريح في اللزوم الحتمي،و هما ينافيان التخيير.

و لبعض أفاضل متأخري المتأخرين فتوقّف بين القولين الأولين،قال:

لتعارض الصحيحين فيهما،و احتمال كل منهما الحمل على الآخر (1).

و فيه نظر؛لأن حمل الأخير على الأول أظهر،لكثرة العدد،و الموافقة للعمومات و الإجماع المنقول،مع قبول لفظه للحمل من غير بعد كثير.

بخلاف الأوّل؛إذ الحمل المحتمل فيه هو صرف الأمر فيه بالتقصير إلى صورة الخروج من البلد بعد دخول الوقت من غير مضيّ مقدار الصلاة بالشرائط.و هو في غاية البعد عن السياق؛إذ الخروج إلى محل الترخص بعد دخول الوقت و هو في المنزل-كما هو نصّ المورد-يستلزم مضيّ وقت الصلاتين غالبا،بل و أكثر،و لا أقلّ من إحداهما قطعا،مع أنه عليه السلام أمر بالقصر من غير استفصال من مضيّ مقدارهما أو إحداهما.

مع أن قوله:«فلا أصلّي حتى أخرج»كالصريح في تمكنه من الصلاة قبل الخروج.

مع أن تأكيد الحكم بالقسم على تقدير الحمل يلغو عن الفائدة الظاهرة منه،و هي دفع ما يتوهم من وجوب التمام أو جوازه،إذ هو ليس محلّ توهم لأحد في صورة الحمل،بل في صورة الظاهر.

و مع ذلك فقد اعترف هذا الفاضل بما ذكرنا،فقال:إن الصحيح الثاني أقبل للتأويل،بأن يكون المراد من قوله:«يدخل من سفره»قرب الدخول و المشارفة عليه،و كأنّ في الإيراد بصيغة المضارع إعانة على هذا المعنى،

ص:395


1- المحقق السبزواري في الذخيرة:415،و يظهر أيضا من الحدائق 11:480.

و كذا المراد من قوله:«خرج من سفره»قرب الخروج،و أراد به المقاربة من فعله،لا الخروج حقيقة.

و كذا لو دخل من سفره أتمّ مع بقاء الوقت و لو بمقدار ركعة،على المشهور بين المتأخرين كما في روض الجنان و غيره (1)،حتى أن جملة منهم ممّن قال في المسألة الأولى بالقول الثاني وافق هنا كالشهيدين و الفاضل في كتبه (2)،و لم يتوقف المتوقف السابق.

لعين ما مرّ حتى الإجماع المحكي؛مضافا إلى الصحيح:عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر،ثمَّ يدخل بيته قبل أن يصلّيها،قال:

«يصلّيها أربعا»و قال:«لا يزال يقصّر حتى يدخل بيته» (3).

خلافا للمحكي عن الشيخ في أحد قوليه فما مرّ من التفصيل (4).

و في الآخر-المحكي أيضا عن الإسكافي-فالتخيير (5).

و عن قائل غير معروف فإطلاق لزوم التقصير (6).

و مرّ مستند الجميع مع ما فيه.

و لو فاتت اعتبر في القضاء ب حال الفوات لا حال الوجوب فيقضي على المختار قصرا في المسألة الاولى،و تماما في الثانية؛لعموم قوله عليه السلام:«فليقض ما فاته كما فاته» (7).

ص:396


1- روض الجنان:398؛و انظر الذخيرة:415،و الحدائق 11:480.
2- الشهيد الأول في الدروس 1:212،الشهيد الثاني في الروضة 1:376،العلامة في المنتهى 1:396،و نهاية الإحكام 2:165.
3- التهذيب 3:352/162،الوسائل 8:513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 4.
4- المبسوط 1:141،التهذيب 3:163،223،الاستبصار 1:240.
5- حكاه عن الشيخ و الإسكافي في الذكرى:257.
6- نقله في روض الجنان:398.
7- عوالي اللئالي 3:150/107 بتفاوت.

و الصحيح:قلت له:رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر،قال:«يقضي ما فاته كما فاته،إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها،و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته» (1).

و على هذا الماتن هنا و في المعتبر (2)،و الفاضل فيما وقفت عليه من كتبه (3)،لكن أوجب في المسألة الأولى التمام بناء على أصله.

خلافا للمرتضى و الشيخ و الإسكافي (4)،فحال الوجوب،و اختاره الحلّي،حاكيا له عن والد الصدوق في رسالته،و ادّعى لذلك عليه الإجماع و احتجّ عليه بعده بأمر اعتباري ضعيف (5).

لكن في الخبر:عن رجل دخل عليه وقت الصلاة و هو في السفر،فأخّر الصلاة حتى قدم،فهو يريد أن يصلّيها إذا قدم إلى أهله،فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتى ذهب وقتها،قال:«يصلّيها ركعتين،لأن الوقت دخل و هو مسافر كان ينبغي أن يصلّي عند ذلك» (6).

و هو صريح فيما ذكروه،إلاّ أن في السند ضعفا بموسى بن بكر،فلا يعارض ما مرّ،إلاّ أن يجبر بفتوى من مرّ،سيّما مع نقل الإجماع و وجود قرائن تدل على حسن حال الراوي،و لا يخلو عن نظر،لكنه يوجب التردد في

ص:397


1- الكافي 3:7/435،التهذيب 3:350/162،الوسائل 8:268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1.
2- المعتبر 2:480.
3- راجع المختلف:167،و المنتهى 1:396،و نهاية الإحكام 2:165،و إرشاد الأذهان 1:276،و القواعد 1:49،و التذكرة 1:185.
4- نقله عن المرتضى و الإسكافي في المعتبر 2:480،و يظهر من الشيخ في التهذيب 3:163.
5- السرائر 1:335.
6- التهذيب 3:351/162،الوسائل 8:513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 3.

المسألة،و به صرّح في الذخيرة (1)،فلا ينبغي ترك الاحتياط فيها بالجمع بين القصر و الإتمام على حال.

إذا نوى المسافر في غير بلده عشرة أيام أتم

و إذا نوى المسافر في غير بلده عشرة أيام و لو ملفّقة من الحادي عشر بقدر ما فات من أوّلها على الأقوى أتمّ بإجماعنا،بل الضرورة من مذهبنا و المتواتر من أخبارنا (2).

و لو نوى دون ذلك قصّر و لو كان خمسة أيام فصاعدا،على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة أصحابنا كما في المنتهى (3)،مشعرا بدعوى الإجماع عليه كما في ظاهر عبائر كثير (4).

لمفهوم الصحاح المستفيضة و غيرها،بل صريح جملة منها مستفيضة، ففي الصحيح في صيام المسافر،قال:«لا،حتى يجمع على مقام عشرة أيام» (5).

و في الخبر:«إذا قدمت أرضا و أنت تريد أن تقيم بها عشرة أيام فصم و أتمّ،و إن كنت تريد أن تقيم أقلّ من عشرة أيام فأفطر ما بينك و بين شهر،فإذا أتمّ الشهر فأتموا الصلاة و الصيام و إن قلت:أرتحل غدوة» (6).

خلافا للإسكافي فيتمّ في خمسة (7)؛للصحيح (8)،و هو مع قصوره

ص:398


1- الذخيرة:415.
2- الوسائل 8:498 أبواب صلاة المسافر ب 15.
3- المنتهى 1:396.
4- منها:الخلاف 1:574،و المدارك 4:462،و شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني(مخطوط).
5- الكافي 4:2/133،الوسائل 8:498 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 1.
6- الكافي 4:1/133،الوسائل 8:498 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 3.
7- كما نقله عنه في المختلف:164.
8- التهذيب 3:548/219،الاستبصار 1:849/238،الوسائل 8:501 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 12.

دلالة شاذّ محمول على التقية،كما ذكره جماعة (1)،أو على من كان بمكة و المدينة،كما ذكره شيخ الطائفة (2)،للصحيح الآخر لراويه (3)،و فيه نظر،مع أن المستفاد من بعض الصحاح المتقدمة في بحث التخيير في الأماكن الأربعة أن الأمر بالتمام فيهما للتقية (4).

و لا فرق في موضع الإقامة بين كونه بلدا أو قرية أو بادية،و لا بين العازم على السفر بعد المقام و غيره،على ما يقتضيه إطلاق النصّ و الفتوى،و به صرّح جماعة (5)،من غير خلاف بينهم فيه أجده.

و المراد بنية الإقامة تحقق المقام في نفسه،كما يقتضيه نحو الصحيح:

«إذا دخلت أرضا فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيام فأتمّ الصلاة،و إن لم تدر ما مقامك بها تقول:غدا أخرج أو بعد غد،فقصّر ما بينك و بين أن يمضي شهر،فإذا تمَّ لك شهر فأتمّ الصلاة و إن أردت أن تخرج من ساعتك» (6).

و عليه فيدخل من نوى الإقامة اقتراحا،و من أوقفها على قضاء حاجة يتوقف انقضاؤها عليها.و مثله ما لو علّق النية على شرط،كلقاء رجل فلاقاه.

و هل يشترط التوالي في العشرة بمعنى أن لا يخرج من محل الإقامة إلى محل الرخصة مطلقا،كما عليه الشهيدان (7)،أو بشرط عدم صدق الإقامة عرفا

ص:399


1- منهم:صاحب الوسائل 8:501،و الحدائق 11:350.
2- التهذيب 3:220.
3- التهذيب 3:594/220،الاستبصار 1:850/238،الوسائل 8:502 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 16.
4- راجع ص 374 و 375.
5- منهم الشهيد الأول في الذكرى:258،الشهيد الثاني في روض الجنان:386،صاحب المدارك 4:461.
6- الكافي 3:1/435،التهذيب 3:546/219،الاستبصار 1:747/237،الوسائل 8:500 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 9.
7- الشهيد الأول في البيان:266،و الشهيد الثاني في رسائله:190.

و إلاّ فلا يشترط،كما لو خرج إلى بعض البساتين أو المزارع المتصلة بالبلد مع صدق الإقامة فيها عرفا،أو لا يشترط مطلقا حتى لو خرج إلى ما دون المسافة مع رجوعه ليومه أو ليلته لم يؤثر في نية إقامته،كما عن فخر المحققين (1)،و ربما يحكى أيضا عن والده (2)؟أوجه و أقوال.

خيرها أوسطها،وفاقا لجماعة من محققي متأخري المتأخرين (3)؛لعدم ورود نصّ شرعي في تحقيق معنى الإقامة،فيرجع فيه إلى ما يعدّ إقامة عرفا و عادة.

و اعتبار حدّ الرخصة في كل من الخروج و الدخول من السفر لا يستلزم اعتباره حال قصد الإقامة،مع أنه أمر شرعي لا مدخل له في أمر عرفي نيط به اللفظ المترتب عليه الحكم الشرعي.و تقديم الشرع عليه إنما هو حيث يفيدنا حقيقة شرعية لذلك اللفظ،لا شرطا شرعيا للحكم في بعض الموارد،كما نحن فيه؛فإنّ غاية ما يستفاد من الشرع إنما هو ما ذكرنا،لا صيرورة الإقامة حقيقة شرعية فيما لم يحصل معه الخروج إلى حدّ الرخصة للفظها.

و بما ذكرنا ظهر ضعف الوجه الأول،و كذا الثالث؛لانتفاء الإقامة العرفية التي هي المناط في التمام معه.نعم،ربما يعضده بعض النصوص:استأمرت أبا جعفر عليه السلام في الإتمام و التقصير،قال:«إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام و أتمّ الصلاة»فقلت له:إني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو

ص:400


1- حكاه عنه الشهيد في رسائله:191.
2- انظر المسائل المهنائية:132.
3- منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3:409،و صاحب المدارك 4:460، و المحقق السبزواري في الكفاية 33،و العلامة المجلسي في البحار 86:42،و صاحب الحدائق 11:346.

ثلاثة،قال:«انو مقام عشرة أيام و أتمّ الصلاة» (1).

و لا ريب أن القادم بيومين قبل التروية من نيّته الخروج إلى عرفة قبل العشرة،و لا يتمّ معه الحكم بالتمام إلاّ على هذا القول من أن المعتبر عدم الخروج إلى مسافة خاصة،و إلاّ فعلى القولين الأولين لا يصدق الإقامة من حين النية قطعا في الأول،و عرفا في الثاني،فكيف يتمّ مع ذلك الحكم بالتمام بنية الإقامة المزبورة؟! و قريب منه إطلاق الصحيح المتضمن لأن من توجّه إلى عرفات فعليه التقصير،و إذا رجع و زار البيت و رجع إلى منى فعليه الإتمام (2).

و في الآخر:«من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة، و هو بمنزلة أهل مكة،فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير،و إذا زار البيت أتمّ الصلاة،و عليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر» (3).

قال في الوافي:إنما يجب الإتمام لأنه لا بدّ له من إقامة عشرة حتى يحجّ،و إنما وجب القصر إذا خرج إلى منى لأنه يذهب إلى عرفات و يبلغ سفره بريدين،و إنما يتمّ إذا زار البيت لأن الإتمام بمكة أحبّ من التقصير،و إنما لزمه الإتمام إذا رجع إلى منى لأنه كان من عزمه الإقامة بمكة بعد الفراغ من الحج كما يكون في الأكثر،و منى من مكة أقلّ من بريد.

ثمَّ قال:و فيه نظر؛لأن سفره من عرفات هدم إقامته الاولى،و إقامته الثانية لم تحصل بعد،إلاّ أن يقال:إرادة ما دون المسافة لا تنافي عزم الإقامة،

ص:401


1- التهذيب 5:1484/427،الاستبصار 2:1180/332،الوسائل 8:528 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 15.
2- التهذيب 5:1487/428،الوسائل 8:537 أبواب صلاة المسافر ب 27 ح 3.
3- التهذيب 5:1742/488،الوسائل 8:464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 3.

و عليه الاعتماد،و يأتي ما يؤيده في باب إتمام الصلاة في الحرم الأربعة (1).

و ذكر فيه الصحيحة المتقدمة.

و هو-كما ترى-ظاهر في موافقته لهذا القول،و أن قصد نحو عرفات مع الرجوع قبل العشرة قاطع للإقامة قطعا،و لعلّه لما ستعرفه من الاتفاق عليه.

و لعل هذا هو السرّ في تقييده التمام إذا رجع إلى منى بما إذا قصد إقامة ثانية.فما يقال عليه من أن في تقييده تأملا،إذ ليس منه عين و لا أثر و لا عادة، لا يخلو عن مناقشة،سيّما مع دعواه الأكثرية التي مرجعها إلى العادة.لكنها لعلّها لا تخلو عن مناقشة،لكن الظاهر أن ذكره هذه الدعوى إنما هو لبيان حكمة ترك التقييد و إن كان السبب فيه حقيقة هو ما ذكره من كون قصد نحو عرفات قاطعا للإقامة.

و على هذا فغاية ما يستفاد من هاتين الروايتين عدم انقطاع الإقامة بالخروج إلى نحو منى،و لعلّه لصدق الإقامة معه عرفا،و هو لا يستلزم عدم الانقطاع بالخروج إلى ما دون المسافة مطلقا.

إلاّ أن يقال في توجيه الاستدلال بهما لهذا القول على المختار بأن سفر عرفات ليس بمسافة القصر على الحتم كما مرّ،و مثله لا يهدم قصد إقامة العشرة،كما يظهر منهما من عدم نية إقامة مستأنفة،و كون الإتمام بعد الرجوع مترتبا على الإتمام السابق من جهة أنه صار بمنزلة أهل مكة.و فيهما شهادة على أن سفر عرفات سفر رخصة في القصر؛لعدم كونه سفرا تاما بسبب عدم الرجوع ليومه الذي هو شرط كما مرّ.

و لا يخلو عن نظر؛لإطلاق الأصحاب الحكم بانقطاع الإقامة بالخروج إلى مسافة،من دون تقييد كما سيظهر،حتى أن الشيخ-الذي هو

ص:402


1- الوافي 7:154.

أحد القائلين بجواز التقصير في الأربعة مع عدم الرجوع ليومه-جعل في كتاب الحديث مقتضى الرواية الاولى-من حصول نية الإقامة عشرا مع العلم بالسفر أربعة فراسخ في أثنائها-من خصائص الحرمين اللذين هما موردهما (1).

و على هذا فتشذّ الروايات من هذا الوجه أيضا،زيادة على ما مرّ من شذوذ جملة منها من حيث الدلالة على لزوم التقصير في الأربعة فراسخ مع عدم الرجوع ليومه.

هذا،مع أن التوالي المبحوث عنه إنما يعتبر في ابتداء نيّة الإقامة إلى أن يصلّي تماما،لا مطلقا؛لما سيأتي من الاتفاق فتوى و نصّا على أنه متى نوى الإقامة عشرة أيام و صلّى صلاة واحدة بتمام فإنه لا يقصّر حتى يقصد مسافة جديدة،و لذا أن الشهيدين (2)اللذين هما العمدة في اعتبار التوالي بالمعنى الأول في الإقامة صرّحا-كغيرهما (3)-بأنه يتمّ إذا خرج بعدها إلى ما دون المسافة.

و لا ينافيه تصريحهم بلزوم التقصير في العود مع عدم العزم على إقامة مستأنفة،و إلاّ فيتمّ مطلقا؛لأن ذلك منهم محمول على ما إذا حصل في العود قصد المسافة ليجامع ما مرّ من اتفاقهم على اعتبار مسافة جديدة في التقصير إذا سافر بعد الإقامة و إتمام صلاة واحدة،مع تصريحهم أيضا بكونها من قواطع السفر و منزّلة للمقيم منزلة المتوطّن.

و على هذا فتخرج الصحيحة الأخيرة-على تقدير سلامتها عمّا مرّ إليه الإشارة-عن مفروض المسألة،و هو اعتبار التوالي بالمعنى الأول أو العرفي عند

ص:403


1- راجع التهذيب 5:427.
2- البيان:266،روض الجنان:394.
3- المدارك 4:461.

نية الإقامة؛لأن موردها الخروج إلى ما دون المسافة بعد حصول الإقامة عشرة.

و الصحيحة الأولى تقبل التقييد بهذا دون مفروضنا.

و أما الرواية فيكفي في الجواب عنها زيادة على ما مرّ قصور السند.

و بالجملة فما اخترناه هو المعوّل عليه و المعتمد.

و لو تردّد في الإقامة عشرا قصّر ما بينه و بين ثلاثين يوما،ثمَّ أتمّ و لو صلاة واحدة،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (1)، و الصحاح به مع ذلك مستفيضة (2)و إن اختلفت كالفتاوي في التأدية عن العدد بالشهر كما في أكثرها،أو بالثلاثين كما في العبارة و غيرها (3).و لعلّه الأقوى؛ حملا للمطلق على المقيّد،أو المجمل على المبيّن؛مع كونه الأغلب من أفراد المطلق فتعيّن و لو لم يكن هنا مقيّد،اقتصارا فيما خالف الأصل-الدالّ على استصحاب بقاء القصر-على الفرد المتيقّن.فلا يرد أن المقيّد لا عبرة بمفهومه، لوروده أيضا مورد الأغلب؛إذ غاية ذلك سقوطه فيرجع في الفرد النادر إلى حكم الأصل.

و تظهر الثمرة ما لو حصل التردّد في أول الشهر فيكفي في الانتقال إلى التمام مضيّه و لو نقص،على الأول،و لا على الثاني بل لا بدّ من تمام العدد.

لو نوى الإقامة ثمَّ بدا له قصّر ما لم يصلّ على التمام

و لو نوى الإقامة عشرا ثمَّ بدا له فيها قصّر ما لم يصلّ على التمام و لو صلاة واحدة،بلا خلاف فيه أيضا أجده،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (4)؛للصحيح إني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيام

ص:404


1- منهم:الشيخ في الخلاف 1:574،و العلامة في المنتهى 1:397،و صاحب المدارك 4:463.
2- الوسائل 8:498 أبواب صلاة المسافر ب 15.
3- كالقواعد 1:50،و البيان:260،و مفاتيح الشرائع 1:23.
4- منهم:صاحب المدارك 4:463،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:25.

فأتمّ الصلاة،ثمَّ بدا لي بعد أن لا أقيم بها،فما ترى لي،أتم أم أقصّر؟فقال:

«إن كنت دخلت المدينة و صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام،فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها؛و إن كنت حين دخلتها على نيتك المقام فلم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم،فأنت في تلك الحال بالخيار،إن شئت فانو المقام عشرة أيام و أتمّ،و إن لم تنو المقام فقصّر ما بينك و بين الشهر،فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة» (1).و بمعناه الرضوي (2).

و أما الخبر الدال على الأمر بالتقصير بالبداء عن الإقامة مع إتمام الصلاة (3)،فمع قصور سنده-بل ضعفه و شذوذه-غير صريح في المخالفة؛ لقوة احتمال كون الأمر به كناية عن الأمر بالسفر،دفعا لما توهّمه السائل من عدم جواز إبطال نية الإقامة.

و ظاهر الصحيح وجوب القصر بعد البداء و قبل فعل الصلاة تماما،سواء قصد مسافة أو تردّد في الإقامة و عدمها،و هو الأشهر الأقوى.

خلافا لجماعة فاحتملوا اختصاصه بالأول (4).

و الحكم بالإتمام وقع فيه معلّقا على من صلّى فرضا مقصورا تماما بعد نية الإقامة،فلا تكفي النافلة،و لا الفريضة الغير المقصورة،و لا المقصورة إذا تمّمت بغير نية الإقامة سهوا،أو لشرف البقاع الأربع،أو استقرت في الذمة تامة بخروج وقتها،و لا الصوم مطلقا.

ص:405


1- الفقيه 1:1271/280،التهذيب 3:553/221،الاستبصار 1:851/238،الوسائل 8:508 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 1.
2- فقه الرضا(عليه السلام):161،المستدرك 6:540 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 1.
3- الفقيه 1:1286/283،التهذيب 3:554/221،الاستبصار 1:852/239،الوسائل 8:509 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 2.
4- منهم:الشهيد في روض الجنان:394،و المحقق السبزواري في الذخيرة:412.

كلّ ذلك على الأقوى،وفاقا لجماعة (1).خلافا لآخرين (2)،فاكتفوا بها جملة أو ببعضها على اختلاف لهم؛لوجوه اعتبارية لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.

ثمَّ إنّ المتبادر من الخروج المعلّق عليه القصر بعد التمام في الخبر إنما هو الخروج إلى المسافة لا دونها،بشهادة السياق؛مضافا إلى ما مرّ من الاتفاق على جعل الإقامة عشرا من القواطع،و كون البلد بها بمنزلة الوطن.

و مقتضى ذلك أنه لو سافر لدون المسافة أتمّ مطلقا،سواء قصد العود إلى محل الإقامة و عزم على إقامة عشرة مستأنفة كما هو إجماع،أو لم يقصد العود إليه أصلا،أو قصده و لم يعزم على المقام عشرا ثانيا،سواء عزم على إقامة ما أم لا.

و لكن ظاهر الأصحاب-كما قيل (3)-في الصورة الأولى الاتفاق على القصر ذهابا و إيابا و إن اختلفوا في ثبوته بمجرّد الخروج أو بعد الوصول إلى حدّ الترخّص-كما هو الأقوى على تقدير ثبوت القصر بالإجماع المحكي-أو تقييده بما يأتي؛لعموم المنزلة المتقدمة.

و أما الصورة الثانية فظاهر المشهور فيها أيضا وجوب القصر و إن اختلفوا في إطلاقه بمجرد الخروج أو بعد بلوغ حدّ الترخّص،أو تقييده بحال الإياب خاصة.و على الأول الشيخ و الحلّي و العلاّمة (4)،و على الثاني الشهيدان

ص:406


1- منهم:صاحب المدارك 4:464،و المحقق السبزواري في الذخيرة:412؛و انظر الحدائق 11:421.
2- انظر:التذكرة 1:193،و نهاية الإحكام 2:185،و التنقيح 1:294،و روض الجنان:395.
3- الحدائق 11:484.
4- الشيخ في المبسوط 1:138،الحلّي في السرائر 1:345،العلامة في المنتهى 1:398.

و جماعة (1).

و حجّتهم على أصل التقصير هنا و في الصورة السابقة غير واضحة بعد فرض الخروج إلى دون المسافة،مع اتفاقهم-كما عرفت-على كون الإقامة من القواطع،و أنه لا بدّ في القصر بعدها من مسافة جديدة،إلاّ أن تقيّد عباراتهم بصورة قصدها و إن اختصّت بالخروج لدونها،و إلاّ فلا يمكن الجمع بين حكميهما في المسألتين،كما نبّه عليه جماعة،أوّلهم شيخنا الشهيد الثاني في رسالته التي أفردها لبيان أحكام صور المسألة (2).

و عليه فالمتجه ما عليه الشهيدان من اختصاص القصر بحال العود خاصة؛لما مرّ من نقل الإجماع على عدم ضمّ الذهاب إلى الإياب مطلقا.

و لكن في الاعتماد عليه هنا إشكال؛لوهنه بمصير الشيخ و من تبعه و لو في (3)المسألة على خلافه.

يستحب أن يقول عقيب الصلاة سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر ثلاثين مرة

و يستحب أن يقول عقيب الصلاة المقصورة سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر ثلاثين مرة،جبرا لما قصّر منها.

و ظاهر النص (4)المتضمن له الوجوب،إلاّ أنه لا قائل به مع ضعف سنده،فليحمل على مطلق الثبوت،أو تأكّد الاستحباب،و قد روي استحباب فعلها عقيب كل فريضة (5)،فاستحبابها هنا يكون آكد.

و هل يتداخل الجبر و التعقيب أم يستحب تكرارها؟وجهان.

ص:407


1- الشهيد الأول في الدروس 1:214،الشهيد الثاني في رسائله:186؛و انظر الحدائق 11:484.
2- رسالة نتائج الأفكار في حكم المقيم في الأسفار(رسائل الشهيد الثاني):168.
3- في«ل»و«ح»زيادة:غير.
4- التهذيب 3:594/230،الوسائل 8:523 أبواب صلاة المسافر ب 24 ح 1
5- الوسائل 6:453 أبواب التعقيب ب 15.
لو صلّى المسافر خلف المقيم لم يتمّ و اقتصر على فرضه و سلّم منفردا

و لو صلّى المسافر خلف المقيم لم يتمّ و اقتصر على فرضه و سلّم منفردا مطلقا،سواء أدرك الصلاة جميعا أو ركعة أو أقل منها،بإجماعنا و أخبارنا (1)؛و قد مضى الكلام فيه في بحث الجماعة مستوفى.

و يجوز أن يجمع المسافر بين صلاتي الظهر و العصر و كذا بين صلاتي المغرب و العشاء كما هنا و في الخلاف و السرائر و المنتهى و التذكرة و الذكرى و غيرها (2)،و في صريح الأول و ظاهر ما عدا الثاني كونه مجمعا عليه بيننا.

و لا ريب فيه؛لاستفاضة النصوص،بل تواترها به جدّا عموما،مثل ما دلّ على اشتراك الوقتين،و خصوصا كالصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة المتقدمة هي-كالسابقة-في مباحث أوقات الفرائض الخمس.

و إنما الإشكال في استحبابه أو جوازه بقول مطلق،كما هو ظاهر من مرّ، عدا الشهيد في الذكرى فظاهره الأول،و به صرّح هو في الدروس و المحقّق الثاني كما حكي (3)،قال:للنبوي:«كان عليه السلام إذا كان في سفر أو عجلت به حاجة يجمع بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة» (4).

و في دلالته على الاستحباب نظر.

و مقتضى عموم ما دلّ على أفضليّة أول الوقت (5)أفضليته و لو هنا،فيشكل الحكم باستحباب الجمع،و سيّما في المغرب و العشاء،فإنّ استحباب الجمع

ص:408


1- الوسائل 8:329 أبواب صلاة الجماعة ب 18.
2- الخلاف 1:588،السرائر 1:344،المنتهى 1:399،التذكرة 1:76،الذكرى:262؛ و انظر الجامع للشرائع:93،و المهذب البارع 1:495.
3- الدروس 1:214،و لم نعثر على قول المحقق الثاني.
4- الكافي 3:3/431،التهذيب 3:609/233،الوسائل 4:219 أبواب المواقيت ب 31 ح 3.
5- الوسائل 4:118 أبواب المواقيت ب 3.

بينهما يوجب الحكم باستحباب ترك نافلة المغرب،و هو باطل إجماعا،لثبوت استحبابها سفرا و حضرا،فالتعبير بالجواز المطلق كما في عبائر هؤلاء أولى.

لكن يتوجه على هذا أنه لا فائدة لتخصيص الحكم به بالسفر مع ثبوته في الحضر أيضا،بإجماعنا الظاهر المصرّح به في الخلاف و الذكرى (1)و غيرهما،و تدل عليه أدلة اشتراك الوقتين أيضا.

و يمكن أن يقال:وجهه تأكّد استحباب التفريق في الحاضر إجماعا، كما في الذكرى،دون المسافر؛أو التنبيه على أن الجمع هنا جائز و لو بتأخير الأولى عن وقتها الأول إلى الثاني اتّفاقا،حتى من القائل بكونه للاضطرار لا الإجزاء؛لكون السفر من الأعذار المسوّغة للتأخير كما صرّح به الشيخ (2)رحمه اللّه،و لعلّ هذا أولى.

و يتخير في الجمع بين تقديم الثانية إلى الاولى و بين العكس،إلاّ أن الأول أولى؛لما مضى.

و في التذكرة:الأولى فعل ما هو أوفق به،فإن كان وقت الزوال في المنزل و يريد أن يرتحل قدّم العصر إلى الظهر حتى لا يحتاج إلى أن ينزل في الطريق، و إن كان وقت الزوال في الطريق و يريد أن ينزل آخر النهار أخّر الظهر؛لحديث ابن عباس (3)،فإن لم يكن في أحد الأمرين غرض فالأولى التقديم (4).

لو سافر بعد الزوال و لم يصلّ النوافل قضاها سفرا و حضرا

و لو سافر بعد الزوال و لم يصلّ النوافل قضاها سفرا و حضرا للموثق:

«إذ زالت الشمس و هو في منزله ثمَّ يخرج في سفر يبدأ بالزوال فيصلّيها،ثمَّ

ص:409


1- الخلاف 1:588،الذكرى:119.
2- المبسوط 1:72.
3- سنن البيهقي 3:163.
4- التذكرة 1:83.

يصلي الاولى بتقصير ركعتين،لأنه خرج من منزله قبل أن يحضر الاولى،و إن خرج بعد ما حضرت الاولى صلّى الأولى أربع ركعات ثمَّ يصلّي بعد النوافل ثمان ركعات»الخبر (1).

و في جملة من المعتبرة و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما:«يقتضي في السفر نوافل النهار بالليل» (2).

و حملها الشيخ على من فاتته في الحضر (3)،بأن يكون قد دخل عليه وقتها قبل أن يخرج و لم يصلّها فكان عليه قضاؤها فيما بعد،و استشهد عليه بما مرّ من الموثق،و لا بأس به.

تمَّ المجلد الأول و الثاني من رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل،على يد مؤلّفه المفتقر إلى اللّه الغني علي بن محمد علي الطباطبائي،في أواخر العشر الثاني من الشهر الثاني من السنة الرابعة من العشر الآخر من المائة الثانية من الألف الثاني من الهجرة النبوية،على صاحبها ألف سلام و ثناء و تحية.

ص:410


1- التهذيب 2:49/18،الاستبصار 1:785/222،الوسائل 4:85 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 23 ح 1.
2- الوسائل 4:84 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 22.
3- التهذيب 2:17.

المجلد 5

اشارة

سرشناسه:طباطبائی کربلائی، علی بن محمدعلی، 1161 - 1231ق.

عنوان و نام پديدآور:ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل/ تالیف محمدعلی الطباطبایی؛ تحقیق موسسه آل البیت(ع) لاحیاءالتراث.

مشخصات نشر:قم: موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاءالثرات، 1418ق.-= 1376-

مشخصات ظاهری:16 ج.: نمونه.

فروست:موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

شابک: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری

يادداشت:عربی.

يادداشت:کتاب حاضر شرحی بر مختصرالنافع محقق حلی است.

يادداشت:ج.9 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت:ج. 11 - 13 (چاپ؟: 1421ق. = 1379).

يادداشت:ج. 15و 16 (چاپ؟: 1422ق. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:محقق حلی، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 7ق.

شناسه افزوده:محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

شناسه افزوده:موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاء الثرات

رده بندی کنگره:BP182/م3م30216 1376

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين،و صلّى اللّه على خير خلقه محمّد و آله الطاهرين.

ص:5

ص:6

كتاب الزكاة

اشارة

«كتاب الزكاة» و هي لغةً:الزيادة و النموّ و الطهارة،و شرعاً:حقّ يجب في المال يعتبر في وجوبه النصاب،قاله في المعتبر (1).

و نقض طرداً بخمس الكنز و الغوص،و عكساً بالصدقة المندوبة.

فالأجود أن يقال:إنها صدقة راجحة مقدّرة بأصل الشرع ابتداءً؛ و قريب منه ما ذكره الشهيد رحمه الله من أنّها صدقة متعلّقة بنصاب بالأصالة (2)،هذا،و الأمر في هذه التعاريف هيّن.

و وجوبها ثابت بالكتاب و السنة و إجماع الأُمّة،و النصوص في فضلها و عقاب تاركها متواترة بل لا تكاد تحصى.

و هي قسمان

ص:7


1- المعتبر 2:485.
2- كما في الدروس 1:228.

الأول زكاة الأموال

اشارة

الأول:زكاة الأموال.

و أركانها أربعة.

الأوّل من تجب عليه

الأوّل:من تجب عليه،و هو:كلّ بالغٍ عاقلٍ حرّ مالكٍ للنصاب متمكّنٍ من التصرف فهذه شروط خمسة.

و تفصيل الكلام فيها:أنّ البلوغ يعتبر في وجوبها في الذهب و الفضّة إجماعاً منّا ظاهراً،و حكاه جماعة مستفيضاً (1)،و لحديث رفع القلم (2)،مضافاً إلى الأصل و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

« ليس في مال اليتيم زكاة» (3)و خصوص ما سيأتي فحوًى بل صريحاً في بعضه.

نعم،لو اتّجر مَن إليه النظر في مال الطفل أي وليّه الشرعي أخرجها عنه استحباباً على الأشهر الأقوى،بل في المعتبر و المنتهى و نهاية الإحكام و ظاهر الغنية (4)كما حكى:أنّ عليه إجماع علمائنا؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما:« ليس على مال اليتيم زكاة إلّا أن يتّجر به» (5).

و ظاهرها و إن أفاد الوجوب كما هو ظاهر المقنعة (6)،إلّا أنّه محمول

ص:8


1- منهم:المحقق في الشرائع 1:140،و العلّامة في نهاية الإحكام 2:298،و المنتهى 1:471،و الشهيد الأوّل في البيان:276،و الشهيد الثاني في الروضة 2:12.
2- الخصال:/93 40،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11،و قد رواه في عوالي اللآلي 1:/209 48،مسند أحمد 6:100.
3- الوسائل 9:83 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1.
4- المعتبر 2:487،المنتهى 1:472،نهاية الإحكام 2:299،الغنية(الجوامع الفقهية):569.
5- الوسائل 9:87 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2.
6- المقنعة:138.

على الاستحباب؛ لما سيأتي في زكاة التجارة من عدم وجوبها على البالغ (1)،فهنا أولى،كما صرح به في التهذيب (2)مُؤَوّلاً به عبارة المقنعة، و استحسنه جماعة (3).

خلافاً للحلّي،فلا يستحبّ أيضاً (4)،و مال إليه بعض المتأخّرين (5)، و هو أحوط و إن كان في تعيّنه نظر،لاعتبار سند الروايات في أنفسها و إن ادّعي قصورها مضافاً إلى اعتضادها بشهرة الفتوى بها،و دعوى الإجماع عليه كما مضى.

و ليس فيها قصور دلالة كما ادّعاه أيضاً إلّا من جهة ظهورها في الوجوب بلفظة في بعضها،و ما في معناه من نحو لفظة« على».و قد عرفت الذبّ عنها بالحمل على تأكّد الاستحباب لما سيأتي في زكاة التجارة (6).

إلّا أنّ المستفاد من بعض النصوص النافية لوجوبها ثمّة أن حكمهم عليهم السلام بوجوبها في هذه النصوص و أمثالها للتقيّة،فلم يبق دليل للاستحباب إلّا الإجماع المنقول مع الشهرة العظيمة بين الأصحاب،و هو كافٍ في إثباته.

هذا إذا اتّجر الوليّ للطفل إرفاقاً له.

و لو ضمن الولي ماله،بأن نقله إلى ملكه بناقل شرعي كالقرض و نحوه و اتّجر لنفسه كان الربح له إن كان مليّاً بحيث يقدر على أداء

ص:9


1- انظر ص 2292.
2- التهذيب 4:27.
3- منهم الشهيد الأوّل في البيان:277،صاحب المدارك 5:18،السبزواري في الذخيرة:421.
4- السرائر 1:441.
5- كصاحب المدارك 5:18.
6- انظر 2292،2350،2351.

المال المضمون من ماله لو تلف بحسب حاله و عليه الزكاة استحباباً بلا خلاف أجده إلّا من المنتهى (1)،فقد نَسَب ما في العبارة إلى الشيخ خاصّة من غير اعترافٍ به و لا ردّ له،مشعراً بنوع تردّدٍ له فيه.و لم أعرف وجهه و لا متعلّقه،أ هو استحباب الزكاة و هو يقول به في التجارة على الإطلاق؟ أو استحقاق الربح و لا يمكن التأمّل فيه بعد جواز ضمانه الموجب له، الثابت بلا خلاف إلّا من الحلّي (2)،و هو نادر؟ مضافاً إلى الخبر المنجبر قصوره أو ضعفه بالعمل:عن مال اليتيم يعمل به،فقال:« إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن للمال،و إن كان لا مال لك و علمت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال» (3).

و قريب منه الصحيح:في رجل عنده مال اليتيم،فقال:« إن كان محتاجاً ليس له مال فلا يمسّ ماله،و إن هو اتّجر فالربح لليتيم و هو ضامن» (4)و نحوه غيره (5)،فتدبّر.

و هذه النصوص هي الحجة في اعتبار الملاءة،و إطلاقها كالعبارة و نحوها مما وقفت عليه من عبائر الفقهاء هنا يقتضي عدم الفرق في الولي

ص:10


1- المنتهى 1:472.
2- كما في السرائر 1:441.
3- التهذيب 4:/29 71،الإستبصار 2:/30 89،الوسائل 9:89 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 7.
4- الكافي 5:/131 3،التهذيب 6:/341 955،الوسائل 17:257 أبواب ما يكتسب به ب 75 ح 3،بتفاوت يسير.
5- الكافي 5:/131 1 و 4،التهذيب 6:341 و /342 954 و 957،الوسائل 17:257 و 258 أبواب ما يكتسب به ب 75 ح 1 و 4.

بين الأب و الجدّ له و سائر الأولياء.

خلافاً للمحكي عن المتأخّرين كافّة في كلام جماعة (1)حدّ الاستفاضة،فقيّدوه بمن عدا الأوّلين.

و استشكله بعضهم (2)؛ و لعلّه لعدم وضوح المقيّد من النصّ إلّا ما قيل (3)من أنه ما ورد من أن الولد و ماله لأبيه (4).و في صلوحه للتقييد نظر، نعم يصلح للتأييد بعد وجود الدليل و ليس إلّا أن يكون إجماعاً،كما يفهم من المقدس الأردبيلي حيث قال:و كأنه لا خلاف فيه على ما يظهر (5).

و لا ريب أنّ اعتبار الملاءة مطلقاً أحوط،و إن كان في تعيّنه نظر لما مرّ،سيّما مع تأيّده بضعف الإطلاق بقوّة احتمال اختصاصه بحكم التبادر و السياق بغير الأب،فيرجع إلى عموم ما دلّ على ثبوت الولاية لهما على الإطلاق.

و لو لم يكن مليّاً و لا وليّاً ضمن مال الطفل مع التلف بمثله أو قيمته بلا خلاف إلّا من الحلّي (6)،و هو نادر؛ مضافاً إلى الأُصول و ما مرّ من النصوص،و إن اختصّت بصورة عدم الملاءة،إذ لا فرق في سبب الضمان بينه و بين عدم الولاية،فإنّ كلّا منهما موجب له بمقتضى عموم القاعدة،مع

ص:11


1- كصاحبي المدارك 5:19،و الذخيرة:422،و خالي المجلسي عليه الرحمة في مرآة العقول 16:73،و غيرهم.منه رحمه اللّه.
2- كصاحب المدارك 5:19.
3- قال به الأردبيلي في مجمع الفائدة 4:14،و صاحب الحدائق 12:25.
4- الكافي 5:/135 5،التهذيب 6:/343 961،الإستبصار 3:/48 157،الوسائل 17:262 أبواب ما يكتسب به ب 78 ح 1.
5- مجمع الفائدة 4:14.
6- السرائر 1:441.

عدم القائل بالفرق بينهما بين الطائفة،مضافاً إلى الأولوية (1).

و لا زكاة هنا على العامل قطعاً؛ للأصل،و الموثق:الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتّجر به،أ يضمنه؟قال:« نعم» قلت:فعليه الزكاة؟قال:

« لا،لعمري لا أجمع عليه خصلتين:الضمان و الزكاة» (2).

و لا على اليتيم على الأقوى،وفاقاً للفاضلين (3)؛ للأصل،مع فقد ما يدلّ على الاستحباب هنا عدا إطلاق الأخبار المتقدمة و نحوها.و في انصرافه إلى مفروض المسألة مناقشة،لاختصاصها بحكم التبادر بصورة كون الاتّجار لليتيم لا غيره،كما فيما نحن فيه.

هذا مع ما عرفت من قوّة احتمال ورودها للتقية،و انحصار دليل استحباب الزكاة في الإجماع و هو مفقود في محل النزاع.

خلافاً لجماعة (4)فيستحب،للعموم،و قد عرفت أنّه ممنوع.

و أطلق الماتن و كثير أن الربح لليتيم لإطلاق ما مرّ من النصوص.و قيّده جماعة (5)بصورة وقوع الشراء بالعين و كون المشتري وليّاً أو من أجازه،و إلّا كان الشراء باطلاً من أصله.و زاد بعضهم (6)فاشترط

ص:12


1- فإنّ عدم الملاءة إذا أوجب الضمان مع الولاية فلأن يوجب الضمان عدم الولاية بطريق أولى.منه رحمه اللّه.
2- التهذيب 4:/28 69،الإستبصار 2:/30 87،الوسائل 9:88 أبواب ما تجب عليه الزكاة ب 2 ح 5.
3- المحقق في الشرائع 1:140،و المعتبر 2:487،العلّامة في نهاية الإحكام 2:300،و التذكرة:201،و التحرير:57،و القواعد:51.
4- منهم:الشهيد ان في الدروس 1:229،و البيان:277،و الروضة 2:12،و صاحب المدارك 5:20.
5- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:51،و صاحب المدارك 5:20،و السبزواري في الذخيرة:422.
6- كالشهيد الثاني في المسالك 1:51،و صاحب المدارك 5:20.

الغبطة.

و آخَر فقال:بل لا يبعد توقف الشراء على الإجازة (1)في صورة شراء الولي أيضاً،لأن الشراء لم يقع للطفل ابتداءً و إنما أوقعه المتصرّف لنفسه فلا ينصرف إلى الطفل بدون الإجازة،قال:و مع ذلك فيمكن المناقشة في صحة مثل هذا العقد و إن قلنا بصحة العقد الواقع من الفضولي مع الإجازة، لأنّه لم يقع للطفل ابتداءً مِن غير مَن إليه النظر في ماله،و إنّما وقع التصرف على وجه منهيّ عنه (2).و قيل:و لما ذكره وجه،إلّا أنّه يدفعه ظاهر النصّ (3).انتهى.و هو حسن.

و في وجوب الزكاة في غلّات الطفل روايتان،أحوطهما ما دلّ على الوجوب بلفظه،و هو صحيح (4)،و عليه الشيخان و أتباعهما كما في المعتبر و المنتهى (5)،و في الناصرية:أنه مذهب أكثر أصحابنا (6).

و ظاهر العبارة التردّد؛ و لعلّه لذلك،و للأصل مع اختصاص ما دلّ على الوجوب من العمومات كتاباً و سنّةً بالبالغ،لأنّه تكليف و ليس الطفل من أهله؛ مضافاً إلى الرواية الثانية:« ليس على جميع غلّاته من نخلٍ أو زرعٍ أو غلّةٍ زكاة،و إن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة،و لا عليه لما يستقبل زكاة حتى يدرك،فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة،و كان عليه مثل ما على

ص:13


1- أي:من الطفل بعد بلوغه.منه رحمه اللّه.
2- انظر المدارك 5:20.
3- الذخيرة:422.
4- الكافي 3:/541 5،التهذيب 4:/29 72،الإستبصار 2:/31 90،الوسائل 9:83 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 2.
5- المعتبر 2:487،المنتهى 1:472.
6- الجوامع الفقهية:205.

غيره من الناس» (1).

و هي موثّقة،و مع ذلك معتضدة بالأصل،و عموم رفع القلم، و خصوص ما استفاض من الصحاح و غيرها بنفي الزكاة عن مال اليتيم على الإطلاق (2)،مع دلالة بعضها على تلازم وجوب الصلاة و الزكاة نفياً و إثباتاً (3).

فهذه الرواية أولى،و عليها جملة من أعاظم القدماء (4)،و تبعهم المتأخّرون كافة على الظاهر المصرّح به في المدارك (5)،و عزاها في التحرير [السرائر] إلى أكثر علمائنا (6)،و ادّعى شهرتها غير واحد (7).

و بالجملة:فهذه الرواية أرجح من الاُولى و إن كانت صحيحةً،سيّما و قد عُزي القول بمضمونها في المنتهى إلى الجمهور كافة (8)،فيتّجه حملها على التقيّة،أو تأكّد الاستحباب،لعدم خلاف فيه،بل تأمّل جماعة (9)في دلالتها على الوجوب،و إن تضمّنت لفظه مع لفظة« على»،لكثرة استعمالها في الاستحباب المؤكّد.و فيه نظر،نعم هي موجبة لوهن الدلالة بالإضافة

ص:14


1- التهذيب 4:/29 73،الإستبصار 2:/31 91،الوسائل 9:86 أبواب ما تجب عليه الزكاة ب 1 ح 11.
2- الوسائل 9:83 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1.
3- الوسائل 9:85 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 5.
4- منهم:الشيخ الصدوق في المقنع:51،و ابن أبي عقيل حكاه عنه في المختلف:172،و ابن الجنيد حكاه عنه في المعتبر 2:488.
5- المدارك 5:22.
6- التحرير 1:57.
7- كالسبزواري في الكفاية:34.
8- المنتهى 1:472.
9- منهم:صاحب المدارك 5:22،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:193،و المحقق السبزواري في الذخيرة:421.

إلى الموثق،و لا ريب أنّه أصرح،فيترجّح أيضاً من هذا الوجه.

و ربما يرجّح الصحيحة باعتضادها بإطلاق ما دلّ على أنّ الصدقة في أربعة:في التمر و الزبيب و الشعير و الحنطة (1).

و يضعّف:بوروده لبيان حكم آخر غير محلّ الفرض،و هو يوهن دلالته بالإضافة إليه كما قرّر في محله.مع أنّه على تقدير تسليمه معارض بما مرّ من النصوص على أنه ليس في مال اليتيم زكاة،لأنّه أصرح دلالة.

و من هنا يظهر أنه لا وجه لما قيل من أن الزكاة تجب في مواشيهم أيضاً (2)لضعف الإطلاق الدالّ على وجوبها بما عرفته هنا، و اختصاص الصحيح الموجب لها في الغلّات بها،و لذا لم يحتَط الماتن هنا بالوجوب. و قطع بأنّه ليس بمعتمد و نحوه غيره من جملة من المتأخّرين عنه (3).

لكن ظاهر مَن عداهم من الأصحاب الموجبين و المستحبّين عدم الفرق بين المسألتين،حتى أنّ ابن حمزة الذي هو أحد الموجبين ادّعى الإجماع منهم عليه،كما حكاه في الإيضاح (4).فينبغي الاحتياط هنا أيضاً؛ للإجماع المنقول،كما احتيط للصحيح سابقاً،سيّما مع تأيّد الإجماع بعدم الخلاف إلّا من نحو الماتن ممّن هو معلوم النسب،الذين لا يضرّ خروجهم قطعاً،مضافاً إلى بُعد الفرق اعتباراً.

و لا تجب في مال المجنون صامتاً أي نقداً كان أو غيره من

ص:15


1- الوسائل 9:175 أبواب زكاة الغلات ب 1.
2- القائل:المفيد في المقنعة:238،و الشيخ في النهاية:174.
3- كصاحب المدارك 5:22.
4- الإيضاح 1:167.

الغلّات و المواشي،وفاقاً لكلّ من مرّ.

و قيل:حكمه حكم الطفل فتجب في غلّاته و مواشيه أيضاً.

و القائل جميع من قال به فيه (1)،عدا ابن حمزة فلم ينقل عنه الحكم هنا بشيء أصلاً.

و الأوّل أصح و إن كان الوجوب أحوط،و إن لم يقم هنا عليه دليل صالح عدا الإطلاق و الصحيح المتقدم،المضعَّفين بما مضى؛ و ذلك لظهور عدم الفرق بين الطفل و المجنون فتوًى،حتى من المستحبّين،عدا الماتن و بعض من تأخّر عنه (2).مع أنّه لم يظهر منه نفي الاستحباب صريحاً هنا و لا سابقاً،و إنّما نفى الوجوب خاصّة،مع تأيّده بالاعتبار و الاستقراء، لاشتراكهما في الأحكام غالباً و منها استحباب إخراج الزكاة من مالهما إذا اتّجر به،ففي الصحيح:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:امرأة مختلطة عليها زكاة؟ فقال:« إن كان عُمِل به فعليها زكاة،و إن لم يُعمَل به فلا» (3)و نحوه غيره (4).

و اعلم:أن الزكاة إنّما تسقط عن المجنون المطبق،أما ذو الأدوار ففي تعلّق الوجوب به في حال الإفاقة،أم العدم إلّا أن يحول الحول حالتها قولان.

أجودهما الثاني،وفاقاً للتذكرة و النهاية (5)؛ للأصل،مع اختصاص ما

ص:16


1- راجع ص:2278.
2- انظر المدارك 5:23.
3- الكافي 3:/542 2،التهذيب 4:/30 75،الوسائل 9:90 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 3 ح 1،بتفاوت يسير.
4- الكافي 3:/542 3،التهذيب 4:/30 76،الوسائل 9:90 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 3 ح 2.
5- التذكرة 1:201،نهاية الإحكام 2:300.

دلّ على اعتبار الحول بمن يكون المال عنده طُولَه بحيث يتمكن من التصرف فيه،كما هو المتبادر من إطلاقه،و المجنون للحجر عليه غير متمكّن منه اتّفاقاً.

و من هنا يظهر عدم وجوبها على الطفل أيضاً إلّا بعد حَوْل الحَول بعد بلوغه،مضافاً إلى عموم الموثق السابق (1):« و إن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة» و هو عامّ لما حال عليه أحوال عديدة أو حول عدا أيّام قليلة.

و أما قوله بعد ذلك:« و لا عليه لما يستقبل زكاة حتى يدرك» فإن جُعل معطوفاً على الجزاء كما هو الظاهر فلا بُدّ من حمل الإدراك على غير البلوغ لينتظم الكلام،فيكون المعنى:أنّه إذا بلغ فليس عليه زكاة لما يستقبل في تلك الأموال التي ملكها أوّلاً حتى يدرك الحول،فإذا أدركه وجبت عليه.

و إن جُعل جملة مستقلّة مع بعده يكون المعنى:أنّه ليس عليه لما يستقبل من الزمان زكاة متى حال عليه الحول حتى يحول و هو مدرك بالغ، فإذا حال عليه و هو كذلك وجبت عليه زكاة واحدة،فتدبّر.

و محصّل الكلام اعتبار الشرطين طول الحول؛ خلافاً لبعض المتأخّرين (2)،فاكتفى بحصولهما بعده،لمستند قد عرفت وهنه.

و الحرّية معتبرة في جميع الأجناس (3) بلا خلاف فيه من هذا الوجه (4)و إن كان يظهر من المعتبر و المنتهى (5)وقوعه في أصل

ص:17


1- في ص:2278.
2- انظر الذخيرة:421.
3- في النافع زيادة:كلّها.
4- أي:وجه تعميم الاشتراط إلى جميع الأجناس.منه رحمه اللّه.
5- المعتبر 2:489،المنتهى 1:473.

اعتبارها،بناءً على الاختلاف في تملّك العبد شيئاً أم لا.و صرّحا بالعدم (1)على الأوّل،مع أنّه صرّح في المنتهى أخيراً باعتبارها عليه أيضاً،معلِّلاً له بنقص ملكه و تزلزله (2)،كما صرّح به أيضاً شيخنا الشهيد الثاني (3).

و عليه فيتوجّه اعتبارها مطلقاً،كما يشهد به الأُصول،و إطلاق ما ورد في نفي وجوب الزكاة على العبد من النصوص،و فيها الصحيح و غيره (4)، و عليه الإجماع في الخلاف و عن التذكرة (5).و لذا أنّ جملة من متأخّري المتأخّرين (6)مع قولهم بأنّ العبد يملك في الجملة أو مطلقاً،نفوا عنه وجوبها مطلقاً،معلِّلين بإطلاقها.

هذا،مع أن المختار أنّه لا يملك مطلقاً،و يتفرّع عليه وجوب الزكاة على السيّد،كما صرّح به جماعة من الأصحاب،و منهم الفاضل في المنتهى قال:و على غيره لا يجب على العبد لما مرّ،و لا على السيّد لأن المال لغيره (7).

و ربما يتوهّم تأيّد هذا القول بالصحيح:قلت له:مملوك في يده مال،أ عليه زكاة؟قال:« لا» قلت:فعلى سيّده؟فقال:« لا،إنّه لم يَصل إلى السيّد و ليس هو للمملوك» (8)مع أنّه بطرف الضدّ من التأييد،للتصريح

ص:18


1- أي:عدم اعتبار الحرية.منه رحمه اللّه.
2- المنتهى 1:473.
3- كما في الروضة 2:12.
4- الوسائل 9:91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4.
5- الخلاف 2:43،التذكرة 1:201.
6- كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4:16 19،و صاحب المدارك 5:24،و الفيض في المفاتيح 1:194.
7- المنتهى 1:473.
8- الفقيه 2:/19 63،الوسائل 9:92 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 4.

فيه بعدم مالكيّة العبد لما في يده،و أنّه ليس له،و نفي الزكاة من السيّد لا ينافي ملكه،بل يحتمل استناده إلى عدم تمكّن السيّد من التصرّف فيه بجهله به مثلاً،كما يومئ به التعليل بأنّه لم يَصل إلى السيّد،و التعليل به دون عدم تملّك السيّد أو تزلزله ظاهر في تملّك السيّد لما في يد عبده، سيّما مع تعليل الحكم من جهة العبد بعدم ملكه.

و لا فرق بين القنّ و المدبّر و أُمّ الولد و المكاتب الذي لم يتحرّر منه شيء،أمّا من تبعّضت رقّيته فتجب في نصيب الحرّية بشرطه.

و إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق في الحكم بين ما لو كان العبد مأذوناً من سيّده في التصرف في ماله أم لا.و يُحكى قول بتقييده بالثاني (1)،لزعم استناده إلى الحجر،و بالإذن يرتفع.و هو ضعيف لما مرّ.

نعم،في الخبر المروي عن قرب الإسناد:« ليس على المملوك زكاة إلّا بإذن مواليه» (2)لكنّه قاصر السند،بل و الدلالة،لاحتمال كون متعلّق الإذن إخراج الزكاة عن السيّد،لا التصرّف في المال الموجب لتعلّق الزكاة على العبد كما توهّم.

و كذا التمكن من التصرف معتبر فيها عند علمائنا أجمع،كما عن التذكرة و قريب منه في المنتهى (3)،و في الغنية الإجماع عليه صريحاً (4)، و كذا في الخلاف لكن في جملة من الأفراد التي لا يتمكّن فيها من التصرّف خاصّة،و لم ينقله على القاعدة كليةً (5)،و لكنّ الظاهر أن ذكره لتلك الأفراد

ص:19


1- الحدائق 12:28.
2- قرب الإسناد:/228 893،الوسائل 9:91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 2.
3- التذكرة 1:201،المنتهى 1:475.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):567.
5- الخلاف 2:31.

للتمثيل لا للحصر،كم يفهم منه في موضع آخر (1).

و كيف كان فلا تجب في المال الغائب إذا لم يكن صاحبه و لا وكيله متمكّناً منه إجماعاً،كما عرفته؛ و للمعتبرة المستفيضة،و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما.

و جملة منها صريحة في أنه لو عاد المال إليه و تمكّن من التصرّف اعتبر حَوْل الحول بعد عوده إليه و تمكّنه منه،ففي الصحيح:الرجل يكون له الوديعة و الدَّين فلا يصل إليهما ثم يأخذهما، متى تجب عليه الزكاة؟قال:« إذا أخذها ثم يحول عليه الحول يزكّي» (2).

و نحوه الموثّق و غيره:« لا،حتى يحول عليه الحول في يده» (3)كما في الأوّل،أو« و هو عنده» (4)كما في الثاني.

و قريب منها النصوص الدالّة على أنّه لا شيء فيما لم يحُل عليه الحول عند ربّه (5).و عليها يحمل إطلاق نحو الصحيح:« لا صدقة على الدَّين،و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك» (6).

و لو مضت عليه أي على المال الغائب حين ما هو غائب

ص:20


1- الخلاف 2:111،حيث قال:لا خلاف بين الطائفة أن زكاة القرض على المستقرض دون القارض،و أن مال الغائب إذا لم يتمكن منه لم تلزمه زكاته،و الرهن لا يتمكن منه،فتدبّر.منه رحمه اللّه.
2- التهذيب 4:/34 88،الإستبصار 2:/28 80،الوسائل 9:95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 1.
3- التهذيب 4:/34 87،الإستبصار 2:/28 79،الوسائل 9:96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 3.
4- الكافي 3:/527 5،التهذيب 4:/34 89 بتفاوت يسير،الوسائل 9:94 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 3.
5- الوسائل 9:121 أبواب زكاة الأنعام ب 8.
6- التهذيب 4:/31 78،الوسائل 9:95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 6.

أحوال زكّاه لسنة واحدة استحباباً لورود الأمر به في الصحيح (1)و الموثّق (2)و الحسن (3).و ظاهره و إن أفاد الوجوب إلّا أنّه محمول على الاستحباب على المشهور؛ للأصل،و إطلاق ما مرّ من النصوص بنفي الوجوب.و تقييدهما بالأمر و إن أمكن إلّا أنّ حمله على الاستحباب أظهر؛ لكونه أشهر،بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من بعض من نَدَر ممّن تأخّر.و هو نادر،بل على خلافه الإجماع في ظاهر جملة من العبائر،و منها عبارة المنتهى حيث قال:إنّه مذهب علمائنا،و نَسَب الوجوب إلى مالك (4)؛ و في المدارك أنّه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً (5).

و لا في الدَّين إذا لم يَقدر صاحبه على أخذه اتّفاقاً فتوًى و نصّاً، إلّا الصحيح:« يزكّيه و لا يزكّي ما عليه من الدَّين،إنّما الزكاة على صاحب المال» (6).

و هو محمول على التفصيل الآتي أو الاستحباب جمعاً،أو التقيّة لمطابقته لمذهب أكثر العامّة،كما يفهم من المنتهى (7)و غيره (8)،و منهم

ص:21


1- الكافي 3:/519 2،التهذيب 4:/31 79،الإستبصار 2:/28 82،الوسائل 9:94 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 4.
2- التهذيب 4:/31 77،الإستبصار 2:/28 81،الوسائل 9:95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 7.
3- الكافي 3:/524 1،الوسائل 9:93 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 1.
4- المنتهى 1:475.
5- المدارك 5:37.
6- الكافي 3:/521 12،الوسائل 9:103 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 9 ح 1.
7- المنتهى 1:476.
8- الذخيرة:426.

أصحاب الرأي،و هم أصحاب أبي حنيفة.

و في رواية بل روايات (1) إلّا أن يكون صاحبه هو الذي يؤخّره و عمل بها جماعة من القدماء كالشيخين و المرتضى (2).

خلافاً لآخرين منهم كالعماني و الإسكافي (3)،و الحلّي حاكياً له عن الشيخ في الاستبصار (4)،و تبعهم عامّة المتأخّرين،و منهم فخر الدين حاكياً له عن المرتضى (5)؛ للأصل،و ضعف سند الروايات،فلا تصلح لتخصيصه،و لا لتخصيص ما بمعناه من إطلاق الصحيح المتقدّم و غيره من الموثقات،منها:قلت:ليس في الدين زكاة؟قال:

« لا» (6).و منها:« لا حتى يقبضه» قلت:فإذا قبضه أ يزكّيه؟قال:« لا حتى يحول عليه الحول في يده» (7)و نحوهما غيرهما (8).

و هذا أقوى،و إن كان الأوّل أحوط و أولى؛ لشبهة الخلاف فتوًى و روايةً،و منها الرضوي:« و إن غاب مالك عنك فليس عليك الزكاة إلّا أن يرجع إليك و يحول عليه الحول و هو في يدك،إلّا أن يكون مالك على رجل متى ما أردت أخذت منه فعليك زكاته» (9).

ص:22


1- الوسائل 9:95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6.
2- المفيد في المقنعة:239،الطوسي في الجمل و العقود:205،و الخلاف 2:80؛ المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):75.
3- حكاه عنهما في المختلف:174.
4- السرائر 1:444.
5- إيضاح الفوائد 1:168.
6- التهذيب 4:/32 80،الوسائل 9:96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 4.
7- التهذيب 4:/34 87،الإستبصار 2:/28 79،الوسائل 9:96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 3.
8- الوسائل 9:95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6.
9- فقه الرضا(عليه السلام):198،المستدرك 7:52 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 1.

و ربما استدلّ على القول الأوّل زيادةً على الرواية به،و بالموثّق:في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه،قال:« فلا زكاة عليه حتى يخرج، فإذا خرج زكاه لعامٍ واحد،فإن كان يَدَعه متعمّداً و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين» (1)و بالصحيح المتقدم المثبت للزكاة في الدين على الإطلاق.

و هو ضعيف؛ لضعف الرواية بما عرفته،و الرضوي بقصور الدلالة بقوة احتمال اختصاصه بالمال الغائب كما فرض في صدره،و الأصل في الاستثناء يقتضي تعلّق ما بعده بما قبله،و حينئذٍ فنحن نقول بحكمه،و هو الوجوب في المال الغائب مع القدرة على أخذه،و صرّح به الحلّي و العماني (2)و غيرهما (3)،بل لا خلاف فيه.و هو غير جارٍ فيما نحن فيه من الدين،فإنّه أمر كلي و لا يتشخّص ملكاً للمُدين إلّا بقبضه،و لا زكاة إلّا في الشخصي،و لا كذلك المال الغائب،فإنّه مملوك شخصي،و غاية الأمر أنّه ممنوع من التصرف فيه،فإذا ارتفع المنع وجبت الزكاة.

و منه ظهر دليل آخر على عدم الوجوب في الدين،و محصّله أنّه غير مملوك للمُدين فعلاً إلّا بعد قبضه له،و لا زكاة إلّا في الملك اتّفاقاً فتوًى و روايةً،و به استدلّ أيضاً جماعة (4).و هو في غاية المتانة،و منه يظهر الجواب عن الموثّقة فإنّها في المال الغائب واردة،لا في مفروض المسألة،

ص:23


1- التهذيب 4:/31 77،الإستبصار 2:/28 81،الوسائل 9:95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 7.
2- الحلّي في السرائر 1:443،و حكاه عن العماني في المختلف:174.
3- كالشيخ في الخلف 2:111،و صاحب المدارك 5:35.
4- منهم:المفيد في المقنعة:239،و العلّامة في المختلف:174،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:299.

و أحدهما غير الآخر،كما عرفته.

و أمّا الصحيح فلا قائل بإطلاقه،و تقييده بما في الرواية من التفصيل ليس بأولى من حمله على الاستحباب،بل هو أولى،للأصل،و ضعف المقيِّد عن التقييد سنداً كما مضى.

و بالجملة: لا ريب في ضعف هذا الاستدلال،كالاستدلال للمختار بالروايات المتضمنة لسقوط الزكاة عن القرض (1)،بتخيّل أنّه نوع من الدين مطلقاً حتى في المضمار؛ و ذلك لأنّ المفهوم منها أنّ محلّ السؤال فيها إنّما هو عن تلك العين المستقرضة،و محلّ البحث إنّما هو الدين المستقرّ في الذمة-،مع حلوله و تعيين فرد من أفراده ليدفع بدله،و لم يقبضه المُدين فراراً من الزكاة،أو مساهلةً،أو مطلقاً.

نعم،يمكن الاستدلال بما في جملة منها من التعليل بأن القرض ملك المقترض و نفعه له فخسارته عليه،و هو جارٍ في الدين إذا لم يقبضه مالكه،لأنّ شخصه ملك المديون فنفعه له و عليه خسارته.

و زكاة القرض على المقترض بلا خلاف أجده،و به صرّح في الخلاف و السرائر (2)،و عزاه في التنقيح إلى الأصحاب كافّة (3)،مؤذناً كسابقيه بالإجماع عليه،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة:

منها:على مَن الزكاة،على المُقرض أو على المستقرض؟فقال:

« على المستقرض،لأنّ له نفعه و عليه زكاته» (4).

ص:24


1- الوسائل 9:100 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7.
2- الخلاف 2:109،السرائر 1:445.
3- التنقيح الرائع 1:229.
4- التهذيب 4:/33 84،الوسائل 9:102 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 5.

و منها:« ليس على الدافع شيء،لأنّه ليس في يده شيء،إنّما المال في يد الآخر،فمن كان المال في يده زكاه» إلى أن قال:« أ رأيت و ضيعة ذلك المال و ربحه لمن هو و على من؟» قلت:للمقترض،قال:« فله الفضل و عليه النقصان،و له أن ينكح و يلبس منه و يأكل منه» (1)الحديث.

و منها:في رجل استقرض مالاً فحال عليه الحول و هو عنده،قال:«إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه،و إن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض» (2).

و إطلاقها كالعبارة و نحوها يقتضي عدم الفرق بين ما لو شرط الزكاة على المُقرض أم لا،و به صرّح جماعة (3).

خلافاً لموضع من النهاية (4)،فأسقطها بالشرط و أوجبها على المُقرض،و احتجّ له بالرواية الأخيرة.

و يضعّف:بأنّه ليس فيها ذكر الشرط فضلاً عن لزومه.

و يحتمل التبرّع،و نحن نقول به،وفاقاً لجماعة (5)من غير خلاف فيه بينهم أجده،و إن اختلفوا في إطلاق السقوط به كما هو ظاهرها،و عليه الفاضل في المختلف و التحرير و المنتهى (6)و غيره (7)؛ أو تقييده بما إذا أذن

ص:25


1- الكافي 3:/520 6،التهذيب 4:/33 85،الوسائل 9:100 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 1.
2- الكافي 3:/520 5،التهذيب 4:/32 83،الوسائل 9:101 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 2.
3- منهم الطوسي في النهاية:176،و ابن إدريس في السرائر 1:445،و السبزواري في الذخيرة:426.
4- النهاية:312.
5- المدارك 5:38،الذخيرة:426،الحدائق 12:40.
6- المختلف:174،التحرير:58 59،المنتهى 1:477.
7- الفاضل المقداد في التنقيح 1:299،و السبزواري في الذخيرة:423،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:194.

له المقترض،و إلّا فلا،كما عليه الشهيد (1)و حملها على صورة الشرط ليس بأولى من حملها على الصورة الأُخرى.

قيل:مع أن الزكاة تابعة للملك،و المقترض قد ملك،و الشرط غير لازم،لأنّه شرط للعبادة على غير من تجب عليه (2).

و يضعّف:بأنّ الزكاة و إن كانت من قبيل العبادة من جهةٍ،إلّا أنّها من قبيل الدَّين من اخرى،و لذا تبرأ ذمّة من تجب عليه إذا أُخرجت عنه تبرّعاً، و لو روعي فيها الجهة الأُولى لم تبرأ الذمة عنها مطلقاً (3)،و هو خلاف ما اتّفق عليه القائل و غيره،و دلّت عليه الرواية.

و إذا تمهّد هذا أمكن توجيه الاستدلال بها على مختار النهاية،بأنّ يقال:لا ريب في دلالتها على جواز مباشرة الغير لإخراجها عمّن لزمته و لو تبرّعاً،و حيث جازت صحّ اشتراطها و لزم،لعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط السائغة،و هذا منها كما عرفته.

هذا مضافاً إلى التأيّد بجملة من المعتبرة الواردة في نظير المسألة، كالصحيح:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:« باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضاً بكذا و كذا ألف دينار،و اشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين» (4)الحديث،و نحوه آخر (5).

و الرضوي:« فإن بعت شيئاً و قبضت ثمنه و اشترطت على المشتري

ص:26


1- الدروس 1:231.
2- قال به العلّامة في المختلف:174.
3- و لو تبرّعاً.
4- الكافي 3:/524 2،علل الشرائع:/375 2،الوسائل 9:173 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 18 ح 1.
5- الكافي 3:/524 1،الوسائل 9:174 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 18 ح 2.

زكاة سنةٍ أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنّه يلزمه ذلك دونك» (1).

و حكي الفتوى به عن الصدوقين (2)،و عليه فيقوّى القول بالسقوط.

اللّهُمَّ إلّا أن يقال (3):إنّ مقتضى الأدلة المزبورة لزومها على المشروط عليه من باب الشرط لا أصالةً،و هو لا يستلزم السقوط عن الشارط حيث لم يَفِ المشروط عليه بالشرط.

توضيحه: أنّه لا ريب أنّ الزكاة إنّما تجب في العين و على مالكها، و مقتضاه لزوم إخراجها عليه دون غيره،لكن لما ثبت بالنصّ و الفتوى جواز الإخراج عنه تبرّعاً قلنا به و بجواز اشتراطه،لكنّ المشروط حينئذٍ تفريغ ذمّة المالك عن الزكاة لا تعلّقها بذمّة المشروط عليه بمجرّد الشرط ابتداءً، بحيث لم يكلّف الشارط بها أصلاً،حتى لو لم يَفِ المشروط عليه بها لم يكن الشارط مكلّفاً بها،كما توهمه عبارة النهاية و نحوها،و إن هو إلّا كاشتراط المديون أداء دينه لزيد على عمرو في معاملة له معه،و لا ريب أنّ بالشرط فيه لا يبرأ بل يتوقف على الأداء،إن حصل برِئ و إلّا فلا.و فائدة الشرط إنّما هي [هو] تعيّن الإبراء على عمرو فكذا هنا،و بعبارة أخرى:أنّ فائدة الشرط تعيّن الإبراء على المشروط لا براءة الشارط عنها ابتداءً.

و قد تحصّل ممّا ذكرنا أنّ الظاهر لزوم الشرط،لكن يتوقف براءة ذمّة المالك على الوفاء.فإن أراد الشيخ و مَن ضارعه من السقوط عن المستقرض و نحوه السقوط بهذا المعنى أي مراعى متزلزلاً إلى حين الوفاء فمرحباً،و إلّا فلم أعرف له مستنداً.

ص:27


1- فقه الرضا(عليه السلام):198،المستدرك 7:84 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 12 ح 1.
2- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:174،و الصدوق في المقنع:53.
3- كما في المسالك 1:55.

و اعلم:أنّ وجوب زكاة القرض على المقترض إنّما هو إن قبضه و تركه بحاله حولاً عنده و لو اتّجر به قبله استحب له زكاته، بناءً على استحبابها في مال التجارة.

الثاني فيما تجب فيه و ما تستحب
اشارة

الثاني:فيما تجب فيه الزكاة و ما تستحب أعلم:أنّها تجب في الأنعام الثلاثة و هي الإبل و البقر و الغنم، و في الذهب و الفضّة،و في الغلّات الأربع و هي الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب،و لا تجب فيما عداها أما وجوبها في التسعة فمجمع عليه بين المسلمين كافّة،كما في المنتهى (1)و عن التذكرة (2)،و قريب منهما الغنية (3)،و النصوص به مع ذلك مستفيضة بل متواترة (4).

و أما عدمه فيما عداها فمجمع عليه بيننا،كما صرّح به جماعة من أصحابنا،كالناصرية و الانتصار و الخلاف و الغنية و المنتهى و غيرها (5)؛ و النصوص به مع ذلك مستفيضة من طرقنا (6)،و ما يخالفها بظاهره محمول على الاستحباب قطعاً.

و تستحبّ في كلّ ما تنبته الأرض مما يكال أو يوزن من الحبوب كالسمْسِم و الأرُزّ و الدخْن و الحِمَّص و العدس و أشباهها عدا الخضر من

ص:28


1- المنتهى 1:473.
2- التذكرة 1:205.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):564.
4- الوسائل 9:53 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحبّ فيه ب 8.
5- الناصرية(الجوامع الفقهية):241،الانتصار:75،الخلاف 2:54 و 61 و 77،الغنية(الجوامع الفقهية)566،المنتهى 1:473؛ و انظر الدروس 1:228.
6- الوسائل 9:61 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 9.

بقل و قِثّاء و بطّيخ وكل شيء يفسد من يومه،كما في المعتبرة المستفيضة (1).

و ظاهر جلّها أو كلّها و إن كان الوجوب كما عن يونس و الإسكافي (2)-، إلّا أنّها محمولة على الاستحباب،كما عليه الأصحاب؛ جمعاً بينها و بين ما مرّ من الأدلّة على عدم الوجوب إلّا في التسعة.

و يمكن حمل هذه على التقيّة؛ لموافقتها لمذهب جمهور العامة،كما في الذخيرة (3)،و يومئ إليه بعض المعتبرة المروي عن معاني الأخبار،و فيه بعد ذكره عليه السلام:« وضع رسول اللّه صلى الله عليه و آله الزكاة في التسعة و عفا عمّا عداها»:فقال السائل:و الذرّة؟فغضب عليه السلام،ثم قال:« كان و اللّه على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله السماسم و الذرّة و الدخْن و جميع ذلك» فقال:إنّهم يقولون إنّه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله،و إنّما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك،فغضب و قال:« كذبوا،فهل يكون إلّا العفو عن شيء قد كان؟!لا و اللّه ما أعرف شيئاً عليه الزكاة غير هذا،فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر» (4).

و على هذا فينحصر دليل الاستحباب في فتوى الأصحاب بعنوان الإجماع،كما في المدارك (5)،مضافاً إلى الاحتياط خروجاً عن شبهة الخلاف.

ص:29


1- الوسائل 9:66 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 11.
2- حكاه عن يونس في الكافي 3:509 ذيل الحديث 2،و عن الإسكافي في المختلف:180.
3- الذخيرة:430.
4- معاني الأخبار:/154 1،الوسائل 9:54 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 3.
5- المدارك 5:48.

و يدخل فيما تستحبّ فيه:السلت و العَلس على المشهور؛ للأصل، مع عدم دخولهما في التسعة حتى في الشعير و الحنطة،كما يستفاد من المعتبرة (1)و فيها الصحيح و غيره (2).

خلافاً للشيخ (3)و جماعة (4)،فأوجبوا فيهما الزكاة،بدعوى أنّ الأوّل من نوع الأوّل و الثاني من الثاني،كما يستفاد من بعض أهل اللغة (5).

و فيها:أنّها اجتهاد في مقابلة النص الظاهر في التغير،مع أنّه المستفاد أيضاً من بعض أهل اللغة (6).و لو سلّم الاتّحاد فلا ريب في عدم تبادرهما من الإطلاق،و ينبغي الاقتصار فيه على المتبادر،و الرجوع في غيره إلى حكم الأصل و هو العدم.

و حكم الحبوب المستحب فيها الزكاة حكم الغلّات الأربع،في اعتبار النصاب و غيره من الشرائط،و تعيين المُخْرَج من العُشر و نصفه و نحو ذلك، بلا خلاف كما في المنتهى (7).

و في وجوبها في مال التجارة أو استحبابها مع استجماعه

ص:30


1- و هي و إن اختصّت بالسلت،إلّا أنه قد يلحق به العكس في المغايرة،لعدم قائل بالفرق بينهما مطلقاً لا وضعاً و لا حكماً.منه رحمه اللّه.
2- الوسائل 9:62 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 9 ح 3،4.
3- الخلاف 2:65،المبسوط 1:217.
4- كالعلّامة في القواعد 1:55،و الشهيد الثاني في المسالك 1:56.
5- انظر الصحاح 1:253،و القاموس 1:156،و مجمع البحرين 2:205 و 4:88.
6- حكاه في مجمع البحرين فقال في العكس:و قيل هو مثل البُر إلّا أنه عسر الاستنقاء،و قيل هو العدس(4:88)و قال في السلت:و عن الأزهري أنه قال هو كالحنطة في ملاسته و كالشعير في طبعه و برودته فتدبر(2:205)منه رحمه اللّه.
7- المنتهى 1:510.

الشرائط المعتبرة فيه (1) قولان،أصحّهما الاستحباب وفاقاً للأكثر،بل عليه عامّة من تأخّر بل و من تقدّم عدا ظاهر الصدوقين (2)؛ لشبهة الأمر بهما في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الواردة هنا (3)و في مال اليتيم و المجنون و غيرهما (4).

و حمله الأصحاب على الاستحباب؛ جمعاً بينها و بين ما دلّ على نفي الزكاة صريحاً،و منه مضافاً إلى ما مرّ من الأدلّة على نفيها فيما عدا الأشياء التسعة من النصوص و الأُصول و الإجماعات المحكية خصوص الصحاح و غيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح:« إنّ أبا ذر و عثمان تنازعا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فقال عثمان:كلّ مال من ذهب أو فضّة يدار به و يعمل به و يتّجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول،فقال أبو ذر:أما ما يتّجر به أو دير أو عُمل به فليس فيه زكاة،إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازاً كنزاً موضوعاً،فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة.فاختصما في ذلك إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله،فقال:القول ما قاله أبو ذر» فقال أبو عبد اللّه لأبيه:« ما تريد إلّا أن يخرج مثل هذا فكيف الناس أن يعطوا فقراءهم و مساكينهم؟» فقال له أبوه:« إليك عنّي لا أجد منها بدّاً» (5).

ص:31


1- من بلوغ قيمته نصاب أحد النقدين،و حَوْل الحول عليه،و إبقائه لطلب الربح أو رأس المال و بقاء عين السلعة،كما يستفاد من المعتبرة.منه رحمه اللّه.
2- حكاه عنهما في المختلف:179،و انظر الفقيه 2:11،و المقنع:52.
3- الوسائل 9:70 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13.
4- الوسائل 9:87 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2،3.
5- التهذيب 4:/70 192،الإستبصار 2:/9 27،الوسائل 9:74 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 14 ح 1.

و تحتمل الحمل على التقيّة كما صرّح به جماعة (1)،و يومئ إليه هذه الصحيحة.و ظاهر عمومها نفي الزكاة مطلقاً حتى استحباباً،فيشكل الحكم به،إلّا أنّ الظاهر عدم خلاف فيه،مع أن الأدلّة على جواز المسامحة في أدلّة السنن و الكراهة تقتضيه،مضافاً إلى ما دلّ على رجحان الاحتياط في مثله،و فحوى ما دلّ على الاستحباب في مال اليتيم فهاهنا بطريق أولى.

و تستحبّ في الخيل الإناث السائمة إذا حال عليها الحول، بالنصّ و الإجماع الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر (2).

و لا تستحبّ في غير ذلك كالبغال و الحمير و الرقيق للأصل، و المعتبرة المستفيضة و فيها الصحيح و الموثّق و غيرهما،ففي جملة منها:

« ليس في شيء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شيء» (3)يعني الإبل و البقر و الغنم،و هي و إن عمّت الخيل الإناث،لكنّها خرجت بما مرّ.

و في الصحيح:هل في البغال شيء؟فقال:« لا» فقلت:فكيف صار على الخيل و لم يَصِرْ على البغال؟فقال:« لأنّ البغال لا تلقح و الخيل الإناث ينتجن،و ليس على الخيل الذكور شيء» فقال،قلت:فما في الحمير؟ قال:« ليس فيها شيء» قال،قلت:هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شيء؟فقال:« لا،ليس على ما يعلف شيء،إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مَرْجها (4)عامها الذي يقتنيها فيه الرجل،فأما ما سوى

ص:32


1- كالفيض الكاشاني في الوافي 10:108،و صاحب الحدائق 12:150.
2- كالتذكرة 1:230،و المدارك 5:186،و المفاتيح 1:202.
3- التهذيب 4:/2 2،الإستبصار 2:/2 2،الوسائل 9:80 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 17 ح 5.
4- المَرْج:الأرض الواسعة ذات نبات كثير تمرج فيها الدوابّ.مجمع البحرين 2:329.

ذلك فليس فيه شيء» (1).

و في آخر:عمّا في الرقيق،فقالا:« ليس في الرأس شيء أكثر من صاع من تمر إذا حال عليه الحول» (2)و المراد بصاع التمر ما يخرج عنه في زكاة الفطرة.

و لنذكر ما يختصّ كلّ جنس إن شاء الله تعالى من الشرائط و الأحكام و لنبدأ ب:

القول في زكاة الأنعام
اشارة

القول في زكاة الأنعام الثلاثة.

و النظر فيه تارة يكون في الشرائط و اُخرى في اللواحق، فالشرائط أربعة:

.

الأوّل في النُّصُب

الأوّل:في النُّصُب،و هي في الإبل اثنا عشر نصاباً،خمسة منها كل واحد منها خمس من الإبل و في كل واحد من هذه النصب الخمسة شاة بمعنى أنّه لا يجب شيء فيما دون خمس،فإذا بلغت خمساً ففيها شاة،ثم لا يجب شيء في الزائد إلى أن تبلغ عشراً ففيها شاتان،ثم لا يجب شيء في الزائد إلى أن تبلغ خمس عشرة ففيها ثلاث شياه،ثم في عشرين أربع،ثم في خمس و عشرين خمس.

و لا فرق فيها بين الذكر و الأُنثى على المشهور،بل في السرائر الإجماع عليه (3)،و تأنيثها هنا تبعاً للنصّ بتأويل الدابّة كما قيل (4)،و مثلها الغنم بتأويل الشاة.

فإذا بلغت ستّاً و عشرين ففيها بنت مخاص بفتح الميم،أي بنت

ص:33


1- الكافي 3:/530 2،التهذيب 4:/67 184 بتفاوت يسير،الوسائل 9:78 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 16 ح 3.
2- الكافي 3:/530 4،الوسائل 9:79 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 17 ح 1.
3- السرائر 1:448.
4- الشهيد في البيان:292.

ما من شأنها أن يكون ماخضاً أي حاملاً.

فإذا بلغت ستّاً و ثلاثين ففيها بنت لبون بفتح اللام،أي بنت ذات لبن و لو بالصلاحية.

فإذا بلغت ستّاً و أربعين ففيها حِقّة بكسر الحاء،أي ما استحقّت الحمل أو الفحل.

فإذا بلغت إحدى و ستّين ففيها جَذَعة بفتح الجيم و الذال، سمّيت بذلك لأنّها تجذع مقدم أسنانها أي تسقطه.

فإذا بلغت ستّاً و سبعين ففيها بنتا لبون.

فإذا بلغت إحدى و تسعين ففيها حِقّتان،ثم ليس في الزائد شيء حتى تبلغ مائة و إحدى و عشرين،ففي كل خمسين حِقّة،و في كل أربعين بنت لبون دائماً أي بلغت ما بلغت؛ كذا في النصوص المستفيضة (1)، و فيها الصحاح و غيرها،و عليه كافّة علمائنا عدا القديمين،فإنّهما أوجبا بنت مخاض في النصاب الخامس (2)،و إن اختلفا في تعيّنها مطلقاً إلى السابع،كما عليه العماني،و يلزمه سقوط السادس؛ أو تعيّنه في السادس مطلقاً و في الخامس اختياراً،و مع العجز عنها فما عليه أصحابنا (3).

و هما نادران،بل على خلافهما الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة،كالإنتصار و الغنية و الخلاف (4)و غيرها من كتب الجماعة (5)

ص:34


1- الوسائل 9:108 أبواب زكاة الأنعام ب 2.
2- حكاه عن ابن أبي عقيل و ابن الجنيد في المختلف:175.
3- من خمس شياه.منه رحمه اللّه.
4- الانتصار:80،الغنية(الجوامع الفقهية):567،الخلاف 2:6.
5- كالمدارك 5:53،و الذخيرة:433،و المفاتيح 1:198،و الحدائق 12،43.

و الصحيحة الدالة على الأوّل (1)مؤوّلة،أو محمولة على التقيّة،لموافقتها لمذهب الجمهور،كما صرّح به جماعة (2)،و يفهم من بعض الأخبار الصحيحة (3)،لكن ربما ينافيه (4)سياقها،بناءً على تضمّنه ما لا يقول به أحد من العامة و لا من الخاصة،فيتعيّن التأويل بما ذكره شيخ الطائفة (5)،و إن كان بعيداً غايته،جمعاً بين الأدلّة؛ مع أنّها مرويّة في الوسائل عن معاني الأخبار بما يوافق المشهور،إلّا أنّه قال:على ما في بعض النسخ الصحيحة (6).

و الصدوقين،فبدّلا النصاب العاشر (7)بالإحدى و الثمانين (8)، و المرتضى رحمه الله في الانتصار،فبدّل النصاب الأخير فجعله مائة و ثلاثين، قال:فإذا بلغت ففيها حقّة واحدة و ابنتا لبون (9).

و مستندهما مع ندرتهما أيضاً و مخالفتهما لجميع ما مضى من الأدلّة

ص:35


1- الكافي 3:/531 1،التهذيب 4:/22 55،الإستبصار 2:/20 59،الوسائل 9:111 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 6.
2- منهم:الشيخ في التهذيب 4:23،و العلّامة في التذكرة 1:206،و الفيض في المفاتيح 1:198.
3- الكافي 3:/532 2،التهذيب 4:/21 53،الإستبصار 2:/19 57،الوسائل 9:110 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 4.
4- أي الحمل على التقية.منه رحمه اللّه.
5- التهذيب 4:23.قال:قوله عليه السلام:فإذا بلغت خمساً و عشرين ففيها ابنة مخاض،يحتمل أن يكون أراد:و زادت واحدة،و إنما لم يذكر في اللفظ لعلّه بفهم المخاطب ذلك.
6- معاني الأخبار:/327 1،الوسائل /9 112 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 7.
7- و هو الست و السبعون.منه رحمه اللّه.
8- الهداية:24،حكاه عن والده في المختلف:176.
9- الانتصار:81.

نصّاً و فتوى (1)غير واضح،عدا الرضوي للأوّل (2)،و الإجماع المحكي للثاني.

و هما كما ترى لا يقاومان شيئاً ممّا مضى،فضلاً عن جميعها،و لا سيّما الثاني،فقد ادّعى القائل به في الناصرية الإجماع على خلافه (3)، كالحلّي مصرّحاً (4)هو و الفاضل في المختلف (5)برجوعه فيها عما ذكره في انتصاره.

و هل التقدير بالأربعين و الخمسين في النصاب الأخير على التخيير مطلقاً،كما هو ظاهر النصوص و الفتاوى كما قيل (6)،أم إذا حصل الاستيعاب بكلّ منهما و إلّا فالواجب التقدير بالأكثر استيعاباً منهما حتى لو كان التقدير بهما معاً وجب،كما هو ظاهر المنتهى (7)و غيره (8)و صريح الشهيد الثاني و المحقق الثاني (9)؟وجهان،بل قولان:

ممّا عرفت للأول من إطلاق النصّ بل ظهور جملة منه صحيحة في جواز التقدير بالخمسين في المائة و العشرين و واحدة.

ص:36


1- أي الإجماعات المحكية.منه رحمه اللّه.
2- فقه الرضا(عليه السلام):197،و فيه ذكر النصاب العاشر بما يوافق المشهور،نعم،في الطبع الحجري منه(ص 22)بُدّل بالإحدى و الثمانين؛ المستدرك 7:59 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 3.
3- الجوامع الفقهية:241.
4- السرائر 1:449.
5- المختلف:176.
6- انظر جامع المقاصد 3:15،و المدارك 5:58.
7- المنتهى 1:480.
8- كالمحقق في المعتبر 2:501.
9- الشهيد الثاني في المسالك 1:52،المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:15.

و من أنّ التقدير بها فيها يوجب حِقّتين مع أنهما واجبتان فيما دونها فلا فائدة في جعلها نصاباً آخر.و فيه نظر؛ لإمكان كون الفائدة جواز العدول عن الحقّتين إلى ثلاث بنات لبون على وجه الفريضة،لا القيمة و التخيير بينهما،مضافاً إلى فائدة أُخرى في نصاب الغنم مشهورة (1)، فالقول الأوّل لعلّه أقوى و إن كان الثاني أحوط و أولى،سيّما مع ورود ما يناسبه في البقر نصّاً (2)و فتوى من غير إشكال فيه في شيء منهما.

ثم هل الواحدة الزائدة على المائة و العشرين جزء من النصاب،أو شرط في الوجوب فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريطٍ شيء،كما لا يسقط في الزائد عنها مما ليس بجزء؟وجهان،بل قولان:من اعتبارها نصّاً الموجب للجزئيّة،و من إيجاب الفريضة في كل خمسين و أربعين الظاهر في خروجها و لعلّ هذا أقوى؛ لقوّة وجهه و ضعف مقابله،لأعمّية اعتبارها من كونها جزءاً أو شرطاً،فلا يعارض ما دلّ على الثاني خصوصاً.

و في البقر نصابان الأوّل ثلاثون و فيها تَبيع حَولي أو تبيعة و الثاني أربعون،و فيها مسنّة و لا يجزي المسنّ إجماعاً.

و هكذا أبداً يعتبر بالمطابق من العددين،و بهما مع مطابقتهما،كالستين بالثلاثين،و السبعين بهما معاً،و الثمانين بالأربعين،و يتخيّر في المائة و العشرين.

كلّ ذلك بالنصّ (3)و الإجماع الظاهر المستفيض النقل في جملة من العبائر (4)،إلّا التخيير بين التبيع و التبيعة،فلم يذكره العماني و لا الصدوقان،

ص:37


1- راجع ص 2300.
2- الوسائل 9:114 أبواب زكاة الأنعام ب 4 ح 1.
3- الوسائل 9:114 أبواب زكاة الأنعام ب 4.
4- كالمنتهى 1:488،و نهاية الإحكام 2:328،و مفاتيح الشرائع 1:199،و الحدائق 12:54.

و إنّما ذكروا التبيع خاصة (1)،كما هو مورد نصوص المسألة،إلّا أنّ ظاهر باقي الأصحاب الإطباق على التخيير،حتى نحو الحلّي و ابن زهرة (2)ممّن لا يعمل إلّا بالأدلّة القاطعة.

مع أنّ جملة منهم لم يجعلوه محلّ خلاف مشعرين بالإجماع كما في محتمل الخلاف و الغنية (3)و صريح المنتهى (4)و غيرها من كتب الجماعة (5)، حيث ادّعوا الإجماع على مجموع ما في العبارة،فلا بأس بالمصير إليه، سيّما و عن المعتبر نقله لبعض نصوص المسألة مخيّراً بين التبيع و التبيعة (6)، مع إمكان إثباته بالأولوية،لأفضليّة التبيعة من التبيع منفعةً عرفاً و عادةً، فتأمّل.

و في الغنم خمسة نُصُب أو أربع على الاختلاف الذي سيذكر أربعون و فيها شاة،ثم مائة و إحدى و عشرون و فيها شاتان،ثم مائتان و واحدة و فيها ثلاث شياه بلا خلاف في شيء من هذه النُّصُب إلّا من الصدوق في الأوّل فجعله أربعين و واحدة (7)؛ للرضوي (8).

ص:38


1- نقله عنهم في المختلف:177.
2- السرائر 1:450،الغنية(الجوامع الفقهية):568.
3- الخلاف 1:19،الغنية(الجوامع الفقهية):568.
4- في المنتهى نفى الخلاف عنه في موضع آخر صريحاً فقال:لا خلاف في إجزاء التبيعة عن الثلاثين،للأحاديث و لأنها أفضل بالدرّ و النسل.منه رحمه اللّه.المنتهى 1:488.
5- كالعلّامة في التذكرة 1:209،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:199،و صاحب المدارك 5:58.
6- المعتبر 2:502.
7- كما في المقنع:50.
8- فقه الرضا(عليه السلام):196،المستدرك 7:63 أبواب زكاة الأنعام ب 5 ح 3.

و هو نادر،بل على خلافه الإجماع في جملة من العبائر (1)، و الرضوي معارض بأجود منه سنداً و عدداً و عملاً.

فإذا بلغت ثلاثمائة و واحدة فروايتان صحيحتان (2)،و قولان أشهرهما كما هنا و في الشرائع و عن المعتبر و في الروضة (3)و غيرها (4) أنّ فيها أربع شياه،حتى يبلغ أربعمائة فصاعداً ففي كلّ مائة شاة و ما نقص فعفو و هي مع ذلك مخالفة لما عليه أصحاب المذاهب الأربعة،كما عن التذكرة (5)و في غيرها من كتب الجماعة (6)،و قد ادّعى الإجماع عليه في صريح الخلاف و ظاهر الغنية (7).

و الرواية الثانية أنّ فيها ثلاث شياه،و عليه من القدماء جماعة (8).

و هي ليست بصريحة،فإنّ فيها بعد النصاب الثالث:فإنّ فيه ثلاثاً من الغنم إلى ثلاثمائة،فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة.و الكثرة و إن كانت تتحقق بالواحدة،إلّا أنّه يمكن تقييدها بما إذا بلغت أربعمائة،و يكون

ص:39


1- انظر الخلاف 2:21،و الغنية(الجوامع الفقهية):568،و المنتهى 1:489.
2- الاُولى:الكافي 3:/534 1،التهذيب 4:/25 58،الإستبصار 2:/22 61،الوسائل 9:116 أبواب زكاة الأنعام ب 6 ح 1.الثانية:التهذيب 4:/25 59،الإستبصار 2:/23 62،الوسائل 9:116 أبواب زكاة الأنعام ب 6 ح 2.
3- الشرائع 1:143،المعتبر 2:503،الروضة 2:19.
4- انظر الكافي في الفقه:167.
5- التذكرة 1:210.
6- انظر الذخيرة:435،مرآة العقول 16:63،الحدائق 12:59.
7- الخلاف 2:21،الغنية(الجوامع الفقهية):568.
8- منهم:المفيد في المقنعة:238،و أبو الصلاح في الكافي ف الفقه:167،و ابن البراج في المهذب 1:165،و ابن حمزة في الوسيلة:125.

النصاب الرابع مسكوتاً عنه.

و هو و إن بَعُد إلّا أنّه لا بأس به،جمعاً بين الأدلّة،و حذراً من اطراح تلك الصحيحة مع ما هي عليه من الرجحان بالمرجّحات المتقدمة،بخلاف هذه فإنّها بطرف الضد من تلك،و مع ذلك فقد حملها جماعة على التقيّة (1)،لما عرفته،و بنحو ذلك يجاب عن الرضوي الموافق لها هنا،مع تضمّن صدره في النصاب الأول ما يخالف الإجماع كما مرّ.و أما الأصل فلا حجيّة فيه بعد قيام الدليل على خلافه.و بما ذكرنا اندفع حجج القول الثاني.

و الثمرة في هذا الاختلاف واضحة،و هي وجوب أربع شياه في الثلاثمائة و واحدة على المختار،و ثلاث على غيره.

نعم هنا سؤال و جواب مشهوران،و هو:أنّه إذا وجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة و واحدة فما الفائدة في جعلهما نصابين؟و ينسحب مثله في المائتين و واحدة و الثلاثمائة و واحدة على القول الآخر.

و الجواب: أنّها تظهر في موضعين،الوجوب و الضمان.

أمّا الأوّل: فلأنّ محله في الأربعمائة مثلاً مجموعها،و في الثلاثمائة و واحدة إلى الأربعمائة الثلاثمائة و واحدة خاصّة،فهو عفو،فهذا أحد وجهي الفائدة.

و أما الثاني: فلأنّه لو تلف واحدة من الأربعمائة بعد الحول بغير تفريط سقط من الفريضة جزء من مائة جزء من شاة،و لو كان محلّ الفريضة ناقصاً عن هذا العدد لم يسقط من الفريضة شيء ما دامت

ص:40


1- منهم صاحب الحدائق 12:61.و المدارك 5:63.

الثلاثمائة و واحدة باقية،لأنّ الزائد عفو.

و لا تخلوان عن مناقشة (1).

و اعلم أنّه تجب الفريضة في كلّ واحد من النُّصُب في الأنعام على حسب ما فصّل فيها و لا تتعلّق بما زاد لأنّ ذلك ممّا يتعلّق بتقدير النصب معنىً و فائدةً،و في الصحيح:و ليس على النيّف شيء (2).

و قد جرت العادة من الفقهاء بتسمية ما لا تتعلّق به الزكاة من الإبل شَنَقاً بفتح الشين المعجمة و النون و من البقر وَقَصاً بالتحريك و من الغنم عفواً و المستفاد من كلام أكثر أهل اللغة ترادف الأوّلين و كونهما بمعنى واحد،و هو ما بين الفرضين في الزكاة مطلقاً (3)،و في مجمع البحرين عن بعضهم ما عليه الفقهاء (4).

الشرط الثاني السوم

الشرط الثاني:السوم طول الحول،بالنصّ (5)و الإجماع فلا تجب الزكاة في المعلوفة و لو في بعض الحول إجماعاً إذا كان غالباً

ص:41


1- أما الاُولى:فلأن اختلاف المحل ممّا لا يترتب عليه حكم شرعي في هذا المحل عدا ما نذكر في الفائدة الثانية و هي على تقدير تماميتها فائدة أُخرى،و إذا لم يترتب عليه حكم شرعي كان مجرّد اختلاف عبارة و هي ليست بفائدة.و أما الثانية:فلما ذكره جماعة من المنع عن عدم سقوط شيء من الفريضة في صورة النقص عن الأربعمائة،لأن مقتضى الإشاعة توزيع التالف على الحقين و إن كان الزائد على النصاب عفواً،إذ لا منافاة بينهما،كما لا يخفى على المتأمّل.منه رحمه اللّه.
2- الكافي 3:/534 1،التهذيب 4:/22 55،الإستبصار 2:/20 59،الوسائل 9:114 أبواب زكاة الأنعام ب 4 ح 1.
3- أي في الأنعام الثلاثة.منه رحمه اللّه.
4- مجمع البحرين 5:197.
5- الوسائل 9:118 أبواب زكاة الأنعام ب 7.

أو مساوياً.و في الأقلّ أقوال،أجودها:الإلحاق بغيره إن لم يصدق السوم طول الحول عرفاً،و بالسائم طوله حقيقةً إن صدق،وفاقاً لأكثر المتأخّرين (1)؛ لعدم النصّ،و وجوب الرجوع إلى العرف المحكّم في مثله.

خلافاً للشيخ،فأطلق إلحاق الأوّل بالثاني (2).و للماتن،فعكس (3).

و هما غير ظاهري الوجه،إلّا بعض الوجوه الاعتبارية التي هي مع معارضتها بعضاً مع بعض لا تصلح للحجيّة.

و لا فرق في العلف بين أن يكون لعذرٍ أو غيره،و لا بين أن تعتلف الدابّة بنفسها أو بالمالك أو بغيره،من دون إذن المالك أو بإذنه،من مال المالك أو غيره؛ وفاقاً لجماعة (4).

خلافاً للمحكي عن التذكرة (5)و غيره (6)،فاستقرب وجوب الزكاة لو علّفها الغير من ماله لعدم المئونة.

و فيه:أن العلّة غير منصوصة،بل مستنبطة،فلا تصلح مقيِّدةً لإطلاق ما دلّ على نفي الزكاة في المعلوفة.

و لو اشترى مرعى فالظاهر أنه علف،بخلاف ما لو استأجر الأرض للرعي،أو صانع الظالم على الكلاء المباح بشيء،وفاقاً للشهيدين (7)

ص:42


1- كالعلّامة في التذكرة 1:205،و الشهيد الثاني في روضة البهية 2:22،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:196،و صاحب الحدائق 12:79.
2- كما في المبسوط 1:169،و الخلاف 2:53.
3- الشرائع 1:144.
4- منهم الشهيد الأوّل ف الدروس:59،و الشهيد الثاني في الروضة 2:22،و صاحب الحدائق 12:80.
5- التذكرة 1:205.
6- كالشهيد الثاني في المسالك 1:53.
7- الدروس:59،الروضة 2:22.

و غيرهما (1)في المقامين.

الشرط الثالث الحول

الشرط الثالث: الحول بالنصّ (2)و الإجماع و هو هنا اثنا عشر هلالاً فيتعلّق الوجوب بدخول الثاني عشر و إن لم تكمل أيّامه إجماعاً،و للصحيح:« إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليها الحول و وجبت عليه فيها الزكاة» (3).

و هل يستقرّ الوجوب بذلك،حتى أنّه لو دفع الزكاة بعد دخوله ثم اختلّ أحد الشروط فيه لم يرجع،أم يتوقف على تمامه؟وجهان:

من ظاهر الصحيح و الفتاوى.

و من أنّ غايتهما إفادة الوجوب بدخوله و حول الحول به.و الأوّل أعمّ من المستقرّ و المتزلزل،و الثاني ليس نصّاً في الحول الحقيقي،فيحتمل المجازي للقرب من حصوله،و هو و إن كان مجازاً لا يُصار إليه إلّا بالقرينة، إلّا أنّ ارتكابه أسهل من حمل الحول المشترط في النصّ المتواتر و الفتوى مثله الذي هو حقيقة في اثني عشر شهراً كاملة عرفاً و لغةً على الاثني عشر هلالاً ناقصة.

و لو سلّم التساوي فالأمر دائر بين مجازين متساويين لا يمكن الترجيح بينهما،فينبغي الرجوع إلى حكم الأصل،و هو عدم الاستقرار.

و الأوّل أحوط،بل لعلّه أظهر؛ لقوّة دليله مع ضعف ما مرّ في جوابه.

فالأوّل: بأن الظاهر من الوجوب حيثما يطلق بحكم التبادر هو

ص:43


1- كصاحب المدارك 5:70.
2- الوسائل 9:121 أبواب زكاة الأنعام ب 8.
3- الكافي 3:/525 4،التهذيب 4:/35 92 و منهما عن أبي جعفر عليه السلام،الوسائل 9:163 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 12 ح 2.

المستقرّ دون المتزلزل.و حمل الحول على ما مرّ مجاز،و الأصل الحقيقة.

و يمنع عن المعارضة بأنّ ذلك المجاز (1)لا بُدّ من ارتكابه و لو في الجملة (2)،إذ لا خلاف في الخروج عن حقيقة تلك النصوص و الفتاوى، و هو عدم وجوب شيء قبل حول الحول و تمامه،و هو مخالف للإجماع و الصحيح الماضي إن حمل الوجوب فيها على مطلقه،و إن حمل على المستقرّ فهو مجاز أيضاً و تقييد للعام و لو بزعم المخالف من غير دليل.

و مجرّد الجمع بينها و بين الصحيح هنا بحمل الوجوب فيه على المتزلزل ليس بدليل بعد خلوّه عن الشاهد،مع أنّه (3)ليس بأولى من حمل الحول فيها على الشرعي.

و بالجملة: لا ريب أن الصحيح هنا أخصّ من تلك النصوص و الفتاوى،و لذا خولف به ظاهرها و لو في الجملة إجماعاً،فارتكاب التجوّز المتقدم فيها أولى من ارتكابه فيه جدّاً،و لذا إنّ شيخنا الشهيد الثاني الذي هو أحد القائلين بالقول الثاني اعترف بدلالة الصحيح على خلافه،إلّا أنّه ذبّ عنه بالتأمّل في سنده (4)؛ و ليس أيضاً في محلّه،كما قرّر في محله.

نعم ربما يستفاد من جملة من المعتبرة اعتبار كمال السنة، كالصحيح:« لمّا أُنزلت آية الزكاة: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها [1] (5) [و أُنزلت في شهر رمضان]أمَرَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مناديه

ص:44


1- و هو حمل الحول في تلك النصوص و الفتاوي باشتراطه في الوجوب على الحول الشرعي و هو الدخول في الثاني عشر.منه رحمه اللّه.
2- أي بالنسبة إلى أصل تعلق الوجوب.منه رحمه اللّه.
3- أي تقييد الوجوب بالمستقر.منه رحمه اللّه.
4- كما في الروضة 2:23،و المسالك 1:53.
5- التوبة:103.

فنادى في الناس:أن اللّه تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة» إلى أن قال:« لم يتعرّض بشيء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا و أفطروا،فأمَرَ مناديه فنادى في الناس:أيّها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم» (1)الحديث.

و الموثق:السخْل متى تجب فيه الصدقة؟قال:« إذا أجذع» (2)أي دخل في السنة الثانية.

و الجواب عنهما و إن أمكن إلّا أنّه لا يخلو عن بُعدٍ.

و يستفاد من الرواية الأخيرة كغيرها من المعتبرة (3)،و فيها الصحيح، مضافاً إلى الإجماع الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر (4)،و عموم ما دلّ على أنّ كل ما لم يَحُل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه فيه (5)أنّه ليس حول الأُمّهات حول السخال،بل يعتبر فيها بانفرادها الحول كما يعتبر في الأُمّهات هذا إن كانت نصاباً مستقلا بعد نصابها،كما لو ولدت خمسٌ من الإبل خمساً،أو أربعون من البقر أربعين أو ثلاثين.

أمّا لو كان غير مستقلّ ففي ابتداء حوله مطلقاً كما عن محتمل

ص:45


1- الكافي 3:/497 2،الفقيه 2:/8 26،الوسائل 9:9 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 1 ح 1،و ما بين المعقوفين من المصادر.
2- الكافي 3:/535 4،الفقيه 2:/15 39،الوسائل 9:123 أبواب زكاة الأنعام ب 9 ح 3؛ السخْلة:ولد الشاة من المعز و الضأن،ذكراً كان أو أُنثى،و الجمع:سَخْل و سِخال و سِخَلة.لسان العرب 11:332.
3- الوسائل 9:122 أبواب زكاة الأنعام ب 9.
4- كالخلاف 2:35،و المنتهى 1:491،و المدارك 5:76.
5- الوسائل 9:121 أبواب زكاة الأنعام ب 8.

المعتبر (1)،أو مع إكماله للنصاب الذي بعده كما استقر به في المنتهى (2)أوّلا،أو عدم ابتدائه حتى يكمل الأوّل فيجزي الثاني لهما،أوجه و أقوال، أجودها الأخير،وفاقاً لجماعة من المتأخّرين (3).

فلو كان عنده أربعون شاة فولدت أربعين لم يجب فيها شيء؛ للأصل،و عموم ما دلّ على أن الزائد عن النصاب عفو (4).

و على الأوّل فشاة عند تمام حولها؛ لعموم:« في أربعين شاة شاة» (5)و هو مع اختصاصه بالنصاب المبتدأ بحكم التبادر و فحوى الخطاب بل و الإجماع معارض بما مرّ من العموم المترجّح على هذا بعد تسليم تكافئهما بالأصل.

أو ثمانون فولدت اثنتين و أربعين فشاة للأُولى خاصة،ثم يستأنف حول الجميع بعد تمام الأوّل.

و على الأولين تجب اخرى عند تمام حول الثانية؛ لعموم ما دلّ على وجوب الزكاة في النصاب الثاني لو ملكه،و هو مخصّص بما دلّ على أنّه لا شيء في الصدقة،من الصحيح و غيره (6)،بناءً على وجوبها في الأُمّهات بعد حولها قطعاً،و للعمومات.

فإذا وجبت فيها (7)امتنع ضمّها إلى السخال في حولها؛ لما مضى،

ص:46


1- المعتبر 2:507.
2- المنتهى 1:490.
3- كالشهيد الأوّل في الدروس 1:232،و الشهيد الثاني في المسالك 1:52 و صاحب المدارك 5:77،و المحقق السبزواري في الذخيرة:432.
4- الوسائل 9:116 أبواب زكاة الأنعام ب 6.
5- الوسائل 9:116 أبواب زكاة الأنعام ب 6.
6- نهاية ابن الأثير 1:224،و روى مفاده في صحيحة زرارة،انظر الوسائل 9:100 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 1.
7- أي في الأُمهات.منه رحمه اللّه.

و لذا رجع عما اختاره في المنتهى أخيراً (1).

و هل مبدأ حول السخال غناؤها بالرعي،ليتحقّق السوم المشترط في إطلاق النصّ و الفتوى كما مضى،أو نتاجها كما في المعتبرة و فيها الصحيح و غيره (2)،أم التفصيل بارتضاعها من معلوفة فالأوّل أو سائمة فالثاني،جمعاً بين الدليلين؟أقوال،خيرها أوسطها،وفاقاً للمحكيّ عن الشيخ و الإسكافي و من تبعهما (3)،بل في المختلف و المسالك دعوى كونه مشهوراً (4)؛ لأنّ ما دلّ عليه أقوى دلالةً،فيخصّ به عموم الدليل الأوّل.و يندفع به الثالث؛ لأن الجمع به أقرب منه و بالأُصول أوفق،فتأمّل.

و اعلم:أنّ المعتبر حَوْل الحول على العين و هي مستجمعة للشرائط المتقدمة،فلو حال عليها و هي مسلوبة الشرائط أو بعضها كأن كانت دون النصاب لم تجب فيها.

و حينئذٍ لو تمّم ما نقص عن النصاب في أثناء الحول استأنف حوله من حين تمامه و كذا لو حصلت باقي الشرائط بعد فقدها يستأنف لها الحول بعد حصولها.

و لو ملك مالاً آخر كان له حول بانفراده إن كان نصاباً مستقلا بعد النصاب الأوّل،و إلّا ففيه الأوجه الماضية،و المختار منها ما عرفته.

و لو ثلم النصاب فتلف بعضه،أو اختلّ غيره من الشرائط (5)

ص:47


1- المنتهى 1:491.
2- الوسائل 9:122 أبواب زكاة الأنعام ب 9.
3- الخلاف 2:22،النهاية:183،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:175؛ و انظر الوسيلة:126.
4- المختلف:175،المسالك 1:52.
5- كأن عووض نفسها مطلقاً أو خرج عن الملك و نحو ذلك.منه رحمه اللّه.

قبل تمام الحول الشرعي أو اللغوي على الاختلاف الماضي سقط الوجوب يعني لا تجب الزكاة بعد حوله عليه كذلك (1)مطلقاً و إن قصد بالثلم الفرار من الزكاة.

و لو كان نحو الثلم بعد تمام الحول لم يسقط أمّا عدم السقوط حيث يكون الثلم بعد الحول فهو موضع نصّ و وفاق (2)،و كذلك السقوط به قبله مع عدم قصد الفرار.و أمّا مع قصده فمحلّ خلاف،و ما اختاره الماتن هو الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،بل لا خلاف فيه أجده إذا كان الثلم بالنقص،بل على السقوط حينئذٍ الإجماع في الخلاف (3).و يظهر منه و من غيره (4)اختصاص الخلاف بما إذا كان الثلم بتبديل النصاب أو بعضه بغيره،من جنسه أو غيره.

و سيأتي الكلام في هذه المسألة في بحث زكاة الذهب و الفضة (5).

ثم إنّ ما ذكرناه من الإجماع على السقوط بالثلم قبل الحول لا بقصد الفرار إنّما هو فيما إذا كان بالنقص أو التبديل بغير الجنس،و إلّا فقد خالف فيه الشيخ في المبسوط و الخلاف (6)،لكنّه شاذّ محجوج بالأصل،و عموم ما دلّ على أنّ ما لم يَحُل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه فيه (7)،مع

ص:48


1- أي مثلوماً أو مختلّ الشرائط.منه رحمه اللّه.
2- ادّعاه جماعة من الأصحاب كالحلّي في السرائر(1:442)و الفاضل في جملة من كتبه(كالمنتهى 1:495)و غيرهما.منه رحمه اللّه.
3- الخلاف 2:56.
4- الخلاف 2:57:و انظر المنتهى 1:495.
5- في ص:2327.
6- المبسوط 1:206،الخلاف 2:57.
7- الوسائل 9:121 أبواب زكاة الأنعام ب 8.

سلامتهما عما يصلح للمعارضة.

الشرط الرابع أن لا تكون عوامل

الشرط الرابع: أن لا تكون عوامل بالنصّ (1)و الإجماع.و ما يخالفه (2)فشاذّ محمول على الاستحباب أو التقية،لكونه مذهب بعض العامة (3).

و المعتبر فيه الصدق العرفي طول الحول،و لا يقدح النادر الغير المنافي له،كما مرّ في السوم.

اللواحق

و أما اللواحق فمسائل أربع:

الأُولى الشاة المأخوذة في الزكاة

الاُولى الشاة المأخوذة في الزكاة أقلّها الجذع مطلقاً (4) أقلّها الذي لا يجزي دونه الجَذَع بفتحتين من الضأن،أو الثنِيّ من المعز على الأظهر الأشهر،بل لا خلاف فيه يعرف،و لا ينقل إلّا في الشرائع،فقد حكى فيه القول بكفاية ما يسمّى شاة (5)،و القائل به غير معروف و لا منقول،فهو نادر،بل على خلافه الإجماع في الغنية و الخلاف (6)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النبوية المنجبرة سنداً و دلالةً بالشهرة،و فيها:« نُهينا أن نأخذ المراضع،و أُمِرنا أن نأخذ الجَذَعة و الثنِيّة» (7).

ص:49


1- الوسائل 9:118 أبواب زكاة الأنعام ب 7.
2- الوسائل 9:121 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 8.
3- كما في مغني المحتاج 1:380.
4- أي في الإبل و الغنم.
5- الشرائع 1:147.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):568،الخلاف 2:24.
7- سنن النسائي 5:39 30،المغني 2:474 و فيهما بتفاوت و قد نقلها في المعتبر 2:512.

خلافاً لجماعة من أفاضل متأخّري المتأخرين (1)فوافقوا القائل المزبور؛ لإطلاق النصوص و ضعف الرواية و الإجماع المنقول.

و هما كما ترى:أمّا الثاني فلما مضى.و أمّا الأوّل فلعدم معلوميّة انصرافه إلى خلاف ما عليه المشهور،لو لم نقل بتعيّن انصرافه إليه،بل فصاعداً لحكم التبادر و غيره مما دلّ على تعلّق الزكاة في العين و وجوب حول الحول عليها،فلا يكون بعد ذلك إلّا وجوب شاة يكون سنّها سنة لا أقلّ منها،و لكن لما كان لا تجب هذه بخصوصها في الجملة إجماعاً فتوًى و نصّاً تعيّن ما يقرب منها سنّاً.

و اعلم:أنّه قد اختلف كلمة أهل اللغة في بيان سنّ الفريضتين على أقوال في الأُولى،و منها أنّها ما له سنة كاملة،و منها ستّة أشهر،و منها سبعة، و منها ثمانية،و منها عشرة.

و على قولين في الثانية،أحدهما:أنَّها ما دخلت في السّنة الثالثة، و الثاني:ما دخلت في الثانية.

لكن التفسير الأوّل في الفريضتين أشهر بينهم،كما صرّح به في الثانية جماعة (2)،و في الاُولى صاحب مجمع البحرين،بل ذكر أنّه الصحيح بين أصحابنا أيضاً (3).

أقول: بل المستفاد من كلمات مَن وقفت على كلماته في المسألة، كالشيخ في المبسوط،و الفاضل في التحرير و المنتهى و التذكرة،و الشهيد

ص:50


1- كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4:77،و السبزواري في الذخيرة 1:436،و صاحب الحدائق 12:66.
2- انظر الذخيرة:437،الحدائق 12:68.
3- مجمع البحرين 4:310.

الثاني في الروضة (1)،و غيرهم (2)،و هو المفهوم من الحلّي (3):أنّها ماله سبعة،و ربما يُحكى عن بعضهم أنّها ستة (4)،و ظاهر هؤلاء التفسير الثاني في الفريضة الثانية،و ادّعى الشهرة عليه جماعة (5).

و ما اختاروه رضوان اللّه عليهم في المقامين أوفق بأصالة البراءة، و لكن الأحوط ما عليه جمهور أهل اللغة تحصيلاً للبراءة اليقينية.

و يجزي الذكر و الأُنثى سواءً كان النصاب كلّه ذكراً أو أنثى أو ملفقاً منهما،إبلاً كان أو غنماً،كان الذكر حيثما ما يدفع في نصاب الغنم الإناث بجميعها بقيمة واحدة منها أم لا،وفاقاً لجماعة و منهم:الشيخ في المبسوط و الفاضل في جملة من كتبه (6)؛ للإطلاقات.

خلافاً للأوّل في الخلاف،فعيّن الأُنثى في الإناث من الغنم مطلقاً (7).

و للثاني في المختلف،ففصّل فيها فجوّز الذكر إذا كان بقيمة واحدة منها، و منع في غيره (8).

و لعلّ وجهه تعلّق الزكاة بالعين،فلا بُدّ في دفعها منها أو من غيرها مع اعتبار القيمة.

ص:51


1- المبسوط 1:199،التحرير:62،المنتهى 1:491،التذكرة 1:213،الروضة 2:27.
2- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:305.
3- السرائر 1:448.
4- كما في مفاتيح الشرائع 1:353.
5- الذخيرة:666،مفاتيح الشرائع 1:353،الحدائق 17:90.
6- المبسوط 1:200،و الفاضل في المنتهى 1:83،و التحرير 1:59،و الإرشاد 1:281.
7- الخلاف 2:25.
8- المختلف:192.

و لا يخلو عن مناقشة،فإنّ الزكاة المتعلّقة بالعين ليس إلّا مقدار ما جعله الشارع فريضة لا بعض آحادها بخصوصها،و إلّا لما تصوّر تعلّقها بالإبل،بل و لا الغنم،حيث يجوز دفع الجذعة عنها كما مرّ.و حينئذٍ فننقل الكلام في الفريضة،و هي على ما وصلت إلينا من الشرع من جهة الإطلاق الشاة بقول مطلق،و هو يصدق على الذكر و الأُنثى لغةً و عرفاً.

و بالجملة فما ذكره الماتن و غيره أقوى،و إن كان ما في المختلف أحوط و أولى.

و بنت المخاض هي التي دخلت في السنة الثانية،و بنت اللبون هي التي دخلت في الثالثة،و الحِقّة هي التي دخلت في الرابعة،و الجَذَعة من الإبل هي التي دخلت في الخامسة بلا خلاف في شيء من ذلك أجده بين أصحابنا،و لا بين أهل اللغة.

و التبيع من البقر هو الذي يستكمل سنة و يدخل في الثانية، و المسنّة هي التي تدخل في الثالثة بلا خلاف أجده و لا أحد نقله،بل يفهم الإجماع عليه من جماعة (1)،و لكن الموجود في اللغة في تفسير الأوّل أنّه ما كان في السنة الأُولى (2)،و هو أعم من استكمالها،إلّا أنّه لا إشكال في اعتباره،للإجماع عليه فتوًى و نصّاً،ففي الصحيح:« في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي» (3).

و لا يجوز أن تؤخذ الربّى بضم الراء و تشديد الباء،في

ص:52


1- كالعلّامة في المنتهى 1:487.
2- كما في القاموس 3:8،و الصحاح 3:1190.
3- الكافي 3:/534 1،التهذيب 4:/24 57،الوسائل 9:114 أبواب زكاة الأنعام ب 4 ح 1.

مجمع البحرين:قيل:هي الشاة التي تربّى في البيت من الغنم لأجل اللبن، و قيل:هي الشاة القريبة العهد بالولادة،و قيل:هي الوالد ما بينها و بين خمسة عشر يوماً،و قيل:ما بينها و بين عشرين يوماً،و قيل:ما بينها و بين شهرين،و خصّها بعضهم بالمعز،و بعضهم بالضأن (1).

أقول: و المشهور بين الأصحاب من هذه التفاسير هو ما عدا الأوّل، و علّلوا المنع بعد اتّفاقهم عليه على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (2)تارةً بأنّ فيه إضراراً بولدها،و أُخرى بأنّها مريضة كالنفساء (3).

و الأجود الاستدلال عليه بالموثّق:« و لا تؤخذ الأكولة» و الأكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم« و لا والدة و لا الكبش الفحل» (4).

و قريب منه الصحيح:« ليس في الأكيلة و لا في الرُّبّى التي تربّي اثنين و لا شاة لبن و لا فَحل الغنم صدقة» (5)بناءً على حمله على عدم الأخذ لا عدم العدّ،للإجماع على عدّ الرُّبّى و شاة اللبن،كما في المدارك (6)و غيره (7)،لكن فيه تفسيرها بالتي تربّي اثنين،أو تقييد المنع بها خاصّة، و لا قائل بهما.

ص:53


1- مجمع البحرين 2:65.
2- الحدائق 12:70.
3- كما في المعتبر 2:514،و المنتهى 1:485،و المسالك 1:54.
4- الكافي 3:/535 2،الفقيه 2:/14 38،الوسائل 9:125 أبواب زكاة الأنعام ب 10 ح 2.
5- الكافي 3:/535 2،الفقيه 2:/14 37،السرائر 3:606،الوسائل 9:124 أبواب زكاة الأنعام ب 10 ح 1.
6- المدارك 5:107.
7- مفاتيح الشرائع 1:200.

و هل يجوز أخذها مع رضا المالك بدفعها كما عليه الفاضلان (1)،أم لا كما عليه شيخنا الشهيد الثاني (2)؟قولان،مبنيّان على الاختلاف في تعليل المنع بما مرّ،فمن علله بالأوّل قال بالأوّل،و من علله بالثاني قال بالثاني.و لا ريب أنّ هذا أحوط،سيّما مع تأيّده بظاهر إطلاق النصّ،لكن ربما يستفاد من المنتهى عدم الخلاف في الأوّل (3).

هذا إذا لم تكن المأخوذة منها جُمَع رُبّى،و إلّا فلم يكلّف غيرها قولاً واحداً.

و لا المريضة كيف كان و لا الهرمة المُسّنة عرفاً و لا ذات العوار مثلّثة العين،مطلق العيب،إجماعاً على الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (4)؛ و للصحيح (5)و غيره (6)الواردين في الأخيرين،و يلحق بهما الأوّل،لعدم قائل بالفرق.

و فيهما:« إلّا أن يشاء المصدّق» و لم أَرَ مفتياً بهذا الاستثناء صريحاً.

هذا إذا وُجد في النصاب صحيحٌ في النصاب صحيحٌ مثلاً،فلو كان كلّه مريضاً لم يكلّف شراء صحيحة إجماعاً،كما يأتي إن شاء اللّه تعالى (7).

و لا تعدّ في النصاب الأكولة بفتح الهمزة،و هي المعدّة

ص:54


1- المعتبر 2:514،التذكرة 1:215.
2- الروضة 2:27.
3- المنتهى 1:485.
4- كالمدارك 5:104،و الحدائق 12:65،و الذخيرة:437.
5- التهذيب 4:/25 59،الإستبصار 2:/23 62،الوسائل 9:116 أبواب زكاة الأنعام ب 6 ح 2.
6- التهذيب 4:/20 52،الإستبصار 2:/19 56،الوسائل 9:125 أبواب زكاة الأنعام ب 10 ح 3.
7- في ص 2317.

للأكل و لا فحل الضراب و هو المحتاج إليه لضرب الماشية عادة،فلو زاد كان كغيره في العدّ.

و الحكم بعدم عدّهما خيرة الماتن هنا،و الفاضل في الإرشاد (1)، و الشهيدين في اللمعة و شرحها (2)؛ لظاهر الصحيح الماضي في الرُّبّى.

خلافاً للأكثر،بل المشهور كما قيل (3)،فيعدّان؛ للإطلاقات،مع قصور الصحيح عن مكافأتها،لقصوره دلالةً بقوة احتمال كون المراد منه عدم الأخذ بقرينة ما مضى،مضافاً إلى التعبير به في الموثق (4)،فيهما و في الرُّبّى،و هو متّفق عليه بيننا،إلّا أن يرضى المالك فيعدّان بلا خلاف،كما في المنتهى (5).

و استقرب في البيان عدم عدّ الفحل (6)،إلّا أن يكون كلها فحولاً أو معظمها،فيعدّ؛ و مستنده غير واضح.

و خير هذه الأقوال أوسطها،مع كونه أحوط و أولى.

المسألة الثانية

الثانية: من وجب عليه سنّ من الإبل و ليست عنده و عنده أعلى منها بسنّ واحد دفعها و أخذ شاتين أو عشرين درهماً،و لو كان عنده الأدون منها بسنّ دفعها دفع و معها شاتين أو عشرين درهماً بلا خلاف أجده إلّا من الصدوقين (7)،فجعلا التفاوت بين بنت المخاض و بنت

ص:55


1- الإرشاد 1:281.
2- الروضة 2:27.
3- الحدائق 12:69.
4- المتقدم في ص:2311.
5- المنتهى 1:485.
6- البيان:292.
7- نقله عن والد الصدوق في المختلف:176،الصدوق في المقنع:49.

اللبون شاة يأخذها المصدّق أو يدفعها؛ للرضوي (1).و هو نادر،بل على خلافه الإجماع في جملة من العبائر،كالمنتهى و التذكرة و غيرهما من كتب الجماعة (2)،مضافاً إلى المعتبرة،و فيها الصحيح المروي في الفقيه (3)و غيره (4).

و إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين ما لو كانت قيمة الواجب السوقية مساوية لقيمة المدفوع على الوجه المذكور،أم زائدة عليها،أم ناقصة،عنها.

و هو مشكل في صورة استيعاب قيمة المأخوذ من المصدّق لقيمة المدفوع إليه؛ لاختصاص الإطلاق بحكم التبادر و غيره بغيرها.مع أنّ العمل به فيها يوجب عدم وجوب الزكاة،لأنّ المؤدّي لها على هذا الوجه كأنّه لم يؤدّ شيئاً،فعدم الإجزاء فيها في غاية القوّة،كما عليه جماعة (5)حاكين له عن التذكرة.

و احترز بالإبل و السنّ الواحد عمّا عدا أسنان الإبل و السنّ و المتعدّد؛ لعدم الإجزاء،و وجوب القيمة السوقية فيهما.

بلا خلاف في الأوّل كما في التذكرة و غيرها (6)؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم الفريضة بعينها مع الإمكان و بدلها مع العدم و هو القيمة السوقية كائنة ما كانت على مورد النصّ و الفتوى،و هو سنّ الإبل

ص:56


1- فقه الرضا(عليه السلام):196،المستدرك 7:59 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 3.
2- المنتهى 1:483،التذكرة 1:208؛ و انظر مجمع الفائد 4:83،المدارك 5:83،مفاتيح الشرائع 1:201.
3- الفقيه 2:/12 33،الوسائل 9:127 أبواب زكاة الأنعام ب 13 ح 1.
4- الكافي 3:/539 7،التهذيب 4:/95 273،الوسائل 9:128 أبواب زكاة الأنعام ب 13 ح 2.
5- منهم:صاحب المدارك 5:84،و الحدائق 12:54.
6- التذكرة 1:208،و انظر مفاتيح الشرائع 1:201.

خاصّة.

و عليه أكثر المتأخّرين تبعاً للحلّي (1)في الثاني؛ لعين الدليل الماضي.

خلافاً للمبسوط و المختلف و الحلبي (2)،فيجزي؛ لأمر اعتباري لا يكاد يفرّق بينه و بين القياس الخفيّ،و إن زعم كونه من باب تنقيح المناط القطعي.و نحوه في الضعف القول بالاكتفاء بالجبر بشاة و عشرة دراهم،كما عن التذكرة (3)و شيخنا الشهيد الثاني (4).

و بالجملة: حيث كان الحكم في المسألة مخالفاً للأُصول لزم الاقتصار فيه على مورد الفتاوى و النصوص.

و يجزي ابن اللبون الذكر عن بنت المخاض مع عدمها من غير جبر مطلقاً (5)،بغير خلاف ظاهر،مصرّح به في بعض العبائر (6)،و عن التذكرة الإجماع عليه (7)؛ للنصوص المستفيضة و فيها الصحاح و غيرها:« إن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر» (8).

و هل يجزي عنها مع وجودها الأظهر لا؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النصّ و الفتوى،و هو الإجزاء بشرط عدمها،مع أنّه قضيّة الشرط فيها.

ص:57


1- السرائر 1:435،المعتبر 2:516،المدارك 5:85،الذخيرة:438.
2- المبسوط 1:195،المختلف:177،و الحلبي في الكافي:167.
3- التذكرة 1:208.
4- كما في المسالك 1:53.
5- أي:و إن أمكنه شراؤها.
6- مفاتيح الشرائع 1:200.
7- التذكرة 1:208.
8- الوسائل 9:127 أبواب زكاة الأنعام ب 13.

مع أنّا لم نقف على مصرّح الإجزاء مطلقاً عدا الفاضل المقداد في التنقيح،فقال:الفتوى على الإجزاء مطلقاً اختياراً و اضطراراً،لكونه أكبر منها سنّاً (1).

و فيه:أن الأكبرية سنّاً لا دليل على اعتبارها،و إنّما المعتبر الفريضة الشرعية أو ما يقوم مقامها في الشريعة،و هو هنا ابن اللبون مع فقدها خاصّة،أو مع وجودها أيضاً إن ساوى قيمته قيمتها،أو زادت عليها و جوّزنا إخراج القيمة مطلقاً و الأوّل خارج عن مفروضنا،و الثاني أخصّ من المدّعى (2).

و لو عدمهما معاً تخيّر في شراء أيّهما شاء،كما عليه الشيخ في الخلاف و الفاضلان (3)،معربين عن كونه موضع وفاق بين علمائنا و أكثر العامة العمياء.

خلافاً لبعضهم (4)،فعيّن شراء بنت مخاض،و ربما يظهر من بعضنا وقوع الخلاف فيه بيننا (5).

و لا ريب أن شراءها أحوط و أولى،و إن كان التخيير أظهر و أولى فتوًى،لما مضى،و لأنّه بشراء ابن اللبون يكون له واجداً فيكون عنها مجزياً.

و يجوز أن يدفع عما يجب في النصاب مطلقاً من النعم الثلاثة كان أو غيرها من النقدين و الغلّات من غير الجنس بالقيمة

ص:58


1- التنقيح الرائع 1:306.
2- لأنّ المدّعى جواز إخراج ابن اللبون الذكر عن الفريضة مطلقاً و لو كان قيمته أدون من قيمتها و منعنا عن إخراج القيمة في الأنعام.منه رحمه اللّه.
3- الخلاف 2:11،الفاضلان في الشرائع 1:146،و المنتهى 1:484.
4- المغني لابن قدامة 2:442،بداية المجتهد 1:261.
5- كالشهيد الثاني في المسالك 1:53.

السوقية بلا خلاف أجده فيما عدا النعم،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة، و منهم الفاضل في التذكرة (1)؛ للصحيحين (2)و غيرهما (3).

و على الأقوى فيها أيضاً،و هو الأشهر بين أصحابنا،حتى أنّ الشيخ رحمه الله في الخلاف حكى عليه إجماعنا (4)؛ و هو الحجة المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،و فتوى من لا يرى العمل إلّا بالأدلّة القطعيّة، كالمرتضى و الحلي (5)مدّعياً في ظاهر كلامه الإجماع عليه أيضاً؛ و بما استدلّ عليه جماعة من أنّ المقصود من الزكاة دفع الخلّة و سدّ الحاجة، و هو يحصل بالقيمة كما يحصل بالفريضة،و أنّ الزكاة إنّما شرّعت جبراً للفقراء و معونةً لهم،و ربما كانت القيمة أنفع في بعض الأزمنة،فكان التسويغ مقتضى الحكمية (6).

هذا مضافاً إلى عموم بعض النصوص،كالمروي في قرب الإسناد:

عيال المسلمين أُعطيهم من الزكاة،فأشتري لهم منها ثياباً و طعاماً،و أرى أنّ ذلك خير لهم،فقال:« لا بأس» (7).

ص:59


1- التذكرة 1:225.
2- الأوّل:الكافي 3:/559 1،الفقيه 2:/16 52،التهذيب 4:/95 271،الوسائل 9:167،أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 14 ح 1.الثاني:3:/559 2،الفقيه 2:/16 51،التهذيب 4:/95 272،قرب الإسناد:/229 896،الوسائل 9:167 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 14 ح 2.
3- الوسائل 9:167 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 14.
4- الخلاف 2:50.
5- الانتصار:81،السرائر 1:446.
6- الاستدلال موجود في التذكرة 1:225،و المنتهى 1:504.
7- قرب الإسناد:/49 159،الوسائل 9:168 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 14 ح 4.

و الزكاة فيه مطلق يشمل المخرَجة من الأنعام و غيرها،و قد سوّغ عليه السلام إخراجها بالقيمة من غير استفصال،و هو يفيد العموم،كما مرّ في غير مقام،و قصور السند منجبر بما مرّ،مع أنّه موثّق،و هو حجّة على الأظهر.

خلافاً للمفيد،فعيّن الفريضة إلّا مع العجز عنها فالقيمة (1)؛ للأُصول المتقدمة،و هي بما قدّمناه من الأدلّة مخصّصة،هذا.

و لا ريب أن إخراج الجنس أفضل مطلقاً،كما صرّح به الحلّي و غيره (2)؛ لظاهر بعض الأخبار:قلت:أ يشتري الرجل من الزكاة الثياب و السويق و الدقيق و البطيخ و العنب فيقسّمه؟قال:« لا يعطيهم إلّا الدراهم،كما أَمَرَ اللّه تعالى» (3).

و في قوله:« كما أمَرَ اللّه تعالى» إشعار بأنّ الزكاة المسئول عن جواز إخراج قيمتها إنّما هو الدراهم،و إلّا فليس المأمور به من اللّه سبحانه في كل جنس إلّا ما يجانسه لا الدراهم مطلقاً،و عليه فقوله عليه السلام:« لا يعطيهم إلّا الدراهم» وارد على زكاتها،و يكون قوله:« كما أمر اللّه تعالى» مشعراً بل ظاهراً في عموم المنع و ثبوته مطلقاً،و ظاهره و إن أفاد المنع و الحرمة لكنّه محمول على الكراهة جمعاً بين الأدلّة.

و يتأكّد الإخراج من الجنس في النعم خروجاً عن شبهة الخلاف فيه فتوًى و نصّاً،و هي التي أوجبت التأكّد فيها،و لولاها لكان سبيل النعم في مرتبة الفضيلة سبيل غيرها.

ص:60


1- المقنعة:253.
2- السرائر 1:451؛ و انظر القواعد 1:54،و الحدائق 12:139.
3- الكافي 3:/559 3،الوسائل 9:168 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 14 ح 3.
الثالثة إذا كانت النعم مِراضاً لم يكلّف صحيحة

الثالثة:إذا كانت النعم كلّها مِراضاً لم يكلّف المالك بشراء صحيحة بإجماعنا الظاهر المحكي في صريح الخلاف و ظاهر المنتهى و غيره (1)؛ و هو الحجّة المعتضدة بالأصل،و الإطلاقات السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا ما مرّ من إطلاق ما دلّ على المنع عن أخذ نحو العوراء و الهرمة (2)،و هو مخصوص بحكم التبادر و الغلبة بغير مفروض المسألة، و هو ما إذا كان كلّها صحاحاً أو ملفقّةً منها و من المِراض.

و يجوز أن يدفع عن الشاة الواجبة في زكاة الإبل و الغنم من غير غنم البلد الذي وجب فيه الزكاة و لو كانت الشاة المدفوعة عن الفريضة أدون من غير فرق في ذلك بين زكاة الإبل و الغنم،على ما يقتضيه إطلاق العبارة هنا و في الشرائع و الخلاف و غيرها (3)،و به صرّح بعض أصحابنا (4)؛ و لعله لعموم الأدلّة و إطلاقاتها.

خلافاً للشهيدين و غيرهما (5)،فقيّدوا ذلك بزكاة الإبل،و اشترطوا في غيرها أخذ الأجود أو الأدون بالقيمة،لا فريضة؛ و وجهه غير واضح،و إن كان أحوط و أولى.

الرابعة لا يجمع بين متفرّق في الملك

الرابعة: لا يجمع بين متفرّق في الملك فلا يضمّ مال إنسان بغيره و إن كانا في مكان واحد،بل يعتبر النصاب في مال كلّ واحد.

ص:61


1- الخلاف 2:15،المنتهى 1:485؛ و انظر المدارك 5:104،و الذخيرة 437،و الحدائق 12:66.
2- المتقدمة في ص:231.
3- الشرائع 1:149،الخلاف 2:17؛ و انظر التذكرة 1:213،و التحرير:59.
4- انظر المدارك 5:107.
5- الشهيد الأوّل في الدروس 1:235،و الشهيد الثاني في المسالك 1:54،و انظر المنتهى 1:504.

و لا يفرّق بين مجتمع فيه فلا يفرّق بين مالي مالك واحد و لو تباعد مكانهما.

و لا خلاف في الثاني بين العلماء ظاهراً،بل عليه الإجماع في المنتهى،و كذا في الأوّل إن لم يختلط المالان مطلقاً،و أمّا مع الاختلاط ففيه خلاف بينهم.و الذي عليه علماؤنا ظاهراً من غير خلاف بينهم أجده،بل عليه الإجماع في صريح الخلاف و غيره (1)،و ظاهر السرائر و المنتهى (2) و غيرهما (3):أنّه لا اعتبار بالخلطة مطلقاً سواء كان خلطة أعيان، كأربعين بين شريكين أو ثمانين بينهما مشاعةً،أو خلطة أوصاف،كالاتّحاد في المَرعى و المشرب و المراح مع تميّز المالين؛ للنبوي:« إذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين فليس فيه صدقة» (4).

و في آخر:« مَن لم يكن له إلّا أربعة من الإبل فليس فيها صدقة» (5)و نحوه المرتضوي الخاصّي (6).

و لا فرق بين مواردها و غيرها إجماعاً على الظاهر المحكي في ظاهر المنتهى (7).

و للمروي في العلل:قلت له:مأتي درهم بين خمسة أُناس أو عشرة

ص:62


1- الخلاف 2:35؛ مفاتيح الشرائع 1:195،و انظر التنقيح 1:307.
2- السرائر 1:451،المنتهى 1:504.
3- كالشهيد في البيان:293،و صاحب المدارك 5:66،و صاحب الحدائق 12:82.
4- سنن البيهقي 4:85.
5- سنن البيهقي 4:86.
6- الكافي 3:/539 7،التهذيب 4:/95 273،الوسائل 9:111 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 5.
7- المنتهى 1:504.

حال عليها الحول و هي عندهم،أ تجب عليهم زكاتها؟قال:« لا،هي بمنزلة تلك» يعني جوابه في الحرث« ليس عليهم شيء حتى يتمّ لكلّ إنسان منهم مائتا درهم» قلت:و كذلك في الشاة و الإبل و البقر و الذهب و الفضة و جميع الأموال؟قال:« نعم» (1).

و في جملة من المعتبرة العاميّة و الخاصّية و فيها الصحيح و غيره:

« لا يفرّق بين مجتمع و لا يجمع بين متفرق» (2).

و ظاهرها على ما عقله أصحابنا الدلالة على مطلوبنا،لا ما زعمته هؤلاء،كما صرّح به في السرائر (3)،و كذا في المنتهى،فقال بعد أن احتجّ لهم على اعتبار الخلطة بها-:الجواب أنّه حجّة لنا،لأن المراد أن لا يجمع بين متفرّق في الملك و لا يفرّق بين مجتمع فيه،و لا اعتبار بالمكان و إلّا لزم أن لا يجمع بين مال الواحد إذا تفرّق في الأمكنة،و هو منفيّ إجماعاً (4)، إلى آخر ما ذكره رحمه اللّه تعالى.

و لا ضير في قصور الأسانيد أو ضعفها حيث كان بعد الانجبار بعمل الأصحاب و الإجماعات المنقولة في كلمة الأعيان.

القول في زكاة الذهب و الفضّة

القول في زكاة الذهب و الفضّة.

و يشترط في الوجوب فيهما زيادةً على الشروط العامّة النصاب

ص:63


1- علل الشرائع:/374 1،الوسائل 9:151 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 5 ح 2.
2- الوسائل 9:126 أبواب زكاة الأنعام ب 11،سنن ابن ماجة 1:/576 1801.
3- السرائر 1:451.
4- المنتهى 1:504.

و الحول بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى (1)،بل إجماعهم كما في المدارك في الثاني (2).و لا شبهة فيهما؛ لما مضى و يأتي.

و كونهما منقوشين بسكة المعاملة الخاصّة بكتابة و غيرها،بلا خلاف فيه بين علمائنا ظاهراً،بل عليه إجماعهم في صريح الانتصار و المدارك و غيرهما (3)،و نصوصهم به مستفيضة جدّاً كما ستقف عليها إن شاء اللّه تعالى.

و صرّح جماعة (4)بأنّه لا يعتبر التعامل بهما فعلاً،بل متى تعومل بهما وقتاً ما تثبت الزكاة فيها و إن هجرت؛ و لم أَرَ فيه خلافاً.

و ربما يعضده بعض النصوص:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إنّي كنت في قرية من قُرى خراسان،فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضّة و ثلث مِسّاً و ثلث رصاصاً،و كانت تجوز عندهم،و كنت أعملها و أُنفقها،قال،فقال:

« لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم» قال،قلت:أ رأيت إن حال عليها الحول و هي عندي و فيها ما تجب فيه الزكاة أُزكّيها؟قال:« نعم،إنّما هو مالك» قلت:فإنّي أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها،فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أُزكّيها؟قال:« إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضة الخالصة ما تجب عليك فيه الزكاة فزكّ ما كان لك فيها من الفضة الخالصة و دَعْ ما سوى ذلك من الخبث» قلت:و إن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلّا أنّي أعلم أنّ فيها ما تجب فيه الزكاة،قال:« فاسبكها حتى تخلص الفضة

ص:64


1- المنتهى 1:492.
2- المدارك 5:117.
3- الانتصار:80،المدارك 5:115،الذخيرة:439.
4- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة 4:86،و صاحب المدارك 5:116،و السبزواري في الذخيرة:439.

و يحترق الخبث ثم تزكّي ما خلص من الفضة لسنة واحدة» (1).

و ضعف السند مجبور بالعمل،و الموافقة لإطلاق ما دلّ على ثبوت الزكاة في النقد المنقوش (2).

مضافاً إلى إطلاق ما دلّ على ثبوتها في الذهب و الفضة مطلقاً،خرج نحو السبائك و النقار ممّا لم ينقش أصلاً إجماعاً،فتوًى و نصّاً،و بقي غيره داخلاً،فتأمّل جدّاً.

مع أنّ في جملة من النصوص:« إنّما هي على الدنانير و الدراهم» (3)و هما عامّان يتناولان المفروض و لو لم يتبادر منهما.

و يستفاد من الرواية أنّه لا زكاة في المغشوش منهما ما لم يبلغ الصافي نصاباً،فتجب فيه خاصّة.و لا خلاف فيهما بين أصحابنا ظاهراً، و يفهم من الخلاف و المنتهى (4)،و صرّح به بعض متأخّرينا (5)،و بالوفاق غيرهما (6)؛ و هو الحجّة الجابرة لضعفها مضافةً إلى عموم الأدلّة على نفيها عمّا لم يبلغ منهما نصاباً و ثبوتها فيما بلغه منهما،و إن كان ربما يستشكل في هذا (7)؛ لكنّه ضعيف جدّاً.

ص:65


1- الكافي 3:/517 9،الوسائل 9:153 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 7 ح 1 بتفاوت.
2- الوسائل 9:154 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8.
3- الوسائل 9:155 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 ح 3 و 5.
4- الخلاف 2:76،المنتهى 1:494.
5- كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4:98،99.
6- كصاحب الحدائق 12:92.
7- بأنه إنَّما تجب فيهما إذا كانتا مسكوكتين دراهم و دنانير،و معلوم أن المسكوك ليس بدنانير و لا دراهم،و وجودهما في المسكوك منهما و من غيرهما غير معلوم كونه موجباً للزكاة.ذكر هذا الإشكال المقدس الأردبيلي رضى الله عنه(مجمع الفائدة 4:98)لكنه قال:إلّا أنَّ الظاهر أنه لا قائل بعدم الوجوب،قال:و يدلُّ عليه رواية زيد الصائغ،ثم ساقها كما قدمنا ثم قال:و لا يضرّ عدم صحة السند،للتأيد بالشهرة بل عدم الخلاف عندهم على الظاهر.منه عفي عنه و عن والديه.

و منه يظهر وجه ما في المنتهى و غيره:أنه لو كان معه دراهم مغشوشة بذهب أو بالعكس و بلغ كلّ من الغشّ و المغشوش النصاب وجب الزكاة فيهما (1).

و يجب الإخراج من كلّ جنس بحسابه إن علم،و إلّا توصّل إليه بالسبك إن لم يتسامح المالك بما يحصل له به يقين البراءة،وفاقاً للمحكي عن الشيخ و جماعة (2)؛ تحصيلاً للبراءة اليقينية،و التفاتاً إلى ظاهر الرواية المتقدمة المنجبر ضعفها بالقاعدة.

خلافاً للفاضلين و جماعة ممّن تأخّر عنهما (3)،فاستوجهوا الاكتفاء بما يتيقّن اشتغال الذمّة و طرح المشكوك فيه؛ عملاً بأصالة البراءة،و بأنّ الزيادة كالأصل،و كما تسقط الزكاة مع الشك في بلوغ الصافي النصاب، فكذا تسقط مع الشك في بلوغ الزيادة نصاباً آخر.

و في الدليلين نظر،أمّا الأوّل:فلعدم جريانه إلّا فيما لم يثبت فيه تكليف أصلاً،أما ما يثبت فيه و لو مجملاً فلا،بل لا بُدّ فيه من تحصيل البراءة اليقينية عملا بالاستصحاب.

و به يظهر ضعف الثاني،و أنّه قياس مع الفارق،و هو تيقّن التكليف و لو

ص:66


1- المنتهى 1:494.
2- حكاه عن الشيخ في المنتهى 1:494؛ و انظر المبسوط 1:21،و الشرائع 1:151،و البيان:301،و المسالك 1:55.
3- المحقق في المعتبر 2:525،و العلّامة في المنتهى 1:494،و التذكرة 1:216،و صاحب المدارك 5:122؛ و انظر مجمع الفائدة 4:98،100،و الذخيرة:440.

بالمجمل في الفرع [المصنوع] و عدمه مطلقاً في الأصل.

مع أنّه يمكن المناقشة في حكمه (1):بعدم دليل عليه غير ما يقال:

من أنّ بلوغ النصاب شرط و لم يعلم حصوله،فأصالة البراءة لم يعارضها شيء (2).

و فيه:أنّ مقتضى الأدلّة وجوب الزكاة في النصاب،و هو اسم لما كان نصاباً في نفس الأمر من غير مدخلية للعلم به في مفهومه،و حينئذٍ فيجب تحصيل العلم و التفحص عن ثبوته و عدمه في نفس الأمر و لو من باب المقدمة.

لكن ظاهر كلمة مَن وقفت عليه من الأصحاب الإطباق على عدم الوجوب هنا،فإن تمّ إجماعاً،و إلّا فالأحوط الاستعلام،أو إخراج ما تيقّن معه بعدم اشتغال الذمة،كما صرّح به بعض متأخّري المتأخرين (3)،و إن كان ما ذكروه لا يخلو عن قوة،لإمكان دفع المناقشة بما هنا ليس محلّه.

و اعلم:أنّ لكلّ من النقدين نصابين و في قدر النصاب الأوّل من الذهب بل الثاني منه أيضاً روايتان (4)أشهرهما أنّه عشرون ديناراً كما في جملة،أو عشرون مثقالاً كما في أُخرى،و المعنى واحد قطعاً، و يستفاد من بعضها أيضاً ففيها عشرة قراريط نصف دينار.

ثم كلّما زاد أربعة دنانير ففيها قيراطان عُشر الدينار ربع عُشرها مضافاً إلى ما في العشرين ديناراً من النصف.

ص:67


1- و هو عدم وجوب الزكاة.منه رحمه اللّه.
2- كما في التذكرة 1:216.
3- انظر مجمع الفائدة و البرهان 4:99،100،و الذخيرة:441.
4- الوسائل 9:137 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1.

ثم على هذا الحساب في كلّ عشرين نصف دينار،و في كلّ أربعة بعدها قيراطان.

و ليس فيما نقص عن العرين،و عن كلّ أربعة زكاة و هي مع ذلك في الأوّل (1)مستفيضة بل متواترة،و فيها الصحاح و الموّثقات و غيرهما،و في الثاني جملة من المعتبرة.

ففي الصحيح:« ليس على الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالاً،فإذا بلغ عشرين مثقالاً ففيه نصف مثقال،إلى أن يبلغ أربعة و عشرين ففيه نصف دينار و عُشر دينار،ثم على هذا الحساب حتى زاد على عشرين أربعة أربعة،ففي كلّ أربعةٍ عُشر،إلى أن يبلغ أربعين مثقالاً ففيه مثقال» (2)الحديث.

و نحوه الموثق (3)و غيره،و فيه:« إذا جازت الزكاة العشرين ديناراً ففي كلّ أربعة دنانير عُشر دينار» (4).

و في الخلاف دعوى الإجماع عليه مطلقاً (5)،و في السرائر من المسلمين في الأوّل منهما و لم ينقل خلافاً في الثاني (6)،كالمتن و المنتهى

ص:68


1- أي:مع الاشتهار في النصاب الأوّل.منه رحمه اللّه.
2- الفقيه 2:/8 26،ذكره في ذيل صحيحة ابن سنان،و الظاهر أنه ليس من تتمة الحديث بل من كلام الصدوق،و لعلّه لذا لم ينقله صاحب الوسائل.نعم،جعله العلّامة في المختلف:178 من تتمة الحديث.
3- الكافي 3:/515 3،التهذيب 4:/6 13،الإستبصار 2:/12 35،الوسائل 9:138 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1 ح 5.
4- الكافي 3:/516 4،الوسائل 9:139 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1 ح 6.
5- أي:ادّعى الإجماع على الرواية الاُولى في النصاب الأوّل و الثاني.الخلاف 2:84.
6- السرائر 1:447.

مدّعياً فيه كونه مذهب علمائنا (1)،و به صرّح أيضاً في المختلف و التنقيح (2)لكن مستثنى منهم والد الصدوق،قالا:فإنّه جعله أربعين مثقالاً،قال:

و ليس في النيّف شيء حتى يبلغ أربعين.

و ظاهر غيرهما كالمتن و غيره كما مرّ اختصاص خلافه بالنصاب الأوّل،حيث جعله أربعين استناداً إلى الرواية الثانية،و هي الموثقة:«في الذهب في أربعين مثقالاً مثقال» إلى أن قال:«و ليس في أقل من أربعين مثقالاً شيء» (3).

و هي لوحدتها و قصور سندها و شذوذها و مخالفتها الإجماع الآن قطعاً لا تصلح لمعارضة شيء ممّا قدّمنا،سيّما مع تأيّده بالإطلاقات كتاباً و سنّةً بوجوب الزكاة في الذهب بقول مطلق،خرج منه ما نقص عن العشرين ديناراً بإجماع المسلمين كافّة،كما في المنتهى و غيره و الأخبار جملة،و تبقى هي فما فوقها تحتها مندرجة،فينبغي طرحها،أو تخصيص الشيء المنفي فيها بالدينار الكامل خاصّة،حملاً للعام على الخاص،أو حملها على التقية،لكونها مذهب جماعة من العامة و إن قلّوا (4)،جمعاً بين الأدلّة و تفادياً من الطرح بالكلية.

و ربما جعل (5)منها الصحيح:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:رجل عنده مائة درهم و تسعة و تسعون درهماً و تسعة و ثلاثون ديناراً،أ يزكيهما؟قال:

« ليس عليهما شيء من الزكاة في الدراهم،و لا في الدنانير حتى تتمّ

ص:69


1- المنتهى 1:493.
2- المختلف:178،التنقيح الرائع 1:309.
3- التهذيب 4:/11 29،الاستبصار 2:/13 39،و رواها في المقنع:50 مرسلة،الوسائل 9:141 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1 ح 13.
4- منهم ابن قدامة في المغني 2:599.
5- كما في مجمع الفائدة 4:94.

أربعين،و الدراهم مائتي درهم» (1).

و فيه:أنه مروي في التهذيب هكذا،و أما في الفقيه فمروي بمتن لا يخالف مختارنا،و هو تبديل تسعة و ثلاثون ديناراً في السؤال بتسعة عشر ديناراً،مع الجواب بنفي الزكاة فيها حتى تتمّ (2).

و هذه النسخة لو لم نقل برجحانها لأضبطيّة المروية فيها و موافقتها لأخبارنا،فلا ريب أنها ليست بمرجوحة بالإضافة إلى الأُولى،فغايتها التساوي،و هو قادح في الاستدلال جدّاً.

و نصاب الفضة الأوّل و هو صفة للنصاب،أي النصاب الأوّل للفضة: مائتا درهم ففيها خمسة دراهم ليس فيما نقص عنها شيء.

و الثاني: كلّما زاد على المائتين أربعين درهماً ففيها زيادة على الخمسة الدراهم مثلاً درهم و هكذا دائماً.

و ليس فيما نقص عن الأربعين زكاة بلا خلاف في شيء من ذلك نصّاً (3)و فتوى،حتى ادّعى في المنتهى و غيره على النصاب الأوّل إجماع المسلمين كافّة (4)،و جعل النصاب الثاني في الأوّل مذهب أصحابنا (5).

و الدرهم الذي قدّر به المقادير الشرعية هنا و في القطع و الديات و الجزية ستة دوانيق على ما صرّح به الأصحاب،من غير خلاف بينهم

ص:70


1- التهذيب 4:/92 267،الإستبصار 2:/38 119،الوسائل 9:141 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1 ح 14.
2- الفقيه 2:/11 32.
3- الوسائل 9:142 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 2.
4- المنتهى 1:439؛ و انظر المعتبر 2:524،و التذكرة 1:215.
5- المنتهى 11:493.

أجده،بل عزاه جماعة منهم إلى الخاصّة و العامة و علمائهم (1)،مؤذنين بكونه مجمعاً عليه بينهم،و صرّح به أيضاً جماعة من أهل اللغة (2) و الدانق بمقدار ثمان حبّات من أوساط حبّات الشعير فيما قطع به الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في المدارك (3)،بل متّفق عليه بينهم،و صرّح به علماء الفريقين كما في رسالة الخال العلّامة المجلسي رحمه الله في تحقيق الأوزان (4)و غيرهما؛ و نقلهم كافٍ في الحجة،و إن لم نقف لهم على حجّة،و به اعترف جماعة (5).

لكن في الخبر بعد الحكم بأنّه ستّة دوانيق:« و الدانق وزن ستّ حبّات،و الحبّة وزن حبّتي شعير من أوسط الحبّ لا من صغاره و لا من كباره» (6).

و هو مخالف لما ذكروه في وزن الدانق،لكنّه ضعيف السند بالجهالة، فلا تصلح للحجية،سيّما و أن يعترض به مثل ما عرفته.

و أشار بقوله: يكون قدر العشرة دراهم سبعة مثاقيل إلى بيان قدر المثقال و ما به يحصل معرفة نسبة الدرهم،و يعلم منه أنّ المثقال

ص:71


1- كالشيخ في الخلاف 2:80،و صاحب المدارك 5:114،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:50،و السبزواري في الذخيرة:440.
2- راجع القاموس 3:241،و مجمع البحرين 6:62،و الصحاح 4:1477،و المصباح المنير:193.
3- المدارك 5:114.
4- رسالة المقادير الشرعيّة(مخطوط).
5- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة 4:97،و صاحب المدارك 5:114،و السبزواري في الذخيرة:440.
6- الفقيه 1:/23 69،التهذيب 1:/135 374،الإستبصار 1:/121 410،الوسائل 1:481 أبواب الوضوء ب 50 ح 3.

درهم و ثلاثة أسباع درهم،و الدرهم نصف المثقال و خُمسه،فيكون العشرون مثقالاً في وزان ثمانية و عشرين درهماً و أربعة أسباع درهم، و المائتا درهم في وزان مائة و أربعين مثقالاً.

قال الخال العلّامة:و هذه النسب مما لا شك فيها و اتّفقت عليها العامّة و الخاصة،كما ظهر مما أسلفناه في المقدمة الأُولى،انتهى (1).

و من جملة ما ذكره في النسب التي نفى الشك فيها نسبة المثقال الشرعي إلى الصيرفي،فقال:هي ثلاثة أرباع الصيرفي،فالصيرفي هو مثقال و ثلث من الشرعي.

أقول: و من هنا يعلم نصاب الفضّة بهذه المحمّديات الجارية في هذه الأزمان المتأخّرة،حيث إن المحمدية منها كما قيل (2)وزن الدينار مثقال شرعي،فيكون النصاب الأوّل منها مائة و أربعين محمديةً.

و لا زكاة في السبائك أي قِطَع الذهب الغير المضروبة،و في معناها قِطَع الفضة المعبّر عنها بالنُّقَر،و كذا التبْر المفسَّر تارةً بتراب الذهب قبل تصفيته،و أُخرى بما يرادف السبائك.

و لا في الحُليّ و إن كان محرّماً،بإجماعنا،و الصحاح المستفيضة و غيرها من أخبارنا.

ففي الصحيح:« كلّ ما لم يكن ركازاً فليس عليك فيه شيء» قال، قالت:و ما الركاز؟قال:« الصامت المنقوش» ثم قال:« إذا أردت ذلك فاسبكه،فإنه ليس في سبائك الذهب و نِقار الفضة شيء من الزكاة» (3).

ص:72


1- رسالة المقادير الشرعيّة للعلّامة المجلسي(مخطوط).
2- قال به صاحب الحدائق 12:90.
3- الكافي 3:/518 8،التهذيب 4:/8 19،الإستبصار 2:/6 13،الوسائل 9:154 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 ح 2.

و فيه:« ليس في نُقَر الفضة زكاة» (1).

و فيه:عن المال الذي لا يعمل به و لا يقلب،قال:« تلزمه الزكاة إلّا أن يسبك» (2).

و في الخبرين:« ليس في التبر زكاة،إنّما هي على الدنانير و الدراهم» (3).

و في الصحاح و غيرها:عن الحُليّ فيه زكاة؟قال:« لا» و زيد في بعضها:« و لو بلغ مائة ألف» (4).

و أمّا ما في المرسل كالصحيح على الصحيح من أنّ: زكاته أي الحُليّ إعارته (5) فمحمول على الاستحباب بلا خلاف.

و يستفاد من الصحيحة الأُولى و قريب منها الثالثة أنه لو قصد بالسبك الفرار من الزكاة قبل الحلول لم تجب الزكاة أيضاً،كما لم تجب مع عدم القصد إجماعاً فتوًى و نصّاً،و عليه أكثر المتأخّرين بل عامّتهم،وفاقاً للمفيد و الحلّي (6)،و من العماني (7)و القاضي (8)،و المرتضى

ص:73


1- الفقيه 2:/9 27،الوسائل 9:154 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 ح 1.
2- الكافي 3:/518 5،التهذيب 4:/7 17،الإستبصار 2:/7 15،الوسائل 9:155 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 ح 4.
3- الأوّل:الكافي 3:/518 9،التهذيب 4:/7 16،الإستبصار 2:/6 14،الوسائل 9:155 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 ح 3.الثاني:التهذيب 4:/7 18،الإستبصار 2:/7 16،الوسائل 9:156 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 ح 5.
4- الوسائل 9:156 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 9.
5- الكافي 3:/518 6،التهذيب 4:/8 22 بتفاوت يسير،الإستبصار 2:/7 19،الوسائل 9:158 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 10 ح 1 و 2.بتفاوت يسير.
6- المقنعة:235،السرائر 1:443.
7- فيما حكاه عنه في المختلف:173.و حكى عنه في موضع آخر منه:179،ما هو صريح في الخلاف و هو غريب.منه رحمه اللّه.
8- المهذب 1:159،شرح جمل العلم و العمل:246.

في بعض كتبه (1)،و الشيخ في النهاية و كتابي الحديث كما قيل (2)؛ لذلك، مضافاً إلى الأصل و إطلاق البواقي (3)،و خصوص المعتبرة المستفيضة الأُخر.

منها:الصحيح:قلت له عليه السلام:رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضاً أو داراً،عليه فيه شيء؟قال:« لا،و لو جعله حُليّا أو نُقَراً فلا شيء عليه فيه،و ما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ اللّه الذي يكون فيه» (4).

و الصحيح:في الذي جعل المال حُليّا أراد أن يفرّ به من الزكاة،أ عليه الزكاة؟قال:« ليس على الحُليّ زكاة،و ما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه و منعه نفسه فضله أكثر مما يخاف من الزكاة» (5).

و في جملة من المعتبرة المروية عن المحاسن و العلل:« لا تجب الزكاة فيما سبك فراراً من الزكاة،أ لا ترى أن المنفعة قد ذهبت منه،فلذلك لا تجب الزكاة» (6).

و قصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بالشهرة العظيمة المتأخّرة بل المطلقة كما حكاه جماعة (7)؛ مضافاً إلى الأصل و الإطلاقات المتقدمة،

ص:74


1- المسائل الطبريّة على ما حكي عنها في السرائر 1:442 و المنتهى 1:495.
2- النهاية:175،التهذيب 4:9،الاستبصار 2:8.
3- أي ما عدا الصحيحة الأُولى و الثالثة.منه رحمه اللّه.
4- الكافي 3:/559 1،الفقيه 2:/17 53،الوسائل 9:159 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 1.
5- الكافي 3:/518 7،التهذيب 4:/9 26،الاستبصار 2:/8 23،علل الشرائع /370 2 بتفاوت يسير،الوسائل 9:160 أبواب زكاة الفضة ب 11 ح 4.
6- علل الشرائع:/370 3،المحاسن:/319 52،الوسائل 9:160 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 2.
7- منهم السبزواري في الذخيرة:440،و المجلس في مرآة العقول 16:36 و الحدائق 12:96.

و عموم:« كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه» (1)فيما إذا حصل الفرار بتبديل العين بغير الجنس،إذ لا قائل بالفرق كما يفهم من كلام المرتضى و غيره (2).

خلافاً لأكثر المتقدّمين على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر، فأوجبوها بالفرار،و منهم:السيّدان في الغنية و الانتصار و المسائل المصرية الثالثة،و الشيخ في الخلاف (3)مدّعين عليه الإجماع؛ لجملة من المعتبرة، و منها الموثّقان (4)،و القوي المروي في مستطرفات السرائر صحيحاً (5)و الرضوي (6).

و أجاب عنها المتأخّرون بقصور الإسناد،و الحمل على الاستحباب أو الفرار بعد الحول،كما في الصحيح في الكافي:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إنّ أباك قال:« من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها» فقال:« صدق أبي،عليه أن يؤدّي ما وجب عليه،و ما لم يجب عليه فلا شيء عليه فيه» ثم قال لي:

« أ رأيت لو أنّ رجلاً أُغمي عليه يوماً ثم مات فذهب صلاته،أ كان عليه و قد

ص:75


1- الكافي 3:/534 1،التهذيب 4:/25 58،الإستبصار 2:/22 61،الوسائل 9:121 أبواب زكاة الأنعام ب 8 ح 1.
2- الانتصار:83،انظر السرائر 1:452،و القواعد 1:54.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):567،الانتصار:83،نقله عن المسائل المصريّة في مجمع الفائدة 4:46،الخلاف 2:77.
4- الأوّل:التهذيب 4:/94 270،الإستبصار 2:/40 122،الوسائل 9:151 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 5 ح 3.الثاني:التهذيب 4:/9 24،الإستبصار 4:/8 21،الوسائل 9:162 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 7.
5- التهذيب 4:25/9،الاستبصار 2:22/8،مستطرفات السرائر:2/21،الوسائل 9:162 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 6.
6- فقه الرضا(عليه السلام):199،المستدرك 7:81 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 6 ح 1.

مات أن يؤدّيها؟» قلت:لا،قال:« إلّا أن يكون أفاق من يومه» ثم قال لي:

« أ رأيت لو أن رجلاً مرض في شهر رمضان ثم مات فيه،أ كان يصام عنه؟ » قلت:لا،قال:« و كذلك الرجل لا يؤدّي عن ماله إلّا ما[حال]عليه» (1).

و في الحمل الأخير نظر؛ لعدم جريانه في نحو الصحيح (2):« إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة،و إن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة» .فإنّه متى جعل المقسم بعد تمام الحول و وجوب الزكاة اقتضى سقوط الزكاة عمّن فعله ليتجمّل به،مع أنّه لا قائل به،بل الاتفاق على الوجوب.

و لا جائز أن يُحمل الفرار على ما بعد الحول و قصد التجمّل على ما قبله، لتهافت الكلام على تقديره،فيجلّ عنه كلام الإمام الذي هو إمام الكلام.

مع أن هذا الحمل كالأوّل فرع رجحان الأخبار الأوّلة على الأخيرة.

و لا يخلو عن مناقشة،بعد قوة احتمال جبر قصور الإسناد بالشهرة القديمة المحققة و المحكيّة،سيّما و إن انضمّ إليها الإجماعات المزبورة في الكتب المسطورة،و المخالفة للعامّة.

و لذا احتمل المرتضى حمل ما خالفها على التقيّة،قال:لأن ذلك مذهب جميع المخالفين (3)،و حكى القول بمضمونها أيضاً في المنتهى عن الشافعي و أبي حنيفة (4)،و لا يقدح حكايته مضمون الأخبار المخالفة عن مالك و أحمد،فإنّ ما يوافق رأي أبي حنيفة أولى بالحمل على التقية.و ربما

ص:76


1- الكافي 3:/525 4،الوسائل 9:161 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ذيل الحديث 5 بدل ما بين المعقوفين في النسخ:« حلّ» و ما أثبتناه من المصدر.
2- و هو المروي في مستطرفات السرائر المذكور آنفاً.
3- كما في الانتصار:83.
4- المنتهى 1:495.

أشعر به الصحيحة الأخيرة،لتضمّنه نحو القياسات العامية.

و على هذا فتبقى المسألة في قالب الإشكال،فالاحتياط فيها مطلوب على كلّ حال،و إن كان قول المتأخّرين لا يخلو عن رجحان،لكثرة ما يدلّ عليه من الأُصول و النصوص عموماً و خصوصاً،مع كون الشهرة المرجّحة لها أقوى من الشهرة المقابلة لها،لقربها من الإجماع،بل يمكن أن يكون إجماعاً دونها.

و الإجماعات المحكية غير صريحة في نقله غير ما في الانتصار و المسائل المصرية،و ربما يوهنه كإجماع الخلاف على تقدير صراحته مصير مدّعيه إلى خلافه و لو في بعض كتبه (1).

و احتمال الحمل على التقية في الأخبار الأولة و إن كان أرجح بما عرفته،إلّا أنّه لا يبلغ المرجّحات المزبورة.

فقول المتأخّرين لا يخلو عن قوة،سيّما و أنّ الأصل بعد التردّد في التكليف و عدمه كما نحن فيه على تقديره براءة الذمة،مضافاً إلى استصحاب الحالة السابقة.

و لو كان فراره بعد الحول لم تسقط الزكاة إجماعاً فتوًى و نصّاً و استصحاباً.

و من خلّف لعياله نفقة قدر النصاب فزائداً لمدّة كسنة و سنتين فصاعداً و حال عليها الحول وجبت عليه زكاتها لو كان شاهداً غير غائب و لم تجب لو كان غائباً للمعتبرة و فيها الموثق (2)و المرسل

ص:77


1- السيّد في المسائل الطبريّة،و الشيخ في النهاية،و قد أُشير إليهما في ص 2327.
2- الكافي 3:/544 3،الفقيه 2:/15 43،التهذيب 4:/99 280،الوسائل 9:173 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 17 ح 3.

كالصحيح (1).

و بإطلاقها عمل الشيخان في المقنعة و النهاية و جماعة كالفاضلين و غيرهما (2)،حتى ادّعى عليه جماعة الشهرة (3)،فإن تمّ شهرة جابرة،و إلّا فهو محل مناقشة،لمعارضته بإطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة مع التمكن من التصرف و عدمه مع عدمه (4).

و التعارض بينهما و إن كان تعارض العموم و الخصوص من وجه يمكن تقييد كلّ بالآخر،إلّا أنّ الأخير لكثرته و اعتضاده بالشهرة القطعية بل الإجماع من أصله أرجح،و لا كذلك الأوّل على ما ذكرناه من الفرض.

و عليه فينبغي إرجاعه إليه بتقييد نفي الزكاة في صورة الغيبة التي هي محلّ النزاع و المشاجرة بصورة عدم التمكن من التصرف خاصّة،كما عن الحلّي في السرائر و ربما يحكي عن جماعة (5).

و لكن المسألة بعد محلّ إشكال،و الاحتياط مطلوب على كلّ حال.

و على كلّ حال لا تجب الزكاة على العيال لو تركوه بحاله حولاً،لعدم الملك،فإنّ النفقة إنّما تجب يوماً فيوماً.

و لا يجبر جنس مما تجب فيه الزكاة بالجنس الآخر منه بإجماع العلماء فيما عدا الحبوب و الأثمان،و فيهما أيضاً بإجماعنا،صرّح

ص:78


1- الكافي 3:/544 2،الوسائل 9:173 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 17 ح 2.
2- المقنعة:258،النهاية:178،الشرائع 1:152،المعتبر 2:530،المنتهى 1:478،نهاية الإحكام 2:306؛ و انظر الدروس 1:230،و المسالك 1:55.
3- كما نقلها عن تخليص التلخيص في مفتاح الكرامة 3:25،و ادّعاها صاحب الحدائق 12:95.
4- الوسائل 9:93 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5.
5- السرائر 1:447،و حكاه في مفتاح الكرامة 3:26 عن كشف الالتباس.

بهما في المنتهى (1)و بالثاني في غيره (2)أيضاً؛ للأصل،و عموم ما دلّ على نفي الزكاة في كلّ جنس إذا لم يبلغ نصابه،و خصوص ما مرّ من بعض الصحاح (3).

و أما الخبر:قلت له:مائة و تسعون درهم و تسعة عشر ديناراً،أ عليها في الزكاة شيء؟فقال:« إذا اجتمع الذهب و الفضة فبلغ ذلك مأتي درهم ففيها الزكاة» (4).

فمع قصور سنده بل ضعفه و شذوذه غير صريح في المخالفة؛ لاحتماله الحمل على محامل أقربها التقيّة،كما ذكره شيخ الطائفة،قال:لأنّه مذهب العامة،و احتمل حمله على من جعل ماله أجناساً مختلفة كلّ واحد لا تجب فيه الزكاة فراراً من لزومها،قال:فإنّه متى فعل ذلك لزمته عقوبة (5)؛ للموثق:عن رجل له مائة درهم و عشرة دنانير،أ عليها زكاة؟ فقال:« إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة» قلت:لم يفرّ بها،ورث مائة درهم و عشرة دنانير،قال:« ليس عليه الزكاة» قلت:فلا تكسر الدراهم على الدنانير و لا الدنانير على الدراهم؟قال:

« لا» (6).قال في المدارك:هذا الحمل جيّد لو صحّ سند الخبرين،لكنّهما

ص:79


1- المنتهى 1:505.
2- التذكرة 1:226،المفاتيح 1:195.
3- راجع ص 2324 الرقم(3).
4- الكافي 3:/516 8،التهذيب 4:/93 269،الإستبصار 2:/39 121،الوسائل 9:139 أبواب زكاة الذهب الفضة ب 1 ح 7.
5- الاستبصار 2:40.
6- التهذيب 4:/94 270،الإستبصار 2:/40 122،الوسائل 9:151 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 5 ح 3.

ضعيفا السند،فيتعيّن المصير إلى ما عليه الأصحاب من عدم الضمّ مطلقاً (1).

و فيه نظر،فإنّ صحة السند بمجرّدها غير كافية بعد وجود المعارض الصحيح الأقوى الدالّ على سقوط الزكاة بالفرار،كما مضى (2)،و به أفتى هو أيضاً حاكياً له عن أكثر أصحابنا،و صرّح ثمة بأنّه لو صحّ سند ما دلّ على عدم السقوط بالفرار لوجب حملها على الاستحباب (3).

أقول: و على هذا فلا يتوجّه كلامه هنا.

القول في زكاة الغلّات

القول في زكاة الغلّات اعلم:انّه لا تجب الزكاة في شيء من الغلّات الأربع حتى يبلغ نصاباً و هو خمسة أوسق،و كلّ وَسْق ستّون صاعاً بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً،كالناصرية و الخلاف و الغنية و المنتهى (4)،بل فيه في أصل اشتراط النصاب:لا نعلم فيه خلافاً إلّا من مجاهد و أبي حنيفة،فإنّهما أوجبا الزكاة في قليل الغلّات و كثيرها،و باقي العلماء اشترطوا بلوغها خمسة أوسق،و الصحاح و غيرها (5)بالجميع مستفيضة من طرقنا.

ص:80


1- المدارك 5:129.
2- في ص:2327 و 2328.
3- المدارك 5:76.
4- الناصرية(الجوامع الفقهية):242،الخلاف 2:58،الغنية(الجوامع الفقهية):567،المنتهى 1:496.
5- الوسائل 9:175 أبواب زكاة الغلّات ب 1.

و ما يخالفها في أصل النصاب بإيجاب الزكاة في قليلها و كثيرها (1)مع قصور سنده و ندوره مطروح،أو محمول على التقية،أو إرادة نفي النصاب بعد النصاب الأوّل كما يأتي.

و ما يخالفها في مقداره بأنّه وَسْق كما في رواية (2)أو وسقان كما في غيرها (3)،فمع ضعف أسانيدها جملةً حملها الشيخ على الاستحباب (4)و تبعه جماعة (5).و لا بأس به،مسامحةً في أدلّة السنن،و جمعاً بين الروايات المختلفة.

و اعلم:أنّه يكون مقدار النصاب ب الرطل العراقي ألفين و سبعمائة رطل بناءً على أنّ كلّ صاع تسعة أرطال بالعراقي و ستّة بالمدني،كما في صريح الخبرين المنجبرين بالعمل (6)،و ظاهر الصحيحين (7)

ص:81


1- التهذيب 4:/17 42،الإستبصار 2:/16 45،الوسائل 9:181 أبواب زكاة الغلّات ب 3 ح 2.
2- التهذيب 4:/18 45،الإستبصار 2:/18 51،الوسائل 9:181 أبواب زكاة الغلّات ب 3 ح 4.
3- التهذيب 4:/17 43،الإستبصار 2:/17 49،الوسائل 9:180 أبواب زكاة الغلّات ب 3 ح 1.
4- الاستبصار 2:18.
5- منهم:المحقق في المعتبر 2:534،و المجلسي في روضة المتقين 3:98،و الفيض الكاشاني في الوافي 10:85.
6- الأوّل:الكافي 4:/172 9،الفقيه 2:/115 493،التهذيب 4:/83 243،الإستبصار 2:/49 163،معاني الأخبار:/249 2،العيون 1:/241 73،الوسائل 9:340 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 1.الثاني:الكافي 4:/172 8،التهذيب 4:/83 242،الإستبصار 2:/49 162،الوسائل 9:341 أبواب الفطرة ب 7 ح 1.
7- الأوّل:الكافي 4:/174 24،التهذيب 4:/91 265،الوسائل 9:346 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 3.الثاني:التهذيب 1:/136 379،الإستبصار 1:/121 409،الوسائل 1:481 أبواب الوضوء ب 50 ح 1.

الوارد أحدهما كالأوّلين في صاع الفطرة،و لا قائل بالفرق كما صرّح به في الناصرية (1)،و فيها و في الخلاف و الغنية الإجماع أيضاً على أنّ الصاع المطلق تسعة أرطال بالعراقي (2)،كما في صريح الأخيرين و ظاهر الأوّل، لأنّه عراقي،مع أنّه صرّح به في الانتصار مدّعياً أيضاً الإجماع (3).

و منه يظهر وجه حمل الرطل في الصحيح الماضي أيضاً على العراقي،لأنّ الراوي كما قيل (4)عراقي،و فيه:أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام:

و قد بعثت لك العام من كلّ رأس من عيالي بدرهم على قيمة تسعة أرطال،فكتب جواباً محصوله التقرير على ذلك،و لا ريب أن الأرطال عبارة عن الصاع،لأنّه الواجب في الفطرة.

و في الثاني:« كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ بمُدّ و يغتسل بصاع،و المدّ رطل و نصف،و الصاع ستة أرطال» يعني أرطال المدينة،فيكون تسعة أرطال بالعراقي.

و يظهر من غير واحد أنّ التفسير من تتمة الرواية.

و هو غير بعيد،و إن احتمل كونه من كلام الشيخ الراوي له،لضعفه بما في الذخيرة (5)من أنّ الماتن نقله عن كتاب الحسين بن سعيد هكذا:

ص:82


1- الناصرية(الجوامع الفقهية):242.
2- الناصرية(الجوامع الفقهية):242،الخلاف 2:59،الغنية(الجوامع الفقهية):567.
3- الانتصار:88.
4- المدارك 5:133.
5- الذخيرة:441.

و الصاع ستّة أرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي؛ و أنّ الفاضل في التذكرة نقل عن مولانا الصادق عليه السلام عين العبارة المذكورة (1).

هذا مع أنّي لم أجد خلافاً في المسألة إلّا من البزنطي،حيث جعل المدّ الذي هو ربع الصاع بإجماع العلماء،كما في صريح المعتبر و المنتهى و غيرهما (2)و الصحاح رطلاً و ربعاً (3)،فيكون الصاع عنده خمسة أرطال.

و هو نادر،و الموثّق الذي استدل به (4)لقصور سنده و إضماره غير معارض للصحيح الثاني،الصريح في خلافه،المعتضد زيادةً على الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع بل الإجماع حقيقة كما صرّح به في الخلاف و الغنية (5)بالأصل،للشك في حصول شرط الوجوب إلّا مع التقدير الأعلى،فيكون الوجوب عند عدمه بالأصل منفيّاً،سيّما مع ضعفه دلالةً كما لا يخفى على من راجعه،و به صرّح الخال العلّامة عليه الرحمة في الرسالة (6).

و الأشهر في مقدار الرطل العراقي أنّه مائة و ثلاثون درهماً،أحد و تسعون مثقالاً.و هو الأظهر؛ للأصل،و للخبرين في أحدهما:«الصاع ستة أرطال بالمدني و تسعة بالعراقي» قال:و أخبرني أنّه يكون بالوزن ألفاً و مائة و سبعين وزنة (7).

ص:83


1- المعتبر 2:533،التذكرة 1:218.
2- المعتبر 2:533،المنتهى 1:497؛ و انظر المدارك 5:134.
3- نقله عن البزنطي في التحرير:62.
4- التهذيب 1:/136 376،الإستبصار 1:/121 411،الوسائل 1:482 أبواب الوضوء ب 50 ح 4.
5- الخلاف 2:59،الغنية(الجوامع الفقهية):567.
6- رسالة المقادير الشرعية للعلّامة المجلسي(مخطوط).
7- الكافي 4:/172 9،الفقيه 2:/115 493،التهذيب 4:/83 243،الإستبصار 2:/49 163،معاني الأحبار:/249 2،العيون 1:/241 73،الوسائل 9:340 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 1.

و المراد بالوزن الدرهم كما صرّح به الثاني،و فيه:« ستّة أرطال برطل المدينة،و الرطل مائة و خمسة و تسعون درهماً،يكون الفطرة ألفاً و مائة و سبعين درهماً» (1).

خلافاً للفاضل في التحرير و موضع من المنتهى (2)،فوزنه مائة و ثمانية و عشرون درهماً و أربعة أسباع درهم،تسعون مثقالاً؛ و مستنده غير واضح.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ هذا التقدير تحقيق لا تقريب،و به صرّح جماعة و منهم الفاضل في التذكرة و المنتهى (3)،مشعراً بعدم خلاف فيه بيننا.

و فيهما الإجماع على أنّ النصاب المزبور إنّما يعتبر وقت الجفاف،قال:

و لو جفّت تمراً أو زبيباً أو حنطةً أو شعيراً فنقص فلا زكاة إجماعاً و إن كان وقت تعلّق الوجوب نصاباً.

و لا تقدير فيما زاد على النصاب بل تجب فيه أي في الزائد الزكاة و إن قلّ بلا خلاف فتوى و نصّاً،و في المنتهى أنّه لا خلاف فيه بين العلماء (4).

و من هنا يعلم أنّ للغلّات نصاباً واحداً و هو خمسة أوسق،و عفواً واحداً و هو ما نقص عنه.

و اعلم أنّه يتعلق به أي بكل واحد من الغلّات وجوب الزكاة عند تسميته حنطةً أو شعيراً أو زبيباً أو تمراً تسميةً حقيقيّة، و لا يكون إلّا عند الجفاف،و عليه الإسكافي فيما حكاه عنه الفاضل في جملة

ص:84


1- التهذيب 4:/79 226،الإستبصار 2:/44 140،الوسائل 9:342 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 4.
2- التحرير:62،المنتهى 1:497.
3- التذكرة 1:218،المنتهى 1:497.
4- المنتهى 1:498.

من كتبه (1)،و ولده في الإيضاح (2)و غيرهما (3)،و عليه الماتن في كتبه الثلاثة كما حكاه عنه جماعة (4)،و حكاه في المنتهى عن والده أيضاً (5)،و مال إليه شيخنا في الروضة و صاحب الذخيرة (6).

للأصل،و حصر الزكاة في التسعة التي منها التمر و الزبيب و الشعير و الحنطة،فيكون المعتبر صدق الأسامي المزبورة،و لا يصدق حقيقة إلّا عند الجفاف كما عرفته.

و قيل و القائل المشهور كما حكاه كثير و منهم الشيخ و الحلّي (7):

يتعلّق به إذا احمرّ ثمر النخل أو اصفرّ أو انعقد الحبّ و الحِصْرِم و استدل عليه في المنتهى بتسمية الحبّ إذا اشتدّ حنطةً و شعيراً و البُسْر تمراً،قال:لتصريح أهل اللغة بأنّ البُسْر نوع من التمر و كذا الرطب (8)؛ و بورود الرواية بوجوب الزكاة في العنب إذا بلغ خمسة أوساق زبيباً،و لعلّها الصحيح:« ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق،و العنب مثل ذلك حتى يبلغ خمسة أوساق زبيباً» (9).

و فيهما نظر؛ لمنع التسمية على الحقيقة،فيحتمل مجازاً باعتبار ما

ص:85


1- حكاه عنه في المنتهى 1:499،و المختلف:178،و التحرير 1:63.
2- الإيضاح 1:175.
3- كالشهيد في البيان:297.
4- نقله عنه في البيان:297،و هو في الشرائع 1:153،و المعتبر 2:534.
5- المنتهى 1:499.
6- الروضة 2:33،الذخيرة:427.
7- المبسوط 1:214،السرائر 1:453.
8- المنتهى 1:499.
9- التهذيب 4:/14 36،الإستبصار 2:/15 42،الوسائل 9:178 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 11.

يؤول إليه،بل لعلّه متعيّن لصحة السلب أحياناً سيّما في نحو البسر.

و تصريح أهل اللغة بكونه تمراً غير معلوم،بل المعلوم من جماعة منهم كالجوهري و صاحبي المجمع و المصباح المنير و غيره (1)كما حكي خلافه،و أن التمرة لا تسمّى تمراً إلّا عند الجفاف،و حكى في المصباح عليه إجماع أهل اللغات.و لم يوجد في كلام غيرهم ما يخالفه عدا القاموس (2)،فإنّ فيه ما ربما يومئ إليه و يشعر به،و لكن فيه أيضاً ما يخالفه،و مع ذلك فغاية ما يستفاد منه الإطلاق،و هو أعمّ من الحقيقة، و يحتمل التجوّز،فيحمل عليه جمعاً و توفيقاً بينه و بين من عداه من أهل اللغة.

و على تقدير المعلوميّة فهو معارض بالعرف،لأنّ مقتضاه عدم الصدق حقيقةً إلّا بما عرفته،و به اعترف جماعة (3)،و هو مقدّم على اللغة حيثما حصل بينهما معارضة،سيّما هنا لظهور بعض المعتبرة في ظهور المعنى العرفي في زمن صاحب الشريعة.

و لو سلّمنا توافقهما في صدق التسمية قبل الجفاف حقيقة،لكنّ الأسامي المزبورة مطلقات،و هي إنّما تنصرف إلى الأفراد المتبادرة كسائر المطلقات،و إن كان غير المتبادر منها من أفراد الحقيقة.

ثم لو تمّ ما ذكر لثبت فيما عدا الزبيب،إذ لا خلاف في عدم إطلاقه على نحو الحِصْرِم،فلا يتمّ به المدّعى،و إتمامه بالإجماع المركب معارض

ص:86


1- الصحاح 2:589،مجمع البحرين 3:233،المصباح المنير:76؛ و انظر المغرب 1:38.
2- القاموس 1:385.
3- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة 45:28،و الفاضل المقدار في التنقيح 1:312،و السبزواري في الذخيرة:427.

بالمثل،فتدبّر و تأمّل (1).

و أمّا الرواية فقد أجاب عنها في الذخيرة بأنّ لمفهومها احتمالين:

أحدهما:إناطة الوجوب بحالة يثبت له البلوغ خمسة أوساق حال كونه زبيباً.و ثانيهما:إناطته بحالة يقدّر له هذا الوصف.و الاستدلال بها إنّما يستقيم على ظهور الثاني و هو في معرض المنع.بل لا يبعد ادّعاء ظهور الأوّل؛ إذ اعتبار التقدير خلاف الظاهر،و لا يرجّح الثاني زوال وصف العنبيّة عند كونه زبيباً،لأنّ مثله شائع إلى أن قال-:على أنّه يجوز أن يكون إسناد الحكم إلى العنب من قبيل المساهلة في التعبير باعتبار ما يؤول إليه،كما في الإسناد إلى النخل في الخبر الأوّل،فلا يبعد المصير إليه جمعاً بين الأدلّة،انتهى (2).و هو حسن.

و ممّا ذكره وجهاً لظهور المعنى الأوّل ينقدح وجهٌ للاستدلال للقول الأوّل بالنصوص الدالة على اعتبار النصاب في الغلّات،و أنّه لا شيء فيها حتى تكون و تبلغ خمسة أوساق.

و ذلك لأنّ مفادها أنّ مناط الوجوب حين البلوغ خمسة أوساق،و هو حقيقة في التحقيقي لا التقديري،كما ذكره،و قد مرّ أنّ بلوغ النصاب إنّما يعتبر عند الجفاف إجماعاً (3)،و ليس فيها ما في هذه الرواية مما توجب المعارضة و يحوج إلى الجمع،بل فيها ما يؤكّد الظهور من نحو لفظ التمر

ص:87


1- وجهه:أنّ ما دلّ على نفي الزكاة في الحِصْرِم إنّما هو الأصل و الحصر،و هما بالإضافة إلى ما دَلَّ على وجوبها في نحو البُسر عامان و هو خاص فيكون مقدماً عليهما،و بعبارة اخرى إنه يجب تقدم المثبِت على النافي حيثما تعارضا.منه رحمه اللّه.
2- الذخيرة:428.
3- في ص:2335.

بناءً على كونه حقيقة في اليابس كما عرفته.

فالقول المزبور لا يخلو عن قوّةٍ و إن كان في تعيّنه مناقشة،لأنّ هنا روايتين صحيحتين يمكن التمسك بهما للمشهور.

في إحداهما:عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب،متى تجب على صاحبها؟قال:« إذا صُرِم و خُرِص» (1).

و في الثانية:هل على العنب زكاة أو إنّما تجب إذا صيّره زبيباً؟قال:

« نعم إذا خرصه أخرج زكاته» (2).

و ذلك لظهورهما في إناطة الوجوب بأوان الخَرْص،و هو على ما صرّح به الأصحاب و منهم الماتن في المعتبر (3)فيما حكي عنه إنّما يكون في حال كون الثمرة بسراً أو عنباً.

و من هنا ينقدح وجه الاستدلال على قولهم بكلّ ما دلّ على جواز الخَرْص في النخيل أو الكروم من الروايات (4)و الإجماع المنقول الذي حكاه الماتن في المعتبر بناءً على ما ذكره هو و غيره من الأصحاب في فائدته و صفته،من أنّه تقدير الثمرة لو صارت تمراً و العنب لو صار زبيباً،فإن بلغت الأوساق وجبت الزكاة،ثم يخيّرهم بين تركه أمانةً في أيديهم و بين تضمينهم حصّة الفقراء أو يضمن لهم حصّتهم،إلى آخر ما ذكروه (5).

ص:88


1- الكافي 3:/523 4،الوسائل 9:194 أبواب زكاة الغلّات ب 12 ح 1.
2- الكافي 3:/514 5،الوسائل 9:195 أبواب زكاة الغلّات ب 12 ح 2.
3- المعتبر 2:535.
4- منها ما رواه في المعتبر 2:535؛ و راجع سنن البيهقي 4:121 و سنن أبي داود 2:110.
5- المعتبر 2:536،الحدائق 12:133.

و كلّ هذا إنّما يتوجّه على المشهور،و إلّا فعلى غيره لا وجه للخرص في ذلك الوقت،و لا المنع عن التصرف إلّا بالتضمين؛ لجوازه من غير احتياج إليه على هذا التقدير،و هذا إحدى الثمرات المتفرّعة على الخلاف هنا.

لكن أجاب عن هذا في الذخيرة بأنّ على تقدير ثبوته يجوز أن يكون مختصّاً بما كان تمراً على النخل،أو يكون الغرض من ذلك أن يؤخذ منهم إذا صارت الثمرة تمراً أو زبيباً،فإذا لم يبلغ ذلك لم يؤخذ منهم (1).

و هو حسن،إلّا أنّ قوله:على تقدير ثبوته،مشعر بتردّد له فيه.

و ليس في محلّه؛ للروايات المعتضدة و المنجبرة بالشهرة و الإجماع المحكي.و كذا تجويزه الاختصاص بما إذا كان تمراً على النخل؛ لما عرفت من اعترافهم حتى الماتن الموافق له هنا بخلافه.

نعم يتوجّه الأخير،و به يجمع بين كلامي الماتن هنا و ثمة،أو يجعل كلامه ثمة تفريعاً على القول المشهور،و إلّا فالمنافاة بينهما واضحة.

و يمكن الجواب عن الرواية الأُولى:بقوّة احتمال كون وقت الخَرْص فيها هو وقت الصرام،لجعله فيها أيضاً وقت الوجوب،فإذا حمل وقته على ما هو المشهور لكان التعليق بوقت الصرام ملغىً،لما بين وقته و وقت الخرص بالمعنى المشهور من المدّة ما لا يخفى،إذ الخرص بهذا المعنى في حال البسريّة و العنبيّة،و الصرام إنّما يكون بعد صيرورته تمراً،فكيف يستقيم تعليق الوجوب بكلّ منهما،بل إنّما يستقيم بحمل الخرص فيها على وقت كونه تمراً أو زبيباً،و المراد أنّ في ذلك الوقت يتعلّق به الوجوب

ص:89


1- الذخيرة:428.

سواءً صرمه أو خرصه على رؤوس الأشجار و النخيل و الزروع.

و على هذا فيسهل الجواب عن الثانية:بحمل الخَرْص فيها على ما حمل عليه في سابقتها،فإنّ أخبارهم عليهم السلام يكشف بعضها بعضاً،و لعلّه لذا لم يستدلّ بهما في المنتهى،و يبعد غاية البعد غفلته عنهما.

و بما ذكرنا يقوّى القول الأوّل جدّاً.

و لكنّ المسألة بعدُ محلّ تردّد،و لا ريب أنّ المشهور أحوط و أولى، سيّما مع مصير نحو الحلّي الذي لا يعمل إلّا بالقطعيات إليه (1)،و تصريح الفاضل المقداد في الشرح بأنّه لا يعلم للماتن قبله موافق (2).

و وقت الإخراج إذا صَفَت الغلّة و جُمِعت الثمرة بل إذا يَبست، إجماعاً كما صرّح به جماعة (3)،بل في المنتهى أنّ عليه اتفاق العلماء كافّة و نحوه عن التذكرة (4)؛ و للصحيحين المتقدمين (5)بالتقريب المتقدم إليه الإشارة.

و المراد بوقت الإخراج الوقت الذي يصير ضامناً بالتأخير،أو الوقت الذي يجوز للساعي مطالبة المالك.و ليس المراد الوقت الذي لا يجوز التقديم عليه؛ لتصريحهم بجواز مقاسمة الساعي للمالك الثمرة قبل الجذاذ، و إجزاء دفع الواجب على رؤوس الأشجار.

و لا تجب الزكاة في شيء من الغلّات إلّا إذا نَمَت في الملك أي ملكت قبل وقت الوجوب،بإجماع المسلمين كما عن

ص:90


1- السرائر 1:453.
2- التنقيح الرائع 1:311.
3- كصاحب المدارك 5:139،و السبزواري في الذخيرة:443.
4- المنتهى:499،التذكرة 1:219.
5- في ص:2338.

الماتن (1)،و في المنتهى أنّه قول العلماء كافة (2)؛ و الحجّة عليه واضحة.

ف لا تجب في ما يبتاع حبّا مثلاً أو يستوهب كذلك، بل تجب على البائع و الواهب مع الشرط،و إلّا فعلى من جمعه.

و ما يُسقى سَيْحاً أي بالماء الجاري على وجه الأرض،سواء كان قبل الزرع كالنيل أم بعده أو عِذياً بكسر العين،و هو أن يُسقى بالمطر أو بَعْلاً و هو شربه بعروقه القريبة من الماء ففيه العُشر.

و ما يُسقى بالنواضح و هو جمع ناضحة و هو البعير يستسقى عليه و الدوالي جمع دالية،و هي الناعورة التي يديرها البقر ففيه نصف العُشر بلا خلاف في الحكمين بين العلماء كما في التذكرة (3)،و في المعتبر و المنتهى أنّهما مذهبهم كافّة (4)؛ و الصحاح و غيرها بهما مع ذلك مستفيضة (5).

و يستفاد منها جملة أنّ الضابط في موضع الحكمين عدم توقّف ترقية الماء إلى الأرض على آلة من دولاب و نحوه و توقّفه على ذلك،فلا عبرة بغير ذلك من الأعمال كحفر السواقي و الأنهار و إن كثرت مؤُنتها،لعدم اعتبار الشارع إيّاه.

و هنا سؤال و جواب مشهوران يأتيان (6)مبنيان على ما هو المشهور

ص:91


1- المعتبر 2:538.
2- المنتهى 1:497.
3- التذكرة 1:219.
4- المعتبر 2:539،المنتهى 1:498.
5- الوسائل 9:175 أبواب زكاة الغلّات ب 1.
6- في ص 3348.

من عدم وجوب الزكاة في الغلّات إلّا بعد إخراج المؤن،و أما على غيره فالسؤال ساقط من أصله.

و لو اجتمع الأمران فسُقي بالسيْح مثلاً تارة و بمقابله اخرى حكم للأغلب منهما،فالعُشر إن كان هو الأوّل،و نصفه إن كان الثاني، بالنصّ الآتي،و الإجماع منّا و من أكثر العامّة كما صرّح به جماعة (1).

و في اعتبار الأغلبيّة بالأكثر عدداً كما هو المتبادر من نحو العبارة،أو زماناً كما ربما يستفاد من ظاهر إطلاق الرواية بل عمومها،أو نفعاً كما استقر به العلّامة و ولده (2)،أوجه و أقوال.

و لعلّ أوجهها الأوّل،سيّما و أنّ المئونة إنّما تكثر بسبب ذلك، و لعلّها الحكمة في اختلاف الواجب.و يمكن أن يرجع إليه الرواية بتقييد إطلاقها بما هو الغالب في الزمان الأكثر من احتياجه في السقي إلى عدد أكثر،فتدبّر هذا،و الاحتياط لا يترك.

و لو تساويا أُخذ من نصفه العُشر و من نصفه نصف العُشر إجماعاً كما صرّح به جماعة (3)،و في المعتبر و المنتهى (4)أنّه إجماع العلماء؛ و للنصّ المعتبر المنجبر بالعمل هنا و فيما مرّ:« و فيما سَقَت السماء و الأنهار أو كان بَعْلاً العُشر،و أمّا ما سَقَت السواقي و الدوالي فنصف العشر» قلت له:

فالأرض تكون عندنا فتسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتُسقى سَيْحاً،قال:

« إنّ ذا ليكون عندكم كذلك؟» قلت:نعم،قال:« النصف و النصف،نصف

ص:92


1- كصاحب المدارك 5:148،و السبزواري في الذخيرة:443.
2- التذكرة 1:219،القواعد:55،الإيضاح 1:183.
3- منهم:الشيخ في الخلاف 2:67،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:201،و صاحب الحدائق 12:122.
4- المعتبر 2:539،المنتهى 1 498.

بنصف العُشر و نصف بالعُشر» فقلت:الأرض تُسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين سَيْحاً،قال:« كم تُسقى السقية و السقيتين سيحاً؟ » قلت:في ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة و قد مضت قبل ذلك في الأرض ستّة أشهر سبعة أشهر،قال:« نصف العشر» (1).

و اعتبار التساوي بالمدة و العدد ظاهر،و أمّا بالنفع و النموّ فيرجع فيه إلى أهل الخبرة.

و إن اشتبه الحال و أشكل الأغلب ففي وجوب الأقلّ للأصل،أو العُشر للاحتياط،أو الإلحاق بالتساوي لتحقّق تأثيرهما و الأصل عدم التفاضل،أوجه،أحوطها الوسط إن لم يكن أجود.

و إنّما تجب الزكاة بعد إخراج المئونة و حصّة السلطان،بلا خلاف في الثاني أجده،بل بالإجماع عليه صرّح في الخلاف و المعتبر و المنتهى (2)،و عزاه فيهما إلى أكثر الجمهور أيضاً،و للنصوص.

منها الصحيح:« كل أرضٍ دفعها إليك السلطان فتاجرته فيها،فعليك فيما أخرج اللّه تعالى منها الذي قاطعك عليه،و ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العُشر،إنّما عليك العُشر فيما حصل في يدك بعد مقاسمته لك» (3).

و الصحيح:ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الخراج و ما سار به أهل بيته،فقال:« ما أُخذ بالسيف فذاك إلى الإمام يقبّله الذي يرى،و قد قبّل

ص:93


1- الكافي 3:/514 6،التهذيب 4:/16 41،الإستبصار 2:/15 44،الوسائل 9:187 أبواب زكاة الغلّات ب 6 ح 1.
2- الخلاف 2:67،المعتبر 2:541،المنتهى 1:500.
3- الكافي 3:/513 4،التهذيب 4:/36 93،الإستبصار 2:/25 70،الوسائل 9:188 أبواب زكاة الغلّات ب 7 ح 1.

رسول اللّه صلى الله عليه و آله خيبر و عليهم في حصصهم العُشر و نصف العُشر» (1)و نحوه الخبر (2).

و على الأظهر في الأوّل أيضاً،وفاقاً للأكثر على الظاهر،المصرّح به في عبائر جمع (3)،و في المختلف و غيره أنه المشهور (4)؛ للرضوي المعتبر في نفسه المعتضد زيادةً على الشهرة بما يأتي،و فيه:« و ليس في الحنطة و الشعير شيء إلى أن يبلغا خمسة أوساق،و الوسق ستّون صاعاً، و الصاع أربعة أمداد،و المدّ مائتان و اثنان و تسعون درهماً و نصف،فإذا بلغ ذلك و حصل بعد خراج السلطان و مئونة العمارة و القرية أُخرج منه العُشر إن كان سقي بماء المطر أو كان بَعْلاً،و إن كان سقي بالدلاء ففيه نصف العشر،و في التمر و الزبيب مثل ما في الحنطة و الشعير» (5).

و المراد بمئونة العمارة و القرية مئونة الزراعة قطعاً،و به صرّح جدّي المجلسي فيما حكاه عنه خالي العلّامة دام ظلّه (6)-،معترفاً بصحّته.

و للصحيح:« يترك للحارس يكون في الحائط العِذْق و العِذقان و الثلاثة لحفظه إيّاه» (7).

ص:94


1- التهذيب 4:/119 342،الوسائل 9:189 أبواب زكاة الغلّات ب 7 ح 3.
2- الكافي 3:/512 2،التهذيب 4:/38 96،الإستبصار 2:/25 73،الوسائل 9:188 أبواب زكاة الغلّات ب 7 ح 2.
3- كالعلّامة في المنتهى 1:500،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4:108،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:190.
4- المختلف:179،و حكى ادّعاء الشهرة صاحب المدارك 5:142 عن الشهيد الثاني في فوائد القواعد.
5- فقه الرضا(عليه السلام):197،المستدرك 7:87 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 1.
6- الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح(مخطوط).
7- الكافي 3:/565 2،الوسائل 9:191 أبواب زكاة الغلّات ب 8 ح 4.

و أخصّيتّه من المدّعى مجبورة بعموم التعليل،مع ضرورة عدم القائل بالفرق بين مئونة الحارس و غيرها،كما صرّح به في المنتهى (1).

و لأنّ النصاب مشترك بين المالك و الفقراء فلا يختصّ أحدهم بالخسارة عليه،كغيره من الأموال المشتركة.و لأنّ الزكاة في الغلّات إنّما تجب في النماء و الفائدة،و هو لا يتناول المئونة.

و ما يقال على أوّل هذين الدليلين أوّلاً:بأنّ الشركة هنا ليس على حدّ سائر الأموال المشتركة لتكون الخسارة على الجميع،و لهذا جاز للمالك الإخراج من غير النصاب و التصرف فيه بمجرّد الضمان.و ثانياً:بأنّه إنّما يقتضي استثناء المئونة المتأخّرة عن تعلّق الوجوب بالنصاب،و المدّعى أعم من ذلك.

و على ثانيهما:بأنّ متعلق الزكاة ما يخرج من الأرض و هو شامل لما قابل المئونة و غيرها.

فضعيف بأنّ مقتضى الأصل في الشركة بمقتضى القاعدة المقررة المتّفق عليها فتوًى و روايةً هو الشركة في النفع و الخسارة و غيرها من الأحكام المترتبة على الشركة،و خروج بعضها مما ذكره هنا بدليل من خارج لا يقتضي انفساخ قاعدة أصل الشركة،و إن هي إلّا كالعامّ المخصّص في الباقي حجة.مع أنّ الظاهر أنّ الوجه في خروج الخارج من نحو جواز التصرّف و الإخراج من غير النصاب إنّما هو التخفيف على المالك و السهولة،و هو يقتضي استثناء المئونة،فإنّ في عدمه عسراً و حرجاً عظيماً منفيّاً في الشريعة.

ص:95


1- المنتهى 1:500.

و الأخصّية مدفوعة بعدم قائل بالفرق بين المئونة المتأخّرة عن تعلّق الوجوب و المتقدمة عليه.

و لو عورض بالمثل و هو اقتضاء الإطلاقات بوجوب العشر أو نصفه فيما خرج عدمَ استثناء المئونة المتقدمة،فكذا المتأخّرة لعدم القائل بالفرق.

لأجيب عنها بأنّها من باب تعارض العموم و الخصوص المطلق، و الخاصّ مقدم بالاتفاق.و لو سلّم كونها من باب التعارض من وجه،قلنا:

لزم الرجوع في مثله إلى الترجيح،و هو هنا مع ما دلّ على الاستثناء لمطابقته لمقتضى الأصل،فتدبّر.

و دعوى تعلّق الزكاة بمجموع ما يخرج من الأرض حتى ما قابل البذر ممنوعة،كيف لا؟!و إيجاب الزكاة فيه يستلزم تكرّر وجوب الزكاة في الغلّات،و قد أجمع المسلمون على خلافه،كما صرّح به في المنتهى (1) و غيره؛ و حيث ثبت استثناء البذر ثبت غره لعدم القائل بالفرق،فتأمّل.

خلافاً للخلاف و الجامع (2)مدّعيين عليه الإجماع إلّا من عطاء،على ما حكاه عنهما جماعة من الأصحاب (3)،و لم أَرَه في الخلاف،بل فيه مجرد الفتوى؛ و وافقتهما جماعة من متأخّري متأخّري الأصحاب (4)؛ للعمومات المتقدم إليها الإشارة،قيل:و أظهر منها الصحيحة الأُولى المستثنية لحصّة السلطان،إذ المقام فيها مقام البيان و استثناء ما عسى أن

ص:96


1- المنتهى 1:500.
2- الخلاف 2:66،الجامع للشرائع:134.
3- كالسبزواري في الذخيرة:442.
4- منهم صاحب المدارك 5:141،و السبزواري في الذخيرة:442.

يتوهم اندراجه في العموم (1).

و في الجميع نظر:

أمّا الإجماع فلوهنه بمصير معظم الأصحاب على خلافه،و منهم:

المفيد،و الشيخ في النهاية و الاستبصار،و الصدوق،و السيّدان في الجمل و الغنية،و الحلّي في السرائر (2)،فكيف يمكن الاعتماد على مثله،سيّما و أن يكون دعواه بلفظ إجماع المسلمين.و لا يبعد أن يكون المراد بوجوب المئونة على ربّ المال في عبارة ناقله غير المعنى المعروف في البحث و هو اختصاصه بخسارتها دون الفقراء،بل المراد تعلّق الوجوب بإخراجها أوّلاً به دون الفقراء،و هو لا ينافي احتسابها عليهم بمقدار حصّتهم بعد إخراجها، كذا ذكره بعض الأصحاب (3)جامعاً به بين عبارتي المبسوط (4)على ما وجدهما فيه دالّة إحداهما على ما في النهاية و الأُخرى على ما في الخلاف.

و أمّا العمومات فيجب تخصيصها بما مرّ،إن لم يناقش في دلالتها بورودها لبيان حكم آخر و هو التفصيل بين ما يجب فيه العشر و نصفه،و لذا لم تُستثنَ فيها جملة أو أكثرها ما وقع الاتفاق على استثنائه (5)،هذا.

و دعوى أظهريّة الصحيحة دلالةً (6)ممنوعة،فإنّها و إن اتّجهت من الوجه

ص:97


1- المدارك 5:141.
2- المقنعة:236.النهاية:178،الإستبصار 2:25،الفقيه 2:18،المقنع:48،جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):78،الغنية(الجوامع الفقهية):567،السرائر 1:447.
3- الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح(مخطوط).
4- المبسوط 1:214 و 217.
5- و هو العذق و العذقان للحارس،و حصّة السلطان.منه رحمه اللّه.
6- كما في المدارك 5:143.

الذي ذكره،إلّا أنّها تنعكس دلالةً بملاحظة قوله عليه السلام:« إنّما عليك العشر فيما حصل في يدك بعد مقاسمته لك» (1)بناءً على أنّ مقاسمة السلطان لا تكون عادة إلّا بعد إخراج المؤمن من نفس الزرع كما قيل (2)،و عليه فالحاصل في يده حينئذٍ ليس إلّا ما عدا المؤمن؛ و لعلّه لذا جعلها الشيخ في الاستبصار و غيره (3)دليلاً على المختار،و هو غير بعيد.

و ربما يستشهد لهذا القول بالنصوص الدالّة على لزوم العُشر فيما المئونة فيه أقلّ،و نصفه فيما المئونة فيه أكثر (4)؛ و لعلّه بناءً على السؤال المشهور من أنّ الزكاة إذا كانت لا تجب إلّا بعد إخراج المؤمن فأيّ فارق بين ما كثرت مئونته و قلّت حتى وجب في أحدهما العُشر و في الآخر نصفه؟ و فيه نظر،لإمكان الاستشهاد بها أيضاً للقول الآخر بتقريب أنّ المئونة لو كانت على ربّ المال لما توجّه تنصيف العشر فيما كثرت فيه.

و الجواب بخروج هذه المئونة بالنصّ معارض بالمثل.و هذا هو الجواب المهور الموعود به و بسؤاله فيما سبق.

و بالجملة: الحقّ أنّه لا شهادة لهذه النصوص على شيء من القولين لكونها متّفقاً عليها بين الفريقين مخصَّصاً بها عموم أدلّة الطرفين.

قال شيخنا في الروضة:و المراد بالمئونة ما يغرمه المالك على الغلّة من ابتداء العمل لأجلها و إن تقدّم على عامها إلى تمام التصفية و يبس

ص:98


1- راجع ص:2343.
2- الظاهر هو الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح(مخطوط).
3- الاستبصار 2:25؛ و انظر التهذيب 4:36.
4- الوسائل 9:182 أبواب زكاة الغلّات ب 4.

الثمرة،و منها البذر،و لو اشتراه اعتبر المثل أو القيمة.و يعتبر النصاب بعد ما تقدّم منها على تعلّق الوجوب،و ما تأخّر عنه يستثنى و لو من نفسه، و يزكّي الباقي و إن قلّ،و حصّة السلطان كالثاني.و لو اشترى الزرع أو الثمرة فالثمن من المئونة،و لو اشتراها مع الأصل وزّع الثمن عليهما كما توزّع المئونة على الزكوي و غيره لو جمعهما،و يعتبر ما غرمه بعده و يسقط ما قبله،كما يسقط اعتبار المتبرّع و إن كان غلامه أو ولده،انتهى (1).

و هو حسن،إلّا أن ما اختاره في اعتبار استثناء المئونة من التفصيل بين ما تقدّم منها على تعلّق الوجوب فتُستثنى من نفس الغلّة حتى لو لم يبق بعده نصاب لم يجب زكاة،و ما تأخّر عنه فتُستثنى من النصاب إن بلغته الغلّة و لو مع المئونة فتجب زكاة ما بقي منه بعد استثنائها و إن قلّ خلاف المشهور بين الأصحاب،و إن اختلفوا في اعتباره،فبين من جعله بعد النصاب مطلقاً (2)كالفاضل في التذكرة فيما حكاه عنه في المدارك و اختاره (3)،و بين من عكس كهو في المنتهى و التحرير،و الماتن في المعتبر في الخراج،و الحلّي و ابن زهرة و غيرهم (4)،و لعلّه المشهور،و دلّ عليه الرضوي المتقدّم (5)الذي هو الأصل في المسألة.

و لعلّه الأظهر و إن كان الأحوط ما في التذكرة ثم ما في الروضة، و أحوط من الكل عدم استثناء المئونة بالكليّة خروجاً عن شبهة الخلاف

ص:99


1- الروضة 2:36.
2- أي سواء كانت المئونة متقدمة على تعلّق الوجوب أو متأخرة عنه.منه رحمه اللّه.
3- التذكرة 1:220،المدارك 5:145.
4- المنتهى 1:500،التحرير:63،المعتبر 2:540،السرائر 1:434،الغنية(الجوامع الفقهية):567؛ و انظر المهذب 1:166،و الحدائق 12:130.
5- في ص:2344.

و من حذا حذوه.

القول في ما تستحب فيه الزكاة

القول في بيان شروط ما تستحب فيه الزكاة اعلم:أنّه يشترط في مال التجارة الحول (1) السابق.

و أن يطلب برأس المال أو الزيادة في الحول كلّه فلو طلب المتاع بأنقص منه و إن قلّ في بعض الحول فلا زكاة و إن كان ثمنه أضعاف النصاب،و إذا طلبه به فصاعداً استأنف الحول.

و أن تكون قيمته تبلغ نصاباً (2) لأحد النقدين إن كان أصله عروضاً،و إلّا فنصاب أصله و إن نقص بالآخر.

فيخرج الزكاة حينئذٍ أي عند اجتماع هذه الشروط الثلاثة عن قيمته ربع العُشر دراهم أو دنانير و لا خلاف في شيء من هذه الشروط أجده،بل على ما عدا الثاني منها أنّه قول فقهاء الإسلام في المعتبر و المنتهى،و عليه فيهما أنّه مذهب علمائنا أجمع (3)،و فيهما أيضاً و عن التذكرة أنّ اعتبار بقاء النصاب طول الحول مذهبهم أيضاً (4)،و به صرّح في المدارك بزيادة قوله:و أكثر العامة (5).

و هذه العبارات كلها ظاهرة في الإجماع بل كالصريحة فيه،و به صرّح

ص:100


1- أي أحد عشر شهراً مع الدخول في الثاني عشر.منه رحمه اللّه.
2- في المختصر المطبوع زيادة:فصاعداً.
3- المعتبر 2:544،550،المنتهى 1:507،508.
4- المعتبر 2:550،المنتهى 1:507،التذكرة 1:227.
5- المدارك 5:167.

أيضاً في المدارك و غيره في الأوّل (1)،و الفاضل في النهاية في الأخير على ما حكاه عنه في الذخيرة (2)؛ و هو كافٍ في الحجة،مضافاً إلى الأصل و المعتبرة المستفيضة في الأوّلين.

ففي الصحيح:عن رجل اشترى متاعاً فكسد عليه،و قد زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع،متى يزكّيه؟فقال:« إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة،و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال» قال:و سألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها،فقال:« إذا حلّ عليه الحول فليزكّها» (3).

و فيه:« إن كنت تربح فيه شيئاً أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة، و إن كنت إنّما تربّص به لأنك لا تجد إلّا و ضيعة فليس عليه زكاة حتى يصير ذهباً أو فضّة،فإذا صار ذهباً أو فضّة تزكيه للسنة التي اتّجر فيها» (4).

و ما فيه و في الموثق (5)من الأمر بتزكيته لسنة واحدة مع النقيصة إذا مضت عليه سنتان أو سنون عديدة فمحمول على الاستحباب،كما صرّح به جماعة (6)،جمعاً بين الأدلّة؛ مع قصورهما سنداً بالإضمار في الأوّل، و عدم إيمان بعض رواة الثاني،فلا يقاومان إطلاق ما دلّ على نفي الزكاة مع

ص:101


1- المدارك 5:167؛ و انظر الذخيرة:449،و الحدائق 12:146.
2- الذخيرة:449،و هو في نهاية الإحكام 2:364.
3- الكافي 3:/528 2،التهذيب 4:/68 186،الإستبصار 2:/10 29،الوسائل 9:71 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13 ح 3 بتفاوت يسير.
4- الكافي 3:/529 9،التهذيب 4:/69 187،الإستبصار 2:/10 30،الوسائل 9:70 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13 ح 1.
5- الكافي 3:/528 3،الوسائل 9:72 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13 ح 6.
6- منهم الشيخ في التهذيب 4:75،و الاستبصار 2:11،و العلّامة في نهاية الإحكام 2:365.

النقيصة من الفتوى و الرواية،مضافاً إلى الإجماعات المحكية.

و أمّا تقدير النصاب هنا بنصاب أحد النقدين دون غيرهما فلم أجد من النصوص عليه دلالة،نعم ربما يستشعر ذلك من بعضها،بل في المدارك:أنّ ظاهر الروايات أنّ هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين فيعتبر نصابهما و يتساويان في قدر المخرَج (1)؛ و في الذخيرة بعد نقله عنه:

و للتأمّل فيه مجال و إن كان لما ذكره وجه (2)،انتهى.و هو حسن.

و كيف كان فالحكم ممّا لا إشكال فيه بعد عدم ظهور خلاف فيه،بل قيل:إنّه متفق عليه بين الخاصّة و العامّة (3).

و اعلم:أنّه يعتبر زيادةً على هذه الشروط ما مرّ من الشروط العامة.

و هل يشترط بقاء عين السلعة طول الحول كما في المال،أم لا فتثبت الزكاة و إن تبدّلت الأعيان مع بلوغ القيمة النصاب؟ قولان،ظاهر الأصل و النصوص هو الأوّل كما عن الصدوق و المفيد (4)،و عليه الماتن في الشرائع و غيره (5).

خلافاً للفاضل و ولده و من تأخّر عنهما (6)،كما في المدارك،قال:

و ادّعيا عليه في التذكرة و الشرح الإجماع (7).و هو ضعيف.

و ظاهر المتن تعلّق الزكاة بالقيمة لا بالسلعة،كما صرّح به في

ص:102


1- المدارك 5:167.
2- الذخيرة:449.
3- الحدائق 12:146.
4- المقنع:52،الفقيه 2:11،المقنعة:239.
5- الشرائع 1:157،المعتبر 2:547.
6- كما في التذكرة 1:229،الإيضاح 1:187،البيان:307،المسالك 1:58.
7- المدارك 5:172.

الشرائع (1)،و تبعه الفاضل في المنتهى و غيره (2)،و عزاه في المدارك إلى الشيخ و أتباعه (3)؛ و الحجّة عليه غير واضحة عدا أمر اعتباري ضعيف، و روايةٍ قاصرة الدلالة (4)،فلا يصلحان صارفاً لظواهر جملة من النصوص الدالة على تعلّقها بعين مال التجارة (5)؛ و لعلّه لذا جعل الماتن مدلولها في المعتبر مع جواز العدول إلى القيمة بدلاً عن الزكاة أنسب بالمذهب، و نفى عنه البأس في التذكرة،على ما نقله عنهما في المدارك و استحسنه (6).

و يشترط في زكاة الخيل حول الحول السابق عليها و السوم،و كونها إناثاً بإجماعنا الظاهر المصرّح به في التذكرة و المنتهى (7)،و قد مرّ الصحيح (8)المستفاد منه اعتبار الثلاثة في بحث عدم الزكاة مطلقاً فيما عدا الخيل و الحمول الثلاثة.

و حيث اجتمعت الشروط الثلاثة فيخرج عن العتيق الذي أبواه عربيان كريمان ديناران،و عن البِرْذَون الذي هو خلافه دينار واحد بلا خلاف؛ للصحيح:« وضع أمير المؤمنين عليه السلام على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين،و جعل على البراذين ديناراً» (9).

ص:103


1- الشرائع 1:157.
2- المنتهى 1:508؛ و انظر نهاية الإحكام 2:365.
3- المدارك 5:173.
4- الكافي 3:/516 8،التهذيب 4:/93 269،الإستبصار 2:/39 121،الوسائل 9:139 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1 ح 7.
5- الوسائل 9:70 و 74 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13 و 14.
6- المدارك 5:173،و هو في المعتبر 2:547،و التذكرة 1:228.
7- التذكرة 1:230،المنتهى 1:510.
8- في ص:2294.
9- الكافي 3:/15 1،التهذيب 4:/67 183،الإستبصار 2:/12 34،الوسائل 9:77 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 16 ح 1.

و كلّ ما يخرج من الأرض ممّا تستحب فيه الزكاة حكمه حكم الأجناس الأربعة في اعتبار السقي و المؤمن قدر النصاب و كمّية الواجب إخراجه منها،بلا خلاف فيه أجده،و به صرّح في الذخيرة (1)، و في المدارك أنّه متّفق عليه بين الأصحاب (2)،بل قال في المنتهى:إنّه لا خلاف فيه بين العلماء (3)،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه؛ و هو الحجّة، مضافاً إلى الصحاح المستفيضة في اعتبار النصاب و السقي.

ففي الصحيح:إنّ لنا رطبة و أُرزاً،فما الذي علينا فيها؟فقال عليه السلام:

« أمّا الرطبة فليس عليك فيها شيء،و أمّا الأرز فما سَقَت السماء العُشر و ما سقي بالدلو فنصف العشر من كلّ ما كِلت بالصاع» أو قال:« وكيل بالمكيال» (4).

و في آخر:« الذرة و العدس و السلت و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير،و كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة» (5).

و لا قائل بالفرق،مع أنّ في بعضها:« كل ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب» (6).

و عموم المنزلة يقتضي الشركة في جميع الشروط المزبورة.

ص:104


1- الذخيرة:451.
2- المدارك 5:159.
3- المنتهى 1:510.
4- الكافي 3:/511 5،الوسائل 9:62 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 9 ح 2.
5- التهذيب 4:/65 177،الوسائل 9:64 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 9 ح 10.
6- الكافي 3:/511 4،الوسائل 9:61 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 9 ح 1.
الركن الثالث في وقت الوجوب

الركن الثالث في بيان وقت الوجوب اعلم:أنّه فيما لا يعتبر فيه الحول كالغلّات:التسمية أو الاحمرار و الاصفرار و الانعقاد على ما مرّ من الخلاف (1).

و أمّا ما يعتبر فيه فقد مرّ (2)أيضاً أنّه إذا أهلّ الشهر الثاني عشر وجبت الزكاة بلا خلاف،و إن اختلف في استقرار الوجوب به كما هو ظاهر النصّ و الفتاوى بالتقريب الماضي،أو تزلزله و عدم استقراره إلّا بتمام الحول اللغوي و العرفي كما عليه شيخنا الشهيد الثاني (3)،و لكنّه نادر،حتى أن سبطه في المدارك قال:إنّه لم يعرف له من السلف موافق (4).

و يعتبر استكمال شرائط الوجوب من النصاب و إمكان التصرف و السوم في الماشية و كونها دراهم أو دنانير منقوشة في الأثمان فيه (5) أي في الحول المدلول عليه بالسياق لا الشهر الثاني عشر، بلا خلاف و لا إشكال.

و عند الوجوب و استقراره يتعيّن دفع الواجب مطلقاً حتى في الغلاّت إن جعلنا وقته فيها و وقت الإخراج واحداً و هو التسمية بأحدها

ص:105


1- في ص:2302.
2- في ص:2302.
3- كما في المسالك 1:53.
4- المدارك 5:73.
5- في النافع زيادة:كلّه.

عرفاً كما هو مختار الماتن (1)،و إلّا كما هو المشهور فالوقتان متغايران.

و يمكن أن يريد بوقت الوجوب وجوب الإخراج لا وجوب الزكاة و إن خالف ظاهر العبارة ليناسب مذهب الكل،إذ على التفصيل يجوز التأخير عن أوّل وقت الوجوب إلى وقت الإخراج إجماعاً كما مضى،و به صرّح في الروضة هنا (2).

و أمّا بعد وقت الإخراج ف لا يجوز تأخيره مطلقاً إلّا لعذر كانتظار المستحق و شبهه من خوفٍ أو غيبة المال،فيجوز التأخير حينئذٍ بلا خلاف (3)و أمّا عدم الجواز لغير عذر فهو الأشهر بين أصحابنا،حتى أنّ الفاضل في المنتهى عزاه إلى علمائنا (4)،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،كما هو ظاهر الغنية أيضاً (5)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة كما ادّعاه المفيد في المقنعة (6).

منها زيادةً على ما يأتي من الصحيح المشبِّه للزكاة بالصوم في عدم جواز التأخير عن وقته إلّا قضاءً و نحوه الرضوي الآتي (7)الصحيح:عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات،أ يؤخرّها حتى يدفعها في وقت واحد؟فقال:« متى حلّت أخرجها» (8).

ص:106


1- راجع ص:2336،و الشرائع 1:153،و المعتبر 2:534.
2- الروضة 2:38.
3- في« ح» زيادة:بل عليه الإجماع في المنتهى 1:511.
4- المنتهى 1:510.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):568.
6- المقنعة:240.
7- في ص:2360.
8- الكافي 3:/523 4،الوسائل 9:306 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 1.

و الخبر المروي في آخر السرائر نقلاً عن كتاب محمّد بن علي بن محبوب بسندٍ فيه ضعف بالجوهري،و لكنّه بالشهرة مجبور-:« و ليس لك أن تؤخّرها بعد حلّها» (1).

و قيل و القائل الشيخ في النهاية (2): إذا عزلها عن ماله جاز تأخيرها شهراً أو شهرين للصحيح:« لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين» (3).

و إطلاقه و إن اقتضى جواز تأخيرها إلى الشهرين مطلقاً،لكنّه مقيّد بصورة العزل،للموثق:زكاتي تحلّ في شهر،أ يصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني؟فقال:« إذا حال الحول فأخرجها من مالك و لا تخلطها بشيء،ثم أعطها كيف شئت» قال،قلت:فإن أنا كتبتها و أثبتّها أ يستقيم لي؟قال:« نعم لا يضرّك» (4).

و إطلاقه بجواز التأخير مع العزل مقيّد بما إذا لم يتجاوز المدة، للصحيحة.و به تصرف المستفيضة المتقدّمة عن ظواهرها،بحمل الإخراج المستفاد منها لزومه فوراً على العزل لا الدفع،أو يحمل على الاستحباب.

و فيه:أنّ الجمع بذلك فرع التكافؤ المفقود في هذين الخبرين، لأرجحيّة ما ما قابلهما بالاستفاضة و الشهرة و حكاية الإجماع المتقدمة؛ مع

ص:107


1- مستطرفات السرائر:/99 25،الوسائل 9:308 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 4.
2- النهاية:183.
3- التهذيب 4:/44 114،الإستبصار 2:/32 96،الوسائل 9:302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 11.
4- الكافي 3:/522 3،التهذيب 4:/45 119،الوسائل 9:307 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 2.

قوة احتمال ورود صحيحهما للتقية،فقد حكاه في المنتهى عن أبي حنيفة و غيره من العامة (1)،و هما و إن أطلقا جواز التأخير ما لم يطلب فيعمّ ما لو تأخّر عن المدّة،لكن تحديد التأخير بها في الصحيح يحتمل التمثيل، لورود أخبار أُخر في التعجيل و التأخير بها و بزيادة من ثلاثة كما في بعضها (2)،أو أربعة كما في آخر (3)،أو خمسة كما في غيرها (4)،و ليس ذلك إلّا لعدم الحصر في مدّة،و يعضده خلوّ الموثقة عن التقييد بها بالكلية.

و لعلّه لذا افتى الشهيد في الدروس (5)بجواز التأخير مطلقاً لانتظار الأفضل،أو التعميم من غير تقييد بمدّة،و كذا في البيان (6)بزيادة التأخير لمعتاد الطلب بما لا يؤدّي إلى إهمال.

لكنّه محلّ نظر أيضاً،لتضمّن الموثق الأمر بالعزل،و هو لم يذكره أصلاً،و عمومه بجواز التأخير بعد العزل من غير تقييد بكونه لانتظار الأفضل و نحوه و هو قد قيّده به،هذا.

مع أنّ الخبرين قد تضمّنا ما لا يقول به الشيخ،لتضمّن الأوّل جواز تعجيل الزكاة،و الثاني جواز الاكتفاء عن العزل بالكتابة و الإثبات،و لم يذكره هو،إلّا أن يكون مراده بالعزل ما يعمّه،هذا.

ص:108


1- المنتهى 1:510.
2- الكافي 3:/523 7،التهذيب 4:/45 118،مستطرفات السرائر:/99 24،الوسائل 9:308 أبواب المستحقين للزكاة ب 53 ح 1.
3- المقنعة:240،الوسائل 9:303 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 13.
4- التهذيب 4:/44 115،الاستبصار 2:/32 97 بتفاوت فيهما،الوسائل 9:302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 12.
5- الدروس 1:245.
6- البيان:334.

و يمكن الجمع بينهما و بين المستفيضة بإبقائها على حالها و تقييدهما بحال العذر و الضرورة،و لا ريب أنّ هذا الجمع أقوى،لما مضى (1).

و ظاهر الحلّي جواز التأخير إيثاراً لبعض المستحقين،و إن ضمن مع التلف و لو بغير تفريط،و لا يأثم بغير خلاف،و ادّعى بعد ذلك أيضاً الإجماع صريحاً،قال:لأنّه لا خلاف بينهم في أنّ للإنسان أن يخصّ بزكاته فقيراً دون فقير،و لا يكون مخلاًّ بواجب و لا فاعلاً لقبيح (2).

و في ثبوت الإجماع بمثل هذا التعليل ما ترى،مع أنّه موهون جدّاً بمصير الأكثر إلى خلافه كما مضى.

و لشيخنا الشهيد الثاني هنا قول آخر قد تبعه فيه سبطه و مَن عنهما تأخّر (3)،و هو جواز التأخير لشهرٍ و شهرين مطلقاً (4)؛ و لعلّه للصحيح الماضي سنداً للشيخ،و قد مرّ ما فيه.

و العجب ممّن تبعه في الاستدلال عليه بما دلّ على جواز التقديم و التأخير زيادة على الشهرين من ثلاثة أشهر أو أربعة،مع أنّهم لم يذكروها بالكليّة،اللّهم إلّا أن يكون ذكرهم الشهرين تمثيلاً لا حصراً كما مضى.

و كيف كان الأشبه أنّ جواز التأخير مشروط بالعذر فلا يتقدّر بغير زواله مطلقاً (5).

و لو أخّر الدفع مع إمكان التسليم ضمن بلا خلاف أجده

ص:109


1- من رجحان المستفيضة بما عرفته.منه رحمه اللّه.
2- السرائر 1:454.
3- الروضة 2:39،المدارك 5:289،الذخيرة:428.
4- من غير تقييد بعذر و لا بانتظار الأفضل و نحوه.منه رحمه اللّه.
5- أي لا شهرٍ و لا شهرين و لا مع مراعاة الأفضل و نحوه.منه رحمه اللّه.

حتى ممن جوّز التأخير لغير عذر،كالحلّي و غيره (1)،فقد صرّحا بهذا الحكم؛ للنصوص.

منها الصحيح:رجل بعث بزكاة ماله لتُقسم فضاعت،هل عليه ضمانها حتى تقسم؟قال:« إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها،و إن لم يجد من يدفعها إليه فبعض بها إلى أهلها فليس عليه ضمان،لأنّها قد خرجت من يده،و كذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أُمر بدفعه إليه،فإن لم يجد فليس عليه ضمان» (2).

و نحوه الصحيح الآتي في الضمان بنقلها من البلد مع وجود المستحق،و غيره (3).

و في هذه النصوص تأييد لما قدّمناه من عدم جواز التأخير لغير عذر مطلقاً،لبُعد الضمان مع كون التأخير برخصة الشارع،بل الظاهر أنّه من حيث الإثم به و عدم رخصة من الشارع فيه.

و ما دلّ عليه الصحيح الأوّل من انسحاب الحكم في الوصي بالتفرقة لها قد صرّح به جماعة (4)من غير خلاف بينهم أجده،و ألحقوا به الوكيل و الوصي بتفرقة غيرها،و صرّحوا بجواز التأخير لهما أيضاً مع خوف الضرر و لو مع وجود المستحق.و لا ريب فيه،لاتّحاد الدليل،و هو عموم نفي

ص:110


1- السرائر 1:454؛ و انظر الروضة 2:38.
2- الكافي 3:/553 1،الفقيه 2:/15 46،التهذيب 4:/47 125،الوسائل 9:285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 1.
3- في ص:2363.
4- منهم المحقق في الشرائع 1:165،و العلّامة في التحرير 1:66،و الشهيد في الدروس 1:245.

الضرر.

و هل الحكم بالضمان بالتأخير مع التمكن من الدفع يعمّ ما لو كان لتعميمها لمستحق البلد مع كثرتهم و غيره كما هو ظاهر إطلاق النصّ و الفتوى،أم يختص بالثاني؟وجهان:من الإطلاق،و قوّة احتمال اختصاصه بالثاني بحكم التبادر و غيره،فإنّ التأخير في الأوّل لا يسمّى تأخيراً عرفاً.

و لعلّ هذا هو الأقوى،وفاقاً لبعض المتأخّرين (1)خلافاً للفاضل فبقي على التردّد في التحرير و المنتهى (2).و ممّا ذكرنا يظهر جواز هذا التأخير كما قطع به في الكتابين أيضاً.

و لا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب بنيّتها على أشهر الروايتين و أظهرهما،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،بل و قدمائهم أيضاً،إلّا ما يُحكى عن ظاهر العماني و الديلمي (3)،و عبارته المحكيّة غير صريحة فيه و لا ظاهرة،بل و لا مشعرة و إن ادّعاه الفاضل في المختلف (4)، و على تقدير ثبوت المخالفة فهما نادران،بل على خلافهما الإجماع في الخلاف (5)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الأُصول و النصوص.

منها الصحيح:الرجل يكون عنده المال أ يزكّيه إذا مضى نصف السنة؟قال:« لا،و لكن حتى يحول عليه الحول و تحلّ عليه،إنّه ليس لأحدٍ أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها،و كذلك الزكاة،و لا يصومنّ أحد شهر

ص:111


1- المدارك 5:291.
2- التحرير 1:66،المنتهى 1:511.
3- حكاه عن العماني في المختلف:188،الديلمي في المراسم:128.
4- المختلف:188.
5- الخلاف 2:43.

رمضان إلّا في شهره إلّا قضاءً،و كلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت» (1).

و الصحيح:أ يزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟قال:

« لا،أ يصلّي الاُولى قبل الزوال؟! » (2)و الرواية الثانية كثيرة،لكنّها مع ندرتها و ضعف جملة منها مختلفة في تحديد مدّة التعجيل،فبين محدّدٍ لها بشهرٍ و شهرين خاصة،كالصحيح المتقدم إليه الإشارة (3)،أو ثلاثة بل و أربعة كالصحيح:إنّها لا تحلّ عليه إلّا في المحرّم،فيعجّلها في شهر رمضان؟قال:« لا بأس» (4)أو بخمسة كما في رواية (5)،أو من أوّل السنة كما في أُخرى (6)،غير مكافأة لما مرّ من الأدلّة.

فلتطرح،أو تحمل على التقية،فقد حكي جواز التعجيل في المعتبر و المنتهى عن أحمد و الشافعي و أبي حنيفة (7).

و لا ينافيه تحديد جملة منها التعجيل بمدّةٍ مع أنّه لم يُحكَ عنهم التحديد بها،لأنّ اختلافها فيها لعلّه كاشف عن كون التحديد بها تمثيلاً لا حصراً.

ص:112


1- الكافي 3:/523 8،التهذيب 4:/43 110،الإستبصار 2:/31 92،الوسائل 9:305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 2 بتفاوت يسير.
2- الكافي 3:/524 9،التهذيب 4:/43 111،الإستبصار 2:/32 93،الوسائل 9:305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 3.
3- في ص:2356.
4- التهذيب 4:/44 112،الإستبصار 2:/32 94،الوسائل 9:301 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 9.
5- التهذيب 4:/44 115،الاستبصار 2:/32 97 بتفاوت في النص،الوسائل 9:302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 12.
6- التهذيب 4:/44 113،الإستبصار 2:/32 95،الوسائل 9:302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 10.
7- المعتبر 2:554،المنتهى 1:511.

أو على كون التعجيل قرضاً،لجوازه بل استحبابه اتّفاقاً،فتوًى و نصّاً،كما سيأتي،و يشهد له الرضوي:« إنّي أروي عن أبي عليه السلام في تقديم الزكاة و تأخيرها أربعة أشهر (1)،إلّا أنّ المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك،و لا يجوز لك تقديمها و لا تأخيرها لأنّها مقرونة بالصلاة، و لا يجوز لك تقديم الصلاة قبل وقتها و لا تأخيرها إلّا أن يكون قضاءً، و كذلك الزكاة،و إن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئاً تفرج به عن مؤمن فاجعلها ديناً عليه،فإذا حلّت وقت الزكاة فاحسبها له زكاة،فإنّه يحسب لك من زكاة مالك و يكتب لك أجر القرض و الزكاة» (2).

و لا ينافيه أيضاً التحديد بالمدة لما عرفته.

و يجوز بل يستحب دفعها إلى المستحق بل مطلقاً قرضاً و احتساب ذلك عليه من الزكاة إن تحقق الوجوب بدخول وقته مع حصول شرائطه و بقي القابض لها على صفة الاستحقاق أو حصلت؛ لما مرّ من الرضوي.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة المنجبر ضعف أسانيدها بالشهرة، منها:إنّي رجل موسر و يجيئني الرجل و يسألني الشيء و ليس هو إبّان زكاتي،فقال عليه السلام له:« القرض عندنا بثمانية عشر و الصدقة بعشرة،و ما ذا عليك إن كنت كما تقول موسراً أعطيته؟فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة،يا عثمان لا تردّه فإنّ ردّه عند اللّه عظيم» (3).

و منها:« قرض المؤمن غنيمة و تعجيل خير،إن أيسر أدّى و إن مات

ص:113


1- في المصدر زيادة:أو ستة أشهر.
2- فقه الرضا(عليه السلام):197،المستدرك 7:130 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.
3- الكافي 4:/34 4،الوسائل 9:300 أبواب المستحقين ب 49 ح 2 بتفاوت يسير.

احتسب من الزكاة» (1).

و فيها تأييد ما للمختار من المنع عن تقديمها زكاة كما لا يخفى.

و كما يجوز احتسابه عليه من الزكاة مع بقائه على صفة الاستحقاق كذا يجوز مطالبته بعوضه و دفعه إلى غيره،و دفع غيره إلى غيره؛ لأنّ حكمه حكم الديون مع عدم ظهور ما يخالفه من النصوص،إذ غايتها جواز الاحتساب عليه من الزكاة لا وجوبه،و بهذا الحكم صرّح جماعة من الأصحاب من غير خلاف (2).

و لو تغيّر حال المستحق عند تحقق الوجوب بأن صار غنيّاً مثلاً أو فُقِد فيه أحد شروط الاستحقاق استأنف المالك الإخراج بلا خلاف و لا إشكال على المختار من عدم جواز التعجيل إلّا قرضاً،و كذا على غيره، وفاقاً للمنتهى و غيره (3)،قالا:لأنّ الدفع يقع مراعى في جانب الدافع اتفاقاً فكذا القابض.و فيه نظر.

نعم في الصحيح:رجل عجّل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة،فقال:« يعيد المعطي الزكاة» (4).

و لو عُدِم المستحق في بلده نقلها إلى غيره جوازاً بل وجوباً و لم يضمن لو تلف بغير تفريط و يضمن لو نقلها مع وجوده فيه، بغير خلاف في شيء من ذلك أجده،و به صرّح جماعة،مؤذنين بدعوى

ص:114


1- الكافي 3:/558 1،الفقيه 2:/32 127،الوسائل 9:299 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 1.
2- منهم المحقق في المعتبر 2:557،و العلّامة في المنتهى 1:512،و صاحب المدارك 5:297.
3- المنتهى 1:512؛ و انظر المدارك 5:296.
4- الكافي 3:/545 2،الفقيه 2:/15 44،التهذيب 4:/45 117،الإستبصار 2:/33 99،الوسائل 9:304 أبواب المستحقين للزكاة ب 50 ح 1.

الإجماع عليه،كما في صريح الخلاف في الجميع (1)،و المنتهى في الثاني (2)؛ و هو الحجّة مضافاً إلى الأُصول و النصوص.

و منها:الصحيحان الماضي أحدهما قريباً (3)،و في الثاني:عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت،فقال:« ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان» قلت:فإن لم يجد لها أهلاً ففسدت و تغيّرت،أ يضمنها؟قال:

«لا،و لكن إن عرف لها أهلاً فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها» (4).

و عليهما ينزّل إطلاق ما دلّ على نفي الضمان كالموثق:الرجل يبعث بزكاة ماله من أرض إلى أرض فيقطع عليه الطريق،فقال:« قد أجزأت عنه،و لو كنت أنا لأعدتها» (5)و الحسن:« ليس عليه شيء» (6)بحملهما على صورة النقل مع عدم المستحق.

و في جواز النقل في غير هذه الصورة (7)أم تحريمه قولان.

من الأصل،و استفاضة النصوص بالجواز على الإطلاق،و منها الصحيح:في الرجل يعطي الزكاة ليقسّمها،إله أن يخرج الشيء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيره؟قال:« لا بأس» (8).

ص:115


1- الخلاف 2:28.
2- المنتهى 1:529.
3- في ص:2358.
4- الكافي 3:/553 4،التهذيب /48 126،الوسائل 9:286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 2.
5- الكافي 3:/554 9،الوسائل 9:287 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 6.
6- الكافي 3:/554 5،التهذيب 4:/47 124،الوسائل 9:287 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 5.
7- و هو صورة النقل مع وجود المستحق.منه رحمه اللّه.
8- الكافي 3:/554 7،الفقيه 2:/16 50،الوسائل 9:282 أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 1.

و من أنّ فيه نوع خطر و تغرير بالزكاة و تعريضاً لإتلافها مع إمكان إيصالها إلى مستحقّها،فيكون حراماً،و أنّه مناف للفوريّة.

و على هذا الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه الإجماع (1)،كما هو ظاهر التذكرة حيث عزاه إلى علمائنا (2).فإن تمّ إجماعاً،و إلّا كما هو الظاهر لمصير الناقلين له إلى الجواز في جملة من كتبهما (3)،و عزاه في المنتهى إلى شيخنا المفيد و الشيخ في كتبه و اختاره (4)،و في المختلف إليه في المبسوط بشرط الضمان،و إلى ابن حمزة مع الكراهة و استقربه (5)فالأوّل أقوى؛ لما مضى،و ضعفِ الوجهين للمنع،فالأوّل باندفاعه بالضمان،و الثاني بمنعه، لأنّ النقل شروع في الإخراج فلم يكن منافياً للفورية.

هذا إن قلنا بوجوبها (6)كما هو الأقوى،و إلّا فهو غير متوجّه من أصله جدّاً.

نعم الأحوط الثاني؛ لشبهة دعوى الإجماع المعتضدة بالشهرة المنقولة في عبارة بعض الأصحاب (7)،مضافاً إلى التأيّد بما دلّ على الضمان بناءً على ما قدّمنا من بُعد ثبوته مع كون النقل برخصة الشرع و تجويزه.

هذا مع ضعف أكثر النصوص المجوّزة أو بعضها،مع موافقتها

ص:116


1- الخلاف 2:28،و ح 4:229.
2- التذكرة 1:244.
3- المنتهى 1:529،المختلف:190،الاقتصاد:279.
4- المنتهى 1:529،المفيد في المقنعة:240،الشيخ في الاقتصاد:279.
5- المختلف:190،المبسوط 1:245،الوسيلة:130.
6- أي وجوب الفورية.
7- كصاحب الحدائق 12:239.

لمذهب أبي حنيفة كما حكاه عنه في المنتهى (1).

و في الصحيح:« لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب،و لا صدقة الأعراب للمهاجرين» (2).

و في آخر« كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقسّم صدقة أهل البوادي على أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر» (3)و فيهما تأييد ما للمنع، و يفهم من الكافي كونهما من روايات المسألة،حيث نقلهما في بابها.

ثم على القولين لو نقلها أجزأته إذا وصلت إلى الفقراء،عند علمائنا أجمع،كما في المنتهى و غيره (4)،مؤذنين بدعوى الإجماع عليه.كما صرّح في المختلف (5)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل و صدق الامتثال،و في المنتهى:إذا نقلها اقتصر على أقرب الأماكن التي وجد المستحق فيها، استحباب عندنا و وجوباً عند القائلين بتحريم النقل (6).و هو حسن.

و اعلم:أنّ نقل الواجب إنّما يتحقق مع عزله قبله بالنية،و إلّا فالذاهب من ماله كما عليه شيخنا الشهيد الثاني،قال:لعدم تعيّنه (7)؛ أو منه و من الزكاة على الشركة و إن ضمنها مع التلف كما هو الظاهر،و هو خيرة سبطه (8).

ص:117


1- المنتهى 1:529.
2- الكافي 3:/554 10،المقنعة:263،التهذيب 4:/108 309،الوسائل 9:284 أبواب المستحقين للزكاة ب 38 ح 1.
3- الكافي 3:/554 8،الفقيه 2:/16 48،التهذيب 4:/103 292،الوسائل 9:284 أبواب المستحقين للزكاة ب 38 ح 2.
4- المنتهى 1:529؛ و انظر التذكرة 1:244،و المدارك 5:269.
5- المختلف:190.
6- المنتهى 1:529.
7- كما في المسالك 1:62.
8- المدارك 5:267.

و لا فرق على القولين بين وجود المستحق و عدمه.

ثم إنّه لا ريب في جواز العزل مع عدم وجود المستحق،بل يستحب كما يأتي.

و في جوازه مع وجوده نظر لشيخنا الشهيد الثاني،قال:من أنّ الدين لا يتعيّن بدون قبض مالكه أو ما في حكمه مع الإمكان.و استقرب في الدروس جواز العزل بالنية مطلقاً،و عليه تبنى المسألة هنا.و أمّا نقل قدر الحق بدون النيّة فهو كنقل شيء من ماله فلا شبهة في جوازه مطلقاً،فإذا صار في بلد آخر ففي جواز احتسابه على مستحقّيه مع وجودهم في بلده على القول بالمنع نظر،من عدم صدق النقل الموجب للتغرير بالمال، و جوازِ كون الحكمة نفع المستحقين بالبلد،و عليه يتفرّع ما لو احتسب القيمة في غير بلده أو المثل من غيره.انتهى (1).

و في كلّ من وجهي المنع في النظرين نظر،لمخالفتهما عموم ما دلّ على جواز العزل من النصوص،من غير تخصيص فيها بفقد المستحق،بل ظهور بعضها في جوازه مع وجوده،كما حكاه هو عن الدروس،و سبطه عنه و عن ظاهر المعتبر و صريح التذكرة (2)،و ما دلّ على جواز إخراج القيمة عن الزكاة من غير تخصيص ببلد المال،مع أنّ جواز كون الحكمة نفع المستحقين أمر مستنبط فلا يكون حجة من أصله فضلاً عن أن يعارض به النصّ،سيّما مع قيام الإجماع على خلافه في نفس الزكاة إذا نُقلت مع وجود المستحق و أُوصلت إلى الفقراء،فإنّها تجزي كما مضى.

ص:118


1- الروضة 2:40،و هو في الدروس:65.
2- حكاه عنه في المدارك 5:267،المعتبر 2:588،التذكرة 1:238.

ثم إنّ في كلّ من دعوى ابتناء المسألة (1)على جواز العزل بالنية مطلقاً و عدم شبهة في إطلاق جواز نقل قدر الحق بدون النية نظراً أيضاً:أمّا الأُولى فلإمكان تحقق الضمان بالنقل بتقدير وجود المستحق بعد العزل، فلا يتوقف على القول بإطلاق جواز العزل،و يتوجّه على القول بالمنع أيضاً مع وجود المستحق.

ثم إنّها على تقدير تسليمها لا يجامع النظر في جواز العزل مع وجود المستحق،لأنّ فيها اعترافاً باتفاق الأصحاب على جوازه،حيث فرضوا الضمان في المسألة،و هو لا يتم إلّا على تقدير صحة جواز العزل كما ذكره،فتدبّر.

و أمّا الثانية فلأنّ قدر الحق المنقول مشترك بينه و بين الزكاة،فيتوجّه المنع عن نقلها على القول به،إلّا أن يبنى هذا على ما اختاره سابقاً (2).

و النيّة معتبرة في إخراجها و عزلها بإجماع العلماء عدا الأوزاعي كما في المعتبر و المنتهى و غيرهما (3).

و لا بُدّ فيها من مقارنتها للدفع إلى المستحق أو الإمام أو الساعي أو وكيل المستحق،على قول قويّ في الأخير للمبسوط و الفاضل في المختلف (4)،حيث جوّزا الدفع إليه لكونه توكيلاً في المباح فيجوز.

خلافاً للقاضي و الحلّي فلا يجوز (5)،و مال إليه في الذخيرة

ص:119


1- و هي ضمان الزكاة بالنقل مع وجود المستحق.منه رحمه اللّه.
2- من أن نقل الواجب مع عدم عزله بالنية قبله يوجب كون الذاهب من ماله.منه رحمه اللّه.
3- المعتبر 2:559،المنتهى 1:516؛ و انظر التذكرة 1:242،و المفاتيح 1:209.
4- المبسوط 1:233،المختلف:192.
5- نقله عن القاضي في السرائر 2:81،السرائر 2:81.

و المدارك (1)،قالا:لأنّ إقامة الوكيل مقام الموكّل في ذلك تحتاج إلى دليل و لم يثبت.

و يضعّف:بأنّ الدليل بالخصوص غير مشترط قطعاً،و العام ثابت، و هو ما قدّمنا.

و اعتبار المقارنة بمعنى عدم جواز التقديم متّفق عليه بيننا كما في المدارك و غيره (2)،و عزاه في الأوّل إلى أكثر العامة.

و في جواز التأخير مطلقاً كما هو ظاهر إطلاق الفاضلين (3)أو بشرط بقاء العين،أو علم القابض بكون المدفوع زكاة و إلّا فإشكال، إشكال،و الاحتياط يقتضي المصير إلى الثاني.

و لا بُدّ فيها أيضاً من التعيين و قصد القربة قطعاً،و الوجوب أو الندب على الأحوط كما في كل عبادة.و لا تفتقر إلى تعيين الجنس الذي يخرج منه إجماعاً كما في المنتهى (4)،و في غيره نفي الخلاف عنه (5).

ص:120


1- الذخيرة:468،المدارك 5:301.
2- المدارك 5:301؛ و انظر الذخيرة:468.
3- كما في الشرائع 1:168،و الإرشاد 1:289.
4- المنتهى 1:516.
5- المفاتيح 1:209.
الركن الرابع في المستحق
اشارة

الركن الرابع في بيان المستحق و ما يتعلق به و النظر في في أُمور ثلاثة:

الأصناف و الأوصاف المعتبرة فيهم و اللواحق

أمّا الأصناف فثمانية
اشارة

أمّا الأصناف فثمانية بنصّ الآية الكريمة،بناءً على تغاير الفقراء و المساكين كما هو المشهور لغةً و فتوى،حتى أنّ في المنتهى ادّعى الإجماع عليه و لو التزاماً،حيث قال بعد جعلهم ثمانية بالنصّ و الإجماع -:قال اللّه سبحانه: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ [1] (1) إلى أن قال:و لا خلاف بين المسلمين في ذلك (2).

الصنف الأوّل و الثاني: الفقراء و المساكين

الفقراء و المساكين و لا تميّز بينهما مع الانفراد،بل العرب قد استعملت كل واحد من اللفظين في معنى الآخر،أما مع الجمع بينهما فلا بُدّ من المائز.

و قد اختلف العلماء في أنّ أيّهما أسوأ حالاً من الآخر، و هو كالصريح في الإجماع على التغاير،و على دخول كلّ منهما في الآخر إذا انفرد،كما يستفاد أيضاً من ظاهر التحرير و المختلف و غيرهما (3)،و به

ص:121


1- التوبة:60.
2- المنتهى 1:517.
3- التحرير:67،المختلف:180؛ و انظر نهاية الإحكام 2:379.

صرّح في الروضة،فقال بعد الإشارة إلى محل الخلاف-: و لا ثمرة مهمة في تحقيقه للإجماع على إرادة كلّ منهما من الآخر حيث يفرد، و على استحقاقهما من الزكاة،و لم يقعا مجتمعين إلّا فيها،و إنّما تظهر الفائدة في أُمور نادرة (1).

أقول: كما إذا نذر أو وقف أو أوصى لأسوئهما حالاً.

و قريب منه في المسالك.

فلا إشكال في التغاير سيّما مع تصريح الغنية بالإجماع على أنّ المسكين أسوأ حالاً،قال:و قد نصّ على ذلك الأكثر من أهل اللغة (2)؛ و نحوه في نسبته إلى أهل اللغة لكن من غير تقييد بالأكثر الفاضل المقداد في التنقيح و شيخنا في المسالك (3).

و يدلّ عليه الصحيح أيضاً:« الفقير الذي لا يسأل،و المسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل» (4)و نحوه الحسن،و فيه أن:« البائس أجهدهم» (5).

و كما أنّ في هذه الأدلّة دلالة على التغاير كذا فيها دلالة على أنّ المسكين أسوأ حالاً كما هو الأقوى،وفاقا لجمهور متأخّري أصحابنا،وفاقاً للنهاية و المفيد و الإسكافي و الديلمي (6)من القدماء.

ص:122


1- الروضة 2:42.
2- المسالك 1:59.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):568.
4- التنقيح 1:317،المسالك 1:59.
5- الكافي 3:/502 18،الوسائل 9:201 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 2.
6- الكافي 3:/501 16،التهذيب 4:/104 297،الوسائل 9:210 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 3.

خلافاً للمبسوط،و عن الجمل و المرتضى و ابن حمزة و الحلّي (1)فالعكس؛ لوجوه مدخولة معارضة بمثلها و أقوى،و هو ما قدّمنا [قدمناه] . و الضابط الجامع بين الصنفين في استحقاقهما الزكاة و نحوها هو:أن لا يكون آخذها غنيّاً بلا خلاف فتوًى و نصّاً،و إن اختلفا في تحديده ب من لا يملك مئونة سنة له و لعياله اللازمين له،أو من لا يملك نصاباً تجب فيه الزكاة.

و الأوّل أقوى،وفاقاً لجمهور أصحابنا بل عامّتهم،عدا نادر صار إلى الثاني،و هو غير معروف،و ربما يجعل الشيخ في الخلاف (2)مع أنّ المحكيّ عنه في التحرير خلافه و مصيره إلى المختار (3).

و كيف كان فلا ريب في ضعفه و شذوذه،حتى أنّ المرتضى في الناصرية ادّعى الإجماع على خلافه (4).و الحجة عليه بعده النصوص المستفيضة،و هي ما بين صريحة في ذلك و ظاهرة.

فمن الأدلة:الخبران المروي أحدهما في المقنعة عن يونس بن عمار،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:« تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة،و تجب الفطرة على من عنده قوت السنة» (5)الخبر.

و ثانيهما:في العلل،و فيه:عن السائل و عنده قوت يوم أ يحلّ له أن يسأل،و إن اعطي شيئاً من قبل أن يسأل يحلّ له أن يقبله؟قال:« يأخذ

ص:123


1- المبسوط 1:246،الجمل و العقود(الرسائل العشر):206،الوسيلة:128،السرائر 1:456.
2- الخلاف 2:146،حكاه عنه في المهذب البارع 1:529.
3- التحرير:68.
4- الناصرية(الجوامع الفقهية):206.
5- المقنعة:248 الوسائل 9:234 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 10.

و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنة من الزكاة،لأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة» (1).

و قريب منهما الصحيح:« يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره» قلت:فإنّ صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟قال:« زكاته صدقة على عياله،و لا يأخذها إلّا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفدها في أقل من سنة،فهذا يأخذها» (2)الخبر.

و قصور السند أو ضعفه حيث كان منجبر بعمل الأصحاب.

و من الثانية:النصوص الآتية في جواز أخذ الزكاة لمن له سبعمائة إذا كانت تقصر عن استنماء الكفاية،بناءً على أنّ الظاهر المتبادر من الكفاية فيها الكفاية طول السنة،مع أنّها صريحة في جواز أخذ الزكاة لمن عنده نصاب خلافاً للقول الثاني،فتعيّن الأوّل،إذ لا قائل بالفرق.

و أمّا ما يحكي عن المبسوط (3)من اعتباره الكفاية على الدوام فغير مفهوم مراده،هل الدوام إلى سنة كما استظهره من عبارة الفاضل (4)،أو غيره؟و على هذا فلا يمكن جعله مخالفاً،سيّما و إنّ ظاهر جملة من الأصحاب و منهم الفاضل المقداد في التنقيح (5)انحصار القول هنا فيما ذكرناه من القولين،و حيث ثبت فساد الثاني قطعاً تعيّن الأوّل.

و لا يمنع عن الزكاة لو ملك الدار و الخادم و الدابة المحتاج

ص:124


1- علل الشرائع:/371 1،الوسائل 9:233 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 7.
2- الكافي 3:/560 1،الوسائل 9:231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 1.
3- المبسوط 1:256،و حكاه عنه في المهذب البارع 1:529.
4- كما في نهاية الإحكام 2:380.
5- التنقيح الرائع 1:317.

إليها بحسب حاله،بلا خلاف ظاهر،مصرّح به في بعض العبائر (1)،و عن التذكرة إلحاق ثياب التجمّل نافياً الخلاف عن أصل الحكم فيها و في الملحق به (2)،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه؛ و هو الحجة،مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح المروي عن كتاب علي بن جعفر:عن الزكاة أ يُعطاها من له الدابة؟قال:« نعم،و من له الدار و العبد،فإنّ الدار ليس يعدّها مال» (3).

و نحوه المرسل القريب منه سنداً:عن الرجل له دار و خادم أو عبد، أ يقبل الزكاة؟قال:« نعم،إنّ الدار و الخادم ليسا بمال» (4).

و نحوهما الموثق (5)و الخبران (6)،معلّلاً فيها الحكم بنحو ما في سابقيها.

و يستفاد من التعليل عدم اختصاص الحكم بالمذكورات،بل يلحق بها كلّ ما يحتاج إليه من الآلات اللائقة بحاله و كتب العلم،لمسيس الحاجة إلى ذلك كله،مع عدم الخروج بملكه عن حدّ الفقر عرفاً،و به صرّح

ص:125


1- المفاتيح 1:205.
2- التذكرة 1:236.
3- مسائل علي بن جعفر:/142 165،الوسائل 9:237 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 5.و فيهما:« ليس نعدّها مالاً».
4- الكافي 3:/561 7،الفقيه 2:/17 56،التهذيب 4:/51 133،الوسائل 9:235 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 2.
5- الكافي 3:/560 4،الفقيه 2:/17 57،المقنعة:363،التهذيب 4:/48 127،الوسائل 9:235 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 1.
6- الكافي 3:/562 10،التهذيب 4:/52 134،الوسائل 9:236 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 3 و 4.

جماعة من أصحابنا (1).

و إطلاق النصّ و الفتوى و إن اقتضى عموم الحكم في المذكورات و شموله لما إذا زادت عن حاجته بحيث تكفيه قيمة الزيادة لمئونة السنة و أمكنه بيعها منفردةً،إلّا أنّ حملها على المتعارف يقتضي تقييدها بغير هذه الصورة مع عدم صدق الفقر في مثلها بلا شبهة،فتجب بيع الزيادة.

نعم،لو كان حاجته تندفع بأقلّ منها قيمة فلا يبعد أن لا يكلّف بيعها و شراء الأدون منها قيمةً،للإطلاق،مع ما في تكليفه بذلك من العسر و المشقة،اللّهُمَّ إلّا أن تخرج عن مناسبة حاله كثيراً بحيث لا ينصرف إليها الإطلاقات عرفاً.

قيل:و لو فُقدت هذه المذكورات استثنى أثمانها مع الحاجة إليها، و لا يبعد إلحاق ما يحتاج إليه في التزويج بذلك مع حاجته إليه (2).

و كذا لا يمنع مَن في يده ما يتّجر فيه ل يتعيّش به و لكن يعجز عن استنماء الكفاية له و لعياله طول السنة،بل يُعطى منها و لو كان ما بيده سبعمائة درهم و لا يكلّف إنفاقها.

و يمنع مَن يستنمي الكفاية منه و لو كان خمسين درهماً، بلا خلاف أجده فيها أيضاً؛ لصدق الغناء في الثاني و الفقر في الأوّل؛ و للمعتبرة المستفيضة.

منها الصحيح:عن الرجل تكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم و له عيال و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها،أ يكبّ فيأكلها أو يأخذ

ص:126


1- منهم:الشيخ في المبسوط 1:256،و الشهيد في الروضة 2:44،و صاحب المدارك 5:200،و صاحب الحدائق 12:163.
2- المدارك 5:201.

الزكاة؟قال:« لا،بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله،و يأخذ البقية من الزكاة و يتصرّف بهذه و لا ينفقها» (1).

و في الموثق:عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟قال:

« نعم،إلّا أن تكون داره دار غلّة فيخرج من غلّتها ما يكفيه لنفسه و لعياله، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة،فإن كانت غلّتها تكفيهم فلا» (2).

و أمّا الموثق:« لا تحلّ لمن كانت عنده أربعون درهماً يحول عليه الحول عنده أن يأخذها،و إن أخذها أخذها حراماً» (3)فمع قصور سنده و شذوذه محمول على عدم احتياجه،كما يفهم من سياقه،أو على التقيّة لأنّه مذهب العامة.

و كذا يمنع عنها ذو الصنعة و الكسب إذا نهضت بحاجته على الأظهر الأشهر،بل لا خلاف فيه يظهر إلّا ما حكاه في الخلاف عن بعض الأصحاب (4)،و هو مع عدم معروفيّته نادر،و في الخلاف و الناصرية (5)الإجماع على خلافه؛ للنبوي:« لا حظّ فيها لغنيّ و لا ذي قوة مكتسب» (6)و نحوه مروي في جملة من أخبارنا،و فيها الصحيح و غيره (7).

و ما ورد في بعضها مما يوهم خلافه مطروح أو مؤوّل.

ص:127


1- الكافي 3:/561 6،الوسائل 9:238 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 1.
2- تقدّم مصدره في ص:2371،الهامش(8).
3- التهذيب 4:/51 131،الوسائل 9:240 أبواب المستحقين ب 12 ح 5.
4- الخلاف 4:230.
5- الخلاف 4:231،الناصرية(الجوامع الفقهية):206.
6- سنن الدارقطني 2:7/119.
7- الوسائل 9:231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8.

و لا يمنع إذا قصرت عنها،بلا خلاف فيه على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (1)،و عن التذكرة أنّه موضع وفاق بين العلماء (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى صدق الفقر عليه عرفاً و عادة.

و هل يتقدّر الأخذ بشيء و هو التتمّة خاصّة،كما حكاه قولاً جماعة (3)،و عُزي إلى الشهيد في البيان (4)،أم لا،بل يجوز الأخذ زائداً عليها،كما عليه الأكثر على الظاهر المصرّح به في عبائر جمع (5)،حتى أنّ في بعضها أنّه المشهور (6)؟ وجهان:من الأصل،و عموم ما دلّ على جواز إغناء الفقير (7)،و أنّ خير الصدقة ما أبقت غنى.

و من ظاهر الصحيح المتقدم في المسألة السابقة المتضمن لقوله عليه السلام:

« و يأخذ البقيّة» (8)و نحوه غيره (9)،إلّا أنّهما ليسا صريحين في المنع عن الزيادة،و مع ذلك فموردهما من كان معه مال يتّجر به و عجز عن استنماء الكفاية،لا ذو الكسب القاصر الذي هو مفروض المسألة،إلّا أن يعمّم الخلاف إلى المسألتين،كما يفهم من المنتهى (10)،و حينئذٍ يكفي في

ص:128


1- انظر الحدائق 12:160.
2- التذكرة 1:236.
3- حكاه عنهم في التذكرة 1:236.
4- البيان:311.
5- كما في المدارك 5:197.
6- الإيضاح 1:194،الحدائق 12:160.
7- الوسائل 9:258 أبواب المستحقين للزكاة ب 24.
8- تقدّم في ص 2373.
9- التهذيب 4:/51 130،الوسائل 9:239 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 4.
10- المنتهى 1:518.

الجواب عنهما قصور الدلالة،فلا يصلحان لتقييد الأخبار المطلقة المعتضدة بالأصل و الشهرة.

و لكن الأحوط ترك الزيادة عن التتمة،خروجاً عن الشبهة فتوًى و روايةً،لقوّة احتمال ظهورها دلالةً و إن لم تكن صريحة.

و لو دفعها المالك بعد الاجتهاد فبان الآخذ غير مستحق لها ارتجعت الزكاة بعينها مع بقائها،و مثلها أو قيمتها مع تلفها،اتّفاقاً إذا علم الآخذ كونها زكاةً؛ و كذا مع جهله به مطلقاً،كما عن التذكرة قال:

لفساد الدفع،و لأنّه أبصر بنيّته (1)؛ أو بشرط بقاء العين و انتفاء القرائن الدالة على كونها صدقة،كما في المدارك (2).

خلافاً للمعتبر و المنتهى (3)،فلا ترتجع مطلقاً؛ لأنّ الظاهر أنّها صدقة كما في الأوّل،أو لأنّ دفعه محتمل للوجوب و التطوّع كما في الثاني.

و هما كما ترى لا ينافيان جواز الارتجاع مع بقاء العين،لأنّ ظهور الصدقة و احتمال التطوّع إنّما هو بالنسبة إلى الآخذ،و إلّا فالدافع أبصر بنيّته، و إذا عرف عدمهما جاز له ارتجاعها مع بقائها،و لا مع تلفها لأنّه سلّطه على إتلافها و الأصل براءة ذمّته،فلا يستحق عوضها.

نعم يمكن أن يقال:إنّ للآخذ الامتناع عن الردّ بناء على ثبوت الملك له بالدفع في الظاهر،فعلى المرتجع إثبات خلافه،و لا يختلف في ذلك الحال بين بقاء العين و تلفها.

و أمّا القطع بجواز الارتجاع إذا كان المدفوع أولية ممن لا تلزم هبته

ص:129


1- التذكرة 1:245.
2- المدارك 5:205.
3- المعتبر 2:569،المنتهى 1:527.

فلعلّه خروج عن مفروض المسألة،و هو ما إذا قارن الدفع قصد القربة كما يومئ إليه تعليل الفاضلين المتقدم إليه الإشارة و لا يجوز معه الرجوع و لو في الهبة.

فإن تعذّر الارتجاع فلا ضمان على الدافع لوقوع الدفع مشروعاً فلا يستعقب ضماناً،لأنّ امتثال الأمر يقتضي الإجزاء.

خلافاً للمحكي عن المفيد و الحلبي (1)فيضمن،قياساً على الدين، و هو كما ترى.

و للمرسل في رجلٍ يعطي زكاة ماله رجلاً و هو يرى أنّه معسر فوجده موسراً،قال:« لا تجزي عنه» (2).

و إرساله يمنع عن العمل به،و إن كان في سنده ابن أبي عمير،لأنّ المرسِل غيره و إن كان قبله،لأنّ الإلحاق بالصحيح بمثله و كذا بدعوى إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عن ابن أبي عمير و أنّه لا يروي إلّا عن ثقة غير متّضح،فلا يخرج بمثله عن الأصل المقرّر،سيّما مع اعتضاده في المسألة بعمل الأكثر،و إن اختلفوا في إطلاق الحكم بنفي الضمان كما عن جماعة و منهم الشيخ في المبسوط (3)،أو تقييده بصورة الدفع مع الاجتهاد و إلّا فيضمن كما في ظاهر العبارة و المنتهى و عن المعتبر (4).

و الأصح الأوّل؛ عملاً بعموم مقتضى الأصل مع عدم ظهور ما يصلح

ص:130


1- حكاه عنهما في المدارك 5:205،و هو في المقنعة:259،و الكافي في الفقه:172.
2- الكافي 3:/545 1،الفقيه 2:/15 45،التهذيب 4:/51 132،الوسائل 9:215 أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 5.
3- المبسوط 1:261.
4- المنتهى 1:527،المعتبر 2:569.

لتخصيصه فيصحّ الثاني.

عدا ما قيل:من أن المالك أمين على الزكاة،فيجب عليه الاجتهاد و الاستظهار في دفعها إلى مستحقّها،فبدونه تجب الإعادة (1).

و الصحيح:قلت له:رجل عارف ادّعى الزكاة إلى غير أهلها زماناً، هل عليه أن يؤدّيها ثانيةً إلى أهلها إذا علمهم؟قال:« نعم» قال،قلت:فإن لم يعرف لها أهلاً فلم يؤدّها أو لم يعلم أنّها عليه فعلم بعد ذلك؟قال:

« يؤدّها إلى أهلها لما مضى» قلت:فإن لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل و قد كان طلب و اجتهد ثم علم بعد ذلك سوء ما صنع؟قال:

« ليس عليه أن يؤدّيها مرّة أُخرى» (2).

و في رواية أُخرى مثلها غير أنّه قال:« إن اجتهد فقد برئ،و إن قصّر في الاجتهاد فلا» (3).

و يضعّف الأوّل:بأنّه إن أُريد بالاجتهاد القدر المسوّغ لدفع الزكاة إليه و لو بدعواه الفقر فمرجع هذا التفصيل إلى المختار.و إن أُريد به الزائد على ذلك كما هو الظاهر من لفظ الاجتهاد فهو غير واجب عندهم بلا خلاف بينهم فيه أجده،و به صرّح جماعة (4)،حملاً لأفعال المسلمين و أقوالهم على الصحة،كما يستفاد من التتبّع و الاستقراء لموارد كثيرة،مع استلزام وجوبه العسر و الحرج المنفيين في الشريعة،و كونه خلاف الطريقة

ص:131


1- قاله في المعتبر 2:569.
2- الكافي 3:/546 2،التهذيب 4:/102 290،الوسائل 9:214 أبواب المستحقين للزكاة ب ح 1.
3- الكافي 3:/546 ذيل حديث 2،التهذيب 4:/103 291،الوسائل 9:214 أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 2.
4- منهم صاحب المدارك 5:206،و الذخيرة:464.

المستمرّة في الأزمنة السابقة و اللاحقة،و خلاف ما تدل عليه جملة من المعتبرة بتصديق الأئمّة لمدّعي الفقر و المسكنة من غير حلف و لا بيّنة (1).

و مع ذلك فقد نقل في المدارك الإجماع على عدم وجوب ذلك عن جماعة (2)،نعم ظهر من المبسوط (3)وقوع الخلاف في المسألة (4)،و لكن في المختلف (5):الظاهر أنّه من العامة.

نعم،له قول بعدم تصديق الفقير في دعواه الفقر إذا كان له مال فادّعى تلفه إلّا بالحلف أو البيّنة على اختلاف النقل عنه و الحكاية (6).

و هو و إن وافق الأصل و استصحاب الحالة السابقة إلّا أنّه لعلّه لا يعارض ما قدّمناه من الأدلّة و إن كان الأحوط مراعاته.

و الثاني و هو الروايتان:بأنّ موردهما غير محل النزاع،كما لا يخفى على المتدبّر فيهما.

ثم إنّ هذا إذا بان عدم الاستحقاق بالغناء.و لو بان بالكفر و الفسق و نحوهما ففي الذخيرة:أن الذي قطع به الأصحاب عدم الإعادة،مؤذناً بعدم خلاف فيه بينهم،قال:و استدلّ عليه بأنّ الدفع واجب فيكتفى في شرطه بالظاهر تعليقاً للوجوب على الشرط الممكن،فلم يضمن،لعدم العدوان بالتسليم المشروع.انتهى (7).

ص:132


1- المدارك 5:201.
2- المدارك 5:206.
3- المبسوط 1:247.
4- أي:مسألة تصديق الفقير بمجرّد دعواه.
5- المختلف:85.
6- المنقول عن الشيخ في المعتبر 2:568 التكليف بالبيّنة.
7- الذخيرة:464.

و هذا الدليل يؤيّد ما قدّمنا،كما يؤيّده أيضاً ما ذكروه من عدم الضمان مع تعذّر الارتجاع إذا كان الدافع الإمام أو نائبه من غير خلاف أجده،و به صرّح في الذخيرة (1)،و في المنتهى:أنّه لا خلاف فيه بين العلماء (2)،لأنّ المالك خرج عن العهدة بالدفع إليهما،و هما خرجا عن العهدة بالدفع إلى من يظهر منه الفقر،و إيجاب الإعادة تكليف جديد منفيّ بالأصل.

الصنف الثالث العاملون

و الصنف الثالث: العاملون عليها و هم جُباة الصدقة و السعاة في أخذها و جمعها و حفظها حتى يؤدّوها إلى من يقسّمها،كما في المرسل (3).

و لا خلاف بين العلماء في استحقاقهم لها،كما في ظاهر المنتهى، و فيه:عندنا أنّه يستحقّ نصيباً من الزكاة و به قال الشافعي،و قال أبو حنيفة:

يعطي عوضاً و أُجرةً لا زكاةً (4)؛ و ما عزاه إلينا قد ادّعى في المدارك و غيره عليه الإجماع منّا و من أكثر العامة (5).

و لا ريب فيه؛ لظاهر الآية (6)،لاقتضاء العطف بالواو التسوية،و في الصحيح بعد السؤال عن الآية« إن الإمام يعطي هؤلاء جميعاً» (7).

ص:133


1- الذخيرة:463.
2- المنتهى 1:527.
3- التهذيب 4:/49 129،تفسير القمي 1:299،الوسائل 9:211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.
4- المنتهى 1:519.
5- المدارك 5:208،الحدائق 12:173.
6- التوبة:60.
7- الكافي 3:/496 1،الفقيه 2:/2 4،التهذيب 4:/49 128،الوسائل 9:209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.

و ذكر جماعة من غير خلاف بينهم أجده:أنّ الإمام بالخيار بين أن يقرّر لهم أُجرةً معلومةً عن مدة معيّنة،أو يجعل له جُعالة،أو يجعل له نصيباً من الصدقات.

و في الصحيح:ما يعطى المصدّق؟قال:« ما يرى الإمام،و لا يقدَّر له شيء» (1).

و لا يجوز أن يكونوا من بني هاشم كما في الصحيح (2)،قيل:إلّا إذا استؤجروا أو دفع إليهم الإمام من بيت المال (3).و لا بأس به.

و لا يعتبر فيهم الفقر؛ لأنّهم قسيمهم.

الصنف الرابع المؤلّفة قلوبهم

و الصنف الرابع: المؤلّفة قلوبهم بالكتاب و السنة و إجماع العلماء كما في عبائر جماعة و هم الذين يُستمالون إلى الجهاد بالإسهام لهم في الصدقة و إن كانوا كفّاراً ظاهر العبارة عدم إشكال في دخول المسلمين فيهم،حيث جعل الكفّار فيها الفرد الأخفى،مع أنّ ظاهر الأصحاب عكس ذلك،لاتّفاقهم على دخول الكفّار في الجملة و إن اختلف عبائرهم في التأدية عنهم بالمنافقين خاصّة كما عن الإسكافي (4)؛ أو بمطلقهم كما في عبائر غيره (5).

و إنّما اختلفوا في عمومهم للمسلمين كما عليه جماعة و منهم الحلّي،

ص:134


1- الكافي 3:/563 13،التهذيب 4:/108 311،المقنعة:264،الوسائل 9:211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 4.
2- الكافي 4:/58 1،التهذيب 4:/58 154،الوسائل 9:268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.
3- الحدائق 12:174.
4- حكاه عنه في المختلف:181.
5- المدارك 5:214.

قال:لأنّه يعضده ظاهر التنزيل و عموم الآية،فمن خصّها يحتاج إلى دليل (1).

و في المختلف:هو الأقرب،لنا:عموم كونهم مؤلّفة،و ما رواه زرارة و محمّد بن مسلم أقول:في الصحيح-:أنّهما قالا لأبي عبد اللّه عليه السلام:

أ رأيت قول اللّه تعالى..إلى أن قال-:« سهم المؤلّفة و سهم الرقاب عام، و الباقي خاص» (2)و إنّما يكون لو تناول القسمين (3).

أو اختصاصهم بالكفَرَة مطلقاً أو في الجملة كما عليه آخرون،و قيل:

إنّه المشهور (4)،و لعلّه كذلك،حتى أنّ الشيخ في المبسوط قال بأن المؤلّفة عندنا هم الكفار الذين يُستمالون بشيء من مال الصدقات إلى الإسلام، و يتألّفون ليستعان بهم على قتال أهل الشرك،و لا يعرف أصحابنا مؤلّفة أهل الإسلام (5).

و مستندهم إن لم يكن إجماع غير واضح،عدا الإجماع على دخول الكفّار و وقوع الخلاف في المسلمين.

و يضعّف بما مرّ من الدليل فيهم أيضاً،بل ظاهر جملة من النصوص أنّهم قوم مسلمون قد أقرّوا بالإسلام و دخلوا فيه لكنّه لم يستقرّ في قلوبهم و لم يثبت ثبوتاً راسخاً،فأمَرَ اللّه تعالى نبيّه بتألّفهم بالمال لكي تقوى عزائمهم و اشتدّ قلوبهم على البناء على هذا الدين.

ص:135


1- السرائر 1:458.
2- الكافي 3:/496 1،الفقيه 2:/2 4،التهذيب 4:/49 128،الوسائل 9:209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.
3- المختلف:181.
4- قال به صاحب الحدائق 12:175.
5- المبسوط 1:249.

ففي الصحيح:« هم قوم وحّدوا اللّه تعالى و خلعوا عبادة من دون اللّه، و لم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّداً رسول اللّه صلى الله عليه و آله،فكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتألّفهم و يعرّفهم و يعلّمهم كيما يعرفوا،فجعل لهم نصيباً في الصدقات لكي يعرفوا و يرغبوا» (1)و نحوه آخر (2)و غيره (3).

و منها يظهر أيضاً أنّ التأليف إنّما هو لأجل البقاء على الدين و الثابت عليه،لا لما ذكروه رضوان اللّه عليهم من الجهاد كفّاراً كانوا أم مسلمين، و أنّهم يتألّفون بهذا السهم لأجله،فلو لا أنّ ظاهرهم الإطباق على دخول من ذكروه في المؤلّفة و يستفاد من عبارة المبسوط المتقدمة و نفي عنه الخلاف في الغنية (4)،لما كان معدل عن النصوص المزبورة.

هذا،و لا ثمرة مهمّة على القول بسقوط هذا السهم في زمن الغيبة، كما هو خيرة الماتن على ما سيأتي إليه الإشارة (5)،بل و لا على غيره أيضاً، كما أشار إليه شيخنا في الروضة فقال:و حيث لا توجِب البسط و نَجعل الآية لبيان المصرف كما هو المنصور تقلّ فائدة الخلاف،لجواز إعطاء الجميع عن الزكاة في الجملة.

و أشار بالجميع إلى الكفّار و المسلمين بأقسامهم الأربعة التي أشار إليها بقوله:و هم أربع فرق:قوم لهم نظراء من المشركين إذا اعطي

ص:136


1- التهذيب 4:/49 129،تفسير القمي 1:299،الوسائل 9:211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.
2- الكافي 2:/411 2.
3- تفسير العياشي 2:/91 70،المستدرك 7:102 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 6.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):568.
5- في ص:2424.

المسلمون رغب نظراؤهم في الإسلام،و قوم نيّاتهم ضعيفة في الدين يُرجى بإعطائهم قوة نيّتهم،و قوم بأطراف بلاد الإسلام إذا أُعطوا منعوا الكفّار من الدخول أو رغّبوهم في الإسلام،و قوم جاوروا قوماً تجب عليهم الزكاة إذا أُعطوا منها جَبوها منهم و أغنوا عن عامل.

و وجه تجويز إعطاء الجميع منها ما أشار إليه فيها بقوله ردّا على من ألحق المسلمين بأقسامهم بالكفّار في الدخول في المؤلّفة ما هذا لفظه -:لعدم اقتضاء ذلك الاسم،إذ ربما يمكن ردّ ما عدا الأخير إلى سبيل اللّه و الأخير إلى العُمالة (1).

و يستفاد من كلامه هذا و كلام الدروس (2)أيضاً أنّ تعميم المؤلّفة للمسلمين بفرقهم الأربعة إنّما هو من جهة الصرف في المصلحة و العُمالة، مع أنّك عرفت أنّ الوجه فيه إنّما هو عموم الآية و الرواية.

و كيف كان،بعد الاتّفاق على جواز الإعطاء في الجملة لا ثمرة للخلاف أيضاً من هذه الجهة.

و الصنف الخامس:ما نصّ عليه سبحانه بقوله

الصنف الخامس في الرقاب

وَ فِي الرِّقابِ [1] و الدليل عليه بعده الإجماع و السنة كما سيأتي إليهما الإشارة.

و هم المكاتبون بلا خلاف بين العلماء،كما في صريح المبسوط و السرائر و الغنية و غيرها (3)؛ للمرسل:عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدّى بعضها،قال:« يؤدّى عنه من مال الصدقة،إنّ اللّه تعالى يقول في

ص:137


1- الروضة 2:46.
2- الدروس:241.
3- المبسوط 1:250،السرائر 1:457،الغنية(الجوامع الفقهية):568،و انظر الذخيرة:455.

كتابه: وَ فِي الرِّقابِ [1] (1) و مورده و إن كان مَن عجز إلّا أنّه في كلام السائل،فلا يخصَّص به عموم الآية المستدلّ به في ذيل الرواية.لكن ظاهر الأصحاب على ما يُفهم من بعض العبائر (2)اشتراط أن لا يكون معه ما يصرفه في كتابته.و ظاهر بعض إطلاقاتهم جواز الإعطاء و إن قدر تحصيل مال الكتابة بالتكسّب، و اعتبر الشهيد ان في الروضة و البيان (3)قصور كسبه عن مال الكتابة.

و لا يشترط الشدّة هنا،كما صرّح به في المنتهى من غير نقل خلاف أصلاً (4).

و العبيد الذين تحت الشدة بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة،كالمبسوط و الاقتصاد و السرائر و الغنية و المنتهى و غيرها (5)من كتب الجماعة؛ لعموم الآية و بعض المعتبرة و لو بالشهرة:عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و السبعمائة،يشتري منها نسمةً و يعتقها،قال:

« إذاً يظلم قوماً آخرين حقوقهم» ثمّ مكث مليّاً ثم قال:« إلّا أن يكون عبداً مسلماً في ضرورة فيشتريه و يعتقه» (6).

و ما فيه من اشتراط الضرورة هنا هو المشهور بين الأصحاب،بل

ص:138


1- الفقيه 3:/74 258،التهذيب 8:/275 1002،الوسائل 9:293 أبواب المستحقين للزكاة ب 44 ح 1.
2- الذخيرة:455.
3- الروضة 2:47،البيان:313.
4- المنتهى 1:520.
5- المبسوط 1:250،الاقتصاد:282،السرائر 1:457،الغنية(الجوامع الفقهية):568،المنتهى 1:520؛ و انظر المدارك 5:216.
6- الكافي 3:/557 2،التهذيب 4:/100 282،الوسائل 9:291 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 1 بتفاوت يسير.

ظاهر نقلة الإجماع و لا سيّما المنتهى كونه مجمعاً عليه عندنا،فلا إشكال فيه.

خلافاً لجماعة من متأخّري المتأخّرين (1)تبعاً للمحكي عن المفيد و الحلّي (2)،فلم يشترطوها؛ لعموم الآية و الخبرين.

أحدهما:الصحيح المروي في العلل:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه،أشتريه من الزكاة و أُعتقه؟فقال:« اشتره و أعتقه» قلت:و إن هو مات و ترك مالاً؟قال،فقال:« ميراثه لأهل الزكاة، لأنّه اشتري بمالهم» (3).

و الثاني:الخبر المروي في الكافي في باب نادر:عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله،قال:« اشترى خير رقبة،لا بأس بذلك» (4).

و هو حسن لولا الرواية المتقدمة المصرّحة بالاشتراط،المنجبر ضعف سندها بالشهرة و الإجماعات المنقولة،و أمّا معها فلا،لوجوب تخصيص عموم الكتاب و الخبرين مع إرسال ثانيهما بها.

فالمشهور أقوى،مع أنّه أحوط و أولى.

و من وجبت عليه كفارة و لم يجد ما يعتق على رواية رواها أصحابنا فيما صرّح به في المبسوط (5)،و لعلّها ما رواه القمي في تفسيره مرسلاً عن العالم قال:« وَ فِي الرِّقابِ [1] قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ و في الظهار و في الأيمان و في قتل الصيد في الحرم،و ليس عندهم ما

ص:139


1- كصاحبي المدارك 5:216،و الذخيرة:455،و الحدائق 12:183.
2- حكاه عنهما في المختلف:181،و هو في المقنعة:241،السرائر 1:457.
3- علل الشرائع:/372 15،الوسائل 9:293 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 3.
4- الكافي 3:/552 1،الوسائل 9:251 أبواب المستحقين للزكاة ب 19 ح 1.
5- المبسوط 1:250.

يكفّرون به و هم مؤمنون،فجعل اللّه تعالى لهم سهماً في الدقات ليكفر عنهم» (1).

و ظاهره كما ترى أعمّ من العتق و غيره،و إن قيل:كونه تفسيراً للرقاب يعطي تخصيصه بالعتق (2)،فإنّه غير مفهوم لي؛ و مع ذلك فمستنده ضعيف لا يمكن التعويل عليه؛ و لعلّه لذلك تردّد فيه الماتن في المعتبر و قال:عندي أنّ ذلك أشبه بالغارم،لأنّ القصد إبراء ذمة المكفّر عمّا في عهدته،قال:و يمكن أن يعطى من سهم الرقاب،لأنّ القصد به إعتاق الرقبة (3)؛ و في المبسوط:الأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيراً فيشتري هو و يعتق عن نفسه (4).

و لو لم يجد المزكّي مستحقاً للزكاة جاز له ابتياع العبد و يعتق مطلقاً؛ للموثّق:عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم،فلم يجد موضعاً يدفع ذلك إليه،فنظر إلى مملوك يباع فيمن يزيد،فاشتراه بتلك الألف درهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه،هل يجوز ذلك؟قال:

« نعم لا بأس بذلك» (5)الخبر.

و عزاه الفاضلان إلى الأصحاب كما في المنتهى (6)،أو فقهائهم كما في المعتبر (7)،مؤذنَين بدعوى الإجماع عليه؛ فلا إشكال فيه،سيّما مع عموم

ص:140


1- تفسير القمي 1:299،الوسائل 9:211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.
2- الذخيرة:455.
3- المعتبر 2:574.
4- المبسوط 1:250.
5- الكافي 3:/557 3،التهذيب 4:/100 281،المحاسن:/305 15،الوسائل 9:292 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 2.
6- المنتهى 1:520.
7- المعتبر 2:575.

الآية الكريمة.

الصنف السادس الغارمون

و الصنف السادس: الغارمون لعين ما مرّ من الأدلّة و هم المَدينون في غير معصية،دون مَن صرفه في المعصية بإجماعنا الظاهر المحكي في ظاهر الغنية و المنتهى و التذكرة (1)،و النصوص به مع ذلك مستفيضة.

منها:في المَدين المُعسر:« ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام، فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين،إذا كان أنفقه في طاعة اللّه عزّ و جلّ،فإن كان أنفقه في معصية اللّه فلا شيء له على الإمام» (2).

و منها:« أيّما مؤمن أو مسلم مات و ترك ديناً لم يكن في فساد و لا إسراف،فعلى الإمام أن يقضيه،و إن لم يقضه فعليه إثم ذلك،إنّ اللّه تعالى يقول: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ [1] الآية،فهو من سهم الغارمين» (3).

و منها:في تفسيرهم:« هم قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه تعالى من غير إسراف،فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكّهم من مال الصدقات» (4).و قريب منها المروي عن قرب الإسناد (5).

و في الصحيح:عن رجل عارف فاضل توفّي و ترك ديناً لم يكن بمفسد و لا مسرف و لا معروف بالمسألة،هل يقضى عنه من الزكاة الألف

ص:141


1- الغنية(الجوامع الفقهية):568،المنتهى 1:526،التذكرة 1:233.
2- تفسير العياشي 1:/155 520،المستدرك 7:129 أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 3.
3- تفسير العياشي 2:/94 78،المستدرك 7:127 أبواب المستحقين للزكاة ب 27 ح 1.
4- تفسير القمي 1:299،الوسائل 9:211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.
5- قرب الإسناد:/109 374،الوسائل 9:261 أبواب المستحقين للزكاة ب 24 ح 10.

و الألفان؟قال:« نعم» (1).

و ضعف ما عداه مجبور بعمل الطائفة،بل إجماع المسلمين كافّة في المَدين في غير معصية كما في صريح المنتهى و ظاهر المبسوط و المعتبر و التذكرة (2).

و أمّا المَدين فيها فلم يخالف فيه إلّا الماتن في المعتبر و بعض من تأخّر (3)،فجوّزا الدفع إليه بعد التوبة؛ لعموم الآية بناءً على أنّ الغارم مطلق المَدين اتّفاقاً عرفاً و لغةً،و لا مخصّص له عدا النصوص المزبورة و هي ضعيفة،و أمر اعتباري ضعيف غير صالح للحجيّة فضلاً عن أن يخصَّص به عموم نحو الآية.

و هو حسن لولا انجبار النصوص المزبورة بما عرفته،مضافاً إلى الإجماعات المحكية و الاحتياط المطلوب في العبادة.

و اعلم:أنّ الأصحاب قسّموا الغارم قسمين:المديون لمصلحة نفسه،و الغارم لإصلاح ذات البين،و اعتبروا الفقر في الأوّل دون الثاني، و منهم:الشيخ في المبسوط و الحلّي و ابن حمزة،و الفاضلان في المعتبر و المنتهى و التذكرة (4)،على ما حكاه عنهم في الذخيرة (5)،و في ظاهر الأخير الإجماع على اعتبار الفقر في الأوّل.

ص:142


1- الكافي 3:/549 2،التهذيب 4:/102 288،الوسائل 9:295 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 1.
2- المنتهى 1:521،المبسوط 1:251،المعتبر 2:575،التذكرة 1:233.
3- المعتبر 2:575؛ و انظر المدارك 5:224.
4- المبسوط 1:251،الحلّي في السرائر 1:457،ابن حمزة في الوسيلة:129،المعتبر 2:575،المنتهى 1:526،التذكرة 1:233.
5- الذخيرة:455.

فإن تمّ و إلّا فهو مشكل؛ لمخالفته لظاهر الآية،لجعلها الغارمين قسيم الفقراء؛ مع عدم وضوح دليل عليه عدا ما دلّ على أنّها لا تحلّ لغني،و أنّها إنّما شُرّعت لسدّ الخلّة و رفع الحاجة،و هما غير معلومي الشمول لمفروض المسألة بعد مخالفتهما لظاهر الآية،و تخصيصهما في جملة من الأفراد الثمانية،و هم:العاملون عليها،و الغزاة،و الغارمون لمصلحة ذات البين، و ابن السبيل المنشئ للسفر من بلده،و المؤلّفة،على ما صرّح به جماعة من هؤلاء،كالشيخ و ابن حمزة (1).

مع أنّه يحتملان ككلامهم الحمل على أنّ المراد اعتبار عدم تمكّنهم من الأداء،كما عبّر به جملة من المتأخّرين كالشهيدين و غيرهما (2).

و على هذا نبّه في المدارك فقال بعد نقل ما حكاه عن المعتبر من أنّ الغارم لا يعطى مع الغناء-:و الظاهر أنّ مراده بالغناء انتفاء الحاجة إلى القضاء لا الغناء الذي هو ملك قوت السنة،إذ لا وجه لمنع مالك قوت السنة من أخذ ما يوفى به الدين إذا كان غير متمكن من قضائه (3).انتهى.

و هو حسن.

و يشهد له أنّ الفاضل مع أنّه أحد هؤلاء الجماعة قد استقرب في النهاية (4)جواز الدفع إلى المديون و إن كان عنده ما يفي بدينه،إذا كان بحيث لو دفعه صار فقيراً،لانتفاء الفائدة في أن يدفع ماله ثم يأخذ الزكاة

ص:143


1- الشيخ في المبسوط 1:255،ابن حمزة في الوسيلة:129.
2- كما في الروضة 2:47؛ و انظر نهاية الإحكام 2:391.
3- المدارك 5:222.
4- نهاية الإحكام 2:391.

باعتبار الفقر،فتدبّر و تأمّل.

و لو جهل الأمران فلم يعلم أنفقه في طاعة أو معصية قيل:

يمنع و القائل الشيخ في النهاية (1)؛ لاشتراط الدفع بالإنفاق في طاعة، و حيث جهل الشرط لم يثبت المشروط؛ و للخبر:قال،قلت:فهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة أو معصية،قال:يسعى في ماله و يردّه عليه و هو صاغر» (2).

و قيل:لا يمنع،و القائل الحلّي و الشيخ في المبسوط كما حكي (3)،و تبعهما الفاضلان و غيرهما من المتأخرين (4)فقالوا: و هو أشبه بالأُصول الدالّة على أنّ الأصل في تصرّفات المسلم وقوعها على الوجه المشروع،مع أنّ تتبع مصارف الأموال عسير،فلا يتوقف دفع الزكاة على اعتباره.

و أجابوا عن الرواية بضعف السند،و زاد بعضهم الضعف في الدلالة فلا يخرج بها عن مقتضى الأُصول.

و بها يضعّف الحجّة الأُولى قبل الرواية،فإنّ مقتضاها حصول الشرط فيثبت المشروط.

إلّا أنّ يقال:إن الشرط هو الإنفاق في غير المعصية في نفس الأمر، و حمل تصرّف المسلم على الصحة لا يحصّله.

ص:144


1- النهاية:306.
2- الكافي 5:/93 5،التهذيب 6:/185 385،تفسير العياشي 1:/155 520 بسند آخر،الوسائل 18:336 أبواب الدين و القرض ب 9 ح 3.
3- حكاه عن الحلي في المدارك 5:225،و هو في السرائر 2:35،المبسوط 1:251.
4- كما في المعتبر 2:576،و المختلف:181؛ و انظر المدارك 5:225.

و يمكن دفعه:بأنّ ذلك و إن كان مقتضى النصوص،إلّا أنّها لضعفها لا تصلح لإثبات ذلك،و الشهرة الجابرة لها يُدار مَدار حصولها و لم تحصل على اشتراط ذلك كذلك،بل المتحقّق منها هو اشتراط عدم العلم بصرفه في معصية لا العلم بصرفه في غيرها،و هو حاصل هنا.

ثم لو سلّمنا كون الشرط هو العلم بصرفه في غيرها كما هو مفاد النصوص و مقتضاها قلنا:إنّ كون الأصل في تصرّفات المسلم الصحة في حكم العلم بذلك بحكم التتبع و شهادة الاستقراء.

هذا،و رجوع الشيخ في المبسوط إلى المختار يقتضي كونه الآن إجماعيّاً،و لكن مختاره في النهاية لعلّه أحوط و أولى.

و يجوز للمزكّي مقاصّة المستحق للزكاة بدين له في ذمته بلا خلاف ظاهر مصرّح به في جملة من العبائر (1)،بل في المدارك عن ظاهر المعتبر و المنتهى و التذكرة أنّه لا خلاف فيه بين العلماء (2)، و النصوص به مع ذلك مستفيضة.

منها زيادة على ما مضى في بحث جواز تقديم الزكاة قرضاً (3)الصحيح:عن دَين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة،هل لي أن أدعه و أحتسب به عليهم من الزكاة؟قال:« نعم» (4).

و ظاهره كغيره أنّ المراد بالمقاصّة هي القصد إلى إسقاط ما في ذمّته

ص:145


1- النهاية:188،جامع المقاصد 3:32،الحدائق 12:195.
2- المدارك 5:226.
3- راجع ص 2361.
4- الكافي 3:/558 1،الوسائل 9:295 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 2.

من الدين على وجه الزكاة،و به صرّح جماعة (1)حاكين عن شيخنا الشهيد الثاني خلافه و هو احتساب الزكاة على الفقير ثم أخذها مقاصّة من دينه (2).

و هو بعيد.

و إطلاق العبارة و جملة من النصوص المزبورة بل صريح بعضها المتقدم ثمّة:جواز الاحتساب بها عن الدين في الميّت أيضاً،و نفى عنه و عن جواز القضاء عنه أيضاً الخلاف في كلام جماعة (3)،بل في المدارك:

أنّه متّفق عليه بين علمائنا و أكثر العامة (4).

و هل يشترط في الأداء عنه قصور تركته عن الوفاى بالدين كما عن الشيخ و الإسكافي (5)،أم لا كما عليه الفاضلان (6)؟ وجهان،أحوطهما الأوّل إن لم يكن متعيّناً؛ للصحيح:رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين،أ يؤدّي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟قال:« إن كان أبوه أورثه مالاً ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذٍ فيقضيه عنه قضاءً عن جميع الميراث،و لم يقضه من زكاته،و إن لم يكن أورثه مالاً لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه،فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه» (7).

ص:146


1- كصاحب المدارك 5:225،و المحقق و السبزواري في الكفاية:40،و صاحب الحدائق 12:196.
2- الروضة 2:48.
3- منهم الشيخ في النهاية:188،و المحقق في المعتبر 2:576،و العلّامة في المنتهى 1:521.
4- المدارك 5:227.
5- المبسوط 1:251،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:183.
6- المحقق في المعتبر 2:576،العلّامة في المختلف:183.
7- الكافي 3:/553 3،الوسائل 9:250 أبواب المستحقين للزكاة ب 18 ح 1.

و به يضعف العموم المستدل به للثاني.

و أضعف منه الاستدلال عليه بأنّه بموته انتقلت التركة إلى ورثته فصار في الحقيقة عاجزاً.و هو كما ترى؛ إذ لا انتقال إلّا بعد الدين،لقوله تعالى:

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ [1] (1). و كذا لو كان الدين على من يجب على المزكّي الإنفاق عليه من أب و أُمّ و نحوهما جاز له القضاء عنه و كذا المقاصة حيّاً كان أ و ميّتاً بلا خلاف فيه أجده،و به صرّح في الذخيرة (2)،و في المدارك و غيره (3):أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب و متّفق عليه بينهم، و فيه عن ظاهر المعتبر و المنتهى و التذكرة:أنّه متفق عليه بين العلماء (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى العموم،و خصوص ما مرّ من الصحيح في الأب الميت،و لا قائل بالفرق،و الموثّق في الأب الحي (5).

و بهذه الأدلّة يحمل ما دلّ على أنّه لا يصرف الزكاة في واجبي النفقة على أنّ المراد إعطاؤهم النفقة الواجبة،كما يدلّ عليه تعليله بأنّهم عياله لازمون له،فإنّ قضاء الدين لا يلزم المكلّف بالإنفاق.

الصنف السابع في سبيل اللّه

و الصنف السابع: في سبيل اللّه بالأدلّة الثلاثة: و هو كلّ ما كان قربة أو مصلحة،كالجهاد و الحج و بناء المساجد القناطر على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر على الظاهر المصرّح به في كلام

ص:147


1- النساء:11.
2- الذخيرة:465.
3- المدارك 5:228؛ و انظر الحدائق 12:198.
4- المعتبر 2:576،المنتهى 1:521،التذكرة 1:234.
5- الكافي 3:/553 2،الوسائل 9:250 أبواب المستحقين للزكاة ب 18 ح 2.

جماعة (1)،وفاقاً للمبسوط و الخلاف و ابن حمزة و الحلّي (2)،و ابن زهرة (3)مدّعياً عليه إجماع الطائفة؛ و استدل عليه بعده بما استدل به سائر الجماعة من أنّ سبيل اللّه هو الطريق إلى ثوابه،و ما أفاد التقرّب إليه،قال:و إذا كان كذلك جاز صرف الزكاة فيه.

و زادوا عليه فاستدلوا بالمرسل في تفسيرهم:« أنّهم قوم يخرجون إلى الجهاد و ليس عندهم ما ينفقون به،أو قوم مؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به،أو في جميع سبيل الخير» (4)و إرساله منجبر بالعمل.

و بأخبار أُخر فيها الصحيح و غيره تتضمّن جواز صرف الزكاة في الحج (5)،و لا قائل بالفرق بينه و بين سائر القرب.

و ظاهره اعتبار الحاجة فيمن يدفع إليه هذا السهم ليحجّ أو يزور،كما عليه شيخنا في المسالك و الروضة (6)،و سبطه لكن مع تأمّل له فيه (7)، كالفاضل في التذكرة (8)؛ و زاد جدّه فاشترط الفقر.

و لم أعرف وجهه إن أراد به عدم تملّك مئونة السنة،لعموم الكتاب و السنّة بل ظاهرهما (9)،لما مضى قريباً في نظير المسألة.و ما دلّ على أنّها

ص:148


1- المدارك 5:230،الذخيرة:456،الحدائق 12:199.
2- المبسوط 1:252،الخلاف 4:236،ابن حمزة في الوسيلة:128،الحلّي في السرائر 1:456.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):568.
4- تقدّم مصدره في ص:2385 الهامش(7).
5- الوسائل 9:290 أبواب المستحقين للزكاة ب 42.
6- المسالك 1:60،الروضة 2:49.
7- المدارك 5:232.
8- التذكرة 1:234.
9- من حيث العطف المقتضي للتغاير.

لسدّ الخلّة و رفع الحاجة لا يفيد اشتراطه،بل اشتراط حاجةٍ ما مجامعةٍ لملك مئونة السنة،و هي هنا عدم تمكّن فاعل القرب منها بدونها مطلقاً و لو كان مالكاً لمئونة السنة بكمالها.

و بالجملة: الظاهر اشتراطه خاصّة لما عرفته،دون الفقر بالمعنى المشهور،فيعطى مالك قوت السنة ليحجّ أو يزور مثلاً إذا لم يتمكّن منها بدونها،و إن كان الترك أحوط و أولى.

و قيل:يختص هذا السهم بالمجاهدين و القائل المفيد و الديلمي و الشيخ في النهاية (1)؛ و لا وجه له بعد عموم الآية،و صريح المرسلة.

و دعوى اختصاص الآية بهم بحكم التبادر ممنوعة،كدعوى ضعف سند المرسلة،لانجبارها بالشهرة زيادة على ما عرفته من الأدلّة.

نعم،في بعض النصوص الواردة في الوصية الأمر بإخراج ما اوصي به في سبيل اللّه فيهم (2).لكن لا دلالة فيه صريحة بل و لا ظاهرة،مع احتماله الحمل على التقيّة،فقد حكي القول بتفسير السبيل بهم عن أكثر العامة و منهم أبو حنيفة (3)،مع إشعار سياق الرواية به كما لا يخفى على من راجعه و تدبّره.

الصنف الثامن ابن السبيل

و الصنف الثامن: ابن السبيل بالأدلّة الثلاثة و هو المنقطع به في غير بلده،فيأخذ ما يبلغه بلده و إن كان غنيّاً في بلده إذا كان

ص:149


1- المقنعة:241،المراسم:133،النهاية:184.
2- الكافي 7:/14 4،الفقيه 4:/148 515،التهذيب 9:/202 805،الإستبصار 4:/128 485،الوسائل 19:341 كتاب الوصايا ب 33 ح 4.
3- حكاه عنهم في المعتبر 2:577.

بحيث يعجز التصرف في أمواله ببيع و نحوه على الأظهر وفاقاً للأكثر،أو مطلقاً كما عن الماتن في المعتبر (1)،و وافقه بعض من تأخّر (2)في الاستدانة فلم يعتبر العجز عنها خاصّة،عملاً بعموم الآية.

و يضعّف بما مرّ مراراً،و سلّمه في مواضع أيضاً من أنّ الزكاة شرّعت لسدّ الخلّة و رفع الحاجة،و لا حاجة مع التمكن من الاستدانة.

و بنحو هذا يجاب عن إطلاق المرسلة أو عمومها،حيث فسّرته بأبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه و يقطع عليهم و يذهب مالهم،فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات (3).

و ألحق به جماعة (4) الضيف و الإسكافي المنشئ للسفر الواجب أو الندب (5).

و لا ريب في ضعف الثاني،مع ندوره و مخالفته لظاهر اللفظ، و خصوص ما مرّ من المرسل المنجبر هنا بالعمل.

و أمّا الأوّل فحسن إن كان مسافراً محتاجاً إلى الضيافة،لأنّه حينئذٍ داخل في ابن السبيل،كما صرّح به الفاضل في المختلف و غيره (6)،و الفرق بينهما حينئذٍ ما نقل عن بعض الفضلاء أنّ الضيف نزيل عليك بخلاف ابن السبيل (7).

ص:150


1- المعتبر 2:578.
2- كصاحب المدارك 5:236.
3- تقدّم مصدرها في ص 2385 الهامش(7).
4- منهم المحقق في المعتبر 2:578،و العلّامة في المنتهى 1:522،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 4:165.
5- حكاه عنه في المنتهى 1:522.
6- المختلف:182؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 4:166،و الذخيرة:457.
7- حكاه في التنقيح 1:322 أيضاً عن بعض الفضلاء.

و يشكل إن ابقي على إطلاقه،لعدم وضوح مأخذه عدا رواية مرسلة رواها من القدماء جماعة كالشيخين و ابن زهرة (1).

و إرسالها يمنع عن العمل بها،سيّما و أنّ ظاهر هؤلاء النقلة لها عدم العمل بها و تركها،و المفيد أرجعها إلى المختار،فقال بعد قوله:و قد جاءت أنّهم الأضياف يراد بهم من أُضيف لحاجته إلى ذلك و إن كان له في موضع آخر غنى أو يسار-:و ذلك راجع إلى ما قدّمناه؛ و أشار به إلى ما فسرّ به أوّلاً من أنّهم هم المنقطع بهم في الأسفار.

و لو كان سفرهما معصية مُنِعا من هذا السهم بلا خلاف بين العلماء كما قيل (2)؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم و العدوان،و للمرسلة المتقدمة.

لكن ظاهرها اعتبار كون السفر طاعة كما عن الإسكافي (3)،و باقي الأصحاب على خلافه فاكتفوا بالمباح،لعموم الآية،و ضعف سند المرسلة، مع عدم جابر لها في المسألة،مع أنّها ليست بتلك الصراحة،لشيوع استعمال الطاعة فيما قابل المعصية،بل ظاهر المختلف كون صدقها على المباح على الحقيقة (4)،لكنه ضعيف غايته كما صرّح به ممن تأخّر عنه جماعة (5).

الأوصاف المعتبرة في الفقراء و المساكين
اشارة

و أمّا الأوصاف المعتبرة في الفقراء و المساكين بل و غيرهم على

ص:151


1- المفيد في المقنعة:241،الطوسي في المبسوط 1:252،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):568،الوسائل 9:213 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 9.
2- المدارك 5:236.
3- حكاه عنه في المختلف:182.
4- المختلف:182.
5- كصاحبي المدارك 5:236 و الذخيرة:457.

تفصيلٍ يأتي فأربعة.

الأوّل الإيمان

الأوّل: الإيمان بالمعنى الخاص و هو الإسلام مع المعرفة بالأئمة عليهم السلام الاثني عشر سلام اللّه تعالى عليهم.

و اعتباره فيمن عدا المؤلّفة مجمع عليه بين الطائفة على المقطوع به المصرّح في كلام جماعة حدّ الاستفاضة،كالإنتصار و الغنية و المنتهى و المدارك و غيرهما من كتب الجماعة (1)،و الصحاح به و غيرها مستفيضة بل متواترة،سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

فلا يعطى كافر و هو مجمع عليه بين العلماء كافّةً إلّا النادر من العامّة كما في المنتهى (2).

و لا مسلم غير محقّ في الإمامة،بإجماعنا و المتواتر من أخبارنا كما عرفته.

و في صرفها إلى المستضعفين من أهل الخلاف الذين لا يعاندون في الحق مع عدم العارف بالإمامة تردّد للماتن هنا أوّلاً.

و لعلّه من عموم الأدلّة المتقدمة بأنّها لأهل الولاية و منع غيرهم عنها (3)،حتى أنّ في بعضها:« إن لم تكن تُصِب لها أحداً أي من أهل الولاية فصُرّها صراراً و اطرحها في البحر،فإنّ اللّه عزّ و جلّ حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدوّنا» .قال في المنتهى:و هذا نصّ في تحريم إعطائهم مع فقد المستحق،

ص:152


1- الانتصار:82،الغنية(الجوامع الفقهية):566،المنتهى 1:522،المدارك 5:236؛ و انظر المفاتيح 1:208،و الذخيرة:457.
2- المنتهى 1:522.
3- الوسائل 9:216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3،وص 247 ب 16.

و أمّا الأمر بالطرح في البحر فيحتمل أن يكون مع التيقن بفقد المستحق دائماً و إنّما الأصل حفظها إلى أن يوجد المستحق (1).

و من ورود بعض النصوص بالجواز،و فيه:قلت له:الرجل منّا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟قال:« يضعها في إخوانه و أهل ولايته» فقلت:فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟قال:« يبعث بها إليهم» قلت:فإن لم يجد من يحملها إليهم؟قال:« يدفعها إلى من لا ينصب» قلت:فغيرهم؟فقال:« ما لغيرهم إلّا الحجر» (2).

و أجاب عنه في المعتبر بضعف السند (3)،و في المنتهى بالشذوذ (4)، مشعراً بدعوى الإجماع على خلافه و إن حكى القول به في عنوان المسألة، و مع ذلك فلم يُعرِب عن قائله أنّه من هو؟ و على هذا فلا ريب أنّ أشبهه المنع بل و لا وقع للتردّد في مثله، لعدم مقاومة دليل الجواز مع ما عليه مما عرفته لمقابله من وجوه عديدة، و إن تأيّد بما دلّ على الجواز في زكاة الفطرة من المعتبرة المستفيضة، لمعارضتها بمثلها بل و أجود،مضافاً إلى ما سيأتي فيها.

و كذا الكلام في زكاة الفطرة فلا تُعطى غير المؤمن مطلقاً على الأشهر الأقوى،بل عليه في الانتصار و الغنية إجماعنا (5)؛ لعموم الأدلّة المتقدمة،و صريح الصحيح:عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟

ص:153


1- المنتهى 1:523.
2- التهذيب 4:/46 121،الوسائل 9:223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 7.
3- المعتبر 2:580.
4- المنتهى 1:523.
5- الانتصار:82،الغنية(الجوامع الفقهية):568 569.

قال:« لا،و لا زكاة الفطرة» (1).

و في معناه خبران آخران روي أحدهما عن العيون و فيه:« لا يجوز دفعها إلّا إلى أهل الولاية» (2).

و في الآخر:« لا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلّا مؤمناً» (3).

و أُشير بالزكاة فيهما إلى خصوص زكاة الفطرة المفروضة فيهما سؤالاً في أحدهما و جواباً في ثانيهما.

خلافاً للمحكي في المختلف عن الشيخ في النهاية و المبسوط و موضع من الخلاف خاصة (4)،فجوّز الدفع إلى المستضعف مع عدم وجود المؤمن المستحق،و عزاه في المدارك و الذخيرة إليه و من تبعه (5)،و لم أعرف وجهه،مع أنّه في المختلف حكى عنه المختار في الاقتصاد أيضاً (6)،فله قولان.

و يدلّ على قوله هذا:النصوص المستفيضة،و هي ما بين مطلقٍ في جواز إعطائهم كالصحيح:أ يصلح أن تُعطي الجيران و الظؤورة (7)ممن لا يعرف و لا ينصب؟فقال:« لا بأس بذلك إذا كان محتاجاً» (8).

...

ص:154


1- الكافي 3:/547 6،التهذيب 4:/52 137،الوسائل 9:221 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 1.
2- العيون 2:/120 1،الوسائل 9:358 أبواب زكاة الفطرة ب 14 ح 5.
3- التهذيب 4:/87 257،الإستبصار 2:/51 170،الوسائل 9:358 أبواب زكاة الفطرة ب 14 ح 2.
4- المختلف:201، النهاية:192،المبسوط 1:242،لم نعثر عليه في الخلاف و حكاه عنه في المختلف:201.
5- المدارك 5:239،الذخيرة:470.
6- المختلف:201،الاقتصاد:285.
7- الظؤورة:جمع ظِئر و هي المرضعة.مجمع البحرين 3:386.
8- الفقيه 2:/118 507،الوسائل 9:361 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 6.

و الموثّق (1)و غيره (2):أُعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟ فقال:« نعم،الجيران أحقّ بها،لمكان الشهرة» .و المكاتبة المضمرة:« تقسم الفطرة على من حضر،و لا يوجّه ذلك إلى بلدة اخرى و إن لم يجد موافقاً» (3).

و بين مقيّدٍ له بعدم وجود المؤمن كالموثّق:« هي لأهلها إلّا أن لا تجدهم فلمن لا ينصب،و لا ينقل من أرض إلى أرض» (4).

و الخبر:« تعطيها المسلمين،فإن لم تجد مسلماً فمستضعفاً» (5).

و بهما يقيّد ما سبقهما.

و هو حسن إن صلح الجميع لمقاوَمة ما قدّمناه،و ليست بمقاومة لها من وجوه شتّى،منها:اعتضادها بالشهرة العظيمة و الإجماعات المحكية، و الموافقة للعمومات الكثيرة القريبة من التواتر،بل المتواترة المعلّلة بعلل تجعلها كالصريحة.

و لا كذلك هذه،فإنّها بطرف الضدّ من المرجّحات المزبورة؛ مع أنّ المطلقة منها مع قصور سند أكثرها و ضعف جملة منها لا عمل على إطلاقها

ص:155


1- الكافي 4:/174 19،التهذيب 4:/88 259،الاستبصار 2:/51 172،علل الشرائع:/391 1،الوسائل 9:360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 2.
2- التهذيب 4:/89 262،الإستبصار 2:/52 175،الوسائل 9:361 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 5.
3- التهذيب 4:/88 258،الإستبصار 2:/51 171،الوسائل 9:360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 4.
4- التهذيب 4:/88 260،الإستبصار 2:/51 173،الوسائل 9:360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 3.
5- الكافي 4:/173 18،التهذيب 4:/87 255،الوسائل 9:359 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 1.

إجماعاً.

و المقيّدة الضعيف منها سنداً ليس بحجّة،سيّما مع ضعف دلالته بعدم التصريح فيه بكون المستضعف فيه من العامّة فيحتمل المجانين و البُله من الشيعة،كما صرّح به في المختلف قال:لأنّه عليه السلام قال:و إن لم تجد مسلماً فمستضعفاً،و لا خلاف في أنّ غير المسلم لا يعطى سواءً كان مستضعفاً أم لا،فلا محمل للحديث سوى حمله على المجانين و البُله (1).

و الموثّق منها و إن كان حجّة على المختار إلّا أنّه لم يبلغ قوة المعارضة لما قدّمناه من الأدلّة،مضافاً إلى أنّ ظاهره المنع من نقلها من أرض مع عدم وجود المستحق،و هو خلاف الإجماع فتوًى و روايةً،بل ظاهرهما أنّ المتمكّن من بعثها من بلدة إلى أُخرى واجد لمستحقها،و حينئذٍ فيكون الموثق من جملة ما دلّ على جواز الدفع إلى المستضعف مع وجود المستحق و لو في الجملة.

هذا مع إمكان حملها على الاتّقاء،كما يستفاد من قرائن في جملة منها،كتضمّن بعضها قوله:« لمكان الشهرة» و كون بعضها مكاتبة،و راوي الصحيح منها علي بن يقطين الذي كان وزير الخليفة،و المروي عنه فيه مولانا موسى بن جعفر عليهما السلام،و التقيّة كانت في زمانهما شديدة غاية الشدة.

و يجوز أن تُعطى أطفال المؤمنين بغير خلاف فيه بيننا أجده، و به صرّح جماعة (2)،و في المدارك:أنّه مجمع عليه بين علمائنا و أكثر العامة (3)؛ و النصوص به مع ذلك مستفيضة (4).

ص:156


1- المختلف:201.
2- منهم المحقق السبزواري في الذخيرة:458،و صاحب الحدائق 12:207.
3- المدارك 5:240.
4- الوسائل 9:226 أبواب المستحقين للزكاة ب 6.

و إطلاقها كالعبارة و نحوها يقتضي عدم الفرق فيهم بين ما لو كان آباؤهم فُسّاقاً أم لا،و به صرّح الحلّي في السرائر و الفاضل في المنتهى بعد أن حكاه عن الشيخ في التبيان و المرتضى (1)،و تبعهم المتأخّرون و منهم الشهيدان في اللمعة و شرحها (2)و فيه الإجماع عليه و على جواز الإعطاء.

فلا ريب فيه و إن اشترط العدالة في الآباء،مضافاً إلى الإطلاقات العامة،مع اختصاص ما دلّ على اشتراطها بالآباء،و لا دليل على تبعيّتهم لهم هنا،و إنّما هو في تبعيّتهم لهم في الإيمان و الكفر لا غيرهما،و بذلك صرّح في المنتهى (3).

و من التبعية في الكفر يظهر عدم جواز إعطاء أطفال غير المؤمنين، كما هو ظاهر العبارة و غيرها،بلا خلاف فيه أيضاً أجده.

ثم ظاهر النصوص جواز الدفع إليهم من غير اشتراط وليّ،كما صرّح به من متأخّري المتأخّرين جماعة من الفضلاء (4)إذا كانوا بحيث يصرفوها في وجه يسوغ للولي صرفها فيه،و حكي عن الفاضل في المنتهى (5).

خلافاً له في التذكرة فمنع عن الدفع إليهم مطلقاً،مستدلاً عليه بأنّه ليس محلا لاستيفاء ماله من الغرماء فكذا هنا،ثم قال:و لا فرق بين أن يكون يتيماً أو غيره،فإنّ الدفع إلى الولي،فإن لم يكن له ولي جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره و يعتني بحاله.انتهى (6).

ص:157


1- السرائر 1:460،المنتهى 1:523،و حكي فيهما عن التبيان و طبريّان المرتضى،و لم نعثر عليه فيهما.
2- الروضة 2:50.
3- المنتهى 1:523.
4- كصاحب المدارك 5:241،و المحقق السبزواري في الذخيرة:458.
5- المنتهى 1:526.
6- التذكرة 1:236.

و هو أحوط و أولى،خروجاً عن شبهة شمول عموم أدلّة الحجر عليهم لمسألتنا،و ضعف دلالة الإطلاقات الواردة فيها،بقوّة احتمال كون المراد من الدفع فيها هو صرفها فيهم بطريق شرعي،مع أنّه مراد منها بالإضافة إلى الصغار قطعاً،و ليس فيها التقييد بغيرهم أصلاً.

قيل:و حكم المجنون حكم الطفل،أما السفيه فإنّه يجوز الدفع إليه و إن تعلّق به الحجر بعده.انتهى (1).و لا بأس به.

و لو أعطى مخالف في الحق زكاته فريقه (2)ثم استبصر و صار محقّاً عارفاً أعاد ها إجماعاً فتوًى و نصّاً.

ففي الصحيح:« كلّ عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم منّ اللّه تعالى عليه و عرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلّا الزكاة فإنّه يعيدها،لأنّه وضعها في غير موضعها،لأنّها لأهل الولاية» (3)و نحوه آخران (4).

الثاني العدالة

و الثاني: العدالة،و قد اعتبرها قوم من القدماء،كالمفيد و الشيخ و الحلبي و ابن حمزة و الحلّي و القاضي و السيدين مدّعيَين عليه إجماعنا (5)،

ص:158


1- المدارك 5:242.
2- في المختصر المطبوع:فريضة.
3- التهذيب 5:/9 23،الإستبصار 2:/145 472،الوسائل 9:216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 1.
4- الأوّل:الكافي 3:/545 1،التهذيب 4:/54 143،علل الشرائع:/373 1،الوسائل 9:216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 2.الثاني:الكافي 3:/546 5،الوسائل 9:217 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 3.
5- المقنعة:242،الاقتصاد:282،المبسوط 1:251،الكافي في الفقه:172،الوسيلة:129،السرائر 1:458،المهذب 1:169،الانتصار:82،الغنية(الجوامع الفقهية):568.

و عزاه في الخلاف إلى ظاهر مذهب أصحابنا (1)،و هو مشعر به أو بالشهرة العظيمة بين القدماء.

و لا ريب فيها،بل لم نَرَ لهم مخالفاً لم يعتبر العدالة مطلقاً صريحاً بل و لا ظاهراً عدا ما يُحكى عن ظاهر الصدوقين و الديلمي (2)،حيث لم يذكروها في الشروط.

و هو كما ترى ليس فيه الظهور المعتدّ به،سيّما و أن يقدح به في الإجماع المنقول،فقد يحتمل اكتفاؤهم عنها بذكر الإيمان بناءً على احتمال اعتبار العمل فيه عندهم،كما يعزى إلى غيرهم من القدماء.

نعم أكثر المتأخّرين على عدم اعتبارها مطلقاً (3)،و حكاه في الخلاف عن قوم من أصحابنا بعد أن عزاه إلى جميع الفقهاء من العامّة العمياء (4)؛ للأصل و العمومات كتاباً و سنّةً.

و هو كما ترى؛ لوجوب تخصيصهما بما مرّ من الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة العظيمة بين القدماء القريبة من الإجماع،بل الإجماع حقيقة في اعتبار مجانبة الكبائر،إذ لا خلاف بينهم أجده،و به تشعر العبارة هنا و في الشرائع (5)،حيث لم ينقل فيهما قولاً بعدم اعتبارها مطلقاً،بل اعتبارها في الجملة أو مطلقاً.

و كيف كان هو أي اعتبارها مطلقاً أحوط تحصيلاً

ص:159


1- الخلاف 4:224.
2- حكاه عنهم في المختلف:182.
3- منهم:المحقق في المعتبر 2:580،و العلّامة في المختلف:182،و صاحب المدارك 5:244.
4- الخلاف 4:224.
5- الشرائع 1:163.

للبراءة اليقينيّة،و خروجاً عن الشبهة،بل لا يبعد المصير إلى تعيّنه لما عرفته،و قد ذهب إليه من المتأخّرين الشهيد في اللمعة (1).

و الشهرة المتأخّرة ليست بتلك الشهرة التي تقوّي العمومات و تصونها عن قبولها التخصيص بما عرفته من الإجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة القديمة القطعيّة،بل إجماعهم و لو في الجملة كما عرفته.

هذا مضافاً إلى اعتضاده و لو في الجملة بالمضمر:عن شارب الخمر يُعطى من الزكاة شيئاً؟قال:

« لا» (2).و لو لا إضماره لكان حجّة مستقلّة و إن ضعف سنده بغيره و دلالته بأخصّيته من المدّعى،لاختصاصه بشارب الخمر فلا يكون عامّاً؛ لانجبار الأوّل بالشهرة و الإجماعات المنقولة،و الثاني بعدم قائل بالفرق بين هذه الكبيرة و غيرها من الكبائر،على الظاهر المصرّح به في المنتهى (3).

و لولا أنّه اقتصر آخرون كالإسكافي (4) على اعتبار مجانبة الكبائر خاصّة،لأمكن الاستدلال بالرواية على تمام ما اشتهر بين قدماء الطائفة،هذا.

و يمكن إرجاع هذا القول إلى مختارهم بما ذكره شيخنا في الروضة، حيث قال:الصغائر إن أصرّ عليها لحقت بالكبائر،و إلّا لم يوجب فسقاً، و المروّة غير معتبرة في العدالة هنا على ما صرّح به المصنف في شرح

ص:160


1- الروضة 2:50.
2- الكافي 3:/563 15،التهذيب 4:/52 138،المقنعة:242،الوسائل 9:249 أبواب المستحقين للزكاة ب 17 ح 1.
3- المنتهى 1:523.
4- حكاه عنه في المختلف:182.

الإرشاد فلزم من اشتراط تجنب الكبائر اشتراط العدالة (1).

و هو في غاية الجودة،و إن تأمّل فيه في الذخيرة (2)،و لعلّه لأنّ المتبادر من الكبائر في عبائرهم هو كلّ من الذنوب التي تكون بنفسه كبيرة لا باجتماع الصغائر،سيّما في عبائر النقلة لهذا القول كالمتن و الشرائع و المنتهى (3)،حيث جعلوه في مقابل القول باعتبار العدالة مطلقاً،فتأمّل جدّاً.

و كيف كان،فما عليه القدماء لعلّه أقوى؛ لما عرفت من الأدلّة المعتضدة بالرواية.

و لا يعارضها المرسل المروي عن العلل:قلت للرجل يعني أبا الحسن-:ما حدّ المؤمن الذي يعطى الزكاة؟قال:« يعطى المؤمن ثلاثة آلاف» ثم قال:« أو عشرة آلاف،و يعطى الفاجر بقدر،لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة اللّه،و الفاجر ينفقها في معصية اللّه» (4).

لأنّه مع ضعفه بالإرسال و غيره غير دالّ على الجواز مطلقاً،كما هو ظاهر القوم،بل على إعطائه بقدر،و لم يذكروا هذا الشرط،فتأمّل.

و مع ذلك فيحتمل قويّاً حمله على التقيّة،لكونه مذهب فقهاء العامّة كما تقدّم عن الخلاف (5)،و في المعتبر و المنتهى عزياه إلى فقهائهم الأربعة (6)،و ربما يعضده سياق الرواية،كما لا يخفى على من تدبّر (7).

ص:161


1- الروضة 2:51.
2- الذخيرة:458.
3- الشرائع 1:163،المنتهى 1:523.
4- علل الشرائع:/372 1،الوسائل 9:249 أبواب المستحقين للزكاة ب 17 ح 2.
5- في ص:24000.
6- المعتبر 2:580،المنتهى 1:523.
7- لكونها أولاً عن أبي الحسن عليه السلام،و التقية في زمانه كانت في غاية الشدَّة،و عدوله عليه السلام عن الجواب بما يوافق السؤال و يناسبه من تحديد المؤمن و حاله من فسق أو عدالة مثلاً إلى الجواب بتحديد مقدار ما يعطى من عشرة آلاف أو ثلاثة،فان في ذلك تنبيهات واضحة على ورود الحكم فيها للتقية كما لا يخفى على من أنصف و أعطى التأمّل فيها حقه(منه رحمه اللّه).

و اعلم:أن محل الخلاف إنّما هو من عدا المؤلفة و العاملين عليها، لاعتبار العدالة فيهم دون المؤلّفة إجماعاً،على الظاهر،المصرّح به في الدروس و الروضة و غيرهما (1)في الأوّل؛ و لتضمّن العُمالة الايتمان قطعاً، و للصحيح:« و لا توكّل به إلّا ناصحاً شفيقاً أميناً» (2)و لا أمانة لغير العدل، فتأمّل.

و على ما صرّح به جماعة ممّن اعتبرها فيمن عداهما في الثاني، و منهم الشيخ في الجمل و الاقتصاد و ابنا حمزة و زهرة و الشهيدان في اللمعتين (3)،قال ثانيهما:لأنّ كفرهم مانع من العدالة و الغرض منهم يحصل بدونها.انتهى.و هو حسن،و منه يظهر اتّفاق الكل عليه أيضاً.

الثالث أن لا تكون ممّن تجب نفقته

الثالث: أن لا تكون ممّن تجب عليه نفقته شرعاً كالأبوين و إن عَلَوا و الأولاد و إن سفلوا (4)و الزوجة الدائمة الغير الناشزة و المملوك إجماعاً على الظاهر المصرّح به مستفيضاً (5)،بل هو قول كل من يحفظ عنه العلم كما في المنتهى (6)؛ و النصوص به مع ذلك

ص:162


1- الدروس 1:242،الروضة 2:50؛ و انظر المفاتيح 1:208.
2- الكافي 3:/536 1،التهذيب 4:/96 274،المقنعة:256،الوسائل 9:129 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 1.
3- الرسائل العشر:206،الاقتصار:282،الوسيلة:129،الغنية(الجوامع الفقهية):568،الروضة 2:50.
4- في المختصر المطبوع:نزلوا.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):568،المدارك 5:245،المفاتيح 1:208.
6- المنتهى 1:523.

مستفيضة.

ففي الصحيح (1)و غيره المروي في العلل و غيره (2):« خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً:الأب،و الأُمّ،و الولد،و المملوك،و الزوجة؛ و ذلك أنّهم عياله لازمون له» .و الخبران المخالفان لذلك (3)مع شذوذهما ضعيفان سنداً، محتملان لمحامل أقربها الحمل على صورة العجز عن كمال نفقتهم الواجبة،لجواز دفع التتمة منها حينئذٍ،كما صرّح به جماعة (4)من غير خلاف بينهم أجده؛ للأصل و انتفاء المانع،و خصوص جملة من المعتبرة.

بل قيل بجواز الدفع أيضاً للتوسعة (5)؛ لعدم وجوبها على المنفق، و لفحوى التعليل في الصحيحة،فإنّ مقتضاه أنّ المانع لزوم الإنفاق.

و ردّ باحتمال كون المقصود منه التنبيه على أنّهم لكونهم لازمين له بناءً على وجوب نفقتهم عليه بمنزلة الأغنياء،فلا يجوز الدفع إليهم، فلا يقتضي التخصيص.

أقول: و يعضده ورود التعليل في غير الصحيح هكذا:« لأنّه يجبر على نفقتهم» فتدبّر.

ص:163


1- الكافي 3:/552 5،التهذيب 4:/56 150،الإستبصار 2:/33 101،الوسائل 9:240 أبواب المستحقّين للزكاة ب 13 ح 1.
2- علل الشرائع:/371 1،الخصال:/288 45،الوسائل 9:241 أبواب المستحقّين للزكاة ب 13 ح 4.و فيها:« لأنّه يجبر على النفقة عليهم».
3- الكافي 3:/552 9 و 10،التهذيب 4:/56 152،الوسائل 9:243 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 3 و 4.
4- منهم:الشيخ في التهذيب 4:57،و الاستبصار 2:34،و صاحب المدارك 5:246.
5- البيان:361،الذخيرة:459،الحدائق 12:211.

لكن يضعّفه اقتضاء التعليل المنعَ عن الدفع للتوسعة إذا كان من غير المُنفق عليهم أيضاً.و هو خلاف مختار المورد و جماعة (1)حيث صرّحوا بجوازه له؛ للعموم،و الصحيح:عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته،أ يأخذ من الزكاة شيئاً فيوسّع به إذا كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه؟قال:« لا بأس» (2).

فالجواز لعلّه أقوى و إن كان الأحوط الترك مطلقاً حتى في غير المنفق،وفاقاً للمحكي عن التذكرة (3)؛ لعموم:« لا يُعطون من الزكاة شيئاً» و احتمالِ كون مفاد التعليل ما ذكره المورد،و عدمِ صراحة الصحيح في التوسعة،لاحتماله الاختصاص بكمال النفقة و إن ذكر في صدره أنّه يكفونه مئونته؛ لاحتمال كون المراد الكفاية في الجملة بحيث لا ينافي القصور عن كمال النفقة.و هو و إن بَعُد غايته إلّا أنّه يقربه« لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه» في ذيل الرواية.

و يتأكّد الاحتياط في الزوجة،بل صرّح من هؤلاء بإخراجها (4)جملة، لأنّ نفقتها كالعوض،فتكون كذي العقار الذي يستعين بالأُجرة.

و لو امتنع المُنفق من الإنفاق جاز التناول للجميع قولاً واحداً،كما صرّح به جماعة (5).

ص:164


1- منهم:الشهيد الأوّل في الدروس 1:242،و صاحب المدارك 5:247.
2- الكافي 3:/561 5،التهذيب 4:/108 310،المقنعة:264،الوسائل 9:238 أبواب المستحقين للزكاة ب 11 ح 1.
3- التذكرة 1:231،234.
4- عن الحكم بإعطائها للتوسعة.منه رحمه اللّه.
5- منهم:صاحب المدارك 5:247،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:209،و المحقق السبزواري في السبزواري في الذخيرة:459.

و يجوز للزوجة إعطاؤها زوجها و إنفاقه عليها على الأشهر الأقوى؛ للأصل،و انتفاء المانع.

خلافاً للصدوق في الأوّل (1)،و الإسكافي في الثاني (2).و مستندهما غير واضح.

ثم إنّ هؤلاء إنّما يُمنعون من سهم الفقراء،و إلّا فيجوز الدفع إليهم من غيره،على المقطوع به بين الأصحاب كما في الذخيرة (3)،و في غيرها نفي الخلاف عنه (4).

و لا ريب فيه؛ للمعتبرة المتقدّمة المجوزة لقضاء دَين الأب منها و شرائه (5).

و احترز بالدائمة و غير الناشزة عنها و عن المتمتّع بها؛ لعدم وجوب الإنفاق عليهما اتّفاقاً.

و هل يجوز الدفع إليهما؟الأقوى لا في الناشزة؛ لفسقها،أو تمكّنها من النفقة في كل وقت أرادت الطاعة فتشبه الأغنياء،و في المعتبر عليه الإجماع (6).

و نعم في المتمتّع بها؛ للعموم،مع خروجها عن النصوص،لعدم تبادرها من لفظ الزوجة المطلق فيها فلا تدخل فيه،مع أنّها ليست بزوجة حقيقة على الأقوى،بل مستأجرة كما في رواية،مع فقد المناط للمنع فيها و العلّة،و هي كونها من واجبي النفقة.

ص:165


1- كما في المقنع:52.
2- حكاه عنه في المختلف:183.
3- الذخيرة:459.
4- انظر المفاتيح 1:209.
5- راجع ص:2390.
6- المعتبر 2:582.

و يجوز أن يعطى باقي الأقارب بلا خلاف؛ للأصل، و العموم،و النصوص المستفيضة.

بل الدفع إليهم أفضل؛ لعموم: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ [1] (1)و صريح الموثق:قلت له:لي قرابة أُنفق على بعضهم و أُفضّل بعضهم على بعض،فيأتيني إبّان الزكاة أ فأُعطيهم منها؟قال:« مستحقّون لها؟» قلت:نعم،قال:« هم أفضل من غيرهم،أعطهم» (2).

و في الخبر:أيّ الصدقة أفضل؟فقال:« على ذي الرحم الكاشح» (3)و قريب منه غيره (4).

و يستفاد من الثّقة جواز الإعطاء و لو مع العيلولة.و هو كذلك حتى فيمن عدا الأقارب؛ للأصل،و العموم،و انتفاء المانع و هو وجوب النفقة على ما مرّ في الصحيحة،و عليه الإجماع في صريح المدارك و التذكرة على ما حكاه عنه في الذخيرة (5)،و نفى عنه الخلاف أيضاً بعض الأجلّة (6).

الرابع أن لا يكون هاشميّاً

الرابع: أن لا يكون هاشميّاً،فإنّ زكاة غير قبيله محرّمة عليه في الجملة،باتّفاق الخاصة و العامة،كما صرّح به جماعة (7)؛ و الصحاح به

ص:166


1- الأنفال:75.
2- الكافي 3:/551 1،التهذيب 4:/56 149،الإستبصار 2:/33 100،الوسائل 9:245 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 2.
3- الكافي 4:/10 2،الفقيه 2:/38 165،التهذيب 4:/106 301،المقنعة:261،ثواب الأعمال:/173 18،الوسائل 9:411 أبواب الصدقة ب 20 ح 1.الكاشح:العدوّ الذي يضمر عداوته و يطوي عليها كشحه أي باطنه.النهاية لابن الأثير 4:175.
4- الجعفريات:55،المستدرك 7:193 أبواب الصدقة ب 18 ح 1.
5- المدارك 5:248،التذكرة 1:234،الذخيرة:459.
6- الحدائق 12:214.
7- كالفاضلين في المعتبر 2:583،و التحرير 1:69،و المنتهى 1:524،و التذكرة 1:235،و صاحبي المدارك 5:250،و الحدائق 12:215.

و غيرها مستفيضة بل متواترة (1).

دون زكاة الهاشمي فإنّها لا تحرم عليه مطلقاً،بإجماعنا الظاهر، المحكي في صريح الانتصار و الغنية و الخلاف و ظاهر المنتهى و غيرها (2)؛ و النصوص به مع ذلك مستفيضة جدّاً (3).

و كذا لو قصر الخمس عن كفايته جاز له أن يقبل الزكاة مطلقاً و لو كان من غير الهاشمي بإجماعنا الظاهر،المحكي أيضاً في صريح الانتصار و الغنية و ظاهر المنتهى و غيرها (4).

و للموثّق:« لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطّلبي إلى صدقة،إنّ اللّه تعالى جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» ثم قال:« إنّ الرجل إذا لم يجد شيئاً حلّت له الميتة،و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئاً فيكون ممّن تحلّ له الميتة» (5).

و عليه يحمل إطلاق أُخَر أو الخبر:« أعطوا من الزكاة بني هاشم مَن أرادها،فإنّها تحلّ لهم،و إنما تحرم على النبي صلى الله عليه و آله،و على الإمام الذي يكون بعده،و على الأئمة عليهم السلام» (6).

ص:167


1- الوسائل 9:268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.
2- الانتصار:84،الغنية(الجوامع الفقهية):568،الخلاف 3:54،المنتهى 1:542؛ و انظر المدارك 5:252.
3- الوسائل 9:273 أبواب المستحقين للزكاة ب 32.
4- الانتصار:85،الغنية(الجوامع الفقهية):568،المنتهى 1:526؛ و انظر الحدائق 12:219.
5- التهذيب 4:/59 159،الإستبصار 2:/36 111،الوسائل 9:276 أبواب المستحقين للزكاة ب 33 ح 1.
6- الكافي 4:/59 6،الفقيه 2:/19 65،التهذيب 4:/60 161،الاستبصار 2:/36 110،المقنع:55،الوسائل 9:269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 5.

و يكون وجه اختصاص الأئمة منهم بالذكر أنهم لا يضطرّون إلى أكل الزكوات و التقوّي بها،و غيرهم قد يضطرّون إليها.

و يحتمل الحمل على المندوبة أن حرّمناها على الأئمة كما احتمله في المنتهى (1)،لكن حكى خلافه عن أكثر علمائنا (2)؛ و يشهد لهم بعض الصحاح الآتية في جواز أخذهم من المندوبة (3).

أو على ما إذا كانوا عاملين عليها،بناءً على جواز أخذهم من سهم هؤلاء،كما عليه قوم على ما حكى عنهم في المبسوط و السرائر (4)،و لكن الظاهر على ما في المختلف أنّهم من العامة العمياء،قال:إذ لا أعرف في ذلك لعلمائنا قولاً و أكثرهم منع من إعطاء بني هاشم مطلقاً إلى أن قال -:و بالجملة فإن كان القوم الذين نقل الشيخ و ابن إدريس عنهم من علمائنا صارت المسألة خلافية،و إلّا فلا.انتهى (5).

هذا،و المعتمد عدم جواز أخذهم مطلقاً؛ لدعوى الشيخ بنفسه في الخلاف الإجماع عليه،و لم يَحك خلافاً فيه إلّا عن بعض أصحاب الشافعي (6)؛ و لإطلاق الأدلّة المانعة بل صريح بعضها كالصحيح:« إنّ أُناساً

ص:168


1- المنتهى 1:526.
2- المنتهى 1:525.
3- انظر ص:2410.
4- المبسوط 1:248،السرائر 1:460.
5- المختلف:184.
6- فإنه قال في كتاب قسمة الصدقات(الخلاف 4:231):لا يجوز لأحدٍ من ذوي القربى أن يكون عاملاً في الصدقات لأن الزكاة محرمة عليهم و به قال الشافعي و أكثر أصحابه،و في أصحابه من قال بجواز ذلك،لأن ما يأخذه على جهة المعاوضة كالإجارات دليلنا إجماع الفرقة،إلى آخر ما قاله(منه رحمه اللّه).

من بني هاشم أتَوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله،فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي،قالوا:يكون لنا هذا السهم الذي جعله اللّه تعالى للعاملين عليها فنحن أولى به،فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:يا بني عبد المطّلب إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم،و لكنّي قد وعدت الشفاعة» (1)الخبر.

و ظاهر العبارة عدم تقدّر المأخوذ في الضرورة بقدرها،و هو ظاهر كلّ من أطلق الجواز من غير تقدير،كالسيّدين و غيرهما (2)،و جعله في المختلف أشهر و اختاره،قال:لأنّه أُبيح له الزكاة فلا تتقدّر بقدر،أمّا المقدمة الاُولى فلأنّ التقدير ذلك،و أمّا الثانية فلما رواه.. (3)ثم ساق بعض الروايات الدالة على جواز الإعطاء إلى أن يحصل الغنى.

و فيه:أن المتبادر منها غير مسألتنا،و مع ذلك فالموثّقة السابقة لعلّها ظاهرة في تقدّرها بقدر الضرورة كأكل الميتة.

و لعلّه لذا قيل: إنّه لا يتجاوز قدر الضرورة و حكاه في التنقيح عن الشيخ (4)،و استقر به الشهيدان في الدروس و الروضة (5)، و الفاضل في التحرير و المنتهى (6)،و جماعة من المتأخّرين منهم (7).و لا ريب أنّه أحوط و أولى.

ص:169


1- الكافي 4:/58 1،التهذيب 4:/58 154،الوسائل 9:268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.
2- الانتصار:85،الغنية(الجوامع الفقهية):568 و انظر الحدائق 12:220.
3- المختلف:185.
4- التنقيح الرائع 1:325.
5- الدروس 1:234،الروضة 2:52.
6- التحرير:69،المنتهى 1:526.
7- كصاحب المدارك 5:254،و المحقق السبزواري في الذخيرة:461،و صاحب الحدائق 12:219.

و فُسّر قدر الضرورة بقدر قوت يوم و ليلة،و ما يفهم من الموثّقة أخصّ منه كما صرّح به جماعة (1).

و تحلّ الزكاة لمواليهم أي عتقائهم،كما صرّح به في التحرير و المنتهى (2)،قال:و عليه علماؤنا؛ للعموم،و خصوص النصوص المستفيضة المتضمنة للصحيح و الحسن و غيرهما (3).

و أمّا الموثّق:« مواليهم منهم،و لا تحلّ الصدقة من الغريب لمواليهم، و لا بأس بصدقات مواليهم عليهم» (4)فحمله الشيخ تارة على كونهم مماليك،و أُخرى على الكراهة (5)،كما حكاها في المختلف عن الإسكافي و اختارها (6).

و لا بأس بهما جمعاً بين الأدلّة.لكنّ الأوّل ربما ينافيه ذيل الرواية؛ لأنّ المملوك لا يملك شيئاً يتصدق به.

أقول: و يحتمل الحمل على التقيّة،فقد حكى المنع في المنتهى عن بعض العامّة (7).

و اعلم أنّ الصدقة المندوبة لا تحرم على هاشمي و لا غيره بلا إشكال في الثاني.

ص:170


1- منهم:صاحبو المدارك 5:254،و الذخيرة:461،و الحدائق 12:219.
2- التحرير:69،المنتهى 1:525.
3- الوسائل 9:277 أبواب المستحقين للزكاة ب 34.
4- التهذيب 4:/59 159،الإستبصار 2:/37 115،الوسائل 9:278 أبواب المستحقين للزكاة ب 34 ح 5.
5- راجع التهذيب و الاستبصار ذيل الحديث.
6- المختلف:184.
7- المنتهى 1:525.

و أمّا الأوّل فهو المشهور بين الأصحاب حتى عزاه في المنتهى إلى علمائنا و أكثر العامة (1)،و كذا في المدارك (2)،و نفى عنه الخلاف في المفاتيح (3)،و قريب منه في الذخيرة كما ستعرفه (4)،مؤذنين بدعوى الإجماع عليه،كما صريح الخلاف (5)؛ و النصوص به مع ذلك مستفيضة.

منها الصحيح:« لو حرمت علينا الصدقة لم يحلّ لنا أن نخرج إلى مكة،لأنّ كلّ ما بين مكة و المدينة فهو صدقة» (6).

و الخبر أو الصحيح كما قيل-:أ تحلّ الصدقة لبني هاشم؟قال:

« إنّما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا،فأما غير ذلك فليس به بأس،و لو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة،هذه المياه عامّتها صدقة» (7).

و في آخَرَين:عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟فقال:

« الزكاة المفروضة» (8).

و يستفاد منهما جواز ما عدا الزكاة و لو كانت واجبة كالكفارة و الموصى بها و المنذورة،و به صرّح في المدارك (9)،و قوّاه في الذخيرة،

ص:171


1- المنتهى 1:525.
2- المدارك 5:255.
3- المفاتيح 1:232.
4- الذخيرة:461.
5- الخلاف 3:541.
6- التهذيب 4:/61 165،الوسائل 9:272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 1،و فيه« كلّ ماء» بدل« كلّ ما».
7- المدارك 5:255.
8- الكافي /59 3،التهذيب 4:/62 166،المقنعة:243،الوسائل 9:272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 3.
9- المدارك 5:256.

قال:و احتمل المصنف المنع في التذكرة (1).

أقول: و لعلّه لعموم ما دلّ على منعهم من مطلق الصدقة من غير تقييد بالزكاة المفروضة،مع سلامتها عمّا يصلح للمعارضة سوى الخبرين المتقدم إليهما الإشارة.و هما لضعفهما سنداً لا يصلحان لتقييد الإطلاقات بل العمومات المتواترة من طرق الخاصة و العامة،و إنّما قيّدناها بهما بالإضافة إلى المندوبة لضرورة الإجماعات المحكية و الاعتضاد بالصحيحة و الشهرة العظيمة التي لا يكاد يوجد لها مخالف عدا ما يحكى أيضاً عن التذكرة.

قال فيها:و ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام:أنّه كان يشرب من سقايات بين مكة و المدينة،فقيل له أ تشرب من الصدقة؟فقال:« إنّما حرم علينا الصدقة المفروضة» (2)مما تفرّد بروايته العامة (3).

و هو كما ترى في غاية الغرابة إن صحّت الحكاية عنه و النسبة، و يشبه أن تكون سهواً من الحاكي،و إلّا فلم يَحكِ عنه الخلاف أحد من علمائنا،بل في الذخيرة مع نقله عنه احتمال المنع عن الكفارة لم ينقل عنه الخلاف في المندوبة،بل قال:لا أعلم فيه خلافاً بين أصحابنا (4).

و كيف كان،لا شبهة في ضعفه و إن شهدت له جملة من النصوص الظاهرة القريبة من الصراحة (5)،لعدم مكافأتها الأدلّة المتقدّمة،و إن تأيّدت بإطلاقات الأخبار المانعة.

ص:172


1- الذخيرة:461،التذكرة 1:235.
2- المغني و الشرح الكبير 2:520.
3- التذكرة 1:235.
4- الذخيرة:461.
5- انظر الوسائل 9:268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.

و الذين تحرم عليهم الصدقة الواجبة وُلد عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف دون عمّه المطلب (1)،بلا خلاف ظاهر و لا محكي، إلّا عن شيخنا المفيد في الرسالة العزيّة و الإسكافي،فعمّما التحريم لوُلدهما (2)؛ للموثق المتقدم (3).

ص:173


1- و ذكر الفاضلان و غيرهما أن وُلد عبد المطّلب الآن أولاد أبي طالب و العباس و الحارث و أبي لهب. و ذكر الشيخ في النهاية(ص 186)أن بني هاشم هم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين عليه السلام و جعفر بن أبي طالب و عقيل بن أبي طالب و عباس بن عبد المطّلب. و قال ابن إدريس في السرائر بعد نقل كلامه:و هذا القول ليس بواضح،قال:و الصحيح أن قصيّ بن كلاب و اسمه زيد،و كان يسمّى مجمعاً لأنه جمع قبائل قريش و أنزلها مكة،و بنى دار الندوة وَلَد عبدَ مناف وعبد الدار و عبد العزّى.فأما عبد مناف فاسمه المغيرة فولد هاشماً و عبد الشمس و المطّلب و نوفلاً و أبا عمرو.فأما هاشم بن عبد مناف فولد عبدَ المطّلب و أسداً و غيرهما ممّن لم يعقب. فولد عبد المطلب عشرةً من الذكور و ستّ بنات،أسماؤهم:عبد اللّه و هو أبو النبي صلى الله عليه و آله،و الزبير،و أبو طالب و اسمه عبد مناف،و العباس،و المقوّم،و حمزة،و ضرار،و أبو لهب و اسمه عبد العزّى،و الحارث،و الغيداق و اسمه جَحْل،و الجحل:اليعسوب العظيم.و أسماء البنات:عاتكة،و أُميمة،و البيضاء،و برّة،و صفيّة،و أروى.و هؤلاء الذكور و الإناث لأُمّهات شتّى. فلم يعقب هاشم إلّا من عبد المطّلب عليه السلام،و لم يعقب عبد المطّلب من جميع أولاده الذكور إلّا من خمسة و هم:عبد اللّه،و أبو طالب،و العباس،و الحارث،و أبو لهب. فجميع هؤلاء و أولاد هؤلاء تحرم عليهم الزكاة الفريضة مع تمكنهم من أخماسهم و مستحقاتهم،و هؤلاء بأعيانهم أيضاً مستحقّو الخمس». و إلى ما حرّرناه و اخترناه يذهب شيخنا في مسائل خلافه،و إنما أورده إيراداً في نهايته للحديث الواحد،لا اعتقاداً.انتهى(السرائر 1:461).و ما ذكره من قوله:فولد عبد المطّلب عشرة من الذكور و ستّ بنات،حكاه في المدارك(5:257)عن جماعة من أهل النسب.(منه رحمه اللّه).
2- حكاه عنهما في المدارك 5:256،و المعتبر 2:585.
3- في ص:240.

و هو مع عدم صراحته نادر،كما أجاب به عنه الفاضلان في المعتبر و المنتهى (1)،مشعرين بدعوى الإجماع على خلافه،فلا يخصّص بمثله عموم نحو الكتاب.

مضافاً إلى إشعار جملة من المستفيضة بالاختصاص ببني هاشم، حيث اقترت على ذكرهم خاصة من غير إشارة في شيء منها إلى غيرهم بالكلية.

بل قال في المنتهى:و تخصيص الصادق عليه السلام التحريم يدل على نفيه عمّا عدا المخصوص،و ذلك في قوله:« لا يحلّ لوُلد العباس و لا لنظرائهم من بني هاشم» (2)و كذا في قول النبي صلى الله عليه و آله:« إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم يا بني عبد المطّلب» (3)و المراد بذلك كله شرف المنزلة و تعظيم آله عليهم السلام،فلو شاركهم بنو المطّلب في ذلك لذكره،لأنّه في معرض التعظيم لنسبه (4).

اللواحق
اشارة

و أمّا اللواحق:فمسائل تسع:

الاُولى يجب دفع الزكاة إلى الإمام عليه السلام إذا طلبها

الاُولى: يجب دفع الزكاة إلى الإمام عليه السلام إذا طلبها قطعاً لوجوب إطاعته و تحريم مخالفته.

و يقبل قول المالك لو ادّعى الإخراج بنفسه و لا يكلّف يميناً و لا بيّنةً

ص:174


1- المعتبر 2:585،المنتهى 1:525.
2- التهذيب 4:/59 158،الإستبصار 2:/35 109،الوسائل 9:269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 3.
3- الكافي 4:/58 1،التهذيب 4:/58 154،الوسائل 9:268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.
4- المنتهى 1:525.

بغير خلاف أجده،قيل:لأنّ ذلك حقّ له كما هو عليه و لا يعلم إلّا من قِبَله، و جاز احتسابه من دَين و غيره مما يتعذّر الإشهاد عليه (1).

و يدلُّ عليه أيضاً جملة من النصوص الواردة في آداب المصدّق،ففي الصحيح و غيره خطاباً له:« قل:يا عباد اللّه،أرسلني إليكم ولي اللّه لآخذ منكم حق اللّه تعالى في أموالكم،فهل للّه تعالى في أموالكم من حق فتؤدّوه إلى وليّه؟فإن قال لك قائل:لا،فلا تراجعه،و إن أنعم لك منعم فانطلق معه» (2)الحديث.

و كذا يقبل دعواه عدم الحول و تلف المال و ما ينقص النصاب ما لم يعلم كذبه،ذكر ذلك شيخنا في الروضة،قال:و لا تقبل الشهادة عليه في ذلك إلّا مع الحصر،لأنّه نفي (3).

و لو بادر المالك بإخراجها إلى المستحق بنفسه أو وكيله قبل الدفع إلى الإمام أو نائبه حيث يجب عليه أجزأته كما هنا،و في الإرشاد و التذكرة (4)؛ لأنّه دفع المال إلى مستحقه،فخرج عن العهدة كالدين إذا دفعه إلى من يستحقه.

خلافاً للشيخ و جماعة (5)،فلا تجزئ؛ لأنّه عبادة و لم يؤت بها على

ص:175


1- الروضة 2:54.
2- الكافي 3:/536 1،التهذيب 4:274،المقنعة:254،الوسائل 9:129 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 1.
3- الروضة 2:54.قيل في تفسيره:أي لأنَّ دعواه تتضمن النفي،و الشهادة على النفي لا تكون إلّا على وجه الحصر،أو لأنَّ شهادتهم على نفي ما يدّعيه فيعتبر في الشهادة الحصر،و هذا أنسب(منه رحمه اللّه).
4- الإرشاد 1:288 التذكرة 1:241.
5- الشيخ في المبسوط 1:244 و الخلاف 4:225؛ و انظر الوسيلة:130،و الدروس 1:246،و الروضة 2:53،و المدارك 5:260،و الذخيرة:465.

وجهها المطلوب شرعاً،فلا يخرج عن العهدة المكلّف بها؛ و لأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه الخاص،و النهي في العبادة مفسد لها.

و المسألة محل إشكال و توقف،كما في المنتهى و التحرير (1)، و غيرهما،و فيه:إلّا أنّ الأمر فيه هيّن،لاختصاص الحكم بطلب الإمام، و مع ظهوره عجل اللّه فرجه يتضح الأحكام كلّها إن شاء اللّه تعالى (2).

انتهى.

و هو حسن،إلّا أنّ دعواه اختصاص الحكم بطلبه عليه السلام لعلّها لا يخلو عن شيء،إلّا أن تُبنى على ما هو المشهور الآن،من عدم وجوب دفعها إلى الفقيه المأمون في هذا الزمان.

و هو خيرة الماتن لقوله: و يستحب دفعها إلى الإمام ابتداءً أي من غير أن يطلبها و مع فقده إلى الفقيه المأمون من الإمامية المفسر في كلام جماعة من المتأخرين كما في الذخيرة (3)بمن لا يتوصّل إلى أخذ الحقوق مع غنائه عنها بالحيل الشرعية.

و إنّما يستحب دفعها إليهما لأنّه أي كلا منهما أبصر بمواقعها و أخبر بمواضعها،و لما فيه من الخروج من شبهة خلاف من أوجب الدفع إليهما ابتداءً،كالمفيد و الحلبي و القاضي و ابن زهرة العلوي (4)،لكنّه و القاضي سوّغا تولّي المالك إخراجها مع غيبة الإمام كزماننا،مطلقاً كما في

ص:176


1- المنتهى 1:514،التحرير:67.
2- المدارك 5:260.
3- الذخيرة:465.
4- المفيد في المقنعة:252،الحلبي في الكافي في الفقه:172،القاضي في المهذب 1:171،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):568.

عبارة المرتضى المنقولة في المختلف (1)،أو بشرط المعرفة و إلّا فيحمل إلى الفقيه المأمون من أهل الحق كما في الغنية؛ و لا شبهة فيه و لا ريب يعتريه،و عليه يحمل قطعاً إطلاق المرتضى و هما في المعنى الآن موافقان لنا،و إنّما المخالف الأوّلان.

و لم أقف على دليل يدل على أصل وجوب الدفع إلى الإمام عليه السلام فضلاً عن نائبه.

و الاستدلال عليه بآية خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً [1] (2)الآية،لا وجه له، كما صرّح به جماعة (3)،لأنّ غايتها وجوب الدفع مع المطالبة،و هو لا يستلزم وجوبه قبلها كما هو مفروض المسألة.

و الأصحّ الأوّل؛ للأصل و العمومات كتاباً و سنةً،و استفاضة الروايات بجواز تولّي المالك بنفسه أو وكيله لإخراجها (4)،مع عدم وضوح مقيِّد لها، لما مضى،مع أنّ في ظاهر الغنية الإجماع عليه مع الغيبة و المعرفة (5)،كما هو مفروض المسألة،و هو صريح الخلاف في كتاب قسمة الصدقات (6)، و ظاهره عدم خلاف في ذلك في الأموال الباطنة بين العامة و الخاصة، و مورد عبارته و إن كان الإمام دون الفقيه،لكنّه هنا ملحق به بالأولوية،و ما استدلّ به من عموم الأدلة.

الثانية يجوز أن يخصّ بالزكاة أحد الأصناف

الثانية: يجوز أن يخصّ بالزكاة أحد الأصناف الثمانية.

ص:177


1- المختلف:187.
2- التوبة:103.
3- منهم:العلّامة في المختلف:187،و صاحبا المدارك 5:259،و الحدائق 12:222.
4- انظر الوسائل 9،أبواب المستحقين للزكاة ب 36،37،40.
5- أي:معرفة المالك لأهل الزكاة.
6- الخلاف 4:225.

بل و لو خصّ بها شخصاً واحداً جاز بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في التذكرة و غيرها (1)،و نفى عنه الخلاف من متأخّري المتأخّرين جماعة (2)،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة (3).

و بها تصرف الآية الكريمة عن ظاهرها بحملها على أُمور أجودها ما في المنتهى:من أنّها سيقت لبيان المصرف خاصة (4)؛ و لكن لعلّ مراعاة ظاهرها أحوط.

و لعلّه لذا يكون قسمتها على الأصناف أفضل مع ما فيه من عموم النفع و شمول الفائدة،أو لما فيه من التخلّص من الخلاف،و حصول الإجزاء يقيناً كما في المنتهى و التذكرة (5)،و كأنّه أراد بذلك خلاف العامة، لتصريحه بالإجماع على عدم وجوب البسط في التذكرة.

و إذا قبضها الإمام أو الساعي أو الفقيه برئت ذمّة المالك و لو تلفت بعد ذلك،بغير خلاف أجده،و به صرّح في الذخيرة (6)،و في المدارك:أنّه مما لا خلاف فيه بين العلماء؛ لأنّ الإمام أو نائبه كالوكيل لأهل السهمان،فكان قبضهما جارياً مجرى قبض المستحق؛ و لفحوى الصحيح« إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ منها» (7)(8).

ص:178


1- التذكرة 2:244؛ و انظر المفاتيح 1:210.
2- كالسبزواري في الذخيرة:45،و صاحب الحدائق 12:224.
3- الوسائل 9:265 أبواب المستحقين للزكاة ب 28.
4- المنتهى 1:528.
5- المنتهى 1:528،التذكرة 1:244.
6- الذخيرة:467.
7- الكافي 3:/553 3،الوسائل 9:286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 4.
8- المدارك 5:274.
الثالثة لو لم يوجد مستحق استحب عزلها

الثالثة: لو لم يوجد مستحق استحب للمالك عزلها بل عن التذكرة و المنتهى:استحبابه بعد الحول مطلقاً (1)،لوجوه اعتبارية يشكل التمسك بها في إثبات ما هو العمدة و المقصود من العزل من صيرورة نصيب المالك ملكاً للمستحقين قهراً حتى لا يشاركهم عند التلف أصلاً.

نعم،تدل عليه الصحيحة المتقدمة قريباً،و نحوها أخبار أُخر معتبرة منها الصحيح:« إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سمّاها لقوم فضاعت،أو أرسل بها إليهم فضاعت،فلا شيء عليه» (2).

و الموثق:زكاتي تحلّ عليّ شهراً،أ فيصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني مَن يسألني يكون عندي عدّة؟قال:« إذا حال الحول فأخرجها من مالك،و لا تخلطها بشيء،و أعطها كيف شئت» قال،قلت:

فإن كتبتها و أثبتّها يستقيم لي؟قال:« نعم» (3).

و هي حجّة على مَن منع من صحة العزل مع وجود المستحق، كشيخنا الشهيد الثاني (4).

و الصحة مطلقاً خيرة الفاضلين (5)كما مضى و الشهيد في الدروس (6).

ص:179


1- التذكرة 1:238،المنتهى 1:511.
2- الكافي 3:/553 2،الفقيه 2:/16 47،التهذيب 4:/47 123،الوسائل 9:286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 3.
3- الكافي 3:/522 3،التهذيب 4:/45 119 بتفاوت يسير،الوسائل 9:307 أبواب المستحقين ب 52 ح 2.
4- الروضة 2:60،المسالك 1:62.
5- المعتبر 2:553،التذكرة 1:238.
6- الدروس 1:247.

و لعلّه الأقوى،إلّا أن يحمل إطلاق النصوص على صورة فقد المستحق بدعوى تبادرها منها.لكنّها محلّ نظر،مع أنّ صدر الموثق ظاهر في خلافها.

و المراد بالعزل تعيينها في مال خاص،و صحّته تقتضي كونها أمانة في يده،لا يضمن عند التلف إلّا مع التفريط أو تأخير الدفع مع التمكن من الإيصال إلى المستحق.و لازم ذلك أنّه ليس للمالك إبدالها،لصيرورتها بالعزل كالمقسوم مال الفقراء.

لكن في صحيح الوارد في آداب الساعي:« اصدع المال صدعين» إلى أن قال:« حتى يبقى وفاء لحق اللّه في ماله فاقبض حقّ اللّه تعالى منه،و إن استقالك فأقله» (1)دلالة على جواز التبديل كما قيل (2).

و لعلّه لا يخلو عن نظر،و مع ذلك فعدم التبديل أحوط إن لم نقل بكونه المتعيّن.

و النماء تابع لها مطلقاً (3)على الأقوى،وفاقاً للمدارك و غيره (4)؛ لما مضى (5)،و للخبر:عن الزكاة تجب عليّ في موضع لا يمكنني أن أُؤدّيها، قال:« اعزلها،فإن اتّجرت بها فأنت ضامن لها و لها الربح» إلى أن قال:

« و إن لم تعزلها و اتّجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح و لا

ص:180


1- الكافي 3:/536 1،التهذيب 4:/96 274،المقنعة:255،الوسائل 9:129 أبواب زكاة الأنعام ب 16 ح 1 بتفاوت يسير.
2- قال به في الذخيرة:468.
3- أي:متصلاً كان أو منفصلاً.
4- المدارك 5:275؛ و انظر الحدائق 12:242.
5- من صيرورتها بالعزل مال الفقراء.

و ضيعة عليها» (1).

خلافاً للدروس فللمالك (2)؛ و لم أعرف له مستنداً.

و يستحب الإيصاء بها إذا لم تحضره الوفاة؛ لئلّا يشتبه على الورثة لو مات فجأةً كما علّل به في المنتهى (3).فإذا حضرته وجب؛ لتوقّف الواجب عليه،و لعموم الأمر بالوصيّة.و أوجب الشهيد في الدروس العزل مع الوصيه أيضا (4)و هو أحوط.

و المعتبر فى الوصيه ما يحصل به الثبوت الشرعي،و في الصحيح:

رجل مات و عليه زكاة،و أوصى أن تُقضى عنه الزكاة،و ولده محاويج،إن دفعوها أضرّ بهم ضرراً شديداً،فقال:« يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم،و يخرجون منها شيئاً[فيدفع إلى غيرهم ]» (5).

الرابعة لو مات العبد المبتاع بمال الزكاة و لا وارث له ورثه أرباب الزكاة

الرابعة: لو مات العبد المبتاع بمال الزكاة و لا وارث له يختصّ به ورثه أرباب الزكاة كما في الصحيح (6)،و به عبّر أكثر الأصحاب،أو فقراء المؤمنين الذين يستحقون الزكاة كما في الموثق (7)،و به عبّر المفيد قال:لأنّه اشتري بحقهم من الزكاة (8)،و في المختلف:أن الظاهر أنّ مراده

ص:181


1- الكافي 4:/60 2،الوسائل 9:307 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 3.
2- الدروس 1:247.
3- المنتهى 1:529.
4- الدروس 1:247.
5- الكافي 3:/542 5،الفقيه 2:/20 69،الوسائل 9:244 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 5.أضفنا ما بين المعقوفين من المصادر.
6- علل الشرائع:/372 1،الوسائل 9:293 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 3.
7- الكافي 3:/557 3،التهذيب 4:/100 281،الوسائل 9:292 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 2.
8- المقنعة:259.

ليس تخصيص الفقراء و المساكين،بل أرباب الزكاة،لأنّ التعليل يعطيه (1).

و في المدارك و الذخيرة:الأحوط صرف ذلك في الفقراء خاصّة،لأنّهم من أرباب الزكاة في حال الغيبة يستحقون ما يرثه الإمام ممّن لا وارث له، فيكون الصرف إليهم مجزياً على التقديرين (2).انتهى.و لا بأس به.

و هذا الحكم من أصله مشهور بين الأصحاب،حتى أنّ في المعتبر و المنتهى عزياه إلى علمائنا أجمع كالمرتضى في الانتصار،مؤذنين بدعوى الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الخبرين المزبورين المتقدمين في بحث الرقاب (4).

و ذكر الفاضلان هنا و في الشرائع و المعتبر و المنتهى:أنّه فيه وجه آخر بكون إرثه للإمام عليه السلام،قالا:لأنّهم لا يملكون العبد المبتاع بمال الزكاة، لأنّه أحد مصارفه،فيكون كالسائبة (5)،و لضعف الرواية،و أشارا بها إلى الموثّقة قالا:لأنّ في طريقها ابن فضال و هو فطحي،و ابن بكير و فيه ضعف،ثم قالا:غير أنّ القول بها أقوى،لمكان سلامتها عن المعارض و إطباق المحققين منّا على العمل بها.كذا في المعتبر و قريب منه في المنتهى (6).

و منه يظهر الوجه في كون هذا أي ما ذكره أوّلاً وفاقاً للأصحاب أجود و لكن ذهب الفاضل في الإرشاد و القواعد و ولده في الشرح إلى

ص:182


1- المختلف:191.
2- المدارك 5:278،الذخيرة:469.
3- المعتبر 2:589،المنتهى 1:531،الانتصار:85.
4- في ص:2383،2384.
5- السائبة:العبد يُعتق و لا يكون لمعتقه عليه وَلاء و لا عقل بينهما و لا ميراث،فيضع مالَه حيث شاء،صحاح اللغة 1:150،مجمع البحرين 3:84.
6- الشرائع 1:166،المعتبر 2:589،المنتهى 1:531.

الثاني (1).و هو ضعيف،كتوقّفه في المختلف (2).

و فصّل الشهيد (3)بين ما لو اشترى لعدم المستحق فالأوّل،لأنّه يكون مصروفاً عن حقّ الفقراء،و يحمل عليه الرواية المشعرة بذلك،و يكون تسلّط المكلّف على الشراء موجباً للولاء لهم؛ و بين ما لو اشترى من سهم الرقاب كالعبد تحت الشدّة فالإمام عليه السلام،لأنّه لم يشتر بمالهم،و قوّاه الفاضل المقداد في الشرح (4).

و هو اجتهاد في مقابل النصّ المعتبر بما مرّ.

و دعوى إشعار التعليل بالأوّل مضعّفة بأنّ ظاهر الرواية وقوع الشراء لجميع الزكاة لا بسهم مخصوص منها،و لعلّ المقصود أنّه اشتري بمال يسوغ صرفه في الفقراء،لا أنّه مالهم حقيقة،و الغرض منه توجيه الحكمة المقتضية للحكم.

الخامسة أقلّ ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الأوّل

الخامسة: أقلّ ما يعطى الفقير الواحد ما يجب في النصاب الأوّل و هو نصف مثقال في الذهب و خمسة دراهم في الفضة،وفاقاً للأكثر على الظاهر،المصرّح به في عبائر جمع و منهم الفاضلان في المنتهى و الشرائع و المعتبر (5)؛ للصحيح (6)و غيره (7)المنجبر ضعفه بالشهرة بل

ص:183


1- الإرشاد 1:290،القواعد:59،الإيضاح 1:207.
2- المختلف:191.
3- الدروس 1:244.
4- التنقيح الرائع 1:327.
5- المنتهى 1:530،الشرائع 1:166،المعتبر 2:590.
6- الكافي 3:/548 1،التهذيب 4:/62 167،الإستبصار 2:/38 116،الوسائل 9:257 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 2.
7- التهذيب 4:/62 168،الإستبصار 2:/38 117،الوسائل 9:257 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 4.

الإجماع كما في الانتصار و الغنية (1)،و هو بنفسه حجة اخرى مستقلّة.

و قيل: إنّه ما يجب في النصاب الثاني من درهم أو عُشر دينار،و القائل الإسكافي و الديلمي و غيرهما (2).

و مستندهما غير واضح عدا الإجماع المحكي من المرتضى في المسائل المصرية (3).و هو مع وهنه بمصير الأكثر إلى خلافه معارض بمثله المعتضد بمثله (4)و بالصحيح و غيره.

و عليه فيكون القول الأوّل أظهر و يظهر من العبارة و نحوها انحصار القول في المسألة فيهما،مع أنّ هنا قولاً ثالثاً للحلّي و المرتضى في الجمل (5)،فلم يقدَّر المدفوع بقدر، و اختاره جمع ممن تأخّر (6)؛ للأصل،و الإطلاقات كتاباً و سنةً،و الصحاح المستفيضة.

و هي ما بين مصرّحة بجواز دفع درهمين أو ثلاثة،كالصحيح:هل يجوز لي يا سيّدي أن اعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة،فقد اشتبه ذلك عليّ؟فكتب:« ذلك جائز» (7)و نحوه آخر

ص:184


1- الانتصار:82،الغنية(الجوامع الفقهية):568.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:186،المراسم:134،و السيّد المرتضى في المسائل الموصليات(رسائل المرتضى 1):225.
3- لم نعثر عليه في المسائل المصريات،و هو موجود في المسائل الموصليات(رسائل المرتضى 1):225.
4- أي:إجماع منقول آخر و هو ما نقله ابن زهرة.منه رحمه اللّه.
5- الحلّي في السرائر 1:464،جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):79.
6- منهم:العلّامة في المختلف:186،و صاحب المدارك 5:279،و المحقق السبزواري في الذخيرة:467.
7- التهذيب 4:/63 169،الإستبصار 2:/38 118،الوسائل 9:258 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 5.

لراويه (1)،فيحتملان الاتحاد.

و قائلةٍ بأنّه لا تقدير في المدفوع و أنّه بحسب ما يراه الإمام، كالصحيحين (2).

و في الجميع نظر؛ لوجوب الخروج عن الأوّلين بما مرّ،و قوة احتمال ورود الصحاح للتقيّة،فإنّ القول بعدم التقدير مذهب الجمهور كافّة،كما صرّح به جماعة (3)،و يشهد له كون الروايتين الأُوليين منها مكاتبة.

مع أنّهما لم يدلاّ على عدم اشتراط التقدير،بل غايتهما الدلالة على جواز دفع الدرهمين و الثلاثة في الجملة،و هو لا ينافي التقدير بما دونها، كما هو أحد الأقوال في المسألة.

و مع ذلك فيحتملان التقييد بما إذا أدّى ما وجب في النصاب الأوّل، كما صرّح به جمع (4)،و كذلك الصحيحان الأخيران يحتملان التقييد بما بعد النصاب الأوّل،يعني أنّه لا يقدر بشيء بعد ذلك التقدير.

مع أنّ التقدير المنفي في أحدهما يحتمل التقدير بحسب البسط على الأصناف و عدمه،لا المقدار،كما يشهد لهذا سياقه.

ص:185


1- الفقيه 2:/10 28،الوسائل 9:256 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 1.
2- الأوّل:الكافي 3:/563 13،التهذيب 4:/108 311،الوسائل 9:257 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 3.الثاني:الكافي 5:/26 1،التهذيب 6:/148 261،الوسائل 9:265 أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 1.
3- منهم:السيّد المرتضى في الانتصار:82،و المحقق في المعتبر 2:59،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:328.
4- منهم:الشيخ الطوسي في التهذيب 4:63،و المحقق في المعتبر 2:590،و العلّامة في المنتهى 1:530.

و كيف كان فلا ريب أنّ القول الأوّل مع كونه أقوى أحوط و أولى.

و هل هذا التقدير على الوجوب؟كما هو ظاهر أكثر العبارات،بل صريح جملة منها قد ادّعي فيها الإجماع (1)؛ تبعاً لظاهر النهي في الصحيح، و لفظة« لا يجوز» في غيره.أم الاستحباب؟كما صرّح به جمع من المتأخّرين،و منهم الفاضل في التذكرة (2)مدّعياً كونه إجماعيّاً.

إشكال،و لا ريب أنّ الأوّل أحوط إن لم نقل بكونه أظهر.

ثم هل الحكم المذكور يختص بزكاة الفضّة لكونها مورد نصوص المنع في المسألة؟أم يعمّها و غيرها حتى الأنعام،فلا يجوز أن يدفع فيها أقلّ مما يجب في أوّل نصابها أو أوّل نصاب الفضة،كما يستفاد من فحواها،لتضمن بعضها تعليل المنع عن أداء الخمسة دراهم بأنّها أقلّ الزكاة؟ إشكال،و لكنّ التعميم أحوط و أولى.

و لو أعطى ما في الأوّل ثم وجبت الزكاة عليه في النصاب الثاني أخرج زكاته،و سقط اعتبار التقدير إذا لم يجتمع معه ما يبلغ الأوّل.

و لو كان له نصابان أول و ثانٍ،فالأحوط دفع الجميع لواحد.

خلافاً للشهيد و غيره،فجوّزوا دفع ما في الأوّل لواحد و ما في الثاني لغيره (3).

و يضعّف بإطلاق النهي عن إعطاء ما دون الخمسة،و إمكان الامتثال بدفع الجميع لواحد.

ص:186


1- كما في الانتصار:82،و الغنية(الجوامع الفقهية):568؛ و انظر المدارك 5:281،و الذخيرة:467.
2- التذكرة 1:244،المختلف:186.
3- الشهيد في المسالك 1:62،و المحقق في المعتبر 2:590.

و لا حدّ للأكثر أي أكثر ما يعطى الفقير الواحد منه،فيجوز أن يعطى ما يغنيه و ما يزيد على غناه بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة،كالمنتهى و المدارك و الغنية (1)،و المعتبرة به مع ذلك من طرقنا مستفيضة (2).

مضافاً إلى النبوية المشهورة المشار إليها في العبارة بقوله فخير الصدقة ما أبقت غنى (3) لكن الدلالة لعلّها لا تخلو عن مناقشة أشار إلى وجها في الذخيرة، قال:لأنّ الظاهر أنّ المراد ما أبقت غنى لمُعطيها،أي لا يوجب فقره و احتياجه،فإنّ الإبقاء ظاهره ذلك (4).

السادسة يكره أن يَملك ما أخرجه في الصدقة اختياراً

السادسة: يكره أن يَملك دافع الزكاة بل مطلقاً ما أخرجه في الصدقة اختياراً إجماعاً كما في المدارك (5)،و في المنتهى:أنّه لا خلاف فيه بين العلماء؛ لأنّها طهارة للمال فيكره له شراء طهوره،و لأنّه ربما أستحيي الفقير فيترك المماكسة معه و يكون ذلك وسيلة إلى استرجاع بعضها،و ربما طمع الفقير في غيرها منه فأسقط بعض ثمنها (6).

و ذهب بعض العامة إلى التحريم،و لا خلاف بيننا في عدمه،و عن جمع دعوى الإجماع عليه (7).

ص:187


1- المنتهى 1:528،المدارك 5:282،الغنية(الجوامع الفقهية):568.
2- الوسائل 9:258 أبواب المستحقين للزكاة ب 24.
3- مسند أحمد 3:434.
4- الذخيرة:466.
5- المدارك 5:285.
6- المنتهى 1:531.
7- المعتبر 2:591،المنتهى 1:530،المدارك 5:285.

و يدلُّ عليه بعده الأصل و العمومات كتاباً و سنة السليمة عن المعارض بالكليّة،حتى أنّه لولا الإجماع على الكراهة لكانت أيضاً محلّ مناقشة،لعدم دليل عليها عدا الوجوه المتقدمة،و هي لإثبات الحكم غير صالحة،نعم تصلح أن تكون وجهاً للحكمة.

و خصوصِ الخبر:« إذا أخرجها يعني الشاة فليقوّمها فيمن يزيد، فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها،و إن لم يُردها فليبعها» (1).

و لا بأس بعوده إليه بميراث و شبهه كشراء الوكيل العام، و معنى نفي البأس أنّه يملكه و لا يستحب له إخراجه عن ملكه.

و الأصل فيه بعد الأصل و اختصاص دليل المنع بغير هذا الفرض نفي الخلاف عنه في المنتهى (2)،قال:إلّا من الحسن بن حي و ابن عمر؛ و النبوي المروي فيه:إنّ رجلاً تصدّق على أبيه بصدقة ثم مات،فسأل النبي صلى الله عليه و آله فقال:« و قد قبل اللّه تعالى صدقتك و ردّها إليك بالميراث» (3).

و احترز بالاختيار عن فرضنا هذا،و عمّا لو احتاج إلى شرائها،بأن يكون الفرض جزء من حيوان لا يمكن الفقير الانتفاع به و لا يشتريه غير المالك،أو يحصل للمالك ضرر بشراء غيره،فإنّه تزول الكراهة حينئذٍ و يجوز الشراء إجماعاً،كما عن التذكرة و المنتهى (4).

السابعة إذا قبض الإمام الصدقة دعا لصاحبها

السابعة: إذا قبض الإمام (5)الصدقة دعا لصاحبها و كذا الساعي،

ص:188


1- الكافي 3:/538 5،التهذيب 4:/96 276،الوسائل 9:131 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 3.
2- المنتهى 1:531.
3- سنن البيهقي 4:151.
4- التذكرة 1:242،المنتهى 1:531.
5- في النافع زيادة:أو الفقيه.

إجماعاً كما في المنتهى (1)؛ و لقوله تعالى: وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [1] (2)و للنبوي:إذا اتي صلى الله عليه و آله بصدقة قال:« اللّهم صلّ على أبي فلان» .و يكون ذلك استحباباً على الأظهر وفاقاً للأكثر،بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من الشيخ في الخلاف في كتاب الزكاة،و الماتن في المعتبر و الفاضل في الإرشاد و الشهيد في الدروس (3).

و قد رجعوا عنه إلى الاستحباب في الكتاب و كتاب قسمة الصدقات من الخلاف و المبسوط و المختلف و اللمعة (4)؛ و لعلّه للأصل،و عدم صراحة الآية في كون الصلاة المأمور بها لأجل أداء الزكاة و بعد قبضها،بل لا يبعد دعوى عدم ظهورها فيه أيضاً؛ و الرواية بعد الإغماض عن سندها غير دالّة على الوجوب كما لا يخفى،هذا.

و ينبغي القطع بعدم الوجوب بالنسبة إلى الفقيه و الفقير،أمّا الثاني:

لدعوى الإجماع على عدم الوجوب فيه صريحاً في الروضة و غيرها (5).

و أمّا الأوّل:فللأصل،و اختصاص أدلّة الوجوب كتاباً و سنّةً على تقدير تسليمها بالنبيّ صلى الله عليه و آله خاصّة،أو الإمام عليه السلام على احتمال،فلا وجه للمنع فيه جدّاً،و بذلك صرّح جملة من متأخّري متأخّري أصحابنا (6).

الثامنة يسقط مع غيبة الإمام سهم السعاة و المؤلّفة

الثامنة: يسقط مع غيبة الإمام سهم السعاة و المؤلّفة بلا خلاف

ص:189


1- المنتهى 1:531.
2- التوبة:103.
3- الخلاف 2:125،المعتبر 2:592،الإرشاد 2:289،الدروس 1:246.
4- الخلاف 4:226،المبسوط 1:244،المختلف:188،الروضة 2:56.
5- الروضة 2:57؛ و انظر المسالك 1:62.
6- المدارك 5:284،الذخيرة:467،الحدائق 12:250.

و لا إشكال حيث لا يحتاج إليهما،كما في زماننا هذا و ما ضاهاه غالباً.

و يشكل فيما لو احتيج إليهما،كما إذا تمكّن الفقيه النائب عنه عليه السلام من نصب السعاة،أودَهم المسلمين عدوّ يخاف منه العياذ باللّه تعالى منه بحيث يجب عليهم الجهاد و يحتاج إلى التأليف،فإنّ الظاهر عدم السقوط هنا،وفاقاً للشهيدين في الدروس و اللمعتين و جماعة من متأخّري المتأخّرين (1)؛ للعمومات السليمة عن المعارض.

و من هنا يظهر ما في القول بسقوط سهم المؤلّفة بعد النبي صلى الله عليه و آله كما عن الصدوق (2)و بعض العامة (3)بطريق أولى،مع أنّ المحكي من دليلهما في غاية الضعف جدّاً (4).

و قيل:يسقط معها سهم السبيل أيضاً (5)،بناءً على اختصاصه عنده بالجهاد المفقود في هذا الزمان.

و فيه ما قدّمناه من إمكانه فيه أيضاً،فلا يستقيم الحكم بالسقوط مطلقاً، و مع ذلك ف على ما اخترناه من عدم اختصاص هذا السهم بالجهاد لا يسقط مطلقاً.

التاسعة: ينبغي أن تعطى زكاة الذهب و الفضة و الثمار و الزروع أهل الفقر و المسكنة،و زكاة النعم أهل التجمّل كما في النص،

ص:190


1- الدروس 1:248،الروضة 2:57،و صاحب المدارك 5:284،و السبزواري في الذخيرة:454.
2- كما في الفقيه 2:3.
3- انظر بدائع الصنائع 2:45،و المغني و الشرح الكبير 2:693.
4- و هو كما حكاه في المدارك 5:215-:إنّ اللّه سبحانه أعزّ الدين و قوّى شوكته فلا يحتاج إلى التأليف.
5- قال به في النهاية:185.

معلّلاً بأنّ أهل التجمّل يستحيون من الناس فيدفع إليهم أجمل الأمرين عندهم (1).

و التوصّل إلى المواصلة بها مَن يستحيي من قبولها للنص (2)، فيوصل إليه هدية،و يحتسب عليه بعد وصولها إلى يده أو يد وكيله مع بقاء عينها.

ص:191


1- الكافي 3:/55 3،التهذيب 4:/101 286،علل الشرائع:/371 1،المحاسن:/304 13،الوسائل 9:263 أبواب المستحقين للزكاة ب 26 ح 1.
2- الوسائل 9:314 أبواب المستحقين للزكاة ب 58.

القسم الثاني في زكاة الفطرة

اشارة

القسم الثاني:

في زكاة الفطرة و تُطلق على الخلقة و على الإسلام،و المراد بها على الأوّل زكاة الأبدان مقابل الأموال،و على الثاني زكاة الدين و الإسلام.

الأوّل في من تجب عليه

و أركانها أربعة:

الأوّل:في بيان من تجب عليه:

اعلم:أنّه إنّما تجب على الحرّ البالغ العاقل الغني فلا تجب على الصبي و لا المجنون إجماعاً،كما في المعتبر و التحرير و المنتهى (1)؛ لحديث رفع القلم (2)و للصحيح في الأوّل:الوصي يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟فكتب:« لا زكاة على يتيم» (3).

و لا على المملوك إجماعاً أيضاً،كما في صريح الخلاف و السرائر و غيرهما،و ظاهر المنتهى بل صريحه أيضاً (4).

و لا شبهة فيه على القول بأنّه لا يملك شيئاً.و كذا على القول الآخر؛ للإجماع المنقول،و عموم الصحيح:« ليس في مال المملوك شيء» (5).

ص:192


1- المعتبر 2:593،التحرير:70،المنتهى 1:531.
2- عوالي اللآلي 1:/209 48،مسند أحمد 6:100.
3- الكافي 3:/541 8،الفقيه 2:/115 495،التهذيب 4:/30 74،المنتهى 9:84 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 4.
4- الخلاف 2:130،السرائر 1:466؛ و انظر المدارك 5:307،المنتهى 1:532.
5- الكافي 3:/542 1،الوسائل 9:91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 1.

و في الصحيح:قلت له:مملوك بيده مال،أ عليه زكاة؟قال:«لا» قلت:

فعلى سيّده؟فقال:« لا،إنّه لم يصل إلى سيّده و ليس هو للمملوك» (1)فتدبّر.

و لا فرق في إطلاق النص و الفتوى بين القنّ و المدبّر و المكاتب، إلّا إذا تحرّر بعض المطلق فتجب عليه بحسابه،على المشهور.

خلافاً للصدوق،فتجب على المكاتب (2)؛ للصحيح (3).

و يعارض بالمرفوع المعمول به:« يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه» (4).و حمله على صورة العيلولة ليس بأولى من حمل المعارض على المبعّض بالنسبة إلى الحريّة.بل هو أولى،للشهرة.

و للمبسوط في المبعّض،فنفاها عنه رأساً (5).و هو نادر محجوج بالعموم المؤيّد بكثرة النظائر.

و لا على الفقير على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر،و في المعتبر و المنتهى:أنّه مذهب علمائنا أجمع إلّا الإسكافي (6)،فأوجب عليه إذا فضل عن مئونته و مئونة عياله ليوم و ليلة صاع.

و هو نادر،و إن نقله في الخلاف عن كثير من الأصحاب (7)،محجوج

ص:193


1- الكافي 3:/542 5،الفقيه 2:/19 63،علل الشرائع:/372 1،الوسائل 9:92 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 4.
2- كما في الفقيه 2:117.
3- الفقيه 2:/117 502،التهذيب 4:/332 1040،الوسائل 9:365 أبواب زكاة الفطرة ب 17 ح 3.
4- الكافي 4:/174 20،التهذيب 4:/72 195 بتفاوت يسير،الوسائل 9:364 أبواب زكاة الفطرة ب 17 ح 2.
5- المبسوط 1:239.
6- المعتبر 2:593،المنتهى 1:532.
7- الخلاف 2:147.

بالمعتبرة المستفيضة المتضمنة للصحيح و غيره،الدالة على أنّ الفقير و من أخذ الزكاة لفقره لا فطرة عليه (1).

و هي أصرح دلالةً على عدم الوجوب من إطلاق الكتاب و السنة، و خصوص ما ورد بإيجابها عليه من المعتبرة،كالصحيح:الفقير الذي يتصدّق عليه هل تجب عليه صدقة الفطرة؟قال:« نعم،يعطي ممّا يتصدّق به عليه» (2)بتقييد الإطلاق بمن عداه،و صرف الموجب إلى الاستحباب،أو تقييده أيضاً بما إذا حصل له الغنى بما يتصدّق عليه.

و ربما يشير إلى هذا:الموثق و غيره:أعلى مَن قَبِل الزكاة زكاة؟قال:

« أما مَن قَبِل زكاة المال فإنّ عليه الفطرة،و ليس على مَن قَبِل الفطرة فطرة» (3)بناءً على أنّه لا قائل بهذا التفضيل إلّا على تقدير حمل الوجوب على مَن قَبل الزكاة على ما إذا حصل له بها الغنى،و عدمه على مَن قَبل الفطرة على غيره.

و ضابطه على الأظهر الأشهر:من ملك مئونة سنة له و لعياله فعلاً أو قوّةً،لأنّ من عداه تحلّ له الزكاة على ما مرّ في بحثها،فلا تجب عليه الفطرة،كما دلّت عليه نصوص المسألة التي منها الصحيح:رجل أخذ من الزكاة،عليه صدقة الفطرة؟قال:

« لا» (4).

ص:194


1- الوسائل 9:321 أبواب زكاة الفطرة ب 2.
2- الكافي 4:11/172،التهذيب 4:208/74،الإستبصار 2:132/41،الوسائل 9:324 أبواب زكاة الفطرة ب 3 ح 2.
3- التهذيب 4:/73 204،الإستبصار 2:/41 128،المقنعة:248،الوسائل 9:321 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 10.
4- التهذيب 4:/73 201،الإستبصار 2:/40 125،الوسائل 9:321 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 1.

و في الخبر:« من أخذ الزكاة فليس عليه فطرة» (1)و بمعناه آخر (2).

و في ثالث:قلت له:لمن تحلّ الفطرة؟قال:« لمن لا يجد،و من حلّت له لم تحلّ عليه،و من حلّت عليه لم تحلّ له» (3).

و قصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بالشهرة.

خلافاً لجماعة من أعيان القدماء بل أكثرهم،فعبّروا عن الغنى بمن ملك أحد النُّصُب الزكوية (4)،مشعرين بكونه المعيار لوجوب الفطرة مطلقاً (5)إثباتاً و نفياً،و لذا جعلهما محل الخلاف في المختلف (6).

و لكنّه في الثاني بعيد في الغاية،بل الظاهر أنّ مرادهم الأوّل،أي الوجوب بملك النصاب و إن لم تُملك مئونة السنة،لذلك (7)،و لدلالة عبارة بعضهم عليه كالشيخ في الاستبصار،،حيث قال في جملة كلام له:لأنّ الفرض يتعلّق بمن كان غنيّاً،و أقلّ أحواله إذا ملك مقدار ما تجب فيه الزكاة (8).

و لم نقف لهم على حجّة يعتدّ بها عدا دعوى الإجماع عليه في

ص:195


1- التهذيب 4:/73 202،الإستبصار 2:/40 126،الوسائل 9:322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 7.
2- التهذيب 4:/73 ذ ج 202،الاستبصار 2:/41 ذ ج 126،الوسائل 9:322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 8.
3- التهذيب 4:/73 203،الإستبصار 2:/41 127،الوسائل 9:322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 1.
4- كالشيخ في الخلاف 2:146،و القاضي في المهذب 1:174.
5- أي سواء ملك مئونة السنة أم لا.
6- المختلف:193.
7- أي:للبُعد.
8- الاستبصار 2:42.

السرائر و الغنية (1)،و هي معارضة بالأخبار المتقدمة المعتضدة بالشهرة العظيمة المتأخرة القريبة من الإجماع،بل لعلّها إجماع في الحقيقة،مضافاً إلى أصالة البراءة.

و مع الشروط يجب عليه أن يخرجها عن نفسه و عياله من مسلم و كافر و حرّ و عبد و صغير و كبير و لو عال تبرّعاً كالضيف إجماعاً،على الظاهر المصرّح به في كلام جماعة (2)،بل في المنتهى أنّ عليه الإجماع ممن عدا أبي حنيفة (3).

و الصحاح به مع ذلك مستفيضة،منها:عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر يؤدّي عنه الفطرة؟قال:« نعم، الفطرة واجبة على كلّ من يعول من ذكر أو أُنثى،صغير أو كبير،حرّ أو مملوك» (4).

و في رواية:« كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه» (5).

و أمّا ما في الصحيح:عن رجل يُنفق على رجل ليس من عياله، إلّا أنّه يتكلّف له نفقته و كسوته،أ يكون عليه فطرته؟قال:« لا إنّما يكون فطرته على عياله صدقة دونه» و قال:« العيال:الولد،و المملوك،و الزوجة،

ص:196


1- السرائر 1:465،الغنية(الجوامع الفقهية):568.
2- منهم:الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:215،و صاحب المدارك 5:315.
3- المنتهى 1:533.
4- الكافي 4:/173 16،الفقيه 2:/116 497،التهذيب 4:/332 1041،الوسائل 9:327 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 2.
5- الكافي 4:/17 1،التهذيب 4:/71 193،الوسائل 9:329 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 8.

و أُمّ الولد» (1)فمعناه أنّه لم يضمّه إلى عياله،بل يتصدّق عليه بالنفقة و الكسوة.

و في تفسير الضيف المُعال سبعة أقوال:الضيافة طول الشهر،أو النصف الأخير منه،أو العشر الأخير منه،أو ليلتين من آخره،أو ليلة واحدة،أو جزء منه بحيث يهلّ الهلال و هو في ضيافته و إن لم يأكل،أو صدق العيلولة عرفاً.

و لم نجد لشيء منها دليلاً يعتدّ به عدا الإجماع المنقول في الانتصار و الخلاف على الأوّل (2)،و ظواهر النصوص المتقدمة على الأخير،فإنّ مقتضاها أنّ الوجوب تابع للعيلولة لا لوجوب النفقة،و لا لتكلّف التصدّق بها عليه،و لا الضيافة المحضة من دون عيلولة.

و هو المعتمد،و عليه العمل،لوهن الإجماع المنقول بشدّة هذا الاختلاف و التشاجر بين الأصحاب.هذا على تقدير تخالفهما،و إلّا فيرجع إلى شيء واحد مآلهما.

و المشهور وجوبها عن الزوجة و المملوك مطلقاً و لو لم يكونا في عياله،بل ظاهر المنتهى و صريح السرائر دعوى الإجماع عليه (3)؛ و لعلّه لإطلاق نحو الموثق:« الواجب عليك أن تعطي عن نفسك و أبيك و أُمّك و ولدك و خادمك و امرأتك» (4)مضافاً إلى الصحيح السابق.

و فيهما نظر؛ لقوّة احتمال ورود إطلاقهما مورد الغالب من حصول

ص:197


1- الفقيه 2:509/118،الوسائل 9:328 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 3.
2- الانتصار:88،الخلاف 2:133.
3- المنتهى 1:533،السرائر 1:466.
4- الفقيه 2:/118 510،الوسائل 9:328 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 4.

العيلولة الفعليّة،مع أنّ جماعة منهم صرّحوا باعتبارها فيمن عدا الزوجة و المملوك و الاكتفاء بوجوب الإنفاق فيهما (1)،و الروايتان لا تصلحان دليلاً على هذا التفصيل.و حيث لا عموم فيهما باختصاص موردهما بالغالب بقي غيره مندرجاً تحت الأصل المعتضد بفحوى الأخبار السابقة،المقتضية لدوران وجوب الفطرة مدار العيلولة الفعلية لا وجوب النفقة.

و إجماع المنتهى غير واضح الدلالة على الوجوب من غير عيلولة فعليّة في الزوجة.

و إجماع السرائر و إن كان صريحاً،إلّا أنّه على جعل السبب نفس الزوجيّة حتى مع النشوز و الانقطاع الذين لا يجب معهما النفقة إجماعاً، و هو كذلك نادر،بل عن المعتبر و في المنتهى أنّه متفرّد بذلك (2)،فالتمسك للوجوب بمثل ذلك لا يخلو عن إشكال.نعم هو أحوط،سيّما في العبد؛ لصراحة عبارة المنتهى في دعوى الإجماع عليه منّا و من أكثر العلماء (3).

و تعتبر النية أي الخلوص و القربة،و قصد كونها فطرة لا صدقة في أدائها أي عنده؛ لعموم ما دلّ على وجوبها في كلّ عبادة.

و تسقط عن الكافر لو أسلم بعد الهلال،بالنصّ عموماً و خصوصاً،كما يأتي،و الإجماع الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (4).

و هذه الشروط إنّما تعتبر عند هلال شوال أي قبله،بأن يكون قبل غروب الشمس ليلة الفطرة و لو بلحظة فلو أسلم الكافر أو بلغ الصبي

ص:198


1- الروضة 2:58،المدارك 5:317،الحدائق 12:268.
2- المعتبر 2:602،المنتهى 1:533.
3- المنتهى 1:534.
4- كما في المنتهى 1:532،و المدارك 5:320.

أو ملك الفقير القدر قبل الهلال وجبت الزكاة،و لو كان بعده لم تجب، و كذا لو ولد له أو ملك عبداً قبله وجبت عليه،و إلّا فلا،إجماعاً،على الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة (1).

للخبرين،أحدهما الصحيح:عن مولود وُلد ليلة الفطر،عليه الفطرة؟قال:« لا،قد خرج الشهر» و عن يهوديّ أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟قال:« لا» (2)و نحوه الثاني (3).

و أخصّية المورد غير قادح بعد استفادة العموم من الإجماع،و ما في الأوّل من قوله عليه السلام:« قد خرج الشهر» و في الثاني من قوله:« ليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر» المفيدين للعموم.

و تستحب لو كان ذلك أي استجماع هذه الشروط ما بين الهلال و صلاة العيد بلا خلاف ظاهر و لا محكي إلّا من ظاهر الصدوق، فأمر بها في المقنع (4)،كما في الخبرين (5)؛ قيل:و الظاهر أنّ مراده به الاستحباب (6)،لتصريحه به في الفقيه (7)؛ و إنّما حملهما الأصحاب على الاستحباب جمعاً بينهما و بين الخبرين السابقين الصريحين في عدم

ص:199


1- المدارك 5:320،مفاتيح الشرائع 1:216،الذخيرة:473.
2- الكافي:/172 12،التهذيب 4:/72 197،الوسائل 9:352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 2.
3- الفقيه 2:/166 500،الوسائل 9:352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 1.
4- المقنع:67.
5- الأوّل:الفقيه 2:/118 511،الوسائل 9:329 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 6.الثاني:فقه الرضا(عليه السلام):210،مستدرك الوسائل 7:146 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح.
6- قال به في المدارك 5:322.
7- الفقيه 2:116.

الوجوب،مضافاً إلى الأصل.

و الفقير مندوب إلى إخراجها عن نفسه و عن عياله و إن قبلها،و مع الحاجة يدير على عياله صاعاً ثم يتصدق به على غيرهم أمّا الأوّل:فلما مرّ في تحقيق معنى الغنى (1)،و في المنتهى:أنّ عليه علماءنا أجمع إلّا من شذّ (2)،و لعلّه الإسكافي القائل بالوجوب كما مرّ (3).

و أمّا الثاني:فللموثّق:الرجل لا يكون عنده شيء من الفطرة إلّا ما يؤدّي عن نفسه وحدها،يعطيه غريباً،أو يأكل هو و عياله؟قال:« يعطي بعض عياله،ثم يعطي الآخر عن نفسه يردّدونها،فيكون عنهم جميعاً فطرة واحدة» (4).

و ليس فيه دلالة على أنّ الأخير منهم يدفعه إلى الأجنبي،كما في صريح العبارة هنا و في السرائر و القواعد بل التحرير و الشرائع و عن البيان (5)؛ و لعلّهم أخذوه من عموم ما دلّ على كراهية الصدقة،مع أنّ في قوله عليه السلام:« يكون عنهم جميعاً فطرة واحدة» إشعاراً بذلك.

و مورد النصّ كون العيال بأجمعهم مكلّفين،فيشكل التعدي إلى غيرهم.

خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني (6)و ظاهر العبارة،فيتولّى الولي ذلك عن

ص:200


1- راجع ص 2369.
2- المنتهى 1:536.
3- في ص:2427.
4- الكافي 4:/172 10،الفقيه 2:/155 496،التهذيب 4:/74 209،الإستبصار 2:/42 133،الوسائل 9:325 أبواب زكاة الفطرة ب 3 ح 3.
5- السرائر 1:467،القواعد:60،التحرير:72،الشرائع 1:171،البيان:332.
6- كما في المسالك 1:64.

الصغير.

و يشكل بإخراج ما صار ملكه إلى غيره،مع عدم دليل عليه إلّا ما ادّعى من إطلاق النص،و قد عرفت ما فيه،و من ثبوت مثله في الزكاة، و هو على تقديره قياس لا نقول به.

الثاني:في قدرها و جنسها

الثاني:في بيان قدرها و جنسها اعلم:أنّ الضابط في الجنس ما كان قوتاً غالباً،كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأرز و الأقط و اللبن وفاقاً للشيخين و السيدين و الحلّي و الفاضلين و الشهيدين و غيرهم (1)،و في الدروس الأكثر (2)،و في غيره الأشهر (3)،و في المنتهى:أنّه مذهب علمائنا (4)،و كذا عن الشهيد و الماتن في المعتبر (5).

و هو الأظهر؛ للنصوص منها الصحيح:« الفطرة على كلّ قوم مما يغذون عيالهم من لبن أو زبيب أو غيره» (6).

و المرسل:« الفطرة على كلّ من اقتات قوتاً،فعليه أن يؤدّي من ذلك

ص:201


1- المفيد في المقنعة:250،الطوسي في المبسوط 1:241،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):80،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):568،المحلّي في السرائر 1:468،المحقق في الشرائع 1:174،العلّامة في المنتهى 1:536،الشهيد الأوّل في اللمعة(الروضة البهية 2):59،الشهيد الثاني في المسالك 1:65؛ و انظر الحدائق 12:282.
2- الدروس 1:251.
3- كما في الحدائق 12:282.
4- المنتهى 1:536.
5- حكاه عن الشهيد في الحدائق 12:279،المعتبر 2:605.
6- التهذيب 4:/78 221،الإستبصار 2:/43 137،الوسائل 9:343 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 1.

القوت» (1).

و ضعف السند مجبور بالعمل و الاعتضاد باختلاف الصحاح المستفيضة و غيرها في ذكر الأجناس المزبورة نقيصة و زيادة،ففي الصحيحين (2)و غيرهما (3)الاقتصار على الأربعة الزكوية،و في الصحيح الاقتصار على ما عدا الشعير منها (4)،و في آخَر على ما عدا الحنطة مبدلاً عنها بالذرّة (5)،و في آخَرين على ما عدا الزبيب (6)،و في آخر على ما عدا الحنطة منها و تبديلها بالأقط (7)،و في الصحيح:« يعطي أصحاب الإبل و البقر و الغنم في الفطرة من الأقط صاعاً» (8).

ص:202


1- الكافي 4:/173 14،التهذيب 4:/78 220،الإستبصار 2:/42 136،الوسائل 9:344 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 4.
2- الأوّل:الكافي 4:5/171،الفقيه 2:492/115،التهذيب 4:227/8،الإستبصار 2:148/46،الوسائل 9:332 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 1.الثاني:التهذيب 4:210/75،الإستبصار 2:134/42،الوسائل 9:336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 11.
3- التهذيب 4:/83 241،الاستبصار 2:/49 161،علل الشرائع:/391 4،الوسائل 9:334 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 5.
4- الكافي 4:/171 2،الفقيه 2:/114 491،التهذيب 4:/71 194،الإستبصار 2:/46 149،الوسائل 9:227 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 1.
5- التهذيب 4:/82 238،الاستبصار 2:/48 158،علل الشرائع:/39 1،الوسائل 9:335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 10.
6- الأوّل:التهذيب 4:/76 215،الإستبصار 2:/45 147،الوسائل 9:337 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 14.الثاني:التهذيب /85 246،الوسائل 9:337 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 15.
7- التهذيب 4:/75 211،الإستبصار 2:/42 135،الوسائل 9:330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 11.
8- التهذيب 4:/80 230،الإستبصار 2:/46 151،الوسائل 9:333 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 2.

و في الخبر:« صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك كله حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرّة أو سُلت» (1)إلى غير ذلك من الاختلافات، و ليس ذلك إلّا لورودها باختلاف العادات.

و يومئ إليه زيادةً على ما مرّ:الخبر:« صاع من قوت بلدك،على أهل مكة و اليمن و الطائف تمر» إلى أن قال:« و على أهل طبرستان الأرز» (2).

و قول القاضي بتعيّن ما فيه (3)ضعيف؛ لضعف سنده،و قوة احتمال كون المراد به التمثيل أو الفضيلة.

و هو نصّ في كون المعتبر غالب قوت القُطر و البلد لا المُخِرج،كما هو ظاهر الأصحاب حتى الحلّي،فإنّ صدر عبارته و إنّ أوهم اعتبار الغلبة في المُخرِج كما عَزا إليه في المفاتيح (4)،إلا انّ ذيلها كالصريح في خلافه، لقوله:و من عدم الأقوات الغالبة على بلده أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة القوت ذهباً أو فضة لم يكن به بأس (5).

و صرّح جماعة من المتأخّرين بإجزاء الأجناس السبعة و إن لم يغلب على قوت المُخرج،و منهم الفاضل في المنتهى نافياً الخلاف عنه بين علمائنا (6)،و في الخلاف الإجماع على إجزائها بقول مطلق (7)،فيشمل ما

ص:203


1- التهذيب 4:/82 236،الإستبصار 2:/43 139،الوسائل 9:338 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 17.
2- التهذيب 4:/79 226،الإستبصار 2:/44 140،الوسائل 9:343 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 2.
3- كما في المهذب 1:174.
4- المفاتيح 1:217.
5- السرائر 1:468.
6- المنتهى 1:536.
7- الخلاف 2:150.

نحن فيه.

و عليه فلا إشكال في صرف الخبرين المتقدمين الظاهرين في اعتبار الغلبة على قوت المُخرج عن ظاهره،بحملهما على الغالب من توافق غالب قوت المُخرِج مع غالب قوت أهل بلده أو الفضيلة،كما يأتي.

ثم في الخلاف:لا دليل على إجزاء ما عدا السبعة.و فيه ما عرفته، فهو ضعيف.

و أضعف منه القول بالحصر في الأجناس الأربعة،كما عن الصدوقين و العماني (1)،أو بزيادة الأقط كما عليه بعض المتأخرين (2)،و يميل إليه آخر منهم لكن بزيادة الذرّة (3)،لصحة الرواية المتضمنة له.

و فيه:أنّ الحجة غير منحصرة في الرواية الصحيحة،بل الضعيفة حجّة أيضاً بعد انجبارها بالشهرة الظاهرة و المحكية،مضافاً إلى الإجماعات المنقولة.

هذا،مع أنّه يشبه أن يكون قولهما خرقاً للإجماع المركب بل البسيط،إذ الظاهر أنّ مراد مَن عدا الأكثر ليس الحصر بل التمثيل،و لعلّه لذا يظهر من المختلف عدم قطعه بمخالفة الصدوقين،حيث قال:فإن أراد بذلك الحصر فهو ممنوع (4).

و أفضل ما يخرج:التمر،ثم الزبيب،و يليه ما يغلب على قوت بلده وفاقاً لكثير،و منهم الشيخان و الحلّي و القاضي في الكامل (5)،لكن لم

ص:204


1- نقله عنهم في المختلف:197؛ و انظر المقنع:66.
2- المدارك 5:333.
3- الذخيرة:470.
4- المختلف:197.
5- المفيد في المقنعة:251،الطوسي في المبسوط 21:242،الحلّي في السرائر 1:468،نقله عن القاضي في المختلف:197.

يذكروا الأخير.

و لم أقف لهم على مستند على هذا الترتيب،و لعلّهم أخذوه من الجمع بين النصوص المستفيضة الدالة على أفضليّة التمر و منها الصحيح، معلّلاً بأنّه أسرع منفعة،و ذلك أنّه إذا وقع في يد صاحبه أكله (1)؛ و بين الرواية الأخيرة المتقدمة المعيّنة على أهل كلّ قُطر ما يقتاتونه،المحمولة على الاستحباب دون الوجوب بالإجماع،كما في المدارك (2)،بحملها على تفاوت مراتب الفضيلة.

و إنّما جعلوا التمر أفضل لكثرة النصوص الدالة عليه المعتضدة بالشهرة العظيمة،التي لا يكاد يظهر فيها مخالف بالكلية،عدا الديلمي، فجعل الأفضل من الأجناس أعلاها قيمة و جعل أفضليّة التمر رواية (3)؛ و الخلاف،فجعل الغالب على قوت البلد مستحبّاً (4).

و هما مع عدم معلوميّة مخالفتهما لا دليل على أولهما،و الرواية المتقدمة التي هي المستند لثانيهما ظاهراً لا تكافئ النصوص المعارضة من وجوه شتّى؛ و لعلّ هذا هو العذر للأكثر لجعل هذا آخر المراتب و أدناها.

و إنّما جعلوا الزبيب بين المرتبتين لأضعفيّته من التمر،لعدم استفاضة النصوص به،بل و عدم ورود نصّ صريح فيه.و كونه أقوى من تاليه لاستفادته من العلّة في الصحيح الماضي دون تاليه،لضعف النصّ الوارد به،مع شذوذه بظهوره في الوجوب الذي لا يقولون به.

ص:205


1- الكافي 4:/171 3،الفقيه 2:/117 505،التهذيب 4:/85 248،علل الشرائع:/390 1،الوسائل 9:351 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 8.
2- المدارك 5:338.
3- المراسم:135.
4- الخلاف 2:150.

و اقتصر جماعة (1)على التمر اقتصاراً على المستفيضة (2).و هو ضعيف،لاستفادة الزبيب من الصحيح منها،و ظاهره و إن أفهم التساوي كما عن القاضي في المهذب (3)،إلّا أنّ ما قدمناه لعلّه كافٍ لإثبات مرجوحيّته.

هذا ما يتعلّق بجنس الفطرة.

و أمّا قدرها ف هي من جميع الأجناس صاع،و هو تسعة أرطال بالعراقي بإجماعنا الظاهر المصرّح به في عبائر جماعة (4)؛ و الصحاح به مع ذلك مستفيضة (5)كغيرها من المعتبرة.

و ما دلّ منها على نصف صاع من الحنطة (6)فمع شذوذها محمولة على التقية،كما صرّح به جماعة (7)،و دلّت عليه المعتبرة المستفيضة المتضمنة للصحيح و غيره،و في جملة منها أنّه من بِدَع عثمان (8)،و في اخرى معاوية (9).

ص:206


1- حكاه عن ابني بابويه و ابن أبي عقيل في المختلف:197؛ و راجع المقنع:66.
2- الوسائل 9:349 أبواب زكاة الفطرة ب 10.
3- المهذب 1:175.
4- كالشيخ في الخلاف 2:156،و الفيض في المفاتيح 1:281،و صاحب المدارك 5:340.
5- الوسائل 9:340 أبواب زكاة الفطرة ب 7.
6- التهذيب 4:/75 210،الإستبصار 2:/42 134،الوسائل 9:336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 11.
7- منهم الشيخ في الاستبصار 2:48،و العلّامة في المنتهى 1:537،و صاحب المدارك 5:340.
8- التهذيب 4:/82 237،الإستبصار 2:/48 157،الوسائل 9:335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 9.
9- التهذيب 4:/82 238،الاستبصار 2:/48 158،علل الشرائع:/390 1،الوسائل 9:335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 10.

و يجزي من اللبن أربعة أرطال كما هنا و في الشرائع و القواعد و السرائر (1)،و حكاه في المختلف عن الشيخ في النهاية و كتابي الأخبار و ابن حمزة (2)،و عزاه ولده في الإيضاح إلى الشيخ و الحلّي و كثير من الأصحاب (3)؛ للخبر:عن رجل من أهل البادية لا يمكنه الفطرة،قال:

« يتصدّق بأربعة أرطال من لبن» (4).

و ضعف سنده يمنع عن العمل به،فلا يعارض به استصحاب شغل الذمّة المعتضد بعموم جملة من النصوص الدالة على أنّ الفطرة صاع مطلقاً، كالخبر:« يخرج عن كلّ شيء التمر و البرّ و غيره صاع» قال الراوي:و ليس عندنا بعد جوابه عليّاً (5)في ذلك اختلاف (6).

و في آخر:« تخرج عن نفسك صاعاً النبي صلى الله عليه و آله و عن عيالك أيضاً» (7).

و فحوى الصحيح المتقدم (8)و نحوه المتضمّن للصاع في الأقط،فإنّ اعتباره فيه مع زيادة جوهريّة يستلزم اعتباره في اللبن بطريق أولى،لكثرة

ص:207


1- الشرائع 1:174،القواعد:61،السرائر 1:469.
2- المختلف:198،النهاية:191،التهذيب 4:84،الاستبصار 2:49،ابن حمزة في الوسيلة:131.
3- الإيضاح 1:214.
4- الكافي 3:/173 15،التهذيب 4:/84 245،الإستبصار 2:/5 165،الوسائل 9:341 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 3.
5- يعني ابن مهزيار.
6- التهذيب 4:/81 232،الإستبصار 2:/47 153،الوسائل 9:333 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 4.
7- التهذيب 4:/87 257،الإستبصار 2:/51 170،الوسائل 9:334 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 6.
8- في ص 2433.

مائيّته.و بهذه الأولوية صرّح الفاضل في المختلف و غيره (1)،مع أنّ الظاهر من الشيخ في كتاب الحديث عدم الفرق بينهما.

هذا،مع أن الرواية في الرطل مطلقة و قد فسّره قوم من هؤلاء بالمدني كالشيخ و الحلّي و ابن حمزة فيما حكاه عنه فخر الدين (2)،و عزاه في المدارك إلى الشيخ و من تبعه (3).

و لا دليل لهم عليه مع انصرافه بحكم التتبع للأخبار و غيره إلى العراقي و لذا في القواعد أفتى به (4).

نعم،في الصحيح:كتبت إلى الرجل أسأله عن الرجل كم يؤدّي؟ فقال:« أربعة أرطال بالمدني» (5).

لكنّه بإطلاقه شاذّ لم يقولوا به،و لعلّه لذا ضعّفه الماتن في المعتبر (6)،و أشار إليه في المدارك فقال بعد نقله:فكأنّ الوجه في ذلك إطباق الأصحاب على ترك العمل بظاهرها،و إلّا فهي معتبرة الإسناد.انتهى (7).

و احتمل الشيخ في كتاب الحديث حمل هذا على أنّ المراد أربعة أمداد،فوقع التصحيف من الراوي (8).

ص:208


1- المختلف:198.
2- الشيخ في المبسوط 1:241،الحلّي في السرائر 1:469،و حكي عن ابن حمزة في الإيضاح 1:214.
3- المدارك 5:342.
4- القواعد:61.
5- التهذيب 4:/84 244،الإستبصار 2:/49 164،الوسائل 9:342 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 5.
6- المعتبر 2:608.
7- المدارك 5:343.
8- التهذيب 4:84.

أقول:و هذا جارٍ في الخبر الأوّل أيضاً.و يحتمل فيه زيادة عليه الحمل على الاستحباب فيما لو كان المزكّي فقيراً كما هو مورده،على ما في المختلف و غيره (1).

و لا بأس به في مقام الجمع،و إلّا فظاهر المورد من لا يتمكن لكونه في البادية،و هو غير عدم التمكّن من جهة الفقر و الفاقة.

و كيف كان،فالظاهر ضعف هذا القول و مساواة اللبن لغيره في وجوب الصاع بتمامه،وفاقاً لما أطلقه أكثر القدماء،كالمفيد و المرتضى و الإسكافي و القاضي و الحلبي و الشيخ في الخلاف و ابن زهرة العلوي (2)، و به صرّح المتأخّرون من غير خلاف يعرف بينهم عدا الفاضل في القواعد، و قد رجع عنه في المختلف (3)،و لعلّه لذا عَزا بعض المتأخّرين الرواية الدالة عليه إلى الشذوذ (4).

و لا يخلو عن مناقشة؛ لما عرفته من مصير جملة من القدماء إليه، و سيّما نحو الحلّي الذي لا يعمل بخبر الواحد إلّا بعد قطعيّته،و قد مرّ عن فخر الدين دعواه كونها مذهب كثير،و مع ذلك رواها في النهاية مرسلاً (5)، بل يحتمل كونها من كلامه،و رواها أيضاً في الخلاف (6)بسند لا بأس به

ص:209


1- المختلف:198؛ و انظر الحدائق 12:295.
2- المفيد في المقنعة:250،المرتضى في الجمل(رسائل المرتضى 3):80،حكاه عن الإسكافي في المختلف:198،القاضي في المهذب 1:175،الحلبي في الكافي في الفقه:172،الشيخ في الخلاف 2:150،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):568.
3- القواعد:61،المختلف:198.
4- المفاتيح 1:219.
5- النهاية:191.
6- الخلاف 2:150.

غير الرفع الممكن جبره بما مرّ،مضافاً إلى الأصل السالم عن المعارض عدا ما مرّ من العموم و الفحوى،و هي لا تخلو عن مناقشة،و الأوّل في سند ما دلّ عليه قصور (1).

فلولا الشهرة العظيمة المتأخّرة القريبة من الإجماع بل لعلّها إجماع في الحقيقة الجابرة له المعتضدة بالفحوى المتقدمة لكان المصير إلى هذا القول لا يخلو عن قوة،سيّما و مخالفة مَن مرّ من القدماء صريحاً غير معلومةٍ،سيّما و نحو ابن زهرة لم يذكر اللبن في الغنية.

و كيف كان،لا ريب أنّ خيرة المتأخّرين أقرب إلى الاحتياط و لزوم تحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة،فلا معدل عنه و لا مندوحة.

و اعلم:أنّه تجزي القيمة من الأجناس المزبورة و لو مع وجودها، بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر،و منها صريح الغنية و ظاهر السرائر (2)؛ و للصحاح المستفيضة،و في أكثرها بلفظ الدرهم و الفضة (3)،و في الموثق:« إنّ ذلك أنفع له،يشتري ما يريد» (4).

و صرّح الشيخ في المبسوط و غيره (5)بجواز غيره حتى الثياب و السلعة،كما هو ظاهر إطلاق الموثق،بل الصحيح:« لا بأس بالقيمة في الفطرة» (6)و نحوه الإجماع المنقول.

ص:210


1- بالإضمار في أحدهما و الجهالة في الثاني.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):569،السرائر 1:469.
3- الوسائل 9:345 أبواب زكاة الفطرة ب 9.
4- التهذيب 4:/86 251،الإستبصار 2:/50 166،الوسائل 9:347 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 6.
5- المبسوط 1:242؛ و انظر الخلاف 2:50.
6- التهذيب 4:/86 252،الإستبصار 2:/50 167،الوسائل 9:348 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 9.

و الأحوط الأوّل؛ لتبادر النقد من الإطلاق مطلقاً،فيشكل الصرف إلى غيره.

و لا تقدير في عوض الواجب بل يرجع إلى القيمة السوقية وقت الدفع،وفاقاً للأكثر على الظاهر،المصرّح به في عبائر جمع (1)،و عليه عامة المتأخّرين.

و تقديرها بدرهم كما في رواية (2)،أو أربعة دوانيق كما في أُخرى (3)، منزّل على اختلاف الأسعار،و مع ذلك مجهول القائل،كما في المختلف و المسالك و غيرهما (4).

لكن الأوّل عُزي في التنقيح إلى الشيخ في النهاية (5)،و في غيره إليه في الاستبصار (6).

و لا ريب في ضعفه كتاليه؛ لضعف المستند سنداً و دلالةً،و عدم مقاومته لإطلاق ما مضى من الأدلّة.

الثالث:في وقتها

الثالث:في بيان وقتها و اعلم أنّه تجب بهلال شوّال مع حصول الشرائط المتقدمة قبله،وفاقاً للشيخ في الجمل و الاقتصاد و ابن حمزة و الحلّي (7)،و عليه أكثر

ص:211


1- كصاحب المدارك 5:343،و المحقق السبزواري في الذخيرة:475،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:218.
2- التهذيب 4:/79 225،الإستبصار 2:/50 168،الوسائل 9:348 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 11.
3- المقنعة:250،الوسائل 9:349 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 14.
4- المختلف:198،المسالك 1:65؛ و انظر مفاتيح الشرائع 1:218.
5- التنقيح 1:333،النهاية:191.
6- الاستبصار 2:50.
7- الجمل(الرسائل العشر):209،الاقتصار:284،ابن حمزة في الوسيلة:131،الحلّي في السرائر 1:469.

المتأخّرين؛ لنحو ما مرّ من الصحيح:مولود ولد ليلة الفطر،أ عليه فطرة؟ قال:« لا،قد خرج الشهر» (1).

خلافاً له في النهاية و المبسوط و الخلاف،و للمفيد و الإسكافي و السيدين و القاضي و الحلبي (2)،فبطلوع الفجر من يوم العيد؛ لنحو الصحيح:عن الفطرة متى هي؟فقال:« قبل الصلاة يوم الفطر» قلت:فإن بقي منه شيء بعد الصلاة؟قال:« لا بأس،نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسّمه» (3).

و فيه نظر؛ لأنّ قبل الصلاة كما يعمّ عند طلوع الفجر بلا فصل كذا يعمّ قُبيله القريب منه كذلك،و لا قائل بالفرق؛ مع أنّ المتبادر من السياق أنّ المراد من القبلية إنّما هو بالمعنى المقابل لما بعد الصلاة لا المتبادر إلى الذهن منها حقيقة،و هو ما قرب من الصلاة،مع أنّه لا قائل به منّا هنا، للاتّفاق على كون ما بعد الفجر بغير فصل وقتاً مع أنّه غير متبادر منه جدّاً.

و ما يجاب عن رواية المختار:بأنّها إنّما تدلّ على وجوب الإخراج عمّن أدرك الشهر لا على أنّ أوّل وقت الإخراج الغروب،و أحدهما غير الآخر؛ فمنظور فيه،لأنّها و إن لم تدلّ على ذلك صريحاً إلّا أنّها دالّة عليه

ص:212


1- الكافي 4:/172 12،التهذيب 4:/72 197،الوسائل 9:352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 2.
2- النهاية:191،المبسوط 1:242،الخلاف 2:155،المفيد في المقنعة:249 نقله عن الإسكافي في المختلف:199،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):80،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):569،القاضي في المهذب 1:176،الحلبي في الكافي:169.
3- التهذيب 4:/75 212،الإستبصار 2:/44 141،الوسائل 9:354 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 5.

بالإطلاق،و هو كاف،حيث لم يقم على التأقيت بالطلوع دليل كما هو الفرض،لما مرّ من عدم وضوح دلالة الرواية الأخيرة على التقييد،هذا.

و ما يستفاد منه (1)من عدم خلاف في تعلّق الوجوب بالغروب،و أنّه إنّما هو في وقت الإخراج؛ فهو خلاف ما يستفاد من كلام جماعة.

و كيف كان،فالتحقيق أنّه إن كان محلّ النزاع وقت تعلّق الوجوب و اشتغال الذمة به فينبغي القطع بصحة القول الأوّل،و إن كان وقت الإخراج فالظاهر صحته أيضاً،و إن كان التأخير إلى طلوع الفجر أحوط،أخذاً بالمتّفق عليه،مع تصريح جمع ممّن اختار الأوّل بأنّه أفضل (2).

و يتضيّق عند صلاة العيد بل إذا بقي للزوال من يومه بمقدار أدائها.

و يجوز تقديمها زكاة في شهر رمضان و لو من أوّله[أداءً (3)] وفاقاً لجماعة من القدماء و المتأخّرين،بل عُزي في التنقيح إلى كثير (4)، و في المنتهى إلى الأكثر (5)،و في الدروس و المسالك إلى المشهور (6)،و هو خيرة الماتن هنا و في المعتبر (7).

للصحيح:« يعطي يوم الفطر فهو أفضل،و هو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل في شهر رمضان إلى آخره،فإن أعطى تمراً فصاع لكلّ

ص:213


1- أي:من الجواب.
2- التنقيح 1:333،المدارك 5:347،كفاية الأحكام:42.
3- أضفناه من المختصر المطبوع.
4- التنقيح 1:333.
5- المنتهى 1:540.
6- الدروس 1:250،المسالك 1:65.
7- المعتبر 2:613.

رأس،و إن لم يعط تمراً فنصف صاع لكلّ رأس من حنطة أو شعير» (1).

و الرضوي:« لا بأس بإخراج الفطرة في أوّل يوم من شهر رمضان إلى آخره،و هي زكاة إلى أن يصلّي صلاة العيد،فإنّ أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة،و أفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان» (2).

خلافاً لآخرين،فلم يجوّزوه إلّا قرضاً،و منهم الماتن في الشرائع و كثير (3)،حتى أنّ في كلام جماعة من متأخّري المتأخّرين دعوى الشهرة (4)؛ التفاتاً إلى أنّه لا معنى لتأدية الفرض قبل وجوبه،كما يشهد له الاعتبار و نبّه عليه في الصحاح الواردة في الماليّة بقوله عليه السلام:« أ يصلّي الاُولى قبل الزوال» (5).

و الصحيح السابق مقدوح باشتماله على ما يخالف إجماع المسلمين، من إجزاء نصف الصاع من الشعير.

و يمكن الجواب عنه،بأنه لا يوجب ترك العمل بجميع ما اشتمل عليه،فلعلّ بعض مدلوله جارٍ على تأويل و مصلحة،و هو بالإضافة إلى مقابله خاصّ،فيكون مخصّصاً به.

و لكن المسألة مع ذلك محلّ تردّد،و الاحتياط واضح.

ص:214


1- التهذيب 4:/76 215،الإستبصار 2:/45 147،الوسائل 9:354 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 4.
2- فقه الرضا(عليه السلام):210،مستدرك الوسائل 7:147 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 3.
3- الشرائع 1:175؛ و المفيد في المقنعة:249،الحلبي في الكافي:173،الحلّي في السرائر 1:469.
4- كصاحب المدارك 5:345،و الذخيرة:475،و الحدائق 12:304.
5- الكافي 3:/524 9،التهذيب 4:/43 111 و فيه:أ تصلي،الإستبصار 2:/32 93،الوسائل 9:305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 3.

و لا يجوز تأخيرها عن الصلاة إلّا لعذر أو انتظار المستحق بعد العزل،بلا خلاف في حكم المستثنى فتوًى و نصّاً،و في المعتبر و التحرير:

إجماعاً (1)،و على الأشهر في حكم المستثنى منه،و في صريح الغنية و ظاهر التذكرة و المنتهى:دعوى الإجماع عليه (2).

لكن الأخير قرّب بعد ذلك بأسطر قليلة جواز التأخير عن الصلاة (3) كما هو ظاهر خيرة الحلّي (4)و تحريمه عن العيد،مستدلاً عليه بذيل الصحيح المتقدم (5)،المتضمن لقوله:فإن بقي منه شيء بعد الصلاة؟ فقال:« لا بأس،نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسّمه» .و تبعه في المدارك (6)،مستدلاً عليه بقوله عليه السلام في الصحيح المتقدم، المتضمّن لقوله:« يعطي يوم الفطر فهو أفضل» .و يضعّف الأوّل:بدلالة صدره على قول الأكثر،و قوة احتمال ذيله الحمل على صورة العزل،كما يشير إليه قوله عليه السلام:« نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى» إلى آخره،بناءً على أنّ الظاهر أنّ المراد به عزلها و إعطاؤها العيال ليدفعونه إلى المستحق.

و الثاني:بقوّة احتمال كون المفضّل عليه تقديمها أوّل الشهر لا التأخير عن الصلاة،و لذا لم يقابل الأفضل فيه إلّا بالأوّل (7).

ص:215


1- المعتبر 2:613،التحرير:72.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):569،التذكرة 1:250،المنتهى 1:541.
3- المنتهى 1:541.
4- السرائر 1:469.
5- في ص:2441.
6- المدارك 5:344.
7- و هو قوله:« و هو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل في شهر رمضان».منه.

و يعضد هذا الحمل التصريح في الصحيح الآخر بأنّها بعد الصلاة صدقة،بعد التصريح فيه بأنّها قبلها أفضل (1).

و يحتمل الأفضل فيهما الحمل على ما لا مفضّل عليه له،كما هو شائع في الكتاب و السنة،و ارتكابه أولى من حمل الصدقة على الواجبة،إذ المقابلة بها للفطرة أوضح دليل على أنّ المراد بها المندوبة،و إلّا فالفطرة أيضاً صدقة واجبة،مع أنّه لا داعي لوجوبها بعد خروجها عن حقيقة الفطرة،لاختصاص ما دلّ على الوجوب بها دون الصدقة.

و على أحد هذين الحملين أيضاً يحمل لفظة« ينبغي» الواردة في المروي عن الإقبال،و فيه:روينا بإسنادنا إلى الصادق عليه السلام قال:« ينبغي أن يؤدّي قبل أن يخرج الناس إلى الجبّانة (2)،فإذا أدّاها بعد ما رجع فإنّما هي صدقة و ليست فطرة» (3).

و بما ذكر ظهر أنّ الأشهر أظهر،سيّما و في المختلف الإجماع على حصول الإثم بالتأخير عن الزوال (4)؛ و لعلّه فهم من لفظ الصلاة وقتها بناءً على كونه عندهم الزوال،و يعضده التحديد بالظهر في المروي عن الإقبال بقوله عليه السلام« إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة،و إن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة لا تجزيك» (5).

مضافاً إلى أنّه قد لا يقع صلاة،و سقوط الفطرة حينئذٍ فاسد،فلا وقت

ص:216


1- الكافي 4:/170 10،التهذيب 4:/71 193،الوسائل 9:353 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 1.
2- الجَبّانة و الجَبّان:الصحراء.مجمع البحرين 6:224.
3- الإقبال:283،الوسائل 9:355 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 7.
4- المختلف:200.
5- الإقبال:274،الوسائل 9:331 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 16.

يتعيّن له لولا ما ذكر.و حيث ثبت التعيين إليه في هذه الصورة ثبت في غيرها، لعدم القائل بالفرق،فتأمّل.

و هي قبل صلاة العيد بل الزوال فطرة واجبة و بعدها صدقة مندوبة بمقتضى النصوص المتقدمة بالتقريب المتقدم إليه الإشارة، و نحوها نصوص أُخر ضعف أسانيدها أو قصورها منجبر بالشهرة الظاهرة و المحكية في كلام جماعة (1)،و عليه الإجماع في الغنية (2).

و قيل:يجب القضاء و القائل الإسكافي و المفيد و الشيخ في الاقتصار و الديلمي (3)،لكنّهما لم يصرّحا بالوجوب،بل قالا:و إن أخّر كان قضاءً،و تبعهما جماعة من المتأخّرين (4).

و لم أقف له على دليل يعتدّ به،نعم هو أحوط تفصّياً عن شبهة الخلاف،و إن كان الأظهر ما تقدّم لما تقدّم.كلّ ذا إذا لم يعزلها.

و إذا عزلها وجبت مطلقاً بلا خلاف كما مضى،و المعتبرة به مستفيضة جدّاً،منها الموثق كالصحيح:« إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعدها» (5).

و المرسل كالصحيح« إذا عزلتها و أنت تطلب بها الموضع أو تنتظر بها

ص:217


1- الذخيرة:476،الحدائق 12:303.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):569.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:200،المفيد في المقنعة:249،الاقتصار:285،الديلمي في المراسم:135،قال:و من أخرجها عمّا حدّدناه كان كافياً.و لكن المنقول عنه في المختلف 1:200:و لو أخّر عمّا حدّدناه كان قاضياً.
4- منهم العلّامة في المختلف:201،و ابن فهد في المهذب البارع 1:55.
5- الفقيه 2:/118 510،التهذيب 4:/77 218،الإستبصار 2:/45 146،الوسائل 9:357 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 4.

رجلاً فلا بأس» (1).

و منها:« إن لم تجد مَن تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة» (2).

و في هذه النصوص إشعار بحرمة التأخير عن الصلاة اختياراً أيضاً كما اخترناه.

و لو أخّر التسليم لعذر بفقد المستحق أو انتظار رجل كما في المرسل المتقدم لم يضمن لو تلفت من غير تفريط.

و يضمن لو أخّرها مع إمكان التسليم لأنّها أمانة في يده فلا يضمنها إلّا بتعدّ أو تفريط،و منه تأخير الدفع إلى المستحق مع إمكانه، مضافاً إلى ما مرّ من المرسل.و به يقيّد نفي الضرر بعد العزل بقول مطلق في الموثق،و في الصحيح:رجل أخرج فطرته،فعزلها حتى يجد لها أهلاً، فقال:« إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ،و إلّا فهو ضامن لها حتى يؤدّيها» (3).

قيل:و لعلّ المراد أنّه إذا أخرج الفطرة التي عزلها إلى مستحقها فقد برئ و إلّا فهو ضامن لها حتى يؤدّيها،بمعنى أنّه مكلّف بإيصالها إلى مستحقها لا كونه بحيث يضمن المثل أو القيمة مع التلف،لأنّها بعد العزل تصير أمانة في يد المالك،و يحتمل رجوع الضمير في قوله:أخرجها،إلى مطلق الزكاة،و يكون المراد بإخراجها من ضمانه عزلها،و المراد أنّه إذا

ص:218


1- التهذيب 4:/77 217،الإستبصار 2:/45 145،الوسائل 9:357 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 5.
2- التهذيب 4:/78 256،الإستبصار 2:/50 169،الوسائل 9:356 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 1.
3- التهذيب 4:/77 219،الوسائل 9:356 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 2.

عزلها فقد برئ مما عليه من التكليف بالعزل،و إلّا فهو ضامن لها مكلّف بأدائها إلى أن يوصلها إلى أربابها،و كأنّ المعنى الأوّل أقرب.انتهى (1)و هل الدفع بعد الصلاة مع العزل قبلها أداء أو قضاء؟وجهان،بل قيل:قولان (2).و ليس في النصوص ما يدلّ على شيء منهما،فالأُولى ترك التعرض لهما،أو الترديد بينهما.

و لا يجوز نقلها بعد العزل مع وجود المستحق،و لو نقلها ضمن،و يجوز مع عدمه و لا يضمن بلا خلاف في شيء من ذلك،بل على الثالث الإجماع في المنتهى (3).

و لا إشكال إلّا في الحكم بعدم جواز النقل مع وجود المستحق،ففيه الخلاف المتقدم في زكاة المال (4).و بتفرّع الخلاف هنا على الخلاف ثمّة صرّح جماعة و منهم:الفاضل في التحرير و المنتهى و المختلف،و المحقق المقداد في شرح الكتاب (5).

و وجهه عموم الأدلّة من الطرفين،كما لا يخفى على الناظر فيها، إلّا أنّ هنا ما يدلّ على المنع صريحاً،كالمكاتبة الصحيحة:« تقسّم الفطرة على من حضر،و لا يوجّه ذلك إلى بلدة اخرى و إن لم يجد موافقاً» (6).

و الموثق:« هي لأهلها إلّا أن لا تجدهم،فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب،

ص:219


1- قاله في الذخيرة:476،انظر الحدائق 12:307.
2- انظر الدروس 1:250،و الذخيرة:476.
3- المنتهى 1:541.
4- راجع ص 2363.
5- التحرير:72،المنتهى 1:541،المختلف:202،التنقيح 1:335.
6- التهذيب 4:/88 258،الإستبصار 2:/51 171،الوسائل 9:360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 4.

و لا تُنقل من أرض إلى أرض» (1).فهو أحوط و أولى.

الرابع في مصرفها

الرابع: في بيان مصرفها.

و هو مصرف زكاة المال و هو الأصناف الثمانية؛ لآية: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ.. [1] (2)و في المدارك:أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب (3)،و فيه و في غيره عن ظاهر المفيد في المقنعة اختصاصها بالمساكين (4).و هو أحوط.

و في الصحيح:« عن كلّ إنسان صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين» (5).

و في رواية:لمن تحلّ الفطرة؟فقال:« لمن لا يجد» (6).

و في اخرى:« أما مَن قَبِل زكاة المال فإنّ عليه الفطرة،و ليس على مَن قَبِل الفطرة فطرة» (7).

و جوّز جماعة دفعها إلى المستضعف الذي لا يعرف و لا ينصب،مع عدم المؤمن (8)؛ و في النصوص المعتبرة ما يدلّ عليه،و قد مرّ قريباً بعضها.و ربما

ص:220


1- التهذيب 4:/88 260،الإستبصار 2:/51 173،الوسائل 9:360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 3.
2- التوبة:61.
3- المدارك 5:353.
4- المدارك 5:353؛ و انظر الحدائق 12:311،المقنعة:252.
5- التهذيب 4:/75 210،الإستبصار 2:/42 134،الوسائل 9:336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 11.
6- التهذيب 4:/73 203،الإستبصار 2:/41 127،الوسائل 9:322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 9.
7- التهذيب 4:/73 204،الإستبصار 2:/41 128،الوسائل 9:322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 10.
8- النهاية:192،الجامع للشرائع:140،الشرائع 1:163.

يحمل على التقية؛ لإشعار بعضها الموثق (1)به،و لمعارضتها المعتبرة،ففي الصحيح:عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟قال:«لا،و لا زكاة الفطرة» (2).

و في آخر:« لا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلّا مؤمناً» (3).

و في رواية الفضل عن مولانا الرضا عليه السلام المروية عن العيون -:« و لا يجوز لك دفعها إلّا إلى أهل الولاية» (4).

و هذه الروايات و إن احتملت الحمل على الاستحباب كما يومئ إليه الرواية الثانية مع كونه أولى من حمل تلك على التقية،لمنافاة التفصيل فيها له؛ و الموثقة المشعرة موردها الدفع إلى غير المؤمن على الإطلاق؛ إلّا أنّ الأخذ بها أحوط و أولى،فتأمّل جدّاً.

و يجوز أن يتولّى المالك إخراجها بلا خلاف أجده هنا،و به صرّح بعض أصحابنا (5)و في المعتبر و المنتهى:أنّه لا خلاف فيه بين العلماء كافة (6)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى ما مرّ في الزكاة المالية (7).

و صرفها إلى الإمام عليه السلام مع وجوده أو من نصبه أفضل،و مع

ص:221


1- لإسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال:سألته عن الفطرة أُعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟قال:نعم،الجيران أحق بها لمكان الشهرة(منه رحمه اللّه)،و هو في الكافي 4:/174 19،التهذيب 4:/88 259،الإستبصار 2:/51 172،الوسائل 9:360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 2.
2- الكافي 3:/547 6،التهذيب 4:/52 137،المقنعة:242،الوسائل 9:221 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 1.
3- التهذيب 4:/87 257،الإستبصار 2:/51 170،الوسائل 9:358 أبواب زكاة الفطرة ب 14 ح 2.
4- العيون 2:/120 1،الوسائل 9:358 أبواب زكاة الفطرة ب 14 ح 5.
5- مفاتيح الشرائع 1:222.
6- المعتبر 2:615،المنتهى 542.
7- في ص:2412.

التعذّر فإلى فقهاء الإماميّة كما مرّ في الزكاة المالية (1).

و في الخبر:« الإمام أعلم،يضعها حيث يشاء» (2)و في آخر:لمَن هي؟قال:« للإمام» (3).

و لا يجوز أن يعطى الفقير الواحد أقلّ من صاع وفاقاً للأكثر،كما في كلام جماعة (4)،بل المشهور كما في كلام آخرين (5)،بل في المختلف:أنّه قول فقهائنا،و لم نقف له على مخالف،فوجب المصير إليه (6)،و في صريح الانتصار و ظاهر الغنية دعوى الإجماع عليه (7)؛ للمرسل:« لا يعطى أحد أقلّ من رأس» (8).

و الإرسال منجبر بفتوى الأصحاب بحيث لا يوجد لهم مخالف من قدمائهم كما مرّ في المختلف،بل و لا متأخّريهم،عدا الفاضلين في المعتبر و التحرير و المنتهى،و الشهيدين في الدروس و المسالك و اللمعتين (9)،

ص:222


1- في ص:2413.
2- التهذيب 4:/88 260،الإستبصار 2:/51 173،الوسائل 9:360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 3 و في الأخيرين:« الإمام يضعها حيث يشاء».
3- الكافي 4:/174 23،التهذيب /91 264،المقنعة:265،الوسائل 9:346 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 2.
4- كالعلّامة في المختلف:202،و المنتهى 1:542،و الشهيد الثاني في المسالك 1:65.
5- منهم:صاحب المدارك 5:354،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:221،و صاحب الحدائق 12:311.
6- المختلف:202.
7- الانتصار:88،الغنية(الجوامع الفقهية):569.
8- التهذيب 4:/89 261،الإستبصار 2:/52 174،الوسائل 9:362 أبواب زكاة الفطرة ب 16 ح 2.
9- المعتبر 2:616،التحرير:73،المنتهى 1:542،الدروس 1:251،المسالك 1:65،الروضة 2:61.

و جماعة من متأخّري المتأخّرين (1).

و الأوّلان مع اعترافهما بالشهرة بل و عدم الخلاف وافقا الأصحاب فيه في الشرائع و الكتاب و القواعد و المختلف و الإرشاد (2)،و حكي عن الشهيد الميل إليه في البيان (3).

و مع ذلك فلا حجّة لهم عدا إطلاقات السنة و الكتاب،و رواية (4)هي مع ضعف سندها غير واضحة الدلالة إلّا من حيث العموم أو الإطلاق القابلين كالإطلاقات للتقييد بمستند الأصحاب من النصّ و الإجماع،و هو أولى من حمله على الاستحباب حيثما حصل بينهما التعارض،كما عرفته في غير باب.

و مع ذلك إطلاق الرواية لا يخلو عن مناقشة بعد قوّة احتمال اختصاصها بما ربما يشعر به ذيلها من كون ذلك مع تعدّد الفطرة.

و مع ذلك محتملة للحمل على التقيّة؛ لكونها موافقة لمذهب جميع العامة على ما صرّح به جماعة،و منهم المرتضى و شيخ الطائفة (5).

و بالجملة: فما اختاره المتأخّرون ضعيف غايته إلّا أن يجتمع من لا تتّسع لهم الفطرة الواحدة،فيجوز التفريق حينئذٍ على ما صرّح به الشيخ و جماعة،قالوا:تعميماً للنفع و دفعاً لأذيّة المؤمن (6).

ص:223


1- كصاحب المدارك 5:354،و المحقق السبزواري في الذخيرة:477.
2- الشرائع 1:176،القواعد:61،المختلف:202،الإرشاد 1:291.
3- حكاه عنه في الروضة 2:61،و هو في البيان:337.
4- التهذيب 4:/89 262،الإستبصار 2:/52 175،الوسائل 9:362 أبواب زكاة الفطرة ب 16 ح 1.
5- المرتضى في الانتصار:88،الشيخ في الاستبصار 2:52؛ و المحقق في المعتبر 2:615،و العلّامة في المنتهى 1:542.
6- الشيخ في الاستبصار 2:52،و صاحب المدارك 5:355،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:221.

و لا بأس به،اقتصاراً فيما خالف الأصل و الإطلاقات على القدر المتيقن من الفتوى و الرواية،و به جمع أيضاً شيخ الطائفة بينها و بين الرواية المعارضة (1).

و يستحب أن يخصّ بها القرابة،ثم الجيران و ترجيح أهل الفضل و المعرفة مع الاستحقاق كما يستفاد من النصوص (2).و الحمد للّه سبحانه.

ص:224


1- كما في الاستبصار 2:52.
2- الوسائل 9:359 أبواب زكاة الفطرة ب 15.

كتاب الخمس

اشارة

كتاب الخمس

ص:225

ص:226

و هو حق مالي يثبت لبني هاشم عوض الزكاة بالكتاب و السنة و الإجماع،قال سبحانه: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ. [1]

. [2] (1).و أمّا السنّة فهي متواترة.

و أمّا الإجماع فمن المسلمين كافّة،و إن اختلفوا فيما يجب فيه بعد اتّفاقهم على أنّه يجب في غنائم دار الحرب و الكنز لصريح الآية و السنة المتواترة في الأوّل،بناءً على أن الغنيمة فيهما حقيقة في مفروض المسألة قطعاً عرفاً و لغةً،و يقتضي إرادته سوق الآية جدّاً.

و زاد أصحابنا،كما في مجمع البيان و البحرين و كنز العرفان (2) المعادن معرِبين عن دعوى الإجماع عليه منّا،كما في صريح الانتصار و الغنية و الخلاف و غيرها و ظاهر المنتهى (3)؛ لعموم الغنية هنا لها،كما يظهر من جماعة و منهم الطبرسي في الكتاب و صاحب الكنز.

و يظهر منه عمومها لجميع ما في العبارة عند أصحابنا.و إثباته حقيقة لغةً أو عرفاً مشكل،بل ظاهر الأصحاب و جملة من الروايات العدم،حيث قوبل فيها و في كلامهم المعادن و نحوها بالغنيمة،بحيث يظهر المغايرة بحسب الحقيقة الوضعية،كما هي ظاهر جماعة من أهل اللغة بل عامّتهم، و العرف أيضاً،كما صرّح به بعض الأجلّة (4)،و في الكنز؛ أنّها مذهب

ص:227


1- الأنفال:41.
2- مجمع البيان 2:544،مجمع البحرين 6:129،كنز العرفان 1:249.
3- الانتصار:86،الغنية(الجوامع الفقهية):569،الخلاف 2:116،السرائر 1:485،المنتهى 1:545.
4- انظر الذخيرة:478.

أصحابنا و الشافعي (1).

و حينئذٍ فتعميم الأصحاب الغنيمة للجميع كما فيه لعلّه من جهة النصوص المفسِّرة للغنيمة في الآية بكل فائدة،و ستأتي إليها الإشارة في الأرباح (2).

هذا،و الصحاح بالحكم فيها مع ذلك مستفيضة (3)كغيرها من المعتبرة التي كادت تبلغ هي مع السابق التواتر،بل لعلّها متواترة،مضافاً إلى الإجماعات المحكية.

فلا إشكال في المسألة،و إنّما الإشكال في تحقيق المعدن،فقد اختلفت فيه كلمة أهل اللغة:فبين من خصّصه بمنبت الجوهر من ذهب و نحوه،كما في القاموس (4)؛ و من عمّمه له و لغيره مما يخرج من الأرض و يخلق فيها من غيرها مما له قيمة،كما في النهاية الأثيرية (5).

و الأوّل لعلّه المفهوم المتبادر منه عرفاً و عادةً،فيشكل المصير إلى الثاني مع نوع إجمال فيه،و مخالفته لبعض الصحاح الجاعل للملاحة مثل المعدن لا نفسه،لكنه في الفقيه (6)،و في التهذيب جعلت نفسه (7).

فيتقوّى الثاني،سيّما مع اعتضاده بالإجماع المحكي في ظاهر التذكرة على أنّ المعادن كلّ ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له

ص:228


1- كنز العرفان 1:249.
2- في ص:2454.
3- الوسائل 9:491 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3.
4- القاموس المحيط 4:248.
5- النهاية 3:192.
6- الفقيه 2:/21 76،الوسائل 9:492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 4.
7- التهذيب 4:/122 349.

قيمة،قال:سواء كان منطبعاً بانفراده كالرصاص و الصفر و النحاس و الحديد،أو مع غيره كالزئبق،أو لم يكن منطبعاً كالياقوت و الفيروزج و البَلَخْش (1)و العقيق و البلّور و السبَج (2)و الكحل و الزاج و الزرنيخ و المَغرَة (3)و الملح،أو كان مائعاً كالقير و النفط و الكبريت (4).و قريب منه في المنتهى (5).و جزم الشهيدان باندراج المَغَرة و الجصّ و النورة و طين الغسل و حجارة الرحى (6).

و توقف فيه جماعة من متأخّري المتأخّرين (7)،قالوا:للشك في إطلاق اسم المعدن عليها على سبيل الحقيقة،و انتفاء ما يدلّ على وجوب الخمس فيها على الخصوص.و هو في محلّه.

لكن ينبغي القطع بوجوب الخمس فيها أجمع بناءً على عموم الغنيمة لكل فائدة،و الكل منها بلا شبهة،و وجوبه فيها من هذه الجهة غير وجوبه فيها من حيث المعدنيّة.

و تظهر الثمرة في اعتبار مئونة السنة،فتعتبر على جهة الفائدة و لا على المعدنية،و لعلّ هذا أحوط.

و زادوا أيضاً،كما في كتب التفسير المتقدمة ما يخرج من البحر

ص:229


1- البَلَخْش:لَعْل،ضرب من الياقوت.ملحقات لسان العرب:68.
2- السبَح:خَرَز أسود،دخيل معرّب و اصله:سَبَه.لسان العرب 2:294.
3- المَغرَة:طين أحمر يُصبغ به.لسان العرب 5:181.
4- التذكرة 1:251.
5- المنتهى 1:545.
6- كما في الدروس 1:260،و المسالك 1:66.
7- كصاحب المدارك 5:364،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:223،و المحقق السبزواري في الذخيرة:478.

ب الغوص و في صريح الانتصار و الغنية و ظاهر المنتهى و غيره:الإجماع عليه (1)؛ لعموم الآية بالتقريب المتقدم إليه الإشارة،و النصوص المستفيضة.

ففي جملة منها مستفيضة:« الخمس من خمسة أشياء:من الكنوز، و المعادن،و الغوص،و المغنم الذي يقاتل عليه» و لم يحفظ الراوي في جملة منها الخامسة (2)،و جُعلت في أُخرى الملاحة (3).

و ضعف أسانيدها منجبر بفتوى الطائفة،و الموافقة لعموم الآية و لو في الجملة،و الإجماعات المحكية،و خصوص أخبار أُخر صحيحة.

منها:المروي في الخصال:« في ما يخرج من المعادن و البحر، و الغنيمة،و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه،و الكنوز الخمس» (4).

و في اخرى:عن المعتبر و غوص اللؤلؤ،قال:« عليه الخمس» (5).

و قصوره عن إفادة التعميم بما مرّ مجبور.

و زادوا أيضاً كما فيها (6) أرباح التجارات و الزراعات، و الصنائع،و جميع أنواع الاكتسابات،و فواضل الأقوات من الغلّات و الزراعات عن مئونة السنة على الاقتصاد.

ص:230


1- الانتصار:86،الغنية(الجوامع الفقهية):569،المنتهى 1:547؛ و انظر التذكرة 1:252.
2- الوسائل 9:489 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 11 و ب 3 ح 7.
3- الوسائل 9:487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 4 و 9.
4- الخصال:/290 51،الوسائل 9:494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 6.
5- الكافي 1:/548 28،التهذيب 4:/121 346،الوسائل 9:498 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 7 ح 1.
6- أي في كتب التفسير المتقدمة في ص:2451.

و في الانتصار و الغنية و الخلاف و ظاهر المنتهى و عن التذكرة و الشهيد:عليه الإجماع (1).و لعلّه كذلك؛ لعدم وجود مخالف فيه ظاهر و لا محكي إلّا العماني و الإسكافي،حيث حكي عنهما القول بالعفو عن هذا النوع (2)؛ و في استفادته من كلامهما المحكي إشكال،نعم ربما يستفاد منهما التوقف فيه.

و لا وجه له،لاستفاضة الروايات بل تواترها كما عن التذكرة و المنتهى (3)بالوجوب،و لذا لم يتأمّل في أصل الوجوب أحد من المتأخّرين و لا متأخّريهم،و إنّما تأمّل جملة من متأخّري متأخّريهم (4)فيما هو ظاهر الأصحاب و جملة من الروايات بل كلّها كما يأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى (5)من أنّ مصرف خمس هذا النوع مصرف سائر الأخماس.

بل احتملوا قريباً اختصاصه بالإمام عليه السلام بدعوى دلالة جملة من الروايات عليه؛ لدلالة بعضها على تحليلهم عليهم السلام هذا النوع من الخمس، و لو لا اختصاصه بهم عليهم السلام لما ساغ لهم ذلك،لعدم جواز التصرف في مال الغير.

و تضمّن آخر منها إضافته إلى الإمام عليه السلام بمثل قول الراوي:حقّك، أو قوله:لك،أو قوله عليه السلام:لي الخمس،و أمثال ذلك،ففي الصحيح

ص:231


1- الانتصار:86،الغنية(الجوامع الفقهية):569،الخلاف 2:117،المنتهى:548،التذكرة 1:253،الشهيد في البيان:348.
2- حكاه عنهما في المنتهى 1:548،و البيان:348.
3- التذكرة 1:253،المنتهى 1:548.
4- كصاحب المدارك 5:384،و السبزواري في الكفاية:43،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:225.
5- في ص:2458.

قلت له:أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقك،فأعلمت مواليك ذلك،فقال لي بعضهم:و أيّ شيء حقّه؟فلم أدر ما أُجيبه،فقال:« يجب عليهم الخمس» فقلت في أيّ شيء؟فقال:« في أمتعتهم و ضياعهم» قال:

« و التاجر و الصانع بيده،و ذلك إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» (1).

و تصريح جملة منها بأنّه لهم خاصّةً،ففي الخبر:« على كلّ امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة عليها السلام،و لمن يلي أمرها من بعدها من ورثتها الحجج على الناس،فذلك لهم خاصة يضعونه حيث شاؤوا،و حرم عليهم الصدقة،حتى الخياط يخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانَق،إلّا من أحللناه لتطيب لهم به الولادة» (2).

و في الجميع نظر.

أمّا الأوّل:فبعد المعارضة و النقض جملة من الأخبار المحلّلة للخمس بقول مطلق (3)بحث يشمل هذا النوع و غيره،بل جملة منها صريحة في الثاني،و هم لا يقولون بالاختصاص فيه،فما هو الجواب عنها فهو الجواب عما نحن فيه منع عدم جواز تصرّفهم عليهم السلام في مال الغير مطلقاً،كيف لا؟!و هم أولى بالمؤمنين من أنفسهم فما ظنّك بأموالهم.

مع أنّ الذي يظهر من بعض الأخبار أنّ لهم تحليل سهام باقي الفرق الثلاث.

منها زيادةً على ما سبق إليه قريباً الإشارة الصحيح:كنت عند أبي

ص:232


1- التهذيب 4:/123 353،الإستبصار 2:/55 182،الوسائل 9:500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 3.
2- التهذيب 4:/122 348،الإستبصار 2:/55 180،الوسائل 9:503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.
3- الوسائل 9:543 أبواب الأنفال ب 4.

جعفر عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمّد بن سهل،و كان يتولّى له الوقف بقم،فقال:يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ،فقال:« أنت في حلّ» فلما خرج صالح قال عليه السلام:« أحدهم يَثِب على أموال آل محمّد صلى الله عليه و آله و يتاماهم و مساكينهم و أبناء سبيلهم فيأخذها،ثم يجيء فيقول:

اجعلني في حلّ،أ تراه ظنّ أنّي أقول:لا أفعل،و اللّه ليسألنّهم اللّه يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً» (1).

و أمّا عن الثاني:فبأنّ المقصود بمثل قوله:حقّك،حقّ ينبغي أن يصل إليه و له ولاية التصرف فيه يضعه حيث شاء،أ لا ترى إلى عدوله عن قوله« حقي الخمس» إلى قوله:« يجب عليهم الخمس» .و لعلّ وجه الحصر في الأمتعة و الضياع و الكسب علمه بأنّ الجماعة المخصوصين من مواليه المأمورين بإخراج الحق لم يكونوا مغتنمين غنيمة من دار الحرب،و لا عاثرين على كنز و لا معدن،بل الغالب فيما عندهم مما يتعلّق الخمس فيه هذا النوع خاصة.

و يعضد ما ذكرنا من أنّ المراد بالإضافة ذلك استفاضة النصوص بتفسير الغنيمة في الآية الكريمة بهذا النوع خاصة،أو ما يعمّه و غيره،ففي الصحيح الطويل:« فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام،قال اللّه تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ [1] » و ساق الآية،إلى أن قال:« و الغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء،و الفائدة يفيدها،و الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب و لا ابن،و مثل عدوّ يُصطلم فيؤخذ

ص:233


1- الكافي 1:/548 27،التهذيب 4:/140 397،الإستبصار 2:/60 197،المقنعة:285،الوسائل 9:537 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 1.

ماله» (1)الحديث.

و في الرضوي بعد ذكر الآية:« و كلّ ما أفاده الناس غنيمة،لا فرق بين الكنوز و المعادن و الغوص» إلى ان قال:« و ربح التجارة و غلّة الضيعة و سائر الفوائد من المكاسب و الصناعات و الموارث و غيرها،لأنّ الجميع غنيمة و فائدة» (2).

و في الخبر:عن الآية،فقال:« هي و اللّه الإفادة يوماً بيوم،إلّا أنّ أبي جعل شيعته في حلّ ليزكوا» (3).

و في الموثق:عن الخمس فقال:« في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير» (4).

و حيث دخلت في الغنيمة ثبت خمسها لجميع الأصناف المذكورة في الآية و السنة المتواترة،فإنّ ظاهرها بل صريحها إفادة التشريك في الاستحقاق في خمس كلّ غنيمة.و تخصيصها بما عدا الأرباح للنصوص المتقدمة مع بُعده في الغاية ليس بأولى من صرف النصوص المزبورة عن ظواهرها بما ذكرنا،بل هو أولى،لاعتضاده بفتوى الأصحاب قاطبةً،كما اعترف به من هؤلاء جماعة،أو متأخريهم خاصّة كما في الذخيرة (5).

ص:234


1- التهذيب 4:/141 398،الإستبصار 2:/60 198،الوسائل 9:501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5.
2- فقه الرضا(عليه السلام):293،مستدرك الوسائل 7:284 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 6 ح 1.
3- الكافي 1:/544 10،التهذيب 4:/121 344،الإستبصار 2:/54 179،الوسائل 9:546 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 8.
4- الكافي 1:/545 11،الوسائل 9:503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 6.
5- الذخيرة:481.

مضافاً إلى اعتضاده بأمر آخر و هو دلالة جملة من النصوص و كلمة الأصحاب على أنّ الخمس إنّما شرّع للسادة عوض الزكاة إكراماً و صيانةً لهم عن الأوساخ (1)،و من الواضح البيّن أنّ خمس ما عدا الأرباح قليلة التحقق في غالب الأزمان،و إنّما الغالب حصوله إنّما هو منها،فلو خصّ بالإمام عليه السلام لم يحصل لباقي السادة تلك الكرامة،و لبقوا في مضيق العسر و الشدة.

و هذا أوضح شاهد و أبين قرينة على أنّ ما ورد بإباحتهم الخمس بقول مطلق أو هذا النوع منه للشيعة ليس باقياً على ظاهره،من كونها على العموم و الكلية إلى يوم القيامة،بل ينبغي صرف التأويل إليه،بحمله على ما يختصّ بهم عليهم السلام أو ما يعمّه و غيره لكن في زمانهم خاصّة،و لهذا شواهد من روايات المسألة.

و من هنا يظهر الجواب عن الثالث،مع ضعف سند جملة،و متروكية متن الرواية المتقدمة منه لو أُريد منها الحصر الحقيقي،كيف لا؟!و ظاهرها الاختصاص بسيّدة النساء فاطمة عليها أفضل الصلاة و السلام و الحجج من ذريتها،و هو شيء لا يقول به أحد من المسلمين.

و مع ذلك فقد تضمّنت الغنيمة مع الاكتساب،و هؤلاء لم يقولوا باختصاصها بهم عليهم السلام،و حينئذٍ فيجب جعل الحصر إضافياً و جعل ذكرهم عليهم السلام دون غيرهم تغليباً.و في قوله عليه السلام:« يضعونه حيث شاؤوا» و كذا قوله:« و حرّم عليهم الصدقة» إشعار تامّ بذلك،كما لا يخفى.

و بالجملة: لا ريب للأحقر في أنّ مصرف هذا الخمس مصرف سائر الأخماس،و أمّا إباحتهم عليهم السلام إياه للشيعة فسيأتي الكلام فيه إنّ شاء اللّه

ص:235


1- الوسائل 9:269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 2،7؛ وص 509 أبواب قسمة الخمس ب 1.

تعالى (1).

و زادوا أيضاً كما في الكتابين الأخيرين (2) أرض الذمّي إذا اشتراها من مسلم و عزاه في المنتهى أيضاً إلى علمائنا،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،كما في الغنية (3).فلا إشكال فيه،و إن لم يذكره من القدماء كثير؛ للصحيح:« أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس» (4).

و إنّما الإشكال في مصرفه،و ظاهر الأصحاب أنّه كسائر الأخماس.

خلافاً لجماعة من متأخّري المتأخّرين (5)،فاحتملوا أن يكون المراد من الحديث تضعيف العُشر على الذميّ إذا كانت الأرض عُشرية،كما ذهب إليه بعض العامة (6)،لا أخذ الخمس منه للذرية.

و هو بعيد،مع عدم مصير أحد من الإمامية إليه،فإنّهم بين قائل بوجوب الخمس بالمعنى المصطلح فيها،و بين عدم ذاكر له أصلاً أو نافٍ له كذلك،و هو شيخنا الشهيد الثاني في فوائد القواعد،عملاً بالأصل، و تضعيفاً للرواية.و أمّا القول بوجوب الخمس بالمعنى المحتمل فلم نعرف قائله من الطائفة.

فهو ضعيف في الغاية،كدعوى ضعف الرواية،أو كونها موثقة كما

ص:236


1- انظر ص 2487.
2- كنز العرفان 1:249،مجمع البحرين 6:129.
3- المنتهى 1:549،الغنية(الجوامع الفقهية):569.
4- الفقيه 2:/22 81،التهذيب 4:/123 355،الوسائل 9:505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 9 ح 1.
5- كصاحب المدارك 5:386،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:226،و صاحب الذخيرة:484.
6- كابن قدامة في المغني 2:590.

في المختلف و الروضة (1)،فإنّ سندها على ما وجدناه في أعلى درجات الصحة،و به صرّح جماعة (2).

و لا فرق في إطلاق الرواية و العبارة و نحوها من عبائر الجماعة بين أرض السكنى و الزراعة،و حكي التصريح به عن شيخنا الشهيد الثاني، قال:سواء كانت بياضاً أو مشغولة بغرس أو بناء (3)،لكن عن الماتن في المعتبر:أنّ الظاهر أنّ مراد الأصحاب الثانية خاصة (4)،و استجوده بعض متأخّري المتأخّرين،قال:لأنّه المتبادر (5).

و زادوا أيضاً كما فيهما (6)وجوبه في الحلال إذا اختلط بالحرام و لم يتميز أحدهما عن الآخر لا قدراً و لا صاحباً،و في الغنية الإجماع عليه (7)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى ما مرّ في الغوص من الصحيحة الصريحة (8).و قريب منها نصوص أُخر مستفيضة.

منها الموثق:عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟قال:« لا،إلّا أن لا يقدر» إلى أن قال:« فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت عليهم السلام» (9).

ص:237


1- المختلف:203،الروضة 2:73.
2- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 4:319،و صاحب المدارك 5:386 و الحدائق 12:359.
3- المسالك 1:67.
4- المعتبر 2:624.
5- المدارك 5:386.
6- كنز العرفان 1:249،مجمع البحرين 6:129.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):569.
8- في ص:2453.
9- التهذيب 6:/330 915،الوسائل 9:506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 2.

و القوي:« تصدّق بخمس مالك،فإنّ اللّه تعالى رضي من الأشياء بالخمس،و سائر المال لك حلال» (1)و نحوه الخبر مبدّلاً فيه لفظ تصدّق بإخراج الخمس (2).

و المرسل:« ايتني بخمسه» فأتاه بخمسه،فقال:« هو لك حلال،إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه» (3).

و قصور السند أو ضعفه بالعمل منجبر،و كذا ضعف الدلالة أو قصورها إن سلّم،و إلّا فهي ظاهرة بعد الضمّ إلى الصحيحة الصريحة،فإنّ أخبارهم عليهم السلام،بعضها يكشف عن بعض.

مع ظهور لفظ الخمس فيها أجمع في المعنى المصطلح،سيّما المتضمن منها للتعليل بأنّه تعالى رضي من الأموال..إلى آخره،إذ لا خمس رضي به منها سبحانه إلّا ما يكون مصرفه الذرية،و قريب منها المرسلة المتضمنة للأمر بإتيان المال إليه عليه السلام ثم ردّه عليه،الظاهرَين في كونه له عليه السلام،فتدبّر.

هذا،مع أنّ لفظ الخمس فيها سبيله سبيل لفظه الوارد في نصوص باقي الأخماس،فكأنّه صار يومئذٍ حقيقة شرعية فيما هو المصطلح بيننا.

و لا ينافيه لفظ التصدّق في القوي؛ لشيوع استعماله في التخميس كما ورد في الصحيح (4)،مع احتمال أن يراد به مطلق الإخراج كما عبّر به

ص:238


1- الكافي 5:/125 5،الفقيه 3:/117 499،التهذيب 6:/368 1065،المحاسن:/32 59،الوسائل 9:506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 4.
2- التهذيب 4:/124 358،الوسائل 9:505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 1.
3- الفقيه 2:/22 83،الوسائل 9:506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 3.
4- التهذيب 4:/141 398،الإستبصار 2:/60 198 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5.

و بمعناه فيما بعده،و مع ذلك فصرفه إلى الذرية أحوط،كما صرّح به جماعة (1)،بناءً على اختصاص الصدقة المحرّمة عليهم بالزكاة المفروضة.

و مما ذكرنا ظهر ضعف القول بعدم وجوب الخمس فيه أصلاً،كما ربما يُعزى إلى جماعة من القدماء،حيث لم يذكروا هذا القسم أصلاً (2).

و إن علم الحرام قدراً و صاحباً فالأمر واضح.

و إن علم الأوّل دون الثاني قيل:يتصدّق به عن المالك مطلقاً و لو زاد عن الخمس (3)،و عن التذكرة و جماعة فيه إخراج الخمس ثم التصدق بالزائد (4)؛ و وجهه غير واضح.

و إن انعكس صولح المالك بما يرضى ما لم يطلب زائداً عمّا يحصل به يقين البراءة،مع احتمال الاكتفاء بدفع ما يتيقّن انتفاؤه عنه،إلّا أنّ الأوّل أحوط و أولى.

و قيل:يدفع إليه الخمس لو أبى عن الصلح،لأنّ اللّه تعالى جعله مطهّراً للمال (5).و لا يخلو عن إشكال.

و حيثما خمّس أو تصدّق به عن المالك ثم ظهر فإن رضي بما فعل، و إلّا ففي الضمان و عدمه وجهان بل قولان،أحوطهما الأوّل،و إن كان الثاني أوفق بالأصل.

ص:239


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:67،و صاحب المدارك 5:389.و الحدائق 12:368.
2- نقله عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و المفيد في المختلف:203.
3- المدارك 5:389.
4- التذكرة 1:253،السمالك 1:67،مفاتيح الشرائع 1:67،مفاتيح الشرائع 1:227،الحدائق 12:365.
5- قال به في التذكرة 1:253.

و اعلم:أنّه لا يجب الخمس في الكنز حتى تبلغ عينه أو قيمته ما يجب في مثله الزكاة من مأتي درهم أو عشرين ديناراً بإجماعنا الظاهر المنقول في كلام جماعة مستفيضاً (1)؛ للصحيح:عمّا يجب فيه الخمس من الكنز،فقال:« ما تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» (2).

و نحوه المرسل (3)،بل أصرح،لتضمّنه السؤال عن المقدار لا ما المحتمل لإرادة النوع و إن بَعُد،لاتّفاق الأصحاب على فهم المقدار منه لا النوع،مع تصريح بعضهم (4)بوجوب الخمس في الكنز بأنواعه من الذهب و الفضة و الرصاص و الصفر و النحاس و الأواني،و ظاهر المنتهى عدم خلاف بيننا (5)،و يعضده إطلاق النصوص و الفتاوى.

و إنّما عبّرنا عن النصاب بما ذكرنا وفاقاً للسرائر و الخلاف و المنتهى و الشهيدين في البيان و الروضة و غيرهما (6)،تبعاً لظاهر الخبرين الذين مضياً،مع احتمال فهم الإجماع عليه من الخلاف و المنتهى.

خلافاً لنحو العبارة فالعشرين ديناراً خاصة؛ و حجّته غير واضحة إن أُريد الحصر،و لا خلاف إن أُريد المثل كما هو الظاهر،و احتمله جمع (7).

و في المنتهى:أنّ المعتبر النصاب الأوّل،فما زاد عليه يجب فيه

ص:240


1- منهم:الشيخ في الخلاف 2:119،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):569،و العلّامة في المنتهى 1:549،و التذكرة 1:253.
2- الفقيه 2:/21 75،الوسائل 9:495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 2.
3- المقنعة:283،الوسائل 9:497 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 6.
4- كالعلّامة في التحرير 1:73،و المنتهى 1:545.
5- المنتهى 1:547.
6- السرائر 1:485،الخلاف 1:116،المنتهى 1:549،البيان:345،الروضة 2:70؛ و انظر المسالك 1:66.
7- كالمحقق السبزواري في الذخيرة:479،و صاحب الحدائق 12:332.

الخمس قليلاً كان أو كثيراً (1).

و استشكل بظهور النص في مساواة الخمس للزكاة في اعتبار النصاب الثاني كالأوّل (2).

و لا يخلو عن نظر،لأنّ الظاهر كون المقصود من السؤال و الجواب فيه إنّما هو مبدأ تعلّق الخمس و المساواة مع الزكاة فيه.

و كذا يعتبر النصاب المزبور في المعدن على رواية البزنطي الصحيحة و فيها:« ليس فيه شيء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة، عشرين ديناراً» (3).

و عمل به الشيخ في النهاية و المبسوط و ابن حمزة (4)و المتأخرون قاطبة.

خلافاً للخلاف و السرائر و القاضي فلا نصاب فيه أصلاً (5)،كما هو ظاهر كثير من القدماء،كالإسكافي و العماني و المفيد و الديلمي و ابن زهرة و المرتضى (6)،و ادّعى الأوّلان عليه إجماعنا؛ للعمومات كتاباً و سنةً.

و يخصّ بما مضى.

و يذبّ عن الإجماع بوهنه من الخلاف برجوعه في المبسوط إلى

ص:241


1- المنتهى 1:549.
2- المدارك 5:370.
3- التهذيب 4:/138 391،الوسائل 9:494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 4 ح 1.
4- النهاية:197،المبسوط 1:237،ابن حمزة في الوسيلة:138.
5- الخلاف 2:119،السرائر:113،القاضي في المهذب 1:179.
6- حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف:203،المفيد في المقنعة:283،الديلمي في المراسم:139،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):569،المرتضى في المسائل الموصليات الثالثة(رسائل المرتضى 1):227.

المختار كما مضى،و من السرائر بوقوع دعواه،بنحو لفظة لا خلاف،و لا ريب في ضعفه بعد وجود الخلاف من واحد فضلاً عن كثير كما هنا،نعم هذا القول أحوط و أولى.

و للحلبي،فاعتبر بلوغ قيمته ديناراً (1)،قيل:و رواه الصدوق في المقنع و الفقيه (2).

و هو ضعيف؛ لضعف الخبر الدال عليه (3)سنداً و مقاومة لما مضى، لصحته و اعتضاده بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة دون هذا،فليطرح،أو يحمل على الاستحباب،أو يصرف النصاب فيه إلى الغوص المسئول عن حكمه فيه أيضاً دون المعدن.

و لا يجب الخمس في الغوص أيضاً حتى تبلغ قيمته ديناراً على الأشهر الأقوى،بل لعلّه عليه عامة أصحابنا،عدا المفيد في الرسالة العزّية،فجعل النصاب عشرين ديناراً (4).و هو مع عدم وضوح مستنده نادر،بل على خلافه الاتّفاق في صريح التنقيح و ظاهر المنتهى و السرائر (5)،مضافاً إلى مخالفته عموم ما دلّ على وجوب الخمس فيه بقول مطلق،خرج منه ما نقص عن الدينار بالإجماع الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر (6)و بقي الباقي.

ص:242


1- كما في الكافي في الفقه:170.
2- المقنع:53 و فيه ذكر الغوص دون المعدن،الفقيه 2:/21 72؛ حكاه عنهما في المهذب البارع 1:560.
3- التهذيب 4:/124 356،الوسائل 9:493 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 5.
4- نقله عنه في المختلف:203.
5- التنقيح الرائع 1:338،المنتهى 1:550،السرائر 1:488.
6- كما نقله ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):569.

هذا مضافاً إلى النصّ السابق.و عمل الأصحاب هنا لضعف سنده جابر،مع كون الراوي (1)عن موجِبه ممّن لا يروي إلّا عن ثقة،كما عن شيخ الطائفة (2).

و يعتبر النصاب في الثلاثة بعد المئونة التي يغرمها على تحصيله من حفرٍ و سبكٍ في المعدن،و آلة غوص أو أرشها و أُجرة الغواص في الغوص، و أُجرة الحفر و نحوه في الكنز،كما صرّح به جماعة (3)من غير خلاف فيه بينهم و لا غيرهم أجده،بل الظاهر الإجماع عليه،كما يفهم من جمع،و به صرّح في الخلاف في الركاز و المعدن (4)،و في الروضة يعتبر النصاب بعدها مطلقاً في ظاهر الأصحاب (5).

و في الصحيح:كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام:الخمس أُخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟فكتب:« بعد المئونة» (6).

و في اعتبار اتحاد الإخراج فيها مطلقاً (7)،أو العدم كذلك (8)،أو الفرق بين ما لو طال الزمان أو قصد الأعراض فالأوّل و غيره فالثاني (9)،أوجه،بل

ص:243


1- و هو البزنطي عن محمّد بن علي بن أبي عبد اللّه.
2- حكاه عنه في الذخيرة:479.
3- كالعلّامة في المنتهى 1:549،و الشهيد في الروضة 2:71،و صاحب المدارك 5:392،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:227.
4- الخلاف 2:123.
5- الروضة 2:71.
6- الكافي 1:/545 13،الوسائل 9:508 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 12 ح 1.
7- كما عليه الحلّي(السرائر 1:489).منه رحمه اللّه.
8- كما عليه شيخنا الشهيد الثاني(الروضة 2:71)،و سبطه(المدارك 5:392)،و غيرهما.منه رحمه اللّه.
9- كما عليه الفاضل في المنتهى:549.منه رحمه اللّه.

و أقوال،من إطلاق النصّ،و قوة احتمال اختصاصه بحكم التبادر بالمتحد مطلقاً،أو على التفصيل.و لا ريب أنّ الأوّل أحوط،و إن كان التفصيل لا يخلو عن وجه.

ثم في اعتبار اتحاد النوع فيها،أو العدم،أو نَعَم في الكنز و المعدن دون غيرهما،أوجه،أوجهها الثاني،وفاقاً لجماعة (1).خلافاً للروضة فالثالث،قال:وفاقاً للعلّامة (2).

و لو اشترك جماعة اعتبر بلوغ نصيب كلّ نصاباً بعد مئونته.

و لا في أرباح التجارات إلّا فيما فضل منها عن مئونة السنة له و لعياله الواجبي النفقة و مندوبيها،و النذور،و الكفارات،و مأخوذ الظالم غصباً و مصانعةً،و الهدية و الصلة اللائقتين بحاله،و مئونة الحج الواجب عام الاكتساب،و ضروريات أسفار الطاعات،و نحوه.

بلا خلاف أجده في أصل اعتبار مئونة السنة له و لعياله و إن اختلفت عباراتهم في تفصيل المئونة بما ذكرناه وفاقاً لجماعة (3)،أو بغيره من تخصيص العيال بواجبي النفقة من غير إشارة إلى مندوبيها كما في السرائر و غيره (4).

لكن ما ذكرناه أقوى،لكونه المفهوم و المتبادر من لفظ المئونة الواردة في المعتبرة المستفيضة و فيها الصحاح و غيرها (5)،التي هي المستند

ص:244


1- كصاحبي المدارك 5:367،و الذخيرة:478،في المعدن.منه رحمه اللّه.
2- الروضة 2:72.
3- منهم:الشهيد في الروضة 2:76،و صاحب المدارك 5:385،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:227،و صاحب الحدائق 12:353.
4- السرائر 1:489،التنقيح الرائع 1:339.
5- الوسائل 9:499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.

في أصل اعتبارها،مضافاً إلى الإجماعات المحكية.و هي و إن كانت مجملة غير مبيّن كون المراد بها ما يتعلّق بالسنة،إلّا أنّ الأصحاب قاطعون بكونه المراد،من غير خلاف بينهم أجده،بل عليه الإجماع في صريح السرائر و ظاهر المنتهى و التذكرة (1)،و لعلّه المفهوم منها عند الإطلاق في مثل هذه الأخبار عرفاً و عادةً.

و لو كان له مال لا خمس فيه ففي احتساب المئونة منه أو من الربح المكتسب أو بالنسبة بينهما.أوجه،أحوطها الأوّل ثم الثالث.

و لا يعتبر في الأموال الباقية مقدار و نصاب بلا خلاف أجده إلّا من المفيد فيما يحكى عنه في الغنيمة،فاعتبر في وجوب الخمس فيها بلوغها عشرين ديناراً (2).و هو مع ندوره لم نعثر على مستنده.

و كما لا يعتبر النصاب فيها كذا لا يعتبر الحول فيها و لا في غيرها مما مضى،بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر (3)،و في المنتهى:

أنّه قول العلماء كافّة إلّا من شذّ من العامة (4)؛ للعمومات كتاباً و سنةً.

نعم يحتاط في الأرباح بالتأخير إلى كماله،لاحتمال تجدّد مئونته.

و لا خلاف فيه،بل يُعزى إلى الحلّي عدم مشروعية الإخراج قبله،و إن علم زيادته عن مئونة سنته (5).

و في استفادته من عبارته الموجودة في السرائر إشكال،بل ظاهر سياقها عدم وجوب الإخراج قبله فوراً،كما هو ظاهر باقي الأصحاب

ص:245


1- السرائر 1:489،المنتهى 1:550،التذكرة 1:253.
2- حكاه عنه في المختلف:203.
3- كالمدارك 5:390،و الذخيرة:484.
4- المنتهى 1:547.
5- نقله عنه في المدارك 5:391،و هو في السرائر 1:489.

أيضاً.

و مع ذلك فهو على تقديره ضعيف يدفعه ظاهر إطلاق الأدلّة،بل في بعض الأخبار:« الخياط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانَق» (1)لكنّه مع قصور سنده بل ضعفه يجب تقييده بأدلّة استثناء مئونة السنة.

و يقسّم الخمس ستة أقسام على الأظهر الأشهر،ثلاثة منها للإمام سهمه و سهم اللّه و سهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله و ثلاثة منها(ل) لأصناف الثلاثة الباقية: لليتامى و المساكين و أبناء السبيل لظاهر الآية الكريمة (2)،و المعتبرة المستفيضة (3)،المنجبر قصورها أو ضعفها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة، لعدم ظهور قائل بخلافها منّا،و إن حكى الفاضلان في المعتبر و المنتهى تبعاً للشيخ عن بعض أصحابنا أنّه يقسّم خمسة أسهم:سهم له عليه السلام، و سهم لأقرباء الرسول صلى الله عليه و آله،و ثلاثة للثلاثة،كما عليه أكثر العامة و حكي عن الشافعي و أبي حنيفة (4)؛ لندوره،و عدم معروفية قائله،مع عدم وضوح مستنده عدا الصحيح الفعلي (5)،و هو مع عدم وضوح دلالته بعد كونه قضيّة في واقعة فلا تفيد الكليّة،و موافقته لأكثر العامة لا يكافئ ما مرّ من

ص:246


1- التهذيب 4:/122 348،الإستبصار 2:/55 180،الوسائل 9:503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.
2- الأنفال:41.
3- الوسائل 9:509 أبواب قسمة الخمس ب 1.
4- المعتبر 2:628،المنتهى 1:550،و الشيخ في الاستبصار 2:57 ذيل الحديث 186،و حكاه عن الشافعي في بداية المجتهد 1:390،و عن أبي حنيفة في بدائع الصنائع 7:124.
5- التهذيب 4:/128 365،الإستبصار 2:/56 186،الوسائل 9:510 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3.

الأدلة.

و يشترط في الأصناف الثلاثة أن يكونوا ممن يُنسب إلى عبد المطلب و لو بالأب خاصة،على الأظهر الأشهر أيضاً،بل لا خلاف فيه يظهر جدّاً إلّا من الإسكافي،فلم يشترطه بل جوّز صرفه إلى غيرهم من المسلمين مع استغناء القرابة عنه (1).

و هو مع ندوره مستنده غير واضح عدا إطلاق الأدلّة المقيّد بالنصوص المستفيضة،المنجبر قصورها أو ضعفها بالشهرة العظيمة،بل الإجماع حقيقة كما في الانتصار (2).

و أمّا الاستدلال له بإطلاق الصحيح الماضي فغفلة واضحة،إذ الفعل لا عموم له كما عرفته.

و منه و من المفيد،فجوّزا دفعه إلى بني المطلب مطلقاً (3).و مرّ ضعفه في بحث الزكاة (4).

و في استحقاق من يُنسب إليه بالأُمّ خاصة قولان،أشبههما و أشهرهما أنّه لا يستحق بل عليه عامّة أصحابنا عدا المرتضى (5).و هو نادر،و مستنده مع ذلك غير واضح،عدا إطلاق الولد و نحوه عليه حقيقة.

و هو بعد تسليمه غير مُجدٍ فيما نحن فيه بعد معلومية عدم انصراف الإطلاق بحكم التبادر إلى مثله،مع ورود النصّ المعمول عليه عند الأصحاب بحرمانه.

ص:247


1- حكاه عنه في المعتبر 2:630.
2- الانتصار:87.
3- حكاه عنهما في المعتبر 2:631.
4- في ص:2411.
5- نقله عنه في المختلف:205.

ففيه:« من كانت امّه من بني هاشم و أبوه من سائر القريش فإنّ الصدقة تحلّ له،و ليس له من الخمس شيء» (1).

و حمله على التقية بناءً على أنّه مذهب الجمهور كافّة يأباه سياقه و تضمّنه أحكاماً كثيرةً كلّها موافقة لمذهب الإمامية.

هذا،مع أنّ إدخاله في الهاشمي بناءً على الصدق الحقيقي معارض بمثله،و هو اندراجه تحت إطلاق القريشي مثلاً الذي يحرم عليه الخمس إجماعاً،فترجيح الإطلاق الأوّل على هذا ليس بأولى من عكسه، لو لم نقل بكونه الأولى،لكون جانب الأب أرجح قطعاً،زيادةً على ما مضى من ورود النصّ المنجبر بالعمل حتى من الحلّي الذي لا يعمل بالآحاد إلّا بعد كونها مقطوعاً بها،فتأمّل جدّاً.

و هل يجوز أن يخصّ به أي بالخمس طائفة من الثلاثة حتى الواحد منهم؟ فيه تردّد و اختلاف بين الأصحاب.

فبين موجِب للتعميم،كما يُحكى عن ظاهر المبسوط و الحلبي و التنقيح (2)؛ لظاهر الآية،فإنّ اللام للملك أو الاختصاص،و العطف بالواو يقتضي التشريك في الحكم.

و مجوّز للتخصيص،كالفاضلين و مَن تأخّر عنهما (3)؛ لظاهر الصحيح:أ رأيت إن كان صنف أكثر من صنف كيف يصنع؟فقال:« ذلك

ص:248


1- الكافي 1:/539 4،التهذيب 4:/128 366،الوسائل 9:513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.
2- المبسوط 1:262،الحلبي في الكافي في الفقه:173،التنقيح الرائع 1:341.
3- المعتبر 2:631،المختلف:205؛ و انظر المسالك 1:68،و المدارك 5:405.

إلى الإمام عليه السلام،أ رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله كيف صنع،إنّما كان يعطي على ما يرى،و كذلك الإمام عليه السلام» (1).

و لأجله تُصرف الآية عن ظاهرها بالحمل على بيان المصرف كما في الزكاة مؤيّداً بثبوته فيها،فإنّ الخمس زكاة في المعنى،مضافاً إلى اشتهاره هنا بين متأخّري أصحابنا،كما صرّح به جماعة (2).

و لكن الأحوط بسطه عليهم و لو متفاوتا؛ لعدم صراحة الصحيحة في جواز التخصيص بطائفة،نعم هي صريحة في عدم وجوب استيعاب الثلاثة و جواز البسط عليهم متفاوتاً،و لا كلام فيه أصلاً،بل في المدارك و الذخيرة أنّه المعروف من مذهب الأصحاب (3)،و نفى الخلاف عنه في غيرهما (4).

و حيث انتفت الصراحة أشكل صرف الآية عن ظاهرها،و إن سلّم ظهور الرواية أيضاً،لأنّ الصرف بظهورها فرع كونه أوضح من ظهور الآية و أقوى،و هو غير معلوم جدّاً.

فاحتياط تحصيل البراءة اليقينية عمّا اشتغلت به الذمة يقتضي البسط على الثلاثة،بل استيعابها أيضاً،إلّا أن يشقّ ذلك فيقتصر على مَن حضر البلد و يبسط عليهم مع الإمكان،كما هو ظاهر السرائر و الدروس (5)،و إن

ص:249


1- الكافي 1:/544 7،قرب الإسناد:/383 1351،الوسائل 9:519 أبواب قسمة الخمس ب 2 ح 1.
2- كصاحب المدارك 5:405،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:229،و صاحب الحدائق 12:379.
3- المدارك 5:403،الذخيرة:488.
4- كما في المفاتيح 1:228.
5- السرائر 1:492،الدروس 1:262.

ضعّفه مَن تأخّر عنهما (1)معربين عن عدم خلاف في فساده،كما مضى.

فإنّ تمّ إجماعاً،و إلّا فما فيهما قويّ جدّاً،و إن كان خيرة المتأخّرين لعلّه أقوى،بل ربما يفهم من عبارة المبسوط المحكية كون البسط مطلقاً على الاستحباب.

و لا يحمل الخمس إلى غير بلده كما هنا و في الشرائع و الإرشاد و التحرير و الدروس و المنتهى (2)،و فيه:لأنّ المستحق مطالِب من حيث الحاجة،فنقله عن البلد تأخير لصاحب الحق عن حقه مع المطالبة فيكون ضامناً.

خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني و سبطه و غيرهما (3)،فجوّزا النقل مع الضمان.و لعلّه أقوى كما في الزكاة قد مضى (4)،خصوصاً لطلب المساواة بين المستحقين و الأشدّ حاجة.

نعم،الأوّل أحوط و أولى إلّا مع عدم المستحق فيه فيجوز النقل حينئذٍ قولاً واحداً؛ لأنّه توصّل إلى إيصال الحق إلى مستحقه،فيكون جائزاً بل واجباً.

و يعتبر الفقر في اليتيم و هو الطفل الذي لا أب له،وفاقاً لجماعة (5)،بل في الروضة و غيرها أنّه المشهور (6)؛ لأنّ الخمس عوض

ص:250


1- كصاحبي المدارك 5:403،و الحدائق 12:282.
2- الشرائع 1:183،الإرشاد 1:293،التحرير:74،الدروس 1:262،المنتهى 1:552.
3- كما في المسالك 1:68،و المدارك 5:410،و الذخيرة:489.
4- في ص:2447.
5- منهم:المحقق في المعتبر 2:632،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4:331.
6- الروضة 2:82؛ و انظر الحدائق 12:385.

الزكاة،و مصرفها الفقراء في غير من نصّ على عدم اعتبار فقره،فكذا العوض.

و لأنّ الإمام عليه السلام يقسّمه بينهم على قدر حاجتهم و الفاضل له و المُعوَز عليه كما يأتي (1)،و إذا انتفت الحاجة انتفى النصيب.

و لأنّه لو كان له أب لم يستحق شيئاً قطعاً،فإذا كان المال له كان بالحرمان أولى،إذ وجود المال له أنفع من وجود الأب،هذا.

و في بعض المعتبرة:« و ليس في مال الخمس زكاة،لأنّ فقراء الناس جُعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم،فلم يبق منهم أحد، و جعل لفقراء قرابة الرسول نصف الخمس،فأغناهم به عن صدقات الناس،فلم يبق فقير من فقراء الناس،و لم يبق فقير من فقراء قرابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا و قد استغنى،فلا فقير» (2)الحديث.و هو كالصريح في اعتبار الفقر.

خلافاً للمبسوط و السرائر،فلا يعتبر (3)؛ لعموم الآية.و يخصّص بما مرّ من الأدلّة.

و لأنّه لو اعتبر الفقر لم يكن قسماً برأسه.

و يضعّف:باحتمال كون ذلك لمزيد التأكيد،كالأمر بالمحافظة على الصلاة و الصلاة الوسطى مع اندراجها في الصلاة المذكورة قبلها،مع أنّ مثل ذلك وارد في آية الزكاة مع الاتّفاق على اعتبار الفقر في مستحقيها جميعاً إلّا

ص:251


1- في ص:2485.
2- الكافي 1:/539 4،يب 4:/128 366،الوسائل 9:513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.
3- المبسوط 1:262،السرائر 1:496.

مَن خرج بالنصّ و الفتوى،فما هو الجواب عنه هناك فهو الجواب هنا؛ و الدليل الصارف عن الظاهر موجود هنا أيضاً،هذا.

و المسألة مع ذلك لا تخلو عن تردّد،كما هو ظاهر جماعة،إلّا أنّ مقتضاه وجوب الأخذ بجادّة الاحتياط بتحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة يقيناً،و مرجعه إلى اعتبار الفقر.

و لا يعتبر الفقر في ابن السبيل إجماعاً كما في المنتهى، و فيه:نعم يشترط فيه الحاجة في السفر (1)؛ و البحث فيه قد تقدّم (2)،و بمثله صرّح جملة من الأصحاب (3)،بل في الروضة:و ظاهرهم هنا عدم الخلاف فيه،و إلّا كان دليل اليتيم آتياً فيه (4).

و فيه:أنّ ظاهر العبارة هنا و في السرائر (5)المخالفة،حيث أُطلق فيهما عدم اعتبار الفقر بحيث يشمل بلد التسليم،بل في السرائر استدل على عدم اعتباره هنا و في اليتيم بظاهر الآية،و هو مؤيّد لاحتمال المخالفة و إن احتمل حمل إطلاق عبارتهما هنا على عدم اعتباره في الجملة،يعني في بلده لا بلد المسافر كما في الذخيرة (6)،لكنّه بعيد في عبارة السرائر في الغاية.

و كيف كان،فلا ريب في اعتباره أيضاً في بلد التسليم؛ لما مرّ إليه الإشارة،مضافاً إلى الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً كما يفهم من

ص:252


1- المنتهى 1:552.
2- في ص:2392.
3- كصاحب المدارك 5:236،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:207،و صاحب الحدائق 12:385.
4- الروضة 2:83.
5- السرائر 1:496.
6- الذخيرة:489.

الروضة بل و غيرها (1)،بل في الإرشاد:و يعتبر في ابن السبيل الحاجة عندنا لا في بلده (2).

و لا تعتبر العدالة هنا بلا خلاف أجده؛ لإطلاق الأدلّة السليمة هنا عما يصلح للمعارضة،نعم ربما يظهر من الشرائع وجود مخالف في المسألة (3)،و في المدارك:انّه مجهول (4).

أقول: و لعلّه المرتضى،فإنّه و إن لم يصرّح باعتبارها هنا لكنّه اعتبرها في الزكاة،مستدلاً بما يجري هنا،و هو:كلّ ظاهر من قرآن أو سنّة مقطوع عليها يقتضي النهي عن معاونة الفساق و العصاة (5).فتأمّل جدّاً.

و في اعتبار الإيمان تردّد من إطلاق الأدلّة،و من أنّ الخمس عوض الزكاة،و هو معتبر فيها إجماعاً،فتوًى و روايةً،و أنّ غير المؤمن محادّ للّه بكفره،فلا يُفعل معه ما يؤذن بالمودّة،للنهي عنها في الآية الكريمة (6) و لا ريب أن اعتباره أحوط خروجاً عن الشبهة،و تحصيلاً للبراءة اليقينية.و جزم باعتباره جماعة (7)من غير مخالف صريح لهم أجده، قال المحقق الثاني:و من العجائب هاشمي مخالف يرى رأي بني أُميّة

ص:253


1- الروضة 2:83.
2- الإرشاد 1:293.
3- الشرائع 1:183.
4- المدارك 5:411.
5- الانتصار:82.
6- المجادلة:22،الممتحنة:1.
7- منهم:الشهيد في الدروس 1:262،و الشهيد الثاني في الروضة 2:83،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:228،و صاحب الحدائق 12:389.

لعنهم اللّه فيشترط الإيمان لا محالة (1).

يلحق بهذا الباب مسائل

اشارة

و يلحق بهذا الباب مسائل ثلاث:

الاُولى ما يختصّ به الإمام من الأنفال

الأُولى:

ما يختصّ به الإمام و يزيد به عن فريقه من الأنفال جمع نَفل بسكون الفاء و فتحها،و هو الزيادة،و منه سمّيت النافلة لزيادتها على الفريضة.

و هو:ما مُلك من الأرض بغير قتال أو أرض سلّمها أهلها للمسلمين طوعاً من غير قتال مع بقائهم فيها أو انجلوا عنها و تركوها.

و الأرض الموات التي باد و هلك أهلها مسلمين كانوا أو كفّاراً أو مطلق الأرض التي لم يكن لها أهل معروف.

و رءوس الجبال و بطون الأودية و المرجع فيهما إلى العرف و العادة.

و الآجام بكسر الهمزة و فتحها مع المدّ،جمع أجَمَة بالتحريك، و هي الأرض المملوّة من القَصَب و نحوه في غير الأرض المملوكة.

و ما يخصّ به ملوك أهل الحرب من الصوافي و القطائع و ضابطه:

كلّ ما اصطفاه ملك الكفار لنفسه و اختصّ به من الأموال المنقولة المعبّر عنها بالأوّل،و غيرها كالأراضي المعبّر عنها بالثاني غير المغصوبة من مسلم أو مسالم.

و ميراث من لا وارث له ممّن عدا الإمام عليه السلام،و إلّا فهو عليه السلام

ص:254


1- لم نعثر عليه في كتبه الموجودة عندنا،و حكاه عنه في المدارك 5:411.

وارث مَن يكون كذلك كما هو الفرض.

و ما يصطفيه من الغنية لنفسه،من فرس أو ثوب أو جارية أو نحو ذلك.

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده غير ما سيأتي إليه الإشارة،بل عَزا الأخيرين في المنتهى إلى علمائنا أجمع (1)،مؤذناً بدعوى إجماعهم عليهما،و لم ينقل خلافاً في سابقتهما مشعراً بكونها ممّا لا خلاف فيه بين العلماء.

و المعتبرة بالجميع مستفيضة جدّاً،بل كادت تكون متواترة (2).

و إطلاق جملة ما يتعلّق منها برؤوس الجبال و تالييها يشمل ما لو كانت الثلاثة في الأراضي المملوكة له عليه السلام أم غيرها،و نحوها كلمة أكثر الأصحاب.

خلافاً للحلّي،فقيّدها بما كانت في الأُولى خاصة (3).

و ردّه الشهيد في البيان بأنّه يفضي إلى التداخل و عدم الفائدة في ذكر اختصاصه بهذين النوعين (4).

و قيل:هو جيّد لو كانت الأخبار المتضمّنة لاختصاصه بها على الإطلاق صالحة لإثبات هذا الحكم،لكنّها ضعيفة السند،فيتّجه المصير إلى ما ذكره الحلّي،قصراً لما خالف الأصل على موضع الوفاق؛ انتهى (5).

و هو حسن لولا انجبار الضعف بإطلاق فتوى الأكثر،مع أنّ في جملة

ص:255


1- المنتهى 1:553.
2- الوسائل 9:523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1.
3- السرائر 1:498.
4- البيان:352.
5- قال به صاحب المدارك 5:409.

أخبار حسنة بإبراهيم بل صحيحة (1)عُدّ بطون الأودية،و يلحق الآخران بها بعدم قائل بالفرق بين الطائفة.

فإذاً:المتّجه الإطلاق كما عليه الجماعة،سيّما مع كثرة الروايات بعدّ الثلاثة.

و في اختصاصه عليه السلام بالمعادن الظاهرة و الباطنة في غير أرضه تردّد و اختلاف:

فبين قائلٍ به،كما هو إطلاق الشيخين على ما في التنقيح (2)،و زاد في المختلف الديلمي و القاضي و غيره (3)،و القمي في تفسيره، و الكليني (4)؛ للمروي في التفسير موثّقاً،و فيه:عن الأنفال،فقال:« هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها فهي للّه تعالى و الرسول صلى الله عليه و آله،و ما كان للملوك فهو للإمام عليه السلام،و ما كان في أرض خربة لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب،و كلّ أرض لا ربّ لها،و المعادن منها،و من مات و ليس له مولىً فماله من الأنفال» (5).

و في الوسائل:عن العياشي في تفسيره،عن أبي بصير،عن أبي جعفر عليه السلام قال:« لنا الأنفال» قال،قلت:و ما الأنفال؟قال:« منها المعادن، و الآجام،و كلّ أرض لا ربّ لها،و كلّ أرض باد أهلها فهو لنا» (6).

ص:256


1- الوسائل 9:523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 1،وص 526 ح 10.
2- التنقيح 1:343،و هو في المقنعة:278،و في المبسوط 1:263.
3- المختلف:206،الديلمي في المراسم:140،القاضي في المهذب 1:183؛ و انظر الكافي في الفقه:170.
4- تفسير القمي 1:254،الكافي 1:538.
5- تفسير القمي 1:254،الوسائل 9:531 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 20.
6- تفسير العياشي 2:/48 11،الوسائل 9:533 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 28.

و عن داود بن سرحان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال،قلت:

و ما الأنفال؟قال:« بطون الأودية،و رؤوس الجبال،و الآجام،و المعادن، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب،و كلّ أرضٍ ميتة قد جلا أهلها،و قطائع الملوك» (1).

و قصور السند أو ضعفه مجبور بعمل الجماعة،و لذا قال به أيضاً في الذخيرة (2).

و قائلٍ بأنّ أشبهه أنّ الناس فيها شَرَع سواء،كالحلّي و الماتن هنا و في المعتبر،و الفاضل في التحرير،و الشهيدين في اللمعتين (3)،و ادّعى أوّلهما عليه الشهرة في المعادن الظاهرة (4).

و لعلّه للأصل،و عدم وضوح سند الروايات إلّا الأُولى منها،و هي و إن كانت من الموثّقة،لكن متنها مختلف النسخة،فبدل« منها» في بعض النسخ« فيها» و عليه فلا دلالة لها إلّا على المعادن في أرضه عليه السلام،و نحن نقول به.

بل على تقدير تعيّن نسخة« منها» كما هي الأكثر الدلالة أيضاً غير واضحة،لاحتمال رجوع الضمير إلى الأرض لا الأنفال،سيّما مع قرب المرجع،و استلزام الرجوع إلى الأنفال استئناف الواو مع أنّ الأصل فيها العطف،سيّما مع كونه مغنياً عن قوله:« منها» كما لا يخفى،فزيادته دليل

ص:257


1- تفسير العياشي 2:/49 21،الوسائل 9:534 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 32 و فيهما:داود بن فرقد بدل داود بن سرحان.
2- الذخيرة:490.
3- السرائر 1:498،المعتبر 2:635،التحرير:75،الروضة 2:85.
4- الدروس 1:264.

على ما قلنا.

و في بلوغ عمل الجماعة الشهرة الجابرة لما عدا الموثّقة مناقشة، سيّما و أنّ الشهرة على الخلاف كما في الدروس (1)،فلا يخرج به عن مقتضى الأصل المقطوع،سيّما مع تأيّده بخلوّ الأخبار الكثيرة المعتبرة البالغة حدّ التواتر عن عدّ المعادن،و بالأخبار الكثيرة القريبة من التواتر بل المتواترة الدالة على أنّ المعادن مما يجب فيه الخمس (2)،و هو منافٍ لكونها من الأنفال،إذ لا معنى لوجوبه في ماله عليه السلام على الغير.

لكن أجاب عن هذا في الذخيرة:بأنّه يجوز أن يكون الحكم في المعادن أنّ من أخرجه بإذنه عليه السلام يكون خمسه له و الباقي له (3)،كما صرّح به الكليني و سلّار (4)،و معنى كونه مالكاً للمجموع أنّ له التصرف في المجموع بالإذن و المنع،فمعنى تلك الأخبار أنّ من أخرجها على الوجه الشرعي كان عليه الخمس،و هو إنّما يكون مع إذنه عليه السلام.

و لا يخفى أنّ هذا الجواب إنّما يتمشّى على تقدير ثبوت كونها له فيرتكب جمعاً،و إلّا فلا ريب أنّه خلاف الظاهر المنساق إلى الذهن عند فقد الدليل من تلك الأخبار.

و قيل:إذا غَزا قوم بغير إذنه فغنيمتهم له و القائل الثلاثة و أتباعهم كما صرّح به جماعة (5)؛ للخبر:« إذا غَزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت

ص:258


1- الدروس 1:264.
2- الوسائل 9:491 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3.
3- الذخيرة:490.
4- كما في الكافي 1:538،و المراسم:140.
5- صرَّح به في المعتبر 2:635،و التنقيح 1:343،و المدارك 5:417،و هو في المقنعة:279،و النهاية:200،و المهذب 1:186.

الغنيمة كلّها للإمام،و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» (1).

و هذه الرواية و إن كانت مقطوعة أي مرسلة ضعيفة، إلّا أنّها منجبرة بالشهرة العظيمة المقطوع بها،المحكية في التنقيح و المسالك و الروضة و غيرها من كتب الجماعة (2)،بل في الأوّل:أنّ عليها عمل الأصحاب،و في الأخير:أنّه لا قائل بخلافها،و عن الخلاف و الحلّي دعوى الإجماع (3)؛ و هو حجّة أُخرى.مضافاً إلى التأيّد برواية صحيحة مروية في الكافي في كتاب الجهاد في أوّل باب قسمة الغنيمة،و فيها:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم،كيف تقسّم؟قال:

« إن قاتلوا عليها مع أميرٍ أمّره الإمام عليهم،أُخرج منها الخمس للّه تعالى و الرسول و قسّم بينهم ثلاثة (4)أخماس،و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعل حيث أحبّ» (5).

و بجميع ذلك يقيّد إطلاق الآية الكريمة بما إذا كان بالإذن،كما هو المتبادر من حال المخاطبين المشافهين بها،و لا بُعد في جعل ذلك أيضاً دليلاً على ضعف إطلاقها.

و أمّا الصحيح:في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة،قال:« يؤدّي خمسها و تطيب له» (6)فلندوره و عدم مقاومته

ص:259


1- التهذيب 4:/135 378،الوسائل 9:529 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 16.
2- التنقيح 1:343،المسالك 1:68،الروضة 2:85؛ و انظر الحدائق 12:478.
3- الخلاف 4:190،السرائر 1:497.
4- كذا في النسخ،و في المصدر:«أربعة».
5- الكافي 5:/43 1،الوسائل 15:84 أبواب جهاد العدو و ما يناسبه ب 41 ح.
6- التهذيب 4:/124 357،الوسائل 9:488 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 8.

لمقابله يحتمل الحمل على تحليله عليه السلام لذلك الرجل بخصوصه حيث إنّه من الشيعة حقّه من ذلك،فما استجوده بعض المتأخّرين:من العمل بظاهره وفاقاً لمقوّى المنتهى (1)فيه ما فيه.

الثانية لا يجوز التصرف فيما يختصّ به مع وجوده

الثانية :.لا يجوز التصرف فيما يختصّ به مطلقاً مع وجوده و عدم غيبته إلّا بإذنه بالكتاب و السنة المستفيضة،قال اللّه سبحانه: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [1] (2)الآية،و قال عليه السلام:« لا يحلّ مال أمر مسلمٍ إلّا عن طيب نفسه» (3).

و استدل عليه في المنتهى (4)بالنصوص المتضمّنة لتأكيدهم عليهم السلام في إخراج الخمس،و عدم إباحتهم له مطلقاً.

ففي الصحيح:يا سيّدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ، فإنّي أنفقتها،فقال:« أنت في حلّ» فلمّا خرج قال عليه السلام:« أحدهم يَثِب على أموال آل محمّد صلى الله عليه و آله و أيتامهم و مساكينهم و فقرائهم و أبناء سبيلهم فيأخذها،ثم يجيء فيقول:اجعلني في حلّ،أ تراه ظنّ أنّي أقول:لا أفعل، و اللّه ليسألنّهم اللّه تعالى يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثا» (5).

و في الخبر:كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الإذن في الخمس،فكتب:« بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ،إنّ

ص:260


1- المنتهى 1:554،المدارك 5:418.
2- النساء:29.
3- عوالي اللآلي 2:/113 309.
4- المنتهى 1:554.
5- أُصول الكافي 1:/548 27،التهذيب 4:/140 397،الإستبصار 2:/60 197،الوسائل 9:537 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 1.

اللّه واسع كريم،ضمن على العمل الثواب،و على الخلاف العقاب،لا يحلّ مال إلّا من وجهٍ أحلّه اللّه تعالى،إنّ الخمس عوننا على ديننا و على عيالنا و على أموالنا و ما نبذل و ما نشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته،فلا تَزووه عنّا،و لا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه،فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم و تمحيص ذنوبكم،و ما تمهّدون لأنفسكم في يوم فاقتكم، و المسلم من يفي اللّه تعالى بما عاهد عليه،و ليس المسلم من أجاب باللسان و خالف بالقلب،و السلام» (1).

و في آخر:قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السلام، فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس،فقال:« ما أمحل هذا!تمحضونا المودة بألسنتكم و تَزوون عنّا حقّا جعله اللّه تعالى لنا و جعل لنا الخمس، لا نجعل أحداً منكم في حلّ» (2).

أقول: و نحوها كثير من الأخبار،منها:الصحيح لعلي بن مهزيار، و هو طويل و في آخره:« و أمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» إلى أن قال:« فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصله إلى وكيلي،و من كان نائياً بعيد الشقَّة فليعمد لإيصاله و لو بعد حين،فإنّ نية المؤمن خير من عمله» (3).

ص:261


1- أُصول الكافي 1:/547 25،التهذيب 4:/139 395،الإستبصار 2:/59 195،الوسائل 9:538 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 2 بتفاوت يسير.
2- أُصول الكافي 1:/548 26،التهذيب 4:/140 396،الإستبصار 2:/60 196،الوسائل 9:539 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 3 بتفاوت يسير.
3- التهذيب 4:/141 398،الإستبصار 2:/60 198،الوسائل 9:501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5 بتفاوت يسير.

و الخبر:قلت له عليه السلام:ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟قال:« من أكل من مال اليتيم درهماً و نحن اليتيم» (1).

و في آخر:« من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره اللّه تعالى،اشترى ما لا يحل له» (2)و نحوه آخر لا يحل لاحد ان يشترى من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقّنا و نحوها التوقيع عن مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه فرجه،المروي عن إكمال الدين و إتمام النعمة،و فيه اللعن على من استحلّ التصرف فيه من غير الإذن (3).

و لا يضرّ قصور سند جملة من هذه الأخبار بعد انجبارها بموافقة الكتاب العزيز،و السنة المطهّرة،و الاعتبار،و موافقة ما عداها من الصحاح.

و في حال الغيبة لا بأس بالمناكح للشيعة خاصّة،على الأشهر بين الطائفة،كما صرّح به جماعة (4)،بل في ظاهر المنتهى دعوى الإجماع عليه (5)كما يأتي.

و هو الأظهر،سواء فسّرت بالجواري المسبية من دار الحرب مطلقاً، أو بمَهر الزوجة و ثمن السراري من أرباح التجارات خاصّة؛ لدخولها بالمعنى الثاني في المؤن المستثناة،و التنصيص على إباحتها بالمعنى الأوّل في المعتبرة المستفيضة،و هي ما بين صريحة فيه أو ظاهرة،ففي الحسن

ص:262


1- الفقيه 2:/22 78،الوسائل 9:483 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 1 ح 1.
2- التهذيب 4:/136 381،الوسائل 9:484 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 1 ح 5.
3- أُصول الكافي 1:/545 14،الوسائل 9:484 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 1 ح 4.
4- الذخيرة:491،الكفاية:45،الحدائق 12:481.
5- المنتهى 1:555.

قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة عليها السلام:« أحلّي نصيبكِ من الفيء لآباء شيعتنا لتطيبوا» ثم قال:« إنّا أحللنا أُمّهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا» (1).

و المروي عن تفسير مولانا العسكري،عن آبائه،عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لرسول اللّه صلى الله عليه و آله:« قد علمتُ أنّه سيكون بعدك مَلِك عَضوض و جبر مستولى على خمسي من السبي و الغنائم و يبيعونه،و لا يحلّ لمشتريه،لأنّ نصيبي فيه،و قد وهبت نصيبي منه لكلّ من طلب شيئاً من ذلك من شيعتي،ليحلّ لهم منافعهم من مأكل و مشرب،و لتطيب مواليدهم، و لا يكون أولادهم أولاد حرام،فقال:ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك، و قد تبعك رسول اللّه صلى الله عليه و آله في فعلك،أُحلّ للشيعة كلّ ما كان فيه من غنيمة أو بيع من نصيبه على واحد من شيعتي،و لا أُحلّها أنا و لا أنت لغيرهم» (2).

و في الصحيح:قال أمير المؤمنين عليه السلام:« هلك الناس في بطونهم و فروجهم لا يُؤدّون إلينا حقّنا،ألا و إنّ شيعتنا من ذلك و أبناءهم في حلّ» (3).

و في آخر:قلت له:إنّ لنا أموالاً و تجارات و نحو ذلك،و قد علمت أنّ لك فيها حقّا،قال:« فلم أحللنا إذاً لشيعتنا إلّا لتطيب ولادتهم،و كلّ من

ص:263


1- التهذيب 4:/143 401،الوسائل 9:547 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 10.
2- تفسير العسكري:86،الوسائل 9:552 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 20.
3- التهذيب 4:/137 386،الإستبصار 2:/58 191،المقنعة:279،علل الشرائع:/377 2،الوسائل 9:543 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 1 بتفاوت يسير.

و إلى آبائي فهم في حلّ مما في أيديهم من حقّنا،فليبلغ الشاهد الغائب» (1).

إلى غير ذلك من النصوص الكثير المتضمنة للحكم مع العلّة المسطورة في هذه الروايات.

و لأجلها خصّ المفيد و الماتن و مَن تبعهما ما أباحوه للشيعة بالمناكح خاصة (2)،مع ما فيه من الجمع بين النصوص المختلفة في هذا الباب، المبيحة للخمس على الإطلاق،و المؤكّدة في إخراجه على أيّ حال.

و خلاف الحلبي هنا و فيما يأتي بعدم التحليل (3)نادر لا وجه له،عدا العمومات كتاباً و سنة بوجوب الخمس،المخصَّصة بما مرّ،و كذا خلاف الإسكافي (4)،كما يأتي.

و ألحق الشيخ في النهاية و غيرها،و الحلّي في السرائر (5) المساكن و المتاجر و تبعهما جماعة من المتأخّرين (6).

و لا بأس به في الأوّل مطلقاً،سواء فسّر بما يختص به عليه السلام من الأرض أو من الأرباح،بمعنى أنّه يستثنى منها مسكن فما زاد مع الحاجة؛ لرجوع الأوّل إلى الأراضي المباحة في زمن الغيبة،كما يأتي إليه الإشارة في

ص:264


1- التهذيب 4:/143 399،الوسائل 9:547 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 9.
2- كما في المقنعة:285؛ و راجع المنتهى 1:555،الدروس 1:263.
3- الكافي في الفقه:174.
4- نقله عنه في المنتهى 1:555.
5- النهاية:200،و المبسوط 1:263،السرائر 1:498.
6- منهم:المحقق في الشرائع 1:184،و العلّامة في التذكرة 1:255،و الشهيد في الروضة 2:80.

كتاب إحياء الموات،و الثاني إلى المؤن المستثناة من الأرباح.

و في الثاني إن فسّر بما يشترى من الغنيمة المأخوذة من أهل الحرب في حال الغيبة،أو بشراء متعلّق الخمس ممن لا يخمس،فلا يجب على المشتري إخراجه إلّا أن يتّجر فيه و يربح؛ لرواية مولانا العسكري المتقدمة و غيرها،المعتضدة بالشهرة المحكية في كلام جماعة (1)،مع استلزام عدم الإباحة لمثله العسر و الحرج المنفيين في الشريعة،آيةً و روايةً.

و بذلك أشار الفاضل المقداد في التنقيح،فقال:و لا شكّ أنّ العمل بهذا القول أخذ باليسر و رفع للحرج اللازم،و جمع بين الروايات (2).

هذا مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،الدالة على إباحة الأئمة عليهم السلام الخمس كلّه للشيعة (3)،خرج ما عدا الثلاثة بالإجماع ممّن عدا الديلمي و بعض المتأخرين (4)،فتبقى هي تحتها مندرجة.

و لا فرق في ظاهر أكثر الأدلّة بل و الفتاوى ما عدا العبارة بين حالتي الحضور و الغيبة،و به صرّح في المنتهى،فقال:و قد أباح الأئمة عليهم السلام لشيعتهم المناكح في حالتي ظهور الإمام و غيبته،و عليه علماؤنا أجمع،لأنّه مصلحة لا يتمّ التخلّص من المآثم بدونها،فوجب في نظرهم عليهم السلام فعلها،و الإذن في استباحة ذلك من دون إخراج حقّهم منه،لا على أنّ الواطئ يطأ الحصّة بالإباحة،إذ قد ثبت أنّه يجوز إخراج الخمس بالقيمة،فكان الثابت قبل الإباحة في الذمة إخراج خمس العين من الجارية

ص:265


1- الروضة 2:80،الحدائق 12:444.
2- التنقيح 1:345.
3- الوسائل 9:543 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4.
4- الديلمي في المراسم:140؛ و انظر المدارك 5:419.

أو قيمته،و بعد الإباحة ملكها الواطئ ملكاً تامّاً،فاستباح وطؤها بالملك التامّ.

إلى أن قال:و ألحق الشيخ به المساكن و المتاجر؛ و الدليل على الإباحة:ما رواه الشيخ عن أبي خديجة سالم بن مكرم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

قال،قال له رجل و أنا حاضر:حلّل لي الفروج،ففزع أبو عبد اللّه عليه السلام، فقال رجل:ليس يسألك أن يعترض الطريق،إنّما يسألك خادماً يشتريها،أو امرأة يتزوّجها،أو ميراثاً يصيبه،أو تجارةً أو شيئاً أعطاه، فقال:« هذا لشيعتنا حلال،الشاهد و الغائب،و الميت منهم و الحي و ما يولد منهم إلى يوم القيامة،فهو لهم حلال» الحديث (1)،إلى آخر ما ذكره رحمه الله (2).

و كلماته هذه كما ترى كالصريحة في الثلاثة بجميعها بعدم اختصاصها بزمن الغيبة.

و ما ذكره في المناكح من أنّ إباحتها تمليك لا تحليل،قد صرّح به في الدروس أيضاً (3)،و ارتضاه جماعة (4).و هو كذلك،لظواهر النصوص المتقدمة.

ثم إنّ دعواه الإجماع على إباحة المناكح في حالتي الظهور و الغيبة منافية لما حكاه هو تبعاً للماتن (5)عن الإسكافي،حيث قال:و كما يسوغ له أن يحلّل في زمانه فكذلك يسوغ له أن يحلّل بعده،و قال ابن

ص:266


1- التهذيب 4:/137 384،الإستبصار 2:/58 189،الوسائل 9:544 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 4.
2- المنتهى 1:555.
3- الدروس 1:263.
4- كصاحبي المدارك 5:420،و الحدائق 12:444.
5- المعتبر 2:637.

الجنيد:لا يصحّ التحليل إلّا لصاحب الحق في زمانه،إذ لا يسوغ تحليل ما يملكه غيره.و هو ضعيف؛ لأنّهم عليهم السلام قد أباحوا و جعلوا الغاية قيام القائم في أكثر الأحاديث (1)،و الإمام لا يحلّ إلّا ما يعلم أنّ له الولاية في إباحته، و إلّا لاقتصر على زمانه و لم يقض فيه بالدوام؛ و يؤيّده ما رواه أبو خالد الكابلي قال،قال:« إن رأيت صاحب هذا الأمر يُعطي كلّ ما في بيت المال رجلاً واحداً فلا يدخلنّ في قلبك شيء،فإنّه إنّما يعمل بأمر اللّه» (2)(3).و كذا حكى الخلاف عن الحلبي في المختلف في أصل التحليل، فنفاه مطلقاً (4)؛ و لعلّه لندورهما لم يعتدّ بهما.

و كيف كان،فلا ريب في ضعفهما لتواتر الأخبار بالتحليل و لو في الجملة،و عليها عمل الأصحاب كافّة،و إن اختلفوا في العمل بها مطلقاً،أو في الثلاثة المتقدمة خاصة،أو المناكح منها خاصة،أو غير ذلك على أقوال،سيأتي في المتن إليها الإشارة،فبها يقيّد عموم الكتاب و السنة و نحوهما مما يوجب الخمس مطلقاً.

هذا مضافاً إلى الإجماع المنقول زيادةً على ما في المنتهى في البيان للشهيد على ما حكاه عنه في الروضة (5)،و لأجله اختار التحليل في الثلاثة.

الثالثة يصرف الخمس إليه مع وجوده

الثالثة:

. يصرف الخمس إليه مع وجوده عليه السلام وجوباً بالإضافة إلى حصّته

ص:267


1- الوسائل 9:548 أبواب الأنفال ب 4 ح 12،13،16.
2- التهذيب 4:/148 412،الوسائل 9:520 أبواب قسمة الخمس ب 2 ح 3.
3- المنتهى 1:555.
4- الكافي في الفقه:174،المختلف:207.
5- المنتهى 1:555،البيان:351،الروضة 2:80.

قطعاً،و كذا بالإضافة إلى حصص الباقين احتياطاً،كما يستفاد من النصوص قولاً و فعلاً.

و له ما يفضل عن كفاية الأصناف الثلاثة من نصيبهم،و عليه الإتمام لو أعوز كما في مرسلة حمّاد بن عيسى،المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه (1)،و نحوه اخرى مقطوعة (2).

و عليهما فتوى الشيخين و جماعة كما في المعتبر و المنتهى (3)،بل يفهم منهما كونهما مجمعاً عليهما بين قدماء أصحابنا،و لذا عملا بهما، و في المختلف و المسالك و غيرهما دعوى اشتهارهما (4)،و لا ريب فيه، فيجبر به ضعف سندهما،مع اعتبار الأوّل منهما في الجملة،بل قال بحجّية مثله جماعة،فالقول بهما متعيّن.

خلافاً للحلّي،فلا يجوز له الأخذ و لا عليه إتمام المُعوِز (5)،لوجوه لا بأس بها لولا الرواية المنجبرة بالشهرة العظيمة بين أصحابنا.

و في شرح القواعد للمحقق الثاني بعد اختياره المختار قال:و يتفرّع عليه جواز صرف حصّته في حال الغيبة إليهم،و عدم جواز إعطاء زائد على مئونة السنة (6).و هو ظاهر غيره أيضاً (7)،إلّا أنّه يشكل بأنّه قد توقّف

ص:268


1- الكافي 1:/539 4،الوسائل 9:520 أبواب قسمة الخمس ب 3 ح 1.
2- التهذيب 4:/126 364،الوسائل 9:521 أبواب قسمة الخمس ب 3 ح 2.
3- المفيد في المقنعة:278،الطوسي في المبسوط 1:262،المعتبر 2:638،المنتهى 1:554.
4- المختلف:206،المسالك 1:68؛ و انظر الحدائق 12:382.
5- السرائر 1:492.
6- جامع المقاصد 3:54.
7- انظر المعتبر 2:638،مجمع الفائدة و البرهان 4:357.

جماعة في المسألة،و مع ذلك فذهبوا إلى جواز صرف حصّته في زمان الغيبة إليهم على وجه التتمة،كالفاضل في التحرير و المختلف و صاحب الذخيرة (1).و مع ذلك فالمتفرع على المختار الوجوب لا الجواز،إلّا أن يراد به المعنى الأعم الشامل له.

و مع غيبته يصرف إلى الأصناف الثلاثة مستحقهم على الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل لا خلاف فيه أجده،إلّا من نادر من القدماء،حكى الشيخان و غيرهما (2)عنه القول بإباحة الخمس مطلقاً،و تبعه صاحب الذخيرة (3).

و هو ضعيف في الغاية،لإطلاق الكتاب و السنة مما مضى في بحث القسمة،و ظهورها في اختصاص النصف بالأصناف،و اعتضادها بالنصوص المتواترة الظاهرة في وجوب الأخماس و بقائه إلى يوم القيامة،سيّما و إنّ في بعضها المنجبر سنده بالفتاوى و الاعتبار تعويضهم بل مطلق الذرية بها عن الزكاة صيانةً لهم عن أوساخ أيدي الناس،مع سلامتها عن المعارض، عدا أخبار التحليل من الصحاح و غيرها.

و فيها مع ضعف جملة منها سنداً،و اختصاص بعضها ببعضهم عليهم السلام صريحاً،كالصحيح:« من أعوزه شيء من حقّي فهو في حلّ» و معارضتها بمثلها ممّا قد دلّ على مطالبتهم إيّاها في زمانهم،مصرّحاً بعدم التحليل في بعضها،و بأنّه« ليسألنّهم اللّه يوم القيامة سؤالاً حثيثاً» (4)-:أنّه ليس في شيء

ص:269


1- التحرير:75،المختلف:206،الذخيرة:488.
2- المقنعة:285،المبسوط 1:264؛ و انظر السرائر:498.
3- الذخيرة:492.
4- الفقيه 2:/23 88،التهذيب /143 400،الوسائل 9:543 أبواب الأنفال و يختص بالإمام ب 4 ح 2.

منها التصريح بإباحة الأخماس كلّها،بل و لا مما يتعلّق بالأئمة جميعاً،و إنّما غايتها إفادة إباحة بعضهم شيئاً منها أو للخمس مطلقاً،لكن كونه ما يتعلّق بالجميع أو به خاصّة فلا،مع أنّ مقتضى الأُصول تعيّن الأخير.

فليس في تعليل الإباحة بطيب الولادة و التصريح بدوامها و إسنادها بصيغة الجمع في جملةٍ،دلالةٌ على تحليل ما يتعلّق بالأصناف الثلاثة،بل و لا ما يتعلّق بمَن عدا المحلِّل مِن باقي الأئمة عليهم السلام،لظهور أن ليس المقصود من الأوّل تطيّبها من كلّ محرّم،و إلّا لاستبيح بذلك أموال الناس كافّة،و هو مخالف للضرورة،فيحتمل طيبها من مال المحلِّل خاصّة،أو ما يتعلّق بجميعهم عليهم السلام من الأُمور الثلاثة المتقدمة،كما نزّلها عليه جمهور الأصحاب،و إرادة هذا مما يجتمع معه إطلاق الدوام و الإباحة بصيغة الجمع، فلا دلالة في شيء منهما على عموم التحليل و الكليّة.

مع أنّ« أحللنا» بالإضافة إلى مَن يأتي مجاز قطعاً،و كما يمكن ذلك يمكن التعبير بها عن المحلِّل أو مع من سبقه خاصّة،و الترجيح لا بُدّ له من دليل،و ليس إن لم نقل بقيامه على الأخير.

و لذا أنّ في المدارك لم يجعل هذه القرائن أمارة على إباحة الأخماس مطلقاً (1)،و إنّما استند إليها لإثباتها بالإضافة إلى حقوقهم عليهم السلام خاصّة، و لكن فيه أيضاً ما عرفته.

و بالجملة فالخروج عن ظاهر الآية و السنة من اختصاص النصف بالأصناف الثلاثة و الباقي بالأئمّة عليهم السلام بمثل ذلك لا وجه له.

و أمّا الذبّ في الذخيرة (2)عن الآية:باختصاصها بالغنائم المختصة

ص:270


1- المدارك 5:419.
2- الذخيرة:492.

بحال الحضور دون الغيبة،مع أنّها من الخطابات الشفاهية المتوجّهة إلى الحاضرين خاصّة،و التعدية إلى الغيبة بالإجماع إنّما يتمّ مع التوافق في الشرائط،و هو ممنوع في محلّ البحث،فلا تنهض حجّة في زمان الغيبة، و لو سلّم فلا بُدّ من صرفها إلى خلاف ظاهرها إما بالجمل على بيان المصرف أو بالتخصيص،جمعاً بينها و بين الأخبار الدالة على الإباحة.

و عن السنة:بضعف أسانيدها جملةً،مع أنّها غير دالّة على تعلّق النصف بالأصناف على وجه الملكيّة أو الاختصاص مطلقاً،بل دلّت على أنّ الإمام يقسّمه كذلك،فيجوز أن يكون هذا واجباً عليه من غير أن يكون شيء من الخمس ملكاً لهم أو مختصّاً بهم،سلّمنا،لكنّها تدل على ثبوت الحكم في زمان الحضور لا مطلقاً،فيجوز اختلاف الحكم باختلاف الأزمنة،سلّمنا،لكن لا بُدّ من التخصيص فيها و صرفها عن ظاهرها،جمعاً بين الأدلّة (1).

فضعيف في الغاية؛ لما عرفت من عموم الغنيمة لكلّ فائدة إجماعاً منّا كما مضى،و فُسّرت بها في المستفيضة،و فيها الصحيح و غيره،و منها يظهر عموم الحكم في الآية لمن غاب عن زمن الرسول صلى الله عليه و آله،حيث اتي بها فيها لثبوته في زمانهم عليهم السلام،و هو متأخّر عن زمانه صلى الله عليه و آله،مع أنّ أخبار التحليل للخمس مؤبّداً إلى يوم القيامة كاشف عن بقاء الحكم كذلك،و إلّا فلا معنى للتحليل بالكليّة.

هذا،مع أنّ الإجماع ثابت على الشركة في الحكم،و الآية المفيدة له بالإضافة إلى شرط الحضور مطلقة،فالتقييد يحتاج إلى دلالة هي في المقام

ص:271


1- الذخيرة:492.

مفقودة.

مع أنّ دعوى اشتراط الحضور مما كاد أن يحصل القطع بفسادها،بل فسادة و مخالفة للإجماع و الضرورة،لأنّ المبيح في زمن الغيبة مع ندرته يقول به من جهة التحليل لا من عدم عموم الدليل.

و صرف الآية عن ظاهرها جمعاً يتوقف على المعارض الأقوى، و ليس،لما مضى من عدم وضوح دلالة أخبار التحليل على ما يوجب صرفها عن ظاهرها.

و مع ذلك فظهور الآية أرجح،بالاعتضاد بالشهرة العظيمة بين أصحابنا،بحيث كاد أن يكون المخالف لهم نادراً،بل نادر جدّاً،و بإطلاق السنة المتواترة بإيجاب الأخماس كما عرفته.

و مع ذلك فالجمع غير منحصر فيما ذكره،لإمكانه بوجوه،و منها:

ما عليه جمهور أصحابنا من تخصيص أخبار التحليل بالمناكح و أُختيها خاصّة، و لا وجه لأولوية الأوّل على هذا إن لم يكن هذا أولى،كما هو ذلك جدّاً.

و ضعف أسانيد السنة قد عرفت انجبارها بعمل الأصحاب في بحث القسمة،و به اعترف (1)ثمة؛ مضافاً إلى اشتهار ما دلّت عليه من الاختصاص بالخصوص في المسألة،و مع ذلك معتضدة بظاهر الكتاب.

و إنكار دلالتها على تعلّق النصف بالأصناف على وجه الملكيّة أو الاختصاص مكابرة صرفة،لتضمّن بعضها بعد ذكر الخمس و أنّه يقسّم ستة قوله:« و النصف له،و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمّد صلى الله عليه و آله،الذين لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة،عوّضهم اللّه تعالى مكان

ص:272


1- الذخيرة:485.

ذلك بالخمس» (1).

و لا ريب أنّ اللام هنا للملك أو الاختصاص،و قد اعترف هو به في الآية في بعض كلماته،و يؤكّده ذكر التعويض لهم عن الصدقة.

و نحوه في آخر منه،و فيه:« و إنّما جعل اللّه تعالى هذا الخمس لهم خاصّة دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم،عوضاً لهم عن صدقات الناس، تنزيهاً من اللّه تعالى لهم،لقرابتهم من رسول اللّه،و كرامةً من اللّه تعالى لهم عن أوساخ الناس،فجعل لهم خاصّة من عنده ما يغنيهم عن أن يصيّرهم في موضع الذلّ و المسكنة» إلى أن قال أيضاً:« و جعل لفقراء رسول اللّه صلى الله عليه و آله نصف الخمس،فأغناهم به عن صدقات الناس،فلم يبق فقير من فقراء الناس،و لم يبق فقير من فقراء قرابة الرسول إلّا و قد استغنى،فلا فقير» (2)الحديث و أيّ دلالة تريد أوضح من هذا.

و بها يجاب عن احتمال اختصاص التملك و الاستحقاق بزمن الحضور،لصراحة التعويض عن الصدقة،و قوله عليه السلام بعده:« فلا فقير» في خلاف ذلك.و في تخصيصها و صرفها عن ظاهرها جمعاً ما مضى حرفاً بحرف.

و بالجملة: لا ريب في فساد أمثال هذه المناقشات.فإذاً:المعتمد ما عليه جمهور الأصحاب،من لزوم صرف مستحق الأصناف الثلاثة إليهم على الإطلاق،إلّا ما أباحه بعضهم عليهم السلام في حال حضوره،و لعلّه لجبره ذلك من عنده.و ظاهر سياق المتن أنّه لا خلاف في ذلك.

ص:273


1- التهذيب 4:/126 364،الوسائل 9:514 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 9.
2- الكافي 1:/539 4،التهذيب 4:/128 366،الاستبصار 2:/56 185 و فيه صدر الحديث،الوسائل 9:513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.

و في مستحقه عليهم السلام أقوال منتشرة،و لكن الذي استقرّ عليه رأي المتأخّرين كافّة على الظاهر،المصرّح به في المدارك (1)،و في كلام جماعة (2)دعوى الشهرة تبعاً للمفيد في العزّية،و حكاه في المختلف عن جماعة (3):أنّ أشبهها جواز دفعه إلى مَن يعجز حاصلهم من الخمس عن قدر كفايتهم عن مئونة السنة على وجه التتمة لا غير لما مرّ من وجوب إتمام ما يحتاجون إليه من حصّته مع حضوره (4)،فكذا مع غيبته، لأنّ الحق الواجب لا يسقط بغيبة من ثبت في حقه.

مؤيّداً بأنّ مثل هذا التصرف لا ضرر فيه على المالك بوجه،فينتفي المانع منه،بل ربما يعلم رضاه به إذا كان المدفوع إليه عن أهل الاضطرار و التقوى،و كان المال معرضاً للتلف مع التأخير،كما هو الغالب في مثل هذا الزمان،فيكون الدفع إلى من ذكرناه إحساناً محضاً،و ما على المحسنين من سبيل،و لا ريب في كونه أحوط للمالك كما صرّح به جماعة من متأخّري المتأخّرين (5).

و ربما يستشكل في إلزامه بذلك،للأخبار المتضمّنة لتحليلهم عليهم السلام لشيعتهم من ذلك (6).

و فيه ما مرّ من أنّ المتيقّن منها ليس إلّا تحليل مَن عدا صاحب الزمان

ص:274


1- المدارك 5:426.
2- كشيخنا الشهيد الثاني في الروضة 2:79 و خالي العلّامة المجلسي عليه الرحمة في زاد المعاد:584.منه رحمه اللّه.
3- المختلف:209 و 210.
4- راجع ص:2485.
5- منهم:الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:229،و المدارك 5:427.
6- الوسائل 9:543 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4.

لحقّه في زمانه،أو مطلق حقّهم مما يتعلق بالمناكح و أُختيها بالمعنى الذي قدّمناه خاصّة،و أمّا ما عدا ذلك فلم يثبت،فالأصل بقاؤه على حاله.

نعم،في الوسائل و الذخيرة و غيرهما عن الصدوق في كما الدين و تمام النعمة رواية متضمنه لتوقيعه عليه السلام إلى محمّد بن عثمان العمري، و فيه:« أمّا ما سألت عنه» إلى أن قال:« و أمّا المتلبّسون بأموالنا ممّن يستحلّ شيئاً منها فأكله فإنّما يأكل النيران،و أمّا الخمس فقد أُبيح لشيعتنا و جُعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث» (1).

لكنّها مع قصور سندها لتضمنه جملةً من الجهلاء،و مع نوع تأمّل في دلالتها،للتعبير بصيغة المجهول معارض بما في الكتب المزبورة عن الصدوق أيضاً في الكتاب المزبور من توقيع آخر بسند غير واضح كالسابق، و فيه: « بسم اللّه الرّحمن الرّحيم،لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين على من أكل من مالنا درهماً حراماً» (2).

و بمعناه توقيع آخر مروي في الذخيرة عنه في الكتاب المزبور،بسند لا يخلو عن اعتبار،كما صرّح به فيها،و فيه:« من استحلّ ما في يده من أموالنا و يتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا ملعون،و نحن خصماؤه يوم القيامة» إلى أن قال:« و من أكل من أموالنا شيئاً فإنّما يأكل في بطنه ناراً و سيصلى سعيراً» (3).

ص:275


1- كمال الدين:/483 4،الوسائل 9:550 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 16.
2- كمال الدين:/522 51،الاحتجاج:469 471،الوسائل 9:540 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 7.
3- كمال الدين:/520 49،الاحتجاج:479،الوسائل 9:540 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 7.

و أمّا ما أجاب عنه به في الذخيرة:من أنّ المستفاد منه توجّه الذمّ إلى من تصرّف في شيء من أموالهم بغير أمرهم و إذنهم،و هو لا ينافي جواز التصرّف للشيعة في الخمس أو مطلق حقوقهم بإذنهم،كما يستفاد من الأخبار (1).

فحسن إن ثبت منها الإذن عموماً،و فيه ما مضى،هذا.

و في الوسائل روى عن كتاب الخرائج و الجرائح حديثاً بطريق غير واضح عنه،و فيه:« يا حسين،كم تَرزَأ (2)على الناحية؟و لِمَ تمنع أصحابي من خمس مالك»؟ثم قال:« و إذا مضيت إلى الموضع الذي تريده فدخلته عفواً و كسبت ما كسبت تحمل خمسه إلى مستحقه» قال،فقلت:السمع و الطاعة،ثم ذكر في آخره أنّ العمري أتاه و أخذ خمس ماله بعد ما أخبره بما كان (3).

و هل الدفع إليهم على الوجوب كما هو ظاهر المفيد (4)و الدليل؟أم الجواز المخيّر بينه و بين الحفظ و الإيصاء كما هو ظاهر كثير (5)؟ و لا ريب أنّ الأوّل أحوط إن لم نقل بكونه المتعيّن،و به صرّح من متأخّري المتأخّرين جمع (6).

ص:276


1- الذخيرة:483.
2- الخرائج و الجرائح 1:/472 17،الوسائل 9:541 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 9.
3- رَزَأ الشيء:نقصه.القاموس المحيط 1:17.
4- المقنعة:278.
5- كالعلّامة في المختلف:209،و الشهيد في الدروس 1:262.
6- منهم:ابن فهد في المهذّب البارع 1:571،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:229،و صاحب المدارك 5:426،و في الذخيرة عن شيخنا الشهيد الثاني أنه نقل اتفاق القائلين بوجوب صرفه في الأصناف على ذلك(منه رحمه اللّه).

ثم هل يشترط مباشرة الفقيه المأمون له كما هو ظاهر المتأخّرين،بل صرّح جملة منهم بضمان المباشر غيره (1)؟أم لا،بل يجوز لغيره كما هو ظاهر إطلاق المفيد؟ و لا ريب أنّ الأوّل أوفق بالأُصول،إلّا أن يكون مباشرة الغير بإذن الفقيه فيجوز،كما في الدروس (2)،و عليه الخال العلّامة أدام اللّه سبحانه ظلاله (3).

و هل يجوز دفعه إلى الموالي كالذريّة،كما استحسنه ابن حمزة، و نفى عنه البعد المفيد في غير العزّية (4)،أم لا؟و الوجه:التفصيل بين وجود المستحق من الذريّة فلا،و فقده فلا بأس به،لما مرّ من الاعتبار العقلي،و أنه إحسان محض ليس شيء على فاعله.

و الحمد للّه أوّلاً و آخراً و ظاهراً و باطناً،و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين.

ص:277


1- كالعلّامة في الإرشاد 1:294،و الشهيد في الروضة 2:79،و السبزواري في الذخيرة:492.
2- الدروس 1:262.
3- الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح(مخطوط).
4- الوسيلة:137،المقنعة:286.

ص:278

كتاب الصوم

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به ثقتي و عليه توكّلي الحمد للّه ربّ العالمين،و صلّى اللّه على خير خلقه محمّد و آله أجمعين.

ص:279

ص:280

« كتاب الصوم» و هو يستدعي بيان أُمور

ص:281

ص:282

الأمر الأول الصوم هو الكفّ عن المفطرات مع النيّة

الأول الصوم لغةً: هو الإمساك بقولٍ مطلق،على ما صرّح به جمع (1).

و شرعاً: الكفّ عن المفطرات مع النيّة بلا خلافٍ في اعتبارها، فتوًى و دليلاً،كتاباً و سنّة.

و لا فائدة تترتّب على الاختلاف في كونها شرطاً أو ركناً.

كما لا فائدة مهمّة في الاختلافات الكثيرة في تعريف الصوم بما هنا و غيره؛ لابتنائها على اختلاف الآراء و الأنظار في تصحيحه عن توجّه النقض عليه طرداً و عكساً أو نحوهما،ممّا لا تترتّب على الذبّ عنه فائدة عملية (2)،إلّا ما يتعلّق بعدد المفطرات،و التعرّض لها فيما بعد مُغنٍ عن تكلّف التعرّض لها هنا.

و لقد أحسن و أجاد جماعة من الأصحاب،حيث عرّفوه:بأنّه الإمساك عن أشياء مخصوصة،في زمانٍ مخصوص،على وجهٍ مخصوص (3).

أو ما يقرب منه،أخصره ما في المنتهى:أنّه إمساك مخصوص يأتي بيانه (4).

و تكفي في شهر رمضان:نيّة القربة فلا يحتاج إلى نيّة أنّه من

ص:283


1- منهم:صاحب المدارك 6:6،السبزواري في الذخيرة:495،صاحب الحدائق 13:2.
2- في« ح»:علمية..
3- الوسيلة:139،السرائر 1:364،المهذب البارع 2:5.
4- المنتهى 2:556.

رمضان،على الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل لا خلاف فيه أجده،إلّا من نادرٍ حكاه في الذخيرة،من غير أن يذكر اسمه (1).و لا ريب في ضعفه؛ لنقل الإجماع في الغنية و التنقيح على خلافه (2)،مضافاً إلى الأصل،و عدم دليلٍ على اعتبار نيّة التعيين يعتدّ به.

نعم،لو نوى به غيره أمكن بطلان الصوم من أصله عند جماعة (3)، و صحّته عنه دون غيره عند آخرين (4).

و المسألة محلّ إشكال،فالأحوط ترك نيّة غيره و القضاء معها.

هذا مع العلم برمضان.

و أمّا مع الجهل به كمن صامه عن شعبان فيقع عنه دونه (5)قولاً واحداً،كما يأتي إن شاء اللّه تعالى (6)،و بالاتّفاق عليه هنا صرّح في المدارك (7).

و في غيره يفتقر إلى نيّة التعيين و هو القصد إلى الصوم المخصوص كالقضاء،و الكفّارة،و النافلة لأنّه زمان لا يتعيّن فيه صوم مخصوص،فلا يتعيّن إلّا بالنيّة.

قال في المعتبر:و على ذلك فتوى الأصحاب (8)،مشعراً بدعوى

ص:284


1- الذخيرة:513.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):571،التنقيح الرائع 1:348.
3- منهم:الحلّي في السرائر 1:37،الكركي في جامع المقاصد 1:152،الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:155.
4- كالشيخ في النهاية:152،المحقق في المعتبر 2:644،صاحب المدارك 6:31.
5- اي:من رمضان دون شعبان.
6- في ص 257.
7- المدارك 6:31.
8- المعتبر 2:644.

الإجماع،كما في ظاهر المنتهى و التنقيح و صريح التحرير (1).

و استثنى الشهيد في البيان فيما حكي عنه الندب المعيّن،كأيّام البيض،فألحقه بالصوم المعيّن في عدم افتقاره إلى التعيين (2).

بل عنه في بعض تحقيقاته:أنّه ألحق المندوب مطلقاً بالمعيّن؛ لتعيّنه شرعاً في جميع الأيّام إلّا ما استثني (3).

و استحسنه جماعة (4)،و لا بأس به.

و في افتقار النذر المعيّن إليه تردّد و اختلاف بين الأصحاب:

فبين من قال بالافتقار،كالشيخ (5)و جماعة (6)،و منهم:الفاضل في المختلف،قال:لأنّه زمان لم يعيّنه الشارع في الأصل للصوم،فافتقر إلى التعيين،كالنذر المطلق؛ و أنّ الأصل وجوب التعيين،إذ الأفعال إنّما تقع على الوجوه المقصودة ترك ذلك في شهر رمضان،لأنّه زمان لا يقع فيه غيره،فيبقى الباقي على أصالته (7).

و بين من قال بالعدم،كالمرتضى،و الحلّي (8)،و جماعة من محقّقي المتأخّرين و متأخّريهم عنهما (9).

ص:285


1- المنتهى 1:557،التنقيح الرائع 2:349،التحرير 1:76.
2- البيان:357.
3- حكاه عنه في الروضة 2:108.
4- كالشهيد الثاني في الروضة 2:109،السبزواري في الذخيرة:513.
5- المبسوط 1:278.
6- منهم الشهيد في البيان:357،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:350،و الشهيد الثاني في الروضة 2:108.
7- المختلف:211.
8- المسائل الطرابلسيات(رسائل المرتضى 1):441،الحلّي في السرائر 1:370.
9- منهم العلّامة في المنتهى 2:557،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:13،و صاحب المدارك 6:18،و السبزواري في الذخيرة:513،و المحقق الخوانساري في المشارق:352.

و لعلّه الأقوى؛ لأنّه زمان تعيّن بالنذر للصوم،فكان كشهر رمضان.

و اختلافهما بأصالة التعيين و عَرَضيته لا يقتضي اختلافهما في هذا الحكم.

و يضعّف الدليلان المتقدّمان:

فالأول:بأنّه مصادرة على المطلوب،و إلحاقه بالنذر المطلق قياس مع الفارق.

و الثاني:بمنع أصالة الوجوب مع أنّ الوجه الذي لأجله تُرِكَ العمل بالأصل المذكور في صوم شهر رمضان،آتٍ فيما نحن فيه،فإن أُريد بعدم وقوع غيره فيه استحالته عقلاً كان منتفياً فيهما،و إن أُريد امتناعه شرعاً كان ثابتاً كذلك.

و وقتها ليلاً أي في الليل،و لو في الجزء الأخير منه،على الأشهر الأقوى،بل لا أعرف فيه خلافاً ظاهراً و لا محكيّاً،إلّا من ظاهر العماني،كما في المدارك (1)و غيره (2)،أو جماعة كما في الروضة فقالوا بتحتّم إيقاعها ليلاً (3).

و عبارتهم مع عدم صراحتها في المخالفة يحتمل أن يكون التعبير فيها بذلك إنّما هو لتعذّر المقارنة،فإنّ الطلوع لا يعلم إلّا بعد الوقوع،فتقع النيّة بعده،و ذلك غير المقارنة المعتبرة فيها.

لا لتحتّم التبييت؛ إذ لا وجه له عدا الإجماع الظاهر،المصرّح به في

ص:286


1- المدارك 6:21.
2- كالذخيرة:513.
3- الروضة 1:106.

الخلاف و المنتهى و الروضة (1)،و هو على الجواز لا التحتّم.

و النصّ:« لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل» (2).و يجري فيه ما ذكرناه في عبارتهم.

و حيث انتفى النصّ و الإجماع على عدم جواز المقارنة،كان اعتبارها لو اتّفقت أوفق بالأصل في النيّة،و هو:لزوم مقارنتها للعبادة المنويّة.

و يجوز تجديدها في نحو شهر رمضان من الصوم المعيّن إلى الزوال إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين العامد و الناسي،بل مطلق المعذور.

و لا خلاف في الثاني إلّا من العماني،حيث أطلق وجوب تبييت النيّة (3).

و هو مع عدم معلومية مخالفته نادر،بل على خلافه الإجماع عن ظاهر الفاضلين في المعتبر و المنتهى و التذكرة (4)،و به صرّح في الغنية (5)؛ و هو الحجّة المعتضدة بفحوى ما سيأتي من الأدلّة على ثبوت الحكم في الصوم الغير المعيّن،ففيه أولى.فتأمّل جدّاً.

مضافاً إلى التأيّد بما ذكره جماعة على ذلك حجّة (6)

ص:287


1- الخلاف 2:166،المنتهى 2:558،الروضة 2:106.
2- عوالي اللئالئ 3:/132 5،مستدرك الوسائل 7:316 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 1.
3- حكاه عنه في المختلف:212.
4- المعتبر 2:646،المنتهى 2:558،التذكرة 1:256.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):570.
6- منهم العلامة في المختلف:212،و السبزواري في الذخيرة:513،و المحقق الخوانساري في المشارق:348.

من حديث:« رفع عن أُمّتي الخطأ و النسيان» (1).

و ما روي عنه صلى الله عليه و آله:« إنّ ليلة الشكّ أصبح الناس،فجاء أعرابي إليه فشهد برؤية الهلال،فأمر صلى الله عليه و آله منادياً ينادي:من لم يأكل فليصم،و من أكل فليمسك» (2).

و فحوى ما دلّ على انعقاد الصوم من المريض و المسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال (3).

و أصالة عدم تبييت النيّة.

بل يمكن جعل الوسطين حجّةً مستقلّة و إن ضعف السند في أولهما و الدلالة فيهما؛ لاختصاصهما (4)بمن عدا الناسي،مع عدم وضوح الأول في التحديد إلى الزوال.

و ذلك لانجبار ضعف السند بالعمل،و الدلالة بعدم قائل بالفرق بين الطائفة؛ إذ إطلاق العماني بوجوب تبييت النيّة يشمل موردهما و غيره،فإذا رُدّ بهما إطلاقه تعيّن ما عليه الجماعة.

و التحديد إنّما جاء ممّا يأتي من الأدلّة على أنّه إذا زالت فات وقت النيّة.

و أمّا الأول (5)فهو خلاف ما عليه أكثر الأصحاب،بل عامّتهم،عدا المرتضى رضي اللّه تعالى عنه،حيث أطلق:أنّ وقت النيّة في الصيام

ص:288


1- الخصال:/417 9،الوسائل 8:349 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.
2- لم نعثر عليه في مصادر الحديث،نعم وجدناه في المعتبر 2:646.
3- سيأتي بحثه في ص 2606.
4- و إنّما قال لاختصاصهما مع أنّ الثاني هو الفحوى و هو نصٌّ في المقام تنبيهاً على ضعف الفحوى و عدم كونه دليلاً يُطمأنّ إليه هنا،و لذا جُعل مؤيّداً لا حجّة.فتأمّل.(منه رحمه اللّه).
5- أي العامد.

الواجب من قبل طلوع الفجر إلى قبل الزوال (1).

و هو نادر،مع عدم ظهور عبارته في المخالفة،بعد قوّة احتمال كون المراد بها ما يتناول وقت الاختيار و الاضطرار،بل حملها عليه جماعة (2).

و يمكن أن تُحمَل عليه العبارة،بل جريانه فيها أولى؛ لإشعار سياقها به،حيث قال أولاً:و وقتها ليلاً.و لو جاز تأخيرها إلى الزوال عمداً لما كان لجعل الليل وقتاً لها معنى.

و كذا حال النيّة في القضاء و النذر المطلق،فوقتها ليلاً، و يجوز تجديدها نهاراً إلى الزوال إذا لم يفعل منافياً،فيما قطع به الأصحاب على الظاهر،و المصرّح به في جملة من العبائر (3)،مشعرة بدعوى الإجماع عليه كما في ظاهر غيرها (4)،و الصحاح و غيرها به مع ذلك مستفيضة جدّاً:

منها:الصحيح:عن الرجل يبدو له بعد ما يصبح و يرتفع النهار أن يصوم ذلك اليوم و يقتضيه من رمضان و إن لم يكن نوى ذلك من الليل، قال:« نعم،يصومه و يعتدّ به إذا لم يكن يحدث شيئاً» (5).

و الخبر:قلت له:رجل جعل اللّه تعالى عليه صيام شهر،فيصبح و هو ينوي الصوم،ثم يبدو له فيفطر،و يصبح و هو لا ينوي الصوم،فيبدو له فيصوم،فقال:« هذا كلّه جائز» (6).

ص:289


1- جمل العلم و العمل(الرسائل المرتضى 3):53.
2- المدارك 6:21،الكفاية:48،الحدائق 13:19.
3- المدارك 6:22،الكفاية:49،الذخيرة:514.
4- المعتبر 2:646،المنتهى 1:558،التذكرة 1:256.
5- الكافي 4:/122 4،التهذيب 4:/186 522،الوسائل 10:10 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 2؛ بتفاوتٍ يسير.
6- التهذيب 4:/187 523،الوسائل 10:11 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 4.

و إطلاقها كإطلاق عبائر الأصحاب،بل ظواهرها يقتضي عدم الفرق بين حالتي الاختيار و الاضطرار،حتى لو تعمّد الإخلال بالنيّة ليلاً فبدا له في الصوم قبل الزوال جاز.

و به صرّح في السرائر،فقال:فأمّا الصوم الغير المعيّن فمحلّ النيّة فيه هو ليله و نهاره إلى قبل زوال الشمس من يومه،سواء تركها سهواً أو عمداً أو ناسياً،فهذا الفرق بين ضربي الصوم الواجب (1).

ثم إنّ إطلاق جملة منها و إن اقتضى جواز التجديد بعد الزوال أيضاً إلّا أنّ ظاهر جملة أُخرى منها أنّ بالزوال يفوت وقتها منها:الصحيح:« إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه،و إن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى» (2).

و أظهر منه الموثّق:في الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان يريد أن يقضيها،متى ينوي الصيام؛ قال:« هو بالخيار إلى زوال الشمس،فإذا زالت،فإن كان قد نوى الصوم فليصم،و إن كان نوى الإفطار فليفطر» سُئل:فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال:

« لا» (3).و لا ينافي ذلك دلالة الصحيح على احتساب الصوم له من الوقت الذي نوى؛ لأنّ ذلك كناية عن فساده بذلك،إذ نيّة الصوم نهاراً تقتضي كونه من أوله صائماً،بالإجماع الظاهر المصرّح به في الخلاف (4).

ص:290


1- السرائر 1:373.
2- التهذيب 4:/188 528،الوسائل 10:12 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 8.
3- التهذيب 4:/280 847،الإستبصار 2:/121 394،الوسائل 10:13 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 10؛ بتفاوتٍ يسير.
4- الخلاف 2:167.

لكن بإزاء هذه الأخبار ما يدلّ على امتداد وقتها إلى بعد الزوال، كالصحيح:عن الرجل يصبح و لم يطعم و لم يشرب و لم ينو صوماً،و كان عليه يوم من شهر رمضان،إله أن يصوم ذلك اليوم و قد ذهب عامّة النهار؟ قال:« نعم،له أن يصوم و يعتدّ به من شهر رمضان» (1).

و أظهر منه المرسل:قلت له:الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان و يصبح فلا يأكل إلى العصر،أ يجوز أن يجعله قضاءً من شهر رمضان؟قال:« نعم» (2).

و عليهما الإسكافي (3)،و لا يخلو عن قوّة؛ لاعتضادهما مع صحّة أولهما بإطلاق ما عداهما من المستفيضة.

إلّا أنّ ظاهر من عداه من الأصحاب بل صريحهم العمل بالأخبار الأوّلة،حتى أنّ ظاهر الانتصار و المنتهى دعوى إجماعنا عليه.

حيث قال في الأول:صوم الفرض لا يجزي عندنا إلّا بنيّة قبل الزوال (4).

و قال في الثاني في الجواب عن المرسل-:فإنّه مع أنّه شاذّ لا تعرّض فيه بالنيّة (5).

و حينئذٍ فلا بدّ من طرحه كالصحيح قبله،أو حملهما على ما يؤولان

ص:291


1- التهذيب 4:/187 526،الوسائل 10:11 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 6.
2- التهذيب 4:/188 529،الإستبصار 2:/118 385،الوسائل 10:11 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 9.
3- حكاه عنه في المختلف:212.
4- الانتصار:60.
5- المنتهى 2:559،و فيه:فإنّه مع إرساله لا تعرّض..

إلى المختار،بحمل عامّة النهار على ما بين الفجر إلى الزوال،و لو على المجاز،على ما ذكره جماعة من الأصحاب (1).

و زاد بعضهم،فجعله على الحقيقة،فقال:على أنّ ما بين طلوع الفجر و الزوال أكثر من نصف النهار (2).

و حمل المرسل على أنّ المراد أول وقت العصر،و هو عند زوال الشمس،كما ذكره الشيخ (3)،أو على من نوى صوماً فصرفه إلى القضاء عند العصر،كما في المختلف (4).

و فيها بُعد،لكن الخطب بعد ضعف السند و عدم الجابر،مضافاً إلى عدم التكافؤ،لما مرّ سهل.

و في استمرار وقتها للمندوب إلى قريب الغروب بمقدار ما يكون بعدها صائماً إليه روايتان،أصحّهما عند الماتن هنا تبعاً للمحكي عن العماني (5)،و ظاهر الخلاف (6)،و جعلها في الشرائع أشهرهما (7)،و تبعه على دعوى الشهرة جملة ممّن تأخّر عنه من علمائنا،كشيخنا الشهيد الثاني،و سبطه (8)،و غيرهما (9) مساواته للواجب في فوات وقتها

ص:292


1- منهم العلّامة في المختلف:212،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 5:19.
2- الحرّ العاملي في الوسائل 10:11 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ذيل الحديث 6.
3- الإستبصار 2:119.
4- المختلف:212.
5- حكاه عنه في المختلف:212.
6- الخلاف 2:167.
7- الشرائع 1:187.
8- الشهيد الثاني في المسالك 1:69،الروضة 2:107،سبطه في المدارك 6:24.
9- الذخيرة:514.

بالزوال.

و هذه الرواية لم نقف عليها،و لعلّها الصحيحة المتقدّمة،المقيّدة هي و الموثّقة بعدها- (1)للنصوص المتقدّمة عليها،كما يظهر من التعبير على ما حكاه عنه في التنقيح (2).

و هي غير صريحة في النافلة،فيحتمل الاختصاص بالفريضة،كما هي مورد المرسلة،و مع ذلك غير صريحة في الفوات بالزوال،بل و لا ظاهرة إلّا بالتقريب الذي سبقت إليه الإشارة.

و في جريان وجهه (3)في النافلة نوع مناقشة.

و الرواية الثانية عمل بها أكثر القدماء،بل مطلقاً كما في المنتهى (4)، و منهم:السيّدان،و الحلّي،مدّعين عليه إجماعنا في الانتصار و الغنية و السرائر (5).

و هي مع ذلك ما بين ظاهرة في الحكم إطلاقاً أو عموماً و هي جملة من الصحاح و غيرها و صريحة،كالموثّق:عن الصائم المتطوّع تعرض له الحاجة،قال:« هو بالخيار ما بينه و بين العصر،و إن مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم و لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء» (6).

ص:293


1- تقدمتا في ص 2500.
2- التنقيح الرائع 1:351.
3- و هو الإجماع المنقول في الخلاف.منه(رحمه الله).
4- المنتهى 2:559.
5- الانتصار:60،الغنية(الجوامع الفقهية):570،السرائر 1:373.
6- الكافي 4:/122 2،الفقيه 2:/55 242،التهذيب 4:/186 521،الوسائل 10:14 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 3 ح 1.

و قريبٌ منه الصحيح:« إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياماً،ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاماً أو يشرب شراباً و لم يفطر،فهو بالخيار إن شاء صام و إن شاء أفطر» (1).

و حينئذٍ فلا تعارضها الصحيحة السابقة،سيّما مع ما هي عليه ممّا عرفته،فالعمل بها أولى.

و ذهب إليه من المتأخّرين:الفاضل في التحرير و المنتهى،و قوّاه في المختلف أخيراً،و الشهيدان في الدروس و الروضة (2)،و جماعة ممّن تأخّر عنهما (3).

و هو أوفق بقاعدة التسامح في أدلّة السنن أيضاً،كما لا يخفى.

و يظهر من المعتبر (4)كون الرواية الثانية:الصحيح المتضمّن لأنّ علياً عليه السلام كان يدخل أهله فيقول:هل عندكم شيء؟فإن كان عندهم شيء أتوه به و إلّا صام (5)،و روى الجمهور نحوه عن النبي صلى الله عليه و آله (6).

و هو كما ترى؛ لأنّ الفعل لا عموم فيه،فلا يشمل بعد الزوال، لاحتمال اختصاص فعلهما بما قبله،كما هو الغالب،بل و المستحبّ شرعاً

ص:294


1- التهذيب 4:/187 525،الوسائل 10:11 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 5.
2- التحرير 1:76،المنتهى 2:559،المختلف:212،الدروس:70،الروضة 2:107.
3- كالأردبيلي في مجمع الفائدة 5:24،الكاشاني في المفاتيح 1:244،الحدائق 13:26.
4- المعتبر 2:648.
5- التهذيب 4:/188 531،الوسائل 10:12 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 7.
6- سنن الدارقطني 2:/175 18.

لمن أراد البقاء و لا بقاء.

نعم،هو دليل صريح على جواز النيّة نهاراً،كما هو المجمع عليه بيننا.

و اعلم:أنّ مقتضى الأصل اشتراط مقارنة النيّة للمنوي،خرج منه تقديمها للصوم من الليل،للضرورة و الإجماع،و بقي الباقي،فلا يجوز التقديم عليه مطلقاً و لو في شهر رمضان،و عليه عامّة المتأخّرين،و يدلّ عليه أيضاً حديث:« لا صيام لمن لم يبيّت الصيام» إلى آخره (1).

و قيل:يجوز تقديم نيّة شهر رمضان على الهلال و القائل به:الشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف (2)،و عزاه فيه إلى الأصحاب،مشعراً بالإجماع.

فإن تمّ،و إلّا كما هو الظاهر،إذ لم يُرَ و لم ينقل له من القدماء و لا من المتأخّرين موافق،فهو مشكل؛ لمخالفته الأصل،مع عدم وضوح الدليل عدا ما قيل له:من أنّ مقارنة النيّة ليست شرطاً في الصوم،و كما جاز أن تتقدّم من أول ليلة الصوم و إن يتعقّبها النوم و الأكل و الشرب و الجماع جاز أن تتقدّم على تلك الليلة بالزمان المتقارب،كاليومين و الثلاثة (3).

و هو كما ترى قياس مع الفارق.

و هل الحكم بجواز التقديم على القول به مطلق،كما يفيده إطلاق عبارة الخلاف (4)؟

ص:295


1- تقدم في ص 2497.
2- النهاية:151،المبسوط 1:276،الخلاف 2:166.
3- المعتبر 2:649.
4- الخلاف 2:196.

أم يختصّ بالناسي بمعنى:أنّه لو نسي عند دخوله،فصام من دون نيّة،كانت الأُولى كافية،بخلاف العامد العالم بالدخول،فإنّه يجب على تجديد النيّة كما عن صريح المبسوط و النهاية (1)؟ احتمالان،إلّا أنّ ظاهر الدليل:الأول،و الأصحاب:الثاني،بل عليه الإجماع في المختلف (2)،و عن الشهيد في البيان،فقال:و لو ذكر عند دخول الشهر لم يجز العزم السابق قولاً واحداً (3).

و تجزي فيه أي في شهر رمضان نيّة واحدة من أوله.

ظاهر العبارة:أنّ هذا الكلام عطف على ما قبله،أي:و قيل:تجزي، و القائل:الثلاثة،و الديلمي،و الحلبي،و الحلّي،و ابن زهرة العلوي مدّعياً عليه الإجماع (4)،كالمرتضى في الرسّية و الانتصار و الشيخ في الخلاف (5)، و عزاه في المنتهى إلى الأصحاب من غير نقل خلاف (6).

و علّله في الانتصار بعده (7):بأنّ النيّة تؤثّر في الشهر كلّه؛ لأنّ حرمته حرمة واحدة،كما أثّرت في اليوم الواحد لما وقعت في ابتدائه (8).

ص:296


1- المبسوط 1:277،النهاية:151.
2- المختلف:213.
3- البيان:361.
4- المفيد في المقنعة:302،جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):53،الطوسي في النهاية:151،الديلمي في المراسم:96،الحلبي في الكافي في الفقه:181،الحلّي في السرائر 1:371،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):571.
5- المسائل الرسّية(رسائل المرتضى 2):355،الانتصار:61،الخلاف 2:163.
6- المنتهى 2:560.
7- أي بعد ادّعائه الإجماع عليه.
8- الانتصار:65.

و يضعّف:بمنع كونه عبادة واحدة؛ فإنّ صوم كلّ يومٍ مستقلٌّ بنفسه، لا تعلّق له بما قبله و ما بعده،و لذلك تتعدّد الكفّارة بتعدّد الأيّام،و لا يبطل الشهر كلّه ببطلان صوم بعض أيّامه،بخلاف الصلاة الواحدة،فإنّ بطلان بعض أجزائها يقتضي بطلانها رأساً،و الحمل إنّما يتمّ على تقدير عدم الفرق،و قد أوضحناه.

فإذاً:المتّجه عدم الإجزاء،كما عليه الفاضل في جملةٍ من كتبه (1)، و الماتن في ظاهر الكتاب و المعتبر إلّا أنّ فيه بعد تضعيف ما مرّ بأنّه قياس محض،فلا يتمشّى على أُصولنا-:لكن عدم الهدى ادّعى على ذلك الإجماع،و كذلك الشيخ أبو جعفر،و الأولى تجديد النيّة لكلّ يومٍ في ليلته، لأنّا لا نعلم ما ادّعياه من الإجماع (2).

و ظاهره كما ترى الميل إلى ما عليه القدماء.

و لا ينافيه دفعه ما ادّعياه من الإجماع؛ إذ المراد منه الدفع بحسب الاطّلاع عليه من غير جهة النقل،و إلّا فهو حاصل،و دفعه من جهته غير متوجّه إلّا على القول بعدم حجّية الإجماع المنقول بخبر الآحاد،و لكنّه خلاف التحقيق،سيّما إذا احتفّ بالقرائن،مثل الشهرة العظيمة القديمة، التي لم يوجد معها مخالف بالكلّية،و هي من أعظم القرائن على صحّة الرواية.

نعم،الأولى التجديد في كلّ ليلة؛ خروجاً عن شبهة الأُصول و القاعدة،بل و الفتوى بالنسبة إلينا،لحصولها به (3)في كتب من عرفته،بل

ص:297


1- التحرير 1:6،المختلف:213،الإرشاد 1:299.
2- المعتبر 2:649.
3- أي:لحصول الفتوى بالتجديد.

ادّعى عليها الشهرة المتأخّرة جماعة (1)،و لكنّها موهونة.

و ذلك بناءً على ما ظاهرهم الاتّفاق عليه و عدم الخلاف فيه كما في الغنية و المنتهى من جواز تفريق النيّة هنا (2)،و إن قلنا بكون صوم الشهر كلّه عبادة واحدة،و منعنا عن تفريقها[عليها (3)]كما هو خيرة جماعة (4).

فما في الروضة (5)من المنع عن التفريق بناءً على القول به- (6)لا وجه له في المسألة.

و يستحبّ أن يصام يوم الثلاثين من شعبان الذي يشكّ فيه أنّه منه أو من رمضان بنيّة الندب مطلقاً،بلا خلافٍ فيه بيننا،إلّا من المفيد فيما حكي عنه (7)،فكرهه على بعض الوجوه (8).

و هو شاذّ،بل على خلافه الإجماع في صريح الانتصار و الغنية و الخلاف (9)،و ظاهر غيرها،كالتنقيح و الروضة (10).

ص:298


1- منهم:السبزواري في الكفاية:49،و الذخيرة:514،صاحب الحدائق 13:27.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):571،المنتهى 2:560.
3- أي:و إن منعنا عن تفريق النية على عبادة واحدة في غير المقام.و في النسختين:عليه،و الظاهر هو سهو.
4- انظر نهاية الإحكام 1:34،إيضاح الفوائد 1:38،جامع المقاصد 1:39،كشف اللثام 1:65.
5- الروضة 2:107.
6- أي:بالمنع.
7- حكاه عنه في التحرير 1:76،البيان:361.
8- مع أنّ المحكي من عبارته في المنتهى و المعتبر هو الاستحباب كما هو الأظهر،قال:و إنما يكره مع الصحو و ارتفاع الموانع،إلّا لمن كان صائماً قبله،انتهى.و هو نصٌّ في أنّ الكراهة في غير يوم الشك،بل يوم الثلاثين من شعبان في صورة ارتفاع المانع من الرؤية،فلا خلاف منه في استحباب صوم يوم الشك.(منه رحمه الله).
9- الانتصار:62،الغنية(الجوامع الفقهية):570،الخلاف 2:170.
10- التنقيح الرائع 1:354،الروضة 2:109.

و النهي عن صيامه في بعض النصوص (1)محمولٌ:

إمّا على التقيّة،فإنّه مذهب جماعة من العامّة (2)،و يشهد له بعض المعتبرة:عن اليوم الذي يشكّ فيه،فإنّ الناس يزعمون أنّ من صامه بمنزلة من أفطر في شهر رمضان،فقال:« كذبوا،إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفّق له،و إن كان من غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيّام» (3).

أو:على صومه بنيّة الفرض،كما تشهد له جملة من المعتبرة،منها الموثّق:« إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان،و لا يصومه من شهر رمضان، لأنّه قد نُهي أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشكّ،و إنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان،فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضّل اللّه عزّ و جلّ،و بما قد وسع على عباده،و لو لا ذلك لهلك الناس» (4)و بمعناه الرضوي (5)و حديث الزهري (6) و ما يستفاد من هذه النصوص من أنّه لو اتّفق ذلك اليوم من رمضان أجزأ عنه مجمعٌ عليه بين الأصحاب على الظاهر، المصرّح به في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (7)،و النصوص به مع ذلك

ص:299


1- الوسائل 10:25 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 6 ح 2،3.
2- انظر بداية المجتهد 1:310.
3- الكافي 4:/83 8،التهذيب 4:/181 502،الإستبصار 2:/77 234،الوسائل 10:22 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ح 7.
4- الكافي 4:/82 6،التهذيب 4:/182 508،الإستبصار 2:/79 240،الوسائل 10:21 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ح 4.
5- فقه الرضا(عليه السلام):201،المستدرك 7:318 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ذيل الحديث 1.
6- الكافي 4:/83 1،الفقيه 2:/46 208،التهذيب 4:/294 895،الوسائل 10:22 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ح 8.
7- كما في المدارك 6:35،و المفاتيح 1:246،و الكفاية:49.

زيادةً على ما مرّ مستفيضة،متضمّنة للصحيح و غيره (1).

و ألحقَ به الشهيدان كلّ واجب معيّن فُعِلَ بنيّة الندب مع عدم العلم (2).

و لا بأس به،و في حديث الزهري دلالة عليه؛ لتضمّنه تعليل الإجزاء عن رمضان،بأنّ الفرض وقع على اليوم بعينه،و هو جارٍ في الملحق به.

و لو صام يوم الشكّ بنيّة الواجب من رمضان لم يجزِه عنه و لا عن شعبان،على الأشهر الأظهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و عزاه في المبسوط إلى الأصحاب (3)،مشعراً بدعوى الإجماع.

للنهي عن صومه كذلك فيما مرّ من المستفيضة،و النهي مفسدٌ للعبادة إذا تعلّق بها و لو من جهة شرطها،كما هو الواقع في المستفيضة كما ترى.

مع أنّ في بعضها التصريح بالقضاء،و هو الصحيح:في يوم الشكّ:

« من صامه قضاه و إن كان كذلك» يعني:من صامه على أنّه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه و إن كان يوماً من شهر رمضان؛ لأنّ السنّة جاءت في صيامه على أنّه من شعبان،و من خالفها كان عليه القضاء (4).

و قريب منه الصحيح الآخر:في الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان،فقال:« عليه قضاؤه و إن كان كذلك» (5).

ص:300


1- الوسائل 10:20 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5.
2- الشهيد الأول في الدروس 1:267،الشهيد الثاني في الروضة 2:139.
3- المبسوط 1:277.
4- التهذيب 4:/162 457،الوسائل 10:27 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 6 ح 5.
5- التهذيب 4:/182 507،الإستبصار 2:/78 239،الوسائل 10:25 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 6 ح 1.

بناءً إمّا على ظهور المراد منه من الصحيح السابق.

أو على رجوع الجارّ (1)إلى قوله:« يصوم» دون:« يشكّ» فيكون المراد:صومه بنيّة رمضان،كما ذكره في المنتهى في الصحيح السابق،قال:

و يدلّ عليه قوله:« و إن كان كذلك» ؛ لأنّ التشبيه إنّما هو للنيّة (2).

أو على أنّ هذا الصوم إن وقع بنيّة أنّه من رمضان فهو المطلوب،و إن وقع بنيّة أنّه من شعبان فهو متروك العمل به إجماعاً.و حمل الحديث على ما يصحّ الاعتماد عليه أولى من إبطاله بالكلّية،كما في المختلف (3).

و لكن الإنصاف أنّ في جملة هذه الأبنية نظراً.

أمّا الأول:فلابتنائه على كون التفسير في الصحيح السابق بقوله:

« يعني» إلى آخره من الإمام عليه السلام دون الراوي،و هو غير معلوم،و لا حجّة فيه على الثاني،فلا دلالة في هذا الصحيح فضلاً عن الثاني.

و أمّا الثاني:فلاحتمال الرجوع إلى الفعل الثاني،بل قوّته لقربه، و لا دلالة لقوله:« و إن كان كذلك» على مقابله (4).

و أمّا الثالث:فلعدم دليل يعتدّ به على أنّ أولوية حمل الحديث على معنى يصحّ الاعتماد عليه من إبطاله تصلح لجعل ذلك المعنى حجّة في المسألة،و لو سلّم فالمعنى المعتمد عليه في هذه الرواية غير منحصر فيما ذكره،بعد احتمال الورود مورد التقيّة.و هو معنى جيّد يصحّ أن تحمل عليه أخبار أهل العصمة عليهم السلام.

هذا،مع أنّ الاستدلال بنحو هذه الرواية على تقدير تسليم الدلالة -

ص:301


1- و هو قوله:« من رمضان»(منه رحمه الله).
2- المنتهى 2:561.
3- المختلف:214.
4- أي الاحتمال المقابل لهذا الاحتمال.(منه رحمه الله).

معارَضٌ برواياتٍ أُخر معتبرة.

منها:الصحيح:الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان فيكون كذلك،فقال:« هو شيءٌ وفّق له» (1).

و أظهر منه دلالةً الموثّق:عن اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان،لا يدري أ هو من شعبان أو من رمضان،فصامه من شهر رمضان،قال:« هو يوم وفّق له و لا قضاء عليه» (2).

و لعلّهما مستند العماني و الإسكافي (3)في حكمهما بالإجزاء عن رمضان بشرطه (4).

لكنّهما لا يعارضان ما مرّ،مضافاً إلى قصور سند الثاني و اختلاف متنه،بل ضعفه،فحكاه الشيخ،كما مرّ عن الكليني،مع أنّه رواه في الكافي هكذا:« فصامه فكان من شهر رمضان» .فلا دلالة فيه على ما نحن فيه إلّا بحسب الإطلاق أو العموم،لترك الاستفصال،و هو مقيّدٌ أو مخصّصٌ بالصوم عن شعبان جمعاً.

و نحوه الجواب عن دلالة الأول،بعد تسليم احتمال رجوع الجارّ إلى الفعل الثاني،أو ظهوره،لكن يلزم من هذا عدم إمكان الاستدلال على المختار بما ماثله في التعبير ممّا سبق من الأخبار.

و لا ضير فيه بعد ثبوته من القاعدة (5)في النهي عن العبادة،الوارد في

ص:302


1- الكافي 4:/82 3،الوسائل 10:22 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ح 5.
2- الكافي 4:/81 2،التهذيب 4:/181 503،الإستبصار 2:/78 235،الوسائل 10:22 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ح 6 وردت في الكافي بتفاوت يسير.
3- حكاه عنهما في المختلف:214.
4- و هو ظهور كونه منه.(منه رحمه الله).
5- أي:و لا ضير في عدم الإمكان بعد ثبوت المختار من القاعدة.

المستفيضة،المعتضدة بالشهرة العظيمة القديمة و الحديثة،القريبة من الإجماع،بل الإجماع في الحقيقة،كما يستشعر من المبسوط،على ما سبقت إليه الإشارة (1).

و أمّا دعوى الشيخ الإجماع على ما عليه القديمان في الخلاف فيما يحكى عنه (2)،فمع أنّا لم نقف عليها فيما عندنا من نسخته،موهونةٌ بلا شبهة،مع أنّ المحكي عنه في صريح التحرير و محتمل المختلف:التوقّف في المسألة (3).

هذا و المختار فيها مع ذلك أحوط و أولى.

و كذا لو ردّد نيّته بين الوجوب إن كان من شهر رمضان،و الندب إن كان من شعبان،لم يجزِ عنهما،وفاقاً للمحكيّ عن الشيخ في أكثر كتبه، و الحلّي (4)،و أكثر المتأخّرين (5).

لأنّ صوم هذا اليوم إنّما يقع على وجه الندب،على ما يقتضيه الحصر الوارد في النصّ،ففعله على خلاف ذلك لا يتحقّق به الامتثال.

و للشيخ قولٌ آخر بالإجزاء،حكي عنه في المبسوط و الخلاف، و عن العماني،و ابن حمزة،و تبعهم الفاضل في المختلف،و الشهيد في جملة من كتبه (6)؛ لأنّه نوى الواقع،فوجب أن يجزيه؛ و أنّه نوى العبادة على وجهها،فوجب أن يخرج عن العهدة؛ و أنّ نية القربة كافية،و قد نواها.

ص:303


1- في ص:2508.
2- حكاه عنه في المختلف:214.
3- التحرير:76،المختلف:214.
4- كما حكاه عنه في المختلف:215،و الحلي في السرائر 1:384.
5- كالفيض الكاشاني في المفاتيح 1:246،و السبزواري في الذخيرة:516.
6- المبسوط 1:277،الخلاف 2:179،حكاه عن العماني في المختلف:215،ابن حمزة في الوسيلة:140،المختلف:215،الشهيد في البيان:359،و اللمعة(الروضة 2):140،و الدروس 1:267.

و يضعّف الأولان:بالمنع عنهما،فإنّ الوجه المعتبر هنا هو الندب خاصّة بمقتضى الحصر الوارد في الرواية،و لا ينافيه فرض كون ذلك اليوم من رمضان،فإنّ الوجوب إنّما يتحقّق إذا ثبت دخول الشهر لا بدونه، و الوجوب في نفس الأمر لا معنى له.

و الثالث:بأنّه لا يلزم من الاكتفاء في صوم شهر رمضان بنيّة القربة الصحّة،مع إيقاعه على خلاف الوجه المأمور به،بل على الوجه المنهيّ عنه.و أيضاً:فإنّ نيّة التعيين تسقط فيما علم أنّه من شهر رمضان لا فيما لم يعلم.

و لو أصبح يوم الشكّ بنيّة الإفطار فبان من شهر رمضان جدّد نيّة الوجوب ما لم تزل الشمس و أجزأه إذا لم يكن أفسد صومه؛ لما مرّ في بحث تجديد النيّة إلى الزوال من بقاء وقتها إليه (1).

و لو كان بعد الزوال أمسك واجباً،و قضاه أمّا وجوب القضاء فلفوات الصوم بفوات وقت نيّته أما لزوال على الأقوى،كما مضى ثمّة مفصّلاً.

و أمّا وجوب الإمساك بقية النهار فلعلّه لا خلاف فيه،بل ظاهر المنتهى أنّه لم يخالف فيه أحدٌ من العلماء إلّا النادر من العامّة (2)،و في الخلاف الإجماع عليه (3)؛ و لعلّه لعموم:« الميسور لا يسقط بالمعسور» (4)بناءً على أنّ المأخوذ عليه في هذا الصوم مع النيّة،فإذا فاتت لم يفت هو،فتأمّل.

ص:304


1- راجع ص:2498.
2- المنتهى 2:561.
3- الخلاف 2:178.
4- غوالي اللئالئ 4:/58 205.

الثاني في ما يمسك عنه و فيه مقصدان

اشارة

الثاني في بيان ما يمسك عنه و فيه مقصدان:

الأول يجب الإمساك عن تسعة

الأول: جب الإمساك عن تسعة أشياء:

عن الأكل و الشرب المعتاد كالخبز و الفاكهة و نحوهما و غيره كالحصاة و الحجر و التراب و نحوها.

بالكتاب (1)،و السنّة (2)،و الإجماع المحقّق المقطوع به في الأول (3)، و المحكي في صريح الناصرية و الخلاف و الغنية و السرائر (4)،و ظاهر المنتهى (5)و غيره (6)في الثاني،بل ظاهر الأولَين أنّه مجمع عليه بين العلماء إلاّ النادر ممّن خالفنا؛ و هو الحجّة فيه.

مضافاً إلى فحوى ما دلّ على وجوب الإمساك عن الغبار الغليظ و نحوه (7)،مؤيّداً بإطلاق ما دلّ على وجوب الإمساك عنهما،بل ربّما جعله حجّة مستقلّة جملة من علمائنا (8)،إلّا أنّه لا يخلو عن إشكال،لعدم تبادر

ص:305


1- البقرة:187.
2- الوسائل 10:31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1.
3- أي المعتاد.منه رحمه الله.
4- الناصرية(الجوامع الفقهية):206،الخلاف 2:177،الغنية(الجوامع الفقهية):571،السرائر 1:377.
5- المنتهى 2:562.
6- كصاحبي المدارك 6:43،و الحدائق 13:56.
7- الوسائل 10:69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22.
8- منهم صاحب المدارك 6:51،و الحدائق 13:72.

غير المعتاد منه عرفاً.

و لعلّه لذا اقتصر على المعتاد الإسكافي و المرتضى،فلم يبطلا الصوم بغيره فيما حكي عنهما (1).

و لكنّهما نادران قطعاً،محجوجان بما مضى.

و عن الجماع قبلاً و دبراً و لو لم ينزل،إجماعاً في الأول، كتاباً (2)،و سنّةً (3)،و فتوى.

و على الأشهر الأقوى في الثاني،بل لم أجد فيه مخالفاً إلّا المبسوط،حيث جعله أحوط (4)،مشعراً بتردّده فيه،كما في المختلف (5)، مع أنّه جعله فيه الظاهر من المذهب،مشعراً بالإجماع،كما يفهم منه في التهذيب،حيث قال بعد الرواية الآتية-:إنّها غير معمول عليها (6).و به (7)صرّح في الخلاف،و كذا ابن حمزة في الوسيلة (8).

و جعله في المدارك المعروف من مذهب الأصحاب،قال:لإطلاق النهي عن المباشرة في الآية الكريمة،خرج من ذلك ما عدا الوطء في القبل و الدبر،فيبقى الباقي مندرجاً في الإطلاق،و متى ثبت التحريم كان مفسداً للصوم بالإجماع المركّب.

ص:306


1- نقله عنهما في المختلف:216.
2- البقرة:187.
3- الوسائل 10:39 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4.
4- المبسوط 1:270.
5- المختلف:216.
6- التهذيب 4:320.
7- أي:بالإجماع.
8- الخلاف 2:190،الوسيلة:124.

و لا ينافي ذلك ما رواه الشيخ عن عليّ بن الحكم،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:« إذا أتى الرجل المرأة في الدبر و هي صائمة لم ينقض صومها و ليس عليها غسل» (1).

لأنّا نجيب عنه بالطعن في السند بالإرسال (2).انتهى.و هو حسن.

و في فساد الصوم بوطء الغلام تردّد و إن حرم ينشأ من التردّد في وجوب الغسل به و عدمه؛ بناءً على التلازم بين المسألتين،كما يظهر من الفاضلين (3)و غيرهما (4)،قالا:و حيث أوجبنا الغسل وجب الاجتناب.

أقول:و عليه (5)أكثر الأصحاب،و في الذخيرة:أنّه المشهور بينهم (6)، و في الخلاف الإجماع (7)؛ و هو الحجّة المعتضدة بفحوى ما دلّ على الفساد بوطء المرأة المحلّلة،و إطلاق الصحيح:عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني،قال:« عليه من الكفّارة مثل ما على المجامع» (8)و نحوه المرسل (9).

و التقريب:أنّ الواطئ مجامع.و فيهما نظر.

ص:307


1- التهذيب 4:/319 977،الوسائل 2:200 أبواب الجنابة ب 12 ح 3.
2- المدارك 6:45.
3- المحقق في المعتبر 2:654،و العلامة في المنتهى 2:564.
4- كصاحب المدارك 6:46.
5- أي على وجوب الاجتناب.(منه رحمه الله).
6- الذخيرة:496.
7- الخلاف 2:197.
8- الكافي 4:/102 4،التهذيب 4:/206 597،الإستبصار 2:/81 247،الوسائل 10:39 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 1.
9- الكافي 4:/103 7،التهذيب 4:/321 983،الوسائل 10:39 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 2.

فإذاً:العمدة هو نقل الإجماع،مؤيّداً بالشهرة بين الأصحاب،و ما دلّ على وجوب الغسل إن صحّ ما مرّ من البناء.

و عليه فيتّجه القول بالفساد بوطء البهيمة أيضاً؛ لما مرّ من إيجابه الغسل،و في الخلاف نفى الخلاف عنه (1)،مؤذناً بدعوى الإجماع.

و لا ينافيها تصريحه قبلها بأنّه لم يجد فيه لأصحابنا نصّاً؛ لاحتمال أن يكون مراده من النصّ:النصّ الصادر عن المعصوم عليه السلام.

و بالجملة:فالمتّجه في المسألتين:الفساد،وفاقاً لأكثر الأصحاب.

خلافاً للحلّي في الثانية (2)،و للمبسوط في الأُولى (3)،فجعلها كالوطء في دبر المرأة.

و لا دليل لهما سوى الأصل المخصّص بما مرّ،كعموم:« لا يضرّ الصائم إذا اجتنب أربع خصال:الطعام،و الشراب،و النساء،و الارتماس في الماء» (4).

هذا،و خلاف المبسوط هنا و فيما مرّ غير معلوم،بل و لا ظاهر إلّا من جهة التعبير بلفظ« الاحتياط»،و هو غير صريح في الاستحباب بل و لا ظاهر في كلمة القدماء؛ لاستدلالهم به على كثيرٍ من الواجبات،مضافاً إلى تصريحه قبله بالوجوب،جاعلاً له مقتضى المذهب،كما مرّ.

و كذا الموطوء فإنّ البحث فيه كالبحث في الواطئ،فيجب على الموطوء في دبره الغسل،و يكون مفطراً إذا كان مطاوعاً،و كذا المرأة

ص:308


1- الخلاف 2:191.
2- السرائر 1:380.
3- المبسوط 1:270.
4- الفقيه 2:/67 276،التهذيب 4:/202 584،الإستبصار 2:/80 244،الوسائل 10:31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1 بتفاوت يسير.

الموطوءة في دبرها أو قبلها،بلا خلاف ظاهراً،بل ظاهر المنتهى أنّه لا خلاف فيه بين العلماء (1)،حيث لم ينقل عن أحدٍ منهم فيه خلافاً.

و عن الاستمناء و إنزال الماء و لو بالملاعبة و القبلة و الملامسة، مع العمد (2)،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الانتصار و الغنية و التذكرة و المنتهى (3)و غيرها (4)،بل ظاهر المنتهى عدم خلاف فيه بين العلماء.

للمعتبرة المستفيضة،منها:الصحيح عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني،قال:« عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع» (5).

و الموثّق:عن رجل لزق بأهله فأنزل،قال:« عليه إطعام ستّين مسكيناً،مدّ لكلّ مسكين» (6)و بمعناه الخبر (7)و الرضوي (8).

و إطلاقها بل عموم أكثرها الناشئ عن ترك الاستفصال يستلزم عموم الحكم المذكور فيها للإمناء الحاصل عقيب الملامسة و لو لم يقصد الإنزال،و في المختلف و المهذّب (9)و غيرهما (10):أنّه المشهور بين

ص:309


1- المنتهى 2:564.
2- أي تعمُّد الإنزال.(منه رحمه الله).
3- الانتصار:64،الغنية(الجوامع الفقهية):571،التذكرة 1:259،المنتهى 2:571.
4- الوسيلة:142،المدارك 6:61.
5- تقدم مصدره في ص:2514.
6- التهذيب 4:/320 980،الوسائل 10:40 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 4.
7- التهذيب 4:/320 981،الوسائل 10:40 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 5.
8- فقه الرضا(عليه السلام):212،المستدرك 7:324 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 3.
9- المختلف:224،المهذب البارع 2:43.
10- كالمقتصر لابن فهد:115.

الأصحاب،و عن المعتبر:الإجماع عليه (1)،و قريب منه الخلاف (2)، حيث ادّعى الإجماع على لزوم القضاء و الكفّارة بذلك على الإطلاق.

خلافاً للإسكافي،فأوجب به القضاء خاصّة (3).

و هو مع ندوره لم نقف له على حجّة.

و لبعض المتأخّرين،فلم يوجب مع عدم التعمّد شيئاً (4)؛ للأصل، و ضعف ما يدلّ عليه من النصوص سنداً.

و هو كما ترى؛ لدلالة الصحيح و الموثّق عليه أيضاً،مع أنّ ضعف ما عداهما منجبرٌ بما عرفته من الشهرة المحكيّة بل الظاهرة و الإجماع المتقدّم إليه الإشارة.

نعم،في المرسل المروي عن المقنع:« لو أنّ رجلاً لصق بأهله في شهر رمضان فأمنى لم يكن عليه شيء» (5).

و هو و إن دلّ بإطلاقه على ما ذكره إلّا أنّه مع إرساله و شذوذ إطلاقه محمول على التقيّة؛ لأنّ القول بمضمونه مذهب فقهاء العامّة،كما في الانتصار (6).

و عن إيصال الغبار إلى الحلق بلا خلاف يظهر من كلّ من عمّم المأكول لغير المعتاد،إلّا من الماتن في المعتبر،فتردّد فيه (7)؛ لضعف

ص:310


1- المعتبر 2:670.
2- الخلاف 2:198.
3- حكاه عنه في المختلف:224.
4- انظر المدارك 6:61.
5- المقنع:60،الوسائل 10:98 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ذ.ح 5.
6- الانتصار:64.
7- المعتبر 2:670.

سند ما سيذكر من الخبر،مع كون الغبار ليس كابتلاع الحصى و البَرَد (1).

و هو نادر،بل أفتى بخلافه في الكتاب و الشرائع (2).

و مع ذلك،فظاهر الغنية و التنقيح و صريح السرائر و نهج الحقّ فيما حكي عنه:الإجماع على خلافه (3)؛ و هو الحجّة المؤيّدة بعدم ظهور الخلاف إلّا في إيجابه القضاء خاصّةً أو مع الكفّارة،و هو شيء آخر سيذكر.

و بالخبر:سمعته يقول:« إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان،أو استنشق متعمّداً،أو شمّ رائحةً غليظة،أو كنس بيتاً،فدخل في أنفه و حلقه غبار،فعليه صوم شهرين متتابعين،فإنّ ذلك مفطرٌ مثل الأكل و الشرب و النكاح» (4).

و لا بأس بضعف السند و الاشتمال لما لا يقول به أحد،بعد الانجبار بالعمل،و جواز تقييد ما لا يقول بإطلاقه أحد بما يقول به كلّهم أو بعضهم، فيكون كالعامّ المخصّص حجّةً في الباقي،مع أنّ خروج بعض الرواية عن الحجّية لا يستلزم خروجها جملة.

نعم،في الموثّق:عن الصائم يدخّن بعودٍ أو بغير ذلك،فتدخل الدخنة في حلقه،قال:« لا بأس» و عن الصائم يدخل الغبار في حلقه،

ص:311


1- البَرَد:شيء ينزل من السحاب يشبه الحصى،و يسمى حبّ الغمام و حبّ المزن.قيل:و إنّما سمّي بَرَداً لأنه يبرد وجه الأرض مجمع البحرين 3:11.
2- الشرائع 1:189.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):571،التنقيح 1:358،السرائر 1:374،نهج الحق:461.
4- التهذيب 4:/214 621،الوسائل 10:69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 1.

قال:« لا بأس» (1).

و هو صريح في الخلاف،مؤيَّد بالصحيح الحاصر ما يضرّ الصائم (2)فيما ليس منه المقام،مضافاً إلى الأصل،و لذا مال جملة من متأخّري المتأخّرين إليه (3).

لكنّه ضعيف؛ لوجوب تخصيص الأخيرين بما مرّ،مع احتمال دخول الغبار في بعض أفراد الحصر المعدودة في الصحيح،و موافقة الموثّقة للعامّة،كما صرّح به جماعة (4)،مع عدم مكافأتها لما مرّ من الأدلّة من وجوهٍ عديدة.

و يمكن الجمع بينها و بين الرواية السابقة بحملها على الغليظ خاصّة، و هذه على غيره،كما عليه جماعة (5)،و ربّما ادّعي عليه الشهرة.

و لا يخلو عن قوّة؛ لا للجمع،لعدم شاهد عليه؛ بل لعدم دليل على الإبطال على الإطلاق،سوى الرواية و هي لقطعها،و عدم معلومية المسئول عنه فيها لا تصلح للحجّية و إن حصلت معها الشهرة؛ لأنّها إنّما تجبر الرواية المسندة لا المقطوعة.

و لا إجماع على الإطلاق؛ لوقوع الخلاف فيما عدا الغليظ،مع شهرة

ص:312


1- التهذيب 4:/324 1003،الوسائل 10:70 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 2 بتفاوت يسير فيهما.
2- المتقدم في ص:2514.
3- منهم:الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:248،و السبزواري في الذخيرة:499،و صاحب الحدائق 13:72.
4- انظر الخلاف 2:177،و المعتبر 2:654،و المنتهى 2:565.
5- منهم:العلامة في المختلف:119،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:358،و الحرّ العاملي في الوسائل 10:70 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ذيل الحديث 2.

التقييد به،كما عرفته.

و عن البقاء على الجنابة متعمّداً حتى يطلع الفجر على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في صريح الانتصار و الخلاف و الغنية و السرائر و الوسيلة و ظاهر المحكيّ عن التذكرة و المنتهى (1):الإجماع عليه (2)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة القريبة من التواتر،بل لعلّها متواترة.

منها الصحيح:في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهله،ثم نام متعمّداً في شهر رمضان حتى أصبح،قال:« يتمّ صومه ذلك،ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان و يستغفر ربّه» (3).

خلافاً لظاهر الصدوق في المقنع،حيث أرسل فيه عن مولانا الصادق عليه السلام أنّه:« كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يجامع نساءه من أول الليل،و يؤخّر الغسل حتى يطلع الفجر» الخبر (4).

بناءً على ما قيل من أنّ عادته في الكتاب الإفتاء بمضمون الأخبار و نقل متونها (5)،و يميل إليه بعض متأخّري المتأخّرين (6)؛ لإطلاق الآية أو

ص:313


1- قال في المنتهى:إذا أجنب ليلاً ثم نام ناوياً للغسل حتى أصبح صحّ صومه،و لو نام غير ناوٍ للغسل فسد صومه و عليه قضاؤه،ذهب إليه علماؤنا،خلافاً للجمهور(منه رحمه الله)و لكن الموجود في المنتهى هكذا:إذا أجنب ليلاً ثم نام ناوياً للغسل فسد صومه و عليه قضاؤه،ذهب إليه علماؤنا،خلافاً للجمهور.أنظر ج 2:566.
2- الانتصار:63،الخلاف 2:176،الغنية(الجوامع الفقهية):571،السرائر 1:374،الوسيلة:142،التذكرة 1:257،المنتهى 2:566.
3- الكافي 4:/105 1،الوسائل 10:63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 1.
4- المقنع:60،الوسائل 10:57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 3.
5- قال به صاحب الحدائق 13:113.
6- كالأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:35.

عمومها (1)،و صريح جملة من الصحاح و غيرها (2).

و يضعّف الأول:بلزوم التقييد أو التخصيص بما مضى.

و الثاني:بالحمل على التقيّة،كما ذكره جماعة (3)،و يشهد له إسناد نقل ما مرّ في المرسل إلى عائشة في بعض الروايات (4)،بل جملة.

و ربّما حُمِلَت على محامل أُخر لا بأس بها في مقام الجمع بين الأدلّة و إن بعدت غايته.و هي أولى من حمل تلك على الفضيلة؛ لرجحانها على هذه من وجوهٍ شتّى،أعظمها الاعتضاد بالشهرة العظيمة،القريبة من الإجماع،بل إجماع المتأخّرين حقيقةً،مضافاً إلى الإجماعات المنقولة حدّ الاستفاضة و المخالفة للعامّة.

و لا كذلك هذه،فإنّها في طرف الضدّ من المرجّحات المزبورة.

و هل يختصّ هذا الحكم بشهر رمضان،أم يعمّه و غيره؟ تردّد فيه في المنتهى،قال:من تنصيص الأحاديث برمضان دون غيره من الصيام،و من تعميم الأصحاب و إدراجه في المفطرات (5).

و مال الماتن في المعتبر إلى الأول (6).و هو الأظهر،وفاقاً لجملةٍ ممّن تأخّر (7)؛ لما مرّ،مع عدم بلوغ فتوى الأصحاب بالإطلاق الإجماع،سيّما

ص:314


1- البقرة:187.
2- الوسائل 10:57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13.
3- منهم:صاحب المدارك 6:55،و السبزواري في الذخيرة:497،و صاحب الحدائق 13:119.
4- التهذيب 4:/213 619،الإستبصار 2:/88 275،الوسائل 10:59 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 6.
5- المنتهى 2:566.
6- المعتبر 2:656.
7- كالأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:46؛ و انظر الحدائق 13:122.

مع اختصاص عبائر جملة منهم كالنصوص برمضان،كابن زهرة، و الشيخ في الخلاف (1)،و غيرهما (2).

مضافاً إلى جملة من المعتبرة المصرّحة بالعدم في التطوّع،و فيها:

الصحيح و الموثّق و غيرهما (3)،و يلحق به ما عداه من الصوم الواجب بمعونة ما مرّ من الدليل.

و يستثنى منه (4)قضاء رمضان؛ للصحيح:عن الرجل يقضي شهر رمضان،فيجنب من أول الليل،و لا يغتسل حتى يجيء آخر الليل،و هو يرى أنّ الفجر قد طلع،قال:« لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره» (5)و بمعناه آخر (6)،و الموثّق (7).

هذا،و في الصحيح الأول من الصحاح المستفيضة ربّما كان إشعار بتخصيص الحكم برمضان و اشتراطه فيه،فتأمّل.

و قريب منه اختصاص سائر النصوص مع كثرتها به،فإنّ فيه نوع إشعار بذلك،كما لا يخفى على المتأمّل.

ثم هل يختصّ الحكم بالجنابة،أم يعمّها و الحيض و النفاس و الاستحاضة الكثيرة؟

ص:315


1- ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):571،الخلاف 2:174.
2- كالجامع للشرائع:156.
3- الوسائل 10:68 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20.
4- أي:و يستثنى ممّا عدا صوم التطوّع..
5- الفقيه 2:/75 324،التهذيب 4:/277 837،الوسائل 10:67 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 1.
6- الكافي 4:/105 4،الوسائل 10:67 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 2.
7- التهذيب 4:/211 611،الإستبصار 2:/86 267،الوسائل 10:67 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 3.

الأجود:الثاني،وفاقاً لجماعة (1)؛ للموثّق في الأول (2)،و الصحيح في الثاني (3).

و لا يقدح تضمّنه لما لا يقول به الأصحاب،و لا كونه مكاتبة،كما لا يقدح قصور سند الأول؛ لما تقرّر في محلّه من حجّية الموثّق و المكاتبة، و عدم خروج الرواية باشتمالها على ما لا يقول به أحد عن الحجّية،و أنّها كالعامّ المخصَّص في الباقي حجّة.

مضافاً إلى انجبار جميع ذلك بالشهرة على ما ادّعاها بعض الأجلّة، بل قال في الاستحاضة:إنّ الحكم فيها ممّا لا خلاف فيه أجده إلّا من المعتبر و المبسوط،فتوقّفا فيه (4).

و في المسالك:الإجماع عليه و على وجوب القضاء مع الإخلال بالأغسال،قال:و كذا الحائض و النفساء إذا انقطع دمهما قبل الفجر.

انتهى (5).

و ظاهر الخبرين وجوب القضاء خاصّة،حيث لم يذكر فيهما الكفّارة،مع ورودهما في بيان الحاجة،فتكون بالأصل مدفوعة.

و حكاه في المختلف عن العماني في الحيض و النفاس (6)،و اختار هو

ص:316


1- منهم:العماني كما نقله عنه في المختلف:220،و العلامة في المنتهى 2:566،و صاحب الحدائق 13:123.
2- أي الحيض و النفاس.التهذيب 4:/393 1213،الوسائل 10:69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 21 ح 1.
3- أي الاستحاضة.الفقيه 2:/94 419،علل الشرائع:/293 1،الوسائل 10:66 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 18 ح 1.
4- الحدائق 13:125.
5- المسالك 1:75.
6- المختلف:220.

فيه و في التحرير كونهما كالجنابة،فإن أوجبنا القضاء و الكفّارة فيها أوجبناهما فيهما،و إلّا فالقضاء خاصّة (1)؛ لحجّةٍ لا تصلح مخصّصة لأصالة البراءة.

و لكنّ الأحوط ما ذكره.

و عن معاودة النوم جنباً لئلّا يستمرّ به النوم إلى الفجر، فيجب عليه القضاء مطلقاً (2)،بلا خلافٍ أجده،بل عليه الإجماع في الخلاف و الغنية (3)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الصحيح:الرجل يجنب من أول الليل،ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان،قال:« ليس عليه شيء» قلت:فإن استيقظ ثم نام حتى أصبح،قال:« فليقض ذلك اليوم عقوبة» (4)و نحوه آخر مروي في الفقيه (5)،و الرضوي الآتي (6).

و صريحها عدم وجوب الإمساك عن النومة الأُولى،و عدم ترتّب شيء عليها أصلاً،و عليه فتوى أصحابنا على الظاهر،المصرّح به في المنتهى (7).

ص:317


1- المختلف:220،التحرير 1:78.
2- أي سواء نام ناوياً للغسل أم لا.(منه رحمه الله).
3- الخلاف 2:222،الغنية(الجوامع الفقهية):571.
4- التهذيب 4:/212 615،الإستبصار 2:/87 271،الوسائل 10:61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 1.
5- الفقيه 2:/86 269،الوسائل 10:61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 2.
6- فقه الرضا(عليه السلام):207،المستدرك 7:330 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.
7- المنتهى 2:566.

إلّا إذا صادفت العزم على ترك الاغتسال،فإنّه كمتعمّد البقاء على الجنابة اتّفاقاً.

و كذا إذا صادقت عدم العزم عليه و على الاغتسال عند جماعة (1).

و حجّتهم غير واضحة،عدا إطلاق جملة من النصوص بوجوب القضاء بالنوم بقولٍ مطلق،كالصحيح:عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان،ثم ينام قبل أن يغتسل،قال:« يتمّ صومه و يقضي ذلك اليوم، إلّا أن يستيقظ قبل الفجر،فإن انتظر ماءً يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه» (2)و نحوه آخر (3)،و الموثّق (4).

و هي مع معارضتها بأكثر منها مستفيضة دالّة على عدم شيء بمطلق النوم فيها (5)أنّها كمعارِضها مطلقة تحتمل التقييد بالنومة الثانية، كالمعارِض بالأُولى،بشهادة الصحيح المفصِّل بينهما بالقضاء في الثانية و عدم شيء في الأُولى.

و هذا الحكم فيها و إن كان مطلقاً يشمل ما لو كان النوم مصادفاً للعزم على ترك الاغتسال الموجب لفساد الصوم اتّفاقاً إلّا أنّه بعد تسليم انصراف الإطلاق إلى هذه الصورة مع ندرتها مقيّد بغيرها؛ لما مضى من وجوب

ص:318


1- منهم العلامة في المنتهى 2:573،و الفيض في المفاتيح 1:248.
2- التهذيب 4:/211 613،الإستبصار 2:/86 270،الوسائل 10:62 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 3 بتفاوت يسير.
3- التهذيب 4:/210 610،الإستبصار 2:/85 266،الوسائل 10:61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 14 ح 2.
4- التهذيب 4:/211 611،الإستبصار 2:/86 267،الوسائل 10:62 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 5.
5- الوسائل 10:57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13.

الإمساك عن تعمّد البقاء،الذي منه أو بمعناه هذه الصورة.

كما أنّ النصوص المزبورة المطلقة للزوم القضاء بالنوم المشتملة لذلك لِما إذا صادف العزم على الاغتسال،مع أنّه غير موجب للقضاء اتّفاقاً،مقيّدة بغيره.

و بالجملة:لم أجد للقول المزبور حجّة،عدا إطلاق الصحيح و الموثّقة و ما في معناهما،و مقتضى الأُصول المقرّرة تقييده بما في الصحيح،أو حملها على الاستحباب إن كانت ظاهرةً في النومة الأُولى،كما هو الظاهر من سياقها؛ لأنّه أصرح دلالةً منها،سيّما مع ضعف إطلاقها بالتقييد بما إذا لم يصادف العزم على الاغتسال.

و على تقدير تسليم التكافؤ دلالةً،فكما يمكن الجمع بينهما بما ذكروه،كذا يمكن بما ذكرنا.و لا ريب أنّه أولى؛ لاعتضاده بالأصل.

نعم،في الرضوي:« إذا أصابتك جنابة في أول الليل فلا بأس بأن تنام متعمّداً و في نيّتك أن تقوم و تغتسل قبل الفجر،فإن غلبك النوم حتى تصبح فليس عليك شيء،إلّا أن تكون انتبهت في بعض الليل ثم نمت، و توانيت[و لم تغتسل]و كسلت،فعليك صوم ذلك اليوم و إعادة يوم آخر مكانه،و إن تعمّدت النوم إلى أن تصبح فعليك قضاء ذلك اليوم و الكفّارة» (1).

و هو بمفهومه الأول ربّما دلّ على ما ذكروه،فيكون أحوط،و إن أمكن المناقشة فيه،بأنّه:لعلّ المراد من مفهوم قوله:« و في نيّتك أن تقوم..» تعمّد الترك،كما ربّما يفصح قوله في الذيل:« و إن تعمّدت

ص:319


1- فقه الرضا(عليه السلام):207،المستدرك 7:330 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 و 10 و 11 ح 1 و 1 و 2؛ و ما بين المعقوفين من المصدرين.

النوم» و المتبادر منه العزم على البقاء على الجنابة،و يكون حكم المفروض و هو النوم ذاهلاً عن العزم على الغسل و تركه مسكوتاً عنه،و لعلّه لندرته كما مرّ.

و سيأتي للمسألة مزيد تحقيق إن شاء اللّه سبحانه.

و عن الكذب على اللّه سبحانه و الرسول صلى الله عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام بلا خلافٍ فيه،و لا في وجوب الإمساك عن مطلق الكذب،بل مطلق المحرّمات،و إنّما الخلاف في إيجابه الفساد و الإفطار الموجب للقضاء و الكفّارة.

و سيأتي الكلام في تحقيق المسألة بعون اللّه سبحانه.

و عن الارتماس في الماء على الأشهر الأقوى؛ للنهي عنه في الصحاح و غيرها (1).

و قيل و القائل المرتضى في أحد قوليه،و الحلّي (2)،و غيرهما (3)، أنّه يكره و لا يجب الإمساك عنه؛ للأصل المضعّف بما مرّ.

و للخبر (4)القاصر سنداً و دلالةً و تكافؤاً لما مضى من وجوهٍ شتّى،مع احتماله الحمل على التقيّة،لموافقته لمذهب جماعة من العامّة،كما ذكره جماعة (5).

ص:320


1- الوسائل 10:35 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3.
2- حكاه عن المرتضى في المعتبر 2:656،السرائر 1:376.
3- كابن أبي عقيل،حكاه عنه في المختلف:218.
4- التهذيب 4:/209 606،الاستبصار 2:/84 262 بتفاوت يسير،الوسائل 10:38 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 9.
5- منهم:صاحب المدارك 6:55،و السبزواري في الذخيرة:498،و صاحب الحدائق 13:119.

و هل يجب به القضاء خاصّة،أو مع الكفّارة،أو لا يجب به شيء أصلاً؟ فيه أقوال ثلاثة،ستأتي إليها الإشارة بعون اللّه سبحانه.

و في وجوب الإمساك عن السعوط في الأنف،مع إيجابه القضاء و الكفّارة،كما عن المفيد،و الديلمي،و حكاه المرتضى عن قومٍ من أصحابنا (1).

أم القضاء خاصّة،كما عن الحلبي،و القاضي،و ابن زهرة (2).

أم الجواز من غير كراهة،كما عن ظاهر الإسكافي و المقنع (3).

أم معها،كما عن الشيخ في الخلاف و الجمل و النهاية و المبسوط (4)، و إن اختلفت عباراته في هذه الكتب في التأدية عن السعوط بقولٍ مطلق، كما في الثلاثة الأُول،أو تقييده بغير المتعدّي منه إلى الحلق،و إلّا فيوجب القضاء،كما في الأخير،و عليه الفاضل في المختلف،مُضيفاً الكفّارة، و مشترطاً تعمّد التعدية (5).

و عن مضغ العِلك ذي الطعم،مع إيجابه القضاء،كما عن الإسكافي و النهاية (6)،لكن ليس فيها سوى المنع خاصّة.

أو جوازه مع الكراهة،كما عن المبسوط (7).

ص:321


1- المقنعة:344 و فيه:و يفسده أيضاً الحقنة و السعوط،المراسم:98،جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):54.
2- الكافي في الفقه:183،المهذّب 1:192،الغنية(الجوامع الفقهية):571.
3- نقله عن الإسكافي في المختلف:221،المقنع:60.
4- الخلاف 2:215،الجمل و العقود(الرسائل العشر):214،النهاية:156،المبسوط 1:272.
5- المختلف:221.
6- حكاه عن الإسكافي في المختلف:222،النهاية:157.
7- المبسوط 1:273.

تردّد للماتن،لم يظهر وجهه في طرف المنع عنهما.

عدا ما قيل في الأول:من وصوله إلى الدماغ (1)،و هو مفطر.

و فيه منع ظاهر.

و في الثاني:من وصول طعمه إلى الحلق،و ليس ذلك إلّا بسبب وصول بعض أجزائه المتخلّلة؛ لامتناع انتقال الأعراض (2).

و هو في المنع كالسابق.

و فيهما مع ذلك أنّهما اجتهاد في مقابلة ما سيأتي من النص.

فإذ أشبهه بل و أشهره،كما في المنتهى في الثاني (3)،و في المدارك و الذخيرة في الأول (4) الكراهة في المقامين؛ استناداً إلى وجه الجواز فيهما و هو الأصل و حصر ما يضرّ الصائم في معدودٍ ليسا منها.

مضافاً في الأول إلى فحوى ما دلّ على كراهة الاكتحال بما له طعم يصل إلى الحلق (5).

و عموم التعليل في جملةٍ من النصوص الدالّة على جواز الاكتحال بقولٍ مطلق بأنّه ليس بطعامٍ و لا شراب (6).

نعم،يكره؛ للشبهة،و التعبير بلفظ الكراهة في جملةٍ من النصوص (7)،

ص:322


1- التنقيح 1:359.
2- انظر المختلف:222،و التنقيح 1:360.
3- المنتهى 2:568.
4- المدارك 6:128،الذخيرة:504.
5- الكافي 4:/111 3،التهذيب 4:/259 770،الوسائل 10:74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 2.
6- الوسائل 10:74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25.
7- الوسائل 10:43 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 7.

بل في الرضوي التصريح ب« لا» أو« لا يجوز» (1)و هو محمول على الكراهة جمعاً.

و في الثاني:إلى الصحيح (2)و غيره (3)،الصريحين في الجواز.

و أمّا الصحيح الآخر الناهي عنه (4)فمحمول على الكراهة؛ لما عرفته.

و في جواز الحقنة كما عليه المرتضى في الجمل (5)، و عدمه،كما عليه الأكثر: قولان مطلقان،غير مفصّلين بين الجامد منه و المائع.

أشبههما الثاني،و هو التحريم لكن بالمائع خاصّة، و الكراهة في الجامد،وفاقاً للشيخ في جملةٍ من كتبه،و الحلّي (6)، و جماعة (7).

استناداً في الأول إلى الصحيح:« الصائم لا يجوز له أن يحتقن» (8).

ص:323


1- فقه الرضا(عليه السلام):212،المستدرك 7:333 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 2.
2- الكافي 4:/114 2،الوسائل 10:104 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 1.
3- التهذيب 4:/324 1002،الوسائل 10:105 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 3.
4- الكافي 4:/114 1،الوسائل 10:105 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 2.
5- جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):54.
6- الشيخ في النهاية:156،و الاقتصار:288،الحلي في السرائر:387.
7- منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع:156،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:124،و صاحب المدارك 6:64.
8- التهذيب 4:/204 589،الإستبصار 2:/83 256،الوسائل 10:42 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 4.

و الرضوي:« و لا يجوز للصائم أن يقطّر في اذنه شيئاً،و لا يسعط، و لا يحتقن» (1).

و في الثاني إلى الأصل و الحصر السابقين،مع اختصاص الخبرين بحكم التبادر بالمائع،و تصريح الصحيح بجواز استدخال الدواء (2)الشامل للجامد،بل الظاهر فيه بحكم التبادر،و لذا لا يصرف به ظاهر الصحيح السابق إلى الكراهة.

مضافاً إلى صريح الموثّق ما تقول في[التلطّف بالأشياف ] (3)يستدخله الإنسان و هو صائم؟فكتب:« لا بأس بالجامد» (4).

هذا،و لو لا اشتهار القول بتحريم المائع بل عدم الخلاف فيه إلّا من المرتضى،حتى أنّه سيأتي من الناصرية و الغنية دعوى الإجماع على إيجابه الإفطار و القضاء (5)لكان القول بمقالته من الجواز مطلقاً غير بعيد من الصواب؛ لما مرّ في السعوط من الأدلّة.

مع قوّة احتمال الجمع بين أخبار المسألة،بحمل المانعة على الكراهة،سيّما الرضوي منها،المتضمّن للنهي عن السعوط أيضاً بكلمة:

« لا يجوز» الداخلة على كليهما،و هي بالإضافة إلى السعوط للكراهة كما

ص:324


1- فقه الرضا(عليه السلام):212،المستدرك 7:325 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 6 ح 1.
2- الكافي 4:/110 5،التهذيب 4:/325 1005،قرب الإسناد:102،الوسائل 10:41 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 1.
3- في النسختين:اللطيف من الأشياء.و ما أثبتناه موافق للتهذيب.و التلطّف:إدخال الشيء في الفرج مطلقا.مجمع البحرين 5:121.
4- الكافي 4:/110 6،التهذيب 4:/204 590،الاستبصار 2:/83 257 بتفاوت يسير،الوسائل 10:41 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 2.
5- انظر ص:2571.

مضى فلتكن بالإضافة إلى الاحتقان لها أيضاً،لئلّا يلزم استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي و المجازي،الممنوع منه على الأقوى.

و اعلم أنّ الذي يبطل الصوم كائناً ما كان إنّما يبطله إذا صدر من الصائم عمداً و اختياراً مطلقاً،واجباً كان الصوم أو ندباً.

فليس على الناسي شيء في شيء من أنواع الصيام،و لا في شيء من المفطرات،بغير خلاف أجده،بل نفى الخلاف عنه جماعة (1)،معرِبين عن دعوى الإجماع عليه،كما صرّح به بعضهم (2).

و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،ففي جملةٍ منها صحيحة:« لا يفطر، إنّما هو شيء رزقه اللّه تعالى» (3).

و أخصّيتها من المدّعى باختصاصها بالأكل و الشرب و الجماع غير قادح بعد عدم قائل بالفرق بينها و بين سائر المفطرات.

و لا على المؤجر في حلقه،بغير خلاف ظاهر،مصرّح به في جملة من العبائر (4).

و لا على المكره بأنواعه عند الأكثر؛ للأصل،مع عدم عموم فيما دلّ على وجوب القضاء،لاختصاصه نصّاً و فتوى بحكم التبادر بغيره.

مضافاً إلى التأيّد بحديث ما استكرهوا عليه (5).و إن أشكل الاستدلال

ص:325


1- منهم العلامة في المنتهى 2:577،و السبزواري في الذخيرة:507.
2- كالأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:62،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:252.
3- الكافي 4:/101 1،الفقيه 2:/74 318،التهذيب 4:/277 838،الوسائل 10:50 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 1.
4- كالذخيرة:508،و المفاتيح 1:252.
5- الوسائل 15:369 أبواب جهاد النفس ب 56.

به،كما اتّفق لبعض (1)؛ لأنّ المتبادر منه نفي المؤاخذة لا ارتفاع الأحكام جملةً.

خلافاً للمبسوط؛ لأنّه يفعل باختياره (2).

و هو قوي؛ لضعف المنع عمّا يدلّ على كلّية الكبرى،كما مضى.

إمّا بناءً على ثبوت الكلّية من تتبّع نفس النصوص،و لا سيّما الواردة منها في المتسحّر في رمضان بعد الفجر قبل المراعاة و غيره (3)؛ لغاية وضوحها في التنافي بين نحو الأكل و الصوم،بحيث لم يجتمعا و إن كان الأكل جائزاً شرعاً،و لذا أمر المتسحّر المزبور بعدم صوم يومه إذا كان قضاءً عن رمضان مطلقاً،و لو كان للفجر مراعياً.

أو لأنّ حقيقة الصوم ليس إلّا عبارة عن الإمساك عن المفطرات،و هو في المقام لم يتحقّق قطعاً،لا لغةً و لا عرفاً و لا شرعاً.

أمّا الأولان:فظاهران.

و أمّا الثالث:فلأنّ معناه الحقيقي ليس إلّا ما هو المتبادر عند المتشرّعة،و لا ريب أنّه الإمساك و عدم وقوع المفطر باختيار المكلّف أصلاً،و لا ريب أنّه منتفٍ هنا،و لذا يصحّ سلب الصوم و الإمساك فيه جدّاً، فيقال:إنّه ما صام و ما أمسك و لو اضطراراً،و يعضده إطلاق لفظ الإفطار فيما سيأتي من الأخبار،مع تضمّن بعضها القضاء.

و هو أوضح شاهدٍ على عدم الإتيان بماهية الصوم المأمور بها،و هو عين معنى الفساد،و إذا ثبت ثبت وجوب القضاء؛ لعدم قائل بالفرق بينهما.

ص:326


1- كالشهيد في المسالك 1:71،و صاحب الحدائق 13:69.
2- المبسوط 1:273.
3- الوسائل 10:115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44.

و بالجملة:غير خفي متانة هذا القول و قوّته إن لم يكن خلافُه إجماعاً.و كيف كان فلا ريب أنّه أحوط و أولى.

و في حكمه المفطر في يوم يجب صومه تقيّةً،كما في النصوص، منها:« و اللّه أُفطر يوماً من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن يضرب عنقي» (1).

و في آخر:« إفطاري يوماً و قضاؤه أيسر عليّ من أن يُضرَب عنقي و لا يعبد اللّه» (2).

و يستفاد منه ثبوت القضاء،بل وجوبه كما قيل- (3)به،و هو أحوط،بل و أولى؛ لما مضى،و به يجبر ضعف السند هنا.

و الظاهر الاكتفاء في التقيّة المبيحة للإفطار بمجرّد ظنّ خوف الضرر، كما هو المعلوم من الأخبار.

خلافاً للمحكي عن الدروس،فاعتبر خوف التلف على النفس (4)، كما ربّما يتوهّم من الخبرين المتقدّمين.

و فيه نظر،مضافاً إلى ضعفهما بالإرسال،فلا تخصَّص بهما ظواهر تلك الأخبار المؤيّدة بالاعتبار.

و لا على الجاهل بالحكم إلّا الإثم في تركه تحصيل المعرفة، لا القضاء و الكفّارة،كما عليه الحلّي،و الشيخ في موضعٍ من التهذيب (5)، و احتمله في المنتهى (6).

ص:327


1- الكافي 4:/83 9،الوسائل 10:131 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 4.
2- الكافي 4:/82 7،الوسائل 10:132 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 5.
3- الشهيد الثاني في المسالك 1:71،و صاحب الحدائق 13:69.
4- الدروس 1:276.
5- الحلي في السرائر 1:386،التهذيب 4:208.
6- المنتهى 2:570.

للموثق:عن رجلٍ أتى أهله في شهر رمضان،أو أتى أهله و هو محرم،و هو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له،قال:« ليس عليه شيء» (1).

و فيه:أنّ التعارض بينه و بين ما دلّ على وجوب القضاء تعارضُ العموم من وجه؛ لأنّه و إن كان صريحاً في الجاهل إلّا أنّه عامّ بالنسبة إلى القضاء،و ما دلّ على وجوبه و إن كان عامّاً بالنسبة إلى الجاهل إلّا أنّه صريح بالنسبة إلى القضاء،فكما يمكن تخصيص هذا بالموثّق كذا يمكن العكس.

بل هو أولى من جوهٍ شتى؛ لأرجحية ما دلّ على القضاء عدداً و سنداً و اشتهاراً و غيرها،و حينئذٍ فيقيّد بهذه الموثّق،و يحمل على نفي الكفّارة، كما في المنتهى (2).

خلافاً لأكثر المتأخّرين (3)،فكالعامد يقضي و يكفّر؛ لعموم أخبارهما (4).

و في انصراف ما دلّ على الكفّارة منها إلى الجاهل سيّما المتضمّن منها للمتعمّد نظر واضح،مع أنّها محتملة للتقييد بالموثّقة؛ لكونها حجّة.

و لجماعة (5)،فعليه القضاء؛ لعموم الأمر به عند عروض أحد أسبابه.

دون الكفّارة (6)؛ للأصل،و لتعلّق الحكم بها في النصوص على تعمّد الإفطار لا تعمّد الفعل،بل قيّد في بعضها بغير العذر،و الجهل بالحكم من أقوى

ص:328


1- التهذيب 4:603/208،الوسائل 10:53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 12.
2- المنتهى 2:569.
3- كالعلامة في التذكرة 1:262،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 5:126،و حكاه في المدارك 6:66 و الكفاية:48 عن الأكثر.
4- الوسائل 10:44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.
5- منهم المحقق في المعتبر 2:662،و العلامة في المنتهى 2:569.
6- الوسائل 10:44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.

الأعذار،كما يستفاد من المعتبرة،منها:« أيّ رجلٍ ارتكب أمراً بجهالة فلا شيء عليه» (1)مضافاً إلى الموثّق المتقدّم.

و هذا القول أقوى:

بهذا و لا ريب أنّ القضاء و الكفّارة معاً أحوط و أولى،سيّما مع عموم جملة من الأخبار بترك الاستفصال الشامل لمفروضنا.

و لا يفسد الصوم بمصّ الخاتم،و مضغ الطعام للصبي،و زقّ الطائر و ذوق المرق،و نحو ذلك.

و ضابطه ما لا يتعدّى الحلق للمعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها من المعتبرة (2)،مضافاً إلى الأصل و الحصر،المتقدّمة إليهما الإشارة.

مع أنّه لا خلاف في شيء منها أجده إلّا من الشيخ في التهذيب في الأخير في غير الضرورة (3)؛ للصحيح المانع عنه على الإطلاق (4)،بحمله على تلك الصورة،جمعاً بينه و بين الصحاح المرخّصة و لو على الإطلاق، بحملها على غيرها.

و فيه:أنّ هذا التفصيل غير موجود في شيء منها،فالترجيح متعيّن، و هو في جانب الرخصة،للتعدّد،موافقة الأصل و الحصر،فيحمل النهي في

ص:329


1- التهذيب 5:239/72،الوسائل 8:248 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 1.
2- الوسائل 10:105،108،109 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 37،38،40.
3- التهذيب 4:312.
4- التهذيب 4:/312 943،الإستبصار 2:/95 309،الوسائل 10:106 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 37 ح 2.

المعارض على الكراهة،كما ذكره جماعة (1)،أو توجيهه إلى الازدراد بتقديره،كما ذكره بعض.و لا بأس به.

و لا يفسد أيضاً باستنقاع الرجل في الماء بلا خلاف؛ لجملةٍ ممّا مرّ،مضافاً إلى النصوص و فيها الصحيح و غيره-:عن الصائم يستنقع في الماء،قال:« لا بأس» (2).

و السواك في الصوم مستحبّ و لو بالرطب على الأشهر،بل في المنتهى:أنّه مذهب علمائنا أجمع إلّا العماني،فإنّه كرهه بالرطب (3).

و يفهم منه عدم الخلاف بيننا في أصل الجواز مطلقاً،مع أنّه حكى في المختلف عن العماني المنع عن الرطب (4)،الظاهر في التحريم.

و لا ريب في ضعفه؛ للأصل و الحصر المتقدّمين،و العمومات، و خصوص إطلاق الصحاح و غيرها من المعتبرة المستفيضة:« يستاك الصائم أيّ ساعة من النهار شاء» (5).

و في الصحيح:أ يستاك الصائم بالماء و بالعود الرطب يجد طعمه؟ فقال:« لا بأس به» (6).

و النهي عن الرطب منه في المعتبرة المستفيضة- (7)محمول إمّا على

ص:330


1- منهم:صاحب المدارك 6:72،و صاحب الذخيرة:506،و صاحب الحدائق 13:76.
2- الوسائل 10:37 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 6 و ذيله.
3- المنتهى 2:568.
4- المختلف:223.
5- الوسائل 10:82 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28.
6- التهذيب 4:/262 782،الإستبصار 2:/91 291،الوسائل 10:83 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 3.
7- الوسائل 10:84 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 7 و 8 و 10 و 11 و 12.

الكراهة،كما حكاها عنه في المنتهى (1)،و تبعه الشهيد في الدروس،فقال بعد الحكم بنفي البأس عن السواك بقولٍ مطلق في أول النهار و آخره -:و كرهه الشيخ و الحسن بالرطب (2).

أقول:و وافقهما في الكراهة ابن زهرة في الغنية (3)،و اختارها من متأخّري المتأخّرين جماعة (4).

أو على التقية عن مذهب بعض العامّة (5)،و ربّما يناسبه ظاهر بعض الروايات،كالمروي عن قرب الإسناد:قال عليّ عليه السلام:« لا بأس بأن يستاك الصائم بالسواك الرطب في أول النهار و آخره» فقيل لعليّ عليه السلام في رطوبة السواك،فقال:« المضمضة بالماء أرطب منه» فقال علي عليه السلام:« فإن قال قائل:لا بدّ من المضمضة،لسنّة الوضوء،قيل:فإنّه لا بدّ من السواك،للسنّة التي جاء بها جبرئيل عليه السلام» (6)و نحوه آخر مروي في التهذيب (7).

و ضعفهما مجبور بالعمل و ما فيهما من التعليل.

فالقول بالجواز من غير كراهة،بل الاستحباب كما عليه الأصحاب أوجه،و إن كانت الكراهة لقاعدة التسامح في أدلّتها لعلّها أنسب،فتدبّر و تأمّل.

ص:331


1- المنتهى 2:568.
2- الدروس 1:279،و المراد بالحسن:ابن أبي عقيل العماني.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):571.
4- كالفيض في المفاتيح 1:250،و الحر العاملي في الوسائل 10:82 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 عنوان الباب،و المحقق الخوانساري في المشارق:438.
5- انظر المغني لابن قدامة 3:45.
6- قرب الإسناد:/89 297،الوسائل 10:86 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 15.
7- التهذيب 4:/263 788،الإستبصار 2:/92 295،الوسائل 10:83 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 4.

و تكره مباشرة النساء تقبيلاً و لمساً و ملاعبة مع ظنّ عدم الإمناء لمن تحرّك شهوته بذلك،إجماعاً كما في الخلاف و المنتهى (1)؛ للصحاح و غيرها (2).و ظاهرها اختصاص الكراهة بمن ذكرنا،كما عليه الشيخ في الخلاف،و الفاضلان،و الشهيدان (3)،و جملة ممّن تأخّر عنهما (4).

خلافاً لظاهر إطلاق العبارة هنا و في السرائر (5)و غيرهما (6)،فمطلقاً؛ لإطلاق جملة من النصوص (7).و يحتمل كإطلاقات كلامهم التقييد بمن ذكرنا؛ لكونه الأغلب من أفرادها.

و الاكتحال بما فيه مسك أو طعم يصل إلى الحلق؛ للنهي عنه في الصحيحين و غيرهما (8)،المحمول على الكراهة إجماعاً،و للأصل و الحصر السابقين،و خصوص الصحيحين (9)و غيرهما (10)،المرخّصين له على

ص:332


1- الخلاف 2:196،المنتهى 2:581.
2- الوسائل 10:97 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33.
3- الخلاف 2:396،المحقق في الشرائع 1:195،العلامة في التحرير 1:78،الشهيد الأول في الدروس 1:279،الشهيد الثاني في المسالك 1:74.
4- كصاحبي المدارك 6:124،و الذخيرة:504،و الحدائق 13:150.
5- السرائر 1:389.
6- كالإرشاد 1:297.
7- الوسائل 10:74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25.
8- الأول:الكافي 4:/111 2،الوسائل 10:75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 3.الثاني:التهذيب 4:/259 769،الإستبصار 2:/89 282،الوسائل 10:76 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 9.و انظر:التهذيب 4:/259 768،الوسائل 10:76 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 8.
9- الكافي 4:/111 1،التهذيب 4:/258 765،الإستبصار 2:/89 278،الوسائل 10:74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 1.
10- التهذيب 4:/258 766،الإستبصار 2:/89 279،الوسائل 10:75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 6.

الإطلاق؛ معلّلين بأنّه ليس بطعامٍ يؤكل.

و الكحل في كلٍّ من هذه النصوص و إن كان مطلقاً يشمل ما اختصّت به العبارة و غيره،إلّا أنّها محمولة على التفصيل الموجود فيها،فالمانعة مقيّدة بما في العبارة،و المرخّصة بما عداه.

لمفهوم المعتبر كالصحيح:عن المرأة تكتحل و هي صائمة،فقال:

« إذا لم يكن كحلاً تجد له طعماً في حلقها فلا بأس» (1).

و الموثّق:« إذا كان كحلاً ليس فيه مسك و لا طعم في الحلق فليس به بأس» (2).

و الرضوي:« و لا بأس بالكحل إذا لم يكن مُمَسَّكاً» (3).

و على هذا التفصيل أكثر الأصحاب،خلافاً لبعضهم،فاحتمل الإطلاق (4)،و عليه فيجمع بين الأخبار،بحمل المرخّصة منها على الجواز المطلق،و المانعة على الكراهة،و المفصّلة على شدّتها.

و إخراج الدم المضعف،و دخول الحمّام كذلك و نحوهما؛ للصحاح المستفيضة،منها:عن الصائم أ يحتجم؟فقال:« لا بأس،إلّا أن يتخوّف على نفسه الضعف» (5).

ص:333


1- التهذيب 4:/259 771،الإستبصار 2:/90 284،الوسائل 10:75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 5.
2- الكافي 4:/111 3،التهذيب 4:/259 770،الإستبصار 2:/90 283،الوسائل 10:74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 2 بتفاوت يسير.
3- فقه الرضا(عليه السلام):212،المستدرك 7:334 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 2.
4- كصاحب المدارك 6:125.
5- التهذيب 4:/260 774،الإستبصار 2:/90 287،الوسائل 10:80 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 10.

و نحوه آخران (1).

و لا يضرّ اختصاصها بالاحتجام؛ لاستفادة العموم من السياق.

و منها:عن الرجل يدخل الحمّام و هو صائم،فقال:« لا بأس،ما لم يخش ضعفاً» (2).

و شمّ الرياحين هو جمع ريحان،و هو:ما طاب ريحه من النبات بنصّ أهل اللغة (3).

و يتأكّد في النرجس بغير خلافٍ في شيء من ذلك أجده،و به صرّح في الذخيرة (4)،مشعراً بدعوى الإجماع عليه،كما يظهر من المنتهى، حيث عزاهما إلى علمائنا (5).

للنهي عنهما في النصوص المستفيضة (6)،المحمول على الكراهة، جمعاً بينها و بين ما هو على الجواز أصرح دلالةً منه على الحرمة، كالصحيح:عن الصائم يشمّ الريحان،أم لا ترى ذلك له؟فقال:« لا بأس به» (7).

ص:334


1- الكافي 4:/109 1،الفقيه 2:/68 287،التهذيب 4:260 و /261 776 و 777،الاستبصار 2:/91 289 و 290،الوسائل 10:77 و 80 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 1 و 12.
2- الكافي 4:/109 3،الفقيه 2:/70 296،التهذيب 4:/261 779،الوسائل 10:81 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 27 ح 2.
3- انظر القاموس 1:232.
4- الذخيرة:505.
5- المنتهى 2:583.
6- الوسائل 10:91 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32.
7- التهذيب 4:/266 802،الإستبصار 2:/93 297،الوسائل 10:93 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 8.

و الصحيح:الصائم يشمّ الريحان و الطيب؟قال:« لا بأس به» (1)و نحوهما غيرهما (2)،و هي كثيرة.

بحمل هذه على الجواز المطلق،و تلك على الكراهة،مع إشعار جملة منها بها؛ لتضمّنها تعليل النهي بكراهة التلذّذ للصائم،و هو ليس للتحريم قطعاً.

و قريب منه تعليل النهي عن النرجس في بعض الأخبار بأنّه ريحان الأعاجم (3).

و ما ورد من أنّ« الطيب تحفة الصائم» (4)محمول على ما عدا الرياحين جمعاً،و لعدم خلاف في استحبابه للصائم على ما صرّح به جماعة (5)،إلّا المسك،فقد ألحقه الفاضل في جملةٍ من كتبه تبعاً للحلّي، و ابن زهرة بالرياحين (6)،و زاد هو فألحقه بالنرجس في تأكّد الكراهة (7)؛ للرواية:« إنّ عليّاً عليه السلام كره المسك أن يتطيّب به الصائم» (8).

ص:335


1- الكافي 4:4/113،التهذيب 4:800/266،الإستبصار 2:296/92،الوسائل 10:91 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 1.
2- الكافي 4:/113 3،الفقيه 2:/70 295،التهذيب 4:/265 799،الوسائل 10:92 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 3.
3- الكافي 4:/112 2،الفقيه 2:/71 301،التهذيب 4:/266 804،الإستبصار 2:/94 302،الوسائل 10:92 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 4.
4- تقدّم مصدره في ص 2533 الهامش(13).
5- منهم:صاحبو المدارك 6:131،و الذخيرة:505،و الحدائق 13:160.
6- الفاضل في المنتهى 2:583،و التحرير 1:79،الحلي في السرائر 1:388،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):571.
7- التحرير 1:79،المنتهى 2:583،التذكرة 1:266.
8- الكافي 4:/112 1،التهذيب 4:/266 801،الوسائل 10:93 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 6.

و هي و إن كانت ضعيفة السند،بل و الدلالة على ما ذكره العلّامة؛ لعدم ظهور التأكّد منها،بل و لا من الرواية الواردة في النرجس،و إن استدلّ بهما عليه فيهما (1)؛ إذ غايتهما النهي الوارد فيما سواهما من الرياحين أيضاً.

إلّا أنّ المسامحة في أدلّة السنن تقتضي ذلك،سيّما مع التأيّد بفتوى الأصحاب كافّة بالتأكّد في النرجس،و جماعة منهم في المسك بالكراهة المطلقة أو المؤكّدة،كما عرفته.

و الاحتقان بالجامد ؛ لما مرّ (2).

و بلّ الثوب على الجسد بلا خلاف ظاهر؛ للنهي عنه في النصوص (3)،المحمول لضعفها على الكراهة.

مضافاً إلى الأصل و الحصر السابقين،و الصحيح:« الصائم يستنقع في الماء،و يصبّ على رأسه،و يتبرّد بالثوب،و ينضح بالمروحة،و ينضح البوريا تحته و لا يغمس رأسه في الماء» (4).

و ما فيه من جواز الاستنقاع في الماء قد دلّ عليه بعض النصوص السابقة (5)،مع تضمّنه النهي عن بلّ الثوب،و لمّا أن سُئل عليه السلام عن وجه الفرق قال:« أول من قاس إبليس» (6).

و لا خلاف فيه أجده للرجل.و أمّا المرأة فالمشهور بين المتأخّرين

ص:336


1- أي:و إن استدل بالروايتين على تأكّد الكراهة في النرجس و المسك.
2- في ص:2525.
3- الوسائل 10:35 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3.
4- الكافي 4:/106 3،التهذيب 4:/262 785،الإستبصار 2:/84 260،الوسائل 10:36 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 2.
5- في ص:2530.
6- الكافي 4:/113 5،التهذيب 4:/267 807،الإستبصار 2:/93 301،الوسائل 10:37 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 5.

الكراهة،و إليه أشار الماتن بقوله: و جلوس المرأة في الماء خلافاً للقاضي،و ابن زهرة،و الحلبي،فيجب عليها به القضاء (1)، و زاد الأولان فأوجبا به الكفّارة أيضاً،و ادّعى عليه الثاني إجماعنا.

فإن تمّ و إلّا كما هو الظاهر لندرة القول بهما،بل شذوذهما كما قيل - (2)فالظاهر الأول؛ للأصل و الحصر،مع عدم دليل على شيءٍ من الأمرين.

نعم،في الموثّق:عن الصائم يستنقع في الماء،قال:« لا بأس، و لكن لا يغمس رأسه،و المرأة لا تستنقع،لأنّها تحمله بقبلها» (3).

و هو غير صريح،بل و لا ظاهر في شيء منهما،و إنّما غايته النهي المفيد للحرمة،و هي أعمّ من ثبوتهما،إلّا أن يتمّ بعدم قائل بها من غير قضاء،فيكون ثابتاً.

و هو حسنٌ إن قاوم الخبرُ الأصلَ و الحصر النافيين لها.و هو محلّ نظر،بعد اشتهارهما بالشهرة العظيمة المتأخّرة،التي كادت تكون لنا إجماعاً،مع قصوره سنداً.

فالأولى حمله على الكراهة،و إن كان الأحوط الاجتناب بلا شبهة.

بل لا يبعد القول بالتحريم؛ لاعتبار السند بالموثّقية،المؤيّد مع ذلك بإجماع ابن زهرة،فلا يعارضه الأصل و الحصر و إن اعتضدا بالشهرة؛ لكونها متأخّرة،فيخصّص به عمومهما،سيّما مع اختصاص الثاني بحكم السياق بالرجل جدّاً،مع وهن عمومه بلزوم تخصيصه في مواضع.

ص:337


1- القاضي في المهذّب 1:192،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):571،الحلبي في الكافي في الفقه:183.
2- الروضة 2:133،مفاتيح الشرائع 1:250.
3- الكافي 4:/106 5،الفقيه 2:/71 307،التهذيب 4:/263 789،الوسائل 10:37 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 6.
المقصد الثاني في بيان ما يجب به القضاء و الكفّارة،أو القضاء خاصّة و فيه مسائل
اشارة

المقصد الثاني في بيان ما يجب به القضاء و الكفّارة،أو القضاء خاصّة، و سائر ما يتعلّق بهما و فيه مسائل سبع:

المسألة الأُولى

الأُولى:تجب الكفّارة و القضاء معاً بتعمّد الأكل و الشرب المعتادين،بإجماع العلماء،كما صرّح به جماعة مستفيضاً (1).

و كذا غير المعتاد منهما على الأقوى؛ بناءً على ما مرّ من حصول الفطر به (2)،فيدخل في عموم ما دلّ على إيجابه لهما،كالصحيح:في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّدا يوماً واحداً من غير عذر،قال:« يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستّين مسكيناً،فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق» (3).

و يأتي على قول المرتضى عدم إيجابه لشيء منهما (4).

و أمّا ما حكاه عن بعض أصحابنا من إيجابه القضاء خاصّة- (5)فلم نعرف قائله و لا مستنده،مع أنّ ما قدّمناه من الأدلّة على خلافه حجّة واضحة.

ص:338


1- منهم الشيخ في الخلاف 2:193،و العلامة في المنتهى 2:572،و صاحب المدارك 6:75.
2- راجع ص 2512.
3- الكافي 4:/101 1،الفقيه 2:/72 308،التهذيب 4:/321 984،الإستبصار 2:/95 310،الوسائل 10:44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 1.
4- راجع ص 2512.
5- جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):55.

و الجماع قبلاً إجماعاً من المسلمين قاطبةً،كما صرّح به جماعة (1)،و النصوص به عموماً (2)و خصوصاً مستفيضة (3).

و كذا دبراً على الأظهر الأشهر؛ بناءً على ما مرّ من حصول الفطر به (4)،فيدخل في عموم نحو الصحيح الماضي.

و الإمناء بالملاعبة و الملامسة ؛ لما مرّت إليه الإشارة (5)،مع نقل الخلاف فيما لو لم يتعمّده عن الإسكافي،بإيجابه القضاء خاصّة (6)، و عن غيره بنفيه له أيضاً (7).

و إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق (8) على الأظهر الأشهر،و في ظاهر الغنية و عن صريح نهج الحقّ:الإجماع عليه (9)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى ما مرّ من الخبر الصريح (10)المنجبر ضعفه سنداً و متناً بما مضى و من تحقّق الإفطار به،فتجب به الكفّارة،لعموم نحو الصحيح الماضي.

ص:339


1- كصاحبي المدارك 6:75،و الذخيرة:496.
2- المراد بالعموم نحو قوله عليه السلام فيما مرّ من الصحيح:من أفطر متعمداً فعليه كذا.(منه رحمه الله).
3- الوسائل 10:39 و 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 و 8.
4- في ص:2513.
5- راجع ص:2515.
6- راجع ص:2515.
7- راجع ص:2516.
8- ذهب إليه الشيخ في الجمل و الاقتصاد و المبسوط و الخلاف،و الفاضلات هنا و في الشرائع و المنتهى و الإرشاد و القواعد و المختلف،و فيه عن المفيد:أنّه ينقض الصوم،فيلزمه هذا القول لو عمل بنحو الصحيح العام لوجوب الكفارة لكل مفطر،و هو خيرة التنقيح أيضاً.(منه رحمه الله).
9- الغنية(الجوامع الفقهية):571،نهج الحق:461.
10- المتقدّم في ص:2516.

خلافاً للتقي و الحلّي،فيجب به القضاء خاصّة (1)،اقتصاراً على المجمع عليه.

و هو حسن إن لم يوجد دليل آخر،و قد وجد كما ظهر.

و من هنا يظهر الإجماع على وجوب القضاء.

نعم،مرّ عن السيّد أنّه يلزمه في أحد قوليه عدمُ وجوبه أيضاً.و هو نادر و إن مال إليه جماعة من متأخّري المتأخّرين (2).

و في وجوبهما بتعمّد الكذب على اللّه تعالى و الرسول صلى الله عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام،و الارتماس،قولان أولهما للشيخين و القاضي و التقي في الأول (3)،و الصدوق في الثاني (4)،و السيّدين في الإنتصار و الغنية مدّعيين عليه فيهما إجماع الإمامية (5)،و عزاه في الخلاف إلى أكثر الأصحاب (6)،و في الدروس إلى المشهور (7).

و لعلّه المنصور؛ للإجماع المنقول،المعتضد بالشهرة القديمة،بل المطلقة المحكيّة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة في الأول بإفطاره للصائم،و وجوب القضاء به.

ص:340


1- كما في الكافي في الفقه:183،و السرائر 1:377.
2- منهم السبزواري في الكفاية:46،و الفيض في المفاتيح 1:248،و صاحب الحدائق 13:72.
3- المفيد في المقنعة:344،الطوسي في الاقتصاد:287،و النهاية:153،القاضي في المهذّب 1:192،التقي(الحلبي)في الكافي في الفقه:182.
4- الفقيه 1:67.
5- الانتصار:62،الغنية(الجوامع الفقهية):571.
6- الخلاف 2:221.
7- الدروس 1:274.

كالموثّق:عن رجل كذب في رمضان،قال:« قد أفطر و عليه قضاؤه» قلت:و ما كذبته؟قال:« يكذب على اللّه تعالى و رسوله صلى الله عليه و آله» (1).

و الخبر أو الموثّق:« إنّ الكذب على اللّه تعالى و على رسوله و على الأئمّة عليهم السلام يفطر الصائم» (2).

و في جملة منها:أنّه ينقض الوضوء و يفطر الصائم (3).

و الخبرين فيهما بإيجابهما ذلك،أحدهما الرضوي:« و اتّق في صومك خمسة أشياء تفطرك:الأكل،و الشرب،و الجماع،و الارتماس في الماء،و الكذب على اللّه و على رسوله صلى الله عليه و آله و على الأئمّة عليهم السلام» (4)و نحوه الثاني المرفوع المروي في الخصال (5).

و إذا ثبت إيجابهما الإفطار تعيّن القول بوجوب القضاء و الكفّارة معاً؛ لعموم نحو الصحيح الذي مضى،مع تصريح جملة منها بوجوب القضاء (6).

و كلّ مَن أوجبه بالأول (7)أوجب الكفّارة أيضاً،إلاّ الفاضل في القواعد،فأوجبه احتمالاً و لم يوجبها قطعاً (8)،و نحوه الماتن هنا.

ص:341


1- التهذيب 4:/189 536،الوسائل 10:33 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 1.
2- الفقيه 2:/67 277،الوسائل 10:34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 4.
3- الوسائل 10:23 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 2 و 3 و 5 و 7.
4- فقه الرضا(عليه السلام):207،المستدرك 7:321 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 1.
5- الخصال:/286 39،الوسائل 10:34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 6.
6- من أنه يجب القضاء بالمفطر.(منه رحمه الله)،راجع ص:2536.
7- الوسائل 10:33 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2.
8- أي الكذب.القواعد 1:64.

و لعلّه للأصل،و خلوّ النصوص عنها،سيّما ما تضمّن منها لإيجابه القضاء،لورودها في مقام الحاجة،مع عدم دليل عليها،عدا عموم الصحيح بإيجاب المفطر لها،و المتبادر منه نحو الأكل و الشرب و الجماع، دون نحو المقام،و لا يخلو عن وجهٍ ما.لكنّه نادر جدّاً،مع أنّ عبارته موهمة لما ذكرنا،و إلّا فعند التحقيق يظهر خلافه،و هو:أنّ عدم إيجابه الكفّارة فيه إنّما هو لعدم وجوب القضاء به.

و قصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بالشهرة القديمة،بل مطلقاً،مضافاً إلى الإجماعات المحكية،فيخصّص بها الأصل المعارض لها في المقامين، و الصحيح الحاصر (1)المعارض لها في الأول.

و يستدلّ به على الحكم في الثاني،بناءً على أنّ المتبادر من إضراره بالصائم المفهوم منه إنّما هو الإضرار بحسب الإفساد،و ربّما أشعر به السياق،كما صرّح به جماعة من الأصحاب (2).

و لئن تنزّلنا فلا ريب في صلوحه للتأييد،كالنهي الوارد عنه في الصحاح و غيرها (3)،بناءً على أنّ الظاهر أنّه إنّما هو من حيث ما يترتّب عليه من بطلان الصوم،لا التعبّد أو الاحتياط عن دخول الماء في الجوف.

و ثانيهما (4)للمرتضى في الجمل،و العماني،و الحلّي (5)،و أكثر

ص:342


1- المتقدّم في ص:2514.
2- المدارك 6:50،الحدائق 13:136.
3- الوسائل 10:35 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3.
4- أي ثاني القولين و قد تقدم أولهما في ص:2537.
5- جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):54،حكاه عنه في المختلف:218،السرائر 1:377.

المتأخّرين (1)،فلم يوجبوهما في المقامين.

للأصل فيهما،و عموم الصحيح الحاصر في الأول،مع سلامتهما عن المعارض،عدا الإجماع الموهون في محلّ النزاع.

و النصوصِ المتقدّمة المشتركة في ضعف السند أو قصوره في الأول، مع تضمّن جملة منها ما لا يقول به أحد من نقض الوضوء به أيضاً.

و إشعارِ الصحيح الحاصر في الثاني.و هو ضعيف،و غاية ما يستفاد منه التحريم،و نحن نقول به.

و جواب جميع ذلك يعلم ممّا سبق إلّا وهن الإجماع في محلّ النزاع، و تضمّن جملة من الأحاديث ما لا يقول به أحد.

و في الأول منع،سيّما مع الاعتضاد بالشهرة القديمة الظاهرة؛ لعدم انطباقه على أُصول الإمامية و ما قرروه في الإجماع من وجه الحجّية،و هو الكشف عن قول الحجّة،و أنّه لا ينافيه خروج معلوم النسب و لو كان مائة.

و الثاني غير قادح،فإنّه كالعامّ المخصّص حجّةٌ في الباقي،مع أنّ الحجّة غير منحصرة في تلك النصوص،لوجود غيرها ممّا لا يتضمّن ذلك،و فيه كفاية.

و في الثاني (2)قول ثالث،و هو:وجوب القضاء خاصَّة،للحلبي صريحاً (3)،و الفاضل في القواعد احتمالاً (4).

و ربّما يميل إليه كلام الماتن هنا،حيث إنّه بعد نقل القولين

ص:343


1- الشرائع 1:189،المدارك 6:46،مفاتيح الشرائع 1:248.
2- أي الارتماس.
3- كما في الكافي في الفقه:183.
4- القواعد 1:64.

بوجوب القضاء و الكفّارة معاً،كما يقتضيه سياق العبارة قال: أشبههما:

أنّه لا كفّارة و لم ينف القضاء،لكنّه غير صريح،بل و لا ظاهر في إثباته، سيّما و لم يذكره في المسألة الخامسة فيما يوجب القضاء خاصّة (1)،و ربّما يقال:إنّه لتردّده فيه.

و كيف كان،فلا وجه لهذا القول غير ما قدّمناه للفاضل في إيجابه له خاصّةً في الأول،و لا يخلو عن وجه لولا الندرة،و دعوى الإجماعات على خلافه.

و في وجوبهما ب تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر أم القضاء خاصّة،كما عن العماني،و المرتضى في أحد قوليه (2)روايتان (3)، أشهرهما:الوجوب بل عليه الإجماع في صريح الغنية و الخلاف و السرائر و ظاهر الانتصار (4).

و هي مع ذلك عديدة،منها الموثّق:في رجلٍ أجنب في شهر رمضان بالليل،ثم ترك الغسل متعمّداً حتى أصبح،قال:« يعتق رقبة،أو يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستّين مسكيناً» الحديث (5).

و نحوه الخبران (6)،المنجبر ضعفهما سنداً كقصور الأول عن الصحّة -

ص:344


1- انظر ص:2550.
2- نقله عن العماني في المختلف:220،و حكاه عن المرتضى في المدارك 6:76.
3- في« ح» زيادة:أظهرهما و..
4- الغنية(الجوامع الفقهية):571،الخلاف 2:174،السرائر 1:377،الانتصار:63.
5- التهذيب 4:/212 616،الإستبصار 2:/87 272،الوسائل 10:63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 2.
6- التهذيب 4:212 و /214 618 و 621،الاستبصار 2:/87 273 و 274،الوسائل 10:63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 3 و 4.

بالشهرة العظيمة القديمة و المتأخّرين،و الإجماع المستفيض النقل و الحكاية،و الرضوية المتقدّمة (1)،فيخصّص بها الأصل.

و تُصرَف الرواية الثانية المتضمّنة للأمر بالقضاء خاصّة،ثم إتباعه بالاستغفار،الظاهر في عدم لزوم كفّارةٍ غيره،و هي الصحيحة المتقدّمة في بحث وجوب الإمساك عن هذا (2)عن ظاهرها إلى ما يوافق الرواية الأُولى.

فإذاً:العمل عليها دون الثانية،و إن مال إليها في التحرير (3)،و أفتى بها بعض متأخّري المتأخّرين (4)،وفاقاً لمن عرفته.

و أمّا الرواية بعدم وجوب شيء منهما به،بل و لا إثم (5)،فقد عرفت الجواب عنها ثمّة.

و كذا لو نام غير ناوٍ للغسل حتى طلع الفجر عند جماعةٍ (6)إن أُريد من العبارة ظاهرها،و هو النوم مع الذهول عن نيّة الاغتسال بعد النومة.

و لو أُريد بها النوم مع العزم على ترك الاغتسال،فهو إجماعي،كما مرّ البحث فيه و في سابقه هناك (7).

ص:345


1- في ص:2523.
2- راجع ص:2528.
3- التحرير 1:79.
4- الفيض في المفاتيح 1:247.
5- التهذيب 4:/210 610،الإستبصار 2:/85 266،الوسائل 10:59 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 6.
6- منهم المحقق في الشرائع 1:191،و العلامة في المنتهى 2:573.
7- راجع ص:2521.

و سيأتي أيضاً ماله ارتباط بهذه المسألة في المسألة الرابعة.

الثانية في الكفّارة

الثانية: الكفّارة الواجبة هنا مخيّرة بين خصالٍ ثلاث،و هي:

عتق رقبة،أو صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكيناً على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا.

و في صريح الانتصار و ظاهر الغنية:أنّ عليه إجماعنا (1)؛ و هو الحجّة، مضافاً إلى النصوص المستفيضة،المتضمّنة للصحيح و الموثّق و غيرهما (2)، و قد تقدّمت إلى جملةٍ منها الإشارة.

و قيل و القائل العماني و المرتضى في أحد قوليه (3) و هي مرتّبة كما في العبارة،و احتمله الشيخ في الخلاف (4)؛ و استدلّ لهم بأخبارٍ ليست بواضحة الدلالة،زيادة على ما هي عليه من ضعف السند و قصوره عن الصحّة.

نعم،في الصحيح المروي في الوسائل و غيره،عن عليّ بن جعفر في كتابه،عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام،قال:سألته عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان،ما عليه؟قال:« عليه القضاء و عتق رقبة،فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين،و إن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً،فإن لم يجد فليستغفر اللّه تعالى» (5).

ص:346


1- الانتصار:69،الغنية(الجوامع الفقهية):571.
2- الوسائل 10:44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.
3- حكاه عن العماني في المختلف:225،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):55.
4- الخلاف 2:186.
5- علي بن جعفر:/116 47 الوسائل 10:48 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 9.

و هو ظاهرٌ بل صريحٌ في الترتيب،إلّا أنّه قاصر عن مقاومة ما مرّ، المعتضد زيادةً على ما هو عليه من الكثرة و الشهرة بأصالة البراءة، و المخالفة لما عليه أكثر العامّة،و منهم:أبو حنيفة،على ما حكاه جماعة (1)،فليحمل هذا على التقيّة أو الأفضلية.

و أمّا الموثّق الدالّ على أنّها كفّارة الجمع بين ما مرّ من الخصال (2)، فمع قصور سنده شاذّ مؤوّل،بحمل الواو فيه على« أو» ؛ لشيوعه.

أو على ما إذا أفطر على محرّم،كما أفتى به الصدوق في الفقيه،و ابن حمزة،على ما حكاه عنه فخر الإسلام و الفاضل المقداد في التنقيح و الإيضاح،تبعاً للفاضل في المختلف،مقوّيين له أيضاً،و الفاضل في صريح الإرشاد القواعد و ظاهر التحرير،و الشهيدين في الدروس و المسالك و اللمعتين (3)،و مال إليه جماعة من متأخّري المتأخّرين (4).

لروايةٍ مفصّلة،جامعة بين الأخبار المختلفة،أشار إليها الماتن بقوله:

و في رواية:أنّه تجب عن الإفطار بالمحرّم كفّارة الجمع رواها الصدوق رحمه الله عن عبد الواحد بن عبدوس،عن عليّ بن محمّد بن قتيبة،عن حمدان بن سليمان،عن عبد السلام بن صالح الهروي:قال:قلت للرضا عليه السلام:يا ابن رسول اللّه،قد روي عن آبائك عليهم السلام

ص:347


1- نقله عنه في الانتصار:69،و الخلاف 2:186،و قال به الشوكاني في نيل الأوطار 4:295.
2- التهذيب 4:/208 604،الإستبصار 2:/97 315،الوسائل 10:54 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 2.
3- الفقيه 2:74،إيضاح الفوائد 1:233،التنقيح الرائع 1:365،المختلف:226،الإرشاد 1:298،القواعد:66،التحرير 2:110،الدروس 1:273،المسالك 1:71،الروضة 2:120.
4- منهم صاحب المدارك 6:82،و الحدائق 13:222.

في من جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه،ثلاث كفّارات،و روى عنهم أيضاً كفّارة واحدة،فبأيّ الخبرين نأخذ؟قال:« بهما جميعاً،فمتى جامع الرجل حراماً أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات:عتق رقبة،و صيام شهرين متتابعين،و إطعام ستّين مسكيناً،و قضاء ذلك اليوم، و إن كان نكح حلالاً أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة» (1).

و قد حكم بصحّتها جماعة،كالفاضل في التحرير في بحث الكفّارات،و شيخنا في الروضة (2)،مع أنّ الأول في المختلف قال في حقّ الراوي الأول:إنّه لا يحضرني حاله،فإن كان ثقة فالرواية صحيحة (3).

و هو كما ترى ظاهر في جهالة حال الراوي عنده،و هو كذلك، فإنّه لم يُذكر في الرجال.

نعم،ذكر شيخنا في المسالك (4)و غيره (5):أنّه شيخ الصدوق،و هو قد عمل بها،فهو في قوّة الشهادة له بالثقة،و من البعيد أن يروي الصدوق عن غير الثقة بلا واسطة.

أقول:و في إفادة ذلك التوثيق بالمعنى المصطلح بين المتأخّرين مناقشة واضحة.

نعم،غايته إفادة القوّة،فلا وجه للحكم بالصحّة،و لو سلّم فإنّما يتّجه لو خلا السند عن غيره ممّن يقدح بسببه فيها.

ص:348


1- الفقيه 3:/238 1128،العيون 1:/244 88،الوسائل 10:54 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- التحرير 2:110،الروضة 2:120.
3- المختلف:226.
4- المسالك 1:71.
5- كصاحب المدارك 6:84.

و ليس كذلك سند هذه الرواية؛ لاشتماله على عليّ بن محمد القتيبي،و عبد السلام بن صالح الهروي.

و لم يوثّق الأول،بل قيل:إنّه فاضل اعتمد عليه الكشّي (1).و غاية ذلك إفادة المدح على تقدير تسليمه،فلا يمكن الصحّة أيضاً من جهته.

و الثاني و إن وثّقه النجاشي و كثير (2)،إلّا أنّه ضعّفه الشيخ بأنّه عامّي (3)،و الجمع بينهما يقتضي كونه موثّقاً،فلا وجه للحكم بالصحّة.

و بالجملة: فلا ريب في قصور الرواية عن الصحّة،فيشكل الخروج بها عن الأدلّة المشهورة،سيّما و أنّ ظاهر جملة من القائلين بمضمونها الاستناد فيه إلى غيرها،كالصدوق نفسه في الفقيه،و فخر الدين.

فقد قال الأول بعد الفتوى-:لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي (4)رضي اللّه تعالى عنه فيما ورد عليه عن الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري رضي اللّه تعالى عنه (5).

و قال الثاني:لأنّه أحوط (6).

و في الدليلين نظر؛ لقطع الخبر و إن كان الظاهر الاتّصال إلى مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالى فرجه،لكن في الاكتفاء بمثل هذا الظهور في الخروج عن أدلّة المشهور فتور.

ص:349


1- رجال العلّامة:94.
2- رجال النجاشي:/245 643؛ و انظر رجال الكشي 2:872،و رجال العلامة:117.
3- رجال الشيخ:/380 14.
4- الفقيه 2:/73 317،الوسائل 10:55 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 3.
5- الفقيه 2:74.
6- إيضاح الفوائد 1:233.

و الاحتياط إنّما يكون دليلاً شرعياً حيث لم يقم دليل على الخلاف، و قد مرّ قيامه.

إلّا أن يقال:إنّ غايته الإطلاق الغير المعلوم انصرافه كإطلاق فتوى الأصحاب بالكفّارة الواحدة إلى مفروض المسألة؛ لقوّة احتمال وروده على ما يقتضيه الأصل في أفعال المسلمين من الصحّة،و هو هنا الإفطار بالحلال دون الحرام.

فلا يخلو ما ذكره عن القوّة،سيّما مع اعتضاده بالروايتين المتقدّمة إليهما الإشارة،بل لا يبعد جعلهما حجّة، لاعتبار سنديهما بلا شبهة.

و الحجّة غير منحصرة فيما اتّصف سنده بالصحّة،بل الحقّ حجّية الأخبار الموثّقة و الحسنة،سيّما مع التأيّد بفتوى من قدّمناه من الجماعة، الذين لا مخالف صريح لهم من الطائفة.

الثالثة لا تجب الكفّارة في شيء من الصيام،عدا شهر رمضان،و النذر المعيّن،و قضاء رمضان

الثالثة: لا تجب الكفّارة أي جنسها كائنةً ما كانت،بالإفطار في شيء من أقسام الصيام،عدا شهر رمضان،و النذر المعيّن، و قضاء رمضان إذا كان الإفطار فيه بعد الزوال،و الاعتكاف على وجه يأتي بيانه في بحثه إن شاء اللّه تعالى.

فلا تجب في النذر المطلق،و صوم الكفّارة،و قضاء غير رمضان، و قضائه قبل الزوال،و المندوب كالأيّام المستحبّ صومها،و الاعتكاف المندوب،و إن فسد الصوم في ذلك كلّه.

بلا خلافٍ في ذلك أجده،و به صرّح في الذخيرة (1)،و في المدارك:

ص:350


1- الذخيرة:517.

أنّه موضع وفاق بين الأصحاب (1).بل قال في المنتهى:إنّه قول العلماء كافّة (2).

و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل،و اختصاص الموجب لها بالأقسام الأربعة.

و أمّا الوجوب فيها فهو الأظهر الأشهر بين أصحابنا،بل في المنتهى:

أنّه مذهب علمائنا (3).و نفى عنه الخلاف في المدارك في ما عدا الأخير، و عزا الوجوب فيه إلى الأكثر،و عدمه إلى العماني (4).

و سيأتي الكلام فيه،بل فيما عدا الاعتكاف في بحث الكفّارات،و أمّا كفّارة صوم الاعتكاف فسيأتي الكلام فيها إن شاء اللّه تعالى في كتابه.

الرابعة من أجنب و نام ناوياً للغسل حتى طلع الفجر فلا قضاء

الرابعة: من أجنب ليلاً من رمضان و نام ناوياً للغسل قبل الفجر حتى طلع الفجر فلا قضاء عليه و لا كفّارة بلا خلاف أجده.

و في المنتهى:أنّه الصحيح عندي،و عمل الأصحاب عليه (5).و في المدارك:أنّه مذهب الأصحاب،لا أعلم فيه مخالفاً (6).و جعله في الذخيرة مشهوراً؛ لنقله الخلاف فيه بالفساد و وجوب القضاء عن الماتن في موضع من المعتبر (7).

ص:351


1- المدارك 6:80.
2- المنتهى 2:576.
3- المنتهى 2:576.
4- المدارك 6:78،و يظهر منه وجود الخلاف في الثالث و هو قضاء رمضان لا الأخير و هو صوم الاعتكاف.
5- المنتهى 2:566.
6- المدارك 6:60.
7- الذخيرة:498،المعتبر 2:655.

لكنّه في موضع آخر منه قال بمقالة الأصحاب (1)،كما في الشرائع (2)و الكتاب،و هو صريح في رجوعه عنه،و لعلّه لذا لم ينقل كثير هنا الخلاف.

و الأصل فيه بعد الأصل جملة من المعتبرة،المتقدّمة إليها الإشارة (3).

و الصحيحان منها و إن أطلق النوم فيهما بالنسبة إلى نيّة الاغتسال و عدمها،إلّا أنّ ظاهرهما بحكم لزوم حمل أفعال المسلمين على الصحّة هو النوم مع النيّة على الاغتسال لا عدمها.

مع أنّ فرداً منه و هو العزم على ترك الاغتسال عمدٌ جزماً،فيشمله عموم ما دلّ على إيجابه الكفّارة و القضاء (4).

و الفرد الآخر منه و هو عدم العزم على شيء لا حاجة بنا إلى إخراجه من الإطلاق؛ لعدم دليلٍ عليه،إلّا ما قدّمناه من إطلاق جملة من النصوص بوجوب القضاء بالنوم بقولٍ مطلق،و الرضوي (5).و قد عرفت الجواب عنهما،مع احتمال النصوص المزبورة للتقيّة أيضاً (6).

لكن ظاهر المنتهى دعوى الإجماع عليه (7)،و أنّه موجب للقضاء،

ص:352


1- المعتبر 2:674.
2- الشرائع 1:190.
3- راجع ص:2521.
4- الوسائل 10:63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16.
5- راجع ص:2520 و 2522.
6- أي زيادة على ما قدّمناه من التقييد أيضاً لها بالنومة الثانية و إن بعد عن ظاهرها أو الاستحباب.(منه رحمه الله).
7- أي على الإخراج من الإطلاق.(منه رحمه الله).

حيث قال:و لو نام غير ناوٍ للغسل فسد صومه و عليه قضاؤه،ذهب إليه علماؤنا (1).

و يعضده تعبير كثير من غير خلاف يعرف بينهم بعين ما في المنتهى هنا،و منهم الماتن في المعتبر (2).

لكن الظاهر من استدلاله كالمنتهى أيضاً إرادتهما من النوم على غير نيّة الغسل:النوم مع العزم على تركه،حيث قالا في الاستدلال على ما ذكراه:لأنّ مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم،و يعود كالمتعمّد للبقاء على الجنابة.

و لو لا أنّ مرادهما من العبارة ما ذكرنا لما توجّه الاستدلال و ورد عليهما ما أورده بعض الأبدال،من أنّ عدم نيّة الغسل أعلى من العزم على ترك الاغتسال (3).

هذا،مع أنّ مورد الاستدلال هو الغالب من أفراد النوم على غير نيّة الغسل؛ لندور الذهول عن النيّة مطلقاً،و به صرّح في المدارك (4).

و عليه فيمكن تنزيل ما في إطلاقات عبائر القوم على الغالب من النوم على عزم ترك الاغتسال.

ص:353


1- المنتهى 2:573 قال:و لو أجنب ثم نام غير ناوٍ للغسل حتى طلع الفجر وجب عليه القضاء و الكفّارة.ثم استدلّ له بما سيجيء.و الظاهر أن المصنّف قد خلط بين تلك العبارة و العبارة الأُخرى منه في ص 566 حيث قال:إذا أجنب ليلاً ثم نام ناوياً للغسل فسد صومه و عليه قضاؤه،و ذهب إليه علماؤنا..؛ و إن رجع عنه بعد أسطر و قال بصحة الصوم.
2- المعتبر 2:672.
3- انظر المدارك 6:59.
4- المدارك 6:60.

و كيف كان،فلا دليل يعتدّ به على وجوب القضاء هنا و إن كان أحوط.

و لو انتبه ثم نام ناوياً (1) للغسل حتى طلع الفجر فعليه القضاء خاصّة؛ لعين ما قدّمناه من الأدلّة في الصورة السابقة،حتى العبارات المشعرة بالإجماع،إلّا أنّ في المنتهى هنا بدل ما مرّ:ذهب إليه علماؤنا (2).

و عزى الحكم هنا في الذخيرة إلى المشهور أيضاً (3)،لكن لم ينقل مخالفاً.

و كيف كان،فلا إشكال في هذا الحكم أيضاً إلّا من جهة النصوص الدالّة على أنّه لا شيء في النوم على الجنابة بقولٍ مطلق (4)،لكن قد عرفت الجواب في ما مضى.

و لو انتبه من النومة الثانية ثم نام ثالثةً حتى طلع الفجر قال الشيخان في المقنعة و المبسوط و الخلاف و النهاية عليه القضاء و الكفّارة (5) و تبعهما جماعة،كالحلّي،و ابن زهرة،و الفاضل في القواعد و الإرشاد،و الشهيد في الدروس و اللمعة،و المحقّق الثاني في شرحيه على

ص:354


1- بدل« ناوياً» في المختصر المطبوع:« ثانياً»،و عليه تكون« ناوياً» من كلام الشارح.
2- المنتهى 2:577 و ليس فيه:ذهب إليه علماؤنا،و فيه كلام أيضاً بيّناه في التعليقة رقم 1.
3- الذخيرة:498.
4- الوسائل 10:57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13.
5- المقنعة:347،المبسوط 1:271،الخلاف 2:222،النهاية:154.

القواعد و الشرائع (1)،و غيرهم من الجماعة (2).

و في الشرائع:أنّه قول مشهور (3).و أظهر منه في المسالك (4)،و في المدارك:أنّه قول الشيخين و أتباعهما (5).و في الغنية و الخلاف و الوسيلة و شرح القواعد للمحقّق الثاني:أنّ عليه الإجماع (6).

فإن تمّ و إلّا ففيه مناقشة؛ لمخالفته الأصل،مع عدم دليل واضح عليه من النصوص غير ما استدلّ به الشيخ في التهذيب من النصوص الدالّة على لزوم الكفّارة بالبقاء على الجنابة (7).

و هي مع قصور سندها بل ضعف أكثرها،و ظهور المعتبر منها سنداً في صورة تعمّد البقاء لا إشعار فيها بهذا التفصيل جدّاً،و حملها عليه ليس بأولى من حملها على صورة تعمّد البقاء،لو لم نقل أنّه لموافقته الأصل أولى.

و إلى هذا يميل جملة من متأخّري المتأخّرين من أصحابنا (8)،تبعاً

ص:355


1- الحلّي في السرائر 1:375،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):571،القواعد:65،الإرشاد 1:296،الدروس 1:271،الروضة 2:90،جامع المقاصد 1:153.
2- كصاحب الحدائق 13:121.
3- الشرائع 1:192.
4- المسالك 1:72.
5- المدارك 6:89.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):571،الخلاف 2:222،الوسيلة:142،جامع المقاصد 1:153.
7- التهذيب 4:/212 616 و 617 و 618،الوسائل 10:63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 2 و 3 و 4.
8- كصاحب المدارك 6:90،و السبزواري في الذخيرة:499،و صاحب الحدائق 13:127.

للفاضلين في المعتبر و المنتهى (1).

و لكن الأول لعلّه أقوى؛ للإجماعات المحكية،المعتضدة بالشهرة الظاهرة،بل المحكية أيضاً،و مع ذلك فهو أحوط و أولى.و يحتمل التوقّف،كما هو ظاهر المتن و الشرائع و التحرير (2)و غيرها (3).

الخامسة يجب القضاء دون الكفّارة في الصوم الواجب المعيّن بسبعة أشياء

الخامسة: يجب القضاء دون الكفّارة في الصوم الواجب المعيّن بسبعة أشياء فعل المفطر مطلقاً (4) و الفجر طالع حال كونه ظانّاً بقاء الليل كما في عبائر جماعة (5)،أو شاكّاً كما في عبائر آخرين (6).

و ما هنا أولى بالنسبة إلى ثبوت القضاء؛ لإطلاق النصّ أو اختصاصه به،و يستلزم ثبوته معه ثبوته مع الشكّ بطريقٍ أولى.

و أمّا بالنسبة إلى عدم وجوب الكفّارة فما ذكره هؤلاء أولى؛ لعدم دليل على ثبوتها مع فعله شاكّاً،كما ربّما يفهم من العبارة إن ارجع القيد فيها إلى هذا الحكم،بل مقتضى الأصل مع اختصاص ما دلّ على وجوبها بما إنا تعمّد المفطر العدم هنا.و لا وجه للتردّد في ثبوتها و عدمه أيضاً إن جُعِلَ هو المقصود من التقييد بالظنّ في العبارة.

ص:356


1- المعتبر 2:675،المنتهى 2:573.
2- الشرائع 1:192،التحرير 1:79.
3- كما في التنقيح الرائع 1:367،و المسالك 1:73،و مجمع الفائدة و البرهان 5:53.
4- أي أكلاً كان أو شرباً أو غيرهما.منه رحمه الله.
5- منهم:ابن حمزة في الوسيلة:142،و صاحب المدارك 6:91،و الفرض الكاشاني في المفاتيح 1:249.
6- منهم:العلامة في المنتهى 2:579،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 5:88.

و إنّما يجب القضاء إذا كان فعل المفطر مع القدرة على مراعاته أي الفجر،لا مطلقاً.

فلو عجز عنها كما قد يتّفق للمحبوس و الأعمى فلا يجب القضاء، بلا خلافٍ أجده؛ للأصل،مع اختصاص النصّ و الفتوى بحكم التبادر و غيره بصورة القدرة عليها،كما لا يخفى على من تدبّرهما.

و كذا يجب القضاء خاصّةً بفعله مع الإخلاد و الركون إلى إخبار المخبر ببقاء الليل،مع القدرة على المراعاة و الحال أنّ الفجر طالعٌ حين فعله المفطر.

و لا فرق في المخبر بين كونه واحداً أو كثيراً،كما يقتضيه إطلاق النصّ و الفتوى،إلّا إذا كان عدلين،فاستوجه ثاني المحقّقين و ثاني الشهيدين (1)و غيرهما (2)سقوط القضاء حينئذ؛ لكونهما حجّة شرعية.

و زاد غيرهما،فأحتمل الاكتفاء بالعدل (3)؛ للأصل و اختصاص الصحيح الوارد هنا بالجارية (4)،و غيره (5)الوارد في غيره بغير مفروض المسألة (6).

و الأحوط الإطلاق،كما عليه إطلاق عبائر باقي الأصحاب؛ لتضمّن ذيل الصحيح ما يدلّ على العموم،و أنّ المسقط إنّما هو مراعاته له بنفسه.

و لا ينافيه اختصاص السؤال في الصدر بالجارية؛ فإنّ العبرة بعموم

ص:357


1- كما في جامع المقاصد 1:153،و المسالك 1:72.
2- كصاحب المدارك 6:93.
3- كالسبزواري في الذخيرة:501.
4- الكافي 4:/97 3،الفقيه 2:/83 368،التهذيب 4:/269 813،الوسائل 10:118 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 46 ح 1.
5- الوسائل 10:115 و 116 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 45.
6- و هو تناول المفطر من غير اعتماد على ثقة،بل مطلقا(منه رحمه الله).

الجواب لا خصوص السؤال،فيخصّص به الأصل،على تقدير تسليم جريانه في محلّ البحث.

و كذا يخصّص به عموم ما دلّ على حجّية العدلين على الإطلاق إن كان،و إلّا فلم نقف عليه كذلك (1)،فتأمّل.

و كذا يجب القضاء خاصّة لو ترك قول المخبر بالفجر،لظنّه كذبة،و يكون صادقاً و الحال في المخبر كما مضى.

خلافاً للشهيدين،و الفاضل في التحرير و المنتهى (2)،و غيرهم (3)، فاستقربوا وجوب الكفّارة بإخبار العدلين؛ لما مرّ (4).

و هو حسن إن تمّ،و إلّا فالعدم أحسن؛ للأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة على هذا التقدير (5).

و اعلم أنّه لا خلاف في الحكمين (6)في هذه الثلاثة غير ما مرّت إليه الإشارة،بل على الحكم الأول منهما الإجماع في الأولين في الغنية (7)، و يجري في الثالث بطريقٍ أولى،و في الأول منهما في صريح الانتصار و الخلاف و ظاهر المنتهى (8)و غيرها (9)،و في الثالث في ظاهر المدارك

ص:358


1- أي على الإطلاق.
2- الشهيد الأول في الدروس 1:273،و الشهيد الثاني في المسالك 2:72،التحرير 1:80،المنتهى 2:578.
3- كصاحبي المدارك 6:94،و المشارق:407،و الحدائق 13:97.
4- من أنّهما حجّة شرعية(منه رحمه الله).
5- و هو عدم تمامية كونهما حجة شرعية(منه رحمه الله).
6- أي وجوب القضاء و عدم الكفارة(منه رحمه الله).
7- الغنية(الجوامع الفقهية):517.
8- الانتصار:65،الخلاف 2:174،المنتهى 2:577.
9- انظر مجمع الفائدة 5:88.

و الذخيرة (1).و غيرهما (2)و الصحاح و غيرها به فيها (3)مستفيضة جدّاً.

منها:عن رجلٍ تسحّر ثم خرج من بيته و قد طلع الفجر و تبيّن،قال:

« يتمّ صومه ذلك ثم ليقضه،و إن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر» الخبر (4).

و منها:أمرتُ الجارية لتنظر إلى الفجر،فتقول:لم يطلع بعد،فآكل، ثم أنظر فأجده قد كان طلع حين نظرت،قال:« فاقضه،أما لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شيء» (5).

و منها:عن رجلٍ خرج في شهر رمضان و أصحابه يتسحّرون في بيت،فنظر إلى الفجر فناداهم:أنّه قد طلع الفجر،فكفّ بعض و ظنّ بعض أنّه يسخر،فقال:« يتمّ صومه و يقضي» (6)و نحوه الرضوي (7).

و منها الموثّق:عن رجلٍ أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان،فقال:« إن قام فنظر فلم يرَ الفجر،فأكل،ثم عاد فرأى الفجر، فليتمّ صومه و لا إعادة عليه،و إن قام فأكل و شرب ثم نظر إلى الفجر فرأى أنّه قد طلع الفجر فليتمّ صومه و يقضي يوماً آخر مكانه؛ لأنّه بدأ بالأكل قبل

ص:359


1- المدارك 6:93،الذخيرة:501.
2- الحدائق 13:97.
3- أي:بالقضاء في الثلاثة.
4- الكافي 4:/96 101،التهذيب /4 /269 812،الإستبصار 2:/116 379،الوسائل 10:115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 1،وص 116 ب 45 ح 1.
5- المتقدم ذكر مصادرها في ص:2550.
6- الكافي 4:/97 4،الفقيه 2:/83 367،التهذيب 4:/170 814،الوسائل 10:118 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 47 ح 1.
7- فقه الرضا عليه السلام:208،المستدرك 7:347 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 1.

النظر،فعليه الإعادة» (1).

و يستفاد منه و من الصحيح الثاني عدم وجوب القضاء مع مراعاته الفجر بنفسه،و لا خلاف فيه أيضاً،بل عليه الإجماع في صريح الإنتصار و ظاهر المنتهى (2)و غيرهما (3).

و هل يختصّ هذا الحكم (4)برمضان،أم يعمّه و الواجب المعيّن؟ وجهان.

من اختصاص الموثّق برمضان،و إطلاق الصحيح الأول بلزوم الإفطار في التناول عند الفجر في غير رمضان.و نحوه الخبر:عن رجلٍ شرب بعد ما طلع الفجر و هو لا يعلم في شهر رمضان،قال:« يصوم يومه ذلك و يقضي يوماً آخر،و إن كان قضاءً لرمضان في شوال أو غيره فشرب بعد الفجر فليفطر يومه ذلك و يقضي» (5).

و في الحسن كالموثّق:يكون عليّ اليوم و اليومان من شهر رمضان فأتسحّر مصبحاً،أُفطر ذلك اليوم و أقضي مكان ذلك يوماً آخر،أو أُتمّ على صوم ذلك اليوم و أقضي يوماً آخر؟فقال:« لا،بل تفطر ذلك اليوم،لأنّك أكلت مصبحاً،و تقضي يوماً آخر» (6).

و من إطلاق قوله عليه السلام فيما مرّ من الصحيح:لو كنت أنت الذي

ص:360


1- الكافي 4:/96 2،الفقيه 2:/82 366،التهذيب 4:/269 811،الإستبصار 2:/116 378،الوسائل 10:115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 3.
2- الانتصار:65،المنتهى 2:577.
3- كما في المدارك 6:91.
4- أي عدم وجوب القضاء مع المراعاة(منه رحمه الله).
5- الكافي 4:/97 6،الوسائل 10:117 أبوا ما يمسك عنه الصائم ب 45 ح 3.
6- الكافي 4:/97 5،الوسائل 10:117 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 45 ح 2.

نظرت لم يكن عليك شيء» .بل عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال،الشامل لما نحن فيه،بل و لغيره،المعتضد في محلّ البحث بعدم معلومية الفساد،لعدم معلومية حصول الإفطار الشرعي بمثله و إن فسد الصوم اللغوي و العرفي،لعدم التلازم بينه و بين الفساد الشرعي،فكم من صوم شرعي ليس بصوم لغوي و لا عرفي و بالعكس،كما إذا تناول ناسياً،فإنّه ليس بصوم لغوي و لا عرفي قطعاً،مع أنّه صوم شرعي إجماعاً.

فلعلّ ما نحن فيه من قبيله و إن لم نقطع به.فإذا لم يثبت الفساد شرعاً وجب عليه إمساكه؛ تحصيلاً لامتثال الأمر القطعي بصومه.

و لا يجب القضاء؛ لكونه بفرض جديد،و لم يثبت إلاّ بدليل مفقود فيما نحن فيه و أمثاله،ممّا يكون المكلّف فيه غير مقصّر في إفطاره بوجهٍ لاجتهاده،فيكون كالناسي.

فيبعد غاية البعد شمول ما دلّ على القضاء بتناول المفطرات لمثله، سيّما مع اختصاصه بصوم رمضان،فلا يعمّ ما نحن فيه.

و هذا الأصل يختصّ بالواجب المعيّن؛ لأنّه الذي يفرض فيه القضاء المتوقّف على أمر جديد منفيّ فيما نحن فيه.

و لا كذلك الواجب المطلق؛ لأنّ أمره لعدم توقيته بوقت باق،فلا بدّ من اخرج من عهدته،و لا يحصل بمثل هذا الصوم المشكوك في صحّته و فساده.

و من هنا يظهر الحكم في المندوب بقسميه (1).

و هذا الوجه (2)لعلّه أقوى،وفاقاً لجماعة من متأخّري متأخّري

ص:361


1- أي المطلق و المعيَّن(منه رحمه الله).
2- أي شمول الحكم بعدم وجوب القضاء مع المراعاة للواجب المعيّن أيضاً.

أصحابنا (1).

و يذبّ عن اختصاص الموثّق برمضان بعدم معارضته لعموم الدليل بعد وجوده.

و عن إطلاق الصحيح و تاليه مع ضعف سنده باختصاصه بحكم التبادر الموجب عن ملاحظة سياقهما بما إذا لم يراع،فلا يعارض عموم الصحيح المذكور في الوجه الثاني،المعتضد بالأصل الماضي (2).

و لا يعارضه الحسن بعدهما؛ لقصور سنده و إن اعتُبِر،مع وروده كالخبر التالي في قضاء رمضان.

و هل يجوز فعل المفطر مع الشكّ في دخول الفجر؟ قال في الخلاف (3):لا.و ربّما تشير اليه نصوص القضاء،مضافاً إلى تعلّق الأمر بإمساك النهار،الذي هو اسم لما هو نهار واقعاً،فيجب و لو من باب المقدّمة.

و هذا الدليل جارٍ فيما إذا حصل له الظنّ بالبقاء؛ لعدم اعتبارٍ به في نحو ما نحن فيه (4).

لكن في المدارك:لا خلاف في جواز فعل المفطر مع الظنّ الحاصل من استصحاب بقاء الليل،بل مع الشكّ في طلوع الفجر (5).

و يعضد مضافاً إلى الأصل (6)ظاهر الآية الكريمة: حَتّى يَتَبَيَّنَ [1]

ص:362


1- كصاحبي المدارك 6:93،و الذخيرة:501.
2- و هو عدم وجوب القضاء،و وجوب صوم ذلك اليوم؛ تحصيلاً للبراءة اليقينية من أمره(منه رحمه الله).
3- الخلاف 2:174.
4- أي مما هو من موضوعات(منه رحمه الله).
5- المدارك 6:91.
6- أي أصالة إباحة الفعل(منه رحمه الله).

لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ [1] (1).و الموثّق:عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر فقال أحدهما:هوذا، و قال الآخر:ما أرى شيئاً،قال:« فليأكل الذي لم يستبن له الفجر،و قد حرم على الذي زعم أنّه رأى الفجر،إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ [2] الآية» (2).

و هذا أقوى،وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني أيضاً (3).

و دلالة لزوم القضاء على منع الفعل ضعيف جدّاً؛ لعدم التلازم بينهما.

و عليه فهل يكفي في وجوب الكفّ حصول الظنّ بالفجر،أم لا بدّ من حصول القطع به؟ الأوجه:الثاني؛ لأنّ الظنّ في الموضوعات لا عبرة به.

و لو تناول حينئذٍ (4)فصادف الفجر،فهل يجب القضاء به،أم لا؟يحتمل الثاني؛ للأصل،و الشكّ في انصراف ما دلّ على وجوبه إلى نحو ما نحن فيه،بعد وقوع الفعل برخصةٍ من الشارع و أمره.

و يحتمل الأول؛ لإطلاق ما دلّ على القضاء بتناول المفطر و فعله،مع عدم معلومية صلوح الشكّ بالمسبّب المذكور مقيّداً له.

و لعلّ هذا أقرب،سيّما مع تأيّده بما دلّ على وجوبه مع الظنّ ببقاء الليل،و عدم خروجه بإخبار المختبر مضافاً إلى استصحاب بقائه.

ص:363


1- البقرة:187.
2- الكافي 4:/97 7،الفقيه 2:/82 365،التهذيب 4:/317 967،الوسائل 10:119 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 48 ح 1.
3- كما في المسالك 1:72.
4- أي مع الظنّ بالفجر(منه رحمه الله).

و كذا يجب القضاء خاصّةً لو أخلد إليه أي إلى المخبر في دخول الليل فأفطر،و بان كذبه،مع القدرة على المراعاة بلا خلاف،إلّا من السيّد في المدارك،فاستشكل في إطلاق الحكمين،و خصّ وجوب القضاء بما إذا لم يَجُز للمفطر الإخلاد إليه،و إلّا فلم يجب أيضاً،و عدمَ وجوب الكفّارة بما إذا جاز،و إلّا وجبت أيضاً (1).

و لا مخالفة له مع الأصحاب في الأول،إلاّ مع فرض وجود مخبرٍ يجوز الإخلاد إليه في الإفطار،و لم يذكره الأصحاب،بل مقتضى أُصولهم العدم،إلّا إذا كان المخبر عدلين.

و مَنْ جوّز الإخلاد إليهما كالمحقّق الثاني (2)صرّح بما ذكره من انتفاء القضاء.و مَنْ لا،فلا وجه للتخصص عنده،بل يجب عنده القضاء مطلقاً.

و تدلّ عليه مضافةً إلى إطلاق ما دلّ على وجوبه بتناول المفطر و فعله [لعله] فحوى ما دلّ على وجوبه مع الإخلاد إليه في طلوع الفجر،فإنّه مع جواز المفطر يظنّ استصحاب بقاء الليل كما قلنا إذا وجب القضاء،فلئن يجب مع عدم جوازه بظنّ استصحاب بقاء النهار بطريقٍ أولى.

و في الغنية و الخلاف:الإجماع على وجوبه خاصّةً هنا إذا أفطر شاكّاً (3).

و إذا أُريد بالشكّ في عبارتهما ما قابل اليقين كما هو معناه لغةً، و يفهم من كثيرٍ من الأخبار الواردة في بحث الشكوك في الصلاة،بل

ص:364


1- المدارك 6:94.
2- انظر جامع المقاصد 1:153.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):571،الخلاف 2:175.

و فتاوى القدماء دلّ على وجوبه مع الظنّ أيضاً،فإنّه أحد أفراده،و لا فرق فيه بين المستفاد من خبر العدلين و غيرهما،كما هو مقتضى إطلاق الفتاوى هنا أيضاً من غير خلاف إلّا ممّن قدّمنا.

و يمكن أن يكون التخصيص (1)لإخراج نحو الأعمى ممّن لا يتمكّن مع المراعاة لعدم وجوب القضاء عليه،كما يأتي بناءً على أنّ عبارة الشرائع مطلقة بالنسبة إليه أيضاً،حيث لم يقيّد فيها بصورة القدرة على المراعاة (2).

فمراده بالإطلاق هذا،فهو المخصَّص،لا إطلاق ما هنا (3)؛ لعدم فردٍ له يمكن إخراجه،حتّى العدلين عند السيّد،لتصريحه بانتفاء ما يدلّ على جواز التعويل عليهما على وجه العموم،خصوصاً في موضعٍ يجب فيه تحصيل اليقين كما هنا (4).

و حينئذٍ فإشكاله متوجّه،إلّا أنّ دخول نحو الأعمى في إطلاق عباراتهم غير معلوم،و لا سيّما عبارة الشرائع،كما لا يخفى على مَن تدبّرها،بل الظاهر المتبادر منها:مَن لا يسوغ له التقليد خاصّة.و لا مخالفة له على هذا التقدر أيضاً.

و لا في الثاني (5)،إلاّ على تقدير وجود دليلٍ يدلّ على وجوب

ص:365


1- أي:تخصيص صاحب المدارك وجوب القضاء بما إذا لم يجز للمفطر الإخلاد إلى المخبر.
2- الشرائع 1:192.
3- أي:مراد صاحب المدارك بالإطلاق الذي استشكل فيه،إطلاق الشرائع لا إطلاق النافع.
4- المدارك 6:95.
5- عطف على قوله:في الأول راجع ص 2556 أي،و لا مخالفة لصاحب المدارك مع الأصحاب.

الكفّارة بمطلق الإفطار من غير إذنٍ شرعي.

و لم نجده كذلك؛ لاختصاص ما دلّ عليه من الفتوى و النصوص مع كثرتها بحكم التبادر و غيره بما إذا أفطر عامداً متعمّداً عالماً بكون الزمان الذي أفطر فيه نهاراً.

و ما نحن فيه لا ريب في عدم تبادره منها عند الإطلاق جدّاً،و اللازم حينئذٍ الرجوع في غير المتبادر (1)إلى مقتضى الأصل،و هو العدم كما ذكره الأصحاب،و قد صرّح السيّد بذلك في غير باب.

و لعلّه إلى هذا نظر صاحب الذخيرة في اعتراضه على السيّد بعد نقل تفصيله بقوله:و فيه تأمّل،فإنّ مقتضى كون المفطر ممّن لا يسوغ له التقليد ترتّب الإثم على الإفطار لا القضاء و الكفّارة.

ثم قال:و لا يبعد أن يقال:إن حصل الظنّ بإخبار المختبر اتّجه سقوط القضاء و الكفّارة؛ لصحيحة زرارة المذكورة في المسألة الآتية (2)، و لا يبعد انتفاء الإثم أيضاً.

و إلّا فالظاهر ترتّب الإثم؛ لقوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [1] فإنّ مقتضاها وجوب تحصيل العلم أو الظنّ بالامتثال،و هو منتفٍ في الفرض المذكور.

و أمّا وجوب القضاء ففيه تأمّل؛ لعدم دليلِ دالّ عليه،و عدم الاستلزام بين حصول الإثم و وجوب القضاء (3).انتهى.

و هو حسن،إلّا أنّ ما ذكره من سقوط القضاء بالظنّ الحاصل من

ص:366


1- أي الإفطار إخلاداً إلى المخبر مع عدم الجواز(منه رحمه الله).
2- في ص:2562.
3- الذخيرة:502.

الخبر بدعوى دلالة الصحيحة عليه محلّ نظر،وجهه سيذكر.

و كذا ما ذكره من عدم دليلٍ دالّ على القضاء في صورة الشكّ؛ لأنّك قد عرفت الدليل الدالّ عليه هنا فيما مضى (1).

و احترز بالقدرة على المراعاة عمّن تناول كذلك (2)مع عدم إمكانها لغيم أو حبس أو عمى،حيث لا يجد من يقلّده،فإنّه لا يقضي.

و هو كذلك،لا لما قيل من أنّ المرء متعبّد بظنّه (3)؛ إذ لم أقف على دليل عليه على إطلاقه.

بل للأصل،و عدم دليل على وجوب القضاء حينئذٍ؛ لاختصاص ما دلّ عليه من الأولوية و نحوها بما إذا أفطر قادراً على المراعاة،لا مطلقاً.

و الشكّ في عبارتي الخلاف و الغنية (4)ليس نصّاً في المعنى الأعم.

فيحتمل الأخصّ،الذي ليس منه محلّ الفرض؛ لحصول الظنّ بإخبار الغير غالباً.و لو فرض العدم اتّجه الوجوب؛ لعموم الإجماع المنقول.

هذا،و يؤيّد عدم وجوب القضاء في أصل الفرض (5)ما سيأتي من النصوص في المسألة الآتية (6).

و يفهم من العبارة و نحوها انتفاء القضاء إذا راعى.و لا ريب فيه مع اليقين بدخول الليل،و مع الظنّ به إشكال.مقتضى الأصل الانتفاء إذا جاز الاعتماد عليه شرعاً،و إلّا فالثبوت أقوى،عملاً بعموم ما دلّ على إيجاب

ص:367


1- من الفحوى و الإجماعين المحكيين(راجع ص 2557)(منه رحمه الله).
2- أي إخلاد إلى المخبر(منه رحمه الله).
3- أنظر المسالك 1:72،الروضة 2:93.
4- راجع ص:2556.
5- و هو الإفطار مع الإخلاد مع عدم القدرة على المراعاة(منه رحمه الله).
6- انظر ص:2562.

فعل المفطرات القضاء.

و يحتمل وجوب الكفّارة أيضاً هنا و في ما مضى،كما ذكره في المدارك وفاقاً لجدّه (1).

إمّا لصدق التعمّد عليه حقيقةً كما ذكراه،أو لعموم بعض النصوص الصحيحة بوجوبها بفعل المفطر مطلقاً (2)،من غير تقييدٍ بالتعمّد،و إنّما هو في أكثر أخبارها في كلام الرواة خاصّة،فلا يصلح مقيّداً لما أُطلق من أخبارها.

و حينئذٍ فالأصل وجوبها مطلقاً،إلّا ما قام الدليل على العدم فيه، و ليس منه ما نحن فيه.

و بعض الأخبار الدالّة على اشتراط التعمّد بالنسبة إليها بل و القضاء أيضاً (3)ضعيفة السند،بل و الدلالة،كما بيّنته في محلٍّ أليق به و أحرى (4).

اللّهُمَّ إلّا أن يقال بالاتّفاق على التقييد بالعمد فيها.

و فيه:أنّه لا يتمّ في محلّ النزاع.

و كيف كان لا ريب أنّها أحوط و أولى.

هذا هو الأمر الرابع.

و أمّا الخامس:فهو ما أشار إليه بقوله و الإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل بلا خلاف و لا إشكال في وجوب القضاء،إن أُريد بالوهم معناه

ص:368


1- المدارك 6:94،المسالك 1:72.
2- انظر الوسائل 10:744،أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.
3- الوسائل 10:49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 11.
4- في حاشيتي على الحدائق في بحث سقوط القضاء و الكفارة عن المفطر جاهلاً(منه رحمه الله).

المعروف و هو الطرف المرجوح أو الشكّ،المقابلان للظنّ،و انكشف فساد الوهم و بقاء النهار.

لعموم ما دلّ على وجوبه بفعل أحد موجباته،مضافاً إلى ما مرّ من إجماع الغنية و الخلاف على وجوبه مع الشكّ (1)،فمع الوهم بالمعنى الأول أولى.

و يشكل الحكم بعدم وجوب الكفّارة حينئذٍ،بل قطع جماعة من متأخّري الأصحاب بوجوبها (2)،تبعاً للحلّي (3).

و لعلّه الأقوى؛ عملاً بعموم ما دلّ على وجوبها،إلّا ما أخرجه النصّ و الفتوى اتّفاقاً،و ليس منه ما نحن فيه جدّاً.

خلافاً للمختلف،فخطّأ الحلّي في ذلك،و قال:إنّه كلام من لا يحقّق شيئاً (4).

و لم أعرف له وجهاً.

نعم،لو تبيّن دخول الليل كان ما ذكره حقّا،كما لو استمرّ الاشتباه على الأقوى،وفاقاً للمنتهى (5)؛ للأصل،و اختصاص ما دلّ على القضاء بتناول المفطر بصورة العلم بوقوعه نهاراً.

و إن أُريد بالوهم الظنّ،بناءً على أنّه أحد معانيه أيضاً،و ربّما تومئ اليه المقابلة له بقوله: و لو غلب على ظنّه دخول الليل لم يقض.

ص:369


1- في ص:2557.
2- منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد:65،و الشهيد الثاني في الروضة 20:94،و صاحب المدارك 6:97.
3- السرائر 1:374.
4- المختلف:224.
5- المنتهى 2:578.

كان وجوب القضاء محلّ إشكال؛ لاختلاف الأصحاب فيه على قولين بل أقوال بعد اتّفاقهم على عدم وجوب الكفّارة على الظاهر، المصرّح به في الروضة،و إن احتمل فيها وجوبها مع ظهور الخطأ،بل مع استمرار الاشتباه أيضاً (1).و لكنّه نادر جدّاً.

فالمشهور بين القدماء بل مطلقاً،كما في المختلف و الدروس (2)وجوبه مطلقاً،و منهم:المفيد،و الشيخ في المبسوط،و المرتضى، و الحلبي،و الديلمي،و غيرهم (3)،و هو صريح الفاضلين في المعتبر و التحرير و المنتهى (4)،و يميل الفاضل إليه في المختلف (5).

لعموم ما دلّ على وجوبه بفعل أحد أسبابه،و للصحيح أو الموثّق:

في قومٍ صاموا شهر رمضان،فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس، فرأوا أنّه الليل،فأفطر بعضهم،ثم إنّ السحاب انجلى فاذا الشمس،فقال:

« على الذي أفطر صيام ذلك اليوم،إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [1] فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه؛ لأنّه أكل متعمّداً» (6).

خلافاً للشيخ في النهاية،و الصدوق،و القاضي فيما حكي،و الفاضل

ص:370


1- الروضة 2:94.
2- المختلف:244،الدروس 1:273.
3- المفيد في المقنعة:357،المبسوط 1:271،نقله عن المرتضى في المختلف:224،الحلبي في الكافي في الفقه:183،الديلمي في المراسم:98؛ و حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف:224.
4- المعتبر 2:677،التحرير 1:80،المنتهى 2:578.
5- المختلف:224.
6- الكافي 4:/100 2،التهذيب 4:/270 815،الإستبصار 2:/115 377،الوسائل 10:121 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 50 ح 1.

في الإرشاد و القواعد (1)،و جماعة من متأخّري المتأخّرين (2).

للنصوص المستفيضة،منها الصحيح:« وقت المغرب إذا غاب القرص،فإن رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة و مضى صومك، و تكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئاً» (3)و نحوه الخبر (4).

و منها الصحيح أيضاً على الظاهر،كما قيل (5)-:عن رجلٍ صام ثم ظنّ أنّ الشمس قد غابت و في السماء علّة فأفطر،ثم إنّ السحاب قد انجلى فاذا الشمس لم تغب،فقال:« قد تمّ صومه و لا يقضيه» (6)و نحوه الخبر (7).

و منها الموثّق كالصحيح بل الصحيح كما قيل (8)-:في رجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فأفطر،ثم أبصر الشمس بعد ذلك،قال:« ليس عليه قضاء» (9).

ص:371


1- النهاية:155،الصدوق في الفقيه 2:750،القاضي في المهذّب 1:192،الإرشاد 1:297،القواعد:64.
2- كصاحبي المدارك 6:95،و الذخيرة:502.
3- الفقيه 2:/75 327،التهذيب 4:/271 818،الإستبصار 2:/115 376،الوسائل 10:122 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 1.
4- الكافي 3:/219 5،التهذيب 2:/261 1039،الوسائل 10:122 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 1.
5- انظر روضة المتقين 3:333.
6- الفقيه 2:/75 326،التهذيب 4:/270 816،الإستبصار 2:/115 374،الوسائل 10:123 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 3،و في الجميع:غيم بدل علة.
7- الفقيه 2:/75 328،التهذيب 4:/271 817،الإستبصار 23:/115 375،الوسائل 10:123 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 4.
8- انظر المدارك 6:95.
9- التهذيب 4:/318 968،الوسائل 10:123 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 2.

و هذه النصوص مع استفاضتها،و صراحة ما عدا الصحيحة الأُولى منها و ظهورها أيضاً،و اعتبار أسانيد أكثرها و إن سلّمنا عدم صحّتها لا معارض لها عدا الإطلاقات،و اللازم على تقدير انصرافها إلى محلّ البحث تقييدها بهذه لأخصّيتها بالإضافة إليها.

و الصحيح المتقدّم سنداً للقدماء و هو بعد الإغماض عن سنده غير واضح الدلالة على مطلوبهم؛ إذ ليس فيه إلّا الأمر بصيام ذلك اليوم،و المراد به إتمامه،دفعاً لتوهّم أنّ الإفطار في الأثناء يبيحه في الباقي.

و لا ينافيه الاستدلال بالآية الكريمة،بل يؤكّده؛ لدلالتها على وجوب الإمساك إلى الليل مطلقاً،أكل في الأثناء أم لا.و كذا قوله تفريعاً عليها:

« فمن أكل» إلى آخره.

بل قوله في تعليل القضاء بأنّه« أكل متعمّداً» يؤكّد إرادة ما ذكرناه، و إلّا فالأكل بظنّ الغروب ليس أكلاً متعمّداً،كما لا يخفى.

و لئن تنزلّنا،فلا أقلّ من احتمال ما ذكرناه احتمالاً متساوياً،فتكون به الرواية مجملةً لا تصلح للحجّية،فضلاً عن أن تُعارَض بها تلك الأخبار المستفيضة،التي في الدلالة هي ما بين صريحة و ظاهرة.

مع أنّها موافقة لما عليه الجمهور،كما صرّح به في المنتهى (1)، فينبغي حملها على التقيّة و إن سلمت عمّا قدّمناه من وجوه المناقشة.

فهذا القول في غاية القوّة،سيّما مع اعتضاده بأصالة البراءة.

و إن كان الأول أحوط؛ للشهرة العظيمة القريبة من الإجماع من القدماء لولا مخالفة الصدوق،لرجوع الشيخ في المبسوط عمّا في النهاية، و عدم معلومية مذهب القاضي في المسألة؛ لاختصاص عبارته المنقولة في

ص:372


1- المنتهى 2:578.

المختلف بصورة الشكّ،كعبارتي الخلاف و الغنية (1).

و يحتمل إرادتهم منهم معناه المعروف لغةً،المقابل لليقين،الشامل للظنّ أيضاً،فتكون فتواهم فيه الحكم بوجوب القضاء مع دعوى الإجماع عليه،كما مضى.

و أمّا الفاضل،فهو و إن اختار الثاني فيما مرّ من كتبه،لكنّه في المختلف الذي هو آخر مؤلّفاته قد رجع عنه و مال إلى الأول (2).

فيمكن ترجيح الإطلاقات على ما قابلها من النصوص؛ لقطعيّتها و شذوذه على ما فرضنا،سيّما مع قصور سند أكثره عن الصحّة،و عدم صراحة دلالة الصحيحة بما ذكره في المختلف،من أنّ مضيّ الصوم لا يستلزم عدم القضاء (3).

أقول:مع أنّها بإطلاقها شاذّة لا عامل بها؛ لشمولها لصور الوهم و الشكّ و الظنّ،مع العجز من تحصيل العلم بالمراعاة و عدمه.و لا قائل بها في الأُوليين منها قطعاً،و كذا في الأخيرة مع إمكان العلم.

خلافاً لصاحب الذخيرة فيها،فظاهره عدم وجوب القضاء (4)؛ لإطلاق هذه الصحيحة،بل جملة نصوص المسألة.

و فيه:أنّ سياق ما عداها ظاهر في الاختصاص بصورة عدم الإمكان كما لا يخفى.و أمّا هي فيمكن تخصيصها بهذه الصورة،توفيقاً بينها و بين الأُصول المقتضية لاعتبار تحصيل العلم بدخول الليل،المؤيّدة بجملة من

ص:373


1- المتقدمتين في ص:2557.
2- المختلف:224.
3- المختلف:224.
4- الذخيرة:502.

النصوص الدالة على لزوم مراعاة الوقت بالنظر إلى القرص أو الحمرة (1)، مع دلالة بعضها كما قيل (2)على أنّه مع عدم العذر لا بدّ في الحكم بدخول الوقت من العلم بغيبوبة القرص أو زوال الحمرة.

هذا،و ما أبعد ما بين هذا و بين ما يستفاد من كلام المفيد المحكي في المختلف في المسألة،من عدم جواز التعويل على الظنّ مع الضرورة، و لزوم التأخير إلى تيقّن الوقت،تحصيلاً للبراءة اليقينية (3).

و لا ريب أنّ هذا أوفق بالأُصول،بل يتعيّن العمل عليه،لولا فحوى ما دلّ على جواز التعويل على الظنّ بدخول الوقت في الصلاة (4)،فهنا أولى،أمّا معها فلا.

سيّما و في المدارك:لا خلاف بين علمائنا ظاهراً في جواز الإفطار عند ظنّ الغروب إذا لم يكن للظانّ طريق إلى العلم (5)و قريب منه عبارة الفاضل في المختلف (6).

لكن قد عرفت خلاف المفيد،مع أنّه يتوجّه عليه ما في الذخيرة

ص:374


1- الوسائل 10:124 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 52.
2- الحدائق 13:102.
3- المختلف:224.
4- كالروايات الدالّة على التعويل في دخول الوقت على صياح الديك و أذان الثقة.انظر الوسائل 4:170 ب 14 أبواب المواقيت،و ج 5:378 ب 3 أبواب الأذان و الإقامة.
5- المدارك 6:95.
6- حيث قال في جملة كلام له(ص:224):و قول الشيخ:أنّه مكلّف بالظنّ،قلنا:ما لم يظهر الكذب فيه،و لهذا لو ظنّ الطهارة لوجبت عليه الصلاة،فلو انكشف فساد ظنّه وجبت عليه الإعادة،و هو كثير النظائر.فعلم أنّ مطلق الظن غير كافٍ في السقوط،بل ما لم يظهر فساده.انتهى.و هو كما ترى ظاهر أنه لا خلاف و لا إشكال في جواز الاعتماد على الظن و إلّا لمنعه و لو جدلاً،فتأمّل جدّاً.(منه رحمه الله).

من أنّ ما ذكره من نفي الخلاف غير واضح،فإنّ أكثر عباراتهم خالٍ عن التصريح،و قال المصنّف في التذكرة:الأحوط للصائم الإمساك عن الإفطار حتّى تيقّن الغروب؛ لأصالة بقاء النهار،فيستصحب إلى تيقّن خلافه.و لو اجتهد و غلب على ظنّه دخول الليل فالأقرب جواز الأكل و ظاهره وجود الخلاف في الحكم المذكور،و ما قربه متّجه،لصحيحة زرارة (1).

أقول: و ممّن ظاهره المخالفة،و عدم جواز التعويل على الظنّ:

الحلّي في السرائر،لكن في الظنّ غير القوي،كما يستفاد من عبارته، حيث أوجب فيها القضاء مع الظنّ و نفاه مع غلبته،معلّلاً الثاني بصيرورة تكليفه في عبادته غلبة ظنّه (2).

و هو ظاهر بل صريح في أنّ تكليفه مع الظنّ غير الغالب الصبر و عدم جواز الاعتماد عليه.

و ما ذكره الحلّي من هذا التفصيل في أصل المسألة غير واضح المأخذ و الحجّة،بل إطلاق النصوص المتقدّمة يدفعه.مع أنّ مراتب الظنّ غير منضبطة؛ إذ ما من ظنٍّ إلّا و فوقه أقوى و دونه أدنى،لاختلاف الأمارات الموجبة له،فالوقوف على أول جزء من مراتبه لا يكاد يتحقّق،بل و لا على ما فوقه.و بذلك ردّه من المتأخّرين جماعة (3).

و قد تلخص ممّا ذكرنا أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة:وجوب القضاء مطلقاً،و عدمه كذلك،و التفصيل بين ضعيف الظنّ فالأول،و قويّه فالثاني، و خيرها:أوسطها،لولا ما قدّمناه،و أحوطها:أولها قطعاً.

ص:375


1- الذخيرة:502،و تقدّمت صحيحة زرارة في ص 2562 الرقم(10).
2- السرائر 1:377.
3- كالشهيد الثاني في المسالك 1:72،و صاحب المدارك 6:97.

و السادس: تعمّد القيء مع عدم رجوع شيء إلى حلقه اختياراً و إن ذَرَعَه (1)لم يقض بلا خلافٍ في الثاني،إلّا من الإسكافي،فيقضي من المحرّم،و يكفّر أيضاً لو استكره (2).

و هو مع ندوره،و مخالفته لما يأتي من النصوص دليله غير واضح،و في صريح المنتهى و غيره:الإجماع على خلافه (3).

و على الأظهر الأشهر في الأول،بل عليه عامّة من تأخّر،و في صريح الخلاف و محتمل الغنية بل ظاهره و ظاهر المنتهى-:الإجماع عليه (4).

و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل في الجملة،و المعتبرة المستفيضة:

منها:الصحيح المروي بطريقين كذلك:« إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر، و إن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه» (5).

و الصحيح المروي عن كتاب علي بن جعفر:« إن كان تقيّأ متعمّداً فعليه قضاؤه،و إن لم يكن تعمّد ذلك فليس عليه شيء» (6).

و الموثّق:« إن كان شيء يبدره فلا بأس،و إن كان شيء يكره نفسه

ص:376


1- ذَرَعَه القيء سَبَقَه و غلبه الصحاح 3:1210.
2- حكاه عنه في المختلف:222؛ و المحكي عنه في الجواهر 16:289:« استكثر» بدل:« استكره».
3- المنتهى 2:579،التذكرة 1:263.
4- الخلاف 2:178،الغنية(الجوامع الفقهية):571،المنتهى 2:579.
5- الكافي 4:/108 2،التهذيب 4:/264 790،الوسائل 10:86 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 1.
6- مسائل علي بن جعفر:/177 55،الوسائل 10:89 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 10.

عليه أفطر و عليه القضاء» (1).

خلافاً للمرتضى و الحلّي،فلا قضاء به و إن حرم (2)؛ للأصل، و الصحيح الحاصر (3).و يخصّصان بما ذكر.

و للصحيح أو الموثّق كما قيل (4)-:« ثلاثة لا يفطرن الصائم:القيء، و الاحتلام،و الحجامة» (5).

و ليس فيه تصريح بالتعمّد،فيقدّ بغيره جمعاً،حَملَ المطلق على المقيّد.و هو أولى من حمل تلك الأدلّة على الاستحباب؛ لرجحانه في حدّ ذاته على الثاني،مضافاً إلى رجحانه في المسألة برجحان أدلّة القضاء بالكثرة و الشهرة.

مع أنّ الإجماع المنقول لا يقبل الحمل على الاستحباب كبعض النصوص:« من تقيّأ متعمّداً و هو صائم فقد أفطر و عليه الإعادة،فإن شاء اللّه عذّبه،و إن شاء غفر له» (6)و لا بأس بقصور السند أو ضعفه بعد العمل.

و لبعض أصحابنا في ما حكاه عنه المرتضى-:أنّه يكفّر أيضاً (7).

ص:377


1- الفقيه 2:/69 291،التهذيب 4:/322 991،الوسائل 10:87 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 5.
2- المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):54،الحلي في السرائر 1:378.
3- المتقدّم في ص:251.
4- العلّامة المجلسي في ملاذ الأخبار 7:46.
5- التهذيب 4:/260 775،الإستبصار 2:/90 288،الوسائل 10:88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 8.
6- التهذيب 4:/264 792،الوسائل 10:88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 6.
7- جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):54.

و هو غير معروف،و مع ذلك مستنده غير واضح،عدا تضمّن جملة من النصوص أنّه مفطر (1)،فيدخل في عموم الأخبار الكثيرة:أنّ من تعمّده كان عليه الكفّارة (2).

و يضعفه بعد الأصل،و الإجماع على خلافه على الظاهر أنّ تلك النصوص كما تضمّنت ذلك دلّت هي كباقي الأخبار على عدم وجوبها، من حيث تضمّنها جملةً وجوب القضاء خاصّة،من غير إشارة إلى الكفّارة، مع أنّها واردة في مقام الحاجة.

مع أنّ المتبادر من الإفطار إفسادُ الصوم بالأكل و الشرب،فيجب الحمل عليه خاصّة؛ لأنّ اللفظ إنّما يحمل على الحقيقة.و إطلاق الوصف (3) عليه فيما مرّ من النصوص لا يستلزم كونه من أفرادها؛ لأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة،و المجاز أولى من الاشتراك.

إلّا أن يقال:إنّ التجوّز يستلزم الشركة في وجوه الشبه،و منها هنا لزوم الكفّارة.

و هو حسن إن تساوت في التبادر و نحوه.و فيه مناقشة،بل المتبادر منها الإثم و لزوم القضاء خاصّة.

و السابع: إيصال الماء إلى الحلق متعدّياً لا للصلاة يعني:من أدخل فمه الماء،فابتلعه سهواً،فإن كان في غير المضمضة للطهارة كأن كان متبرّداً أو عابثاً فعليه القضاء خاصّة،و إن كان في المضمضة لها فلا قضاء أيضاً.

ص:378


1- الوسائل 10:86 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29.
2- الوسائل 10:44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.
3- أي المفطر(منه رحمه الله).

و لا خلاف في هذا التفصيل في الجملة بين علمائنا،بل عزاه في المنتهى إليهم،مشعراً بكونه إجماعاً (1)،كما هو [في] صريح الانتصار و الخلاف و الغنية أيضاً (2).

و إن اختلفت [اختلف] عبائرهم في التعبير عمّا لا يجب فيه القضاء بالتمضمض للطهارة و لو لنحو البقاء عليها و الطواف،كما في عبارة الانتصار و كثير (3)، و به صرّح في السرائر (4)،و لعلّه يفهم من الغنية و المنتهى.

أو به للصلاة خاصّةً،كما في عبارة الخلاف (5)و جماعة (6).

و جَعَلَ هذا محلَّ خلاف في السرائر،و جعل الأول (7)هو الصحيح، حاكياً له (8)عن الشيخ في الجمل و العقود و النهاية (9).

و عمّا يجب فيه القضاء بمطلق ما عدا الطهارة أو الصلاة،كما في عبارتي الأولين (10)،أو بالتبرّد خاصّةً من غير إشارة إلى غيره مطلقاً كما في عبارتي الأخيرين (11).

و يظهر من الإرشاد كون هذا أيضاً محلّ خلاف أيضاً،حيث ألحق

ص:379


1- المنتهى 2:79.5
2- الانتصار:64،الخلاف 2:215،الغنية(الجوامع الفقهية):571.
3- الانتصار:64،النهاية:154،الشرائع 1:192.
4- السرائر 1:378.
5- الخلاف 2:215.
6- كالعلامة في القواعد 1:64،و الشهيد في الدروس 1:274،و الفيض في المفاتيح 1:250،و صاحب الحدائق 13:90.
7- أي:إنّ المضمضة للطهارة مطلقاً لا توجب القضاء.
8- أي:للخلاف.
9- السرائر 1:375.
10- أي:المنتهى و الانتصار.
11- أي:الخلاف و الغنية.

المضمضة به للتداوي و العبث بها للصلاة،قائلاً بعده:على رأي (1).

و الأصحّ في المقامين ما في الانتصار و المنتهى؛ استناداً بعد الإجماع المنقول فيهما عليهما إلى فحوى الصحيح و غيره (2)،بل صريحهما في الجملة في الثاني (3).

و الموثّق فيهما:عن رجلٍ عبث بالماء يتمضمض به من عطشٍ فدخل حلقه،قال:« عليه القضاء،و إن كان في وضوءٍ فلا بأس» (4).

و منطوقه يعمّ الوضوء للصلاة و غيرها كما صرّح به الحلّي (5)و مفهومه العبث به و غيره.

و لكن ينبغي أن يستثني من هذا:ما إذا كان لإزالة النجاسة أو التداوي،وفاقاً للتذكرة و الدروس (6)و غيرهما (7)؛ للأمر بهما شرعاً، فلا يستعقبان شيئاً،مع بُعد انصراف الإطلاق إليهما جدّاً.

بل لولا النصّ و الإجماع لكان القول بعدم لزوم القضاء مطلقاً متوجّهاً؛ للصحيح الحاصر (8)،و لوقوع الفعل سهواً مع جوازه من أصله، بلا خلاف أجده،إلّا من الشيخ في كتابي الحديث،فمنع عنه للتبرّد في

ص:380


1- الإرشاد 1:297.
2- الوسائل 10:70 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23.
3- أي في المقام الثاني،و هو عدم الاختصاص بالتبرّد(منه رحمه الله).
4- الفقيه 2:/69 290،التهذيب 4:/322 991،الوسائل 10:71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 4.
5- السرائر 1:378.
6- التذكرة 1:262،الدروس 1:274.
7- كالمدارك 6:101.
8- المتقدم في ص:2514.

الاستبصار (1)،و في التهذيب:إن كان لغير الصلاة فدخل حلقه فعليه الكفّارة و القضاء (2).

و لا دليل عليه،بل في المرسل كالصحيح:و في الصائم يتمضمض و يستنشق،قال:« نعم،و لا يبالغ» (3).

و في الموثّق:عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء و هو صائم،قال:« ليس عليه شيء إذا لم يتعمّد ذلك» قلت:فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء؟قال:« ليس عليه شيء» قلت:فإن تمضمض الثالثة؟قال:فقال:« قد أساء،و ليس عليه شيء و لا قضاء» (4).

و في المنتهى:لو تمضمض لم يفطر،بلا خلافٍ بين العلماء كافّة، سواء كان في الطهارة أو غيرها.أمّا لو تمضمض فدخل الماء إلى حلقه، فإن تعمّد بابتلاع الماء وجب عليه القضاء و الكفّارة،و هو قول كلّ من أوجبهما بالأكل و الشرب و إن لم يقصده بل ابتلعه بغير اختياره فإن كان قد تمضمض للصلاة فلا قضاء عليه و لا كفّارة،و إن كان للتبرّد أو العبث وجب عليه القضاء خاصّة،و هو قول علمائنا (5).انتهى.

و النصّ الوارد بوجوب الأمرين بالتمضمض و الاستنشاق (6)لا قائل بإطلاقه؛ لشموله ما إذا لم يتعدّ الحق،فينبغي تقييده بما إذا تعمّد الازدراد

ص:381


1- الاستبصار 2:94.
2- التهذيب 4:214.
3- الكافي 4:/107 3،الوسائل 10:71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 2.
4- التهذيب 4:/323 996،الوسائل 10:72 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 5.
5- المنتهى 2:579.
6- التهذيب 4:/214 621،الإستبصار 2:/94 305،الوسائل 10:69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 1.

جمعاً.و تقييده بصورة التعدّي خاصّةً فيه اطراح لما مرّ من الأدلّة.

و بما ذكرنا ظهر وجه سقوط الكفّارة مطلقاً،حتّى في صورةٍ يجب فيها القضاء؛ لمخالفتهما الأصل،فيقتصر فيها على مورد النصّ و الفتوى، مضافاً إلى خلوّ النصوص الآمرة بالقضاء عن التعرّض لها أصلاً،مع ورودها في مقام الحاجة.

ثم إنّ ظاهر ما مرّ من الأدلّة عدم الفرق في الطهارة بين كونها الفريضة أو نافلة،و به صرّح جماعة (1)،و منهم:الشيخ في الخلاف،مع دعواه الإجماع (2).

لكن نُقل عن طائفة من الأصحاب الميل إلى الفرق بينهما،فيجب القضاء في الثانية،و أمّا الاُولى فلا (3).

و احتاط به المحقّق الثاني (4).و هو كذلك؛ للصحيح:« إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه قضاء،و إن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء» (5)و قريب منه المقطوع (6).

و في إلحاق الاستنشاق بالمضمضة في إيجاب القضاء وجهان،بل قولان

ص:382


1- كالعلامة في المنتهى 2:579،و صاحب المدارك 6:101.
2- الخلاف 2:215.
3- كالشهيد الثاني في المسالك 1:73،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:250،و صاحب الحدائق 13:90.
4- جامع المقاصد 3:66.
5- الكافي 4:/107 1،التهذيب 4:/324 999،الوسائل 10:70 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 1 بتفاوت يسير.
6- الكافي 4:/107 4،التهذيب 4:/205 593،الوسائل 10:17 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 3.

من الأصل،و اختصاص الموجب له بالمضمضة،فلا يتعدّى.

و من اتّحادهما في المعنى،و على هذا ابن زهرة في الغنية،مع دعواه الإجماع (1).و هو أحوط،إن لم نقل بكونه المتعيّن.

و على الأول السيّد في المدارك و صاحب الذخيرة (2)،و تردّد بينهما الفاضل في المنتهى (3).

و في إيجاب القضاء بالحقنة بالمائع قولان : أولهما للمرتضى في الناصريات نافياً الخلاف عنه،و الشيخ في الجمل و الاقتصاد و المبسوط و الخلاف مدّعياً فيه عليه الإجماع،و ابن زهرة في الغنية مدّعياً له أيضاً في محتمل كلامه أو ظاهره،و القاضي،و الحلبي،و الماتن في موضع من الشرائع،و القواعد و التحرير و الإرشاد و المختلف و الدروس (4).

و لا دليل عليه سوى ما في المختلف من أنّه قد أوصل إلى جوفه، فأشبه ما لو ابتلعه،لاشتراكهما في الاغتذاء.

و الصحيح:« الصائم لا يجوز له أن يحتقن» (5)؛ لأنّ تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلّية،فيكون بين الصوم و الاحتقان الذي هو نقيض المعلول منافاة،و ثبوت أحد المتنافيين يستلزم نفي الآخر،و ذلك يوجب

ص:383


1- الغنية(الجوامع الفقهية):571.
2- المدارك 6:100،الذخيرة:506.
3- المنتهى 2:579.
4- الناصريات(الجوامع الفقهية):242،جمل العقود(الرسائل العشر):213،الاقتصاد:288،المبسوط 1:272،الخلاف 2:213،الغنية(الجوامع الفقهية):571 القاضي في المهذب 1:192،الحلبي في الكافي:183،الشرائع 1:192،القواعد:64،التحرير:78،الإرشاد 1:296،المختلف:221،الدروس 1:275.
5- الكافي 4:/11 3،الفقيه 2:/69 292،التهذيب 4:/204 589،الإستبصار 2:/83 256،الوسائل 10:42 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 4.

عدم الصوم عند ثبوت الاحتقان،فوجب القضاء (1).

و يضعّف الأول:بأنّه قياس مع الفارق،فإنّ الحقنة لا تصل إلى المعدة،و لا إلى موضع الاغتذاء،كما عن المعتبر (2).

و الثاني:بأنّ نقيض المعلول إنّما هو جواز الاحتقان لا نفسه،و اللازم منه انتفاء الصوم عند جوازه لا عند حصوله و إن كان محرّماً.

فلم يبق إلّا الإجماع المنقول.فإن تمّ،و إلّا كان أشبههما:أنّه لا قضاء وفاقاً للمرتضى في الجمل حاكياً له عن قوم و الحلّي،و الشيخ في النهاية و الاستبصار،و الفاضل في المنتهى،و شيخنا في المسالك، و سبطه في المدارك (3)،و جماعة ممّن تأخّر عنه (4).

و هو ظاهر العماني (5)حيث لم يذكرها في موجبات القضاء و الإسكافي حيث استحب تركها (6)و حكي عن المعتبر أيضا (7)للأصل و استصحاب بقاء صحة الصوم و النهي عن الاحتقان لا يقتضي فساده لاحتمال أن يكون حراما لا لكونه مفسدا كذا عن المعتبر (8)و سلمه منه جملة ممن تأخر عنه (9) و في الاحتمال بُعد،بل الظاهر خلافه،كما يشهد له التتبّع،فيمكن

ص:384


1- المختلف:221.
2- المعتبر 2:679.
3- جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):554،الحلّي في السرائر 1:378،النهاية:156،الاستبصار 2:84،المنتهى 2:68،المسالك 1:71،المدارك 6:99.
4- كالسبزواري في الكفاية:46،و الفيض في المفاتيح 1:247.
5- حكاه عنه في المختلف:221.
6- حكاه عنه في المختلف:221.
7- المعتبر 2:679.
8- المعتبر 2:679.
9- كالسبزواري في الذخيرة:500.

أن يوجّه به الإفساد الموجب للقضاء،سيّما مع اعتضاده بنقل الإجماع عديداً،معتضداً بشهرة القدماء.

و كيف كان،لا ريب أنّه أحوط و أولى،إن لم نقل بكونه متعيّناً.

و كذا لا يجب القضاء على من نظر إلى امرأة و نحوها،أو أصغى إليهما فأمنى محلّلةً كانت أو محرّمة.

إلّا إذا كان معتاداً للإمناء عقيب النظر و قصد ذلك،فيجب القضاء و الكفّارة معاً،على أصحّ الأقوال و أظهرها.

استناداً في الأول إلى الأصل،مع عدم دليل على وجوب شيء بمجرّد النظر مطلقاً،و لو مع اعتياد الإمناء عقيبه من غير قصد إليه،مع أنّ في الناصرية و الخلاف الإجماع عليه (1).

و في الثاني إلى [إلا] أنّه بقصده النظر و اعتياده الإمناء عقيبه متعمّد له، فيشمله ما دلّ على وجوب القضاء و الكفّارة بالاستمناء عمداً.

و الذي أظنّه أنّ هذا ليس محلّ خلاف لأحد في إيجابه الأمرين معاً، و إنّما الخلاف في عدم وجوبهما في الأول مطلقاً،كما هو خيرة السيّدين، و القاضي،و الحلّي،و الفاضلين هنا و في المعتبر و الشرائع و الإرشاد، و شيخنا في المسالك،و سبطه في المدارك (2).

أو إذا لم يكن إلى محرّم،و إلّا فيجب القضاء مطلقاً،كما عن الشيخين،و الديلمي،و في التنقيح،و التحرير و المنتهى (3)،لكن فيهما

ص:385


1- الناصريات(الجوامع الفقهية):243،الخلاف 2:198.
2- المرتضى في الانتصار:64،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):571،القاضي في المهذب 1:193،الحلّي في السرائر 1:/374 88،الناقلين في المعتبر 2:67،و الشرائع 1:192،و الإرشاد 1:296،المسالك 1:73،المدارك 6:102.
3- المفيد في المقنعة:345،الطوسي في المبسوط 1:272،الديلمي في المراسم:98،التنقيح الرائع 1:368،التحرير 1:77،المنتهى 2:564.

التقييد بشهوة،كما عن المبسوط أيضاً (1).

أو إذا لم يقصد الإنزال و لا كرّر النظر،و إلاّ فيجب بقصد الإنزال:

القضاء و الكفّارة معاً،و بالتكرار:الأول خاصّة،كما في المختلف (2).

و لبعض الأصحاب هنا تفصيل آخر (3)،و لم أعرف وجهه.

و المستفاد من الأُصول ما حرّرناه.

السادسة تتكرّر الكفّارة مع تغاير الأيّام

السادسة :تتكرّر الكفّارة مع فعل موجبها تغاير الأيّام و لو من رمضان و حد مطلقاً (4)؛ بإجماعنا على الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة مستفيضاً (5).

و هل تتكرّر بتكرّر الوطء (6) خاصّةً دون غيره مطلقاً في المقامين؟كما رواه الصدوق في العيون و الخصال،عن مولانا الرضا عليه السلام (7)،و الفاضل في المختلف،عن العماني،عن زكريا بن يحيى صاحب كتاب شمس الذهب،عنهم عليهم السلام (8).

أو بتكرّرهما مطلقاً،كما هو خيرة المرتضى،و ثاني المحققين،و إليه يميل ثاني الشهيدين (9).

ص:386


1- المبسوط 1:272.
2- المختلف:223.
3- حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف:220،و انظر المهذب البارع 2:39.
4- أي:و إن لم يتخلّل التكفير،و اتّحد الجنس أو تغاير(منه رحمه الله).
5- منهم:المحقق في المعتبر 2:68،و العلامة في المنتهى 2:580،و صاحب المدارك 6:110.
6- في المختصر المطبوع زيادة:في اليوم الواحد.
7- العيون 1:/198 3،الخصال:/450 54،الوسائل 10:55 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 11 ح 1.
8- المختلف:227،الوسائل 10:55 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 11 ح 2.
9- نقله عن المرتضى في المعتبر 2:680،جامع المقاصد 3:70،المسالك 1:73.

أو مع تخلّل التكفير،و إلاّ فلا مطلقاً،كما عن الإسكافي (1).

أو مع تغاير الجنس و إلّا فلا،إلّا مع تخلّل التكفير فتتكرّر؟كما عليه الفاضل في القواعد و المختلف و الإرشاد (2)،إلّا أنّ فيه تخصيص التكرّر بالاختلاف فقط.

أو بتكرّر الوطء مطلقاً،و غيره بشرط تغاير الجنس أو تخلّل التكفير، و إلّا فلا؟كما في الدروس و اللمعة (3).

أو لا تتكرّر مطلقاً؟كما عليه الشيخ في المبسوط و الخلاف (4)،و ابن حمزة في الوسيلة (5)،و الماتن في كتبه الثلاثة،و الفاضل في المنتهى (6).

قيل:نعم مطلقاً،أو في الجملة،على التفصيل الذي مضى لكلّ قائلٍ بحسب قوله.

و الأشبه:أنّها لا تتكرّر وفاقاً لمن مرّ،و تبعهم جملة ممّن تأخّر (7)؛ للأصل،و اختصاص أكثر ما دلّ على وجوبها من النصوص بتعمّد الإفطار،و هو إنّما يتحقّق بفعل ما يحصل به المفطر و يفسد به الصوم،و هو الظاهر المتبادر من إطلاق باقيها،فيرجع فيما عداه إلى مقتضى الأصل.

و الخبران الأولان غير واضحي السند،فيشكل الخروج بهما عن مقتضاه،مع ندورهما،لعدم ظهور قائل بما فيهما،لأنّ الأقوال التي وصلت إلينا

ص:387


1- حكاه عنه في المعتبر 2:68.
2- القواعد 1:65،المختلف:227،الإرشاد 1:298.
3- الدروس 1:275،الروضة 2:99.
4- المبسوط 1:274،الخلاف 2:189.
5- حيث قال:و بالتكرّر في يومٍ واحد لا تتكرّر،و في أكثر تتكرّر(منه رحمه الله)،انظر الوسيلة:146.
6- المعتبر 2:680،الشرائع 1:194،المنتهى 2:580.
7- كصاحبي المدارك 6:111،و الذخيرة:511.

هي ما قدّمنا،و ليس هو شيئاً منها،فيشكل المصير إليه و لو كان الخبر صحيحاً.

و لم نجد لشيء من الأقوال الأُخر حجّةً و دليلاً،عدا ما في المختلف من أمرٍ اعتباري ضعيف،مبني هو كما استدلّ به للقول الأول،من أنّ تعدّد الأسباب يقتضي تعدّد المسبّبات على دعوى عموم أخبار الكفّارة للمتكرّر من موجبها لغةً.و قد عرفت ضعفها.

و يعزَّر بما يراه الحاكم من أفطر في شهر رمضان عالماً عامداً لكن لا مستحلا بل معتقداً للعصيان مرّة.

و إن لم ينجع فيه ذلك،بل عاد ثانيةً غُزِّر أيضاً.

فإن لم ينجع فيه أيضاً و عاد ثالثةً قُتل فيها،وفاقاً للأكثر كما في المدارك و الذخيرة (1)،و في غيرهما:أنّه المشهور بين الأصحاب (2).

لموثّقة سماعة المضمرة عن رجلٍ أُخذ في شهر رمضان،و قد أفطر ثلاث مرّات،و قد رفع إلى الإمام ثلاث مرّات،قال:« فليُقتَل في الثالثة» (3).

مضافاً إلى عموم الصحيح:« أصحاب الكبائر إذا أُقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة» (4).

و قيل:يقتل في الرابعة (5)؛ لما رواه الشيخ عنهم عليهم السلام مرسلاً:« إنّ

ص:388


1- المدارك 6:111،الذخيرة:512.
2- كما في الحدائق 13:239.
3- الكافي 4:/103 6،الفقيه 2:/73 315،التهذيب 4:/207 598،الوسائل 10:249 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 2 بتفاوت يسير.
4- الكافي 7:/219 6،الفقيه 4:/51 182،التهذيب 10:/95 369،الإستبصار 4:/212 791،الوسائل 28:234 أبواب حد المسكر ب 11 ح 2 بتفاوت يسير.
5- قال به الشهيد في المسالك 1:74.

أصحاب الكبائر يقتلون فيها» (1).

و هو أحوط،و إن كان الأول أظهر؛ للتعدّد،و اعتبار السند،مضافاً إلى أخصّية الموثّق،و اعتضاده بالصحيحة و الشهرة.

و احترز بقوله"لا مستحلا" عمّا لو كان مستحلا،فإنّه مرتدّ إجماعاً إن كان ممّن عرف قواعد الإسلام،و كان إفطاره بما علم تحريمه من دين الإسلام ضرورة،كالأكل،و الشرب المعتادين،و الجماع قبلاً.

و لا يكفّر المستحلّ بغيره.خلافاً للحلبي،فيكفّر (2)،و لا دليل له يظهر.

هذا إذا لم تدّع الشبهة المحتملة في حقّه،و إلّا دُرئ عنه الحدّ.

و في الصحيح:عن رجلٍ شهد عليه شهود أنّه أفطر في شهر رمضان ثلاثة أيّام،قال:« يُسأل:هل عليك في إفطارك إثم؟فإن قال:لا،فإن على الإمام أن يقتله،و إن قال:نعم،فإنّ على الإمام أن ينهكه ضرباً» (3).

و اعلم:أنّه إنّما يقتل في الثالثة أو الرابعة لو رُفع إلى الإمام و غُزِّر في كلٍّ مرّة،و إلّا فإنّه يجب عليه التعزير خاصّة،كذا عن التذكرة (4)،و استحسنه جماعة (5).و هو كذلك؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن من الفتوى و الرواية.

السابعة من وطئ زوجته مكرهاً لها لزمه كفّارتان

السابعة :من وطئ زوجته مكرهاً لها لزمه كفّارتان،و يعزَّر هو

ص:389


1- المبسوط 1:129.
2- كما في الكافي في الفقه:183.
3- الكافي 4:/103 5،الفقيه 2:/73 314،الوسائل 10:248 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 1.
4- التذكرة 1:265.
5- كصاحبي المدارك 6:116،و الذخيرة:512.

بخمسين سوطاً،و لا شيء عليها حتّى القضاء.

بلا خلافٍ إلّا من العماني،فأوجبه عليها (1).

و هو مع ندوره،لم أعرف له مستنداً،بعد فرض كونها مكرهة؛ بناءً على ما مرّ من صحّة صوم المكره،و أنّه لا شيء عليه أصلاً (2).

و لو طاوعته و لو في الأثناء كان على كلّ واحدٍ منهما كفّارة عن نفسه،زيادةً على القضاء.

و يعزّران أي كلّ منهما بنصف ما مضى.

بلا خلاف و لا إشكال في هذا (3)؛ لإقدام كلّ منهما على الموجب اختياراً.

و إنّما هما (4)في اجتماع الكفّارتين على المكرِه لها؛ لمخالفته الأُصول؛ بناءً على أنّه لا كفّارة و لا قضاء على المكرَهة،لصحّة صومها، فلا وجه لتحمّل الكفّارة عنها.

و لذا نفي عنه العماني الكفّارة عنها،كما عزاه في المختلف إلى ظاهره (5)،و لكن باقي الأصحاب على خلافه.

و إيجابهما عليه للنصّ:في رجلٍ أتى امرأته و هو صائم و هي صائمة، فقال:« إن استكرهها فعليه كفّارتان،و إن كانت طاوعته فعليه كفّارة و عليها كفّارة،و إن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحدّ،و إن كانت طاوعته ضُرب خمسة و عشرين سوطاً و ضُربت خمسة و عشرين سوطاً» (6).

ص:390


1- نقله عنه في المختلف:223.
2- راجع ص:2527.
3- أي لزوم القضاء و الكفّارة على كلّ منهما(منه رحمه الله).
4- أي الخلاف و الإشكال.
5- المختلف:223.
6- الكافي 4:/103 9،الفقيه 2:/73 313،التهذيب 4:/215 625،المقنعة:348،الوسائل 10:56 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12 ح 1.

و ضعف السند مجبور بعمل الأكثر،بل الإجماع،كما في الخلاف و في المنتهى و التنقيح (1).

و عن المعتبر:أنّها و إن كانت ضعيفة السند إلّا أنّ أصحابنا ادّعوا الإجماع على صحّة مضمونها،مع ظهور الفتوى بها،و نسبة الفتوى إلى الأئمّة عليهم السلام،و إذا عُرِف ذلك لم يعتدّ بالناقلين؛ إذ يُعلَم أقوال أرباب المذاهب بنقل أتباعهم و إن استندت في الأصل إلى الضعفاء (2).انتهى.و هو حسن.

و إطلاق الرواية بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال يقتضي عدم الفرق في المرأة بين كونها كونها زوجةً دائمة أو منقطعة،و به صرّح جماعة (3)،من غير خلاف بينهم أجده.

و في التحمّل عن الأمة و الأجنبية،و تحمّل المرأة لو أكرهته،و تحمّل الأجنبي لو أكرههما،و النائمة،اختلاف بين الأصحاب و إشكال.

و مقتضى الأصل:العدم،حتى في الأمة و الأجنبي؛ لمنع الأولوية في الأخير بعد قوّة احتمال مانعية عظم الذنب قبوله للتكفير،سيّما مع وجود النظير،و منع صدق المرأة مضافة إليه حقيقةً على الأمة عرفاً و عادة.

و لكن الأحوط:التحمّل في الجميع،و لا سيّما ما صرّحنا فيه بالعدم؛ لقوّة الشبهة فيه،خصوصاً الأمة،لتسميتها امرأة حقيقةً لغةً،و هو مقدّم على العرف و العادة على قول جماعة لا يخلو عن قوّة.

ص:391


1- الخلاف 2:182،المنتهى 2:581،التنقيح 1:37.
2- المعتبر 2:681.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:74،و السبزواري في الذخيرة:512،و صاحب الحدائق 13:237.

الثالث في من يصحّ منه

الثالث في بيان من يصحّ منه الصوم.

و اعلم أنّه يعتبر في صحة صوم الرجل:العقل،و الإسلام و كذا يعتبران في صوم المرأة مع شرط زائد،و هو:

اعتبار الخلوّ من الحيض و النفاس فلا يصحّ من الكافر بأنواعه؛ لعدم تأتّي قصد القربة و امتثال الأمر به منه،لإنكاره له،مع أنّه شرط في الصحّة إجماعاً نصّاً و فتوى،فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط تحقيقاً للشرطية.

و إن وجب عليه عندنا؛ بناءً على أنّه مكلّف بالفروع،كما حُقّق في محلّه مستقصًى،و في المنتهى:أنّه مذهب علمائنا (1)أجمع:

«و لا من المجنون» قال في المنتهى:لأنّ التكليف يستدعي العقل،لأنّ تكليف غير العاقل قبيح،و لقوله عليه السلام:« و عن المجنون حتى يُفيق» (2).

و لا يؤمر بالصوم كما يؤمر الصبي به بلا خلاف؛ لأنّه غير مميّز، بخلاف الصبي فإنّه مميّز،فكان للتكليف في حقّه فائدة،بخلاف المجنون.

هذا إذا كان جنونه مطبقاً.أمّا لو أفاق وقتاً دون وقت،فإن كانت إفاقته يوماً كاملاً وجب عليه الصيام فيه؛ لوجود المقتضي بشرطه و هو العقل ذلك اليوم،و عدم المانع و هو عدم التعقّل؛ و لأنّ صوم كلّ يومٍ عبادة

ص:392


1- المنتهى 2:585.
2- الخصال:/93 40،الوسائل 1:45 أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح 11.

بانفراده،فلا يؤثّر فيه ما يزيل الحكم عن غيره (1).

و لا من المغمى عليه،و لو سبقت منه [عنه] النيّة،على الأشبه و عليه الأكثر،كما في المنتهى و غيره (2)،و في شرح الشرائع للصيمري و الذخيرة:أنّه المشهور بين الأصحاب (3).

قيل:لأنّ زوال العقل مسقط للتكليف،فلا يصحّ منه مع السقوط؛ و أنّ كلّ ما أفسد الصوم إذا وجد في جميعه أفسده إذا وجد في بعضه، كالجنون و الحيض؛ و أنّ سقوط القضاء يستلزم سقوط الأداء في الصوم، و الأول ثابت على ما يأتي،فيثبت الثاني (4).

و أُجيب عن الأول:بمنع الكبرى مستنداً بالنائم.

و عن الثاني:بمنع كون الإغماء في جميع النهار مع سبق النيّة مفسداً للصوم،فإنّه أول البحث.

و عن الثالث:بمنع الاستلزام المذكور.

و هذه الأجوبة حسنة إلّا الأوّل؛ لابتنائه على عدم الفرق بين النوم و الإغماء،مع أنّ الفرق بينهما واضح،كما نبّه عليه جماعة،منهم شيخنا في المسالك،و قد أطنب الكلام فيه بما لا مزيد عليه (5).

أو أشار ب:« الأشبه» إلى خلاف المفيد و المرتضى،حيث صحّحا صومه مع سبق النيّة،و نفيا عنه القضاء حينئذ (6).

ص:393


1- المنتهى 2:585.
2- المنتهى 2:585،و انظر المدارك 6:331.
3- الذخيرة:525.
4- قال به العلامة في المنتهى 2:585.
5- المسالك 1:74.
6- المفيد في المقنعة:352،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):57.

و لا دليل عليه يعتدّ به.مع أنّه لا ثمرة بين القولين بالنسبة إلى القضاء؛ لاتّفاقهما على نفيه،بل سيأتي أنّ الأظهر الأشهر عدم وجوبه عليه مطلقاً،و لو لم تسبق منه النيّة (1).

نعم،تحصل الثمرة فيما لو أفطر عامداً في نهارٍ نوى صومه ثم أُغمي عليه في بعضه،فتجب الكفّارة عليه على الثاني دون الأول.و هو الأقرب، و يعضده زيادةً على ما دلّ على صحته الأصل.

و لا من الحائض و النفساء باتّفاق العلماء،كما عن المعتبر و في المنتهى،و النصوص به مستفيضة جدّاً (2).

و الحكم بذلك مطلق و لو في صورةٍ صادف ذلك أي الدم المدلول عليه بالمقام أول جزءٍ من النهار،أو آخر جزء منه و في المنتهى:أنّه لا خلاف فيه بين العلماء،قال:و يدلّ عليه ما تقدّم من الأحاديث.

لا يقال:قد روى الشيخ عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:

« إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعةٍ أن تأكل و تشرب،و إن عرض لها بعد الزوال لتغتسل و لتعتدّ بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل و تشرب» (3).

لأنّا نمنع صحّة سنده؛ إذ في طريقه عليّ بن فضّال،و هو فطحي.

قال الشيخ:هذا الحديث وهمٌ من الراوي،لأنّه إذا كان رؤية الدم هو

ص:394


1- راجع ص:2608.
2- الوسائل 10 أبواب من يصح منه الصوم ب 25،26.
3- التهذيب 1:/393 1216،الإستبصار 1:/146 500،الوسائل 10:232 أبواب من يصح منه الصوم ب 28 ح 4.

المفطر فلا يجوز لها أن تعتدّ بذلك اليوم.و إنّما يستحبّ لها أن تمسك بقيّة النهار تأديباً إذا رأت الدم بعد الزوال؛ لما رواه محمّد بن مسلم قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرأة ترى الدم غدوةً أو ارتفاع النهار أو عند الزوال، قال:« تفطر،و إن كان بعد العصر أو بعد الزوال فلتمض على صومها، و لتقض ذلك اليوم» (1)(2). و يصحّ الصوم من الصبي المميّز وفاقاً للشيخ (3)و جماعة، و منهم الفاضلان (4)،بل يظهر من ثانيهما في المنتهى عدم خلافٍ فيه بيننا.

فإنّه قال:و لا خلاف بين أهل العلم في شرعيّة ذلك؛ لأن النبيّ صلى الله عليه و آله أمر وليّ الصبي بذلك.

و من طرق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن،عن الحلبي،عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال:« إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين ما أطاقوا من صيام اليوم،فإذا غلبهم العطش أفطروا» (5).

و لأنّ فيه تمريناً على الطاعة و منعاً عن الفساد،فكان شرعة ثابتاً في نظر الشرع.

إذا ثبت ذلك فإنّ صومه صحيح شرعي،و نيّته صحيحة شرعية،

ص:395


1- التهذيب 1:/393 1217،الإستبصار 1:/146 501،الوسائل 10:232 أبواب من يصح منه الصوم ب 28 ح 3.
2- المنتهى 2:585.
3- المبسوط 1:278.
4- كما في الشرائع 1:197،و المنتهى 2:584 585.
5- الكافي 4:/124 1،الفقيه 1:/182 861،التهذيب 2:/38 1584،الإستبصار 1:/409 1564،الوسائل 10:234 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 3 بتفاوت يسير.

و ينوي الندب،لأنّه الوجه الذي يقع عليه،فلا ينوي غيره.

و قال أبو حنيفة:إنّه ليس بشرعي،و إنّما هو إمساك عن المفطرات.

و فيه قوّة.

و كذا المرأة تؤمر بالصيام قبل سنّ البلوغ و هو تسع أو الإنزال،أو الحيض على ما يأتي؛ لأنّ المقتضي في الصبي موجود فيها،فيثبت الأثر (1).انتهى.

لكنّه زيادةً على تقويته الخلاف هنا خالف صريحاً في المختلف، و وافق ما قوّاه،قال:لأنّ التكليف مشروط بالبلوغ،و مع انتفاء الشرط ينتفي المشروط (2).و هو خيرة ولده في الإيضاح (3)و غيره (4).

و هو غير بعيد؛ لقوّة دليله،و ضعف ما استدلّ به على خلافه.

أمّا الأول:فلعموم رفع القلم،الشامل للندب أيضاً.و ما يقال في الجواب:من اختصاصه بالوجوب و المحرّم (5)،فغير واضح الوجه.

و أمّا الثاني:فلأنّ أمر الولي بأمر الصبي بالصيام ليس أمراً له به، و على تقدير التسليم فالذي يظهر من جملة من النصوص أنّه أمرُ تأديب.

ففي رواية الزهري (6)و الفقه الرضوي (7):« و أمّا صوم التأديب:فإنّه

ص:396


1- المنتهى 2:584 585.
2- المختلف:216.
3- الإيضاح 1:243.
4- كالمحقق الثاني في المقاصد 3:82.
5- كما في الحدائق 13:54.
6- الكافي 4:/83 1،الفقيه 2:/46 208،التهذيب 4:/294 895،الخصال:/534 2،الوسائل 10:234 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 4 بتفاوت.
7- فقه الرضا عليه السلام:202،المستدرك 7:391 أبواب من يصح منه الصوم ب 16 ح 1.

يؤمر الصبي إذا بلغ سبع سنين بالصوم تأديباً،و ليس ذلك بفرض» .و زاد في الأخير:« و إن لم يقدر إلّا نصف النهار يفطر إذا غلبه العطش،و كذلك من أفطر لعلّةٍ أول النهار ثم قوي بقيّة يومه أُمر بالإمساك بقيّة يومه تأديباً،و ليس بفرض،و كذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله أُمر بقيّة يومه بالإمساك تأديباً،و ليس بفرض» و زاد في الأُولى:

« و كذلك الحائض إذا طهرت أمسكت بقيّة يومها» .و نحوهما في التصريح التأديب رواية أُخرى،مرويّة في الوسائل عن الخصال.

و ظاهرها سيّما بعد ضمّ الزيادات أنّه ليس بصوم حقيقي،بل هو إمساك بَحت.

و أمّا ما يستدلّ للصحّة بإطلاق الأمر فقد أجاب عنه في الذخيرة:بأنّه للإيجاب،و الظاهر عدم تعلّقه بالصبيان (1).

أقول:و لو أُريد به الأوامر المستحبّة ففيه أولاً:أنّها منساقة لبيان أصل الاستحباب،و أمّا مَن يستحبّ له فالمتضمّن لها بالنسبة إليه مجمل،مع أنّه يمكن أن يقال:إنّ المتبادر منها بالنسبة إليه مَن عدا الصبيان.

و يتفرّع على الخلاف.

فروع:

منها:ما لو بلغ في أثناء النهار قبل الزوال بغير المبطل،فعلى الصحّة يجب الإتمام،و على عدمها فلا.

ص:397


1- الذخيرة:530.

و منها:ما لو وُقف للصائمين،فيعُطى الصبيان على الأول،دون الثاني.

و يصحّ من المستحاضة،مع فعل ما يجب عليها من الأغسال الثلاثة في الكثيرة،و الغسل الواحد في المتوسّطة،بلا خلاف و لا ريبة، فتوًى و رواية (1).

و يصحّ من المسافر في النذر المعيّن المشترط سفراً و حضراً أو سفراً خاصّة على قولٍ مشهور ذهب إليه الشيخان،و الأتباع (2)،على ما حكاه عنهم جماعة،من غير نقل مخالف لهم بالكلّية.

فإن تمّ إجماعاً،كما هو ظاهر المنتهى،حيث نفى الخلاف عنه (3)، و صريح غيره،حيث ادّعى اتّفاق الأصحاب عليه (4).

و إلّا ففيه إشكال؛ لعدم وضوح مستنده،عدا الموثّق:عن الرجل يجعل للّه تعالى عليه صوم يوم مسمّى،قال:« يصوم أبداً في السفر و الحضر» (5).

و المكاتبة الصحيحة:كتب إليه بندار مولى إدريس:يا سيّدي نذرتُ أن أصوم كلّ يوم سبت،و إن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟فكتب و قرأته:« لا تتركه إلّا من علّة،و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض، إلّا

ص:398


1- المفيد في المقنعة:350،الطوسي في النهاية:163،القاضي في المهذّب 1:194،الديلمي في المراسم:97،المحقق في المعتبر 2:684.
2- المفيد في المقنعة:350،الطوسي في النهاية:163،القاضي في المهذّب 1:194،الديلمي في المراسم:97،المحقق في المعتبر 2:684.
3- المنتهى 2:586.
4- الحدائق 13:191.
5- الكافي 4:/143 9،التهذيب 4:/235 688،الإستبصار 2:/101 330،الوسائل 10:198 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 7.

أن تكون نويت ذلك» (1) و فيهما نظر؛ لإطلاق الأول و شموله ما لم يقيّده بالسفر،و لم يقولوا به عدا المرتضى (2)،و هو نادر،و مع ذلك معارَض بأجود منه.

و إضمار الثاني،و اشتماله على ما لم يقل به أحد من وجوب الصوم في المرض إذا نوى ذلك.

و لعلّه لذا ضعّف الماتن الرواية في المعتبر،فقال:و لمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولاً مشهوراً (3).و إلّا فهي صحيحة السند.و لا تضرّ جهالة الكاتب؛ لأنّ مقتضى الرواية إخبار الثقة (4)بقراءة المكتوب.

و الأحوط عدم التعرّض لإيقاع مثل هذا النذر،و لو أُوقع فالعمل على المشهور،للإجماع المنقول،الجابر لضعف الرواية.

و يصحّ منه في ثلاثة أيّامٍ لدم المتعة،و في بدل البدنة و هو ثمانية عشر يوماً لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً كما سيأتي بيانهما مع المستند في كتاب الحجّ إن شاء اللّه تعالى.

و لا يصحّ منه في واجبٍ غير ذلك على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر.

للمعتبرة المستفيضة،القريبة من التواتر،بل لعلّها متواترة،و فيها الصحاح و الموثّقات و غيرها (5)،و هي ما بين عامّة لجميع الواجبات،

ص:399


1- التهذيب 4:/235 689،الإستبصار 2:/102 331،الوسائل 10:195 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 1.
2- انظر جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):56.
3- المعتبر 2:684.
4- و هو على بن مهزيار.
5- الوسائل 10 أبواب من يصح منه الصوم ب 1،11.

و خاصة بجملةٍ منها،كالنذر و غيره.

خلافاً للمرتضى في النذر المعيّن و إن لم يقيّد بالسفر (1)؛ لما مرّ.

و جوابه قد ظهر.

و للمفيد فيما حكاه عنه الفاضلان في المعتبر و المختلف (2)و غيرهما (3)في مطلق الواجب عدا رمضان.

و للصدوقين في جزاء الصيد (4).

و هذه الأقوال مع ندورها و متروكيتها،كما صرّح به في الدروس و المنتهى (5)لم أقف على دليلٍ على شيء منها،فلا إشكال في ضعفها.

إلّا أن يكون سفره أكثر من حضره،أو يعزم [بعزم] الإقامة عشرة أيّام فإنّه يصوم في المقامين و ما في المقامين و ما في حكمهما قطعاً،كما أنّه يتمّ الصلاة فيهما.

و أمّا المندوب:ففيه أقوال،ثالثها الكراهة،و عليها الأكثر،عملاً بالخبرين الصريحين في الجواز (6)،إلّا أنّهما ضعيفاً السند،غير معلومي الجابر حتى الشهرة،لكونها متأخّرة،و أمّا القديمة فهي على المنع مطلقاً، كما يستفاد من المفيد في المقنعة (7).

فيشكل الخروج بهما عن مقتضى إطلاق النصوص المستفيضة،

ص:400


1- حكاه عنه في المختلف:229.
2- المعتبر 2:685،المختلف:229.
3- كالمهذب البارع 2:51،و التنقيح الرائع 1:372.
4- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:229،الصدوق في المقنع:63.
5- الدروس 1:27،المنتهى 2:586.
6- الكافي 4:/130 1 و 5،التهذيب 4:/236 692 و 693،الاستبصار 2:/102 334 و 335،الوسائل 10:203 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 4 و 5.
7- المقنعة:350.

و خصوص جملة:

كالصحيح:عن الصيام بمكّة و المدينة و نحن في سفر،قال:

« فريضة؟» قلت:لا،و لكنّه تطوّع كما نتطوّع بالصلاة،فقال:« تقول اليوم و غداً؟» قلت:نعم،قال:« لا تصم» (1).

و الموثّق:« إذا سافر فليفطر؛ لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر فريضةً كان أو غيره،و الصوم في السفر معصية» (2).

لكن ربّما يقال:إنّ المفهوم من الصحيحة الفرق بين الصوم الفريضة و النافلة؛ لسؤاله عليه السلام في مقام الجواب عن كون صومه أيّهما،و لو لا الفرق لاتّجه الجواب ب:« لا تصم» مطلقاً من غير استفسار.

فهو أوضح شاهد على الفرق،و ليس إلّا كون النهي في النافلة للكراهة؛ إذ لا فارق آخر بينهما غيره إجماعاً.

فما عليه الأكثر لعلّه أظهر،سيّما مع تأيّده بصريح الخبرين، و الصحيح:سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول:« كان أبي يصوم عرفة في اليوم الحارّ في الموقف،و يأمر بظلّ مرتفع،فيضرب له فيغتسل ممّا يبلغ منه الحرّ» (3).

و إنْ ضعف دلالة هذا باحتمال كون صومه عليه عليه السلام لعدم بلوغ المسافة حدّا يجب فيه التقصير،فتدبّر.

ص:401


1- التهذيب 4:/235 690،الإستبصار 2:/102 332،الوسائل 10:202 من يصح منه الصوم ب 12 ح 2.
2- التهذيب 4:/328 1022،الوسائل 10:199 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 8.
3- التهذيب 40:/298 901،الإستبصار 2:/133 433،الوسائل 10:465 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 3.

و كيف كان،فلا ريب أنّ المنع مطلقاً أحوط،إلّا ثلاثة أيّام الحاجة عند قبر النبي صلى الله عليه و آله؛ للصحيح (1).

و ألحقَ المفيد مشاهد الأئمة عليهم السلام (2)،و الصدوقان و الحلّي الاعتكافَ في المساجد الأربعة (3).و لم أعرف دليلهما.

و الصبي المميّز و كذا الصبيّة فيما قطع به الأصحاب يؤخذ ب الصوم الواجب لسبع سنين استحباباً مع الطاقة وفاقاً لجماعة،و منهم:الشيخ في المبسوط،و الماتن في الشرائع، و الفاضل في المختلف و القواعد،و الشهيدان في الدروس و اللمعتين (4).

و لكن جعل جملة منهم السبع مبدأ التشديد،و مبدأ الأخذ قبله (5).

و مستندهم مطلقاً غير واضح،عدا الصحيح:« إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ما كان إلى نصف النهار و أكثر من ذلك و أقلّ،و إذا غلبهم العطش و الغَرَث (6)أفطروا حتى يتعوّدوا الصوم و يطيقوه،فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام،فإذا غلبهم العطش أفطروا» (7).

ص:402


1- التهذيب 6:/16 35،الوسائل 14:350 أبواب المزار و ما يناسبه ب 11 ح 1.
2- المقنعة:350.
3- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:230،الصدوق في المقنع:63،الحلي في السرائر 1:394.
4- المبسوط 1:266،الشرائع 1:198،المختلف:234،القواعد:68،الدروس 1:268،الروضة 2:105.
5- كالمحقّق في الشرائع 1:198،و العلامة في القواعد 1:68.
6- الغَرَث:الجوع مجمع البحرين 2:260.
7- الكافي 4:/124 1،الفقيه 1:/182 861،التهذيب 2:/380 1582،الإستبصار 1:/409 1564،الوسائل 1:234 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 3 بتفاوت يسير.

و ظاهره اختصاص السبع بأولادهم عليهم السلام،و أنّ غيرهم إنّما يؤمرون لتسع،كما عليه الشيخ في النهاية،و الصدوقان (1)،و غيرهما.

و دلّت عليه أيضاً جملة من النصوص،كالرضوي (2)،و المرسل (3).

و لعلّه الأقوى.

و للمفيد قول بأنّه يؤخذ به إذا بلغ الحلم،أو قَدَر على صيام ثلاثة أيّامٍ تباعاً (4)؛ للقوي (5).

و في الصحيح:في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟قال:« ما بينه و بين خمس عشرة سنة و أربع عشرة سنة،فإن هو صام قبل ذلك فدعه» (6).

و في الموثّق:عن الصبي متى يصوم؟قال:« إذا قوي على الصيام» (7)و نحوه غيره (8).

و ربّما يقال:إنّ الذي يتلخّص من الجمع بين الأخبار بعد ضمّ

ص:403


1- النهاية:149،حكاه عن والد الصدوق في المختلف:234،الصدوق في المقنع:61.
2- فقه الرضا(عليه السلام):211،المستدرك 7:393 أبواب من يصح منه الصوم ب 19 ح 1.
3- الفقيه 2:/76 329،الوسائل 10:236 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 11.
4- المقنعة:367.
5- الكافي 4:/125 4،الفقيه 2:/76 330،التهذيب 4:/326 1013،الإستبصار 2:/123 499،الوسائل 10:235 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 5.
6- الكافي 4:/125 2،الفقيه 2:/76 332،التهذيب 4:/326 1012،الوسائل 10:233 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 1.
7- الكافي 4:/125 3،الوسائل 10:234 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 2.
8- التهذيب 4:/326 1014،الوسائل 10:236 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 9.

بعضها إلى بعض هو:أنّ مراتب الأطفال في القوّة و الضعف و الإطاقة و عدمها متفاوتة،و بلوغ التسع أعلى المراتب،بمعنى إمكان ذلك و تيسّره من الجميع،و أمّا ما قبلها فالمراتب فيه متفاوتة،فبعض يُكلَّف قبل السبع، لإطاقته ذلك،و بعض بوصولها،و بعض بعدها.

و هو قريب من الصواب،و مرجعه إلى العمل بالموثّقة و ما في معناها من تحديد وقت الأخذ بالطاقة،و إرجاع ما تضمّن التحديد بسبعٍ أو تسعٍ إليها بحمله على الغالب من حصول الطاقة بهما،لا أنّهما حدّان لا يستحبّ التمرين قبلهما.

و ربّما يفهم هذا من المنتهى،فإنّه قال:و يؤخذ الصبي بالصوم إذا أطاقه،ثم قال:قال الشيخ:و حدّه إذا بلغ تسع سنين،و يختلف حاله بحسب المكنة و الطاقة (1).

و يُلزَم به كلّ منهما عند البلوغ إجماعاً فتوًى و دليلاً.

و لا يصحّ الصوم من المريض مع التضرّر به و لو بخوف زيادة المرض بسببه،أو بطول (2)برئه،أو بحصول مشقّةٍ لا يتحمّل مثلها عادةً،أو بحدوث مرضٍ آخر.

بالكتاب،و السنّة،و الإجماع،قال سبحانه: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ [1] (3).و في الصحيح:« الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر» (4).

ص:404


1- المنتهى 2:584.
2- في« ح»:بُطء.
3- البقرة:184.
4- الكافي 4:/118 4،الفقيه 2:/84 373،الوسائل 10:218 أبواب من يصح منه الصوم ب 19 ح 1.

و قال عليه السلام:« كلّما أضر به الصوم فالإفطار له واجب» (1).

و يصحّ لو لم يتضرّر به بإجماعنا،و في المنتهى:أنّ عليه أكثر العلماء،و حكى عن قوم لا اعتداد بهم إباحة الفطر بكلّ مرض،سواء زاد في المرض أو لم يزد (2).

و الأصل عليه بعده عمومات وجوب الصوم على من شهد الشهر، مع اختصاص إطلاق ما دلّ على الفطر بالمرض بحكم التبادر الموجَب عن الغالب بالمضرّ منه لا مطلقاً.

مضافاً إلى فحاوي جملة من النصوص الواردة في المسألة و منها ما دلّ على أنه يرجع في ذلك أي المرض المبيح للإفطار و غيره إلى نفسه و هي مستفيضة،منها:الصحيح:« ذاك إليه،هو أعلم بنفسه،إذا قوي فليصم» (3).

و نحوه آخر بزيادة قوله « بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» [1] (4)و الموثّق:« هو مؤتمن عليه،مفوّض إليه،فإن وجد ضعفاً فليفطر، و إن وجد قوّةً فليصمه كان المرض ما كان» (5).

ص:405


1- الفقيه 2:/84 374،الوسائل 10:219 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 2.
2- المنتهى 2:596.
3- الكافي 4:/119 8،الوسائل 10:219 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 2.
4- الكافي 4:/118 2،الفقيه 2:/83 369 باختلاف في السند،التهذيب 4:/256 758،الإستبصار 2:/114 371؛ المقنعة:355،الوسائل 10:220 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 5.
5- الكافي 4:/118 3،التهذيب 4:/256 759 مرسلاً،الإستبصار 2:/114 372،الوسائل 10:220 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 4.

و في آخر:« إذا صدع صداعاً شديداً،و إذا حمّ حمّىً شديدة،و إذا رمدت عيناه رمداً شديداً،فقد حلّ له الإفطار» (1)إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة (2).

و المعتبر:القطع بالتضرّر أو الظنّ به،و في الاحتمال المساوي إشكال.

و عمومات نفي الحرج في الدين و إرادة اليسر دون العسر في الشرع المبين لعلّها ترجّح الإفطار به،كما رجّحه بعض المتأخّرين (3).

الرابع في أقسامه

اشارة

الرابع:في أقسامه أي أقسام مطلق الصوم المتناول للصحيح و الفاسد.

و هي أربعة:واجب،و ندب،و مكروه،و محظور على ما سيأتي بيانها.

الواجب ستّة
اشارة

فالواجب ستّة بحكم الاستقراء و تتبّع الأدلّة الشرعية:

صوم شهر رمضان،و صوم الكفّارات،و صوم دم المتعة،و صوم النذر،و ما في معناه من العهد و اليمين و صوم الاعتكاف على وجه يأتي بيانه في محلّه و قضاء الصوم الواجب المعيّن

أمّا شهر رمضان
اشارة

أمّا شهر رمضان،فالنظر فيه في أُمور ثلاثة:

في علامته،و شروطه،و أحكامه

علامته رؤية الهلال

أمّا علامته:فهي رؤية الهلال

ص:406


1- الكافي 4:/118 5،التهذيب 4:/256 760،الوسائل 10:220 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 6.
2- الوسائل 10:219 أبواب من يصح منه الصوم ب 20.
3- كصاحب المدارك 6:158.

ف اعلم أنّ من رآه وجب عليه صومه مطلقاً و لو انفرد بالرؤية إذا لم يشك.

بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في جملةٍ من العبائر مستفيضاً (1)،بل في التذكرة و المنتهى بعد نسبته إلينا-:أنّه مذهب أكثر العامّة (2).

و الأصل فيه بعده الكتاب (3)،و السنّة المتواترة.

ففي جملة منها صحيحة مستفيضة:عن الأهلّة،فقال:« هي أهلّة الشهور،فإذا رأيت الهلال فصم،و إذا رأيته فأفطر» (4).

و أظهر منها دلالةً الصحيح:عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وجده لا يبصره غيره،إله أن يصوم؟قال:« إذا لم يشكّ فيه فليصم،و إلّا فليصم مع الناس» (5).

و لو رُئي شائعاً بين جماعةٍ تأمن النفس من تواطئهم على الكذب،و يحصل بخبرهم العلم بوجوده،أو الظنّ المتاخم له على قول أو مضى من شعبان ثلاثون يوماً وجب الصوم عاما بإجماع المسلمين في الثاني،بل قيل:إنّه من ضروريات الدين (6).و في بعض الأخبار تصريح به (7).

ص:407


1- المدارك 6:164،الذخيرة:530،مشارق...:463،463.
2- التذكرة 1:268،المنتهى 2:588.
3- البقرة:185.
4- الوسائل 10:252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.
5- التهذيب 4:/317 964،قرب الإسناد:/231 904،الوسائل 10:260 أبواب أحكام شهر رمضان ب 4 ح 1.
6- المدارك 6:165.
7- التهذيب 4:/161 154،الوسائل 10:257 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 17.

و أمّا الأول:فلم نقف فيه على نصّ صريح.

نعم،ربّما يلوح الحكم فيه من جملة من الأخبار (1)،و لعلّه كافٍ في إثباته.

مضافاً إلى ما في المعتبر و التذكرة و المنتهى (2)و غيرها (3):من أنّه لا خلاف فيه بين العلماء.

و احتجّ عليه في الأخيرين بأنّه نوع تواترٍ يفيد العلم.

و لا ريب فيه مع العلم،و إنّما الإشكال مع الظنّ،فقد حكي عن الفاضل أنّه قوّي إلحاقه بالعلم،معلّلاً بأنّ الظن الحاصل بشهادة الشاهدين حاصل مع الشياع.

و تبعه شيخنا الشهيد الثاني (4)،و حكى عنه سبطه في موضعٍ من المسالك اعتبار زيادة الظنّ الحاصل منه على ما يحصل منه بقول العدلين؛ ليتحقّق الأولوية المعتبرة في مفهوم الموافقة (5).

ثم اعترضه فقال:و يشكل بأنّ ذلك يتوقّف على كون الحكم بقبول شهادة العدلين معلّلاً بإفادتهما الظنّ،ليتعدّى إلى ما يحصل به ذلك و يتحقّق به الأولوية المذكورة،و ليس في النصّ ما يدلّ على هذا التعليل، و إنّما هو مستنبط فلا عبرة به.

مع أنّ اللّازم من اعتباره الاكتفاءُ بالظن الحاصل بالقرائن إذا ساوى الظنّ الحاصل من شهادة العدلين،أو كان أقوى،و هو باطل إجماعاً.

ص:408


1- الوسائل 10:292 أبواب أحكام شهر رمضان ب 12.
2- المعتبر 2:686،التذكرة 1:271،المنتهى 2:590.
3- كالفاضل المقداد في التنقيح 1:374.
4- المسالك 1:76.
5- المسالك 2:410.

و الأصحّ اعتبار العلم كما اختاره العلّامة في المنتهى،و صرّح به المصنّف في كتاب الشهادات من هذا الكتاب لانتفاء ما يدلّ على اعتبار الشياع بدون ذلك،و على هذا فينبغي القطع بجريانه في جميع الموارد.

و حيث كان المعتبر ما أفاد العلم فلا ينحصر المخبرون في عدد، و لا فرق في ذلك بين خبر المسلم و الكافر،و الصغير و الكبير،و الأُنثى و الذكر، كما قُرّر في حكم التواتر (1).انتهى.

و تبعه جماعة من متأخّري المتأخرين (2).و هو حسن.

و تزيد الحجّة على فساد اعتبار الظنّ مطلقاً استفاضةُ المعتبرة بأنّه ليس الهلال بالرأي و لا التظنّي،و أنّ اليقين لا يدخل فيه الشك،صُم للرؤية و أفطر للرؤية،و فيها الصحيح و الموثّق و غيرهما (3).فالقول باعتباره ضعيف جدّاً.

و لو لم يتّفق شيء من ذلك،قيل و القائل الديلمي يُقبَل الشاهد الواحد و استدلّ له بأنّ فيه احتياطاً للصوم و بالصحيح:« إذا رأيتم الهلال فأفطروا،أو شهد عدل من المسلمين» الحديث (4).

و يضعّف الأول:بأنّه على تقدير تسليمه ليس بدليل شرعي،مع أنّه إنّما يتمّ على القول بجواز صوم يوم الشكّ بنيّة رمضان و إجزائه عنه إذا

ص:409


1- مدارك الأحكام 6:166.
2- منهم صاحب الذخيرة:530،و الحدائق 13:244.
3- الوسائل 10:252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.
4- الفقيه 2:/77 337،التهذيب 4:/158 440،الإستبصار 2:/73 222،الوسائل 10:278 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 1.

طابقه.

و أمّا على القول بالعدم كما هو الأقرب على ما مرّ (1)فلا يمكن الاحتياط بصومه بنيّته،و الصوم بنيّة شعبان ليس فيه عمل بشهادة الواحد، بل عدول عنها.

و الثاني أولاً:بمخالفته المطلوب؛ لوروده بالقبول في أول شوّال لا أول رمضان كما هو المطلوب.

و ثانياً:بأنّ لفظ العدل كما يطلق على الواحد كذا يطلق على الزائد، لأنّه مصدر يصدق على القليل و الكثير،تقول:رجل عدل،و رجلان عدل، و رجال عدل.

و ثالثاً:باختلاف النسخ،فبعض بما ذكر،و آخر مكان أو شهد عدل:

« و أشهدوا عليه عدولاً» (2)و ثالث مكانه:« أو يشهد عليه بيّنة عدل من المسلمين» (3)و مع اختلاف النسخ لم تكن فيها حجّة.

و رابعاً:بعدم معارضته للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الآتية من وجوهٍ عديدة.

فإذاً:لا اعتماد عليه بالكلّية،سيّما و أنّ في الخلاف و الغنية على خلافه دعوى إجماع الإماميّة (4).

و اعلم أنّ قوله: خاصّةً يرجع إلى الصوم،بمعنى:أنّه إنّما يقبل بالإضافة إليه فقط دون غيره،فلا يثبت به أول ما عدا شهر رمضان،و لا أوله

ص:410


1- في ص:2508.
2- التهذيب 4:/177 491.
3- الاستبصار 2:/64 207 و فيه:أو تشهد عليه بيِّنة عدول..
4- الخلاف 2:172،الغنية(الجوامع الفقهية):570.

لو كان منتهى أجل دَينٍ أو عدّةٍ أو مدّة ظهارٍ و نحوه.

نعم،يثبت به هلال شوّال بمضيّ ثلاثين منه تبعاً و إن لم يثبت أصالةً بشهادته.

و قيل:لا يقبل مع الصحو إلّا خمسون نفساً عدد القسامة أو اثنان من خارج البلد و القائل به الصدوق في المقنع،و الشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف،و القاضي،و الحلبي،و ابن حمزة،و ابن زهرة العلوي (1).

للخبرين،أحدهما:الصحيح:قلت له:كم يجزي في رؤية الهلال؟ فقال:« إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض اللّه تعالى،فلا تؤدّوا بالتظنّي، و ليس رؤية الهلال أن يقوم عدة فيقول واحد:رأيته،و يقول الآخرون:لم نره،إذا رآه واحد رآه مائة،و إذا رآه مائة رآه ألف،لا يجوز في رؤية الهلال إذا لم تكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين،و إذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر» (2)و نحوه الثاني (3).

و أُجيب عنهما تارةً في المعتبر:بأنّ اشتراط الخمسين لم يوجد في حكم سوى قسامة الدم،ثم لا يفيد اليقين،بل قوّة الظن،و هي تحصل

ص:411


1- المقنع:58،المبسوط 1:267،الخلاف 2:172،القاضي في المهذب 1:189،الحلبي في الكافي:181،ابن حمزة في الوسيلة:141،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):570.
2- التهذيب 4:/16 451،الوسائل 10:289 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 10 بتفاوت يسير.
3- التهذيب 4:/159 448،الإستبصار 2:/74 227،الوسائل 10:290 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 13.

بشهادة العدلين،ثم قال:و بالجملة فإنّه مخالف لما عليه عمل المسلمين كافّة،فكان ساقطاً (1).

و أُخرى في المنتهى:بالمنع عن صحّة السند (2).

و ثالثة في المختلف و الروضة (3)و غيرهما (4):بالحمل على حصول التهمة في أخبارهم.و هو الأقوى؛ لظهور سياقهما فيه،كما صرّح به في الروضة شيخنا.

و قيل: و القائل الإسكافي و المفيد و المرتضى و الحلّي (5) يقبل شاهدان عدلان كيف كان صحواً أو غيماً.

و هو أظهر و عليه الفضلان و الشهيدان (6)و غيرهما من المتأخّرين (7)،بل عليه عامّتهم،و ادّعى كونه مذهب الأكثر بقول مطلق جملة منهم (8).

لعموم ما دلّ على حجّية البيّنة الشرعية،مضافاً إلى خصوص الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

منها:« صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته،فإن شهد عندك شاهدان

ص:412


1- المعتبر 2:688.
2- المنتهى 2:589.
3- المختلف:235،الروضة 2:110.
4- كمشارق الشموس:464.
5- نقله عن الإسكافي في المختلف:234،المفيد في المقنعة:297،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):54،الحلي في السرائر 1:380.
6- المحقق في المعتبر 2:689،العلّامة في المنتهى 2:588،الشهيد الأول في الروضة 2:109،الشهيد الثاني في المسالك 1:76.
7- كصاحب المدارك 6:167.
8- كالمحقق في المعتبر 2:686،و صاحبي المدارك 6:167،و الحدائق 13:252.

عدلان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه» (1)و نحوه بعينه غيره (2).

و منها:« إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول:لا أُجيز في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين» (3)و نحوه غيره (4).

و ما يقال:من أنّ غاية ما تفيده هذه الأخبار قبول العدلين في الجملة،و لا تصريح فيها بالقبول في حالة الصحو،بخلاف الخبرين السابقين،فإنّ فيهما تصريحاً بالعدم فيه،و مقتضى الجمع بينهما تقييدها بهما.

مدفوع:بأنّه لا تصريح فيهما بعدم القبول مع الصحو مطلقاً،بل مع تعارض الشهادات و إنكار مَن عدا العدلين لما شهدا به،و هو عين التهمة.

و عدم القبول حينئذٍ مجمع عليه بالضرورة؛ إذ من شرائط العمل بالبيّنة ارتفاع التهمة،و مع ثبوتها كما هو مورد الخبرين فلا عمل بها بالضرورة.

فالتحقيق في المسألة:أنّ الأصل في شهادة العدلين الحجّية و لو في نحو المسألة كما هو مقتضى العموم،و خصوص إطلاق ما مرّ من المستفيضة.

إلّا مع حصول التهمة و لو بما في سياق الخبرين من استهلال جماعة سالمي الأبصار،فاقدي الموانع منه خارجاً و داخلاً،ثم دعوى بعضهم

ص:413


1- التهذيب 4:/157 436،الإستبصار 2:/63 205،الوسائل 10:287 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 4.
2- المقنعة:297،الوسائل 10:287 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ذيل الحديث 4.
3- التهذيب 4:/180 499،الوسائل 10:288 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 8.
4- الكافي 4:76،الفقيه 2:/77 338،التهذيب 4:/180 499،الوسائل 10:286 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 1.

الرؤية مع إنكار الباقين لها بحيث يوجب الظنّ بتوهّمهم مثلاً،فلا حجّة حينئذٍ فيها.

و غير بعيدٍ أن يكون مراد المانعين هذه الصورة خاصّةً،و الأكثر الاُولى،و عليه فلا نزاع أصلاً.

و كيف كان،فإن كان مراد الأولين ما ذكرنا،و إلاّ؟فلا أعرف لهم حجّة؛ لما عرفت من اختصاص الخبرين بالصورة التي لا نزاع فيها.

نعم،ربّما يبقى الإشكال في اعتبار الخمسين مع التهمة و عدم حصول القطع من شهادتهم:من إطلاق الخبرين بالاعتبار،و من احتمال وروده فيهما مورد التمثيل لما يحصل به اليقين،و أنّ اعتباره من جهته لا لخصوصيته فيه،كما ربّما يفهم من سياق الصحيح،حيث صرّح في صدره بالنهي عن التظنّي،كما وقع مثله في كثير من النصوص (1)،بل في بعضها التصريح بالنهي عن الخمسين مع عدم اليقين (2).و لعلّ هذا أجود.

فالمعتبر في صورة التهمة و تعارض الشهادة القطع دون الظنّ، إلّا على القول بكفايته في الشياع،و هو ضعيف،فحيثما حصل اعتُبِر و لو فيما دون العدد،و حيث لا فلا و لو فيه فصاعداً.

كلّ ذلك عملاً بالأُصول و النصوص الناهية في الرؤية عن الظنون.

و منها مضافاً إلى الحصر المستفاد من الظواهر يستفاد أنّه لا اعتبار في معرفة الشهر بالجدول و هو كما قيل (3)حساب

ص:414


1- الوسائل 10:252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.
2- التهذيب 4:/156 431،الإستبصار 2:/63 201،الوسائل 10:290 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 12.
3- المدارك 6:175.

مخصوص،مأخوذ من سير القمر و اجتماعه مع الشمس.

و لا بالعدد بأيّ معنى فُسِّر،سواء بعدّ شعبان ناقصاً أبداً و رمضان تامّاً أبداً،أو بعدّ [يعد] شهر تامّاً و آخر ناقصاً مطلقاً،أو عدّ تسعة و خمسين من هلال رجب،أو غير ذلك.

و لا بالغيبوبة أي غيبوبة الهلال بعد الشفق.

و لا بالتطوّق بظهور النور في جرمه مستديراً.

و لا بعَدّ خمسة أيّام من هلال شهر رمضان السنة الماضية.

كما عليه أكثر الأصحاب بل عامّة المتأخّرين في أكثرها،و في ظاهر الغنية (1)و غيرها (2)الإجماع.

خلافاً للمحكي في الخلاف عن شاذٍّ منّا (3)،و في المنتهى عن بعض الجمهور في الأول (4)؛ لقوله تعالى: وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [1] (5)و للرجوع إليه في القبلة.

و هما مجابان على أنّهم كما قيل (6)لا يثبتون أول الشهر بمعنى جواز الرؤية،بل بمعنى تأخّر القمر عن محاذاة الشمس،مع اعترافهم بأنّه قد لا يمكن الرؤية.

هذا،و في التنقيح (7):الإجماع منعقد على عدم اعتبار قول المنجّم

ص:415


1- الغنية(الجوامع الفقهية):569.
2- كالحدائق 13:291.
3- الخلاف 2:169.
4- المنتهى 2:590.
5- النحل:16.
6- المفاتيح 1:258.
7- التنقيح الرائع 1:376.

في الأحكام الشرعية،مع أنّه قال صلى الله عليه و آله و سلم:« من صدّق كاهناً أو منجّماً فهو كافر بما انزل على محمّد صلى الله عليه و آله» .و للمفيد فيما حكي عنه،و الصدوق في الثاني (1)،فاعتبراه بالتفسير الأول؛ لأخبارٍ كلّها ضعيفة (2)،غير مكافئةٍ لما مرّ من الأدلّة،معارضَة بالصحاح الصراح:

منها:« شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان» (3).

و منها:« إذا كانت علّة فأتمّ شعبان» (4).

و لصريح المقنع في الثالث (5)،و محتمل الفقيه أو ظاهره فيه و في الرابع (6)؛ للنصوص:

منها الخبر:« إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة،و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين» (7)و نحوه آخر (8).

و منها الصحيح:« إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين،و إذا رأيت ظلّ رأسك

ص:416


1- حكاه عن المفيد في كشف الرموز 1:298،الصدوق في الفقه 2:78،الهداية:45.
2- الوسائل 10:268 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 الأحاديث 24 إلى 37.
3- التهذيب 4:/160 452،الوسائل 10:262 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 3.
4- التهذيب 4:/156 433،الإستبصار 2:/63 203،الوسائل 10:263 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 5.
5- المقنع:58.
6- الفقيه 2:78.
7- الفقيه 2:/78 343،التهذيب 4:/178 494،الإستبصار 2:/75 228،الوسائل 10:282 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 3.
8- الكافي 4:/77 7،الوسائل 10:282 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ذيل ح 3.

فيه فهو لثلاث» (1).

و فيها أجمع قصور عن المقاومة لما مرّ،مضافاً إلى ضعف سند الأولين و معارضتهما زيادةً على ما مضى بظاهر خصوص بعض النصوص.

و فيه:كتب إليَّ أبو الحسن العسكري عليه السلام كتاباً أرّخه يوم الثلاثاء لليلةٍ بقيت من شعبان،و كان يوم الأربعاء يوم الشك،و صام أهل بغداد يوم الخميس و أخبروني أنّهم رأوا الهلال ليلة الخميس،و لم يغب إلّا بعد الشفق بزمانٍ طويل،قال:فاعتقدتُ أنّ الصوم يوم الخميس و أنّ الشهر كان عندنا يوم الأربعاء،قال:فكتب إليَّ:« زادك اللّه توفيقاً،فقد صمتَ بصيامنا» قال:

ثم لقيته بعد ذلك،فسألته عمّا كتبت به إليه،فقال لي:« أو لم أكتب إليك إنّما صمت الخميس و لا تصم إلّا للرؤية؟ » (2).فتدبّر في الدلالة و تأمّل فيها،فإنّها لعلّها لا تخلو عن نوع مناقشة، كما أشار إليه في الذخيرة (3)،لكنّها عند التحقيق ضعيفة.

مع احتمال هذه النصوص الحمل على التقية أو الأغلبية،كما في الوسائل (4)و غيره (5).

و أمّا الحمل على صورة الغيم كما ذكره الشيخ في كتابي الحديث (6)-

ص:417


1- الكافي 4:/78 11،الفقيه 2:/78 342،التهذيب 4:/178 495،الإستبصار 2:/75 229،الوسائل 10:281 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 2.
2- التهذيب 4:/167 475،الوسائل 10:281 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 1.
3- الذخيرة:533.
4- الوسائل 10:282 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ذيل ح 3.
5- كالحدائق 13:278.
6- التهذيب 4:178،الاستبصار 2:75 ذيل ح 229.

فلعلّه لمجرّد الجمع بين النصوص،و إلّا فلا شاهد عليه،مع أنّ الجمع بينها بذلك فرع المقاومة،و هي في المقام مفقودة كما عرفته.

و للمحكي في التنقيح عن الإسكافي في الأخيرة (1)؛ للنصوص المستفيضة (2)،و منها الرضوي (3).

و هي ما بين ضعيفة السند أو قاصره،فلا تعارض ما قدّمناه من الأدلّة،فلتكن مطرحة،أو محمولة على استحباب صوم الخامس بنيّة شعبان احتياطاً.

و هو أولى ممّا حملها عليه جماعة من التقييد بصورة ما إذا غمّت شهور السنة (4)؛ لعدم قبول بعضها له،و فيه:إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين و الثلاثة،فأيّ يومٍ تصوم؟قال:« انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية،و صم يوم الخامس» (5).

مع عدم دليل عليه،عدا ما في المختلف من أنّ العادة قاضية بعدم كمال شهور السنة ثلاثين ثلاثين،فلا يجوز بناء السنة على ما يُعلَم انتفاؤه، و إنّما يُبنى على مجاري العادات،و العادة قاضية بتفاوت هذا العدد في شهور السنة (6).

و فيه:أنّ قضاء العادة بتفاوت هذا العدد في شهور السنة إن كان

ص:418


1- التنقيح الرائع 1:377.
2- الوسائل 10:283 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10.
3- فقه الرضا عليه السلام:209،المستدرك 7:416 أبواب أحكام شهر رمضان ب 7 ح 2.
4- كما في التهذيب 4:179.
5- الكافي 4:/80 1،التهذيب 4:/179 496،الإستبصار 2:/76 230،الوسائل 10:283 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 3،و رواها في المقنع:59(و في الجميع بتفاوت).
6- المختلف:236.

بعنوان المظنّة فغير كاف؛ لما عرفته غير مرّة (1).

و إن كان بعنوان القطع،فعلى تقدير تسليمه لا يستلزم صحّة هذا الحساب؛ لجواز الاختلاف (2).

و لو سُلِّم فلا وجه للفرق بين هذه الصورة و ما إذا لم تغمّ شهور السنة،مع أنّهم قد فرّقوا بينهما.

و في العمل لمعرفة حلال الشهر برؤيته قبل الزوال أم العدم تردّد للماتن هنا و في المعتبر (3)،قيل (4):ينشأ من الأصل و دلالة جملة من النصوص على الثاني.

كالصحيح:« إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو يشهد عليه عدل من

ص:419


1- من عدم جواز الاعتماد على المظنة في معرفة الأهلَّة.(منه رحمه اللّه).
2- و إلى هذا يشير كلام الشيخ في الاستبصار في جملة كلام له في الرد على القول بالعدد فقال:و أما القول بأنَّ السنة ثلثمائة و أربعة و خمسون يوماً من قبل أن السموات و الأرض خلقن في ستة أيام اختزلت من ثلثمائة و ستين يوماً لا يفيد أن يكون شهر منها بعينه أبداً ثلاثين يوماً بل يقتضي أنّ الستة أيام تتفرق في الشهور كلها على غير تفصيل و تعيين لما يكون ناقصاً منها مما يتفق كونه على التمام بدلاً من كونه على النقصان. و أما القول بأنَّ شهور السنة تختلف في الكمال و النقصان فيكون منها شهر تام و شهر ناقص لا يوجب أيضاً دعوى الخصم في شهر رمضان ما ادّعاه و لا في شعبان ما حكم به من نقصانه على كل حال لأنّها قد تكون على ما تضمنه الوصف من الكمال و النقصان،لكنها لا تكون كذلك على الترتيب و النظام،بل لا ينكر أن يتفق فيها شهران متصلان على التمام و شهران متواليان على النقصان و ثلاثة أشهر أيضاً كما وصفناه،و يكون مع ما ذكرناه على وفاق القول بأنَّ فيها شهراً ناقصاً و شهراً تاماً؛ إذ ليس لي صريح ذلك الاتصال و لا الانفصال.(منه رحمه اللّه).انظر الاستبصار 2:71 72.
3- المعتبر 2:689.
4- التنقيح الرائع 1:378،و انظر المدارك 6:179.

المسلمين،فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار فأتمّوا الصيام إلى الليل، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين يوماً ثم أفطروا» (1).

و الخبر« من رأى هلال شوّال نهاراً في رمضان فليتمّ صيامه» (2).

و في آخر:كتبتُ إليه عليه السلام جعلتُ فداك ربّما غمّ علينا الهلال في شهر رمضان،فنرى من الغد الهلال قبل الزوال،و ربّما رأيناه بعد الزوال،أ فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟كيف تأمرني في ذلك؟فكتب عليه السلام:

« تتمّ إلى الليل،فإنّه إذا كان تامّاً رُئي قبل الزوال» (3).

و من إطلاق ما دلّ على أنّ الصوم للرؤية و الفطر للرؤية (4)،الشامل لمفروض المسألة،مضافاً إلى دلالة جملة أُخرى من النصوص على الأول، كالصحيح (5)و الموثق (6):« إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية، و إذا رأوه بعد الزوال فهو للّيلة المستقبلة» .و إلى هذا القول مال جملة من متأخّري المتأخّرين (7)،وفاقاً للمرتضى

ص:420


1- الفقيه 2:/77 337،التهذيب 4:/158 440،الإستبصار 2:/73 222،الوسائل 10:278 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 1،بتفاوت.
2- التهذيب 4:/178 492،الإستبصار 2:/73 223،الوسائل 10:278 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 2.
3- التهذيب 4:/177 490،الاستبصار 2:/73 221،بتفاوت،الوسائل 10:279 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 4.
4- الوسائل 10:252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.
5- الكافي 4:/78 10،التهذيب 4:/176 488،الإستبصار 2:/73 225،الوسائل 10:280 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 6.
6- التهذيب 4:/176 489،الإستبصار 2:/74 226،الوسائل 10:279 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 5.
7- منهم صاحب المنتقى 2:479،و صاحب الذخيرة:533،و صاحب المفاتيح 1:257.

في الناصرية (1)؛ لصراحة النصوص الدالّة عليه،مع اعتبار أسانيدها، و اعتضادها بما مرّ من الإطلاقات،و مخالفتها لما عليه جمهور العامّة كما صرّح به جماعة (2)،مع دعوى المرتضى عليه الإجماع من الإمامية و الصحابة (3).

فيُخصَّص بها الأصل،و تُصرَف النصوص المتقدّمة عن ظواهرها، بحمل وسط النهار في الصحيح على ما بعد الزوال،بل قيل:هو الظاهر منه؛ لإشعار لفظة:« من» (4)به.

و تقييد الثاني به أيضاً،مع ضعف سنده كالثالث،و فيه زيادةً عليه أنّه مكاتبة محتملة للتقيّة عمّا عليه جمهور العامة،مع اختلاف نسخه، الموجب لاضطراب دلالته،ففي الإستبصار كما ذكر،و في التهذيب بدل:

غمّ الهلال في شهر رمضان:« غمّ هلال شهر رمضان» و على هذه النسخة فلا دلالة لو لم تكن منعكسة.

و لا يخلو عن قوّةٍ لولا شذوذ هذا القول على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة،كالمنتهى و المسالك و الخلاف و الغنية (5)،بل فيها (6)الإجماع من الإمامية.و في الخلاف:روي ذلك عن عليّ عليه السلام و عمر و ابن عمر و أنس،فقالوا كلّهم للّيلة القابلة،و لا مخالف لهم،يدلّ على أنّه إجماع

ص:421


1- الناصريات(الجوامع الفقهية):242.
2- منهم الشيخ في الخلاف 2:171،و صاحب الحدائق 13:290.
3- الناصريات(الجوامع الفقهية):242.
4- الوافي 11:122.
5- المنتهى 2:592،المسالك 1:77،الغنية(الجوامع الفقهية):570،الخلاف 2:172.
6- أي:في الغنية.

الصحابة.

و دعوى الشهرة على هذا القول مستفيضة (1)،بل مسلّمة،و حينئذٍ فتقوى الأدلّة الدالّة عليه و لو ضعفت دلالةً بالإضافة إلى النصوص المقابلة.

و الجمع بين الأدلّة و لو بالتقييد أو التخصيص فرع المقاومة،و هي مفقودة،لما عرفت من اعتضاد الأوّلة بالشهرة العظيمة المسلّمة،التي هي أقوى المرجّحات الشرعيّة،و استصحابِ الحالة السابقة،بل هي حجّة برأسها مستقلّة.مضافاً إلى أصالة البراءة عن وجوب الصوم و القضاء و الإفطار،و حكايةِ الإجماع المتقدّمة،و ما يقرب منها ممّا مرت إليه الإشارة (2)؛ و لا تعارضها حكاية الإجماع على الخلاف،للندرة الموهنة.

و بجميع ذلك يجبر ضعف سند الخبرين.و اختلاف النسخة في ثانيهما غير ضائر بعد شهادة السياق بأولهما كما لا يخفى.

و حينئذٍ فيجاب عن إطلاقات الصوم للرؤية:بالتقييد بالرؤية الليلية، حملَ المطلق على المقيّد.

هذا على تقدير تسليم شمولها للرؤية النهارية،و إلّا فالمتبادر منها و الغالب الأُولى خاصّة.

و عليه فتكون من أدلّة المختار،بناءً على الحصر المستفاد من ظواهرها،لرجوع حكم منطوقه إلى الفرد المتبادر،و يدخل النادر في مفهومه.

و لعلّه لهذا أجاب عن الخبرين المعارضين الشيخ في الكتابين،فقال بعد نقلهما: فهذان الخبران لا تُعارَضُ بهما الأخبار المتقدّمة؛ لأنّها موافقة

ص:422


1- كما ادّعاها السبزواري في الذخيرة:533،و صاحب الحدائق 13:284.
2- من دعوى الشذوذ.(منه رحمه اللّه).

لظاهر القرآن و الأخبار المتواترة التي ذكرناها،و هذا الخبران مخالفان لذلك، فلا يجوز العمل عليهما (1).و نحوه الفاضل في المنتهى (2).و لا بأس به.

و عن الخبرين:بقصور سند الثاني عن الصحّة،بل الأول أيضاً على المشهور،فإنّه عندهم حسن و لو بإبراهيم،فلا يعارضان الصحيح المتّفق على صحّته سنداً،و إن ترجّحا عليه دلالةً،فليطرحا أو يحملا على التقيّة و لو عن نادرٍ من العامّة،أو على ما ذكره الشيخ من صورة التغيُّم و نحوها، مع انضمام الشهود إلى الرؤية.

و لو لا موافقة القول المشهور لما عليه جمهور الجمهور لكان القول به مقطوعاً به من غير ريبة،إلّا أنّه لها ربّما لا تخلو المسألة عن تردّدٍ و شبهةٍ كما عليه الماتن.إلّا أنّ مقتضى الأُصول حينئذٍ تعيّن العمل بما عليه المشهور.

و للفاضل في المختلف قول آخر في المسألة،بالتفصيل بين يوم الشكّ من شعبان فخيرة المرتضى،و من رمضان فالمختار احتياطاً للصوم في المقامين (3).و هو ضعيف (4).

و من كان بحيث لا يعلم الأهلّة كالمحبوس توخّى أي تحرّى لصيام شهرٍ يغلب على ظنّه أنّه هو شهر رمضان،فيجب عليه صومه.

ص:423


1- التهذيب 4:177،الاستبصار 2:74 ذيل ح 226.
2- فإنّه قال:هذا القدح في سند الخبر الثاني،و مع ذلك فلا يصلحان لمعارضة الأخبار الكثيرة الدالة على انحصار الطريق في الرؤية و مضي ثلاثين لا غير.(منه رحمه اللّه)انظر المنتهى 2:592.
3- المختلف:235.
4- و من أراد تحقيق المسألة زيادة على ما هنا و رفع الشكوك التي أُوردت على أخبارها فعليه مراجعة حاشيتي على الوافي.(منه رحمه اللّه).

فإن استمرّ الاشتباه و لم تظهر له الشهور قطّ أجزأه ما فعله عن صوم رمضان.

و كذا إن صادف و وافقه أو كان بعده.و لو كان قبله استأنف الصوم عن رمضان أداءً أو قضاءً.

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل عليه الإجماع عن المنتهى و صريح التذكرة (1)؛ للصحيح (2)و غيره (3).

قيل:و يلحق بما ظنّه حكم الشهر في وجوب الكفّارة في إفساد يوم منه،و وجوب متابعته و إكماله ثلاثين لو لم ير الهلال،و أحكام العيد بعده من الصلاة و الفطرة.و لو لم يظنّ شهراً تخيّر في كلّ سنةٍ شهراً،مراعياً للمطابقة بين الشهرين (4).

و وقت الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني،فيحلّ الأكل و الشرب مثلاً قبله حتى يتبيّن خيطه بالكتاب (5)و السنّة و الإجماع.

و الجماع حتى يبقى لطلوعه قدر الوقاع و الاغتسال بناءً على الأشهر الأظهر من بطلان الصوم بتعمّد البقاء على الجنابة،و يأتي على القول الآخر جوازه إلى الفجر كالآخرين،و هو ضعيف كما مرّ (6).

ص:424


1- المنتهى 2:593،التذكرة 1:272.
2- الكافي 4:/18 1،الفقيه 2:/78 346،التهذيب 4:/310 935،الوسائل 1:276 أبواب أحكام شهر رمضان ب 7 ح 1.
3- المقنعة:379،الوسائل 10:277 أبواب أحكام شهر رمضان ب 7 ح 2.
4- قال به الشهيد الثاني في المسالك 1:77.
5- البقرة:187.
6- في ص:2518.

و وقت الإفطار ذهاب الحمرة المشرقية على الأظهر الأشهر،كما في بحث مواقيت الصلاة مفصّلاً قد مرّ.

و يستحبّ تقديم الصلاة على الإفطار،إلّا أن تنازعه نفسه،أو يكون هناك من يتوقّع إفطاره للمعتبرة المتضمنة للصحيح و غيره (1)، إلّا أنّه ليس في شيء منها باستثناء منازعة النفس.

نعم،رواه في المقنعة مرسلاً،إلّا أنّ فيها« غير أنّ ذلك مشروط بأن لا تشتغل بالإفطار قبل الصلاة إلى أن يخرج وقتها» (2).

و هذا الشرط غير مذكور في العبارة و نحوها.

و الظاهر أنّ المراد بالصلاة المأمور بتقديمها في النصّ و الفتوى هي:

الصلاة الأُولى وحدها محافظةً على وقت فضيلتها،فيكفي في تأدّي السنّة تقديمها خاصّة.

ص:425


1- الوسائل 10:149 أبواب آداب الصائم ب 7.
2- المقنعة:318،الوسائل 10:151 أبواب آداب الصائم ب 7 ح 5.
أمّا شروطه فقسمان

و أمّا شروطه فقسمان:

الأول شرائط الوجوب

الأول شرائط الوجوب و هي ستة البلوغ،و كمال العقل فلو بلغ الصبي،أو أفاق المجنون،أو المغمى عليه،لم يجب على أحدهم لصوم مطلقاً،بلا خلاف إلاّ؟من الشيخ في الخلاف في الكتاب (1)،فأوجبه على الصبي إذا بيّت النية و بلغ قبل الزوال.

و هو مع مخالفته لما صرّح به في كتاب الصلاة من الخلاف (2)نادر،بل على خلافه الإجماع في صريح السرائر (3)؛ و هو الحجّة عليه، مضافاً إلى الأُصول،و فحوى النصوص المتضمّنة للسقوط عن الكافر و الحائض اللذين هو أعذر منهما،و هما أقرب منه إلى التكليف إذا زال عذرهما قبل الزوال.

ففي الصحيح المروي في الكتب الثلاثة:عن قوم أسلموا في شهر رمضان و قد مضى منه أيّام،هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه،أو يومهم الذي أسلموا فيه؟فقال:« ليس عليهم قضاؤه و لا يومهم الذي أسلموا فيه، إلّا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر» (4).

و هو حجّة على قوله في المبسوط في الكافر بمقالته هنا من وجوب

ص:426


1- أي كتاب الصوم.انظر الخلاف 2:203.
2- الخلاف 1:306.
3- السرائر 1:403.
4- الكافي 4:/125 3،الفقيه 2:/80 357،التهذيب 4:/245 728 بتفاوت الإستبصار 2:/107 349،الوسائل 10:327 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 1.

الإتمام عليه إذا أسلم قبل الزوال (1).

مع أنّه لا حجّة له في المقامين عدا ما ذكره في المعتبر و لأجله مال إليه من أنّ الصوم ممكن في حقّهما،لأنّ وقت النية باق (2).

و هو على تقدير تسليمه لم يتوجّه عذراً للشيخ في الخلاف؛ لأنّ مقتضاه عدم الفرق بين الصبي و الكافر،مع أنّه فيه فرّق بينهما،فأسقطه عن الثاني دون الأول،و مع ذلك فاشترط فيه تبييت النيّة،و الدليل يقتضي عدم السقوط مطلقاً.

و لا له (3)بعد ورود النصّ الصحيح بخلافه،فلا يكون إلّا اجتهاداً صرفاً في مقابلته،سيّما مع اعتضاده زيادةً على الأُصول بالإجماع المنقول و الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل الإجماع،مع أنّه أفتى بخلافه في الكتاب و الشرائع (4).

و بالجملة:لا شبهة في عدم الوجوب عليهم إلّا ما أدرك وا فجره كاملاً فيجب صومه عليهم إجماعاً.

و الثالث و الرابع: الصحّة من المرض المضرّ و الإقامة أو حكمها ككثرة السفر،أو المعصية به،أو الإقامة عشراً،أو مضيّ ثلاثين متردّداً،فلا يجب على المريض،و لا على المسافر الذي يجب عليه تقصير الصلاة؛ بالكتاب،و السنّة،و الإجماع فيهما (5)

ص:427


1- المبسوط 1:286.
2- المعتبر 2:711.
3- عطف على الشيخ.أي:و لا يتوجّه الدليل المذكور و هو إمكان الصوم في حقّهما عذراً للمحقّق في المعتبر.
4- الشرائع 1:201.
5- أي في الشرطين.

و لو زال السبب مرضاً كان أو سفراً قبل الزوال،و لم يتناول المكلّف شيئاً من المفطرات،و لم يفعلها،نوى الصوم و أمسك واجباً و أجزأه عن رمضان،فلا يجب عليه القضاء،بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في المفاتيح في السببين (1)،و في الذخيرة في ثانيهما، و فيها في الأول عن بعضٍ الأصحاب نقل الإجماع عليه (2)؛ و هو الحجّة فيه،المؤيّدة بعدم الخلاف،و به يستدلّ على الحكم في الثاني.

مضافاً إلى ورود النصوص فيه،منها الموثّق:« إن قدم قبل الزوال فعليه صيام ذلك اليوم و يعتدّ به» (3).

لكنها معارضة بجملة من المعتبرة،الناصّة بالتخيير،منها الصحيح:« إذا دخل أرضاً قبل طلوع الفجر و هو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم،و إن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه،و إن شاء صام» (4)و نحوه آخر (5).

و الخبر:« و إن قدم من سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم إن شاء» (6).

لكنّها شاذّة لا عامل بها،فينبغي طرحها،أو تنزيلها على أنّ المراد بها ما في الصحيح:عن الرجل يقدم في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنّه سيدخل أهله ضحوةً أو ارتفاع النهار،فقال:« إذا طلع الفجر و هو خارج

ص:428


1- المفاتيح 1:240.
2- الذخيرة:525 526.
3- التهذيب 4:/255 754،الوسائل 10:191 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 6(و فيهما بتفاوت).
4- الكافي 4:/131 4،الفقيه 2:/92 413،التهذيب 4:/229 672 بتفاوت،الإستبصار 2:/99 322،الوسائل 10:189 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 1.
5- الكافي 4:/132 6،التهذيب 4:/256 757،الوسائل 10:190 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 3.
6- التهذيب 4:/327 1020،الوسائل 10:191 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 7.

و لم يدخل أهله فهو بالخيار إن شاء صام،و إن شاء أفطر» (1).

أفتى جماعة من غير خلاف (2).

و لو كان زوال السبب كائناً ما كان بعد الزوال،أو قبله و الحال أنّه قد تناول شيئاً،أو فعل مفطراً،لم يجب عليه الصوم و أمسك ندباً،و عليه القضاء بلا خلافٍ في رجحان الإمساك و استحبابه في حقّ المتناول،و عليه في ظاهر المنتهى و الغنية و صريح الخلاف و المدارك الإجماع (3)،و به نصّ حديث الزهري (4)و الفقه الرضوي (5).

و إنّما اختلفوا في وجوبه في حقّ المسافر إذا لم يتناول،فعن الشيخ في النهاية الوجوب (6)،لكنّ كلامه غير صريحٍ في محلّ البحث،فيحتمل الاختصاص بقبل الزوال كما صرّح به في المبسوط (7)و مع ذلك فهو نادر، بل على خلافه الإجماع في صريح السرائر (8)و يردّه مفهوم الموثّق السابق،مضافاً إلى الأُصول،و عدم وضوح دليل و لا شاهد على ما يقول،و هو أوضح شاهد على أنّ المراد بما في النهاية هو ما في المبسوط.

ص:429


1- الكافي 4:/132 5،الفقيه 2:/93 414،التهذيب 4:/255 756،الوسائل 10:189 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 2.
2- منهم صاحب المدارك 6:199،و الحدائق 13:400.
3- المنتهى 2:600،الغنية(الجوامع الفقهية):573،الخلاف 2:202،المدارك 6:273.
4- الكافي 4:/83 1،الفقيه 2:/46 208،التهذيب 4:/294 890،الوسائل 10:367 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1.
5- فقه الرضا عليه السلام:201 203،المستدرك 7:487 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1.
6- النهاية:160.
7- المبسوط 1:283.
8- السرائر 1:404.

و الخامس و السادس: الخلوّ من الحيض و النفاس فتفطر الحائض و النفساء و إن حصل العذر قُبيل الغروب،أو انقطع بُعيَد الفجر، بالنصّ (1)و الإجماع.

الثاني شرائط القضاء

الثاني: [في] شرائط القضاء و هي ثلاثة:البلوغ،و كمال العقل،و الإسلام فلا يقضي ما فاته لصغرٍ مميّزاً كان أم لا أو جنون مطبقاً أو أدوارياً،و قد فاته في غير حال إفاقته أو إغماءٍ استوعب يوم الفوات [الوفاة] أم لا،بيّت [يبيت] نيّة الصوم ليلاً أم لا أو كفرٍ أصليٍّ لا مطلقاً.

بلا خلاف في شيء من ذلك ما عدا الإغماء على الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر (2)،بل في المنتهى:أنّه مذهب علمائنا،بل نفى عنه الخلاف بين العلماء في بعض أقسام الأول و الأخير (3)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل و تبعية القضاء للأداء مفهوماً،فلا يشمل عموم أو إطلاق ما دلّ على وجوبه بعد تسليم وجوده لنحو المجنون و الصبي؛ لحديث رفع القلم و نحوه (4)،الدالّ على عدم وجوب الأداء في حقّهما،فلا معنى للقضاء.

و لعلّ هذا هو الوجه في استدلال جماعة على الحكم فيهما بحديث رفع القلم (5)،و إلّا فلا وجه له أصلاً،إذ هو في حال الصباوة و الجنون، فلا ينافي ثبوته بعد ارتفاعهما كما لا يخفى.

و هذا الدليل و إن لم يجر في الكافر،بناءً على عدم سقوط الأداء في

ص:430


1- الوسائل 10:227 أبواب من يصح منه الصوم ب 25.
2- انظر المدارك 6:201،و مشارق الشموس:365،و الحدائق 13:294 و 296.
3- المنتهى 2:600.
4- الخصال:/93 40،الوسائل 1:45 أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح 11.
5- منهم صاحب المدارك 6:201،و الخوانساري في مشارق الشموس:365،و صاحب الحدائق 13:294.

حقّه عندنا،فيصدق في حقّه القضاء إن ورد في عموم،لكنّه مخصوص بحديث:« الإسلام يجبّ ما قبله» (1).

مضافاً إلى خصوص جملة من النصوص،منها زيادةً على الصحيحة المتقدّمة (2)الصحيح أيضاً:عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان، ما عليه من صيامه؟قال:« ليس عليه إلّا ما أسلم فيه» (3)و نحوه الخبر (4).

و أمّا ما في آخر:« ليقض ما فاته» (5)فمع ضعف سنده و شذوذه و عدم مقاومته لمعارضة بوجه،محتمل للحمل على الاستحباب،أو على كون الفوت بعد الإسلام.

و أمّا الإغماء فقد اختلف الأصحاب بعد اتّفاقهم على ثبوته (6)فيه في الجملة.و الأظهر ثبوته فيه مطلقاً؛ لفحوى ما مرّ في الصلاة من عدم وجوب قضائها عليه مطلقاً،فهنا أولى كما لا يخفى (7)،مع عدم قائل بالفرق بينهما كما صرّح به في المختلف (8).

مضافاً إلى خصوص ما ورد في المقام من النصوص،و فيها الصحاح

ص:431


1- غوالي اللئالئ 2:/224 38،مسند أحمد 4:199.
2- في ص:2605.
3- الكافي 4:/125 1،التهذيب 4:/245 727،الاستبصار 2:/107 348 بسند آخر،الوسائل 10:328 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 2.
4- الفقيه 2:/80 356،المقنع:64،الوسائل 10:328 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 3.
5- التهذيب 4:/246 730،الإستبصار 2:/107 351،الوسائل 10:329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 5.
6- أي الحكم بعدم وجوب القضاء.منه رحمه اللّه.
7- فإن الاهتمام بشأن الصلاة أكثر في الشرع.فإذا لم يجب قضاؤها فالصوم أولى(منه رحمه اللّه).
8- المختلف:228.

و غيرها (1).

و على هذا الشيخ في جملةٍ من كتبه و الحلّي و ابن حمزة (2)،و عامّة المتأخّرين على الظاهر المصرّح به في عبائر جماعة (3).

خلافاً للشيخين،و القاضي،و المرتضى،فيقضي إن لم يبيّت النيّة مطلقاً (4)؛ قيل (5):لعموم الآية بوجوب القضاء على المرضى،و خصوص ما مرّ في الصلاة من النصوص الآمرة بقضائها؛ بناءً على ما مضى من عدم القائل بالفرق بينهما.

و يضعّف الأول:بمنع الصغرى،و لئن سُلِّنت فالكبرى (6)،و سند المنع فيها ما تلوناه (7).

و الثاني:بالمعارضة بالمثل،بل الأولى،لوجوهٍ شتّى،و لذا حُمِلَت على الاستحباب كما ثمّة قد مضى.

و للمحكي في المختلف عن الإسكافي،فخصّ نفي القضاء بما إذا لم يكن أدخل على نفسه سبب الإغماء و كان لجميع النهار مستغرقاً،و إلّا فالقضاء (8).

و لم أعرف له على التفصيل مستنداً،إلّا على وجوب القضاء فيما لو أدخل على نفسه السبب،فيمكن توجيهه بما مرّ في الصلاة مع الجواب عنه.

ص:432


1- الوسائل 10:226 أبواب من يصح منه الصوم ب 24.
2- الشيخ في النهاية:165،المبسوط 1:285،الحلي في السرائر 1:366،ابن حمزة في الوسيلة:150.
3- منهم صاحب المدارك 6:194،و الذخيرة:526.
4- المفيد في المقنعة:352 الطوسي في الخلاف 2:198،القاضي في المهذّب 1:296،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):57.
5- المختلف:228.
6- الصغرى:إن المغمى عليه مريض،و الكبرى:كل مريض يجب عليه القضاء.
7- من الأدلّة على عدم وجوب القضاء هنا.(منه رحمه اللّه).
8- المختلف:228.

و المرتدّ عم ملّةٍ أو فطرة يقضي ما فاته بلا خلافٍ فيه بين الأصحاب أجده،و به صرّح أيضاً في الذخيرة (1)؛ للعمومات أو الإطلاقات السليمة عمّا يصلح للمعارضة،عدا إطلاق ما مرّ من أنّ الإسلام ما قبله، و الكافر إذا أسلم لا يقضي ما فاته.و هو بحكم التبادر مختصّ بالكافر الأصلي دون مفروض المسألة.

و كذا كلّ تاركٍ للصوم يجب عليه قضاؤه عدا الأربعة يعني:

الصبي و المجنون،و المغمى عليه،و الكافر عامداً كان في تركه أو ناسياً إجماعاً؛ لما مضى (2).

أمّا أحكامه فمسائل

أمّا أحكامه فمسائل خمس:

الاُولى المريض إذا استمرّ به المرض إلى رمضان آخر سقط

الاُولى:المريض إذا استمرّ به المرض الذي أفطر معه في شهر رمضان إلى رمضان آخر سقط عنه القضاء على الأظهر،و تصدّق عمّا فات من شهر رمضان الماضي لكلّ يومٍ بُمدّ من طعام،و هو الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في الروضة عُزي غيره إلى الندرة (3)،مشعراً بدعوى الإجماع.

و الصحاح به مع ذلك مستفيضة كغيرها من المعتبرة القريبة من التواتر (4)،بل لعلّها متواترة مرويّة في الكتب الأربعة و غيرها من الكتب المعتبرة، كالعلل و العيون (5)و قرب الإسناد (6)و الفقه الرضوي (7)و تفسير العياشي (8).

ص:433


1- الذخيرة:526.
2- من العمومات.(منه رحمه اللّه).
3- الروضة:120.
4- الوسائل 10:335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25.
5- علل الشرائع:/271 9،عيون أخبار الرضا(عليه السلام)2:/116 1،الوسائل 10:337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 8.
6- قرب الإسناد:910/232،الوسائل 10:338 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 9،10.
7- فقه الرضا(عليه السلام):211،المستدرك 7:450 أبواب أحكام شهر رمضان ب 17 ح 1.
8- تفسير العياشي 1:178/79،الوسائل 10:339 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 11.

و مع ذلك،كلّها صريحة،و جملة منها معلّلة و مخالفة لما عليه الجمهور كافّة كما في المنتهى (1).

فيقيّد بها إطلاق قوله سبحانه: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ [1] و نحوه من إطلاق السنّة و لو كانت مقطوعاً بها متواترة.مع إمكان المناقشة في أصل شمول نحو هذين الإطلاقين لزمان مؤخّر عن السنّة (2)؛ لكونها المتبادر منه خاصّة.مع أنّ الإطلاق الثاني وارد لبيان أحكام أُخر غير الوقت،فيمكن التأمّل في شموله أيضاً من هذا الوجه.

و يُحمَل (3)ما ظاهره المنافاة لها من الأخبار مع قصور سنده و إضماره،و عدم وضوح دلالته على التقيّة؛ لما عرفته.

أو على الاستحباب،كما هو ظاهر على ما قيل (4)و صريح الصحيح:« من أفطر شيئاً من رمضان في عذرٍ ثم أدركه رمضان آخر و هو مريض فليتصدّق بمدٍّ لكلّ يوم،و أمّا أنا فإنّي صمت و تصدّقت» (5).

و ممّا ذكرنا ظهر ضعف القول بوجوب القضاء دون ما مرّ من الكفّارة،كما عليه العماني و الحلّي و الحلبي (6)،و قوّاه في المنتهى و التحرير (7).

ص:434


1- المنتهى 2:603.
2- أي سنة الفوات.(منه رحمه اللّه).
3- المفاتيح 1:289.
4- المفاتيح 1:289.
5- التهذيب 4:/252 848،الإستبصار 2:/112 367،الوسائل 10:336 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 4.
6- نقله عن العماني في المختلف:239،الحلي في السرائر 1:395،الحلبي في الكافي:181.
7- المنتهى 2:603،التحرير:83.

و القول بالاحتياط بالجمع بينهما كما عن الإسكافي أيضاً (1)إن أريد بالاحتياط الوجوب،و إلّا فلا ضعف فيه،لرجحانه،خروجاً عن شبهة الخلاف،و عملاً بصريح ما مرّ من الصحيح.

و يستفاد منه تعدّي الحكم إلى ما فاته من الصوم بغير المرض ثم حصل له المرض المستمر،و هو أحد القولين في المسألة (2).و القول الآخر:عدم التعدّي (3)؛ تمسّكاً بعموم الآية إلّا ما خرج بالدليل و حملاً للعذر في الصحيح على المرض،كما يشعر به قول:« و هو مريض» .و فيه نظر،بل لعلّ الأول أظهر،سيّما مع التأمّل في العموم كما مرّ.

مضافاً إلى صريح ما رواه الصدوق بسنده عن الفضل بن شاذان،عن مولانا الرضا عليه السلام في العيون و العلل،و فيه:« إذا مرض الرجل،أو سافر في شهر رمضان،فلم يخرج من سفره،أو لم يُفِق من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر،وجب الفداء للأول و سقط القضاء،فإذا أفاق بينهما،أو أقام و لم يقضه،وجب عليه القضاء و الفداء» (4).

و لو برئ بينهما و كان في عزمه القضاء قبل الثاني و أخّره اعتماداً على سعة الوقت،فلما ضاق عرض له مانع عنه ف لم يقض،صام الحاضر و قضى الأول إجماعاً و لا كفّارة على الأشهر كما في الروضة (5)و غيرها (6)،و هو الأقوى.

ص:435


1- نقله عنه في المختلف:239.
2- كما يظهر من الخلاف 2:206.
3- انظر المختلف:241.
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2:/116 1،علل الشرائع:/271 9،الوسائل 10:337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 8 و فيه:أو لم يَقوِ،بدل:أو لم يُفِق.
5- الروضة 2:121.
6- كالذخيرة:527.

للأصل،مع عدم تقصيره في الفوات،لسعة الوقت ابتداءً و عروض العذر إضراراً،و معه يبعد التكفير جدّاً،إذ هو لستر الذنب غالباً،و النادر كالعدم.

و للصحيح:« إن كان برئ ثم تواني قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه،و تصدق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين،و عليه قضاؤه» الحديث (1).

و نحوه خبران آخران،مرويّ أحدهما عن تفسير العيّاشي بزيادة التعليل بقوله:« من أجل أنّه ضيّع ذلك الصيام» (2)و بُدّل التواني بالتهاون في الثاني (3).

و قريب منها خبر ثالث (4)،لعلّه لا يخلو عن قصور في سند،و نوع إجمال في دلالة،و تقريبها فيما عداه واضح؛ لاشتراط التكفير فيها أجمع بالتهاون و التواني،و شيء منهما لا يصدق فيما نحن فيه.

خلافاً للمحكي عن الصدوقين و العماني،فأطلقوا التكفير بالتأخير (5)، بحيث يشمله و ما يأتي،و هو خيرة جماعةٍ من المتأخّرين (6)؛ لإطلاق الأمر

ص:436


1- الكافي 4:/119 1،التهذيب 4:/25 743،الإستبصار 2:/110 361،الوسائل 10:335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 1.
2- تفسير العياشي 1:/79 178،الوسائل 10:339 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 11.
3- التهذيب 4:/251 746،الإستبصار 2:/111 364،الوسائل 10:337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 6.
4- الكافي 4:/120 3،التهذيب 4:/251 745،الإستبصار 2:/111 363،الوسائل 10:336 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 3.
5- حكاه عنهم في المختلف:240؛ و انظر المقنع:64.
6- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:78،و صاحب المدارك 6:218 و الذخيرة:527.

به في نحو الصحيح:« إن كان صحّ فيما بينهما و لم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعاً و تصدّق عن الأول» (1).

و فيه نظر؛ لوجوب حمله على ما مرّ،حَملَ المطلق على المقيّد.

و لو ترك القضاء تهاوناً بأن لم يعزم عليه في ذلك الوقت،أو عزم فلمّا ضاق الوقت عزم على عدمه صام الحاضر و قضى الأول قطعاً.

و كفّر عن كلّ يوم منه بمُدّ وجوباً على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا و جملة من قدمائهم أيضاً (2).

عدا الحلّي،فلم يوجبه هنا و لا فيما مضى (3).

و هو مع ندوره الأخبارُ المتقدّمة مع استفاضتها و صحّة جملة منها و اشتهارها حجّة على خلافه.و الخبر المخالف لها (4)مع ضعفه سنداً مطروح،أو مؤوّل بما يؤول إليها جمعاً،و إن أمكن الجمع بحملها على الاستحباب.إلّا أنّ الأول أولى؛ لرجحانها بما مضى،فينبغي صرف التوجيه إلى هذا.

الثانية يقضي عن الميّت أكبر أولاده

الثانية:يقضي عن الميّت الذكر أكبر أولاده الذكر ما تركه من صيام،لمرضٍ و غيره من الأعذار الشرعية إذا كان ممّا تمكّن من

ص:437


1- الكافي 4:/119 2،الفقيه 2:/95 429،التهذيب 4:/250 744،الإستبصار 2:/111 362،الوسائل 10:335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 2.
2- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:240،الصدوق في المقنع:514 و انظر النهاية:158.
3- السرائر 1:397.
4- التهذيب 4:/252 749،الإستبصار 2:/111 365،الوسائل 10:337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 7.

قضائه و لم يقضه بلا خلاف ظاهر إلّا من العماني،فأوجب الصدقة عنه (1)،و للمرتضى في الانتصار،فأوجبها إن خلّف مالاً،و إلّا فعلى وليّه القضاء (2).

و ادّعى الأول تواتر الأخبار بذلك،و شذوذ ما عليه الأصحاب قاطبةً عداهما.

و لا ريب في وهن هذه الدعوى بقسميها:

أمّا الثانية:فلما يظهر من تتبّع الفتاوي،حتى أنّ الشيخ في الخلاف و الحلّي في السرائر (3)ادّعيا الإجماع على القضاء (4)،و غزاه في المنتهى إلى علمائنا أيضاً (5)،من غير أن يذكر قوله من أحد من علمائنا أصلاً،مؤذناً بكون خلافه إجماعياً.و كذلك المرتضى في كتابه الذي مضى،لكن على التفصيل الذي قدّمناه عنه.

و كذلك الأُولى،فإنّ الأخبار المستفيضة القريبة من التواتر بل لعلّها متواترة مصرّحة بثبوت القضاء (6)و إن اختلفت في الدلالة على ثبوته و وجوبه في الجملة أو مطلقاً،و مع ذلك فهي مخالفة لما عليه جمهور العامّة كما صرّح به جماعة (7).

ص:438


1- كما حكاه عنه في المختلف:241.
2- الانتصار:70.
3- الخلاف 2:208،السرائر 1:395.
4- و كذا الفاضل في المختلف ص:305 في كتاب الحج في صيام بدل الهدي.(منه رحمه اللّه).
5- المنتهى 2:604.
6- الوسائل 10:329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.
7- منهم الشيخ في الخلاف 2:208،و العلّامة في المنتهى 2:604.

و لا معارض لها عدا الصحيح المروي في التهذيبين،و فيه:« إن صحّ ثم مرض حتى يموت و كان له مال تصدّق عنه،فإن لم يكن له مال تصدّق عنه وليّه» (1).

لكنّه مرويّ في الكافي و الفقيه بمتن مغاير،و هو قوله:« إن صحّ ثم مات و كان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ،فإن لم يكن له مال صام عنه وليّه» (2)و الطريق في الأول و إن ضعف إلّا أنّه في الثاني موثّق كالصحيح بأبان، المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه.

و هذا المتن مغاير لما ذكره (3)و إن وافقه في الجملة،لكنّها غير كافية.

و كيف كان،فمثل هذه الرواية يشكل أن يعترض بها ما اشتهر بين الطائفة،المستند إلى الإجماعات المحكيّة،و جملة من الأخبار المعتبرة، الواضحة الدلالة على وجوب القضاء على الوليّ مطلقاً،من غير تفصيل بين ما إذا كان له مال أم لا.و تنزيلها عليه و إن أمكن بالخبر المتقدّم المروي في الكتابين الأخيرين،إلّا أنّه فرغ التكافؤ المفقود من وجوه شتّى.فطرحه،أو حمله على اشتباه في المتن،و أنّه المتن الأول و صحّف،ثمّ على التقيّة لما عرفته متعيّن.

و أمّا الصحيح:قلت له:رجل مات و عليه صوم،يصام عنه أو

ص:439


1- التهذيب 4:/248 735،الإستبصار 2:/109 356،الوسائل 10:331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 8 بتفاوت.
2- الكافي 4:/123 3،الفقيه 2:/98 429،الوسائل 10:331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 7.
3- من إطلاق التصدّق(منه رحمه اللّه).

يتصدّق؟قال:« يتصدّق عنه فإنّه أفضل» (1).

فمع عدم ظهور قائل به من التخيير و أفضلية الصدقة،فمحمول على ما إذا لم يكن له وليّ من الأولاد الذكور،كما حمل عليه الفاضل في المختلف الرواية السابقة (2)،و لكنّه فيها بعيد غايته.

مع أنّ مقتضى هذه الرواية حصول البراءة بالقضاء أيضاً،فيكون أولى؛ تَفادياً من طرح ما عليه معظم العلماء،مع عدم خروج عنها.

و اعلم أنّ إطلاق جملة من النصوص المعتبرة و الفتوى يقتضي عدم الفرق في القضاء عنه بين ما فات عذراً أو عمداً.

خلافاً لجماعة،فخصّوه بالأول (3)؛ حملاً لها على الغالب من الترك، و هو ما كان على هذا الوجه.

و لا بأس به،سيّما مع قوّة احتمال ظهور سياقها في ذلك كما لا يخفى على المتدبّر فيها.و لكن الأحوط القضاء مطلقاً.

و لو مات في مرضه و لم يتمكّن من القضاء لا يجب أن يقضى عنه و إن استحبّ أمّا الأول:فبالنصّ المستفيض،المتضمّن للصحاح و غيرها (4)،مضافاً إلى الإجماع الظاهر المصرّح به في الخلاف (5)،و قريب منه بعض العبائر (6).

ص:440


1- الفقيه 3:/236 1119،الوافي 11:/349 11010.
2- المختلف:242.
3- كالشيخ في النهاية:157،و الشهيد في الذكرى:138،و الخوانساري في المشارق:479.
4- الوسائل 10:329،أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.
5- الخلاف 2:107.
6- كما في المنتهى 2:603.

و أمّا الثاني:فقد صرّح به جماعة (1)،و عزاه في المنتهى إلى أصحابنا، قال:لأنّه طاعة فعلت عن الميّت،فيصل إليه ثوابها (2).

و فيه نظر وفاقاً لجملة ممّن تأخّر (3)،إذ لا كلام في جواز التطوّع عنه، و إنّما الكلام في قضاء الفائت عنه،و الوظائف الشرعية إنّما تستفاد من النقل،و لم يرد التعبّد بذلك،بل ورد خلافه صرحياً في الخبر:عن امرأة مرضت في شهر رمضان فماتت في شوّال،و أوصتني أن أقضي عنها،قال:

« هل برئت من مرضها؟» قلت:لا،ماتت عليه،قال:« لا تقض عنها،فإن اللّه تعالى لم يجعله عليها» قلت:فإنّي أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني، قال:« فكيف تقضي شيئاً لم يجعله اللّه تعالى عليها» (4)؟! لكنّه غير واضح السند و إن الحقَ بالموثّق؛ لعدم ظهور الوجه.

و ما تقدّمه من الاعتبار حسن إن لم نكتف في نحو المقام (5)بفتوى جماعةٍ فضلاً عن الجماعة كما هنا على ما قيل.

و أمّا معه (6)كما هو الأقوى فلا.إلّا أن يقال:إنّه (7)حيث لا يحتمل التحريم،و هو هنا يحتمل،لظاهر الخبر المؤيّد بالنهي أو النفي

ص:441


1- منهم:المحقّق في المعتبر 2:700،و العلّامة في المنتهى 2:603،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة:259،و صاحب الحدائق 13:308.
2- المنتهى 2:603.
3- كصاحبي المدارك 6:211،و الذخيرة:527.
4- الكافي 4:/137 8،التهذيب 4:/348 737،الاستبصار 2:/109 358،علل الشرائع:/382 4،الوسائل 10:332 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 12.
5- من الاستحباب(منه رحمه اللّه).
6- أي مع الاكتفاء(منه رحمه اللّه).
7- أي الاكتفاء و التسامح(منه رحمه اللّه).

الراجع إليه في كثيرٍ من الأخبار.

فالترك لعلّه أحوط و إن كان في تعيّنه نظر.

و روى القضاء عن المسافر مطلقاً و لو مات في ذلك السفر ففي الصحيح (1)و الموثّق (2):عن امرأةٍ مرضت أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان،هل يُقضى عنها؟قال:« أمّا الطمث و المرض فلا،و أمّا السفر فنعم» و نحوهما الخبر (3).

و في الموثّق الآخر:عن رجل سافر في رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه،قال:« يقضيه أفضل أهل بيته» (4)و هي مع قصور أكثرها سنداً و ضعف بعضها دلالةً لم أرَ عاملاً بها صريحاً،بل و لا ظاهراً،عدا الشيخ في التهذيب (5)،مع أنّه رجع عنه في الخلاف إلى ما عليه الماتن و أكثر الأصحاب، و هو:أنّ الأولى مراعاة التمكّن،ليتحقّق الاستقرار مدّعياً عليه الإجماع (6).

و هو الأقوى؛ له،مضافاً إلى الأصل و شذوذ الروايات و معارضتها بما يدلّ على أنّ وجوب القضاء على الوليّ بل جوازه مشروط بوجوبه على

ص:442


1- الكافي 4:/137 9،الفقيه 2:/94 423،الوسائل 10:330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 4.
2- التهذيب 4:/249 741،الوسائل 10:334 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 16.
3- التهذيب 4:/249 740،الوسائل 10:334 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 15.
4- التهذيب 4:/325 1007،الوسائل 10:332 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 11.
5- التهذيب 4:249.
6- الخلاف 2:207.

الميّت من الروايات.

منها زيادةً على الخبر المتقدّم قريباً المرسل كالموثّق:« فإن مرض فلم يصم شهر رمضان،ثم صحّ بعد ذلك فلم يقضه،ثم مرض فمات، فعلى وليّه أن يقضي عنه،لأنّه قد صحّ فلم يقض و وجب عليه» (1).

و قصور السند أو ضعفه منجبر بالعمل و الموافقة لمقتضى الأصل.

و لشيخنا في المسالك و الروضة قول آخر بالتفصيل بين السفر الضروري فالثاني (2)،و غيره فالأول (3).

و لم أقف على مستنده،عدا أمر اعتباري استنبطه ممّا ذكره في الدروس توجيهاً للرواية،من أنّ السرّ فيها تمكّن المسافر من الأداء،و هو أبلغ من التمكّن من القضاء إذا كان ترك السفر سائغاً،و ما ذكره في ردّه بقوله:و هو ممنوع،لجواز كونه ضرورياً كالسفر الواجب،فالتفصيل أجود (4).

و هو كما ترى،فإنّه اجتهاد صرف لا دليل عليه أصلاً،فلا يمكن الاستناد إليه جدّاً.

و لو كان له وليّان قضيا بالحصص وفاقاً للشيخ (5)و جماعة (6).

ص:443


1- التهذيب 4:/249 739،الإستبصار 2:/110 360،الوسائل 10:303 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3.
2- أي لا يجب القضاء(منه رحمه اللّه).
3- المسالك 1:78،الروضة 2:124.
4- الروضة 2:124.
5- انظر المبسوط 1:286.
6- منهم المحقق في المعتبر 2:703،و العلّامة في المختلف:242،و الشهيد في الروضة 2:122،و صاحب المدارك 6:226.

لعموم نحو الصحيح:« يقضي عنه أولى الناس بميراثه» (1)؛ لشموله بإطلاقه المتّحد و المتعدّد،و يتساوون،لامتناع الترجيح من غير مرجّح.

خلافاً للقاضي،فالتخيير،و مع الاختلاف فالقرعة (2).

و للحلّي،فلا يجب على أحدهم بالكلّية (3).

و لا حجّة لهما أجدها،عدا ما استدلّ للأول من عموم ما دلّ على أنّ القرعة لكلّ أمر مشكل.

و هو بعد تسليم جريانه في نحو العبادات،مع أنّه قد أنكره الفاضل في المختلف (4)لا يتمّ بإثبات التخيير فتأمّل.

و للثاني من الأصل و اختصاص الموجب للقضاء بالولد الأكبر،و ليس هنا بمقتضى الفرض.

و ضعفه ظاهر إن سُلّم العموم المتقدّم.و لا يخلو عن نظر؛ لتبادر الواحد،مع ندرة المتعدد المتحدين بحسب السنّ لرجل واحد،بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر بشيء و لو من نحو دقيقة،بأن ينفصلا دفعةً واحدة.

فلما ذكره وجه إن لم ينعقد الإجماع على خلافه كما هو الظاهر؛ لعدم مخالف فيه عداه،و هو نادر.

مع أنّه يمكن أن يقال:بأنّ المعتبر اتّحاد السنّ العرفي لا اللغوي، و لا يشترط فيه ما مرّ (5)،بل لو انفصلا متعاقبين بينهما دقيقة بل دقائق كانا متّحدين سنّاً عرفاً،و الاتّحاد بهذا المعنى غير نادر.

ص:444


1- الكافي 4:/123 1،الوسائل 10:330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.
2- المهذب 1:196.
3- السرائر 1:399.
4- السرائر 1:399.
5- و هو الانفصال دفعة واحدة.

و لو تبرّع بعضهم فأتى بعضاً ممّا يجب على الآخر صحّ عند الشيخ (1)و مَن تبعه (2)،بل و القاضي.أيضاً على ما يقتضيه مذهبه من التخيير كما عرفته (3).

قيل:لأنّ المقصود براءة الذمّة و قد حصل (4).

خلافاً للحلّي،فمنع (5).و للمنتهى،فتردّد أولاً من الوجوب على الولي فلا يخرج عن العهدة بفعل المتبرّع،كالصلاة عنه حيّا-و من كون الحقّ على الميّت،فأسقط بفعل المتبرع عنه الوجوب،لكن استقرب أخيراً المنع فقال:و الأقرب في ذلك كلّه عدم الإجزاء عملاً بالأصل (6).و أشار ب:

« كلّه» إلى التبرّع بالإذن،أو الأمر أو الاستئجار.

و ينبغي القطع ببراءة ذمّة الميّت؛ لعموم ما دلّ على انتفاعه بما يرد عليه من العبادات،حتى أنّه ليكون في شدّةٍ فيوسّع عليه (7)».و يتعلّق الإشكال ببراءة الولي خاصّة،لكن الأقرب فيه البراءة أيضا،بناء على ما يستفاد من تتبّع الأخبار بل و الفتاوي أنّ المقصود من أمر الولي بالقضاء ليس إلاّ إبراء ذمّة ميّته.

بل ورد في جملة من الأخبار:«فليقض عنه أفضل أهل بيته» (8)أو« من

ص:445


1- كما في المبسوط 1:286.
2- كالمحقق في الشرائع 1:204،و الشهيد الأول في الدروس 1:289،و الشهيد الثاني في المسالك 1:78،و صاحب المدارك 6:227.
3- المهذب 1:196.
4- المسالك 1:78.
5- السرائر 1:399.
6- المنتهى 2:604.
7- الوسائل 2:443 أبواب الاحتضار ب 28؛ و ج 8:276 أبواب قضاء الصلوات ب 12.
8- التهذيب 4:1007/325؛الوسائل 10:332 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 11 بتفاوت.

شاء من أهل بيته» (1)فتأمّل.

و في النبوي:إنّ أُمّي ماتت و عليها صوم شهر،أ فأقضيه عنها؟قال صلى الله عليه و آله:

« لو كان على أُمّك دينٌ أ كنتَ تقضيه عنها؟» قال:نعم،قال:« فدَين اللّه تعالى أحقّ أن يُقضى» (2).

و في المختلف بعد نقله-:و هذا الحديث و إن أورده الجمهور في الصحيح إلّا أنّه مناسب للمعقول (3).

هذا،مضافاً إلى الشهرة،و عموم:« يقضيه أولى الناس بميراثه» (4)، بناءً على صدقه على المتعدّد.

و التزام التخصيص بينهم إنّما هو لدفع إلزام بعضهم بالتكليف من غير مرجّح،و إلّا فلو تكلّفه بعضهم صدق أنّه قضاه أولى الناس به.و لعلّه لهذا قال القاضي بالتخيير،و الشيخ و مَن تبعه بالصحّة مع التبرّع.

و كيف كان،فما اختاروه في غاية القوّة.

و يُقضى عن المرأة ما تركته من الصيام،على نحو ما يُقضى عن الرجل،بلا خلافٍ في جوازه.

و على تردّد في وجوبه على الولي:

من اشتراكها مع الرجل في الأحكام غالباً،و دلالة الصحيح و الموثّق صريحاً على أنّه يُقضى عنها ما فاتها سفراً (5)،و قريب منهما رواية أُخرى

ص:446


1- الفقيه 2:/98 440،الوسائل 10:329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 1.
2- صحيح مسلم 2:/804 155.
3- المختلف:243.
4- الكافي 4:/123 1،الوسائل 10:330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.
5- راجع ص:442.

مضت كالخبرين قريباً (1).

و من الأصل،و ضعف الظنّ الحاصل من الاشتراك هنا،و قصور دلالة الروايات على الوجوب،و غايتها الجواز،و نحن نقول به،مع كونه مجمعاً عليه كما مضى.مع أنّ الخبرين الأولين لا يقول بمضمونهما الأكثر؛ لتضمّنهما ثبوت القضاء على الولي مع عدم تمكّن الميّت منه.

و هذا الوجه أقوى،وفاقاً للحلّي،و المحقّق الثاني فيما يحكى عنه، و شيخنا في المسالك (2)و غيرهم (3).

خلافاً للشيخ،و الفاضل في جملة من كتبه و منها:المختلف،حاكياً له فيه عن القاضي و الشهيد في الدروس،و الفاضل المقداد في شرح الكتاب (4)،و غيرهم (5)،فاختاروا الأول،و لا ريب أنّه أحوط.

الثالثة إذا كان الأكبر أُنثى فلا قضاء

الثالثة:إذا كان الأكبر أي أكبر أولاده أُنثى فلا قضاء عليها،على الأشهر الأقوى؛ للأصل،و صريح الصحيح (6)و المرسل (7):« يقضي عنه أولى الناس بميراثه» قلت:فإن كان أولى الناس به امرأة؟فقال:« لا،إلّا الرجل» .خلافاً للمفيد،و الصدوقين،و الإسكافي،و القاضي،فتقضي (8).

ص:447


1- راجع ص:2617 الرقم(7).
2- الحلي في السرائر 1:399،المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:154،المسالك 1:78.
3- كفخر المحقّقين في إيضاح الفوائد 1:241.
4- الشيخ في المبسوط 1:286،الفاضل في المنتهى 2:605؛ التذكرة 1:276،و المختلف:243،القاضي في المهذب 1:196،الدروس 1:289،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:384.
5- كصاحب المدارك 6:228.
6- المتقدم في ص:2618.
7- الكافي 4:/124 4،التهذيب 4:/246 731،الإستبصار 2:/1080 354،الوسائل 10:331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 6.
8- المفيد في المقنعة:353،نقله عن والد الصدوق في المختلف:242،المقنع:64،القاضي في المهذّب 1:195.

و لا حجّة لهم واضحة،عدا الإطلاقات بإثبات القضاء على الولي.

و الرضوي:« إذا كان للميّت وليّان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضي عنه،و إن لم يكن له وليّ من الرجال قضى عنه وليّه من النساء» (1).

و فيهما نظر:

أمّا الأول:فلعدم معلوميّة حجّية مثله،بعد قوّة احتمال وروده لإثبات القضاء في الجملة على الولي،من غير نظر إلى تشخيصه.

و ربّما يستأنس له ملاحظة سياق الخبرين الماضيين،حيث إنّه أطلق في صدرهما الحكم بالقضاء عليه من غير تفصيل،ثم فصّل في ذيلهما بعد السؤال بمن عدا النساء.

و أمّا الثاني:فلعدم مقاومته للصحيح و غيره،سيّما بعد اعتضادهما بالأصل، و الشهرة المتأخّرة الظاهرة،و المحكيّة في المسالك (2)و غيره (3)،و فتوى:

جماعة من القدماء،كالشيخ في المبسوط و النهاية،و الحلّي،و ابن حمزة (4).

و مع ذلك فلا قائل بها فيه عدا الصدوقين،حتى المفيد،و الإسكافي، و القاضي.

لقول الأول:بأنّه أكبر الأولاد،و مع فقده فأكبر أهله من الذكور،فإن فقدوا فالنساء.

و الثاني:بأنّه أكبر أولاده الذكور،أو أقرب أوليائه.و كذلك القاضي.

و أقوالهم متّفقة على تقديم أكبر الأولاد على أكبر مَن عداهم من

ص:448


1- فقه الرضا(عليه السلام):211،المستدرك 7:449 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 1.
2- المسالك 1:78.
3- كالمهذّب البارع 2:74.
4- المبسوط 1:286،النهاية:157،الحلي في السرائر 1:399.ابن حمزة في الوسيلة:150.

الرجال.

و لا كذلك الرضوي؛ لدلالته على تقديم أكبر الرجال مطلقاً،حتى لو اجتمع أبو الميّت و أكبر أولاده تحتّم على أبيه،و ينعكس على قول الباقين.

و على المختار،هل يجب مع فقد أكبر الأولاد الذكور على أكبر الرجال،كما يقتضيه إطلاق الصحيح و ما بعده؟! أم لا،كما يقتضيه الأصل،و عدم قائل به بعد نفي الوجوب عن أكبر النساء؟ وجهان،و لا ريب أنّ الثاني أقوى إن أفاد عدم القائل به بعد ذلك إجماعاً،و لعلّه الظاهر من تتبّع الفتاوى،و تشير إليه العبارة هنا،و في التنقيح (1)،و غيرهما (2)،كما لا يخفى على المتدبّر جدّاً،و لعله لذا اشتهر بين المتأخّرين أن الولي هو أكبر أولاده الذكور خاصّة.

مضافاً إلى الأصل،مع إجمال في إطلاقات الولي كما عرفت،فينبغي الاقتصار فيما خالفه على المجمع عليه فتوًى و رواية.و لعلّه إلى هذا نظر من استدلّ عليه بأنّ الأصل براءة الذمّة إلّا ما حصل الاتّفاق عليه (3)،فتدبّر.

ثم إنّ المراد بأكبر أولاده على ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني (4)و غيره (5)هو:من ليس له أكبر منه،و إن لم يكن له ولد متعدّدون،مع بلوغه عند موته؛ و لعلّه لإطلاق لفظ الولي في أكثر الأخبار.

ص:449


1- التنقيح الرائع 1:384.
2- كالمختلف:242.
3- كما في المعتبر 2:702،و المختلف:242،و الروضة 2:123،و التنقيح 1:384.
4- المسالك 2:78.
5- كصاحب المدارك 6:225.

و وروده في بعضها بلفظ أفعل التفضيل (1)لا يقتضي التقييد؛ لوقوعه جواباً عن السؤال عن الوليّين.

و في وجوبه عليه عند بلوغه إذا كان صغيراً عند موته وجهان،بل قيل:قولان (2).

و كما لا قضاء كذا لا فداء على الأقوى،وفاقاً لجماعة (3)؛ للأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة.

و قيل:يتصدّق من التركة عن كلّ يومٍ بمد و القائل الشيخ (4)و جماعة (5)،بل المشهور،كما في المختلف و الدروس (6)؛ للصحيحة المتقدّمة في صدر المسألة الثانية (7).

و ليس لها عليه دلالة بالكلّية،و به صرّح أيضاً جماعة (8).

و لو كان عليه شهران متتابعان،جاز أن يقضي الولي شهراً، و يتصدّق عن شهر وفاقاً للشيخ (9)و جمع (10).

ص:450


1- الوسائل 10:330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3.
2- كما في الروضة 2:122،المدارك 6:225،و الذخيرة:528.
3- منهم:الفاضل الآبي في كشف الرموز 1:305،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:384،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 5:278.
4- المبسوط 1:286.
5- منهم:ابن حمزة في الوسيلة:150،و العلامة في الإرشاد 1:303.
6- المختلف:243،244،الدروس 1:288.
7- راجع ص 2615.
8- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:384،و صاحب المدارك 6:224؛ و انظر الحدائق 13:328.
9- الشيخ في النهاية:158.
10- كالقاضي في المهذب 1:196،و العلامة في القواعد 1:67،و اللمعة(الروضة البهية 2)125.

للخبر:« إذا مات رجل و عليه صيام شهرين متتابعين من علّةٍ فعليه أن يتصدّق عن الشهر الأول،و يقضي الشهر الثاني» (1).

و فيه ضعف سنداً.

خلافاً للحلّي،فأوجب قضاءهما،إلاّ؟أن يكونا من كفّارة مخيّرة،فيتخيّر بينه و بين العتق أو الإطعام من مال الميّت (2)و جماعة (3).

و لا يخلو عن قرب،استناداً في وجوب القضاء إلى عموم جملة من النصوص الواردة في أصل المسألة،و مورد أكثرها و إن كان قضاء رمضان خاصّةً إلّا أنّ في الجواب ما هو ظاهر في العموم،مع أنّه لا قائل بتخصيص الحكم بالمورد،بل يتعدّى عنه و لو في الجملة إجماعاً،فتأمّل.

و في التخيير بينه غيره إلى الأصل السلم عمّا يصلح للمعارضة، عدا الخبر السابق،و قد عرفت جوابه،مع عدم معلومية انصرافه إلى المخيّرة،بل ظاهره غيرها،كما صرّح به في الذخيرة (4).

و بمثله يجاب عن إطلاق النصوص الواردة في أصل المسألة،فإنّ أكثرها مختصّة بقضاء شهر رمضان،و بعضها ظاهر في الصوم المتعيّن لا المخيّر.

و من هنا يظهر ضعف القول بوجوب القضاء مطلقاً،كما اختاره بعض متأخّري أصحابنا (5).

ص:451


1- الكافي 4:/124 6،التهذيب 4:/249 742،الوسائل 10:334 أبواب أحكام شهر رمضان ب 24 ح 1.
2- السرائر 1:398.
3- منهم صاحب المدارك 6:230،و انظر مجمع الفائدة 5:279.
4- الذخيرة:529.
5- كالشهيد الثاني في المسالك 1:78.

و لو لا ظهور اتّفاق الأصحاب على اشتغال ذمّة الولي بشيء ما هنا، لكان القول ببراءتها متعيّناً؛ لعدم دليل على شيء من الأقوال،حتى قول الحلّي،لعدم دليل عليه بالخصوص،و الأصل أيضاً ينفيه،لكن شبهة الإجماع دَعَتْنا إلى قبوله بعد ما ظهر فساد قول غيره بمخالفته بالأصل،مع ضعف الدليل الخاص المستدلّ به عليه.

ثم إنّ ظاهر العبارة التخيير بين القضاء و ما في الرواية؛ و ظاهرها تعيّن ما فيها.

الرابعة قاضي رمضان مخيّر حتى تزول الشمس

الرابعة:قاضي رمضان مخيّر :في الإفطار مع سعة الوقت حتى تزول الشمس على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ للأصل، و المعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها.

منها:في الذي يقضي شهر رمضان« أنّه بالخيار إلى زوال الشمس، فإن كان تطوّعاً فإنّه إلى الليل بالخيار» (1).

خلافاً لظاهر العماني،و الحلبي،فلا خيار (2)؛ لعموم النهي عن إبطال العمل (3)،و يخصّص بما مرّ،للصحيح (4)و غيره (5)،و حُمِلا على الاستحباب أو على ضيق الوقت جمعاً (6).

ص:452


1- التهذيب 4:/280 849،الإستبصار 2:/122 396،الوسائل 10:16 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 4.
2- نقله عن العماني في المختلف:247،الحلبي في الكافي:184.
3- محمد:33.
4- التهذيب 4:/186 522،الوسائل 10:17 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 6.
5- التهذيب 4:/28 846،الإستبصار 2:/212 393،الوسائل 10:348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3.
6- راجع الذخيرة:509.

ثم بعد الزوال يلزمه المضيّ به بلا خلاف فإن أفطر لغير عذر أثِمَ و أطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ و لو عجز صام ثلاثة أيّام على الأظهر الأشهر؛ للخبر (1)المنجبر بالعمل،المؤيّد بالصحيح (2)القريب منه دلالةً.

خلافاً للحلبي،و ابن زهرة،فخيّرا بينهما (3).و للقاضي،فكفّارة يمين (4).

و لم أقف على حجّةٍ للقولين،عدا ما في الغنية من دعوى الإجماع على الأول،و وهنها ظاهر،مع قصوره عن مقاومة الخبر السابق.

و للصدوقين،فكفّارة شهر رمضان (5)؛ للموثّق (6)،و الرضوي (7).

و حُمِلا على الاستحباب (8).

و للعماني،فلا كفّارة أصلاً (9)؛ للموثّق (10).و هو محمول على التقيّة؛

ص:453


1- الكافي 4:/122 5،الفقيه 2:/96 430،التهذيب 4:/278 844،الإستبصار 2:/120 391،الوسائل 10:347 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 1.
2- التهذيب 4:/279 845،الإستبصار 2:/12 392،الوسائل 10:347 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 2.
3- الحلبي في الكافي:184،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):572.
4- المهذب 1:200،203.
5- عن والد الصدوق في المختلف:246،المقنع:63.
6- التهذيب 4:/279 846،الإستبصار 2:/121 393،الوسائل 10:348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3.
7- فقه الرضا(عليه السلام):213،المستدرك 7:454 أبواب أحكام شهر رمضان ب 21 ح 1.
8- كما في المعتبر 2:705،و الذخيرة:509.
9- حكاه عنه في المختلف:247.
10- التهذيب 4:/280 747،الإستبصار 2:/121 394،الوسائل 10:348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 4.

لكونه مذهب الجمهور كافّة عدا قتادة،كما في المنتهى (1).

و سيأتي مزيد تحقيق للمسألة في كتاب الكفّارات مستقصًى.

و احترز بقضاء رمضان عن غيره في الحكم التكليفي،كقضاء النذر المعيّن حيث أخلّ به في وقته،فلا تحريم فيه مطلقاً،فضلاً عن الكفّارة.

و كذا كلّ واجبٍ غير معيّن،كالنذر المطلق و الكفّارة،و به صرّح جماعة (2).

خلافاً للحلبي (3)و غيره (4)،فيحرم،للنهي السابق (5)،مضافاً إلى الخبر:في قوله:« الصائم بالخيار إلى زوال الشمس» قال:« إنّ ذلك في الفريضة،فأمّا النافلة فله أن يفطر أيّ وقت شاء إلى غروب الشمس» (6).

و نحوه آخر:« صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك و بين الليل متى ما شئت،و قضاء صوم الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس،فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر» (7).

و فيه قوّة،لا للخبرين،لضعف سندهما،و عدم صراحتهما في غير قضاء رمضان،بل يحتملان الاختصاص به،للغلبة،أو التبادر.

ص:454


1- المنتهى 2:605.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:79،و صاحب المدارك 6:233،و المحقق السبزواري في الذخيرة:509.
3- الكافي في الفقيه:185،186.
4- حكاه في المختلف:247،عن الحسن بن أبي عقيل،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):572.
5- عن إبطال العمل(منه رحمه اللّه).
6- الكافي 4:/122 3،الفقيه 2:/96 433،التهذيب 4:/278 843،الوسائل 10:17 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 8.
7- التهذيب 4:/278 841،الإستبصار 2:/120 389،الوسائل 10:18 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 9.

بل لعموم النهي عن الإبطال،السالم هنا عن المعارض،عدا فحوى ما دلّ على جواز الإفطار في قضاء رمضان قبل الزوال (1)،ففي غيره أولى، لما في بعض الأخبار من أنّه عند اللّه تعالى من أيّام شهر رمضان (2)،مؤيّداً باتّفاق أكثر الفتاوي بحرمة إفطاره و لو في الجملة دون غيره،فهو آكد من غيره جدّاً،فيخصَّص بالإضافة إلى قبل الزوال،و يبقى ما بعده داخلاً في العموم،و يعضده الخبران حينئذ.

نعم،لا تجب الكفّارة قطعاً؛ لعدم دليل عليه هنا أصلاً.

الخامسة من نسي غُسل الجنابة حتى خرج الشهر،فالمروي قضاء الصلاة و الصوم

الخامسة:من نسي غُسل الجنابة حتى خرج الشهر،فالمروي في المعتبرة:أنّ عليه قضاء الصلاة و الصوم معاً.

ففي الصحيح:عن رجل أجنب في شهر رمضان،فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان،قال:« عليه أن يقضي الصلاة و الصيام» (3).

و نحوه الخبران (4)،المنجبران بموافقة الصحيح،و عمل الأكثر، كالشيخ في النهاية و المبسوط،و الإسكافي (5)،و أكثر المتأخّرين،بل عامّتهم،حتى الماتن في المعتبر (6).

و لكنّه هنا قال:

الأشبه:قضاء الصلاة حسبُ لكونه مجمعاً عليه نصّاً و فتوى،

ص:455


1- الوسائل 10:15 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4.
2- التهذيب 4:/279 846،الإستبصار 2:/121 393،الوسائل 10:348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3.
3- التهذيب 4:/322 990،الوسائل 10:238 أبواب من يصح منه الصوم ب 30 ح 3.
4- الفقيه 2:/74 320،320،الوسائل 10:237 أبواب من يصح منه الصوم ب 30 ح 1،2.
5- النهاية:165،المبسوط 1:288؛ و نقله عن ابن الجنيد في المختلف:233.
6- المعتبر 2:705.

و بالإجماع عليه صرّح جماعة مستفيضاً (1)،دون قضاء الصوم،لعدم إجماع عليه.

و الأمر به في الصحيح و غيره و إن أوجبه إلّا أنّه معارَض بأجود منه، و هو:الصحاح المستفيضة،المتضمّنة لأنّ الجنب إذا أصبح في النومة الاُولى فلا قضاء عليه (2).

و هي أيضاً مشهورة،معتضدة بأصالة البراءة،السليمة عمّا يصلح للمعارضة،عدا دعوى اشتراط الصوم بالطهارة (3)،،و لا حجّة عليها بالكلّية.و لأجل هذا اختار الحلّي العدم أيضاً (4).

و الجمع بينهما بتقييد ما هنا بما إذا عرض النسيان في الليلة الأُولى، و انتبه قبل طلوع الفجر،على وجه يمكنه الاغتسال لو كان ذاكراً،أو أصبح في النومة الثانية،كما اتّفق لبعض المتأخّرين (5)و إن أمكن،إلّا أنّه فرغ وجود قائل بهذا التفصيل قبله،و لم نجده.

لكن فتوى المشهور بالمتعارضين في المقامين تستلزم الجمع بينهما بما ذكر،أو بحمل ما هنا على الناسي،و تخصيص ذلك بالنائم عالماً عازماً.

و في الروضة:أنّ هذا أوفق،قال:بل لا تخصيص فيه لأحد النصّين؛ لتصريح ذلك بالنوم عالماً عازماً،و هذا بالناسي.

ثم قال:و يمكن الجمع أيضاً،بأنّ مضمون هذه الرواية نسيانه الغسل حتى خرج الشهر،فيفرق بين اليوم و الجميع،عملاً بمنطوقهما،إلّا أنّه يشكل

ص:456


1- منهم الحلي في السرائر 1:407،و صاحب المدارك 6:2035،و انظر الحدائق 13:298.
2- الوسائل 10:57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13.
3- كما في المختلف:233.
4- السرائر 1:407.
5- المدارك 6:237.

بأنّ قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض،لاشتراكهما في المعنى إن لم يكن أولى.انتهى (1).

و في بعض ما ذكره نظر لا يخفى.

و اعلم أنّ هذا الذي تقدّم إنّما هو بعض أقسام الصوم الواجب.

و أمّا بقيّة أقسام الصوم فسيأتي ذكرها في أماكنها إن شاء اللّه تعالى و فيها غنى عن ذكرها هنا.

ص:457


1- الروضة 2:117.
و الندب من الصوم
منه ما لا يختصّ وقتاً

و الندب من الصوم: أقسام أيضاً:

ف منه ما لا يختصّ وقتاً معيّناً،كصيام أيّام السنة عدا ما استُثني فإنّ الصوم جُنّة من النار كما في النبوي (1)،و فيه:« الصائم في عبادة و إن كان على فراشه،ما لم يغتب مسلماً» (2).

و في الحديث القدسي:« الصوم لي،و أنا أجزي به» (3).

و في الصادقي:«نوم الصائم عبادة،و صمته تسبيح،و عمله متقبل، و دعاؤه مستجاب» (4).

و فيه:« من صام للّه عزّ و جلّ يوماً في شدّة الحرّ،فأصابه ظمأ،وكّل اللّه تعالى به ألف ملك يمسحون وجهه،و يبشّرونه بالجنّة،حتى إذا أفطر قال اللّه جلّ جلاله:ما أطيب ريحك و روحك،يا ملائكتي اشهدوا أنّي قد غفرت له» (5).

و لو لم يكن في الصوم إلّا الارتقاء من حضيض حظوظ النفس

ص:458


1- الكافي 2:/18 5،الفقيه 2:/44 196،التهذيب 4:/151 418،الوسائل 10:173 أبوا من يصح منه الصوم ب 1 ح 1.
2- الفقيه 2:/44 197،التهذيب 4:/190 538،ثواب الأعمال:/79 1،الوسائل 10:137 أبواب آداب الصائم ب 2 ح 3.
3- الكافي 4:/63 6،الوسائل 10:397 أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 7 و فيهما:أجزي عليه.
4- الفقيه 2:206/46،ثواب الأعمال: 3/79،الوسائل 10:403 أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 24.
5- الكافي 4:/65 27،الفقيه 2:/45 205،ثواب الأعمال:81،أمالي الصدوق:/470 8،الوسائل 10:409 أبواب الصوم المندوب ب 3 ح 1،و في الجميع لا توجد:بالجنَّة.

البهيمية إلى ذروة التشبّه بالملائكة الروحانية،لكفى به فضلاً و منقبة.

و منه ما يختصّ وقتاً
المؤكّد منه أربعة عشر

و منه ما يختصّ وقتاً معيّناً،و هو كثير.

و لكن المؤكّد منه أربعة عشر صوما صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر: أول خميس من الشهر،و أول أربعاء من العشر الثاني منه و آخر خميس من العشر الأخير منه.

فقد كثر الحثّ عليه في السنّة المطهّرة:

ففي الصحيح:« يعدلن صوم الدهر،و يذهبن بوَحَر الصدر» قال الراوي:الوَحَر:الوسوسة،و فيه أنّ النبي صلى الله عليه و آله قبض عليه (1).

و في الموثّق إنّه:« جميع ما جرت به السنّة» (2).

و في رواية:« لا يقضي شيئاً من صوم التطوّع إلّا الثلاثة الأيّام التي يصومها من كلّ شهر» (3).

و يسقط القضاء مع السفر،كما في الصحيح (4)و غيره (5).

و كذا المرض؛ لأنّ؛ لأنّ المريض أعذر،و للخبر:« المرض قد وضعه اللّه تعالى عنك،و السفر إن شئت فاقضه،و إن لم تقضه» (6).

ص:459


1- الكافي 4:/89 1،الفقيه 2:/49 210،التهذيب 4:/302 913،الاستبصار 2:/136 444،ثواب الأعمال:/108 6،المحاسن:/301 8،الوسائل 10:415 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 1،بتفاوت.
2- الكافي 4:/93 9،الفقيه 2:/51 220،الوسائل 10:418 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 6 بتفاوت.
3- الكافي 4:/142 8،التهذيب 4:/233 685،الإستبصار 2:/100 327،الوسائل 10:222 أبواب من يصح منه الصوم ب 21 ح 2.
4- الكافي 4:/130 3،الوسائل 10:223 أبواب من يصح منه الصوم ب 21 ح 3.
5- الكافي 4:/130 4،الوسائل 10:223 أبواب من يصح منه الصوم ب 21 ح 4.
6- الكافي 4:/130 2،الوسائل 10:223 أبواب من يصح منه الصوم ب 27 ح 5،و منهما:و إن لم تقضه فلا جناح عليك.

لكنّه مع ضعف سنده،و مخالفته الصحيح في السفر معارَض بآخر:« إن كان من مرض،فإن برئ فليقضه،و إن كان من كبر أو عطش فبدل كلّ يوم مدّ» (1).

و العمل بهذا و بسابقه في إثبات القضاء في السفر أحوط؛ بناءً على المسامحة في أدلّة السنن،و بحمل الصحيح في السفر على نفي التأكّد أو الوجوب،كما يشعر به سياقه.

و يجوز تأخيرها مع المشقّة من الصيف إلى الشتاء و يكون مؤدّياً للسنّة،كما في النصوص المستفيضة (2)،بل يستفاد من إطلاقها جواز التأخير اختياراً،كما صرّح به جماعة (3).

و إن عجز تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام،أو بدرهم،كما في النصوص المستفيضة (4)،و فيها الصحيح و غيره.

ثم إنّ ما في العبارة من الكيفية في ترتيب الأيّام الثلاثة هو الأظهر الأشهر فتوًى و روايةً،كما صرّح به جماعة (5)،بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية (6).

ص:460


1- التهذيب 4:/239 700،الوسائل 10:432 أبواب الصوم المندوب ب 10 ح 1.
2- الوسائل 10:430 أبواب الصوم المندوب ب 9.
3- منهم:المحقّق في الشرائع 1:207،و الفيض في المفاتيح 1:282،و صاحب الحدائق 13:353.
4- الوسائل 10:433 أبواب الصوم المندوب ب 11.
5- كالعلاّمة في المختلف:238،و الفيض في المفاتيح 1:281،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:183.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):573.

خلافاً للشيخ،فخيّر بين صوم أربعاء بين خميسين،أو خميس بين أربعاءين (1)؛ للخبر (2).

و للإسكافي،فهكذا في شهر،و هكذا في آخر (3)؛ لآخر (4).

و ليس في الخبرين مقاومة لما مرّ بوجه.

و للعماني،فجعل الأربعاء الوسط الأخير من العشر الثاني (5).و لم أعثر له على خبر،فضلاً عن أن يقاوم ما مرّ.

و للحلبي،فأطلق الخميس في العشر الأول،و الأربعاء من الثاني، و الخميس من الثالث؛ لإطلاق جملة من النصوص (6)،المقيّدة بما مرّ، حَملَ المطلق على المقيّد.

و صوم أيّام البيض بالإجماع كما في المختلف و الغنية (7)،و عن المنتهى و التذكرة أنّه مذهب العلماء كافّة (8)؛ لروايتي الزهري (9)و الفقه الرضوي (10)،و غيرهما المروي في الوسائل عن بعض الكتب (11).

ص:461


1- كما في الاستبصار 2:137 ذيل حديث 447.
2- التهذيب 4:/304 918،الإستبصار 2:/137 448،الوسائل 10:429 أبواب الصوم المندوب ب 8 ح 1.
3- نقله عنه في المختلف:238.
4- التهذيب 4:/303 917،الإستبصار 2:/137 447،الوسائل 10:429 أبواب الصوم المندوب ب 8 ح 2.
5- حكاه عنه في المختلف:238.
6- الوسائل 10:415 أبواب الصوم المندوب ب 7.
7- المختلف:238،الغنية(الجوامع الفقهية):573.
8- المنتهى 2:609،التذكرة 1:278.
9- الفقيه 2:/46 208،الوسائل 10:411 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 1.
10- فقه الرضا(عليه السلام):207،المستدرك 7:507 أبواب الصوم المندوب ب 4 ح 1.
11- الوسائل 10:436 أبواب الصوم المندوب ب 12.

و رواه أيضاً الصدوق في العلل،عن النبيّ صلى الله عليه و آله،مع علّته تسمية الأيّام بالبيض (1)،بما يرجع حاصله إلى أنّ آدم عليه السلام لمّا أصابته الخطيئة اسودّ لونه فاُلهم صوم هذه الأيّام.

و فيه:أنّه الثالث عشر،و الرابع عشر،و الخامس عشر،من كلّ شهر، كما هو المشهور،بل قيل:إنّه مذهب العلماء كافّة.

و عن العماني:أنّها الثلاثة الأيّام من كلّ شهر المتقدّمة (2).و لا أعرف وجهه.

و المشهور في وجه التسمية خلاف ما في الرواية من أنّها إنّما سُمّيت بذلك لبياض لياليها جُمَع بضوء القمر.و على هذا الوجه يحتاج إلى حذف الموصوف في العبارة أي أيام الليالي البيض و على الوجه الآخر العبارة جارية على ظاهرها من غير حذف.

ثم إنّ الصدوق ذكر بعد نقل الرواية-:أنّه منسوخ بصوم الخميس و الأربعاء (3).و ربّما يشعر به بعض الصحاح (4)،لكنّه لما عرفت شاذ.

و يوم الغدير،و مولد النبيّ صلى الله عليه و آله،و مبعثه،و دحو الأرض و هذه الأيّام هي الأربعة التي يصام فيهنّ في السنة،كما في النصوص:

منها:عن الأيّام التي تصام في السنة،فقال:« اليوم السابع عشر من

ص:462


1- علل الشرائع:/379 1،الوسائل 10:436 أبواب الصوم المندوب ب 12 ح 1.
2- نقله عنه في المختلف:238.
3- علل الشرائع:380.
4- الكافي 4:/90 2،الوسائل 10:423 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 16.

ربيع الأول،و هو اليوم الذي وُلد فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله،و اليوم السابع و العشرون من رجب،و هو اليوم الذي فيه بُعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله،و اليوم الخامس و العشرون من ذي القعدة،و هو اليوم الذي دُحيَت فيه الأرض من تحت الكعبة» أقول:أي بُسطت« و اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة،و هو يوم الغدير» (1).

و النصوص بتأكّد استحباب صوم آحادها بالخصوص مستفيضة، و لا سيّما في الأول،فإنّها فيه كادت تبلغ التواتر،بل لعلّها متواترة.

ففي جملة منها:« إنّ صومه يعدل صوم ستّين سنة» (2).

و في بعضها:« كفّارة ستّين سنة» (3).

و في آخر:« يعدل عند اللّه عزّ و جلّ في كلّ عام مائة حجّة و مائة عمرة مبرورات متقبّلات،و هو عيد اللّه الأكبر» (4).

و ما في الرواية من تفسير الأيّام الأربعة بما فيها (5)ممّا لا خلاف فيه بيننا فتوًى و روايةً،إلّا من الكليني في مولد النبي صلى الله عليه و آله،فجعله الثاني عشر من الشهر (6)،كما صحّحه الجمهور،و مال إليه شيخنا الشهيد الثاني

ص:463


1- مصباح المتهجد:754،الخرائج و الجرائح 2:/759 78،الوسائل 10:455 أبواب الصوم المندوب ب 19 ح 3.
2- الموجود فيها هو صوم ستّين شهراً،و في بعضها:أفضل من عمل ستّين سنة،أنظر الوسائل 10:440 أبواب الصوم المندوب ب 14 ح 2،7،10.
3- الفقيه 2:/55 243،ثواب الأعمال:/102 3،الوسائل 10:442 أبواب الصوم المندوب ب 14 ح 5.
4- التهذيب 3:/143 317،الوسائل 10:442 أبواب الصوم المندوب ب 14 ح 4.
5- التهذيب 4:/305 922،الوسائل 10:441 أبواب الصوم المندوب ب 14 ح 3.
6- انظر الكافي 1:439.

في فوائد القواعد،كما في المدارك و الذخيرة (1)،و فيهما و في الروضة:إنّ الأول هو المشهور (2).

أقول:و به زيادة على ما مضى نصوص مذكورة في غير الكتب الأربعة (3)،و ضعف أسنادها بالشهرة فتوًى و عملاً مجبور.

و يوم عرفة،لمن لم يضعفه عن الدعاء المقصود له في ذلك اليوم كمّيةً و كيفيّةً مع تحقّق الهلال و عدم التباس فيه لغيم أو غيره؛ للمعتبرة المستفيضة،و فيها:الصحيح،و الموثّق،و غيرهما.

في بعضها:« إن صومه يعدل السنة» (4).

و في آخر:« إنّه كفّارة سنتين [ستين] » (5).و إنّما حُملت على صورة اجتماع الشرطين للمعتبرة الأُخر،الدالّة على الكراهة مع فقدهما أو أحدهما:

منها الصحيح:« من قوي عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء،فإنّه يوم دعاء و مسألة [فصمه و إن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه و منها أن يوم عرفة يوم دعاء و مسألة] ،فأتخوّف أن يضعفني عن الدعاء،و أكره أن أصومه، أتخوّفُ أن يكون يومُ عرفة يومَ أضحى و ليس يوم صوم» (6).

و عليهما [عليها] ينزَّل إطلاق بعض الأخبار المانعة (7)،بحمله على صورة فقد

ص:464


1- المدارك 6:264،الذخيرة:519.
2- الروضة 2:134.
3- الوسائل 10:454 أبواب الصوم المندوب 19 الأحاديث 2،3،4،5،6،7.
4- التهذيب 4:/298 900،الإستبصار 2:/133 432،الوسائل 10:465 أبواب الصوم المندوب 23 ح 5.
5- الفقيه 2:/52 231،الوسائل 10:467 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 11.
6- الفقيه 2:/53 235،التهذيب 4:903/299،الاستبصار 2:435/133،الوسائل 10:467 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 11.
7- الكافي 4:/146 3،التهذيب 4:/300 909،الإستبصار 2:/134 440،الوسائل 10:462 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 6.

أحد الشرطين.

و ربّما يجمع بين النصوص جملةً،بحمل المرغّبة منها على التقيّة كما يفهم من بعضها من أنّه يومئذٍ مذهب العامّة (1)و الناهية على صومه بنيّة السنّة،كما هم عليه.و مرجعه إلى عدم خصوصية لهذا اليوم في الترغيب،و مساواته لسائر الأيّام في الاستحباب المطلق (2).

و ما ذكرناه أظهر؛ لوضوح الشاهد عليه من الفتوى و النصّ،مع أنّ في الغنية الإجماع عليه (3)،كما هو الظاهر.

هذا،مع أنّ المانع قاصر سنداً،لا يكافئ المرغّبة؛ لصحّة جملة منها،و انجبار باقيها بأدلّة التسامح في السنن و أدلّتها.

و أمّا ما ورد في جملة منها من أنّه لم يصمه النبيّ صلى الله عليه و آله منذ نزل شهر رمضان،و كذا الحسنان عليهما السلام حال إمامتهما فوجهه لئلّا يتأسّى الناس بهم،كما صرّح به في بعضها.

و خوفهم عليه السلام عن التأسّي لعلّه ليس لتوهّم الوجوب كما قيل (4)،بل لئلّا يحرم الضعفاء به عن الدعاء،الذي هو أفضل منه هنا،كما مضى.

و صوم يوم عاشوراء حزناً بمصاب آل محمّدٍ عليهم السلام،بغير خلاف أجده،بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية (5).

ص:465


1- انظر الوسائل 10:465 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 6.
2- انظر الحدائق 13:367.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):573.
4- قاله الحرّ العاملي في الوسائل 10:468 أبواب الصوم المندوب ب 23 ذيل الحديث 13.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):573.

قالوا:جمعاً بين ما ورد في الأمر بصومه« و أنّه كفّارة سنة» (1)و ما ورد من أنّ:« من صامه كان حظّه من ذلك حظّ آل زياد و ابن مرجانة» (2)عليهم اللعنة.

و لا شاهد على هذا الجمع من رواية،بل في جملة من الأخبار المانعة ما يشيّد خلافه،و أنّ صومه مطلقاً بدعة ليس فيه رخصة.

منها:« إنّ الصوم لا يكون للمصيبة،و لا يكون إلّا شكراً للسلامة، و إنّ الحسين عليه السلام أصيب يوم عاشوراء،فإن كنت فيمن أُصيب به فلا تصم، و إن كنت[شامتاً]ممّن سرّه سلامة بني أُميّة فصم شكراً للّه تعالى» (3).

لكنّها كغيرها غير نقيّة الأسانيد،فلا يمكن أن يثبت بها التحريم كما هو ظاهرها.

و مال إليه بل قال به لذلك بعض مَن عاصرناه،و حَمَل المعارضة على التقيّة (4)،كما يفهم من بعضها.

و هو ضعيف في الغاية؛ لما عرفته،مضافاً إلى شذوذ المنع مطلقاً و لو كراهةً،إذ لم نعثر على قائل به من الطائفة،بل كلّ من وصل إلينا كلامه مفتٍ بما في العبارة.

و عليه فلا يمكن أن تخصَّص العمومات القطعية باستحباب الصوم في نفسه و أنّه من النار جُنّة،و خصوص الأخبار المرغّبة و إن قصرت

ص:466


1- التهذيب 4:/300 907،الإستبصار 2:/134 439،الوسائل 10:457 أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 3.
2- الكافي 4:/147 6،التهذيب 4:/301 912،الإستبصار 2:/135 453،الوسائل 10:461 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 4.
3- أمالي الطوسي:677،الوسائل 10:462 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 7.
4- الحدائق 13:375.

أسانيدها جملةً؛ لانجبارها بعمل الأصحاب جملةً و لو في الجملة،حتى نحو الحلّي و ابن زهرة (1)،ممّن لم يعمل بأخبار الآحاد إلّا حيث تكون مخففةً بالإجماع و غيره من القرائن القطعية.

نعم يبقى الإشكال في الاستحباب من حيث الخصوصية،و لو في الجملة (2).و هو لم ينعقد عليه إجماع محلّ مناقشة؛ لعدم دليل عليها إلّا النصوص المرغبة،و هي مع قصور أسانيدها،و عدم ظهور عامل بإطلاقها بالكلّية معارَضة بأكثر منها كثرة زائدة،تكاد تقرب التواتر.

و لأجلها لا يمكن العمل بتلك،و لو من باب المسامحة؛ إذ هي حيث لم تحتمل منعاً و لو كراهةً،و هي محتملة من جهة الأخبار المانعة.

إلّا أن يقال:إنّ أكثرها يقبل الحمل الذي ذكره الجماعة،و ما لا تقبله منها قليلة نادرة،لا يُعبأ بما فيها من احتمال حرمةٍ أو كراهةٍ في مقابلة الإجماع المنقول كما عرفته المعتضد بالشهرة العظيمة،على وجه الجمع الذي ذكره الجماعة.

و هو حسن،و إن كان في النفس بعد ذلك منه شيء،سيّما مع احتمال تفسير الصوم على وجه الحزن في العبائر بما ذكره جماعة،من استحباب الإمساك عن المفطرات إلى العصر (3)،كما في النصّ:« صمه من غير تبييت،و أفطره من غير تشميت،و لا تجعله يوم صوم كملاً،و ليكن إفطارك بعد العصر بساعة،على شربة من ماء،فإنّه في ذلك الوقت من

ص:467


1- الحلّي في السرائر 1:418،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):573.
2- أي من جهة الحزن خاصة(منه رحمه اللّه).
3- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:80،و الفيض في المفاتيح 1:284،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 5:190،و الحدائق 13:376.

ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل الرسول صلى الله عليه و آله،و انكشفت الملحمة عنهم» .قالوا:و ينبغي أن يكون العمل على هذا الحديث،لاعتبار سنده (1).

انتهى.و هو حسن.

و يوم المباهلة في المشهور بين الطائفة،و لم أجد به رواية مسندة،و إنّما عُلّل بالشرافة (2).

نعم،رواها الخال العلّامة عليه الرحمة مرسلةً،و فيها كما قالوا -:« إنّه الرابع و العشرون من ذي الحجّة» (3).

و في المسالك:قيل إنّه الخامس و العشرون (4).و لم أجد قائله.

و ذكر الحلّي و الكفعمي (5):أنّ فيه تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بخامته في ركوعه،و نزلت فيه آية الولاية (6).

و كلّ خميسٍ و جمعة و قيل:لشرفهما (7).

و في روايةٍ عاميّة:« الاثنين و الخميس» (8).

و الإسكافي لا يستحبّ إفراد يوم الجمعة،إلّا أن يصوم معه ما قبله أو

ص:468


1- كما في المدارك 6:268،و الحدائق 13:376.
2- كما في المنتهى 2:611.
3- زاد المعاد:359.
4- المسالك 1:80.
5- الحلّي في السرائر 1:418،مصباح الكفعمي:688.
6- إنَّما وليِّكم اللّه و رسوله..»،المائدة:55.
7- قال به صاحب المدارك 6:270.
8- سنن البيهقي 4:293،المغني لابن قدامة 3:/115 2140.

ما بعده،و به خبر عامّي (1)قال:و صوم الاثنين و الخميس منسوخ،و صيام السبت منهيّ عنه (2).و المشهور خلافه.

نعم،ورد من طرقنا ذمّ يوم الاثنين (3)،فالأولى ترك صيامه،بل ترك صيام الجمعة أيضاً.

للمكاتبة الصحيحة:رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر،أو أضحى،أو يوم جمعة،أو أيّام التشريق،أو سفر،أو مرض،هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه،أو كيف يصنع ذلك يا سيّدي؟فكتب إليه:« قد وضع اللّه الصيام في هذه الأيّام كلّها،و يصوم يوماً بدل يومٍ إن شاء» (4).

و ليس في أُخرى قوله:« أو يوم جمعة» (5)و كأنّه الصحيح.

أقول:و تعضد هذه المكاتبة جملة من المعتبرة الواردة بالترغيب إلى الصوم فيها:

منها الصحيح:في الرجل يريد أن يعمل شيئاً من الخير،مثل الصدقة،و الصوم،و نحو هذا،قال:« يستحبّ أن يكون ذلك اليوم الجمعة،فإنّ العمل يوم الجمعة يضاعف» (6).

و منها:رأيته عليه السلام صائماً يوم الجمعة،فقلت:جعلت فداك،إنّ

ص:469


1- رواه الشيخ في التهذيب 4:/315 958،الوسائل 10:413 أبواب الصوم المندوب ب 6 ح 6؛ و انظر المغني لابن قدامة 3:/105 2122،2123.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:237.
3- الوسائل 11:351 أبواب آداب السفر الى الحج و غيره ب 4.
4- الإستبصار 2:/101 328،الوسائل 10:196 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 2.
5- التهذيب 4:/234 686،الوسائل 10:514 أبواب الصوم المحرم ب 1 ح 6.
6- الخصال:/392 93،الوسائل 10:412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 4.

الناس يزعمون أنّه يوم عيد،قال:« كلّا،إنّه يوم خفض و دعة» (1).

و منها النبوي المروي عن العيون:« من صام يوم الجمعة صبراً و احتساباً اعطي ثواب[صام]عشرة أيّام غرّ زهر لا تشاكل أيّام الدنيا» (2).

و عليه فلتطرح المكاتبة الاُولى مع شذوذها،أو تحمل على التقية، كما ربّما يستأنس له بملاحظة الرواية الثانية،مضافاً إلى كونها مكاتبة.

و الرواية الناهية عن إفرادها بالصوم عاميّة،و الخاصّية الموافقة لها فيه (3)لأجلها محتملة للحمل على التقيّة،مع أنّها ضعيفة السند أيضاً،غير مقاومة لإطلاق المعتبرة المستفيضة المتقدّمة،التي فيها الصحيحان و غيرهما،المعتضدة بفتوى أصحابنا،إلّا النادر منهم،المتقدم إليه الإشارة.

و أول ذي الحجّة و هو مولد إبراهيم الخليل على نبيّنا و آله و عليه السلام.

و صيامه يعدل صيام ستّين شهراً كما في الخبر (4)،بل ثمانين كما في آخر (5)،و فيه« فإن صام التسع كتب اللّه تعالى له صوم الدهر» (6).

و رجب كلّه،و شعبان كلّه أو ما تيسّر منهما،فقد استفاضت

ص:470


1- التهذيب 4:/316 959.الوسائل 10:412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 5.
2- عيون أخبار الرضا(عليه السلام)2:/35 92،الوسائل 10:412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 2،و ما بين المعقوفين من المصدرين.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2:/73 346،الوسائل 10:412 أبواب الصوم المندوب ب 6 ح 3.
4- الكافي 4:/149 2،التهذيب 4:/304 919،الوسائل 10:453 أبواب الصوم المندوب ب 18 ح 1.
5- الفقيه 2:/52 230،ثواب الأعمال:74،الوسائل 10:453 أبواب الصوم المندوب ب 18 ح 3.
6- الفقيه 2:/52 230،ثواب الأعمال:74،الوسائل 10:453 أبواب الصوم المندوب ب 18 ح 3.

النصوص،بل تواترت بذلك (1).

و ما ورد بخلافه في شعبان (2)مع ندوره،و إجماع الأصحاب على خلافه فيما أجده،و يستفاد أيضاً من الغنية (3)فقد أجاب عنه الكليني،فقال:

فأمّا الذي جاء في صوم شعبان:أنّه سأل عليه السلام عنه،فقال:« ما صامه رسول صلى الله عليه و آله،و لا أحد من آبائي» (4).

قال ذلك لأنّ قوماً قالوا:إنّ صيامه فرض مثل صيام شهر رمضان، و وجوبه مثل وجوب شهر رمضان،و أنّ من أفطر يوماً منه فعليه من الكفّارة مثل ما على من أفطر يوماً من شهر رمضان.و إنّما قال العالم عليه السلام:

« ما صامه رسول اللّه صلى الله عليه و آله،و لا أحد من آبائي» أي ما صاموه فرضاً واجباً؛ تكذيباً لقول من زعم أنّه فرض،و إنّما كلّفوا بصومه سنّة،فيها فضل، و ليس على من لم يصمه شيء (5).

و نحواً منه ذكر الشيخ،و ذكر:أنّ أبا الخطّاب لعنه اللّه تعالى و أصحابه يذهبون إلى أنّ صوم شعبان فريضة و ذكر:أنّ الأخبار التي تضمّنت الفصل بين شهر شعبان و شهر رمضان (6)فالمراد به النهي عن الوصال،الذي بيّنا فيما مضى أنّه محرّم (7).

ص:471


1- الوسائل 10:471 و 485 أبواب الصوم المندوب ب 26 و 28.
2- التهذيب 4:309،الوسائل 10:491 أبواب الصوم المندوب ب 28 ح 17.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):573.
4- الكافي 4:91 ذيل الحديث 6،الوسائل 10:487 أبواب الصوم المندوب ب 28 ح 6.
5- الكافي 4:91 ذيل حديث 6 و ما بين المعقوفين من المصدر.
6- الوسائل 10:495 أبواب الصوم المندوب ب 29.
7- راجع التهذيب 4:309.
و يستحب الإمساك في سبعة مواطن

و يستحب الإمساك تشبها بالصائمين في سبعة مواطن المسافر قدم بلده أو بلدا يعزم فيه الإقامة عشرة فصاعدا بعد الزوال مطلقا أو قبله و قد كان تناول مفطرا و كذا المريض إذا برئ و كذا تُمسك الحائض،و النفساء،و الكافر،و الصبي، و المجنون،و المغمى عليه،إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار مطلقاً و لو قبل الزوال،و لم يتناولوا بالنصّ (1)و الإجماع في الجميع،إلّا الصبي و الكافر إذا زال،عذرهما قبل الزوال و لم يتناولا،فقيل بوجوب الصوم عليهما حينئذ.

و قد مضى الكلام فيه مفصّلاً (2).

و لا ينعقد صوم الضيف من غير إذن مُضيفه إذا كان ندباً،و لا المرأة من غير إذن الزوج،و لا الولد من غير إذن الوالد،و لا المملوك من غير إذن المولى.

للنهي عنه في الجميع في النصوص المستفيضة جدّاً (3)،إلّا أنّ ما يتعلّق منها بمن عدا المرأة غير نقيّة الأسانيد،مع قصور دلالة جملة منها على التحريم،بل ظهور بعضها في الكراهة،للتعبير عن المنع فيه ب:

« لا ينبغي» الظاهر فيها عرفاً،فكذا شرعاً،للأصل،و جعل النهي عن صوم هؤلاء في أقسام صوم الإذن في مقابل الصيام المحرّم كما في رواية

ص:472


1- راجع الوسائل 10:أبواب من يصح منه الصوم الأبواب 7،23،28.
2- راجع ص:2605.
3- الوسائل 10:527 528،529 أبواب الصوم المحرم ب 8،9،10.

الزهري (1)،و الفقه الرضوي (2)،و غير ذلك من أمارات الكراهة.

و أمّا ما يتعلّق بالمرأة،فهو و إن صحّ سنده،إلّا أنّه معارَض بمثله، المروي في الوسائل،عن علي بن جعفر في كتابه،عن أخيه عليه السلام:عن المرأة تصوم تطوّعاً بغير إذن زوجها،قال:« لا بأس» (3).

و مقتضى الجمع بينهما الكراهة،كما عليه السيّدان في الجمل و الغنية (4)، و غيرهما (5)،و فيها:دعوى الإجماع عليها فيها (6)،و في صوم العبد بغير إذن مولاه،و الضيف بغير إذن مضيفه،لكن عبّر عن الكراهة باستحباب الترك.

و المشهور فيها و في المملوك:المنع تحريماً،بل عن المعتبر (7)و في غيره (8):دعوى الاتّفاق عليه في المرأة.و عن المنتهى (9)و في غيره (10):

دعواه في العبد.

و هذه الإجماعات المنقولة أقوى من إجماع الغنية،سيّما بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة المتأخّرة،فترجّح بها الصحيحة المانعة على مقابلتها.

ص:473


1- الفقيه 2:/46 208،الوسائل 10:529 أبواب الصوم المحرم ب 10 ح 1.
2- فقه الرضا(عليه السلام):202،المستدرك 7:556 أبواب المحرم ب 9 ح 1.
3- مسائل علي بن جعفر:/179 334،الوسائل 10:528 أبواب الصوم المحرم ب 8 ح 5.
4- جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):59،لم نعثر عليه في الغنية.
5- المراسم:96،الوسيلة:147،و انظر الروضة 2:138.
6- أي:في الغنية دعوى الإجماع على الكراهة في المرأة.
7- المعتبر 2:712.
8- كما في المدارك 6:284.
9- المنتهى 2:614.
10- كما في المدارك 6:284.

اللّهمّ إلّا أن تخصَّص هذه الإجماعات بصورة نهي الزوج و المولى، كما يشعر به بعضها،و التحريم فيها مقطوع به جدّاً.و عليه فيكون النهي في غيرها للكراهة؛ جمعاً بين الصحيحين و إجماع الغنية.

و لا بأس به،و إن كان الأحوط:المنع مطلقاً؛ للشهرة العظيمة، و إطلاق بعض الإجماعات المنقولة.

هذا بالنسبة إلى صوم المرأة و المملوك.

و أمّا غيرهما،فالأصحّ الكراهة مطلقاً إلّا مع النهي في الولد،فيحرم قطعاً و عليها الأكثر على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (1)؛ لما مرّ، مضافاً إلى دعوى الإجماع عليها في الغنية في الضيف،و لا قائل بالفرق،فتدبّر.

و من صام ندباً،و دُعِيَ إلى طعام،فالأفضل له الإفطار للنصوص المستفيضة (2)،و فيها الصحيح و غيره:

و لا فرق في إطلاقها كالفتوى بين دعائه أول النهار أو آخره،و لا بين مهيّئ الطعام له و غيره،و لا بين من تشقّ عليه المخالفة و غيره.نعم، يشترط كونه مؤمناً.

و الحكمة في ذلك إجابة دعوة المؤمن،و إدخال السرور عليه،و عدم ردّ قوله،لا مجرّد كونه أكلاً.

و ليس في العبارة و جملة من الروايات اشتراط عدم الإخبار بالصوم كما قيل (3)،بل هي مطلقة.نعم،في بعضها التقييد بذلك (4).و لعلّه محمول على اشتراطه في ترتّب الثواب المذكور فيه،و هو:أنّه يُكتَب له صوم سنة.

ص:474


1- كما في المدارك 6:277.
2- الوسائل 10:151 أبواب آداب الصائم ب 8.
3- جامع المقاصد 3:87.
4- الوسائل 10:152 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 4،5.

و بذلك يجمع بينه و بين ما دلّ على أنّه يُكتَب له بذلك صوم عشرة أيّام (1)،بحمل هذا على من أخبر بصومه،و الأول على من لم يُخبر.

لكن في ثالث:« لإفطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك سبعين ضعفاً،أو تسعين ضعفاً» (2).

و الأمر سهل.

ص:475


1- الكافي 4:/150 2،الوسائل 10:151 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 1.
2- الكافي 4:/151 6،المحاسن:/411 145،الفقيه 2:/51 221،علل الشرائع:/387 2،الوسائل 10:153 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 6.
و المحظور من الصوم

و المحظور من الصوم:

صوم العيدين مطلقاً؛ بإجماع العلماء،كما عن المعتبر و التذكرة (1)،بل قيل (2):بالضرورة من الدين،استفاضة النصوص (3).

و أيّام التشريق و هي:الثلاثة بعد العيد؛ بإجماعنا عليه في الجملة على الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة (4).

و لكن اختلفت العبارات في الإطلاق،أو التقييد ب: لمن كان بمنى و هذا أقوى؛ أخذاً بموضع الوفاق،و تمسّكاً في غيره بالأصل، و الصحيح:« أمّا بالأمصار فلا بأس» (5)و المطلق يحمل على المقيّد.

هذا،و في المختلف:إنّ من أطلق أراد به المقيّد (6).

و تبعه شيخنا في الروضة،بل زاد،فقال:و لا يحرم صومها على من ليس بمنى إجماعاً و إن أُطلق تحريمها في بعض العبارات كالمصنّف في الدروس،فهو مراد من قيّده.و ربّما لحظ المُطلِق أنّ جَمعها كافٍ عن تقييد كونها بمنى؛ لأنّ أقلّ الجمع ثلاثة،و أيّام التشريق لا تكون ثلاثة إلّا بمنى،

ص:476


1- المعتبر 2:712.التذكرة 1:280.
2- مفاتيح الشرائع 1:285.
3- الوسائل 10:513 أبواب الصوم المحرم ب 1.
4- منهم:المحقّق المعتبر 2:713،و العلّامة في المنتهى 2:616،و الفيض في المفاتيح 1:285.
5- التهذيب 4:/297 897،الإستبصار 2:/132 429،الوسائل 10:516 أبواب الصوم المحرم ب 2 ح 1.
6- المختلف:238.

فإنّها في غيرها يومان لا غير،و هو لطيف (1).

ثم إنّ إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين الناسك بحجّ أو عمرة و غيره،و لا بين من يصومها عن كفّارة قتل و غيره.

خلافاً للفاضل في القواعد،فقيّده بالناسك (2).

و لعلّه ناظر إلى حمل الإطلاق على الغالب،و لا يخلو عن وجه، إلّا أنّه نادر.

و للشيخ،فقيّده بمن لم يصمها عن الكفّارة،و إلّا فهو جائز (3).

و إلى قوله أشار بقوله: و قيل:القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين منها،و إن دخل فيهما العيد و أيّام التشريق لرواية زرارة الصحيحة:قال:قلت للباقر عليه السلام:رجل قتل رجلاً في الحرم،قال: عليه دية و ثلث،و يصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، و يعتق رقبة،و يطعم ستّين مسكيناً قال:قلت:فيدخل في هذا شيء،قال:

« و ما يدخل»؟قلت:العيدان و أيّام التشريق،قال يصوم،فإنّه حقّ لزمه» (4).

و إليه يميل بعض متأخّري المتأخّرين (5)،زاعماً فتوى الشيخ بها في كتابي الحديث (6)،و انحصار جواب القوم عنها في ضعف الطريق لما اتّفق

ص:477


1- الروضة 2:138.
2- القواعد 1:68.
3- كما في المبسوط 1:281.
4- الكافي 4:/140 9،الوسائل 10:380 أبواب بقية الصوم الواجب ب 8 ح 2.
5- الشيخ حسن في منتقى الجمان 2:567.
6- التهذيب 4:297،الاستبصار 2:131.

في بعض طرقها،مع أنّه رواها الشيخ في كتاب الديات بطريق صحيح (1)، و كذلك رواها الصدوق في الفقيه (2).

و المشهور على الظاهر المصرّح به هنا و في المختلف (3)و غيرهما (4): عموم المنع لمورد الرواية و غيرها.

و لعلّه الأقوى،لندرة الرواية و شذوذها،كما أشار إليه في المختلف، فقال في الجواب عنها:إنّ العمومات المعلومة بالإجماع و بالأخبار المتواترة لا يجوز تخصيصها بمثل هذا الخبر الشاذّ النادر.

ثم قال:مع قصوره عن إفادة المطلوب؛ إذ ليس فيه أن يصوم العيد، و إنّما أمره بصوم أشهر الحرم،و ليس في ذلك دلالة على صوم العيد،و أيّام التشريق يجوز صومها في غير منى (5).

و منه يظهر فساد الزعم الثاني المتقدّم؛ حيث إنّ الفاضل لم يُجب عنه يضعف السند،بل بالندرة،مؤذناً بمخالفتها الإجماع.

و يمكن تطرّق النظر إلى الزعم الأول أيضاً؛ بناءً على ما يقال من عدم ظهور فتوى الشيخ في كتابي الحديث.نعم،في التنقيح:أنّه خيرته أيضاً في المبسوط (6).

و أمّا ما ذكره الفاضل في الجواب علاوة بصور الدلالة فهو بعيد غايته عن سياق الرواية،كما لا يخفى على من تدبّره.

ص:478


1- المختلف:238.
2- الفقيه 4:/81 256،257.
3- المختلف:238.
4- كما في المنتهى 2:616،و الحدائق 13:388.
5- المختلف:239.
6- التنقيح الرائع 1:390.

و صوم آخر شعبان الذي يشكّ فيه أنّه من رمضان بالغيم،أو تحدّث الناس برؤية الهلال فيه،أو شهادة من لا يثبت بقوله بنيّة الفرض المعهود،و هو رمضان،و إن ظهر كونه منه،بلا خلافٍ فيه أجده، و عليه الإجماع في الغنية (1)؛ للنهي عنه في النصوص المستفيضة (2).

و بعضها و إن كان مطلقاً إلّا أنّه محمول على ذلك،جمعاً بينه و بين ما دلّ على الجواز منها،و عملاً بما دلّ على التفصيل،كرواية الزهري،و الفقه الرضوي (3)،و غيرهما ممّا سبقت إليه الإشارة في بحث استحباب صومه بنيّة شعبان (4).

و أمّا ما لا يقبل الحمل على ذلك،كالموثّق:إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم،فقال:« لا تصم في السفر،و لا في العيدين و أيّام التشريق،و لا اليوم الذي يشك فيه» (5).

فمحمول على التقية؛ لكونه مذهب العامّة،كما صرّح به جماعة (6)، و استفيد من جملة من النصوص،منها زيادة على ما مرّ ثمّة -: الموثّق:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:رجل صام يوماً،و لا يدري أمن رمضان هو أو من غيره،فجاء قوم فشهدوا أنّه كان من رمضان،فقال بعض

ص:479


1- الغنية(الجوامع الفقهية):573.
2- الوسائل 10:25 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6.
3- المتقدمتان في ص:2641.
4- راجع ص:2506.
5- الكافي 4:/141 1 بتفاوت يسير،الوسائل 10:515 أبواب الصوم المحرم ب 1 ح 8.
6- منهم الصدوق في الفقيه 2:79،و المجلسيان في روضة المتقين 3:353،و مرآة العقول 16:350،و صاحب الحدائق 13:41.

الناس عندنا:لا يعتدّ به،فقال:« بلى» فقلت:إنّهم قالوا:صمت و أنت لا تدري أمن شهر رمضان هذا أم من غيره،فقال:« بلى،فاعتدّ به،فإنّما هو شيء وفّقك اللّه تعالى له،إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان،و لا يصومه من شهر رمضان» الحديث (1).

هذا،مضافاً إلى إجماعنا الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً كما مضى (2)على استحباب صومه بنيّة شعبان.

مؤيّداً بجملة من النصوص المستفيضة،الواردة فيمن صامه ثم ظهر كونه من رمضان أنّه وفّق له (3)،و المتضمّنة لقوله عليه السلام:« لأن أصوم يوماً من شعبان أحبّ إليّ من أن أُفطر يوماً من شهر رمضان» (4).

فإنّها ظاهرة غاية الظهور في استحباب صوم اليوم المزبور بالنهج المذكور (5).

فما يوجد في كلام بعض متأخّري المتأخّرين من أنّ الأولى ترك صومه مطلقاً،لإطلاق الموثّق المزبور (6)ففي غاية الضعف و القصور.

و صوم نذر المعصية بجعله شكراً على ترك الواجب أو فعل المحرّم،و زجراً على العكس.

ص:480


1- الكافي 4:/82 6،التهذيب 4:/182 508،الوسائل 10:21 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 4 و ما بين المعقوفين من المصادر.
2- في ص:2506.
3- الوسائل 10:20 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5.
4- الفقيه 2:/79 348،الوسائل 10:23 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 9.
5- على أنّه من شعبان(منه رحمه اللّه).
6- مفاتيح الشرائع 1:286.

و صوم الصمت بأن ينوي الصوم ساكتاً،فإنّه محرّم في شرعنا،لا الصوم ساكتاً بدون جعله وصفاً للصوم بالنيّة.

و صوم الوصال كذلك:

و هو عند الأكثر كما في المدارك و الذخيرة (1)بل المشهور كما في المسالك (2)-: أن يجعل عشاءه سحوره كما في الصحيحين (3)،و غيرهما (4).

و في السرائر و عن الاقتصاد و المعتبر:إنّه صوم يومين بليلة (5)؛ للخبر (6).و في سنده ضعف.

و في المسالك و الروضة (7)و غيرهما (8):حصوله بكلّ منهما.

و هو حسن إن أُريد من حيث التحريم؛ لعموم بعض الأدلّة،و هو كونه بدعة.

و إن أُريد من حيث حصول الوصال الشرعي،المنهي عنه بالخصوص في النصوص،حتى لو نذر أن لا يأتي به كفّر لو أتى به بالتفسير الثاني، فمشكل،لضعف ما دلّ عليه سنداً و عدداً و اشتهاراً،بالإضافة إلى ما دلّ على الأول.

ص:481


1- المدارك 6:283،الذخيرة:522.
2- الكافي 4:/95 2،43 الوسائل 10:521 أبواب الصوم المحرم ب 4 ح 7،9.
3- الفقيه 2:/112 477،الوسائل 10:521 أبواب الصوم المحرم ب 4 ح 5.
4- الفقيه 2:/112 477،الوسائل 10:521 أبواب الصوم المحرم ب 4 ح 5.
5- السرائر 1:420،الاقتصاد:293،المعتبر 2:714.
6- الكافي 4:/92 5،التهذيب 4:/307 927،الإستبصار 2:/138 452،الوسائل 10:496 أبواب الصوم المندوب ب 29 ح 3.
7- المسالك 1:81،الروضة 2:141.
8- كالحدائق 13:393.

و الأصل في تحريم الثلاثة بعد الإجماع الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة (1)-:الاعتبار المتقدّمة إليه الإشارة،و النصوص المستفيضة، المتكفّل جملة منها للجميع كرواية الزهري (2)،و الفقه الرضوي (3)و جملة منها لآحادها،و فيها الصحيح و غيره (4).

و في العامّة لها التصريح بحرمتها،و مقتضاها فسادها أيضاً،كما نقل عن ظاهر الأصحاب في المدارك و الذخيرة (5)و غيرهما (6).

و ربما احتمل صحّتها ما عدا الأول و إن حرمت؛ لصدق الامتثال بالإمساك عن المفطرات مع النيّة،و توجّه النهي إلى خارج العبادة (7).

و هو ضعيف،بعد وجود النصّ المُضيف للتحريم إلى نفس الصوم، المنجبر ضعف سنده أو قصوره بفتوى الأصحاب.

مع أنّ الصوم عبادة تتوقّف صحّتها على قصد القربة،و هي في الصيام المزبورة غير حاصلة،فتفسد أيضاً من هذه الجهة.و لعلّه لذا ورد النهي عنها.

و بموجب ذلك يصحّ الصوم نهاراً صمتاً و وصلاً،حيث لم يحصلا في النيّة ابتداءً،و إن حصلا أخيراً اتّفاقاً،و بذلك صرّح بعض أصحابنا (8)،

ص:482


1- كصاحبي المدارك 6:282،و الذخيرة:522.
2- الكافي 4:/83 1،الفقيه 2:/46 206،التهذيب 4:/294 895،الوسائل 10:513 أبواب الصوم المحرم ب 1 ح 1.
3- فقه الرضا(عليه السلام):202،المستدرك 7:556 أبواب الصوم المحرم ب 9 ح 1.
4- انظر الرسائل 10:أبواب المحرم الأبواب 4،5،6.
5- المدارك 6:282،الذخيرة:522.
6- كما في الحدائق 13:391.
7- المدارك 6:283.
8- الشهيد الثاني في المسالك 1:81،و الروضة 2:142.

و عزاه في المدارك إلى الأصحاب،لكن قال:الاحتياط يقتضي اجتناب ذلك،إذ المستفاد من الرواية تحقّق الوصال بتأخير الإفطار إلى السحر مطلقاً (1).

و أشار بالرواية إلى الصحيح:« الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره» (2).

و فيه نظر؛ إذ ظاهره تعريف الوصال في الصيام الشرعي،يعني:

الذي يُقرَن بالقربة،لا مطلق الصيام.

و أظهر منه الصحيح الآخر في تعريفه:« يصوم يوماً و ليلة،و يفطر في السحر» (3)لمكان لفظ« الصوم» المضاف إلى الليلة،و ذكر الإفطار بعده، لصيرورته حقيقة شرعية أو متشرّعة في التناول بعد الإمساك الخاص،لا مطلق الإمساك،فتدبّر.

و صوم الواجب سفراً على وجه موجب للقصر عدا ما استثني ممّا مرّ من المنذور المقيّد به،و ثلاثة الهدي،و بدل البدنة.

و فُهِمَ من تقييده بالواجب جوازُ المندوب،و قد مرّ الكلام في الجميع مفصّلاً (4).

ص:483


1- المدارك 6:283.
2- الكافي 4:/95 2،التهذيب 4:/298 898،الوسائل 10:521 أبواب الصوم المحرم ب 4 ح 7.
3- الكافي 4:/96 3،الوسائل 10:521 أبواب الصوم المحرم ب 4 ح 9.
4- في ص:2584 2586.

الخامس في اللواحق

اشارة

الخامس في اللواحق و هي مسائل :

الأُولى المريض يلزمه الإفطار مع ظنّ الضرر

الاُولى:المريض المتضرّر بالصوم يلزمه الإفطار و لو مع ظنّ الضرر بلا خلافٍ يظهر،بل عليه الإجماع في كلام جمع (1)،و النصّ بجوازه مستفيض (2)،مضافاً إلى العقل،و الكتاب: فعدّةٌ من أيّامٍ أُخَر (3) فتدبّر.

و المرجع في الظنّ إلى ما يجده و لو بالتجربة في مثله سابقاً،أو بقول من يفيد قوله الظنّ و لو كان كافراً.

و لا فرق في الضرر بين كونه لزيادة و شدّة بحيث لا يتحمّل عادةً،أو لبُطء برئه.

و حيث يحصل الضرر لو تكلّفه لم يجزه إجماعاً؛ للنهي عنه المفسد للعبادة عندنا.

و هل الصحيح الذي يخشى المرض بالصيام يباح له الفطر؟ تردّد فيه في المنتهى،قال:من وجوب الصيام بالعموم و سلامته من

ص:484


1- منهم:العلامة في المنتهى 2:596،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:286،و السبزواري في الذخيرة:523،و صاحب الحدائق 13:169.
2- الوسائل 10:217 أبواب من يصح منه الصوم ب 18.
3- البقرة:184 185.

المرض،و من كون المرض إنّما أُبيح له الفطر لأجل التضرّر به،و هو حاصل هنا،لأنّ الخوف من تجدّد المرض في معنى الخوف من زيادته و تطاوله.انتهى (1).

و قيل (2):و يمكن ترجيح الثاني بعموم قوله تعالى: وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [1] (3) و قوله: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [2] (4) و قوله:عليه السلام في صحيحة حريز:« كلّما أضرّ به الصوم فالإفطار له واجب» (5).

أقول:بل في صدرها دلالة عليه أيضاً؛ حيث قال:« الصائم إذا خاف على عينيه الرمد أفطر» (6)و هو بإطلاقه يشمل صورة السلامة من الرمد، و لا قائل بالفرق.

ثم إنّ إطلاق الخوف فيه يشمل ما لو لم يظنّ الضرر،بل احتمله احتمالاً متساوياً؛ لصدق الخوف عليه حقيقةً عرفاً و عادةً،و عليه فيتوجّه الإفطار حينئذ.

لكن ظاهر العبارة و نحوها اعتبار الظنّ،فإن تمّ إجماعاً،و إلّا فلعلّ المتوجّه العدم و كفاية الاحتمال المتساوي.

ص:485


1- المنتهى 2:569.
2- الحدائق 13:171.
3- الحج:78.
4- البقرة:185.
5- الفقيه 2:/84 374،الوسائل 10:219 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 2.
6- الكافي 4:/118 4،الفقيه 2:/84 373،الوسائل 10:218 أبواب من يصح منه الصوم ب 19 ح 1.
الثانية المسافر يلزمه الإفطار

الثانية:المسافر حيث يجب عليه قصر الصلاة يلزمه الإفطار أيضاً:

و لو صام عالماً بوجوبه قضاه بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة به في جملة من العبائر،كالإنتصار و الخلاف و المنتهى و المدارك (1).

و فيه (2)و في غيره (3):الإجماع على أنّه لو كان جاهلاً بالحكم لم يقض كما هو الظاهر؛ و هو الحجّة في المقامين.

مضافاً إلى النهي المفسد للعبادة في الأول،و الصحاح المستفيضة فيه و في الثاني:

منها:« إن كان بلغه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى عن ذلك فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه فلا شيء عليه» (4).

و في إلحاق الناشي به أم بالعامد وجهان،بل قولان:

من تقصيره في التحفّظ.

و من فوات وقته،و منع تقصير الناسي،و لرفع الحكم عنه.

و الأحوط:الثاني؛ لإطلاق النصّ (5)الشامل لمحلّ الفرض،و إن احتمل اختصاصه بحكم التبادر بالعمد.و على هذا الشهيد في اللمعة، و يميل إلى الآخر شارحها (6).

ص:486


1- الانتصار:66،الخلاف 2:201،المنتهى 2:597،المدارك 6:285.
2- المدارك 6:285.
3- الحدائق 13:397.
4- الكافي 4:/128 1،الفقيه 2:/93 417،التهذيب 4:/22 643،الوسائل 10:179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 3.
5- الوسائل 10:179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 1،4.
6- الروضة 2:126.

و لو علم الجاهل و الناسي في أثناء النهار أفطرا،و قضيا قطعاً.

الثالثة الشروط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم

الثالثة:الشروط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم بلا خلاف أجده فتوًى و رواية،إلاّ ما سبقت إليه الإشارة في كتاب الصلاة.

و لكن يشترط في قصر الصوم تبييت النيّة للسفر من الليل، عند الماتن هنا و في الشرائع و المعتبر (1)،وفاقاً للشيخ في النهاية و الجمل و القاضي (2)في الجملة (3).

للنصوص المستفيضة،أظهرها سنداً الموثّق:في الرجل يسافر في شهر رمضان،أ يفطر في في منزله؟قال:« إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله،و إن لم يحدّث نفسه من الليل،ثم بدا له في السفر من يومه،أتمّ صومه» (4).

و نحوه المراسيل الثلاثة،أكثرها لجملة ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم،كصفوان و ابن مسكان،و هي بجملتها أو أكثرها ظاهرة في الخروج قبل الزوال.

فإنّ في بعضها:« فإن هو أصبح و لم ينو السفر قصّر و لم يفطر» (5).

ص:487


1- الشرائع 1:210،المعتبر 2:715.
2- النهاية:161،الجمل(الرسائل العشر):221،القاضي في المهذّب 1:194.
3- متعلق بقوله« وفاقاً» ؛ و ذلك لأن ظاهر المصنف جواز القصر،بل وجوبه مع التبييت أيّ وقتٍ سافر،و ظاهر الشيخ في النهاية أنه مع التبييت لو سافر بعد الزوال كان عليه الإمساك و القضاء،و كذلك في المبسوط،لكنه لم يذكر وجوب القضاء(منه رحمه الله).
4- التهذيب 4:/228 669،الإستبصار 2:/98 319،الوسائل 10:187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 10.
5- التهذيب 4:/225 662،الإستبصار 1:/227 806،الوسائل 10:187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 11.

و في آخر:« إذا خرجت بعد طلوع الفجر و لم تنو السفر من الليل فأتمّ الصوم،و اعتدّ به من شهر رمضان» (1).

و في الثالث:« إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل،فإن خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر،و عليك قضاء ذلك اليوم» (2).

و عليها ينزّل إطلاق المستفيضة الآمرة بالصيام إذا سافر في النهار، كالحسن أو الموثّق:عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح،قال:« يتمّ صومه ذلك» (3).

و الخبر:« إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم،إلاّ أن يدلج دُلْجَة» (4).

بحملها على ما إذا لم يبيّت،بل ظاهر الحسن ذلك،للفظ:« يتمّ صومه» الظاهر في نيّته من الليل،فتأمّل.

و على صورة التبييت يحمل ما دلّ على الإفطار،و لو مع السفر بعد الزوال.

ص:488


1- التهذيب 4:/228 670،الإستبصار 2:/98 320،الوسائل 10:188 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 12.
2- التهذيب 4:/229 673،الإستبصار 2:/99 323،الوسائل 10:188 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 13.
3- التهذيب 4:/228 668،الإستبصار 2:/98 318،الوسائل 10:186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 5.
4- التهذيب 4:/227 667،الإستبصار 2:/98 317،الوسائل 10:186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 6،و الدُّلْجَة:سير الليل،يقال أدْلَج بالتخفيف:إذا سار من أول الليل،و بالتشديد:إذا سار من آخره مجمع البحرين 2:300 302.

و هو حسن،لولا المعتبرة المستفيضة الآتية المفصّلة بين السفر قبل الزوال فيفطر،و بعده فيتمّ،فإنّها لا تقبل الحمل على شيء من ذلك، إلاّ بتكلّف بعيد (1)لا وجه له،عدا الجمع بين النصوص المختلفة في المسألة، و هو غير منحصر في ذلك.

فيحتمل الجمع بوجه آخر،و هو:حمل نصوص هذا القول بجملتها مفصّلها و مطلقها،بعد التنزيل على التقية،فقد حكي القول بوجوب الصوم مع تبييت نيّته عن جماعة من العامّة،كالشافعي و مالك و الأوزاعي و أبي ثور و النخعي و أبي حنيفة (2).

بل هذا الجمع أولى؛ لرجحان المستفيضة الآتية سنداً و اعتضاداً بفتوى جماعة من أعيان القدماء و أكثر المتأخّرين،مع وضوح الشاهد عليه نصّاً (3)و اعتباراً.

و لذا قيل:الشرط خروجه قبل الزوال فيفطر معه مطلقاً (4)، و يصوم مع عدمه،كذلك.

و القائل:المفيد،و الإسكافي،و الحلبي لكنّه أوجب القضاء مطلقاً و الصدوق في ظاهر الفقيه،و المقنع،و الكليني في الكافي،و إليه ذهب الفاضل في أكثر كتبه،و ولده،و الشهيدان (5)،و غيرهم من

ص:489


1- و هو حمل الإفطار قبل الزوال فيها على صورة التبييت،و الصوم بعده على صورة العدم(منه رحمه الله).
2- حكاه العلامة في المنتهى 2:599؛ و أنظر المغني لابن قدامة 3:90.
3- و هو قوله«خذ بما خالف العاقة»(منه رحمه الله)،أنظر الكافي 1:10/67،الفقيه 3:18/5،التهذيب 6:845/301،الوسائل 27:106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.
4- سواء بيَّت نية السفر أم لا(منه رحمه الله).
5- المفيد في المقنعة:354،عن الإسكافي في المختلف:230،الحلبي في الكافي في الفقه:182،الفقيه 2:92،المقنع:62،الكافي 4:131،الفاضل في المنتهى 2:598 599،و المختلف:231،و التحرير 1:83،فخر المحققين في الإيضاح 1:244،الشهيدان في اللمعة و شرحها(الروضة 2:127).

المتأخّرين (1).

للمعتبرة المستفيضة،الراجحة على مقابلتها بما عرفته.

منها:الصحيح:عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر و هو صائم، قال:فقال:« إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم، و إن خرج بعد الزوال فليتمّ صومه» (2).

و الصحيح:في الرجل يسافر في شهر رمضان يصوم أو يفطر؟قال:

« إن خرج قبل الزوال فليفطر،و إن خرج بعد الزوال فليصم» فقال:« يعرف ذلك بقول علي عليه السلام:أصوم و أُفطر حتى إذا زالت الشمس عزم عليّ» يعني الصيام (3).

و نحوهما الموثّق (4)بابني فضّال و بكير،المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما.

و قريب منها الصحيح (5)الدال على الحكم الأول (6)بالمفهوم،و على الثاني بالمنطوق.

ص:490


1- كصاحب المدارك 6:287.
2- الكافي 4:/131 1،الفقيه 2:/92 412،التهذيب 4:/228 671،الإستبصار 2:/99 321،الوسائل 10:185 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 2.
3- الكافي 4:/131 3،الوسائل 10:186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 3.
4- الكافي 4:/131 2،الوسائل 10:186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 4.
5- الكافي 4:/131 4،الفقيه 2:/92 413،التهذيب 4:/229 672،الإستبصار 2:/99 322،الوسائل 10:185 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 1.
6- هو الإفطار مع السفر قبل الزوال(منه رحمه الله).

و هذه النصوص مع ما هي عليه من الاستفاضة و اعتبار أسانيدها جملة،بالصحّة في أكثرها،و القرب منها في باقيها،و صراحة أكثرها معتضدة في الحكم الأول بعموم الكتاب و السنّة المتواترة بوجوب القصر على كلّ مسافر.

و خصوصِ المعتبرة و الإجماعات،القائلة على الكلّية:« إذا قصّرت أفطرت،و إذا أفطرت قصّرت» (1).

و نفيِ الخلاف عنه للمحكي في السرائر،لكن مع التبييت خاصّة (2).

و في الثاني إلى الإجماع المحكي في الخلاف عليه مطلقاً (3).

و قيل: يجب أن يقصّر في الصوم مطلقاً و لو خرج قبل الغروب و لم يبيّت نيّة السفر ليلاً.

و القائل بذلك:والد الصدوق في الرسالة و الحلّي في السرائر صريحاً (4)،و السيّدان و العماني و الفاضل في الإرشاد ظاهراً (5).

للعمومات،و خصوص الخبر:في الرجل يريد السفر في شهر رمضان،قال:« يفطر و إن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل» (6).

ص:491


1- الفقيه 1:/28 1270،التهذيب 3:/220 551،الوسائل 10:184 أبواب من يصح منه الصوم ب 4 ح 1.
2- السرائر 1:392.
3- الخلاف 2:201.
4- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:230،السرائر 1:392.
5- جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):56،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):71 نقله عن العماني في المختلف:230،الإرشاد 1:302.
6- التهذيب 4:/229 674،الإستبصار 2:/99 324،الوسائل 10:188 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 14.

و الرضوي:« فإن خرجت في سفر و عليك بقية يوم فأفطر» (1).

و العمومات مخصّصة بما عرفته.

و الخبر مقطوع،و مع ذلك في سنده ضعف بالجهالة.

و الرضوي مع قصوره عن الصحّة معارض بمثله المذكور في كتاب الصلاة منه،و هو قوله:« و إن خرجت بعد طلوع الفجر أتممت صوم ذلك اليوم،و ليس عليك القضاء،لأنه دخل عليك وقت الفرض على غير مسافرة» (2).

و مع ذلك،فهو كسابقه قاصر عن مقاومة الأدلّة المتقدمة،فلا يمكن المصير إليهما بالكلّية.

و هنا أقوال أُخر غير واضحة المأخذ،عدا ما عن المبسوط من جعل الشرط التبييت و الخروج قبل الزوال معاً (3)،و ما في المختلف من التخيير بين الصوم و الإفطار بعد الزوال (4)،و تبعه جماعة من متأخّري المتأخّرين، لكن لم يقيّدوه ببَعد الزوال (5).

لإمكان استناد الأول إلى الجمع بين النصوص الواردة بالأمرين، بتقييد إطلاق ما دلّ على الإفطار بما إذا خرج قبل الزوال،و ما دلّ عليه في صورة القيد بما إذا بيّت،لأنّ التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه،فيقيّد عموم كلٍّ منهما بخصوص الآخر،فإنّ الظاهر يحمل على

ص:492


1- فقه الرضا(عليه السلام):208،المستدرك 7:381 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 2.
2- فقه الرضا(عليه السلام):160.
3- المبسوط 1:284.
4- المختلف:232.
5- كما في المدارك 6:290،و الذخيرة:538.

النصّ.

و مثل هذا الجمع لا يحتاج إلى شاهد،و هو أولى من الجمع بينهما بالاكتفاء بأحد الأمرين كما في الوسائل (1)،فإنّه يحتاج إلى شاهد،و مع ذلك فهو كسابقه فرع التكافؤ بين المتعارضين،المفقود في البين؛ لرجحان ما دلّ على التحديد بالزوال بما عرفته.

و استنادِ الثاني إلى الصحيح:« إذا أصبح في بلده ثم خرج،فإن شاء صام،و إن شاء أفطر» (2).

و هو حسن إن وُجد به من القدماء قائل،و ليس.

و مع ذلك،فليس لنصوص المختار بمكافئ،فليطرح أو يحمل على أنّ المراد:صام بتأخير المسافرة إلى بعد الزوال و أفطر بتقديمها عليه.

هذا،مع أنّ العمل بالمختار ليس فيه خروج عن مقتضى هذا الصحيح،فالأحوط الاقتصار عليه على كلّ حال،و أحوط منه عدم المسافرة إلّا قبل الزوال مع تبييت النية.

و على التقديرات و الأقوال لا يجوز أن يفطر،إلّا حيث تتوارى جدران البلد الذي خرج منه،أو يخفى أذانه اتّفاقاً،فتوًى و نصّاً،كما مضى.

الرابعة الشيخ و الشيخة إذا عجزا تصدقا عن كل يوم بمد

الرابعة: الشيخ و الشيخة إذا عجزا عن الصيام أصلاً،أو مع مشقّة شديدة،جاز لهما الإفطار إجماعاً،فتوًى و دليلاً،كتاباً (3)و سنّة (4)،

ص:493


1- الوسائل 10:185 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 عنوان الباب.
2- التهذيب 4:/327 1019،الوسائل 10:187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 7.
3- البقرة:184.
4- الوسائل 10:209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15.

و تصدّقا عن كلّ يوم بمدّ من الطعام أو مدّين على الخلاف.

بلا خلاف أجده في الصورة الثانية،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الكتاب (2)،و السنّة المستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح:« الشيخ الكبير و الذي به العُطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان،و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام،و لا قضاء عليهما،فإن لم يقدرا فلا شيء عليهما» (3).

و نحوه آخر لراويه أيضاً،إلّا أنّه بدّل المدّ فيه بالمدّين (4).

و حمله الأصحاب على الاستحباب و منهم الشيخ في الاستبصار (5)جمعاً بينه و بين سائر أخبار المسألة المتضمّنة للمدّ خاصّة،و منها الرواية الأُولى لراوي هذه الرواية كما عرفته.

و حمله في التهذيب على اختلاف مراتب الناس في القدرة (6).و لا شاهد له.

و فيه (7):عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان،قال

ص:494


1- منهم السيد المرتضى في الانتصار:68،و العلامة في المختلف:245.
2- البقرة:184.
3- الكافي 4:/116 4،الفقيه 2:/84 375،التهذيب 4:/238 697،الإستبصار 2:/104 338،الوسائل 10:209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 2.
4- التهذيب 4:/238 698،الإستبصار 2:/104 339،الوسائل 10:210 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 2.
5- الإستبصار 2:104.
6- التهذيب 4:238 239.
7- أي في الصحيح(منه رحمه الله).

« يتصدّق في كلّ يوم بما يجزي من طعام مسكين» (1)و نحوه آخر (2).

و في مرسلة ابن بكير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه في قول اللّه عزّ و جل: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ [1] (3) قال:

« الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك،فعليهم لكلّ يوم مدّ» (4).

و في المروي في تفسير العيّاشي كما حكي في تفسيرها أنّه:« هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع،و المريض» (5).

و في المروي فيه أيضاً فيه أنّه:« المرأة تخاف على ولدها و الشيخ الكبير» (6).

و إطلاق أكثر هذه النصوص يشمل الصورة الأُولى،فتجب فيها الفدية أيضاً،كما عليه الشيخ في النهاية و الاقتصاد و المبسوط،و العماني، و الإسكافي،و ابنا بابويه،و القاضي،و الماتن هنا و في الشرائع،و الفاضل في الإرشاد و القواعد و المنتهى،و الشهيد في الدروس و اللمعة،و ابن فهد

ص:495


1- الكافي 4:/116 3،الوسائل 10:211 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 5.
2- التهذيب 4:/237 694،الإستبصار 2:/103 336،الوسائل 10:212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 9.
3- البقرة:184.
4- الكافي 4:/116 5،الفقيه 2:/84 377،الوسائل 10:211 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 6.
5- تفسير العياشي 1:/78 177،الوسائل 10:212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 7.
6- تفسير العياشي 1:/79 180،الوسائل 10:212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 8.

في المهذّب فيما حكي (1)،و غيرهم (2).

و قيل:لا تجب عليهما الفدية مع العجز،و أنّه إنّما يتصدّقان مع المشقّة خاصّة.

و القائل به:المفيد و المرتضى و ابن زهرة و الديلمي و الحلّي و الحلبي فيما حكي و الفاضل في المختلف و شيخنا في المسالك و الروضة و المحقق الثاني (3)،و كثير (4)،و عن التذكرة و المنتهى:أنّه مذهب الأكثر (5).

و لعلّه الأظهر؛ للأصل،و ظاهر الخبر المروي في الفقيه و التهذيب:

قلت له عليه السلام:رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء،و لا يمكنه الركوع و السجود،فقال:« ليومئ برأسه إيماءً)إلى أن قال:قلت له:فالصيام؟ قال:« إذا كان في ذلك الحدّ فقد وضع اللّه تعالى عنه،و إن كانت له مقدرة فصدقة مدّ من طعام بدل كلّ يوم أحبّ إليّ،و إن لم يكن له يسار فلا شيء عليه» (6).

ص:496


1- النهاية:159،الاقتصاد:294،المبسوط 1:285،حكاه عن العماني و الإسكافي و ابن بابويه في المختلف:244،الصدوق في المقنع:61،القاضي في المهذب 1:196،الشرائع 1:210،الإرشاد 1:304،القواعد:67،المنتهى 2:618،الدروس 1:291،اللمعة(الروضة 2):127،المهذب البارع 2:86.
2- كصاحب المدارك 6:293،و انظر مجمع الفائدة 5:321.
3- المفيد في المقنعة:351،جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):56،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):571،الديلمي في المراسم:97،الحلي في السرائر 1:400،الحلبي في الكافي في الفقه:182،المختلف:244،المسالك 1:81،الروضة 2:128،المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:154.
4- كالفيض في المفاتيح 1:242،و صاحب الحدائق 13:422.
5- التذكرة 1:280،المنتهى 2:618.
6- الفقيه 1:/238 1052،التهذيب 3:/307 951،الوسائل 10:212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 10،و فيها:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام.

و قريب منه الصحيحة الأُولى (1)،على احتمال (2)لا يخلو عن قرب.

و ضعف السند مجبور بالشهرة الظاهرة و المحكية (3)،مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه في الانتصار (4)،و نفي الخلاف عنه في الغنية (5)، و أقلّهما إن لم نقل بكونهما حجّة مستقلّة إفادة الشهرة العظيمة القديمة بلا شبهة،فيجبر بها مضافاً إلى ما مرّ ضعف الرواية.

و بهذا يقيّد إطلاق المستفيضة إن سلم عن دعوى اختصاصه بحكم التبادر بالصورة الثانية،و إلاّ كما هو ظاهر جماعة (6)فلا معارضة له لما قدّمناه من الحجّة.

نعم،ربّما كان ظاهر بعض الأخبار الإطلاق،بل خصوص الصورة المقابلة (7)،لكنه لضعف السند،و عدم المعارضة لا يصلح للحجّية.

هذا،و المسألة مع ذلك لا تخلو عن شبهة،و لذا تردّد فيها جماعة (8)، فالأحوط ما في العبارة،و إن كان ما اخترناه لا يخلو عن قوّة.

ص:497


1- المتقدمة في ص:2656.
2- و هو كون المراد بما لا يقدر عليه:الصوم،لا الفدية.و وجه القرب إشعار لفظة:« لا حرج عليهما» بالقدرة في الجملة،و ممّا ذكرنا يظهر فساد دعوى كون هذه الصحيحة مطلقة شاملة للصورة الأولى أيضاً؛ إذ فإن تقدير تساوي الاحتمالين تكون الرواية بالنسبة إليها مجملة،محتملة لها و للصورة الأخرى خاصة.و دعوى ظهور الاحتمال المقابل بعيدة،بل لعلّها فاسدة.(منه رحمه الله).
3- انظر الحدائق 13:423.
4- الانتصار:67.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):571.
6- كالفيض في المفاتيح 1:242،و صاحب الحدائق 13:422.
7- الوسائل 10:212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 الأحاديث 7،11،12.
8- انظر المهذب البارع 2:86،و الذخيرة:536،و الكفاية:53.

و هل يجب عليهما القضاء مع القدرة؟ قيل:نعم (1)،و هو الأشهر على ما صرّح به جمع (2).

و قيل:لا (3)،كما هو ظاهر سياق العبارة،و حكي عن والد الصدوق أيضاً (4).

و لعلّه الأقوى؛ للأصل،و إطلاق الصحيحة الأُولى (5)،و الرضوي (6).

و حملهما كالعبارة و نحوها على الغالب من عدم القدرة على القضاء،و إن كان متوجّهاً،إلّا أنّ ثبوت القضاء في غيره هنا لم نجد له دليلاً،لا خصوصاً و لا عموماً،لاختصاص نحو الكتاب: فعدّةٌ من أيّامٍ أُخر (7) بالفائت مرضاً أو سفراً،و ليس محلّ الفرض منهما،فيكون الوجوب فيه بالأصل مدفوعاً.

و ذو العُطاش بضمّ أوله،و هو:داء لا يَروى صاحبه،و لا يتمكّن من ترك شرب الماء طول النهار يفطر إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر،كالتحرير و التذكرة و المنتهى (8)،و غيرها (9)، و للكتاب (10)،و السنّة المستفيضة عموماً و خصوصاً،و منه الصحيح الذي

ص:498


1- انظر الشرائع 1:211،و المختلف:245.
2- الكفاية:53،المفاتيح 1:241،الحدائق 13:423.
3- المفاتيح 1:241.
4- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:245.
5- المتقدمة في ص:2656.
6- فقه الرضا(عليه السلام):211،المستدرك 7:387 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 3.
7- البقرة:184،185.
8- التحرير:85،التذكرة 1:281،المنتهى 2:619.
9- كالذخيرة:536.
10- البقرة:184،185.

مضى (1)،و الموثق (2)،و غيرها (3).

و يتصدّق عن كلّ يوم بمدٍّ من طعام.

ثم إن بريء قضى بلا خلافٍ في وجوبه،كما في ظاهر المختلف (4)و غيره (5)و صريح الحلّي (6)؛ لأنّه مريض،فيشمله عموم ما دلّ على وجوبه في حقّه.

و نفيه على الإطلاق في الصحيح الماضي محمول على صورة العجز عنه باستمرار المرض و عدم برئه؛ جمعاً بينه و بين سابقه (7)،لرجحانه بشهرته و قطعيّته،دون الصحيح،لظنيّته.

و ليس التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص مطلقاً،فيكون الصحيح لخصوصيّته بالتقديم أولى؛ لأنّ خصوصيّته إنّما هي بالنسبة إلى خصوص المرض،و أمّا بالنسبة إلى انقطاعه و استمراره فعامّ.

كما أنّ سابقه بالإضافة إلى انقطاع المرض خاص،و بالإضافة إلى نفسه (8)عام (9).

فيمكن تخصيص كلّ منهما بصاحبه،فلا بدّ من الترجيح.و لا ريب

ص:499


1- في ص:2656.
2- الكافي 4:/117 6،الفقيه 2:/84 376،التهذيب 4:/240 702،الوسائل 10:214 أبواب من يصح منه الصوم ب 16 ح 1.
3- الوسائل 10:210 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 3،6 و ب 16 ح 2.
4- المختلف:245.
5- المسالك 1:81.
6- السرائر 1:400.
7- أي:عموم ما دلّ على وجوبه في حقّه.
8- أي نفس المرض.
9- يشمل العطاش و غيره(منه رحمه الله).

أنّه مع العموم دون الصحيح؛ لقطعيّة متنه و اشتهاره،بل عدم ظهور خلاف فيه فيما نحن فيه،فينبغي تقييد الصحيح به،و حمله على صورة بقاء المرض و استمراره.

فمَيلُ بعض متأخّري المتأخّرين إلى العمل بإطلاق الصحيح و تخصيص العموم به (1)،فيه ما فيه.

و أمّا التصدّق،ففي وجوبه خلاف.و الأجود فيه وفاقاً لكثير، و منهم:الفاضل في جملة من كتبه،و المرتضى،و الحلّي (2)التفصيل بين استمرار المرض فيجب بدلاً عن القضاء،و عدمه فلا.

استناداً في الأول إلى الصحيح الماضي (3)،مضافاً إلى عموم ما دلّ على وجوبه على كلّ مريض استمرّ به المرض من رمضان إلى آخر،كما مرّ (4).

و في الثاني إلى الأصل،و عدم ظهور دليل على تخصيصه،عدا إطلاق الصحيح الماضي،و هو بعد تنزيله بالنسبة إلى القضاء على خصوص صورة الاستمرار غير معلوم الشمول لما نحن فيه،فيحتمل تنزيله بالنسبة إليه عليه أيضاً احتمالاً متساوياً إن لم يكن أولى.

خلافاً للشيخ (5)و جماعة (6)،فأوجبوه مطلقاً؛ و لم أقف لهم على

ص:500


1- الحدائق 13:426.
2- الفاضل في المنتهى 2:619،و المختلف:245،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):56.الحلي في السرائر 1:400.
3- المتقدم في ص:2656.
4- في ص:2611.
5- المبسوط 1:285،النهاية:159.
6- منهم الصدوق في المقنع:61،الأردبيلي في مجمع الفائدة 5:326.

حجّة تعتدّ بها.

و الحامل المقرب و هي التي قرب زمان وضعها و المرضع القليلة اللبن،يجوز لهما الإفطار إذا خافتا على ولدهما أو أنفسهما، بإجماع فقهاء الإسلام كما في المنتهى (1)؛ للضرورة المبيحة لكلّ محظور بالكتاب و السنّة و الإجماع و الاعتبار،و لخصوص ما سيأتي من النصوص.

و تتصدّقان لكلّ يوم بمدٍّ من طعام،بإجماعنا على الظاهر المصرّح به في المنتهى فيما إذا خافتا على ولدهما (2)،و في الخلاف مطلقاً (3)؛ و هو الحجّة على الإطلاق.

مضافاً إلى إطلاق الصحيح بل ظاهره-:« الحامل المقرب و المرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان،لأنّهما لا تطيقان الصوم،و عليهما أن تتصدّق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تفطر فيه بمدّ من طعام،و عليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد» (4).

و على هذا الإطلاق جماعة من الأصحاب،كابن حمزة،و الفاضلين في ظاهر إطلاق العبارة هنا و في الشرائع و الإرشاد،و صريح المعتبر و التحرير (5)و غيرهما (6)،بل ظاهر المعتبر كونه مجمعاً عليه بيننا،حيث عَزا

ص:501


1- المنتهى 2:619.
2- المنتهى 2:619.
3- الخلاف 2:196.
4- الكافي 4:/117 1،الفقيه 2:/84 378،التهذيب 4:/239 701،الوسائل 10:215 أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 1.
5- ابن حمزة في الوسيلة:190،الشرائع 1:211،الإرشاد 1:304،المعتبر 2:718،التحرير:85.
6- انظر مجمع الفائدة و البرهان 5:327،و الذخيرة:536.

التفصيل بين الخوف على الولد فيجب،و على النفس فلا إلى الشافعي خاصة (1).

خلافاً للفاضل في المنتهى،و ولده في الإيضاح،و ثاني المحققين، و ثاني الشهيدين،فالتفصيل (2)،و لا وجه له بعد إطلاق الصحيح بل ظاهره و الإجماع المحكي كما مضى.

نعم،في مستطرفات السرائر رواية صريحة في الخوف على النفس، و لم يذكر فيها الصدقة،بل الفطر و القضاء خاصة (3).

لكنّها مع ضعف سندها تقبل الإرجاع إلى الصحيح الذي هو أقوى منها سنداً،فيكون بالترجيح أولى،سيّما مع اعتضاده بإطلاق الخبر:قلت لأبي الحسن عليه السلام:إنّ امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين،فوضعت ولدها و أدركها الحبل،و لم تقوِ على الصوم،قال:« فلتصدّق [و ليتصدق] مكان كلّ يوم بمدٍّ على مسكين» (4).

و تقضيان ما فاتهما على الأشهر الأقوى،بل عليه إجماع أصحابنا مطلقاً كما في الخلاف (5)،أو من عدا سلّار كما في صريح المنتهى - (6)و ظاهر غيره.

ص:502


1- المعتبر 2:719.
2- المنتهى 2:619،إيضاح الفوائد 1:235،المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:154،الشهيد الثاني في المسالك 1:82.
3- مستطرفات السرائر:/67 11،الوسائل 10:216 أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 3.
4- الكافي 4:/137 11،الفقيه 2:/95 424،الوسائل 10:216 أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 2.
5- الخلاف 2:196.
6- المنتهى 2:619.

و ظاهر المختلف و التنقيح (1)و غيرهما (2)عدم الخلاف فيه إلّا من والد الصدوق،و عزاه (3)في السرائر إلى الديلمي و الفقيه (4).

أقول:و لم يذكره المرتضى،فكأنّه مخالف أيضاً.

و كيف كان،فالخلاف ممّن كان ضعيف جدّاً،يدفعه الصحيح السابق و رواية السرائر صريحاً؛ و لم أجد للمخالف مستنداً،عدا الأصل المخصّص بما مرّ.

و الخبرِ الأخير الساكت عن الأمر به مع وروده في مقام الحاجة.و هو مع ضعفه و عدم جابر له فيما نحن فيه لا حجّة فيه،بعد ورود الأمر به في الصحيح و غيره،المعتضدين بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل الإجماع حقيقة كما عرفت حكايته.

و الرضوي (5)،و هو و إن كان قويّاً في سنده صريحاً في نفيه (6)،إلّا أنّه غير مقاوم لمقابله.

و إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق في المرضع بين الاُمّ و غيرها،و لا بين المتبرّعة و المستأجرة إذا لم يقم غيرها مقامها.

أمّا لو قام غيرها مقامها بحيث لا يحصل ضرر على الطفل أصلاً -

ص:503


1- المختلف:245،التنقيح الرائع 1:396.
2- كما في المفاتيح 1:242.
3- أي:الخلاف.
4- السرائر 1:400 و فيه:و قد ذهب بعض أصحابنا إلى أنه لا قضاء عليهما،و هو الفقيه سلاّر.انتهى.فنسبة الخلاف فيه إلى الفقيه سهو،مع أن ظاهر الفقيه 2:84 وجوب القضاء حيث أورد الصحيح الموجب له.
5- فقه الرضا(رحمه الله):211،المستدرك 7:387 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 3.
6- أي القضاء.

فالأجود عدم جواز الإفطار؛ لانتفاء الضرورة المسوّغة للفدية،و لرواية السرائر المتقدمة إليها الإشارة،فإنّ فيها:« إن كانت ممّن يمكنها اتّخاذ ظئر (1)استرضعت لولدها و أتمّت صيامها،و إن كان ذلك لا يمكنها أفطرت و أرضعت ولدها و قضت صيامها متى ما أمكنها» .

الخامسة لا يجب صوم النافلة بالشروع فيه

الخامسة:لا يجب صوم النافلة ب مجرّد الشروع فيه بل يجوز الإفطار فيه إلى الغروب،كما في النصوص المستفيضة،و فيها الصحيح و غيره (2)،و لا خلاف فيه أجده،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (3).

و لكن يكره إفطاره بعد الزوال للنصّ المصرّح بوجوبه حينئذ (4)،المحمول على تأكّد الاستحباب جمعاً،و التفاتاً إلى قصوره عن الإيجاب سنداً و مقاومةً لمقابله من وجوه شتّى،و إن صرّح به متناً.

و يستثنى من الكراهة من دُعي إلى طعام؛ لما مرّت إليه الإشارة (5).

السادسة كلّ ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر

السادسة:كلّ ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر في الأثناء لعذر كحيض و مرض و سفر ضروري بنى بعد زواله مطلقاً،كان قبل تجاوز النصف أو بعده،كان الصوم شهرين أم ثمانية عشر أم ثلاثة.

بلا خلاف أجده إلّا من الفاضل في القواعد،و الشهيد في الدروس،

ص:504


1- الأصل في الظئر:العطف..فسمّيت المرضعة ظِئراً لأنّها تعطف على الرضيع مجمع البحرين 3:386.
2- الوسائل 10:15 أبواب وجوب الصوم ب 4.
3- منهم العلامة في المنتهى 2:620،و صاحب المدارك 6:273.
4- التهذيب 4:/281 850،الإستبصار 2:/122 397،الوسائل 10:19 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 11.
5- في ص:2642.

و شيخنا في المسالك و الروضة،و سبطه (1)،فجزموا بوجوب الاستئناف في كلّ ثلاثة يجب تتابعها،سواء كان لعذر أم لا،إلّا ثلاثة الهدي لمن صام يومين و كان الثالث العيد.

بل زاد الأخير،فاستجود اختصاص البناء مع الإخلال بالتتابع للعذر بصيام الشهرين المتتابعين،و الاستئناف في غيره،قال:لأنّ الإخلال بالمتابعة يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه،فيبقى المكلّف تحت العهدة إلى أن يتحقّق الامتثال.انتهى.

و هو حسن إن لم يستفد من الاعتبار و النصوص الواردة في الشهرين ما يتعدّى به الحكم إلى غيرهما،و إلّا فلا.و ما نحن فيه من قبيل الثاني؛ لشهادة الاعتبار بالعموم،كجملة من الأخبار،و فيها الصحيح و غيره.

أمّا الأول فواضح.

و أمّا الثاني فلتضمنّه تعليل الحكم بأنّ اللّه تعالى حبسه،كما في الصحيح (2)،و أنّ هذا ممّا غلب اللّه تعالى و ليس على ما غلب اللّه تعالى شيء،كما في غيره (3).

و هو كما ترى عامّ يشمل محلّ النزاع و غيره.و اختصاص المورد بالشهرين غير قادح؛ فإنّ العبرة بعموم اللفظ لا خصوصه.

و من العجب أنّه استدلّ بهذا التعليل لتعميم العذر للمرض و نحوه (4)،

ص:505


1- القواعد 1:69،الدروس 1:296،المسالك 1:79،الروضة 2:131،المدارك 6:247.
2- الوسائل 10:371،أبواب بقية الصوم الواجب ب 3.
3- التهذيب 4:/284 859،الإستبصار 2:/124 402،الوسائل 10:374 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 10.
4- التهذيب 4:/284 858،الإستبصار 2:/124 402،الوسائل 10:374 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 12.

مع أنّ المورد خصوص المرض،و قد وَرَد فيه (1)في الشهرين وجوب الاستئناف في الصحيح (2)و غيره (3)،و هو رحمه الله قد حملهما لذلك - (4)على الاستحباب،ناقلاً عن الشيخ حملهما على مرض لا يمنع الصوم (5).

و ذلك فإنّ التعليل كما صلح حجّة لمّا ذكره فكذا لما ذكرنا،بل بطريق أولى،لخلوّه عن المعارض الصريح،دون ما ذكره،لما عرفت من الصحيح و غيره الآمرين بالاستئناف.

و بالجملة:فما في العبارة و نحوها كعبارة الشرائع و الإرشاد و اللمعة، و صريح التحرير و السرائر و الغنية- (6)من التعميم أولى:سيّما و أنّ في الكتاب الأخير ادّعى عليه إجماعنا.

و أمّا الصحيح:« كلّ صوم يفرق إلّا ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين» (7).

فمحمول على أنّ المراد:أنّ بقيّة الكفّارات يجوز تفريقها في الجملة بعد تجاوز النصف لا مطلقاً،أو الحصر إضافي و إلّا فهو شاذّ لا نجد به قائلاً،حتى الشهيدين و سبط ثانيهما كما لا يخفى (8).

ص:506


1- المدارك 6:248.
2- أي في المرض.
3- الكافي 4:/138 1،التهذيب 4:/284 861،الإستبصار 2:/124 404،الوسائل 10:371 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 3.
4- الكافي 4:/139 7،التهذيب 4:/285 862،الإستبصار 2:/125 405،الوسائل 10:372 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 6.
5- أي لعموم التعليل(منه رحمه الله).
6- المدارك 6:249،و هو في الاستبصار 2:125 ذيل حديث 405.
7- الشرائع 1:205،الإرشاد 1:304،اللمعة(الروضة 2):131،التحرير:85،السرائر 1:411،الغنية(الجوامع الفقهية):572.
8- لعدم قولهم بحصر ما يجب فيه التتابع مطلقاً و لو مع العذر في كفارة اليمين،بل تعميمهم لكل ثلاثة(منه رحمه الله).

و لو أفطر لا لعذر استأنف قطعاً،و إجماعاً فتوًى و دليلاً إلّا ثلاثة مواضع : الأول: من وجب عليه صوم شهرين متتابعين،فصام شهراً و من الثاني شيئاً و لو يوماً؛ بإجماعنا المحقّق المصرّح به في الغنية و التذكرة و المنتهى (1)و غيرها (2)،و أخبارنا المستفيضة جدّاً،و فيها الصحاح و غيرها (3).

و الثاني: من وجب عليه صوم شهر بنذر و شبهه فصام خمسة عشر يوماً على الأشهر الأقوى،بل ظاهر المختلف (4)و غيره (5):

أنّه لا خلاف فيه أصلاً.و سيأتي بيانه و بيان سائر ما يتعلّق بهذه المسائل في كتاب الكفّارات مفصّلاً.

و الثالث: في صوم الثلاثة الأيّام بدلاً عن هدي التمتّع،إذا صام يومين منها و كان الثالث العيد،أفطر و أتمّ الثالث بعد أيّام التشريق إن كان بمنى بلا خلاف فيه أجده في الجملة،إلّا من بعض متأخّري متأخّري الطائفة،فتردّد فيه (6).و هو ضعيف،بل على خلافه الإجماع في المختلف (7)،و عن السرائر مطلقاً (8)،و في الغنية مع الضرورة (9).

ص:507


1- الغنية(الجوامع الفقهية):572،التذكرة 1:282،المنتهى 1:621.
2- إيضاح الفوائد 4:100.
3- الوسائل 10:371،أبواب بقية الصوم الواجب ب 3.
4- المختلف:248.
5- كالذخيرة:535.
6- المدارك 8:51.
7- المختلف:305.
8- السرائر 1:593.
9- الغنية(الجوامع الفقهية):572.

و قريب من الأول (1)المنتهى،فإنّ فيه:أجمع علماؤنا على إيجاب التتابع فيها،إلّا إذا فاته قبل يوم التروية،فإنّه يصوم التروية و يوم عرفة و يفطر العيد،ثم يصوم يوماً آخر بعد انقضاء أيّام التشريق و لو غيّر (2) هذه الأيّام وجب فيها التتابع ثلاثة (3).انتهى.

و هو الحجّة،مضافاً إلى جملة من المعتبرة و لو بالشهرة،مع أنّ فيها الصحيح كما قيل (4)،و لا يبعد،أو الموثق أو الحسن كما في الذخيرة (5):عن رجل قدم يوم التروية متمتّعاً و ليس له هدي،فصام يوم التروية و يوم عرفة،قال:« يصوم يوماً آخر بعد أيّام التشريق» (6)و بمعناه

ص:508


1- أي من المختلف.
2- في« ح»:و لو كان غير،و في المنتهى:و لو صام غير.
3- المنتهى 2:743.
4- القائل السيد نعمة اللّه الجزائري في شرحه على التهذيب،حيث قال في الردّ على ضعّف هذا الحديث،فقال:إنّه ممنوع؛ و ذلك لأنّ يحيى الأزرق هو يحيى بن عبد الرحمن الثقة الذي يروي عنه صفوان،و قد سبق التصريح به في باب الخروج الى الصفا،حيث قال:عن صفوان و علي بن النعمان عن يحيى بن عبد الرحمن الأزرق،و الذي حمله على تصنيفه أنّ الصدوق روى الحديث في الفقيه عن يحيى الأزرق،و قال في مشيخته:و كلّ ما في هذا عن يحيى الأزرق فقد رويته عن فلان عن فلان عن أبان بن عثمان عن يحيى بن حسّان الأزرق.و[لم]يذكر طريقه إلى يحيى بن عبد الرحمن الأزرق أيضاً،فالتمييز مشكل،و هذا غير مناف لما قلنا من أنّ جماعة من محقّقي علماء الرجال حكموا باتحاد الرجلين،و هو غير بعيد.انتهى.أقول:و نحوه بعض من[بيّن]وصف أحاديث الاستبصار الموجود عندي،فكتب في الحاشية:صح،و كتب يحيى الأزرق:الظاهر أنّه يحيى بن عبد الرحمن الأزرق.(منه رحمه الله)و قد وصف الرواية بالصحة المحقق الأردبيلي أيضاً في مجموع الفائدة 7:295.
5- الذخيرة:672،و فيه:و عن يحيى الأزرق بإسناد لا ينبغي أن يعدّ موثقاً.
6- الفقيه 2:/304 1509،التهذيب 5:/231 781،الإستبصار 2:/279 992،الوسائل 14:196 أبواب الذبح ب 52 ح 2.

غيره (1).

و هي بإطلاقها بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال تعمّ صورتي الاختيار و الضرورة،كما هو ظاهر العبارة هنا و في الشرائع، و التحرير و المنتهى و القواعد،و التهذيبين،و اللمعتين،و السرائر،و عن المبسوط و الجمل (2)،بل صريحها و صريح ابن حمزة على ما حكاه بعض الأجلّة (3)،قال:و خالف فيه القاضي و الحلبيّان و المحقّق الثاني،فاشترطوا الضرورة (4).

أقول:و ظاهر الغنية دعوى الإجماع.

و عليه فيمكن الجمع بين ما مرّ من المعتبرة و الصحاح المعارضة، منها:في متمتّع دخل يوم التروية و لا يجد هدياً:« فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة،و يتسحّر ليلة الحصبة (5)،فيصبح صائماً،و هو يوم النفر،

ص:509


1- التهذيب 5:/231 780،الإستبصار 2:/279 991،الوسائل 14:195 أبواب الذبح ب 52 ح 1.
2- الشرائع 1:262،التحرير:105،المنتهى 2:743،القواعد:88،التهذيب 5:231،الإستبصار 2:280،الروضة 2:132،السرائر 1:592،المبسوط 1:370،الجمل و العقود(الرسائل العشر):236.
3- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:363،و لم يعدّ فيه المحقق الثاني من جملة المخالفين،و لم نعثر على مخالفته في جامع المقاصد.
4- القاضي في المهذب 1:200،الحلبي في الكافي في الفقه:188،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):572.
5- المُحَصَّب:موضع الجمار عند أهل اللغة،و المراد به هنا كما نَصَّ عليه بعض شرَّاح الحديث الأبطح،إذ المُحَصَّب يصح أن يقال لكل موضع كثيرة حصباؤه،و الأبطح ميل واسع فيه دقاق الحصى،و هذا الموضع تارة يسمى بالأبطح و أخرى بالمحُحَصَّب،أيّ عند منقطع الشّعب من وادي منى و آخره متصل بالمقبرة التي تسمى عند أهل مكة بالمعلّى،و ليس المراد بالمخَصَّب موضع الجمار بمنى،و ذلك لأنّ السنّة يوم النفر من منى أن ينفر بعد رمي الجمار و أول وقته بعد الزوال و ليس له أن يلبث حتى يمسي،و قد صلى به النبي المغرب و العشاء الآخرة و قد رقد به رقدة،فعلمنا أن المراد من المحصّب ما ذكرناه.و« التَّحصيب» المستحب هو النزول في مسجد المحصبة و الاستلقاء فيه،و هو في الأبطح،و هذا الفعل مستحب تأسياً بالنبي(صلى الله عليه و آله)،و ليس لهذا المسجد أثر في هذا الزمان،فتتأدى لسنة بالنزول في الأبطح قليلاً ثم يدخل البيوتَ من غير أن ينام بالأبطح،و« ليلة الحَصْبة» بالفتح بعد أيام التشريق،و هو صريح بأن يوم الحَصْبة هو يوم الرابع عشر لا يوم النَّفْر،يؤيده ما روي عن أبي الحسن(عليه السلام)و قد سُئل عن متمتع لم يكن له هدي؟فأجاب:« يصوم أيام منى،فإن فاته ذلك صام صبيحة يوم الحَصبة و يومين بعد ذلك» مجمع البحرين 2:43 44.

و يصوم يومين بعده» (1).

بحمل الأوّلة على حال الضرورة،و هذه على الصورة المقابلة.

و لا ريب أنّ هذا التفصيل أحوط،و إن كان الجمع بينهما بحمل الأخيرة على الاستحباب لعلّه أظهر،للأصل،و شهرة الإطلاق،و العموم للصورتين،الموجب لوهن الإجماع،الذي هو الشاهد على الجمع الأول.

و منه يظهر ضعف ما يحكى عن بعض المتأخّرين من اشتراط الجهل بكون الثالث العيد (2).

و لا يجوز أن يبني لو كان الفاصل بينها غيره أي غير العيد مطلقاً،على الأشهر الأقوى؛ لعموم ما دلّ على وجوب التتابع فيها من النصّ (3)و الفتوى.

خلافاً للمحكي عن ابن حمزة،فاستثنى ما لو كان الفاصل يوم عرفة

ص:510


1- الكافي 4:/508 4،الوسائل 14:197 أبواب الذبح ب 52 ح 5.
2- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:363.
3- الوسائل 14:198 أبواب الذبح ب 53.

لمن يخاف بصومه الضعف عن الدعاء (1)،و نفى عنه البأس في المختلف،و البعد في المدارك (2).

استناداً إلى أنّ التشاغل فيه مطلوب للشارع،فجاز الإفطار.

و ضعفه ظاهر،فإنّ ذلك لا يوجب حصول التتابع المأمور به شرعاً،بل مع الإفطار يجب عليه استئناف الثلاثة من أولها.

و أظهر من هذا ضعفاً ما يحكى عن المبسوط و الجمل من اغتفار التفريق بينها إذا صام يومين منها مطلقاً (3)؛ إذ لم أرَ له حجّةً يعتد بها،عدا ما في المختلف من أنّ تتابع الأكثر يجري مجرى تتابع الجميع (4).و هو كما ترى.

و هل تجب المبادرة إلى الثالث بعد زوال العذر؟وجهان:

من إطلاق النصوص (5)و أكثر الفتاوي.

و من وجوب الاقتصار في ترك الواجب للضرورة على قدرها.و هذا أحوط و أولى،و به أفتى صريحاً بعض أصحابنا (6)،حاكياً له عن ابن سعيد.

و الحمد للّه تعالى.

ص:511


1- حكاه عنه في المختلف:305.
2- المختلف:305،المدارك 8:54،لم ينف البعد عن قول ابن حمزة بل استبعده.
3- حكاه عنهما في المختلف:249.
4- المختلف:249.
5- انظر الوسائل 14:195 أبواب الذبح ب 52.
6- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:363.

ص:512

كتاب الاعتكاف

اشارة

كتاب الاعتكاف و هو لغةً:الاحتباس و اللبث الطويل.و شرعاً:اللبث المخصوص للعبادة.

و شرعيته ثابتة بالكتاب و السنّة و الإجماع.

قال اللّه سبحانه:

وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ [1] (1).و قال عزّ و جل:

أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ [2] (2).و في الصحيح:« كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد و ضربت له قبّة من شعر،و شمّر المئزر و طوى فراشه» الحديث (3).

ص:513


1- البقرة:187.
2- البقرة:125.
3- الكافي 4:/175 1،الفقيه 2:/120 517،الوسائل 10:533 أبواب الاعتكاف ب 1 ح 1.

و يستفاد منه و من غيره من النصوص (1)أنّ أفضل أوقاته العشر الأواخر من شهر رمضان،حتى أنّ في بعضها« لا اعتكاف إلاّ في العشر الأواخر من شهر رمضان» كما في نسخة (2)،أو العشرين منه،كما في أُخرى (3).

و في الخبر:« اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجّتين و عمرتين» (4).

و هو في الأصل مستحب،و إنّما يجب بالنذر و يمضي يومين فيجب الثالث،و كذا كل ثالث كالسادس و التاسع،على الخلاف الآتي.

و الكلام في هذا الكتاب يقع في أمور ثلاثة:

شروطه،و أقسامه،و أحكامه.

أمّا الشروط

اشارة

أمّا الشروط هي خمسة

الشرط الأول النية

: الأول:

النيّة بلا خلاف،كما في كلّ عبادة،و قد مضى تحقيقها في كتاب الطهارة.

الثاني الصوم

و الثاني:

الصوم بالإجماع،و المعتبرة المستفيضة و فيها الصحيح و غيره-:« لا اعتكاف إلّا بصوم» (5).

و في الصحيح:« تصوم ما دمت معتكفاً» (6)و نحوه في إيجاب الصوم

ص:514


1- الوسائل 10:533 أبواب الاعتكاف ب 1.
2- التهذيب 4:/290 884،الإستبصار 2:/126 411،الوسائل 10:534 أبواب الاعتكاف ب 1 ح 5.
3- الكافي 4:/176 2،الوسائل 10:534 أبواب الاعتكاف ب 1 ح 5.
4- الفقيه 2:/122 531،الوسائل 10:534 أبواب الاعتكاف ب 1 ح 3.
5- الوسائل 10:535 أبواب الاعتكاف ب 2.
6- الكافي 4:/176 3،الوسائل 10:535 أبواب الاعتكاف ب 2 ح 1.

حال الاعتكاف كثير (1).

و المراد بالوجوب فيها:الشرطي كما في سابقها لا الشرعي،و إلّا لزاد الشرط على مشروطه.

و إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق في الصوم بين كونه ندباً أو واجباً،لرمضان أو غيره،و محصّله:أنّه لا يعتبر وقوعه لأجله،بل يكفي حصوله على أيّ وجهٍ اتّفق،و به صرّح جماعة (2)،معربين عن عدم خلاف فيه كما صرّح به بعضهم (3)،و عن المعتبر:أنّ عليه فتوى علمائنا (4).

أقول:و يدلّ عليه بعد الإجماع و الإطلاقات صريح ما مرّ من النصوص المرغّبة لإيقاعه في شهر رمضان؛ بناءً على ما مرّ في الصوم من أنّه لا يقع في شهر رمضان غيره إجماعاً (5).

و على هذا الشرط فلا يصحّ الاعتكاف إلّا في زمانٍ يصحّ صومه،ممّن يصحّ منه الصوم،فلا يصحّ الاعتكاف في العيدين،و لا من الحائض و النفساء و المريض المتضرّر بالصوم.

الثالث العدد

و الثالث:

العدد،و هو ثلاثة أيّام فلا اعتكاف في أقلّ منها؛ بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (6)،و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة جدّاً،ففي جملةٍ منها:« لا يكون اعتكاف أقلّ من

ص:515


1- الوسائل 10:535 أبواب الاعتكاف ب 2.
2- المدارك 6:315،مفاتيح الشرائع 1:276،الحدائق 13:45.
3- كالفيض في مفاتيح الشرائع 1:277.
4- المعتبر 2:726.
5- راجع ص:2495.
6- منهم:المحقق في المعتبر 2:728،و العلامة في التذكرة 1:284،و صاحب الحدائق 13:418،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:276.

ثلاثة أيّام» (1).

و لا خلاف في دخول ليلتي الثاني و الثالث ممّن عدا الشيخ في موضعٍ من الخلاف- (2)بل عليه الإجماع في ظاهر جملة من العبائر،كالمعتبر و المنتهى (3)و غيرهما (4).

و قول الشيخ بالخروج متروك كما في عبائر،و منها الدروس (5).

و في دخول ليلة الأول خلاف،الأقرب الخروج،وفاقاً للمشهور،و منهم:الشيخ في موضع من الخلاف،و الفاضلان في المعتبر و التحرير،و الشهيدان في الروضة و الدروس،و الفاضل المقداد في التنقيح (6)،و جماعة من محقّقي متأخّري المتأخّرين (7).

لأنّ المتبادر من لفظ« اليوم» الوارد في الفتوى و النصّ:إنّما هو من عند الفجر إلى الغروب.

و إنّما قلنا بدخول الليلتين لما مرّ من الإجماع المنقول على دخولهما بالخصوص.مضافاً إلى الإجماع على أن أقلّ الاعتكاف ثلاثة؛ إذ لو لم يدخلا لتحقّق الخروج منه بدخول الليل،فجاز فعل المنافي،فانقطع اعتكاف ذلك اليوم عن غيره و يصير منفرداً،فحصل اعتكاف أقلّ من ثلاثة

ص:516


1- الوسائل 10:544 أبواب الاعتكاف ب 4 ح 2،4،5.
2- الخلاف 2:239.
3- المعتبر 2:728،المنتهى 2:630.
4- كالتذكرة 1:284،و الحدائق 13:459.
5- الدروس 1:298.
6- الخلاف 2:238،المعتبر 2:728،التحرير:86،الروضة 2:150،الدروس 1:298،التنقيح الرائع 1:400.
7- منهم صاحب المدارك 6:317،و الفيض في المفاتيح 1:276،و السبزواري في الذخيرة:540،و صاحب الحدائق 13:460.

أيّام،و هذا خلف.

و الحاصل:أنّ الليل لا يدخل في مسمّى اليوم إلّا بقرينة أو دليل من خارج،و هما مختصّان بالأخيرتين.

و أمّا دخول الليلة المستقبلة في مسمّاه كما نقل قولاً- (1)فلا وجه له.

و تتفرّع على الخلاف فروع جليلة لا يليق بهذا المختصر ذكرها جملة.

نعم،لا بأس بذكر ما يتعلّق منها بأمر النيّة،و هو ابتداء الاعتكاف الذي يجب مقارنتها له،و هو على المختار عند طلوع الفجر،و على غيره عند الغروب.

الرابع المكان

و الرابع:

المكان،و هو كلّ مسجد جامع جمع فيه إمام عدل،و لو غير إمام الأصل:

وفاقاً للمفيد،و عليه الماتن في كتبه،و الشهيدان (2)،و جماعة من محقّقي متأخّري المتأخّرين (3).

لعموم الآية،و النصوص المستفيضة،و فيها الصحيح و الموثّق و غيرهما:« لا اعتكاف إلّا بصوم في المسجد الجامع» كما في بعضها (4)،أو« مسجد جماعة» كما في أُخرى (5).

ص:517


1- نقله صاحب المدارك 6:317.
2- المفيد في المقنعة:363،الماتن في المعتبر 2:732،و الشرائع 1:216،الشهيد الأول في الدروس 1:298،الشهيد الثاني في الروضة 2:150.
3- منهم:صاحب المدارك 6:323،و السبزواري في الذخيرة:539،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:277.
4- الفقيه 2:/119 516،الوسائل 10:538 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 1.
5- التهذيب 4:/290 881،الإستبصار 2:/127 414،الوسائل 10:439 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 6.

و قيل:لا يصحّ إلّا في أحد المساجد الأربعة:مكّة،و المدينة،و جامع الكوفة و البصرة. و القائل:الشيخ،و السيّدان،و الحلبي،و القاضي،و ابن حمزة،و الحلّي،و الفاضل في القواعد و الإرشاد و التحرير و المنتهى،و المحقّق المقداد في التنقيح (1)،و غيرهم (2).

و بالجملة:الأكثر كما في كلام جماعة (3)،بل المشهور كما في كلام آخرين (4)،بل عليه الإجماع في صريح الانتصار و الغنية و الخلاف و ظاهر السرائر (5)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الصحيح المروي في الفقيه:ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟فقال:« لا يعتكف إلّا في مسجد جماعة صلّى فيه إمام عدل جماعة،و لا بأس بأن يعتكف في مسجد الكوفة و البصرة و مسجد المدينة و مسجد مكّة» (6).

ص:518


1- الشيخ في المبسوط 1:289،المرتضى في الانتصار:72،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):572،الحلبي في الكافي:186،القاضي في المهذب 1:204،ابن حمزة في الوسيلة:153،الحلّي في السرائر 1:421،قواعد الأحكام 1:70،الإرشاد 1:305،التحرير 1:87،المنتهى 2:632،التنقيح الرائع 1:401.
2- كسلّار في المراسم:99.
3- منهم:العلامة في التذكرة 1:284،و الشهيد الثاني في الروضة 2:150،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:401.
4- كالعلامة في المنتهى 2:632.
5- الانتصار:72،الغنية(الجوامع الفقهية):573،الخلاف 2:233،السرائر 1:421.
6- الكافي 4:/176 1،الفقيه 2:/120 519،التهذيب 4:/290 882،الإستبصار 2:/126 409،الوسائل 10:540 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 8.

و ما يقال:من أنّ الإجماع ممنوع،و الحديث لا دلالة فيه،فإنّ الإمام العدل لا يختصّ بالمعصوم عليه السلام كالشاهد العدل،إلّا أن يُجعل ذكر هذه المساجد قرينة على إرادته عليه السلام،فيحمل على نفي الفضيلة (1).

فمردود بعدم وجه لمنع الإجماع،عدا وجود الخلاف،و هو على أصلنا غير ضائر،فينبغي قبول دعواه،سيّما مع استفاضة نقله،و شهرة الفتوى به اشتهاراً محقّقاً و محكيّاً.

مع عدم ظهور مخالف يعتدّ به من القدماء،عدا العماني،حيث جوّز الاعتكاف في كلّ مسجد (2)؛ لعموم الآية،و الموثّق المروي في المعتبر و المنتهى:« لا اعتكاف إلّا بصوم،و في مسجد المصر الذي أنت فيه» (3).

و المفيد،حيث جوّزه في المسجد الأعظم (4)،المرجوع إلى الجامع، كما في كلام الماتن.

و الصدوقين،حيث جوّزه أولهما في المساجد الأربعة،مبدلاً البصرة منها بالمدائن (5)،و ثانيهما في الخمسة (6).

و لا ريب في ندرة الأول و شذوذه،و مخالفته الإجماع القطعي و النصّ المستفيض،المخصّص بهما عموم دليلَيه،على تقدير تسليمه.

و كذلك الصدوقان،مع عدم وضوح دليل لهما،عدا الرضوي لأولهما،

ص:519


1- كما في المدارك 6:325،و المفاتيح 1:277،و الذخيرة:540.
2- نقله عنه في المختلف:251.
3- المنتهى 2:633،المعتبر 2:733،الوسائل 10:541 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 11.
4- انظر المقنعة:363.
5- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:251.
6- الصدوق في المقنع:66.

ففيه:« صوم الاعتكاف في المسجد الحرام،و مسجد الرسول صلى الله عليه و آله،و مسجد الكوفة،و مسجد المدائن،و لا يجوز الاعتكاف في غير هذه المساجد الأربعة؛ و العلّة في هذه:أنّه لا يُعتكَف إلّا في مسجد جَمَع فيه إمام عدل،و جمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمكّة و المدينة،و أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الثلاثة المساجد» (1).

و ما روي أنّ مولانا الحسن عليه السلام صلّى في مسجد المدائن جماعة (2)لثانيهما.

و هما مع قصور سنديهما،بل ضعفهما في مقابلة ما مضى لا مخالفة لهما لما عليه أصحابنا،من حيث اتّفاقهما لهم في اعتبار مسجد صلّى فيه إمام الأصل جمعة،كما عليه أكثرهم،و منهم جملة من نقلة الإجماع كالسيّدين و الحلّي (3)،أو جماعةً،كما هما عليه.

و لذا أنّ كثيراً من أصحابنا (4)ألحقوهما بالمشهور.

فلم يبق مخالف لهم سوى المفيد،و هو بالإضافة إليهم نادر و إن وافقه الماتن،لتأخّره عنهم.

و مع ذلك،لا مستند له حيث قيّد المسجد بالأعظم،إلّا إذا أُريد به الجامع يعني:الذي يجتمع فيه أهل البلد دون نحو مسجد القبيلة فتدلّ عليه المستفيضة المتقدّمة (5)،لكن قد عرفت أنّ في جملة منها بدل

ص:520


1- فقه الرضا(عليه السلام):213،المستدرك 7:562 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 1.
2- المعتبر 2:732،و ليس فيه لفظة« جماعة»،إيضاح الفوائد 1:256،روضة المتقين 3:498،مرآة العقول 16:428.
3- المرتضى في الانتصار:72،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):572،الحلي في السرائر 1:421.
4- كصاحب الحدائق 13:464.
5- في ص:2672.

« الجامع» « مسجد جماعة» و لا ريب أنّه أعمّ من الجامع،لصدقه على مسجد القبيلة إذا صُلّي فيه جماعة،و لم يقولوا به.

و تقييده بالجامع على تقدير تسليم صحّته ليس بأولى من تقييدهما بما عليه أصحابنا من مسجد صلّى فيه إمام الأصل جمعةً أو جماعة.بل هو أولى؛ للإجماعات الكثيرة،و الشهرة القديمة العظيمة،و قاعدة توقيفيّة العبادة،و وجوب الاقتصار فيها على المتيقّن ثبوته من الشريعة.مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة (1).

و الجواب عنها بالحمل على الفضيلة بعد الاعتراف بالدلالة لا وجه له؛ لاشتراطه بالتكافؤ المفقود في البين،لأرجحيّة هذه بالإضافة إلى المستفيضة بما عرفته من الشهرة و الإجماعات المحكيّة،و بمرجوحيّته بالإضافة إلى حمل المطلق على المقيّد (2).

هذا،مع احتمال ورود المستفيضة للتقيّة؛ لموافقتها لمذهب جماعة من العامّة،كأبي حنيفة و من تبعه (3).

و بالجملة:المشهور في غاية القوة،سيّما مع اعتضاده أيضاً بما رواه في المختلف عن الإسكافي،أنّه قال:روى ابن سعيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام جوازه في كلّ مسجد صلّى فيه إمام عدلٍ صلاة جماعة،و في المسجد الذي تصلّى فيه الجمعة بإمام و خطبة (4).فتأمّل.

الخامس الإقامة في موضع الاعتكاف

و الخامس: الإقامة في موضع الاعتكاف بإجماع العلماء

ص:521


1- في ص:2672.
2- أي:مرجوحيّة حمل الصحيحة على الفضيلة بالإضافة إلى حمل المطلق و هو المستفيضة على المقيّد.
3- انظر عمدة القارئ 11:142،بدائع الصنائع 2:113.
4- المختلف:251،الوسائل 10:542 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 14،بتفاوت.

كما عن المعتبر و التذكرة و المنتهى (1)،و الصحاح و غيرها به مستفيضة من طرقنا.

ففي الصحيح:« ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا إلى الجمعة أو جنازة أو غائط» (2).

و في آخرَين:« لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلّا لحاجة لا بدّ منها،ثم لا يجلس حتّى يرجع،و المرأة مثل ذلك» (3).

و زيد في أحدهما:« و لا يخرج في شيء إلّا لجنازةٍ أو يعود مريضاً» (4).

و ما فيهما من أنّ المرأة مثل الرجل مجمع عليه بيننا،و به صرّح في الخلاف (5)و غيره (6)أيضاً.

و عليه فلو خرج كلّ منهما عن المسجد بجميع بدنه لا ببعضه على الأقوى- أبطله و كذا لو صعد سطحه على قول (7)،و الأقوى:لا،وفاقاً للمحكي عن المنتهى،لأنّه من جملته (8).

نعم،الأحوط ترك هذا و سابقه إلّا لضرورة كتحصيل مأكول

ص:522


1- المعتبر 2:733،التذكرة 1:290،المنتهى 2:633.
2- الكافي 4:/178 1،الوسائل 10:550 أبواب الاعتكاف ب 7 ح 6.
3- الكافي 4:/176 2،الفقيه 2:/120 521،التهذيب 4:/290 884،الاستبصار 2:/126 411 بتفاوت يسير،الوسائل 10:549 أبواب الاعتكاف ب 7 ح 1.
4- الكافي 4:/178 3،الفقيه 2:/122 529،التهذيب 4:/288 871،الوسائل 10:549 أبواب الاعتكاف ب 7 ح 2.
5- الخلاف 2:227.
6- المدارك 6:326،الحدائق 13:468.
7- انظر الدروس 1:300.
8- المنتهى 2:635.

و مشروب،و فعل الأول في غيره (1)لمن عليه فيه غضاضة،و قضاء حاجة من بول أو غائط،و اغتسال واجب لا يمكن فعله فيه،و نحو ذلك ممّا لا بدّ منه،و لا يمكن فعله في المسجد،و لا يتقدّر معها (2)بقدر إلّا زوالها.

نعم،لو خرج عن كونه معتكفاً بطل مطلقاً،و كذا لو خرج مكرهاً أو ناسياً فطال،و إلّا رجع حيث ذكر،فإن أخّر بطل.

كلّ ذلك على الأظهر،وفاقاً لجمع (3).

خلافاً للمحكي عن المعتبر في المكره،فيبطل بقول مطلق؛ لمنافاته لماهيّة الاعتكاف (4).

و فيه على إطلاقه نظر،و الأصل يقتضي الصحّة،و النهي الموجب للفساد غير متوجّه في هذه الصورة،و لذا قال كالأكثر بعدم البطلان في الناسي (5)،و سؤال الفرق متوجّه.

أو طاعة،مثل تشييع جنازة مؤمن للصحيحين المتقدّمين،و ليس فيهما التقييد المؤمن.

أو عيادة مريض لفحواهما،مع التصريح به في أحدهما،و هو مطلق كالأول،فالتفصيل (6)غير ظاهر الوجه.

و على جواز الأمرين بقول مطلق الإجماع في الانتصار و الغنية و التذكرة (7).

ص:523


1- أي المسجد.
2- أي مع الضرورة.
3- المسالك 1:84،المدارك 6:331،الحدائق 13:472.
4- المعتبر 2:733.
5- المعتبر 2:736.
6- بتقييد الجنازة بالمؤمن و إبقاء المريض على إطلاقه(منه رحمه الله).
7- الانتصار:74،الغنية(الجوامع الفقهية):573،التذكرة 1:291.

أو شهادة تحمّلاً و إقامةً،إن لم يمكن بدون الخروج،سواء تعيّنت عليه أم لا.بلا خلاف و لا إشكال في الصورة الأُولى؛ لكونها من الحاجة المرخّص في الخروج لأجلها.

و يشكل في الثانية،و إن ذكر جواز الخروج فيها أيضاً جماعة،و منهم الفاضل في المنتهى،معلّلاً بكونها من الحاجة المرخّص لها (1).

و هو مشكل جدّاً،إلّا أن يتمسّك بفحوى الجواز للتشييع و عيادة المريض،لكونهما مستحبّاً،فالجواز لهما يستدعي الجواز للواجب و لو كفايةً بطريق أولى.

و لا يجوز أن يجلس لو خرج لشيء من الأُمور المذكورة و لا أن يمشي تحت الظلال اختياراً.

بلا خلاف في الأول في الجملة،و إن اختلف العبارات في الإطلاق كما في الصحيحين الماضيين (2)،أو التقييد بتحت الظلال كما في الخبر (3)، لكنّه قاصر عن المقاومة لهما سنداً و دلالة،فإذاً الأول أظهر،مع أنه أحوط.

و على الثاني جماعة،و منهم:الشيخ في أكثر كتبه،و الحلّي،و الحلبي كما حكي،و المرتضى في الانتصار،مدّعياً عليه الإجماع (4)،كما هو ظاهر المحقّق الثاني،حيث عزاه إلى الشيخ و الجماعة (5).

ص:524


1- المنتهى 2:634.
2- المتقدمين في ص:2675.
3- الكافي 4:/178 2،الفقيه 2:/122 528،التهذيب 4:/287 870،الوسائل 10:550 أبواب الاعتكاف ب 7 ح 3.
4- الشيخ في المبسوط 1:293،و النهاية:172،الحلّي في السرائر 1:425،الحلبي في الكافي:187،الانتصار:74.
5- جامع المقاصد 1:156.

فإن تمّ كان هو الحجّة،و إلّا فالأصل يقتضي الجواز،كما في الغنية، و عن الشيخ في المبسوط،و المفيد،و الديلمي (1)،و أكثر المتأخّرين (2).

و لكن في النسبة مناقشة،فإنّ القدماء المحكي عنهم ذلك ليست عباراتهم المحكيّة صريحة في ذلك،و إنّما الموجود فيها النهي عن الجلوس تحت الظلال خاصّة،من غير تعرّض للمشي،و هو ليس بصريح في جواز المشي تحتها.

و أمّا المتأخّرون،فلم أقف على مصرّح به،سوى الماتن في المعتبر، و الفاضل في المختلف،و شيخنا في المسالك و الروضة (3)،و بعض من تأخّر عنهم (4)،و الأولان وافقا الجماعة في أكثر كتبهما (5).و الشهيد في الدروس و إن كان ظاهره الميل إليه (6)إلّا أنّه في اللمعة وافق الجماعة (7).

و كيف كان،فلا ريب أنّ المنع أحوط،إن لم نقل بكونه أظهر.

و لا يجوز أن يصلّي خارج المسجد الذي اعتكف فيه،بلا خلاف؛ للصحيحين (8).

ص:525


1- الغنية(الجوامع الفقهية):573،المبسوط 1:293،المفيد في المقنعة:363،58 الديلمي في المراسم:99.
2- منهم صاحب المدارك 6:329،و الحدائق 13:472.
3- المعتبر 2:735،المختلف:255،المسالك 1:84،الروضة 2:152.
4- كصاحب المدارك 6:329،و السبزواري في الذخيرة:541،و صاحب الحدائق 13:472.
5- كما في الشرائع 1:217،و التذكرة 1:291،المنتهى 1:635.
6- الدروس 1:299.
7- اللمعة(الروضة 2):151.
8- الكافي 4:/177 5،الفقيه 2:/121 523،التهذيب 4:/293 892،891،الإستبصار 2:/128 417،416،الوسائل 10:551 أبواب الاعتكاف ب 8 ح 2،3.

فيرجع الخارج لضرورة إليه و إن كان في مسجد آخر أفضل منه إلّا مع الضرورة كضيق الوقت فيصلّيها حيث أمكن،مقدّماً للمسجد مع الإمكان احتياطاً.

و من الضرورة إلى الصلاة في غيره:إقامة الجمعة فيه دونه؛ و للصحيح الماضي (1)،فيخرج إليها.

و بدون الضرورة لا تصحّ الصلاة أيضاً للنهي.

إلّا بمكّة فيصلّي إذا خرج لضرورة بها حيث شاء،و لا يختصّ بالمسجد،و لا خلاف في هذا أيضاً؛ للصحيحين المشار إليهما.

أمّا أقسامه فهو على قسمين

و أمّا أقسامه فهو على قسمين: واجب،و مندوب فالواجب:ما وجب بنذر و شبهه من عهد و يمين و بنيابةٍ حيث تجب.

و يشترط في النذر و ما في معناه:إطلاقه،فيحمل على ثلاثة،أو تقييده بها فصاعداً،أو بما لا ينافيها كنذر يوم لا أزيد.

و أمّا غيرهما،فبحسب الملتزم (2)،فإن قصر عن الثلاثة اشترط إكمالها في صحّته،و لو عن نفسه.

و هو أي الواجب يلزم بالشروع فيه،بلا إشكال مع تعيّن الزمان،و يستشكل فيه مع إطلاقه،لعدم ما يقتضيه.

و لذا قيل بمساواته للمندوب في عدم وجوب المضيّ فيه قبل

ص:526


1- المتقدم في ص:2675.
2- في« ص»:الملزم.

اليومين (1)؛ و هو بناءً على منع العموم الدالّ على حرمة إبطال الأعمال.

و لو قيل به إلّا ما أخرجه الدليل،و هو المندوب على الإطلاق،كما هو ظاهر الأصحاب لم يكن بعيداً من الصواب.

و نحو المتن في الحكم باللزوم بالشروع الشرائع و القواعد (2)، و ربّما عزي إلى المشهور (3)،و في التنقيح:أنّه لا خلاف فيه (4).

و المندوب: ما يتبرّع به من غير موجب.

و لا يجب بالشروع فيه،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ للأصل،و صريح الصحيحين الآتيين.

خلافاً للمحكي عن المبسوط و الحلبي،فيجب (5).

و لعلّه لعموم النهي عن إبطال العمل،كما في التنقيح (6).

أو لإطلاق نحو الصحيح:عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم،و هي معتكفة بإذن زوجها،فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد الذي هي فيه،فتهيّأت لزوجها حتى واقعها،فقال:« إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة،و لم تكن اشترطت في اعتكافها،فإنّ عليها ما على المظاهر» (7).

ص:527


1- انظر المدارك 6:339.
2- الشرائع 1:218،القواعد 1:70.
3- الحدائق 13:479.
4- التنقيح الرائع 1:403.
5- المبسوط 1:293،الحلبي في الكافي في الفقه:186.
6- التنقيح الرائع 1:403.
7- الكافي 4:/177 1،الفقيه 2:/121 524،التهذيب 4:/289 877،الإستبصار 2:/130 422،الوسائل 10:548 أبواب الاعتكاف ب 6 ح 6 بتفاوت.

و هما مقيّدان بما يأتي من صريح الصحيحين المعتضدين بالأصل و الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع.

هذا،و في الناصرية و السرائر:أنّ عندنا العبادة المندوب إليها لا تجب بالدخول فيها (1).

و هو كما ترى ظاهر في انعقاد إجماعنا عليه (2)مطلقاً (3).

و يشهد لصحّة دعواه تتبّع كثير من المستحبّات المحكوم فيها عند الأصحاب بعدم وجوبها بالشروع فيها.

فإذا مضى يومان،ففي وجوب الثالث قولان بين الأصحاب.

و لكن المروي:أنّه يجب ففي الصحيح:« إذا اعتكف الرجل يوماً،و لم يكن اشترط،فله أن يخرج و أن يفسخ اعتكافه،و إن أقام يومين،و لم يكن اشترط،فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى يُمضي ثلاثة أيّام» (4)و نحوه آخر سيذكر.

و عليه أكثر القدماء و المتأخّرين،و في التنقيح و اللمعتين و النكت:أنّه الأشهر (5).

خلافاً للمرتضى و الحلّي و الفاضلين في المعتبر و المختلف،فلا يجب (6)؛ للأصل،و بعض الأُمور الاعتباريّة،المخصّصين على تقدير

ص:528


1- الناصريات(الجوامع الفقهية):207،السرائر 1:424.
2- أي على عدم الوجوب بالشروع(منه رحمه الله).
3- أي و لو في غير الاعتكاف(منه رحمه الله).
4- الكافي 4:/177 3،الفقيه 2:/121 526،الوسائل 10:543 أبواب الاعتكاف ب 4 ح 1 بتفاوت يسير.
5- التنقيح 1:404،الروضة 2:154.
6- المرتضى في الناصريات(الجوامع الفقهية):207،الحلي في السرائر 1:424،المعتبر 2:737،المختلف:252.

تسليمهما بما مرّ من الصحيحين المعتضدين مضافاً إلى الشهرة بإطلاق نحو الصحيحة السابقة.

و الجواب عن الصحيحين بضعف السند كما في المختلف (1)،أو الدلالة كما في الذخيرة (2)،لا وجه له.

لاختصاص ضعف السند برواية الشيخ (3)،و إلّا فهما في الكافي و الفقيه مرويّان صحيحاً كما قلنا.

و مع ذلك،الضعف بابن فضّال،و هو موثّق،و هو حجّة على الأصح، سيّما إذا اعتضد بالشهرة الظاهرة و المحكية في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة.

و أمّا ضعف الدلالة فلا وجه له بالكلّية،عدا احتمال إرادة الكراهة، و هو مرجوح في الغاية بالنسبة إلى لفظ:« ليس له» الوارد في الرواية، و ليس كلفظ النهي المحتمل لها قريناً أو متساوياً في أخبار الأئمّة عليهم السلام،كما عليه صاحب الذخيرة.

مع أنّه اختار ذلك في النهي حيث لم تنضمّ إليه الشهرة،و إلّا فهو قد جعل الشهرة دائماً قرينة على تعيّن الحرمة،و هي أيضاً في المسألة حاصلة.

فمناقشته في الدلالة على أيّ تقدير ضعيفة،بل واهية.

و قيل:لو اعتكف ثلاثاً فهو بالخيار في الزائد،فإن اعتكف يومين آخرين وجب الثالث للصحيح:« و من اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار،إن شاء

ص:529


1- المختلف:252.
2- الذخيرة:539.
3- التهذيب 4:/288 872،و /289 879،الاستبصار 2:/129 420 و 421،الوسائل 10:543 أبواب الاعتكاف ب 4 ح 1،3.

زاد ثلاثة أُخرى،و إن شاء خرج من المسجد،و إن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يُتمّ ثلاثة أيّام أُخر» (1).

و القائل:الشيخ و الإسكافي و التقي (2)،بل في التنقيح:أنّه فرع القول بالوجوب بالثالث فيما سبق (3).و هو ظاهر في عدم القائل بالفرق.

لكن في الروضة ما يدلّ على وجوده،فإنّه قال:و على الأشهر يتعدّى إلى كلّ ثالث على الأقوى،كالسادس و التاسع لو اعتكف خمسةً و ثمانية، و قيل:يختصّ بالأول خاصّة،و قيل في المندوب،دون ما لو نذر خمسةً فلا يجب السادس،و مال إليه المصنّف في بعض تحقيقاته (4).انتهى.

و لم أجد القائل الذي حكاه مؤذناً بعدم تفرّع هذه المسألة على سابقتها،كما هو ظاهر المتن أيضاً.

و كيف كان،فما قوّاه في محلّه؛ لصراحة الصحيح فيه و لو في الجملة،و تتمّ الكلّية بعدم القائل بالفرق بين مورده و غيره على الظاهر، المصرّح به في المدارك (5)و غيره.

أمّا أحكامه فمسائل

اشارة

و أمّا أحكامه فمسائل ثلاثة:

الأُولى يستحبّ للمعتكف أن يشترط

الاُولى: يستحبّ للمعتكف أن يشترط في ابتدائه الرجوع فيه

ص:530


1- الكافي 4:/177 4،الفقيه 2:/121 527،الوسائل 10:544 أبواب الاعتكاف ب 4 ح 3.
2- الشيخ في المبسوط 1:290،حكاه عن الإسكافي في المختلف:251،التقي في الكافي في الفقه:186.
3- التنقيح الرائع 1:404.
4- الروضة البهية 2:154.
5- المدارك 6:313.

عند العارض كالمُحرم بإجماع العلماء عدا مالك،كما عن التذكرة و المنتهى (1)،و النصوص به مستفيضة جدّاً (2).فيرجع عنده و إن مضى يومان.

و قيل:يجوز اشتراط الرجوع فيه مطلقاً و لو اقتراحاً فيرجع متى شاء و إن لم يكن لعارض (3).و لعلّه الأقوى،وفاقاً لجماعة و منهم الشهيد الأول- (4)عملاً بالصحيحين المتقدّمين (5)،الظاهرين في ذلك:

أحدهما:الوارد في المعتكفة بإذن زوجها،الخارجة من المسجد بعد أن بلغها قدومه؛ لظهور أنّ حضور الزوج ليس من الأعذار المرخّصة للخروج.

و ثانيهما:المتضمّن لقوله:« و إن أقام يومين،و لم يكن اشترط، فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى يُمضي ثلاثة أيّام» لظهور أنّ الفرق في جواز الرجوع بعد اليومين و عدمه بالاشتراط و عدمه إنّما يظهر مع عدم الضرورة المسوّغة للخروج بنفسها.

و حيث ثبت منهما جواز اشتراط الرجوع لغير ضرورة،ظهر أنّ المراد من التشبيه بالمُحرم فيما عداهما:التشبيه في أصل جواز الاشتراط،لا كيفيّته.

نعم،هما مجملان بالإضافة إلى مطلق العارض و الاقتراح.

و حيث إنّ المشهور بين الأصحاب انحصار القول بينهم في الاقتراح أو الضرورة المسوّغة خاصّة،أمكن تتميم دلالتهما على الأول بعدم القائل بينهم بالعارض المطلق،فيكون من قبيل التتميم بالإجماع المركّب.

ص:531


1- التذكرة 1:293،المنتهى 2:638.
2- الوسائل 10:552 أبواب الاعتكاف ب 9.
3- العلامة في القواعد 1:70.
4- كما في الدروس 1:301.
5- المتقدمين في ص:2679.

و هو و إن كان لا يخلو عن إشكال لعدم معلوميّة بلوغ ذلك مرتبة الإجماع،سيّما مع وجود قائل به كما يأتي إلّا أن التمسّك بالأصل لعلّه كافٍ في ذلك.

بيانه:أنّ الأصل عدم وجوب الاعتكاف بأحد موجباته،إلّا ما قام الدليل القاطع على خلافه،و مورده بحكم التبادر و غيره مختصّ بصورة عدم الاشتراط مطلقاً،أمّا معه و لو في الجملة فلا.

خلافاً لآخرين (1)و منهم شيخنا الشهيد الثاني- (2)فاختاروا الأول (3).

لتشبيهه بشرط المُحرم في الصحيح أو الموثّق:« و ينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم» (4).

و أظهر منه غيره:« و اشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط عند إحرامك،أن يحلّك من اعتكافك عند عارض إن عرض من علّة تنزل بك من أمر اللّه تعالى» (5).

و ليسا بمكافئين لما قدّمنا سنداً و دلالةً،فليحملا على أنّ المراد:

جواز اشتراط ذلك لا الحصر فيه،مع احتمال الأول كالعبارة و نحوها الحمل على جعل التشبيه في أصل الاشتراط لا كيفيّته.

و لبعض المتأخّرين هنا قول آخر،هو:التقييد بالعارض،مع تعميمه

ص:532


1- عطف على قوله:وفاقاً لجماعة،في ص 2682.
2- الروضة البهية 2:154 155،المسالك 1:85.
3- أي القول باشتراط الرجوع في الاعتكاف عند العارض.
4- الكافي 4:/177 2،الفقيه 2:/121 525،التهذيب 4:/289 876،الإستبصار 2:/128 418،الوسائل 10:552 أبواب الاعتكاف ب 9 ح 1.
5- التهذيب 4:/289 878،الإستبصار 2:/129 419،الوسائل 10:552 أبواب الاعتكاف ب 9 ح 2.

للعذر و غيره (1).

و هو ضعيف جدّاً؛ لما مضى.

و لا فرق في جواز الاشتراط بين الواجب و غيره،لكن محلّه في الأول عند الأصحاب وقت النذر و أخويه،لا وقت الشروع.

بخلاف المندوب،فإنّه عنده،كما هو ظاهر النصوص.و إنّما خُصّت به دون المنذور مع إطلاقها لهما بناءً على أنّ إطلاق النذر عن هذا الشرط يقتضي لزومه و عدم سقوطه،فلا يؤثّر فيه الشرط الطارئ،سيّما مع تعيّن زمانه،و وجوبه في المطلق بمجرّد الشروع فيه عندهم،كما مرّ (2).

و أمّا جواز هذا الشرط حين النذر فلعلّه لا خلاف فيه في الجملة،بل يفهم من التنقيح دعوى الإجماع عليه (3)،كما يأتي.

و ينبغي تقييده هنا بالعارض لا اقتراحاً،لمنافاته لمقتضى النذر، صرّح بذلك المحقّق الثاني (4)و غيره (5).

و فائدة الشرط:ما أشار إليه بقوله: فإن شرط جاز له الرجوع مطلقاً،حتى في الواجب،و لو بدخول الثالث في المندوب على المشهور.

خلافاً للمبسوط،فخصّه فيه (6)باليومين و منعه في الثالث (7).و هو ضعيف.

ص:533


1- المدارك 6:342.
2- في ص:2678.
3- التنقيح الرائع 1:406.
4- جامع المقاصد 3:95.
5- كصاحب الحدائق 13:485.
6- أي الرجوع في المندوب.
7- المبسوط 1:289.

و لم يجب القضاء في المندوب مطلقاً (1)،و كذا الواجب المعيّن،إجماعاً كما في التنقيح (2).

أمّا المطلق فلعلّه ليس كذلك،كما قطع به جماعة و منهم شيخنا الشهيد الثاني،حاكياً له عن الماتن- (3)لبقاء الوقت،مع عدم دليل على السقوط بالشرط،و إنّما الثابت به جواز الرجوع عن الاعتكاف حيث يجب، و لا تلازم بينه و بين سقوط الأمر الباقي وقته.

هذا،مضافاً إلى إطلاق الخبرين الآتيين،الشاملين لما نحن فيه أيضاً،بل للمندوب و الواجب المعيّن الوقت بنذرٍ و شبهه،لكنّهما خرجا منه بفحوى ما دلّ على عدم لزوم الأول من أصله ففرعه أولى،و الإجماع المنقول في الثاني كما مضى.

و إطلاقهما فيما نحن فيه يشمل صورتي اشتراط التتابع فيه حين الإيجاب (4)و عدمه،لكن أحدهما ظاهر في وجوب الإعادة من رأس، و الآخر يحتمل إعادة ما بقي.

و يمكن الجمع بينهما،بحمل الأول على ما إذا لم يتمّ أقلّ الاعتكاف،و الثاني على ما إذا أتى به فصاعداً و لمّا يُتمّ العدد الواجب.

و هذه صور أربع من الواجب بالنذر الذي يقترن بالشرط،يجب القضاء في المطلق منها مطلقاً (5)على التفصيل (6)،و لا في المعيّن منها

ص:534


1- مضى يومان أم لا(منه رحمه الله).
2- التنقيح الرائع 1:406.
3- الروضة البهية 2:155.
4- بالنذر و شبهه.
5- أي سواء اشترط فيه التتابع أم لا(منه رحمه الله).
6- بين ما إذا لم يأت بأقلّ الاعتكاف فيقضي المنذور تماماً،و ما إذا أتى به فصاعداً فيأتي بالباقي(منه رحمه الله).

مطلقاً (1).

و لو لم يشترط على ربّه ثم مضى يومان في المندوب وجب الإتمام،على الرواية السابقة و كذا إذا أتمّ الخامس وجب السادس،و هكذا،على الرواية الأُخرى،المعمول بهما كما مضى (2).

و لو عرض عارض ضروري من مرض و طمث و نحوهما خرج،فإذا زال العارض وجب القضاء كما في الصحيح:« إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فإنّه يأتي بيته،ثم يعيد إذا برئ و يصوم» (3).

و في آخر أو الموثّق:في المعتكفة إذا طمثت،قال:« ترجع إلى بيتها،فإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها» (4).

و هما بإطلاقهما يشملان ما لو كان مندوباً فوجب،أو واجباً بالنذر و شبهه،معيّناً كان أو مطلقاً،مشروطاً فيه التتابع أم لا.و هو ظاهر العبارة أيضاً.

لكنّهما اختلفا من جهةٍ أُخرى،فدلّ الأول على وجوب الإعادة الظاهرة في الاستئناف مطلقاً،و الثاني على قضاء ما عليها كذلك،و هو مجمل يحتمل الأول و إعادة ما بقي خاصّة.

ص:535


1- أي سواء اشترط التتابع أم لا،أتى بأقلّ الاعتكاف أم لا(منه رحمه الله).
2- راجع ص:2679،2681.
3- الكافي 4:/179 1،الفقيه 2:/122 530،التهذيب 4:/294 893،الوسائل 10:554 أبواب الاعتكاف ب 11 ح 1.
4- الكافي 4:/179 2،الفقيه 2:/123 536،الوسائل 10:554 أبواب الاعتكاف ب 11 ح 3.

و لا ريب في تعيّن الأول حيث لم يُتمّ أقلّ الاعتكاف مطلقاً (1)، و يحتمله و الثاني لو أتى به فصاعداً و لمّا يُتمّ العدد الواجب،سواء تعيّن النذر أو أطلق،لم يشترط في شيء منهما التتابع أو شرط.

خلافاً للمبسوط في المعيّن المشروط،فيستأنف (2).

و للمختلف (3)و غيره (4)فيه أيضاً،فيبني.

و لبعضهم،فعيّن البناء فيما عداه مطلقاً (5)،إلّا إذا كان مطلقاً و اشترط فيه التتابع،فيستأنف.و لا يخلو عن وجه.

خلافاً للمحكي عن التذكرة في المستثنى،فاستشكل فيه بأنّه بالشروع فيه صار واجباً،فيكون كالمعيّن،فيبني على ما مضى كما في المعيّن (6).

هذا،و لا ريب أنّ الاستئناف في جميع الصور أحوط و أولى؛ عملاً بإطلاق الصحيح الراجح على مقابله سنداً و دلالة.

الثانية يحرم على المعتكف الاستمتاع بالنساء

الثانية: يحرم على المعتكف حيث يجب عليه الاستمتاع بالنساء لمساً و تقبيلاً و جماعاً،بلا خلاف في تحريم الثلاثة قيل (7):

لإطلاق الآية الكريمة- (8)و لا في البطلان بالأخير،بل عليه الإجماع في

ص:536


1- أي في جميع الصور الأربع التي سيشار إليها(منه رحمه الله).
2- المبسوط 1:291.
3- المختلف:253.
4- كالذخيرة:541.
5- في جميع الصور الثلاث الأُخر(منه رحمه الله).
6- حكاه في المهذب البارع 2:108،و هو في التذكرة 1:293.
7- قال به صاحب الحدائق 13:491.
8- و هو قوله تعالى «وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» البقرة:187.

عبائر جماعة (1).

و ألحق بها الاستمناء بأيّ شيء كان في الخلاف،مدّعياً الإجماع (2)؛ و لعلّه لأنّه أشدّ من اللمس و التقبيل بشهوة،فيستلزم تحريمهما تحريمه بالأولويّة.

و لا بأس به إن أُريد من حيث التحريم،سيّما مع تحريم أصله،إن لم يكن مع حلاله.

و يشكل إن أُريد من حيث البطلان و وجوب الكفّارة به،كما هو ظاهر الخلاف (3)،فإن تمّ إجماعه عليه،و إلّا فالأجود عدمهما فيه،بل و في الملحق بهما،للأصل،مع عدم دليل على شيء منهما.

و البيع،و الشراء،و شمّ الطيب على الأشهر الأظهر،بل لا خلاف في شيء من ذلك يظهر،إلّا من المبسوط في الأخير،فلم يحرّمه (4)،و من اللمعتين في الأولَين،فلم يذكراهما (5).

و هما نادران ضعيفان،محجوجان بالصحيح:« المعتكف لا يشمّ الطيب،و لا يتلذّذ بالريحان،و لا يماري،و لا يشتري،و لا يبيع» (6).

مع أنّ في الخلاف الإجماع على حرمة استعمال الطيب بقول مطلق (7).

ص:537


1- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:406،فإنه قال:الجماع لا خلاف في تحريمه و إفساده.و كذا في المفاتيح 1:279(منه رحمه الله).
2- الخلاف 2:238.
3- الخلاف 2:238.
4- المبسوط 1:293.
5- انظر الروضة 2:155 156.
6- الكافي 4:/177 4،الفقيه 2:/121 527،التهذيب 4:/288 872،الإستبصار 2:/129 420،الوسائل 10:553 أبواب الاعتكاف ب 10 ح 1.
7- الخلاف 2:240.

و في الانتصار الإجماع على حرمة الأولَين،بل كلّ تجارة،بل فساد الاعتكاف بها (1)،و تقرب منه في دعوى الإجماع على تحريمهما عبارتا المدارك و الذخيرة (2).

فإن تمّ إجماع السيّد على الفساد بهما مع عدم وضوح دعواه فيه و إلّا فالمتّجه عدم الفساد بهما،بل و لا بشيء ممّا عدا الجماع،للأصل، و تعلّق النهي بالخارج،و به أفتى جماعة (3).

خلافاً لآخرين،فأفسدوه بهما (4)،و هو أحوط.

و قيل:يحرم عليه ما يحرم على المُحرم القائل به:الشيخ في الجمل (5)،و ربّما يحكى عن القاضي و ابن حمزة (6).

و لم يثبت ذلك من حجة و لا أمارة.

نعم،في التنقيح (7):جعله في المبسوط رواية،قال:و ذلك مخصوص بما قلناه،لأنّ لحم الصيد لا يحرم عليه،و كذا المخيط و تغطية الرأس (8).

ص:538


1- الانتصار:74.
2- المدارك 6:344،الذخيرة:542.
3- نقله العلامة في المختلف:255 عن المبسوط،الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:392.
4- كالحلي في السرائر 1:426.
5- الجمل و العقود(الرسائل العشر):222.
6- حكاه عنهما في المختلف:253،و هو في المهذب 1:204،و الوسيلة:154.
7- التنقيح 1:406.
8- المبسوط 1:293.

و لا حجّة في مثل هذه الرواية؛ لكونها مرسلة،و مخالفة بعمومها للإجماع و لو في الجملة بلا شبهة.

و لذا قال في التذكرة:إنّ الشيخ لا يريد به العموم؛ لأنّه لا يحرم على المعتكف لبس المخيط إجماعاً،و لا إزالة الشعر،و لا أكل الصيد،و لا عقد النكاح (1).

و بالجملة:لا ريب في ضعف هذا القول،كالقول ببطلانه بكلّ ما يفعله المعتكف من القبائح و يتشاغل به من المعاصي و السيّئات،كما عليه الحلّي (2)؛ لعدم دليل عليه،عدا دعواه منافاتها لحقيقة الاعتكاف و ماهيّته.

و فيه ما فيه.

نعم،الأولى تركها،و ترك النظر في معايشه،و الخوض في المباح زيادةً على قدر الضرورة،و يجوز له معها البيع و الشراء اللذان مُنع عنهما، لكن يجب الاقتصار فيهما على ما تندفع به،حتى لو تمكّن من التوكيل فَعَل.

الثالثة يُفسِد الاعتكاف ما يفسد الصوم

الثالثة: يُفسِد الاعتكاف ما يفسد الصوم من حيث فوات الصوم،الذي هو شرط فيه بلا خلاف.

و تجب الكفّارة بالجماع فيه،مثل كفّارة من أفطر شهر رمضان،ليلاً كان الجماع فيه أو نهاراً بلا خلاف في أصل وجوب الكفّارة ليلاً أو نهاراً على الظاهر، المصرّح به في بعض العبائر (3)،و في الغنية الإجماع عليه (4)

ص:539


1- التذكرة 1:286،و قد نُسب فيها إلى بعض علمائنا لا إلى الشيخ،و لعلّ المصنف أخذ النسبة من الحدائق 13:495.
2- السرائر 1:426.
3- التنقيح الرائع 1:407.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):573.

و المعتبرة بذلك مستفيضة جدّاً:

ففي الصحيح:عن المعتكف يجامع،قال:« إذا فعل فعليه مثل ما على المظاهر» (1)و نحوه آخر قد مرّ (2).

و في الموثّق:« عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً:

عتق رقبة،أو صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكيناً» (3).

و في الخبر:عن رجل وطئ امرأته و هو معتكف ليلاً في شهر رمضان،قال:« عليه الكفّارة» قال:قلت:فإن وطئها نهاراً؟قال:« عليه كفّارتان» (4).

و ما دلّ عليه الموثّق من أنّ عليه كفّارة رمضان مخيّرة مشهور بين الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (5)، و عليه الإجماع في الغنية (6)،و عزاه في المختلف إلى الأصحاب فهو الأقوى،سيّما مع اعتضاده بالأصل.

خلافاً للمحكي عن ظاهر المقنع:فما دلّ عليه الصحيحان من أنّها

ص:540


1- الكافي 4:/179 1،الفقيه 2:/122 532،التهذيب 4:/291 887،الإستبصار 2:/130 424،الوسائل 10:546 أبواب الاعتكاف ب 6 ح 1.
2- في ص:2679.
3- التهذيب 4:/292 888،الإستبصار 2:/130 425،الوسائل 10:547 أبواب الاعتكاف ب 6 ح 5.
4- الفقيه 2:/122 533،التهذيب 4:/292 889،الوسائل 10:547 أبواب الاعتكاف ب 6 ح 4.
5- كالتنقيح 1:408،و الروضة 2:157،و المدارك 6:244،و الذخيرة:542،و المفاتيح 1:261،و في المختلف:254،أنّ الموثقة أوضح عند الأصحاب..و فيه إشعار بقرب الشهرة من الإجماع(منه رحمه الله).
6- الغنية(الجوامع الفقهية):573.

كفّارة ظهار (1)،و اختاره جماعة من متأخّري المتأخّرين (2).

و لا يخلو عن قوّة،لولا الشهرة العظيمة و حكاية الإجماع المتقدّمة، المرجّحتين للموثّقة عليهما ترجيحاً قويّاً،مضافاً إلى صراحة دلالتها و قصور دلالتهما،باحتمالهما لإرادة التشريك مع المُظاهِر في أصل الكفّارة أو مقدارها،لا في ترتيبها.

و لعلّه لذا لم يجعل في المختلف مخالفة المقنع صريحةً،حيث إنّ عبارته عين عبارتهما.

و لو كان الجماع في نهار رمضان لزمته كفّارتان بلا خلاف كما في التنقيح (3)و غيره (4)،بل عليه الإجماع في الغنية و غيره (5)؛ للرواية المتقدّمة.

مضافاً إلى عموم ما ورد بإيجابها بالجماع في كلّ من نهار رمضان و الاعتكاف،بناءً على أنّ الأصل عدم التداخل،سيّما على القول باختلاف الكفّارتين،تخييراً لرمضان،و ترتيباً للاعتكاف.

و منه يظهر وجوبهما لو وقع في نهار غير رمضان إذا كان الاعتكاف واجباً معيّناً بالنذر و شبهه،أو صومه قضاءً عن رمضان و كان السبب بعد الزوال،إحداهما لمخالفته،و الأُخرى للاعتكاف و مخالفته،كما أفتى به الفاضل (6)و جماعة (7).

ص:541


1- حكاه عن المقنع في المختلف:254.
2- كصاحب المدارك 6:348،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:279.
3- التنقيح الرائع 1:407.
4- انظر الانتصار:73،الحدائق 13:497،الذخيرة:542.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):573،و انظر الخلاف 3:238.
6- القواعد 1:71.
7- منهم صاحب المدارك 6:348،و السبزواري في الذخيرة:543.

و في التنقيح:أطلق الشيخ و باقي الأصحاب التكرار نهاراً (1).و في التذكرة:و الظاهر أنّ مرادهم رمضان (2).

و استقرب الشهيد في الدروس هذا الإطلاق،قال:لأنّ في النهار صوماً و اعتكافاً (3).

و هو ضعيف؛ لأنّ مطلق الصوم لا تترتّب على إفساده كفّارة.

نعم،في الغنية و الخلاف الإجماع على هذا الإطلاق (4)؛ فهو الحجّة المعتضدة بالشهرة بين الأصحاب.

مضافاً إلى ما في المقنع من وجود رواية بذلك،و عن الإسكافي:أنّه بذلك جاءت الروايات (5)،لكن يحتمل أن يكون مرادهما منها نحو الرواية السابقة،و يقرّبه ما في الفقيه،حيث إنّه بعد ذكره نحو ما في المقنع أشار إلى الرواية،و قال:روى ذلك،ثم ساق الرواية السابقة (6).

و لو كان الإفساد المدلول عليه بالسياق بغير الجماع،ممّا يوجب الكفّارة في شهر رمضان كالأكل و الشرب و نحوهما فإن وجب الاعتكاف بالنذر المعيّن أو كان صومه قضاءً عن رمضان و الإفساد بعد الزوال لزمت الكفّارة للسبب الموجب لها اتّفاقاً.

و إن لم يكن معيّناً،أو كان تبرّعاً و لم يكن الصوم فيهما قضاءً عن رمضان،أو كان الإفساد قبل الزوال فقد أطلق الشيخان و السيّدان

ص:542


1- التنقيح الرائع 1:407.
2- التذكرة 1:290،و فيه:و الظاهر أنّ مراد السيد المرتضى رمضان.
3- الدروس 1:302.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):573،الخلاف 2:238.
5- حكاه عنهما في المختلف:254.
6- الفقيه 2:122.

و الحلبي و الديلمي لزوم الكفّارة (1) بحيث يشمل جميع ذلك.

و لا حجّة لهم واضحة،عدا ما في الغنية من الإجماع،فإن تمّ كان هو الحجّة،و إلاّ فالنصوص المثبتة لها مختصّة بالجماع،و لا وجه للتعدية،مع أنّ الأصل البراءة.و لذا اختار الماتن في الشرائع (2)و جماعة من المتأخّرين بل أكثرهم كما في المدارك و الذخيرة- (3)عدم وجوبها،إلاّ بالجماع خاصّة.

ثم إنّ إطلاق عبارتهما كما يعمّ الصور بالإضافة إلى المفطر عدا الجماع،كذا يعمّها بالإضافة إليه أيضاً.

و نحوهما هنا زيادةً على من قدّمنا كلّ من اختصّت عبارته المنقولة في المختلف إلينا بالجماع خاصّة،كالشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف و الاقتصاد،و القاضي،و ابن حمزة،و الصدوق في المقنع،و الإسكافي، و الحلّي (4).

و بالجملة:الظاهر أنّه المشهور بين القدماء،بل لم يُرَ بينهم فيه خلاف،بل عليه في الغنية و الخلاف الإجماع (5)،و هو خيرة الفاضل في التحرير (6).

ص:543


1- المفيد في المقنعة:363،و الطوسي في المبسوط 1:293،جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):61،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):573،الحلبي في الكافي:187،الديلمي في المراسم:99.
2- الشرائع 1:220.
3- المدارك 6:349،الذخيرة:542.
4- النهاية:172،المبسوط 1:294،الخلاف 2:238،الاقتصاد:296،القاضي في المهذب 1:204،ابن حمزة في الوسيلة:153،نقل قوله العلامة في المختلف:254،حكاه عن الإسكافي في المختلف:254،الحلي في السرائر 1:426.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):573،الخلاف 1:238.
6- التحرير:88.

و لا يخلو عن قوّة؛ لإطلاق النصوص المتقدّمة (1)،زيادةً على حكاية الإجماع المزبورة.

خلافاً لجماعة من المتأخّرين (2)،تبعاً للماتن في المعتبر،حيث قال فيه بعد نقل الإطلاق عنهما- و لو خَصّا ذلك باليوم الثالث أو بالاعتكاف اللازم كان أليق بمذهبهما لأنّا بيّنا أنّ الشيخ ذكر في النهاية و الخلاف:أنّ للمعتكف الرجوع في اليومين الأولين من اعتكافه،و أنّه إذا اعتكفهما وجب الثالث،و إذا كان له الرجوع لم يكن لإيجاب الكفّارة مع جواز الرجوع وجه،لكن يصحّ هذا على قول الشيخ في المبسوط،فإنّه يرى وجوب الاعتكاف بالدخول فيه (3).

و نفى عنه البعد في المدارك،قال:لأنّ الإطلاق لا عموم له،فيكفي في العمل به إجراؤه في الواجب (4).

و فيه نظر؛ للزوم إرجاع الإطلاق إلى العموم بالاتّفاق حيث تتساوى أفراده بالإضافة إلى ما يرجع إلى اللفظ من التبادر و نحوه،كما نحن فيه.مع أنّ إطلاقه بترك الاستفصال عموم.

هذا،و هو رحمه الله في بحث ما يجب على المعتكف اجتنابه قال:و هل تختصّ هذه المحرّمات بالاعتكاف الواجب،أو يتناول المندوب أيضاً؟ إطلاق النصّ و كلام الأصحاب يقتضي الثاني،و تقدّم نظيره في التكفير في صلاة النافلة،و الارتماس في الصوم المندوب (5).انتهى.

ص:544


1- في ص:2688.
2- منهم صاحب المدارك 6:349،و السبزواري في الذخيرة:542.
3- المعتبر 2:743.
4- المدارك 6:349 350.
5- المدارك 6:347.

و هو كما ترى ظاهر في منافاته لما قدّمنا عنه سابقاً.

و ممّا ذكرنا عنه أخيراً يظهر الجواب عن استبعاد المحقّق وجوب التكفير في نحو المندوب،مع عدم وجوب أصله.

ثم دعواه (1)إطلاق كلام الأصحاب بالإضافة إلى المحرّمات،منظور فيه أيضاً؛ فإنّ من جملتهم جدّه في الروضة،و هو قد خالف فيه،فقيّدها بالاعتكاف الواجب،و صرّح في غيره بعدم التحريم،قال:و إن فسد في بعضها (2).

و الحمد للّه تعالى.

قد فرغت بعون اللّه سبحانه من تسويد هذه الجملة ليلة الاثنين، السادس و العشرين من شهر ربيع الأول من شهر سنة ستّ و تسعين بعد الألف و المائة من الهجرة النبوية،عليه و آله أفضل صلاةٍ و سلامٍ و تحية؛ و يتلوه إن شاء اللّه تعالى كتاب الحجّ،و أسأل اللّه سبحانه التوفيق و العصمة و الإعانة.

ص:545


1- أي صاحب المدارك.
2- الروضة 2:156.

المجلد 6

اشارة

سرشناسه:طباطبائی کربلائی، علی بن محمدعلی، 1161 - 1231ق.

عنوان و نام پديدآور:ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل/ تالیف محمدعلی الطباطبایی؛ تحقیق موسسه آل البیت(ع) لاحیاءالتراث.

مشخصات نشر:قم: موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاءالثرات، 1418ق.-= 1376-

مشخصات ظاهری:16 ج.: نمونه.

فروست:موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

شابک: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری

يادداشت:عربی.

يادداشت:کتاب حاضر شرحی بر مختصرالنافع محقق حلی است.

يادداشت:ج.9 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت:ج. 11 - 13 (چاپ؟: 1421ق. = 1379).

يادداشت:ج. 15و 16 (چاپ؟: 1422ق. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:محقق حلی، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 7ق.

شناسه افزوده:محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

شناسه افزوده:موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاء الثرات

رده بندی کنگره:BP182/م3م30216 1376

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين و به ثقتي و عليه توكّلي الحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين

ص:5

ص:6

كتاب الحج

اشارة

كتاب الحج و تتبعه العمرة،أو تدخل فيه؛ لما ورد أنّها الحجّ الأصغر (1).

و أُدخلت فيه الزيارة حثّا عليها،و تنبيهاً على نقصه بدونها،كما ورد في الأثر (2).

و النظر في الكتاب يقع تارةً في المقدمات و أُخرى في المقاصد.

ص:7


1- الوسائل 14:295 أبواب العمرة ب 1.
2- علل الشرائع:/459 1،عيون الأخبار 2:/265 28،الوسائل 14:324 أبواب المزار و ما يناسبه ب 2 ح 7.

ص:8

المقدمات

المقدمة الاُولى في بيان حقيقة الحجّ

المقدمة الاُولى في بيان حقيقته و حكمه اعلم أنّ الحجّ بالفتح في لغة،و بالكسر في أُخرى.و قيل:بالأول مصدر،و بالثاني اسم (1).يأتي في اللغة لمعان كما في القاموس (2)،أشهرها:

القصد،أو المكرّر منه خاصّة،حتى أن جماعة لم يذكروا غيرهما (3).

و في الشرع اسم لمجموع المناسك المؤداة في المشاعر المخصوصة عند الماتن و جماعة؛ للتبادر،و كذلك عند المتشرعة.

و عند الشيخ و جملة ممن تبعه (4):القصد إلى مكّة شرّفها اللّه تعالى لأدائها عندها،متعلقة بزمان مخصوص.و ربما قيل:مطلقاً (5).

و قد أُورد على كلٍّ من الفريقين إيرادات لا فائدة مهمة للتعرض لها، بل ينبغي صرف الهمّة بعون اللّه سبحانه إلى ما هو أهمّ منها و أولى.

فنقول و هو فرض على المستطيع للسبيل إليه من الرجال و الخناثي مطلقاً و النساء ؛ بالكتاب (6)،و السنّة (7)،و الإجماع.

ص:9


1- قال به الفيومي في المصباح المنير:121.
2- القاموس المحيط 1:188.
3- لسان العرب 2:226،النهاية لابن الأثير 1:340.
4- الشيخ في المبسوط 1:196،و تبعه الحلبي في الكافي:190،و ابن حمزة في الوسيلة:155.
5- انظر الدروس 1:306،و المسالك 1:86.
6- آل عمران:97.
7- الوسائل 11:16 أبواب وجوب الحج ب 2.

و إنّما يجب بأصل الشرع أي من غير جهة المكلّف مرة واحدة في مدة العمر؛ للأصل،و النصوص المستفيضة من طرق العامة و الخاصة (1).

و لا خلاف فيه أجده،إلّا من الصدوق في العلل (2)،فأوجبه على المستطيع في كلّ عام،كما في المستفيضة المتضمنة للصحيح و غيرها (3).

لكنها كقوله شاذة،مخالفة لإجماع المسلمين كافّة،كما صرّح به الشيخ في التهذيبين و الفاضلان في المعتبر و المنتهى (4)،فلتكن مطرحة،أو محمولة على الاستحباب،أو على أن المراد بكلّ عام يعني على البدل،كما ذكرهما الشيخ و الفاضل في التذكرة (5).

و زاد جماعة،فاحتملوا حملها على إرادة الوجوب كفايةً (6)،بمعنى لزوم أن لا يخلو بيت اللّه تعالى عن طائف أبداً،كما يستفاد من النصوص المستفيضة،المتضمنة للصحيحة و غيرها (7).

و خير المحامل أوسطها؛ لمنافاة ما عداه لما في بعض تلك الأخبار من التنصيص بأن اللّه تعالى فرض الحج على أهل الجِدَة في كلّ عام،و أن

ص:10


1- الوسائل 11:19 أبواب وجوب الحج ب 3؛ و انظر مسند أحمد 1:352،و سنن ابن ماجة 2:/963 2886،و سنن أبي داود 2:/139 1721.
2- علل الشرائع:405.
3- الوسائل 11:16 أبواب وجوب الحج ب 2.
4- التهذيب 5:16،الاستبصار 2:148،المحقق في المعتبر 2:747،العلامة في المنتهى 2:643.
5- التذكرة 1:296.
6- منهم:السبزواري في الذخيرة:549،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:275.
7- الوسائل 11:20 أبواب وجوب الحج ب 4.

ذلك قول اللّه عز و جل: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [1] الآية (1)فإنّ مفاد الآية الوجوب عيناً إجماعاً.

و الثاني بالخصوص لما في بعض النصوص الشاهدة عليه من تعميم ذلك للغني و الفقير،و ذكر مثل ذلك في زيارة النبي صلّى الله عليه و آله (2)،مع أنّ ظاهر تلك النصوص الاختصاص بأهل الجِدَة،و لم أر قائلاً بالوجوب مطلقاً فيهما،و يمكن جعله دليلاً على إرادة الاستحباب فيما عداه.

و يجب وجوباً مضيّقاً بأخبارنا و إجماعنا،كما صرّح به جماعة منّا مستفيضاً،كالناصريات و الخلاف و المنتهى و الروضة (3)،و غيرها (4).

و المراد بالفورية:وجوب المبادرة إليه في أول عام الاستطاعة مع الإمكان،و إلّا ففيما يليه،و هكذا.

و لو توقف على مقدّماتٍ من سفرٍ و غيره وجب الفور بها على وجهٍ يدركه كذلك.

و لو تعدّدت الرفقة في العام الواحد قيل:وجب السير مع أولها،فإن أخّر عنها و أدركه مع التالية،و إلّا كان كمؤخّره عمداً في استقراره،و اختاره في الروضة (5).

ص:11


1- الكافي 4:/265 5،التهذيب 5:/16 48،الإستبصار 2:/149 488،الوسائل 11:16 أبواب وجوب الحج ب 2 ح 1.
2- الكافي 4:/272 1،الفقيه 2:/259 1259،التهذيب 5:/411 1532،الوسائل 11:24 أبواب وجوب الحج ب 5 ح 2.
3- الناصريات(الجوامع الفقهية):208،الخلاف 2:257،المنتهى 2:642،الروضة 2:161.
4- إيضاح الفوائد 1:259،مجمع الفائدة 6:5.
5- الروضة 2:161.

و في إطلاقه نظر،و لذا خصّه الشهيد في الدروس بما إذا لم يثق بسفر الثانية (1)،و فيه أيضاً إشكال.

و الأوفق بالأصل جواز التأخير بمجرّد احتمال سفرها،كما احتمله بعض،قال:لانتفاء الدليل على فورية السير بهذا المعنى (2).انتهى.

و هو حسن،إلّا أنّ الأول ثم الثاني أحوط.

ثم إنّ هذا بالإضافة إلى أصل وجوب المبادرة إلى الخروج،بحيث يكون بالترك آثماً.

و أمّا بالإضافة إلى ثبوت الاستقرار الموجب للقضاء فما ذكره في الروضة متعيّن جدّاً؛ لعموم ما دلّ على وجوبه السليم عن المعارض أصلاً.

و قد يجب بالنذر و شبهه من العهد و اليمين و بالاستيجار للنيابة،وجب على المنوب عنه أم لا و الإفساد و لو للمندوب؛ بناءً على وجوبه و لو بالشروع.

و يستحب لفاقد الشرائط للوجوب مطلقاً كالفقير أي الذي لم يستطع و لو كان غنياً و المملوك مع إذن مولاه لعموم الترغيب فيه عموماً و خصوصاً،كما ستقف عليه.إن شاء اللّه تعالى.

ص:12


1- الدروس 1:314.
2- المدارك 7:18.
المقدمة الثانية في شرائط حجة الإسلام
اشارة

المقدمة الثانية في بيان شرائط حجة الإسلام و وجوبها.

و هي ستة:البلوغ،و العقل،و الحرّية و الاستطاعة،بلا خلاف في هذه الأربعة،بل عليها إجماع علماء الإسلام،كما في عبائر جماعة (1)، و النصوص بها مضافة إلى الكتاب العزيز في الأخير- (2)عموماً و خصوصاً مستفيضة (3).

و المراد بالاستطاعة عندنا: الزاد و الراحلة إن لم يكن من أهل مكة،و لا بها،بالإجماع كما في الناصريات و الخلاف و الغنية و المنتهى و التذكرة و السرائر (4)،بل فيه إجماع المسلمين عدا مالك،ثم فيه:و لو لا إجماع المسلمين على إبطال قوله لكان..إلى آخره.

و هو الحجة؛ مضافاً إلى النصوص المستفيضة:

منها الموثق (5)و الصحيح (6)المروي عن توحيد الصدوق في تفسير

ص:13


1- منهم:ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):573،و العلامة في المنتهى 2:648،650،652،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 6:51،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:296،و صاحب الحدائق 14:59،80.
2- آل عمران:97.
3- الوسائل 11:أبواب وجوب الحج الأبواب 12،15،19.
4- الناصريات(الجوامع الفقهية):207،الخلاف 2:245،الغنية(الجوامع الفقهية):573،المنتهى 2:652،التذكرة 1:301،السرائر 1:508.
5- الكافي 4:/267 2،التهذيب 5:/3 2،الإستبصار 2:/139 454،الوسائل 11:34 أبواب وجوب الحج ب 8 ح 4.
6- التوحيد:/350 14،الوسائل 11:35 أبواب وجوب الحج ب 8 ح 7.

الآية: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [1] ما يعني بذلك؟قال:« من كان صحيحاً في بدنه،مخلّى سَرْبه،له زاد و راحلة،فهو ممن يستطيع الحَج» .و نحوهما المروي عن تفسير العيّاشي (1).

و عن خبران آخران،في أحدهما أنها:« الصحة في بدنه و القدرة في ماله» (2).

و الثاني:« القوة في البدن و اليسار في المال» (3).

و منها:« إنما يعني بالاستطاعة الزاد و الراحلة،ليس استطاعة البدن» (4).

و منها:المروي عن العلل:« إنّ السبيل الزاد و الراحلة،مع الصحة» (5).

و قصور السند أو ضعفه حيث كان مجبور بعمل الأصحاب و ظاهر الكتاب،بناءً على عدم انصراف إطلاق الأمر إلّا إلى المستطيع ببدنه، فاعتبار الاستطاعة بعده ليس إلّا لاعتبار شيء آخر وراءه و ليس إلّا الزاد و الراحلة بإجماع الأُمة،و حمله على التأكيد خلاف الظاهر،بل الظاهر التأسيس.

ص:14


1- تفسير العياشي 1:/192 111،الوسائل 11:36 أبواب وجوب الحج ب 8 ح 10.
2- تفسير العياشي 1:/193 117،الوسائل 11:36 أبواب وجوب الحج ب 8 ح 12.
3- تفسير العياشي 1:/193 118،الوسائل 11:36 أبواب وجوب الحج ب 8 ح 13.
4- الكافي 4:/268 5،الوسائل 11:34 أبواب وجوب الحج ب 8 ح 5.
5- عيون الأخبار 2:/122 ضمن الحديث 1،الوسائل 11:35 أبواب وجوب الحج ب 8 ح 6.

و ما ورد في الصحاح و غيرها من الوجوب على من أطاق المشي من المسلمين (1)فلشذوذها و ندرتها محمولة على من استقرّ عليه فأخّره،أو التقية عن رأي مالك القائل به (2)كما مرّت إليه الإشارة أو الاستحباب، كما ذكره شيخ الطائفة (3)،و لا يخلو عن مناقشة.

و الجمع بين هذه النصوص و السابقة،بحملها على الغالب من توقف الاستطاعة على الزاد و الراحلة،دون هذه،فتحمل على المتمكن و لو من دونهما كما اتّفق لبعض المتأخّرين- (4)و إن كان في حدّ ذاته حسناً،إلّا أنّه فرع التكافؤ المفقود بما عرفت من شذوذ الأخبار الأخيرة،و مخالفتها الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة،المعتضدة بالأصل،و الشهرة العظيمة بين الخاصة و العامة،و ظاهر الآية الكريمة على ما عرفته.

نعم،يجب الاقتصار فيما خالف الأخبار الأخيرة على قدر ما اجتمعت فيه المرجحات المزبورة،و هو البعيد المحتاج في قطع المسافة إلى راحلة خاصة،و أما غيره من القريب و المكّي الغير المحتاجين إليها،فينبغي العمل فيهما بما تضمنته الأخبار الأخيرة،و به أفتى أيضاً جماعة و منهم الشيخ في المبسوط و الفاضل في المنتهى و التذكرة (5)كما قيل (6).

و يمكن تنزيلها كإطلاق الأكثر عليه أيضاً،زيادةً على ما عرفته، جمعاً.

ص:15


1- الوسائل 11:43 أبواب وجوب الحج ب 11.
2- بداية المجتهد 1:231.
3- انظر التهذيب 5:11.
4- المدارك 7:37.
5- المبسوط 1:298،المنتهى 2:652،التذكرة 1:301.
6- المدارك 7:36.

و يستفاد من الأخبار المتقدمة اعتبار الشرط السادس: و هو التمكن من المسير.و يدخل فيه الصحة من المرض المانع من الركوب و السفر و إمكان الركوب،و تخلية السرب بفتح السين المهملة و إسكان الراء أي:الطريق،و سعة الوقت.

مع أن في المنتهى إجماعنا عليه (1)،بل عن المعتبر:إنّ عليه إجماع العلماء (2).

و يدلُّ عليه و على أكثر الشروط المتقدمة بل كلّها عدم صدق الاستطاعة في العرف بدونها غالباً.

و نحو الصحيح:« من مات و لم يحجّ حجة الإسلام لم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به،أو مرض لا يطيق فيه الحج،أو سلطان يمنعه،فليمت يهودياً أو نصرانياً» (3).

و هل يعتبر الاستطاعة من البلد،كما عن شيخنا الشهيد الثاني (4)،أو يكفي حصولها في أيّ موضع اتّفق و لو قبل التلبس بالإحرام،كما هو خيرة جماعة (5)؟قولان:

ظاهر إطلاق الأدلة،بل عمومها:الثاني.

ص:16


1- المنتهى 2:654.
2- المعتبر 2:754.
3- الكافي 4:/268 1،الفقيه 2:/273 1333،التهذيب 5:/17 49،المقنعة:386،المحاسن:/88 31،عقاب الأعمال:/281 2،الوسائل 11:29 أبواب وجوب الحج ب 7 ح 1.
4- كما في المسالك 1:102.
5- منهم:صاحب المدارك 7:41،و السبزواري في الذخيرة:559،و صاحب الحدائق 14:87.

و نحوها الصحيح:في الرجل يمرّ مجتازاً يريد اليمن أو غيرها من البلدان و طريقه بمكة،فيدرك الناس و هم يخرجون إلى الحج،فيخرج معهم إلى المشاهد،أ يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟قال:« نعم» (1).

و حيث قد ثبت هذه الشروط و أعلم أنّها لا يجب على الصبي مطلقاً و لا على المجنون.

و يصح الإحرام من الصبي المميّز بإذن الولي بإجماعنا،كما عن ظاهر الخلاف (2)،بل قيل (3):بالإجماع و الصحاح (4)،و في ظاهر المنتهى و التذكرة،كما في المدارك و الذخيرة (5)أنه لا خلاف فيه بين العلماء.مع أنه قد حكي عن أبي حنيفة أنّه قد أبطله (6).

و في اشتراط إذن الولي وجهان،أوجههما نعم،كما عليه الأكثر كالفاضلين و الشهيدين و من تأخّر عنهما (7)،تبعاً للمحكي عن ظاهر المبسوط و الخلاف (8).

لا لما ذكروه من تضمّنه غرامة مال،و لا يجوز له التصرف في ماله بدون إذن الولي؛ فإنّه لا يخلو عن نظر،بل ورود المنع عليه ظاهر،كما

ص:17


1- الكافي 4:/275 6،الفقيه 2:/264 1283،الوسائل 11:58 أبواب وجوب الحج ب 22 ح 2.
2- الخلاف 2:378.
3- المفاتيح 1:296.
4- انظر الوسائل 11:286 أبواب أقسام الحج ب 17.
5- المنتهى 2:648،التذكرة 1:297،المدارك 7:23،الذخيرة:558.
6- حكاه عنه في بداية المجتهد 1:319.
7- المحقق في المعتبر 2:747،العلامة في التحرير 1:90،الشهيد الأول في الدروس 1:306،الشهيد الثاني في الروضة 2:163؛ و انظر الذخيرة:558،و كشف اللثام 1:276.
8- المبسوط 1:328،الخلاف 2:432.

صرّح به بعض من تأخّر (1).

بل للاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن من مورد الفتوى و النص،و هو الصبي المأذون؛ و ذلك لأنّ الإحرام عبادة متلقّاة من الشرع، يجب الاقتصار فيها على النص،و ليس إلّا من مرّ.

مضافاً إلى أنّ الصحة هنا بمعنى ترتب الكفارات عليه أو على الولي، و الهدي أو بدله،و لم يجز له التصرف بشيء من ذلك في المال،إلّا بإذن الولي،أو لورود نصّ من الشرع بذلك جليّ،و ليس،كما مرّ.

و لعلّ هذا مراد القوم مما مرّ من الدليل،و إن قصرت عبارتهم عن التعبير،و إلّا فلو ورد النص الجليّ بلزوم الكفارات عليه في ماله بإحرامه و لو من غير إذن الولي كيف يمكنهم المنع عنه بمثل ذلك الدليل؟! و بالجملة:فالظاهر أنّ مقصودهم وجوب الاقتصار فيما خالف الأصل على مورد الدليل،و ليس فيه كما عرفت تعميم.

و كذا يصح الإحرام بالصبي غير المميز بأن يجعله الولي مُحرماً و يأتي بالمناسك عنه،قيل:بلا خلاف (2)؛ للصحاح (3).

قالوا: و كذا يصح الإحرام بالمجنون قيل:لأنّه ليس أخفض منه (4).و هو قياس مع الفارق.

و لو حُجّ بهما لم يجزئهما عن الفرض بل يجب عليهما مع الكمال و تحقق باقي الشروط الاستئناف،بلا خلاف،بل في ظاهر المنتهى

ص:18


1- المدارك 7:23.
2- أشار إليه في الحدائق 14:64،و انظر المفاتيح 1:296.
3- الوسائل 11:286 أبواب أقسام الحج ب 17.
4- قال به العلامة في المنتهى 2:649،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:296.

و صريح غيره (1)الإجماع؛ للأصل،و النصوص:

منها،الموثق كالصحيح:عن ابن عشر سنين يحجّ،قال:« عليه حجة الإسلام إذا احتلم،و كذلك الجارية إذا طمثت» (2)و نحوه الخبر (3).

و يستفاد منهما استحباب الحجّ بالصبية أو حجها كالصبي،و به قطع بعض الأصحاب،فقال:و لا ريب أنّ الصبية في معناه،مع أنّه اعترف بأنّ ما وقفت عليه في هذه المسألة و أشار بها إلى المسألة السابقة مختص بالصبي (4).

و لعلّه غفل عن هذه الروايات،مع أنّه قُبَيل ذلك رواها في هذه المسألة،أو أراد اختصاص الروايات بالحجّ بالصبي لا حجّه،و ليس في هذه الروايات إشعار بأحد الأمرين،بل ظاهرها الثاني.

و يصح الحجّ من العبد بل المملوك مطلقاً مع إذن المولى و إن لم يجب عليه لما مضى لكن لا يجزئه عن الفرض يعني حجّة الإسلام بعد انعتاقه و استكماله الشرائط،بل يجب عليه إعادتها.

إلّا أن يدرك أحد الموقفين معتقاً فيجزئه عنها.

بلا خلاف في شيء من ذلك بيننا أجده،بل على جميعه الإجماع في عبائر جماعة،كالخلاف و المنتهى و غيرهما (5)،بل على الصحّة و عدم

ص:19


1- المنتهى 2:649؛ المفاتيح 1:296.
2- الفقيه 2:/266 1296،الوسائل 11:44 أبواب وجوب الحج ب 12 ح 1.
3- الكافي 4:/276 8،التهذيب 5:/6 14،الإستبصار 2:/146 476،الوسائل 11:45 أبواب وجوب الحج ب 12 ح 2.
4- المدارك 7:26.
5- الخلاف 2:379،المنتهى 2:650؛ و انظر مجمع الفائدة 6:51،و المدارك 7:30،و كشف اللثام 1:287 288.

الاجزاء قبل إدراك الموقفين معتقاً إجماع العلماء في المنتهى.

كلّ ذلك للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح:« المملوك إن حجّ و هو مملوك أجزأه إذا مات قبل[أن يعتق]فإن أعتق فعليه الحجّ» (1).

و فيه:مملوك أُعتق يوم عرفة،قال:« إذا أدرك أحد الوقوفين فقد أدرك الحجّ» (2).

و أمّا الموثق أو الصحيح:« أيّما عبد حجّ به مواليه فقد قضى حجّة الإسلام» (3)فمحمول على ما إذا أدرك الموقف،أو على أنّ المراد إدراك ثواب حجّة الإسلام ما دام مملوكاً،كما ربّما يستأنس له بملاحظة الصحيح السابق و غيره،و فيه:« الصبي إذا حجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتى يكبر،و العبد إذا حجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يعتق» (4).

و هل يشترط في الإجزاء حيث ثبت تقّدم الاستطاعة و بقاؤها؟ قال الشهيدان نعم (5)،و لكن استشكله ثانيهما إن أحلنا ملكه.

و لذا اعترض الأول جماعة بناءً على إحالة ملكه (6).و هو حسن لو انحصرت الاستطاعة في ملكية المال من الزاد و الراحلة،حيث إنّه

ص:20


1- الفقيه 2:/264 1287،الوسائل 11:49 أبواب وجوب الحجّ ب 16 ح 1،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدرين.
2- الفقيه 2:/265 1290،التهذيب 5:/5 13،الإستبصار 2:/148 485،الوسائل 11:52 أبواب وجوب الحج ب 17 ح 2.
3- التهذيب 5:/5 11،الإستبصار 2:/147 483،الوسائل 11:50 أبواب وجوب الحج ب 16 ح 7.
4- الفقيه 2:/267 1298،الوسائل 11:49 أبواب وجوب الحج ب 16 ح 2.
5- الشهيد الأول في الدروس 1:309،الشهيد الثاني في الروضة 2:165.
6- منهم:صاحب المدارك 7:31،و السبزواري في الذخيرة:558.

لا يملكهما،و أمّا مع عدمه بحصولها بالقدرة على المشي،كما مرّ في القريب و المكّي،فاعتبارها حسن.

و حيث إنّ الإتمام هنا لمّا جامع الاستطاعة التي للمكّي غالباً،و كانت كافية للوجوب هنا و إن كانا نائيين كما قيل (1)،و يقتضيه إطلاق الآية و النصوص لم يشترطها النصوص و الأكثر،التفاتاً إلى الأغلب.

و الشهيد؛ لم يلتفت إليه،و تعرّض لشقوق المسألة في نفس الأمر، لكن اعتباره سبق الاستطاعة ربّما كان فيه إيماء إلى الاستطاعة المالية،كما فهمه الجماعة.

و ممّن صرّح بالوجوب هنا بالتمكن من الحجّ و لو لم يستطع سابقاً الفاضل في التحرير،فقال:و لو أُعتق قبل الوقوف أو في وقته،و أمكنه الإتيان بالحج عليه ذلك (2).

و نحوه عنه في التذكرة،بزيادة إلحاقه الصبي إذا بلغ،معلّلاً به أصل الحكم فيهما بأنّ الحجّ واجب على الفور،فلا يجوز لهما تأخيره مع إمكانه،كالبالغ الحرّ.

إلى أن قال خلافاً للشافعي.و متى لم يفعلا الحجّ مع إمكانه فقد استقرّ الوجوب عليهما،سواء كانا موسرين أو معسرين؛ لأنّ ذلك وجب عليهما بإمكانه في موضعه،فلم يسقط بفوات القدرة بعده (3)انتهى.

و ما ذكرنا ظهر ضعف ما في المدارك و الذخيرة (4)من عدم اعتبار

ص:21


1- كشف اللثام 1:286.
2- التحرير 1:91.
3- التذكرة 1:299.
4- المدارك 7:31،الذخيرة:558.

الاستطاعة مطلقاً،لإطلاق النص؛ و ذلك لأن الإطلاق لا عموم فيه، فينصرف إلى الغالب،و هو حصول الاستطاعة البدنية المعتبرة في نحو المسألة،كما عرفته،فلا يشمل ما لو لم يكن هناك استطاعة بالكلية فتكلّف الحجّ بجهد و مشقة،فكيف يمكن الحكم بالإجزاء عن حجّة الإسلام لو استطاع بعده؟ ثم لو سلّم الإطلاق أو العموم لكان معارضاً بعموم ما دلّ على شرطية الاستطاعة من الكتاب و السنّة.

و التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه،فلا بدّ لترجيح هذا الإطلاق من دلالة،و هي مفقودة.و لو وجدت من نحو أصل البراءة لكانت هي الحجّة،دون الإطلاق،مع أنّ العمل به مشروط بتكافؤ المتعارضين و تقاومهما.

و لا ريب أنّ عموم الشرطية أقوى سنداً و متناً و دلالة،بل ربما يظهر من بعضهم كونها مجمعاً عليها (1)،فإذاً عدم الإجزاء حيث لم يستطع مطلقاً لعلّه أقوى.

ثمّ إنّ ما مرّ عن التذكرة من إلحاق الصبي بالعبد في إجزاء حجّه عن حجة الإسلام بكماله عند أحد الموقفين محكي عن المبسوط و الخلاف و الوسيلة (2)،بل هو المشهور بن الأصحاب،كما صرّح به جماعة (3)و زادوا المجنون أيضاً،مع أن إلمحكي عن الكبت المزبورة الصبي خاصة.

و كيف كان،فلم نقف له على حجّة يعتدّ بها،عدا ما يحكي عن

ص:22


1- الحدائق 14:80.
2- المبسوط 1:297،الخلاف 2:378،الوسيلة:195.
3- منهم الشهيد في المسالك 1:87،و صاحب الحدائق 14:60؛ و نسبه في الكفاية:56 إلى الأكثر.

التذكرة و الخلاف من الإجماع،و عليه اعتمد في المسالك،قائلاً:إنّه لا مخالف على وجه يقدح (1)و لا بأس به،سيّما مع اعتضاد النقل بالشهرة الظاهرة،و المحكية حدّ الاستفاضة،و بسائر ما ذكروه من الأدلة،و إن كان في بلوغها حدّ الحجيّة مناقشة.

هذا،و لا ريب أنّ الأحوط الإعادة بعد الاستطاعة.

و من لا راحلة له و لا زاد حيث يشترطان في حقه لو حجّ كان ندباً و لو قدر على المشي و تحصيل الزاد بقرض و نحوه.

و يعيد لو استطاع بلا خلاف،بل عليه الإجماع في صريح الخلاف و المنتهى (2)،و غيرهما (3)،إلاّ أنّ فيهما التعبير عن الإجماع ب:

عندنا،الظاهر فيه،و ليس نصاً؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى ما مرّ من الأدلة على شرطية الاستطاعة.

فيكون الحجّ مع فقدها كالصلاة قبل وقت الفريضة،و أداء الزكاة قبل وقت وجوبها.

و كذا الحكم في فاقد باقي شروط الوجوب،كما هو صريح جماعة (4)،و حكي عن المشهور.

خلافاً لمحتمل العبارة و صريح الدروس،ففرّق بين فاقد الزاد و الراحلة فلا يجزي،و غيره كالمريض،و الممنوع بالعدوّ و تضيق الوقت

ص:23


1- المسالك 1:87.
2- الخلاف 2:246 247،المنتهى 2:652.
3- انظر كشف اللثام 1:290.
4- منهم:العلّامة في المنتهى 2:659،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 6:50،و الفيض في المفاتيح 1:296.

و المغصوب،فيجزئ،قال:لأنّ ذلك من باب تحصيل الشرط،فإنّه لا يجب،و لو حصّله أجزأ (1).

و فيه نظر،فإنّ الحاصل بالتكلّف،الحجّ،أو السير إليه،لا الصحة و أمن الطريق اللذان هما الشرط.

فإذاً المتجه عدم الفرق.

و لو بُذل له الزاد و الراحلة و نفقة له و لعياله لذهابه و عوده صار بذلك مستطيعاً مع استكمال الشروط الباقية إجماعاً،كما في صريح الخلاف و ظاهر المنتهى (2)،و عن صريح الغنية و ظاهر التذكرة (3)؛ و لصدق الاستطاعة بذلك،و خصوص الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح:فإن عرض عليه الحجّ فاستحيى،قال:« هو ممّن يستطيع الحج،و لِمَ يستحي و لو على حمار أجدع،فإن كان يستطيع أن يمشي بعضاً و يركب بعضاً فليفعل» (4)و في معناه غيره (5).

و إطلاقها يقضي عدم الفرق،بين تمليك المبذول و عدمه،و لا بين وجوب الذل بنذر و شبهه و عدمه،و لا بين وثوق بالباذل و عدمه.

خلافاً للحلّي فاشترط الأول (6)،و للمحكي عن التذكرة فالثاني (7)،

ص:24


1- الدروس 1:314.
2- الخلاف 2:251،المنتهى 2:652.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):583،التذكرة 1:302.
4- التهذيب 5:/3 4،الإستبصار 2:/140 456،الوسائل 11:39 أبواب وجوب الحج ب 10 ح 1.
5- الكافي 4:/266 1،التهذيب 5:/3 3،الإستبصار 2:/140 455،الوسائل 11:40 أبواب وجوب الحج ب 10 ح 5.
6- السرائر 1:517.
7- التذكرة 1:302،و حكاه عنه في المدارك 7:46،و الذخيرة:560.

و للدروس فأحدهما (1)،و للمدارك و الذخيرة (2)و غيرهما (3)فالثالث.

و لا دليل على شيء من هذه،عدا الأخير فيتوجه،دفعاً للعسر و الحرج اللازمين لعدم الوثوق،المنفيين إجماعاً،كتاباً و سنّةً و فتوى،و بها يقيّد إطلاق النصوص المتقدمة،عدم معلومية انصرافه إلى مفروضنا، لاختصاصه بحكم التبادر بغيره.

و لو وهب له مال و أُطلق لم يجب القبول على المشهور؛ لأنه اكتساب،و هو غير واجب له،بخلاف البذل،لأنّه إباحة،فيكفي فيها الإيقاع،و بذلك يتّضح الفرق بينهما.

و لو قيّدت بشرط أن يصرفه في الحجّ،فهل هو كالهبة المطلقة فلا يجب بذلك الحجّ،أم كالبذل فيجب؟ وجهان:أحوطهما الثاني وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني (4).

خلافاً للشهيد الأول فاختار الأول (5)،و لعلّه الأظهر؛ لأن اشتراط الصرف في الحجّ لا يخرجه عن الهبة المحتاجة إلى القبول الملحق لها بالاكتساب الغير الواجب بلا خلاف،و دخولها في إطلاق النصوص غير واضح.

و لو حجّ به بعض إخوانه بأن استصحبه معه منفقاً عليه،أو أرسله إلى الحجّ فحجّ أجزأه عن الفرض فلا يحتاج إلى إعادته لو

ص:25


1- الدروس 1:310.
2- المدارك 7:46،الذخيرة:560.
3- انظر كشف اللثام 1:289.
4- الروضة 2:166.
5- الدروس 1:310.

استطاع فيما بعد،وفاقاً للأكثر كما في المدارك (1)،بل المشهور كما في الذخيرة (2)،بل في غيرهما:إنّ عليه فتوى علمائنا (3).

للصحيح:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:رجل لم يكن له مال فحجّ به رجل من إخوانه،هل يجزي ذلك عنه عن حجّة الإسلام،أو هي ناقصة؟قال:« بل هي حجّة تامّة» (4).

مضافاً إلى الأصل،و اتفاق من عدا الصدوق (5)على أنّ الحجّ إنّما يجب مرة بأصل الشرع.

خلافاً للإستبصار فيعيد مع اليسار؛ للخبر:عن رجل لم يكن له مال، فحجّ به أُناس من أصحابه،أ قضى حجة الإسلام؟:قال:« نعم،و إن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحجّ» قلت هل تكون حجّة تامة أم ناقصة إذا لم يكن حجّ من ماله؟قال:« نعم قضي عنه حجّة الإسلام،و تكون تامة و ليست بناقصة،و إن أيسر فليحجّ» (6).

و نحوه آخر:« لو أنّ رجلاً أحجّه رجل،كانت له حجّة،فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحجّ،و كذلك الناصب» (7).

ص:26


1- المدارك 7:47.
2- الذخيرة:561.
3- كشف اللثام 1:289.
4- التهذيب 5:/7 17،الإستبصار 2:/143 468،الوسائل 11:40 أبواب وجوب الحج ب 10 ح 2.
5- انظر علل الشرائع:405.
6- الكافي 4:/274 2،التهذيب 5:/7 18،الإستبصار 2:/143 467،الوسائل 11:41 أبواب وجوب الحج ب 10 ح 6.
7- الكافي 4:/273 1،الفقيه 2:/26 1265،التهذيب 5:/9 22،الإستبصار 2:/144 470،الوسائل 11:57 أبواب وجوب الحج ب 21 ح 5.

و فيهما ضعف من حيث السند و إن قرب الأول من الموثق و إجمال في الدلالة؛ لتدافع ظهور الأمر في الوجوب فيهما و قضاء حجّة الإسلام في الأول،و إلحاق الناصب بمحل الفرض في الثاني في العدم،بل الثاني أقوى قرينة على إرادة الاستحباب؛ للإجماع على عدم وجوب الإعادة على الناصب بعد الاستبصار.

فلا يخرج بمثل هذين الخبرين مع ما هما عليه ممّا عرفت في البين عما اقتضته الأدلّة السابقة،من عدم وجوب الإعادة بعد الاستطاعة.

و إن أمكن المناقشة في دلالة الصحيحة عليه؛ لابتنائها على كون المراد من قوله:« حجّة تامة» ذلك،و ليس بواضح و إن كان مما اتّفق عليه أكثر الأصحاب لقرب احتمال ما ذكره في الاستبصار في معناه،من أنّ المعنى فيه:الحجّة التي ندب إليها،فإنّ ذلك يعبّر عنها بأنّها حجّة الإسلام،من حيث كانت أول الحجّة،قال:و ليس في الخبر:أنّه إذا أيسر لم يلزمه الحجّ (1).

أقول:و يعضده كثرة وروده في الأخبار بهذا المعنى،و منها صحيحة أُخرى لراوي الصحيحة واردة في المعسر يحجّ عن غيره،و فيها:عن رجل حجّ عن غيره،أ يجزيه ذلك عن حجّة الإسلام؟قال:« نعم» إلى أنّ قال:

قلت حجّة الأجير تامة أو ناقصة؟قال:« تامة» (2).

و المراد بالتمامية فيها:المعنى المزبور،بلا خلاف،كما في كثير من العبارات (3)،بل في جملة أُخرى دعوى الإجماع.

ص:27


1- الاستبصار 2:144.
2- الكافي 4:/274 3،الفقيه 2:/260 1264،التهذيب 5:/8 19،الإستبصار 2:/144 471،الوسائل 11:56 أبواب وجوب الحجّ 21 ح 4.
3- راجع الذخيرة:561.

و بذلك تضعف الصحيحة؛ عن النهوض لإفادة المطلوب صريحاً، بل و لا ظهور يطمئن إليه إن لم ينضم إليه فهم المشهور.

و كيف كان،ما ذكرناه من الأُصول المعتضدة بفتوى المشهور.مع صلوح الخبرين سنداً و دلالةً لمعارضتها لعلّها كافية لإفادته،سيّما مع ندرة المخالف العامل بهما،و رجوعه عمّا في الاستبصار في المبسوط إلى المختار (1).

فليحملا على الاستحباب،كما عليه عامة متأخري الأصحاب،تبعاً للتهذيب و النهاية و المهذّب و الجامع و المعتبر (2)،و غيرها كما حكي (3).أو على من حجّ عن غيره.

و لا بدّ من فاضل عن الزاد و الراحلة بقدر ما يمون به عياله الواجبي النفقة من الكسوة و غيرها حتى يرجع بالنص و الإجماع،و في المنتهى لا نعرف فيه خلافاً (4)،يعني به بين العلماء ظاهراً.

و لو استطاع للحج مالاً فمنعه كِبَر أو مرض أو عدوّ وجبت عليه الاستنابة مع اليأس و استقرار الوجوب،إجماعاً،كما في المسالك و الروضة (5)،و غيرهما (6)،و إلّا ففي وجوب الاستنابة قولان المروي في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة أنّه يستنيب.

ص:28


1- راجع الذخيرة:561.
2- التهذيب 5:7،النهاية:204،المهذّب 1:268،الجامع للشرائع:174،المعتبر 2:752،753.
3- انظر المدارك 7:47،و مفاتيح الشرائع 1:300.
4- المنتهى 2:653.
5- المسالك 1:90،الروضة 2:167.
6- انظر الكفاية:56،و المفاتيح 1:298.

ففي الصحيح (1)و غيره (2)« إن كان موسراً و حال بينه و بين الحجّ مرض،أو حصر،أو أمر يعذره اللّه تعالى فيه فإنّ عليه ان يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال له».

و فيه« إن عليّاً عليه السلام رأى شيخاً لم يحجّ قطّ،و لم يطلق الحجّ من كبَره،فأمره أن يجهّز رجلاً فيحجّ عنه» (3)و نحوه آخر (4).

و في رابع:« لو أنّ رجلاً أراد الحجّ،فعرض له مرض،أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج،فليجهّز رجلاً من ماله،ثمّ ليبعثه مكانه (5).

و إليه ذهب الشيخ في التهذيب و الخلاف (6)،مدّعياً عليه الإجماع، و حكي عنه في النهاية و المبسوط أيضاً (7)،و عن الإسكافي و العماني و الحلبي و القاضي (8)،و اختاره الفاضل في التحرير (9)،و كثير من

ص:29


1- الكافي 4:/273 5،الفقيه 2:/26 1262،التهذيب 5:/403 1405،الوسائل 11:63 أبواب وجوب الحج ب 24 ح 2.
2- الكافي 4:/273 3،التهذيب 5:/14 39،الوسائل 11:65 أبواب وجوب الحج ب 24 ح 2.
3- التهذيب 5:/14 38،الوسائل 11:63 أبواب وجوب الحج ب 24 ح 1.
4- الكافي 4:/273 2،الفقيه 2:/260 1263،التهذيب 5:/460 1601،الوسائل 11:65،أبواب وجوب الحجّ ب 24 ح 6.
5- الكافي 4:/273 4،التهذيب 5:/14 40،الوسائل 11:64 أبواب وجوب الحجّ ب 24 ح 5.
6- التهذيب 5:14،الخلاف 2:248.
7- حكاه عنهما في المختلف:257،و هو في النهاية:203،و المبسوط 1:299،القاضي في المهذّب 1:267.
8- نقله عن الإسكافي و العماني في المختلف:257،الحلبي في الكافي:219،القاضي في المهذب 1:267.
9- التحرير 1:92.

المتأخرين (1)و ادّعى بعضهم كونه مذهب الأكثر بقول مطلق (2).

و القول الثاني:للحلّي و المفيد و الجامع كما حكي (3)،و الفاضل في القواعد و الإرشاد و المختلف (4)،و ولده في الإيضاح (5)؛ للأصل،و فقد الاستطاعة المشترطة في الوجوب،فينتفي بانتفائها.

و يضعّف الأول بلزوم تخصيصه بما مرّ.

و الثاني بأنها شرط الوجوب مباشرةً،لا استنابة.

و ظاهر العبارة هنا و في الشرائع التردد (6)كما عن صريح التذكرة (7).

و لعلّه للأصل مع قصور النصوص عن إفادة الوجوب في المفروض.

أمّا الأول منها فلتعلّق الأمر فيه بالصرورة،و لم يقولوا بوجوب استنابته،و حمله بالإضافة إليه على الاستحباب أو الإباحة أو [و] الأعم منهما و من الوجوب،ينافي حمله بالإضافة إلى أصل الاستنابة على الوجوب،إلاّ على القول بجواز استعمال اللفظ الواحد في حقيقته و مجازه في آنٍ واحد، و هو خلاف التحقيق.

و أمّا الخبران بعده فهما قضيّة في واقعة لا عموم لها،فيحتملان الاختصاص بمحل الوفاق،و هو صورة اليأس بعد استقرار الوجوب.

و يعضده الخبر الوارد في نحو هذه القضية،و الظاهر اتحادهما،و فيه

ص:30


1- منهم الشهيد الثاني في الروضة 2:167،و المسالك 1:90،و صاحب المدارك 7:55،و صاحب الحدائق 14:129.
2- كالفيض الكاشاني في المفاتيح 1:298.
3- الحلي في السرائر 1:516،المقنعة:442 الجامع للشرائع:173.
4- القواعد 1:75،الإرشاد 1:311،المختلف:257.
5- إيضاح الفوائد 1:271.
6- الشرائع 1:227.
7- التذكرة 1:303.

« إنّ رجلاً أتى علياً عليه السلام و لم يحجّ قطّ،قال إني كنت كثير المال و فرّطت في الحجّ حتى كبر سنيّ،فقال:تستطيع الحجّ؟فقال:لا،فقال له علي عليه السلام:إن شئت فجهّز رجلاً ثم ابعثه يحجّ عنك» (1).و نحوه آخر (2).

و أمّا الرابع فلا قائل بإطلاقه؛ لشموله لصورة عدم اليأس،و لا خلاف في عدم الوجوب حينئذٍ،إلّا من الدروس (3)،و على خلافه الإجماع في المنتهى (4)،فلا بد من تقييده،و هو هنا ليس بأولى من حمل الأمر على الاستحباب،بناءً على انَّ التقييد بصورة اليأس من البرء يستلزم تخصيص المرض و غيره من الأعذار بالفرد النادر؛ إذ الغالب منها ما يُرجى زوالها جدّاً.

و مثل هذا التقييد ليس بأولى من الاستحباب؛ لغلبة في الأمر و ما في معناه،و لا كذلك حمل الإطلاق على الفرد النادر،لندرته،و لولاها لكان التقييد أولى.

و بالجملة فاحتمال التقييد معارض باحتمال الاستحباب المساوي له هنا،إن لم نقل برجحان الاستحباب،و حيث تساويا يدفع التكليف الزائد من التقييد بالأصل،و ذلك واضح كما لا يخفى.

سلّمنا،لكن الأمر فيه و كذا في سائر الأخبار يحتمل الورود مورد التقية،لكونه مذهب أكثر العامة،و منه أبو حنيفة (5)أو مورد توّهم حرمة

ص:31


1- التهذيب 5:/460 1599،الوسائل 11:64 أبواب وجوب الحجّ ب 24 ح 3.
2- الكافي 4:/272 1،الوسائل 11:65 أبواب وجوب الحجّ ب 24 ح 8.
3- الدروس 1:312.
4- المنتهى 1:656.
5- حكاه عن أبي حنيفة في بدائع الصنائع 2:121،و نقله عنه و عن مالك و الشافعي في بداية المجتهد 1:331،و مغني المحتاج 3:166،167.

الاستنابة،كما حكيت في الخلاف و المنتهى (1)عن بعض العامة،فلا يفيد سوى الإباحة.

و يقوّي احتمال الورود في هذا المورد،ما مرّ من الخبر المتقدّم، المتضمّن لتعليق الأمر بالمشيّة،و هو عين الإباحة و لو بالمعنى الأعمّ الشامل للاستحباب.

و خبر آخر مروي في الخلاف،و فيه:إنّ امرأة من خثعم سألت رسول اللّه صلى الله علهى و آله فقالت:إن فريضة اللّه تعالى على العباد أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة،فهل ترى أن يحجّ عنه؟فقال صلّى الله عليه و آله:«نعم» (2)و ذلك لتوارد السؤال و الجواب عن أصل الجواز.

و من هنا يتوجّه الجواب أيضاً عن الإجماع المنقول في الخلاف؛ لاحتمال رجوعه إلى أصل الجواز في مقابلة من يدّعي المنع من هؤلاء الأقشاب،الا إلى أصل الوجوب،سيّما و قد روي عن مولانا الأمير عليه السلام ما هو ظاهر في التخيير.

مع احتمال اختصاصه بالمجمع عليه،من صورة استقرار الوجوب، كما يستأنس له ببعض أدلّته،من قوله إنه إذا فعل ما قلناه برئت ذمته بيقين،و إذا لم يفعل فليس على براءة ذمته دليل (3).

و ذلك فإنّ وجوب تحصيل البراءة اليقينية إنّما هو حيث يتيقن اشتغال الذمة،و هو في الصورة المجمع عليها خاصة،و إلّا ففي محلّ المشاجرة

ص:32


1- الخلاف 2:249،المنتهى 2:655.
2- الخلاف 2:249.
3- الخلاف 2:249.

الكلام في أصل اشتغال الذمة لا براءتها،لكن بعض عباراته كالصريح في صورة عدم الاستقرار.

و بالجملة:بعد ملاحظة جميع ما ذكر لم يظهر من الأخبار و لا من الإجماع المنقول ما يتّضح به وجه الحكم بالوجوب،فيشكل الخروج عن مقتضى الأصل المقطوع،و إن كان أحوط،هذا.

و ربّما يتردّد في الوجوب مع الاستقرار أيضاً؛ لخلوّ عبارة المتن و كثير عن هذا التفصيل،و إنّما هو في عبارة ناقل الإجماع على الوجوب فيه (1)، و قليل (2)،فيشكل الاعتماد على نحو هذا الإجماع و التعويل،سيّما و قد مرّ من النص بالتخيير ما هو ظاهر في صورة الاستقرار،بل صريح.

و بمثل ذلك يستشكل في التفصيل على تقدير الوجوب بين صورتي اليأس و عدمه؛ لخلو أكثر النصوص عنه و (3)الفتاوي.

نعم يمكن أن يقال في الأول:إنّ ظاهر مساق أكثر العبارات،بل كلّها،الحاكمة بالوجوب و المستشكلة فيه،هو خصوص صورة عدم الاستقرار.

لكن ذلك لا يفيد اتّفاقهم على الوجوب في صورة الاستقرار، فيستفاد التفصيل،إلّا أنّ يستنبط من اتّفاقهم عليه مضافاً إلى النصوص بعد الموت،فحين الحياة مع اليأس أولى بناءً على جواز الاستنابة حياً اتفاقاً،فتوًى و نصاً.

و هو وجه حسن،إلّا أنّ مقتضاه عدم وجوب الإعادة مع زوال العذر؛

ص:33


1- المسالك 1:90.
2- مجمع الفائدة 6:79.
3- في« ح» زيادة:أكثر.

إذ مع وجوبها وجوب الاستنابة بعد الموت لا يفيد وجوبها قبله بطريق أولى،لقيام الفارق،و هو القطع بعدم وجوب الإعادة في الأصل،و عدمه في الفرع،لاحتمال زوال العذر فتجب،كما هو الفرض.

و بالجملة:فاستفادة وجوب الاستنابة من الأولوية إنّما تتمّ على تقدير الحكم بعدم وجوب الإعادة بعد زوال العذر.

و هذا خلاف ما أطلقه الجماعة (1)بقوله: و لو زال العذر يحجّ ثانياً من غير خلاف صريح بينهم أجده،بل قيل كاد أن يكون إجماعاً (2)،بل عن ظاهر التذكرة أنّه لا خلاف فيه بين علمائنا (3)؛ لإطلاق الأمر بالحجّ،و ما فعله كان واجباً في ماله،و هذا يلزم في نفسه.

و نقل جماعة (4)منهم احتمال العدم عن بعضهم؛ لأنّه أدّى حجّة الإسلام بأمر الشارع،و لا يجب الحجّ بأصل الشرع إلّا مرّة واحدة،و ضعّفوه بما عرفته.و لم يفصّلوا في حكمهم ذلك بين صورتي الاستقرار و عدمه، حتى من فصّل منهم بن الصورتين فيما سبق.

و يمكن أن يقال:إنّ مساق عبارة من لم يفصّل و هم الأكثرون هو الصورة الثانية،فحكمهم بوجوب الإعادة يتعلق بها خاصة،فلا بعد في قولهم بعدمها في الصورة الأُولى،كما تقتضيه الأولوية المتقدمة،و لا قادح

ص:34


1- منهم:الشيخ في النهاية 203،و المبسوط 1:299،و ابن سعيد في الجامع للشرائع:173،و الشهيد الثاني في الروضة 2:168،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:299.
2- مفاتيح الشرائع 1:299
3- التذكرة 1:303.
4- منهم:العلّامة في التذكرة 1:304،و صاحب المدارك 7:58،و صاحب الحدائق 14:134.

قطعياً لها،و لا حجّة في إطلاق المفصّل الحكم هنا على غيره،مع احتمال إرادته به الصورة الثانية خاصة؛ لعدم صراحة كلامه هنا في الإطلاق جدّاً.

و حينئذٍ فلا يبعد قبول دعوى الاتفاق على وجوب الاستنابة في صورة الاستقرار،و الحكم به لكن المتوجه حينئذٍ في صورة زوال العذر عدم وجوب الإعادة،كما في الموت،و إلّا فاحتمال وجوبها هنا يهدم بنيان قبول الدعوى و المدّعى.

و كيف كان،فالحكم بوجوب الاستنابة في الصورتين لا يخلو عن إشكال،و إن كان الأقرب ذلك في الصورة الأولى؛ لنقل الإجماع عليه في عبائر الجماعة (1)،مؤيداً بما عرفته من الأولوية،و خصوص الصحيحين الذين مرّ كونهما قضية في واقعة،لكون هذه الصورة داخلة فيهما قطعاً مطابقةً.أو التزاماً،مع تأملٍ ما فيهما،لما مضى.

و العدم في الصورة الثانية؛ لما عرفته.

و على تقدير القول بالوجوب فيها فاستناب يجب عليه الإعادة بعد زوال العذر؛ لما عرفته،و لا كذلك الصورة الأولى فإنّ الحكم فيها بوجوب الإعادة مشكل جدّاً.

و لما مات مع استمرار العذر أجزأته النيابة في الصورتين قطعاً،أمّا الأولى:فواضح،و أمّا الثانية:فلعدم داعٍ إلى عدم الاجزاء بعد تحقق الامتثال بالاستنابة.

و في اشتراط الرجوع إلى صنعة أو بضاعة أو نحوهما ممّا يكون فيه الكفاية عادةً،بحيث لا يُحوجه صرف المال في الحجّ إلى سؤال،كما

ص:35


1- راجع ص:2709.

يشعر به بعض الروايات الآتية في الوجوب بالاستطاعة،زيادة على ما مرّ قولان،أشبههما عند الماتن و أكثر المتأخرين على الظاهر،المصرح به في المسالك (1)،بل عن المعتبر و التذكرة (2)الأكثر بقول مطلق أنه لا يشترط.

وفاقاً لظاهر المرتضى في الجمل (3)و صريح الحلّي (4)و عن الإسكافي و العماني (5)؛ لعموم الكتاب (6)،و خصوص النصوص بتفسير الاستطاعة بأن يكون عنده ما يحجّ به،كما في جملة من الصحاح (7)،و بالزاد و الراحلة، كما في غيرها (8).

خلافاً للشيخين و الحلبي و القاضي و بني زهرة و حمزة و سعيد (9)و جماعة كما حكي (10)و في المسالك:أنّه مذهب أكثر المتقدمين (11)، بل في الروضة:أنّه المشهور بينهم (12)،و في المختلف

ص:36


1- المسالك 1:92.
2- المعتبر 2:756،التذكرة 1:302.
3- جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):62.
4- السرائر 1:508.
5- نقله عنهما في المختلف:256.
6- آل عمران:97.
7- الوسائل 11:33 أبواب وجوب الحجّ ب 8 الأحاديث 1،2،3.
8- الوسائل 11:34،35 أبواب وجوب الحجّ ب 8 الأحاديث 4،5،6،7.
9- المفيد في المقنعة:384،الطوسي في النهاية:و المبسوط 1:296،الحلبي في الكافي:192،القاضي في شرح جمل العلم:205،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):573،ابن حمزة في الوسيلة:155،ابن سعيد في الجامع للشرائع:173.
10- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:290.
11- المسالك 1:92.
12- الروضة 2:168.

و المسالك (1)نقله المرتضى عن الأكثر،و في الخلاف و الغنية (2):أنّ عليه إجماع الإمامية،بل في الأخير:دعوى الإجماع عليه من كلّ من اعتبر الكفاية له و لعياله ذهاباً و إياباً.

و هو الحجّة،المعتضدة بالشهرة القديمة الظاهرة و المحكيّة،مضافاً إلى المعتبرة و لو بالشهرة.

منها:المرسلة المروية في المجمع عن أئمتنا عليهم السلام في تفسير الاستطاعة:أنها وجود الزاد و الراحلة،و نفقة من يلزم نفقته،و الرجوع إلى كفاية،إمّا من مال أو ضياع أو حرفة،مع الصحة في النفس و تخلية السرب من الموانع،و إمكان السير (3).

و نحوه المروي عن الخصال،و فيه أنّها:« الزاد و الراحلة مع صحة البدن،و أن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله،و ما يرجع إليه من حجّة» (4).

و قريب منهما المروي في المقنعة:« هلك الناس إذا كان من له زاد و راحلة و لا يملك غيرهما،أو مقدار ذلك ممّا يقوت به عياله،و يستغني به عن الناس فقد وجب عليه أن يحجّ بذلك،ثم يرجع فيسأل الناس بكفه، لقد هلك إذاً» فقيل له عليه السلام:فما السبيل عندك؟فقال:« السعة في المال،و هو أن يكون معه ما يحجّ ببعضه و يبقى بعض يقوت به نفسه

ص:37


1- المختلف:256،المسالك 1:92.
2- الخلاف 2:245،الغنية(الجوامع الفقهية):573.
3- مجمع البيان 1:478،الوسائل 11:39 أبواب وجوب الحجّ ب 9 ح 5 و فيهما بتفاوت يسير.
4- الخصال:/606 9،الوسائل 11:38 أبواب وجوب الحج ب 9 ح 4.

و عياله» (1).

و الدلالة فيه واضحة،كما اعترف به جماعة،و منهم الفاضل في المختلف،قال:فقوله عليه السلام:« ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفه» فيه تنبيه على اشتراط الكفاية من مال أو صنعة،ثم قوله:« و يبقى البعض يقوت به نفسه و عياله» يعني وقت رجوعه،و إلّا فكيف يقوت نفسه بذلك البعض مع أنّه قد خرج إلى الحجّ (2).انتهى.

فالمناقشة فيها واهية،و كذا المناقشة بضعف السند مطلقاً؛ لانجباره بالشهرة،و حكاية الإجماعين المتقدمين،و الأوفقية بالملّة السهلة السمحة.

أ لا ترى أنّه تعالى لم يوجب الزكاة إلّا على من يملك مائتي درهم، و لم يوجب عليه إلّا خمسة،تخفيفاً منه سبحانه و رحمة،و إليه وقع الإشارة في الرواية الأخيرة على رواية شيخ الطائفة.فإنّ فيها بعد تفسير السبيل بأنّه السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض و يبقى بعضاً لقوت عياله:« أ ليس قد فرض اللّه تعالى الزكاة فلم يجعلها إلّا على من يملك مائتي درهم» (3).

و لعلّه إلى هذا نظر كلّ من استدل بهذه الرواية،و هو في غاية المتانة، و مرجعه إلى تفسير الاستطاعة بما يكون فيه سهولة و ارتفاع مشقة.

و لا ريب أن ذلك هو المفهوم منها عرفاً،بل و لغةً،كما أشار إليه المرتضى في المسائل الناصرية.

فقال:و الاستطاعة في عرف الشرع و عهد اللغة عبارة عن تسهّل الأمر

ص:38


1- المقنعة:384،الوسائل 11:37 أبواب وجوب الحج ب 9 ح 1،2.
2- المختلف:256.
3- التهذيب 5:/2 1،الإستبصار 2:/139 453،الوسائل 11:37 أبواب وجوب الحجّ ب 9 ح 1.

و ارتفاع المشقة،و ليست بعبارة عن مجرد القدرة،الا ترى أنّهم يقولون ما أستطيع النظر إلى فلان،إذا كان يبغضه و يمقته و يثقل عليه النظر إليه و إن كان معه قدرة على ذلك،و كذا يقولون:لا أستطيع شرب هذا الدواء، يريدون إنّني أنفر منه و يثقل عليّ،و قال اللّه تعالى إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [1] (1)و إنّما أراد هذا المعنى لا محالة (2).

و نحوه عبارة ابن زهرة في الغنية،إلّا أنّه أثبت بذلك النفقة ذهاباً و إياباً،و ألحق مفروض المسألة بها بالإجماع المركب،فقال:و إذا ثبت ذلك ثبت اعتبار العود إلى كفاية؛ لأنّ أحداً من الأُمة لم يفرّق بين الأمرين (3).

و فيه إشعار بل ظهور بصدق الاستطاعة مع عدم الرجوع إلى كفاية.

و هو عند الأحقر محل مناقشة؛ لعدم صدقها عرفاً و عادةً بلا شبهة،بل و لغة،كما عرفته من كلام المرتضى،و حينئذٍ فظاهر الآية مع القدماء،لا عليهم.

سلّمنا،لكنها كالنصوص مقيّدة بما مرّ من الأدلّة،سيّما و أنّ النصوص لم يقل بإطلاقها أحد من علمائنا؛ لخلوّها من اعتبار النفقة رأساً،بل اكتفت بما يحجّ به و الزاد و الراحلة،كما عليه العامّة يومئذ (4)على ما يستفاد من الرواية الأخيرة برواية الشيخين،و لأجل ذلك يتقوى احتمال ورودها للتقية.

و بالجملة:فما ذكره القدماء لا يخلو عن قوة و اختاره خالي العلّامة -

ص:39


1- الكهف:67،72،75.
2- الناصرية(الجوامع الفقهية):208.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):573،574.
4- راجع بدائع الصنائع 2:121،و المغني و الشرح الكبير 3:165،167.

أدام اللّه سبحانه بقاءه- (1)و حكى عن بعض مقاربي العصر (2)،لكن قال:

أمّا لو كان بيت مال يعطى منه،أو كان ممن يتيسر له الزكاة و العطايا عادةً ممن لا يتحرز من ذلك،فلا يشترط في حقه.انتهى.

و هو حسن،و يمكن إدخاله في عبائر الجماعة بتعميم الكفاية لمثله، فإنّها تختلف باختلاف الأشخاص عادةً، و على هذا يمكن أيضاً تنزيل ما نقضهم به الحلّي (3)،من إطلاقهم الحكم بالوجوب بالبذل،من غير اشتراط لهذا الشرط بلا خلاف،و إجزاء حجّ من أدرك أحد الموقفين معتقاً،فتأمل جدّاً.

هذا،و لا ريب أن خيرة المتأخرين أحوط.

و لا يشترط في وجوب الحجّ على المرأة وجود محرم لها، ممّن يحرم عليه نكاحها مؤبداً بنسب،أو رضاع،أو مصاهرة و يكفي ظنّ السلامة بغير خلاف أجد،مصرّح به في الذخيرة (4)و في ظاهر المنتهى و غيره (5):إنّ عليه إجماع الإمامية؛ لعموم الكتاب و السنة،و خصوص الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

ففي الصحيح:عن المرأة تخرج إلى مكة بغير ولي،فقال:« لا بأس تخرج مع قوم ثقات» (6).

ص:40


1- الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح و هو مخطوط،و كتاب الحجّ منه غير موجود عندنا.
2- هو الشيخ علي بن سليمان البحراني على ما حكاه عنه في الحدائق 14:124.
3- السرائر 1:513.
4- الذخيرة:564.
5- المنتهى 1:658؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 6:106.
6- الكافي 4:/282 5،الفقيه 2:/268 1308 و فيهما بتفاوت يسير،الوسائل 11:153 أبواب وجوب الحج ب 58 ح 3.

و إنّما اعتبروا ظنّ السلامة مع إطلاق جملة من الأدلة؛ أخذاً بظاهر نحو هذه الصحيحة الآمرة بالخروج مع الثقة،الذي هو غالباً محل المظنّة، و التفاتاً إلى استلزام التكليف بالحجّ مع عدمها العسر و الحرج المنفيين اتفاقاً،كتاباً و سنّة.

و لو لم يحصل إلا بالمحرم اعتبر وجوده،و يشترط سفره معها في الوجوب عليها،و لا تجب عليه إجابتها تبرعا،و لا بأُجرة و نفقة،و له طلبهما،و تكون حينئذٍ جزءاً من استطاعتها.

و مع اجتماع الشرائط المتقدمة لو حجّ ماشياً أو في نفقة غيره أجزأه قطعاً،بل قيل:لا خلاف فيه بن العلماء (1)؛ لحصول الامتثال، و عدم وجوب صرف المال في الحجّ إلّا مقدمةً،فيجب حيث يتوقف الواجب عليه،لا مطلقاً.

و الحجّ مطلقاً و لو مندوباً ماشياً أفضل منه راكباً؛ للنصوص المستفيضة المتضمنة للصحيح و غيره (2)،عموماً و خصوصاً،المؤيدة بالاعتبار جدّاً.

إذا لم يضعفه عن العبادة كمّاً و كيفاً،فالركوب حينئذٍ أفضل؛ للصحيح:« تركبون أحبّ إليّ،فإنّ ذلك أقوى على الدعاء و العبادة» (3).

و قريب منه الحسن أو الموثق:أيّما أفضل نركب إلى مكة فنعجّل فنقيم بها إلى أن يقدم الماشي،أو نمشي؟فقال:« الركوب أفضل» (4).

ص:41


1- المدارك 7:79.
2- الوسائل 11:78 أبواب وجوب الحجّ ب 32.
3- الكافي 4:/456 2،التهذيب 5:/12 32،الاستبصار 2:/142 464،علل الشرائع:/447 4،الوسائل 11:83 أبواب وجوب الحجّ ب 33 ح 5.
4- التهذيب 5:/13 34،الإستبصار 2:/143 466،الوسائل 11:82 أبواب وجوب الحجّ ب 33 ح 3.

و بهما يجمع بين النصوص المتقدمة المطلقة لأفضلية المشي،و مثلها المطلقة لأفضلية الركوب.

و ربما يجمع بينها تارةً بحمل الأولة على ما إذا سيق معه ما إذا أعيا ركبه،و الأخيرة على ما إذا لم يسقه معه؛ للموثق (1)و غيره (2)« لا تمشوا و اركبوا» فقلت:أصلحك اللّه تعالى إنّه بلغنا أنّ الحسن بن علي عليه السلام حجّ عشرين حجّة ماشياً،فقال:« إنّه عليه السلام كان يمشي و تساق معه محامله و رحاله» .و أخرى بحمل الأولى على ما إذا قصد بالمشي مشقة العبادة، و الأخيرة على ما إذا قصد توفير المال،كما في الخبرين (3)،أحدهما الصحيح المروي عن مستطرفات السرائر،و فيهما:« إذا كان الرجل مؤسراً فمشى ليكون أفضل لنفقته فالركوب أفضل» .و الكل حسن،إلّا أنّ الأول أشهر،كما صرّح به جمع ممن تأخر (4)، و أطلق الفاضل في التحرير أفضلية المشي (5)،و عن خالي العلّامة احتمال

ص:42


1- الكافي 4:/455 1،التهذيب 5:/12 33،الاستبصار 2:/142 465،قرب الإسناد:/170 624،الوسائل 11:83 أبواب وجوب الحجّ ب 33 ح 6.
2- علل الشرائع:/447 6،الوسائل 11:84 أبواب وجوب الحجّ ب 33 ح 7.
3- الأول: مستطرفات السرائر:/35 46،الوسائل 11:85 أبواب وجوب الحجّ ب 33 ح 11.الثاني: الكافي 4:/456 3،الفقيه 2:/141 610،علل الشرائع:/447 5،الوسائل 11:85 أبواب وجوب الحجّ ب 33 ح 10.
4- كالشهيد الثاني في المسالك 1:92،و صاحب المدارك 7:79،و صاحب الحدائق 14:174.
5- التحرير 1:89.

حمل الأولة على التقية (1)،قال:كما يظهر من بعض الأخبار،و لم أقف عليه.

و إذا استقرّ الحجّ في ذمته،بأن اجتمعت له شرائط الوجوب و مضى عليه مدة يمكنه فيها استيفاء جميع أفعال الحجّ،كما عن الأكثر (2)أو الأركان منها خاصة،كما احتمله جماعة (3)حاكين له عن التذكرة، و يضعّف بأن الموجود فيها احتمال الاكتفاء بمضي زمان يمكنه فيه الإحرام و دخول الحرم (4)،كما احتملوه أيضاً وفاقاً له فأهمل،قضي عنه وجوباً من أصل تركته مقدماً على وصاياه،بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في الخلاف و التذكرة و المنتهى (5)و غيرها (6)،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة جدّاً،معتضدة بغيرها.

و أمّا ما في نحو الصحيح:« من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام،و لم يترك إلّا بقدر نفقة الحجّ،فورثته أحق بما ترك،إن شاؤوا حجّوا عنه،و إن شاؤوا أكلوا» (7)فمحمول على صورة عدم الاستطاعة.

و لو لم يخلف سوى الأُجرة لقضاء الحجّ قضي عنه من أقرب الأماكن إلى الميقات و كذا لو خلف الزيادة (8)وفاقاً للأكثر على

ص:43


1- هو الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح،و هو غير موجود عندنا.
2- على ما نقله في الذخيرة:563.
3- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:91،و السبزواري في الذخيرة:563،و نقل عن التذكرة في المدارك 7:68.
4- التذكرة 1:308.
5- الخلاف 2:253،التذكرة 1:307،المنتهى 2:871.
6- انظر المسالك 1:92.
7- الكافي 4:/305 1،الوسائل 11:67 أبواب وجوب الحجّ ب 25 ح 4؛ بتفاوت يسير.
8- ما بين القوسين ليست في« ك».

الظاهر،المصرّح به في عبائر جمع (1)،و في الغنية الإجماع (2)للأصل، و عدم اشتراط الحجّ بالمسير إلّا بالعقل،فهو على تقدير وجوبه واجب آخر لا دليل على وجوب قضائه،كيف و لو سار إلى الميقات لا بنيّة الحجّ ثم أراده فأحرم صحّ،و كذا لو استطاع في غير بلده لم يجب عليه قصد بلده و إنشاء الحجّ منه،بلا خلاف،كما في المختلف (3).

و يؤيده الصحيح:عن رجل أعطى رجلاً حجّة يحجّ عنه من الكوفة، فحجّ عنه من البصرة،قال:« لا بأس،إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه» (4).

و ربما استدل عليه بنحو الصحيح:عن رجل أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام،فلم يبلغ جميع ما ترك إلّا خمسين درهماً،قال:« يحجّ عنه من بعض الأوقات التي وقّت رسول للّه 9 من قرب» (5).

بناءً على ترك الاستفصال عن إمكان الحجّ بذلك من البلد،أو غيره

ص:44


1- منهم:الشيخ في المبسوط 1:301،و الخلاف 2:255،ابن حمزة في الوسيلة:157،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):582،و الفاضلان في كتبهم(المحقق في المعتبر 2:760،العلّامة في التذكرة 1:307)،و شيخنا في المسالك 1:92،و الروضة 2:173،و سبطه في المدارك 7:84،و صاحبا المفاتيح 2:177،و الذخيرة:542،و عن ابن فهد(المهذب البارع 2:125)،و غيرهم.(منه رحمه اللّه).
2- انظر الغنية(الجوامع الفقهية):582.
3- المختلف:257.
4- الكافي 4:/307 2،الفقيه 2:/261 1271،التهذيب 5:/415 1445،الوسائل 11:181 أبواب النيابة في الحجّ ب 11 ح 1.
5- الكافي 4:/308 4،التهذيب 5:/405 1411،الاستبصار 2:/318 1128،قرب الإسناد /166 606،الوسائل 11:166 أبواب النيابة في الحجّ ب 2 ح 1 و فيه و في التهذيب و الاستبصار:من بعض المواقيت.

ممّا هو أقرب إلى الميقات.

و ضعّف بجواز كون عدم إمكان الحجّ بذلك من غير الميقات معلوماً بحسب متعارف ذلك الزمان.

و قيل: يقضى من بلده مع السعة في تركته،و إلّا فمن الميقات،و القائل الشيخ في النهاية (1)،و الحلي و القاضي (2)،و الصدوق في المقنع و يحيى بن سعيد في الجامع (3)كما حكي (4)،و هو خيرة المحقّق الثاني و الشهيد في صريح الدروس و ظاهر اللمعة (5).

و وجهه غير واضح،عدا ما في السرائر من أنّه لو كان حياً كان يجب عليه في ماله نفقة الطريق من بلده،فاستقرّ هذا الحق في ماله؛ و أنّه به تواترت أخبارنا و روايات أصحابنا (6).

و في الأول ما مرّ؛ و في الثاني ما في المعتبر و المختلف (7)،من أنّا لم نقف بذلك على خبر شاذّ،فكيف دعوى التواتر؟! و لعلّه لذا لم يستند إليهما الشهيد رحمه اللّه بل قال:لظاهر الرواية (8).

ص:45


1- النهاية:203.
2- الحلّي في السرائر 1:516،القاضي في المهذّب 1:267.
3- الموجود في المقنع:164 هكذا:و إن لم يكن ماله يبلغ ما يحجّ عنه من بلده حجّ عنه من حيث تهيّأ.الجامع:174.
4- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:293.
5- المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:136،الدروس 1:316،اللمعة(الروضة)2:172.
6- السرائر 1:516.
7- المعتبر 2:760،المختلف:257.
8- الروضة 2:172.

و الأولى أن يراد بها الجنس،كما في الروضة،قال:لأنّ ذلك ظاهر أربع روايات في الكافي (1)،أظهرها دلالةً رواية أحمد بن محمد بن أبي نصير عن محمد بن عبد اللّه،قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يموت فيوصي بالحجّ من أين يحجّ عنه؟قال:« على قدر مال،ان وسعه ماله فمن منزله،و إن لم يسعه ماله فمن الكوفة،فإن لم يسعه من الكوفة فمن المدينة».

و إنّما جعله ظاهر الرواية لإمكان أن يراد ب« ماله» ما عيّنه اجرة للحجّ بالوصية،فإنّه يتعيّن الوفاء به مع خروج ما زاد عن أُجرته من الميقات من الثلث إجماعاً.

و إنّما الخلاف فيما لو أطلق الوصيّة،أو علم أنّ عليه حجّة الإسلام و لم يوص به،فالأقوى القضاء[عنه]من الميقات خاصة؛ لأصالة البراءة.

إلى أن قال:و الأولى حمل هذه الأخبار على ما لو عيّن قدراً،و يمكن حمل غير هذا الخبر منها على أمر آخر،مع ضعف سندها،و اشتراك محمد بن عبد اللّه في سند هذا الخبر بين الثقة و الضعيف و المجهول.

ثمّ قال:لو صحّ هذا الخبر لكان حمله على إطلاقه أولى؛ لأنّ« ماله» المضاف إليه يشمل جميع ما يملكه،و إنّما حملناه لمعارضته للأدلة الدالة على خلافه،مع عدم صحة سنده (2)انتهى.

و هو حسن،إلّا أنّ هنا أخباراً معتبرة يفهم منها أيضاً وجوب الإخراج من البلد عند إطلاق الوصية.

منها الصحيح:« و إن أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام،و لم يبلغ ماله

ص:46


1- الكافي 4:/308 1 4،الوسائل 11:166 أبواب النيابة في الحج ب 2.
2- الروضة 2:172.

ذلك،فليحجّ عنه من بعض المواقيت» (1).

و قريب منه الصحيح المتقدم فيمن أوصى أن يحجّ عنه و لم يبلغ جميع ما ترك إلّا خمسين.

و الموثق:عن رجل أوصى بماله في الحجّ،فكان لا يبلغ ما يحجّ به من بلاده،قال« فيعطي في الموضع الذي يحجّ عنه» (2).

بناءً على ظهورهما في فهم الرواة وجوب القضاء من البلد مع الوفاء، و أنّ إشكالهم إنّما هو مع عدمه،و قررهم الإمام عليهم السلام على ذلك.

و أظهر من الجميع المروي في مستطرفات السرائر،و فيه:إن رجلاً؛ مات في الطريق،و أوصى بحجة،و ما بقي فهو لك،فاختلف أصحابنا، فقال بعضهم:يحجّ من الوقت،فهو أوفر للشيء أن يبقى عليه،و قال بعضهم:يحجّ عنه من حيث مات،فقال عليه السلام:« يحجّ عنه من حيث مات» (3).

لكن شيء منها ليس بصريح في ذلك،مع أنّ موردها كما سبق - الوصية بالحجّ،و لعلّ القرائن الحالية يومئذٍ كانت دالّة على إرادة الحجّ من البلد،كما هو الظاهر عند إطلاق الوصية في زماننا هذا،فلا يلزم مثله مع انتفاء الوصيّة،و بهذا أجاب عنها جماعة (4).

هذا،و المسألة بعدُ لا تخلو عن شبهة،و لا ريب أن هذا القول مع رضاء الورثة أحوط.

ص:47


1- التهذيب 5:405 ذيل الحديث 1410؛ و الظاهر أنّه من كلام الشيخ،و لذا لم ينقله صاحبا الوسائل و الوافي.
2- التهذيب 9:/227 892،الوسائل 11:166 أبواب النيابة في الحج ب 2 ح 2.
3- مستطرفات السرائر:/66 3،الوسائل 11:169 أبواب النيابة في الحج ب 2 ح 9.
4- منهم:صاحب المدارك 7:86،و السبزواري في الذخيرة:563،و صاحب الحدائق 14:177.

ثمّ إنّ الموجود في كلام الأكثر من الأقوال في المسألة ما مرّ،و حكي الماتن في الشرائع ثالثاً بالإخراج من البلد مطلقاً (1)و مقتضاه سقوط الحجّ مع عدم وفاء المال به من البلد،و لم نعرف قائله،و به صرّح جمع (2)،بل نفاه بعضهم من أصله (3).

و من وجب عليه الحجّ مطلقاً و لو بنذر و شبهه فوراً،أو مطلقاً على ما يقتضيه و إطلاق العبارة و نحوها لا يجوز له أن يحجّ تطوعاً بغير خلاف أجده.

و لا إشكال في الفور،للتنافي.

و يشكل في غيره،كمن نذر الحجّ ناصّاً على التوسعة،أو استنيب كذلك؛ لعدم دليل عليه،عدا ثبوت مثل الحكم في الصلاة،و هو قياس،إلّا أن يستند بعموم ما في بعض الصحاح الواردة ثمّة،و هو قوله عليه السلام:

« أ رأيت لو كان عليك من شهر رمضان كان لك أن تتطوع حتى تقضيه»؟ قلت:لا،قال:« فكذلك الصلاة» الخبر (4)فتأمل.

أما ناذر الحجّ في القابل،و النائب كذلك،فليس الآن ممن عليه الحجّ.

و لو تطوّع حيث لا يجوز له،ففي فساده رأسا،كما عليه الحلّي (5)، و من تأخّر عنه (6)؛ أو صحته تطوعاً،كما في الخلاف (7)؛ أو عن حجّة

ص:48


1- الشرائع 1:299.
2- منهم:صاحب المدارك 7:87،و السبزواري في الذخيرة:563.
3- انظر كشف اللثام 1:293.
4- دعائم الإسلام 1:140،المستدرك 6:433 أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 5.
5- السرائر 1:519.
6- كالعلّامة في المختلف:259.
7- الخلاف 2:256.

الإسلام،كما في المبسوط (1)،أقوال:

أوفقها بالأصل في الفوري الأول،لا لأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه،بل لمنافاته الأمر بالضد،فينتفي الصحة؛ لانحصار مقتضيها في العبادة في الأمر خاصة.

هذا في الفوري،و يشكل في غيره،و الوجه الصحة،و لعلّ الأول خاصّة مراد الجماعة.

و كذا لا يجوز أن تحجّ المرأة ندباً إلّا بإذن زوجها بلا خلاف أجده،و به صرّح في الذخيرة (2)،بل في ظاهر المدارك و عن التذكرة (3)الإجماع عليه.

و في المنتهى (4):لا نعلم فيه خلافاً؛ لأنّ حق الزوج واجب،و ليس لها تفويته؛ و يؤيده الموثق:عن المرأة الموسرة قد حجّت حجّة الإسلام، فتقول:أحجّني مرة أُخرى إله أن يمنعها؟قال :« نعم،يقول لها:حقّي عليك أعظم من حقّك عليّ[في]هذا» (5).

و يضعّفان بأخصّية الأول من المدّعى،و دلالة الثاني بدلالته على ان للزوج المنع،لا التوقف على الإذن.

و الأجود الاستدلال عليه بعد الإجماع بفحوى ما دلّ على منع المعتدّة عدّة رجعية عنه من الأخبار (6).

و لا يشترط إذنه في الحجّ الواجب مطلقاً،بلا خلاف أجده،و به

ص:49


1- المبسوط 1:302.
2- الذخيرة:564.
3- المدارك 7:91،التذكرة 1:306.
4- المنتهى 2:659.
5- الفقيه 2:/268 1307،التهذيب 5:/400 1392،الوسائل 11:156 أبواب وجوب الحج ب 59 ح 2 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
6- الوسائل 11:158 أبواب وجوب الحجّ ب 60،و ج 22:219 أبواب العدد ب 22.

صرّح في الذخيرة (1)،و النصوص به مع ذلك مستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها :

ففي الصحيحين (2)و غيرهما (3):« لا طاعة له عليها في حجّة الإسلام،فلتحجّ إن شاءت» .و هل يعتبر الضيق في عدم اعتبار الإذن،أم لا فلا يعتبر أيضاً مع السعة؟وجهان،اختار ثانيهما في المدارك و الذخيرة (4)،معلّلاً في الأوّل بأصالة عدم سلطته عليها.

و كذا لا يجوز لها أن تحجّ ندباً إلّا بإذنه،و يجوز لها الحجّ واجباً مطلقاً بدونه في العدّة الرجعية بلا خلاف أجده؛ للخبر:عن المطلّقة تحجّ في عدّتها؟قال« إن كانت صرورة حجّت في عدّتها،و إن كانت حجّت فلا تحجّ حتى تنقضي عدّتها» (5).

و ضعف السند منجبر بالعمل،و به يجمع بين الصحيحين المجوّز أحدهما مطلقاً (6)،و المانع ثانيهما كذلك (7).

ص:50


1- الذخيرة 564.
2- الأوّل: التهذيب 5:/400 1391،الإستبصار /318 1126،الوسائل 11:155 أبواب وجوب الحج ب 59 ح 1.الثاني: التهذيب 5:/474 1671،الوسائل 11:156 أبواب وجوب الحج ب 59 ح 3.
3- الكافي 4:/282 1،الوسائل 11:156 أبواب وجوب الحج ب 59 ذيل حديث 3.
4- المدارك 7:92،الذخيرة:565.
5- التهذيب 5:/402 1399،الإستبصار 2:/318 1125،الوسائل 11:158 أبواب وجوب الحجّ ب 60 ح 2.
6- الفقيه 2:/269 1311،التهذيب 5:/402 1398،الإستبصار 2:/317 1124،الوسائل 11:158 أبواب وجوب الحجّ ب 60 ح 1.
7- التهذيب 5:/401 1396،الإستبصار 2:/317 1122،الوسائل 11:158 أبواب وجوب الحجّ ب 60 ح 3.

و ليس في شيء منها التقييد بالرجعية،كما في كلام الجماعة،بل شاملة بإطلاقها بل عمومها للبائنة،لكنها نادرة،فيشكل صرف الإطلاق إليها سيّما مع الاتّفاق على انقطاع عصمة الزوجية عنها،فلا وجه لتوقف حجّها على إذن زوجها مطلقاً.

و الظاهر أنّ إطلاق المنع في الخبر محمول على صورة عدم الإذن؛ لآخر:« المطلّقة تحجّ في عدّتها إن طابت نفس زوجها» (1)و نحوه الحسن (2)كما قيل (3).

و يجوز لها الحجّ و لو ندباً في عدّة الوفاة؛ للمعتبرة المستفيضة،منها الموثقان (4):عن المتوفى عنها زوجها تحجّ؟قال:« نعم» .

مسائل
اشارة

مسائل ثلاث:

الأُولى إذا نذر غير حجّة الإسلام لم يتداخلا

الأُولى: إذا نذر حجّة الإسلام انعقد على الأصح،فتجب الكفارة بالترك،و لا يجب عليه غيرها اتّفاقاً،و لا تحصيل الاستطاعة،إلّا إذا قصد بنذرها تحصيلها فيجب أيضاً.

و إذا نذر غير حجّة الإسلام لم يتداخلا اتّفاقاً،كما في التحرير

ص:51


1- الكافي 6:/91 12،التهذيب 8:/131 452،الإستبصار 3:/333 1187،الوسائل 22:219 أبواب وجوب الحجّ ب 22 ح 2.
2- الكافي 6:/89 1،التهذيب 8:/116 402،الإستبصار 3:/333 1184،الوسائل 22:212 أبواب وجوب الحجّ ب 18 ح 1.
3- قاله به صاحب المدارك 7:92.
4- الأول:التهذيب 5:/402 1401،الوسائل 11:159 أبواب وجوب الحج ب 61 ح 2.الثاني:قرب الإسناد:/168 617،الوسائل 11:159 أبواب وجوب الحجّ ب 61 ح 3.

و المختلف و المسالك (1)و غيرها (2)،بل يجبان عليه معاً إن كان حال النذر مستطيعاً و كان حجّة النذر مطلقة أو مقيدة بسنة غير الاستطاعة.

و يجب عليه حينئذ تقديم حجّة الإسلام؛ لفوريتها،وسعه مقابلها.

و إن كانت مقيّدة بسنتها لغا النذر إن قصدها مع بقاء الاستطاعة،و إن قصدها مع زوالها صحّ،و وجب الوفاء عند زوالها.و إن خلا عن القصدين فوجهان.

و إن لم يكن حال النذر مستطيعاً وجب المنذورة خاصة بشرط القدرة،دون الاستطاعة الشرعية،فإنّها شرط في حجّة الإسلام خاصة.

خلافاً للدروس فتشترط أيضاً (3)و لا وجه له.

و إن حصلت الاستطاعة الشرعية قبل الإتيان بالمنذورة،فإن كانت مطلقة أو مقيدة بزمان متأخر عن سنة الاستطاعة خصوصاً،أو عموماً، وجب تقديم حجّة الإسلام؛ لما مرّ،وفاقاً لجماعة (4).

خلافاً للدروس،فقدّم المنذورة (5)،و لم نعرف وجهه.

و إن كانت مقيدة بسنة الاستطاعة،ففي تقديم المنذورة أو الفريضة، وجهان،أجودهما الأول كما قطع به جماعة (6).

قال في المدارك:لعدم تحقق الاستطاعة في تلك السنة؛ لأن المانع

ص:52


1- التحرير 1:128،المختلف:322،المسالك 1:93.
2- انظر المدارك 7:99.
3- الدروس 1:318.
4- منهم:ابن سعيد في الجامع للشرائع:175،و صاحب المدارك 7:99،و الشهيد الثاني في المسالك 1:93.
5- الدروس 1:318.
6- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:93،و صاحب المدارك 7:100.

الشرعي كالمانع العقلي،و على هذا فيعتبر في وجوب حجّ الإسلام بقاء الاستطاعة إلى السنة الثانية (1).

و لو نذر حجّا مطلقاً أي خالياً عن قيدي حجّة الإسلام و غيرها قيل:يجزي إن حجّ بنية النذر عن حجّة الإسلام،و لا يجزي إن نوى حجّة الإسلام عن النذر و القائل:الشيخ في النهاية و التهذيب و الاقتصاد (2)،كما حكي،و حكاه في المسالك أيضاً عن جماعة (3).

و لا يخلو عن قوة؛ استناداً في الحكم الثاني إلى الأصل الآتي.

و في الأول إلى الصحيحين:عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه الحرام فمشى،هل يجزيه عن حجّة الإسلام؟قال:« نعم» (4).

و في أحدهما:قلت:أ رأيت إنّ حجّ عن غيره و لم يكن له مال،و قد نذر أن يحجّ ماشياً،أ يجزيه عنه ذلك من مشيه؟قال:« نعم» (5).

و الظاهر أن المراد بنذر المشي نذر الحجّ ماشياً،كما فهمه الأصحاب،حتى أرباب القول الثاني،حيث لم يجيبوا عنهما إلّا بالحمل على ما إذا نذر حجّة الإسلام ماشياً،و يدلُّ عليه السؤال الثاني في أحدهما.

و هذا القدر من الظهور كافٍ،و إن احتمل السؤال فيهما غيره،من كون المسئول أنّ هذا المشي إذا تعقبه حجّة الإسلام فهل يجزي،أم لا بدّ من المشي ثانياً؟أو أنّه إذا نذر المشي مطلقاً،أو في حجّ،أو في حجّة الإسلام فمشى،فهل يجزيه أم لا بدّ من الركوب فيها؟أو أنه إذا نذر حجّة

ص:53


1- المدارك 7:100.
2- النهاية:205،التهذيب 5:406،الاقتصاد:298.
3- المسالك 1:93.
4- التهذيب 5:/459 1595،الوسائل 11:70 أبواب وجوب الحجّ ب 27 ح 1.
5- التهذيب 5:/406 1415،الوسائل 11:70 أبواب وجوب الحجّ ب 27 ح 3.

الإسلام فنوى المنذور دون حجّة الإسلام فهل يجزي عنها؟.

لبُعد جميع ذلك،سيّما في مقابلة فهم الأصحاب.و ارتكابها فيهما كلّاً أو بعضاً للجميع تبرّعاً يتوقف على وجود المعارض الأقوى،و ليس، سوى الأصل الآتي،و التعارض بينهما و بينه على تقدير تسليمه تعارض العموم و الخصوص مطلقاً و الخاص مقدّم اتّفاقاً.

و قيل:لا يجزي أحدهما عن الآخر و القائل الأكثر على الظاهر، المصرّح به في كلام جمع،و منهم:الشيخ في الخلاف و الحلّي في السرائر و السيّدان في الغنية و الناصرية (1)،و في ظاهرها الإجماع،و الفاضلان و الشهيدان (2)،و غيرهم من متأخّري الأصحاب (3).

لاقتضاء اختلاف السبب اختلاف المسبّب.

و فيه بعد تسليمه أنّه عام فيحصّص بما مرّ.

إلّا أن يجاب بقوة العام بعمل الأكثر،و عدم صراحة الخاص بما مرّ.

مضافاً إلى معارضته بالإجماع المنقول و إن كان بلفظة« عندنا» فإنّ ظهورها في نقله ليس بأضعف من دلالة الصحيحين على خلافه.

و ببعض الأخبار المشار إليه في الخلاف،حيث إنه بعد نسبة ما ذكره في النهاية إلى بعض الروايات قال:و في بعض الأخبار أنه لا يجزي

ص:54


1- الخلاف 2:256،السرائر 1:518،الغنية(الجوامع الفقهية):582،الناصرية(الجوامع الفقهية):209.
2- المحقق في المعتبر 2:762،و الشرائع 1:231،و العلّامة في القواعد 1:77،و التحرير 1:128،و المنتهى 2:875،الشهيدان في اللمعة و الروضة 2:178.
3- كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 3:141،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:296.

عنه،و هو الأقوى عندنا،إلى آخر ما قال (1).و الإرسال غير قادح بعد الانجبار بعمل الأصحاب.

و المسألة محل إشكال و إن كان مختار الأكثر لعلّه أظهر؛ للأصل المعتضد بالإجماع المنقول،و المرسل الصريح الملحق لفتوى الأكثر بالصحيح،و مع ذلك فهو أحوط.

و يحكى عن الشيخ قول ثالث بإجزاء أحدهما عن الآخر مطلقاً (2)و مال إليه في الذخيرة (3)؛ لصدق الامتثال.

و فيه مناقشة،سيّما بعد ما عرفت من الأدلة على عدم الإجزاء مطلقاً، أو في الجملة.

الثانية إذا نذر ان يحجّ ماشياً وجب

الثانية: إذا نذر ان يحجّ ماشياً وجب مع إمكانه،على المعروف من مذهب الأصحاب،كما في المدارك و الذخيرة (4)،و فيهم عن المعتبر أنّ عليه اتّفاق العلماء (5).

و الصحاح و غيرها به مع ذلك مستفيضة جدّاً (6)،معتضدة بالعمومات.

و أمّا الصحيح:عن رجل نذر أن يمشي إلى مكة حافياً،فقال:«إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرج حاجّاً فنظر إلى امرأة تمشي بين الإبل،فقال:من هذه؟فقالوا:

أُخت عقبة بن عامر،نذرت أن تمشي إلى مكة حافية،فقال صلى الله عليه و آله:يا عقبة، انطلق إلى أُختك فمرها فلتركب،فإنّ اللّه تعالى غنيّ عن مشيها و حفاها» (7).

ص:55


1- الخلاف 2:256 و فيه:و هو الأقوى عندي.
2- التهذيب 5:406 ذيل الحديث 1414.
3- الذخيرة:566.
4- المدارك 7:102،الذخيرة:566.
5- المعتبر 2:763.
6- الوسائل 11:86 أبواب وجوب الحج ب 34.
7- التهذيب 5:/13 37،الإستبصار 2:/15 491،الوسائل 11:86 أبواب وجوب الحج ب 34 ح 4.

فشاذّ محمول على العجز،أو النسخ،أو فوت ستر ما يجب ستره من المرأة،أو غير ذلك من المحامل،إلّا أنّ أقربها الأول.

و حمله على عدم انعقاد نذر المشي حافياً مع غاية بعده عن السياق لا وجه له،بعد اقتضاء الأدلة انعقاده من العموم و الخصوص،كالمعتبرين المرويين في الوسائل عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى،أحدهما الموثق:عن رجل نذر أن يمشي حافياً إلى بيت اللّه تعالى،قال:« فليمشِ، فإذا تعب فليركب» (1)فتأمل.

ثم إنّ إطلاق الأخبار،بل عمومها،يقتضي وجوب المشي مطلقاً، سواء كان أرجح من الركوب أم لا،و به أفتى جماعة صريحاً (2).

خلافاً للفاضل و ولده (3)في الثاني فلم يوجباه،بل أوجبا الحجّ خاصة،و ادّعى الثاني على انعقاد أصل النذر الإجماع.

و فيه مضافاً إلى مخالفته ما مرّ أنّه لا يعتبر في المنذور كونه أفضل من جميع ما عداه،بل المعتبر رجحانه،و لا ريب في ثبوته و إن كان مرجوحاً بالإضافة إلى غيره.

و الأقوى في المبدأ و المنتهى الرجوع إلى عرف الناذر إن كان معلوماً، و إلّا فإلى مقتضى اللفظة لغةً،و هو في لفظة« أحجّ ماشياً» في المبدأ أول الأفعال،لدلالة الحال عليه،و في المنتهى آخر أفعاله الواجبة،و هي رمي

ص:56


1- نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:/47 80،81،الوسائل 11:88 أبواب وجوب الحجّ ب 34 ح 9،10.
2- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 2:181،و السبزواري في الذخيرة:566،و صاحب الحدائق 14:223.
3- العلّامة في القواعد 2:132،و ولده في إيضاح الفوائد 4:66.

الجمار،و المعتبرة به أيضاً مستفيضة (1).

و ما ورد بأنّه إذا أفاض من عرفات (2)،فشاذّ؛ لأنّ الأصحاب بين قائل بما قلنا،كشيخنا الشهيد الثاني و سبطه و جماعة (3)،و قائلٍ بأنّه طواف النساء،كالفاضل في التحرير و الشهيد في الدروس (4)،و عزاه في الروضة إلى المشهور (5)،فليحمل على ما إذا أفاض و رمى،أو كون المشي تطوعاً لا نذراً.

و يقوم في موضع العبور لو اضطر إلى عبوره وجوباً،على ما يظهر من العبارة و نحوها،و به صرّح جماعة (6)،استناداً إلى رواية (7)هي لضعف سندها بالسكوني و صاحبه عن إثباته قاصرة؛ و لذا أفتى بالاستحباب جماعة كالفاضلين في المعتبر و التحرير و المنتهى و التذكرة (8)و الشهيدين في الدروس و الروضة (9)و غيرهم (10).

و لا بأس به،خروجاً من خلاف من أوجبه،و تساهلاً في أدلة

ص:57


1- الوسائل 11:89 أبواب وجوب الحجّ ب 35.
2- قرب الإسناد:/162 588،الوسائل 11:90 أبواب وجوب الحجّ ب 35 ح 6.
3- الشهيد الثاني في المسالك 1:94،و سبطه في المدارك 7:103 و انظر الذخيرة:566 و الحدائق 14:235.
4- التحرير 1:129،الدروس 1:319.
5- الروضة 2:181.
6- منهم الشيخ في النهاية:205،و العلّامة في القواعد 1:77،و الشهيد الأوّل في اللمعة(الروضة 2):181.
7- الفقيه 3:/235 1113،التهذيب 5:/478 1693،الإستبصار 4:/50 171،الوسائل 11:92 أبواب وجوب الحجّ ب 37 ح 1.
8- المعتبر 2:763،التحرير 1:128،المنتهى 2:875،التذكرة 1:308.
9- الدروس 1:319،الروضة 2:182.
10- انظر المسالك 1:94 و استجوده في المدارك 7:104.

السنن.

و مع ذلك فالوجوب لعلّه لا يخلو عن قوة؛ لقوة السند في نفسه، و اعتضاده بفتوى الأكثر بمضمونه.

و حيث وجب عليه المشي فإن ركب في طريقه أجمع قضى الحجّ ماشياً أي فعله قضاءً إن كان موقتاً و قد انقضى،و إلّا فأداءً،قيل:وفاقاً لإطلاق الأكثر (1)؛ لأنّه لم يأت بالمنذور على وجهه، لانتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه.

و فيه أنّ هذا دليل على عدم حصول المنذور،لا على وجوب قضائه حيث يفوت وقته.

و ربما يعلّل بأنّ حجّة وقع فاسداً،و فساد الحجّ يقتضي الإعادة.

و فيه:أنّ الفساد الموجب لها ما كان لإخلال بجزء أو صفة أو شرط مثلاً،و هو غير حاصل هنا؛ إذ المقصود بالفساد هنا عدم وقوعه عن النذر، لعدم المطابقة،و لا عن غيره لانتفاء النية،و هو غير الفساد الموجب للإعادة.

و لذا احتمل الفاضلان في المعتبر و المنتهى و التحرير و المختلف- (2)سقوط قضاء المعيّن،قالا:و إنّما عليه الكفارة؛ لإخلاله بالمشي.

و هو في غاية القوة؛ عملاً بأصالة البراءة السليمة عمّا يصلح للمعارضة،كما عرفته.

و أمّا غير المعيّن فلا ريب في وجوب الإعادة؛ تحصيلاً للواجب بقدر الإمكان،و لا كفارة.

ص:58


1- كشف اللثام 1:259.
2- المعتبر 2:764،المنتهى 2:876،التحرير 1:129،المختلف:323.

و كذا المعيّن إن طاف و سعى راكباً فيمكن بطلانهما و بطلان الحجّ إن تناول النذر المشي فيهما.و لعلّ هذه الصورة خاصة مراد من أطلق وجوب القضاء،و يشهد له سوق العبارة،فتأمل.

و لو ركب بعضاً من الطريق قضى الحجّ و مشى ما ركب قاله الشيخ في النهاية (1)،و تبعه الشهيد في الدروس (2)؛ و حكي عن المفيد و جماعة (3)؛ و حُجّتهم غير واضحة،عدا ما في المسالك من أن به أثراً لا يبلغ حدّ العمل به (4).

و فيه مضافاً إلى ما ذكره-:أنّا لم نقف عليه،و لم يشر إليه غيره، و لا نقله.

و ما في المختلف،من أن الواجب عليه قطع المسافة ماشياً،و قد حصل بالتلفيق،فيخرج عن العهدة (5).

و فيه:ما أجاب عنه من المنع من حصوله مع التلفيق؛ إذ لا يصدق عليه أنّه حجّ ماشياً.

و لذا قيل:يقضي ماشياً،لإخلاله بالصفة المشترطة، و القائل الحلّي (6)،و أكثر المتأخرين (7)،حتى الشهيد فقد رجع عنه في اللمعة (8)،

ص:59


1- النهاية:565.
2- الدروس 1:319.
3- حكاه عنهم جميعاً في كشف اللثام 1:295 و هو في المقنعة:565.
4- المسالك 1:94.
5- المختلف 323.
6- السرائر 3:62.
7- منهم:المحقق في المعتبر 2:764،و العلّامة في المنتهى 2:875،و ولده في الإيضاح 1:276.
8- اللمعة(الروضة البهية 2):182.

و هو في غاية القوة.

و لو عجز عن المشي قيل في حجّ النهاية و غيره (1) يركب،و يسوق بدنة للصحيحين:عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه تعالى و عجز أن يمشي،قال:« فليركب و ليسق بدنة» (2)كما في أحدهما.

و في الثاني:عن رجل حلف ليحجّن ماشياً،فعجز عن ذلك فلم يطقه،قال« فليركب و ليسق الهدي» (3).

و قيل في المقنعة و غيرها (4) يركب و لا يسوق.

للصحيح:رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه تعالى،قال:« فليمش» قلت:فإنّه تعب،قال:« إذا تعب ركب» (5)و السكوت عن سياق الهدي في مقام البيان يقضي عدم الوجوب.

و فيه:أنّ غايته الظهور،فلا يعارض الأمر الذي هو في الدلالة على الوجوب أظهر منه على العدم،فليقيّد به.

و للخبر المصرّح بالعدم (6).

و هو حسن إن صحّ السند،و ليس إلّا أن يجبر بموافقة الأصل،و ظاهر

ص:60


1- النهاية:205؛ و انظر الوسيلة:156.
2- التهذيب 5:/403 1403،الإستبصار 2:/149 490،الوسائل 11:86 أبواب وجوب الحجّ ب 34 ح 2.
3- التهذيب 5:/403 1403،الإستبصار 2:/149 490،الوسائل 11:86 أبواب وجوب الحجّ ب 34 ح 2.
4- المقنعة:441؛ و حكاه عنه الإسكافي في المختلف:659.
5- التهذيب 5:/403 1402،الإستبصار 2:/150 492،الوسائل 11:86 أبواب وجوب الحجّ ب 34 ح 1.
6- مستطرفات السرائر:/33 39،الوسائل 11:87 أبواب وجوب الحجّ ب 34 ح 6.

الصحيح السابق،و لا يخلو عن نظر.

و قيل في السرائر،و غيره (1) إن كان النذر مطلقاً توقّع المكنة لوجوب تحصيل الواجب بقدر الإمكان و إن كان معيّناً بسنة و قد حصل العجز فيها سقط الحجّ لعجزه المستتبع لسقوطه.

و هو قويّ متين،لولا النصوص المتقدمة الآمرة بالركوب عند العجز مطلقاً،و أقلّها الجواز إن لم نقل بالوجوب.

و يعضدها بالإضافة إلى النذر المطلق أنّ الأمر بتوقع المكنة بعد طريان العجز ربّما يوجب العسر و الحرج المنفيين آيةً و روايةً،سيّما و أنّ يكون بعد التلبس بالإحرام،فيعضده حينئذ مع ذلك الأمر بإكمال الحجّ و العمرة.

و لذا قال بعض المتأخرين بمقتضى النصوص،من وجوب الإكمال في هذه الصورة و قال بمقالة الحلّي في صورة العجز قبل التلبس (2).

و فيه:أنّ النصوص المزبورة شاملة بإطلاقها أيضاً لهذه الصورة،بل العمل بها مطلقاً متوجه.

لكن يستفاد عن فخر الإسلام و غيره (3)أنّ الخلاف إنّما هو في النذر المعيّن،و أما المطلق فلا خلاف فيه في وجوب توقّع المكنة.

فإنّ تم إجماعاً،و إلّا كما هو الظاهر المستفاد من نحو العبارة فالأخذ بمقتضى النصوص أجود؛ لأنها بالإضافة إلى الأُصول المقتضية للقول الأخير بشقّيه أخص،فلتكن بالتقديم أجدر،سيّما بعد الاعتضاد بما

ص:61


1- السرائر 3:61؛ و أُنظر الإرشاد 1:312 و الإيضاح 1:276.
2- المدارك 7:108.
3- فخر الإسلام في إيضاح الفوائد 1:276؛ و انظر الذخيرة:566.

مرّ.

و يبقى الإشكال في حكم السياق،أ هو على الوجوب أو الاستحباب، و الأوفق بالأُصول:الأول،و إن كان الثاني لا يخلو عن وجه،و مع ذلك فهو أحوط.

و لشيخنا في المسالك و الروضة (1)تفصيل،لم أقف عليه في كلام أحد من الجماعة.

و للمختلف و التنقيح (2)تفصيل آخر،و هو كالحلي إلا في النذر المعيّن،فيركب عند العجز.

و هو كما عدا القولين الأولين خارج عن النصوص،بل الأُصول، ما عدا الأول منها؛ لموافقته الأُصول و إن خالفت النصوص،و لولاها لكان المصير إليه متعيّناً.

بل يمكن المصير إليه معها أيضاً،بناءً على صراحتها في نذر الحجّ ماشياً يعني نذر الحجّ مع المشي مشروطاً أحدهما بالآخر كما هو ظاهر فرضنا؛ لأنّ مورد الصحيحين منها نذر المشي إلى بيت اللّه،و هو لا يستلزم نذر الحجّ،فلعلّ إيجابه إنّما هو لوجوبه عليه مضيقاً سابقاً بالاستطاعة و نحوها.

و ما عداهما و إن ورد بلفظ الفرض إلّا أنّه مع ضعف بعضها يحتمل أن يكون المراد منها نذر المشي خاصة،منضمّاً إلى الحجّ الواجب مضيقاً سابقاً،كما هو مورد الصحيحين.

و حينئذ فلا تعلّق له بمسألتنا إلّا من حيث الإطلاق،أو العموم،و في

ص:62


1- المسالك 1:94،الروضة 2:182.
2- المختلف:323،التنقيح الرائع 1:423.

تخصيص الأُصول بمجردهما إشكال،مع إمكان العكس بصرفهما إلى نذر المشي خاصة في سنة الوجوب مضيقاً.

و حيث أمكن الجمع بإرجاع إحداهما إلى الأُخرى كان صرف النصوص إلى الأُصول أولى،لكونها مقطوعاً بها،بخلاف النصوص، لكونها آحاداً.فتأمل جدّاً.

الثالثة المخالف إذا لم يخلّ بركن لم يُعده

الثالثة: المخالف إذا حجّ و لم يخلّ بركن من أركانه لم يُعده وجوباً لو استبصر على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر، وفاقاً للشيخ و الحلّي (1)؛ للصحاح الصراح. (2)

خلافاً للإسكافي و القاضي (3)،فيعيد؛ للخبرين (4).و حملا على الاستحباب جمعاً،مضافاً إلى ضعف السند،و وقوع التصريح به في تلك الصحاح:« و لو حجّ أحبّ إليّ» و إن أخلّ بركن أعاد وجوباً بلا خلاف،و إن اختلف في المراد بالركن عندنا،كما ذكره الفاضلان في المعتبر و التحرير و المنتهي (5)، و تبعهما الشهيد رحمه اللّه في الدروس (6).أو عنده،كما هو ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك و الروضة و سبطه (7)،و جماعة ممّن تأخّر عنهما (8).

ص:63


1- الشيخ في النهاية:205،الحلي في السرائر 1:518.
2- الوسائل:11:61 أبواب وجوب الحج ب 23.
3- حكاه عنهما في المختلف:258،و هو في المهذّب 1:268.
4- الكافي 4:/273 1،/275 5،التهذيب 5:/9 22،/10 24،الإستبصار 2:/145 474،473،الوسائل 11:62 أبواب وجوب الحجّ ب 23 ح 5،6.
5- المعتبر 2:765،التحرير 1:125،المنتهى 2:859 860.
6- الدروس 1:315.
7- المسالك 1:91،92،الروضة 2:177،و سبطه في المدارك 7:74.
8- كالأردبيلي في مجمع الفائدة 6:98،و السبزواري في الذخيرة:564،و صاحب الحدائق 14:162.

و النصوص خالية من القيد مطلقاً،إلّا أن موردها« من حجّ» و ظاهره الحجّ الصحيح عنده،لا عندنا،فإذا حجّ فاسداً عنده لم يدخل في موردها، فتجب عليه الإعادة حينئذ؛ عملاً بالعمومات السليمة عن المعارض هنا.

و أمّا إذا حجّ صحيحاً عنده،كان داخلاً في مورد النصوص النافية للإعادة قطعاً.

و على هذا فالقول الثاني أقوى،مع أن عليه مدار أُولئك الفضلاء في الصلاة و نحوها،و وجه الفرق غير واضح.

و ما ذكره بعض من أنّه هنا إن أخلّ بركن عندنا لم يأت بالحجّ حينئذٍ مع بقاء وقت إبرائه،بخلاف الصلاة،لخروج وقتها،و لا يجب القضاء إلّا بأمر جديد (1).

فهو كما ترى،فإنّ الصلاة فاسدة عندنا يجب قضاؤها خارج الوقت إجماعاً؛ لعموم:« من فاتته فريضة فليقضها» و هم لا يقولون بوجوب قضائها إذا كانت عنده صحيحة،فسقوط القضاء ثمّة ليس إلّا لنحو الصحاح المتقدمة،و هي جارية هنا بعينها.

و بالجملة:بقاء الوقت و خروجه لا يصلح فارقاً بعد ورود الأمر الجديد الملحق للقضاء بالأداء،سيّما و هم قد قالوا به هناك لو أتى بها فاسدة عنده.

و لا فرق بين من حكم بكفره كالحروري و الناصبي و غيره في ظاهر العبارة و نحوها،و الصحاح بل صريح بعضها،لتضمنه من قدّمناه.

خلافاً لمحتمل المختلف و غيره (2)،ففرّقا بينهما،و أوجبا الإعادة

ص:64


1- كشف اللثام 1:294.
2- المختلف:259؛ و انظر كشف اللثام 1:256،

على الأول.و هو ضعيف جدّاً.

و هل الحكم بعدم الإعادة لصحة العبادة في نفسها،بناءً على عدم اشتراط الإيمان فيهما،كما هو صريح الفاضلين و جماعة ممّن تأخّر عنهما (1)،أم إسقاط للواجب في الذمة من قبيل إسلام الكافر،كما هو ظاهر الإسكافي و القاضي (2)و شيخنا الشهيد الثاني و سبطه و من تأخر عنهما (3)؟ قولان:أجودهما الثاني؛ لدلالة النصوص الكثيرة عليه جدّاً.

و لا ثمرة لهذا الاختلاف،إلّا ما مرّ من الاختلاف في تفسير الركن، فيراد منه عندنا على القول الأول هنا،و عنده على الثاني،على ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني (4)،حيث بنى الاختلاف ثمّة على الاختلاف هنا.

و هو متوجه لولا حكم المفسّر للركن هنا بعندنا في الصلاة بكون الاعتبار بفعلها صحيحة عنده لا عندنا.

القول في النيابة
اشارة

القول في النيابة و يشترط فيه أي في النائب المدلول عليه بالسياق الإسلام، و العقل،و أن لا يكون عليه حجّ واجب مطلقاً،كما يقتضيه إطلاق نحو العبارة،أو إذا كان ذلك الواجب مضيّقاً في ذلك العام مع التمكن منه و لو

ص:65


1- المحقق في المعتبر 2:765،العلّامة في المختلف:259 و الشهيد الأول في الدروس 1:315،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:424.
2- قد مرّ أنّهما يقولان بوجوب الإعادة،و المسألة متفرّعة على عدم وجوبها.
3- الشهيد الثاني في الروضة 2:177،و سبطه في المدارك 7:75؛ و أُنظر المفاتيح 1:300 و الحدائق 14:168.
4- المسالك 1:91.

مشياً حيث لا يشترط فيه الاستطاعة،كالمستقر من حجّ الإسلام ثمّ يذهب المال،كما صرّح به جماعة (1).

فلا يصحّ نيابة الكافر مطلقاً؛ للإجماع على فساد عباداته،لعدم تأتّي نيّة القربة منه.

و لا نيابة المسلم عنه لأنّه لا يستحق الثواب؛ و لأنّ فعل النائب تابع لفعل المنوب عنه في الصحة،لقيامه مقامه،فكما لا يصحّ منه لا يصحّ من نائبه.

و لا يصحّ نيابة المسلم عن مخالف للحق.

أمّا الناصبي فلا خلاف فيه؛ لكفره الحقيقي،و للصحيح الآتي، و الخبر:« لا يحجّ عن الناصب،و لا يحجّ به» (2).

و أمّا غيره فعليه الأكثر على الظاهر،المصرّح به في كلام جمع (3)،بل في المسالك:إنّه المشهور (4)،و يفهم من الحلي الإجماع (5)حيث عزا الصحيح المستثني للأب إلى الشذوذ،و لعلّه لذا حكي عنه الفضلان الإجماع (6)كما يأتي،و إن غفل عنه كثير.

و هو الأظهر؛ لفحوى ما دلّ على عدم انتفاعهم بعباداتهم (7)،فبعادات غيرهم أولى.

ص:66


1- منهم:صاحب المدارك 7:109،و السبزواري في الذخيرة:567،و صاحب الحدائق 14:241.
2- الكافي 4:/309 2،الوسائل 11:192 أبواب النيابة في الحجّ ب 20 ح 2.
3- انظر المفاتيح 1:303.
4- المسالك 1:94.
5- السرائر 1:632.
6- المحقق في المعتبر 2:766،العلّامة في المنتهى 2:863.
7- الوسائل 1:118 أبواب مقدمة العبادات ب 29.

مضافاً إلى مخالفة النيابة للأصل المقتضي لوجوب المباشرة،فيقتصر فيها على المتيقن المقطوع به فتوًى و روايةً،و ليس إلّا المنوب عنه المسلم خاصّة،و أمّا غيره فلا يدخل في إطلاق أخبار النيابة؛ لوروده لبيان أحكام غير مفروض المسألة،فهي بالنسبة إليه مجملة.

هذا مع احتمال إدخاله في الخبرين؛ إمّا لأنّه ناصب حقيقي كما قيل (1)،و يشهد له من الأخبار كثير (2)؛ أو لإطلاق الناصب عليه فيها،بل الكفر ايضاً،و الأصل الشركة في الجميع.

خلافاً للفاضلين و الشهيد في المعتبر و المنتهى و المختلف و الدروس (3)،فخصّوا المنع بالناصب؛ بناءً على ما ذهبوا إليه من صحة عبادة المخالف غيره،و قد مرّ ما فيه،مع أنّ من عدا المعتبر قد رجع عنه، فالفاضل في المختلف أخيراً و الشهيد في اللمعة (4)،فكادت تصير المسألة إجماعية،فلا شبهة فيها.

إلّا أن يكون النيابة عن الأب فتصحّ هنا على الأشهر الأقوى؛ للصحيح:أ يحجّ الرجل عن الناصب؟فقال:« لا» قلت:فإن كان أبي؟قال:« إن كان أباك فنعم» (5).

و في لفظ آخر« إن كان أباك فحجّ عنه» (6).

ص:67


1- انظر الحدائق 14:244.
2- الوسائل 11:192 أبواب النيابة في الحجّ ب 20.
3- المعتبر 2:766،المنتهى 2:863،المختلف:312،الدروس 1:319.
4- المختلف:312،اللمعة(الروضة البهية 2):185.
5- الكافي 4:/309 1،التهذيب 5:/414 1441،الوسائل 11:192 أبواب النيابة في الحجّ ب 20 ح 1.
6- الفقيه 2:/262 1273.

خلافاً للحلّي و القاضي (1)،فمنعا عنه؛ لدعوى شذوذ الرواية.

و فيها:أنّها مشهورة،كما اعترف به الماتن،فقال:إنه مقبول عند الجماعة،قال و هو يتضمن الحكمين معاً،فقبول أحدهما و ردّ الآخر و دعوى الإجماع على مثله تحكّمات يرغب عنها (2).

و فيه نظر؛ لأنّه لم يظهر من الحلّي الاستناد في المنع إلى الرواية، حتى يتوجّه عليه ما ذكره،من أنّه عمل ببعض الخبر و ردّ بعضه،فيحتمل استناده إلى ما قدّمناه من الأدلة،و لو لا صحة الرواية و اشتهارها بين الجماعة لكان خيرته في غاية القوّة و المتانة.

ثم إنّه في المختلف استشكل على مختاره من المنع عن النيابة عن الناصبي،لكفره الحقيقي في الفرق بين الأب منه و غيره الوارد في الرواية، قال:فإنّ هذه الرواية فصّلت بين الأب و غيره،فنقول:المراد بالناصب إن كان هو المخالف مطلقاً ثبت ما قاله الشيخ،و إن كان هو المعلن بالعداوة و الشنآن لم يبق فرق بن الأب و غيره،و لو قيل بقول الشيخ كان قوياً (3).

أقول:و ربما يظهر منه الاتفاق في الناصبي على فساد النيابة عنه مطلقاً.

و فيه نظر،و قد صرّح بالجواز في الدروس (4)و هو غير بعيد؛ لاحتمال صحة ما يقال في وجه الفرق (5):من أنّه لتعلّق الحجّ بماله فيجب الإخراج عنه،أو الحجّ:بنفسه،و لفظ الخبر لا يأبى الشمول لهما.

ص:68


1- الحلي في السرائر 1:632،القاضي في المهذّب 1:269.
2- المعتبر 2:766.
3- المختلف:312.
4- الدروس 1:319.
5- كما في كشف اللثام 1:296.

و بالجملة:فليس لإثابة المنوب عنه،و يمكن أن يكون سبباً لخفّة عقابه،و إنّما خصّ الأب به مراعاةً لحقه.

و في الموثق أو الصحيح:عن الرجل يحجّ فيجعل حجّته و عمرته أو بعض طوافه لبعض أهله،و هو عنه غائب ببلد آخر،ينقض ذلك من آجره؟قال:« لا،هي له و لصاحبه،و له أجر سوى ذلك بما وصل» قلت:

و هو ميت هل يدخل ذلك عليه؟قال:« نعم،حتى يكون مسخوطاً عليه فيغفر له،أو يكون مضيّقاً عليه فيوسّع عليه» قلت:فيعلم و هو في مكانه أن عمل ذلك لحقه؟قال:« نعم» قلت:و إن كان ناصباً ينفعه ذلك قال:« نعم يخفّف عنه» (1).

و لا يصحّ نيابة المجنون و الصبي غير المميّز بلا خلاف و لا إشكال.

و في المميّز قولان،أجودهما و أشهرهما:لا؛ للأصل المتقدم، المعتضد بما قيل (2):من خروج عباداته عن الشرعية،و إنّما هي تمرينيّة، فلا تجزي عمن تجب عليه أو يندب إليها،لأن التمرينيّة ليست بواجبة و لا مندوبة،لاختصاصهما بالمكلّف،مع أنه لا ثقة بقوله إذا أخبر عن الأفعال أو نيّاتها،نعم إن حجّ عن غيره استحقّا الثواب عليه.

و حكي في الشرائع و التذكرة (3)كما قيل- (4)قول بالصحة،لصحة عباداته.و فيه ما عرفته.

ص:69


1- الكافي 4:/315 4،الوسائل 11:197 أبواب النيابة في الحج ب 25 ح 5.
2- كشف اللثام 1:296.
3- الشرائع 1:231،التذكرة 1:309.
4- كشف اللثام 1:296.

و لا بدّ من نية النيابة بأن يقصد كونه نائباً،و لمّا كان ذلك أعمّ من تعيين المنوب عنه نبّه على اعتباره بقوله و تعيين المنوب عنه قصداً في المواطن كلّها.

قيل:و لو اقتصر في النية على تعيين المنوب عنه،بأن ينوي أنّه عن فلان أجزأ عنه؛ لأن ذلك يستلزم النيابة عنه (1).

و هذا الحكم مقطوع به في كلامهم على الظاهر،المصرح به في عبائرهم،و منها الذخيرة (2)،و فيها:لكن روى الشيخ عن ابن ابي عمير في الصحيح،عن ابن أبي حمزة و الحسين،عن أبي عبد اللّه 7:في رجل أعطى رجلاً مالاً يحجّ عنه فحجّ عن نفسه،فقال:« هي عن صاحب المال» (3).

أقول:و نحو المرفوع المروي في الكافي (4).

و ضعف سندهما بالرفع و الاشتراك يمنع عن العمل بهما،مضافاً إلى مخالفتهما الأُصول،فإن الأعمال بالنيات،و لكلّ امرئ ما نوى،و الإجماع الظاهر و المنقول (5).

نعم في الدروس:أنه لو أحرم عن المنوب،ثم عدل إلى نفسه لغا العدول،و إذا أتمّ الأفعال أجزأ عن المنوب عند الشيخ (6).

و في غيره أيضاً عنه ذلك في الخلاف و المبسوط (7).

ص:70


1- المسالك 1:95.
2- الذخيرة:567.
3- التهذيب 5:/461 1605،الوسائل 11:193 أبواب النيابة في الحج ب 22 ح 1.
4- الكافي 4:/311 2،الفقيه 2:/262 1276،الوسائل 11:194 أبواب النيابة في الحجّ ب 22 ح 2.
5- انظر المدارك 7:113،و الحدائق 14:250.
6- الدروس 1:321.
7- الخلاف 2:252،المبسوط 1:323.

و كذا عن الجواهر و الجامع و المعتبر و المنتهى و التحرير (1).

و يمكن حمل الخبرين على ذلك إن صحّ المصير إليه.لكن لا دليل عليه،عدا ما قيل:من أن الأفعال استحقّت للمنوب عنه بالإحرام عنه،فلا يؤثر العدول،كما لا يؤثر فيه نية الإخلال،بل تبعت الإحرام (2).

و هو مجرّد دعوى خالية عن الدليل،و لهذا قال الفاضلان في الشرائع و القواعد و غيرهما (3)بعدم الإجزاء عن أحدهما،و هو قوي.

و لا يجب تسمية اسمه،بل يستحب كما يأتي.

و لا ينوب من وجب عليه الحجّ في عام الاستنابة مع التمكن منه بلا خلاف؛ للنهي عن ضده،أو عدم الأمر به،الموجبين للفساد.

و الصحاح،منها:عن الرجل الصرورة يحجّ عن الميت؟قال:« نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه،فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزي عنه حتى يحجّ من ماله،و هي تجزى عن الميت إن كان للصرورة مال و إن لم يكن له مال» (4)و نحوه آخر (5).

و منها:في رجل صرورة مات و لم يحجّ حجّة الإسلام و له مال،قال:

« يحجّ عنه صرورة لا مال له» (6).

ص:71


1- جواهر الفقه:39،الجامع للشرائع:226،المعتبر 2:777،المنتهى 2:869،التحرير 1:127.
2- قال به المحقق في المعتبر 2:777 و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:300.
3- الشرائع 1:235،القواعد 1:77؛ و انظر إرشاد الأذهان 1:313.
4- الكافي 4:/305 2،التهذيب /410 1427،الوسائل 11:172 أبواب النيابة في الحج ب 5 ح 1.
5- الفقيه 2:/261 1270،الوسائل 11:172 أبواب النيابة في الحجّ ب 5 ح 3.
6- الكافي 4:/306 3،التهذيب 5:/411 1428،الإستبصار 2:/320 1132،الوسائل 11:172 أبواب النيابة في الحجّ ب 5 ح 2.

و لو لم يجب عليه حجّ أصلاً،أو وجب مطلقاً،أو في غير عام الاستنابة،أو فيه،و لم يتمكن منه،سواء كان قبل الاستقرار أو بعده جاز.

بلا خلاف أجده في جميع الصور،إلا من إطلاق نحو العبارة، و صريح الحلي (1)فيمن استقرّ عليه حجّ،فيبطل النيابة.و لم أعرف وجهه، مع اقتضاء الأصل و الإطلاقات السليمة عن المعارض خلافه.

نعم يعتبر في المستقرضين الوقت بحيث لا يحتمل تجدّد الاستطاعة، إلّا أنّ يكون الاستنابة مشروطة بعدم تجدّدها.

ثم الحكم بجواز الاستنابة مطلق و إن لم يكن النائب حجّ و يعبّر عنه بالصرورة،بلا خلاف فيه بيننا إذا كان ذكراً،و الصحاح به مستفيضة جدّاً (2)،و منها الصحاح المتقدمة قريباً.

و عن جماعة كونه مجمعاً عليه بيننا،و منهم الماتن في المعتبر و شيخنا في المسالك و غيرهما (3).

و الخبران الواردان بخلاف ذلك (4)مع ضعف سندهما شاذان محمولان على التقية،أو الإنكار،أو عدم معرفة الصرورة بأفعال الحجّ،أو

ص:72


1- السرائر 1:626.
2- الوسائل 11:173 أبواب النيابة في الحج ب 6.
3- المعتبر 2:767،المسالك 1:95؛ و انظر المدارك 7:115.
4- الأوّل: التهذيب 5:/411 1430،الإستبصار 2:/320 1134،الوسائل 11:173 أبواب النيابة في الحجّ ب 6 ح 3.الثاني: التهذيب 5:/412 1433،الإستبصار 2:/321 1137،الوسائل 11:174 أبواب النيابة في الحجّ ب 6 ح 4.

الكراهة كما عن المعتبر (1).

و يصحّ نيابة المرأة عن المرأة و الرجل و لو كانت صرورة،بلا خلاف إلّا من الشيخ و القاضي،فمنعا عن نيابتها مطلقاً إذا كانت صرور،في النهاية و التهذيب و المهذّب و المبسوط (2)و فيه التصريح بعموم المنع عن نيابتها عن الرجل و المرأة.

و كذا أطلق في الاستبصار على الظاهر،المصرح به في المختلف (3).

و قيل:خصّه بنيابتها عن الرجل كما عنون به الباب (4).

و فيه:أن الإطلاق يستفاد من السياق.

و كيف كان،فلا ريب أنّ مذهبه المنع على الإطلاق؛ للخبرين (5).

و هما مع ضعف سندهما معارضان بعد الأصل و الإطلاقات بالنصوص المستفيضة،بل المتواترة كما عن الحلّي- (6)و فيها الصحاح و الموثق و غيرهما،منها:« يحجّ الرجل عن المرأة،و المرأة عن الرجل، و المرأة عن المرأة» (7).

و ما يقال من أن هذه مطلقة و الخبران مقيّدان فيجب تقييدها بهما،

ص:73


1- المعتبر 2:767.
2- النهاية:280،التهذيب 5:413،المهذّب 1:269،المبسوط 1:326.
3- المختلف:312،و انظر الاستبصار 2:322.
4- المدارك 7:116.
5- الأوّل:التهذيب 5:/414 1439،الإستبصار 2:/323 1143،الوسائل 11:178 أبواب النيابة في الحجّ ب 9 ح 1.الثاني:التهذيب 5:/413 1436،الإستبصار 2:/322 1142،الوسائل 11:177 أبواب النيابة في الحجّ ب 8 ح 7.
6- السرائر 1:630.
7- التهذيب 9:/229 900،الوسائل 11:177 أبواب النيابة في الحجّ ب 8 ح 6.

فحسن بشرط الحجية و التكافؤ،و هما مفقودان.

فيجب صرف التأويل إليهما:بحملهما على الكراهة،كما فعله الجماعة،و يشعر به رواية:عن امرأة صرورة حجّت عن امرأة صرورة، فقال:« لا ينبغي» (1).

أو على ما إذا كانت غير عالمة بمسائل الحج و لا بأحكامه،كما هو الغالب في النسوة في جميع الأزمنة.

و أما الموثق:عن الرجل الصرورة يوصي أن يحجّ عنه،هل يجزي عنه امرأة؟قال:« لا،كيف تجزي امرأة و شهادته شهادتان» قال:« إنما ينبغي أن تحجّ المرأة عن المرأة و الرجل عن الرجل» و قال:« لا بأس أن يحجّ الرجل عن المرأة» (2).فشاذّ لا قائل به منّا،فليحمل على التقية كما قيل،أو على الكراهة.

و في رواية إنّ والدتي توفّيت و لم تحجّ،قال:« يحجّ عنها رجل أو امرأة» قال،قلت:أيّهما أحبّ إليك؟قال:« رجل أحبّ إليّ» (3).

و لو مات النائب بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأ حجّة ممن حجّ عنه،بلا خلاف أجده على الظاهر،المصرّح به في عبائر (4)،بل في المسالك و عن المنتهى (5)الإجماع عليه.

ص:74


1- التهذيب 5:/414 1440،الإستبصار 2:/323 1144،الوسائل 11:179 أبواب النيابة في الحجّ ب 9 ح 3.
2- التهذيب 9:/229 899،الوسائل 11:179 أبواب النيابة في الحجّ ب 9 ح 2.
3- الفقيه 2:/27 1319،الوسائل 11:178 أبواب النيابة في الحج ب 8 ح 8.
4- التنقيح الرائع 1:426،الحدائق 14:254،كشف اللثام 1:297.
5- المسالك 1:95،المنتهى 2:863.

قيل:لثبوته في المنوب عنه بالإجماع و الصحيحين (1)،فكذا في النائب؛ لأنّ فعله فعله (2).

و للموثق:عن الرجل يموت فيوصي بحجّه،فيعطى رجل دراهم ليحجّ بها عنه فيموت قبل أنّ يحجّ،قال:« إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنه يجزي عن الأول» (3).

و فيهما نظر:

أما الأول فواضح.

و أما الثاني فلمخالفة إطلاقه الإجماع؛ إذ ليس فيه تقييد الموت بكونه بعد الإحرام و دخول الحرم.

و نحوه في ذلك أخبار أُخر ضعيفة السند،فلا اعتبار بها لولا الإجماع المقيّد لها بذلك،لمخالفتها الأُصول المقتضية لوجوب الإتيان بجميع ما في العبادة من الشرائط و الأركان،لكن ترك العمل بالمجمع عليه،و بقي الباقي، و لذا اشترط الأكثر دخول الحرم.

خلافاً للخلاف و السرائر (4)،فاكتفيا بالموت بعد الإحرام مطلقاً حتى في الحاجّ لنفسه.

و مستندهما غير واضح،عدا إطلاق الموثق السابق.و فيه مضافاً إلى ما مرّ أنّه معارض بظاهر الصحيحين:

أحدهما:في رجل خرج حاجّاً حجّة الإسلام فمات في الطريق،

ص:75


1- الآتيين في ص:2748.
2- المدارك 7:118.
3- الكافي 4:/306 4،التهذيب 5:/417 1450،الوسائل 11:185 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 ح 1.
4- الخلاف 2:390،السرائر 1:628.

فقال« إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام،و إن كان مات دون الحرم فليقض عنه وليّه حجّة الإسلام» (1).

و نحوه الثاني:« إن كان صرورة ثم مات في الحرم أجزأ عنه حجّة الإسلام،و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل حمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام» الخبر (2).

لكن ذيله ربما أفهم القول الثاني،لكنه معارض بمفهوم الصدر المعاضد بالصحيح السابق الظاهر في الأول صدراً و ذيلاً.

و نحوه المرسلة المروية في المختلف عن المفيد في المقنعة (3)، و فيه:و هذا الشيخ[ثقة]يقبل مراسيله كما يقبل مسنده (4).

هذا مع احتمال الأجرام فيه و في كلام الخلاف كما قيل دخول الحرم،فقد جاء بمعناه،كالإتهام و الاتجار.و ربما يعضده السياق و ما في الخلاف من أن الحكم منصوص للأصحاب لا يختلفون فيه.

فلولا أن المراد من الإحرام في كلامه ما ذكرناه لتوجّه النظر إلى ما ذكره من نفي الخلاف،كيف لا و الخلاف مشهور لو أُريد منه غيره.

و كيف كان،فالمذهب ما عليه الأصحاب في المقامين.

و مقتضى الإجزاء أنه لا يستفاد من تركته من الأُجرة شيء،و عن الغنية أنه لا خلاف فيه (5)،و عن الخلاف إجماع أصحابنا على أنه منصوص

ص:76


1- الكافي 4:/276 10،الفقيه 2:/269 1313،الوسائل 11:68 أبواب وجوب الحجّ ب 26 ح 1.
2- الكافي 4:/276 11،الفقيه 2:/269 1314،التهذيب 5:/407 1416،الوسائل 11:68 أبواب وجوب الحج ب 26 ح 2.
3- المقنعة:445،الوسائل 11:69 أبواب وجوب الحجّ ب 26 ح 4.
4- المختلف:258.و ما بين المعقوفين من المصدر.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):583.

لا يختلفون فيه (1).و عن المعتبر أنه المشهور بينهم (2).

فإن ثبت عليه نصّ أو إجماع،و إلّا توجه استعادة ما بإزاء الباقي من الأُجرة إن استوجر على الأفعال المخصوصة،دون المبرئ للذمة.

و احترز بالشرطية عما لو مات قبل ذلك و لو كان قد أحرم فإنه لا يجزي.و لو قبض الأُجرة استعيد منها بنسبة ما بقي من العمل المستأجر عليه.

فإن كان الاستيجار على فعل الحج خاصة أو مطلقاً و كان موته بعد الإحرام استحقّ بنسبته إلى بقية أفعاله.

و إن كان عليه و على الذهاب استحق اجرة الذهاب و الإحرام و استعيد الباقي.

و إن كان عليهما و على العود فبنسبته الى الجميع.

و إن كان موته قبل الإحرام ففي الأولين لا يستحق شيئاً،و في الأخيرين بنسبة ما قطع من المسافة إلى ما بقي منه من المستأجر عليه.

هذا ما يقتضيه الأُصول،و به صرّح جماعة قاطعين به،وفاقاً للمحكي عن السرائر و الإصباج و المبسوط (3).

خلافاً للفاضلين في الشرائع و القواعد و غيرهما (4)فقالوا بأنه يستحقّ مع الإطلاق بنسبة ما فعل من الذهاب إلى المجموع منه و من أفعال الحج و العود،كما عن النهاية و الكافي و المهذّب و الغنية و المقنعة (5)من غير ذكر

ص:77


1- الخلاف 2:390.
2- المعتبر 2:768.
3- السرائر 2:628،حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:297،المبسوط 1:323.
4- الشرائع 1:232،القواعد 1:77؛ و انظر الإرشاد 1:312.
5- النهاية:278،الكافي في الفقه:220،المهذّب 1:268،الغنية(الجوامع الفقهية):583،المقنعة:443.

العود.

و هو في غاية الضعف؛ لأن مفهوم الحج لا يتناول غير المجموع المركب من أفعاله الخاصة،دون الذهاب إليه و إن جعلناه مقدمة للواجب، و العود الذي لا مدخل له في الحقيقة و لا ما يتوقف عليه بوجه.

هذا،و يمكن تنزيل إطلاقهم على ما إذا شهدت قرائن العرف و العادة بدخول قطع المسافة في الإجارة و إن لم يذكر في صيغتها،فيكون اللفظ متناولاً له بالالتزام،كما هو المتعارف في هذا العصر،بل جميع الأعصار، و لهذا يعطى الأجير من الأُجرة الكثيرة ما لا يعطى مَن يحجّ مِن الميقات.

و يأتي النائب بالنوع المشترط عليه من أنواع الحجّ ضمن العقد من تمتّع أو قران أو إفراد،و لا يجوز له العدول إلى غيره،بلا خلاف في الأفضل إلى غيره،و في العكس خلاف.

فبين مَن جعله كالأول مطلقاً،كالمتن و الجامع (1)و التلخيص كما حكي (2)؛ عملاً بقاعدة الإجارة من وجوب الإتيان بما تعلّقت به،دون غيره،لعدم الأمر بالوفاء به.

أو إذا كان المشترط فريضة المنوب،فيجوز في المندوب،و الواجب المخيّر،و المنذور المطلق،مطلقاً كما في عبائر (3)،أو بشرط العلم بقصد المستنيب التخيير و الأفضل،و أنّ ما ذكر في العقد إنما هو للرخصة في الأدنى،كما في أُخرى (4).

ص:78


1- الجامع للشرائع 226.
2- حكاه عنه في كشف اللثام 1:299.
3- كما في المعتبر 1:769،و المختلف:323.
4- كما في المنتهى 2:867.

و هذا هو الأقوى لكن في القيد خروج عن مفروض المتن،و هو العدول عن المشترط؛ إذ فرض العلم بقصد التخيير ينافي اشتراط الفرد الأدنى،لظهوره في عدم الرضا بتركه،إلا أن يراد من الاشتراط مجرد الذكر في متن العقد كما هو مورد النص و أكثر الفتاوي في المسألة و إن خالفهما التعبير في نحو العبارة.

و كيف كان،فلا ينبغي أن يجعل هذا محل نزاع و لا إشكال؛ لأن الشرط بهذا المعنى لا ينفي جواز العدول بعد فرض العلم برضا المستنيب به،لأن ذلك في حكم المأذون.

و إنما الإشكال في جوازه مع فرض فقد القيد.فالذي يقتضيه القاعدة المنع،مضافاً إلى تأيدها برواية مقطوعة:عن رجل أعطى رجلاً دراهم يحجّ بها حجّة مفردة،قال:« ليس له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج،لا يخالف صاحب الدراهم» (1).

و لكن في الموثق بل الصحيح كما قيل (2)في رجل أعطى رجلاً حجّة مفردة،فيجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟قال:« نعم،إنما خالف إلى الفضل» الخبر (3).

و ظاهره الجواز كما عليه معظم الأصحاب،و إنما قيّدوه بما مرّ عملاً بما فيه من ظاهر التعليل،فإن الإتيان بغير فريضة المنوب ليس فيه فضل فضلاً أن يكون أفضل.

ص:79


1- التهذيب 5:/416 1447،الإستبصار 2:/323 1146،الوسائل 11:182 أبواب النيابة في الحج ب 12 ح 2.
2- مجمع الفائدة و البرهان 6:140.
3- الكافي 4:/307 1،الفقيه 2:/261 1272،التهذيب 5:/415 1446،الإستبصار 2:/323 1145،الوسائل 11:182 أبواب النيابة في الحج ب 12 ح 1.

و هنا يظهر ضعف القول بجواز العدول إلى التمتع على الإطلاق المشار إليه بقوله:

و قيل:يجوز أن يعدل إلى التمتع و لا يعدل عنه و القائل الشيخ في النهاية و الخلاف و المبسوط و القاضي و الإسكافي (1).

و ذلك لعدم دليل عليه حتى من النص؛ لما مرّ،مضافاً إلى مخالفته القاعدة و الاعتبار.

هذا،و الذي ينبغي تحقيقه أن مراد هؤلاء ليس الإطلاق،بل مع الشرط المتقدم،كما يفهم من عبارة الشيخ في كتابي الحديث (2).

مضافاً إلى ما ذكره الحلّي بعد نقل ذلك عنهم بقوله:هذا رواية أصحابنا و فتياهم،و تحقيق ذلك أن من كان فرضه التمتع فحجّ عنه قارناً أو مفرداً فإنه لا يجزيه،و من كان فرضه القرآن أو الإفراد فحجّ عنه متمتعاً فإنه لا يجزيه،إلّا أن يكون ق حجّ المستنيب حجة الإسلام فحينئذ يصحّ إطلاق القول و العمل بالرواية.

قال:و يدلُّ على هذا التحرير قولهم:لأنه يعدل إلى ما هو الأفضل.

فلو لم يكن قد حجّ حجة الإسلام بحسب حاله و فرضه و تكليفه لما كان التمتع أفضل،بل كان إن كان فرضه التمتع فهو الواجب،و ليس لدخول أفضل معنى،لأن أفعل لا يدخل إلّا في أمرين يشتركان ثم يزيد أحدهما على الآخر،و كذا لو كان فرضه القرآن أو الإفراد لما كان التمتع أفضل،بل لا يجوز له التمتع،فكيف يقال:أفضل.فيخصّ إطلاق القول و الأخبار بالأدلة،لأن العموم قد يخصّ بالأدلة إجماعاً (3).انتهى.

ص:80


1- النهاية:278،الخلاف 2:390،المبسوط 1:324،القاضي في المهذّب 1:268،و نقله الإسكافي في المختلف:313.
2- التهذيب 5:416،الاستبصار 2:323.
3- السرائر 1:627.

و في عبارته إشعار بل ظهور في انعقاد الإجماع على الرواية،سيّما مع فتواه بها مع مخالفتها القاعدة كما مضى،فإذاً لا مسرح و لا مندوحة عنها و إن كان عدم العدول مطلقاً أحوط و أولى.

و متى جاز العدول استحق الأجير تمام الأُجرة،أما مع امتناعه فلا و إن وقع عن المنوب عنه.

و كما يجب الإتيان بالمشترط من نوع الحج مع تعلّق الفرض به،كذا يجب الطريق المشترط معه؛ عملاً بقاعدة الإجارة.

و عليه أكثر المتأخرين (1)،بل المشهور كما قيل (2)،و زاد بعضهم فقال:بل الأظهر عدم جواز العدول إلّا مع العلم بانتفاء الغرض في ذلك الطريق و أنّ هو و غيره سواء عند المستأجر،و مع ذلك فالأولى وجوب الوفاء بالشرط مطلقاً (3).

و قيل:لو شرط عليه الحج على طريق جاز له الحج بغيرها للصحيح:عن رجل أعطى رجلاً حجة يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة،قال:« لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجه» (4).

و القائل:الشيخان و القاضي و الحلّي و الفاضل في الإرشاد (5)،و عن

ص:81


1- منهم:المحقق في الشرائع 1:233،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 6:138،و صاحب المدارك 7:123.
2- الحدائق 14:270.
3- المدارك 7:123.
4- الكافي 4:/307 2،الفقيه 2:/261 1271،التهذيب 5:/415 1445،الوسائل 11:181 أبواب النيابة في الحج ب 11 ح 1.
5- المفيد في المقنعة:443،الطوسي في النهاية:278،القاضي في المهذّب 1:268،الحلي في السرائر 1:627،الإرشاد 1:313.

الجامع نفي البأس عنه (1).

و لعلّه لصحة الرواية،مع عمل الجماعة،و لا سيّما نحو الحلّي، و وضوح الدلالة و إن ناقش فيها المتأخرون باحتمال أن يكون قوله« من الكوفة» صفة لرجل،لا صلة للحج كما في كلام بعضهم (2).

أو الحمل على وقوع الشرط خارج العقد،بناءً على عدم الاعتبار بمثله عند الفقهاء كما في كلام آخر (3).

أو تأويلها بما إذا لم يتعلق بطريق الكوفة مصلحة دينية و لا دنيوية؛ لأن أغلب الأوقات و الأحوال عدم تعلّق الغرض إلّا بالإتيان بمناسك الحج، و ربما كان في قوله 7:« إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجه» إشعار به،كما في ثالث (4).

أو أن الدفع وقع على وجه الرزق،لا الإجارة،و هو الذي تضمنه الخبر،كما في رابع (5).

أو كون المراد حصول الإجزاء،لا جواز ذلك للأجير،كما في خامس (6).

و ظني بُعد الكل،إلّا أن اجتماعها مع الشهرة على خلاف الرواية ربما أوجب التردد في الخروج بمثلها عن قواعد الإجارة،و لا ريب أن الاحتياط في الوقوف على مقتضاها.

ص:82


1- الجامع للشرائع:226.
2- المدارك 7:123.
3- الحدائق 14:271.
4- الحدائق 14:271.
5- منتقى الجمان 3:84.
6- الذخيرة:569.

ثم إنه على تقدير العمل بالرواية لا ريب في صحة الحج مع المخالفة،و استحقاق الأُجرة.

و أما على غيره فالذي قطع به جماعة (1)صحته أيضاً و إن تعلّق الغرض بالطريق المعيّن؛ لأنه بعض العمل المستأجر عليه،و قد امتثل بفعله.

و يضعّف:بأن المستأجر عليه الحج المخصوص،و هو الواقع عقيب قطع المسافة المعيّنة،و لم يحصل الإتيان به.نعم لو تعلّق الاستيجار بمجموع الأمرين من غير ارتباط لأحدهما بالآخر اتّجه ما ذكروه (2).

و لا يجوز للنائب الاستنابة،إلّا مع الإذن له فيها صريحاً ممّن يجوز له الإذن فيها،كالمستأجر عن نفسه،أو الوصي و الوكيل مع إذن الموكل له فيه،أو إيقاع العقد مقيداً بالإطلاق،لا إيقاعه مطلقاً،فإنه يقتضي المباشرة بنفسه.

و المراد بتقييده بالإطلاق أن يستأجره ليحج عنه مطلقاً،بنفسه أو بغيره،أو بما يدل عليه،كأن يستأجره لتحصيل الحج عن المنوب عنه.

و بإيقاعه مطلقاً أن يستأجره ليحج عنه،فإنّ هذا الإطلاق يقتضي مباشرته،لا استنابته فيه.

كلّ ذلك للأُصول المقررة،و بها أفتى جماعة،كالحلّي في السرائر و الشهيدين في الدروس و اللمعتين (3)،بل قيل:لا خلاف فيه.

ص:83


1- منهم:المحقق في المعتبر 2:770،و العلامة في التذكرة 1:313،و الشهيد الثاني في الروضة 2:191.
2- كما في المدارك 7:123.
3- السرائر 1:627،الدروس 1:325،اللمعة(الروضة البهية 2):191.

مع أن الشيخ قال في التهذيب:و لا بأس أن يأخذ الرجل حجة فيعطيها لغيره،و أطلق؛ للخبر الذي رواه:في الرجل يعطى الحجة فيدفعها إلى غيره قال:« لا بأس» و رواه الكليني أيضاً (1).

و ضعف سنده يمنع عن العمل به قطعاً،فضلاً أن يقيّد به الأُصول المتقدمة،بل ينبغي صرف التوجيه إليه بحمله على صورة الإذن كما في الدروس (2)،أو عدم تعلق الغرض بالنائب الأول كما في غيره (3).

و لا يجوز للنائب أن يوجر نفسه لغير المستأجر في السنة التي استوجر لها قطعاً؛ لاستحقاق الأول منافعه تلك السنة لأجل الحج،فلا يجوز صرفها إلى غيره.

و يجوز لغيرها بشرط عدم فورية الحج،أو تعذر التعجيل؛ لعدم المنافاة بين الإجارتين.

و لو أطلقت الأُولى ففي جواز الثانية مطلقاً،أو العدم كذلك،أو الجواز في غير السنة الأُولى و العدم فيها،أوجه و أقوال.أوسطها أشهرها؛ بناءً على اقتضاء الإطلاق التعجيل عند المشهور،كما في المسالك و غيره (4)، بل عن المقدّس الأردبيلي لعلّه لا خلاف فيه (5)،فيكون كالمعيّن الفوري.

و مستنده غير واضح إن لم يكن إجماع عدا ما عن المقدّس الأردبيلي من فورية الحج،و اقتضاء مطلق الإجارة اتصال زمان مدة يستأجر

ص:84


1- الكافي 4:/309 2،التهذيب 5:/417 1449،الوسائل 11:184 أبواب النيابة في الحج ب 14 ح 1.
2- الدروس 1:325.
3- انظر المعتبر 2:770.
4- المسالك 1:96؛ و انظر الحدائق 14:272.
5- مجمع الفائدة و البرهان 6:145.

له بزمان العقد،و هو يقتضي عدم جواز التأخير عن العام الأول.

و يضعّف الثاني:بأنه مصادرة.و الأول:بأنه أخصّ من المدّعى،فقد يكون الحج مندوباً أو واجباً مطلقاً،و مع ذلك فالفورية إنما هي بالنسبة إلى المستأجر لا الموجر،و لا تلازم بينهما،فتأمل جدّاً.

هذا،و لا ريب أن المنع مطلقاً أحوط و أولى.

و لو صدّ قبل الإكمال أي إكمال العمل المستأجر عليه مطلقاً استعيد منه من الأُجرة بنسبة المتخلّف منه إن كانت الإجارة مقيدة بسنة الصدّ؛ لانفساخها بفوات الزمان الذي تعلّقت به.

و لا يلزم المستأجر إجابته لو التمس عدم الاستعادة و ضمن الحج من قابل على الأشبه لعدم تناول العقد لغير تلك السنة.

خلافاً لظاهر السرائر و النهاية و المبسوط و المقنعة و المهذّب و الحلبي (1)كما حكي،فيلزم.

و مستنده غير واضح،مع احتمال أن يكون مرادهم الجواز برضا المستأجر،و لا كلام فيه حينئذ.

و لا فرق بين أن يقع الصدّ قبل الإحرام و دخول الحرم،أو بعدهما، أو بينهما؛ لعموم الأدلة.

و إلحاقه بالموت قياس فاسد في الشريعة،مع كونه مع الفارق؛ لما قيل:من الاتفاق على عدم الإجزاء مع الصدّ إذا حجّ عن نفسه،فكيف عن غيره (2).

ص:85


1- السرائر 1:629،النهاية:278،المبسوط 1:323،المقنعة:443،المهذّب 1:268،الحلبي في الكافي في الفقه:220.
2- كشف اللثام 1:297.

خلافاً لظاهر الماتن في الشرائع و المحكي عن الخلاف (1)،فألحقاه بالموت.و لا وجه له،مضافاً إلى ما عرفته.

نعم،عن الخلاف أنه نظمه مع الموت في سلك،و استدل بإجماع الفرقة على أن هذه المسألة منصوص لهم لا يختلفون فيها.

قال الناقل:و ظنّي أن ذكر الإحصار من سهو قلمه أو غيره (2).

و إن كانت الإجارة مطلقة وجب على الأجير الإتيان بالحج بعد الصد؛ لعدم انفساخها به.

و هل للمستأجر أو الأجير الفسخ؟قال الشهيد:ملكاه في وجه قوي (3).

و على تقديره له اجرة ما فعل،و استعيد بنسبة ما تخلّف.

و متى انفسخت الإجارة استوجر من موضع الصدّ مع الإمكان،إلّا أن يكون بين مكة و الميقات فمن الميقات؛ لوجوب إنشاء الإحرام منه.

و لا يجوز له أن يطاف عن حاضر متمكن من الطهارة للأصل،و المعتبرة،منها:الرجل يطوف عن الرجل و هو مقيم بمكة،قال:

« لا» (4).

و لكن يطاف به (حيث لا يمكنه الطواف بنفسه) (5)كما في الصحاح المستفيضة،منها:« المريض المغلوب أو المغمى عليه يرمى عنه

ص:86


1- الشرائع 1:233،الخلاف 2:390.
2- كشف اللثام 1:297.
3- الدروس 1:323.
4- الكافي 4:/422 5،الوسائل 13:397 أبواب الطواف ب 51 ح 1.
5- ما بين القوسين ليست في« ق» و« ك».

و يطاف به» (1).

و يطاف عمّن لم يجمع الوصفين بأن كان غائباً،أو غير متمكن من استمساك الطهارة،كما في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة، و سيأتي إن شاء اللّه تعالى ما يتعلق منها بالغائب في بحث الطواف.

و أما ما يتعلق منها بالمريض فصحيح مستفيض،منها:« المريض المغلوب و المغمى عليه يرمى عنه و يطاف عنه» (2).

و منها:« المبطون و الكبير يطاف عنهما و يُرمى عنهما» (3).

و لا خلاف في شيء من الأحكام المزبورة أجده،و به صرّح جماعة (4)،بل قيل في الأولين:كأنه اتفاقي (5).

قيل:و إنما يطاف عن المريض و مثله بشرط اليأس عن البرء أو ضيق الوقت (6)،كما في الخبرين (7)الآتي أحدهما قريباً،و هو أحوط،و بالأصل أوفق،فيجبر به ضعف سند النص،و يقيّد به إطلاق ما مرّ من الأخبار.

و ليس الحيض من الأعذار المسوّغة للاستنابة في طواف العمة؛ لما

ص:87


1- التهذيب 5:/123 400،الإستبصار 2:/225 776،الوسائل 13:393 أبواب الطواف ب 49 ح 1.
2- التهذيب 5:/123 403،الإستبصار 2:/226 779،الوسائل 13:389 أبواب الطواف ب 47 ح 1.
3- التهذيب 5:/124 404،الإستبصار 2:/226 780،الوسائل 13:393 أبواب الطواف ب 49 ح 3 و في الجميع:الكسير،بدل:الكبير.
4- منهم العلامة في المنتهى 2:701،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:364،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:299.
5- كشف اللثام 1:299.
6- كشف اللثام 1:299.
7- الأول:التهذيب 5:/124 406،الإستبصار 2:/226 782،الوسائل 13:387 أبواب الطواف ب 45 ح 3.الثاني:سيأتي تخريجه في الصفحة:2759.

سيأتي إن شاء اللّه تعالى من إمكان عدولها إلى حجّ الإفراد،للروايات،إلّا في طواف الحج و النساء مع الضرورة الشديدة اللازمة بانقطاعها من أهلها في البلاد البعيدة،فيجوز لها الاستنابة،كما عن الشيخ (1)،و قوّاه جماعة كالفاضل المقداد في التنقيح و شيخنا في المسالك و سبطه في المدارك (2)و غيرهم من المتأخرين (3).

للصحيح:إنّ معنا امرأة حائضاً و لم تطوف النساء و أبي الجمّال أن يقيم عليها،قال:فأطرق و هو يقول:« لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها و لا يقيم عليها جمّالها» ثم رفع رأسه إليه فقال:« تمضي فقد تمّ حجها» (4).

بحمله على الاستنابة؛ لعدم قائل بعدمها و عدم وجوب المباشرة.

و يعضده الخبر المعلّل الوارد في المريض:« هذا ما غلب اللّه تعالى عليه،فلا بأس أن يؤخر الطواف يوماً أو يومين،فإن خلته العلّة عاد فطاف أُسبوعاً،و إن طالت علّته أمر من يطوف عنه أُسبوعاً» الخبر (5).و ليس في سنده سوى سهل،و ضعفه كما قيل (6)سهل.

و لو حمل إنساناً فطاف به احتسب لكل منهما طوافه لو نويا،كما

ص:88


1- انظر المبسوط 1:331.
2- التنقيح الرائع 1:430،المسالك 1:97،المدارك 7:130.
3- راجع مفاتيح الشرائع 1:364.
4- الفقيه 2:/245 1176،الوسائل 13:453 أبواب الطواف ب 84 ح 13.
5- الكافي 4:/414 5،التهذيب 5:/124 407،الإستبصار 2:/226 783،الوسائل 13:386 أبواب الطواف ب 45 ح 2.
6- لم نعثر على هذا اللفظ،و لكن قال المجلسي في الوجيزة:224:و عندي لا يضر ضعفه لكونه من مشايخ الإجازة،و استقرب توثيقه الحر العاملي في الوسائل 30:389،و لمزيد الاطلاع انظر تعليقات الوحيد البهبهاني على منهج المقال:176،177.

عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و في الشرائع و غيرها (1).

أما عن المحمول فبالاتفاق كما في الإيضاح (2)،و للصحيح:في المرأة تطوف بالصبي و تسعى به،هل يجزي ذلك عنها و عن الصبي؟قال:

« نعم» (3).

و أما عن الحامل فله،و للصحاح الأُخر الواردة في الطائف بزوجته حول البيت و هي مريضة محتسباً بذلك لنفسه،و فيها:هل يجزيني؟قال:

« نعم» (4).

و لانتفاء المانع،فإنهما شخصان متخالفان ينوي كل بحركته طوافه.

و لا يفتقر المحمول إلى نية الحامل طوافه و إن لم يكن المتحرك حقيقة و بالذات إلّا الحامل،كراكب البهيمة.

و لا فرق في إطلاق النصوص و نحو العبارة بين ما لو كان الحمل تبرعاً أو بأُجرة.

خلافاً للإسكافي (5)و جماعة (6)،فمنعوا عن الاحتساب في الثاني، قالوا:لأن هذه الحركة مستحقة عليه لغيره،فلا يجوز له صرفها إلى نفسه،

ص:89


1- النهاية:240،المبسوط 1:358،الوسيلة:174،الشرائع 1:233؛ و انظر الروضة 2:193،و المدارك 7:130،و كشف اللثام 1:299.
2- إيضاح الفوائد 1:278.
3- الكافي 4:/429 13،التهذيب 5:/125 411،الوسائل 13:395 أبواب الطواف ب 50 ح 3.
4- الفقيه 2:/309 1534،التهذيب 5:/125 410،الوسائل 13:395 أبواب الطواف ب 50 ح 2.
5- نقله عنه في المختلف:288.
6- منهم.فخر المحققين في الإيضاح 1:279،و الشهيد الثاني في الروضة 2:194،و صاحب المدارك 7:131.

كما إذا استوجر للحج.

و في المختلف:التحقيق أنه إن استوجر للحمل في الطواف أجزأ عنهما،و إن استوجر للطواف لم يُجز عن الحامل (1).

قيل:و الفرق طاهر؛ لأنه على الثاني كالاستيجار للحج.و لكن الظاهر انحصاره في الطواف بالصبي أو المغمى عليه؛ فإن الطواف بغيرهما إنما هو بمعنى الحمل،نعم إن استأجره غيرهما للحمل في غير طوافه لم يجز الاحتساب (2).

لو حجّ عن ميت تبرعاً جاز و برئ الميت إذا كان الحج عليه واجباً؛ إجماعاً،كما في صريح عبارة جماعة (3)،و ظاهر آخرين (4)، و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،أجودها دلالةً في الواجب:

الموثق:قلت لأبي عبد اللّه 7:إنسان هلك و لم يحجّ و لم يوص بالحج، فأحجّ عنه بعض أهله رجلاً أو امرأة،هل يجزي ذلك و يكن قضاءً عنه و يكون الحج لمن حجّ و يوجر من أحجّ عنه؟فقال:« إن كان الحاج غير ضرورة أجزأ عنهما جميعاً و أجزأ الذي أحجه» (5).

و الخبر:قلت له 7:بلغني عنك أنك قلت:« لو أنّ رجلاً مات و لم يحجّ حجة الإسلام فأحجّ عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه» فقال:« أشهد

ص:90


1- المختلف:289.
2- كشف اللثام 1:300.
3- كالفيض الكاشاني في المفاتيح 1:301،و انظر كشف اللثام 1:301.
4- كالعلامة في التذكرة 1:310،و صاحب المدارك 7:131،و صاحب الحدائق 14:287.
5- الكافي 4:/277 14،الوسائل 11:176 أبواب النيابة في الحج ب 8 ح 3،في« ق» و« ك» و الكافي:و أُجر الذي أحجّه.

على أبي أنه حدّثني عن رسول اللّه 9 أنه أتاه رجل فقال:يا رسول اللّه، إنّ أبي مات و لم يحجّ حجة الإسلام فقال:حجّ عنه فإن ذلك يجزي عنه» (1).

و يلحق الحي بالميت إذا كان الحج تطوعاً؛ إجماعاً على الظاهر، المصرّح به في عبائر (2)؛ و للنصوص المستفيضة القريبة من التواتر،بل لعلّها متواترة،ففي الصحيح:إنّ أبي قد حجّ،و والدتي قد حجّت،و إنّ أخويّ قد حجّا،و قد أردت أن أُدخلهم في حجّتي كأني قد أحببت أن يكونوا معي،فقال:« اجعلهم معك،فإنّ اللّه عزّ و جلّ جاعل لهم حجاً، و لك حجاً،و لك أجراً بصلتك إياهم» (3).

و في إلحاقه به في الحج الواجب مع العذر المسوَّغ للاستنابة وجهان.

أما مع عدمه فلا يلحق به قطعاً،فإنّ الواجب على المستطيع إيقاع الحج مباشرةً،فلا يجوز فيه الاستنابة إلّا ما قام عليه الأدلة،و ليس منه مفروض المسألة.

و يلزم الأجير كفارة جنايته في إحرامه في ماله لأنها عقوبة جناية صدرت عنه،أو ضمان في مقابلة إتلاف وقع منه،و عن الغنية الإجماع عليه (4)،و في غيرها:لا نعرف فيه خلافاً (5).

و يستحب للنائب أن يذكر المنوب عنه باسمه في

ص:91


1- الكافي 4:/277 13،التهذيب 5:/404 1407،الوسائل 11:77 أبواب وجوب الحج ب 31 ح 2.
2- كالمدارك 7:132،و مفاتيح الشرائع 1:301،و الحدائق 14:289.
3- الفقيه 2:1369،الوسائل 11:203 أبواب النيابة في الحج ب 28 ح 6.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):583.
5- كشف اللثام 1:300.

المواطن و عند كلّ فعل من أفعال الحج و العمرة بلا خلاف،كما في المنتهى و غيره (1)؛ للصحيح:ما يجب على الذي يحجّ عن الرجل؟قال:

« يسمّيه في المواطن و المواقف» (2).

و ليس بواجب و إن أوهمه؛ للاتفاق،كما قيل (3)؛ و للصحيح:عن الرجل يحجّ عن الرجل يسمّيه باسمه؟قال:« إن اللّه لا يخفى عليه خافية» (4).

و في رواية:« إن شاء فعل و إن شاء لم يفعل،اللّه تعالى يعلم أنه قد حجّ عنه و لكن يذكره عند الأُضحية» (5).

و في الصحيح:هل يتكلم بشيء؟قال:« نعم يقول بعد ما يُحرم:

اللّهم ما أصابني في سفري هذا من تعب أو شدة أو بلاء أو شعث فأجر فلاناً فيه و أجرني في قضائي عنه» (6).

و أن يعيد فاضل الأُجرة بعد الحج على المشهور كما قيل (7)، قيل:ليكون قصده بالحج القربة،لا الأُجرة (8).

ص:92


1- المنتهى 2:871؛ و انظر مفاتيح الشرائع 1:303.
2- الكافي 4:/310 2،التهذيب 5:/418 1453،الإستبصار 2:/324 1148،الوسائل 11:187 أبواب النيابة في الحج ب 16 ح 1.
3- كشف اللثام 1:297.
4- الفقيه 2:/279 1367،الوسائل 11:188 أبواب النيابة في الحج ب 16 ح 5.
5- الفقيه 2:/279 1368،التهذيب 5:/419 1454،الإستبصار 1:/324 1149،الوسائل 11:188 أبواب النيابة في الحج ب 16 ح 4.
6- الكافي 4:/310 1،التهذيب 5:/418 1452،الإستبصار 2:/324 1147،الوسائل 11:187 أبواب النيابة في الحج ب 16 ح 2.
7- المدارك 7:139.
8- المعتبر 2:773.

و ربما يفهم من بعض المعتبرة في الجملة،فيه:أعطيت الرجل دراهم يحجّ بها عنّي،ففضل منها شيء فلم يردّه عليّ،فقال:« هو له،لعلّه ضيّق على نفسه في النفقة لحاجته إلى النفقة» (1).

و عن المقنعة:و قد جاءت رواية أنه إن فضل ممّا أخذه فإنه يردّه إن كانت نفقته واسعة،و إن كان قتّر على نفسه لم يردّه،قال:و العمل على الأول،و هو أفقه (2).

و لعلّه أراد بالرواية ما عرفته،و لكن دلالتها على ذلك ضعيفة،و مع ذلك فتردّه مضافاً إلى الأُصول المعتبرة،منها الموثق:عن الرجل يأخذ الدراهم يحجّ بها،هل يجوز أن ينفق منها في غير الحج؟قال:« إذا ضمن الحجّة فالدراهم له يصنع بها ما أحبّ و عليه حجّة» (3).

و أن يُتَمّ بصيغة المجهول،و الفاعل:المستنيب له أي للنائب ما أعوزه كما عن النهاية و المبسوط و المنتهى و غيرها (4)،و في غيرها:

لكونه برّاً و مساعدةً على الخير و التقوى (5).

و أن يعيد المخالف حجّته إذا استبصر و لو كانت مجزئة كما مرّ (6).

ص:93


1- التهذيب 5:/414 1442،الوسائل 11:179 أبواب النيابة في الحج ب 10 ح 1.
2- المقنعة:442.
3- الكافي 4:/313 2،التهذيب 5:/415 1444،الوسائل 11:180 أبواب النيابة في الحج ب 10 ح 3.
4- النهاية:279،المبسوط 1:322،المنتهى 2:869؛ و انظر المعتبر 2:773،و جامع المقاصد 3:143.
5- كما في كشف اللثام 1:297.
6- كما في كشف اللثام 1:297.

و يكره أن تنوب المرأة الصرورة عن الرجل،بل مطلقاً؛ للنهي عن استنابتها،و لذا قيل بالتحريم،و هو ضعيف،لما مضى مفصّلاً (1).

و هنا

مسائل خمس

مسائل خمس:

الاُولى من أوصى بحجّة و لم يعيِّن انصرف إلى أُجرة المثل

الاُولى:من أوصى بحجّة و لم يعيِّن الأُجرة انصرف ذلك إلى أُجرة المثل لأن الواجب العمل بالوصية مع الاحتياط للوارث، فيكون ما جرت به العادة كالمنطوق به،و هو المراد من اجرة المثل.

و لو وجد من يأخذ بأقلّ من المثل اتفاقاً مع استجماعه لشرائط النيابة وجب الاقتصار عليه؛ احتياطاً للوارث.و الظاهر أنه لا يجب تكلّف تحصيله،كما صرّح به شيخنا الشهيد الثاني (2).

و يعتبر ذلك من البلد أو الميقات على الخلاف.

الثانية إذا أوصى أن يحجّ عنه و لم يعيّن فإن عرف التكرار حجّ عنه حتى يستوفي ثلثه

الثانية: إذا أوصى أن يحجّ عنه ندباً و لم يعيّن العدد فإن عرف التكرار منه حجّ عنه حتى يستوفي ثلثه إذا علم إرادة التكرار على هذا الوجه،و إلّا فيحسب ما علم منه و إلّا يعلم منه التكرار مطلقاً اقتصر على المرة الواحدة.

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده إلّا في الأخير،فظاهر التهذيب التكرار هنا أيضاً (3)،كما عن جماعة (4)؛ للخبرين (5).

و ضعف سندهما مع مخالفتهما الأصل يمنع عن العمل بهما؛ و لذا

ص:94


1- راجع ص 2746.
2- انظر المسالك 1:98.
3- التهذيب 5:408.
4- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:301.
5- التهذيب 5:/408 1419،1420،الإستبصار 2:/319 1129،1130،الوسائل 11:171 أبواب النيابة في الحج ب 4 ح 1،2.

حملهما متأخّرو الأصحاب على صورة ظهور قصد التكرار (1)،و لا بأس به، و ما اختاروه خيرة الحلّي (2).

الثالثة لو أوصى أن يحجّ عنه في كل سنة بمال معيّن فقصر جمع ما يمكن به الاستيجار

الثالثة: لو أوصى أن يحجّ عنه في كل سنة بمال معيّن مفصّلاً كعشرين ديناراً،أو مجملاً كغلّة بستان فقصر ما لكل سنة عن حجّيتها جمع ما يزيد عن المعيّن في السنة مطلقاً ما يمكن به الاستيجار لحجة فصاعداً و لو كان ما جمع نصيب أكثر من سنة فيما قطع به الأصحاب على الظاهر،المصرَّح به في كلام جماعة حدّ الاستفاضة (3).

للمكاتبتين (4)المنجبر ضعفهما لعدم وضوح وثاقة الراوي (5)،و إن صرّح بها بعضهم،و يشهد له بعض القرائن بعمل الأصحاب كافة.

مضافاً إلى التأيد بما ذكره جماعة (6)من الاعتبار،و هو خروج الأقدار عن الميراث و وجوب صرفها في الحج بالوصية،و وجوب العمل بها بقدر الإمكان،و كأنّ الوصية وصية بأمرين:الحج،و صرف القدر المخصوص فيه،فإذا تعذّر الثاني لم يسقط الأول،و مرجعه إلى قاعدة« الميسور لا يسقط بالمعسور» المأثورة في المعتبرة،و لولاها لكان هذا الاعتبار محل

ص:95


1- المنتهى 2:874،جامع المقاصد 3:149،المدارك 4:143.
2- السرائر 1:650.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:99،و صاحب المدارك 7:144،و صاحب الحدائق 14:296.
4- الكافي 4:/310 1،2،الفقيه 2:/272 1326،1327،التهذيب 5:/408 1418،/226 890،الوسائل 11:169 أبواب النيابة في الحج ب 3 ح 1،2.
5- و هو إبراهيم بن مهزيار،و قال العلامة المجلسي في وجيزته(ص 3):إنه ثقة من السفر.
6- منهم:صاحب المدارك 7:144،و السبزواري في الذخيرة:571،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:301.

مناقشة،وفاقاً لبعض متأخري الطائفة (1).

الرابعة لو حصل بيد إنسان مال لميت،و عليه حجة مستقرة و علم أن الورّاث لا يؤدّون جاز أن يقطع قدر اجرة الحج

الرابعة:لو حصل بيد إنسان مال وديعة لميت،و عليه أي على ذلك الميت حجة الإسلام مستقرة في ذمته و علم ذلك الإنسان أو ظن أن الورّاث إذا علموا بالمال لا يؤدّون عنه الحجة جاز له أن يقطع (2) من ذلك المال قدر اجرة المثل لذلك الحج الواجب عليه،بعد استئذان الحاكم،و عدم خوف ضرر،بلا خلاف؛ للصحيح:عن رجل استودعني مالاً فهلك و ليس لولده شيء و لم يحجّ حجة الإسلام،قال:« حجّ عنه و ما فضل فأعطهم» (3).

قيل:و لخروج هذا المقدار من الميراث فلا يجب تسليمه الوارث (4).

و هذا الدليل يعمّ الحكم لغير حجة الإسلام،كما في إطلاق المتن و غيره،بل غير الحج من الحقوق المالية،كالديون و الزكاة و غيرها كما قيل (5).

و المراد بالجواز و مرادفه في العبارة و غيرها الأعم المجامع للوجوب، كما صرّح به آخرون (6)؛ للأمر بذلك في الصحيح؛ و تضمّن خلافه تضييع حق واجب على الميت و تضييع حق المستحق للمال؛ و لانحصار حق المستحق لذلك القدر من المال فيما بيده مع العلم بتقصير الوارث،فيجب

ص:96


1- انظر المدارك 7:144.
2- في المختصر المطبوع:يقتطع.
3- الكافي 4:/272 6،الفقيه 2:/272 1328،التهذيب 5:/416 1448،الوسائل 11:183 أبواب النيابة في الحج ب 13 ح 1.
4- كشف اللثام 1:301.
5- راجع كشف اللثام 1:301.
6- الشهيد في المسالك 1:99،و صاحب المدارك 7:146،و الفاضل الهندي كشف اللثام 1:301،و صاحب الحدائق 14:281.

تسليمه إليه،دون غيره،و يضمن إن خالف و امتنع الوارث كما قيل (1).

و إنما قيّدوا الصحيح بعلم منع الوارث أو ظنّه مع عمومه لهما و لغيرهما؛ لعدم انحصار حق غير الوارث فيه بدونه،لجواز أداء الوارث له من غيره،فلا يجب عليه الأداء؛ و مساواة الوارث صاحب الحق في التعلّق بما عنده،فلا يجوز له الأداء منه بدون إذنه،و ربما يومئ إليه قوله« و ليس لولده شيء» .و إنما اشترطتُ استئذان الحاكم و ما بعده وفاقاً للتذكرة (2)؛ قصراً لما خالف الأصل على المتفق عليه فتوًى و روايةً.

و ما قيل من أنها مطلقة (3)،فمضعّف بتضمّنها أمر الإمام عليه السلام للراوي بالحج عمن له عنده الوديعة،و هو إذن و زيادة،كذا قيل (4).و لعلّه لا يخلو عن مناقشة.

و لا ريب أن الاستئذان من الحاكم مهما أمكن أحوط و أولى.

و مقتضى النص حج الودعي بنفسه،و جوّز له الأصحاب الاستئجار عنه،قيل:و ربما كان أولى،خصوصاً إذا كان الأجير أنسب لذلك من الودعي (5).و لا بأس به،سيّما مع إمكان دعوى تنقيح المناط القطعي.

و به يمكن إلحاق غير الوديعة من الحقوق المالية حتى الغصب و الدين بها و إن كانت مورد النص خاصة وفاقاً للمتن و غيره (6)،خلافاً

ص:97


1- كشف اللثام 1:301.
2- التذكرة 1:308.
3- الحدائق 14:279.
4- راجع المدارك 7:146.
5- المدارك 7:146.
6- كالمسالك 1:99

لجماعة فجمدوا على الوديعة (1).

الخامسة من مات و عليه حجة الإسلام و أُخرى منذورة أُخرجت حجة الإسلام من الأصل و المنذورة من الثلث

الخامسة:من مات و عليه حجة الإسلام و أُخرى منذورة أُخرجت حجة الإسلام من الأصل بلا خلاف و المنذورة من الثلث وفاقاً للإسكافي و الصدوق و النهاية و التهذيب و المبسوط و المعتبر و الجامع (2)؛ للصحاح:

منها:عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذراً في شكر ليحجّنّ رجلاً إلى مكة،فمات الذي نذر قبل أن يحجّ حجة الإسلام و من قبل أن يفي بنذره الذي نذر،قال:« إن ترك مالاً يحجّ عنه حجة الإسلام من جميع المال،و أُخرج من ثلثه ما يحجّ به رجل لنذره و قد وفى بالنذر،و إن لم يكن ترك مالاً إلّا بقدر ما يحجّ به حجة الإسلام حجّ عنه بما ترك،و يحجّ عنه وليه حجة النذر،إنما هو مثل دين عليه» (3)و نحوه الباقي.

و يضعّف:بأنّ موردها من نذر أن يُحجّ رجلاً،أي يبذل له ما يحجّ به،و هو خلاف نذر الحج الذي كلامنا فيه.

و ما يقال:من أن الاستدلال بها إنما هو بفحواها،بناءً على أن إحجاج الغير الذي هو موردها ليس إلّا بذل المال لحجّة،فهو دين مالي محض بلا شبهة،و به وقع التصريح في الرواية،فإذا لم يجب إلّا من الثلث

ص:98


1- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:149؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 6:152.
2- نقله عن الإسكافي في المختلف:321،الصدوق في الفقيه 2:263،النهاية:283،التهذيب 5:406،المبسوط 1:306،المعتبر 2:774،الجامع للشرائع:176.
3- الفقيه 2:/263 1280،التهذيب 5:/406 1413،الوسائل 11:74 أبواب وجوب الحج ب 29 ح 1.

فحج نفسه أولى.

فحسن إن كان حكم الأصل مسلّماً،و عن المعارض سالماً.و ليس كذلك؛ إذ لم أربحكم الأصل مُفتياً،و أرى ما دلّ على وجوب إخراج الحق المالي المحض من الأصل له معارضاً.

و لعلّه لذا أعرض عنها متأخّرو الأصحاب،و نزولها تارةً على وقوع النذر في مرض الموت،كما في المختلف (1).

و أُخرى على وقوعه التزاماً بغير صيغته كما في غيره.

و ثالثةً على ما إذا قصد الناذر تنفيذ الحج المنذور بنفسه فلم يتّفق بالموت،فلا يتعلق بماله حج واجب بالنذر،و يكون الأمر بإخراج الحج المنذور وارداً على الاستحباب للوارث،و كونه من الثلث رعايةً لجانبه،كما في المنتهى (2).

و فيه أي و في المقام وجه آخر و هو خروج المنذور من الأصل كحجة الإسلام،اختاره الحلّي (3)و أكثر المتأخرين (4).

و وجهه غير واضح،عدا توهّم أنه دين كحجة الإسلام.

و فيه منع ظاهر؛ فإنّ الحج ليس واجباً مالياً،بل هو بدني و إن توقف على المال مع الحاجة إليه،كما يتوقف الصلاة عليه كذلك،و إنما وجب قضاء حجة الإسلام بالنصوص الصحيحة و الإجماع،و إلحاق النذر به من غير دليل قياس.

ص:99


1- المختلف:321.
2- منتقى الجمان 3:74.
3- السرائر 1:649.
4- منهم المحقق في الشرائع 1:235،و العلّامة في المنتهى 2:872،و الشهيد الأول في الدروس 1:318،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:434.

هذا،و لو لا اتّفاق القولين على وجوب القضاء من الثلث أو الأصل بحيث كاد أن يكون إجماعاً لكان الحكم به من أصله مشكلاً؛ للأصل، و عدم اقتضاء النذر سوى وجوب الأداء،و القضاء عنه يحتاج إلى أمر جديد.

ص:100

المقدمة الثالثة في أنواع الحج
اشارة

المقدمة الثالثة:

في بيان أنواع الحج و هي ثلاثة بإجماع العلماء،كما في كلام جماعة (1)،و النصوص المستفيضة (2) تمتّع و قران و إفراد

التمتع
اشارة

فالتمتع و هو أفضلها بالنص و الإجماع،و الصحاح به مستفيضة (3)، و هو الذي يقدّم عمرته أمام حجّه،ناوياً بها التمتع،ثم ينشئ إحراماً بالحج من مكة و ترتبط به،و تجزي عن العمرة المفروضة كما في النصوص (4)،و تسمى العمرة المتمتع بها إلى الحج،و ما سواها تسمّى بالعمرة المفردة؛ لأفرادها عنه.

و أصل التمتع:التلذذ،و سمّي هذا النوع به لما يتخلّل بين عمرته و حجه من التحلّل الموجب لجواز الانتفاع و التلذّذ بما كان قد حرّمه الإحرام،مع ارتباط عمرته بحجّه حتى أنهما كالشيء الواحد شرعاً،فإذا حصل بينهما ذلك فكأنه حصل في الحج.

و هذا فرض مَن ليس بحاضري مكة بل كان نائياً عنها؛ بإجماعنا الظاهر،المصرَّح به في الانتصار و الخلاف و الغنية و المنتهى و التذكرة و ظاهر المعتبر كما نقل (5)؛ و أخبارنا المستفيضة القريبة من التواتر.

ص:101


1- المدارك 7:55،المفاتيح 1:304،مرآة العقول 17:187،كشف اللثام 1:276.
2- الوسائل 11:211 أبواب أقسام الحج ب 1.
3- الوسائل 11:246 أبواب أقسام الحج ب 4.
4- الوسائل 14:305 أبواب العمرة ب 5.
5- الانتصار:93،الخلاف 2:272،الغنية(الجوامع الفقهية):573،المنتهى 2:659،التذكرة 1:317،المعتبر 2:783.

و حدّه مَن بُعد عنها أي عن مكّة شرّفها اللّه تعالى بثمانية و أربعين ميلاً من كلّ جانب وفاقاً للمحكي عن القمي في تفسيره و الشيخ في النهاية و الصدوقين و الماتن هنا و في المعتبر (1)،و الفاضل في المختلف و التذكرة و المنتهى و التحرير (2)،و الشهيدين في المسالك و الدروس و اللمعتين (3)،و غيرهم من المتأخرين (4).

للمعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:« كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلاً:ذات عِرق و عُسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية،و كلّ من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة» (5).

و في خبر آخر:ثمانية و أربعون ميلاً من جميع نواحي مكة من دون عُسفان و دون ذات عِرق» (6).

و في الصحيح:« ليس لأهل مكة و لا لأهل مَرّ و لا لأهل سَرِف متعة» (7)و نحوه غيره (8).

ص:102


1- تفسير القمي 1:69،النهاية:206،الصدوق في المقنع:67،ننقله عن والد الصدوق في المختلف:260،المعتب 2:784.
2- المختلف:260،التذكرة 1:317،318،المنتهى 2:661،التحرير 1:93.
3- المسالك 1:101،الدروس 1:330،اللمعة(الروضة البهية 2):204.
4- كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 3:110،الفاضل المقداد في التنقيح 1:436.
5- التهذيب 5:/33 98،الإستبصار 2:/157 516،الوسائل 11:259 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 3.
6- التهذيب 5:/492 1766،الوسائل 11:260 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 7.
7- التهذيب 5:/32 96،الإستبصار 2:/157 514،الوسائل 11:258 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 1.مَرَّ وزان فَلس موضع بقرب مكة من جهة الشام نحو مرحلة.مجمع البحرين 3:481،سَرِف مثال كتف موضع قريب من التنعيم و هو من مكة على عشرة أميال،و قيل أقل أو أكثر.مجمع البحرين 5:70.
8- الكافي 4:/299 1،التهذيب 5:/492 1765،الوسائل 11:260 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 6.

قال الماتن:إن هذه المواضع أكثر من اثني عشر ميلاً (1).

و في الصحيح:في حاضري المسجد الحرام،قال:« دون الأوقات إلى مكة» (2)و نحوه غيره (3).

و قد ذكر العلّامة فيما حكي عنه في موضع من التذكرة:أن أقرب المواقيت ذات عِرق،و هي مرحلتان من مكة (4).

و في موضع آخر:إنّ قرن المنازل و يلملم و العقيق على مسافة واحدة بينها و بين مكة ليلتان قاصدتان (5).

و قيل مَن بعد عنها باثني عشر ميلاً فصاعداً من كلّ جانب القائل بذلك الشيخ في المبسوط و الاقتصاد و التبيان،و الحلّي في السرائر،و الفاضلان في الشرائع و الإرشاد و القواعد،و عُزي إلى مجمع البيان و فقه القرآن و روض الجنان و الجمل و العقود و الغنية و الكافي و الوسيلة الجامع و الإصباح و الإشارة (6).

و حجتهم غير واضحة،عدا ما قيل من نصّ الآية على أنه فرض من

ص:103


1- المعتبر 2:785.
2- التهذيب 5:/476 1683،الوسائل 11:260 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 5.
3- التهذيب 5:/33 99،الإستبصار 2:/158 517،الوسائل 11:260 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 4.
4- التذكرة 1:322.
5- التذكرة 1:320.
6- المبسوط 1:306،الاقتصاد:298،التبيان 2:158،السرائر 1:519،الشرائع 1:237،الإرشاد 1:309،القواعد 1:72،مجمع البيان 1:291،فقه القرآن:266،روض الجنان(المشتهر بتفسير أبي الفتوح)3:90،الجمل و العقود(الرسائل العشر):224،الغنية(الجوامع الفقهية):573،الكافي:191،الوسيلة:157،الجامع للشرائع:177،إشارة و السبق:124.

لم يكن حاضري المسجد الحرام،و مقابل الحاضر هو المسافر،و حدّ المسافر أربعة فراسخ (1).

و فيه نظر واضح،سيّما بعد ما مرّ من النصّ الصحيح الواضح المؤيد بغيره.

و توزيع الثمانية و الأربعين ميلاً الواردة فيه على الأربع جوانب، فيوافق هذا القول،كما يظهر من الحلّي و غيره (2)،فمع شدة مخالفته الظاهر لا يلائم ما تضمّن منها عسفان،فإنها من مكة على مرحلتين كما عن القاموس و في غيره (3).

فإذاً ما اختاره الماتن هنا أقوى.

و أما ما في الصحيح من التحديد بثمانية عشرة من كلّ جانب (4)، فشاذّ على الظاهر،المصرح به في بعض العبائر (5).و ربما يحمل على التخيير (6)،و هو ضعيف.

و لا يجوز لهؤلاء العدول عن التمتع إلى الإفراد و القران إلّا مع الضرورة أمّا الأول فلما مرّ من أن فرضهم التمتع فلا يجزيهم غيره؛ لإخلالهم بما فرض عليهم.

و أما الثاني فلما يأتي فيمن دخل مكة بمتعة و خشي ضيق الوقت،

ص:104


1- كشف اللثام 1:276.
2- الحلي في السرائر 1:519؛ و انظر المبسوط 1:306.
3- القاموس 3:181؛ مجمع البحرين 5:100.
4- الكافي 4:/300 3،الوسائل 11:261 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 10.
5- مفاتيح الشرائع 1:305.
6- المدارك 7:162،الذخيرة:551.

و الحائض و النفساء لو منعهما عذرهما عن التحلل و إنشاء الإحرام بالحج، من جواز نقلهم إلى الإفراد (1).

شروطه

و شروطه أي التمتع أربعة:النية بلا خلاف و لا إشكال إن أُريد به الخلوص و القربة كما في كل عبادة.

أو نية كل من العمرة و الحج و كل من أفعالهما المتفرقة من الإحرام و الطواف و السعي و نحوها،كما يأتي تفصيلها في مواضعها إن شاء اللّه تعالى،كما قيل (2).

أو نية الإحرام خاصة،كما في الدروس (3)،إلّا أنه حينئذ كالمستغنى عنه،فإنه من جملة الأفعال،و كما يجب النية له كذا يجب لغيره.

و يشكل لو أُريد بها نية المجموع جملةً غير ما لكلّ،كما استظهره في المسالك عن الأصحاب (4)؛ لعدم دليل على شرطيتها و وجوبها بهذا المعنى، و الأخبار خالية عن ذلك كلّه.

و يمكن أن يراد بها نية خصوص التمتع حين الإحرام.و في وجوبها بين الأصحاب اختلاف،فالشيخ في المبسوط على أنها أفضل،و إن فاتت جاز تجديدها إلى وقت التحلّل (5).

و في المختلف:إنه مشكل؛ لأن الواجب عليه تعيين أحد النسكين، و إنما يتميّز عن الآخر بالنية،و أجاب عن قضية إهلال علي ع بما أهلّ به

ص:105


1- انظر ص:2777،2780.
2- كشف اللثام 1:279.
3- الدروس 1:339.
4- المسالك 1:100.
5- المبسوط 1:307.

النبي صلى الله عليه و آله بالمنع عن كونه عليه السلام لم يعلم بإهلاله صلى الله عليه و آله (1).

أقول:و مرجعه إلى أنه قضية في واقعة،فلا عموم لها،فإذاً الوجوب أقوى.

و وقوعه في أشهر الحج بالكتاب و السنّة و الإجماع و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة وفاقاً للإسكافي و الصدوق و الشيخ في النهاية (2)، و عليه المتأخرون كافة؛ لظاهر الكتاب (3)،بناءً على أن أقلّ الجمع ثلاثة، و الشهر حقيقة في المجموع و الجملة،و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،ففي الصحيح:« إن اللّه تعالى يقول: اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ [1] و هي شوال و ذو الحجة و ذو القعدة» (4).

و قيل هو الشهران الأولان و عشرة من ذي الحجة و القائل المرتضى و العماني و الديلمي.

قيل لأن أفعال الحج تنتهي بانتهاء العاشر و إن رخّص في تأخير بعضها؛ و خروج ما بعده من الرمي و المبيت عنها،و لذا لا يفسد بالإخلال بها؛ و للخبر عن أبي جعفر عليه السلام كما في التبيان و روض الجنان (5)، و ظاهرهما اتفاقنا عليه (6).

أقول:و روى الكليني عن علي بن إبراهيم بإسناده،قال:« أشهر

ص:106


1- المختلف:264.
2- المختلف:264.
3- البقرة:197.
4- التهذيب 5:/445 1550،الوسائل 11:271 أبواب أقسام الحج ب 11 ح 1.
5- التبيان 2:162،روض الجنان(المشتهر بتفسير أبي الفتوح)3:106.
6- كشف اللثام 1:279.

الحج شوّال و ذو القعدة و عشرة من ذي الحجة» (1).

و فيه قطع،و في الأول إرسال،و في نقل الإجماع على تقدير وضوحه وهن،و في الجميع مع ذلك عن المقاومة لما مرّ قصور.

و قيل: بدل العشرة تسعة و القائل الشيخ في الاقتصاد و الجمل و العقود،و القاضي في المهذّب فيما حكي (2)،قيل:لأن اختياري الوقوف بعرفات في التاسع (3).

و هنا أقوال أُخر لا ثمرة بينها و بين غيرها يظهر بعد الاتفاق الظاهر، المحكي في عبائر (4)على أن الإحرام بالحج لا يتأتّى بعد عاشر ذي الحجة، و كذا عمرة التمتع،و على إجزاء الهدي و بدل طول ذي الحجة،و أفعال أيام منى و لياليها،فيكون النزاع لفظياً،كما اعترف به جماعة من المتأخرين (5)، بل عامّتهم كما في ظاهر المسالك.

نعم فيه:و قد يظهر فائدة الخلاف فيما لو نذر الصدقة أو غيرها من العبادات في الأشهر المعلومات أو في أشهر الحج،فإنّ جواز تأخيره إلى ما بعد التاسع يبنى على الخلاف (6).

و إلى لظية النزاع يشير قول الماتن:

و حاصل الخلاف و محلّه الذي يجتمع عليه الأقوال أنّ إنشاء

ص:107


1- الكافي 4:/290 3،الوسائل 11:273 أبواب أقسام الحج ب 11 ح 6.
2- الاقتصاد:300،الجمل و العقود(الرسائل العشر):226،المهذب 1:213.
3- كشف اللثام 1:279.
4- المنتهى 1:665،المختلف:260،المدارك 7:167،الحدائق 14:354.
5- منهم:العلامة في المختلف:260،و ابن فهد في المهذّب البارع 2:148،و الشهيد الثاني في الروضة 2:208،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:279.
6- المسالك 1:100.

الحج يجب أن يكون في الزمان الذي يعلم إدراك المناسك فيه،و ما زاد على ذلك الزمان يصح أن يقع فيه بعض أفعال الحج،كالطواف و السعي و الذبح و الأمران مجمع عليهما كما مضى.

و أن يأتي بالعمرة و الحج في عام واحد بلا خلاف بين العلماء، كما في المدارك (1)،و في غيره بالاخلاف (2)،و عن التذكرة الاتفاق عليه (3).

و هو الحجة،المعتضدة بالأخبار الدالّة على دخول العمرة في الحج إلى يوم القيامة (4)،و الناصّة على ارتباط عمرة التمتع بحجّه و أنه لا يجوز له الخروج من مكة حتى يقضي حجه (5).

و إنما جعلت معاضدة،لا حجة مستقلة،بناءً على عدم وضوح دلالتها على اعتبار كونهما في سنة كما هو المفروض في نحو العبارة،فإنّ ما دلّت عليه إنما هو ارتباط أحدهما بالآخر و وجوب وقوعهما في أشهر الحج،لكن كونها من سنة واحدة لم يظهر منها.

و عليه فيتوجه ما ذكره الشهيد رحمه اللّه من أنه لو بقي على إحرامه بالعمرة من غير إتمام الأفعال إلى القابل احتمل الإجزاء (6).

اللهم إلّا أن يقال:إن المتبادر منها اتحاد السنة،سيّما مع ندرة بقاء إحرام العمرة إلى السنة المستقبلة.

و يمكن أن يقال:إنّ غاية التبادر تشخيص المورد،لا اشتراطه،

ص:108


1- المدارك 7:168.
2- مفاتيح الشرائع 1:306.
3- حكاه عنه في كشف اللثام 1:280.
4- الوسائل 11:236 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 33،و الباب 3 ح 2،12.
5- انظر الوسائل 11:301 أبواب أقسام الحج ب 22.
6- راجع الدروس 1:339.

بحيث يستفاد منه نفي الحكم عمّا عداه،كما هو المطلوب.

و بالجملة:فإثبات الاشتراط بالروايات مشكل،فما ذكره من الإجزاء محتمل،إلّا أن يدفع بقاعدة توقيفية العبادة،و توقف صحتها على دلالة، و هي في المقام مفقودة؛ لأنّ غاية الأدلة الإطلاق،و في انصرافه إلى محل الفرض لما عرفت إشكال،فتأمل.

و كيف كان،فلا ريب في أن الإتيان بهما في سنة واحدة أحوط.

و أن يُحرم بالحج له أي للتمتع من بطن مكة شرّفها اللّه سبحانه،بإجماع العلماء كافة،كما في المدارك و غيره (1)،و نقل الإجماع المطلق مستفيض في عبائر جمع (2)،و سيأتي من النصوص ما يدلّ عليه.

و المراد بمكة كما صرّح به جماعة (3)ما دخل في شيء من بنائها، و أقلّه سورها،فيجوز الإحرام من داخله مطلقاً.

و لكن أفضلها المسجد اتفاقاً كما في المدارك و غيره (4)؛ لكونه أشرف أماكنها،و لاستحباب الإحرام عقيب الصلاة،و هي في المسجد أفضل.

و أفضله مقام إبراهيم ع كما عن النهاية و المبسوط و المصباح و مختصره و المهذّب و السرائر و الشرائع (5)؛ للخبر:« إذا كان يوم التروية

ص:109


1- المدارك 7:169؛ الحدائق 14:359.
2- مفاتيح الشرائع 1:306،كشف اللثام 1:280.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:100،و الروضة 2:208،صاحب المدارك 7:169.
4- المدارك 7:169؛ و انظر الحدائق 14:359.
5- النهاية:248،المبسوط 1:364،مصباح المتهجد:627،المهذّب 1:244،السرائر 1:583،الشرائع 1:237.

فاصنع كما صنعت بالشجرة،ثم صلّ ركعتين خلف المقام،ثم أهلّ بالحج، فإن كنت ماشياً فلبّ عند المقام،و إن كنت راكباً فإذا نهض بعيرك» (1).

و قول الماتن هنا: أو تحت الميزاب يفيد التخيير بينهما،كما عن الكافي و الغنية و الجامع و التحرير و المنتهى و التذكرة و الدروس (2).

و عن الهداية و المقنع و الفقيه (3):التخيير بين المقام و الحِجر،كما في الصحيح:« إذا كان يوم التروية إن شاء اللّه تعالى فاغتسل،ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد حافياً و عليك بالسكينة و الوقار،ثم صلِّ ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحِجر،ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلِّ المكتوبة،ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين إحرامك من الشجرة،و أحرم بالحج» (4).

و لا يتعيّن شيء من ذلك اتفاقاً،كما عن التذكرة في المسجد (5)،و في غيرها في غيره (6)؛ و للنصوص،منها الصحيح:من أين أُهلّ بالحج؟فقال:

« إن شئت من رحلك،و إن شئت من الكعبة،و إن شئت من الطريق» (7)و في بعض الألفاظ مكان من الكعبة:من المسجد (8).

ص:110


1- التهذيب 5:/169 561،الإستبصار 2:/252 886،الوسائل 12:397 أبواب الإحرام ب 46 ح 2.
2- الكافي:212،الغنية(الجوامع الفقهية):579،الجامع للشرائع:204،التحرير 1:94 و 101،المنتهى 2:668،التذكرة 1:370،الدروس 1:341.
3- الهداية:60،المقنع:85،الفقيه 2:207.حكاه عنهم في كشف اللثام 1:280.
4- الكافي 4:/454 1،التهذيب 5:/167 557،الوسائل 12:408 أبواب الإحرام ب 52 ح 1.
5- التذكرة 1:370.
6- انظر المنتهى 2:714،و التحرير 1:101،و كشف اللثام 1:280.
7- الكافي 4:/455 4،الوسائل 11:339 أبواب المواقيت ب 21 ح 2.
8- التهذيب 5:/477 1684.

و منها الموثق:من أيّ المسجد أُحرم يوم التروية؟فقال:« من أيّ المسجد شئت» (1).

و لو أحرم بحج التمتع اختياراً من غير مكة لم يجزئه و يستأنفه بها لتوقف الواجب عليه،و لا يكفي دخولها محرماً،بل لا بدّ من الاستئناف منها،على المعروف من مذهب الأصحاب،كما في المدارك و الذخيرة غيرهما،و فيهما أسنده الفاضل في التذكرة و المنتهى إلى علمائنا (2)،مؤذناً بدعوى الإجماع و عليه.

و عبارة الشرائع تشعر بوجود الخلاف (3)،و لعلّه من الجمهور كما قيل (4)،و على تقدير كونه منّا فهو ضعيف.

و لو نسي الإحرام منها و تعذّر العود و لو بضيق الوقت أحرم من موضعه و لو كان بعرفة على ما صرّح به جماعة (5)؛ للصحيح:عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكره و هو بعرفات ما حاله؟ قال،يقول:« اللهم على كتابك و سنّة نبيك فقد تمّ إحرامه» (6).

و مورده النسيان خاصّة كما في العبارة،و ألحق به جماعة الجهل (7)،

ص:111


1- الكافي 4:/455 4،التهذيب 5:/166 556،الوسائل 11:340 أبواب المواقيت ب 21 ح 3.
2- المدارك 7:171،الذخيرة:572؛ و انظر الحدائق 14:360،و التذكرة 1:320،و المنتهى 2:667.
3- الشرائع 1:237.
4- قال به الشهيد الثاني في المسالك 1:100.
5- الشرائع 1:237،المسالك 1:101،كشف اللثام 1:280،الحدائق 14:360.
6- التهذيب 5:/175 586،الوسائل 11:30 أبواب المواقيت ب 14 ح 8.
7- المدارك 7:172،المفاتيح 1:306،كشف اللثام 1:280،الحدائق 14:361.

و لعلّه لما قيل من تظافر الأخبار بكونه عذراً (1).

و لا فرق في ذلك بين ما لو ترك الإحرام من أصله أو تركه من مكة مع إتيانه به من غيرها.

خلافاً للشيخ فاجتزأ بالإحرام من غيرها مع تعذر العود إليها في المبسوط و الخلاف (2)،و تبعه بعض متأخري الأصحاب،قال:للأصل، و مساواة ما فعله لما يستأنفه في الكون من غير مكة،و في العذر،لأن النسيان عذر،قال:و هو خيرة التذكرة (3).

و فيهما ما ترى؛ فإن الأصل معارض بالقاعدة الموجبة للاستئناف، تحصيلاً للبراءة اليقينية.و تاليه قياس؛ لأن المصحِّح للإحرام المستأنف إنما هو الإجماع على الصحة معه،و ليس النسيان مصححاً له حتى يتعدّى به إلى غيره،و إنما هو مع العذر عذر في عدم وجوب العود،و هو لا يوجب الاجتزاء بالإحرام معه حيثما وقع،بل يجب الرجوع فيه إلى الدليل،و ليس هنا سوى الاتفاق،و لم ينعقد إلّا على الإحرام المستأنف،و أما السابق فلا دليل عليه،فتأمل جدّاً.

و لو دخل مكة بمتعة و خشي ضيق الوقت عن إدراك الوقوفين جاز نقلها إلى الإفراد و يعتمر عمرة مفردة بعده بلا خلاف فيه على الظاهر، المصرَّح به في بعض العبائر (4)،و عن المعتبر الاتفاق عليه (5)،و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،و لكنها اختلفت في حدّ الضيق،

ص:112


1- كشف اللثام 1:280.
2- المبسوط 1:309،الخلاف 2:265.
3- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:280.
4- كالمدارك 7:176،و الحدائق 14:328.
5- انظر المعتبر 2:783 و 808.

و لأجله اختلف أقوال الطائفة.

فبين محدّدٍ له بزوال الشمس يوم التروية قبل الإحلال من العمرة، كالمفيد في نقلٍ (1)؛ و له الصحيح (2).

و محدّدٍ له بغروبها يوم التروية،كالصدوق في المقنع و المفيد في المقنعة (3)،و به أخبار كثيرة تضمّنت الصحيح و غيره (4).

و محدّدٍ له بزوالها من يوم عرفة،كالشيخ و القاضي و ابن حمزة في المبسوط و النهاية و المهذّب و الوسيلة (5)؛ و لهم الصحيح (6)،و علّله الشيخ في كتابي الأخبار بأنه لا يدرك الموقفين بعده (7)،كما في المعتبرة التي تضمّنت الصحيح و غيره (8).

و محدّدٍ له بخوف فوت الوقوف مطلقاً من غير تحديد له بزمان، حتى لو لم يخف منه لم يجز العدول و لو كان بعد زوال الشمس من يوم عرفة،كما عن الحلبيين و ابني إدريس و سعيد و عليه الفاضل (9).

ص:113


1- حكاه عنه في السرائر 1:582.
2- التهذيب 5:/391 1366،الإستبصار 2:/311 1107،الوسائل 11:299 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 14.
3- المقنع:85،المقنعة:431.
4- الوسائل 11:291 أبواب أقسام الحج ب 20.
5- المبسوط 1:364،النهاية:247،المهذب 1:243،الوسيلة:176.
6- التهذيب 5:/171 569،الإستبصار 2:/247 864،الوسائل 11:295 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 15.
7- التهذيب 5:170 174،الاستبصار 2:250.
8- الوسائل 11:297 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 6،7.
9- أبو الصلاح في الكافي:194،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):577،ابن إدريس في السرائر 1:581،ابن سعيد في الجامع للشرائع:204،الفاضل في المختلف:295.

و لعلّه الأقوى؛ للأصل،و صدق الامتثال،و خصوص النصوص، منها:« لا بأس للمتمتع إن لم يحرم ليلة التروية متى ما تيسّر له ما لم يخف فوت الموقفين» (1).

و النصوص المحدّدة مع تعارض بعضها مع بعض يمكن تنزيلها على اختلاف إمكان وصول الحاج إلى عرفات يومئذ،كما صرّح به بعض المحدّثين من المتأخرين (2).

و ظنّي أن هذا أولى من التنزيل الذي ارتكبه الشيخ في التهذيب (3)و إن تلقّاه جملة من المتأخرين بالقبول (4)،لتضمنه بعض القيود التي لا يفهم منها طرّاً.

و يُحكى عن الخال العلّامة المجلسي طاب ثراه على الظاهر حمل أكثرها على الاتقاء،و ذلك لأن في التخلف عن المضي مع الناس إلى عرفات مظنة الاطّلاع عليه بحج التمتع الذي ينكره الجمهور،حتى إن التقية إذا رفعت من الناس كان مناط الفوات هو فوات الموقفين (5).انتهى.و هو جيّد.

ثم على المختار هل العبرة بخوف فوت اضطراري عرفة،كما عن ظاهر الحلّي و محتمل الحلبي (6)،أو اختياريها،كما عن الغنية و المختلف

ص:114


1- الكافي 4:/444 4،التهذيب 5:/171 568،الإستبصار 2:/247 863،الوسائل 11:292 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 5.
2- انظر الحدائق 14:339.
3- التهذيب 5:170.
4- المدارك 7:178،مفاتيح الشرائع 1:308،منتقى الجمان 3:338.
5- لم نعثر عليه.
6- الحلي في السرائر 1:582،الحلبي في الكافي في الفقه:194.

و الدروس (1)؟ وجهان،أجودهما الثاني؛ للصحيح:عن الرجل يكون في يوم عرفة بينه و بين مكة ثلاثة أميال و هو متمتع بالعمرة إلى الحج،فقال:« يقطع التلبية،و يُهلّ بالحج بالتلبية إذا صلّى الفجر،و يمضي إلى عرفات فيقف مع الناس،و يقضي جميع المناسك،و يقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم، و لا شيء عليه» (2).

و قريب منه جملة من المعتبرة،منها الصحيح:« المتمتع يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة ما أدرك الناس بمنى» (3).و نحوه آخر (4)، و المرسل كالموثق (5).

بناءً على أن ظاهرها إدراكهم بمنى قبل المضي إلى عرفات،فتدبر.

و احتمال أن يكون المراد إدراكهم بمنى يوم العيد،بأن يدرك اضطراري المشعر مع بُعده مخالف للإجماع على الظاهر،المصرَّح به في بعض العبائر (6)،إلّا أن يحمل على إدراك الاضطراريين،لكنه بعيد لا يظهر من الأخبار.

ص:115


1- الغنية(الجوامع الفقهية):577،المختلف:294،الدروس 1:335.
2- التهذيب 5:/174 585،الإستبصار 2:/250 880،الوسائل 11:298 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 7.
3- التهذيب 5:/170 565،الإستبصار 2:/246 860،الوسائل 11:294 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 14.
4- التهذيب 5:/171 567،الإستبصار 2:/246 862،الوسائل 11:294 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 14.
5- الكافي 4:/443 3،التهذيب 5:/170 566،الإستبصار 2:/246 861،الوسائل 11:293 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 6.
6- ملاذ الأخيار 7:509.

و كذا الحائض و النفساء لو منعهما عذرهما عن التحلّل و إنشاء الإحرام بالحج لضيق الوقت عن التربّص إلى الطهر تعدلان إلى الإفراد على المشهور،كما في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (1)،بل في ظاهر المدارك و غيره الاتفاق على جوازه (2)،و فيهما و في غيرهما الإجماع عليه عن المعتبر و التذكرة و المنتهى (3)،و به صرّح في الخلاف (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة،منها الصحيح:عن المرأة تدخل متمتعة فتحيض قبل أن تحلّ،متى تذهب متعتها؟فقال:« كان أبو جعفر ع يقول:زوال الشمس من يوم التروية،و كان موسى 7 يقول:صلاة الصبح من يوم التروية» فقلت:جعلت فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية و يطوفون و يسعون ثم يحرمون بالحج،فقال:« زوال الشمس» فذكرت له رواية عجلان أبي صالح،فقال:« لا،إذا زالت الشمس ذهبت المتعة» فقلت:هي على إحرامها أو تجدد إحراماً للحج؟فقال:« لا هي على إحرامها» فقلت:

فعليها هدي؟فقال:« لا،إلّا أن تحبّ أن تطوّع» ثم قال:« أمّا نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة» (5)و قريب منه آخر (6)،و الموثق (7).

ص:116


1- منهم:الشهيد الثاني في الروضة:209،و السبزواري في الذخيرة:553،و صاحب الحدائق 14:340.
2- المدارك 7:181؛ و انظر مفاتيح الشرائع 1:308.
3- المعتبر 2:789،التذكرة 1:399،المنتهى 2:685.
4- الخلاف 2:261.
5- التهذيب 5:/391 1366،الإستبصار 2:/311 1107،الوسائل 11:299 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 14.
6- الفقيه 2:/240 1146،التهذيب 5:/390 1363،الوسائل 11:296 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 2.
7- الفقيه 2:/240 1147،التهذيب 5:/390 1365،الإستبصار 2:/310 1106،الوسائل 11:299 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 13.

قال في المنتهى بعد نقل الخبر:و هذا الحديث كما يدل على سقوط وجوب الدم يدل على الاجتزاء بالإحرام الأول.و أمّا اختلاف الإمامين عليهما السلام في فوات المتعة فالضابط فيه ما تقدّم من أنه إذا أدرك أحد الموقفين صحّت متعتها إذا كانت قد طافت و سعت،و إلّا فلا (1).انتهى.و هو جيّد.

لكن في الموثق بعد حكمه عليه السلام بصيرورة حجها مفردة:قلت:عليها شيء؟قال:« دم تهريقه و هي أُضحيّتها».

و حملها الشيخ على الاستحباب،قال:لأنه إذا فاتتها المتعة صارت حجتها مفردة،و ليس على المفرد هدي على ما بيّنّاه،ثم قال:و يدلّ عليه ما رواه،و ساق الصحيح المتقدم (2).

و هو حسن،و يعضده نفس الموثق من حيث العدول فيه عن التعبير بالهدي إلى الأُضحيّة؛ فإنّ فيه إشعاراً بذلك.

خلافاً للمحكي عن الحلبيّين و جماعة (3)،فقالوا:بل تكملها بلا طواف و تحرم بالحج ثم تقضى طواف العمره مع طواف الحج للأخبار المستفيضة.و هي في ضعف السند مشتركة،عدا رواية منها،فإنها بطريق صحيح على الظاهر في الكافي مروية،و فيها:« المرأة المتمتّعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية،فإن طهرت طافت بالبيت و سعت بين الصفا و المروة،و إن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت و احتشت ثم سعت بين الصفا و المروة ثم خرجت إلى منى،فإذا قضت المناسك و زارت البيت طافت بالبيت طوافاً لعمرتها ثم طافت طوافاً للحج،ثم خرجت فسعت،فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كل شيء يحلّ منه

ص:117


1- المنتهي 2:856.
2- الاستبصار 2:310.
3- أبو الصلاح في الكافي:218،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):582،و حكاه عن ابن جنيد و ابن بابويه في الدروس 1:406.

المحرم،إلّا فراش زوجها،فإذا طافت طوافاً آخر حلّ لها فراش زوجها» (1).

و عن الغنية:الإجماع عليه.

و هذه الأدلة معارضة بأقوى منها سنداً و اشتهاراً،فلتحمل على ما إذا طافت أربعة أشواط قبل الحيض جمعاً.و هو أولى من الجمع بين الأخبار بالتخيير؛ لفقد التكافؤ المشترط فيه،مع ندرة القائل به،إذ لم يُحكَ إلّا عن الإسكافي (2).

ثم على تقدير صحته فلا ريب أن العدول أولى؛ لاتفاق الأخبار على جوازه على هذا التقدير،هذا.

و في رواية:« إنها إذا أحرمت و هي طاهرة ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت و لم تطف حتى تطهر،ثم تقضي طوافها و قد قضت عمرتها، و إن هي أحرمت و هي حائض لم تسع و لم تطف حتى تطهر» (3).

قيل:و هو جمع آخر بين الأخبار حسن (4).

و فيه نظر؛ فإنّ الصحيح المتقدم ظاهر بل صريح في إحرامها طاهرة و مع ذلك حكم لها بالعدول،خلافاً لما في هذه الرواية،و مع ذلك فهي ضعيفة شاذة،لا عامل بها.

و حملها الشيخ على ما حملنا عليه الأخبار السابقة من طمثها بعد طوافها أربعة أشواط طاهرة وفاقاً له،بل استشهد بها عليه في تلك،فقال بعد الحمل:و يدلُّ عليه ما رواه،ثم ساق الرواية.

ص:118


1- الكافي 4:/445 1،الوسائل 13:448 أبواب الطواف ب 84 ح 1.
2- حكاه عنه في المختلف:316.
3- الكافي 4:/447 5،التهذيب 5:/394 1375،الإستبصار 2:/315 1116،الوسائل 13:450 أبواب الطواف ب 84 ح 5.
4- المفاتيح 1:308.

و قال بعدها:فبيّن 7 في هذا الخبر صحة ما ذكرنا؛ لأنه قال:« إن هي أحرمت و هي طاهرة» إلى أن قال:فلولا أن المراد به ما ذكرنا لم يكن بين الحالين فرق، و إنما كان الفرق لأنها إذا أحرمت و هي طاهرة جاز أن يكون حيضها بعد الفراغ من الطواف أو بعد مضيها في النصف منه،فحينئذ جاز لها تقديم السعي و قضاء ما بقي عليها من الطواف،فإذا أحرمت و هي حائض لم يكن لها سبيل إلى شيء من الطواف فامتنع لأجل ذلك السعي،و هذا بيّن (1).

و حكي في المسألة قول بأنها تستنيب من يطوف عنها (2).و لم أعرف قائله و لا مستنده،فهو ضعيف غايته.

و لو تجدّد عذرهما في الأثناء ففي صحة متعتهما مطلقاً،أو العدم كذلك،أو الأول إذا كان بعد أربعة أشواط و إلّا فالثاني،أقوال،ثالثها أشهرها كما في عبائر جماعة (3).و لا يخلو عن قوة؛ لصريح الخبرين (4)و طاهر الآخرين (5)و الرضوي (6).

خلافاً للحلّي فالثاني (7)،و تبعه بعض المتأخرين (8)؛ للأصل،

ص:119


1- التهذيب 5:395،الاستبصار 2:315.
2- حكاه في كشف اللثام 1:279.
3- انظر المدارك 7:181،و المفاتيح 1:308،و الحدائق 14:347.
4- الفقيه 2:/241 1155،التهذيب 5:/393 1371،الإستبصار 2:/313 1111،الوسائل 3:456 و 456 أبواب الطواف ب 85،86 ح 4،1.
5- الكافي 4:/449 4،التهذيب 5:/393 1370،الإستبصار 2:/313 1111،الوسائل 13:456 أبواب الطواف ب 86 ح 2.
6- فقه الرضا(7):230،المستدرك 9:423 أبواب الطواف ب 58 ح 1.
7- السرائر 1:623.
8- كصاحب المدارك 7:182.

و الصحيح الماضي،مع ضعف النصوص المقيدة لهما.

و فيه:أنه مجبور بالشهرة و الكثرة.

و للصدوق في الفقيه فالأول (1)؛ للصحيح:عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقلّ من ذلك ثم رأت دماً،قال:« تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت نقيّة و اعتدّت بما مضى» (2).

و ليس نصّاً في الفريضة،فليحمل على النافلة،كما فعله شيخ الطائفة جمعاً بين الأدلة (3)

النوع الثاني الإفراد
اشارة

و النوع الثاني الإفراد و هو أن يحرم بالحج أولا قبل العمرة من ميقاته الآتي بيانه، ثم يمضي إلى عرفات فيقف بها،ثم يمضي إلى المشعر فيقف بها ثم يأتي منى ف يقضي مناسكه ثم يطوف بالبيت و يصلّي ركعتيه و عليه عمرة مفردة إن وجبت عليه بعد ذلك أي بعد الحج و الإحلال منه.

بلا خلاف في شيء من هذه الأحكام،بل في المنتهى:إنما مذهب الإمامية (4)،و في غيره الإجماع على وجوب تأخير العمرة (5)؛ و يدلُّ على جملة منها أخبار صحيحة سيأتي إلى بعضها الإشارة.

و هذا القسم يعني الإفراد و القِران فرض حاضري مكة و مَن في حكمهم إجماعاً؛ لما مضى.

ص:120


1- الفقيه 2:241.
2- الفقيه 2:/241 1153،التهذيب 5:/397 1380،الإستبصار 2:/317 1121،الوسائل 13:454 أبواب الطواف ب 85 ح 3.
3- الاستبصار 2:317.
4- المنتهى 2:661.
5- انظر مفاتيح الشرائع 1:306.

و لو عدل هؤلاء إلى التمتع اختياراً ففي جوازه قولان للشيخ، أحدهما الجواز،كما عنه في المبسوط و الخلاف (1)،و حكي عن الجامع أيضاً (2)؛ لوجوه ضعيفة،أجودها الصحيح:عن رجل من أهل مكة خرج إلى بعض الأمصار،ثم رجع فمرّ ببعض المواقيت التي وقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله،له أن يتمتّع؟فقال:« ما أزعم أن ذلك ليس له،و الإهلال بالحج أحبّ إليّ» (3).

و ليس نصاً في حجة الإسلام،فيحتمل الحمل على التطوع،سيّما مع بُعد بقاء المكي بغيرها إلى أن يخرج من مكة و يرجع إليها عادةً،مع أن له تتمة ربما تشعر بوروده في التطوع دون الفرض،كما أشار إليه بعض (4).

نعم،ربما كان في قوله:« الإهلال بالحج أحبّ إليّ» إشعار بإرادة الفرض،بناءً على أفضلية التمتع في التطوع مطلقاً إجماعاً.

و لعلّه لذا أفتى بمضمونه جماعة،كالشيخ في كتابي الحديث و النهاية و المبسوط (5)،و الفاضل في التحرير و المنتهى (6)،و عنه و عن الماتن في المعتبر و التذكرة (7)أيضاً،لكن خصّوه بمورده و هو ما إذا خرج أهلها إلى بعض الأمصار ثم رجعوا فمرّوا ببعض المواقيت،و حينئذ فليس فيه حجة على الجواز مطلقاً،كما هو المدّعى،هذا.

ص:121


1- المبسوط 1:306،الخلاف 2:272.
2- الجامع للشرائع:179.
3- التهذيب 5:/33 100،الإستبصار 2:/158 518،الوسائل 11:262 أبواب أقسام الحج ب 7 ح 1.
4- الفاضل المقداد في التنقيح 1:440.
5- التهذيب 5:30 و 31،الاستبصار 2:159،النهاية:206،المبسوط 1:308.
6- التحرير 2:93،المنتهى 2:664.
7- المعتبر 2:798،التذكرة 1:319.

مع أن في موافقة الجماعة إشكالاً؛ لقصور الرواية عن الصراحة في الفريضة،بل ظهور بعض ما فيها على إرادة النافلة.

و يجاب عن القرينة المقابلة:باحتمال أن يكون وجه أحبّية الإهلال بالحج التقية،كما أشار إليه بعض الأجلّة،و قال:بل يجوز أن يُهلّ بالحج و ينوي العمري (1)،كما في الصحيح:« ينوي العمرة و يُهلّ بالحج» (2)إلى غيره من الأخبار.

أقول:و كيف كان،فلا ريب أن عدم العدول و الإهلال بالحج أولى، كما صرّحت به الرواية.و فيه خروج عن شبهة القول بالمنع مطلقاً حتى في الصورة التي وافق فيها الشيخ الجماعة،كما هو صريح العماني كما حكي (3)،و ظاهر الفاضل في المختلف و المقداد في الشرح (4)،بل كلّ من جعل أشبههما المنع مطلقاً،من غير تفصيل بين الصورة المفروضة و غيرها.

و ممّا ذكرنا ظهر وجه أشبهية المنع كذلك،و أنه يجب القطع به في غير الصورة المزبورة.و يستظهر فيها أيضاً،بناءً على عدم صراحة الرواية في الفريضة.و القرينة المشعرة بإرادتها مع ضعفها معارضة بمثلها،بل أظهر منها.

و حينئذ فيكون التعارض بينها و بين الأدلة المانعة تعارض العموم و الخصوص من وجه،يمكن تخصيص كلّ منهما بالآخرة،و الترجيح

ص:122


1- كشف اللثام 1:278.
2- التهذيب 5:/80 264،الإستبصار 2:/168 554،الوسائل 12:348 أبواب الإحرام ب 21 ح 2.
3- حكاه عنه في المختلف:261.
4- المختلف:261،التنقيح الرائع 1:439.

للمانعة بموافقة الكتاب و الكثرة.

و على تقدير التساوي يجب الرجوع إلى الأصل،و مقتضاه وجوب تحصيل البراءة اليقينية،و لا يتحقق أولا بما عدا المتعة،للاتفاق على جوازه فتوًى و روايةً دونها،فتركه هنا أولى،و قد صرّحت به الرواية أيضاً كما مضى.

و علم أن شيخنا في المسالك و الروضة (1)صرّح بأن لمذهب الشيخ رواية،بل روايات.

فإن أراد بها نحو الصحيحة،و إلّا فلم نقف على شيء منها،و لا أشار إليه أحد من الطائفة.

نعم،وردت روايات بأن للمفرد بعد دخول مكة العدول إلى المتعة، إلّا أن ظاهر الأصحاب أنها مسألة على حدة،و فرق بينها و بين هذه المسألة، حيث منعوا عن العدول عنا مطلقاً أو في الجملة،و أباحوه ثمّة من غير خلاف،بل نقل فيها الإجماع جماعة،كما ستعرفه.

و لعلّ وجه الفرق ما أشار إليه الفاضل المقداد بأن تلك في العدول بعد الشروع،و هذه فيه قبله (2).

أو ما يظهر من جماعة من أنها فيما إذا لم يتعيّن عليه الإفراد كالتطوّع و المنذور كذلك (3).و لعلّ هذا أظهر فتوًى،لما سيأتي إليه الإشارة ثمّة إن شاء اللّه سبحانه.

ص:123


1- المسالك 1:101،الروضة 2:206.
2- التنقيح الرائع 1:442.
3- منهم:صاحب المدارك 7:203،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:305،و صاحب الحدائق 14:404.

و هو أي العدول مع الاضطرار المتحقق بخوف الحيض المتأخر عن النفر مع عدم إمكان تأخير العمرة إلى أن تطهر،و خوف عدوّ بعده،و فوت الصحبة كذلك جائز على المعروف من مذهب الأصحاب من غير ظهور مخالف على الظاهر،المصرَّح به في المدارك (1)،و في غيره الاتفاق عليه (2).

قيل:للعمومات،و فحوى ما دلّ على جواز العدول عن التمتع إليهما معه فالعدول إلى الأفضل أولى منه إلى المفضول (3).

و لعلّ المراد بالعمومات إطلاق نحو الصحيح:عن رجل لبّى بالحج مفرداً،ثم دخل مكة فطاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة،قال:« فليحلّ متعة،إلّا أن يكون ساق الهدي فلا يستطيع أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه» (4).

قيل:و في الكل نظر،و ظاهر التبيان و الاقتصاد و الغنية و السرائر العدم.و لو قيل بتقديم العمرة على الحج للضرورة مع إفرادهما،و الإحرام بالحج من المنزل،أو الميقات إن تمكّن منه كان أولى؛ إذ لا نعرف دليلاً على وجوب تأخيرهم العمرة.و في الخبر:عن رجل خرج في أشهر الحج معتمراً،ثم خرج إلى بلاده،قال:« لا بأس،و إن حج من عامة ذلك و أفراد الحج فليس عليه دم» (5)و ظاهره الإتيان بعمرة مفردة ثم حج مفرداً (6).انتهى.

ص:124


1- المدارك 7:189.
2- انظر المفاتيح 1:305،و الحدائق 14:371.
3- المدارك 7:189.
4- التهذيب 5:/89 293،الإستبصار 2:/174 575،الوسائل 12:352 أبواب الإحرام ب 22 ح 5.
5- الكافي 4:/535 3،الوسائل 14:310 أبواب العمرة ب 7 ح 2.
6- كشف اللثام 1:278.

و لعلّ وجه النظر في الصحيح ظهور سياقه في الفرق بين حجّي القران و الإفراد في جواز العدول و عدمه مع أنهم لم يفرّقوا بينهما.

و في الفحوى بابتنائها على ما هو المعروف بينهم من وجوب تأخير العمرة عن الحج،و لا دليل عليه كما ذكره،و هو حسن.

إلّا أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على وجوب تأخيرها،و قد مضى عن المنتهى و غيره كونه مجمعاً عليه بيننا (1)،فيشكل المصير إلى جواز تقديمها و إن أومأت إليه الرواية التي ذكرها،و نحوها اخرى:« أُمرتم بالحج و العمرة فلا تبالوا بأيّهما بدأتم» (2)لقصورهما سنداً،بل و دلالةً كما لا يخفى.

و شروطه

و شروطه أي الإفراد ثلاثة: النية كما مرّ في المتعة.

و أن يقع في أشهر الحج بلا خلاف بين الأصحاب أجده،و به صرّح في الذخيرة (3)،معرباً عن دعوى إجماعهم عليه،كما هو أيضاً ظاهر جماعة،بل فيها و في المدارك (4)عن المعتبر أن عليه اتفاق العلماء كافة.

للعمومات كتاباً و سنّةً،و خصوص نحو الصحيح في قول اللّه عزّ و جلّ: اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ [1] (5):

« و الفرض التلبية و الإشعار و التقليد،فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحج،و لا يفرض الحج إلّا في هذه الشهور التي قال اللّه عزّ و جل: اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ [2] و هو شوّال و ذو القعدة و ذو الحجة» الحديث (6).

ص:125


1- راجع ص 2784.
2- الفقيه 2:/310 1542،الوسائل 14:296 أبواب العمرة ب 1 ح 6.
3- الذخيرة:573.
4- المدارك 7:191.
5- البقرة:197.
6- الكافي 4:/289 2،الوسائل 11:271 أبواب أقسام الحج ب 11 ح 2.

و في المنتهى و غيره (1):خلافاً لأبي حنيفة و أحمد و الثوري،فأجازوا الإحرام به قبلها.

و أن يعقد إحرامه من الميقات و هو أحد الستّة الآتية و ما في حكمها أو من دويرة أهله إن كانت أقرب من الميقات إلى عرفات كما هنا و في اللمعة و عن المعتبر (2)،أو إلى مكة كما عليه جماعة (3)، تبعا لما في النصوص كما سيأتي إليه الإشارة و لا خلاف في هذا الشرط أيضا على الظاهر المصرح به في كلام جماعة و عن التذكرة الإجماع على أن أهل مكة يحرمون من منزلهم (4)، و في الذخيرة:إنه المعروف من مذهب الأصحاب (5)،و سيأتي من الأخبار ما يدلّ عليه.

و القارن كالمفرد إلّا أنه يضمّ إلى إحرامه سياق الهدي

و القارن كالمفرد في كيفيته و شروطه إلّا أنه يضمّ إلى إحرامه سياق الهدي على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر؛ للصحاح المستفيضة،منها:« القارن الذي يسوق الهدي عليه طوافان بالبيت،و سعى واحد بين الصفا و المروة،و ينبغي له أن يشترط على ربه إن لم يكن حجة فعمرة» (6).

و منها:« لا يكون قِران إلّا بسياق الهدي،و عليه طواف بالبيت و ركعتان عند مقام إبراهيم عليه السلام،و سعى بين الصفا و المروة،و طواف بعد

ص:126


1- المنتهى 2:665؛ و انظر التذكرة 1:319،و كشف اللثام 1:281.
2- اللمعة(الروضة البهية 2):210،المعتبر 2:786.
3- منهم:صاحب المدارك 7:192 و السبزواري في الذخيرة:573،و الفاضل الهندي في كشف اللثام.
4- التذكرة 1:322.
5- الذخيرة:573.
6- التهذيب 5:/43 125،الوسائل 11:213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 3.

الحج و هو طواف النساء» (1).

و نحوه آخر،بزيادة قوله:« كما يفعل المفرد،و ليس أفضل من المفرد إلّا بسياق الهدي» (2).

و التقريب فيها حصر أفعال القِران فيما ذكر فيها،فيكون أفعال العمرة خارجة عنه،و جعل امتياز القِران عن الإفراد بسياق الهدي خاصة،فلا يكون غيره معتبراً.

و ظاهر التذكرة و المنتهى (3)أنه لا خلاف فيه بيننا،إلّا من العماني، وفاقاً لجمهور العامة،فزعم أن القارن يعتمر أوّلاً،و لا يحلّ منها حتى يحلّ من الحج،مع أنه في غيرهما عُزي إلى الجعفي و الشيخ في الخلاف أيضاً (4).

و حجتهم عليه غير واضحة،عدا روايات استدلّ لهم بها (5).و هي غير ظاهرة الدلالة،كما اعترف به جماعة (6).

نعم قيل بعد نقل القول من العماني:و نزّل عليه أخبار حجّ النبي صلى الله عليه و آله، فإنه قدم مكة و طاف و صلّى ركعتيه و سعى،و كذا الصحابة،و لم يحلّ،و أمرهم بالإحلال و قال:« لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم و لكني سقت الهدي،و ليس لسائق الهدي أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه،و شبّك أصابعه بعضها إلى بعض،و قال:دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» (7).

ص:127


1- التهذيب 5:/41 122،الوسائل 11:212 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 1.
2- الكافي 4:/295 1،التهذيب 5:/42 123،الوسائل 11:220 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 10.
3- التذكرة 1:318،المنتهى 2:661.
4- حكاه عنهما في الدروس 1:330،و هو في الخلاف 2:282.
5- منها:صحيحة الحلبي،انظر الوسائل 11:254 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 2.
6- منهم صاحبا المدارك 7:194،و الحدائق 14:374.
7- التهذيب 5:/25 74،75،الاستبصار 2:/150 493،علل الشرائع:/413 2،الوسائل 11:239 أبواب أقسام الحج ب 3 ح 1،2.

و المعظم نزّلوها على أنه صلى الله عليه و آله إنما طاف طواف الحج و سعى سعيه مقدّماً على الوقوفين،و أمر الأصحاب بالعدول إلى العمرة و قال:دخلت العمرة في الحج أي حج التمتع،و فقهه أن الناس لم يكونوا يعتمرون في أيام الحج،و الأخبار الناطقة بأنه صلى الله عليه و آله أحرم بالحج وحده كثيرة.

أقول:و جملة منها صحيحة.

ثم في كلام القيل:و ممّا يصرّح بجميع ذلك:الخبر المروي في علل الصدوق،و فيه:عن اختلاف الناس في الحج،فبعضهم يقول:خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله مُهلّاً بالحج،و قال بعضهم:مُهلّاً بالعمرة،و قال بعضهم:

خرج قارناً،و قال بعضهم:خرج ينتظر أمر اللّه عز و جل،فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:« علم اللّه عز و جل أنها حجة لا يحجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعدها أبداً،فجمع اللّه عزّ و جلّ له ذلك كلّه في سفرة واحدة ليكون جميع ذلك سنّة لأُمته،فلمّا طاف بالبيت و بالصفا و المروة أمره جبرئيل عليه السلام أن يجعلها عمرة إلّا من كان معه هدي،فهو محبوس على هديه لا يحلّ،لقوله عزّ و جل: حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [1] فجمعت له العمرة الحج،و كان خرج على خروج العرب الأول،لأن العرب كانت لا تعرف إلّا الحج،و هو في ذلك ينتظر أمر اللّه عز و جل و هو عليه السلام يقول:الناس على أمر جاهليتهم إلّا ما غيّره الإسلام،و كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج،[فشقّ على أصحابه حين قال:اجعلوها عمرة،لأنهم كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحج،] و هذا الكلام من رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنما كان في الوقت الذي أمرهم بفسخ الحج،فقال:دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة و شبّك بين أصابعه» يعني في أشهر الحج،قال الراوي:قلت له:أ فيعتدّ بشيء من الجاهلية؟ فقال:« إن أهل الجاهلية ضيّعوا كل شيء من دين إبراهيم عليه السلام إلّا الختان

ص:128

و التزويج و الحج،فإنهم تمسّكوا بها و لم يضيّعوها» (1).

و في الصحيح:« أنه صلى الله عليه و آله أهلّ بالحج و ساق مائة بدنة و أحرم الناس كلّهم بالحج لا يريدون العمرة و لا يدرون ما المتعة حتى إذا قدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله مكة طاف بالبيت و طاف الناس معه،ثم صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام و استلم الحجر،ثم أتى زمزم فشرب منها،و قال:لو لا أن أشقّ على أُمتي لاستقيت منها ذَنوباً أو ذَنوبين،ثم قال:ابدءوا بما بدأ اللّه عزّ و جل به فأتى الصفا ثم بدأ به،ثم طاف بين الصفا و المروة سبعاً،فلمّا قضى طوافه عند المروة قام فخطب أصحابه و أمرهم أن يحلّوا و يجعلوها عمرة،و هو شيء أمر اللّه عزّ و جلّ به،فأحلّ الناس و قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم» الخبر (2).

و عن الإسكافي يجمع بين النسكين بنية واحدة،فإن ساق الهدي طاف و سعى قبل الخروج إلى عرفات و لا يتحلل،و إن لم يسق جدّد الإحرام بعد الطوف و لا يحلّ له النساء و إن قصّر.و كأنه نزّل عليه نحو الصحيح:« أيّما رجل قرن بين الحج و العمرة فلا يصلح،إلّا أن يسوق الهدي قد أشعره و قلّده،و الإشعار أن يطعن في سنامها بحديدة حتى يدميها،و إن لم يسق الهدي فليجعلها متعة» (3).

و نزّله الشيخ في التهذيب على قوله:إن لم يكن حجّة فعمرة،قال:

و يكون الفرق بينه و بين المتمتع أن المتمتع يقول هذا القول و ينوي العمرة

ص:129


1- علل الشرائع:/414 3،ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- الكافي 4:/248 6،علل الشرائع:/412 1،الوسائل 11:222 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 14.
3- التهذيب 5:/42 124،الوسائل 11:254 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 2.

قبل الحج،ثم يحلّ بعد ذلك و يحرم بالحج فيكون متمتعاً،و السائق يقول هذا القول و ينوي الحج،فإن لم يتم له الحج فيجعله عمرة مقبولة.و بُعده ظاهر.

و الأظهر في معناه أن القِران لا يكون إلّا بالسياق،أو أنه عليه السلام نهى عن الجمع بين الحج و العمرة و قال:إنه لا يصلح،و أن قوله« إلّا أن يسوق» استثناء من مقدّر،كأنه قال:ليس القران إلّا أن يسوق،فإن لم يسق فليجعلها متعة،فإنها أفضل من الإفراد،و يدلُّ عليه قوله عليه السلام أول الخبر متصلاً بما ذكر:إنما نسك الذي يقرن بين الصفا و المروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلّا بسياق الهدي،و عليه طواف بالبيت و صلاة ركعتين خلف المقام و سعي واحد بين الصفا و المروة و طواف بالبيت بعد الحج» .و لعلّ قوله صلى الله عليه و آله« بين الصفا و المروة» متعلق بالنسك،أي إنما نسك القارن أي سعيه بين الصفا و المروة،أو سعيه و طوافه؛ لأن الكعبة محاذية لما بينهما،كنسك المفرد بينهما،و إنما عليه طوافان بالبيت و سعى واحد، كلّ ذلك بعد الحج أي الوقوفين،أو الطواف الثاني و هو طواف النساء بعده،ثم صرّح عليه السلام بأنه لا قران بلا سياق،أو بأن القران بين النسكين غير صالح (1).انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه.و إنما نقلناه بطوله لتكفّله لتحقيق البحث كما هو،و جودة محصوله.

و اعلم أن إحرام القارن ينعقد بالتلبية و الإشعار و التقليد على الأظهر الأشهر كما سيذكر.

و ذكر جماعة من الأصحاب من غير خلاف (2)،و ربما قيل (3)

ص:130


1- كشف اللثام 1:277.
2- انظر المفاتيح 1:313.
3- المدارك 7:195،الذخيرة:579.

المشهور أنه إذا لبّى و عقد إحرامه بها استحب له إشعار ما يسوقه من البُدن و لعلّه لإطلاق الأمر بهما في النصوص،و إلّا فلم نقف في ذلك على أمر بالخصوص.

و هو على ما ذكره الأصحاب كما في المدارك و الذخيرة (1)أن يشقّ سنامه من الجانب الأيمن و يلطّخ صفحته بالدم و الصحاح به مستفيضة،إلّا أنها خالية عن الأمر بلطخ الصفحة بالدم، منها:عن البدنة كيف يشعرها؟ قال:« يشعرها و هي باركة،و تنحرها و هي قائمة،و تشعرها من الجانب الأيمن ثم تحرم إذا قلّدت أو أشعرت» (2)هذا إذا كان معه بدنة واحدة.

و لو كانت معه بدناً كثيرة دخل بينها و أشعرها يميناً و شمالاً من غير أن يرتبها ترتيباً يوجب الإشعار في اليمين،كما في الصحيح (3)و غيره (4).

و كما يستحب إشعارها كذا يستحب التقليد لها كما يستفاد من المعتبرة،منها الصحيح:« البدنة يشعرها من جانبها الأيمن ثم يقلّدها بنعل قد صلّى فيها» (5).

و في القويّ:ما بال البدنة تقلّد النعل و تشعر؟فقال:« أما النعل فتعرف أنها بدنه و يعرفها صاحبها بنعله،و أما الإشعار فإنه يحرم ظهرها

ص:131


1- المدارك 7:195،الذخيرة:579.
2- الكافي 4:/297 4 بتفاوت،الوسائل 11:275 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 1.
3- الكافي 4:/297 5،الوسائل 11:276 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 7.
4- التهذيب 5:/43 128، الوسائل 11:279 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 19.
5- التهذيب 5:/43 126،الوسائل 11:278 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 17.

على صاحبها من حيث أشعرها،فلا يستطيع الشيطان أن يمسّها» (1).

و هو على ما يستفاد منهما و من غيرهما أن يعلِّق في رقبته نعلاً قد صلى فيها السائق نفسه كما هو ظاهرهما،و لا سيّما الثاني،و أظهر منهما الصحيح:« تقلّدها نعلاً خلقاً قد صلّيت فيها» (2).

هذا حال البُدن.

و أما الغنم و كذا البقر ف يقلّد لا غير فيما ذكره الأصحاب،قالوا:لضعفهما عن الإشعار (3)،و في الصحيح:« كان الناس يقلّدون الغنم و البقر،و إنما تركه الناس حديثاً و يقلّدون بخيط و سَيْر» (4).

و إنما حكم الأصحاب باستحباب التقليد و الإشعار مع إفادة الأمر بهما الوارد في النصوص الوجوب؛ للأصل،و الصحيح:في رجل ساق هدياً و لم يقلّده و لم يشعره،قال:« قد أجزأ عنه،ما أكثر ما لا يقلّد و لا يشعر و لا يجلّل» (5).

و يجوز للقارن و المفرد الطواف إذا دخلا مكة قبل المضي إلى عرفات واجباً و مندوباً،على الأشهر الأقوى في الأول،و يأتي الكلام فيه في أحكام الطواف مفصّلاً.

و لا خلاف في الثاني على الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر (6)،

ص:132


1- التهذيب 5:/238 804،علل الشرائع:/434 1،الوسائل 11:279 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 22.
2- الفقيه 2:/209 956،الوسائل 11:277 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 11.
3- كما في المدارك 7:196 و المفاتيح 1:317.
4- الفقيه 2:/209 952،الوسائل 11:277 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 9.السَّيْر:ما يُقَدّ من المجلد،و الجمع:السُّيُور.لسان العرب 4:390.
5- الفقيه 2:/209 953،الوسائل 11:277 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 10.
6- كالتنقيح 1:440،و الحدائق 14:376.

بل قيل:اتفاقاً كما في الإيضاح (1).

و في معناه الواجب بنذر و شبهه غير طواف الحج؛ للأصل،و العموم، السالمين عن المعارض.

لكن يجدّد ان التلبية عند كلّ طواف عقيب صلاته لئلّا يحلاّ كما يستفاد من الصحيح:إني أُريد الجوار بمكة فكيف أصنع؟قال:« إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج إلى الجَعرانة (2)فأحرم منها بالحج» فقلت له:كيف أصنع إذا دخلت مكة،أُقيم إلى التروية و لا أطوف بالبيت؟ قال:« تقيم عشراً لا تأتي الكعبة،إنّ عشراً لكثير،إنّ البيت ليس بمهجور، و لكن إذا دخلت مكة فطف بالبيت و اسع بين الصفا و المروة»[فقلت له:

]أ ليس كل من طاف و سعى فقد أحلّ؟فقال:« إنك تعقد بالتلبية» ثم قال:

« كلّما طفت طوافاً و صلّيت ركعتين فاعقد بالتلبية» (3).

و نحوه آخر:عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟قال:« نعم ما شاء و يجدّد التلبية بعد الركعتين،و القارن بتلك المنزلة،يعقدان ما أحلّا من الطواف بالتلبية» (4)و الظاهر ما ذكره الشيخ من الطواف مندوباً بعد طواف الفريضة مقدّماً على الوقوف (5).

ص:133


1- قال به في كشف اللثام 1:282،و هو في الإيضاح 1:262.
2- الجَعرانة:هي بتسكين العين و التخفيف،و قد تكسر و تشدد الراء:موضع بين مكة و الطائف على سبعة أميال من مكة.مجمع البحرين 3:247.
3- الكافي 4:/300 5،التهذيب 5:/45 137،الوسائل 11:285 أبواب أقسام الحج ب 16 ح 1.بدل ما بين المعقوفين في النسخ:فقال،و ما أثبتناه من المصدر.
4- الكافي 4:/298 1،التهذيب 5:/44 131،الوسائل 11:286 أبواب أقسام الحج ب 16 ح 2.
5- التهذيب 5:44.

و نحو منهما ثالث (1).

و الموثق:« من طاف بالبيت و بالصفا و المروة أحلّ،أحبّ أو كره» (2).

و أصرح منها ما رواه الفضل عن مولانا الرضا 7 في العلل:من أنّهم أُمروا بالتمتع إلى الحج لأنه تخفيف،إلى قوله:« و أن لا يكون الطواف محظوراً،لأن المحرم إذا طاف بالبيت أحلّ إلّا لعلّة،فلولا التمتع لم يكن للحاجّ أن يطوف،لأنه إن طاف أحلّ و أفسد إحرامه و خرج منه قبل أداء الحج» (3).

و عليه الشيخ في المبسوط و النهاية و الخلاف (4)،و عن الشهيد أنّ الفتوى به مشهورة،و به صرّح في اللمعة و شيخنا في الشرح و اختاراه فيهما و في المسالك (5)،و نفى عنه البأس في التنقيح و ذهب إليه المحقّق الثاني (6).

و قيل:إنما يحلّ المفرد بذلك خاصة،القائل به الشيخ في التهذيب (7)؛ للنصوص المستفيضة،منها زيادةً على ما قد عرفته ممّا دلّ على أن السائق لا يحلّ ما لم يبلغ الهدي محلّه خصوص جملة من المعتبرة،منها الصحيح:إنّ رجلاً جاء إلى أبي جعفر 7 و هو خلف المقام قال:إني قرنت بين حج و عمرة،فقال له:« هل طفت بالبيت؟ »

ص:134


1- التهذيب 5:/446 1554،الوسائل 11:266 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 4.
2- الكافي 4:/299 2،الفقيه 2:/203 927،التهذيب 5:/44 132،الوسائل 11:255 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 5.
3- علل الشرائع:/299 9،عيون الأخبار 2:/118 1،الوسائل 11:232 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 27.
4- المبسوط 1:311،النهاية:208،انظر الخلاف 2:282.
5- اللمعة(الروضة البهية 2):214،المسالك 1:102.
6- التنقيح الرائع 1:441،المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:115.
7- التهذيب 5:44.

فقال:نعم،قال:« هل سقت الهدي؟» فقال:لا،فأخذ 7 بشعره،ثم قال:« أحللت و اللّه» (1).

و منها الموثق:« من طاف بالبيت و بالصفا والمروة أحلّ،أحبّ أو كره،إلّا من اعتمر في عامه ذلك أوساق الهدي و أشعره و قلّده» (2).

و منها الموثق:رجل يفرد بالحج فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة،ثم يبدو له أن يجعلها عمرة،فقال:« إن كان لبّى بعد ما سعى قبل أن يقصّر فلا متعة له» (3).

و منها المرسل:« ما طاف بين هذين الحجرين الصفا و المروة أحد إلّا أحلّ،إلّا سائق الهدي» (4).

و بهذه النصوص يقيد ما أطلق من الأخبار المتقدمة.

و أمّا ما صرّح فيه بتحلّل القارن كالمفرد فيمكن حمله على القارن بغير معنى السائق (5)،كما وقع التصريح به في الصحيح من هذه المستفيضة.و مع ذلك فهو قاصر عن المكافأة لها؛ لكثرتها،و اعتضادها بغيرها،دونه:و مع ذلك فهي أوفق بمقتضى الأصل الدالّ على بقاء عدم التحلل من الاستصحاب.

فهذا القول لا يخلو عن قوة،و استظهره أيضاً في الذخيرة (6).

ص:135


1- الفقيه 2:/203 928،الوسائل 11:256 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 7.
2- الفقيه 2:/203 927،الوسائل 11:255 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 5.
3- الفقيه 2:/204 931،التهذيب 5:/90 295،الوسائل 11:256 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 9.
4- الكافي 4:/299 3،التهذيب 5:/44 133،الوسائل 11:256 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 6.
5- و هو القارن بين الحج و العمرة في النية.
6- الذخيرة:555.

و قيل:لا يحلّ أحدهما إلّا بالنية،و لكن الأولى تجديد التلبية القائل الحلّي (1)،و تبعه الفاضل و ولده (2)؛ للأصل،و الاتفاق على أن القارن لا يمكنه العدول إلى التمتع و الإحلال ما لم يبلغ الهدي محلّه،و تظافر الأخبار به كما مرّ إليها الإشارة.

و لأن الإحرام عبادة لا تنفسخ إلّا بعد الإتيان بأفعال ما أُحرم له أو ما عدل إليه و إن نوى الانفساخ،كالمعتمر لا يحلّ ما لم يأت بطواف العمرة و سعيه،و الحاجّ ما لم يأت بالوقوفين و الطوافين للحج،و إنما الأعمال بالنيات،فلا ينصرف الطواف المندوب إلى طواف الحج،و لا ينقلب الحج عمرة بلا نية،بل حج القارن لا ينقلب عمرة مع النية أيضاً.

و في الجميع نظر؛ لوجوب تخصيص الأصل بما مرّ.و الثاني نقول بموجَبه.و الثالث اجتهاد في مقابلة النص،و تخصيصه بالمفروض من الطوافين في العمرة أو في الحج بعد الوقوفين غير ظاهر الوجه،مع أني أجد بين الأصحاب قائلاً بالفرق بينه و بين الندب،بل صريح التهذيب ثبوت الإحلال بالطواف من غير تلبية في الفرض (3).

و هنا قول آخر بالتفصيل بين المفرد و القارن،عكس الأول،حكاه في التنقيح عن المرتضى و المفيد (4).و لكن الموجود في غيره (5)عنهما أنهما و كذا الديلمي و القاضي (6)أوجبوا تجديد التلبية على القارن دون المفرد،

ص:136


1- السرائر 1:525.
2- الفاضل في المختلف:262،و التذكرة 1:360،و القواعد 1:73،و ولده في إيضاح الفوائد 1:262.
3- التهذيب 5:44.
4- التنقيح الرائع 1:441.
5- المختلف:262،و كشف اللثام 1:282.
6- الديلمي في المراسم:103،القاضي في المهذب 1:210.

و لم يصرّحوا بالتحلل بدونها.

و مستندهم غير واضح،و به صرّح في التنقيح.

قيل:و كأنهم استندوا إلى أن انقلاب حج المفرد إلى العمرة جائز، دون حج القارن؛و أن الطواف المندوب قبل الموقفين يوجب الإحلال إن لم يجدّد التلبية بعده،فالمفرد لا بأس عليه إن لم يجدّدها،فإنّ غاية أمره انقلاب حجته عمرة،و هو جائز،خلاف القارن،فإنه إن لم يجدّدها لزم انقلاب حجه عمرة و لا يجوز (1).انتهى.

و هو مبني على القول الأول من تحلل القارن و المفرد بترك التلبية، و أما على المختار من عدم تحلّل القارن بذلك فينبغي أن لا يجب عليه التلبية،و لا على المفرد أيضاً حيث لا يتعيّن عليه الإفراد.و ما يحكى عن الشيخ و غيره (2)من وجوب التلبية لعلّه مخصوص بالصورة الأُولى،و إلّا فلم أعرف للوجوب وجهاً.

و ربما يظهر من عبارة القيل عدم خلاف بينهم في أن بالتحلل ينقلب الحج عمرة،كما نقل التصريح به عن المبسوط و النهاية (3)،و في المسالك عن جماعة (4)،و في المدارك إنه ليس في الروايات عليه دلالة (5)،و هو كذلك.

ص:137


1- كشف اللثام 1:283.
2- الشيخ في النهاية:208،المفيد في المقنعة:391،سلّار في المراسم:103؛ و حكاه عنهم في المهذب البارع 2:154.
3- المبسوط 1:311،النهاية:208.
4- المسالك 1:102.
5- المدارك 7:201.

نعم،في الموثق السابق:« إن كان لبّى بعد ما سعى قبل أن يقصّر فلا متعة له» و مفهومه أنه إن لم يكن لبّى له متعة.و هو نصّ في أن له المتعة مع النية،أما بدونها بحيث يحصل الانقلاب إلى العمرة قهراً كما هو ظاهر الجماعة فغير مفهوم من الرواية.

و يجوز للمفرد إذا دخل مكة العدول بالحج إلى المتعة إذا لم يتعيّن عليه،بلا خلاف بيننا أجده،بل عليه إجماعنا في ظاهر عبائر جماعة (1)،و صريح الخلاف و المعتبر و المنتهى (2)؛ للمعتبرة المستفيضة:

منها الصحيح:عن رجل لبّى بالحج مفرداً ثم دخل مكة و طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة،قال:« فليحلّ و ليجعلها متعة،إلّا أن يكون ساق الهدي فلا يستطيع أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه» (3).

و إطلاقه كغيره يقتضي عدم الفرق بين ما لو كان في نيته العدول حين الإحرام و عدمه،و الثاني ظاهر الصحيح و غيره،و الأول صريح الموثق و الصحيح المروي في الكشّي عن عبد اللّه بن زرارة،و فيه:« و عليك بالحج أن تهلّ بالإفراد و تنوي الفسخ إذا قدمت مكة و طفت و سعيت فسخت ما أهللت به،و قلّبت الحج عمرة،و أحللت إلى يوم التروية،ثم استأنف الإهلال بالحج مفرداً إلى منى» إلى أن قال:« فكذلك حجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله و هكذا أمر أصحابه أن يفعلوا أن يفسخوا ما أهلّوا به و يقلّبوا الحج عمرة»

ص:138


1- منهم:صاحب المدارك 7:203،و السبزواري في الذخيرة:554،و صاحب الحدائق 14:399،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:283.
2- الخلاف 2:269،المعتبر 2:797،المنتهى 2:663.
3- التهذيب 5:/89 293،الإستبصار 2:/174 575،الوسائل 12:352 أبواب الإحرام ب 22 ح 5.

الحديث (1).

و منه يظهر فساد ما عن الإسكافي من اشتراط العدول بالجهل بوجوب العمرة (2).

و قريب منه ما في المدارك من تخصيص الحكم بما إذا لم يكن في نيّته العدول حين الإحرام (3).

و يستفاد من قوله عليه السلام :« و كذلك حجّ رسول صلى الله و عليه و آله » جواز الاستناد لإثبات هذا الحكم بالأخبار المتظافرة بأمر النبي صلى الله و عليه و آله أصحابه بالعدول،كما فعله جماعة (4).

و لكن أُورد عليه بأنها ليست من محل البحث في شيء؛ فإن الظاهر منها أن هذا العدول على سبيل الوجوب،حيث أنه نزل جبرئيل عليه السلام بوجوب التمتع على أهل الآفاق،و مبدأ النزول كان فراغه من السعي، و نزلت الآية في ذلك المقام بذلك،فأمرهم بجعل ما طافوا و سعوا عمرة حيث إن جملة من كان معه من أهل الآفاق و أن يحلّوا و يتمتعوا بها إلى الحج،فهو ليس ممّا نحن فيه من جواز العدول و عدمه في شيء (5).

و يمكن الجواب عنه بأن أمره صلى الله و عليه و آله جميع أصحابه بذلك أوضح دليل على ذلك؛ للقطع بأن منهم من أدّى الواجب عليه من فريضة حج الإسلام

ص:139


1- رجال الكشي 1:/349 221،الوسائل 11:257 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 11.
2- نقله عنه في الدروس 1:333.
3- المدارك 7:205.
4- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح 1:443،و الشهيد الثاني في المسالك 1:102،و صاحب المدارك 7:204.
5- الحدائق 14:402.

قبل ذلك العام،فيكون حجّه فيه مندوباً،فعدوله المأمور به من محل البحث و إن كان فيهم أيضاً من وجب عليه الحج في ذلك العام؛فإنّ دخوله فيها غير قادح بعد شمولها لما هو من محل البحث.

و حيث قد عرفت شمولها لمن وجب عليه حجّ الإفراد اتّضح وجه ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني من أن تخصيص الحكم بمن لم يتعيّن عليه الإفراد بعيد عن ظاهر النص (1)،و ذلك فإنّ ممن صحبه عليه السلام ذلك العام كان قد وجب عليه حج الإفراد فأحرم له،كما هو الفرض،و قد أُمر بالعدول، و لا يكاد يظهر فرق بينه و بين سائر من وجب عليه من أهل مكة و غيرهم، لاشتراكهم قبل نزول التمتع في كون الواجب عليهم حج الإفراد.

اللهم إلّا أن يقال:إن الأخبار الدالة على أن فرض أهل مكة الإفراد تعمّ محل النزاع،فيشكل الخروج عنها بمجرّد أخبار المسألة:

أمّا المعتبرة المستفيضة منها فلأنها أيضاً عامة،و التعارض بينها و بين تلك الأخبار تعارض العموم و الخصوص من وجه،يمكن تخصيص كلّ منهما بالأُخرى،و حيث لا ترجيح فالأخذ بالمتيقن واجب.

و أما الأخبار بأمر النبي صلى الله عليه و آله فلأنها لا عموم لها تشمل محل البحث صريحاً؛ لأنها قضية في واقعة،فيجب الأخذ بالمتيقن منها،و ليس إلّا من وجب عليه الحج و هو ناءٍ،و هو غير من وجب عليه و هو حاضر،و عدم ظهور الفرق غير ظهور عدم الفرق،و هو المعتبر دون الأول.

فإذاً الأولى و الأحوط الاقتصار في العدول على من لم يتعيّن عليه الإفراد بنذر و شبهه،كما عليه جماعة.

ص:140


1- المسالك 1:102.

ثم إن إطلاق الأخبار بجواز العدول يشمل ما لو كان لبّى بعد طوافه و سعيه أم لا لكن الأحوط و الأولى أن لا يلبّي بعد طوافه و سعيه،و ذلك لتصريح جماعة كالتهذيب و النهاية و المبسوط و الوسيلة و المهذّب و الجامع و الشرائع و القواعد (1)و غيرهم (2)بأنه لو لبّى بعد أحدهما بطلت متعته و بقي على حجه اعتماداً على رواية موثقة تقدّم ذكرها قبيل المسألة متصلة بها (3)،مؤيدة بالأمر بالتلبية إذا طاف قبل عرفات لعقد الإحرام كما قيل (4).

خلافاً للمحكي عن الحلّي فقال:إنما الاعتبار بالقصد و النية،لا التلبية (5)؛ لحديث« الأعمال بالنيات» (6)مع ضعف الخبر و وحدته.

و إليه ميل الماتن هنا؛ لنسبة الأول إلى رواية،و به أفتى فخر الإسلام مع حكمه بصحة الخبر،و قال:و هو اختيار والدي (7).

والأقرب الأول؛ لاعتبار سند الخبر،و عدم ضير في وحدته على الأظهر الأشهر،سيّما مع اعتضاده بعمل جمع،فيخصَّص به عموم الحديث السابق،مع أخصّيته من المدّعى،فإنه إنما يتمّ في العدول قبل الطواف، فإنّ العبرة بالنية في الأعمال،فإذا عدل فطاف و سعى ناوياً بهما عمرة التمتع

ص:141


1- التهذيب 5:44،النهاية:208،المبسوط 1:311،الوسيلة:162،المهذّب 1:217،الجامع للشرائع:179،الشرائع 1:247،القواعد 1:81.
2- انظر المدارك 7:284.
3- راجع ص 2798.
4- كشف اللثام 1:320.
5- السرائر 1:536.
6- التهذيب 4:/186 518،الوسائل 1:48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 6.
7- إيضاح الفوائد 1:290.

لم يضرّ التلبية بعدهما شيئاً،و المدّعى أعم منه و من العدول بعدهما.بل قيل:إن كلامهم فيه،و لا يعمل حينئذ عملاً يقرنه هذه النية،و لا دليل على اعتبار هذه النية بلا عمل،إلّا أن يتمسكوا بأمر النبي صلى الله عليه و آله الصحابة بالعدول بعد الفراغ من السعي من غير تفصيل (1).

و هو حسن لولا الخبر المفصِّل المعتبر.

و اعلم أن التلبية بعد الطواف و السعي إنما تمنع من العدول إذا كان بعدهما.إلا إذا كان قبلهما فالظاهر أنه متمتع لبّى في غير وقتها،و لا يضرّ ذلك بعدوله،و لا تقلب عمرته المعدول إليها حجة مفردة؛ اقتصاراً فيما خالف العمومات الدالة على جواز العدول من غير تقييد بعدم التلبية على مورد الرواية التي هي الأصل في تقييدها به،و عزاه بعض الأصحاب إلى الأكثر،قال:خلافاً لظاهر التحرير و المنتهى (2).و تردّد الشهيد (3).

و لا يجوز العدول للقارن بالنص و الإجماع الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر (4)،و لا فرق فيه بين من تعيّن القرآن عليه قبل الإحرام أم لا؛ لتعيّنه عليه بالسياق.

و إذا عطب هديه قبل مكة لم يجب عليه الإبدال.فهل يصير كالمفرد في جواز العدول؟احتمال؛ لتعليل المنع عنه في الأخبار بأنه لا يُحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه.

و المكّي إذا بَعُد ثم حجّ على ميقات من المواقيت الخمسة التي

ص:142


1- كشف اللثام 1:320.
2- كشف اللثام 1:320؛ و انظر التحرير 1:93،و المنتهى 2:663.
3- الدروس 1:332.
4- المنتهى 2:663،التنقيح 1:442،كشف اللثام 1:283.

للآفاق أحرم منه وجوباً بغير خلاف ظاهر،مصرّح به في جملة من العبائر (1)،و سيأتي من النصوص ما يدل عليه.

و ليس في العبارة و ما ضاهاها دلالة على تعيين النوع الذي يحرم به من الميقات،و الظاهر أنه فرضه،و اختلف في جواز التمتع له،و قد سبق الكلام فيه.

و النائي: المجاور بمكة لا يخرج بمجرد المجاورة عن فرضه المستقرّ عليه قبلها مطلقاً قطعاً،و كذا بعدها إذا لم يقم مدة توجب انتقال الفريضة إلى غيرها.

بل إذا أراد حجة الإسلام خرج إلى ميقاته فأحرم منه للتمتع وجوباً،بلا خلاف أجده،بل قيل:إجماعاً فتوًى و نصّاً،و إن اختلفا في تعيين الميقات الذي يخرج إليه،أنه هل هو ميقات أهله،كما هو ظاهر العبارة و الخلاف و المقنعة و الكافي و الجامع و المعتبر و التحرير و المنتهى و التذكرة و موضع من النهاية (2)كما حكي؛ للخبر:عن المجاور إله أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟قال:« نعم،يخرج إلى مُهَلّ أرضه فيلبّي إن شاء» (3).

معتضداً بالصحاح الواردة في ناسي الإحرام أو جاهلة أنه يرجع إلى ميقات أهل أرضه (4)،بناءً على عدم تعقل خصوصية للناسي و تاليه،بل

ص:143


1- كالمدارك 7:205،و الذخيرة:555،و الحدائق 14:406.
2- الخلاف 2:285،المقنعة:396،الكافي:202،الجامع للشرائع:178،المعتبر 2:799،التحرير 1:95،المنتهى 2:671،التذكرة 1:319،النهاية:211.
3- الكافي 4:/302 7،التهذيب 5:/59 188،الوسائل 11:264 أبواب أقسام الحج ب 8 ح 1.
4- الوسائل 11:328 أبواب المواقيت ب 14.

لكون الميقات للنائي مُهَلّ أرضه،كما يفصح عنه العمومات الواردة بالمواقيت.

أو أيّ ميقات كان،كما يقتضيه إطلاق الشرائع و القواعد و الإرشاد و النهاية و المبسوط و المقنع (1)كما حكي،و صرّح به شيخنا الشهيد الثاني (2)؛ للمرسل:« ليس له أن يحرم من مكة و لكن يخرج إلى الوقت» الخبر (3).

مؤيداً بعدم خلاف في أن من مرّ على ميقات أحرم منه و إن لم يكن من أهله.

أو أدنى ألحّ،كما عن الحلبي (4)؛ للصحيح (5)و غيره (6):قلت:من أين؟قال:« يخرجون من الحرم» .و في الجميع نظر؛ لضعف الخبر الأول سنداً بمعلّى،و دلالةً بقوله « إن شاء» منع احتمال كون المراد الاحتراز عن مكة.

و بنحوه يجاب عن الصحاح،مع أن التعدّي عنها قياس،و عدم تعقّل الفرق غير تعقّل عدم الفرق،و هو المعتبر فيه دون الآخر.

و شمول أخبار المواقيت لنحو ما نحن فيه محل مناقشة؛ لعدم تبادره

ص:144


1- الشرائع 1:240،القواعد 1:79،الإرشاد 1:315،النهاية:211،المبسوط 1:213،المقنع:85.
2- انظر المسالك 1:105.
3- الكافي 4:/302 8،التهذيب 5:/60 189،الوسائل 11:269 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 9.
4- الكافي في الفقه:202.
5- التهذيب 5:/35 103،الوسائل 11:267 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 3.
6- الكافي 4:/300 4،الوسائل 11:268 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 7.

منها بلا شبهة.

و المرسل كالخبر في الضعف سنداً،بل و دلالةً؛ لإجمال الوقت فيه المحتمل لإرادة مهلّ أهل الأرض؛ باحتمال اللام للعهد.

و عدم الخلاف في إجزاء الإحرام من غيره بعد المرور به غير المفروض من حكم المروي.

و الصحيح و غيره نادران،مع أن خارج الحرم فيهما مطلق يحتمل التقييد بمهلّ أهل الأرض،أو مطلق الوقت،أو صورة تعذّر المصير إليهما؛ للاتفاق على الجواز حينئذ كما يأتي،فيتعيّن،حملاً للمطلق على المقيّد و لو قصر السند،للانجبار هنا بالعمل،لاتفاق من عدا الحلبي (1)على اعتبار الوقت و إن اختلفوا في إطلاقه و تقييده.

و أما الصحيح:« من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من جعرانة أو الحديبية أو ما أشبههما» (2)فمحمول على العمرة المفردة كما وردت به المستفيضة (3).

مع أنه معارض بصريح الموثق في المجاور،و فيه:« فإن هو أحبّ أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج حتى يجاوز ذات عرق و يجاوز عسفان فيدخل متمتعاً بعمرة إلى الحج،فإن هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبّي منها» (4)فتدبر.

و حيث ظهر ضعف أدلة الأقوال وجب الرجوع في المسألة إلى

ص:145


1- في« ك» و« ح»:الحلّي؛ انظر السرائر 1:529.
2- الفقيه 2:/276 1350،الوسائل 11:341 أبواب المواقيت ب 22 ح 1.
3- انظر الوسائل 11:341 أبواب المواقيت ب 22 ح 2،و ج 14:298 أبواب العمرة ب 2 ح 3،6.
4- الفقيه 2:/274 1335،الوسائل 11:270 أبواب أقسام الحج ب 10 ح 2.

مقتضى الأصل الشرعية،و هو هنا البراءة عن تعيين ميقات عليه إن اتّفق على الصحة مع المخالفة لما يوجب عليه،و وجوب الأخذ بالمبرئ للذمة منها يقيناً إن كان ما يوجب عليه شرطاً.

فالذي ينبغي تحصيله تشخيص محل النزاع من تعيين الوقت،أ هو أمر شرطي،أم تكليفي خاصة؟ و الظاهر:الثاني؛ لما مرّ من عدم الخلاف في صحة الإحرام من كل وقت يتفق المرور عليه،و تصريح بعض من صار إلى اعتبار أدنى الحلّ بجوازه و صحة إحرامه من غيره من المواقيت البعيدة (1).

و عليه فيعود النزاع إلى وجوب الخروج إلى مهلّ أهل الأرض،أم لا، بل يجوز الخروج إلى أيّ وقت كان و لو أدنى الحلّ.

و الحقّ:الثاني،إلّا بالنسبة إلى أدنى الحلّ،فلا يجوز الخروج إليه اختياراً؛ لدلالة الروايات المعتبرة و لو بالشهرة على وجوب الخروج إلى غيره فيتعيّن.

و أما وجوب الخروج إلى مهلّ الأرض فالأصل عدمه بعد ما عرفت من ضعف دليله و إن كان أحوط؛ للاتفاق على جوازه.

و لو تعذّر الخروج إليه خرج إلى أدنى الحلّ فأحرم منه كغيره.

و لو تعذّر أحرم من مكة بلا خلاف أجده فيهما،و قد مرّ ما يصلح أن يكون مستنداً في الأول،و أمّا الثاني فيدل عليه ما دلّ على ثبوت الحكم في ما نحن فيه.

ص:146


1- الكافي في الفقه :202.

و لو أقام بها سنتين كاملتين انتقل فرضه في الثالثة إلى الإفراد و القِران لا يجوز له غيرهما.

وفاقاً للشيخ في كتابي الأخبار و الفاضلين و الشهيدين و غيرهما (1)،بل في المسالك و غيره (2):إنه المشهور بين الأصحاب،و ربما عزي إلى علمائنا من عدا الشيخ (3).

للصحيحين (4)،في أحدهما:« من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له،فقلت له 7:أ رأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكة،قال:

« فلينظر أيّهما الغالب عليه فهو من أهله» .خلافاً للمحكي عن الإسكافي و النهاية و المبسوط و الحلّي (5)، فاشترطوا ثلاث سنين؛ للأصل.و يخصَّص بما مرّ.

و ما ورد من الصحاح و غيرها بأقلّ من ذلك كالسنة و الستة أشهر (6)شاذّ مطروح،أو مؤوّل.

ص:147


1- التهذيب 5:34،الاستبصار 2:159،المحقق في المعتبر 2:799،و الشرائع 1:240،و العلامة في التحرير 1:93،و المنتهى 2:664،و المختلف:261،الشهيد الأول في الدروس 1:331،و الشهيد الثاني في الروضة البهية 2:217؛ و انظر المدارك 7:207.
2- المسالك 1:102؛ و انظر الذخيرة:556،و الحدائق 14:425.
3- انظر المنتهى 2:664.
4- الأول:التهذيب 5:/34 101،الإستبصار 2:/159 519،الوسائل 11:265 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 1.الثاني:التهذيب 5:/34 102،الوسائل 11:266 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 2.
5- حكاه عن الإسكافي في المختلف:261،النهاية:206،المبسوط 1:308،الحلي في السرائر 1:522.
6- الوسائل 11:264 أبواب أقسام الحج ب 8 ح 3،4؛ و ب 9 ح 7،8،9.

و حمله على التخيير ضعيف؛ لفقد التكافؤ بالشذوذ.

و أضعف منه الميل إلى العمل بها،و صَرف التوجيه إلى ما قابلها، بحمله على أن المراد الدخول في الثنية؛ إذ لا داعي له سوى الكثرة،و هي مضمحلة في جنب الشذوذ و الندرة.

مع أن الصحيح الثاني لا يقبله على نسخة،و فيها:« فإذا جاوز سنتين كان قاطناً و ليس له أن يتمتع» .و المجاوزة صريحة في اعتبار تمام الثانية بل و زيادة،و لذا جعل على هذه النسخة دليلاً للنهاية،و لكنه محل مناقشة.

لكن النسخة المشهورة كما قيل (1)بدل جاوز بالزاء المعجمة جاور بالراء المهملة،و هو يقبل الحمل الذي ذكره.

و مقتضى إطلاق النص و الفتوى عدم الفرق عدم الفرق في الإقامة الموجبة لانتقال الفرض بين كونها بنية الدوام أو المفارقة،كما ذكره جماعة، و منهم شيخنا في المسالك و سبطه و غيرهما (2).

و ربما قيّد بالثاني؛ و لعلّه لإطلاق ما دلّ على أن أهل مكة فرضهم الإفراد و القران،بناءً على صدق العنوان على من جاوز بنية الدوام بمجرد النية،و به صرّح في المسالك.

و في كلّ من القولين نظر؛ لأن بين إطلاقيهما عموماً و خصوصاً من وجه؛ لتواردهما في المجاور سنتين بنية الدوام،و افتراق الأول عن الثاني في المجاور سنتين بغير النية،و العكس فيما نحن فيه.فترجيح أحدهما

ص:148


1- انظر الوافي 12:451.
2- المسالك 1:102،سبطه في المدارك 7:210؛ و انظر الذخيرة:556،و الحدائق 14:429.

على الآخر و جعله المقيّد له غير ظاهر الوجه،و لكن مقتضى الأصل و هو استصحاب عدم انتقال الفرض يرجح الأول (1).

و لو انعكس الفرض فأقام المكي في الآفاق لم ينتقل فرضه و لو أقام سنتين فصاعداً؛ عملاً بالأصل،مع اختصاص النص بالانتقال مع إقامتهما بصورة العكس،و حرمة القياس.معم،لو أقام بنية الدوام اتّجه انتقال فرضه إلى التمتع مطلقاً؛ لصدق النائي عليه حينئذ حقيقةً عرفاً،بل و لغةً،مع خلوه عن المعارض.

و لو كان له منزلان أحدهما بمكة و ما في معناها و الآخر بمحلّ ناء عنها اعتبر في تعيين الفرض أغلبهما عليه إقامةً، فيتعين عليه فرضه،و لو تساويا تخيّر في التمتع و غيره،بلا خلاف في المقامين ظاهراً.

استناداً في الثاني إلى عدم إمكان الترجيح من غير مرجّح،و انتفاء التكليف بالحج المتعدد بالعسر المنفي؛ مضافاً إلى قوة احتمال الإجماع على نفيه.

و في الأول إلى الصحيح المتقدم.و يجب تقييده وفاقاً لجماعة (2)بما إذا لم يكن إقامة بمكة سنتين متواليتين،فإنه حينئذ يلزمه حكم أهل

ص:149


1- مع أنه يمكن أن يقال:مقتضى أخبار المسألة اشتراط الإقامة سنتين في صدق إطلاق الكون من أهل مكة،و حينئذ فلا يكون المقيم أقلّ من سنتين من أَهل مكة،و لا يشمله إطلاق أخبار تلك المسألة و موضوعها أهل مكة،و لا يصدق على من لم يمض عليه السنتان مقتضى أخبار المسألة.و ذلك واضح بحمد اللّه سبحانه.(منه رحمه اللّه).
2- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 6:34،و صاحب المدارك 7:211،و السبزواري في الذخيرة:555.

مكة و إن كانت إقامته في النائي أكثر؛ لما مرّ من أن إقامة السنتين توجب انتقال حكم النائي الذي ليس له بمكة منزل أصلاً،فمن له مسكن أولى.

و منع الأولوية كما اتّفق لبعض المعاصرين (1)لم أعرف له وجهاً.

و اعلم أنه لا يجب على المفرد و القارن هدي التمتع و إن استحب لهما الأُضحيّة،بل يختص الوجوب بالتمتع بالكتاب و السنّة و الإجماع.و سيأتي الكلام مفصّلاً في المقامين إن شاء اللّه تعالى.

و لا يجوز القران بين الحج و العمرة بنية واحدة بمعنى أن يكتفي بها لهما و لم يحتج إلى إحرام آخر،بل و لا إحلال في البين،سواء في ذلك القران و غيره،على المشهور،بل عن الخلاف أنّ عليه الإجماع (2).

قيل:لأنهما عبادتان متباينتان لا يجوز الإتيان بإحداهما إلّا مع الفراغ من الأُخرى،و لا بدّ في النية من مقارنتها المنوي،فهو كنية صلاتي الظهر و العصر دفعة (3).

و فيه:أن مقتضاه الفساد،لا التحريم،كما هو محل البحث في ظاهر العبارة و غيرها،بل صريح بعضها،إلّا أن ينضم إلى النية قصد التشريع فيحرم من جهته،فلا بدّ من ذكر هذا القيد في الدليل.

ثم إن ما أفاده الدليل من الفساد هو ظاهر كل من منع من الأصحاب على ما يظهر من المختلف و صرّح به (4)،و كذا الشهيدان في الدروس و اللمعتين (5)،و علّله ثانيهما بالنهي المفسد للعبادة،و غيره بفساد النية،

ص:150


1- الحدائق 14:431.
2- الخلاف 2:261.
3- كشف اللثام 1:284.
4- المختلف:261.
5- الدروس 1:334،اللمعة(الروضة البهية 2):219.

لكونها غير مشروعة،و هو يستلزم فساد العمل،و خصوصاً الإحرام الذي عمدته النية (1).

لكنه فصلّ فقال:و التحقيق أنه إن جمع في النية على أنه محرم بهما الآن و أن ما يفعله من الأفعال أفعال لهما،أو على أنه محرم بهما الآن و لكن الأفعال متمايزة إلّا أنه لا يحلّ إلّا بعد إتمام مناسكهما جميعاً،أو على أنه محرم بالعمرة أوّلاً مثلاً ثم بالحج بعد إتمام أفعالها من غير إحلال في البين، فهو فاسد،مع احتمال صحة الأخير،بناءً على أن عدم تخلل التحلل غير مبطل،بل يقلّب العمرة حجّا.

و إن جمع بمعنى أن قصد من أول الأمر الإتيان بالعمرة،ثم الإحلال، ثم بالحج،أو بالعكس،فلا شبهة في صحة النية و أوّل النسكين،إلّا من جهة مقارنة النية للتلبية إن كانت كتكبيرة الإحرام في الصلاة،فإن جدّد للنسك الآخر نيّةً صحّ أيضاً و إلّا فلا.

ثم قال:و في الخلاف:إذا قرن بين العمرة و الحج في إحرامه لم ينعقد إحرامه إلّا بالحج،فإن أتى بأفعال الحج لم يلزمه دم،و إن أراد أن يأتي بأفعال العمرة و يحل و يجعلها متعة جاز ذلك و يلزمه الدم.

و بمعناه ما في المبسوط من أنه متى أحرم بهما يمضي في أيّهما شاء.

و ما في الجامع من أنه إن كان فرضه المتعة قضى العمرة ثم حجّ و عليه دم،و إن كان فرضه الحج فعله و لا دم عليه.

و كأنهما أرادا المعنى الأخير،و أنّ قصده إلى ثاني النسكين عزم لا نية،

ص:151


1- كشف اللثام 1:284.

و لا ينافي صحة الأول و نيته.

و إن أرادا أحد المعنيين الأوّلين بناءً على أن الإحرام بهما إحرام بأحدهما و زيادة،فغاية الأمر إلغاء الزائد لا إبطالهما جميعاً،فيرد عليهما أنه نوى عبادةً مبتدعةً،كما إذا نوى ركعة من صلاته أنها من صلاتي الظهر و العصر جميعاً.

و إن أرادا المعنى الباقي احتمل البطلان؛ لأن الذي قصده من عدم التحلل في البين مخالف للشرع،و الصحة؛ بناءً على أنه أمر خارج عن النسك،و الواجب إنما هو نيته،و لا ينافيها نية خارج مخالف للشرع،بل غايتها اللغو؛ مع أن عدم التحلل في البين مشروع في الجملة،لأنه لا يبطل العمرة بل يقلّبها حجة (1).انتهى.

و مرجعه إلى تحقيق موضوع المسألة،و أن المراد بالقِران ما هو؟ و الظاهر من كلمة القوم أنه المعنيان الأوّلان،لا الأخيران،مع أن النية فيهما بالإضافة إلى النسك الثاني عزم لا نية،و قد أشار هو إليه أيضاً،فلا يرتبطان بموضع مسألتنا،فرجع حاصل البحث إلى الفساد كما أطلقه القوم.

و لعلّ المقصود من هذا التحقيق الإشارة إلى عدم القطع بمخالفة الشيخ في الفساد في محل البحث،لاحتمال إرادته المعنيين الأخيرين الخارجين عنه.

و اعلم أنه يستفاد من بعض الأصحاب اتّحاد هذه المسألة مع المتقدمة في الفرق بين القارن و المفرد،حيث لم يشبع الكلام هنا بل أحال إلى ما مضى (2).

ص:152


1- كشف اللثام 1:284.
2- و هو صاحب المدارك 7:212.

و هو كما ترى؛ فإنّ مورد هذه المسألة حرمة القِران أو جوازه كما عليه الإسكافي و العماني (1)،و تلك إن الفارق بين المفرد و القارن ما هو،من غير نظر إلى جواز القران بهذا المعنى و عدمه.

و لا إدخال أحدهما على الآخر بأن ينويه قبل الإحلال من الآخر و إتمام أفعاله،أتمّ الأفعال بعد ذلك أولا؛ لأنه بدعة و إن جاز نقل النية من أحدهما إلى الآخر اضطراراً،أو مطلقاً،و حكمنا بانقلاب العمرة حجة مفردة إن أحرم بالحج قبل التقصير.

و كأنّ الحكم إجماعي كما ذكره جماعة (2)،و حكاه بعضهم عن الخلاف و السرائر (3)،و هو الحجة المعتضدة بعد ما مرّ بالصحيح الوارد في الفاعل ذلك ناسياً أنه يستغفر اللّه تعالى (4).

ص:153


1- حكاه عن الإسكافي في الدروس 1:329،و عن العماني في المختلف:259.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:103،و صاحب المدارك 7:212،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:284.
3- حكاه عنهما في كشف اللثام 1:284.
4- الكافي 4:/440 2،التهذيب 5:/91 299،الإستبصار 2:/175 579،الوسائل 12:411 أبواب الإحرام ب 54 ح 3.
المقدمة الرابعة في المواقيت
اشارة

المقدمة الرابعة:

في تعيين المواقيت أي الأمكنة المحدودة شرعاً للإحرام،بحيث لا يجوز لأهلها من غيرها اختياراً،إلّا إذا لم يؤدّ الطريق إليها.

و هي ستة في المشهور بين الأصحاب،كما في المسالك (1)، و لكن اختلفت عبائرهم في التعبير عن السادس بعد الاتفاق على الخمسة الأُول،و هي إلى قَرن المنازل،فجعل في عبارة دويرة الأهل (2)،و في اخرى بدلها مكة لحج التمتع (3)،و في ثالثة ذكرا معاً (4).

فتصير المجموع سبعة مع أنها فُرضت ستة،فيحتمل كون الزائد عليها منها دويرة الأهل كما يفهم من بعض،قال:لأن المنزل الأقرب غير محدود (5).

و يفهم من الشرائع كونه الآخر حيث عدّ من الستة الدويرة بدله (6).

و ربما حُصرت في عشرة،و هي مجموع السبعة و محاذاة الميقات لمن لم يمرّ به و حاذاه،و أدنى الحلّ أو مساواة أقرب المواقيت إلى مكة لمن لم يحاذ،و فَخّ لإحرام الصبي (7).

ص:154


1- المسالك 1:103.
2- كما في النهاية:211،و السرائر 1:529.
3- الروضة البهيّة 2:225.
4- راجع القواعد 1:79،و مفاتيح الشرائع 1:310.
5- كشف اللثام 1:304.
6- الشرائع 1:241.
7- كما في الدروس 1:340.

و في المنتهى و التحرير (1)اقتصر على الخمسة،و هو المستفاد من جملة من الصحاح:

منها:« الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّه صلى الله عليه و آله،لا ينبغي لحاجّ و لا معتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها،وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة يصلي فيه و يفرض الحج،و وقّت لأهل الشام الجحفة و وقّت لأهل نجد العقيق،و وقّت لأهل الطائف قَرن المنازل،و وقّت لأهل اليمن يلملم» الخبر (2).

و قريب منه آخر،و فيه:« و من تمام الحج و العمرة أن يحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلى الله عليه و آله،لا تجاوزها إلّا و أنت محرم،فإنه وقّت لأهل العراق و لم يكن يومئذ عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق،و وقّت لأهل اليمن يلملم،و وقّت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقّت لأهل المغرب الجحفة و هي مَهْيَعة،و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و من كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته منزله» (3)فتدبر.

و هي أي الخمسة بل الستة مجمع عليها بين الطائفة،كما صرّح به جماعة (4)،بل العلماء كافة،إلّا مجاهد في دويرة الأهل فجعل بدلها مكة، و أحمد في إحدى الروايتين في مكة لحج التمتع،فقال:بدله يخرج من

ص:155


1- المنتهى 2:665،التحرير 1:94.
2- الكافي 4:/319 2،الفقيه 2:/198 903،التهذيب 5:/55 167،الوسائل 11:308 أبواب المواقيت ب 1 ح 3.
3- الكافي 4:/318 1،التهذيب 5:/54 166،علل الشرائع:/434 2،الوسائل 11:307 أبواب المواقيت ب 1 ح 2.
4- منهم:العلامة في التذكرة 1:320،و صاحب المدارك 7:215،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:304.

الميقات فيحرم منه،كما في المنتهى (1)،و لم ينقل خلافاً من أحد في شيء من الخمسة،بل قال بعد عدّها:و هو قول علماء الإسلام،و لكن اختلفوا في وجه ثبوته،أمّا الأربعة الأُول و أشار بها إلى ما عدا العقيق فقد اتفقوا [أهل العلم]على أنها منصوصة عن الرسول صلى الله عليه و آله و أنها مأخوذة بالتوقيف عنه صلى الله عليه و آله (2).

أقول:و النصوص من طرقنا بالجميع زيادةً على ما مرّ مستفيضة، سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

ف لأهل العراق العقيق و هو في اللغة كلّ وادٍ عقّه السيل،أي شقّه،فأنهره و وسّعه،و سمّي به أربعة أودية في بلاد العرب،أحدها الميقات،و هو واد يندفق [يتدفق] سيله في غوريّ تِهامة،كما عن تهذيب اللغة (3).

و المشهور أن أفضله المسلح (4) و ليس في ضبطه شيء يعتمد عليه،و في التنقيح و عن فخر الإسلام (5)أنه بالسين و الحاء المهملتين،واحد المسالح،و هي المواضع العالية.و قيل:بالخاء المعجمة، لنزع الثياب (6).

و أنه يليه في الفضل أوسطه غَمرة بالغين المعجمة و الراء المهملة و الميم الساكنة،منهلة من مناهل طريق مكة،و هي فصل ما بين

ص:156


1- المنتهى 2:667،و نقله عن مجاهد و أحمد في المغني و الشرح الكبير 3:217،219.
2- المنتهى 2:665.
3- تهذيب اللغة 1:59.
4- في« ك»:المسلخ.
5- التنقيح الرائع 1:446،و نقله عن فخر الإسلام في كشف اللثام 1:304.
6- كما حكاه في المسالك 1:103.

نجد و تهامة،كما عن الأزهري (1).و في التنقيح و عن فخر الإسلام (2)أنها سمّيت بها لزحمة الناس فيها.

و أن آخره ذات عرق بعين مهملة مكسورة فراء مهملة ساكنة، و هو الجبل الصغير،و به سميت،كما عن النهاية الأثيرية (3).و في التنقيح و عن فخر الإسلام (4)أنها سمّيت بذلك لأنها كان بها عِرق من الماء،أي قليل.

و يجوز الإحرام منها عندهم اختياراً؛ للخبرين،في أحدهما:« حدّ العقيق أوّله المسلخ و آخره ذات عِرق» (5).

و في الثاني:« وقّت رسول 9 لأهل العراق العقيق،و أوله المسلخ، و أوسطه غمرة،و آخره ذات عرق،و أوّله أفضله» (6).

و نحوه الرضوي إلّا أن بعده بأسطر:« و لا يجوز الإحرام قبل بلوغ الميقات،و لا يجوز تأخيره عن الميقات إلّا لعليل أو تقية[فإذا كان الرجل عليلاً أو اتّقى،فلا بأس بأن يؤخّر الإحرام إلى ذات عرق]» (7).

و بظاهره أخذ والد الصدوق كما في المختلف (8)،و تبعه الشهيد في الدروس و زاد الشيخَ في النهاية (9)،و عزاه بعض متأخري الأصحاب إلى

ص:157


1- تهذيب اللغة 8:129.
2- التنقيح الرائع 1:446،و نقله عن فخر الإسلام في كشف اللثام 1:305.
3- النهاية 3:219.
4- التنقيح 1:447،و نقله عن فخر الإسلام في كشف اللثام 1:305.
5- التهذيب 5:/56 171،الوسائل 11:313 أبواب المواقيت ب 2 ح 7.
6- الفقيه 2:/199 907،الوسائل 11:313 أبواب المواقيت ب 2 ح 9.
7- فقه الرضا(7):216،المستدرك 8:104 أبواب المواقيت ب 3 ح 1.أضفنا ما بين المعقوفين من المصدر.
8- المختلف:262.
9- الدروس 1:340 و 341،النهاية:210.

الصدوق أيضاً في المقنع و الهداية (1).

و استدل لهم بالصحيح:« وقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأهل المشرق العقيق نحواً من بريدين،ما بين بريد البعث إلى غَمرة،و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة،و لأهل نجد قرن المنازل،و لأهل الشام الجحفة،و لأهل اليمن يلملم» (2).

و الصحيح:« أول العقيق بريد البعث،و هو دون المسلخ بستة أميال ممّا يلي العراق،و بينه و بين غمرة أربعة و عشرون ميلاً بريدان» (3).

و الخبر:« حدّ العقيق ما بين المسلخ إلى عقبة غمرة» (4).

و ربما يميل إليه بعض متأخري المتأخرين،قال:و لا يبعد عندي حمل الخبرين المشار إليهما على التقية (5)؛ للصحيح المروي في الاحتجاج عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام:عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء و يكون متصلاً بهم،يحجّ و يأخذ عن الجادة.و لا يحرم هؤلاء من المسلخ،فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف من الشهرة،أم لا يجوز أن يحرم إلّا من المسلخ؟فكتب إليه في الجواب:

« يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب و يلبّي في نفسه،فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهره» (6).

ص:158


1- كشف اللثام 1:305؛ و انظر المقنع:69،و الهداية:55.
2- التهذيب 5:/56 170،الوسائل 11:309 أبواب المواقيت ب 1 ح 6.
3- الكافي 4:/321 10،التهذيب 5:/57 175،الوسائل 11:312 أبواب المواقيت ب 2 ح 2.
4- الكافي 4:/320 5،الوسائل 11:312 أبواب المواقيت ب 2 ح 5.
5- الحدائق 14:440.
6- الاحتجاج:484،الوسائل 11:313 أبواب المواقيت ب 2 ح 10.

و فيه نظر،أمّا أوّلاً فلفقد التكافؤ بين الأخبار؛ لاشتهار الخبرين بين الأصحاب بحيث كاد أن يكون إجماعاً،كما يشعر به كلمات جملة من الأصحاب،حيث إنهم لم ينقلوا الخلاف مع أن ديدنهم نقله حيث كان.

و آخرون منهم عزوا مضمونهما إلى الأصحاب و المعروف بينهم (1)، مشعرين بدعوى الإجماع عليه،كما في صريح الناصرية و الخلاف و الغنية (2)،فتشذّ الروايات المقابلة.

مع ظهورها أجمع في خروج غمرة أيضاً،كذات عرق،و لم يقل به أحد من الطائفة.

مضافاً إلى قصور دلالة الصحيح الثاني منها على الخروج مطلقاً، و عدم دلالته عليه بالكلية،و تضمنه أن أول العقيق دون المسلخ،و هو خلاف ما اتّفقت عليه كلمة الأصحاب و الأخبار؛ و ضعف سند الرواية بعده.

و ثانياً:بأن أحد الخبرين و الروضي مصرِّحان بأن العقيق من المواقيت المنصوصة عن رسول اللّه 9،و أن أفضله المسلخ،و هما مخالفان لمذهب العامة (3)،و من متفردات الإمامية.

و حينئذ فيتعيّن الجمع بينهما بحمل هذا الروايات على أن المراد أن ذات عرق و إن كانت من العقيق إلّا أنها لمّا كانت ميقات العامة،و كان الفضل إنما هو فيما قبلها،فالتأخير إليها و ترك الفضل إنما يكون لعذر من علّة أو تقية.

و يشير إليه كلام الحلّي في السرائر،فإنه قال:و وقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله

ص:159


1- الناصرية(الجوامع الفقهية):208،الخلاف 2:283،الغنية(الجوامع الفقهية):574.
2- انظر المغني و الشرح الكبير 3:214.
3- انظر المغني و الشرح الكبير 3:214.

لأهل كل صُقع و لمن حجّ على طريقهم ميقاتاً،فوقّت لأهل العراق العقيق، فمن أيّ جهاته و بقاعه أحرم ينعقد الإحرام منها،إلّا أن له ثلاثة أوقاتٍ، أولها المسلخ،و هو أفضلها عند ارتفاع التقية،و أوسطها غمرة،و هي تلي المسلخ في الفضل مع ارتفاع التقية،و آخرها ذات عرق،،و هي دونها في الفضل،إلّا عند التقية و الشناعة و الخوف فذات عرق هي أفضلها في هذه الحال،و لا يتجاوز ذات عرق إلّا محرماً (1).انتهى.

و يحتمل ذلك كلام المخالفين في المسألة،و لعلّه لذا لم يجعلهم الفاضل و الشهيد مخالفين صريحاً،بل قال الأول:و كلام علي بن بابويه يشعر (2).و الثاني:و ظاهر علي بن بابويه و الشيخ في النهاية (3).

هذا،و لا ريب أن الأحوط عدم التأخير إلى ذات عرق،بل و لا إلى غمرة؛ لما عرفته من دلالة بعض الصحاح على خروجها من العقيق أيضاً، و لمّا لم يوجد قائل به كان الإحرام منها أفضل من الإحرام من ذات عرق، و هي دونها في الفضل،لوجود قائل بخروجها أو عدم جواز الإحرام منها اختياراً،و لعلّه الوجه في أفضلية غمرة من ذات عرق؛ مضافاً إلى ما فيه من المشقة اللازمة لزيادة الأجر و المثوبة،و إلّا فلم نجد من النصوص ما يدل عليها،لدلالتها على أفضليتة المسلخ خاصة.

و لأهل المدينة مسجد الشجرة كما هنا و في الشرائع و الإرشاد و القواعد و المقنعة و الناصرية (4)،و عن جمل العلم و العمل و الكافي

ص:160


1- السرائر 1:528.
2- الفاضل في المختلف:262.
3- الشهيد في الدروس 1:340.
4- الشرائع 1:241،الإرشاد 1:315،القواعد 1:79،المقنعة:394،الناصرية(الجوامع الفقهية):208.

و الإشارة (1)،و فيها أنه ذو الحليفة.

و في الغنية و السرائر و المنتهى و التحرير (2)،و عن المعتبر و المهذّب و كتب الشيخ و الصدوق و القاضي و الديلمي و التذكرة (3):أن ميقاتهم ذو الحليفة،و أنه مسجد الشجرة،كما في بعض الصحاح المتقدّمة (4).

و نحوه الآخر المروي عن قرب الإسناد،و فيه:« وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة و هي الشجرة» (5).

و الخبر المروى عنه أيضا و لأهل المدينة و من يليها الشجرة (6)و يعضدها المرسل المروي عن العلل:قلت لأبي عبد اللّه:لأي علة أحرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله من مسجد الشجرة و لم يحرم من موضع دونه؟ فقال:« لأنه لما اسري به إلى السماء و صار بحذاء الشجرة نودي:يا محمّد، قال صلى الله عليه و آله :لبيك،قال:أ لم أجدك يتيماً فآويتك،و وجدتك ضالّاً فهديتك،فقال النبي صلى الله عليه و آله :إن الحمد و النعمة لك لا شريك لك،فلذلك أحرم من الشجرة دون المواضع كلّها» (7).

و في اللمعة و عن الوسيلة (8)أن الميقات ذو الحليفة،و لم يزيدا عليه ..

ص:161


1- جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):64،الكافي في الفقه:202،إشارة السبق:125.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):574،السرائر 1:528،المنتهى 2:665،التحرير 1:94.
3- المعتبر 2:802،المهذّب 1:213،الشيخ في النهاية:210،و المبسوط 1:312،و الاقتصاد:300،الصدوق في المقنع:69،و الهداية:55،و الفقيه 2:198،القاضي في شرح الجمل:213،الديلمي في المراسم:107،التذكرة 1:320.
4- في ص:2816.
5- قرب الإسناد:/164 599،الوسائل 11:309 أبواب المواقيت ب 1 ح 7.
6- قرب الإسناد:/244 970،الوسائل 11:310 أبواب المواقيت ب 1 ح 9.
7- علل الشرائع:/433 1،الوسائل 11:311 أبواب المواقيت ب 1 ح 13.
8- اللمعة(الروضة البهية 2):224،الوسيلة:160.

شيئاً،كما في الصحاح المستفيضة (1).

و مقتضى الجمع بينها و بين السابقة تعيّن الإحرام من المسجد.

خلافاً للشهيدين و المحقّق الثاني (2)فجعلوه أفضل و أحوط،و صرّح الأخير بأن جواز الإحرام من الموضع كلّه مما لا يكاد يدفع.

و فيه بعد ما عرفت من توافق الأخبار على خلافه نظر،سيّما مع اعتضاده بعمل الأكثر،بل في ظاهر الناصرية و الغنية بعد التعبير بما مرّ الإجماع،فتأمل.

و بالصحيح مضافاً إلى ما مرّ-:« من أقام بالمدينة شهراً و هو يريد الحج ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل مدينة الذي يأخذونه،فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء» (3).

و أما الصحيح:« وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة كان يصلي فيه و يفرض الحج،فإذا خرج من المسجد و سار و استوت به البيداء حين يحاذي الميل الأول أحر» (4)فليس فيه دلالة على جواز الإحرام من خارج المسجد،كما ربما يفهم من الذخيرة (5)،إلّا على تقدير أن يراد من الإحرام فيه معناه الحقيقي،و ليس قطعاً،لمنافاته لصدره (6)،بل المراد

ص:162


1- الوسائل 11:307 أبواب المواقيت ب 1.
2- الشهيد الأول في الدروس 1:340،الشهيد الثاني في الروضة 2:224،المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:158.
3- الكافي 4:/321 9،التهذيب 5:/57 178،الوسائل 11:317 أبواب المواقيت ب 7 ح 1.
4- الفقيه 2:/198 903،الوسائل 11:308 أبواب المواقيت ب 1 ح 4.
5- الذخيرة:576.
6- و هو:قوله:« كان يفرض فيه الحج» و تفسير ذي الحليفة الذي هو الميقات إجماعاً فتوًى و نصّاً بمسجد الشجرة.(منه رحمه اللّه).

به إمّا التلبية نفسها كما قيل (1)،أو الإجهار بها كما عن المتأخرين.

و حيث قد تعيّن الإحرام من المسجد فلو كان المحرم جنباً أو حائضاً أحرما به مجتازين؛ لحرمة اللبث.

و إن تعذّر فهل يحرمان من خارجه،كما صرّح به جماعة (2)،من غير مخالف لهم أجده،أم يؤخرانه إلى الجحفة؟إشكال،من وجوب قطع المسافة من المسجد إلى مكة محرماً،و من كون العذر ضرورة مبيحة للتأخير إلى الجحفة.

و الأحوط الإحرام منهما و إن كان ما ذكره الجماعة لا يخلو عن قوة؛ لمنع عموم الضرورة في الفتوى و الرواية لمثل هذا،سيّما مع التصريح في جملة منها في بيانها بمثل المرض و المشقة الحاصلة من نحو البرد و الحرّ.

هذا ميقاتهم اختياراً.

و عند الضرورة المفسَّر بما عرفته الجُحفة بجيم مضمومة فحاء مهملة ففاء،على سبع مراحل من المدينة و ثلاث من مكة،كما عن بعض أهل اللغة (3)،و عنه:أن بينها و بين البحر نحو ستة أميال،و عن غيره ميلان،قيل:و لا تناقض،لاختلاف البحر باختلاف الأزمنة (4).

و في القاموس:كانت قرية جامعة على اثنين و ثلاثين ميلاً من مكة (5).

و في المصباح المنير:منزل بين مكة و المدينة قريب من رابع بين بدر

ص:163


1- انظر الوافي 12:481.
2- منهم صاحب المدارك 7:219،السبزواري في الذخيرة:576،صاحب الحدائق 14:443.
3- نقله في كشف اللثام 1:305 عن تحرير النووي و تهذيبه.
4- كشف اللثام 1:305.
5- القاموس المحيط 3:125.

و خُلَيص (1).

و الأصل في الحكم بعد عدم خلاف فيه أجده و به صرّح في الذخيرة (2)،بل الإجماع كما في المدارك (3)المعتبرة المستفيضة (4).

و ليس في شيء منها التقييد بحال الضرورة،كما فعله الأصحاب بغير خلاف ظاهر و لا محكي،إلّا من ظاهر الوسيلة و الجعفي (5)فأطلقاها،كما هو ظاهر الصحاح منها.

نعم،ربما أشعر به الحسن:« و قد رخّص رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمن كان مريضاً أو ضعيفاً أن يحرم من الجحفة» (6).

و قريب منه الموثق (7).

لكن في تقييد الصحاح بهما إشكال؛ لعدم الصراحة التي هي مناط التخصيص و التقييد.

إلّا أن يقال:دلالة الصحاح على العموم ليت بذلك الوضوح أيضاً، فيشكل الخروج به عن الأدلة الدالة على تأقيت ذي الحليفة من الفتوى و الرواية و الإجماعات المنقولة،الظاهرة في عدم جواز العدول عنها مطلقاً و لو مع الضرورة،لكنها خرجت اتفاقاً،فتوًى و روايةً،و بقي حال الاختيار تحتها مندرجة.

ص:164


1- المصباح المنير:91.
2- الذخيرة:576.
3- المدارك 7:219.
4- الوسائل 11:316 أبواب المواقيت ب 6.
5- الوسيلة:160،و حكاه عن الجعفي في الدروس 1:493.
6- الكافي 4:/324 3،الوسائل 11:317 أبواب المواقيت ب 6 ح 5.
7- التهذيب 5:/57 176،الوسائل 11:317 أبواب المواقيت ب 6 ح 4.

فإذاً الأحوط مراعاة الضرورة،سيّما مع اشتهارها بين الأصحاب شهرة عظيمة.

و هل التقييد بالضرورة مطلق،فلا يجوز سلوك طريق لا يؤديه إلى ذي الحليفة اختياراً،كما احتمله بعض (1)؛ لإطلاق الأخبار بكونه ميقاتاً،مع النهي عن الرغبة عن مواقيته 7.أو مقيّد بما إذا مرّ به،كما في الدروس و المدارك و غيرهما (2)؟وجهان.

و لعلّ الثاني أقوى؛ للأصل،و عموم جواز الإحرام من أيّ ميقات يتّفق المرور عليه و لو لغير أهله،مع اختصاص الإطلاق المتقدم بحكم التبادر و غيره بصورة القيد.

ثم على التقييد السابق لا ريب في حصول الإثم بالتأخير اختياراً.و هل يصحّ الإحرام حينئذ؟وجهان،قطع بأوّلهما في المدارك تبعاً للدروس (3)، و تأمل فيه بعض (4).و لا يخلو عن وجه.

و هي أي الجحفة ميقات أهل الشام اختياراً كما في الصحاح المستفيضة (5)،و في جملة منها:إنها ميقات أهل المغرب و مصر أيضاً (6)، و به أفتى جماعة (7).

ص:165


1- انظر كشف اللثام 1:306.
2- الدروس 1:341،المدارك 7:220؛و انظر كشف اللثام 1:306.
3- المدارك 7:220،الدروس 1:341.
4- انظر مجمع الفائدة 6:183 و الحدائق 14:446.
5- انظر الوسائل 11:308،309 أبواب المواقيت ب 1 الأحاديث 3،5 12.
6- الوسائل 11:307 و 309 أبواب المواقيت ب 1 الأحاديث 1،2،5.
7- منهم:صاحب المدارك 7:221،و السبزواري في الذخيرة:576،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:306.

و ل أهل اليمن جبل يقال له: يَلَملَم و ألملَم،هو على مرحلتين من مكة،كما في القاموس و غيره (1).

و لأهل الطائف قرن المنازل بفتح القاف و سكون الراء.

قيل:خلافاً للجوهري فإنه فتحها،و زعم أن أُويساً القَرَني بفتح الراء منسوب إليه،و اتّفق العلماء على تغليطه فيهما،و إنما أُويس من بني قرن بطن من مراد يقال له:قرن الثعالب،و قرن بلا إضافة،و هو جبل مشرف على عرفات على مرحلتين من مكة.و قيل:إن قرن الثعالب غيره،و إنه جبل مشرف على أسفل منى،بينه و بين مسجدها ألف و خمسمائة ذراع، و القرن:الجبل الصغير،أو قطعة مفردة من الجبل،و في القاموس:إنه قرية من الطائف أو اسم الوادي كلّه و قيل:القرن بالإسكان:الوادي،و بالفتح:

الطريق (2).

و من لم يعرف أحد هذه المواقيت أجزأه أن يسأل الناس و الأعراب عنها،كما في الصحيح الوارد في العقيق (3).

و ميقات المتمتع لحجّة مكة إجماعاً فتوًى و روايةً،كما تقدّم إليه الإشارة.

و كلّ من كان منزله أقرب من الميقات إلى مكة كما في النصوص المستفيضة المتقدم إلى بعضها الإشارة،و فيها الصحيح و غيره فميقاته منزله و اعتبار القرب إلى مكة كما فيها محكي عن النهاية و المبسوط

ص:166


1- القاموس 4:179؛ و انظر المصباح المنير:19.
2- كشف اللثام 1:306.
3- كشف اللثام 1:306.

و المهذّب و الجمل و العقود و السرائر و شرح القاضي لجمل العلم و العمل (1)، و اختاره جماعة من المتأخرين و متأخريهم (2).و هو الأقرب.

خلافاً للمحكي عن الماتن في موضع من المعتبر فإلى عرفة و أطلق (3)،و تبعه في اللمعة في الحج و قطع (4)،و استوجهه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك و الروضة لولا النصوص مصرّحاً باعتبارها في العمرة، قال:لأن الحج بعد الإهلال به من الميقات لا يتعلق الغرض فيه بغير عرفات،بخلاف العمرة،فإن مقصدها بعد الإحرام مكة،،فينبغي اعتبار القرب فيها إلى مكة (5).انتهى.

ثم إن أهل مكة على هذا القول يحرمون من منازلهم؛ لأنها أقرب إلى عرفات من الميقات،كما ذكره جماعة (6).

و يشكل على المختار؛ إذ لا دليل عليه من الأخبار،لأن الأقربية لا تتم،لاقتضائها المغايرة.و لكنه مشهور بين الأصحاب،كما ذكره جماعة (7)،بل زاد بعضهم فنفى الخلاف فيه بينهم (8)،مشعراً بدعوى

ص:167


1- النهاية:211،المبسوط 1:313،المهذب 1:214،الجمل و العقود(الرسائل العشر):226،السرائر 1:529،شرح جمل العلم و العمل:214.
2- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:159،و الشهيد الثاني في المسالك 1:104،و صاحب المدارك 7:223،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:306،و صاحب الحدائق 14:450.
3- المعتبر 2:786.
4- اللمعة(الروضة البهية 2):210.
5- المسالك 1:104،الروضة 2:211.
6- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 2:211،و صاحب المدارك 7:223،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:306.
7- منهم:الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:310،و السبزواري في الذخيرة:576.
8- الحدائق 14:450.

الإجماع،كما حكاه في الذخيرة عن التذكرة (1).

قيل (2):و يؤيده ما روي عن النبي 9 من قوله:« فمن كان دونهن فمهلّه من أهله» (3).

أقول:و نحوه أو قريب منه المرسل المروي في الفقيه:عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم؟قال:« من منزله» (4).

لكن في الصحيحين الواردين في المجاور أمره بالإحرام بالحج من الجعرانة (5)،سواء انتقل فرضه إلى فرض أهله أم لا،إلّا أن يقيد بالأخير، أو يجعل ذلك من خصائص المجاور كما قيل (6).

و كل من حج أو اعتمر على طريق كالشامي يمرّ بذي الحليفة فميقاته ميقات أهله بغير خلاف أجده،و به صرّح في الذخيرة (7)،مشعراً بدعوى الإجماع عليه،كما في عبائر جماعة (8)،بل في المنتهى إنه لا يعرف فيه خلافاً (9)،مشعراً بدعوى الإجماع عليه من الخاصة و العامة.

للنبوي:« هنّ لهنّ و لمن أتى عليهنّ من غير أهلهن» (10)و بمعناه

ص:168


1- الذخيرة:572.
2- كشف اللثام 1:306.
3- سنن البيهقي 5:29.
4- الفقيه 1:/199 911،الوسائل 11:335 أبواب المواقيت ب 17 ح 6.
5- الكافي 4:/300 5،و /302 9،الوسائل 11:267 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 5،6.
6- انظر الحدائق 14:540.
7- الذخيرة:576.
8- منهم:صاحبا المدارك 7:226،و الحدائق 14:455.
9- المنتهى 2:667.
10- سنن البيهقي 5:29.

الصحيح (1)و غيره (2).

و لانتفاء العسر و الحرج في الشريعة.

و لو حج إلى طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت كالبحر مثلاً أحرم عند محاذاة أقربها إلى طريقه؛ لأصالة البراءة من المسير إلى الميقات، و اختصاص نصوص المواقيت في غير أهلها بمن أتاها.

و للصحيح في المدني:« يخرج في غير طريق المدينة،فإن كان حذاء الشجرة مسيرة ستة أميال فليحرم منها» (3).

و لكن في الكافي بعد نقله:و في رواية:« يحرم من الشجرة ثم يأخذ أيّ طريق شاء» (4).

لكنها مرسلة،فلا تعارض الرواية الصحيحة،سيّما مع اعتضادها بالأصل،و نفي الحرج في الشريعة،و الشهرة العظيمة في الجملة،إذ لم نجد مخالفاً في المسألة عدا الماتن في ظاهر الشرائع،حيث عزا الحكم إلى القيل (5)،مشعراً بتمريضه أو توقفه فيه،و تبعه فيه جماعة من المتأخرين (6).و لا وجه له بعد ما عرفته.

كما لا وجه لاعتبار الأقرب إلى مكة،كما في القواعد و غيره (7).و لا

ص:169


1- الكافي 4:/323 2،الوسائل 11:331 أبواب المواقيت ب 15 ح 1.
2- التهذيب 5:/57 179،الوسائل 11:332 أبواب المواقيت ب 15 ح 2.
3- الفقيه 2:/200 913،الوسائل 11:318 أبواب المواقيت ب 7 ح 3.
4- الكافي 4:/321 9،الوسائل 11:318 أبواب المواقيت ب 7 ح 2.
5- الشرائع 1:241.
6- منهم:صاحب المدارك 7:223،و السبزواري في الذخيرة:577،و صاحب الحدائق 14:453.
7- القواعد 1:79؛ و انظر الروضة 2:227.

للتخيير بين المحاذاة لأيّ ميقات كان،كما عن الحلّي و الإسكافي (1).

و يكفي الظن بالمحاذاة،كما عن المبسوط و الجامع و التحرير و المنتهى و التذكرة و الدروس (2)؛ للحرج،و الأصل.

فإن ظهر التقدّم أعاد،كما في الأخير؛ قيل:لعدم جوازه مطلقاً (3).

و إن ظهر التأخّر قيل:فالأظهر الإجزاء كما في غير الأولين؛ للحرج، و أصل البراءة،لأنه كلّف باتّباع ظنه.

و إن لم يكن له طريق إلى علم أو ظن قيل:أحرم من بُعد بحيث يعلم أنه لم يجاوز الميقات إلّا محرماً،كذا في التحرير و المنتهى.و فيه نظر ظاهر (4).

و لو لم يحاذِ شيئاً منها قيل:يحرم من مساواة أقربها إلى مكة،و هو مرحلتان تقريباً؛ لأنّ هذه المسافة لا يجوز لأحد قطعها إلّا محرماً (5).

و قيل:من أدنى الحلّ؛ لأصالة البراءة من وجوب الزائد (6).

و ربما يستبعد الفرض بأن المواقيت محيطة بالحرم،فذو الحليفة شامية،و يلملم يمانية،و قَرن شرقية،و العقيق غريبة،فلا طريق لا تؤدي إلى الميقات و لا إلى المحاذاة،إلّا أن يراد الجهل بالمحاذاة.

و يجرّد الصبيان من فَخّ بفتح الفاء و تشديد الخاء،و هو بئر

ص:170


1- الحلي في السرائر 1:529،و نقله عن الإسكافي في المختلف 263.
2- المبسوط 1:313،الجامع للشرائع:181،التحرير 1:95،المنتهى 1:671،التذكرة 1:322،الدروس 1:341.
3- كشف اللثام 1:307.
4- كشف اللثام 1:307.
5- المسالك 1:104.
6- استحسنه صاحب المدارك 7:224.

معروف على نحو فرسخ من مكة،على ما ذكره جماعة (1)،و عن القاموس أنه موضع بمكة،و النهاية الأثيرية موضع عندها (2).

و لا خلاف في الحكم؛ للصحيحين (3)و إن اختلفوا في المراد بالتجريد،أ هو الإحرام كما عن صريح الماتن في المعتبر (4)،و قريب منه الفاضل في التحرير و المنتهى (5)،و أفتى به في الدروس (6)،و قوّاه في المسالك و إن جعل الإحرام بهم من الميقات أولى (7)،و تبعه في الجواز جملة من المتأخرين (8)،و عزاه بعضهم إلى الأكثر (9)،و يظهر آخر عدم الخلاف فيه (10).

أو نزع الثياب خاصة و لكن يحرم بهم من الميقات،كما عن السرائر (11)،و به أفتى المحقق الثاني (12)،و جعله مراد الماتن في التنقيح (13)؟

ص:171


1- كالفاضل المقداد في التنقيح 1:448،و صاحب المدارك 7:227،و السبزواري في الذخيرة:583،و المجلسي في ملاذ الأخيار 8:404.
2- انظر النهاية 3:418.
3- الأول:الفقيه 2:/265 1292،الوسائل 11:336 أبواب المواقيت ب 18 ح 1.الثاني:التهذيب 5:/409 1422،الوسائل 11:336 أبواب المواقيت ب 18 ذيل الحديث 1.
4- المعتبر 2:804.
5- التحرير 1:94،المنتهى 2:667.
6- الدروس 1:342.
7- المسالك 1:104.
8- منهم صاحب المدارك 7:227.
9- كالمجلسي في مرآة العقول 17:210،و صاحب الحدائق 14:457.
10- مفاتيح الشرائع 1:310.
11- السرائر 1:537.
12- جامع المقاصد 3:160.
13- السرائر 1:537.

و تردّد بينهما بعض المتأخرين،قال:من عموم نصوص المواقيت، و النهي عن تأخير الإحرام عنها،و عدم تضمن الصحيحين سوى التجريد، فالتأخير تشريع.

و من عموم لزوم الكفارة على الولي إذا لم يجتنبوا ما يوجبها و منه لبس المخيط (1)؛ و الصحيح:« قدّموا من معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مَرّ،ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم» (2)و أن الإحرام بهم مندوب فلا يلزم من الميقات،لطول المسافة،و صعوبة تجنبهم عن المحرّمات، كما لا يلزم من أصله (3).

و في الأدلة من الطرفين نظر،و لا سيّما الصحيح المستدل به على الوجه الثاني و إن استدل به الشهيدان في الدروس و المسالك (4)عليه

ص:172


1- في هذا الدليل نوع غموض،و لعلّ المراد أنه لو كان الإحرام بهم من الميقات لازماً على ما هو مقتضى الوجه المقابل،للزم منه تخصيص العمومات الدالة على لزوم الكفارة بلبس المخيط،بناءً على جوازه للصبيان قبل فخّ بالنصّ و الإجماع،و إذا جاز تأخير الإحرام بهم من فخّ كانت العمومات المزبورة باقية على حالها،و لا ريب أن الأصل بقاء العموم على حاله إلى أن يظهر الصارف،و ليس بصارف. و فيه نظر واضح،إذ التخصيص على كل تقدير لازم بناءً على ما سيأتي في المتن من أن التأخير إلى فخّ إنما هو على وجه الجواز لا الوجوب و أنه لا خلاف في جواز الإحرام بهم من الميقات،و حينئذ فلو أُحرموا بهم منه و البسوا المخيط لم يلزم الكفارة للرخصة فيه،فلا يستعقب كفارة،فقد خصّصت أدلة وجوبها هنا أيضاً على هذا التقدير أيضاً.(منه رحمه اللّه).
2- الكافي 4:/304 4،الفقيه 2:/266 1294،التهذيب 5:/409 1423،الوسائل 11:287 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 3،مَرَّ وزان فلس موضع بقرب مكة من جهة الشام الشام نحو مرحلة.
3- انظر كشف اللثام 1:306.
4- الدورس 1:342،المسالك 1:104.

أيضاً،فإنه على خلافه أظهر،و لذا استدل به جماعة على أفضلية الإحرام بهم من الميقات بعد أن حكوها عن الشيخ و غيره،و استدلوا على جواز إحرامهم من فَخّ بعد نقلهم له عنهما بالصحيحين،زعماً منهم ظهور التجريد في الإحرام (1).

و المسألة قوية الإشكال،و حيث إن المستفاد من جماعة عدم إشكال في جواز الإحرام بهم من الميقات،بل و أفضليته،و أن التأخير إلى فَخّ إنما هو على سبيل الجواز،كان الإحرام بهم من الميقات أولى و أحوط.

أحكام المواقيت
اشارة

و أحكام المواقيت تشتمل على مسائل ثلاث:

الاُولى لا يصح الإحرام قبل الميقات

الاُولى:لا يصح الإحرام قبل الميقات بإجماعنا الظاهر،المنقول في جملة من العبائر (2)؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (3).

إلّا لناذر له قبله فيصح بشرط أن يقع في أشهر الحج لو كان لحج أو لعمرة متمتع بها،و إلّا فيصح مطلقاً على الأقوى.

وفاقاً للشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف و التهذيبين و الديلمي و القاضي و ابن حمزة (4)،و المفيد كما حكي (5)،و عليه أكثر المتأخرين على ما أجده،أو مطلقاً على ما يستفاد من الذخيرة و غيرها (6)،و في المسالك

ص:173


1- المدارك 7:227،الذخيرة:583،الحدائق 14:457.
2- كالخلاف 2:286،و المنتهى 2:668،و المفاتيح 1:311.
3- الوسائل 11:322 أبواب المواقيت ب 11.
4- النهاية:209،المبسوط 1:311،الخلاف 2:286،الاستبصار 2:164،التهذيب 5:53،الديلمي في المراسم:108،القاضي في المهذّب 1:214،ابن حمزة في الوسيلة:159.
5- حكاه عنه في كشف اللثام 1:307.
6- الذخيرة:574؛ و انظر كشف اللثام 1:307.

و غيره (1):أنه المشهور بين الأصحاب.

للمعتبرة المتضمنة للصحيح (2)على ما صرّح به جماعة (3)،و إن تأمل فيها بعض الأجلة (4)و الموثق و غيرهما (5).

خلافاً للحلّي و الفاضل في المختلف (6)،فمنعا عن هذا الاستثناء؛ لانه نذر غير مشروع،كنذر الصلاة في غير وقتها،و إيقاع المناسك في غير مواضعها؛ و ضعف النصوص،و ظهور احتمالها ما يأتي في بحث المصدود من بعث الرجل من منزله الهدي و اجتنابه ما يجتنبه المحرم،أو المسير للإحرام من الكوفة أو خراسان.

و لا يخفى عليك ما في هذين الاحتمالين من البعد و مخالفة فهم الأصحاب.

و ضعف النصوص أوّلاً ممنوع،و ثانياً على تقديره فهو بالشهرة الظاهرة و المنقولة مجبور،فيمنع بها الأصل المتمسك به للمنع،و نظيره في الصوم موجود.

هذا،و طريق الاحتياط واضح بالجمع بين الإحرام من المحل المنذور و من الميقات،كما عن المراسم و الراوندي (7).

ص:174


1- المسالك 1:104؛ و انظر الحدائق 14:461.
2- التهذيب 5:/53 162،الإستبصار 2:/163 534،الوسائل 11:326 أبواب المواقيت ب 13 ح 1.
3- منهم:العلّامة في المنتهى 2:669،و المحقق الكركي في جامع المقاصد 3:161،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:311.
4- منتقى الجمان 3:138،الذخيرة:574.
5- الوسائل 11:326 أبواب المواقيت ب 13 ح 2،3.
6- الحلي في السرائر 1:527،المختلف:263.
7- المراسم:108،حكاه عن الراوندي في الدروس 1:341.

و عن غيرهما إن نذر إحراماً واجباً وجب تجديده من الميقات،و إلّا استحب (1).

و يستثنى من كلية المنع صورة أُخرى أشار إليها بقوله:

أو للعمرة المفردة في رجب لمن خشي تقضيه بتأخير الإحرام إلى الوقت،بلا خلاف أجده،كما في الذخيرة (2)،و في ظاهر المعتبر و المنتهى (3):إن عليه اتفاق علمائنا،و في شرح القواعد للمحقق الثاني إن عليه إجماعنا (4)؛ للصحيحين (5).

قيل:و لم يتعرض له كثير من الأصحاب،و الاحتياط تجديد الإحرام من الميقات (6).

الثانية لا يجاوز الميقات إلّا محرماً

الثانية:لا يجاوز من أراد النسك من الميقات إلّا محرماً في حال الاختيار،بالنص و إجماع العلماء،كما عن المعتبر و المنتهى (7)،و في التحرير و غيره (8):الإجماع مطلقاً؛ لأن ذلك مقتضى التوقيت،مضافاً إلى وقوع التصريح به في جملة من الصحاح

ص:175


1- انظر كشف اللثام 1:307.
2- الذخيرة:574.
3- المعتبر 2:806،المنتهى 2:669.
4- جامع المقاصد 3:161.
5- الأول:الكافي 4:/323 8،التهذيب 5:/53 161،الإستبصار 2:/163 533،الوسائل 11:325 أبواب المواقيت ب 12 ح 1.الثاني:الكافي 4:/323 9،التهذيب 5:/53 160،الإستبصار 2:/162 532،الوسائل 11:326 أبواب المواقيت ب 12 ح 2.
6- كشف اللثام 1:308.
7- المعتبر 2:808،المنتهى 2:669.
8- التحرير 1:94؛ و انظر كشف اللثام 1:308.

منها:« من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه 9 لا تجاوزها إلّا و أنت محرم» (1).

و منها:« لا تجاوز الجحفة إلّا محرماً» (2).

و منها:« لا ينبغي لحاجّ و لا معتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها» (3).

و يجوز لعذر من نحو حرّ أو برد عند الشيخ (4)؛ لانتفاء العسر و الحرج.

و للصحيح:« فلا يجاوز الميقات إلّا من علة» (5).

و أظهر منه المرسل:« إذا خاف الرجل على نفسه أخّر إحرامه إلى الحرم» (6).

خلافاً للحلّي حيث حمل فتوى الشيخ على تأخير الصورة الظاهرة للإحرام من التعرّي و لبس الثوبين،دون غيرها،فإن المرض و التقية و نحوهما لا تمنع النية و التلبية،و إن منعت التلبية كان كالأخرس،و إن أُغمي عليه لم يكن هو المؤخّر،قال:و إن أراد و قصد شيخنا غير ذلك فهذا يكون قد ترك الإحرام متعمداً من موضعه،فيؤدّي إلى إبطال حجه بغير خلاف (7).

و ارتضاه الفاضل في المختلف و التحرير و المنتهى (8)،و يميل إليه

ص:176


1- الكافي 4:/318 1،التهذيب 5:/54 166،علل الشرائع:/434 2،الوسائل 11:307 أبواب المواقيت ب 1 ح 2.
2- التهذيب 5:/57 177،الوسائل 11:316 أبواب المواقيت ب 6 ح 3.
3- الكافي 4:/319 2،الفقيه 2:/98 903،التهذيب 5:/55 167،الوسائل 11:308 أبواب المواقيت ب 1 ح 3.
4- كما في المبسوط 1:311.
5- الكافي 4:/323 2،الوسائل 11:331 أبواب المواقيت ب 15 ح 1.
6- التهذيب 5:/58 182،الوسائل 11:333 أبواب المواقيت ب 16 ح 3.
7- السرائر 1:527.
8- المختلف:263،التحرير 1:94،المنتهى 2:671.

الماتن في المعتبر و غيره (1).

و لعلّه لحديث:« الميسور لا يسقط بالمعسور» (2).

و يؤيده الحديث المتقدم فيمن مرّ على المسلخ مع العامة و لم يمكنه إظهار الإحرام تقية،المتضمن لأنه:« يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب و يلبّي في نفسه و إذا بلغ ميقاتهم أظهره» (3).

و لا بأس به؛ لقوة دليله،مع قصور الخبرين بعد إرسال أحدهما على التصريح بخلافه.

و يرجع إليه أي إلى الميقات لو لم يحرم منه عمداً أو سهواً، أو جهلاً بالحكم أو بالوقت،بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى (4).

أما في العمد فلتوقف الواجب عليه.

و أما في غيره فللصحاح و غيرها،منها في الناسي:« يخرج إلى ميقات أهل أرضه،فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه،فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج من الحرم» (5).

و منها في الجاهل:« إن كان عليها مهلة فترجع إلى الوقت فلتحرم منه،فإن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما يخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم» (6).

ص:177


1- المعتبر 2:809؛ و انظر المدارك 7:231.
2- عوالي اللئلئ 4:/58 205.
3- راجع ص:2820.
4- المنتهى 2:669.
5- الكافي 4:/323 1،التهذيب 5:/283 965،الوسائل 11:328 أبواب المواقيت ب 14 ح 1؛ بتفاوت يسير.
6- الكافي 4:/325 10،التهذيب 5:/389 1362،الوسائل 11:329 أبواب المواقيت ب 14 ح 4.

و منها:عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم،فقال:« يرجع إلى ميقات بلاده الذي يحرمون منه فيحرم،فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه،فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج» (1).

و نحوه غيره المروي عن قرب الإسناد (2).

و أما ما في جملة من المعتبرة في الجاهل من الأمر بالخروج إلى خارج الحرم بقول مطلق كما في الصحيح (3)،أو بالإحرام من مكانه من مكة أو من المسجد كذلك كما في الموثق (4)،و نحوه عبارة الغنية (5)فمحمول على صورة عدم التمكن من الخروج إلى الميقات،كما هو الغالب،فيحمل الإطلاق عليه،حملاً للمطلق على المقيد،و اقتصاراً في الإطلاق على المتيقن.

لكن في بعض الأخبار المنقولة عن قرب الإسناد الواردة في الجاهل:

« إن كان جاهلاً فليبن من مكانه[ليقضي]فإن ذلك يجزيه إن شاء اللّه،و إن رجع إلى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل» (6).

و هو كالصريح،بل صريح في جواز الإحرام من غير الميقات مع التمكن من الرجوع إليه،إلّا أن سنده غير واضح،و مع ذلك فلندوره و عدم مكافأته لما مرّ من وجوه عن المعارضة له قاصر.

و ربما يستفاد من العبارة وجوب الرجوع على من لا يريد النسك ثم

ص:178


1- التهذيب 5:/58 180،الوسائل 11:330 أبواب المواقيت ب 14 ح 7.
2- قرب الإسناد:/241 955،الوسائل 11:331 أبواب المواقيت ب 14 ح 9.
3- الكافي 4:/325 7،التهذيب 5:/284 966،الوسائل 11:329 أبواب المواقيت ب 14 ح 3.
4- الكافي 4:/326 12،الوسائل 11:329 أبواب المواقيت ب 14 ح 5.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):574.
6- قرب الإسناد:/242 956،الوسائل 11:331 أبواب المواقيت ب 14 ح 10،و أضفنا ما بين المعقوفين من المصدر.

أراده.و هو مقطوع به بين الأصحاب على الظاهر،المصرَّح به في عبائر جماعة كالمدارك و الذخيرة و غيرهما (1)،مشعرين بعدم خلاف فيه،كما صرّح به في المفاتيح (2)،بل ظاهر المنتهى أنه لا خلاف فيه بين العلماء إلّا من بعض العامة العمياء (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى إطلاق بعض الصحاح المتقدمة المعتضد بما في المعتبر و المنتهى (4)بأنه متمكن من الإتيان بالنسك على الوجه المأمور به فيكون واجباً.و مرجعه إلى ما في المدارك من إطلاق النهي عن مجاوزة الميقات لكل حاجّ و معتمر (5).و لا يخلو عن نظر.

ثم إن هذا مع إمكان الرجوع.

فإن لم يتمكن منه فلا حج له إن كان المتجاوز عن الميقات بغير إحرام عامداً كما عن النهاية و الاقتصاد و الوسيلة و السرائر و الجامع و كتب الماتن و المهذّب و الغنية (6)،و في المنتهى و التحرير و الدروس و اللمعتين و المسالك (7)،و بالجملة:الأكثر،كما في الذخيرة (8)،و ربما يفهم

ص:179


1- المدارك 7:234،الذخيرة:574.
2- مفاتيح الشرائع 1:311.
3- المنتهى 2:670؛ و انظر المغني و الشرح الكبير 3:221.
4- المعتبر 2:808،المنتهى 2:670.
5- المدارك 7:234.
6- النهاية:210،الاقتصاد:300،الوسيلة:159،السرائر 1:527،الجامع للشرائع:178،الماتن في المعتبر 2:808،و الشرائع 1:242،المهذب 1:214،الغنية(الجوامع الفقهية):574.
7- المنتهى 2:669،التحرير 1:94،الدروس 1:340،اللمعة(الروضة البهية 2):223،المسالك 1:105.
8- الذخيرة:575.

من المنتهى و غيره (1)عدم خلاف فيه بيننا.

لأن الإحرام من غير الميقات خلاف ما أمر به الشارع فلا يصح إلا فيما أذن فيه،و لا إذن هنا؛ لاختصاص النصوص الآذنة بمن عدا العامد.

و إطلاق بعض الصحاح المتقدمة غير معلومة الانصراف إلى مفروض المسألة،كما صرّح به في الذخيرة بالإضافة إلى الجاهل (2)،فما ظنّك بالعامد؟! مع أنه معارض بإطلاق جملة من المعتبرة:

منها الصحيح:« من أحرم دون الميقات فلا إحرام له» (3).

و منها المروي في العيون عن مولانا الرضا 7 أنه كتب إلى المأمون في كتاب:« و لا يجوز الإحرام دون الميقات،قال اللّه سبحانه: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ [1] (4).

فإنه إذا لم يجز كان فاسداً؛ لأنه عبادة منهي عنها.و إرجاعها إلى الأول بتقييد أو صرف ظاهر ليس بأولى من العكس،بل هو أولى من وجوه لا تخفى.

فظهر ضعف القول بإلحاقه بالناسي إذا وجب الحج عليه مضيقاً،كما قوّاه جماعة من متأخري المتأخرين (5)،و يحتمله إطلاق المبسوط و المصباح و مختصره كما حكي (6)،و يأتي فيه ما فيه سابقه.

ص:180


1- المنتهى 2:669؛ و انظر التذكرة 1:321.
2- الذخيرة:574.
3- الكافي 4:/322 4،التهذيب 5:/52 157،الإستبصار 2:/162 529،الوسائل 11:320 أبواب المواقيت ب 9 ح 3.
4- عيون الأخبار 2:/120 1،الوسائل 11:320 أبواب المواقيت ب 9 ح 4.
5- منهم صاحب المدارك 7:235،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:309،و انظر الحدائق 14:474.
6- حكاه في كشف اللثام 1:309.

و اعلم أن إطلاق نفي الإحرام و جوازه في الخبرين يعمّ الإحرام للعمرة المفردة،و عليه فلا يباح له دخول مكة حتى يحرم من الميقات، كما حكي التصريح به عن بعض الأصحاب (1).

و ردّ بأنه ليس بجيّد و لا موافق لكلام الأصحاب،فإنهم إنما صرّحوا ببطلان الحج أو وجوب إعادته،إلّا الفاضل في القواعد و الإرشاد (2)، و الماتن في الشرائع (3)،ففي كلامهما:لا يصح له الإحرام إلّا من الميقات، و الشهيد في الدروس ففيه بطلان النسك (4)،و اللمعة ففيها بطلان الإحرام (5)،و الكل يحتمل ما صرّح به غيرهم،أي من أن المراد بطلان الحج خاصة،لا العمرة المفردة،فإن أدنى الحلّ ميقات اختياري لها،غاية الأمر إثمه بتركه مما مرّ عليه من المواقيت.

و يحرم من موضعه أينما كان إذا كان لم يدخل الحرم إن كان ناسياً أو جاهلاً أو لا يريد النسك و يندرج فيه من لا يكون قاصداً دخول مكة عند مروره على الميقات ثم تجدّد له قصده،و من لا يجب عليه الإحرام لدخولها، كالمتكرر،و من دخلها لقتال إذا لم يكن مريداً للنسك ثم تجدّد له إرادته.

أما من مرّ على الميقات قاصداً دخول مكة و كان ممن يلزمه الإحرام لدخولها لكنه لم يرد النسك فهو في معنى متعمد ترك الإحرام،بل أولى.

و لو دخل أحد هؤلاء مكة أو الحرم خرج إلى الميقات مع الإمكان و أحرم منه كما مرّ و مع التعذر ف من أدنى الحلّ،و مع

ص:181


1- حكاه عنه في كشف اللثام 1:309.
2- القواعد 1:79،الإرشاد 1:314.
3- الشرائع 1:242.
4- الدروس 1:341.
5- اللمعة(الروضة البهية 2):223.

التعذر يحرم من موضعه مكة أو الحرم.

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و به صرّح بعض الصحاح المستفيضة،المتقدمة إلى جملة منها الإشارة،بعد حمل مطلقها على مقيدها هنا أيضاً على نحو ما مضى،و هي و إن اختصت بالناسي و الجاهل إلّا أن الأخير ملحق بهما بلا خلاف.

قيل:أما في وجوب خروجه إلى الميقات إذا أمكن و أراد الحج أو عمرة التمتع فظاهر،و أطلق الشافعي إحرامه من موضعه.و أما إجزاء إحرامه من موضعه أو أدنى الحلّ إذا لم يمكن فلأن مجاوزته الميقات بلا إحرام كانت تجوز له إذا لم يكن يريد النسك،أمّا نحو الحطّاب فظاهر،و أما غيره ممن لا يريد الحرم فللأصل،و مروره 9 بذي الحليفة مرّتين لغزوتي بدر محلّاً هو و أصحابه،و كأنه لا خلاف فيه (1).

و اعلم أن إطلاق العبارة و نحوها بجواز الإحرام من أدنى الحلّ أو موضعه حيث يتعذر العود إلى الميقات يقتضي عدم وجوب العود إلى ما أمكن من الطريق،و هو مقتضى إطلاق أكثر النصوص،إلّا أن بعض الصحاح المتقدّمة منها يقتضي وجوبه،و يعضده حديث:« الميسور لا يسقط بالمعسور» و هو فتوى الشهيد كما قيل (2).

الثالثة لو نسي الإحرام أو جهله حتى أكمل مناسكه فالمروي أنه لا قضاء

الثالثة: لو نسي الإحرام أو جهله حتى أكمل مناسكه فالمروي في الصحيح (3)و المرسل الجميل أنه لا قضاء عليه على تقدير وجوبه إذا كان قد نوى ذلك كما في الثاني،و فيه ذكر الناسي،و يرجع إليه الأول

ص:182


1- كشف اللثام 1:308.
2- كشف اللثام 1:309،و انظر الدروس 1:341.
3- التهذيب 5:/476 1678،الوسائل 11:338 أبواب المواقيت ب 20 ح 2.

فيهما بالتقييد و حمل الجاهل فيه على معنى يعمّ الناسي،بل يفهم من بعض أنه معناه الحقيقي (1)،مضافاً إلى الأولوية المصرَّح بها في كلام جماعة (2).

و لكن لبعض فيها مناقشة،و أراد بها الصحيحة،بناءً على ان موردها الجاهل خاصة،و هو غير مفروض المسألة في كلام الجماعة،قال:مع أنها مخصوصة بإحرام الحج دون العمرة؛ و ردّ المرسلة بضعف السند (3).

و يضعّف بانجبار ضعف السند بعمل الأكثر،كالشيخ في كتابي الحديث و النهاية و المبسوط و الجمل و العقود و الاقتصاد (4)،و ابن حمزة في الوسيلة و القاضي في المهذّب و الماتن في المعتبر و ابن عمّه في الجامع (5)و الفاضل في القواعد و التحرير و المنتهى (6)،و الفاضل المقداد في التنقيح و الشهيدين في النكت و المسالك (7)،و فيه:أنه فتوى المعظم،و في الدروس:أنه فتوى الأصحاب عدا الحلّي (8).و لعلّه كذلك؛ إذ لم نقف على مخالف صريح عداه،و المناقش المتقدم قد وافق الأصحاب.

و يستفاد من المرسل أن الإحرام المنسي هو التلبية دون النية،فيفسد بتركها الحج،كما صرّح به الشيخ في المبسوط في فصل فرائض الحج (9)،

ص:183


1- انظر كشف اللثام 1:309.
2- منهم:الشهيدان في غاية المراد 1:392،و المسالك 1:105،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:309.
3- المدارك 7:238.
4- لم نعثر عليه في الاستبصار،التهذيب 5:60،النهاية:211،المبسوط 1:314،الجمل و العقود(الرسائل العشر):233،الاقتصاد:305.
5- الوسيلة:159،المهذّب 1:243،المعتبر 2:810،الجامع للشرائع:180.
6- القواعد 1:79،التحرير 1:97،المنتهى 2:684.
7- التنقيح الرائع 1:451،غاية المراد 1:391،المسالك 1:105.
8- الدروس 1:350؛ و هو في السرائر 1:529.
9- المبسوط 1:382.

و اشترط النية في النهاية و فصلِ ذكر كيفية الإحرام من المبسوط (1)،كالمرسل.

و لا يخلو من وجه؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الآتي بيانه على المتيقن من الفتوى و النص،و هو ما عدا النية و إن أُطلق الإحرام في الصحيح،بناءً على ما يستفاد من المرسلة و غيرها من الأخبار الصحيحة من أن المراد بالإحرام هو التلبية،و سيأتي في بحثها إليها الإشارة.

و لئن تنزلنا عن كون الإحرام حقيقة فيها نقول:لا ريب في جهالة حقيقته بحسب الفتوى و الرواية،إذ لم يستفد منها خلاف ذلك،و كذا من الفتوى،لاختلافها في بيانها:

فبين قائلٍ بأنها مركبة من النية و التلبية و لبس الثوبين،كالفاضل في المختلف (2).

و قائلٍ بأنها الأولان خاصة،كالحلّي (3).

و قائلٍ بأنها الأول خاصة،كما عن الجمل و المبسوط (4)،و فيه ما عرفته.و قريب منه ما عن الشهيد من أنها توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة إلى أن يأتي بالمناسك،و التلبية هي الرابطة لذلك التوطين،فنسبتها إليه كنسبة التحريمة إلى الصلاة،و الأفعال هي المزيلة لذلك الربط،و يتحقق زواله بالكلية بآخرها،أعني التقصير و طواف النساء بالنسبة إلى النسكين (5).

و قائلٍ بغير ذلك (6).

و عليه فيكون الإحرام مجملاً يجب فيه الأخذ بالاحتياط،و هو العمل

ص:184


1- النهاية:211،المبسوط 1:314.
2- المختلف:263.
3- السرائر 1:532.
4- الجمل و العقود(الرسائل العشر):226،المبسوط 1:365.
5- غاية المراد 1:389.
6- انظر جامع المقاصد 3:162،و كشف اللثام 1:309.

بمتقضى الفساد بترك كل ما يحتمل كونه إحراماً،خرج منه ما عدا النية فتوًى و روايةً، لاتفاقهما على الصحة في[تركه،فيبقى تركها (1)]تحت الأصل مندرجاً.

و فيه نظر،أما أولاً:فلمنع الإجمال بإمكان ترجيح الأول من الأقوال بالتبادر عند المتشرعة،فيكون مراداً من الصحيحة و لو على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية،لوجود القرينة،و هي اتفاق الطائفة.

و أما ثانياً:فلدخول النية الإحرام على جميع الأقوال و إن اختلف في الزيادة،بل ظاهر جملة منها أنها الإحرام خاصة،فتركها يدخل في الصحيحة.

و أما ثالثاً:فلأن الإجمال يقتضي الرجوع في المشتبه إلى مقتضى الأصل،و هو هنا البراءة؛ لأن الإحرام المأمور به عموماً فتوًى و روايةً،و المصرَّح في الصحيح بعدم البأس بتركه جهلاً،إما ما أفادته الأخبار من خصوص التلبية فلا دليل على وجوب غيرها مطلقاً،لا مجملاً و لا مبيّناً،أو ما ذكره الأصحاب و هو يشمل النية فتركها يدخل في الصحيحة.و تقييدها بالمرسلة فرع حجيتها،و هي هنا ممنوعة؛ لخلو فتوى الأكثر الجابرة لها عن التقييد بما إذا نوى،و إنما هو شيء مذكور في عبارة الشيخ،هذا،مع نوع إجمال فيها.

فالإطلاق كما عليه الأكثر لعلّه أقوى.

و المناقشة باختصاص الصحيحة بالجاهل فلا يتعدّى إلى الناسي الذي هو مفروض المسألة،مدفوعة بما عرفته من الأولوية إن لم نقل بعمومه لهما لغة،و إلّا فالصحيحة مطلقة.

و منع الأولوية محل مناقشة،كيف و قد فهمها الجماعة،و اتّضح في الناسي وجه الحكمة،و هو ما استدل به جماعة (2)من أن السهو و النسيان

ص:185


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ:تركها خاصة،فيبقى ما عداها..،و المعنى معه غير مستقيم كما يظهر بالتأمّل،و قد راجعنا للتصحيح إلى جواهر الكلام 18:135.
2- كالفاضل المقداد في التنقيح 1:451،و المهذب البارع 2:158.

كالطبيعة الثانية للإنسان،فلو أوجبا القضاء للزم العسر و الحرج المنفيان شرعاً،و لا كذلك الجاهل،فإنّ هذه الحكمة غير موجودة فيه أصلاً.

و فيه وجه بالقضاء للحلّي مخرَّج من أن الأعمال بالنيات، قال:فكيف تصح بلا نية،و ردّ به كلام شيخ الطائفة (1).

و يضعّف:بأنه لا عمل هنا بلا نية كما في المختلف و المنتهى (2)، و استغرب فيه كلامه و قال:إنه لا يوجبه فيه البتة،و الظاهر أنه قد وهم في ذلك؛ لأن الشيخ قد اجتزأ بالنية عن الفعل فتوهّم أنه قد اجتزأ بالفعل بغير نية،و هذا الغلط من باب إبهام العكس.انتهى.

و في المعتبر:و لست أدري كيف يحلّ له هذا الاستدلال و لا كيف يوجّهه،فإن كان يقول:إن الإخلال بالإحرام إخلال بالنية في بقية المناسك فنحن نتكلم على تقدير وقوع نية كل منسك على وجهه ظاناً أنه أحرم أو جاهلاً بالإحرام،فالنية حاصلة مع إيقاع كل منسك،فلا وجه لما قاله (3).

و هو حسن،و بناؤه كالفاضل على أن المراد بالإحرام المنسي في كلام الشيخ إنما هو ما عدا النية،كما عرفته من مذهبه المتقدم إليه الإشارة، فلا يرد ما ذكره الشهيد من أن نسيان نية الإحرام يبطل سائر المناسك؛ لعدم صحة نياتها مُحلّاً (4).

و الأولى في توجيه مذهبه حيث لا يذهب إلى حجية الآحاد التمسك بأصالة وجوب الإتيان بالمأمور به على وجهه،و لم يحصل،و غاية النسيان رفع المؤاخذة،لا صحة العبادة.و هو متين لولا الرواية المنجبرة بفتوى الأصحاب.

ص:186


1- السرائر 1:529.
2- المختلف:264،المنتهى 2:685.
3- المعتبر 2:81.
4- غاية المراد 1:391.

المقاصد

المقصد الأول في أفعال الحج
اشارة

المقصد الأول:

في بيان أفعال الحج و هي:الإحرام،و الوقوف بعرفات و المشعر،و الذبح بمنى، و الطواف و ركعتاه،و السعي بين الصفا و المروة و طواف النساء و ركعتاه لما سيأتي من الأدلة لكل في مبحثه.

و في وجوب الرمي،و الحلق أو التقصير تردّد و اختلاف بين الأصحاب،خصوصاً في الرمي،فقد حكي الخلاف فيه في المختلف و الدروس (1)عن الشيخ و القاضي و ظاهر المفيد و الإسكافي.

و أما الثاني فلم يحلك الخلاف فيه في الأول،و حكي في الثاني عن التبيان خاصة،قال:و هو نادر (2).

و كذا في المنتهى،و فيه زيادة على ذلك:إن الوجوب مذهب علمائنا

ص:187


1- المختلف:302،الدروس 1:433.
2- الدروس 1:452.

اجمع (1).مؤذناً بدعوى الإجماع،كما صرّح به بعض الأصحاب (2).

و نحوهما في دعوى الشذوذ غيرهما.

و بالجملة:دعوى شذوذ الخلاف و ندوره هنا مستفيضة في كلام الجماعة.

و أما ما نقله في التنقيح عن الحلّي (3)فضعيف،فإنّ الموجود في السرائر خلافه و إن وجد في صدر عبارته ما يوهمه من قوله:يستحب أن يحلق رأسه بعد الذبح؛ لظهور عبارته بعد ذلك في الوجوب،و رجوع الاستحباب إلى الترتيب بينه و بين الذبح (4).

و كيف كان،فلا وجه للتردّد هنا؛ لمكان الإجماع الظاهر،و المحكي في عبائر هؤلاء؛ مضافاً إلى ما سيأتي.

بل و لا في الأوّل أيضاً؛ لنفي الحلّي الخلاف فيه بين أصحابنا،بل قال:و لا أظن من المسلمين مخالفاً (5).و نحوه في التذكرة و المنتهى (6).

و لا يقدح فيه مخالفة من مرّ من العظماء؛ لعدم معلومية مخالفتهم صريحاً، إذ الموجود في عبائرهم نحو لفظ« السنّة» المحتمل قريباً في كلامهم جمله على كون المراد بها ما ثبت وجوبه بالسنّة،في مقابلة الفريضة الإلهيّة،لا المعنى المصطلح عليه بين المتشرعة؛ و لذا قطع الحلّي بعدم المخالفة،طاعناً به على من توهّمها من عبارتهم،آتياً بقرائن من عبارة الشيخ و فتاواه ما يستأنس به لهذا الحمل.

و كيف كان أشبهه الوجوب لتظافر الأخبار بالأمر بهما،بل

ص:188


1- المنتهي 2:762.
2- كصاحب المدارك 8:88،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:360.
3- التنقيح الرائع 1:453.
4- السرائر 1:600.
5- السرائر 1:606.
6- التذكرة 1:376،المنتهى 2:771.

تواترها،كما صرّح به الحلّي،و زاد على هذا الدليل فقال و لنعم ما قال -:ثم فعل الرسول و الأئمة عليهم السلام يدل على ما اخترناه و شرحناه؛ لأن الحج في القرآن مجمل،و فعله عليه السلام إذا كان بياناً للمجمل جرى مجرى قوله،و البيان في حكم المبيّن،و لا خلاف أنه عليه السلام رمى الجمار،و قال:«خذوا عني مناسككم» (1)فقد أمرنا بالأخذ،و الأمر يقتضي الوجوب عندنا إلى أن قال-:و أيضاً دليل الاحتياط يقتضيه؛ لأنه لا خلاف بين الأُمة أن مَن رمى الجمار برئت ذمته من جميع أفعال الحج،و الخلاف حاصل إذا لم يرم الجمار (2).انتهى.

و لا معارض لهذه الأدلة سوى الأصل إن جوّزنا جريانه في نحو المقام،و هو مخصَّص بالأوامر،و إلّا فليس بمعارض أيضاً.

و أما التشكيك في دلالتها على الوجوب في أخبارنا في الذخيرة (3)، فممّا لا ينبغي الإصغاء إليه،و لا العروج في مقام التحقيق عليه؛ لضعفه من أصله كما بيّن في الأُصول مستقصى،و لا سيّما هنا،لفهم الأصحاب إياه منها،و هو أقوى قرينة عليه،كما صرّح به نفسه مراراً و منها المقام،و لكن في موضع منها،و لكن رجع عنه أخيراً.

و نحوه في الضعف تشكيكه في وجوب التأسّي،و تخصيصه بما إذا علم وجهه لا مطلقاً،فإنه مسلّم في غير ما وقع بياناً للمجمل،و أما فيه فلا، و خصوصاً في الوضوء و الصلاة و الحج،لورود الأمر به فيها،زيادةً على الدليل الاعتباري المبيَّن في الأُصول مفصّلاً.

و أما القدح في دلالة النص هنا على الوجوب بأنه يدل على وجوب

ص:189


1- عوالي اللئلئ 4:/34 118،المستدرك 9:420 أبواب الطواف ب 54 ح 4.
2- السرائر 1:607.
3- الذخيرة:680.

الأخذ عنه،لا على وجوب كلّ ما أُخذ عنه،و إلّا لكان المندوب المأخوذ و أجابا،و هو باطل.

فهو كما ترى؛ لظهوره في الثاني،كما فهمه الأصحاب كافةً قديماً و حديثاً،و لا ينافيه خروج المندوب بالإجماع و غيره،فإنّ العام المخصَّص حجّة في الباقي،و جعله قرينة على الاستحباب أو المعنى الأول دون التخصيص خلاف التحقيق،فإنه أولى من المجاز حيثما تعارضا.

و بالجملة:فلا إشكال في وجوبهما.

و يستحب الصدقة أما التوجه إلى السفر مطلقاً،فيخرج و لا يبالي و لو في يوم مكروه،كما في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

منها:« افتتح سفرك بالصدقة و اخرج إذا بدا لك» (1).

و منها:« من تصدّق بصدقة إذا أصبح دفع اللّه تعالى عنه نحس ذلك اليوم» (2).

و يستحب أن يكون عند وضع الرِّجل في الركاب،كما في الخبر،بل الصحيح كما قيل-:« كان علي بن الحسين 7 إذا أراد الخروج إلى بعض أمواله اشترى السلامة من اللّه عزّ و جلّ بما تيسّر له،و يكون ذلك إذا وضع رجليه في الركاب» (3).

و صلاة ركعتين أو أربع ركعات،ففي النبوي الخاصي:« ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل من ركعتين إذا أراد الخروج إلى

ص:190


1- الفقيه 2:/175 782،الوسائل 11:375 أبواب آداب السفر إلى الحج ب 15 ح 2.
2- الفقيه 2:/176 784،المحاسن:/349 27،الوسائل 11:377 أبواب آداب السفر إلى الحج ب 15 ح 6.
3- الفقيه 2:/176 785،المحاسن:/348 25،الوسائل 11:376 أبواب آداب السفر إلى الحج ب 15 ح 5.

سفر و يقول:اللّهم إني أستودعك نفسي و أهلي و مالي و ذريتي و دنياي و آخرتي و أمانتي و خاتمة عملي،إلّا أعطاه اللّه عزّ و جلّ ما سأل» (1).

و في آخر مروي عن أمان الأخطار:« ما استخلف عبد في أهله من خليفة إذا هو شدّ ثياب سفره خيراً من أربع ركعات يصلّيهن في بيته،يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب و قل هو اللّه أحد و يقول:اللّهم إني أتقرب إليك بهنّ فاجعلهنّ خليفتي في أهلي و مالي» (2).

و أن يقف على باب داره و إن كان في مفازة فمن حيث يريد السفر منه و يدعو بالمأثور و ذلك بعد أن يقرأ فاتحة الكتاب أمامه،و عن يمينه و شماله،و آية الكرسي كذلك.

ففي الخبر أو الصحيح:« لو أن رجلاً منكم إذا أراد السفر أقام على باب داره تلقاء وجهه الذي يتوجه له فقرأ الحمد أمامه و عن يمينه و عن شماله،و آية الكرسي أمامه و عن يمينه و عن شماله،ثم قال:اللّهم احفظني و احفظ ما معي،و سلّمني و سلم ما معي،و بلّغني و بلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل،لحفظه اللّه تعالى و حفظ ما معه و بلّغه و بلّغ ما معه» (3)و زيد في بعض النسخ المعوّذتان و التوحيد كذلك قبل آية الكرسي.

و أن يدعو بكلمات الفرج ففي الصحيح:« إذا خرجت من بيتك تريد الحج و العمرة إن شاء اللّه تعالى فادع دعاء الفرج،و هو:لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم،لا إله إلّا اللّه العليّ العظيم،سبحان اللّه ربّ السموات السبع

ص:191


1- الكافي 4:/283 1،الفقيه 2:/177 789،التهذيب 5:/49 152،الوسائل 11:379 أبواب آداب السفر إلى الحج ب 18 ح 1.
2- أمان الأخطار:44،الوسائل 11:381 أبواب آداب السفر إلى الحج ب 18 ح 3.
3- الكافي 2:/543 11 و ج 4:/283 1،الفقيه 2:/177 790،التهذيب 5:/49 153،المحاسن:/350 31،الوسائل 11:381 أبواب آداب السفر إلى الحج ب 19 ح 1.

و ربّ الأرضين السبع و ربّ العرش العظيم،و الحمد للّه رب العالمين» (1).

و بالأدعية المأثورة و هي كثيرة:

منها:المروي في الصحيح السابق بعد كلمات الفرج،ففيه:« ثم قل:

اللّهم كن لي جاراً من كلّ جبّار عنيد و من كلّ شيطان مريد،بسم اللّه دخلت و بسم اللّه خرجت و في سبيل اللّه،اللّهم إني أُقدّم بين يدي نسياني و عجلتي بسم اللّه ما شاء اللّه في سفري هذا،ذكرته أو نسيته،اللّهم أنت المستعان على الأُمور كلّها و أنت الصاحب في السفر و الخليفة في الأهل،اللّهم هوّن علينا سفرنا،و اطوِ لنا الأرض،و سيّرنا فيها بطاعتك و طاعة رسولك،اللّهم أصلح لنا ظهرنا،و بارك لنا فيما رزقتنا،و قنا عذاب النار،اللّهم إني أعوذ بك من وَعثاء السفر و كآبة المنقلب و سوء المنظر في الأهل و المال و الولد، اللّهم أنت عضدي و ناصري،بك أحلّ و بك أسير،اللّهم إني أسألك في سفري هذا السرور و العمل بما يرضيك عني،اللّهم اقطع عنّي بُعده و مشقته،و اصحبني فيه و اخلفني في أهلي بخير،و لا حول و لا قوة إلّا باللّه العليّ العظيم،اللّهم إني عبدك،و هذا حُملانك،و الوجه وجهك،و السفر إليك،و قد اطلعت على ما لم يطلع عليه أحد،فاجعل سفري هذا كفارة لما قبله من ذنوبي،و كون عوناً لي عليه،و اكفني وَعَثه و مشقته،و لقّني من القول و العمل رضاك فإنما أنا عبدك و بك و لك» .

القول في الإحرام
اشارة

القول في بيان الإحرام و النظر فيه في مقدماته و كيفيته و أحكامه و اعلم أن

مقدمات الإحرام

مقدماته كلّها مستحبة على اختلاف في بعضها يأتي ذكره إن شاء اللّه تعالى.

ص:192


1- الكافي 4:/284 2،التهذيب 5:/5 154،الوسائل 11:383 أبواب آداب السفر إلى الحج ب 19 ح 5.

و هي توفير شعر الرأس بل اللحية أيضاً،كما في عبائر جماعة (1)و إن اقتصر آخرون على ما في العبارة (2)؛ لوروده في المعتبرة (3) من أول ذي القعدة إذا أراد التمتع بل مطلق الحجّ على الأقوى،وفاقاً لجمهور محقّقي متأخري أصحابنا (4)؛ لإطلاق الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

و ظاهرها الوجوب،كما عليه الشيخان في المقنعة و الاستبصار و النهاية (5).

خلافاً لمن عداهما،و لا سيّما المتأخرين (6)،فحملوها على الاستحباب؛ جمعاً بينها و بين المعتبرة المصرِّحة بالجواز،ففي الصحيح:

« يجزي الحاج أن يوفّر شعره شهراً» (7).

و في آخر مروي عن كتاب علي بن جعفر أنه سأل أخاه:عن الرجل إذا همّ بالحجّ يأخذ من شعر رأسه و لحيته و شاربه ما لم يحرم،قال:« لا بأس» (8).

و الموثق:عن الحجامة و حلق القفا في أشهر الحجّ،فقال:« لا بأس

ص:193


1- النهاية:206،المهذب 1:215،الجامع للشرائع:181،التحرير 1:95.
2- الوسيلة:160،القواعد 1:79،جامع المقاصد 3:163،المدارك 7:245.
3- الوسائل 12:4 أبواب الإحرام ب 2.
4- كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 3:163،و صاحب المدارك 7:246،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:310.
5- المقنعة:391،الإستبصار 2:161،النهاية:206.
6- كالمحقق في الشرائع 1:144،و العلامة في القواعد 1:79،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:163.
7- الفقيه 2:/197 900،الوسائل 12:316 أبواب الإحرام ب 2 ح 3.
8- مسائل علي بن جعفر:/176 319،الوسائل 12:320 أبواب الإحرام ب 4 ح 6.

به،و السواك و النورة» (1).

و في الخبر:« أمّا أنا فآخذ من شعري حين أُريد الخروج يعني إلى مكّة للإحرام» (2).

و لا بأس به و إن كان الوجوب أحوط؛ لإمكان الجمع بين النصوص بوجه آخر أوضح من هذا الجمع،إلّا أنه لما اعتضد بالأصل و الشهرة القريبة من الإجماع كان أظهر.

و يتأكد الاستحباب إذا أهلّ ذو الحجة قيل:للصحيح:عن متمتع حلق رأسه بمكّة،قال:« إن كان جاهلاً فليس عليه شيء،و إن تعمّد ذلك في أول الشهور للحجّ بثلاثين يوماً فليس عليه شيء،و إن تعمّد بعد الثلاثين التي يوفّر فيها الشعر للحجّ فإن عليه دماً يهريقه» (3).و يحتمل اختصاصه بتمتع دخل مكّة و هو حينئذ محرم.و ألزمه المفيد الدم بالحلق بعد هلال ذي القعدة،و هو الذي أوجب نسبة وجوب التوفير اليه،مع أن ابن سعيد وافقه فيه مع أنه قال:ينبغي لمن أراد الحجّ توفير شعر رأسه و لحيته (4).انتهى.

و في كل من الاستدلال و الاحتمال نظر.

و تنظيف الجسد عن الأوساخ على ما يقتضيه نحو العبارة؛ لعطف قوله: و قصّ أظفاره،و الأخذ من شاربه،و إزالة شعره عن جسده

ص:194


1- الفقيه 2:/198 902،التهذيب 5:/47 145،الإستبصار 2:/160 522،الوسائل 12:319 أبواب الإحرام ب 4 ح 3.
2- التهذيب 5:/48 147،الإستبصار 2:/161 525،الوسائل 12:320 أبواب الإحرام ب 4 ح 5.
3- الكافي 4:/441 7،الفقيه 2 /238 1137،التهذيب 5:/48 149،الوسائل 12:321 أبواب الإحرام ب 5 ح 1.
4- كشف اللثام 1:310؛ و انظر المقنعة:391،و الجامع للشرائع:181.

و إبطيه بالنورة عليه،فإن العطف يقتضي المغايرة.

و في اللمعة بدّل الواو بالباء (1)،مؤذناً بالاتحاد،و لعلّه لخلو الأول عن النص،و أن المنصوص في الصحاح المستفيضة هو ما عداه (2).

و يمكن الاستدلال بها عليه أيضاً؛ للتلازم بينه و بين ما عداه غالباً عادةً،فتأمل جدّاً.

و استدل عليه أيضاً بعموم استحباب الطهور،و اختصاص الإحرام باستحباب الغسل له المرشد اليه،و منعه منه مدّة طويلة (3).

أقول:و من العموم تعليل استحباب الاطلاء بالنورة بأنه طهور الوارد في جملة من النصوص (4)،و منها الوارد في الإحرام بالخصوص، كالصحيح:عن التهيؤ للإحرام،فقال:« أطل بالمدينة فإنه طهور» (5).

و في الخبر:« أطليا» قالا:فعلنا منذ ثلاثة أيّام،فقال:« أعيدا فإن الاطلاء طهور» (6)و نحوه آخر (7).

و يستفاد منها أجمع استحباب التنور مطلقاً و لو قبل مضي خمسة عشر يوماً،و به صرّح جماعة من المتأخرين (8)،تبعاً للمحكي عن النهاية

ص:195


1- اللمعة(الروضة البهية 2):228.
2- الوسائل 12:322 أبواب الإحرام ب 6.
3- كما في كشف اللثام 1:310.
4- الوسائل 2:64 أبواب آداب الحمام ب 28.
5- التهذيب 5:/64 203،الوسائل 9:10 أبواب الإحرام ب 7 ح 3.
6- الكافي 4:/327 6،التهذيب 5:/62 199،الوسائل 2:69 أبواب آداب الحمام ب 32 ح 5.
7- الكافي 6:/498 9،الوسائل 2:69 أبواب آداب الحمام ب 32 ح 3.
8- منهم:العلامة في المنتهى 2:672،و الشهيد في الدروس 1:343،و صاحب المدارك 7:248.

و المبسوط و المنتهى (1).

و لا ينافيه قوله: و لو كان مطلياً أجزأ ما لم يمض خمسة عشر يوماً كما قيل (2)،بل ربما يؤكده؛ لمكان لفظ« الإجزاء» المستعمل عرفاً في أقل الواجب أو المستحب،و إنما المقصود من ذكر المدة بيان تأكد الاستحباب بعدها للخبر:إذا أطليت للإحرام الأول كيف أصنع للطلية الأخيرة،و كم بينهما؟قال:«إذا كان بينهما جمعتان خمسة عشر يوماً فأطل» (3).

و الغسل كما مرّ في كتاب الطهارة.

و لو أكل أو لبس بعد الغسل ما لا يجوز له أعاد غسله استحباباً للصحيحين (4)و غيرهما (5)،و زيد في أحدهما التطيب،كما أفتى به في التهذيب و الدروس و غيرهما (6).

و لا يحلق بالمذكورات غيرها من تروك الإحرام؛ للأصل السالم عن المعارض،المؤيد بصريح الصحيح في الادّهان قبله و بعده و معه:« ليس به بأس» (7).و المرسل في قصّ الأظفار و تقليمها،و فيه:« لا يعيد الغسل بل

ص:196


1- النهاية:211،المبسوط 1:314،المنتهى 2:672.
2- المدارك 7:248.
3- الكافي 4:/326 3،الفقيه 2:/201 917،التهذيب 5:/62 198،الوسائل 12:325 أبواب الإحرام ب 7 ح 4.
4- التهذيب 5:/71 232،231،الوسائل 12:332 أبواب الإحرام ب 13،2.
5- الكافي 4:/329 8،التهذيب 5:/65 210،الوسائل 12:331 أبواب الإحرام ب 11 ح 2.
6- التهذيب 5:70،الدروس 1:343؛ و انظر الذخيرة:586،و كشف اللثام 1:311،و الحدائق 15:12.
7- الفقيه 2:/201 918،التهذيب 5:/303 1034،الإستبصار 2:/182 605،الوسائل 12:461 أبواب تروك الإحرام ب 30 ح 6.

يمسحها بالماء» (1).

و اعلم أن المتبادر من النص و الفتوى أنّ مكان الغسل هو الميقات،أو ما يكون قريباً منه،كما صرّح به في الروضة شيخنا (2)،و مقتضى ذلك عدم جواز تقديمه عليه مطلقاً.

و قيل:يجوز تقديم الغسل على الميقات لمن خاف عوز الماء، و يعيد في الميقات لو وجده فيه،و القائل الشيخ و أتباعه (3)،كما في التنقيح (4)،و عليه عامة المتأخرين،بل لا خلاف فيه أجده،و به صرّح في الذخيرة (5)،مشعراً بدعوى الإجماع،كما صرّح به في المدارك بالنسبة إلى جواز التقديم لخائف عوز الماء (6)؛ للصحاح و غيرها (7).

بل ظاهر جملة منها جواز التقديم مطلقاً و لو لم يخف عوز الماء، و قوّاه جماعة من متأخري أصحابنا (8)،إلّا أن في التنقيح أنه لم يقل به قائل،مؤذناً بدعوى الإجماع،و جعله السبب في التقييد.

و مما ذكرنا ظهر الإجماع المنقول على كلّ من جواز التقديم مع خوف عوز الماء،و عدمه مع عدمه.

ص:197


1- الكافي 4:/328 6،الفقيه 2:/202 924،التهذيب 5:/66 211،الوسائل 12:331 أبواب الإحرام ب 12 ح 2.
2- الروضة البهية 2:229.
3- المبسوط 1:314.
4- التنقيح الرائع 1:454.
5- الذخيرة:586.
6- المدارك 7:251.
7- الوسائل 12:326 أبواب الإحرام ب 8.
8- منهم:صاحب المدارك 7:251،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:311،و صاحب الحدائق 15:13.

و هو معتضد في الأوّل بعدم ظهور الخلاف فيه،إلّا من العبارة؛ لنسبتها إياه إلى القيل،المشعرة بالتوقف فيه أو التمرض.و لا وجه له بعد استفادته من الصحاح و غيرها،المعتضدة بعمل الأصحاب كافّة عداه.

مع احتمال رجوع تردّده و لو على بُعد إلى تقييد الجواز بخوف عوز الماء؛ لإطلاق الأخبار،حتى ما ذكر فيه خوف عوز الماء (1)،فإن غاية ذلك الاختصاص،لا التخصيص،فلا ينافي الإطلاق.

و مرجعه إلى احتمال جواز التقديم على الإطلاق،كما عليه جماعة من المتأخرين.و هو حسن،لولا الإجماع المنقول الموجب للتقييد،مع نود تردّد في شمول الإطلاق لصورة عدم خوف عوز الماء.

و يحتمل رجوع التردّد إلى الحكم الأخير؛ لعدم دليل واضح عليه.

و ما استدل به جماعة من المتأخرين من قوله عليه السلام في بعض الصحاح بعد رخصة التقديم لخوف عوز الماء:« و لا عليكم أن تغتسلوا إن وجدتم» أي الماء« إذا بلغتم ذا الخليفة» (2)غير واضح الدلالة؛ فإنّ نفي البأس غير الاستحباب.

و فيه مناقشة؛ فإنه إذا لم يكن به بأس كان راجحاً،لكونه عبادة.

و ممّا ذكر ظهور عدم وجه للتردّد في شيء من الأحكام الثلاثة.

و يجزئ غسل النهار ليومه،و كذا غسل الليل لليلته،بلا خلاف أجده؛ للنصوص المستفيضة،و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما.

بل في الصحيح:« غسل يومك يجزيك لليلتك،و غسل ليلتك

ص:198


1- الكافي 4:/328 7،الفقيه 2:/201 918،التهذيب 5:/63 202،الوسائل 12:326 أبواب الإحرام ب 8 ح 1.
2- الفقيه 2:/201 918،الوسائل 12:326 أبواب الإحرام ب 8 ح 2.

يجزيك ليومك» (1).

و به أفتى جماعة من متأخري المتأخرين (2)،تبعاً للمحكي عن المقنع (3).و لا بأس به.

و لكن الأفضل الإعادة؛ لصريح بعض الأخبار السابقة،المؤيد بلفظ الإجزاء في هذه الرواية.

و ذلك ما لم ينم و إلّا فيستحب الإعادة،وفاقاً للأكثر؛ للصحيح:

عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن يحرم،قال:« عليه إعادة الغسل» (4)و نحوه غيره (5).

مؤيدين بما يدل على مثله لمن اغتسل لدخول مكّة أو الطواف، كالصحيح:عن الرجل يغتسل لدخول مكّة ثمّ ينام فيتوضأ قبل أن يدخل، أ يجزيه ذلك أو يعيد؟قال:« لا يجزيه،لأنه إنما دخل بوضوء» (6).

و يفهم منه نقض الغسل بالنوم،و مشاركة باقي الأحداث له في ذلك.

و صرّح بالأخير الشهيدان في الدروس و المسالك (7)،مستنداً ثانيهما

ص:199


1- الفقيه 2:/202 923،الوسائل 12:328 أبواب الإحرام ب 9 ح 1.
2- منهم:صاحب المدارك 7:252،و السبزواري في الذخيرة:586،و صاحب الحدائق 15:15.
3- المقنع:70.
4- الكافي 4:328،3،التهذيب 5:206/65،الإستبصار 2:537/164،الوسائل 12:329 أبواب الإحرام ب 10 ح 1.
5- الكافي 4:/328 5،التهذيب 5:/65 207،الإستبصار 2:/164 538،الوسائل 12:330 أبواب الإحرام ب 10 ح 2.
6- الكافي 4:/400 8،التهذيب 5:/99 335،الوسائل 13:201 أبواب مقدمات الطواف ب 6 ح 1.
7- الدروس 1:343،المسالك 1:106.

بالفحوى؛ للاتفاق على ناقضية الحدث غيره مطلقاً،و الخلاف فيه على بعض الوجوه.

و هو مبني على كون الإعادة للنقض لا تعبّداً،كما قدّمنا؛ و يدلُّ عليه الموثق صريحاً،و فيه:عن غسل الزيارة يغتسل بالنهار و يزور بالليل بغسل واحد،قال:« يجزيه إن لم يحدث فإن أحدث ما يوجب وضوءاً فليعد غسله» (1).

خلافاً لسبطه و بعض من تأخر عنه (2)،فجعلاها تعبداً،و لم يستحباها لباقي الأحداث.

و خلاف الحلّي بعدم استحباب الإعادة و لو في النوم (3)مبني على الأصل،و عدم حجيّة الآحاد.و هو ضعيف.

نعم،في الصحيح:عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة و يلبس ثوبين ثم ينام قبل أن يحرم،قال:« ليس عليه غسل» (4).

و هو قاصر عن المقاومة لما مرّ بعد صراحته و تعدّده و اعتضاده بالعمل،فيحمل على نفي الوجوب كما هو ظاهره من وجه،و عليه الشيخ (5)،أو على نفي تأكد الاستحباب كما هو ظاهره من آخَر،و عليه جماعة ممن تأخر (6).و لعلّه أظهر.

ص:200


1- التهذيب 5:/251 850،الوسائل 14:248 أبواب زيارة البيت ب 3 ح 2.
2- المدارك 7:253،و انظر الذخيرة:586،و كشف اللثام 1:311.
3- السرائر 1:530 و 602.
4- الفقيه 2:/202 925،التهذيب 5:/65 208،الإستبصار 2:/164 539،الوسائل 12:330 أبواب الإحرام ب 10 ح 3.
5- التهذيب 5:65،الإستبصار 2:164.
6- كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 6:254،و صاحب الإحرام 7:253،و العلامة المجلسي في ملاذ الأخيار 7:314.

و لو أحرم بغير غسل أو بغير صلاة أعاد الإحرام بعد تداركهما استحباباً،على الأظهر الأشهر،كما عن المسالك،و فيه:و قيل بوجوبها (1).

أقول:و لعلّه لظاهر الأمر بها في الصحيح:رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلاً أو عالماً،ما عليه في ذلك؟و كيف ينبغي له أن يصنع؟ فكتب:« يعيد» (2).

و يضعف بظهور السؤال في الاستحباب،فيطابقه الجواب؛ مضافاً إلى فحوى ما دلّ على استحباب أصل الغسل و الصلاة؛ مع أن القول بالوجوب لم ينقل في كلام أكثر الأصحاب،و إنما المنقول القول بنفي الاستحباب.

نعم،عبارة النهاية المحكية ظاهرة في الوجوب (3)،لكنه رجع عنه في المبسوط (4)،و كذا عبارة الإسكافي المحكية و إن كانت أيضاً ظاهرة في الوجوب بل صريحة (5)،إلّا أن المستفاد منها أنه لوجوب أصلهما،لا الإعادة،كما هو مفروض المسألة.

و يكف كان فلا ريب في الاستحباب.

خلافاً للحلّي،فأنكره إن أُريد من الإحرام ما يشمل النية،قال:فإنه إذا نواه انعقد (6)،و لم يمكنه الإخلال إلّا بالإتمام أو ما يقوم ما يقوم مقامه إذا صدّ أو أُحصر.

ص:201


1- المسالك 1:106.
2- الكافي 4:/327 4،التهذيب 5:/78 360،الوسائل 12:347 أبواب الإحرام ب 20 ح 1.
3- النهاية:213.
4- المبسوط 1:314.
5- نقله عنه في المختلف:264.
6- السرائر 1:532.

قيل:و ليس كالصلاة التي تبطل بمنافياتها و بالنية،فلا يتوجه ما في المختلف من أنه كالصلاة التي يستحبّ إعادتها إذا نسي الأذان و الإقامة.

و الجواب:أن الإعادة لا تفتقر إلى الإبطال،لمَ لا يجوز أن يستحب تجديد النية و تأكيدها للرواية،و قد ينزل عليه ما في المختلف (1).انتهى.

و هو حسن إن تمّ منع افتقار الإعادة إلى الإبطال.و فيه نظر؛ لتبادره منها عرفاً،و قد صُرّح في الأُصول بأنها عبارة عن الإتيان بالشيء ثانياً بعد الإتيان به أوّلاً لوقوعه على نوع خلل،قالوا:كتجرّده عن شرط معتبر،أو اقترانه بأمر مبطل،فتدبر.

و لعلّه لذا لم يُجب عن الحلّي أحد من المتأخرين إلّا بابتناء مذهبه هنا على مذهبه في أخبار الآحاد من عدم حجيتها،و هو ضعيف.

و على هذا فالمعتبر من الإحرامين ثانيهما،كما هو ظاهر المختلف و المنتهى و غيرهما (2).

خلافاً للشهيدين فأولهما (3).قال ثانيهما:إذ لا وجه لإبطال الإحرام بعد انعقاده (4)،فلا وجه لاستئناف النية،بل ينبغي أن يكون المُعاد هو التلبية و اللبس خاصة.انتهى.

و فيه ما عرفته من ظهور النص في الإبطال،من جهة لفظ الإعادة، المفهوم منه ذلك عرفاً و عادةً.

هذا،مضافاً إلى ما ذكره بعض المحدّثين في الجواب عنه:بأن النية الأُولى إنما كانت معتبرة بمقارنة اللبس أو التلبية،مثل نية الصلاة المقارنة

ص:202


1- كشف اللثام 1:311.
2- المختلف:264،المنتهى 2:673؛ و انظر الذخيرة:586.
3- الشهيد الأول في الدروس 1:344،الشهيد الثاني في المسالك 1:106.
4- إلى هنا عبارة المسالك،و ما بعد عبارة المدارك 7:254.

للتكبيرة،فاذا أبطل تكبيرة الإحرام بطلت النية الأُولى،فكذا هنا.

و تظهر ثمرة الخلاف في وجوب الكفارة للتخلل بين الإحرامين، و احتساب الشهر بين العمرتين،و العدول إلى عمرة التمتع لو وقع الثاني في أشهر الحجّ.

لكن ظاهر القواعد خروج الأول من البين،و وجوب الكفارة على القولين (1).فإن تمّ إجماعاً،و إلّا فهو منفي على المختار قطعاً،و كذا مع التردد بينه و بين مقابله،عملاً بالأصل السالم عن المعارض،إلّا أن يمنع باستصحاب بقاء الإحرام الأول الموجب للكفارة بالجناية فيه،و الإعادة لا تقطعه بناءً على الفرض،و فيه نظر.

و أن يحرم عقيب الصلاة بلا خلاف؛ للصحاح المستفيضة (2).

و لا يجب؛ للأصل المعتضد بعدم الخلاف فيه إلّا من الإسكافي (3)،و هو نادر.

و أن يكون فريضة الظهر فقد فعله النبي صلى الله عليه و آله،كما في الصحيح (4)،و في آخر:إنه أفضل (5).

و ما دلّ على التسوية لنا،و أن فعله صلى الله عليه و آله كان لضرورة فقد الماء (6)، محمول على التسوية في غير الفضيلة،يعني الإجزاء؛ لما عرفت من

ص:203


1- القواعد 1:80.
2- الوسائل 12:344 أبواب الإحرام ب 18.
3- نقله عنه في المختلف:264.
4- التهذيب 5:/78 255،الإستبصار 2:/167 549،الوسائل 12:339 أبواب الإحرام ب 15 ح 3.
5- الكافي 4:/331 1،التهذيب 5:/78 256،الوسائل 12:338 أبواب الإحرام ب 15 ح 1.و فيه:« إنّ أفضل ذلك عند زوال الشمس».
6- الكافي 4:/332 4،الفقيه 2:/207 940،الوسائل 12:339 أبواب الإحرام ب 15 ح 5.

تصريح الصحيحة بالأفضلية.

أو عقيب فريضة مكتوبة؛ لظاهر إطلاق الصحيحين (1)،و صريح الخبرين الآمرين بتأخير الإحرام عما بعد العصر إلى المغرب (2).و هما مختصان بها،و ما قبلهما بالمكتوبة،و ظاهرها الفرائض الخمس اليومية المؤدّاة خاصة.خلافاً لإطلاق نحو العبارة فعمّمت لها و للمقضيّة و للكسوف و نحوها،و به صرّح الشهيدان في المسالك و الدروس (3).

و لو لم يتّفق فريضة فعقيب ستة ركعات لرواية ضعف سندها بعمل الأصحاب مجبورة،مضافاً إلى أدلة المسامحة،و فيها:« تصلّي للإحرام ستّ ركعات تحرم في دبرها» (4).

و ظاهرها استحباب هذه الستّ مطلقاً و لو أحرم عقيب الفريضة،كما هو ظاهر أكثر الأصحاب و إن اختلفوا في استحباب تقديمها على الفريضة و الإحرام في دبرها،كما يعزى إلى المشهور (5)،و منهم:المفيد في المقنعة، و الشيخ في المبسوط و النهاية،و الحلّي و الشهيدان (6)،غيرهما (7)؛ لصريح

ص:204


1- الكافي 4:/331 2 و /334 14،الفقيه 2:/206 939،التهذيب 5:/77 253،/78 8،،الإستبصار 2:/166 548،الوسائل 12:340 أبواب الإحرام ب 16 ح 1،وص 344 ب 18 ح 1.
2- الفقيه 2:/208 945،التهذيب 5:/78 259،الوسائل 12:346 أبواب الإحرام ب 19 ح 3،4.
3- المسالك 1:106،الدروس 1:343.
4- التهذيب 5:/78 257،الإستبصار 2:/166 545،الوسائل 12:345 أبواب الإحرام ب 18 ح 4.
5- كشف اللثام 1:311.
6- المقنعة:396،المبسوط 1:315،النهاية:213،الحلّي في السرائر 1:531،الشهيد الأول في الدروس 1:343،الشهيد الثاني في المسالك 1:106.
7- كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 3:164،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:311.

الرضوي:« فإن كان وقت فريضة فصلِّ هذه الركعات قبل الفريضة ثمّ صلِّ الفريضة» (1).

أو العكس،كما عن الجمل و العقود و المهذّب و الإشارة و الغنية و الوسيلة (2).

و هو أحوط،عملاً بعموم:« لا نافلة في وقت فريضة» و إن كان الأول لا يخلو عن وجه؛ لصراحة المستند،و انجبار قصور السند بفتوى الأكثر.

و يعضده بالإضافة إلى الحكم بتأخير الفريضة و إيقاع الإحرام دبرها أنّ فيه الأخذ بظاهر الأخبار الصحيحة الحاكمة باستحباب الإحرام في دبر الفريضة؛ إذ المتبادر منها التعقيب بغير فاصلة،كما أشار إليه في الرضوي أيضاً،فإن فيه بعد ما مرّ:« أنّ أفضل ما يحرم الإنسان في دبر الصلاة الفريضة،ثمّ أحرم في دبرها ليكون أفضل» .نعم،ينافيه ظاهر الرواية؛ فإن المتبادر منها أيضاً التعقيب للإحرام عقيب النافلة بغير فاصلة،إلّا أن صرفها إلى المعنى الأعم ممكن،و هو أولى من العكس،لضعف سند هذه و وحدتها،و لا كذلك ما دلّ على التعقيب للفريضة،فإنها بطرف الضد من الأُمور المزبورة،مضافاً إلى الشهرة.

و أقلّه أي المندوب من الصلاة التي يحرم عقيبها إن لم يتفق في وقت الفريضة ركعتان للصحيح و إن كانت نافلة صلّيت ركعتين و أحرمت دبرها (3).

ص:205


1- فقه الرضا(عليه السلام):216،المستدرك 9:170 أبواب الإحرام ب 13 ج 2.
2- الجمل و العقود(الرسائل العشر):227،المهذّب 1:215،إشارة السبق:126 و 127،الغنية(الجوامع الفقهية):565،الوسيلة:161.
3- تقدّم مصدره في ص 2860 الهامش(2).

و في رواية:أربع (1)،و عمل بها بعض (2).و لا بأس به؛ للمسامحة في أدلة السنن،مع استحباب أصل الصلاة مطلقاً.

و يستحب أن يقرأ في الاُولى من هاتين الركعتين الحمد و الصمد،و في الثانية:الحمد و الجحد كما في كلام جماعة (3)،و بالعكس في كلام آخرين (4).

و في الصحيح:« لا تدع أن تقرأ بقل هو اللّه أحد و قل يا أيها الكافرون في سبعة مواطن:في الركعتين قبل الفجر،و ركعتي الزوال،و ركعتين بعد المغرب،و ركعتين من أول صلاة الليل،و ركعتي الإحرام،و الفجر إذا أصبحت بها[و ركعتي الطواف]» (5).

و ليس فيه دلالة إلّا على استحباب السورتين،دون الترتيب بينهما مطلقاً،إلّا أن يراعى الترتيب الذكري فيدل على الأول.

و يدلّ عليه صريحاً المرسل في الكافي و التهذيب و الشرائع،فإن في الأولين بعد نقل الرواية:و في رواية اخرى أنه:« يبدأ في هذا كلّه بقل هو اللّه أحد،و في الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون،إلّا في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ بقل يا أيها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية بقل هو اللّه أحد» (6).

ص:206


1- تقدّم مصدره في ص 2860 الهامش(3).
2- كالشهيد في الدروس 1:343.
3- منهم الشيخ في النهاية:213،و الحلي في السرائر 1:532،و العلامة في التذكرة 1:325.
4- منهم:الشيخ في المبسوط 1:315،و المحقق في الشرائع 1:244،و العلامة في التحرير 1:95.
5- الكافي 3:/316 22،التهذيب 2:/74 273،الخصال:/347 20،الوسائل 6:65 أبواب القراءة في الصلاة ب 15 ح 1،ما بين المعقوفين من المصادر.
6- الكافي 3:316 ذيل حديث 22،التهذيب 2:/74 274،الوسائل 6:65 أبواب القراءة في الصلاة ب 15 ح 2.

و في الثالث بعد الفتوى بعكس ما في المتن:و فيه رواية أُخرى (1).

و لعلّها المرسلة.

و في المسالك:إن الكل مستحب (2).و لا بأس به؛ لإطلاق الصحيح و إن كان ما في المرسل أفضل.

و اعلم أنه يجوز أن تصلّى نافلة الإحرام و لو في وقت الفريضة ما لم يتضيق فتقدّم؛ لما عرفته،مضافاً إلى ظاهر الخبرين بتأخيرها إلى المغرب (3)،و نحو النصوص الدالّة على أنها من الصلاة التي تصلّى في كلّ وقت،أظهرها دلالةً الخبر:« خمس صلوات تصلّيهن في كلّ وقت:صلاة الكسوف،و الصلاة على الميت،و صلاة الإحرام،و الصلاة التي تفوت، و صلاة الطواف،من الفجر إلى طلوع الشمس،و بعد العصر إلى الليل» (4).

و هو صريح في جواز الإتيان بها في الأوقات المكروهة.و لا ينافيه الأخبار الناهية عن فعلها بعد العصر؛ لتصريحها بعد النهي بأنه لمكان الشهرة (5).

أما الكيفية فيشمل الواجب و المندوب.

و أما الكيفية.

فيشمل على الواجب و الندب.

الواجب ثلاثة

فالواجب ثلاثة.

الأول النية

الأول: النية،و هو أن يقصد بقلبه إلى إيقاع المنوي مع

ص:207


1- الشرائع 1:244.
2- المسالك 1:106.
3- المتقدمين في ص:2860.
4- الكافي 3:/287 1،التهذيب 2:/171 682،الوسائل 4:241 أبواب المواقيت ب 39 ح 5.
5- الوسائل 12:346 أبواب الإحرام ب 19 ح 3،4.

مشخصاته الأربعة من الجنس من الحجّ أو العمرة،و النوع من التمتع أو غيره القرآن و الإفراد و الصفة من واجب أو غيره،و حجّة الإسلام أو غيرها متقرباً إلى اللّه تعالى،كما في كل عبادة.

و لا خلاف و لا إشكال في اعتبار القربة،و كذا في الباقي حيث يتوقف عليه التعيين؛ لتوقف الامتثال عليه مطلقاً؛ و ظواهر الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة هنا،ففي الصحيح:« ينوي العمرة و يحرم بالحجّ» (1).

و فيه:« و لا تسمِّ حجاً و لا عمرة،و أضمر في نفسك المتعة،فإن أدركت متمتعاً،و إلّا كنت حاجّاً» (2).

و فيه (3)« انو المتعة» (4).

و غير ذلك من الأخبار الكثيرة الآمرة بتشخيص المنوي و تعيينه، المعتضدة بأخبار الدعاء المتضمنة لتعيينه (5)،و بأنه لو جاز الإهمال كان هو الأحوط لئلّا يفتقر إلى العدول إذا اضطرّ اليه،و لما احتاج إلى اشتراط:إن لم يكن حجة فعمرة.

خلافاً للمحكي عن المبسوط و المهذّب و الوسيلة (6)،فيصحّ الإحرام من غير نية كونه لحجّ أو عمرة،و ينصرف إلى العمرة المفردة إن كان في

ص:208


1- التهذيب 5:/80 264 بتفاوت،الإستبصار 2:/168 554،الوسائل 12:348 أبواب الإحرام ب 21 ح 2.
2- التهذيب 5:/86 286،الإستبصار 2:/172 568،الوسائل 12:349 أبواب الإحرام ب 21 ح 4.
3- كذا في النسخ،و الظاهر أن الخبر موثّق لأن راويه إسحاق بن عمّار.
4- الكافي 4:/333 5،التهذيب 5:/80 265،الإستبصار 2:/168 555،الوسائل 12:348 أبواب الإحرام ب 21 ح 1.
5- الوسائل 12:34 أبواب الإحرام ب 16.
6- المبسوط 1:316،المهذب 1:219،الوسيلة:161.

غير أشهر الحج،و يتخير بينهما إن كان فيها.

قيل:و هو خيرة التذكرة و المنتهى.و لعلّه أقوى؛ لأن النسكين في الحقيقة غايتان للإحرام غير داخلين في حقيقته،و لا يختلف حقيقة الإحرام نوعاً و لا صنفاً باختلاف غاياته،فالأصل عدم وجوب التعيين،و أخباره مبنية على الغالب أو الفضل،و كذا العدول و الاشتراط (1).انتهى.

و فيه نظر كسائر ما استدل به لهذا القول.

و أما اعتبار نية الوجه ففيه حيثما لا يتوقّف عليه التعيين الكلام المعروف المتقدم في كتاب الطهارة.

و لو نوى نوعاً مثلاً و نطق بغيره عمداً أو سهواً فالمعتبر النية أي المنوي؛ كما في بعض الصحاح المتقدّمة (2)؛ مضافاً إلى (3)أن النية أمر قلبي فلا اعتبار بالنطق،فيصحّ الإحرام بمجرد النية و لو من دونه.

و عليه يدل نحو الصحيح:إني أُريد التمتع بالعمرة إلى الحجّ،فكيف أقول؟فقال:« تقول:اللّهمّ إني أُريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنّة نبيك،و إن شئت أضمرت الذي تريد» (4).

الثاني التلبيات الأربع

الثاني:التلبيات الأربع الآتي بيان صورتها.

و لا ينعقد الإحرام للمفرد و المتمتع إلّا بها بإجماع علمائنا، كما في الانتصار و الغنية و الخلاف و التذكرة و المنتهى (5)،عن

ص:209


1- كشف اللثام 1:312.
2- الوسائل 12:354 أبواب الإحرام ب 22 ح 8.
3- في« ق» و« ك» زيادة:ما دلّ على.
4- الكافي 4:/332 3،الفقيه 2:/207 941،التهذيب 5:/79 261،الإستبصار 2:/167 551،الوسائل 12:342 أبواب الإحرام ب 17 ح 1.
5- الانتصار:102،الغنية(الجوامع الفقهية):574،الخلاف 2:289،التذكرة 1:327،المنتهى 2:676.

و غيرها (1)،و النصوص مستفيضة جدّاً كما سيأتي إليها الإشارة أيضاً.

و هل يعتبر مقارنة النية لها،كما في صريح السرائر و اللمعة و المنتهى و التنقيح (2)،و عن غيرها صريحاً و ظاهراً (3)،أم لا،كما عن جملة من القدماء (4)،و ذهب إليه جماعة من متأخري المتأخرين أيضاً (5)،و عزاه في الروضة إلى المشهور؟إشكال:

من استفاضة الصحاح و غيرها برجحان تأخيرها لمن حجّ من طريق المدينة من المسجد إلى أن تعلو راحلته البيداء،ففي الصحيح بعد ذكر الدعاء المستحب عند الإحرام:« و يجزيك أن تقول هذا مرة واحدة حين تحرم،ثم قم فامش هنيئة،فإذا استوت بك الأرض ماشياً أو راكباً فلبِّ» (6).

و ظاهره و إن أفاد الوجوب كغيره إلّا أنه محمول على الفضيلة،كما يستفاد من آخر:« إن أحرمت من غمرة أو بريد البعث صلّيت و قلت ما يقول المحرم في دبر صلاتك،و إن شئت لبّيت من موضعك،و الفضل أن تمشي قليلاً ثم تلبّي» (7).

ص:210


1- جواهر الفقه:41،الذخيرة:578،الحدائق 15:40.
2- السرائر 1:536،اللمعة(الروضة البهية 2):229،المنتهى 2:676،التنقيح الرائع 1:459.
3- الدروس 1:347،المسالك 1:106،و حكاه فيه عن المحقق الثاني أيضاً.
4- منهم:الشيخ في المبسوط 1:316،و التهذيب 5:84،و ابن حمزة في الوسيلة:161.
5- منهم:السبزواري في الذخيرة:578،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:313،و صاحب الحدائق 15:41.
6- الكافي 4:/331 2،الفقيه 2:/206 939،التهذيب 5:/77 253،الوسائل 12:34 أبواب الإحرام ب 16 ح 1.
7- الفقيه 2:/208 944،الوسائل 12:373 أبواب الإحرام ب 35 ح 1.

و نحوه غيره ممّا يأتي.

و من استفاضة النصوص أيضاً بعدم جواز المرور عن الميقات إلّا محرماً كما مضى (1).

و الجمع بينهما ممكن بأحد وجهين:

إما بجمل الأوّلة على أن المراد بها استحباب رفع الصوت بالتلبية، و إلّا فلا بد من المقارنة،عملاً بالأخبار الأخيرة.

و يستأنس لهذا الجمع ملاحظة الصحيح:« إن كنت ماشياً فاجهر بإحرامك و تلبيتك من المسجد،و إن كانت راكباً فاذا علت راحلتك البيداء» (2).

و الخبر:هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحج أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟فقال:« نعم» الحديث (3).

و ذلك لأن المأمور به فيهما الإجهار بالتلبية،لا نفسها،و فيهما إشعار لذلك و لا سيّما الثاني بأن التلبية لا بدّ منها.

أو بحمل الثانية على أن المراد بالإحرام فيها الذي لا يجوز المرور عن الميقات إلّا به إنما هو نيته و ليس الثوبين خاصة،لا التلبية.

و يستأنس لهذا الجمع بأنّ في الصحاح السابقة ما لا يقبل الجمع الأول إلاّ بتكلّف بعيد،كالصحيح:إنه عليه السلام صلّى ركعتين و عقد في مسجد

ص:211


1- في ص:2833.
2- التهذيب 5:/85 281،الإستبصار 2:/17 563،الوسائل 12:369 أبواب الإحرام ب 34 ح 1.
3- الكافي 4:/334 12،التهذيب 5:/84 280،الإستبصار 2:/17 562،الوسائل 12:372 أبواب الإحرام ب 35 ح 2.

الشجرة ثم خرج فأتى بخَبيص (1)فيه زعفران،فأكل قبل أن يلبّي منه (2).

و قريب منه النصوص الآتية.

و ثانياً ملاحظة كلام الشيخ في التهذيب بعد نقل هذه الأخبار الأخيرة حيث قال.

و المعنى في هذه الأحاديث أن من اغتسل للإحرام و صلّى و قال ما أراد من القول بعد الصلاة لم يكن في الحقيقة محرماً،و إنما يكون عاقداً للحجّ و العمرة،و إنما يدخل في أن يكون محرماً إذا لبّى،و الذي يدل على هذا المعنى ما رواه موسى بن القاسم عن صفوان عن معاوية بن عمار، و غير معاوية ممن روي عنه صفوان هذه الأحاديث،يعني هذه الأحاديث المتقدّمة،و قال:هي عندنا مستفيضة،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنهما قالا:« إذا صلّى الرجل ركعتين و قال الذي يريد أن يقول من حجّ أو عمرة في مقامه ذلك فإنه إنما فرض على نفسه الحج و عقد عقد الحجّ» و قالا:« إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حيث صلّى في مسجد الشجرة صلّى و عقد الحجّ» و لم يقولا:صلّى و عقد الإحرام،فلذلك صار عندنا أن لا يكون عليه فيما أكل ممّا يحرم على المحرم.و لأنه قد جاء في الرجل يأكل الصيد قبل أن يلبّي و قد صلّى و قد قال الذي يريد أن يقول و لكن لم يلبِّ،و قالوا:قال أبان بن تغلب،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:يأكل الصيد و غيره فإنما فرض على نفسه الذي قال،فليس له عندنا أن يرجع حتى يتم إحرامه،فإنما فرضه عندنا عزيمة حين فعل ما فعل،لا يكون له أن يرجع إلى أهله حتى

ص:212


1- الخَبيص:طعام معمول من التمر و الزبيب و السمن.مجمع البحرين 4:167.
2- الفقيه 2:/208 948،التهذيب 5:/82 275،الإستبصار 2:/188 633،الوسائل 12:333 أبواب الإحرام ب 14 ح 3.

يمضي،و هو مباح له قبل ذلك،و له أن يرجع متى ما شاء،و إذا فرض على نفسه الحج ثم أتمّ بالتلبية فقد حرم عليه الصيد و غيره،و وجب عليه في فعله ما يجب على المحرم؛ لأنه قد يوجب الإحرام ثلاثة أشياء:الإشعار و التلبية و التقليد،فاذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم،و إذا فعل الوجه الآخر قبل أن يلبّي فقد فرض (1).انتهى.

و لعلّ الترجيح لهذه الجمع؛ لوضوح الشاهد عليه من النصوص المعتبرة المفتى بها عند شيخ الطائفة.

إلّا أن يقال:إن ظاهرها انعقاد الإحرام بالنية من غير تلبية من جهة، و عدمه من جهة أُخرى.

و هذا التفصيل لم يظهر به قائل من الفقهاء،بل ظاهرهم أنه إن انعقد بها من دون التلبية انعقد مطلقاً،فيحرم عليه الصيد أيضاً،و إلّا فلا كذلك، فيجوز له الرجوع و المضي إلى أهله.و فتوى الشيخ غير معلومة؛ لاحتمال ذكره ذلك احتمالاً و جمعاً.لكنه خلاف الظاهر،و عدم ظهور قائل بخلاف ذلك أو ظهور كلام الأكثر فيه ليس إجماعاً،سيّما مع فتواهم بجواز المحرّمات بعد النية قبل التلبية من غير تصريح بوجوب إعادتها عند التلبية كما يأتي،فيكون النصّ الشاهد عن المعارض سليماً،فيتعيّن العمل به جدّاً.

و على هذا فمعنى عدم الانعقاد إلّا بها أنه ما لم يلبِّ كان له ارتكاب المحرّمات على المحرم،و لا كفارة عليه و إن لم يجز له فسخ النية.و لكن الأحوط مراعاة المقارنة،خروجاً عن شبهة الخلاف فتوًى و روايةً.

أمّا القارن فله أن يعقده أي الإحرام بها أي بالتلبية أو

ص:213


1- التهذيب 5:83.

بالإشعار أو التقليد على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر،و في ظاهر الخلاف و الغنية بل المنتهى و المختلف الإجماع عليه (1)؛ للصحاح المستفيضة الصريحة،و غيرها من المعتبرة:

منها زيادةً على ما مرّ هنا قريباً،و في بحث امتياز القرآن عن الإفراد سابقاً (2)الصحيح:« يوجب الإحرام ثلاثة أشياء:التلبية أو الإشعار أو التقليد،فاذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم» (3)و بمعناه كثير.

و منها الصحيح (4)و غيره (5):هما بمنزلة التلبية.

خلافاً للمرتضى و الحلّي (6)،فاقتصرا على التلبية؛ لأدلة لا وقع لها في مقابلة ما سمعته،إلّا على تقدير عدم الاعتماد على الآحاد و لو كانت صحيحة،كما هو أصلهما فيها.

و فيه:أنها محفوفة بالقرينة،و هي عمل الأصحاب كافة،بل المرتضى مخالفته غير معلومة،كما أشار إليه في المختلف،فقال بعد نقل أدلته على وجوب التلبية:و الظاهر أنه ذكرها مبطلة لاعتقاد مالك و الشافعي و أحمد من استحباب التلبية مطلقاً،فتوهّم ابن إدريس أن ذلك في حق القارن أيضاً (7).

انتهى.

ص:214


1- الخلاف 2:289،الغنية(الجوامع الفقهية):574،المنتهى 2:676،المختلف:265.
2- في ص 2789.
3- التهذيب 5:/43 129،الوسائل 11:279 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 20.
4- الفقيه 2:/209 956،الوسائل 11:277 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 11.
5- الكافي 4:/297 5،الوسائل 11:276 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 7.
6- المرتضى في الانتصار:102،الحلي في السرائر 1:532.
7- المختلف:265.

و هو حسن،و يعضده أنه في المنتهى و الشيخ و ابن زهرة في كتابيهما المتقدم إليهما الإشارة قد ذكروا أدلة السيّد على وجوب التلبية،مع أنهم ادّعوا الإجماع في عنوان المسألة على وجوبها أو ما يقوم مقامها من الإشعار و التقليد.

و مع ذلك فمذهبهما في الآحاد ضعيف،كما حقّق في الأُصول.

و يحكى عن الشيخ في الجمل و المبسوط و ابني حمزة و البّراج (1)اشتراط الانعقاد بهما بالعجز عن التلبية؛ و كأنهم جمعوا بين هذه الأخبار و عمومات الأمر بالتلبية.

و فيه:أنه ليس أولى من تخصيص الأخيرة بمن عدا القارن،بل هو أولى كما لا يخفى.

و صورتها كما هنا و في الشرائع و عن المقنعة في نقل (2)،و يميل اليه الفاضل في المنتهى و التحرير (3) لبّيك،اللهم لبّيك،لبّيك لا شريك لك لبّيك و اختاره شيخنا في المسالك،و سبطه (4)،و جماعة ممن تأخر عنهما (5).

للصحيح:« التلبية أن تقول:لبّيك،اللهم لبّيك،لبّيك لا شريك لك

ص:215


1- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:314،و انظر الجمل و العقود(الرسائل العشر):226،و المبسوط 1:308،و الوسيلة:158،و المهذَّب 1:215.
2- الشرائع 1:246،و حكاه عن المقنعة في كشف اللثام 1:313 و هو في المقنعة:397 على نسخة أُشير إليها في الهامش.
3- المنتهى 2:677،التحرير 1:96.
4- المسالك 1:107،و سبطه في المدارك 7:268.
5- منهم:السبزواري في الذخيرة:578،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:313،و صاحب الحدائق 15:60.

لبّيك،إن الحمد و النعمة لك و الملك،لا شريك لك،لبيك ذا المعارج لبيك» إلى أن قال عليه السلام:« و اعلم أنه لا بدّ من التلبيات الأربع التي كنّ أول الكلام،و هي الفريضة،و هي التوحيد،و بها لبّى المرسلون» (1).

فإنه إنما أوجب التلبيات الأربع،و هي تتم بلفظ« لبيك» الرابع.

و قيل:و يضيف إلى ذلك:إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك و القائل جماعة من أعيان القدماء كالقديمين و الصدوقين و المقنعة على نقل (2)،و غيرهم (3)؛ لوروده في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (4).

و لا ينافيها الصحيحة السابقة؛ لاحتمال رجوع الإشارة إلى ما قبل الخامسة،كما هو ظاهر المختلف (5)،و الرضوي،و فيه:« تقول:لبيك، اللهم لبيك،لبيك لا شريك لك لبيك،إن الحمد و النعمة لك،لا شريك لك،هذه الأربعة مفروضات» (6)و نحوه المروي في الخصال (7).

و هو أحوط و إن كان في تعيّنه نظر؛ لضعف الأحمال في الصحيح، و قصور الخبرين سنداً عن تقويته،مع معارضتهما بصريح الصحيح

ص:216


1- الكافي 4:/335 3،التهذيب 5:/91 300،الوسائل 12:382 أبواب الإحرام ب 40 ح 2.
2- نقله عن العماني و الإسكافي و والد الصدوق في المختلف:265،الصدوق في المقنع:69،المقنعة:397.
3- كالمراسم:108.
4- الوسائل 12:382 أبواب الإحرام ب 40.
5- المختلف:265.
6- فقه الرضا(عليه السلام):216،المستدرك 9:176 أبواب الإحرام ب 23 ح 2.
7- الخصال:/603 9،الوسائل 11:233 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 29.

المتضمن لحذفه،و فيه:« تقول:لبيك،اللهم لبيك،لبيك لا شريك لك لبيك،لبيك ذا المعارج لبيك،لبيك بحجة تمامها عليك» الحديث (1).

فمختار المتن أقوى،إلّا أن يضعف بعدم ظهور قائل به من القدماء و لا المتأخرين عدا الماتن و جملة ممن تأخر عنه،و قولهم بالإضافة إلى الباقين نادر،كاد أن يقطع بمخالفتهم؛ لاتفاقهم،فإن كلماتهم مطبقة على اعتبار هذه الزيادة و إن اختلفت في محلّها:

فبين من جعلها بعد ما في العبارة،كمن تقدّم إليهم الإشارة.

و بين من جعله بعد لبيك الثالثة،و هم أكثر المتأخرين كما في المدارك (2)،بل القدماء أيضاً،فقد حكي عن جمل السيّد و شرحه و المبسوط و السرائر و الغنية و الكافي و الوسيلة و المهذّب و النهاية و الإصباح (3)،و به أفتى الفاضل في القواعد و التحرير و المنتهى (4)أوّلاً.

فمخالفتهم مشكل،سيّما مع موافقة الصحاح المستفيضة و غيرها لهم من غير معارض صريح،عدا الصحيح الأخير.و صرف التوجيه اليه باحتمال سقوط الزيادة من القلم أسهل،سيّما مع تضمنه الزيادة المستحبة اتفاقاً،و هذه الزيادة راجحة إجماعاً،فكيف لا تتضمنها؟! و يكف كان فمراعاة وجوب الإضافة لعلّه أولى.

ص:217


1- التهذيب 5:/92 301،الوسائل 12:383 أبواب الإحرام ب 40 ح 3.
2- المدارك 7:268.
3- جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):67،شرح جمل العلم و العمل:224،المبسوط 1:316،السرائر 1:536،الغنية(الجوامع الفقهية):574،الكافي في الفقه:193،الوسيلة:161،المهذب 1:215،النهاية:215.
4- القواعد 1:80،التحرير 1:96،المنتهى 2:676.

و أمّا محلّها فهو ما عليه الطائفة الأُولى؛ لكونه الوارد في الصحاح و غيرها.و أما ما عليه الأُخرى فلم أجد لهم مستنداً،و به صرّح جمع من متأخري أصحابنا (1)،و تعجّبوا عن الشهيد في الدروس حيث جعل ما هم عليه أتمّها،و ما اخترناه حسناً،و ما في المتن مجزياً (2).

و ما زاد على ذلك من التلبيات الواردة في الصحيح و غيره مستحب و ليس بواجب،بلا خلاف فيه بيننا على الظاهر،و المصرَّح به في جملة من العبائر،بل عن التذكرة و في المنتهى (3)الإجماع،و في الأخير:إن على عدم الوجوب إجماع العلماء.

و قد مرّ من النصوص ما يصلح لأن يكون لكل من الاستحباب و عدم الوجوب مستنداً.

و يتفرع على عدم انعقاد الإحرام إلّا بأحد الأُمور الثلاثة أنه لو عقد الإحرام أي نواه و لبس الثوبين و لم يلبِّ و لم يشعر و لم يقلّد لم يلزمه كفارة بما يفعله مما يوجبها في الإحرام.و بالإجماع هنا بالخصوص صرّح جماعة (4)،و الصحاح به مع ذلك بالخصوص مستفيضة، مضافاً إلى غيرها من المعتبرة،و قد مرّ إلى جملة منها الإشارة (5)،و منها زيادةً عليه الصحيح:« لا بأس أن يصلّي الرجل في مسجد الشجرة و يقول

ص:218


1- منهم:صاحب المدارك 7:270،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:313،و صاحب الحدائق 15:60.
2- الدروس 1:347.
3- التذكرة 1:327،المنتهى 2:677.
4- منهم السيّد المرتضى في الانتصار:96،و صاحب المدارك 7:273،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:313.
5- في ص 2866.

الذي يريد أن يقوله و لا يلبّي،ثم يخرج فيصيب من الصيد و غيره و ليس عليه شيء» (1).

و الصحيح:في الرجل يقع على أهله بعد ما يقعد الإحرام و لم يلبِّ، قال:« ليس عليه شيء» (2).

و ما يخالف ذلك من بعض الصحاح (3)مع قطعه شاذ،و حمله الشيخ تارة على ما إذا أسرّ بالتلبية (4)،و أُخرى على الاستحباب (5).

و هل يلزمه تجديد النية بعد ذلك؟ظاهر جملة من الروايات،و لا سيّما ما تقدم:العدم.

لكن في المرسل:رجل يدخل مسجد الشجرة فصلّى و أحرم و خرج من المسجد،فبدا له قبل أن يلبّي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء،أ له ذلك؟فكتب:« نعم» أو:« لا بأس به» (6).

و فيه إشعار باللزوم؛ لمكان لفظ النقض في السؤال،مع التقرير له منه عليه السلام،و به صرّح في الانتصار،فقال:و يجب على هذا إذا أراد الإحرام أن يستأنفه و يلبّي؛ فإن الإحرام الأول قد رجع عنه (7).

ص:219


1- التهذيب 5:/82 272،الإستبصار 2:/188 631،الوسائل 12:333 أبواب الإحرام ب 14 ح 1.
2- التهذيب 5:/82 274،الإستبصار 2:/188 632،الوسائل 12:333 أبواب الإحرام ب 14 ح 2.
3- التهذيب 5:/317 1091،الإستبصار 2:/19 638،الوسائل 12:337 أبواب الإحرام ب 14 ح 14.
4- التهذيب 5:317.
5- الاستبصار 2:190.
6- الكافي 4:/331 9،الفقيه 2:/208 950،الوسائل 12:337 أبواب الإحرام ب 14 ح 12.
7- الانتصار:96.

و هو أولى و أحوط،وفاقاً لجمع ممن تأخر (1).

و لا ريب في لزومه على القول باعتبار المقارنة و ثبوته،و عليه فلا بدّ من تجديد النية في الميقات مع فعل المنافي قبل التلبية بعد تجاوزه مع إمكانه.

قيل:و على تقدير لزوم التجديد يكون المنوي عند عقد الإحرام اجتناب ما يجب على المحرم اجتنابه من حين التلبية (2).

و الأخرس يجزئه تحريك لسانه و الإشارة بيده أي بإصبعه،كما في القوي:« تلبية الأخرس و تشهده و قراءة القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه» (3).

و ليكن مع عقد قلبه بها،كما في الشرائع و غيره (4)؛ لأنها بدونه لأ يكون إشارة إليها،و لذا لم يصرّح به الأكثر،و لا ذكر في الخبر،و تعرّض له الإسكافي و لم يتعرض للإشارة،بل قال:يجزئه تحريك لسانه مع عقده إياها بقلبه،ثم قال:و يلبّى عن الصبي و الأخرس و المغمى عليه (5).

قيل:استناداً إلى خبر زرارة:إن رجلاً قدم حاجّاً لا يحسن أن يلبّي، فاستفتي له أبو عبد اللّه عليه السلام،فأمر أن يلبّي عنه (6).و لأن أفعال الحجّ و العمرة

ص:220


1- منهم:صاحب المدارك 7:273،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:313.
2- المدارك 7:273.
3- الكافي 4:/335 2،التهذيب 5:/93 305،الوسائل 12:381 أبواب الإحرام ب 39 ح 1.
4- الشرائع 1:245،القواعد 1:80،الدروس 1:347،و المدارك 7:266،كشف اللثام 1:314.
5- نقله عن الإسكافي في المختلف:266.
6- الكافي 4:/504 13،التهذيب 5:/244 828،الوسائل 12:381 أبواب الإحرام ب 39 ح 2.

تقبل النيابة،و لا تبرأ الذمة عنها بيقين ما لم يواقعها بنفسه أو بنائبه،و كما يجب تحريك اللسان للتلبية يجب التلفظ بها ليوقع الأول بنفسه و الثاني بنابه،و لا دلالة لكلامه و لا للخبر على الاجتزاء بالتلبية عنه و عدم وجوب الإشارة ليخالف الخبر الأول و عمل الأصحاب به،بل الأولى الجمع بين الأمرين.و لا ينافيه قوله أوّلاً:يجزئه تحريك لسانه إلى آخره،فلعلّه أراد أنه يجزئه فيما يلزمه مباشرته،فلا يرد عليه ما في المختلف من أنه يشعر بعدم وجوب التلبية عليه،و أنه يجزئه النيابة مع أنه متمكن من الإتيان بها على الهيئة الواجبة عليه مباشرة،فكيف يجوز له فيها الاستنابة (1).انتهى.

و فيما ذكر جملة مناقشة:

أما الرواية فمع عدم وضوح سندها و مخالفتها لما عليه الأصحاب هنا غير واضحة الدلالة؛ لكونها قضية في واقعة،فيحتمل الورود في غير مفروض المسألة،بل لعلّه الظاهر،فإن الظاهر ممن لا يحسن نحو الأعجمي الغير القادر على التكلم بالعربية،دون الأخرس،فإنه غير قادر على التلبية،لا غير محسن لها.

و يميل إلى هذه الرواية في الأعجمي الشهيد حيث قال:و لو تعذر عليه التلبية ففي ترجمتها نظر،و روى أن غيره يلبّي عنه (2).

و الظاهر أن مراده من الرواية هذه،و إلّا فلم نجد غيرها وارداً في خصوص الأعجمي،و هو مؤيد لما ذكرنا من أنه المفهوم من الرواية،و مع ذلك فتحتمل هي و كلام الإسكافي الاختصاص بالأخرس الذي لا يتمكن من الإشارة،كالأصمّ الأبكم الذي لم يسمع التلبية و لا يمكن تعريفها له

ص:221


1- كشف اللثام 1:314.
2- الدروس 1:347.

بالكلية.

و أما قبول أفعال الحجّ النيابة فعلى تقدير تسليمه كليّةً إنما هو مع العجز عن المباشرة،و لا عجز عنها بعد ورود النص المعتبر المتفق عليه بكفاية تلبيته بتحريك اللسان و الإشارة.

و إلحاق التلفظ بها بتحريك اللسان فيجب الإتيان به و لو نيابةً قياس؛ لأن وجوب الأصل إنما هو للنص عليه بالخصوص أو العموم،و لا شيء منهما في الفرع بموجود،لفقد الخصوص،بناءً على ما مرّ من ضعف دلالة الخبر على الحكم في محل البحث،و كذا العموم،لأنه حديث الميسور (1)، و المراد به جزء المامور به الذى الأصل فيه المباشره عرفا و لغه و تلفظ الغير ليس بجزء حتى يكون ميسوراً من المأمور به،و إنما الميسور منه هنا تحريك اللسان و عقد القلب خاصة.

و دعوى عدم المنافاة بين الخبرين و الكلامين مكابرة،بل المنافاة سيّما بين الخبرين؛ لظهور كلّ منهما و لا سيّما الأول بإجزاء ما فيه عن الفرض مطلقاً.

و كيف كان،فما عليه الأصحاب أقوى و إن كان الجمع بين الأمرين أحوط و أولى.

الثالث لبس ثوبي الإحرام

الثالث:لبس ثوبي الإحرام،و هما واجبان بغير خلاف أجده، و به صرّح جماعة (2)،مؤذنين بدعوى الإجماع عليه،كما في صريح التحرير و غيره (3)،بل في المنتهى:لا نعلم فيه خلافاً (4).

ص:222


1- عوالي اللئالي 4:/58 205.
2- منهم:السبزواري في الكفاية:58،و الذخيرة:580.
3- التحرير 1:96؛ و المفاتيح 1:313.
4- المنتهى 2:681.

و الأصل فيه بعده التأسي،و الصحاح المستفيضة المتضمنة للأمر به (1).و ضعف دلالته على الوجوب فيها لكونه من الأئمّة عليهم السلام،و وروده في سياق الأوامر المستحبة مجبور بالإجماع عموماً و خصوصاً كما عرفته.

و ما يقال على الأول من أن اللبس من العادات التي لم يثبت كونه من العبادات،فيه ما فيه؛ فإن الاستمرار على مثل هذا النوع من اللبس، و التجرد من المخيط في الوقت،ممّا يقطع بكونه من العبادات،فتأمل.

و هل هو شرط في صحة الإحرام حتى لو أحرم عارياً أو لابساً مخيطاً لم ينعقد،كما عن ظاهر الإسكافي (2)؛ أم لا،بل يترتب عليه الإثم خاصة، كما صرّح به من المتأخرين جماعة (3)؟ ظاهر الأصحاب كما ذكره الشهيد العدم (4)،قال:لأنهم قالوا:لو أحرم و عليه قميص نزعه و لا يشقه،و لو لبسه بعد الإحرام وجب شقه و إخراجه من تحت،كما هو مروي (5).

و يضعف:بأن كلامهم هذا قد يدل على عدم الانعقاد،فإن الشق و الإخراج من تحت للتحرز عن ستر الرأس،فلعلّهم لم يوجبوه في الأول لعدم الانعقاد.

و فيه نظر؛ لبعد الاحتمال،إذ لو كان لعدم الانعقاد للزمهم التصريح

ص:223


1- الوسائل 12:408 أبواب الإحرام ب 52.
2- نقله عنه في المختلف:264.
3- منهم:الشهيد الثاني في الروضة البهيّة 2:232،و صاحب المدارك 7:274،و السبزواري في الذخيرة:580.
4- الدروس 1:345.
5- الكافي 4:/348 1،التهذيب 5:/72 238،الوسائل 12:488 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 2.

كي لا يتوهم الخلاف،سيّما و أنه ظاهر جملة من النصوص الدالّة على هذا الحكم:

منها:الخبر فيمن أحرم في قميصه و هو ينتف شعره و يضرب وجهه بعد ما لامه الناس و قالوا له:عليك بدنة و الحجّ من قابل و حجك فاسد،فدنا من مولانا الصادق عليه السلام،فقال له عليه السلام:« اسكن يا عبد اللّه،ما تقول؟» قال:

كنت رجلاً أعمل بيدي،فاجتمعت لي نفقة فجئت أحجّ لم أسأل أحداً عن شيء،فأفتوني هؤلاء أن أشق قميصي و أنزعه من قبل رجلي و أن حجي فاسد و أن عليّ بدنة،فقال عليه السلام:« متى لبست قميصك،أبعد ما لبّيت أم قبل؟» قال:قبل أن أُلبّي،قال:« فأخرجه من رأسك فإنه ليس عليك بدنة، و ليس عليك حجّ من قابل،أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه، طُف بالبيت سبعاً،و صلّ عند مقام إبراهيم،و اسعَ بين الصفا و المروة، و قصّر من شعرك،فاذا كان يوم التروية فاغتسل و أهلّ بالحجّ و اصنع كما يصنع الناس» (1).

و قريب منه آخر (2).

و فرقهما بين الجهل و العمد الظاهر أنه إنما هو بالإضافة إلى نفي الكفارة،و إلّا فالجهل ليس عذراً لصحة العبادة مع المخالفة و عدم المطابقة، فتأمل.

هذا،و يؤيد عدم الاشتراط إطلاق ما مرّ من الصحاح من أن الإحرام ينعقد بالتلبية و ما في معناه،و أنه عبارة عنها،فتدبر.

و المراد بالثوبين الإزار و الرداء بلا إشكال فيه،و لا في كون المعتبر من

ص:224


1- التهذيب 5:/72 239،الوسائل 12:488 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 3.
2- الكافي 4:/348 2،الوسائل 12:489 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 4.

الأول ما يستر العورة و ما بين الركبتين إلى السرّة،و من الثاني ما يوضع على المنكبين،كما في صريح المسالك و ظاهر غيره (1)،و يستفاد من النصوص.

ففي الصحيح:« و التجرد في إزار و رداء أو إزار و عمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء» (2).

و في التوقيع المروي في الاحتجاج،عن مولانا صاحب الزمان عجل اللّه تعالى فرجه:« جائز أن يتّزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثاً بمقراض و لا إبرة يخرجه عن حدّ المئزر و غرزه غرزاً (3)،و لم يعقده و لم يشدّ بعضه ببعض،و إذا غطّى السرة و الركبتين كليهما،فإن السنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرّة و الركبتين،و الأحب إلينا و الأكمل لكل أحد شدّه على السبيل المألوفة المعروفة[للناس]جميعاً إن شاء اللّه تعالى» (4).

و ما فيه من النهي عن عقد الإزار الأحوط مراعاته،فقد ورد في غيره كالقولي،أو الصحيح كما قيل-:نهى عن عقده في عنقه (5).

و المروي في قرب الإسناد:« المحرم لا يصلح له أن يعقد إزاره على رقبته،و لكن يثنّيه على عنقه و لا يعقده» (6).

و حكي عن الفاضل و الشهيد في الدروس و غيرهما (7).

ص:225


1- المسالك 1:107؛ و انظر الروضة 2:233 و المدارك 7:274.
2- الكافي 4:/249 7،الوسائل 11:223 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 15.
3- غَرَز الإبرة في الشيء:أدخلها.لسان العرب 5:386.
4- الاحتجاج:485،الوسائل 12:502 أبواب تروك الإحرام ب 53 ح 3 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
5- الفقيه 2:/221 1023،الوسائل 12:502 أبواب تروك الإحرام ب 53 ح 1.
6- قرب الإسناد:/241 953،الوسائل 12:503 أبواب تروك الإحرام ب 53 ح 5.
7- حكاه عنهم السبزواري في الذخيرة:580.

و لم أقف في كيفية لبس الرداء على نصّ،و ظاهر الأصحاب عدم الخلاف في جواز الارتداء به (1)،و زاد جمع جواز التوشح (2)،كشيخنا في المسالك،نافياً الإشكال عنه (3)،و لا بأس به،عملاً بالإطلاق.

و الظاهر أنه لا يجب استدامة اللبس،كما صرّح به جماعة (4)؛ لصدق الامتثال،و عدم دليل على وجوب الاستمرار.

و المعتبر منهما ما يصح الصلاة فيه للرجل كما هنا و في الشرائع و التحرير و المنتهى و القواعد و اللمعتين و المسالك (5)،و عن المبسوط و النهاية و المصباح و مختصره و الاقتصاد و الكافي و الغنية و المراسم (6)،و في الكفاية:إنه المعروف بين الأصحاب (7)،معرباً عن عدم خلاف فيه،كما صرّح به في المفاتيح (8)،و هو ظاهر المنتهى و غيره (9)ممن ديدنهم نقل الخلاف حيث كان،و لم ينقلوه هنا.

فإن تمّ إجماعاً،و إلّا فمستنده من النصّ غير واضح،عدا الصحيح

ص:226


1- أي جَعْله على المنكبين.
2- أي جَعْله على منكب واحد كما عن الشهيد في بعض حواشيه.و عن جماعة من أهل اللغة أنه إدخاله تحت اليد اليمنى و إلقاؤه على المنكب الأيسر.(منه رحمه الله).
3- المسالك 1:107.
4- منهم:صاحب المدارك 7:274،و السبزواري في الذخيرة:580،و الكفاية:580.
5- الشرائع 1:246،التحرير 1:06،المنتهى 2:681،القواعد 1:80،اللمعة(الروضة البهية 2):231،المسالك 1:107.
6- المبسوط 1:319،النهاية:217،مصباح المتهجد:618،الاقتصاد:301،الكافي في الفقه:207،الغنية(الجوامع الفقهية):574،المراسم:108.
7- كفاية الأحكام:58.
8- مفاتيح الشرائع 1:317.
9- المنتهى 2:681؛ و انظر الذخيرة:581،و كشف اللثام 1:315،و الحدائق 15:81.

« كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه» (1).

و هو بعد تسليمه لا يدل على الحرمة صريحاً؛ لأعمية البأس المفهوم منها و من الكراهة،لو سلّم فلم يفهم منه العموم،و خصوصاً إن الجلود لا تدخل في الثوب عرفاً فلا يجوز الإحرام فيها مطلقاً.

نعم،لا شبهة في حرمة لبس المغصوب و الميتة مطلقاً،و الحرير للرجل.و يحتمل حرمة النجس؛ لفحوى الصحيح:عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة،قال:« لا يلبسه حتى يغسله،و إحرامه تامّ» (2).

و أما سائر ما يشترط في ثوب الصلاة من عدم كونه مما لا يؤكل لحمه و لا شافاً فلا أعرف عليه دليلاً سوى الاتفاق المستشعر مما مرّ،مع أن المحكي عن كثير من الأصحاب أنهم لم يتعرضوا لذلك كالشيخ في الجمل و ابني إدريس و سعيد،و لم يذكر المرتضى في الجمل سوى الحرير،فقال:

و لا يحرم في إبريسم (3).و ابن حمزة سوى النجس (4).و قال المفيد:و لا يحرم في ديباج و لا حرير و لا خزّ مغشوش بوبر الأرانب و الثعالب (5).

فالتعدي مشكل،سيّما بعد الأصل و إن كان أحوط.

و اعلم أنه يحرم على المحرم لبس المخيط كما سيأتي،و عليه الإجماع في المنتهى هنا (6).

ص:227


1- الكافي 4:/339 3،الفقيه 2:/215 976،التهذيب 5:/66 212،الوسائل 12:359 أبواب الإحرام ب 27 ح 1.
2- الفقيه 2:/219 1006،الوسائل 12:476 أبواب تروك الإحرام ب 37 ح 1.
3- رسائل المرتضى 3):66.
4- الوسيلة:163.
5- المقنعة:396.
6- المنتهى 2:681.

و عليه فلا يجوز له أن يلبس القباء إلّا مع عدمهما أي ثوبي الإحرام مقلوباً بلا خلاف فيه في الجملة،و على الظاهر، المصرح به في عبائر جماعة (1)،بل قيل:بالإجماع (2)،و المعتبرة المستفيضة:

منها الصحيح:« إذا اضطر المحرم إلى القباء و لم يجد ثوباً غيره فيلبسه مقلوباً و لا يدخل يديه في يدي القباء» (3).

و الصحيح:« و إن لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه أو قباءه بعد أن ينكسه» (4).

و الصحيح المروي في آخر السرائر عن جامع البزنطي:« من اضطرّ إلى ثوب و هو محرم و ليس له إلّا قباء فلينكّسه و يجعل أعلاه أسفله و ليلبسه» (5)و نحوه الحسن (6).

و يستفاد من هذه الأخبار عدا الأول أن المراد من القلب هو النكس، و به صرّح جمع،و منهم الحلّي مبالغاً فيه (7).

خلافاً لظاهر إطلاق المتن،و المحكي عن النهاية و المبسوط و المهذّب و الوسيلة و غيرها (8)،فالتخيير بينه و بين قلب ظهره لباطنه،و به

ص:228


1- منهم:المجلسي في مرآة العقول 17:295،و صاحب الحدائق 15:91.
2- المفاتيح 1:318.
3- التهذيب 5:/70 228،الوسائل 12:486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 1.
4- التهذيب 5:/70 229 بتفاوت،الوسائل 12:486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 2.
5- مستطرفات السرائر:34/33،الوسائل 12:487 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 8.
6- الكافي 4:/347 5،الوسائل 12:486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 3.
7- السرائر 1:543.
8- النهاية:218،المبسوط 1:320،المهذب 1:212،الوسيلة:162؛ و انظر الإرشاد 1:316.

صرّح من المتأخرين كثير،و منهم الفاضل في المنتهى و المختلف (1)؛ جمعاً بينها و بين ظاهر الأول و غيره،و صريح الخبر،بل الصحيح كما قيل (2)-:« و يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء و يقلب ظهره لباطنه» (3).

و ليس بذلك البعيد و إن كان الأول أولى و أحوط؛ لكثرة ما دلّ عليه و صحته و صراحته،مضافاً إلى نقل الإجماع في المسالك على إجزائه (4).

و الجمع بينهما أكمل،كما صرّح به جمع (5).

و ظاهر أكثر النصوص اشتراط فقد الثوبين معاً،كما هو صريح المتن و كثير،حتى جعل مشهوراً بين القدماء،بل الفتاوي كلّها،عدا الشهيدين، فاكتفيا بفقد الرداء خاصّة؛ للصحيح الثاني و الأخير،و زاد ثانيهما فقال:أو أحدهما (6).و لم نجد له مستنداً،و ما عليه الأكثر أحوط و أولى.

و في اشتراط الاضطرار كما في أكثر النصوص،أو العدم كما في الباقي،وجهان.أحوطهما الأول؛ اقتصاراً في الرخصة على المتيقن،مضافاً إلى التأيد بالشرط و إن لم يصلح سنداً،لاحتمال وروده كالإطلاق مورد الغالب،و هو الاضطرار،فلا ينصرفان إلى غيره.

ثم ظاهر النصوص و الفتاوي أنه ليس بذلك فداء،إلّا إذا أدخل اليدين في الكمّين فكما إذا لبس مخيطاً.و به صرّح جماعة من أصحابنا،كالفاضل

ص:229


1- المنتهى 2:683،المختلف:268.
2- الحدائق 15:92.
3- الفقيه 2:/218 997،الوسائل 12:487 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 7.
4- المسالك 1:107.
5- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 1:461،و الشهيد الثاني في المسالك 1:107،و الروضة البهية 2:233،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 6:221.
6- اللمعة و(الروضة البهية 2):232،و المسالك 1:107.

في التحرير و التذكرة و المنتهى (1)،و الفاضل المقداد في التنقيح (2)، و غيرهما (3)،و نفي الخلاف عنه إذا توشّح به في الخلاف (4).

و في جواز لبس الحرير المحض للمرأة روايتان،أشهرهما المنع و هو مستفيض:

منها الصحيح:« المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القُفّازَين» (5).

و الصحيح المروي عن جامع البزنطي:عن المتمتع كم يجزيه؟قال:

« شاة» و عن المرأة تلبس الحرير؟قال :« لا» (6).

و عليه الشيخ و الصدوق (7)،و يوافقه إطلاق عبارتي المفيد و المرتضى المتقدّمتين (8).

خلافاً للمفيد في كتاب أحكام النساء و الحلّي و أكثر المتأخرين (9)،

ص:230


1- التحرير 1:96،التذكرة 1:326،المنتهى 2:683.
2- التنقيح الرائع 1:461.
3- انظر جامع المقاصد 3:168 و الروضة البهية 2:233،و كشف اللثام 1:315.
4- الخلاف 2:298.
5- الكافي 4:/344 1،التهذيب 5:/73 243،الإستبصار 2:/308 1099،الوسائل 12:368 أبواب الإحرام ب 33 ح 9.القفاز بالضم و التشديد شيء يعمل لليدين و يمشي بقطن و تكون له أزرار تلبسه المرأة من نساء العرب تتوقى به من البرد.مجمع البحرين 4:31.
6- مستطرفات السرائر:/33 36،37،الوسائل 12:368 أبواب الإحرام ب 33 ح 8.
7- الشيخ في النهاية:218،الصدوق في المقنع:72.
8- في ص:2881.
9- أحكام النساء(مصنّفات الشيخ المفيد 9):350،الحلي في السرائر 1:531؛ و من المتأخرين:العلامة في المختلف:266 و الإرشاد 1:316،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:168،و السبزواري في الذخيرة:581.

فالجواز مع الكراهة؛ أخذاً بالأصل،و الرواية الثانية،و هي الصحيح:المرأة تلبس القميص تزرّه عليها و تلبس الحرير و الخزّ و الديباج؟فقال:« نعم لا بأس به» (1).

و الخبر:عن المحرمة أيّ شيء تلبس من الثياب؟قال:« تلبس الثياب كلّها إلّا المصبوغة بالزعفران و الورَس،و لا تلبس القُفّازَين» (2).

و الأول مخصِّص بما مرّ من الأدلة.و الصحيحة غير صريحة في المحرمة.و الخبر ضعيف السند و الدلالة؛ لقبوله التخصيص بما عدا الحرير،كما وقع التصريح به في آخر،و فيه:ما يحلّ للمرأة أن تلبس و هي محرمة؟فقال:« الثياب كلّها ما خلا القفّازَين و البرقع و الحرير» الحديث (3).

و هو أولى من الجمع بالكراهة حيثما حصل بينهما معارضة،كما مرّ غير مرة.

و أما الاستدلال على الجواز بالصحيحة المتقدّمة (4):« كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه» و الأخبار المعتبرة (5)المتضمنة للفظ« لا يصلح» أو« لا ينبغي» أو الكراهة الظاهرة فيها بالمعنى المصطلح عليه الآن،ففيه ما فيه:

ص:231


1- التهذيب 5:/74 246،الإستبصار 2:/309 1100،الوسائل 12:366 أبواب الإحرام ب 33 ح 1.
2- الكافي 4:/344 2،التهذيب 5:/74 244،الوسائل 12:366 أبواب الإحرام ب 33 ح 2.الوَرس:صبغ يتخذ منه الحمرة للوجه،و هو نبات كالسمسم ليس إلّا باليمن.مجمع البحرين 4:121.
3- الكافي 4:/345 6،التهذيب 5:/75 247،الإستبصار 2:/309 1101،الوسائل 12:367 أبواب الإحرام ب 33 ح 3.
4- في ص:2880.
5- انظر الوسائل 4:367 أبواب لباس المصلي ب 11.

لأن الخطاب في الصحيح إلى الرجل حتماً أو احتمالاً متساوياً،و هو غير ما نحن فيه.هذا على القول بجواز صلاة المرأة في الحرير،و إلّا فالاستدلال ساقط من أصله.

و الألفاظ المزبورة كثيرة الورود في الأخبار للحرمة،و لذا كانت فيها أعم منها و من الكراهة.

لكن الإنصاف أن الصحيحة الأُولى ظاهرة الورود في المحرمة،لا يقصر ظهورها عن ظهور النهي في الحرمة.فالمسألة محل إشكال و شبهة، و لكن المنع أحوط بلا شبهة.

و يجوز أن يلبس أكثر من ثوبين إن شاء يتّقي بها الحر و البرد، كما في الصحيح (1)،و في آخر:« لا بأس إذا كانت طاهرة» (2).

و أن يبدّل ثياب إحرامه كما في الصحيحين (3)و غيرهما (4).

و لكن لا يطوف إلّا فيهما كما في أحدهما،و ظاهر الأمر فيه الوجوب،قيل:و قد يوهمه عبارات الشيخ و جماعة (5)،إلّا أن ظاهر المتأخرين الاتفاق على كون ذلك استحباباً قيل:للأصل،و عدم نصوصية الخبر في الوجوب (6).و فيه لولا الاتفاق نظر.

و لا خلاف أجده في شيء من هذه الأحكام،و به صرّح في الأول

ص:232


1- الكافي 4:/341 10،التهذيب 5:/70 230،الوسائل 12:362 أبواب الإحرام ب 30 ح 1.
2- الكافي 4:/340 9،الوسائل 12:363 أبواب الإحرام ب 30 ح 2.
3- الكافي 4:/341 11،الفقيه 2:/218 1000،التهذيب 5:/71 233،الوسائل 12:363 أبواب الإحرام ب 31 ح 1،2.
4- الوسائل 12:364 أبواب الإحرام ب 31 ح 4.
5- كشف اللثام 1:315.
6- كشف اللثام 1:315.

بعض الأصحاب (1).

الندب

و الندب:رفع الصوت بالتلبية للرجل إذا عَلَت راحلته البيداء و هو على ميل من ذي الحليفة،على ما في التحرير و المنتهى (2)،و عن السرائر و التذكرة (3) إن حجّ على طريق المدينة،و إن كان راجلاً فحيث يحرم كما هنا و في الشرائع و القواعد و التحرير و المنتهى و الروضة و المسالك (4)،و غيرها (5)،و عن الشيخ و ابن حمزة (6)،لكنهما لم يذكرا الجهر،بل نفس التلبية.

للصحيح (7).و به جمع الشيخ (8)بين الأخبار الآمرة بالتأخير إلى البيداء بقول مطلق،و ما دلّ على جواز التلبية من المسجد كذلك من الموثق و غيره (9)،بحمل الأوّلة على الراكب،و الأخيرين على غيره.

و فيه:أن من جملة الأوّلة ما صرّح بالعموم،كالصحيح:«صلّ المكتوبة ثمّ أحرم بالحجّ أو بالمتعة[و اخرج]بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك،فاذا استوت بك الأرض راكباً كنت أو ماشياً فلبِّ» (10).

ص:233


1- المفاتيح 1:317.
2- التحرير 1:96،المنتهى 2:679.
3- السرائر 1:535،التذكرة 1:327.
4- الشرائع 1:248،القواعد 1:80،التحرير 1:96،المنتهى 2:679،الروضة 2:233،المسالك 1:108.
5- انظر التذكرة 1:327.
6- الشيخ في التهذيب 5:85،ابن حمزة في الوسيلة:161.
7- التهذيب 5:/85 281،الإستبصار 2:/170 563،الوسائل 12:369 أبواب الإحرام ب 34 ح 1.
8- التهذيب 5:85،الاستبصار 2:170.
9- الوسائل 12:369 أبواب الإحرام ب 34،وص 372 ب 35 من تلك الأبواب.
10- الكافي 4:/334 14،الوسائل 12:370 أبواب الإحرام ب 34 ح 6 ما بين المعقوفين في النسخ:أحرم،و ما أثبتناه من المصادر.

و حكي العمل بها عن جملة من القدماء،كالشيخ في أحد قوليه و القاضي و الصدوق و الحلّي (1).

لكن القاضي لم يذكر الجهر،بل نفس التلبية،أخذاً بظاهر الأخبار المطلقة.

و الصدوق و الحلّي استحبّا الإسرار بها قبل البيداء و الجهر فيها،و هو ظاهر العبارة و ما ضاهاها.

و الظاهر أنه لاعتبار المقارنة عندهم؛ أخذاً بما دلّ على عدم جواز التجاوز عن الوقت بغير إحرام،فحملوا الأخبار على الإجهار.

و بذلك صرّح في المنتهى هنا،حيث قال بعد الحكم باستحباب الإجهار:و هذا يكون بعد التلبية سرّاً في الميقات الذي هو ذو الحليفة؛ لأن الإحرام لا ينعقد إلّا بالتلبية،و لا يجوز مجاوزة الميقات إلّا محرماً (2).

و نحو الفاضل المقداد في التنقيح (3).

و رجّحه في المسالك،قال:فتكون هذه التلبية غير التي يعقد بها الإحرام في المسجد (4).

أقول:و لا ريب أنه أحوط و إن كان في تعيّنه نظر؛ فإن من الصحاح ما لا يقبل الحمل على الجهر إلاّ بتكلّف بعيد كما مرّ.

و لو حجّ من غير طريق المدينة لبّى من موضعه إن شاء،و إن مشى

ص:234


1- الشيخ في المبسوط 1:316،القاضي في المهذب 1:216،الصدوق في الهداية:55،الحلي في السرائر 1:535.
2- المنتهى 2:679.
3- التنقيح 1:459.
4- المسالك 1:108.

خطوات ثم لبّى كان أفضل،كما في التحرير و المنتهى و المسالك (1)، و غيرها (2)؛ للصحاح المتضمنة للأمر بالتلبية بعد المشي خطوات (3).

و حملت على الأفضلية؛ جمعاً بينها و بين ما دلّ على الجواز حيث شاء.

و لو أحرم من مكّة رفع بها صوته إذا أشرف على الأبطح للصحيح:« فأحرم بالحجّ،و عليك السكينة و الوقار،فاذا انتهيت إلى الرَّقطاء دون الرَّدم فلبِّ،فاذا انتهيت إلى الرَّدم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى» (4).

و حمل على الفضل؛ للآخر:« و إن أهللت من المسجد الحرام بالحجّ فإن شئت لبّيت خلف المقام،و أفضل ذلك أن تمشي حتى تأتي الرَّقطاء و تلبّي قبل أن تصير إلى الأبطح» (5).

و إطلاقهما كالعبارة و نحوها يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الراكب و الماشي.

خلافاً للشيخ فيلبّي الماشي من الموضع الذي يصلّي فيه،و الراكب يلبّي عند الرَّقطاء و عند شعب الدب (6)؛ للخبر (7).و فيه ضعف سنداً

ص:235


1- التحرير 1:96،المنتهى 2:679،المسالك 1:107.
2- انظر السرائر 1:536،و الجامع للشرائع:183،و جامع المقاصد 3:170.
3- الوسائل 12:372 أبواب الإحرام ب 35.
4- الكافي 4:/454 1،التهذيب 5:/167 557،الوسائل 12:408 أبواب الإحرام ب 52 ح 1.الرَّدم بمكّة و هو حاجز يمنع السيل عن البيت المحرم،و الرقطاء موضع دون الردم و يسمى المدعى.راجع مجمع البحرين 4:249،6:71.
5- الفقيه 2:/207 943،الوسائل 12:396 أبواب الإحرام ب 46 ح 1.
6- انظر التهذيب 5:168.
7- التهذيب 5:/169 561،الإستبصار 2:/252 886،الوسائل 12:397 أبواب الإحرام ب 46 ح 2.

و دلالةً.

ثم المستفاد من الرواية الأُولى تأخير التلبية إلى الرقطاء دون الرَّدم فيلبّي سراً،ثم إذا أشرف على الأبطح جهر بها،و هو نصّ في عدم اعتبار المقارنة.

و حكي التصريح بمضمونها بعينه عن الصدوق في الهداية (1)،مع أنه نقل عنه سابقاً اعتبار المقارنة.و هو مناقضة،إلّا أن يكون لم يعتبرها هنا و اعتبرها ثمة،كما هو ظاهر المحكي عن السرائر و المنتهى و التذكرة (2)، حيث إنهم عبّروا عن المستحب هنا بما حكي عن المبسوط و النهاية و الجامع و الوسيلة (3)من أنه إن كان ماشياً لبّى من موضعه الذي صلّى فيه، و إن كان راكباً لبّى إذا نهض به بعيره،فاذا انتهى إلى الرَّدم و أشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية،و حينئذ فينبغي القطع بعدم اعتبارها هنا.

خلافاً لشيخنا في المسالك،حيث قال:و الكلام في التلبية التي يعقد بها الإحرام كما مرّ،فيلبّي سرّاً بعد النية و يؤخر الجهر إلى الأبطح (4).

و اعلم أن استحباب الإجهار للرجل دون وجوبه هو المشهور على الظاهر،المصرَّح به في كلام جمع (5)؛ للأصل السليم عما يصلح للمعارضة.

خلافاً للشيخ في التهذيب فيجب بقدر الإمكان (6)،قال:للصحيح

ص:236


1- الهداية:60.
2- السرائر 1:584،المنتهى 2:585،التذكرة 1:327.
3- المبسوط 1:365،النهاية:248،الجامع للشرائع:204،الوسيلة:177.
4- المسالك 1:108.
5- منهم:العلامة في المختلف:265،و السبزواري في الذخيرة:584،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:316.
6- التهذيب 5:92.

« و اجهر بها كلّما ركبت،و كلّما نزلت،و كلّما هبطت وادياً،أو علوت أَكَمَة، أو لقيت راكباً و بالأسحار» (1).

و هو نادر،مع أنه رجع عنه في الخلاف،قائلاً:لم أجد من ذكر كونه فرضاً (2)،و مع ذلك ففتواه بالوجوب بالمعنى المصطلح غير معلوم،و في المدارك:و لعلّ مراده تأكد الاستحباب (3).و لذا ادّعى بعض الإجماع على خلافه،قال:كما هو الظاهر (4).

و الأمر في الصحيح للاستحباب بلا خلاف،و لذا قال في المنتهى في الجواب عنه:انه قد يكون للندب،خصوصاً مع القرينة،و هي حاصلة هنا في قوله:« كلّما ركبت» الحديث؛ إذ ذلك ليس بواجب (5).

أقول:و قريب منه باقي الأخبار المتضمنة للأمر به،حتى المرسل القريب من الصحيح:« لمّا أحرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتاه جبرئيل عليه السلام فأمره بالعَجّ و الثجّ،و العَجّ:رفع الصوت بالتلبية،و الثجّ:نحر البدن» فإن في آخره:قال جابر بن عبد اللّه:فما مشى الرَّوحاء حتى بَحَّتْ أصواتنا (6).

فإن ظاهره الإجهار بالتلبية المكررة،فحالها حال الصحيحة السابقة.

ص:237


1- التهذيب 5:/92 301،الوسائل 12:383 أبواب الإحرام ب 40 ح 3.
2- الخلاف 2:291.
3- المدارك 7:294.
4- كشف اللثام 1:316.
5- المنتهى 2:677.
6- الكافي 4:/336 5،الفقيه 2:/210 960،التهذيب 5:/92 302،الوسائل 12:378 أبواب الإحرام ب 37 ح 1.الرَّوْحاء كحمراء:بلد من عمل الفُرع على نحو أربعين يوماً و الفُرع:قرية من نواحي المدينة بينها و بين المدينة ثمانية بُرُد على طريق مكّة.معجم البلدان 3:76 و 4:252.بَحَّتْ أصواتنا أي:خشنت.انظر القاموس 1:222.

و احترز بالرجل عن المرأة فليس عليها إجهار بلا خلاف؛ للمستفيضة:منها:« وضع عن النساء أربعاً:الجهر بالتلبية،و السعي بين الصفا و المروة،و الاستلام،و دخول الكعبة» (1)و المراد بالسعي الهرولة،كما وقع التصريح به في رواية عن الفقيه مروية (2).

و تكرارها للمعتبرة المتقدم بعضها قريباً.

و حدّها: إلى يوم عرفة عند الزوال للحاجّ فيقطعها بعده بلا خلاف أجده،و الصحاح و غيرها به مستفيضة (3)،و ظاهر الأمر فيها الوجوب،كما حكي التصريح به عن والد الصدوق و الخلاف و الوسيلة (4).

و المعتمر بالمتعة يكررها ندباً حتى يشاهد بيوت مكّة فيقطعها وجوباً؛ بالإجماع،كما في الخلاف (5)؛ و للصحاح المستفيضة و غيرها (6).

و أما الموثق:« إذا دخل البيوت،بيوت مكّة،لا بيوت الأبطح» (7)فمع قصور السند و عدم مقاومته لباقي الأخبار المصرّحة بالنظر إليها لا الدخول يحتمل الحمل على الإشراف،كما في الصحيح:« إذا دخلت مكّة و أنت متمتع فنظرت إلى بيوت مكّة فاقطع التلبية» (8).

ص:238


1- التهذيب 5:/93 303،الوسائل 12:379 أبواب الإحرام ب 38 ح 1.
2- الفقيه 2:/210 961،الوسائل 12:380 أبواب الإحرام ب 38 ح 2.
3- انظر الوسائل 12:391 أبواب الإحرام ب 44.
4- حكاه عن والد الصدوق في الدروس 1:348،الخلاف 2:292،الوسيلة:177.
5- الخلاف 2:293 و 331.
6- الوسائل 12:388 أبواب الإحرام ب 43.
7- التهذيب 5:/468 1638،الوسائل 12:39 أبواب الإحرام ب 43 ح 7.
8- الكافي 4:/399 1،التهذيب 5:/94 309،الإستبصار 2:/176 583،الوسائل 12:388 أبواب الإحرام ب 43 ح 1.

و أما الخبر:عن تلبية المتمتع متى تقطع؟قال:« حين يدخل الحرم» (1)فهو مع ضعف السند يحتمل الجواز كما في (2)الفقيه و الاستبصار (3)،بمعنى أنه إذا دخله لم يتأكد استحبابها،كهي قبله.

و حدّ بيوت مكّة على ما في شرح القواعد للمحقّق الثاني و المسالك و الروضة (4)عقبة المدنيّين إن دخلها من أعلاها،و عقبة ذي طوى من أسفلها.

و في الصحيح:« و حدّ بيوت مكّة بيوت التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيّين،فإن الناس قد أحدثوا بمكّة ما لم يكن،فاقطع التلبية،و عليك بالتكبير و التهليل و التحميد و الثناء على اللّه عزّ و جلّ بما استطعت» (5).

و فسّر عقبة المدنيّين في الخبر،بل الصحيح كما قيل (6)بحيال القصّارين (7).

و في آخر:عن المتمتع متى يقطع التلبية؟قال:« إذا نظر إلى عراش مكّة ذي طوى» قال:قلت:بيوت مكّة؟قال:« نعم» (8).

ص:239


1- التهذيب 5:312/95،الإستبصار 2:585/177،الوسائل 12:391 أبواب الإحرام ب 43 ح 9.
2- في« ك»:عن.
3- حكاه عنهما في كشف اللثام 1:316؛ و انظر الفقيه 2:277،الاستبصار 2:177.
4- جامع المقاصد 3:169،المسالك 1:108،الروضة 2:234.
5- تقدّم مصدره في ص:2890 الهامش(8).
6- ملاذ الأخيار 7:369.
7- الفقيه 2:/277 1353،التهذيب 5:/96 316،الإستبصار 2:/177 589،الوسائل 12:395 أبواب الإحرام ب 45 ح 11.
8- الكافي 4:/399 4،التهذيب 5:/94 310،الإستبصار 2:/176 584،الوسائل 12:389 أبواب الإحرام ب 43 ح 4.

قيل:و جمع السيّد و الشيخ بينهما بأن الأول أتى على طريق المدينة، و الثاني لطريق العراق،و تبعهما الديلمي و الحلّي.و جمع الصدوقان و المفيد بتخصيص الثاني بطريق المدينة،قال في المختلف:و لم نقف لأحدهم على دليل.و في الغنية و المهذّب:حدّها من عقبة المدنيّين إلى عقبة ذي طوى.و عن العماني:حدّها عقبة المدنيّين و الأبطح.و ذو طوى على ما في المصباح المنير:وادٍ بقرب مكّة على نحو فرسخ في طريق التنعيم،و يعرف الآن بالزاهر.و نحو منه في تهذيب الأسماء،إلّا أنه قال:موضع بأسفل مكّة،و لم يحدّد ما بينهما بفرسخ أو غيرها (1).انتهى.

أقول:و مذهب العماني مخالف لظاهر الموثقة،المؤذنة بتغاير بيوت الأبطح لبيوت مكّة،فكيف تدخل في بيوتها كما ذكره؟!فتدبر.

و المعتمر ب العمرة المفردة يكرّرها حتى يدخل الحرم إن كان أحرم من بعض المواقيت من خارجه،و حتى يشاهد الكعبة إن أحرم من الحرم فيقطعها على المشهور في الظاهر،المصرح به في بعض العبائر (2)؛ للصحيح:« من خرج من مكّة يريد العمرة ثم دخل معتمراً لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة» (3).

و مرسل المفيد:أنه عليه السلام سئل عن الملبّي بالعمرة المفردة بعد فراغه من الحج متى يقطع التلبية؟قال:« إذا رأى البيت» (4).

و بهما يقيّد إطلاق المعتبرة بقطع التلبية عند دخول الحرم كالصحيح

ص:240


1- كشف اللثام 1:316.
2- كشف اللثام 1:316.
3- الفقيه 2:/276 1350،التهذيب 5:/95 315،الإستبصار 2:/177 588،الوسائل 12:395 أبواب الإحرام ب 45 ح 8.
4- المقنعة:449،الوسائل 12:396 أبواب الإحرام ب 45 ح 13.

« يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم» (1)و بمعناه الموثق (2)و غيره (3)،بحملها على ما إذا لم يخرج من مكّة.

لكن هنا أخبار أُخر مختلفة،ففي الصحيح:« من اعتمر من التنعيم فلا يقطع التلبية حتى ينظر إلى المسجد» (4).

و في الخبر،بل الموثق كما قيل (5):عن الرجل يعتمر عمرة مفردة، من أين يقطع التلبية؟قال:« إذا رأيت بيوت ذي طوى فاقطع التلبية» (6).

و في آخر:عمن أحرم من حوالي مكّة من الجَعرانة و الشجرة،من أين يقطع التلبية؟قال:« يقطع التلبية عند عروش مكّة،و عروش مكّة ذو طوى» (7).

لكنه يحتمل عمرة التمتع،كالخبر:عمن دخل بعمرة فأين يقطع التلبية؟فقال:« حيال العقبة،عقبة المدنيّين»[فقلت]أين عقبة المدنيين؟ قال:« حيال القصّارين» (8).

لكن الصدوق حمله على المفردة،و جمع بينه و بين ما تقدّم

ص:241


1- الكافي 4:/537 1،الفقيه 2:/277 1355،الوسائل 12:394 أبواب الإحرام ب 45 ح 6.
2- التهذيب 5:/94 309،الإستبصار 2:/176 583،الوسائل 12:393 أبواب الإحرام ب 45 ح 1.
3- التهذيب 5:/95 313،الإستبصار 2:/177 586،الوسائل 12:394 أبواب الإحرام ب 45 ح 2.
4- الكافي 4:/537 3،الوسائل 12:394 أبواب الإحرام ب 45 ح 4.
5- المدارك 7:296.
6- الفقيه 2:/277 1354،التهذيب 5:/95 314،الإستبصار 2:/177 587،الوسائل 12:394 أبواب الإحرام ب 45 ح 3.
7- التهذيب 5:/94 311،الوسائل 12:391 أبواب الإحرام ب 43 ح 8.
8- تقدم مصدره في ص:2891 الهامش(4).

بالتخيير (1)،و هو القول المشار إليه بقوله:

و قيل بالتخيير،و هو أشبه عند الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل المقداد في التنقيح (2)،قيل:و لا بدّ منه،للجمع بين خبر المسجد و غيره (3).

و ظاهر الشيخ في التهذيب و الاستبصار (4)أنه إن خرج من مكّة ليعتمر قطعها إذا رأى الكعبة،و إلّا فان جاء من العراق فعند ذي طوى،و إن جاء من المدينة فعند عقبة المدنيين،و إلّا فعند دخول الحرم.

و قصد بذلك الجمع بين الأخبار.

و حكي عنه في الجمل و الاقتصاد و المصباح و مختصره أنه أطلق قطعها عند دخول الحرم (5)،لكن ظاهر سياق كلامه في الأخيرين في غير من خرج من مكّة (6).

و عن الحلبي أنه أطلق قطعه إذا عاين البيت (7).

و العمل بما عليه الأكثر أحوط؛ لعدم منافاته القول بالتخيير،و ضعف ما عداه من الأقوال و لا سيما الأخير.

و التلفظ بما يعزم عليه من حجّ أو عمرة؛ للصحاح المستفيضة، منها:« تقول:لبيك» إلى قوله:« بحجة تمامها عليك» (8).

ص:242


1- انظر الفقيه 2:277.
2- الشرائع 1:248،التنقيح الرائع 1:463.
3- كشف اللثام 1:316.
4- التهذيب 5:96،الاستبصار 2:178.
5- كما في كشف اللثام 1:316.
6- مصباح المتهجد:620.
7- الكافي في الفقه:193.
8- التهذيب 5:/92 301،الوسائل 12:383 أبواب الإحرام ب 40 ح 3.

و منها:« تقول:لبيك،اللّهمّ لبيك» إلى قوله:« لبيك بمتعة بعمرة إلى الحج» (1).

قيل:و هذا الذي ذكره ابن حمزة،لكنه زاد بعد ذلك:لبيك (2).

و منها:كيف ترى أن أُهلّ؟فقال:« إن شئت سمّيت و إن شئت لم تسمّ شيئاً» فقلت:كيف تصنع أنت:فقال:« أجمعهما فأقول:لبيك بحجة و عمرة معاً» (3).

قيل:و هذا الذي ذكره القاضي،و نهى عنه الحلبيّان و المختلف،لأن الإحرام لا يتعلق بهما،و هو الوجه إن أُريد ذلك،و إن أُريد التمتع بالعمرة إلى الحجّ جاز (4).

أقول:ما ذكره في الصورة المفروضة قد صرّح به جماعة،بل زادوا فجعلوه أفضل (5)،تبعاً للمحكي عن المبسوط و النهاية و الفاضل في المنتهى و التذكرة (6).

و لا يجب،وفاقاً لظاهر أكثر من وقفت على كلامه من الأصحاب،بل لم ينقل أحد منهم فيه خلافاً،معربين عن الإجماع.

للأصل،و خلوّ أكثر الأخبار عنه،و الصحيح الماضي،بل في آخر

ص:243


1- التهذيب 5:/84 277،الإستبصار 2:/169 559،الوسائل 12:382 أبواب الإحرام ب 40 ح 1.
2- كشف اللثام ب 1:317.
3- التهذيب 5:/88 291،الإستبصار 2:/173 573،الوسائل 12:343 أبواب الإحرام ب 17 ح 3.
4- كشف اللثام 1:317.
5- منهم:صاحب المدارك 7:299،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:314.
6- المبسوط 1:316،النهاية:215،المنتهى 2:676،التذكرة 1:327.

أمرنا أبو عبد اللّه عليه السلام أن نلبّي و لا نسمّي شيئاً،و قال:« أصحاب الإضمار أحبّ إليّ» (1).

و في ثالث:« لا تسمّ حجّا و لا عمرة،و أضمر في نفسك المتعة،فإن أدركت متمتعاً و إلّا كنت حاجّاً» (2).

و ظاهرهما و لا سيّما الأول رجحان الإضمار.

و قد حملهما جماعة على حال التقية (3).

و حمل (4)عليها أيضاً المعتبرة الآمرة للمتمتع بالإهلال بالحجّ ثم الإهلال بالعمرة،كالصحيح:كيف أتمتع؟قال:« تأتي الوقت فتلبّي بالحج، فاذا دخلت مكّة طفت بالبيت و صلّيت ركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفا و المروة و قصّرت و أحللت من كل شيء،و ليس لك أن تخرج من مكّة حتى تحجّ» (5).

و الموثق:لبّ بالحج فاذا دخلت مكة طف بالبيت و صلّيت و أحللت» (6).

ص:244


1- الكافي 4:/333 8،التهذيب 5:/87 287،الإستبصار 2:/172 569،الوسائل 12:344 أبواب الإحرام ب 17 ح 5.
2- التهذيب 5:/86 286،الإستبصار 2:/172 568،الوسائل 12:349 أبواب الإحرام ب 21 ح 4.
3- منهم:الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:314،و صاحب الحدائق 15:36.
4- الحامل هو الفاضل في المنتهى،فإنه قال بعد الحكم باستحباب التلفظ بما يحرم به:فإن لم يمكنه للتقية أو غيرها فاقتصر على ذكره الحج،فاذا دخل مكة طاف و سعى و قصّر و جعلها عمرة كانت أيضاً جائزاً،لما رواه الشيخ،ثم ساق بنحو الخبرين،فتأمل.منه رحمه الله.
5- التهذيب 5:/86 284،الإستبصار 2:/171 566،الوسائل 12:352 أبواب الإحرام ب 22 ح 3.
6- التهذيب 5:/86 283،الإستبصار 2:/171 565،الوسائل 12:352 أبواب الإحرام ب 22 ح 2.

و لكن ظاهر بعض الأصحاب العمل بها من غير اشتراط التقية (1).و لا بأس به،و لكن ينوي به المتعة،كما في الصحيح:« لبّ بالحجّ و انو المتعة، فإذا دخلت مكة فطف و صلِّ ركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفا و المروة و قصّرت فنسختها و جعلتها متعة» (2).

و قال الشهيد في الدروس بعد أن ذكر أن في بعض الروايات الإهلال بعمرة التمتع،و في بعضها الإهلال بالحجّ،و في ثالث بهما -:و ليس ببعيد إجزاء الجميع؛ إذ الحج المنوي هو الذي دخلت فيه العمرة، فهو دالّ عليها بالتضمن؛ و نيتهما معاً باعتبار دخول الحج فيها (3).

و هو مصير إلى ما اخترناه،و يعضده أيضاً فحوى ما مرّ من جواز عدول المفرد إذا دخل مكة إلى المتعة.

و الاشتراط على ربه سبحانه ب أن يحلّه حيث حبسه،و إن لم تكن حجّة فعمرة بلا خلاف فيه بيننا أجده،و به صرّح في الذخيرة (4)، مشعراً بالإجماع،كما في صريح كلام جماعة حدّ الاستفاضة (5)،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة (6).

و يتأدى بكل لفظ أفاد المراد،عملاً بالإطلاق،و به صرّح في

ص:245


1- انظر المدارك 7:300.
2- التهذيب 5:/86 285،الإستبصار 2:/172 567،الوسائل 12:352 أبواب الإحرام ب 22 ح 4.
3- الدروس 1:346.
4- الذخيرة:584.
5- منهم العلامة في المختلف:267،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:312 و صاحب الحدائق 15:100.
6- الوسائل 12:354 أبواب الإحرام ب 23.

المنتهى (1)و إن كان الإتيان باللفظ المنقول أولى:

و هو في الصحيح:« اللّهم إني أُريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنّة نبيّك صلى الله عليه و آله،فإن عرض لي شيء يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ،اللّهمّ إن لم تكن حجة فعمرة،أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي و عظامي و مخّي و عصبي من النساء و الطيب،أبتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة» (2).

و لو نوى الاشتراط و لم يتلفظ به ففي الاعتداد به أم العدم وجهان، و جعل ثانيهما أوجه و أحق في التحرير و المنتهى (3).

و أن يحرم في الثياب القطن فيما قطع به الأصحاب على الظاهر، المصرَّح به في بعض العبائر (4)؛ للتأسي،فقد روي لبسه في الإحرام عن النبي صلى الله عليه و آله (5).

و في الصحيح:« كان ثوبا رسول اللّه صلى الله عليه و آله اللذان أحرم فيهما يمانيين عبري و أظفار» (6).

ص:246


1- المنتهى 2:680.
2- الكافي 4:/331 2،الفقيه 2:/206 939،التهذيب 5:/77 253،الوسائل 12:340 أبواب الإحرام ب 16 ح 1.
3- التحرير 1:96،المنتهى 2:680.
4- كما في كشف اللثام 1:317.
5- الكافي 4:/339 1،الفقيه 2:/155 669،التهذيب 5:/66 213،الوسائل 12:359 أبواب الإحرام ب 27 ح 3.
6- الكافي 4:/239 2،الفقيه 2:/214 975،الوسائل 12:359 أبواب الإحرام ب 27 ح 2،عبر بالكبير ما أخذ على غربي الفرات إلى برية العَرب و قبيلة.القاموس 2:86 و ظفار بالفتح مبني على الكسر كقطام بلد باليمن لحميَر قرب صنعاء.إليه ينسب الجزع الضفاري.مجمع البحرين 3:387.و ما في النسخ و الفقيه و الوسائل من قوله:أظفار،لعلّه تصحيف،كما أشير إليه في هامش الكافي و في مجمع البحرين.

و قد ورد الأمر بلبس القطن مطلقاً في جملة من النصوص،و في بعضها:« إنه لباس رسول اللّه صلى الله عليه و آله» (1).

و زيد في آخر:« هو لباسنا،و لم يكن الشعر و الصوف إلّا من علّة» (2).

و أفضله البيض لتظافر الأخبار بالأمر بلبسها و كونها خير الثياب و أحسنها و أطهرها و أطيبها (3).

و لا بأس بما عداه من الألوان؛ للنصوص (4).عدا السود فيكره؛ للنهي عنه في بعض الأخبار (5)،المحمول على الكراهة،لضعفه،مضافاً إلى الأصل،و عموم الصحيح:« كل ثوب يصلى فيه فلا بأس بأن يحرم فيه» (6)بناءً على الإجماع على جواز الصلاة في الثياب السود.

و منه يظهر ضعف القول بالمنع المحكي عن النهاية و المبسوط و الخلاف و المقنعة و الوسيلة (7)،و حمله الحلّي على الكراهة،لما عرفته (8).

أحكام الإحرام

و أما أحكامه فمسائل ثلاث:

الاُولى المتمتع إذا طاف و سعى ثم أحرم بالحج قبل التقصير ناسياً مضى في حجه

الأُولى:المتمتع إذا طاف و سعى ثم أحرم بالحج قبل التقصير ناسياً مضى في حجه فإنه صحيح،بلا خلاف أجده،و به صرّح في الذخيرة

ص:247


1- الكافي 6:/446 4،الوسائل 5:28 أبواب أحكام الملابس ب 15 ح 1.
2- الخصال:/610 10،الوسائل 5:35 أبواب أحكام الملابس ب 19 ح 4.
3- انظر الوسائل 5:26 أبواب أحكام الملابس ب 14.
4- الوسائل 5:29 أبواب أحكام الملابس ب 17.
5- الوسائل 4:382 أبواب لباس المصلي ب 19.
6- الكافي 4:/339 3،الفقيه 2:/215 976،التهذيب 5:/66 212،الوسائل 12:359 أبواب الإحرام ب 27 ح 1.
7- النهاية:217،المبسوط 1:319،الخلاف 2:298،المقنعة:396،الوسيلة:163.
8- السرائر 1:542.

و الكفاية و غيرهما (1)،بل نفى عنه في التنقيح الخلاف (2)،مؤذناً بالإجماع، كما في صريح كلام الفاضل في المختلف (3)،مع أنه في التحرير و المنتهى (4)حكى قولاً بالبطلان عن بعض الأصحاب.

و لا ريب في ضعفه؛ فإن الصحاح مضافاً إلى الإجماع المنقول صريحة في ردّه،ففي الصحيح:عن رجل أهلّ بالعمرة و نسي أن يقصّر حتى دخل في الحج،قال:« يستغفر اللّه و لا شيء عليه و تمّت عمرته» (5).

و في آخر:« لا بأس به يبني على العمرة و طوافها و طواف الحجّ على أثره» (6).

و في ثالث:« يستغفر اللّه» (7).

و لا معارض لها عدا رواية أبي بصير الآتية،و لكنها لقصورها عن المقاومة لها من وجوه شتّى مطروحة،أو محمولة على العامد جمعاً.

و يستفاد منها و لا سيّما الصحيحة الاُولى:أنه لا شيء عليه كما عن الحلّي و الديلمي و أكثر المتأخرين (8).

ص:248


1- الذخيرة:649،الكفاية:68؛ و انظر كشف اللثام 1:350.
2- التنقيح الرائع 1:463.
3- المختلف:267.
4- التحرير 1:97،المنتهى 2:686.
5- الكافي 4:/440 2،التهذيب 5:/91 299،الإستبصار 2:/175 579،الوسائل 12:411 أبواب الإحرام ب 54 ح 3.
6- الكافي 4:/440 3،التهذيب 5:/90 298،الإستبصار 2:/175 578،الوسائل 12:411 أبواب الإحرام ب 54 ح 2.
7- الكافي 4:/440 1،الفقيه 2:/237 1129،التهذيب 5:/90 297،الإستبصار 2:/175 577،الوسائل 12:410 أبواب الإحرام ب 54 ح 1.
8- الحلي في السرائر 1:58،الديلمي في المراسم:124؛ و انظر القواعد 1:85،و المدارك 7:280،و الحدائق 15:117.

و لكن في رواية موثقة كالصحيحة أنه عليه دم (1) و ظاهره الوجوب،كما عن الشيخ في كتبه و بني زهرة و البّراج و حمزة (2)، و عليه الفاضل في الإرشاد (3).

و لا يخلو عن قوة بناءً على حجيّة الموثقة؛ لأنها خاصة،و الصحاح عامة،فينبغي حملها عليها.

و هو أولى من الجمع بينها بحمل الموثقة على الاستحباب،فإنه مجاز،و التخصيص منه أولى حيثما حصل بينهما معارضة،إلّا أن يرجح الاستحباب بالشهرة العظيمة بين الأصحاب،لكنها متأخرة،فالترجيح بها لا يخلو عن نوع مناقشة،و مع ذلك فلا ريب أن الوجوب أحوط.

و لو أحرم قبل التقصير عامداً بطلت متعته و صارت حجة مفردة فيكلمها،ثم يعتمر بعدها عمرة مفردة على ما يقتضيه إطلاق رواية أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام الموثقة،بل الصحيحة،كما في المنتهى و المختلف و المسالك و الروضة (4)،و فيها:« المتمتع إذا طاف و سعى ثم لبّى قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر و ليس له متعة» (5).

و رواية أُخرى ضعيفة على المشهور:عن رجل متمتع طاف ثمّ أهلّ

ص:249


1- الفقيه 2:/237 1128،التهذيب 5:/158 527،الإستبصار 2:/242 844،الوسائل 12:412 أبواب الإحرام ب 54 ح 6.
2- الشيخ في المبسوط 1:363،و النهاية:246،و الاقتصاد:305،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):579،ابن البراج في المهذب 1:242،ابن حمزة في الوسيلة:168.
3- الإرشاد 1:328.
4- المنتهى 2:710،المختلف:267،المسالك 1:107،الروضة 2:220.
5- التهذيب 5:/159 529،الإستبصار 2:/243 946،الوسائل 12:412 أبواب الإحرام ب 54 ح 5.

بالحج قبل أن يقصّر،قال:« بطلت متعته و هي حجة مبتولة» (1).

و إنما قيّدنا بالعامد جمعاً بينهما و بين ما مضى من الصحيح بالصحة في الناسي.

و عمل بها الشيخ و جماعة (2)حتى أن الشهيدين في الدروس و المسالك (3)ادعيا عليها الشهرة،فهي جابرة لقصور الرواية على تقديره، مع أنها ليست بقاصرة عند جماعة كما عرفته،و مؤيدة بالرواية الأُخرى، فالعمل بها أقوى.

خلافاً للحلّي فيبطل الإحرام الثاني و يبقى على عمرته (4)،و يميل إليه جماعة من المتأخرين و منهم الماتن،حيث عزا الحكم إلى الرواية،مشعراً بتوقفه فيه.

و لعلّه من حيث النهي عنه،و وقوع خلاف ما نواه إن أدخل حج التمتع،و عدم صلاحية الزمان إن أدخل غيره،فبطلانه أنسب.

و الرواية قاصرة السند،فيشكل التعويل عليها في حكم مخالف للأصل؛ مع أنها ليست صريحة في ذلك،لاحتمالها الحمل على متمتع عدل عن الإفراد ثم لبّى بعد السعي،كما ذكره الشهيد قال:لأنه روي التصريح بذلك في رواية أُخرى (5).

ص:250


1- التهذيب 5:/90 296،الإستبصار 2:/175 580،الوسائل 12:412 أبواب الإحرام ب 54 ح 4.
2- الشيخ في الاستبصار 2:243،و التهذيب 5:159؛ و انظر كشف الرموز 1:354،و المنتهى 2:710،و المختلف:267.
3- الدروس 1:333،و المسالك 1:107.
4- السرائر 1:581.
5- الدروس 1:333.

أقول:لعلّها الموثق:رجل يفرد بالحج فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة ثم يبدر له أن يجعلها عمرة،فقال:« إن كان لبّى بعد ما سعى قبل أن يقصّر فلا متعة له» (1)و قد مرّ في بحث جواز الطواف للمفرد و القارن قبل المضيّ إلى عرفات» .و فيه نظر،فإن مورد رواية المسألة المتمتع،و هو حقيقة فيمن حصل فيه مبدأ الاشتقاق حالاً أو ماضياً،و العادل عن الإفراد إلى التمتع متمتع مجازاً،و الأصل في الاستعمال الحقيقة.و التصريح بذلك في الموثقة الأخيرة مع ورودها في المجازي لا يستلزم ورود رواية المسألة فيه؛ إذ لا تلازم و لا داعي،فالرواية بعد الأصل اللفظي صريحة الورود فيما نحن فيه، و مخالفتها الأُصول لا ريب فيه.لكن لا مانع من تقييدها بها بعد اعتبار السند،و التأيد بالخبر الآخر،و الانجبار و الاعتضاد (2)بعمل الأكثر،بل المشهور كما حكي.

و على المختار فهل يجزي عن فرضه أم لا؟وجهان،من أنه عدول اختياري و لم يأت بالمأمور به على وجهه،و من خلوّ النص (3)عن الأمر بالإعادة مع وروده في بيان الحاجة.

و الأصل يقتضي المصير إلى الأول،كما اختاره شيخنا الشهيد الثاني قاطعاً به (4)،و سبطه لكن محتملاً الثاني (5)[في المسالك و الروضة] .

ص:251


1- الفقيه 2:/204 931،التهذيب 5:/90 295،الوسائل 11:290 أبواب أقسام الحج ب 19 ح 1.
2- في« ق»:أو الاعتضاد.
3- في« ك»:النصوص.
4- كما في المسالك 1:107.
5- المدارك 7:283.

و الجاهل عامد؛ لإطلاق النص؛ و اختصاص المقيّد له بالناسي،و به صرّح شيخنا الشهيد الثاني (1).

الثانية إذا أحرم الولي بالصبي فعل به ما يلزم المحرم

الثانية:إذا أحرم الولي بالصبي الغير المميز فعل به ما يلزم المحرم فعله من حضور المواقف من المطاف و السعى و عرفة و غيرها و جنبه ما يجتنبه المحرم من لبس المخيط و الصيد و نحوهما.

و أما المميز فيأمره بفعل ما يمكنه منها. و كلّ ما يعجز عنه يتولّاه الولي بلا خلاف في شيء من ذلك بيننا أجده،و الصحاح بها مع ذلك مستفيضة:

منها:« انظروا من كان معكم من الصبيان،فقدّموه إلى الجحفة أو إلى بطن مَرّ (2)،و يصنع بهم ما يصنع بالمحرم،و يطاف بهم و يرمى عنهم،و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليّه» (3).

و منها:« إذا حج الرجل بابنه و هو صغير فإنه يأمره أن يلبّي و يفرض الحج،فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه و يطاف به و يصلّى عنه» قلت:ليس لهم ما يذبحون،قال:« يذبح عن الصغار،و يصوم الكبار،و يتقي ما يتقي المحرم من الثياب و الطيب،فإن قتل صيداً فعلى أبيه» (4).

و يستفاد منه أنه لو فعل ما يوجب الكفارة على المكلّف لو فعله ضمن عنه الولي،لكن لا مطلقاً كما يقتضيه إطلاق العبارة و نحوها،بل خصوص ما يوجبها عمداً و سهواً،و أما غيره فيجب الرجوع

ص:252


1- المسالك 1:107.
2- مَرَّ وزان فلس موضع بقرب مكة من جهة الشام نحو مرحلة مجمع البحرين 3:481.
3- الكافي 4:/304 4،الفقيه 2:/266 1294،التهذيب 5:/409 1423 بتفاوت،الوسائل 11:287 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 3.
4- الكافي 4:/303 1،الفقيه 2:/265 1291،التهذيب 5:/409 1424،الوسائل 11:288 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 5.

فيه إلى الأصل؛ لخروجه عن مورد النص.

و حكي هذا عن الأكثر (1)،و ظاهر المتن عن النهاية و الحلبي (2).

و مستنده غير ظاهر،عدا ما قيل (3)من عموم أدلة وجوب الكفارة،و إنما تعلّق بمال الوليّ دون المولّى عليه؛ لأنه غرم أدخله عليه بإذنه،أو الإحرام به.

و في العموم منع؛ لاختصاص ما دلّ على وجوبها بحكم التبادر و الخطاب بمن باشر موجبها من المكلّف خاصة،و إنما أوجبت على الوليّ فيما يوجبها عمداً و سهواً للنص،و هو مختص به،فلا يعمّ ما يوجبها عمداً خاصة،و عمد الصبي خطأ إجماعاً.

فهذا القول ضعيف،كالقول بعدم وجوبها مطلقاً حتى في الأوّل،كما عن الحلّي (4)؛ لابتنائه على أصله من عدم حجية الآحاد،فلا يخصَّص بها الأصل،و هو ضعيف كما برهن عليه في محلّه.

و هنا أقوال أُخر ضعيفة المستند و المأخذ،سيّما في مقابلة النص المعتبر.

و يجب على الوليّ في حج التمتع الهدي في ماله،كما ذكره جماعة (5)؛ قالوا:لأنه غرم أدخله على الصبي،كالنفقة الزائدة،فتكون في ماله.

ص:253


1- كما في المدارك 7:286.
2- حكاه عنهما في كشف اللثام 1:286.
3- كشف اللثام 1:286 و هو في النهاية:216 و الكافي:205.
4- السرائر 1:636.
5- منهم:المحقق في الشرائع 1:247،و العلّامة في القواعد 1:74،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:286.

و في الموثق:« قال لهم يغتسلون ثم يحرمون،و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم» (1).

و في آخر:عن رجل أمر غلمانه أن يتمتعوا،قال:« عليه أن يضحّي عنهم» قلت:فإنه أعطاهم دراهم فبعضهم ضحّى و بعضهم أمسك الدراهم و صام،قال:« قد أجزأ عنهم،و هو بالخيار إن شاء تركها» قال« و لو أنه ارمهم فصاموا كان قد أجزأ عنهم» (2).

و ربما كان فيهما دلالة على ذلك و لكن الثاني يدل على أنه لو كان الصبي مميزاً جاز للوليّ إلزامه بالصوم عن الهدي و لا يلزمه أن يذبح عنه.

و قريب منه الصحيح الثاني المتقدم،بناءً على أن الظاهر أن المراد من الكبار فيه المميزون.

و لا بأس به و إن كان يظهر من الماتن في الشرائع التردد فيه لنسبته إياه إلى الرواية (3)؛ لاعتبار سندها و تعدّدها.

فبها يصرف ظاهر الأمر بصوم الوليّ عنه إلى التخيير بينه و بين مفادها،أو يقيّد بصورة عجز الصبي عن الصوم؛ فإن الحكم فيها ذلك،كما أشار إليه بقوله: و لو عجز الصبي عن الصوم صام الوليّ عنه قطعاً؛ للأمر به في الصحاح.

منها زيادةً على ما مضى الصحيح:« إذا لم يكن الهدي فليصم عنه

ص:254


1- الكافي 4:/304 6،الوسائل 11:287 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 2.
2- الكافي 4:/305 9،الفقيه 2:/266 1295،الوسائل 14:86 أبواب الذبح ب 2 ح 8.
3- الشرائع 1:247.

وليّه إذا[كان]متمتعاً» (1)خرج منها صورة تمكن الصبي من الصوم بما مرّ و بقي غيرها.

و لا ريب أن العمل بمقتضى هذه مطلقاً أحوط و أولى؛ لصحتها و صراحتها، بخلاف الرواية؛ فإنّ صحيحها غير صريح،و صريحها غير صحيح،فتأمل.

الثالثة لو اشترط في إحرامه ثم حصل المانع تحلّل

الثالثة:لو اشترط في إحرامه بأن يحلّه حيث حبسه عند عروض مانع من حصر أو صدّ ثم حصل المانع تحلّل إن شاء و لا يسقط عنه هدي التحلّل بالشرط،بل فائدته جواز التحلل للمحصور و هو الممنوع بالمرض من غير تربّص إلى بلوغ الهدي محلّه،وفاقاً للشيخ و الإسكافي و جماعة (2).

أما جواز التحلل مع نيته فلعلّه لا إشكال فيه،بل و لا خلاف،كما يستفاد من ظاهر المختلف (3)،و صريح غيره.

و أما كونه من غير تربّص فلظاهر الصحاح و غيرها من المعتبرة، أظهرها دلالةً الصحيح:عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج و أحصر بعد ما أحرم،كيف يصنع؟قال:فقال:« أومأ أشترط على ربه قبل أن يحرم أن يحلّه من إحرامه عند عارض عرض له من أمر اللّه تعالى؟» فقلت:بلى قد اشترط ذلك،قال:« فليرجع إلى أهله حلاّ لا إحرام عليه،إنّ اللّه تعالى أحقّ

ص:255


1- ليست هذه عبارة الرواية،بل من كلام الشيخ في التهذيب 5:410 بعد نقل صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج.و قال بعده:روى ذلك محمّد بن القاسم عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:يصوم عن الصبي وليّه إذا لم يجد هدياً و كان متمتعاً.
2- الشيخ في الخلاف 2:431 و نقله عن الإسكافي في المختلف:267؛ و انظر الشرائع 1:247،و المنتهى 2:680 و المختلف:267 و المسالك 1:107.
3- المختلف:267.

من وفى ما اشترط عليه» فقلت:أ فعليه الحج من قابل؟قال:

« لا» (1).و أما عدم سقوط الهدي فللعمومات،و ظاهر الصحيح (2):« إن الحسين بن علي عليهما السلام خرج معتمراً،فمرض في الطريق،فبلغ عليّاً عليه السلام و هو بالمدينة،فخرج في طلبه فأدركه بالسميّا و هو مريض،فقال:يا بنيّ ما تشتكي؟فقال:أشتكي رأسي،فدعا عليه السلام ببدنة فنحرها و حلق رأسه و ردّه إلى المدينة» (3).

و نحوه آخر،إلّا أن فيه:إنه كان ساق بدنة فنحرها (4).

و عليه فلا دخل له،بل و لا للأول أيضاً بالمسألة؛ لأن موضوعها من عدا القارن،و أما هو فلا يسقط الهدي عنه،بل يبعث بهديه،كما في الصحيح (5)، و نفي الخلاف عنه (6)،بل عن فخر الإسلام دعوى إجماع الأُمة عليه (7)،و كأنه لم يعتن بالصدوق في الفقيه و قد عبّر في الفقيه بمضمون الصحيح بعينه غير أنه بدّل قوله عليه السلام« يبعث بهديه» ب« لا يبعث بهديه» (8)لكنه ضعيف.

ص:256


1- التهذيب 5:/81 270،الإستبصار 2:/169 558،الوسائل 12:356 أبواب الإحرام ب 24 ح 3.
2- بناءً على أن الظاهر أن الحسين عليه السلام كان اشترط في إحرامه أن يحلّه حيث حبسه،لإجماعنا فتوًى و نصّاً على استحبابه،و يبعد غاية البعد أن لا يكون قد اشترط مع أنه قد أمر به،فيكون الداخل تحت قوله تعالى «أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ» فتأمّل.(منه رحمه اللّه).
3- الكافي 4:/369 3،التهذيب 5:/421 1465،الوسائل 13:178 أبواب الإحصار و الصد ب 1 ح 3.السقيا بالضم موضع يقرب من المدينة،و قيل:هي على يومين منها.مجمع البحرين 1:221.
4- الفقيه 2:/305 1515،الوسائل 13:186 أبواب الإحصار و الصد ب 6 ح 2.
5- الكافي 4:/371 7،الوسائل 13:185 أبواب الإحصار و الصد ب 4 ح 2.
6- كشف اللثام 1:320.
7- إيضاح الفوائد 1:327.
8- الفقيه 2:306.

و عليه فلا دخل للصحيحين بالمقام؛ لورودهما في القارن،كما صرّح به في أحدهما،و يرجع إليه إطلاق الآخر.

و العمومات من الكتاب و السنّة غير واضحة الشمول لمفروض المسألة،سيّما و أن مفادها وجوب الصبر إلى بلوغ الهدي محلّه،و قد نفته ظواهر الصحاح المتقدم إلى أوضحها دلالةً الإشارة،و ظاهره أيضاً عدم وجوب الهدي،لدلالته على التحلّل بمجرد الإحصار من غير تعرّض له مع وروده في مقام الحاجة،و به صرّح جماعة (1).

و عليه فيتقوّى القول بأن فائدته السقوط كما عليه جماعة،و منهم المرتضى و الحلّي (2)،مدّعيين الإجماع عليه،و هو حجة أُخرى مضافة إلى الأصل و ما مرّ.

و من هنا يظهر ضعف القول بأنه لا فائدة لهذا الشرط،و أنه إنما هو تعبّد بَحت و دعاء مستحب،كما عليه شيخنا الشهيد الثاني في كتابيه (3)، و أكثر العامة،بل عامتهم،كما في الانتصار (4).

مع عدم وضوح مستنده،سوى العمومات و قد مرّ الجواب عنها و الخبرين،أحدهما الصحيح:«و هو حلّ إذا حبسه،أ تشرط أو لم يشترط» (5).

و هما مع ضعف ثانيهما سنداً غير واضحين دلالةً،كما صرّح به

ص:257


1- منهم:صاحبا المدارك 7:289،و الحدائق 15:102.
2- المرتضى في الانتصار:105،الحلي في السرائر 1:533.
3- الروضة 2:369،المسالك 1:108.
4- الانتصار:105.
5- الكافي 4:/333 7،التهذيب 5:/80 267،الوسائل 12:357 أبواب الإحرام ب 25 ح 1. و الخبر الآخر:الكافي 4:/333 6،الفقيه 2:/207 942،التهذيب 5:/80 266،الوسائل 12:357 أبواب الإحرام ب 25 ح 2.

جماعة (1)؛ إذ غايتهما الدلالة على ثبوت التحلّل مع الحبس في الحالين، و نحن نقول به،و لا يلزم من ذلك تساويهما من كل وجه،فيجوز افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط،و لزومه بدونه.و لو سلّم فهما محمولان على التقية،لما عرفته.

و مثله القول بأن فائدته جواز التحلّل أصالةً،و بدون الشرط رخصةً، كما عليه الفاضل المقداد و فخر الإسلام (2)؛ لعدم ظهور أثرها في محل البحث و إن ظهر في نحو النذر.

و هنا قول آخر في فائدة هذا الشرط،اختاره الشيخ في التهذيب، و هو سقوط قضاء الحج لمتمتع فاته الموقفان؛ للصحيح:عن رجل خرج متمتعاً بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلّا يوم النحر،فقال:« يقيم على إحرامه و يقطع التلبية حتى يدخل مكة (3)،فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة و يحلق رأسه و ينصرف إلى أهله إذا شاء» و قال:« هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه،فإن لم يكن اشترط فإنّ عليه الحج من قابل» (4).

و ردّه من تأخر عنه بأنه لا يسقط عنه الحج لو كان واجباً مستقراً في الذمة بمجرّد الشرط بلا خلاف،كما في التنقيح (5)،بل بالإجماع،كما في التحرير (6)،و في المنتهى:لا نعلم فيه خلافاً (7).و لعلّ نفي الخلاف

ص:258


1- منهم صاحب المدارك 7:292 و الحدائق 15:108.
2- التنقيح 1:466،الإيضاح 1:292.
3- في الفقيه:حين يدخل الحرم.
4- الفقيه 2:/243 1160،التهذيب 5:/295 1001،الإستبصار 2:/308 1098،الوسائل 14:49 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 2.
5- التنقيح 1:465.
6- التحرير 1:96.
7- المنتهى 2:680.

لرجوع الشيخ عن ذلك في الاستبصار (1).

و إن كان مندوباً لم يجب بترك الاشتراط بلا خلاف،كما في التنقيح (2)،و حملوا الصحيحة المتقدمة و نحوها من الصحاح على الاستحباب،جمعاً بينها و بين الصحاح المعارضة لها.

منها:عن الرجل يشترط في الحج أن يحلّه حيث حبسه،أ عليه الحج من قابل؟قال:« نعم» (3).

و نحوه آخر (4)،و الحسن كالصحيح (5).

و يشهد لهذا الجمع مضافاً إلى الإجماعات المنقولة و الأُصول المقررة المروي عن ابن سعيد في الجامع أنه روى عن كتاب المشيخة لابن محبوب خبراً عن عامر بن عبد اللّه بن جذاعة،عن مولانا الصادق عليه السلام:في رجل خرج معتمراً فاعتلّ في بعض الطريق و هو محرم،قال:

« ينحر بدنة و يحلق رأسه و يرجع إلى رحله و لا يقرب النساء،فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً،فإذا برئ من وجعه اعتمر إن كان لم يشترط على ربه في إحرامه،و إن كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر إلّا أن يشاء فيعتمر» و يجب أن يعود للحج الواجب المستقر و للأداء إن استمرّت الاستطاعة في قابل،و العمرة الواجبة كذلك في الشهر الداخل،و إن كانا

ص:259


1- الاستبصار 2:169.
2- التنقيح 1:466.
3- التهذيب 5:/80 268،الإستبصار 2:/168 556،الوسائل 13:190 أبواب الإحصار و الصد ب 8 ح 4.
4- الفقيه 2:/306 1516،الوسائل 13:189 أبواب الإحصار و الصد ب 8 ح 3.
5- التهذيب 5:/81 269،الإستبصار 2:/169 557،الوسائل 12:356 أبواب الإحرام ب 24 ح 2.

متطوعين فهما بالخيار (1).

و قصور السند مجبور في محل البحث بما مرّ،و أما في غيره و هو وجوب الهدي و عدم سقوطه بالشرط كما هو ظاهره فلم يظهر له جابر، و لكن العمل به أحوط،بل لا ينبغي أن يترك.

و اعلم أن ما اختاره الماتن من الفائدة في المحصور قد اختارها أيضاً في المصدود،كما يأتي إن شاء اللّه تعالى في بحثه،فلا وجه لتخصيصه بالذكر.و قد يوجّه بأن المراد أنه لا يحتاج إلى التربص حتى يذبح الهدي في موضع الصدّ.و هو بعيد (2).

اللواحق

و من اللواحق:التروك،و هي محرّمات و مكروهات.

المحرّمات

فالمحرّمات أُمور ذكر الماتن منها أربعة عشر

صيد البرّ

:منها: صيد البرّ أي مصيدة،اصطياداً أي حيازةً و إمساكاً و أكلاً و لو صاده محلّ بلا أمر منه و لا دلالة و لا إعانة و إشارةً لصائده إليه و دلالةً له عليه بلفظ و كتابة و غيرهما و إغلاقاً لباب عليه حتى يموت و ذبحاً كلّ ذلك بالكتاب (3)و إجماعنا الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر (4)،بل عن المنتهى إجماع أهل العلم (5)،و في غيره إجماع المسلمين في الأوّل،و إجماعنا في البواقي (6).

ص:260


1- الجامع للشرائع:222.
2- في« ق»:حَسَن.
3- المائدة:95،96.
4- منهم:صاحب المدارك 7:304،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:319،و صاحب الحدائق 15:135.
5- المنتهى 2:802.
6- انظر كشف اللثام 1:322.

خلافاً للثوري و إسحاق في الأكل مطلقاً (1).

و لأبي حنيفة إذا ذبحه و صاده المحلّ (2).

و السنّة من طرقنا مضافاً إلى عموم الكتاب بردّ هؤلاء،و إثبات تحريم الصيد مطلقاً مستفيضة،بل متواترة.

ففي الصحيح:« لا تستحلّنّ شيئاً من الصيد و أنت حرام،و لا تدلّنّ عليه محلا و لا محرماً فيصطاده،و لا تشر إليه فيستحلّ من أجلك،فإن فيه فداءً لمن تعمّده» (3).

و فيه:« و اجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه،و لا تأكل ممّا صاده غيرك،و لا تشر إليه فيصيده» (4).

و فيه:« و لا تأكل من الصيد و أنت حرام و إن كان أصابه محلّ» (5).

إلى غير ذلك من الصحاح و غيرها.

و هل يحرم الإشارة و الدلالة لمن يرى الصيد بحيث لا يفيده ذلك شيئاً؟الوجه العدم،وفاقاً لجمع (6)؛ للأصل،و اختصاص النص بحكم التبادر و غيره بما تسبّب للصيد،و الدلالة عرفاً بما لا يعلمه المدلول بنفسه.

و إن ضحك،أو تطلّع عليه ففطن غيره فصاده،فإن تعمّد ذلك للدلالة عليه أثم،و إلّا فلا.

ص:261


1- كما نقله عنهما في المغني و الشرح الكبير 3:292.
2- على ما حكاه عنه في المغني 3:292.
3- الكافي 4:/381 1،الوسائل 12:415 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 1.
4- التهذيب 5:/300 1021،الوسائل 12:416 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 5.
5- الكافي 4:/381 3،التهذيب 5:/315 1085،الوسائل 13:68 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 1.
6- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:108،و صاحب المدارك 7:306،و السبزواري في الذخيرة:589،و صاحب الحدائق 15::139.

و كما يحرم الصيد يحرم فرخه و بيضه بلا خلاف يعرف،كما في الذخيرة،قال:و نقل المصنف في التذكرة الإجماع عليه،و يدلُّ عليه الروايات المتضمنة لثبوت الكفارة فيه (1).و سيأتي ذكرها،و تحقيق معنى الصيد،و الخلاف الواقع فيه،في بحث الكفّارات إن شاء اللّه تعالى.

و لو ذبحه المحرم كان ميتة كما في الشرائع و الإرشاد و القواعد و غيرها (2)،و عن الخلاف و السرائر و المهذّب و الجامع (3)،و فيه:

أنه كذبيحة المجوسي.

للحسن أو الموثق:« إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محرم و لا مُحلّ» (4).

و عن التذكرة و المنتهى (5)الإجماع عليه.

و عن النهاية و المبسوط و التهذيب و الوسيلة و الجواهر (6)أنه كالميتة، و في الأخير الإجماع عليه؛ للخبر (7).و مرجعه هنا إلى شيء واحد،و هو كونه حراماً على المحلّ و المحرم و إن اختلفا في نحو النذر.

و لا ريب في شهرة هذا الحكم كما اعترف به جماعة من

ص:262


1- الذخيرة:589.
2- الشرائع 1:249،الإرشاد 1:317،القواعد 1:81؛ و انظر التحرير 1:112.
3- الخلاف 2:404،المهذب 1:230،السرائر 1:546 و 569 و قال فيه:كان حكمه حكم الميتة سواء،الجامع للشرائع:183.
4- التهذيب 5:/377 1316،الإستبصار /214 734،الوسائل 12:432 أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 5.
5- التذكرة 1:329،المنتهى 2:803.
6- النهاية:230،المبسوط 1:319،التهذيب 5:377،الوسيلة:163،جواهر الفقه:46.
7- التهذيب 5:/377 1315،الإستبصار 2:/214 733،الوسائل 12:432 أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 4.

المتأخرين (1)،بل ظاهر جماعة ممن دأبهم نقل الخلاف حيث كان عدم الخلاف فيه؛ لعدم نقلهم له هنا (2)،و قد مرّ نقل الإجماع عليه صريحاً.

و بجميع ذلك يجبر قصور الخبرين سنداً،مع اعتباره في أحدهما، و تأيدهما بالأخبار الآمرة بدفنه:

منها المرسل كالصحيح:قلت له:المحرم يصيد فيفديه،أ يطعمه أو يطرحه؟قال:« إذاً يكون عليه فداء آخر» قلت:فما يصنع به؟ قال:« يدفنه» (3)و قريب منه الخبر (4).

و أخبارِ تعارض الميتة و الصيد للمحرم المضطرّ (5)،سيّما ما رجّح منها الميتة على الصيد و إن كان العكس لعلّه أظهر،فتدبّر و تأمّل.

خلافاً للمحكي عن الصدوق في المقنع و الفقيه و الإسكافي و المفيد و المرتضى (6)،فلا يحرم مذبوح المحرم في غير الحرم على المحلّ؛ للأصل،و الصحاح المستفيضة،أظهرها دلالةً قول الصادق عليه السلام في أحدها:

« إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه،و يتصدّق بالصيد على مسكين» (7).

ص:263


1- منهم:صاحب المدارك 7:306 و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:320،و صاحب الحدائق 15:143.
2- كالعلّامة في المنتهى 2:308.
3- الفقيه 2:/235 1120،التهذيب 5:/378 1320،الإستبصار 2:/215 740،الوسائل 12:432 أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 3.
4- الكافي 4:/233 8،التهذيب 5:/378 1319،الإستبصار 2:/215 739،الوسائل 12:431 أبواب تروك 10
5- 11
6- المقنع:79،الفقيه 2:235،و نقله عن الإسكافي في المختلف:279،المفيد في المقنعة:438،المرتضى في الجمل(رسائل الشريف المرتضى 3):72.
7- التهذيب 5:/377 1317،الإستبصار 2:/214 735،الوسائل 12:432 أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 6.

و قوله عليه السلام في آخر:« إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم و هو محرم فإنه ينبغي له أن يدفنه و لا يأكله أحد،و إذا أصابه في الحلّ فإنّ الحلال يأكله و عليه هو الفداء» (1).

و الإصابة في ذيله و إن احتمل ما عدا القتل كما في باقي الصحاح،إلّا أن المراد بها في صدره خصوصه بقرينة الدفن،فيتعدّى إلى الذيل بشهادة السياق.

و المسألة محل إشكال و إن كان الأوّل أرجح؛ للشهرة العظيمة و الإجماعات المنقولة المرجحة لأخباره و إن ضعفت،على أخبار الثاني و إن صحّت،مع قصور أكرهها دلالةً،لما عرفته،و الباقي سنداً عند الأكثر،لكونه من الحسن عندهم بإبراهيم،بل و دلالةً،لاحتمال الباء في« بالصيد» في الخبر الأوّل للسببية،و الصيد المصدرية،و ضعف القرينة في الثاني بعد اختلاف النسخة كما قيل (2)في« يدفنه» فإن بدلها« يفديه» في أُخرى.

و حملهما الشيخان على ما إذا قتله برميه إياه،و لم يكن ذبحه، جمعاً (3).و لا بأس به.

و منها:

النساء

النساء وطئاً و تقبيلاً و لمساً و نظراً بشهوة لا بدونها و عقداً عليهم مطلقاً له أي للمحرم نفسه أو لغيره،و شهادةً له على العقد عليهن.

بلا خلاف يظهر للعبد فيما عدا النظر،بل عليه الإجماع في عبائر

ص:264


1- الكافي 4:/382 6،التهذيب 5:/378 1318،الإستبصار 2:/215 736،الوسائل 12:420 أبواب تروك الإحرام ب 3 ح 2.
2- قال به الحرّ العاملي في الوسائل 12:420.
3- المفيد في المقنعة:438،الطوسي في التهذيب 5:378.

جماعة،كالتحرير في الأوّل (1)،و المدارك صريحاً و غيره ظاهراً فيه و في العقد (2)،و الخلاف و الغنية و المنتهى و التذكرة (3)كما حكي في العقد، و صريح المحكي عن الخلاف و ظاهر غيره في الأخير (4)؛ و فيه الحجة.

مضافاً إلى الكتاب في الأوّل؛ لنفي الرفث فيه في الحج (5)،بناءً على تفسيره بالوطء في الصحيحين (6).

و الصحاحِ المستفيضة و غيرها من المعتبرة القريبة من التواتر،بل المتواترة في الجميع،و سيأتي إلى جملة منها الإشارة في بحث الكفّارات إن شاء اللّه تعالى.

و أما النظر بشهوة فقيل فيه أيضاً أنه لعلّه لا خلاف فيه (7)،بل زيد في بعض العبارات فادّعى الإجماع عليه (8)،مع أنه صرّح الصدوق في الفقيه بأنه لا شيء عليه (9).

و يعضده الأصل،مع عدم دليل على تحريمه من حيث الإحرام عدا النصوص الدالة على لزوم الكفارة به مع الإمناء،كالصحيح:في المحرم

ص:265


1- التحرير 1:112.
2- المدارك 7:310؛ و انظر الذخيرة:589.
3- الخلاف 2:317،الغنية(الجوامع الفقهية):575،المنتهى 2:808،التذكرة 1:342.
4- الخلاف 2:317؛ و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):575،و حكاه عنهما في كشف اللثام 1:323.
5- البقرة:197.
6- الفقيه 2:/23 1096،1097،التهذيب 5:/328 1128،الإستبصار 2:/193 647،الوسائل 12:436 أبواب تروك الإحرام ب 14 ح 1،2.
7- الحدائق 15:344.
8- كما في مفاتيح الشرائع 1:327.
9- الفقيه 2:213.

ينظر إلى امرأته و ينزلها بشهوة حتى ينزل،قال:« عليه بدنه» (1).

و الحسن:« و من نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور،و إن مسّ امرأته و لازمها من غير شهوة فلا شيء عليه» (2).

و هي مخصوصة بصورة الإمناء،فلعلّ الكفارة لأجله،لا للنظر،بل هو المفهوم من الخبر الثاني.

و أما الموثق الموجب للكفارة في هذه الصورة،معلّلاً ب« إني لم أجعلها عليه لأنه أمنى،إنما جعلتها عليه لأنه نظر إلى ما لا يحلّ له» (3)فهو و إن كان ظاهراً في لزوم الكفارة بالنظر خاصة،لكنه ليس نصّاً في النظر مطلقاً حتى إلى المحلّلة،فلعلّه النظر إلى الأجنبية خاصة،كما ربما يفهم من التعليل،و يرشد إليه تنكير المرأة في الرواية،و فهم الشيخ لها منها،فذكرها في حرمة النظر إليها،و أردفها بالصحيح:في محرم نظر إلى غير أهله فأمنى،قال:« عليه دم،لأنه نظر إلى غير ما يحلّ له،و إن لم يكن أنزل فليتّق اللّه و لا يعد،و ليس عليه شيء» (4).

و يستفاد منه أن للإمناء مدخلاً في لزوم الكفارة مع تضمنه التعليل المذكور في الموثقة،و عليه فيزيد ضعف دلالتها على خلاف ما قلناه، و يتأتى فيها الاحتمال الذي ذكرناه في الخبرين السابقين عليها،و حينئذٍ

ص:266


1- الكافي 4:/375 1،الوسائل 13:135 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 1.
2- الكافي 4:/376 4،التهذيب 5:/326 1121،الإستبصار 2:/191 641،الوسائل 13:136 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 3.
3- الكافي 4:/377 7 بتفاوت،الفقيه 2:/213 971،التهذيب 5:/325 1115،علل الشرائع:/458 1،المقنع:76،الوسائل 13:133 أبواب كفارات الاستمتاع ب 16 ح 2.
4- الكافي 4:/377 8،الوسائل 13:135 أبواب كفارات الاستمتاع ب 16 ح 5.

فالجواز أقوى إن لم يكن خلافه إجماعاً.

و اعلم أن الظاهر رجوع القيد في العبارة إلى مجموع الأُمور الثلاثة، فلا تحرم بدون الشهوة،وفاقاً لجماعة (1)؛ للأصل،و المعتبرة،منها الصحيح:عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته،قال:« نعم يصلح عليها خمارها،و يصلح عليها ثوبها و يحملها» (2)قال:أ فيمسّها و هي محرمة؟قال:« نعم» قال:المحرم يضع يده بشهوة،قال:« يهريق دم شاة» (3).

و الحسن:« من مسّ امرأته و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة،و من نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور،و إن مسّ امرأته و لازمها من غير شهوة فلا شيء عليه» (4).

إلى غير ذلك من النصوص المتقدم بعضها أيضاً،و هي صريحة في الحكمين،و عليه يحمل ما أُطلق فيه المنع من الأخبار،حملَ المطلق على المقيّد،مع كونه الغالب،فيحمل عليه أيضاً ما أُطلق فيه من الفتاوى المحكية عن جمل العلم و العمل و السرائر و الكافي (5)،و يحتمله الكتاب فيما عدا النظر.

ص:267


1- منهم:السبزواري في الذخيرة:590،و صاحب الحدائق 15:345،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:322 و 323.
2- في المصدر:محملها.
3- الكافي 4:/375 2،الوسائل 13:136 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 2.
4- الكافي 4:/376 4،التهذيب 5:/326 1121،الإستبصار 2:/191 641،الوسائل 13:136 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 3.
5- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:322،و هو في الجمل(رسائل الشريف المرتضى 3):70،و السرائر 1:552،و الكافي في الفقه:203.

و لا فرق في حرمة الشهادة على العقد بين كونه لمحلّ أو محرم،كما صرّح به جمع (1)؛ لإطلاق المرسل:« المحرم لا يَنكَح و لا يُنِكح و لا يشهد» (2).

و صريح آخر في الأوّل:في المحرم يشهد على نكاح محلّين،قال:

« لا يشهد» (3).

و بفحواه يستدل على الثاني،و ضعف السند مجبور بالعمل،بل الإجماع كما مرّ.

و الشهادة هو الحضور لغةً،فيحتمل حرمته و إن لم يحضر للشهادة عليه،كما عن الجامع (4).

و لم يذكر الماتن حرمة إقامة الشهادة عليه هنا،مع أنه ذكرها في الشرائع (5)،تبعاً للمبسوط و السرائر (6)،و عزيت إلى المشهور (7).

و استشكل فيها في القواعد (8)،و لعلّه من احتمال دخولها في عموم الشهادة المنهية في الخبرين و الفتاوي؛ و من عموم أدلة النهي عن الكتمان،

ص:268


1- منهم:العلّامة في المنتهى 2:809،و صاحب المدارك 7:311،و السبزواري في الذخيرة:590،و صاحب الحدائق 15:348.
2- الكافي 4:/372 1،التهذيب 5:/33 1136،الوسائل 12:438 أبواب تروك الإحرام ب 14 ح 7.
3- الفقيه 2:/23 1095،التهذيب 5:/315 1087،الإستبصار 2:/188 630،الوسائل 12:417 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 8.
4- الجامع للشرائع:184.
5- الشرائع 1:249.
6- المبسوط 1:317،السرائر 1:547 و 553.
7- كما في المدارك 7:312 و المفاتيح 1:327 و الذخيرة:590.
8- القواعد 1:81.

و توقف ثبوت النكاح شرعاً عليها،و وقوع مفاسد عظيمة إن لم يثبت، بخلاف إيقاعه،إذ لا يتوقف عليه عندنا.

قيل:و لأنها إخبار لا إنشاء،و الخبر إذا صدق و لم يستلزم ضرراً لم يحسن تحريمه،و لأنها أولى بالإباحة من الرجعة،فإنها إيجاد النكاح في الخارج،و إقامة الشهادة إيجاد له في الذهن (1).

و لعلّ هذا أولى؛ لقوة أدلته،مضافاً إلى الأصل،و عدم ثبوت المنع باحتمال الدخول في الخبرين،مضافاً إلى ضعفهما و عدم وضوح جابر معتدّ به لهما هنا.

و بالجواز مع ترتب الضرر على تركها قطع بعض الأصحاب (2).

و المنع على القول به ثابت مطلقاً و لو تحمّلها محلا،على الأشهر، كما قيل.

خلافاً للشيخ فيما إذا تحمّلها محلا (3)،و للتذكرة فخصّه بما إذا وقع بين محرمين،أو محرم و محلّ (4).

و منها:

الاستمناء

الاستمناء باليد أو التخيّل أو الملاعبة،بلا خلاف على الظاهر،المصرَّح به في بعض العبائر (5)؛ للصحاح المستفيضة المتقدم إلى بعضها قريباً الإشارة،و يأتي آخر منها في بحث الكفّارة إن شاء اللّه تعالى.

الطيب

و منها: الطيب بلا خلاف فيه في الجملة على الظاهر،

ص:269


1- إيضاح الفوائد 1:292.
2- المدارك 7:312.
3- كما في المبسوط 1:317.
4- التذكرة 1:343.
5- مفاتيح الشرائع 1:327.

المصرَّح به في عبائر جماعة (1)؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة و لكن اختلفوا كالنصوص في عموم تحريمه أو تخصيصه بما يأتي،و الأكثر فتوًى و نصاً على الأوّل.

و قيل:لا يحرم منه إلّا أربع:المِسك و العنبر و الزعفران و الوَرْس (2) و القائل الصدوق في المقنع في نقل (3)،و ابن سعيد كما قيل (4)،و الشيخ في التهذيب (5)؛ للصحيح:« إنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء» و عدّها كما في العبارة (6).

و في آخر:« الطيب:المسك» و عدّها إلى آخرها (7).

و نحوه ثالث،لكن مبدّلاً فيه الورس بالعود (8).

و فيه:و خلوق الكعبة لا بأس به (9).

و الظاهر أن المراد من هذه الأخبار حصر الطيب الذي يحرم على

ص:270


1- منهم:المجلسي في مرآة العقول 17:307،و السبزواري في الذخيرة:590،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:335.
2- الوَرس صبغ يتخذ منه الحمرة للوجه،و هو نبات كالسمسم ليس إلّا باليمن.مجمع البحرين 4:121.
3- المقنع:73.
4- ابن سعيد في الجامع للشرائع:183،و حكاه عنه في كشف اللثام 1:324.
5- التهذيب 5:299.
6- التهذيب 5:/304 1039،الوسائل 12:444 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 8.
7- التهذيب 5:/299 1015،الإستبصار 2:/18 598،الوسائل 12:446 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 16.
8- التهذيب 5:/299 1014،الإستبصار 2:/179 597،الوسائل 12:446 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 16.
9- هذا من كلام الشيخ في التهذيب 5:299 ذيل الحديث 1015؛ نعم،هناك روايات تدلّ على المطلوب.انظر الوسائل 12:449 أبواب تروك الإحرام ب 21.

المحرم،كما يدل عليه الزيادة في الأخير،و بها و بنحوها يقيّد ما عمّم فيه الطيب أو أُطلق،أو يحمل على الاستحباب،كما يفصح عنهما نفس الصحيح الأوّل،حيث تضمّن صدره المنع عنه بالعموم بقوله:« لا تمسّ شيئاً من الطيب و أنت محرم و لا من الدهن،و اتّق الطيب،و أمسك على أنفك من الريح الطيبة،و لا تمسك عليها من الريح المنتنة» و قال بعده:

« فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذّذ بريح طيبة» إلى أن قال:« و إنما يحرم عليك» .فهذا القول في غاية القوة،لولا ما سيأتي مع ندوره و رجوع الشيخ عنه إلى العموم كما حكي عنه في المبسوط (1).

و أضاف الشيخ في الخلاف إلى الأربعة الكافور و العود ناقلاً الإجماع على نفي الكفارة فيما عدا الستة (2)،و نحوه من غير نقل الإجماع النهاية و ابن حمزة في الوسيلة و ابن زهرة في الغنية (3)،لكنه أسقط الوَرس من الستّة،نافياً الخلاف عن الخمسة الباقية،و حكي الحصر فيها عن الجمل و العقود و المهذّب و الإصباح و الإشارة (4).

و هو ضعيف في الغاية؛ لوجود أخبار صحيحة بالورس،و هي أرجح من أخبار العود من وجوه و إن كان لا بأس بإضافته و إضافة الكافور، للإجماع المنقول في الغنية فيهما.

مضافاً في الكافور إلى فحوى ما دلّ على منع الميت المحرم منه

ص:271


1- حكاه عنه في كشف اللثام 1:324؛ و انظر المبسوط 1:319.
2- الخلاف 2:302.
3- النهاية:219،الوسيلة:162،الغنية(الجوامع الفقهية):575.
4- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:324،و هو في الجمل و العقود(الرسائل العشر):228،المهذب 1:220،إشارة السبق:127.

فالحي أولى؛ و في العود إلى ما ورد فيه من النصوص.

و لا ينافيها،و لا ما دلّ على إضافة الكافور،الحصر في باقي الأخبار في الأربعة التي ليسا منها؛ لقوة احتمال كونه لقلّة استعمال الأحياء للكافور؛ و جواز كون ترك العود لاختصاصه غالباً بالتجمير مع ورود الأخبار الحاصرة فيما عداه فيما يستعمل بنفسه.

و ممّا ذكرنا ظهر قوة ما في الخلاف و إن كان الأحوط المصير إلى ما عليه أكثر الأصحاب،سيّما مع(احتمال) (1)تطرّق الوهن إلى الصحيح الذي هو الأصل في التخصيص،بتضمنه في الكفّارة ما هو خلاف المجمع عليه بين الطائفة فتوًى و روايةً،و لزوم صرف الحصر عن ظاهره كما مرّ بالإضافة إلى الكافور و الورس أو العود،بجعله إضافياً،أي بالنسبة إلى ما يستعمله الأحياء بنفسه لا تجميراً.

و هو ليس بأولى من إبقاء العموم على حاله،و حمله على ما هو أغلظ تحريماً،كما فعله جماعة من أصحابنا (2)،بل لعلّه أولى و إن كان التخصيص بالترجيح أحرى من المجاز حيثما تعارضا؛ فإنّ ذلك حيث لا يلزم إلّا أحدهما،و أما إذا لزم المجاز على كل تقدير فلا ريب أن اختيار فرد منه يجامع العموم أولى من الذي يلزم معه التخصيص أيضاً،كما لا يخفى.

مضافاً إلى أولويته هنا بالشهرة العظيمة بين أصحابنا،و بها يوهن إجماع الخلاف على نفي الكفّارة فيما عدا الستّة،فلا يصلح أيضاً مخصّصاً لعموم الأدلّة.

لبس المخيط للرجال

و منها: لبس المخيط للرجال بلا خلاف،كما عن الغنية (3)،

ص:272


1- ليست في« ق».
2- منهم صاحب المدارك 7:322.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):575.

و في التحرير و التنقيح و موضع من المنتهى (1)،و ظاهره نفيه بين العلماء، مؤذناً بإجماعهم كافة،كما صرح به في موضع آخر منه و التذكرة (2)؛ للصحاح المستفيضة.

منها:« لا تلبس و أنت تريد الإحرام ثوباً تزرّه و لا تدرّعه،و لا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار،و لا الخفين إلّا أن لا يكون لك نعلان» (3)و في معناه غيره (4).

لكن ليس فيها إلّا النهي عن القميص و القباء و السراويل و الثوب المزرّر و المدرّع،لا مطلق المخيط.

و عن التذكرة أنه قال:ألحق أهل العلم بما نصّ به النبي صلى الله عليه و آله ما في معناه،فالجبّة و الدرّاعة (5)و شبههما ملحق بالقميص،و التبّان و الران (6)و شبههما ملحق بالسراويل،و القلنسوة و شبهها مساوٍ للبرنس،و الساعدان و القفّازان و شبههما مساوٍ للخفّين،قال:إذا عرفت هذا فيحرم لبس[الثياب]المخيطة و غيرها إذا شابهها كالدرع المنسوج و المعقود،كجبة اللبد و الملصق بعضه ببعض،حملاً على المخيط؛ لمشابهته إياه في المعنى من الترفه و التنعم (7).انتهى.

ص:273


1- التحرير 1:114، التنقيح الرائع 1:469،المنتهى 2:781.
2- المنتهى 2:781،التذكرة 1:332.
3- التهذيب 5:/69 227،الوسائل 12:473 أبواب تروك الإحرام ب 35 ح 2.
4- الكافي 4:/24 9،الفقيه 2:/218 998،الوسائل 12:473 أبواب تروك الإحرام ب 35 ح 1.
5- الدُّرّاغة و المِدرع:ضرب من الثياب التي تلبس،و قيل:جُبّة مشقوقة المقدّم.لسان العرب 8:82.
6- التبّان كرُمّان:سراويل صغير يستر العورة المغلّظة.الران:كالخفّ إلّا أنه لا قدم له و هو أطول من الخفّ.القاموس 4:207،232.
7- التذكرة 1:332.

و فيه نظر.

و الأولى الاستدلال عليه بعموم النص؛ إذ ليس فيه اشتراط الخياطة إلّا فيما له أزرار،إلّا أن يمنع انصرافه بحكم التبادر و الغلبة إلى غير المخيط، فيرجع فيه لو لا الإجماع على الإلحاق إلى حكم الأصل،و هو عدم المنع.

و في الدروس:يجب ترك المخيط على الرجال و إن قلّت الخياطة في ظاهر كلام الأصحاب،و لا يشترط الإحاطة،و يظهر من كلام الإسكافي اشتراطها،حيث قيّده بالضامّ للبدن،فعلى الأوّل يحرم التوشح بالمخيط و التدثر (1).انتهى.

و لا يتم الاستدلال على ما يظهر من كلام الأصحاب بالمنع مما له أزار؛ لجواز كونه للضم،كما يستفاد من الصحيح في الطيلسان المزرّر:

« إنما كره ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل،فأما الفقيه فلا بأس أن يلبسه» (2).

و في آخر:« يلبس كل ثوب إلّا ثوباً يتدرّعه» (3).

و في جواز لبس النساء له قولان،أصحّهما الجواز وفاقاً لأكثر الأصحاب،بل عامتهم عدا النادر على الظاهر،المصرَّح به في كلام جماعة (4)،مشعرين بدعوى الإجماع،كما في صريح السرائر و المنتهى و التذكرة (5)،و عن المختلف و التنقيح (6)،بل ظاهر ما عدا

ص:274


1- الدروس 1:376.
2- الكافي 4:/340 8،الفقيه 2:/217 995،علل الشرائع:/408 1،الوسائل 12:475 أبواب تروك الإحرام ب 36 ح 3.
3- الفقيه 2:/218 999،الوسائل 12:475 أبواب تروك الإحرام ب 36 ح 5.
4- منهم:الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:331.و قال في المدارك 7:331 و الحدائق 15:88 و الذخيرة:582:إنه المعروف من مذهب الأصحاب.
5- السرائر 1:544،المنتهى 2:/2 783،التذكرة 1:333.
6- المختلف:266،التنقيح 1:469.

الأخيرين كونه مجمعاً عليه بين العلماء؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،مع اختصاص الأدلة المانعة فتوًى و روايةً بالرجل خاصة دون المرأة،و المعتبرة بها مع ذلك مستفيضة،و فيها الصحاح،منها:

« المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القُفّازَين» (1).

خلافاً للنهاية فمنع عما عدا السراويل و الغِلالة (2)،و حجته مع شذوذه،و رجوعه عنه في المبسوط (3)،بل و عدم وضوح عبارته في الكتاب في المنع على بعض النسخ غير واضحة.

عدا ما قيل له من عموم المحرم في خبر النهي لهنّ،و الخطاب لكل من يصلح (4).و هو ممنوع؛ لاختصاص الخطاب حقيقة بالذكر،و التغليب مجاز،و القرينة مفقودة،بل على الجواز كما عرفت موجودة.

نعم لا بأس بالمنع عن القُفّازين؛ للنصوص،منها زيادةً على ما مرّ خبران آخران (5)،مجبور ضعف سندهما بالإجماع المحكي في صريح الخلاف و الغنية (6)،و عن ظاهر المنتهى و التذكرة (7).

ص:275


1- الكافي 4:/344 1،التهذيب 5:/73 243،الإستبصار 2:/308 1099،الوسائل 12:368 أبواب الإحرام ب 33 ح 9.
2- النهاية:218.
3- المبسوط 1:331.
4- كشف اللثام 1:329.
5- الأوّل: الكافي 4:/344 2،التهذيب 5:/74 244،الوسائل 12:366 أبواب الإحرام ب 33 ح 2.الثاني: الكافي 4:/345 6،التهذيب 5:/75 247،الإستبصار 2:/309 1101،الوسائل 12:367 أبواب الإحرام ب 33 ح 3.
6- الخلاف 2:294،الغنية(الجوامع الفقهية):575.
7- المنتهى 2:783،التذكرة 1:333.

خلافاً لبعض متأخري المتأخرين،فأحتمل الإباحة،قال:لأنهما على أحد التفسيرين داخلان في جنس الثياب،و قد دلّ الدليل على جواز لبسها، و على الآخر داخلان في جنس الحُليّ،فيتحد حكمهما معه،و هو جواز اللبس لغير زينة.

و أشار بالتفسير الأوّل إلى ما في السرائر و مجمع البحرين (1)،و حكي عن الصحاح و المنتهى و التذكرة (2)من أنهما شيء يعمل لليدين يحشى بقطن و يكون له أزرار تزرّ على الساعدين من البرد،و تلبسه المرأة في يديها.

و بالثاني إلى ما حكاه و الأوّل عن القاموس من أنهما ضرب من الحُليّ لليدين أو للرجلين (3).و نحوه عن جماعة من أهل اللغة (4).

و فيه:أن ما ذكره من أدلة الجواز على التقديرين عامة،و المانعة خاصة،فلتكن عليها مقدمة.

و الجمع بالكراهة مرجوح بالإضافة إلى التخصيص كما مرّ غير مرّة، و لفظ الكراهة بدل النهي في بعض الأخبار لا يصلح قرينة عليها بالمعنى المصطلح؛ لكونه في الأخبار أعم منها و من الحرمة،و العام ليس فيه على الخاص دلالة.

هذا مع قطع النظر عن الإجماعات المنقولة،و إلّا فهي على المنع و ترجيحه أقوى حجة.

ص:276


1- السرائر 1:544،مجمع البحرين 4:31.
2- الصحاح 3:892،المنتهى 2:783،التذكرة 1:333.
3- القاموس 2:194.
4- منهم:ابن منظور في لسان العرب 5:395،و ابن فارس في معجم مقاييس اللغة 5:6.

و لا بأس بالغلالة بكسر الغين المعجمة،و هي ثوب رقيق تلبس تحت الثياب للحائض تتقي بها عن الدم على القولين أي حتى قول الشيخ في النهاية،فإنه مع منعه عن لبس المخيط لهن قال:و يجوز للحائض أن تلبس تحت ثيابها غلالة تتقى ثيابها من النجاسات.

و بالإجماع الظاهر من العبارة صرّح الفاضلان في الشرائع و المنتهى و التذكرة (1)و غيرهما (2).

و الأصل فيه بعده و بعد الأصل و العمومات المتقدمة خصوص الصحيح:« تلبس المرأة الحائض تحت ثيابها غلالة» (3).

و يجوز أن يلبس الرجل السروال إذا لم يجد إزاراً بغير خلاف أجده،و به صرّح في الذخيرة (4)،مشعراً بدعوى الإجماع عليه،كما عن ظاهر المنتهى و صريح التذكرة (5)،ففيها:بإجماع العلماء،و في الأوّل:

لا نعلم فيه خلافاً؛ للصحيحين (6).

و ليس فيه و الحال هذه فدية على ما صرّح به جماعة،و منهم الفاضل في المنتهى و التذكرة،و فيها:عند علمائنا،و في الأوّل:اتّفق عليه العلماء إلّا مالكاً و أبا حنيفة.

قيل:فإن ثبت الإجماع،و إلّا عمّه دليل الوجوب الآتي في بحث

ص:277


1- الشرائع 1:249،المنتهى 2:783،التذكرة 1:333.
2- انظر المدارك 7:333.
3- الفقيه 2:/219 1011،التهذيب 5:/76 251،الوسائل 12:501 أبواب تروك الإحرام ب 52 ح 1.
4- الذخيرة:601.
5- المنتهى 2:782،التذكرة 1:332.
6- المتقدمين في ص:2918.

الكفارة (1).

و في الغنية و عن الإصباح (2):أنه عند قوم من أصحابنا لا يلبس حتى يفتق و يجعل كالمئزر،و أنه أحوط.

و في الخلاف:لا يلزمه الفتق؛ للأصل،و خلوّ النص (3).

و هو حسن،مع أنه على اعتبار الفتق يخرج عن المخيط،و لا يتقيّد بالضرورة.

و لا بأس ب لبس الطيلَسان و إن كان له أزرار و لكن لا يزرّه عليه كما في الصحاح (4).

و إطلاقها يشمل حالتي الضرورة و الاختيار،و هو ظاهر الكتاب و الشرائع و القواعد و التحرير و الدروس و المحكي عن الفقيه و في المقنع و المبسوط و التذكرة (5).

خلافاً لظاهر الإرشاد فخصّه بالضرورة (6)،و هو كما قيل (7)شاذّ، و دليله غير معروف.

و هو كما في مجمع البحرين واحد الطيالسة،و هو ثوب محيط بالبدن ينسج للّبس،خالٍ عن التفصيل و الخياطة،و هو من لباس العجم،و الهاء

ص:278


1- كما قاله في كشف اللثام 1:329.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):575،و حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:329.
3- الخلاف 2:297.
4- الوسائل 12:474 أبواب تروك الإحرام ب 36.
5- الشرائع 1:250،القواعد 1:82،التحرير 1:96،الدروس 1:376،حكاه عن الفقيه في كشف اللثام 1:329،و هو في الفقيه 2:217،المقنع:71،المبسوط 1:320،التذكرة 1:326.
6- الإرشاد 1:318.
7- قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:331.

في الجمع للعجمة،لأنه فارسي معرّب تالشان (1).

و نحوه عن شيخنا الشهيد الثاني (2).

و عن المطرزي أنه من لباس العجم مدوّر أسود (3).

و لبس ما يستر ظهر القدم

و منها: لبس ما يستر ظهر القدم كالخفّين و النعل السندي فيما قطع به المتأخرون على الظاهر،المصرَّح به في الذخيرة (4)،بل في المدارك الأصحاب كافة (5)،و نفى عنه الخلاف في الغنية (6)،مؤذناً بدعوى إجماع العلماء كافة.

للمعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح:

منها:« و لا خفّين إلّا أن لا يكون لك نعلان» (7).

و منها:« أيّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفّين إذا اضطرّ إلى ذلك،و الجوربين يلبسهما إذا اضطرّ إلى لبسهما» (8).

و منها:عن المحرم يلبس الجوربين؟قال:« نعم،و الخفّين إذا اضطرّ إليهما» (9).

لكنها مختصة بالخفّ و الجورب.قيل:و عليهما اقتصر في المقنع

ص:279


1- مجمع البحرين 4:82.
2- المسالك 1:110.
3- راجع المغرب 2:16.
4- الذخيرة:594.
5- المدارك 7:337.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):575.
7- التهذيب 5:/69 227،الوسائل 12:500 أبواب تروك الإحرام ب 51 ح 1.1
8- التهذيب 5:/384 1341،الوسائل 12:500 أبواب تروك الإحرام ب 51 ح 2.
9- الكافي 4:/437 2،الفقيه 2:/217 996،الوسائل 12:501 أبواب تروك الإحرام ب 51 ح 4.

و التهذيب،و على الخفّ في النهاية،و عليه و على الشُّمِشك في المبسوط و الخلاف و الجامع،و لم يتعرض لشيء من ذلك في المصباح و مختصره، و لا في الكافي و لا في جمل العلم و العمل و لا في المقنعة و لا في المراسم و لا في الغنية (1).

و الظاهر كفاية نفي الخلاف في الغنية مع سابقيه اللذين أقلّهما الشهرة العظيمة في التعدية.و يحتمل قوياً خروج الخف و الجورب في الفتوى و النص على مجرى الغالب.

و لا يحرم إلّا ستر ظَهر القدم بتمامه باللبس،لا ستر بعضه،و لا الستر بغير اللبس،كالجلوس،و إلقاء طرف الإزار،و الجعل تحت الثوب عند النوم،و غيره.

كلّ ذلك للأصل،و الخروج عن مورد الفتوى و النص،و هو نص جمع (2)،بل قيل:عندنا (3)،مشعراً بدعوى إجماعنا.

و من ذلك يظهر(قوة) (4)اختصاص المنع بالرجل،دون المرأة،كما هو خيرة جماعة و منهم الشهيد،ناقلاً له عن العماني (5)،مؤيداً بالصحيح:

« تلبس ما شاءت من الثياب» (6)إن دخل نحو الخفّ فيها،و النصوص بأن إحرامها في وجهها (7).

ص:280


1- كشف اللثام 1:329.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:110،و صاحب المدارك 7:337،و صاحب الذخيرة:594.
3- كشف اللثام 1:329.
4- ليست في« ش».
5- انظر الدروس 1:377.
6- تقدم مصدره في ص:2920.
7- انظر الوسائل 12:493 أبواب تروك الإحرام ب 48.

و إن اضطرّ إلى اللبس جاز إجماعاً،كما في السرائر و المختلف (1)،و في المنتهى:لا نعلم فيه خلافاً (2)؛ للأصل،و الصحاح السابقة،مضافاً إلى الخبر،بل الصحيح كما قيل (3):في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟قال:« نعم لكن يشقّ ظهر القدم» (4)و نحوه آخر (5).

و لأجلهما قل:يشقّ عن ظهر القدم و القائل الشيخ و أتباعه كما قيل (6).

و ظاهر المتن و التحرير (7)التردد فيه؛ و لعلّه لقصور سند الخبرين،بل ضعف ثانيهما جدّاً،و قوة احتمال ورودهما مورد التقية،لموافقتهما لمذهب أكثر العامة و منهم أبو حنيفة على ما في الخلاف و غيره (8)،فلا يصلحان لتخصيص الأصل و إطلاق ما مرّ من الصحاح،سيّما مع ورودها في مقام البيان.

فالأقوى عدم وجوب الشق،بل عدم جوازه؛ فإن فيه إتلافاً للمال المحترم،فتأمّل.

و عليه جماعة من الأصحاب،و منهم الحلّي،مدعياً الإجماع عليه (9)،

ص:281


1- السرائر 1:543،المختلف:270.
2- المنتهى 2:782.
3- مجمع الفائدة و البرهان 6:304،الذخيرة:594.
4- الفقيه 2:/218 997،الوسائل 12:501 أبواب تروك الإحرام ب 51 ح 5.
5- الكافي 4:/346 1،الوسائل 12:501 أبواب تروك الإحرام ب 51 ح 3.
6- الذخيرة:594،الحدائق 15:443.
7- التحرير 1:114.
8- الخلاف 2:295؛ و انظر السرائر 1:543،و المنتهى 2:782،و التذكرة 1:332.
9- السرائر 1:250.

و يشعر به أيضاً عبارة الشرائع (1).

و هل يجب الفدية؟قيل:نعم (2).و في المسالك:لا،عند علمائنا، قال:نصّ عليه في التذكرة (3).

الفسوق

و منها: الفسوق بالكتاب (4)و السّنة (5)و الإجماع،و هو محرّم على كل حال،و إنما عدّ من محرّمات الإحرام لخصوص نهي المحرم عنه في الثلاثة،و لذا كان فيه آكد،كما ذكره جماعة (6).

و هو الكذب مطلقاً كما عليه الأكثر،بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من الغنية (7)،و المحكي عن المهذّب و المصباح و الإشارة (8)،حيث خصّوه بالكذب على اللّه تعالى و رسوله صلى الله عليه و آله أو أحد من الأئمة عليهم السلام.

و عن الجمل و العقود،فجعله الكذب على اللّه سبحانه خاصة (9).

و حجتهم غير واضحة،عدا ظاهر دعوى الإجماع في الغنية،و هو مع وهنه بمصير معظم الأصحاب على خلافه معارض بأجود منه،و هو المعتبرة المستفيضة و إن اختلفت من وجه آخر،و هو الاقتصار على الكذب المطلق

ص:282


1- الشرائع 1:250.
2- كشف اللثام 1:329.
3- المسالك 1:110.
4- البقرة:197.
5- الوسائل 12:463 أبواب تروك الإحرام ب 32.
6- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:110.
7- الغنية(الجامع الفقهية):575.
8- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:327 و فيه بدل المصباح:الإصباح،و هو في المهذب 1:221،و الإشارة:128.
9- الجمل و العقود(الرسائل العشر):228.

كما عليه جماعة (1)،و هي النصوص المروية في معاني الأخبار و تفسير العياشي (2)(و عن التبيان) (3)و مجمع البيان و روض الجنان (4):أنه رواية الأصحاب،مشعرين بدعوى الإجماع،فينجبر به ضعف السند أو قصوره حيث كان.

أو زيادة السباب كما في الصحيح (5)،و عليه المرتضى و الإسكافي و جماعة من المتأخرين (6)،و لكن جعل في رواية المعاني من جملة الجدال.

أو المفاخرة بدله،كما في آخر (7).

و جمع بينهما في المختلف بأن المفاخرة لا تنفك عن السباب؛ لأنها إنما تتم بذكر فضائل له و سلبها عن خصمه،أو سلب رذائل عن نفسه و إثباتها لخصمه (8).

و فيه:أنها جعلت في الصحيح لراوي الأوّل مأموراً بها على حدة بعد تفسير الفسوق بالكذب و السباب خاصة (9)،مشعراً بالتغاير بينهما.

ص:283


1- منهم الشيخ في المبسوط 1:320 و المحقق في الشرائع 1:250 و العلّامة في الإرشاد 1:317.
2- معاني الأخبار:/294 1،تفسير العياشي 1:/95 256،الوسائل 12:467 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 8،9.
3- ما بين القوسين ليست في« ح» و« ك».
4- التبيان 2:164،مجمع البيان 1:294،روض الجنان(تفسير أبي الفتوح)1:322.
5- التهذيب 5:/296 1003،الوسائل 12:463 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 1.
6- المرتضى في الجمل(رسائل الشريف المرتضى 3):65،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:270؛ و انظر الدروس 1:387،و المفاتيح 1:341.
7- التهذيب 5:/297 1005،الوسائل 12:465 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 4.
8- المختلف:270.
9- الكافي 4:/337 3،الوسائل 12:465 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 5.

و التفسير بها خاصة مع عدم ظهور قائله و عدم معلوميته و إن حكاه الشهيد في بعض حواشيه كما قيل (1)لا ريب في ضعفه.

و نحوه في الضعف تفسيره بالكذب و البذاء و اللفظ القبيح (2)؛ لجعل القبيح في الصحيح المزبور من جملة التفث،لا الفسوق،بعد أن فسّر بالكذب و السباب خاصة.

و عن التبيان الأولى حمله على جميع المعاصي التي نهي المحرم عنها (3).قيل:و تبعه الراوندي (4).

و لا ثمرة معنوية هنا بعد القطع بحرمة الجميع و عدم وجوب الكفارة فيه سوى الاستغفار كما في الصحيح (5).

نعم ربما تظهر في نحو النذر،أو إذا قلنا بإفساده الإحرام كما عن المفيدة (6)و لكنهما نادران و إن كان ربما يستأنس للمفيد بملاحظة الصحيح:

عن قول اللّه عزّ و جل: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ [1] قال:« إتمامها أن لا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج» (7)و نحوه آخر (8)،فتأمّل.

الجدال

و منها: الجدال بالأدلة الثلاثة المتقدمة.

و هو قول:لا و اللّه،و بلى و اللّه،خاصة عند الأكثر،و في الغنية الإجماع عليه (9).و لكن يحتمل رجوعه إلى تفسير الجدال بالخصومة

ص:284


1- الذخيرة:593.
2- نقله عن العماني في المختلف:270.
3- التبيان 2:164.
4- كما في كشف اللثام 1:327.
5- الكافي 4:/337 1،الوسائل 13:148 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 2 ح 2.
6- المقنعة:432.
7- الكافي 4:/337 2،الوسائل 12:466 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 6.
8- التهذيب 5:/296 3.1،الوسائل 12:463 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 1.
9- الغنية(الجوامع الفقهية):575.

المؤكدة باليمين بمثل الصيغتين،لا إليهما،و نقل عن المرتضى الإجماع عليه أيضاً (1).

و بمثل ذلك يمكن الجواب عن الصحاح المستفيضة و غيرها المفسِّرة للجدال بهما (2)،بإرادة الردّ بذلك على من جعل الجدال مطلق الخصومة، لا الخصومة المؤكدة باليمين و لو مطلقها.

و ربما يستفاد ذلك من الصحيح:عن المحرم يريد العمل فيقول له صاحبه:و اللّه لا تعمله،فيقول:و اللّه لأعملنّه،فيحالفه مراراً،يلزم ما يلزم الجدال؟قال:« لا،إنما أراد بهذا إكرام أخيه،إنما كان ذلك ما كان فيه معصية» (3).

فإن تعليل نفي الجدال بذلك دون فقد الصيغتين أوضح شاهد على أنه لولا إرادة الإكرام لثبت الجدال بمطلق« و اللّه» كما هو فرض السؤال.

و على هذا فيقوّى القول بأنه مطلق الحلف باللّه تعالى و ما يسمى يميناً كما عليه الماتن هنا و الشهيد في الدروس (4)،وفاقاً للانتصار و جمل العلم و العمل على ما نقل (5).

و أما الاستدلال لهذا القول بالصحيح:« إذا حلف الرجل بثلاثة أيمان ولاءً في مقام واحد و هو محرم فقد جادل و عليه دم يهريقه و يتصدّق به،

ص:285


1- حكاه عنه في كشف اللثام 1:327 و هو في الانتصار:95.
2- انظر الوسائل 12:463 أبواب تروك الإحرام ب 32.
3- الكافي 4:/338 5،الفقيه 2:/214 973،علل الشرائع:/457 1،مستطرفات السرائر:/32 30،الوسائل 12:466 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 7.
4- الدروس 1:386.
5- الانتصار:95،جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):66،نقله عنهما في كشف اللثام 1:328.

و إذا حلف يميناً واحدة كاذبة فقد جادل و عليه دم يهريقه و يتصدّق به» (1).

ففيه أنه مطلق يحتمل التقييد بما في الصحاح،و إنما أُطلق لأن المقصود فيه بيان ما يوجب الكفارة منها و الفصل بين الصادقة و الكاذبة.

بل الأجود الاستدلال بما عرفته من الصحيح.

و ربما يستأنس به لما يحكى عن الإسكافي من العفو عن اليمين في طاعة اللّه تعالى و صلة الرحم ما لم يدأب في ذلك (2)،و حكاه في الدروس عن الفاضل و الجعفي (3)،و لا بأس به.

و في جواز دفع الدعوى الكاذبة بالصيغتين أو الحلف مطلقاً قول قوي،وفاقاً للشهيدين و غيرهما من المتأخرين (4)؛ عملاً بأدلة نفي الضرر، و حملاً لعموم الآية و الأخبار على صورة الاختيار دون الاضطرار.

و على الجواز ففي سقوط الكفارة أو ثبوتها إشكال.و الأوّل لعلّه أقوى،وفاقاً للشهيدين و سبط ثانيهما (5).

قتل هوامّ الجسد

و منها: قتل هوامّ الجسد بالتشديد جمع هامّة،و هي دوابّه كالقمل.و المنع عن قتلها مطلقاً في الثوب كانت أو في البدن مشهور بين الأصحاب،كما صرَّح به جمع (6)؛ للصحيح:« يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل

ص:286


1- الكافي 4:/337 3،الوسائل 13:146 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 3.
2- نقله عن الإسكافي في المختلف:271.
3- الدروس 1:387.
4- الشهيد الأوّل في الدروس 1:387،الشهيد الثاني في المسالك 1:110؛ و انظر المدارك 7:342.
5- المدارك 7:342.
6- منهم:صاحب المدارك 7:343،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:340،و صاحب الحدائق 15:505.

دابة» (1).

و قريب منه آخر:« إذا أحرمت فاتّق قتل الدواب كلّها إلّا الأفعى و العقرب و الفأرة» (2).

و هما و إن لم ينصّا على العنوان إلّا أنه داخل في عمومها،و لم أعرف عليه نصّاً بالخصوص،فالتعبير بما فيهما كما عن جماعة من القدماء أولى (3).

و عن الأكثر التنصيص على خصوص القمل؛ لورود النصوص الكثيرة المتضمنة للصحاح و غيرها فيها بالخصوص (4).

إلّا أن الصريح منها في حرمة قتله للتعبير فيه عنها بعد أن سئل عنه ب « بئس ما صنع» (5)ضعيف السند،معارض بالصحيح:في محرم قتل قملة، قال:« لا شيء عليه في القملة،و لا ينبغي أن يتعمّد قتلها» (6)و لفظة «لا ينبغي» و عموم الشيء المنفي و شموله للعقاب ظاهران في عدم التحريم (7).

و نحوه في العموم الصحيح:« لا بأس بقتل القمل في الحرم و غيره» (8).

ص:287


1- الكافي 4:/366 7،الفقيه 2:/230 1092،المقنع:75،الوسائل 12:534 أبواب تروك الإحرام ب 73 ح 4.
2- التهذيب 5:/1273 365،الوسائل 12:545 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 2.
3- منهم:الصدوق في المقنع:77،و الشيخ في النهاية:219.
4- الوسائل 12:539 أبواب تروك الإحرام ب 78.
5- الكافي 4:/362 1،الوسائل 12:539 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 1.
6- الكافي 4:/362 2،الوسائل 12:539 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 2.
7- إلّا أن الخبر السابق نصّ بالإضافة إليهما،فيحملان عليه بحمل لفظة« لا ينبغي» على التحريم،كما شاع استعمالها فيه في الأخبار،و تخصيص الشيء بالكفارة لاستحبابها على الأقوى و إن قلنا بتحريم إلقاء النملة و قتلها.(منه رحمه اللّه).
8- الفقيه 2:/172 761،الوسائل 12:551 أبواب تروك الإحرام.ب 84 ح 3.

و المرسل:« لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقة في الحرم» (1)و هما يعمّان المحرم و غيره (2).

و ما عداه من الصحاح لم تنصّ بتحريم القتل،بل هي ما بين مانعة عن النزع و عن الإلقاء،و موجبة للكفارة بهما،و هما غير المدّعى و إن قيل يستفاد من الأوّل بطريق أولى (3)؛ لعدم وضوحه،سيّما و قد حكي عن ابن حمزة أنه حكم بحرمة الإلقاء و جواز القتل على البدن (4)،و عن جماعة من القدماء (5)أنهم لم يذكروا إلّا الإزالة عن نفسه و الإلقاء دون قتله.

و على تقدير وضوحه يعارض ما دلّ منها على حرمة الإلقاء بما دلّ من الصحاح المتقدمة و غيرها من جواز قتله؛ لاستلزامه جواز الإلقاء بطريق أولى.

مضافاً إلى صريح بعض الأخبار:عن المحرم يلقي القملة،فقال:

« ألقوها أبعدها اللّه تعالى غير محمودة و لا مفقودة» (6).

و ما دلّ منها على وجوب الكفارة بمثلها ممّا دلّ على عدم وجوبها (7)، و الجمع بينها يقتضي استحبابها،كما عليه جماعة من المحققين (8).

ص:288


1- الكافي 4:/364 11،الوسائل 12:551 أبواب تروك الإحرام ب 84 ح 4.
2- لكن الخبر السابق نصّ في المحرم،فينبغي حملهما على غيره،جمعاً و حملاً للعام على الخاص(منه رحمه اللّه).
3- كشف اللثام 1:328.
4- حكاه عنه في كشف اللثام 1:328،و هو في الوسيلة:162 و 163.
5- منهم:الشيخ في الاقتصار:302،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):575،القاضي في المهذب 1:221.
6- التهذيب 5:/337 1164،الإستبصار 2:/197 662،الوسائل 12:540 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 6.
7- الوسائل 13:168 أبواب بقية الكفارات ب 15.
8- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 6:301،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:328.

و بالجملة:التمسك بهذه النصوص لإثبات حرمة قتل القملة فضلاً عن غيرها من هوامّ الجسد لا وجه له،سيّما و الأخبار المجوّزة مع موافقتها للأصل مخالفة للعامة كما قيل (1)،بخلاف المانعة.

بل العمدة في إثبات الحرمة ما قدّمناه من الصحيحين.

مع إمكان التأمل في ثانيهما بظهور الاستثناء فيه في كون الدواب الممنوع عن قتلها من قبيل المستثنى،كما صرَّح به بعض المحدّثين، و يعضده ورود النصوص بالرخصة في قتل البقّ و البرغوث.

و كونِ المتبادر من الدابة في أوّلهما خصوص القملة لا غير،فيعارضه أيضاً ما دلّ على جواز قتلها،و لذا صرّح بعض المحدّثين بالكراهة في القملة قتلاً و إلقاءً،بل و غيرها،لكن فيها أشدّ كراهة.

و لا يخلو عن قوة لولا اتّفاق الأصحاب ظاهراً على حرمة إلقاء القملة،و عن ابن زهرة أنه نفى الخلاف عنه في الغنية (2).و أما قتلها فهو و إن قال به ابن حمزة، لكنه شرط وقوعه على البدن،لا مطلقاً (3)،كما هو ظاهر الأخبار المجوزة،فهي إذاً شاذة لا عامل بها،و بشذوذ قول ابن حمزة أيضاً صرَّح بعض أصحابنا (4).

و حينئذٍ فيتعين في القملة القول بالحرمة قتلاً و إلقاءً،و يشكل في غيرها من سائر هوامّ الجسد،خصوصاً الإلقاء.بل الظاهر جوازه؛ لما سيأتي من النص الصحيح بجوازه عموماً في الدواب،و خصوصاً في بعضها،و أما القتل فالأحوط التجنب عنه.

و يجوز نقله من مكان إلى آخر من الجسد بلا خلاف؛ للصحيح

ص:289


1- الحدائق 15:508.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):575.
3- انظر الوسيلة:163.
4- الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:340.

« المحرم يلقي عنه الدواب كلّها إلّا القملة فإنها من جسده،فإذا أراد أن يحوّله من مكان إلى مكان فلا يضرّه» (1).

و إطلاقه كالفتوى يقتضي عدم اشتراط كون المنقول إليه مساوياً أو أحرز.فالقول به كما يحكى عن بعضهم (2)تقييد للنصّ من غير وجه، إلّا أن يريد به عدم كونه معرضاً للسقوط قطعاً أو غالباً،فلا بأس به فإنه في معنى الإلقاء.

و لا بأس بإلقاء القُراد و الحَلَم بفتح الحاء و اللام جمع حَلَمة كذلك،و هي القُراد العظيم كما عن الجوهري (3)،بلا خلاف إذا كان عن نفسه؛ للصحيح الآتي.

و كذا عن بعيره في القُراد،و في الحملة عنه قولان،أجودهما المنع، وفاقاً للتهذيب و جمع (4)؛ للصحيحين (5)و غيرهما (6)،المصرّحة بالفرق بينها

ص:290


1- الفقيه 2:/230 1091،التهذيب 5:/336 1161،الوسائل 12:540 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 5.
2- اختاره في المسالك 1:110.
3- الصحاح 5:1903.و القرُاد:ما يتعلّق بالبعير و نحوه،و هو كالقمل للإنسان.المصباح المنير:496.
4- التهذيب 5:338؛ و انظر المدارك 7:345،و مفاتيح الشرائع 1:341،و الوسائل 12:542 الباب 80،و كشف اللثام 1:328.
5- الأوّل: الفقيه 2:/232 1106،التهذيب 5:/338 1167،الوسائل 12:542 أبواب تروك الإحرام ب 80 ح 1.الثاني: الكافي 4:/364 8،الفقيه 2:/232 1107،الوسائل 12:543 أبواب تروك الإحرام ب 80 ح 2.
6- التهذيب 5:/338 1168،الوسائل 12:543 أبواب تروك الإحرام ب 80 ح 4.

و بين القُراد في حقه.

خلافاً للمحكي عن الأثر فالجواز (1)،و مستندهم غير واضح عدا ما يقال من الصحيح:أ رأيت إن وجدت عليّ قُراداً أو حَلَمة أطرحهما؟قال:

« نعم و صغار لهما،إنهما رقيا في غير مرقاهما» (2).

و هو كما ترى؛ فإن مورده النفس،بل ظاهر التعليل يدل على المنع في البعير،فتدبر.

و ربما يستفاد منه المنع عن إلقاء كل ما يرقى في الجسد من نحو البرغوث،و لعلّه المراد من هوامّ الجسد من نحو المتن،فيتّضح له المستند.و لا يضرّ تخالف المتن و النصّ في الاطراح و القتل؛ لاحتمال التعدي من أحدهما إلى الآخر بفحوى الخطاب،كما صرّح به جمع (3).

و لكنه على تقدير وضوحه معارض بصريح ما دلّ من النصوص على جواز قتل المحرم البقّ و البرغوث،منها زيادة على ما مرّ الصحيح المروي في آخر السرائر:عن المحرم يقتل البقة و البرغوث إذا أذاه قال:

« نعم» (4).

و نحوه الخبر مبدلاً فيه الشرط ب« إذا رآه» في نسخة،و ب« إذا أراده» في أُخرى (5).

ص:291


1- كما في المدارك 7:344.
2- الكافي 4:/362 4،الفقيه 2:/229 1085،التهذيب 5:/337 1162،المقنع:57،علل الشرائع:/457 1،الوسائل 12:541 أبواب تروك الإحرام ب 79 ح 1.
3- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:328.
4- مستطرفات السرائر:/32 33،الوسائل 12:540 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 7.
5- الكافي 4:/364 6،الوسائل 12:542 أبواب تروك الإحرام ب 79 ح 3.

و هو أحد القولين و أجودهما،وفاقاً لجماعة (1)،خلافاً لآخرين فالمنع (2)،و هو أحوطهما.

استعمال دهن فيه طيب

و يحرم عليه استعمال دهن فيه طيب بلا خلاف ظاهر و لا محكي إلّا عن الشيخ في الجمل فكرهه (3).و هو نادر،بل على خلافه الإجماع في صريح التحرير (4)،و في المنتهى:إنه قول عامة أهل العلم (5).

و تجب به الفدية إجماعاً؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأخبار المستفيضة عموماً و خصوصاً.

ففي الصحيح (6)و غيره (7):« لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر،من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم و ادّهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم،فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحلّ» .و مقتضاهما حرمة استعماله قبل الإحرام إذا كانت رائحته تبقى إلى

ص:292


1- منهم:القاضي في المهذب 1:221،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):575،و الشهيد الثاني في المسالك 1:110.
2- منهم:الشيخ في المبسوط 1:320،و يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع:193 و صاحب المدارك 7:343.
3- الموجود في الجمل وجوب الاجتناب عن الأدهان الطيّبة،نعم قال بكراهة استعمالها قبل الإحرام إذا كانت رائحتها تبقى إلى وقت الإحرام.راجع(الرسائل العشر):228،229.
4- التحرير 1:115.
5- المنتهى 2:787.
6- الكافي 4:/329 2،التهذيب 5:/303 1032،الاستبصار 2:/181 603،علل الشرائع:/451 1،الوسائل 12:458 أبواب تروك الإحرام ب 29 ح 1.
7- الفقيه 2:/202 921،الوسائل 12:458 أبواب تروك الإحرام ب 29 ذيل الحديث 1.

وقت الإحرام،و جواز الدهن بغير المطيب قبله.

و لا خلاف في الثاني،بل عن التذكرة و المنتهى (1)الإجماع عليه، و الصحاح به مع ذلك مستفيضة (2).

و ليس في شيء منها اشتراط عدم بقاء عينه بعد الإحرام،مع مخالفته الأصل.

و قيل باشتراطه (3)،و لا وجه له.

نعم،في الصحيح:« لا بأس بأن يدهن الرجل قبل أن يغتسل للإحرام و بعده،و كان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى» (4).

و مراعاته أحوط و إن كان في دلالته على التحريم نظر.

و أما الأوّل فعليه الأكثر،و به أخبار أُخر بعضها أيضاً صحيح السند (5).

خلافاً للمحكي عن ابن حمزة و جماعة فالكراهة (6)؛ للأصل، و إطلاق جملة من الصحاح بجواز الادّهان قبل الإحرام (7).

و يجب الخروج عنهما بما مرّ،بحملها على الادّهان بما ليس بمطيب،أو صورة عدم بقاء الأثر،حملَ المطلق على المقيد.

و لا بأس ب استعمال ما ليس بطيب عند الضرورة بالنص

ص:293


1- التذكرة 1:335،المنتهى 2:787.
2- الوسائل 12:460 أبواب تروك الإحرام ب 30.
3- المسالك 1:110.
4- الكافي 4:/329 4،الوسائل 12:460 أبواب تروك الإحرام ب 30 ح 3.
5- الوسائل 12:458 أبواب تروك الإحرام ب 29.
6- حكاه عن ابن حمزة في المدارك 7:348،و هو في الوسيلة:164؛ و انظر الجمل و العقود(الرسائل العشر):229،و المهذب 1:221.
7- انظر الوسائل 12:460 أبواب تروك الإحرام ب 30.

و الإجماع الظاهر،المصرَّح به في عبائر جماعة (1).

و فيه بدونها خلاف،و ظاهر المتن المنع،و عليه الأكثر.و هو الأظهر؛ للصحيح المتقدم،و نحوه آخر:« لا تمسّ شيئاً من الطيب و لا من الدهن في إحرامك (2).

و المراد بالمسّ فيه الادّهان،لا مطلقة؛ لجوازه في نحو الأكل إجماعاً كما في الروضة (3)،و عن التذكرة و عن الخلاف و الدروس (4)نفي الخلاف عنه.

خلافاً للمحكي عن صريح المفيد و ظاهر جماعة (5)،فجوّزوه على كراهية؛ جمعاً بين الأخبار المانعة و الناصّة على جواز الادّهان بعد الغسل قبل الإحرام،فإن الظاهر بقاؤه عليه إلى الإحرام،و تساوي الابتداء و الاستدامة.

و فيهما منع.و على تقديرهما فالمانعة أوضح دلالةً على المنع من هذه على الجواز.

و أما الاستدلال لهم بالأخبار المرخّصة لاستعماله حال الضرورة فليس

ص:294


1- منهم:العلّامة في المنتهى 2:787،و صاحب المدارك 7:350.
2- التهذيب 5:/297 1006،الإستبصار 2:/178 590،الوسائل 12:459 أبواب تروك الإحرام ب 29 ح 3.
3- الروضة 2:240.
4- التذكرة 1:335،الخلاف 1:303،الدروس 1:375،و حكاه عنهم في كشف اللثام 1:326.
5- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:326؛ و انظر المقنعة:397،و الجمل و العقود(الرسائل العشر):228،و الكافي في المقنعة:203.

في محلّه،لخروجها عن مفروض المسألة.

إزالة الشعر

و يحرم أيضاً إزالة الشعر قليله و كثيره عن الرأس و اللحية و سائر البدن،بحلق أو نتف أو غيرهما مع الاختيار،بإجماع العلماء،كما عن التذكرة و المنتهى (1)،و في غيرهما إجماعاً (2).

للآية (3)؛ و الصحاح المستفيضة،منها:« من حلق أو نتف إبطه ناسياً أو ساهياً أو جاهلاً فلا شيء عليه،و من فعله متعمداً فعليه دم» (4)و قصورها عن إفادة تمام المدّعى مجبور بفهم العلماء.

و الرواية ناصّة بأنه لا شيء على الجاهل و لناسي،كما في الدروس،و فيه عن الفاضل أنه أوجب الكفارة على الناسي في الحلق و القلم؛ لأن[الإتلاف (5)] يتساوى فيه العمد و الخطأ كالمال.قال:و هو بعيد؛ لصحيح زرارة،ثم ساق الرواية و قال بعدها:و نقلِ الشيخ الإجماع على عدم وجوب الفدية على الناسي، و القياس عندنا باطل،خصوصاً مع معارضة النص.انتهى.و هو جيد.

و لا بأس به مع الضرورة كما لو آذاه القمل أو القروح،أو نبت الشعر في عينه،أو نزل شعر حاجبه فغطّى عينه،أو احتاج إلى الحجامة المفتقرة إلى الإزالة،بإجماع العلماء كما في المدارك (6)،و في غيره

ص:295


1- التذكرة 1:338،المنتهى 2:793.
2- كما في مفاتيح الشرائع 1:338.
3- البقرة:196.
4- الكافي 4:/361 8،التهذيب 5:/339 1174،الإستبصار 2:/199 672،الوسائل 13:159 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 10 ح 1.
5- في النسخ و الدروس 1:383:الإطلاق.و الصحيح:الإتلاف،كما في التذكرة 1:338 و الدروس المطبوع بالطبع الحجري:109.
6- المدارك 7:351.

إجماعاً (1)؛ للآية (2)،و للصحيح في سبب نزولها (3).

و لكن لا يسقط بشيء من ذلك الفدية؛ للنصوص (4)،إلّا في الشعر النابت في العين و الحاجب الذي طال فغطّى العين،ففي المنتهى و التحرير التذكرة (5):أنه لا فدية فيهما،لأن الضرر بنفس الشعر فهو كالصيد الصائل.

و فيه نظر،بل المتّجه لزوم الفدية إذا كانت الإزالة بسبب المرض أو الأذى الحاصل في الرأس؛ لإطلاق الآية.دون ما عداه؛ لأن الضرورة مسوّغة للإزالة،و الفدية بالأصل منتفية،كذا في المدارك (6).و هو حسن.

و أما ما يقال عليه من أن مورد الأخبار الموجبة لجواز الحلق مع الضرورة إنما هو التضرر بالقمل أو الصداع كما في رواية المحصَر (7)،و عليه يحمل إطلاق الآية،و يبقى ما عداه خارجاً عن محل البحث (8).

ففيه نظر؛ لأن أخصية المورد لا توجب تقييد المطلق،لعدم التعارض بينهما بوجه.

نعم،يمكن الجواب عن الإطلاق بعدم عموم فيه يشمل غير المورد، لعدم انصرافه بحكم الغلبة إليه،فتدبّر.

ص:296


1- كما في المفاتيح 1:338 و الذخيرة:595.
2- البقرة:196.
3- الكافي 4:/358 2 مرسلاً،التهذيب 5:/333 1147،الاستبصار 2:/195 656،المقنع:75،الوسائل 13:165 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 14 ح 1.
4- الوسائل 13:165 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 14.
5- المنتهى 2:793،التحرير 1:114،التذكرة 1:338.
6- المدارك 7:353.
7- الوسائل 13:185 أبواب الإحصار و الصدّ ب 5.
8- الحدائق 15:518.

و اعلم أن هذا و ما سبقه أحد التروك المشار إليها في صدر البحث، فالأولى عطفهما على ما سبقهما و حذف« يحرم» فيهما،كما فعل في قوله:

تغطية الرأس للرجل

و تغطية الرأس للرجل دون المرأة بإجماع العلماء،كما عن المنتهى و التذكرة (1)،و في غيرهما بالإجماع (2)؛ و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

و يستفاد من جملة منها عدم الفرق بين الكل و البعض،كما صرّح به جمع (3)،ففي الصحيح:ترى أن أستتر بطرف ثوبي؟فقال عليه السلام:« لا بأس بذلك ما لم يصب رأسك» (4).

و فيه:عن المحرم يجد البرد في أُذنيه،يغطّيهما؟قال:« لا» (5).

و يستفاد منه كون الأُذنين[يحرم (6)]سترهما.و هو الأظهر،وفاقاً لجمع و منهم الفاضل في التحرير (7)،خلافاً له في التذكرة و المنتهى (8)، فتردّد في ذلك.و لا وجه له بعد ذلك.

و رخّص في عصابتي القِربة و الصداع؛ للصحيحين (9)،قيل:و عمل

ص:297


1- المنتهى 2:789،التذكرة 1:336.
2- كما في المفاتيح 1:332.
3- منهم:العلّامة في التحرير 1:114،و الشهيد الأوّل في الدروس 1:379،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:330.
4- الفقيه 2:/227 1068،الوسائل 12:525 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 4.
5- الكافي 4:/349 4،الوسائل 12:505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 1.
6- في النسخ:يجب.و هو سهو.
7- التحرير 1:114،و انظر المدارك 7:355.
8- التذكرة 1:337،المنتهى 2:789.
9- الأوّل:الفقيه 2:/221 1024،الوسائل 12:508،أبواب تروك الإحرام ب 57 ح 1.الثاني:الكافي 4:/359 10،التهذيب 5:/308 1056،الوسائل 12:530 أبواب تروك الإحرام ب 70 ح 4.

بهما الأصحاب (1).

و كذا ستره بيده و بعض أعضائه على الأظهر،وفاقاً للمنتهى و جمع (2)؛ للأصل،و ما سيأتي من الصحيح على جواز الحكّ،و الصحيح:

« لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض» (3).

أما الوجه فالأشهر الأظهر جواز تغطيته له اختياراً؛ للأصل،و الصحاح المستفيضة،منها:الرجل المحرم يريد أن ينام،يغطّي وجهه من الذباب؟ قال:« نعم،و لا يخمّر رأسه» (4)».مضافاً إلى نقل الإجماع عليه عن الخلاف و المنتهى و التذكرة (5).

خلافاً للمحكي عن العماني،فأوجب به إطعام مسكين في يده (6)؛ للصحيح (7)،و وافقه في التهذيب على إيجاب الكفارة،لكن جوّزه اختياراً مع نيتها (8).

و حمل الكفارة على الاستحباب كما عليه الأكثر لعلّه أولى،جمعاً بين النصوص،إذ لو وجبت لذكرت في مقام البيان في سائرها،فهي لذلك

ص:298


1- كشف اللثام 1:330.
2- المنتهى 2:790؛ و انظر المدارك 7:354،و الروضة 2:242،و المفاتيح 1:334.
3- التهذيب 5:/308 1055،الوسائل 12:524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 3.
4- الكافي 4:/349 1،التهذيب 5:/307 1051،الإستبصار 2:/184 614،الوسائل 12:510 أبواب تروك الإحرام ب 59 ح 1.
5- الخلاف 2:298،المنتهى 2:790،التذكرة 1:337.
6- كما حكاه عنه في الدروس 1:380.
7- التهذيب 5:/308 1054،الوسائل 12:505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 4.
8- التهذيب 5:308.

ظاهرة في عدم الوجوب،و للرجحان بالشهرة قدّمت على الصحيح، و لولاها لكان الجمع بالوجوب مقتضى الأُصول،و هو مع ذلك أحوط.

و في معناه الارتماس و إدخال الرأس في الماء؛ بالإجماع و الصحاح (1).دون غسله و إفاضة الماء عليه،فيجوز بالإجماع،كما عن صريح التذكرة و ظاهر المنتهى (2)؛ للصحاح،منها:هل يحكّ رأسه أو يغتسل بالماء؟فقال:« يحكّ رأسه ما لم يتعمد قتل دابة،و لا بأس بأن يغتسل بالماء و يصبّ على رأسه ما لم يكن ملبِّداً،فإن كان ملبِّداً فلا يفيض على رأسه الماء إلّا من احتلام» (3).

قيل:و مضمونه فتوى المقنع و الدروس،قلت:و لعلّ منع الملبِّد من الصبّ للاحتراز عن سقوط الشعر،و لا يدل الخبر على جواز التلبيد مطلقاً، فضلاً عنه اختياراً،و في التذكرة و الدروس القطع بجواز التوسد،لأنه يصدق عرفاً أنه مكشوف الرأس (4).انتهى.

و هو جيّد.

و هل التغطية محرّمة بأيّ شيء كان حتى ينحو من الطين و الحِنّاء و حمل الطبق و المتاع و نحو ذلك،أم يختص بالمعتاد،كالستر بالثوب و وضع القناع؟إشكال،إلّا أن الأصل مع اختصاص النواهي بالثاني يقتضيه و إن كان الأوّل أحوط؛ لإطلاق نحو الصحيح:« إحرام المرأة في وجهها،

ص:299


1- الوسائل 12:508 أبواب تروك الإحرام ب 58.
2- التذكرة 1:336،المنتهى 2:790.
3- الكافي 4:/366 7،الفقيه 2:/23 1092،المقنع:75،الوسائل 12:534 أبواب تروك الإحرام ب 73 ح 4.
4- كشف اللثام 1:330.

و إحرام الرجل في رأسه» (1)مؤيداً بأخبار الارتماس،سيّما و ظاهر بعض الأفاضل أنه لا خلاف فيه إلّا من العامة (2)،و عن المبسوط أن من خضب رأسه أو طيّنه لزمه الفداء كمن غطّاه بثوب بلا خلاف (3)(4).

و لو غطّى ناسياً ألقاه أي الغطاء المدلول عليه بالمقام وجوباً اتفاقاً على الظاهر،المصرَّح به في بعض العبائر (5) و جدّد التلبية للصحيحين (6)في الحكمين،إلّا أن ظاهرهما وجوب التجديد؛ للأمر به فيهما.

فقوله: استحباباً لا وجه له،إلّا ما في كلام جماعة (7)من الأصل و عدم قائل بالوجوب.

و فيه نظر؛ لوجوب الخروج عن الأصل بالأمر،و منع عدم القائل،فقد

ص:300


1- الكافي 4:/345 7،الفقيه 2:/219 1009،الوسائل 12:505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 2.
2- كشف اللثام 1:330.
3- المبسوط 1:351 و فيه:أو طيّبه.
4- و يعضده ما ورد في بعض الأخبار من منع المرأة من ستر الوجه بالمروحة،بعد ملاحظة ما ورد من أن الإحرام للرجل في رأسه و المرأة في وجهها،فيكون منعها من المروحة إنما هو لمنافاة الستر بها للإحرام،فينبغي أن يكون ستر الرأس بها في الرجل كذلك.فتدبّر.(منه رحمه اللّه).
5- كشف اللثام 1:330.
6- الأوّل:الفقيه 2:/227 1071،التهذيب 5:/307 1050،الإستبصار 2:/184 613،الوسائل 12:505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 3.الثاني:الفقيه 2:/227 1070،الوسائل 12:506 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 6.
7- منهم:صاحب المدارك 7:359،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:332،و السبزواري في الذخيرة:599،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:330.

حكي عن ظاهر الشيخ و ابني حمزة و سعيد (1)،و مع ذلك فالوجوب أحوط.

و تسفر المرأة عن وجهها فلا تغطيّه وجوباً بإجماعنا الظاهر، المصرَّح به في جملة من العبائر (2)،بل عن المنتهى أنه قول علماء الأمصار (3)،و به استفاض أيضاً الأخبار (4).

و الكلام في عموم تحريم التغطية للثوب و غيره كما مرّ في الرأس،إلّا أن في بعض الأخبار هنا المنع عن التغطية بمثل المروحة (5).

و يجوز لها أن تسدل أي ترسل خمارها و قناعها من رأسها إلى طرف أنفها عند علمائنا أجمع كما عن التذكرة،و فيه:

أنه قول عامة أهل العلم (6).و عن المنتهى أنه لا نعلم فيه خلافاً (7).

و الصحاح به مع ذلك مستفيضة و إن اختلفت في التحديد بما في العبارة كما في الصحيحين منها (8)،و إلى النحر كما في آخرين،مطلقاً في أحدهما (9)،و مقيداً بما إذا كانت راكبة في ثانيهما (10)،و إلى الذقن في

ص:301


1- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:330.
2- انظر المدارك 7:359،و المفاتيح 1:333،و كشف اللثام 1:331.
3- المنتهى 2:790.
4- انظر الوسائل 12:493 أبواب تروك الإحرام ب 48.
5- الكافي 4:/346 9،الفقيه 2:/219 1010،قرب الإسناد:/363 1300،الوسائل 12:494 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 4.
6- التذكرة 1:337.
7- المنتهى 2:791.
8- الأوّل:الكافي 4:/344 1،التهذيب 5:/73 243،الوسائل 12:493 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 2.الثاني:الكافي 4:/344 3،التهذيب 5:/74 245،الوسائل 12:494 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 3.
9- الفقيه 2:/227 1074،الوسائل 12:495 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 7.
10- الفقيه 2:/219 1008،الوسائل 12:495 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 8.

آخر (1).

و ظاهرها عدم اعتبار مجافاة الثوب عن الوجه،و به قطع في المنتهى (2)؛ لأنّ سدل الثوب لا يكاد يسلم معه البشرة من الإصابة،فلو كان شرطاً لبيّن؛ لأنه في موضع الحاجة.

و لكنه في القواعد اشترط في جواز السدل عدم الإصابة (3)،كما عن المبسوط و الجامع (4)،حيث أوجبا المجافاة بخشبة و نحوها لئلّا يصيب البشرة،و حكم الشيخ بلزوم الدم إذا أصابها و لم تزله بسرعة.

و لم أعرف له مستنداً في إيجاب الدم أصلاً،و كذا في إيجاب المجافاة،إلّا أن يقال:لعلّ المستند فيه الجمع بين الصحاح المتقدمة المبيحة للسدل،و المانعة عن التغطية،بحمل هذه على ما إذا أصاب البشرة و المبيحة على غير صورة الإصابة.

و له وجه،غير انه يمكن الجميع بغير ذلك بتقييد المانعة بالنقاب خاصة،بل قيل:لا يستفاد من الأخبار أزيد منه،أو التغطية بغير السدل (5).

هذا،و لا ريب أن ما ذكره الشيخ أحوط.

تظليل المحرم سائراً

و يحرم تظليل المحرم سائراً بأن يجلس في محمل أو كنيسة أو عمارية مظلّلة أو شبهها اختياراً،بلا خلاف ظاهر و لا محكي،إلّا من الإسكافي فاستحب تركه (6)،و عبارته المحكية غير واضحة الدلالة على

ص:302


1- الفقيه 2:/219 1007،الوسائل 12:495 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 6.
2- المنتهى 2:791.
3- القواعد 1:82.
4- المبسوط 1:320،الجامع للشرائع:187.
5- المدارك 7:361.
6- نقله عنه في المختلف:270.

ذلك،و لذا تردّد في مخالفته في المختلف و غيره (1)،و مع ذلك فهو شاذ على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (2)،مشعراً بدعوى الإجماع على خلافه كما في الانتصار (3)،و عن الخلاف و المنتهى و التذكرة (4).

و الصحاح به مع ذلك مستفيضة كغيرها من المعتبرة (5)،و الصحاح الموهمة للخلاف (6)قابلة للحمل على الحرمة،و مع ذلك محتمل للحمل على التقية،كما صرّح به جماعة (7)،و يستفاد من جملة من روايات المسألة (8).

هذا إذا استظل فوق رأسه.

و أما لو استظل بثوب ينصبه لا على رأسه فعن الخلاف و المنتهى (9)جوازه بلا خلاف؛ و لعلّه للأصل،و اختصاص أكثر الأخبار بالجلوس في القبة و الكنيسة و نحوهما؛ و خصوص الصحيح:سمعته عليه السلام يقول لأبي و قد شكا إليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذى به،فقال:ترى أن أستتر بطرف ثوبي؟قال:« لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك» (10).

ص:303


1- انظر كشف اللثام 1:331.
2- كما في مفاتيح الشرائع 1:335.
3- الانتصار:97.
4- الخلاف 2:318،المنتهى 2:791،التذكرة 1:337.
5- الوسائل 12:515،أبواب تروك الإحرام ب 64.
6- انظر الوسائل 12:517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 5،10؛ و ج 13:97 أبواب كفارات الصيد ب 49 ح 6.
7- منهم:صاحب الوسائل 15:518،و صاحب الحدائق 15:478.
8- انظر الوسائل 12:520 أبواب تروك الإحرام ب 26.
9- الخلاف 2:318،المنتهى 2:792.
10- الفقيه 2:/227 1068،الوسائل 12:525 أبواب تروك الإحرام.

لكن جملة منها عامة،و فيها الصحاح و غيرها،ففي الصحيح:أُظلّل و أنا محرم؟قال:« لا» قلت:أ فأظلّل و أُكفّر؟قال:« لا» قلت:فإن مرضت؟قال:« ظلّل و كفّر» الخبر (1).

و فيه:هل يستتر المحرم من الشمس؟فقال:« لا إلّا أن يكون شيخاً كبيراً» أو قال:« ذا علّة» (2).

و فيه أو القوي:عن المحرم يستتر من الشمس بعود و بيده؟قال:« لا إلّا من علّة» (3).

إلى غير ذلك من النصوص الصحيحة و الموثقة و غيرهما،و مراعاتها أحوط و أولى و إن كان جواز المشي تحت الظلال أقوى،وفاقاً لجماعة (4)، للصحيح:«هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظلّ المحمل؟فكتب:«نعم» (5).

و الخبر:أ يجوز للمحرم أن يظلّل عليه محمله؟فقال عليه السلام:« لا يجوز ذلك مع الاختيار» فقيل له:أ فيجوز أن يمشي تحت الظلال مختاراً؟فقال عليه السلام:« نعم» (6).

ص:304


1- الفقيه 2:/225 1059،التهذيب 5:/313 1075،الاستبصار 2:/187 627،علل الشرائع:/452 1،الوسائل 12:516 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 3.
2- الكافي 4:/351 8،التهذيب 5:/310 1062،الاستبصار 2:/186 622،قرب الإسناد:/125 440 بتفاوت،الوسائل 12:517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 9.
3- الفقيه 2:/227 1069،الوسائل 12:525 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 5.
4- منهم:الشيخ في المبسوط 1:321،و الشهيد الثاني في المسالك 1:11،و صاحب المدارك 7:364.
5- الكافي 4:/351 5،الوسائل 12:524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 1.
6- الاحتجاج:394،إرشاد المفيد:298،الوسائل 12:523 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 6.

و كذا يجوز له التستر عن الشمس ببعض جسده و إن منع عنه بعض الأخبار السابقة؛ لمعارضته بأقوى منها سنداً و عدداً و دلالةً،ففي الصحيح:

« لا بأس بأن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس،و لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض» (1).

و نحوه خبران آخران (2).

و احترز بقوله:سائراً،عما لو كان نازلاً،فإنه يجوز له إجماعاً كما يأتي.

و لا بأس به للمرأة إجماعاً على الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر (3)و للنصوص المستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها (4).

و للرجل نازلاً للأصل؛ و النصوص المستفيضة (5)؛ و الإجماع الظاهر،المصرَّح به في عبائر جماعة (6)،و بهذه الأدلة يقيد إطلاق ما مرّ من الأدلة.

و كذا لو اضطر إلى التظليل سائراً جاز مع الفداء إجماعاً على الظاهر،المصرَّح به في عبائر (7)؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من

ص:305


1- التهذيب 5:/308 1055،الوسائل 12:524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 3.
2- الأوّل:الكافي 4:/352 11،الوسائل 12:524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 2.الثاني:الكافي 4:/35 1،التهذيب 5:/309 1061،الوسائل 12:520 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 1.
3- كالروضة 2:245،و المدارك 7:364،و مرآة العقول 17:301.
4- الوسائل 12:519 أبواب تروك الإحرام ب 65.
5- انظر الوسائل 12:520 أبواب تروك الإحرام ب 66.
6- منهم:العلّامة في التذكرة 1:337،الشهيد الثاني في الروضة 2:244،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:335.
7- كشف اللثام 1:331 و انظر مرآة العقول 17:301.

المعتبرة و إن اختلفت في التعبير عن الضرورة بمطلق نحو أذية حرّ الشمس و المطر،كالصحيح:عن المحرم يظلّل على نفسه،فقال:« أمن علة»؟ فقال:يؤذيه حرّ الشمس و هو محرم،فقال:« هو علة[يظلل]و يفدي» (1)و نحوه غيره (2).

و بها أفتى في الذخيرة (3).

أو بالتضرر بهما لعلة،أو كبر،أو ضعف،أو شدة حرّ أو برد، كالصحيح:عن المحرم إذا أصابته الشمس شقّ عليه و صدع فيستتر منها، فقال:« هو أعلم بنفسه،إذا علم أنه لا يستطيع أن تصيبه الشمس فليستظل منها» (4).

و الموثق:إن علي بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد و يريد أن يحرم،فقال:« إن كان كما زعموا فليظلل» (5).

و بها أفتى في الروضة (6)،و تبعه بعض المتأخرين (7)،حاكياً له عن الشيخين و الحلّي.و هو أقوى؛ لوقوع التصريح بالمنع عن التظليل بمطلق الحرّ و البرد في الصحيح و غيره (8)،و بها يقيد إطلاق ما تقدمها.

ص:306


1- التهذيب 5:/310 1064،الإستبصار 2:/186 624،الوسائل 13:154 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6 ح 4 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
2- الكافي 4:/351 9،التهذيب 5:/311 1066،الإستبصار 2:/187 626،الوسائل 13:155 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6 ح 5.
3- الذخيرة:598.
4- التهذيب 5:/309 1059،الإستبصار 2:/186 620،الوسائل 12:517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 6.
5- الكافي 4:/351 7،الوسائل 12:519 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 13.
6- الروضة 2:245.
7- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:331.
8- لم نعثر إلّا على خبر زرارة راجع الوسائل 12:519 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 14.

و هل يجوز التظليل اختياراً مع الفداء؟الأقوى لا،وفاقاً للتهذيبين و التذكرة و المنتهى كما نقل (1)؛ للصحيح:أُظلّل و أنا محرم؟قال:« لا» قال:

أ فأظلّل و أكفّر؟قال:«لا»قال:فإن مرضت؟قال:«ظلّل و كفّر» (2).

خلافاً للمحكي عن المقنع فقال:لا بأس أن يضرب على المحرم الظلال و يتصدق بمدّ لكل يوم (3).و مستنده غير واضح.

نعم في الدروس:و روى علي بن جعفر جوازه مطلقاً و يكفّر (4).

و قيل:إن أراد روايته أنه سأل أخاه:أُظلّل و أنا محرم؟فقال:« نعم و عليك الكفارة» (5)فيحتمل الضرورة (6).

و لو زامل الصحيح عليلاً أو امرأة اختصّا بالظلال دونه بغير خلاف أعرفه،و به صرّح جماعة (7)؛ للعمومات،و خصوص رواية صريحة (8).و لا يعارضها المرسلة (9)؛ لضعفها عن المقاومة لها سنداً و دلالةً

ص:307


1- نقله عنهم في كشف اللثام 1:331.
2- الفقيه 2:/225 1059،التهذيب 5:/313 1075،الاستبصار 2:/187 627،علل الشرائع:/452 1،الوسائل 12:516 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 3.
3- المقنع:74،و حكاه عنه في كشف اللثام 1:331.
4- الدروس 1:377.
5- التهذيب 5:1150/334،الوسائل 13:154 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6 ح 2.
6- كشف اللثام 1:331.
7- منهم:السبزواري في الذخيرة:598،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:331،و صاحب الحدائق 15:483.
8- الكافي 4:/352 12،الفقيه 2:/226 1061،التهذيب 5:/311 1068،الإستبصار 2:/185 616،الوسائل 12:526 أبواب تروك الإحرام ب 68 ح 1.
9- التهذيب 5:/311 1069،الإستبصار 2:/185 617،الوسائل 12:526 أبواب تروك الإحرام ب 68 ح 2.

و اعتباراً.

قصّ الأظفار

و يحرم قصّ الأظفار بإجماع علماء الأمصار،كما في المنتهى و التذكرة (1)،و في غيرهما بالإجماع (2).

و المعتبرة المستفيضة،منها:الصحيح:« من قلم أظافيره ناسياً أو ساهياً أو جاهلا فلا شيء عليه،و من فعله متعمداً فعليه دم» (3).

و منها:عن المحرم يطول أظفاره أو ينكسر بعضها فيؤذيه،قال:« لا يقصّ شيئاً منها إن استطاع،و إن كانت تؤذيه فليقصّها،و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام» (4).

و المراد بالقصّ فيه معناه الأعم،و هو مطلق الإزالة و القطع،المعبّر عنه في غيره بالقلم (5)،لا الأخص الذي هو القصّ بالمِقصّ،كما صرَّح به جمع (6).

و يستفاد منه جواز الإزالة مع الضرورة،و نفى الفاضل عنه الخلاف بين العلماء في المنتهى و التذكرة (7)،و لكن استشكل فيهما في الفدية،و لا وجه له بعد الأمر بها في الرواية الصحيحة.

ص:308


1- المنتهى 2:794،التذكرة 1:339.
2- انظر مفاتيح الشرائع:339.
3- التهذيب 5:/333 1145،الإستبصار 2:/195 655،الوسائل 13:16 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 10 ح 5.
4- الكافي 4:/360 3،الفقيه 2:/228 1077،التهذيب 5:/314 1083،الوسائل 13:163 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 12 ح 4.
5- انظر الوسائل 13:أبواب بقية كفارات الإحرام ب 12 الأحاديث 1،2،3،5،6.
6- منهم:الشهيد الثاني في الروضة البهية 2:240،و صاحب المدارك 7:368،و السبزواري في الذخيرة:596.
7- المنتهى 2:795،التذكرة 1:339.

و يستفاد منها أيضاً عدم الفرق في المنع بين الكل و البعض،و به صرّح جمع (1)و أخبار أُخر (2).

قطع الشجر و الحشيش

و قطع الشجر و الحشيش النابتين في الحرم،بإجماع العلماء،كما في الكتابين و غيرهما (3)؛ للصحاح المستفيضة (4).

قيل:و لا خلاف في جواز قطعهما في الحلّ للمحرم و غيره،و لا في عموم حرمة قطعهما في الحرم لهما،و النصوص ناطقة بالأمرين،و القطع يعمّ القلع و قطع الغصن و الورق و الثمر،و الأمر كذلك (5)؛ لعموم نحو الصحيح:« كل شيء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين» (6).

و الخبر أو الصحيح:المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم؟قال:

« نعم» قال:فمن الحرم؟قال:« لا» (7)و نحوه آخر (8).

و عمومها يشمل الرطب و اليابس،خلافاً لجماعة فقيّدوها باليابس فلم يمنعوا قطعه (9).

و وجهه غير واضح،عدا اختصاص بعض الأخبار،و هو قوله صلى الله عليه و آله

ص:309


1- منهم العلّامة في التذكرة 1:339،و الشهيدان في الدروس 1:381،و المسالك 1:111.
2- الوسائل 13:162 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 12.
3- التذكرة 1:340،المنتهى 2:797؛ و انظر المدارك 7:369.
4- انظر الوسائل 12:أبواب تروك الإحرام ب 85،86.
5- كشف اللثام 1:327.
6- الكافي 4:/230 2،الوسائل 12:552 أبواب تروك الإحرام ب 86 ح 1.
7- الفقيه 2:/166 721،الوسائل 12:552 أبواب تروك الإحرام ب 85 ح 2.
8- الكافي 4:/365 2،الوسائل 12:552 أبواب تروك الإحرام ب 85 ح 1.
9- منهم العلّامة في التذكرة 1:340،و التحرير 1:115،و الشهيدان في الدروس 1:335،و المسالك 1:111.

« لا يُختلى خَلاها و لا يُعضد شجرها» (1)به،و هو لا يفيد التقييد.

هذا مع أن المحكي عن الجوهري أن الخَلى مقصوراً الحشيش اليابس (2).فيفيد الضد،و لكن المحكي عن النهاية و القاموس (3)خلافه.

ثم التحريم في الصحيح يعمّ القطع و الانتفاع مطلقاً،فلو انكسر غصن أو سقط ورق لم يجز الانتفاع به،سواء كان ذلك بفعل آدمي أو غيره،إلّا أن المحكي عن التذكرة و المنتهى (4)دعوى الإجماع على جوازه في الثاني، و استقرابه في الأول،و لعلّه لمنع عموم الصحيح للانتفاع،باحتمال اختصاصه بحكم التبادر و غيره بالقطع دون غيره.

ثم المحرّم كل شجر و حشيش في الحرم إلّا أن ينبت في ملكه كما في عبارة جماعة (5)؛ للخبر،أو القوي،بل الصحيح كما قيل (6)و وجهه غير واضح-:عن الرجل قلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم،فقال:« إن كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبني الدار أو يتخذ المِضرب فليس له أن يقلعها،و إن كانت طرأ عليه فله قلعها» (7).

ص:310


1- الكافي 4:/225 3،الوسائل 12:557 أبواب تروك الإحرام ب 88 ح 1.اختلاه:جزّه و قطعه و نزعه.عضد الشجر:قطعه.لسان العرب 3:294 و 14:243.
2- حكاه عنه في الذخيرة:596.
3- النهاية 2:75،القاموس 4:327.
4- حكاه عنهما في كشف اللثام 1:327،و هو في التذكرة 1:341،و المنتهى 2:798.
5- منهم:الشيخ في المبسوط 1:354،و المحقق في الشرائع 1:251،و العلّامة في القواعد 1:82.
6- كشف اللثام 1:327.
7- التهذيب 5:/380 1326،الوسائل 12:554 أبواب تروك الإحرام ب 87،ح 2.

و نحوه آخر لراويه:في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم، فقال:« إن بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له أن يقلعها،و إن كانت نبتت في منزله و هو له فله قلعها» (1).

و فيهما ضعف سنداً بالجهالة،و دلالةً بالأخصية من المدّعى؛لاختصاصهما بالشجرة و الدار،كما وقع التعبير بها في عبائر جماعة (2)،و المنزل كما في عبائر آخرين (3)،و دعوى عدم القول بالفصل (4)لما عرفت غير مسموعة.

فإذاً الأجود الاقتصار على موردهما إن عملنا بهما بزعم انجبار ضعف سندهما بفتوى الجماعة،و إلّا فيشكل هذا الاستثناء.

نعم،لا بأس باستثناء ما غرسه الإنسان و أنبته،سواء كان في ملكه أو غيره؛ للصحيح:« إلّا ما أنبتّه أنت أو غرسته» (5).

و حكي الفتوى بإطلاقه كما اخترناه عن النهاية و المبسوط و السرائر و النزهة و المنتهى و التذكرة (6)،خلافاً للمحكي عن ابني براج و زهرة و الكندري (7)،فقيدوه بملكه،و لم نقف على دليله.

ص:311


1- التهذيب 5:/38 1327،الوسائل 12:554 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 3.
2- منهم:الشيخ في النهاية:234،و القاضي في المهذب 1:220،و ابن سعيد في الجامع للشرائع:185.
3- منهم:الشيخ في التهذيب 5:380،و العلّامة في التحرير 1:115.
4- كما في المدارك 7:370 و الذخيرة:596.
5- الفقيه 2:/166 718،التهذيب 5:/380 1325،الوسائل 12:552 أبواب تروك الإحرام ب 86 ح 4.
6- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:327،و هو في النهاية:234،و المبسوط 1:354،و السرائر 1:554،و النزهة:61،و المنتهى 2:797 و 798 و التذكرة 1:341.
7- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:327 و هو في المهذب 1:220،الغنية(الجوامع الفقهية):575.

و يجوز قطع الإذخر (1) بغير خلاف أجده،و به صرّح في الذخيرة (2)،بل عليه الإجماع في المنتهى و التذكرة (3)؛ للمعتبرة (4).

و شجر الفواكه و النخل سواء أنبته اللّه تعالى أو الآدميون فيما قطع به الأصحاب،كما في المدارك و الذخيرة (5)،و فيهما:أن ظاهر المنتهى كونه موضع وفاق بينهم،و في غيرهما عن صريح الخلاف الإجماع (6)؛ للموثق (7).

و قد استثنى جماعة عودَي المَحالة (8)بفتح الميم،البَكَرة العظيمة (9)؛ لرواية في سندها إرسال و جهالة (10)،و لعلّه لذا لم يستثنها الماتن و جماعة (11).

الاكتحال بالسواد،و النظر في المرآة،و لبس الخاتم للزينة،و لبس المرأة ما لم تعتده من الحليّ و الحجامة و دلك الجسد و لبس السلاح

و في جواز الاكتحال بالسواد،و النظر في المرآة،و لبس الخاتم للزينة،و لبس المرأة ما لم تعتده من الحليّ لا للزينة و الحجامة بل مطلق إخراج الدم بالفصد أو الحك و السواك إلّا للضرورة،و دلك الجسد،

ص:312


1- الإذخر بكسر الهمزة و الخاء:نبات معروف عريض الأوراق طيب الرائحة يسقف به البيوت..مجمع البحرين 3:306.
2- الذخيرة:596.
3- المنتهى 2:798،التذكرة 1:341.
4- الوسائل 12:554 أبواب تروك الإحرام ب 87.
5- المدارك 7:370،الذخيرة:596.
6- انظر كشف اللثام 1:327.
7- الفقيه 2:/166 720،التهذيب 5:/379 1324،الوسائل 12:554 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 1.
8- منهم:الشيخ في التهذيب 5:381،و الشهيد الأوّل في الدروس 1:389،و صاحب المدارك 7:371 و السبزواري في الذخيرة:596.
9- البكَرَة:التي يستقى عليها،و هي خشبة مستديرة في وسطها محزّ للحبل و في جوفها محور تدور عليه.لسان العرب.4:80.
10- التهذيب 5:/381 1330،الوسائل 12:555 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 5.
11- منهم:الشيخ في المبسوط 1:354،و العلّامة في الإرشاد 1:322،و الشهيد الأوّل في الدروس 1:389.

و لبس السلاح إلّا مع الضرورة قولان،أشبههما:الكراهة في الدلك قطعاً و إن ورد النهي عنه في الصحيحين (1)و غيرهما (2)؛ لوجوب حمله على الكراهة،أو صورة مظنة الإدماء،أو سقوط الشعر،لعدم ظهور القائل بتحريمه مطلقاً، و لا نقله صريحاً و لا ظاهراً إلّا في العبارة،و لم نعثر على قائله،فهو نادر.

مضافاً إلى ورود الرخصة بحكّ الرأس و اللحية ما لم يُدْمِ في المعتبرة (3)،و فيها الصحيح و غيره،و هو في معنى الدلك،و لعلّه لذا قال في التنقيح بالتفصيل بين إدمائه فالتحريم،و إلّا فالكراهة (4).

و التحريم كذلك في لبس الخاتم للزينة؛ لفحوى الصحاح المحرِّمة للأوّلين،معلّلة بأنهما من الزينة (5).

مضافاً إلى النهي عنه في رواية (6)منجبر قصور سندها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لا خلاف فيها يظهر،كما صرّح به جمع ممن تأخر (7).

مع سلامتها عن المعارض سوى الأصل و إطلاق الخبر:« لا بأس

ص:313


1- الأوّل:الفقيه 2:/228 1081،التهذيب 5:/314 1081،الإستبصار 2:/184 611،الوسائل 12:537 أبواب تروك الإحرام ب 76 ح 1.الثاني:الفقيه 2:/23 1093،التهذيب 5:/313 1079،الوسائل 12:535 أبواب تروك الإحرام ب 75 ح 1.
2- انظر الوسائل 12:537 أبواب تروك الإحرام ب 76.
3- الوسائل 12:533 أبواب تروك الإحرام ب 73.
4- التنقيح الرائع 1:475.
5- الوسائل 12:469 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 4،وص 472 ب 34 ح 3.
6- التهذيب 5:/73 242،الإستبصار 2:/165 544،الوسائل 12:490 أبواب تروك الإحرام ب 46 ح 4.
7- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:474،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:331،و السبزواري في الذخيرة:594.

بلبس الخاتم للمحرم» (1)و يجب تخصيصهما بها،مع ضعف الرواية.

و أما ما عداهما فالمنع فيه أشهر و أقوى؛ للصحاح المستفيضة في الأولين (2)،و ندرة القول بالجواز فيهما،إذ لم يحك إلّا عن الشيخ في الخلاف (3)و قد رجع عنه في المبسوط (4)،نعم حكي عن الغنية فيهما (5)، و عن الوسيلة و المهذّب في الثاني (6)،و صرّح بالشذوذ فيهما بعض الأصحاب (7).

و لا مستند للجواز فيهما سوى الأصل المخصَّص بما مرّ،و إطلاق جملة من النصوص و فيها الصحيح بجواز الاكتحال بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه،كما فيه (8)،و بكحل فارسي لا كحل فيه زعفران،ما في غيره (9)، و يجب تقييدها بما يرجع إلى المختار ترجيحاً لأدلته عليها من وجوه شتّى.

و مفهوم الصحيح في الرابع:« إذا كان للمرأة حليّ لم تحدثه للإحرام لم تنزع حليّها» (10).

ص:314


1- الكافي 4:/343 22،التهذيب 5:/73 240،الإستبصار 2:/165 542،الوسائل 12:490 أبواب تروك الإحرام ب 46 ح 1.
2- انظر الهامش(5)من نفس الصفحة.
3- حكاه عنه في التنقيح الرائع 1:473 و كشف اللثام 1:326،و هو في الخلاف 2:313.
4- المبسوط 1:321.
5- حكاه عنه في كشف اللثام 1:326،و هو في الغنية(الجوامع الفقهية):577.
6- كما حكاه عنهما في كشف اللثام 1:326،و هو في الوسيلة:164،و المهذّب 1:221.
7- الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:338.
8- التهذيب 5:/302 1028،الوسائل 12:468 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 1.
9- التهذيب 5:/301 1027،الوسائل 12:469 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 6.
10- الفقيه 2:/220 1021،الوسائل 12:469 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 6.

و إطلاق الصحيح المحمول عليه:« المحرمة لا تلبس الحليّ و لا المصبغات إلّا صبغاً لا يردع» (1)مع احتماله بإطلاقه الحمل على الكراهة، كما يعرب عنه النهي عن المصبغات.

و القول الثاني فيه محكي عن الاقتصاد و التهذيب و الاستبصار و الجمل و العقود و الجامع (2).

و لا مستند له سوى الأصل و إطلاق جملة من الصحاح و غيرها بجواز لبسها الحُليّ كلّها إلّا حُليّا مشهوراً للزينة كما في بعضها (3)،و لبسها المَسَك و الخلخالين مطلقاً كما في غيره (4)،أو الحُلي كلّه إلّا القِراط و القلادة المشهورة (5).

و ينبغي تقييدها بما عرفته و إن احتمل الجمع بالكراهة؛ لرجحان ما ذكرناه بالأُصول و الشهرة العظيمة حتى أن في التنقيح قال:لم أقف فيه على خلاف لأحكيه (6).و لكن فيه ما فيه.

و الصحاح المستفيضة في الخامس:

منها:عن المحرم يحتجم؟قال:« لا،إلّا أن لا يجد بدّاً فليحتجم و لا

ص:315


1- الكافي 4:/344 3،التهذيب 5:/74 245،الوسائل 12:496 أبواب تروك الإحرام ب 49 ح 2.
2- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:330،و هو في الاقتصاد:302،و التهذيب 5:75،و الاستبصار 2:309،و الجمل و العقود(الرسائل العشر):229،و الجامع للشرائع:185.
3- الفقيه 2:/220 1016،التهذيب 5:/75 249،الإستبصار 2:/310 1105،الوسائل 12:497 أبواب تروك الإحرام ب 49 ح 4.
4- الوسائل 12:498 أبواب تروك الإحرام ب 49 ح 4.
5- الفقيه 2:/220 1014،الوسائل 12:497 أبواب تروك الإحرام ب 49 ح 6.
6- التنقيح الرائع 1:474.

يحلق مكان المحاجم» (1).

و نحوه أخبار مستفيضة (2).

و منها:عن المحرم كيف يحكّ رأسه؟قال:« بأظافيره ما لم يدمِ أو يقطع الشعر» (3).

و منها:عن المحرم يستاك؟قال:« نعم و لا يدمي» (4).

و القول الثاني فيه للخلاف و جماعة (5)؛ للأصل،و الصحيح:« لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر» (6).

و يجب تقييدهما بحال الضرورة لما مرّ و إن احتمل الجمع بالكراهة؛ لرجحان الأول بنحو ما عرفته.

نعم في الصحيح:المحرم يستاك؟قال:« نعم» قال:فإن أدمى يستاك؟قال:« نعم هو السنّة» (7).

و الخبر:عن المحرم يحتجم؟قال:« لا أُحبّه» (8).

ص:316


1- الكافي 4:/360 1،الوسائل 12:512 أبواب تروك الإحرام ب 62 ح 1.
2- انظر الوسائل 12:512 أبواب تروك الإحرام ب 62.
3- الفقيه 2:/229 1078،التهذيب 5:/313 1076،الوسائل 12:531 أبواب تروك الإحرام ب 71 ح 1.
4- التهذيب 5:/313 1078،الوسائل 12:534 أبواب تروك الإحرام ب 73 ح 3.
5- الخلاف 2:315؛ حكاه عن ابن حمزة في المختلف:269،و اختاره في المدارك 7:367،و الذخيرة:595.
6- الفقيه 2:/222 1033،التهذيب 5:/306 1046،الإستبصار 2:/183 610،الوسائل 12:513 أبواب تروك الإحرام ب 62 ح 5.
7- الكافي 4:/366 6،الفقيه 2:/222 1032،علل الشرائع:/408 1،الوسائل 12:561 أبواب تروك الإحرام ب 92 ح 1.
8- التهذيب 5:/306 1045،الإستبصار 2:/183 609،الوسائل 12:513 أبواب تروك الإحرام ب 62 ح 4.

و هما و إن كانا ظاهرين في الكراهة،إلّا أن الأخير ضعيف السند بالجهالة،مع عدم وضوح كامل في الدلالة ك« لا ينبغي» في بعض الصحاح.و الأوّل متروك الظاهر؛ لدلالته على أنه السنّة مطلقاً حتى في الصورة المفروضة،و لا قائل بها،للإجماع على الكراهة،فينبغي طرحه أو حمله على صورة عدم العلم بالإدماء.

و مفهوم الصحاح و غيرها في لبس السلاح (1).

و القول الثاني لم أعرف قائله و إن حكاه الماتن هنا و الفاضل في المختلف،و لكن لم يصرّح به (2).

و مع ذلك فلا مستند له سوى الأصل،المخصَّص بما مرّ،و تضعيفه بأنه مفهوم.و هو ضعيف،لحجية هذا المفهوم.

لكن ربما يقال:إنه إنما يعتبر إذا لم يظهر للتعليق وجه سوى نفي الحكم عمّا عدا محل الشرط،و هنا ليس كذلك،إذ لا يبعد أن يكون التعليق باعتبار عدم الاحتياج إلى لبس السلاح عند انتفاء الخوف.و فيه نظر.

مكروهات الإحرام

و المكروهات أُمور:

منها:

الإحرام في غير البياض

الإحرام في غير البياض على المشهور،و المستند على العموم غير معلوم،بل المستفاد من جملة من النصوص عدم البأس بالمصبوغ بالعصفر و غيره،و المصبوغ بمشق و غيره،إلّا ما فيه شهرة بين الناس (3)،

ص:317


1- الوسائل 12:504 أبواب تروك الإحرام ب 54.
2- المختلف:270.
3- الوسائل 12:479،482 أبواب تروك الإحرام ب 40،42.

و حكي الفتوى به عن المنتهى،عازياً له إلى علمائنا (1)،و لعلّه الأقوى و إن كان اختيار البياض أولى.

و يتأكد الكراهة في الإحرام في السود حتى إن الشيخ ظاهره المنع عنه في المبسوط و النهاية (2)،و تبعه ابن حمزة (3)؛ للنهي عنه في الموثق:« لا يحرم في الثوب الأسود و لا يكفّن به الميت» (4).

و حمله الأكثر على الكراهة؛ لإشعار النهي عن التكفين به،فإنه فيه لها قطعاً؛ و جمعاً بينه و بين الصحيح المجوّز للتكفين في كلّ ما تجوز فيه الصلاة (5)،بناءً على جواز الصلاة فيه قطعاً و إن أمكن الجمع بينهما بالتقييد، بل هو أولى.لكن صحة السند و الاعتضاد بالعمل و مهجورية الموثق الآن، بل عند الشيخ أيضاً حيث نزّل الحلّي منعه عنه على الكراهة (6)،و جَعَل الجمع بالكراهة أولى.

و في الثياب الوسخة و إن كانت طاهرة؛ للصحيح،و فيه:« و لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحلّ و إن توسّخ إلّا أن تصيبه جنابة أو شيء فيغسله» (7).

ص:318


1- المنتهى 2:682.
2- المبسوط 1:319،النهاية:217.
3- الوسيلة:163.
4- الكافي 4:/341 13،الفقيه 2:/215 983،التهذيب 5:/66 214،الوسائل 12:358 أبواب الإحرام ب 26 ح 1.
5- الفقيه 1:/89 413،التهذيب 1:/292 852،الوسائل 3:15 أبواب التكفين ب 4 ح 1.
6- السرائر 1:542 و هو في المبسوط 1:319.
7- الكافي 4:/341 14،الفقيه 2:/215 980،التهذيب 5:/71 234،الوسائل 12:476 أبواب تروك الإحرام ب 38 ح 1.

و ظاهره المنع عن الغسل إذا توسّخ في الأثناء،كما هو ظاهر الدروس (1)، و يحتمل كلامه الكراهة،كما صرَّح به الحلّي و شيخنا في الروضة (2).

و في الثياب المُعلَمة بالبناء للمجهول،قيل:هي المشتملة على لون يخالف لونها حال عملها،كالثوب المحوك من لونين،أو بعده بالطرز و الصبغ (3)؛ للصحيح:« لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب المعلَم و تركه أحب إليّ إذا قدر على غيره» (4).

و لكن في جملة من النصوص نفي البأس عنها على الإطلاق،بل في بعضها بعده:« إنما يكره المُلحَم» (5)(6).و قوله:

الحِنّاء للزينة

و الحِنّاء عطف على قوله:الإحرام،أي و من المكروهات الحنّاء و استعماله للزينة على المشهور كما في كلام جماعة (7).

أما الجواز فللأصل و الصحيح:عن الحِنّاء،فقال:« إنّ المحرم ليمسّه و يداوي به بعيره،و ما هو بطيب،و ما به بأس» (8).

و أما الكراهة فللشبهة الناشئة من احتمال الحرمة فتوًى و روايةً،

ص:319


1- الدروس 1:388.
2- الحلي في السرائر 1:542،الروضة البهية 2:235.
3- الروضة البهية 2:235 و المسالك 1:111.
4- الفقيه 2:/216 986،التهذيب 5:/71 235،الوسائل 12:479 أبواب تروك الإحرام ب 39 ح 3.
5- المُلحَم:جنس من الثياب و هو ما كان سداه إبريسم أي حرير أبيض،و لُحمته غير إبريسم.المنجد:716.
6- الكافي 4:/342 16،الفقيه 2:/216 987،الوسائل 12:478 أبواب تروك الإحرام ب 39 ح 1 و فيه:إنما يحرم..
7- منهم:العلّامة في المختلف:269،و الشهيد الثاني في الروضة البهية 2:243،و صاحب الحدائق 15:560.
8- الكافي 4:/356 18،الفقيه 2:/224 1052،التهذيب 5:/300 1019،الإستبصار 2:/181 600،الوسائل 12:451 أبواب تروك الإحرام ب 23 ح 1.

و لكالصحيح:عن امرأة خافت الشقاق و أرادت أن تحرم،هل تخضب يدها بالحِنّاء قبل ذلك؟قال:« ما يعجبني أن تفعل ذلك» (1).

و هو نصّ في الكراهة قبل الإحرام،و يلحق به بعده؛ للأولوية.

خلافاً لجماعة،فاستوجهوا القول بالحرمة (2)؛ استناداً إلى جملة من الصحاح لتحريم جملة من المحرّمات إلى أنها زينة (3)،و العلّة هنا موجودة.

و لا معارض لها سوى الأصل،و يجب تخصيصه بها.و الحديثين السابقين، و لا يصلحان للمعارضة؛ لخروجهما عن محل البحث،و هو استعمال المحرم الحِنّاء بعد الإحرام للزينة،كما هو ظاهر نحو العبارة:

أما الأول فلاختصاصه باستعماله للتداوي خاصة،كما يظهر من سياقه،دون الزينة.

و أما الثاني فلاختصاصه مع قصور سنده بالاستعمال من المرأة قبل الإحرام في حال الضرورة،و لا كلام في شيء منهما.

فإذاً القول بالحرمة لا يخلو عن قوة،وفاقاً لجماعة.

و هل يختص الحكم مطلقاً بما إذا قصد الزينة،أم يعمّه و ما إذا قصد السنّة؟وجهان،أحوطهما الثاني.

ثم هل يختص بالاستعمال بعد الإحرام،أم يعمّه و قبله إذا بقي أثره بعده؟قولان،أحوطهما الثاني إن لم يكن أجودهما.

النقاب للمرأة

و النقاب للمرأة و الأصح التحريم،بل قيل:لا أعلم خلافاً فيه (4)؛

ص:320


1- الفقيه 2:/223 1042،التهذيب 5:/300 1020،الإستبصار 2:/181 601،الوسائل 12:451 أبواب تروك الإحرام ب 23 ح 2.
2- منهم:العلامة في المختلف:269،و الشهيد الثاني في المسالك 1:111،و صاحب المدارك 7:377.
3- انظر الوسائل 12:468 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 34.
4- المدارك 7:378.

لما مرّ من حرمة تغطية وجهها (1).ففي الحكم هنا منافاة لما مضى،إلّا أن يحمل النقاب على السدل الجائز،لكن إثبات كراهته لا يخلو عن إشكال، إذ لا أعرف له مستنداً إلّا إذا أصاب الوجه،فلا يخلو عن وجه.

دخول الحمّام

و دخول الحمّام للنهي عنه في الخبر (2)، المحمول على الكراهة،جمعاً بينه و بين الصحيح (3)و غيره (4)،النافيين للبأس عنه،و فيهما«و لكن لا يتدلّك» .و بكراهة التدلّك فيه أفتى جماعة (5)،و زاد بعضهم فحكم بكراهته مطلقاً (6).و لا بأس به؛ للصحيح:عن المحرم يغتسل؟فقال:« نعم،يفيض الماء على رأسه و لا يدلكه» (7).

تلبية المنادي

و تلبية المنادي بأن يقول له:لبيك،على المشهور؛ للنصّ.

و علّل بأنه في مقام التلبية للّه تعالى فلا يشرك غيره فيها (8)،و في الصحيح بعد النهي عنها أنه يقول:« يا سعد» (9).

ص:321


1- راجع ص 2939.
2- التهذيب 5:/386 1349،الإستبصار 2:/184 612،الوسائل 12:537 أبواب تروك الإحرام ب 76 ح 2.
3- الفقيه 2:/228 1081،التهذيب 5:/314 1081،الإستبصار 2:/184 611،الوسائل 12:537 أبواب تروك الإحرام ب 76 ح 1.
4- الكافي 4:/366 3،الوسائل 12:537 أبواب تروك الإحرام ب 76 ح 3.
5- منهم:الحلي في السرائر 1:547،و المحقق في الشرائع 1:252،و العلّامة في التذكرة 1:340،و صاحب الحدائق 15:562.
6- منهم الشهيد في المسالك 1:112،و صاحب المدارك 7:379،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:339.
7- الفقيه 2:/230 1093،التهذيب 5:/313 1079،الوسائل 12:535 أبواب تروك الإحرام ب 75 ح 1.
8- كما في المسالك 1:112،و الروضة 2:235،و المدارك 7:380.
9- الكافي 4:/366 4،التهذيب 5:/386 1348،الوسائل 12:561 أبواب تروك الإحرام ب 91 ح 1.

و ظاهره التحريم،كما في ظاهر التهذيب.لكن ينبغي حمله على شدة الكراهة؛ لعدم القول بالتحريم كما قيل (1)؛ مضافاً إلى الأصل و المروي عن الصدوق،عن جابر،عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال:«لا بأس أن يلبّي المجيب» (2).

استعمال الرياحين

و استعمال الرياحين وفاقاً للنهاية و الحلّي و الإسكافي كما حكي (3)،و جماعة من المتأخرين (4)؛ للنهي عنه في الصحيحين (5)،في أحدهما:« لا يمسّ المحرم شيئاً من الطيب و لا من الريحان و لا يتلذذ به» .و إنما حمل على الكراهة جمعاً بينهما و بين الصحيح:« لا بأس أن تشمّ الإذخِر (6)و القَيصوم (7)و الخُزامي (8)و الشِّيح (9)و أشباهه و أنت محرم» (10).

ص:322


1- مجمع الفائدة 6:356.
2- الفقيه 2:/211 963،الوسائل 12:388 أبواب تروك الإحرام ب 42 ح 2؛ إلّا أن فيهما:الجنب.
3- النهاية:219،نقله عن الحلّي و الإسكافي في المختلف:268،و لكن الموجود في السرائر 1:545 الحكم بالحرمة.
4- منهم:المحقق في الشرائع 1:252،و العلّامة في الإرشاد 1:318،و السبزواري في الذخيرة:603.
5- الأول:التهذيب 5:/297 1007،الإستبصار 2:/178 591،الوسائل 12:445 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 11.الثاني:الكافي 4:/355 12،التهذيب 5:/307 1048،الوسائل 12:445 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 10.
6- تقدّم معناه في ص:2947.
7- القيصوم:نبات طيب الرائحة من رياحين البرّ،ورقه هدب و له نورة صفراء،و هي تنهض على ساق و تطول.لسان العرب 12:486.
8- الخزامى:بقلة طيبة الرائحة طويلة العيدان صغيرة الورق حمراء الزهرة،و هي من أطيب الأزهار.لسان العرب 12:176.
9- الشيح:نبات سهلي،له رائحة طيبة و طعم مرّ.لسان العرب 2:502.
10- الكافي 4:/355 14،الفقيه 2:/225 1057،التهذيب 5:/305 1041،الوسائل 12:453 أبواب تروك الإحرام ب 25 ح 1.

خلافاً للمفيد و جماعة (1)فحرّموه،و لعلّه الأظهر؛ عملاً بظاهر النهي، مع سلامته عن المعارض،سوى الأصل المخصَّص به لكونه خاصاً، و أخبار قصر الطيب في أربعة (2)،و الصحيح الأخير،و فيهما نظر:

فالأول بتوقفه على كون المنع عنه من جهة الطيب،و ليس كذلك،بل من جهة النهي عنه بالخصوص.

و الثاني بعدم نفي البأس فيه عن مطلق الريحان حتى يتحقق التعارض بينه و بين المانع تعارضاً كلياً،فيكون صريحاً في الجواز،فيقدّم على النهي الظاهر في التحريم،تقدّمَ النص على الظاهر.و إنما غايته نفي البأس عن أُمور معدودة يمكن استثناؤها عن أخبار المنع على تقدير تسليم صدق الريحان عليها حقيقةً،و لا مانع من ذلك.

و لا موجب للجمع بالكراهة سوى تضمنه لفظ« أشباهه» و هو كما يحتمل المشابهة في إطلاق اسم الريحان عليه،كذا يحتمل ما هو أخص ممّا يشبهه من نبت البراري،و يكون استثناؤه لكونه كما قال في المختلف من نبت الحرم فيعسر الاحتراز عنه (3)،و معه لا يمكن صرف النهي عن ظاهره.

مضافاً إلى عدم إمكانه من وجه آخر،و هو:أن النهي عن مسّ الريحان في الصحيح الماضي إنما هو بلفظ النهي عن الطيب بعينه،و هو للتحريم قطعاً،فلا يمكن حمله بالإضافة إلى الريحان على الكراهة،للزوم

ص:323


1- المفيد في المقنعة:432؛ و انظر المختلف:268،و جامع المقاصد 3:179،و المدارك 7:380.
2- انظر الوسائل 12:442 أبواب تروك الإحرام ب 18.
3- المختلف:268.

استعمال اللفظة الواحدة في الاستعمال الواحد في المجاز و الحقيقة،و هو خلاف التحقيق،و صرفه إلى المجاز الأعم يعني مطلق المرجوحية بعيد جدّاً.

و لا بأس بحكّ الجسد و السواك ما لم يُدمِ أو يقطع الشعر،كما في المعتبرة المستفيضة (1).

و هنا

مسألتان

مسألتان

الاُولى لا يجوز لأحد أن يدخل مكة إلّا محرماً

الاُولى:لا يجوز لأحد أن يدخل مكة شرّفها اللّه تعالى إلّا محرماً بحجّ أو عمرة بالنص و الإجماع إلّا المريض و من به بَطَن،كما في الصحيح:هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟قال:« لا إلّا مريضاً أو من به بَطَن» (2).

و نحوه آخران، (3)إلّا أن في السؤال فيهما:هل يدخل الرجل الحرم؟ و بهما أفتى أيضاً جمع (4).

و ظاهر هذه الأخبار كالمتن و جمع سقوط الإحرام عن المريض.

و ربما يعارضها الصحيح:عن رجل به بَطَن و وجع شديد يدخل مكة

ص:324


1- الوسائل 12:533 أبواب تروك الإحرام ب 73.
2- الفقيه 2:/239 1140،التهذيب 5:/448 1564،الوسائل 12:403 أبواب الإحرام ب 50 ح 4.
3- الأول:الإستبصار 2:/245 856،الوسائل 12:403 أبواب الإحرام ب 50 ح 2.الثاني:التهذيب 5:/165 550،الإستبصار 2:/245 855،الوسائل 12:402 أبواب الإحرام ب 50 ح 1.
4- منهم:المحقق في الشرائع 1:252،و العلامة في المنتهى 2:688،و صاحب المدارك 7:380.

حلالاً؟قال:« لا يدخلها إلّا محرماً» و قال:« يحرمون عنه» (1).

و حمله الشيخ على الاستحباب (2).و لا بأس به جميعاً.

قيل:و الظاهر أن الإحرام عنه إنما يثبت مع المرض المزيل للعقل، و هو محمول على الاستحباب أيضاً.

و إنما يجب الإحرام للدخول إذا كان الدخول إليها من خارج الحرم، فلو خرج أحد من مكة و لم يصل إلى خارج الحرم ثم عاد إليها عاد بغير إحرام (3).

و متى أخلّ الداخل بالإحرام أثم و لم يجب قضاؤه.

و استثنى الشيخ و جماعة (4)من ذلك العبيد،فجوّزوا لهم الدخول بغير إحرام.قيل:لأن السيّد لم يأذن لهم بالتشاغل بالنسك عن خدمته،فإذا لم يجب عليهم حجة الإسلام لهذا المعنى فعدم وجوب الإحرام لذلك أولى (5).

أو من يتكرر دخوله كل شهر،بحيث يدخل في الشهر الذي خرج كما قيل (6)،أو مطلقاً؛ للعسر و الحرج،و للصحيح:« إن الحطّابة و المجتلبين أتوا النبي صلى الله عليه و آله فسألوه،فأذن لهم أن يدخلوا حلالاً» (7).

ص:325


1- التهذيب 5:/165 552،الإستبصار 2:/245 857،الوسائل 12:403 أبواب الإحرام ب 50 ح 3.
2- التهذيب 5:165.
3- المدارك 7:381.
4- الشيخ في المبسوط 1:327؛ و انظر جامع المقاصد 3:171،و المسالك 1:112،و المدارك 7:382،و الحدائق 15:125.
5- المنتهى 2:689.
6- انظر كشف اللثام 1:319.
7- التهذيب 5:/165 552،الإستبصار 2:/245 857،الوسائل 12:407 أبواب الإحرام ب 51 ح 2.

و يدخل في المجتلبة ناقل الحشيش و الحنطة و غير ذلك.

و مقتضى عبارة المتن و غيره استثناء مطلق من يتكرر دخوله و إن لم يدخل في اسم المجتلبة.و هو غير بعيد؛ للدليل الأول و إن كان الاقتصار على مورد النصّ أحوط.

و لو خرج من مكة من وجب عليه الإحرام للدخول فيها بعد إحرامه السابق الذي أحلّ منه ثم عاد في شهر خروجه أجزأه الإحرام الأول عن الإحرام الثاني للدخول.

و إن عاد في غيره أي غير شهر خروجه أحرم ثانياً للدخول فيها بلا خلاف ظاهر.

و لا إشكال في الحكمين إن كان المراد من شهر خروجه هو الشهر الذي أحرم فيه للتمتع مثلاً،و من غيره غيره،بمعنى عوده بعد مضي ثلاثين يوماً من إحرامه المتقدم إلى يوم دخوله مكة؛ للمعتبرة،منها الموثق:

« يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي يتمتع فيه،لأن لكلّ شهر عمرة و هو مرتهن بالحج» (1).

و ظاهره اعتبار مضي الشهر من حين الإحلال ليتحقق تخلل الشهر بين العمرتين،و به أفتى الأكثر.

خلافاً لظاهر المتن و النهاية و المقنعة و غيرهما (2)،فلم يعتبروا ذلك؛ لإطلاق المعتبرين،أحدهما الصحيح أو الحسن في المتمتع:فإن جهل

ص:326


1- الكافي 4:/442 2،التهذيب 5:/164 549،الوسائل 11:303 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 8.
2- النهاية:247،لم نعثر عليه في المقنعة،و هو موجودٌ في التهذيب 5:163،و انظر المدارك 7:383.

و خرج إلى المدينة أو نحوها بغير إحرام ثم رجع في إبّان الحج في أشهر الحج يريد الحج،أ يدخلها محرماً أو بغير إحرام؟فقال:« إن رجع في شهره دخل بغير إحرام،و إن دخل في غير الشهر دخل محرماً» (1).

و أصرح منه الآخر المرسل (2).لكنه ضعيف السند،و يحتمل كالأول تقييد شهر الخروج بشهر الإحرام المتقدم،و غيره بغيره على النهج الذي سبق.

مضافاً في الأول إلى أن ضمير« شهره» يحتمل الرجوع إلى الإحرام السابق،فيحتمل الحمل السابق من هذا الوجه.

هذا مع أن إطلاقهما يشمل صورة ما إذا كان شهر الخروج بعد الإحرام المتقدم بأزيد من شهر،و لا أظنّهم يقولون به،و لا صرَّح به أحد.

و إنما ثمرة النزاع تظهر على ما صرّح به بعضهم في صورة العكس،و هي ما لو خرج آخر شهر و دخل أول آخر فيدخل محرماً على هذا القول،و لا حتى يمضي ثلاثون يوماً على قول الأكثر،و لعلّه الأظهر.

و اعلم أن المستفاد من العبارة و غيرها من الفتاوي عدم الفرق في الإحرام السابق بين كونه لعمرة أو حج مع أن المستفاد من الأخبار إنما هو الأول.

و لذا قيل:إنّ الذي دلّت عليه الدلائل جواز الدخول محلّاً مع سبق الإحرام بعمرة قبل مضيّ شهر،فالصواب القصر عليه كما في الجامع،فلو

ص:327


1- الكافي 4:/441 1،التهذيب 5:/163 546،الوسائل 11:302 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 6.
2- التهذيب 5:/166 554،الإستبصار 2:/246 859،الوسائل 12:407 أبواب الإحرام ب 51 ح 4.

كان سبق إحرامه بحجّ لم يدخل إلّا محرماً بعمرة مفردة و إن لم يمض شهر،ففي الأخبار العمرة بعد الحج إذا أمكن الموسى من الرأس (1).انتهى (2).و هو حسن.

و يعضده عموم أخبار النهي عن الدخول محلّاً (3)،مع سلامته عن المعارض كما مرّ.

الثانية إحرام المرأة كإحرام الرجل

الثانية:إحرام المرأة كإحرام الرجل في جميع الأحكام إلّا ما استثني سابقاً من تغطية الرأس،و لبس المخيط،و التظليل سائراً،و عدم استحباب رفع الصوت بالتلبية لها،و لبس الحرير على الخلاف؛ بلا خلاف ظاهر و لا محكي؛ و للصحيح الآتي:« تصنع كما يصنع المحرم و لا تصلِّ» . و لا يمنعها الحيض و ما في معناه من الإحرام لكن لا تصلّي له للصحاح و غيرها:

منها:عن الحائض تحرم و هي حائض؟قال:« نعم،تغتسل و تحتشي و تصنع كما يصنع المحرم و لا تصلِّ» (4).

و مقتضاه كغيره أنها كالطاهر غير أنها لا تصلّي ستّة الإحرام،فتغتسل أيضاً.خلافاً لبعضهم فيه (5)،و هو ضعيف.

و لو كان الميقات مسجد الشجرة أحرمت منه اجتيازاً،فإن تعذّر أحرمت من خارجه.و عليه يحمل النهي عن دخولها المسجد في الموثق (6)،

ص:328


1- انظر الوسائل 14:315 أبواب العمرة ب 8.
2- كشف اللثام 1:319.
3- الوسائل 12:402 أبواب الإحرام ب 50.
4- التهذيب 5:/388 1358،الوسائل 12:400 أبواب الإحرام ب 48 ح 4.
5- قال به الشهيد الثاني في مناسك الحج على ما نقله عنه في المدارك 7:386.
6- الكافي 4:/444 1،التهذيب 5:/388 1355،الوسائل 12:399 أبواب الإحرام ب 48 ح 2.

أو على الدخول مع اللبث،أو على الكراهة كما قيل (1).

و لو تركته أي الإحرام من الميقات ظنا أي لظنها أنه لا يجوز لها الإحرام حتى جاوزت الميقات رجعت إلى الميقات وجوباً و أحرمت منه مع الإمكان؛ لتوقف الواجب عليه فيجب مقدمةً؛ و للصحيح:« فإن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت و لتحرم منه» (2).

و لو دخلت مكة فكذلك ترجع إلى الميقات أيضاً مع الإمكان فإن تعذّر الرجوع أحرمت من أدنى الحلّ،و لو تعذّر إحرامها منه أحرمت من موضعها للضرورة،و نفي الحرج،و خصوص الصحيح:عن امرأة كانت مع قوم فطمثت،فسألتهم فقالوا:ما ندري عليك إحرام أم لا و أنت حائض، فتركوها حتى دخلت الحرم،فقال:« إن كانت عليها مهلة فلترجع إلى الوقت و لتحرم منه،و إن لم يكن عليها وقت فلتخرج إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها» (3).

مضافاً إلى ما مرّ في بحث المواقيت،و مرّ ثمة أن ما اقتضته هذه الرواية من وجوب العود إلى ما أمكن من الطريق حيث يتعذر العود إلى الميقات فتوى الشهيد (4)،و يعضده حديث:«الميسور لا يسقط بالمعسور» (5).

ص:329


1- الوسائل 12:400 ذيل الحديث 2.
2- الكافي 4:/325 10،التهذيب 5:/389 1362،الوسائل 11:329 أبواب المواقيت ب 14 ح 4.
3- الكافي 4:/325 10،التهذيب 5:/389 1362،الوسائل 11:329 أبواب المواقيت ب 14 ح 4.
4- راجع ص 2839.
5- عوالي اللئلئ 4:/58 205.

قيل:و يمكن حملها على الاستحباب؛ لعدم وجوب ذلك على الناسي و الجاهل مع الاشتراك في العذر،و للموثق:عن أُناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم،فقدموا إلى الوقت و هي لا تصلّي،فجهلوا أن مثلها ينبغي أن يحرم،فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة و هي طامث حلال، فسألوا الناس فقالوا:تخرج إلى بعض المواقيت فتحرم منه و كانت إذا فعلت لم تدرك الحج،فسألوا أبا جعفر عليه السلام فقال:« تحرم من مكانها قد علم اللّه نيتها» (1)انتهى (2).

و الأول أحوط إن لم يتعين؛ لإمكان تقييد الموثقة بصورة عدم الإمكان،و هو أولى من الحمل على الاستحباب،سيّما مع صحة سند المقيِّد دون الموثق.

ص:330


1- الكافي 4:/324 5،الوسائل 11:330 أبواب المواقيت ب 14 ح 6.
2- المدارك 7:387.
القول في الوقوف بعرفات
اشارة

القول في الوقوف بعرفات و النظر فيه في المقدمة و الكيفية و اللواحق

المقدمة

أما المقدمة فتشتمل على مندوبات خمسة أحدها:

الخروج إلى منى بعد صلاة الظهرين يوم التروية عند جماعة (1)؛ للصحيح:« إذا كان يوم التروية إن شاء اللّه تعالى فاغتسل،ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد حافياً و عليك السكينة و الوقار،ثم صلِّ الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام أو في الحِجر،ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلِّ المكتوبة،ثم قل في دبر صلاتك» الحديث (2).

و ليس فيه التصريح بالظهرين،و غايته المكتوبة،و ظاهره الظهر خاصة،كما عليه جماعة (3)،و يعضده عموم الأخبار باستحباب إيقاع الإحرام عقيب فريضة (4).

خلافاً لآخرين (5)،فاستحبوا الخروج إلى منى قبل صلاة الظهرين؛

ص:331


1- منهم:الشيخ في المبسوط 1:364 و المحقق في الشرائع 1:252،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:353.
2- الكافي 4:/454 1،التهذيب 5:/167 557،الوسائل 12:408 أبواب الإحرام ب 52 ح 1.
3- منهم:الشيخ في النهاية:249،و العلامة في قواعد الأحكام 1:85،و الشهيد في اللمعة(الروضة)2:269.
4- انظر الوسائل 12:344 أبواب الإحرام ب 18.
5- كالمفيد في المقنعة:408،و السيد في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):68،و صاحب المدارك 7:388.

للصحيح الآخر:« إذا انتهيت إلى منى فقال» إلى أن قال:« ثم تصلي بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر،و الإمام يصلّي بها الظهر لا يسعه إلّا ذلك،و موسّع لك أن تصلّي بغيرها إن لم تقدر» (1).

و قريب منه آخر:عن الوقت الذي يتقدم فيه إلى المنى الذي ليس له وقت أول منه،فقال:« إذا زالت الشمس» (2).

و جمع بين الأخبار جماعة من المتأخرين بالتخيير لمن عدا الإمام، و استحبوا فيه الأخذ بالقول الثاني (3).

و هو حسن بالإضافة إلى ما اختاروه للإمام؛ لما يأتي.و أما بالإضافة إلى غيره فله وجه غير أن اختيار الأول أحوط؛ لقوة احتمال ورود الأخبار الأخيرة للتقية،فقد نقل القول بمضمونها عن العامة (4)؛ مضافاً إلى اعتضاد الأول بما مرّ،و بما استدل به له في المختلف بأن المسجد الحرام أفضل من غيره فاستحب إيقاع الفريضتين فيه (5).

ثم إن ظاهر الرواية الأخيرة أنه لا يجوز الخروج إلى منى قبل الزوال كما صرّح به الشيخ إلّا لمن يضعف عن الزحام كالمريض و الشيخ الكبير و المرأة التي تخاف ضغاط الناس،و غيرهم من ذوي الأعذار،قال

ص:332


1- الكافي 4:/461 1،التهذيب 5:/177 596،الوسائل 13:524 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 4 ح 5.
2- التهذيب 5:/175 587،الإستبصار 2:/252 887،الوسائل 13:520 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 2 ح 1.
3- منهم:صاحب المدارك 7:388،و السبزواري في الذخيرة:650،و صاحب الحدائق 16:351.
4- انظر مغني المحتاج 1:496،و المغني و الشرح الكبير 3:431،و عمدة القارئ 10:5.
5- المختلف:296.

فلا بأس أن يتقدمه بثلاثة أيام،فأما ما زاد عليه فلا يجوز على كل حال (1).

أقول:و له بكلا الأمرين الموثق (2)،و هو أحوط و إن ذكر الفاضل في المنتهى أن مراد الشيخ بلا يجوز شدة الاستحباب،مشعراً بدعوى الإجماع عليه (3).

و الإمام يعني أمير الحاج،كما صرّح به جماعة من الأصحاب (4) يتقدم في خروجه ليصلّي الظهرين (5)بمنى للصحاح المستفيضة (6)و إن اختلفت في التعبير ب« لا يسعه إلّا ذلك» المفيد للزوم،كما هو ظاهر الشيخ في التهذيب (7)،أو ب« لا ينبغي» الظاهر في الاستحباب كما عليه الأصحاب،و أجرى الحمل السابق في كلام الشيخ في كلامه هنا أيضاً الفاضل في المنتهى (8).

و هذه الصحاح حجة على من أطلق استحباب الخروج بعد الفريضة من الأصحاب.

و كما يستحب الخروج في هذا اليوم يستحب إيقاع الإحرام فيه،و في

ص:333


1- التهذيب 5:175.
2- الكافي 4:/460 1،التهذيب 5:/176 589،الإستبصار 2:/253 889،الوسائل 13:522 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 3 ح 1.
3- المنتهى 2:715.
4- منهم:صاحب المدارك 7:388،و السبزواري في الذخيرة:650،و صاحب الحدائق 16:354.
5- في المختصر المطبوع:الظهر.
6- الوسائل 13:523 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 4.
7- التهذيب 5:175.
8- المنتهى 2:715.

المنتهى إنه لا يعلم فيه خلافاً (1).و عن التذكرة الإجماع عليه (2).

خلافاً لابن حمزة فأوجب الإحرام فيه (3)،قيل:و لعلّه لورود الأمر به في الصحيح الماضي (4).و يندفع بالأصل،مع كون أكثر أوامر الخبر للندب.

و ثانيها: المبيت بها أي بمنى للإمام و غيره حتى يطلع الفجر من يوم عرفة؛ لبعض الصحاح المتقدمة.

و ثالثها:أن لا يجوز وادي محسِّر بكسر السين،و هو حدّ منى إلى جهة عرفة حتى تطلع الشمس على الأشهر،بل قيل بتحريمه (5)؛ للنهي عنه في الصحيح (6)،و هو أحوط.

و يُكْرَه الخروج من منى للإمام و غيره قبل الفجر في المشهور،قيل:للأمر بصلاته فيها في الصحيح المتقدم (7)؛ و للصحيح:هل صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله الظهر بمنى يوم التروية؟قال:« نعم،و الغداة بمنى يوم عرفة» (8).

و فيهما نظر،و لذا قيل:يمكن المناقشة في الكراهة؛ لعدم الظفر بما

ص:334


1- المنتهى 2:714.
2- التذكرة 1:370.
3- الوسيلة:176.
4- الذخيرة:650 و كشف اللثام 1:350.
5- كما قال به في المبسوط 1:366،و المهذّب 1:251 و جعله في المدارك 7:391.أحوط.
6- التهذيب 5:/178 597،الوسائل 13:528 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 7 ح 4.
7- كشف اللثام 1:352.
8- الفقيه 2:/28 1374،التهذيب 5:/177 594،الوسائل 13:524 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 4 ح 4.

يتضمن النهي عن ذلك،نعم لا ريب أنه خلاف الأولى (1).

و الأجود الاستدلال عليه بالنهي عن الجواز عن وادي محسِّر قبل طلوع الشمس،فإنه بإطلاقه يشمل محل البحث،و لعلّه لذا قيل بتحريمه هنا كما فيما سبق (2)،فالمسألة من متفرعات الخلاف السابق،فتأمل.

و الكراهة ثابتة لكل أحد إلّا للمضطر و ذوي الأعذار كالخائف و المريض فإن الضرورات تبيح المحظورات،فضلاً عن المكروهات، قيل (3):و للصحيح:إنّا مشاة فكيف نصنع؟فقال عليه السلام:« أما أصحاب الرجال فكانوا يصلّون الغداة بمنى،و أما أنتم فامضوا حتى تصلّوا في الطريق» (4).

و يستحب للإمام الإقامة بها حتى تطلع الشمس استحباباً مؤكداً؛ للصحاح (5).

و في التحرير:إن الأفضل لغير الإمام ذلك أيضاً،و لو خرج قبل طلوعها جاز،لكن لا يجوز وادي محسِّر حتى تطلع الشمس،و الإمام لا يخرج حتى تطلع الشمس (6).

و فيه نوع إشعار بوجوب ذلك على الإمام،و أكثر النصوص ظاهرة في

ص:335


1- المدارك 7:392.
2- قال به الشيخ في النهاية:250،و الحلبي في الكافي:213،و ابن البراج في المهذب 1:251.
3- التذكرة 1:370.
4- الكافي 4:/461 2،التهذيب 5:/179 599،الوسائل 13:527 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 7 ح 1.
5- الوسائل 13:523 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 4.
6- التحرير 1:101.

الاستحباب،و في المرسل:« إن السنّة أن لا يخرج الإمام من منى إلى عرفة حتى تطلع الشمس» (1).

و في الصحيح في التقدم من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس قال:

« لا بأس به» الحديث (2).فتدبر.

و رابعها و خامسها: الدعاء عند التوجه إليها و نزولها و عند الخروج منها بالمأثور،ففي الصحيح:« إذا توجهت إلى منى فقل:

اللهم إياك أرجو و إياك أدعو،فبلّغني أملي و أصلح لي عملي» (3).

و فيه:« إذا انتهيت إلى منى فقل:اللهم هذه منى،و هذه ممّا مننت بها علينا من المناسك،فأسألك أن تمن عليّ بما مننت به على أنبيائك فإنما أنا عبدك و في قبضتك» (4).

و فيه:« إذا غدوت إلى عرفة فقل و أنت متوجه إليها:اللهم إليك صمدت،و إياك اعتمدت،و وجهك أردت،فأسألك أن تبارك لي في رحلتي،و تقضي لي حاجتي،و أن تجعلني اليوم ممن تباهي به من هو أفضل مني» (5).

ص:336


1- الكافي 4:/461 1،التهذيب 5:/178 598،الوسائل 13:527 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 7 ح 2.
2- التهذيب 5:/193 643،الإستبصار 2:/256 903،الوسائل 13:528 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 7 ح 3.
3- الكافي 4:/460 4،التهذيب 5:/177 595،الوسائل 13:526 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 6 ح 1.
4- الكافي 4:/461 1،التهذيب 5:/177 596،الوسائل 13:526 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 6 ح 2.
5- الكافي 4:/461 3،التهذيب 5:/179 600،الوسائل 13:528 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 8 ح 1.
الكيفية

و أما الكيفية

الواجب

فالواجب فيها النية المشتملة على قصد الفعل المخصوص متقرباً خاصةً على الأظهر،على ما مرّ في الطهارة؛ أو مع الوجوب،كما في التحرير و المنتهى (1)؛ أو مع الكون لحج التمتع أو غيره، حجّ الإسلام أو غيره،كما عن التذكرة (2)،و هما أحوط.

و عنها و عن السرائر (3)الإجماع على وجوبها عندنا،خلافاً للعامة فلم يوجبوها (4)،و الأدلة العامة عليهم حجة.

قيل:و وقتها بعد الزوال،سواء وجب الوقوف منه إلى الغروب،أو كفى لمسمّى،و يجب على الأول المبادرة إليها بعد تحقّقه،فلو أخّر أثم و أجزأ كما في الدروس (5).

و أشار بقوله:سواء وجب الوقوف..إلى الخلاف الآتي.

و الكون بها أي بعرفات اختياراً إلى الغروب المعتبر عندنا (6)بزوال الحمرة المشرقية على ما عرفته،فلا يجوز التأخير عنه إجماعاً،كما في كلام جماعة (7)،و للمعتبرة (8)،و فيها الصحيح و غيره.

قيل:و ما في الخلاف و المبسوط من أن وقت الوقوف فجر يوم العيد فهو مجموع الاختياري و الاضطراري،فلا يرد عليه ما في السرائر من

ص:337


1- التحرير 1:101،المنتهى 2:716.
2- التذكرة 1:371.
3- السرائر 1:586.
4- كما في المغني و الشرح الكبير 3:442.
5- كشف اللثام 1:353.
6- في« ك»:هنا.
7- منهم:العلامة في المنتهى 2:716،و صاحب المدارك 7:394،و الحدائق 16:380.
8- انظر الوسائل 13:556 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 22.

مخالفته الإجماع (1).

و مبدؤه من زوال الشمس يوم التاسع،بمعنى عدم جواز تقديمه عليه بإجماع من عدا أحمد،فإنه جعله من طلوع فجره كما في المنتهى و غيره (2)،و هو الظاهر من أخبارنا فعلاً و قولاً،و على هذا فوقته الاختياري من الزوال إلى الغروب.

و هل يجب الاستيعاب حتى إن أخلّ به في جزء منه أثم و إن تم حجّه كما هو ظاهر الشهيدين في الدروس و اللمعة و شرحها (3)،بل صريح ثانيهما (4)؛ أم يكفي المسمّى و لو قليلاً كما عن السرائر (5)،و عن التذكرة إنما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة و لو مجتازاً مع النية (6)، و ربما يفهم هذا أيضاً عن المنتهى (7)؟إشكال.

و ينبغي القطع بفساد القول الأول؛ لمخالفته لما يحكى عن ظاهر الأكثر (8)،و المعتبرة المستفيضة بأن الوقوف بعد الغسل و صلاة الظهرين، ففي الصحيح الوارد في صفة حج النبي صلى الله عليه و آله أنه صلى الله عليه و آله« انتهى إلى نَمِرَة، فضرب قبّته و ضرب الناس أخبيتهم عندها،فلمّا زالت الشمس خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله و معه فرسه و قد اغتسل و قطع التلبية حتى وقف بالمسجد

ص:338


1- قال به في كشف اللثام 1:353.
2- المنتهى 2:720؛ و انظر التذكرة 1:372.
3- الدروس 1:419،اللمعة(الروضة البهية 2):269.
4- الروضة البهية 2:269.
5- السرائر 1:587.
6- التذكرة 1:372.
7- المنتهى 2:719.
8- حكاه عنهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:353.

فوعظ الناس و أمرهم و نهاهم،ثم صلّى الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين ثم مضى إلى الموقف و وقف فيه» (1).

و فيه:« فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنَمِرَة و هي بطن عُرنَة دون الموقف و دون عرفة،فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل و صلِّ الظهر و العصر بأذان و إقامتين،و إنما يعجّل العصر و يجمع بينهما لتفرّغ نفسك للدعاء فإنه يوم دعاء و مسألة» الحديث (2).

و في الموثق كما في كلام جماعة (3)،بل الصحيح كما في المنتهى (4):

« إنما يعجّل الصلاة و يجمع بينهما لتفرّغ نفسك للدعاء فإنه يوم دعاء و مسألة،ثم يأتي الموقف و عليه السكينة الحديث» (5).

إلى غير ذلك من النصوص.

و الأحوط العمل بمقتضاها و إن كان القول بكفاية مسمى الوقوف لا يخلو عن قرب؛ للأصل النافي للزائد بعد الاتفاق على كفاية المسمّى في حصول الركن منه،و عدم اشتراط شيء زائد منه فيه مع سلامته عن المعارض سوى الأخبار المزبورة،و دلالتها على الوجوب غير واضحة.

أما ما تضمّن منها الأمر بإتيان الموقف بعد الصلاتين فلا تفيد

ص:339


1- الكافي 4:/245 4،التهذيب 5:/454 1588،الوسائل 11:213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.
2- الكافي 4:/461 3،التهذيب 5:/179 600،الوسائل 13:529 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 9 ح 1.
3- منهم:السبزواري في الذخيرة:652،و المجلسي في ملاذ الأخيار 7:531.
4- المنتهى 2:718.
5- التهذيب 5:/182 611،الوسائل 13:538 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 14 ح 1.

الفورية،و مع ذلك منساق في سياق الأوامر المستحبة.

و أما ما تضمن منها فعله صلى الله عليه و آله فكذلك؛ بناءً على عدم وجوب التأسي،و على تقدير وجوبه في العبادة فإنما غايته الوجوب الشرطي لا الشرعي،و كلامنا فيه لا في سابقه؛ للاتفاق كما عرفت على عدمه.

و من لم يتمكن من الوقوف بها نهاراً أجزأه الوقوف بها ليلاً قليلاً و لو قبل الفجر متصلاً به إذا علم أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس،بلا خلاف فيه على الظاهر،المصرَّح به في كلام جماعة (1)،و في المنتهي:إنه قول علماء الإسلام كافة (2).

أقول:و الصحاح به مع ذلك مستفيضة.

منها:في رجل أدرك الإمام بجَمْع،فقال له:« إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلاً ثم يدرك جمعاً قبل طلوع الشمس فليأتها،و إن ظنّ أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها و قد تمّ حجه» (3)و نحوه غيره (4).

و في المنتهى:و جاز له أن يدفع من عرفات أيّ وقت شاء بلا خلاف،و لا دم عليه إجماعاً (5).

أقول:و هو ظاهر ما مرّ من الصحاح.

و لو أفاض و ذهب من عرفات قبل الغروب عامداً عالماً بالتحريم أثم و لم يبطل حجّه إجماعاً على الظاهر،المصرَّح به في

ص:340


1- منهم:العلّامة في التذكرة 1:372،و السبزواري في الذخيرة:653.
2- المنتهى 2:721.
3- الكافي 4:/476 2،الفقيه 2:/284 1394،الوسائل 14:35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 1.
4- التهذيب 5:/289 982،الإستبصار 2:/301 1077،الوسائل 14:36 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 3.
5- المنتهى 2:721.

بعض العبائر (1)،و في المنتهى:إنه و وجوب جبره بدم قول عامة أهل العلم ما عدا مالك (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحيح:عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس،قال:« عليه بدنة ينحرها يوم النحر،فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكة أو في الطريق» (3).

و نحوه في إيجاب البدنة و بدلها آخر (4)،و الخبر (5).

و من هذه الأخبار يستفاد الوجه في قوله: و جبره ببدنة و عليه المشهور،بل عن الغنية الإجماع عليه (6).

خلافاً للصدوقين فبدم شاة (7)،و لم أعرف مستنده،و لكن عن الجامع و روى شاة (8).

و عن الخلاف أن عليه دماً (9)؛ للإجماع،و الاحتياط،و النبوي:« من ترك نسكاً فعليه دم» (10).

ص:341


1- المدارك 7:398.
2- المنتهى 2:720.
3- الكافي 4:/467 4،التهذيب 5:/186 620،الوسائل 13:558 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 23 ح 3.
4- التهذيب 5:/187 621،الوسائل 13:558 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 23 ح 1.
5- التهذيب 5:/480 1702،الوسائل 13:558 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 23 ح 2.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):580.
7- الصدوق في المقنع:86،و نقله عن والده في المختلف:299.
8- الجامع للشرائع:207.
9- الخلاف 2:338.
10- سنن الدارقطني 2:/244 37،39 و فيه بتفاوت.

قيل:و لو لم يكن في المسألة إلّا هذا الخبر كان مؤيداً لقولهما،مع أصل البراءة من الزائد،بل انصراف إطلاقه إلى الشاة (1).انتهى.

و هو حسن لكن لا محيص عن المشهور بعد أن دلّت عليه ما مرّ من النصوص؛ و هي الحجّة في قوله: و لو عجز عنها صام ثمانية عشر يوماً و يستفاد من الرواية الأُولى جواز صوم هذه الأيام في السفر،و عدم وجوب المتابعة فيها،تصريحاً في الأول،و إطلاقاً في الثاني،كما فيما عداها.و الأمرين صرّح جماعة (2)،خلافاً للدروس فأوجب المتابعة (3)، و هو أحوط و إن لم أعرف مستنده.

ثم إن كلّ ذا إذا لم يَعد قبل الغروب،و إلّا فالأقوى سقوطها و إن أثم؛ للأصل،و اختصاص النصوص المتقدمة المثبتة لها بحكم التبادر و غيره بصورة عدم الرجوع قبل الغروب.

و لو رجع بعد الغروب لم تسقط قطعاً؛ لأصالة البقاء.

و لا شيء عليه لو كان في إفاضته قبل الغروب جاهلاً أو ناسياً بلا خلاف أجده،بل عليه في ظاهر جماعة الإجماع (4)،و عن ظاهر المنتهى و التذكرة أنه موضع وفاق بين العلماء كافة (5)؛ و هو الحجّة.

ص:342


1- كشف اللثام 1:354.
2- منهم:الشهيد الثاني في الروضة البهية 2:271،و صاحب المدارك 7:399،و السبزواري في الذخيرة:653.
3- الدروس 1:419.
4- منهم:صاحب المدارك 7:400،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:344،و السبزواري في الذخيرة:653.
5- المنتهى 2:719،التذكرة 1:373.

مضافاً إلى الصحيح في الجاهل:« إن كان جاهلاً فلا شيء عليه،و إن كان متعمداً فعليه بدنة» (1).

و به يقيد إطلاق ما مرّ من المعتبرة.

و لو علم الجاهل أو ذكر الناسي قبل الغروب وجب عليه العود مع الإمكان،فإن أخلّ به قيل:كان كالعامد (2).

و نَمِرَة بفتح النون و كسر الميم و فتح الراء قيل:و يجوز إسكان ميمها،و هي الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف،كذا في تحرير النووي و القاموس و غيرهما (3).

و في الأخبار أنها بطن عُرَنة (4).

و ثَوِيَّة بفتح المثلّثة و كسر الواو و تشديد الياء المثنّاة من تحت المفتوحة كما في كلام جماعة (5).

قيل بعد الضبط المذكور مع السكوت عن حال الواو مطلقاً:كما في السرائر،و لم أظفر لها في كتب اللغة بمميز (6).

و ذو المجاز قيل:و هو سوق كانت على فرسخ من عرفة بناحية كبكب (7).

ص:343


1- التهذيب 5:/187 621،الوسائل 13:558 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 23 ح 1.
2- المسالك 1:112.
3- كشف اللثام 1:353.
4- الكافي 4:/461 3،التهذيب 5:/179 600،الوسائل 13:529 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 9 ح 1.
5- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 2:270،و صاحب المدارك 7:396،و صاحب الحدائق 16:377.
6- كشف اللثام 1:353.
7- كشف اللثام 1:353.

و عُرَنَة بضم العين المهملة و فتح الراء و النون.

قيل:و في لغة بضمتين،قال المطرزي:وادٍ بحذاء عرفات، و بتصغيرها سمّيت عرينة،و هي قبيلة ينسب إليها العرنيون و قال السمعاني:

إنها وادٍ بين عرفات و منى (1).

و الأراك بفتح الهمزة كسحاب،قيل:هو موضع بعرفة قريب نَمِرَة،قاله في القاموس (2).

حدود لعرفة لا يجزئ الوقوف بها بلا خلاف أجده،و به صرّح في الذخيرة (3)،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (4)،و في المنتهى:

إنه مذهب الجمهور كافة إلّا ما حكي عن مالك أنه لو وقف ببطن عرنة أجزأه و لزم الدم (5).

و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،ففي الصحيح:« و حدّ عرفة من بطن عُرَنَة و ثَوِيَّة و نَمِرَة إلى ذي المجاز،و خلف الجبل موقف» (6).

و في الموثق:« و اتقّ الأراك،و نَمِرَة و هي بطن عُرَنَة،و ثَويّة،و ذا المجاز،فإنه ليس من عرفة فلا تقف فيه» (7).

ص:344


1- كشف اللثام 1:353.
2- القاموس 3:301.
3- الذخيرة:655.
4- منهم:ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):580،و صاحب المدارك 7:395،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:344.
5- المنتهى 2:722.
6- الكافي 4:/461 3،التهذيب 5:/179 600،الوسائل 13:531 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 10 ح 1.
7- الفقيه 2:/281 1377،التهذيب 5:/180 604،الوسائل 13:532 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 10 ح 6.

و في الصحيحين:« حدّ عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف» (1)كما عن العماني و الحلبي (2)،لكن أسقطا لفظ« الأقصى» .و كذا عن الإسكافي إلّا أنه بدّل قوله« إلى الموقف» بقوله« إلى الجبل» (3).

و في المختلف:و لا تنافي بين القولين يعني ما في الكتاب و أحد هذين القولين لأن ذلك كلّه حدود عرفة لكن من جهات متعددة (4).

المندوب

و المندوب:أن يضرب خباءه بنَمِرَة للصحيحين،فعلاً في أحدهما (5)،و أمراً في الآخر (6).

و أن يقف في السفح أي سفح الجبل،أي أسفله،كما عن الجوهري (7)؛ للخبر (8)؛ و في الموثق:عن الوقوف بعرفات فوق الجبل

ص:345


1- الأول:الكافي 4:/462 6،التهذيب 5:/179 601،الوسائل 13:531 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 10 ح 2.الثاني:الفقيه 2:/280 1375،الوسائل 13 533 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 10 ح 8.
2- نقله عن العماني في المختلف:298،الحلبي في الكافي:196.
3- كما حكاه عنه في المختلف:298.
4- المختلف:298.
5- الكافي 4:/245 4،التهذيب 5:/454 1588،الوسائل 11:213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.
6- الكافي 4:/461 3،التهذيب 5:/179 600،الوسائل 13:529 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 9 ح 1.
7- الصحاح 1:375.
8- الكافي 4:/463 1،الوسائل 13:534 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 11 ح 2.

أحبّ إليك أم على الأرض؟فقال:« على الأرض» (1).

مع ميسرة الجبل للصحيح (2).

و الظاهر على ما ذكره جماعة (3)أن المراد ميسرة القادم إليه من مكة، و حكى بعضهم قولاً بميسرة المستقبل للقبلة،قال:و لا دليل عليه (4).

قال الشهيد:و يكفي في القيام بوظيفة الميسرة لحظة و لو في مروره (5).

في السهل دون الحَزْن،قيل:لتيسر الاجتماع و التضامّ المستحب كما يأتي،و غير السهل لا يتيسر فيه ذلك إلّا بتكلّف (6).

و أن يجمع رحله و يضمّ أمتعته بعضها إلى بعض ليأمن عليها الذهاب و يتوجه بقلبه إلى الدعاء.

و يسدّ الخَلَل و الفُرَج الكائنة على الأرض به أي برحله و بنفسه و أهله بأن لا يدع بينه و بين أصحابه فرجة؛ للصحيح (7)و غيره (8).

ص:346


1- التهذيب 5:/180 603،الوسائل 13:532 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 10 ح 5.
2- الكافي 4:/463 4،الوسائل 13:534 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 11 ح 1.
3- منهم:صاحب المدارك 7:409،و السبزواري في الذخيرة:653،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:353.
4- كشف اللثام 1:353.
5- انظر الدروس 1:418.
6- المدارك 7:414.
7- الكافي 4:/463 4،الفقيه 2:/281 1377،الوسائل 13:537 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 13 ح 2.
8- التهذيب 5:/180 604،الوسائل 13:537 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 13 ذيل الحديث 2.

و أن يصرف زمان الوقوف كلّه في الذكر و الدعاء كما يستفاد من الأخبار (1)،و عن الحلبي القول بوجوبه (2)،و هو نادر،و في المنتهى بعد الحكم بالاستحباب و عدم الوجوب:و لا نعلم في ذلك خلافاً (3).

و أن يكون حال الدعاء قائماً كما هنا و في الشرائع و القواعد و غيرها (4)،و علّل تارة بأنه إلى الأدب أقرب (5)،و فيه نظر.

و أُخرى بأنه أفضل أفراد الكون الواجب؛ لكونه أشقّ،و أفضل الأعمال أحمزها (6).

و عن ظاهر التذكرة الاتفاق على أن الوقوف راكباً أو قاعداً مكروهان، و أنه يستحب قائماً داعياً (7).

و استثنى جماعة ما لو نافى ذلك الخشوع،لشدة التعب و نحوه، فيستحب جالساً (8).و لا بأس به.

و يكره الوقوف في أعلى الجبل لما مرّ،و قيل بالمنع (9)،و فيه نظر و إن كان أحوط،إلّا لضرورة فلا كراهة و لا تحريم إجماعاً،كما عن التذكرة (10)؛

ص:347


1- الوسائل 13:538 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 14.
2- الكافي في الفقه:197.
3- المنتهى 2:719.
4- الشرائع 1:255،القواعد 1:86؛ و انظر المدارك 7:415،و الذخيرة:655.
5- كما في كشف اللثام 1:354.
6- انظر المدارك 7:415.
7- التذكرة 1:371.
8- منهم:صاحب المدارك 7:415،و السبزواري في الذخيرة:655،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:346.
9- قال به القاضي في المهذّب 1:251،و ابن إدريس في السرائر 1:587.
10- انظر التذكرة 1:372.

و للموثق:فإذا كان بالموقف و كثروا كيف يصنعون؟قال:« يرتفعون الجبل» (1).

و قاعداً و راكباً لما مضى.

اللواحق

و أما اللواحق فمسائل ثلاث:

الاُولى الوقوف ركن

الاُولى: مسمى الوقوف بعرفة ركن،فإن تركه عامداً بطل حجه إجماعاً،كما في كلام جماعة (2)،و عن التذكرة و في المنتهى و غيره (3)أنه قول علماء الإسلام؛ لفحوى الأخبار بأنه لا حج لأصحاب الأراك و أن الحج عرفة (4).و ما ورد بخلافه (5)شاذّ مؤول.

و إطلاق العبارة و نحوها،بل ظاهرها يقتضي عدم الفرق في الحكم بالبطلان بترك الوقوف عمداً بين قسميه الاختياري و الاضطراري،حتى لو ترك الاختياري عمداً بطل الحج مطلقاً و إن أتى بالاضطراري،و كذا لو ترك الاضطراري عمداً حيث يفوته الاختياري مطلقاً.

و هو الموافق للأُصول؛ لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.و ليس فيما يدل على كفاية الاضطراري عموم يشمل نحو ما نحن فيه؛ لاختصاصه

ص:348


1- التهذيب 5:/180 604،الوسائل 13:535 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 11 ح 4؛ بتفاوت يسير.
2- منهم:صاحب المدارك 7:399،و السبزواري في الذخيرة:653،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:345.
3- التذكرة 1:373،المنتهى 2:719؛ و انظر الحدائق 16:402.
4- الوسائل 13:533 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 10 ح 11.
5- الفقيه 2:/206 937،التهذيب 5:/287 977،الإستبصار 2:/302 1080،الوسائل 13:552 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 19 ح 14.

بغيره كما يأتي.

نعم،في القواعد قصر الحكم على الاختياري،فقال:الوقوف الاختياري بعرفة ركن،من تركه عمداً بطل حجه (1).

و هو مشعر بأن الاضطراري ليس كذلك،فلو تركه حيث يتعين عليه عمداً لم يبطل حجه،و لا دليل عليه؛ و لذا قيل:إنما اقتصر عليه ليعلم أنه لا يجزئ الاقتصار على الاضطراري عمدا،بل من ترك الاختياري عمدا بطل حجه و إن أتى بالاضطراري (2).و هو حسن.

و إن كان تركه ناسياً تداركه ليلاً و لو إلى الفجر متصلاً به إذا علم أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس؛ لما مرّ من الإجماع و الصحاح فيمن لا يتمكن من الوقوف نهاراً أجزأه ليلاً (3).و هي و إن قصرت عن التصريح بالناسي إلّا أنه مستفاد من التعليل في بعضها بأن اللّه تعالى أعذر لعبده [للنسيان] (4)،فإنّ النسيان من أقوى الأعذار.

بل قيل:يمكن الاستدلال به على عذر الجاهل،كما هو ظاهر اختيار الدروس.

و يدلُّ عليه عموم قول النبي صلى الله عليه و آله:« من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج» (5).

و قول الصادق عليه السلام:« من أدرك جَمْعاً فقد أدرك الحج» (6)(7).

ص:349


1- القواعد 1:86.
2- كشف اللثام 1:354.
3- راجع ص 2969.
4- التهذيب 5:/289 981،الإستبصار 2:/301 1076،الوسائل 14:36 أبوا الوقوف بالمشعر ب 22 ح 2.
5- سنن البيهقي 5:173 بتفاوت يسير.
6- الفقيه 2:/284 1394،التهذيب 5:/294 998،الإستبصار 2:/307 1095،الوسائل 14:45 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 2.
7- قال به في المدارك 7:402،و انظر الدروس 1:421.

و هو (1)حسن حيث يكون الجهل عذراً،بأن يكون ساذجاً لم يشبه تقصيراً أصلاً،و إلّا فمشكل.

و لعلّ في اشتراط العبارة النسيان إشعاراً باختصاص الحكم به.و لا ينافيه اشتراط التعمد في البطلان سابقاً؛ لاحتمال كون الجهل المشوب بالتقصير عند المصنف عمداً.

ثم إن وجوب التدارك ليلاً إنما هو مع الإمكان،و يتحقق بعلمه بإدراك المشعر قبل طلوع الشمس لو وقف بها كما قدّمنا،و كذا لو ظنّ ذلك كما في صريح الأخبار (2)،و ينتفي بظن الخلاف كما فيها (3).

و في تحققه باحتمال الأمرين على السواء إشكال،بل قولان،و مفهوم اشتراط الظن في الأخبار متعارضة،فلم يبق فيها ما يدل على شيء من القولين و إن توهّم لأحدهما،و هو نفي الإمكان بذلك و الاجتزاء بالمشعر (4).

نعم،في بعض الأخبار ما يرشد إليه،و فيه:« إن ظن أن يدرك الناس بجَمْع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات،و إن خشي أن لا يدرك جمعاً فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس فقد تمّ حجه» (5)و إطلاقه صدراً و ذيلاً، مفهوماً و منطوقاً دالّ على ذلك،إلّا أنه قاصر سنداً،لكن لا بأس به،و اللّه سبحانه أعلم.

و لو فاته التدارك ليلاً أيضاً اجتزأ بالوقوف بالمشعر

ص:350


1- قال به في المدارك 7:402،و انظر الدروس 1:421.
2- الوسائل 14:36،37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 3،4.
3- انظر الوسائل 14:35،37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 1،4.
4- كما في الحدائق 16:407.
5- التهذيب 5:/289 982،الإستبصار 2:/301 1087،الوسائل 14:36 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 3.

إجماعاً بسيطاً،كما في كلام جماعة،و عن الانتصار و الخلاف و الغنية و الجواهر (1)،و مركّباً،كما في المنتهى (2)،و عن الانتصار أيضاً (3)؛ فإنّ من أوجب الوقوف بالمشعر أجمع على الاجتزاء باختياريته إذا فات الوقوف بعرفة لعذر؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة المتقدم إليها الإشارة.

الثانية لو فاته الوقوف الاختياري و خشي طلوع الشمس لو رجع اقتصر على المشعر

الثانية :قد ظهر مما سبق أنه لو فاته الوقوف الاختياري بعرفة لعذر مطلقاً و خشي طلوع الشمس من يوم النحر لو رجع و الأولى:وقف،أو أتى،و نحوهما،إلى عرفات ليتدارك الوقوف ليلاً اقتصر على الوقوف ب المشعر ليدركه قبل طلوع الشمس،و كذا لو نسي الوقوف بعرفات أصلاً أي نهاراً و ليلاً اجتزأ بإدراك المشعر قبل طلوع الشمس.

و لو أدرك عرفات قبل الغروب و لم يتفق له المشعر حتى طلعت الشمس من يوم النحر أجزأه الوقوف به أي بالمشعر و لو قبل الزوال من يومه،بغير خلاف أجده،بل عليه الإجماع في المنتهى و عن التذكرة (4)،و في التنقيح و غيره (5)بلا خلاف.

للصحيح أو ما يقرب منه:في رجل أفاض من عرفات إلى منى، قال:« فليرجع فليأت جمعاً فيقف بها و إن كان الناس أفاضوا من جمع» (6)

ص:351


1- الانتصار:90،الخلاف 2:342،الغنية(الجوامع الفقهية):580،جواهر الفقه:43.
2- المنتهى 2:720.
3- الانتصار:90.
4- المنتهى 2:727،التذكرة 1:375.
5- التنقيح الرائع 1:480؛ و انظر الذخيرة:658.
6- الكافي 4:/472 3،الوسائل 14:35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 21 ح 2.

و نحوه الموثق (1).

و كذا لو عكس فأدرك اختياري المشعر و اضطراري عرفة أجزأه بلا خلاف،كما في التنقيح و غيره (2)،مشعرين بالإجماع،كما في صريح المنتهى (3)،و عن الانتصار و الخلاف و الجواهر و التذكرة (4)؛ و عموم أخبار:

« من أدرك المشعر فقد أُدرك الحج» و هي صحاح مستفيضة (5)،و سيأتي إلى جملة منها الإشارة؛ و خصوص الصحاح المستفيضة المتقدمة فيمن لم يتمكن من الوقوف بعرفة نهاراً أجزأه الوقوف بها ليلاً،و هي صريحة في إجزاء اختياري المشعر وحده،و عليه الإجماع في كلام جماعة (6).

و في إجزاء اختياري عرفة وحده إشكال،ذكره الفاضل في المنتهى و التحرير (7)،و حكي عنه في التذكرة (8).

قيل:من عموم الصحيح:« إذا فاتك المزدلفة فقد فاتك الحج» (9)و في المرسل:« الوقوف بالمشعر فريضة،و الوقوف بعرفة سنّة» (10)و الخبر

ص:352


1- التهذيب 5:/288 978،الوسائل 14:34 أبواب الوقوف بالمشعر ب 21 ح 1.
2- التنقيح الرائع 1:480؛ و انظر الحدائق 16:408.
3- المنتهى 2:720.
4- الانتصار:90،الخلاف 2:342،جواهر الفقه:43،التذكرة 1:375.
5- الوسائل 14:37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23.
6- منهم:صاحب المدارك 7:404 و الذخيرة:658 و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:355.
7- المنتهى 2:728،التحرير 1:103.
8- التذكرة 1:375.
9- التهذيب 5:/292 991،الإستبصار 2:/305 1089،الوسائل 14:38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 2.
10- الفقيه 2:/206 937،التهذيب 5:/287 977،الإستبصار 2:/302 1080،الوسائل 13:552 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 19 ح 14.

« و إن لم يأت جمعاً حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حج له» (1).

و ممّا اشتهر من النبوي:« الحج عرفة» (2)لكن لم نره مسنداً من طريقنا،و الحسن:« الحج الأكبر الموقف بعرفة و رمي الجمار» (3)و الأخبار فيمن جهل فلم يقف بالمشعر حتى فاته إنه لا بأس (4)،و فيمن تركه متعمداً إنّ عليه بدنة (5)،و هي خيرة الجامع و الإرشاد و التبصرة و الدروس و اللمعة (6).

أقول:بل المشهور كما في كلام جماعة (7)،و عزاه إلى الأصحاب في الذخيرة (8)،مشعراً بعدم الخلاف فيه،كما هو ظاهر المختلف و الدروس (9)أيضاً،و صرّح به جماعة (10).

و لا ينافيه تردّد العلّامة؛ فإنه و إن تردّد أوّلاً إلّا أنه فيما وقفت عليه من الكتابين الأوّلين صرّح بما عليه الجماعة ثانياً،فقال:و لو نسي الوقوف

ص:353


1- التهذيب 5:/291 987،الإستبصار 2:/304 1085،الوسائل 14:38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 3.
2- عوالي اللئلئ 2:/93 247،سنن ابن ماجه 2:/1003 3015،سنن البيهقي 5:173.
3- الكافي 4:/264 1،الوسائل 13:550 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 19 ح 9.
4- التهذيب 5:/292 992،الإستبصار 2:/305 1090،الوسائل 14:46 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 5.
5- الكافي 4:/473 6 بتفاوت يسير،الفقيه 2:/283 1388،التهذيب 5:/294 996،الوسائل 14:48 أبواب الوقوف بالمشعر ب 26 ح 1.
6- راجع كشف اللثام 1:358.
7- منهم:ابن فهد في المهذب البارع 2:189،و صاحب الحدائق 16:408.
8- الذخيرة:656.
9- المختلف:300،الدروس 1:421.
10- التنقيح الرائع 1:480،و المسالك 1:113،و المفاتيح 1:348.

بالمشعر فإن كان قد وقف بعرفة صحّ حجه و إلّا بطل (1).

و عليه فلا إشكال في المسألة،سيّما و أن في الأخبار الأوّلة التي أتى بها وجهاً للمنع مناقشة؛ لقصور أسانيدها جملةً حتى الرواية الأُولى التي وصفها بالصحة؛ فإنّ في سندها على ما وقفت عليه قاسم بن عروة،و حاله بالجهالة معروفة.

نعم منطوقها مفهوم من أخبار صحيحة،منها:« من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج» (2).

لكن دلالتها كمنطوق الرواية بالعموم كما ذكره،فيحتمل التخصيص بما إذا لم يدرك اختياري عرفة،و يتعيّن جمعاً بين الأدلة.

و حيث كفى اختياري أحدهما في صحة الحج فاختياريهما معاً أولى.

فهذه صور خمس،لا خلاف يعتدّ به و لا إشكال في إدراك الحج بكل منها:اختياريهما،و اختياري أحدهما،مع اضطراري الآخر و بدونه.

و بقي ثلاث صور أُخر:اضطراريهما معاً،و اضطراري أحدهما.

أما اضطراري عرفة وحده فلا يجزئ بلا خلاف أجده إلّا من إطلاق عبارة الإسكافي خاصة (3)،و لكن قيل:مراده اضطراري المشعر خاصة (4)، و لعلّه لذا ادّعى على عدم الكفاية الإجماع جماعة (5).

و أما الصورتان الأُخريان ففيهما خلاف أشار إليه في إحداهما بقوله:

ص:354


1- انظر المنتهى 2:728،و التحرير 1:103.
2- الفقيه 2:/284 1394،التهذيب 5:/294 998،الإستبصار 2:/307 1095،الوسائل 14:45 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 2.
3- حكاه عنه في المختلف:301.
4- المختلف:301.
5- انظر الدروس 1:426،و التنقيح الرائع 1:481،و مرآة العقول 18:139.
الثالثة لو لم يدرك عرفات نهاراً و أدركها ليلاً و لم يدرك المشعر حتى طلعت الشمس فقد فاته الحج

الثالثة:لو لم يدرك عرفات نهاراً و أدركها ليلاً و لم يدرك المشعر الحرام حتى طلعت الشمس فقد فاته الحج وفاقاً للمحكي عن ظاهر النهاية و المبسوط (1)؛ للنصوص المستفيضة القائلة إنّ من لم يدرك الناس بمشعر قبل طلوع الشمس من يوم النحر فلا حج له (2)،فإنها بعمومها تشمل محل النزاع،بل و ما إذا أدرك اختياري عرفات أيضاً،لكنه خرج بالإجماع،و بقي الباقي.

لكنها معارَضة بالصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة القائلة إنّ من أدرك المشعر قبل زوال الشمس من يوم النحر فقد أدرك الحج (3).و تقييدها بمن أدرك اختياري عرفة خاصة ليس بأولى من تقييد تلك بصورة عدم إدراك عرفة مطلقاً و لو اضطراريها.بل هذا أولى؛ لرجحان المعارَضة بالكثرة و الشهرة و اعتبار الأسانيد جملة،مع كون صحاحها مستفيضة،بخلاف تلك،لضعف أسانيدها جملة عدا صحيحة واحدة.و هي و إن صحّ سندها لكنها ظاهرة في عدم إدراك عرفات بالكلية؛ فإنّ فيها:عن رجل فاته الموقفان جميعاً،فقال:« له إلى طلوع الشمس يوم النحر،فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج و يجعلها عمرة و عليه الحج من قابل» (4)و نحن نقول بها في هذه الصورة كما ستعرفه،هذا.

مضافاً إلى خصوص الصحيح الصريح:« إذا أدرك الحاج عرفات قبل

ص:355


1- النهاية:273،المبسوط 1:383.
2- انظر الوسائل 14:37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 الأحاديث 1،3،4،5،20.
3- كما في الوسائل 14:39 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 الأحاديث 6،8،9،11.
4- التهذيب 5:/291 986،الإستبصار 2:/304 1084،الوسائل 14:37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 1.

طلوع الفجر فأقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا فليقف بالمشعر قليلاً،و ليلحق الناس بمنى،و لا شيء عليه» (1).

و حينئذ فالأصح ما قيل بأنه يصح حجه :مطلقاً و لو أدركه أي المشعر قبل الزوال من يوم النحر،و القائل الأكثر،و منهم:

الصدوق و الإسكافي و المرتضى و الحلبيّان (2)فيما حكي،و أكثر المتأخرين، بل عامّتهم.

و ظاهر الأوّلين و جملة من الآخرين كفاية إدراك اضطراري المشعر خاصة؛ لعموم الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة المتقدم إليها الإشارة،بل خصوص بعضها،و هو الصحيح فيمن قال:إني لم أُدرك الناس بالموقفين جميعاً،فقال:« إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج» (3).

لكنه ليس بصريح،بل قيل:ظاهر في إدراك عرفات أو مجمل فيه (4)،فسبيله كما عداه.

و مع ذلك معارض بالصحيحة السابقة المضاهية لهذه الصحيحة فيما يوجب الخصوص من التعبير في السؤال بمن فاته الموقفان جميعاً،و تعلّق

ص:356


1- التهذيب 5:/292 990،الإستبصار 2:/305 1088،الوسائل 14:44 أبواب الوقوف بالمشعر ب 24 ح 1.
2- حكاه عنهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:358؛ و هو في الفقيه 2:282 ذيل الحديث 1383 و جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):68،و الكافي في الفقه:197،و الغنية(الجوامع الفقهية):580.
3- التهذيب 5:/291 989،الإستبصار 2:/304 1086،الوسائل 14:39 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 6.
4- التهذيب 5:292،الاستبصار 2:304.

الجواب بأنه لا حج له إذا أدرك اضطراري المشعر خاصة.

مضافاً إلى صحيحة أُخرى أظهر من هذه الصحيحة،بل لعلّها صريحة فيما تضمنته:عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات،فقال:« إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليله فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا،فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات،و إن قدم و فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام،فإنّ اللّه تعالى أعذر لعبده،و قد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس،فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فيجعلها عمرة مفردة،و عليه الحج من قابل» (1).

فلم يبق إلّا عموم ما عداه،و هو معارض بعموم النصوص المقابلة في المسألة السابقة القائلة إنّ من لم يدرك المشعر قبل طلوع الشمس فلا حج له (2)،لكنّها ضعيفة الأسانيد كما عرفت.و مع ذلك ظاهر عمومها مخالف للإجماع؛ لشموله ما إذا أدرك اختياري عرفة.و لا كذلك عموم الصحاح؛ لموافقتها بعمومها لما عرفت من فتوى هؤلاء الجماعة،و لا ريب أن هذا العموم أولى من العموم السابق،سيّما مع الأولوية عدداً و سنداً كما مضى، فيترجح ما عليه هؤلاء.

خلافاً للأكثر،فمنعوا عن ذلك؛ و لعلّه لخصوص الصحيحة الأخيرة، فإنها أوضح دلالة من الصحاح المقابلة،فلتحمل على ما إذا أدرك اختياري عرفة أو اضطراريها،حمل المطلق على المقيد أو[العام على الخاص (3)].

ص:357


1- التهذيب 5:/289 981،الإستبصار 2:/301 1076،الوسائل 14:36 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 2.
2- راجع ص 2978.
3- في النسخ:الخاص على العام.

هذا مضافاً إلى الشهرة الجابرة للنصوص المقابلة في مفروض المسألة،المعاضدة لهذه الصحيحة الصريحة،و بذلك تترجح هذه النصوص على ما عارضها من الصحاح.مع أن في العمل بعمومها اطراحاً لتلك النصوص طرّاً،و لا كذلك العكس،فإنّ غايته تقييد الصحاح بمن أدرك عرفات،و هو أهون بالإضافة إلى طرح النص.و لا يقدح عمومها لما أدرك عرفات مطلقاً بعد وجود الدليل على تخصيصها بما إذا لم يدركها أصلاً، كما هو ظاهر الصحيح منها.

فما عليه الأكثر أظهر،سيّما و في صريح المختلف و التنقيح و المنتهى (1)كما حكي الوفاق عليه،و هو حجة أُخرى عليه جامعة كالصحيحة المتقدمة بين الأخبار المتعارضة،بتقييد الصحاح منها بمن أدرك عرفات مطلقاً و لو اضطراريها،و الضعيفة بما إذا لم يدركها كذلك.

و قد تلخّص مما ذكرنا أن أقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختياري و الاضطراري ثمانية،و كلّها مجزئة إلّا الاضطراري الواحد منها،كما عليه جماعة،و منهم الشهيد في الدروس و اللمعة (2).

ص:358


1- المختلف:301،التنقيح الرائع 1:482،المنتهى 2:727.
2- الدروس 1:426،اللمعة 2:278.
القول في الوقوف بالمشعر
اشارة

القول في الوقوف بالمشعر و النظر في مقدمته و كيفيته و لواحقه

المقدمة

فالمقدمة تشتمل على مندوبات خمسة:

الاقتصاد و التوسط في السير إلى المشعر بسكينة و وقار،كما في الصحيح (1)؛ سائلاً العتق من النار،كما فيه؛ مستغفراً،كما فيه و في الآية (2).

و الدعاء عند الكثيب (3)الأحمر عن يمين الطريق بقوله:« اللهم ارحم موقفي،و زد في عملي،و سلم لي ديني،و تقبّل مناسكي» كما في الصحيح (4).

و تأخير المغرب و العشاء إلى المزدلفة و لو صار ربع الليل بل ثلثه كما في الصحيح (5)،و في المنتهى و عن التذكرة (6):إنّ عليه إجماع أهل العلم كافة.

و لعلّ الاقتصار على الربع كما هنا و في الشرائع و عن الهداية و المقنعة و المراسم و الجمل و العقود و الخلاف (7)نظراً إلى أخبار توقيت المغرب إليه،

ص:359


1- التهذيب 5:/187 623،الوسائل 14:5 أبواب الوقوف بالمشعر ب 1 ح 1.
2- البقرة:199.
3- الكثيب:الرمل المستطيل المحدودب.مجمع البحرين 2:156.
4- المتقدّم مصدره في الهامش(1).
5- التهذيب 5:/188 625،الإستبصار 2:/254 895،الوسائل 14:12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 1.
6- المنتهى 2:723،التذكرة 1:374.
7- الشرائع 1:255،الهداية:61،المقنعة:416،المراسم:112،الجمل و العقود(الرسائل العشر):234،الخلاف 2:340.

و حمل الثلث على أن يكون الفراغ من العشاء عنده.

و في الموثق:« و إن مضى من الليل ما مضى» (1)و لعلّه بمعنى:و إن مضى منه ما مضى بشرط بقاء وقت الأداء،و قد يكون ممّا أشار إليه الشيخ فيما حكي عنه في الخلاف بقوله:و روى إلى نصف الليل (2).

و يقرب منه قول ابن زهرة:لا يجوز أن يصلي العشاءين إلّا في المشعر،إلّا أن يخاف فوتهما بخروج وقت المضطر (3).

و يجوز تنزيل الموثق على الغالب من ذهاب ربع الليل أو ثلثه.

و ظاهر ابن زهرة وجوب التأخير،كما عن الشيخ و العماني (4)أيضاً، و هو ظاهر النهي في المعتبرين السابقين.و إنما حمله الأصحاب على الكراهة جمعاً بينهما و بين الصحيحين المتضمن أحدهما لنفي البأس أن يصلّي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة (5)،و ثانيهما ما يقرب من الأول فعلاً (6).

و في المختلف:الظاهر أن قصد الشيخ الكراهة دون التحريم،و كثيراً ما يطلق على المكروه أنه لا يجوز (7).

ص:360


1- التهذيب 5:/188 624،الإستبصار 2:/254 894،الوسائل 14:12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 2.
2- الخلاف 2:340.
3- انظر الغنية(الجوامع الفقهية):581.
4- الشيخ في المبسوط 1:367،و نقله عن العماني في المختلف:299.
5- التهذيب 5:/189 629،الإستبصار 2:/255 898،الوسائل 14:12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 3.
6- التهذيب 5:/189 628،الإستبصار 2:/255 897،الوسائل 14:12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 4.
7- المختلف:299.

و الجمع بينهما أي بين صلاتي المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين بإجماعنا،كما هو ظاهر التذكرة و الخلاف (1)،و في المنتهى و غيرها (2)؛ للصحاح و غيرها (3).

و على هذا فيستحب تأخير نوافل المغرب عن وقتها حتى يصلي العشاء فيصليها قضاءً،فإنه مع تقديمها ينتفي الجمع المستحب؛ هذا مضافاً إلى بعض المعتبرة:عن الركعات التي بعد المغرب ليلة المزدلفة،فقال:« صلّها بعد العشاء الآخرة أربع ركعات» (4)و نحوه آخر بمعناه (5).

ص:361


1- التذكرة 1:374،الخلاف 2:339.
2- المنتهى 2:723؛ و انظر المدارك 7:420،و كشف اللثام 1:357.
3- الوسائل 14:14 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6.
4- الكافي 4:/469 2،الوسائل 14:14 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 2.
5- التهذيب 5:/190 631،الإستبصار 2:/255 900،الوسائل 14:15 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 4.
الكيفية واجبات و مندوبات

و في الكيفية واجبات و مندوبات

الواجبات

فالواجبات:النية كما مرّ في عرفة و كلّ عبادة،و لينوي أن وقوفه لحجة الإسلام أو غيرها كما عن التذكرة (1).

و هل تجب مقارنتها اختياراً لطلوع الفجر،و استدامة حكمها إلى طلوع الشمس،أم يجوز إيقاعها في أيّ جزء من هذا الزمان أُريد،و قطعها متى أُريد؟وجهان مبنيان على وجوب استيعاب هذا الزمان اختياراً بالوقوف و عدمه.

قيل:و الوجه العدم كما في السرائر؛ للأصل من غير معارض،بل استحباب تأخيره من الصلاة كما سيأتي،و سيأتي استحباب الإفاضة قبل طلوع الشمس،و جواز وادي محسِّر قبله،و ظاهر الفخرية و الدروس الأول،و تبعهما عليه جماعة،و ليس بجيّد (2).انتهى.

و إلى ما استوجهه يميل في الذخيرة (3)،لكن احتاط بما ذكره الجماعة،و هو حسن.

و عليه فيكون حال الوقوف هنا كما مرّ في عرفة من أن الواجب فيه المسمّى.

ثم إن كان الوقوف ليلاً فهل يجب استئناف النية بعد الفجر؟وجهان، قيل:مبنيّان على كون الوقوف بالليل اختيارياً و عدمه (4).و في الدروس إن

ص:362


1- التذكرة 1:374.
2- كشف اللثام 1:355.
3- الذخيرة:656.
4- كشف اللثام 1:356.

الأولى الاستئناف (1)،و كذا في الروضة (2).

و الوقوف به أي بالمشعر.

و حدّه ما بين المَأزمين إلى الحياض إلى وادي محسِّر بغير خلاف ظاهر،مصرِّح به في الذخيرة (3)،و في غيرها الإجماع (4)،بل في المنتهى:

لا نعلم فيه خلافا (5)؛ للصحيح (6)و المرسل (7)،و يوافقهما معتبرة أُخر (8).

و في الصحيح:« حدّها» يعني المزدلفة« ما بين المأزمين إلى الجبل إلى حياض محسِّر» (9).

قيل:و كان الجبل من الحدود الداخلة،و المأزمان بكسر الزاي و الهمزة،و يجوز التخفيف بالقلب ألفاً:الجبلان بين عرفات و المشعر، و المأزم في الأصل:المضيّق بين الجبلين (10).

و عليه فلو وقف بغير المشعر اختياراً أو اضطراراً لم يجز و لكن يجوز الارتفاع إلى الجبل مع الزحام بلا خلاف على الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر،و في الغنية و غيرها (11)الإجماع؛ للموثق:فإذا

ص:363


1- الدروس 1:423.
2- الروضة 2:275.
3- الذخيرة:657.
4- انظر التذكرة 1:375،و المدارك 7:421.
5- المنتهى 2:726.
6- التهذيب 5:/190 633،الوسائل 14:17 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 1.
7- الفقيه 2:/280 1376،الوسائل 14:18 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 6.
8- الوسائل 14:18 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 3،4،5.
9- التهذيب 5:/190 634،الوسائل 14:17 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 2.
10- كشف اللثام 1:355.
11- الغنية(الجوامع الفقهية):580؛ و انظر مفاتيح الشرائع 1:347.

كثروا بجمع و ضاقت عليهم كيف يصنعون؟قال:« يرتفعون إلى المأزمين» قلت:فإذا كانوا بالموقف و كثروا و ضاق عليهم كيف يصنعون؟فقال:

« يرتفعون إلى الجبل» الخبر (1).

و لعلّ السياق مضافاً إلى فهم الأصحاب قرينة على كون« إلى» هنا بمعنى« على» فيكون استثناءً للمأزمين و الجبل،و إرشاداً إلى دخولهما فيما يوقف عليه و لكن ضرورة.

و يكره لا معه كما هنا و في ظاهر المختلف و صريح الدروس و غيره (2)،بل عزي إلى المشهور (3)،مع أن ظاهر الأكثر عدم الجواز كما في صريح الغنية و عن القاضي (4)،و لعلّه للصحيحة المتقدمة،حيث جعل فيها الجبل من حدود المشعر الخارجة عن المحدود،خرج حال الضرورة و بقي حال الاختيار،فتأمل.

و لا ريب أن عدم الجواز إلّا مع الضرورة أحوط،سيّما و في الغنية الإجماع عليه.

و وقت الوقوف بالمشعر للمختار واحد،و هو على المشهور ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس من يوم النحر.

و للمضطر اثنان،أحدهما على الأشهر من طلوع الشمس إلى الزوال و الثاني من أول ليلة النحر إلى الفجر،و قد يعبّر عنهما بواحد فيقال:من أول ليلة النحر إلى الزوال كما عن المنتهى (5).

ص:364


1- الكافي 4:/471 7،التهذيب 5:/180 604،الوسائل 14:19 أبواب الوقوف بالمشعر ب 9 ح 1،2.
2- المختلف:298،الدروس 1:423؛ و انظر المدارك 7:422.
3- انظر المسالك 1:113.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):580،القاضي في المهذب 1:254.
5- المنتهى 2:728.

و يقابل الأشهر في الأول ما قيل من أنه من أول ليلة النحر إلى طلوع الشمس،إلّا أن على مقدِّمه على الفجر دم شاة.

و في الثاني ما عن السيّد من امتداد الاضطراري إلى غروب الشمس يوم النحر (1).

و هذان القولان نادران،بل على خلافهما الإجماع في المدارك و غيره (2).

قيل بعد نقل نحو ما قلنا:و المحصَّل أنه لا خلاف في أنه من الفجر إلى طلوع الشمس اختياري،و أن ما بعد طلوع الشمس اضطراري،و إنما الكلام فيما قبل الفجر.ففي الدروس إنه اختياري؛ لإطلاق الصحيح في المتقدم من مزدلفة إلى منى:يرمون الجمار و يصلّون في منازلهم:« لا بأس» (3).

و إطلاق الحسن:« و إن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» (4)مع السكوت عن أمره بالرجوع.

و إطلاق الأخبار بأن من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس أدرك الحج (5).

ص:365


1- حكاه عنه في السرائر 1:619،و هو في الانتصار:90.
2- المدارك 7:431؛ و انظر المختلف:300،و الحدائق 16:435.
3- التهذيب 5:/193 643،الإستبصار 2:/256 903،الوسائل 14:30 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 8.
4- الكافي 4:/473 1،التهذيب 5:/193 642،الإستبصار 2:/256 902،الوسائل 14:27 أبواب الوقوف بالمشعر ب 16 ح 1.
5- انظر الوسائل 14:37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 الأحاديث 3،4،13،20.

و هو ظاهر الأكثر؛ لحكمهم بجبره بشاة فقط،حتى إن في المنتهى:

اتّفاق من عدا الحلّي على صحة الحج مع الإفاضة من المشعر قبل الفجر عمداً اختياراً،و فيه مع ذلك و في الكافي:إنه اضطراري،و قد يستظهر من جمل العلم و العمل.و ما سمعته من المنتهى قرينة على أنه إنما أراد بالاضطراري ما يأثم باختياره و إن أجزأه،و يحتمله الجمل و الكافي،و لكن الشيخ في الخلاف و الحلّي لم يجتزئا به للمختار،و نصّ الحلّي على بطلان حجه بناءً على أن الوقوف بعد الفجر ركن فيبطل بتركه الحج،و منعه في المختلف و المنتهى،و قيّد المحقّق اجتزاء المختار به بما إذا أدرك عرفات، و هو يعطي الاضطرارية،و يجوز أن يكون إشارة إلى تقييد كلام الأصحاب و الأخبار،و ليس بعيداً (1).

أقول:و أشار بتقييد المحقّق اجتزاء المختار به إلى آخره بما ذكره هنا و في الشرائع (2)من قوله:

و لو أفاض قبل الفجر عامداً عالماً جبره بشاة و لم يبطل حجه إن كان وقف بعرفات اختياراً.

ثم في كلام القيل:بقي الكلام في أن آخر الاضطراري زوال يوم النحر،أو غروبه؟فالمشهور الأول،و في المختلف الإجماع عليه، و الأخبار ناطقة به (3)،و في السرائر عن انتصار السيّد الثاني،و يوافقه المنتهى في نقله عن السيّد،و ليس في الانتصار إلّا أن من فاته الوقوف بعرفة فأدرك الوقوف بالمشعر يوم النحر فقد أدرك الحج،و ليس نصاً و لا ظاهراً في

ص:366


1- كشف اللثام 1:355.
2- الشرائع 1:256.
3- الوسائل 14:39 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 6،8،9،11.

ذلك،و لذا ذكر في المختلف أن النقل غير سديد.قلت:و على القول به فلعلّ دليله الأخبار المطلقة،نحو:« من أدرك المشعر فقد أدرك الحج» (1)و ضعفه ظاهر؛ فإنّ الكلام في إدراك المشعر،فإنه بمعنى إدراك الوقوف به أي ما يكون وقوفاً به شرعاً،مع المعارضة بالأخبار المقيّدة (2).

انتهى كلامه عليه الرحمة و إنما نقلناه بطوله لجودة مفاده و حسن محصوله،مع تكفّله لشرح ما في المتن هنا و سابقاً بتمامه.لكن هنا قول آخر للغنية لم يتعرض له،و هو أن الاختياري ليلة النحر،و الاضطراري من طلوع فجره إلى شمسه (3)،و هو غريب.

و اعلم أن ليس في المتن دلالة على وجوب المبيت بالمشعر،و عن ظاهر الأكثر وجوبه (4)،و عن التذكرة العدم (5).و الأول أحوط إن لم يكن أظهر؛ للتأسي،و الصحيح:« لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة» (6).

و على القولين لا يجوز الإفاضة من المشعر ليلاً إلّا للمرأة مطلقاً و الخائف و كلّ ذي عذر فيجوز.

أما الأول فللإخلال بالواجب من الوقوف بعد الفجر.

و أما الثاني فللإجماع الظاهر،المصرَّح به في عبائر جماعة (7)؛ مضافاً

ص:367


1- الوسائل 14:41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 13،14؛ و ب 27 ح 1.
2- كشف اللثام 1:355.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):580.
4- الذخيرة:656.
5- التذكرة 1:375.
6- الكافي 4:/468 1،الوسائل 14:18 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 3.
7- منهم:صاحب المدارك 7:427،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:356،و السبزواري في الذخيرة:657.

إلى الصحاح المستفيضة و غيرها (1)؛ و انتفاء الحرج شرعاً،و في المنتهى:إنه قول كلّ من يحفظ عنه العلم (2).

و لا يحتاج إلى جبرٍ بلا خلاف.

قيل:و لا بدّ لهم من الوقوف و لو قليلاً كما نصّت عليه الأخبار، فعليهم النية.و الأولى أن لا يفيضوا إلّا بعد انتصاف الليل إن أمكنهم كما في الصحيح (3).انتهى (4).و لا بأس به.

المندوب

و الندب:صلاة الغداة قبل الوقوف الواجب نيته كما هنا و في الشرائع و عن المقنع و الهداية و الكافي و المراسم و جمل العلم و العمل (5)؛ للصحيح:« أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر،فقف إن شئت قريباً من الجبل و إن شئت حيث تبيت» (6).

قيل:و المراد بالوقوف هنا القيام للدعاء و الذكر،و أما الوقوف المتعارف بمعنى الكون فهو واجب من أول الفجر،فلا يجوز تأخيره بنيته إلى أن يصلّي (7).

ص:368


1- الوسائل 14:28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17.
2- المنتهى 2:726.
3- الكافي 4:/474 6،الفقيه 2:/283 1392،الوسائل 14:30 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 7.
4- كشف اللثام 1:356.
5- الشرائع 1:256،المقنع:87،الهداية:61،الكافي في الفقه:214،المراسم:112،جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):68.
6- الكافي 4:/469 4،التهذيب 5:/191 635،الوسائل 14:20 أبواب الوقوف بالمشعر ب 11 ح 1.في الكافي و الوسائل:« و إن شئت حيث شئت»
7- المسالك 1:114.

و فيه نظر؛ لمخالفته لظاهر نحو العبارة،بل صريح جملة كعبارة المنتهى،فإنه قال:و يستحب أن يقف بعد أن يصلّي الفجر،و لو وقف قبل الصلاة إذا كان قد طلع الفجر أجزأه (1).و نحوه عن التذكرة (2).و في التحرير:و لو وقف قبل الصلاة جاز إذا كان الفجر طالعاً (3).

هذا مع عدم وضوح دلالة الأخبار و كلام كثير على ما ذكره من وجوب الوقوف بنيته عند الفجر،و قد سبق إليه الإشارة.

و الدعاء بنحو ما في الصحيح:« فإذا وقفت فاحمد اللّه عزّ و جلّ و أثن عليه،و اذكر من آلائه و بلائه ما قدرت عليه،و صلِّ على النبي صلى الله عليه و آله، ثم ليكن من قولك:اللهم ربّ المشعر الحرام،فكّ رقبتي من النار،و أوسع عليّ من رزقك الحلال،و ادرأ عني شرّ فسقة الجن و الإنس،اللهم أنت خير مطلوب إليه و خير مدعوّ و خير مسؤول و لكل وافد جائزة،فاجعل لي جائزتي في موطني هذا أن تقيلني عثرتي،و تقبل معذرتي،و أن تجاوز عن خطيئتي،ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي» (4)و غير ذلك من الدعاء المرسوم.

و أن يطأ الصرورة أي الذي لم يحجّ بعد المشعر برجله كما في الخبر (5)،و في الصحيح:« و أنزل ببطن الوادي عن يمين الطريق قريباً

ص:369


1- المنتهى 2:724.
2- التذكرة 1:374.
3- التحرير 1:102.
4- تقدّم مصدره في ص 2991 الهامش(7).
5- الكافي 4:/469 3،التهذيب 5:/191 636،الوسائل 14:16 أبواب الوقوف بالمشعر ب 7 ح 2.

من المشعر،و يستحب للصرورة أن يقف على المشعر أو يطأه برجله» (1)كما عن التهذيب و المصباح و مختصره (2).

و ظاهر أن المراد بالمشعر هنا ما هو أخص من المزدلفة،و فسّر بجبل قُزَح في المبسوط و الوسيلة و الكشّاف و المغرب و غيرها على ما حكاه عنهم بعض الأجلّة (3)،قال:و هو ظاهر الآية و الأخبار و الأصحاب،فإن وطء المزدلفة واجب،و ظاهر الوقوف عليه غير الوقوف به،و لا اختصاص للوقوف بالمزدلفة بالصرورة،و بطن الوادي من المزدلفة،فلو كانت هي المشعر الحرام لم يكن للقرب منه معنى،و كان الذكر فيه لا عنده.

و في الدروس عن الإسكافي أنه يطأ برجله أو بعيره المشعر الحرام قرب المنارة،قال:و الظاهر أنه المسجد الموجود الآن (4).

و ضعّف بأنه لو أُريد المسجد كان الأظهر الوقوف به أو دخوله،لا وطأه و الوقوف عليه.

قيل:و يمكن حمل كلام الإسكافي عليه أي على جبل قُزَح كما يحتمل كلام من قيّد برجله استحباب الوقوف بالمزدلفة راجلاً،بل حافياً، لكن ظاهرهم متابعة الصحيح،و هو كما عرفت ظاهر في الجبل (5).انتهى.

ص:370


1- الكافي 4:/468 1،التهذيب 5:/188 626،الوسائل 14:16 أبواب الوقوف بالمشعر ب 7 ح 1،و في الجميع:و يطأه..
2- التهذيب 5:191،مصباح المتهجد:641،و حكاه عن مختصر المصباح في كشف اللثام 1:356.
3- المبسوط 1:368،الوسيلة:179،الكشاف 1:246،المغرب 1:283؛ و انظر القاموس المحيط 1:252،و مجمع البحرين 2:404،و الصحاح 1:396،حكاه عنهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:356.
4- الدروس 1:422.
5- كشف اللثام 1:356.

و هو حسن إلّا أن المستفاد من بعض الصحاح و كلام أهل اللغة كما قيل أن المشعر هو مزدلفة و جمع (1)،و لذا قيل:الظاهر اشتراك المشعر بين المعنيين (2).و لكن الظاهر أن المراد به هنا هو المعنى الأول؛ لما مرّ.

و قيل:يستحب الصعود على قُزَح زيادةً على مسمى وطئه و ذكر اللّه تعالى عليه للنبويين العاميين (3)،و لضعفهما نسبه إلى القيل مشعراً بتمريضه،و القائل:الشيخ في المبسوط (4)،و تبعه الفاضل في جملة من كتبه (5)،و لا بأس به.

ثم كلام الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و القواعد و غيرهما (6)نصّ في مغايرة الصعود على قُزَح لوطء المشعر،و هو ظاهر عبارة المبسوط المحكية (7)،بل صريحها أيضاً،و عن ظاهر الحلبي و الدروس (8)اتحاد المسألتين.

و يستحب لمن عدا الإمام الإفاضة من المشعر قبل طلوع الشمس بقليل كما في الشرائع و القواعد و التحرير و عن النهاية و المبسوط (9)؛

ص:371


1- الذخيرة:658.
2- كشف اللثام 1:356.
3- سنن البيهقي 5:122.
4- المبسوط 1:368.
5- التذكرة 1:374،التحرير 1:102،المنتهى 2:725.
6- الشرائع 1:256،الإرشاد 1:329،القواعد 1:86؛ و انظر السرائر 1:589،و الذخيرة:657،و كشف اللثام 1:356.
7- المبسوط 1:368.
8- الحلبي في الكافي:214،الدروس 1:422.
9- الشرائع 1:258،القواعد 1:87،التحرير 1:102،النهاية:252،المبسوط 1:368.

للخبرين (1)،أحدهما الموثق:أيّ ساعة أحب إليك الإفاضة من جمع؟ فقال:« قبل أن تطلع الشمس بقليل فهي أحبّ الساعات إليّ» قالا:فإن مكثنا حتى تطلع الشمس،فقال:« ليس به بأس» .و في المنتهى:لا نعلم خلافاً فيه (2).و إطلاقهما و إن شمل الإمام أيضاً لكنه مستثنى بما يأتي.

و أن لا يتجاوز محسِّراً حتى تطلع الشمس؛ للنهي عنه في الصحيح (3)،و ظاهره التحريم،كما عن صريح القاضي و ظاهر الأكثر (4).

و هو أحوط.

خلافاً لصريح العبارة و المختلف و المنتهى و التذكرة كما حكي (5)، ف [و] يستحب،و بمعناه يكره أن يجوزه إلّا بعدَه كما عن السرائر (6)،قيل:

للأصل و احتمال النهي في الخبر الكراهة (7).و فيه نظر.

و الهرولة و هي الإسراع في المشي للماشي،و تحريك الدابة

ص:372


1- الأول:الكافي 4:/470 5،التهذيب 5:/192 639،الإستبصار 2:/257 908،الوسائل 14:25 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 1.الثاني:التهذيب 5:/192 638،الإستبصار 2:/257 907،الوسائل 14:25 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 3.
2- المنتهى 2:726.
3- التهذيب 5:/178 597،الوسائل 13:528 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 7 ح 4.
4- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:359،و هو في المهذب 1:254.
5- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:359،و هو في المختلف:300،و المنتهى 2:729،و التذكرة 1:475.
6- السرائر 1:589.
7- كشف اللثام 1:359.

للراكب في الوادي أي وادي محسِّر؛ للصحاح و غيرها (1)،و في المنتهى و التذكرة (2)كما حكي لا نعلم فيه خلافاً،و في غيرهما بإجماع العلماء (3).

مائة خطوة،كما في الصحيح (4)،و مائة ذراع،كما في غيره (5).

داعياً بالمرسوم في الصحيح فيقول:« اللهم سلّم لي عهدي، و اقبل توبتي،و أجب دعوتي،و اخلفني بخير فيما تركت بعدي» (6).

و لو نسي الهرولة حتى تعدّى الوادي رجع فتداركها للصحيح (7)و غيره (8).و ليس فيهما تقييد الترك بالنسيان،بل مطلق الترك و لو جهلاً،بل و عمداً،فتركه كما في عبائر جمع أولى (9).

و الإمام يتأخّر بجمع فلا يفيض منها حتى تطلع الشمس للمرسل: ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس،و سائر الناس إن شاؤوا عجّلوا و إن شاؤوا أخّروا (10).

ص:373


1- الوسائل 14:22 و 24 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13،14.
2- المنتهى 2:729،التذكرة 1:375.
3- المدارك 7:445.
4- الكافي 4:/471 4،الفقيه 2:/282 1385،الوسائل 14:23 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13 ح 3.
5- الفقيه 2:/282 1386،الوسائل 14:23 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13 ح 4.
6- الفقيه 2:/282 1384،التهذيب 5:/192 637،الوسائل 14:22 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13 ح 1.
7- الكافي 4:/470 1،الوسائل 14:24 أبواب الوقوف بالمشعر ب 14 ح 1.
8- الكافي 4:/470 2،الفقيه 2:/282 1387،التهذيب 5:/195 649،الوسائل 14:24 أبواب الوقوف بالمشعر ب 14 ح 2.
9- منهم:العلامة في التذكرة 1:375،و السبزواري في الذخيرة:662،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:359.
10- التهذيب 5:/193 641،الإستبصار 2:/258 909،الوسائل 14:26 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 4.

و ظاهره الاستحباب،كما هو الظاهر،و عن صريح السرائر و التذكرة و المنتهى و التحرير و الدروس (1).

قيل:و صريح النهاية و المبسوط و الوسيلة و المهذّب و الاقتصاد الوجوب (2)،و هو ظاهر الجمل و العقود و الغنية و الجامع (3).

و أوجبه الصدوقان و المفيد و سلّار و الحلبي (4)مطلقاً،من غير فرق بين الإمام و غيره،و استحبه الحلّي و الشيخ في المصباح (5)مطلقاً؛ لإطلاق الحسن:« ثم أفض حين يشرق لك ثَبير و ترى الإبل مواضع أخفافها» (6).

و يجوز أن يراد بالخبر و بكلامهم تأخير الخروج من المشعر و هو جواز وادي محسِّر وجوباً أو استحباباً.

و أوجب الصدوقان شاة على من قدّم الإضافة على طلوع الشمس (7).

أقول:و هذه الأقوال بظاهرها خلاف ما يظهر من الجمع بين الأخبار و لا سيّما القول بالوجوب منها في الجملة أو مطلقاً.

ص:374


1- السرائر 1:586،التذكرة 1:375،المنتهى 2:726،التحرير 1:102،الدروس 1:424.
2- كشف اللثام 1:359.
3- الجمل و العقود(الرسائل العشر):234،الغنية(الجوامع الفقهية):581،الجامع للشرائع:209.
4- الصدوق في الفقيه 2:327،و نقله عن والده في المختلف:300،المفيد في المقنعة:417،سلّار في المراسم:113،الحلبي في الكافي في الفقه:197.
5- الحلبي في السرائر 1:586،مصباح المتهجد:641.
6- التهذيب 5:/192 637،الوسائل 14:26 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 5.الثبير كأمير جبل بمكة كأنه من الثبرة و هي الأرض السهلة.مجمع البحرين 3:235.
7- الصدوق في الفقيه:2:327،و قد نقله عن والده في المختلف:300.

و عن التذكرة و المنتهى (1):الإجماع على أنه لو دفع قبل الإسفار بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس لم يكن مأثوماً إجماعاً.

اللواحق

و اللواحق أُمور ثلاثة:

الأول الوقوف بالمشعر ركن

الأول:الوقوف بالمشعر الحرام ركن عندنا فمن لم يقف به ليلاً و لا بعد الفجر عامداً بطل حجّه بإجماعنا و أخبارنا،منها:« إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج» (2).

بل هو أعظم من الوقوف بعرفة؛ لثبوته في نصّ الكتاب (3)،كما في المرسل كالموثق:« الوقوف بالمشعر فريضة و الوقوف بعرفة سنّة» (4).

خلافاً للمحكي عن أكثر العامة (5).

و عن الإسكافي و التهذيب (6):أنه إن تعمّد ترك الوقوف به فعليه بدنة.

و في المختلف:و هذا الكلام يحتمل أمرين:

أحدهما:أن من ترك الوقوف بالمشعر الذي حدّه ما بين المأزمين إلى الحياض و إلى وادي محسِّر وجب عليه بدنة.

ص:375


1- التذكرة 1:375،المنتهى 2:726.
2- التهذيب 5:/292 991،الإستبصار 2:/305 1089،الوسائل 14:38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 2.
3- البقرة:198.
4- الفقيه 2:/206 937،التهذيب 5:/287 977،الإستبصار 2:/302 1080،الوسائل 13:552 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 19 ح 14.
5- حكاه عنهم في المنتهى 2:725،و هو في مغني المحتاج:499،و بدائع الصنائع 2:135.
6- نقله عن الإسكافي في المختلف:300،التهذيب 5:294.

و الثاني:من ترك الوقوف على نفس المشعر الذي هو الجبل فإنه يستحب الوقوف عليه عند أصحابنا وجب عليه بدنة.

و كلا الاحتمالين خلاف لما ذكره علماؤنا؛ فإن أحداً من علمائنا لم يقل بصحة الحج مع ترك الوقوف بالمشعر عمداً مختاراً؛ و لم يقل أحد منهم بوجوب الوقوف على نفس المشعر الذي هو الجبل و إن تأكد استحباب الوقوف به.

قال:و حمل كلامه على الثاني أولى؛ لدلالة سياق كلامه عليه.

قال:و يحتمل ثالث و هو:أن يكون قد دخل المشعر الذي هو الجبل ثم ارتحل متعمداً قبل أن يقف مع الناس مستخفاً (1)؛ للصحيح:« من أفاض من عرفات فلم يلبث معهم بجمع و مضى إلى منى متعمداً أو مستخفاً فعليه بدنة» (2).

و يضعّف:بأن المناسب للخبر أن يكون دخل جمعاً لا الجبل.

و الأولى حمل الخبر و كلامهما على إدراك مسمّى الوقوف ليلاً و الإفاضة قبل وقته إلى طلوع الفجر،و قد تقدّم أن عليه شاة و لم يبطل حجه،و لهذا قيّد الماتن البطلان بما إذا لم يقف به ليلاً مؤذناً بصحة الحج مع الوقوف به ليلاً كما مضى،و لكن يشكل إيجاب البدنة،و الأظهر الأشهر الشاة كما قدّمنا (3).

و لا يبطل الحج بتركه لو كان ناسياً إذا كان وقف بعرفات

ص:376


1- المختلف:300.
2- الكافي 4:/473 6،الفقيه 2:/283 1388،التهذيب 5:/294 996،الوسائل 14:48 أبواب الوقوف بالمشعر ب 26 ح 1.
3- راجع ص 2988.

اختياراً،على الأشهر الأقوى كما قدّمنا،و إذا وقف بها اضطراراً لم يصحّ حجه إجماعاً كما مضى.

و إطلاق العبارة و نحوها يقتضي عدم الفرق في بطلان الحج بتعمد ترك الوقوف بالمشعر بين العالم و الجاهل،و به صرّح بعض (1)،وفاقاً للشيخ في التهذيب (2)؛ لإطلاق ما مرّ من النص؛ مضافاً إلى الأصل،لعدم الإتيان بالمأثور به على وجهه فيبطل.

و هو حسن لولا الصحيح:في رجل لم يقف بالمزدلفة و لم يبت بها حتى أتى منى،فقال:« أ لم ير الناس» إلى أن قال:قلت:فإنه جهل ذلك، قال:« يرجع» قلت:إنّ ذلك قد فاته،قال:« لا بأس» (3)و نحوه المرسل (4).

إلّا أن الشيخ رحمه الله حملهما على تارك كمال الوقوف جهلاً و قد أتى باليسير منه،و استشهد عليه بخبرين ضعيفي السند قاصري الدلالة.

و لو فاته الموقفان جميعاً بطل الحج و لو كان الفوت ناسياً بالنص و إجماع العلماء على ما حكاه بعض أصحابنا (5)؛ مضافاً إلى الأصل الذي مضى الإشارة إليه قريباً.

الثاني من فاته الحج سقطت عنه أفعاله

الثاني:من فاته الحج سقطت عنه بقية أفعاله من الهدي و الرمي و المبيت بمنى و الحلق أو التقصير فيها،و له المضي من حينه إلى مكة و الإتيان بأفعال العمرة و التحلل.

ص:377


1- كالعلامة في التحرير 1:103،و صاحب المدارك 7:432.
2- التهذيب 5:292.
3- الكافي 4:/473 5،التهذيب 5:/293 993،الوسائل 14:45 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 6.
4- التهذيب 5:/292 992،الإستبصار 2:/305 1090،الوسائل 14:46 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 5.
5- كصاحب المدارك 7:434،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:348.

و لكن يستحب له الإقامة بمنى إلى انقضاء أيام التشريق كما في الصحيح (1) ثم يتحلل بعمرة مفردة كما فيه و في الصحاح المستفيضة،منها:« أيّما حاجّ سائق للهدي أو مفرد للحج أو متمتع بالعمرة إلى الحج قدم و قد فاته الحج فليجعلها عمرة و عليه الحج من قابل» (2).

و عن التذكرة و المنتهى و في غيرهما (3)الإجماع عليه،و لذا قطع الفاضل في التحرير و غيره (4)بأنه لو أراد البقاء على إحرامه إلى القابل ليحج به لم يجزه،قيل:و استظهره في التذكرة و المنتهى،و جعله الشهيد أشبه (5).

و هل عليه نية الاعتمار،أم ينقلب الإحرام إليه قهراً حتى لو أتى بأفعالها من غير نية الاعتمار لكفى؟قيل:قطع بالأول في التحرير و التذكرة و المنتهى، و أسند فيهما خلافه إلى بعض العامة،و يدلُّ عليه الاستصحاب،و أن الأعمال بالنيات،و ظاهر الأمر« يجعلها عمرة» في الصحاح،و جعله الشهيد أحوط (6).

و احتمل الثاني؛ للأصل،و ظاهر قولهم عليهم السلام في جملة من الأخبار المتضمنة للصحيح و غيره« فهي عمرة مفردة» كما في الثاني (7)،أو« يطوف و يسعى بين الصفا و المروة» كما في الأول (8)،و وافقه في الذخيرة،مجيباً

ص:378


1- التهذيب 5:/295 999،الإستبصار 2:/307 1096،الوسائل 14:50 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 3.
2- الكافي 4:/476 2،الفقيه 2:/284 1394،التهذيب 5:/294 998،الإستبصار 2:/307 1095،الوسائل 14:48 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 1.
3- التذكرة 1:398،المنتهى 2:852؛ و انظر كشف اللثام 1:358.
4- التحرير 1:124؛ و انظر الدروس 1:427،و الحدائق 16:471.
5- كشف اللثام 1:358.
6- انظر كشف اللثام 1:358.
7- قرب الإسناد:174،الوسائل 14:51 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 6.
8- الفقيه 2:/243 1160،التهذيب 5:/295 1001،الإستبصار 2:/308 1098،الوسائل 14:49 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 2.

عن الأمر بجعلها عمرة بأن المفهوم من هذا الأمر الإتيان ببقية أفعال العمرة، لا الإتيان بالنية (1).

و هو حسن،لكن دلالة أخبار المقابلة على عدم اعتبار النية أيضاً غير واضحة،فإذاً المسألة لا تخلو عن ريبة،و الأصل يقتضي اعتبارها بلا شبهة.

ثم يقضي الحج في القابل واجباً إن كان واجباً عليه وجوباً مستقراً مستمراً،و إلّا فندباً،بلا خلاف أجده في المقامين،و به صرّح في الثاني في الذخيرة (2)،و غيرها،و بالإجماع في الأول صُرِّح في كلام جماعة (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل في الثاني،و الصحاح المشار إليها في الأول،لكنها مطلقة بأن عليه الحج من قابل،و لكن قيّدها الأصحاب بالمقام الأول، مدّعين الإجماع عليه.

و أما الخبر أو الصحيح كما قيل (4)في قوم قدموا يوم النحر و قد فاتهم الحج أنه:« يهريق كل واحد منهم دم شاة و يحلّون و عليهم الحج من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم،و إن أقاموا حتى يمضي أيام التشريق بمكة ثم خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكة فأحرموا و اعتمروا فليس عليهم الحج من قابل» (5).

ص:379


1- الذخيرة:660.
2- الذخيرة:660.
3- منهم:الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:385،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:358.
4- كشف اللثام 1:358.
5- الكافي 4:/475 1،الفقيه 2:/284 1395،التهذيب 5:/295 1000،الإستبصار 2:/307 1097،الوسائل 14:50 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 5.

فقال الشيخ:يحتمل أن يكون مختصاً بمن اشترط حال الإحرام،فإنه إذا كان اشترط لم يلزمه الحج من قابل،و إن لم يكن قد اشترط لزمه ذلك في العام المقبل (1).

و استشهد له بالصحيح:عن رجل خرج متمتعاً بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلى يوم النحر،فقال:« يقيم على إحرامه و يقطع التلبية حين يدخل مكة،فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة و يحلق رأسه و ينصرف إلى أهله إن شاء» و قال:« هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه،فإن لم يكن اشتراط فإنّ عليه الحجّ من قابل» (2).

و فيه ما في كلام جماعة،من أن الفائت إن كان مستحباً لم يجب القضاء و إن لم يشترط،و كذا إن لم يستقر و لا استمر وجوبه،و إن كان واجباً وجوباً مستقراً أو مستمراً وجب و إن اشترط،فالوجه حمل هذا الخبر بعد الإغماض عن سنده على شدة استحباب القضاء إذا لم يشترط و كان مندوباً أو غير مستقرّ الوجوب و لا مستمرّة.

ثم مقتضى الأصل و ظاهر الصحاح و غيرها الواردة في بيان الحاجة الساكتة عن إيجاب الهدي عدمه،كما هو ظاهر الأكثر،بل المشهور.

خلافاً للمحكي عن نادر فأوجبه (3)؛ لما مرّ من الخبر،و لأنه حلّ قبل تمام إحرامه كالمحصر.

و ضعفه ظاهر؛ فإنه يتمّ الأفعال لكنه يعدل،و الخبر محمول على

ص:380


1- التهذيب 5:295.
2- التهذيب 5:/295 1001،الإستبصار 2:/308 1098،الوسائل 14:49 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 2.
3- حكاه الشيخ في الخلاف 2:374 عن بعض أصحابنا.

الندب؛ لما مر؛ مع ما في الراوي من الكلام.

نعم،روى الصدوق في الصحيح نحو ما فيه،إلّا أنه عليه السلام قال فيه:

« يقيم بمكة على إحرامه و يقطع التلبية حين يدخل الحرم،فيطوف بالبيت و يسعى و يحلق رأسه و يذبح شاته ثم ينصرف إلى أهله» ثم قال:« هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه أن يحلّه حيث حبسه،فإن لم يشترط فإن عليه الحج و العمرة من قابل» (1).

إلّا أن لفظ« شاته» بالإضافة مشعر بأنه كان معه شاة عيّنها للهدي،و يحتمل أن يكون فُتياً بعينه و قد يكون نذر الشاة للهدي، و يحتمل الاستحباب،مع أن ظاهره هو جواز الإحلال و الرجوع لهم بمجرّد الحلق و ذبح الشاة من غيره حاجة إلى عمرة التحلل،و هو خلاف الإجماع.

قيل:و الأولى حمل هذا الخبر على التقية (2)؛ لأن المشهور بين العامّة هو أن من فاته الحج لم يجب عليه العمرة،بل يبقى على إحرامه السابق، و يتحلل بطواف و سعى و حلاق،و كذلك وجوب الهدي عليه هو القول المنصور بينهم الذي إليه أهل الشوكة منهم و أهل الجاه و الاعتبار.

الثالث يستحب التقاط الحصى من جمع

الثالث:يستحب التقاط الحصى من جمع إجماعاً،كما عن ظاهر المنتهى و التذكرة و صريح غيرهما (3)،و للصحيحن (4):« خذ حصى

ص:381


1- الفقيه 2:/243 1160،الوسائل 14:49 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 2.
2- الحدائق 16:468.
3- المنتهى 2:728،التذكرة 1:375؛ و انظر المدارك 7:439،و مفاتيح الشرائع 1:329.
4- الكافي 4:/477 1،3،التهذيب 5:/195 650،الوسائل 14:31 أبواب الوقوف بالمشعر ب 18 ح 1.

الجمار من جمع،و إن أخذته من رحلك بمنى أجزأك» . و هو سبعون حصاة ذَكَر الضمير لعوده إلى الملقوط المدلول عليه بالالتقاط،و هذا العدد هو الواجب،و لو التقط أزيد منه احتياطاً حذراً من سقوط بعضها أو عدم إصابة فلا بأس.

و يجوز الالتقاط من غير جمع؛ للأصل و الصحيحين،لكن لا يجوز إلّا من الحرم؛ للصحيح:« حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك،و إن أخذته من غير الحرم لم يجزئك» (1).

و يجوز الالتقاط من أي جهات الحرم شاء عدا المساجد مطلقاً كما هنا و في الشرائع و القواعد و عن الجامع (2)قيل:للنهي عن إخراج حصى المساجد و هو يقتضي الفساد،كذا في الرمي المختلف (3).

و الذي تقدّم في الصلاة كراهية الإخراج،و إن سلّم الحرمة فالرمي غير منهي عنه،إلّا أن يثبت وجوب المبادرة إلى الإعادة فيقال:الرمي منهي عنه،لكونه ضدها.

و يمكن حمل الجواز على الإباحة بالمعنى الأخص فينافيه الكراهة، و الفساد على فساد الإخراج،بمعنى الرغبة عنه شرعاً.

أو يقال:يجب إعادتها إليها أو إلى غيرها من المساجد،و عند الرمي يلتبس بغيرها،فلا يمتاز ما من المسجد من غيره.

و فيه:أنه يمكن أعلامها بعلامة تميزها.

و في الموثق:« يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلّا من

ص:382


1- الكافي 4:/477 2،الوسائل 14:31 أبواب الوقوف بالمشعر ب 18 ح 2.
2- الشرائع 1:257،القواعد 1:87،الجامع للشرائع:209.
3- المختلف:303.

المسجد الحرام و مسجد الخيف» (1).

و لذا اقتصر عليهما الأكثر،و إلى قولهم أشار بقوله:

و قيل:عدا المسجد الحرام و مسجد الخيف و ليس في التهذيب المسجد الحرام (2)،و لذا اقتصر عليه الشيخ في مصباحه (3)،و لعلّه لبُعد الالتقاط من المسجد الحرام.

و في بعض القيود أنه لا يجوز الأخذ من وادي محسِّر (4).

و في المنتهى:لو رمى بحصاة محسِّر كره له ذلك،و هل يكون مجزئاً أم لا،فيه تردّد،أقربه الإجزاء؛ للعموم (5).

و يشترط أن يكون أحجاراً و لا يجوز بغيرها كالمدر و الآجر و الكحل و الزرنيخ و غير ذلك من الذهب و الفضة،بإجماعنا الظاهر، المحكي عن صريح الانتصار و ظاهر التذكرة و المنتهى (6)،بل في المنتهى و التحرير عن الأكثر تعيّن الحَصى (7).و هو الأقوى؛ للتأسي و الاحتياط، لورود النصوص بلفظ الحصى و الحصيات،مع أن في الصحيح منها:« لا ترم الجمار إلّا بالحصى» (8).

ص:383


1- الكافي /478 8،التهذيب 5:/196 652،الوسائل 14:32 أبواب الوقوف بالمشعر 19 ح 2.
2- لا يخفى أنها موجودة في النسخة التي كانت بأيدينا من التهذيب.
3- مصباح المتهجد:642.
4- المنتهى 2:730،و فيه بدل كلمة محسّر:نجسة.
5- 7
6- الانتصار:105،التذكرة 1:376،المنتهى 2:729.
7- المنتهى 2:730،التحرير 1:103.
8- الكافي 4:/477 5،التهذيب 5:/196 654،الوسائل 14:59 أبواب رمي جمرة العقبة ب 4 ح 1.

خلافاً للخلاف،ففيه جواز الرمي بالحجر و ما كان من جنسه من البرام و الجواهر و أنواع الحجارة (1).

و لا دليل عليه سوى ما يحكى عنه من دعواه الإجماع،و فيها مع وهنها معارضتها بأقوى،و هي الأدلة التي قدّمناها.

أو ما يفهم كلامه المتقدّم من دخول الجميع في الحجر،و هو الحَصى،بناءً على أن الحصى هي الحجارة الصغيرة كما عن القاموس (2)، و عليه فلا خلاف.

لكن يمنع الدخول أوّلاً،ثم يستشكل في تفسير الحصى بالحجارة، لمنافاته العرف و العادة،و لذا أن جماعة من متأخري (3)قالوا بعد نحو ما في العبارة:بل الأجود تعيّن الرمي بما يسمى حصاة.و هو الأقرب.

و أن يكون من الحرم للصحيح:« حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك،و إن أخذته من غير الحرم لم يجزئك» (4).

و في المرسل:« لا تأخذه من موضعين:من خارج الحرم،و من حصى الجمار» (5).

و به قطع الأكثر.

قيل:خلافاً للخلاف و القاضي (6)،و مستندهما غير واضح سوى

ص:384


1- الخلاف 2:342.
2- القاموس المحيط 4:319.
3- منهم صاحب المدارك 7:440،و السبزواري في الذخيرة:661،و صاحب الحدائق 16:475.
4- تقدّم مصدره في الهامش 3.
5- الكافي 4:/478 9،التهذيب 5:/196 653،الوسائل 14:60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 5 ح 1.
6- كشف اللثام 1:360،و لكن نقل فيه عن الخلاف و ابن حمزة.

الأصل المخصّص بما مرّ.

و أن يكون أبكاراً غير مرمي بها رمياً صحيحاً،بالنص المتقدم و غيره (1)،و الإجماع الظاهر،المحكي عن صريح الخلاف و الغنية و الجواهر (2)،و المصرّح به في المدارك و غيره (3).

و يستحب أن تكون رخوة غير صلبة بُرْشاً بقدر الأنملة بفتح الهمزة و ضم الميم رأس الإصبع.

ملتقطة بأن يكون كل واحدة منها مأخوذة من الأرض،منفصلة.

و احترز بها عن المكسّرة من حجر فإنها مكروهة كما سيأتي.

منقّطة كُحلية.

كلّ ذلك للمعتبرة (4).

قيل:و المشهور في معنى البَرش أن يكون في الشيء نقط تخالف لونه،و قصره ابن فارس على ما فيه نقط بيض (5).

و عليه فيكون هذا الوصف مغنياً عن كونها منقّطة،و لعلّه لذا تكلّف شيخنا في الروضة فحمل مثل كلام الماتن على اختلاف ألوان الحصى بعضها لبعض (6)،و مكانه من البعد غير خفي.

و اقتصر الصدوق على المنقطة (7)،و الشيخ في التهذيب و النهاية

ص:385


1- انظر الوسائل 14:60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 5.
2- الخلاف 2:343،الغنية(الجوامع الفقهية):581،جواهر الفقه:43.
3- المدارك 7:441؛ و انظر كشف اللثام 1:360،و الذخيرة:661،و الحدائق 16:474.
4- انظر الوسائل 14:33 أبواب الوقوف بالمشعر ب 20.
5- كشف اللثام 1:360.
6- الروضة البهية 2:284.
7- كما في الهداية:61.

و الجمل (1)على البُرش.

لكن في النهاية الأثيرية:أن البُرشة لون مختلط حمرةً و بياضاً و غيرهما (2)،و في المحيط:إنه لون مختلط بحمرة (3)و في تهذيب اللغة عن الليث:إن الأبرش الذي فيه ألوان و خلط (4).و حينئذ يكون أعم من المنقّطة.

و في الكافي:إن الأفضل البُرش ثم البيض و الحمر،و يكره السود (5).

و يكره الصلبة للصحيح (6).

و المكسّرة للخبر:« التقط الحصى،و لا تكسرنّ منه شيئاً» (7).

و السواد و البيضاء و الحمراء؛ للنهي عنها أجمع في بعض الأخبار (8)، و فيه:« خذها كحلية منقّطة».

ص:386


1- التهذيب 5:196،النهاية:253،الجمل و العقود(الرسائل العشر):234.
2- النهاية 1:118.
3- محيط اللغة 7:331.
4- تهذيب اللغة 11:360.
5- الكافي في الفقه:198.
6- الكافي 4:/477 6،التهذيب 5:/197 655،الوسائل 14:33 أبواب الوقوف بالمشعر ب 20 ح 1.
7- الكافي 4:/477 4،التهذيب 5:/197 657،الوسائل 14:34 أبواب الوقوف بالمشعر ب 20 ح 3.
8- الكافي 4:/478 7،التهذيب 5:/197 656،قرب الإسناد:/359 1284،الوسائل 14:33 أبواب الوقوف بالمشعر ب 20 ح 2.
القول في مناسك منى
اشارة

القول في مناسك منى جمع منسك،واصلة موضع النسك،و هو العبادة،ثم أُطلق اسم الحمل على الحالّ،و لو عبّر بالنسك كان هو الحقيقة.

و منى بكسر الميم:اسم مذكر منصرف كما قيل (1)،و جوّز تأنيثه، سمّي به المكان المخصوص لقول جبرئيل عليه السلام لإبراهيم عليه السلام:« تمنّ،على ربك ما شئت» (2).

و قيل:لقوله علي السلام لآدم عليه السلام:« تمنّ،فقال:أتمنى الجنة فسميت به لأُمنية آدم» (3).

و مناسكها يوم النحر ثلاثة:

و هي رمي جمرة العقبة التي هي أقرب الجمرات الثلاث إلى مكة،و هي حدّها من تلك الجهة.

ثم الذبح،ثم الحلق مرتباً كما ذكر،فلو عكس أثم و أجزأ على خلاف في الأول سيذكر.

أما وجوب الأخيرين فسيأتي الكلام فيه.

و أما وجوب الأول ففي التذكرة و المنتهي (4):إنه لا نعلم فيه خلافاً، ثم في المنتهى:و قد يوجد في بعض العبارات أنه سنة،و ذلك في بعض

ص:387


1- المسالك 1:114.
2- علل الشرائع:/435 2.
3- نقله في القاموس المحيط 4:394 عن ابن عباس.
4- التذكرة 1:376،المنتهى 2:729.

أحاديث الأئمة عليه السلام (1)،و في لفظ الشيخ في الجمل و العقود،و هو محمول على الثابت بالسنّة لا أنه مستحب (2).

و في السرائر:لا خلاف عندنا في وجوبه،و لا أظن أن أحداً من المسلمين يخالف فيه (3).

و يدلُّ على وجوبه التأسي،و الأمر به في الأخبار الكثيرة،بل المتواترة كما في السرائر ففي الصحيح:« ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة،فارمها من وجهها» (4).

و في الذخيرة:الأمر و إن كان دلالته على الوجوب من أخبارنا غير واضح إلّا أن عمل الأصحاب و فهمهم يعين على فهم الوجوب منه،مضافاً إلى توقف يقين البراءة من التكليف الثابت عليه (5).

و يجب عليه في كل من الثلاثة أُمور.

الرمي
الواجب في الرمي

أمّا الرمي فالواجب فيه النية و هي قصد الفعل طاعة للّه عزّ و جل، و الأحوط ملاحظة الوجه و تعيين نوع الحج و التعرض للأداء و إن كان لزوم التعرض لذلك غير معلوم.

و يجب مقارنتها الأول الرمي و استدامة حكمها إلى الفراغ،كما في نظائره.

و العدد،و هو سبع حصيات للتأسي؛ و النصوص،و إجماع علماء الإسلام،كما في ظاهر المنتهى و صريح غيره (6).

ص:388


1- دعائم الإسلام 1:323،المستدرك 10:67 أبواب رمي جمرة العقبة ب 1 ح 2.
2- المنتهى 2:771.
3- السرائر 1:606.
4- الكافي 4:/478 1،التهذيب 5:/198 661،الوسائل 14:58 أبواب رمي جمرة العقبة ب 3 ح 1.
5- الذخيرة:662.
6- المنتهى 2:731؛ و انظر المدارك 8:7،و مفاتيح الشرائع 1:35،و الحدائق 17:11.

و إلقاؤها بما يسمى رمياً لوقوع الأمر به،و هو للوجوب، و الامتثال إنما يتحقق بإيجاد الماهيّة التي تعلّق بها الأمر،فلو وضعها بكفّه لم يجز إجماعاً،و كذا لو طرحها طرحاً لا يصدق عليها اسم الرمي.

و حكى في المنتهى خلافاً في الطرح،ثم قال:و الحاصل أن الخلاف وقع باعتبار الخلاف في صدق الاسم،فإن سمّي رمياً أجزأ بلا خلاف،و إلّا لم يجز إجماعاً (1).و نحوه عن التذكرة (2).

و يعتبر تلاحق الحصيات،فلو رمى بها دفعة فالمحسوب واحدة.

و المعتبر تلاحق الرمي،لا الإصابة،فلو أصابت المتلاحقة دفعة أجزأت،و لو رمى بها دفعة فتلاحقت في الإصابة لم يجز.

و إصابة الجمرة بفعله فلا خلاف بين العلماء،كما في صريح المدارك و غيره (3)؛ للتأسي،و الصحيح:« إن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها» (4).

فلو قصرت عن الإصابة و تمّمها حركة غيره أي الرامي من حيوان أو إنسان لم يجز بخلاف ما لو وقعت على شيء و انحدرت على الجمرة فإنها تجزي،و الفرق تحقق الإصابة بفعله هنا،دون الأوّل، لتحقّقها فيه بالشركة،و في الصحيح:« و إن أصابت إنساناً أو جملاً ثم وقعت على الجمار أجزأت» (5).

ص:389


1- المنتهى 2:731.
2- التذكرة 1:376.
3- المدارك 8:8؛ و انظر الذخيرة:662،و الحدائق 17:13.
4- الكافي 4:/483 5،الفقيه 2:/285 1399،التهذيب 5:/266 907،الوسائل 14:60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 6 ح 1.
5- الكافي 4:/483 5،الفقيه 2:/285 1399،التهذيب 5:/266 907،الوسائل 14:60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 6 ح 1.
المستحب في الرمي

و يستحب الطهارة من الحدث حال الرمي؛ للصحيح (1)و غيره (2):

« لا ترم الجمار إلّا و أنت على طهر» .و ظاهرهما الوجوب،كما عن ظاهر المفيد و المرتضى و الإسكافي (3).

و لكن الأظهر الأشهر الاستحباب حتى أن في ظاهر الغنية الإجماع (4)، و في المنتهى:لا نعلم فيه خلافاً (5)،جمعاً بين ما مرّ و بين الصحاح و غيره، ففي الصحيح« و يستحب أن ترمي الجمار على طهر» (6).

و فيه« لا بأس أن تقضي المناسك كلّها على غير وضوء،إلّا الطواف فإنّ فيه صلاة،و الوضوء أفضل» (7).

و في الخبر:عن رمي الجمار على غير طهور،قال:« الجمار عندنا مثل الصفا و المروة حيطان،إن طفت بينهما على غير طهور أجزأك،و الطهر أحبّ إليّ،فلا تدعه و أنت قادر عليه» (8).

و يمكن المناقشة في هذا الجمع؛ إذا الرواية الأخيرة الصريحة ضعيفة

ص:390


1- الكافي 4:/482 10،التهذيب 5:/197 659،الإستبصار 2:/258 911،الوسائل 14:56 أبواب رمي جمرة العقبة ب 6 ح 1.
2- قرب الإسناد:/393 1379،الوسائل 14:57 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 6.
3- المفيد في المقنعة:417،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):68،و نقله عن الإسكافي في المختلف:302.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):581.
5- المنتهى 2:732.
6- الكافي 4:/478 1،التهذيب 5:/198 661،الوسائل 14:56 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 3.
7- الفقيه 2:/250 1201،الوسائل 13:374 أبواب الطواف ب 38 ح 1.
8- التهذيب 5:/198 660،الإستبصار 2:/258 912 الوسائل 14:57 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 5.

لأسند بالجهالة و ما قبلها من الأخبار الصحيحة غير صريحة،لعدم وضوح « يستحب» فيما يجوز تركه،كما هو المصطلح عليه الآن،فلعلّ المراد به المعنى الأعم المجامع للوجوب؛ و الصحيحة الثانية دلالتها في المسائل إنما هي بالعموم فتقبل التخصيص برواية الوجوب،فإنها نصّ فيها.

و لعلّه إلى هذا نظر شيخنا في الروضة،حيث إنه بعد أن نقل الاستدلال من الشهيد على الاستحباب بالجمع بين صحيحة الوجوب و الرواية الأخيرة قال:و فيه نظر،لأن المجوّزة مجهولة الراوي فكيف يؤوّل الصحيح لأجلها (1).

و عليه فيضّعف ما يورد عليه من أن دليل الاستحباب غير منحصر في الرواية الأخيرة (2)؛ و ذلك لوضوح الانحصار بعد ما عرفت من ضعف الدلالة فيما عداها من الأخبار الصحيحة،و لعلّه لهذا لم يستدل بها الشهيدان مع الصحة.

و الأقرب في الجواب عما في الروضة بانجبار الرواية بالشهرة و ما عرفت من الإجماعات المنقولة.

مضافاً إلى أن الصحيحة الثانية النافية للوجوب في المسألة و إن كانت عامة لكن ما فيها من التعليل يجعلها في قوة الرواية الخاصة.

هذا مع أن العام المعتضد بالشهرة أقوى من الرواية الخاصة التي ليست معتضدة بالشهرة.

هذا مع أن في المختلف و غيره (3)بعد نقل القول بالوجوب عن هؤلاء

ص:391


1- الروضة البهية 2:285.
2- المدارك 8:11.
3- المختلف:302؛ و انظر الحدائق 17:16.

الجماعة:و كان قصدهم تأكد الاستحباب فلا خلاف.

و الدعاء بما في الصحيح قال:« تقول و الحصى في يدك:اللّهم هؤلاء حصياتي فأحصهنّ لي و ارفعهنّ في عملي،ثم ترمي و تقول مع كل حصاة:أ.أكبر،اللّهم ادحر (1)عنّي الشيطان،اللّهم تصديقاً بكتابك و على سنّة نبيّك صلى الله عليه و آله،اللّهم اجعله حجاً مبروراً و عملاً مقبولاً و سعياً مشكوراً و ذنباً مغفوراً» (2).

و أن لا تباعد بما يزيد عن خمسة عشر ذراعاً كما في الصحيح:« و ليكن فيما بينك و بين الجمرة قدر عشرة أذرع،أو قدر خمسة عشر ذراعاً» (3).

و أن يرمي خذفاً على الأشهر الأقوى؛ للصحيح في قرب الإسناد، الضعيف في الكافي و التهذيب:« تخذفها خذفاً و تضعها على الإبهام و تدفعها بظفر السبّابة» (4).

خلافاً للمرتضى فأوجبه،مستدلاً بالإجماع و بالأمر به في أكثر الأخبار (5)،و تبعه الحلّي (6).

و أجيب في المختلف بأن الإجماع إنما هو على الرجحان و أن الأمر هنا للندب (7).

ص:392


1- أي أبعده عنّي مجمع البحرين 3:300.
2- الكافي 4:/478 1،التهذيب 5:/198 661،الوسائل 14:58 أبواب رمي الجمرة العقبة ب 3 ح 1
3- الكافي 4:/478 1،التهذيب 5:/198 661،الوسائل 14:58 أبواب رمي الجمرة العقبة ب 3 ح 1
4- الكافي 4:/478 7،التهذيب 5:/197 656،قرب الاسناد:/359 1284،الوسائل 14:61 أبواب رمي جمرة العقبة ب 7 ح 1.
5- الانتصار:105.
6- السرائر 1:590.
7- المختلف:302.

و لعلّه أشار بقوله:هنا،إلى قيام القرينة في المقام على الندب، و لعلّها الشهرة العظيمة عليه حتى أنه جعل السيّد متفرّداً بالوجوب،مشعراً ببلوغها الإجماع.

و هو كذلك؛ إذ لم نقف على مخالف عداه و الحلّي،و هما نادران، مع ان الأصل و الإطلاقات المعتضدة بالشهرة أقوى من الرواية الآمرة،سيّما و أن سياق الرواية المتقدمة مشعر بالاستحباب،لتضمّنه كثيراً من الأوامر و النواهي التي ليست على حقيقتها من الوجوب و التحريم.

ثم الخذف بإعجام الحروف:الرمي بها بالأصابع،كما عن الصحاح و الديوان و غيرهما (1)،و عن الحلّي:أنه المعروف عند أهل اللسان (2).

و عن الخلاص:بأطراف الأصابع (3)،و الظاهر الاتحاد.

و عن الجمل و المفصّل:أنه الرمي من بين إصبعين (4).

و عن العين و المحيط و المقاييس و الغريبين و النهاية الأثيرية و غيرها (5):من بين السبّابتين.

و عن المبسوط و السرائر و النهاية و المصباح و مختصره و المقنعة و المراسم و الكافي و المهذّب و الجامع و التحرير و التذكرة و المنتهي (6)،

ص:393


1- الصحاح 4:1347،ديوان الأدب 2:171؛ و انظر أساس البلاغة:105.
2- السرائر 1:590.
3- نقله عنه في كشف اللثام 1:360.
4- مجمل اللغة 2:169،نقل عن المفصّل في كشف اللثام 1:360.
5- العين 4:245،القاموس المحيط 3:135،معجم مقاييس اللغة 2:165،نقل عن الغريبين في كشف اللثام 1:360،النهاية 2:16.
6- المبسوط 1:369،السرائر 1:590،النهاية:254،مصباح المتهجد:642،المقنعة:417،المراسم:113،الكافي في الفقه:215،المهذّب 1:255،الجامع للشرائع:210،التحرير 1:104،التذكرة 1:377،المنتهى 2:732.

و بالجملة المشهور كما في المختلف و الروضة و مجمع البحرين (1):أن يضعها على باطن الإبهام و يرميها بظفر السبّابة،كما في الخبر المتقدم،لكن من غير تقييد للإبهام بالبطن.

و عن القاضي:أنه حكى قولاً بأنه يضعها على ظهر إبهامه و يدفعها بالمسبحة (2).

و عن الانتصار:أنه يضعها على بطن الإبهام و يدفعها بظفر الوسطى (3).

أقول:و متابعة المشهور أولى.

و الدعاء مع كل حصاة بما مرّ في الصحيح.

و يستقبل جمرة العقبة بأن يكون مقابلاً،لا عالياً عليها كما ذكره جماعة،قالوا:إذ ليس لها وجه خاص يتحقّق به الاستقبال (4).و فيه نظر.

بل المستفاد من الشيخ في المبسوط،و الحلّي في السرائر،و العلّامة في جملة من كتبه كالتحرير و المنتهى و المختلف (5)أن المراد بالاستقبال غير ذلك،و ذلك فإنهم ذكروا استحباب الرمي من قبل وجهها لا عالياً مسألة، و استحباب استقبالها و استدبار القبلة مسألة أُخرى.

و لما ذكرنا تنبّه في الذخيرة و قال:و كأنّ المراد باستقبالها التوجه إلى وجهها،و هو ما كان إلى جانب القبلة و يستلزم الرمي من قبل وجهها

ص:394


1- المختلف 302،الروضة 2:286،مجمع البحرين 5:42.
2- المهذّب 1:255.
3- الانتصار:105.
4- كما في المسالك 1:115،و المدارك 8:14،و الذخيرة:663.
5- المبسوط 1:369،السرائر 1:590،التحرير 1:104،المنتهى 2:731،المختلف:303.

حينئذ أن يستدبر القبلة (1) فتلخص في المقام مسألتان:استحباب رميها من قبل وجهها لا من أعلاها،و استحباب استدبار القبلة.

و يدلُّ على الأمرين الصحيح:« ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة،فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من أعلاها» (2).

و هو نصّ في الأول و ظاهر في الثانية،بناءً على أن المراد بوجهها ما قدّمنا.

و يدلُّ على الحكم فيها صريحاً النبوي الفعلي:صلى الله عليه و آله رماها مستدبر القبلة لا مستقبلها (3).

لكن يعارضه عموم ما دلّ على استحباب استقبالها،و خصوص المحكي من الرضوي هنا (4)،و يحكي قول بهذا أيضاً،إلّا أن الأول أشهر، فيكون أولى.

و في غيرها أي غير جمرة العقبة يستقبل الجمرة و القبلة معاً كما سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى،و إنما ذكره هنا استطراداً.

الذبح

و أما الذبح ف الكلام فيه يقع في أطراف:

الطرف الأول في الهدي

الأول:في الهدي،و هو واجب على المتمتع بالكتاب (5)

ص:395


1- الذخيرة:663.
2- تقدّم مصدره في ص:3007.
3- انظر المبسوط 1:369 و المنتهى 2:731،و لم نعثر عليه في المصادر الحديثية.
4- فقه الرضا عليه السلام:225،المستدرك 10:69 أبواب رمي جمرة العقبة ب 3 ح 1.
5- البقرة:196.

و السنة (1)و إجماع المسلمين كما في المنتهى (2)،و في التحرير و غيره (3):

الإجماع على الإطلاق.

و احترز بقوله: خاصة من غير المتمتع،فإنه لا يجب عليه،كما يأتي قريباً.

و لا فرق في وجوبه على المتمتع بين كونه مفترضاً أو متنفلاً و لا بين كونه مكياً أو غيره،و إليه أشار بقوله: و لو كان مكيّاً على أشهر الأقوال و أقواها؛ لإطلاق الأدلة.

خلافاً للمبسوط و الخلاف (4)،فلم يوجبه على المكي،قطعاً في الأوّل،و احتمالاً في الثاني لقوله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [1] (5).

قال في الخلاف:و يجب أن يكون قوله ذلِكَ [2] راجعاً إلى الهدي، لا إلى التمتع؛ لأنه يجري مجرى قول القائل:مَن دخل داري فله درهم ذلك لمن لم يكن عاصياً،في أن ذلك يرجع إلى الجزاء دون الشرط،قال:

و لو قلنا إنه راجع إليهما و أنه لا يصح منهم التمتع أصلاً كان قوياً.انتهى.

و قوّاه الفاضل في التحرير و المنتهى (6)،مع أنه أجاب في المختلف عن دليله هذا بأن عود الإشارة هنا إلى الأبعد أولى؛ لما عرفت من أن النحاة فصّلوا بين الرجوع إلى القريب و العيد و الأبعد في الإشارة،فقالوا في الأول

ص:396


1- انظر الوسائل 14:79 أبواب الذبح ب 1.
2- المنتهى 2:734.
3- التحرير 1:104؛ و انظر مفاتيح الشرائع 1:351.
4- المبسوط 1:308،الخلاف 2:272.
5- البقرة:196.
6- التحرير 1:104،المنتهى 2:734.

ذا،و في الثاني:ذاك،و في الثالث:ذلك،قال مع أن الأئمة عليه السلام استدلوا على أن أهل مكّة ليس لهم متعة بقوله تعالى ذلِكَ [1] الآية،و الحجة في قولهم (1).و هو جيّد.

و في موضع من الشرائع عدم الوجوب إذا عدل المكي عن فرضه إلى التمتع اختياراً (2)،و في موضع آخر:لو تمتع المكي وجب عليه الهدي (3).

قيل:و جمع بينهما بأن الأول في حجّ الإسلام،و الثاني في غيره (4).و قريب منه ما في الدروس من احتمال وجوبه على المكّي إن كان لغيره حجّة الإسلام (5).و لعلّه لاختصاص الآية بحجّ الإسلام،و هو متّجه لو سلّم دلالة الآية على سقوط المكي،و لكن قد عرفت ما فيها.

و عن الماتن هنا قول آخر بوجوبه عليه إن تمتع ابتداءً،لا إذا عدل إلى التمتع (6).و لم أعرف له مستنداً.

و لا يجب الهدي على غير المتمتع معتمراً أو حاجّاً،مفترضاً أو متنفّلاً،بإجماعنا،كما عن صريح التذكرة و في ظاهر المنتهى و صريح غيرهما (7)؛ للأصل،و النصوص،منها الصحيح في المفرد:« ليس عليه هدي و لا أُضحيّة» (8).

ص:397


1- المختلف:261.
2- الشرائع 1:239.
3- الشرائع 1:259.
4- كشف اللثام 1:361.
5- الدروس 1:436.
6- نقله عن المحقق في الدروس 1:436.
7- التذكرة 1:379،المنتهى 2:734؛ و انظر مدارك الأحكام 8:15،مفاتيح الشرائع 1:.351
8- التهذيب 5:/41 122،الوسائل 14:80 أبواب الذبح ب 1 ح 4.

و أما الصحيح:فيمن اعتمر في رجب فقال:« ان أقام بمكة حتى يخرج منها حاجّاً فقد وجب عليه هدي،فإن خرج من مكة حتى يحرم من غيرها فليس عليه هدي» (1).

فحمله الشيخ تارة على الاستحباب،و أُخرى على من أقام بها حتى يتمتع بعمرة أُخرى إلى الحج في أشهره (2).و لا بأس به جمعاً.

و لو تمتع المملوك بإذن مولاه كان إلزامه بالصوم أو أن يهدي عنه بإجماعنا،كما عن التذكرة و في ظاهر المنتهى (3)،و في غيرهما:بلا خلاف (4)أو إجماعاً (5)للمعتبرة المستفيضة:

منها الصحيحان:« إن شئت فاذبح عنه،و إن شئت فمره فليصم» (6).

و أما الصحيح:عن المتمتع المملوك،فقال:« عليه مثل ما على الحرّ، إما أُضحيّة و إما صوم» (7).

فقد حمله الشيخ تارة على من أدرك أحد الموقفين معتقاً.

و أُخرى على أن المراد المساواة في الكميّة لئلاّ يظن أن عليه نصف ما على الحرّ كالظهار و نحوه.

ص:398


1- التهذيب 5:/199 663،الإستبصار 2:/259 914،الوسائل 14:79 أبواب الذبح ب 1 ح 2.
2- كما في التهذيب 5:200.
3- التذكرة 1:379،المنتهى 2:737.
4- كما في الذخيرة:663.
5- كما في المدارك 8:17،و الحدائق 17:30.
6- التهذيب 5:/200 666،الإستبصار 2:/262 924،الوسائل 14:83 أبواب الذبح ب 2 ح 2.
7- التهذيب 5:/201 668،الإستبصار 2:/262 926،الوسائل 14:85 أبواب الذبح ب 2 ح 5.

و ثالثةً على أن المولى إذا لم يأمر عبده بالصوم إلى النفر الأخير فإنه يلزمه أن يذبح عنه،و لا يجزيه الصوم (1)؛ مستدلاً عليه برواية ضعيفة السند (2)،حمله على تأكد الاستحباب كما في التحرير- (3)طريق الجمع بينها و بين ما مرّ من الاخبار النافية للوجوب عن المولى على الإطلاق، و نحوها الموثق (4)،و عن صريح التذكرة الإجماع عليه،و على نفيه عن العبد (5).

و أما الموثق:إنّ لنا مماليك قد تمتّعوا،علينا أن نذبح عنهم؟قال، فقال:« المملوك لا حجّ له و لا عمرة و لا شيء» (6)فمحمول على مملوك حجّ بغير إذن مولاه.

و لو أدرك أحد الموقفين حال كونه معتقاً لزمه الهدي مع القدرة،و الصوم مع التعذر بلا خلاف أجده،و في المنتهى:لا نعلم فيه خلافاً (7)؛ لأنه إذا أدركه معتقاً يكون حجة مجزياً عن حج الإسلام فيساوي غيره من الأحرار في وجوب الهدي عليه مع القدرة،و الصوم مع التعذر.

و لم يعتبر الفاضل في القواعد كون العتق قبل الموقف أو بعده،بل

ص:399


1- في الاستبصار 2:262.
2- الكافي 4:/304 8،التهذيب 5:/201 669،الإستبصار 2:/263 927،الوسائل 14:84 أبواب الذبح ب 2 ح 4.
3- التحرير 1:104.
4- التهذيب 5:/200 665،الإستبصار 2:/262 923،الوسائل 14:84 أبواب الذبح ب 2 ح 3.
5- التذكرة 1:379.
6- التهذيب 5:/482 1715،الوسائل 11:48 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 15 ح 3.
7- المنتهى 2:737.

اعتبر قبل الصوم،فقال:إن أُعتق قبل الصوم تعيّن عليه الهدي (1).

و وافقه بعض الأصحاب قال:لارتفاع المانع،و تحقق الشرط.

و اختصاص الآية بحج الإسلام دعوى بلا بيّنة (2).

أقول:و في ردّ دعوى الاختصاص مناقشة حتى أنه هو الذي ادّعاه سابقاً على هذه العبارة بأقل من ورقة.

و يشترط في الذبح و بمعناه النحر النية المشتملة على القربية و تعيين الجنس من ذبح و نحر،و كونه هدياً أو نذراً أو كفارة،و إن عيّن الوجه من وجوب أو ندب كان أولى كما في كل عبادة.

و يجوز أن يتولاه أي الذبح بنفسه و بغيره بلا خلاف أجده، و في المدارك و الذخيرة (3):إنه مقطوع به في كلامهم.قالوا:لأنه فعل تدخله النيابة،فتدخل في شرطه كغيره من الأفعال.

و في الصحيح:عن الضحيّة يخطئ الذي يذبحها،فيسمي غير صاحبها،أ تجزي عن صاحب الضحيّة؟فقال:« نعم،إنما له ما نوى» (4).

و يجب ذبحه بمنى بإجماعنا الظاهر،المستظهر من جملة من العبائر كالمنتهى و التذكرة و المدارك و الذخيرة (5)؛ للتأسي،و المعتبرة المستفيضة (6).

ص:400


1- القواعد 1:87.
2- كشف اللثام 1:362.
3- المدارك 8:18،الذخيرة:664.
4- الفقيه 2:/296 1469،التهذيب 5:/222 748،قرب الاسناد:/239 942،الوسائل 14:138 أبواب الذبح ب 29 ح 1.
5- المنتهى 2:738،التذكرة 1:380،المدارك 8:19،الذخيرة:664.
6- الوسائل 14:88 أبواب الذبح ب 4.

و أما الصحيح:« مكّة كلّه منحر» (1)فمحمول على هدي التطوع كما ذكره الشيخ و جماعة (2)أو على سياق العمرة كما في الذخيرة (3)،قال:

و يؤيّده الموثق:« موسّع على من نحر الهدي بمكّة في منزله إذا كان معتمراً» (4).

و أما الحسن:« إذا دخل بهديه في العشر فإن كان قد أشعره و قلّده فلا ينحره إلّا يوم النحر،و إن كان لم يشعره و لم يقلّده فلينحر بمكّة إذا أقدم في العشر» (5)فيمكن حمله على الهدي المندوب.

و لا يجزئ الهدي الواحد إلّا عن واحد في الحج الواجب لو بالشروع فيه مطلقاً و لو عند الضرورة على أصح الأقوال في المسألة أشهرهما،كما في ظاهر كلام جماعة (6)،و في الخلاف الإجماع (7)؛ للصحاح:

منها عن النفر تجزيهم البقرة،فقال:« أما في الهدي فلا،و أما في الأُضحيّة فنعم» (8).

ص:401


1- الكافي 4:/488 6،التهذيب 5:/202 671،الإستبصار 2:/263 929،الوسائل 14:88 أبواب الذبح ب 4 ح 2.
2- الشيخ في التهذيب 5:202؛ و انظر المدارك 8:20،و المفاتيح 1:352 و مرآة العقول 18:160.
3- الذخيرة:665.
4- التهذيب 5:/374 1302،الوسائل 13:99 أبواب كفارات الصيد ب 52 ح 1.
5- التهذيب 5:/237 799،الوسائل 14:89 أبواب الذبح ب 4 ح 5.
6- انظر المدارك 8:20،و الذخيرة:665،و الحدائق 17:34.
7- الخلاف(الطبع القديم)2:535.
8- الفقيه 2:/297 1472،التهذيب 5:/210 705،الإستبصار 2:/268 950 الوسائل 14:117 أبواب الذبح ب 18 ح 3.

و قيل:يجزئ عن سبعة و عن سبعين عند الضرورة لأهل الخوان الواحد و لم أجد القائل بهذا القول،فنعم قال به الشيخ في النهاية و المبسوط و الاقتصاد و الجمل و العقود (1)،لكن زاد الخمسة،و لم يذكر قوله:لأهل خوان واحد،و تبعه كثير (2).

و عن المفيد:أنه تجزئ البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت (3).

و نحوه عن الصدوق (4).

و عن الديلمي:تجزئ البقرة عن خمسة (5)و أطلق،فلم يقيّده بضرورة و لا إجماع على خوان واحد.

لأخبار كثيرة (6)أكثرها قاصر السند و الدلالة أو ضعيفة،و باقيها ما بين قاصرة سنداً أو دلالةً.

مضافاً إلى اختلافها من وجوه عديدة،و لذا أن الشيخ رحمه الله بعد نقل جملة منها و من الصحاح المتقدّمة قال:فالكلام على هذه الأخبار مع اختلاف ألفاظها و تنافي معانيها من وجهين.

أحدهما:أنه ليس في شيء منها أنه يجزئ عن سبعة و عن خمسة و عن سبعين على حسب اختلاف ألفاظها في الهدي الواجب أو التطوع،

ص:402


1- النهاية:258،المبسوط 1:372،الاقتصاد:307،الجمل و العقود(الرسائل العشر):235.
2- كالمهذّب 1:257،و المختلف:305،و الحدائق 17:38.
3- المقنعة:418.
4- الهداية:62.
5- المراسم:114.
6- الوسائل 14:117 أبواب الذبح ب 18.

فاذا لم يكن فيها صريح بذلك حملناها على أن المراد بها ما ليس بواجب، دون ما هو فرض؛ لأن الواجب لا يجزئ فيه إلّا واحد عن واحد حسبما ذكرنا،و الذي يدل على هذا التأويل ما رواه الحسين بن سعيد،ثم ساق الصحيحة التي قدمناها.

و قال بعدها:و الوجه الآخر:أن يكون ذلك إنما ساغ في حال الضرورة دون حال الاختيار،و استشهد عليه بالصحيح:عن قوم غلت عليهم الأضاحي و هم متمتّعون،و هم مترافقون ليسوا بأهل بيت واحد،و قد اجتمعوا في مسيرهم،و مضربهم واحد،أ لهم أن يذبحوا بقرة؟قال :« لا أُحب ذلك إلّا من ضرورة» (1)انتهى (2).

و نحوه في الذخيرة حيث قال:و يمكن الجمع بين الأخبار بوجهين (3)،ثم ساقهما كما ذكره الشيخ،لكن رجّح ثانيهما قائلاً على أوّلهما أنه لا يجزي في صحيحة عبد الرحمن،و أشار بها إلى الصحيحة الأخيرة المذكورة في كلام الشيخ؛ و لعلّ منشأه التصريح فيها بأنهم متمتّعون.

و فيه:أنه معارض بالتصريح فيها بلفظ الأضاحي الظاهر في غير الهدي، كما يشهد له الصحيحة المتقدّمة،و لذا أن خالي العلّامة المجلسي رحمه الله فيما نقل عنه حمل هذه الصحيحة على المستحبّة،قال:و ليس في قوله « و هم يتمتّعون» صراحة أن السؤال عن الهدي لكن الظاهر ذلك (4).

أقول:نعم،و لكنه معارض بظهور لفظ الأضاحي في المندوب، فيتحقق الإجمال في الرواية،بل و يمكن ترجيح ظهور الثاني بجوابه عليه السلام

ص:403


1- الكافي 4:/496 2،التهذيب 5:/210 706،الإستبصار 2:/268 951 الوسائل 14:119 أبواب الذبح ب 18 ح 10.
2- التهذيب 5:210.
3- الذخيرة:665.
4- ملاذ الأخيار 8:28.

« لا أُحبّ ذلك إلّا من ضرورة الظاهر في جواز الشركة في حال الاختيار، و هو مختص عندهم بالأُضحيّة.

و بالجملة:المسألة محل إشكال،إلّا أن الأظهر المصير إلى المنع، كما عليه الأكثر،لأظهريّة الجمع الأول في النظر،مضافاً إلى ظاهر الآية:

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ [1] الآية (1)،المؤيد بالإجماع المنقول كما مرّ،و عليه فالانتقال إلى الصوم هو الفرض.

و لا بأس به أي بإجزاء الهدي الواحد عن أكثر في الندب قالوا:و هو الأُضحيّة،و المبعوث من الآفاق،و المتبرع بسياقه إذا لم يتعيّن بالإشعار أو التقليد.

و لا يجوز أن يكون المراد به الهدي في الحج المندوب؛ لأنه يجب بالشروع فيه،فيكون فيه الهدي واجباً كما يجب في الواجب بأصل الشرع.

و قد نقل الفاضل في المنتهى الإجماع على إجزاء الهدي الواحد في التطوع عن سبعة نفر سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم (2)،و قال في التذكرة:أمَّا التطوع فيجزي الواحد عن سبعة و عن سبعين في حال الاختيار، سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم إجماعاً (3).

أقول:و قد عرفت المستند فيما مضى.

و لا يجب أن يباع ثياب التجمل في الهدي فيما قطع به الأصحاب،كما صرّح به جماعة (4)،مشعرين بدعوى الإجماع.

ص:404


1- البقرة:196.
2- المنتهى 2:748.
3- التذكرة 1:384.
4- منهم:العلّامة في التذكرة 1:380،و صاحب المدارك 8:23،و السبزواري في الذخيرة:666.

و لا ريب فيه مع الحاجة إليها و الضرورة؛ لاستثنائها في الديون و نحوها من حقوق الناس فهنا أولى.

و أما مع الحاجة فكذلك؛ لإطلاق النصّ و الفتوى،ففي المرسل:عن رجل يتمتع بالعمرة إلى الحج و في عيبته ثياب،إله أن يبيع من ثيابه شيئاً و يشتري به؟قال:« لا،هذا ممّا يتزيّن به المؤمن،يصوم و لا يأخذ من ثيابه شيئاً» (1).

و ضعف السند مجبور بالعمل و بفتوى من لا يرى العمل بأخبار الآحاد كالحلي في السرائر (2).

مع أن في الصحيح:عن المتمتع يكون له فضل من الكسوة بعد الذي يحتاج إليه،فتسوى تلك الفضول مائة درهم،هل يكون ممن يجب عليه، فقال:« له بدّ من كراء و نفقة»[فقلت:]له كراء و ما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة،فقال:« و أيّ شيء كسوة بمائة درهم،هذا ممّن قال اللّه تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ [1] (3)» (4).

و لو باعها و اشتراه أجزأه،وفاقاً لجماعة (5)؛ بناءً على أن الظاهر من الأمر هنا وروده للرخصة.خلافاً لبعضهم فناقش بأنه إتيان بغير الفرض (6).

و لا ريب أن الصوم أحوط.

ص:405


1- الكافي 4:/508 5،التهذيب 5:/238 802،الوسائل 14:202 أبواب الذبح ب 57 ح 2.
2- السرائر 1:50.
3- البقرة:196.
4- التهذيب 5:/486 1735،قرب الإسناد:/388 1364،الوسائل 14:201 أبواب الذبح ب 57 ح 1 بدل ما بين المعقوفين في النسخ:فقال.
5- منهم المحقق و الشهيد الثاني في جامع المقاصد 3:240 و المسالك 1:115.
6- المدارك 8:23.

و لو ضلّ الهدي فذبحه غير صاحبه لم يُجزئ عنه مطلقاً كما عليه الماتن هنا و في الشرائع (1)،و تبعه الفاضل في الإرشاد و القواعد (2)،مع أنه في التحرير و المنتهى (3)أفتى بالإجزاء إن ذبحه عن مالكه بمنى و إلّا فلا.و هو الأقوى،بل عزاه إلى المشهور بعض أصحابنا (4)؛ للصحيح:« إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه،و إن كان نحره في غير منى لم يجزئ عن صاحبه» (5).

و ليعرّفه قبل ذلك ثلاثة أيام يوم النحر و اليومين بعده؛ للصحيح:« إذا وجد الرجل هدياً ضالّاً فليعرّفه يوم النحر و اليوم الثاني و الثالث،ثم ليذبحه عن صاحبه عشيّة الثالث» (6).

و الظاهر الوجوب؛ للأمر بلا معارض،و للتحرز عن النيابة بلا ضرورة و لا استنابة خصوصاً عن غير معيّن،و عن إطلاق الذبح عما في الذمة إطلاقاً محتملاً للوجوب و الندب،و للهدي و غيره،و للمتمتع و غيره،حج الإسلام و غيره،و لعلّه لذا منع عنه الماتن،و تبعه الفاضل في بعض كتبه.

ثم إن القول بالإجزاء مشروط بما إذا ذبحه الواجد عن صاحبه،و إلّا فلا يجزئ عنه و لا عن صاحبه،سواء نواه عن نفسه أو لا،و بذلك صرّح

ص:406


1- الشرائع 1:260.
2- الإرشاد 1:332،القواعد 1:88.
3- التحرير 1:106،المنتهى 2:751.
4- كشف اللثام 1:368.
5- الكافي 4:/495 8،الفقيه 2:/297 1475،التهذيب 5:/219 739،الإستبصار 2:/272 963 الوسائل 14:137 أبواب الذبح ب 28 ح 2.
6- الكافي 4:/494 5،التهذيب 5:/217 731،الوسائل 14:137 أبواب الذبح ب 28 ح 1.

في التحرير و المنتهى (1)،قال:أما عن الذابح فلأنه نهي عنه،و أما عن صاحبه فلعدم النية.انتهى.

و هو حسن لولا إطلاق النص بالإجزاء عن صاحبه.

و لكن ظاهرهم الإطباق على المنع هنا؛ و لعلّهم حملوا إطلاق النص على الأصل في فعل المسلم من الصحة،فلا يتصور فيه الذبح بغير النيّة عن صاحبه.

قيل:و لو قلنا بجواز الذبح قبل التعريف لم يبعد وجوبه بعده ليعلم المالك فيترك الذبح (2).

و متى جاز الذبح فالظاهر وجوب الصدقة به و الإهداء،و يسقط وجوب الأكل قطعاً.

و لا يخرج الحاج شيئاً من لحم الهدي الذي يذبحه عن منى،و يجب صرفه في وجهه الآتي بيانه،كما هنا و في الشرائع و الإرشاد (3)،لكن فيهما:لا يجوز إخراج شيء مما يذبح من منى.و في الذخيرة بعد نقله:هذا هو المشهور (4)،و قيل:إنه مذهب الأصحاب.

أقول:و القائل صاحب المدارك (5)،و زاد بعض متابعيه فقال:بلا خلاف (6)،لكن بدّل لا يجوز بلا ينبغي.

و في دعوى كل من الشهرة و عدم الخلاف على عموم المنع تحريماً

ص:407


1- التحرير 1:106،المنتهى 2:751.
2- المدارك 8:24.
3- الشرائع 1:260،الإرشاد 1:332.
4- الذخيرة:666.
5- المدارك 8:25.
6- مفاتيح الشرائع 1:356.

أو كراهة بحيث يشمل ما عدا اللحم من الجلود،و ما عدا الهدي من الأُضحية إشكال؛ لتصريح الفاضلين و غيرهما (1)بالكراهية في الأُضحية، و آخرين بالجواز معها في نحو جلود الهدي (2).

و التحقيق اختصاص المنع بلحوم الهدي دون غيرها،أما المنع فيها فللصحيح من غير معارض:« لا يخرجنّ شيئاً من لحم الهدي» (3).

و أما الجواز في نحو جلود الهدي فللصحيح الآخر أو الموثق :عن الهدي أ يخرج بشيء منه عن الحرم؟فقال:« بالجلد و السنام و الشيء ينتفع به» قلت:إنه بلغنا عن أبيك أنه قال:لا يخرج من الهدي المضمون شيئاً، قال:« بل يخرج بالشيء ينتفع به» و زاد فيه أحمد:و لا يخرج بشيء من اللحم من الحرم (4).

و فيه دلالة على المنع عن إخراج اللحوم أيضاً.

و يؤيّده أيضاً إطلاق الصحيح أو عمومه:عن اللحم أ يخرج من الحرم؟ فقال:« لا يخرج منه إلّا السنام» (5).

و لا يعارضه نحو الصحيح:عن إخراج لحوم الأضاحي من منى،

ص:408


1- المحقق الشرائع 1:264،العلّامة في التحرير 1:108 و المنتهى 2:760؛ و انظر جامع المقاصد 3:254.
2- كابن سعيد في الجامع للشرائع:215.
3- التهذيب 5:/226 766،الإستبصار 2:/275 975،الوسائل 14:171 أبواب الذبح ب 42 ح 2.
4- التهذيب 5:/228 772،الإستبصار 2:/276 981،الوسائل 14:174 أبواب الذبح ب 43 ح 6.
5- التهذيب 5:/226 765،الإستبصار 2:/274 974،الوسائل 14:171 أبواب الذبح ب 42 ح 1.

فقال:« كنّا نقول:لا يخرج شيء لحاجة الناس إليه،فأما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه» (1)لاختصاصه بالأضاحي،و نحن نقول بالجواز و لو مع الكراهة فيها كما يأتي.

و حمله الشيخ على من اشترى اللحم،لا من ذبح؛ للخبر:« و لا بأس أن يشتري الحاج من لحم مني و يتزوّده» (2).

و لا بأس به،اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن،و هو منع الذابح،دون غيره.

و يذبح الهدي أو ينحر يوم النحر وجوباً فلا يجوز التقديم عليه اتفاقاً كما قيل (3).

و في الذخيرة بعد نقل ما في العبارة:و لا أعلم فيه خلافاً بين أصحابنا،و قيل:إنه قول علمائنا و أكثر العامة،و مستنده أن النبي صلى الله عليه و آله نحر في هذا اليوم و قال:« خذوا عني مناسككم» (4)(5). مقدّماً على الحلق وجوباً أو استحباباً على الخلاف،و سيأتي الكلام فيه و في أنه لو قدّم الحلق أجزأ مطلقاً و لو كان عامداً.

و كذا يجزئ لو ذبحه في بقيّة ذي الحجّة قيل:قطع به الأصحاب من غير فرق بين الجاهل و العالم،و العامد و الناسي،و لا بين المختار و المضطر،بل في النهاية و الغنية و السرائر

ص:409


1- الكافي 4:/500 7،التهذيب 5:/227 768،الإستبصار 2:/275 977،الوسائل 14:172 أبواب الذبح ب 42 ح 5.
2- التهذيب 5:/227 769،الإستبصار 2:/275 978،الوسائل 14:172 أبواب الذبح ب 42 ح 4.
3- كشف اللثام 1:372.
4- عوالي اللئلئ 4:/34 118،المستدرك 9:420 أبواب الطواف ب 54 ح 4؛ و انظر مسند أحمد 3:318.
5- الذخيرة:664.

الجواز،و في المصباح و مختصره:إن الهدي الواجب يجوز ذبحه و نحره طول ذي الحجّة،و يوم النحر أفضل.و ظاهر المهذّب يوهم جواز التأخير عن ذي الحجّة،و لعلّه لم يُرده.إلّا أن في المبسوط أنه بعد أيام التشريق قضاء،و اختار ابن إدريس أنه أداء.

و دليل الإجزاء الأصل و إطلاق الآية (1)و الصحيح:في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكّة ثم ذبح،قال:« لا بأس قد أجزأ عنه» (2).

و الحسن أقول:بل الصحيح-:فيمن يجد الثمن و لا يجد الغنم، قال:« يخلف الثمن عند بعض أهل مكّة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزئ عنه،فإن مضى ذو الحجّة آخر ذلك إلى قابل من ذي الحجّة» (3).و نحو منه الخبر (4).لكنها لا تعمّ المختار.أقول:لكن في ظاهر الغنية الإجماع على الإطلاق (5).

و دليل كونه قضاءً بعد أيام التشريق لعلّه الصحيح:عن الأضحى كم هو بمنى؟قال:« أربعة أيام» (6).و مثله الموثّق (7).

ص:410


1- البقرة:196.
2- الكافي 4:/505 4،الفقيه 2:/301 1497،الوسائل 14:156 أبواب الذبح ب 39 ح 5.
3- الكافي 4:/508 6،التهذيب 5:/37 109،الإستبصار 2:/260 916،الوسائل 14:176 أبواب الذبح ب 44 ح 1.
4- فقه الرضا عليه السلام:224 225،المستدرك 10:117 أبواب الذبح ب 39 ح 1.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):582.
6- التهذيب 5:/202 673،الإستبصار 2:/264 930،الوسائل 14:91 أبواب الذبح ب 6 ح 1.
7- الفقيه 2:/291 1439،التهذيب 5:/203 674،الإستبصار 2:/264 931،الوسائل 14:92 أبواب الذبح ب 6 ح 2،3.

و يجوز كون الغرض حرمة الصوم،كما في الصحيح:« النحر بمنى ثلاثة أيام،فمن أراد الصوم لم يصم حتى يمضي الثلاثة الأيام،و النحر بالأمصار يوم،فمن أراد أن يصوم صام من الغد» (1)(2).أقول:و يحتمل اختصاصهما بالأضحية؛ لثبوت ذلك فيها كما ستعرفه،لكن الظاهر من جماعة من الأصحاب عمومهما لها و لمفروض المسألة.

و أما الموثق:عن رجل تمتّع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة،أ يذبح أو يصوم؟قال:(بل يصوم،فإن أيام الذبح قد مضت» (3).

فقد حمله الشيخ على من صام ثلاثة فمضى أيامه بمعنى مضيّ زمان أُسقط عنه للصوم فيه (4).و غيره على يوم النفر من مكّة و قد كان بعد ذي الحجّة (5).

الثاني في صفته

الثاني:في صفته أي الهدي:

و يشترط أن يكون من النعم أي الإبل و البقر و الغنم؛ بلا خلاف بين العلماء،كما في صريح المدارك و ظاهر المنتهى (6)،و في كلام جماعة

ص:411


1- الفقيه 2:/291 1441،التهذيب 5:/203 678،الإستبصار 2:/265 935،الوسائل 14:93 أبواب الذبح ب 6 ح 5.
2- كشف اللثام 1:372.
3- التهذيب 5:/37 111،الإستبصار 2:/260 918،الوسائل 14:177 أبواب الذبح ب 44 ح 3.
4- كما في التهذيب 5:38،و الاستبصار 2:260.
5- انظر كشف اللثام 1:372.
6- المدارك 8:28،المنتهى 2:740.

إجماعاً (1)؛ و للنصوص،منها الصحيح في المتمتع:« عليه الهدي» قلت:

و ما الهدي؟فقال:« أفضله بدنة،و أوسطه البقرة،و أخسّه شاة» (2).

و أن يكون ثنيّاً إلّا من الضأن،بلا خلاف أجده على الظاهر، المصرح به في الذخيرة (3)و في المدارك و غيره (4):إنه مذهب الأصحاب، مؤذنين بدعوى الإجماع،كما صرّح به بعض الأصحاب (5)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة،منها المرتضوي:« الثنيّة من الإبل، و الثنيّة من البقر،و الثنيّة من المعز،و الجذَع من الضأن» (6).

و أما اشتراط كونه غير مهزول فسيأتي ما يدل عليه.

و يجزئ من الضأن خاصة الجذَع بلا خلاف،بل قيل:

بالإجماع (7)؛ للصحيحة المتقدمة و غيرها،كالصحيح:« يجزئ من الضأن الجذع،و لا يجزئ من المعز غير الثني» (8)و قريب منه آخر (9).

و سنّ الجذع قد تقدّم الكلام في تحقيقه في كتاب الزكاة.قيل:

و الذي في كتب الصدوق و الشيخين و سلّار و ابني حمزة و سعيد نحو قوله:

لسنة و معناه ما في الغنية و المهذّب و الإشارة:أنه الذي لم يدخل في

ص:412


1- منهم:الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:353،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:365،و صاحب الحدائق 17:86.
2- التهذيب 5:/36 107،الوسائل 14:101 أبواب الذبح ب 10 ح 5.
3- الذخيرة:666.
4- المدارك 8:28؛ و انظر كشف اللثام 1:365،و الحدائق 17:88.
5- مفاتيح الشرائع 1:353.
6- التهذيب 5:/206 688،الوسائل 14:103 أبواب الذبح ب 11 ح 1.
7- كشف اللثام 1:365.
8- التهذيب 5:/206 689،الوسائل 14:103 أبواب الذبح ب 11 ح 2.
9- الكافي 4:/490 9،الوسائل 14:104 أبواب الذبح ب 11 ح 6.

الثانية (1).

و أن يكون تامّاً،فلا تجزئ العوراء البيّن عورها و لا العرجاء البيّن عرجها،و لا المريضة البيّن مرضها،و لا الكسيرة التي لا تنقي،بلا خلاف فيه على الظاهر،المصرَّح به في عبائر جماعة (2)،مؤذنين بدعوى الإجماع،كما صرّح به بعضهم،بل في المدارك:إنه مجمع عليه بين العلماء (3).

و في المنتهى:و قد وقع الاتفاق من العلماء على اعتبار هذه الصفات الأربع في المنع،روى البراء بن عازب قال:قام فينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله خطيباً فقال:« أربع لا تجوز في الأضحى:العوراء البيّن عورها،و المريضة البيّن مرضها،و العرجاء البيّن عرجها،و الكسيرة التي لا تنقي» (4).

و معنى البيّن عورها:التي انخسف عينها و ذهبت،فإن ذلك ينقصها؛ لأن شحمة العين عضو يستطاب أكله.

و العرجاء:البيّن عرجها التي عرجها متفاحش يمنعها السير مع الغنم و مشاركتهن في العلف و الرعي فتهزل.

و التي لا تنقي:التي لا مخّ لها لهزالها؛ لأن النقي بالنون المكسورة و القاف المسكّنة:المخّ.

و المريضة قيل:هي الجرباء؛ لأن الجرب يفسد اللحم و الأقرب اعتبار كل مرض يؤثر في هزالها و فساد لحمها.

ص:413


1- كشف اللثام 1:366.
2- منهم:الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:366.
3- المدارك 8:30.
4- انظر سنن البيهقي 5:242.

ثم فيه:العوراء لو لم تنخسف عينها و كان على عينها بياض ظاهر فالوجه المنع من الاجزاء؛ لعموم الخبر،و الانخساف ليس معتبراً (1).

و نحوه قال في التحرير (2)و حكي عنه في التذكرة (3)،إلا فيما جعله الوجه فيه فاحتمله فيها،و هو مؤذن بالتردّد.

و لعلّه من إطلاق الصحيح بل عمومه:عن الرجل يشتري الأُضحية عوراء فلا يعلم إلّا بعد شرائها،هل تجزئ عنه؟قال:« نعم،إلّا أن يكون هدياً واجباً فإنه لا يجوز أن يكون ناقصاً» (4).

و من التقييد بالبيّن في النبوي المتقدم و القوي:« لا يضحّي بالعرجاء بيّن عرجها،و لا بالعوراء بيّن عورها،و لا بالعجفاء (5)،و لا بالخرماء (6)،و لا بالجدعاء (7)،و لا بالعضباء» (8)(9).لكن عدم وضوح سندهما يقتضي المصير إلى ما جعله وجهاً أو احتمالاً،سيّما و قد عزاه في المدارك إلى إطلاق كلام الأصحاب (10)،مؤذناً

ص:414


1- انظر المنتهى 2:740.
2- التحرير 1:105.
3- التذكرة 1:381.
4- الفقيه 2:/295 1463،التهذيب 5:/213 719،الاستبصار 2:/268 952،قرب الإسناد:/239 941،الوسائل 14:125 أبواب الذبح ب 21 ح 1.
5- العجفاء،مؤنث أعجف:المهزول مجمع البحرين 5:92.
6- الخرماء:هي التي تقطع وترة أنفها أو طرف أنفها قطعاً لا يبلغ الجذع مجمع البحرين 6:56.
7- الجدعاء:المقطوعة الأُذن مجمع البحرين 4:309.
8- العضباء:مكسورة القرن الداخل أو مشقوقة الأُذن مجمع البحرين 4:123.
9- الفقيه 2:/293 1450،التهذيب 5:/213 716،الوسائل 14:126 أبواب الذبح 21 ح 3.
10- المدارك 8:31.

بالاتفاق عليه،لكن في الغنية التقييد صريحاً (1).

ثم ظاهر المصنّف المنع عن العرجاء مطلقاً،و به صرّح بعض المتأخرين (2)؛ لإطلاق الصحيح.

لكن الأصحاب قيّدوه بالبيّن كما قيل (3)،و لا بأس به؛ للنبويين المتقدمين المنجبرين هنا بعملهم،مضافاً إلى الأصل و إطلاق نحو فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [1] (4)خرج منه المجمع عليه فيبقى الباقي،و هذه الأدلة لعلّها تترجّح على الإطلاق الصحيح،فيقيّد بها.

و لا العضباء و هي التي ذهب قرنها كما في التحرير (5)،و في غيره:أنها المكسورة القرن الداخل (6)،و لعلّهما واحد.

و لا ما نقص منها شيء كالخصي و مقطوعة الاُذن.

لدخولها في عموم النقص و خصوص القوي المتقدم في الأول، مضافاً فيه إلى مفهوم الصحيح في المقطوع القرن أو المكسور القرن:« إذا كان القرن الداخل صحيحاً فلا بأس و إن كان القرن الظاهر الخارج مقطوعاً» (7).

و منطوقه مجمع عليه بيننا كما في المنتهى (8)،و يعضده الصحيح الآخر أيضاً:في الأُضحية يكسر فرنها،قال:« إذا كان القرن الداخل صحيحاً فهو

ص:415


1- الغنية(الجوامع الفقهية):582.
2- مفاتيح الشرائع 1:353.
3- المدارك 8:32.
4- البقرة:196.
5- التحرير 1:105.
6- انظر الإرشاد 1:332،و المدارك 8:31،و الذخيرة:667.
7- التهذيب 5:/213 717،الوسائل 14:128 أبواب الذبح ب 22 ح 03
8- المنتهى 2:741.

يجزي» (1).

و المراد بالقرن الداخل هو الأبيض الذي في وسط الخارج،كما في الذخيرة (2).

و الصحاح في الخصيّ،منها:عن الرجل يشتري الهدي،فلمّا ذبحه إذاً هو خصيّ مجبوب،و لم يكن يعلم أن الخصيّ لا يجوز في الهدي،هل يجزيه أم يعيده؟قال:« لا يجزيه إلّا أن يكون لا قوّة به عليه» (3).

مضافاً فيه إلى الإجماع،كما في ظاهر المنتهى و عن التذكرة أيضاً (4).

لكن عن العماني كراهية التضحية به (5).و هو بعد تسليم مخالفته نادر.

و مفهوم الصحيح في مقطوع الاُذن:عن الأضاحي إذا كان الاُذن مشقوقة أو مثقوبة بسمة،فقال:« ما لم يكن منها مقطوعاً فلا بأس» (6)و فيه نظر.

قيل:و قد قطع الأصحاب بإجزاء الجمّاء،و هي التي لم يخلق لها قرن،و الصماء،و هي الفاقدة الاُذن في خلقه؛ لأن فقد هذه الأعضاء لا يوجب نقصاً في قيمة الشاة و لا في لحمها.و استقرب العلّامة في المنتهى إجزاء البتراء أيضاً،و هي المقطوعة الذنب،و لا بأس به (7).انتهى.

ص:416


1- الكافي 4:/491 13،الفقيه 2:/296 1466،الوسائل 14:128 أبواب الذبح ب 22 ح 1.
2- الذخيرة:667.
3- التهذيب 5:/211 708،الوسائل 14:106 أبواب الذبح ب 12 ح 3.
4- المنتهى 2:741،التذكرة 1:381.
5- حكاه عنه في المختلف:306.
6- التهذيب 5:/213 718،الوسائل 14:129 أبواب الذبح ب 23 ح 1.
7- المدارك 8:33 و الحدائق 17:98.

و في كل من التعليل لاجزاء نحو الجمّاء و الحكم بإجزاء البتراء نظر:

أمّا التعليل فلأن الموجود فيما مرّ من الصحيح النقص في نفس الهدي، سواء أوجب النقص في القيمة أم لا،لا ما يوجب النقص في القيمة خاصة.

و أما إجزاء البتراء فلمخالفته عموم الصحيح المانع عن الناقص،و لا ريب أن فقد الذنب نقص،فالوجه المنع عنه،وفاقاً لشيخنا في الروضة (1).

و كذا عن ساقط الأسنان لكبر و غيره؛ لعموم الدليل،وفاقاً له فيها.

قال:أما شقّ الاُذن من غير أن يذهب منها شيء و ثقبها و وسمها،و كسر القرن الظاهر،و فقد القرن و الأُذن خلقة،و رضّ الخصيتين فليس بنقص و إن كره الأخير.انتهى.

و لا بأس به.

قيل:و لو لم يجد إلّا الخصيّ فالأظهر إجزاؤه كما اختاره في الدروس (2)؛ للخبر:الخصيّ يضحي به،قال:« لا إلّا أن لا يكون غيره» (3).

و في الصحيح:« اشتر فحلاً سميناً للمتعة،فإن لم تجد فموجوءاً (4)، فمن فحولة المعز،فإن لم تجد فنعجة،فإن لم تجد فما استيسر من الهدي» (5).

و في آخر:« فإن لم تجد فما تيسّر عليك» (6).

ص:417


1- الروضة البهية 2:289.
2- المدارك 8:34،الذخيرة:667.
3- الكافي 4:/490 5،الوسائل 14:108 أبواب الذبح ب 12 ح 8.
4- الوجاء بالكسر و المدّ-:رضّ عروق البيضتين حتى تنفضخ فيكون شبيهاً بالخصاء.صحاح اللغة 1:80.
5- الكافي 4:/490 9 الوسائل 14:107 أبواب الذبح ب 12 ح 7.
6- التهذيب 5:/204 679،الوسائل 14:95 أبواب الذبح ب 8 ح 1.

أقول:و نحوها الصحيح المتقدم:« لا يجزيه إلّا أن يكون لا قوة به عليه».

و يجزئ المشقوقة الأُذن للأصل،و إطلاق فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [1] و منطوق الصحيح المتقدم،مع عدم كونه نقصاً.

و أما الصحيح:عن الأُضحية تكون مشقوقة الاُذن،فقال:« إن كان شقّها وسماً فلا بأس،و إن كان شقّاً فلا يصلح» (1)فمحمول على الكراهة كما يشعر به اللفظة.

و أن لا تكون مهزولة بلا خلاف أجده؛ للصحاح المستفيضة (2).

و فسّر في المشهور بأن يكون بحيث لا يكون على كليتيها شحم كما في الخبر (3)المنجبر بالعمل،بل الاخبار كما في السرائر (4).

لكن لو اشتراها على أنها سمينة فبانت مهزولة أجزأته للصحاح، منها:« إن اشترى الرجل هدياً و هو يرى أنه سمين أجزأ عنه و إن لم يجده سميناً،و من اشترى هدياً و هو يرى أنه مهزول فوجده سميناً أجزأ عنه، و إن اشتراه و هو يعلم أنه مهزول لم يجز عنه» (5).

و لا ريب و لا خلاف في الحكم إذا ظهر كونها مهزولة بعد الذبح.

و فيما قبله إشكال،من إطلاق الفتوى و النص،و من قوّة احتمال اختصاصها بحكم التبادر بما بعد الذبح فيرجع إلى إطلاق ما دلّ على المنع عن المهزولة.

ص:418


1- الكافي 4:/491 11،الوسائل 14:129 أبواب الذبح ب 23 ح 2.
2- انظر الوسائل 14:109،113 أبواب الذبح ب 13،16.
3- الكافي 4:/492 16،التهذيب 5:/212 714،الوسائل 14:113 أبواب الذبح ب 16 ح 3.
4- السرائر 1:597.
5- التهذيب 5:/211 712،الوسائل 14:113 أبواب الذبح ب 16 ح 2.

و هذا أحوط و إن كان في تعيّنه نظر؛ لعدم وضوح التبادر،و منع إطلاق ينفع، و على تقديره فهو مقيّد بمفهوم الشرط في نحو الصحيح المتقدم:« و إن اشتراه و هو يعلم أنه مهزول لم يجز عنه» مضافاً إلى إطلاق الصدر.

و في الصحيحة المتقدّمة و نحوها دلالة على انسحاب الحكم في صورة العكس أيضاً،و هو أن يشتريها على الهزال فتظهر سمينة،و عليه الأكثر مطلقاً.

خلافاً للعماني،فلم يجتزئ بها فيما إذا ظهر بعد الذبح؛ لعدم الامتثال عند الذبح و عدم التقرب عنده،لعلمه بعدم الاجزاء فلا يمكنه التقرب به (1).

و يضعف:بأنه إنما يتم في العالم بالحكم القاطع بالهزال،فلعلّه يذبحها متقرباً لعلّها تخرج سمينة،و هو معنى قوله في المختلف:و الجواب المنع من الصغرى،فإن عدم الإجزاء ليس معللاً بشراء المهزول مطلقاً،بل منع خروجه كذلك،و أما مع خروجه سميناً فلا.

و اعلم أن هذا الحكم مختص بالهزال دون النقص؛ إذ لو اشتراه على أنه تام فبان ناقصاً لم يجزئ بلا خلاف فيه في الجملة،سواء كان قبل الذبح أو بعده و إن اختلفوا في عموم الحكم لما إذا نقد الثمن أم لا.فالأكثر على العموم؛ لإطلاق الصحيح المتقدم في الشرط السابق (2).

خلافاً للشيخ في التهذيب،فخصّه بما إذا لم ينقد الثمن؛ للصحيح:

« من اشترى هدياً و لم يعلم أنَّ به عيباً حتى نقد ثمنه ثم علم به فقد تمّ» (3)

ص:419


1- على ما حكاه عنه في المختلف:306.
2- راجع ص 3029.
3- التهذيب 5:/214 720،الإستبصار 2:/269 953،الوسائل 14:130 أبواب الذبح ب 24 ح 3.

و نحوه صحيح آخر في الكافي (1).

و الحقّ أن بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه،يمكن تخصيص الأول بما ذا نقد الثمن و إبقاء الثاني على عمومه في الهدي بحيث يشمل و الواجب و الندب،و العكس فيخصّص الثاني بالهدي المندوب، و يبقى الأول على عمومه في المنع بحيث يشمل نقد الثمن و غيره،و لعلّ هذا هو الوجه؛ عملاً بالأصل المقتضي لوجوب تحصيل البراءة اليقينيّة، مضافاً إلى الشهرة حتى قيل:إن الشيخ لم يوافقه أحد في المسألة.

و أقول:مع أنه في الإستبصار المتأخر ردّد في الجمع بين المتعارضين بين أحد الوجهين المتقدّمين و لم يرجّح شيئاً منهما في البين (2).

و اعلم انه إذا لم يوجد إلّا فاقد الشرائط ففي الإجزاء أو الانتقال إلى الصوم قولان،أصحّهما الأول،وفاقاً لجمع (3)؛ لما مرّ في الخصيّ.

و الثني من الإبل ما دخل في السنة السادسة بغير خلاف على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (4).

و من البقر و الغنم (5)ما دخل في السنة الثانية على الأشهر بين الطائفة حتى أن عليه الإجماع في ظاهر الغنية (6)،قيل:و قطع به

ص:420


1- الكافي 4:/49 9،التهذيب 5:/214 721،الإستبصار 2:/269 954،الوسائل 14:130 أبواب الذبح ب 24 ح 1.
2- الاستبصار 2:269.
3- منهم:الشهيدان في اللمعة(الروضة البهية 2):294،و السبزواري في الذخيرة:668،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:354.
4- كما في المفاتيح 1:353.
5- في المختصر المطبوع:المعز.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):582.

الأصحاب و روى في بعض الكتب عن مولانا الرضا عليه السلام (1).

أقول:و قد مرّ الكلام فيه في بحث الزكاة.

و يستحب أن تكون سمينة قيل:بالإجماع و الأخبار و الاعتبار (2).

و تكون بحيث تنظر في سواد و تمشي في سواد و تبرك في مثله أي في سواد،كما في الاقتصاد و السرائر و المصباح و مختصره و الشرائع و الكتاب و الجامع (3)لكن فيه وصف فحل من الغنم بذلك،كما في الأربعة الأُول وصف الكبش به،و في الاقتصاد اشتراطه به.

و في المبسوط:ينبغي إن كان من الغنم أن يكون فحلاً أقرن ينظر في سواد و يمشي في سواد (4).و نحوه النهاية لكن في الأُضحية (5)و يوافقه الصحيح:« كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يضحّي بكبش أقرن فحل ينظر في سواد و يمشي في سواد» (6).

و زاد ابن حمرة و يرتع في سواد (7)،و يجوز فهمه من الصحيح:«إن رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يضحّي بكبش أقرن عظيم فحل يأكل في سواد و ينظر في سواد» (8).

و الصحيح:عن كبش إبراهيم عليه السلام ما كان لونه و أين نزل؟قال« أملح»

ص:421


1- كشف اللثام 1:365.
2- كشف اللثام 1:367.
3- الاقتصاد:307،السرائر 1:596،مصباح المتهجد:643،الشرائع 1:261،الجامع للشرائع 213.
4- المبسوط:373.
5- التهذيب 5:/205 685،الوسائل 14:109 أبواب الذبح ب 13 ح 1.
6- التهذيب 5:/205 685،الوسائل 14:109 أبواب الذبح ب 13 ح 1.
7- الوسيلة:185.
8- التهذيب 5:/205 686،الوسائل 14:109 أبواب الذبح ب 13 ح 2.

قال:« و كان أقرن،و نزل من السماء على الجبل الأيمن من مسجد منى، و كان يمشي في سواد و يأكل في سواد و ينظر و يبعر و يبول في سواد» (1).

و أما البروك ففي كلام جماعة أنهم لم يظفروا عليه بنصّ (2)و روى في المبسوط و التذكرة و المنتهى:أنه صلى الله عليه و آله أمر بكبش أقرن يطأ في سواد و ينظر في سواد و يبرك في سواد،فاُتي به فضحّى به (3).

و اختلف في معنى ما في هذه الأخبار،فقيل:معناه السمن حتى يكون لها ظلّ عظيم تأكل فيه و تمشي فيه و تنظر فيه (4)،و هو يستلزم البروك فيه و قيل: معناه أن يكون هذه المواضع منها و هي العين و القوائم و البطن و المبعر سوداً و القائل به الحلّي في السرائر (5).

قيل:و قد يتأيد بالمرسل:« ضحّ بكبش أسود أقرن فحل،فإن لم تجد أسود فأقرن فحل يأكل في سواد و يشرب في سواد و ينظر في سواد» (6)و المشي في السواد بهذا المعنى يستلزم البروك في السواد فإنه على الأرجل و الصدر و البطن،و قد يراد به سواد الأرجل فقط (7).

و قيل:معناه رتع في مرتع كثير النبات شديد الاخضرار به،و هذا قد يتضمن البروك فيه (8).

ص:422


1- الكافي 4:/209 10،الوسائل 14:110 أبواب الذبح ب 13 ح 6.
2- منهم:الفاضل الآبي في كشف الرموز 1:368،و صاحب الحدائق 17:110؛ و انظر الذخيرة:669.
3- المبسوط 1:387 التذكرة 1:386 المنتهى 2:755.
4- استقربه العلّامة في المختلف:306،و جعله الأولى الفاضل المقداد في التنقيح 1:490.
5- السرائر 1:596.
6- الكافي 4:/489 4،الوسائل 14:110 أبواب الذبح ب 13 ح 5.
7- انظر كشف اللثام 1:367.
8- انظر كشف اللثام 1:367.

و عن الراوندي:أن التفاسير الثلاثة مروية عن أهل البيت عليه السلام (1).

و أن يكون مما عرّف به أي أُحضر عشية عرفة بعرفات،كما عن المهذّب و التذكرة و المنتهى (2)،و أُطلق الإحضار في غيرها (3)؛ للصحيح :« لا يضحّى إلّا بما قد عرّف به» (4)و نحوه آخر أو الموثق (5).

و ظاهرهما الوجوب،كما في ظاهر التهذيبين و الغنية و عن النهاية و المبسوط و الإصباح و المهذب (6).

و لكن الأشهر الاستحباب،بل في المنتهى و غيره عليه الإجماع (7)، و في المنتهى بعد نقل الوجوب عن الشيخ:الظاهر أنه أراد به تأكيد الاستحباب.

و هو الأظهر؛ للخبر المروي في التهذيبين ضعيفاً في الفقيه موثقاً، و فيه:عمّن اشترى شاة لم يعرّف بها،قال:« لا بأس بها،عرّف بها أو لم يعرّف» (8).

و به يحمل النهي في الخبرين على الكراهة جمعاً.

ص:423


1- حكاه عنه في الدروس 1:439.
2- المهذب 1:257،التذكرة 1:382،المنتهى 2:742.
3- انظر النهاية:258،و الغنية(الجوامع الفقهية):582.
4- التهذيب 5:/207 692،الإستبصار 2:/265 937،الوسائل 14:115 أبواب الذبح ب 17 ح 1.
5- التهذيب 5:/206 691،الإستبصار 2:/265 936،الوسائل 14:116 أبواب الذبح ب 17 ح 2.
6- الاستبصار 2:265،التهذيب 5:206،الغنية(الجوامع الفقهية):582،النهاية:258،المبسوط 1:373،المهذّب 1:257.
7- المنتهى 2:742؛ و انظر التذكرة 1:382،و المدارك 8:39.
8- الفقيه 2:/297 1473،التهذيب 5:/207 693،الإستبصار 2:/265 938،الوسائل 14:116 أبواب الذبح ب 17 ح 4.

و هو أولى من جمع الشيخ بحمل النهي على ما إذا لم يخبر البائع بأنه عرّف،و المرخِّص بما إذا أخبر بأنه عرّف؛ إذ ليس فيما استدل به لهذا الخبر و هو الصحيح:إنا نشتري الغنم بمنى و لسنا ندري عرّف بها أم لا،فقال:« إنهم لا يكذّبون لا عليك ضحّ بها» (1)دلالة عليه كما لا يخفى، فالأوّل أولى سيّما مع اعتضاده بالأصل و الشهرة العظيمة و الإجماعات المنقولة.

و أن يكون إناثاً من الإبل أو البقر كما في الصحاح المستفيضة (2) و ذكراناً من الضأن و المعز كما في الصحيح،و فيه:« تجزي الذكورة من البدن» (3).

و في آخر« الإناث و الذكور من الإبل و البقر تجزئ» (4).

و في المنتهى:لا نعلم خلافاً في جواز العكس في البابين إلّا ما روي عن ابن عمر انه قال:ما رأيت أحداً فاعلاً ذلك و إن نحر أُنثى أحبّ إليّ، و هذا يدل على موافقتنا،لانه لم يصرّح بالمنع عن الذكران (5).قيل:و نحو التذكرة (6).

و في النهاية:لا يجوز التضحية بثور و لا جمل بمنى و لا بأس بهما في البلاد،مع قوله قُبَيله:و أفضل الهدي و الأضاحي من البدن و البقر ذوات

ص:424


1- التهذيب 5:/207 694،الإستبصار 2:/265 939،الوسائل 14:116 أبواب الذبح ب 17 ح 3.
2- الوسائل 14:98 أبواب الذبح ب 9.
3- التهذيب 5:/204 680،المقنعة:451،الوسائل 14:98 أبواب الذبح ب 9 ح 1.
4- التهذيب 5:/205 686،الوسائل 14:98 أبواب الذبح ب 9 ح 3.
5- المنتهى 2:742.
6- التذكرة 1:382.

الأرحام و من الغنم الفحولة (1).فهو قرينة على إرادة التأكيد.

و في الاقتصاد:إن من شرطه إن كان من البدن أو البقر أن يكون أنثى، و إن كان من الغنم أن يكون فحلاً من الضأن،فإن لم يجد من الضأن جاز التيْس من المعز (2).

و في المهذّب:إن كان من الإبل فيجب أن يكون ثنياً من الإناث،و إن كان من البقر فيكون ثنياً من الإناث (3).

و لعلّهما أكّدا الاستحباب.

و أن ينحر الإبل قائمة للآية الشريفة (4)و المعتبرة (5)،قيل:و في التذكرة و المنتهى (6):لا نعلم في عدم وجوبه خلافاً،فإن خاف أن تنفر أناخها.

و في الخبر:عن البدنة كيف ينحرها،قائمة أو باركة؟قال:« يعقلها، و إن شاء قائمة و إن شاء باركة» (7).

مربوطة بين الخفّ و الركبة للصحيح (8)،و في غيره:« و أما البعير فشدّ أخفافه إلى آباطه و أطلق رجليه» (9)و هو الذي يأتي في الصيد

ص:425


1- النهاية:257.
2- الاقتصاد:307.
3- المهذّب 1:257.
4- الحج:36.
5- انظر الوسائل 14:148 أبواب الذبح ب 35.
6- التذكرة 1:380،المنتهي 2:738.
7- قرب الإسناد:/135 921،الوسائل 14:15 أبواب الذبح ب 35 ح 5.
8- الكافي 4:/497 1،الفقيه 2:/299 1487،التهذيب 5:/220 743،الوسائل 14:148 أبواب الذبح ب 35 ح 1.
9- الكافي 6:/229 4،التهذيب 9:/55 227،الوسائل 24:10 أبواب الذبائح ب 3 ح 2.

و الذبائح،فيجوز التخيّر و افتراق الهدي و غيره.

ثم الخبران نصّان في جمع اليدين بالربط من الخف إلى الركبة أو الإبط.

و عن أبي خديجة:إنّه رأى الصادق عليه السلام و هو ينحر بدنة معقولة يدها اليسرى (1).و روت العامة نحوه (2).و اختاره الحلبيان (3)،فالظاهر جواز الأمرين.

أقول:لكن الأول أرجح؛ لصحة السند و غيره.

و أن يطعنها في لبّتها من الجانب الأيمن لها؛ للصحيح أو القريب منه« ينحرها و هي قائمة من قبل اليمين» (4).

و الخبر:رأى الصادق عليه السلام إذا نحر بدنته قام من جانب يدها اليمنى (5) و أن يتولاّه أي الذبح بنفسه إن أحسنه؛ للتأسي،فقد باشر النحر النبي صلى الله عليه و آله كما في الخبرين (6)،و في الصحيح:« إن كان امرأة فلتذبح لنفسها» (7).

ص:426


1- الكافي 4:/498 8،التهذيب 5:/221 745 بتفاوت يسير،الوسائل 14:149 أبواب الذبح ب 35 ح 3.
2- سنن البيهقي 5:237.
3- أبو الصلاح في الكافي:215،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):582.
4- الكافي 4:/497 2،الفقيه 2:/299 1488،التهذيب 5:/221 744،الوسائل 14:149 أبواب الذبح ب 35 ح 2.
5- الكافي 4:/498 8،التهذيب 5:/221 745،الوسائل 14:149 أبواب الذبح ب 35 ح 3.
6- الأوّل:الكافي 4:/25 8،الوسائل 14:151 أبواب الذبح ب 36 ح 3.الثاني:الفقيه 2:/153 665،الوسائل 14:152 أبواب الذبح ب 36 ح 6.
7- الكافي 4:/497 4،الفقيه 2:/299 1486،الوسائل 14:150 أبواب الذبح ب 36 ح 1.

و إلّا أي و إن لم يتولّ بنفسه جعل يده مع يد الذابح للصحيح:« كان علي بن الحسين عليه السلام يضع السكّين في يد الصبي ثم يقبض على يده الرجل فيذبح» (1).

و إن لم يفعل ذلك كفاه الحضور عند الذبح،كما عن الوسيلة و الجامع (2)؛ لما في المحاسن عن النبي صلى الله عليه و آله في خبر بشير بن زيد لفاطمة عليها السلام:« اشهدي ذبح ذبيحتك،فإنّ أول قطرة منها يغفر اللّه تعالى بها كل ذنب عليك و كل خطيئة عليك» قال:« و هذا للمسلمين عامة» (3).

و الدعاء عند الذبح بالمأثور في الصحيح:« إذا اشتريت هديك فاستقبل[به]القبلة و انحره أو اذبحه،و قل: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً [1] مسلماً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [2] ، إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ [3] و أنا من المسلمين،اللهم منك و لك بسم اللّه و اللّه أكبر،اللهم تقبّل مني.ثم أمرّ السكّين و لا تنخعها حتى تموت» (4).

و في الخبر سمعته يقول:« بسم اللّه و باللّه و اللّه أكبر،اللهم هذا منك و لك اللهم تقبله مني.ثم يطعن في لبّتها» (5).

ص:427


1- الكافي 4:/497 5،الوسائل 14:151 أبواب الذبح ب 36 ح 2.
2- الوسيلة:184،الجامع للشرائع:214.
3- المحاسن:/67 127،الوسائل 14:151 أبواب الذبح ب 36 ح 4؛ بتفاوت يسير.
4- الكافي 4:/498 6،الفقيه 2:/299 1489،التهذيب 5:/221 746،الوسائل 14:152 أبواب الذبح ب 37 ح 1،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
5- الكافي 4:/498 8،التهذيب 5:/221 745،الوسائل 14:148 أبواب الذبح ب 35 ح 3.

و قسمته أثلاثاً:يأكل ثلثه،و يُهدي ثلثه،و يعطي القانع و المعترّ ثلثه قيل:على وفق ظاهر الأكثر و صريح كثير.أما عدم الوجوب فللأصل،و أما الفضل فللنصوص من الكتاب (1)و السنة (2)و أما هذا التثليث فعليه الأكثر،و قد يؤيده الموثق:سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟قال:

« بمكة» قال:أيّ شيء أُعطي منها؟قال:« كل ثلثاً و أهدِ ثلثاً و تصدّق بثلث» (3).

و في القريب من الصحيح عن لحوم الأضاحي[فقال:]« كان علي بن الحسين و أبو جعفر عليهما السلام يتصدّقان بثلث على جيرانهم و ثلث على السؤال و ثلث يمسكانه لأهل البيت» (4).

و يجوز أن يكون التصدّق على الجيران هو الإهداء الذي في الموثق، فالأولى اعتبار استحقاق من يُهدي إليه أقول:و لكن حكي عن الأصحاب عدمه.

و في الصحيح الوارد فيمن ساق هدياً:« أطعم أهلك ثلثا،و أطعم القانع و المعترّ ثلثاً،و أطعم المساكين ثلثاً» قلت له:المساكين هم السؤال؟ قال:« نعم» و قال:« القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها،

ص:428


1- الحج:36.
2- انظر الوسائل 14:159 أبواب الذبح ب 40.
3- الكافي 4:/488 5،التهذيب 5:/202 672،الوسائل 14:165 أبواب الذبح ب 40 ح 18.
4- الكافي 4:/499 3،الفقيه 2:/294 1457،المقنع:88،علل الشرائع:/ 3 438،الوسائل 14:163 أبواب الذبح ب 40 ح 13 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

و المعترّ ينبغي له أكثر من ذلك،هو أغنى من القانع يعتريك فلا يسألك (1) ».فإن كان إطعام القانع و المعترّ هو الإهداء وافق الأول،و أشعر أيضاً باستحقاق من يُهدى إليه،و دلّ مجموع الآيتين، (2)على التثليث المشهور، و لكن في التبيان:عندنا يطعم ثلثه،و يعطي ثلثه القانع و المعترّ،و يهدي الثلث و نحوه المجمع عنهم عليهم السلام (3).

أقول:و ظاهرهما الإجماع و النص على ذلك،و هما كافيان في إثباته، و عزاه في السرائر إلى رواية الأصحاب لكن في الأُضحية خاصة،و قال في هدي المتمتع و القارن:فالواجب أن يأكل منه و لو قليلاً و يتصدق على القانع و المعتر و لو قليلاً؛ لقوله تعالى فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ [1] و الأمر عندنا يقتضي الوجوب (4).انتهى.

و لم يذكر الإهداء اقتصاراً على منطوق الآيتين لإغفالهما إياه و اتحاد مضمونهما إلّا في المتصدّق عليه.

قيل:علّته أن التأسيس أولى من التأكيد،خصوصاً و قد تأيّد هنا بالخبر الصحيح (5).

و فيه نظر؛ فإن الصحيح تضمّن الأمر بإطعام الأهل ثلثاً و لم يقولوا به مطلقاً،مع أنه ليس فيه التصريح بالإهداء و إنما احتمل كون إطعام القانع

ص:429


1- التهذيب 5:/223 753،معاني الأخبار:/208 2،الوسائل 14:160 أبواب الذبح ب 40 ح 3.
2- الحج:28،36.
3- كشف اللثام 1:367،و هو في التبيان 7:319،مجمع البيان 4:86.
4- السرائر 1:598.
5- كشف اللثام 1:367.

و المعترّ فيه كناية عن الإهداء.

و يمكن الجواب عن الأول:بالمنع من عدم قول الأصحاب برجحان إطعام الأهل الثلث،و ذلك فإنه و إن لم يصرّحوا باستحبابه بالخصوص، لكن صرّحوا باستحباب أكل الثلث،و هو و إن كان ظاهراً في أكل الذابح نفسه إلّا انَّ المراد لعلّه مع أهله و إلّا فيتعسّر أو يتعذر غالباً أكله الثلث وحده،إلّا في مدة مديدة لا يمكن أكله الثلث فيها إلّا بإخراجه من منى، و قد منعوا عنه كما مضى،فلا يجامع حكمهم ذلك حكمهم باستحباب أكله بنفسه الثلث هنا.

و من هنا يظهر ان أكل الثلث بنفسه ليس واجب قطعاً،بل و لا خلاف فيه أيضاً،و إنما اختلفوا في وجوبه في الجملة و لو قليلاً،فالشيخ و جماعة على الاستحباب (1)،و عزاه في الدروس إلى الأصحاب (2).و لعلّه الأقوى؛ للأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة،عدا ما ستعرفه مع الجواب عنه.

و قيل:يجب الأكل منه و هو الحلّي كما عرفت،و تبعه من المتأخرين جماعة (3)؛ لما ذكره من الأمر به في الآية الشريفة،مضافاً إلى الأمر به في الصحيح أو الموثق:« إذا ذبحت أو نحرت فكل و أطعم كما قال اللّه تعالى: فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ [1] و قال:« القانع:الذي يقنع بما أعطيته،و المعتر:الذي يعتريك،و السائل:الذي يسألك في

ص:430


1- الشيخ في النهاية:261،الحلبي في الكافي:200،القاضي في المهذّب 1:259.
2- الدروس 1:439.
3- منهم:العلّامة في المختلف:306،و صاحب المدارك 8:43،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:368.

يديه،و البائس:الفقير» (1).

و يضعّف:بمنع إفادة الأمر الوجوب هنا،أمّا أولاً فلوروده مورد توهّم الحظر،كما ربما يستفاد من تتبع الأخبار،و صرّح به جمع،منهم الفاضل المقداد في كنز العرفان (2)،و حكاه بعض عن صاحب الكشّاف (3)، فقالا:كانت الأُمم قبل شرعنا يمتنعون من أكل نسائكهم،فرفع اللّه الحرج عنهم من أكلها.فلا يفيد سوى الإباحة،كما قرّر في محلّه.

و أما ثانياً فلأن مورد النزاع إنما هو هدي التمتع خاصة،كما صرّح به في المدارك (4)،و يظهر من غيره أيضاً كما ستعرفه،و لا اختصاص للآية الشريفة و كذا الرواية بل تعمّه و هدي القرآن و التضحية،و شمولها لهدي القرآن صريح الفاضل في المنتهى و ابن زهرة (5)،حيث استدل لجواز أكل هدي القرآن و المتعة بعد الإجماع بالآية،و ساقها إلى قوله تعالى ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ [1] (6)و قال في وجه الاستدلال:و الذي يترتب عليه قضاء التفث هو هدي التمتع و القران.

و ليس الأكل من الأُضحية و لا من هدي القرآن واجباً اتفاقا،كما صرح به الفاضل المقداد في الكنز و العلّامة في المنتهى (7)،حيث قال:هدي التطوع يستحب الأكل منه بلا خلاف؛ لقوله تعالى: فَكُلُوا مِنْها [2] الآية،

ص:431


1- التهذيب 5:/223 751،الوسائل 14:159 أبواب الذبح ب 40 ح 1.
2- كنز العرفان 1:313.
3- الكشاف 3:153.
4- المدارك 8:43.
5- المنتهى 2:752،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):582.
6- الحج:29.
7- كنز العرفان 1:313،المنتهى 2:752.

و أقل مراتب الأمر الاستحباب إلى أن قال-:لو لم يأكل من التطوع لم يكن به بأس بلا خلاف.و مراده بهدي التطوع هدي القرآن،كما صرّح به في موضع آخر منه (1).

و حينئذ فلا بدّ من صرف الآية و الرواية عن ظاهرهما،فإما إلى الاستحباب،أو التخصيص بهدي التمتع دون غيره،و الثاني و إن كان أولى إلّا أن الشهرة مع ما قدّمناه من الجواب الأول يرجّحان الأول،أو يساويانه مع الثاني،فليرجع إلى حكم الأصل،و هو البراءة من الوجوب.

و العجب من العلّامة في المنتهى حيث قال فيه بوجوب الأكل مستدلاً بالآية الشريفة،و مع ذلك أنه استدل لاستحباب الأكل من هدي التطوع بالآية المزبورة،مع أنه ليس فيها إلا أمر واحد،و لا يمكن حمله في استعمال واحد على معنييه الحقيقي و المجازي،فإما الوجوب أو الاستحباب،لا سبيل إلى الأول بعد تصريحة لشمول الآية لهدي القرآن المستحب فيه الأكل بلا خلاف كما ذكره،فتعيّن الثاني.

و بالجملة:الذي يقتضيه النظر و تتبع الأخبار و الفتاوي رجحان القول بالاستحباب و إن كان الأحوط القول بالإيجاب.

و يكره التضحية بالثور و الجاموس كما في الشرائع و الإرشاد و القواعد و التحرير و المنتهى (2)من غير نقل خلاف فيه أصلاً،قال:لما رواه الشيخ عن أبي بصير،قال سألته عن الأضاحي،قال:« أفضل الأضاحي في الحج الإبل و البقر ذوات الأرحام،و لا يضحّى بثور و لا جمل» (3).

ص:432


1- المنتهى 2:749.
2- الشرائع 1:261،الإرشاد 1:333،القواعد 1:88،التحرير 1:105،المنتهى 2:742.
3- التهذيب 5:/204 682،الوسائل 14:99 أبواب الذبح ب 9 ح 4.

و ليس فيه مع إضماره ذكر الجاموس،إلّا أن يستدل على كراهيته بالفحوى.

و يدلُّ على جواز التضحية به صريحاً الصحيح:عن الجاموس عن كم يجزئ في التضحية،فجاء في الجواب« إن كان ذكراً فعن واحد،و إن كان أُنثى فعن سبعة» (1).

و حينئذ فلا يحتاج في إثبات أجزائه إلى البناء على انَّه مع البقر جنس،كما تقرّر في كتاب الزكاة فيناقش فيه بأن المستفاد من كلام بعض أهل اللغة خلافه.

و الموجوء و هو مرضوض الخصيتين حتى تفسدا،كما في الكتب المتقدمة عدا التحرير و المنتهى ففيهما:الموجوء خير من النعجة، و النعجة خير من المعز.

و التعبير بالمأثور في النصوص أولى،منها الصحيح:« الفحل من الضأن خير من الموجوء،و الموجوء خير من النعجة،و النعجة خير من المعز» (2).

و في آخر:« اشتر فحلاً سميناً للمتعة،فإن لم تجد فموجوءاً،فإن لم تجد فمن فحولة المعز،[فإن لم تجد فنعجة]فإن لم تجد فما استيسر من الهدي» (3).

و ليس في الروايتين تصريح بالكراهة،و إنّما المستفاد منهما أن الفحل من الضأن أفضل من الموجوء،و أنَّ الموجوء خير من المعز،و بذلك صرّح

ص:433


1- التهذيب 5:/209 701،الإستبصار 2:/267 946،الوسائل 14:112 أبواب الذبح ب 15 ح 1.
2- التهذيب 5:/205 686،الوسائل 14:111 أبواب الذبح ب 14 ح 1.
3- الكافي 4:/490 9،الوسائل 14:107 أبواب الذبح ب 12 ح 7 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

في المدارك و الذخيرة (1)،لكن قالا بعد نقل الحكم بالكراهة:قد قطع بها الأصحاب،و احتمل في الذخيرة كون مرادهم منها ترك الاولى،لا المعنى المصطلح عليه الآن.

الثالث في البدل

الثالث:في البدل و اعلم أنه لو فقد فقد الهدي و وجد ثمنه و هو يريد الرجوع استناب ثقة في شرائه و ذبحه طول ذي الحجة فإن لم يوجد فيه ففي العام المقبل في ذي الحجة،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر،و في ظاهر الغنية الإجماع عليه (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الصحيح الصريح في ذلك (3).

و ربما استدل له ايضاً ببعض المعتبرة:عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج،فوجب عليه النسك،فطلبه فلم يجده و هو موسر حسن الحال و هو يضعف عن الصيام،فما ينبغي له أن يصنع؟قال:« يدفع ثمن النسك إلى من يذبحه عنه بمكة إن كان يريد المضي إلى أهله،و ليذبح عنه في ذي الحجة»[فقلت:]فإنه دفعه إلى من يذبح عنه،فلم يصب في ذي الحجة نسكاً و أصابه بعد ذلك،قال:« لا يذبح عنه إلا في ذي الحجة و لو أخره إلى قابل» (4).

ص:434


1- المدارك 8:45،الذخيرة:671.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):582.
3- الكافي 4:/508 6،التهذيب 5:/37 109،الإستبصار 2:/260 916،الوسائل 14:176 أبواب الذبح ب 44 ح 1.
4- التهذيب 5:/37 110،الإستبصار 2:/260 917،الوسائل 14:176 أبواب الذبح ب 44 ح 2،بدل ما بين المعقوفين في النسخ« قال».

و يضعّف:بأنه لمّا ذكر السائل أنه يضعف عن الصيام لم يصح الاستدلال به على وجوب أن يخلف الثمن مع القدرة عليه كما في كلام جمع.

و قيل بل ينتقل فرضه إلى الصوم و القائل:الحلّي (1)،و تبعه الماتن في الشرائع (2)،و ربما يعزى الى العماني (3)،و فيه نظر.

و استدل عليه بصدق أنه يصدق أنه غير واجد للهدي،فينقل الفرض إلى الصوم.

و بالموثق:عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة،أ يذبح أو يصوم؟قال:« بل يصوم،فإن أيام الذبح قد مضت» (4).

و يضعّف الأولّ:بمنعه؛ فإنّ تيسّر الهدي و وجدانه يعمّان العين و الثمن،و إلّا لم يجب الشراء مع الوجود يوم النحر و إمكانه إن خصّص الوجود به عنده،و إلّا فهو أعم منه عنده و عند غيره في أيّ جزء كان من أجزاء الزمان الذي يجزئ فيه.

لا يقال:إذا لم يجده بنفسه ما كان هناك شمله « فَمَنْ لَمْ يَجِدْ» [1] .

لأنا نقول:وجدان النائب كوجدانه؛ لأنه مما يقبل النائب كما عرفته.

و الثاني:بقصور سنده و عدم مكافأته لمقابله سنداً و اعتباراً؛ مضافاً إلى ظهوره فيمن قدر على الذبح بمنى،و هو غير ما نحن فيه،و لا يوجبان

ص:435


1- السرائر 1:592.
2- الشرائع 1:261.
3- حكاه عنه في المختلف:304.
4- الكافي 4:/509 9،التهذيب 5:/37 111،الإستبصار 2:/260 918،الوسائل 14:177 أبواب الذبح ب 44 ح 3.

الصوم فيه،و لعلّه لذا حمله الشيخ على من صام ثلاثة أيّام قبل الوجدان (1)، كما في الخبر:عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هدياً يوم خرج من منى،قال:« أجزأه صيامه» (2).

و غيره على ما مرّ في بحث وجوب كون الذبح يوم النحر (3).

و للإسكافي هنا قول ثالث مخيّر بين القولين الأوّلين و بين الصدقة بالوسطى من قيمة الهدي في تلك السنة (4).

قيل:جمعاً بين ما مرّ و نحو خبر عبد اللّه بن عمر (5)،قال:كنّا بمكة فأصابنا غلاء في الأضاحي فاشترينا بدينار،ثم بدينارين،ثم بلغت سبعة، ثم لم يوجد بقليل و لا كثير،فوقّع هشام المكاري رقعة الى أبي الحسن عليه السلام، فأخبره بما اشترينا و أنّا لم نجد بعد،فوقّع عليه السلام إليه:« انظروا إلى الثمن الأول و الثاني و الثالث فاجمعوا،ثم تصدّقوا بمثل ثلثه» (6).

و يضعّف:بأن الجمع بذلك فرع التكافؤ و الشاهد المفقودين في المقام،مع ظهور الثالث بعد تسليمه كما قيل- (7)في الندب،مضافاً إلى انَّ إنفاق الثمن بدل الهدي مخالف للكتاب.

و مع فقد الثمن أيضاً يلزمه الصوم قولاً واحداً و هو ثلاثة

ص:436


1- انظر التهذيب 5:37.
2- الكافي 4:/509 11،التهذيب 5:/38 112،الإستبصار 2:/260 919،الوسائل 14:178 أبواب الذبح ب 45 ح 1.
3- راجع ص:3027.
4- حكاه عنه في المختلف:304.
5- كشف اللثام 1:363.
6- الكافي 4:/544 22،الفقيه 2:/296 1467،التهذيب 5:/238 805،الوسائل 14:203 أبواب الذبح ب 58 ح 1.
7- كشف اللثام 1:363.

أيام في الحج متواليات و سبعة في أهله بالكتاب (1)و السنة (2)و الإجماع، و في المنتهى:لا خلاف فيه بين العلماء (3).

و ليس في الكتاب ما يدل على اعتبار التوالي بين الثلاثة لكن جاء ذلك من قبل إجماعنا الظاهر،المصرّح به في المنتهى (4)و غيره،و السنة.

ففي الموثق:« لا يصوم الثلاثة الأيام متفرقة» (5)و نحوه الصحيح المروي عن قرب الاسناد (6).

و قريب منهما الصحاح و غيرها الآمرة بصوم يوم قبل التروية و صومها و صوم عرفة (7)،لكنها محمولة على الاستحباب عند الأصحاب،و في ظاهر المنتهى و عن ظاهر التذكرة:الإجماع عليه (8).

و يستثنى من اعتبار التوالي ما إذا صام يومي التروية و عرفة فيؤخر العيد إلى آخر أيام التشريق،كما مرّ في كتاب الصوم.

و المراد بقوله « فِي الْحَجِّ» [1] أي في سفره قبل رجوعه إلى أهله، و شهره،و هو هنا ذو الحجة عندنا،كما في ظاهر المنتهى و غيره (9)، و سيأتي ما يدل عليه.

ص:437


1- البقرة:192.
2- انظر الوسائل 14:178 أبواب الذبح ب 46.
3- المنتهى 2:743.
4- المنتهى 2:743.
5- التهذيب 5:/232 784،الإستبصار 2:/28 994،الوسائل 14:198 أبواب الذبح ب 53 ح 1.
6- التهذيب 5:/231 782،الاستبصار 2:/279 993،قرب الإسناد:/394 1381،الوسائل 14:196 أبواب الذبح ب 52 ح 4.
7- انظر الوسائل 14:178،195 أبواب الذبح ب 46،52.
8- المنتهى 2:743،التذكرة 1:382.
9- المنتهى 2:745؛ و انظر كشف اللثام 1:363.

و المعتبر من القدرة على الثمن القدرة عليه في موضعه لا في بلده، و في المنتهى:إنه لا يعلم فيه خلافاً (1).

و لو تمكن من الاستدانة ففي وجوبها وجهان،قيل:و قرّب الشهيد الوجوب (2).

أقول:و عليه الشهيد الثاني أيضاً (3).

و يجوز تقديم صوم الثلاثة من أول ذي الحجة كما في كلام جماعة (4)،و ادّعى في التنقيح عليه الشهرة (5).و لا يخلو عن قوة؛ لإطلاق الآية الشريفة و تفسيرها في الصحيح بذي الحجة (6)؛ و خصوص الموثق:

« من لم يجد هدياً واجب ان يصوم الثلاثة الأيام في أول العشر فلا بأس بذلك» (7).

قيل:و نصّ ابن سعيد على أنه رخّص في ذلك لغير علّة،و في السرائر و ظاهر التبيان:الإجماع على وجوب كون الصوم في الثلاثة المتصلة بالنحر،و في الخلاف:نفي الخلاف عن وجوبه اختياراً،لكن يحتمل نفي الخلاف عن تقديمها على الإحرام بالحج،و فيه و في النهاية و التهذيب و المبسوط و المهذّب:ذكر الرخصة في صومها أول العشر،لكن في

ص:438


1- المنتهى 2:743.
2- حكاه عنه في الذخيرة:672 و هو في الدروس 1:441.
3- المسالك 1:116.
4- منهم:الشهيد الأول في الدروس 1:440،و صاحب المدارك 8:52،و الحدائق 17:137.
5- التنقيح الرائع 1:493.
6- الكافي 4:/506 1،التهذيب 5:/38 114،الوسائل 14:178 أبواب الذبح ب 46 ح 1.
7- الكافي 4:/507 2،الوسائل 14:179 أبواب الذبح ب 46 ح 2.

الأخيرين أن التأخير إلى السابع أحوط،و في التهذيب:أنه أولى،و ظاهر الخلاف اختصاص الرخصة بالمضطر! (1).و لا يجوز صومها إلّا بعد التلبس بالمتعة،إلّا في رواية عن أحمد،قال في المنتهى:و هو خطأ؛ لأنه تقديم للواجب على وقته و سببه، و مع ذلك فهو خلاف قول العلماء (2).و نحوه عن التذكرة (3).

و يكفي التلبس بعمرتها،كما في الشرائع و التحرير و المنتهى و الإرشاد و القواعد (4)،و عن الخلاف و التذكرة (5)؛ لإطلاق الآية،و الاتفاق فتوًى و روايةً (6)على أن الراجح صومها من السابع مع استحباب كون الإحرام بالحج في الثامن،و لم يحك خلاف فيه إلّا عن الشافعي و بعض العامة (7).

و اشترط الشهيد في الدروس و اللمعة و كذا شارحها (8)التلبس بالحج كما عليه الماتن هنا.

و وجهه غير واضح،عدا ما في التنقيح من كونه تقديماً للواجب على

ص:439


1- كشف اللثام 1:364،و هو في الجامع:211،و السرائر 1:593،و التبيان 2:160،و الخلاف 2:278،و النهاية:255،و التهذيب 5:235،و المبسوط 1:370،و المهذب 1:258،و التهذيب:258،و التهذيب 5:258.
2- المنتهى 2:745.
3- التذكرة 1:383.
4- الشرائع 1:262،التحرير 1:105،المنتهى 2:745،الإرشاد 1:333،القواعد 1:88.
5- الخلاف 2:275،التذكرة 1:382.
6- الوسائل 14:178 أبواب الذبح ب 46.
7- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:364،و هو في الأُم 2:189،المغني و الشرح الكبير 3:508.
8- الدروس 1:440،اللمعة(الروضة البهية 2):295.

وقته،فهو تقديم للمسبّب على سببه (1).و هو اجتهاد في مقابلة ما قدّمناه من الدليل.

و لعلّه عليه اعتماد من وافقناه على الاكتفاء بالتلبس بالعمرة و بناؤه، و به استدل عليه في المنتهى (2)و غيره.

لا على ما في الدروس من أنه بناءً على وجوبه بها (3).و الظاهر أن مرجع الضمير الأول هو الهدي كما في الذخيرة (4)،أو الصوم كما في التنقيح (5)،لا الحج كما ذكره شيخنا الشهيد الثاني و سبطه (6).

و على التقادير فالمرجع واحد،و هو دفع وجه الإشكال المتقدم،و لا يحتاج إلى ذلك،بل الدافع له ما عرفت من الدليل،فتأمل.

و لا يجوز تقديمها قبل ذي الحجة مطلقاً؛ لما عرفته.

و يجوز صومها طول ذي الحجة عند علمائنا و أكثر العامة كما قيل (7)؛ لأكثر ما مرّ،و الصحيح:« من لم يجد ثمن الهدى و أحبّ أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس (8).

و ظاهر إطلاق الأدلة كجملة من الفتاوي جوازه اختياراً.

قيل:و ظاهر الأكثر و منهم الفاضل في جملة من كتبه وجوب المبادرة

ص:440


1- التنقيح الرائع 1:494.
2- المنتهى 2:745.
3- الدروس 1:440.
4- الذخيرة:673.
5- التنقيح الرائع 1:494.
6- الشهيد الثاني في المسالك 1:116،و سبطه في المدارك 8:53.
7- قال به في المدارك 8:53.
8- الفقيه 2:/303 1508،الوسائل 14:182 أبواب الذبح ب 46 ح 13.

بعد التشريق،فإن فات فليصم بعد ذلك إلى آخر الشهر.و هو أحوط؛ لاختصاص أكثر الأخبار بذلك (1).و من ذهب إلى كونه قضاءً بعد التشريق لم يجز عنده التأخير إليه اختياراً قطعاً،و هو مذهب الشيخ في المبسوط على ما في المختلف.و الحقّ أنه أداء،كما في الخلاف و السرائر و الجامع و المختلف و المنتهى و التذكرة و التحرير و فيما عندنا من نسخ المبسوط؛ إذ لا دليل على خروج الوقت،بل العدم ظاهر ما مرّ،و غاية الأمر وجوب المبادرة (2).

و لو خرج ذو الحجّة و لم يصم الثلاثة بكمالها سقط عنه الصوم و تعيّن عليه الهدي في القابل بمنى عند علمائنا و أكثر العامة كما في المدارك (3)،و في غيره الإجماع كما عن صريح الخلاف (4)،بل قيل:

نقله جماعة؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحيح:« من لم يصم في ذي الحجة حتى هلّ هلال المحرّم فعليه دم شاة و ليس له صوم،و يذبحه بمنى» (5).

و إطلاقه بل عمومه يعمّ الهدي و الكفارة و احتمال اختصاصه بالثاني لا وجه له سيّما مع استدلال الأصحاب به فيما نحن فيه.

ص:441


1- الوسائل 14:أبواب الذبح ب 46،52،53،54.
2- قال به في كشف اللثام 1:364،و هو في المختلف:305،و الخلاف 2:278،و السرائر 1:594،و الجامع:211،و المختلف:305،و المنتهى 2:746،و التذكرة 1:383،و التحرير 1:105.
3- المدارك 8:55.
4- الخلاف 2:278.
5- الكافي 4:/509 10،التهذيب 5:/39 116،الإستبصار 2:/278 989،الوسائل 14:185 أبواب الذبح ب 7 ح 1.

و الصحيح:عمن نسي الثلاثة الأيام حتى قدم أهله،قال:« يبعث بدم» (1).

لكنه معارض بالصحاح المستفيضة على أن من فاته صومها بمكة لعائق أو نسيان فليصمها في الطريق إن شاء،و إن شاء إذا رجع إلى أهله (2)، من غير تقييد ببقاء الشهر و عدم خروجه،بل هي مطلقة شاملة له و لغيره، و بها أفتى الشيخ رحمه الله في التهذيب (3)،و نقل عن المفيد أيضاً (4)،لكنه رجع عنه في الخلاف كما عرفت.

و في الاستبصار جمع بينها و بين الصحيحة بحملها على صورة خروج الشهر،و حمل هذه الأخبار على بقائه (5).

و استبعده في الذخيرة،و استحسن الجمع بينهما بتقييد الصحيحة بالناسي دون غيرها (6).

و جمع الشيخ أولى؛ لاعتضاده بعد الشهرة و الإجماعات المنقولة بظاهر الكتاب و السنة و الإجماع الموقِّتة لهذا الصوم بذي الحجة، و مقتضاها سقوطه بخروجه.و تقييدها بحال التمكن و الاختيار من إتيانه في مكة ليس بأولى من تقييد الصحاح بها،بحملها على بقاء ذي الحجة،بل هذا أولى من وجوه شتّى،و منها بعد ما ما مضى-:

قطعية الكتاب و السنّة التي بمعناها دون هذه،فإنها آحاد

ص:442


1- الفقيه 2:/304 1511،التهذيب 5:/235 792،الإستبصار 2:/279 990،الوسائل 14:186 أبواب الذبح ب 47 ح 3.
2- انظر الوسائل 14:أبواب الذبح ب 46،47،52.
3- التهذيب 5:233.
4- المقنعة:450.
5- الاستبصار 2:279.
6- الذخيرة:674.

و إن كانت صحاحاً.

و هل يجب مع دم الهدي دم آخر كفارة،كما في صريح المنتهى و عن ظاهر المبسوط و الجامع (1)،أم لا،كما هو ظاهر المتن و غيره من عبائر الأكثر؟الأحوط الأول.

و استدل عليه في المنتهى بأنه ترك نسكاً،و قال صلى الله عليه و آله:« من ترك نسكاً فعليه دم» (2)و بأنه صوم موقّت وجب بدلاً فوجب بتأخيره كفارة، كقضاء رمضان.

و هو كما ترى،و سند الخبر لم يتّضح لنا،فعدم الوجوب للأصل لعلّه أقوى.

و لو صام الثلاثة في الحج لفقد الهدي و ثمنه ثم وجد الهدي لم يجب عليه على الأشهر الأظهر،و عن الخلاف الإجماع عليه (3)؛ للأصل، و ظاهر الآية،و صريح الخبر (4)المنجبر ضعفه بالعمل.

لكنه أفضل بلا خلاف يظهر،و بنفيه صرّح بعض خروجاً عن شبهة القول بالوجوب مطلقاً كما عن المهذّب (5)،أو إذا وجده قبل التلبس بالسبعة في وقت الذبح كما عن القواعد (6).

و للخبر:عن رجل تمتّع و ليس معه ما يشتري به هدياً،فلمّا أن صام

ص:443


1- المنتهى 2:746،المبسوط 1:370،الجامع للشرائع:210.
2- سنن البيهقي 5:152.
3- الخلاف 2:277.
4- الكافي 4:/509 11،التهذيب 5:/38 112،الإستبصار 2:/260 919،الوسائل 14:178 أبواب الذبح ب 45 ح 1.
5- المهذب 1:259.
6- القواعد 1:88.

ثلاثة أيام في الحج أيسر،أ يشتري هدياً فينحره،أو يدع ذلك و يصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله؟قال:« يشتري هدياً فينحره،و يكون صيامه الذي صامه نافلة» (1).

و إنما حمل على الفضل جمعاً و لضعف السند.

و ظاهر العبارة و نحوها وجوب الهدي لو لم يصم الثلاثة بكمالها،كما عن الأكثر (2).

خلافاً للمحكي عن الخلاف و الحلّي و الفاضل في جملة من كتبه (3)، فاكتفوا في سقوط الهدي بمجرد التلبس بالصوم،و عليه المقداد في كنز العرفان (4).و استدل عليه في المنتهى بإطلاق الآية وجوب الصوم على من لم يجد الهدي،قال:لا يقال:هذا يقتضي عدم الاجتزاء بالهدي و إن لم يدخل في الصوم،لأنا نقول:لو خلّينا و الظاهر لحكمنا بذلك لكن الوفاق وقع على خلافه،فيبقى ما عداه على الأصل (5).انتهى.

و المسألة محل إشكال،و الاحتياط يقتضي المصير إلى الأول.

و لا يشترط في صوم السبعة التتابع على الأشهر الأقوى،بل في المنتهى و عن التذكرة (6):أنه لا يعرف فيه خلافاً.للأصل،و إطلاق الأمر،

ص:444


1- الكافي 4:/510 14،التهذيب 5:/38 113،الإستبصار 2:/261 920،الوسائل 14:178 أبواب الذبح ب 45 ح 2.
2- انظر المدارك 8:56.
3- الخلاف 2:277،الحلي في السرائر 1:594،العلامة في التذكرة 1:383،و المختلف:304.
4- كنز العرفان 1:297.
5- المنتهى 2:747.
6- المنتهى 2:744،التذكرة 1:383.

و صريح الخبر (1)المنجبر بالعمل.

خلافاً للمحكي في المختلف عن العماني و الحلبي (2)،و في التنقيح عن المفيد و ابن زهرة العلوي،فاشترطوه (3)،و قوّاه في المختلف لآخَر، و ربّما عدّ من الصحيح-:عن صوم ثلاثة أيام في الحج و سبعة،أ يصومها متوالية أو يفرّق بينها؟قال:« يصوم الثلاثة الأيام لا يفرّق بينها،و السبعة لا يفرّق بينها» (4).

و أيّد بالحسن:« السبعة الأيام و الثلاثة الأيام في الحج لا تفرّق أبداً، إنما هي بمنزلة الثلاثة الأيام في اليمين» (5).

و ليسا نصّاً،فيحتملان الحمل على الكراهة توفيقاً بين الأدلة،المؤيدة بعموم الصحيح:« كلّ صوم يفرّق إلّا ثلاثة أيام في كفارة اليمين» (6)و مع ذلك فلا ريب أن التتابع مهما أمكن أحوط.

و لو أقام من وجب عليه صوم السبعة بدل الهدي بمكة شرّفها اللّه سبحانه انتظر بصيامها مضيّ أقلّ الأمرين من مدّة وصوله إلى أهله و مضيّ شهر بلا خلاف فيه أجده في الجملة،و به مطلقاً صرّح في الذخيرة (7)،و في غيرها:إنه مقطوع به في كلامهم؛

ص:445


1- التهذيب 5:/233 787،الإستبصار 2:/281 998،الوسائل 14:200 أبواب الذبح ب 55 ح 1.
2- المختلف:238.
3- التنقيح الرائع 1:494.
4- التهذيب 4:/315 957،الإستبصار 2:/281 999،الوسائل 14:200 أبواب الذبح ب 55 ح 2.
5- الكافي 4:/140 3،الوسائل 10:382 أبواب بقية الصوم الواجب ب 10 ح 2.
6- الكافي 4:/140 1،الوسائل 10:382 أبواب بقية الصوم الواجب ب 10 ح 1.
7- الذخيرة:674.

للصحيح:« و إن كان له مقام بمكة و أراد أن يصوم السبعة،ترك الصيام بقدر مصيره إلى أهله أو شهراً،ثم صام» (1).

قيل:و أوجب القاضي و الحلبيّون الانتظار إلى الوصول و لم يعتبروا الشهر،و حكى ابن زهرة الإجماع،و رواه المفيد عن الصادق عليه السلام (2)، و يوافقها مضمر أبي بصير في الكافي و الفقيه (3)(4).أقول:و نحوه الصحيح:في المقيم إذا صام الثلاثة الأيام ثم يجاور، ينظر مقدم أهل بلده،فإذا ظنّ أنهم قد دخلوا فليصم السبعة الأيام (5).

لكنه مقطوع،كما أن الأول مرسل،فيضعف الخبران بهما عن المقاومة لما مرّ من الصحيح،مع أنه مفصِّل،فالعمل به أقوى من العمل بالمطلق،بل ينبغي تقييده.

ثم قصر الماتن الحكم على المقيم بمكة ظاهر جمع،و منهم الصدوق و الشيخ و القاضي و ابنا سعيد و إدريس فيما حكاه بعض الأفاضل،قال:

و عمّمه الحلبيّان لمن صدّ عن وطنه،و ابن أبي مجد (6)للمقيم بأحد الحرمين،و الفاضل في التحرير لمن أقام بمكة أو الطريق،و أطلق في التذكرة من أقام لكنه استدل بالصحيح المتقدم.و الوجه قصر الشهر على

ص:446


1- الفقيه 2:/303 1507،التهذيب 5:/234 790،الإستبصار 2:/282 1002،الوسائل 14:190 أبواب الذبح ب 50 ذيل الحديث 2.
2- المقنعة:452،الوسائل 14:191 أبواب الذبح ب 50 ح 5.
3- الكافي 4:/509 8،الفقيه 2:/303 1506،الوسائل 14:190 أبواب الذبح ب 50 ح 3.
4- كشف اللثام 1:365.
5- التهذيب 5:/41 121،الوسائل 14:189 أبواب الذبح ب 50 ح 1.
6- هو الشيخ الفقيه،المتكلم النبيه،علاء الدين،أبو الحسن،علي بن أبي الفضل بن الحسن بن أبي المجد الحلبي صاحب كتاب إشارة السبق إلى معرفة الحق.

المنصوص؛ للأمر في الآية بالتأخير إلى الرجوع،غاية الأمر تعميمه ما في حكمه و إلّا لم يصمها من لا يرجع (1).انتهى.

و بما استوجهه صرّح شيخنا الشهيد الثاني (2)،و تبعه سبطه في المدارك و صاحب الذخيرة (3)،لكن لم يعتبرا الرجوع الحكمي،بناءً على أن ظاهر الآية الرجوع الحقيقي.و هو حسن،إلّا أن مقتضاه عدم لزوم صومها لمن يريد الإقامة بها أبداً،و لعلّه خلاف الإجماع،و إلى هذا أشار الفاضل المتقدم بقوله:و إلّا لم يصمها من لا يرجع،في تعليل تعميم الرجوع للحكمي مطلقاً.

و بناءً على أن المراد بالإقامة في الفتوى و الرواية المجاورة الأبدية،لا مطلق المجاورة.

و في تعيّنه إشكال؛ لصدق الإقامة بغير ذلك مثل المجاورة سنةً لغةً و عرفاً؛ مضافاً إلى وقوع التصريح بذلك في رواية أبي بصير المتقدمة،فإنّ فيها:عن رجل تمتّع فلم يجد ما يهدي فصام ثلاثة أيام،فلما قضى نسكه بدا له أن يقيم بمكة سنة،قال:« فلينتظر منها أهل بلده،فإذا ظنّ أنهم قد دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيام» و هي و إن كانت مرسلة لكنها معتضدة بإطلاق لفظة الإقامة لغةً و عرفاً.

و حينئذ فيتّجه ما ذكراه من اعتبار الرجوع الحقيقي حيث يتوقع و يمكن.و لعلّ هذه الصورة مرادهما،أو يتأملان في وجوب السبعة لمن لا يريد الرجوع ابداً لاشتراطه بالرجوع المفقود هنا،و لكنه بعيد جدّاً.

ص:447


1- كشف اللثام 1:365.
2- المسالك 1:116.
3- المدارك 8:59،الذخيرة:674.

ثم إنه ليس في الصحيحة المتقدمة و كلام الأكثر تعيين مبدأ الشهر أ هو بعد انقضاء أيام التشريق كما عن جماعة (1)،أو يوم يدخل مكة كما احتمله آخرون (2)،أو يوم يعزم على الإقامة كما احتمله في الذخيرة،و فيها:إن الرواية لا تخلو عن إشعار به (3).و هو كذلك.

و لو مات من وجب عليه الصوم بدل الهدى و لم يصم فإن لم يكن قد تمكّن من صيام شيء من العشرة سقط الصوم و لا يجب على وليّه القضاء عنه و لا الصدقة عنه،لما (4)مرّ في كتاب الصوم.

و في المنتهى هنا:ذهب إليه علماؤنا و أكثر الجمهور (5).و قريب منه ظاهر الصيمري،فادّعى إطباق الفتاوي على اعتبار التمكن،و جعله المقيّد للنص الآتي بإطلاق القضاء عنه،و ردّ بذلك على بعض من حكي عنه عدم اعتباره إياه.و هو حسن.

و إن تمكّن من فعل الجميع و لم يفعل قال الشيخ رحمه الله-: صام الولي عنه الثلاثة الأيام وجوباً،دون السبعة (6) و تبعة الماتن هنا و جماعة كما قيل (7)؛ للصحيح:عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحج و لم يكن له هدي،فصام ثلاثة أيام في ذي الحجّة،ثم مات بعد أن رجع إلى أهله قبل أن

ص:448


1- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:116،و صاحب المدارك 8:59،و صاحب الحدائق 17:149.
2- منهم:السبزواري في الكفاية:71،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:365.
3- الذخيرة:674.
4- في« ق»:كما.
5- المنتهى 2:746.
6- المبسوط 1:370.
7- المدارك 8:61.

يصوم السبعة الأيام،أعلى وليّه أن يقضي عنه؟قال:« ما أرى عليه قضاء» (1).

و فيه:أن ظاهر نفي القضاء مطلقاً،كما عليه الصدوق في الفقيه، و لكنه استحبه (2)؛ و ذلك فإن العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل.

خلافاً للحلّي و أكثر المتأخرين (3)،بل المشهور كما قيل (4)،فيجب عليه قضاء السبعة أيضاً؛ للصحيح:« من مات و لم يكن له هدي لمتعة فليصم عنه وليّه» (5).

و فيه:أن هذا ظاهر و ما مرّ نصّ،فليقدّم عليه و يحمل على الاستحباب،كما صرّح به الصدوق في الفقيه.

لكن شهرة العمل بهذا،و اعتضاده بعموم نحو الصحيح:في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام،قال:« يقضي عنه أولي الناس بميراثه» (6)المعتضد بدعوى الإجماع عليه في السرائر و المختلف (7)،و به استدلا على الوجوب هنا ربما يوجب المصير إليه،و صرف التأويل في الصحيح الأول بما في المنتهى من حمله على ما إذا لم يتمكن من القضاء (8).

ص:449


1- الكافي 4:/509 13،التهذيب 5:/40 118،الإستبصار 2:/261 922،الوسائل 14:188 أبواب الذبح ب 48 ح 2.
2- الفقيه 2:303.
3- الحلي في السرائر 1:592،العلامة في التحرير 1:106،صاحب المدارك 8:60،صاحب الحدائق 17:158.
4- الذخيرة:674.
5- الكافي 4:/509 12،التهذيب 5:/40 117،الاستبصار 2:/261 921،المقنع:91،الوسائل 14:187 أبواب الذبح ب 48 ح 1.
6- الكافي 4:/123 1،الوسائل 10:330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.
7- السرائر 1:593،المختلف:305.
8- المنتهى 2:746.

إلّا أن يقال:إن الشهرة ليست بتلك الشهرة الموجبة لصرف الأدلّة عن ظواهرها بمقتضى القواعد الأُصوليّة،و عموم نحو الصحيحة و شمولها لمفروض المسألة غير واضح كما صرَّح به في الذخيرة (1)،و دعوى الإجماع في محل النزاع المصرَّح به في كلام الناقل له ربما تكون ممنوعة،مع أن عبارة السرائر في الوجوب غير صريحة،فإنه قال:و الأولى و الأحوط أنه يلزمه القضاء عنه،فتأمل.

و كيف كان،فلا ريب أن الوجوب أحوط،بل لا يترك،سيّما في الثلاثة. و من وجب عليه بدنة في كفارة أو نذر و عجز عنها و لم يكن على بدلها نصّ بخصوصها كفداء النعامة أجزأه سبع شياه كما هنا و في الشرائع و السرائر و التهذيب و القواعد و المنتهى و التحرير (2)،و عن النهاية و المبسوط (3)،و في المنتهى ما ربما يشعر بإجماعنا عليه (4)،قال:للنبوي فيمن أتاه عليه السلام فقال:إنّ عليّ بدنه و أنا موسر لها و لا أجدها فأشتريها، فأمره عليه السلام أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن (5).

و الخاصي الصحيح على قول قوي،أو القريب منه على آخر:في الرجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء،قال:« إذا لم يجد بدنة فسبع شياه، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكة أو في منزله» (6).

ص:450


1- الذخيرة:674.
2- الشرائع 1:262،السرائر 1:599،التهذيب 5:237،القواعد 1:88،المنتهى 2:748،التحرير 1:106.
3- النهاية 262،المبسوط 1:375.
4- المنتهى 2:748.
5- مسند أحمد 1:311،سنن ابن ماجة 2:/1048 3136.
6- التهذيب 5:/237 800،الوسائل 14:201 أبواب الذبح ب 56 ح 1.

قيل:و لاختصاصه بالفداء اقتصر عليه ابن سعيد،و اقتصر الصدوق في الفقيه و المقنع على الكفّارة،و هي أعم من الفداء (1).

أقول:و لكن النبوي عام و قصور السند أو ضعفه مجبور بعمل الأصحاب سيّما الحلّي،كما انجبر به ضعف الخاصي إن كان،و بذيله أفتى الشيخ في كتبه المتقدمة و الفاضل في التحرير و المنتهى أيضاً.

و لو وجب عليه سبع شياه لم يجزه البدنة و إن كانت السبعة بدلاً عنها؛ لفقد النص.

و في إجزاء البدنة عن البقرة وجهان،أظهرهما العدم،خلافاً للتحرير و المنتهى (2)فاستقرب الإجزاء،قال:لأنها أكثر،و هو كما ترى.

و لو تعيّن عليه الهدي و مات قبله أُخرج من أصل تركته لأنه دين مالي و جزء من الحج الذي يخرج كلّه منه.

و لو قصرت التركة عنه و عن الديون وزّعت التركة على الجميع بالحصص.

و إن لم تف حصّته بأقلّ هدي ففي وجوب إخراج جزء من الهدي مع الإمكان و مع عدمه فيعود ميراثاً،أو العود ميراثاً مطلقاً،أو الصدقة به عنه كذلك،أوجه و أقوال،و القول بوجوب إخراج الجزء من الهدي مع الإمكان و الصدقة به مع عدمه لا يخلو من رجحان.

الرابع في هدي القارن

الرابع:في هدي القران.

و يجب ذبحه أو نحره بمنى إن كان قرنه بالحج،و بمكّة إن

ص:451


1- كشف اللثام 1:365.
2- التحرير 1:106،المنتهى 2:748.

قرنه بالعمرة بغير خلاف فيهما أجده،و به صرّح في الذخيرة (1)،و في غيرها نفيه صريحاً،مؤذناً بدعوى الإجماع عليهما،كما في صريح المدارك و غيره (2)،و عن صريح الخلاف أيضاً (3)؛ للحسن أو الموثّق في الأول :« لا هدي إلّا من الإبل،و لا ذبح إلّا بمنى» (4).

و للموثّق في الثاني فيمن سئل عمّن ساق في العمرة بدنة،أين ينحرها؟قال:« بمكّة» (5).

و أفضل مكّة فناء الكعبة بالمدّ:سعة أمامها،و قيل (6):ما امتدّ من جوانبها دوراً،و هو حريمها خارج المملوك بالحَزْوَرة قيل (7):هي كقَسْوَرة في اللغة:التلّ الصغير،و الجمع الحَزاور،و قد يقال بفتح الزاء و شدّ الواو.

للصحيح:« من ساق هدياً و هو معتمر نحو هديه في المنحر و هو بين الصفا و المروة و هي الحزورة» (8).

و بظاهره أخذ في القواعد فلم يحكم بالأفضليّة بل ذكر فناء الكعبة بدل مكة (9).

ص:452


1- الذخيرة:675.
2- المدارك 8:65؛ و انظر مفاتيح الشرائع 1:358 و مرآة العقول 18:159.
3- الخلاف 2:373.
4- التهذيب 5:/214 722،الوسائل 14:90 أبواب الذبح ب 4 ح 6.
5- الكافي 4:/488 5،التهذيب 5:/202 672،الوسائل 14:88 أبواب الذبح ب 4 ح 3.
6- الصحاح 6:2457،مجمع البحرين 1:332.
7- كشف اللثام 1:372.
8- الكافي 4:/539 5،الفقيه 2:/275 1343،الوسائل 14:89 أبواب الذبح ب 4 ح 4.
9- القواعد 1:89.

و في الدروس عبّر بالأفضليّة (1)كما في العبارة؛ و لعلّه للجمع بين هذه الرواية و الموثّقة السابقة بإبقائها على إطلاقها و حمل هذه على الفضيلة.

و الجمع بالتقييد أولى إن لم يكن على خلافه الإجماع.

و لو هلك قبل الذبح أو النحر لم يُقم بدله.

و لو كان مضموناً أي واجباً بالأصالة لا بالسباق،وجوباً مطلقاً لا مخصوصاً بفرد كالكفارة و النذر لزمه البدل بلا خلاف أجده،و به صرّح بعض (2).

للأصل من غير معارض في الأول؛ و للصحاح و غيرها (3)فيه و في الثاني،ففي الصحيح:عن الهدي الذي يقلّد أو يشعر ثم يعطب،قال:

« إن كان تطوعاً فليس عليه غيره،و إن كان جزاءً أو نذراً فعليه بدله» (4).

و صريحه كغيره (5)،كظاهر الماتن و غيره و صريح الدروس و التذكرة كما في الذخيرة (6):أن هدي السياق لا يشترط فيه أن يكون متبرعاً به ابتداءً،بل لو كان مستحقاً كالنذر و الكفارة تأدّت به وظيفة السياق.

قيل:و عبارة الأصحاب كالصريحة في ذلك (7)،فلا ضرورة إلى التأويل في العبارة بجعل الضمير المستكن في« كان» عائداً إلى مطلق

ص:453


1- الدروس 1:443.
2- مفاتيح الشرائع 1:358،الحدائق 17:168.
3- في« ح» زيادة:مستفيضة.
4- التهذيب 5:/215 724،الإستبصار 2:/269 955،الوسائل 14:131 أبواب الذبح ب 25 ح 1.
5- التهذيب 5:/215 725،الإستبصار 2:/269 956،الوسائل 14:131 أبواب الذبح ب 25 ح 2.
6- الذخيرة:675.
7- المدارك 8:66.

الهدي،و كون إدخاله في باب هدي القرآن من باب الاستطراد،مع أن الظاهر المتبادر منها عود الضمير إلى هدي السياق.

و أما ما ينافي الحكم الثاني كالمرسل:« كل شيء إذا دخل الحرم فعطب فلا يدل على صاحبه تطوعاً أو غيره» (1)فلضعف سنده و عدم ظهور قائل به محمول على العجز عن البدل،أو عطب غير الموت كالكسر،أو تعلّق الوجوب بالعين فإنه لا بدل فيه كما صرّح بعض المحدّثين.

فقال في شرح الحديث المتقدم بعد قوله:« إن كان جزاءً أو نذراً»:

ينبغي حمل النذر فيه على النذر المطلق؛ فإنه إذا تلف هنا رجع إلى الذمة.

أما لو كان نذراً معيّناً بهذه البدنة يكون حينئذ قد زال ملكه عنها و تكون في يده أمانه للمساكين كالوديعة لا تضمن إلّا بالتعدي و التفريط،و هذان القسمان على ما حرّرنا مما ادّعي عليهما الإجماع.انتهى.

و هو حسن،و به صرّح جمع.

و لو عجز عن الوصول إلى محلّه الذي يجب ذبحه فيه نحره أو ذبحه و صرفه في وجوهه في موضع عجزه.

و لو لم يوجد فيه مستحق أعلمه علامة التذكية و الصدقة بأن يغمس نعله في دمه و يضرب بها صفحة سنامه،أو يكتب رقعة و يضعها عنده تؤذن بأنه هدي،و يجوز التعويل عليها هنا في الحكم بالتذكية و الإباحة بلا خلاف أجده؛ للمعتبرة المستفيضة:

ففي الصحيح:رجل ساق الهدي،فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدّق به عليه و لا يعلم أن هدي،قال:« ينحره و يكتب كتاباً أنه هدي

ص:454


1- الكافي 4:/493 1،الوسائل 14:133 أبواب الذبح ب 25 ح 6.

و يضعه عليه ليعلم من مرّ به أنه صدقة» (1).

و فيه:« أيّ رجل ساق بدنة فانكسرت قبل أن تبلغ محلّها أو عرض لها موت أو هلاك فلينحرها إن قدر على ذلك،ثم ليطلخ نعلها الذي قلّدت به بدمه حتى يعلم من يمرّ بها أنها قد ذكّيت فيأكل من لحمها إن أراد» (2).

و ظاهرها عدم وجوب الإقامة عنده إلى أن يوجد المستحق و إن أمكنت،و به صرّح جماعة (3).

و لو أصابه كسر يمنع وصوله جاز بيعه كما عن النهاية و المبسوط و غيرهما (4).

قيل:لخروجه بذلك عن صفة الهدي مع بقائه على الملك؛ و للحسن أقول:بل الصحيح على الصحيح-:عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب،أ يبيعه صاحبه و يستعين بثمنه على هدي آخر؟قال:« يبيعه و يتصدق بثمنه،و يُهدي هدياً آخر» (5).

و إذا باعه فيستحب الصدقة بثمنه أو إقامة بدله به لهذا الخبر و قول ابن عباس:إذا أهديت هدياً واجباً فعطب فانحره مكانه إن شئت، و أهده إن شئت،و بعه إن شئت،و تقوّ به إن شئت (6).

ص:455


1- الفقيه 2:/297 1477،الوسائل 14:141 أبواب الذبح ب 31 ح 1.
2- علل الشرائع:/435 3،الوسائل 14:142 أبواب الذبح ب 31 ح 4.
3- منهم:صاحب المدارك 8:69،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:369،و السبزواري في الذخيرة:676.
4- النهاية:259،المبسوط 1:373؛ و أُنظر المدارك 8:69.
5- الكافي 4:/494 4،التهذيب 5:/217 730،الوسائل 14:136 أبواب الذبح ب 27 ح 1.
6- انظر المغني و الشرح الكبير 3:576.

و لاستحبابهما مطلقاً،و الخبر يفيد استحبابهما جميعاً.

أقول:كما في التحرير (1).

ثم قيل أيضاً:و لا يجب شيء منهما و إن كان ظاهر الخبر؛ للأصل من غير معارض،فإنّ السياف إنما يوجب ذبح المسوق أو نحوه،و الخبر يحتمل الندب و الواجب مطلقاً لا بالسياق،بل في نذر أو كفارة،بل هو الظاهر،و وجوب بدله ظاهر،و عليه حمل في التذكرة و المنتهى،و فيهما:

أن الأولى به ذبحه و ذبح ما في ذمته معاً.و إن باعه تصدّق بثمنه؛ للصحيح:

عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب،أ يبيعه صاحبه و يستعين بثمنه في هدي؟قال:« لا يبيعه،فإن باعه فليتصدّق بثمنه و ليهد هدياً آخر» (2)و لتعيّن حق الفقراء فيه بتعيينه،و لذا أوجب أحمد في رواية ذبحه،قال:

و الأولى حمل ما تلوناه من الرواية على الاستحباب.قلت:لأصالة البراءة من هديين و الحرج و العسر (3).انتهى.

و هو حسن،إلّا أنه بعد الاعتراف يكون مورد النص بجواز البيع هو الواجب مطلقاً لا بالسياق يشكل الحكم بجواز البيع في محل البحث، لخلوّه عن النص على هذا التقدير،بل مقتضى الصحيحة المتقدمة في المسألة الأُولى المصرّحة بالذبح و التعليم على هذا الوجه مع الكسر وجوبه كالعطب من غير فرق بينهما.

و هو أيضاً ظاهر باقي الروايات المتقدمة ثمة،بناءً على وقوع الحكم

ص:456


1- التحرير 1:107.
2- الفقيه 2:/298 1482،التهذيب 5:/217 731،الوسائل 14:136 أبواب الذبح ب 27 ح 2.
3- كشف اللثام 1:369.

فيها منوطاً بالعطب،و هو يتناول الكسر و غيره،بل قيل:ظاهر كلام أهل اللغة اختصاصه بالكسر (1).

و بالجملة:مقتضى النصوص المزبورة عدم الفرق بين المسألتين.

و منه يظهر ضعف ما قيل من أن الفارق بينهما هو النص (2)،فإنه إن أراد من النص ما تقدّم في المسألة الأُولى فقد عرفت تصريح بعضها بعموم الحكم و عموم باقيها للمسألتين أو ظهورها في الثانية،و كذا إن أراد من النص ما مرّ في هذه المسألة؛ للتصريح فيه أيضاً بالعموم،مع أن موردها الهدي الواجب مطلقاً لا بالسياق كما عرفت.

و بالجملة:الأصح عدم الفرق بين المسألتين في وجوب الذبح وفاقاً لجماعة من متأخري المتأخرين (3).

و لا يتعيّن هدي السياق في حج أو عمرة للصدقة إلّا بالنذر و ما في معناه؛ لما مرّ من المعتبرة الآمرة بتثليثه في الأكل و الهدية و الصدقة.

لكن مقتضاه وجوبه كما عن الحلّي،و الموجود في السرائر ما قدّمناه في هدي التمتع (4)،نعم التثليث ظاهر الدروس بل صريحه و تبعه جماعة (5).

و مقتضى العبارة و ما شاكله أن الواجب فيه هو النحر أو الذبح خاصة، فإذا فعل ذلك صنع به ما شاء إن لم يكن منذوراً للصدقة؛ و لعلّ وجهه الأصل مع ما قدّمناه ثمّة من صرف الأوامر بالتثليث في الآية و المعتبرة إلى الاستحباب،كما هو المشهور هنا و ثمة،و هو الأقوى.

ص:457


1- المدارك 8:70.
2- انظر المسالك 1:118.
3- منهم:صاحب المدارك 8:70،و السبزواري في الذخيرة:676.
4- السرائر 1:598؛ و راجع ص 3042.
5- الدروس 1:444؛ و أُنظر المسالك 1:118،و الحدائق 17:177.

و نبّه بقوله: و إن أشعره أو قلّده إلى أنّ بهما لا يتعين للصدقة، و إنما الواجب بهما نحره أو ذبحه خاصة.

و أما قبلهما فله التصرف فيه بما شاء و إبداله؛ فإنه ماله،كما في الصحيح:« إن لم يكن أشعرها فهي من ماله إن شاء نحرها و إن شاء باعها، و إن كان أشعرها نحرها» (1).

و لو ضلّ فذبحه الواجد عن صاحبه أجزأ عنه إن ذبحه في منى،و إن ذبحه في غيره لم يجزئ كما في الصحيح (2)،لكن ليس فيه التقييد بكون الذبح عن صاحبه كما في المتن و كلام جمع (3)؛ و لعلّهم أخذوه من المرسل:في رجل اشترى هدياً فنحره،و مرّ به رجل آخر فعرفه فقال:هذه بدنتي ضلّت مني بالأمس،و شهد له رجلان بذلك،فقال:« له لحمها و لا تجزئ عن واحد منهما» ثم قال:« و لذلك جرت السنّة بإشعارها أو تقليدها إذا عرفت» (4).

مع وقوع الأمر بالذبح عنه في الصحيح:« إذا وجد الرجل هدياً ضالّاً فليعرّفه يوم النحر و الثاني و الثالث،ثم ليذبحها عن صاحبها عشيّة الثالث» (5)و في المنتهى:إن ذبحه عن نفسه لم يجزئ عن واحد منهما،أما

ص:458


1- التهذيب 5:/219 738،الإستبصار 2:/271 962،الوسائل 14:143 أبواب الذبح ب 32 ح 1.
2- الكافي 4:/495 8،الفقيه 2:/297 1475،التهذيب 5:/219 739،الإستبصار 2:/272 963،الوسائل 14:137 أبواب الذبح ب 28 ح 2.
3- منهم السبزواري في الذخيرة:677.
4- الكافي 4:/495 9،التهذيب 5:/220 740،الإستبصار 2:/272 964،الوسائل 14:145 أبواب الذبح ب 33 ح 1.
5- الكافي 4:/494 5،التهذيب 5:/217 731،الوسائل 14:137 أبواب الذبح ب 28 ح 1.

عن الذابح فلأنه نهي عنه،و أما عن صاحبه فلعدم النية (1).

و إطلاق النص و المتن يقتضي عدم الفرق في الحكم بين أن يكون الهدي الذي تعلّق به السياق متبرعاً به أو واجباً بنذر أو كفارة،و به صرّح جماعة (2).

خلافاً لبعضهم في الواجب (3)،و هو مدفوع بإطلاق النص.

و لو ضلّ فأقام بدله ثم وجده ذبحه و لا يجب ذبح الأخير؛ لأنه لم يتعين له بالإقامة،و للموثق أو الصحيح:عمن اشترى كبشاً فهلك منه، فقال:« يشتري مكانه آخر»[قلت:]فإن كان اشترى مكانه آخر ثم وجد الأول،فقال:« إن كان جميعاً قائمين فليذبح الأول و ليبع الأخير و إن شاء ذبحه،و إن كان قد ذبح الأخير ذبح الأول معه» (4).

فإن ذبح الأخير استحب ذبح الأول للأمر به في الخبر المتقدم.

و لكن ظاهره الوجوب،إلّا أنه لا قائل بإطلاقه فليحمل على الاستحباب كذلك،كما هو ظاهر المتن و غيره (5)،أو يقيّد بما إذا لم يتعيّن بالنذر كما في الشرائع و القواعد و غيرهما (6)،أو الإشعار و التقليد أيضاً كما في المنتهى تبعاً للمحكي في المختلف عن الشيخ (7).و هو الأظهر؛

ص:459


1- المنتهى 2:751.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:118،و صاحب المدارك 8:73،و السبزواري في الذخيرة:677.
3- جامع المقاصد 3:250.
4- الكافي 4:/494 7،الفقيه 2:/298 148،التهذيب 5:/218 737،الإستبصار 2:/271 961،الوسائل 14:144 أبواب الذبح ب 32 ح 2.
5- انظر المختلف:307،و الدروس 1:444،و الحدائق 17:187.
6- الشرائع 1:263،القواعد 1:88؛ و أُنظر المدارك 8:75،و كشف اللثام 1:369.
7- المنتهى 2:750،المختلف:307.

للصحيح:عن الرجل يشتري البدنة،ثم تضلّ قبل أن يشعرها و يقلّدها،فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر و يجد هديه،فقال عليه السلام:« إن لم يكن قد أشعرها فهو من ماله،إن شاء نحرها و إن شاء باعها،و إن كان أشعرها نحرها» (1).

خلافاً لظاهر المتن و نحوه فلم يوجبوا الذبح و لو مع الإشعار،و به صرّح في المختلف،قال:لأنه امتثل المأمور به فيخرج عن العهدة،نعم لو عيّنه بالنذر كان قول الشيخ جيّداً (2).

و فيه:أنه اجتهاد في مقابلة النص فلا يعتبر.

و يجوز ركوبه و شرب لبنه ما لم يضرّ به أو بولده بلا خلاف في الهدي المتبرع به،بل عليه الوفاق في المدارك (3)،و في غيره الإجماع مطلقاً إلّا من الإسكافي في الواجب (4).

أقول:و تبعه الفاضل في المختلف و غيره (5)،و عن المنتهى الإجماع على المستثنى (6).فإن تمّ و إلّا كما هو الظاهر،لإطلاق المتن و كلام كثير فالوجه عدم الفرق في الحكم بين الواجب و المتبرع به؛ لإطلاق النص كالصحيح:« إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضرّ بولدها ثم انحرهما جميعاً» قلت:أشرب من لبنها و أسقي؟قال:« نعم» و قال:« إنّ علياً عليه السلام

ص:460


1- التهذيب 5:/219 738،الإستبصار 2:/271 962،الوسائل 14:143 أبواب الذبح ب 32 ح 1.
2- المختلف:307.
3- المدارك 8:75.
4- المفاتيح 1:359.
5- المختلف:307؛ و انظر المسالك 1:118.
6- المنتهى 2:751.

كان إذا رأى ناساً يمشون و قد جهدهم المشي حملهم على بُدنِه و قال:إن ضلّت راحلة الرجل أو هلكت و معه هدي فليركب على هديه» (1).

و نحوه أخبار أُخر صحيحة (2).

نعم،يمكن القول بذلك في الواجب المعيّن؛ لخروجه عن الملك فيتبعه النماء،مع عدم معلومية انصراف إطلاق النصوص إليه مع احتماله أيضاً فيشكل.

أما الواجب المطلق كدم التمتع و جزاء الصيد و النذر الغير المعيّن فالأجود فيه العمل بالإطلاق و إن كان الأحوط فيه و في النذر المعيّن المنع، فإن فعل غرم قيمة ما يشرب من لبنها لمساكين الحرم.

و أما الخبر:ما بال البدنة تقلّد النعل و تشعر؟فقال عليه السلام:« أما النعل فيعرف أنها بدنة و يعرفها صاحبها بنعله،و أما الإشعار فيحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها فلا يستطيع الشيطان أن يتسنّمها» (3)فمحمول على الكراهة.

قيل:أو الجواز على الضرورة أو غير المتعين (4).

و في قوله:أو بولده،إشارة إلى أن الهدي إذا نتجت فالولد هدي، كما عن النهاية و المبسوط و التهذيب و السرائر و الجامع (5)،و نصّ عليه ما مرّ

ص:461


1- الكافي 4:/493 2،التهذيب 5:/220 741،الوسائل 14:147 أبواب الذبح ب 34 ح 6.
2- انظر الوسائل 14:146 أبواب الذبح ب 34 ح 5،7.
3- التهذيب 5:/238 804،علل الشرائع:/434 1،الوسائل 14:148 أبواب الذبح ب 34 ح 8.
4- كشف اللثام 1:369.
5- النهاية:260،المبسوط 1:374،التهذيب 5:220،السرائر 1:598،الجامع للشرائع:214.

من الأخبار.

و يؤيده الاعتبار إذا كان موجوداً حال السياق مقصوداً بالسوق أو متجدداً بعده مطلقاً.

أما لو كان موجوداً حال السياق و لم يقصد بالسوق لم يجب ذبحه قطعاً،كذا قيل (1)،و لكن النص مطلق إلّا أن يمنع انصرافه إلى الأخير.

و لا معطي الجزّار من الهدي الواجب كالكفّارات و النذور شيئاً و لا يأخذ الناذر من جلودها و ظاهر المتن التحريم في المقامين.

خلافاً للمحكي عن الشيخ في النهاية و المبسوط فقال:يستحب أن لا يأخذ شيئاً من جلود الهدي و الأضاحي بل يتصدّق بها كلّها،و لا يجوز أن يعطيها الجزّار،فإن أراد أن يخرج شيئاً لحاجته إلى ذلك تصدّق بثمنه (2).

قيل:و إنما حرّم الثاني دون الأول؛ للنهي عنه من غير معارض، بخلاف الأوّل (3).

ففي الصحيح:عن الإهاب،فقال:« تصدّق به أو تجعله مصلّى ينتفع به في البيت و لا تعطي الجزّارين» و قال:نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يعطي جلالها و جلودها و قلائدها الجزّارين و أمر أن يتصدّق بها» (4).

و في الحسن:« نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يعطى الجزّار من جلود الهدي و جلالها» (5).

ص:462


1- انظر كشف اللثام 1:370 و الحدائق 17:198.
2- النهاية:261،المبسوط 1:374.
3- كشف اللثام 1:370.
4- التهذيب 5:/228 771،الإستبصار 2:/276 980،الوسائل 14:174 أبواب الذبح ب 43 ح 5.
5- الكافي 4:/501 1،الوسائل 14:173 أبواب الذبح ب 43 ح 1.

قال الكليني:و في رواية معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

« ينتفع بجلد الأُضحية و يشتري به المتاع،و إن تصدّق به فهو أفضل» (1).

أقول:دعوى فقد المعارض ممنوعة،فقد أرسل الصدوق في الفقيه عنهم عليهم السلام« إنما يجوز للرجل أن يدفع الأضحية إلى من يسلخها بجلدها، لأن اللّه عز و جل قال: فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا [1] (2)و الجلد لا يؤكل و لا يطعم» (3).

و أسنده في العلل عن مولانا الكاظم عليه السلام:الرجل يعطي الأُضحية من يسلخها بجلدها،قال:لا بأس به،قال اللّه عز و جل: فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا [2] و الجلد لا يؤكل و لا يطعم» (4).

و هما و إن وردا في الأُضحية لكن ذكر الآية العامة للهدي أو الخاصة به ظاهر بل صريح في العموم،مع أن الشيخ عمّم المنع للأُضحية.

و لعلّه لهذا أفتى الحلّي بكراهة الثاني أيضاً كما حكي عنه (5)،و بها يشعر عبارة الفاضل في المنتهى و التحرير (6)حيث عبّر عن المنع بلفظة « لا ينبغي» الظاهرة فيها.

و حكيت أيضاً عن جماعة.

و لا تخلو عن قوة لولا قصور سند الأخيار الأخيرة،و صحة الأخبار الأوّلة،فالأخذ بظاهرها من التحريم أحوط و أولى.

ص:463


1- الكافي 4:/501 2،الوسائل 14:173 أبواب الذبح ب 43 ح 2.
2- الحج:28،36.
3- الفقيه 2:/129 550،الوسائل 14:175 أبواب الذبح ب 43 ح 7.
4- علل الشرائع:/439 1،الوسائل 14:175 أبواب الذبح ب 43 ح 8.
5- السرائر 1:600.
6- المنتهى 2:754،التحرير 1:108.

ثم إن المنع فيها مطلق ليس مقيداً بالإعطاء أجراً،إلّا أن جماعة من الأصحاب قيّدوه بذلك،و قالوا بجوازه على وجه الصدقة،كما عن الحلبي و الاصباح و الغنية (1)،لكن باقي الفتاوي مطلقة.

و لا يجوز أن يأكل منها،فإن أخذ و أكل ضمنه أي المأخوذ و المأكول،بغير خلاف أجده،و به صرّح في الذخيرة،بل فيها الإجماع عن المنتهى و التذكرة (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،و فيها الصحيح و غيره من المعتبرة:

ففي الصحيح:عن فداء الصيد يأكل منه من لحمه؟فقال:« يأكل من أُضحيته و يتصدّق بالفداء» (3).

و فيه:« إنّ الهدي المضمون لا يأكل منه إذا عطب،فإن أكل منه غرم» (4).

لكن بإزائها روايات أُخر دالة على جواز الأكل من الواجب و غيره، منها الحسن:« يؤكل من الهدي كلّه مضموناً كان أو غير مضمون» (5).

و حملها الشيخ على حال الضرورة،قال:للخبر:« إن أكل الرجل من الهدي تطوّعاً فلا شيء عليه،و إن كان واجباً فعليه قيمة ما أكل» (6).

ص:464


1- الحلبي في الكافي:200،الغنية(الجوامع الفقهية):582،الإصباح:حكاه عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:370.
2- الذخيرة:678،و هو في المنتهى 1:752،و التذكرة 1:385.
3- الكافي 4:/500 5،التهذيب 5:/224 757،الإستبصار 2:/273 966،الوسائل 14:164 أبواب الذبح ب 40 ح 15.
4- الفقيه 2:/299 1483،الوسائل 14:167 أبواب الذبح ب 40 ح 26.
5- التهذيب 5:/225 759،الإستبصار 2:/273 968،الوسائل 14:161 أبواب الذبح ب 40 ح 6.
6- التهذيب 5:/225 761،الإستبصار 2:/273 970،الوسائل 14:161 أبواب الذبح ب 40 ح 5.

و فيه نظر،لكن لا بأس به صوناً للروايات عن الطرح.

قيل:و يستثنى من هذه الكلية هدي التمتع،فإنه هدي واجب [و الأكل منه واجب (1)]أو مستحب،و لا يستثنى من ذلك هدي السياق المتبرع به فإنه غير واجب و إن تعيّن ذبحه بالسياق،لأن المراد بالواجب ما وجب ذبحه بغير السياق (2).انتهى.

و هو حسن و قد مرّ ما يدل عليه.

و من نذر بدنة فإن عيّن موضع النحر تعيّن بلا إشكال،و إلّا نحرها بمكة مطلقاً سواء كان المنذور هدياً و في طريق الحج أم لا،على ما يقتضيه إطلاق العبارة هنا و في الشرائع و القواعد و عن النهاية و المبسوط و السرائر (3)،و الخبر:عن رجل جعل للّه تعالى بدنة ينحرها[بالكوفة في شكر،فقال لي:عليه أن ينحرها]حيث جعل للّه تعالى عليه،و إن لم يكن سمّى بلداً فإنه ينحرها قبالة الكعبة منحر البُدن» (4)و في سنده جهالة.

و مقتضى الأُصول جواز النحر حيث شاء،كما أستوجهه بعض متأخري الأصحاب (5).

لكن قيل:إن الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب.

فإن تمّ إجماعاً كما عن الخلاف (6)،أو شهرةً جابرةً،و إلّا فالأخذ

ص:465


1- أضفناه من المصدر.
2- المدارك 8:77.
3- الشرائع 1:263،القواعد 1:89،النهاية:262،المبسوط 1:375،السرائر 1:599.
4- التهذيب 5:/239 806،الوسائل 14:204 أبواب الذبح ب 59 ح 1،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
5- كصاحب المدارك 8:79.
6- الخلاف 2:438.

بمقتضى الأُصول أقوى،و تقييد الرواية و نحو العبارة بما إذا نذر في طريق الحج كما عن جماعة،أو نذر الهدي خاصة كما عن ابن زهرة أن عبّر به مدّعياً على الحكم الإجماع (1).

و ينبغي أن يقيّد الحكم بما إذا لم يكن هناك فرد ينصرف إليه الإطلاق،و إلّا فلا يجب النحر بمكة حيث لا يكون هو الفرد المنصرف إليه الإطلاق بلا إشكال.

الخامس الأُضحيَّة

الخامس:الأُضحيَّة بضم الهمزة و كسرها و تشديد الياء المفتوحة و هي مستحبة عند علمائنا و أكثر العامة كما في كلام جماعة (2)،مؤذنين بدعوى الإجماع.

أما رجحانه فبالكتاب (3)و السنّة المستفيضة (4)،بل المتواترة بعد إجماع الأُمة.

و أما عدم الوجوب فللأصل بعد الإجماع المنقول و النبوي:« كتب عليّ النحر و لم يكتب عليكم» (5)و قصور السند بعمل الأصحاب مجبور.

خلافاً للإسكافي فأوجبه (6)؛ للخبر أو الصحيح:« الأُضحيّة واجبة على من وجد من صغير أو كبير،و هي سنّة» (7).

ص:466


1- الغنية(الجوامع الفقهية):581.
2- منهم:العلّامة في المنتهى 2:755،و صاحب المدارك 8:81،و السبزواري في الذخيرة:678،و صاحب الحدائق 17:200.
3- الكوثر:2.
4- الوسائل 14:204،210 أبواب الذبح ب 60،64.
5- الجامع الصغير 2:/269 6223 و فيه:كتب عليَّ الأضحى..،مسند أحمد 1:317،سنن الدارقطني 4:/282 42.
6- نقله عنه في المختلف:307.
7- الفقيه 2:/292 1445،الوسائل 14:205 أبواب الذبح ب 60 ح 3.

و يضعّف بشيوع إطلاق الوجوب على الاستحباب المؤكد في الأخبار،مع أنه معارض بلفظ السنّة.

قيل:و مع ذلك فهو صريح في الوجوب على الصغير،و المراد به حيث يقابل به الكبير غير البالغ،و لا ريب أن التكليف في حقّه متوجه إلى الوليّ،مع أنه نفى الوجوب عنه في الصحيح:عن الأضحى أ واجب على من وجد لنفسه و عياله؟فقال:« أمّا لنفسه فلا يدعه،و أمّا لعياله إن شاء تركه» (1)و نحوه آخر أو الخبر (2).

و فيه نظر؛ لأن نفى الوجوب عن العيال أعم من نفي الوجوب عن وليّ الصغير،إذ لا ملازمة بينهما،إلّا على تقدير أن يكون في العيال المسئول عنهم في الرواية صغير واجد،و ليس فيها تصريح به و إن كان السؤال يعمّه،لكن الصحيح المتقدم الموجب بالنسبة إليه خاص فليقدّم عليه،و التخصيص راجح على المجاز حيثما تعارضا،خصوصاً و ارتكاب المجاز في الواجب بحمله على المستحب يوجب مساواة الصغير و الكبير فيه و الحال أن مجموع الأخبار في الكبير مشتركة في إفادة الوجوب،فلا يمكن صرفه بالإضافة إلى الصغير خاصة إلى الاستحباب،للزوم استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في معنييه الحقيقي و المجازي،و هو خلاف التحقيق،فالأظهر في الجواب ما قدّمناه.

و أمّا قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ [1] (3)فإن كان بهذا المعنى فإنما توجّه إلى النبي صلى الله عليه و آله،و قد قيل:إنّ وجوبه من خواصّه (4)،و دلّ عليه ما مرّ

ص:467


1- الكافي 4:/487 2،الوسائل 14:204 أبواب الذبح ب 60 ح 1.
2- الفقيه 2:/292 1446،الوسائل 14:205 أبواب الذبح ب 60 ح 5.
3- الكوثر:2.
4- كشف اللثام 1:368.

من النص النبوي.

و وقتها بمنى أربعة أيام: يوم النحر و ثلاثة بعده،و في سائر الأمصار ثلاثة: يوم النحر و يومان بعده بإجماعنا الظاهر،و المصرَّح به في ظاهر الغنية المنتهى و صريح غيرهما (1)؛ للصحيح:عن الأضحى كم هو بمنى؟فقال:« أربعة أيام» و عنه في غيره،فقال:« ثلاثة أيام» قال:فما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين،إله أن يضحّي في اليوم الثالث؟فقال:« نعم» (2).

و نحوه الموثق (3).

و يحمل نحو الصحيح:الأضحى يومان بعد يوم النحر،و يوم واحد بالأمصار» (4)على مريد الصوم،و اليومان إذا نفر في الثامن عشر،و حملهما جماعة على الأفضلية (5).

و الخبر:« الأضحى ثلاثة أيام،أفضلها أوّلها» (6)على غير منى.

و يحتمل الحمل على التقية كما في الذخيرة،قال:لأنه مذهب مالك

ص:468


1- الغنية(الجوامع الفقهية):582،المنتهى 2:755؛ و أُنظر الذخيرة:678،و الحدائق 17:209.
2- التهذيب 5:/202 673،الاستبصار 2:/264 930،قرب الإسناد:106،الوسائل 14:91 أبواب الذبح ب 6 ح 1.
3- التهذيب 5:/203 674،الإستبصار 2:/264 931،الوسائل 14:92 أبواب الذبح ب 6 ح 2.
4- الكافي 4:/486 2،التهذيب 5:/203 677،الإستبصار 2:/264 934،الوسائل 14:93 أبواب الذبح ب 6 ح 7.
5- منهم:صاحب المدارك 8:84،و السبزواري في الذخيرة:679.
6- الفقيه 2:/292 1442،التهذيب 5:/203 675،الإستبصار 2:/264 932،الوسائل 14:92 أبواب الذبح ب 6 ح 4.

و الثوري و أبي حنيفة (1)،و بأنّ ذلك مذهبهم صرّح في المنتهى (2).

و يكره أن يخرج شيئاً من أُضحيّته عن منى،و لا بأس ب إخراج السنام كما في الإستبصار و الشرائع و التحرير و القواعد (3)و غيرها (4)؛ للخبر:« لا يتزوّد الحاج من أُضحيّته،و له أن يأكل منها أيامها،إلّا السنام فإنه دواء» (5).

و ظاهر النهي التحريم،كما عن النهاية و المبسوط و التهذيب (6).لكن ضعف سنده يمنع عن العمل.

مع أن في الصحيح:عن إخراج لحوم الأضاحي عن منى،فقال:« كنّا نقول لا يخرج منها بشيء لحاجة الناس إليه،فأمّا اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه» (7).

و هو نصّ في عدم التحريم،فوجب حمل النهي السابق على الكراهة جمعاً،و خصوصاً مع صحة سند المجوّز،و اعتضاده بالأصل و الشهرة بين الأصحاب كما في الذخيرة (8).

مع أن الشيخ في التهذيب و إن عبّر بلفظ« لا يجوز» الظاهر في

ص:469


1- الذخيرة:679.
2- المنتهى 2:755.
3- الاستبصار 2:274،الشرائع 1:264،التحرير 1:108،القواعد 1:89.
4- انظر المنتهى 2:76،و المدارك 8:85،و الذخيرة:679.
5- التهذيب 5:/227 769،الإستبصار 2:/275 978،الوسائل 14:172 أبواب الذبح ب 42 ح 4.
6- النهاية:261،المبسوط 1:394،التهذيب 5:226.
7- الكافي 4:/500 7،التهذيب 5:/227 768،الإستبصار 2:/275 977،الوسائل 14:172 أبواب الذبح ب 42 ح 5.
8- الذخيرة:679.

التحريم،لكن الظاهر أن مراده منه الكراهة،كما صرّح بها في الاستبصار (1)،مع أنه قُبيل ذلك قال:و لا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد الثلاثة أيام و ادّخارها،و استدل عليه بأخبار بعضها معتبرة.

و لا ريب أن الادّخار بعد ثلاثة لا يكون غالباً إلّا بعد الخروج من منى؛ لأنه بعد الثلاث لا يبقى فيه أحد،فلولا أن المراد ب« لا يجوز» الكراهة لحصل التنافي بين كلاميه،فتأمل.

و لا بأس بأن يخرج ممّا يضحيه غيره للأصل،و اختصاص النهي السابق بأضحيته،و عليه حمل الشيخ الصحيحة المتقدمة،مستشهداً بخبر الحسين بن سعيد،عن أحمد بن محمّد أنه قال:« لا بأس أن يشتري الحاج من لحم منى و يتزوّده» (2).

و فيه بُعد،و في الخبر الذي استشهد به قطع.

و يجزئ هدي التمتع عن الأُضحيّة للصحيحين:« يجزئ الهدي عن الأُضحية» كما في أحدهما (3).

و في الثاني:« يجزئه في الأُضحيّة هديه» (4).

و في لفظ الإجزاء ظهور في أن الجمع بينهما أفضل و ربما علّل بأن فيه فعل المعروف و نفع المساكين (5).

و فيه لو لا النص نظر؛ فإن المفروض استحباب الأُضحيّة من حيث

ص:470


1- الاستبصار 2:274.
2- التهذيب 5:/227 769،الإستبصار 2:/275 978،الوسائل 14:172 أبواب الذبح ب 42 ح 4.
3- الفقيه 2:/297 1472،الوسائل 14:117 أبواب الذبح ب 18 ح 3.
4- التهذيب 5:/238 803،الوسائل 14:80 أبواب الذبح ب 1 ح 3.
5- المدارك 8:86.

إنها أُضحيّة،لا من حيث إنه نفع المساكين و فعل للمعروف،و أحدهما غير الآخر.و لكن الأمر بعد وضوح المأخذ سهل.

ثم إن الموجود في النص هو الهدي بقول مطلق،كما عن النهاية و الوسيلة و التحرير و المنتهى و التذكرة (1).

خلافاً للقاضي،فقيّده بهدي التمتع كما عن التلخيص و التبصرة (2).

و للقواعد و الشرائع و الإرشاد و الدروس (3)،فقيّدوه بالواجب.

و لعلّه لانصراف الإطلاق إليه.

قيل:و لعلّ ذلك نص على الأخفى (4).

أقول:و فيه نظر.

و من لم يجد الأُضحيّة مع القدرة على ثمنها تصدّق بثمنها.

و لو اختلف أثمانها جمع الأول و الثاني و الثالث و تصدّق بثلثها كما في كلام جماعة (5)من غير خلاف بينهم أجده؛ للخبر:كنّا بالمدينة فأصابنا غلاء في الأضاحي فاشترينا بدينار،ثم بدينارين،ثم بلغت سبعة، ثم لم يوجد بقليل و لا كثير،فرفع هشام المكاري إلى أبي الحسن عليه السلام، فأخبره بما اشترينا و أنّا لم نجد بعدُ،فوقّع عليه السلام:« انظروا إلى الثمن الأول

ص:471


1- النهاية:262،الوسيلة:186،التحرير 1:107،المنتهى 2:755،التذكرة 1:386.
2- القاضي في المهذب 1:209،و حكاه عن التلخيص في كشف اللثام 1:370،التبصرة:74.
3- القواعد 1:89،الشرائع 1:264،الإرشاد 1:334،الدروس 1:447.
4- كشف اللثام 1:370.
5- منهم:العلّامة في المنتهى 2:760،و السبزواري في الذخيرة:679،و صاحب الحدائق 17:212.

و الثاني و الثالث،فاجمعوا ثم تصدّقوا بمثل ثلثه» (1).

و الظاهر ما في الدروس و كلام جماعة (2)من التصدق بقيمة منسوبة إلى القيم،فمن اثنتين النصف،و من أربع الربع و هكذا،و أن اقتصار الأصحاب على الثلث تبعاً للرواية.

و يكره التضحية بما يربّيه للخبرين (3).

و أخذ شيء من جلودها و إعطاؤها الجزّار اُجرة أو مطلقاً،بل يستحب الصدقة بها؛ لما مرّ.و مرّ عن الشيخ المنع.

قيل:و في المبسوط:لا يجوز بيع جلدها،سواء كانت واجبة أو تطوعاً،كما لا يجوز بيع لحمها،فإن خالف تصدّق بثمنه.

و في الخلاف:إنه لا يجوز بيع جلودها،سواء كانت تطوعاً أو نذراً، إلّا إذا تصدّق بثمنها على المساكين.و قال أبو حنيفة:أو يبيعها بآلة البيت على أن يعيرها كالقدر و الفأس و المُنخُل و الميزان.و قال الشافعي:لا يجوز بيعها على كل حال.و قال عطاء:يجوز بيعها على كل حال.و قال الأوزاعي:يجوز بيعها بآلة البيت.

قال الشيخ دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم،و أيضاً فالجلد إذا كان للمساكين فلا فرق بين أن يعطيهم إياه أو ثمنه (4).

ص:472


1- الكافي 4:/544 22،الفقيه 2:/296 1467،التهذيب 5:/238 805،الوسائل 14:203 أبواب الذبح ب 58 ح 1.
2- الدروس 1:449؛ و أُنظر المدارك 8:87،و كشف اللثام 1:370.
3- الأول:الكافي 4:/544 20،التهذيب 5:/452 1578،الوسائل 14:208 أبواب الذبح ب 61 ح 1.الثاني:الفقيه 2:/296 1468،الوسائل 14:208 أبواب الذبح ب 61 ح 2.
4- كشف اللثام 1:370.
الحلق

و أما الحلق و في معناه التقصير ف هو واجب على الحاج بالإجماع و النصوص (1).

و القول باستحبابه كما عن الشيخ في التبيان في نقل (2)،و في النهاية في آخر (3)شاذّ مردود،كما في كلام جمع (4)،مشعرين بدعوى الإجماع، كما صرّح به بعضهم (5).

و هو مخيّر بينه و بين التقصير مطلقاً و لو كان صرورة لم تحجّ بعد أو ملبِّداً و هو من يجعل في رأسه عسلاً أو صمغاً لئلّا يتّسخ أو يقمل على الأظهر عند الماتن و الأكثر كما في كلام جمع (6).

و مستندهم غير واضح،عدا الأصل،و إطلاق قوله تعالى: مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ [1] (7)و قوله صلى الله عليه و آله:« و للمقصِّرين» (8).

و ضعفهما في غاية الظهور،سيّما في مقابلة ما سيأتي من النصوص.

و الأظهر تعيّن الحلق عليهما،كما عن النهاية و المبسوط و الوسيلة (9)، و عن المقنع و التهذيب و الجامع (10)مع المعقوص،و عن المقنعة و الاقتصاد

ص:473


1- انظر الوسائل 14:211 أبواب الحلق و التقصير ب 1.
2- نقله عن العلامة في المنتهى 2:762،و هو في التبيان 2:154.
3- النهاية:262.
4- منهم الشهيد في الدروس 1:452،و صاحب المدارك 8:88،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:373.
5- المفاتيح 1:360.
6- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:255،و صاحب المدارك 8:89،و صاحب الحدائق 17:222.
7- الفتح:27.
8- التهذيب 5:/243 822،الوسائل 14:223 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 6.
9- النهاية:262،المبسوط 1:376،الوسيلة:186.
10- المقنع:89،التهذيب 5:243،الجامع للشرائع:216.

و المصباح و مختصره و الكافي (1)في الصرورة.

للنصوص المستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح:« إذا عقص الرجل رأسه أو لبّده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق» (2).

و فيه:« إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق،و ليس لك التقصير،و إن أنت لم تفعل فمخيّر لك التقصير و الحلق في الحج،و ليس في المتعة إلّا التقصير» (3).

و فيه:« ينبغي للصرورة أن يحلق،و إن كان قد حجّ فإن شاء قصّر و إن شاء حلق،فإذا لبّد شعره أو عقصه فإنّ عليه الحلق و ليس له التقصير» (4).

و هذه الأخبار صريحة في الوجوب على الملبِّد و المعقوص،كالخبر:

« ليس للصرورة أن يقصّر» (5)و آخر:« إن لم يكن حجّ فلا بدّ له من الحلق» (6)في الوجوب على الصرورة.

لكن لفظة« ينبغي» في الصحيحة الأخيرة ربما تعطي الاستحباب فيه، إلّا أن الظاهر منها أن المراد بها الوجوب،بقرينة قوله:« و إن كان قد حجّ فإن شاء» إلى آخره،فإنّ مفهومه نفي المشيئة عن الذي لم يحجّ و هو

ص:474


1- المقنعة:419،الاقتصاد:308،المصباح:644،الكافي في الفقه:201،حكاه عن مختصر المصباح في كشف اللثام 1:373.
2- التهذيب 5:/484 1724،الوسائل 14:222 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 2.
3- التهذيب 5:/160 533،الوسائل 14:224 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 8.
4- الكافي 4:/502 6،التهذيب 5:/243 821،الوسائل 14:221 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 1.
5- التهذيب 5:/243 820،الوسائل 14:224 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 10.
6- التهذيب 5:/485 1730،الوسائل 14:222 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 4.

الصرورة،و هو نصّ في الوجوب،فإنّ الاستحباب لا يجامع نفي المشيئة.

و يعضده الروايتان الأخيرتان المنجبر ضعف إسنادهما بفتوى هؤلاء العظماء من القدماء.

و حيثما تخيّر ف الحلق أفضل إجماعاً كما عن التذكرة (1)، و في المنتهى:لا نعلم فيه خلافاً (2)؛ للصحاح و غيرها (3).

و التقصير متعيّن على المرأة (4) كما في المختلف و غيره (5)،و في التحرير و المنتهى (6):ليس عليها الحلق إجماعاً؛ للنبوي:« ليس على النساء حلق،إنما على النساء التقصير» (7).

و المرتضوي:« نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تحلق المرأة رأسها» (8).

و يجزئ المرأة في التقصير أخذ قدر الأنملة كما في كلام جماعة (9)؛ للمرسل كالصحيح:« تقصر المرأة لعمرتها مقدار الأنملة» (10).

ص:475


1- التذكرة 1:390.
2- المنتهى 2:763.
3- الوسائل 14:221 أبواب الحلق و التقصير ب 7.
4- في« ح» و« ق» زيادة:إجماعاً.
5- المختلف:308؛ و أُنظر المدارك 8:91،و الحدائق 17:226.
6- التحرير 1:108،المنتهى 2:763.
7- الفقيه 4:/263 ضمن حديث 821،الوسائل 14:227 أبواب الحلق و التقصير ب 8 ح 4،عوالي اللئلئ 1:/180 237،المستدرك 10:136 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 3.
8- كنز العمال 5:/276 12873.
9- منهم:صاحب المدارك 8:92،و السبزواري في الذخيرة:681،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:373.
10- الكافي 4:/503 11،التهذيب 5:/244 824،الوسائل 13:508 أبواب التقصير ب 3 ح 3.

و لكن في الصحيح:« إن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن و يقصرن من أظفارهن» (1)فالأولى الجمع.

و عن الإسكافي أنها يجزئها قدر القبضة (2).قيل:و هو على الندب (3).

ثم قيل:المراد بقدر الأنملة أقلّ المسمّى،و هو المحكي عن ظاهر التذكرة و المنتهى،قال:لأن الزائد لم يثبت،و الأصل براءة الذمة (4).

ثم إطلاق الماتن هنا و في غيره كالقواعد- (5)يعطي إجزاء ذلك للرجل؛ و لعلّه لإطلاق النصوص،إلّا أن مقتضاه المسمّى،كما احتمل في المرأة أيضاً.

و المحلّ لهما بمنى،و عليه ف لو رحل قبله و لو جاهلاً أو ناسياً عاد إليه للحلق أو التقصير مع الإمكان فيما قطع به الأصحاب كما في المدارك (6)،و فيه:بل ظاهر التذكرة و المنتهى أنه موضع وفاق (7).

أقول:و به صرّح بعض الأصحاب (8)،و آخر بنفي الخلاف (9).

ص:476


1- الكافي 4:/474 7،التهذيب 5:/195 647،الوسائل 14:226 أبواب الحلق و التقصير ب 8 ح 1.
2- حكاه عنه في المختلف:308.
3- الدروس 1:453.
4- كشف اللثام 1:373،و هو في التذكرة 1:390 و المنتهى 2:763.
5- القواعد 1:89.
6- المدارك 8:95.
7- التذكرة 1:390،المنتهى 2:764.
8- المفاتيح 1:361.
9- الذخيرة:682.

للصحيح:عن رجل نسي أن يقصر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى،قال:« يرجع إلى منى حتى يلقي شعره بها» (1).

و نحوه الخبر فيمن جهل أن يأتي بأحدهما حتى ارتحل من منى (2).

و أما الحسن،بل الصحيح:عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر،قال:« يحلق في الطريق أو أين كان» (3)فمحمول على ما لو تعذّر العود،فإنه إذا كان كذلك حلق أو قصّر حيث كان وجوباً بلا إشكال كما في المدارك (4)،و في غيره بلا خلاف (5).

و بعث بشعره إلى منى ليدفن بها استحباباً مطلقاً؛ للأمر به في الصحيح (6)و غيره (7)كذلك.

و إنما حمل على الاستحباب جمعاً بينهما و بين الصحيح:عن الرجل ينسى أن يحلق رأسه حتى ارتحل من منى،فقال:« ما يعجبني أن يلقي شعره إلّا بمنى و لم يجعل عليه شيئاً» (8).

ص:477


1- التهذيب 5:/241 812،الإستبصار 2:/285 1011،الوسائل 14:217 أبواب الحلق و التقصير ب 5 ح 1.
2- الكافي 4:/502 5،التهذيب 5:/241 813،الإستبصار 2:/285 1012،الوسائل 14:218 أبواب الحلق و التقصير ب 5 ح 4.
3- التهذيب 5:/241 814،الإستبصار 2:/285 1013،الوسائل 14:218 أبواب الذبح ب 5 ح 2.
4- المدارك 8:96.
5- الذخيرة:682.
6- الفقيه 2:/300 1495،الوسائل 14:220 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 4.
7- انظر الوسائل 14:219 أبواب الحلق و التقصير ب 6.
8- التهذيب 5:/242 818،الإستبصار 2:/286 1017،الوسائل 14:221 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 6.

خلافاً لجماعة فأوجبوا البعث مطلقاً (1)،و قيّده الفاضل في المختلف بصورة العمد (2)،و لا دليل على تفصيله.

و متى تعذّر البعث سقط و لم يكن عليه شيء إجماعاً كما قيل (3).

أما دفن الشعر بمنى فقيل:قد قطع الأكثر باستحبابه،و أوجبه الحلبي (4).

و الأصحّ الاستحباب؛ للصحيح:« كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى و يقول:كانوا يستحبون ذلك» قال:و كان أبو عبد اللّه عليه السلام يكره أن يخرج الشعر من منى و يقول:« من أخرجه فعليه أن يردّه» (5).

و يستفاد منه أنه لا يختص استحباب الدفن بمن حلق في غير منى و بعث شعره إليها كما قد يوهمه ظاهر العبارة،بل يستحب للجميع (6).

و من ليس على رأسه شعر خلقة أو لحلقه في إحرام العمرة يجزئه إمرار الموسى عليه كما في الخبر (7).

و ظاهر الإجزاء فيه و في العبارة عدم وجوب التقصير و لو مع إمكانه مطلقاً.و هو مشكل حيثما يتخير الحاج بينه و بين الحلق؛ لأن تعذّر الحلق

ص:478


1- منهم:الشيخ في النهاية:263،و المحقق في الشرائع 1:265،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:361.
2- المختلف:308.
3- المدارك 8:97.
4- في« ك» و« ح»:الحلي(السرائر 1:601).
5- التهذيب 5:/242 815،الإستبصار 2:/286 1014،الوسائل 14:220 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 5.
6- المدارك 8:97.
7- الكافي 4:/504 13،التهذيب 5:/244 828،الوسائل 14:230 أبواب الحلق و التقصير ب 11 ح 3.

بفقد الشعر يعيّن الفرض الآخر.

و الخبر ضعيف السند،مضافاً إلى قوة احتمال أن يكون المراد بالإجزاء الإجزاء عن الحلق الحقيقي الذي هو إزالة الشعر،لا الإجزاء عن مطلق الفرض.

فالوجه وفاقاً لجماعة (1)تعيّن التقصير من اللحية أو غيرها،مع استحباب إمرار الموسى،كما عليه الأكثر،و منهم الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه الإجماع (2).

نعم،إن لم يكن له ما يقصّر منه،أو كان صرورة،أو ملبِّداً،أو معقوصاً،و قلنا بتعيّن الحلق عليهم اتّجه وجوب الإمرار حينئذ؛ عملاً بحديث:« الميسور لا يسقط بالمعسور» (3)و:« ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (4)المؤيد بالخبر المتقدم،فإنّ ظاهره الورود في الصرورة،فتدبّر.

و عليه يحمل إطلاق الخبر الآخر:عن المتمتع أراد أن يقصّر فحلق رأسه،قال:« عليه دم يهريقه،فإذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق» (5)بحمله على الصرورة،أو يحمل الأمر فيه على الاستحباب.

و البدأة برمي جمرة العقبة ثم بالذبح ثم بالحلق واجب،فلو خالف

ص:479


1- منهم:الحلبي في الكافي:201،و العلّامة في المنتهى 2:763،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:374.
2- الخلاف 2:331.
3- عوالي اللئلئ 4:/58 205.
4- عوالي اللئلئ 4:/58 207.
5- التهذيب 5:/158 525،الإستبصار 2:/242 842،الوسائل 14:229 أبواب الحلق و التقصير ب 11 ح 1.

أثم و لم يعد أما عدم وجوب الإعادة على تقدير المخالفة فالأصحاب قاطعون به على الظاهر،المصرّح به في المدارك (1)،و أسنده في المنتهى إلى علمائنا (2)، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه؛ و هو الحجة،مضافاً إلى صريح الصحيح (3)و غيره (4).

و أما وجوب الترتيب فعليه الشيخ في أحد قوليه و أكثر المتأخرين كما قيل (5)،و عزاه في المنتهى إلى الأكثر بقول مطلق (6)؛ للتأسي،مع قوله عليه السلام:« خذوا عنّي مناسككم» (7)و ظاهر النصوص،منها:« إذا ذبحت أُضحيّتك فاحلق رأسك» (8)و الفاء للترتيب.

و منها:« لا يحلق رأسه و لا يزور البيت حتى يضحّي فيحلق رأسه و يزور متى شاء» (9).

خلافاً للمحكي عن الخلاف و السرائر و الكافي و ظاهر المهذّب (10)،

ص:480


1- المدارك 8:101.
2- المنتهى 2:765.
3- الكافي 4:/504 1،الفقيه 2:/301 1496،التهذيب 5:/2306 797،الإستبصار 2:/285 1009،الوسائل 14:155 أبواب الذبح ب 39 ح 4.
4- الكافي 4:/504 2،التهذيب 5:/236 796،الإستبصار 2:/284 1008،الوسائل 14:156 أبواب الذبح ب 39 ح 6.
5- المدارك 8:99.
6- المنتهى 2:764.
7- عوالي اللئلئ 4:/34 118،مسند أحمد 3:366 بتفاوت يسير.
8- التهذيب 5:/24 808،الوسائل 14:1211
9- التهذيب 5:/236 795،الإستبصار 2:/284 1006،الوسائل 14:158 أبواب الذبح ب 39 ح 9.
10- الخلاف 2:345،السرائر 1:602،الكافي في الفقه:200،المهذب 1:260.

و عزاه في الدروس إلى المشهور (1)،فلا يجب،و في الأولين استحبابه، و عليه الفاضل في المختلف (2).

للأصل؛ و الصحيح:« إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتاه الناس يوم النحر،فقال بعضهم:يا رسول اللّه حلقت قبل أن أذبح،و قال بعضهم:حلقت قبل أن أرمي،فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي لهم أن يقدّموه إلّا أخّروه،و لا شيئاً كان ينبغي لهم أن يؤخّروه إلّا قدّموه،فقال:لا حرج» (3)و نحوه الخبر (4).

و ظاهر نفي الحرج الإباحة مطلقاً،سيّما مع قوله عليه السلام« ينبغي» الظاهر في الاستحباب،فحمله على الإجزاء أو الجهل أو النسيان أو الضرورة أو نفي الفداء بعيد،بل حمل الأوامر الواردة بالترتيب على تقدير سلامة سندها على الاستحباب أولى.و التأسّي إنما يجب لو لم يظهر الاستحباب من الخارج و قد ظهر.

هذا مضافاً إلى الأصل و مصير أكثر العامة كما في المنتهى إلى الوجوب (5)،فليترجّح بهما الاستحباب و إن تساويا الجمعان.

و ربما استدل على الوجوب بالصحيح:عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحّي،قال:« لا بأس،و ليس عليه شيء و لا يعودنّ» (6)فإن النهي عن

ص:481


1- الدروس 1:452.
2- المختلف:307.
3- الكافي 4:/504 1،التهذيب 5:/236 797،الإستبصار 2:/285 1009،الوسائل 14:155 أبواب الذبح ب 39 ح 4.
4- الكافي 4:/504 2،التهذيب 5:/236 796،الإستبصار 2:/284 1008،الوسائل 14:156 أبواب الذبح ب 39 ح 6.
5- المنتهى 2:764.
6- التهذيب 5:/237 798،الإستبصار 2:/285 1010،الوسائل 14:158 أبواب الذبح ب 39 ح 10.

العود يقتضي التحريم،فيكون الترتيب واجباً.

و فيه نظر؛ فإن النهي عن العود و إن كان ظاهراً في التحريم إلّا أن نفي البأس ظاهر في جواز الترك،و صرفه إلى الإجزاء ليس بأولى من حمل النهي على الكراهة،بل لعلّه أولى،و لعلّه لذا استدل به الفاضل في المختلف على الاستحباب (1)،و هو أقرب.

و لا يجوز أن يزور البيت لطواف الحج إلّا بعد الحلق أو التقصير بغير خلاف ظاهر،مصرّح به في جملة من العبائر (2)،فإن تمّ إجماعاً،و إلّا فظاهر الصحيح المتقدم و غيره المتضمنين للفظتي« لا حرج» و« ينبغي» كالصحيح الآتي المتضمن للفظة«لا ينبغي» أيضاً خلافه،و لا ينافيه إيجاب الدم في الأخير؛ لإمكان الحمل على الاستحباب.لكن لا خروج عمّا عليه الأصحاب.

و عليه فلو طاف قبل ذلك عمداً لزمه دم شاة فيما قطع به الأصحاب كما قيل (3)،و عزاه في الدروس إلى الشيخ و الأتباع (4)؛ للصحيح:

في رجل زار البيت قبل أن يحلق،فقال:« إن كان زار البيت قبل أن يحلق و هو عالم أنّ ذلك لا ينبغي فإنّ عليه دم شاة» (5).

و ظاهره كالمتن و غيره من عبائر الأكثر على الظاهر،المصرَّح به في عبارة بعض (6)،أنه لا يجب إعادة الطواف،و به صرّح الصيمري،و عزاه في

ص:482


1- المختلف:307.
2- انظر المنتهى 2:766،و الذخيرة:681.
3- المدارك 8:92،الذخيرة:681.
4- الدروس:454.
5- الكافي 4:/505 3،التهذيب 5:/240 809،الوسائل 14:215 أبواب الحلق و التقصير ب 2 ح 1.
6- كصاحب الذخيرة:681.

الدروس إلى الشيخ و الأتباع (1).

خلافاً لجماعة من متأخري المتأخرين فأوجبوا إعادته (2)،و منهم شيخنا في الروضة،مدّعياً عليه الوفاق (3)،و يعضده الأصل و القاعدة،فإن الطواف المأتي به قبل التقصير منهي عنه فيكون فاسداً،و لا يتحقق به الامتثال.

و الصحيح ليس نصّاً في عدم الوجوب،فيحتمل حمله على مفاد القاعدة.

مع أنه معارض بصحيح آخر:عن المرأة رمت و ذبحت و لم تقصّر حتى زارت البيت،فطافت و سعت من الليل،ما حالها؟و ما حال الرجل إذا فعل ذلك؟قال:« لا بأس به،يقصّر و يطوف للحج،ثم يطوف للزيارة،ثم قد أحلّ من كلّ شيء» (4).

و تنزيل هذا على ما يؤول إلى الأول بحمله على غير العامد و إبقاء الأول على ظاهره من عدم وجوب الإعادة ليس بأولى من العكس،و إبقاءِ هذا على عمومه و حمل الأول على خلاف ظاهره.

و بالجملة:التعارض بينهما كتعارض العموم و الخصوص من وجه، يمكن صرف كلّ منهما إلى الآخر،و حيث لا مرجّح ينبغي الرجوع إلى مقتضى الأصل،و هو وجوب الإعادة كما مرّ.

و لو كان ناسياً لم يلزمه شيء و أعاد طوافه على المعروف من

ص:483


1- الدروس 1:454.
2- منهم:الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:374،و صاحب الحدائق 17:248.
3- الروضة 2:309.
4- التهذيب 5:/241 811،الوسائل 14:217 أبواب الحلق و التقصير ب 4 ح 1.

مذهب الأصحاب،كما في المدارك (1)،مشعراً بدعوى الوفاق.

مع أن ظاهر عبارة الماتن في الشرائع و الفاضل في المختلف و الصيمري (2)وجود الخلاف من الصدوق في الفقيه في وجوب إعادة الطواف؛ لروايته الصحيح:عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق،قال:« لا ينبغي إلّا أن يكون ناسياً» (3).

لكنه غير صريح في عدم وجوب الإعادة،مع أنه معارض بالصحيحة الثانية المتقدمة،فإنها بإطلاقها شاملة لمفروض المسألة،بل و للجاهل أيضاً كما عليه جماعة (4)،و هي أقوى دلالة،فالمصير إليها أقوى مع كونها أشهر جدّاً.

و يدلُّ على وجوب الدم عليه و على الجاهل ظاهر المفهوم المعتبر في الصحيح الأول.

و هل يجب إعادة السعي حيث يجب إعادة الطواف؟قولان أجودهما (5)الأول،عملاً بما مرّ من القاعدة و الأصل.

و يُحلّ من كلّ شيء أحرم منه عند فراغ مناسكه بمنى عدا الطيب و النساء كما عن الإسكافي و الخلاف و المختلف (6)،و في الكتاب

ص:484


1- المدارك 8:93.
2- الشرائع 1:265،المختلف:308.
3- الكافي 4:/504 1،التهذيب 5:/236 797،الإستبصار 2:/285 1009،الوسائل 14:155 أبواب الذبح ب 39 ح 4.
4- منهم:صاحب المدارك 8:94،و السبزواري في الذخيرة:682،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:374.
5- في« ك»:أحوطهما.
6- حكاه عن الإسكافي في المختلف:308،الخلاف 2:348،المختلف:309.

و في الشرائع و القواعد (1)،و عن الشيخ في جملة من كتبه و الوسيلة و السرائر و الجامع (2)إذا حلق أو قصّر أحلّ من كل شيء إلّا الطيب و النساء؛ للخبر:

« إذا حلقت رأسك فقد حلّ لك كل شيء إلّا النساء و الطيب» (3).

و المروي في السرائر صحيحاً عن نوادر البزنطي:المتمتع ما يحلّ له إذا حلق رأسه؟قال:« كلّ شيء إلّا النساء و الطيب» (4).

و قد يكون الأول هو المراد بالخبرين و كلام هؤلاء،حملاً للحلق على الواقع على أصله.

و يؤيده الأصل و الاحتياط و الصحيح:« إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه إلّا النساء و الطيب» (5).

و عن المقنع و التحرير و التذكرة و المنتهى:أنه بعد الرمي و الحلق (6).

و لعلّ المراد ما سبقه،و لم يذكر الذبح؛ لاحتمال الصوم بدله،و اكتفاءً بالأول و الآخر.

و عن الصدوقين:أنهما قالا بهذا التحلل بالرمي وحده (7).

و حجتهما غير واضحة سيّما في مقابلة نحو الأخبار المتقدمة.

ص:485


1- الشرائع 1:265،القواعد 1:89.
2- الشيخ في المبسوط 1:376،و النهاية:262،الوسيلة:187،السرائر 1:601،الجامع للشرائع:216.
3- التهذيب 5:/245 831،الإستبصار 2:/287 1020،الوسائل 14:233 أبواب الحلق و التقصير ب 13:ح 4.
4- مستطرفات السرائر:/32 31،الوسائل 14:238 أبواب الحلق و التقصير ب 14 ح 4.
5- الفقيه 2:/302 1501،الوسائل 14:232 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 1.
6- المقنع:90،التحرير 1:109،التذكرة 1:391،المنتهى 2:766.
7- الصدوق في الفقيه 2:328،و نقله عن والده في المختلف:308.

نعم،في الخبر المروي عن قرب الإسناد:« إذا رميت جمرة العقبة فقد أحلّ لك كلّ شيء حرم عليك إلّا النساء» (1).

و أما الصيد فهو أيضاً باق على تحريمه كما هنا و في الشرائع و غيرهما (2)،بل قيل:إنه مذهب الأكثر (3).

و فيه نظر؛ لإطلاق أكثر الأصحاب أنه يحلّ من كل شيء إلّا النساء و الطيب،و كذلك الأخبار حتى الصحيح:« إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه إلّا النساء و الطيب،فإذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا النساء،فإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا الصيد» (4)فإنّ المراد بالصيد هنا الصيد الحرمي لا الإحرامي،كما صرّح به جماعة من الأصحاب (5).

و لعلّه المراد أيضاً من نحو العبارة،و إلّا فلم نجد على بقاء حرمة الصيد الإحرامي بعد الحلق أو التقصير دلالة،سوى الأصل المخصَّص بما عرفت،و ظاهر قوله سبحانه: لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ [1] (6)بناءً على أن الإحرام يتحقق بتحريم الطيب و النساء.و هو حسن لولا ظواهر الأخبار التي لم يستثن فيها سوى الطيب و النساء.

و ربما علّل بأنه في الحرم؛ و لذا ذكر والد الصدوق و القاضي أنه لا

ص:486


1- قرب الإسناد:/108 370،الوسائل 14:235 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 11.
2- الشرائع 1:265؛ و انظر المنتهى 2:765،و الذخيرة:682.
3- المدارك 8:102.
4- الفقيه 2:/302 1501،الوسائل 14:232 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 1.
5- منهم:صاحب المدارك 8:102،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:362.
6- المائدة:95.

يحلّ بعد طواف النساء أيضاً،لكونه في الحرم (1).

و فيه:أنه لا ينافي التحلّل منه نظراً إلى الإحرام،و تظهر الفائدة في أكله لحم الصيد كما عن الخلاف أنه نصّ على حلّه (2)،و مضاعفة الكفّارة، و غير ذلك.

و اعلم أن هذا التحلل هو التحلل الأول للمتمتع،أما غيره فيحلّ له بالحلق أو التقصير الطيب أيضاً،كما في القواعد (3)،و عن الشيخ في جملة من كتبه و الوسيلة و السرائر و الجامع (4)؛ للخبر:عن الحاج غير المتمتع يوم النحر ما يحلّ له؟قال:« كل شيء إلّا النساء» و عن المتمتع ما يحلّ له يوم النحر؟قال:« كل شيء إلّا النساء و الطيب» (5).

و نحوه المروي في السرائر صحيحاً عن نوادر البزنطي (6).

و للجمع بين نحو الصحيح:عن رجل رمى و حلق،أ يأكل شيئاً فيه صفرة؟قال:« لا حتى يطوف بالبيت و بين الصفا و المروة» (7)و الصحيح الآخر المجوِّز للطيب على الإطلاق (8)،من غير تقييد بغير المتمتع،بحمل

ص:487


1- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:308،القاضي في المهذب 1:261.
2- الخلاف 1:348.
3- القواعد 1:89.
4- الشيخ في المبسوط 1:377،و النهاية:263،الوسيلة:187،السرائر 1:602،الجامع للشرائع:216.
5- التهذيب 5:/247 835،الإستبصار 2:/289 1024،الوسائل 14:236 أبواب الحلق و التقصير ب 14 ح 1.
6- تقدم مصدره في ص:3093.
7- التهذيب 5:/245 829،الإستبصار 2:/287 1018،الوسائل 14:232 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 2.
8- الكافي 4:/505 1،التهذيب 5:/245 832،الإستبصار 2:/287 1021،الوسائل 14:234 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 7.

الأول على المتمتع،و الثاني على غيره.

خلافاً لظاهر المتن و الشرائع و المحكي عن الخلاف (1)،فلم يفرّقا في تحريم الطيب بينهما.

و هو حسن لولا الخبران المفصلان المعتضدان بعمل جماعة من الأعيان.

و للعماني كما حكي،فأحلّ الطيب للمتمتع أيضاً (2)؛ للصحيح:عن المتمتع،قال:« إذا حلق رأسه يطليه بالحنّاء و حلّ له الثياب و الطيب و كلّ شيء إلّا النساء» ردّدها على مرتين أو ثلاثاً،قال:و سألت أبا الحسن عليه السلام عنها،قال:« نعم الحنّاء و الثياب و الطيب و كلّ شيء إلّا النساء» (3)و نحوه آخر أو الموثق (4).

و الصحيح:رأيت أبا الحسن عليه السلام بعد ما ذبح حلق ثم ضمد رأسه بمسك و زار البيت و عليه قميص و كان متمتعاً (5).

و أجاب الشيخ عن الأول بالحمل على من طاف و سعى (6).

و فيه بُعد،مع أنه مروي في الكافي هكذا:عن المتمتع إذا حلق رأسه قبل أن يزور فيطليه بالحناء،قال:« نعم الحناء و الثياب و الطيب» إلى آخر ما مرّ،و هذا لا يقبل ما ذكره من الحمل.

و أجاب عنه الشهيد كما قيل (7)بأنه متروك،مؤذناً بشذوذه و مخالفة الإجماع.

ص:488


1- الشرائع 1:265،الخلاف 2:348.
2- حكاه عنه في المختلف:308.
3- المذكور أعلاه في الهامش(3).
4- الكافي 4:/506 5،الوسائل 14:234 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 8.
5- الكافي 4:/505 3،الوسائل 14:235 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 10.
6- التهذيب 5:246.
7- كشف اللثام 1:375،و هو في الدروس 1:455.

أقول:و يمكن حمل هذه الأخبار على التقية؛ لموافقتها لما عليه أكثر العامة كما يفهم من المنتهى (1)،و منهم الشافعي و أحمد و أبو حنيفة.

فإذا طاف المتمتع لحجّة حلّ له الطيب أيضاً كما عن النهاية و المبسوط و المصباح و مختصره و الانتصار و الاستبصار و الوسيلة و السرائر (2)،و في الشرائع و القواعد و المنتهى (3)؛ للخبرين في أحدهما:« إذا كنت متمتعاً فلا تقربنّ شيئاً فيه صفرة حتى تطوف بالبيت» (4).

و لا يتوقف على صلاة الطواف؛ لإطلاق النص و الفتوى.

و إن قدّم الطواف على الوقوف أو مناسك منى للضرورة فالظاهر عدم التحلّل؛ للأصل،و صريح الخبر الثاني المروي عن بصائر الدرجات،فإنّ فيه:« إذا أردت المتعة في الحج» إلى أن قال:« ثم أحرمت بين الركن و المقام بالحج فلا تزال محرماً حتى تقف بالمواقف،ثم ترمي و تذبح و تغتسل،ثم تزور البيت،فإذا أنت فعلت فقد أحللت» (5)و انصراف إطلاق الخبر الأول و الفتاوي إلى المؤخّر بل الأكثر ظاهر فيه.

قيل:و قيل بالتحلّل (6).

ص:489


1- المنتهى 2:765.
2- النهاية:263،المبسوط 1:377،المصباح:646،حكاه عن مختصره في كشف اللثام 1:375،الانتصار:103،الاستبصار 2:290،الوسيلة:187،السرائر 1:601.
3- الشرائع 1:265،القواعد 1:89،المنتهى 2:766.
4- التهذيب 5:/298 1009،الوسائل 12:445 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 12.
5- بصائر الدرجات:533 ضمن حديث طويل،الوسائل 11:234 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 30.
6- كشف اللثام 1:375.

و المشهور توقف حلّ الطيب على السعي.

و هو الأقوى،و هو خيرة الخلاف و المختلف (1)؛ للأصل،و الصحيح:

« فإذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا النساء» (2).

و الخبر بل الصحيح كما قيل (3)-:عن رجل رمى و حلق أ يأكل شيئاً فيه صفرة؟قال:« لا حتى يطوف بالبيت و بين الصفا و المروة،ثم قد حلّ له كلّ شيء إلّا النساء» (4).

و ضعف الخبرين السابقين،مع إمكان تعميم زيارة البيت فيهما له.

و إذا طاف طواف النساء حللن له قيل:اتفاقاً،صلّى له أم لا؛ لإطلاق النصوص و الفتاوي،إلّا فتوى الهداية و الاقتصاد،و أما الصحيح:

« ثم ارجع إلى البيت و طف أُسبوعاً آخر،ثم تصلّي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام،ثم قد أحللت من كل شيء و فرغت من حجك كلّه و كلّ شيء أحرمت منه» (5)فيجوز أن يكون لتوقف الفراغ عليها (6).

و لا يحلّ النساء للرجال إلّا به بالنص و الإجماع،إلّا من العماني كما في المختلف و غيره (7).

ص:490


1- الخلاف 2:348،المختلف:309.
2- الفقيه 2:/302 1501،الوسائل 14:232 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 1.
3- كشف اللثام 1:375.
4- تقدّم مصدره في ص:3095.
5- الكافي 4:/511 4،التهذيب 5:/251 853،الوسائل 14:249 أبواب زيارة البيت ب 4 ح 1.
6- كشف اللثام 1:375.
7- المختلف:309؛ و انظر المدارك 8:106 و فيه:هذا الحكم إجماعي.

و يحرم على المرأة الرجال لو تركته،كما صرّح به جماعة (1)،و ربما استشكل فيه الفاضل في المختلف و القواعد (2).

قيل:من الأصل،للإجماع و الأخبار على حرمة الرجال عليها بالإحرام،و النصوص و الفتاوي على كونها كالرجل في المناسك إلّا فيما استثني و منها طواف النساء،و قد نصّ عليه لها في الأخبار و الفتاوى (3)، و لا يفيدها ظاهراً إلّا حلّهم لها.و من انتفاء النص عليه بخصوصه (4).

أقول:النص بالخصوص موجود،و هو الصحيح:« المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية،فإن طهرت طافت بالبيت و سعت بين الصفا و المروة،و إن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت و احتشت ثم سعت بين الصفا و المروة ثم خرجت إلى منى،فإذا قضت المناسك و زارت البيت طافت بالبيت طوافاً لعمرتها،ثم طافت طوافاً للحج،ثم خرجت فسعت،فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كلّ شيء يحلّ منه المحرم إلّا فراش زوجها،فإذا طافت طوافاً آخر حلّ لها فراش زوجها» (5).

و نحوه خبر آخر (6)،إلّا أنه ليس فيه:« فإذا طافت طوافاً آخر حلّ لها فراش زوجها» .

ص:491


1- منهم:ابن بابويه على نقله عنه في المختلف:309،و صاحب المدارك 8:107،و السبزواري في الذخيرة:684.
2- المختلف:309،القواعد 1:89.
3- الوسائل 13:298 أبواب الطواف ب 2.
4- كشف اللثام 1:375.
5- الكافي 4:/445 1،الوسائل 13:448 أبواب الطواف ب 84 ح 1.
6- الكافي 4:/446 2،التهذيب 5:/391 1368،الوسائل 13:449 أبواب الطواف ب 84 ح 2.

و يمكن الاستدلال عليه أيضاً بعموم قوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ [1] (1)و الرفث هو الجماع بالنص (2)(3)،و الحج إنما يتمّ بطواف النساء،فتأمل (4).

و يكره لبس المخيط و التقنّع حتى يطوف للحج و يسعى بين الصفا و المروة و الطيب حتى طواف النساء للصحاح المستفيضة المتضمنة للنهي عن ذلك (5).و هو محمول على الكراهة؛ جمعاً بينهما و بين ما مرّ من الأدلّة الدالة على التحلل بالطوافين عن ذلك،مع ظهور بعضها في الكراهة.

لكن موردها أجمع المتمتع خاصة،بل في بعضها التصريح بعدم المنع في غيره،و هو الصحيح:عن رجل رمى الجمار و ذبح و حلق رأسه، أ يلبس قميصاً و قلنسوة قبل أن يزور البيت؟فقال:« إن كان متمتعاً فلا،و إن كان مفرداً للحج فنعم» (6).و نحوه الخبر المروي في قرب الإسناد (7).

لكن ظاهر المتن و غيره الإطلاق،و لم أقف على وجهه.

ثم أي بعد قضاء مناسكه بمنى من الرمي و الذبح و الحلق أو

ص:492


1- البقرة:197.
2- التهذيب 5:/296 1003،الوسائل 12:463 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 1.
3- في« ق» زيادة:الصحيح.
4- وجهه سيأتي إن شاء اللّه في بحث ترك طواف النساء عمداً أنه لا بأس به،بمعنى أنه لا يبطل به الحج لخروجه عنه؛ بمقتضى الصحيحين.و بالجملة هذان الصحيحان كما سيأتي ظاهران في خروج النساء عن الحج و أن الحج تامّ بدونه.(منه رحمه الله).
5- انظر الوسائل 14:232،240 أبواب الحلق و التقصير ب 13،18.
6- الفقيه 2:/302 1502،الوسائل 14:241 أبواب الحلق و التقصير ب 18 ح 4.
7- قرب الإسناد:/126 443،الوسائل 14:242 أبواب الحلق و التقصير ب 18 ح 6.

التقصير يمضي إلى مكة شرّفها اللّه تعالى للطوافين،و السعي بينهما اتفاقاً،نصّاً و فتوى.

و الأفضل إيقاع ذلك ليومه أي يوم النحر؛ للأخبار (1)، و استحباب المسارعة إلى الخيرات،و التحرز عن العوائق و الأعراض.

و لا يجب؛ للأصل،و الصحيح:« لا بأس أن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر،إنما يستحب تعجيل ذلك مخافة الأحداث و المعاريض» (2).

و في الصحيح:« لا تؤخر أن تزور من يومك،فإنه يكره للمتمتع أن يؤخر» (3).

و عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و الجامع (4)لا يؤخر عنه إلّا لعذر.

قيل:و يجوز أن يريدوا التأكيد (5).

أو من الغد مع تعذر يوم النحر اتفاقاً،كما قيل (6)؛ للصحيح:

« فإن شغلت فلا يضرّك أن تزور البيت من الغد» (7).

و يتأكد ذلك للمتمتع لما مرّ،مضافاً إلى الصحيح:« ينبغي للمتمتع أن يزور البيت يوم النحر أو من ليلته و لا يؤخر ذلك اليوم» (8).

ص:493


1- انظر الوسائل 14:243 أبواب زيارة البيت ب 1.
2- الفقيه 2:/245 1171،التهذيب 5:/250 846،الإستبصار 2:/291 1034،الوسائل 14:245 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 9.
3- الكافي 4:/511 4،التهذيب 5:/251 853،الإستبصار 2:/292 1037،الوسائل 14:243 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 1.
4- النهاية:264،المبسوط 1:377،الوسيلة:187،الجامع للشرائع:217.
5- و 6)كشف اللثام 1:376.
6- كشف اللثام 1:376.
7- تقدم مصدره في الهامش(2).
8- الكافي 4:/511 3،التهذيب 5:/249 843،الإستبصار 2:/291 1032،الوسائل 14:245 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 7.

و الصحيح:عن المتمتع متى يزور البيت؟قال:« يوم النحر أو من الغد و لا يؤخر،و المفرد و القارن ليس بسواء موسّع عليهما» (1).

و يستفاد منه أنه لو أخّر المتمتع أثم كما عن المفيد و المرتضى و الديلمي (2)،و عليه جماعة من المتأخرين (3)،و عن التذكرة و المنتهى أنه عزاه إلى علمائنا (4).و لعلّه الأقوى.

خلافاً لآخرين و منهم الحلّي و سائر المتأخرين كما قيل (5)؛ للأصل، و إطلاق الآية: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) [1] (6)فإنّ الشهر كلّه من أشهره، و الصحاح المستفيضة:

منها زيادة على ما مرّ الصحيح المروي في السرائر عن نوادر البزنطي:عن رجل أخّر الزيارة إلى يوم النفر،قال:« لا بأس» (7).

و في الجميع نظر؛ لوجوب الخروج على الأوّلين بما مرّ،كوجوب تقييد الصحاح بمن عدا المتمتع به حملَ المطلق على المقيّد.و هو أولى من الجمع بينهما بالاستحباب و إن وقع التصريح بلفظه و ما في معناه من لفظ « يكره» و« ينبغي» فإنّ هذه الألفاظ الثلاثة إنما هو بالنسبة إلى يوم النحر،

ص:494


1- التهذيب 5:/249 844،الإستبصار 2:/291 1036،الوسائل 14:245 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 8.
2- المفيد في المقنعة:420،المرتضى في الجمل(رسائل الشريف المرتضى 3):69،الديلمي في المراسم:114.
3- منهم:صاحب المدارك 8:109،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:376،و صاحب الحدائق 17:272.
4- التذكرة 1:391،المنتهى 2:767.
5- السرائر 1:602،و المدارك 8:110.
6- البقرة:197.
7- مستطرفات السرائر:/35 48،الوسائل 14:246 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 11.

لا غده،و نحن نقول به،لكنه غير ما نحن فيه.

نعم قيل:لو أخّر أجزأ على القولين كما في الاستبصار و الشرائع ما أوقعه في ذي الحجّة،في أيّ جزء منه كان،كما في السرائر؛ لأن الحج أشهر، فذو الحجّة كلّه من أشهره؛ و للأصل،و الصحيح:« لا بأس إن أخّرت زيارة البيت إلى أن تذهب أيام التشريق،إلّا أنك لا تقرب النساء و لا الطيب» (1).

و الصحيح:« أنا ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق» (2).

و في الغنية و الكافي:إنّ وقته يوم النحر إلى آخر أيام التشريق؛ و لعلّه للصحيح:« لا بأس بأن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر» (3).

و في الوسيلة:لم يؤخر إلى غد لغير عذر،و إلى بعد غد لعذر.و هو يعطي عدم الإجزاء إن أخّر عن ثاني النحر (4).

و موسَّع للمفرد و القارن تأخير ذلك طول ذي الحجّة كما عن النهاية و المبسوط و الخلاف و الاقتصاد و المصباح و مختصره (5)،بل قيل:بلا خلاف (6).

ص:495


1- الفقيه 2:/245 1174،الوسائل 14:244 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 3.
2- الفقيه 2:/245 1172،التهذيب 5:/25 847،الإستبصار 2:/291 1035،الوسائل 14:243 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 2.
3- الفقيه 2:/245 1171،التهذيب 5:/250 846،الإستبصار 2:/291 1034،الوسائل 14:245،أبواب زيارة البيت ب 1 ح 9.
4- كشف اللثام 1:376،و هو في الاستبصار 2:291،و الشرائع 1:265 و السرائر 1:602،و الغنية(الجوامع الفقهية):578،و الكافي:195،و الوسيلة:187.
5- النهاية:264،المبسوط 1:377،الخلاف 2:350،الاقتصاد:308،المصباح:645،حكاه عن مختصره في كشف اللثام 1:376.
6- مفاتيح الشرائع 1:363.

للأخبار المطلقة،و الأصل،و أن الحج أشهر،و الصحيح المتقدم المصرَّح بالفرق بين المتمتع و المفرد و القارن.و لكن لا يفهم منه إلّا التأخير عن الغد،كما لا يفهم من قوله عليه السلام في بعض الصحاح المتقدمة:« و موسّع للمفرد أن يؤخّره» (1)إلّا التأخير عن يوم النحر،لكنه كالسابق مطلق،و لعلّه كاف.

ثم هنا و في الشرائع و عن المنتهى و الإرشاد (2)أن تأخيرهما على كراهية . قيل:قال في المنتهى:للعلّة التي ذكرها الصادق عليه السلام في حديث ابن سنان أقول:و هو الصحيح الأول من أخبار المسألة و هو يعطي أن المراد بها أفضليّة التقديم كما في التحرير و التلخيص،و هو الوجه (3).

و يستحب له إذا دخل مكّة الغسل و تقليم الأظفار و أخذ الشارب للنص (4).

و لو اغتسل لذلك بمنى جاز،للأصل،و النص (5).

و لو اغتسل نهاراً و طاف ليلاً أو بالعكس أجزأه الغسل ما لم يحدث، فإن نام أو أحدث حدثاً آخر قبل الطواف استحب إعادة الغسل؛ للموثّق (6).

ص:496


1- تقدم مصدره في ص 3100 الهامش(2).
2- الشرائع 1:265،المنتهى 2:767،الإرشاد 1:335.
3- كشف اللثام 1:376،و هو في المنتهى 2:767 و التحرير 1:109.
4- التهذيب 5:/250 848،الوسائل 14:247 أبواب زيارة البيت ب 2 ح 2.
5- الكافي 4:/511 1،التهذيب 5:/250 849،الوسائل 14:248 أبواب زيارة البيت ب 3 ح 2،3.
6- الكافي 4:/511 2،التهذيب 5:/251 850،الوسائل 14:248 أبواب زيارة البيت ب 3 ح 2،3.

و كذا إن زار في اليوم الذي اغتسل فيه أو في الليل الذي اغتسل فيه؛ للصحيح:عن الرجل يغتسل للزيارة ثم ينام،أ يتوضأ قبل أن يزور؟قال:

« يعيد الغسل،لأنه إنما دخل بوضوء» (1).

و الدعاء عند باب المسجد بالمأثور في الصحيح من قوله:« اللهم أعنّي على نسك،و سلّمني له و سلّمه لي،و أسألك مسألة العبد الذليل المعترف بذنبه أن تغفر لي ذنوبي و أن ترجعني بحاجتي،اللهم إنّي عبدك و البيت بيتك،جئت أطلب رحمتك و أؤمّ طاعتك متّبعاً لأمرك راضياً بقدرك،أسألك مسألة المضطرّ إليك المطيع لأمرك المشفق من عذابك الخائف لعقوبتك أن تبلغني عفوك و تجيرني من النار برحمتك» (2).

ص:497


1- التهذيب 5:/251 851،الوسائل 14:249 أبواب زيارة البيت ب 3 ح 4.
2- الكافي 4:/511 4،التهذيب 5:/251 853،الوسائل 14:249 أبواب زيارة البيت ب 4 ح 1.

المجلد 7

اشارة

سرشناسه:طباطبائی کربلائی، علی بن محمدعلی، 1161 - 1231ق.

عنوان و نام پديدآور:ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل/ تالیف محمدعلی الطباطبایی؛ تحقیق موسسه آل البیت(ع) لاحیاءالتراث.

مشخصات نشر:قم: موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاءالثرات، 1418ق.-= 1376-

مشخصات ظاهری:16 ج.: نمونه.

فروست:موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

شابک: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری

يادداشت:عربی.

يادداشت:کتاب حاضر شرحی بر مختصرالنافع محقق حلی است.

يادداشت:ج.9 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت:ج. 11 - 13 (چاپ؟: 1421ق. = 1379).

يادداشت:ج. 15و 16 (چاپ؟: 1422ق. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:محقق حلی، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 7ق.

شناسه افزوده:محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

شناسه افزوده:موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاء الثرات

رده بندی کنگره:BP182/م3م30216 1376

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

تتمة كتاب الحج

تتمة المقاصد

تتمة المقصد الأول
القول في الطواف و النظر في مقدمته و كيفيّته و أحكامه
اشارة

القول في الطواف و النظر في مقدمته و كيفيّته و أحكامه

المقدمة

أما المقدمة: فيشترط تقديم الطهارة على الطواف الواجب بإجماعنا الظاهر،المصرَّح به في كلام جماعة (1)،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة (2).

و إطلاق جملة منها كالعبارة يشمل الطواف المندوب، كما عن الحلبي (3).لكن صريح جملة أُخرى منها الاختصاص بالواجب،و منها الصحيح:عن رجل طاف طواف الفريضة و هو على غير طهر،قال:« يتوضأ و يعيد طواف،و إن كان تطوّعاً توضّأ و صلّى ركعتين» (4).

و عليه الأكثر.و هو الأظهر؛ لأن المفصَّل يحكم على المجمل.

و يستباح بالترابية كما يستباح بالمائية؛ لعمومات المنزلة.

و إزالة النجاسة عن الثوب و البدن وفاقاً للأكثر كما في كلام

ص:5


1- منهم:ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):578،و العلامة في المنتهى 2:690،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:367.
2- الوسائل 13:374 أبواب الطواف ب 38.
3- الكافي في الفقه:217.
4- الكافي 4:/420 3،الفقيه 2:/250 1202،التهذيب 5:/116 380،الإستبصار 2:/222 764،الوسائل 13:374 أبواب الطواف ب 38 ح 3.

جمع (1)،بل لم ينقل في المنتهى فيه خلاف (2)،و في الغنية الإجماع عليه (3).

للنبوي:« الطواف بالبيت صلاة» (4)بناءً على أن التشبيه يقتضي الشركة في جميع الأحكام،و منها هنا الطهارة من النجاسة.

و الخبر:عن رجل يرى في ثوبه الدم و هو في الطواف،قال:« ينظر الموضع الذي يرى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله،ثم يعود فيتمّ طوافه» (5).

و إطلاق النص كالمتن و الأكثر يقتضي عدم الفرق في الطواف بين الفرض و النفل.

و الأقرب العفو فيه عما يعفى عنه في الصلاة،وفاقاً للشهيدين (6)؛ لظاهر عموم التشبيه في الخبر الأوّل؛ مضافاً إلى فحوى العفو عنه في الصلاة،فهنا أولى،و بذلك يقيّد إطلاق الخبر الثاني.

خلافاً لجماعة فلا يعفى (7)،و هو أحوط.

و كره ابن حمزة الطواف مع النجاسة في ثوبه أو بدنه (8).و الإسكافي

ص:6


1- منهم:السبزواري في الذخيرة:626،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:367،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:332.
2- المنتهى 2:690.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):578.
4- عوالي اللئلئ 2:/167 3،الجامع الصغير 2:/143 5346،سنن الدارمي 2:44.
5- التهذيب 5:/126 45،الوسائل 13:399 أبواب الطواف ب 52 ح 2.
6- الدروس 1:392،المسالك 1:120.
7- كما في السرائر 1:574،و المختلف:291 و كشف اللثام 1:332.
8- الوسيلة:173.

في ثوب أصابه دم لا يعفى عنه في الصلاة (1).و تبعهما جماعة من المتأخرين (2).

للأصل،و ضعف الخبرين،و المرسل كالصحيح:عن رجل في ثوبه دم ممّا لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه،فقال:« أجزأه الطواف فيه، ثم ينزعه و يصلّي في ثوب طاهر» (3).

و في الجميع نظر؛ لوجوب الخروج عن الأصل عن الأصل بما مرّة؛ و ضعف الخبرين ينجبر بالعمل سيّما من نحو ابن زهرة و الحلّي (4)،اللذين لا يعملان بصحيح أخبار الآحاد فضلاً عن ضعيفها إلّا بعد احتفافها بالقرائن القطعية (5)؛ و ضعفِ المرسل و إن عدّ كالصحيح،مع عدم صراحته في العمد فيحتمل الجهل،فليحمل عليه للجمع.

و الختان في الرجل وفاقاً للأكثر،بل لم ينقل في المنتهى خلافاً فيه (6)،و عن الحلبي أنه شرط الحج بإجماع آل محمد(صلّى اللّه عليه و آله) (7).

للنهي عنه في الصحاح و غيرها المفسد للعبادة (8)،من غير فرق بين الفرض و النفل.

ص:7


1- نقله عنه في المختلف:291.
2- انظر صاحب المدارك 8:117،و السبزواري في الذخيرة:626.
3- الفقيه 2:/308 1523،التهذيب 5:/126 416،الوسائل 13:399 أبواب الطواف ب 52 ح 3.
4- ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):578،الحلي في السرائر 1:574.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):537،السرائر 1:47.
6- المنتهى 2:690.
7- حكاه عنه في كشف اللثام 1:333 و هو في الكافي:193.
8- الوسائل 13:270 أبواب مقدّمات الطواف ب 33.

خلافاً للحلّي فظاهره التوقف (1)،و ليس في محلّه.

نعم،الأخبار لا تدلّ على الشرطية المطلقة بحيث تشمل غير صورة العمد؛ لاختصاص النهي الذي هو مناط الدلالة بها،فلا يعمّ غيرها،إلّا أن يتمّ بالإجماع و عدم القائل بالفرق إن تمّ.

و احترز بقوله:« في الرجل» عن المرأة،فلا يشترط عليها؛ للأصل و الإجماع كما قيل (2)؛ مع اختصاص الأخبار بغيرها؛ و خصوص الصحيح:

« لا بأس أن تطوف المرأة غير مخفوضة» (3).

و عن الصبي؛ للأصل،و عدم دليل فيه،عدا إطلاق الصحيح:

« الأغلف لا يطوف بالبيت» (4)و لا عموم فيه،بل غايته الإطلاق المنصرف إلى غيره،لغلبته،فتأمل؛ مضافاً إلى عدم توجه النهي إليه.

و من الوجه الأول يستفاد إلحاق الخنثى بالصبي،مع احتمال عدمه، لوجوب تحصيل يقين الخروج عن عهدة التكليف القطعي،و لا ريب أنه بل و إلحاق الصبي بالرجل أحوط.

و إطلاق العبارة يشمل المتمكّن من الختان و غيره و لو بضيق الوقت.

خلافاً لجماعة فقيّدوه بالمتمكّن (5).و هو قوي؛ للأصل،و عدم انصراف

ص:8


1- السرائر 1:574.
2- كشف اللثام 1:333.
3- الكافي 4:/281 2،الفقيه 2:/250 1205،التهذيب 5:/126 414،الوسائل 13:271 أبواب مقدّمات الطواف ب 33 ح 3.
4- التهذيب 5:/126 413،الوسائل 13:270 أبواب مقدمات الطواف ب 33 ح 1.
5- منهم:العلّامة في القواعد 1:82،و الشهيدان في الدروس 1:393 و المسالك 1:120.

الأخبار الناهية إلى غيره.

نعم في الخبر:في رجل يسلم فيريد أن يخشن و حضره الحج، أ يحجّ أم يخش؟قال:« لا يحجّ حتى يختتن» (1).

و لكن في سنده جهالة،بل و ضعف في الدلالة،لما قيل من أنه غير ظاهر في أنه غير متمكن من الختان لضيق الوقت و أنّ عليه تأخير الحج من عامة لذلك،فإنّ الوقت إنما يضيق عن الاختتان مع الاندمال،فأوجب(عليه السّلام) أن يختتن ثم يحج و إن لم يندمل (2).

و يستحب مضغ شيء من الإذخر كما هنا و في الشرائع و القواعد (3)،و عن الجامع و الجمل و العقود (4)،و فيه:تطييب الفم بمضغ الإذخر أو غيره.

قبل دخول مكّة كما عن الوسيلة و المهذّب (5)،و فيه نحو ما في الجمل و العقود من تطييب الفم به أو بغيره.

أو عند دخول الحرم،كما عن النهاية و المبسوط و السرائر و التحرير و التذكرة و المنتهى و الاعتقاد و المصباح (6)و مختصره،و في هذه الثلاثة

ص:9


1- الكافي 4:/281 1،الفقيه 2:/251 1206،التهذيب 5:/125 412،الوسائل 13:270 أبواب مقدمات الطواف ب 33 ح 2.
2- كشف اللثام 1:333.
3- الشرائع 1:266،القواعد 1:83.
4- الجامع للشرائع:196،الجمل و العقود(الرسائل العشر):230.
5- الوسيلة:172،المهذب 1:233.
6- النهاية:235،المبسوط 1:355،السرائر 1:570،التحرير 1:97،التذكرة 1:360،المنتهى 2:688،الاقتصاد:303،المصباح:621،حكاه عن مختصره في كشف اللثام 1:339.

التطييب أيضاً بغيره كما في الكتابين.

و الأصل في المسألة الصحيح:« إذا دخلت الحرم فخذ من الإذخر فامضغه» (1)و نحوه الخبر (2).

و قال الكليني:سألت بعض أصحابنا عن هذا،فقال:يستحب ذلك ليطيب به الفم لتقبيل الحجر (3).

قيل:و هو يؤيد استحبابه لدخول مكة،بل المسجد،و كونه من سنن الطواف (4).

و دخولها من أعلاها كما في الشرائع و القواعد (5)،و عن النهاية و المبسوط و الاقتصاد و الجمل و العقود و المصباح و مختصره و الكافي و الغنية و الجامع (6)إذا أتاها من طريق المدينة،كما عن المقنعة و التهذيب و المراسم و الوسيلة و السرائر و التحرير و المنتهى و التذكرة (7)،و فيه:أو الشام.قيل:

لاتحاد طريقهما بقربها بل قبل ذلك (8).

ص:10


1- الكافي 4:/398 4،الوسائل 13:198 أبواب مقدمات الطواف ب 3 ح 1.
2- الكافي 4:/398 3،الوسائل 13:198 أبواب مقدّمات الطواف ب 3 ح 2.
3- الكافي 4:398.
4- كشف اللثام 1:339.
5- الشرائع 1:266،القواعد 1:83.
6- النهاية:235،المبسوط 1:355،الاقتصاد:303،الجمل و العقود(الرسائل العشر):230،مصباح المتهجد:621،حكاه عن مختصره في كشف اللثام 1:239،الكافي في الفقه:208،الغنية(الجوامع الفقهية):577،الجامع للشرائع:196.
7- المقنعة:399،التهذيب 5:98،المراسم:109،الوسيلة:172،السرائر 1:570،التحرير 1:97،المنتهى 2:688،التذكرة 1:360.
8- كشف اللثام 1:339.

و فيه أيضاً:فأمّا الذين يجيئون من سائر الأقطار فلا يؤمرون بأن يدوروا ليدخلوا من تلك الثنيّة يعني العليا.

و فيه أيضاً:و قيل:بل هو عام ليحصل التأسي بالنبي(صلّى اللّه عليه و آله) .قلت:و استظهره الشهيدان في الدروس و الروضة (1)،و نسب في الدروس إلى الفاضل اختصاصه بالمدني و الشامي،قال:و في رواية يونس إيماء إليه.

قلت:لأنه سأل الصادق(عليه السّلام)من أين أدخل مكة و قد جئت من المدينة؟فقال:« ادخل من أعلى مكة» (2).

و فيه:أنّ القيد في كلام السائل.

و الأجود الاستدلال به بالأصل،و اختصاص الرواية السابقة و هي موثقة بالمدني،و لا دليل على العموم،و التأسي به(صلّى اللّه عليه و آله)إنما يتم لو دلّ دليل على أنّ فعله على العموم،و لم نجده،و إنما الموجود منه الصحيح:

إنه(صلّى اللّه عليه و آله)دخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين (3).و هو كما ترى لا دلالة فيه عليه.

و الأعلى كما في الدروس و عن غيره (4)ثنيّة كداء بالفتح و المدّ، و هي التي ينحدر منها إلى الحجون مقبرة مكة.

ص:11


1- الدروس 1:392،الروضة البهية 2:253.
2- الكافي 4:/399 1،التهذيب 5:/98 321،الوسائل 13:199 أبواب مقدمات الطواف ب 4 ح 2.
3- الكافي 4:/245 4،التهذيب 5:/454 1588،الوسائل:أبواب مقدمات الطواف ب 4 ح 1.
4- الدروس 1:392؛ و انظر كشف اللثام 1:339.

و يستحب دخولها حافياً كما في الشرائع و القواعد (1)،و عن المبسوط و الوسيلة و ظاهر الاقتصاد و الجمل و العقود و المهذّب و السرائر و الجامع (2).

و في الصحيح:« إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافياً على السكينة و الوقار و الخشوع،و من دخله بخشوع غفر اللّه له إن شاء اللّه» (3).

و أن يدخلها على سكينة و وقار احتراماً لها و للبيت؛ و للصحيحين و غيرهما (4)،و فيها:« من دخلها بسكينة غفر له ذنبه» .و في الصحيح:كيف يدخل بالسكينة؟قال:« يدخل غير متكبّر و لا متجبّر» (5)و بمعناه غيره (6).

و أن يكون مغتسلاً لدخولها من بئر ميمون أو فَخّ للصحيح:

« إذا انتهيت إلى الحرم إن شاء اللّه تعالى فاغتسل حين تدخله،و إن تقدّمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخّ أو من منزلك بمكة» (7).

و في آخر مضمر:عن الغسل في الحرم قبل دخوله مكة أو بعد

ص:12


1- الشرائع 1:266،القواعد 1:83.
2- المبسوط 1:355،الوسيلة:172،الاقتصاد:303،الجمل و العقود(الرسائل العشر):330،المهذب 1:233،السرائر 1:570،الجامع للشرائع:196.
3- الكافي 4:/401 1،التهذيب 5:/99 327،الوسائل 13:204 أبواب مقدمات الطواف ب 8 ح 1.
4- انظر الوسائل 13:202 أبواب مقدمات الطواف ب 7.
5- الكافي 4:/400 9،الوسائل 13:202 أبواب مقدمات الطواف ب 7 ح 1.
6- الكافي 4:/401 10،الوسائل 13:203 أبواب مقدمات الطواف ب 7 ح 2.
7- الكافي 4:/400 4،التهذيب 5:/97 319،الوسائل 13:197 أبواب مقدمات الطواف ب 2 ح 2.

دخوله؟قال:« لا يضرّك أيّ ذلك فعلت،و إن اغتسلت بمكة فلا بأس، و إن اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكة فلا بأس» (1).

و يستفاد منه التخيير بين الغسل قبل الدخول و بعده،لكن المستحب الأول كما هو شأن كل غسل يستحب للمكان.

و في المرسل:« إنّ اللّه عز و جل يقول في كتابه طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ [1] (2)فينبغي للعبد أن لا يدخل مكة إلّا و هو طاهر قد غسل عرقه و الأذى و تطهّر» (3).

و لو تعذّر التقديم اغتسل بعد الدخول لما مرّ من الصحيح.

قيل:و الاغتسال من بئر ميمون للقادم من العراق و نحوه،و من فَخّ للقادم من المدينة،و بالجملة:فكلّ من يمرّ عليه في قدومه،فلا يكلّف غيره بأن يدور حتى يرد أحد ذلك فيغتسل منه،للأصل،و عدم عموم النص أو إطلاقه (4).

و الدخول إلى المسجد من باب بني شيبة قيل (5):للتأسي، و النص (6).و علّل فيه بأن هُبَل بضمّ الهاء و فتح الباء و هو أعظم الأصنام مدفون تحت عتبتها،فإذا دخل منها وطئه برجله.

ص:13


1- الكافي 4:/398 5،التهذيب 5:/97 318،الوسائل 13:197 أبواب مقدمات الطواف ب 2 ح 1.
2- البقرة:125.
3- الكافي 4:/400 3،التهذيب 5:/98 322،الوسائل 13:200 أبواب مقدمات الطواف ب 5 ح 3.
4- كشف اللثام 1:339.
5- كشف اللثام 1:340.
6- الفقيه 2:/154 668،الوسائل 13:206 أبواب مقدمات الطواف ب 9 ح 1.

و في المدارك و غيره:إنّ هذا الباب غير معروف الآن لتوسّع المسجد،لكن قيل:إنه بإزاء باب السلام،فينبغي الدخول منه على الاستقامة إلى أن يتجاوز الأساطين ليتحقق المرور به على هذا القول (1).

و الدعاء عنده أي عند الدخول بالمأثور في الصحيح،ففيه:

« فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم و قل:السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته،بسم اللّه و باللّه و من اللّه و ما شاء اللّه،و السلام على أنبياء اللّه تعالى و رسله،و السلام على رسول اللّه،و السلام على إبراهيم خليل اللّه، و الحمد للّه ربّ العالمين.فإذا دخلت المسجد فارفع يديك و استقبل البيت و قل:اللّهم إني أسألك في مقامي هذا في أوّل مناسكي أن تقبل توبتي،و أن تجاوز عن خطيئتي،و تضع عنّي وزري،الحمد للّه الذي بلغني بيته الحرام، اللهم إني أشهد أنّ هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابةً للناس و أمناً و مباركاً و هدًى للعالمين،اللهم إني عبدك،و البلد بلدك،و البيت بيتك،جئت أطلب رحمتك،و أؤمّ طاعتك،مطيعاً لأمرك،راضياً بقدرك،أسألك مسألة المضطر إليك،الخائف لعقوبتك،اللهم افتح لي أبواب رحمتك و استعملني بطاعتك و مرضاتك» (2).

كيفية الطواف

و أمّا الكيفية:

الواجب

فواجبها النية و استدامة حكمها إلى الفراغ كما في غيره من العبادات.

و الأظهر الاكتفاء فيها بقصد الفعل المتعين طاعةً للّه عزّ و جلّ،و إن كان الأحوط التعرض للوجه من وجوب أو ندب،و كون الحج إسلامياً أو

ص:14


1- المدارك 8:124؛ و انظر المسالك 1:120،و الذخيرة:632.
2- الكافي 4:/401 1،التهذيب 5:/99 327،الوسائل 13:204 أبواب مقدمات الطواف ب 8 ح 1.

غيره،تمتعاً أو غيره.

و في الدروس:ظاهر بعض القدماء أن نية الإحرام كافية عن خصوصيات نيّات الأفعال (1).و ما ذكرناه أظهر و أحوط.

و البدأة بالحجر الأسود و الختم به بالإجماع كما في كلام جماعة (2)؛ و المعتبرة،ففي الصحيح:« من اختصر في الحِجر الطواف فليعد طوافه من الحَجر الأسود إلى الحَجر الأسود» (3).

و حيث تجب البدأة بالحَجر فلو ابتدأ من غيره لم يعتّد بما فعله حتى ينتهي إلى الحجر الأسود،فيكون منه ابتداء طوافه إن جدّد النية عنده أو استصحبها فعلاً.

و الظاهر الاكتفاء في تحقق البدأة بالحَجر بما يصدق عليه ذلك عرفاً.

و اعتبر العلّامة و من تأخّر عنه (4)جعل أوّل جزء من الحَجر محاذياً لأوّل جزء من مقاديم بدنه بحيث يمرّ عليه بعد النية بجميع بدنه علماً أو ظنّاً.

و هو أحوط و إن كان في تعيّنه نظر.

و معنى الختم به إكمال الشوط السابع إليه بحيث يصدق الختم به عرفاً.

خلافاً لمن مرّ،فاعتبروا محاذاة الحَجر في آخر شوط كما ابتدأ به أوّلاً ليكمل الشوط من غير زيادة و لا نقصان.

ص:15


1- الدروس 1:394.
2- منهم:العلامة في المنتهى 2:690،و صاحبا المدارك 8:125،و الحدائق 19:100.
3- الكافي 4:/419 2،الفقيه 2:/249 1198،الوسائل 13:357 أبواب الطواف ب 31 ح 3.
4- العلامة في التذكرة 1:361،و تبعه الشهيد الثاني في المسالك 1:120.

و الكلام فيه كما مرّ،بل قيل:إنّ الظاهر الاكتفاء بتجاوزه بنية أنّ ما زاد على الشوط لا يكون جزءاً من الطواف،بل الظاهر عدم بطلان الطواف بمثل هذه الزيادة و إن قصد كونها من الطواف (1).

و الطواف على اليسار بالإجماع كما في كلام جماعة (2)؛ للتأسي، مع حديث:« خذوا عنّي مناسككم» (3).

و المراد به جعل البيت على يساره حال الطواف،فلو جعله على يمينه أو استقبله بوجهه أو استدبره جهلاً أو سهواً أو عمداً و لو بخطوة لم يصحّ،و وجب عليه الإعادة.

و لا يقدح في جعله على اليسار الانحراف اليسير إلى جهة اليمين بحيث لا ينافي صدق الطواف على اليسار عرفاً قطعاً.

و إدخال الحِجر أي حِجر إسماعيل(عليه السّلام) في الطواف بالإجماع كما في الغنية و غيرها و عن الخلاف (4).

و الصحاح،منها زيادةً على ما مرّ الصحيح:قلت رجل طاف بالبيت فاختصر شوطاً واحداً في الحِجر،قال:« يعيد ذلك الشوط» (5).

و الصحيح:في الرجل يطوف بالبيت فيختصر في الحِجر،قال:

« يقضي ما اختصر من طوافه» (6).

ص:16


1- المدارك 8:127.
2- منهم:العلّامة في التذكرة 1:361،و صاحب المدارك 8:128.
3- عوالي اللآلي 4:/34 118،المستدرك 9:420 أبواب الطواف ب 54 ح 4.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):578؛ و انظر مفاتيح الشرائع 1:369،الخلاف 2:324.
5- الفقيه 2:/249 1197،التهذيب 5:/109 353،الوسائل 13:356 أبواب الطواف ب 31 ح 1.
6- الكافي 4:/419 1،الوسائل 13:356 أبواب الطواف ب 31 ح 2.

قيل:و زاد في التذكرة و المنتهى أنه من البيت،فلو مشى فيه لم يكن طاف بالبيت (1).

و في التذكرة:إنّ قريشاً لمّا بنت البيت قصرت الأموال الطيبة و الهدايا و النذور عن عمارته،فتركوا من جانب الحِجر بعض البيت،قال:روت عائشة أن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال:« ستة أذرع من الحِجر من البيت» (2).

و حكى في موضع آخر عن الشافعي أن ستة أذرع منه من البيت، و عن بعض أصحابه أن ستة أذرع أو سبعة منه من البيت و أنهم بنوا الأمر فيه على التقريب (3).

و ظاهره فيه و في المنتهى أن جميعه من البيت (4).

و في الدروس:إنه المشهور (5).

و جميع ذلك يخالف الصحيح،و فيه بعد أن سئل عنه:أمن البيت هو أو فيه شيء من البيت؟فقال:« لا و لا قلامة ظفر،و لكن إسماعيل دفن امّه فيه فكره أن توطأ،فجعل عليه حجراً،و فيه قبور أنبياء» (6).

أقول:و بمعناه أخبار أُخر (7).

و على الجملة فلو مشى على حائطه أو طاف بينه و بين البيت لم يصحّ شوطه الذي فعل فيه ذلك و وجب عليه الإعادة.

ص:17


1- كشف اللثام 1:334.
2- التذكرة 1:361.
3- التذكرة 1:362.
4- المنتهى 2:691.
5- الدروس 1:394.
6- الكافي 4:/210 15،الوسائل 13:353 أبواب الطواف ب 30 ح 1.
7- انظر الوسائل 13:353 أبواب الطواف ب 30.

و هل الواجب إعادة ذلك الشوط خاصة،أو إعادة الطواف رأساً؟ الأصحّ:الأوّل،وفاقاً لجمع (1)؛ للصحيح المتقدم قريباً.

و لا ينافيه الصحيح المتقدم سابقاً:« من اختصر في الحِجر الطواف فليعد طوافه» (2)لاحتمال التقييد بالشوط الذي وقع فيه الخلل،أو الاختصار في جميع الأشواط.

و لا يكفي إتمام الشوط من موضع سلوك الحِجر،بل تجب البدأة من الحجر الأسود؛ للأمر به فيما مرّ من الصحيح،مضافاً إلى أنه المتبادر من إعادة الشوط.

و أن يطوف سبعاً بالإجماع كما في كلام جماعة (3)،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة القريبة من التواتر،بل لعلّها متواترة (4).

و أن يكون طوافه بين المقام و البيت مراعياً قدر ما بينهما من جميع الجهات مطلقاً على المشهور،بل قيل:كاد أن يكون إجماعاً (5).و في الغنية الإجماع عليه صريحاً (6).

للخبر:عن حدّ الطواف بالبيت الذي من خرج عنه لم يكن طائفاً بالبيت،قال:« كان الناس على عهد رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يطوفون بالبيت و المقام،و أنتم اليوم تطوفون ما بين المقام و البيت،فكان الحدّ موضع

ص:18


1- منهم:صاحب المدارك 8:130،و السبزواري في الذخيرة:628،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:369.
2- تقدّم مصدره في ص 3112.
3- منهم:صاحب المدارك 8:130،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:369،و صاحب الحدائق 16:109.
4- انظر الوسائل 13:331 أبواب الطواف ب 19.
5- مفاتيح الشرائع 1:369.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):578.

المقام اليوم،فمن جازه فليس بطائف،و الحدّ قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين نواحي البيت،فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفاً بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد،لأنه طاف في غير حدّ،و لا طواف له» (1).

و في سنده جهالة و إضمار،إلّا أنه لا محيص عنه،لانجباره بالشهرة و نقل الإجماع.

خلافاً للإسكافي،فجوّزه خارج المقام مع الضرورة (2)؛ للموثق كالصحيح:عن الطواف خلف المقام،قال:« ما أُحبّ ذلك،و ما أرى به بأساً،فلا تفعله إلّا أن لا تجد منه بدّاً» (3).

قيل:و قد يظهر من المختلف و التذكرة و المنتهى الميل إليه (4).

و في دلالة الرواية عليه مناقشة،بل ظاهرها الدلالة على الجواز مطلقاً و لو اختياراً،لكن مع الكراهة و أنها ترتفع بالضرورة،و رواها الصدوق في الفقيه،و ظاهره الإفتاء بها،فيكون قولاً آخر في المسألة.

و من لوازمه أن يصلّي ركعتين وجوباً في الطواف الواجب، و ندباً في المندوب،على المعروف من مذهب الأصحاب كما في كلام جماعة (5).

ص:19


1- الكافي 4:/413 1،التهذيب 5:/108 315،الوسائل 13:350 أبواب الطواف ب 28 ح 1.
2- كما نقله عنه في المختلف:288.
3- الفقيه 2:/249 1200،الوسائل 13:351 أبواب الطواف ب 28 ح 1.
4- كشف اللثام 1:334.
5- منهم:صاحب المدارك 8:133،و السبزواري في الذخيرة:629،و صاحب الحدائق 16:134.

و في الخلاف:الإجماع على الوجوب (1)،مع أن فيه و في السرائر (2):

نقل قول بالاستحباب.و هو مع شذوذه محجوج بظاهر الآية (3)و الأخبار الكثيرة (4)التي كادت تبلغ التواتر،بل لعلّها متواترة.

و يجب إيقاعهما في المقام مقام إبراهيم حيث هو الآن،لا حيث كان على عهد النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و إبراهيم(عليه السّلام)،فالمعتبر في مكانهما خارج المطاف،و هو مكان المقام الآن.

للصحيح:أُصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة، أو حيث كان على عهد رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)؟فقال:« حيث هو الساعة» (5).

و الموجود فيه و في غيره من النصوص الكثيرة اعتبار الخلف،فما في المتن و عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و المراسم و السرائر و الشرائع و التذكرة و التبصرة و التحرير و المنتهى و الإرشاد (6)من اعتبار الوقوع فيه لا وجه له،إلّا أن يراد به عنده،كما في جملة من النصوص،و عن الاقتصاد و الجمل و العقود و جمل العلم و العمل و شرحه و الجامع (7)،و يؤيده استدلال

ص:20


1- الخلاف 2:327.
2- الخلاف 2:327،السرائر 1:576.
3- البقرة:125.
4- انظر الوسائل 13:300 أبواب الطواف ب 3.
5- الكافي 4:/423 4،التهذيب 5:/137 453،الوسائل 13:422 أبواب الطواف ب 71 ح 1.
6- النهاية:242،المبسوط 1:360،الوسيلة:172،المراسم:110،السرائر 1:576،الشرائع 1:268،التذكرة 1:362،التبصرة:68،التحرير 1:98،المنتهى 2:691،الإرشاد 1:324.
7- الاقتصاد:303،الجمل و العقود:230،جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):67،شرح جمل العلم و العمل:227،الجامع للشرائع:199.

الفاضل على ما في المتن بما نصّ على فعلهما عنده أو خلفه.

و عن الشهيد أنه قال:و أمّا تعبير بعض الفقهاء بالصلاة في المقام فمجاز تسميةً لما حول المقام باسمه؛ إذ القطع حاصل بأن الصخرة التي فيها أثر قدم إبراهيم(عليه السّلام)لا يصلّي عليها (1).

و الأحوط أن لا يصلّي إلّا خلفها،كما عن الصدوقين و الإسكافي و الشيخ في المصباح و مختصره و القاضي في المهذّب (2)؛ للأخبار الدالة عليه (3)،و عدم تعارض بينها و بين الأخبار المتضمنة للصلاة عنده إلّا تعارض العموم و الخصوص المطلق فيجب التقييد.

و عن الشهيد أنه قال:لا خلاف في عدم جواز التقدم على الصخرة و المنع عن استدبارها،و التعبير ب« في» للدلالة على وجوب الاتصال و القرب منه بحيث يتجوّز عنه بالصلاة فيه،لظاهر الآية (4).انتهى.

و هو حسن،و مقتضاه وجوب إيقاعهما في البناء الذي فيه الصخرة.

و لا ينافيه إطلاق الأخبار بالصلاة خلف المقام أو عنده،الصادق على الخارج عن البناء؛ لانصرافه إلى الداخل فيه لا الخارج.

و لعلّه لذا رتّب الماتن بين الداخل و الخارج بقوله بعد ما مرّ: فإن منعه زحام عن الصلاة في المقام صلّى على حياله أي خلفه أو

ص:21


1- الدروس 1:397.
2- الصدوق في الفقيه 2:253،و حكاه عن والده في المختلف:291،و نقله عن الإسكافي في المختلف:291،مصباح المتهجد:624،نقله من مختصره في كشف اللثام 1:338،القاضي في المهذب 1:264.
3- الوسائل 13:422 أبواب الطواف ب 71.
4- الدروس 1:397،و الموجود فيه إلى قوله:استدبارها،و الظاهر أن الباقي من كلام كشف اللثام(1:338)الحاكي عن الشهيد.

أحد جانبيه من خارج البناء،و يوافقه عبائر كثير (1)و إن اختلفت في التخيير بين الخلف و أحد الجانبين،أو الترتيب بينهما بتقدم الخلف على الجانب مع الإمكان،كما هو الأحوط.

و على الجملة:يجب تحرّي القرب منه ما أمكن،فإذا تعذّر لزحام جاز البُعد بقدر الضرورة؛ للصحيح في الكافي (2)و إن ضعف في التهذيب (3):رأيت أبا الحسن موسى(عليه السّلام)يصلّي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريباً من ظلال المسجد.

و في التهذيب:« قريباً[من الظلال (4)]لكثرة الناس» .قيل:و للأصل،و إطلاق الأخبار بالصلاة خلفه،و للآية باتّخاذ المصلّى منه بمعنى ابتداء المصلّى أو اتّخاذه منه بكونه بحياله.و أما وجوب تحرّي الأقرب منه بقدر الإمكان و عدم جواز البُعد إلّا بقدر الضرورة فللأخبار الآمرة بفعلها عنده،و احتمال« مِن» في الآية الاتصالية و الابتدائية التي في نحو:اتّخذت الخاتم من الفضّة،و للاحتياط.و أما جواز الصلاة إلى أحد الجانبين فللأصل،و إطلاق الآية و أخبار الفعل عنده،و احتمال هذا الخبر،و الأحوط الخلف.و في جواز التباعد لمجرد الزحام أيضاً نظر ما لم يتضيق الوقت؛ لضعف الخبر (5).

أقول:و فيه نظر؛ لما عرفت من صحة السند في الكافي و كون الضعف

ص:22


1- منهم:ابن حمزة في الوسيلة:172،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:338،و صاحب الحدائق 16:138.
2- الكافي 4:/423 2،الوسائل 13:433 أبواب الطواف ب 75 ح 2.
3- التهذيب 5:/140 464،الوسائل 13:433 أبواب الطواف ب 75 ح 1.
4- أضفناه من المصدر.
5- كشف اللثام 1:339.

في التهذيب.

نعم في الدلالة نظر؛ لعدم التصريح فيه،بل و لا ظهور بفعله(عليه السّلام) الركعتين ثمة في سعة الوقت،بل هو مجمل،فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن.

ثم إنّ هذا الحكم أعني وجوب صلاة ركعتي طواف الفريضة خلف المقام أو إلى أحد الجانبين بحيث لا يتباعد عنه عرفاً،أو على النهج المتقدم مع الاختيار قول المعظم،و عليه الأكثر،و في عبائر جمع أنه الأشهر.و لعلّه الأظهر؛ للكتاب،و السنّة المستفيضة،و فيها الصحاح و المعتبرة.

خلافاً للخلاف فيستحب،فإن لم يفعل و فعل في غيره أجزأ (1).

و للحلبي فجعل محلّهما المسجد الحرام مطلقاً (2)،كما عن ابني بابويه في ركعتي طواف النساء خاصة (3)و مستندهم غير واضح،عدا ما قيل من الأصل،و عدمِ صراحة الآية فيه،لأنها إن كانت من قبيل اتّخاذ الخاتم من الفضة،أو كانت« مِن» فيها بمعنى« في» لزم أن يراد بالمقام:المسجد،أو الحرم،و إلّا وجب فعل الصلاة على الحجر نفسه.و إن أُريد الاتصال و القرب التام،و بالمقام الحجر،فالمسجد كلّه بقربه.و إن وجب الأقرب فالأقرب لزم أن يكون الواجب في عهده(صلّى اللّه عليه و آله)في الكعبة،لكون المقام عنده،و كذا كلّما نقل إلى

ص:23


1- الخلاف 2:327.
2- الكافي في الفقه:158.
3- الصدوق في المقنع:92،و نقله عن والده في المختلف:291.

مكان وجبت الصلاة فيه،لعلّه لا قائل به؛ و إطلاقِ بعض الأخبار (1)لمن نسيهما في فعلهما في مكانه (2).

و في الجميع نظر؛ لوجوب الخروج عن الأصل بما مرّ.

و ظهورِ الآية فيه بظهور الاحتمال الأول على ما اعترف به القائل، و منع ما أُورد على تقديره من لزوم أن يراد بالمقام المسجد أو الحرم، باحتمال أن يراد به ما جاوره ممّا يقرب منه،بل لعلّه المتعين،لأنه أقرب المجازات إلى الحقيقة المتعذرة،و مرجعه إلى وجوب مراعاة الأقرب إلى المقام فالأقرب،كما هو مقتضى الاحتمال الأخير أيضاً.و منعه بعدم قائل بما يلزمه ممنوع بعدم بلوغ مثله إجماعاً سيّما مع عدم تعرض أحد له.

و حمل غير الناسي على الناسي قياس.

مع أن هذه الوجوه لو صحّت لثبت بها القول الأوّل (3)،و أما الآخران فلم أقف لهما على مستند عدا الأخير فله الرضوي (4)،و في مقاومته لأدلة الأكثر نظر،فضلاً من أن يقوّي عليها و يترجّح.

و أمّا ما عن الخلاف من أنه لا خلاف في أن الصلاة في غيره يعني فيما عدا خلف المقام تجزئه و لا تحب عليه الإعادة (5).فعلى تقدير سلامته من تطرّق الوهن إليه بوجود الخلاف سيّما من الأكثر،معارض بالنصوص الآمرة بالإعادة المترجّحة عليه من وجوه لا تخفى على من تدبّر.

ثم إن هذا الخلاف إنما هو في ركعتي طواف الفريضة.

ص:24


1- التهذيب 5:/138 457،الإستبصار 2:/234 814،الوسائل 13:430 أبواب الطواف ب 74 ح 11.
2- انظر كشف اللثام 1:338.
3- أي قول الشيخ في الخلاف.
4- فقه الرضا(عليه السّلام):223،المستدرك 9:414 أبواب الطواف ب 48 ح 1.
5- الخلاف 2:328.

و يصلّي ركعتي طواف النافلة حيث شاء من المسجد بلا خلاف فيه فتوًى و روايةً،و هي مستفيضة (1)،بل في بعضها المروي في قرب الإسناد:عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلّي الركعتين خارج المسجد،قال:« يصلّي بمكة لا يخرج منها إلّا أن ينسى فيصلّي إذا رجع في المسجد أيّ ساعة أحبّ ركعتي ذلك الطواف» (2).

و ظاهره جواز صلاة الركعتين خارج المسجد بمكة على الإطلاق، و لم أر مفتياً به،فالعمل به مشكل و لو صحّ سنده.

و لو نسيهما رجع فأتى بهما فيه أي في المقام؛ تحصيلاً للامتثال،و التفاتاً إلى ظاهر الأمر به في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (3).

و لا تعارضها الأخبار الأُخر المرخِّصة لفعلهما حيث ذكره من غير اشتراط للتعذر فيها أو المشقّة؛ لقصورها جملةً عن الصحة،بل ضعف بعضها سنداً،و جميعها دلالةً،فإنّ غايتها الإطلاق،و يمكن تقييدها بصورة المشقة جمعاً بين الأدلة.

و هو أولى من الجمع بينهما بحمل الأخبار الأوّلة على الاستحباب، و إبقاء الأخيرة على إطلاقها،كما احتمله في الاستبصار (4)،و ربما يعلم (5)من الصدوق في الفقيه أيضاً (6)؛ لما تقرّر في الأُصول من أولوية التخصيص

ص:25


1- انظر الوسائل 13:426 أبواب الطواف ب 73.
2- قرب الإسناد:/212 832،الوسائل 13:427 أبواب الطواف ب 73 ح 4.
3- انظر الوسائل 13:427 أبواب الطواف ب 74.
4- الاستبصار 2:236.
5- في« ق»:يفهم.
6- الفقيه 2:254.

من المجاز.

مع اعتضادها هنا بالشهرة العظيمة بين الأصحاب حتى كادت تكون إجماعاً،كما صرّح به بعض الأصحاب (1)و بكثرة الأخبار الأوّلة و صحّتها و استفاضتها،و تضمّن جملة منها تعليل الأمر بالرجوع بقوله تعالى « وَ اتَّخِذُوا» [1] و الأمر فيه للوجوب قطعاً.

مضافاً إلى إشعار بعضها بالتفصيل،فيكون شاهداً على هذا الجمع، و هو الصحيح:عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام و قد قال اللّه تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [2] حتى ارتحل،فقال:« إن كان ارتحل فإني لا أشقّ عليه و لا آمره أن يرجع،و لكن يصلّي حيث يذكر» (2).

و بالجملة:لا ريب في هذا الحكم و إن مال عنه إلى محتمل الشيخين بعض معاصري الأصحاب،قال:لصراحة بعض الأخبار في جواز الصلاة حيث ذكر هنا أيضا (3)،فإن فيه:نسيت أن أصلي الركعتين للطواف خلف المقام حتى انتهيت إلى منى،فرجعت إلى مكة فصلّيتهما ثم عدت إلى منى، فذكرنا ذلك له عليه السّلام،فقال:« أ فلا صلّاهما حيث ذكر؟! » (4).و فيه بعد الإغماض عن قصور سنده أو ضعفه-:منع صراحته؛ إذ ليس إلّا من جهة دلالته على رخصته عليه السّلام له مع عوده،و هو حسن إن اعتبرنا التعذر في جواز الصلاة في محل الذكر.و أما إذا اكتفينا بالمشقة و لو من غير تعذّر كما يأتي فلا صراحة فيه؛ لإمكان كون عود الراوي معها

ص:26


1- مفاتيح الشرائع 1:372.
2- التهذيب 5:/140 461،الإستبصار 2:/235 818،الوسائل 13:430 أبواب الطواف ب 74 ح 10.
3- الحدائق 16:145.
4- الكافي 4:/426 4،التهذيب 5:/139 460،الإستبصار 2:/235 817،الوسائل 13:429 أبواب الطواف ب 74 ح 9؛ بتفاوت يسير.

و لأجلها رخّص فيه.

و لو تعذّر الرجوع أو شقّ صلّاهما حيث ذكر و لو خارج المسجد أو الحرم و تمكّن من الرجوع إليهما،على الأشهر الأقوى،بل كاد أن يكون إجماعاً.

خلافاً للدروس فقال:رجع إلى المقام،فإن تعذّر فحيث شاء من الحرم،فإن تعذّر فحيث أمكن من البقاع (1).

و هو أحوط،و أحوط منه الرجوع إلى المسجد إن أمكن و لم يمكن إلى المقام و إن كان في تعيّنه نظر؛ لإطلاق الأخبار بالصلاة موضع الذكر، بحيث يشمل خارج الحرم و المسجد و لو مع التمكن منهما،و صورة المشقة من غير تعذر في العود إلى المقام،بل ظهور الصحيحة المتقدمة أو صراحتها فيها،و صراحة الرواية المتقدمة بعدها قطعاً،مضافاً إلى انتفاء العسر و الحرج و اعتبار الوسع في التكليف.

و لا معارض لها يوجب الرجوع إلى الحرم أو المسجد مع الإمكان و يقيّد المشقة بالتعذر.

و للتحرير فجوّز الاستنابة فيهما إن خرج و شقّ عليه الرجوع (2).

و كذا عن التذكرة إن صلّاهما في غير المقام ناسياً ثم لم يتمكن من الرجوع (3).

قيل:لجواز الاستنابة تبعاً للطواف،فكذا وحدها؛ و للصحيح فيمن نسيهما حتى ارتحل من مكة،قال:« إن كان مضى قليلاً فليرجع فليصلّهما،

ص:27


1- الدروس 1:396.
2- التحرير 1:98.
3- التذكرة 1:362.

أو يأمر بعض الناس فليصلّهما عنه» (1).

و الصحيح:« من نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة،فعليه أن يقضي أو يقضي عنه وليّه أو رجل من المسلمين» (2).

و الخبر:عمّن نسي أن يصلّي الركعتين،قال:« يصلّى عنه» (3).

و المرسل:عن الرجل ينسى ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج، قال:« يوكّل» (4)انتهى (5).

و في هذه الأدلة أجمع نظر؛ لأن الأول قياس فاسد.

و الصحيح الأول مخالف للإجماع؛ لدلالته على جواز الاستنابة مع التمكّن من الرجوع،و لم نر [أر] قائلاً به.

و الصحيح الثاني يحتمل التقييد بما إذا مات فإن الحكم فيه ذلك كما يأتي.

و الخبر الأول يحتمل التقييد به أيضاً،مضافاً إلى ما في سنده.

نعم الرواية الأخيرة صريحة في ذلك،إلّا أنّ ضعف سندها من وجوه و قصورها عن المقاومة للأخبار الآمرة للناسي بفعله لهما بنفسه يمنع عن العمل بها.

قيل:و ظاهر المبسوط الاستنابة إذا خرج مع تعمّد الترك (6).و لم نقف على مستنده،مع أنه غير مرتبط بما نحن فيه.

و لم يتعرّض المصنف لحكم الجاهل و العامد.

ص:28


1- الفقيه 2:/254 1227،الوسائل 13:427 أبواب الطواف ب 74 ح 1.
2- التهذيب 5:/143 473،الوسائل 13:431 أبواب الطواف ب 74 ح 13.
3- التهذيب 5:/471 1652،الوسائل 13:428 أبواب الطواف ب 74 ح 4.
4- التهذيب 5:/140 463،الإستبصار 2:/234 813،الوسائل 13:431 أبواب الطواف ب 74 ح 14.
5- كشف اللثام 1:339.
6- كشف اللثام 1:339.

أمّا الجاهل فالظاهر أنه بحكم الناسي،وفاقاً لجماعة (1)؛ للصحيح:

« إنّ الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم بمنزلة الناسي» (2).

و أمّا العامد فقيل:إنّ مقتضى الأصل وجوب العود مع الإمكان،و إنما الكلام في الاكتفاء بصلاتهما حيث أمكن مع التعذر،أو بقائهما إلى أن يحصل التمكن من الإتيان بهما في محلّهما،و كذا الإشكال في صحة الأفعال المتأخرة عنهما،من صدق الإتيان بها،و من عدم وقوعها على الوجه المأمور به (3).انتهى.و هو جيّد.

و لو مات الناسي لهما و لم يصلّهما قضاهما عنه الوليّ كما في كلام جماعة (4)،من غير خلاف فيه بينهم أجده؛ للعموم،و للصحيحة المتقدمة قريباً،و هي و إن كانت عامة لصورتي الموت و الحياة لكن الثانية خرجت بما عرفته من الأدلة،و« أو» فيها ليست ناصّة في التخيير،فيحتمل غيره،و هو تعيّن الوليّ مع وجوده،و جواز غيره له مطلقاً،أو مع عدمه.

و إن فاتتاه مع الطواف فهل الولي قضاء الجميع بنفسه أو بالاستنابة؟ الأقوى الوجوب،أما الصلاة فلما (5)مرّ.

و أما الطواف فللصحيح:فيمن نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال:« لا يحلّ له النساء حتى يزور البيت» و قال:« يأمر من يقضي عنه إن

ص:29


1- منهم:السبزواري في الذخيرة:630،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:373،و صاحب الحدائق 16:146.
2- الفقيه 2:/254 1230،الوسائل 13:428 أبواب الطواف ب 74 ح 3.
3- المدارك 8:136.
4- منهم:السبزواري في الذخيرة:630،و الفاضل الهندي كشف اللثام 1:339،و صاحب الحدائق 16:147.
5- في« ك» و« ح»:فلبعض ما مرّ.

لم يحجّ،فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره» (1).

و هو إن كان مخصوصاً بطواف النساء لكن يشمل طواف العمرة و الزيارة بطريق أولى.

و القِران بين الطوافين فصاعداً بأن لا يصلّي ركعتي كلّ طواف بعده بل تأتي بهن أجمع ثم بصلاتهن كذلك حرام عند الأكثر على الظاهر،المصرّح به في المنتهى (2).

و مبطل أيضاً.

كلّ ذلك على الأشهر على ما هنا و في التنقيح (3).

و فيه:إن لم يكن إجماع نظر؛ فإنّا لم نقف على نصّ و لا فتوًى يتضمّن الحكم بالإبطال،و إنما غايتهما النهي عن القران.

ففي الصحيح:عن الرجل يطوف الأسابيع جميعاً فيقرن،فقال:« لا، إلّا أُسبوع و ركعتان،و إنما قرن أبو الحسن(عليه السّلام)لأنه كان يطوف مع محمّد بن إبراهيم لحال التقيّة» (4).

و في (5)آخر مروي في السرائر عن كتاب حريز:« لا قِران بين أُسبوعين في فريضة و نافلة» (6).

ص:30


1- الكافي 4:/513 5،التهذيب 5:/128 422،الإستبصار 2:/228 789،الوسائل 13:407 أبواب الطواف ب 58 ح 6.
2- المنتهى 2:699.
3- التنقيح الرائع 1:502.
4- التهذيب 5:/116 376،الإستبصار 2:/221 761،الوسائل 13:371 أبواب الطواف ب 36 ح 7.
5- في« ح» زيادة:خبر.
6- مستطرفات السرائر:/73 12،الوسائل 13:373 أبواب الطواف ب 36 ح 14.

و في الخبر:عن الرجل يطوف بين أُسبوعين،فقال:« إن شئت رويت لك عن أهل مكة» فقال:قلت له:و اللّه مالي في ذلك حاجة جعلت فداك،و لكن اروِ لي ما أدين اللّه عز و جل به،فقال لي:« لا تقرن بين أُسبوعين،كلّما طفت أُسبوعاً فصلِّ ركعتين،و أما أنا فربما قرنت الثلاثة و الأربعة» فنظرت إليه فقال:« إنّي مع هؤلاء» (1).

و غاية هذه الأخبار الدلالة على تحريم القرآن،و هو لا يستلزم بطلان الطواف الأول إذا كان فريضة،أو بطلانهما معاً كما هو ظاهر العبارة و غيرها؛ لتعلق النهي بخارج العبادة،لعدم صدق القران إلّا بالإتيان بالطواف الثاني،فهو المنهي عنه،لا هما معاً أو الأول كما هو ظاهر القوم.

نعم،لو أُريد بالباطل الطواف الثاني اتّجه؛ لتعلّق النهي بنفس العبادة حينئذ.

و يدلُّ على البطلان حينئذ زيادةً على ذلك الأخبار الدالة على فورية صلاة الطواف و أنها تجب ساعة الفراغ منه لا تؤخَّر (2)،بناءً على ما قررناه في الأُصول من استحالة الأمر بشيئين متضادين في وقت مضيّق و لو لأحدهما.

و بالجملة:ظاهر الأدلة تحريم القرآن في طواف الفريضة،و أما بطلانه فلم نقف له على حجة إلّا أن يكون إجماعاً كما ربما يفهم من التنقيح و غيره (3).

ص:31


1- الكافي 4:/418 2،التهذيب 5:/115 374،الإستبصار 2:/220 759،الوسائل 13:370 أبواب الطواف ب 36 ح 3.
2- انظر الوسائل 13:434 أبواب الطواف ب 76.
3- التنقيح 1:502؛ و انظر التذكرة 1:365.

و مقابل الأشهر قول الحلّي بعدم البطلان و التحريم،بل الكراهة (1)؛ للأصل،و الأخبار الكثيرة الدالة على أنهم(عليهم السّلام)قرنوا (2)،و للصحيح (3)و غيره (4):« إنما يكره أن يجمع الرجل بين أُسبوعين و الطوافين في الفريضة،و أما في النافلة فلا بأس» .و في الجميع نظر؛ لوجوب الخروج عن الأصل بما مرّ،و ضعف دلالة الأخبار أجمع:

أما أخبار الفعل فلعلّ الفعل كان في النافلة،أو الفريضة لحال التقية، فإنّ الجواز مذهب العامة كما في المنتهى و غيره (5)،و صرّح به جملة من الأخبار السابقة.

و أما الخبران الأخيران فلأعمية الكراهة فيهما من الكراهة بالمعنى المصطلح،فلعلّ المراد بها الحرمة،كما ربما يشير إليه المقابلة لها بنفي البأس في النافلة،بناءً على الإجماع على الكراهة فيها،بل جعلها في التنقيح على إرادة الحرمة من لفظ الكراهة أمارة صريحة (6).

و من هنا يتّضح المستند في قوله: و القِران مكروه في طواف النافلة مضافاً إلى الشبهة الناشئة من عموم الأخبار الناهية للنافلة،

ص:32


1- السرائر 1:572.
2- انظر الوسائل 13:369 أبواب الطواف ب 36.
3- الكافي 4:/418 1،الفقيه 2:/251 1207،التهذيب 5:/115 372،الإستبصار 2:/220 757،الوسائل 13:369 أبواب الطواف ب 36 ح 1.
4- الكافي 4:/419 3،التهذيب 5:/115 373،الإستبصار 2:/220 758،الوسائل 13:370 أبواب الطواف ب 36 ح 4.
5- المنتهى 2:700؛ و انظر التذكرة 1:365،و التنقيح الرائع 1:502.
6- التنقيح 1:502.

و خصوص صحيحة حريز المتقدمة،و إن قيل في تضعيف دلالتها على المنع في النافلة احتمال أن يكون المراد أنه لا يجوز أن يقرن طواف النافلة بطواف الفريضة،بل يجب أن يصلّي بركعتين للفريضة ثم يطوف للنافلة؛ لبُعده غايته.

و لو لا نفي الخلاف عن الجواز فيها مع الكراهة الظاهر المصرَّح به في التنقيح (1)،لكان القول بالمنع فيها أيضاً في غاية القوة؛ لما عرفته (2)،مع قصور الخبرين المتقدمين بأنه إنما يكره في الفريضة،و أمّا النافلة فلا بأس عن صَرف الأخبار المانعة بتقييد و شبهه،بقوة احتمال ورودهما للتقية،مع أن ظاهرهما نفي البأس في النافلة بالكلّية،و لا قائل به منّا كما عرفته،فتدبّر.

و اعلم أن تفسير القِران بما قدّمناه من أنه الجمع بين أُسبوعين فصاعداً هو ظاهر النصوص و الفتاوي،و به صرّح في التنقيح أيضاً (3).

و لكن يحتمل تفسيره بما يعمّه و الجمع بين طواف و ما زاد و لو شوطاً أو بعضه،فيكون إشارةً إلى تحريم الزيادة على الطواف مطلقاً.و قد فرضها الأصحاب مسألة أُخرى،و ظاهرهم الاتفاق على الحكم المذكور فيها إلّا نادراً،و أطلقوا الحكم في ذلك فلم يفصّلوا بين صور المسألة و شقوقها، فإن تمّ إجماعاً،و إلّا فالمتّجه التفصيل على ما ذكره بعض أصحابنا،حيث قال بعد ذكر الحكم على إطلاقه مبيّناً لدليله:

أما إذا نوى الزيادة من أول الطواف أو في أثنائه على أن يكون من

ص:33


1- التنقيح الرائع 1:502.
2- من عموم المنع.
3- التنقيح الرائع 1:502.

الطواف فهو ظاهر؛ لأنه نوى ما لم يأمر به الشارع،كما لو نوى صوم يوم و ليلة أو و بعضها،فإن نواها من أوّل الأمر لم يشرع إلّا في طواف غير مشروع بنيّة غير صحيحة،و إن نواها في الأثناء فلم يستدم النية الصحيحة و لا حكمها.

و أما إن لم يكن شيء من ذلك و إنما تجدّد له تعمّد الزيادة بعد الإتمام،فإن تعمّد فعلها لا من هذا الطواف فعدم البطلان ظاهر؛ لأنها حينئذ فعل خارج وقع لغواً أو جزءاً من طواف آخر.

و إنما الكلام إذا تعمّدها حينئذ من هذا الطواف،فظاهر الأكثر البطلان؛ لأنه كزيادة ركعة في الصلاة،كما في الخبز:« الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها،فإذا زدت عليها فعليك الإعادة» (1).

و لخروجه عن الهيئة التي فعلها النبي(صلّى اللّه عليه و آله)مع وجوب التأسّي، و قوله(صلّى اللّه عليه و آله):« خذوا عنّي مناسككم» (2).

و للخبر:عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط،قال:« يعيد حتى يستتمّه» (3).

و في الكل نظر؛ لأن الخبرين إن سلما يحتملان نية الزيادة أول الطواف أو أثناءه.

و الخروج عن الهيئة المأثورة ممنوع،فإنّ ما قبلها كان على الهيئة،

ص:34


1- التهذيب 5:/151 498،الإستبصار 2:/217 747،الوسائل 13:366 أبواب الطواف ب 34 ح 11.
2- عوالي اللآلي 4:/34 118،المستدرك 9:420 أبواب الطواف ب 54 ح 4.
3- الكافي 4:/417 5،التهذيب 5:/111 361،الإستبصار 2:/217 746،الوسائل 13:363 أبواب الطواف ب 34 ح 1.

و الزيادة إنما لحقتها من بعد.

و كذا كونها كزيادة ركعة،بل إنما هي كفعل ركعة بعد الفراغ من الصلاة،و لذا لم يجزم المحقّق بالحرمة فضلاً عن الإبطال.

و قد يؤيّد الصحة مع الأصل إطلاق نحو الصحيح:عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية أشواط،قال:« يضيف إليها ستّاً» (1)و هو كثير،إلّا أنه لا بدّ أن يكون المراد السهو،أو نية الطواف الثاني،أو تعمّد الشوط من طوافه..إلى آخر ما ذكره (2).

و لنعم ما ذكره،و إنما ذكرناه بطوله لحسن مفاده و جودة محصوله.

و إلى ما ذكره يميل جماعة (3)،لكن ما اختاره الأكثر لعلّه أظهر؛ للخبر الذي مرّ،و ضعفه إن كان بعملهم منجبر.مع أنه قريب من الصحيح،لكون الراوي عن موجِب الضعف (4)مَن نُقِل إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه،مع أن الضعف بالاشتراك بين الثقة و غيره (5)،و قيل:أنه الثقة، و لذا وصفه بعض العلماء بالصحة (6).

و كيف كان،فالتأمل في السند لا وجه له،و كذا في الدلالة؛ لإطلاق ما فيها من الزيادة الشاملة لمفروض المسألة.و تقييده بخصوص ما ذكره من غير مقيّد لا وجه له.

ص:35


1- التهذيب 5:/111 362،الإستبصار 2:/218 748،الوسائل 13:365 أبواب الطواف ب 34 ح 8.
2- كشف اللثام 1:335.
3- انظر الذخيرة:636.
4- هو:صفوان بن يحيى عن عبد اللّه بن محمّد.
5- انظر الحدائق 16:204.
6- المختلف:289.

ثم إنّ هذا إذا زاد عمداً.

و لو زاد سهواً أكمل أُسبوعين على الأشهر الأظهر،كما في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (1).

و أكثرها و إن عمّت صورة العمد لكنها مخصَّصة بالسهو؛ لما مرّ، مضافاً إلى الصحيح:« من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن،فليتمّ أربعة عشر شوطاً ثم ليصلّ ركعتين» (2).

و به يقيّد الخبران المتقدّمان قريباً المطلقان للإعادة بالزيادة،بحملهما على العمد أيضاً و إن بعد في أحدهما.

خلافاً للصدوق،فجمد على ما ظاهرهما من الإطلاق (3)،و مال إليه بعض المعاصرين (4)؛ لذلك،و للخبر:قلت:رجل طاف و هو متطوّع ثمان مرات و هو ناسٍ،قال:« فليتمّ طوافين ثم يصلّي أربع ركعات،فأما الفريضة فليعد حتى يتمّ سبعة أشواط» (5).

مضافاً إلى الصحيح المتقدم الآمر بصلاة ركعتين خاصة.

و نحوه بل و أظهر منه آخر:كان علي(عليه السّلام)يقول:« إذا طاف[ثمانية ]فليتمّ أربعة عشر» قلت:يصلّي أربع ركعات؟قال:« يصلّي ركعتين» (6).

ص:36


1- انظر الوسائل 13:364 أبواب الطواف ب 34.
2- التهذيب 5:/112 364،الإستبصار 2:/218 750،الوسائل 13:364 أبواب الطواف ب 34 ح 5.
3- المقنع:85.
4- انظر الحدائق 16:205.
5- الكافي 4:/417 6،التهذيب 5:/114 371،الوسائل 13:364 أبواب الطواف ب 34 ح 2.
6- التهذيب /112 363،الإستبصار 2:/218 749،الوسائل 13:365 أبواب الطواف ب 34 ح 9.و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

قال:و التقريب فيهما أن الأول صار باطلاً باعتبار الزيادة و إن كانت سهواً،و أن الشوط الثامن قد اعتدّ به من الطواف الواجب المأمور به بعد بطلان الأول،و هاتان الركعتان له.

و في الجميع نظر؛ لضعف الخبرين بما مرّ،و الثالث بضعف السند، و شذوذ الصحيحين و عدم قائل بهما في البين،لانحصار القول في المسألة في اثنين،أحدهما:استحباب إكمال أُسبوعين و صلاة أربع ركعات،أشار إليه الماتن بقوله:

و صلّى ركعتي الطواف الواجب منهما قبل السعي و ركعتي الزيادة بعده و دلّ عليه الصحيح:« إنّ علياً(عليه السّلام)طاف طوافه الفريضة ثمانية،فترك سبعة و بنى على واحد و أضاف إليها ستة،ثمّ صلّى ركعتين خلف المقام،ثم خرج إلى الصفا و المروة،فلمّا فرغ من السعي بينهما رجع فصلّى الركعتين اللذين ترك في المقام الأول» (1).

و نحوه كثير من الصحاح و غيرها (2)،لكن من غير بيان للركعات أنها مفصولة أو موصولة.

و ثانيهما:ما عليه الصدوق من بطلان ما فعل و وجوب الإعادة، و مقتضاه وجوب إعادة سبعة أشواط لا ستّة،فيصير المجموع خمسة عشر شوطاً،و هو خلاف نصّ الصحيحين المتقدم إليهما الإشارة من الاكتفاء بأربعة عشر شوطاً،مع أن[ثانيهما (3)]الدالّ على قول الأمير(عليه السّلام):ذلك

ص:37


1- التهذيب 5:/112 3066،الإستبصار 2:/218 752،الوسائل 13:365 أبواب الطواف ب 34 ح 7.
2- انظر الوسائل 13:363 أبواب الطواف ب 34.
3- في النسخ:أولهما.و هو سهو.

معارض بصريح الصحيح الأخير المتضمن لفعله(عليه السّلام)خلافه.و وهنه بعدم إمكان حمله على العمد و لا النسيان لعصمته(عليه السّلام)عنهما،مضعّف في كلام جماعة (1)بإمكان كون فعله(عليه السّلام)تقيةً،فتأمّل.

فطرحهما،أو حملهما على أن يراد بالركعتين صلاتان،أو صلاة ركعتين لكل طواف،أو يراد قبل السعي،متعيّن.

و بالجملة:فالأخبار المتقدمة ما بين ضعيفة سنداً و دلالةً،و شاذّة، و مع ذلك فغير مكافئة لأخبار الأكثر من وجوه عديدة من حيث الصحة و الاستفاضة و الاعتضاد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة،و بغيرها من المعتبرة كالرضوي الذي عليه اعتماد الصدوق و أبيه و كثير:« فإن سهوت فطفت طواف الفريضة ثمانية أشواط، فزد عليها ستة أشواط و صلِّ عند مقام إبراهيم ركعتي الطواف،ثم اسعَ بين الصفا و المروة،ثم تأتي المقام فصلِّ خلفه ركعتي الطواف،و اعلم أن الفريضة هو الطواف الثاني،و الركعتين الأوّلتين لطواف الفريضة،و الركعتين الأخيرتين للطواف الأول،و الطواف الأول تطوّع» (2).

و صريح هذه الرواية و ظاهر بعض الصحاح المتقدمة كون الطواف الثاني الفريضة و الأول الناقلة،كما عن والد الصدوق و الإسكافي (3)،و هو ظاهر العبارة و أخبار المسألة؛ للأمر فيها أجمع بإكمال أُسبوعين،و هو حقيقة في الوجوب،فلا يجوز قطع الطواف الثاني.

ص:38


1- منهم:المحدّثان الحرّ العاملي في الوسائل 13:365،و صاحب الحدائق 16:209.
2- فقه الرضا(عليه السّلام):220،المستدرك 9:399 أبواب الطواف ب 24 ح 2.
3- نقله عنهما في المختلف:289.

خلافاً للفاضل و الشهيدين (1)،فجعلوا الثاني في النافلة و جوّزوا قطعها.

و هو مشكل؛ لما عرفته،مع سلامته عن المعارضة بالكلّية،سوى أصالة بقاء الطواف الأول على كونه فريضة بحسب ما اقتضته النية،و لا قائل بوجوب الطوافين معاً،بل نقل الإجماع على عدمه،و أنه إنما يجب الثاني إن قلنا ببطلان الأوّل (2)،و لم نقل به كما مرّ و الكلام على تقديره،و في بعض الأخبار التصريح بأن أحدهما فريضة و الآخر نافلة (3).

و فيه مناقشة واضحة؛ لوجوب الخروج عن الأصل بما عرفته.

إلّا أن يجاب بأن الناصّ منه في بلوغها درجة الحجيّة مناقشة، و الصحيح ظهوره ليس بذلك الظهور المعتدّ به حتى يكون حجة يخصَّص بها الأصل،مضافاً إلى قوة احتمال عدم كونه من أخبار المسألة كما أشار إليه بعض الأفاضل،فقال في تضعيف الاستناد إليه بعده:لكن لمّا امتنع السهو عليه لم يطف ثمانية إلّا لعدوله في الأول عن نية فرضه لموجب له، فليس من المسألة (4).

و الأخبار الآمرة و إن كانت ظاهرة في ذلك إلّا أنه ربما يفهم منها من جهة أُخرى كون الثاني هو النافلة،و لذا أن الصدوق في الفقيه بعد نقل بعضها قال:و في خبر آخر أن الفريضة هي الطواف الثاني،ثم ساق متن الرضوي إلى آخر،و لعلّه هو المراد بالرواية المشار إليها في كلامه.

ص:39


1- العلامة في المنتهى 2:700،الشهيد الأول في الدروس 1:407،الشهيد الثاني في المسالك 1:122.
2- كما في كشف اللثام 1:335.
3- الفقيه 2:/248 1193،الوسائل 13:367 أبواب الطواف ب 34 ح 15.
4- كشف اللثام 1:335.

و هو كالصريح فيما ذكرنا من فهمه من الأخبار الآمرة بالإكمال أُسبوعين ما ذكرناه،من أن الثاني هي النافلة،و كذلك الأصحاب،و إلّا فلم نجد لما ذكروه حجة سوى الأصل المخصَّص بما مرّ.

و الجمع بينه و بين الأمر بالإكمال و إن أمكن بحمله على الاستحباب إلّا أن الجمع بينهما بالتخصيص أرجح كما في الأُصول قد تقرّر.

و كيف كان،فالأحوط ما عليه الإسكافي،بل لا يبعد أن يكون أظهر.

ثم إنّ إطلاق العبارة بالإكمال أُسبوعين يقتضي عدم الفرق فيه بين إكمال الشوط الثامن ببلوغ الركن و عدمه.و هو ظاهر بعض الصحاح المتقدمة المتضمنة لقوله:« فوهم حتى يدخل في الثامن فليتمّ أربعة عشر شوطاً» حيث جعل المناط في الأمر بالإتمام أربعة عشر شوطاً الدخول في الثامن،و لا ريب في صدقه بالزيادة و لو مع عدم بلوغ الركن.

خلافاً للأكثر،ففصّلوا بين البلوغ فيتمّ،و عدمه فيلغي الزائد؛ لصريح الخبر:« إن ذكر قبل أن يبلغ الركن فليقطعه و قد أجزأ عنه،و إن لم يذكر حتى يبلغه فليتمّ أربعة عشر شوطاً و ليصلِّ أربع ركعات» (1).

و لعلّه أظهر و إن ضعف السند؛ لانجباره بعمل الأكثر،فيترجّح على الصحيح،لعدم صراحته،و احتماله الحمل على أن المراد بالدخول في الثامن إتمامه،كما هو ظاهر مورد الأخبار الباقية،و لذا أنّ الشيخ بعد نقلهما قال:إنّ هذا الخبر و أشار به إلى الصحيح مجمل،و رواية أبي كهمش و أشار به إلى الخبر مفصّلة،و الحكم بالمفصّل أولى منه بالمجمل (2).

ص:40


1- الكافي 4:/418 10،التهذيب 5:/113 367،الإستبصار 2:/219 753،الوسائل 13:364 أبواب الطواف ب 34 ح 3.
2- الاستبصار 2:219.

و ارتضاه بعض من تأخّر عنه،إلّا أنه ردّه باشتراط التكافؤ المفقود في محلّ البحث؛ لضعف سند الخبر (1).و فيه ما مرّ.

ثم إنّ صريح العبارة وجوب إيقاع ركعتين قبل السعي للفريضة، و الأُخريين بعده للنافلة،و عزي إلى الأكثر (2)،و به نصّ الرضوي المتقدم، و الصحيح المروي في السرائر عن نوادر البزنطي،و فيه:عن الركعات كيف يصلّيهن،أ يجمعهن أو ماذا؟قال:« يصلّي ركعتين للفريضة،ثم يخرج إلى الصفا و المروة،فإذا رجع من طوافه بينهما رجع يصلّي ركعتين للأُسبوع الآخر» (3).

و نحوه بعض الصحاح المتقدمة و غيره (4)،لكن ليس فيهما سوى الأمر بالتفريق بين الركعات كما مرّ،و لم يتعرض فيهما لكون الأُوليين قبل السعي للفريضة و الأُخريين بعده للنافلة.

خلافاً لبضع المتأخرين،فجعل ذلك على سبيل الأفضلية و جّوز تقديم الأربع كملاً قبل السعي؛ لإطلاق الأمر بالأربع في الصحيح و غيره (5).

و فيه نظر؛ لوجوب حمل المطلق على المقيّد،و هو أولى من حمل أمر المفصّل على الاستحباب،لرجحان التخصيص على المجاز كما مرّ في باب.

و يعيد من طاف في ثوب نجس أو على بدنه نجاسة مع العلم بها حينه،إجماعاً من القائلين باشتراط الطهارة منها في الطواف؛ للنهي المفسد للعبادة.

ص:41


1- المدارك 8:170.
2- التذكرة 1:362.
3- مستطرفات السرائر:/32 38،الوسائل 13:367 أبواب الطواف ب 34 ح 16.
4- راجع ص:3134؛ و انظر الوسائل 13:363 أبواب الطواف ب 34.
5- المدارك 8:171،المفاتيح 1:370.

و لا فرق فيه بين العالم بالحكم و غيره على الأشهر الأحوط،خلافاً لجمع فألحقوا الثاني بالجاهل بالنجاسة (1).

و لا يعيد لو لم يعلم بها حينه و لا قبله قطعاً؛ فإنّ امتثال الأمر يقتضي الإجزاء،مضافاً إلى ثبوت هذا الحكم في الصلاة على الأشهر الأقوى كما مضى،فكذا هنا إن قلنا بالتسوية بينهما،أو بطريق أولى.

و فيما لو علم بها قبله و نسيها حينه إشكال،من خبر التسوية (2)،و من الأصل و الشك في عموم التسوية و شمولها لهذا الحكم.

و لا ريب أن الإعادة أحوط و أولى إن لم نقل بكونه أقوى.

خلافاً للفاضل و غيره (3)،فلم يوجبوها كالجاهل؛ و لعلّه لما مرّ، و لإطلاق المرسل كالصحيح:رجل في ثوبه دم ممّا لا تجوز الصلاة في مثله، فطاف في ثوبه،فقال:« أجزأه الطواف ثم ينزعه و يصلّي في ثوب طاهر» (4).

و هو و إن شمل العامد لكنه خرج بالدليل،فيبقى الباقي و منه الجاهل و الناسي.و لا بأس به لولا قصور السند و عدم صحته.

و لو علم بها في أثناء الطواف أزاله أي نزعه أو غسله و أتمّ الباقي؛ لأن امتصال الأمر يقتضي الإجزاء؛ و للخبرين (5).

و إطلاقهما كالعبارة و غيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق بين

ص:42


1- المدارك 8:145،و الذخيرة:637.
2- هو قوله صلّى اللّه عليه و آله:الطواف بالبيت صلاة انظر سنن البيهقي:87،الجامع الصغير 2:/143 5346،مستدرك الحاكم 2:267.
3- العلامة في المنتهى 2:701،السبزواري في الذخيرة:637.
4- التهذيب 5:/126 416،الوسائل 13:399 أبواب الطوفان ب 52 ح 3.
5- الأول:الفقيه 2:/246 1183،الوسائل 13:399 أبواب الطواف ب 53 ح 1.الثاني:التهذيب 5:/126 415،الوسائل 13:399 أبواب الطواف ب 52 ح 2.

ما لو توقّف الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف و عدمه،و لا بين أن يقع العلم بعد تجاوز النصف أو قبله،و هو نصّ القريب من الصحيح،و فيه:

ابتدأت في طواف الفريضة،فطفت شوطاً،فإذاً إنسان أصاب أنفي فأدماه، فخرجت فغسلته،ثم جئت فابتدأت الطواف،فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه(عليه السّلام)، فقال:« بئس ما صنعت،كان ينبغي لك أن تبنى على ما طفت،أما إنه ليس عليك شيء» (1).

خلافاً للشهيدين،فجزما بوجوب الاستئناف إن توقف الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف و لمّا يكمل أربعة أشواط (2).

قيل:نظراً إلى ثبوت ذلك مع الحدث في أثناء الطواف،و الحكم في المسألتين واحد (3).و فيه نظر.

و الأجود الاستدلال لهما بعموم ما دلّ على أن قطع الطواف قبل التجاوز يوجب الاستئناف كما يأتي،و لا معارض له صريحاً سوى الخبر الأخير،و هو قاصر سنداً يشكل تخصيصه به،و كذا الخبران الأولان،مضافاً إلى عدم صراحتهما و احتمالهما التقييد بصورة التجاوز،كما يمكن تقييد ذلك العموم بغير موردهما.

و بالجملة:فإن التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه يمكن تقييد كلّ منهما بالآخر،و الأقوى تقييد هذين بذلك،لقصور السند.

لكن يمكن جبر القصور بعد الجبر بعمل المشهور بالموافقة للأصل؛ فإنّ الأصل بقاء صحة ما فعل و عدم وجوب الاستئناف،مع تأملٍ ما في ذلك

ص:43


1- الفقيه 2:/247 1188،الوسائل 13:379 أبواب الطواف ب 41 ح 2.
2- الدروس 1:405،المسالك 1:122.
3- المدارك 8:146.

العموم و إنما غايته الإطلاق الغير المتبادر منه محل النزاع،و لعلّ هذا أظهر، سيّما مع اعتضاده بصريح ما مرّ من الخبر المعتبر،فتدبّر.

و يصلّي ركعتيه أي الطواف بقول مطلق كما هنا و في السرائر (1)حيث لم يقيداه بالواجب،أو الواجب منه خاصة كما هو الأشهر في كل وقت حتى الأوقات الخمسة التي تكره فيها ابتداء النافلة ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (2).

و الصحاح المعارضة لها بالمنع (3)محمولة إمّا على التقية،كما صرّح به شيخ الطائفة،قال:لأنه مذهب العامة (4).

أقول:و لكن في الموثق كالصحيح:« ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن و الحسين(عليهم السّلام)إلّا الصلاة بعد العصر و بعد الغداة في طواف الفريضة» (5)و ظاهره موافقة العامة لنا في هذه المسألة اقتداءً منهم بهما(عليهم السّلام) .لكن يمكن الجواب بالفرق بين فعلهم و فعلنا؛ فإنّ فعلنا لم يظهر كونه لأجل اختصاص الجواز بركعتي الطواف،بل يحتمل كونه للجواز على الإطلاق كما هو مذهبنا،فإذا رأت العامة نفعلهما فربما توهّمت بنا الجواز مطلقاً فآذتنا،و لا كذلك لو فعلتهما بعد ظهور مذهبهم في المنع مطلقاً.

و ربما يشير إلى ما ذكرنا الصحيح:عن صلاة[طواف]التطوع بعد العصر،فقال:« لا» فذكرت له قول بعض آبائه(عليهم السّلام):« إنّ الناس لم يأخذوا

ص:44


1- السرائر 1:577.
2- الوسائل 13:434 أبواب الطواف ب 76 ح 2،3؛ و ج 4:240 أبواب المواقيت ب 39 ح.1
3- كما في الوسائل 13:435 أبواب الطواف ب 76 ح 7،8.
4- الاستبصار 2:237.
5- الكافي 4:/424 5،التهذيب 5:/142 472،الإستبصار 2:/236 821،الوسائل 13:435 أبواب الطواف ب 76 ح 4.

عن الحسن و الحسين(عليهما السّلام)إلّا الصلاة بعد العصر بمكة» فقال:« نعم و لكن إذا رأيت الناس يقبلون على شيء فاجتنبه» فقلت:إنّ هؤلاء يفعلون، فقال:« لستم مثلهم» (1).

أو على النافلة؛ لكراهة ركعتيها على الأشهر،للخبر:عن الطواف بعد العصر،فقال:« طف طوافاً و صلِّ ركعتين قبل صلاة المغرب عند غروب الشمس،و إن طفت طوافاً آخر فصلِّ الركعتين بعد المغرب» (2).

و لكن ظاهر الصحيحة المتقدمة عدم الكراهة فيها و إن نهى عنها؛ لظهور سياقها في أنه كان اتّقاءً؛ و لعلّه لها أطلق الطواف الماتن هنا و السرائر.

هذا،مع أن في النفس من كراهية ابتدائية النوافل في هذه الأوقات مطلقاً شيء،قدّمنا وجهه في كتاب الصلاة،من أراده راجع هناك.

و احترز بقوله:ما لم يتضيّق وقت فريضة حاضرة،عمّا لو تضيّق وقتها فإنه يجب تقديمها قطعاً.

و عليه يحمل الصحيح:عن الذي يطوف بعد الغداة و بعد العصر و هو في وقت الصلاة،أ يصلّي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة؟قال:

« لا» (3)فيقيّد وقت الصلاة منه بالضيق منه.

و ربما يفهم من الشيخ في الاستبصار العمل به إطلاقه حيث قال بعد

ص:45


1- التهذيب 5:/142 470،الإستبصار 2:/237 825،الوسائل 13:436 أبواب الطواف ب 76 ح 10.
2- التهذيب 5:/142 471،الإستبصار 2:/237 826،الوسائل 13:437 أبواب الطواف ب 76 ح 11.
3- التهذيب 5:/142 471،الإستبصار 2:/237 826،الوسائل 13:437 أبواب الطواف ب 76 ح 11.

نقله:فالوجه في هذا الخبر ما تضمنه من أنه كان في وقت صلاة فريضة فلم يجز له أن يصلّي ركعتي الطواف إلّا بعد أن يفرغ من الفريضة الحاضرة.

و هو مشكل،و الأصل يقتضي التخيير بينهما كما صرّح به الفاضل في بعض كتبه (1)؛ لأنهما واجبان موسّعان فلا وجه لترجيح أحدهما على الآخر.

هذا إن قلنا بسعة وقت صلاة طواف الفريضة.

و إن قلنا بفوريتها كما يظهر من جملة من المعتبرة (2)فتقديمها حينئذ يكون واجباً،و الصحيح المتقدم غير صريح في الإطلاق فيحتمل التقييد بما ذكرنا عملاً بالأصل،مضافاً إلى احتماله الحمل على التقية،لما قدّمنا.

و لو نقص من طوافه شوطاً أو أقلّ أو أزيد أتمه إن كان في المطاف مطلقاً ما لم يفعل المنافي،و منه طول الفصل المنافي للموالاة إن أوجبناها كما هو ظاهر الأصحاب.

و إن انصرف و كان طوافه طواف فريضة و قد تجاوز النصف بأن طاف أربعة أشواط رجع ف أتمّ ما أمكن.

و لو لم يمكنه كأن رجع إلى أهله استناب في الإتمام.

و لو كان ما طافه دون ذلك أي قبل إتمام الرابع استأنف إن أمكنه،و إلّا استناب.

على الأظهر الأشهر،بل لا يكاد فيه خلاف يظهر إلّا من جمع ممن تأخّر (3)،حيث قالوا:لم نظفر بمتمسَّك لهذا التفصيل،و إن ما وقفنا عليه

ص:46


1- كالتحرير 1:98،و المنتهى 2:692.
2- انظر الوسائل 13:434 أبواب الطواف ب 76.
3- منهم:صاحب المدارك 8:148،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:336،و صاحب الحدائق 16:214.

من الاخبار لا تساعده:

ففي الصحيح:رحل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر، قال:« يعيد ذلك الشوط» و فيه:عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط،فقال(عليه السّلام):« يطوف شوطا» و فيه:فان فاته ذلك حتى اتى أهله،قال:« يأمر من يطوف عنه» .و على مورده اقتصر جماعة كالشيخ في التهذيب و النهاية،و الفاضل في التحرير و التذكرة (1).

أقول و باللّه سبحانه التوفيق-:و لعلّ الدليل على هذا التفصيل بعده:

مفهوم التعليل في بضع الأخبار المتقدمة في بحث أن الحائض و النفساء إذا منعهما عذرهما عن إتمام العمرة تعدلان إلى الافراد أو القِران.

ففيه:عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت،قال:

« تتمّ طوافها فليس عليها غيره و متعتها تامة،فلها أن تطوف بين الصفا و المروة، و ذلك لأنها زادت على النصف و قد مضت متعتها،و لتستأنف بعدُ الحج» (2).

و هو صريح في أن علة الحكم بالإتمام بعد تجاوز النصف و طواف أربعة أشواط إنما هو التجاوز،و أن من تجاوزه فقد تمّ طوافه.

و قريب منه آخر وارد في المريض بهذا التفصيل،و فيه:رجل طاف طواف الفريضة ثم اعتلّ علّة لا يقدر معها على إتمام الطواف،قال:« إن كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تمّ طوافه،و إن كان

ص:47


1- منهم:صاحب المدارك 8:148،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:336،و صاحب الحدائق 16:214.
2- الفقيه 2:/241 1155،الوسائل 13:455 أبواب الطواف ب 85 ح 4.

طاف ثلاثة أشواط و لا يقدر على الطواف فلا بأس أن يؤخّر الطواف يوماً أو يومين،فإن خلته العلّة عاد فطاف أُسبوعاً» (1).

و ذلك فإنّ قوله:« فقد تمّ طوافه» في قوة التعليل للحكم بالإتمام، و هو جارٍ في المقام.

و خصوصية المورد لا تقدح في عموم التعليل على الأقوى كما حقّق في الأُصول مستقصى،و ضعف الأسانيد منجبر بالفتوى.

و لا دليل أبين من هذا سيّما مع اعتضاده بتتبع الموارد الأُخر الثابت فيها ذلك التفصيل بالنصّ و الفتوى،و من جملتها ما أشار إليه بقوله:

و كذا الحكم في من قطع طواف (2)الفريضة لحدث،أو لحاجة له أو لغيره،أو لمرض.

أما الأخير فللنصّ المتقدم المنجبر ضعف سنده بالعمل و الموافقة للرضوي،و فيه بعد ذكر الحائض في أثناء الطواف و أنها تبنى بعد تجاوز النصف لا قبله:

« و كذلك الرجل إذا أصابته علّة و هو في الطواف لا يقدر على إتمامه أعاد بعد ذلك طوافه ما لم يجز نصفه،فإن جاز نصفه فعليه أن يبني على ما طاف» (3).

و على ما فصّل فيهما يحمل إطلاق الصحيح بالإعادة بعروض المرض في الأثناء (4)،بحمله على ما إذا لم يتجاوز النصف؛ فإنّ المطلق يحمل على المقيّد بعد التكافؤ المشترط الموجود هنا و لو مع ضعف سند المفصّل،بناءً على

ص:48


1- الكافي 4:/414 5،التهذيب 5:/12 407،الإستبصار 2:/226 783،الوسائل 13:386 أبواب الطواف ب 45 ح 2.
2- في المختصر المطبوع:الطواف.
3- فقه الرضا(عليه السّلام):231،المستدرك 9:405 أبواب الطواف ب 31 ح 2.
4- الكافي 4:/414 4،الوسائل 13:386 أبواب الطواف ب 45 ح 1.

ما مضى من انجباره بالفتوى،مضافاً إلى موافقته لما فهم من العلّة التي قدّمناها.

و أمّا الأول فللمرسل كالصحيح على الصحيح:في الرجل يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه،قال:« يخرج فيتوضأ،فإن كان جاز النصف بنى على طوافه،و إن كان أقلّ من النصف أعاد الطواف» (1).

و لا معارض لهذا الخبر،مع اعتباره في نفسه،و اعتضاده بالفتوى و بمفهوم التعليل الذي قدّمناه،مضافاً إلى الأخبار الواردة في الحائض و النفساء إذا منعهما عذرهما في الأثناء.

و أمّا الثاني فللجمع بين النصوص الواردة فيه المتعارضة أكثرها تعارض العموم و الخصوص المطلق،لدلالة جملة منها معتبرة متضمّنة للصحيح و غيره على البناء مطلقاً (2)،و جملة اخرى منها كذلك على أنه يبني على الشوط و الشوطين في النافلة و لا يبني في طواف الفريضة (3)،باستثناء هذه عن تلك،و يلحق ما زاد على الشوطين فصاعداً إلى ما لا يتجاوز النصف بهما،لعدم قائل بالفرق بينهما أصلاً.

و أمّا ما في المرسل كالصحيح المروي في الفقيه من جواز البناء على الأقلّ من النصف (4)،فلا يبلغ قوّة المعارضة للأخبار المصرّحة بالإعادة من وجوه عديدة،مضافاً إلى شذوذه و كونه مرويّاً في التهذيب بنحو يوافق تلك الأخبار (5)و يضادّ ما في الفقيه،مع أنه ليس فيه تصريح بالفريضة فيحتمل

ص:49


1- الكافي 4:/414 2،التهذيب 5:/118 384،الوسائل 13:378 أبواب الطواف ب 40 ح 1.
2- انظر الوسائل 13:380 أبواب الطواف ب 41 ح 6،10.
3- الوسائل 13:380 أبواب الطواف ب 41 ح 5،8.
4- الفقيه 2:/247 1185،الوسائل 13:381 أبواب الطواف ب 41 ذيل الحديث 8.
5- التهذيب 5:/120 394.

النافلة،و الحكم فيها ذلك اتفاقاً و روايةً.

و حيث ثبت هذه الكلّية،من اعتبار التجاوز عن النصف في عدم الإعادة،و عدمه في ثبوتها،ظهر صحّة التفصيل المذكور في العبارة و نحوها،و ما ذكره الأصحاب من ثبوته أيضاً فيمن دخل جوف الكعبة في الأثناء،مع أنه ورد الصحيح بالإعادة مطلقاً (1)؛ إذ ينبغي تقييده بما إذا لم يتجاوز النصف،كما هو مورد كثير من المعتبرة المتضمّنة للصحيح و غيره الواردة بالإعادة في هذه المسألة (2).و الجمع بالعكس بتخصيص الكلّية بهذه الصحيحة و إن أمكن إلّا أن الجمع الأول أشهر فيتعيّن.

ثم إن إطلاق النصّ و الفتوى بالإعادة مع عدم التجاوز عن النصف، و عدمها معه فيما لو نقص يشمل صور وقوعه عمداً أو جهلاً أو نسياناً، و حكي التصريح به عن المفيد و الديلمي (3).

خلافاً لآخرين فقيّدوه بصورة النسيان و أوجبوا الاستئناف مع العمد (4).

قيل:و يؤيّده الأمر بالاستئناف إذا قطعه لدخول البيت من غير تفصيل في الأخبار (5).

و فيه:أن الأخبار الواردة فيه أكثرها مختصة بما إذا طاف ثلاثة أشواط،و الحكم فيه الإعادة مطلقاً عمداً كان أو جهلاً أو نسياناً اتّفاقاً، و المطلق منها ليس إلّا رواية واحدة،و حملها على ما يوافق ذلك التفصيل بتقييده بما إذا لم يتجاوز النصف كما هو مورد تلك ممكن،بل متعيّن و إن

ص:50


1- الفقيه 2:/247 1187،الوسائل 13:378 أبواب الطواف ب 41 ح 1.
2- انظر الوسائل 13:379 أبواب الطواف ب 41 الأحاديث 3،4،9.
3- المفيد في المقنعة:440،الديلمي في المراسم:123.
4- المدارك 8:149،الذخيرة:637.
5- كشف اللثام 1:336.

أمكن العكس لما مرّ.

و هل يجزئ الاستئناف حيث جاز البناء؟يعطيه بعض الأخبار المتقدّمة فيمن طاف و وجد النجاسة في الأثناء (1).لكن ضعف سنده يمنع عن العمل به هنا،و الاحتياط يقتضي ترك الاستئناف.

و حيثما تعيّن عليه البناء هل يبني من موضع القطع،أو من الركن؟ الأحوط الأول؛ حذراً من الزيادة،و للصحيح و غيره (2)حيث أُمر فيهما بالحفظ من موضع القطع.

و احتاط في التحرير و المنتهى (3)بالثاني،مع اعترافه فيهما و في التذكرة (4)كما قيل بدلالة ظاهر الخبر على الأول (5).

نعم ظاهر ما في بعض الصحاح الوارد فيمن اختصر شوطاً من الإعادة من الحجر إلى الحجر هو الثاني (6)،و الجمع بالتخيير لا يخلو عن وجه.

و إذا شك في موضع القطع أخذ بالاحتياط كما في الدروس (7).

و لو قطعه لصلاة فريضة حاضرة جاز مطلقاً و إن لم يتضيّق وقتها بإجماع العلماء،إلّا مالكاً،فإنه قال:يمضي في طوافه و لا يقطعه،إلّا أن يخاف أن يضرّ بوقت الصلاة،كما في المنتهى (8).

ص:51


1- راجع ص 3141.
2- انظر الوسائل 13:399 أبواب الطواف ب 52 ح 1،2.
3- التحرير 1:99،المنتهى 2:697.
4- التذكرة 1:364.
5- كشف اللثام 1:336.
6- الكافي 4:/419 2،الفقيه 2:/249 1198،الوسائل 13:357 أبواب الطواف ب 31 ح 3.
7- الدروس 1:396.
8- المنتهى 2:698.

و إذا قطع ثم صلّى ثم بعد الفراغ منها أتمّ طوافه من حيث قطع مطلقاً و لو كان ما طافه دون الأربعة أشواط،كما في صريح الغنية (1)،و المحكي في الدروس عن الحلبي (2)،و في غيره عن الإصباح و الجامع (3).

و هو ظاهر الشيخ في النهاية و الحلّي في السرائر (4)،و المحكي عن المهذّب و الفاضل في التحرير و المنتهى و التذكرة (5)،و فيهما إجماع أهل العلم، و غيرهم (6)،حيث أطلقوا البناء و تركوا التفصيل هنا مع ذكرهم له في المسائل المتقدّمة.

و لعلّه لإطلاق الصحيح:رجل كان في طواف الفريضة فأدركته صلاة فريضة،قال:« يقطع الطواف و يصلّي الفريضة،ثم يعود فيتمّ ما بقي عليه من طوافه» (7)و نحوه غيره (8).

و لا بأس به و إن أمكن تقييد إطلاق الخبرين بمفهوم التعليل المتقدم، و ذلك لإمكان العكس،فيقيّد المفهوم بإطلاق منطوق الصحيح،لرجحانه هنا على الأوّل بالشهرة و حكاية الإجماع.

ص:52


1- الغنية(الجوامع الفقهية):579.
2- الدروس 1:/95 3.
3- انظر كشف اللثام 1:337.
4- النهاية:239،السرائر 1:573.
5- المهذب 1:232،التحرير 1:99،المنتهى 2:698،التذكرة 1:364.
6- انظر المدارك 8:152.
7- الكافي 4:/415 1،التهذيب 5:/121 395،الوسائل 13:384 أبواب الطواف ب 43 ح 1.
8- الكافي 4:/415 3،الفقيه 3:/247 1184،التهذيب 5:/121 396،الوسائل 13:/13 384 أبواب الطواف ب 43 ح 2.

خلافاً للشهيدين في الدروس و اللمعتين (1)،فاختارا الجمع الأوّل، و زاد أوّلهما فادّعى نُدور ما في المتن،مع أنك قد عرفت شهرته و دعوى الإجماع عليه فيما مرّ،و هو عجيب و لا سيّما من مثله.

و أعجب منه دعواه إضافة الماتن خاصة الوتر بقوله: و كذا للوتر و أنه نادر،مع أن الشيخ في النهاية و الفاضل في التحرير و المنتهى (2)ألحقوه أيضاً؛ للصحيح:عن الرجل يكون في الطواف قد طاف بعضه و بقي عليه بعضه،فطلع الفجر،فيخرج من الطواف إلى الحجر أو إلى بعض المساجد إذا كان لم يوتر،ثمّ يرجع فيتمّ طوافه،أ فترى ذلك أفضل،أم يتمّ الطواف ثم يوتر و إن أسفر بعض الإسفار؟قال:« ابدأ بالوتر و اقطع الطواف إذا خفت ذلك،ثم أتمّ الطواف بعد» (3).

لكن ظاهر من عدا الماتن اشتراط خوف فوات الوتر،كما هو ظاهر الصحيح أيضاً،و هو أقوى.

خلافاً للماتن فأطلق.و فيه مخالفة للنصّ و الفتوى،و يشبه أن يكون دعوى النُّدور لهذا لا لما مضى.

و للشهيدين فلم يفرقا بين الفريضة و الوتر في جريان التفصيل فيهما (4).

و لو دخل في السعي و قد ذكر أنه لم يطف قطّ استأنف الطواف ثم استأنف السعي لوجوب تقديمه عليه؛ للمعتبرة،منها زيادةً على ما يأتي الصحيح:عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل أن يطوف

ص:53


1- الدروس 1:396،اللمعة(الروضة البهية 2):251.
2- النهاية:239،التحرير 1:99،المنتهى 2:698.
3- الكافي 4:/415 2،الفقيه 2:/247 1186،التهذيب 5:/122 397،الوسائل 13:385 أبواب الطواف ب 44 ح 1.
4- الشهيد الأوّل في الدروس 1:396،الشهيد الثاني في المسالك 1:122.

بالبيت،قال:« يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا و المروة فيطوف بينهما» (1).

و لو ذكر أنه طاف و لم يكن يتمّ الطواف قطع السعي و أتمّ الطواف ثم تمّم السعي للموثّق كالصحيح:رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا و المروة،فبينما هو يطوف إذ ذكر أنه قد ترك من طوافه بالبيت،قال:« يرجع إلى البيت فيتمّ طوافه،ثم يرجع إلى الصفا و المروة فيتمّ ما بقي» قلت:فإنه بدأ بالصفا و المروة قبل أن يبدأ بالبيت،فقال:

« يأتي البيت فيطوف به،ثم يستأنف طوافه بين الصفا و المروة» قلت:فما فرق بين هذين؟قال:« لأن هذا قد دخل في شيء من الطواف،و هذا لم يدخل في شيء منه» (2).

و ظاهره وجوب البناء مطلقاً و لو لم يكن عن النصف متجاوزاً،كما هو ظاهر المتن و الشرائع و النهاية و التهذيب و السرائر و التحرير و المنتهى و التذكرة فيما نقل (3).

خلافاً لصريح الفاضل في القواعد و الشيخ في المبسوط فيما نقل و الشهيدين في اللمعتين (4)،فقيّدوه بصورة التجاوز عن النصف،و أوجبوا مع عدمه الاستئناف،و ربما عزي إلى المشهور (5)،و فيه نظر.

و وجه القولين واضح مما مرّ،إلّا أن ترجيح القول الأوّل لعلّه هنا

ص:54


1- الكافي 4:/421 2،التهذيب 5:/129 426،الوسائل 13:413 أبواب الطواف ب 63 ح 2.
2- الكافي 4:/421 1،الفقيه 2:/252 1217،التهذيب 5:/130 328،الوسائل 13:413 أبواب الطواف ب 63 ح 3.
3- نقله الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:337.
4- القواعد 1:83،المبسوط 1:358،اللمعة(الروضة البهية 2):252.
5- الحدائق 16:223.

أظهر؛ لكون القائل به على الظاهر أكثر،و كون النصّ لما في ذيله(من تعليل كالنصوص) (1).

و الاستئناف بعد البناء أحوط.

سننه

و سننه أُمور:

الوقوف عند الحجر الأسود كما في الخبر:« إذا دخلت المسجد الحرام فامش حتى تدنو من الحجر الأسود،فتستقبله و تقول:الحمد للّه» الحديث (2).

و الدعاء بعد الحمد و الصلاة رافعاً يديه كما في الصحيح:« إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك و احمد اللّه و أثن عليه و صلِّ على النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،و اسأل اللّه تعالى أن يتقبل منك،ثم استلم الحجر و قبِّله،فإن لم تستطع أن تقبّله فاستلمه بيدك،فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه و قل:اللّهم أمانتي أدّيتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة،اللهم تصديقاً بكتابك و على سنّة نبيك،أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له،و أنّ محمّداً عبده و رسوله،آمنت باللّه و كفرت بالجبت و الطاغوت و باللات و العزّى و عبادة الشيطان و عبادة كلّ ندّ يُدعى من دون اللّه،فإن لم تستطع أن تقول هذا كلّه فبعضه،و قل:اللهم إليك بسطت يدي،و فيما عندك عظمت رغبتي،فاقبل سحتي (3)،و اغفر لي و ارحمني،اللهم إني أعوذ بك من الكفر[و الفقر]و مواقف الخزي في الدنيا و الآخرة» (4).

ص:55


1- بدل ما بين القوسين في« ح» و« ك»:كالنصّ من التعليل.
2- الكافي 4:/403 2،التهذيب 5:/102 330،الوسائل 13:314 أبواب الطواف ب 12 ح 3.
3- في الكافي:سيحتي.
4- الكافي 4:/402 1،التهذيب 5:/101 329،الوسائل 13:313 أبواب الطواف ب 12 ح 1 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

و في الخبر السابق بعد ما مرّ:« الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه،سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر من خلقه،و أكبر مما أخشى و أحذر،و لا إله اللّه وحده لا شريك له،له الملك و له الحمد،يحيي و يميت،و يميت و يحيي،بيده الخير،و هو علي كلّ شيء قدير؛ و تصلّي على النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)و تسلّم على المرسلين كما فعلت حين دخلت المسجد» .قيل:و زاد الحلبيّان بعد شهادة الرسالة:و أن الأئمة من ذريّة و يسمّيهم حججه في أرضه و شهداؤه على عباده صلّى اللّه عليه و عليهم (1).و لا بأس به.

و استلامه قبل الطواف كما في الصحيح المتقدم و غيره.

و فيه،كما في الخبر:« كنت أطوف مع أبي و كان إذا انتهى إلى الحَجَر مسحه بيده و قبّله» (2).

و ظاهر الحسن أو الصحيح:« كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يستلمه في كل طواف فريضة و نافلة» (3).

و أخبار مطلقه كثيرة جدّاً (4).

قيل:بل في كلّ شوط كما في الاقتصاد و الجمل و العقود و الوسيلة و المهذّب و الغنية و الجامع و المنتهى و التذكرة و في الفقيه و الهداية يحتملان الوجوب و ذلك لثبوت أصل الرجحان بلا مخصّص.

قال الصدوق في الكتابين:إن لم تقدر فافتح به و اختم به.

ص:56


1- نقله عنهما في كشف اللثام 1:340.
2- الكافي 4:/408 10،الوسائل 13:338 أبواب الطواف ب 22 ح 3.
3- الكافي 4:/404 2،الوسائل 13:316 أبواب ب 13 ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- انظر الوسائل 13:316 أبواب الطواف ب 13.

قلت:يوافقه الخبر:« كنّا نقول:لا بُدّ أن يستفتح بالحجر و يختم به، و أمّا اليوم فقد كثر الناس» (1).

و ما في قرب الإسناد للحميري من خبر سعدان بن مسلم قال:رأيت أبا الحسن موسى(عليه السّلام)استلم الحجر،ثم طاف حتى إذا كان أُسبوع التزم وسط البيت و ترك الملتزم الذي يلتزمه أصحابنا،و بسط يده على الكعبة ثم مكث ما شاء اللّه،ثم مضى إلى الحجر فاستمله و صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم(عليه السّلام)ثم استلم الحجر فطاف حتى إذا كان في آخر السبوع استلم وسط البيت،ثم استلم الحجر،ثم صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم(عليه السّلام)، ثم عاد إلى الحجر و استلمه،ثم مضى حتى إذا بلغ الملتزم في آخر السبوع التزم وسط البيت و بسط يده،ثم استلم الحجر،ثم صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم(عليه السّلام)،ثم عاد إلى الحجر و استلم ما بين الحجر إلى الباب (2).

و استلام الحجر كما في العين و غيره:تناوله باليد أو القبلة.

قال الجوهري:و لا يهمز،لأنه مأخوذ من السلام و هو الحجر،كما تقول:استنوق الجمل،و بعضهم يهمزه.

و قال الزمخشري:و نظيره:استهم القوم إذا جالوا السهام،و اهتجم الحالب إذا حلب في الهجم،و هو القدح الضخم.

قلت:و أقرب من ذلك:اكتحلت و ادّهنت إذا تناول الكحل و الدهن و أصاب منهما.

و كأنّ التمسح بالوجه و الصدر و البطن و غيرها أيضاً استلام،كما يعطيه كلام الفاضل في القواعد.

ص:57


1- الكافي 4:/404 1،الوسائل 13:324 أبواب الطواف ب 16 ح 1.
2- قرب الإسناد /316 1226،الوسائل 13:348 أبواب الطواف ب 26 ح 10.

و في الخلاص إنه التقبيل.

و قال ابن سيدة:استلم الحجر و استلامه قبّله أو اعتنقه،و ليس أصله الهمزة.

و قال ابن السكيت:همزته العرب على غير قياس لأنه من السلام و هي الحجارة.

و في السرائر و التحرير و التذكرة و المنتهى عن تغلب:أنه بالهمزة من اللأمة أي الدرع،بمعنى اتخاذه جُنّة و سلاحاً.

و قال ابن الأعرابي:إن الأصل الهمز و إنه من الملاءمة أي الاجتماع.

و قال الأزهري:أنه افتعال من السلام و هو التحية،و استلامه لمسه باليد تحرّياً لقبول السلام منه تبرّكاً به،قال:و هذا كما يقال:اقترأت منه السلام،قال:و قد أملى عليّ أعرابي كتاباً إلى بعض أهاليه فقال في آخره:

اقترئ مني السلام،قال:و ممّا يدل على صحة هذا القول أن أهل اليمن يسمّون الركن الأسود:المُحيّا،معناه أن الناس يحيّونه بالسلام.انتهى.

و في المنتهى و التذكرة:إنه مأخوذ من السلام يعني إنه يحيّي نفسه عن الحجر،إذ ليس الحجر ممّا يحيّيه،كما يقال اختدم إذا لم يكن له خادم و إنما خدم نفسه.

و في الصحيح:عن استلام الركن،قال:« استلامه أن تلصق بطنك، و المسح أن تمسحه بيدك» (1)و هو يحتمل الهمز من الالتئام المنبئ عن الاعتناق أو التلبس به كالتلبس بالأمة.ثم الركن غير الحجر و إن كان يطلق عليه توسّعاً،و يحتمل ركنه و غيره.

ص:58


1- الكافي 4:/404 1،الوسائل 13:324 أبواب الطواف ب 15 ح 2.

و استحبّ الفاضل في القواعد وفاقاً للمبسوط و الخلاف استلامه ببدنه أجمع؛ لأن أصله مشروع للتبرك و التحبّب إليه،فالتعميم أولى،لكن لما يناسب التعظيم و التبرك و التحبب،و هو المراد بالجميع،أو المراد به الاعتناق و الالتزام فهو تناول له بجميع البدن و تلبس و التئام (1).

و يستحب تقبيله بخصوصه و إن دخل في الاستلام؛ للنصوص بالخصوص (2).

قيل:و لم يذكر الحلبي سواه.و أوجبه سلّار؛ و لعلّه لأن الأخبار بين آمر به أو بالاستلام،و مقيِّد لتركه بالعذر،و آمر للمعذور بالاستلام باليد أو بالإشارة و الإيماء،و لا يعارض ذلك أصل البراءة (3).

أقول: سيّما إذا اعتضد بالمعتبرة الناصّة باستثناء المرأة و أنه ليس عليها استلام (4)؛ فإنها كالصريحة في الوجوب على الرجل.

لكن يضعّفها و سائر ما ورد الأمر فيه بالاستلام كونه أعمّ من التقبيل، و لا قائل بوجوبه،و خلوّها أجمع عن الأمر بالتقبيل ربما كان قرينة على كون الأمر به حيثما ورد للاستحباب،سيّما مع اقترانه في مواضع بكثير من الأوامر التي هي له بإجماع الأصحاب،هذا،مع أن الظاهر انعقاد الإجماع على الاستحباب كما صرّح به في المنتهى (5)،و لا يضرّ خروج الديلمي، لمعروفيّة نسبه،فيكون شاذّاً.

ص:59


1- إلى هنا تمام محكي القول في« قيل:بل في كلّ شوط» المتقدم في ص:3155،و القائل به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:340.
2- انظر الوسائل 13:316 أبواب الطواف ب 13.
3- كشف اللثام 1:340.
4- انظر الوسائل 13:329 أبواب الطواف ب 18.
5- المنتهى 2:693.

و لكن مراعاته أحوط و أولى.

ثم في القواعد:فإن تعذّر يعني الاستلام لجميع البدن فيعضه،أي بما تيسّر منه (1).

قيل:كما في المبسوط و الخلاف،و فيه الإجماع عليه و أن الشافعي لم يجتزئ به (2).

ثم فيه:فإن تعذّر فبيده.

قيل:كما في الصحيح (3)و غيره (4)،و في الفقيه و المقنع و المقنعة و الاقتصاد و الكافي و الجامع و التحرير و التذكرة و المنتهى و الدروس أنه يقبّل يده،و يؤيّده أنه المناسب للتبرك و التعظيم و التحبب،و أنه روي أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله) كان يستلم بالمحجن و قبّل المحجن (5)(6). فإن لم يقدر من الاستلام باليد أشار إلى الحجر بيده قيل:كما نصّ عليه الأصحاب،و الخبر:عن الحجر و مقاتلة الناس عليه،فقال:« إذا كان كذلك فأوم إليه إيماءً بيدك» (7)و في الفقيه و المقنع و الجامع:و يقبّل اليد (8).

ص:60


1- القواعد 1:83.
2- كشف اللثام 1:340.
3- الكافي 4:/402 1،التهذيب 5:/101 329،الوسائل 13:316 أبواب الطواف ب 13 ح 1.
4- الكافي 4:/406 10،التهذيب 5:/103 332،الوسائل 13:323 أبواب الطواف ب 15 ح 1.
5- انظر الوسائل 13:441 أبواب الطواف ب 81.
6- كشف اللثام 1:340.
7- الكافي 4:/405 7،التهذيب 5:/103 336،الوسائل 13:326 أبواب الطواف ب 16 ح 5.
8- كشف اللثام 1:341.

و لو كانت اليد مقطوعة ف ليستلم بموضع القطع كما في الخبر:« انّ علياً(عليه السّلام)سئل:كيف يستلم الأقطع؟يستلم الحجر من حيث القطع،فإن كانت مقطوعة من المرفق استلم الحجر بشماله» (1).

و لو لم يكن له يد أصلاً أشار إليه بوجهه،كما في القواعد (2).

قيل:و نصّ عليه المحقّق،و يشمله إطلاق الأكثر،و الصحيح:« فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه» (3)بل و الصحيح:« إن وجدته خالياً و إلّا فسلّم من بعيد» (4)(5). و أن يقتصد في مشيه بأن لا يسرع و لا يبطئ مطلقاً،وفاقاً للقديمين و الشيخ في النهاية و الحلبي و الحلّي و غيرهم (6).

و بالجملة:الأكثر على الظاهر،المصرَّح به في كلام جمع (7)؛ للنصوص:

منها:عن الطواف أُسرع و أُكثر أو أمشي و أُبطئ؟فقال:« مشي بين المشيين» (8)و قريب منه ما سيأتي.

ص:61


1- الكافي 4:/410 18،التهذيب 5:/106 345،الوسائل 13:343 أبواب الطواف ب 24 ح 1.
2- القواعد 1:83.
3- الكافي 4:/402 1،التهذيب 5:/101 329،الوسائل 13:316 أبواب الطواف ب 13 ح 1.
4- الكافي 4:/405 3،التهذيب 5:/103 333،الوسائل 13:325 أبواب الطواف ب 16 ح 4.
5- كشف اللثام 1:341.
6- نقله عن القديمين في المختلف:288،النهاية:237،الحلبي في الكافي:194،الحلي في السرائر:572؛ و انظر الشرائع 1:269.
7- منهم:صاحب المدارك 8:161،و الحدائق 16:125.
8- الكافي 4:/413 1،التهذيب 5:/109 352،الوسائل 13:352 أبواب الطواف ب 29 ح 4.

خلافاً للشيخ في المبسوط،فقال:يرمل ثلاثاً و يمشي أربعاً في طواف القدوم خاصة (1)(2).و تبعه الفاضل في التحرير و الإرشاد (3).

و لابن حمزة،فاستحب الرَّمَل (4)في الثلاثة الأشواط الاُولى،و المشي في الباقي بين السرع و الإبطاء،و خاصة في طواف الزيارة (5).

و حجتهما غير واضحة،عدا ما في المبسوط من قوله:اقتداءً بالنبي (صلّى اللّه عليه و آله)؛ لأنّه كذلك فعل،رواه جعفر بن محمّد[عن أبيه]عن جابر (6).

و فيه أوّلاً:أن الرواية مرسلة غير مسندة.

و ثانياً:أن الذي يظهر من جملة من الروايات أن فعله(صلّى اللّه عليه و آله)ذلك و كذلك أصحابه كان لمصلحة سَنَحَت لهم يومئذ،و لذا أنهم(عليهم السّلام)بعد

ص:62


1- المبسوط 1:356.
2- قيل:و الظاهر من طواف القدوم هو الذي يفعل أوّل ما يقدم مكّة واجباً أو ندباً،في نسك أولا،كان عقبه سعي أو لا.فلا رمل في طواف النساء و الوداع و طواف الحج إن كان قدم مكة قبل الوقوف،إلّا أن يقدمه عليه،و إلّا فهو القادم الآن،و لا على المكي،خلافاً للمنتهى فاحتمله عليه،و هو ظاهر التذكرة.(منه رحمه اللّه).
3- التحرير 1:198،الإرشاد 1:325.
4- الظاهر في المفصّل:أنه العدو،و في الديوان:أنه ضرب من العدو،و في العين و الصحاح و غيرهما:أنه بين المشي و العدو،و قال الأزهري:يقال:رمل الرجل يرمل رملاناً إذا أسرع في مشيه و هو في ذلك ينزو،و قال النووي في تحريره:الرمل بفتح الراء و الميم:إسراع المشي مع تقارب الخُطى و لا يثب و ثوباً،و نحوه قول الشهيد:هو الإسراع في المشي مع تقارب الخُطى دون الوثوب و العدو و يسمّى الخبب.أقول:قوله:و يسمّى الخبب،الظاهر أنه راجع إلى الوثوب و العدو،فلا يتوهّم رجوعه إلى الرمل،فقد نقل عن المصباح المنير أنه قال:خبّ في الأمر خبباً:أسرع الأخذ فيه،و منه الخبب لضرب من العدو و هو خطو فسيح دون العَنَق.(رحمه اللّه).
5- الوسيلة:172.
6- سنن البيهقي 5:7،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

نقلهم ذلك عنه(صلّى اللّه عليه و آله)أظهروا له المخالفة:

فمنها مروي الصدوق في العلل:عن الطواف أ يرمل فيه الرجل؟ فقال:« إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)لمّا أن قدم مكة و كان بينه و بين المشركين الكتاب الذي قد علمتم أمر الناس أن يتجلّدوا،و قال:أخرجوا أعضادكم، و أخرج رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ثم رمل بالبيت ليريهم أنه لم يصبهم جهد،فمن أجل ذلك يرمل الناس،و إني لأمشي مشياً و كان علي بن الحسين(عليه السّلام) يمشي مشياً» (1).

و نحوه مرويّة الآخر صحيحاً في الكتاب المسطور (2)،غير أنّه لم يتضمّن لنقل فعله و لا فعله علي بن الحسين(عليه السّلام) .و هما صريحان في أن فعله(صلّى اللّه عليه و آله)في خصوص ذلك اليوم كان لإظهار التجلّد و القوة لمشركي قريش،و المفهوم من الخبر الأوّل أن العامّة اتّخذوا ذلك سنّةً على الإطلاق بسبب هذه القضية و أنّهم(عليهم السّلام)كانوا يمشون مشياً، و هو ظاهر في قصر الرمل على ذلك اليوم للغرض المشار إليه،و مع ذلك فلا تخصيص فيه بالثلاثة الأُول.

و يؤكد ذلك و إن دلّ على تخصيص الرمل بالثلاث الأُول ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره،عن أبيه،قال:سئل ابن عباس فقيل له:إنّ قوماً يروون أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أمر بالرمل حول الكعبة،فقال:كذبوا و صدقوا،فقلت:و كيف ذلك؟فقال:إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)دخل مكة في عمرة القضاء و أهلها مشركون فبلغهم أنّ أصحاب محمّد(صلّى اللّه عليه و آله)مجهودون، فقال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):« رحم اللّه امرءاً أراهم من نفسه جلداً» فأمرهم

ص:63


1- علل الشرائع:/412 1،الوسائل 13:351 أبواب الطواف ب 29 ح 2.
2- علل الشرائع:/412 2،الوسائل 13:352 أبواب الطواف ب 29 ح 3.

فحسروا عن أعضادهم و رملوا بالبيت ثلاثة أشواط و رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)على ناقته،و عبد اللّه بن رواحة أخذ بزمامها و المشركون بحيال الميزاب ينظرون إليهم،ثم حجّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بعد ذلك فلم يرمل و لم يأمرهم بذلك، فصدقوا في ذلك و كذبوا في هذا (1).

و عن أبيه،عن جدّه،عن أبيه قال:رأيت علي بن الحسين(عليه السّلام) يمشي و لا يرمل (2).

و ممّا ذكر يظهر أن الرمل مذهب العامة،و به صرّح العماني من قدماء الطائفة (3).

و لا يجب شيء من الطريقين بغير خلاف ظاهر،مصرّح به في بعض العبائر (4)؛ للأصل،و النصّ:عن المسرع و المبطئ في الطواف،فقال:« كلّ واسع ما لم يؤذ أحداً» (5).

و أن يذكر اللّه سبحانه و يدعوه بالمأثور و غيره و يقرأ القرآن في حال طوافه كلّ ذلك للنصوص بالعموم و الخصوص:

و في المرسل كالصحيح:« ما من طائف يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس،حاسراً عن رأسه،حافياً،يقارب خطاه،و يغضّ بصره،و يستلم الحجر الأسود في كلّ طواف من غير أن يؤذي أحداً،فلا يقطع ذكر اللّه

ص:64


1- نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى(فقه الرضا الطبع القديم):73،الوسائل 13:352 أبواب الطواف ب 29 ح 5.
2- نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى(فقه الرضا الطبع القديم):73،الوسائل 13:353 أبواب الطواف ب 29 ح 6.
3- نقله عنه في المختلف:288.
4- كشف اللثام 1:341.
5- الفقيه 2:/255 1238،الوسائل 13:351 أبواب الطواف ب 29 ح 1.

تعالى عن لسانه،إلّا كتب اللّه له بكل خطوة سبعين ألف حسنة،و مَحا عنه سبعين ألف سيئة،و رفع له سبعين ألف درجة،و أعتق عنه سبعين ألف رقبة،ثمن كلّ رقبة عشرة آلاف درهم،و شفّع في سبعين من أهل بيته، و قضيت له سبعون ألف حاجة،إن شاء فعاجلة و إن شاء فآجلة» (1).

و في الخبر:دخلت الطواف فلم يفتح لي شيء من الدعاء إلّا الصلاة على محمّد و آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و سعيت فكان ذلك،فقال (عليه السّلام):« ما اعطي أحد ممّن سأل أفضل ممّا أُعطيت» (2).

و في ثالث:القراءة و أنا أطوف أفضل أو أذكر اللّه تبارك و تعالى؟ قال:« القراءة أفضل» (3).

قيل:و القراءة مكروهة عند مالك (4).

و أن يلتزم المستجار،و هو بحذاء الباب من وراء الكعبة دون الركن اليماني بقليل،قيل:و قد يطلق على الباب (5)،كما في الصحيح:

« إذا فرغت من طوافك و بلغت مؤخر الكعبة و هو بحذاء المستجار دون الركن اليماني فابسط يديك» الخبر (6).

و يبسط يديه و خدّه على حائطه و يلصق بطنه به و يذكر ذنوبه

ص:65


1- الكافي 4:/412 3،الفقيه 2:/134 564،الوسائل 13:306 أبواب الطواف ب 5 ح 1.
2- الكافي 4:/407 3،الوسائل 13:336 أبواب الطواف ب 21 ح 1.
3- الكافي 4:/427 3،الوسائل 13:403 أبواب الطواف ب 55 ح 1.
4- كشف اللثام 1:341.
5- كما في كشف اللثام 1:341.
6- الكافي 4:/411 5،التهذيب 5:/107 349،الوسائل 13:345 أبواب الطواف ب 26 ح 4.

و يعدّدها عنده مفصّلة،فليس من مؤمن يقرّ لربه بذنوبه فيه إلّا غفر له إن شاء اللّه،كما في الصحيح (1)،و يدعو حينئذٍ بالمغفرة و الإعاذة من النار و غيرهما بالمأثور.

كلّ ذلك للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:

« إذا كنت في الطواف السابع فائت المتعوّذ،و هو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب فقل:اللّهم البيت بيتك،و العبد عبدك،و هذا مقام العائذ بك من النار،اللهم من قِبَلك الروح و الفرج.ثم استلم الركن اليماني،ثم ائت الحجر فاختم به» (2).

و في تتمة الصحيح المتقدم:« فابسط يديك على البيت،و ألصق بطنك و يديك و خدّك بالبيت و قل:اللهم البيت بيتك» إلى آخر ما مرّ.

ثمّ و فيه بعده:« ثم أقرّ لربك بما عملت،فإنه ليس من عبد مؤمن» إلى آخر ما قدّمنا.

ثم قال:« و تقول:[اللّهم (3)]من قِبَلك الروح و الفرج و العافية،اللهم إنّ عملي ضعيف فضاعفه لي،و اغفر لي ما اطّلعت عليه منّي و خفي على خلقك،ثم تستجير باللّه من النار،و تخيّر لنفسك من الدعاء.ثم استلم الركن اليماني،ثم استلم الحجر الأسود» .و هما كغيرهما نصّان في اختصاص استحباب الالتزام بالمستجار و ما بعده بالشوط السابع،كما قيّده به الأصحاب.فما أطلقه العبارة لا وجه له

ص:66


1- المتقدم في الهامش(4).
2- الكافي 4:/410 3،التهذيب 5:/107 347،الوسائل 13:344 أبواب الطواف ب 26 ح 1.
3- أضفناه من المصدر.

عدا إطلاق بعض الأخبار (1)،و ينبغي تقييده به،حملاً للمطلق على المقيّد.

و لو نسي الالتزام حتى جاوز المستجار رجع و التزم قيل:لعموم جملة من النصوص،و منها الصحيحان المتقدمان.و لا يلزم زيادة في الطواف؛ لأنه لا ينوي بما بعد ذلك إلى موضع الرجوع طوافاً،و إنما الأعمال بالنيات،و لذا لم ينه عنه الأصحاب و إنما ذكروا أنه ليس عليه (2).انتهى.

و فيه نظر؛ لمنع العموم،لفقد اللفظ الدال عليه،و إنما غاية ما في النصوص الإطلاق الغير المعلوم انصرافه إلى محل النزاع.

قوله:و لا يلزم زيادة في الطواف.

قلنا:ممنوع؛ لتوقف ذلك على اعتبار النية في البطلان بالزيادة، و ليس كذلك،فإنّ النص و الفتوى بالبطلان بها مطلقة لا تقييد في شيء منهما بالنية.

بل صرّح الشهيدان في الدروس و الروضة (3)في المسألة بما يعرب عن الإطلاق؛ فإنهما قالا:و متى استلم أو التزم حفظ موضعه بأن يثبت رجليه فيه و لا يتقدم بهما حالته،حذراً من الزيادة في الطواف و النقصان.

و لو اختصّ البطلان بالزيادة بصورة نية كونها من الطواف لما كان لكلامهما ذلك مزيد فائدة،بل كان الأولى الأمر بالاحتياط و ترك نية كون الزيادة من الطواف لو كانت موجودة.

و نحو كلامهما النصوص الآمرة بحفظ موضع القطع حيث يجوز

ص:67


1- انظر الوسائل 13:347 أبواب الطواف ب 26 ح 8.
2- كشف اللثام 1:341.
3- الدروس 1:402 الروضة 2:255.

الخروج من الطواف و البناء.

قوله:و لذا لم ينه عنه الأصحاب.

قلنا:ممنوع،فقد نهى عنه الماتن في الشرائع (1)،و حكاه الشهيد في الدروس فقال:و قيل:لا يرجع مطلقاً (2).و هو نهي أو نفي راجع إليه.

و إنما الذي قال:ليس عليه،هو الشيخ في النهاية و الفاضل في التحرير (3)خاصّة،و لو سلّم فغايته عدم النهي عنه هنا،و هو لا يستلزم عدم النهي عنه مطلقاً،فقد يكون إطلاق نهيهم عن الزيادة جارياً هنا.

و ممّا ذكر ظهر أنه لا دليل على الرجوع مطلقاً،بل وجود الدليل على المنع كذلك،و هو نهيهم عن الزيادة في الطواف على الإطلاق؛ مضافاً إلى الصحيح:عمن نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني، أ يصلح أن يلتزم بين الركن اليماني و بين الحجر،أو يدع ذلك؟قال:

« يترك اللزوم و يمضي» (4).

قوله:« و يمضي» أمر بالمضي فيكون واجباً،و الرجوع له مضادّ قطعاً فيكون منهياً عنه،مع أنه لو كان الرجوع إلى المستجار مستحباً لأمر به و لو كان المسئول عنه غيره،و هو صلوح الالتزام بين الركن اليماني و بين الحجر،فإنّ المقام كان يقتضيه لو كان مستحباً.

و بالجملة: فهذا الصحيح صريح في المنع عن الرجوع إذا جاز الركن اليماني،و لذا خصّ الشهيد استحباب الرجوع بما إذا لم يبلغه (5).

ص:68


1- الشرائع 1:269.
2- الدروس 1:402.
3- النهاية:236،التحرير 1:98.
4- التهذيب 5:/108 350،الوسائل 13:349 أبواب الطواف ب 27 ح 1.
5- الدروس 1:402.

و هو حسن،و لكن لا دليل على استحباب الرجوع مع عدم البلوغ، إلّا أن يكون ما مرّ،و لكن جوابه قد ظهر.

فإذاً القول بالمنع عن الرجوع مطلقاً كما عليه الماتن في الشرائع أظهر،و مع ذلك فهو أولى و أحوط.

و كذا يستحب أن يستلم الأركان الأربعة كلّها؛ للصحيح الفعلي الآتي،و في آخر:يستلم اليماني و الشامي و الغربي؟قال:« نعم» (1).

و هما نصّان على من منع عن استلام ما عدا الركن العراقي و اليماني كالإسكافي (2)؛ مضافاً إلى الأصل و الإجماع المحكي عن الخلاف و المنتهى (3)؛ مع عدم وضوح دليل على المنع أصلاً سوى النصوص بأن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)استلمهما و لم يستلم غيرهما (4).

و هي محمولة على كون ذلك لتأكده فيهما،دون غيرهما،كما أفتى به الأصحاب أيضاً،و منهم الماتن هنا،لقوله: و آكدها استحباباً ركن الحجر يعني العراقي و اليماني و بهذا الجمع صرّح في الاستبصار،حيث قال بعد نقل الصحيح الثاني و معارضه من الموثّق:« كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)لا يستلم إلّا الركن الأسود و اليماني و يقبّلهما و يضع خدّه عليهما،و رأيت أبي يفعله» (5).

ص:69


1- التهذيب 5:/106 343،الإستبصار 2:/216 743،الوسائل 13:344 أبواب الطواف ب 25 ح 2.
2- نقله عنه في المختلف:290.
3- الخلاف 2:320،المنتهى 2:694.
4- الوسائل 13:337 أبواب الطواف ب 22.
5- الكافي 4:/408 8،التهذيب 5:/105 341،الإستبصار 2:/216 744،الوسائل 13:أبواب الطواف ب 22 ح 2.

و الصحيح:« كنت أطوف بالبيت و إذاً رجل يقول:ما بال هذين الركنين يستلمان و لا يستلم هذان؟!فقلت:إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)استلم هذين و لم يتعرّض لهذين،فلا تتعرّض لهما إذا لم يتعرّض لهما رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)» قال جميل:و رأيت أبا عبد اللّه(عليه السّلام)يستلم الأركان كلّها (1).

و لا تنافي بين هذين الخبرين و الخبر الأوّل؛ لأنهما حكاية ما فعل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،و يجوز أن يكون رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)لم يستلمهما لأنّه ليس في استلامهما من الفضل و الترغيب في الثواب ما في استلام الركن العراقي و اليماني،و لم يقل إنّ استلامهما محظور أو مكروه،و لأجل ما قلناه قال جميل إنه رأى أبا عبد اللّه(عليه السّلام)يستلم الأركان كلّها،فلو لم يكن جائزاً لما فعله(عليه السّلام) (2)انتهى.

و بالجملة: فالقول بالمنع نادر ضعيف لا دليل عليه،بل الأدلة حجة عليه.

و مثله في الضعف و الشذوذ قول الديلمي بوجوب استلام الركن اليماني لا استحبابه (3)؛ للأصل،و عدم دليل عليه،سوى ما قيل من الأمر به في الأخبار من غير معارض (4).

و هو كما ترى؛ إذ لم نر من الأخبار المعتبرة ما يتضمّن الأمر به أصلاً،و إنما غايتها بيان فعلهم(عليهم السّلام)،و هو أعمّ من الوجوب،بل هو بالنسبة إلى العراقي الذي تضمنته أيضاً للاستحباب إجماعاً،فليكن بالنسبة

ص:70


1- الكافي 4:/408 9،التهذيب 5:/106 342،الإستبصار 2:/217 745،الوسائل 13:337 أبواب الطواف ب 22 ح 1.
2- الاستبصار 2:216.
3- المراسم:110.
4- كشف اللثام 1:341.

إلى اليماني كذلك أيضاً،فتأمّل.

ثم إنّ الموجود في العبارة و غيرها و النصوص المتقدمة و غيرها إنما هو الاستلام،و لكن في الصحيح:عن استلام الركن،فقال:« استلامه أن تلصق بطنك به،و المسح أن تمسحه بيدك» (1).

و في المرفوع:« كنت أطوف مع أبي و كان إذا انتهى إلى الحجر مسحه بيده و قبّله،و إذا انتهى إلى الركن اليماني التزمه،فقلت:جعلت فداك، تمسح الحجر بيدك و تلتزم اليماني؟!فقال:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):ما أتيت الركن اليماني إلّا وجدت جبرئيل(عليه السّلام)قد سبقني إليه يلتزمه» (2).

و ظاهرهما أن المستحب الالتزام،بل ظاهر الأوّل أنه المراد من الاستلام للركن حيث يطلق في الأخبار،و لعلّه لذا بدّل الاستلام في الشرائع و القواعد بالالتزام (3).و لا بأس به.

و أن يتطوّع بثلاثمائة و ستّين طوافاً كلّ طواف سبعة أشواط،فيكون مجموعها ألفين و خمسمائة و عشرين شوطاً،بلا خلاف؛ للصحيح:« يستحب أن يطوف ثلاثمائة و ستّين أُسبوعاً عدد أيام السنة،فإن لم يستطع فثلاثمائة و ستّين شوطاً،فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف» (4).

و هو كعبارات الأصحاب مطلق،لكن في الرضوي:« و يستحب أن يطوف الرجل بمقامه بمكة ثلاثمائة و ستّين أُسبوعاً بعدد أيام السنة،فإن لم

ص:71


1- الكافي 4:/404 1،الوسائل 13:324 أبواب الطواف ب 15 ح 2.
2- الكافي 4:/408 10،الوسائل 13:338 أبواب الطواف ب 22 ح 3.
3- الشرائع 1:269،القواعد 1:83.
4- الكافي 4:/429 14،الفقيه 2:/255 1236،التهذيب 5:/135 445،الخصال:/602 8،الوسائل 13:308 أبواب الطواف ب 7 ح 1.

يقدر عليه طاف ثلاثمائة و ستّين شوطاً» (1).

و ظاهره التقييد بمدة مقامه بمكة،و لعلّه المتبادر من إطلاق الرواية السابقة.

قيل:و الظاهر استحبابها لمن أراد الخروج في عامة أو في كلّ عام، و ما في الأخبار من كونها بعدد أيام السنة قرينة عليه (2).

و من الخبرين يظهر المستند في قوله كباقي الأصحاب: فإن لم يتمكّن جعل العدّة أشواطاً فيكون جميع الأشواط أحداً و خمسين طوافاً و ثلاثة أشواط،و ينوي بكل سبعة أشواط طوافاً،فإذا طاف خمسين طوافاً حصل ثلاثمائة و خمسين شوطاً يبقى عليه عشرة.

و ظاهر الأصحاب إلّا النادر أنه يجعلها كلّها طوافاً واحداً فينوي:

أطوف بالبيت عشرة أشواط لندبه قربةً إلى اللّه تعالى،قالوا:و هو مستثنى من(كراهة) (3)القِران في النافلة؛ للنصوص المزبورة.

خلافاً لابن زهرة فلم يستثن،و قال:يجعل السبعة من العشرة طوافاً، و يضمّ إلى الثلاثة الباقية أربعة أُخرى ليصير طوافاً آخر،و المجموع على هذا اثنان و خمسون طوافاً،و جعله رواية (4).

قال الشهيد في الدروس:رواه البزنطي (5).

قال في حاشية الكتاب:إنّ في جامعه إشارة إليه؛ لأنه ذكر في سياق أحاديثه عن الصادق(عليه السّلام)أنّها اثنان و خمسون طوافاً.و زاد الشهيد أنها

ص:72


1- فقه الرضا((عليه السّلام)):220،المستدرك 9:377 أبواب الطواف ب 6 ح 1.
2- كشف اللثام 1:341.
3- ليست في« ك».
4- الغنية(الجوامع الفقهية):577.
5- الدروس 1:402.

يوافق أيام السنة الشمسية (1).

أقول: روى هذه الرواية الشيخ في التهذيب في الصحيح عن البزنطي، عن علي،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)قال:« يستحب أن يطاف بالبيت عدد أيام السنة،كلّ أُسبوع لسبعة أيام،فذلك اثنان و خمسون أُسبوعاً» (2).

و ضعف السند بالبطائني مجبور في المشهور بكونه ممن روى عنه البزنطي الذي نقل إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه من أحاديثه.

و يدفع التدافع بين صدر الخبر بأنه يطاف عدد أيام السنة و ذيله المتضمن لأن ذلك اثنان و خمسون أُسبوعاً،مع أنه بمقتضى الصدر أحد و خمسون و ثلاثة أشواط كما مرّ بأن المراد عدد السنة الشمسية كما ذكره الشهيد(رحمه اللّه) .و يجاب عن الرايات السابقة بأن استحباب ما فيها من العدد لا ينفي الزيادة،فيزاد على الثلاثة أربعة؛ و لعلّه لذا نفى عن هذا القول البأس في المختلف (3)،و استحسنه شيخنا في الروضة،لكن لم يأب عمّا عليه الأصحاب فجعله مستحباً أيضاً (4).

و أن يقرأ في ركعتي الطواف بالحمد و الصمد في الركعة الأُولى،و بالحمد و الجحد في الثانية على الأظهر الأشهر؛ لصريح الصحيح و غيره (5)،و يعضده الترتيب الذكري في كثير من الأخبار المرغبة

ص:73


1- الظاهر أن الشارح رحمه اللّه قد نقل هذه العبارة عن كشف اللثام 1:342،فيكون المراد بحاشية الكتاب حاشية القواعد و هو جامع المقاصد 3:200.
2- التهذيب 5:/471 1655،الوسائل 13:309 أبواب الطواف ب 7 ذيل الحديث 2.
3- المختلف:292.
4- الروضة البهية 2:261.
5- الكافي 4:/423 1،التهذيب 5:/136 450،الوسائل 13:423 أبواب الطواف ب 71 ح 3.

في قراءة السورتين هنا (1)و في باقي المواضع السبعة المشهورة (2).

خلافاً للشيخ (3)في كتاب الصلاة،فقال بالجحد في الأُولى و التوحيد في الثانية،و جعله الشهيد و جماعة (4)رواية،و لم أقف عليها،مع أن الشيخ قد رجع عنها في النهاية في المسألة فأتى بعين ما في العبارة (5)،و مع ذلك فقد نفى البأس عنه أيضاً في كتاب الصلاة من النهاية (6).

و يكره الكلام فيه بغير الذكر و الدعاء و القراءة للخبر:

« طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلّم فيه إلّا بالدعاء و ذكر اللّه تعالى و تلاوة القرآن،و النافلة يلقى الرجل أخاه فيسلّم عليه و يحدّثه بالشيء من أمر الآخرة و الدنيا لا بأس به» (7).

و« لا ينبغي» ليس فيه للتحريم؛ للإجماع على الجواز على الظاهر، المصرَّح به في التحرير و المنتهى (8)؛ مضافاً إلى الصحيح:عن الكلام في الطواف و إنشاد الشعر و الضحك،في الفريضة أو في غير الفريضة،أ يستقيم

ص:74


1- انظر الوسائل 13:422 أبواب الطواف ب 71.
2- الوسائل 6:56 أبواب القراءة في الصلاة ب 15.
3- في« ح» و« ق» زيادة:في النهاية،و الموجود فيها في كتاب الصلاة:79:و يستحب قراءة قل يا أيها الكافرون في سبعة مواضع:في أوّل ركعة من ركعتي الزوال،و في أول ركعة من نوافل المغرب،و في أوّل ركعة من صلاة الليل،و في أول ركعة من ركعتي الفجر،و في ركعتي الغداة إذا أصبحت بها،و في ركعتي الطواف..
4- الشهيد في الدروس 1:402،و انظر نهاية الإحكام 1:478.
5- النهاية:242.
6- النهاية:79.
7- التهذيب 5:/127 417،الإستبصار 2:/227 785،الوسائل 13:403 أبواب الطواف ب 54 ح 2.
8- التحرير 1:99،المنتهى 2:702.

ذلك؟قال:« لا بأس به،و الشعر ما كان لا بأس به منه» (1).

و نفي البأس فيه محمول على نفي التحريم جمعاً،فلا ينافي المرجوحية المستفادة من صريح الرواية السابقة،لكن ظاهرها اختصاصها بالفريضة.

لكن قيل في توجيه فتوى الأصحاب بالكراهة على الإطلاق:إنّ الخبر و إن اختص بالفريضة لكن العقل يحكم بمساواة النافلة لها في أصل الكراهة و إن كان أخفّ،بل و النهي عن كلام الدنيا في المسجد معروف (2).و هو كما ترى.

قال الشهيد-(رحمه اللّه) تتأكد الكراهة في الشعر (3).

و لعلّه لورود النهي عن إنشاده في المسجد مطلقاً (4)،ففي الطواف أولى،إلّا ما كان منه دعاءً أو حمداً أو مدحاً لنبي أو إمام أو موعظة.

و زاد الشهيد كراهية الأكل،و الشرب،و التثاؤب،و التمطي، و الفرقعة،و العبث،و مدافعة الأخبثين،و كلّ ما يكره في الصلاة غالباً.

و لعلّه للنبوي المشهور:« الطواف بالبيت صلاة» (5)و لعلّه المستند في فتوى الأصحاب بكراهية الكلام في الطواف على الإطلاق كما يفهم من المنتهى (6)،لا التوجيه المتقدم عن بعض الأصحاب.

ص:75


1- التهذيب 5:/127 418،الإستبصار 2:/227 784،الوسائل 13:402 أبواب الطواف ب 54 ح 1.
2- كشف اللثام 1:342.
3- الدروس 1:402.
4- الفقيه 4:/2 1،أمالي الصدوق:/344 1،الوسائل 5:235 أبواب الطواف ب 28 ح 3.
5- سنن البيهقي 5:87،سنن الدارمي 2:44،عوالي اللئلئ 1:/214 70.
6- المنتهى 2:702.
أحكامه

و أما أحكامه فثمانية:

الأول الطواف ركن

الأول: الطواف ركن،فلو تركه عامداً عالماً بأن لا يأتي به في وقته،و هو في طواف الحج قبل انقضاء ذي الحجة،و في طواف عمرة التمتع قبل أن يضيق الوقت عنها و عن الحج،و في طواف العمرة الجامعة لحجّ الإفراد و القِران قبل خروج السنة بناءً على وجوب إيقاعها فيها،و في المجرّدة قبل الخروج عن مكة بنية الإعراض عن فعله على إشكال.

بطل حجه أو عمرته بلا خلاف و لا إشكال؛ لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فيبقى تحت عهدة التكليف،و لفحوى الرواية الآتية في تركه على وجه الجهالة،لكن فيها وجوب البدنة.

قال الشهيد-(رحمه اللّه)-:و في وجوب هذه البدنة على العالم نظر،من الأولوية (1).

قلت:و من عدم النص،و جواز منع الأولوية كمن عاد إلى تعمد الصيد.

و قيل:يجوز كون الكفارة للتقصير بعدم التعلم (2).

ثم إن هذا في غير طواف النساء،فإنه ليس بركن يبطل بتركه النسك من غير خلاف،كما في السرائر (3)،معرباً عن الإجماع،كما في صريح المسالك و غيره (4)؛ و هو الحجّة.

ص:76


1- الدروس 1:403.
2- المدارك 8:174.
3- السرائر 1:617.
4- المسالك 1:123؛ و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):578.

مضافاً إلى أصالة خروجه عن حقيقة النسك و الصحاح الظاهرة في ذلك،منها:« على المفرد طواف بالبيت،و صلاة ركعتين،و سعى واحد بين الصفا و المروة،و طواف بالبيت بعد الحج و هو طواف النساء» (1)كما في الصحيح الآخر الوارد بهذا النهج في القارن (2).

و منها:إنّ معنا امرأة حائضاً و لم تطف طواف النساء و يأبى الجمّال أن يقيم عليها،قال:فأطرق و هو يقول:« لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها و لا يقيم عليها جمّالها» ثم رفع رأسه إليه فقال:« تمضي فقد تمّ حجّها» (3).

و قوله:« فقد تمّ حجّها» ظاهر في خروجه عن النساء مطلقاً و لو في حال الاختيار و لا يختصّ بحال الاضطرار و إن كانت مورده؛ فإن العبرة بعموم الجواب،لا خصوص المحلّ.

و لو كان تركه ناسياً أتى به مع القدرة،و قضاه متى ذكره،و لا يبطل النسك و لو كان طواف الركن و ذكره بعد المناسك و انقضاء الوقت،بلا خلاف في كل من الحكم بالصحة،و وجوب القضاء عليه بنفسه مع إمكان المباشرة.

إلّا من الشيخ في كتابي الحديث في الأوّل،فأبطل الحج بنسيان طوافه (4)،و مثله الحلبي (5).

و هما نادران،بل على خلافهما الإجماع في صريح الغنية

ص:77


1- التهذيب 5:/42 124،الوسائل 11:218 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 6.
2- الكافي 4:/296 2،الوسائل 11:221 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 12.
3- الكافي 4:/451 5،الفقيه 2:/245 1176،الوسائل 13:452 أبواب الطواف ب 84 ح 13.
4- الاستبصار 2:228،التهذيب 5:128.
5- الكافي في الفقه:195.

و الخلاف (1)،و ظاهر غيرهما (2)،مع أن الشيخ رجع عنه في كتبه المتأخرة كالخلاف و المبسوط و النهاية (3)،فلا ريب في ضعفه،للإجماع على خلافه،مضافاً إلى لزومه الحرج المنفي.

و يدفعه عموم رفع الخطأ أو النسيان في النبوي (4)و غيره (5)، و الصحيح:عمن نسي زيارة البيت حتى يرجع إلى أهله،فقال:« لا يضره إذا كان قد تقضى مناسكه» (6).

و الصحيح الآتي في الحكم الآتي.

و حمل الطواف في الأوّل على طواف الوداع،و في الثاني على طواف النساء لا وجه له بعد عمومهما لهما و لغيرهما ممّا نحن فيه،سوى الأصل المتقدم في العامد،و ما سيأتي من الخبرين في الجاهل.

و لا دخل له بما نحن فيه؛ إذ الجاهل غير الناسي،و لذا يقابل أحدهما بالآخر عرفاً و لغةً،و الأصل مخصَّص بما عرفته من الأدلة في المسألة.

و من بعض المتأخرين في الثاني،فجوّز الاستنابة مطلقاً و لو مع القدرة على المباشرة؛ لإطلاق الصحيحة الآتية في الاستنابة (7).

و فيه:أنه محمول على صورة التعذر و المشقة كما هو الغالب من

ص:78


1- الغنية(الجوامع الفقهية):578،الخلاف 2:395.
2- انظر المدارك 8:175،و مفاتيح الشرائع 1:365،و الذخيرة:625.
3- الخلاف 2:395،المبسوط 1:359،النهاية:240.
4- سنن ابن ماجه 1:/659 2045،سنن الدارقطني 4:/170 33،مستدرك الحاكم 2:198.
5- انظر الوسائل 15:369 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 56.
6- الفقيه 2:/245 1173،التهذيب 5:/282 961،الوسائل 14:291 أبواب العود إلى منى ب 19 ح 1.
7- المفاتيح 1:365.

أفراده إجماعاً،كما في الغنية (1)و شرح الشرائع للصيمري؛ لفحوى ما دلّ على وجوب المباشرة مع القدرة في نسيان طواف النساء إن قلنا به فهنا أولى.

و قريب منها فحوى ما مرّ من الأدلّة على وجوب قضاء ركعتي الطواف بنفسه مع القدرة لو نسيهما،فهنا أولى،لكونهما فرع الطواف و من توابعه جدّاً كما مضى.

و لو تعذّر العود استناب فيه بلا خلاف من القائل بصحة الحج و عدم بطلانه،و عليه الإجماع في الغنية (2)؛ و للحرج،و للصحيح:عن رجل نسي طواف الفريضة حتى يقدم بلاده و واقع النساء كيف يصنع؟قال:

« يبعث بهدي،إن كان تركه في حج يبعث به في حج،و إن كان تركه في عمرة يبعث به في عمرة،و يوكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه» (3).

و هو نصّ في تساوي الحج و العمرة،كما يقتضيه إطلاق العبارة هنا و في كلام جماعة (4)،و لكن عن الأكثر الاقتصار عليه في طواف الحج (5)، و لا وجه له بعد عموم الحجّة.

و المراد بتعذر العود امتناعه و اشتماله على مشقة لا تتحمل عادة.

ص:79


1- الغنية(الجوامع الفقهية):578.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):578.
3- التهذيب 5:/128 421،الاستبصار 2:/228 788،قرب الإسناد:/244 969،الوسائل 13:405 أبواب الطواف ب 58 ح 1،في النسخ:ما تركه من طواف الحج،و ما أثبتناه من المصادر.
4- منهم:صاحب المدارك 8:176،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:342،و السبزواري في الذخيرة:652.
5- انظر كشف اللثام 1:342.

قيل:و يحتمل أن يراد بالقدرة استطاعة الحج المعهودة (1).و هو ضعيف في الغاية.

قيل:و الصحيح يعطي أن العود إلى بلاده يكفيه عذراً،و لكن الأصحاب اعتبروا العذر احتياطاً (2).

أقول:و لعلّه لكون صورة العذر هو الغالب المتيقن من إطلاق الصحيح،فلا يسلّم إعطاؤه أن العود إلى بلاده يكفيه عذراً مطلقاً،بل يعطي ذلك في الفرد الغالب المتيقن منه خاصة.

و متى وجب قضاء طواف العمرة أو الحج فالأقرب وجوب إعادة السعي أيضاً،كما عليه الشيخ و جمع (3)؛ للصحيح:عن رجل طاف بين الصفا و المرة قبل أن يطوف بالبيت،فقال:« يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا و المروة فيطوف بينهما» (4).

و يحتمل العدم؛ للسكوت عنه في خبر الاستنابة المتقدم،و احتمال اختصاص ذلك بما قبل فوات الوقت كما يفهم من خبر آخر لراوي الصحيح المتقدم،و فيه:عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا و المروة،قال:« يرجع فيطوف بالبيت أُسبوعاً ثم يستأنف السعي» قلت:إنه فاته،قال:« عليه دم، أ لا ترى إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك» (5).

ص:80


1- الدروس 1:404.
2- كشف اللثام 1:342.
3- الشيخ في الخلاف 2:395،و الشهيد في الدروس 1:405،و صاحب المدارك 8:177،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:366.
4- الكافي 4:/421 2،التهذيب 5:/129 426،الوسائل 13:413 أبواب الطواف ب 63 ح 1.
5- التهذيب 5:/129 427،الوسائل 13:413 أبواب الطواف ب 63 ح 1.

و هو ظاهر في أن وجوب إعادة السعي إنما هو مع الحضور و بقاء الوقت،و أما مع فوات وقته فليس عليه إلّا الدم،دون إعادة السعي،و إلّا لأمر بهما،و عليه ففي الرواية دلالة على عدم وجوب الإعادة عكس ما عليه الجماعة و لذا أن الأكثر لم يذكروا قضاء السعي،كما عن شيخنا الشهيد الثاني (1).

هذا،و المسألة محل نظر (2).و لا ريب أن الاحتياط يقتضي إعادة السعي.و إنما يحصل التحلّل مما يتوقف على الطواف و السعي بالإتيان بهما و لا يحصل بدون فعلهما.

و لو عاد لاستدراكهما بعد الخروج على وجه يستدعي وجوب الإحرام لدخول مكة،فهل يكتفي بذلك،أو يتعيّن عليه الإحرام،ثم يقضي الفائت قبل الإتيان بأفعال العمرة أو بعده؟وجهان.

و لعلّ الأوّل أرجح؛ تمسكاً بمقتضى الأصل،و التفاتاً إلى أن من نسي الطواف يصدق عليه أنه محرم في الجملة،و الإحرام لا يقع إلّا من مُحلّ.

ثم إنّ ما مرّ إنما هو حكم من ترك الطواف عالماً عامداً،أو ناسياً.

و أما لو تركه جاهلاً فلم يذكر حكمه الماتن هنا صريحاً،و إنما أشار

ص:81


1- حكاه عن حواشي الشهيد الأوّل في جامع المقاصد 3:203.
2- ينشأ ممّا مرّ،و من أن الصحيح بإعادة العي عام بترك الاستفصال،فيشمل صورة الفوات و عدم بقاء الوقت،و تقييده أو تخصيصه بصورة[عدم]الفوات خاصة لا وجه له بعد ذلك و الرواية الأخيرة بعد الإغماض عن سندها غير واضحة الدلالة على عدم وجوب الإعادة مع الفوات،إذ غايتها السكوت عن الأمر به و إيجاب الدم،أما إيجاب الدم فلا ينافي وجوبها و يحتمل كونه عقوبة لتقصيره في نسيانه،و السكوت عن الأمر بها قد يكون وجهه الاكتفاء في الإرشاد إلى وجوبها بإطلاق الأمر في صدرها و التشبيه بالوضوء في ذيلها،و لا ريب ان الترتيب في الوضوء لا يختص بحال الاختيار دون الاضطرار فتأمّل(منه رحمه اللّه).

إليه بقوله: و في رواية بل روايات إن كان [تركه] على وجه جهالة أعاد أي الحج و عليه بدنة ففي الصحيح:عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال:« إن كان على وجه الجهالة أعاد الحج و عليه بدنة» (1).

و الخبر:عن رجل جهل كما في نسخة،أو سها كما في اخرى أن يطوف بالبيت حتى رجع إلى أهله،قال:« إذا كان على وجه الجهالة أعاد الحج و عليه بدنة» (2).

و في نسبة الحكم إلى الرواية إشعار بتردّده فيه.و لا وجه له قطعاً إن تعلّق بوجوب إعادة الحج؛ لموافقته الأصل المتقدم في العامد،مضافاً إلى صحة سند الرواية و اعتضادها بغيرها،مع سلامتها عن المعارض.

فتعيّن تعلّقه بما فيها من إيجاب البدنة.و لا وجه له فيه أيضاً إلّا ما في التنقيح،من أصالة عدم الوجوب أوّلاً،و من هجران الروايتين ثانياً لعدم القائل بهما،و من ضعفهما ثالثاً (3).

و في هذه الأوجه الثلاثة ما ترى؛ لوجوب الخروج عن الأصل بالدليل،و هو الصحيح و تاليه.و دعوى ضعفهما معاً سنداً فاسدة جزماً؛ لما بيّن في الرجال مستقصًى.و كذا دعوى شذوذهما و عدم قائل بهما،فإنها غريبة جدّاً؛ فقد حكي القول بمضمونهما عن الشيخ و الأكثر (4)،و به أفتى

ص:82


1- التهذيب 5:/127 420،الإستبصار 2:/228 787،الوسائل 13:404 أبواب الطواف ب 56 ح 1.
2- الفقيه 2:/256 1240،التهذيب 5:/127 419،الإستبصار 2:/228 786،الوسائل 13:404 أبواب الطواف ب 56 ح 2.
3- التنقيح الرائع 1:508.
4- حكاه عنهم صاحب المدارك 8:174.

صريحاً جمع ممن تأخر (1)،و هو أظهر.قالوا:و هذه البدنة عقوبة محضة، لا جبران؛ لأن النسك باطل من أصله،فلا يتعلق به الجبران.

الثاني من شك في عدده بعد الانصراف فلا إعادة

الثاني: من شك في عدده أي عدد أشواط الطواف بعد الانصراف فلا إعادة كسائر العبادات،بلا خلاف؛ لاشتراك العلّة أعني الحرج المنفي في الشريعة،و قوله(عليه السّلام):« كلّ ما شككت فيه ممّا مضى فامضه» (2).

و للصحاح فيمن طاف طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أم سبعة (3)،قال:« فليعد طوافه» قال:ففاته،قال:« لا أرى عليه شيئاً» و في بعضها:« الإعادة أحب إليّ و أفضل» .و التقريب فيها عدم إمكان حملهما على الشك في الأثناء؛ لوجوب التدارك فيه إما بالاستئناف أو إتيان شوط آخر على ما سيأتي من الخلاف، و لا قائل بعدم وجوب شيء مطلقاً و لو مع الفوات،إذ هو إما عن عمد أو جهل أو نسيان و لكلٍّ موجَب مضى تفصيله،إذ هو كترك الطواف كلا أو بعضاً فتأتي فيه الأحوال الثلاث مع ما يترتب عليها من الأحكام،و ليس منها أنه لا شيء عليه أصلاً،فالحكم به صريحاً في الروايات بعد مراعاة الإجماع أوضح دليل على إرادة صورة الشك بعد الانصراف.

و لا ينافيها الحكم بالاستئناف بناءً على عدم ظهور قائل به أيضاً مطلقاً،و ذلك لظهورها في استحبابه،و لا يشترط فيه ظهور قائل به.

ص:83


1- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:201،و صاحب المدارك 8:174،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:366.
2- التهذيب 2:/344 1426،الوسائل 8:237 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 3.
3- انظر الوسائل 13:359 أبواب الطواف ب 33.

و الظاهر أن العبرة في الانصراف بالنية،فإذا اعتقد أنه أتمّ الطواف فهو منصرف عنه و إن كان في المطاف و لم يفعل المنافي،خصوصاً إذا تجاوز الحجر؛ أما قبل اعتقاد الإتمام فهو غير منصرف،كان عند الحجر أو بعده، أو خارجاً عن المطاف،أو فعل المنافي.

و لو كان الشك المزبور في أثنائه و كان بين السبعة أشواط و ما زاد فقط،كما إن شك فيها أنه سبعة أو ثمانية قطع شوطه و صحّ و لا إعادة عليه بلا خلاف؛ للأصلين:عدم الزيادة و البراءة من الإعادة؛ و عموم نحو الصحيح الشامل لما سبق و ما نحن فيه:عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر سبعة طاف أم ثمانية،فقال(عليه السّلام):« أما السبعة فقد استيقن،و إنما وقع وهمه على الثامن فليصلّ ركعتين» (1).

ثم إنه إنما يقطع مع شك الزيادة إذا كان على منتهى الشوط.أما لو كان في الأثناء بطل طوافه؛ لتردّده بين محذورين:الإكمال المحتمل للزيادة عمداً،و القطع المحتمل للنقيصة،صرّح بذلك شيخنا في المسالك و الروضة (2)،و تبعه جماعة (3)،و سبقهم في ذلك ابن زهرة في الغنية (4).

و لو كان الشك في الأثناء في النقيصة كأن شك فيما طافه أنه سبعة أو ستّة مثلاً أعاد الطواف وجوباً في الفريضة على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع في الغنية؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة منها: زيادةً على ما يأتي الصحيح

ص:84


1- التهذيب 5:/114 370،الإستبصار 2:/220 756،الوسائل 13:368 أبواب الطواف ب 35 ح 1.
2- المسالك 1:123،الروضة 2:252.
3- كصاحب الحدائق 16:231.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):579.

المروي في الكافي:عن رجل لم يدر ستّة طاف أو سبعة،قال:« يستقبل» (1).

و نحوه الخبر المروي في التهذيب بسند فيه اشتراك (2)،و ربما وصف أيضاً بالصّحة.

و الخبر المروي في التهذيب في أواخر باب الزيادات من فقه الحج، عن إبراهيم بن هاشم،عن صفوان،قال:سألت أبا الحسن(عليه السّلام)عن ثلاثة نفر دخلوا في الطواف فقال كلّ منهم لصاحبه:تحفّظ الطواف،فلمّا ظنّوا أنهم فرغوا قال واحد:معي سبعة أشواط،و قال الآخر:معي ستة أشواط، و قال الثالث:معي خمسة أشواط،قال:« إن شكّوا كلّهم فلستأنفوا،و إن لم يشكّوا و استيقن كلّ واحد منهم على ما في يده فليبنوا» (3)و عُدّ هذا الحديث حسناً (4).

و الخبر:رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانية،قال:« يعيد طوافه حتى يحفظ» (5)و قصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل.

و قال المفيد:من طاف بالبيت فلم يدر أ ستّاً طاف أم سبعاً،فليطف طوافاً آخر ليستيقن أنه طاف سبعاً (6).

و فهم منه الفاضل البناء على الأقل على أن مراده بطواف آخر شوط

ص:85


1- الكافي 4:/416 2،الوسائل 13:361 أبواب الطواف ب 33 ح 9.
2- التهذيب 5:/110 357،الوسائل 13:359 أبواب الطواف ب 33 ح 2.
3- التهذيب 5:/469 1645،الوسائل 13:419 أبواب الطواف ب 66 ح 2.
4- كما في الذخيرة:640.
5- الكافي 4:/417 6،التهذيب 5:/114 371،الوسائل 13:362 أبواب الطواف ب 33 ح 11.
6- المقنعة:440.

آخر،و تبعه من المتأخرين جماعة (1)و عزوه إلى واد الصدوق و الإسكافي و الحلبي.

و استدَلّ له بأصل البراءة و عدم الزيادة و بالصحيح:إني طفت فلم أدر ستة طفت أم سبعة،فطفت طوافاً آخر،فقال:« هلّا استأنفت؟» قال:

قلت:قد طفت و ذهبت،قال:« ليس عليك شيء» (2)فلو كان الشك موجباً للإعادة لأوجبها عليه.

و أجاب عن الأولين بالأخبار و الاحتياط و عن الصحيح باحتماله النافلة،و كون الشك بعد الانصراف،و احتمال قوله:« قد طفت» الإعادة، أي فعلت الأمرين:الإكمال و الإعادة (3).

و زاد غيره الاستدلال بما مرّ من الصحاح في حكم الشك بعد الفراغ.

و هي محمولة على موضوع تلك المسألة كما عرفته،فلا دخل له بالمسألة.

و بالصحيح:في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة،قال:« يبني على يقينه» (4).

و هو ليس بصريح؛ لاحتماله النفل،و كون الشك بعد الانصراف، و البناء على اليقين بمعنى أنه حين انصرف أقرب القين ممّا بعده،فلا يلتفت إلى الشك بعده؛ و إرادةِ الإعادة أي يأتي بطواف يتيقن عدده.

و بنى على الأقلّ في النافلة بلا خلاف؛ للمستفيضة

ص:86


1- منهم:صاحب المدارك 8:179،و السبزواري في الذخيرة:640.
2- التهذيب 5:/11 358،الوسائل 13:359 أبواب الطواف ب 33 ح 3.
3- انظر المختلف:289.
4- الفقيه 2:/249 1195،الوسائل 13:360 أبواب الطواف ب 33 ح 5.

منها الموثق:فيمن طاف فأوهم فقال:طفت أربعة أو طفت ثلاثة:

« إن كان طواف فريضة فليُلقِ ما في يديه و ليستأنف،و إن كان طواف نافلة فاستيقن ثلاثة و هو في شك من الرابع أنه طاف فليبن على الثلاثة فإنه يجوز له» (1).

و الخبر:عن رجل شك في طوافه فلم يدر ستة طاف أم سبعة، فقال:« إن كان في فريضة أعاد كل ما شك فيه،و إن كان نافلة بنى على ما هو أقلّ» (2)و نحوه اخرى (3).

و في التذكرة و المنتهى و التحرير و غيرها (4):جواز بنائه على الأكثر إذا لم يستلزم الزيادة على سبعة؛ للمرسل في الفقيه و المقنع:عن رجل لا يدري ثلاثة طاف أم أربعة،قال:« طواف فريضة أو نافلة؟» قيل:أجبني فيهما جميعاً،فقال(عليه السّلام):« إن كان طواف نافلة فابن على ما شئت،و إن كان طواف فريضة فأعد» (5).

و في التذكرة و المنتهى:إنه من تتمة بعض الصحاح المروي في الفقيه فيكون صحيحاً،و لكنه غير معلوم،كما نبّه عليه جمع (6).

ص:87


1- الكافي 4:/417 7،التهذيب 5:/111 360،الوسائل 13:360 أبواب الطواف ب 33 ح 7.
2- التهذيب 5:359/110،الوسائل 13:360 أبواب الطواف ب 33 ح 4.
3- الكافي 4:/417 4،التهذيب 5:/113 369،الإستبصار 2:/219 755،الوسائل 13:362 أبواب الطواف ب 33 ح 12.
4- التذكرة 1:365،المنتهى 2:699،التحرير 1:99؛ و انظر المسالك 1:123.
5- الفقيه 2:/249 1196،المقنع:85،الوسائل 13:360 أبواب الطواف ب 33 ح 6.
6- منهم:السبزواري في الذخيرة:640،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:337.

و لو زاد على السبع ناسياً تجاوز الحجر و دخل في الشوط الثامن و ذكر قبل بلوغ الركن أنه زاد قطع الشوط و لم يعد الطواف.

هذه المسألة كالمقيّدة لقوله فيما سبق:و من زاد على السبعة سهواً أكمل أُسبوعين.فإنّ الزيادة عليها تتحقق و لو بخطوة،مع عدم ثبوت ذلك الحكم على الأظهر كما مرّ.

الثالث لو ذكر أنه لم يتطهر أعاد طواف الفريضة،و صلاته

الثالث: لو طاف و ذكر أنه لم يتطهر أعاد ه وجوباً إن كان طواف الفريضة،و كذا يعيد صلاته،و لا يعيد إن كان طواف النافلة و لكن يعيد صلاته استحباباً كلّ ذلك للنصوص المتقدم إليها الإشارة في بحث اشتراط الطواف، و منها الصحيح:عن رجل طاف طواف الفريضة و هو على غير طهر،قال:

« يتوضأ و يعيد طوافه،فإن كان تطوعاً توضّأ و صلّى ركعتين» (1).

و لو نسي طواف الزيارة أي طواف الحج حتى رجع إلى أهله و واقع عاد و أتى به،و مع التعذّر يستنيب فيه كما مرّ (2)،و إنما أعاد هنا لبيان حكم الكفارة المشار إليه بقوله:

و في وجوب الكفارة تردّد و اختلاف بين الأصحاب:

فبين موجبٍ لها،كالشيخ في النهاية و المبسوط (3)،و عن المهذّب و الجامع (4)؛ للصحاح

ص:88


1- الكافي 4:/420 3،الفقيه 2:/250 1202،التهذيب 5:/116 380،الإستبصار 2:/222 764،الوسائل 13:374 أبواب الطواف ب 38 ح 3.
2- في ص 3178.
3- النهاية:240،المبسوط 1:359.
4- المهذب 1:223،الجامع للشرائع:199.

منها: زيادةً على ما مرّ في أوّل بحث وجوب الاستنابة مع التعذر عن رجل واقع أهله حين ضحّى قبل أن يزور البيت،قال:« يهريق دماً» (1).

و منها:عن متمتع وقع على أهله و لم يزر،قال:« ينحر جزوراً و قد خشيت أن يكون ثلم حجّه إن كان عالماً،و إن كان جاهلاً فلا بأس عليه» (2).

و مانعٍ عن وجوبها،كالحلّي في السرائر (3)،و جماعة و عزي إلى الأكثر (4)و منهم:الفاضل في التذكرة و المختلف و المنتهى و الشهيدان و غيرهم (5)،و اختاره في الشرائع (6)و هنا أيضاً لقوله:

أشبهه أنه لا يجب إلّا مع المواقعة بعد الذكر و لعلّه الأقوى؛ للأصل،و رفع النسيان،مع عدم صراحة تلك الصحاح،و احتمالها الحمل على المواقعة بعد الذكر،أو الاستحباب،جمعاً بينها و بين ما دلّ على عدم الكفارة على المحرم الواطئ ناسياً أو جاهلاً من النص و الفتوى:

ففي الصحيح المروي في العلل:في المحرم يأتي أهله ناسياً،قال:

« لا شيء عليه،إنما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان و هو ناسٍ» (7).

ص:89


1- الكافي 4:/379 4،التهذيب 5:/321 1105،الوسائل 13:122 أبواب كفارات الاستمتاع ب 9 ح 2.
2- الكافي 4:/378 3،التهذيب 5:/321 1104،الوسائل 13:121 أبواب كفارات الاستمتاع ب 9 ح 1.
3- السرائر 1:574.
4- المدارك 8:183.
5- التذكرة 1:364،المختلف:292،المنتهى 2:699،الشهيد الأوّل في الدروس 1:405،الشهيد الثاني في المسالك 1:123؛ و انظر المدارك 8:183.
6- الشرائع 1:270.
7- علل الشرائع:/455 14،الوسائل 13:109 أبواب كفارات الاستمتاع ب 2 ح 7.

و المرسل المروي في الفقيه:« ان جامعت و أنت محرم» إلى أن قال:

« و إن كنت ناسياً أو ساهياً أو جاهلاً فلا شيء عليك» (1).

و الأخبار بنفيها عن الجاهل مستفيضة،بل متواترة (2)،فإن عمّمنا الجهل للنسيان شملت المسألة.

و الجمع بين الأخبار بتقييد هذه على ما عدا المسألة كما اتّفق لجماعة (3)لا وجه له بعد رجحان أخبارنا بالأُصول و الشهرة،مع أن من تلك الصحاح ما يعمّ طواف العمرة و لم يذكره أكثر الجماعة،بل اقتصروا على طواف الزيارة كما في العبارة،نعم عن الجامع الإطلاق (4).

و الصحيحة الأخيرة قد جعلها للمختار بعض الأصحاب حجة، بتعميم البأس المنفي للكفارة،لا خصوص الثلم و الإثم و المؤاخذة،و جَعْلِه العلم المشترط شرطاً لجميع ما تقدّمه،و منه إيجاب الكفارة (5).

و لكنّه بعيد في الغاية؛ لظهور كون العلم قيداً لثلم الحج خاصة، و البأس المنفي هو الإثم و الثلم لا الكفارة،كما صرّح به جماعة.

نعم لا بأس بما ذكره،دفعاً للصراحة التي هي المناط في تخصيص الأدلّة.

هذا،و لا ريب أن الإيجاب أحوط و إن كان العدم أظهر.

و لو نسي طواف النساء إلى أن رجع إلى أهله استناب مطلقاً

ص:90


1- الفقيه 2:/213 969،الوسائل 13:109 أبواب كفارات الاستمتاع ب 2 ح 5.
2- انظر الوسائل 13:108 أبواب كفارات الاستمتاع ب 2.
3- منهم:الشيخ في التهذيب 5:127،و الشهيد الثاني في المسالك 1:123،و صاحب المدارك 8:174.
4- الجامع للشرائع:199.
5- كشف اللثام 1:343.

و لو مع القدرة على المباشرة كما في ظاهر إطلاق العبارة،بل صريح سياقها،و عليه الأكثر،و جعله في الدروس أشهر (1)،بل لا خلاف فيه بين القدماء و المتأخرين يظهر،إلّا عن الشيخ في التهذيب و الفاضل في المنتهى (2)،فاشترطا فيه التعذر،و قد رجع الأوّل عنه في النهاية (3)،و قال الثاني في أكثر كتبه بما في العبارة كالتحرير و الإرشاد و التلخيص و التذكرة (4).

للصحاح المروي أحدها في مستطرفات السرائر:عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله،قال:« يرسل فيطاف عنه» (5).

و زيد في اثنين منها:« فإن مات قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليّه» (6).

و إطلاقها بل عمومها بترك الاستفصال يعمّ محل النزاع.

و قريب منها الصحيح:رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال:« لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت» و قال:« يأمر من يقضي عنه إن لم يحج،فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره» (7).

ص:91


1- الدروس 1:404.
2- التهذيب 5:255،المنتهى 2:769.
3- النهاية:240.
4- التحرير 1:100،الإرشاد 1:326،التذكرة 1:366،نقله عن التلخيص في كشف اللثام 1:343.
5- مستطرفات السرائر:/35 49،الوسائل 13:409 أبواب الطواف ب 58 ح 11.
6- التهذيب 5:/255 866،الإستبصار 2:/233 808،الوسائل 13:407 أبواب الطواف ب 58 ح 3.
7- الكافي 4:/513 5،التهذيب 5:/128 422،الإستبصار 2:/228 789،الوسائل 13:407 أبواب الطواف ب 58 ح 6.

و التقريب أن الظاهر أن المراد بقوله:« يأمر من يقضي عنه إن لم يحج» و اللّه يعلم أنه يستنيب إن لم يرد العود بنفسه،و هو أعم من صوره التعذّر و غيره،بل لعلّه ظاهر في الثاني،و إلا لقيل:يأمر من يقضي عنه إن لم يقدر على الحج،و حينئذٍ فيكون هذا قرينة على أن المراد بقوله في صدره:« لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت» لا تحلّ له حتى يحصل زيارة بنفسه أو بغيره.

و أظهر منه في ذلك ما سيأتي من رواية صحيحة،بل لعلّها فيه صريحة كما ستعرفه.

و منه يظهر الجواب عن الصحيح المستدل به للقول الثاني المتضمّن لقوله(عليه السّلام):« لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت،فإن هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره» (1)بحمله على ما ذكرنا.

و لا ينافيه ما في ذيله من قوله(عليه السّلام):« فأمّا ما دام حيّاً فلا يصلح أن يقضى عنه» الحديث؛ إذ غايته نفي الصلاحيّة الذي هو أعم من الكراهة و الحرمة،فلعلّ المراد به الكراهة إن لم نقل بظهوره فيها،كما عليه المتأخّرون كافة،تبعاً لما صرّح به الشيخ في مواضع عديدة،و منها ما في الاستبصار في بحث صلاة الفريضة في جوف الكعبة حيث صرّح ثمة بأنّ لا يصلح صريح في الكراهة (2)،و نحن نقول بها في المسألة،و على هذا فتكون هذه الصحيحة دليلاً آخر على الإطلاق،لا على خلافه حجّة و إن توهّمه جماعة (3).

ص:92


1- التهذيب 5:/255 865،الإستبصار 2:/233 807،الوسائل 13:406 أبواب الطواف ب 58 ح 2.
2- الاستبصار 1:299.
3- منهم:الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:343،منهم:و صاحب الحدائق 16:181.

و أما الصحيح المتضمن لنحو ما مرّ في صدر الصحيح الأخير و قول الراوي بعده:قلت:فإن لم يقدر،قال:« يأمر من يطوف عنه» (1)فليس فيه دلالة على التقييد؛ إذ الشرط إنما هو في كلام الراوي،فلا يفيد التقييد، و إنما يستفاد من قوله(عليه السّلام):« حتى يطوف بالبيت» الظاهر في وجوب طوافه عليه و مباشرته له بنفسه.لكن قد عرفت بما مرّ أن المراد منه المعنى الأعم الشامل له و لنائبه.

و على هذا فلم يبق حجّة على القول الثاني عدا أصالتي بقاء حرمة النساء و عدمِ الانتقال إلى الغير،و هما مخصَّصان بما مرّ.

فإذاً القول الأوّل أظهر،سيّما مع كونه أشهر و أوفق بما دلّ على نفي العسر و الحرج.

و لكن الثاني أحوط،بل لا يترك؛ لإمكان المناقشة في إطلاق الصحاح بقوة احتمال ورودها مورد الغالب،و هو صورة التعذّر أو التعسّر في العود؛ و عدم صراحة قوله(عليه السّلام)في الحديث الذي[يقر بها (2)]:« يأمر من يقضي عنه إن لم يحج» فيما مرّ،بل هو مطلق أيضاً،يحتمل الحمل على الغالب من صورة التعذّر،فلعلّه الباعث على عدم إرادة الحج.

و على هذا فيبقى الأوامر بطوافه بنفسه المستفادة من قوله:« لا حتى يطوف بالبيت» و غيره باقية على ظاهرها من لزوم المباشرة،خرج منه صورة التعذّر خاصة اتّفاقاً فتوًى و روايةً و بقي الباقي،و حينئذٍ فلا مخصّص يطمئن إليه للأصلين المتقدم إليهما الإشارة.

ص:93


1- التهذيب 5:/256 867،الإستبصار 2:/233 809،الوسائل 13:407 أبواب الطواف ب 58 ح 4.
2- في النسخ:يفيدها،و لعلّ الصحيح ما أثبتناه و قد مرّ الحديث في ص 3190.

و بالجملة: فالمسألة محلّ إشكال و ريبة؛ لإمكان الجمع بين الروايات بما يوافق كلا القولين،مع عدم وضوح دليل صالح للترجيح في البين سوى الشهرة للأوّل،لكنّها معارضة بالأُصول للثاني،فالمصير إلى الاحتياط أجود و إن كان في تعيّنه نظر،لقوّة الشهرة على الأُصول،سيّما مثل هذه الشهرة القريبة من الإجماع،المعتضدة بلفظ« لا يصلح» الظاهر في الكراهة إن لم نقل بصراحته فيها.

إلى ظهور بعض الصحاح في أنّ المراد بالأوامر المستفادة من قوله:« لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت» و غيره ما قدّمن،من تحصيل الطواف و لو بالاستنابة،لا المباشرة خاصة.

ففيه:قلت:رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله،قال:

« يأمر من يقضي عنه إن لم يحج،فإنه لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت» (1).

فإنّ تعليل الأمر بالاستنابة بهذه العلّة أوضح قرينة على أن المراد بها ما عرفته،لا طوافه بنفسه خاصة،و إلّا لما ارتبط العلّة بمعلولها و ما كان بينهما مناسبة.

و حينئذٍ فترتفع الأوامر بالمباشرة،و لا موجب لاعتبارها بالكليّة، و حينئذٍ فتنعكس الأُصول في المسألة.

و على القولين (2)يشترط عدم العود بنفسه في الاستنابة؛ لما عرفته من الأخبار الصحيحة.

و لو مات و لم يطف و لو استنابة قضاه عنه الوليّ أو

ص:94


1- الفقيه 2:/245 1175،الوسائل 13:408 أبواب الطواف ب 58 ح 8.
2- في« ح» و« ك»:القول.

غيره؛ لما عرفته من الروايات المتقدّمة.

الرابع من طاف فالأفضل له تعجيل السعي

الرابع:من طاف فالأفضل له تعجيل السعي في يوم الطواف؛ لآيتي المسارعة و الاستباق (1).

و لا يجوز تأخيره إلى غده للصحيحين (2):رجل طاف بالبيت فأعيى،أ يؤخّر الطواف بين الصفا و المروة إلى غد؟قال:

« لا».و لا خلاف فيه إلّا من الماتن في الشرائع فجوّزه إليه (3)،و هو مع رجوعه عنه في الكتاب نادر،و مستنده مع ذلك غير واضح،عدا الأصل، و إطلاق الصحيح:عن رجل طاف بالبيت فأعيى،أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة؟قال:« نعم» (4)و هما مقيّدان بما مرّ.

هذا،مع أن عبارته في الشرائع غير صريحة في المخالفة،كما فهمها الجماعة،فإنّها هكذا:

من طاف كان بالخيار في تأخير السعي إلى الغد،ثم لا يجوز مع القدرة.

و النزاع في دخول الغاية في المغيّا و عدمه معروف،و المخالفة تظهر من هذه العبارة على التقدير الأوّل،دون الثاني،بل هي عليه ظاهرة في

ص:95


1- آل عمران:133،المائدة:48.
2- الأوّل هو صحيح العلاء بن رزين:الكافي 4:/422 5،التهذيب 5:/129 425،الإستبصار 2:/229 792،الوسائل 13:4411 أبواب الطواف ب 60 ح 3. و الثاني هو صحيح محمّد بن مسلم:الفقيه 2:/253 1220،الوسائل 13:411 أبواب الطواف ب 60 ذيل الحديث 3.
3- الشرائع 1:270.
4- التهذيب 5:/129 424،الإستبصار 2:/229 791،الوسائل 13:411 أبواب الطواف ب 60 ح 2.

الموافقة.

و مستند جواز التأخير أولى الغد بهذا التقدير زيادةً على الأصل و إطلاق الصحيحة المتقدمة رواية أُخرى صحيحة:عن الرجل يقدم مكة و قد اشتدّ عليه الحرّ،فيطوف بالكعبة و يؤخر السعي إلى أن يبرد،فقال:

« لا بأس به» قال:و ربما رأيته يؤخر السعي إلى الليل (1)و كيف كان فلا ريب في المنع إلّا لعذر،فيجوز التأخير حينئذٍ بلا خلاف؛ لاستحالة التكليف بما لا يطاق.

و يجزئ مع التأخير الجائز و المحرّم ما كان في الوقت؛ للأصل من غير معارض.

الخامس لا يجوز للمتمتّع تقديم طواف حجّه و سعيه على الوقوفين و قضاء المناسك

الخامس: لا يجوز للمتمتّع تقديم طواف حجّه و سعيه على الوقوفين و قضاء المناسك في منى يوم النحر،بإجماع العلماء كافة،كما عن المعتبر و المنتهى و التذكرة (2)،و في الغنية الإجماع (3)؛ للمعتبرة:

منها: زيادةً على ما سيأتي الخبر المنجبر ضعف سنده بالعمل:

رجل كان متمتعاً و أهلّ بالحج،قال:« لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات، فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علّة فلا يعتدّ بذلك الطواف» (4).

و هذا الحكم ثابت مطلقاً إلّا ل معذور ك امرأة تخاف الحيض المتأخر أو مريض يضعف عن العود أو هِمّ و شيخ عاجز يخاف

ص:96


1- الكافي 4:/421 3،الفقيه 2:/252 1218،التهذيب 5:/128 423،الإستبصار 2:/229 790،الوسائل 13:410 أبواب الطواف ب 60 ح 1.
2- المعتبر 2:794،المنتهى 2:708،التذكرة 1:367.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):578.
4- الكافي 4:/458 4،التهذيب 5:/130 429،الإستبصار 2:/229 793،الوسائل 11:281 أبواب أقسام الحج ب 13 ح 5.

على نفسه الزحام،فيجوز لهم التقديم حينئذٍ بلا خلاف.

إلّا من الحلي فمنع عنه أيضاً؛ للأصل،و اندفاع الحرج بحكم الإحصار (1).

و هو نادر،بل في الغنية على خلافه الإجماع (2)،و هو الحجّة المخصِّصة لما مرّ من الأدلّة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،و هي ما بين مطلقة لجواز التقديم و هي صحاح مستفيضة (3)،و مقيّدةٍ له بالضرورة و هي أيضاً مستفيضة:

منها الموثّق كالصحيح بل الصحيح كما قيل (4)-:عن المتمتّع إذا كان شيخاً كبيراً أو امرأة تخاف الحيض،يعجّل طواف الحج قبل أن يأتي منى؟ فقال:« نعم من كان هكذا يعجّل» (5).

و منها الخبر كالصحيح:عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج،ففرغت من طواف العمرة و خافت الطمث قبل يوم النحر،يصلح لها أن تعجّل طوافها طواف الحج قبل أن تأتي منى؟قال:« إذا خافت أن تضطر إلى [ذلك]فعلت» (6).

ص:97


1- السرائر 1:575.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):578.
3- انظر الوسائل 11:280 أبواب أقسام الحج ب 13 الأحاديث 1،2،3.
4- المنتهى 2:708.
5- الكافي 4:/457 1،التهذيب 5:/131 432،الإستبصار 2:/230 796،الوسائل 11:281 أبواب أقسام الحج ب 13 ح 7.
6- التهذيب 5:/398 1384،الوسائل 13:415 أبواب الطواف ب 64 ح 2 بدل ما بين المعقوفين في النسخ:منى،و ما أثبتناه من المصدر.

و قريب منها الصحيح:لا بأس أن يعجّل الشيخ الكبير و المريض و المرأة و المعلول طواف الحج قبل أن يخرج إلى منى» (1).

و الجمع بين هذه الأخبار بحمل مطلقها على مقيّدها أولى من إبقاء المطلقة بحالها و حمل المقيدة على الندب؛ لرجحان التخصيص على المجاز حيثما تعارضا،مع حصول شرائط التكافؤ هنا،لحجيّة نحو الموثّق و غيره بعد الانجبار بعمل الأصحاب،فإنه أقوى من الصحيح المخالف له جدّاً.

فما يوجد في كلمات جملة من متأخري المتأخرين من الميل إلى الجواز مطلقاً لولا الإجماع (2)،عملاً بالصحاح،و حملاً للمفصّلة على الاستحباب ليس بصواب و إن هر الميل إليه من الفاضل في التحرير و التذكرة (3).

و أظهر منه الشيخ في الخلاف حيث قال:و روى أصحابنا رخصة في تقديم الطواف و السعي قبل الخروج إلى منى و عرفات،و الأفضل أن لا يطوف طواف الحج إلى يوم النحر إن كان متمتّعاً (4).

لندورهما جدّاً،مع عدم ظهور فتواهما بذلك ظهوراً كاملاً،إذ ليس في التحرير إلّا روي ساكتاً عليها.

و في التذكرة بعد نقل الرخصة في ذلك و أنه رأي الشافعي و ذكر رواية

ص:98


1- الكافي 4:/458 5،التهذيب 5:/131 431،الإستبصار 2:/230 795،الوسائل 11:281 أبواب أقسام الحج ب 13 ح 6.
2- منهم:صاحب المدارك 8:188 و الشيخ حسن في المنتقى 3:284،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:366.
3- التحرير 1:109،التذكرة 1:391.
4- الخلاف 2:350.

عامية مرخّصة (1)و خاصية مفصّلة (2):الأولى التقييد للجواز بالعذر.

و السكوت ليس علامة الرضا،و يأتي الأولى مرادفاً للأقوى كثيراً.

و ما في الخلاف و إن كان ظاهراً لكن يحتمل الاختصاص بالضرورة، قيل:كما يفهمه الحلّي،أي الأفضل مع العذر التأخير (3).

و في جواز تقديم طواف النساء على الوقوفين مع الضرورة روايتان،أشهرهما كما في الكتاب و غيره الجواز و فيها:« لا بأس بتعجيل طواف الحج و طواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى،و كذلك من خاف أمراً لا يتهيّأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف و يودّع البيت،ثم يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفاً» (4).

و قصور السند إن كان مجبور بالعمل مع أنه قيل صحيح (5)، و إطلاقه الشامل لحال الاختيار مقيّد بما سيأتي من النص و الإجماع على عدم الجواز فيها.

و الرواية الثانية لم أر عاملاً بها عدا الحلّي خاصة (6).و هو نادر جدّاً، و لا يمكنه التمسك بها،لأنها من الآحاد التي لا تفيد عنده علماً و لا عملاً؛ و مع ذلك فضعيفة الإسناد،متضمنة لما لا يقول به من جواز تقديم طواف الحج و سعيه مع الضرورة إن كان المراد بها رواية عليّ بن حمزة كما يظهر

ص:99


1- انظر كنز العمال 5:/280 12887.
2- تقدمت في ص:3195.
3- كشف اللثام 1:344.
4- التهذيب 5:/133 437،الإستبصار 2:/230 798،الوسائل 1:415 أبواب الطواف ب 64 ح 1.
5- كشف اللثام 1:344.
6- السرائر 1:575.

من جماعة.

و فيها:عن رجل يدخل مكّة و معه نساء و قد أمرهنّ فتمتّعن قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة فخشي على بعضهن من الحيض،فقال:« إذا فرغن من متعتهن و أحللن فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل و تهلّ بالحج من مكانها،ثم تطوف بالبيت و بالصف و المروة،فإن حدث بها شيء قضت بقية المناسك و هي طامث» قال:فقلت:أ ليس قد بقي طواف النساء؟» قال:« بلى» قلت:فهي مرتهنة حتى تفرغ منه؟قال:

« نعم» قلت:فلِمَ لا يتركها حتى تقضي مناسكها؟قال:« يبقى عليها منسك واحد أهون عليها من أن يبقى عليها المناسك كلّها مخافة الحدثان» قلت:

أبى الجمّال أن يقيم عليها و الرفقة؟قال:« ليس لهم ذلك،تستعدي عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر و تقضي مناسكها» (1).

و إن كان المراد بها الرواية الآتية في المنع عن تقديمه اختياراً (2)كما يفهم من التنقيح و غيره (3)فهي و إن كانت موثقة إلّا أنها أيضاً عنده ضعيفة، و مع ذلك ليس فيها تصريح لحال الضرورة،بل هي مطلقة تقبل التقييد بحال الاختيار،و المنع فيها محل وفاق.

و كما لا يمكنه العمل بهما كذا لا يمكننا؛ لقصورهما عن مقاومة الرواية الأُولى؛ لشهرتها.

مضافاً إلى ضعف الاُولى منهما سنداً كما مضى.بل و متناً؛ لظهورها

ص:100


1- الكافي 4:/457 2،التهذيب 5:/132 436،الوسائل 13:416 أبواب الطواف ب 64 ح 5.
2- الكافي 4:/457 1،التهذيب 5:/132 435،الإستبصار 2:/230 797،الوسائل 11:283 أبواب أقسام الحج ب 14 ح 4.
3- التنقيح الرائع 1:511؛ و انظر كشف اللثام 1:344.

في قدرتها على الإتيان بطواف النساء بعد الوقوفين و لو بالاستعداء على الجمّال و رفقتها؛ مع أن ما فيه من إطلاق الاستعداء عليهم مخالف للأُصول و الصحيح الوارد في مثل القضية المتضمن لقوله(عليه السّلام):« تمضي و قد تمّ حجّها» (1)بعد أن سئل عن التي لم تطف طواف النساء و لا يقيم عليها جمّالها، حيث لم يأمرها بالاستعداء،بل أمرها بالمضي معهم و قد حكم بأنها تمّ حجّها.

فلم يبق للحلّي دليل على قوله،سوى ما قيل من الأصل،و اتّساع وقته،و الرخصة في الاستنابة فيه (2).

و الأصل عندنا مخصَّص بما مرّ،و اتّساع الوقت مخالف للفرض، و الرخصة إنما هي في صورة النسيان خاصة،و إلحاق الضرورة به قياس فاسد في الشريعة.

و يجوز للقارن و المفرد تقديم الطواف اختياراً طواف الحج و سعيه على الوقوفين بلا خلاف،إلّا من الحلّي (3).و هو نادر،بل على خلافه الإجماع في صريح الغنية (4)،و ظاهر المعتبر و غيره (5)،و عن الشيخ (6)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،منها زيادةً على الأخبار الصحيحة الواردة بذلك في حجة الوداع (7)الصحيح:عن

ص:101


1- الكافي 4:/451 5،الفقيه 2:/245 1176،الوسائل 13:452 أبواب الطواف ب 84 ح 13.
2- كشف اللثام 1:344.
3- السرائر 1:575.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):578.
5- المعتبر 2:793؛ و انظر المفاتيح 1:366.
6- الخلاف 2:350.
7- انظر الوسائل 11:213 أبواب أقسام الحج ب 2 الأحاديث 4،14،15،32،33.

مفرد الحج يقدّم طوافه أو يؤخّره؟فقال:« هو و اللّه سواء،عجّله أو أخّره» (1)و نحوه أخبار أُخر موثقة.

و اعترض الفاضلان في المعتبر و المنتهى و المختلف (2)على هذه الأخبار الأخيرة باحتمال إرادة التعجيل بعد مناسك منى قبل انقضاء أيام التشريق و بعده.

و أجابا بجملة من الأخبار الغير المحتملة لذلك،منها: زيادةً على الموثقة الآتية قريباً « إن كنت أحرمت بالمتعة فقدمت يوم التروية،فلا متعة لك فاجعلها حجة مفردة تطوف بالبيت و تسعى بين الصفا و المروة ثم تخرج إلى منى و لا هدي عليك» (3).

و نحوها أخبار حجة الوداع،فإنها صريحة في ذلك.

و ظاهرها عدم الكراهة أيضاً،كما هو ظاهر العبارة.

خلافاً للفاضلين في الشرائع و القواعد (4)،فحكما بها.

و لعلّها إما للشبهة الناشئة من خلاف الحلّي.

و لكنه ضعيف في الغاية فلا يصلح لمعارضة أخبار حجة الوداع التي عليها بناء المناسك،و فيها قال(صلّى اللّه عليه و آله):« خذوا عني مناسككم» (5)المؤيدة بظاهر الأخبار المتقدمة المصرِّحة بالتسوية.

أو للموثق:عن مفرد الحج يقدّم طوافه أو يؤخّره؟قال:« يقدّمه»

ص:102


1- الكافي 4:/459 2،التهذيب 5:/132 434،الوسائل 11:282 أبواب أقسام الحج ب 14 ح 1.
2- المعتبر 2:794،المنتهى 2:709،المختلف:292.
3- لم نعثر عليه فيما تتبعناه من كتب الأخبار،و أورده المحقق في المعتبر 2:794.
4- الشرائع 1:271،القواعد 1:84.
5- عوالي اللئلئ 4:/34 118،المستدرك 9:420 أبواب الطواف ب 4 ح 4.

فقال رجل إلى جنبه:لكن شيخي لم يفعل ذلك،كان إذا قدم أقام بفَخّ حتى إذا رجع الناس إلى منى راح معهم،فقلت له:من شيخك؟فقال:علي بن الحسين(عليهما السّلام)،فسألت عن الرجل فإذا هو أخو علي بن الحسين(عليهما السّلام) لاُمّه (1).

و الاحتجاج به مع قصور السند و المكافأة لما مرّ على عدم الكراهية أوجه منه على الكراهية و حيث يقدّمان يجدّدان التلبية عقيب صلاة كل طواف،كما مرّ في صدر الكتاب في بيان أنواع الحج.

و لا يجوز تقديم طواف النساء على الوقوفين لمتمتع و لا غيره اختياراً بلا خلاف؛ للأصل،و للموثق كالصحيح بل الصحيح كما قيل (2)-:عن المفرد بالحج إذا طاف بالبيت و الصفا و المروة،أ يعجّل طواف النساء؟ قال:« لا،إنما طواف النساء؟قال:« لا،إنما طواف النساء بعد أن يأتي منى» (3).

و هو و إن اختص بالمفرد إلّا أن قوله« إنما» يعمّه و الآخَرَين،مضافاً إلى عدم القائل بالفرق.

و يجوز تقديمه عليهما مع الضرورة و الخوف من نحو الحيض على الأشهر الأظهر كما مرّ.

و لا يجوز لمتمتع و لا غيره أن يقدّم طواف النساء على السعي لتأخّره عنه بأصل الشرع بالنص و الإجماع.

ص:103


1- الكافي 4:/459 3،التهذيب 5:/45 136،الوسائل 11:283 أبواب أقسام الحج ب 14 ح 3.
2- مجمع الفائدة 7:142.
3- الكافي 4:/457 1،التهذيب 5:/132 435،الإستبصار 2:/230 797،الوسائل 11:283 أبواب أقسام الحج ب 14 ح 4.

ففي المرسل:متمتع زار البيت و طاف طواف الحج ثم طاف طواف النساء ثم سعى،قال:« لا يكون السعي إلّا من قبل طواف النساء» فقلت:

أ فعليه شيء؟فقال:« لا يكون السعي إلّا قبل طواف النساء» (1).

و لو قدّمه عليه ساهياً أو ناسياً لم يُعد و أجزأه؛ للموثق:عن رجل طاف طواف الحج و طواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا و المروة، قال:« لا يصرّه،يطوف بين الصفا و المروة و قد فرغ من حجه» (2).

و نفي الضرر على الإطلاق مع السكوت من الأمر بالإعادة مع كون المقام مقام الحاجة ظاهر في الإجزاء،مضافاً إلى فهم الأصحاب.

و هو و إن عمّ العالم و الجاهل،لكنهما خارجان:

أمّا الأول فلأنه لا يتصور منه التعبّد و التقرّب به.

و أمّا الجاهل فلأنه في حكمه عند أكثر الأصحاب.

مضافاً إلى الأصل و عموم النص المتقدم لهما،بل و للساهي أيضاً، لكنه خرج بالنص و الإجماع ظاهراً فيبقيان.

فلا يجزئ التقدّم فيهما إلّا مع الضرورة كالمرض و خوف الحيض، فيجزئ حينئذ،كما في كلام جماعة (3)؛ لإطلاق الموثق،مضافاً إلى انتفاء العسر و الحرج،المؤيد بجواز تقديمه على الموقفين.

قيل:و يحتمل العدم؛ لأُصول عدم الإجزاء مع مخالفته الترتيب،

ص:104


1- الكافي 4:/512 5،التهذيب 5:/133 438،الإستبصار 2:/231 799،الوسائل 13:417 أبواب الطواف ب 65 ح 1.
2- الكافي 4:/514 7،الفقيه 2:/244 1166،التهذيب 5:/133 439،الإستبصار 2:/231 800،الوسائل 13:418 أبواب الطواف ب 65 ح 2.
3- منهم:المحقق في الشرائع 1:271،و صاحب المدارك 8:191،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:367.

و بقائه على الذمة،و بقائهنّ على الحرمة؛ و اندفاع الحرج بالاستنابة، و سكوت أكثر الأصحاب عنه (1).

و فيه نظر،سيّما و قد قال جماعة:إنّ جواز التقديم مع النسيان و الضرورة مقطوع به في كلام الأصحاب (2)،مشعرين بدعوى الإجماع.

و ربما أُيّد بفحوى الصحيح الوارد في التي لم تطف طواف النساء و يأبى الجمّال أن يقيم عليها (3)،الدالّ على أنها تمضي و قد تمّ حجها، فإنه إذا جاز ترك الطواف من أصله فتقديمه أولى.و فيه نظر جدّاً.

السادس قيل لا يجوز الطواف و عليه بُرْطُلة

السادس: قيل في النهاية لا يجوز الطواف و عليه بُرْطُلة (4) بضمّ الموحّدة و الطاء المهملة،و سكون الراء المهملة بينهما،و لام خفيفة أو شديدة.

و فسّرها جماعة (5)بأنها قلنسوة طويلة كانت تلبس قديماً.

للخبر:« لا تطوفنّ بالبيت و عليك برطلة» (6)

ص:105


1- كشف اللثام 1:344.
2- منهم:صاحب المدارك 8:191،و السبزواري في الذخيرة:642.
3- تقدّم مصدره في ص 3199.
4- النهاية:242.
5- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:124،صاحب المدارك 8:192،السبزواري في الذخيرة:462.
6- الكافي 4:/427 4،التهذيب 5:/134 442،الوسائل 13:420 أبواب الطواف ب 67 ح 1.

و في آخر:« لا تلبسها حول الكعبة فإنّها من زيّ اليهود» (1).

و التعليل فيه ظاهر في الكراهة،و لذا استدل به عليها في التنقيح (2).

و ربما استدل به على التحريم.و هو ضعيف،سيّما مع ضعف السند، فلا يخصّص الأصل؛ و لذا كانت الكراهية أشبه لكن لا مطلقاً كما في التهذيب (3)بل ما لم يكن الستر على الطائف المزبور محرّماً كما إذا كان في طواف الحج بعد الوقوفين.و أما إذا كان محرّماً كما إذا كان في طوافه قبل الوقوفين،أو في طواف العمرة مطلقاً فيحرم قطعاً،كما عليه الحلّي و أكثر المتأخرين عنه (4).

و الحقّ الكراهة مطلقاً؛ لخصوصية اللباس في الطواف.و لا ينافيه عروض التحريم أحياناً؛ و ذلك لظهور الخصوصية من الفتوى و الرواية،و إلّا فالتحريم مع الستر حيث يحرم لا خصوصية له بالبرطلة،بل يظهر من الرواية الأخيرة أن الكراهية من حيث اللبس حول الكعبة،سواء كان هناك أم لا،بل و ربما أشعر التعليل فيها بأنها من حيث اللبس خاصة كما قيل (5)،للصحيح:إنه كره لبس البرطلة (6).

ص:106


1- الفقيه 2:/255 1235،التهذيب 5:/134 443،الوسائل 13:420 أبواب الطواف ب 67 ح 2.
2- التنقيح الرائع 1:512.
3- التهذيب 5:134.
4- الحلي في السرائر 1:576؛ و انظر المنتهى 2:702،و المسالك 1:124.
5- الحدائق 16:243.
6- الكافي 6:/479 5،الوسائل 5:58 أبواب أحكام لباس المصلي ب 31 ح 1.

و لكن يستفاد من الرواية الأُولى و فتوى الأصحاب أن للطواف بها خصوصية في الكراهية،و الجمع بينها و بين الصحيح يقتضي حمل الرواية على تأكد الكراهة و على الأقوال فحيث طاف معها كان طوافه صحيحاً.

أما عندنا فواضح،و أما عند المحرِّم فقيل:لتعلّق النهي بالخارج (1).

و فيه نظر؛ لتصريح الرواية الأُولى بالنهي عن نفس الطواف،فيكون البطلان موجهاً.

السابع كلّ محرم يلزمه طواف النساء

السابع: كلّ محرم يلزمه طواف النساء،رجلاً كان أو امرأة أو صبيّاً أو خصيّاً في حج كان بجميع أنواعه أو عمرة بأنواعها. إلّا في العمرة المتمتع بها أما وجوبه في الحج بأنواعه فمجمع عليه عندنا على الظاهر، المصرَّح به في كلام جماعة مستفيضاً،كالغنية و التذكرة و المنتهى و غيرها (2)، و الصحاح به مع ذلك مستفيضة كغيرها:

ففي الصحيح:« على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف بالبيت، و يصلّي لكل طواف ركعتين،و سعيان بين الصفا و المروة» (3).

و فيه:« لا يكون القارن إلّا بسياق الهدي،و عليه طوافان بالبيت و سعي بين الصفا و المروة كما يفعل المفرد،و ليس بأفضل من المفرد إلّا بسياق الهدي» (4).

ص:107


1- انظر المدارك 8:193.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):577،التذكرة 1:391،المنتهى 2:768؛ و انظر مفاتيح الشرائع 1:364.
3- الكافي 4:/295 3،التهذيب 5:/36 106،الوسائل 11:220 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 9.
4- الكافي 4:/295 1،التهذيب 5:/42 123،الوسائل 11:220 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 10.

و أما وجوبه في العمرة المبتولة مطلقاً فهو الأظهر الأشهر،بل كاد أن يكون إجماعاً،بل عليه إجماعنا في الغنية و عن التذكرة و المنتهى (1)، و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة أيضاً:

ففي الصحيح:عن العمرة هل على صاحبها طواف النساء؟و عن التي يتمتع بها إلى الحج؟فكتب:أما العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء،و أما التي يتمتع بها إلى الحج فليس على صاحبها طواف النساء» (2).

و فيه:عن العمرة المفردة،على صاحبها طواف النساء؟..فجاء الجواب:« نعم و هو واجب لا بدّ منه» (3).

و نحوه الخبر كالصحيح بابن أبي عمير الذي لا يروي إلّا عن ثقة (4)، فلا يضرّ جهالة من بعده.

و في المرسل:« المعتمر يطوف و يسعى و يحلق» قال:« و لا بدّ له بعد الحلق من طواف آخر» (5)و هو يعمّ المفردة و المتمتّع بها،و الأخيرة خارجة بما سيأتي من الأدلّة،و المبتولة و لا مخرج لها كما ستعرفه.و ضعف السند فيه و قصوره في سابقه مجبور بالعمل.

خلافاً للمحكي في الدروس عن الجعفي،فأسقطه هنا (6)؛ للأصل،

ص:108


1- الغنية(الجوامع الفقهية):583،التذكرة 1:392،المنتهى 2:768.
2- الكافي 4:/538 9،التهذيب 5:/254 861،الإستبصار 2:/232 804،الوسائل 13:442 أبواب الطواف ب 82 ح 1.
3- التهذيب 5:/439 1524،الوسائل 13:444 أبواب الطواف ب 82 ح 5.
4- الكافي 4:/538 108،التهذيب 5:/253 858،الإستبصار 2:/231 801،الوسائل 13:445 الطواف ب 82 ح 8.
5- الكافي 4:/538 7،التهذيب 5:/254 859،الإستبصار 2:/231 802،الوسائل 13:443 أبواب الطواف ب 82 ح 2.
6- الدروس 1:329.

و يخصَّص بما مرّ.

و للصحيح:عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحج طاف و سعى و قصّر، هل عليه طواف النساء؟قال:« إنما طواف النساء بعد الرجوع[من ]منى» (1).

و فيه:أنه يجوز أن يكون المراد:إنما طواف النساء عليه (2)، لا مطلقاً.

و لآخر:« إذا دخل المعتمر مكّة من غير تمتّع و طاف بالبيت و صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم(عليه السّلام)و سعى بين الصفا و المروة فيلحق بأهله إن شاء» (3).

و فيه:أنه ليس نصّاً في وحدة الطواف،فيحتمل إرادة طواف ما يجب عليه،بل قيل:إنّ ظاهره ذلك (4).

و لخبرين (5)ضعف سندهما مع قصورهما عن المكافأة لما مضى من وجوه شتّى،يمنع عن العمل بهما.

و أما عدم وجوبه في المتمتّع بها فبالأصل،و الإجماع الظاهر، المصرّح به في بعض العبائر (6)،و الصحاح المستفيضة المتقدم إلى جملة

ص:109


1- التهذيب 5:/254 862،الإستبصار 2:/232 805،الوسائل 13:444 أبواب الطواف ب 82 ح 6.
2- أي:على المتمتع المسئول عنه في الرواية،فيكون الحصر إضافياً بالنسبة إليه.
3- الفقيه 2:/275 1342،الوسائل 14:316 أبواب العمرة ب 9 ح 2.
4- كشف اللثام 1:343.
5- الأول:التهذيب 5:/254 860،الإستبصار 2:/232 803،الوسائل 13:445 أبواب الطواف ب 82 ح 9.
6- مفاتيح الشرائع 1:364.

منها الإشارة.

و عن بعض الأصحاب وجوبه فيها (1)؛ لإطلاق بعض ما مرّ من الصحاح،و يقيّد بالمبتولة لما عرفته من الأدلّة؛ و للخبر (2)،و في سنده ضعف بالجهالة،و في متنه قصور في الدلالة،و مع ذلك قاصر عن المقاومة لما عرفته من الأدلّة.

و أما عموم وجوبه لمن مرّ فللإجماع،كما عن المنتهى و التذكرة (3).

و الصحيح:عن الخصيان و المرأة الكبيرة،أ عليهم طواف النساء؟ قال:« نعم عليهم الطواف كلّهم» (4).

و في الموثّق:« لولا ما منّ اللّه تعالى به على الناس من طواف الوداع لرجعوا إلى منازلهم و لا ينبغي لهم أن تمسّوا نساءهم،يعني لا تحلّ لهم النساء حتى يرجع فيطوف بالبيت أُسبوعاً آخر بعد ما يسعى بين الصفا و المروة،و ذلك على النساء و الرجال واجب» (5).

قال الشهيد-(رحمه اللّه)-:و ليس طواف النساء مخصوصاً بمن يغشى النساء إجماعاً،فيجب على الخصيّ و المرأة و الهِمّ،و على من لا إربه له في النساء (6).

ص:110


1- انظر الدروس 1:329.
2- التهذيب 5:/162 544،الإستبصار 2:/244 853،الوسائل 13:444 أبواب الطواف ب 82 ح 7.
3- المنتهى 2:768،التذكرة 1:391.
4- الكافي 4:/513 4،التهذيب 5:/255 864،الوسائل 13:298 أبواب الطواف ب 2 ح 1.
5- التهذيب 5:/253 856،الوسائل 13:299 أبواب الطواف ب 2 ح 3.
6- انظر الدروس 1:457.

و قيل:إن وجوبه غير معلّل بإمكان الاستمتاع،و لذا يجب قضاؤه عن الميّت كما مرّ (1).

و المراد بالخصيّ:ما يعمّ المجبوب،بل المقصود أوّلاً من عبارات الأصحاب و السائل في الصحيح المتقدم هو الذي لا يتمكن من الوطء.

و بوجوبه على الصبي:أن على الوليّ أمر المميّز به،و الطواف بغير المميّز،فإن لم يفعلوه حَرٌ من عليهم إذا بلغوا حتى يفعلوه أو يستنيبوا فيه، استصحاباً لحرمتهن المستفادة من عموم نحو قوله تعالى فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ [1] الآية (2).

الثامن لو نذر أن يطوف على أربع،قيل يجب عليه طوافان

الثامن: لو نذر أحد أن يطوف على أربع،قيل كما في النهاية و اللمعة و عن المبسوط و التهذيب و المهذّب و الجامع (3) يجب عليه طوافان على النهج المعهود،طواف ليديه،و طواف لرجليه و روى ذلك في خبرين (4)أحدهما القوي بالسكوني و صاحبه،لكن موردهما امرأة نذرت ذلك خاصة.

و قيل في السرائر (5) لا ينعقد هذا النذر لأنه لا يتعبّد بصورة النذر إجماعاً،و إيجاب ما في الخبرين بدله يحتاج إلى دلالة هي

ص:111


1- كشف اللثام 1:343.
2- البقرة:197.
3- النهاية:242،اللمعة(الروضة البهية 2):259،المبسوط 1:360،التهذيب 5:135،المهذب 1:231،الجامع للشرائع:200.
4- الأول:الكافي 4:/430 18،الفقيه 2:/308 1351،التهذيب 5:/135 446،الوسائل 13:421 أبواب الطواف ب 70 ح 1.الثاني:الكافي 4:/429 11،التهذيب 5:/135 447،الوسائل 13:422 أبواب الطواف ب 70 ح 2.
5- السرائر 1:576.

في المقام مفقودة،إذ ليس إلّا الخبرين،و في الاعتماد عليهما في تخصيص الأصل مناقشة،لقصورهما عن الصحة.

و مع ذلك فهما مختصّان بالمرأة،فالتعدية إلى الرجل تحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة،و لا إجماع مركّباً في المسألة،فقد حكي القول بالتفصيل بينهما،فالقول الثاني في الرجل و الأول في المرأة (1).

و هو أحوط؛ لاعتبار أحد الخبرين بالقوة،و اعتضاده مع ذلك بالموافقة للخبر الآخر و الشهرة المحكيّة في الروضة (2).

و أحوط منه القول الأول و إن كان الثاني لعلّه أظهر و بين المتأخرين أشهر.

و عليه فهل الباطل الهيئة خاصة كما عن المنتهى (3)فيجب عليه طواف واحد،إلّا أن ينوي عند النذر أن لا يطوف إلّا على هذه الهيئة رأساً؛ أو الطواف رأساً؟وجهان،و الأول أحوط و إن كان في تعيّنه نظر.

ص:112


1- كما حكاه الشهيد الثاني في الروضة 2:259.
2- الروضة 2:259.
3- المنتهى 2:703.
القول في السعي
اشارة

القول في السعي و النظر في مقدمته،و كيفيته،و أحكامه

المقدمة

أما المقدمة فمندوبات عشرة الطهارة من الأحداث بلا خلاف،إلّا من العماني فأوجبها (1)؛ للنهي عن السعي بدونها في الصحيح (2)و غيره (3).

و هو نادر،بل على خلافه الإجماع على الظاهر،المنقول عن ظاهر المنتهى (4)،حيث أسند الاستحباب إلى علمائنا،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الصريحة في عدم الوجوب (5)،بها يحمل الخبران الأوّلان على الكراهة، جمعاً بين الأدلّة.

و من الأخباث،كما في كلام جماعة (6)؛ و لم أقف لهم على رواية و حجّة،عدا ما قيل من أنه للتعظيم (7).

ص:113


1- حكاه عنه في المختلف:293.
2- التهذيب 5:/394 1373،الإستبصار 2:/314 1114،الوسائل 13:494 أبواب السعي ب 15 ح 3.
3- الكافي 4:/438 3،التهذيب 5:/154 508،الإستبصار 2:/241 839،الوسائل 13:495 أبواب السعي ب 15 ح 7.
4- المنتهى 2:703.
5- الوسائل 13:493 أبواب السعي ب 15.
6- منهم:الشهيد الأول في الدروس 1:409،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:374.
7- قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:374.

و استلام الحجر و تقبيله مع الإمكان،و الإشارة إليه مع العدم إذا أراد الخروج للسعي.

و الشرب من زمزم بعد إتيانه.

و الاغتسال بل الصبّ على الرأس و الجسد من الدلو المقابل للحجر إن أمكن و إلّا فمن غيره،و الأفضل استقاؤه بنفسه،و يقول عند الشرب و الصبّ:« اللهم اجعله علماً نافعاً و رزقاً واسعاً و شفاءً من كلّ داء و سُقم» (1).

و الخروج للسعي من باب الصفا المقابل للحجر،قيل:و هو الآن داخل في المسجد كباب بني شيبة،إلّا أنه مُعلَّم بأُسطوانتين فليخرج من بينهما (2).

و في الدروس:الظاهر استحباب الخروج من الباب الموازي لهما (3).

على سكينة و وقار.

و صعود الصفا إلى حيث يرى الكعبة من بابه.

قيل:و يكفي فيه الصعود على الدرجة الرابعة التي كانت تحت التراب و ظهرت الآن حيث أزالوا التراب.

و الوقوف عليه بقدر قراءة سورة البقرة بتأنٍّ.

و استقبال ركن العراقي الذي فيه الحجر و التحميد و التكبير و التهليل سبعاً و الصلاة على النبي(صلّى اللّه عليه و آله) و الدعاء بالمأثور.

ص:114


1- الكافي 4:/430 1،التهذيب 5:/144 476،الوسائل 13:472 أبواب السعي ب 2 ح 1.
2- الروضة 2:262.
3- الدروس 1:409.

كلّ ذلك بالإجماع،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

ففي الصحيح:« إذا فرغت من الركعتين فأت الحجر الأسود فقبّله و استلمه[أو]أشر إليه فإنه لا بدّ منه» و قال:« إن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج إلى الصفا فافعل» (1).

و فيه:« يستحب أن تستقي من ماء زمزم دلواً أو دلوين و نضبّ على رأسك و جسدك،و ليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر» (2).

و فيه:« ثم اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)،و هو الباب الذي يقابل الحجر الأسود حتى تقطع الوادي،و عليك السكينة و الوقار» (3).

و فيه:« فاصعد على الصفا حتى تنظر إلى البيت و تستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود،فاحمد اللّه تعالى و أثن عليه،ثم اذكر من الآية و بلائه و حسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره،ثم كبّر اللّه تعالى سبعاً،و أحمده سبعاً،و هلّله سبعاً،و قل:لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له،له الملك و له الحمد،يحيي و يميت (4)،و هو حي لا يموت (5)،و هو على كلّ شيء قدير،ثلاث مرّات،ثم صلِّ على النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و قل:اللّه أكبر،الحمد للّه على ما هدانا،و الحمد للّه على ما أولانا،و الحمد للّه الحي القيّوم،و الحمد للّه

ص:115


1- الكافي 4:/430 1،التهذيب 5:/144 476،الوسائل 13:472 أبواب السعي ب 2 ح 1 بدل ما بين المعقوفين في النسخ:و ما أثبتناه من المصادر.
2- التهذيب 5:/145 478،الوسائل 13:474 أبواب السعي ب 2 ح 4.
3- الكافي 4:/431 1،التهذيب 5:/145 481،الوسائل 13:475 أبواب السعي ب 3 ح 2.
4- في« ح» و« ك» زيادة:و يميت و يحيي.
5- في« ح» و« ك» زيادة:بيده الخير.

الحي الدائم،ثلاث مرّات،و قل:أشهد أن لا إله إلّا اللّه،و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله،لا نعبد إلّا إياه مخلصين له الدين و لو كره المشركون،ثلاث مرّات،اللهم إني أسألك العفو و العافية و اليقين في الدنيا و الآخرة،ثلاث مرّات،اللهم آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ [1] ، ثلاث مرّات،ثم كبّر اللّه مائة مرّة،و هلّل اللّه مائة مرّة،و احمد اللّه مائة مرّة، و تسبّح مائة مرّة و تقول:لا إله إلّا اللّه وحده،أنجز وعده،و نَصَر عبده، و غلب الأحزاب وحده،فله الملك و له الحمد،وحده وحده،اللهم بارك لي في الموت و فيما بعد الموت،اللهم إنّي أعوذ بك من ظلمة القبر و وحشته،اللهم أظلّني في ظلّ عرشك يوم لا ظلّ إلّا ظلّك و أكثر من أن تستودع ربك دينك و نفسك و أهلك،ثم تقول:أستودع اللّه الرحمن الرحيم الذي لا يضيع ودائعه ديني و نفسي و أهلي،اللهم استعملني على كتابك و سنّة نبيّك،و توفّني على ملّته،و أعذني من الفتنة،ثم تكبّر ثلاثاً،ثم تعيدها مرّتين،ثم تكبّر واحدة،ثم تعيدها،فإن لم تستطع هذا فبعضه» (1).

و روى غير ذلك (2)،و أنه ليس فيه شيء موقت (3).

الكيفيّة

و أما الكيفيّة: ففيها الواجب و الندب و الواجب أربعة:النيّة المشتملة على الفعل،أعني به السعي المخصوص،فلا بدّ من تصور معناه المتضمّن للذهاب من الصفا إلى

ص:116


1- الكافي 4:/431 1،التهذيب 5:/145 481،الوسائل 13:476 أبواب السعي ب 4 ح 1.
2- الكافي 4:/432 5،التهذيب 5:/147 482،الوسائل 13:478 أبواب السعي ب 4 ح 3.
3- الكافي 4:/433 7،التهذيب 5:/147 485،الوسائل 13:480 أبواب السعي ب 5 ح 3.

المروة و العود و هكذا سبعاً؛ و على وجهه من الوجوب و الندب(إن وجب) (1)و كونه سعي حجّ الإسلام أو غيره من عمرة الإسلام أو غيرها؛ و التقرب به إلى اللّه تعالى مقارنة لأوّله.

و يجب استدامة حكمها حتى الفراغ إن أتى به متّصلاً إلى الآخر،فإن فصل جدّدها ثانياً فما بعده.

و البدأه بالصفا و الختم بالمروة فلو عكس بطل مطلقاً و لو سهواً أو جهلاً.

و السعي بينهما سبعاً،يعدّ ذهابه إلى المروة شوطاً،و عوده منها إلى الصفا آخر و هكذا إلى أن يكمّلها سبعاً.

كلّ ذلك بالإجماع الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (2)،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة التي كادت تكون متواترة،بل متواترة.

ففي الصحيح:«طف بينهما سبعة أشواط،تبدأ بالصفا و تختم بالمروة» (3).

و فيه:« إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)حين فرغ من طوافه قال:ابدءوا بما بدأ اللّه به من إتيان الصفا،إنّ اللّه عز و جل يقول: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ [1] (4)(5).و فيه:« من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى و يبدأ بالصفا قبل

ص:117


1- ما بين القوسين ليست في« ك».
2- كالمنتهى 2:705،و التذكرة 1:366،و المفاتيح 1:375.
3- الكافي 4:/434 6،التهذيب 5:/148 487،الوسائل 13:481،482 أبواب السعي ب 6 ح 1،2.
4- البقرة:158.
5- الكافي 4:/431 1،التهذيب 5:/145 481،الوسائل 13:483 أبواب السعي ب 6 ح 7.

المروة» (1)و نحوه غيره (2).

و ظاهر إطلاقهما وجوب الإعادة لو عكس في كلّ ما قدّمناه من الأحوال الثلاثة (3)،و يعضده الأُصول،لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.

و في الصحيح:سعيت بين الصفا و المروة أنا و عبد اللّه بن راشد فقلت له:تحفّظ عليّ،فجعل يعدّ ذاهباً و جائياً شوطاً أحداً إلى أن قال -:فأتممنا أربعة عشر شوطاً،فذكرنا ذلك لأبي عبد اللّه(عليه السّلام)فقال:« قد زادوا على ما عليهم،ليس عليهم شيء» (4).

و يحصل البدأة بالصفا و الختم بالمروة إما بالصعود عليهما،أو بجعل عقبه و كعبه أعني ما بين الساق و القدم ملاصقاً للصفا،و أصابع قدميه قدميه جميعاً ملاصقة للصفا،و أصابع قدميه جميعاً ملاصقة للمروة.

و لا يجب صعودهما إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة و منهم:الشيخ في الخلاف و القاضي (5)فيما حكي،و عن الفاضل في المنتهى و التذكرة (6)أيضاً؛ للأصل،و الصحيح:عن النساء يطفن على الإبل و الدواب أ يجزئهنّ أن يقفن تحت الصفا حيث يرين؟فقال:« نعم» (7).

و عن التذكرة و المنتهى:أن من أوجب الصعود أوجبه من باب

ص:118


1- التهذيب 5:/151 491،الوسائل 13:487 أبواب السعي ب 10 ح 1.
2- التهذيب 5:/153 503،الإستبصار 2:/240 736،الوسائل 13:487 أبواب السعي ب 10 ح 2.
3- أي:في صورة العمد و السهو و الجهل.
4- التهذيب 5:/152 501،الإستبصار 2:/239 834،الوسائل 13:488 أبواب السعي ب 11 ح 1.
5- الخلاف 2:329،القاضي في جواهر الفقه:42.
6- المنتهى 2:704،التذكرة 1:366.
7- الكافي 4:/437 5،الفقيه 2:/257 1249،التهذيب 5:/156 517،الوسائل 13:498 أبواب السعي ب 17 ح 1.

المقدّمة،لأنه لا يمكن استيفاء ما بينهما إلّا به،كغسل جزء من الرأس في الوضوء،و صيام جزء من الليل.قال:و هذا ليس بصحيح؛ لأن الواجبات هنا لا تنفصل بمفصل حسّي يمكن معه استيفاء الواجب دون فعل بعضه، فلهذا أوجبنا غسل جزء من الرأس و صيام جزء من الليل،بخلاف صورة النزاع فإنه يمكنه أن يجعل عقبه ملاصقاً للصفا (1).انتهى.

و هو حسن،بل اتفاق الأصحاب في الظاهر على وجوب إلصاق العقب بالصفا،و الأصابع بالمروة،لكان القول بعدم لزوم هذه الدقة و الاكتفاء بأقلّ من ذلك ممّا يصدق معه السعي بين الصفا و المروة عرفاً و عادةً كما اختاره بعض المعاصرين لا يخلو عن قوّة؛ لما ذكر من أن المفهوم من الأخبار أن الأمر أوسع من ذلك،فإنّ السعي على الإبل الذي دلّت عليه الأخبار و أن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان يسعى على ناقته (2)لا يتّفق فيه هذا التضييق، مِن جعل عقبه يلصقه بالصفا في الابتداء،و أصابعه يلصقها بالصفا موضع العقب بعد العود،فضلاً عن ركوب الدرج،بل يكفي فيه الأمر العرفي (3).

و لكن الأحوط ما ذكروه.

و في الدروس:الأحوط الترقّي إلى الدرج،و تكفي الرابعة (4).

قيل (5):لما روي أنه(صلّى اللّه عليه و آله)صعده في حجة الوداع (6)،مع قوله(صلّى اللّه عليه و آله)

ص:119


1- التذكرة 1:366،المنتهى 2:704.
2- كصاحب الحدائق 16:265.
3- الدروس 1:410.
4- الدروس 1:410.
5- كشف اللثام 1:346.
6- الكافي 4:/245 4،التهذيب 5:/454 1588،الوسائل 13:213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.

« خذوا عنّي مناسككم» (1).

أما كفاية الرابعة فلما روي أنه(صلّى اللّه عليه و آله)رَقِيَ قدر قامة (2)حتى رأى الكعبة (3).

و زيد في الدروس و غيره (4)على الأربعة وجوب الذهاب بالطريق المعهود،و استقبال المطلوب بوجهه،فلو اقتحم المسجد الحرام ثم خرج من باب آخر لم يجز،و كذلك لو سلك سوق الليل،و كذا لو أعرض أو مشى القهقرى لم يجز.

قيل:لأنهما المعهود من الشارع (5).و لا بأس به.

المندوب

و المندوب أيضاً أُمور أربعة:المشي طرفيه أي طرفي السعي أي في أوّله و آخره،أو طرفي المشي من البطء و الإسراع،و يعبّر عنه بالاقتصاد.

و الإسراع يعني الهرولة،و يقال له الرَّمَل أيضاً ما بين المنارة و زقاق العطّارين للرجل خاصة.

بلا خلاف ظاهر و لا محكي،إلّا عن الحلبي في الإسراع فأوجبه (6)، و عبارته المحكية عن إفادة الوجوب قاصرة،و مع ذلك فهو نادر،بل على خلافه الإجماع في الغنية و غيرها (7).

ص:120


1- عوالي اللآلي 4:/34 118،المستدرك 9:420 أبواب الطواف ب 54 ح 4.
2- في« ح»:قامته.
3- سنن النسائي 5:240،سنن البيهقي 5:93،94؛ بتفاوت يسير.
4- الدروس 1:410؛ و انظر الحدائق 16:268،المدارك 8:207.
5- المفاتيح 1:375.
6- الكافي في الفقه:196.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):579؛ و انظر المنتهى 2:705.

و المعتبرة بفضيلة الأمرين قولاً و فعلاً مستفيضة:

ففي الصحيح:« ثم انحدر ماشياً و عليك السكينة و الوقار حتى تأتي المنارة و هي طرف المسعى فاسع مِلء فروجك و قل:بسم الله و بالله و الله أكبر،و صلّى اللّه على محمد و آله،و قل:اللهم اغفر و ارحم و اعف عمّا تعلم إنك أنت الأعزّ الأكرم،حتى تبلغ المنارة الأُخرى،فإذا جاوزتها فقل:

يا ذا المنّ و الفضل و الكرم و النعماء و الجود اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلّا أنت،ثم امش و عليك السكينة و الوقار» (1).

و نحوه غيره إلى قوله:« حتى تبلغ المنارة الأُخرى» إلى أن قال:« ثم امش و عليك السكينة و الوقار حتى تأتي المروة» (2).

و في الموثق:« إنما السعي على الرجال و ليس على النساء سعي» (3)و نحوه غيره (4).

و المراد بالسعي فيهما الهرولة و الإسراع في المشي دون العدو،و هو المشار إليه في الصحيح المتقدم بقوله:« اسع مِلء فروجك» .هذا إذا كان راجلاً،و إذا كان راكباً حرّك دابته بسرعة في موضع الرَّمَل إجماعاً كما عن التذكرة (5)،و للصحيح:« و ليس على الراكب رمل و لكن ليسرع شيئاً» (6).

ص:121


1- الكافي 4:/434 6،الوسائل 13:482 أبواب السعي ب 6 ح 2.
2- التهذيب 5:/148 487،الوسائل 13:481 أبواب السعي ب 6 ح 1.
3- الكافي 4:/434 1،التهذيب 5:/148 488،الوسائل 13:502 أبواب السعي ب 21 ح 2.
4- الكافي 4:/405 8،الوسائل 13:502 أبواب السعي ب 21 ح 1.
5- التذكرة 1:366.
6- الكافي 4:/437 6،الفقيه 2:/257 1250،التهذيب 5:/155 515،الوسائل 13:498 أبواب السعي ب 17 ح 2.

و في الدروس ما لم يؤذ أحداً (1).

و لو نسي الهرولة رجع القهقرى أي إلى خلف استحباباً و تدارك ها موضعها؛ للمرسل:« من سها عن السعي حتى يصير من المسعى على بعضه أو كلّه ثم ذكر فلا يصرف وجهه منصرفاً،و لكن يرجع القهقرى إلى المكان الذي يجب فيه السعي» (2).

قيل:و هو إن سلم فينبغي الاقتصار على القهقرى و أطلق القاضي العود و التخصيص بما إذا ذكر في شوط أنه ترك الرمل فيه،فلا يرجع بعد الانتقال إلى شوط آخر،و الأحوط أن لا يرجع مطلقاً،و لذا نسبه إلى الشيخ في المنتهى (3).انتهى.و لا بأس به.

و إذا تركه اختياراً لم يكن عليه شيء؛ للأصل،و الصحيح (4).

و الدعاء في موضع الهرولة بما مرّ في الصحيح و غيره.

و أن يسعى ماشياً فإن أفضل الأعمال أحمزها،و لأنه أدخل في الخضوع،و قد ورد أن المسعى أحبّ الأراضي إلى اللّه تعالى لأنه يذلّ فيه الجبابرة (5).

و للصحيح:« و المشي أفضل» (6).

ص:122


1- الدروس 1:412.
2- الفقيه 2:/308 1528،التهذيب 5:/453 1581،الوسائل 13:487 أبواب السعي ب 9 ح 2.
3- كشف اللثام 1:347.
4- الكافي 4:/436 9،التهذيب 5:/150 494،الوسائل 13:486 أبواب السعي ب 9 ح 1.
5- علل الشرائع:/433 2،الوسائل 13:471 أبواب السعي ب 1 ح 14.
6- الفقيه 2:/257 1248،المقنعة:415،الوسائل 13:497 أبواب السعي ب 16 ح 4.

و يجوز راكباً بالإجماع الظاهر،المصرَّح به في الغنية و غيرها (1)؛ و الصحاح،منها زيادةً على ما مضى عن الرجل يسعى بين الصفا و المروة على الدابة؟قال:« نعم،و على[المحمل ]» (2). و يجوز الجلوس في خلاله للراحة على الأشهر الأظهر،بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من الحلبيّين،فمنعا عنه مطلقاً حتى مع العجز و الإعياء، و جوّزا فيه الوقوف خاصة (3)،و هما نادران.بل على خلافهما الإجماع الآن.

للصحاح،منها:عن الرجل يطوف بين الصفا و المروة،أ يستريح؟ قال:« نعم،إن شاء جلس على الصفا و المروة أو بينهما فيجلس» (4).

و نحوه آخر،لكن في صورة الإعياء خاصة (5).

و في ثالث اشتراطه،و النهي عنه من دونه (6).

و مقتضى الجمع تقييد الجواز بصورة الإعياء خاصة،و لعلّه ظاهر نحو العبارة حيث قيّد الجواز بقوله:للاستراحة.

ص:123


1- الغنية(الجوامع الفقهية):579؛ و انظر التذكرة 1:366،و مفاتيح الشرائع 1:375.
2- الكافي 4:/437 1،التهذيب 5:/155 511،الوسائل 13:496 أبواب السعي ب 16 ح 1.و في النسخ:« الجمل» بدل« المحمل» و ما أثبتناه من المصادر.
3- ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):579،أبو الصلاح في الكافي في الفقه:196.
4- الكافي 4:/437 3،التهذيب 5:/156 516،الوسائل 13:501 أبواب السعي ب 20 ح 1.
5- الكافي 4:/416 4،قرب الإسناد /165 604،الوسائل 13:388 أبواب الطواف ب 46 ح 1.
6- الكافي 4:/437 4،الفقيه 2:/258 1251،الوسائل 13:502 أبواب السعي ب 20 ح 4.

و يمكن الجمع بحمل النهي في الأخير على الكراهة؛ للأصل،و قوة الإطلاق،و اعتضاده بما دلّ على جواز السعي راكباً فإنه ملازم للجلوس غالباً،و هو عامّ لخالتي الاختيار و الاضطرار إجماعاً،و إليه الإشارة في الصحيح:عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة،يجلس عليهما؟قال:« أو ليس هوذا يسعى على الدواب» (1).

و هو و إن كان مورده جوازه على المروة و الصفا،و لا خلاف فيه حتى منهما،إلّا أن قوله(عليه السّلام):« أو ليس» إلى آخره في قوة الجواب له بنعم،مع تعليله بما بما يعمّ الجلوس بينهما،بل التعليل أنسب بهذا كما لا يخفى.

و كيف كان،فهذه الصحاح مع صحتها و استفاضتها و اعتضادها بالأصل و الشهرة بين الأصحاب صريحة في ردّهما،بل ظاهر الأخير جوازه بينهما مطلقاً و لو لغير الاستراحة كما في السعي بينهما راكباً،نعم يكره لغيرها،لما مضى.

الأحكام أربعة

و أما الأحكام فأربعة:

الأول السعي ركن يبطل الحج بتركه

الأول: السعي عندنا ركن يبطل الحج و العمرة بتركه فيهما عمداً بإجماعنا الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر مستفيضاً كالغنية و التذكرة و المنتهى و غيرها (2)؛ لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، و للصحاح:

منها:« من ترك السعي متعمداً فعليه الحج من قابل» (3).

ص:124


1- الكافي 4:/438 1،الوسائل 13:501 أبواب السعي ب 20 ح 2.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):579،التذكرة 1:366،المنتهى 2:706؛ و انظر المدارك 8:211،و مفاتيح الشرائع 1:374،و كشف اللثام 1:347.
3- التهذيب 5:/471 1651،الوسائل 13:484 أبواب السعي ب 7 ح 2.

و الكلام في وقت الترك و الفوات كما تقدّم في الطواف.

و لا يبطل كلّ منهما بتركه سهواً بلا خلاف فيه هنا؛ للأصل، و رفع الخطأ و النسيان (1)،و العسر و الحرج (2)،و لما سيأتي من الأخبار.

و لكن يعود لتداركه،فإن تعذّر العود أو شقّ استناب فيه بلا خلاف فيهما،بل عليهما الإجماع في الغنية (3).

و هو الحجّة الجامعة بين المعتبرة الواردة بعضها بإطلاق العود بنفسه كالصحيح:رجل نسي السعي بين الصفا و المروة،قال:« يعيد السعي» قلت:فإنه خرج،قال:« يرجع فيعيد السعي» الخبر (4).

و آخر بأنه يطاف عنه بقول مطلق كالصحيح (5)و غيره (6):عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة حتى يرجع إلى أهله،قال:« يطاف عنه» .يحمل الأول على صورة التمكن من غير مشقة،و الأخيرين على غيرها جمعاً،و الجامع ما مرّ.

مضافاً إلى الأُصول الموجب بعضها العود على نفسه مع عدم المشقة

ص:125


1- الفقيه 1:/36 132،الوسائل 7:293 أبواب قواطع الصلاة ب 37 ح 2،و رواه في الخصال:/417 9 بتفاوت يسير.
2- البقرة:185،الحج:78.
3- البقرة:185،الحج:78.
4- الكافي 4:/484 1،التهذيب 5:/150 492،الإستبصار 2:/238 829،الوسائل 13:485 أبواب السعي ب 8 ح 3.
5- الفقيه 2:/256 1244،التهذيب 5:/472 1658،الوسائل 13:486 أبواب السعي ب 8 ح 3.
6- التهذيب 5:/150 493،الإستبصار 2:/239 830،الوسائل 13:486 أبواب السعي ب 8 ح 2.

و بقاء الوقت لبقاء الأمر،و آخر منها عدم وجوبه على نفسه مع المشقة لنفي العسر و الحرج في الشريعة،و جاء وجوب الاستنابة حينئذ من الخارج من النص و الإجماع،فتأمل.

الثاني يبطل السعي بالزيادة عمداً

الثاني: يبطل السعي بالزيادة فيه عمداً كالطواف بلا خلاف، لما مرّ ثمة،مع تأمل فيما دلّت عليه إطلاق العبارة،و أن الوجه التفصيل على ما ذكر ثمة (1).

و لا يبطل بالزيادة سهواً إجماعاً؛ للأصل،و الصحاح المستفيضة و إن اختلفت في الدلالة على اطراح الزائد و الاجتزاء بالسبعة كما في أكثرها، منها زيادةً على ما مرّ في بحث وجوب عدّ الذهاب شوطاً و الإياب آخر الصحيح:حججنا و نحن صرورة،فسعينا بين الصفا و المروة أربعة عشر شوطاً،فسألت أبا عبد اللّه(عليه السّلام)عن ذلك،فقال:« لا بأس،سبعة لك و سبعة تطرح» (2).

و الصحيح:« من طاف بين الصفا و المروة خمسة عشر شوطاً طرح ثمانية و اعتدّ بسبعة» (3).

و هذه الأخبار و إن عمّت صورة صورة العمد لكنّها مقيدة بغيرها إجماعاً، و للصحيح:في رجل سعى بين الصفا و المروة ثمانية أشواط ما عليه؟فقال:« إن كان خطأ أطرح واحداً و اعتدّ بسبعة» (4).

ص:126


1- راجع ص 3130.
2- الكافي 4:/436 3،التهذيب 5:/152 500،الإستبصار 2:/239 833،الوسائل 13:492 أبواب السعي ب 13 ح 5.
3- الكافي 4:/437 5،الوسائل 13:491 أبواب السعي ب 13 ح 4.
4- الكافي 4:/436 2،الفقيه 2:/257 1246،التهذيب 5:/152 449،الإستبصار 2:/239 832،الوسائل 13:491 أبواب السعي ب 13 ح 3.

مضافاً إلى ظهور جملة منها في الزيادة جهلاً،و باقيها نسياناً،حملاً لأفعال المسلمين على الصحة.

أو إكمال أُسبوعين (1)كالصحيح:« إذا استيقن أنه طاف بين الصفا و المروة ثمانية فليضف إليها ستّاً» (2).

و جمع بينها أكثر الأصحاب بالتخيير بين الأمرين (3).

خلافاً لابن زهرة،فاقتصر على الثاني (4).

و الأولى و الأحوط الاقتصار على الأول،كما هو ظاهر المتن؛ لكثرة ما دلّ عليه من الأخبار و صراحتها و عدم ترتب إشكال عليها،بخلاف الثاني، فإنّ الصحيح الدالّ عليه مع وحدته و احتماله ما سيأتي ممّا يخرجه عمّا نحن فيه يتطرّق إليه الإشكال لو ابقي على ظاهره من كون ابتداء الأشواط الثمانية من الصفا و الختم بها،أن الأُسبوع الثاني المنضمّة إلى الاُولى يكون مبدؤها المروة دون الصفا،و قد مرّ الحكم بفسادها مطلقاً و لو نسياناً أو جهلاً.و تقييده ثمة بالسعي المبتدأ دون المنضمّ كما هنا ليس بأولى من حمل الصحيح هنا على كون مبدإ الأشواط فيها المروة دون الصفا،و يكون الأمر بإضافة الستّ إنما هو لبطلان السبعة الأُولى،لوقوع البدأة فيها بها، بخلاف الشوط الثامن،لوقوع البدأة فيه من الصفا.

و قيل:لا بعد في الصحة حينئذ إذا نوى في ابتداء الثامن أنه يسعى

ص:127


1- عطف على اطراح الزائد.
2- التهذيب 5:/152 502،الإستبصار 2:/240 835،الوسائل 13:490 أبواب السعي ب 13 ح 1.
3- منهم:صاحب المدارك 8:214،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:347،و صاحب الحدائق 16:280.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):579.

من الصفا إلى المروة سعي الحج أو العمرة قربةً إلى اللّه تعالى،مع الغفلة عن العدد،أو مع تذكر أنه الثامن،أو زعمه السابع،فلا مانع من مقارنة النية لكل شوط،بل لا يخلو منها المكلّف غالباً،و لذا أُطلق إضافة الستّ إليها،فلم يبق الصحيح في المسألة مستنداً (1).انتهى.

أقول:فيما ذكره بُعد.و الأولى السكوت عن أمر النية؛ فإن الإشكال الوارد من جهتها و هو عدم تحققها في الابتداء و مقارنتها مشترك الورود بين الاحتمالين (2).

هذا،و لكن الإنصاف بُعد الاحتمال الثاني جدّاً،و كون الجمع الأول أولى،سيّما مع اشتهاره بين أصحابنا.لكن ينبغي الاقتصار حينئذ في إضافة الستّ على مورد النص،و هو إكمال الشوط الثامن،كما صرّح به ابن زهرة و شيخنا الشهيد الثاني و غيرهما (3)؛ لما عرفت من مخالفته الأصل من وجهين (4)،فتعيّن اطراح الزائد إن كان بعضاً،و الاعتداد بالسبعة المزيد عليها؛ و الأخبار بالصحة و إن اختصّت بمن زاد شوطاً كاملاً أو شوطين أو أشواطاً كاملة،لكن إذا لم يبطل بزيادتها سهواً فلئلّا يبطل بزيادة بعضٍ شوطٍ أولى.

ص:128


1- كشف اللثام 1:347.
2- و هو احتمال تخصيص ما دلّ بوجوب البدأة بالصفا بالسعي المبتدأ و إبقاء الصحيح هنا على ظاهره،و احتمال إبقاء العموم الأول عليه و صرف هذا الصحيح عن ظاهره بحمله على وقوع البدأة بالمروة دون الصفا.(منه رحمه اللّه).
3- ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):579،الشهيد الثاني في المسالك 1:125،المدارك 8:213،مفاتيح الشرائع 1:376.
4- الأول:وقوع البدأة في الأُسبوع الثاني من المروة دون الصفا،و الثاني:خلو أوّلها عن النية و عدم مقارنتها لها.(منه رحمه اللّه).

و اعلم أنه هنا رواية صحيحة مفصِّلة بين زيادة شوط على السبعة فالبطلان رأساً و وجوب الإعادة،و زيادة شوطين عليها فبطلان ثمانية و البناء على واحد و إضافة ستة (1).

و لم أر عاملاً بها كما هي [في المنتهى] ،و لذا اختلف في تنزيلها على صورة العمد.

و فقهها حينئذ:أنه إذا طاف تسعةً عامداً كما هو المفروض فقد بطلت السبعة بالزيادة عليها شوطاً ثامناً،و الشوط الثامن لا يمكن أن يتعبّد به مبدءاً لسعي جديد،لأن ابتدأه يكون من المروة فيبطل أيضاً،و أما التاسع فهو لخروجه من الأشواط الباطلة و كون مبدئه من الصفا يمكن أن يتعبّد به و يبني عليه سعياً جديداً،و لهذا قال:« فليسع على واحد و يطرح ثمانية» .و إن طاف ثمانية خاصة فقد عرفت الوجه في بطلان الجميع و لذا أمر باطراحها و الاستئناف.

أو إبقائها على ظاهرها من وقوع ذلك نسياناً،و حملها على من استيقن الزيادة و هو على المروة لا الصفا،فيبطل سعيه على الأول،لابتدائه من المروة،دون الثاني،لابتداء التاسع من الصفا،و على هذا الصدوق في الفقيه و الشيخ-(رحمه اللّه) في الاستبصار (2)،و الأول ظاهرة في التهذيب (3)،و تبعه جماعة (4).

و لعلّه الأولى إن لم يكن الحكم بالصحة في موردها مشكلاً؛ لإطلاق الأصحاب كالنصّ بكون الزيادة عمداً مبطلاً؛ و اعتبارهم النية في كل

ص:129


1- التهذيب 5:/153 503،الإستبصار 2:/240 836،الوسائل 13:489 أبواب السعي ب 2 ح 1.1
2- الفقيه 2:257،الاستبصار 2:240.
3- التهذيب 5:153.
4- منهم صاحب الحدائق 16:279.

عبادة في ابتدائها؛ و نية العامد في أوّل الأُسبوع الثاني نية جعلها جزءاً من الاُولى-لا عبادة مستقلّة برأسها و أسبوعاً مبتدأً بها-كما هو الفرض في الزيادة عمداً،و إلّا فلو نواها عبادة أُخرى مستقلّة عن الاُولى لم يصحّ أن يقال:إنه زاد على العبادة عمداً،بل يقال:إنه أتى بعبادة اخرى،فيكون الأُسبوعين عبادتين صحيحتين إن شرّع ثانيتهما،بأن ثبت استحباب السعي مطلقاً،و إلّا كما هو ظاهر الأصحاب حيث صرّحوا بأنه لم يشرّع السعي مندوباً مطلقاً إلّا فيما قدّمنا فالثانية فاسدة،دون الاُولى،عكس ما حكمت به الرواية كما ترى،مع أن الموجود فيها زيادة شوط أو شوطين،و نيتهما بمجردهما سعياً و لو في ابتدائهما باطل قطعاً،إذ لا ريب في عدم مشروعية السعي بشوط أو شوطين،فهذا أوضح قرينة على أن الشوط و الشوطين لم يقرنا بنية كونهما عبادة مستقلة،بل بنية الزيادة على أنها جزء من الأُسبوع الاُولى مزيدة عليها.

و كيف كان،فالعمل بهذه الرواية مشكل،و المعمول عليه ما قدّمنا.

و من تيقن عدد الأشواط و شك في الأثناء فيما بدأ به أ هو المروة أم الصفا فإن كان في الفرد على الصفا أو متوجهاً إليه أعاد السعي من أوّله؛ لأنه يقتضي ابتداءه بالمروة.

و لو كان فيه على المروة أو متوجهاً إليها لم يعد و صحّ سعيه؛ لأنه يقتضي ابتدأه بالصفا.

و يكون الحكم بالعكس لو كان سعيه زوجاً فيصح لو كان فيه على الصفا،و يعيد لو كان فيه على المروة.

و الوجه في الجميع واضح ممّا قدّمنا من وجوب البدأة بالصفا،و أن البدأة بالمروة مبطل للسعي عندنا،و عن العامة أنهم بين من يجوّز الابتداء

ص:130

بها،و من يهدر الشوط الأول و يبني على ما بعد (1).و هو ضعيف جدّاً.

و اعلم أن الشك هنا إنما هو باعتبار الذهول أوّلاً،و إلّا فبعد ظهور الأمر بما مضى يحصل العلم بما به ابتدأ،صحيحاً كان أو فاسداً.

و لو لم يحصِّل العدد و شك فيه في الأثناء فلم يدر ما سعى شوطاً أو شوطين فصاعداً أعاد السعي قطعاً؛ لتردده بين محذورين:الزيادة، و النقصان،المبطل كلّ منهما؛ و للصحيح:« و إن لم يكن حفظ أنه سعى ستاً فليعد،فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط» (2).

و يستثنى منه ما لو شك بين الإكمال و الزيادة على وجه لا ينافي البدأة بالصفا،كما إذا شك بين السبعة و التسعة و هو على المروة فإنه لا يعيد؛ لتحقق الإكمال،و أصالة عدم الزيادة،مع أنها نسياناً كما مرّ مغتفرة.

و لو كان على الصفا أعاد.

و لو تيقن النقصان أتى به أي بالناقص المدلول عليه بالعبارة، نسي شوطاً أو أقلّ أو أكثر و إن كان أكثر من النصف،كما يقتضيه إطلاق المتن و جمع (3)،و صريح آخرين و منهم شيخنا في المسالك و الروضة (4)، قائلاً إنه أشهر القولين في المسألة.

قيل:للأصل،و ما سيأتي من القطع للصلاة بعد شوط،و للحاجة بعد ثلاثة (5).

هذا فيما نقص عن النصف الذي هو محل التشاجر،و أما فيما زاد

ص:131


1- حكاه عنهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:348.
2- التهذيب 5:/153 504،الوسائل 13:492 أبواب السعي ب 14 ح 1.
3- انظر كشف اللثام 1:348.
4- المسالك 1:125،الروضة 2:264.
5- كشف اللثام 1:348.

فالمعتبرة به مستفيضة،منها مضافاً إلى ما سيأتي في المسألة الرابعة الصحيح:« فإن سعى الرجل أقلّ من سبعة أشواط ثم رجع إلى أهله فعليه أن يرجع فيسعى تمامه و ليس عليه شيء،و إن كان لا يعلم ما نقص فعليه أن يسعى سبعاً» (1).

خلافاً للمحكي عن المفيد و الديلمي و الحلبيّين (2)،فاعتبروا في البناء مجاوزة النصف؛ للخبر:« إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بالصفا و المروة و جاوزت النصف عَلَمت ذلك الموضع الذي بلغت،فإذا هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوّله» (3)و نحوه آخر (4).

و في سندهما ضعف،فلا يعارضان ما مرّ،سيّما مع اعتضاده زيادةً على الأصل و الكثرة بعمل الأكثر.

لكن في الغنية الإجماع عليهما،و الأكثر عملوا بمضمون الخبرين في الطواف كما عرفته في صدر الكتاب،فالاحتياط لا يترك.

الثالث لو قطع سعيه أتمّ

الثالث: لو قطع سعيه لصلاة فريضة حاضرة،وجوباً فيما إذا ضاق وقتها،و استحباباً في غيره أو لحاجة مؤمن استحباباً أو لتدرك ركعتي الطواف بعد أن نسيهما وجوباً،أو جوازاً أو غير ذلك من نسيان بعض الطواف كما مرّ أتمّ السعي بعد قضاء الوطر مطلقاً و لو

ص:132


1- الكافي 4:/449 3،الوسائل 13:454 أبواب الطواف ب 85 ح 2.
2- المفيد في المقنعة:441،الديلمي في المراسم:123،أبو الصلاح في الكافي في الفقيه:196،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):579.
3- الكافي 4:/449 3،الوسائل 13:454 أبواب الطواف ب 85 ح 2.
4- الكافي 4:/448 2،التهذيب 5:/395 1377،الإستبصار 2:/315 1118،الوسائل 13:453 أبواب الطواف 85 ح 1.

كان ما سعى قبل القطع شوطاً واحداً،على الأشهر الأقوى؛ للمعتبرة المستفيضة:

ففي الصحيح:الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة فيدخل وقت الصلاة،أ يخفّف،أو يقطع و يصلّي ثم يعود،أو يثبت كما هو على حاله حتى يفرغ؟قال:« لا،بل يصلّي ثم يعود» (1).

و أظهر منه في البناء على الشوط الواحد الموثق (2)و غيره (3):سعيت شوطاً ثم طلع الفجر،قال:« صلِّ ثم عد فأتمّ سعيك» .و عن التذكرة و المنتهى (4):أنه لا نعلم فيه خلافاً.

و في الصحيح:عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة،ثم يلقاه الصديق فيدعوه إلى الحاجة أو إلى الطعام،قال:« إن أجابه فلا بأس» (5).

و في الفقيه و التهذيب زيادة قوله:« و لكن يقضي حقّ اللّه تعالى أحبّ إليّ من أن يقضي حقّ صاحبه» .قيل:و لذا قال القاضي:و لا يقطعه إذا عرضه حاجة،بل يؤخرها حتى يفرغ منه إذا تمكّن من تأخيرها،و مرّ في الطواف الأمر بالقطع،فلعلّ

ص:133


1- الكافي 4:/438 1،الفقيه 2:/258 1252،التهذيب 5:/156 519،الوسائل 13:499 أبواب السعي ب 18 ح 1.
2- الفقيه 2:/258 1254،التهذيب 5:/156 518،الوسائل 13:499 أبواب السعي ب 18 ح 2.
3- التهذيب 5:/127 417،الإستبصار 2:/227 785،الوسائل 13:500 أبواب السعي ب 18 ح 3.
4- التذكرة 1:367،المنتهى 2:707.
5- الفقيه 2:/258 1253،التهذيب 5:/472 1662،الوسائل 13:500 أبواب السعي ب 19 ح 2 و ذيله.

الاختلاف لاختلاف الحاجات (1).

و فيه:عن الرجل يطوف بالبيت،ثم ينسى أن يصلّي الركعتين حتى يسعى بين الصفا و المروة خمسة أشواط أو أقلّ من ذلك،قال:« ينصرف حتى يصلّي،ثم يصلّي الركعتين،ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتمّ سعيه» (2).

و نحوه آخر (3)و المرسل كالصحيح (4)،إلّا أنه ليس فيهما ذكر الخمسة أشواط أو أقلّ،و لا التصريح بإتمام السعي بعد العود إلى المكان الذي خرج منه.

و هذه النصوص مع استفاضتها،و صحة أكثرها،و صراحة بعضها في جواز البناء و لو على شوط معتضدة بالأصل،و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،من المتأخرين إجماع حقيقة،مضافاً إلى حكاية عدم الخلاف المتقدمة،المؤيدة بالإجماع على عدم وجوب الموالاة في السعي المنقول عن التذكرة (5).

خلافاً للمفيد و من تبعه في المسألة السابقة (6)،فجعلوا السعي كالطواف،و اعتبروا فيه للبناء المجاوزة عن النصف،و أوجبوا الاستئناف

ص:134


1- كشف اللثام 1:349.
2- التهذيب 5:/143 474،الوسائل 13:438 أبواب الطواف ب 77 ح 3 في المصدر:ينصرف حتى يصلي الركعتين ثم يأتي...
3- الفقيه 2:/253 1224،الوسائل 13:438 أبواب الطواف ب 77 ح 1.
4- الكافي 4:/426 5،الوسائل 13:438 أبواب الطواف ب 77 ح 4.
5- التذكرة 1:367.
6- المفيد في المقنعة:441،الديلمي في المراسم:123،أبو الصلاح في الكافي:196،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):579.

بدونها،فيلزمهم اعتبارها له هنا في هذه الصور كلّها.

إلّا أن الحلبيّين حيث نصّا في الطواف أنه إذا قطع لفريضة بني بعد الفراغ و لو على شوط،فيوافقان الأصحاب في القطع للفريضة،بخلاف المفيد و الديلمي فأطلقا افتراق مجاوزة النصف و عدمها في الطواف و مشابهة السعي له.

و مستندهم ما مرّ من الخبرين مع الجواب عنه،لا حمل السعي على الطواف كما في المختلف (1)،ليد أنه قياس مع الفارق،لأن حرمة الطواف أكثر من حرمة السعي.

و هل يجوز القطع من غير داعٍ حيث لا يخاف الفوت؟وجهان.

و المحكي من الجامع:نعم (2)،و عليه جمع (3)؛ للأصل،و ما مرّ من نقل الإجماع على عدم وجوب الموالاة.و لكن الأحوط العدم؛ أخذاً بمقتضى التأسي و المتيقن.

هذا،و لو لا اتفاق المتأخرين على عدم اعتبار المجاوزة عن النصف في هذه الصور كلّها و جواز البناء مطلقاً و لو كان ما سعى شوطاً واحداً لكان القول.بما قاله الحلبيّان قوياً؛ للتأسي و ما بعده السالمين عن المعارض صريحاً،بل و ظاهراً ظهوراً يعتدّ به،إلّا الموثق و غيره الواردين في القطع للصلاة،فإنهما صريحان في البناء و لو على شوط،و نحن نقول فيه بمضمونهما،بل مرّ نقل عدم الخلاف فيه عن التذكرة و المنتهى.

ص:135


1- المختلف:294.
2- حكاه عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:349،و هو في الجامع للشرائع:202،203.
3- منهم:الشهيد في المسالك 1:125،و السبزواري في الكفاية:68،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:349.

و لا موجب للتعدي إلى ما عداه من الصور سوى الأخبار الباقية و الإجماع على عدم وجوب الموالاة.

و الأخبار ليست بواضحة الدلالة إلّا على الأمر بالعود إلى المكان الذي فيه قطعه خاصة كما في بعضها،أو مع الأمر بإتمام السعي كما في آخر منها،و ربما خلا بعضها عن الأمر بالعود أيضاً و إنما فيه رخصة القطع خاصة.

فأوضحها دلالةً الرواية الثانية،و ليس فيها تصريح بالبناء على الأصل، بل ظاهرها الإطلاق،و لمّا سيق لبيان حكم آخر غير ما نحن فيه صار فيه مجملاً،و إنما ذكر الحكم فيه تبعاً،فيشكل التعويل على مثل هذا الإطلاق جدّاً في الخروج عن مقتضى الدليلين اللذين قدّمناهما،سيّما بعد اعتضادهما بالخبرين اللذين ذكراً سابقاً للمفيد و من تبعه مستنداً.

و الإجماع المنقول على عدم وجوب الموالاة غايته نفي الوجوب الشرعي،بمعنى أنه لا يؤاخذ بتركها شرعاً،لا الشرطي،فلا ينافي وجوبها شرطاً في محل النزاع،بمعنى أنه لو لم يوالِ يفسد سعيه،و يتوقف صحته على إعادته و إن لم يكن بترك الموالاة آثماً.

و بالجملة:التمسك بنحو هذا الإجماع المنقول و الأخبار لا يخلو عن إشكال.

و كيف كان،فالاحتياط لا يترك على حال،و يحصل بالإتمام ثم الاستئناف.

الرابع لو ظنّ إتمام سعيه فأحلّ و واقع أهله أو قلّم أظفاره ثم ذكر أنه نسي شوطاً أتمّ

الرابع: لو سعى ستة أشواط ثم ظنّ إتمام سعيه فأحلّ و واقع أهله،أو قلّم أظفاره،ثم ذكر أنه نسي شوطاً واحداً أتمّ سعيه بلا خلاف؛ لما مرّ من وجوب الإتمام مع تيقن النقصان.

ص:136

و في بعض الروايات أنه يلزم دم بقرة ففي الصحيح:

رجل متمتع سعى بين الصفا و المروة ستة أشواط،ثم رجع إلى منزله و هو يرى أنه قد فرغ منه،و قلّم أظفاره و أحلّ،ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط، فقال(عليه السّلام):« يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط؟فإن كان يحفظ أنه سعى ستة أشواط فليعد و ليتمّ شوطاً و ليُرِقْ دماً» سأله:دم ماذا؟فقال:« دم بقرة» الخبر (1).

و في آخر:عن رجل طاف بين الصفا و المروة ستة أشواط و هو يظن أنها سبعة،فذكر بعد ما أحلّ و واقع النساء أنه إنما طاف ستة أشواط،فقال:

« عليه بقرة يذبحها و يطوف شوطاً» (2).

و في سند هذا ضعف،و في متنه كالأول مخالفة للأُصول المقرّرة عندهم من وجوب الكفارة على الناسي في غير الصيد؛ و وجوب البقرة في تقليم الأظفار،مع أن الواجب بمجموعها شاة؛ و وجوبها في الجماع مطلقاً، مع أن الواجب به مع العلم بُدنة،و لا شيء من النسيان؛ و مساواة القلم للجماع،و الحال أنهما مفترقان في الحكم في غير هذه المسألة.

و لعلّه لهذا أطرحهما القاضي و الشيخ في كفارة النهاية و المبسوط كما حكي (3)،و حملهما بعض الأصحاب على الاستحباب (4)،و لم يفت الماتن بها هنا و لا في الشرائع،بل عزاه إلى القيل (5)و بعض الروايات،مشعراً

ص:137


1- التهذيب 5:/153 504،الوسائل 13:492 أبواب السعي ب 14 ح 1.
2- الفقيه 2:/256 1245،التهذيب 5:/153 505،الوسائل 13:493 أبواب السعي ب 14 ح 2.
3- حكاه في كشف اللثام 1:348.
4- انظر المدارك 8:217.
5- الشرائع 1:274.

بتردّده فيه:من ذلك،و من صحة الرواية الأُولى،و إمكان جبر ضعف الثانية بفتوى الشيخين و الحلّي بها و جماعة (1)،فيمكن تخصيص القواعد بهما،كما صرّح به جماعة (2)قائلين بأن العقل لا يأباها بعد ورود النص بها.

مع إمكان توجيه الحكم فيهما بنحو لا يخالفها،إمّا بما ذكره الحلّي من أن الكفارة لأجل أنه خرج من السعي غير قاطع به و لا متيقِّن بإتمامه،بل خرج عن ظنّ منه،و هاهنا لا يجوز له أن يخرج مع الظن بل مع القطع و اليقين،و قال:هذا ليس بحكم الناسي.

أو بما ذكره شيخنا في المسالك من أن الناسي و إن كان معذوراً لكن قد قصّر حيث لم يلحظ النقص،قال:فإنّ من قطع السعي على ستة أشواط يكون قد ختم بالصفا،و هو واضح الفساد،فلم يعذر،بخلاف الناسي غيره فإنه معذور (3).انتهى.و لعلّ هذا أقوى.

لكن يجب القصر على مورد النص،و هو المتمتع كما في الرواية الأُولى جزماً،و كذا في الثانية على ما يفهم من جماعة،و منهم الماتن في الشرائع و الفاضل في القواعد (4)،تبعاً للحلّي (5)،حيث قال بعد الفتوى بمضمونها و توجيهه بما مضى:و هذا يكون في سعي العمرة المتمتع بها إلى الحج،فإنه في غيرها قاطع بوجوب طواف النساء عليه و قد جامع قبله متذكراً فعليه لذلك بدنة.

ص:138


1- المفيد في المقنعة:434،الطوسي في النهاية:245 و المبسوط 1:337،الحلّي في السرائر 1:/551 580؛ و انظر الإيضاح 1:303،و المهذب البارع 2:215،و المسالك 1:125،و الكفاية:68.
2- منهم:ابن فهد في المهذب 2:215،و صاحب المدارك 8:217.
3- المسالك 1:125.
4- الشرائع 1:274،القواعد 1:84.
5- السرائر 1:551.

و لكن اعترض عليه بأن الرواية مطلقة بل عامة،و ما ادّعاه من القبلية و التذكر ممنوعة (1)،و لذا احتمل المحقّق في النكت أن يكون طاف طواف النساء ثم واقع لظنه إتمام السعي (2)،و الفاضل في المختلف أن يكون قدّم طواف النساء على السعي لعذر (3).

أقول:و يرد عليه أيضاً منافاة ما ذكره هنا لما ذكره في توجيه الرواية سابقاً،من أن الكفارة إنما هي لتقصيره في الاكتفاء بالظن و عدم مراعاته العلم مع وجوب مراعاته عليه،و هذا لا يختلف فيه الحال بين أن يكون في سعي العمرة المتمتع بها أو غيرها،و ما ذكره هنا ظاهر بل صريح في أن الكفارة إنما هي من حيث المواقعة،لا ما ذكره،فتأمّل.

القول في أحكام منى بعد العود
اشارة

القول في أحكام منى بعد العود من مكة إليها:

اعلم أن الحاج إذا قضى مناسكه بمكة شرّفها اللّه تعالى من طواف الزيارة و السعي و طوائف النساء

الواجب من الأحكام
يجب العود للمبيت بمنى

يجب عليه العود للمبيت بمنى ليلة الحادي عشر و الثاني عشر مطلقاً،و الثالث عشر على تفصيل سيذكر إن شاء اللّه تعالى،بإجماعنا،و وافقنا عليه أكثر من خالفنا كما عن المنتهى (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة التي كادت تبلغ التواتر،بل لعلّها متواترة (5).

و عن الشيخ في التبيان القول باستحبابه (6).و هو شاذّ.

ص:139


1- انظر كشف اللثام 1:348.
2- النهاية و نكتها 1:495.
3- المختلف:284.
4- المنتهى 2:769.
5- الوسائل 14:251 أبواب العود إلى منى ب 1.
6- التبيان 2:154.

قيل:و لا ينافيه ما في بعض الكتب من جعله من السنّة،أو حصر واجبات الحج في غيره،أو الحكم بأنه إذا طاف للنساء تمّت مناسكه أو حجه؛ لجواز خروجه عنه و إن وجب،و نصّ الحلبي على كونه من مناسكه،و لذا اتفقوا على وجوب الفداء على من أخلّ به.

و يجب النية كما في الدروس،و في اللمعة الجليّة (1)يستحب،فينوي كما في الفخرية (2)أنه أبيت هذه الليلة بمنى لحج التمتع حج الإسلام مثلاً لوجوبه قربة إلى اللّه تعالى (3)،فإن أُخلّ بالنية عمداً أثم،و في الفدية وجهان كما في المسالك (4).

أقول:و نفى فيه البعد عن العدم (5).و لا بأس به؛ للأصل،و عدم معلومية شمول إطلاق ما دلّ على لزوم الفدية بترك المبيت لمثله،لانصرافه بحكم التبادر إلى الترك الحقيقي،لا الحكمي.

و لو بات بغيرها ليلة كان عليه دم شاة،أو لليلتين ف شاتان إجماعاً،كما في صريح الغنية و الخلاف و غيرهما (6)،و ظاهر المنتهى و غيره (7)؛ و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

ص:140


1- هي:اللمعة الجليّة في معرفة النية،للشيخ جمال الدين أبي العباس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي،المتوفّى 841.
2- هي:الفخريّة في أمر النية،لفخر المحققين محمَّد بن العلامة الحلّي،المتوفّى 771.
3- إلى هنا تمام القول في و قيل،و القائل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:377.
4- المسالك 1:125.
5- المسالك 1:125.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):581،الخلاف 2:358؛ و انظر مفاتيح الشرائع 1:377.
7- المنتهى 2:770؛ و انظر المدارك 8:223.

ففي الصحيح:« من زار فنام في الطريق فإن بات بمكة فعليه دم» (1).

و فيه عن أبي الحسن(عليه السّلام):« سألني بعضهم عن رجل بات ليلة من ليالي منى بمكة،فقلت:لا أدري» قال صفوان:فقلت له:جعلت فداك، ما تقول فيها؟قال:« عليه دم إذا بات» (2).

و فيه:عن رجل بات مكة ليالي منى حتى أصبح،فقال:« إن كان أتاها نهاراً فبات حتى أصبح فعليه دم يهريقه» (3).

و فيه:« لا تبت ليالي التشريق إلّا بمنى،فإن بتّ في غيرها فعليك دم» (4).

و الاستدلال بهذين إنما هو لأن إطلاقهما يفيد شاة لليلة فلليلتين شاتان،كذا قيل (5)،و لا يخلو عن إشكال.

نعم لا بأس به،جمعاً بينهما و بين الأخبار المتقدمة الصريح بعضها في وجوب الدم بترك المبيت ليلةً؛ مضافاً إلى الإجماعات المنقولة، و صراحة الرواية الآتية بثلاثة لثلاث (6)،و ظاهر غيرهما ممّا سيأتي إليه الإشارة.

ص:141


1- الكافي 4:/514 3 مرسلاً،التهذيب 5:/259 881،الإستبصار 2:/294 1048،الوسائل 14:256 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 16.
2- التهذيب 5:/257 871،الإستبصار 2:/292 1038،الوسائل 14:252 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 5.
3- التهذيب 5:/257 873،الإستبصار 2:/292 1040،الوسائل 14:251 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 2.
4- التهذيب 5:/258 878،الإستبصار 2:/293 1045،الوسائل 14:254 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 8.
5- كشف اللثام 1:377.
6- انظر ص 3242.

فلا إشكال في المسألة و إن حكي التعبير بأنّ من بات ليالي منى بغيرها و ما بلفظ الجمع عن المقنعة و الهداية و المراسم و الكافي و جعل العلم و العمل؛ لما قيل من احتماله الوفاق لما عليه الأصحاب و إن احتمل الخلاف،أمّا بالتسوية بين ليلة و ليلتين و ثلاث،أو بأن لا يجب الدم إلّا لثلاث،لإجماله و احتماله كلّاً من الاحتمالات على السواء،بل قيل:الأول أظهرها (1).

و إطلاق النصوص و الفتاوي يشمل الجاهل و المضطر و الناسي، فيكون جبراناً،لا كفارة.

خلافاً للمحكي عن الشهيد في بعض الحواشي،فاستثنى الجاهل (2).

و وجهه غير واضح.

و في الصحيح:عن رجل فاتته ليلة من ليالي منى،قال:« ليس عليه شيء و قد أساء» (3).

و هو يحتمل الجهل،و الليلة الثالثة،و ما في التهذيبين من الخروج بعد انتصاف الليل،أو الاشتغال بالطاعة في مكة (4).

و في آخر:فاتتني ليلة المبيت بمعنى في شغل،فقال:« لا بأس» (5).

و هو يحتمل ما فيهما،و النسيان،و الصرورة،و الليلة الثالثة.

ص:142


1- كشف اللثام 1:377،و المراد بالأول احتمال الوفاق.
2- حكاه عنه في جامع المقاصد 3:263 و المدارك 8:224.
3- التهذيب 5:/257 874،الإستبصار 2:/292 1041،الوسائل 14:253 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 7.
4- الاستبصار 2:293،التهذيب 5:258.
5- التهذيب 5:/257 875،الإستبصار 2:/293 1042،الوسائل 14:255 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 12.

و يحتملان أيضاً الحمل على التقية،كما ربما يفهم من الصحيحة المتقدمة المروية عن أبي الحسن(عليه السّلام)،و قيل:إنه مذهب أبي حنيفة (1).

أو على أن يكون غلبه عينه بمكة أو في الطريق بعد ما خرج منها إلى منى،كالمروي في قرب الإسناد:في رجل أفاض إلى المبيت،فغلبته عيناه حتى أصبح،قال:« لا بأس عليه،و يستغفر اللّه تعالى،و لا يعود» (2).و هو ضعيف.

نعم،هنا أخبار صحيحة بجواز النوم في الطريق اختياراً:

منها:« من زار فنام في الطريق فإن بات بمكة فعليه دم،و إن خرج منها فليس عليه شيء و إن أصبح دون منى» (3).

و منها:« إذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاوز بيوت مكة فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شيء عليه» (4).

و منها:« إذا جاز عقبة المدنيّين فلا بأس أن ينام» (5).

قيل:و به أفتى الإسكافي و الشيخ في التهذيبين (6).

أقول:و لا يخلو عن قوة إن لم ينعقد الإجماع على خلافه؛ لوضوح

ص:143


1- قال به صاحب الحدائق 17:298.
2- قرب الإسناد:/139 495،الوسائل 14:258 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 22.
3- الكافي 4:/514 3 مرسلاً،التهذيب 5:/259 881،الإستبصار 2:/294 1048،الوسائل 14:256 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 16.
4- الكافي 4:/515 4،الفقيه 2:/287 1411،الوسائل 14:257 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 17.
5- الكافي 4:/515 3،التهذيب 5:/259 880،الإستبصار 2:/294 1047،الوسائل 14:256 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 15.
6- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:377.

دلالتها،مضافاً إلى صحتها و كثرتها و موافقتها الأصل،مع عدم وضوح معارض لها إلّا إطلاق بعض الصحاح المتقدمة،و يقبل التقييد بها،و الخبر:

عن رجل زار البيت فطاف بالبيت و بالصفا و المروة ثم رجع،فغلبته عينه في الطريق فنام حتى أصبح،قال:« عليه شاة» (1).

و في سنده ضعف،و يحتمل تقييد الطريق فيه بطريق في حدود مكة لا خارجها.و لا بُعد فيه،سيّما بعد ملاحظة الصحيحة الأُولى المتقدمة في صدر المسألة.

هذا،و لكن الأحوط ما عليه الأصحاب.

و الحكم بوجوب الدم لترك المبيت مطلق إلّا أن يبيت بمكة متشاغلاً بالعبادة فلا يجب على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر؛ للصحيحين (2)،في أحدهما:عن رجل زار البيت فلم يزل في طوافه و دعائه و السعي و الدعاء حتى طلع الفجر،فقال:« ليس عليه شيء،كان في طاعة اللّه عزّ و جلّ» .و هو يفيد العموم لكل عبادة واجبة أو مندوبة.

و مورده استيعاب الليل بها،فينبغي الاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم الدم بترك المبيت عليه.

نعم،يستثنى منه ما يضطر إليه من غذاء و شراب كما ذكره الشهيدان (3)،

ص:144


1- التهذيب 5:/259 879،الإستبصار 2:/294 1046،الوسائل 14:254 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 10.
2- الأول:الكافي 4:/514 1،الوسائل 14:254 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 9.الثاني:التهذيب 5:/258 876،الإستبصار 2:/293 1043،الوسائل 14:255 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 13.
3- الدروس 1:459،المسالك 1:125.

و لكن زادا:و نوم يغلب عليه.و فيه نظر؛ إذ ليس في الخبر ما يرشد إليه، بل و لا إلى الأولين،و إنما استثنيا حملاً لإطلاق النص على الغالب،و ليس في الخبر ما يخالف في النوم،لظهوره في عدمه.

قيل:و يحتمل أن القدر الواجب هو ما كان يجب عليه بمنى،و هو أن يتجاوز نصف الليل (1).و هو ضعيف.

نعم،له المضي إلى منى؛ لإطلاق الصحاح المتقدمة في النوم في الطريق،و بل ظهورها فيه،بل تظافرت الصحاح [حينئذ] بالأمر به:

منها:« إذا خرجت من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح إلّا بمنى» (2).

و منها:« إذا زار بالنهار أو عشاءً فلا ينفجر الصبح إلّا و هو بمنى» (3).

و منها:« إن خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلّا و أنت بمنى، إلّا أن يكون شغلك نسكك،أو قد خرجت من مكة» (4).

إلى غير ذلك من الصحيح و غيره (5).

و خالف الحلّي في أصل الاستثناء،فاستظهر أن عليه الدم و إن بات بمكة مشتغلاً بالعبادة؛ عملاً بالعمومات،و التفاتاً إلى أن الصحيح من الآحاد (6).و هو مع و هو أصله شاذّ.

ص:145


1- الدروس 1:459.
2- التهذيب 5:/256 869،الوسائل 14:252 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 3.
3- الكافي 4:/514 2،التهذيب 5:/256 870،الوسائل 14:252 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 4.
4- التهذيب 5:/258 878،الإستبصار 2:/293 1045،الوسائل 14:251 أبواب العود إلى منى ب 1.
5- الوسائل 14:251 أبواب العود إلى منى ب 1.
6- السرائر 1:604.

و لو كان ممن يجب عليه المبيت في الليالي الثلاث مطلقاً (1)و ترك المبيت بها أجمع لزمه ثلاث شياه لكل ليلة شاة إجماعاً كما في الغنية (2)؛ لإطلاق بعض الروايات المتقدمة؛ مضافاً إلى رواية أُخرى ضعف سندها بالشهرة منجبر:عمن بات ليالي منى بمكة،قال:« ثلاثة من الغنم يذبحهن» (3).

و المراد بمن يجب عليه المبيت في الليالي الثلاث هو:من لم يتّق في إحرامه الصيد و النساء،أو موجبات الكفارة،أو مطلق المحرّمات،على اختلاف الأقوال الآتي ذكرها إن شاء اللّه تعالى.

فإن قلنا بالأخيرين كان على من أخلّ بالمبيت في الثلاث ثلاث من الشياه كما في النهاية و السرائر (4)و إن اتّقى عن سائر المحرّمات،و إلّا فشاتان كما عن المبسوط و الجواهر (5).

و حدّ المبيت بها أي القدر الواجب منه أن يكون بها ليلاً حتى يتجاوز نصف الليل فله الخروج منها بعد الانتصاف و لو إلى مكة شرّفها اللّه تعالى؛ للمعتبرة المستفيضة:

ففي الصحيح:« فإن خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلّا و أنت في منى،إلّا أن يكون شغلك نسكك أو قد خرجت من مكة،و إن خرجت

ص:146


1- ليست في« ق».
2- الغنية(الجوامع الفقهية):581.
3- الفقيه 2:/286 1406،التهذيب 5:/257 872،الإستبصار 2:/292 1039،الوسائل 14:253 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 6.
4- النهاية:266،السرائر 1:604.
5- المبسوط 1:378،جواهر الفقه:48.

بعد نصد الليل فلا يضرّك أن تصبح في غيرها» (1).

و فيه:« إن زار بالنهار أو عشاءً فلا ينفجر الصبح إلّا و هو بمنى،و إن زار بعد نصف الليل أو السحر فلا بأس عليه أن ينفجر الصبح و هو بمكة» (2).

و في الخبر:« فإن خرج من منى بعد نصف الليل لم يضرّه شيء» (3).

و في آخر:« إذا خرج الرجل من منى أول الليل فلا ينتصف له الليل إلّا و هو بمنى،و إذا خرج بعد نصف الليل فلا بأس أن يصبح بغيرها» (4).

و يستفاد منه و من الصحيح الثاني تساوي نصفي الليل في تحصيل الامتثال،كما عن الحلبي (5)،إلّا أن ظاهر الأصحاب انحصاره في النصف الأول فأوجبوا عليه الكون بها قبل الغروب إلى النصف الثاني،و صريح شيخنا في المسالك و الروضة (6)ذلك،و زاد فأوجب مقارنة النية لأول الليل.

فإن تمّ إجماعاً،و إلّا فاستفادة ذلك من الأخبار بعدم ضم بعضها إلى بعض مشكل؛ و لذا صرح سبطه بأن أقصى ما يستفاد منها ترتب الدم على مبيت الليالي المذكورة في غير منى بحيث يكون خارجاً عنها من أول الليل إلى آخره (7).

و هو حسن و إن كان ما ذكره شيخنا في المسالك أحوط أخذاً

ص:147


1- تقدّم مصدرهما في ص 3241.
2- تقدّم مصدرهما في ص 3241.
3- التهذيب 5:/258 877،الإستبصار 2:/293 1044،الوسائل 14:256 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 14.
4- الفقيه 2:/287 1409،الوسائل 14:257 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 20.
5- الكافي في الفقه:198.
6- المسالك 1:125،الروضة البهية 2:315.
7- المدارك 8:224.

بالمتيقن.

و الكون بها إلى الفجر أفضل كما في النهاية و السرائر (1)،و عن المبسوط و الكافي و الجامع (2)؛ للصحيح:عن الدُّلجة إلى مكة أيام منى هو يريد أن يزور،قال:« لا حتى ينشق الفجر،كراهية أن يبيت الرجل بغير منى» (3).

و يستفاد منه كراهية الخروج كما عن ابن حمزة (4)،و عن المختلف إن خبر الجازي و أشار به إلى ما قدّمناه من الخبر الثالث بعد الصحيحين ينفيها و إن كان الأفضل المبيت بها إلى الفجر (5).

و فيه نظر؛ فإن الموجود فيه نفي الضرر،و هو يجامع الكراهة،فإنها ليست بضرر قطعاً.

ثم إن ظاهر جملة من الأخبار المتقدمة و صريح بعضها ما قدّمنا:من جواز الخروج بعد الانتصاف و لو إلى مكة شرّفها اللّه تعالى،و عليه الأكثر.

و قيل:لا يدخل مكة حتى يطلع الفجر و القائل الشيخ في النهاية و الحلّي في السرائر (6)،و حكي أيضاً عن المبسوط و الوسيلة و الجامع (7)، و في الدروس:إنه لم يقف على مأخذه (8).

ص:148


1- النهاية:265 و 266،السرائر 1:604.
2- المبسوط 1:378،الكافي:198،الجامع للشرائع:217.
3- التهذيب 5:/259 882،الإستبصار 2:/294 1049،الوسائل 14:255 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 11.الدلجة هو سير الليل يقال أدلج بالتخفيف إذا سار من أول الليل مجمع البحرين 2:300،301.
4- الوسيلة:187،188.
5- المختلف:310.
6- النهاية:265،السرائر 1:604.
7- المبسوط 1:378،الوسيلة:188،الجامع للشرائع:217.
8- الدروس 1:459.

قيل:و لعلّهم استندوا إلى ما مرّ من الأخبار الناطقة بأن الخارج من مكة ليلاً إلى منى يجوز له النوم في الطريق إذا جاز بيوت مكة؛ لدلالتها على أن الطريق في حكم منى،فيجوز أن يريد و الفضل،لما مرّ من أن الأفضل الكون إلى الفجر،و الوجوب،اقتصاراً على اليقين،و هو جواز الخروج من منى بعد الانتصاف لا من حكمه (1).

و هو كما ترى مع ضعفه كما لا يخفى اجتهاد في مقابلة النص الصحيح المتقدم،المعتضد زيادةً على الأصل و الإطلاقات بصريح الخبر المروي عن قرب الإسناد،ففيه:« و إن كان خرج من منى بعد نصف الليل فأصبح بمكة فليس عليه شيء» (2).

و ضعف السند ينجبر بفتوى الأكثر،فما اختاروه أقوى و إن كان ما قاله الشيخ أحوط.

و اعلم أنه يجوز لذوي الأعذار[ترك (3)]المبيت حيث يضطرون إليه؛ إذ لا حرج في الدين.و في وجوب الدم نظر،من التردد في كونه كفارةً أو جبراناً،و ظاهر الغنية العدم (4)،كما هو مقتضى الأصل.

قيل:و منه الرعاة و أهل السقاية،فروى العامة ترخيصهم،و نفى عنه الخلاف في الخلاف و المنتهى،و خصّص مالك و أبو حنيفة الرخصة للسقاية بأولاد عباس.

و في التذكرة و المنتهى:إنه قيل للرعاة ترك المبيت ما لم تغرب

ص:149


1- كشف اللثام 1:378.
2- قرب الإسناد:/242 958،الوسائل 14:258 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 23.
3- أضفناه لاقتضاء المعنى.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):581.

الشمس عليهم بمنى،فإن غربت وجب عليهم،بخلاف السقاة، لاختصاص شغل الرعاة بالنهار،بخلاف السقاية،و أفتى بهذا الفرق في التحرير و الدروس.و هو حسن.

و في الخلاف:و أما من له مريض يخاف عليه،أو مال يخاف ضياعه فعندنا يجوز له ذلك؛ لقوله تعالى وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [1] (1)و إلزام المبيت و الحال ما وصفناه حرج،و للشافعي فيه وجهان.

و نحوه المنتهى،و هو فتوى التحرير و الدروس،و مقرَّب التذكرة.

و في الدروس:و كذا لو منع من المبيت منعاً خاصاً أو عاما كنفر الحجيج ليلاً،قال:و لا إثم في هذه المواضع،و تسقط الفدية عن أهل السقاية و الراعاة،و في سقوطها عن الباقين نظر.

قلت:وجّه الفرق بعض العامة بأن شغل الأوّلين ينفع الحجيج عامة، و شغل الباقين يخصّهم (2).

يجب رمي الجمار

و يجب رمي الجمار الثلاث في الأيام التي يقيم بها،كلّ جمرة بسبع حصيات بلا خلاف في شيء من ذلك حتى الوجوب،كما في السرائر و غيره (3)،و عن التذكرة و المنتهى أنه لا نعلم فيه خلافاً (4).

و عن الخلاف الإجماع على وجوب الترتيب بين رمي الثلاث و وجوب القضاء (5).

قيل:و عدّ في التبيان من المسنونات،و لعلّ المراد ما ثبت وجوبه

ص:150


1- الحج:78.
2- كشف اللثام 1:378.
3- السرائر 1:607؛ و انظر المدارك 8:229،و مفاتيح الشرائع 1:350.
4- التذكرة 1:392،المنتهى 2:771.
5- الخلاف 2:351.

بالسنّة،و في الجمل و العقود في الكلام في رمي جمرة العقبة يوم النحر:إنّ الرمي مسنون.فيحتمله،و الاختصاص برمي جمرة العقبة،و حمل على الأول في السرائر و المنتهى (1).

أقول:و ظاهر التهذيبين أيضاً الاستحباب (2)،و لكنه شاذّ على خلافه الآن قطعاً الإجماع؛ و هو الحجة،مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،بل المتواترة كما في السرائر (3).

و في الصحيح:« اَلْحَجِّ الْأَكْبَرِ [1] الوقوف بعرفة و رمي الجمار» (4).

و في الخبر:« من ترك رمي الجمار متعمداً لم تحلّ له النساء و عليه الحج من قابل» (5).

و لكنه شاذّ لم يعمل به أحد من الأصحاب؛ كما في الذخيرة (6).

و يزيد هنا على ما مضى من شرائط الرمي أن يكون مرتباً يبدأ بالأُولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة بالإجماع الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر مستفيضاً،كالخلاف و الغنية و غيرهما (7)صريحاً،و في التذكرة و المنتهى و غيرهما (8)ظاهراً،و للتأسي،و الصحاح المستفيضة.

و ف لو نكس أعاد الوسطى و جمرة العقبة بلا خلاف،

ص:151


1- كشف اللثام 1:378.
2- الاستبصار 2:297،التهذيب 5:266.
3- السرائر 2:607.
4- الكافي 4:/264 1،الوسائل 14:263 أبواب العود إلى منى ب 4 ح 1.
5- التهذيب 5:/264 901،الإستبصار 2:/297 1061،الوسائل 14:264 أبواب العود إلى منى ب 4 ح 5.
6- الذخيرة:689.
7- الخلاف 2:351،الغنية(الجوامع الفقهية):581؛ و انظر المفاتيح 1:378.
8- التذكرة 1:377،المنتهى 2:772؛ و انظر المدارك 8:230.

و للصحاح المستفيضة:

منها:قلت له:الرجل يرمي الجمار منكوسة،قال:« يعيدها على الوسطى و جمرة العقبة» (1).

و يحصل الترتيب بأربع حصيات فلو رمى اللاحقة بعد أربع حصيات على السابقة حصل الرمي بالترتيب،و إلّا فلا،بلا خلاف،بل عن صريح الخلاف و ظاهر التذكرة و المنتهى (2)الإجماع.

للمعتبرين (3)أحدهما الصحيح:في رجل رمي الجمرة الأُولى بثلاث و الثانية بسبع[و الثالثة بسبع]،قال:« يعيد رميهن بسبع سبع» قلت:فإن رمى الاُولى بأربع و الثانية بثلاث و الثالثة بسبع،قال:« يرمي الجمرة الأُولى بثلاث و الثانية بسبع و يرمي جمرة العقبة بسبع» قلت:فإنه رمي الجمرة الأُولى بأربع و الثانية بأربع و الثالثة بسبع،قال:« يعيد فيرمي الأُولى بثلاث و الثانية بثلاث و لا يعيد على الثالثة» .و إطلاقه كغيره يقتضي البناء على الأربع مع العمد و الجهل و النسيان، و هو أيضاً ظاهر المتن و الشرائع و المحكي عن المبسوط و الخلاف و السرائر و الجامع و التحرير و التلخيص و اللمعة (4).

خلافاً للفاضل في القواعد و التذكرة و المنتهى،و الشهيدين في

ص:152


1- الفقيه 2:/285 1399،الوسائل 14:265 أبواب العود إلى منى ب 5 ح 1.
2- الخلاف 2:351،التذكرة 1:393،المنتهى 2:772.
3- الأول:التهذيب 5:/265 904،الوسائل 14:2
4- الشرائع 1:275،المبسوط 1:379،الخلاف 2:351،السرائر 1:610،الجامع للشرائع:218،التحرير 1:110،التلخيص 1:409،اللمعة(الروضة البهية 2):319.

الدروس و الروضة (1)،و ربما عزي إلى الشيخ و الأكثر (2)،و ربما جعل أشهر (3)،فقيّدوه بالناسي،و ألحق الشهيدان به الجاهل.

و مستندهم غير واضح،عدا ما عن الفاضل في الكتابين من أن الأكثر إنما يقوم مقام الكل مع النسيان.و هو إعادة للمدّعى.

و في الروضة بأنه منهي عن رمي الجمرة اللاحقة قبل إكمال السابقة فيفسد.

و يضعّف بأن المعلوم إنما هو النهي عنه قبل أربع لا مطلقاً،و لو سلّم فهو اجتهاد في مقابلة إطلاق النص،إلّا أن يمنع شموله للعامد،لندرته،فلا ينصرف إليه السؤال المعلّق عليه الجواب؛ مضافاً إلى حمل فعل المسلم على الصحة كما مرّ غير مرّة.

ثم النص صريح في وجوب استئناف الناقصة عن الأربع و ما بعدها مطلقاً و لو كانت الثانية أو الأُولى.

خلافاً للحلّي فاكتفى بإكمالها و أوجب استئناف ما بعدها خاصة (4).

قيل:لعدم وجوب الموالاة في الرمي؛ للأصل.و يدفع بالنص (5).

و وقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها على الأشهر الأقوى؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:« رمي

ص:153


1- القواعد 1:90،التذكرة 1:393،المنتهى 2:772،الشهيد الأول في الدروس 1:430،الشهيد الثاني في الروضة 2:320.
2- انظر المدارك 8:234،و ملاذ الأخبار 8:130.
3- نسبه في المفاتيح 1:378 إلى المشهور،و في الحدائق 17:311 إلى الأصحاب.
4- السرائر 1:610.
5- المدارك 8:235.

الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها» (1).

و نحوه آخر مؤكّداً بالقسم (2).

خلافاً للمحكي عن الوسيلة و الإشارة و والد الصدوق (3)في مبدئه، فجعلوه أول النهار.

و يردّه صريحاً(الصحيح) (4):« لا ترم الجمرة يوم النحر حتى تطلع الشمس» (5).

و يحتمل أن يريدوا به طلوع الشمس،كما عن بعض كتب اللغة (6).

و للغنية و الإصباح و الجواهر و الخلاف (7)كما حكي فيه أيضاً، فجعلوه بعد الزوال،مدّعين عليه الإجماع عدا الإصباح.

و في المختلف:إنه شاذّ لم يعمل به أحد من علمائنا،حتى أن الشيخ المخالف وافق أصحابه،فيكون إجماعاً،لأن الخلاف إن وقع منه قبل الوفاق فقد حصل الإجماع،و إن وقع بعده لم يعتدّ به،إذ لا اعتبار بخلاف من يخالف الإجماع (8).

قلت:و على تقدير عدم شذوذه فغايته أنه إجماع منقول لا يعارض ما قدّمناه من الصحاح المعتضدة بعمل الأصحاب.

ص:154


1- الكافي 4:/481 4،الوسائل 14:70 أبواب رمي جمرة العقبة ب 13 ح 6.
2- التهذيب 5:/262 891،الإستبصار 2:/296 1055،الوسائل 14:69 أبواب رمي جمرة العقبة ب 13 ح 4.
3- الوسيلة:188،الإشارة:138،و نقله عن والد الصدوق في المختلف:310.
4- ليست في« ك».
5- الكافي 4:/482 7،الوسائل 14:70 أبواب رمي جمرة العقبة ب 13 ح 7.
6- كالمصباح المنير:627،و القاموس 2:156.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):581،جواهر الفقه:43،الخلاف 2:351.
8- المختلف:311.

و أما الصحيح:« ارم في كل يوم عند الزوال» (1)فمحمول على الاستحباب؛ لعدم قائل به إن أُريد به قبل الزوال،و كذا إن أُريد به بعده، جمعاً بين الأدلة،مع احتماله حينئذ الحمل على التقية،فقد حكاه في الخلاف عن الشافعي و أبي حنيفة (2).

و للصدوقين في آخره،فوقّتاه إلى الزوال (3)،إلّا أنّ في الرسالة:و قد روي من أول النهار إلى آخره.

و في الفقيه:و قد رويت رخصة من أوّل النهار إلى آخره (4).

و لو نسي بل ترك مطلقاً رمي يوم قضاه من الغد وجوباً بلا خلاف،بل قيل:بالإجماع كما في الغنية (5)و للشافعي قول بالسقوط، و آخر بأنه في الغد أيضاً أداء،و كذا أن فاته رمي يومين قضاهما في الثالث، و إن فاته يوم النحر قضاه بعده،و لا شيء عليه غير القضاء عندنا في شيء من الصور،للأصل (6).

أقول:و لظاهر الصحاح الواردة في المسألة حيث لم يؤمر في شيء منها بغير القضاء:

فمنها: زيادةً على ما يأتي في رجل نسي رمي الجمار حتى أتى مكة،قال:« يرجع فيرمي متفرقاً،و يفصل بين كلّ رميتين بساعة» الخبر (7).

ص:155


1- الكافي 4:/480 1،التهذيب 5:/261 888،الإستبصار 2:/296 1057،الوسائل 14:68 أبواب رمي جمرة العقبة ب 12 ح 1.
2- الخلاف 2:351.
3- حكاه عنهما في المختلف:310.
4- الفقيه 2:331.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):581.
6- انظر كشف اللثام 1:379.
7- الكافي 4:/484 1،التهذيب 5:/264 899،الإستبصار 2:/297 1059،الوسائل 14:261 أبواب العود إلى منى ب 3 ح 2،3.

و في آخر:قلت:الرجل ينكس في رمي الجمار،فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى،قال:« يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة و إن كان من الغد» (1).

و يجب أن يكون مرتباً بينه و بين الأداء،فيؤخره عن القضاء،بل لو فاته رمي يومين قدّم الأول على الثاني و ختم بالأداء،بلا خلاف،بل عليه الإجماع عن الخلاف (2).

و هو الحجّة عليه،دون ما قيل من تقدم السبب و الأخبار و الاحتياط (3).

إذ لا دليل على أن تقديم السبب يقتضي وجوب تقديم المسبّب.

و الأخبار المفيدة لوجوب التقديم لم نجدها،لأنها بين مطلقة للأمر بالقضاء،و هي ما قدّمناه قريباً،و بين مصرّحة بالأمر بالتقديم مقيداً بقيد هو للاستحباب.و يفصح عنه قوله:

المستحب من أحكام منى
يستحب أن يكون ما لأمسه غدوة و ما ليومه بعد الزوال

و يستحب أن يكون ما لأمسه غدوة أي بعد طلوع الشمس و ما ليومه بعد الزوال ففي الصحيح:رجل أفاض من جَمْع حتى انتهى إلى منى،فعرض له عارض فلم يرم الجمرة حتى غابت الشمس،قال:« يرمي إذا أصبح مرّتين:

إحداهما بكرة و هي للأمس،و الأُخرى عند زوال الشمس» (4).

ص:156


1- الكافي 4:/483 ذيل الحديث 5،الوسائل 14:266 أبواب العود إلى منى ب 5 ح 4.
2- الخلاف 2:356.
3- كما في كشف اللثام 1:379.
4- الكافي 4:/484 2،الفقيه 2:/285 1402،الوسائل 14:73 أبواب رمي جمرة العقبة ب 15 ح 2.

و ظاهرهم عدم الخلاف في الاستحباب و إن أشعر بوجوده عبارة الدروس حيث جعله أظهر (1).و هو كذلك،جمعاً بينه و بين الصحيح المتقدم الآمر بالفصل بينهما بساعةٍ المنافي لما في هذا الصحيح قطعاً، و الجمع بالحمل على تفاوت مراتب الاستحباب،فأدناها ما سبق و أعلاها ما هنا.

لكن ظاهر الأصحاب الإعراض عن الحديث السابق فليلحق بالشواذ، و يتوجه حينئذ وجوب ما في هذا الصحيح إن لم ينعقد الإجماع على جواز الإتيان بهما في وقت واحد،و إن انعقد كما صرّح به بعض الأصحاب حيث قال بعد الحكم بجوازه:بلا خلاف بشرط الترتيب (2)فالوجه الاستحباب.

و ممّا ذكرنا ظهر أنه لا مستند لوجوب الترتيب سوى الإجماع.

و أما الاحتياط فليس بدليل شرعي بعد وجود ما قدّمنا من الإطلاق بلا خلاف.

و هل يجوز القضاء قبل طلوع الشمس،أم يتعيّن بعده كالأداء؟ وجهان،بل قولان.أحوطهما الثاني؛ لعموم ما دلّ على أن وقت الرمي بعد طلوع الشمس،مع النهي عنه قبله في بعض ما مرّ من الصحاح و إن أمكن الذبّ عنه بالمعارضة بإطلاق أخبار المسألة،و يرجّحها على السابقة أصالة البراءة و ضعف إطلاقها بعدم تبادر القضاء منه بل الأداء خاصة.

و يجب نية القضاء فيه دون الأداء فيه دون الأداء و إن كانت فيه أيضاً أولى.

و الفرق وقوع ما في ذمته أوّلاً على وجهين فيحتاج إلى نية التعيين

ص:157


1- الدروس 1:434.
2- مفاتيح الشرائع 1:379.

إجماعاً،دون الثاني حيث لم يكن مشغول الذمة بالقضاء،و إنما كانت مع ذلك أولى تفصّياً عن خلاف من أوجبها مطلقاً.

و لا يجوز الرمي ليلاً لما مضى من توقيته بما بين طلوع الشمس إلى غروبها إلّا لعذر كالخائف و الرعاة و العبيد و نحوهم،فيجوز لهم ليلاً أداءً و قضاءً بلا خلاف على الظاهر،المصرح به في بعض العبائر (1).

للحرج و للمعتبرة المستفيضة (2)،و فيها الصحيحان و الموثقان،و فيها التنصيص على خصوص من ذُكر،و زيد في بعضها:الحاطبة و المدين و المريض (3).

و لا فرق في الليل بين المتقدم و المتأخر؛ لعموم النصوص و الفتاوي.

قيل:و الظاهر أن المراد بالرمي ليلاً رمي جمرات كل يوم في ليلته، و لو لم يتمكن من ذلك لم يبعد جواز رمي الجميع في ليلة واحدة؛ لأنه أولى من الترك أو التأخير (4).انتهى.و لا بأس به.

و يجوز أن يرمى عن المعذور كالمريض و إن لم يكن مأيوساً من برئه،و عن الصبي الغير المميّز و المغمى عليه،بلا خلاف أعرفه؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (5).

و في الموثق:« إن المريض يحمل إلى الجمرة و يرمى عنه» قال:

لا يطيق ذلك،قال:« يترك في منزله و يرمى عنه» (6)و حمل الحمل فيه على

ص:158


1- انظر مفاتيح الشرائع 1:379.
2- الوسائل 14:70 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14.
3- الفقيه 2:/286 1403،الوسائل 14:72 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14 ح 7.
4- قال به صاحب المدارك 8:233.
5- الوسائل 14:74 أبواب رمي جمرة العقبة ب 17.
6- الفقيه 2:/286 1405،التهذيب 5:/268 919،الوسائل 14:75 أبواب رمي جمرة العقبة ب 17 ح 2.

الاستحباب (1).

قيل:و في المبسوط لا بدّ من إذنه إذا كان عقله ثابتاً.

و عن المنتهي و التحرير استحباب استئذان النائب عن غير المغمى عليه،قال في المنتهى:إن زال عقله قبل الإذن جاز له أن يرمي عنه عندنا، عملاً بالعمومات.

و في الدروس:لو أُغمي عليه قبل الاستنابة و خيف فوت الرمي فالأقرب رمي الولي عنه،فإن تعذّر فبعض المؤمنى؛ لرواية رفاعة عن الصادق(عليه السّلام):يومي عمّن أُغمي عليه (2).

قلت:فقه المسألة أن المعذور تجب عليه الاستنابة،و هو واضح، لكن إن رمي عنه بدون إذنه فالظاهر الإجزاء،لإطلاق الأخبار و الفتاوي، و عدم اعتباره في المغمى عليه،و إجزاء الحج عن الميت تبرعاً من غير استنابة؛ و يستحب الاستئذان إغناءً له عن الاستنابة الواجبة عليه و إبراء الذمة عنها (3).انتهى.و هو حسن.

و لو زال العذر و الوقت باق لم يجب عليه فعله؛ لسقوطه عنه بفعل النائب بمقتضى إطلاق النص و الفتوى،لأن امتثال الأمر يقتضي الإجزاء.

و لو استناب المعذور ثم أُغمي عليه قبل الرمي لم ينعزل نائبه كما ينعزل الوكيل،وفاقاً للأكثر؛ لأنه إنما جازت النيابة لعجزه،لا للتوكيل،و لذا جازت بدون إذنه،و الإغماء زيادة في العجز.

ص:159


1- كما في مجمع الفائدة 7:359.
2- التهذيب 5:/268 916،الوسائل 14:76 أبواب رمي جمرة العقبة ب 17 ح 5.
3- كشف اللثام 1:379.

و لو نسي من حصى جمرة حصاة فصاعداً إلى الثلاث و جهل موضعها من الجمرات الثلاث رمي على كل جمرة حصاة مخيراً بين الابتداء بكل منها.

و لا يجب الترتيب؛ لأن الفائت من واحدة و وجوب الباقي من باب المقدمة.

و لإطلاق الصحيح:رجل أخذ إحدى و عشرين حصاة فرمى بها، فزادت واحدة،فلم يدر أيّهن نقص،قال:« فليرجع فليرم كل واحدة بحصاة» الخبر (1).

و عن الجواهر الإجماع (2).

و لو فاته جمرة و جهل تعيينها أعاد على الثلاث مرتباً بينها؛ لإمكان كونها الاُولى فيبطل الأخيرتان بعدها.و كذا لو فاته أربع حصيات فصاعداً و جهلها.

و لو فاته من كل جمرة واحدة أو اثنتان أو ثلاث وجب الترتيب؛ لتعدّد الفائت بالأصالة.

و لو فاته ثلاث و شك في كونها من واحدة أو أكثر رماها عن كل واحدة مرتباً؛ لجواز التعدّد.و لو كان الفائت أربعاً استأنف.

الوقوف عند كل جمرة و رميها عن يسارها

و يستحب الوقوف عند كل جمرة و رميها عن يسارها من بطن المسيل حال كونه مستقبل القبلة،و يقف عندها داعياً بالمأثور عدا جمرة العقبة فإنه يستدبر القبلة و يرميها عن يمينها و لا يقف

ص:160


1- الكافي 4:/483 5،الفقيه 2:/285 1399،التهذيب 5:/266 907،الوسائل 14:268 أبواب العود إلى منى ب 7 ح 1.
2- جواهر الفقه:44.

عندها.

كلّ ذلك خلا الاستدبار للصحيح:« و ابدأ بالجمرة الأُولى،فارمها عن يسارها من بطن المسيل،و قل كما قلت يوم النحر،ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة و احمد اللّه تعالى و أثن عليه و صلِّ على النبي(صلّى اللّه عليه و آله)، ثم تقدّم قليلاً فتدعو و تسأله أن يتقبّل منك،ثم تقدم أيضاً،ثم أفعل ذلك عند الثانية و اصنع كما صنعت بالأُولى و تقف و تدعو اللّه كما دعوت،ثم تمضي إلى الثالثة و عليك السكينة و الوقار فارم و لا تقف عندها» (1).

الصحاح و غيرها بعدم الوقوف عند الثالثة مستفيضة جدّاً (2).

و أما الاستدبار للقبلة في رمي جمرة العقبة فقد مضى الكلام فيه في بحثها مستوفى (3).

و لو نسي بل ترك الرمي كلّاً أو بعضاً مطلقاً حتى دخل مكة شرّفها اللّه سبحانه وجب عليه أن يرجع فيها أي منى و يتدارك ما ترك وجوباً؛ للصحاح و غيرها.

ففي الصحيح:في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكة،قال:«[فلترجع]فلترم الجمار كما كانت ترمي،و الرجل كذلك» (4).

و فيه:قلت له:رجل نسي أن يرمي الجمار حتى أتى مكة،قال

ص:161


1- الكافي 4:/480 1،التهذيب 5:/261 888،الوسائل 14:165 أبواب رمي جمرة العقبة ب 10 ح 2.
2- الوسائل 14:64 أبواب رمي جمرة العقبة ب 10.
3- راجع ص 3012.
4- الكافي 4:/484 3،الفقيه 2:/285 1401،التهذيب 5:/263 898،الإستبصار 2:/296 1058،الوسائل 14:261 أبواب العود إلى منى ب 3 ح 1،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

يرجع فيرميها،يفصل بين كلّ رميتين بساعة» قلت:فإنه فاته ذلك و خرج، قال:« ليس عليه شيء» (1).

و نحوه آخر،لكن فيه بدل« ليس عليه شيء»:« ليس عليه أن يعيد» (2).

و هي كما ترى كالعبارة و نحوها مطلقة شاملة لصورتي بقاء أيام التشريق و عدمه،لكن قيّدها الأكثر بالأُولى.و لعلّه الأظهر؛ جمعاً بينها و بين الخبر:« من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل،فإن لم يحج رمي عنه وليّه،فإن لم يكن له وليّ استعان برجل من المسلمين يرمي عنه،و أنه لا يكون رمي الجمار إلّا أيام التشريق» (3).

و في سنده و إن كان ضعف بالجهالة،إلّا أنه مجبور بالشهرة الظاهرة، و المحكية (4)،بل عليه الإجماع في الغنية (5).

مضافاً إلى ضعف الإطلاق في الأخبار السابقة،و عدم معلومية انصرافه إلى الصورة الثانية،فإنّ المتبادر منها الأُولى خاصة.

و لو خرج من مكة و لما [لم] يتدارك الرامي [الرمي] فلا حرج عليه و لا شيء كما مرّ في الصحيحين إن مضت أيام التشريق،كما هو الغالب

ص:162


1- الكافي 4:/484 1،الوسائل 14:261 أبواب العود إلى منى ب 3 ح 2.
2- التهذيب 5:/264 899،الإستبصار 2:/297 1059،الوسائل 14:262 أبواب العود إلى منى ب 3 ح 3.
3- التهذيب 5:/264 900،الإستبصار 2:/297 1060،الوسائل 14:262 أبواب العود إلى منى ب 3 ح 4.
4- ادّعاها المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 7:357.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):581.

في الخروج،و عليه يحمل إطلاقهما و العبارة،مضافاً إلى مفهوم الرواية السابقة كما عرفته.

و لا ريب في الحكم إن أُريد من الحرج و الشيء المنفي الكفارة؛ لانتفائها بالأصل.

قيل:هذا عندنا،و أوجب الشافعية عليه هدياً،و لا يختلّ بذلك إحلاله عندنا و إن كان في ترك الرمي عامدا (1)و أما ما مر من بعض الأخبار بأنه من ترك رمي الجمار متعمدا لم تحل له النساء و عليه الحج من قابل (2)فمع ضعف سنده و شذوذه و إن حكي نحوه عن الإسكافي (3)و أشعر عبارة التهذيب بقبوله (4)غير صريح؛ لاحتماله الحمل على تعمّد الترك لزعمه عند ما أحرم أو بعده أنه لغو لا عبرة به،فإنه حينئذ كافر لا عبرة بحجّه و إحلاله؛ أو على أن يكون المراد إيجاب الحج من قابل لقضاء الرمي فيه،فيكون بمعنى ما في الخبر المتقدم كما قيل (5)؛ أو على الاستحباب،كما في الاستبصار و المختلف و الدروس (6)، و فيه:أنه لم نقف على قائل به.

و كذا إن أُريد منه وجوب العود لتدارك الرمي في عامه؛ لاتفاق الأخبار المتقدمة عليه.

و يشكل لو أُريد منه ذلك مطلقاً،كما هو ظاهره في الشرائع (7)و صريحه هنا؛ لقوله:

ص:163


1- كشف اللثام 1:379.
2- راجع ص:151.
3- نقله عنه في كشف اللثام 1:379.
4- التهذيب 5:264.
5- انظر كشف اللثام 1:379.
6- الاستبصار 2:297،المختلف:302،الدروس 1:435.
7- الشرائع 1:276.

و لو حج في القابل استحب له القضاء،و لو استناب و لم يباشره جاز لعدم وضوح دليل عليه،سوى الأصل و عموم الصحيحين المتقدمين بنفي الشيء و الإعادة السالمين عمّا يصلح للمعارضة،سوى الرواية المتقدمة،و هي ضعيفة السند كما عرفته،و قد عرفت الجواب عن ضعف السند بالشهرة العظيمة،إذ لم نر مصرِّحاً بالاستحباب عدا الماتن و الفاضل فيما حكي عنه من التبصرة (1).

و أما باقي الأصحاب فهم بين مصرِّح بالوجوب كالشيخ في التهذيبين و الخلاف،و الشهيدين في الدروس و المسالك و الروضة (2)،و باللزوم كالحلبي فيما حكي (3)،أو آمرٍ به كالشيخ في النهاية،و الحلّي في السرائر، و الفاضل في التحرير و القواعد،و ابن زهرة في الغنية (4)،مدعياً عليه إجماع الطائفة،و حينئذ فتكون الرواية حجة.

و يقيّد بها الأصل و الصحيحان،بحمل الشيء و الإعادة فيهما على ما يجامع الرواية،بأن يراد بالشيء نحو الكفارة،أو الإعادة في هذه السنة، و عليها يحمل الإعادة المنفية في الرواية الثانية،مضافاً إلى احتمالها الحمل على ما ذكره بعض الأجلة فقال:و يحتمل أن يكون إنما أراد السائل أنه نسي التفريق،و يؤيده لفظ« يعيد» قال:مع أن في طريقها النخعي فإنما يكون صحيحاً إن كان أيوب بن نوح،و لا يقطع به (5).

الإقامة بمنى أيام التشريق

و تستحب الإقامة بمنى أيام التشريق للصحيح:عن رجل يأتي

ص:164


1- التبصرة:76.
2- الاستبصار 2:297،التهذيب 5:264،الخلاف 2:352،الدروس 1:435،المسالك 1:126،الروضة 2:325.
3- حكاه عنه في كشف اللثام 1:379،و الموجود في الكافي:199:فليرمه من قابل.
4- النهاية:267،السرائر 1:609،التحرير 1:110،القواعد 1:90،الغنية(الجوامع الفقهية):581.
5- كشف اللثام 1:379.

مكة أيام منى بعد فراغه من زيارة البيت فيطوف بالبيت تطوعاً،فقال:

« المقام بمنى أفضل و أحبّ إلىّ» (1).

و لا يجب؛ للأصل،و نحو الصحيحين (2):« لا بأس أن يأتي الرجل مكة فيطوف في أيام منى و لا يبيت بها» .و في الموثق:رجل زار فقضى طواف حجه كلّه،أ يطوف بالبيت أحبّ إليك أم يمضي على وجهه إلى منى؟فقال:« أيّ ذلك شاء فعل ما لم يَبِت» (3).

و يجوز للحاج إذا فرغ من رميه الجمار في اليومين الأوّلين من أيام التشريق النفر في الأول،و هو الثاني عشر من ذي الحجة لمن اتّقى الصيد بأن ترك قتله و أخذه و النساء بأن ترك وطأهنّ،و ربما قيل:

الاستمتاع بهنّ مطلقاً (4).و هو أحوط و أولى في إحرامه في الحج،و ربما الحق به عمرة التمتع،لارتباطها به (5)،و هو أحوط.

و يسقط عنه رمي الجمار في اليوم الثالث حينئذ بلا خلاف،كما عن المنتهى (6).

و إن شاء نفر في الثاني و هو الثالث عشر من الشهر.

ص:165


1- الكافي 4:/515 1،الفقيه 2:/287 1413،التهذيب 5:/260 887،الإستبصار 2:/295 1053،الوسائل 14:260 أبواب العود إلى منى ب 2 ح 5.
2- الفقيه 2:/287 1412،التهذيب 5:/260 883،الإستبصار 2:/295 1050،الوسائل 14:259 أبواب العود إلى منى ب 2 ح 1 و ذيله.
3- التهذيب 5:/49 1756،الوسائل 14:260 أبواب العود إلى منى ب 2 ح 4.
4- الروضة 2:323.
5- المنتهى 2:775 777.
6- المنتهى 2:775 777.

بالكتاب (1)و السنّة (2)،و الإجماع الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر (3)،و عن المنتهى إنه مذهب العلماء كافة (4).

و لكن اختلف الفتاوي و النصوص في المراد بالمتّقي:أ هو من الصيد و النساء خاصة،كما هو الأشهر،أو سائر ما يوجب الكفارة كذلك،كما عن الحلّي و غيره (5)،أو كلّ ما حرم عليه في إحرامه،كما عن ابن سعيد (6)؟ و الأظهر:الأول؛ للخبرين في أحدهما:« إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول،و من نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس،و هو قول اللّه عزّ و جلّ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [1] .. لِمَنِ اتَّقى [2] (7)اتّقى الصيد» (8).

و مفهومه و إن دلّ على جواز نفر المتّقي للصيد في النفر الأول مطلقاً و لو لم يتّق النساء،لكنه مقيّد بما إذا اتّقاهن أيضاً بالإجماع.

و في الثاني:« و من أتى النساء في إحرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الأول» (9).

ص:166


1- البقرة:203.
2- انظر الوسائل 14:274 أبواب العود إلى منى ب 9.
3- انظر المدارك 8:249،و المفاتيح 1:380.
4- المنتهى 2:776.
5- الحلي في السرائر 1:605؛ و حكاه في كشف اللثام 1:377 عن ابن أبي المجد.
6- الجامع للشرائع:218.
7- البقرة:203.
8- التهذيب 5:/490 1758،الوسائل 14:279 أبواب العبود إلى منى ب 11 ح 3.
9- الكافي 4:/522 11،التهذيب 5:/273 932،الوسائل 14:279 أبواب العود إلى منى ب 11 ح 1.

و ضعف سندهما منجبر بالعمل.

و لا دليل على الأخيرين عدا الخبر للأخير،و فيه:« لمن اتّقى الرَّفَث و الفسوق و الجدال،و ما حرّم اللّه تعالى في إحرامه» (1).

و في سنده ضعف،مضافاً إلى عدم مقاومته لما مرّ من وجوه.و هو و إن وافقه ظاهر إطلاق الآية،إلّا أنها كما قيل (2)مجملة محتملة لمعان متعددة رويت في تفسيرها.و فيه نظر.

و كيف كان،فلا ريب أن هذا القول أحوط،فلا يترك العمل به مهما أمكن.

و لو لم يتّقِ تعيّن عليه الإقامة إلى النفر الأخير إجماعاً؛ لما مرّ قريباً.

و كذا يتعيّن عليه الإقامة إلى النفر الأخير لو غربت الشمس و هو بمنى ليلة الثالث عشر و إن اتّقى،بالإجماع و المعتبرة المستفيضة:

ففي الصحيح:« إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبِت بمنى،فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح» (3).

و فيه:« فإن أدركه المساء بات و لم ينفر» (4).

و من نفر في الأوّل لا يجوز أن ينفر إلّا بعد الزوال إلّا لضرورة.

ص:167


1- الفقيه 2:/288 1416،الوسائل 14:280 أبواب العود إلى منى ب 11 ح 7.
2- انظر المفاتيح 1:380.
3- الكافي 4:/521 7،التهذيب 5:/272 930،الوسائل 14:277 أبواب العود إلى منى ب 10 ح 2.
4- الكافي 4:/520 4،التهذيب 5:/272 929،الوسائل 14:277 أبواب العود إلى منى ب 10 ح 1.

و من نفر في الأخير يجوز له قبله بلا خلاف هنا حتى من القائل بأن وقت الرمي بعد الزوال،بل في الغنية و التذكرة عليه الإجماع (1)،و عن المنتهى بلا خلاف (2).

و لا في الأول؛ إلّا ما يحكى عن التذكرة،فقرّب فيها أن التأخير مستحب (3).

و وجّهه بعض بأن الواجب إنما هو الرمي و البيتوتة،و الإقامة في اليوم مستحبة كما مرّ،فإذا رمى جاز النفر متى شاء.قال:و يمكن حمل كثير من العبارات عليه،و يؤيده الخبر:« لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأول قبل الزوال» (4)و إن حمل على الضرورة و الحاجة (5).انتهى.

و فيه:أنه اجتهاد صِرف في مقابلة الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

ففي الصحيح:« إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس،و إن أخّرت إلى آخر أيام التشريق و هو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت و رميت،من قبل الزوال أو بعده» (6).

و فيه:« أما اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس،فأما اليوم الثالث

ص:168


1- الغنية(الجوامع الفقهية):581،التذكرة 1:394.
2- المنتهى 2:776.
3- التذكرة 1:394.
4- التهذيب 5:/272 928،الإستبصار 2:/301 1075،الوسائل 14:277 أبواب العود إلى منى ب 9 ح 11.
5- كشف اللثام 1:380.
6- الكافي 4:/520 3،الفقيه 2:/287 1414،التهذيب 5:/271 926،الإستبصار 2:/300 1073،الوسائل 14:274 أبواب العود إلى منى ب 9 ح 3.

فإذا ابيضّت الشمس فانفر على كتاب اللّه تعالى» الخبر (1).

و فيه:عن الرجل ينفر في النفر الأول قبل أن تزول الشمس،فقال:

« لا،و لكن يخرج ثقله،و لا يخرج هو حتى تزول الشمس» (2).

مع أن الخبر الذي ذكره ضعيف السند بالجهالة و الدلالة؛ باحتماله التقييد بما ذكره،و هو أقوى من حمل الصحاح على الاستحباب أو الكراهة من وجوه عديدة.

و دعوى انحصار الواجب في الرمي و البيتوتة أوّل النزاع و المشاجرة، و استحباب الإقامة في اليوم كلّه لا يستلزم استحبابها في أجزائه،و بعبارة اخرى:الموصوف بالاستحباب إنما هو الإقامة بعد الزوال إلى الليل، لا الإقامة إلى الزوال،و أحدهما غير الآخر،و المؤيد هو الثاني دون الأوّل.

ثم اعلم أن إطلاق الأدلة كالعبارة و نحوها بجواز النفر في الثاني قبل الزوال أو بعده مخيراً بينهما يعمّ الإمام و غيره.

خلافاً للمحكي عن النهاية و المبسوط و المهذّب و السرائر و الغنية (3)و الإصباح،فخصّوه بغير الإمام،و قالوا:عليه أن يصلّي الظهر بمكة.

و عن المنتهى و التحرير و التذكرة استحباب ذلك له (4).و لا بأس به؛ للصحيح:« يصلّي الإمام الظهر يوم النفر بمكة» (5).

ص:169


1- الكافي 4:/519 1،التهذيب 5:/271 927،الإستبصار 2:/300 1074،الوسائل 14:275 أبواب العود إلى منى ب 9 ح 4.
2- الفقيه 2:/288 1422،الوسائل 14:276 أبواب العود إلى منى ب 9 ح 6.
3- النهاية:269،المبسوط 1:380،المهذب 1:263،السرائر 1:612،الغنية(الجوامع الفقهية):581.
4- المنتهى 2:777،التحرير 1:111،التذكرة 1:394.
5- الكافي 4:/520 5،التهذيب 5:/273 934،الوسائل 14:281 أبواب العود إلى منى ب 12 ح 1.

و في الخبر:إنّ أصحابنا قد اختلفوا علينا،فقال بعضهم:إن النفر يوم الأخير بعد الزوال أفضل،و قال بعضهم:قبل الزوال،فكتب:« أما علمت أن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)الظهر و العصر بمكة؟فلا يكون ذلك إلّا و قد نفر قبل الزوال» (1).

و ربما يفهم منه رجحانه لغير الإمام أيضاً.

يستحب للإمام أن يخطب

و يستحب للإمام كما هنا و في الشرائع و القواعد (2) أن يخطب الناس بعد صلاة الظهر كما في التحرير (3)،و عن المنتهى بدل الظهر:العصر من اليوم الثاني من أيام التشريق (4).

و يعلمهم ذلك أي وقت النفر الأول و الثاني.

و في الدروس و غيره (5):ينبغي أن يعلمهم أيضاً كيفية النفر و التوديع و بحثّهم على طاعة اللّه تعالى،و على أن يختموا حجّتهم بالاستقامة و الثبات على طاعة اللّه تعالى،و أن يكونوا بعد الحج خيراً منهم قبله،و أن يذكروا ما عاهدوا اللّه تعالى عليه من خير.

و في الدروس حكم بالوجوب.و لم أعرف مستنده،و له وجه إن علم الإمام جهلهم بما يجب عليهم.

و في التحرير عبّر بالجواز،و لا بأس به،بل و لا بالاستحباب.

التكبير بمنى

و التكبير بمنى عقيب خمس عشرة صلاة أوّلها ظهر النحر،و في

ص:170


1- الكافي 4:/521 8،التهذيب 5:/273 935،الوسائل 14:282 أبواب العود إلى منى ب 12 ح 2.
2- الشرائع 1:276،القواعد 1:91.
3- الشرائع 1:276،القواعد 1:91.
4- حكاه عنه في المدارك 8:253.
5- الدروس 1:461؛ و انظر المدارك 8:253.

البلدان عقيب عشر صلوات أوّلها ظهره أيضاً مستحب.

و قيل:يجب (1) و قد مرّ التحقيق فيه و في كيفيته في بحث صلاة العيد فلا نعيده.

و من قضى أي أدّى مناسكه بمنى فإن كان بقي عليه شيء من مناسك مكة كطواف أو بعضه أو سعي عاد إليها لفعله وجوباً،و إلّا فله الخيرة في العود إلى مكة و غيرها؛ لعدم وجوبه عليه عندنا كما في الروضة و غيرها (2)؛ للأصل،و النصوص:

منها:ما ترى في المقام بمنى بعد ما ينفر الناس؟فقال:« إذا كان قد قضى مناسكه فليقم ما شاء و ليذهب حيث شاء» (3).

و منها:« لو كان لي طريق إلى منزلي من منى ما دخلت مكة» (4).

و لكن الأفضل العود إليها لوداع البيت و دخول الكعبة خصوصاً للصرورة لاستحبابهما بالإجماع و النصوص المستفيضة:

ففي الصحيح:« إذا أردت أن تخرج من مكة و تأتي أهلك فودّع البيت و طف أُسبوعاً» الخبر (5).

و في الموثق:عن الدخول في الكعبة،فقال:« الدخول فيها دخول

ص:171


1- كما قال به الشيخ في الجمل و العقود:238،و ابن حمزة في الوسيلة:189.
2- الروضة 2:325؛ و انظر كشف اللثام 1:380.
3- الكافي 4:/541 6،التهذيب 5:/273 936،الوسائل 14:282 أبواب العود إلى منى ب 13 ح 1.
4- الكافي 4:/521 9،التهذيب 5:/274 937،الوسائل 14:282 أبواب العود إلى منى ب 13 ح 1.
5- الكافي 4:/530 1،التهذيب 5:/280 957،الوسائل 14:287 أبواب العود إلى منى ب 18 ح 1.

في رحمة اللّه تعالى،و الخروج منها خروج من الذنوب،معصوم فيما بقي من عمره،مغفور له ما سلف من ذنوبه» (1).

و لا ينافيه الصحيح:عن دخول البيت،فقال:« أما الصرورة فيدخله، و أما من قد حجّ فلا» (2)لأنه محمول على أن المنفي تأكد الاستحباب الثابت للصرورة،كما في الصحيح:« لا بدّ للصرورة أن يدخل البيت قبل أن يرجع» (3)و ظاهره و إن كان وجوبه على الصرورة،كما وقع التصريح بلفظة في غيره (4)،لكن وقع التصريح بالاستحباب في جملة من المعتبرة:

منها:« أُحبّ للصرورة أن يدخل الكعبة و أن يطأ المشعر الحرام» (5).

و منها:كيف صار الصرورة يستحب له دخول الكعبة دون من قد حجّ؟قال:« لأن الصرورة قاضٍ فرضَ مدعوّ إلى حج بيت اللّه تعالى، فيجب أن يدخل البيت الذي دعي إليه ليكرم فيه» (6).

و يستحب أن يكون الدخول بلا حذاء و بعد الغسل كما مرّ في بحثه، و الدعاء إذا دخل بالمأثور على سكينة و وقار،و أن لا يبزق و لا يمتخط فيها.

الصلاة في زوايا الكعبة

و مع عوده إلى مكة و دخوله في الكعبة استحب له الصلاة في زوايا الكعبة الأربع في كل زاوية ركعتين،يبدأ في بالزاوية التي فيها

ص:172


1- الكافي 4:/527 2،الوسائل 14:285 أبواب العود إلى منى ب 16 ح 1.
2- التهذيب 5:/277 948،الوسائل 13:273 أبواب مقدمات الطواف ب 35 ح 3.
3- الكافي 4:/529 6،التهذيب 5:/277 947،الوسائل 13:278 أبواب مقدمات الطواف ب 36 ح 6.
4- قرب الإسناد:/234 916،الوسائل 13:274 أبواب مقدمات الطواف ب 35 ح 5.
5- المقنعة:445،الوسائل 13:274 أبواب مقدمات الطواف ب 35 ح 6.
6- الفقيه 2:/154 668،الوسائل 13:273 أبواب مقدمات الطواف ب 35 ح 4.

الدرجة،ثم الغربية،ثم التي فيها الركن اليماني،ثم التي فيها الحجر الأسود،كما عن القاضي (1)،داعياً بالمأثور.

و على الرخامة الحمراء التي بين الأُسطوانتين اللتين تليان الباب، و هي مولد مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام) كما قيل (2)ركعتين،يقرأ في الأُولى بعد الحمد حم السجدة و يسجد لها ثم يقوم فيقرأ الباقي،و في الثانية بقدرها من الآيات،لا الحروف و الكلمات.

و الطواف بالبيت للوداع،و هو كغيره سبعة أشواط.

و استلام الأركان كلّها و خصوصاً اليماني و الذي فيه الحجر في كل شوط،و أقلّه أن يفتتح به و يختم.

و إتيان المستجار و الدعاء عنده في الشوط السابع أو بعد الفراغ منه و من صلاته.

و الشرب من زمزم،و الخروج من باب الحنّاطين قيل:و هو باب بني جمح،و هي قبيلة من قبائل قريش،و هو بإزاء الركن الشامي على التقريب (3).

و الدعاء عند الخروج بالمأثور و السجود عند الباب هو مستقبل القبلة،و الدعاء بقوله:اللهم إني انقلب على لا إله إلّا اللّه.

قيل:و زاد القاضي قبله الحمد و الصلاة،و في المقنعة مكان ذلك:

اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك الحرام (4).

ص:173


1- المهذب 1:263.
2- كشف اللثام 1:381.
3- السرائر 1:616.
4- كما في كشف اللثام 1:382.

و الصدقة بتمر يشتريه بدرهم كفارة لما لعلّه فعله في الإحرام أو الحرم،و عن الجعفي يتصدّق بدرهم (1)،و في الدروس:لو تصدّق ثم ظهر له موجب يتأدّى بالصدقة أجزأ على الأقرب (2).

كلّ ذا للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

ففي الصحيح:« إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها،و لا تدخلها بحذاء،و تقول إذا دخلت:اللهم إنك قلت وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [1] فآمنّي من عذاب النار،ثم تصلّي ركعتين بين الأُسطوانتين على الرخامة الحمراء،تقرأ في الركعة الأُولى حم السجدة،و في الثانية عدد آياتها من القرآن،و تصلّي في زواياه و تقول:اللهم من تهيّأ أو تعبأ أو أعدّ و استعدّ لوفادة إلى مخلوقٍ رجاءَ رده و جائزته و نوافله و فواضله،فإليك يا سيدي تهيئتي و تعبئتي و إعدادي و استعدادي رجاء رفدك و نوافلك و جائزتك،فلا تخيّب اليوم رجائي،يا من لا يخيب عليه سائل و لا ينقصه نائل،فإني لم آتك اليوم لعمل صالح قدّمته و لا شفاعة مخلوق رجوته، و لكني أتيتك مقرّاً بالظلم و الإساءة على نفسي،فإنه لا حجّة لي و لا عذر، فأسألك يا من هو كذلك أن تصلّي على محمّد و تعطيني مسألتي و تقيلني عثرتي و لا تردّني مجبوهاً ممنوعاً و لا خائباً،يا عظيم ثلاثا أرجوك للعظيم،أسألك يا عظيم أن تغفر لي الذنب العظيم،لا إله إلّا أنت» قال:

« و لا تدخلها بحذاء،و لا تبزق فيها و لا تمتخط فيها» الحديث (3).

و فيه:« إذا دخلته فادخل بسكينة و وقار» (4).

ص:174


1- الدروس 1:469.
2- الدروس 1:469
3- الكافي 4:/528 3،التهذيب 5:/276 945،الوسائل 13:275 أبواب مقدمات الطواف ب 36 ح 1.
4- تقدم مصدره في ص 3267 الهامش(2).

و فيه:« إذا أردت أن تخرج من مكة و تأتي أهلك فودِّع البيت و طف أُسبوعاً،و إن استطعت أن تستلم الحجر الأسود و الركن اليماني في كلّ شوط فافعل،و إلّا فافتتح به و اختم،و إن لم تستطع ذلك فموسّع عليك،ثم تأتي المستجار فتصنع عنده ما صنعت يوم قدمت مكة،ثم تخيّر لنفسك من الدعاء» إلى أن قال:« ثم ائت زمزم و اشرب من مائها ثم اخرج و قل:

آئبون تائبون عابدون،لربّنا حامدون،إلى ربنا منقلبون راغبون،إلى اللّه تعالى راجعون إن شاء اللّه تعالى» قال:و إن أبا عبد اللّه(عليه السّلام)لمّا ودّعها و أراد أن يخرج من المسجد خرّ ساجداً عند باب المسجد طويلاً،ثم قام و خرج (1).

و فيه:رأيت أبا جعفر الثاني(عليه السّلام)في سنة خمس عشرة و مائتين (2)[ودّع البيت]بعد ارتفاع الشمس و طاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط،فلمّا كان الشوط السابع استلمه و استلم الحجر و مسح بيده ثم مسح وجهه بيده،ثم أتى المقام فصلّى خلفه ركعتين،ثم خرج إلى دبر الكعبة إلى الملتزم فالتزم البيت و كشف الثوب عن بطنه،ثم وقف عليه طويلاً يدعو،ثم خرج من باب الحنّاطين و توجّه،قال:فرأيته في سنة تسع عشرة (3)و مائتين ودّع البيت ليلاً يستلم الركن اليماني و الحجر الأسود في

ص:175


1- تقدم مصدره في ص 3266 الهامش(5).
2- في الكافي:« خمس و عشرين و مأتين».و قال العلامة المجلسي في مرآة العقول 18:229:روى الشيخ في التهذيب هذا الخبر من الكافي و في أكثر نسخه:سنة خمس عشرة و مائتين،و في بعضها كما هنا،و في تلك النسخ زيادة بعد نقل الخبر و هي هذه:قال محمد بن الحسن مصنف هذا الكتاب:هذا غلط لأنّ أبا جعفر(عليه السّلام)مات سنة عشرين و مائتين..
3- في الكافي:سبع عشرة.

كل شوط،فلمّا كان الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريباً من الركن اليماني و فوق الحجر المستطيل،و كشف الثوب عن بطنه،ثم أتى الحجر فقبّله و مسحه،و خرج إلى المقام فصلّى خلفه،ثم مضى و لم يعد إلى البيت،و كان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط و بعضهم ثمانية (1)(2).و فيه:رأيت أبا الحسن(عليه السّلام)ودّع البيت فلمّا أراد أن يخرج من باب المسجد خرّ ساجداً،ثم قام فاستقبل القبلة فقال:« اللهم إني أنقلب على [أن]لا إله إلّا اللّه» (3).

و فيه:سمعت أبا عبد اللّه(عليه السّلام)و هو خارج من الكعبة و هو يقول:« اللّه أكبر» حتى قالها ثلاثاً،ثم قال:« اللهم لا تجهد بلاءنا،ربّنا و لا تشمت بنا أعداءنا،فإنك أنت الضارّ النافع» (4).

و فيه:« ينبغي للحاج إذا قضى مناسكه و أراد أن يخرج أن يبتاع بدرهم تمراً يتصدّق به،فيكون كفارة لما لعلّه دخل عليه[في حجّه]من حكّ أو قمّلة سقطت أو نحو ذلك» (5).

ص:176


1- الكافي 4:/532 3،الوسائل 14:289 أبواب العود إلى منى ب 18 ح 3،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- في« ك» زيادة:و في الخبر:تأتي المستجار بين الحجر و الباب فتودّعه،ثم تخرج فتشرب من زمزم،ثم تمضي،فقلت:أصبّ على رأسي؟فقال:لا تقرب[الصبّ].الكافي 4:/532 4،الوسائل 14:290 أبواب العود إلى منى ب 18 ح 5.
3- الكافي 4:/531 2،التهذيب 5:/281 958،الوسائل 14:288 أبواب العود إلى منى ب 18 ح 2.
4- الكافي 4:/529 7،التهذيب 5:/279 956،قرب الإسناد:/4 10 الوسائل 13:282 أبواب مقدمات الطواف ب 40 ح 1.
5- الكافي 4:/533 1،التهذيب 5:/282 963،الوسائل 14:292 أبواب العود إلى منى ب 20 ح 2،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
من المستحب التحصيب

و من المستحب التحصيب للنافر في الأخير،إجماعاً كما عن التذكرة و المنتهى و في المدارك و غيره (1)؛ للصحيح:« إذا نفرت و انتهيت الى الحصباء و هي البطحاء فشئت أن تنزل قليلاً» فإنّ أبا عبد اللّه(عليه السّلام)قال:« كان أبي ينزلها ثم يحمل فيدخل مكة من غير أن ينام بها» (2).

و الموثق كالصحيح:عن الحصبة،فقال:« كان أبي ينزل الأبطح قليلاً،ثم يجيء فيدخل البيوت من غير أن ينام بالأبطح» الخبر (3).

و ظاهره أنه النزول بالأبطح من غير أن ينام،و قيل في تفسيره غير ذلك (4).

و ظاهر إطلاق العبارة استحبابه استحبابه مطلقاً و لو في النفر الأول،و هو خلاف الإجماع الظاهر،المصرَّح به في بعض العبائر (5)،و في ذيل الموثق السابق:

أ رأيت من يعجل في يومين عليه أن يحصب؟قال:

« لا». و النزول بالمعرَّس معرَّس النبي(صلّى اللّه عليه و آله) على طريق المدينة بذي الحليفة و صلاة ركعتين فيه و هو بضمّ الميم و فتح العين و تشديد الراء المفتوحة،و يقال بفتح الميم و سكون العين و تخفيف الراء،مسجد يقرب مسجد الشجرة و بإزائه ممّا يلي القبلة،كما في كلام جماعة (6).

ص:177


1- التذكرة 1:396،المنتهى 2:777،المدارك 8:263؛ و انظر كشف اللثام 1:380.
2- الكافي 4:/520 3،التهذيب 5:/271 926،الوسائل 14:284 أبواب العود إلى منى ب 15 ح 1.
3- الكافي 4:/523 1،الفقيه 2:/289 1428،التهذيب 5:/275 942،الوسائل 14:285 أبواب العود إلى منى ب 15 ح 3.
4- انظر الوافي 14:1282.
5- كالتذكرة 1:396.
6- منهم:الشهيدان في الدروس 2:19،و المسالك 1:128،و صاحبا المدارك 8:273،و الحدائق 17:406.

و استحباب نزوله و الصلاة فيه مجمع عليه كما في كلام جماعة (1)؛ للصحاح و الموثقات:

ففي الصحيح:« إذا انصرفت من مكة إلى المدينة فانتهيت إلى ذي الحليفة و أنت راجع من مكة فائت مكة فائت معرَّس النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،فإن كنت في وقت صلاة مكتوبة أو نافلة فصلِّ فيه،و إن كان في غير وقت صلاة فانزل فيه قليلاً،فإن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قد كان يعرّس فيه و يصلّي فيه» (2).

و فيه:« التعريس هو أن تصلّي فيه و تضطجع،ليلاً مرَّ به أو نهاراً» (3).

و يستفاد منه أنه لا فرق في استحباب التعريس و النزول به بين أن يحصل المرور به ليلاً أو نهاراً،و به صرّح جماعة (4).

و أظهر منه الموثق:إن مررت به ليلاً أو نهاراً فعرّس فيه؟و إنما التعريس في الليل؟فقال:« نعم إن مررت به ليلاً أو نهاراً فعرِّس فيه،فإنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)كان يفعل ذلك» (5).

و قوله:إنما التعريس في الليل،إشارة إلى معناه اللغوي،أو ما فعله النبي(صلّى اللّه عليه و آله).و هو كذلك،كما يظهر من المحكي عن القاموس و الجوهري.

ففي الأول:أعرس القوم نزلوا في آخر الليل للاستراحة،كعرّسوا،

ص:178


1- منهم:صاحب المدارك 8:273،و السبزواري في الذخيرة:695،و صاحب الحدائق 17:406.
2- الفقيه 2:/335 1559،الوسائل 14:370 أبواب المزار و ما يناسبه ب 19 ح 1.
3- الفقيه 2:/336 1561،الوسائل 14:370 أبواب المزار و ما يناسبه ب 19 ح 2.
4- منهم:صاحب المدارك 8:274،و السبزواري في الذخيرة:695،و صاحب الحدائق 17:406.
5- التهذيب 6:/16 37،الوسائل 14:371 أبواب المزار و ما يناسبه ب 19 ح 4.

و ليلة التعرّس الليلة التي نام فيها النبي(صلّى اللّه عليه و آله) (1).

و عن الثاني:المعرس محل نزول القوم في السفر آخر الليل (2).

و يستفاد من الصحيح الأول أن التعريس إنما يستحب في العود من مكة إلى المدينة،لا في المضي إلى مكة،و هو صريح الموثق:« و إنما المعرس إذا رجعت إلى المدينة،ليس إذا بدأت» (3).

و يستفاد من جملة من المعتبرة و فيها الصحيح و الموثق تأكّد استحباب التعريس حتى لو تجاوز المعرس بلا تعريس رجع فعرَّس (4).

و العزم على العود فإنّ العزم على الطاعات من قضايا الإيمان، و أخبار الدعاء بأن لا يجعله آخر العهد ناطقة به،مضافاً إلى خصوص النصوص:

منها:« من خرج من مكة و هو ينوي الحج من قابل زيد في عمره» (5).

و منها:« من خرج من مكة و هو لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله و دنا عذابه» (6).

و في ثالث:كنّا مع أبي عبد اللّه(عليه السّلام)و قد نزلنا الطريق فقال:« ترون هذا الجبل نافلاً؟إنّ يزيد بن معاوية عليهما اللعنة لمّا رجع من الحج

ص:179


1- القاموس 2:238.
2- الصحاح 3:948.
3- الوسائل 14:372 أبواب المزار و ما يناسبه ب 20.
4- الوسائل 14:372 أبواب المزار و ما يناسبه ب 20.
5- الكافي 4:/281 3،الوسائل 11:150 أبواب وجوب الحج ب 57 ح 1 و فيهما:من رجع..
6- الكافي 4:/270 1،الوسائل 11:151 أبواب وجوب الحج ب 57 ح 2.

مرتحلاً إلى الشام ثم أنشأ يقول:إذا تركنا ثافلاً يميناً،فلن نعود بعده سنيناً، للحج و العمرة ما بقينا فأماته اللّه قل أجله» (1).

المكروهات

و من المكروهات: المجاورة بمكة بلا خلاف و إن اختلفت العبارات بالإطلاق كما هنا و في الشرائع و المنتهى و غيرها من عبائر كثير (2)، و في الدروس و غيره (3):إنه المشهور،و جعله المدارك هو المعروف بين الأصحاب (4)،مشعراً بالإجماع.

أو التقييد بسنة كاملة،سواء وثق من نفسه بعدم المحذورات الآتية أم لا،كما في الجامع و غيره (5).

أو التقييد بما إذا وثق من نفسه عدمها مطلقاً كما في الدروس (6).

أو التقييد بهما معاً كما في المدارك و غيره (7).

و منشأ الاختلافات اختلاف الأنظار في الجمع بين الأخبار المختلفة.

فممّا يدل على المشهور النصوص المستفيضة،و فيها التعليل بأنّ كلّ ظلم فيه إلحاد (8)،و في المقام خوف ظلم منه و ممن معه كما في الصحاح، و في جملة منها فلذلك كان الفقهاء يكرهون سكنى مكة كما في أحدها (9)،

ص:180


1- الفقيه 2:/142 615،التهذيب 5:/462 1612،الوسائل 11:152 أبواب وجوب الحج ب 57 ح 6.
2- الشرائع 1:278،المنتهى 2:882؛ و انظر التذكرة 1:403،و جامع المقاصد 3:278.
3- الدروس 1:471؛ و انظر المسالك 1:128 و مجمع الفائدة 7:379.
4- المدارك 8:271.
5- الجامع للشرائع:230؛ و انظر كشف اللثام 1:384.
6- الدروس 1:471.
7- المدارك 8:272؛ و انظر الذخيرة:696.
8- انظر الوسائل 13:231 أبواب مقدمات الطواف ب 16.
9- التهذيب 5:/420 1457،الوسائل 13:231 أبواب مقدمات الطواف ب 16 ح 1.

أو كان ينتهي أو يتقي أن يسكن الحرم كما في غيره (1).

أو بأن من خرج منها دام (2)شوقه إليها،كما في المرسل كالصحيح (3)و غيره (4).

أو بأن المجاورة بها تقسي القلوب،كما في المراسيل المستفيضة (5).

و على الثاني الصحيح:« لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكة سنة» قلت:

كيف يصنع؟قال:« يتحوّل عنها» الخبر (6).

و ممّا يدل على استحباب المجاورة مطلقاً أو سنةً ما أشار إليه بعض الأصحاب جامعاً بينه و بين ما سبق فقال بعده:و لا ينافيه استحبابها لما ورد من الفضل فيما يوقع فيها من العبادات،و هو ظاهر.

و لا ما في الفقيه عن علي بن الحسين(عليهما السّلام)من قوله:« الطاعم بمكة كالصائم فيما سواها،و الماشي بمكة في عبادة اللّه عز و جل» (7)إذ الطاعم بها إنما هو كالصائم و الماشي في العبادة لكونهما نوياً بكونهما التقرب إلى اللّه تعالى بأداء المناسك أو غيرها من العبادات،و هو لا ينافي أن يكون

ص:181


1- الكافي 4:/227 3،علل الشرائع:/445 1،الوسائل 13:232 أبواب مقدمات الطواف ب 16 ح 3.
2- في« ح»:زاد.
3- الكافي 4:/230 2،الوسائل 13:234 أبواب مقدمات الطواف ب 16 ح 7.
4- الفقيه 2:/165 716،الوسائل 13:234 أبواب مقدمات الطواف ب 16 ذيل الحديث 7.
5- الوسائل 13:234 أبواب مقدمات الطواف ب 16 الأحاديث 6،8،9،11.
6- الكافي 4:/230 1،الفقيه 2:/165 714،التهذيب 5:/448 1563،علل الشرائع:/446 4،الوسائل 13:233 أبواب مقدمات الطواف ب 16 ح 5.
7- الفقيه 2:/146 ذيل الحديث 645،الوسائل 13:230 أبواب مقدمات الطواف ب 15 ح 1.

الخارج منها لتشويق نفسه إليها و التحرز من الإلحاد و القسوة أيضاً كذلك.

و لا ما فيه عن أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)من قول:« من جاور بمكة سنة غفر اللّه تعالى له ذنوبه و لأهل بيته و لكل من استغفر له و لعشيرته و لجيرانه ذنوب تسع سنين قد مضت،و عصموا من كل سوء أربعين و مائة سنة» (1)إذ ليس نصّاً في التوالي،مع جواز كون الارتحال لأحد ما ذكر أفضل من المجاورة التي لها الفضل المذكور كما في مكروهات العبادات،و لذا قيل بعد ما ذكر بلا فصل:و الانصراف و الرجوع أفضل من المجاورة،و هو يحتمل الحديث و كلام الصدوق (2).انتهى.

و هو حسن،مع أن الخبرين ضعيفاً السند بالإرسال،فلا يقاومان ما سبق من وجوه،فلا إشكال من جهتهما.

و إنما الإشكال من جهة الرواية المقيدة بالسنة الظاهرة في عدم الكراهة فيما دونها،و مقتضى الأُصول و إن كان لزوم تقييد إطلاق ما سبقها بها إلّا أن التعليلات فيها كادت تلحقها بالنص على الكراهة مطلقاً،سيّما التعليل بإيراثها قساوة القلب و أنه أمر غير اختياري،فيكون التعارض بينهما من قبيل تعارض النصّين.و لا ريب أن الأخذ بما هو المشهور أولى، و خصوصاً مع كونه أحوط و أولى؛ للمسامحة في أدلة السنن بما لا يتسامح في غيرها،بناءً على أنه ليس المفهوم من الرواية استحباب الإقامة فيما دون السنة،و إنما غايتها كسائر الفتاوي المقيّدة عدم الكراهة فيه،و هو أعم من الاستحباب.

ص:182


1- الفقيه 2:/146 646،الوسائل 13:231 أبواب مقدمات الطواف ب 15 ح 2،في النسخ:أربعين سنة و مائة سنة.
2- كشف اللثام 1:384.

فالكراهة لا معارض لها من قبيله فصاعداً ليتوقف في الفتوى بها مسامحةً،نعم المرسلان قد أفادا الاستحباب و لكن قد عرفت الجواب عنهما.

و الحج و العمرة على الإبل الجلّالة كما في بعض المعتبرة (1).

و منع الحاج دور مكة جمع دار من السكنى بها كما في الصحاح و غيرها:« ليس ينبغي لأهل مكة أن يمنعوا الحاج شيئاً من الدور ينزلونها» (2)كما في بعضها،و بمعناه الباقي.

و في الخبر:« إنّ علياً(عليه السّلام)كره إجارة بيوت مكة،و قرأ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ [1] (3).و بمعناه في تفسير الآية به أحد الصحاح و الحسان و غيرهما،و في أحدهما:« ليس لأحد أن يمنع الحاج شيئاً من الدور و منازلها» (4).

قيل:و به عبّر القاضي (5).و ظاهره التحريم كما عن صريح الشيخ (6)و ظاهر الإسكافي (7).

ص:183


1- الكافي 4:/543 13،الفقيه 2:/307 1523،التهذيب 5:/439 1525،الوسائل 11:449 أبواب آداب السفر إلى الحج ب 57 ح 1.
2- مسائل علي بن جعفر:/143 168،الوسائل 13:270 أبواب مقدمات الطواف ب 32 ح 8.
3- قرب الإسناد:/140 498،الوسائل 13:269 أبواب مقدمات الطواف ب 32 ح 7.
4- التهذيب 5:/420 1458،الوسائل 13:269 أبواب مقدمات الطواف ب 32 ح 4.
5- حكاه عنه في كشف اللثام 1:383.
6- حكاه عنه في الإيضاح 1:319.
7- نقل عنه في المختلف:321.

و هو ضعيف؛ لشذوذ القول به،و دعوى الإجماع القطعي في السرائر و المدارك (1)على خلافه،مضافاً إلى الأصل و أظهرية دلالة الصحاح على الكراهة من الحسنة على الحرمة.

قيل:و هي و إن فتحت عنوة فهو لا يمنع من الأولوية و اختصاص الآثار بمن فعلها (2).

و أن يرفع بناء فوق الكعبة للصحيح:« لا ينبغي أن يرفع بناء فوق الكعبة» (3).

و لا يحرم على الأشهر الأظهر؛ للأصل،و دلالة الصحيح على الكراهة كما مرّ.

خلافاً للمحكي عن الشيخ و الحلّي فحرّماه (4)،و عن القاضي النهي عنه (5).و هو ضعيف.

و البناء يشمل الدار و غيرها حتى حيطان المسجد.

قيل:و ظاهر رفعه أن يكون ارتفاعه أكثر من ارتفاع الكعبة،فلا يكره البناء على الجبال حولها،مع احتمالها (6).

و الطواف للمجاور بمكة أفضل من الصلاة،و للمقيم بها

ص:184


1- السرائر 1:644،المدارك 8:256.
2- كشف اللثام 1:383.
3- الكافي:/230 1،الفقيه 2:/165 714،التهذيب 5:/448 1563،الوسائل 13:233 أبواب مقدمات الطواف ب 16 ح 5.
4- قال الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:383:و عن الشيخ و ابن إدريس الحرمة و لم أره في كلامهما.
5- المهذب 1:273.
6- كشف اللثام 1:383.

بالعكس كما عن الصحيح (1).

و في آخر:« الطواف لغير أهل مكة أفضل من الصلاة،و الصلاة لأهل مكة و القاطنين أفضل من الطواف» (2).

و في ثالث:عن المقيم بمكة الطواف أفضل له أو الصلاة؟قال:

« الصلاة» (3).

و في رابع:« من أقام بمكة سنة فالطواف أفضل من الصلاة،و من أقام سنتين خلط من ذا و من ذا،و من أقام ثلاث سنين كانت الصلاة له أفضل من الطواف» (4).

و ينبغي حمل إطلاق ما مر عليه وفاقا لبعض المحدثين و الظاهر أن المراد بالصلاة النوافل المطلقة غير الرواتب إذ ليس في الروايات المزبورة تصريح بأفضلية الطواف على كل صلاة و ينبه عليه ما مر في الصحيح المتضمن للأمر بقطع الطواف لخوف فوات الوتر و البدأة بالوتر ثم إتمام الطواف (5)و بذلك صرّح بعض الأصحاب قال:و بالجملة:فلا يمكن الخروج بهاتين الروايتين و أشار بهما إلى الأُولى و الأخيرة عن مقتضى الأخبار الصحيحة المستفيضة المتضمنة للحثّ الأكيد على النوافل المرتّبة،و أنها مقتضية لتكميل ما نقص من الفرائض بترك الإقبال،إلى آخر ما قال (6).

ص:185


1- التهذيب 5:/446 1555،الوسائل 13:311 أبواب الطواف ب 9 ح 4.
2- الكافي 4:/412 2،الفقيه 2:/134 568،الوسائل 13:311 أبواب الطواف ب 9 ح 3؛ بتفاوت يسير.
3- قرب الإسناد:/383 1350،الوسائل 13:311 أبواب الطواف ب 9 ح 5.
4- الكافي 4:/412 1،الفقيه 2:/256 1241،التهذيب 5:/447 1556،الوسائل 13:310 أبواب الطواف ب 9 ح 1.
5- راجع ص:53.
6- المدارك 8:271.

و هو حسن،و مرجعه إلى أن التعارض بين هذه الأخبار و أخبار الحثّ تعارض العموم و الخصوص من وجه،يمكن تقييد كلّ منهما بالآخر، و عليه فينبغي أن يصار إلى الترجيح،و هو مع أخبار الحثّ،للتواتر الموجب لقطعيتها،بخلاف هذه،لأنها من الآحاد المفيدة للظن،فلا يترجّح على القطع،سيّما مع تأيّدها بما مرّ من قطع الطواف للوتر مع خوف الفوات.

اللواحق
اشارة

و اللواحق للكتاب أُمور أربعة:

الأوّل من أحدث و لجأ إلى الحرم لم يُقَم عليه حد

الأوّل: من أحدث شيئاً ممّا يوجب الحدّ أو التعزير أو القصاص و لجأ إلى الحرم لم يُقَم عليه فيه حدّ بجنايته،و لا تعزير و لا قصاص و لكنه يُضيّق عليه في المطعم و المشرب و المسكن،فلا يطعم و لا يسقى و لا يبايع و لا يؤوى ليخرج فيقام عليه.

و لو أحدث ذلك في الحرم قوبل بما يقتضيه جنايته من حدّ أو تعزير أو قصاص.

كلّ ذلك بالكتاب (1)و السّنة المستفيضة،بل المتواترة:

ففي الصحيح:عن رجل قتل رجلاً في الحلّ ثم دخل الحرم،فقال:

« لا يقتل و لا يطعم و لا يسقى و لا يبايع و لا يؤوى حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحدّ» قلت:فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق؟قال:

يقام عليه الحدّ في الحرم صاغراً،لانه لم ير للحرم حرمة و قد قال اللّه عزّ و جلّ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [1] فقال:« هذا هو في الحرم» و قال:« فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ [2] » (2).

ص:186


1- البقرة:194،آل عمران:97.
2- الكافي 4:/227 4،التهذيب 5:/419 1456،الوسائل 13:225 أبواب مقدمات الطواف ب 14 ح 1.

و نحوه آخران و غيرهما (1)،إلّا أنه ليس فيها الاستشهاد بآية الاعتداء، و زيد فيها النهي عن التكلّم،و أُطلق الحدث فيها.

و لا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر،المصرَّح به في كلام جماعة (2)،و لا إشكال إلّا في تفسير الضيق بما قدّمناه،فمن الأصحاب من فسّره بأنّه لا يمكّن من ماله إلّا ما يسدّ به الرمق،أو ما لا يحتمله مثله عادة، و لا يطعم و لا يسقى سواه (3).

و لا وجه له أصلاً،سيّما مع اتّفاق النصوص على ما قدّمناه.اللّهم إلا أن يقال:إن في العمل بمقتضاها من ترك الإطعام و السقي مطلقاً قد يوجَب تلف النفس المحترمة حيث لا تكون جنايته لنفسه مستغرقة،بل مطلقاً و لو كانت مستغرقة،فإن إمساك الطعام عنه و الشراب إتلاف له من هذا الوجه، فقد حصل في الحرم ما أُريد الهرب عنه.

و فيه نظر؛ لعدم استناد الإتلاف إلى الممسك،بل هو المتلف حيث أمسك عن الخروج،فتأمل.

الثاني لو ترك الحاجّ زيارة النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أُجبروا على ذلك

الثاني:لو ترك الحاجّ زيارة النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أُجبروا على ذلك على الأشهر الأظهر و إن كانت على الآحاد ندباً،لأنه أي إطباقهم على تركها جفاء له(صلّى اللّه عليه و آله)،و لا ريب أنه حرام،فيجب على الوالي إجبارهم على تركه.

و في كلام جماعة (4):إن التعليل إشارة إلى ما في النبوي:« من أتى مكة حاجّاً و لم يزرني إلى المدينة فقد جفاني» (5).

ص:187


1- الوسائل 13:226 أبواب مقدمات الطواف ب 14 ح 2،5،13.
2- منهم:الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:384.
3- انظر المسالك 1:126،و الروضة 2:332.
4- منهم:الشهيد في المسالك 1:126،و صاحب المدارك 8:260،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:382.
5- الهداية:67،المستدرك 10:186 أبواب المزار و ما يناسبه ب 3 ح 4؛ بتفاوت يسير.

و فيه نظر؛ لعدم مطابقته حينئذ للمدّعى المفروض في العبارة و نحوها من عبارة الشيخ و من تأخر عنه من الفقهاء،و هو اتّفاق الحاج على تركها.

و الرواية لو صحّت تفيد وجوبها على الآحاد و أن ترك كل منهم لها جفاء، سواء زار الباقون أم لا،و هذا لا يجامع كونها ندباً،و لذا أنكر الحلّي وجوب الإجبار عليها رأساً (1)،معلّلاً بما ذكرنا.

و على هذا،فالظاهر أن مراد من علّل الحكم بهذا كالماتن هنا و في الشرائع،و الفاضل في التذكرة و المنتهى على ما يحكى،و غيرهما (2)ما ذكرنا.

و الأجود ترك هذا التعليل الذي قد يتراءى في النظر أنه عليل، و الاستدلال للحكم بالصحيح الصريح:« إن الناس لو تركوا زيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك،فإن لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من أموال المسلمين» (3).

و اجتهاد الحلّي مدفوع بهذا النص الجليّ عندنا و إن كان عنده غير بعيد،بناءً على أصله في حجية الآحاد،و لكنه ليس بأصيل.

و لا بُعد في الجبر على عدم ترك الكل المندوب بعد ورود النص الصحيح المعتضَد بالعمل،سيّما بعد وجود النظير،و هو ما ذكره الشهيدان من الأذان (4).

قال ثانيهما:و قد اتفقوا على إجبار أهل البلد على الأذان،بل على

ص:188


1- السرائر 1:647.
2- الشرائع 1:277،التذكرة 1:402،المنتهى 2:880؛ و انظر الدروس 2:5.
3- الكافي 4:/272 1،الفقيه 2:/259 1259،التهذيب 5:/441 1532،الوسائل 11:24 أبواب وجوب الحج ب 5 ح 2.
4- الدروس 2:5،المسالك 1:127.

قتالهم،إذا أطبقوا على تركه.انتهى.

فلا يحتاج إلى ما ذكره أخيراً بقوله:و الجبر و إن كان عقاباً لا يدل على الوجوب لأنه دنيوي،و إنما يستحق بترك الواجب العقاب الأُخروي.

سيّما مع تطرّق القدح إليه بما ذكره سبطه بقوله بعد ذكره:فضعيف، لأن المعاقبة الدنيوية إنما تستحق على الإخلال بواجب أو فعل محرّم،لا على ترك ما أذن الشارع في تركه،كما هو واضح (1).

الثالث للمدينة حرم و حدّه من عائر إلى وعير

الثالث: للمدينة المنورة على مشرّفها ألف صلاة و سلام و تحيّة حرم،و حدّه كما في الصحيحين (2) من ظلّ عائر إلى ظل وعير ضبطه الشهيد الأول بفتح الواو (3)،و الثاني عن بعض بضمّها و فتح العين المهملة (4)،و حكاه سبطه و غيره (5)عن المحقق الثاني،قال:إنه وجدها كذلك في مواضع معتمدة.

و قيل أيضاً:كذا وجدته مضبوطاً بخط بعض الفضلاء (6).

و ذكر الشهيد الثاني أنهما جبلان يكتنفان المدينة شرقاً و غرباً (7)، و حكاه سبطه عن جماعة (8).

قيل:و في خلاصة الوفاء:عير و يقال عائر جبل مشهور في قبلة

ص:189


1- المدارك 8:260.
2- الكافي 4:/564 5،التهذيب 6:/12 23،معاني الأخبار:/338 4،الوسائل 14:362،366 أبواب المزار و ما يناسبه ب 17 ح 1،10.
3- الدروس 2:21.
4- المسالك 1:128.
5- المدارك 8:274؛ و انظر الذخيرة:706.
6- كشف اللثام 1:383.
7- المسالك 1:128.
8- المدارك 8:274.

المدينة قرب ذي الحليفة،و لعلّ المراد بظلّ وعير فيئه،كما في مرسلة الصدوق (1)،و التعبير بظلّهما للتنبيه على أن الحرم داخلهما،بل بعضه (2).

و في الخبر القريب من الصحيح من عير إلى وعير (3).

و روت العامة من عير إلى ثور،و من عير إلى أُحد (4).

و في آخر من ذباب إلى واقم،و العريض و النقيب من قبل مكة (5).

و ذباب كغراب و كتاب:جبل شامي المدينة،يقال:كان مضرب قبّة النبي(صلّى اللّه عليه و آله)يوم الأحزاب.

و العُريض مصغّراً:وادٍ في شرقي الحَرّة قرب قناة،و هي أيضاً وادٍ.

و النقب:الطريق في الجبل.

و في الصحيحين إنه بريد في بريد (6).

لا يعضد و لا يقطع شجره للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (7)،و في بعضها:« و لا يختلى خلاها» (8).

ص:190


1- الفقيه 2:/336 ذيل الحديث 1564،الوسائل 14:365 أبواب المزار و ما يناسبه ب 17 ح 7.
2- كشف اللثام 1:383.
3- الكافي 4:/564 3،التهذيب 6:/13 26،الوسائل 14:363 أبواب المزار و ما يناسبه ب 17 ح 2.
4- سنن البيهقي 5:196،سنن أبي داود 2:/216 2034 بتفاوت يسير،و انظر النهاية لابن الأثير 1:229.
5- الكافي 4:/564 4،معاني الأخبار:/337 3،الوسائل 14:363 أبواب المزار و ما يناسبه ب 17 ح 3.
6- الكافي 4:/564 3،الفقيه 2:/336 1562،التهذيب 6:/13 26،الوسائل 14:363،365 أبواب المزار و ما يناسبه ب 17 ح 2،5.
7- الوسائل 14:362 أبواب المزار و ما يناسبه ب 17.
8- الوسائل 14:362 أبواب المزار و ما يناسبه ب 17.

و ظاهرها التحريم كالعبارة،و هو الأظهر،وفاقاً للأكثر كما في كلام جماعة (1)،و عن التذكرة أنه المشهور (2)،بل عزاه في المنتهى إلى علمائنا (3)،مؤذناً بدعوى الإجماع؛ و هو حجة أُخرى،مضافاً إلى الأخبار السليمة مع ذلك عن المعارض بالكلية،سوى الأصل،و يجب الخروج عنه بعد قيام الأدلة.

فالقول بالكراهة كما عليه الفاضلان في الشرائع و القواعد و غيرهما (4)،بل في المسالك إنه المشهور (5)لا وجه له.

قيل:و استثنى الفاضل في الكتابين و التحرير ما يحتاج إليه من الحشيش للعلف؛ لخبر عامي،و لأن بقرب المدينة أشجاراً و زروعاً كثيرة، فلو منع عن الاحتشاش للحاجة لزم الحرج المنفي في الشريعة،بخلاف حرم مكة.و استثنى ابن سعيد بعني في الجامع عودي الناضح،كما في الصحيح (6):« حرّم رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ما بين لابتيها صيدها،و حرّم ما حولها بريد في بريد أن يختلى خلاها أو يعضد شجرها،إلّا عودي الناضح» (7).

أقول:و اللابة:الحَرّة كما عن الجوهري (8).و الخلا:الرطب من

ص:191


1- منهم:صاحب المدارك 8:274،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:399،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:383.
2- التذكرة 1:341.
3- المنتهى 2:799.
4- الشرائع 1:278،القواعد 1:91؛ و انظر الإرشاد 1:339.
5- المسالك 1:128.
6- الفقيه 2:/336 1562،الوسائل 14:365 أبواب المزار و ما يناسبه ب 17 ح 5.
7- كشف اللثام 1:383.
8- الصحاح 1:220.

النبات.و اختلاؤه:جزّه،كما عن نص أهل اللغة (1).

و لا بأس بصيده إلّا ما صيد في الحرّتين قيل:حرّة واقم هي شرقية المدينة،و حرّة ليلى و هي غربيتها،و هي حرّة العقيق،و لها حرّتان أُخريان جنوباً و شمالاً تتصلان بهما،فكأنّ الأربع حرّتان،فلذا اكتفى بهما،و هما حرّة قبا و حرّة الرجل ككسرى،و يمدّ، يترجّل فيها لكثرة حجارتها (2).

و ما اختاره الماتن من التفصيل بين ما صيد في الحرّتين فيحرم و ما صيد في غيرهما فلا هو الأقوى،و عزاه جمع إلى أكثر علمائنا (3)،بل عليه الإجماع عن صريح الخلاف و ظاهر المنتهى (4)؛ للصحيح:« يحرم صيد المدينة ما صيد بين الحَرّتين» (5).

و بهما يقيّد ما أُطلق فيه الجواز من الصحاح و غيرها بحمله على ما صيد في غيرهما.

و هذا الجمع أولى من الجمع بالكراهة و إن اعتضد بالأصل كم مرّ غير مرّة،و عليه فيضعّف القول بها في الجملة أو مطلقاً كما عليه الفاضلان في كتابيهما المتقدم إليهما الإشارة و غيرهما،و ادّعى في المسالك هنا أيضاً الشهرة (6).

ص:192


1- القاموس 4:327.
2- كشف اللثام 1:383.
3- منهم:صاحب المدارك 8:274،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:399.
4- الخلاف 2:420،المنتهى 2:799.
5- الفقيه 2:/337 1566،التهذيب 6:/13 25،الوسائل 14:365 أبواب المزار و ما يناسبه ب 17 ح 9.
6- المسالك 1:128.

و ظاهر العبارة أنه لا كراهة فيما صيد في غير الحرّتين.و لا بأس؛ به لأنه أيضاً ظاهر الأخبار أجمع،فلا وجه للقول بكراهيته أيضاً.لكن لا بأس به بعد وجود قائل به،مسامحةً في أدلة السنن،فيحمل الأخبار على أن المراد عدم الحرمة و الرخصة،لا نفي الكراهة.

الرابع يستحب الغسل لدخولها

الرابع: يستحب الغسل لدخولها كما في بحث الأغسال من كتاب الطهارة قد مضى.

و زيارةُ النبي(صلّى اللّه عليه و آله) و هو بالرفع عطف على الغسل،لا على الدخول و إن صحّ،لما مرّ ثمة من استحبابه لها أيضاً،فالتقدير:يستحب زيارته(صلّى اللّه عليه و آله) استحباباً مؤكّداً و لذا جاز أن يجبر الإمام الناس عليها لو تركوها مضى،و خصوصاً للحاج،فقد ورد:« من أتى مكة حاجّاً و لم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة،و من أتاني زائراً وجبت له شفاعتي، و من وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة» (1).

و نحو ذيله:الصحيح المروي بأسانيد كثيرة و ألفاظ مختلفة،منها:

ما لمن زار رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قاصداً؟قال:« له الجنة» (2).

و زيارة عليّ و فاطمة(عليهما السّلام)من عند الروضة بناءً على أن قبرها(سلام اللّه عليها)هناك،كما هو ظاهر الماتن هنا و في الشرائع (3)،وفاقاً

ص:193


1- الكافي 4:/548 5،الفقيه 2:/338 1571،التهذيب 6:/4 5،علل الشرائع:/460 7،الوسائل 14:333 أبواب المزار و ما يناسبه ب 3 ح 3.
2- الكافي 4:/548 1 و فيه:متعمداً بدل:قاصداً،التهذيب 6:/3 3،كامل الزيارات:12،الوسائل 14:332 أبواب المزار و ما يناسبه ب 3 ح 1.
3- الشرائع 1:278.

للنهاية (1)؛ لرواية،و في اخرى إنها روضة من رياض الجنة (2).

و قيل في البقيع؛ لرواية أُخرى (3)،و استبعدها جماعة كالشيخ في التهذيب و النهاية و المبسوط،و الفاضل في التحرير و المنتهى،و الحلّي، و ابن سعيد في الجامع (4).

و الأصح وفاقاً للصدوق و جماعة (5)أنها دفنت في بيتها،و هو الآن داخل في المسجد؛ للصحيح:عن قبر فاطمة(سلام اللّه عليها)،فقال:« دفنت في بيتها،فلمّا زادت بنو أُمية في المسجد صارت في المسجد» (6).

و حملت الروايتان السابقتان على التقية،مع عدم وضوح سندهما، و لكن الأحوط زيارتها في المواضع الثلاثة،كما في القواعد و الدروس و غيرهما (7)،و خصوصاً في بيتها و من عند الروضة و هي بين القبر و المنبر، كما ذكره الشيخ و غيره.

و الأئمة الأربعة بالبقيع و السبعة الباقين في مشاهدهم المشرّفة المعروفة مع الإمكان،و إلّا فمن البعيدة.

و النصوص الواردة في فضل زيارتهم(عليهم السّلام)أكثر من أن تحصى، و تتأكد في الحسين(عليه السّلام)،بل ورد أن زيارته فرض على كل مؤمن (8).

ص:194


1- النهاية:278.
2- الفقيه 2:/341 1574،معاني الأخبار:/267 1،الوسائل 14:369 أبواب المزار و ما يناسبه ب 18 ح 4،5.
3- الفقيه 2:/341 1573،الوسائل 14:369 أبواب المزار و ما يناسبه ح 4.
4- كشف اللثام 1:382.
5- الصدوق في الفقيه 2:341؛ ابن إدريس في السرائر 1:652،العلامة في التحرير 1:131،و المنتهى 2:889.
6- الفقيه 1:/148 684،التهذيب 3:/255 705،معاني الأخبار:268،الوسائل 14:368 أبواب المزار و ما يناسبه ب 18 ح 3.
7- القواعد 1:91،الدروس 2:6؛ و انظر كشف اللثام 1:382.
8- كامل الزيارات:121،الوسائل 14:443 أبواب المزار و ما يناسبه ب 44 ح 1.

و أن تركها ترك حق اللّه (1)تعالى (2).

و أن تركها عقوق رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (3)،و انتقاص في الإيمان و الدين (4).

و أنه حق على الغني زيارته في السنة مرّتين و الفقير مرّة (5).

و أن من أتى عليه حول و لم يأت قبره نقص من عمره حول (6)،و أنها تطيل العمر (7).

و أن أيام زيارته لا تعدّ من الأجل (8)،و تفرّج الغم (9)،و تمحّص الذنوب و لكل خطوة حج مبرور له (10).

و بزيارته أجر عتق ألف نسمة و حمل على ألف فرس في سبيل اللّه و رسوله (11).و له بكل درهم أنفقه عشرة آلاف درهم (12).

ص:195


1- في« ح» و« ك»:اللّه.
2- التهذيب 6:/42 87،الوسائل 14:428 أبواب المزار و ما يناسبه ب 44 ح 1.
3- التهذيب 6:/45 96،الوسائل 14:429 أبواب المزار و ما يناسبه ب 38 ح 2.
4- كامل الزيارات:193،الوسائل 14:431 أبواب المزار و ما يناسبه ب 38 ح 1.
5- التهذيب 6:/42 88،الوسائل 14:437 أبواب المزار و ما يناسبه ب 40 ح 1.
6- التهذيب 6:/43 91،كامل الزيارات:151،الوسائل 14:430 أبواب المزار و ما يناسبه ب 38 ح 4.
7- التهذيب 6:/42 86،الوسائل 14:413 أبواب المزار و ما يناسبه ب 37 ح 8.
8- التهذيب 6:/43 90،كامل الزيارات:136،الوسائل 14:414 أبواب المزار و ما يناسبه ب 37 ح 9.
9- فرحة الغري:104،الوسائل 14:381 أبواب المزار و ما يناسبه ب 25 ح 2.
10- التهذيب 6:/44 93،المقنعة:468،الوسائل 14:446 أبواب المزار و ما يناسبه ب 45 ح 2.
11- الكافي 4:/581 5،التهذيب 6:/44 94،كامل الزيارات:164،الوسائل 14:455 أبواب المزار و ما يناسبه ب 46 ح 1.
12- كامل الزيارات:127 128،الوسائل 14:481 أبواب المزار و ما يناسبه ب 58 ح 2.

و من أتى بقبره عارفاً بحقه غفر اللّه تعالى ما تقدم من ذنوبه و ما تأخر (1).

و أن زيارته خير من عشرين حجة (2).

و أن زيارته يوم عرفة مع المعرفة بحقه ألف حجة و ألف عمرة متقبّلات و ألف غزوة مع نبي أو وصي (3)،و زيارته أول رجب مغفرة الذنوب البتة (4)،و نصف شعبان يصافحه مائة ألف نبي و عشرون ألف نبي (5)،و ليلة القدر مغفرة الذنوب (6).

و أن لمن جمع في سنة واحدة بين زيارته ليلة عرفة و الفطر و ليلة النصف من شعبان ثواب ألف حجة مبرورة و ألف عمرة متقبلة و قضاء ألف حاجة في الدنيا و الآخرة (7).

و من زاره يوم عاشوراء عارفاً بحقه كمن زار اللّه تعالى فوق عرشه (8).

ص:196


1- الكافي 4:/582 10،الوسائل 14:411 أبواب المزار و ما يناسبه ب 37 ح 6.
2- الكافي 4:/580 2،التهذيب 6:/47 102،كامل الزيارات:161،الوسائل 14:446 أبواب المزار و ما يناسبه ب 45 ح 3.
3- كامل الزيارات:169،أمالي الطوسي:204،الوسائل 14:459 أبواب المزار و ما يناسبه ب 49 ح 1،في« ح» و« ق»:ألف ألف حجة و ألف ألف عمرة.
4- التهذيب 6:/48 107،مصباح المتهجد:737،الوسائل 14:465 أبواب المزار و ما يناسبه ب 50 ح 1.
5- التهذيب 6:/48 109،كامل الزيارات:179،الوسائل 14:467 أبواب المزار و ما يناسبه ب 51 ح 1.
6- التهذيب 6:/49 111،كامل الزيارات:184،الوسائل 14:472 أبواب المزار و ما يناسبه ب 53 ح 1.
7- التهذيب 6:/51 119،كامل الزيارات:180،الوسائل 14:475 أبواب المزار و ما يناسبه ب 54 ح 2.
8- كامل الزيارات:174،الوسائل 14:469 أبواب المزار و ما يناسبه ب 51 ح 5.

و من بعد عنه و صعد على سطحه ثم رفع رأسه إلى السماء ثم توجّه إلى قبره و قال:السلام عليك يا أبا عبد اللّه،السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته،كتب له زورة،و الزورة حجة و عمرة (1).

و لو فعل ذلك كل يوم خمس مرات كتب اللّه تعالى له ذلك.

و كذلك زيارة الرضا(عليه السّلام)فقد ورد أنها كسبعين ألف حجة (2).

و سئل الجواد(عليه السّلام):أ زيارة الرضا(عليه السّلام)أفضل أم زيارة الحسين(عليه السّلام)؟ قال:« زيارة أبي أفضل،لأنه لا يزوره إلّا الخواص من شيعته» (3).

و عنه(عليه السّلام)إن أفضله رجب (4).

و عنه(عليه السّلام)إنها تعدل ألف ألف حجة لمن يزوره عارفاً بحقه (5).

و عن الرضا(عليه السّلام):« من زارني على بعد داري و مزاري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتى أُخلّصه من أهوالها:إذا تطايرت الكتب يميناً و شمالاً،و عند الصراط،و عند الميزان» (6).

و الصلاة في مسجد النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و خصوصاً بين القبر الشريف و المنبر و هو الروضة لأنها أشرف بقاع المسجد.

و في جملة من المعتبرة و فيها الصحيح و غيرها أنها روضة من

ص:197


1- الكافي 4:/589 8،التهذيب 6:/116 205،كامل الزيارات:287،الوسائل 14:493 أبواب المزار و ما يناسبه ب 63 ح 2.
2- الكافي 4:/585 4،الوسائل 14:565 أبواب المزار و ما يناسبه ب 87 ح 1.
3- الكافي 4:/584 1،الفقيه 2:/348 1598،التهذيب 6:/84 165،كامل الزيارات:306،الوسائل 14:562 أبواب المزار و ما يناسبه ب 85 ح 1.
4- الكافي 4:/582 2،التهذيب 6:166/84،كامل الزيارات:305،الوسائل 14:565 أبواب المزار و ما يناسبه ب 87 ح 2.
5- الفقيه 2:/349 1599،التهذيب 6:/85 168،الوسائل 14:566 أبواب المزار و ما يناسبه ب 87 ح 3.
6- الفقيه 2:/35 1606،التهذيب 6:/85 169،كامل الزيارات:304،الوسائل 14:551 أبواب المزار و ما يناسبه ب 82 ح 2.

رياض الجنة (1)؛ و لعلّها كافية في استحباب الصلاة فيها بخصوصها و إن لم نقف فيه على رواية بخصوصها.

و أن يصام بها أي بالمدينة الأربعاء و يومان بعده يعني الخميس و الجمعة للحاجة و الاعتكاف فيها بالمسجد.

و أن يصلّى ليلة الأربعاء عند أُسطوانة أبي لُبابة و هي أُسطوانة التوبة،قيل:و هي الرابعة من المنبر في المشرق على ما في خلاصة الوفاء، و القعود عندها يومه (2).

و الصلاة ليلة الخميس عند الأُسطوانة التي تلي مقام الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) أي المحراب،و الكون عندها يومه.

و الصلاة في المساجد التي بها،كمسجد الأحزاب و هو مسجد الفتح،و مسجد الفضيخ،و مشربة أُم إبراهيم.

و إتيان قبور الشهداء بأُحد خصوصاً قبر حمزة كلّ ذلك للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

ففي الصحيح:« إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي(صلّى اللّه عليه و آله)فائت المنبر،فامسحه بيدك و خذ برمّانتيه و هما السفلا و إن و امسح عينيك و وجهك به فإنه يقال:إنه شفاء للعين،و قم عنده فاحمد اللّه تعالى و أثن عليه و سل حاجتك،فإنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) قال ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة و منبري على ترعة من ترع الجنة و الترعة هي الباب الصغيرة ثم تأتي مقام النبي صلى الله عليه و آله فتصلّي فيه ما بدا لك،فإذا دخلت المسجد فصلِّ على النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،و إذا خرجت فاصنع مثل ذلك،و أكثر من الصلاة في

ص:198


1- الوسائل 14:344 أبواب المزار و ما يناسبه ب 7.
2- كشف اللثام 1:382.

مسجد الرسول(صلّى اللّه عليه و آله) » (1).و فيه:« إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء، و تصلّي ليلة الأربعاء عند أُسطوانة أبي لُبابة،و هي أُسطوانة التوبة التي ربط فيها نفسه حتى نزل عذره من السماء،و تقعد عندها يوم الأربعاء،ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها ممّا يلي مقام النبي(صلّى اللّه عليه و آله)ليلتك و يومك و تصوم يوم الخميس،ثم تأتي الأُسطوانة التي تلي مقام النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و مصلّاه ليلة الجمعة فتصلّي عندها ليلتك و يومك و تصوم يوم الجمعة،فإن استطعت أن لا تتكلم بشيء في هذه الأيام فافعل إلّا ما لا بدّ لك منه،و لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة،و لا تنام في ليل و لا في نهار فافعل،فإنّ ذلك ممّا يعدّ فيه الفضل،ثم احمد اللّه تعالى في يوم الجمعة و أثن عليه و صلِّ على النبي (صلّى اللّه عليه و آله)و سل حاجتك،و ليكن فيما تقول:اللهم ما كانت لي إليك من حاجة، شرعت أنا في طلبها و التماسها أو لم أشرع،سألتكها أو لم أسألكها،فإني أتوجه إليك بنبيك محمّد نبي الرحمة في قضاء حوائجي،صغيرها و كبيرها،فإنك حريّ أن تقضى حاجتك إن شاء اللّه» (2).

و في الصحيح:« صم الأربعاء و الخميس و الجمعة،و صلِّ ليلة الأربعاء و يوم الأربعاء عند الأُسطوانة التي تلي رأس رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،و ليلة الخميس و يوم الخميس عند أُسطوانة أبي لُبابة،و ليلة الجمعة و يوم الجمعة عند الأُسطوانة التي تلي مقام النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،و ادع[ب]هذا الدعاء لحاجتك،و هو:

اللهم إني بعزتك و قوتك و قدرتك و جميع ما أحاط به علمك أن

ص:199


1- الكافي 4:/553 1،الفقيه 2:339 341،التهذيب 6:/7 12،الوسائل 14:344 أبواب المزار و ما يناسبه ب 7 ح 1.
2- التهذيب 6:/16 35،الوسائل 14:350 أبواب المزار و ما يناسبه ب 11 ح 1.

تصلّي على محمد و آل محمّد (1)و أن تفعل بي كذا و كذا» (2).

و نحوه آخر،إلّا أنه ليس فيه ذكر الليل و لا هذا الدعاء،و فيه الصلاة يوم الجمعة عند مقام النبي(صلّى اللّه عليه و آله)مقابل الأُسطوانة الكثيرة الخلوق،و الدعاء عندهنّ جميعاً لكلّ حاجة (3).

و فيهما مخالفة لما سبقهما في الصلاة عند أُسطوانة أبي لبابة،ففيهما أنها في ليلة الخميس،و فيما سبقهما أنها ليلة الأربعاء،و للتخيير وجه، إلّا أن الأشهر الثاني،و الأخذ به أحوط.

و فيه:« لا تدع إتيان المشاهد كلّها:مسجد قُباء فإنه المسجد الذي أُسّس على التقوى من أول يوم،و مشربة أُم إبراهيم،و مسجد الفضيخ، و قبور الشهداء،و مسجد الأحزاب و هو مسجد الفتح» قال:« و بلغنا أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)كان إذا أتى قبور الشهداء قال:السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار،و ليكن فيما تقول عند مسجد الفتح:يا صريخ المكروبين و يا مجيب دعوة المضطرين،اكشف همّي و غمي و كربي كما كشفت عن نبيّك همّه و غمّه و كربه و كفيته هول عدّوه في هذا المكان» (4).

ص:200


1- في« ح» و« ك» زيادة:و على أهل بيته.و في« ق»:أن تصلي على محمد و أهل بيته.
2- الكافي 4:/558 5،الوسائل 14:351 أبواب المزار و ما يناسب به ب 11 ح 4.
3- الكافي 4:/558 4،الوسائل 14:351 أبواب المزار و ما يناسبه ب 11 ح 3.
4- الكافي 4:/560 1،الفقيه 2:343 بتفاوت يسير،التهذيب 6:/17 38،الوسائل 14:352 أبواب المزار و ما يناسبه ب 12 ح 1.
المقصد الثاني: في العمرة
اشارة

المقصد الثاني:

في بيان حقيقة العمرة و حكمها.

و هي لغةً:الزيارة،و شرعاً:المناسك المخصوصة الواقعة في الميقات و مكة.

و هي واجبة في العمر بأصل الشرع مرة كالحج على كلّ مكلّف،بالشرائط المعتبرة في الحج بالكتاب و السّنة و الإجماع.

ففي الصحيح:« العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج،لأن اللّه تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ [1] (1)و إنما نزلت العمرة بالمدينة» (2).

و نحوه آخر بزيادة قوله:قلت فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [2] أ يجزئ عنه؟قال:« نعم» (3).

و فيه:عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [3] (4)يعني به الحج دون العمرة؟قال:« لا،و لكنه يعني الحج و العمرة جميعاً،لأنهما مفروضان» (5).

و ربما ظهر من إطلاقها كالعبارة و نحوها أنه لا يشترط في وجوبها الاستطاعة للحج معها،بل لو استطاع لها خاصة وجبت،كما أنه لو استطاع

ص:201


1- البقرة:196.
2- التهذيب 5:/433 1502،الوسائل 14:295 أبواب العمرة ب 1 ح 2.
3- الكافي 4:/265 4،الوسائل 14:296 أبواب العمرة ب 1 ح 3.
4- آل عمران:97.
5- علل الشرائع:/453 2،الوسائل 14:297 أبواب العمرة ب 1 ح 7.

للحج خاصة وجب دون العمرة.

و هو أصح الأقوال في المسألة و أشهرها؛ إذ لم نجد من الأدلة ما يدلّ على ارتباط أحدهما بالآخر في الوجوب و إن حكي قولاً (1)،و لا على ارتباط العمرة بالحج خاصة فلا تجب إلّا بوجوبه،دون الحج،و إن اختاره في الدروس (2).

هذا في العمرة المفردة كما هو المفروض من المقصد في العبارة.أما عمرة التمتع فلا ريب في توقف وجوبها على الاستطاعة لها و للحج؛ لدخولها فيه،و ارتباطها به،و كونها بمنزلة الجزء منه،و هو موضع وفاق.

و تجب فوراً كالحج بلا خلاف كما عن السرائر (3)،بل عن التذكرة الإجماع عليه (4).

و قد تجب كالحج بنذر و شبهه من العهد و اليمين و الاستئجار،و الإفساد لها على ما قطع به الأصحاب.

و الفوات أي فوات الحج،فإنه يجب التحلل منه بعمرة مفردة، كما سبق إليه الإشارة في بحث من فاته الحج في أواخر القول في الوقوف بالمشعر.

و بدخول مكة بل الحرم لمن قصدهما كائناً من كان عدا من يتكرر منه الدخول فيها (5) و المريض و من أحلّ و لمّا يمضي شهر، فإنه لا تجب على هؤلاء كما سبق في الإحرام مفصّلاً.

ص:202


1- حكاه في المسالك 1:146.
2- الدروس 1:333.
3- السرائر 1:515.
4- التذكرة 1:296.
5- في« ح» زيادة:كالحطّاب و الحشّاش.

و المراد بالوجوب هنا الوجوب الشرطي لا الشرعي فيترتب الإثم و المؤاخذة على الدخول بغير إحرام لا على تركها كالطهارة لصلاة النافلة.

و لا فرق في ذلك بين ما إذا وجب الدخول شرعاً أم لا،إلّا على القول بوجوب ما لا يتمّ الواجب إلّا به،فتجب العمرة شرعاً في الأول و شرطاً في الثاني.

و إنما يجب الإحرام بها للدخول،تخييراً بينه و بين إحرام الحج، لا عيناً؛ لما مضى.

أفعالها ثمانية

و أفعالها ثمانية:النية و الإحرام و الطواف و ركعتاه و السعي بعده و طواف النساء و ركعتاه و التقصير أو الحلق بلا خلاف في شيء من ذلك فتوًى و نصّاً،إلّا في وجوب طواف النساء،فقد اختلف في وجوبه فيها،و الأظهر الأشهر الوجوب كما مرّ في آخر بحث الطواف مستوفى.

و ممّا يدل على التخيير بين الحلق و التقصير و إن اقتصر في الشرائع على الأخير (1)الصحيح:في الرجل يجيء معتمراً عمرة مبتولة،قال:

« يجزئه إذا طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و حلق أن يطوف طوافاً واحداً بالبيت،و من شاء أن يقصّر قصّر» (2).

و تصح العمرة المفردة في جميع أيام السنة للإطلاقات، مضافاً إلى ما سيأتي من الروايات في صحة الاتباع،و صريح الصحيح:

« المعتمر يعتمر في أيّ شهور السنة شاء،و أفضل العمرة عمرة رجب» (3).

ص:203


1- الشرائع 1:302.
2- الكافي 4:/538 6،الوسائل 14:316 أبواب العمرة ب 9 ح 1.
3- الكافي 4:/536 6،الوسائل 14:303 أبواب العمرة ب 3 ح 13.

و عن المنتهى:أنه لا يعرف فيه خلافاً (1).

و أفضلها أي أيام السنة رجب بلا خلاف؛ لما عرفته من الصحيحة،مضافاً إلى الصحاح الأُخر المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

ففي الصحيح:أيّ العمرة أفضل،عمرة رجب أو عمرة في شهر رمضان؟فقال:« لا،بل عمرة في رجب أفضل» (2).

و يرشد إليه ما مرّ في أحكام المواقيت من جواز الإحرام قبل الميقات للعمرة في رجب.

و يتحقق العمرة فيه بالإهلال فيه و إن أكملها في غيره؛ للصحيح:إذا أحرمت و عليك من رجب يوم و ليلة فعمرتك رجبية» (3).

و من أحرم بها أي بالعمرة المبتولة في أشهر الحج و دخل مكة جاز أن ينوي بها عمرة التمتع و يلزمه الدم أي الهدي؛ للصحيح:

« من دخل مكة معتمراً مفرداً للعمرة فقضى عمرته ثم خرج كان ذلك له، و إن أقام إلى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة» و قال:« ليس يكون متعة إلّا في أشهر الحج» (4).

و مقتضاه جواز التمتع بالعمرة المفردة في أشهر الحج(بمعنى إيقاع) (5)حج التمتع بعدها و إن لم ينوبها التمتع،و على هذا فلا وجه لتقييد العمرة المفردة بما إذا لم تكن متعيّنة بنذر و ما شابهه كما ذكره في المسالك

ص:204


1- المنتهى 2:665.
2- الفقيه 2:/276 1347،الوسائل 14:301 أبواب العمرة ب 3 ح 3.
3- الفقيه 2:/276 1349،الوسائل 14:301 أبواب العمرة ب 3 ح 4.
4- التهذيب 5:/435 1513،الوسائل 14:312 أبواب العمرة ب 7 ح 5.
5- في«ق»:و إيقاع.

و غيره (1)،و نبّه على ما ذكرنا سبطه (2).

ثم إن مقتضى إطلاق صدره جواز الخروج بعد فعل العمرة إلى حيث شاء،سواء بقي إلى يوم التروية أم لا.و نحوه في ذلك آخَر صحيحةٌ و غيرها،ففي الصحيح:« لا بأس بالعمرة المفردة في أشهر الحج ثم يرجع إلى أهله» (3).

و فيه:عن رجل خرج في أشهر الحج معتمراً ثم رجع إلى بلده،قال:

« لا بأس،و إن حج في عامة ذلك و أفرد الحج فليس عليه دم» (4).

خلافاً للمحكي عن القاضي،فأوجب الحج على من أدرك التروية (5)؛ للصحيح:« من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله متى شاء إلّا أن يدركه خروج الناس يوم التروية» (6).

و قريب منه ذيل الصحيحة المتقدمة.

و حملهما الأصحاب على الاستحباب،جمعاً بينهما و بين ما مرّ من الأخبار المرخّصة للرجوع إلى أهله متى شاء،و في بعضها أن الحسين بن علي(عليهما السّلام)خرج يوم التروية إلى العراق و كان معتمراً (7)،لكنه يحتمل الضرورة.

ص:205


1- المسالك 1:147؛ و انظر المفاتيح 1:309.
2- المدارك 8:464.
3- الكافي 4:/534 1،التهذيب 5:/436 1515،الإستبصار 2:/327 1159،الوسائل 14:310 أبواب العمرة ب 7 ح 1.
4- الكافي 4:/535 3،التهذيب 5:/436 1516،الإستبصار 2:/327 1160،الوسائل 14:310 أبواب العمرة ب 7 ح 2.
5- المهذب 1:272.
6- الفقيه 2:/274 1336،الوسائل 14:313 أبواب العمرة ب 7 ح 9.
7- تقدم مصدره في الهامش(2).

و الجمع بتقييد الأخبار المطلقة في الرخصة بما إذا لم يدرك يوم التروية أولى من الجمع بالحمل على الاستحباب كما مرّ غير مرّة.

فقوله في غاية القوّة،لولا الشذوذ و الندرة؛ و بُعدُ حمل فعل الحسين (عليه السّلام)على الضرورة،نظراً إلى سياق الرواية المتضمنة له،فتدبّر؛ و اعتضادُ الاستحباب باختلاف أخبار الباب في الرخصةِ على الإطلاق،أو التقييد بما عرفته في الصحيحة،أو بما إذا لم يدرك هلاك ذي الحجة و إلّا فعمرته متعة،كما في الصحيح:« إن كان اعتمر في ذي القعدة فحسن،و إن كان في ذي الحجة فلا يصلح إلّا الحج» (1).

و أظهر منه الخبر:« من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتى يحج من الناس» (2).

و الحكم (3)بأنها في أشهر الحج متعة على الإطلاق،كما في الصحيح:

عن المعتمر في أشهر الحج،قال:« هي متعة» (4).

و أظهر منه المرسل:سأل بعض أصحابنا أبا جعفر(عليه السّلام)في عشر من شوال فقال:إني أُريد أُفرد عمرة هذا الشهر،فقال له:« أنت مرتهن بالحج» (5).

و الجمع بين هذه الأخبار بعد ذلك يتحقق بحمل الاختلاف على تفاوت مراتب الاستحباب،كما صرّح به بعض الأصحاب.

ص:206


1- الفقيه 2:134»/275،الوسائل 14:313 أبواب العمرة ب 7 ح 11.
2- التهذيب 5:/436 1517،الإستبصار 2:/327 1161،الوسائل 14:312 أبواب العمرة ب 7 ح 6.
3- عطف على الرخصة.
4- التهذيب 5:/436 1514،الوسائل 14:311 أبواب العمرة ب 7 ح 4.
5- التهذيب 5:/436 1518،الإستبصار 2:/327 1162،الوسائل 14:312 أبواب العمرة ب 7 ح 8.

فقال:و لو اعتمر مفردة في أشهر الحج استحب له الإقامة ليحج، و يجعلها متعةً،خصوصاً إذا أقام إلى هلال ذي الحجة،و لا سيّما إذا أقام إلى التروية؛ للأخبار و إن خلت عما قبل هلال ذي الحجة.و لا يجب؛ للأصل،و الأخبار.لكن الأخبار الأولة تعطي الانتقال إلى المتعة و إن لم ينوه (1).انتهى.

و هو حسن،إلّا أن قوله:و إن خلت عمّا قبل هلال ذي الحجة، المناقشة فيه واضحة؛ لما عرفت من ورود الروايات به أيضاً،و هي الصحيح الأخير مع ما بعده.

و يستفاد من مفهوم العبارة أنه لو أحرم في غير أشهر الحج لم يجز له أن ينوي بها المتعة،و هو كذلك.و وجه واضح.

و في الخبر:من أين افترق المتمتع و المعتمر؟فقال:« إنّ المتمتّع مرتبط بالحج،و المعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء،و قد اعتمر الحسين (عليه السّلام)في ذي الحجة ثم راح يوم التروية إلى العراق و الناس يروحون إلى منى،و لا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج» (2).

و يصح الإتباع أي إتباع عمرة بأُخرى إذا كان بينهما شهر وفاقاً لجماعة،و منهم:الشيخ في أحد قوليه و ابن حمزة و الحلبي و ابن زهرة (3)،لكنّهما قالا:في كلّ شهر،أو في كل سنة مرة،و هو يحتمل التردّد و التوقف في جوازها في كل شهر.

ص:207


1- كشف اللثام 1:385.
2- الكافي 4:/535 4،التهذيب 5:/437 1519،الإستبصار 2:/328 1163،الوسائل 14:311 أبواب العمرة ب 7 ح 3.
3- الشيخ في المبسوط 1:304،ابن حمزة في الوسيلة:157،الحلبي في الكافي في الفقه:221،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):583.

و لا ريب في ضعفه؛ للصحاح المستفيضة و غيرها بأن لكل شهر عمرة،كما في جملة منها (1)،و في جملة اخرى:إنّ في كل شهر عمرة (2).

و لا معارض لها سوى الصحيحين بأن العمرة في كل سنة كما في أحدهما (3)،و لا تكون عمرتان في سنة كما في ثانيهما (4).

و لقصورهما عن المقاومة لما مضى من وجوه شتّى،أعظمها كثرتها عدداً،و اشتهارها فتوًى،حتى كاد أن يكون الفتوى بها و لو في الجملة إجماعاً ممن عدا العماني على الظاهر،المصرَّح به في المختلف (5)، دونهما،مع عدم صراحتهما في العمرة المفردة،و قوةِ احتمال اختصاصهما بالمتمتّع بها،أُوجب حملهما عليها،دون المفردة،جمعاً بين الأدلة و تعادياً من طرحهما بالكلّية.

و على هذا الجمع اتفاق من عدا العماني،كما قيل (6).

و ربما حملا على التقية؛ لأنه رأى بعض العامة (7)،أو على أنّ المراد فيهما إني لا أعتمر في كل سنة إلّا مرّة،و في الأول تأكد استحباب الاعتمار في كل سنة،و لا بأس بها و إن بعدت غايته.

و بالجملة:لا إشكال في جواز الاعتمار في كل شهر مرّة،و إنّما هو

ص:208


1- الوسائل 14:308 310 أبواب العمرة ب 6 الأحاديث 4،5،8،9،11.
2- الوسائل 14:307 أبواب العمرة ب 6 ح 1،2.
3- التهذيب 5:/435 1511،الإستبصار 2:/326 1156،الوسائل 14:309 أبواب العمرة ب 6 ح 6.
4- التهذيب 5:/435 1512،الإستبصار 2:/326 1157،الوسائل 14:309 أبواب العمرة ب 6 ح 7.
5- المختلف:319.
6- انظر المختلف:320.
7- كما في الأُم 2:133،و بداية المجتهد 1:338.

في المنع عن الزيادة فيه عنها،كما هو ظاهر العبارة و باقي الجماعة؛ لعدم وضوح دليل عليه من الأخبار السابقة؛ إذ غايتها الدلالة على جواز الاعتمار في كل شهر و أن لكلّ شهر عمرة،و هو لا يدل على النهي عن الزيادة،و قد اعترف بذلك من المتأخرين جماعة (1).

و يعضده الخبر:« لكل شهر عمرة» قال:فقلت له:يكون أقلّ من ذلك؟قال:« لكل عشرة أيام عمرة» (2).

فإنّه مع التصريح في صدره بأنّ لكل شهر عمرة لم يفهم الراوي المنع عن الزيادة،بل سأل عنها على حدة،و هو(عليه السّلام)قد قرّره على فهمه،و مع ذلك فقد أجاب في الذيل بأن لكل عشرة عمرة.

و لأجله قيل بصحة الإتباع إذا كان بينهما عشرة أيام و القائل جماعة كالشيخ في قوله الثاني (3)،بل جميع كتبه كما قيل (4)، و المهذّب و الجامع (5)و الإصباح،و هو خيرة الفاضل في التحرير و التذكرة و المنتهى و الإرشاد (6).

و لا بأس به لو صحّ السند،لكن ليس فيه دلالة على المنع عن الاعتمار فيما دون العشرة،بل سبيله سبيل الأخبار السابقة،إلّا أن يقال:إنّ سوق السؤال و الجواب فيه يقتضيه،و هو غيره يعيد،إلّا أن السند ضعيف.

ص:209


1- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة 7:395،و المجلسي في ملاذ الأخيار 8:456،و السبزواري في الذخيرة:699.
2- الفقيه 2:/278 1363،الوسائل 14:309 أبواب العمرة ب 6 ح 9.
3- المبسوط 1:304.
4- كشف اللثام 1:386.
5- المهذب 1:211،الجامع للشرائع:179.
6- التحرير 1:129،التذكرة 1:401،المنتهى 2:877،الإرشاد 1:338.

و قيل كما عن العماني (1)خاصة أنه لا يكون في السنة إلّا عمرة واحدة لما عرفته مع الجواب عنه مفصّلاً،فلا نعيدهما.

و هنا قول رابع أشار إليه بقوله:

و لم يقدّر علم الهدى بينهما حدّا من الحدود الثلاثة و لا غيرها، بل جوّز الاعتمار في كل يوم مرة فصاعداً (2)،و وافقه الديلمي و الحلّي كثير من المتأخرين (3).

و عزاه في الناصريات إلى أصحابنا (4)،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه، و استدل عليه بالنبوي:« العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» (5)قال:و لم يفصّل(عليه السّلام)بين أن يكون ذلك لسنة أو سنتين،أو شهر أو شهرين.

و فيه:بعد الإغماض عن السند أنه بالنسبة إلى تحديد المدة بينهما مجمل غير واضح الدلالة،فإن إطلاقه مسوق لبيان الفضيلة،لا لتحديد المدة،و بذلك أجاب عنه جماعة (6)،و به يمكن الجواب عن الإطلاقات الأُخر في الندب إليها إن وجدت.

ص:210


1- حكاه عنه في المختلف:320.
2- جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):63.
3- الديلمي في المراسم:104،الحلي في السرائر 1:634،و الفاضل الآبي في كشف الرموز 1:390،و الشهيدان في اللمعة(الروضة البهية 2):375 و المسالك 1:147.
4- الناصريات(الجوامع الفقهية):208.
5- صحيح البخاري 3:2،صحيح مسلم 2:/983 437،سنن ابن ماجة 2:/964 2888،الموطأ 1:/346 65،مسند أحمد 3:447.
6- قال العلامة في المختلف:320 و قول المرتضى لا حجة فيه،و استدلاله غير ناهض،إذ حكمه-(عليه السّلام) بكون العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما،لا دلالة فيه على التقدير و لا على عدمه.و هكذا قال في الحدائق 16:323.

و ممّا ذكر ظهر أن المسألة محل إشكال؛ لعدم وضوح دليل على شيء ممّا فيها من الأقوال،فلا يترك فيها الاحتياط على حال.

نعم،ينبغي القطع بجوازها في كل شهر،و يبقى الكلام في العشر فما دونها؛ لضعف المستند فيهما،فتركها فيهما أحوط و أولى.و لا يجوز المسامحة هنا في الفتوى باستحبابها فيهما؛ لوجود القول بالتحريم و المنع عنهما.

و العمرة المتمتع بها تجزئ من المفردة المفروضة إجماعاً فتوًى و روايةً،و هي صحاح مستفيضة و غيرها من المعتبرة (1).

و تلزم أي المتمتع بها مرة كلّ مَن ليس من حاضري المسجد الحرام و كان نائياً عنه.

و لا تصحّ إلّا في أشهر الحج لارتباطها به،كما مرّ الكلام في جميع ذلك مفصّلاً.

و يتعيّن فيها التقصير و هو إبانة الشعر أو الظفر بحديد و نتف و قرض و غيرها.

و يكفي فيه المسمّى،و هو ما يصدق عليه أنه أخذ من شعر أو ظفر.

كلّ ذلك للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (2).

و أما ما في الصحيح:« إذا فرغت من سعيك و أنت متمتع فقصّر من شعرك من جوانبه و لحيتك،و خذ من شاربك،و قلّم أظفارك،و أبق منها لحجّك،فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيء يحلّ منه المحرم» (3).

ص:211


1- الوسائل 14:305 أبواب العمرة ب 5.
2- الوسائل 13:507 أبواب التقصير ب 3.
3- الكافي 4:/438 1،الفقيه 2:/236 1127،التهذيب 5:/157 521،الوسائل 13:506 أبواب التقصير ب 1 ح 4.

فمحمول على الاستحباب،إلّا قوله(عليه السّلام):« و أبق منها لحجّك» فباق على ظاهره من الوجوب؛ و لذا تعيّن التقصير على الأظهر (1)الأشهر،بل لا يكاد فيه خلاف يظهر إلّا من الخلاف (2)،فجعله أفضل من الحلق،و هو نادر،و يردّ مضافاً إلى الصحيح السابق الصحيح:« و ليس في المتعة إلّا التقصير» (3).

و ظاهر الأول حرمة الحلق مطلقاً و لو بعد التقصير،قيل:و صرّح بها الشهيد،وفاقاً لابني حمزة و البراج؛ لإيجابهما الكفارة بالحلق قبل الحج، فيختص الإحلال بغيره،و لعلّه لأنه لو لم يحرم بعده لم يحرم أصلاً،لأن أوّله تقصير،إلّا أن يلحظ النية،و إنما حرّم في النافع قبله (4).

أقول:لقوله: و لو حلق قبله لزمه شاة لكن ليس فيه نفي التحريم بعده،و إنما خصّ لزوم الشاة بالحلق قبله اقتصاراً على مورد النص الوارد به،ففي الخبر:عن المتمتع أراد أن يقصّر فحلق رأسه،قال:« عليه دم يهريقه،فإذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق» (5).

و فيه:أن النص غير منحصر في هذا،بل استدل على الحكم أيضاً بالصحيح في متمتع حلق رأسه بمكة:« إن كان جاهلاً فليس عليه شيء، و إن تعمّد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوماً فليس عليه شيء،و إن

ص:212


1- ليست في« ق».
2- الخلاف 1:421.
3- التهذيب 5:/16 533،الوسائل 13:510 أبواب التقصير ب 4 ح 2.
4- كشف اللثام 1:349.
5- الفقيه 2:/238 1133،التهذيب 5:/158 525،الإستبصار 2:/242 842،الوسائل 13:510 أبواب التقصير ب 4 ح 3.

تعمّد بعد الثلاثين يوماً التي يوفّر فيها الشعر للحج فإنّ عليه دماً يهريقه» (1).

بل الظاهر انحصار المستند في الدم من الأخبار في هذا الخبر،دون ما مرّ؛ إذ هو مع قصور سنده بل ضعفه ظاهر في الجاهل أو الساهي أو الناسي،دون العامد،و قد أجمعوا عدا الماتن على اختصاص الحكم بالعامد،و أنه لا شيء على من عداه؛ للأصل،و ضعف الخبر،و خصوص الصحيح الذي مرّ،و المرسل القريب منه في السند و المتن:« إن كان ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء،و إن كان متمتعاً في أول شهور الحج فليس عليه شيء إذا كان قد أعفاه شهراً» (2).

و لكن في التمسك للحكم بهذا الصحيح أيضاً نظر؛ لعدم ظهوره في الحلق بعد الإحرام،و احتمال كون الدم للإخلال بتوفير الشعر قبل الإحرام المستحب عند الأصحاب،و الواجب عند الشيخين (3)،و أفتى بوجوب الدم فيه المفيد،كما مرّ في بحث الإحرام (4).

و به استدل له هناك،و لكن قد مرّ الجواب عنه ثمة.

و بالجملة:فالخبر للاحتمال المزبور مجمل لا يمكن التمسك به في محل البحث،مضافاً إلى أن ما فيه من التفصيل في صورة العمد لا يوافق فتوى الأصحاب على الإطلاق بلزوم الدم،و هذا من أكبر الشواهد على تعيين ما مرّ من الاحتمال،و إلّا فهو شاذ،و كذا الخبر الأول،لما مرّ.

و عليه فيشكل الحكم بوجوب الدم،إلّا أن يكون إجماعاً،و لا ريب

ص:213


1- الكافي 4:/441 7،الفقيه 2:/238 1137،التهذيب 5:/158 526،الوسائل 13:510 أبواب التقصير ب 4 ح 5.
2- التهذيب 5:/473 1665،الوسائل 13:509 أبواب التقصير ب 4 ح 1.
3- المفيد في المقنعة:391،الطوسي في النهاية:206 و الاستبصار 2:160.
4- راجع ص:2852.

أنه أحوط.

و كيف كان،فينبغي القطع باختصاصه بصورة العمد،لا كما أطلقه الماتن هنا و في الشرائع (1).

و بما إذا حلق الرأس أجمع،فلو حلق جملة منه و أبقى منه بعضاً فلا دم و لا تحريم،كما قطع به جمع (2).

و بثبوت تحريم الحلق مطلقاً و لو بعد التقصير؛لورود الأمر به في الصحيح الماضي،و هو يستلزم النهي عن ضده العام إجماعاً،فلا وجه لتأمل بعض المتأخرين فيه،و لا لتأمله في إجزائه عن التقصير و لو على القول بتحريمه (3)،كما عن المنتهى،حيث إنه مع قوله بتحريمه قال بالإجزاء،لتوجيهه بأن أول الحلق تقصير،فبعد ما بدأ به حصل الامتثال، و إنما النهي عن الحلق تعلّق بالخارج عنه،فيأثم بفعله خاصة (4).

و بهذا وجّه فتوى الشيخ في الخلاف بالجواز (5)،فقيل:إنه إذا أحلّ من العمرة حلّ له ما كان حرّمه الإحرام،و منه إزالة الشعر بجميع أنواعها، فيجوز له الحلق بعد التقصير،و أوّل الحلق تقصير (6).

و لكن يضعّفه أن النهي عن الحلق في الصحيح المتقدم في قوة تخصيص الإحلال بما عداه،كما صرّح به بعض المحدّثين،فقال:إنه

ص:214


1- الشرائع 1:302.
2- منهم:العلامة في المنتهى 2:711،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:350.
3- المدارك 8:461.
4- المنتهى 2:711.
5- الخلاف 2:331.
6- كشف اللثام 1:349.

يتحلّل بالتقصير كلّ ما حرم عليه بالإحرام إلا الحلق (1)،و هو ظاهر الأصحاب أيضاً.

بقي الكلام فيما وجّهنا به الإجزاء،فإنه على إطلاقه مشكل.نعم لو قصد بأول الحلق التقصير ثم حلق أجزأ و إن أثم،و إن قصد أوّلاً الحلق دون التقصير أشكل،بل ظاهر قوله(عليه السّلام)في الصحيح المتقدم:« فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيء» عدم الإحلال مع الحلق،لأن المشار إليه بقوله:

« ذلك» ما أمر به سابقاً،و من جملته قوله:« و أبق منها لحجّك» فيعتبر في الإحلال،فتأمل.

و كيف كان،فالأحوط عدم الإجزاء بالحلق مطلقاً.

ثم إن ظاهر قوله(عليه السّلام)في الخبر المتقدم:« فإذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق» الوجوب،كما صرّح به في السرائر و القواعد (2).

و لكن الأظهر:الاستحباب؛ للأصل،و ضعف الخبر سنداً و دلالةً كما مرّ،مع عدم موجب له،كيف لا و إنما يجب يوم النحر أحد الأمرين من التقصير و الحلق،و الموجود في الخبر ليس إلّا الأمر بإمرار الموسى حين يريد الحلق،و قد لا يريده،فتعيّن حمله على الوجوب التخييري،إذ لا يخلو غالباً عن شعر يحلقه الموسى،و إنما تعرّض له بالخصوص لأفضلية الحلق من التقصير كما مرّ.

و ليس فيها طواف النساء و إنما هو في الحج مطلقاً،و العمرة المفردة خاصة على الأشهر الأقوى،كما مرّ في آخر بحث الطواف مفصّلاً.

ص:215


1- الوسائل 13:505 أبواب التقصير ب 1.
2- السرائر 1:580،القواعد 1:89.

و إذا دخل المحرم مكة متمتعاً بالعمرة إلى الحج و فرغ من أفعالها كره له الخروج منها لأنّه أي ما أتى به من الإحرام للعُمرة مرتبط بالحج و جزئه كما مرّ،مضافاً إلى خصوص الصحيح هنا:« أو ليس مرتبطاً بالحج؟!لا يخرج حتى يقضيه» (1).

و نحوه في النهي عن الخرج قبل القضاء الصحاح:«ليس له أن يخرج من مكة حتى يحجّ» (2)، و الخبران:«لا يخرج حتى يحرم بالحج» (3)، و ظاهرها التحريم،كما عن الوسيلة و المهذّب و الإصباح و موضع من النهاية و المبسوط (4)،و عزي إلى المشهور (5).

خلافاً للحلّي و الشيخ في التهذيب و موضع آخر من الكتابين (6)فيكره،و تبعهما الفاضلان هنا و في التذكرة و المنتهى و موضع من التحرير (7).

و لعلّه للأصل،و ظاهر الصحيح في متمتّع يريد الخروج إلى الطائف قال:« يهلّ بالحجّ من مكّة،و ما أُحبّ أن يخرج منها إلّا محرماً،و لا يجاوز الطائف إنها قريبة من مكّة» (8).

ص:216


1- التهذيب 5:/31 94،الإستبصار 2:/156 512،الوسائل 11:301 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 2.
2- الوسائل:11:301،302 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 1،5.
3- قرب الإسناد:962/342 و 962/243،الوسائل 11:304 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 11 و 12.
4- الوسيلة:176،المهذب 1:272،النهاية:280،المبسوط 1:304.
5- كما في الحدائق الناضرة 16:307.
6- الحلي في السرائر 1:633،التهذيب 5:163،النهاية:246،المبسوط 1:363.
7- التذكرة 1:368،المنتهى 2:711،التحرير 1:101.
8- الكافي 4:/443 3،التهذيب 5:/164 547،الوسائل 11:303 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 7.

فإنّ« لا أُحبّ» كالصريح في الكراهة،و أظهر دلالةً عليها مِن« ليس له» على التحريم في الأخبار السابقة،مع أنه صريح في جواز الخروج بعد الإحرام قبل قضاء الحج.

و نحوه في ذلك صحيحان آخران،في أحدهما:رجل قضى متعته و عرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها،قال:« فليغتسل و ليهلّ بالإحرام بالحج و ليمض في حاجته في حاجته،فإن لم يقدر على الرجوع إلى مكة مضى إلى عرفات» (1).

و في الثاني:« من دخل مكة متمتعاً في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج،فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرماً و دخل ملبّياً،فلا يزال على إحرامه،فإن رجع إلى مكة رجع محرماً و لم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى» الخبر (2).

و تلك الصحاح ظاهرة في المنع إلى أن يقضي الحج و يكمّله، و مقتضاه عدم الاكتفاء بالخروج محرماً،فيصرف ظاهرها إلى صريح هذه، إلّا أن يجمع بينهما بحمل القضاء في الصحاح على ما يعمّ الدخول في الإحرام،كما في الخبرين بعدها،لكنّهما قاصراً السند،و مع ذلك فيتعيّن تقييد إطلاقهما بحال الضرورة كما فصّلته الصحيحة الأخيرة،و حمل القضاء في الصحاح على ذلك في غاية البُعد.

بل الأظهر في الجمع بينهما أن يبقى القضاء فيها على حاله،و يقيد إطلاقها بصورة الاختيار،و يحمل الاكتفاء بالإحرام في هذه الصحاح على حال الضرورة و حصول الحاجة،كما هو مورد أكثرها،و المطلق منها يقبل

ص:217


1- الكافي 4:/443 4،التهذيب 5:/164 548،الوسائل 11:302 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 4.
2- الكافي 4:/441 1،التهذيب 5:/163 546،الوسائل 11:302 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 6.

التقييد بها،للصحيحة المفصّلة المتقدمة،و هي أوضح شاهد على هذا الجمع،حيث اشترط فيها في جواز الخروج و لو محرماً عروض الحاجة، و صرَّح قبله بالمنع عن الخروج حتى يقضي الحج و يكمّله،كالصحاح السابقة.

و قريب منها المرسل:« المتمتّع محتبس لا يخرج من مكّة حتّى يخرج إلى الحج،إلّا أن يأبق غلامه أو تضلّ راحلته فيخرج محرماً،و لا يجاوز إلّا على قدر ما لا يفوته عرفة» (1).

و بالجملة:فمقتضى الجمع بين هذه الأخبار المعتبرة بعد ضمّ بعضها ببعض المنع عن الخروج عن مكّة اختياراً حتّى يقضي الحج و يكمّله، إلّا مع الضرورة،فيخرج محرماً إلى ما يفوت معه عرفة،كما في المرسلة، و نحوها الأخبار المرخَّصة للخروج محرماً،لاختصاصها بالأماكن القريبة منها،بل اشترط ذلك في الصحيحة الأخيرة.

و كلّ هذه الأخبار متّفقة في المنع مطلقاً أو من غير ضرورة من غير تفصيل فيها بين ما إذا خرج و دخل في الشهر الذي أُحرم فيه للعمرة أو غيره.

فما ذكره الماتن هنا و في الشرائع (2)،و تبعه الفاضل في القواعد و غيره (3)،من الجواز في الأول مطلقاً و لو من غير كراهة لقوله: و لو خرج و عاد في شهره الذي اعتمر فيه فلا حرج مطلقاً و لو من غير ضرورة.

ص:218


1- الكافي 4:/443 5،الوسائل 11:304 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 9.
2- الشرائع 1:303.
3- القواعد 1:92؛ و انظر الإرشاد 1:338،و الكفاية:72.

منظور فيه؛ لمخالفته الأخبار المتقدّمة أجمع،مع عدم وضوح شاهد عليه عدا المُرسل:سأل أبا جعفر(عليه السّلام)في عشر من شوّال،فقال:إنّي أُريد أن أُفرد عمرة هذا الشهر،فقال:« أنت مرتهن بالحج» فقال له الرجل:إنّ المدينة منزلي،و مكّة منزلي،و لي بينهما أهل،و بينهما أموال،فقال:« أنت مرتهن بالحج» فقال له الرجل:فإنّ لي ضياعاً حول مكّة و أُريد الخروج إليها؟!فقال:« تخرج حلالاً و ترجع حلالاً إلى الحج» (1).

و إطلاقه بجواز الدخول حلالاً و إن شمل ما لو دخل في غير الشهر الذي اعتمر فيه،إلّا أنّه لمّا علم بالدليل أنّه لا بدّ من الإحرام إذا مضى شهر قيّد بما إذا دخل في الشهر.

و عليه ينص الموثّق كالصحيح:عن المتمتّع يجيء فيقضي متعته ثمّ يبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة و إلى ذات عِرق و إلى بعض المعادن، قال:« يرجع إلى مكّة بعُمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتّع فيه؛ لأن لكل شهر عمرة،و هو مرتهن بالحج» (2).

و المرُسل (3)و الرضوي (4):« إذا أراد المتمتّع الخروج من مكّة إلى بعض المواضع فليس له ذلك؛ لأنّه مرتبط بالحج حتّى يقضيه،إلّا أن يعلم أنّه لا يفوته الحج،و إن علم و خرج و عاد في الشهر الذي خرج فيه دخل مكّة محلّاً،و إن دخلها في غير ذلك الشهر دخل محرماً».و نحوهما

ص:219


1- التهذيب 5:/436 1518،الإستبصار 2:/327 1162،الوسائل 11:301 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 3.
2- الكافي 4:/442 2،التهذيب 5:/164 549،الوسائل 11:303 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 8.
3- الفقيه 2:/238 1139،الوسائل 11:304 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 10.
4- فقه الرضا(عليه السّلام):230،المستدرك 8:99 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 1.

الصحيح الآتي.

و على هذا فيكون قوله(عليه السّلام):« و يرجع حلالاً» كناية عن وجوب الرجوع في الشهر الذي اعتمر فيه،و نهياً له عن إفراد العمرة و إن سأل الرخصة فيه،و إنّما خصّ(عليه السّلام)الرخصة له في ذلك بمورد السؤال الأخير دون الأول لكونه ممّا يمكن فيه الرجوع إلى مكّة في الشهر الذي اعتمر فيه،لقربه منها،و كونه في حواليها،دون مورد الأول،لكونه بين مكّة و المدينة،و يبعد فيه ذلك غايته.

و يؤيّده ما قيل من أنّ الظاهر أنّ المنع عن الخروج لارتباط العمرة بالحج و اتصالها به من غير تخلّل عمرة أُخرى بينهما،فإذا لم يفتقر إليه لم يمنع عنه (1).

و فيه (2)نظر،أمّا أوّلاً:فلضعف(سند) (3)المرسل من وجوه.

و أمّا ثانياً:فلاختصاصه كالأخبار بعده على تقدير دلالتها على الرخصة في الخروج من غير إحرام بحال الضرورة أو صُورة العلم بأنّه لا يفوته الحج،و شيء منهما غير مذكور في العبارة،بل ظاهرها جواز الخروج في الصورة المفروضة فيها و لو مع الاختيار و عدم العلم بالرجوع إلى مكّة في الشهر الذي أُحرم فيه.

و بالجملة:فهذه الأخبار و ما قبلها الواردة بالجواز كلّها مختصة بحال الضرورة،عدا الرضوي و ما طابقه،فإنهما مطلقان،لكن ينبغي تقييدهما

ص:220


1- كشف اللثام 1:281.
2- أي:في الدليل الذي أتى به للمصنف من المرسل و ما بعده لجواز الخروج في الشهر المعتمر فيه من غير إحرام و لا كراهة.(منه رحمه اللّه).
3- ليس في« ح» و« ك».

بالضرورة،للصحيحة المفصّلة المتقدمة.

و مع ذلك صحاحها مشترطة في الخروج معها الإحرام،و ظاهر أكثرها التحريم من دونه.إلّا ما تضمّن منها لفظه الكراهة في الخروج من دونه تصرفها عن ظاهرها إلى الجواز مع الكراهة؛ لأنها صريحة أو كالصريحة في الجواز من غير إحرام لكن مع الكراهة،و بها تجبر المرسلة المتقدمة المجوّزة للخروج في الضرورة،فما ذكره الماتن لا بأس به إلّا أنه ينبغي تقييده بحال الضرورة.

و القول بأن الظاهر أن المنع عن الخروج لارتباط العمرة بالحج و اتصالها به من غير تخلّل عمرة أُخرى بينهما إلى آخره،لا يمنع تقييد الجواز بالضرورة و الكراهة بعد ما دلّت عليهما الأخبار المعتبرة،و ربما كان الوجه في اعتبارهما احتمال أن لا يمكنه بعد الخروج العود إلى مكة.

و ممّا ذكر يظهر تطرّق النظر أيضاً في إطلاق ما ذكره الماتن بقوله:

و كذا لا حرج لو أُحرم بالحج و خرج بحيث إذا أزف و قرب الوقوف عد إلى عرفات بل ينبغي تقييده بحال الضرورة؛ لما عرفت من اتفاق الأخبار كلّها بعد ضمّ بعضها إلى بعض على اعتبارها.

و بالجملة:فالذي يظهر من الجمع بين الأخبار المنع عن الخروج اختياراً (1)مطلقاً (2)،و جوازه إلى ما لا يفوت معه الوقوف بعرفة مع الكراهة من غير إحرام،و بدونها معه.

و إطلاقها كالعبارة و الفتاوي يعمّ صورتي كون العمرة المتمتع بها

ص:221


1- ليست في« ك».
2- أي:بسواء كان مع الإحرام أو بدونه،دخل في الشهر الذي اعتمر فيه أم لا.(منه رحمه اللّه).

إلى الحج واجبة أو مندوبة،و لذا قال جماعة بأن في هذه الأخبار دلالةً على وجوب إتمام المندوب بالشروع فيه (1).

أقول:مضافاً إلى قوله سبحانه وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ [1] الآية (2).

و لو خرج لا كذلك بأن خرج غير محرم بالحج و عاد في غير الشهر الذي اعتمر فيه جدّد عمرة أُخرى وجوباً لما مضى من الأخبار؛ مضافاً إلى الصحيح:فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام،ثم رجع في إبّان الحج في أشهر الحج يريد الحج،فيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟فقال:« إن رجع في شهره دخل مكة من غير إحرام، و إن دخل في غير الشهر دخل محرماً»[قلت:]فأي الإحرامين و المتعتين متعة،الأُولى أو الأخيرة؟قال:« الأخيرة و هي عمرته و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته» (3).

و منه يظهر المستند في قوله: و يتمتع بالأخيرة دون الاُولى مضافاً إلى عدم الخلاف فيه و لا في سابقه و إن اختلفوا في حصول الإثم بالخروج في الجملة،أو مطلقاً،أو عدمه مع الكراهة أو بدونها، و المختار ما قدّمنا.

و في احتياج العمرة الأُولى حيث صارت مبتولة إلى طواف النساء و عمده وجهان (4).أحوطهما الأول و إن كان الثاني بظاهر إطلاق النص و الفتاوي أوفق،مضافاً إلى الأصل،و عدم دليل صالح على وجوبه هنا عدا

ص:222


1- منهم:الشهيدان في الدروس 1:336،و المسالك 1:87،و صاحب المدارك 7:175.
2- البقرة:196.
3- تقدم مصدره في ص:3311 الرقم(2).
4- في« ح» و« ك»:قولان.

الإطلاق،و المتبادر منه العمرة المبتولة ابتداءً،لا المنقلبة إليها قهراً شرعاً.

و حيث خرج و دخل في الشهر الذي اعتمر فيه فلا ريب في جواز الدخول من غير إحرام؛ لما عرفت من الأخبار المستفيضة(بل في أكثرها الأمر بالدخول إلى مكة محلّاً) (1)و ظاهرها الوجوب،لكن في الموثق كالصحيح،المتقدم (2)بعد ما مرّ:قلت:فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه؟قال(عليه السّلام):« كان أبي(عليه السّلام)مجاوراً هاهنا فخرج يتلقّى بعض هؤلاء، فلمّا رجع بلغ ذات عرق،أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج» .و ظاهره جواز الإحرام بالحج من غير مكة،و باستحبابه صرّح جماعة،منهم الفاضل في المنتهى و التذكرة (3)،و الشهيد في الدروس كما قيل (4)،لكن ظاهره التردد فيه كالمنتهى،و فيه بعد الفتوى بالاستحباب و نقل الرواية:هذا قول الشيخ و استدلاله،و فيه إشكال،إذ قد بيّنّا أنه لا يجوز إحرام الحج للمتمتع إلّا بمكة.

أقول:مضافاً إلى عدم بلوغه قوة المعارضة للأخبار في المسألة الظاهرة في الوجوب كما عرفته،مع أنه متضمن نقل فعل عنه(عليه السّلام)،و هو يحتمل وجوهاً منها التقية،كما ربما يشعر به سياقها،كما لا يخفى على من تأمّله و تدبّره.فإذاً المتوجه عدم الجواز.

ص:223


1- ما بين القوسين ليست في« ك».
2- في ص:3313.
3- المنتهى 2:711،التذكرة 1:368.
4- انظر الحدائق 14:366،و هو في الدروس 1:335.
المقصد الثالث في اللواحق
اشارة

المقصد الثالث:

في اللواحق،و هي ثلاثة:

الأول في الإحصار و الصدّ
اشارة

الأول: في أحكام الإحصار و الصدّ قدّم الحصر هنا للنص عليه في القرآن العزيز (1).

قيل:و لعمومه لغةً،و أخّره بعد لكثرة مسائل الصدّ (2)و

المصدود من منعه العدّ

المصدود هو من منعه العدو و ما في معناه خاصة،بلا خلاف عند نافيه،و لا فيما سيأتي من أن المحصور مَن منعه المرض خاصة،و بالإجماع منّا صرّح جماعة مستفيضاً (3)و منهم شيخنا في المسالك فقال:هو الذي استقرّ عليه رأي أصحابنا و وردت به نصوصهم (4).

أقول:و منها الصحيح:« المحصور هو المريض،و المصدود هو الذي يردّه المشركون كما ردّوا رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ليس من مرض،و المصدود تحلّ له النساء،و المحصور لا تحلّ له النساء» (5).

ثم قال:و هو مطابق أيضاً للّغة،قال في الصحاح:أُحصر الرجل على ما لم يسمّ فاعله،قال ابن السكيت:أحصره المرض،إذا منعه من السفر أو من حاجة يريدها،قال اللّه تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ [1] إلى آخر ما قال.

ص:224


1- البقرة:196.
2- كشف اللثام 1:386.
3- منهم:الحلّي في السرائر 1:637 و العلامة في المنتهى 2:846.
4- المسالك 1:128.
5- الكافي 4:/369 3،الفقيه 2:/304 1512،التهذيب 5:/423 1467،الوسائل 13:177 أبواب الإحصار و الصد ب 1 ح 1.

و ما نقله عن ابن السكيت قد نقله أيضاً في المصباح المنير عنه و عن ثعلب،و عن الفراء أن هذا هو كلام العرب و عليه أهل اللغة (1).

أقول:و لكن المحكي عن أكثرهم اتحاد الحصر و الصدّ،و أنهما بمعنى المنع من عدو كان أو مرض،و هذا هو الذي عامة فقهاء الجمهور (2).

و كيف كان فلا ريب فيما ذكرنا بعد ورود النص بذلك عن أهل العصمة سلام اللّه عليهم.

و اعلم أنهما مشتركان في ثبوت أصل التحلّل بهما في الجملة، و يفترقان في عموم التحلّل،فإنّ المصدود يحلّ له بالمحلّل كلّ ما حرّمه الإحرام،و المحصَر ما عدا النساء؛ و في مكان ذبح هدي التحلل، فالمصدود يذبحه أو ينحره حيث صدّ،و المحصَر يبعثه إلى مجلّة بمكة و منى؛ و في إفادة الاشتراط تعجيل التحلل للمحصَر دون الآخر،لجوازه له بدون الشرط.

و قد يجتمعان على المكلّف بأن يمرض و يصدّه العدو،فيتخير في أخذ حكم ما شاء منهما،و أخذ الأخفّ من أحكامهما؛ لصدق الوصفين الموجب للأخذ بالحكم،سواء عرضاً دفعةً أو متعاقبين،وفاقاً لجماعة (3).

خلافاً للشهيد في الدروس،فاستقرب ترجيح السابق إذا كان عرض الصدّ بعد بعث الهدي للحصر،و الإحصار بعد ذبح المصدود و لمّا

ص:225


1- المصباح المنير:138.
2- حكاه عنهم صاحب الحدائق 16:3.
3- منهم:الشهيد الثاني المسالك 1:129،و صاحب المدارك 8:286،و السبزواري في الذخيرة:699.

يقصّر (1).

و لا يخلو عن وجه،و مع ذلك فلا ريب أنه أحوط.

و إذا قد تمهد هذا فإذا تلبّس بالإحرام لحج أو عمرة وجب عليه الإكمال إجماعاً،فتوًى و دليلاً،كتاباً و سنّة.

ف إن صدّ نحر هديه في مكانه و أحلّ من كل شيء أحرم منه حتى النساء،على الأشهر الأظهر،بل لا يكاد يظهر خلاف في شيء من ذلك إلّا من الحلّي فلم يوجب الهدي (2)،و هو محجوج بما يأتي.

و من الحلبي فأوجب إنفاذ الهدي كالمحصور،و يبقى على إحرامه إلى أن يبلغ الهدي محلّه (3).

و قريب منه الإسكافي فيما حكي عنه،ففصّل في البدنة بين إمكان إرسالها فيجب،و عدمه فينحرها مكانه (4).

و تردّهما المعتبرة المستفيضة،ففي الموثق:« المصدود يذبح حيث صدّ و يرجع صاحبه فيأتي النساء،و المحصور يبعث بهديه» (5).

و في الصحيح:« إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)حيث صدّه المشركون يوم الحديبية نحر بدنته و رجع إلى المدينة» (6).

و نحوه الخبر إلّا أن فيه:« قصّر و أحلّ و نحر،ثم انصرف منها،و لم

ص:226


1- الدروس 1:483.
2- السرائر 1:641.
3- الكافي في الفقه:218.
4- نقله عنه في المختلف:318.
5- الكافي 4:/371 9،الوسائل 13:180 أبواب الإحصار و الصد ب 1 ح 5.
6- الفقيه 2:/306 1517،التهذيب 5:/424 1472،الوسائل 13:191 أبواب الإحصار و الصد ب 9 ح 5.

يجب عليه الحلق حتى يقضي المناسك،فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير» (1).

و في المرسل:« المحصور بالمرض إن كان ساق هدياً أقام على إحرامه حتى يبلغ الهدي محلّه،ثم يحلّ،و لا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل،هذا إذا كان حجة الإسلام،فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه و حلّ ما كان أحرم منه،فإن شاء حج من قابل و إن شاء لا يجب عليه الحج؛ و المصدود بالعدو ينحر هديه الذي ساقه مكانه و يقصّر من شعر رأسه و يحلّ،و ليس عليه اجتناب النساء سواء كان حجته فريضة أو سنّة» (2).

و هل الأمر بذبح الهدي مكان الصدّ للوجوب،كما هو الأصل فيه،أم للرخصة؛ لقوة احتمال وروده مورد توهّم وجوب البعث كالحصر؟ وجهان،بل قولان.

و ظاهر الخبر الأخير كالخبر المتقدم عليه توقف الإحلال على التقصير،كما في القواعد و عن المراسم (3)،و في الغنية و عن الكافي (4)، إلّا أن فيهما الحلق بدل التقصير،و اختاره الشهيدان (5)،لكن مخيّرين بينهما.

و لا وجه له،و لا لما سبقه من اعتبار الحلق؛ لعدم دليل عليه،عدا رواية عامية بحلقه(صلّى اللّه عليه و آله)يوم الحديبية (6)،و الرواية المتقدمة بتقصيره(صلّى اللّه عليه و آله)تردّه،

ص:227


1- الكافي 4:/368 1،الوسائل 13:186 أبواب الإحصار و الصد ب 6 ح 1.
2- المقنعة:446،الوسائل 13:180 أبواب الإحصار و الصد ب 1 ح 6.
3- القواعد 1:92،المراسم:118.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):583،الكافي في الفقه:218.
5- الشهيد الأول في الدروس 1:479،الشهيد الثاني في الروضة 2:370،و المسالك 1:129.
6- سنن البيهقي 5:214،215،كنز العمال 5:/237 12739.

لكن في سندها كالمرسلة ضعف.

و لا دليل على التقصير بعدهما عدا ما قيل من ثبوته أصالةً،و لم يظهر أن الصدّ أسقطه،فالإحرام يستصحب إليه (1).

و فيه نظر؛ لمنع ثبوته أصالةً هنا،و إنما هو في محلّ قد فات بالصدّ جزماً؛ و الاستصحاب إنما يتوجه في مقام الشك،و لا شك هنا بعد إطلاق الأدلة من الكتاب و السنّة بجواز الإحلال بالصدّ من غير اشتراط بالتقصير.

نعم،هو أحوط و إن كان عدم الوجوب لعلّه أظهر،وفاقاً لظاهر المتن و الأكثر.

ثم إن ظاهر إطلاق النصوص و الفتوى جواز الإحلال بالصدّ مطلقاً و لو مع رجاء زوال المانع،بل قيل:و هو ظاهر الأصحاب،حيث صرّحوا بجوازه مع ظنّ انكشاف العدوّ قبل الفوات (2).

فإن تمّ إجماعاً،و إلّا كما هو الظاهر فالأظهر اختصاصه بصورة عدم الرجاء قطعاً أو ظنا،اقتصاراً أو ظنا،اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقن من إطلاق النص و الفتوى،و ليس بحكم التبادر و غيره إلّا ما ذكرنا،دون صورة الرجاء قطعاً.

ثم إن الأمر بالإحلال في النص و الفتوى و إن أفاد الوجوب أصلاً، إلّا أن الظاهر أن المراد به هنا الإباحة و الترخيص دون الوجوب،فيجوز له في إحرام الحج و العمرة المتمتع بها البقاء على إحرامه إلى أن يتحقق الفوات، فيحلّل بالعمرة كما هو شأن من فاته الحج،و عزي أيضاً إلى الأصحاب (3)،

ص:228


1- كشف اللثام 1:386.
2- كما في المدارك 8:287.
3- كما في المدارك 8:287 و الحدائق 16:16.

بل زاد بعضهم فقال:إنه أفضل من الإحلال (1).و يجب عليه إكمال أفعال العمرة إن تمكّن،و إلّا تحلّل بهدي.

و لو كان إحرامه بعمرة مفردة لم يتحقّق الفوات،بل يتحلّل منها عند تعذّر الإكمال،و لو أخّر التحلّل كان جائزاً،فإن آيس من زوال العذر تحلّل بالهدي حينئذ.

و انما يتحقق الصدّ مع عدم التمكن من الوصول إلى مكة بل عن مناسكها، و لو قال« من مكة» تنزّل عليه بلا تكلّف مع الإيجاز إن كان معتمراً أو الموقفين أو أحدهما مع فوات الآخر إن كان حاجّاً بحيث لا طريق له غير موضع الصدّ،أو كان له طريق آخر لكن لا نفقة له في سلوكه.

و لا خلاف في حصول الصدّ بذلك،بل قيل:اتفاقاً (2).

و كذا إذا صدّ المعتمر عن الطواف أو السعي خاصة؛ لعموم الآية و استصحاب حكم الإحرام إلى الإتيان بما على المصدود،و أما حصول الإحلال به فبطريق أولى مع العموم.

و لا يتحقق بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار و المبيت بها،قيل:

إجماعاً كما نقله جماعة من الأصحاب،بل يحكم بصحة حجه و يستنيب في الرمي إن أمكن،و إلاّ قضاه في القابل (3)و إن منع من مناسك منى يوم النحر و استناب قد تمّ نسكه بمنى بلا خلاف.فإن تعذّر الاستنابة قيل:احتمل البقاء على إحرامه مطلقاً؛ للأصل (4).

ص:229


1- انظر المسالك 1:130.
2- كشف اللثام 1:386.
3- المدارك 8:239.
4- قال به صاحب المدارك 8:293 و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:387.

و كذا لو كان المنع عن مكة و منى جميعاً،و لو منع عن مكة خاصة بعد التحلل بمنى يبقى على إحرامه بالنسبة إلى الطيب و النساء و الصيد خاصة.

و قيل:إن لم يمكنه الاستنابة في الرمي فهو مصدود؛ لعموم نصوصه،و أولوية تحلله من المصدود عن الكل.و في الذبح فهو لا يستطيع الهدي،فعليه الصيام بدله إن لم يمكنه إيداع الثمن ممن يذبح بقية ذي الحجة (1).

و هذا القول أظهر؛ لقوة دليله،مع ما في الأول من لزوم البقاء إلى القابل العسر و الحرج.

و منه مضافاً إلى الأولوية المتقدم إليها الإشارة يظهر الجواب عمّا قيل على عموم الكتاب و السنة باختصاص إطلاقهما بحكم التبادر و غيره بحيث لا يدانيه شبهة بما إذا صدّ عما يفوت به الحج أو العمرة بالكلّية، لا بعض أفعالهما المتأخرة؛ فإنه على تقدير تسليمه،و ربما يمنع بأن منطوقهما و إن اختص بذلك إلّا أن فحواهما يعمّه و غيره حتى ما يمكن فيه الاستنابة،إلّا أنه خرج اتفاقاً فتوًى و روايةً.

و من ثمرات الصدّ و إن كان قضاء الحج من قابل وجوباً أو استحباباً، إلّا أنه في صورة فواته بالصدّ و نحوه،لا مطلقاً،فإنه ليس من لوازمه التي لا تنفك منه إجماعاً،و إنما ثمرته اللازمة له جواز الإحلال من الإحرام و وجوب الهدي.و نحن نقول بهما هنا،لكن على إشكال في الأخير؛ لفقد العموم فيه،و عدم مساعدة الفحوى لإيجابه بعد فرض اختصاصه بصورة الصدّ عن الحج أو العمرة من أصله،فإنّ غاية الأولوية إفادة جواز الإحلال

ص:230


1- كشف اللثام 1:387.

لا وجوبه،لاحتمال خصوصية في الصدّ عن كلّ الحج في إيجابه لا توجد في الصدّ عن أبعاضه،لكن غاية ذلك الشك،و أصالة البقاء على الإحرام ربما تحكم بإيجابه،فإيجابه للأصل لا للفحوى و هو كافٍ في ذلك.

و تلخّص ممّا ذكرنا تحقّق الصدّ الموجب و الهدي بالمنع عن الحج و العمرة بتمامهما أو أبعاضهما،و سقوط ما صدّ عنه بعد التحلّل في عامة إلّا ما تقبل النائبة فيجب،و لا ثمرة للصد فيه إلّا إفادة جوازم التحلّل فيما لا تحلّل إلّا بفعله أو بالصدّ.

و لا يسقط الحج الواجب المستقر في ذمته قبل عام الصد،و لا المستمر إليه و إلى العام المقبل مع الصدّ فيقضيه وجوباً في القابل.

و يسقط المندوب أي لا يجب كما أوجبه أو حنيفة و أحمد في رواية (1)للأصل و الإجماع،كما هو ظاهر التذكرة و المنتهى (2)،و إنما يقضيه ندباً.

و في بعض الأخبار المتقدمة و الآتية في الحصر دلالة عليه.

و في وجوب الهدي على المصدود قولان:أشبههما الوجوب وفاقاً للمشهور،بل ظاهر الغنية و المحكي عن المنتهى و غيرهما (3)إجماعنا عليه؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى استصحاب بقاء حكم الإحرام إلى أن يعلم حصول المحلّل،و خصوص ما مرّ من النصوص؛ و غيرهما كالمرسل:« المحصور

ص:231


1- انظر المغني لابن قدامة 3:375.
2- التذكرة 1:396،المنتهى 2:847.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):583،المنتهى 2:846؛ و انظر التنقيح الرائع 1:527.

و المضطر يذبحان بدنتهما في المكان الذي يضطران فيه» (1).

و قصور السند أو ضعفه حيث كان مجبور بالعمل و موافقة الكتاب، بناءً على أن المراد بالحصر فيه المنع مطلقاً و لو بالعدو،لموافقته لأهل اللغة كما عرفته،و إجماع المفسّرين على نزول الآية في حصر الحديبية،كما صرّح به جماعة كالشافعي و النيسابوري و غيرهما (2)،و يظهر أيضاً من الغنية،و روى تفسيرها بها الشيخ في التبيان و الطبرسي في المجمع (3)عن الأئمة(عليهم السّلام)فيما حكي عنهما.

و يشعر بذلك أيضاً ذيل الآية،و هو قوله سبحانه فَإِذا أَمِنْتُمْ [1] لظهوره في الأمن من العدوّ،دون المرض و العلّة؛ و لذا قال بعض العامة باختصاص الآية بالصدّ دون المرض (4)،و إن كان المناقشة فيه أيضاً واضحة،لأن الورود في قضية خاصة لا ينافي عموم اللفظ و كذا تخصيص بعض أفراده بحكم غير ما علّق عليه أوّلاً لا يفيد تخصيص الحكم الأول بذلك الفرد أيضاً.

و القول الثاني للحلّي فلم يوجبه (5)؛ للأصل،و يخصّص بما مرّ؛ و منع عموم الآية للمنع بالعدو،لاختصاصه بالحصر بالمرض،و فيه ما مرّ.

و لا ينافيه الإجماع فتوًى و نصاً بتخصيص الحصر بالمرض،و الصد بالعدوّ؛ لاحتمال كونه اصطلاحاً خاصاً لما بعد النزول.و لا بُعد فيه بعد

ص:232


1- المقنع:76،الوسائل 13:178 أبواب الإحصار و الصد ب 1 ح 2.
2- الشافعي في الأُم 2:218،النيشابوري في حاشية تفسير الطبري 2:242؛ و انظر التفسير الكبير 5:161.
3- التبيان 2:155،مجمع البيان 1:290.
4- انظر بداية المجتهد 1:354.
5- السرائر 1:641.

وجود الدليل كما قيل.

و لو سلّم فغايته اختصاص الآية بالمرض،لكن لا دلالة فيها و لا في الأخبار على نفي الوجوب في الصدّ،و إنما الدليل عليه حتى في كلامه إنما هو أصالة البراءة،و هي معارضة بالاستصحاب المتقدم إليه الإشارة،و لا حجة لأصالة البراءة في مقابله إلّا بعد وجود عموم أو إطلاق يمكن رفع الشك بهما،و لم أر وجوداً لهما هنا كما مضى.

و بالجملة:فأصالة البراءة مخصَّصة بما دلّ على لزوم أحكام الإحرام، و الأصل بقاؤها في موضع الشك إلى أن يثبت الرافع لها و لو عموماً أو إطلاقاً نافعاً،و قد عرفت فقدهما.

و على المختار ف لا يصح التحلّل مطلقاً إلّا بالهدي لما مرَّ.

و نيّةِ التحلّل كما صرّح به جماعة (1)،من غير خلاف بينهم أجده؛ لأن الذبح يقع على وجوه أحدها التحلل،فلا ينصرف إليه دون غيره إلّا بمخصّص و هو النية،كما في كل عبادة مشتركة.

قيل:لا يقال:نية التحلل غير معتبرة في غير المصدود،فكيف اعتبرت هنا،أ ليس إذا رمى أحلّ من بعض الأشياء و إن لم ينو التحلل؟ لأنا نقول:من أتى بأفعال النسك فقد خرج عن العهدة و أتى بما عليه فيحلّ بإتمام الأفعال و لا يحتاج إلى نية،خلاف المصدود؛ لأنا قد بيّنّا أن الذبح لا يتخصص بالتحلل إلّا بالنية فاحتيج إليها،دون الرمي الذي لا يكون إلّا النسك،فلم يحتج إلى قصد (2).انتهى.

ص:233


1- منهم:المحقق في الشرائع 1:280،و العلامة في المنتهى 2:846،و الشهيد الأول في الدروس 1:479.
2- المنتهى 2:846.

قيل:و إن قيل:كما أن غير المصدود يخرج عن العهدة بإتمام المناسك فكذا المصدود بإتمام ما عليه.

قلنا:الفرق أن للمصدود أن يبقى على إحرامه و إن ذبح سبعين مرة إذا لم ينو التحلل.

لا يقال:و كذا الرمي يقع على وجوه،و بيّن أنه إذا نوى اللغو و نحوه لم يفد التحلل.

لأنه مسلّم،و لكن يكفيه ما عليه من الرمي في الحج،كسائر المناسك إنما ينوي بها فعل ما عليه منها لوجوبه،و أما هدي التحلل فلا يتعين إلّا بنية التحلل،فإذا لم ينو كان كاللغو من الرمي،و لذا يشترط وقوعها عند الذبح.

و لا يكفي وجوب الهدي للسياق عن هذه النية؛ لأن الأصل فيما ساقه الذبح بمنى أو بمكة،فهذا الذبح قبل مكانه و زمانه (1).انتهى.

و هو حسن،إلّا أن قوله:و لا يكفي وجوبه للسياق عن هذه النية، محل مناقشة؛ لاحتمال الاكتفاء عنها بقصد القربة و امتثال الأمر،إذ أمر مشتركاً بذبح الهدي المساق في الواقعة،بل الأمر به إنما هو للتحلل خاصة، و نية التعيين إنما يحتاج إليها في الأوامر المتعددة المشتركة،و لا تعدّد في الأمر هنا كما عرفته.و قوله:لأن الأصل فيما ساقه..،لا يفيد الاحتياج إلى هذه النية،كما لا يخفى على من تدبّره.

و هل يسقط الهدي لو شرط في إحرامه حلّه من حيث حبسه؟فيه أي في السقوط به قولان مضيا في أواخر بحث أحكام الإحرام،و مرّ أن الأقوى القول بالسقوط،وفاقاً للمرتضى و الحلّي (2)،

ص:234


1- انظر كشف اللثام 1:386.
2- راجع ص:2905.

مدّعيين الإجماع عليه.

و أظهرهما عند آخرين أنه لا يسقط و جعلوا فائدة الاشتراط جواز التحلل من غير توقع و تربّص لبلوغ الهدي محلّه.

و فيه:أن هذه الفائدة مختصة بالمحصورة و أما المصدود فلا تظهر فيه؛ لما مرّ من جواز تحلّله من غير تربّص،بناءً على جواز ذبح هديه مكان الصدّ كما هو الأظهر الأشهر،و لذا خصّها الماتن في بحث الإحرام بالمحصور،لا لما توهّم من اختصاص جواز التحلل من أصله به دون المصدود،و حينئذ فلا فائدة لهذا الشرط في المصدود.

و أضعف منه سائر ما قيل في توجيه هذا الشرط غير سقوط الهدي، من أراد تفصيل ذلك فعليه بمراجعة ذلك البحث.

و في إجزاء هدي السياق عن هدي التحلل قولان بل أقوال أشبههما عند الماتن هنا وفاقاً للصدوقين (1) أنه لا يجزئ مطلقاً، سواء وجب الهدي المسوق و لو بالإشعار أو التقليد أم لا.و فصّل الإسكافي بين الواجب فلا يجزئ،و غيره فنعم (2).

و اختاره جماعة منهم شيخنا الشهيد الثاني فقال:

و الأقوى عدم التداخل إن كان السياق واجباً و لو بالإشعار أو التقليد؛ لاختلاف الأسباب المقتضية لتعدّد المسبّبات،نعم لو لم يتعين ذبحه كفى، إلّا أن إطلاق هدي السياق عليه مجاز (3).انتهى.

و ربما يظهر من قوله:إلّا أن إطلاق هدي السياق عليه مجاز،رجوع

ص:235


1- الصدوق في الفقيه 2:305،و حكاه عن والده في المختلف:317.
2- نقله عنه في المختلف:317.
3- الروضة البهية 2:368.

قول الإسكافي إلى قول الصدوقين،كما صرّح به غيره (1).

و لم نقف لهما على دليل سوى ما مرّ،و الرضوي:« فإن قرن الرجل الحج و العمرة فأُحصر بعث هدياً مع هديه،و لا يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه،فإذا بلغ الهدي محلّه أحلّ و انصرف إلى منزله،و عليه الحج من قابل،و لا يقرب النساء حتى يحج من قابل» (2).

و فيهما نظر:

أما الأول:فلأنا لم نقف على دليل يدل على إيجاب الحصر أو الصدّ هدياً مستقلا،و إنما المستفاد من الأدلة كتاباً و سنّةً إنما هو ما استيسر من الهدي كما في الأول (3)،أو هديه كما في الثاني كما عرفت،و لا ريب في صدقهما على المسوق مطلقاً في محل البحث،و لعلّه لهذا استدل بالأول في المنتهى على ما اختاره من القول الثاني (4).

و أما الثاني:فلقصوره عن معارضة ما دلّ على القول الثاني و هو الإجزاء مطلقاً،كما عليه الأكثر،بل المشهور على الظاهر،المصرَّح به في كلام جمع (5)،بل ظاهر الغنية الإجماع عليه مطلقاً (6)،و كذا الحلّي إلّا من الصدوق (7)كما حكي عنه.

ص:236


1- كالشهيد الأول في الدروس 1:477،و صاحب الحدائق 16:19.
2- فقه الرضا((عليه السّلام)):229،المستدرك 9:309 أبواب الإحصار و الصد ب 1 ح 3.
3- البقرة:196.
4- المنتهى 2:847.
5- منهم صاحب المدارك 8:291،و صاحب الحدائق 16:22،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:386.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):583.
7- السرائر 1:640.

و هو الأظهر؛ للأصل،و إطلاق الكتاب و السنّة على ما مرّ،و الإجماع المحكي،و ظاهر الصحيح:القارن يحصر و قد قال:و أشترط فحلّني حيث حبستني،قال:« يبعث بهديه» قلت:هل يتمتع من قابل؟قال:« لا،و لكن يدخل في مثل ما خرج منه» (1).

و نحوه الخبر (2)،و ضعف سنده بسهل سهل،و مع ذلك منجبر بالعمل و الموافقة لما مرّ.

فليحمل الرضوي على الاستحباب،مضافاً إلى قصوره في نفسه.

و لكن العمل به أحوط،سيّما مع إمكان التأمل في أكثر أدلة الأكثر بمعارضة الأصل استصحاب بقاء حكم الإحرام،و هو أخصّكما مرّ فليقدم؛ و عدم وضوح نقل الإجماع سيّما من الحلّي؛ و قصور دلالة الصحيح و غيره عن التصريح بسقوط هدي التحلل،و على تقديره فلعلّه لما فيهما من الاشتراط،أي قوله:فحلّني من حيث حبستني،بناءً على المختار من أن فائدته سقوطه كما مرّ.

و نحوهما في قصور الدلالة ما قيل (3)من الصحيح:« خرج الحسين (عليه السّلام)معتمراً و قد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا،فبَرْسمَ (4)فحلق شعر رأسه و نحرها،ثم أقبل فجاء فضرب الباب» (5)لعدم وضوح ظهوره في

ص:237


1- التهذيب 5:/423 1468،الوسائل 13:184 أبواب الإحصار و الصد ب 4 ح 1.
2- الكافي 4:/371 7،الوسائل 13:85!أبواب الإحصار و الصد ب 4 ح 2.
3- كشف اللثام 1:386.
4- البِرسام:ورم حار يعرض للحجاب الذي بين الكبد و الأمعاء.تاج العروس 8:199.
5- الفقيه 2:/305 1515،الوسائل 13:186 أبواب الإحصار الصد ب 6 ح 2.

الاكتفاء بما ساقه؛ مضافاً إلى ما قيل من احتمال أن لا يكون أحرم (1)،فتأمل.

و في الدروس قول بعدم التداخل إن وجب بنذر أو كفارة أو شبههما (2).يعني لا إن وجب بالإشعار أو التقليد.

و لعلّ الفرق لأنه وجب بالإحرام فاتّحد السبب،و لظهر فتاوي الأصحاب ببعث هديه أو ذبحه فيه و فيما يجب للصدّ أو الحصر، لا الواجب بنذر و شبهه.

و البحث في المعتمر إذا صدّ عن مكة أو النسك فيها كالبحث في الحاج إذا صدّ كما مرّ.

و اعلم أنه لم يتقدم في كلامه ما يدل على اختصاص الأحكام المتقدمة بإحرام الحج صريحاً حتى يلحق به إحرام العمرة،إلّا أن مقتضى السياق لعلّه ذلك،و كان الأولى ذكر هذا الحكم عند التعرض لما يتحقق به الصدّ.

المحصور هو الذي يمنعه المرض

و المحصور و هو الذي يمنعه المرض عن مكة أو الموقفين أو نحو ذلك مما مرّ في الصد كما مرّ فهو يبعث هديه للتحلّل لو لم يكن ساق،و لو ساق اقتصر على بعث هدي السياق على المختار من الاكتفاء به عن هدي التحلل،و يأتي على القول الآخر عدم جواز الاقتصار عليه كما مرّ في المصدود.

و ظاهر الأصحاب عدم الفرق في جواز الاقتصار و عدمه بين الصدّ و الإحصار،و صرّح به جمع من الأصحاب (3).

ص:238


1- كشف اللثام 1:386.
2- الدروس 1:477.
3- منهم:الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:387،و صاحب الحدائق 16:23.

إلّا أن ظاهر الماتن هنا و الفاضل في القواعد (1)الفرق،حيث صرّحا بجواز الاقتصار هنا،و أظهرا عدمه في الصدّ،و هو ظاهر الأدلة إن لم نعتبر الأصل الأول و الإطلاقات كتاباً و سنّة،و قلنا باختلاف الأسباب يقتضي تعدّد المسبّبات.

و ذلك الاختصاص ما دلّ على جواز الاقتصار على هدي السياق و عدمه من الأخبار بالإحصار،دون الصدّ،فيرجع فيه إلى مقتضى الأصل من لزوم تعدّد المسبّبات عند تعدّد الأسباب،فيتوجّه الفرق.

إلّا أن شبهة الإجماع المركّب المنقول في عبائر الأصحاب أوجب العدم مطلقاً،سيّما و أن بعض نسخ الكتاب في الصدّ بدل« لا يجزئ»:

« يجزي» كما في نسخ الشرائع (2)،و احتمال انسحاب ذلك في عبارة القواعد؛ فإنها في الصدّ هكذا:و هل يكفي هدى السياق عن هدى التحلل؟ الأقوى ذلك مع ندبه.

و الضمير في« ندبه» كما يحتمل الرجوع إلى هدي السياق،و يكون مفادها حينئذ التفصيل بين السياق المندوب فيجزئ،و الواجب فلا يجزئ.

كذا يحتمل رجوعه إلى هدي التحلّل،و يكون مفادها حينئذ الاكتفاء بهدي السياق عن هدي التحلّل مطلقاً و لو كان هدي السياق واجباً،و يكون استحباب هدي التحلّل من باب الاحتياط كما قدّمناه،خروجاً عن شبهة الخلاف،فينوي التحلّل عند ذبح كل من الهديين.و حكى عن الإيضاح نقل هذا الاحتمال عن والده (3).

ص:239


1- القواعد 1:92 93.
2- الشرائع 1:280.
3- إيضاح الفوائد 1:322.

و على هذا فيكون مختار الفاضلين في الكتابين جواز الاقتصار في المقامين،فارتفع القائل بالفرق في البين.

و كيف كان فالظاهر هنا الاكتفاء بهدي السياق.

و لا يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه،و هو منى إن كان حاجّاً،و مكة إن كان معتمراً على اختلاف فيه بين الأصحاب،بعد اتّفاقهم كغيرهم على وجوب الهدي هنا للتحلّل و إن اختلفوا فيه في المصدود.

و ما في المتن من عدم جواز التحلّل إلّا ببلوغ الهدي محلّه مطلقاً هو الأظهر الأشهر بين الأصحاب،بل ظاهر الغنية الإجماع عليه (1)؛ للأصل، و ظاهر الآية وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [1] (2)و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

ففي الصحيحين:القارن يحصر و قد قال:و أشترط فحلّني حيث حبستني،قال:« يبعث بهديه» (3).

و في الموثق:عن رجل أُحصر في الحج،قال:« فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه،و محلّه أن يبلغ الهدي محلّه،و محلّه منى يوم النحر إذا كان في الحج،و إن كان بعمرة نحر بمكة» الخبر (4).

خلافاً للمحكي عن ظاهر المفيد و الديلمي (5)،ففصّلاً بين الإحرام

ص:240


1- الغنية(الجوامع الفقهية):583.
2- البقرة:196.
3- التهذيب 5:/423 1468،الوسائل 13:184 أبواب الإحصار و الصد ب 4 ح 1.
4- التهذيب 5:/423 1470،الوسائل 13:182 أبواب الإحصار و الصد ب 2 ح 2.
5- المفيد في المقنعة:446،الديلمي في المراسم:118.

بالحج الواجب فكالأول،و التطوع فيذبح في محل الحصر كالصد.

و للإسكافي،فخيّر مطلقاً بين البعث و الذبح محلّ الحصر،و جعل الأول أولى (1).

و للمقنع،فالمحصر و المضطر ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطران فيه (2).

و لعلّ مستندهم الصحيح:« إنّ الحسين بن علي(عليهما السّلام)خرج معتمراً فمرض في الطريق،فبلغ علّياً(عليه السّلام)و هو بالمدينة،فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا و هو مريض،فقال:يا بنيّ ما تشتكي؟قال:أشتكي رأسي،فدعا عليّ(عليه السّلام)ببدنه فنحرها و حلق رأسه و ردّه إلى المدينة» (3).

و نحوه آخر مرّ في بحث إجزاء هدي السياق عن هدي التحلل في الصدّ (4).

و ظاهرهما الضرورة،و يحتملها عبارة المقنع المتقدمة.

و يحتملان التطوع،كما مرّ عن ظاهر المفيد و سلّار،و أن لا يكون الحسين(عليه السّلام)أحرم كما مرّ،و إنما نحرها هو أو أبوه تطوعاً و خصوصاً إذا كان قد ساق.

و يؤيده الصحيح:عن رجل أُحصر فبعث الهدي،قال:« يواعد أصحابه ميعاداً،إن كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر،فإذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه و لا يجب عليه الحلق حتى يقضي المناسك،و إن

ص:241


1- نقله عنه في المختلف:317.
2- المقنع:76.
3- المقنع:76.
4- راجع ص:3333 الرقم(4).

كان في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكة و الساعة التي يعدهم فيها، فإذا كانت تلك الساعة قصّر و أحلّ؛ و إن كان مرض في الطريق بعد ما يخرج فأراد الرجوع رجع إلى أهله و نحر بدنة أو أقام مكانه حتى يبرأ إذا كان في عمرة،و إذا برئ فعليه العمرة واجبة،و إن كان عليه الحج رجع أو أقام ففاته الحج فإن عليه الحج من قابل،فإنّ الحسين بن علي(عليه السّلام)خرج معتمراً» إلى آخر ما مرّ في الصحيح الأول.

كذا في الكافي،و إن كان في التهذيب مكان« بعد ما يخرج»:« بعد ما أحرم» (1)و السياق يؤيد الأول و إن ظنّ عكسه كما قيل (2)قيل:و حينئذ فالسقيا هي البئر التي كان النبي(عليه السّلام)يستعذب ماءها فيستقى له منها،و اسم أرضها الفلجان،لا السقيا التي يقال بينها و بين المدينة يومان.

و للجعفي فيذبح مكانه مطلقاً ما لم يكن ساق (3)،و هو خلاف ما فعله الحسين(عليه السّلام)على ما تشهد به الصحيحة الثانية إن كان أحرم.

نعم له الصحيح:في المحصور و لم يسق الهدي،قال:« ينسك و يرجع» (4).

إلّا أنّ في بلوغه قوة المعارضة لأدلة الأكثر نظراً سيّما مع عدم صراحته في الذبح محل الحصر،و احتماله الحمل على ما يوافق الأكثر و إن بعد.

و كيف كان،فلا ريب أن ما اختاروه أولى و أحوط إن لم نقل بكونه

ص:242


1- لا يخفى أن النسخة الموجودة من الكافي بأيدينا مطابق لما في التهذيب،ففي كليهما:« بعد ما أحرم».
2- انظر منتقى الجمان 3:448.
3- كما نقله عنه في الدروس 1:477.
4- الكافي 4:/370 5،الوسائل 13:187 أبواب الإحصار و الصد ب 7 ح 2.

أقوى و أظهر.

و قال الشهيد:و ربما قيل بجواز النحر مكانه إذا أضرّ به التأخير،و هو في موضع المنع؛ لجواز التعجيل مع البعث (1).يعني تعجيل الإحلال قبل بلوغ الهدي محلّه فإنما فيه مخالفة واحدة لأصل الشرع،و هو الحلق قبل بلوغه محلّه مع ما مرّ من جواز ذلك في منى،بخلاف ما إذا نحره مكانه ففيه مع ذلك مخالفة بأنه لم يبلغ الهدي محلّه أصلاً.انتهى.

و إذا بلغ ميعاد بلوغ الهدي محلّه فهناك أي في ذلك الوقت الذي واعد أصحابه للذبح أو النحر في المكان المعيّن كما مرّ في الصحيح الأخير و الموثق يقصّر كما في الأول و الخبر المتقدم في الصد (2).

و يحلّ من كل شيء أحرم منه إلّا من النساء بالنص (3)و الإجماع على كل من المستثنى منه و المستثنى.

قيل:و من العامة من لا يرى الإحلال إلّا بأن يأتي بالأفعال،و إن فاته الحج تحلّل بالعمرة،و منهم من يرى الإحلال من النساء أيضاً (4).

و في الدروس:و لو أُحصر في عمرة التمتع فالظاهر حلّ النساء له؛ إذ لا طواف لأجل النساء فيها (5).

قيل:و هو حسن (6)؛ للصحيح:عن محرم انكسرت ساقه أيّ شيء يكون حاله،و أيّ شيء عليه؟قال:« هو حلال من كل شيء» قلت:من

ص:243


1- الدروس 1:477.
2- راجع ص 3321.
3- انظر الوسائل 13:177 أبواب الإحصار و الصد ب 1.
4- كشف اللثام 1:389.
5- الدروس 1:476.
6- كشف اللثام 1:389.

النساء و الثياب و الطيب؟فقال:« نعم من جميع ما يحرم على المحرم» الحديث (1).

و فيه نظر؛ إذ ليس فيه تصريح بالعمرة المتمتع بها،بل هو مطلق شامل للعمرة المفردة و الحج بأقسامه،و لا قائل به حينئذ،و إخراج ما عدا العمرة المتمتع بها بالإجماع و إن أمكن جمعاً،إلّا أن الجمع غير منحصر فيه.

فيحتمل الحمل على التقية،لكون جواز الإحلال مطلقاً حتى من النساء مذهب بعض العامة كما عرفته،و يؤيده كون الإمام(عليه السّلام)المروي عنه الرواية ممن كانت التقية في زمانه في غاية الشدة.أو على ما إذا استنيب و طيف عنه،كما ذكره بعض المحدّثين (2).

و مع ذلك فهو معارض بالصحيح المجمع عليه،الوارد في قضية الحسين(عليه السّلام)،و فيه بعد نقلها:فقلت:أ رأيت حين برئ من وجعه حلّ له النساء؟قال:« لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة» فقلت:فما بال النبي(صلّى اللّه عليه و آله)حين رجع إلى المدينة حلّ له النساء و لم يطف بالبيت؟فقال:« ليس هذا مثل هذا،النبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان مصدوداً و الحسين(عليه السّلام)كان محصوراً» (3).

و هو كما ترى أيضاً مطلق ليس فيه تقييد بما عدا عمرة التمتع فيشملها أيضاً،كما صرّح به جماعة،و منهم المحقق الثاني و شيخنا الشهيد

ص:244


1- الكافي 4:/369 2،التهذيب 5:/464 1622،الوسائل 13:179 أبواب الإحصار و الصد ب 1 ح 4.
2- الوسائل 13:180.
3- الكافي 4:/369 3،التهذيب 5:/421 1465،الوسائل 13:178 أبواب الإحصار و الصد ب 1 ح 3.

الثاني (1)،معترضين به على ما في الدروس بعد نقله و ميلهما إليه أوّلاً، فاستدركاه بإطلاقه،و هو في محلّه.

و يعضده استصحاب بقاء الإحرام بالإضافة إلى النساء على حاله إلى أن يتحقق المخرج عنه،و ليس إلّا ما مرّ،و ضعفه قد ظهر.

و كذا التعليل في الدروس بقوله:إذ لا طواف لأجل النساء فيها (2).

فإنه إنما يتمّ لو علّق الإحلال منهم على طوافهن،و ليس،إذ ليس فيما وصل إلينا من الروايات تعرّض لذكر طواف النساء،و إنما المستفاد من الصحيح المتقدم توقف حلّهن على الطواف و السعي،و هو متناول للحج بأقسامه و العمرتين.

و نحوه الرضوي،لكن فيه:« لا يقرب النساء حتى يحجّ من قابل» (3).

لكن ربما يقال:إن سياق الصحيح لعلّه يشعر باختصاص مورده بغير العمرة المتمتع بها،كما لا يخفى،فلا إطلاق فيه لها،إلّا أن هذا غير كاف في إخراجها؛ إذ غايته نفي الإطلاق،و حينئذ فينبغي الرجوع فيما لم يشمله إلى مقتضى الأُصول،و هو هنا البقاء على الإحرام بالإضافة إليهن حتى يثبت المحلّل،و ليس إلّا الطواف،لانعقاد الإجماع على الإحلال به منهنّ دون غيره.

و بالجملة:فالأظهر مساواة العمرة المتمتع مع غيرها في أنه لا يحل بالحصر من النساء حتى يحجّ في القابل إن كان أي الحج المحصَر عنه

ص:245


1- جامع المقاصد 3:296،المسالك 1:131.
2- الدروس 1:476.
3- فقه الرضا(عليه السّلام):229،المستدرك 9:309 أبواب الإحصار و الصد ب 1 ح 3.

واجباً مستقراً في ذمته أو يطاف عنه للنساء إن كان ندباً لما مضى.

لكن الصحيح و الرضوي لا يفيدان هذا التفصيل و إن كان مشهوراً حتى عزاه في المنتهى إلى علمائنا (1)،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،بل إطلاقهما يشمل الندب أيضاً،فلا يتحلل فيه أيضاً عن النساء إلّا بأن يطوف بالبيت.

لكن الإجماع المنقول،المعتضد بالشهرة العظيمة،بل عدم ظهور مخالف معتدّ به في المسألة،و بأن الحج المندوب لا يجب العود لاستدراكه،و البقاء على تحريم النساء ضرر عظيم،فالاكتفاء في الحلّ بالاستنابة لعلّه كاف،لا سيّما مع ضعف دلالة نحو هذا الحديث،لوروده لبيان حكم آخر،كما لا يخفى على من تدبّره.

و ظاهر المتن في الواجب إطلاق توقف حلّهن على قضائه في القابل و لو مع العجز عنه،و عدم كفاية الاستنابة مطلقاً،كما هو مقتضى الأصل، و نحوه الصحيح المتقدم،و حكي عن ظاهر النهاية و المبسوط و المهذّب و الوسيلة و المراسم و الإصباح و الفاضلين في جملة من كتبهما (2)،لكن لم يحك عنهم التعميم إلى صورة العجز،بل في القواعد التصريح بالاكتفاء بالطواف عنه لهنّ إذا عجز (3)،و نسب في الدروس إلى القبل (4)،و لعلّ دليله الحرج أو لزم العمل بإطلاق ما مرّ من الصحيح،فيخصّ بعموم ما دلّ على نفيه في الدين.

و إنما لزم الاستنابة اقتصاراً في مخالفة الإطلاق على قدر ما يندفع به

ص:246


1- المنتهى 2:850.
2- النهاية:281،المبسوط 1:335،المهذب 1:270،الوسيلة:193،المراسم:118؛ و انظر الشرائع 1:282،و التبصرة:78،و التحرير 1:123.
3- القواعد 1:93.
4- الدروس 1:476.

الضرورة،مضافاً إلى عدم قائل بالإحلال مع العجز من غير استنابة،هذا.

و عن الخلاف و الغنية و التحرير (1):لا يحللن للمحصور حتى يطوف لهنّ في القابل،أو يطاف عنه،من غير تفصيل بين الواجب و غيره.

و عن الجامع:إذا استناب المريض لطواف النساء و فعل النائب حلّت له النساء (2).و لم يقيد بالقابل.

قيل:و كذا في السرائر:أنهن لا يحللن له حتى يحجّ في القابل،أو يأمر من يطوف عنه للنساء.و هذا أظهر في الاعتبار،و الأول أحوط.

و في الكافي:لا يحللن له حتى يحجّ أو يحجّ عنه.و يجوز أن يريد أن يطاف عنه (3).انتهى.

و فيما ذكره من أظهرية ما ذكره من الأقوال للاعتبار محل إشكال،بل غاية الاعتبار ما مرّ من التفصيل بين الاختيار فقضاؤه المناسك بنفسه من قابل،و الاضطرار فجواز الاستنابة،لا جوازها على الإطلاق.

و اعلم أن ما نقل عن الخلاف و من بعده من عدم التفصيل بين الواجب و غيره يدافع دعوى الإجماع الظاهرة من المنتهى على التفصيل بينهما بما في العبارة،مضافاً إلى عدم صراحة لفظه فيها،فيتوجه حينئذ القول بإطلاق الصحيح و تاليه في الحكم باتحاد الواجب و الندب في عدم جواز الاستنابة و لزوم الطواف و السعي من قابل.

لكن الظاهر عدم قائل به؛ فإنّ الأصحاب ما بين مفصِّل بين الواجب و غيره بما مرّ،و فيه جواز الاستنابة في الندب؛ و مطلِقٍ لجوازها فيه و في

ص:247


1- الخلاف 2:428،الغنية(الجوامع الفقهية):583،التحرير 1:123.
2- الجامع للشرائع:223.
3- كشف اللثام 1:389.

الفرض،كما مرّ عن الخلاف و غيره؛ و قائلٍ بالتحلل في الندب من غير توقف على شيء حتى الاستنابة،كما عن المفيد و غيره (1)،و لهما المرسل في المقنعة:« المحصور بالمرض إن كان ساق هدياً أقام على إحرامه حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [1] ثم يحلّ،و لا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل،هذا إذا كان حجة الإسلام،فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه و قد أحلّ ممّا أحرم عنه،فإن شاء حجّ من قابل و إن شاء لا يجب عليه الحج» الخبر (2).

فالقول في الندب بمساواته مع الواجب في عدم الإحلال من النساء إلّا بأداء المناسك خلاف ما اتّفقت عليه الأقوال،و المتّجه منها بحسب الاحتياط الواجب في نحو المقام بحكم الاستصحاب هو قول المشهور.

و قول المفيد مع ضعف سنده،و احتمال كون محل البحث من المرسل من عبارته نادر،كقول الخلاف و من بعده من جواز الاستنابة في الواجب مطلقاً،فإنه نادر أيضاً،مع عدم صراحة عبارتهم في التخيير، لاحتمالها التنويع،و يكون الشق الأول من فرديه في الواجب،دون الثاني، لاختصاصه بالندب،و لا بُعد فيه،و مع ذلك فلا مستند له حتى يخرج به عن مقتضى و إطلاق نحو الصحيح المتقدم،المعتضد جميع ذلك بالشهرة و الإجماع المنقول الظاهر من المنتهى (3)،كما مضى.

و لو بان أن هديه لم يذبح سواء بعثه أو بعث ثمنه لم يبطل تحلّله بمعنى عدم ترتب ضرر عليه من كفارة و غيرها بارتكاب ما يلزم

ص:248


1- المفيد في المقنعة:446؛ و انظر المراسم:118.
2- المقنعة:446،الوسائل 13:180 أبواب الإحصار و الصد ب 1 ح 6.
3- المنتهى 2:851.

المحرم اجتنابه، و لكن يبعثه ل يذبح له في القابل بلا خلاف في شيء من ذلك و لا إشكال.

للصحيح:« فإن ردّوا الدراهم عليه و لم يجدوا هدياً ينحرونه و قد أحلّ لم يكن عليه شيء،و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضاً» (1).

و للموثق:إن ردّوا عليه دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد أحلّ فأتى النساء؟قال:« فليعد و ليس عليه شيء،و ليمسك الآن عن النساء إذا بعث» (2).

و في آخر:« و إن اختلفوا في الميعاد فلا يضره إن شاء اللّه تعالى» (3).

و هل يجب أن يمسك عمّا يجب على المحرم الإمساك عنه إلى يوم الوعد،كما هو ظاهر الأمر في الخبرين،و المشهور كما في المسالك و الروضة و غيرهما (4).

الوجه عند الماتن و الفاضل في المختلف و المقداد في شرح الكتاب و غيرهما من المتأخرين وفاقاً للسرائر (5)أنه لا يجب؛ للأصل، لأنه ليس بمحرم و لا في الحرم،فلا وجه لوجوب الإمساك عنه و إن ورد به الخبران،إمّا لكونهما من الآحاد،فلا يقوّيان حجة عند الحلّي لتخصيص

ص:249


1- الكافي 4:/369 3،التهذيب 5:/421 1465،الوسائل 13:181 أبواب الإحصار و الصد ب 2 ح 1.
2- الكافي 4:/371 9،الوسائل 13:180 أبواب الإحصار و الصد ب 1 ح 5.
3- التهذيب 5:/423 1470،المقنع:77،الوسائل 13:182 أبواب الإحصار و الصد ب 2 ح 2.
4- المسالك 1:131،الروضة 2:370؛ و انظر الحدائق 16:50.
5- المختلف:317،التنقيح الرائع 1:529،السرائر 1:639؛ و انظر المفاتيح 1:386.

الأصل،أو لعدم صراحتهما،لاحتمالهما الحمل على الاستحباب،كما نزلهما عليه من عداه.

و الأول لعلّه أظهر؛ لما مرّ من الخبرين،بناءً على المختار من حجية أخبار الآحاد،و أولوية تخصيص الأصل من حمل الأمر على الاستحباب، لصراحته في الوجوب بالإضافة إلى الأصل.

هذا على تقدير تسليم جريان الأصل هنا،كما هو ظاهر أكثر الأصحاب،و إلّا فالظاهر أن الأصل بالعكس،و ذلك لأن مفاد الآية أنه يشترط في التحلل بلوغ الهدي محلّه في نفس الأمر،فلو تحلّل و لم يبلغ كان باطلاً،و لا يستفاد من الخبرين المتقدمين و غيرهما سوى أنه لو تحلّل يوم الوعد و لم يبلغ لم يكن عليه ضرر،و الظاهر أن المراد به الإثم و الكفارة،و لا ريب فيه،لوقوع التحلل بإذن الشرع،فلا معنى لأن يتعقبه ضرر،و انتفاء الضرر لا يستلزم حصول التحلل في أصل الشرع و لو مع الانكشاف؛ و لعلّ هذا هو الوجه في الأمر في الخبرين بالإمساك.

و لازم هذا التحقيق كون هذا لرجل محرماً و إن اعتقد لجهله بالحال كونه محلّاً،و بهذا يتوجه المنع إلى قوله في تصحيح الأصل بأنه ليس بمحرم،فإنه في حيّز المنع،إذ لا دليل عليه لا من نصّ و لا من إجماع، لوقوع الخلاف،و تصريح بعض المتأخرين بكونه محرماً،و أنّ وقت الإمساك إنّما هو حين الانكشاف (1)،كما هو مقتضى هذا التحقيق،و لم يصرّح من القائلين بوجوب الإمساك بخلافه؛ لسكوتهم عن بيان وقت الإمساك و احتمال إرادتهم به ما ذكرناه كالأخبار.

ص:250


1- مجمع الفائدة 7:418.

و دعوى جماعة عدم الخلاف في صحة الإحلال أو عدم بطلانه (1)غير ظاهرة في إرادتهم عدم البطلان في نفس الأمر و أنه مُحلّ الآن و واقعاً؛ لقوة احتمال إرادتهم ما ذكرناه في تفسير المتن،و لا ريب أن عدم البطلان بذلك المعنى ممّا لا خلاف فيه و لا شبهة تعتريه كما قدّمناه.

لا يقال:إن قوله(عليه السّلام)في الموثق الأخير:« و إن اختلفوا في الميعاد فلا يضره» ينفي الضرر على العموم من غير تقييد بوجوب الإمساك،و لا ريب أن وجوبه ضرر.

لأنا نقول:الظاهر أن المراد أن الخلف لا يوجب عليه فيما فعله ممّا يجتنبه المحرم،لا أنه لا يجب عليه الإمساك،فإنّ وجوب الإمساك لم ينشأ من خلف الوعد و إنما نشأ من الإحرام السابق،نعم لما كان في مكمن الخفاء فبتبيّن الخلف تبيّن البقاء،فوجوب الإمساك إنما نشأ منه لا من الخلف،إذ لا وجه لتوهم إيجابه بنفسه الإمساك و الضرر من جهته حتى يدفع بنفي الوجوب الذي هو ضرر من جهته.

و لو سلّم عموم الضرر المنفي له،نقول:إنه مخصَّص بالأمر السابق، و هو أولى من حمله على الاستحباب.

نعم يمكن أن يقال:إن ظاهر الموثق الأول الأول كون وقت الإمساك حين البعث لا حين الانكشاف،فلو بعثه بعدَ حينٍ لم يجب عليه الإمساك قبل البعث و لو بعد الانكشاف،و هذا ظاهر في تحقق الإحلال في الواقع، و أن الأمر بالإمساك ليس للإحرام السابق،و هذا المفهوم معتبر في الأصل مع اعتضاده هنا بالأصل و ظاهر الأكثر.

ص:251


1- منهم:صاحب المدارك 8:306،و السبزواري في الذخيرة:703،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:389.

و كيف كان:فالأظهر وجوب الإمساك،و الأحوط وقوعه حين الانكشاف و إن احتمل قوياً الاكتفاء به حين البعث.

و لو أُحصر أو صدّ الحاج أو المعتمر فبعث به أي بهديه ثم زال العارض من المرض أو العدو التحق بأصحابه في العمرة مطلقاً،و في الحج إذا لم يفت بلا خلاف،لزوال العذر،و انحصار جهة الإحلال في الإتيان بالمناسك،و للصحيح:« إذا أُحصر بعث بهديه،فإذا أفاق و وجد من نفسه خفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس،فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك و ينحر هديه و لا شيء عليه،و إن قدم مكة و قد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل أو العمرة» قلت:فإن مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة؟ قال:« يحج عنه إن كانت حجة الإسلام و يعتمر إنما هو شيء عليه» (1).

و نحوه غيره في المصدود (2).

و حيث التحق فإن كان حاجّاً و أدرك الموفقين على وجه يجزئ صحّ حجّه إجماعاً.

و إن فاتاه معاً أو أحدهما مع عدم إجزاء الآخر تحلّل بعمرة.

و يقضي الحج إن كان واجباً،و إلّا يقضي ندباً بلا خلاف و لا إشكال إلّا في إطلاق وجوب التحلل بعمرة و عمومه لما إذا تبيّن وقوع الذبح عنه و عدمه،فقد احتمل الشهيدان و غيرهما (3)في

ص:252


1- الكافي 4:/370 4،التهذيب 5:/422 1466،الوسائل 13:183 أبواب الإحصار و الصد ب 3 ح 1.
2- الكافي 4:/371 8،التهذيب 5:/465 1623،الوسائل 13:183 أبواب الإحصار و الصد ب 3 ح 2.
3- الشهيد الأول في الدروس 1:478،الشهيد الثاني في المسالك 1:131؛ و انظر المدارك 8:307.

الأول العدم،لحصول التحلل به.

و مرجع الإشكال إلى تعارض عموم أدلة وجوب التحلل بالعمرة لمن فاته الحج،و أدلّة حصول التحلل ببلوغ الهدي محلّه.و لكن ظاهر الأصحاب حتى الشهيدين ترجيح الأول،و لا ريب أنه أحوط إن لم لم نقل بأنه أظهر؛ للأصل،و عدم وضوح عموم فيما دلّ على التحلل ببلوغ الهدي محلّه بحيث يشمل محل الفرض،إذ غايته الإطلاق المنصرف بحكم التبادر الى غيره،هذا.

و ربما يستدل له بالصحيح المتقدم قريباً،بناءً على أن في بعض النسخ بعد قوله:« فإن عليه الحج من قابل» بدل قوله« أو العمرة» بأو « و العمرة» بالواو،و أن الظاهر أن المراد بهذه العمرة المأمور بها مع الحج إنما هو عمرة التحلل.

و فيه نظر،مضافاً إلى اختلاف النسخ،مع عدم دليل على تعيّن الأخيرة،و لعلّه لذا لم يستدل به الأكثر مع أنه بمرأى منهم و منظر.

هذا حكم الحاجّ إذا تحلّل.

و أما المعتمر إذا تحلّل ف يقضي عمرته عند زوال المانع من الأمرين مطلقاً و لو في الشهر الذي اعتمر فيه أوّلاً فتحلّل منها.

و قيل: إنما يقضيها في الشهر الداخل و القائل الشيخ و غيره (1)،بل الأكثر كما في عبائر جمع (2).

و ظاهر الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم أن الخلاف هنا كالخلاف في أصل المسألة في الزمان الذي يجب كونه بين العمرتين.

ص:253


1- الشيخ في النهاية:282،و القاضي في المهذب 1:271.
2- منهم ابن فهد الحلّي في المهذب 2:232.

و فيه نظر؛ لعدم تحقق العمرة،لتحلّله منها،فلا يعتبر في جواز الثانية تخلّل الزمان المعتمر بين العمرتين،إلّا أن يقال باعتبار مضي الزمان بين الإحرامين،و لكن لا دليل عليه.

و لعلّه لذا أطلق الماتن هنا وجوب قضائها عند زوال المانع،مع أنه اشترط في بحث العمرة مضي الشهر بين العمرتين.

و عكس الحلّي فوافق الشيخ هنا (1)،و المرتضى ثمة (2)،و لذا تعجّب منه بعض الأصحاب (3)،و هو في محلّه،و منه يظهر ما في البناء بحسب القول أيضاً (4).

ثم إنه انما يجب قضاء العمرة مع استقرار وجوبها قبل ذلك كالحج، و إلّا فيستحب،كما هو واضح.

و اعلم أن مقتضى إطلاق ما مرّ من الصحاح و غيرها بقضاء الحج الذي تحلّل منه بالهدي قضاؤه بما شاء،حتى لو كان قارناً و تحلّل جاز له أن يقضي تمتعاً مثلاً،كما عليه الحلّي مطلقاً كما في نقل (5)،أو على تفصيل المتن كما في آخر (6).

و قيل:لو أُحصر القارن حج في القابل قارناً أيضاً وجوباً مطلقاً؛ للصحيحين (7)و غيرهما (8)في القارن إذا أُحصر و تحلّل هل يتمتع من

ص:254


1- السرائر 1:640.
2- السرائر 1:540.
3- التنقيح الرائع 1:529.
4- أي:كما ظهر فساده بحسب الدليل.(منه(رحمه اللّه)).
5- نقله عنه في كشف اللثام 1:389؛ و انظر السرائر 1:641.
6- انظر المدارك 8:308.
7- التهذيب 5:/423 1468،الوسائل 13:184 أبواب الإحصار و الصد ب 4 ح 1.
8- الكافي 4:/371 7،الوسائل 13:185 أبواب الإحصار و الصد ب 4 ح 2.

قابل؟قال:« لا و لكن يدخل في مثل ما خرج منه» .و القائل:الشيخ و ابن حمزة (1)،بل الأكثر كما في كلام جماعة (2)،بل المشهور كما قيل (3)،أخذاً بظاهر الأمر فإنه حقيقة في الوجوب،و الإطلاق، لعدم إشعار في الأخبار بورودها في الواجب،و هو خيرة الماتن في الشرائع (4).

و لكنه رجع عنه هنا فقال: و هو أي اعتبار المماثلة في المقضي و الأمر به في الأخبار محمول على الأفضل و الاستحباب إلّا أن يكون القرآن الذي خرج منه متعيناً في حقه بوجه من الوجوه كالنذر و شبهه،و تبعه الفاضل في جملة من كتبه (5)،و كثير من المتأخرين (6).

و لا شبهة و لا إشكال في صورة التعيّن و لزوم اعتبار المماثلة فيها؛ لتوافق الأُصول و النصوص فيها،بل و الفتاوي أيضاً،إذ لم ينقل القول بعدم اعتبار المماثلة و جواز القضاء بما شاء مطلقاً إلّا من الحلّي،و هو مع ندرته محمول إطلاق كلامه المحكي على غير المتعين،لغاية بُعد صدور مثل هذا الإطلاق مع مخالفته للأُصول الشرعية من مثله،و لعلّه لهذا نزّله كثير على ما في المتن من التفصيل.

و يشكل الحكم في الصورة الأُخرى؛ لمخالفته إطلاق النصوص

ص:255


1- الشيخ في النهاية:283،ابن حمزة في الوسيلة:193.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:132،و صاحب المدارك 8:308.
3- الحدائق 16:58.
4- الشرائع 1:282.
5- كالمنتهى 2:851،و المختلف:318.
6- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:300،و صاحب المدارك 8:308،و صاحب الحدائق 16:58.

المتقدمة،المعتضدة بالشهرة المحكية في كلام جماعة،السليمة عما يصلح للمعارضة سوى الإطلاق المتقدم إليه الإشارة،و لا ريب أن هذه النصوص أظهر دلالةً منه،فلينزّل عليها.

و لا دليل لصرفها عن ظاهرها بالحمل على الاستحباب أو التقييد بالصورة الأُولى،عدا ما في المنتهى من أن الحج إذا لم يكن قضاؤه واجباً فعدم وجوب الكيفية أولى (1).

و غايته نفي الوجوب النفسي،و هو لا يلزم نفي الوجوب الشرطي التقييدي،بمعنى أنه لا يجب عليه القضاء،و لكن إن قضى فليقضه مماثلاً، و هذا الوجوب أقرب إلى الحقيقة من الاستحباب و التقييد السابقين،فتأمل.

و كيف كان فالقول المزبور إن لم نقل بكونه أظهر فلا ريب أنه أحوط؛ تحصيلاً للبراءة اليقينية،و خروجاً عن الشبهة.

ثم إن مفروض المتن و أكثر الجماعة،بل نصوص المسألة أيضاً هو خصوص من حج قارناً،دون غيره،إلّا أن بعض الأصحاب عمّم و جعل فرض المسألة بين القوم أعم (2)،فإن تمّ الإجماع على ذلك،و إلّا فينبغي القطع بالرجوع إلى تفصيل المتن في غير القارن،لسلامة الأُصول فيه عن المعارض،بناءً على اختصاص مورد النصوص و الفتاوي الموجبة للتماثل بالقارن،و لا موجب للتعدية كما هو الفرض،و ذلك واضح بحمد اللّه سبحانه.

و اعلم أنه روي في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة استحباب بعث هدي من أيّ أُفق من الآفاق كان

ص:256


1- المنتهى 1:851.
2- انظر كشف اللثام 1:389.

و المواعدة مع المبعوث معه لإشعاره و تقليده،و اجتناب ما يجتنبه المحرم وقت المواعدة حتى يبلغ الهدي محلّه و أنه لا يلبّي أظهرها دلالةً على ذلك الصحيح:« إنّ علياً(عليه السّلام)و ابن عباس كانا يبعثان هديهما من المدينة ثم يتجرّدان،[و]إن بعثا بهما من أُفق من الآفاق واعدا أصحابهما بتقليدهما و إشعارهما يوماً معلوماً،ثم يمسكان يومئذ إلى يوم النحر عن كل ما يمسك عنه المحرم،و يجتنبان كلّ ما يجتنب المحرم، إلّا أنه لا يلبّي إلّا من كان حاجّاً أو معتمراً» (1).

و قريب منه آخر:عن الرجل يرسل بالهدي تطوعاً،قال:« يواعد أصحابه يوماً يقلّدون فيه،فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم،فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه،فإنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)حيث صدّه المشركون يوم الحديبية نحر بدنة و رجع إلى المدينة» (2).

لكنه كباقي الأخبار يحتمل الاختصاص بالمصدود و المحصور، لمكان التعليل فيه و إن بَعُد بالإضافة إلى قوله في الصدر:تطوعاً،لقبوله التنزيل على ما يوافق التعليل و يلائمه من الاختصاص بالمصدود،و لا كلام في الحكم فيه و لا في المحصور.

لكن ظاهر متأخري الأصحاب الاتفاق على عمومها للمسألة،بل اختصاصها بها،حيث استدلوا بها للحكم فيها،مدّعين اشتهارها بين الأصحاب،رادّين بذلك على الحلّي حيث أنكر الحكم في المسألة بعد أن

ص:257


1- التهذيب 5:/424 1473،الوسائل 13:191 أبواب الإحصار و الصد ب 9 ح 3.
2- الفقيه 2:/306 1517،التهذيب 5:/424 1472،الوسائل 13:191 أبواب الإحصار و الصد ب 9 ح 5.

نقله عن الشيخ في النهاية،قائلاً بأنها أخبار آحاد لا يلتفت إليها و لا يعرج عليها،و هذه أُمور شرعية يحتاج مثبتها و مدّعيها إلى أدلة شرعية،و لا دلالة من كتاب،و لا سنّة مقطوع بها،و لا إجماع،فأصحابنا لا يوردون هذا في كتبهم،و لا يودعونه في تصانيفهم،و إنما أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي في كتابه النهاية إيراداً،لا اعتقاداً،لأن الكتاب المذكور كتاب خبر،لا كتاب بحث و نظر،كثيراً ما يورد فيه أشياء غير معمول عليها،و الأصل براءة الذمة من التكاليف الشرعية (1).

و أول من ردّه الفاضل في المختلف،فقال بعد نقل هذه الأخبار:

و هذه الأخبار ظاهرة مشهورة صحيحة السند عمل بها أكثر العلماء،فكيف يجعل ذلك شاذاً من غير دليل،و هل هذا إلّا جهل منه بمواقع الأدلة و مدارك أحكام الشرع (2).

و تبعه في ذلك جماعة من المتأخرين (3)،معربين عن الأكثر بأنهم الكليني و الصدوق و القاضي و الشيخ في المبسوط.و هو حسن،إلّا أن تعداد الكليني و الصدوق منهم مبني على ظهور الأخبار عدا الصحيح الأول عندهما في محل البحث،و هو محلّ نظر،و لم يرويا الصحيح الأول الذي هو ظاهر فيه،و روايتهما للأخبار غير معلوم فهمهما منها ما يتعلق بالبحث،فلعلّهما فهما منها ما يختص ببحث الصدّ و الحصر كما مرّ.

و وافقنا على التأمل في دلالة ما عدا الأول على الحكم في محل

ص:258


1- السرائر 1:642.
2- المختلف:319.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:132،و صاحب المدارك 8:310،و صاحب الحدائق 16:62.

البحث بعض فضلاء المتأخرين،فقال بعد نقل القول بكون الاجتناب عما يجتنبه المحرم على الوجوب،كما هو ظاهر الشيخ و القاضي،للأمر به في الخبر المتقدم،مع التصريح بتحريمه عليه كما يحرم على المحرم في الصحيح الآخر و قريب منه في السند ما لفظه:و ربما ينازع فيه؛ لعدم وضوح العموم في الروايتين بالنسبة إلى التطوع (1).انتهى.

و هو حسن،إلا أنه يكفي في الوجوب تضمن الصحيح الأول الذي هو نصّ في محل البحث اجتناب عليّ(عليه السّلام)ما يجتنبه المحرم،و هو و إن لم يفد بنفسه الوجوب بالنسبة إلينا،بناءً على عدم وجوب التأسي من أصله، إلّا أن بعد انضمام الأصل من توقيفية العبادة و لزوم الاقتصار فيها على ما ورد به الشريعة يقتضي ذلك،لأن المعهود و المأثور في الصحيحة من فعل عليّ(عليه السّلام)هذه العبادة إنما هو على الكيفية المزبورة المتضمنة لاجتنابه فيها ما يجتنبه المحرم بالكلية.

لكن مفاد هذا التحقيق الوجوب الشرطي،بمعنى أن هذه العبادة لا تؤدّى إلّا بالكيفية المزبورة،لا الشرعي الذي يترتب عليه الكفارة.

و من هنا يظهر وجه النظر فيما يحكى عن ظاهر الشيخ و القاضي في لزوم الكفارة لو فعل ما يحرم على المحرم (2)،و تبعهما الفاضلان هنا و في الشرائع و القواعد (3).

لكن قالا: يكفّر لو أتى بما يكفّر له المحرم استحباباً و لا بأس بقولهما.

ص:259


1- الذخيرة:704.
2- الشيخ في النهاية:283،القاضي في المهذب 1:271.
3- الشرائع 1:282،القواعد 1:93.

لا لما قيل من الصحيح (1):إن أبا مراد بعث بدنة و أمر الذي بعثها معه أن يقلّد و يشعر في يوم كذا و كذا،فقلت له:إنه لا ينبغي لك أن تلبس الثياب،فبعثني إلى أبي عبد اللّه(عليه السّلام)و هو بالحيرة،فقلت له:إن أبا مراد فعل كذا و كذا و أنه لا يستطيع أن يدع الثياب لمكان أبي جعفر فقال:« مره فليلبس الثياب و لينحر بقرة يوم النحر عن لبسه الثياب» (2).

فإنّ غاية ما يستفاد منه على تقدير وروده في محل البحث أن من لبس ثيابه للتقية كفّر ببقرة،و هو مختص باللبس و متضمن للتكفير فيه ببقرة،و لا يقولون به،كما صرّح به جماعة (3)،و مع ذلك فحمله على الاستحباب لا وجه له.

بل للتسامح في أدلة السنن،و الخروج عن شبهة خلاف من أوجبها.

ثم إن مورد العبارة و أكثر الفتاوي و أخبار المسألة إنما هو استحباب بعث الهدي،لا ثمنه.

خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني،فساوى بينهما في ذلك (4)؛ للمرسل:

« ما يمنع أحدكم أن يحج كل سنة» فقيل له:لا يبلغ ذلك أموالنا،فقال:

« أما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن يبعث معه بثمن أُضحيّته و يأمره أن يطوف عنه أُسبوعاً بالبيت و يذبح عنه،فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه و تهيّأ

ص:260


1- كشف اللثام 1:390.
2- الكافي 4:/540 4 بتفاوت يسير،التهذيب 5:/425 1474،الوسائل 13:192 أبواب الإحصار و الصد ب 10 ح 1.
3- منهم:صاحب المدارك 8:311،و المجلسي في ملاذ الأخيار 8:437؛ و انظر الذخيرة:704،و كشف اللثام 1:390.
4- المسالك 1:132.

للمسجد،فلا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس» (1).

و فيه نظر؛ إذ الظاهر أن ما تضمّنه صورة أُخرى غير مفروض العبارة و النصوص و الفتاوي،لعدم تضمّنه ما تضمّنته من المواعدة لإشعار الهدي، و لا اجتناب ما يجتنبه المحرم.

و الظاهر أن المراد بالثياب التي أُمر فيه بلبسها يوم عرفة إنما هو ثياب الزينة،كما ورد به في الخروج ليوم العيد و الجمعة (2)،و تقييده بذلك فرع اتحاد الموضوع،و هو مختلف،ففيها الهدي،و في هذا الثمن،و أحدهما غير الآخر،و لذا أفرد الحكم فيه جماعة ممن تأخر عنه (3)،و أفتوا به زيادةً على الأول.و لا بأس به و إن ضعف السند؛ لما مرّ من جواز التسامح في أدلة السنن،مضافاً إلى موافقته العمومات،كما صرّح به جمع (4).

و لذا أفتوا به من غير توقف فيه من جهة السند مع أن ديدنهم المناقشة في الحكم المخالف للأصل إذا لم يصحّ السند.

الثاني في الصيد
اشارة

الثاني: في بيان الصيد المحرّم على المحرم و المحلّل له، و جملة ما يتعلق به من أحكام الكفّارات.

و هو على ما عرّفه الماتن هنا،وفاقاً للمحكي عن المبسوط و غيرهما (5)،بل قيل:إنه مذهب الأكثر (6) الحيوان المحلَّل الممتنع

ص:261


1- الفقيه 2:/306 1518،الوسائل 13:192 أبواب الإحصار و الصد ب 9 ح 6.
2- انظر الوسائل 7:395 أبواب صلاة الجمعة ب 47،وص 446 أبواب صلاة العيد ب 14.
3- منهم:صاحب المدارك 8:312،و الحدائق 16:69؛ و انظر الذخيرة:704.
4- المدارك 8:312،الحدائق 16:69.
5- المبسوط 1:338؛ و انظر الدروس 1:351.
6- مفاتيح الشرائع 1:319.

و اعترض عليه (1)أوّلاً:بأن التقييد بالمحلَّل يفيد عدم تحريم المحرَّم عليه،و هو خلاف ما ذكره من تحريم نحو الثعلب و الأرنب و الضبّ مما يأتي،بل خلاف ما قال غيره،فإنّ الحلبي حرّم قتل جميع الحيوان ما لم يكن حيةً أو عقرباً أو فأرة أو غراباً،و لم يذكر له فداءً.

و ثانياً:أن إطلاق الممتنع يشمل الممتنع بالعرض،فيحرم النعم و الخيل المتوحشة،و ليس كذلك إجماعاً،فكان ينبغي تقييده بالأصالة لئلّا يلزم ذلك،و لا يخرج منه ما استأنس من الحيوان البرّي كالظبي مع تحريم قتله إجماعاً.و هو حسن.

إلّا أنه يمكن الجواب عن الأول بأن حرمة المعدودات لا تنافي تقييد الصيد بالمحلّل،إلّا على فرض أخذ تحريمها من عموم أدلة الصيد.و ليس بواضح؛ لاحتمال أخذه من الأدلة المخصوصة بها كما يأتي إن لم نقل بأنه الظاهر.

نعم،يتوجه عليه أن الصيد لغةً بل و عرفاً حقيقة في الأعم من المحلّل و المحرّم،فلا وجه لتقييده بالأول،فإطلاقه عن القيد كما في الشرائع و جملة من كتب الفاضل (2)أسدّ.

إلّا أن يوجّه التقييد بأن الإطلاق يقتضي دخول نحو الذئب و النمر و الفهد من الحيوانات الممتنعة بالأصالة مع أن قتلها غير محرّم اتفاقاً،كما عن المبسوط و التذكرة (3).

ص:262


1- التنقيح الرائع 1:531،و المدارك 8:312.
2- الشرائع 1:283،الفاضل في المنتهى 2:800،و التذكرة 1:328.
3- المبسوط 1:338،التذكرة 1:330.

أو يقال:إن المتبادر من قوله تعالى: وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً [1] (1)حرمة أكله،و لا اختصاص لحرمة المحرّم منه بالمحرم.

و كذا قوله: فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [2] (2)فإن المحرّمات ليست كذلك مع أصل الحلّ و البراءة.

و في الوجهين نظر:

أما الأول فلأن خروج تلك الأفراد المعدودة من المحرّم بالإجماع المنقول المتقدم غايته خروجها خاصة،لا كلّ ما ليس بمحلَّل،و لا التجوز بلفظ الصيد في خصوص المحلّل،فإنّ التخصيص خير من المجاز،و لا موجب لإخراج ما ليس لإخراجه دليل من نص أو إجماع،لاختصاصهما فيما وصل إلينا بما مرّ من تلك الأفراد،هذا.

مع أن الإجماع المنقول عن المبسوط فيما وصل إلينا من عبارته إنما هو على نفي الكفارة و الجزاء في تلك الأفراد،لا انتفاء التحريم،و أحدهما غير الآخر،و لا دليل على التلازم بينهما،كما لا تلازم بين لزوم الكفارة بقتل حيوان و كون وجهه كونه صيداً.

و منه يظهر ما في تعريف بعضهم الصيد هنا بما في المتن،و زيادة قوله:و من المحرّم الثعلب و الأرنب و الضبّ و اليربوع و القنفذ و القمل و الزنبور و القطاة (3).فإن حرمة قتل هذه المحرّمات عليه لم يبيّن كونه من عموم أدلة حرمة الصيد،و لا موجب لتوهم ذلك غير لزوم الكفارة على قتلها،و قد عرفت أنه أعم من جهة الصيد.

ص:263


1- المائدة:96.
2- المائدة:95.
3- المسالك 1:133،الروضة 2:236.

و أما الثاني فلمنع التبادر أوّلاً،و إلّا لاختصت الآية بإثبات تحريم أكل الصيد،لا قتله،و هو بعيد جدّاً،بل مخالف لفهم الكل قطعاً.

و ثانياً بأن غاية ذلك اختصاص تلك الآية بالمحلَّل،و هو لا يوجب تقييد إطلاق الآية الأُخرى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ [1] (1)و ما ضاهاها من إطلاق الأخبار و غيرها.

و بالجملة:فترك التقييد بالمحلَّل وفاقاً لمن مرّ أسدّ.

و يؤيده الخبر في تفسير الآية الأخيرة عند قوله وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ [2] قال:« إنّ رجلاً انطلق و هو محرم،فأخذ ثعلباً،فجعل يقرب النار إلى وجهه و جعل الثعلب يصيح و يحدث من استه،و جعل أصحابه ينهونه عما يصنع،ثم أرسله بعد ذلك،فبينما الرجل نائم إذ جاءته حية فدخلت في فيه فلم تدعه حتى جعل يحدث كما أحدث الثعلب،ثم خلّت» (2).

و هو كالنص في عموم الآية للثعلب،و لا قائل بالفرق.

و أما قول الحلبي فلا دخل له بأحد التعريفين كإخباره- (3)إن ابقي على ظاهره من تحريم مطلق الحيوان،بل هو قول شاذ مخالف للنص و الإجماع،كما صرّح به جماعة من الأصحاب (4).و إن قيّد بإرادته الحيوان البرّي كالأخبار رجع إلى ما قلناه من عموم الصيد للمحرّم فيؤيده،مع أنه حكي عن الراوندي أنه مذهبنا (5)،معرباً عن دعوى الإجماع،هذا.

ص:264


1- المائدة:95.
2- الكافي 4:/397 6،الوسائل 12:430 أبواب تروك الإحرام ب 8 ح 1.
3- ليست في« ق».
4- منهم:الشهيد في الدروس 1:353،و صاحب المدارك 8:313 و الحدائق 15:138.
5- فقه القرآن 1:306.

و الإنصاف أن ظاهر سياق الآية الأخيرة يفيد التلازم بين حرمة قتل الصيد و لزوم الكفارة،و أنه مسبّب عنها،و كذلك ظاهر الأخبار الكثيرة المعتبرة،كالصحيح:« لا تستحلنّ شيئاً من الصيد و أنت حرام[و لا و أنت حلال في الحرم]و لا تدلّنّ عليه محلّاً و لا محرماً فيصطاده،و لا تُشر إليه فيستحل من أجلك،فإن فيه الفداء لمن تعمّده» (1).

و الصحيح:« المحرم لا يدلّ على الصيد،فإن دلّ فعليه الفداء» (2).

و هذا التلازم لا يتم إلّا على تقدير تخصيص الصيد بالمحلّل منه،فإنه الذي وقع الإجماع نصّاً و فتوى على التلازم فيه كلياً دون غيره،فلم يثبت فيه التلازم كذلك،بل صرّح الشيخ في المبسوط بأنه لا خلاف يعني بين العلماء في عدم وجوب الجزاء في مثل الحيّة و العقرب و الفأرة و الغراب و الحدأة و الذئب و الكلب،و أنه لا يجب الجزاء عندنا في الجوارح من الطير كالبازي و الصقر و الشاهين و العقاب و نحو ذلك،و السباع من البهائم كالأسد و النمر و الفهد و غير ذلك.

و قال في مثل المتولد بين ما يجب الجزاء فيه و ما لا يجب فيه ذلك كالسبع،و هو المتولد بين الضبع و الذئب،و المتولد بين الحمار الأهلي و حمار الوحش:يجب الجزاء فيه عند من خالفنا،و لا نصّ لأصحابنا فيه.

و الأولى أن نقول لا جزاء فيه؛ لأنه لا دليل عليه،و الأصل براءة الذمة (3).

انتهى.

ص:265


1- الكافي 4:/381 1،الوسائل 12:415 أبواب الإحرام ب 1 ح 1 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- الكافي 4:/381 2،التهذيب 5:/315 1086،الوسائل 12:416 أبواب الإحرام ب 1 ح 3.
3- المبسوط 1:338.

فلو كان صيد هذه الأنواع المحرّمة محرّماً للزم فيه الفداء بمقتضى ما مرّ من التلازم الظاهر من الآية و الأخبار،و التالي باطل،لما عرفت من الإجماع،فتعيّن أن المراد بالصيد المحرَّم عليه إنما هو المحلَّل منه،دون المحرَّم،و إلّا للزم إما الفداء فيه مطلقاً،و هو خلاف الإجماع كما مضى،أو رفع اليد عن التلازم بين الأمرين الظاهر من الآية و الأخبار كما قدّمنا،و لا سبيل إليه أيضاً،فإنّ تخصيص الصيد فيهما بالمحلَّل أولى من رفع اليد عن التلازم المستفاد منهما،سيّما و أنّ التخصيص و لو في الجملة لو عمّم الصيد للمحرّم لازم أيضاً قطعاً.

فما ذكره الماتن من التعريف هنا أقوى،و لا يحتاج إلى إدخال نحو الثعلب و الأرنب في الصيد،و لا إلى استثنائها من القصر المستفاد من التعريف و إن وقع في الدروس (1)،لابتنائهما على كون تحريم قتلها لكونها صيداً،و فيه ما مضى.

بقي الكلام في الخبر الذي مرّ في تفسير الآية و تضمنه الثعلب، و إشعار عبارة الراوندي بدعوى الإجماع على عموم الصيد للمحرَّم.

و يمكن الجواب عنهما:فالأول بضعف السند (2).و الثاني بالوهن بمعارضته بدعوى كون التخصيص مذهب الأكثر،و بعد التعارض يبقى العموم في الصيد للمحرَّم بعد ما قدّمناه بلا مستند.

فإذاً التخصيص بالمحلَّل هو المعتمد.

و إذا تمهّد ذلك فاعلم أنه لا يحرم صيد البحر بالكتاب و السنّة المستفيضة و الإجماع و هو ما يبيض و يفرخ بضم حرف

ص:266


1- الدروس 1:351.
2- فإنّ فيه أبا جميلة،مضافاً إلى الإرسال قبله.(منه(رحمه اللّه)).

المضارعة و كسر العين،أو فتح الفاء و تشديد الراء في الماء معاً، بالإجماع و الصحاح.

منها:« السمك لا بأس بأكله طريّه و مالحة و يتزود،قال اللّه تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ [1] (1)» قال:« فليختر الذين يأكلون» و قال:« فصّل ما بينهما:كلّ طير يكون في الآجام يبيض في البرّ و يفرخ في البرّ فهو من صيد البرّ،و ما كان من الطير يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر» (2).

و في حكم البيض و الإفراخ التوالد.

ثم الاعتبار بذلك إنما يفتقر إليه فيما يعيش في البرّ و البحر معاً،و إلّا فما يعيش في الأول منه البتة،كما في الصحيح:« مرّ عليّ(عليه السّلام)على قوم يأكلون جراداً،فقال:سبحان اللّه و أنتم محرمون؟!فقالوا:إنما هو من صيد البحر،فقال:ارموه في الماء إذاً» (3).

و ما لا يعيش فيه من الثاني البتة.

و المراد بالبحر ما يعمّ النهر بلا خلاف كما عن التبيان،فقال:لأن العرب يسمّي النهر بحراً،و منه قوله تعالى ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ [2] (4).و الأغلب في البحر هو الذي يكون ماؤه مالحاً،لكن إذا أُطلق

ص:267


1- المائدة:96.
2- الكافي 4:/392 1،الفقيه 2:/236 1126،التهذيب 5:/365 1270،الوسائل 12:426 أبواب تروك الإحرام ب 6 ح 3.
3- الكافي 4:/393 6،الفقيه 2:/235 1119،التهذيب 5:/363 1263،الوسائل 12:428 أبواب تروك الإحرام ب 7 ح 1.
4- الروم:41.

دخل فيه الأنهار بلا خلاف (1).

و لا الدجاج الحبشي و يسمّى السندي و الغِرغِر،بإجماعنا الظاهر،المصرَّح به في عبائر جماعة (2)؛ للصحاح المستفيضة:

منها:إنه:« ليس من الصيد،إنما الطير ما طار بين الأرض و السماء و صفّ» (3).و في بعضها:« لأنها لا تستقلّ بالطيران» (4).

قيل:و حرّمه الشافعي لأنه وحشي يمتنع بالطيران و إن كان يألف البيوت،و هو الدجاج البرّي،قريب من الأهلي في الشكل و اللون،يسكن في الغالب سواحل البحر،و هو كثير ببلاد المغرب يأوي مواضع الطرفاء و يبيض فيها،و يخرج فراخه كيّسة كاسبة تلقط الحبّ من ساعتها كفراخ الأهلي.و قال الزهري:كانت بنو إسرائيل من أهل تهامة من أعتى الناس على اللّه تعالى،فقالوا قولاً لم يقله أحد،فعاقبهم اللّه تعالى بعقوبة ترونها الآن بأعينكم،جعل رجالهم القردة،و بُرّهم الذرّة،و كلابهم الأسود، و رمّانهم الحنظل (5)،و عنبهم الأراك،و جوزهم السرو (6)،و دجاجهم الغرغر و هو دجاج الحبش لا ينتفع بلحمه لرائحته،و قال في التهذيب:لاغتذائه بالعذرة (7).

و لا بأس بقتل الحية بأقسامها و العقرب و الفأرة إذا خاف منها

ص:268


1- التبيان 4:28.
2- منهم:صاحب المدارك 1:314،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:322.
3- الكافي 4:/232 2،الفقيه 2:/172 756،الوسائل 13:80 أبواب كفارات الصيد ب 40 ح 1.
4- الفقيه 2:/172 757،الوسائل 13:80 أبواب كفارات الصيد ب 40 ح 2.
5- كذا في كشف اللثام،و في الفائق 3:372 عن الزهري:المظّ،و هو رمّان البرّ.
6- كذا في كشف اللثام،و في الفائق 3:372 عن الزهري:الضَّبِر،و هو جوز البرّ.
7- كشف اللثام 1:322.

على نفسه،و كذا كل ما يخاف منه عليها،إجماعاً فتوًى،و نصّاً مستفيضاً:

ففي الصحيح:« كل ما يخاف المحرم على نفسه من السباع و الحيّات و غيرها فليقتله،و إن لم يردك فلا ترده» (1).

و نحوه غيره:« يقتل المحرم كلّ ما خشيه على نفسه» (2).

و في آخر:« كل شيء أرادك فاقتله» (3).

و كذا إذا لم يخف منها على الأظهر الأشهر فتوًى،بل عن المبسوط اتفاق الأُمة (4)،و عن الغنية إجماع الطائفة (5)؛ للأصل،بناءً على اختصاص الصيد المحرَّم عليه بالمحلَّل كما هو المختار،و إطلاق نحو الصحيح:« يقتل في المحرم و الإحرام الأفعى،و الأسود العذر،و كل حية[سوء]و العقرب، و الفأرة و هو الفويسقة،و يرجم الغراب و الحدأة رجماً» (6).

و أظهر منه الخبر:عن المحرم و ما يقتل من الدواب،فقال:« يقتل الأسود و الأفعى و الفأرة و العقرب و كلّ حية،و إن أرادك السبع فاقتله،و إن لم يردك فلا تقتله،و الكلب العقور إذا أرادك فاقتله،و لا بأس للمحرم أن يرمي الحدأة،و إن عرض له اللصوص امتنع منهم» (7).و قريب منه آخر (8).

ص:269


1- الكافي 4:/363 1،التهذيب 5:/365 1272،الإستبصار 2:/208 711،الوسائل 12:544 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 1.
2- الكافي 4:/364 10،الوسائل 12:546 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 7.
3- الكافي 4:/364 5،الوسائل 12:547 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 9.
4- المبسوط 1:338.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):575.
6- الكافي 4:/363 3،الوسائل 12:546 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 6 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
7- الفقيه 2:/232 1109،الوسائل 12:547 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 10.
8- المقنع:77،المستدرك 9:241 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 5.

و ضعف سندهما منجبر بعمل الأكثر.و هما كالنص في الإطلاق،و إلّا لما خصّ فيهما المنع عن القتل مع عدم الإرادة بالسبع و نحوه و يطلق فيما عداه.

خلافاً للمحكي عن السرائر،فلم يجوّز قتلها حينئذ (1)؛ و لعلّه للصحيح الأول،حيث جعل فيه الحيّات كالسباع في المنع عن قتلها إذا لم ترده.

و نحوه الصحيح الآخر:« اتّق قتل الدواب كلّها إلّا الأفعى و العقرب و الفأرة،فأما الفأرة فإنها توهي السقاء و تضرم على أهل البيت،و أما العقرب فإن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)مدّ يده إلى الحجر فلسعته فقال:لعنك اللّه لا برّاً تدعينه و لا فاجراً،و الحية إن أرادتك فاقتلها و إن لم تردك فلا تردها، و الأسود العذر فاقتله على كل حال،و ارم الغراب و الحدأة رمياً على ظهر بعيرك» (2).

و فيه نظر؛ لعدم مقاومتهما لما تقدم من وجوه شتّى،فليطرحها،أو يؤوّلا بإرجاع الضمير في قوله في الصحيح الأول:« و إن لم يردك فلا ترده» إلى خصوص السباع دون الحيّات،أو يحمل النهي على مطلق المرجوحية الشاملة للكراهة.

و كذلك الصحيحة الأخيرة.و هذا الحمل فيها أقرب من تقييد إطلاق قتل هذه الأفراد في صدرها بما إذا إرادته؛ لما مرّ،مضافاً إلى أنها صريحة في جواز قتل العذر الأسود على كل حال،و حيث إنه لم يقل بهذا التفصيل

ص:270


1- حكاه عنه في كشف اللثام 1:390،و هو في السرائر 1:567.
2- الكافي 4:/363 2،التهذيب 5:/365 1273،علل الشرائع:/458 2،الوسائل 12:545 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 2.

في الحيّات أحد يلزم إما اطراحها رأساً،و ليس بجائز مع إمكان الحمل على الصحيح و أقرب المجازات،فتعيّن حمل النهي فيما عدا الأسود العذر على الكراهة،و لا ريب فيها فتوًى و نصاً.

فهذا الصحيح أقوى دليل على الجواز و لو مع الكراهة كما قلنا.

و يستفاد منه و من الصحيح السابق جواز رمي الغراب بأقسامه و الحدأة مطلقاً في الحرم و غيره،مع الإحرام و لا معه،و عن ظهر البعير و غيره،كما هو مقتضى إطلاق الصحيح السابق و العبارة هنا و في الشرائع و عن النهاية و الجامع (1).

و لكن الصحيح الأخير مختصّ بالرمي عن ظهر البعير،كما عن المقنع (2)،فإن أراد تخصيص الجواز به فلا وجه له؛ لإطلاق الصحيح السابق،و عدم إفادة غيره التخصيص ليجمع بينهما به.و إلّا فلا بأس به.

ثم إن مقتضى الروايتين عدم جواز قتلهما إلّا أن يُفضي الرمي إليه.

خلافاً للمحكي عن المبسوط فجوّزه مطلقاً (3)،و هو ضعيف.

و جواز رمي الغراب مطلقاً.خلافاً للمحقّق الثاني،فقيّده بالمحرَّم منه الذي هو من الفواسق الخمس،دون المحلَّل؛ لأنه محترم لا يعدّ من الفواسق (4).

و لا بأس به إن لم نقل بحرمته مطلقاً؛ لإطلاق ما دلّ على حرمة الصيد من الكتاب و السنّة المتواترة الشامل لما حلّ من الغراب،و تقييده بما

ص:271


1- الشرائع 1:284،النهاية:229،الجامع للشرائع:186.
2- المقنع:77.
3- المبسوط 1:338.
4- جامع المقاصد 3:303.

عدا الغراب بهذين الصحيحين و إن أمكن،لكنه ليس بأولى من تقييد إطلاقهما بما عدا المحلَّل.

و ذلك فإن التعارض بينهما و بين نحو الكتاب تعارض العموم و الخصوص من وجه؛ لأن نحو الكتاب و إن كان عاما للغراب المحلَّل و غيره،إلّا أنه خاص بالإضافة إلى تحريم الصيد المحلَّل،بناءً على فرض اختصاصه بالمحلَّل كما هو المختار و قد تقدم.و الروايتين و إن كانتا خاصتين بالغراب،لكنه فيهما أعم من المحلّل منه و المحرّم.

فكما يمكن تقييد إطلاق الصيد بما عدا الغراب مطلقاً حتى المحلَّل، كذا يمكن تقييد الغراب في الصحيحين بالمحرَّم منه.و الترجيح لهذا؛ لقطعيّة الكتاب و نحوه،مضافاً إلى إشعار التعليلين في الصحيحة الأخيرة لإباحة القتل و في غيرها بالتقييد أيضاً،فتدبر.

و الجمع السابق فرع عدم القول بتحريم الغراب مطلقاً،و لكنه كما سيأتي خلاف التحقيق،و أن الأصح تحريمه مطلقاً.و عليه فالأظهر إباحة رمي الغراب مطلقاً؛ لعدم التعارض بين الأدلة السابقة،لأن النسبة بينهما التباين الكلّي،فلا موجب لتقييد أحدهما بالآخر.

هذا مضافاً إلى إمكان التأمل في دعوى كون التعارض بين الكتاب و الصحيحين من تعارض العموم و الخصوص من وجه،بل النسبة بينهما إما التباين الكلي،أو العموم و الخصوص مطلقاً،الأول في الكتاب،و الثاني فيهما،فتدبر و تأمل.

و لا كفارة واجبة في قتل شيء من السباع عدا الأسد،

ص:272

مطلقاً بلا خلاف،و كذا فيه إذا أراده،و عن المنتهى و الشيخ (1)عليه الإجماع،و فيما إذا لم يرده خلاف.و الأصح العدم،وفاقاً للأكثر على الظاهر،المصرَّح به في كلام بعض من تأخر (2)؛ للأصل،مضافاً إلى الإجماع المنقول عن صريح الخلاف و ظاهر المبسوط و التذكرة (3)،السليم جميع ذلك عما يصلح للمعارضة حتى الكتاب و السنة المتواترة الدالة على حرمة قتل الصيد و إيجابه الكفارة،بناءً على المختار من اختصاصه بالمحلّل،فلا يشمل محلّ الفرض،و لا معارض له آخر غير ما أشار إليه بقوله:

و روى في قتل الأسد كبش إذا لم يرده و هذه الرواية مع شهادته عليها بأنه فيها ضعف لم نقف عليها في شيء من كتب الأخبار،و لا نقله ناقل في شيء ممّا وقفت عليه من كتب الاستدلال.

نعم،روى الكليني و الشيخ عن أبي سعيد المكاري:قال:قلت لأبي عبد اللّه(عليه السّلام):رجل قتل أسداً في الحرم،فقال(عليه السّلام):« عليه كبش يذبحه» (4).

و هو مع اختصاصه بالقتل بالحرم فيه ضعف أيضاً سنداً بمن ترى، فليطرح،أو يحمل على الاستحباب،و مع ذلك فهو مطلق لا تقييد فيه بعدم الإرادة،و لا موجب لتقييده بها عدا ما مرّ من الصحاح المفصّلة بين صورة الإرادة فجوّز القتل،و عدمها فنهى،لكنه مع عدم اختصاصه بالأسد

ص:273


1- المنتهى 2:800،الشيخ في المبسوط 1:338.
2- المهذب البارع 2:235.
3- الخلاف 2:417،المبسوط 1:338،التذكرة 1:330.
4- الكافي 4:/237 26،التهذيب 5:/366 1275،الإستبصار 2:/208 712،الوسائل 13:79 أبواب كفارات الصيد و توابعها ب 39 ح 1.

و عمومه لباقي السباع و لا قائل بحكمه فيها مطلقاً مورده إباحة القتل و النهي،و لا ملازمة بينه و بين الكفارة هنا،سيّما خصوص نوع هذه الكفارة.

فالقول بمضمونه كما عن والد الصدوق و ابن حمزة (1)لا وجه له، سيّما و قد تعدّيا عن مورده الذي هو القتل في الحرم إلى مسألتنا هنا،فتأمل جدّاً.

نعم في الرضوي:« و لا بأس للمحرم أن يقتل الحيّة و العقرب و الفأرة،و لا بأس برمي الحدأة،و إن كان الصيد أسداً ذبحت كبشاً» (2)و لا ريب أنه أحوط.

بقي الكلام في حرمة قتله،و لا ريب فيها على القول بلزوم الكفارة.

و يشكل فيها على القول بالعدم،من الأصل،بناءً على المختار من اختصاص الصيد المحرَّم في الكتاب و السنّة بالمحلَّل،و من ورود النهي عن قتله إذا لم يرده فيما مرّ من الصحيح و غيره،لكنه فيهما يعمّ الأسد و غيره، و لم أعثر بقائله،مضافاً إلى ورود مثله في الحيّة،و قد عرفت أنه محمول على الكراهة،فالقول بها أيضاً هنا لا يخلو عن قوة،سيّما و أن ظاهر جماعة التلازم هنا بين نفي الكفارة و ثبوت إباحة القتل،و بالعكس، كالفاضل في المنتهى و المختلف و غيره (3).

و أما العبارة فمساقها يحتمل القول بالإباحة و بالحرمة،و كأنه في الأخير أظهر دلالةً كما لا يخفى على من تدبّره.و تحتمل ثالثاً و هو التوقف

ص:274


1- نقله عن والد الصدوق في المختلف:271،ابن حمزة في الوسيلة:164.
2- فقه الرضا(عليه السّلام):228،المستدرك 9:277 أبواب كفارات الصيد ب 28 ح 1.
3- المنتهى 2:800،المختلف:271؛ و انظر المسالك 1:133.

بينهما،و لا ريب أنه بحسب العمل بل الفتوى لعموم الصحيح السابق الناهي عن قتل الدواب إلّا ما مضى أحوط و أولى.

و لا كفارة واجبة أيضاً في قتل الزنبور واحداً أو متعدّداً و لو كثيراً إذا كان خطأً على الأقوى،وفاقاً للماتن و جماعة (1)؛ للأصل،مع اختصاص الصيد المتساوي عمده و خطاؤه في لزوم الكفارة بالمحلَّل كما مرّ،و لعلّه لهذا تعرّض الماتن لنفي الكفارة هنا،تنبيهاً على أن لزومها في العمد ليس لكونه صيداً.

خلافاً لعبائر كثير من القدماء (2)،فأطلقوا التكفير في قتله،بحيث يشمل الخطأ؛ و لعلّه بناءً على كونه صيداً.

و يضعّفه مضافاً إلى ما مضى خصوص الصحاح هنا:عن محرم قتل زنبوراً،قال:« إن كان خطأ فليس عليه شيء» قلت:فالعمد؟قال:

« يطعم شيئاً من طعام» (3).

و يستفاد منها أن في قتله عمداً صدقة بشيء من طعام كما أفتى به الماتن هنا و جماعة (4)،و أطلق الشيء في النهاية (5).

و بدّله في الشرائع بصدقة و لو بكفّ من طعام (6)،و في القواعد بكفّ

ص:275


1- منهم:الشهيد في المسالك 1:133،و صاحب المدارك 8:318،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:391.
2- منهم:المفيد في المقنعة:438،و الحلبي في الكافي:206،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):576.
3- التهذيب 5:/345 1195،الوسائل 13:21 أبواب كفارات الصيد ب 8 ح 3.
4- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:133،و صاحب المدارك 8:318،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 6:383.
5- النهاية:223.
6- الشرائع 1:284.

من طعام و شبهه (1)،و عن السرائر و التلخيص (2)بتمرة.

و اكتفي بكفّ من طعام في المحكي عن المقنع و الفقيه و الغنية و الكافي و الجامع (3)؛ للرضوي (4).و في مقاومته لما سبق ضعف.

فالأصح ما في المتن،مع خلوّ ما عدا الأخير من المستند،إلّا ما ربما يقال من أن القول بتمر لكونه من الطعام،و أنه ليس خيراً من جراد (5).

و فيهما ضعف،سيّما في مقابلة النص.

و مورده كالمتن الزنبور الواحد،فالمتعدد و الكثير خالٍ عن النص، فيجب الرجوع فيهما إلى الأصل،فيحتمل إلحاقهما بالواحد في كفارته إن لم يثبت بالأصل الزيادة عليها.

و هنا أقوال أُخر،منها:لزوم صاع في المتعدد كما عن الحلبي (6)، و شاة في الكثير منه،كما عنه و عن الغنية و المهذّب و التلخيص (7).

أو مدّ من طعام أو تمر أو شبهه كما عن المقنعة و جعل العلم و العمل و التحرير (8).

ص:276


1- القواعد:94.
2- نقله عنهما في كشف اللثام 1:391.
3- المقنع:79،الفقيه 2:235،الغنية(الجوامع الفقهية):576،الكافي:206،الجامع للشرائع:190.
4- فقه الرضا(عليه السّلام):228،المستدرك 9:258 أبواب كفارات الصيد ب 8 ح 1.
5- كشف اللثام 1:391.
6- الكافي في الفقه:206.
7- الكافي:206،الغنية(الجوامع الفقهية):576،المهذب 1:226،و حكاه عن التلخيص في كشف اللثام 1:391.
8- المقنعة:438،جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):72،التحرير 1:116.

و نحوه عن المراسم (1)،إلّا في مدّ من طعام فلم يذكر فيه.

و لا مستند لشيء من هذه الأقوال،إلّا ما ربما يقال من أن إيجاب الشاة لكثيره للحمل على الجراد،و إيجاب المدّ أو الصاع لضمّ فداء بعضه إلى بعض (2)،و فيهما كما ترى ضعف.

ثم إن ظاهر وجوب التكفير تحريم تعمّد القتل،خلافاً للمبسوط، فصرّح بالجواز،و أنه يكفّر بعد القتل بما استطاع (3)؛ و لعلّه للأصل،و كونه من المؤذيات،مضافاً إلى الخبرين.

في أحدهما:« يقتل المحرم الزنبور و النسر و الأسود العذر و الذئب و ما خاف أن يعدو عليه» (4).

و في الثاني المروي عن قرب الإسناد للحميري:« يقتل المحرم ما عدا عليه من سبع أو غيره،و يقتل الزنبور و العقرب و النسر و الذئب و الأسد،و ما خاف أن يعدو عليه من السباع و الكلب العقور» (5).

و لا ينافي الجواز وجوب الكفارة،كما في وجوبها في قتل الصيد خطأ.

و هو حسن إن نمنع ظهور لزوم الكفارة في الحرمة،و هو مشكل، و التخلف في بعض الأفراد لا ينافي الظهور.

و حيث ثبت يمكن دفع الأصل بما مرّ من التكفير الظاهر في المنع

ص:277


1- المراسم:122.
2- كشف اللثام 1:391.
3- المبسوط 1:339.
4- الكافي 4:/363 4،الوسائل 12:546 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 8.
5- قرب الإسناد:/142 510،الوسائل 12:547 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 12.

كما مرّ.

و عن الخبرين بضعف السند،مع احتمال تنزيلهما على جواز القتل في صورة الخوف منه و إرادته له،و لا ريب في الجواز حينئذ كما مرّ، مضافاً إلى خصوص الصحيح هنا،و فيه بعد نحو ما مرّ في الصحاح من الأمر بالتكفير بشيء من الطعام في صورة العمد:قلت:إنه أرادني،قال:

« كل شيء أرادك فاقتله» (1).

و بهما يقيّد إطلاق المتن و نحوه و ما مرّ من النص بصورة عدم الإرادة و انتفاء الخوف منه.

و يجوز شراء القَماريّ جمع قمرية بالضم:ضرب من الحمام، و القمرة بالضم:لون إلى الخضرة أو الحمرة فيه كدرة.

والدباسيّ من الدبس بالضم:جمع أدبس من الطير الذي لونه بين السواد و الحمرة،و منه الدُّبسيّ لطائر أدكن يقرقر،كما عن القاموس (2).

و إخراجها من مكة شرّفها اللّه سبحانه،على كراهية لا ذبحها و [أو] أكلها.

اتّفاقاً في الحكم الأخير فتوًى و دليلاً،كتاباً و سنّةً من غير معارض.

و وفاقاً للنهاية و المبسوط (3)في الأولين؛ للصحيح:عن شراء القَماريّ تُخرَج من مكة و المدينة،قال:« ما أُحبّ أن يُخرَج[منهما (4)]شيء» (5).

ص:278


1- الكافي 4:/364 5،الوسائل 12:547 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 9.
2- القاموس 2:221.
3- النهاية:224،المبسوط 1:341.
4- أثبتناه من التهذيب،و في النسخ و الفقيه:منها.
5- الفقيه 2:/168 734،التهذيب 5:/349 1212،الوسائل 13:38 أبواب كفارات الصيد ب 14 ح 3.

و هو مع اختصاصه بالقماري غير صريح في الجواز،بل ظاهر جماعة كالشيخ في التهذيب و غيره (1)دلالته على التحريم.

و لعلّه لدوران الأمر فيه بين إبقاء لفظ« لا أُحبّ» على ظاهره من الكراهة،و تخصيص الشيء المنفي في سياق النفي بخصوص القماري أو الدباسي أيضاً؛ و بين إبقاء العموم بحاله،و صرف« لا أُحبّ» عن ظاهره إلى التحريم،أو الأعم منه و من الكراهة.

و الأول خلاف التحقيق و إن كان التخصيص أولى من المجاز،بناءً على اختصاص الأولوية بالتخصيص المقبول،و هو ما بقي من العام بعده أكثر أفراده،و ليس هنا كذلك،فاختيار الثاني لازم.

هذا إن سلّم ظهور« لا أُحب» في الكراهة،و إلّا فهو أعم منها و من الحرمة لغةً،لكن مقتضى هذا عدم دلالته على التحريم أيضاً.

و التحقيق:أن هذه الرواية مجملة لا تصلح أن تتخذ لشيء من القولين حجة.

و حينئذ فالأصل في المسألة عدم الجواز؛ لعمومات حرمة الصيد كتاباً و سنّةً،كما عليه جماعة (2)،تبعاً للحلّي (3)،و لكن مورد عبارته المنع عن الإخراج عن الحرم خاصة،و مورد النص الإخراج من مكة،و أحدهما غير الآخر فلا تنافي،كذا قيل (4).

و فيه نظر؛ لمنع اختصاص النص بمكة،فإن مورد السؤال الذي

ص:279


1- التهذيب 5:349؛ و انظر الفقيه 2:168.
2- منهم:العلامة في التذكرة 1:332،و صاحبا المدارك 8:319،و الحدائق 15:161.
3- السرائر 1:56.
4- كشف اللثام 1:391.

ينطبق عليه الجواب هو الإخراج منها و من المدينة بمقتضى الواو المفيدة للجمعية في الحكم،الذي هو هنا الإخراج،و الإخراج منهما معاً يستلزم الإخراج من الحرم.

ثم لو سلّم نقول:إنه جوّز فيه الإخراج عن مكة من غير تقييد بما إذا لم يخرج عن الحرم بعد عموم السؤال له و انطباق الجواب عليه بقاعدة ترك الاستفصال،فالرواية و إن لم تكن ناصّة بالجواز في الحرم لكنها ظاهرة فيه أيضاً،فيتحقق التعارض و التنافي كما فهمه سائر الأصحاب،حيث ذكروا الحلّي مخالفاً للشيخ هنا و خالفوه،أو وافقوه و هو الأقوى.

و أنما يحرم على المحرم صيد البرّ دون البحر كما مرّ.

و ينقسم باعتبار لزوم الكفارة و بدلها إلى قسمين :

الأول ما لكفارته بدل على الخصوص

الأول: ما لكفارته بدل على الخصوص و هو على ما ذكروه (1) خمسة:

الأول النعامة

الأول:النعامة،و في قتلها بدنة بالتحريك،كما هو المشهور، و في صريح التذكرة و المنتهى و ظاهر الغنية (2)الإجماع؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة:« و في النعامة بدنة» (3).

خلافاً للنهاية و المبسوط و السرائر (4)فجزور؛ للخبر (5).و في سنده اشتراك،فإذاً الأول أظهر.

ص:280


1- في«ق»:ذكره.
2- التذكرة 1:344،المنتهى 2:820،الغنية(الجوامع الفقهية):575.
3- انظر الوسائل 13:5 أبواب كفارات الصيد ب 1.
4- النهاية:222،المبسوط 1:339،السرائر 1:556.
5- التهذيب 5:/341 1180،الوسائل 13:6 أبواب كفارات الصيد ب 1 ح 3.

مع أنه قيل:لا مخالفة بينه و بين الأدلة،و لا بين القولين كما يظهر من المختلف،وفاقاً للتذكرة و المنتهى و غيرهما؛ إذ لا فرق بين الجزور و البدنة،غير أن البدنة ما يحرز للهدي و الجزور أعم،و هما يعمّان الذكر و الأُنثى،كما في العين و النهاية الأثيرية و تهذيب الأسماء للنووي و في التحرير له و المعرب و المغرب في البدنة.

و خصّت في الصحاح و الديوان و المحيط و شمس العلوم بالناقة و البقرة.

لكن عبارة العين كذا:البدنة ناقة أو بقرة،الذكر و الأُنثى فيه سواء، يهدى إلى مكة.فهو مع تفسيره بالناقة و البقرة نصّ على التعميم للذكر و الأُنثى،فقد يكون أُولئك لا يخصّونها بالأُنثى،و إنما اقتصروا على الناقة و البقرة تمثيلاً،و إنما أرادوا تعميمها للجنسين ردّاً على من يخصّها بالإبل، و هو الوجه عندنا.

و يدلّ عليه قوله تعالى فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها [1] (1)قال الزمخشري:

و هي الإبل خاصة؛ و لأن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ألحق البقرة بالإبل حين قال:

البدنة عن سبعة و البقرة عن سبعة،فجعل البقرة في حكم الإبل،صارت البدنة في الشريعة متناولة للجنسين عند أبي حنيفة و أصحابه،و إلّا فالبدن هي الإبل،و عليه تدل الآية (2).انتهى.

أقول:و جملة ما ذكر حسن،إلّا أن ما ادّعاه من ظهور الاتحاد و عدم المخالفة بين الروايات و القولين من المختلف محل نظر،بل الذي وقفنا

ص:281


1- الحج:37.
2- كشف اللثام 1:391.

عليه من عبارته يفيد العكس (1).

و يدلُّ على ما ادّعاه من كون التخصيص بالإبل هو الوجه عندنا مضافاً إلى ما ذكره مقابلة البقر للبدنة في أخبارنا،ففي الصحيح:في قول اللّه عز و جل فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [1] (2)قال:« في النعامة بدنة، و في حمار الوحش بقرة،و في الظبي شاة،و في البقر بقرة» (3).

هذا،و يؤيِّد عموم البدنة للذكر و الأُنثى كما ذكره ما في المصباح المنير من أنه قالوا:و إذا أُطلقت البدنة في الفروع فالمراد البعير،الذكر كان أو الأُنثى (4).

و ربما أشعرت هذه العبارة بأن هذا الإطلاق ليس من جهة الوضع اللغوي و إنما هو اصطلاح المتشرعة.

لكن في مجمع البحرين بعد ذكر البدنة:و إنما سمّيت بذلك لعظم بدنها و سمنها،و تقع على الجمل و الناقة عند جمهور أهل اللغة و بعض الفقهاء (5).

أقول:و يعضده ما تقدّم.

و كيف كان،فلا ريب أن اختيار الأُنثى مع الإمكان أحوط و أولى و إن كان إجزاء الذكر أيضاً أقوى.

ثم لمّا كانت البدنة اسماً لما تهدى اعتبر في مفهومها السنّ المعتبر في الهدي.

ص:282


1- انظر المختلف:271.
2- المائدة:95.
3- التهذيب 5:/341 1181،الوسائل 13:5 أبواب كفارات الصيد ب 1 ح 1.
4- المصباح المنير:40.
5- مجمع البحرين 6:212.

و مقتضى إطلاق النصوص و الفتاوي إجزاء البدنة مطلقاً،سواء وافقت النعامة و ماثلتها في الصغر و الكبر و غيرهما،أم لا.خلافاً للمنقول عن التذكرة،فاعتبر المماثلة بين الصيد و فدائه،ففي الصغير إبل في سنّه،و في الكبير كذلك،و في الذكر ذكر،و في الأُنثى أُنثى (1).

و لم نقف على دليله،سوى إطلاق الآية باعتبار المماثلة،و لا ريب أنه أحوط و إن كان في تعيّنه نظر.

فإن لم يجد البدنة و عجز عنها فضّ ثمن البدنة بعد تقويمها قيمة عادلة على البُرّ كما في عبائر جمع (2)،أو الطعام المطلق،كما في عبائر آخرين (3)و النصوص (4).و هو الأظهر و إن كان الأول أحوط؛ أخذاً بالمتيقن.

و أطعم ستين مسكيناً كلّ مسكين مدّين على الأشهر،كما في كلام جمع (5)و الصحيح (6)،أو مدّاً،كما في كلام آخرين (7)و كثير من

ص:283


1- حكاه عنه في المسالك 1:134،و هو في التذكرة 1:347.
2- منهم:الحلبي في الكافي:205،و الشهيد الأول في اللمعة(الروضة البهية 2):334،و صاحب المدارك 8:322.
3- كانت حمزة في الوسيلة:167،و ابن سعيد في الجامع للشرائع:189،و الشهيد الثاني في المسالك 1:134،و السبزواري في الذخيرة:604.
4- انظر الوسائل 13:8 أبواب كفارات الصيد ب 2.
5- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:134؛ و في مرآة العقول 17:371 أنه المشهور.
6- الكافي 4:/387 10،التهذيب 5:/466 1626،الوسائل 13:8 أبواب كفارات الإحرام ب 2 ح 1.
7- كالشهيد الثاني في المسالك 1:134،و صاحب المدارك 8:323.

النصوص (1)،و فيها الصحيح و غيره.و هو أظهر؛ حملاً للظاهر على النص.

و عليه يحمل أيضاً ما أُطلق فيه الإطعام من الفتاوي و النصوص و إن كان فيهما الصحيح و غيره،حملَ المطلق على المقيّد.

و لا يلزمه إنفاق ما زاد من قيمتها عن ستين مسكيناً،بل له الزائد و لا ما زاد عن قيمتها إن نقصت عن الوفاء بالستين بلا خلاف،إلّا ممن أطلق إطعام الستين،تبعاً لإطلاق ما مرّ من النصوص.

و فيه:أنه يجب تقييده بنحو الصحيح:« عليه بدنة،فإن لم يجد فإطعام ستين مسكيناً،فإن كانت قيمة البدنة أكثر من إطعام ستّين مسكيناً لم يزد على إطعام ستين مسكيناً،و إن كانت قيمة البدنة أقلّ من إطعام ستين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة» (2).

و عن الخلاف الإجماع على نفي وجوب الزائد (3).

و من الحلبيين،فأطلقا أنّ من لم يجد البدنة تصدّق بقيمتها (4)؛ للصحيح:« عِدل الهدي ما بلغ يتصدّق به» (5)و يجوز تنزيله على الأول كما في كلام جمع (6).

و أما الموثق فيمن عليه بدنة واجبة في فداء:« إذا لم يجد بدنة فسبع شياه» (7)فشاذّ لم أر قائلاً به،و به صرّح بعض الأصحاب.

ص:284


1- الوسائل 13:13 أبواب كفارات الصيد ب 2،ح 3،13،14.
2- الفقيه 2:/232 1110،الوسائل 13:11 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 9.
3- الخلاف 2:422.
4- أبو الصلاح في الكافي:205،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):576.
5- التهذيب 5:/342 1184،الوسائل 13:11 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 10.
6- كشف اللثام 1:391.
7- الكافي 4:/385 2،الفقيه 2:/232 1111،التهذيب 5:/481 1711،الوسائل 13:9 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 4.

فإن لم يجد ثمنها ليطعم صام عن كل مدّين أو مدّ يوماً على الأظهر الأشهر،بل في صريح الغنية (1)،و ظاهر التبيان و كنز العرفان و غيرهما (2):الإجماع عليه؛ للصحيحين و غيرهما:« فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً» (3)كما في أحدهما.

و في الثاني:« فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ،لكل طعام مسكين يوماً» (4).

خلافاً للعماني و الصدوق (5)،فثمانية عشر يوماً مطلقاً (6)؛ للصحاح و غيرها (7):فإن لم يقدر على أن يتصدّق فليصم ثمانية عشر يوماً.

و هو حسن لولا الأخبار الأوّلة المصرِّحة بصوم الستين بعد العجز عن الصدقة،المعتضدة زيادةً على الشهرة بالإجماعات المنقولة و الاحتياط اللازم في الشريعة،بناءً على أن الجمع بين الأخبار يمكن بأحد وجهين:

حمل الأخبار السابقة على الفضيلة و الأخيرة على الإجزاء،أو تقييد هذه بما إذا عجز عن صوم الستين و السابقة على ما إذا قدر عليه،و بعد تعارض الحملين و تساويهما يجب الأخذ بما يحصل به البراءة اليقينية،للإجماع على ثبوت اشتغال الذمة بشيء من الصوم في الجملة بعد العجز عن

ص:285


1- الغنية(الجوامع الفقهية):575.
2- التبيان 4:27،كنز العرفان:325؛ و نسبه في الكفاية:62 إلى كثير من الأصحاب.
3- تقدم مصدره في ص:3381 الهامش(2).
4- التهذيب 5:/342 1184،الوسائل 13:11 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 10.
5- حكاه عن العماني في المختلف:272،الصدوق في المقنع:77.
6- أي:سواء قدر على صوم الستّين أم عجز عنه.(منه(رحمه اللّه)).
7- انظر الوسائل 13:8 أبواب كفارات الصيد ب 2.

الصدقة.

هذا على تقدير القول بتساوي الحملين،و إلّا فالظاهر رجحان الثاني، لأنه من قبيل التقييد و الأول من قبيل المجاز،و إذا تعارضا فالأول أولى، و بالترجيح أحرى،على الأشهر الأقوى،سيّما مع اعتضاده هنا بالشهرة و غيرها.

و من هنا يتّضح المستند لقوله: فإن عجز صام ثمانية عشر يوماً و محصّله الجمع بين النصوص،مضافاً إلى أن في صريح الغنية و ظاهر الكنز الإجماع (1).

و اعلم أنه لو انكسر البُرّ عن القدر الذي يجب دفعه إلى كل مسكين دفع ذلك إليه و صام عن الناقص يوماً،بلا خلاف يعلم،كما في التذكرة و المنتهى (2)،مشعرين بدعوى الإجماع.

و هو الحجة إن تمّ،لا ما قيل من أن صيام اليوم لا يتبعّض،و السقوط غير ممكن؛ لشغل الذمة،فيجب كمال اليوم (3).فإنه مع ما فيه من النظر يدفعه أن مقتضى النصوص أن صيام اليوم إنما يجب بدلاً عن نصف الصاع،و هو غير متحقق هنا.

و لا يصام عن الزائد على الشهرين لو كان؛ للأصل،و النص:« فإذا زادت الأمداد على الشهرين فليس عليه أكثر منه» (4).

و في الغنية الإجماع (5).

ص:286


1- الغنية(الجوامع الفقهية):575،كنز العرفان:325.
2- التذكرة 1:345،المنتهى 2:821.
3- المنتهى 2:821.
4- الكافي 4:/386 3،الوسائل 13:10 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 5.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):575.

و لا الناقص عنهما إن نقص البدل،وفاقاً لظاهر الأكثر و صريح جمع (1)؛ للأصل،و ظاهر الأخبار.

خلافاً لآخرين (2)،فيصوم الستين مطلقاً.و هو أحوط و أولى و إن كان الأول أقوى.

و لو عجز عن الستين فهل يجب الثمانية عشر و يكفي مطلقاً،أم بشرط العجز عن الزائد عنها و إلّا فيجب الزائد أيضاً؟وجهان،و لعلّ الأول أقوى و إن كان الثاني أحوط و أولى.

و لو عجز بعد صيام شهر عن الشهر الآخر فأقوى الاحتمالات السقوط و إن كان الأحوط وجوب ما قدر و لو زائداً عن التسعة،و بين الاحتمالين صومها خاصة،و جعله في القواعد أقواها (3)

الثاني في بقرة الوحش بقرة أهلية

الثاني:في بقرة الوحش بقرة أهلية بلا خلاف فتوًى و روايةً، و هي صحاح مستفيضة معتضدة بعد ظاهر الكتاب بأخبار أُخر معتبرة (4).

فإن لم يجد ها فضّ ثمنها على الطعام و أطعم ثلاثين مسكيناً، كل مسكين مدّين كما في الصحاح،و إن اختلفت كالفتاوي في التقدير بمدّ كما في الصحيح (5)،أو مدّين كما في الصحيحين (6).و الأول أقرب،

ص:287


1- منهم:أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه:205،و العلامة في التحرير 1:116،و السبزواري في الكفاية:62؛ و انظر كشف اللثام 1:392.
2- منهم:المفيد في المقنعة:435،و العلّامة في القواعد 1:94.
3- القواعد 1:94.
4- الوسائل 13:5 أبواب كفارات الصيد ب 1.
5- التهذيب 5:/343 1187،الوسائل 13:13 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 13.
6- أحدهما:صحيح أبي عبيدة و قد تقدم مصدره في ص:3381 الهامش(2)؛ و لم نعثر على الصحيح الآخر.

و يحمل الثاني على الفضل كما مرّ.

و إن كانت قيمة البقرة أقلّ من ذلك اقتصر على قيمتها كما يستفاد من الصحيح.و كذا لو زادت عنه لم يجب عليه الزيادة،كما يستفاد من غيره من الصحاح (1).

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده إلّا فيما عرفته.

فإن لم يجد صام عن كل مسكين يوماً للصحيحين و غيرهما الآمرة بالصيام عن كل مسكين يوماً بعد العجز عن الصدقة:

ففي أحدهما (2)و المرسل كالموثق (3):عن قول اللّه تعالى أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً [1] (4)قال:« عدل الهدي ما بلغ يتصدق به،فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين يوماً» .و في الثاني:« فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوماً» (5).

فإن عجز عن الصيام كذلك صام تسعة أيام للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (6)،لكن فيها الأمر بذلك بعد العجز عن الصدقة،كما عليه جماعة (7)،و لكنها محمولة على ما ذكرناه من التفصيل،

ص:288


1- الكافي 4:/386 5،الفقيه 2:/232 1110،التهذيب 5:/342 1185،الوسائل 13:8 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 2،9.
2- التهذيب 5:/342 1184،الوسائل 13:11 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 10.
3- الكافي 4:/386 3،الوسائل 13:10 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 5 مع تفاوت في متنه.
4- المائدة:95.
5- الكافي 4:/387 10،التهذيب 5:/466 1626،الوسائل 13:8 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 1.
6- الوسائل 13:أبواب كفارات الصيد ب 2 الأحاديث 3،7،12،13.
7- منهم:القاضي في المهذّب 1:277،و الحلّي في السرائر 1:556،و ابن سعيد في الجامع:189.

وفاقاً للأكثر،و في الغنية الإجماع (1)،جمعاً بين الأدلة،و إن أمكن الجمع بينها بحمل الأخبار الأوّلة على الفضيلة،و لكن ما اخترناه من الجمع أولى، لما عرفته في النعامة.و يأتي في هذه المسألة ما قد عرفته ثمة من الفروعات المناسبة.

و كذا الحكم في حمار الوحش فيلزم فيه البقرة،و مع العجز عنها فإطعام ثلاثين مسكيناً،و مع العجز عنه فالصوم كذلك،و مع العجز عنه فصوم تسعة أيام على الأظهر الأشهر بل في الغنية الإجماع (2)؛ للنصوص المستفيضة و فيها الصحيح و غيره (3).

خلافاً للمقنع فبدنة (4)؛ للصحاح (5).

و للإسكافي فخيّر بينهما (6)،و وافقه جماعة من متأخري المتأخرين جمعاً (7).

و فيه:أنه فرع التكافؤ،و ليس؛ لرجحان الأوّلة بكثرة العدد و الاعتضاد بالشهرة و حكاية الإجماع المتقدمة؛ مضافاً إلى ضعف دلالة الأخيرة باحتمال البدنة فيها الحمل على البقرة،لما عرفته من عموم البدنة للبقرة

ص:289


1- الغنية(الجوامع الفقهية):576.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):575.
3- انظر الوسائل 13:12 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 12،13،و ب 3 ح 1؛ و المستدرك 9:249 أبواب كفارات الصيد ب 1 ح 1،و ب 2 ح 5،7.
4- المقنع:77.
5- الوسائل 13:5 أبواب كفارات الصيد ب 1 ح 2،4.
6- حكاه عنه في المختلف:272.
7- منهم:صاحب المدارك 8:326،و السبزواري في الذخيرة:605،و المجلسي في ملاذ الأخيار 8:272.

عند جماعة من اللغويين و الحنفية (1)،كذا قيل (2).و فيه مناقشة.

الثالث الظبي،و فيه شاة

الثالث:الظبي،و فيه شاة بالكتاب (3)و السنّة (4)و الإجماع.

فإن لم يجد ها فضّ ثمن الشاة على البُرّ بل مطلق الطعام و أطعم عشرة مساكين كل مسكين مدّين على الأشهر،و مدّاً على الأظهر.

و لو قصرت قيمتها عن إطعامهم اقتصر عليها و لو زادت عنه لم يجب عليه الزائد.

فإن لم يجد صام عن كل مسكين يوماً،فإن عجز صام ثلاثة أيام كلّ ذلك لعين ما مرّ من الأدلة،فإنّ الكلام في هذه المسألة كالكلام فيما تقدمها فتوًى و دليلاً و خلافاً.

و الأبدال في الأقسام الثلاثة على التخيير عند جماعة و منهم الحلّي (5)،عازياً له كغيره- (6)إلى الشيخ في الجمل و العقود و الخلاف (7)، و تبعهما كثير من متأخري الأصحاب و منهم الفاضل المقداد (8)؛ لظاهر« أو»

ص:290


1- راجع ص 3378.
2- كشف اللثام 1:392.
3- المائدة:95.
4- الوسائل 13:5 أبواب كفارات الصيد ب 1.
5- السرائر 1:557.
6- كشف اللثام 1:392.
7- الجمل و العقود(الرسائل العشر):216،الخلاف 2:397.
8- التنقيح الرائع 1:535.

في الآية المفيدة للتخيير،بناءً على وضعها له لغةً،كما صرّح به هو و غيره (1)،مبالغاً في ظهورها فيه،حتى ادّعى أنها نصّ فيه،فقال في الجواب عن جواب المرتضى عنها بأنه يجوز العدول عن ظاهر القرآن للدلالة كما عدلنا في قوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ [1] (2)عن مدلول الواو و هو الجمعية إلى التخيير ما صورته:

و فيه نظر؛ لأنا نمنع أنه عدول عن الظاهر،بل عدول عن النص، و هو غير جائز،لأن لفظ« أو» لا يحتمل أمرين أحدهما أظهر،و هو التخيير،بل هو نصّ في التخيير كما قال علماء العربية.

ثم قال:سلّمنا،لكن نمنع وجود الدلالة الموجبة للعدول عن الظاهر؛ لجواز أن يراد بالترتيب في الرواية الأفضلية،لا الوجوب،و التخيير في الآية لا ينافي أفضلية الترتيب.

و فيما ذكره من الجوابين نظر:

أمّا الثاني فلأن جواز إرادة الأفضلية من الترتيب الوارد في الروايات لا ينافي ظهورها فيه،نعم هو محتمل خلاف الظاهر.

و أما الأول فلأن وضعها للتخيير لا يستلزم نصّيّته،إلّا بعد ثبوت صحة ما ذكره من عدم احتمالها أمرين أحدهما أظهر و هو التخيير،و لم يثبت،بل الثابت خلافه،لظهور شيوع استعمالها فيما عدا التخيير من التنويع،و لذا أن عامة متأخري الأصحاب بل كافّتهم عداه لم يدّعوا سوى ظهورها في التخيير،لا صراحتها فيه،بل زاد بعض متأخريهم فادّعى إجمالها و عدم ظهورها فيه،و إنما استدل على هذا القول بالأصل فقال

ص:291


1- المدارك 8:331؛ الذخيرة:604.
2- النساء:3.

للأصل،مع احتمال« أو» للتخيير أو التقسيم،ثم قال:و ضعفه ظاهر، و أضعف منه ما يقال أن ظاهر« أو» للتخيير (1).

أقول:و فيه أيضاً نظر،بل الحقّ فيها هو الظهور المطلق،كما هو ظاهر من عداهما من الأصحاب.

و عليه،فيشكل الجمع بين ظاهر الآية و هو التخيير،و الأخبار الكثيرة القريبة من التواتر (2)،و هو الترتيب.

و لأجلها قيل في المسألة بأنها على الترتيب و القائل:الأكثر،و منهم السيّدان (3)،مدّعياً ثانيهما في ظاهر الغنية الإجماع،و الشيخان (4)،عازياً ثانيهما له في المبسوط إلى الأصحاب،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،كما قيل (5).

و هو إن لم نقل بكونه أظهر فلا ريب في كونه أحوط، خروجاً عن شبهة الخلاف فتوًى و دليلاً،كتاباً و سنّةً؛ فإنّ الجمع بينهما و إن أمكن بحمل الروايات على الأفضلية،إلّا أنه ليس بأولى من حمل« أو» في الآية على ما عدا التخيير،و التكافؤ من جميع الوجوه حاصل،فيدور الأمر بين التجوز في ظاهر الكتاب و التجوز في ظاهر الروايات،كلّ محتمل.

و ترجيح الثاني بالصحيح:« كل شيء في القرآن أَوِ [1] فصاحبه بالخيار يختار ما يشاء،و كلّ شيء في القرآن فَمَنْ لَمْ يَجِدْ [2] فعليه كذا

ص:292


1- انظر كشف اللثام 1:392.
2- في« ق» زيادة:بل المتواترة.
3- المرتضى في الانتصار:101،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):576.
4- المفيد في المقنعة:435،الطوسي في المبسوط 1:340.
5- الحدائق 15:190.

فالأول بالخيار» (1)ليس بأولى من ترجيح الأول بظاهر دعوى الإجماع المتقدمة في كلام ابن زهرة و شيخ الطائفة،سيّما مع اعترافه بكون التخيير ظاهر الآية.

و حيث دار الأمر بين مجازين لا مرجّح لأحدهما على الآخر،صار المكلَّف به من قبيل المجمل،فيجب الأخذ فيه بالمتيقن و إن احتمل على بُعدٍ التخيير.

ثم ظاهر العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة ثبوت التخيير على القول به في جميع الإبدال الثلاثة.

خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني و سبطه (2)فقالا:موضع الخلاف من الثلاثة،الثلاثة الأُول،أعني الفرد من النعم،و فضّ ثمنه على المساكين، و صيام قدرهم أياماً.

و أمّا الصوم الأخير في الثلاثة،و هو الثمانية عشر و التسعة و الثلاثة فلا خلاف في أنها مترتبة على المتقدم.

و في الثعلب و الأرنب شاة بلا خلاف،كما استفاض نقله في عبائر جماعة من الأصحاب (3)،مشعرين بدعوى الإجماع،كما في ظاهر الغنية فيهما (4)،و عن التذكرة في الأرنب و كذا عن المنتهى (5).

ص:293


1- الكافي 4:/358 2،التهذيب 5:/333 1147،الإستبصار 2:/195 656،الوسائل 13:165 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 14 ح 1.
2- الشهيد الثاني في المسالك 1:134،و سبطه في المدارك 8:330.
3- منهم:صاحبا المدارك 8:328،و الحدائق 15:198،و السبزواري في الذخيرة:605.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):575.
5- التذكرة 1:345،المنتهى 2:823.

للصحاح (1)في[الثاني (2)]و بعض المعتبرة المنجبرة بفتوى الجماعة و حكايات الإجماع المتقدمة في[الأول (3)].و فيه:عن رجل قتل ثعلباً،قال:« عليه دم» قال:فأرنباً؟قال:« مثل ما في الثعلب» (4).

و يؤيده ما قيل من أن الشاة مثله من النعم،و هو أولى بذلك من الأرنب (5).

قيل:فإن عجز عن الشاة استغفر اللّه تعالى،و لا بدل لها،وفاقاً للمحقّق و الصدوقين و ابني الجنيد و أبي عقيل؛ للأصل من غير معارض (6).

و فيه نظر؛ لوجود المعارض؛ و هو الصحاح المتقدمة المتضمنة بعضها لقوله(عليه السّلام):« إذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه صيد قوّم جزاؤه من النعم دراهم» (7)فإنّ الجزاء متناول للجميع.

و آخر منها قوله:« من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام» (8)فإنه متناول أيضاً للجميع.

و نحوهما قوله(عليه السّلام)في آخر منها:« عدل الهدي ما بلغ يتصدّق به،

ص:294


1- الوسائل 13:17 أبواب كفارات الصيد ب 4.
2- بدلهما في النسخ:الأول و الثاني،و هو سهو ظاهراً.
3- بدلهما في النسخ:الأول و الثاني،و هو سهو ظاهراً.
4- الكافي 4:/386 7،الفقيه 2:/233 1116،التهذيب 5:/343 1188،الوسائل 13:17 أبواب كفارات الصيد ب 4 ح 4.
5- كشف اللثام 1:392.
6- كشف اللثام 1:392.
7- الكافي 4:/387 10،التهذيب 5:/466 1626،الوسائل 13:8 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 1.
8- التهذيب 5:/343 1187،الوسائل 13:13 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 13.

فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ،لكل إطعام مسكين[يوماً ]» (1). و لذا قيل: إن البدل فيهما كالظبي و القائل به الأكثر كالشيخين و السيّدين و الحلّي و غيرهم (2)،و في ظاهر الغنية الإجماع.

و هنا قول آخر ذهب إليه شيخنا في المسالك و الروضة و غيره (3)، و هو العمل بإطلاق الصحيح الثاني،قال:و الفرق بينه و بين إلحاقهما بالظبي يعني القول الثاني يظهر فيما لو نقصت قيمة الشاة عن إطعام عشرة مساكين،فعلى الإلحاق يقتصر على القيمة،و على الرواية يجب إطعام العشرة.

و اعترضه سبطه بأنه يتوجه عليه بأن الصحيح الأول المتضمن للاقتصار على التصدق بقيمة الجزاء متناول للجميع،فلا وجه لتسليم الحكم في الظبي و منعه هنا،مع أن اللازم مما ذكره زيادة فداء الثعلب عن فداء الظبي،و هو بعيد جدّاً (4).انتهى.و هو حسن.

الرابع في بيض النعام إذا تحرّك الفرخ لكل بيضة بَكرة

الرابع:في كسر بيض النعام إذا تحرّك الفرخ فيها و كان حياً فتلف بالكسر:

لكل بيضة بَكرة من الإبل،و المعروف في اللغة أنها أُنثى البَكر،

ص:295


1- التهذيب 5:/342 1184،الوسائل 13:11 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 10.بدل ما بين المعقوفين في النسخ:مدّاً،و ما أثبتناه من المصدر.
2- المفيد في المقنعة:435،الطوسي في المبسوط 1:340،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):113،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):575،الحلي في السرائر 1:557؛ و انظر المدارك 8:329.
3- المسالك 1:134،الروضة البهية 2:336؛ و انظر جامع المقاصد 3:307.
4- المدارك 8:330.

و هو الفَتيّ (1)،و كأنهم أرادوا الواحدة،كما عن الحلّي و في الشرائع و غيره (2).

و المستند الصحيح (3):« إنّ في كتاب عليّ(عليه السّلام)في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم،مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل» (4).

و حمل عليه إطلاق البعير في الصحيح الآخر:عن رجل كسر بيض نعام و في البيض فراخ قد تحرك،فقال:« لكلّ فرخ تحرّك بعير ينحره في المنحر» (5).

كما قيّد إطلاق البيض في الأول بالمتحرك فيه الفرخ لهذا الصحيح، مضافاً إلى الإجماع عليه،كما في صريح المختلف و المدارك و ظاهر الغنية (6).

و بهما يقيّد إطلاق ما سيأتي من الأخبار بالإرسال و إن أفتى بظاهرها جماعة من القدماء،كالإسكافي و الصدوق في بعض كتبه و المفيد و المرتضى و الديلمي (7)،جمعاً،مع ضعف إطلاقها بظهور سياق جملة منها في المجهول حاله،و هو الفرد المتبادر و الغالب الذي ينصرف إليه إطلاق

ص:296


1- الصحاح 2:595،لسان العرب 4:79،مجمع البحرين 3:229.
2- الحلّي في السرائر 1:561،الشرائع 1:285؛ و انظر كشف اللثام 1:399.
3- في« ق»:الصحيحان.
4- الكافي 4:/389 5،التهذيب 5:/355 1233،الإستبصار 2:/202 687،الوسائل 13:55 أبواب كفارات الصيد ب 24 ح 4.
5- التهذيب 5:/355 1234،الإستبصار 2:/203 688،الوسائل 13:54 أبواب كفارات الصيد ب 24 ح 1.
6- المختلف:275،المدارك 8:332،الغنية(الجوامع الفقهية):576.
7- نقله عن الإسكافي في المختلف:275،الصدوق في المقنع:78،المفيد في المقنعة:436،المرتضى في الانتصار:100،الديلمي في المراسم:119.

البواقي و عبارات هؤلاء القدماء،و يؤيده ما مرّ من تعدّد نقلة الإجماع على التقييد.

نعم،عن الصدوقين التصريح بالإرسال إذا تحرّك،و أنه إذا لم يتحرك فعن كل بيضة شاة (1).

قيل:و كأنهما استندا إلى الجمع بين أخبار الإرسال و بعض الأخبار (2)بأن في بيض النعامة شاة (3).

و فيه:أنه فرع الشاهد عليه،و ليس؛ مضافاً إلى ما مرّ من انصراف الإطلاق إلى صورة الجهل،دون العلم.

نعم في بعض الأخبار (4)و الرضوي (5):« و إذا وطئ بيض نعام ففدغها و هو محرم و فيها فراخ تتحرك،فعليه أن يرسل فحولة من البدن على الإناث بقدر عدد البيض فما لقح و سلم حتى ينتج فهو هدي لبيت اللّه الحرام،و إن لم ينتج شيئاً فليس عليه شيء» .لكنهما غير مكافئين لما مضى سنداً و عملاً و اشتهاراً،فالعمل به أولى.

مضافاً إلى أن ظاهر هذين الخبرين الفرق بين الكسر بالوطء فما

ص:297


1- الصدوق في المقنعة 2:234،و حكاه عن والده في المختلف:275.
2- كخبر أبي بصير في الوسائل 13:53 أبواب كفارات الصيد ب 23 ح 3،و خبر أبي عبيدة في الوسائل 13:56 أبواب كفارات الصيد ب 24 ح 5.
3- كشف اللثام 1:393.
4- الفقيه 2:/234 ذيل الحديث 1117؛ و لعلّه من كلام الصدوق و لذا لم ينقله في الوسائل.
5- فقه الرضا(عليه السّلام):227،المستدرك 9:272 أبواب كفارات الصيد ب 18 ح 3؛ بتفاوت يسير.

مرّ،و بالإصابة و الأكل فشاة كما في صدرهما،و هو معارض للأخبار بل و الفتاوي جملةً،إلّا من الصدوق في المقنع فأفتى بمضمونهما (1)،و أما أبوه فصرّح بالتسوية بينهما (2)كظاهر سائر الأصحاب،فهو شاذّ،و ما في المتن هو المشهور و المختار.

و إن لم يتحرك قطعاً أو احتمالاً أرسل فحولة الإبل في إناث بعدد البيض فما نتج كان هدياً لبيت اللّه تعالى الحرام،بل خلاف إلّا ممن مرّ.و هو مع ضعف مستنده كما عرفت نادر،بل على خلافه الإجماع في ظاهر الغنية و صريح المدارك (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها،منها:« من أصاب بيض نعام و هو محرم فعليه أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل،فإنه ربما فسد كلّه،و ربما خلق كلّه،و ربما صلح بعضه و فسد بعضه،فما نتجت الإبل فهدياً بالغ الكعبة» (4).

و نحوه في ظهور السياق في المجهول الخبران،أحدهما المرسل (5).

و منها:في رجل وطئ بيض نعام ففدغها و هو محرم،قال:« قضى

ص:298


1- المقنع:78.
2- كما نقله عنه في المختلف:275.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):576،المدارك 8:333.
4- التهذيب 5:/354 1230،الإستبصار 2:/202 685،الوسائل 13:52 أبواب كفارات الصيد ب 23 ح 1.
5- أحدهما:المقنعة:436،التهذيب 5:/354 1231،الوسائل 13:53 أبواب كفارات الصيد ب 23 ح 4. و الآخر:الكافي 4:/387 11،التهذيب 5:/354 1229،الإستبصار 2:/201 684،الوسائل 13:53 أبواب كفارات الصيد ب 23 ح 5.

فيه عليّ(عليه السّلام)أن يرسل الفحل على[مثل (1)]عدد البيض من الإبل،فما لقح و سلم حتى ينتج كان[النتاج (2)]هدياً بالغ الكعبة» (3).

و نحوه في الإطلاق آخر (4).

و ظاهر إطلاقها كفاية الفحل الواحد و عدم اعتبار تعدّده،كما صرّح به جماعة (5)،معربين عن عدم خلاف فيه و إن أوهمته ظاهر العبارة.

و ظاهرها اعتبار تعدد الأُنثى،و أنه لا يكفي مجرّد الإرسال،بل يشترط مشاهدة كل واحد منها قد طرقت بالفحل.

ثم قد عرفت أن ظاهرها جهالة البيض،فلو علم بأن فرخها ميت لم يلزمه شيء؛ للأصل السالم عن المعارض.

و كذا لو كانت فاسدة،أو كسرها فخرج منها فرخ فعاش،و صرّح بذلك أيضاً أجمع جمع (6).

و ليس فيها و لا في كلام أكثر الأصحاب تعيين مصرف هذا الهدي، و قيل:إنه مساكين الحرم كما في مطلق جزاء الصيد (7)،و قيل بالتخيير بين

ص:299


1- أضفناه من المصدر.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ:الناتج،و ما أثبتناه من المصدر.
3- الكافي 4:/389 2،الوسائل 13:54 أبواب كفارات الصيد ب 23 ح 6.
4- التهذيب 5:/355 1232،الإستبصار 2:/202 686،الوسائل 13:52 أبواب كفارات الصيد ب 23 ح 2.
5- منهم:العلامة في المنتهى 2:823،و صاحب المدارك 8:332،و السبزواري في الذخيرة:608،و صاحب الحدائق 15:210.
6- كالعلامة في المنتهى 2:823،و صاحب المدارك 8:332،و صاحب الحدائق 15:209.
7- المدارك 8:334.

صرفه في مصالح الكعبة و معونة الحاج كغيره من أموال الكعبة (1)، و الاحتياط لا يترك.

فإن عجز فعن كل بيضة شاة،فإن عجز فإطعام عشرة مساكين،فإن عجز صام ثلاثة أيام وفاقاً للأكثر؛ للخبر المنجبر بالعمل:« فمن لم يجد إبلاً فعليه لكل بيضة شاة،فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين،لكلّ مسكين مدّ،فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام» (2).

و في الصحيح:« من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام» (3).

و عكس الصدوق في المقنع و الفقيه كما قيل (4)،فجعل على من لم يجد شاة صيام ثلاثة أيام،فإن لم يقدر أطعم عشرة مساكين؛ للخبرين (5).

و فيهما ضعف عن المقاومة لما مرّ سنداً و اشتهاراً،حتى أن في صريح المدارك الاتفاق عليه (6).

ثم إن صريح الخبر أنّ لكل مسكين مدّاً،و هو نصّ التحرير و التذكرة و المنتهى و المختلف و الدروس و غيرهم (7).و هو الأقوى،و للأصل.

ص:300


1- الروضة 2:337.
2- الكافي 4:/387 11،التهذيب 5:/354 1229،الإستبصار 2:/201 684،الوسائل 13:53 أبواب كفارات الصيد ب 23 ح 5.
3- التهذيب 5:/343 1187،الوسائل 13:13 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 13.
4- المقنع:78،الفقيه 2:234،و الحاكي عنهما الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:393.
5- الأول:خبر أبي بصير المتقدم مصدره في ص 3392 الهامش(5).و أما الثاني فالظاهر أن مراده ما ورد في ذيل خبر محمّد بن الفضيل المرويّ في الفقيه 2:/233 1117،و قد أشرنا في ص 3393 أنه من كلام الصدوق.
6- المدارك 8:334.
7- التحرير 1:116،التذكرة 1:346،المنتهى 2:823،المختلف:275،الدروس 1:355،و انظر مجمع الفائدة 6:371،و الروضة 2:338.

خلافاً للمحكي عن القاضي،فأطلق أن من وجب عليه شاة فلم يقدر عليها أطعم عشرة مساكين،كل مسكين نصف صاع (1).و مستنده غير واضح.

و حكى الحلّي (2)عن المقنعة أن على من عجز عن الإرسال أطعم عن كل بيض ستين مسكيناً،فإن لم يجد صام شهرين متتابعين،فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً.

و قد صرّح الفاضل في المختلف و غيره (3)بأنهم لم يجدوه في نسخها،و لا حكاه الشيخ في التهذيب.

الخامس في بيض القطاة و القبج إذا تحرك الفرخ من صغار الغنم

الخامس:في بيض القطاة و القبج إذا تحرك الفرخ فيه من صغار الغنم كما هنا و في الشرائع و عن الجامع (4)،لكن بزيادة الدرّاج كما في القواعد (5).

قيل:و بمعناه ما في الخلاف من أن في القطاة بكارة من الغنم،و ذلك للمماثلة المنصوصة في الآية و ما مرّ من الصحيح (6)و إن اختص ببيض القطاة؛ لتشابه الثلاثة،و ما يأتي من أن فيها أنفسها حَمَلاً،ففي بيضها أولى؛ و عن المهذّب و الإصباح أن في بيضة الحَجَلة شاة (7).

و في رواية ضعيفة بالإضمار و غيره: في البيضة من القطاة مخاض من الغنم أي ما من شأنه أن يكون حاملاً،كما عن الحلي (8)،

ص:301


1- المهذب 1:227.
2- السرائر 1:565.
3- المختلف:275؛ و انظر كشف اللثام 1:393.
4- الشرائع 1:285،الجامع للشرائع:192.
5- القواعد 1:94.
6- في ص:3391.
7- كشف اللثام 1:393.
8- السرائر 1:565.

ففيها:عن رجل وطئ بيض قطاة فشدخه،قال:« يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد البيض من الإبل،و من أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم» (1).

و عمل بها في النهاية و المبسوط و الوسيلة (2)في بيض القبج و القطاة.

قيل:و يوافقها التذكرة و المنتهى و التحرير و المختلف و الدروس و الإرشاد (3).

و قال الماتن في النكت:إنه شيء انفرد به الشيخ لهذه الرواية و تأويلها بما تحرّك فيه الفرخ.قال:و في التأويل ضعف؛ لأنه بعيد أن يكون في القطاة حَمَل،و في الفرخ عند تحرّكه مخاض،فيجب اطراحه لوجوه:

أحدها:أن الخبر مرسل؛ لأنا لا ندري المسئول من هو.

و ثانيها:أنه ذكر في البيضة،و لعلّه لا يريد بيض القطاة،بل بيضة النعام،لأن الكلام مطلق،ثم يعارضه رواية سليمان بن خالد أيضاً،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام) (4)،و ذكر ما أشرنا إليه من الصحيحة (5).

أقول:التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص المطلق إن قلنا بشمول البكار من الغنم للصغير منه،و إلّا كما في الذخيرة- (6)فلا تعارض بينهما،و على التقدير الأول يجب حمل العام على الخاص،و المطلق على

ص:302


1- التهذيب 5:/356 1239،الإستبصار 2:/203 692،الوسائل 13:58 أبواب كفارات الصيد ب 25 ح 4.
2- النهاية:227،المبسوط 1:345،الوسيلة:169.
3- كشف اللثام 1:393.
4- نكت النهاية و نكتها 1:489.
5- المتقدمة في ص:3391.
6- الذخيرة:606.

المقيد،لكن لما ضعف الخاص سنداً و مخالفة لما مرّ من القياس بالطريق الأولى عيّن طرحه أو حمله على الاستحباب جمعاً.

و إن لم يتحرك أرسل فحولة الغنم أو فحلاً منها في إناثها بعدد ما كسر من البيض،فما نتج كان هدياً للبيت،بلا خلاف في هذا الإرسال على الظاهر،المصرَّح به في عبائر (1)؛ للمستفيضة،و فيها الصحاح،منها:عن محرم وطئ بيض قطاة فشدخه،قال:« يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد البيض من النعام في الإبل» (2).

و لكنها كغيرها خلت عن كون الهدي لبيت اللّه،و قد ذكره الشيخ و غيره (3).و عن التقييد بعدم التحرك،بل هي مطلقة له و لغيره،و لذا أطلق الإرسال جماعة من قدماء الأصحاب كالمفيد و الديلمي و الحلبيّين (4).

و لكن التفصيل جامع بينها و بين ما مرّ،مضافاً إلى عموم التشبيه ببيض النعام في الصحيح:« في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام من الإبل» (5).

و قريب منه الصحيح المتقدم و غيره (6).

ص:303


1- المدارك 8:336،المفاتيح 1:323،كشف اللثام 1:393.
2- التهذيب 5:/356 1237،الإستبصار 2:/203 689،الوسائل 13:57 أبواب كفارات الصيد ب 25 ح 1.
3- الشيخ في المبسوط 1:345،القاضي في المهذب 1:224،الحلّي في السرائر 1:565.
4- المفيد في المقنعة:436،الديلمي في المراسم:120،أبو الصلاح في الكافي:206،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):576.
5- التهذيب 5:/357 1240،الإستبصار 2:/204 693،الوسائل 13:58 أبواب كفارات الصيد ب 25 ح 2.
6- التهذيب 5:/356 1238،الإستبصار 2:/203 690،الوسائل 13:58 أبواب كفارات الصيد ب 25 ح 3.

قيل:و قيّده علي بن بابويه بتحرك الفرخ،و أوجب القيمة إن لم يتحرك (1)؛ للرضوي (2).و هو كمستنده مع قصوره شاذّ.

و لو عجز عن الإرسال كان فيه ما في بيض النعام كما هنا و في الشرائع و عن النهاية و المبسوط (3).

و ظاهر العبارة كما صرّح به الحلّي في السرائر،و الماتن في النكت كما حكي- (4):أنه يجب عن كل بيضة شاة،ثم إطعام عشرة مساكين،ثم صيام ثلاثة أيام.

قال الحلّي:و لا يمتنع ذلك إذا قام الدليل عليه.

و ظاهره الفتوى به،كما هو نصّ المفيد،كما حكاه عنه جماعة، منهم الماتن فيما حكي،فإنه قال:إن وجوب الشاة عن كل بيضة إذا تعذّر الإرسال شيء ذكره المفيد،و تابعه عليه الشيخ،و لم انقَل به رواية على الصورة،بل رواية سليمان بن خالد:« في كتاب علي(عليه السّلام):في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام» (5)و هذا فيه احتمال (6).

أقول:و كذا المرسل:« يصنع فيه في الغنم كما يصنع في بيض النعام في الإبل» (7)و لكنه فيه أبعد.

ص:304


1- كشف اللثام 1:393.
2- فقه الرضا(عليه السّلام):228،المستدرك 9:272 أبواب كفارات الصيد ب 19 ح 2.
3- الشرائع 1:286،النهاية:227،المبسوط 1:345.
4- السرائر 1:566،و حكاه عنهما في كشف اللثام 1:393.
5- التهذيب 5:/357 1240،الإستبصار 2:/204 693،الوسائل 13:55 أبواب كفارات الصيد ب 25 ح 2.
6- نكت النهاية 1:489.
7- تقدم مصدره في ص:3398 الهامش(6).

و عن المنتهى عندي في ذلك تردّد؛ فإنّ الشاة تجب مع تحرّك الفرخ،لا غير،بل و لا يجب شاة كاملة بل صغيرة على ما بيّنّاه،فكيف يجب الشاة الكاملة مع عدم التحرك و إمكان فسادة و عدم خروج الفرخ منه، قال:و الأقرب أن مقصود الشيخ مساواته لبيض النعام في وجوب الصدقة على عشرة مساكين،و الصيام ثلاثة أيام إذا لم يتمكن من الإطعام (1).

و نحوه التحرير و التذكرة و المختلف (2)،و فيه القطع بأنه لا يجوز المصير إلى ما ذكره الحلّي،قال:و كيف يتوهّم إيجاب الأقوى و هو الشاة التي لا تجب مع المكنة حالة العجز،فإنّ ذلك غير معقول.

ثم لمّا كان ظاهر كلام الحلّي أن الأخبار وردت به ردّه بأنها لم ترد بما قاله،نعم روى سليمان بن خالد،و ذكر ما في النكت،قال:و لكن إيجاب الكفارة كما تجب في النعام لا يقتضي المساواة في القدر.

أقول: و على منهاجه سلك المتأخرون،و مرجعه إلى الاستبعاد،و منع دلالة رواية سليمان.

و لا حجة في الأول بعد قيام الدليل الظاهر،سيّما مع ضعفه في نفسه بمنع كون الشاة أقوى و أشقّ من الإرسال،بل هي أسهل على أكثر الناس، لتوقفه على تحصيل الإناث و الذكور،و تحرّي زمن الحمل،و مراجعتها إلى حين النتاج،و صرفه إلى الكعبة.

و هذه أُمور تعسر على الحاج غالباً أَضعاف الشاة،كما نبّه عليه شيخنا في الروضة،فمنَعَ تفسير المتأخرين من هذه الجهة.لكن وافقهم في المذهب،قال:لا لذلك،بل لأن الشاة تجب أن تكون مجزئة هنا بطريق

ص:305


1- المنتهى 2:824.
2- التحرير 1:116،التذكرة 1:346،المختلف:276.

أولى؛ لأنها أعلى قيمةً و أكثر منفعةً من النتاج،فيكون كبعض أفراد الواجب،و الإرسال أقلّه،و متى تعذّر الواجب انتقل إلى بدله،و هو هنا الأمران الأخيران يعني الإطعام ثم الصيام من حيث البدل العام، لا الخاص،لقصوره عن الدلالة،لأن بدليتهما عن الشاة تقتضي بدليتهما عمّا هو دونها قيمةً بطريق أولى (1).

و فيه:أنه مبني على جواز الشاة مع التمكن عن الإرسال،و فيه منع، مع مخالفته في الظاهر الإجماع فتوًى و نصّاً.

و مع ذلك فبدلية الأخيرين عن الإرسال بالبدل العام تتوقف على العجز عن أفراد الواجب كلّها حتى الشاة كما فرضه،و الفرض خلافه،و هو التمكن منها،و حينئذ فلا يتبدل الأخيران عن الإرسال أيضاً و لو بالبدل العام.

و بالجملة:المفروض بدليتهما عن الإرسال مع التمكن من الشاة،و ما ذكره على فرض تماميته إنما تفيد بدليتهما عنه مع العجز عنها،و هو غير محل النزاع.

ثم ما ذكره من قصور دلالة الخاص يعني رواية سليمان تبعاً للمتأخرين إن أراد به القصور عن الصراحة فمسلّم،لكن الظهور كاف،و إن أراد به القصور عنه أيضاً فممنوع،و لذا اعترف بالظهور في صدر عبارته التي لم ننقله هنا،فقال بعد نقل نحو عبارة الماتن من اللمعة:كذا أطلق الشيخ تبعاً لظاهر الرواية،و تبعه الجماعة،و ظاهره أن في كل بيضة شاة، فإن عجز أطعم عشرة مساكين،فإن عجز صام ثلاثة أيام،ثم استشكل باستبعاد المتأخرين.

ص:306


1- الروضة البهية 2:341.

و فيه ما عرفته من ضعفه في نفسه مضافاً إلى ما قاله،مضافاً إلى ابتنائه على ضعف دلالة الرواية و توقفها على إرادة المشابهة في المقدار و الكيفية،دون ثبوت أصل الكفارة خاصة،و هو قد اعترف بظهورها في ما عدا الثاني،و هو كاف،إذ لا يشترط في الدلالة الصراحة.

و يعضده فهمُ الجماعة،و لذا أفتوا بإطلاقها كما ذكره،مشعراً بوفاقهم،و اتفاقُهم إلّا النادر على ثبوت البدلين الأخيرين مع أنه لا حجة لهم سوى الرواية.

و الحكم ببدليتهما هنا تبعاً للرواية العامة ببدليتهما عن الشاة حيث تعذّرت موقوف أوّلاً على كون المبدل منه الشاة،و ليس كذلك،بل هو الإرسال.و ثانياً على تعذرها،و الفرض إمكانها كما عرفته.

و ممّا ذكرنا تبيّن أن الحقّ ما عليه المفيد و الحلّي و سائر الجماعة،و أنّ قول المتأخرين ضعيف في الغاية،كالمحكي عن ابن حمزة،حيث أوجب بعد العجز عن الإرسال التصدق بدرهم عن كل بيضة (1)؛ لعدم وضوح دليل عليه و لا حجة،كما صرّح به جماعة (2).

نعم قيل:قد يكون مستنده خبر سليمان مع ما يأتي من الصحيح في مُحلّ اشترى لمحرم بيض نعام فأكله،أنّ على المحلّ قيمة البيض،لكل بيضة درهماً (3)،أو حمله على بيض الحمام،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى أن فيه درهماً (4).انتهى.و هو كما ترى.

ص:307


1- نقله عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:399.
2- منهم:صاحب المدارك 1:336،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:324.
3- الكافي 4:/388 12،التهذيب 5:/466 1628،الوسائل 13:56 أبواب كفارات الصيد ب 24 ح 5.
4- كشف اللثام 1:393.
الثاني ما لا بدل لفديته

القسم الثاني: ما لا بدل لفديته على الخصوص و هو أيضاً خمسة:

الحمام،و هو كل طائر يَهْدِر

الحمام،و هو كل طائر يَهْدِر قيل:أي يرجّع صوته و يواصله مردّداً (1) و يعبّ الماء قيل:أي يشرب الماء كرعاً أي يضع منقاره في الماء و يشرب و هو واضع له فيه،لا بان يأخذ الماء بمنقاره قطرة قطرة و يبلعها بعد إخراجه كالدجاج (2).

و تفسير الحمام بذلك قد وقع في الشرائع و التحرير و التذكرة و المنتهى و المبسوط (3)،كما حكي.

و لعلّه يوافقه ما عن الأزهري أنه قال:أخبرني عبد الملك،عن الربيع عن الشافعي أنه قال:كلّ ما عبّ و هدر فهو حمام،يدخل فيه القماري و الدباسي و الفواخت،سواء كانت مطوقة أو غيرها،آلفة أو وحشية (4)،ثم قال:و العرب تسمّي كلّ مطوّق حماماً (5).

و جعله المحقّق الثاني أعرف بين أهل اللغة (6)،مع أن المحكي عن أكثرهم كالصحاح و فقه اللغة للثعالبي و شمس العلوم و السامي و غيرها (7)ما

ص:308


1- انظر كشف اللثام 1:394.
2- انظر كشف اللثام 1:394.
3- الشرائع 1:286،التحرير 1:116،التذكرة 1:346،المنتهى 2:824،المبسوط 1:346.
4- تهذيب اللغة 4:16.
5- هذا من كلام الشيخ في المبسوط،نقله في كشف اللثام،و ليس من كلام الأزهري كما توهمه العبارة.
6- جامع المقاصد 3:310.
7- انظر كشف اللثام 1:394.

أشار إليه بقوله: و قيل:كلّ مطوّق قيل:و حكاه الأزهري عن أبي عبيدة،عن الأصمعي،قال:مثل القمري و الفاختة و أشباههما (1).و قال الجوهري:من نحو الفواخت و القماري و ساقُ حُرّ و القطا و الوراشين و أشباه ذلك،قال:و عند العامة أنها الدواجن فقط (2).

و عن بعضهم:المراد بالطوق الخضرة أو الحمرة أو السواد المحيط بعنق الحمامة (3).

نعم التفسير الأول أعرف بين الفقهاء؛ إذ لم أر مفسِّراً بهذا قبل الماتن أصلاً،و بعده أيضاً إلّا الشهيد في الدروس ففسّره به حتماً (4)،و في اللمعة مردّداً بينه و بين التفسير الأول فقال:و في الحمامة و هي المطوقة أو ما تعبّ الماء (5).

و كذا الفاضل في القواعد (6).

قيل: و أو هنا يمكن كونه للتقسيم بمعنى كون كل واحد من النوعين حماماً،و كونه للترديد؛ لاختلاف الفقهاء و أهل اللغة في اختيار كل منهما،و الظاهر أن التفاوت بينهما قليل أو منتف،و هو يصلح لجعل المردِّد كلّاً منهما معرِّفا (7).

ص:309


1- تهذيب اللغة 4:16.
2- الصحاح 5:1906.
3- حياة الحيوان 1:366.
4- الدروس 1:356.
5- اللمعة(الروضة البهية 2):341.
6- القواعد 1:94.
7- الروضة 2:342.

أقول:و يحتمل أن يكون الترديد إشارةً إلى ثبوت الحكم الآتي للحمامة بأيهما فسّرت،و ذلك لعدم انحصار ما دلّ عليه من الأخبار فيما تضمّنت لفظها خاصة،بل فيها ما تضمّن لفظ الطير بقول مطلق،أو الفرخ، أو البيض كذلك،و جميع هذه يعمّ الحمامة بالتفسيرين،فلا يحتاج هنا إلى الدقة في تعيين أحدهما،و لا تعارض بين الأخبار ليحتاج إلى حمل مطلقها على مقيّدها،و الحمد للّه.

و على كلّ تقدير فلا بدّ من إخراج القطاة قيل:و الحجل- (1)من التعريف؛ لأن لهما كفارة معيّنة غير كفارة الحمام مع مشاركتهما له في التعريف،كما صرّح به جماعة (2).

و يلزم المحرم و لو في الحلّ في قتل الحمامة الواحدة شاة بلا خلاف إلّا من نادر (3)،و في المنتهى و عن الخلاف و التذكرة (4)الإجماع.

و في فرخها حَمَل بالتحريك من أولاد الضأن،ماله أربعة أشهر فصاعداً،على ما ذكره جماعة من الفقهاء (5).

و لكن الموجود في كلام بعض أهل اللغة أنه الخروف إذا بلغ ستة أشهر (6)،و الأخذ به أحوط.

ص:310


1- المسالك 1:136.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:136،و السبزواري في الذخيرة:607.
3- انظر المراسم:122.
4- المنتهى 2:824،الخلاف 2:411،التذكرة 1:346.
5- منهم:صاحب المدارك 8:339،و السبزواري في الذخيرة:607،و صاحب الحدائق 15:222.
6- انظر مجمع البحرين 5:357.

و في بيضها درهم إذا لم يتحرك فيه الفرخ،و إلّا فحَمَل؛ لما مرّ.

و للصحيح:عن رجل كسر بيض الحمام و في البيض فراخ قد تحرك، قال:« عليه أن يتصدق عن كل فرخ قد تحرّك بشاة،و يتصدق بلحومها إن كان محرماً،و إن كان الفراخ لم يتحرك تصدّق بقيمته ورقاً يشتري به علفاً يطرحه لحمام الحرم» (1).

و عليه ينزل إطلاق الصحيح الآخر:عن غلام كسر بيضتين في الحرم،فقال:« جديين أو حَمَلين» (2)من جهتي شموله المحرم و غيره، و المتحرك من البيض و غيره،بتقييد إطلاقيه بالأولين من القسمين جمعاً بينه و بين سابقه و غيره.كما يقيّد إطلاق الشاة في سابقه على الحَمَل،جمعاً.

و ظاهر الأخير جواز الجدي بدله،و هو الأصح،وفاقاً لجمع (3)؛ لذلك.

مضافاً إلى الصحيح الآخر:في محرم ذبح طيراً« إن عليه دم شاة يهريقه،فإن كان فرخاً فجدي أو حَمَل صغير من الضأن» (4).

و على المحلّ في الحرم فيها أي في قتل الواحدة من الحمام درهم،و في فرخها نصف درهم،و في بيضها إذا لم يتحرك ربع

ص:311


1- التهذيب 5:/358 1244،قرب الاسناد:/236 924،الوسائل 13:59 أبواب كفارات الصيد ب 26 ح 1.
2- التهذيب 5:/358 1243،الإستبصار 2:/204 696،الوسائل 13:59 أبواب كفارات الصيد ب 26 ح 2.
3- منهم:صاحب المدارك 8:34،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:324،و السبزواري في الكفاية:62.
4- التهذيب 5:/346 1201،الإستبصار 2:/201 682،الوسائل 13:23 أبواب كفارات الصيد ب 9 ح 6.

درهم و إلاّ فنصفه.

و لو كان الجاني على أحد هذه الثلاثة محرماً في الحرم اجتمع عليه الأمران فيجب عليه شاة و درهم في الأول،و حَمَل و نصف درهم في الثاني،و درهم و ربعه في الثالث.

كلّ ذلك على المشهور لا سيّما بين المتأخرين.

و الأصل فيها زيادةً على ما مرّ الصحيح:في« المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة،و إن قتل فِراخها ففيها حمل،و إن وطئ البيض فعليه درهم» (1).

و الصحيح:« في الحمام درهم،و في الفرخ نصف درهم،و في البيضة ربع درهم» (2).و نحوه غيره (3).

و يقيّدان بنحو الصحيح:« من أصاب طيراً في الحرم و هو مُحلّ فعليه القيمة،و القيمة درهم يشتري علفاً لحمام الحرم» (4).

و الصحيح:عن فرخين مُسَرْوَلَيْن (5)ذبحتهما و أنا بمكة مُحلّ إلى أن قال: فقال:« تصدّق بثمنهما» فقلت:فكم ثمنهما؟فقال:« درهم خير من ثمنهما» (6).

ص:312


1- الكافي 4:/389 1،التهذيب 5:/345 1197،الإستبصار 2:/200 678،الوسائل 13:22 أبواب كفارات الصيد ب 9 ح 1.
2- الكافي 4:/234 10،التهذيب 5:/345 1196،الإستبصار 2:/200 677،الوسائل 13:26 أبواب كفارات الصيد ب 10 ح 5.
3- الفقيه 2:/171 754،الوسائل 13:25 أبواب كفارات الصيد ب 10 ح 1.
4- الكافي 4:/233 7،الوسائل 13:26 أبواب كفارات الصيد ب 10 ح 3.
5- حمامة مُسَرْوَلَة:في رجليها ريش.الصحاح 5:1729.
6- التهذيب 5:/346 1200،الإستبصار 2:/201 681،الوسائل 13:27 أبواب كفارات الصيد ب 10 ح 7.

و ظاهرهما كغيرهما- (1)وجوب التصدق بالقيمة،سواء زادت عن الدرهم أو نقصت،و أن سبب التنصيص على الدرهم كونه قيمة وقت السؤال.

و يؤيده الأخبار الكثيرة الآمرة بالقيمة على الإطلاق كما في بعضها (2)، و بالثمن كما في آخر (3)،و بمثله في ثالث (4)،و بأفضل منه في رابع (5)، و بدرهم و شبهه في خامس (6).

و الأحوط وجوب أكثر الأمرين من الدرهم و من القيمة السوقية،وفاقاً للمنتهى و التذكرة (7)و إن كان في تعيّنه في وجوب الزائد نظر،لإطلاق الأصحاب وجوب الدرهم من غير التفات إلى القيمة السوقية.

و لعلّه لظهور أن تقويم الحمامة فيما مرّ من الأخبار ليس لأنه قيمتها السوقية يومئذ؛ لبُعد اتّفاق تقويم الحمامة بجميع أنواعها و أصنافها و أفرادها به عند جميع المقوّمين لها و لو بمكة خاصة،و في جميع أعصار الأئمة (عليهم السّلام)التي صدرت عنهم الأخبار.بل الظاهر أن تقويمها بذلك إنما هو تقويم شرعي ليضبط المدار،و يشهد لذلك سؤال بعض الرواة عن قيمة

ص:313


1- التهذيب 5:/346 1198،الإستبصار 2:/200 679،الوسائل 13:26 أبواب كفارات الصيد ب 10 ح 6.
2- الكافي 4:/237 21،الفقيه 2:/171 748،الوسائل 13:27 أبواب كفارات الصيد ب 10 ذيل حديث 7.
3- الكافي 4:/232 2،الوسائل 13:31 أبواب كفارات الصيد ب 12 ح 5.
4- الفقيه 2:/167 726،الوسائل 13:29 أبواب كفارات الصيد ب 11 ح 4.
5- الكافي 4:/235 15،الفقيه 2:/169 742،الوسائل 13:23 أبواب كفارات الصيد ب 9 ح 5.
6- الكافي 4:/395 1،الوسائل 13:29 أبواب كفارات الصيد ب 11 ح 3.
7- المنتهى 2:825،التذكرة 1:346.

الحمامة و قدرها عنهم،و جوابهم(عليهم السّلام)له بذلك المقدار،و لو كان المراد القيمة السوقية لما كان للسؤال عنهم(عليهم السّلام)وجه،و لا لجوابهم،فتأمل.

و أما اجتماع الأمرين على المحرم في الحرم فلأصالة عدم تداخل الأسباب؛ مضافاً إلى خصوص المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:« إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة،و ثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدّق به أو يطعم حمام مكة،فإن قتلها في الحرم و ليس بمحرم فعليه ثمنها» (1).

و سيأتي تتمة الكلام في المسألة.

و يستوي فيه أي فيما على المحلّ من الدرهم و نصفه و ربعه إذا جنى في الحرم،كما صرّح به في الشرائع و الفاضل في التحرير و القواعد و غيرهما (2) الأهلي أي المملوك من الحمام(إن صحّ فرضه) (3) و حمام الحرم الغير المملوكة في حرمة الجناية عليهما و لزوم القيمة بها و مقدارها،بغير خلاف على الظاهر،المصرَّح به في عبائر (4)،و في المنتهى:لا نعرف فيه خلافا إلّا من داود حيث قال:لا جزاء في صيد الحرم (5).

و الصحاح به مع ذلك مستفيضة (6)،فلا شبهة في الاستواء المزبور.

غير أن حمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمامة و يتصدق بقيمة

ص:314


1- الكافي 4:/395 1،التهذيب 5:/370 1289،الوسائل 13:29 أبواب كفارات الصيد ب 11 ح 3.
2- الشرائع 1:286،التحرير 1:116،القواعد 1:95؛ و انظر المسالك 1:137،و المدارك 8:342.
3- ما بين القوسين ليست في« ك».
4- انظر الذخيرة:608 و الحدائق 15:237.
5- المنتهى 2:825.
6- انظر الوسائل 13:25 أبواب كفارات الصيد ب 10.

غيره،كما في الصحيح (1)و غيره (2).و فيه الأمر بشراء القَمح أي الحنطة، و ظاهره الوجوب.

إلّا أنه محمول على الفضل؛ للأصل،و ضعف السند.

بل الأصح وفاقاً لجمع (3)جواز التصدق بقيمة حمام الحرم أيضاً، مخيّراً بينه و بين العلف؛ لجملة من النصوص،منها الصحيح:« إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة،و ثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدّق به أو يطعمه حمام مكة،فإن قتلها في الحرم و ليس بمحرم فعليه ثمنها» (4).

ثم إنه لا ريب في الاستواء في ذلك مع إذن المالك في الإتلاف،أو كان المتلف هو المالك.أما لو كان غيرهما ففي ثبوت الاستواء أيضاً فلا تجب إلّا الفداء،أو الفرق بوجوبه مع ضمان القيمة للمالك كما أفتى به شيخنا في المسالك- (5)إشكال:من الأُصول،و إطلاق الفتاوي و النصوص بخصوص الفداء دون غيره.و الاحتياط واضح.

و هل يختص الاستواء المزبور بالمُحلّ،أم يعمّه و المحرم،حتى لو قتل المحرم الحمام الأهلي في الحرم لم يكن عليه غير القيمة على الثاني، و مع الفداء على الأول؟إشكال

ص:315


1- الكافي 4:/233 7،الوسائل 13:51 أبواب كفارات الصيد ب 22 ح 4.
2- الكافي 4:/390 10،التهذيب 5:/353 1228،الوسائل 13:51 أبواب كفارات الصيد ب 22 ح 6.
3- منهم:العلامة في المنتهى 2:825،و صاحب المدارك 8:343،و السبزواري في الذخيرة:608.
4- الكافي 4:/395 1،التهذيب 5:/370 1289،الوسائل 13:29 أبواب كفارات الصيد ب 11 ح 3.
5- المسالك 1:137.

من إطلاق النص و الفتوى باجتماع الأمرين إذا جنى على الحمامة في الحرم من غير فرق بين الأهلي منها و الحرمي.

و من ظاهر تعليلهم الاجتماع المزبور بهتكه حرمة الحرم و الإحرام، فيلزمه الأمران كلّ بسببه،و هذا إنما يتوجه في الحرمي خاصة،لكونه صيداً مُنع عنه المحرم،و أما الأهلي منها فلا منع فيها إلّا من جهة الحرم،لأنه من دخله كان آمناً.

و لم أر من الأصحاب من تعرّض لهذا الفرض،فضلاً عن الحكم فيه بأحد الطرفين أو التوقف فيه و الإشكال.

و الأقرب من وجهي الإشكال:الأول؛ لقوة دليله،مضافاً إلى التصريح:في حمام[مكة]الطير الأهلي من غير حمام الحرم:« من ذبح طيراً منه و هو غير محرم فعليه أن يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه،فإن كان محرماً فشاة عن كل طير» (1).

و هو كما ترى صريح في الفرق بين المحرم و المحلّ في الحمام الأهلي إذا قتلاه في الحرم؛ لإيجابه الشاة فيه على الأول،و القيمة على الثاني.

نعم ظاهره عدم وجوب القيمة على المحرم،إلّا أن سبيله سبيل كثير من الأخبار الواردة بلزوم الشاة عليه إذا قتلها في الحرم (2)من غير ذكر القيمة،و ذكر الأصحاب أن إيجاب الشاة لهتك حرمة الإحرام،و لا ينافيه وجوب القيمة أيضاً لهتك حرمة الحرم.و هو حسن.

ص:316


1- الكافي 4:/235 15،الفقيه 2:/169 742،الوسائل 13:23 أبواب كفارات الصيد ب 9 ح 5.
2- انظر الوسائل 13:22 أبواب كفارات الصيد ب 9.

و بالجملة:فما ذكرناه أظهر،و مع ذلك أحوط،و يمكن استفادته من العبارة،بجعل الضمير المجرور في« فيه» الأحكام المذكورة بقوله« على المُحلّ» إلى آخره،و منها اجتماع الأمرين على المحرم في الحرم،فإن مقتضاه حينئذ أنه يستوي في هذا الحكم أيضاً الأهلي و الحرمي،فأيّهما قتل المحرم اجتمع عليه الأمران.

و في القطاة حَمَل

و في قتل القطاة حَمَل قد فطم من اللبن و رعى من الشجر كما في الصحيح (1)و غيره (2).

و كذا في قتل الدرّاج و شبهها من الحجل و غيره،بلا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر،المصرَّح به في عبائر (3)؛ و هو الحجة فيها، لا الخبران،لاختصاصهما بالأول و لا ما في رواية أُخرى ثالثة (4)و إن تضمّنت الثلاثة و نظيرهن؛ لأن المذكور فيها دم و هو أعم من المدّعى،إلّا أن يقيّد به أو يحمل على الاستحباب.

و اعلم أن الحَمَل قريب من صغير الغنم في فرخها كما اخترناه ثَمّ (5)، و لا بُعد في تساوي الصغير و الكبير في الفداء.و يشكل على القول بوجوب المخاض هناك،إلّا أن يدفع بابتناء شرعنا على اختلاف المتّفقات و اتّفاق المختلفات،فجاز أن يثبت في الصغير زيادة على الكبير،و لا مانع من المصير إليه بعد الثبوت كما هو الفرض.

ص:317


1- التهذيب 5:/344 1190،الوسائل 13:18 أبواب كفارات الصيد ب 5 ح 1.
2- الكافي 4:/389 3،الوسائل 13:19 أبواب كفارات الصيد ب 5 ح 3.
3- كالمدارك 8:345،و الذخيرة:608،و الحدائق 15:239.
4- الكافي 4:/390 9،التهذيب 5:/344 1191،الوسائل 13:18 أبواب كفارات الصيد ب 5 ح 2.
5- راجع ص 3396.

و هذا أولى من دفعه بحمل المخاض ثَمّ على بنت المخاض،أو على أن فيها هنا مخاضاً بطريق أولى؛ لمخالفتهما الإجماع على الظاهر،المصرَّح به في الروضة و المسالك (1).

و في الضبّ جَدْي

و في قتل الضبّ جَدْي،و كذا في القنفذ و اليربوع على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر؛ للحسن،و فيه:« و الجَدي خير منه،و إنما جعل هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد» (2).

خلافاً للمحكي عن الحلبيّين،فأوجبوا حَمَلاً (3)،و عن الغنية الإجماع.و الأول أظهر.

و مورد المتن و الأكثر الثلاثة خاصة تبعاً لمورد النص،و ألحق بها المرتضى و الشيخان و بنو إدريس و حمزة[و سعيد]و غيرهم كما حكي - (4)أشباهها،و مستندهم غير واضح.

و ربما نظروا إلى التعليل في النص،و أنه إذا ثبت به أن في مثل هذه الثلاثة جَدْياً،بل هو خير منه،ثبت ذلك فيما أشبهه.

و لا يخلو من وجه،و لذا مال إليه من المتأخرين المحقّق الثاني في شرح القواعد،بل أفتى به صريحاً (5).

ص:318


1- الروضة 2:345،المسالك 1:137.
2- الكافي 4:/387 9،التهذيب 5:/344 1192،الوسائل 13:19 أبواب كفارات الصيد ب 6 ح 1.
3- أبو الصلاح في الكافي:206،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):576،علاء الدين الحلبي في إشارة السبق:128.
4- حكاه عنهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:394؛ و هو في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):71،و المقنعة:435،و النهاية:223،و السرائر 1:558،و الوسيلة:168،و الجامع:190.
5- جامع المقاصد 3:312.
و في العصفور مدّ من طعام

و في العصفور مدّ من طعام،و كذا في القبّرة بضم القاف ثم الباء المشددة من غير نون بينهما و الصعوة قيل:هو عصفور له ذنب طويل يرمح به (1).وفاقاً للأكثر؛ للمرسل كالصحيح (2).

خلافاً للصدوقين،فأوجبا في كل طائر عدا النعامة شاة (3)؛ للصحيح:

في محرم ذبح طيراً:« إنّ عليه دم شاة يهريقه،و إن كان فرخاً فجَدي أو حَمَل صغير من الضأن» (4).

و فيه:أنه لا عموم فيه لغةً،و إنما غايته الإطلاق الغير المنصرف بحكم التبادر إلى محل البحث.و لو سلّم فغايته العموم،و ما مرّ خاص، فليقدّم عليه؛ لاعتبار سنده؛ مضافاً إلى اعتضاده أو (5)انجباره بعمل الأصحاب.

و للإسكافي،فأوجب القيمة و في الحرم قيمتين (6)؛ للمرسل (7).

و ضعف سنده يمنع عن العمل به،سيّما في مقابلة ما مرّ من الخبر المنجبر بعمل الأكثر،مع اعتباره في نفسه كما مرّ.

و في الجرادة كفّ من طعام

و في قتل الجرادة الواحدة كفّ من طعام كما في

ص:319


1- المدارك 8:347.
2- الكافي 4:/390 8،التهذيب 5:/466 1629،الوسائل 13:20 أبواب كفارات الصيد ب 7 ح 1.
3- الصدوق في المقنع:78،و حكاه عن والده في المختلف:273.
4- التهذيب 5:/346 1201،الإستبصار 2:/201 682،الوسائل 13:23 أبواب كفارات الصيد ب 9 ح 6.
5- في« ك»:و.
6- كما حكاه عنه في المختلف:273.
7- الكافي 4:/390 7،التهذيب 5:/371 1293،الوسائل 13:90 أبواب كفارات الصيد ب 44 ح 7.

الصحيح (1)و غيره (2)،وفاقاً للمحكي عن المقنعة و الغنية و جمل العلم و العمل و المراسم (3).

و في الصحاح:« عليه تمرة،و تمرة خير من جرادة» (4)كما عن الفقيه (5)و المقنع و النهاية و الخلاف و المهذّب و النزهة و الجامع و والد الصدوق و السرائر و كفّارات المقنعة (6).

و للتخيير بينهما وجه،كما عليه الشهيدان و غيرهما من المتأخرين (7)، وفاقاً للمحكي عن المبسوط و التهذيب و التحرير و التذكرة و المنتهى (8).

إلّا أن الأوجه:الثاني،و أحوط منه الجمع بين الأمرين.

و في رواية دم (9)،لكن موردها الإصابة و الأكل،و حكي القول به

ص:320


1- التهذيب 5:/364 1267،الإستبصار 2:/208 708،الوسائل 13:77 أبواب كفارات الصيد ب 37 ح 3.
2- الكافي 4:/393 3،الوسائل 13:78 أبواب كفارات الصيد ب 37 ح 6.
3- المقنعة:43،الغنية(الجوامع الفقهية):576،جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):72،المراسم:122.
4- انظر الوسائل 13:77 أبواب كفارات الصيد ب 37 ح 2،7.
5- في«ق» زيادة:و الشرائع.
6- الفقيه 2:235،المقنع:79،النهاية:228،الخلاف 2:414،المهذب 1:227،النزهة:65،الجامع للشرائع:193،و حكاه عن والد الصدوق في المختلف:274،السرائر 1:566،المقنعة:572.
7- الشهيد الأول في الدروس 1:357،الشهيد الثاني في الروضة 2:346؛ و انظر المدارك 8:348،و الذخيرة:609،و الحدائق 15:246.
8- المبسوط 1:348،التهذيب 5:363،التحرير 1:116،التذكرة 1:347،المنتهى 2:826.
9- التهذيب 5:/364 1266،الإستبصار 2:/207 707،الوسائل 13:77 أبواب كفارات الصيد ب 37 ح 5.

حينئذ عن الإسكافي و والد الصدوق و الشيخ في النهاية و الخلاف (1)،لكن قيّده الأول بالعمد،دون الأخيرين فأطلقاه.

و لا بأس به لولا ضعف السند و إن مال إلى العمل بمضمونها في موردها بعض متأخري المتأخرين (2)،وفاقاً للمحكي عن والد الصدوق، و لا بأس به لو صحّ السند.

و كذا يجب كفّ من طعام في القملة يلقيها من جسده وفاقاً لمن مرّ في الجرادة،غير الديلمي،فلم يحك هنا عنه شيئاً،و ذكر بدله في الحكاية:المهذّب،بزيادة قوله:أو يقتلها (3)،كما عليه المحقّق الثاني و الشهيد الثاني أيضاً- (4)قال:بطريق أولى.

و الأصل في المسألة الصحيحان:عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها،قال:« يطعم مكانها طعاماً» (5).

و إطلاق الطعام فيهما مقدّر بما في المتن؛ للحسنين المقدِّرين له بقبضة بيده كما في أحدهما (6)،و بكفّ واحد كما في الثاني (7).

ص:321


1- حكاه عن الإسكافي و والد الصدوق في المختلف:274،النهاية:228،الخلاف 2:414.
2- الحدائق 15:247.
3- حكاه عنه في كشف اللثام 1:395.
4- المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:313،الشهيد الثاني في المسالك 1:137.
5- الأول:التهذيب 5:/336 1158،الإستبصار 2:/196 659،الوسائل 13:168 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 15 ح 1.الثاني:التهذيب 5:/336 1159،الإستبصار 2:/196 660،الوسائل 13:168 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 15 ح 2.
6- التهذيب 5:/336 1160،الإستبصار 2:/196 661،الوسائل 13:168 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 15 ح 3.
7- التهذيب 5:/337 1163،الوسائل 13:169 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 15 ح 4.

و بإزاء هذه الأخبار أخبار أُخر مستفيضة أيضاً نافية للكفارة فيها بقول مطلق (1)،بل في بعضها الترخيص لإلقائها (2)،لكن أكثرها قاصرة السند ضعيفة التكافؤ هي و الصحيح (3)منها لما مضى،فلتطرح أو تحمل على محامل ذكرها الشيخ في الكتابين (4).

و أجود منها حمل هذه على التقية كما ذكره بعض المعاصرين-(رحمه اللّه) قال:فإنه مذهب جملة من العامة،و نقل ذلك في المنتهى و التذكرة عن مالك في إحدى الروايتين،و سعيد بن جبير و طاوس و أبي ثور و ابن المنذر،و[عن (5)]أصحاب الرأي و قول مالك في الرواية الأُخرى أنه يتصدق بما أمكن من قليل أو كثير،و لم ينقل القول بكفّ من طعام كما هو المروي في الروايات الأُول إلّا عن عطاء خاصة.انتهى (6)و هو حسن.

و منه يظهر ضعف الجمع بينهما بحمل الأولة على الاستحباب؛ إذ هو فرع التكافؤ المفقود هنا بوجوه شتّى عرفتها.

و كذا قيل في قتل العظاية كفّ من طعام،و القائل الصدوق في الفقيه و المقنع و الشيخ (7)،و تبعهما الفاضل في المختلف و الشهيد في الدروس و غيرهما من المتأخرين (8)؛ للصحيح:محرم قتل عظاية،قال

ص:322


1- كصحيحي ابن عمار:الوسائل 13:169 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 15 ح 5،6.
2- كخبر مرة مولى خالد:التهذيب 5:/337 1164،الإستبصار 2:/197 662،الوسائل 12:540 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 6.
3- في« ق»:و الصحاح.
4- الاستبصار 2:197،التهذيب 5:338.
5- أضفناه من المصدر.
6- الحدائق 15:250.
7- الفقيه 2:235،المقنع:79،الشيخ في التهذيب 5:344.
8- انظر المختلف:274،و الدروس 1:358،و المهذب البارع 2:245.

« عليه كف من طعام» (1).

خلافاً للمحكي في المختلف عن الإسكافي (2)،فخيّر بينه و بين كفّ من تمر،و لا وجه له.كما لا وجه لتمريض المتن القول الأول؛ لنسبته إلى القيل المشعر بالتمريض،بعد ورود النص الصحيح؛ و لا لعدم ذكر كثير من الأصحاب ممن تعرّض لما سبق له بالكلية.

و لو كان الجراد كثيراً فقتلها جملة ف عليه دم شاة بلا خلاف يعتدّ به،إلّا عن المفيد في كفارات المقنعة من التكفير فيه بمدّ من تمر (3).و هو نادر مع قوله فيها هنا بما في المتن (4).

و عليه الإجماع عن الخلاف (5)؛ للصحيح:عن محرم قتل جرادة، قال:« كفّ من طعام،و إن كان أكثر فعليه دم شاة» (6).

و ظاهره أن المراد بالكثرة الزيادة على الواحدة،و لكنه خلاف ظاهر الأصحاب،بل صريح جملة منهم كشيخنا الشهيد الثاني و المحقق الثاني (7)فقالا:إن المرجع في الكثرة إلى العرف،و يحتمل اللغة،فتكون الثلاثة كثيراً،و يجب لما دونه في كل واحدة تمرة أو كفّ.

و هو حسن؛ للأصل،و اختلاف نسخة الصحيح،فنسخة بذا في

ص:323


1- التهذيب 5:/345 1194،الوسائل 13:20 أبواب كفارات الصيد ب 7 ح 3.
2- حكاه عنه في المختلف:274.
3- المقنعة:572.
4- المقنعة:438.
5- الخلاف 2:415.
6- التهذيب 5:/364 1267،الإستبصار 2:/208 708،الوسائل 13:77 أبواب كفارات الصيد ب 37 ح 3.
7- الشهيد الثاني في الروضة 2:346،و المسالك 1:137،المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:313.

كتابي الحديث،و أُخرى بما يوافق المتن في الكافي (1)،لكنه مروي فيه بسند فيه سهل،ألّا أن ضعفه سهل،و مع ذلك منجبر بالموافقة للأصل و فتوى الأصحاب.

مع أن في كتابي الحديث نسخة ثالثة تحتمل التوفيق مع ما في المتن في محل البحث،و هي فيهما بتبديل جرادة ب« جراداً كثيراً» و لا يستلزم الأكثر منه ثبوت الدم فيما زاد على الواحدة،بل فيما زاد على الكثير.

و كيف كان فالعمدة الإجماع المنقول و الصحيح بنسخة الكافي؛ لأضبطيته و انطباقها بفتوى الأصحاب.

ثم إن هذا مع إمكان التحرز و لو لم يمكن التحرز منه بأن كان على الطريق بحيث لا يمكن التحرز منه إلّا بمشقة كثيرة لا تتحمل عادة، لا الإمكان الحقيقي فلا إثم و لا كفارة بغير خلاف ظاهر؛ للصحاح الصراح (2).

و اعلم أن نفي البدل عن هذه الخمس الكفارات إنما هو على الخصوص،و إلّا فالعموم ثابت لها أجمع مع العجز عنها،فما عدا الشاة منها بالتوبة و الاستغفار،و فيها بإطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام،كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

و اعلم أن ما لا تقدير لفديته فقيمته بلا خلاف على الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (3)،حتى زاد بعضهم فقال:لا خلاف فيه

ص:324


1- الكافي 3:/393 3،الوسائل 13:78 أبواب كفارات الصيد ب 37 ح 6.
2- انظر الوسائل 13:78 أبواب كفارات الصيد ب 38.
3- الذخيرة:609،مفاتيح الشرائع 1:324؛ و انظر الحدائق 15:254.

بين العلماء (1)؛ لتحقق الضمان الموجب لذلك عليه،و الصحيح:« في الظبي شاة،و في البقرة بقرة،و في الحمار بدنة،و في النعام بدنة،و فيما سوى ذلك قيمته» (2).

و المعتبر القيمة السوقية بتقويم عدلين عارفين و إن كان الجاني أحدهما إذا كان مخطئاً أو تاب،كما صرّح به جماعة من الأصحاب (3).

و قول الشيخ بأن في البطّة و الإوزّة و الكَرْكي شاة (4)شاذ غير واضح المستند،إلّا الصحيح في كل طير (5)،كما عليه والد الصدوق (6)،و تبعه جماعة من الأصحاب فيما لا نصّ فيه بالخصوص (7).و لا بأس به،و يخصّ به عموم الصحيح السابق،مع قوة احتمال اختصاصه بحكم السياق بغير الطير،إلّا أنه لا خصوصية له بهذه الثلاثة المذكورة في كلام الشيخ،فإن أرادها فلا ريب في ضعفه.

أسباب الضمان

و أسباب الضمان ثلاثة:

إمّا المباشرة للإتلاف، و إمّا إمساك للصيد و إثبات اليد عليه،

ص:325


1- المدارك 8:350.
2- التهذيب 5:/341 1182،الوسائل 13:5 أبواب كفارات الصيد ب 1 ح 2.
3- منهم:العلامة في التذكرة 1:347،و صاحب المدارك 8:250،و الشهيد الثاني في المسالك 1:137.
4- المبسوط 1:346.
5- الكافي 4:/235 15،الفقيه 2:/169 742،الوسائل 13:23 أبواب كفارات الصيد ب 9 ح 5.
6- نقله عنه في المختلف:274.
7- منهم:صاحب المدارك 8:351،و السبزواري في الذخيرة:609،و صاحب الحدائق 15:255.

و إمّا تسبيب للإتلاف.

و في جملة من كتب الفاضل أنها أمران:المباشرة و التسبيب (1)،و نصّ في جملة منها على دخول اليد في التسبيب (2)،و فيه توسّع،فإنه أعم مما يستند إليه التلف.

المباشرة

أما المباشرة فمن قتل صيداً ضمنه بالقيمة أو الفداء على حسب ما مضى.

و لو قتله ثم أكله جميعاً أو شيئاً منه لزمه فداء آخر وفاقاً للنهاية و المبسوط و السرائر و الإصباح و التذكرة و المنتهى و المختلف (3)، و عليه الشهيدان في الدروس و المسالك و المحقق الثاني (4)،و بالجملة:

الأكثر؛ لأن كلّاً منهما سبب له،أما القتل فبالكتاب و السنّة و الإجماع كما مرّ،و أمّا الأكل فللصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

منها: زيادةً على الصحاح و الموثقات و غيرها الآتية في مسألة اضطرار المحرم إلى الميتة و الصيد أنه يأكله و يفديه (5)،و الصحيح الآتي في مسألة ما لو اشترى محلّ لمحرم بيض نعام فأكله أن على المحرم الفداء- (6)عموم الصحيح:« من أكل طعاماً لا ينبغي أكله و هو محرم متعمداً فعليه دم شاة» (7).

ص:326


1- انظر التذكرة 1:347،و المنتهى 2:827،و التحرير 1:117.
2- المنتهى 2:830،التذكرة 1:349 350.
3- النهاية:227،المبسوط 1:342،السرائر 1:564،التذكرة 1:347،المنتهى 2:827،المختلف:278.
4- الدروس 1:364،المسالك 1:138،المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:321.
5- انظر ص 3458.
6- انظر ص 3455.
7- التهذيب 5:/369 1287،الوسائل 13:157 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 8 ح 1.

و خصوص آخر:عن قوم اشتروا ظبياً فأكلوا منه جميعاً و هم حُرُم، فقال:« على كلّ من أكل منهم فداء صيد،على كل إنسان منهم على حدته فداء صيد كاملاً» (1).

و الخبر:قلت لأبي عبد اللّه(عليه السّلام):صيد أكله قوم محرمون،قال:

« عليهم شاة شاة (2)،و ليس على الذابح إلّا شاة» (3).و قريب منهما آخر (4).

و الاستدلال بهذه الأخبار ليس من جهة دلالتها على تضاعف الفداء، بل على لزومه بالأكل،و إنما التضاعف أتى من قَبل الجمع بينها و بين ما مرّ من الأدلة على استلزام[القتل (5)]الفداء أيضاً،بناءً على اقتضاء تعدّد الأسباب تعدّد المسبّبات،فإن الأصل عدم التداخل.

و يعضده زيادةً على الأصل ما سيأتي من الأخبار في مسألة ما لو ضرب طيراً على الأرض فقتله لزمه ثلاث قيَم،بل بعضها ربما يكون دليلاً في المسألة من تضاعف الفداء،كمرسلة ابن أبي عمير كالصحيحة:قلت له (عليه السّلام):يصيد الصيد فيفديه،أ يطعمه أو يطرحه؟قال:« إذاً يكون عليه فداء آخر» قلت:فما يصنع به؟قال:« يدفنه» (6).

نعم في الصحيح:عن حُرُم أصابوا فراخ نعام فذبحوها و أكلوها،

ص:327


1- التهذيب 5:/351 1221،قرب الإسناد:/243 964،الوسائل 13:44 أبواب كفارات الصيد ب 18 ح 2.
2- ليست في« ح» و« ك».
3- الكافي 4:/391 3،الفقيه 2:/235 1122،التهذيب 5:/352 1225،الوسائل 13:47 أبواب كفارات الصيد ب 18 ح 8.
4- الكافي 4:/393 4،الفقيه 2:/236 1125،التهذيب 5:/351 1220،الوسائل 13:45 أبواب كفارات الصيد ب 18 ح 5.
5- في النسخ:الأكل،و هو سهو ظاهراً.
6- الفقيه 2:/235 1120،التهذيب 5:/378 1320،الاستبصار 2:/215 740،المقنع:79،الوسائل 13:103 أبواب كفارات الصيد ب 55 ح 2؛ بتفاوت.

فقال:« عليهم مكان كلّ فرخ أصابوه و أكلوه بدنة» (1).

و ظاهره التداخل و الاكتفاء بالبدنة،لكنه شاذّ غير معلوم القائل،كما صرّح به بعض الأصحاب (2)،و ظاهر المحكي عن المنتهى الإجماع على خلافه (3)،و هو كذلك:فإن الأصحاب ما بين قائلين بما مرّ في المتن، و بوجوب القيمة بالأكل دون الفداء مع ثبوته بالقتل أيضاً،كما عن الخلاف و تبعه الماتن في الشرائع و الفاضل في القواعد و الإرشاد (4)؛ استناداً إلى الأصل و الموثق:« أيّ قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإنّ على كلّ إنسان منهم قيمة،فإن اجتمعوا في صيد فعليهم مثل ذلك» (5).

و فيهما نظر؛ لوجوب تخصيص الأول بما مرّ إن كان بينهما عموم و خصوص مطلق،و إلّا فقد يوافق المختار الأصل،بأن يزيد القيمة عن الشاة،لإمكانه و إن بعُد.

و قصورِ سند الثاني،و ضعفه عن المقاومة لأدلة المختار من وجوه، منها ضعف الدلالة،باحتمال أن يكون المراد من القيمة فيه الفداء،كما أُريد منها في آخره.

و يعضده أنه مروي بطريق صحيح هكذا:« إذا اجتمع قوم محرمون على صيد في صيده،أو أكلوا منه فعلى كل واحد منهم قيمته» (6).

ص:328


1- التهذيب 5:/353 1227،الوسائل 13:45 أبواب كفارات الصيد ب 18 ح 4.
2- انظر كشف اللثام 1:397.
3- حكاه عنه في مجمع الفائدة و البرهان 6:394،و هو في المنتهى 2:806.
4- الخلاف 2:405،الشرائع 1:288،القواعد 1:95،الإرشاد 1:230.
5- التهذيب 5:/370 1288،الوسائل 13:45،أبواب كفارات الصيد ب 18 ح 3.
6- الكافي 4:/391 2،التهذيب 5:/351 1219،الوسائل 13:44 أبواب كفارات الصيد ب 18 ح 1.

و المراد بالقيمة فيه بالإضافة إلى القتل الفداء قطعاً،فكذا بالإضافة إلى الأكل كما هو واضح.

و الفرق بينه و بين الموثق تأدية الجزاء في الصيد و الأكل هنا بلفظ الفداء،و لا كذلك الموثق،لذكر الفداء في خصوص الصيد بلفظه،و في الأكل بالإشارة بلفظه« مثل ذلك» (1)المحتملة لإرادة المماثلة في نفس الجزاء،لا خصوص الفداء،فيحتمل حينئذ إرادة القيمة،و هو و إن بعُد أيضاً؛ فإن الظاهر من المماثلة ثبوتها في الأمرين،إلّا أنها ليست نصّاً فيه، بخلاف الصحيح فإنه نصّ فيه،و بعد ضمّه إلى الموثق يجعله كالنص،فإنّ أخبارهم(عليهم السّلام)سيّما مع اتحاد الراوي و المروي عنه كما هنا يكشف بعض عن بعض.

و حينئذ فسبيل هذين الخبرين سبيل الأخبار المتقدمة للمختار بلزوم الفداء بالأكل،فهي لنا لا علينا.

و كذلك الصحيحة السابقة بالتداخل فهي و إن دلّت عليه بالمتن المتقدم إلّا أنه مروي في الفقيه كما قيل- (2)بمتن آخر،و هو هذا:في قوم حجّاج محرمين أصابوا فراخ نعام فأكلوا جميعاً،فقال:« عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها فيشترونها على عدد الفراخ و عدد الرجال» (3).

و هو كما ترى ليس فيه ذكر« ذبحوها» و إنما فيه« أكلوها» خاصة،

ص:329


1- الظاهر وقوع سهو من قلمه الشريف،لأن المذكور في الموثق بعكس ما قاله،ففي خصوص الأكل قد ذكر بلفظ الفداء و في الصيد أُشير بلفظة« مثل ذلك».و عليه يظهر النظر فيما ترتّبه بعد ذلك على ما أفاده.
2- الذخيرة:611،الحدائق 15:264.
3- الفقيه 2:/236 1123.

فتكون من أخبار المسألة دليلاً للمختار،كالأخبار السابقة.

و أما الصحيح:اُهدي لنا طائر مذبوح بمكة فأكله أهلنا،فقال:

« لا يرى به أهل مكة بأساً» قلت:فأيّ شيء تقول أنت؟قال:« عليهم ثمنه» (1).

فليس بصريح في محل النزاع من كون الآكل محرماً،فيحتمل كونه مُحلّاً،كما نصّ عليه الصحيح الآخر:عن رجل اهدي إليه حمام أهلي جيء به و هو في الحرم مُحلّ،قال:« إن أصاب منه شيئاً فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه» (2).

و ربما يرشد إليه قوله(عليه السّلام):« لا يرى به أهل مكة بأساً» لما قيل من أنه ظاهر أن أهل مكة لا يرون به بأساً إنّ الآكلين محلّون (3).

و بما ذكرناه ارتفع التعارض بين الأخبار و توافقت على المختار، و لعلّه لهذا لم يستدل للقول الثاني بالأخبار أكثر الأصحاب،و إنما استندوا له ببعض الاعتبارات الغير المسموعة في مقابلة ما قدّمناه من الروايات، و الحمد للّه تعالى.

و اعلم أن موضوع المسألة على ما صرّح به بعض الأصحاب - (4)كون القتل و الأكل في الحلّ،لا في الحرم،و إلّا فيتضاعف الجزاء لو كان في الحرم و هو محرم.و هو حسن؛ لما قيل في القتل من هتكه لكلّ من حرمتي الإحرام و الحرم فيتضاعف الجزاء.

ص:330


1- الفقيه 2:/169 740،الوسائل 13:25 أبواب كفارات الصيد ب 10 ح 2.
2- الفقيه 2:/168 736،التهذيب 5:/347 1205،الوسائل 13:31 أبواب كفارات الصيد ب 12 ح 3.
3- كشف اللثام 1:396.
4- هو الفاضل الصيمري في شرح الشرائع(منه رحمه الله)؛ و الكتاب مخطوط.

و كذا يجب الفداء بالأكل على المحرم لو أكل ما أي صيداً ذبح في الحلّ مطلقاً و لو ذبحه المُحلّ لعموم الأدلة المتقدمة، و عدم اختصاصها بغير هذه الصورة،و نحوها العبارة،فلا يحتاج إلى التصريح بحكم هذه الصورة إلّا على تقدير اختصاص ما سبق بغيرها من وقوع الذبح في الحرم،أو كون الذابح هو المحرم،مع أنه ليس فيه ما يشعر بأحد الأمرين.

نعم،ربما يتبادر منه الأخير خاصة،فيتوجه تعميم الحكم لما ذبحه المُحلّ،لكن من غير احتياج إلى ذكر الذبح في الحلّ.

و لعلّ الوجه في تخصيص هذه الصورة بالذكر هو ورود الصحاح المستفيضة بتحريم صيدٍ ذبحه المُحلّ و لو في الحلّ على المحرم (1)،و لكن لا كلام فيه،و إنما الكلام في لزوم الفدية بالأكل،و لا دليل فيه سوى ما مرّ من عموم الأدلة؛ و لعلّه لذا لم يذكر الماتن في الشرائع و لا غيره من الأصحاب التصريح بالحكم في هذا الفرد،و اكتفوا بعموم الكلام السابق.

و الأمر سهل بعد وضوح الدليل على المطلب بعنوان العموم و الخصوص.

و لو رمى صيداً و أصابه و تحقق أنه لم يؤثر فيه رميته بقتل و لا جرح و لا كسر فلا فدية فيه و ليستغفر اللّه سبحانه،بلا خلاف ظاهر،بل ظاهر جماعة الإجماع (2)؛ للأصل،و النص المنجبر:عن محرم رمى صيداً فأصابت يده فعرج،فقال:« إن كان مشى عليها و رعى و هو ينظر إليه فلا شيء» (3).

ص:331


1- الوسائل 12:418،422 أبواب تروك الإحرام ب 2،4.
2- منهم المجلسي في ملاذ الأخيار 8:309.
3- التهذيب 5:/358 1245،الإستبصار 2:/205 700،الوسائل 13:62 أبواب كفارات الصيد ب 27 ح 3.

و في قوله:« و هو ينظر إليه» إشارة إلى التحقق كما ذكرنا،احترازاً عن صورة الشك،فإن فيه كما يأتي الفداء كاملاً.

و المتبادر من النص و الفتوى انفراد الرامي بالرمي،فلا ينافيهما ما سيأتي من أنه لو رمى اثنان فأصاب أحدهما ضمن كلّ منهما.

و لو جرحه أو كسر رجله أو يده و رآه بعد ذلك سويّاً أي صحيحاً بلا عيب(أو مطلقاً) (1) ف يجب عليه ربع الفداء كما عن النهاية و المبسوط و المهذّب و السرائر و الإصباح و الجامع (2).

قيل:للنصوص (3)،منها الصحيح:عن رجل رمى صيداً و هو محرم فكسر يده أو رجله،فمضى الصيد على وجهه،فلم يدر الرجل ما صنع الصيد،قال:« عليه الفداء كاملاً إذا لم يدر ما صنع،فإن رآه بعد أن كسر يده و رجله و قد رعى و انصلح فعليه ربع قيمته» (4)و به عبّر في الشرائع و الإرشاد (5).و نحوه آخر (6).

و لعلّه المراد من ربع الفداء في المتن و صحيح آخر (7)؛ إذ الفداء

ص:332


1- ما بين القوسين ليست في« ق».
2- النهاية:228،المبسوط 1:343،المهذب 1:228،السرائر 1:566،الجامع للشرائع:192.
3- قاله السبزواري في الذخيرة:611،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:325.
4- التهذيب 5:/359 1246،قرب الإسناد:/243 965،الوسائل 13:61 أبواب كفارات الصيد ب 27 ح 1.و الحديث موجود في قرب الإسناد و الوسائل إلى« إذا لم يدر ما صنع» و ذيله من كلام الشيخ في التهذيب.
5- الشرائع 1:228،الإرشاد 1:320.
6- الفقيه 2:/233 1113،التهذيب 5:/359 1248،الإستبصار 2:/205 699،الوسائل 13:61 أبواب كفارات الصيد ب 27 ح 2.
7- التهذيب 5:/359 1247،الاستبصار 2:/205 698،قرب الإسناد:/243 966،الوسائل 13:63 أبواب كفارات الصيد ب 28 ح 1.

بنفسه لا يوجب تربيته،بل قيمته،فعلى هذا المراد ربع قيمة الفداء،لا ربع قيمة الصيد كما ربما يتوهم من نحو الصحيحين،لأن مرجع الضمير المجرور فيهما إنما هو الفداء المذكور فيهما بعد الصيد قبل الضمير، لا الصيد و إن احتمله،لبُعده و قرب المرجع الأول.

لكن ظاهر بعض الأخبار الرجوع إلى الصيد (1)،لكنه قاصر السند.

خلافاً للمحكي عن والد الصدوق و المفيد و الحلبي و الديلمي و ابن حمزة (2)،فيتصدق بشيء،و هو خيرة المختلف في الإماء،قال:لأنه جناية لا تقدير فيها (3).

و فيه نظر؛ لأن مقتضى الدليل لزوم الأرش إن أوجبنا في أجزاء الصيد الضمان كما في المنتهى،مدّعياً عليه الوفاق (4)،لا التصدق بشيء الذي هو أعم من الأرش،إلّا أن يقيّد به،فيراد به الأرش كما في الشرائع و القواعد و كلام غير واحد من متأخري الأصحاب (5).

و كلامهم في خصوص الجرح،و لزوم الأرش فيه مذهب المعظم، كما في المسالك (6)؛ و لعلّه قيّد إطلاق الشيء في كلام المفيد و من حذا حذوه بالأرش.و فيه نظر؛ لتصريح المفيد فيما حكي عنه بالتصدق

ص:333


1- الكافي 4:/386 6،الوسائل 13:62 أبواب كفارات الصيد ب 27 ح 4.
2- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:280،المفيد في المقنعة:437،الحلبي في الكافي في الفقه:206،الديلمي في المراسم:122،ابن حمزة في الوسيلة:170.
3- المختلف:280.
4- المنتهى 2:828.
5- الشرائع 1:288،القواعد 1:95؛ و انظر المدارك 8:357،و كشف اللثام 1:397.
6- المسالك 1:138.

بشيء إذا انتفى العيب،و إلّا فالأرش.

و كيف كان،القول بلزوم الأرش في الإدماء هو حسن؛ للدليل المتقدم السالم عن المعارض،سوى الأخبار المتقدمة،و موردها كسر اليد و الرجل،و نحن نقول بربع الفدية فيهما،و إلحاق الجرح قياس لا نقول به، إلّا أن يقال بعدم فارق بين الكسر و الجرح بين القدماء،بل و لا المتأخرين صريحاً،فلا بدّ من العمل إمّا بالأصل (1)و طرحه الأخبار،أو العمل بها و تخصيص الأصل،و هو الوجه إن تمّ الإجماع المركّب كما ربما يفهم من المسالك و غيره (2).

و فيه نظر،بل ظاهر عبائر كثيرة اختصاص إلحاق الجرح بالكسر بالشيخ،فإذاً الوجه عدم الإلحاق،و لزوم الأرش في الجرح،و ربع الفداء في الكسر.

و يعضده الرضوي:« فإن رميت ظبياً فكسرت يده أو رجله فذهب على جهة لا تدري ما صنع فعليك فداؤه،فإن رأيته بعد ذلك يرعى و يمشي فعليك ربع قيمته،و إن كسرت قرنه أو جرحته تصدّق بشيء من طعام» (3)و يحمل الشيء فيه على الأرش جمعاً بينه و بين الأصل.

و لو جهل حاله أي الصيد الذي جرحه أو كسر يده أو رجله فلم يدر هلك أم عاش ففداء كامل بلا خلاف ظاهر،بل عليه الإجماع في ظاهر المنتهى و صريح الانتصار و الخلاف و شرح الجمل للقاضي (4)كما

ص:334


1- أعني دليل المختلف للأرش.(منه(رحمه اللّه)).
2- المسالك 1:138؛ و انظر كشف اللثام 1:397.
3- فقه الرضا(عليه السلام):227،المستدرك 9:274 أبواب كفارات الصيد ب 22 ح 2.
4- المنتهى 2:828،الانتصار:104،الخلاف 2:401،شرح جمل العلم و العمل:233.

حكي؛ لما مرّ من الأخبار،و نحوها الموثق (1)و غيره (2)،بزيادة التعليل فيهما بقوله:« لأنه لا يدري لعلّه قد هلك» فلا يضرّ اختصاص موردها بالكسر دون الجرح؛ لجريان التعليل فيهما.

مضافاً إلى التأيد بالقوي الوارد في خصوص الجرح و الإدماء بأن:

« عليه جزاؤه» (3)بناءً على أن المتبادر منه جزاء الصيد كاملاً،و هو المعبّر عنه بالفداء،فالكسر بتلك الأخبار و الإدماء بهذا.

مضافاً إلى عدم القول بالفرق بينهما،و الإجماعات المنقولة مطلقة.

فالمناقشة في الروايات أجمع بالأخصية من المدّعى كما اتّفق لجماعة من متأخري المتأخرين (4)لا وجه له أصلاً،و لا وقع له بعد ذلك جدّاً.

قيل:و كذا يجب الفداء كاملاً فيما لو رماه و لم يعلم حاله أنه أثّر فيه أم لا و القائل الشيخ في النهاية،و الحلّي في السرائر،و يحيى بن سعيد في الجامع (5).

قيل:و يحتمله كلام الحلبيّين و الجواهر؛ عملاً بالأغلب،و هو التأثير مع الإصابة،و إذا بني على التأثير و جهل الحال رجع إلى المسألة الأُولى (6).

ص:335


1- التهذيب 5:/358 1245،الإستبصار 2:/205 700،الوسائل 13:62 أبواب كفارات الصيد ب 27 ح 3.
2- الكافي 4:/386 6،علل الشرائع:/457 1،الوسائل 13:62 أبواب كفارات الصيد ب 27 ح 4.
3- الكافي 4:/383 11،الوسائل 13:63 أبواب كفارات الصيد ب 27 ح 5.
4- منهم:السبزواري في الذخيرة:612،و المحدث المجلسي في مرآة العقول 17:373.
5- النهاية:228،السرائر 1:566،الجامع:192.
6- كشف اللثام 1:396.

و فيه نظر؛ فإن أغلبية التأثير غايتها إفادة الظن به،و اعتباره في نحو المقام من موضوعات الأحكام يحتاج إلى دليل،و ليس،و موضوع المسألة الاُولى في ظاهر النصوص و الفتاوي صورة القطع به،لا الظن،فالتعميم يحتاج إلى دليل.

و لعلّه لهذا عزاه الماتن و الفاضل في التحرير (1)إلى قول،مشعرَين بتمريضه،و مرجعه إلى البناء على أصل عدم التأثير و أصل البراءة،مع انتفاء نصّ فيه،و لو لا النصوص في الأوّل لم يتّجه ضمان كمال الفداء فيه أيضاً.

و هو قوي متين إن لم ينعقد الإجماع على خلافه،كما يفهم من بعض شرّاح الكتاب (2)،و يحتمله ما عن الغنية من الإجماع على أنه إذا أصاب فغاب الصيد فلم يعلم له حالاً فداه (3).

و عن الجواهر الإجماع على وجوب الجزاء (4).

و بالجملة:فالمسألة محل إشكال،فلا يترك فيها الاحتياط بحال.

ثم إنّ صور المسألة خمس تعرّض الماتن لحكم أربع منها،بقي الخامسة،و هي ما إذا رماه فلم يدر أصابه أم لا،و الحكم فيها البراءة بلا خلاف أجده إلّا من القاضي فضمّنه الجزاء (5)،و هو ضعيف جدّاً.

وا علم أنه قد اختلف الأصحاب فيما يجب في أعضاء الصيد:

ف قيل: إن في كسر يد الغزال نصف قيمته،و في يديه كمال القيمة، و كذا في رجليه في كل منهما نصف قيمته مطلقاً،و كذا في عينيه و في

ص:336


1- التحرير 1:117.
2- المهذب البارع 2:245.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):576.
4- جواهر الفقه:46.
5- المهذب 1:228.

قرنيه معاً نصف قيمته،و في كل واحد منهما ربع قيمته.

و القائل:النهاية و المبسوط و الوسيلة و المهذّب و السرائر و الجامع (1)كما حكي،و تبعهم من المتأخرين الفاضل في المختلف في العين خاصة (2)،و في القواعد و الإرشاد و المحقق الثاني (3)في الجميع،و ظاهر الأخير أنه المشهور،كالشهيد الثاني فقال:إن عليه المعظم (4).

و مستندهم رواية سماعة (5)الضعيفة بأبي جميلة،و لذا قال الماتن هنا و في الشرائع (6):

و في المستند ضعف إلّا أن يجبر بالشهرة المحكية فيما عرفت من كلام ثاني المحقّقين و ثاني الشهيدين و عملِ نحو الحلّي ممّن لا يجوّز العمل بأخبار الآحاد سيّما الضعيف منها إلّا بعد احتفافها بالقرائن القطعية.

و فيهما نظر؛ لمعارضتهما بالمثل،فقد ادّعى جماعة (7)كون ذلك خلاف مذهب الأكثر من تعيّن الأرش،كما هو مقتضى الأصل،بناءً على ما ظاهره الاتفاق عليه من ثبوت ضمان أجزاء الصيد كما مرّ.

و قيل:هو ظاهر الخلاف،و به قال المفيد و الديلمي و الحلبيّان في

ص:337


1- النهاية:227،المبسوط 1:342،الوسيلة:170،المهذب 1:226،السرائر 1:564،الجامع:191.
2- المختلف:280.
3- القواعد 1:96،الإرشاد 1:320،المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:324.
4- الروضة البهية 2:350.
5- التهذيب 5:/387 1354،الوسائل 13:64 أبواب كفارات الصيد ب 28 ح 3.
6- الشرائع 1:288.
7- منهم:صاحبا المدارك 8:358،و الحدائق 15:274.

الكسر،و زاد عدا ابن زهرة منهم إن رآه بعد ذلك سليماً تصدّق بشيء (1).

و هؤلاء أيضاً لا يعملون بالآحاد،و الرواية بمرأى منهم و منظر،بل رواها في الغنية بعد الفتوى بالأرش،فهو مما يوهنها زيادة على ما فيها من الضعف،فالأصح الأرش.

و هنا أخبار نادرة تقبل التأويل و التنزيل على كل من القولين (2).

و لو اشترك جماعة في قتله أي الصيد مطلقاً لزم كل واحد منهم فداء كامل بإجماعنا ظاهراً،و منقولاً في عبائر جماعة مستفيضاً (3)، و الصحاح به مضافاً إليه مستفيضة أيضاً (4).

و موردها و إن كان جماعة محرمين إلّا أن إطلاق الفتاوي يشملهم و غيرهم من المُحلّين في الحرم و المتفرقين.و به صرّح جماعة و منهم الشهيدان في الدروس و المسالك (5)،تبعاً للعلّامة في التحرير و المنتهى (6)، و ظاهرهم و سيّما الأخير أنه لا خلاف فيه بيننا،إلّا من الشيخ في التهذيب في المحلّ و المحرم إذا اشتركا في صيد حرمي،فأوجب على المحرم الفداء كاملاً،و على المحلّ نصف الفداء (7).

و من بعض العامة فيه أيضاً فأوجب فداءً واحداً عليهما (8).

ص:338


1- قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:397.
2- انظر الوسائل 13:71،72 أبواب كفارات الصيد ب 32 ح 1،2.
3- منهم:صاحب المدارك 8:359،و الفيض في المفاتيح 1:326،و صاحب الحدائق 15:276.
4- الوسائل 13:44 أبواب كفارات الصيد ب 18.
5- الدروس 1:360،المسالك 1:138.
6- التحرير 1:117،المنتهى 2:829.
7- التهذيب 5:352.
8- المغني لابن قدامة 3:563.

و مستند الشيخ القوي:في محرم و مُحلّ قتلا صيداً،فقال:« على المحرم الفداء كاملاً،و على المُحلّ نصف الفداء» (1).

و فيه مضافاً إلى قصور السند أنه أعم من المدّعى.

ثم على تقدير العموم للمحلّين في الحرم و المفترقين كما هو مقتضى الفتاوي ينبغي تعميم الفداء فيهما لما يشمل القيمة أيضاً،كما وقع التصريح بها في عبارة المصرِّحين بالعموم.

اللهم إلّا أن يقال:إن ذلك مجاز لا يصار إليه إلّا بقرينة،و هي مفقودة في كلامهم إلّا من حيث إطلاق الجماعة،و تقييده بالمحرمين أولى من حمل الفداء على الأعم،بناءً على الأصح من تقديم التخصيص على المجاز حيثما تعارضا،و خصوصاً هنا،لانصراف الإطلاق في كلامهم المنساق في بيان ما يجب على المحرم من الكفارات إليه،دون المُحلّ و لو في المحرم،و إنما ذكر سابقاً تبعاً له.

و لذا توقف في التعميم بعض المتأخرين (2)،و هو في محلّه إن لم يثبت الإجماع على خلافه.

و لو ضرب طيراً على الأرض فقتله لزمه ثلاث قيَم للخبر:في محرم اصطاد طيراً في الحرم فضرب به الأرض فقتله،قال:« عليه ثلاث قيمات،قيمة لإحرامه،و قيمة للحرم،و قيمة لاستصغاره إياه» (3).

و في سنده ضعف و في متنه مخالفة للأُصول؛ لاقتضائها التفصيل بين أفراد الطير،و إيجاب المنصوص فيما ورد به من بدنة كما في النعامة،

ص:339


1- التهذيب 5:/352 1224،الوسائل 13:49 أبواب كفارات الصيد ب 21 ح 1.
2- المدارك 8:360.
3- التهذيب 5:/370 1290،الوسائل 13:91 أبواب كفارات الصيد ب 45 ح 1.

و كفّ من طعام كما في العصفور،و شاة كما في الحمامة،أو في الطير مطلقاً على حسب ما مرّ،لا إيجاب القيمة مطلقاً و لو كان منصوصاً بدونها من بدنة أو تمرة أو غيرهما كما في الرواية.

و نفيها (1)الزائد عن القيمة للحرم و الجزاء للقتل و لو مع الاستصغار؛ إذ لا دليل على إيجابه الكفارة،و إنما غايته الحرمة،و لا تلازم بينها و بين الكفارة.

فالتعول على هذه الرواية مشكل،إلّا أن تجبر بالاتفاق بالعمل عليها في إيجابها ثلاث كفّارات في الظاهر؛ إذ لم نر مخالفاً في ذلك من الأصحاب حتى نحو الحلّي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد الخالية عن قرينة الصدق،و إن اختلفوا في الجمود على ظاهرها كما اختاره الماتن هنا و قال الشيخ في النهاية و المبسوط،و الحلّي في السرائر،و ابن عمّ الماتن في الجامع،و ابن حمزة في الوسيلة،و القاضي في المهذّب و الفاضلان في كتبهما حتى الماتن في الشرائع (2)،و غيرهم من المتأخرين (3):إنه عليه دم و قيمتان و زاد من عدا الماتن و الوسيلة التعزير،كما عن المنتهى و التحرير و التذكرة (4).

و الطير فيه و إن كان مطلقاً لكن المتبادر منه المنصرف إليه الإطلاق هو

ص:340


1- عطف على:اقتضائها.
2- النهاية:226،المبسوط 1:342،السرائر 1:562،الجامع:191،الوسيلة:165،المهذب 1:228،العلامة في المنتهى 2:829،و التحرير 1:117،و المحقق في الشرائع 1:288.
3- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:322،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:397.
4- المنتهى 2:829،التحرير 1:117،التذكرة 1:349.

خصوص ما عدا النعامة و العصفور و الجرادة،و هو الحمامة،فلا عموم فيه قطعياً يحتاج إلى التفصيل توفيقاً بينه و بين الأُصول.

و لو سلّم فقوله في التعليل:« قيمة لإحرامه» كالصريح،بل صريح في أنها موجَبة عن الجناية من حيث الإحرام،و أنها كفارته،و حينئذ فيجعل المراد من القيمة ما يرادف الجزاء على حسبه،و لا ريب في شيوع إطلاق القيمة على الفداء مثلاً أو الجزاء،و لذا حكي التعبير بلفظ الجزاء دون الدم عن الوسيلة و المهذّب،و ذكر الدم في عبائر الأكثر إما مثال أو مقصور على الحمامة التي فيها الدم،و هي المتبادر من إطلاق الطير كما مرّ.

و بالجملة:التعليل المزبور أوضح قرينة على أن المراد بالقيمة الجزاء كما في عبائر هؤلاء.

و حينئذ فاندفع الإشكال عن الرواية بحذافيره،و تبيّن أن الأقرب ما في عبارة الوسيلة و المهذّب،بل من عدا الماتن،و أن ما اختاره من إطلاق القيمة جموداً على ظاهر لفظ الرواية محل مناقشة.

ففي الحقيقة مختاره خالٍ عن الدليل،لا ما ذكره الشيخ و الجماعة؛ فإنّ مستندهم الرواية على حسب ما فيها من التعليل و إن عكس جماعة.

و حيث كان الداعي إلى العمل بالرواية و مخالفة الأصل هو الإجماع أو الشهرة فيجب الاقتصار على موردها،و ليس إلّا الطير المضروب به الأرض في الحرم،و ضاربه المحرم،و قاتله الضرب و إن عمّت العبارة بعض ما ليس فيها،فإنه ليس بمعتمد،بل اللازم في غير المنصوص المصير إلى حكم الأُصول.

و لو شرب لبن ظبية في الحرم فعليه دم و قيمة اللبن كما عن

ص:341

النهاية و المبسوط و المهذّب و الجامع و في الشرائع و القواعد و الإرشاد (1)، لكن بدون لفظ« في الحرم» كما هنا،و عن الوسيلة (2).

للخبر:في رجل مرّ و هو محرم في الحرم،فأخذ عنز ظبية فاحتلبها و شرب لبنها،قال:« عليه دم و جزاء للحرم عن اللبن» (3).

و هو مع الضعف اشترط فيه الإحرام و الحرم جميعاً و أخذ الشارب و احتلابه،و لقد أغفلها الأصحاب جملةً أو بعضاً.

و لضعفه أو وحدته قال الحلّي بعد الفتوى به:على ما روي في بعض الأخبار (4).و هو حسن على أصله،بل على أصلنا أيضاً إن لم ينجبر الضعف بعمل الأصحاب.و الظاهر فيه الجبر؛ لعدم خلاف فيه بينهم يعتدّ به و إن اختلفوا في التعبير عنه بقيوده كلّاً أو بعضاً.

و المتّجه العمل به بقيوده جملةً؛ لحصول الجبر فيه حينئذ قطعاً؛ مضافاً إلى التأيد بما عن التذكرة و المنتهى (5)من الاستدلال زيادةً على الخبر بأنه شرب ما لا يحلّ شربه،إذ اللبن كالجزء من الصيد،فكان ممنوعاً منه،فيكون كآكل ما لا يحلّ أكله،فيدخل في عموم قوله(عليه السّلام):

« من أكل طعاماً لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء،و من فعل متعمداً فعليه دم شاة» (6)إذ لا فرق بين الأكل

ص:342


1- النهاية:226،المبسوط 1:342،المهذب 1:230،الجامع:191،الشرائع 1:288،القواعد 1:96،الإرشاد 1:320.
2- الوسيلة:168.
3- التهذيب 5:/371 1292،الوسائل 13:90 أبواب كفارات الصيد ب 44 ح 6.
4- السرائر 1:562.
5- التذكرة 1:349،المنتهى 2:829.
6- التهذيب 5:/369 1287،الوسائل 13:157 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 8 ح 1.

و الشرب.

قال:و أما وجوب القيمة فلأنه جزء صيد فكان عليه قيمته.

و لا يخلو عن نظر،و لكن لا بأس به للتأييد،سيّما بعد عمل الأصحاب.

قيل:و احتمل الشهيد-(رحمه اللّه) وجوب القيمة على المُحلّ في الحرم، و الدم على المحرم في الحلّ (1).

الإمساك

و أما الإمساك:فإذا أحرم و معه صيد مملوك له قبل الإحرام بأحد الأسباب المملّكة زال ملكه عنه فيما قطع به الأصحاب على الظاهر، المصرَّح به في كلام جماعة (2)،مؤذنين بدعوى إجماعنا عليه،كما عن ظاهر المنتهى و صريح الخلاف و الجواهر (3).

فإن تمّ الإجماع و إلّا فمقتضى الأصل بقاء الملك و إن حرم بعض التصرفات.

و لا مخرج عنه واضحاً،سوى ما قيل من أنه لا يملكه ابتداءً فكذا استدامةً (4)؛ و لعموم الآية (5)،بناءً على أن صيد البرّ فيها ليس مصدراً و لأنه وجب عليه إرساله بعد الإحرام إجماعاً كما في ظاهر الغنية.

و للخبر:« لا يحرم أحد و معه شيء من الصيد حتى يخرجه عن ملكه،فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخلّيه،فإن لم يفعل حتى يدخل

ص:343


1- كشف اللثام 1:397.
2- منهم:صاحبا المدارك 8:362،و الحدائق 15:282.
3- المنتهى 2:830،الخلاف 2:413،جواهر الفقه:47.
4- المنتهى 2:831،كشف اللثام 1:400.
5- المائدة:96.

و مات لزم الفداء» (1).

و لو كان بقي على ملكه كان له تصرّف المُلاّك في أملاكهم (2).

و في الجميع نظر:فالأول بمنع الأصل و إن اشتهر،ثم الفرع،إذ لا دليل عليه سوى القياس،مع أن ظاهر جملة من النصوص الآتية في مسألة اضطرار المحرم إلى الصيد و الميتة الآمرة بأكل الصيد تملّك المحرم الصيد و لو في الضرورة،لتعليلها بأنه يأكل من ماله،فلولا أنه يملكه لما صحّ التعليل بالكلية.

و منع الثاني أوّلاً:بمنع كون الصيد فيه اسماً؛ لعدم وضوح دليل عليه.

و ثانياً:بأن المتبادر منه على تقدير الاسمية غير التملك من سائر التصرفات،كالاصطياد و الذبح و الأكل و نحوها.

و ثالثاً:بأنه إن تمّ فإن مفاده حرمة التملك و الاستبقاء،فلا يفيد فساداً إلّا إذا اقتضى النهي الفساد و كان ذاكراً،و يمنع الاقتضاء،و لو سلّم فالدليل أخص من المدّعى فإنه قد ينسى.

و الثالث:بمنع الإجماع؛ لعدم ظهوره من الكتاب ظهوراً يعتدّ به يعتمد عليه.

و الخبر ضعيف السند،و مع ذلك فمفاده وجوب الإرسال بعد دخول الحرم،و لا بعد الإحرام،قيل:و عليه اقتصر في النهاية (3).

و مع ذلك فكلّ من الملازمة و بطلان اللازم ممنوع.

ص:344


1- التهذيب 5:/362 1257،الوسائل 13:74 أبواب كفارات الصيد ب 34 ح 3.
2- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:400.
3- كشف اللثام 1:400.

فانحصر الدليل في الإجماع المنقول،المعتضد بالشهرة العظيمة، و لعلّه كاف في المسألة،و لولاه لكان القول ببقاء الملك و إن وجب الإرسال كما عن الإسكافي و الشيخ (1)،و قوّاه جماعة من المتأخرين- (2)في غاية القوة.

و تظهر الفائدة بين القولين فيما لو أخذه آخذ،أو جنى عليه جانٍ، فإنّ له انتزاعه في الأول،و المطالبة بالعوض في الثاني.

و لو أهمل في الإرسال ف تلف قبل الإرسال ضمنه و لو حتف أنفه،إجماعاً منّا و من القائلين بوجوب الإرسال،كما عن المنتهى،قال:

لأنه تلف تحت اليد العادية فلزمه الضمان،كمال الآدمي (3).

و ظاهر إطلاقه كالمتن و نحوه يشمل صورتي وقوع التلف قبل دخول الحرم و بعده،فإن تمّ إجماعاً كما نقله،و إلّا فالمستفاد من النصوص ليس إلّا الحكم في الصورة الثانية:

ففي الحسن:عن رجل أصاب ظبياً فأدخله الحرم فمات الضبي في الحرم،فقال:« إن كان حين أدخله الحرم خلّى سبيله فلا شيء عليه،و إن أمسكه حتى مات فعليه الفداء» (4).

بل المستفاد من الرواية المتقدمة اختصاصه بها،لكنها ضعيفة السند.

فالعمدة في الإطلاق هو ما مرّ من الإجماع في المنتهى.

ثم فيه بعد ما مرّ:أما لو[لم (5)]يمكنه الإرسال و تلف قبل إمكانه

ص:345


1- حكاه عن الإسكافي في المفاتيح 1:321،المبسوط 1:343.
2- منهم صاحب المدارك 8:363،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:400.
3- المنتهى 2:830.
4- التهذيب 5:/362 1259،الوسائل 13:75 أبواب كفارات الصيد ب 36 ح 3.
5- أضفناه من المصدر.

فالوجه عدم الضمان؛ لأنه ليس بمفرِّط و لا متعدٍّ.

أقول:و هو الأظهر،وفاقاً لجمع ممن تأخر (1)،من غير خلاف بينهم يظهر.و ليس فيه منافاة لما مرّ من إطلاق النص،لعدم انصرافه بحكم التبادر إلى محل الفرض.

ثم قالوا:لو لم يرسله حتى أحلّ فلا شيء عليه سوى الإثم.

و في وجوب إرساله بعد إحلاله وجهان (2)،أظهرهما العدم،و لا بأس بالأول.

و أما الثاني فمشكل على إطلاقه،سيّما على القول بخروجه بالإحرام عن ملكه و حجية الاستصحاب؛ فإن مقتضاه وجوب الإرسال إذا وجب عليه حال الإحرام،بأن كان متذكراً و أهمل و لم يرسل مع إمكانه،فالأحوط الإرسال في هذه الصورة،بل مطلقاً.

ثم إنّ كلّ ذا إذا كان الصيد معه.

و لو كان نائياً عنه لم يخرج عن ملكه بلا خلاف يعرف كما في كلام جماعة (3)؛ للأصل،و الصحيحين (4).

و الظاهر تحقق النائي بأن لا يكون مصاحباً له في الإحرام.

ص:346


1- منهم:صاحب المدارك 8:363،و السبزواري في الذخيرة:613،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:400.
2- في« ق»:قولان.
3- منهم:صاحب المدارك 8:364،و السبزواري في الذخيرة:612،و المجلسي في ملاذ الأخيار 8:316.
4- الأول:الكافي 4:/382 9،التهذيب 5:/362 1260،الوسائل 13:73 أبواب كفارات الصيد ب 34 ح 1.الثاني:الفقيه 2:/167 731،الوسائل 13:74 أبواب كفارات الصيد ب 34 ح 4.

و كما لا يمنع الإحرام استدامة ملك البعيد لا يمنع ابتداءه،فلو اشترى المحرم صيداً نائياً عنه أو اتّهبه انتقل إلى ملكه؛ للأصل السليم عما يصلح للمعارضة،و حيث لا يزول ملكه عنه فله بيعه وهبته و غيرهما،كما عن التحرير و المنتهى (1).

قيل:و قيل بالمنع (2).

و في الخبر:عن رجل خرج إلى مكة و له في منزله حمام طيّارة فألفها طير من الصيد و كان مع حمامه،قال:« فلينظر أهله في المقدار،أي الوقت الذي يظنون أنه يحرم فيه و لا يعرّضون لذلك الطير و لا يفزعونه و يطعمونه حتى يوم النحر و يحلّ صاحبهم من إحرامه» (3).

و لقصور سنده حمله جماعة على الاستحباب (4)،و لا بأس.

و لو أمسكه محرم في الحلّ و ذبحه محرم آخر مثله فيه لزم كلّاً منهما فداء أما الذابح فلما مرّ،و أما الممسك فلفحوى ما سيأتي من لزومه على الدالّ و المشارك في الرمي من غير إصابة،فهنا أولى.

و لا خلاف فيه أيضاً ظاهراً،و حكي عن الخلاف و التذكرة صريحاً (5).

قيل:و للشافعية وجهان،أحدهما أن الفداء على القاتل،و الآخر أنه بينهما (6).

ص:347


1- التحرير 1:117،المنتهى 2:830.
2- كشف اللثام 1:400.
3- التهذيب 5:/464 1619،الوسائل 13:73 أبواب كفارات الصيد ب 34 ح 2.
4- منهم:صاحب الوسائل 13:74،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:400.
5- الخلاف 2:406،التذكرة 1:349.
6- كشف اللثام 1:400.

و لو كان أحدهما أي الذابح و الممسك مُحلّاً و الآخر محرماً ضمنه المحرم خاصة؛ لما مرّ.دون المحلّ؛ للأصل،مع عدم هتكه حرمه الإحرام و الحرم.

و ما يصيده المحرم في الحلّ لا يحرم على المُحلّ إذا ذبحه هو أو مُحلّ آخر؛ للأصل،و الصحاح المستفيضة (1).بل يستفاد منها إباحته له مطلقاً و إن ذبحه محرم في الحلّ،و لكن الأظهر الأشهر تحريمه حينئذ عليه، كما مرّ في أول بحث التروك.

التسبيب

و أما التسبيب:فإذا أغلق باباً على حمام الحرم و فراخ و بيض ضمن بالإغلاق الحمامة بشاة،و الفرخ بحَمَل،و البيضة بدرهم هذا إن أغلق و هو محرم.

و إن أغلق قبل إحرامه ضمن الحمامة بدرهم،و الفرخ بنصف درهم و البيضة بربع درهم،كما في الخبر (2)،بل قيل:الموثق (3)،و زيد فيه أنه إن لم يتحرك الفرخ ففيه على المحرم درهم.

و نحوه في الحَمام الصحيح:في رجل أُغلق بابه على طائر،فقال:

« إن أغلق الباب بعد ما أحرم فعليه شاة،و إن كان أغلق الباب قبل أن يحرم فعليه ثمنه» (4).

و عليه ينزل إطلاق الصحيحين في أحدهما:عن رجل أغلق باب بيت

ص:348


1- الوسائل 12:420 أبواب تروك الإحرام ب 3.
2- التهذيب 5:/350 1216،الوسائل 13:42 أبواب كفارات الصيد ب 16 ح 3.
3- انظر الذخيرة:613،و الحدائق 15:285.
4- التهذيب 5:/350 1215،الوسائل 13:41 أبواب كفارات الصيد ب 16 ح 2.

على طير من حمام الحرم فمات،قال:« يتصدق بدرهم أو يطعم به حمام الحرم» (1).

و في الثاني:عن قوم قفلوا الباب على حمام الحرم،فقال:« عليهم قيمة كل طائر[درهم]يشتري به علفاً لحمام الحرم» (2).

بحملهما على المُحلّ دون المحرم،مضافاً إلى الإجماع.

و إطلاق الرواية الأُولى و الأخيرة،بل الثانية على رواية الشيخ في التهذيب دون الفقيه (3)،فإنها كالثالثة مختصة بصورة الهلاك يقتضي عدم الفرق بينها و بين صورتي السلامة و جهل الحال.و هو ظاهر المتن هنا و خيرة الفاضل في التلخيص كما حكي (4)،و نقلاه في الشرائع و المختلف و جماعة (5)قولاً،و لكن لم نعرف له قائلاً.

و شرط الشيخ و الحلّي و من تأخر عنهما من الأصحاب حتى الفاضلين فيما عدا الكتابين (6)في ثبوت الضمان الهلاك و زاد المتأخرون الجهل بالحال.و هو الأقوى،حملاً للإطلاق على صورة الجهل بالحال؛ لفحوى ما دلّ على نفي الضمان برمي الصيد و إصابته مع عدم التأثير فيه،فعدم الضمان هنا أولى،إذ ليس الإغلاق مع عدم الهلاك أولى

ص:349


1- الفقيه 2:/167 728،الوسائل 13:41 أبواب كفارات الصيد ب 16 ح 1.
2- الكافي 4:/234 13،التهذيب 5:/350 1217،الوسائل 13:42 أبواب كفارات الصيد ب 16 ح 4،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
3- الفقيه 2:/167 727.
4- حكاه عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:393.
5- الشرائع 1:290،المختلف:281؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 6:408،و المسالك 1:140،و المدارك 8:367.
6- الشيخ في المبسوط 1:341،الحلي في السرائر 1:560،المحقق في الشرائع 1:290،العلامة في المنتهى 2:831.

من الأخذ ثم الإرسال،بل هو أولى،و على هذا فإن أرسله سليماً فلا ضمان.

نعم،ربما يؤيد الإطلاق أنه عند الهلاك يجتمع على المحرم في الحرم الأمران،كما في السرائر و التحرير و المنتهى (1)فيما حكي،و ظاهر الخبرين و الفتاوي أنه ليس عليه إلّا شاة أو حَمَل أو درهم،إلّا أن يراد الإغلاق على حمام الحرم في الحلّ،و فيه بُعد،أو يقال:إن إيجاب الشاة فيهما إنما هو لأجل الإحرام،فلا ينافي ثبوت درهم لأجل الحرم،كما قيل في نظائرهما من الأخبار الواردة في الجناية على الحمامة و فرخها و بيضها كما مضى.

هذا،و لكن الأحوط العمل بالإطلاق جدّاً.

و قيل:إذا نفّر حمام الحرم و لم تَعُد فعن كل طير شاة،و لو عاد فعن الجميع شاة و القائل الشيخان و والد الصدوق و القاضي و الديلمي و الحلّي و ابن حمزة فيما حكاه عنهم جماعة (2)،و تبعهم الفاضل في جملة من كتبه و غيره (3).

و قيل:ذكره أكثر الأصحاب،و في التهذيب ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه في رسالته،و لم أجد به حديثاً مسنداً (4).

ص:350


1- السرائر 1:560،التحرير 1:118،المنتهى 2:831.
2- منهم العلامة في المختلف:280،و ابن فهد في المهذب البارع 2:252؛ و هو في المقنعة:436،و النهاية:224،و حكاه عن والد الصدوق في المختلف:280،القاضي في المهذب 1:223،الديلمي في المراسم:120،الحلي في السرائر 1:560،ابن حمزة في الوسيلة:167.
3- التحرير 1:118،و التذكرة 1:349،و القواعد 1:96؛ و انظر اللمعة(الروضة البهية 2):347.
4- كشف اللثام 1:399،و انظر التهذيب 5:350.

أقول:و لعلّه لذا عزاه الماتن إلى القيل مشعراً بتمريضه.

أقول:و لكن يفهم من عبارة التهذيب المزبورة وجود رواية مرسلة به،فهي تكفي بعد الانجبار بفتوى الأكثر،و لا سيّما نحو الحلّي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد إلّا بعد احتفافها بالقرائن القطعية،هذا.

مضافاً إلى صريح الرضوي فيما حكي،و فيه:« و إن نفّرت حمام الحرم فرجعت فعليك في كلّها شاة،و إن لم ترها رجعت فعليك لكل طير دم شاة» (1).

قيل:و في المنتهى لا بأس به؛ لأن التنفير حرام،لأنه سبب للإتلاف غالباً و لعدم العود،فكان عليه مع الرجوع دم،لفعل المحرّم،و مع عدم الرجوع شاة،لما تقدم من أن من أخرج طيراً من الحرم وجب عليه أن يعيده،فإن لم يفعل ضمنه،و نحوه التذكرة.

و في المختلف عن الإسكافي من نفّر طيور الحرم كان عليه لكل طائر ربع قيمته،قال:و الظاهر أن مقصوده ذلك إذا رجعت،إذ مع عدم الرجوع يكون كالمتلف،فيجب عليه عن كل واحد شاة.

و التنفير و العود يحتملان عن الحرم و إليه،و عن الوكر و إليه،و عن كل مكان يكون فيه و إليه.

و الشاك في العدد يبني على الأقل،و في العود على العدم.

و هل يختص الحكم بالمُحلّ كما قيل فإن كان محرماً كان عليه جزاءان؟وجهان،أقواهما التساوي،للأصل من غير معارض.

و الأقرب أنه لا شيء في الواحدة مع الرجوع؛ للأصل،و اختصاص

ص:351


1- فقه الرضا((عليه السّلام)):229،المستدرك 9:285 أبواب كفارات الصيد ب 40 ح 2.

الفتاوي بحكم التبادر و السياق بالجمع،قلنا إن الحمام جمع أم لا؛ و لأنه لو وجب فيها شاة لم يكن فرق بين عودها و عدمه،بل و لا تلفها.

و يحتمل المساواة للكثير،كما يتساوى ثلاثة منها و ألف،و كما يتساوى حمامة و جزؤها في الفداء عند الأكل؛ لتحصيل يقين البراءة،و منع اختصاص الفتاوي بالجمع،و إنما يعطيه ظاهر قولهم:فعن كل حمامة شاة، و هو لا يعيّنه،و أما بحسب اللغة فالمحقّقون على أنه اسم جنس،و لا بُعد في تساوي التنفير و الإتلاف (1).

و لو أوقد جماعة ناراً فاحترق فيها حمامة أو شبهها من الصيد لزمهم فداء واحد إذا لم يقصدوا بالإيقاد وقوعها فيها و اصطيادها، و لو قصدوا به ذلك لزم كل واحد منهم فداء كامل بغير خلاف ظاهر.

للصحيح (2)،[و مورده (3)]الإيقاد حال الإحرام قبل دخول الحرم.

و ألحق جماعة (4)بذلك المُحلّ في الحرم بالنسبة إلى لزوم القيمة أعني الدرهم،و صرّحوا باجتماع الأمرين على المحرم في الحرم.و هو جيّد مع القصد إلى الاصطياد،و مشكل مع العدم؛ لانتفاء النص.

و لو اختلفوا في القصد و عدمه،بأن قصد بعض دون بعض اختصّ كلّ بحكمه،فيجب على كل من القاصدين فداء،و على من لم يقصد فداء واحد.

ص:352


1- كشف اللثام 1:393.
2- الكافي 4:/392 5،الوسائل 13:48 أبواب كفارات الصيد ب 19 ح 1.
3- أضفناه لتصحيح العبارة.
4- منهم:صاحب المدارك 8:371،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:393،و صاحب الحدائق 15:291.

و لو كان غير القاصد واحداً فإشكال،ينشأ من مساواته القاصد مع أنه أخفّ منه حكماً.

و احتمل جماعة وفاقاً للدروس (1)مع اختلافهم أن يجب على من لم يقصد ما كان يلزمه مع عدم قصد الجميع،فلو كانا اثنين مختلفين فعلى القاصد شاة و على الآخر نصفها،و هكذا،لو كان الواقع الحمامة.و لا بأس به.

و لو دلّ محرم على صيد في الحلّ أو الحرم محلّاً أو محرماً أو أغرى كلبه و أرسله إليه كذلك فقُتل،ضمنه للتسبيب فيهما؛ مضافاً إلى الإجماع المحكي عن الخلاف و الغنية (2)،و الصحيحين في الأول:

ففي أحدهما:« لا تستحلّنّ شيئاً من الصيد و أنت حرام،و لا و أنت حلال في الحرم،و لا تدلّنّ عليه مُحلّاً و لا مُحرماً فيصطاده،و لا تشر إليه فيستحل من أجلك،فإن فيه فداءً لمن تعمّده» (3).

و احتمال كون الفداء فيه على المستحل،لا الدالّ،بعيد عن ظاهر سياقه،و لذا لم يحتمله أحد من الأصحاب،و استدلوا به هنا.

و في الثاني:« المحرم لا يدلّ على الصيد،فإن دلّ[فقتل]فعليه الفداء» (4).

قيل:أما الإجماع إنما هو إذا قُتل بالدلالة،فلا شيء عليه إذا لم يأخذه

ص:353


1- الدروس 1:360؛ و انظر المدارك 8:371،و كشف اللثام 1:399.
2- الخلاف 2:405،الغنية(الجوامع الفقهية):576.
3- الكافي 4:/381 1،الوسائل 13:43 أبواب كفارات الصيد ب 17 ح 1.
4- الكافي 4:/381 2،التهذيب 5:/467 1634،الوسائل 13:43 أبواب كفارات الصيد ب 17 ح 2.و ما بين المعقوفين من المصادر.

المدلول،أو أخذه ثم أرسله و إن أثم؛ للأصل،و أطلق الفداء جماعة من الأصحاب،و في المختلف:إنهم إن قصدوا الإطلاق فهو ممنوع،ثم استدل لهم بالصحيح الثاني بحذف قوله:« فقُتل» و أجاب بحمله على القيد،و هو موجود في نسخ الكافي و التهذيب (1)،و كأنّ القيد مراد لهم.

و لا ضمان إن رآه المدلول قبل الدلالة؛ التسبيب و الدلالة حقيقةً، مع الأصل.و كذا إن فعل ما فطن به غيره و لم يكن قصد به ذلك؛ لخروجه عن الدلالة.

ثم الدالّ إنما يضمن إذا كان محرماً دلّ محرماً أو مُحلّاً على صيد في الحرم أو في الحلّ.و إن كان مُحلّاً دلّ محرماً أو مُحلّاً على صيد في الحرم، ففي المنتهى و التحرير:إنّ في ضمانه نظراً،و الصحيح الأول يفيد الضمان.

و إن دلّ مُحلّ محرماً على الصيد في الحلّ لم يضمن،وفاقاً للتذكرة؛ لأنه لم يضمن بالمباشرة فبالتسبيب أولى،و تردّد في المنتهى،لأنه أعان على محرم فكان كالمشارك،و ضعفه ظاهر (2).

أقول:لأنه غاية الإعانة إفادة الإثم،لا الكفارة.

أحكام الصيد

و من أحكام الصيد مسائل ثمانية:

الأُولى ما يلزم المحرم في الحلّ و المُحلّ في الحرم يجتمعان على المحرم في الحرم

الاُولى: ما يلزم المحرم في الحلّ من الفداء أو بدله في المنصوص،و القيمة في غيره و المُحلّ في الحرم كذلك يجتمعان على المحرم في الحرم بلا خلاف أجده و لا حكي،إلّا عن العماني،فلم

ص:354


1- رواه في موضع آخر من التهذيب و في الاستبصار بحذف قوله:« فقتل» انظر التهذيب 5:/315 1086،الاستبصار 2:/187 629.
2- كشف اللثام 1:398.

يوجب على المحرم إذا قتل حمامة في الحرم إلّا شاة (1)،و هو نادر،بل على خلافه الإجماع في جملة من العبائر،كالإنتصار و الغنية و شرح الجمل للقاضي (2)كما حكي،و النصوص به مع ذلك مستفيضة عموماً و خصوصاً فيما ذكره.

و قد مرّ من الثاني الصحيح في قتل الحمامة (3)،و الأخبار بمعناه في قتلها و فرخها و بيضها مستفيضة (4).

و من العموم الصحيح:« إن أصبت الصيد و أنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك،و إن أصبته و أنت حلال في الحرم فقيمة واحدة، و إن أصبته و أنت حرام في الحلّ فإنما عليك فداء واحد» (5).

و الظاهر أن المراد من الفداء في قوله:« فالفداء مضاعف» ما يعمّ القيمة،كما ربما يشعر به سياقه و رواية اخرى موثقة لراوي هذه الصحيحة، فإن فيها:« ليس عليك فداء شيء أتيته و أنت محرم جاهلاً به إذا كنت محرماً في حجك أو عمرتك؛ إلّا الصيد،فإن عليك الفداء بجهل كان أو عمد،و لأن اللّه تعالى قد أوجبه عليك فإن أصبته و أنت حلال في الحرم فعليك قيمة واحدة،و إن أصبته و أنت حرام في الحلّ فعليك القيمة،و إن أصبته و أنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفاً» (6).

ص:355


1- كما نقله عنه في المختلف:278.
2- الانتصار:99،الغنية(الجوامع الفقهية):575،شرح جمل العلم و العمل:239.
3- راجع ص:3408.
4- الوسائل 13:25 أبواب كفارات الصيد ب 10،11.
5- الكافي 4:/395 4،الوسائل 13:89 أبواب كفارات الصيد ب 44 ح 5.
6- التهذيب 5:/370 1288،الوسائل 13:70 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 5.

هذا،مضافاً إلى النصوص الواردة في الحمامة،فإنها صريحة في أن المجتمع على المحرم في الحرم الفداء و القيمة،لا الفداء مضاعفاً،فتكون صارفة للفداء في هذه الصحيحة إلى ما يعمّ القيمة.

و ارتكاب التجوّز فيها بذلك جميعاً أولى من الجمع بتخصيصها بما عدا الحمامة؛ لما عرفت،مضافاً إلى عدم قائل بهذا التخصيص،إذ الأصحاب ما بين قائل بما ذكرناه،و هم الأكثرون (1)،و قائلٍ بتضاعف الفداء مطلقاً كما حكي عن الإسكافي و المقنع و أحد قولي المرتضى (2)،و مخيّرٍ أو مردّدٍ بينهما كما عن المفيد و الديلمي و ابن زهرة (3)،و التخصيص المزبور لا يوافق شيئاً من هذه الأقوال كما ترى.

فتعيّن ما ذكرنا دليلاً و فتوى؛ لعدم ما يدل على شيء من هذه الأقوال،مع إمكان إرجاعها إلى ما ذكرنا،كما احتمله جماعة من أصحابنا (4).

و أما الخبر:ما في القُمري و الدبسي[و السماني]و العصفور و البلبل؟ قال:« قيمته،فإن أصابه المحرم في الحرم فعليه قيمتان ليس عليه دم» (5)

ص:356


1- منهم:العلامة في المنتهى 2:825،و المختلف:278،و صاحب المدارك 8:392،و المجلسي في ملاذ الأخيار 8:332.
2- نقله عن الإسكافي في المختلف:277،المقنع:78،المرتضى في الانتصار:99.
3- المفيد في المقنعة:438،الديلمي في المراسم:121،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):575.
4- منهم:صاحب المدارك 8:392،و السبزواري في الذخيرة:608،و المجلسي في ملاذ الأخيار 8:332.
5- الكافي 4:/390 7،التهذيب 5:/371 1293،الوسائل 13:90 أبواب كفارات الصيد ب 44 ح 7،بدل ما بين المعقوفين في النسخ و الوسائل و التهذيب:السمان،و ما أثبتناه من الكافي هو الصحيح ظاهراً.

فلعلّه لأنه ليس لها مثل من النعم،كما عن التذكرة و المنتهى (1).

نعم،في بعض الأخبار عن مولانا الجواد في مسألة يحيى بن أكثم القاضي:« إنّ المحرم إذا قتل صيداً في الحلّ و كان الصيد من ذوات الطير و كان الطير من كبارها فعليه شاة،و إن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً،و إذا قتل فرخاً[في الحلّ]فعليه حَمَل فطم من اللبن،و إذا قتله في الحرم فعليه الحَمَل و قيمة الفرخ،و إن كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة،و إن كان نعامة فعليه بدنة،و إن كان ظبياً فعليه شاة،و إن كان قتل[شيئاً]من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة» (2).

و فيه مخالفة لما ذكرنا؛ لأن قوله(عليه السّلام) « هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ» [1] نصّ على معنى مضاعفة الجزاء.

قيل:و يجوز أن لا يكون حينئذ فرق بين الفداء و القيمة إلّا في الفرخ،فلذا فرّق بينهما فيه دون غيره (3).

و فيه أنه بعد الإغماض عن السند،و عدم المكافأة لما مرّ فرع وجود قائل بما فيه،و لم نجده.

و هذه الرواية نصّ في المضاعفة و لو بلغ الفداء بدنة كما عليه الأكثر، و عزاه الحلّي بعد اختياره إلى من عدا الشيخ من باقي الأصحاب (4)،

ص:357


1- انظر التذكرة 1:352،المنتهى 2:825،حكاه عنهما في كشف اللثام 1:402.
2- الاحتجاج:444،تحف العقول:335،336،الوسائل 13:15 أبواب كفارات الصيد ب 3 ح 2،ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- كشف اللثام 1:402.
4- السرائر 1:563.

مؤذناً باتفاقهم عليه.و هو الأظهر؛ لإطلاق ما مرّ في المسألة من النص، مؤيداً بصريح هذا الخبر.خلافاً للماتن هنا و في الشرائع (1)فقيّدها ب ما إذا لم يبلغ بدنة وفاقاً للشيخ و ابن حمزة و القاضي (2)كما حكي، و تبعهم الفاضل في جملة من كتبه (3)؛ للأصل،و يخصَّص بما مرّ.

و الخبر:« إنما يكون الجزاء مضاعفاً فيما دون البدنة حتى يبلغ البدنة،فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف» (4)و هو مع ضعفه بالإرسال معارض بمثله الصريح (5)،المعتضد بإطلاق الصحيح و غيره.

و دعوى المسالك شهرة هذا القول (6)موهونة،فلا يمكن أن يجبر بها ضعف سند الرواية،مع أنها بدعوى الحلّي المتقدمة معارضة،سيّما إذا اعتضدت بالشهرة المتحققة،و مع ذلك فما اخترناه أحوط أيضاً في المسألة.

الثانية يضمن الصيد بقتله عمداً

الثانية: يضمن الصيد بقتله عمداً بأن يعلم أنه صيد فقتله ذاكراً لإحرامه،كان عالماً بالحكم أم لا،مختاراً أو مضطراً،إلّا في نحو ما مرّ من الجراد ممّا يشقّ التحرز عنه.

و سهواً بأن يكون غافلاً عن الإحرام(أو عن الحرمة) (7)أو كونه صيداً.

ص:358


1- الشرائع 1:289.
2- الشيخ في النهاية:226،ابن حمزة في الوسيلة:165،القاضي في المهذب 1:230.
3- راجع التذكرة 1:352،و التحرير 1:118،و التبصرة:65.
4- الكافي 4:/395 5،الوسائل 13:92 أبواب كفارات الصيد ب 46 ح 1.
5- انظر الوسائل 13:14 أبواب كفارات الصيد ب 3 ح 1 و 2.
6- المسالك 1:142.
7- ليس في« ح» و« ك».

و جهلاً بالحكم.

و خطأً،بأن قصد شيئاً فأخطأ إلى الصيد،و يمكن إدخاله في الجهل.

كلّ ذلك بالإجماع المستفيض النقل (1)،كالصحاح و غيرها (2).

و ظاهرها كالفتاوي،بل صريح جملة منهما تساوي العمد و نحو الخطأ في وحدة الكفارة و عدم تضاعفها و لو في العمد.خلافاً للمرتضى في الناصريات و الانتصار (3)،فقال بالتضاعف في العمد،إما مطلقاً كما في الأخير،أو مع قصد نقض الإحرام كما في الأول،مستدلاً عليه بالإجماع و الاحتياط،و بأن عليه مع النسيان جزاء و العمد أغلظ،فيجب له المضاعفة.

و في الأول وهن؛ إذ لم أر قائلاً به سواه.و الثاني ليس بدليل شرعي.

و الثالث بأنه اجتهاد في مقابلة النص المصرح بأن الفارق بين العمد و غيره ليس إلّا الإثم (4)،الموجب للعقاب،و به تثبت الأغلظية،فلا يحتاج إلى تعدّد الكفارة.

و إذا تكرّر الجنابة خطأً و المراد به ما عدا العمد دائماً ضمن الكفارة بكلّ مرة إجماعاً مستفيض النقل (5)،كالصحاح و غيرها، و ستعرف جملة منها إن شاء اللّه تعالى.

و لو تكرّر عمداً عالماً ففي ضمانه الكفارة في المرة

ص:359


1- كما في التذكرة 1:351،و المدارك 8:395،و ملاذ الأخيار 8:336،و كشف اللثام 1:403.
2- الوسائل 13:68 أبواب كفارات الصيد ب 31.
3- الناصريات(الجوامع الفقهية):209،الانتصار:99.
4- الكافي 4:/381 4،التهذيب 5:/360 1253،الوسائل 13:69 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 2،3.
5- التذكرة 1:351،المدارك 8:393،كشف اللثام 1:403.

الثانية و الثالثة و هكذا روايتان و قولان أشهرهما كما هنا و في الشرائع (1) أنه لا يضمن و كان ممن ينتقم اللّه تعالى منه،و عزاه في كنز العرفان إلى أكثر الأصحاب (2)،و عن التبيان أنه ظاهر مذهب الأصحاب (3)، و عن المجمع أنه الظاهر في رواياتنا (4)،و عن الخلاف أنه في كثير من الأخبار (5).

أقول:و هي مع ذلك مستفيضة،ففي الصحيح:« فإن عاد فقتل صيداً آخر لم يكن عليه جزاء،و ينتقم اللّه تعالى منه،و النقمة في الآخرة» (6).

و في آخر:« إذا أصاب آخر فليس عليه كفارة،و هو ممن قال اللّه عزّ و جلّ وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ [1] (7)» (8).و نحوهما الخبر (9).

و أصرح منها المرسل كالصحيح على الصحيح لابن أبي عمير المجمع على قبول مراسيله كما قيل:« فإن أصابه ثانية متعمداً فهو ممن ينتقم اللّه تعالى،و النقمة في الآخرة،و لم يكن عليه الكفارة» (10).

ص:360


1- الشرائع 1:292.
2- كنز العرفان 1:327.
3- التبيان 4:27.
4- مجمع البيان 2:245.
5- الخلاف 2:397.
6- التهذيب 5:/372 1297،الإستبصار 2:/211 720،الوسائل 13:93 أبواب كفارات الصيد ب 48 ح 1.
7- المائدة:95.
8- الكافي 4:/394 3،الوسائل 13:95 أبواب كفارات الصيد ب 48 ح 5.
9- الكافي 4:/394 3،الوسائل 13:95 أبواب كفارات الصيد ب 48 ح 5.
10- التهذيب 5:/372 1298،الإستبصار 2:/211 721،الوسائل 13:94 أبواب كفارات الصيد ب 48 ح 2.

و هذه الأخبار صريحة الدلالة و إن لم يتضمن ما عدا الأخير منها التصريح بالتعمد،إلّا أن قوله فيها:« فينتقم اللّه تعالى منه» صريح في الاختصاص به،و هي مع ذلك مخالفة لما عليه العامة إلّا النادر منهم (1)،كما صرّح به جماعة (2)،موافقة لظاهر الكتاب؛ فإنه جعل سبحانه جزاء العود الانتقام،بعد أن جعل جزاء ابتدائه الفدية بمقتضى المقابلة،و التفصيل قاطع للشركة،و لذا تمسك به في الرواية الأخيرة،بل الروايات المزبورة كلّها لنفي الكفارة عن متعمد العود،فتكون مفسرة للآية.

و مع ذلك معتضدة بالأصل،و سليمة عن المعارض بالكلّية،عدا ما قيل (3)من الآية،و فيها ما عرفته؛ و من الاحتياط،و ليس بدليل شرعي؛ و إطلاقات الأخبار بالكفارات،لشمولها المرة الثانية و لو عمداً،و فيها منع، لاختصاصها بحكم التبادر بالمرة الأُولى و ما عدا العمد خاصة،فهي إذاً بالنسبة إلى التكرار و العمد مجملة لا حجة فيها بالكلية.

و الرواية الثانية و هي أيضاً مستفيضة،ففي الصحيح:« عليه الكفارة في كل ما أصاب» (4).

و في آخر:« كلّما عاد عليه كفارة» (5).

و في جملة من الأخبار الصحيحة أنه لا فرق في لزوم الكفارة بين

ص:361


1- المجموع 7:323.
2- منهم:الشيخ في الخلاف 2:397،و العلامة في المختلف:277.
3- انظر المختلف:277،و التنقيح 1:547.
4- الكافي 4:/394 1،التهذيب 5:/372 1295،الإستبصار 2:/210 718،الوسائل 13:92 أبواب كفارات الصيد ب 47 ح 1.
5- التهذيب 5:/372 1296،الإستبصار 2:/210 719،الوسائل 13:93 أبواب كفارات الصيد ب 47 ح 3.

العمد و الخطأ و الجهل،و إنما الفارق بين العمد و غيره هو خصوص المؤاخذة:

ففي الصحيح:عن المحرم يصيب الصيد بجهالة أو خطأ أو عمد، أهم فيه سواء؟قال:« لا» قلت:جعلت فداك،ما تقول في رجل أصاب الصيد بجهالة و هو محرم؟قال:« عليه الكفارة»[قلت:]فإن أصابه خطأً؟ قال:« عليه الكفارة»[قلت:]فإن أخذ ظبياً متعمداً فذبحه،قال:« عليه الكفارة» قال،قلت:جعلت فداك،قلتَ:إن الخطأ و الجهالة و العمد ليس سواء،فبأي شيء يفضل المتعمدُ الخاطئَ؟!قال:« بأنه أثم و لعب بدينه» (1)و لو انفصل العامد عن غيره بشيء غير ذلك لوجب ذكره و بيانه في مقام الحاجة.

و هذه الأخبار ليس شيء منها صريحاً،و إنما غايتها الإطلاق كالروايات الأخيرة و قد عرفت عدم انصرافه إلى المرّة الثانية،أو العموم كالصحيحين إن كان لفظه« ما» في أوّلهما مصدرية،و يقبل التخصيص بما عرفته،لحصول التكافؤ في الخاص،و قوة الدلالة من وجوه عديدة.

مع أن لفظه« ما» في الرواية الأُولى كما تحتمل المصدرية فتتعلق بموضوع المسألة؛ كذا يحتمل كونها موصولة فتخرج عنه،و تصير بالنسبة إليه مجملة،إذ الكلام فيها ليس في أفراد الصيد من حيث الفردية،بل الإجماع منعقد على العموم في الأفراد من هذه الحيثية،و لا يلحظ في هذه خصوص المرة الأُولى أو الثانية،و إنما الكلام فيها من حيث الأحوال من حيث التكرار و المرة،و ليس في الرواية على تقدير الموصولية إشارة إلى

ص:362


1- التهذيب 5:/360 1253،الوسائل 13:69 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 3 بتفاوت،بدل ما بين المعقوفين في النسخ:قال،و ما أثبتناه من المصدر.

العموم من هذه الجهة،بل هي بالنسبة إليها مجملة،فلا يمكن التمسك بها حينئذ لإثبات العموم من هذه الجهة.

و أما تأييد هذه الأخبار بالأولوية و جملة من الأُمور الاعتبارية فلا وجه له بعد ضعف أصل الأخبار دلالةً،و معارضتها بأقوى منها من وجوه شتّى.

فإذاً القول الأول أقوى،وفاقاً للصدوق في الفقيه و المقنع و التهذيبين و المهذّب و الجامع كما حكي (1)،و الشهيدين في النكت و المسالك و سبط الثاني في المدارك (2)،و كثير ممن تأخر عنه (3)،بل قد عرفت دعوى شهرته في المتن و غيره،بل أنه ظاهر الأصحاب.

خلافاً للحلّي و السيّدين و الحلبي،و الفاضل في جملة من كتبه، و الفاضل المقداد في الكنز و الشرح (4)،و غيرهم (5).

و اعلم أن ظاهر الكتاب و الروايات النافية للتكرار مع العمد إنما هو في صيد الإحرام مطلقاً دون الحرم للمُحلّ و العمد بعد العمد،و في الإحرام الواحد،دون المتعدد.

فتتكرر الكفارة في صيد الحرم و لو للمُحلّ مطلقاً عمداً على الأقوى،

ص:363


1- حكاه في كشف اللثام 1:403.
2- المسالك 1:142،المدارك 8:393.
3- منهم:السبزواري في الذخيرة:614،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:324،و صاحب الحدائق 15:316.
4- الحلي في السرائر 1:563،و المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل السيد 3):72،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):575،الحلبي في الكافي:205،الفاضل في التحرير 1:115،و التذكرة 351،و المنتهى 2:819،كنز العرفان 1:328،التنقيح الرائع 1:547.
5- كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1:403.

وفاقاً للشهيد الثاني و غيره (1).

و في العمد بعد الخطأ أو النسيان،و العكس بلا خلاف،كما قيل (2).

و في الإحرامين مطلقاً لعامين مطلقاً و لو قرب الجنايتان فيهما زماناً، أو عام واحد لم يرتبط أحدهما بالآخر،أو ارتبطا كإحرام العمرة المتمتع بها مع حجها،على إشكال في الأخيرة،و لكن الأحوط بل الأقوى التكرار فيه أيضاً.

الثالثة لو اشترى مُحلّ بيض نعام لمحرم فأكله المحرم ضمن

الثالثة:لو اشترى مُحلّ بيض نعام لمحرم فأكله المحرم ضمن المحرم كل بيضة أكلها بشاة،و ضمن المُحلّ عن كل بيضة درهماً كما في الصحيح (3)،و لا خلاف فيه أجده،و في المسالك الاتفاق عليه (4).

و لم يفرّق فيه و لا في الفتاوي بين كون المشتري أو الآكل في الحلّ أو الحرم،و في المسالك إنه في الحلّ،فعلى الآكل في الحرم المضاعفة، و على المشتري فيه أكثر الأمرين من الدرهم و القيمة.

و لا بأس بالأخير احتياطاً،و بالأول فتوًى؛ جمعاً بين الصحيح و ما دلّ على المضاعفة على المحرم في الحرم (5)،لعدم التعارض بينهما.

و منه يتوجه ما قيل من أن الشاة فداء الأكل خاصة،فلو انضم إليه الكسر لزم أيضاً الإرسال إن لم يتحرك الفرخ (6).

ص:364


1- الشهيد الثاني في المسالك 1:143،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:548.
2- التنقيح 1:548.
3- الكافي 4:/388 12،التهذيب 5:/355 1235،الوسائل 13:56 أبواب كفارات الصيد ب 24 ح 5.
4- المسالك 1:143.
5- انظر الوسائل 13:14 أبواب كفارات الصيد ب 3 ح 1 و 2.
6- المسالك 1:143.

و هل الأخذ بغير شراء كالشراء؟احتمال قريب.

و إن كان المشتري أيضاً محرماً و كان مكسوراً أو مطبوخاً أو فاسداً لم يكن عليه إلّا درهم؛ لإعانته المحرم على أكله؛ و فحوى ما دلّ على ثبوته على المُحلّ.

و إن كان صحيحاً فدفعه إلى المحرم كذلك،كان مسبِّباً للكسره،فعليه ما عليه إن باشره،و إن كسره بنفسه فعليه فداء الكسر قيل:و كان الطبخ مثله (1)ثم عليه لدفعه إلى الآكل الدرهم.

و إن اشتراه المحرم لنفسه لم يكن عليه للشراء شيء،كما لا شيء على من اشترى غير البيض من صيد أو غيره و إن أساء و أثم،للأصل، و بطلان القياس،و منع الأولوية.

الرابعة لا يملك المحرم صيداً

الرابعة:لا يملك المحرم صيداً باصطياد و لا ابتياع و لا اتّهاب و لا غير ذلك من ميراث و وصية و صلح و وقف و شبهها،إن كان معه في الحلّ أو الحرم،على ما يقتضيه إطلاق العبارة هنا و في الشرائع و القواعد و نحوها (2).

قيل:لعموم الآية و ما عرفت من زوال ملكه عنه بالإحرام،فعدم التملك أولى.و ضعفهما ممّا مضى،نعم،إن ثبت الإجماع على زوال الملك قوي العدم (3).

و يملك ما ليس معه كما لا يزول ملكه عمّا ليس معه.و لا يجب إرساله؛ للأصل من غير معارض.لكن عموم الآية معارض إن استند إليه

ص:365


1- كشف اللثام 1:403.
2- الشرائع 1:292،القواعد 1:97؛ و المفاتيح 1:321.
3- كشف اللثام 1:400.

فيما معه.

قيل:و في التحرير و التذكرة و المنتهى:إن ذلك في الحرم،أما في الحلّ فالوجه التملك؛ لأن له استدامة الملك فيه،فكذا ابتداؤه،مع قطعه فيها بزوال ملكه عند بالإحرام و احتجاجه له بأن استدامة الإمساك كابتدائه، و هو يعمّ المحرم في الحرم و في الحلّ.

و قيل:في المبسوط:إنه لا يدخل بالاتّهاب في ملكه و أطلق،و لا يجوز له شيء من الابتياع و غيره من أنواع التملك،و إن الأقوى أنه يملك بالميراث،و لكن إن كان معه وجب عليه إرساله،و إلّا بقي على ملكه و لم يجب إرساله.و هو قوي؛ لأن الملك هنا ليس بالاختيار ليدخل في عموم الآية بالتحريم،فيرثه بعموم أدلة الإرث،و إنما الذي اختاره الاستدامة،فلذا وجب الإرسال إن كان معه،و هو مقرّب التذكرة،و فيها و في المنتهى:إن الشيخ قائل به في الجميع،و الذي في المبسوط يختص بالإرث، و هو المنقول في المختلف (1).

الخامسة لو اضطر إلى أكل صيد و ميتة فيه روايتان

الخامسة:لو اضطر المحرم إلى أكل ال صيد في مخمصة جاز له أكله بقدر ما يمسك به الرمق،و ضمن الفداء؛ بالإجماع الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر (2)؛ و بالنصوص،و منها الأخبار الآتية المرخصة لأكلها مع الميتة فبدونها أولى.

و لو كان عنده مع الصيد ميتة ف فيه روايتان باختلافهما اختلف الأصحاب على أقوال.

ص:366


1- كشف اللثام 1:400.
2- انظر المنتهى 2:805،و المدارك 8:399.

و لكن أصحّهما و أشهرهما كما هنا و في التنقيح (1)أنه يأكل الصيد و يفديه و هي مع ذلك صحاح مستفيضة (2)،مؤيدة بغيرها من المعتبرة،و باختصاص الميتة بالحرمة الأصلية و بالخبث و فساد المزاج و إفساده المزاج،و بالمخالفة لما عليه أكثر العامة و رؤساؤهم،و منهم أصحاب الرأي،و هم أصحاب أبي حنيفة،على ما حكاه عنهم جماعة (3)، و عمل بها المفيد و الديلمي و المرتضى (4)،مدّعياً عليه في الانتصار الإجماع.

و ظاهر إطلاقها كالمتن و نحوه توقف الأكل على الفداء،و لا ريب فيه مع إمكان الفداء،و يشكل مع عدم إمكانه،إذ لم يذكروا كأكثر النصوص حكمه حينئذ.

و ظاهر المتن عدم جواز أكل الميتة هنا أيضاً لمقابلته هذا القول الذي اختاره بقوله:

و قيل:إن لم يمكن الفداء أكل الميتة و مفهومه أنه أكل الصيد مع الفداء إن أمكنه.

و وجه الفرق بين القولين حينئذ أنه يأكل الميتة مع عدم التمكن من الفداء على القول الثاني،و لا على القول الأول،بل يرجع فيه إلى القواعد المقررة،كما في المهذّب شرح الكتاب قال:و هي ان الصيد إن كان نعامة

ص:367


1- التنقيح الرائع 1:552.
2- الوسائل 13:84 أبواب كفارات الصيد ب 43.
3- منهم:العلامة في المنتهى 2:803،و صاحبا المدارك 8:402،و الحدائق 15:169.
4- المفيد في المقنعة:438،الديلمي في المراسم:121،المرتضى في الانتصار:100.

انتقل إلى إبدالها،حتى ينتهي إلى ما يلزم العاجز،و هو الصوم،و كذا إن كان ظبياً أو غيرهما،فهذا فرق ما بينهما فاعرفه (1).

و في التنقيح:إن الفارق بينهما هو أن الأكل في القول الأول رخصة، و في الثاني عزيمة (2).

و ظاهرهما بل و غيرهما أن المعتبر من التمكن و عدمه إنما هو وقت الاضطرار إلى الأكل،كما عن الإسكافي الذي هو أحد القائلين بالقول الثاني (3).و فيه نظر،بل الأظهر أنه مع عدم التمكن من الفداء وقت الاضطرار يأكل الصيد و يقضي الفداء إذا رجع إلى ماله،كما في الموثق (4)، و نحوه الصحيح المروي عن المحاسن (5).

و الرواية تضمن الأمر بأكل الميتة مطلقاً،و هي روايتان قاصرتا السند،بل ضعيفتان (6)،فلا يعترض بهما الأخبار السابقة،مع ما هي عليه من المرجحات المزبورة و إن رجّحت هذه أيضاً بأُمور اعتبارية،لكنها مع ضعفها في نفسها و معارضتها بمثلها بمثلها لا تقابل المرجحات المزبورة،مع أنه لا قائل بإطلاقها كما يستفاد من العبارة،بل و غيرها،فهي إذا شاذة.

ص:368


1- المهذب 1:230.
2- التنقيح الرائع 1:522.
3- نقله عنه في المختلف:279.
4- الكافي 4:/383 2،التهذيب 5:/368 1285،الإستبصار 2:/210 716،الوسائل 13:85 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 2.
5- المحاسن:/317 40،الوسائل 13:87 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 10.
6- و هما رواية إسحاق:التهذيب 5:/368 1284،الإستبصار 2:/209 715،الوسائل 13:87 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 11.و رواية عبد الغفار الجازي:التهذيب 5:/39 1286،الإستبصار 2:/210 717 الوسائل 13:87 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 12.

و الجمع بينهما و بين الأخبار الأولة بحملها على صورة التمكن من الفداء،و هاتين على العدم،كما ذهب إليه إليه أرباب القول الثاني،و هم الشيخ في النهاية و المبسوط،و القاضي في المهذّب،و الفاضلان في الشرائع و القواعد و غيرهما (1)،لا وجه له.

كما لا وجه للجمع بينهما بالتخيير،كما عن الصدوق (2)؛ إذ هو فرغ التكافؤ المفقود في المقام كما مرّ؛ مضافاً إلى عدم الشاهد عليهما.

و بالجملة:فما اختاره الماتن هنا أقوى.

السادسة إذا كان الصيد مملوكاً ففداؤه للمالك

السادسة:إذا كان الصيد الذي جنى عليه المحرم مملوكاً ففداؤه الذي لزمه بجنايته للمالك دون اللّه سبحانه،كما هنا و في الشرائع و الإرشاد و القواعد (3).

و في المسالك:هكذا أطلق الأكثر،و المفهوم من الفداء ما يلزم المحرم بسبب الجناية على الصيد من مال أو صوم أو إرسال،و هو شامل أيضاً لما إذا زاد قيمة الصيد المملوك أو نقص،و لما إذا كانت الجناية غير موجبة لضمان الأموال كالدلالة على الصيد مع المباشر،و لما كان للمالك فيه نفع و غيره كالإرسال إذا لم ينتج شيئاً و الصوم،و لما إذا كانت الجناية من المحرم في الحلّ أو من المحلّ في الحرم،فيشمل ما يجتمع فيه القيمة و الجزاء،و مقتضاه أنه لا يجب للّه تعالى سوى ما يجب للمالك،مع أن القواعد المستقرة ضمان الأموال بالمثل أو القيمة كيف كان.

ص:369


1- النهاية:230،المبسوط 1:349،المهذب 1:230،الشرائع 1:293،القواعد 1:96؛ و انظر كشف اللثام 1:397.
2- المقنع:79.
3- الشرائع 1:293،الإرشاد 1:321،القواعد 1:98.

و كما يقتضي الحال في هذه المسألة ضمان ما هو أزيد من ذلك كما إذا زاد الجزاء عن القيمة أو اجتمع عليه الأمران،قد يقتضي ضمان ما هو أقل،بل ما لا ينتفع به المالك،فلا يكون الإحرام موجباً للتغليظ عليه زيادةً على الإحلال.

فيتحصل في هذه المسألة مخالفة في أُمور ثمّ عدّها و أنهاها إلى اثنى عشر أمراً ثم قال:إلى غير ذلك من المخالفات للأصل المتّفق عليه من غير موجب يقتضي المصير إليه،و قد ذهب جماعة من المحقّقين منهم العلّامة في التذكرة و التحرير،و الشهيد في الدروس،و المحقق الشيخ علي إلى أن فداء المملوك للّه تعالى،و عليه القيمة لمالكه،و هذا هو الأقوى،لأنه قد اجتمع في الصيد المملوك حقان:للّه تعالى باعتبار الإحرام و الحرم، و للآدمي باعتبار الملك،و الأصل عدم التداخل،فحينئذ ينزّل الجاني منزلة الغاصب و القابض بالسوم،ففي كل موضع يلزمه الضمان يلزمه هنا كيفيةً و كميةً،فيضمن القيمي بقيمته،و المثلي بمثله،و الأرش في موضع يوجبه للمالك،و يجب عليه ما نصّ الشارع عليه هنا للّه تعالى،و لو كان دالّاً ضمن الفداء للّه تعالى خاصة (1)انتهى.

و هو حسن،و ما اختاره خيرة الشيخ في الخلاف و المبسوط (2)أيضاً، كما حكاه عنه جماعة مختارين له أيضاً (3)،بل زاد بعضهم فقال:إنه مذهب المتأخرين كافة (4)،بل ذكروا أن ظاهر المنتهى دعوى الاتفاق عليه منّا (5).

ص:370


1- المسالك 1:143.
2- الخلاف 2:411،المبسوط 1:346.
3- منهم:ابن فهد في المهذب 2:265،و صاحب المدارك 8:403،و المحقق السبزواري في الذخيرة:615.
4- انظر المدارك 8:403.
5- انظر الذخيرة:615.

و لو لم يكن الصيد الذي جنى عليه مملوكاً لأحد تصدّق به إن لم يكن حيواناً،كما لو كان الواجب الأرش أو القيمة أو كفّ من طعام.

فلو كان حيواناً كالبدنة و البقرة وجب ذبحه أوّلاً بنية الكفارة،ثم التصدق به على الفقراء و المساكين بالحرم،و لا يجب التعدد،و يجب التصدق بجميع أجزائه مع اللحم،و النية عند الصدقة أيضاً،و لا يجوز الأكل منه،فلو أكل ضمن قيمة ما أُكل على الأقوى،كما في المسالك (1)،كل ذلك للنصوص (2)و الأُصول.

و حمام الحرم إذا جني عليه يشتري بقيمته علف لحمامه للأمر به فيما مرّ من الصحيح و غيره (3)،و لكن مرّ أن الأصح جواز التصدق بقيمته أيضاً مخيّراً بينهما و إن كان الأول أفضل و أحوط و أولى.

السابعة ما يلزم المحرم يذبحه أو ينحره بمنى

السابعة: كل ما يلزم المحرم من فداء يذبحه أو ينحره بمنى إن كان حاجّاً و إن كان معتمراً فبمكة كما هنا و في الشرائع و القواعد (4)،و عن الخلاف و المراسم و الإصباح و الإشارة و الفقيه و المقنع و الغنية (5)،قيل:و فيه التنصيص على تساوي العمرة المبتولة و المتمتع بها (6).

لقول مولانا الجواد(عليه السّلام)للمأمون،فيما رواه المفيد في الإرشاد عن

ص:371


1- المسالك 1:144.
2- انظر الوسائل 13:88 أبواب كفارات الصيد ب 44.
3- راجع ص:3409.
4- الشرائع 1:293،القواعد 1:89.
5- الخلاف 2:438،المراسم:121،إشارة السبق:136،الفقيه 2:235،المقنع:79،الغنية(الجوامع الفقهية):582،و حكاه عنهم في كشف اللثام 1:372.
6- كشف اللثام 1:372.

الريّان بن شبيب عنه:« و إذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه و كان إحرامه بالحج نحره بمنى،و إن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة» (1).

و فيما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره،عن محمد بن الحسن،عن محمد بن عون النصيبي،و فيما أرسله الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول:« و المحرم بالحج ينحر الفداء بمنى حيث ينحر الناس،و المحرم بالعمرة ينحر الفداء بمكة» (2).

و في جمل العلم و العمل و المقنعة و الكافي و المهذّب و روض الجنان و النهاية و المبسوط و الوسيلة و الجامع (3):إن جزاء الصيد يذبحه الحاج بمنى،و المعتمر بمكة.

و نُصّ في الأربعة الأخيرة على أن للمعتمر أن يذبح غير كفارة الصيد بمنى؛ و في المهذب على جوازه في العمرة المبتولة؛ و في روض الجنان على جوازه و أطلق؛ و في الكافي على أن العمرة المتمتع بها كالمبتولة في ذبح جزاء الصيد بمكة.

و في السرائر و الوسيلة و فقه القرآن للراوندي و ظاهر الخلاف (4):أنها كالحج في ذبحه بمنى.

و يدلُّ على الحكم في جزاء الصيد مع ما سمعت الصحيح:« من

ص:372


1- إرشاد المفيد 2:283،الوسائل 13:14 أبواب كفارات الصيد ب 3 ح 1.
2- تفسير القمي 1:184،تحف العقول:336،337،الوسائل 13:15 أبواب كفارات الصيد ب 3 ح 2.
3- جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):72،المقنعة:438،الكافي في الفقه:206،المهذب 1:230،تفسير روض الجنان 1:316،النهاية:226،المبسوط 1:345،الوسيلة:171،الجامع للشرائع:195.
4- السرائر 1:564،الوسيلة:171،فقه القرآن 1:309،الخلاف 2:438.

وجب عليه فداء صيد أصابه محرماً فإن كان حاجّاً نحر هديه الذي يجب عليه بمنى،و إن كان معتمراً نحره بمكة قبالة الكعبة» (1).

و الخبر:في المحرم إذا أصاب صيداً فوجب عليه الهدي:« فعليه أن ينحره إن كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس،و إن كان في عمرة نحر بمكة،و إن شاء تركه إلى أن يقدم فيشتريه فإنه يجزئ عنه» (2).

يعني و هو أعلم ما ذكره الشيخ من أنه لا يجب الشراء من حيث صاد و السياق إلى مكة أو منى و إن كان أفضل (3).

و أوجبه الحلبيّان (4)؛ للصحيح المقطوع:« يفدي المحرم فداء الصيد من حيث صاد» (5).

و في كفارة غير الصيد الصحيح:عن كفارة العمرة المفردة أين تكون؟قال:« بمكة إلّا أن يشاء صاحبها أن يؤخرها إلى منى،و يجعلها بمكة أحبّ إليّ» (6).

و دليل اختصاصه بغير الصيد الآية (7)و المرسل:« من وجب عليه

ص:373


1- الكافي 4:/384 3،التهذيب 5:/373 1299،الإستبصار 2:/211 722،الوسائل 13:95 أبواب كفارات الصيد ب 49 ح 1.
2- الكافي 4:/384 4،التهذيب 5:/373 1300،الإستبصار 2:/212 723،الوسائل 13:95 أبواب كفارات الصيد ب 49 ح 2.
3- التهذيب 5:373.
4- أبو الصلاح في الكافي:206،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):582.
5- الكافي 4:/384 1،التهذيب 5:/373 1301،الإستبصار 2:/212 724،الوسائل 13:98 أبواب كفارات الصيد ب 51 ح 1.
6- التهذيب 5:/374 1303،الإستبصار 2:/212 725،الوسائل 13:96 أبواب كفارات الصيد ب 49 ح 4.
7- المائدة:95.

هدي في إحرامه فله أن ينحره حيث شاء إلّا فداء الصيد،فإن اللّه تعالى يقول هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ [1] (1).

و في المختلف:و ليس في هذه الروايات تصريح بالعمرة المتمتع بها،و الأولى إلحاق حكمها بالعمرة المبتولة كما قاله الحلبي،لا بالحج كما قاله ابن حمزة و الحلّي،لنا:صدق عموم العمرة عليها (2).انتهى.

و عن والد الصدوق جواز ذبح فداء الصيد في عمرة التمتع [بمنى (3)].أقول:قيل (4):للرضوي (5).و في مقاومته لما مرّ ضعف ظاهر،فإذا المتجه إلحاقها بالمفردة،وفاقاً لمن مرّ.

و يتحصّل من جملة ما سبق من الأقوال و الأخبار أنه لا إشكال بل و لا خلاف فتوًى في تعين منى لفداء الحاج مطلقاً،في جزاء الصيد أو غيره، و الأخبار متفقة عليه أيضاً،إلّا المرسلة المتقدمة،فإنها شاملة لفدائه أيضاً في غير جزاء الصيد،و لكنها لضعفها و إرسالها و عدم مقاومتها لشيء مما قابلها غير صالحةً للحجية،فضلاً عن المعارضة،فلتكن مصرحة،أو مقيدة بالمعتمر،كما في الصحيحة السابقة عليها،و إن عمّت جزاء الصيد، لوجوب تخصيصها بغيره،لما عرفت من الآية،مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة المسندة و الرواية التي بعدها،و الجمع بينهما بذلك أولى من حمل

ص:374


1- الكافي 4:/384 2،التهذيب 5:/374 1304،الإستبصار 2:/212 726،الوسائل 13:96 أبواب كفارات الصيد ب 49 ح 3.
2- المختلف:288.
3- حكاه عنه في المختلف:287،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
4- الحدائق 15:330.
5- فقه الرضا(عليه السّلام):221.

الروايتين على الاستحباب لهذه الصحيحة،فلا إشكال أيضاً في تعيّن مكة للمعتمر في فداء الصيد.

و في تعيّنها له في غيره أيضاً،كما هو ظاهر إطلاق المتن و من مرّ،أم لا،إشكال و اختلاف.و الأحوط الأول و إن كان في تعيّنه نظر؛ لاستلزامه طرح الصحيحة المجوّزة لمنى من أفضلية مكة،و لا كذلك لو لم يتعيّن، فإنه يجتمع بذلك الأخبار بعضها مع بعض،بحمل إطلاق الأخبار الأولة بأن محل فداء المعتمر مكة على فداء الصيد لا غيره،جمعاً بينها و بين صريح هذه الصحيحة،بل ربما كان سياق بعضها ظاهراً فيه دون غيره،كما صرّح به بعض الأصحاب.

الثامنة من أصاب صيداً فداؤه شاة فلم يجدها أطعم عشرة مساكين

الثامنة:من أصاب صيداً فداؤه شاة فلم يجدها أطعم عشرة مساكين،فإن عجز صام ثلاثة أيام في الحج كما في الصحيح (1)،و أفتى به الماتن هنا،و الفاضل في صريح التحرير و ظاهر التذكرة و المنتهى كما قيل (2)،و شيخنا في المسالك و القاضي فيما حكاه عنه الصيمري (3).

و هو متوجّه؛ لصحة الرواية،و صراحتها،و عدم هور مخالفتها للأُصول المقطوع بها حتى تردّ أو يتردّد فيها،كما هو ظاهر الماتن في الشرائع و الفاضل في القواعد (4)،و لذا عدل الماتن عنه إلى الفتوى بها هنا، و هو أولى.

ص:375


1- التهذيب 5:/343 1187،الوسائل 13:13 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 13.
2- المسالك 1:144،المهذب 1:277.
3- الشرائع 1:293،القواعد 1:98.
4- الشرائع 1:293،القواعد 1:98.

إلّا أنه ليس فيها أن صام الثلاثة أيام في الحج في نسخ التهذيب المروية عنه،و لا ظفرنا بخبر آخر فيه ذلك،و بذلك صرّح جماعة (1)، و لكن ذكره الماتن في الكتابين و الفاضل في القواعد و التذكرة كما قيل (2)، و في المنتهى و المختلف (3).

فالحكم بذلك مشكل،بل المتّجه الإطلاق كما في التحرير (4)،و لكن ما هنا من التقييد بالحج أحوط.

ثم إنه ليس في الرواية أيضاً إضافة الكفارة إلى الصيد،بل هي مطلقة،لكن سياقها ظاهر في كفارته خاصة،فإنّ فيها:« كل من أصاب شيئاً فداؤه بدنة إن عجز عنها أطعم ستين مسكيناً،كل مسكين مدّاً،فإن عجز صام ثمانية عشر يوماً،و من كان عليه شيء من الصيد فداؤه بقرة فعجز عنها أطعم ثلاثين مسكيناً،فإن عجز صام تسعة أيام،و من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين،فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام» .و بشهادة السياق بذلك صرّح جماعة (5)،قال بعضهم:للنص على الصيد في الأخيرين (6)،و هو كما ترى.

و يمكن أن يمنع الشهادة،بناءً على المختار من العبرة بعموم اللفظ و الجواب،لا خصوص المحلّ و السؤال،و عليه فيدخل في عمومها الشاة

ص:376


1- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:403،و انظر المدارك 8:406.
2- انظر كشف اللثام 1:403.
3- المنتهى 2:833،المختلف:272.
4- التحرير 1:119.
5- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:144،و صاحب المدارك 8:406،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:403.
6- كشف اللثام 1:403.

الواجبة بغيره من المحظورات،فتأمل (1).

و يلحق بهذا الباب مسائل:

الاُولى: في بيان صيد الحرم،و هو أي الحرم بريد أربعة فراسخ في بريد مثلها،بلا خلاف فيه بين المسلمين على الظاهر،كما في الذخيرة (2)،و فيها أنه محدود بعلامات هناك،و قد مرّ في بحث القبلة ما يدل عليه.

و رواه الشيخ في الموثق:« حرّم اللّه تعالى حرمه بريداً في بريد أن يختلى خلاه و يعضد شجره» (3)و قد مرّ في بحث شجر الإحرام.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن من قتل فيه صيداً ضمنه بقيمته مطلقاً و لو كان مُحلّاً و يزيد عليه الفداء على التفصيل الذي مضى لو كان محرماً.

و المقصود بالبحث هنا المُحلّ خاصة،و قد مرّ من الأخبار ما يدل عليه،و هي صريحة في أن اللازم عليه إنما هو القيمة،كما ذكرنا،وفاقاً للأكثر،بل قيل:إنه إجماع،كما في المدارك (4).

خلافاً للمحكي فيه و في غيره (5)عن الشيخ،فقال:عليه دم.و هو ضعيف.

ص:377


1- وجهه:منع العموم،لأنّ« مَن» الموصولية إنما تفيد العموم إذا لم يتقدّمها معهود،و قد تقدّمها هنا.(منه رحمه اللّه).
2- الذخيرة:616.
3- التهذيب 5:/381 1332،الوسائل 12:555 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 4.
4- المدارك 8:377،و هو في التذكرة 1:330.
5- المختلف:278.

و لو اشترك جماعة محلّون في قتله ففي وجوب القيمة على واحد منهم،أو على جميعهم قيمة واحدة،وجهان.أجودهما الثاني،وفاقاً للمحكي و غيره (1)؛ لأصالة البراءة،و حرمة القياس على المحرمين.

خلافاً لشيخنا في المسالك فالأول (2)،و لا ريب أنه أحوط.

ثم في المسالك:و كما يحرم على المُحلّ قتل الصيد في الحرم يحرم عليه أسبابه من الدلالة و الإعانة و غيرهما (3).

و هل يحرم على المُحلّ رمي الصيد و هو أي الصيد يؤمّ الحرم و يقصده؟قولان للشيخ،في التهذيب و النهاية و المبسوط (4)فالتحريم،و في الاستبصار (5)فالكراهة،و حكي عن الحلّي و الصدوق في الفقيه (6)،و هو خيرة أكثر المتأخرين،بل عامّتهم.

و في قوله: الأشهر:الكراهة و نحوه قول الفاضل المقداد في الشرح (7)دلالة على شهرته بين القدماء أيضاً،و بذلك يوهن الإجماع المنقول عن الخلاف على التحريم (8).

فالكراهة أقوى؛ عملاً بالأصل السليم عما يصلح للمعارضة؛ إذ ليس سوى الإجماع المنقول،و قد عرفت جوابه؛ و ما استدل به في التهذيب على

ص:378


1- الشيخ في المبسوط 1:346؛ و انظر المدارك 8:378،و المفاتيح 1:389.
2- المسالك 1:138.
3- المسالك 1:141.
4- التهذيب 5:359،النهاية:228،المبسوط 1:343.
5- الاستبصار 2:207.
6- الحلي في السرائر 1:566،الفقيه 2:168.
7- التنقيح الرائع 1:553.
8- الخلاف 2:423.

التحريم من المرسل كالصحيح:« يكره أن يرمى الصيد و هو يؤمّ الحرم» (1).

و الموثق:عمن استقبله صيد قريباً من الحرم و هو متوجه إلى الحرم، فرماه فقتله،ما عليه في ذلك؟قال:« يفديه على نحوه» (2).

و هما مع قصور سندهما و دلالتهما؛ إذ لفظ الكراهة في الأول إن لم نقل بظهوره في الجواز فلا ريب أنه أعم من التحريم،فحمله عليه يحتاج إلى دليل،و ليس،بل الأصل يقتضي الحمل على الكراهة؛ و وجوب الفداء في الثاني على تقدير تسليمه لا يدل على تحريم رميه،و لذا قال به بعض من قال بكراهة رميه (3)معارضان بأجود منهما سنداً و دلالةً،و هو الصحيح الآتي المتضمن لنفي الجزاء،معلّلاً بأنه يصب حيث نصب و هو له حلال و رمى حيث رمى و هو له حلال.

و لو أصابه المُحلّ في الحلّ فدخل الحرم و مات فيه لم يضمن على أشهر الروايتين و أصحّهما و أظهرهما،وفاقاً للحلّي و الفاضل في المختلف و أكثر المتأخرين (4)،و هو الصحيح المروي في الكتب الثلاثة و العلل كذلك باختلافٍ ما يسير،و فيه:عن رجل رمى صيداً في الحلّ و هو يؤمّ الحرم فيما بين البريد و المسجد،فأصابه في الحلّ فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات من رميته،هل عليه جزاء؟فقال:« ليس عليه جزاء، إنما مثل ذلك مثل من نصب شركاً في الحلّ إلى جانب الحرم،فوقع فيه

ص:379


1- التهذيب 5:/359 1249،الإستبصار 2:/206 701،الوسائل 13:65 أبواب كفارات الإحرام ب 29 ح 1.
2- التهذيب 5:1251/360،الإستبصار 2:/206 703،الوسائل 13:63 أبواب كفارات الصيد ب 30 ح 1.
3- و هو الشيخ في الاستبصار 2:207.
4- الحلي في السرائر 1:566،المختلف:278،و صاحب المدارك 8:380،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:336،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:401.

صيد،فاضطرب حتى دخل الحرم فمات فليس عليه جزاء،لأنه نصب حيث نصب و هو له حلال،و رمى حيث رمى و هو له حلال،فليس عليه فيما كان بعد ذلك شيء» (1).

و الرواية الثانية الموثقة المتقدمة،و عمل بها الشيخ في الكتب المتقدمة،و كذا المهذّب و الإصباح و الجامع فيما حكي عنهم (2)،و الفاضلان في الشرائع و القواعد (3)،لكن على تردّد.و لا وجه له؛ لفقد التكافؤ بين الروايتين سنداً و دلالةً،لاحتمال الموثقة الحمل على الاستحباب.

و هو أولى من حمل الصحيحة على نفي المؤاخذة كما في الاستبصار،قال:لأنه مكروه (4).أو أنه ليس عليه عقاب لكونه ناسياً أو جاهلاً،و ذلك لأن الموجود فيها على رواية الفقيه و الكافي نفي الجزاء صريحاً،و لا يجري فيه شيء من ذلك،نعم الموجود في التهذيب:« ليس عليه شيء» و هو و إن قبل الحمل بذلك إلّا أن رواية الشيخين السابقين لها كما مضى من التصريح بلفظ الجزاء يعيّنان كونه المراد بالشيء هنا.

و ليس في تحريم لحمه كما في الحسن (5)،و عن الشيخ في الكتب المتقدمة و القاضي و ابن سعيد (6)،بل في المسالك إنه ميتة على

ص:380


1- الكافي 4:/234 12،الفقيه 2:/168 737،التهذيب 5:/360 1252،علل الشرائع:/454 8،الوسائل 13:66 أبواب كفارات الصيد ب 30 ح 2،3،4.
2- حكاه عنهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:401.
3- الشرائع 1:291،القواعد 1:97.
4- الإستبصار 2:207.
5- الكافي 4:/235 14،التهذيب 5:/359 1250،الإستبصار 2:/206 702،الوسائل 13:65 أبواب كفارات الصيد ب 29 ح 2.
6- الشيخ في المبسوط 1:343،و النهاية:228،و التهذيب 5:359،القاضي في المهذب 1:228،ابن سعيد في الجامع:192.

القولين (1)،و ظاهره دعوى اتفاقهما عليه تأييد للقول بالحرمة في المسألة المتقدمة و إن توهّمه بعض الأجلة (2).

هذا،مع أنه ليس في الموثقة ذكر موت الصيد في الحرم كما ذكره الفاضلان،بل هي مطلقة كالتهذيب و الاستبصار،فإذاً هي أعم من المدّعى في كلامهما،و لا يقولان بعمومها.

و بذلك يجاب عما استدل به في الاستبصار لوجوب الفداء ممّا يأتي قريباً من الأخبار الدالة على ضمان الصيد بين البريد و الحرم؛ و ذلك لأنه أعم من قصد الصيد الحرم،بل و من موته فيه أيضاً،فلا دخل لتلك الأخبار هنا،بل هي تناسب مسألة أُخرى اختلف فيها أيضاً أشار إليها بقوله:

و يكره الصيد بين منتهى البريد و أول الحرم أي خارج الحرم إلى بريد،و يسمّى حرم الحرم،على الأظهر الأشهر،كما في كلام جمع ممن تأخر (3)،وفاقاً للحلّي (4)؛ للأصل،و فحوى الصحيح الذي مرّ، السالمين عن المعارض،سوى الخبرين (5):

أحدهما الصحيح:« إذا كنت مُحلّاً في الحلّ فقتلت صيداً فيما بينك و بين البريد إلى الحرم فإن عليك جزاءه،فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه

ص:381


1- المسالك 1:142.
2- و هو صاحب الحدائق 15:304.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:142،و السبزواري في كفاية الأحكام:64،و صاحب الحدائق 15:304.
4- السرائر 1:567.
5- الأول:الكافي 4:/232 1،التهذيب 5:/361 1255،الإستبصار 2:/207 705،الوسائل 13:71 أبواب كفارات الصيد ب 32 ح 1.الثاني:التهذيب 5:/467 1632،الوسائل 13:72 أبواب كفارات الصيد ب 32 ح 2.

تصدّقت بصدقة» و ليس نصّاً في الوجوب،فليحمل على الاستحباب جمعاً.

خلافاً للشيخين و القاضي و ابن حمزة فيما حكي (1)فمنعوا عنه؛ أخذاً بالخبرين،و فيه ما عرفته في البين.

و العجب من بعض المتأخرين حيث مال إلى المنع هنا لهذا الصحيح، قائلاً بعد أن نقل الجواب عنه بالحمل على الاستحباب عن المتأخرين:

و هو مشكل،لانتفاء المعارض (2).

مع أن المعارض،و هو الصحيح السابق الصريح في الجواز فحوًى أو إطلاقاً،و أفتى به سابقاً أيضاً موجود،و ليس بعد ذلك إلّا غفلته عنه هنا،و إلّا فالعمل بالصحيحين هنا و سابقاً ممّا لا يجتمعان،بل لا بدّ من صرف هذا إلى ذلك بما قدّمنا،أو بالعكس بنحو ما ذكره الشيخ في كتابي الحديث،و قد تقدم نقله عنه سابقاً.

و لا ريب أن ما قدّمنا أولى من وجوه شتّى،سيّما مع اعتضاده بقوله تعالى وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً [1] (3)فإن مفهومه عدم حرمة صيد البرّ ما دمتم محلّين،خرج منه صيد الحَرَم إجماعاً فتوًى و نصاً، و بقي الباقي و منه ما نحن فيه تحت العموم مندرجاً،و العام المخصَّص حجة في الباقي على الأشهر الأقوى،و لذا استدل به الفاضل في المختلف على الجواز (4)،و هو في محلّه.

ص:382


1- حكاه عنهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:401.
2- انظر المدارك 8:381.
3- المائدة:96.
4- المختلف:278.

و على المختار يستحب الفداء،و التصدق بصدقه لو فقأ عينه أو كسر قرنه؛ للأمر به في الصحيح المحمول على الاستحباب جمعاً كما مضى،لما مضى،و إن كان الأحوط الوجوب،فعن الخلاف الإجماع عليه (1)،و لكن الأظهر الأشهر الاستحباب،و هو خيرة الماتن هنا لقوله:

و يستحب الصدقة بشيء لو كسر قرنه أو فقأ عينه وفاقاً للحلّي (2).

و ليس في المتن و نحوه التعرض لغير الجنايتين؛ لعدم النص،و أصالة البراءة تقتضي عدم ترتب الكفارة في غيرهما و إن قلنا بحرمة الجناية،إذ لا تلازم بينها و بين لزوم الكفارة.

و الصيد المربوط في الحلّ يحرم إخراجه لو دخل الحرم لعموم مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [1] (3).و المعتبرة المستفيضة عموماً كالصحيح:عن ظبي دخل الحرم،قال:

« لا يؤخذ و لا يمسّ،لأن اللّه تعالى يقول وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [2] (4).و خصوصاً كالخبر:عن رجل أصاب صيداً في الحلّ فربطه إلى جانب الحرم،فمشى الصيد برباطه حتى دخل الحرم و الرباط في عنقه،فاجترّه الرجل بحبله حتى أخرجه و الرجل في الحلّ من الحرم،فقال:« ثمنه و لحمه حرام مثل الميتة» (5).

ص:383


1- الخلاف 2:423.
2- لم نعثر عليه في السرائر.انظر السرائر 1:564.
3- آل عمران:97.
4- الفقيه 2:/170 744،التهذيب 5:/362 1258،الوسائل 13:75 أبواب كفارات الصيد ب 36 ح 2.
5- الكافي 4:/238 30،التهذيب 5:/361 1254،الوسائل 13:40 أبواب كفارات الصيد ب 15 ح 1.

و يضمن المحلّ لو رمى الصيد من الحرم فقتله في الحلّ،و كذا لو رماه من الحلّ فقتله في الحرم أو أصابه و بعضه في الحرم.

و كذا لو كان الصيد على غصن في الحلّ واصلة في الحرم ضمنه القاتل و العكس.

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل عليه الإجماع في كلام جماعة كما ستعرفه.

أما الأول فلعموم أدلة الجزاء على القاتل في الحرم؛ و لأن كونه في الحرم هو الذي أفاده الحرمة و الأمن؛ و للإجماع كما في ظاهر المدارك و الذخيرة (1)،و صريح المحكي عن المنتهى و التذكرة (2).

قيل:و عن أحمد في رواية لا ضمان (3).

و منه أن يرميه و هما في الحلّ فدخل الصيد في الحرم ثم أصابه السهم كما في التذكرة (4).

و أما الثاني فللإجماع،كما في الكتب المتقدمة،و الحسن،بل الصحيح في ذلك فقال:« عليه الجزاء،لأن الآفة جاءت الصيد من ناحية الحرم» (5).

قيل:و لم يضمن الشافعي و الثوري و أبو ثور و ابن المنذر و أحمد في رواية (6).

ص:384


1- المدارك 8:382،الذخيرة:617.
2- المنتهى 2:806،التذكرة 1:331،حكاه عنهما في كشف اللثام 1:401.
3- كشف اللثام 1:401.
4- التذكرة 1:331.
5- الكافي 4:/235 14،التهذيب 5:/362 1256،الوسائل 13:72 أبواب كفارات الصيد ب 33 ح 1.
6- كشف اللثام 1:401.

و أما الثالث فللإجماع كما في الخلاف و الجواهر (1)،و تغليب الحرام.

و أما الباقيان فللإجماع كما عنهما في الأول،و عن التذكرة و المنتهى (2)في العكس؛ و تغليب الحرام؛ و القوي:عن شجرة أصلها في الحرم و أغصانها في الحلّ على غصن منها طير رماه رجل فصرعه،قال:« عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم» (3).

و يرشد إليه الصحيح:عن شجرة أصلها في الحلّ و فرعها في الحرم، قال:« حرام أُصلها لمكان فرعها» (4).

و من أدخل صيداً في الحرم وجب عليه إرساله،و لو تلف في يده ضمنه،و كذا لو أخرجه من الحرم فتلف قبل الإرسال كل ذلك بالإجماع الظاهر،المصرَّح به في بعض العبائر (5)في الأول،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

ففي الصحيح:عن الصيد يصاد في الحلّ ثم يجاء به إلى الحرم و هو حيّ،قال:« إذا أخله الحرم فقد حرم عليه أكله و إمساكه،فلا يشترينّ في الحرم إلّا مذبوحاً ذبح في الحلّ ثم جيء به إلى الحرم مذبوحاً فلا بأس به للحلال» (6).

و فيه:عن رجل اهدي له حمام أهلي جيء به و هو في الحرم،فقال:

ص:385


1- الحاكي عنهم جميعاً هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:401،و هو في الخلاف 2:449،و جواهر الفقه:47.
2- الحاكي عنهم جميعاً هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:401،و هو في الخلاف 2:449،و جواهر الفقه:47.
3- التهذيب 5:/386 1347،الوسائل 12:560 أبواب تروك الإحرام ب 90 ح 2.
4- الكافي 4:/231 4،الفقيه 2:/165 717،التهذيب 5:/379 1321،الوسائل 12:559 أبواب تروك الإحرام ب 90 ح 1.
5- كالمدارك 8:383،و كشف اللثام 1:401.
6- الكافي 4:/233 4،الوسائل 13:39 أبواب كفارات الصيد ب 14 ح 6.

« إن هو أصاب منه شيئاً فليتصدق بثمنه نحواً مما كان يسوي في القيمة» (1).

و في الحسن:عن رجل أصاب ظبياً فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم،فقال:« إن كان حين أدخله خلّى سبيله فلا شيء عليه،و إن أمسكه حتى مات فعليه الفداء» (2)و هو يعمّ ما لو تلف في يده في الحرم أو خارجه.

و في الخبر:« إذا أدخلت الطير المدينة فجائز لك أن تخرجه منها ما أدخلت،و إذا أدخلت مكة فليس لك أن تخرجه» (3).

و لو كان طائراً مقصوصاً حفظه وجوباً حتى يكمل ريشه ثم أرسله بغير خلاف أجده،و به صرّح في الذخيرة (4)؛ للمعتبر،و فيها الصحاح و غيرها:

ففي الصحيح:فيمن أصاب طيراً في الحرم:« إن كان مستوي الجناح فليخلّ عنه،و إن كان غيره مستو نتفه و أطعمه و أسقاه،فإذا استوى جناحه خلّى عنه» (5).

و فيه:في رجل اهدي إليه حمام أهلي و هو في الحرم من غير الحرم، فقال:« إن كان مستوياً خلّيت سبيله،و إن كان غير ذلك أحسنت إليه حتى إذا استوى ريشه خلّيت سبيله» (6)و نحوهما آخر (7).

ص:386


1- الكافي 4:/232 2،الوسائل 13:31 أبواب كفارات الصيد ب 12 ح 5.
2- الكافي 4:/238 27،التهذيب 5:/362 1259،الوسائل 13:75 أبواب كفارات الصيد ب 36 ح 3.
3- التهذيب 5:/349 1213،الوسائل 13:39 أبواب كفارات الصيد ب 14 ح 5.
4- الذخيرة:617.
5- الفقيه 2:/167 730،الوسائل 13:30 أبواب كفارات الصيد ب 12 ح 1.
6- التهذيب 5:/348 1207،الوسائل 13:33 أبواب كفارات الصيد ب 12 ح 12.
7- الكافي 4:/233 5،الفقيه 2:/168 735،الوسائل 13:30 أبواب كفارات الصيد ب 12 ح 2.

و الخبران (1)،و يستفاد منهما جواز إيداعه من مسلم و لو امرأة كما في أحدهما،مع التقييد بلا بأس بها؛ و لذا اعتبر الفاضل العدالة فيه في المنتهى (2).

و ذكر جماعة (3)أنه لو أرسله قبل ذلك ضمنه مع تلفه أو اشتباه حاله؛ لأن ذلك بمنزلة الإتلاف.

و هل يلحق بالطائر ما يشاركه كالفرخ؟ قيل:لا؛ لعدم النص (4).و قيل:نعم؛ لأن إرساله في معنى إتلافه (5).

و هو مشكل فيما إذا كان مأيوساً عن عوذة إلى الصحة؛ لما في حفظه و مئونته من الحرج البيّن و إن كان أحوط.

و في تحريم حمام الحرم على المُحلّ في الحلّ كما عن النهاية و التهذيب و حجّ المبسوط و التحرير و التذكرة و المنتهى (6)،و في المسالك و المدارك و غيرهما (7)،أم العدم،كما عن صيد الخلاف و المبسوط و السرائر (8).

ص:387


1- الكافي 4:/237 24،/233 6،الفقيه 2:/169 738،الوسائل 13:32،34 أبواب كفارات الصيد ب 12 ح 10،13.
2- المنتهى 2:806.
3- منهم:صاحب المدارك 8:385،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:401،و صاحب الحدائق 15:311.
4- قاله في المسالك 1:142.
5- قاله في جامع المقاصد 3:339.
6- النهاية:224،التهذيب 5:348،المبسوط 1:341،التحرير 1:118،التذكرة 1:332،المنتهى 2:806.
7- المسالك 1:142،المدارك 8:386؛ و انظر المفاتيح 1:389،و الحدائق 15:311.
8- الخلاف 2:523،المبسوط 6:275،السرائر 3:87،و حكاه عن الجميع في كشف اللثام 1:402.

تردّد من عموم ما ورد في تحريم صيد الحرم،و خصوص الصحيح:« لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنه من حمام الحرم» (1).

و قريب منه المروي عن قرب الإسناد و غيره (2):عن الرجل هل يصلح له أن يصيد حمام الحرم في الحلّ فيذبحه فيدخل الحرم فيأكله؟ قال:« لا يصلح أكل حمام الحرم على كل حال» .و من الأصل،و منع عموم حمام الحرم،إذ المسلّم منه الإطلاق، و المتبادر منه ما كان في الحرم.

و معارضةِ الصحيح بالصحيح:عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [1] قال:« من دخل الحرم مستجيراً به كان آمناً من سخط اللّه تعالى،و من دخله من الوحش و الطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذي حتى يخرج من الحرم» (3)فإن مفهومه جواز الإيذاء إذا خرج من الحرم،و هو الموافق لما تقرّر في الإنسان الملتجئ به أيضاً.

و ضعفِ دلالة« لا يصلح» فيما بعد الصحيح على المنع،و احتمال الكراهة،بل و ظهوره فيها.

و بها يجمع بين الصحيحين بحمل النهي في أوّلهما على الكراهة، و الثاني على الرخصة،فهو أولى من الجمع بينهما بحمل النهي على الحرمة و تقيد مفهوم الصحيح الثاني بما عدا الحمام،لتضمنه الطير،و الغالب فيه الحمام،فيبعد غاية البُعد تخصيصه أو تقييده بغيره.

ص:388


1- التهذيب 5:/348 1209،الوسائل 13:36 أبواب كفارات الصيد ب 13 ح 4.
2- قرب الإسناد:/278 1103،مسائل علي بن جعفر:/108 14،الوسائل 12:422 أبواب تروك الإحرام ب 4 ح 2.
3- الكافي 4:/226 1،الفقيه 2:/163 703،الوسائل 13:34 أبواب كفارات الصيد ب 13 ح 1.

و لو سلّم فغاية الأمر تعارض الجمعين،و لا مرجّح في البين،فيرجع إلى حكم الأصل،و هو البراءة.

فإذاً أشبهه الجواز مع الكراهة أما الأول فلما مرّ؛ و أما الثاني فللاحتياط،مع أنه أقلّ مراتب النهي« و لا يصلح» المتقدمين.

و من نتف ريشة من حمام الحرم بيده فعليه صدقة يسلّمها بتلك اليد الجانية التي نتفها بها إلى مسكين إن نتف باليد كما في النص (1)،المقطوع به بين الأصحاب على الظاهر،المصرَّح به في الذخيرة و المدارك (2).

و في التحرير و عن التذكرة و المنتهى (3):أنه إن تعدد الريش فلو كان بالتفريق فالوجه تكرر الفدية،و إلّا فالأرش.

قيل:لأنه في الأول نتف كل مرة ريشة،بخلاف الثاني،لكن الأرش إنما يتم إن نقصت القيمة،و إلّا فكالأول،و خصوصاً الخبر في الكافي و الفقيه فيمن نتف حمامة،لا في من نتف ريشة،و استظهر الشهيد التكرر مطلقاً.

و عن مالك و أبي حنيفة جميع الجزاء إذا تعدّد الريش.

و في الدروس:و لو حدث بالنتف عيب ضمن الأرش مع الصدقة، قال:و الأقرب عدم وجوب تسليم الأرش بيد الجانية،قال:و في التعدي إلى غيرها يعني الحمام و إلى نتف الوبر نظر،و يمكن هنا الأرش.قلت:إن

ص:389


1- الكافي 4:/235 17،الفقيه 2:/169 739،التهذيب 5:/348 1210،الوسائل 13:36 أبواب كفارات الصيد ب 13 ح 5.
2- الذخيرة:617،المدارك 8:386.
3- التحرير 1:117،التذكرة 1:348،المنتهى 2:828.

حصل النقص،و حينئذ فالحمام كذلك.

و في المقنعة و المراسم و جمل العلم و العلم:نتف ريش طائر من طيور الحرم،و في الجامع:نتف ريشه من طير الحرم.

و لا يسقط الصدقة و لا الأرش بالنبات،خلافاً لبعض العامة (1).

و ما يذبح من الصيد في الحرم ميتة حرم أكله على المحرم و المُحلّ،سواء ذبحه المحرم أو المُحلّ،أكلاه في الحرم أو في الحلّ بلا خلاف،و قد مرّ نقل الإجماع عليه في المحرم،و المقصود هنا ذبح المُحلّ، و لا ريب في تحريمه عليهما مطلقاً،بل في صريح المدارك و ظاهر غيره (2)الإجماع على كونه ميتة.

و لا بأس بما أي بصيد يذبح -ه المُحلّ في الحلّ للمُحلّ،فيحلّ عليه و إن أكله في الحرم،دون المحرم فيحرم عليه مطلقاً.

و الأصل في الأحكام المزبورة الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (3).

و مما يتضمن الأحكام الثلاثة الصحيح:في حمام ذبح في الحلّ، قال:« لا يأكله محرم،و إذا ادخل مكة أكله المحلّ بمكة،و إذا دخل الحرم حياً ثم ذبح في الحرم فلا تأكله،لأنه ذبح بعد أن دخل مأمنه» (4).

و تحريم الأكل و إن كان أعم من الحكم بكونه ميتة إلّا أنه هنا يستلزمه بالإجماع كما مرّ،مضافاً إلى صريح الخبر:« إذا ذبح المحرم الصيد في غير

ص:390


1- كشف اللثام 1:401.
2- المدارك 8:388؛ مفاتيح الشرائع 1:391،و انظر الحدائق 15:313.
3- الوسائل 12:423 أبواب تروك الإحرام ب 5.
4- التهذيب 5:/376 1310،الإستبصار 2:/213 728،الوسائل 12:424 أبواب تروك الإحرام ب 5 ح 4.

الحرم فهو ميتة لا يأكله مُحلّ و لا محرم،و إذا ذبح المُحلّ الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله مُحلّ و لا محرم» (1)و قصور السند مجبور بالعمل.

و هل يملك المُحلّ صيداً في الحرم أم لا؟فيه تردّد و قولان للماتن،اختار الثاني في الشرائع (2)،و الأول هنا فقال: الأشبه أنه يملك و هو الأظهر،بل المشهور،كما في بعض شروح الشرائع (3)،حاكياً له عن أبي العباس فقال:قال أبو العباس (4)في شرحه أي على الكتاب هذا هو المشهور،و لا أعرف فيه مخالفاً،و ذهب المصنف في الشرائع إلى أنه لا يملك.

إلى أن قال:أما ثبوت الملك و وجوب الإرسال فهو المشهور كما قاله أبو العباس؛ إذ لا مانع منه،و وجوب الإرسال لا ينافي الملك.

و أما وجه اختيار المصنف و هو عدم الملك لأن ثبوت الملك يستلزم التصرف،فمع وجوب الإرسال و عدم جواز التصرف فلا يظهر للملك فائدة،فلا يدخل في ملكه.و هو ضعيف؛ لاجتماع الملك و عدم جواز التصرف،كما في أُمّ الولد،و الرهن،و تملّك المحرّمات نسباً و خروجهم عن الملك في ثاني الحال.

و قد يجاب عن المصنف بأن تملّك هذه الأشياء لا يخلو عن الفائدة، أما الرهن و أُمّ الولد ففائدتهما ظاهرة،لأن الرهن مملوك و يباع بدينه مع الإعسار و يفكّه مع اليسار،ففائدته ظاهرة له،و أما أُمّ الولد فهي مملوكة

ص:391


1- التهذيب 5:/377 1316،الإستبصار 2:/214 734،الوسائل 12:432 أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 5.
2- الشرائع 1:292.
3- الظاهر أن المراد هو غاية المرام في شرح الشرائع للصيمري،و هو مخطوط.
4- هو:ابن فهد الحلّي في المهذب البارع 2:271.

يتصرف فيها بجميع أنواع التصرف عدا البيع،ففائدتها ظاهرة أيضاً.

و أما فائدة تملّك المحرّمات مع خروجهم عن الملك في ثاني الحال فهي أعظم الفوائد و أجلّها،و هي إنقاذ الرحم من الملكية و إخراجه من ذلّ الرق إلى عزّ الحرّية.

و أما تملك الصيد مع وجوب الإرسال فلا يتصور فيه شيء من الفوائد الدينية لا الدنيوية فوجب أن لا يدخل في الملكية.

و قد يجاب عن منع فائدة تملّك الصيد مع وجوب الإرسال بأنه لا يخلو عن الفائدة و لو لم تكن حاضرة،فهي مقدّرة،و هي تتقدر بوجوه، و ذكر منها وجوهاً ثلاثة،و قد قدّمنا سابقاً إلى بعضها الإشارة.

و ما ذكره-(رحمه اللّه) في تحقيق المسألة قولاً و دليلاً لا مزيد عليه و لا مزيّة،فلذا اكتفينا به في شرح العبارة.

و منه يظهر ما في كلام بعض من نسبة قول الشرائع هنا إلى الأكثر من الضعف،سيّما و لم نر قائلاً به سوى الماتن في الشرائع،و لم يحك إلّا عنه،و قد رجع عنه.

و أما إنه يجب عليه إرسال ما يكون معه من الصيد فلا خلاف فيه نصاً و فتوى على الظاهر،المصرَّح به في بعض العبائر (1)،بل في بعضها الإجماع (2).

و في قوله:« معه» إيماء إلى اختصاص وجوب الإرسال المتوهم منه عدم الملك بالصيد الحاضر،دون النائي،و هو كذلك،و به صرّح جماعة (3)،

ص:392


1- انظر التنقيح الرائع 1:555.
2- المهذب البارع 2:272،كشف اللثام 1:401.
3- منهم:الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:321،و صاحبا المدارك 8:391،و الحدائق 15:170.

و إن أوهم عبارة الماتن في الشرائع خلافه و عموم القول بالمنع عن الملك للحاضر معه و النائي عنه (1)،و لكن عبارته تقبل الانطباق لما هنا،كما صرّح به في المسالك (2)،و ارتضاه منه سبطه معنىً لا لفظاً (3)،و هو كذلك.

الثالث:في باقي المحضورات
اشارة

الثالث:في بيان ما يترتب على باقي المحضورات التي يترتب عليها الكفارة

و هي تسعة:
الأول الاستمتاع بالنساء

الأول: الاستمتاع بالنساء و ما يلحق به ف اعلم أن من جامع أهله قبل إدراك أحد الموقفين من عرفة و مشعر قبلاً أو دبراً للجماع،ذاكراً للإحرام عالماً بالتحريم أتمّ حجه،و لزمه بدنة، و الحج من قابل،فرضاً كان حجه الذي أفسده أو نفلاً وجوباً في جميع ذلك،بإجماع العلماء عليه في الجملة،كما في كلام جماعة (4)، و الصحاح به مع ذلك مستفيضة (5)،و لكن اختلفوا في أُمور:

منها ما في العبارة من تعميم الحكم للوقاع قبل المشعر بعد الاتفاق على ثبوته له قبل عرفة،فالأكثر على العموم،و منهم السيّدان في الرسيّة و الانتصار و الغنية،و القاضي في الجواهر و جمل العلم و العمل (6)،مدّعيين

ص:393


1- الشرائع 1:292.
2- المسالك 1:139.
3- المدارك 8:390.
4- منهم:العلامة في المنتهى 2:835،و صاحب المدارك 8:407،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:327؛ و انظر التنقيح 1:556.
5- الوسائل 13:110 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3.
6- المسائل الرسية(رسائل السيد المرتضى 2):334،الانتصار:96،الغنية(الجوامع الفقهية):576،جواهر الفقه:45 44،شرح جمل العلم و العمل:235.

الإجماع عليه كالشيخ فيما حكي (1).

و هو الأظهر؛ لاستفاضة نقل الإجماع عليه،مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها الدالة عليه عموماً و خصوصاً:

ففي الصحيح:« إذا وقع الرجل بامرأته دون مزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل» (2).

و فيه:عن رجل محرم وقع على أهله،فقال:« إن كان جاهلاً فليس عليه شيء؛ و إن لم يكن جاهلاً فإنّ عليه أن يسوق بدنة،و يفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا،و عليهما الحج من قابل» (3).

خلافاً للمفيد و الديلمي و الحلبي (4)،فخصّوه بمورد الوفاق؛ لحديث:

« إن الحج عرفة» (5).

و هو ضعيف سنداً و دلالةً،و معارض بأجود منه بحسبهما،فليحمل على أن الراد كونه أعظم الأركان.

قيل:و كذا قوله(عليه السّلام):« من وقف بعرفة فقد تمّ حجه» إن سلم يحتمل أنه يكفي إدراكه و يفيد أنه قارب التمام كقوله(عليه السّلام):« إذا رفع الإمام

ص:394


1- حكاه عنهم فاضل الهندي في كشف اللثام 1:404.
2- التهذيب 5:/319 1099،الوسائل 13:110 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3 ح 1.
3- التهذيب 5:/318 1095،الوسائل 13:110 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3 ح 2.
4- المفيد في المقنعة:433،الديلمي في المراسم:118،الحلبي في الكافي:203.
5- عوالي اللئلئ 2:/236 93،سنن البيهقي 5:173.

رأسه من السجدة الأخيرة فقد تمّت صلاته» (1).

و يمكن الحمل على التقية،لما عن التذكرة من قول العامة بفوت الحج عمن فات عرفه مطلقاً و لو وقف بمزدلفة (2).

و منها:ما فيها من تعميمه (3)للوقاع قبلاً و دبراً كما عليه الأكثر إطلاقاً، و جماعة تصريحاً (4)،و منهم الشيخ في المبسوط (5)و إن جعله بعضهم هنا مخالفاً،قال:فأوجب بالوطء في الدبر البدنة دون الإعادة (6)،و عبارته المحكية صريحة في الموافقة للعبارة،و إن الذي فيه البدنة خاصة إنما هو الوقاع فيما دون الفرج يعني القبل و الدبر،و لا القبل خاصة،كما صرّح به في صدر عبارته المحكية.

نعم حكي عن الخلاف في الخلاف عن بعض الأصحاب محتجاً بأصل البراءة (7)،و يعارضه العمومات المعتضدة بالشهرة العظيمة بين الأصحاب.

و زيد له في المختلف الصحيح (8):عن رجل وقع على أهله فيما دون الفرج،قال:« عليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل» (9)و أُجيب عنه

ص:395


1- كشف اللثام 1:404.
2- التذكرة 1:375.
3- أي:في العبارة من تعميم الحكم..
4- منهم:ابن سعيد في الجامع:187،و الشهيد الثاني في الروضة 2:352،و صاحبا المدارك 8:407،و الحدائق 15:363.
5- المبسوط 1:336.
6- الدروس 1:369.
7- الخلاف 2:370.
8- في« ح» و« ك»:الموثق.
9- التهذيب 5:/318 1097،الإستبصار 2:/192 644،الوسائل 13:119 أبواب كفارات الاستمتاع ب 7 ح 1.

بأنا نقول بموجبه،فإن الدبر يسمى فرجاً،لأنه مأخوذ من الانفراج،و هو متحقق فيه (1).

و هو حسن و لو قلنا إن المتبادر من الفرج حيث يطلق هو القبل خاصة،لا الدبر،و ذلك فإنه تبادر إطلاقي،فلا يقطع بسببه بنفي إرادة الدبر،بل غايته الإجمال فيه،و هو لا يخصّص العمومات الشاملة للدبر.

نعم،لو كان التبادر تبادراً حقيقياً يكون بسببه غير المتبادر معنىً مجازياً أمكن التخصيص إن جوّز تخصيص العمومات بالخاص مطلقاً و لو كانت مشهورة،دون الخاص،و إن خصّصناه بما إذا لم تكن العمومات معتضدة بالشهرة منعنا التخصيص على هذا التقدير أيضاً،بناءً على ما مرّ من كون التعميم للدبر أشهر،سيّما و نحو هذه الشهرة التي لا يكاد فيها مخالف يعتد به يظهر،فإذاً المعتمد ما عليه الأكثر.

و منها:ما أشار إليه بقوله: و هل الحَجة الثانية عقوبة؟قيل:

نعم و الأولى فرضه و القائل:اليخ في النهاية (2)،و تبعه جماعة (3).

و قيل:الأُولى فاسدة و الثانية فرضه و القائل:الحلّي و الشيخ في الخلاف (4)كما حكي،و تبعهما الفاضل في كثير من كتبه (5).

و ربما يستفاد من قول: و الأول هو المروي الميل إلى الأول، و أشار به إلى الصحيح:قلت:فأي الحجتين لهما؟قال:« الأُولى التي أحدثا

ص:396


1- انظر المختلف:282.
2- النهاية:230.
3- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 2:353،و صاحبا المدارك 8:408،و الحدائق 15:360.
4- الحلي في السرائر 1:550،الخلاف 2:367.
5- انظر المنتهى 2:837،و التحرير 1:119،و التذكرة 1:355.

فيها ما أحدثا،و الأُخرى عليهما عقوبة» (1).

و أُيّد باستصحاب الصحة،و بأن الفرض لو كان القضاء لاشترط فيه من الاستطاعة ما اشترط في الأداء.

و يضعّف الأول بالقطع و الإضمار؛ إذ لم يسنده الراوي إلى إمام،و مع ذلك معارض بالصحيح الصريح في أن في الرفث فساد الحج (2)،و مضمونه مشهور بين الأصحاب حتى استدل به الحلّي و الفاضل في جملة من كتبه هنا (3)،مؤذنين بدعوى الإجماع عليه،كما صرّح به الفاضل المقداد في شرح الكتاب،فقال في دليل القول الثاني:لأن الأُولى فاسدة،و كل ما كان فاسداً لا يجزئ و لا يبرئ الذمة،و المقدمتان إجماعيتان (4).

و لا ينافيه نقله بعد ذلك عن بعض الفضلاء الجواب عن صغرى القياس بالمنع،معلّلاً بأنَّه لم يرد في حديث فساد حجّه و إن اشتهر في عبارات الأصحاب،فإن ثبت حمل على نقصان فضله،لا فساد أصله، و تجبره الكفارة و الحج من قابل عقوبة.

إذ الإجماع عندنا ليس إلّا وفاق خاص يكشف عن قول الإمام(عليه السّلام)، فلا يقدح فيه خروج بعض الفضلاء.

و بهذا الإجماع يردّ كلام ذلك القائل،مع خطائه كجماعة من تبعه في

ص:397


1- الكافي 4:/373 1،التهذيب 5:/317 1092،الوسائل 13:112 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3 ح 9.
2- الكافي 4:/339 6،التهذيب 5:/297 1004،الوسائل 13:112 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3 ح 8.
3- الحلي في السرائر 1:550،الفاضل في المنتهى 2:836،و التذكرة 1:355،و التحرير 1:119.
4- التنقيح الرائع 1:559.

الجواب بذلك بوجود ما مرّ من الصحيح بالفساد.و حمل الفساد فيه و في كلام الأصحاب علي ع ما ذكره من النقص في الفضل دون بطلان الأصل مجاز يحتاج إلى قرينة هي مفقودة؛ إذ ليس إلّا الاستصحاب و ما بعده، و يجب الخروج عنهما لهذا الصحيح.و صحيح المتن لا يعارضه؛ لما عرفت من القطع و الإضمار المسقطين للرواية عن الاعتبار.

فإذاً القول الثاني هو المختار،مع تأيده برجوع الشيخ عن القول الأول إليه في الخلاف.لكن الإنصاف أن المسألة بعد لا تخلو عن شوب الإشكال،فالاحتياط فيها لا يترك على حال.

و تظهر الفائدة في النية،فينوي على الأول في الإحرام مثلاً و كذا باقي الأفعال في الحجة الثانية:أفعل هذا الذي وجب عليّ بالإفساد،و علي الثاني حجة الإسلام.

و في الأجير للحج في سنة و في الناذر له فيها،فعلى الأول يرجع على الأجير بالأُجرة،و يجب على الناذر و من في معناه الكفارة،دون الثاني،فلا شيء عليهما بالكلية.

و في المفسد المصدود إذا تحلّل وجب القضاء.فإن قلنا بالأول لم يكف القضاء الواحد؛ لوجوب قضاء حجة الإسلام بالتحلل منها،و بقاء حجة العقوبة في ذمته،فيقدّم حجة الإسلام في القضاء.و إن قلنا بالثاني كفى القضاء الواحد؛ لسقوط حجة العقوبة بالتحلل منها.

و في غير ذلك.

و اعلم أن إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق في المرأة التي وطئها بين الدائم و المتمتع بها.

و في إلحاق الأمة و الأجنبية و وطء الغلام و البهيمة إشكال:من صدق

ص:398

المرأة بل الأهل الواردين فيهما على الأمة،و أولوية ثبوت الحكم في البواقي.

و مِن تبادر من عدا الأمة من الإطلاق،و انثلام الأولوية بأن مبناها أفحشية الفعل،و ربما تسقط معها الكفارة كما مرّ في كفارة الصيد.

و لا ريب أن الإلحاق في الجميع و لا سيّما الأمة أحوط إن لم يكن متعيناً؛ لضعف دليل المنع بأن في النص ما هو عام ينصرف إلى المتبادر و غيره،و حجية الأولوية،و عدم انثلامها في محل البحث برفع اليد عنها في بعض الموارد غيره لدليل مفقود في المقام.

و احترز بالعامد العالم عن الناسي و لو للحكم و الجاهل،فلا شيء عليهما بلا خلاف ظاهر فتوًى و نصاً،بل قيل:إجماعاً (1)،و عن الخلاف و الغنية (2)الإجماع عليه في الناسي.

و عن المكره،فلا شيء عليه بلا خلاف و لا إشكال إلّا في تحمل المكرِه للزوج أو لهما الكفارة عنه أو عنهما ففيه إشكال.و الأجود العدم؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد الفتوى و النص،و هو ما أشار إليه بقوله:

و لو أكرهها أي المرأة زوجها و هي محرمة حمل عنها الكفارة و هي البدنة خاصة،دون الحج من قابل؛ لعدم فساد حجها بالإكراه.

و لذا لا يكون حج عليها في القابل ليتحمله عنها.

و لو طاوعته لزمها ما يلزمه من إتمام الحج و البدنة و الحج من

ص:399


1- كشف اللثام 1:404.
2- الخلاف 2:369،الغنية(الجوامع الفقهية):576.

قابل و لم يتحمل عنها كفارة و عليهما مطلقاً الافتراق في القضاء إذا وصلا موضع الخطيئة حتى يقضيا المناسك،و معناه أن لا يخلوا بأنفسهما إلّا مع ثالث محترم عندهما ليمنعهما الجماع،فلا عبرة بأمته و زوجته و غير المميز إذا لم يمتنعا عنه بهم.

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده،و عن الخلاف الإجماع في الجميع (1)،و الغنية في الأخير (2)،و فيه و في الثاني في المدارك (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:

« و إن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه،و إن استكرهها فعليه بدنتان و عليه الحج من قابل» (4).

و نحوه في تحمّل البدنة عنها الخبر المنجبر بالعمل:في محرم واقع أهله،قال:« أتى عظيماً» (5)قال:« استكرهها أو لم يستكرهها؟» قلت:

أفتني فيهما جميعاً،فقال:« إن استكرهها فعليه بدنتان،و إن لم يكن استكرهها فعليه بدنة و عليها بدنة،و يفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة،و عليهما الحج من قابل لا بدّ منه» قلت:فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت؟فقال:« نعم هي امرأته كما هي،فإذا انتهيا إلى

ص:400


1- الخلاف 2:368.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):576،577.
3- المدارك 8:410.
4- التهذيب 5:/318 1097،الوسائل 13:119 أبواب كفارات الاستمتاع ب 7 ح 1.
5- في الكافي و الوسائل زيادة:قلت:أفتني،و في التهذيب زيادة:قلت:قد ابتلى.

المكان الذي كان بينهما ما كان افترقا حتى يحلاّ،فإذا أحلّا فقد انقضى عنهما،إنّ أبي كان يقول ذلك» (1).

و نحوهما في ذلك الرضوي:« و تلزم المرأة بدنة إذا جامعها الرجل، فإن أكرهها لزمه بدنتان و لم يلزم المرأة شيء» (2).

و فيه أيضاً الحكم بالتفريق بينهما كالخبر المتقدم.

و الصحاح به زيادة عليهما مستفيضة (3)،و إطلاقها كالفتاوي يشمل صورتي الإكراه و المطاوعة،و ربما يوجد في بعض الفتاوي تقييده بالمطاوعة (4)،و لا وجه له.

نعم في الحسن:عن رجل غشي امرأته و هي محرمة،قال:« جاهلين أو عالمين» قلت أجبني في الوجهين جميعاً،قال:« إن كانا جاهلين استغفرا ربهما و مضيا على حجهما و ليس عليهما شيء،و إن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل،فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتى يقضيا نسكهما و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا» (5).

و هو بمفهومه يدل على عدم الافتراق بينهما إذا لم يكونا علالمين،

ص:401


1- الكافي 4:/374 5،التهذيب 5:/316 1093،الوسائل 13:116 أبواب كفارات الاستمتاع ب 4 ح 2.
2- فقه الرضا(عليه السّلام):217،المستدرك 9:288،290 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3،4،ح 2.
3- الوسائل 13:110،115 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3،4.
4- انظر القواعد 1:98.
5- الكافي 4:/373 1،التهذيب 5:/317 1092،الوسائل 13:112 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3 ح 9.

سواء كانا جاهلين كما في صدر الرواية،أو أحدهما عالماً و الآخر جاهلاً، و المكرَه بحكم الجاهل.

لكنه مقطوع السند،فلا يقيّد به إطلاق الأخبار السابقة،إلّا أن يقال:

إن الغالب الذي ينصرف إليه الإطلاق إنما هو صورة المطاوعة دون الإكراه، فليحمل عليها.

و بنحوه يمكن الجواب عن إطلاق الفتاوي،سيّما نحو العبارة ممّا ذكر فيه الحكم بالتفريق بعد حكم صورة المطاوعة دون المكرهة،و لا يخلو عن وجه،إلّا أن الاحتياط يقتضي التفريق مطلقاً،سيّما مع عدم وضوح صحة دعوى الغلبة في ذلك.

ثم إن ظاهر النصوص و نحو العبارة وجوب التفريق،كما عليه الأكثر، بل المشهور كما قيل (1)،و في المدارك الإجماع على الوجوب (2)،كما أيضاً في صريح الرضوي (3).

و ربما يحكى عن النهاية و المبسوط و السرائر و المهذّب (4)التعبير ب « ينبغي» و ليس صريحاً في المخالفة،بل و لا ظاهراً كما في المختلف،قال:

لاستعماله فيهما،أي في الوجوب و الاستحباب كثيراً.

و فيه أيضاً:الروايات تدل على الأمر بالتفريق فإن قلنا الأمر للوجوب كان واجباً و إلّا فلا (5).

أقول:و حيث قال:و قلنا بكونه للوجوب تعيّن الفتوى به،إذ لا

ص:402


1- الذخيرة:618.
2- المدارك 8:410.
3- فقه الرضا(عليه السّلام):217.
4- النهاية:230،المبسوط 1:336،السرائر 1:548،المهذب 1:229.
5- المختلف:382.

معارض له سوى الأصل،و يجب الخروج به عنه.

ثم إنّ هذا إن سلكا في القضاء ما سلكاه من الطريق في الأداء،و إلّا فلا افتراق كما يستفاد من الشرائع و التذكرة (1)فيما حكي عنه.

قيل:و نصّ عليه الصدوق و الشهيد و التحرير و المنتهى،و هو قريب (2).

و يعضده الصحيح و الموثق الآتيان قريباً،و أيّده في المنتهى بأنهما إذا بلغا موضع الجماع تذكراه فربما دعاهما إليه،و ليس ذلك في طريق آخر (3).

و اعلم أن ظاهر العبارة اختصاص وجوب التفريق بالقضاء،و أن غايته قضاء المناسك خاصة.و الأصح وفاقاً لجمع و منهم ابن زهرة مدّعياً عليه الإجماع (4)عمومه له و للأداء؛ لذلك،و لإطلاق جملة من الصحاح المستفيضة و غيرها،بل ظهورها في الأداء و صريح بعضها فيه،و آخر منها فيه و في القضاء.

ففي الصحيح:« و يفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا،و عليه الحج من قابل» (5).

و من الأخبار المتقدمة المتضمنةُ للتفريق فيهما.

و اختلفت هذه الأخبار و غيرها في غاية التفريق

ص:403


1- الشرائع 1:294،التذكرة 1:356.
2- كشف اللثام 1:405.
3- المنتهى 2:837.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):576،577.
5- التهذيب 5:/318 1095،الوسائل 13:110 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3 ح 2.

ففي الصحيحين:« حتى يبلغ الهدي محلّه» أحدهما في الأداء (1)، و الآخر في القضاء (2).

و في آخرين:« حتى يقضيا الماسك و يعودا إلى موضع الخطيئة» (3)و موردهما الإطلاق أو الأداء.

و نحوهما الصحيحة المتقدمة أعني المقطوعة في القضاء،و في بعض الأخبار المتقدمة:حتى يبلغا مكة،و موضع الخطيئة.

و في الصحيح:« يفرّق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا» قلت:أ رأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أُخرى يجتمعان؟قال:« نعم» (4).

و في الموثق المروي عن نوادر البزنطي:« يفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك و حتى يعودا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا» قلت:إن أرادا أن يرجعا في غير ذلك الطريق،قال:« فليجتمعا إذا قضيا المناسك» (5).

ص:404


1- الأول:التهذيب 5:/319 1100،الوسائل 13:111 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3 ح 5.الثاني:الكافي 4:/373 3،الوسائل 13:113 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3 ح 12.
2- الكافي 4:3/373،الوسائل 13:113 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3 ح 12.
3- أحدهما في:التهذيب 5:/318 1095،الوسائل 13:110 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3 ح 2. و الآخر في:الكافي 4:/375 7،الوسائل 13:115 أبواب كفارات الاستمتاع ب 4 ح 1.
4- معاني الأخبار:/294 1،الوسائل 13:114 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3 ح 14.
5- مستطرفات السرائر:/31 29،الوسائل 13:114 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3 ح 15.

و الذي يقتضيه النظر في الجمع بين هذه الأخبار حمل تعدد هذه الغايات على تفاوت مراتب الفضل و الاستحباب،فأعلاها الرجوع إلى موضع الخطيئة و إن أحلّا و قضيا المناسك،قبله،ثم قضاء المناسك،ثم بلوغ الهدي محلّه كما في الصحيحين،و هو كناية عن الإحلال بذبح الهدي كما وقع التصريح به في بعض الأخبار المتقدمة.

و لكن الاحتياط يقتضي المصير إلى المرتبة الأعلى ثم الوسطى،سيّما في الحِجة الأُولى؛ لكثرة أخبارها و شهرتها،و لذا قيل:و قد أجاد الإسكافي حيث أفتى بالافتراق في الأداء إلى بلوغهما محل الخطيئة و إن أحلّا قبله، و في القضاء إلى بلوغ الهدي محلّه،و كذا ابن زهرة و إن لم ينصّ على الإحلال (1).

أقول:و في الغنية عليه الإجماع (2).

و لو كان ذلك أي الجماع عامداً عالماً منهما،أو من أحدهما بعد الوقوف بالمشعر لم يفسد به الحج،فلا يلزمه الحج من قابل، و لكن جبره ببدنة بلا خلاف،بل على الحكمين الإجماع في الغنية و المنتهى و غيرهما (3)؛ للأصل،و مفهوم الصحيح المتقدم (4)في فساد الحج بالجماع قبل الوقوف بالمشعر في الأول؛ مضافاً إلى المرسل (5)و الرضوي (6)فيهما.

ص:405


1- كشف اللثام 1:405.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):577.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):576،المنتهى 2:835؛ و انظر المدارك 8:413،و مفاتيح الشرائع 1:328.
4- في ص:3483.
5- الفقيه 2:/213 969،الوسائل 13:118 أبواب كفارات الاستمتاع ب 6 ح 2.
6- فقه الرضا(عليه السّلام):217،المستدرك 9:290 أبواب كفارات الاستمتاع ب 5 ح 1.

و خصوص المعتبرة في لزوم البدنة،ففي الصحيح:عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء،قال:« عليه جزور» (1).

و في آخر:قبل أن يزور البيت،قال:« يهريق دماً» (2).

و في الخبر:عن رجل وقع على أهله يوم النحر قبل أن يزور،قال:

« إن كان وقع عليها بشهوة فعليه بدنة،و إن كان غير ذلك فبقرة أو شاة» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار الآتية.

و لو استمنى أي طلب المني بالعبث بيده أو بملاعبة زوجته أو غير ذلك،و الفرق بينه و بين الاستمتاع بغير الجماع مما يأتي تجرد الاستمتاع عن قصد الإمناء بخلافه.و قيّده جماعة و منهم الماتن هنا و الفاضل في القواعد و غيرهما (4)بكونه بيده،لزمته بدنة حسب وفاقاً للحلّي و جماعة (5).

للأصل،المؤيد بما في الصحيحين من عدم القضاء على المجامع فيما دون الفرج مطلقاً و لو أمنى (6)،و عليه الإجماع في الغنية (7)،بل و غيرها

ص:406


1- الكافي 4:/378 3،التهذيب 5:/323 1109،الوسائل 13:121 أبواب كفارات الاستمتاع ب 9 ح 1.
2- الكافي 4:/379 4،التهذيب 5:/321 1105،الوسائل 13:122 أبواب كفارات الاستمتاع ب 9 ح 2.
3- الكافي 4:/378 2،التهذيب 5:/321 1106،الوسائل 13:122 أبواب كفارات الاستمتاع ب 9 ح 3.
4- القواعد 1:98،جامع المقاصد 3:346.
5- الحلي في السرائر 1:552،و الحلي في الكافي في الفقه:203،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:404.
6- الأول:التهذيب 5:/318 1097،الإستبصار 2:/192 644،الوسائل 13:119 أبواب كفارات الاستمتاع ب 7 ح 1.الثاني:الكافي 4:/373 3،التهذيب 5:/319 1098،الإستبصار 2:/192 645،الوسائل 13:119 أبواب كفارات الاستمتاع ب 7 ح 2.
7- انظر الخلاف 2:370.

أيضاً (1)،بل جعل هذا فخر الإسلام دليلاً مستقلا على هذا القول بعد أن اختاره،فقال:لأن الجماع في غير الفرج أشد من الاستمناء،لتعلّق أحكام الزنا به،دونه،و هو لا يفسد (2).

و لكن في رواية موثقة عمل بها الشيخ في النهاية و المبسوط (3)،و جماعة كالقاضي و ابن حمزة (4)،بل الأكثر كما في التنقيح (5):في محرم عبث بذكره فأمنى،قال:«أرى عليه مثل ما على من أتى أهله و هو محرم بدنة و الحج من قابل (6) و مال إليها ثاني المحقّقين و الشهيدان (7)،قالوا:لعدم معارض لها.

و نحوهم الفاضل المقداد في التنقيح،فقال بعد الكلام في سندها:

لكن قال الإسكافي هي في حديث الكليني (8)عن مسمع بن عبد الملك، عن الصادق(عليه السّلام)،و مسمع ممدوح مدحه الصادق(عليه السّلام)،ملقّب بكردين بكسر الكاف،فانجبر ضعف الرواية بهذه،مع أن القائل بها أكثر و العمل بها أحوط.

انتهى.و هو حسن.

فيتعيّن الخروج بها عن الأصل و ما بعده المتقدّمين،سيّما مع تأيدها

ص:407


1- انظر الخلاف 2:370.
2- إيضاح الفوائد 1:345.
3- النهاية،المبسوط 1:337.
4- القاضي في المهذب 1:222،ابن حمزة في الوسيلة:166.
5- التنقيح الرائع 1:560.
6- الكافي 4:/376 6،التهذيب 5:/324 1113،الإستبصار 2:/192 646،الوسائل 13:132 أبواب كفارات الاستمتاع ب 15 ح 1.
7- المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:347،الشهيد الأول في الدروس 1:371،الشهيد الثاني في الروضة 2:358.
8- في المختلف:283.

بما في المختلف (1)من أن الاستمناء أقبح من إتيان أهله،فيكون أولى بالتغليظ.

و من الصحيح:عن الرجل يعبث بأهله و هو محرم حتى يمني من غير جماع،أو يفعل ذلك في شهر رمضان ماذا عليهما؟قال:« عليهما جميعاً الكفارة مثل ما على الذي جامع» (2).

و إن كان في الاستدلال بهما و لا سيّما الثاني نظر.

هذا و الإنصاف أن الموثقة التي هي الأصل في الباب لا دلالة لها على حكم الاستمناء على الإطلاق،بل على الفعل المخصوص المذكور فيه المجامع للاستمناء تارة و المتخلف عن اخرى،و لذا اقتصر على موردها الشيخ الذي هو الأصل في القول بها،فعبّر بمتنها،و هو الأقوى.

و لا موجب للتعدية هنا حتى رواية المسمع المتقدمة،فإن متنها كما في المختلف عن الإسكافي هكذا:« إذا أنزل لماء إما بعبث بحرمته أو بذكره أو بإدمان نظره مثل الذي جامع» قال في المختلف بعد نقله:و ليس هذا القول صريحاً منه بالإفساد؛ لاحتمال المساواة في البدنة،فإن النظر لا يقتضي الإفساد (3).

أقول:و لعلّه لهذا لم يتعرض أحد سوى التنقيح للاستدلال بهذه الرواية في المسألة،و مع ذلك فينبغي تقييدها بما إذا وقع ذلك قبل أحد الموقفين مع ما مرّ من الوصفين،لا مطلقاً اتفاقاً.

ص:408


1- المختلف:283.
2- الكافي 4:/376 5،التهذيب 5:/324 1114،الوسائل 13:131 أبواب كفارات الاستمتاع ب 14 ح 1.
3- المختلف:283،283.

و لو جامع المولى أمته المحرمة بإذنه حال كونه مُحلّاً عامداً عالماً بأنه لا ينبغي له ذلك مختاراً لزمه بدنة أو بقرة أو شاة مخيراً بينها إن كان قادراً عليها أجمع.

و لو كان معسراً و لم يقدر إلّا على الشاة فشاة أو صيام فيما قطع به الأصحاب كما في كلام جماعة (1)،و في الروضة بعد نقل نحو العبارة بزيادة ثلاثة أيام بعد الصيام:هكذا وردت به الرواية و أفتى به الأصحاب (2).

و ظاهرهم كما ترى الإجماع مع أنه لم ينقل في المختلف و لا غيره إلّا عن أبي العلّامة و الماتن و ابن عمّه (3)،و سيأتي الخلاف فيه من الشيخ و الحلّي.

نعم أفتى به في القواعد و الإرشاد و التحرير (4)،و الشهيدان في كتبهم (5)،و غيرهم من المتأخرين (6)؛ لما مرّ من الرواية،و هي موثقة،بل قيل:صحيحة (7)،و فيها:عن رجل مُحلّ وقع على أمة له محرمة،قال:

« موسراً أو معسراً؟» قلت:أجبني فيهما،قال:« أمرها بالإحرام أو لم يأمرها و أحرمت من قبل نفسها؟» قلت:أجبني فيهما،فقال:« إن كان

ص:409


1- منهم:صاحبو المدارك 8:417،و الذخيرة:619،و الحدائق 15:396.
2- الروضة البهية 2:356.
3- المختلف:283؛ و انظر كشف اللثام 1:405،و الجامع للشرائع:188.
4- القواعد 1:99،الإرشاد 1:322،التحرير 1:120.
5- الدروس 1:371،المسالك 1:144.
6- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:349،و السبزواري في الذخيرة:619،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:405.
7- قاله في المختلف:283،و الحدائق 15:396.

موسراً و كان عالماً أنه لا ينبغي له و كان هو الذي أمرها بالإحرام فعليه بدنة، و إن شاء بقرة،و إن شاء شاة؛ و إن لم يكن أمرها بالإحرام فلا شيء عليه موسراً كان أو معسراً،و إن كان أمرها و هو معسر فعليه دم شاة أو صيام» (1).

و رويت المحاسن بزيادة:« أو صدقة» (2):

و هي مع اعتبار سندها و حجيتها مشهورة بين الأصحاب،فلا بأس بالعمل بها.

خلافاً للنهاية فعليه بدنة و إن لم يقدر فشاة أو صيام ثلاثة أيام (3).

و قريب منه عن المبسوط و السرائر (4).

قيل:و كأنهما حملا الخبر على الإكراه؛ للأصل،مع ضعفه و معارضته بالصحيح:عن رجل أمر جاريته أن تحرم من الوقت فأحرمت و لم يكن هو أحرم فغشيها بعد ما أحرمت،قال:« يأمرها فتغتسل،ثم تحرم و لا شيء عليه» (5)و حمله في كتابي الأخبار على أنها لم تكن لبّت،و أما عدد الثلاثة في الصيام فكأنه لكونها المعروفة بدل الشاة (6).انتهى.

و في الحكم بضعف الخبر ما مرّ،مع أنه على تقديره بفتوى الأصحاب منجبر،و الصحيح بإطلاقه شاذّ.

ص:410


1- الكافي 4:/374 6،التهذيب 5:/320 1102،الإستبصار 2:/190 936،الوسائل 13:120 أبواب كفارات الاستمتاع ب 8 ح 2.
2- المحاسن:/310 24.
3- النهاية:230.
4- المبسوط 1:337،السرائر 1:549.
5- التهذيب 5:/320 1103،الإستبصار 2:/191 640،الوسائل 13:121 أبواب كفارات الاستمتاع ب 8 ح 3.
6- كشف اللثام 1:405.

ثم إن الخبر بإطلاقه شامل لما لو أكرهها أو طاوعته،لكن ذكر العلّامة و من تبعه (1)أن مع المطاوعة تجب عليها الكفارة أيضاً بدنة،و صامت عوضها ثمانية عشر يوماً،مع علمها بالتحريم،و إلّا فلا شيء عليها،و لو طاوعته قبل المشعر فسد حجها أيضاً.

و نظرهم في ذلك إلى عموم الأخبار و الأدلة المتقدمة في المسائل السابقة في جماع المحرم مع المحرمة؛ لما تقدم من عموم« الأهل» فيها و« المرأة» فلا وجه لتأمل جماعة من المتأخرين (2)فيما ذكروه مع اعترافهم بعموم تلك الأخبار للأمة.و لا ينافيه إطلاق الرواية؛ فإنه بالنسبة إلى المولى خاصة،و أما بالنسبة إلى حكم الأمة فالرواية مجملة لا تعرّض له فيها بشيء الكلية.

و لم يقيد بالفتوى و الرواية الجماع بوقت،فيشمل سائر أوقات إحرامها التي يحرم الجماع بالنسبة إليه،أما بالنسبة إليها فيختلف الحكم كالسابق،فلو كان قبل الوقوف بالمشعر فسد حجها مع المطاوعة و العلم كما مرّ.

و احترز بالمحرمة بإذنه عما لو فعلته بغيره،فإنه يغلي و لا شيء عليهما.

و في إلحاق الغلام المحرم بإذنه بها وجهان مضى وجههما مراراً.

و لو جامع المحرم عالماً عامداً بعد المشعر قبل طواف الزيارة

ص:411


1- العلامة في التذكرة 1:357،و المنتهى 2:840،الشهيد الثاني في المسالك 1:144،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:405.
2- منهم:صاحب المدارك 8:418،و السبزواري في الذخيرة:619،و صاحب الحدائق 15:396 397.

لزمه بدنة لإطلاق ما مرّ من ثبوتها على من جامع بعد المشعر،و إنما ذكر هنا هذا بالخصوص مع دخوله فيما مرّ للتنبيه على حكم الأبدال المشار إليه بقوله: فإن عجز عنها فبقرة أو شاة مخيراً بينهما كما هنا و في الشرائع و القواعد و غيرها (1)،أو مرتباً كما في الإرشاد و التحرير (2)،و عن النهاية و المبسوط و السرائر و التذكرة و المنتهى و التخليص و المهذّب (3).

و لم أعثر على نصّ على أصل هذه الأبدال مطلقاً،و بذلك اعترف جماعة (4).

و ربما استدل لها على التخيير ببعض الصحاح المتقدمة في الوقاع بعد المشعر،فإن فيه:« إن عليه دماً يهريقه» و هو بإطلاقه يشمل البقرة أيضاً.

و فيه:أنّه في الأخبار ظاهر في الشاة،و لو سلّم فيشمل البدنة أيضاً، و مقتضى الإطلاق جواز العدول إلى الآخرين مطلقاً،و ليس كذلك،فإن الترتيب بينها و بين الآخرين ثابت بلا خلاف،و لو سلّم فمقتضى الأُصول في الجمع بينه و بين الأدلة المتضمنة للبدنة التقييد بها.

و أما الاستدلال عليه بالخبر المتقدم بعدهما ثمة المتضمن لقوله:« إن وقع عليها بشهوة» إلى آخره فأوضح حالاً في الفساد غنيّ وجهه عن البيان.

و ربما استدل على ذلك بالخبر:عن رجل أتى أهله و عليه طواف النساء،قال:« عليه بدنة» ثم جاءه آخر فسأله عنها فقال:« عليه بقرة» ثم

ص:412


1- الشرائع 1:294،القواعد 1:99؛ و انظر المختلف:283.
2- الإرشاد 1:322،التحرير 1:119.
3- النهاية:231،المبسوط 1:337،السرائر 1:550،التذكرة 1:357،المنتهي غ 2:839،المهذب 1:224.
4- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:350،و الشهيد الثاني في المسالك 1:144،و صاحب المدارك 8:419،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:328.

جاء آخر فقال:« عليك شاة» فقلت بعد ما قاموا:أصلحك اللّه تعالى كيف قلت عليه بدنة؟فقال:« أنت موسر عليك بدنة،و على الوسط بقرة،و على الفقير شاة» (1).

و هو بعد الإغماض عن ضعف السند بالجهالة،و عدم انطباقه على القول بالتخيير بين الشاة و البقر مورده من طاف الزيارة و عليه طواف النساء،و هو غير مفروض المسألة،أعني من عليه طواف الزيارة،و إلحاق أحدهما بالآخر من غير موجب قياس فاسد في الشريعة،و مع ذلك لزوم الشاة على الفقير مثلاً يتبع الاسم و الصفة،و هو أعم من العجز عن البدنة أو البقرة،فإن الفقير قد لا يعجز عنها مع فقرة قطعاً.

و الأجود الاستدلال بعدم ظهور الخلاف،و هو حجة على المختار.

بقي الكلام في تعيين الترتيب و التخيير،و مقتضى الأُصول الأول،مع أن القائل به أكثر،و العمل به أحوط.

و لا فرق في وجوب الكفارة بين من لم يطف شيئاً من الأشواط أو طاف أقل من النصف أو أكثر؛ لعموم الأخبار و الفتاوي،لصدق أنه قبل الطواف،و أنه لم يزر،فإنه بمعنى لم يطف.

و خصوصِ الخبر:« فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة فطاف أربعة أشواط فغمزه بطنه فخرج فقضى حاجته فغشي أهله،أفسد حجه و عليه بدنة و يغتسل ثم يرجع فيطوف أُسبوعا» (2)و كان إفساد الحج بمعنى نقصه؛

ص:413


1- الفقيه 2:/231 1103،الوسائل 13:123 أبواب كفارات الاستمتاع ب 10 ح 1.
2- الكافي 4:/379 7،التهذيب 5:/321 1107،الوسائل 13:126 أبواب كفارات الاستمتاع ب 11 ح 2.

إذ لا قائل بفساده بذلك.أو الحج بمعنى الطواف؛ تسميةً للجزء باسم الكل كما عن المنتهى (1)،أو رجوعاً إلى اللغة.

و لو طاف من طواف النساء خمسة أشواط ثم واقع و لو عامداً عالماً لم يلزمه الكفارة و أتمّ طوافه على الأظهر الأشهر،بل لا خلاف فيه إلّا من الحلّي (2).و هو نادر،و مستنده مع ذلك غير واضح،عدا ما ادّعاه من الإجماع على لزومها على من واقع قبل طواف النساء،و مال إليه بعض متأخري المتأخرين (3)؛ للأخبار المستفيضة المتضمنة للصحيح و غيره (4)بذلك.

و فيهما نظر؛ لمنع الإجماع و شموله لمحل النزاع،فإن القدر المتحقق من الفتاوي المتفقة عليه هو الوقاع قبل مجاوزة النصف،و كذلك الأخبار، مع ضعف سند أكثرها،بل المتبادر من إطلاقها إنما هو الوقاع قبل الشروع، لا بعده،و إنما استفيد حكمه من الإجماع الظاهر،المستفاد من جملة من العبائر (5)على نفي الكفارة بعد الخمسة الأشواط،و خصوص الحسن كالصحيح،بل قيل:صحيح (6):عن رجل كان عليه طواف النساء فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج إلى منزله فنقض ثم غشي جاريته،قال:« يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان بقي عليه من طوافه،و يستغفر ربه و لا يُعد،و إن كان[طاف]طواف النساء

ص:414


1- المنتهى 1:839.
2- السرائر 1:552.
3- الحدائق 15:386.
4- الوسائل 13:123 أبواب كفارات الاستمتاع ب 10.
5- انظر المسالك 1:145،و المدارك 8:421،و الحدائق 15:384.
6- قاله العلامة في المختلف:284.

فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه و عليه بدنة و يغتسل،ثم يعود فيطوف أُسبوعاً» (1).و فحوى الخبر الآتي.

و القدح سنداً بعدم الصحة،بل الضعف في الثاني،و دلالةً في الأول بعدم نفيه الكفارة،بل غايته السكوت عنها،و هو أعم من نفيها ليس في محلّه.

لكفاية الحسن في الحجية،و لا سيّما مثله؛ لرواية المجمع على تصحيح ما يصح عنه عن موجبه،و على تقدير الضعف فهو مجبور بالشهرة المقطوع بها و نفي الخلاف عن[عدم (2)]لزوم الكفارة هنا في كلام جماعة.

و الدلالة واضحة؛ فإن السكوت عنها في مقام الحاجة دليل على نفيها،لقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة،سيّما مع انضمام القرينة إليه و هو إيجاب البدنة في الوقاع إذا طاف ثلاثة أشواط في الذيل،و تركها في الصدر مع التعرض لها في الذيل أوضح قرينة على النفي،و لذا لم يعترض أحد من الأصحاب بضعف الدلالة.

نعم تأملوا في السند،و قد مرّ الجواب عنه أيضاً،مضافاً إلى الانجبار بموافقة الأصل،بناءً على ما مرّ من منع العموم على لزوم البدنة بالوقاع قبل طواف النساء بنحو يشمل محل النزاع،فإذاً لا شبهة في ضعف قول الحلّي، مع أنه لم يصرّح بلزوم البدنة في المسألة،و إنما صرّح بلزومها قبل الخمسة الأشواط في مقابلة الشيخ بدليل يعمّ المسألة.

ص:415


1- الكافي 4:/379 6،الفقيه 2:/245 1177،التهذيب 5:/323 1110،الوسائل 13:126 أبواب كفارات الاستمتاع ب 11 ح 1،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
2- أضفناه للتصحيح.

ثم المستفاد من ذيل الحسنة عدم لزوم الكفارة بالوقاع بعد الثلاثة الأشواط،خرج منه ما لم يبلغ النصف بالإجماع،و بقي الباقي مندرجاً تحت عموم مفهوم الشرط،و لا يعارضه مفهوم الخمسة في الصدر،لكونه في كلام الراوي،و الاقتصار في الجواب على بيان حكم المسئول عنه لا يقتضي نفي الحكم عما عداه، و لذا قيل:يكفي في البناء الأولى:

في سقوط الكفارة،ففي العبارة تسامح مجاوزة النصف و القائل الشيخ و جماعة (1)،و هو في غاية القوة،لما عرفت.

مضافاً إلى تأيده بالخبر:في رجل نسي طواف النساء،قال:« إذا زاد على النصف و خرج ناسياً أمر من يطوف عنه و له أن يقرب النساء إذا زاد على النصف» (2)و لا معنى للزوم الكفارة على الفعل المرخص فيه،و ضعف الخبر منجبر بموافقة الأصل،بناءً على منع العموم المتقدم.

و لو عقد محرم لمحرم على امرأة و دخل بها فعلى كل واحد منهما كفارة بدنة فيما قطع به الأصحاب من غير خلاف،و في المدارك:إن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه (3).و نحوه غيره (4).معربين عن دعوى الإجماع عليه،كما عن صريح ابن زهرة (5)،و هو الحجة،مضافاً إلى فحوى الرواية الآتية.

ص:416


1- الشيخ في النهاية:231،و الحلي في السرائر 1:551،و العلامة في المنتهى 2:840.
2- الفقيه 2:/246 1178،الوسائل 13:409 أبواب الطواف ب 58 ح 10.
3- المدارك 8:421.
4- كفاية الأحكام:65؛ و انظر ملاذ الأخيار 8:249.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):577.

و إطلاق المتن و غيره،بل الأكثر كما قيل- (1)يقتضي تساوي علمهما بالإحرام أو الحرمة و الجهل،و وجوب البدنة على العاقد إن كان دخول المعقود له بعد الإحلال،فإن تمّ الإجماع عليه و إلّا فالاقتصار على القدر المقطوع به و هو العلم بالأمرين لازم كما استوجهه بعض الأصحاب (2)،ناقلاً له عن غيره.

و كذا عليهما البدنة لو كان العاقد محلّاً على رواية سماعة الصحيحة إليه الموثقة به:« لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوّج محرماً و هو يعلم أنه لا يحل له» قال سماعة:فإن دخل بها المحرم،قال:« إن كانا عالمين فإنّ على كل واحد منهما بدنة،و على المرأة إن كانت محرمة بدنة، و إن لم تكن محرمة فلا شيء عليها إلّا أن تكون قد علمت أن الذي تزوّجها محرم،فإن كانت قد علمت ثم تزوجته فعليها بدنة» (3).

و ظاهر المتن التوقف في العمل بها،و لعلّه لما في المنتهى من أنه في سماعه قول،و عندي في هذه الرواية توقف (4).و في الإيضاح:الأصح خلافه؛ للأصل،و لأنه مباح بالنسبة إليه،و تحمل الرواية على الاستحباب (5).

و فيه نظر؛ فإن الراوي ثقة،و ليس يقدح في قبول خبره فساد مذهبه إن قلنا به،مع أنه قال جماعة بحسن مذهبه،و الموثق حجة،سيّما و إذا

ص:417


1- كشف اللثام 1:407.
2- نقله في الجواهر 20:378 عن كشف اللثام،و لم نعثر عليه فيه.
3- الكافي 4:/372 5،التهذيب 5:/330 1138،الوسائل 12:438 أبواب تروك الإحرام ب 14 ح 10.
4- المنتهى 1:842.
5- إيضاح الفوائد 1:348.

اعتضد بالشهرة العظيمة بين الأصحاب على الظاهر،المصرَّح به في عبائر (1)،بل في التنقيح بعد القدح فيه بوقفه:لكن انجبر روايته بعمل الأصحاب (2)،و ظاهره دعوى الإجماع.

و مقتضى الرواية لزوم البدنة للمرأة إذا كانت[محلّة (3)]عالمة بإحرام الزوج،و بمضمونها أفتى الشيخ-(رحمه اللّه) و جماعة (4).

و في المدارك:و هو أولى من العمل بها في[أحد (5)]الحكمين و إطراحها في الآخر كما فعله في الدروس (6)،إلى آخر ما قال.و هو حسن.

و من جامع في إحرام العمرة مطلقاً قبل السعي فعليه بدنة و قضاء العمرة للحسن:في الرجل يعتمر عمرة مفردة فيطوف بالبيت طواف الفريضة،ثم يغشى أهله قبل أن يسعى بين الصفا و المروة،قال:

« قد أفسد عمرته،و عليه بدنة،و عليه أن يقيم بمكة محلّاً حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه،ثم يخرج إلى الوقت الذي وقّته رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) لأهل بلاده فيحرم منه و يعتمر» (7).و نحوه الصحيح (8)و غيره (9)،لكن في

ص:418


1- المسالك 1:145،مجمع الفائدة و البرهان 7:31،الحدائق 15:399.
2- التنقيح الرائع 1:562.
3- في النسخ:محرمة،و هو سهو ظاهراً.
4- الشيخ في التهذيب 5:330،و العلامة في التذكرة 1:358،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:407.
5- أضفناه من المصدر.
6- الدروس 1:372،المدارك 8:422.
7- الكافي 4:/538 2،الفقيه 2:/275 1344،التهذيب 5:/323 1111،الوسائل 13:128 أبواب كفارات الاستمتاع ب 12 ح 2.
8- التهذيب 5:/324 1112،الوسائل 13:128 أبواب كفارات الاستمتاع ب 12 ح 1.
9- الكافي 4:/538 1،الوسائل 13:129 أبواب كفارات الاستمتاع ب 12 ح 4.

المجامع قبل الطواف و السعي معاً.

و موردها أجمع:العمرة المفردة،قيل:و لذا خصّه في التهذيب بها (1).

خلافاً للأكثر فعمّموا الحكم للعمرة المتمتع بها أيضاً.

و استشكل فيه في القواعد (2)،قيل:من التساوي في الأركان و حرمتهن قبل الأداء،و إنما الخلاف باستتباع الحج و وجوب طواف النساء و عدمهما؛ و من الأصل،و الخروج عن النصوص،و لزوم أحد الأمرين إذا لم يسع الوقت إنشاء عمرة أُخرى قبل الحج،أما تأخير الحج إلى قابل،أو الإتيان به مع فساد عمرته،و هو يستلزم إما فساده مع الإتيان بجميع أفعاله و التجنب فيه عن المفسد،أو انتقاله إلى الإفراد،و إذا انتقل إلى الإفراد سقط الهدي و انتقلت العمرة مفردة فيجب لها طواف النساء،و في جميع ذلك إشكال (3).انتهى.

و لكن ظاهر جماعة كالمحقّق الثاني و فخر الإسلام حاكياً له عن والده (4):أنه لا إشكال في فساد العمرة المتمتع بها،و إنما هو في فساد حجها بفسادها،من ارتباطه بها،و من انفراده بإحرام آخر،و الأصل صحته و البراءة عن القضاء.

و كأنّ عدم إشكالهم في فسادها لعدم الخلاف فيه،و إلاّ فالنصوص مختصة بالمفردة،دونها،كما مضى،و حينئذ فالتعميم أقوى،وفاقاً

ص:419


1- المدارك 8:422.
2- القواعد 1:99.
3- كشف اللثام 1:406.
4- المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:350،فخر الإسلام في إيضاح الفوائد 1:347.

للحلبيّين فيما حكي عنهما (1).

و حيث فسدت العمرة المتمتع بها فالأظهر فساد حجها أيضاً؛ لما مرّ من الارتباط،و فساد الوجه الآخر،لأن حج التمتع لا يعقل صحته مع فساد العمرة المتقدمة عليه.

و ليس في المتن و كلام الشيخ و الأكثر كما قيل- (2)تعرّض لوجوب إتمام العمرة الفاسدة،و لا وجوب التفريق.

و قطع الفاضل في القواعد و الشهيدان كما قيل- (3)بالوجوب؛ و مستندهم غير واضح،لخلو الأخبار عنه،بل ربما أشعرت بالعدم، للتصريح فيها بالفساد و عدم التعرض فيها للأمرين بالكلية مع كون المقام مقام الحاجة.

و ربما يستدل لهم بأنه لا يجوز إنشاء إحرام آخر قبل إكمال الأول، كما مرّ.

و فيه نظر؛ لقوة احتمال اختصاص ذلك بالإحرام الصحيح،دون الفاسد.

ثم إن ظاهر الأخبار تعيّن القضاء في الشهر الداخل و لزوم الصبر إليه.

و لا ريب أنه أحوط و لو قلنا بجواز توالي العمرتين أو الاكتفاء بالفرق بينهما بعشرة أيام في غير المقام.

خلافاً لجماعة فجعلوه أفضل (4).

ص:420


1- حكاه عنهما الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:406،و هو في الكافي في الفقه:203،و الغنية(الجوامع الفقهية):576.
2- المدارك 8:423.
3- انظر الذخيرة:620،المدارك 8:423.
4- منهم المحقق في الشرائع 1:295؛ و انظر القواعد 1:99،و الروضة البهية 2:359.

و لو أمنى بنظره إلى غير أهله فبدنة إن كان موسراً،و بقرة إن كان متوسطاً،و شاة إن كان معسراً كما في الموثق (1)،و عليه الأكثر.

خلافاً للمقنع فجزور أو بقرة،و إن لم يجد فشاة (2)؛ للصحيح (3).

و لبعض المتأخرين،فأحتمل الاكتفاء بالشاة مطلقاً (4)،كما عن ابن حمزة (5)،حيث لم يذكر هنا إلّا الشاة؛ للحسن أو الصحيح:في حرم نظر إلى غير أهله فأنزل،قال:« عليه دم،لأنه نظر إلى غير ما يحل له،و إن لم يكن أنزل فليتّق و لا يعد،و ليس عليه شيء» (6).

و فيهما نظر؛ لقبول الخبرين التنزيل على الموثق،بحمل« أو» على التخيير بنحو يجامع الترتيب.و يقيّد الدم الذي هو عبارة عن الشاة بصورة الفقر،أو يراد منه ما يعمّ كلّاً من الثلاثة،و ينزّل على التفصيل المزبور في الرواية،جمعاً بينهما و بين الموثق،لصراحته بالإضافة إليهما و إن قصر سنده عنهما،لانجباره أو اعتضاده بالشهرة العظيمة التي تجعلها أقوى من الصحيح بمراتب شتّى،سيّما مع اعتضاده هنا بالاحتياط.

و المرجع في المفهومات الثلاثة إلى العرف.

و قيل:ينزل ذلك على الترتيب،فيجب البدنة على القادر عليها،فإن

ص:421


1- الكافي 4:/377 7،الفقيه 2:/213 971،التهذيب 5:/325 1115،المحاسن:/319 51،الوسائل 13:133 أبواب كفارات الاستمتاع ب 16 ح 2.
2- المقنع:76.
3- التهذيب 5:/325 1116،الوسائل 13:133 أبواب كفارات الاستمتاع ب 16 ح 1.
4- المدارك 8:425.
5- الوسيلة:167.
6- الكافي 4:/377 8،الوسائل 13:135 أبواب كفارات الاستمتاع ب 16 ح 5.

عجز عنها فالبقرة،و إن عجز عنها فالشاة (1).

و به قطه الفاضل في الإرشاد و الشهيد في الدروس (2).

و الرواية تدل على الأول،و لعلّ وجه تنزيلها على ما ذكره البناء على الغالب من أن شأن المتوسط أن يعجز عن البدنة،و الفقير عن البقرة.و لا يخلو عن نظر.

ثم إن ظاهر الموثق كون الكفارة للنظر،لا للإمناء؛ لما فيه من تعليلها بذلك،كما مرّ في الحسن،لكنه مع ذلك صريح في عدم الكفارة مع عدم الإمناء،و به يصرف أيضاً ظاهر التعليل في الموثق.

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق في الحكم بين ما لو قصد بالنظر الإمناء أم لا،كان النظر بشهوة أم بدونها.

خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني،فقيّدهما بما إذا لم يقصد به الإمناء،و لا كان من عادته ذلك أيضاً،قال:و إلاّ فكالمستمني (3).

و فيه نظر مرّ وجهه،فالعمل بإطلاق النص و الفتوى هنا أولى.

و لم يذكر الماتن و لا الأكثر حكم ما لو عجز عن الشاة،و الظاهر لزوم الصيام ثلاثة أيام كما مرّ،من أنه أصل عام،و حكي القول به هنا عن المفيد و الديلمي و ابن زهرة (4).

و لو نظر إلى امرأته لم يلزمه شيء و إن أمنى إلّا أن ينظر إليها

ص:422


1- حكاه في المسالك 1:145.
2- الإرشاد 1:322،الدروس 1:371.
3- الروضة البهية 2:357.
4- المفيد في المقنعة:433،الديلمي في المراسم:120،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):576.

بشهوة فيمني فعليه بدنة فيما قطع به الأصحاب،كما في كلام جماعة (1)، مؤذنين بدعوى الإجماع،كما حكوه عن المنتهى (2)،مع أنه حكي عن المفيد و المرتضى-(رحمهما اللّه) أنهما أطلقا نفي الكفارة عمن نظر إلى أهله (3)، و لعلّهما نظرا إلى إطلاق الصحيح أو عمومه:عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم،قال:« لا شيء عليه» (4).

و صريح الموثق:في محرم نظر إلى امرأته بشهوة،قال:« ليس عليه شيء» (5).

و عن الحلبي أنه ذكر بدل البدنة شاة (6)،و لم أعرف مستنده.

و قول المفيد و المرتضى لا يخلو عن قوة لولا الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة و خصوص الحسن:« و من نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى فعليه جزور» (7)فيقيد بهما إطلاق صحيحهما،مع أن في ذيله أيضاً ما يوافق الحسن،فإن فيه:قال في المحرم ينظر إلى امرأته و ينزّلها بشهوة حتى ينزل،قال:« عليه بدنة» .

ص:423


1- منهم:صاحب المدارك 8:426،و المجلسي في ملاذ الأخيار 8:240.
2- المنتهى 2:842.
3- المفيد في المقنعة:433،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):70.
4- الكافي 4:/375 1،التهذيب 5:/325 1117،الإستبصار 2:/191 642،الوسائل 13:135 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 1.
5- التهذيب 5:/327 1122،الإستبصار 2:/192 643،الوسائل 13:138 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 7.
6- الكافي في الفقه:203.
7- الكافي 4:/376 4،التهذيب 5:/326 1121،الإستبصار 2:/191 641،الوسائل 13:136 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 3.

و قوله« بشهوة» إن خصّ به الإنزال لتباين الصدر و الذيل تبايناً كلّياً، فليرجع إلى النظر أيضاً ليمكن الجمع بينهما:إما بحمل الذيل على الاستحباب،أو تقييد الصدر بالنظر بغير شهوة،و هو الوجه،لرجحان التخصيص على المجاز و إن وافق الأصل.

فلم يبق غير الموثق،و لا يكافئ ما سبق،و لذا حمل على السهو.

و من الأصحاب من ألحق نظر معتاد الإمناء بالنظر بشهوة (1).و لا بأس به،بل لا إلحاق،فإنه لا ينفك نظره عن الشهوة.

و لو مسّها أي أهله بغير شهوة فلا شيء عليه و إن أمنى،بلا خلاف فتوًى و نصاً.

و إن مسّها بشهوة ف عليه شاة مطلقاً أمنى أو لم يمن وفاقاً للأكثر؛ للخبر:عن رجل حمل امرأته و هو محرم فأمنى أو أمذى، قال:« إن كان حملها أو مسّها بشيء من الشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم يهريقه» الخبر (2).

و يعضده إطلاق الصحيح:المحرم يضع يده بشهوة يعني على امرأته قال:«يهريق دم شاة» قلت:فإن قبّل؟قال:« هذا أشدّ ينحر بدنة» (3).

و نحوه الحسن:« من مسّ امرأته بيده و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة» (4).

ص:424


1- الشهيد الثاني في المسالك 1:145،المدارك 8:427.
2- الفقيه 2:/214 972،التهذيب 5:/326 1119،الوسائل 13:137 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 6.
3- الكافي 4:/375 2،الوسائل 13:138 أبواب كفارات الاستمتاع ب 18 ح 1.
4- الكافي 4:/376 4،التهذيب 5:/326 1121،الإستبصار 2:/191 641،الوسائل 12:434 أبواب تروك الإحرام ب 12 ح 3.

خلافاً للحلّي،فخصّ الشاة بما إذا لم يمن،و أوجب البدنة مع الإمناء (1).

و يمكن الاستدلال له بأنه أفحش من النظر،و فيه بدنة،فهو أولى بها،فليحمل الصحيحان على ما إذا لم يمن،كما هو الغالب في المسّ و لو بشهوة.

مضافاً إلى الصحيح المتقدم الموجب للبدنة فيمن ينزّل امرأته بشهوة حتى ينزل،كالنظر بشهوة فيمني المذكور فيه أيضاً.

و الخبر المتقدم ضعيف.

و هو قوي متين،لولا جبر ضعف الخبر بالشهرة العظيمة التي تكاد تبلغ الإجماع،فيترجح على الصحيحة،مع أن في العمل بالخبر إبقاءً لإطلاق الصحيحين،بل عموم أحدهما الناشئ عن ترك الاستفصال على حاله،فلتطرح الصحيحة،أو تحمل على الاستحباب،أو الاستمناء،و هو الوجه،و ربما يشعر به قوله:« ينزّلها حتى ينزل» فتدبّر.

و لو قبّلها بشهوة كان عليه جزور للصحيح المتقدم المتضمن لقوله:قلت:فإن قبّل؟قال:« هذا أشدّ ينحر بدنة» و سياقه ظاهر في التقبيل بشهوة،مضافاً إلى أنه الغالب المنصرف إليه الإطلاق.

مضافاً إلى الحسن:« إن قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة،و إن قبّل امرأته على شهوة فأنزل فعليه جزور و ليستغفر» (2).

و به يقيّد الصحيح على تقدير ثبوت إطلاقه.

لكن ظاهره اشتراط الإنزال في الجزور،كما عليه الحلّي و الديلمي

ص:425


1- السرائر 1:552.
2- تقدم مصدره في ص:3511 الهامش(4).

و ابن زهرة و غيرهم (1).

و لكن الأكثر لم يشترطوه؛ و لعلّه للخبر:في رجل قبّل امرأته و هو محرم:« عليه بدنة و إن لم ينزل» (2).

و إطلاقه ينزل على التقبيل بشهوة لما مرّ،و هو صريح في لزوم البدنة مع عدم الإمناء،و الحسنة ظاهرة في اشتراطه بالمفهوم الضعيف،و اللازم دفع الظاهر بالنص،و ضعف السند لعلّه مجبور بعمل الأكثر،مع أن ضعفه بسهل و هو سهل،و بالبطائني و قد ادّعى الشيخ إجماع الطائفة على العمل بخبره (3).

هذا إن قبّلها بشهوة،و إن قبّلها بغير شهوة فشاة؛ للحسنة المتقدمة السالمة عما يصلح للمعارضة،سوى إطلاق الصحيح و غيره،و قد مرّ اختصاصه بحكم السياق و غيره بالتقبيل بشهوة.

فتلخّص مما اخترناه في المسألة و استفدناه من الجمع بين أخبارها أنه لو قبّلها بغير شهوة فشاة مطلقاً،و بشهوة جزور كذلك،أمنى أولا،وفاقاً للنهاية و المبسوط و الشرائع و القواعد و التحرير و الدروس (4)،و فيه التصريح بالتعميم للإمناء و عدمه في لزوم البدنة.

و في المسألة أقوال أُخر،منها:لزوم البدنة مطلقاً،كما عن الصدوق

ص:426


1- الحلي في السرائر 1:552،الديلمي في المراسم:119،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):576؛ و انظر المختلف:284.
2- الكافي 4:/376 3،التهذيب 5:/327 1123،الوسائل 13:139 أبواب كفارات الاستمتاع ب 18 ح 4.
3- عدّة الأُصول 1:381.
4- النهاية:232،المبسوط 1:338،الشرائع 1:295،القواعد 1:99،التحرير 1:120،الدروس 1:371.

و المفيد و المرتضى (1)؛ و إذا أنزل إما مطلقاً،كما عن الديلمي (2)؛ أو إذا كان بشهوة،كما عن ابن سعيد (3).

و آخر لزوم الشاة كذلك عن الفقيه (4).

و قولٌ للحلّي قريب مما اخترناه،لكن مشترطاً في البدنة زيادة على الشهوة الإمناء كما مضى.

و كذا لو أمنى عن ملاعبة فعليه جزور،و كذا على المرأة إن طاوعت كما في التهذيب و غيره (5)؛ للصحيح:عن الرجل يعبث بامرأته حتى يمني و هو محرم من غير جماع،أو يفعل ذلك في شهر رمضان، فقال:« عليهما جميعاً الكفارة مثل ما على الذي يجامع» (6)و مقتضاه وجوب البدنة؛ لأنها الواجب بالجماع.

و لو كان الإمناء عن تسمّع على مجامع،أو استماع إلى كلام امرأة أو وصفها من غير نظر إليها لم يلزمه شيء من الكفارة بلا خلاف أجده،و لا حكي إلّا عن الحلبي في الإصغاء إليها مع الإمناء فقال:

عليه شاة (7).و لم أعرف مستنده،و يدفعه الأصل،و هو الحجة في المسألة، مضافاً إلى المعتبرة

ص:427


1- الصدوق في المقنع:76،المفيد في المقنعة:434،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):70.
2- المراسم:119.
3- الجامع للشرائع:194.
4- الفقيه 2:213.
5- التهذيب 5:327؛ و انظر كشف اللثام 1:407.
6- الكافي 4:/376 5،التهذيب 5:/327 1124،الوسائل 13:131 أبواب كفارات الاستمتاع ب 14 ح 1.
7- الكافي في الفقه:203.

منها الموثق:في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى،قال:

« ليس عليه شيء» (1)و نحوه آخر مرسل (2).

و في ثالث كالصحيح:في المحرم تنعت له المرأة الجميلة الخلقة فيمني،قال:« ليس عليه شيء» (3).

و احترز بقوله« من غير نظر» عما لو نظر فعليه الكفارة،و لا إشكال فيه إذا كان النظر إليها،أما إذا كان النظر إلى المجامع خاصة فالظاهر العدم، و كذا إذا نظر إلى المتجامعين و هما ذكران أو ذكر و بهيمة؛ للأصل.

و إطلاق المتن و نحوه شرطَ انتفاء النظر لعلّ المراد به الاحتراز عن خصوص الأول،بل هو الظاهر.

و استثنى جماعة و منهم شيخنا الشهيد الثاني (4)معتاد الإمناء بذلك، قالوا:فهو من الاستمناء،و قصدوا به إيجاب البدنة فيه كما سبق في بحثه، و قد مرّ ثمة و في غيره ما فيه،فيشكل الحكم بإيجابها هنا،سيّما مع إطلاق النص بالعدم و كذا الفتوى،و لكنه أحوط و أولى.

الثاني الطيب،و يلزم باستعماله شاة

و الثاني: الطيب،و يلزم باستعماله شاة مطلقاً صبغاً بالكسر أي إداماً،أو بالفتح،قيل:و كأنه أولى؛ لإغناء الأكل عن الأوّل (5).

و إطلاءً و بخوراً بفتح الباء و هو ما يبخر به،قيل:و لا يجيء

ص:428


1- التهذيب 5:/328 1126،الوسائل 13:142 أبواب كفارات الاستمتاع ب 20 ح 4.
2- الكافي 4:/377 11،الوسائل 13:141 أبواب كفارات الاستمتاع ب 20 ح 2.
3- الكافي 4:/377 12،الوسائل 13:141 أبواب كفارات الاستمتاع ب 20 ح 1.
4- المسالك 1:145.
5- كشف اللثام 1:408.

مصدره بهذه الصورة و لو قال« و تبخراً» كان أولى (1).

و أكلاً في الطعام كما هنا،و في الشرائع إجماعاً،كما في المنتهى (2).

و زيد فيهما و في الإرشاد و القواعد (3)بعد الاطلاء:ابتداءً و استدامةً.

و في المنتهى لا نعلم فيه خلافاً.

و زيد في التحرير أيضاً:و سواء استعمله لعضو كامل أو بعضه، و سواء مسّت الطعام النار أم لا (4).و حكي أيضاً عن التذكرة بزيادة قوله:شمّاً و مسّاً،علّق به بالبدن أو عنقت به الرائحة،و احتقاناً و اكتحالاً و إسعاطاً لا لضرورة،و لبساً لثوب مطيب،و افتراشاً له بحيث يشم الريح أو يباشر به بدنه و ثياب بدنه،قال:

و لو داس بنعله طيباً فعلّق بنعله فإن تعمّد ذلك وجبت الفدية (5).

قيل:و استدل على الجميع بالعمومات،و لم أظفر من الأخبار إلّا بالصحيح:« من أكل طعاماً لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء،و من فعله متعمداً فعليه شاة» (6).

و ما في قرب الإسناد للحميري من قول الكاظم(عليه السّلام)لأخيه علي-(رحمه اللّه) -

ص:429


1- المسالك 1:145.
2- الشرائع 1:295،المنتهى 2:813.
3- الإرشاد 1:323،القواعد 1:99.
4- التحرير 1:113.
5- حكاه عنه في كشف اللثام 1:408،و هو في التذكرة 1:333،334.
6- التهذيب 5:/369 1287،الوسائل 13:157 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 8 ح 1.

« لكل شيء خرجت من حجك فعليك دم تهريقه حيث شئت» (1).

و الصحيح في الفقيه:« من أكل زعفراناً متعمداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم،فإن كان ناسياً فلا شيء عليه و يستغفر اللّه و يتوب إليه» (2).

و الصحيح المقطوع:في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج، فقال:« إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين،و إن كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه» (3).

و أرسل المفيد عن الصادق(عليه السّلام):« كفارة مسّ الطيب للمحرم أن يستغفر اللّه تعالى» (4)و لم يذكر له في باب الكفارات و لا في باب الكفارة عن خطأ المحرم كفارة إلّا ما ذكره من أنه إن أكل طعاماً لا يحل له متعمداً فعليه دم شاة.

و نحوه ابن حمزة،و لم يذكر له سلّار كفارة،و لا السيّد في الجمل، و لكنه قال أخيراً:فأما إذا اختلف النوع كالطيب و اللبس فالكفارة واجبة على كل نوع منه.و لا ابن سعيد إلّا قوله:روي فيمن داوى قرحة له بدهن بنفسج بجهالة طعام مسكين،و قوله في الدهن الطيّب مختاراً دم.

و في الصحيح و المرسل:« لا يمس المحرم شيئاً من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به و لا بريح طيّبة،فمن ابتلى بشيء من ذلك فليتصدق

ص:430


1- قرب الإسناد:/237 928،الوسائل 13:158 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 8 ح 5.
2- الفقيه 2:/223 1046،الوسائل 13:150 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 4 ح 1.
3- التهذيب 5:/304 1038،الوسائل 13:151 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 4 ح 5.
4- المقنعة:446،الوسائل 13:153 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 4 ح 9.

بقدر ما صنع قدر شبعه» (1).

و في الصحيح:« و اتّق قتل الدواب كلّها،و لا تمسّ شيئاً من الطيب و لا من الدهن في إحرامك،و اتّق الطيب في زادك،و أمسك على أنفك من الريح الطيبة،و لا تمسك من الريح المنتنة،فإنه لا ينبغي أن يتلذذ بريح طيبة،فمن ابتلى بشيء من ذلك فعليه غسله و ليتصدّق بقدر ما صنع» (2).

و في الخبر:قلت له:أكلت خبيصاً فيه زعفران حتى شبعت،قال:

« إذا فرغت من مناسك و أردت الخروج من مكة فاشتر تمراً ثم تصدّق به يكون كفارة لما أكلت و لما دخل عليك في إحرامك ممّا لا تعلم» (3).

و اقتصر في المقنع على الإفتاء بمضمونيهما مع الصحيح الوارد فيمن أكل ما لا ينبغي أكله متعمداً فعليه دم،و قد تقدم (4)،و حملت هذه الأخبار [في المنتهى]على السهو أو الضرورة،و أيدها بقوله(عليه السّلام):« فمن ابتلى بشيء من ذلك» إلى آخره (5).

أقول:و في المختلف بعد نقل ذلك عن المقنع:فإن قصد بالأول يعني به مضمون الخبر غير الصحيح النسيان،و الصدقة بدرهم استحباباً كما هو المشهور فهو حق،و إن قصد العمد فهو في مقام المنع،و يجب

ص:431


1- الكافي 4:/353 2،الوسائل 13:152 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 4 ح 6.و في المصدرين:قدر سعته.
2- التهذيب 5:/297 1006،الإستبصار 2:/178 590،الوسائل 12:444 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 9.
3- التهذيب 5:/298 1008،الإستبصار 2:/178 592،الوسائل 13:149 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 3 ح 1.
4- في ص:3515.
5- كشف اللثام 1:408.

عليه شاة على ما هو متفق عليه بين الأصحاب (1).

و عن الخلاف:لا خلاف في أن في الدهن الطيّب الفدية على أيّ وجه استعمله،و أن ما عدا المسك و العنبر و الكافور و الزعفران و الورس و العود لا كفارة فيه عندنا؛ للإجماع،و الأخبار،و أصل البراءة،و أن في أكل طعام فيه طيب الفدية على جميع الأحوال،إلى آخر ما نقل عنه (2).

و عن الحلبي في شمّ المسك و العنبر و الزعفران و الورس و أكل طعام فيه شيء منها دم شاة،و فيما عدا ذلك من الطيب الإثم دون الكفارة (3).

و عن النزهة:إذا استعمل المحرم المسك أو العنبر أو العود أو الكافور أو الزعفران مختاراً وجب عليه شاة،و لم أقف في التهذيب على خبر يتضمن وجوب الشاة في استعمال الكافور،و المعتمد في ذلك على عمل أصحابنا (4).انتهى.

و المقصود من التطويل بنقل هذه الكلمات و الأقوال أن العمدة في إثبات كفارة الطيب في جميع الأحوال (5)الإجماع المنقول في ظاهر الخلاف و صريح المنتهى و ظاهر غيرهما (6)،و أنه لا يظهر من فتاوى القوم ما يخالفه،عدا سكوت بعضهم عنها مطلقاً،أو في الجملة،و فتوى الصدوق بما عرفته،و قد عرفت الكلام فيها،مع أنه على تقدير ظهور مخالفته فقوله

ص:432


1- المختلف:287.
2- الخلاف 2:303.
3- الكافي في الفقه:204.
4- نزهة الناظر:62.
5- في« ح» و« ك»:الأقوال.
6- الخلاف 2:302،المنتهى 2:787؛ و انظر مجمع الفائدة 7:31،و المدارك 8:430.

مضعّف بالإجماعات المنقولة و الأخبار الصحيحة،و أما السكوت عنها فعدم دلالته على المخالفة أظهر من أن يخفى.

قيل:و لمّا حرمت الاستدامة و أوجبت الكفارة كالابتداء فإن كان عليه أو على ثوبه طيب و سها عن إزالته إلى أن أحرم،أو وقع عليه و هو محرم، أو سها فتطيّب وجبت إزالته بنفسه أو بغيره،و لا كفارة عليه بغسله بيده، لأنه بذلك تارك للطيب،و لا متطيّب،كالماشي في الأرض المغصوبة للخروج عنها،و لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لمن رأى عليه طيباً:« اغسل عنك الطيب» (1)و يستحب الاستعانة فيه بحلال،كما في التذكرة و المنتهى و المبسوط (2).

و لا بأس بخلوق الكعبة و إن مازجه الزعفران بلا خلاف أجده، بل عن الخلاف و المنتهى (3)الإجماع عليه؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح:عن خلوق الكعبة و خلوق القبر يكون في ثوب الإحرام،قال:« لا بأس به،هما طهوران» (4).

و فيه:المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة و خلوق القبر يكون في ثوب الإحرام،فقال:« لا بأس بهما،هما طهوران» (5).

ص:433


1- مسند أحمد 4:224،صحيح البخاري 2:167.
2- كشف اللثام 1:408.
3- الخلاف 2:306،المنتهى 2:813.
4- الفقيه 2:/217 993،التهذيب 5:/299 1016،الوسائل 12:449 أبواب تروك الإحرام ب 21 ح 3.
5- لم نعثر على رواية بهذا المضمون،و الموجود هو صحيح يعقوب بن شعيب:قال:قلت لأبي عبد اللّه(عليه السّلام):المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة،قال:« لا يضرّه و لا يغسله».و لعلّه سهو من قلمه الشريف.

و نحوه الموثق،من غير زيادة خلوق القبر،و بزيادة:« فلا تتّقه أن يصيبك» (1).

و ظاهرهما عدم البأس بزعفران الكعبة مطلقاً،كما أفتى به جماعة و منهم الشيخ في التهذيب و النهاية (2)،و الحلّي في السرائر (3)،و الفاضل في التحرير و المنتهى و التذكرة (4).

و ظاهر الصحيحين عدم البأس بخلوق القبر أيضاً،كما عن ابن سعيد (5)،و تبعه جماعة ممن تأخر عنه (6)،قالوا:و الظاهر أن المراد به قبر النبي(صلّى اللّه عليه و آله) .و لا بأس به و لا بسابقه إن تمّ دلالة الروايات من أصلها على رفع المنع عن الخلوق من حيث كونه طيباً،و لكن لا يخلو عن مناقشة،بل ظاهر التعليل فيها بأنه طهور ربما يفيد أن رفع المنع إنما هو من حيث احتمال النجاسة باحتمال حصولها فيه بمساورة الخاصة و العامة ممن لا يتورع النجاسة،و على هذا فلا دخل لها بمفروض المسألة،و لقد تنبّه لذلك في الذخيرة،إلّا أنه جبرها بفهم الأصحاب فقال:لكن فهم الأصحاب و اتفاقهم يكفي مئونة هذه المناقشة (7).انتهى.و هو حسن.

قيل:و الخلوق كما في المغرب و المعرب ضرب من الطيب مائع فيه

ص:434


1- الفقيه 2:/217 994،الوسائل 12:449 أبواب تروك الإحرام ب 21 ح 4.
2- التهذيب 5:299،النهاية:217.
3- السرائر 1:543.
4- التحرير 1:120،المنتهى 2:813،التذكرة:353.
5- الجامع للشرائع:186.
6- منهم:العلامة في المنتهى 2:785،و صاحب الحدائق 15:420.
7- الذخيرة:591.

صفرة؛ و قال الجزري في نهايته:طيب معروف مركب من الزعفران و غيره من أنواع الطيب و يغلب عليه الحمرة و الصفرة؛ و قال ابن جزلة المتطيّب في منهاجه:إن صنعته زعفران ثلاثة دراهم،و قصب الذريرة خمسة دراهم، اشنَة درهماً،قَرَنفُل و قِرفَة عن كل واحد درهم يدقّ ناعماً و ينخل و يعجن بماء ورد و دهن ورد حتى يصير كالرهشي في قوامه،و الرهشي هو السمسم المطحون قبل أن يعصر و يستخرج دهنه.

و أجاز في التذكرة و المنتهى الجلوس عند الكعبة و هي تجمّر،حملاً على الخلوق.

و في الدروس عن الشيخ:لو دخل الكعبة و هي تجمّر أو تطيّب لم يكره له الشم.و الذي ظفرت به حكايته له في الخلاف عن الشافعي، و أجاد في المسالك حيث حرّم غير الخلوق إذا طيّبت به الكعبة بالتجمير أو غيره؛ اقتصاراً على المنصوص،قال:لكن لا يحرم عليه الجلوس فيها و عندها حينئذ،و إنما يحرم الشم،و لا كذلك الجلوس في سوق العطّارين و عند المتطيّب فإنه يحرم.انتهى.

و قيل في الاحتجاج لجواز شم ما يجمّر به الكعبة،إنه ورد في الصحيح نفي البأس عن الرائحة الطيبة بين الصفا و المروة و أن لا يمسك أنفه منها (1)،فرائحة الكعبة أولى.

قلت:و يمكن إدخال جميع ذلك في الشم اضطراراً،و هو جائز اتفاقاً؛ لانتفاء العسر و الحرج في الدين،و خصوص الصحيح الوارد في

ص:435


1- التهذيب 5:/300 1018،الإستبصار 2:/180 599،الوسائل 12:448 أبواب تروك الإحرام ب 20 ح 1.

السعوط (1)،لكن يأتي أن عليه الفدية في الدهن الطيّب (2).

انتهى كلام القائل إلى هنا،و إنما ذكرناه بطوله لتضمنه تحقيق الخلوق في المسألة،و تحقيق ما هو الحقّ من الحكم،و ذكر الأقوال فيما يتفرع عليها و يناسبها.

و لكن الأقرب جواز شم طيب الكعبة مطلقاً؛ لفحوى الخطاب الذي مضى،و منه يظهر ما في دليل المسالك من لزوم الاقتصار على المنصوص، فإنّ هذا أيضاً منصوص،إذ لا يشترط في النص الدلالة الصريحة بنحو من التضمن أو المطابقة،بل يكفي الدلالة الالتزامية،سيّما نحو الأولوية التي لا خلاف في حجيتها و لا شبهة.

الثالث القلم،و في كلّ ظفر مدّ من طعام

و الثالث: القلم،و في قلم كلّ ظفر مدّ من طعام إلى أن يبلغ عشرة بلا خلاف،إلّا من الحلبي فكف إلى أن يبلغ خمسة فصاع (3)، و من الإسكافي ففي كل ظفر مدّ أو قيمته إلى أن يبلغ خمسة فدم شاة (4)، و هما نادران،بل على خلافهما الإجماع عن الخلاف و الغنية و المنتهى (5).

للمعتبرة،و منها الموثق بل الصحيح كما قيل (6):عن رجل قصّ ظفراً من أظافيره و هو محرم،قال:« عليه في كل ظفر مدّ من طعام حتى يبلغ

ص:436


1- الفقيه 2:/224 1054،التهذيب 5:/298 1012،الإستبصار 2:/179 595،الوسائل 12:447 أبواب تروك الإحرام ب 19 ح 1.
2- كشف اللثام 1:325.
3- الكافي في الفقه:204.
4- نقله عنه في المختلف:285.
5- الخلاف 2:309،الغنية(الجوامع الفقهية):577،المنتهى 2:817.
6- قاله المجلسي في ملاذ الأخيار 8:251،و صاحب الحدائق 15:540.

عشرة،فإن قلم أصابع يديه كلّها فعليه دم شاة»[قلت:]فإن قلم أظافير يديه و رجليه جميعاً،فقال:« إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم، و إن كان فعله متفرقاً في مجلسين فعليه دمان» (1).

لكن في نسخة اخرى بدل« مدّ من طعام» قيمته،و لعلّه لهذا خيّر الإسكافي بينهما.

إلّا أن النسخة الأُولى أرجح؛ للشهرة و الإجماعات المنقولة،مضافاً إلى الاحتياط و لزوم الأخذ بالمتيقن،و الموافقة للخبر المنجبر ضعفه بالعمل:عن محرم قلم أظافيره،قال:« عليه مدّ في كل إصبع،فإن هو قلم أظافيره عشرتها فإن عليه دم شاة» (2).

و لا يعارضهما الصحيح:عن محرم يقلم أظفاره أو ينكسر بعضها فيؤذيه،قال:« لا يقصّ منها شيئاً إن استطاع،فإن كانت تؤذيه فليقصّها و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام» (3).

و الصحيح:في المحرم ينسى فيقلم ظفراً من أظافيره،قال:« يتصدق بكف من الطعام» قلت:فاثنين،قال:« كفين» قلت:فثلاثة،قال:« ثلاث أكف،كل ظفر كف حتى يصير خمسة،فإذا قلم خمسة فعليه دم واحد،

ص:437


1- الفقيه 2:/227 1075،التهذيب 5:/332 1141،الإستبصار 2:/194 651،الوسائل 13:162 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 12 ح 1؛ بتفاوت يسير.و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
2- التهذيب 5:/332 1142،الإستبصار 2:/194 652،الوسائل 13:162 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 12 ح 2.
3- الكافي 4:/360 3،الفقيه 2:/228 1077،التهذيب 5:/314 1083،الوسائل 13:163 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 12 ح 4.

خمسة كان أو عشرة أو ما كان» (1).

و المرسل:في محرم قلم ظفراً،قال:« يتصدق بكف من طعام» قلت:ظفرين،قال:« كفين» قلت:ثلاثة،قال:« ثلاث أكف» قلت:أربعة، قال:« أربع أكف» قلت:خمسة،قال:« عليه دم يهريقه،فإن قصّ عشرة أو أكثر من ذلك فليس عليه إلّا دم يهريقه» (2).

لشذوذها؛ و عدم قائل بها حتى الحلبي و الإسكافي و إن تضمّنت ما ربما يوهم الموافقة لهما لشمول إطلاق الرواية الأُولى قلم الأظافير كلّها، و هو موجب للدم إجماعاً،و تقييدها بما إذا لم يبلغ العشرة أو الخمسة و إن أمكن إلّا أنه ليس بأولى من التقييد بحال الضرورة كما هو صريح موردها.

و تصريحِ الثانية بثبوت ذلك مع النسيان،و هو خلاف الاتفاق فتوًى و نصاً على أنه لا شيء على الناسي مطلقاً،فليحمل على الاستحباب جمعاً.

و مع ذلك فما فيها و في الأخيرة مع إرسالها من التفصيل بكف من طعام لكل ظفر إلى أن يبلغ خمسة فدم لم يقل به الحلبي و لا الإسكافي؛ لإيجاب الأول في الخمسة الصاع من الطعام،لا الدم،فلا ينفعه ما فيهما من الكف لكل ظفر إلى الخمسة،و إيجاب الثاني المدّ من الطعام لكل ظفر إلى الخمسة،فلا ينفعه ما فيهما من الدم للخمسة،مع أن إيجابه لها يحتمل الورود مورد التقية كما ذكره بعض الأجلة،قال:لأنه مذهب أبي حنيفة (3).

و من هنا يتوجه ما ذكره جماعة (4)من أن مستندهما غير واضح في

ص:438


1- التهذيب 5:/332 1143،الإستبصار 2:/194 653،الوسائل 13:163 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 12 ح 3.
2- الكافي 4:/360 4،الوسائل 13:164 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 12 ح 5.
3- الحدائق 15:543.
4- منهم:صاحب المدارك 8:435،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:340.

المسألة،و هو كذلك كما عرفته،و خصوصاً الصاع في قول الحلبي للخمسة،فإن أخبار المسألة خالية عنه بالكلية.

قيل:و قد يكون أراد بالصاع صاع النبي(صلّى اللّه عليه و آله)الذي هو خمسة أمداد (1).أقول:فيوافق المختار في المسألة،مستنداً إلى الأخبار المتقدمة.

و يستفاد منها أن في قلم أظفار يديه و رجليه شاة إذا كان في مجلس واحد و أنه لو كان كل واحد منهما أي من قلم أظفار يديه و قلم أظفار رجليه في مجلس غير مجلس الآخر ف عليه دمان لكل مجلس دم.

و لا خلاف فيهما ظاهراً،بل عن الكتب المتقدمة الإجماع على لزوم الشاة في قلم أظفار اليدين (2)،و ما مرّ في الأخبار مما تعارض ذلك شاذّ.

و إنما يجب الدم أو الدمان بتقليم أصابع اليدين أو الرجلين إذا لم يتخلل التكفير عن السابق قبل البلوغ إلى حدّ يوجب الشاة؛ لأنه المتبادر المتيقن من إطلاق الفتوى و النص،و إلاّ تعدّد المدّ خاصة بحسب تعدد الأصابع.

و لو كفّر بشاة لليدين أو الرجلين ثم أكمل الباقي في المجلس وجب عليه شاة أُخرى،و إلّا لزم خلوّ الباقي عن الكفارة مع تحريمه،و هو باطل قطعاً.

و لا ينافيه إطلاق النص و الفتوى؛ إذ المتبادر عدم تخلل التكفير، و وقوعه بعد قلم أظفار اليدين و الرجلين معاً في المجلس الواحد،فتأمل.

ص:439


1- كشف اللثام 1:408.
2- انظر الخلاف 2:310،و الغنية(الجوامع الفقهية):577،و المنتهى 2:817.

و الظاهر أن بعض الظفر كالكل،وفاقاً لجمع (1).

و لو قصّه في دفعات مع اتحاد المجلس لم تتعدد الفدية؛ للأصل.

و في التعدد مع الاختلاف نظر.

و لو أفتاه مفت بالقلم محرماً أو محلّاً فقيهاً أولا على الأقوى،لإطلاق النص و أكثر الفتاوي فأدمى ظفره فعلى المفتي شاة كما في النص (2)و إن ضعف السند،لأن الأصحاب عملوا به،كما في كلام جمع (3).

و أما الموثق:إن رجلاً أفتاه أن يقلمها و أن يغتسل و يعيد إحرامه ففعل،قال:« عليه دم» (4)فيحتمل عود الضمير على المستفتي،و إن عاد على المفتي فإنه مطلق ينبغي تقييده بصورة الإدماء،خصوصاً و يخالف الأصل.

و ظاهر جماعة اعتبار الاجتهاد في المفتي (5).و فيه تقييد لإطلاق النص،إلّا أن يدّعى تبادر المجتهد منه،دون غيره.

و في تعدّد الشاة بتعدّد المفتي مطلقاً،أو وحدتها موزّعة عليهما كذلك مع الإفتاء دفعةً،و إلّا فعلى الأول خاصة،أوجه،أحوطها الأول،

ص:440


1- منهم:العلامة في المنتهى 2:817،و الشهيد الأول في الدروس 1:381،و صاحب المدارك 8:435،و صاحب الحدائق 15:547.
2- التهذيب 5:/333 1146،الوسائل 13:164 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 13 ح 1.
3- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:409؛ و انظر الحدائق 15:545.
4- الكافي 4:/360 6،التهذيب 5:/314 1082،الوسائل 12:538 أبواب تروك الإحرام ب 77 ح 2.
5- انظر جامع المقاصد 3:356،و المسالك 1:145.

و أوجهها الثالث،لإطلاق النص في المفتي الأول لدخوله فيه بيقين، بخلاف الثاني،لعدم وضوح دخوله فيه بعد اختصاصه بحكم التبادر بالمفتي الأول.هذا إن قلنا بعدم اعتبار الاجتهاد في المفتي أو كان الأول مجتهداً،و لو انعكس و اعتبرنا الاجتهاد فيه انعكس الأمر،فتجب الشاة على الثاني،دون الأول.

الرابع لبس المخيط يلزم به دم

و الرابع: لبس المخيط يلزم به دم مطلقاً و لو اضطر إليه بالإجماع و النصوص (1)،و ينتفي التحريم في حق المضطر خاصة،بل قد يجب.

قيل:و استثنى السراويل في الخلاف و المنتهى و التذكرة،فنفى الفدية فيه عند الضرورة،و استدل له الشيخ بأصل البراءة مع خلو الأخبار و الفتاوي عن ذكر فدائه،و فيه أنه روى في التهذيب في الصحيح:« من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله و هو محرم،ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء،و من فعله متعمداً فعليه دم شاة» (2)إلّا أن يقول:إنه عند الضرورة ينبغي له لبسه، و يضعفه قوله:« ففعل ذلك ناسياً» .و في الصحيح:عن المحرم يحتاج إلى ضروب من الثياب يلبسها، فقال(عليه السّلام):« لكل صنف منها فداء» (3)لكن ظاهر التذكرة الإجماع عليه، فإن تم كان هو الدليل (4).انتهى.و هو حسن.

ص:441


1- انظر الوسائل 13:أبواب بقية كفارات الإحرام ب 8،9.
2- التهذيب 5:/369 1287،الوسائل 13:157 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 8 ح 1.
3- الكافي 4:/348 2،الفقيه 2:/219 1005،التهذيب 5:/384 1340،الوسائل 13:159 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 9 ح 1.
4- انظر كشف اللثام 1:407.

قيل:و كذا لو لبس الخفّين أو الشُّمِشك كان عليه شاة و إن كان مضطراً لكن ينتفي التحريم في حقه لأن الأصل في تروك الإحرام الفداء إلى أن يظهر السقوط،و لا دليل على سقوطه هنا؛ و لعموم الخبرين المتقدمين (1).

و في الدليلين نظر؛ لعدم دليل على الأصل له،و لا على ثبوته في مطلق المخيط،كما صرّح به جمع (2)؛ و الخبران في الثوب،و يمنع عمومه للخفين و الشمشك.

و عن التهذيب و الخلاف و التذكرة لا فدية إذا اضطر؛ لأصل البراءة؛ و تجويز اللبس في الصحيح (3)من غير إيجاب فداء (4).

قيل:و جعلهما ابن حمزة مما فيه الدم المطلق الذي جعله قسيماً للشاة و البقرة و البدنة إذا لبسهما مختاراً (5).و لم أقف له على دليل أيضاً.

و اعلم أن قوله: و لو لبس عدّة ثياب مثلاً في مكان واحد يتعلق بالسابق،أي و يلزم الدم باللبس اختياراً و اضطراراً مطلقاً و لو لبس عدّة في مكان.

بلا خلاف إذا كان بلبس واحد و في وقت واحد و إن اختلف أصناف الثياب،إلّا من الفاضل في المنتهى فيما إذا اختلف الأصناف،فجعل لكل صنف فداءً (6)،و تبعه جماعة (7)؛ للصحيح المتقدم،و لا ريب أنه أحوط

ص:442


1- انظر كشف اللثام 1:407.
2- منهم:الشهيد في الدروس 1:485،و صاحب المدارك 7:329،و صاحب الذخيرة:622.
3- التهذيب 5:/384 1341،الوسائل 12:500 أبواب تروك الإحرام ب 51 ح 2.
4- انظر كشف اللثام 1:407.
5- انظر كشف اللثام 1:407.
6- المنتهى 2:813.
7- منهم:صاحب المدارك 8:453،و السبزواري في الذخيرة:622،و صاحب الحدائق 15:437.

و إن كان في تعيّنه نظر؛ لقوة احتماله كعبارة الفاضل الاختصاص بصورة تعدد اللبس،كما هو الغالب،و عبارته المحكية كالنص في ذلك.

و محل خلاف إذا تعدد اللبس و تعدد الوقت،فعن الشيخ و جماعة (1)، بل الأكثر كما في المسالك (2)،تعدد الفداء بتعدد الوقت.

خلافاً للماتن هنا و في الشرائع (3)،فجعل المناط في سقوط الكفارة بلبس المتعدد اتحاد المجلس،فتسقط معه و إن تعدد اللبس و الوقت.و لا ريب في ضعفه؛ لعدم وضوح دليل عليه،بل مقتضى النص تعددها بتعدد اللبس،سواء اتّحد المجلس أو تعدد،اختلف الملبوس صنفاً أو اتّحد،كما نقله في المسالك عن التذكرة و اختاره (4).و لا فرق في ذلك بين أن يكون كفّر على الأول أم لا،و هو الأقوى،و سيأتي الكلام في المسألة مرة أُخرى.

الخامس حلق الشعر

و الخامس: حلق الشعر و فيه شاة،أو إطعام ستة مساكين،لكل مسكين مدّان،أو عشرة لكل مسكين مدّ،أو صيام ثلاثة أيام،مختاراً كان في الحلق أو مضطراً قيل:شعر الرأس كان أو غيره بإجماع أهل العلم،خلا أهل الظاهر، على ما في المنتهى و التذكرة،لكن من قبل الفاضلين إنما ذكروا حلق الرأس،و على العموم فإمّا أقلّ مسمّى الحلق حلق نحو شعر الإبطين جميعاً كما في المنتهى،أو نتف الإبطين مستثنى من هذا العموم كما في الروضة

ص:443


1- حكاه عنهم في المدارك 8:453،و انظر النهاية:234،و الخلاف 2:299،و المهذب 1:225،و الوسيلة:166.
2- المسالك 1:146.
3- الشرائع 1:298.
4- المسالك 1:146،التذكرة 1:353.

البهية،فإن المراد من الحلق هنا و النتف في الإبطين مطلق الإزالة كما في التذكرة و غيرها.

و أما التكفير فللكتاب (1)و السنّة و الإجماع،إلّا في الصدقة،فالأشهر في الرواية و الفتوى أنها على ستة مساكين،لكل منهم مدّان (2).

أقول:و هو الأقوى؛ لتعدد الرواية به (3)،مع صحة بعضها و صراحتها،و في الغنية نفى الخلاف عنه (4)،لكنه لم يصرّح بمدّ و لا مدّين.

خلافاً للفاضلين في الشرائع و القواعد و غيرهما (5)فقالوا إطعام عشرة لكل مداً،وفاقاً لابن حمزة (6)؛ للخبر (7).

و فيه ضعف سنداً،و متناً،لتضمّنه ما لا يقول به أحد،و دلالةً،لعدم تصريح فيه بالمدّ،و إنما غايته الإشباع و هو أعم منه،و لكنه الغالب، فليحمل عليه،و ضعف السند لعلّه عندهم مجبور بالشهرة،كما حكاها شيخنا في المسالك،فقال:الأول مشيراً إليه هو المشهور،و الثاني و أشار به إلى المختار مروي في الصحيح،و لا يبعد القول بالتخيير (8).

أقول:كما هو خيرة الماتن هنا و الشهيد في الدروس و الشيخ في

ص:444


1- البقرة:196.
2- كشف اللثام 1:409.
3- انظر الوسائل 13:165 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 14.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):577.
5- الشرائع 1:296،القواعد 1:99؛ و انظر المنتهى 2:815،و الدروس 1:382.
6- الوسيلة:168.
7- التهذيب 5:/333 1148،الإستبصار 2:/195 657،الوسائل 13:166 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 14 ح 2.
8- المسالك 1:145.

التهذيبين و يحيى بن السعيد في الجامع (1)،و لكنهما لم يذكرا المدّ،بل الإشباع،لكن المرجع بناءً على ما عرفت من الغالب واحد.

و في الشهرة الجابرة نظر،و المنقولة معارضة بالمثل،بل و أكثر،فقد ادّعاها على المختار جماعة،منهم زيادةً على من مرّ السيّد في المدارك (2)،هذا مضافاً إلى التعدد و الصراحة،و لذا احتاط به الفاضل في المختلف (3)،و منه يظهر ضعف ما عن النهاية و المبسوط (4)من الاحتياط بالعشر.

و هنا قول آخر عن الشيخين في المقنعة و المبسوط و السرائر (5)من ستة أمداد لستة،و لم أعرف مستنده،إلّا مرسل الفقيه:« الصدقة على ستة مساكين،لكل مسكين صاع من تمر» و روى:« مدّ من تمر» (6).

و هو معارض بمثله،بل و أصحّ و أكثر،هذا و المحكي عن المقنعة في التهذيب:لكل مسكين مدّان (7).

قيل:و اقتصر سلّار على قوله:من حلق رأسه من أذى فعليه دم، و في النزهة:إن التخيير إنما هو لمن حلق رأسه من أذى،و إن حلقه من غير أذى متعمداً وجب عليه شاة من غير تخييره و هو قوي؛ لاختصاص

ص:445


1- الدروس 1:382،الاستبصار 2:196،التهذيب 5:334،الجامع للشرائع:195.
2- المدارك 8:439.
3- المختلف:285.
4- النهاية:233،المبسوط 1:349.
5- المقنعة:434،المبسوط 1:349،السرائر 1:553.
6- الفقيه 2:/228 1083،1084،الوسائل 13:167 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 14 ح 4،5.
7- التهذيب 5:333.

نصوصه بذلك،مع الصحيح:« و من نتف إبطه أو قلم أظفاره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء،و من فعله متعمداً فعليه دم شاة» (1)انتهى (2).

و إلى ما قوّاه مال في المدارك،معلّلاً بما ذكره،إلّا أن فيه:لكن قال في المنتهى:إن التخيير في هذه الكفارة لعذر أو غيره قول علمائنا أجمع (3).

أقول:و ظاهره الإجماع،فيكفي في التعدي،و يصرف إليه الصحيح الآمر بالشاة مع العمد بحمله على الوجوب المطلق الجامع للوجوب المخيّر.

السادس في نتف الإبطين شاة

و في نتف الإبطين معاً و هو السادس شاة،و في أحدهما إطعام ثلاثة مساكين للصحيح في الأول:« إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم شاة» (4).

و للخبر في الثاني:في محرم نتف إبطه،قال:« يطعم ثلاثة مساكين» (5).

ص:446


1- التهذيب 5:/369 1287،الوسائل 13:157 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 8 ح 1.
2- كشف اللثام 1:409.
3- المدارك 8:442.
4- التهذيب 5:/340 1177،الإستبصار 2:/199 675،الوسائل 13:161 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 11 ح 1.
5- التهذيب 5:/340 1178،الإستبصار 2:/200 676،الوسائل 13:161 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 11 ح 2.

و لا خلاف فيهما أجده،إلّا من بعض المتأخرين في الثاني (1)؛ لضعف الخبر سنداً،و معارضته ببعض الصحاح المتقدمة:« إنّ من نتف إبطه متعمداً فعليه دم شاة» (2).

و فيه نظر؛ فإن الضعف منجبر بالعمل،سيّما من نحو ابن زهرة و الحلّي (3)ممن لا يعمل بأخبار الآحاد الصحيحة،فضلاً عن الضعيفة، إلّا بعد احتفافها بالقرائن القطعية،فيترجح الرواية على الصحيحة،سيّما مع اعتضادها بمفهوم الصحيحة الأُولى المشترطة في لزوم الشاة نتف الإبطين معاً،و مقتضاه عدم لزومها بنتف أحدهما.

فلا وجه لإيجابها له أيضاً إلّا ما في الذخيرة من عدم العبرة بهذا المفهوم؛ لورود الشرط مورد الغالب،إذ الغالب في نتف الإبط نتفهما معاً (4).و هو حسن،إلّا أن الغلبة كما تدفع أثر المفهوم كذا تدفع أثر الإطلاق و تمنع رجوعه إلى العموم لغير الغالب.

و لا ريب أن الموجود في الصحيح الموجب للشاة بنتف الإبط ليس إلّا نتف الإبط،و هو و إن كان مطلقاً يصدق على نتف الإبط الواحدة،إلّا أنه لمّا كان الغالب من أفراده كما هو الفرض نتفهما معاً،تعيّن الحمل عليه، دون نتف الإبط الواحدة،فلا داعي لإيجاب الشاة فيه من جهة الرواية و لا من غيرها.

و هذا الوجه و إن جرى في الرواية الضعيفة أيضاً فتخالف الإجماع

ص:447


1- كصاحب المدارك 8:442.
2- راجع الهامش(1)من نفس الصفحة.
3- ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):577،الحلي في السرائر 1:554.
4- الذخيرة:623.

و الصحيحين الصريحين في إيجاب الشاة بنتف الإبطين،إلّا أنه لا ضير في ذلك بعد الإجماع على لزوم شيء في نتف الإبط الواحدة أمّا الإطعام أو الشاة،و لا دليل على الثاني مع مخالفته لأصالة البراءة،فتعيّن الأول، و يمكن جعل هذا الإجماع قرينة على رجوع الإطلاق في الرواية إلى خصوص غير الغالب تخصيصاً أو تجوّزاً،و هما شائعان،و لا بأس في المصير إليهما بعد تعذّر الحقيقة.

و ألحق جماعة بنتف الإبطين حلقهما،و كذا نتف الإبط الواحدة (1)، و على هذا فيكون الحكم هنا مستثنى ممّا قدّمنا من أن في إزالة الشعر الشاة أو الإطعام أو الصيام كما قدّمناه.

و الأقرب أن بعض الإبط ليس ككلّه؛ للأصل،و إرشاد الفرق بين الواحدة منهما و الاثنتين.

و لو مسّ لحيته أو رأسه فسقط من شعره شيء تصدّق بكفّ من طعام أو كفّ من سويق،كما في الصحيح (2)،و عليه الأكثر،بل عن ظاهر المنتهى و التذكرة (3)الإجماع.

و الشيء يعمّ شعرة و أكثر.

قيل:و أطلق المرتضى و الديلمي سقوط شيء من شعره بفعله من غير تخصيص بشعر اللحية و الرأس (4).

ص:448


1- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 2:361،و صاحب المدارك 8:440،و السبزواري في الكفاية:60.
2- الكافي 4:/361 11،الفقيه 2:/229 1089،التهذيب 5:/338 1171،الإستبصار 2:/198 669،الوسائل 13:171 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 16 ح 5.
3- المنتهى 2:816،التذكرة 1:354.
4- كشف اللثام 1:409.

أقول:و هذا الوجه لعموم بعض ما سيأتي من الصحيح.

و في النهاية و المبسوط (1):كفّ أو كفّان؛ للخبر:إذا مسّ لحيته فوقع منها شعر،قال:« يطعم كفاً من طعام أو كفين» (2).

و في الوسيلة و المهذّب (3):كفّان أخذاً بالأكثر احتياطاً.

و في المقنع:إذا عبث المحرم بلحيته فسقط منها شعرة أو ثنتان فعليه أن يتصدق بكف أو كفين من طعام (4).و هو كما ترى يحتمل معنيين.

و في الجامع:صدقة (5)؛ للصحيح:« يطعم شيئاً» (6).

و قريب منه آخر:« إن نتف المحرم من شعر لحيته و غيرها شيئاً فعليه أن يطعم مسكيناً في يده» (7).

و الخبر:سأله أنه مولع بلحيته و هو محرم فتسقط الشعرات،قال:

« إذا فرغت من إحرامك فاشتر بدرهم تمراً و تصدّق به،فإن تمرةً خير من شعرة» (8).

أقول:و أصحّ هذه الأقوال هو الأول الذي عليه الأكثر؛ إذ لا دليل على

ص:449


1- النهاية:233،المبسوط 1:350.
2- التهذيب 5:/338 1169،الإستبصار 2:/198 667،الوسائل 13:170 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 16 ح 1،و فيه و في التهذيب كما في نسخة« ق»:فوقع منها شعرة..
3- الوسيلة:171،المهذب 1:226.
4- المقنع:75.
5- الجامع:194.
6- الفقيه 2:/229 1087،التهذيب 5:/338 1179،الإستبصار 2:/198 668،الوسائل 13:171 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 16 ح 2.
7- الكافي 4:/361 9،الوسائل 13:173 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 16 ح 9.
8- التهذيب 5:/340 1176،الإستبصار 2:/199 674،الوسائل 13:171 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 16 ح 4.

الأقوال الأُخر سوى ما ذكر من الأخبار،و إرجاعها إلى الصحيح ممكن بحمل صحاحها و غيرها المطلقة على المقيد،و ما تضمّن منها الكفّين على الاستحباب لتصريحه أيضاً بجواز الكف،و التزام الكفين بعد ذلك لا وجه له،إلّا احتمال كون الترديد من الراوي فيجمل فيجب الأخذ بالمتيقن،و فيه نظر،لمخالفة الاحتمال الظاهر،مع أن الصحيح المتقدم للأكثر يرفع الإجمال،فلا وجه للاحتياط.

و هنا أخبار أُخر دالة على أنه لا شيء (1)،لكنها مع ضعفها و شذوذها محمولة على نفي المؤاخذة،دون الكفارة.

و لو كان سقوط الشعر بسبب المسّ ل الوضوء للصلاة أو غيرها فلا كفارة واجبة،وفاقاً للأكثر؛ للصحيح:عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فيسقط من لحيته الشعرة و الشعرتان،فقال:« ليس بشيء ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [1] » (2).

و ليس فيه تقييد الوضوء بكونه للصلاة كما في المتن،بل هو مطلق يعمّ الوضوء لها و لغيرها،بل التعليل فيه يقتضي عموم الحكم له و للغسل، كما في الدروس (3)،تبعاً لجملة من القدماء كالخلاف و المبسوط و الغنية و السرائر و غيرها (4).و لا بأس به،بل و لا بالتيمم و إزالة النجاسة كما في

ص:450


1- انظر الوسائل 13:172 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 16 ح 7،8.
2- التهذيب 5:/339 1172،الإستبصار 2:/198 670،الوسائل 13:172 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 16 ح 6.
3- الدروس 1:382.
4- الخلاف 2:313،المبسوط 1:350،الغنية(الجوامع الفقهية):577،السرائر 1:554؛ و انظر المهذب 1:226.

المسالك و غيره (1).

قيل:و أطلق الصدوق و المرتضى و الديلمي التكفير من غير استثناء، و نصّ المفيد على أن من أسبغ الوضوء فسقط شيء من شعره فعليه كفّ من طعام،و لم يتعرّض لغيره،قال:فإن كان الساقط من شعره كثيراً فعليه دم شاة،و كذا قال الديلمي،و كأنهما ألحقاه بالحلق (2).

أقول:و لا ريب في ضعفه.

السابع التظليل سائراً

و السابع: التظليل سائراً و فيه شاة كما هنا و في الشرائع و القواعد و غيرها (3)،و عن الكافي و الغنية و المهذّب و الجامع (4)لكن في الأولين تظليل المحمل،و أن على المختار لكل يوم شاة،و على المضطر لجملة الأيام.

و عن المقنعة و جمل العلم و العمل و المراسم و النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر (5)دم.

و الأخبار بكل من الدم و الشاة كثيرة،و لكن أكثرها تضمن الشاة و هي صحاح (6)،و بها يقيد الدم المطلق في الصحيح و غيره (7)،حملَ المطلق على

ص:451


1- المسالك 1:145؛ و انظر كشف اللثام 1:409.
2- كشف اللثام 1:409.
3- الشرائع 1:296،القواعد 1:100؛ و انظر كشف اللثام 1:410.
4- الكافي في الفقه:204،الغنية(الجوامع الفقهية):577،المهذّب 1:224،الجامع للشرائع:194.
5- المقنعة:434،جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):70،المراسم:121،النهاية:233،المبسوط 1:350،الوسيلة:168،السرائر 1:553.
6- الوسائل 13:155 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6 ح 5،6.
7- الوسائل 13:154 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6،وص 156 ب 7 ح 1،2.

المقيد،سيّما و أنها الظاهر منه عند الإطلاق.

و على جميع ذلك يقيد ما أُطلق فيه الفداء كالصحاح (1)،أو الكفارة كما في صحيح علي بن جعفر:سألت أخي(عليه السّلام)أُظلّل و أنا محرم،فقال:

« نعم و عليك الكفارة» قال: أي الراوي عن علي بن جعفر(عليه السّلام) فرأيت علياً أي علي بن جعفر كما فهمه الأكثر إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل (2).

لكن فعل علي بن جعفر ربما يكشف عن فهمه من الكفارة البدنة أو ما يعمّها و غيرها،و حمله جماعة من الأصحاب على الاستحباب (3).

و الأحوط الشاة؛ للأمر بها في الصحاح،مع تفسير الفداء بها في الصحيح (4)،و فعل علي بن جعفر فضية في واقعة لا حجة فيها،سيّما و أن فعل مثله و كذا فهمه ليس بحجة،سيّما في مقابلة الأخبار المعتبرة.

ثم الأخبار جملة مختصة بحال الضرورة كعبائر جملة من القدماء المحكية،فلا يمكن التعدية إلى الاختيار بالإجماع،و لا بالأولوية؛ لما مرّ في بحث الصيد و قد عرفته.

و ظاهرها عدم تكرر الكفارة بتكرر التظليل في النسك الواحد من الحج أو العمرة،و به صرّح جماعة (5).

ص:452


1- انظر الوسائل 13:154 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6 ح 4،7.
2- التهذيب 5:/334 1150،الوسائل 13:154 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6 ح 2.
3- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 7:48،و المحقق السبزواري في الذخيرة:623،و العلامة المجلسي في ملاذ الأخيار 8:256.
4- الكافي 4:/351 9،التهذيب 5:/11 1066،الإستبصار 2:/187 626،الوسائل 13:155 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6 ح 5.
5- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:145،و صاحب المدارك 8:443،و السبزواري في الذخيرة:623،و المحقق الفيض في المفاتيح 1:335.

و أصرح منها على ذلك دلالةً الصحيح:جعلت فداك إنه يشتد عليّ كشف الظلال في الإحرام لأني محرور يشتد عليّ حرّ الشمس،فقال:

« ظلّل و أرق دماً» فقلت له:دماً أو دمين؟قال:« للعمرة؟» قلت:إنا نحرم فندخل مكة فنحلّ و نحرم بالحج،قال:« فأرق دمين» (1).

و موردها أجمع كما ترى المعذور.و ألحق به جماعة المختار فلم يكرّروا عليه بتكرير التظليل في النسك الواحد الكفارة كالمضطر (2)،و لا ريب فيه؛ للأصل،بل مقتضاه عدم لزوم التكفير في حقه من أصله،لكن ظاهر الأصحاب عدم القول بالفرق بينهما في ذلك،بل مرّ عن الحلبيّين أنهما زادا عليه الكفارة،فجعلا عليه لكل يوم شاة (3)،و لكن لم نجد مستنداً لهما في ذلك،مع ندرته،كالمحكي عن المقنع من أن لكل يوم مدّاً من طعام (4)؛ للخبر (5).

و عن العماني إلحاق التظليل بالحلق لأذى،فلا يتعين الشاة،بل يتخير بينها و بين أخويها (6)؛ لآخر (7).

و في الخبرين ضعف سنداً و مكافأةً لما قدّمناه من الأدلة من وجوه

ص:453


1- التهذيب 5:/311 1067،الوسائل 13:156 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 7 ح 1.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:145،و السبزواري في الذخيرة:623،و صاحب الحدائق 15:482.
3- أبو الصلاح في الكافي:204،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):577.
4- حكاه عنه في كشف اللثام 1:410.
5- الكافي 4:/351 4،الفقيه 2:/226 1062،الوسائل 13:155 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6 ح 8.
6- كما نقله عنه في المختلف:285.
7- التهذيب 5:/333 1148،الإستبصار 2:/196 657،الوسائل 13:166 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 14 ح 2.

شتّى.

الثامن تغطية الرأس

و كذا يجب شاة في تغطية الرأس للرجل و لو بالطين أو الاغتماس يعني الارتماس في الماء أو حمل ما يستره كما هنا و في الشرائع و القواعد و الإرشاد و غيرها (1)،و في المدارك و الذخيرة (2):إنه مقطوع به بين الأصحاب،و فيهما و في غيرهما عن المنتهى أنه لا خلاف فيه،و نقل عن المبسوط و التذكرة أيضاً (3)،و في الغنية الإجماع صريحاً (4)؛ و هو الحجة المعتضدة بعموم ما مرّ من الصحيح:« من لبس ما لا ينبغي له لبسه متعمداً فعليه شاة» (5)لشموله للثوب الساتر للرأس،و يلحق به غيره لعدم القائل بالفرق.

و عن الخلاف ما يدل على وجود رواية بذلك،فإنه قال:إذا حمل على أسه مِكتلاً أو غيره لزمه الفداء،دليلنا:ما روي فيمن غطّى رأسه أن عليه الفدية (6).

لكن لم نجد الرواية،و به صرّح جماعة (7)،فهي إذاً مرسلة،و مع

ص:454


1- الشرائع 1:296،القواعد 1:99،الإرشاد 1:323؛ و انظر التحرير 1:114.
2- المدارك 8:444،الذخيرة:623.
3- نقله عنهم في كشف اللثام 1:409،و انظر المنتهى 2:814،و المبسوط 1:351،و التذكرة 1:336.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):577.
5- التهذيب 5:/369 1287،الوسائل 13:157 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 8 ح 1.
6- الخلاف 2:299.
7- منهم:صاحب المدارك 8:444،و السبزواري في الذخيرة:623،و صاحب الحدائق 15:492.

ذلك فلا دلالة فيها على الشاة،فإذاً العمدة في الدلالة هو الإجماع كما عرفته في عبائر الجماعة،مع عدم ظهور مخالف فيه لنا أيضاً بالكلية.

و في الغنية ذكر تغطية رأس الرجل و وجه المرأة جميعاً،و ذكر أن على المختار لكل يوم شاة،مدّعياً الإجماع.و نحوه عن الحلبي (1).

فإن تمّ الإجماع،و إلّا فالأصل يقتضي العدم،و الظاهر عدم الإجماع على التكرر لكل يوم و إن ادّعاه،إذ لم نره إلّا في عبارته،و الحلبي فيما حكي.

و في الدروس:الأقرب عدم التكرر بتكرر تغطيته،نعم لو فعل ذلك مختاراً تعدّدت،و لا تتعدد بتعدد الغطاء مطلقاً (2).

و وافقه الشهيد الثاني في جميع ذلك،إلّا أنه حكم بعدم التكرر لو اتّحد المجلس (3).

و لا ريب أن ما ذكراه من التكرر أحوط و إن كان في تعيّنه نظر؛ للأصل،و فقد الإجماع على ما ذكراه و كذا النص،و إلى هذا يميل جمع (4)، و هذا هو الثامن.

التاسع الجدال

و التاسع: الجدال،و لا كفارة فيما دون الثلاث مرّات منه إذا كان فيه صادقاً،و في الثلاث منه كذلك شاة على المشهور،بل لا يكاد يتحقق فيه خلاف يعتدّ به؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة

ص:455


1- الكافي في الفقه:204.
2- الدروس 1:376.
3- المسالك 1:145.
4- منهم:الأردبيلي مجمع الفائدة 7:51،و صاحب المدارك 8:444،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:409.

الدالة على الحكمين (1)،منطوقاً في أحدهما و مفهوماً في الآخر،لكنها مختلفة في تقييد الثلاث بالمتتابعات في مقام واحد كما في أكثرها،أو إطلاقها و خلوّها عنه كما في الصحيح و غيره.

و مقتضى الأُصول في الجمع بينها وجوب حمل مطلقها على مقيدها، كما يميل إليه بعض المتأخرين حاكياً له عن العماني (2).و لا بأس به إن لم ينعقد الإجماع على خلافه،و لكن الظاهر انعقاده؛ لشذوذ قول العماني و ندوره،مع أن إطلاق كلامه المحكي يعمّ الصادق و الكاذب،و النصوص المزبورة مصرّحة بخلافه و اختصاصه بالأول دون الثاني و إن اختلفت في بيان ما يجب فيه.

فالنصوص المقيدة على هذا التقدير لا قائل بها،و قول العماني لم نجد له دليلاً على إطلاقه،فإذاً المتجه ما عليه الأكثر و يتعين القول به.

و أما ما ورد بأن« من جادل و هو صادق فلا شيء عليه» (3)فمحمول على ما دون الثلاث،حملاً للمطلق على المقيد،مع أنه المتبادر من المطلق.

أو على ما لو اضطر إلى اليمين لإثبات حق أو نفي باطل،ففي الدروس إن الأقرب جوازه و انتفاء الكفارة فيه (4)،و تبعه جماعة من المتأخرين (5).

ص:456


1- الوسائل 13:145 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1.
2- المدارك 8:446.
3- التهذيب 5:/335 1156،الإستبصار 2:/197 665،الوسائل 13:147 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 8.
4- الدروس 1:387.
5- منهم:صاحب المدارك 8:446،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:342،و انظر الذخيرة:624.

أو على ما إذا كان في طاعة اللّه تعالى و صلة الرحم ما لم يدأب في ذلك كما عن الإسكافي و الفاضل (1).

و لا دليل يعتدّ به على شيء من هذين القولين،فيتعين الأول عملاً بإطلاق الأدلة و الفتاوي.

ثم إن إطلاقهما بنفي الشيء و الكفارة فيما دون الثلاث يعمّ الدم و غيره حتى الاستغفار،خلافاً للمحكي عن الشيخين و غيرهما (2)فأوجبوا الاستغفار،قيل:لعموم الكتاب و السنّة (3).

و هو حسن،لولا ظهور بعض الأخبار بأنه لا جدال بالواحدة الصادمة أو بالثنتين:

ففي الصحيح:« إذا حلف بثلاثة أيمان ولاءً في مقام واحد و هو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه و يتصدق به،و إذا حلف يميناً واحدة كاذبة فقد جادل و عليه دم يهريقه و يتصدق به» الخبر (4).و نحوه غيره (5).

و لكن الاستغفار أحوط إن لم نقل بكونه المتعين،بناءً على أن الظاهر أنه لا خلاف في صدق الجدال بالمرة مثلاً حقيقةً،كما هو ظاهر كثير من الأخبار أيضاً،فيتحقق به الذنب و كفارته الاستغفار بلا خلاف.و لا ينافيه إطلاقهم نفي الكفارة فيما دون الثلاث هنا؛ لأن الظاهر أن مرادهم من الكفارة في أمثال المقام ما عدا الاستغفار

ص:457


1- المختلف:271 و قد حكاه فيه عن الإسكافي أيضاً.
2- حكاه عنهم:في كشف اللثام 1:410،و انظر المقنعة:435،و النهاية:233،و السرائر 1:553.
3- كشف اللثام 1:411.
4- الكافي 4:/337 3،الوسائل 13:146 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 3.
5- الكافي 4:/338 4،الوسائل 13:146 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 4.

و في المرّة من الجدال كذباً شاة،و في المرّتين بقرة،و في الثلاث بدنة على الأشهر،بل لا خلاف فيه يعتدّ به يظهر و لا إشكال في الأول؛ لما مرّ من الصحيح و نحوه الموثق و غيره،فإنها صريحة فيه.

و أما الأخيران فيشكل الحكم فيهما؛ لعدم وضوح دليلهما؛ مع أن في الصحيح:« إذا جادل فوق مرّتين فعلى المصيب دم يهريقه شاة،و على المخطئ بقرة» (1)و مقتضاه وجوب البقرة في الزائد على المرتين.

و نحوه آخر (2).

و مال إلى العمل بهما في المدارك فقال:و ينبغي العمل بهما؛ لصحة سندهما و وضوح دلالتهما (3).

و هو حسن إن وجد القائل بهما،و إلّا فشاذان يجب طرحهما؛ مع أنه يمكن الاستدلال للمشهور في البقرة بما رواه العيّاشي في تفسيره كما في الوسائل،عن إبراهيم بن عبد الحميد،عن أبي الحسن موسى(عليه السّلام)قال:

« من جادل في الحج فعليه إطعام ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع إن كان صادقاً أو كاذباً،فإن عاد مرّتين فعلى الصادق شاة و على الكاذب بقرة» الحديث (4).

و خروج صدره عن الحجية بالإجماع من وجهين لا يوجب خروج

ص:458


1- الكافي 4:/337 1،الفقيه 2:/212 968،الوسائل 13:145 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 2.
2- التهذيب 5:/335 1153،الوسائل 13:147 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 6.
3- المدارك 8:445.
4- تفسير العياشي 1:/95 255،الوسائل 13:148 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 10 و فيهما:فعليه إطعام ستة مساكين.

الباقي عنها كما قرّر في محله،و هو صريح في وجوب البقرة في المرتين من الجدال كذباً.

و في البدنة بالصحيح أو الموثق:« إذا جادل الرجل و هو محرم فكذب متعمداً فعليه جزور» (1).

و هو و إن كان مطلقاً يشمل المرة الأولى و الثانية،لكنهما مخرجتان عنه بالأخبار المتقدمة،فيتعين تقييده بالمرة الثالثة،و هو أولى من حمله على الاستحباب كما مرّ غير مرة.

هذا،مع تأيد الحكم فيهما،بل في جملة الأحكام المتقدمة في الجدال بأقسامه،بالرضوي فيما حكي،و فيه:« و اتّق في إحرامك الكذب [و]اليمين الكاذبة و الصادقة،و هو الجدال الذي نهى اللّه سبحانه» إلى أن قال:« فإن جادلت مرة أو مرتين و أنت صادق فلا شيء عليك،و إن جادلت ثلاثاً و أنت صادق فعليك دم شاة،و إن جادلت مرة و أنت كاذب فعليك دم شاة،و إن جادلت مرتين كاذباً فعليك دم بقرة،و إن جادلت ثلاثاً و أنت كاذب فعليك بدنة» (2).

فإذاً المشهور في غاية القوة،و عليه فإنما تجب البقرة بالمرتين و البدنة بالثلاث إذا لم يكن كفّر عن السابق،فلو كفّر عن كل واحدة فالشاة، أو اثنتين فالبقرة،و الضابط اعتبار العدد السابق ابتداءً أو بعد التكفير،فللمرة شاة،و للمرتين بقرة،و للثلاث بدنة،و بذلك أيضاً صرّح جماعة (3)،من

ص:459


1- التهذيب 5:/335 1155،الوسائل 13:147 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 9.
2- فقه الرضا((عليه السّلام)):217،المستدرك 9:216 أبواب تروك الإحرام ب 23 ح 5.
3- منهم:صاحبو المدارك 8:446،و الذخيرة:623،و الحدائق 15:469؛ و انظر جامع المقاصد 3:359،و مجمع الفائدة و البرهان 7:57.

غير خلاف بينهم أجده.

و اعلم أن ظاهر المتن هنا عدم وجوب الكفارة في غير ما مرّ لقوله:

و قيل:في استعمال الدهن الطيّب أي الذي فيه طيب شاة و القائل الشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف (1)،نافياً عنه الخلاف كما مرّ في كفارة الطيب،و السرائر و الفاضل (2)،مدعياً عليه في المنتهى على لزوم الفدية فيه الإجماع،و تبعهم جماعة (3)من غير خلاف فيه بينهم بل مطلقاً أجده،إلّا من الماتن هنا في الشرائع (4)و الكتاب،مع أنه أوجبها في بحث كفارة الطيب (5).

و هو الوجه؛ للإجماع المنقول الذي هو العمدة في إيجابها في الطيب مطلقا،فإنه شامل لما نحن فيه،بل إجماع الخلاف صريح فيه.

مضافاً إلى تأيده بالصحيح المقطوع:في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج،فقال:« إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين،و إن كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه» (6).

و إن كان في الاستدلال به نظر،لأنه مقطوع،لا مضمر كما قيل - (7)

ص:460


1- النهاية:235،المبسوط 1:350،الخلاف 2:303.
2- السرائر 1:555،الفاضل في المنتهى 2:787.
3- كالشهيد الثاني في المسالك 1:146،و صاحب المدارك 8:430،و السبزواري في الذخيرة:621،و الكفاية:65.
4- الشرائع 1:297.
5- الشرائع 1:295،المختصر النافع:107.
6- التهذيب 5:/304 1038،الوسائل 13:151 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 4 ح 5.
7- كشف اللثام 1:410.

فيجبر بعمل الأكثر،مع أخصيته من المدّعى،و اشتماله على وجوب الكفارة على الجاهل مع اتفاق الأصحاب و الأخبار على أنه لا كفارة عليه إلّا في الصيد خاصة كما يأتي،و مضى الإشارة إليه مراراً.

و لا فرق بين استعماله اختياراً و اضطراراً كما عن الأوّلين،خلافاً للمحكي عن ابن سعيد فإنما أوجب الدم باستعماله اختياراً (1).

و كذا قيل في قلع الضرس يجب فيه شاة،و القائل الشيخ في النهاية و المبسوط و القاضي في المهذّب و الحلبي و الجامع كما حكي (2)، لكن الأخير خصّه بالاختيار؛ للمرسل:محرم قلع ضرسه،فكتب(عليه السّلام):

« يهريق دماً» (3).

خلافاً لأكثر المتأخرين فردّوه (4)؛ لضعف السند،و الدلالة باحتمال أن يكون قد أدمى كما هو الغالب،و يكون الدم لأجله.

قيل:و قد قيل في الإدماء شاة،و في الكافي فيه طعام مسكين،و في الغنية مدّ من طعام،و المعنى واحد (5).

أقول:و هو الوجه و إن كان الوجوب أحوط،سيّما مع دعوى بعضهم اشتهاره بين الأصحاب (6).

ص:461


1- الجامع للشرائع:194.
2- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:410،و هو في النهاية:235،و المبسوط 1:350،و المهذَّب 1:223،الحلبي في الكافي:204،الجامع:194.
3- التهذيب 5:/385 1344،الوسائل 13:175 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 19 ح 1.
4- منهم:صاحب المدارك 8:449،و السبزواري في الذخيرة:623،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:411،و صاحب الحدائق 15:527.
5- كشف اللثام 1:411.
6- المسالك 1:146.

و هنا

مسائل ثلاث

مسائل ثلاث:

الاُولى في قلع شجرة الحرم الإثم

الاُولى: في قلع شجرة الحرم الإثم في جميع أقسامه عدا ما استثني ممّا مرّ ذكره في بحث تروك الإحرام على كل من حكمي المستثنى منه و المستثنى.

و الحكم الأول مطلق سواء كان أصلها في الحرم أو فرعها كما صرّح به جماعة (1)،من غير خلاف بينهم أجده؛ للصحيح:عن شجرة أصلها في الحرم و فرعها في الحلّ،قال:« حرم فرعها لمكان أصلها» قال، قلت:فإن أصلها في الحل و فرعها في الحرم،قال:« يحرم أصلها لمكان فرعها» (2).

و ظاهر المتن هنا و في الشرائع (3)أنه لا كفارة فيه أصلاً،كما عن ظاهر الحلّي (4)،أو تردّده فيها.و هو ضعيف جدّاً؛ لما ستقف عليه إن شاء اللّه، مع أن المشهور الذي كاد أن يكون إجماعاً ثبوتها في الجملة و إن اختلفوا في بيانها:

فالإسكافي على أنها قيمتها و ثمنها مطلقاً،و اختاره الفاضل في المختلف (5)؛ للموثق،و روى في الفقيه بسند حسن،بل صحيح:عن

ص:462


1- منهم:ابن سعيد في الجامع:195،و العلامة في التذكرة 1:341،و الشهيد الأول في الدروس 1:389،و الشهيد الثاني في المسالك 1:146.
2- الكافي 4:/231 4،الفقيه 2:/165 717،التهذيب 5:/379 1321،الوسائل 12:559 أبواب تروك الإحرام ب 90 ح 1.
3- الشرائع 1:297.
4- السرائر 1:554.
5- انظر المختلف:286،و قد حكاه فيه عن الإسكافي.

الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة،قال:« عليه ثمنه يتصدّق به» (1).

و قريب منه الصحيح المروي في الفقيه:عن الأراك يكون في الحرم فأقطعه،قال:« عليك فداؤه» (2).

و فيه:أن الفداء أعم من الثمن،فلا ينافي القول بوجوب البقرة مطلقاً،أو مع الشاة على التفصيل الآتي.

و مع ذلك فمورده كالسابق إنما هو القطع من الأراك الظاهر في قطع بعض أغصانه،لا قلع أصله الذي هو المتنازع فيه،و لا تلازم بينهما، لمصير الأكثر كما سيظهر إلى الفرق بينهما بإثبات الثمن في الأول كما في الخبرين،و البقرة أو الشاة في الثاني،فهذا القول كسابقه ضعيف.

و قيل:فيها أي في قلعها بقرة و القائل:القاضي (3)،و أطلق، فلم يفصّل بين الصغيرة و الكبيرة؛ للمرسل:« إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع،فإن أراد نزعها نزعها و كفّر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين» (4).

و ردّ بضعف السند و متروكية الظاهر (5).

و فيه نظر؛ لأنه الإرسال إنما هو بقول الراوي الثقة:« روى أصحابنا»

ص:463


1- الفقيه 2:/166 720،التهذيب 5:/381 1331،الوسائل 13:174 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 18 ح 2.
2- الفقيه 2:/166 723،الوسائل 13:174 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 18 ح 1.
3- المهذب 1:223.
4- التهذيب 5:/381 1331،الوسائل 13:174 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 18 ح 3.
5- كما في المدارك 8:447.

بصيغة الجمع المضاف المفيد للعموم،و مثله يلحق بالصحيح على الصحيح،مع أنه منجبر بشهرة العمل به في الجملة،مع نقل الإجماع عليه كما ستعرفه.

و متروكية الظاهر:الظاهر أنه إنما هو من حيث دلالته على المنع عن قلع الرجل الشجر في داره مع أنه كما سبق من جملة ما استثني،و قد مرّ الكلام فيه،و أن القدر الثابت منه إنما هو استثناء ما غرسه الإنسان و أنبته، سواء كان في ملكه أو غيره،أو ما نبت في ملكه بعد ملكيته،و الخبر هنا ليس نصاً فيهما،فيحتمل التقييد بغيرهما،و العامّ المخصَّص و المطلق المقيَّد حجة في الباقي.

فهذا القول متوجه لولا الإجماع المنقول على التفصيل الآتي،المؤيد بغيره.

و قيل:في الصغيرة منها شاة،و في الكبيرة بقرة و في الأغصان القيمة.

و القائل:الشيخ و جماعة كما في المدارك و غيره (1)،بل في شرح القواعد للمحقّق الثاني و المسالك و الروضة إن عليه الشهرة (2)،و في الخلاف الإجماع عليه (3).

و لا يخلو عن قوة،للإجماع المنقول،المعتضد بالشهرة المتأخرة الظاهرة،و المطلقة المحكية في عبائر هؤلاء الأجلّة.

المؤيد زيادةً على ذلك بما روي عن ابن عباس أنه قال:« في الدوحة

ص:464


1- المدارك 8:447؛ و الذخيرة:624.
2- جامع المقاصد 3:359،المسالك 1:146،الروضة 2:362.
3- الخلاف 2:408.

بقرة و في الجزلة شاة» (1).

مضافاً إلى الرواية السابقة بالبقرة و إن أطلقها،لكنها مقيدة بالكبيرة، جمعاً بين الأدلة.

و أما الأغصان فقد مرّ من الأخبار المعتبرة ما يدل على أن فيها القيمة، فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و المرجع في الصغيرة و الكبيرة إلى العرف و العادة.

و في المتوسطة و المشكوك في صغرها و كبرها شاة؛ لأصالة البراءة.

و يحتمل الإلحاق بالكبيرة احتياطاً من باب المقدمة،فتأمل (2).

الثانية لو تكرر الوطء تكررت الكفارة

الثانية: لو تكرر الوطء الموجب للكفارة تكررت مطلقاً الكفارة على الأظهر الأشهر بين الطائفة على الظاهر،المصرَّح به في عبائر جماعة (3)؛ بل عليه الإجماع في صريح الانتصار و الغنية (4)،و فيهما التصريح بعدم الفرق بين وقوعه في مجلس واحد أو مجالس متعددة،كفّر عن الأول أم لا؛ و هو الحجة،المؤيدة بعموم النصوص الموجبة للكفارة.

مضافاً إلى الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع؛ لعدم ظهور مخالف عدا الشيخ في الخلاف و ابن حمزة (5)،فقيّده الأول بما إذا تكرر بعد تخلل

ص:465


1- المغني و الشرح الكبير 3:367.
2- وجهه:أن الاحتياط المزبور يقتضي إيجاب الشاة و البقرة معاً،لا البقرة خاصة،فتدبّر.(منه رحمه اللّه).
3- منهم:صاحب المدارك 8:451،و السبزواري في الذخيرة:624،و صاحب الحدائق 15:548.
4- الانتصار:101،الغنية(الجوامع الفقهية):576.
5- الخلاف 2:365،ابن حمزة في الوسيلة:688.

التكفير دون غيره،و الثاني بما إذا كان غير مفسد للحج و تكرّر بدفعات، دون المفسد و المتكرر دفعة،و قوّاه الفاضل في المختلف (1)؛ و حجتهما غير واضحة،عدا ما في الخلاف لقوله من أن الأصل براءة الذمة.

قيل:يعني أن النصوص إنما أفادت على المجامع بدنة،و هو أعم من المجامع مرة و مرات،و أُيّد بأنها أفادت أن الجماع قبل الوقوف يوجب بدنة،و الإتمام،و الحج من قابل،و بيّن أن الأمور الثلاثة إنما تترتب على الجماع الأول،فالقول بترتب البدنة خاصة على كل جماع دون الباقيين تحكّم.و فيه:أن القائل بتكرر البدنة لا ينفي ترتب الباقيين،لكنه يقول لا يتصور فيهما التكرار،و إلّا فهما أيضاً مترتبان على كل جماع كالبدنة،نعم يحتمل البدنة أن تكون مثلهما في أن تكون واحدة تترتب على الجماع مرة و مرات (2).انتهى.

و الأجود الجواب عنه أوّلاً:بالإجماع المنقول الذي هو في حكم النص الصحيح،المؤيد بما عرفته،مع أنه في الخلاف قبل تلك الفتوى أفتى بالتكرار مطلقاً،كما عليه من عداه.

و ثانياً:بأن ما ذكره على تقدير تماميته ينفي التكرر مطلقاً،كفّر عن الأول أم لا،فالتفصيل بينهما غير متوجه على كلّ تقدير.

و اعلم أنه يتحقق التكرر بتكرر الإيلاج و النزع مطلقاً،كما في عبائر جمع (3)،و استند بعضهم إلى العرف.و في إطلاق الصدق العرفي بذلك نظر؛ فإنّ من كرّر الأمرين بامرأة واحدة في حالة واحدة لا يصدق عليه في

ص:466


1- المختلف:278.
2- كشف اللثام 1:411.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:146.

العرف أنه جامعها مراراً كثيرة،بل يقال إنه جامعها مرّة،نعم لو تعدد الموطوءة أو الحالات أمكن فيه ذلك.

و لعلّ هذا هو الوجه في نفي ابن حمزة الكفارة عن المتكرر دفعةً، و أما نفيه لها عن المفسد للحج فلما مرّ من التأييد في توجيه الخلاف، و مرجعه إلى منع عموم ما يدلّ على وجوب الكفارة لمثله،لاختصاص النص المثبت لها فيه بما يترتب عليه الأُمور الثلاثة حقيقةً،و هي لا تترتب إلّا على الأول منه،فالثاني مثلاً غير داخل فيه.

فهذا القول في غاية المتانة،لولا الإجماعات المنقولة،المعتضدة بالشهرة العظيمة،إلّا أن شمولها لمثل تكرر الإيلاج و النزع دفعةً بالموطوءة الواحدة في حالة واحدة محل مناقشة؛ لما مرّ من المنع عن صدق التكرر العرفي الذي يجب صرف الإطلاقات فتوًى و نصاً إليه عليه،بل الإطلاقات الموجبة للبدنة و ما بعدها مرةً الغالب فيها الذي ينصرف إليه بحكم العادة و الغلبة تكرر الأمرين فيه مراراً عديدة و إن أمكن فرض وقوعهما مرة،و مع ذلك حكم فيها بوجوب البدنة مثلاً مرةً،فالوجه عدم تكرر الكفارة في هذه الصورة،لا لمنع الحكم،بل لمنع تكرر الموضوع و السبب عرفاً،فليس فيه مخالفة للإجماعات المزبورة بوجه.

و لو تكرّر اللبس فإن اتّحد المجلس لم يتكرر عند المصنف مطلقاً،سواء اتّحد الوقت أيضاً أو تعدّد كما مرّ.و فيه نظر،بل الوجه ما مرّ من التكرر بتكرر اللبس،سواء اتّحد المجلس أو تعدّد،اختلف الملبوس صنفاً أو اتّحد،كفّر عن الأول أم لا،و وجهه مع إشباع الكلام في المسألة قد مرّ.

و كذا لو تكرر التطيب.

ص:467

و يتكرر الكفارة فيهما مع اختلاف المجلس و لا مع وحدته عند المصنف.

و يتبدل المجلس بالوقت عند غيره،و هو الوجه كما مرّ،و عن الخلاف نفي الخلاف عنه،حيث ذكر تكرر الكفارة بتكرر اللبس و الطيب إذا فعل ثم صبر ساعة،و هكذا،كفّر عن الأول أم لا،و استدل بأنه لا خلاف أنه يلزمه بكل لبسة كفارة،فمن ادّعى تداخلها فعليه الدلالة (1).

و اعلم أن الماتن لم يذكر الأسباب الأُخر هل بتكرر الكفارة فيها بتكررها أم لا،و هو مما ينبغي تحقيقه في المقام:

و مجمل الكلام فيه بنحو يوافق الأصل و الدليل ما أشار إليه بعض الأعلام فقال:و لو تعدّدت الأسباب مختلفة كالصيد و الوطء و الطيب و اللبس تعددت الكفارة اتفاقاً،اتحد الوقت أو اختلف،كفّر عن السابق أولا؛ لوجود المقتضي و انتفاء المسقط.

و لو تكرّر سبب واحد فإن كان إتلافاً مضمّناً للمثل أو القيمة تعددت بحسبه اتفاقاً؛ لأن المثل إنما يتحقق بذلك،و إلّا فإن لم يفصّل العرف أو الشرع فيه بين مجلس واحد و مجلسين،أو وقت وقتين،مثل الوطء فإنه يتعدد بتعدد الإيلاج حقيقةً و عرفاً و شرعاً تعددت الكفارة أيضاً بتعدده و لو في مجلس واحد،و كذا اللبس إذا ليس ثياباً،واحداً بعد واحد،أو ثوباً واحداً لبساً بعد نزع،و كذا التطيب إذا فعله مرة بعد اخرى،و التقبيل إذا نزع فاه ثم أعاد فقبّل،أما إذا كثر منه فلم ينزع فاه فيمكن أن يكون واحداً، و كذا ستر الرأس و التظليل.

ص:468


1- الخلاف 2:299.

و لو تكرّر ما يفصّل فيه العرف أو الشرع بين مجلس و مجلسين،أو وقت و وقتين،مثل الحلق الذي يفصّل فيه العرف،و القلم الذي يفصّل فيه الشرع،تعددت الكفارة إن تغاير الوقت،كأن حلق بعض رأسه غدرةً و بعضه عشيةً،و إلّا فلا؛ لعدّه في العرف حلقاً واحداً،كما أنّ لبس ثياب دفعةً لبس واحد،لكن في الصحيح:عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب،فقال:« عليه لكل صنف منها فداء» (1)و هم يعمّ لبسها دفعةً و دفعات،و قد يمنع كون لبسها دفعةً لبساً واحداً،و عرفت الفرق بين القلم في مجلس و مجلسين (2).

انتهى المقصود من كلامه و هو في غاية الجودة،إلّا أن في بعض كلماته مناقشة،مثل دعواه صدق تكرر الجماع بتكرر الإيلاج مطلقاً عرفاً، فإنّ فيه ما مضى،و منع كون لبس الثياب دفعةً لبساً واحداً،فإنه ليس في محلّه،و الأجود في الجواب عن الصحيح حمله على لبسها دفعات،كما هو الغالب فيه،و قد قدّمناه.

الثالثة إذا أكل المحرم أو لبس ما يحرم عليه لزمه دم شاة

الثالثة:إذا أكل المحرم أو لبس ما يحرم عليه لبسه ممّا لا تقدير فيه بالخصوص عامداً عالماً لزمه دم شاة بلا خلاف أجده؛ للصحيح المتقدم غير مرة:« من نتف إبطه،أو قلم ظفره،أو حلق رأسه،أو لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه،أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء،و من فعل متعمداً فعليه دم شاة» (3).

ص:469


1- الكافي 4:2/348،الفقيه 2:1005/219،التهذيب 5:1340/384،الوسائل 13:159 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 9 ح 1.
2- انظر كشف اللثام 1:411.
3- التهذيب 5:1287/369،الوسائل 13:157 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 8 ح 1.

و يستفاد منه أنه يسقط الكفارة عن الناسي و الجاهل و لا خلاف فيه أيضاً مطلقاً حتى في غير ما تضمنه الصحيح من جملة ما يحرم على المحرم إلّا الصيد و النصوص به مع ذلك مستفيضة جدّاً،عموماً و خصوصاً،فقد ورد:

« أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه» (1).

و في الصحيح:« ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلّا الصيد،فإنّ عليك الفداء بجهل كان أو بعمد» (2).

و في آخر:« اعلم أنه ليس عليك فداء شيء أتيت و أنت محرم جاهلاً به إذا كنت محرماً[في حجك]أو عمرتك،إلّا الصيد،فإن عليك الفداء بجهالة كان أو عمد» (3).

و ما ورد بمعناها في جملة من محرّمات الإحرام بالخصوص حيث اشترطت في إيجابها العمد و العلم كثير (4).

و يستفاد من الصحيحين و ما في معناهما عدم سقوطها عن الناسي و الجاهل في الصيد،كما دلّ عليه الاستثناء في المتن أيضاً.

و نحوه كلمة الأصحاب جملةً،حتى حكي الإجماع عليه عن الخلاف

ص:470


1- التهذيب 5:239/72،الوسائل 12:488 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 3.
2- الكافي 4:3/381،التهذيب 5:1085/315،الوسائل 13:68 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 1.
3- الكافي 4:10/382،الوسائل 13:70 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 4 و ما بين المعقوفين أضفناه من الوسائل.
4- انظر الوسائل 13:أبواب بقية كفارات الإحرام ب 4 ح 1،و ب 6،ب 8،و ب 11 ح 1،و ب 14.

و الغنية و التذكرة و المنتهى (1)،و لا مخالف فيه صريحاً،بل و لا ظاهراً،إلّا ما يحكى عن العماني أنه حكى السقوط عن الناسي هنا أيضاً قولاً (2)،و هو ضعيف جدّاً،و لا مستند له عدا حديث رفع القلم (3)،و هو على تقدير وضوح دلالته على رفع الكفارة مع أن الظاهر المتبادر منه خصوص رفع الإثم و المؤاخذة مخصوص أو مقيد بما عرفته من الأدلة.

و ذكر جماعة عدم سقوطها في الصيد عن المجنون و الصبي أيضاً (4).

قيل:و الظاهر أن الكفارة على المجنون في ماله يخرجه بنفسه إن أفاق،و إلّا فالوليّ،و أما لو كان مجنوناً أحرم به الوليّ و هو مجنون فالكفارة على الوليّ كما في الغنية،كالصبي،و لم يذكر بعضهم الصبي،لأن كفارته على الوليّ كما سلف (5).

و الحمد للّه تعالى أوّلاً و آخراً و ظاهراً و باطناً،و الصلاة على سيّد الأنبياء و عترته الأئمة النجباء(عليهم السّلام).

ص:471


1- حكاه عنهم في كشف اللثام 1:411،و هو في الخلاف 2:396،و الغنية(الجوامع الفقهية)575،و التذكرة 1:351،و المنتهى 2:819.
2- حكاه عنه في كشف اللثام 1:411.
3- الخصال:40/93،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبارات ب 4 ح 11.
4- منهم:الشيخ في الخلاف 2:360،448،و العلّامة في القواعد 1:100،و الشهيد الثاني في الروضة 2:366.
5- كشف اللثام 1:411.

المجلد 8

اشارة

سرشناسه:طباطبائی کربلائی، علی بن محمدعلی، 1161 - 1231ق.

عنوان و نام پديدآور:ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل/ تالیف محمدعلی الطباطبایی؛ تحقیق موسسه آل البیت(ع) لاحیاءالتراث.

مشخصات نشر:قم: موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاءالثرات، 1418ق.-= 1376-

مشخصات ظاهری:16 ج.: نمونه.

فروست:موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

شابک: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری

يادداشت:عربی.

يادداشت:کتاب حاضر شرحی بر مختصرالنافع محقق حلی است.

يادداشت:ج.9 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت:ج. 11 - 13 (چاپ؟: 1421ق. = 1379).

يادداشت:ج. 15و 16 (چاپ؟: 1422ق. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:محقق حلی، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 7ق.

شناسه افزوده:محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

شناسه افزوده:موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاء الثرات

رده بندی کنگره:BP182/م3م30216 1376

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله الطاهرين.

ص:5

ص:6

كتاب الجهاد

اشارة

كتاب الجهاد فعال،و هو في اللغة:إما من الجَهد بالفتح و هو التعب و المشقة،أو منه بالضم و هو الوسع و الطاقة.

و شرعاً:بذل الوسع بالنفس و المال في محاربة المشركين أو الباغين، على الوجه المخصوص.

و قيل:إنه بذلهما في إعلاء كلمة الإسلام و إقامة شعار الإيمان.و أُريد بالأول إدخال جهاد المشركين و بالثاني جهاد الباغين (1).

و يرد عليه قتال الكفار للأمر بالمعروف،فإنه إعلاء كلمة الإسلام،إلّا أن يراد به الإقرار بالشهادة.

و قد يطلق على جهاد من يدهم على المسلمين من الكفار بحيث يخافون استيلاءهم على بلادهم و أخذ(مالهم) (2)أو ما أشبهه و إن قلّ.

ص:7


1- المسالك 1:148.
2- في« ك»:مال.

و جهادِ من يريد قتل نفس محترمة أو أخذ مال أو سبي حريم.

و منه جهاد الأسير بين المشركين دافعاً عن نفسه،و ربما أُطلق على هذا القسم الدفاع لا الجهاد.

و البحث هنا عن الأول و الثاني،و ذكر الثالث استطراداً،و ذكر الرابع في كتاب الحدود.

و هو من أعظم أركان الإسلام،بالكتاب و السنة و الإجماع.

قال اللّه عزّ و جلّ إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ [1] (1).

و عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):« فوق كل برّ (2)برّ حتى يقتل الرجل في سبيل اللّه فليس فوقه برّ» (3).

و عن الفاخر:إنّ الملائكة تصلّي على المتقلّد (4)بسيفه في سبيل اللّه حتى يضعه،و من صدع رأسه في سبيل اللّه غفر اللّه له ما كان قبل ذلك من الذنب (5).

و النظر في كتاب يقع في أُمور ثلاثة:

ص:8


1- التوبة:111.
2- في« ك» و« ق»:ذي برّ كما في الوسائل.
3- التهذيب 6:209/122،الخصال:31/9،الوسائل 15:16 أبواب جهاد العدو و ما يناسبه ب 1 ح 21.
4- في« ق»:المقلد.
5- نقله عنه في الدروس 2:29.

الأول في من يجب عليه

الأول:في بيان من يجب عليه الجهاد.

و هو بالمعنى الأول فرض كفائي على كل من استكمل شروطاً سبعة بمعنى وجوبه على الجميع إلى (1)أن يقوم به منهم من فيه الكفاية،فيسقط عن الباقين سقوطاً مراعى باستمرار القائم به إلى أن يحصل الفرض المطلوب شرعاً.

و قد يتعين بأمر الإمام لأحد على الخصوص و إن قام من فيه كفاية.

و تختلف بحسب الحاجة بسبب كثرة المسلمين و قلّتهم و ضعفهم و قوتهم.

و لا يجب عيناً بلا خلاف إلّا من ابن المسيب،كما في الغنية و كنز العرفان و المنتهى (2).

و في الأولين الاستدلال عليه بالإجماع،و قوله تعالى لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى [1] (3)الآية.

و زاد الثاني قوله:و لانتفاء المسبب عند انتفاء السبب.

و ذكر فيهما في تقريب الاستدلال بالآية بما يرجع حاصله إلى أنه

ص:9


1- في« ك»:إلّا.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):584،كنز العرفان 1:341،المنتهى 2:898.
3- النساء:95.

تعالى فاضل بين المجاهدين و القاعدين غير اولي الضرر و وعد كلّاً منهم الحسنى،و لو لا أن وجوبه على الكفاية لما وعد القاعدين عنه الحسنى و المثوبة،و لما كان لهم فضيلة.

و حجة المخالف غير واضحة عدا ما استدل به الثاني:من قوله(عليه السّلام):

« من مات و لم يغزو،و لم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق» (1)قال:و ليس بدالّ على مطلوبهم (2).و هو كذلك.

و أشار إلى الشروط بقوله: البلوغ،و العقل،و الحرية،و الذكورة، و ألّا يكون هِمّاً أي شيخاً كبيراً عاجزاً و لا مقعداً إذا عرج بالغ حدّ الإقعاد و لا أعمى و لا مريضاً أيضاً يعجز معه عنه أي عن الجهاد.

فهذه شروط ثمانية،إن جعلنا المنفي ب« لا» كلا منها شرطاً على حدة،و إلّا فخمسة بجعل الخامس السلامة عن الأُمور المذكورة،و على التقديرين فليس الشروط سبعة كما ذكره.

و كان عليه أن يذكر السلامة من الفقر الموجب للعجز عن نفقته أو نفقة عياله أو طريقه أو ثمن سلاحه و بالجملة ما يحتاج إليه في جهاده أيضاً؛ إذ لا خلاف في اشتراطها،كما لا خلاف في اشتراط البواقي أعلمه (3)و به صرّح في الغنية في الجميع (4)،و في المنتهى في البلوغ و الذكورة (5)،بل

ص:10


1- سنن أبي داود 3:10.
2- انظر كنز العرفان 1:342.
3- ليس في« ق».
4- الغنية(الجوامع الفقهية):583.
5- المنتهى 2:899.

صرّح فيهما و في الثاني و الثالث و العمى بالإجماع (1)،و ظاهره انعقاده في البواقي أيضاً حيث لم ينقل خلافاً فيها أيضاً؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأُصول،و عدم عموم في أدلة الجهاد يعتدّ به يشمل فاقدي الشروط كلّاً أو بعضاً،عدا العبد فإنه داخل في العموم فيجب عليه، كما ربما يعزى إلى الإسكافي حيث لم يذكر الحرية في الشروط (2)،بل زاد فروى مرسلاً:أنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)ليبايعه فقال:يا أمير المؤمنين،أبسط يدك أُبايعك على أن أدعو لك بلساني،و أنصحك بقلبي، و أُجاهد معك بيدي،فقال(عليه السّلام):« حرّ أنت أم عبد؟» فقال:عبد،فصفق (عليه السّلام)يده فبايعه (3).

و لذا جعل في المختلف اشتراط الحرية مشهوراً لا إجماعاً (4).

لكنه اختار اشتراطها مستدلاً عليه في المنتهى بالإجماع؛ و بأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان يبايع الحرّ على الإسلام و الجهاد،و العبد على الإسلام دون الجهاد؛ و بأنه عبادة يتعلق بها قطع مسافة،فلا يجب على العبد كالحج (5).

و في الكتاب (6)بقوله لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ [1] (7)مجيباً عن الرواية بحملها على الجهاد معه على تقدير الحرية أو إذن المولى أو عموم الحاجة.

ص:11


1- المنتهى 2:899.
2- المختلف 4:394.
3- المختلف 4:394،الوسائل 15:23 أبواب جهاد العدو ب 4 ح 3.
4- المختلف 4:394.
5- المنتهى 2:899.
6- أي المختلف 4:394.
7- التوبة:91.

و لا بأس بالجواب عن الرواية؛ فإنّها مع ضعف سندها غير صريحة في الجهاد معه في غير الصور المزبورة،بل غايتها إفادة الجهاد معه في الجملة،و نحن نقول به.

و لا بالاستدلال بالآية إن جعل مناط الدلالة قوله لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ [1] فإنّه بعمومه شامل لكل من فاقدي الشروط حتى الحرية،فإنّ المملوك ضعيف عاجز،لأنه لا يقدر على شيء كما في نصّ الكتاب (1).

و يشكل إن جعل المناط قوله سبحانه وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ [2] (2)كما صرّح به في المختلف (3)و تبعه المقداد في الكنز،قال:

و العبد لا يملك شيئاً عندنا فلم يحصل في حقه الشرط (4).

و فيه نظر؛ فإنّ عدم الملكية لا يستلزم عدم الوجدان،فقد يجد بالبذل له و ليس بمالك فلا يدخل في الآية،و يجب عليه الجهاد بعموم الأدلة.

و لذا إنّ الأصحاب جعلوا الحرية شرطاً آخر غير اشتراط السلامة من الفقر (5)،و لو صحّ ما ذكراه من التلازم لأغنى اشتراط السلامة من الفقر عن اشتراط الحرية.

مع أنه موقوف على القول بعدم مالكية العبد كما هو الأشهر،و أمّا على القول بالمالكية كما هو رأي جماعة مطلقاً أو في الجملة (6)فلا

ص:12


1- ليست في« ك».
2- النحل:75.
3- المختلف 4:394.
4- كنز العرفان 1:352.
5- كالشيخ في المبسوط 2:4،و المحقق في الشرائع 1:307،و الشهيد الثاني في الروضة البهية 2:382.
6- منهم:الشيخ في النهاية:543،و المحقق في الشرائع 2:58.

تلازم،مع أنهم اشترطوا الحرية أيضاً.

فإذاً العمدة على اشتراطها الإجماع المنقول المؤيد بعدم ظهور خلاف يعتدّ به حتى من الإسكافي؛ لعدم تصريحه بالمخالفة.

مضافاً إلى الآية المتقدمة بالتقريب الذي عرفته،و فيها الدلالة على اعتبار سائر الشروط أيضاً كما سبق إليه الإشارة؛ مضافاً إلى الأخبار النبوية المروية في المنتهى في كل من البلوغ و الذكورة و الحرية (1).

فلا يجب على الصبي مطلقاً،و لا المجنون كذلك،و لا العبد بأنواعه حتى من انعتق بعضه،و لا الكبير العاجز عن الجهاد،و لا المريض كذلك، و يجب على القادر منهما،و لا الأعمى و إن وجد قائداً،و كذا الأعرج المقعد،دون من يمكنه الركوب و المشي،فإنّه يجب عليه الجهاد و إن تعذر عليه شدّة[العدو (2)]،كما في المنتهى قال:لتمكنه منه (3).

أقول:مع عدم انصراف إطلاق الآية يرفع الحرج عنه إلى مثله.

و يتحقق العمى بذهاب البصر من العينين معاً،فيجب على الأعور و الأعشى و غيرهما.

و إنّما يجب الجهاد بالمعنى الأول على من استجمع الشروط المزبورة مع وجود الإمام العادل و هو المعصوم(عليه السّلام) أو من نصبه لذلك أي النائب الخاص و هو المنصوب للجهاد أو لما هو أعم،أما العام كالفقيه فلا يجوز له و لا معه حال الغيبة،بلا خلاف أعلمه،كما في ظاهر

ص:13


1- المنتهى 2:899.
2- في النسخ:العذر،و ما أثبتناه من المصدر.
3- المنتهى 2:899.

المنتهى و صريح الغنية (1)،إلّا من أحمد كما في الأول (2)،و ظاهرهما الإجماع.

و النصوص به من طرقنا مستفيضة بل متواترة.منها:« إن القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير» (3)و منها:

« لا غزو إلّا مع إمام عادل» (4).

و في جملة أُخرى:« الجهاد واجب مع إمام عادل» (5).

و لا يكفي وجود الإمام،بل لا بدّ من دعائه إليه.

و على هذا الشرط فلا يجوز الجهاد مع الجائر إلّا أن يَدْهَم المسلمين من أي عدوّ يخشى منه على بيضة الإسلام أي أصله و مجتمعه،فيجب حينئذ بغير إذن الإمام و نائبه.

أو يكون بين قوم مشركين و يغشاهم عدو ف يجاهد حينئذ و يقصد الدفع عن الإسلام و عن نفسه في الحالين لا معاونة الجائر كما في الصحيح و غيره (6)،فيأثم و يضمن لو قصد معاونته بلا إشكال.و هل يأثم و يضمن لو جاهد بغير قصد؟قيل:نعم (7).و هو أحوط إن لم نقل بأنه أظهر.

ص:14


1- المنتهى 2:899،الغنية(الجوامع الفقهية):583.
2- المنتهى 2:899.
3- الكافي 5:3/23،التهذيب 6:226/134،الوسائل 15:45 أبواب جهاد العدو ب 12 ح 1.
4- الكافي 5:1/20،التهذيب 6:228/135،الوسائل 15:43 أبواب جهاد العدو ب 10 ح 2.
5- الخصال:607،تحف العقول:313،الوسائل 15:49 أبواب جهاد العدو ب 12 ح 9،10.
6- الوسائل 15:29 أبواب جهاد العدو ب 6.
7- المسالك 1:148.

و هل يشترط في العدو الزاحم كونه كافراً؛ كما عن الشيخ (1)،أم لا،كما عن الأكثر (2)؟قولان.

و لا يخفى أن هذا الاستثناء منقطع؛ إذ الجهاد الذي يعتبر فيه إذن الإمام و سائر الشروط إنما هو الجهاد بالمعنى الأوّل دون غيره اتفاقاً، و الجهاد المذكور بعد الاستثناء غيره.

و لذا قال في الشرائع بعده:و لا يكون جهاداً (3).و أشار به إلى أن حكم الشهيد من عدم تغسيله و تكفينه لا يلحق المقتول هنا،و كذا حكم الجهاد من تحريم الفرار و قسمة الغنيمة.نعم هو بمنزلة الشهيد في الأجر، و إطلاق الأخبار بكونه شهيداً (4)ينزل عليه.

و من عجز عن الجهاد بنفسه و قدر على الاستنابة لغيره ممن لا يجب عليه كالفقير وجبت عليه الاستنابة و عليه القيام بما يحتاج إليه النائب.

وفاقاً للشيخ و القاضي و الحلّي (5)،و عليه الفاضل المقداد في كنز العرفان (6)،و المحقق الثاني مستدلاً عليه بقوله تعالى وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ [1] (7)و أن الميسور لا يسقط بالمعسور (8).قال:و قوله سبحانه لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ [2] إلى قوله وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما [3]

ص:15


1- انظر المبسوط 2:8.
2- حكاه عنهم في المسالك 1:148.
3- الشرائع 1:307.
4- انظر الوسائل 15:120،121 أبواب جهاد العدو ب 46 الأحاديث 5،8،9،10.
5- الشيخ في النهاية:289،القاضي في المهذب 1:298،الحلي في السرائر 2:3.
6- كنز العرفان 1:352.
7- التوبة:41.
8- عوالي اللئلئ 4:205/58.

يُنْفِقُونَ حَرَجٌ [1] (1)محمول على نفي الحرج عن جهاده بنفسه،لكثرة الأوامر الدالة على الوجوب (2).

خلافاً للفاضلين في الشرائع و المنتهى و المختلف،و الشهيد الثاني (3)و المفلح الصيمري،فيستحب.

و لعلّه الأظهر؛ للأصل،و فقد المخصص له عدا ما مرّ،و ما في الكنز من قوله تعالى وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ [2] (4)قال:ذمّهم على عدم إنفاقهم أموالهم مع القدرة عليها،و ليس ذلك مع الجهاد بالنفس و إلّا لكان إنفاقه على نفسه،فيكون لا معه،و هو المطلوب (5).

و فيهما نظر؛ فإنّ تقييد نفي الحرج بما مرّ ليس بأولى من تقييد الأمر بالجهاد بالمال بما إذا جاهد بالنفس.

و كذا يمكن تخصيص عموم الميسور بغير محل البحث،لآية نفي الحرج،كما يمكن العكس،فاختياره ليس بأولى من اختيار مقابله،و كثرة الأوامر غير موجبة للترجيح في نحو محل البحث مما التعارض فيه بين القطعيين.

و بالجملة:التعارض بين الدليلين من الطرفين تعارض الظاهرين، يمكن صرف كل إلى الآخر،و حيث لا مرجح كما في محل البحث وجب الرجوع إلى مقتضى الأصل و هو عدم الوجوب.

ص:16


1- التوبة:91.
2- جامع المقاصد 3:372.
3- الشرائع 1:308،المنتهى 2:901،المختلف:324،الشهيد الثاني في المسالك 1:149.
4- التوبة:81.
5- كنز العرفان 1:352.

و آية الذم على ترك الإنفاق ليست نصاً في صورة العجز عن الجهاد بالنفس بل و لا ظاهرة فيها،إلّا على تقدير كون الإنفاق على نفسه مع جهاده بنفسه ليس من الجهاد بالمال في سبيل اللّه تعالى.و لا ريب في ضعفه؛ إذ الإنفاق في سبيل اللّه تعالى أعمّ منه على نفسه و على غيره قطعاً لغةً و عرفاً.

هذا مع أنّ الجهاد بالمال أعمّ من الاستنابة؛ إذ يدخل فيه أيضاً إعانة المجاهدين في الخيل و السلاح و الظهر و الزاد و سدّ الثغر،كما حكي القول بوجوبها في المختلف عن الحلبي (1)،و لكن لم يقولا به.

ثم إنّ هذا إذا لم يحتج إلى الاستنابة بأن يعجز القائمون بدونها،و إلّا فتجب قولاً واحداً.

و لو استناب مع القدرة على الجهاد و وجوبه عليه جاز أيضاً عندنا بغير خلاف ظاهر،و عزاه في المنتهى إلى علمائنا (2)مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،مستدلّاً عليه بالنبوي:« من جهّز غازياً كان له مثل أجره» (3)و المرتضوي:عن الإجعال للغزو،فقال:« لا بأس به أن يغزو الرجل عن الرجل و يأخذ منه الجُعل» (4).

و فيهما لولا الإجماع نظر؛ لضعف سندهما و دلالتهما،لأنّ غاية الأخير نفي البأس عن أخذ الجُعل للنائب،و هو غير جواز الاستنابة للقادر.

و غاية الأوّل إفادة الثواب على تجهيز الغازي،و هو غير ما نحن فيه.

و ربما يستدل عليه أيضاً بأن الغرض من الواجب الكفائي المقتضي لسقوطه عمّن زاد عمّن فيه الكفاية لحصول من فيه الكفاية،تحصيله على

ص:17


1- المختلف:324.
2- المنتهى 2:900.
3- كنز العمال 4:/321 10710،مسند أحمد 4:115.
4- التهذيب 6:338/173،قرب الإسناد:464/132،الوسائل 15:33 أبواب جهاد العدو ب 8 ح 1.

المكلف بالواجب بنفسه أو بغيره (1).و لا بأس به.

و المرابطة إرصاد لحفظ الثغر و المراد به الموضع الذي يكون بأطراف بلاد الإسلام للإعلام بأحوال المشركين على تقدير هجومهم على بلاد الإسلام.

و كلّ موضع يخاف منه يقال له ثغر لغة و هي مستحبة مطلقاً و لو كان الإمام مفقوداً أي غائباً،لكن تستحب مع حضور الإمام مؤكداً و مع غيبته غير مؤكّد،كما في السرائر (2)،و المنتهى،قال: لأنها لا تتضمّن جهاداً،بل حفظاً و إعلاماً فكانت مشروعة حال الغيبة إلى أن قال -:فإن رابط حال ظهور الإمام بإذنه و سوّغ له القتال جاز له ذلك،و إن كان مستتراً أو لم يسوّغ له المقاتلة لم يجز له القتال ابتداءً،بل يحفظ الكفار من الدخول إلى بلاد الإسلام،و يُعلم المسلمين بأحوالهم،و إرادة دخولهم إليهم إن أرادوا ذلك و لم يبدأهم بالقتال،فإن قاتلوه جاز له قتالهم،و يقصد بذلك الدفع عن نفسه و عن الإسلام،و لا يقصد به الجهاد (3).انتهى.

و الأصل في ذلك الصحيح:جعلت فداك إنّ رجلاً من مواليك بلغه أنّ رجلاً يعطي سيفاً و فرساً في سبيل اللّه،فأتاه فأخذهما منه،ثم لقيه أصحابه و أخبروه أن السبيل مع هؤلاء لا يجوز و أمروه بردّهما،قال:« فليفعل» قال:

قد طلب الرجل فلم يجده و قيل له:قد شخص الرجل،قال:« فليرابطه و لا يقاتل» قلت:مثل قزوين و عسقلان و الديلم و ما أشبه هذه الثغور؟قال:

« نعم» قال:فإن جاء العدو إلى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟

ص:18


1- المسالك 1:149.
2- السرائر 2:4.
3- المنتهى 2:902.

قال:« يقاتل عن بيضة الإسلام» قال:يجاهد؟قال:« لا إلّا أن يخاف على ذراري المسلمين،أ رأيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم أن يمنعوهم» قال:« يرابط و لا يقاتل،فإن خاف على بيضة الإسلام و المسلمين قاتل،فيكون قتاله لنفسه لا للسلطان؛ لأنّ في دروس الإسلام دروس ذكر محمد(صلّى اللّه عليه و آله) » (1).و هو صريح في جواز المرابطة في زمان عدم بسط يد الإمام و الغيبة، لتضمنه الأمر بها حينئذ و أقلّه الجواز و إن لم نقل الاستحباب.و حيث ثبت الجواز ثبت الاستحباب؛ لفتوى أكثر الأصحاب،بناءً على التسامح في أدلّة السنن حيث لا يحتمل فيها ضرر كما هنا على ما فرضناه.

و لا ينافيه الأمر بردّ المال في صدره بناءً على أنّ الظاهر أنّ الباذل له من هؤلاء كما صرّح به في خبر آخر (2)،و مراده في سبيل اللّه الجهاد الجائز عندهم مع حُكّامهم،فلذا أُمر بالردّ،لعدم جواز الجهاد معهم عندنا،و المال لمّا كان مشروطاً به لم يبح إلّا به،و لمّا لم يجز وجب الرد،و لمّا فرض السائل عدم إمكان الرد إباحة له(عليه السّلام)بشرط الرباط بدله،فإنّه أقرب إلى مقصود الباذل من صرفه في سائر وجوه البرّ.

فما يعزى إلى الشيخ و القاضي من عدم استحباب المرابطة زمن الغيبة (3)،لا وجه له،مع أنهما أفتيا بمضمون الرواية،فلعلّهما أرادا منها ما ذكرنا في معناها،و إن زادا فذكرا لفظ المرابطة،بحملها على المرابطة الغير

ص:19


1- الكافي 5:2/21،التهذيب 6:219/125،الوسائل 15:29 أبواب جهاد العدو ب 6 ح 2.
2- قرب الإسناد:1253/345،الوسائل 15:32 أبواب جهاد العدو ب 7 ح 2.
3- كما في المنتهى 2:903،و هو في النهاية:290،و المهذب 1:303.

المشروعة التي تتضمن القتال و الجهاد مع هؤلاء الفجرة،كما هو الغالب في زمن الغيبة.

و من هنا يظهر وجه تفاوت استحبابها في زمن الحضور و الغيبة، بالتأكّد في الأول؛ لعدم الخلاف فيه حينئذ فتوى و رواية.دون الثاني؛ لوجوده فيه أو احتماله فتوى،بل و روايةً،مع أن عبارة السرائر (1)صريحة في عدم جزمه بالاستحباب بل ظاهر مساق عبارته العدم.

و من هنا يظهر ما في حكم جملة منهم بتأكد الاستحباب في الحالين (2).

و لو عجز عن المرابطة بنفسه جاز أن يربط فرسه أو غلامه هناك أي في الثغر لينتفع به المرابطون،و حاز بذلك الثواب،لإعانته على البرّ.و هو في معنى الإباحة لهما على هذا.

و ظاهر العبارة هنا،و في السرائر و التحرير و المنتهى اشتراط العجز عنها (3)،و مقتضى الدليل العموم،كما في اللمعة (4)و شرحها.و هو الأقوى.

و لو نذر المرابطة وجبت مع وجود الإمام(عليه السّلام) اتّفاقاً.

و كذا مع فقده عندنا كما في السرائر (5)مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،لأنها طاعة كما مضى،و قد نذرها فيجب عليه الوفاء،لعموم الأدلّة بلزوم الوفاء بالنذر كتاباً و سنةً.

ص:20


1- السرائر 2:5.
2- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:572،و الشهيدين في اللمعة(الروضة البهية 2):385.
3- السرائر 2:5،التحرير 1:134،المنتهى 2:903.
4- اللمعة(الروضة البهية 2):386.
5- السرائر 2:4.

و كذا لو نذر أن يصرف شيئاً إلى المرابطين لإعانتهم،وجب عليه الوفاء به مطلقاً و إن لم ينذره ظاهراً و لم يخف الشنعة يتركه لعلم المخالف بالنذر و نحوه.

و لا يجوز صرف ذلك أي المنذور في غيرها أي غير المرابطة من وجوه البرّ إجماعاً مع ظهور الإمام و بسط يده،كما في المختلف (1)،و كذا مع غيبته و خوف الشنعة بتركه اتفاقاً.و في غيرهما كذلك أيضاً على الأشبه الأشهر بل عليه عامّة من تأخّر وفاقاً للحلي (2)؛ لما مرّ من عموم لزوم الوفاء بالنذر بناءً على صحته هنا كما مرّ.

و يقابل الأشبه قول الشيخ و القاضي بجواز صرفه في وجوه البرّ (3)حينئذٍ؛ للخبر:« إن كان سمع منك نذرك أحد من المخالفين فالوفاء به إن كنت تخاف شنعته،و إلّا فاصرف ما نويت من ذلك في أبواب البرّ» (4).

و يضعف أوّلاً:بأنها مكاتبة،و ذلك موجب لضعفها.و ثانياً:بجهالة السائل.و ثالثاً:بمخالفة الأُصول؛ لأن النذر إن كان صحيحاً وجب الوفاء به،و إلّا كان باطلاً،لا أنه يصرف في وجوه البرّ.

أقول:و لو لا الشهرة العظيمة بين الأصحاب،المرجّحة لعموم أدلة النذر لأمكن الجواب عن جميع ذلك.

و لكن بعدها فلتطرح،أو تحمل على مرابط لا يسوغ صرف النذر إليه،كما هو الغالب زمن الغيبة،لا مطلق المرابط.أو على نذر بغير لفظ بل

ص:21


1- المختلف:324.
2- السرائر 2:5.
3- الشيخ في النهاية:291،القاضي في المهذب 1:303.
4- التهذيب 6:221/126،الوسائل 15:32 أبواب جهاد العدو ب 7 ح 1.

بمجرد نية و قصد،كما هو الغالب في نذر العوام فيما نشاهد في زماننا الآن،و ربما يشير إليه قوله(عليه السّلام):« اصرف ما نويت من ذلك» و لم يقل:

ما نذرت،فتدبّر.

و يحمل الأمر فيه بصرفه في وجوه البرّ على التقديرين على الاستحباب.

و كذا من أخذ من غيره شيئاً على وجه الجعالة أو الإجارة ليرابط له لم يجب عليه أي على الآخذ إعادته أي الشيء على ذلك الغير.

و إن وجده أي ذلك الغير جاز له المرابطة فيما إذا كان الأخذ على جهة الجعالة أو وجبت فيما إذا كان على جهة الإجارة مطلقاً و لو كان الإمام غائباً على الأشهر الأقوى؛ لنحو ما مضى في المسألة السابقة.

خلافاً للشيخ و القاضي (1)،فأوجبا عليه الردّ على باذله إجارة أو جعالة مع إمكانه و إلّا فليرابط.

و لعلّ مستندهما نحو الصحيح الماضي (2)هو مع الجواب،و لا وجه لإعادته.

ص:22


1- الشيخ في النهاية:291،القاضي في المهذب 1:303.
2- في ص:3565.

النظر الثاني في من يجب جهاده

اشارة

النظر الثاني:

في بيان من يجب جهاده و هم ثلاثة

الأول البغاة

الأول:البغاة جمع باغ،و هو من خرج على المعصوم من الأئمة (عليهم السّلام)كما يستفاد من النص و كلمات القوم.

و منها قوله: يجب قتال من خرج على إمام عادل (1) بالإجماع الظاهر المصرّح به في عبائر (2)،بعد الكتاب و السنة.

قال اللّه سبحانه وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [1] (3).و في النبوي:« من أعطى إماماً صفقة يده و ثمرة قلبه فليطعه ما استطاع،فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنقه» (4).

ص:23


1- في المختصر المطبوع زيادة ليست في نسخ الرياض و هي: إذا دعا إليه هو أو من نصبه،و التأخر عنه كبيرة،و يسقط بقيام من فيه غنى ما لم يستنهضه الإمام على التعيين،و الفرار منه في حربهم كالفرار في حرب المشركين المختصر:110.
2- انظر الخلاف 5:335،و الغنية(الجوامع الفقهية)584.
3- الحجرات:9.
4- مسند أحمد 2:161،سنن أبي داود 4:4248/96،سنن ابن ماجه 2:3956/1306.

و في الخاصّي الصادقي(عليه السّلام)« بعث اللّه تعالى محمداً بخمسة أسياف، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلّا أن تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها [1] » إلى أن قال:« و سيف منها مكفوف،و سيف منها مغمود سلّه إلى غيرنا و حكمه إلينا» إلى أن قال:

« و أما السيف المكفوف على أهل البغي و التأويل،قال اللّه تعالى» و ذكر الآية،ثم قال:« فلمّا نزلت قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):إنّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل،فسئل(عليه السّلام)من هو؟قال:هو خاصف النعل يعني أمير المؤمنين(عليه السّلام) .فقال عمار بن ياسر:قاتلت بهذه الراية مع رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ثلاثاً، و هذه الرابعة،و اللّه لو ضربونا حتّى يبلغونا السعفات من هَجَر لعلمنا أنّا على الحق و أنّهم على الباطل.

و كانت السيرة من أمير المؤمنين(عليه السّلام)ما كان من رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)إلى أهل مكّة يوم فتح مكّة،فإنّه لم يَسْبِ لهم ذرّية و قال:من أغلق بابه و ألقى سلاحه أو دخل دار أبي سفيان فهو آمن،و كذلك قال أمير المؤمنين(عليه السّلام) فيهم:لا تسبوا لهم ذريّةً،و لا تتمّوا على جريح،و لا تتبعوا مدبراً،و من أغلق بابه و ألقى سلاحه فهو آمن» (1).

و في آخر:« القتال قتالان،قتال الفئة الكافرة حتى يسلموا،و قتال الفئة الباغية حتى يفيئوا» (2).

و في ثالث:« ذكرت الحرورية عند علي(عليه السّلام)،قال:إن خرجوا على إمام عادل أو جماعة فقاتلوهم،و إن خرجوا على إمام جائر فلا تقاتلوهم،

ص:24


1- الكافي 5:2/10،التهذيب 6:230/136،الخصال:18/274،الوسائل 15:25 أبواب جهاد العدو ب 5 ح 2.
2- الخصال:83/60،الوسائل 15:28 أبواب جهاد العدو ب 5 ح 5.

فإنّ لهم في ذلك مقالاً» (1).

و الرواية السابقة ناصّة بإرادة هذه الطائفة من الآية المتقدمة،و لذا استدلّ بها هنا جماعة كالشهيد في الدروس تبعاً للفاضل في المنتهى (2).

لكن خطّأه الفاضل المقداد في كنز العرفان،قال:فإنّ الباغي هو من خرج على الإمام العادل بتأويل باطل و حاربه،و هو عندنا كافر،لقوله(صلّى اللّه عليه و آله) لعلي(عليه السّلام)« يا علي،حربك حربي و سلمك سلمي» (3)فكيف يكون الباغي المذكور مؤمناً حتّى يكون داخلاً في الآية؟!و لا يلزم من ذكر لفظ البغي في الآية أن يكون المراد بذلك البغاة المعهودين عند أهل الفقه كما قال الشافعي:ما عرفنا أحكام البغاة إلّا من فعل علي(عليه السّلام)،يريد فعله في حرب البصرة و الشام و الخوارج،من أنّه لم يتبع مدبري أهل البصرة و الخوارج و لم يجهز على جريحهم،لأنهم ليس لهم فئة،و تبع مدبري أهل الشام و أجهز على جريحهم،و لذا لم يجعلها الراوندي حجة على قتال البغاة،بل جعلها في قسم مَن يكون من المسلمين أو المؤمنين،فيقع بينهم قتال و تعدى بعض إلى بعض،فيكون البغي بمعنى التعدي فيقاتل المتعدي حتى يرجع عن تعدّيه إلى طاعة اللّه و امتثال أوامره.انتهى (4).

و أجاب عنه في المنتهى بعد تخطئة من استفاد مِن الآية أن البغاة مؤمنون لأنّ اللّه تعالى سمّاهم المؤمنين،بنحو ممّا ذكره من أنّهم كفّار عندنا فقال:التسمية على سبيل المجاز بناءً على الظاهر،أو على ما كانوا عليه،

ص:25


1- علل الشرائع:71/603،الوسائل 15:80 أبواب جهاد العدو ب 26 ح 3.
2- الدروس 2:41،المنتهى 2:903.
3- أمالي الصدوق:86،كنز الفوائد 2:179،البحار 24:15/261.
4- كنز العرفان 1:386.

أو على ما يعتقدونه،كما في قوله وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ [1] (1)و هذه صفة المنافقين إجماعاً (2).انتهى.

و هو حسن و إن خالف المجاز الأصل؛ لوجوب المصير إليه بعد قيام الدليل عليه،و هو الرواية السابقة و إن ضعف سندها،لاشتهارها فتوًى و روايةً حتى أنه روتها المشايخ الثلاثة بطرق عديدة.

و في الظاهر الغنية و صريح المنتهى:لا خلاف بين المسلمين كافّة في وجوب جهاد البغاة (3).بل صريح الأخير أيضاً الإجماع.

و إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الخارج بين القليل و الكثير حتى الواحد كابن ملجم لعنه اللّه.و به صرّح في المنتهى و التذكرة كما في المسالك و استحسنه (4)،و صرّح به أيضاً في الروضة (5).

و فيه مناقشة؛ لاختصاص الأدلّة كتاباً و سنة بالكثير.

و بالجملة:كيفية قتال البغاة مثل قتال المشركين في جميع ما مرّ،بلا خلاف يظهر فيه، و للنهي أنّه يجب مصابرتهم من الصبر و هو الحبس،و المراد به حبس النفس في جهادهم بترك ما يشبهه من تركه، فيخالفها بمصابرتهم حتى يفيئوا إلى الحق،و يرجعوا إلى طاعة الإمام أو يقتلوا.

ص:26


1- الأنفال:5،6.
2- المنتهى 2:982.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):584،المنتهى 2:983.
4- المنتهى 2:983،التذكرة 1:454،المسالك 1:160.
5- الروضة 2:407.

و ظاهر المنتهى أنّ عليه إجماع العلماء (1)؛ للنص زيادة على ما مرّ، و فيه:« القتال قتالان:قتال لأهل الشرك لا ينفر عنهم حتى يسلموا أو يؤدّوا الجزية عن يد و هم صاغرون،و قتال لأهل الزيغ» (2).

و في المنتهى:فإذا فاءوا حرم قتالهم؛ لقوله تعالى حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ [1] (3)تعالى،جعل غاية الإباحة لقتالهم الرّجوع إلى أمر اللّه تعالى، فيثبت التحريم بعدها.و لأنّ المقتضي لإباحة القتل هو الخروج عن طاعة الإمام،فإذا عادوا إلى الطاعة عُدِمَ المقتضي،و لا نعلم فيه خلافاً.و كذلك إن ألقوا السلاح و تركوا القتال.أما لو انهزموا فإنّه يجب قتالهم إن كان لهم فئة يرجعون إليها (4).

و إلى هذا أشار الماتن أيضاً و غيره من الأصحاب (5)من غير خلاف بقوله: و من كان له فئة يرجعون إليها كأصحاب معاوية يجهز من الإجهاز،و هو الإسراع في القتل أي يسرع و يعجل على جريحهم في القتل و أُتبع مدبرهم و مُولّيهم عن الحرب و قتل أسيرهم.

بلا خلاف يظهر فيه أيضاً و لا في أنّ من لا فئة له الخوارج اقتصر على تفريقهم فلا يذفّف بالذال المعجمة و بالمهملة،و في اخرى من ذفّ يذفّ من باب قتل:إذا جهز عليه،أي لا يسرع على جريحهم

ص:27


1- المنتهى 2:984.
2- التهذيب 4:335/114،الوسائل 15:28 أبواب جهاد العدو ب 5 ح 3؛ بتفاوت يسير.
3- الحجرات:9.
4- المنتهى 2:984.
5- منهم:ابن حمزة في الوسيلة:205،و العلّامة في التذكرة 1:455،و الشهيد في الدروس 2:42.

في القتل و لا يتبع مدبرهم و لا يقتل أسيرهم.

و في ظاهر المنتهى الإجماع على هذا التفصيل منّا،و نفي الخلاف عن الحكم فيمن لا فئة له بين العلماء (1).

و الأصل في المقامين بعد الإجماع أخبارنا.

منها:عن طائفتين إحداهما باغية و الأُخرى عادلة،فهزمت العادلة الباغية،قال:« ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبراً،و لا يقتلوا أسيراً،و لا يجهزوا على جريح،و هذا إذا لم يبق من أهل البغي أحد و لم يكن لهم فئة يرجعون إليها،فإذا كان لهم فئة يرجعون إليها فإنّ أسيرهم يقتل و مدبرهم يتبع و جريحهم يُجاز عليه» (2).

و منها:عمّن شهد حروب علي(عليه السّلام)قال:لمّا هزم الناس يوم الجمل قال أمير المؤمنين(عليه السّلام):« لا تتّبعوا مولِّيا و لا تُجيزوا على جريح،و من أغلق بابه فهو آمن» فلمّا كان الصفين قتل المقبل و المدبر و أجاز على الجريح، فقال له أبان بن تغلب:هذه سيرتان مختلفتان[فقال:]إنّ أهل الجمل قتل طلحة و الزبير،و إنّ معاوية كان قائماً بعينه و كان قائدهم» (3).

و نحوه رواية أُخرى مرويّة في الوسائل عن تحف العقول (4).

و قصور الأسانيد و ضعفها مجبور بالشهرة بين أصحابنا،مضافاً إلى الإجماع عليه كما عرفته من المنتهى.

ص:28


1- المنتهى 2:987.
2- الكافي 5:2/32،التهذيب 6:246/144،الوسائل 15:73 أبواب جهاد العدو ب 24 ح 1.
3- الكافي 5:5/33،التهذيب 6:276/155،الوسائل 15:74 أبواب جهاد العدو ب 24 ح 3.
4- تحف العقول:359،الوسائل 15:75 أبواب جهاد العدو ب 24 ح 4.

و اعلم أنّ قوله: و لا يسترقّ ذريتهم و لا نساؤهم لا تعلّق له بمن لا فئة له خاصة،بل يعمّ الفريقين كما صرّح به جماعة (1)،من غير خلاف بينهم أجده،و في صريح الشرائع و السرائر الإجماع عليه (2)،لكن في الروضة عزاه إلى المشهور (3)مؤذناً بوجود خلاف فيه،كما صرّح به أخيراً وفاقاً للدروس (4)،لكن عزاه إلى الشذوذ معربين عن الإجماع أيضاً (5).

و المخالف غير معروف و لا منقول،إلّا في المختلف،فنقل فيه عن العماني بعد اختياره المنع،قال:و قال بعض الشيعة:إنّ الإمام في أهل البغي بالخيار،إن شاء منَّ عليهم و إن شاء سباهم.

قال:و احتجّوا بقول أمير المؤمنين(عليه السّلام)للخوارج،لمّا سألوه عن المسائل التي اعتلّوا بها،فقال لهم:« أمّا قولكم إنّي يوم الجمل أحللت لكم الدماء و الأموال و منعتكم النساء و الذرية،فإنّي مننت على أهل البصرة،كما مَنَّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)على أهل مكة»[قالوا:فأخبر بأنه لم يسبهم،لأنه منّ عليهم كما من رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)على أهل مكّة (6)]و لو شاء لسباهم كما لو شاء النبي أن يسبي نساء أهل مكة (7).

أقول:و ظاهر عبارته المزبورة أنّ القائل غير واحد من الشيعة،و هو

ص:29


1- منهم:الشيخ في النهاية:297،و العلّامة في التذكرة 1:456،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:574.
2- الشرائع 1:327،السرائر 2:16.
3- الروضة 2:408.
4- الدورس 2:42.
5- الروضة 2:409.
6- أضفناه من المصدر.
7- المختلف:337.

أيضاً ظاهر جملة من الأخبار مستفيضة،غير الرواية المزبورة،مروية في التهذيب و غيره.

منها:« سيرة علي(عليه السّلام)في أهل بصرة كانت خيراً لشيعته ممّا طلعت عليه الشمس،إنّه علم أنّ للقوم دولة فلو سباهم لسبيت شيعته» قلت:

فأخبرني عن القائم(عليه السّلام)،أ يسير بسيرته قال:« إنّ علياً(عليه السّلام)سار فيهم بالمنّ لمّا علم من دولتهم،و أنّ القائم(عليه السّلام)يسير فيهم خلاف تلك السيرة،لأنّه لا دولة لهم» (1).

و منها:أ يسير القائم(عليه السّلام)بخلاف سيرة علي(عليه السّلام)؟قال:« نعم، و ذلك إنّ عليّاً(عليه السّلام)[سار]بالمنّ و الكف،لأنه علم أنّ شيعته سيظهر عليهم،و إنّ القائم(عليه السّلام)إذا قام سار فيهم بالسيف و السبى،و ذلك أنه يعلم أنّ شيعته لم يظهر عليهم من بعده أبداً» (2).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الّتي سيأتي إلى بعضها الإشارة.

و لو لا إعراض الأصحاب عنها و نقلهم الإجماع على خلافها،مع ضعف أسانيدها جملة،لكان المصير إليها متّجهاً.

و لا تؤخذ أموالهم أي البغاة مطلقاً كانت لهم فئة أم لا،بلا خلاف في الأموال التي ليست في العسكر بل عليه الإجماع في التحرير و المنتهى و المسالك و الروضة (3)و غيرها (4)؛ و هو الحجة فيه،دون عموم

ص:30


1- الكافي 5:4/33،التهذيب 6:275/155،الوسائل 15:76 أبواب جهاد العدو ب 25 ح 1،و رواه في علل الشرائع:9/149،و المحاسن:55/320.
2- التهذيب 6:271/154،علل الشرائع:1/210،الوسائل 15:77 أبواب جهاد العدو ب 25 ح 3.
3- التحرير 1:156،المنتهى 2:988،المسالك 1:160،الروضة 2:408.
4- كالخلاف 5:346.

النبوي(صلّى اللّه عليه و آله)الآتي:« لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيب من نفسه» (1)لابتنائه على القول بإسلام البغاة،و هو منظور فيه،فإنّ الإسلام الحقيقي ما يحقن به الدماء،و يردّ به الأمانات،و يردّ به الأمانات،كما في الأخبار المعتبرة،و هؤلاء غير محقوني الدم إجماعاً،و لذا وجب قتالهم.

و ظاهر جملة من الأخبار العامية و الخاصية كفرهم،كما عليه أصحابنا فيما حكاه الشيخ (2)و غيره (3)،لكن قال:ظاهرهم الإسلام.

و كيف كان،فبعد الإجماع الظاهر و المحكي لا ريب فيه و لا شبهة تعتريه.

و منه يستفاد تحريم أموال سائر فرق الإسلام و إن حكم بكفرهم،كما صرّح به شيخنا في المسالك،قال:لأنّ هذا الوصف ثابت في البغاة و زيادة،مضافاً إلى ما دلّ عليه من الكتاب و السنة (4).

أقول:و هذه الزيادة ما عرفته،مضافاً إلى أنّ المستفاد من بعض المعتبرة خلافه،و فيه:« خذ مال الناصب حيثما وجدته،و ارفع إلينا الخمس» (5)فالاكتفاء بالاستناد إلى الإجماع و فحواه أولى.و يحتمل أن يكون أراد بالزيادة تأييداً.

و هل يؤخذ من أموالهم ما حواه العسكر ممّا ينقل فيه قولان مشهوران أظهرهما الجواز وفاقاً لأكثر الأصحاب على الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر (6)،بل في ظاهر الغنية و عن صريح

ص:31


1- عوالي اللئلئ 1:98/222،مسند أحمد 5:72.
2- الخلاف 5:335،المبسوط 7:264.
3- انظر كنز العرفان 1:386.
4- المسالك 1:160.
5- التهذيب 4:350/122،الوسائل 9:487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 6.
6- كالمهذَّب 1:298،و التنقيح الرائع 1:573.

الخلاف الإجماع عليه (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل و الأخبار و المستفيضة.

منها: زيادة على ما سيأتي إليه الإشارة مرسلة العماني المتقدمة مستنداً لجماعة من الشيعة في المسألة السابقة (2)،و المرسلة الأُخرى المروية هي كالسابقة عنه في المختلف،و فيها:إنّ رجلاً من عبد القيس قام يوم الجمل،فقال:يا أمير المؤمنين ما عدلت حيث قسمت بيننا أموالهم،و لا تقسم بيننا نساءهم و لا أبناءهم،فقال له:« إن كنت كاذباً فلا أماتك اللّه حتى تدرك غلام ثقيف،و ذلك أنّ دار الهجرة حُرّمت ما فيها، و أنّ دار الشرك أُحلّت ما فيها،فأيّكم يأخذ امّه في سهمه؟» (3)الحديث.

و نحوهما المرسلة الآتية (4).

و الضعف بالإرسال مجبور بالشهرة بين الأصحاب معتضدة بالأصل، و فحوى ما مرّ من الأخبار بجواز قتلهم و سبيهم،فأخذ أموالهم أولى.

خلافاً للمرتضى و الحلّي (5)،و الفاضل في جملة من كتبه (6)،لكنّه رجع عنه إلى المختار في المختلف (7)،و الشهيد في الدروس و اللمعة (8)، لكن وافق المختار في خمس الدروس (9)،فمنعا عنه؛ للنبوي« المسلم أخو

ص:32


1- الغنية(الجوامع الفقهية):584،الخلاف 5:346.
2- راجع ص:3575.
3- المختلف:337،المستدرك 11:61 أبواب جهاد العدو ب 24 ح 10.
4- في ص:3580.
5- المرتضى في الناصريات(الجوامع الفقهية):225،الحلي في السرائر 2:19.
6- كالمنتهى 2:988،و التحرير 1:156،و القواعد 1:118.
7- المختلف:337.
8- الدروس 2:42،اللمعة(الروضة البهية 2):408.
9- الدروس 1:258.

المسلم لا يحلّ دمه و لا ماله إلّا بطيبة من نفسه» (1).

و سيرةِ علي(عليه السّلام)في أهل البصرة،فإنّه أمر بردّ أموالهم،فأُخذت حتى القدر كفاها صاحبها،و لم يصبر على أربابها.

و في الأول:ما مرّ.و لو سلّم فيخصص بما سبق.

و في الثاني:بأنه لنا لا علينا،إذ لولا جوازه لما فعله أوّلاً.و ظاهر الحال و فحوى ما عرفت من الأخبار أنّ ردّها بطريق المنّ لا الاستحقاق، كما مَنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)على كثير من المشركين،كما صرّح به شيخنا في المسالك و الروضة (2).

و المبسوط،ففصّل بين من لم يرجع إلى الحق و إلى طاعة الإمام فالأول،و من رجع إلى طاعة الإمام فالثاني (3).

و استوجهه في المهذب البارع شرح الكتاب فقال:هو الوجه استناداً إلى فعل علي(عليه السّلام)،فإنه لم يقسّم أموال البصرة حيث يرجعوا إلى طاعته،و قسّم ما غنموه إلى أهل الشام،و كل ما ورد من منع القسمة فإنّه في واقعة البصرة (4).و نحوهما الشهيد في الدروس (5)،بل ظاهره انحصار الخلاف في الأول،حيث أفتى في الثاني بالمنع من غير نقل خلاف،ثم نقل الخلاف في الأول.

و فيه نظر،فإنّه ظاهر كلمة الأصحاب المجوّزين و المانعين الإطلاق

ص:33


1- عوالي اللئلئ 1:98/222،مسند أحمد 5:72 بتفاوت يسير.
2- المسالك 1:160،الروضة 2:408.
3- المبسوط 7:266.
4- المهذب البارع 2:302.
5- الدورس 2:42.

من غير تفصيل،و في المختلف (1)اختصاصه بالمبسوط.

و كيف كان،فالمختار الأول؛ لما مرّ مضافاً إلى مرسل آخر مرويّ في المبسوط فقال:و روى أصحابنا أنّ ما يحويه العسكر من الأموال فإنّه يغنم (2).و ظاهره الإطباق على روايته.

و هو مطلق كسابقيه لا وجه لتقييده بعد روايتها بقوله:هذا يكون إذا لم يرجعوا إلى طاعة الإمام،و أمّا إن رجعوا إلى طاعته فهو أحقّ بأموالهم (3).

و عدم قسمة علي(عليه السّلام)أموال أهل البصرة لعلّة بطريق المنّ،كما عرفته.

و يدلّ عليه رواية صريحة،و فيها:إنّ الناس يروون أنّ عليّاً(عليه السّلام)قتل أهل البصرة و ترك أموالهم،فقال:« إنّ دار الشرك يحلّ ما فيها» فقال:« إنّ عليّاً(عليه السّلام)إنّما مَنّ عليهم فأراد أن يُفتدى به في شيعته،فقد رأيتم آثار ذلك، هو ذا يسار في الناس بسيرة علي(عليه السّلام)،و لو قتل علي(عليه السّلام)أهل البصرة جميعاً و أخذ أموالهم[لكان ذلك له حلالاً (4)]لكنّه مَنّ عليهم ليمنّ على شيعته من بعده» (5).

و قريب منها آخر:« لولا أنّ عليّاً(عليه السّلام)سار في أهل حربه بالكفّ عن السبي و الغنيمة،للَقِيَتْ شيعته من الناس بلاءً عظيماً» قال:« و اللّه لسيرته كانت خيراً لكم ممّا طلعت عليه الشمس» (6).

ص:34


1- المختلف:337.
2- المبسوط 7:266.
3- المبسوط 7:266.
4- في النسخ:لكان في ذلك إجلال،و ما أثبتناه من المصدر.
5- علل الشرائع:1/154،الوسائل 15:79 أبواب جهاد العدو ب 25 ح 6.
6- علل الشرائع:10/150،الوسائل 15:79 أبواب جهاد العدو ب 25 ح 8.

و حيث قلنا بالجواز تقسم كما تقسم أموال أهل الحرب من المشركين بغير خلاف.

الثاني أهل الكتاب
اشارة

الثاني: أهل الكتاب بالكتاب و السنة و الإجماع.

و هم اليهود و النصارى،لهم التوراة و الإنجيل.فهو لا يطلب منهم إلّا أحد الأمرين:إمّا الإسلام،أو الجزية.فإن أسلموا فلا بحث،و إن امتنعوا و بذلوا الجزية أُخذت منهم و أقرّوا على دينهم،بلا خلاف ظاهراً.و صرّح به في المختلف و المنتهى مؤذناً بكونه مجمعاً عليه بين العلماء (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الكتاب و السنة.

قال اللّه تعالى سبحانه قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ [1] (2)و في الخبر المتقدّم المتضمن لأنّ اللّه تعالى بعث محمداً(صلّى اللّه عليه و آله)بخمسة سيوف،و عدّ من الثلاثة الشاهرة منها هذا،فقال:و الثاني يعني من السيوف الثلاثة على أهل الذمة،قال اللّه سبحانه قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ [2] ساق الآية إلى أن قال:فهؤلاء لا يقبل منهم إلّا الجزية أو القتل (3).

و في آخر:« القتال قتالان؛ قتال لأهل الشرك لا ينفر عنهم حتّى يسلموا و يؤدوا الجزية عن يدٍ و هم صاغرون» (4).

ص:35


1- المختلف:333،المنتهى 2:905.
2- التوبة:29.
3- راجع ص:3569.
4- التهذيب 4:335/114،الوسائل 15:28 أبواب جهاد العدو ب 5 ح 3؛ بتفاوت يسير.

و يلحق بهم المجوس الذين لهم شبهة الكتاب في ذلك بلا خلاف ظاهر من عد العماني (1).

و صرّح به في المنتهى أيضاً مؤذناً بكونه إجماعياً بين العلماء أيضاً؛ مستدلاً بالنبوي(صلّى اللّه عليه و آله):« سنّوا بهم سنة أهل الكتاب» (2)و هو مرويّ في الفقيه و مجالس الشيخ كما حكي مرسلاً في الأوّل (3)و بسند غير نقيّ في الثاني (4)،لكنّه مشهور بين الخاصّة و العامة،بل قيل (5):متّفق عليه بينهم.

و يدلّ عليه مضافاً إليه صريح النصوص.

منها:عن المجوس كان لهم نبيّ؟فقال:« نعم،أما بلغك كتاب رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)إلى أهل مكة:أسلموا و إلّا نابذتكم بحرب،فكتبوا إلى النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله):أن خُذْ منّا الجزية،و دعنا على عبادة الأوثان.فكتب النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله):إني لست آخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب.فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه-:زعمتَ أنك لا تأخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب،ثم أخذت من مجوس هجر (6)،فكتب رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)إليهم:إنّ المجوس كان لهم نبيّ فقتلوه،و كتاب فأحرقوه.أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور» (7).

ص:36


1- راجع المختلف:333.
2- المنتهى 2:905.
3- الفقيه 2:105/29،الوسائل 15:127 أبواب جهاد العدو ب 49 ح 5.
4- مجالس الشيخ:375،الوسائل 15:128 أبواب جهاد العدو ب 49 ح 9.
5- لم نعثر عليه.
6- هَجَر:مدينة و هي قاعدة البحرين،و قيل ناحية البحرين كلها هجرُ و هو الصواب،و قيل:هجر قرية قرب المدينة.معجم البلدان 5:393.
7- الكافي 3:4/567،التهذيب 4:332/113،الوسائل 15:126 أبواب جهاد العدو ب 49 ح 1.

و منها:[كيف]يؤخذ الجزية عن المجوس و لم ينزل عليهم كتاب و لم يبعث إليهم نبي؟فقال:« بلى قد أنزل اللّه تعالى عليهم كتاباً و بعث إليهم نبيّاً» (1).

و منها:« إنّما ألحقوا باليهود و النصارى في الجزية و الدّيات لأنّهم كان لهم فيما مضى كتاب» (2).

و قريب منها رواية أُخرى:عن المجوس،فقال:« كان لهم نبيّ قتلوه،و كتاب أحرقوه،أتاهم نبيّهم في اثني عشر ألف جلد ثور.و كان يقال له:جاماست» (3).

و ظاهر هذه الأخبار أنّهم من أهل الكتاب،كما صرّح جملة من الأصحاب (4)،لا أنهم ملحقون بهم.

و البحث هنا يقع في أُمور ثلاثة.

فيمن تؤخذ الجزية منه،و كمّيتها،و شرائط الذّمة و هي

فيمن تؤخذ الجزية منه

أي الجزية تؤخذ من اليهود و النصارى اتّفاقاً فتوًى و نصّاً كتاباً و سنةً مستفيضة،كما عرفتها.

و ممّن له شبهة الكتاب،و هم المجوس كما هو الأشهر الأقوى، بل لا خلاف فيه صريحاً إلّا من العماني،فألحقهم في ظاهر كلامه بسائر

ص:37


1- أمالي الصدوق:1/280،الوسائل 15:128 أبواب جهاد العدو ب 49 ح 7 ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- المقنعة:270،الوسائل 15:128 أبواب جهاد العدو ب 49 ح 8.
3- التهذيب 6:350/175،الوسائل 15:127 أبواب جهاد العدو ب 49 ح 3.
4- منهم:ابن زهرة في الغنية:584،و الحلبي في الكافي في الفقه:249،و الشهيد الثاني في الروضة البهية 2:388.

أصناف الكفار (1).و هو مع عدم صراحة كلامه في المخالفة ضعيف (2)بلا شبهة.

و يستفاد منها جواز أخذها،و قد اتّفقت الأدلّة في الدلالة على أن يقاتل هؤلاء كما يقاتل أهل الحرب حتى يسلموا أو ينقادوا لشرائط الذمة،فهناك أي بعد ما انقادوا لشرائطها يقرّون على معتقدهم.

و لا تؤخذ الجزية من الصبيان و المجانين و النساء و البُله بضم الباء الموحدة و سكون اللام:جمع أبله،أي الذي لا عقل له،فيدخل في المجانين،و لذا لم يذكره كثير.أو الذي ضعف عقله،و لعلّه المراد من المعتوه الوارد في النص.و عبّر بعض (3)بدله بالسفيه.

كلّ ذلك للنص:عن النساء كيف سقطت الجزية عنهن؟قال:فقال:

« لأنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)نهى عن قتل النساء و الولدان في دار الحرب إلّا أن يقاتلن،فإن قاتلن أيضاً فأمسك عنها مهما أمكنك و لم تخف خللاً.فلمّا نهى عن قتلهنّ في دار الحرب كان ذلك في دار الإسلام أولى.و لو امتنعت أن تؤدي الجزية لم يمكن قتلها[فلمّا لم يمكن قتلها]رفعت الجزية عنها.

و لو امتنع الرجال أن يؤدّوا الجزية كانوا ناقضين للعهد،و حلّت دماؤهم و قتلهم،لأن قتل الرجال مباح في دار الشرك.و كذلك المُقعد من أهل الذمة،و الأعمى و الشيخ الفاني و المرأة و الولدان في أرض الحرب،فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية» (4).

ص:38


1- كما حكاه عنه في المختلف:333.
2- في« ق»:شاذّ.
3- كابن حمزة في الوسيلة:204.
4- الكافي 5:6/28،الفقيه 2:102/28،التهذيب 6:277/156،الوسائل 15:64 أبواب جهاد العدو ب 18 ح 1،ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

و ضعف السند مجبور بفتوى عامّة العلماء،كما في المنتهى في الصبيان و النساء،و فيه:الإجماع مطلقاً في المجانين مطبقاً (1).هذا مضافاً إلى نصوص أُخر عامية و خاصيةٍ في بعضها.

ففي الخبر:« لا تؤخذ الجزية من المعتوه و لا من المغلوب على عقله» (2).

و يُستفاد من الرواية الأُولى سقوطها عن الهِمّ ،أي الكبير الفاني،و المقعد و الأعمى،كما عن الإسكافي (3).و وافقه الماتن هنا في الأول بقوله: على الأظهر و كذا الفاضل في القواعد فيه،خلافاً له فيه في الأخيرين (4)،و في التحرير و المختلف في الجميع،فقال بعدم السقوط تبعاً لما حكاه عن الشيخ و القاضي ابن البراج و ابن حمزة.قال:لعموم الكتاب،و لأنّها وضعت للصغار و الإهانة،و هو مناسب للكفر الثابت في هؤلاء،فيجب وضعها عليهم عملاً بالمقتضي.و أجاب عن الرواية بضعف راويها مع معارضتها لعموم القرآن (5).

و ظاهر الماتن في الشرائع و الشهيد في الدروس و غيرهما من المتأخرين التردّد فيه (6).و لعلّه في محله و إن قوي دليل المنع عن السقوط؛

ص:39


1- المنتهى 2:963،964.
2- الكافي 3:3/567،الفقيه 2:101/28،التهذيب 4:334/114،الوسائل 15:131 أبواب جهاد العدو ب 51 ح 1.
3- على ما حكاه عنه في المختلف:335.
4- القواعد 1:112.
5- التحرير 1:149،المختلف:335.
6- الشرائع 1:327،الدروس 2:34؛ و أُنظر التنقيح الرائع 1:575.

لابتنائه على ضعف سند النص.و ربما يجبر بموافقته الأصل و فتوى الأصحاب بمجلة ما فيه و لو في غير ما نحن فيه.

و في المسالك:و فصّل بعضهم بأنه إن كان ذا رأي و قتال أُخذت منه، و إلّا فلا.و الأقوى الوجوب مطلقاً للعموم (1).

و في سقوط الجزية عن المملوك أم العدم قولان:

المشهور كما في المنتهى و المختلف (2)الأول؛ للنبوي:« لا جزية على العبد» (3)و أنّ العبد مال فلا تؤخذ منه كغيره من الحيوان» و به أفتى في القواعد و المختلف و المسالك،بناءً على أنه لا يقدر على شيء (4).

خلافاً لظاهر الصدوق في الفقيه،و صريحه في المقنع كما حكي، فالثاني (5)،و وافقه في التحرير (6)؛ للمرتضوي العامّي (7)و الباقري الخاصّي (8)،و فيهما:أنها تؤخذ من سيّده،كما أفتيا به.

و ظاهر المنتهى و الدروس و غيرهما التردّد فيه (9).

و لعلّه في محله،إلّا أنّ مقتضي الأصل حينئذٍ المصير إلى الأوّل،و إن كان الأحوط الأخذ بالثاني.

و من بلغ منهم أي من الصبيان أُمر بالإسلام أو التزام الشرائط،

ص:40


1- المسالك 1:157.
2- المنتهى 2:965،المختلف:334.
3- المغني لابن قدامة 10:587.
4- القواعد 1:112،المختلف:334،المسالك 1:157.
5- الفقيه 2:29،المقنع:160.
6- التحرير 1:149.
7- المغني لابن قدامة 10:588.
8- الفقيه 2:106/29،الوسائل 15:128 أبواب جهاد العدو ب 49 ح 6.
9- المنتهى 2:965،الدروس 2:34؛ و أُنظر الشرائع 1:327.

فإن امتنع صار حربياً كما هنا و في جملة من كتب الفاضل،و منها المنتهى (1)،و ظاهره عدم خلاف فيه بين العلماء،حيث لم ينقل فيه خلافاً؛ و لعلّه للعموم كتاباً و سنةً خرج منه حال الصباوة و بقي غيرها.

و منه يظهر أنه لو أفاق المجنون أو أُعتق العبد فعليهما الجزية و يستأنف العقد معهما،أو يسلما.فإن امتنعا صارا حربيين كما صرّح به في القواعد (2)،و فيه و في المنتهى:أنّه لا اعتبار بجزية الأب (3).و هو كذلك؛ للأصل السالم عن المعارض.

و الأولى أن لا يقدّر الجزية بحسب الشرع كليةً،لا في طرف القلّة و لا في طرف الكثرة،وفاقاً للأكثر كما في كتب (4)،بل لا خلاف فيه يظهر و لا ينقل إلّا من نادر سيظهر،و في الغنية الإجماع عليه (5)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل،و إطلاقات الكتاب و السنة،و خصوص الصحيح:ما حدّ الجزية على أهل الكتاب؟و هل عليهم في ذلك شيء موظّف لا ينبغي أن يجوز إلى غيره؟فقال(عليه السّلام):« ذلك إلى الإمام يأخذ من كلّ إنسان منهم ما شاء على قدر ماله و ما يطيق،إنّما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا،فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون له أن يأخذهم به حتّى يسلموا،فإنّ اللّه تعالى قال حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ [1] و كيف يكون صاغراً و هو لا يكترث لما يؤخذ منه

ص:41


1- المنتهى 2:963،و أُنظر التحرير 1:149.
2- القواعد 1:112.
3- المنتهى 2:963.
4- راجع المنتهى 2:965،و المسالك 1:157.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):584.

حتّى لا يجد (1)ذلّاً لما أُخذ منه،فيألم لذلك فيسلم» (2).

و مع ذلك فإنّه أنسب بالصغار كما استفيد من الصحيح المزبور، و صرّح به الحلّي،فقال بعد أن ذكر اختلاف المفسرين في تفسير الصغار -:و الأظهر أنّه التزام أحكامنا عليهم و إجراؤها،و ألّا يقدر الجزية فيوطّن نفسه عليها،بل يكون بحسب ما يراه الإمام(عليه السّلام)بما يكون معه ذليلاً صاغراً خائفاً،فلا يزال كذلك غير موطّن نفسه على شيء،فحينئذٍ يتحقق الصغار الذي هو الذلّة.ثمّ قال:و ذهب المفيد إلى أنّ الصغار هو:أن يأخذهم الإمام بما لا يطيقون حتى يسلموا،و إلّا فكيف يكون صاغراً و هو لا يكترث بما يؤخذ منه فيسلم (3).

خلافاً للإسكافي،فقدّرها في طرف القلّة،بأنه لا تؤخذ من كلّ كتابي أقلّ من دينار،و وافق المختار في طرف الكثرة (4)؛ للنبوي العامي:أنه(صلّى اللّه عليه و آله) أمر معاذاً أن يأخذ من كلّ حالِم ديناراً (5).

في كميتها

و لنادرٍ غير معروف،فقدّرها بما في بعض الأخبار المشهورة بين الخاصّة و العامّة من أنّه كان عليّ(عليه السّلام)يأخذ من الغنيّ ثمانية و أربعين درهماً،و من المتوسط أربعة و عشرين درهماً،و من الفقير اثني عشر درهماً (6).

ص:42


1- في المصادر عدا الوسائل:حتى يجد.
2- الكافي 3:1/566،الفقيه 2:98/27،التهذيب 4:337/117،الإستبصار 2:176/53،الوسائل 15:149 أبواب جهاد العدو ب 68 ح 1.
3- السرائر 1:473.
4- كما نقله عنه في المختلف:334.
5- سنن البيهقي 9:193.
6- المقنعة:272،الوسائل 15:153 أبواب جهاد العدو ب 68 ح 7.

و ضعفهما ظاهر؛ إذ بعد الإغماض عن سند الروايتين،و عدم معارضتهما للصحيح المتقدم بوجه،قضيّتان في واقعة.فلعلّ فعلهما(عليهما السّلام) كان لاقتضاء المصلحة ذلك التقدير في ذلك الوقت لا أنه كان منهما توظيفاً لازماً يجب العمل به و لو اقتضى المصلحة خلافه.

و يؤيّده أنه لو كان توظيفاً،لما زاد الأمير(عليه السّلام)عمّا قدّره النبي(صلّى اللّه عليه و آله) .فالروايتان بعد ضمّ إحداهما مع الأُخرى،يمكن الاستدلال بهما للمختار لو صحّ سندهما كما فعله في المنتهى (1).

و يجوز وضع الجزية على الرؤوس أو الأرض أي على أحدهما من غير أن يتعيّن شيء منهما،بلا خلاف أجده فتوًى و نصاً.

و في جواز الجمع بينهما في الجزية،بأن توضع عليهما ابتداءً أو مطلقاً قولان،أشبههما عند الماتن هنا و في الشرائع الجواز (2) وفاقاً للمحكي عن الإسكافي و التقي (3)،و اختاره أكثر المتأخرين (4)،و منهم الفاضل في جملة من كتبه (5).

و استدلّ عليه في المنتهى بأنّ الجزية غير مقدّرة في طرفي النقصان و الزيادة،بل هي موكولة إلى نظر الإمام(عليه السّلام)،فجاز أن يأخذ من أراضيهم و رؤوسهم،كما يجوز له أن يضيف الجزية على رؤوسهم في الحول

ص:43


1- المنتهى 2:965.
2- الشرائع 1:328.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:334،التقي(أبو الصلاح)في الكافي:249.
4- كالشهيدين في الدروس 2:34،و الروضة 2:389،و المحقق الكركي في جامع المقاصد 3:451.
5- كالمنتهى 2:966،و التحرير 1:149،و القواعد 1:113.

الثاني،و لأنّ ذلك أنسب بالصغار (1).

و أجاب عنه في المختلف حيث إنّه فيه ممّن اختار المنع،وفاقاً لمن حكاه عنه من النهاية و القاضي و ابن حمزة و الحلّي،فقال:و الجواب:ليس النزاع في تقسيط جزية على الرأس و الأرض،بل في وضع جزيتين عليهما،و استدلّ على المنع بالصحيح:« عليهم ما أجازوا على أنفسهم، و ليس للإمام أكثر من الجزية،إن شاء الإمام وضعها على رؤوسهم و ليس على أموالهم شيء،و إن شاء فعلى أموالهم و ليس على رؤوسهم شيء» (2)(3).أقول:و نحوه صحيح آخر لراويه (4).

و أجاب عنهما في المنتهى بعد أن استدلّ بهما للمنع بأنّا نقول بموجبهما و نحملهما على ما إذا صالحهم على قدر معيّن،فإن شاء أخذ من رؤوسهم و لا شيء له حينئذٍ على أرضهم و بالعكس.و ليس فيهما دلالة على المصالحة على أن يأخذ من رؤوسهم و أرضهم ابتداءً (5).

و كلامه هذا كما ترى ظاهر بل صريح في أنّ محل النزاع إنّما هو تقسيط الجزية على الرؤوس و الأرض معاً ابتداءً،و أنه لو تصالح معهم على أحدهما فليس له الأخذ بالأُخرى اتّفاقاً.مع أنّ المستفاد من كلامه في

ص:44


1- المنتهى 2:966.
2- الكافي 3:1/566،التهذيب 4:337/117،الإستبصار 2:176/53،الوسائل 15:149 أبواب جهاد العدو ب 68 ح 1.
3- المختلف:334.
4- الكافي 3:2/567،التهذيب 4:338/118،الإستبصار 2:177/53،الوسائل 15:150 أبواب جهاد العدو ب 68 ح 2.
5- المنتهى 2:966.

المختلف أنّ جواز تقسيط الجزية الواحدة عليهما ليس محلّ خلاف،و إنّما هو في تقسيط الجزيتين عليهما مطلقاً و لو بعد أن صالح على جزية واحدة على أحدهما ابتداءً.

و على هذا فلم يتشخّص محل النزاع،أ هو ما في المختلف أو ما في المنتهى،و لكن إطلاق نحو المتن يعمّهما،فيعمّهما القول بالمنع و الجواز.

فما في المتن من الجواز كذلك أقوى؛ لما مرّ في المنتهى،مضافاً إلى الأصل،و الإطلاقات السليمة عمّا يصلح للمعارضة،عدا الصحيحين المشار إليهما،و ليس فيهما الدلالة على المنع في محل النزاع أصلاً،و هو تقسيط الجزية الواحدة على الأمرين أو أخذ جزيتين عليهما ابتداءً أو مطلقاً.و إنما غايتهما أنه ليس عليهم بعد الجزية شيء،فإذا جعلها الإمام على رؤوسهم، فليس عليهم بعد هذه الجزية شيء آخر غيرها على أموالهم و بالعكس، لا أنه ليس للإمام أن يقسطها عليهما مثلاً.و لا تعرّض لهما فيهما بنفي أو إثبات أصلاً.فينبغي الرجوع فيهما إلى مقتضى الأُصول و العمومات،و هو الجواز مطلقاً كما قدّمنا.

ثم إنّه ليس في المتن و عبائر كثير تقييد الجواز بالابتداء،و قيّده به في الشرائع (1)معرباً عن عدم الخلاف بالمنع في غيره.

و ظنّي أن المراد به الاحتراز عمّا لو تصالح ابتداءً معهم على جزية رؤوسهم أو أراضيهم إحداهما،فلا يجوز له أخذ جزية أُخرى و لو موضوعة على غير ما وضع عليه الأُخرى،كما تقدّم التصريح به في المنتهى (2).

ص:45


1- الشرائع 1:328.
2- المنتهى 2:966.

و نحوه الفاضل المقداد في شرح الكتاب فقال بعد نقل القولين مع الدليل من الطرفين-:و الأقوى أن نقول:إذا اتّفقوا هم و الإمام على قدر معيّن فأراد الإمام بعد ذلك تقسيطه على الرؤوس و الأموال جاز،و أمّا إذا أراد جعل جزية أُخرى على الأرض فلا يجوز للرواية (1).و أشار بها إلى الصحيحين.

أقول:و في دلالتهما على ذلك أيضاً نظر،يظهر وجهه ممّا مرّ.

و في المسالك:أنه احترز بهذا القيد عمّا لو وضعها على رأس بعضهم و على أرض بعض آخر،فانتقلت الأرض التي وضعت عليها إلى من وضعت على رأسه،فإنه يجتمع عليه الأمران،لكن ذلك ليس ابتداءً، بل بسبب انتقال الأرض إليه (2).

و فيه نظر:فإنّ الاحتراز به عن ذلك إنّما يتمّ لو قيّد للمنع به و ليس كذلك،فإنّه قد أطلق المنع أولاً،ثم نقل قولاً بالجواز بهذا القيد فيقيّد المنع في غيره قولاً واحداً لا الجواز،كما لا يخفى،ثم إنّ الجواز في غير الابتداء بالمعنى الذي ذكره غير واضح؛ لعدم وضوح دليل عليه،إلّا أن يكون إجماعاً،كما ربما يفهم منه و من غيره،بل نفى الخلاف عنه بعض العلماء.

و إذا أسلم الذمي قبل حلول الحول سقطت عنه الجزية فلا يجب عليه أداؤها إجماعاً،كما في المنتهى (3).

و لو كان إسلامه بعده و قبل الأداء لها فقولان:أشبههما السقوط أيضاً و هو أشهر،بل لا يكاد فيه خلاف يعتدّ به يظهر،إلّا من

ص:46


1- التنقيح الرائع 1:576.
2- المسالك 1:157.
3- المنتهى 2:968.

فحوى عبارة الحلبي المحكية في المختلف (1)،و لم يحكه فيه عن أحد غيره،حتى الشيخ في الخلاف،بل أطلق مصيره إلى الأوّل من غير تقييد بما عدا الخلاف،لكن حكاه عنه في المنتهى،و ولده في الإيضاح (2).

و كيف كان فلا ريب في ندرة هذا القول،و ضعف مستنده من الأصل،لوجوب تخصيصه بحديثي الجبّ و نفي الجزية عن المسلم المجمع عليهما من أصلهما،و المعتضدين هنا بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل الإجماع في الغنية (3).

و إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين ما لو أسلم لإسقاطها و عدمه و به صرّح جماعة (4).

خلافاً لبعضهم (5)،فأحتمل الفرق بينهما بالسقوط في الصّورة الثانية دون الاُولى.

و هو ضعيف جدّاً.

و تؤخذ الجزية من تركته لو مات بعد الحول ذميا بلا خلاف فيه بيننا كما يظهر من المنتهى (6)؛ للأصل السليم عن المعارض،عدا بعض القياسات العامية.

الشروط
اشارة

أمّا الشروط فهي على ما ذكر هنا خمسة:

قبول الجزية.

ص:47


1- المختلف:335.
2- المنتهى 2:968،إيضاح الفوائد 1:386.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):584.
4- منهم:العلّامة في المنتهى 2:968،و الشهيد الثاني في المسالك 1:158.
5- كالشيخ في التهذيب 4:135.
6- المنتهى 2:967.

و أن لا يؤذوا المسلمين،كالزنا بنسائهم و اللواط بأطفالهم و السرقة لأموالهم و نحو ذلك.

و أن لا يتظاهروا بالمحرّمات كشرب الخمر و الزنا و نكاح المحرّمات من الأخوات و بناتهن و بنات الأخ.

و أن لا يُحدثوا كنيسةً و لا يضربوا ناقوساً و لا يعلوا بناءً.

[و أن تجري عليهم أحكام الإسلام ] (1). و زاد جماعة (2)سادساً،و هو:أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان،مثل العزم على حرب المسلمين،و إمداد المشركين.

و إنّما لم يذكره الماتن هنا و كثير؛ لأنّه من مقتضيات العقد،و لذا لم يجب اشتراطه فيه،كما في المنتهى.و ينقض بالإخلال به و لو لم يشترط فيه،كما فيه،و فيه نفي الخلاف عن لزوم ذكر الشرط الأول و الخامس فيه، و انتقاضه بالإخلال بأحدهما مطلقاً (3).

و ظاهره عدم لزوم ذكر الشروط الأُخر،و أنّه ممّا ينبغي،و عدم انتقاض الذمة بالإخلال بها كلا أو بعضاً إلّا مع الشرط،فيفعل بهم ما يوجبه شرع الإسلام من حدّ أو تعزير.و هو خيرته في جملة من كتبه (4)تبعاً للماتن في الشرائع (5)،و تبعهما شيخنا في المسالك و الروضة (6).

ص:48


1- أضفنا هذه الفقرة من المختصر المطبوع.
2- منهم:الماتن في الشرائع 1:329،و الشهيد في الدروس 2:34،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 7:439.
3- المنتهى 2:969.
4- كالتذكرة 1:443،و التحرير 1:150.
5- الشرائع 1:329.
6- المسالك 1:158،الروضة 2:389.

خلافاً لظاهر المتن و اللمعة،فظاهرهما الانتقاض به مطلقاً (1)،و به صرّح في الدروس (2)وفاقاً للنهاية و السرائر و الغنية (3)،و فيها الإجماع فتوى.و في الأوّلين الإجماع رواية (4).فقالا:و روى أصحابنا:أنهم متى ما تظاهروا بشرب الخمر،و أكل لحم الخنزير،و نكاح المحرّمات في شرعنا و الربا،نقضوا بذلك العهد.

و لعلّهما أرادا بها الصحيح« أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قبل الجزية من أهل الذمة على أن لا يأكلوا الربا،و لا يأكلوا لحم الخنزير،و لا ينكحوا الأخوات و لا بنات الأخ و لا بنات الأُخت،فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمّة اللّه تعالى و ذمّة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) » (5).و في دلالته على حصول النقض بالإخلال بها مطلقاً نظر.

نعم هو نصّ في ذلك مع الشرط.فيردّ به ما عن الشيخ-(رحمه اللّه) من عدم النقض به مطلقاً و لو مع الشرط (6)سيّما مع ندرته و دعوى الإجماع منه و من غيره على خلافه.فلولاه لكان القول بالتفصيل بين الإخلال مع الشرط فالنقض و بدونه فالعدم،متوجهاً.

و يلحق بذلك البحث في الكنائس و المساجد و المساكن.

ص:49


1- اللمعة(الروضة البهية 2):388.
2- الدروس 2:34.
3- النهاية:292،السرائر 2:7،الغنية(الجوامع الفقهية):584.
4- الظاهر أن مراده من الأولين النهاية و السرائر،و العبارة موجودة في السرائر 1:474،و لم نجدها في النهاية،بل هي موجودة في المبسوط 2:44 من دون ذكر لفظ الربا.
5- الفقيه 2:97/27،التهذيب 6:284/158،الوسائل 15:124 أبواب جهاد العدو ب 48 ح 1.
6- انظر المختلف:335.

فنقول: لا يجوز لأهل الكتاب استئناف البِيَع بكسر الموحدة و تحريك المثناة [الياء] :جمع بيعة النصارى و معبدهم،كسدرة و سدر.

و الكنائس جمع كنيسة،و هي معبد اليهود كما هو ظاهر الأصحاب.و قيل:النصارى أيضاً كما عن الصحاح (1)،لكن من غير ذكر اليهود،و نحوه فيه غيره.

و على هذا فيكون معبد اليهود مخلّاً بذكره،و كان عليه التنبيه عليه بذكر باقي المعابد كصومعة الراهب و غيرها من أنواع البيوت المتخذة لصلاتهم و عباداتهم،لاشتراك الجميع في الحكم في المنع عن إحداثها في بلاد الإسلام سواء أنشأها المسلمون و أحدثوه ككوفة و بغداد و بصرة،و سرّمن رأى فيما ذكره جماعة (2)،و فتحوها عنوةً أو صلحاً على أن يكون لنا و لم يشترط لهم السكنى فيها،بلا خلاف في الأُولى بين العلماء،كما في صريح المنتهى (3)و ظاهر السرائر،و فيه التصريح بأنّه لا يجوز أن يقرّهم على ذلك و أنّه إن صالحهم على ذلك بطل الصلح بلا خلاف (4).

و كذا في الثانية،كما في التحرير (5).

و في المسالك و الدروس الإجماع في الأُولى (6)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى عدم خلاف فيها و لا في غيرها لا ظاهراً و لا محكياً؛ و ما في المنتهى

ص:50


1- الصحاح 3:972.
2- منهم:العلّامة في المنتهى 2:972،و الشهيد الثاني في المسالك 1:158.
3- المنتهى 2:972.
4- السرائر 1:475.
5- التحرير 1:152.
6- المسالك 1:158،الدروس 2:39.

و غيره:من أنّ هذا البلد للمسلمين و هو ملك لهم،فلا يجوز لهم أن يبنوا فيه مجامع الكفر (1).لكنه لا يفي بما هو ظاهر الأصحاب من إطلاق المنع و عمومه لما إذا أقرّهم على ذلك الإمام،و به وقع التصريح في السرائر (2).

و نحوه فيه الخبر المرويّ في المنتهى عن ابن عباس أنّه قال:أيّما مصر مصره العرب فليس من أهل الذمّة أن يبني فيه بيعة،و ما كان قبل ذلك فحق على المسلمين أن يقرّ لهم (3).

و في حديث آخر:« أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة،و لا يضربوا فيه ناقوساً،و لا يشربوا فيه خمراً،و لا يتخذوا فيه خنزيراً» (4).مضافاً إلى عدم حجية الخبر و وهنه.

و كلّ موضع لا يجوز لهم إحداث شيء من ذلك يزال لو استحدث كما هنا و في كتب الفاضل (5)،من غير ظهور خلاف فيه و لا نقله.

و احترز بالاستئناف عمّا لو كان موجوداً في الأرض قبل أن يمصّره المسلمون،فإنه يقرّ على حاله،مثل كنيسة الروم في بغداد،فإنّها كانت في قرى لأهل الذمّة و أقرّت على حالها،كما صرّح به جماعة و منهم شيخنا في المسالك و العلّامة في المنتهى من غير نقل خلاف فيه أصلاً (6).

و يعضده مضافاً إلى الخبر السابق الأصل و اختصاص المانع من النص و الفتوى بالإحداث.

ص:51


1- المنتهى 2:972؛ و أُنظر التذكرة 1:445.
2- السرائر 1:475.
3- المنتهى 2:972.
4- المنتهى 2:972 و فيه:مصَّرَه النبي(صلّى اللّه عليه و آله).
5- كالإرشاد 1:351،و التحرير 1:152،و المنتهى 2:973.
6- المسالك 1:158،المنتهى 2:972.

و منه يظهر الوجه فيما أشار إليه بقوله: و لا بأس بما إذا كان من ذلك عاديا أي قديماً قبل الفتح و لم يهدمه المسلمون.

و عزاه في المسالك إلى المشهور قال:و لم ينقل المصنف و الأكثر في ذلك خلافاً،و نقل في التذكرة أقول:و في التحرير و المنتهى (1)أيضاً عن الشيخ أنّه لا يجوز إبقاؤه؛ لما تقدّم من الدليل على المنع عن الإحداث، و العمل على المشهور،و قد فتح الصحابة كثيراً من البلاد عنوةً و لم يهدموا شيئاً من الكنائس،و حصل الإجماع على ذلك،فإنّها موجودة في بلاد الإسلام من غير نكير.و تردّد في التذكرة حيث نقل المنع عن الشيخ ساكتاً عليه (2).

أقول:و كذا في كتابيه المتقدمين.

و لكن لا وجه له سيّما مع عدم وضوح دليل على المنع سوى، ما قدّمنا،و ليس بجارٍ هنا كما مضى.

و كذا لا بأس بما أحدثوه في أرض الصلح على أن تكون الأرض لهم أو لنا و شرط لهم السكنى فيها و أن يحدثوا فيها كنائس و بيعاً و نحوهما.

و به صرّح جماعة،و منهم السرائر و المنتهى من غير نقل خلاف فيه أيضاً،و لا في أنه إن شرط عليهم أن لا يحدثوا شيئاً أو يخربوها جاز ذلك أيضاً،و إن لم يشترط لم يجز لهم تجديد شيء (3).

و في المنتهى:إذا شرط لهم التجديد و الإحداث فينبغي أن يعيّن

ص:52


1- التذكرة 1:445،التحرير 1:152،المنتهى 2:972.
2- المسالك 1:158.
3- السرائر 1:475،المنتهى 2:973؛ و أُنظر المبسوط 2:46.

مواضع البيع و الكنائس.و كل موضع لا يجوز لهم إحداث شيء فيه إذا أحدثوا فيه جاز نقضه و تخريبه.و كل موضع لهم إقراره لا يجوز هدمه، فلو انهدم هل يجوز إعادته؟تردّد الشيخ في المبسوط في ذلك.ثم نقل الخلاف في ذلك و التردّد أيضاً عن العامة،و لم يرجّح شيئاً.و قال بعد ذلك-:قد وقع الاتفاق على جواز رمّ ما يشعب منها و إصلاحه (1).

و لعلّه المستند في قوله: و يجوز رَمّها مضافاً إلى الأصل و كونه من مقتضيات عقد الصلح.

و لا يجوز أن يُعلي الذمّي بنيانه فوق بنيان المسلم بلا خلاف فيه ظاهراً،بل عليه الإجماع في المسالك و المنتهى (2)،و فيه للنبوي:« الإسلام يعلو و لا يُعلى عليه» (3).

و ظاهر المتن و صريح الشرائع عدم المنع من المساواة (4).و هو خلاف ظاهر النصّ و الأكثر،كالشيخ و جمع ممّن تأخر،و منهم الحلّي و الفاضل و الشهيدان و غيرهم (5)و لعلّه الأظهر.

و مقتضى إطلاق النصّ و الفتوى عدم الفرق في المنع بين كون بناء الجار معتدلاً،أو في غاية الانخفاض حتى لو كان نحو السرداب،لكن استثناه الشهيدان.قال في المسالك:لعدم صدق البناء (6).

ص:53


1- المنتهى 2:973.
2- المسالك 1:158،المنتهى 2:973.
3- الفقيه 4:778/243،الوسائل 26:14 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 11.
4- الشرائع 1:332.
5- الشيخ في المبسوط 2:46،الحلي في السرائر 1:476،العلّامة في المنتهى 2:973،الشهيد الأول في الدروس 2:35،الشهيد الثاني في المسالك 1:159؛ و أُنظر جامع المقاصد 3:463.
6- المسالك 1:159.

و هو حسن لو علّق المنع في النصّ على صدق البناء،و ليس كذلك كما ترى و إنما ذلك في الفتوى و هو على تقدير حجّيّته لا يفيد الجواز في غيره ممّا يدخل في عموم المنع المستفاد من النصّ.

و منه يظهر أنّ المعتبر فيه ما يصدق عليه العلوّ عرفاً من بناء أو هواء، لا خصوص البناء كما قطع به الشهيد الأول و احتمله الثاني (1).

و يظهر الفائدة فيما لو كان بيت الذمّي على أرض مرتفعة و دار المسلم في منخفضة،فعلى ما ذكره الشهيدان يجوز للذمّي أن يرتفع بحيث لا يبلغ طول حائط المسلم،و على غيره يعتبر ارتفاع الأرض عن المسلم من جملة البناء،و جوّزا مع الانعكاس أن يرتفع الذمّي إلى أن يقارب دار المسلم و إن أدّى إلى الإفراط في الارتفاع.

ثم إنّ الظاهر أنّ المنع من ذلك إنّما هو لحقّ الدين،لا لمحض الجار بحيث يسقط مع رضاه.و أنّه لا يجب أن يكون أقصر من بناء المسلمين بأجمعهم في ذلك البلد،و إنما يلزمه أن يقصر عن بناء محلّه،كما صرّح به في السرائر و المنتهى و غيرهما من غير نقل خلاف فيه أيضاً (2).

و يقرّ ما ابتاعه من مسلم على حاله و إن كان عالياً.

و كذا لو كان للذمّي دار عالية فاشترى المسلم داراً إلى جنبها أقصر منها،أو بنى المسلم داراً إلى جنبها أقصر منه فإنه لا يجب على الذمّي هدم علوّه،بلا خلاف في شيء من ذلك يظهر و لا ينقل.

و لو انهدم دار الذمّي العالية فأراد تجديدها فكالمستحدثة لم يعل به على المسلم إجماعاً،و لم يساو على الخلاف.

ص:54


1- الشهيد الأول في الدروس 2:35،الشهيد الثاني في المسالك 1:159.
2- السرائر 1:476،المنتهى 2:973؛ و أُنظر التحرير 1:152.

و كذا لو انهدم ما علا منها و ارتفع،فإنه لا يكون له إعادته.

و لو تشعّب منه شيء و لم ينهدم جاز رمّه و إصلاحه.

صرّح بجميع ذلك في المنتهى و غيره،من غير نقل خلاف (1).

و لا يجوز لأحدهم و لا لغيرهم من المشركين دخول المسجد الحرام مطلقاً بإجماع العلماء،كما في السرائر و المنتهى (2)؛ لنصّ الكتاب إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ [1] (3). و كذا لا يجوز لكل منهم دخول غيره من المساجد مطلقاً و لو أذن له المسلم في الدخول،عندنا كما في الشرائع و التحرير و كنز العرفان (4)،و في المنتهى:إنه مذهب أهل البيت (5).

و ظاهرهم الإجماع كما في صريح المسالك (6)؛ و هو الحجة،دون ما في المنتهى و التذكرة (7)من وجوه عديدة لم أعرف في شيء منها دلالة و إن صلحت لجعلها مؤيّدة،كما في الكنز من الاستدلال عليه بنصوص أهل البيت (8)؛ إذ لم نقف عليها و لا على من أشار إليها أصلاً و هو أعرف بها (9).

ص:55


1- المنتهى 2:973؛ و أُنظر التذكرة 1:446.
2- السرائر 1:189،المنتهى 2:972.
3- التوبة:28.
4- الشرائع 1:332،التحرير 1:151،كنز العرفان 1:49.
5- المنتهى 2:972.
6- المسالك 1:159.
7- المنتهى 2:972،التذكرة 1:445.
8- كنز العرفان 1:49.
9- من النصوص ما ورد في الدعائم 1:149 عن علي(عليه السّلام):« لتمنعنّ مساجدكم يهودكم و نصاراكم و صبيانكم و مجانينكم أو ليمسخنّكم اللّه قردة و خنازير ركّعاً و سجّداً».و قريب منه ما ورد في البحار 80:349 عن نوادر الراوندي.

و فيما ذكرناه كفاية إن شاء اللّه تعالى.

و هنا

مسألتان

مسألتان

الأولى يجوز أخذ الجزية من أثمان المحرّمات

الأولى: يجوز أخذ الجزية من أثمان المحرّمات كالخمر و الخنزير و الأُمور التي يحرم على المسلمين بيعها و شراؤها،بغير خلاف ظاهر،مصرّح به في السرائر (1)،مؤذناً بالإجماع عليه،كما في ظاهر المختلف حيث قال فيه:و عليه علماؤنا (2).إلّا أن فيه و في الدروس نقل الخلاف فيه على إطلاقه عن الإسكافي،حيث خصّ الجواز بغير صورة الإحالة على المشتري،و اختار المنع فيها (3).

و ردّه في المختلف بالعموم.و لعل المراد به عموم الصحيح:عن صدقات أهل الذمة،و ما يؤخذ من جزيتهم من ثمن خمورهم و خنازيرهم و ميتتهم قال:« عليهم الجزية في أموالهم،تؤخذ من ثمن لحم الخنزير أو الخمر،فكلّ ما أخذوا منهم فوِزر ذلك عليهم،و ثمنه للمسلمين حلال، يأخذونه في جزيتهم» (4).

و هو حسن،مع أنّ قوله نادر.

و احترز بالأثمان عن نفس المحرمات،فإنه لا يجوز أخذها إجماعاً كما في المنتهى (5).و لم نر في ذلك خلافاً أيضاً.

الثانية يستحق الجزية من قام مقام المهاجرين

الثانية كان يستحق الجزية في عصر النبي(صلّى اللّه عليه و آله)من يستحقّ

ص:56


1- السرائر 1:474.
2- المختلف:335.
3- الدروس 2:34.
4- الكافي 3:5/568،الفقيه 2:100/28،التهذيب 4:333/113،الوسائل 15:154 أبواب جهاد العدو ب 70 ح 1.
5- المنتهى 2:970.

الغنيمة سواء،فهي للمجاهدين كما في التحرير و المنتهى (1)و غيرهما، و فيهما:و كذلك ما يؤخذ منهم على وجه المعاوضة لدخول بلاد الإسلام.

و في الدروس:إنّ مصرفها عسكر المجاهدين (2).

و لا إشكال فيه؛ للصحيح:« إنّما الجزية عطاء المهاجرين،و الصدقة لأهلها الذين سمّى اللّه تعالى في كتابه،فليس لهم من الجزية شيء» (3).

و إنما الإشكال في مصرفها اليوم،ففي النهاية و السرائر بعد ذكر نحو ما سبق:إنها اليوم ل من قام مقام المهاجرين في الذّب أي الدفع عن الإسلام و نصرته (4).و زاد في السرائر:و لمن يراه الإمام من الفقراء و المساكين من سائر المسلمين.

و النصّ كما ترى خالٍ عن ذلك كله،بل صريح في أن الفقراء و المساكين ليس لهم منها شيء،و لعلّه لذا لم يذكره الشيخ و لا الماتن،مع موافقتهما له فيما عداه.و لعلّ مستندهم فيما ذكروه الإجماع أو نصّ لم نقف عليه.و يمكن الاستدلال لهم بنوع من الاعتبار.

الثالث من ليس لهم كتاب

الثالث (5):من ليس لهم كتاب و لا شبهة كتاب من سائر فرق الكفار.و هؤلاء يجب قتالهم إلى أن يسلموا أو يقتلوا،و لا تقبل منهم الجزية مطلقاً،بغير خلاف فيه بيننا،ظاهر و لا محكي،إلّا عن الإسكافي في الصابي،فألحقه بالكتابي (6).

ص:57


1- التحرير 1:152،المنتهى 2:973.
2- الدروس 2:41.
3- الكافي 3:6/568،التهذيب 4:380/136،الوسائل 15:153 أبواب جهاد العدو ب 69 ح 1.
4- النهاية:193،السرائر 1:474.
5- ممّن يجب جهاده.
6- كما حكاه عنه في المختلف:333.

و هو نادر،بل على خلافه الإجماع في ظاهر المنتهى و صريح الغنية، فإنّ فيها:و لا يجوز أخذ الجزية من عباد الأوثان،سواء كانوا عجماً أو عرباً،و لا من الصابئين و لا غيرهم،بدليل الإجماع المشار إليه.و أيضاً قوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [1] (1)و قوله سبحانه فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ [2] (2)و لم يذكر الجزية و قوله تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ [3] إلى قوله مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ [4] (3)فشرط في أخذ الجزية أن يكونوا من أهل الكتاب،و هؤلاء ليسوا كذلك (4).انتهى.

و يدلّ على ذلك زيادة على ما ذكره الأخبار المتقدم إلى جملة منها الإشارة،و منها خبر الأسياف ففيه:« فأمّا السيوف الثلاثة المشهورة فسيف على مشركي العرب،قال اللّه عز و جل فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [5] (5)فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ [6] (6)فهؤلاء لا يقبل منهم إلّا القتل أو الدخول في الإسلام،و أموالهم و ذراريهم سبي على ما سنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،فإنه سبى و عفا و قَبِل الفداء» إلى أن قال:

« و السيف الثالث على مشركي العجم يعني الترك و الديلم و الخزر،قال اللّه تعالى سبحانه في أوّل السورة التي يذكر فيها الذين كفروا،فقصّ قصّتهم قال

ص:58


1- التوبة:5.
2- محمد« صلّى اللّه عليه و آله»:4.
3- التوبة:29.
4- انظر المنتهى 2:961،و الغنية(الجوامع الفقهية):584.
5- التوبة:5.
6- التوبة:11.

فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها [1] (1)فأمّا قوله فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ [2] يعني:

بعد السبي وَ إِمّا فِداءً [3] يعني:المفاداة بينهم و بين أهل الإسلام،فهؤلاء لن يقبل منهم إلّا القتل أو الدخول في الإسلام،فلا تحلّ لنا مناكحتهم ما داموا في الحرب» (2).

و يبدأ الإمام بقتال من يليه من الكفار،الأقرب منهم فالأقرب،وجوباً كما في ظاهر المتن و الدورس (3)و صريح المسالك،قال:

لقوله تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ [4] (4)و الأمر للوجوب (5).

و فيه نظر؛ فإنّ الأمر بمقاتلتهم غير الأمر بالبدأة بقتالهم،و لذا لم أر مصرّحاً بالوجوب عداه،فقد عبّر الماتن في الشرائع بالأولى،و الحلّي في السرائر و الفاضل في المنتهى و التحرير بلفظة« ينبغي» (6)و اللفظتان و لا سيّما الاُولى مشعرتان بالاستحباب أو الاحتياط،كما صرّح به في كنز العرفان (7).

و لا ريب فيه إلّا مع اختصاص الأبعد بالخطر و الضرر الأعظم،أو كان الأقرب مُهادناً،بلا خلاف؛ للأصل،و عدم دليل على رجحان البدأة في هذه الصورة إن لم نقل بظهور الدليل على رجحان العكس فيها بل قد يجب

ص:59


1- محمد« صلّى اللّه عليه و آله»:4.
2- الكافي 5:2/10،التهذيب 6:230/136،الخصال:18/274،الوسائل 15:25 أبواب جهاد العدو ب 5 ح 2.
3- الدروس 2:31.
4- التوبة:123.
5- المسالك 1:150.
6- الشرائع 1:310،السرائر 2:6،المنتهى 2:907،التحرير 1:135.
7- كنز العرفان 1:356.

أحياناً كما في الصورة الأُولى.

و في الدروس و المسالك بعد ذكر الاستثناء:و من ثَم أغار رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)على الحارث بن أبي ضرار لمّا بلغه أنه مجمع له،و كان بينه و بينه عدوّ أقرب منه،و كذا فعل بخالد بن سفيان الهذلي (1).

و لا يبدؤن أي الكفّار مطلقاً بالقتال إلّا بعد الدعوة لهم إلى الإسلام و إظهار الشهادتين،و الإقرار بالتوحيد و العدل،و التزام جميع شرائط الإسلام.

فإن امتنعوا بعد ذلك حلّ جهادهم بغير خلاف؛ للنصوص، منها المرتضوي:« بعثني رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)إلى اليمن فقال:يا علي،لا تقاتل أحداً حتى تدعوه،و أيم اللّه لأن يهدي اللّه تعالى على يديك خير لك ممّا طلعت عليه الشمس و غربت،و لك ولاؤه يا علي» (2).

و لأنّ الغرض إدخالهم في الإسلام،و إنّما يتمّ بدعائهم إليه.

و في المنتهى:و يستحبّ أن يكون الدعوة بما في النصّ:كيف الدعوة إلى الدين؟فقال:« يقول:بسم اللّه أدعوك إلى اللّه تعالى و إلى دينه، و جماعة أمران:أحدهما معرفة اللّه تعالى،و الآخر العمل برضوانه،و إنّ معرفة اللّه أن يعرف بالوحدانية و الرأفة و العزّة و العلم و القدرة و العلوّ في كلّ شيء،و أنه الضارّ النافع القاهر لكل شيء،الذي لا تدركه الأبصار،و هو يدرك الأبصار،و هو اللطيف الخبير،و أنّ محمّداً عبده و رسوله،و أنّ ما جاء به هو الحق من عند اللّه و ما سواه هو الباطل.فإذا أجابوا إلى ذلك فلهم

ص:60


1- الدروس 2:31،المسالك 1:150.
2- الكافي 5:2/36،التهذيب 6:240/141،الوسائل 15:43 أبواب جهاد العدو ب 10 ح 1.

ما للمؤمنين،و عليهم ما على المؤمنين» (1).

و يختصّ بدعائهم إلى ذلك الإمام أو من يأمره من سائر المسلمين.

و ظاهره كالتحرير و المنتهى و غيرهما تعيّنهما (2)،فلو دعاهم غيرهما لم يجز قتالهم إلّا بعد دعائهما مطلقاً.

خلافاً لظاهر النهاية و السرائر،فعبّرا بلفظة« لا ينبغي» (3)المشعرة بجواز دعاء الغير أيضاً.و هو الأوفق بقوله: و تسقط الدعوة عمّن قوبل بها و عرفها.

فإنّ قوله:و عرفها،يعمّ ما لو عرف بدعاء الغير.و أظهر منه عبارة التحرير و المنتهى (4)،إلّا أن يقيّد إطلاق هذا بذلك.كما ربما يفهم من الدروس حيث قال:و لو قوتلوا مرّة بعد الدعاء لكفى عمّا بعدها (5)،فتأمل جدّاً.

و لا ريب أنه أحوط و أولى،و لا خلاف في السقوط هنا.

قالوا:و لذا غزا النبي(صلّى اللّه عليه و آله)بني المصطلق غارّين أي غافلين فاستأصلهم (6).

و لكن الأفضل الدعوة مطلقاً،كما في التحرير و المنتهى (7)؛ لإطلاق

ص:61


1- المنتهى 2:904.
2- التحرير 1:134،المنتهى 2:904؛ و أُنظر القواعد 1:102.
3- النهاية:292،السرائر 2:6.
4- التحرير 1:134،المنتهى 2:905.
5- الدروس 2:31.
6- انظر الدروس 2:31،و الروضة 2:387.
7- التحرير 1:134،المنتهى 2:905.

الرواية المتقدمة،و النبوي المروي في المنتهى:أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)أمر عليّاً(عليه السّلام)حين أعطاه الراية يوم خيبر و بعثه إلى قتالهم،أن يدعوهم.و فيه:و هم ممّن قد بلغته الدعوة،و دعا سلمان أهل فارس،و دعا علي(عليه السّلام)عمرو بن عبد ود فلم يسلم مع بلوغه الدعوة (1).

و لو اقتضت المصلحة المهادنة و هي المعاقدة مع من يجوز قتاله من الكفار على ترك الحرب مدّة معينة،لقلّة المسلمين،أو رجاء إسلامهم، أو ما يحصل به الاستظهار و الاستعانة و القوة جاز بالإجماع على الظاهر،المصرّح به في المنتهى (2)،و نصّ الكتاب،قال اللّه سبحانه وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها [1] (3)و ليست بمنسوخة عندنا.

و إطلاقه كغيره من الآيات يعمّ ما لو كان بغير عوض،و عليه الإجماع في المنتهى (4)،و بعوض يأخذه الإمام منهم بلا خلاف كما فيه،أو يعطيه إيّاهم،لضرورة أو غيرها.

خلافاً للمنتهى،فخصّه بالضرورة و منع غيرها،بل قال:يجب القتال و الجهاد لقوله تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [2] إلى قوله تعالى حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ [3] (5).و لأن فيه صغاراً و هواناً.أمّا مع الضرورة فإنّما صرنا إلى الصغار دفعاً لصغار أعظم منه من القتل و السبي و الأسر الذي يفضي إلى كفر الذريّة،بخلاف غير الضرورة (6).انتهى.

ص:62


1- المنتهى 2:905.
2- المنتهى 2:973.
3- الأنفال:61.
4- المنتهى 2:973.
5- التوبة:29.
6- المنتهى 2:975.

و يمكن أن يقال:إنّ الآية الأُولى أخصّ من الثانية،فلتكن عليها مقدّمة.و مراعاة المصلحة تغني عن التفصيل بين الضرورة و غيرها؛ إذ لو فرض وجودها في غير الضرورة جاز معها و لو في غيرها،كما جاز معها في حال الضرورة،فإنّ مناط الجواز المصلحة لا الضرورة،و مع فقدها لم يجز مطلقاً.

نعم،للتفصيل وجه في الوجوب لا الجواز،فعليه فيجب الدفع مع الضرورة و لا مع عدمها و إن جاز.

كما أنّ الحال في نفس الهدنة كذلك،فتجب في حال الضرورة و الحاجة و لا مع عدمها و إن جاز مع المصلحة،كما صرّح به جماعة و منهم الفاضل المقداد في كنز العرفان (1)،و شيخنا في الروضة فقال:ثم مع الجواز قد تجب مع حاجة المسلمين إليها،و قد تباح لمجرد المصلحة التي لا تبلغ حدّ الحاجة،و لو انتفت انتفت الصحة (2).

خلافاً له أيضاً،فأطلق أنها ليست واجبة،قال:سواء كان في المسلمين قوة أو ضعف،لكنها جائزة،بل المسلم يتخيّر في فعل ذلك، برخصة ما تقدم يعني ما دلّ على جواز المهادنة و بقوله تعالى وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [1] (3)و إن شاء قاتل حتى يلقى اللّه تعالى شهيداً، عملاً بقوله تعالى وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ [2] (4)إلى أن قال:و كذلك فعل سيّدنا الحسين(عليه السّلام) (5).

ص:63


1- كنز العرفان 1:380.
2- الروضة 2:400.
3- البقرة:195.
4- البقرة:190.
5- المنتهى 2:974.

و فيه نظر؛ فإن آية النهي عن الإلقاء في التهلكة لا تفيد الإباحة المختصة،بل التحريم،خرج منه صورة فقد المصلحة،لوجوب القتال حينئذ إجماعاً.

و حبّ لقاء اللّه تعالى شهيداً و إن كان مستحسناً لكن حيث يكون مشروعاً،و هو ما إذا لم تدعو حاجة و لا ضرورة،و أما معها فاستحسانه أوّل الدعوى.

مع أنه معارض بما ذكره في صورة جواز بذل الإمام المال،من الصغار الحاصل من القتل و السبي و الأسر الذي يفضي إلى كفر الذرية.

فإنّ هذه أجمع لعلّه عند اللّه سبحانه أعظم من لقاء اللّه تعالى شهيداً.

و أمّا فعل سيّدنا الحسين(عليه السّلام)فربما يمنع كون خلافه مصلحة،و أنّ فعله كان جوازاً لا وجوباً،بل لمصلحة كانت في فعله خاصّة لا تركه.كيف لا؟!و لا ريب أنّ في شهادته إحياءً لدين اللّه قطعاً،لاعتراض الشيعة على أخيه الحسن في صلحه مع معاوية،و لو صالح(عليه السّلام)هو أيضاً لفسدت الشيعة بالكلية،و لتقوى مذهب السنة و الجماعة،و أيّ مصلحة أعظم من هذا،و أيّ مفسدة أعظم من خلافه؟كما لا يخفى.

ثمّ إنّ المهادنة و إن جازت أو وجبت لكن لا يتولاّها أي عقدها، و كذا عقد الذمّة بالجزية كما في المنتهى إلّا الإمام،أو نائبه (1) المنصوب لذلك،بلا خلاف أجده.

و في المنتهى:لا نعلم فيه خلافاً،قال:لأنّ ذلك يتعلّق بنظر الإمام و ما يراه من المصلحة،فلم يكن للرعية توليته،و لأن تجويزه من غير الإمام

ص:64


1- في المختصر المطبوع:مَن يأذن له.

يتضمن إبطال الجهاد بالكلية،أو إلى تلك الناحية (1).

و يجوز أن يذم بضم أوله و كسر تاليه مضارع أذمّ،أي:

أجار و أمّن الواحد من المسلمين للواحد من الكفار فصاعداً إلى العشرة،كما ذكره جماعة (2).

و يمضي ذمامه على الجماعة أي جماعة المسلمين،فلا يجوز لهم نقضه و لو كان الذي أذمّ أدونهم أي أدون الجماعة شرفاً كالعبد و المرأة و نحوهما كما لا يخفى،فلا يمضي عليهم ذمام المجنون و لا الصبي مطلقاً.

بلا خلاف في شيء مما ذكر يظهر،و لا ينقل إلّا عن الحلبي في الجواز،قال:فإن فعل أثم و لكن يمضي (3).و هو نادر ضعيف.

للنبوي المشهور بين الخاصّة و العامّة:« المؤمنون بعضهم أكفاء بعض،يتكافأ دماؤهم،و يسعى بذمّتهم أدناهم» (4).

لكن في القويّ الوارد في تفسيره:ما معنى قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله)يسعى بذمّتهم أدناهم؟قال:« لو أنّ جيشاً من المسلمين حاصروا قوماً من المشركين فأشرف رجل فقال:أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم و أُناظره، فأعطاه الأمان أدناهم،وجب على أفضلهم الوفاء به» (5).

ص:65


1- المنتهى 2:975.
2- منهم:الشيخ في المبسوط 2:14،و القاضي في المهذب 1:305،و العلامة في المنتهى 2:975.
3- الكافي:257.
4- عوالي اللئلئ 1:141/235،و ج 2:38/274،مسند أحمد 1:122،الوسائل 29:75 أبواب القصاص في النفس ب 31 ح 1،2.
5- الكافي 5:1/30،التهذيب 6:234/140،الوسائل 15:66 أبواب جهاد العدو ب 20 ح 1.

و في الخبر:« إنّ علياً(عليه السّلام)أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن من الحصون،و قال:هو من المؤمنين» (1).

و مقتضاهما كغيرهما الحكم الثاني من المضيّ على الجماعة،دون الجواز لكن الأصل المعتضد بالشهرة العظيمة،السليم عمّا يصلح للمعارضة لعله كافٍ في إثباته.

و إطلاق الأوّل يشمل ما لو أذمّ أهل بلد أو إقليم أو صُعق،لكنه خارج بلا خلاف،بل في المنتهى عليه الإجماع.

قال:و كذا لو هادن أحد من الرعية بلداً أو صقعاً لم يصحّ ذلك إجماعاً،فإن دخل أحد هؤلاء الذين هادنهم غير الإمام و نائبه إلى دار الإسلام كان بمنزلة من جاء منهم و ليس بيننا و بينه عقد (2).

و ظاهر الخبر الثالث يعطي جواز الأمان للحصن،كما أفتى به جماعة (3)،و يعضده الأصل و عموم النبوي.خلافاً لآخرين،و دليلهم غير واضح.

و من دخل بين المسلمين بشبهة الأمان كأن سمع شيئاً فزعم الأمان فدخل فهو آمن حتى يُردّ إلى مأمنه و كذا لو استذمّ فقيل أي قال له المسلمون: لا نذمّ،فظنّ أنهم قد أذمّوا فدخل بينهم وجب إعادته إلى مأمنه،نظراً إلى الشبهة بغير خلاف ظاهر و لا منقول.

ص:66


1- الكافي 5:2/31،التهذيب 6:235/140،قرب الإسناد:488/138،الوسائل 15:67 أبواب جهاد العدو ب 20 ح 2.
2- المنتهى 2:975.
3- كالقاضي في المهذب 1:306،و العلامة في التذكرة 1:414.

و لعلّه لبعض المعتبرة:« لو أنّ قوماً حاصروا مدينة فسألوهم الأمان فقالوا:لا،فظنّوا أنهم قالوا:نعم،فنزلوا إليهم،كانوا آمنين» (1).

لكنه أخصّ من المدّعى،لاختصاصه بالمذكور بعد كذا.

و لعلّه لورود النص فيه أفرده بالذكر بعد أن كان في الإطلاق السابق داخلاً،و إلّا فلا وجه له أصلاً.

و كيف كان،فالنص لا يفيد الكلّية إلّا أن يستنبط منه بالفحوى.

و بالجملة:فالعمدة في أصل الحكم النبوي،و عدم خلاف فيها،و إلّا فالنصّ مع قصوره دلالة كما مضى قاصر سنداً أيضاً.

و إذا التقى الفئتان لا يجوز الفرار من الحرب إذا كان العدوّ على الضعف من المسلم أي قدره مرّتين أو أقلّ بلا خلاف في الجملة للجملتين،كالمائة و المائتين و الألف و الألفين،على الظاهر، المصرّح به في التنقيح (2)؛ للآيات.

منها إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ [1] (3).و منها إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا [2] (4).و عدّ من الكبائر في جملة من الأخبار (5).

ص:67


1- الكافي 5:4/31،التهذيب 6:237/140،الوسائل 15:68 أبواب جهاد العدو ب 20 ح 4.
2- التنقيح الرائع 1:579.
3- الأنفال:15،16.
4- الأنفال:45.
5- الوسائل 15:318 أبواب جهاد النفس ب 46.

و في انسحاب الحكم للآحاد بمعنى وجوب ثبات الواحد للاثنين فيحرم فراره منهما،أم لا،قولان،أحوطهما ذلك؛ للنص (1).

إلّا لمتحرّف لقتال،أي منتقل إلى حالة أمكن من حالة التي هو عليها،كاستدبار الشمس و تسوية اللأمة و ورود الماء و طلب السعة.

أو متحيّز أي منضمّ إلى فئة ليستنجد بها في المعونة على القتال،قليلة كانت أو كثيرة،مع صلاحيتها له،و كونها غير بعيدة على وجه يخرج عن كونه مقاتلاً عادة.فلا حرمة في الصورتين؛ لما عرفت من نصّ الآية الشريفة.

و الحكم بالحرمة في غيرهما مطلق و لو غلب على الظنّ العطب و الهلاك،على الأظهر،وفاقاً لأكثر الأصحاب؛ عملاً بما مرّ من إطلاق الكتاب،و التفاتاً إلى جواز كذب ظنّه،لقوله تعالى فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [1] (2).خلافاً للمختلف (3)و غيره،فقيّداه بغير صورة غلبة الظن؛ عملاً بقوله تعالى وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [2] (4)و لما فيه من حفظ النفس الواجب دائماً و إمكان تحصيل مقصود الجهاد بعد ذلك.

قال في المختلف بعد ذلك:و وجوب الثبات لا ينافي ما قلنا،فإنّ المطلوب يصدق في أيّ جزء كان.

و يضعّف:بأن إلقاء النفس إلى التهلكة الموجب لعدم حفظ النفس

ص:68


1- الوسائل 15:84 أبواب جهاد العدوّ ب 27.
2- الأنفال:66.
3- المختلف:325.
4- البقرة:195.

الواجب و للتغرير بها ليس منافياً للجهاد،بل مقصود فيه.

و المتبادر من الثبات المطلق عدم الفرار مطلقاً،كما نصّت عليه الآية الاُولى فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ [1] . و احترز بالشرط عما لو كان العدو و أكثر من الضعف، فإنه لو فرّ حينئذ جاز إجماعاً كما في التحرير و المنتهى،و فيهما:و لو غلب على ظنّ المسلمين الظفر استحب لهم الثبات،لما فيه من المصلحة، و لا يجب.قال في المنتهى:لأنهم لا يأمنون العطب،و لأن الحكم بجواز الفرار علّق على مظنّته،و هو كون المسلمين أقلّ من ضِعف العدوّ،و لهذا لزمهم الثبات إذا كانوا أكثر من النصف و لو غلب على ظنّهم الهلاك (1).

ثم إنّ إطلاق النص و الفتوى بتحريم الفرار يعمّ صورتي الاختيار و الاضطرار.خلافاً لشيخنا في المسالك و الروضة،فقيّده بحال الاختيار، قال:و أما المضطر كمن مرض أو فقد سلاحه فإنه يجوز له الانصراف (2).

و لعلّه لفقد شرط وجوب الجهاد،لما مرّ من اشتراطه بالسلامة من المرض.و لعلّه أيضاً مراد الأصحاب،و إنما تركوه اتّكالاً على ما قدّموه في بحث الشروط.

و يجوز المحاربة بكل ما يُرجى به الفتح،كهدم الحصون،و رمي المجانيق و التحريق بالنار،و قطع الأشجار،و إرسال الماء و منعه عنهم، و نحو ذلك،مع الضرورة و توقف الفتح عليه،و عدمها،و إن كره بعضها بدونها. و لا يضمن ما يتلف بذلك المسلمين الذين بينهم.

بلا خلاف في شيء من ذلك يظهر إلّا ما سيذكر؛ للأصل،

ص:69


1- التحرير 1:135،المنتهى 2:908.
2- المسالك 1:150،الروضة 2:392.

و العمومات كتاباً و سنة،و التأسي في قطع الأشجار و الحرق و تخريب الديار؛ فقد فعله النبي(صلّى اللّه عليه و آله)في أهل الطائف و بني النضير،على ما ذكره جماعة من الأصحاب (1).

و خصوص النص:عن مدينة من مدائن الحرب هل يجوز أن يرسل عليهم الماء،أو يحرقون بالنار،أو يرمون بالمنجنيق حتى يقتلوا و فيهم النساء و الصبيان و الشيخ الكبير و الأُسارى من المسلمين و التجار؟فقال:

« يفعل ذلك،و لا يمسك عنهم لهؤلاء،و لا دية عليهم[للمسلمين]و لا كفّارة» (2).

و قصور السند أو ضعفه مجبور بالأصل و العمل،و بذلك يترجح على الأخبار الناهية عن بعض هذه الجملة،مع قصور أسانيدها جملة و إن اعتبر بعضها،كالحسن:« لا تغلّوا،و لا تمثّلوا،و لا تغدروا،و لا تقتلوا شيخاً فانياً و لا صبيّاً و لا امرأة،و لا تقطعوا شجرة إلّا أن تضطروا إليها» (3).

و نحوه الخبر الآخر:« لا تغدروا،و لا تغلّوا،و لا تمثّلوا،و لا تقتلوا وليداً و لا مُتبتّلاً في شاهق،و لا تحرقوا النخل،و لا تغرقوه بالماء،و لا تقطعوا شجرة مثمرة،و لا تحرقوا زرعاً،لأنّكم لا تدرون لعلّكم تحتاجون إليه،و لا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلّا ما لا بدّ لكم من أكله»

ص:70


1- منهم:الشيخ في المبسوط 2:11،و العلامة في المنتهى 2:909،و الشهيد الثاني في الروضة 2:392؛ و أُنظر سنن البيهقي 9:85،و سنن ابن ماجة 2:2844/948،2845.
2- الكافي 5:6/28،التهذيب 6:242/142،الوسائل 15:62 أبواب جهاد العدو ب 16 ح 2.و ما بين المعقوفين من المصدر.
3- الكافي 5:1/27،و 9/30،التهذيب 6:231/138،المحاسن:51/355،الوسائل 15:58 أبواب جهاد العدو ب 15 ح 2.

الخبر (1).

فينبغي حملها على الكراهة و إن أمكن الجمع بينهما بحمل الرواية بالجواز على حال الضرورة.و هذه على حالة الاختيار،كما هو ظاهر الحسنة.

و الأصل يقتضي المصير إلى هذا الجمع؛ لاعتبار الخبر بإبراهيم بن هاشم و الوشّاء بل صحته كما هو التحقيق.فينبغي الرجوع إلى تقييد لاحقه و سابقه مع قصور إطلاقه بوروده في مقام جواب السؤال عن جواز القتل بما فيه من جهة الخوف على مَن فيه،لا جوازه به من جهته.

و ربّما أشعر بذلك عبارة النهاية،حيث قال بعد الحكم بجواز قتال الكفار بسائر أنواع القتل و أسبابه إلّا السم-:و متى استعصى على المسلمين موضع منهم كان لهم أن يرموهم بالمجانيق و النيران و غير ذلك مما يكون فيه فتح (2)؛ لاشتراطه الاستعصاء في ذلك.

و لكن ظاهر الأصحاب الجواز مطلقا،حتى إنهم لم ينقلوا فيه خلافاً منّا.فهذا أقوى،و إن كان مراعاة التقييد أولى.

و لذا يكره في حال الاختيار بإلقاء النار و قطع الأشجار،و التغريق بالماء و نحوه منعه عنهم؛ لما في الدروس عن علي(عليه السّلام):

« لا يحلّ منع الماء» قال:و يحمل على حالة الاختيار و إلّا جاز (3).

و ظاهره التحريم به اختياراً عملاً بالرواية.لكنها مرسلة لا تصلح

ص:71


1- الكافي 5:8/29،التهذيب 6:232/138،الوسائل 15:59 أبواب جهاد العدو ب 15 ح 3.
2- النهاية:293.
3- الدروس 2:32.

لتخصيص ما قدّمناه من الأدلة،نعم لا بأس بالكراهة.

و يحرم المحاربة بإلقاء السمّ وفاقاً للنهاية و الغنية و الدروس و السرائر،قال:و به نطقت الأخبار عن الأئمة الأطهار(عليهم السّلام) (1).

و لم نقف إلّا على رواية السكوني القويّة به و بصاحبه،و فيها:« إن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)نهى أن يُلقَى السمّ في بلاد المشركين» (2).

و هي كما ترى قاصرة السند؛ و لذا قيل إنّه يكره و القائل الشيخ في المبسوط (3)زياً له إلى رواية الأصحاب مؤذناً باتّفاقهم عليها.

و لعلّه الأقوى،وفاقاً له و لأكثر المتأخرين بل عامّتهم عدا من مضى، حتى الشهيد في اللمعة (4)؛ لأدلة الجواز أصلاً و نصّاً،كتاباً و سنة السليمة عما يصلح للمعارضة،سوى الرواية المانعة،و هي لما عرفت قاصرة السند و إن تأيّدت بالقوة و بالروايات المرسلة في السرائر،لمعارضتها برواية الأصحاب المنقولة في المبسوط كما عرفت،مع أنها غير صريحة قابلة للحمل على الكراهة.

مع أنها لو أُبقيت على ظاهرها من التحريم كانت شاذّة،لرجوع الشيخ في في المبسوط عمّا ذكره في النهاية.

و لو تترّسوا بالصبيان و المجانين و النساء و الحرب قائمة و لم يمكن الفتح إلّا بقتلهم جاز بشرط أن لا يقصدوهم،بل من خلفهم من

ص:72


1- النهاية:293،الغنية(الجوامع الفقهية):584،الدروس 2:32،السرائر 2:7.
2- الكافي 5:2/28،التهذيب 6:244/143،الوسائل 15:62 أبواب جهاد العدو ب 16 ح 1.
3- المبسوط 2:11.
4- اللمعة(الروضة البهية 2):392.

المشركين،و لا يكفّ عنهم لأجل الترس،بغير خلاف ظاهر؛ للنص المتقدم في جواز المحاربة بكلّ ما يُرجى به الفتح.

و إطلاقه كالعبارة و نحوها من عبائر الجماعة (1)يعمّ ما لو لم تكن الحرب قائمة،كأن كانوا في حصن يتحصّن،أو كانوا من وراء خندق كافّين عن القتال.و به صرّح في المنتهى (2)،عازياً له إلى الشيخ.لكنّه قال في التحرير:الأولى تجنّبه (3).و هو أيضاً ظاهر السرائر (4).

و لعلّه لما سيأتي من الأخبار الناهية عن قتل هؤلاء،خرج منها صورة قيام الحرب بالنصّ و الوفاق،و بقي الباقي.و لا ريب أنّه أحوط،و إن كان الأول لعلّه أقرب،وفاقاً للأكثر.

و كذا الحكم فيما لو تترّسوا بالأُسارى من المسلمين و الحرب قائمة أو مطلقاً،على الخلاف المتقدم،و لا يمكن الفتح إلّا بقتلهم،جاز بالشرط المتقدم بلا خلاف،لعين ما مرّ من النصّ.

و فيه التصريح بأنّه لا دية عليهم و لا كفارة.

و لا خلاف في الأوّل،و ظاهر المنتهى إجماعنا عليه،و إجماع الكل على نفي القود أيضاً،قال:لقوله تعالى فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [1] (5)و لم يذكر الدية فلم تكن واجبة،و لأنّ إيجاب الضمان يستلزم إبطال الجهاد (6).و فيهما نظر.

ص:73


1- كابن سعيد في الجامع للشرائع:236،و الشهيد في الدروس 2:31.
2- المنتهى 2:910.
3- التحرير 1:135.
4- السرائر 2:8.
5- النساء:92.
6- المنتهى 2:910.

و في الثاني خلاف،أشار إليه بقوله و في الكفارة قولان للشيخ.

أحدهما الوجوب،اختاره في المبسوط،و تبعه الحلّي (1)و أكثر الأصحاب بل عامّتهم.

و ثانيهما العدم،و هو ظاهر في النهاية،حيث نفى الدية و سكت عن الكفارة (2)،كذا قيل (3).و فيه نظر.

و ظاهر المصنف و الفاضل في التحرير التوقّف و التردّد (4)،من نصّ الرواية بالعدم،و تصريح الآية بالوجوب.

و فيه نظر؛ فإنّ الرواية قاصرة عن معارضة الآية الشريفة لوجوه عديدة،مضافاً إلى موافقة الرواية لرأي أبي حنيفة (5).

و لا داعي لجعلها معارضة بالآية إلّا ما في التنقيح عن بعض الفضلاء في ردّ الوجوب بأن الكفارة على تقدير الذنب،و لا ذنب هنا مع إباحة القتل.و ضعّفه بمنع كون الكفارة على تقدير الذنب،و إلّا لما وجبت على القاتل خطأً،و النصّ و الإجماع بخلافه،مع أنه لا ذنب فيه،لحديث رفع القلم (6).و هو حسن.

و على المختار فهل هي كفّارة الخطأ أو العمد؟وجهان مأخذهما كونه في الأصل غير قاصد للمسلم،و إنّما مطلوبة قتل الكافر،و النظر إلى صورة الواقع فإنه متعمّد لقتله.

ص:74


1- المبسوط 2:12،الحلّي في السرائر 2:8.
2- النهاية:293.
3- التنقيح الرائع 1:581.
4- التحرير 1:136.
5- كما نقلها في المغني و الشرح الكبير 10:396.
6- التنقيح الرائع 1:582.

و رجّح الثاني شيخنا الشهيد الثاني و قال هو كالأول في الدروس -:و ينبغي أن تكون من بيت المال لأنه للمصالح و هذه من أهمّها،و لأنّ في إيجابها على المسلم إضراراً يوجب التخاذل عن الحرب لكثير (1).انتهى.

و هو حسن.

و لا يجوز أن يقتل نساؤهم و إن عاونّ و كذا المجانين و الصبيان و الشيخ الفاني،بلا خلاف.

و في المنتهى:الإجماع في الصبيان (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة العاميّة و الخاصيّة.

منها زيادةً على ما مرّ قريباً-:النبوي العامّي:« لا تغلّوا،و لا تمثّلوا، و لا تغدروا،و لا تقتلوا شيخاً فانياً و لا صبيّاً و لا امرأةً» (3).

و الخاصّي:« نهى(صلّى اللّه عليه و آله)عن قتل النساء و الولدان في دار الحرب إلّا أن يقاتلن،فإن قاتلن أيضاً فأمسك عنها ما أمكنك و لا تخف خللاً» إلى أن قال:« و كذلك المقعد من أهل الذمّة و الأعمى و الشيخ الفاني و المرأة و الولدان في أرض الحرب،فلذلك رفعت عنهم الجزية» (4).

و يستفاد منه جواز القتل مع الضرورة كما أشار إليه بقوله: إلّا مع الاضطرار بأن تترّسوا بهم و توقّف الفتح على قتلهم.و لا خلاف فيه أيضاً كما مضى،و عليه الإجماع هنا في المنتهى قال:للضرورة،و لما رواه ابن عبّاس:إنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)بامرأة مقتولة يوم الخندق فقال:« من قتل هذه؟ »

ص:75


1- انظر الروضة 2:394،و الدروس 2:31.
2- المنتهى 2:911.
3- سنن البيهقي 9:90.
4- الكافي 5:6/28،الفقيه 2:102/28،التهذيب 6:277/156،الوسائل 15:64 أبواب جهاد العدو ب 18 ح 1.

فقال رجل:أنا يا رسول اللّه،قال:« لِم؟» قال:نازعتني قائم سيفي، فسكت (1).

و فيه و في التحرير:لو وقفت المرأة في صفّ الكفار[أو على حصنهم فشتمت المسلمين (2)]أو تكشّفت لهم جاز رميها؛ للخبر العامي (3).ثم قال:و يجوز النظر إلى فرجها للحاجة إلى الرمي (4).و لا بأس به.

و ألحق الشهيدان بالمرأة الخنثى المشكل،قال ثانيهما:لأنه بحكم المرأة في ذلك (5).و هو إعادة للمدّعى كما لا يخفى.

و يحرم التمثيل بأهل الحرب حين قتلهم كجذع انوفهم و آذانهم، و إن فعلوا ذلك بالمسلمين و الغدر بهم أي قتلهم بغتةً بعد الأمان و الغلول منهم بلا خلاف أجده؛ لما مرّ من الأخبار المعتبرة.

و يجوز أن يقاتل في أشهر الحرم و هي:رجب و ذو القعدة و ذو الحجة و المحرّم،مع من لا يرى لها حرمة فيستحلّ القتال فيها،أو يرى و لكن هتك حرمتها.

و يكفّ عن القتال مع من يرى حرمتها و لم يهتكها فيما ذكره جماعة (6).

ص:76


1- مجمع الزوائد 5:316.
2- أثبتناه من المصدر.
3- سنن البيهقي 9:82.
4- المنتهى 2:911،التحرير 1:136.
5- الروضة البهية 2:393.
6- منهم:الشيخ في النهاية:293،و القاضي في المهذب 1:303،و الحلّي في السرائر 2:8.

من غير خلاف بينهم أجده في شيء من الأحكام الثلاثة.

أمّا الأوّل و الثاني منها فلقوله سبحانه اَلشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ،وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ،فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [1] (1)الآية.

قال في الكنز:و كان أهل مكة قد منعوا النبي(صلّى اللّه عليه و آله)عام الحديبية سنة ستّ في ذي القعدة،و هتكوا الشهر الحرام،فأجاز اللّه سبحانه للنبي(صلّى اللّه عليه و آله) و أصحابه أن يدخلوا في سنة سبع في ذي القعدة لعمرة القضاء مقابلاً لمنعهم في العام الأول.

ثم قال وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ [2] أي يجوز القصاص في كلّ شيء حتى في هتك حرمة الشهور.ثم عمّم الحكم فقال فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [3] فإنّ دفع الشرّ خير،و تسمية المجازي معتدياً مجاز،تسميةً للشيء باسم مقابله إلى أن قال -: و يستفاد من هذه الآية أحكام:الأوّل:إباحة القتال في الشهر الحرام لمن لا يرى له حرمة أعمّ من أن يكون ممن كان يرى الحرمة أولا،لأنه إذا جاز قتال من يرى حرمته فقتال غيره أولى (2).انتهى.

و أما الثالث منها فلقوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ كُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [4] (3).قال في الكتاب المتقدم:و في الآية أحكام:الأوّل:تحريم القتال في

ص:77


1- البقرة:194.
2- كنز العرفان 1:344.
3- البقرة:217.

الشهر الحرام بقوله تعالى قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [1] أي ذنب كبير،لكن عند أصحابنا ليس ذلك على إطلاقه،بل التحريم بالنسبة إلى من يرى حرمة الشهر الحرام إذا لم يبدأ،و أمّا من لا يرى لها حرمة أو يرى و يبدأ فيجوز القتال،و لذلك قال تعالى قِتالٍ [2] بالتنكير،و النكرة في الإثبات لا تعمّ.

و قال الأكثر:إنه كان حراماً مطلقاً ثم نُسخ،و قال عطا:بل التحريم باقٍ لم ينسخ (1).انتهى.

و ظاهره اتّفاق الأصحاب على عدم الإطلاق؛ و لعلّ المستند في التقييد ما مرّ من الدليل،مضافاً إلى النصّ المنجبر بالعمل.

و فيه:عن المشركين أ يبتدئهم المسلمون بالقتال في الشهر الحرام؟ فقال:« إذا كان المشركون يبتدئونهم باستحلالهم ثم رأى المسلمون أنّهم يظهرون عليهم فيه،و ذلك قول اللّه عز و جل اَلشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ [3] و الروم في هذا بمنزلة المشركين،لأنهم لم يعرفوا للشهر الحرام حرمة و لا حقاً،فهؤلاء يبدؤون بالقتال فيه،و كان المشركون يرون له حقاً و حرمة فاستحلّوه فاستحلّ منهم،و أهل البغي يبتدئون بالقتال» (2).

و يكره حال الاختيار القتال قبل الزوال كما هنا.و في التحرير و اللمعتين و الدروس (3).و في النهاية و السرائر و الشرائع و المنتهى:

يستحب أن يكون بعده أو عنده بعد أن تصلّي الظهرين (4).و هو أولى؛

ص:78


1- كنز العرفان 1:354.
2- التهذيب 6:243/142،الوسائل 15:70 أبواب جهاد العدو ب 22 ح 1.و الآية:البقرة:194.
3- التحرير 1:136،اللمعة(الروضة 2):394،الدروس 2:32.
4- النهاية:298،السرائر 2:21،الشرائع 1:312،المنتهى 2:913.

للموثق:« كان أمير المؤمنين(عليه السّلام)لا يقاتل حتى تزول الشمس و يقول:

تفتح أبواب السماء،و تقبل الرحمة،و ينزل النصر،و يقول:هو أقرب إلى الليل،و أجدر أن يقلّ القتل و يرجع الطالب و يفلت المنهزم» (1).

و التبييت أي النزول عليهم ليلاً؛ للموثق:« ما بيّت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)عدوّاً قط ليلاً» (2).

و لو اضطرّ إلى ذلك زالت الكراهة للحاجة.

و في المنتهى:و لأنّ الغرض قتلهم فجاز التبييت،لأنه أبلغ في احتفاظ المسلمين،و روى الجمهور أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)شنّ الغارة على بني المصطلق ليلاً (3).

و أن يعرقب الدابة و إن وقفت به أو أشرف على القتل.و لو رأى ذلك صلاحاً زالت الكراهة كما ذكره جماعة (4)،قالوا:كما فعله جعفر بمؤنة،و ذبحها أجود.

أقول:و لم أقف على ما يقتضي المنع عنه بالخصوص،نعم في بعض الأخبار المتقدمة:« و لا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلّا ما لا بدّ لكم من أكله» (5).

و لعلّه المستند في الكراهة،كما يستفاد من التنقيح حيث قال:و إنّما قلنا بكراهته لا لمصلحة لأنه يؤول إلى هلاكها،و قد نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)

ص:79


1- الكافي 5:5/28،التهذيب 6:341/173،علل الشرائع:70/603،الوسائل 15:63 أبواب جهاد العدو ب 17 ح 2.
2- الكافي 5:3/28،الوسائل 15:63 أبواب جهاد العدو ب 17 ح 1.
3- المنتهى 2:909،و أُنظر المغني و الشرح الكبير 10:7575/495.
4- منهم:الشهيد الأول في الدروس 2:32،و الشهيد الثاني في الروضة 2:394،و المسالك 1:151.
5- راجع ص 70.

عن قتل الحيوان لغير أكله (1).

و هو لا ترى،فإنّ المنهي عنه هو مطلق الإهلاك لا خصوص التعرقب،و قد صرّح الجماعة بأنّ ذبحها مع المصلحة أجود من التعرقب، و هو ينادي بالتغاير بينهما،و لذا فرضه في التحرير و المنتهى مسألة أُخرى (2)،و هو أيضاً يؤيّد أنّ الكراهية هنا لخصوصية لم نجد دليلها لا لذلك النهي مطلقاً.

و كذا تخصيص بعضهم كشيخنا في المسالك و الروضة ذلك بدابّة المسلم دون الكافر،فقال:أما دابّة الكافر فلا كراهة في قتلها كما في كلّ فعل يؤدّى إلى ضعفه و الظفر به (3).

فهو أيضاً يؤيّد ما ذكرنا من التغاير بينهما،إذ النهي في النصّ مطلقاً لا اختصاص له بالمسلم.

و بالجملة فإثبات الكراهة للخصوصية من النصّ مشكل،و لكن اتّفاق الفتاوى كافٍ في إثباتها،سيّما من نحو الحلّي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد و ما يكون ظنيّاً.

و حيث كانت الفتاوى هو المستند في إثباتها فينبغي الحكم بإطلاقها، إلّا أن يذبّ عنه باختصاصها بحكم التبادر و السياق في جملة من الفتاوى بدابّة المسلم الراكب لها دون الكافر،فيرجع فيها إلى مقتضى الأصل من الجواز بلا كراهة مطلقاً مع الضرورة و بدونها،كما ذكره شيخنا.

و المبارزة بين الصفين بغير إذن الإمام بلا خلاف و لا إشكال في

ص:80


1- التنقيح 1:583.
2- التحرير 1:135،المنتهى 2:910.
3- المسالك 1:151،الروضة 2:395.

المرجوحية فتوًى و رواية،كما لا خلاف في المنع التحريمي مع نهي الإمام عنها،و لا الوجوب العيني مع أمره و إلزامه بها شخصاً معيّناً،و الكفائي مع أمره بها جماعة ليقوم بها واحد منهم،و لا الاستحباب إذا ندب إليها من غير أمر جازم.

و إنما الخلاف في التحريم في غير الصور المزبورة.

و المشهور بين المتأخرين الكراهة.و لا يخلو عن قوة؛ للأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة عدا رواية ضعيفة:عن المبارزة بين الصفين بغير إذن الإمام،فقال:« لا بأس،و لكن لا يطلب ذلك إلّا بإذن الإمام» (1).

و لكن الأحوط مراعاتها،فقد عمل بها الشيخ في النهاية و الحلّي و ابن حمزة (2).

و يدلّ على رجحان الاستيذان مضافاً إلى النصّ و الوفاق الاعتبار و الآثار،لأنّ الإمام أعلم بفرسانه و فرسان المشركين،و من يصلح للمبارزة و من لا يصلح لها،و ربما حصل ضرر بذلك،فإنّه إذا انكسر صاحبهم كسر قلوبهم،فينبغي أن يفوّض النظر إليه ليختار للمبارزة من يرتضيه لها، فيكون أقرب إلى الظفر و أحفظ لقلوب المسلمين و كسر قلوب المشركين.

قال في المنتهى:و يؤيّده ما رواه الجمهور:إنّ عليّاً(عليه السّلام)و حمزة و عبيداً استأذنوا النبي(صلّى اللّه عليه و آله)يوم بدر (3).

ص:81


1- الكافي 5:1/34،التهذيب 6:323/169،الوسائل 15:89 أبواب جهاد العدو ب 31 ح 1.
2- النهاية:293،الحلي في السرائر 2:8؛ و لم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة.
3- المنتهى 2:912.

النظر الثالث في التوابع

اشارة

النظر الثالث:في التوابع و هي أربعة

الأوّل في قسمة ألفي

الأوّل:في قسمة ألفي و هو و الغنيمة بمعنى واحد على قول (1)، و على آخر حكاهما في كنز العرفان-:أنه ما أُخذ من الكفّار بغير قتال، و الغنيمة:ما أُخذ بقتال.

و في الكنز:أنّ هذا مذهب أصحابنا و الشافعي،و هو مرويّ عن الباقر و الصادق(عليهما السّلام).و عند أصحابنا و الشافعي أنّ ألفي للإمام خاصةً،و الغنيمة يخرج منها الخمس و الباقي بعد المُؤَن للمقاتلين و من حضر القتال (2).

أقول:و على هذا فالتعبير بالغنيمة أولى،كما في جملة من كتب أصحابنا (3).

و كيفيتها:أنه يجب إخراج ما شرطه الإمام للمقاتل و غيره أوّلاً كالجعائل التي يجعلها للمصالح،كالدليل على عورة أو طريق،فيبدأ بها ثم ما يحتاج إليه الغنيمة من المُؤَن كأُجرة الحافظ و الراعي و الناقل و أضرابهم و بما يرضخ و المراد به هنا العطاء اليسير الذي لا يبلغ سهم من يعطاه لو كان مستحقّاً للسهم،كما يرضخ لمن لا قسمة له كالنساء و العبيد و الكفّار ثم يخرج الخمس بعد ذلك وفاقاً للمبسوط و الأكثر (4).

ص:82


1- كنز العرفان 1:249.
2- كنز العرفان 1:248.
3- كالمبسوط 2:35،و الشرائع 1:179،و الروضة البهية 2:400.
4- المبسوط 2:28؛ و أُنظر الجامع للشرائع:239،و التحرير 1:146،و المنتهى 2:922.

و لا إشكال في نحو السلب؛ لتعلّق الحقّ بالعين فلا تدخل في الغنيمة.و نحوه ما يصطفيه الإمام لنفسه،من فرس أو جارية أو سيف أو درع أو غير ذلك ممّا يشاء؛ للنصّ المعتبر:« و للإمام صفو المال،أن يأخذ الجارية الفارهة،و الدابة الفارهة،و الثوب و المتاع ممّا يحب أو يشتهي، فذلك له قبل قسمة المال و قبل إخراج الخمس،و له أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينويه من مثل إعطاء المؤلّفة قلوبهم و غير ذلك مما ينويه،فإن بقي بعد ذلك شيء أخرج منه الخمس فقسّمه في أهله و قسّم الباقي على من ولي ذلك،و إن لم يبق بعد سدّ النوائب شيء فلا شيء لهم» الحديث (1).

و ضعفه بالإرسال مجبور بكونه من حماد المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه،مع الإجماع المستفاد من الغنية في الصفو (2).

و قريب منهما المُؤَن؛ لهذا النصّ،و لما قيل:من أنّ الغنيمة في الحقيقة هو ما حصل و استقرّ ملك الغانمين عليه،و ذلك إنّما هو بعدها (3).

و به استدلّ على الرضخ أيضاً.

و يضعّف بأنّه في الحقيقة نوع من قسمة الغنيمة،غايته أنّه ناقص عن السهام،و ذلك غير مانع،كما أنّ نقصان سهم الراجل عن سهم الفارس غير مؤثّر في تقدّم الخمس عليه.و إطلاق اسم الغنيمة على المال المدقوع رضخاً واضح.

فوجوب الخمس فيه قويّ،وفاقاً للشهيدين في الدروس و المسالك

ص:83


1- الكافي 1:4/539،الوسائل 15:110 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 2.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):584.
3- التنقيح الرائع 1:584.

و الروضة (1)،أخذاً بعموم الآية وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ [1] (2)الآية، السليمة هنا عمّا يصلح للمعارضة سوى ما عرفت ضعفه.

و لعلّه لذلك قال الشيخ في الخلاف فيما حكي عنه بتقديم الخمس على الأُمور المزبورة (3).

و هو حسن في الرضخ،و يوافقه قول الإسكافي بتقدّمه على النفل (4).

قيل:هو بالتحريك،واصلة الزيادة،و المراد هنا زيادة الإمام لبعض الغانمين على نصيبه شيئاً من الغنيمة لمصلحة،كدلالة و إمارة و سرية و تهجّم على قرن أو حصن و تجسيس حال،و غيرها ممّا فيه نكاية الكفّار (5).

و ضعف فيما عداه؛ لما مضى من خروج ذلك عن الغنيمة،فلا يدخل في إطلاق الآية و عمومها.

بل يمكن القول بتقدّم نحو الرضخ على الخمس أيضاً؛ لعموم النصّ المتقدّم لولا قصور سنده عن الصحة و دلالته عن الصراحة مع عدم جابر له بالإضافة إليه،كما في الصفر،لصراحة دلالته فيه و انجبار ضعف سنده بالنسبة إليه بإجماع الغنية (6).

إلّا أن يقال بأنّ الظهور كافٍ في الدلالة،و عمل الأكثر كافٍ في جبر السند.

و في المختلف قدّم الخمس على الجميع إن لم يشترط الإمام لأرباب

ص:84


1- الدروس 2:35،المسالك 1:156،الروضة 2:403.
2- الأنفال:41.
3- الخلاف 4:198.
4- على ما نقله عنه في المختلف:203.
5- الروضة 2:403.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):584.

الحقوق حقوقهم من غير خمس (1).و هو أحوط،و أحوط منه ما عن الخلاف مرّ.

و إخراج ما مرّ يقسّم الباقي من الأربعة الأخماس الباقية بين المقاتلة و من حضر القتال ليقاتل و إن لم يقاتل حتى الطفل الذكر من أولاد المقاتلين،دون غيرهم ممّن حضر لصنعة أو حرفة، كالبيطار و النقّال و السائس و الحافظ إذا لم يقاتلوا و لو ولد بعد الحيازة قبل القسمة بلا خلاف فيه أجده بيننا،بل في ظاهر الغنية و المنتهى:أنّ عليه إجماعنا (2).

للخبرين:« إذا ولد المولود في أرض الحرب أُسهم له» (3)كما في أحدهما،أو:« قسم له ممّا أفاء اللّه تعالى عليهم» (4)كما في ثانيهما.

و كذا من يلتحق بهم من المدد الواصل إليهم ليقاتل معهم فلم يدرك القتال،فيُسهم له حين وصوله بعد الحيازة قبل القسمة،بغير خلاف أجده هنا أيضاً،و في ظاهر الكتابين و التحرير:أنّ عليه إجماعنا (5).

للنّص:عن الجيش إذا غزوا أهل الحرب فغنموا غنيمة،ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام،و لم يلقوا عدوّاً حتّى خرجوا إلى دار الإسلام،هل يشاركونهم فيها؟قال:« نعم» (6).

ص:85


1- المختلف:328.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):584،المنتهى 2:947.
3- قرب الإسناد:487/138،الوسائل 15:113 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 9.
4- التهذيب 6:259/147،الوسائل 15:113 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 8.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):584،المنتهى 2:952،التحرير 1:146.
6- الكافي 5:2/44،التهذيب 6:253/145،الوسائل 15:102 أبواب جهاد العدو ب 37 ح 1.

و هو و إن شمل صورة الوصول إليهم بعد القسمة،لكنّها خارجة بإجماع العلماء،كما في صريح التحرير و المنتهى،و فيهما إجماعهم على الإسهام له إذا كان الالتحاق بهم قبل تقضّي الحرب (1).

و في الخبر:الرجل يأتي القوم و قد غنموا و لم يكن ممّن شهد القتال، قال:« هؤلاء المحرومون» فأمر أن يسهم لهم (2).

قيل:و ذكر الشيخ أنّه يحتمل الحمل على ما لو لحقوهم بعد الخروج إلى دار الإسلام،و أنّ الأوّل يحتمل التخصيص بحضور القتال (3).انتهى.

و الأقرب حمل الثاني على أنّهم محرومون من ثواب القتال خاصّة لا من الإسهام،و لذا أمر به لهم للراجل سهم و هو من ليس معه فرس سواء كان راجلاً أو راكباً غير الفرس و للفارس سهمان بلا خلاف في الأوّل بين العلماء كما في المنتهى (4).و كذا في الثاني بيننا إلّا من الإسكافي المشار إلى قوله بقوله: و قيل:للفارس ثلاثة سهم (5).و هو نادر،و في ظاهر الغنية الإجماع على خلافه (6).

للنصّ (7)المعمول به عندنا و إن ضعف سنداً،لانجباره بعمل

ص:86


1- التحرير 1:146،المنتهى 2:952.
2- الكافي 5:6/45،التهذيب 6:254/146،الوسائل 15:103 أبواب جهاد العدو ب 37 ح 2.
3- الاستبصار 3:2.
4- المنتهى 2:949.
5- حكاه عنه في المنتهى 2:949.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):584.
7- الكافي 5:2/44،التهذيب 6:253/145،الإستبصار 3:3/3،الوسائل 15:103 أبواب جهاد العدو ب 38 ح 1.

الأصحاب كما في التنقيح (1).و في المسالك:العمل عليه و إن ضعف السند (2).

و لعله للأصل،مع ضعف سند المعارض الدالّ على الثلاثة (3)،مع احتماله الحمل على التقية،لنقله في المنتهى عن أكثر العامة (4)،هذا مضافاً إلى الشهرة المقطوع بها المنقولة في كلام جماعة مستفيضاً (5).

و لو كان معه أفراس أُسهم لفرسين منها دون ما زاد فله ثلاثة أسهم مطلقاً،بالنصّ و الإجماع.

ففي المرتضوي:« إذا كان مع الرجل أفراس لم يسهم له إلّا لفرسين منها» (6).

و عليه يحمل إطلاق ما دلّ على أنّ للفارس ثلاثة أسهم و للراجل سهماً،بحمله على ما إذا تعدّدت أفراسه.

و يؤيده الخبر:« إنّ علياً(عليه السّلام)كان يسهم للفارس ثلاثة أسهم،سهمين لفرسيه و سهماً له،و يجعل للراجل سهماً» (7).

ص:87


1- التنقيح الرائع 1:585.
2- المسالك 1:156.
3- قرب الإسناد:288/87،الوسائل 15:104 أبواب جهاد العدو ب 38 ح 2؛ و التهذيب 6:257/147،الإستبصار 3:4/3،الوسائل 15:116 أبواب جهاد العدو ب 42 ح 2.
4- المنتهى 2:949.
5- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:414،و الشهيد الثاني في الروضة 2:405،و المسالك 1:156.
6- الكافي 5:3/44،التهذيب 6:256/147،الإستبصار 3:6/4،الوسائل 15:115 أبواب جهاد العدو ب 42 ح 1.
7- التهذيب 6:258/147،الإستبصار 3:5/4،الوسائل 15:116 أبواب جهاد العدو ب 42 ح 3.

و لكن يحتمل الحمل على التقية كما مضى.

و كذا يقسّم بينهم للراجل سهم و للفارس سهمان و لذوي الأفراس ثلاثة لو قاتلوا في السفن مطلقاً و إن استغنوا عن الخيل بلا خلاف فيه ظاهراً،و صرّح به في المنتهي (1)مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،كما في صريح الغنية (2).

للنصّ المنجبر بالعمل:عن سريّة كانوا في سفينة،فقاتلوا و غنموا و فيهم من معه الفرس،و إنّما قاتلوهم في السفينة و لم يركب صاحب الفرس فرسه،كيف تقسّم الغنيمة بينهم؟فقال:« للفارس سهمان، و للراجل سهم» قلت:و لم يركبوا و لم يقاتلوا على أفراسهم،قال:« أ رأيت لو كانوا في عسكر فتقدم الرجالة فقاتلوا فغنموا كيف اقسّم بينهم؟أ لم أجعل للفارس سهمين و للراجل سهماً و هم الذين غنموا دون الفرسان؟ » قلت:فهل يجوز للإمام أن ينقل؟فقال:« له أن ينقل قبل القتال،فأمّا بعد القتال و الغنيمة لا يجوز ذلك،لأنّ الغنيمة قد أُحرزت» (3).

و لا يسهم لغير الخيل من سائر الدواب،كالإبل و البقر و الحمير و البغال و يكون راكبها في الغنيمة كالراجل يكون له سهم واحد،بلا خلاف كما في السرائر (4).

و في المنتهى:قال به علمائنا أجمع،و هو قول عامّة أهل العلم و مذهب الفقهاء في القديم و الحديث.و عن الحسن البصري أنّه يسهم

ص:88


1- المنتهى 2:951.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):584.
3- الكافي 5:2/44،التهذيب 6:253/145،الإستبصار 3:3/3،الوسائل 15:103 أبواب جهاد العدو ب 38 ح 1.
4- السرائر 2:10.

للإبل خاصة،و عن أحمد روايتان.لنا:أنّه لم ينقل عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)إسهام غير الخيل من البهائم و قد كان معه يوم بدر سبعون بعيراً و لم ينفك غزواته(عليه السّلام)من استصحاب البُخت،بل كانت هي الغالب على دوابّهم،و لو أسهم لها لنقل،و كذلك لم ينقل عن أحد من الأئمّة(عليهم السّلام)بعده سهم للإبل و لا غير الخيل من الدّواب.و لأنّ الفرس ينفرد بالكرّ و الفرّ و الطلب و الهرب، بخلاف الإبل،فإنّها لا تصلح لذلك فأشبهت البغال و الحمير (1).

و اعلم أنّ الفارس إنّما يعزل له سهمان إذا كان فارساً عند الحيازة للغنيمة لا قبلها.

و إليه أشار بقوله: و الاعتبار بكونه فارساً عند الحيازة لا ب كونه فارساً عند دخول المعركة.

فلو ذهب فرسه قبل تقضّي الحرب لم يسهم لفرسه،و لو دخل راجلاً فأحرز الغنيمة و هو فارس فله سهم فارس،بلا خلاف ظاهر بيننا في الحكم الأوّل،و كذلك في الثاني على ما يظهر من المنتهى حيث لم ينقل فيهما خلافاً منّا (2).

قال في المسالك:لا إشكال في عدم اعتباره عند دخول المعركة، و إنّما الكلام في اشتراط كونه على الوصف عند الحيازة،أو يعتبر كونه كذلك عند القسمة،لأنّه محل اعتبار الفارس و الراجل ليدفع إليهما حقّهما.

و الذي اختاره المصنّف و أكثر الجماعة الأوّل.و هو واضح على القول بأنّه يملك بها،فلا يتحقق الملك إلّا بذلك.و ينبّه على اعتبار الثاني استحقاق المولود و المدد اللاحق بعد الغنيمة و قبل القسمة،و اختاره المحقق الشيخ

ص:89


1- المنتهى 2:951.
2- المنتهى 2:951.

علي.و لا بأس به.

و قد اختلف نسخ القواعد في هذه المسألة،ففي بعضها اعتبار الحيازة لا القسمة كما هنا،و في بعضها اعتبارها إلى القسمة،فلا بدّ من وجوده فارساً في الحال بأسرها من الحيازة إلى القسمة،و في بعضها اعتبار الحيازة أو القسمة،و ظاهره الاكتفاء بأحدهما،و يحتمل أن يكون موضع التردّد و اختيار،أو لينبّه على القولين المتقدمين الدالّين على أنّ وقت الملك هل هو الحيازة أو القسمة (1)؟انتهى.

و ما اختاره حسن.و يعضده زيادة على ما ذكر صدق اسم الفارس قبل القسمة إذا كان فارساً عندها و لو كان عند الحيازة راجلاً،فيدخل في الإطلاقات.و لعلّه يشير إلى هذا قوله:لأنّه محل اعتبار الفارس.لكن يستفاد من قوله:و هو واضح على القول بأنّه يملك بالحيازة،أنّه لا وجه لقوله حينئذٍ.

و الرواية السابقة (2)الواردة في القتال ظاهرة في التملك بالحيازة؛ لمنعها عن النفل بعد القتال معلّلة بعلّة ظاهرة في ذلك.و ضعف السند مجبور بالعمل كما مرّ،و مع ذلك فظاهر المنتهى عدم خلاف فيه بيننا.و عليه فلعلّ ما عليه الأكثر أظهر،سيّما مع عدم ظهور مخالف فيه عداه و المحقق الثاني (3).

و الجيش يشارك سريّته بالفتح و تخفيف الراء و تشديد الياء، و هي جملة من العسكر الصادرة منه في غنيمتها،كما هنا و في الشرائع و السرائر و الدروس و التحرير و المسالك (4)و فيهما:و كذا لو غنم الجيش

ص:90


1- المسالك 1:156.
2- في ص 88.
3- جامع المقاصد 3:417.
4- الشرائع 1:325،السرائر 2:9،الدروس 2:36،التحرير 1:147،المسالك 1:156.

شاركهم السريّة،و في الأخير:أنّه موضع وفاق.ثم فيهما و في الشرائع:

و كذا لو تعدّدت السرايا عن جيش واحد فإنّ كلا منها يشارك الآخر،و في التحرير:سواء بعثها إلى جهة واحدة أو جهتين.ثم فيهما:و لو بعث الأمير رسولاً لمصلحة الجيش أو دليلاً أو جاسوساً لينظر عددهم و ينقل أخبارهم فغنم الجيش قبل رجوعه إليهم أُسهم له (1).

و ظاهرهم عدم الخلاف في شيء من ذلك بيننا،كما صرّح به في المنتهى في جملة منها (2)؛ و لعلّه الحجة المؤيّدة بفحوى ما مرّ في مشاركة المولود إذا ولد قبل قسمة المقاتلة،و بأنّ الجيش مدد السرية فيشاركهم في الغنيمة.و به استدل في السرائر (3).

و لا يشاركها أي السريّة عسكر البلد كما هنا و في الشرائع و التحرير (4)،و زاد فيه:و لو بعث سريّتين أو جيشين و هو مقيم فكل واحد منهم يختصّ بما غنمه.

و لا إشكال في هذا الحكم و لا خلاف كما يظهر من المنتهى (5)؛ للأصل،و اختصاص ما دلّ على الشركة من النص و الفتوى بالمقاتلة و من في حكمهم من المدد،و لا يدخل فيهما عسكر البلد.

بل لولا ما قدّمناه في المسألة السابقة من عدم الخلاف فيها المؤيد بما عرفته،لكان اختصاص السرية بما غنمته دون جيشها مطلقاً في غاية القوة؛

ص:91


1- التحرير 1:147 المسالك 1:156،الشرائع 1:325.
2- المنتهى 2:953.
3- السرائر 2:9.
4- الشرائع 1:325،التحرير 1:147.
5- المنتهى 2:953.

لظهور الأخبار المعتبرة في القسمة (1)في الاختصاص بالمقاتلة و من يلحقهم من المدد خاصّة،و ليس منهما الجيش و إن خرجت عن البلد حيث لم يلحقهم كما هو فرض المسألة،و إلّا فمع فرض اللحوق كانت مسألة أُخرى تقدّمت إليهما الإشارة و لا إشكال في حكمها،لورود نصّ (2)فيها بالخصوص معتضد بالفتاوى لولاهما لكانت محل إشكال أيضاً.

و اعلم أنّ إطلاق الأدلّة فتوًى و رواية بلزوم القسمة بين المقاتلة يقتضي عموم الحكم فيهم إعراباً كانوا بالمعنى الآتي أو غيرهم.

و لكن في جملة من الأخبار المرويّة من طرق الخاصّة و العامّة أنّه صالح النبي(صلّى اللّه عليه و آله)الأعراب عن ترك المهاجرة و المجيء إلى دار الإسلام بأن يساعدوا المسلمين على القتال إذا استفزّهم و استنفرهم ليقاتلوا و لا نصيب لهم في الغنيمة.

ففي الحسن بل الصحيح في حديث طويل أنّه(عليه السّلام)قال لعمرو بن عبيد:« أ رأيت إن هم أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم،كيف تصنع بالغنيمة؟» قال:أُخرج الخمس و أُقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه، إلى ان قال:« أ رأيت الأربعة أخماس تقسمها بين جميع من قاتل عليها؟ » قال:نعم،قال:« فقد خالفت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)في سيرته،بيني و بينك فقهاء أهل المدينة و مشيختهم نسألهم،فإنّهم لم يختلفوا أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم و لا يهاجروا على أنّه إن دهمه من عدوّه دَهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم و ليس لهم في الغنيمة نصيب،و أنت تقول بين جميعهم،فقد خالفت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)في سيرته

ص:92


1- الوسائل 15:102،103،115 أبواب جهاد العدو ب 37،38،42.
2- تقدّم ذكره في ص:85.

في المشركين» (1).

و نحوه المرسل كالصحيح (2)و فيه بعد قوله نصيب « و سنّته جارية فيهم» .و هما مع تعدّدهما و اعتبارهما سنداً و تأيّدهما برواية أُخرى موافقة لهما من طرق العامّة مرويّة في المنتهى (3)واضحاً الدلالة؛ لعدم قبولهما الجواب بأنّهما قضية في واقعة لا عموم لهما،لتصريحهما معنىً و لفظاً بأنّ ذلك سنّة جارية.

و عمل بهما الشيخ في المبسوط،و النهاية (4)،و تبعه من المتأخرين جماعة كالفاضلين هنا و في المختلف (5)و الشهيدين في الدروس و المسالك (6)،و فيه:أنّه المشهور،بل لم ينقل فيه خلاف إلّا عن الحلّي في السرائر (7)،حيث شرك بينهم و بين المقاتلة مدّعياً شذوذ الرواية و مخالفتها لأُصول المذهب و الإجماع على أنّ من قاتل من المسلمين فهو من جملة المقاتلة و أنّ الغنيمة للمقاتلة.

و ردّه في التنقيح بأنّ مع الصلح على ذلك يسقط الاستحقاق (8).

و لكن ظاهر الفاضلين في الشرائع و التحرير و المنتهى (9)التردد في

ص:93


1- الكافي 5:/23 1،التهذيب 6:/148 261،الوسائل 15:111 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 3.
2- الكافي 5:/44 4،الوسائل 15:110 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 2.
3- سنن البيهقي 9:53،المنتهى 2:948.
4- المبسوط 2:74،النهاية:299.
5- المختلف:329.
6- الدروس 2:36،المسالك 1:157.
7- السرائر 2:21.
8- التنقيح الرائع 1:586.
9- الشرائع 1:325،التحرير 1:146،المنتهى 2:948.

المسألة؛ و لعلّه إمّا لعدم صحة سند الروايتين عندهما كما يظهر من المنتهى، أو لضعف دلالتهما على المراد من الأعراب أ هم المسلمون أم الكفّار اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [1] ؟و الثاني ليس محل النزاع،و إنّما هو الأوّل كما صرّح به جماعة (1).

و حينئذ فيشكل الاعتماد عليهما في تقييد ما مرّ من إطلاق الأدلّة،مع منافاة ما فيهما من المصالحة بترك المهاجرة عموم ما دلّ على وجوب تحصيل المعرفة،و لا تحصل مع ترك المهاجرة،ففي المصالحة إعانة على الإثم و المعصية محرّمة بالكتاب و الإجماع و السنة،مع احتمالهما الحمل على التقية،لموافقتهما لرواية العامّة كما عرفته،بل و مذهبهم كما مرّ في الصحيحة من أنّ فقهاء أهل المدينة لا يختلفون في ذلك،و المراد بهم فقهاء العامّة بلا شبهة.

لكن ظاهر السرائر و المنتهى و غيرهما وضوح الدلالة و أنّ المانع عن العمل بهما إمّا هو الشذوذ،أو عدم الصحة؛ و لعلّه لإجماعنا كما في المنتهى (2)على أنّ الكافر لا سهم له في الغنيمة مطلقاً،و ظاهر الروايتين ثبوته للأعراب لو لم يصالحوا،و أنّ سقوطه للصلح لا بالأصل،فظهر أنّ المراد بهم المسلمون من الأعراب الذين يثبت لهم السهم من غير الصلح.

و لا بأس به،و إن أمكن دفعه بأنّ ليس في الروايتين تصريح بالسهم بالمعنى المعروف،و النصيب فيهما يحتمل الرضخ الثابت للكافر بلا خلاف.و بالجملة المسألة محل إشكال و شبهة.

و لو غنم المشركون أموال المسلمين و ذراريهم ثم ارتجعوها أي

ص:94


1- القواعد 1:107،جامع المقاصد 3:415،المسالك 1:157،مجمع الفائدة 7:462.
2- المنتهى 2:947.

المسلمون منهم لم تدخل في الغنيمة بلا خلاف في الذراري الأحرار، على الظاهر،المصرّح به في التنقيح و السرائر (1)معربين عن الإجماع عليه كما في صريح الدروس و المنتهى (2)؛ للأصل،و النصّ عن الترك يغيرون على المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم،أ يردّ عليهم؟قال:

« نعم،و المسلم أخو المسلم،و المسلم أحقّ بماله أينما وجده» (3).

و نحوه آخر مرسل سيذكر،و ضعفهما بالجهالة و الإرسال مجبور هنا بالأصل و الإجماع.

و ظاهر الأوّل انسحاب الحكم في المماليك و سائر الأموال،فتردّ على أربابها بعد ثبوتها بالبيّنة و نحوها.و لا خلاف فيه أيضاً إذا كان قبل القسمة كما يستفاد من نحو العبارة حيث خصّ الخلاف بما بعدها،و عزاه في المنتهى إلى عامة العلماء (4)،مؤذناً بدعوى إجماعهم عليه و على أنّ الإمام لا يغرم للمقاتلة هنا شيئاً.

و لكن الشيخ في النهاية أطلق أنّها للمقاتلة و أنّ الإمام يعطي أربابها الأثمان من بيت المال (5)،و لم يفصّل بين قبل القسمة و بعدها،و نفى عنه البأس القاضي بعد أن أفتى بالأوّل (6)،و وافقهما الإسكافي و الحلبي (7)لكنّه فيما عدا

ص:95


1- التنقيح الرائع 1:588،السرائر 2:11.
2- الدروس 2:36،المنتهى 2:955.
3- التهذيب 6:/159 288،الإستبصار 3:/4 7،الوسائل 15:98 أبواب جهاد العدو ب 35 ح 3.
4- المنتهى 2:955.
5- النهاية:295.
6- انظر المهذب 1:312.
7- حكاه عن الإسكافي في المختلف:329،الحلبي في الكافي في الفقه:259.

المماليك،و فيهم قال بالأوّل،و الإسكافي في المماليك خاصّة و لم يذكر غيرهم.

و له المرسل:« أمّا أولاد المسلمين فلا يقامون في سهام المسلمين، و لكن يردّون إلى أبيهم و أخيهم و إلى وليّهم بشهود،و أمّا المماليك فإنّهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون و تعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت مال المسلمين» (1).

و هو مع ضعفه بالإرسال و مخالفة الأصل و ما مرّ من النصّ معارض بآخر:في رجل كان له عبد فأدخل دار الشرك ثمّ أُخذ سبياً إلى دار الإسلام قال:« إن وقع عليه قبل القسمة فهو له،و إن جرى عليه القسمة فهو أحقّ به بالثمن» (2).

مضافاً إلى ما سيأتي.

و للنهاية و الحلبي الصحيح:عن رجل لقيه العدوّ و أصاب منه مالاً أو متاعاً،ثم إن المسلمين أصابوا ذلك،كيف يصنع بمتاع الرجل؟فقال:« إذا كانوا أصابوا قبل ان يحوزوا متاع الرجل ردّ عليه،و إن كانوا أصابوه بعد ما جازوه فهو فيء المسلمين فهو أحقّ:بالشفعة» (3).

و لكن الحيازة فيه تحتمل القسمة لا الاغتنام،و مع ذلك فقد حمله الشيخ (4)و غيره (5)على التقية،فلا يعترض به الأدلّة المتقدمة مع اعتضادها

ص:96


1- الكافي 5:/42 1،التهذيب 6:/159 287،الوسائل 15:97 أبواب جهاد العدو ب 35 ح 1.
2- التهذيب 6:/160 290،الإستبصار 3:/5 9،الوسائل 15:98 أبواب جهاد العدو ب 35 ح 4.
3- الكافي 5:/42 2،التهذيب 6:/160 289،الوسائل 15:98 أبواب جهاد العدو ب 35 ح 2.
4- كما في الاستبصار 3:5.
5- انظر المختلف:328.

أو انجبارها زيادة على الأصل بالشهرة العظيمة.

فلا إشكال في المسألة من الردّ على أربابها إذا عرفت قبل القسمة بنحو من البيّنة،من غير أن يغرم الإمام شيئاً للمقاتلة.

و إنّما الإشكال في الخلاف المعروف فيما لو عرفت بعد القسمة و قد اختلف الأقوال فيه،و الأخبار.

و للشيخ ف -يه قولان معروفان.

أحدهما في النهاية:أنّها للمقاتلة و يغرم الإمام أثمانها لأربابها،كما في المسألة السابقة.

و ثانيهما في المبسوط و الخلاف و الاستبصار (1):أنّها لأربابها و يغرم الإمام أثمانها للمقاتلة من بيت المال.و اختار هذا الحلّي و الفاضل في التحرير و المنتهى و المختلف،و الشهيد في الدروس (2)لكنّه لم يذكر الغرامة و الماتن في الشرائع (3)و الكتاب لقوله: أشبههما ردّها على المالك و يرجع الغانم على الإمام بقيمتها مع التفرّق أي تفرّق العسكر و عدم إمكان الجمع فيغرمها من بيت المال و إلّا يتفرّق فعلى الغنيمة فتعاد القسمة أو يرجع الإمام على كلّ بالنسبة.

لكن ليس في كتب الشيخ و من مرّ هذا التفصيل من التفرق فإلى الإمام و قبله فإلى الغنيمة.و وافق الماتن شيخنا في المسالك،و الفاضل المقداد في

ص:97


1- المبسوط 2:26،الخلاف 5:523،الاستبصار 3:5.
2- الحلي في السرائر 2:11،التحرير 1:147،المنتهى 2:955،المختلف:329،الدروس 2:36.
3- الشرائع 1:326.

الشرح (1).

و لا بأس به؛ للنص:عن رجل كان له جارية،فأغار عليها المشركون فأخذوها،ثم إن المسلمين بعد غزوهم فأخذوها فيما غنموا منهم،فقال:« ان كانت في الغنائم و أقام البيّنة أنّ المشركين أغاروا عليهم فأخذوها منه ردّت عليه،فإن كانت اشتريت و خرجت من المغنم فأصابها ردّت عليه برمتها و أُعطي الذي اشتراها الثمن من المغنم من جمعيه» قيل له:فإن لم يصبها حتى تفرّق الناس و قسموا جميع الغنائم فأصابها بعد؟ قال:« يأخذها من الذي هي في يده إذا أقام البينة،و يرجع الذي هي في يده على أمير الجيش بالثمن» (2).

و ضعف سنده بالجهالة مجبور بالأصل،و النصّ،و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع كما في الغنية (3)و لو على أصل الردّ من غير التفصيل المتقدم إليه الإشارة،مع سلامة جميع ذلك عمّا يصلح للمعارضة سوى الأخبار الثلاثة المتقدّمة (4)للنهاية في المسألة السابقة،فإنها تدل على مختاره في هذه المسألة.لكنّها مع ضعف سند أكثرها و مخالفتها الأُصول محمولة على التقية،فقد حكاه في المنتهى عن الثوري و الأوزاعي و مالك و أحمد و أبي حنيفة (5).

الثاني في الأُسارى

الثاني: في بيان أحكام الأُسارى

ص:98


1- المسالك 1:157،التنقيح الرائع 1:587.
2- التهذيب 6:/160 291،الإستبصار 3:/6 11،الوسائل 15:99 أبواب جهاد العدو ب 35 ح 5.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):585.
4- في ص:96.
5- المنتهى 2:955.

و هم على ضربين:ذكور و إناث،و الذكور بالغون و أطفال. و الإناث مطلقاً و الأطفال كذلك يسترقّون و يملكون بالسبي و لا يقتلون إجماعاً،كما في الغنية (1)،و في المنتهى بلا خلاف (2)لأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)نهى عن قتل النساء و الصبيان و كان يسترقّهم إذا سباهم.

و لو اشتبه الطفل بالبالغ اعتبر بالإنبات لتعذّر العلم بغيره من العلامات غالباً،و إلّا فلو اتّفق العلم به بها كفى؛ لعموم الأدلّة عليها.

قيل:و كذا يقبل إقراره بالاحتلام كغيره من الأقارير.و فيه تأمّل.و لو ادّعى استعجال نباته بالدواء،فالأقرب القبول؛ للشبهة الدارئة للقتل (3).

و لا بأس به.

و الذكور البالغون يقتلون حتماً إن أُخذوا و الحرب قائمة ما لم يسلموا فإن أسلموا سقط قتلهم،إجماعاً كما في المنتهى (4)؛ للنبوي « أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلّا اللّه،فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم و أموالهم» (5).

و في الخبر:« الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه و صار فيئاً» (6).

و يتخيّر الإمام حينئذٍ بين استرقاقهم و المنّ عليهم و الفداء،عند جماعة كشيخنا الشهيد الثاني في المسالك و الروضة،وفاقاً للفاضل في

ص:99


1- الغنية(الجوامع الفقهية):584.
2- المنتهى 2:926.
3- الروضة 2:402.
4- المنتهى 2:928.
5- سنن البيهقي 9:182.
6- الكافي 5:/35 1،التهذيب 6:/153 267،علل الشرائع:/565 1،الوسائل 15:72 أبواب جهاد العدو ب 23 ح 2.

المنتهى حاكياً له عن الشيخ أيضاً (1).

و حكى في الكتابين تعيّن المنّ هنا قولاً،قال:لعدم جواز استرقاقهم حال الكفر فمع الإسلام أولى.و فيه:أنّ عدم استرقاقهم حال الكفر إهانة و مصير إلى ما هو أعظم لا إكرام،فلا يلزم مثله بعد الإسلام.و لأن الإسلام لا ينافي الاسترقاق (2).

و يمكن الاستدلال عليه بثبوت جوازه حال الكفر فيما إذا أُخذوا بعد تقضّي الحرب،فمع الإسلام قبله أولى.و أما تعيّنه؛ فلعدم دليل على جواز الاسترقاق هنا،و إن جاز مع الإسلام،لأنّه فرع الدليل و ليس هنا.

و كذا أخذ الفداء،لا دليل عليه إلّا ما ذكره الشيخ من أنّه فادى النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله) أسيراً أسلم برجلين (3).فإن تمّ،ثبت التخيير بينه و بين المنّ.و أمّا الاسترقاق فلم يقم عليه دليل.نعم يحتمله ما مرّ من الخبر،لكنّه ضعيف السند.

و ممّا ذكرنا تبيّن انّ الأولى تعيّن المنّ.

و حيث يجوز قتلهم فالإمام مخيّر بين ضرب أعناقهم،و قطع أيديهم و أرجلهم من خلاف،و تركهم حتى ينزفوا بضم الياء و فتح الزاء على البناء للمفعول كما في المسالك،قال:لأنّ الدم هو الفاعل للنزف لغة (4).

قال الجوهري:يقال نزفت الدم إذا خرج منه دم كثير حتى يضعف.

فهو نزيف و منزوف (5).

و إن أُخذوا بعد انقضائها،لم يجز أن يقتلوا و كان الإمام مخيّراً بين

ص:100


1- المسالك 1:153،الروضة 2:400،المنتهى 2:928.
2- الروضة 2:400،المسالك 1:153.
3- الخلاف 4:193.
4- المسالك 1:153.
5- الصحاح 4:1431.

المنّ عليهم و الفداء لأنفسهم بمال،أو رجال حسبما يراه من المصلحة و الاسترقاق لهم.كلّ ذا على المشهور على الظاهر،المصرّح به في المختلف مطلقاً (1).

و في المسالك في الثاني خاصة (2).

و في المنتهى:إنّه ذهب إلى ذلك علماؤنا أجمع (3).و ظاهره الإجماع عليه؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى بعض المعتبرة:« إنّ للحرب حكمين:إذا كانت قائمةً لم تضع أوزارها و لم يضجر أهلها،فكلّ أسير أُخذ في تلك الحال فإنّ الإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه،و إن شاء قطع يده و رجله من خلاف بغير حسم،و تركه يتشحّط بدمه حتى يموت،فهو قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ [1] (4)إلى أن قال في تفسير النفي:« ذلك الطلب أن تطلبه الخيل حتّى يهرب،فإن أخذته الخيل حكم عليه ببعض الأحكام التي وصفت لك.و الحكم الآخر:إذا وضعت اَلْحَرْبُ أَوْزارَها [2] و أثخن أهلها،فكلّ أسير أُخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار إن شاء منّ عليه، و إن شاء فاداهم أنفسهم،و إن شاء استعبدهم فصاروا عبيداً» (5).

و قصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل.

ص:101


1- المختلف 331.
2- المسالك 1:153.
3- المنتهى 2:927.
4- المائدة:33.
5- الكافي 5:1/32،التهذيب 6:245/143،الوسائل 15:71 أبواب جهاد العدو ب 23 ح 1.

و فيه حجة على القاضي،حيث خالف فيما لو أُخذ قبل تقضّي الحرب،فجوّز للإمام قتله بأيّ نوع من أنواع القتل،و فيما لو أُخذ بعده فخيّره بين الثلاثة المتقدمة و القتل (1).

و على الحلبي،حيث خالف في الأوّل بتخييره له بين ما مرّ و الصلب و المفاداة،إلّا في الصلب،لوجوده في النصّ نظراً إلى الآية المذكورة فيه.

و في الثاني خيّره بين المفاداة و المنّ (2)،و لم يذكر الاسترقاق.

و على ابن حمزة،حيث خالف في الثاني،ففصّل فيه بين من يجوز عقد الذمّة له كالذمّي فيتخير بين الأُمور الثلاثة،و غيره كالوثني فبين المنّ و الفداء خاصّة،و لم يجوّز الاسترقاق له (3).و حكاه الفاضل عن الشيخ في المختلف و اختاره (4)،و في المنتهى و ردّه (5).و هو الوجه،وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني في كتابيه (6)؛ لإطلاق النصّ.

و على العماني،فخيّره بين المنّ و الفداء و الاسترقاق (7)،و لم يفصّل بينهما.

و لم أجد لشيء من هذه الأقوال دليلاً،مضافاً إلى مخالفتها النصّ الذي مضى.

و ظاهر التخيير فيه في المقامين كونه تخيير شهوة،خلافاً لشيخنا في

ص:102


1- المهذب 1:316.
2- الكافي في الفقه:257.
3- الوسيلة:203.
4- المختلف:331.
5- المنتهى 2:927.
6- الروضة البهية 2:401،و المسالك 1:153.
7- نقله عنه في المختلف:331.

كتابيه في الثاني (1)،فجعله تخيير اجتهاد في مصلحة لا شهوة إلّا إذا تساوت الأفراد فيها فشهوة،وفاقاً للفاضل في التحرير و المنتهى،قال:لأنّ الإمام وليّ المسلمين فيرى لهم الأصلح من الثلاثة (2).

قال في المسالك:و يحتمل كون التخيير في الأول كذلك أيضاً،فإنّ قطع الأيدي و الأرجل قد يكون أصلح،ليعتبر الكفار و يترهّبوا،و يرغب ضعيف العقيدة في اتّباع المسلمين،و يمكن كون ضرب العنق أصلح باعتبار آخر (3).

و هو و إن كان اجتهاداً في مقابلة النص،لكنّه أولى.

و لا يسقط هذا الحكم المذكور في المقام الثاني من التخيير بين الأُمور الثلاثة لو أسلموا لإطلاق النصّ و الفتوى،إلّا ما يحكى في المختلف و الدروس عن الشيخ أنّه قال:و قد قيل إنّه إن أسلم سقط عنه الاسترقاق،لأنّ عقيلاً أسلم بعد الأسر ففداه النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)و لم يسترقّه (4).

قال في الدروس:و هي حكاية حال فلا تعمّ.

أقول:مع احتمال كون المفاداة لكونها أحد الأُمور المخيّر بينها، فاختارها لذلك لا لأجل عدم جواز الاسترقاق،كما هو واضح.

و حيث يختار الفداء و الاسترقاق يدخل ذلك في الغنيمة،كما يدخل من استرقّ ابتداءً فيها من النساء و الأطفال،على ما ذكره جماعة و منهم الشهيدان (5)و الفاضل في المنتهى.

ص:103


1- الروضة البهية 2:401،المسالك 1:153.
2- التحرير 1:140،المنتهى 2:928.
3- المسالك 1:153.
4- المختلف:332،الدروس 2:39،و أُنظر المبسوط 2:20.
5- اللمعة(الروضة البهية 2)402.

و فيه:لا يقال:الغانمون لا حقّ لهم في الأسير،لأنّ الإمام مخيّر فيه، فكيف يكون لهم حقّ في بدله.لأنّا نقول:لا نسلّم أنّ الغانمين لا حقّ لهم في الأسير،و تخيير الإمام إنّما يتعلّق بمصلحة المسلمين في الأسير لأنّه لم يصر مالاً،فإذا صار مالاً تعلّق حق الغانمين به،لأنّهم أسروه و قهروه،و هذا كثير النظائر،فإنّ من عليه الدين إذا قتل عمداً لم يكن لأرباب الدين حقّ على القاتل،فإن اختار الورثة المال و رضي به القاتل تعلّق حقّهم به (1).

و لا يقتل الأسير الذي يجوز للإمام قتله لو عجز عن المشي لأنّه لا يُدرى ما حكم الإمام فيه بالنسبة إلى نوع القتل،و لأن قتله إلى الإمام و إن كان مباح الدم في الجملة كالزاني المحصن.

و حينئذٍ فإن أمكن حمله،و إلّا ترك؛ للخبر« إذا أخذت أسيراً فعجز عن المشي و لم يكن معك محمل فأرسله و لا تقتله،فإنّك لا تدري ما حكم الإمام فيه» (2).

و ظاهره تحريم القتل و وجوب الإرسال،كما هو ظاهر المتن و صريح الشهيدين في الدروس و اللمعتين (3)في الأوّل،و ظاهر النهاية و السرائر فيه و في الثاني (4).خلافاً للفاضلين في الأوّل،فعبّرا في الشرائع و التحرير و المنتهى عن الحكم بعدم الوجوب (5).

و للدورس في الثاني،فنسب وجوب الإرسال فيه إلى النهاية مشعراً

ص:104


1- المنتهى 2:928.
2- الكافي 5:1/35،التهذيب 6:267/153،علل الشرائع:1/565،الوسائل 15:72 أبواب جهاد العدو ب 23 ح 2.
3- الدروس 2:36،اللمعة(الروضة 2)402.
4- النهاية:296،السرائر 2:12.
5- الشرائع 1:318،التحرير 1:141،المنتهى 2:932.

بتردّده فيه (1).و لعلّه لضعف السند،و لأنّ القتل متعيّن عليه،فلا يجوز للمسلم أن يتركه و ينصرف،لما فيه من الإخلال بالواجب و تقوية الكفار، فإنّه يستريح و يذهب إليهم،و لأنّه يؤدّي إلى جعل ذلك وسيلةً إلى الخلاص بالحيلة.

و فيه:أنّه اجتهاد في مقابلة النصّ المعتبر المنجبر بالعمل،سيّما من نحو الحلّي الذي لا يعمل بالخبر الواحد و إن اعتبر بحسب السند فضلاً عن ضعفه [ضعيفه] .و لعلّ هذا هو الوجه الآخر للتردّد.

و صرّح جماعة (2)بأنّه لو بدر إنسان فقتله كان هدراً لا قصاص عليه و لا دية و لا كفّارة؛ لأنّه كافر لا أمان له.نعم يعزّر قاتله مسلماً كان أو كافراً.

و كذا الحكم لو قتله قاتل من غير عجز.و لا بأس به.

و كذا لا يقتل الأسير بل مطلق من يجب قتله بعد الذِّمام و الأمان له بلا خلاف؛ لما مرّ.

و يكره أن يصبر بدم من يجب قتله على القتل للصحيح:

« لم يقتل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)رجلاً صبراً قطّ غير عقبة بن أبي معيط» . (3)و فسّر:بالحبس للقتل في المشهور.

و في المسالك:و قيل:المراد به التعذيب حتى الموت.و قيل:قتله جهراً بين الناس.و قيل:أن يهدّد بالقتل ثم يقتل (4)و في غيره:فيه ثلاثة أوجه:الأوّل:أن يقتل و ينظر إليه آخر.الثاني

ص:105


1- الدروس 2:36.
2- منهم:المحقق في الشرائع 1:318،و العلّامة في المنتهى 2:932،و الشهيد في الروضة 2:402.
3- التهذيب 6:340/173،الوسائل 15:148 أبواب جهاد العدو ب 66 ح 1.
4- المسالك 1:153.

أن لا يطعم و لا يسقى حتى يموت بالعطش و الجوع.و الثالث:ما هو المشهور.

و لا بأس بكراهة الكل.بل يحتمل ترك الإطعام و السقي التحريم،كما هو ظاهر الأصحاب حيث أفتوا بوجوبهما مطلقاً و لو أُريد قتله سريعاً، و منهم:الشيخ في النهاية و الحلّي في السرائر و الفاضلان و الشهيدان (1)، و غيرهم (2)،بل لا خلاف فيه أجده إلّا من بعض المتأخّرين فحكم بالاستحباب.

للصحيح:« إطعام الأسير حقّ على من أسره و إن كان يراد قتله من الغد،فإنّه ينبغي أن يُطعم و يُسقى و يُرفق به،كافراً كان أو غيره» (3).

و في آخر مرويّ عن قرب الإسناد:« إطعام الأسير و الإحسان إليه حقّ واجب» (4)بل صريحه الوجوب كصدر الأوّل،فهو الأقرب.

و لا يجوز دفن الحربي بل الكافر بأقسامه،بلا إشكال فيه و لا في أنّه يجب دفن المسلم و قد مرّ الكلام فيهما في محلّه.

هذا إذا لم يشتبه أحدهما بالآخر.

و لو اشتبهوا قيل و القائل الشيخ في المبسوط،و تبعه الفاضل في

ص:106


1- النهاية:296،السرائر 2:12،المحقق في الشرائع 1:318،العلّامة في المنتهى 2:932،الشهيد الأول في الدروس 2:37،الشهيد الثاني في المسالك 1:153.
2- المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:398،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 7:464،و المجلسي في مرآة العقول 18:364.
3- الكافي 5:2/35،التهذيب 6:266/152،الوسائل 15:91 أبواب جهاد العدو ب 32 ح 1.
4- قرب الإسناد:289/87،الوسائل 15:92 أبواب جهاد العدو ب 32 ح 3.

المختلف (1)-:إنّه يوارى و يدفن من كان كميشاً أي صغير الذكر، و عزاه في النهاية (2)إلى الرواية،و هي حسنة بل صحيحة:« لا تواروا إلّا من كان كميشاً و قال:لا يكون ذلك إلّا في كرام الناس» (3).

خلافاً للحلّي،فأوجب القرعة،لأنّها لكلّ أمر مشكل (4).

و هو حسن على أصله،غير مستحسن على المختار من حجيّة أخبار الآحاد المجتمع فيها شرائط الاعتبار كما في المضمار،و بعد وروده فلا إشكال.

و للتنقيح،فقال:و لو قيل يدفن الكلّ احتياطاً كان حسناً،أمّا مع التأذّي بهم يُدفنوا جميعاً (5).

و فيه نظر إن أُريد به الاحتياط وجوباً،و إلّا فلعلّه محتمل،و إن كان الأقوى عدم وجوب دفن من لم يكن كميشاً بناءً على ما قدّمنا من العمل بالنصّ.

و عليه فيتّضح أمر الصلاة أيضاً،فيصلّي على من يدفن منهم دون غيره.

و إليه أشار في المبسوط،فقال مشيراً إلى مقتضى النص فعلى هذا يصلّى على من هذه صفته.لكن قال:و إن قلنا يصلّى على كلّ واحد منهما منفرداً بنيّته بشرط إسلامه كان احتياطاً،و إن قلنا يصلّى عليهم صلاة واحدة

ص:107


1- المبسوط 1:182،المختلف:338.
2- النهاية:298.
3- التهذيب 6:336/172،الوسائل 15:147 أبواب جهاد العدو ب 65 ح 1.
4- السرائر 2:20.
5- التنقيح الرائع 1:589.

و ينوي الصلاة على المؤمنين منهم كان قويّاً (1).

و إلى ما قوّاه أخيراً جنح الحلّي في السرائر و الفاضل في المختلف (2).

و هو لا يتوجّه على أصل كلّ منهما.

أمّا الحلّي،فلأنّ عموم ما دلّ على القرعة يشمل المقام أيضاً.

و كذلك النصّ باعتبار الصفة لكشفها عن إسلام الموصوف بها،لا لكونها تعبّداً محضاً،فلا يشمل غيرها بل يختصّ بها،و به يشعر ذيل النص، لقوله:« لا يكون ذلك إلّا في كرام الناس» .نعم لو احتيط بذلك كان محتملاً،كما قدّمنا.

و اعلم أنّ قول الماتن (كما أمر النبي(صلّى اللّه عليه و آله) بذلك (في قتلى بدر) مشيراً به إلى ما تضمّنه النصّ المتقدّم يتضمّن الاعتراف بصحّة مضمونه، و معه فلا وجه للتردّد المستفاد من النسبة إلى القيل المشعرة بالتمريض، إلّا أن يجعل هذا مقول قول القيل،لا قول الماتن حتّى يستلزم الاعتراف بصحته.أو يكون نظره إلى أنّها قضيّة في واقعة لا عموم لها،و لذا أعرض عنه في الصلاة كلّ من قال به في الدفن،فأوجبوا الرجوع فيها إلى الأُصول.

و هو قويّ متين،سيّما مع عدم وضوح سنده و شبهةٍ ما فيه،و دعوى الحلّي الشذوذ فيه (3).

لكن شيء من ذلك لا يبلغ درجة القدح فيه بعد ظهور اعتباره و إن لم يقطع بصحته،و وهن دعوى شذوذه،كتخيّل عدم عمومه بأنه في واقعة، لظهور ذيله في العموم و عدم إناطة الأمر بالخصوص.

ص:108


1- المبسوط 1:182.
2- السرائر 2:20،المختلف:338.
3- السرائر 2:20.

و بالجملة:فالمتوجّه قول المبسوط،و إن كان الأحوط ما مرّ.

و حكم الطفل الذي لم يبلغ الحلم مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى حكم والديه في الإسلام و الكفر،و ما يتبعهما من الأحكام كالطهارة و النجاسة و غيرهما،بالإجماع الظاهر و النصّ المستفيض بل المتواتر.

ففي الصحيح المرويّ في الفقيه:عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحِنْث قال:« كفّار» (1).

و في الخبر المروي فيه:« أولاد المشركين مع آبائهم في النار،و أولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة» (2).

و في المرسل المروي في الكافي:« أطفال المؤمنين يلحقون بآبائهم، و أولاد المشركين يلحقون بآبائهم» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في مواضع متشتّتة،كمسألة جواز إعطاء أطفال المؤمنين من الزكوات و الكفّارات (4)،و جواز العقد عليهم مطلقاً (5)،مع اشتراط الإسلام في جميع ذلك اتّفاقاً فتوًى و نصاً.

و بالجملة:فالحكم أوضح من أن يحتاج إلى مزيد بيان.

و عليه فإن أسلما أي الأبوان أو أحدهما أُلحق الولد بحكمه أي المسلم منهما.أمّا مع إسلامهما فواضح.و أمّا مع إسلام

ص:109


1- الفقيه 3:1544/317،بحار الأنوار 5:22/295؛ غلام لم يدرك الحِنث،أي:لم يجرِ عليه القلم.مجمع البحرين 2:250.
2- الفقيه 3:1543/317،بحار الأنوار 5:21/294.
3- الكافي 3:2/238،بحار الأنوار 5:9/292.
4- الوسائل 9:226 أبواب المستحقين للزكاة ب 6،و ج 22:387 أبواب الكفارات ب 17.
5- الوسائل 20:289،292 أبواب عقد النكاح ب 11،12.

أحدهما فلأنّ« الإسلام يعلو و لا يُعلى عليه» (1)مضافاً إلى فحوى ما دلّ على لحوق الولد بأشرف أبويه في الحريّة،ففي الإسلام أولى.

و ذكر جماعة تبعيّته للسابي المسلم إذا سباه منفرداً عنهما،كالشيخ و القاضي و الإسكافي،فيما حكاه عنهم الفاضل في المختلف (2)متنظّراً فيه و فيما وقفت عليه من كتبه.و تبعه جماعة و منهم شيخنا الشهيد الثاني (3).

و لعلّه في محله؛ لعدم دليل يعتدّ به عليها كليةً إلّا في الطهارة خاصةً.

فلا بأس بها وفاقاً لجماعة (4).

لا لما قيل من ظهور عبائر الجماعة في الإجماع عليها (5).

لمنعه بظهور عبارة الذكرى في تفرّعها على التبعية مطلقاً (6).فإن قلنا بها كذلك ثبتت،و إلّا فلا.

و لا لما في المعالم من أصالة الطهارة و لزوم الاقتصار فيما خالفها على المتيقن المجمع عليه،و ليس إلّا النجاسة قبل السبي،و أمّا بعده فيجب المصير إليها،لعدم المخصّص لها (7).

لابتنائه على انحصار دليل النجاسة في الإجماع و عدم حجيّة الاستصحاب.و يمنعان بوجود الإطلاق نصّاً و فتوى كما مضى بالتبعيّة في الكفر المقتضية للنجاسة،خرج منه ما إذا أسلم أبواه أو أحدهما و يبقى

ص:110


1- الفقيه 4:778/243،كنز العمال 1:246/66.
2- المختلف:331.
3- انظر الروضة البهية 1:120.
4- منهم:ابن سعيد في الجامع:238،و العلامة في المنتهي 2:932،و الشهيد في الدروس 2:39.
5- كما في مجمع الفائدة 7:466،و شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني(مخلوط).
6- الذكرى:14.
7- معالم الفقه:260.

الباقي تحته مندرجاً،و ثبوت حجيّة الاستصحاب.

بل لمنع شمول الإطلاق محلَّ البحث؛ لاختصاصه بحكم التبادر و غيره بغير صورة سبي المسلم.

و الاستصحاب إنّما يكون حجّة حيث يسلم عن المعارض،و في محلّ البحث ليس بسالم،لمعارضة استصحاب النجاسة باستصحاب طهارة الملاقي له،فكما أنّ الأوّل يقتضي بقاء نجاسة المَسبيّ،فكذا الأخير يقتضي بقاء طهارة ملاقيه.

و هذا أيضاً لا يخلو عن نظر،فإنّ الأوّل وارد على الثاني فليقطع به إن ثبتت المعارضة بينهما باتّحاد متعلّقهما معنىً،و لو تغايرا محلّاً بإجماع و نحوه،و إلّا فالواجب العمل عليهما كلّ من محلّه،و مرجعه حينئذٍ إلى نجاسة المَسبيَّ و طهارة الملاقي.فإن لم يناف الإجماع و أمكن القول بهما لم يثبت المطلب من الحكم بطهارة المَسبيّ،و إنّما الثابت طهارة ملاقيه، و لا تلازم بينهما كما فرضنا،و نظائره كثيرة.

نعم لم يتبيّن حينئذ أثر نجاسة في هذا الفرع،و لكن قد يتبيّن [تبين] في فرع آخر،كمنعه عن دخول المساجد و نحوه،إذ لا معارض له في هذا الفرع، فيتوجّه الحكم بنجاسته مطلقاً باستصحابها الخاصّ الوارد على استصحاب طهارة الملاقي كما مضى.

و حيث إنّ الفرع الأعظم هو طهارة الملاقي أو نجاسته مع عدم وجود الإجماع المركب المقطوع به على تعارض الاستصحابين،تعيّن القول بطهارته في هذا الفرع،سيّما مع التأيّد بالإجماع المنقول المتقدم.

و لا يعارضه عبارة الذكرى المتقدمة،لكونه راجحاً عليها،مضافاً إلى استلزام نجاسته العسر و الحرج المنفي.و لكن الاحتياط واضح.

ص:111

هذا إذا سبي منفرداً.

و أمّا إذا سبي مع أبويه أو أحدهما،كان كافراً و لم يتبع السابي قولاً واحداً منّا.

و لو أسلم حربيّ في دار الحرب أو دار الإسلام قبل السبي حقن دمه عن القتل و ماله إذا كان ممّا ينقل عن الاغتنام دون ما لا ينقل من العقارات و الأرضين،و لحق به ولده الأصاغر دون الكبار،فإنّ حكمهم حكم سائر الكفّار بغير خلاف.

للخبر المنجبر بالعمل:عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليه المسلمون بعد ذلك،فقال:« إسلامه إسلام لنفسه و لولده الصغار و هم أحرار[و ماله و متاعه و رقيقه له]فأمّا الولد الكبار فهم فيء للمسلمين إلّا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك،و أمّا الدور و الأرضون فهي فيء و لا يكون له،لأنّ الأرض هي أرض جزية لم يجرِ فيها حكم أهل الإسلام و ليس بمنزلة ما ذكرناه،لأنّ ذلك يمكن احتيازه و إخراجه إلى دار الإسلام» (1).

و فيه أيضاً دلالة على ما مرّ من الحكم بتبعية الولد لأبويه في الكفر و الإسلام،كما لا يخفى على من تأمّل فيه التأمّل التامّ.

و لو أسلم عبد الكافر أو أمته في دار الحرب قبل مولاه و خرج إلينا ملك نفسه و لا سبيل لمولاه عليه إجماعاً فتوًى و نصّاً (2)، و صرّح به في المختلف أيضاً (3).

ص:112


1- التهذيب 6:262/151،الوسائل 15:116 أبواب جهاد العدو ب 43 ح 1.و ما بين المعقوفين من المصدر.
2- التهذيب 6:264/152،الوسائل 15:117 أبواب جهاد العدو ب 44 ح 1.
3- المختلف:329.

و كذا إذا لم يخرج على قول الشيخ قوّاه في المبسوط بعد أن أفتى فيه بالعدم (1).

و الرقيّة أولى كما هو خيرته في النهاية و خيرة الحلّي (2)و عامّة المتأخرين عنهما،حتّى الماتن في الشرائع جازماً (3).

لكنّه تردّد هنا،لقوله: في اشتراط خروجه إلينا تردّد ينشأ:

من حيث إسلامه المانع عن استيلاء الكافر عليه؛ لقوله تعالى لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [1] (4)و قوله(عليه السّلام):« الإسلام يعلو و لا يُعلى عليه» (5).

و من الأصل،و لزوم الاقتصار فيما خالفه على المتيقّن من الفتوى و النصّ،و ليس إلّا بعد الخروج بناءً على أنّ نفي العلوّ و الاستيلاء في الآية و الرواية لا ينافي الملكية،بل السلطنة و نفيها يحصل بالإجبار على البيع من مسلم أو اغتنامه من سيّده بالقهر و الغلبة.

و مع ذلك ف المرويّ من طريق الخاصّة و العامّة الاشتراط ففي الموثق أو القوي:« أيّما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حرّ،و أيّما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد» (6).

و بمعناه النبويّ المرويّ في المنتهى (7).

ص:113


1- المبسوط 2:27.
2- النهاية:295،الحلّي في السرائر 2:10.
3- الشرائع 1:319.
4- النساء:140.
5- راجع ص 3660.
6- التهذيب 6:264/152،الوسائل 15:117 أبواب جهاد العدو ب 44 ح 1.
7- المنتهى 2:930،و أُنظر سنن البيهقي 9:229.
الثالث في أحكام الأرضين

الثالث:في بيان أحكام الأرضين هي أربعة.

منها: أرض الخراج،و هي و كلّ أرض فتحت عنوةً و هي بفتح العين و سكون النون:الخضوع،و منه قوله سبحانه وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ [1] (1)و المراد هنا:ما فتحت بالقهر و الغلبة و كانت مُحياة و معمورة وقت الفتح.

فهي للمسلمين كافةً إلى يوم القيامة و لا يختصّ بها الغانمون و لا يفضلون على غيرهم،بل يشاركونهم في الجملة كشركة باقي المسلمين من غير خصوصية،بإجماعنا الظاهر المستفاد من جماعة (2)؛ للمعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح:عن السواد،قال:« هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم،و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم،و لمن لم يُخلق بعد» فقلنا:

الشراء من الدهاقين،قال:« لا يصلح إلّا أن يشتري منهم على أن يجعلها للمسلمين،فإن شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذنا» قلنا:فإن أخذها منه، قال:« يردّ عليه رأس ماله و ما أكل من غلّتها بما عمل» (3).

و في الخبر:عن شراء الأرض من أرض الخراج فكرهه،و قال:« إنّما أرض الخراج للمسلمين» فقالوا له:فإنه يشتريها الرجل و عليه خراجها، فقال:« لا بأس إلّا أن يستحيي من عيب ذلك» (4).

ص:114


1- طه 111.
2- منهم:ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):584،و العلّامة في المنتهى 2:934،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 7:470،و الفاضل السبزواري في الكفاية:75.
3- التهذيب 7:652/147،الإستبصار 3:384/109،الوسائل 17:369 أبواب عقد البيع و شروطه ب 21 ح 4.
4- التهذيب 7:654/148،الوسائل 17:370 أبواب عقد البيع و شروطه ب 21 ح 9.

و في آخر:« لا يشتري من أرض السواد شيئاً إلّا من كانت له ذمّة، فإنّما هو فيء للمسلمين» (1).

و في ثالث:كيف ترى في شراء أرض الخراج؟قال:« و من يبيع ذلك و هي أرض المسلمين؟» قلت:يبيعها الذي هي في يده،قال:« و يصنع بخراج المسلمين ماذا؟» ثمّ قال:« لا بأس أن يشتري حقّه منها و يحول حقّ المسلمين عليه،و لعلّه يكون أقوى عليها و أملى بخراجها منه» (2).

و هي و إن أوهمت جواز شرائها أو دلّت عليه،و لكن ظاهر الأصحاب الاتّفاق على أنها لا تباع و لا توقف و لا توهب و لا تملك بوجه من الوجوه على الخصوص بل زاد بعضهم كالشيخ في المبسوط،فمنع عن مطلق التصرف فيها و لو بنجو من البناء (3)؛ لما دلّت عليه بعد الإجماع أنّها للمسلمين قاطبة،فلا يجوز لأحد تملّكها و لا التصرف فيها مطلقاً من غير إذن الإمام قطعاً.

و لذا منعت جملة منها عن الشراء أوّلاً.

و حمل بعضهم الشراء المرخّص فيها ثانياً على الاستنقاذ،كما يشعر به الرواية الأُولى.

أو على شراء ما فيها من الآثار دونها،كما عقله شيخنا الشهيد الثاني من الرواية الأخيرة؛ لقوله:« لا بأس أن يشتري حقّه منها» قال:لأنّها حقّه

ص:115


1- الفقيه 3:667/152،التهذيب 7:653/147،الوسائل 17:369 أبواب عقد البيع و شروطه ب 21 ح 5.
2- التهذيب 4:406/146،الإستبصار 3:387/109،الوسائل 15:155 أبواب جهاد العدو ب 71 ح 1.
3- المبسوط 2:34.

منها دون نفس الأرض،فلا حقّ له فيها بخصوصه بل و لا تصرّف (1).

و فيه بُعد؛ لأنّ الظاهر من الحقّ فيها إنّما هو حق الأولويّة لا الآثار.

مع أنّ الآثار الموجودة فيها يومئذٍ تعمّ الآثار الموجودة وقت الفتح التي خرجت بها عن الموات و صارت فيئاً للمسلمين كافةً،و حكمها حكم نفس الأرض للمسلمين بلا خلاف،لا يجوز التصرف فيها ببيع و نحوه.

و تخصيصه بالآثار المتجدّدة المملوكة للمتصرف فيها بإذن الإمام و إن أمكن،لكنّه بُعد في بُعد.و مع ذلك فلا بأس به و لا بالأوّل،جمعاً.

و أمّا حملها على جواز بيعها تبعاً للآثار كما عليه الحلّي (2)و جماعة من المتأخرين (3)فمحلّ إشكال،وفاقاً لشيخنا في المسالك في كتاب الإحياء (4)و إن وافقهم هنا (5)؛ لعدم دليل واضح عليه إلّا أن يكون إجماعاً، كما يفهم من بعض العبارات.

و النظر فيها إلى الإمام(عليه السّلام) يقبّلها بالذي يرى،كما صنع رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بخير قبّل أرضها و نخلها،كما في الصحيح (6)و غيره (7)، و لا خلاف فيه.

و يصرف حاصلها في المصالح المتعلّقة بالمسلمين من نحو ما

ص:116


1- المسالك 2:287.
2- السرائر 1:478.
3- اللمعة(الروضة)3:247،مجمع الفائدة 7:472،كفاية الأحكام:80.
4- المسالك 2:287.
5- المسالك 1:155.
6- التهذيب 4:342/119،الوسائل 15:158 أبواب جهاد العدو ب 72 ح 2.
7- الكافي 4:2/512،التهذيب 4:341/118،الوسائل 15:157 أبواب جهاد العدو ب 72 ح 1.

يذكر في المرسل كالصحيح،و هو جامع لما على الوالي أن يعمل فيه.

ففيه:« و الأرضون التي أُخذت عنوة بخيل و ركاب (1)،فهي موقوفة متروكة في أيدي من يعمرها و يحييها،و يقوم عليها على قدر ما يصالحهم الوالي على ذلك،على قدر طاقتهم من النصف و الثلث،و على قدر ما يكون لهم صلاحاً و لا يضرّهم.فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر ممّا سقت السماء أو سقي سيحاً» .إلى أن قال:« فإن فضل من بعد ذلك أي من الزكاة و ما قبله شيء ردّه إلى الوالي،و إن نقص من ذلك شيء و لم يكتفوا به،كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا،و يؤخذ بعد ما بقي من العشر،فيقسم بين الوالي و شركائه الذين هم عمّال الأرض و أكَرَتها،فيدفع إليهم أنصباءهم على ما صالحهم،فيؤخذ الباقي فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين اللّه تعالى و في مصلحة ما ينويه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد،و غير ذلك ممّا فيه مصلحة العامة» (2)الخبر.

هذا مع حضوره.أمّا مع غيبته فما كان بيد الجائر يجوز المضيّ معه في حكمه فيها،فيصحّ تناول الخراج و المقاسمة منه لهبة و شراء و غيرهما ممّا يقتضيه حكمه شرعاً،كما هو ظاهر الأصحاب و الأخبار الواردة بحلّ ما يأخذه الجائر و يؤخذ منه من المقاسمة و الخراج.

و ما يمكن استقلال نائب الإمام به فهو الحاكم الشرعي،فأمره إليه يصرفه في مصالح المسلمين كالأصل.

و لا يجوز جحد الخراج و المقاسمة و لا التصرف فيهما إلّا بإذن الجائر

ص:117


1- في الكافي:و رجال.
2- الكافي 1:4/539،الوسائل 15:110 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 2.

حيث يطلبه أو يتوقف على إذنه مطلقاً،في ظاهر الأصحاب كما في المسالك (1).و فيه بعد نقل الإجماع عليه أقول:و هو المحقق الثاني في شرح القواعد في كتاب الإحياء (2)-:و على هذا فلا يجوز التصرف في هذه الأراضي بغير إذنهم أيضاً حيث يعتبر (3).

خلافاً لبعض من عاصرناه فجوّزه للشيعة؛ للأخبار (4).و فيه نظر.

و ما كان منها مواتاً وقت الفتح فهي من الأنفال للإمام، لا يجوز لأحد أن يتصرّف فيها إلّا بإذنه بالنّص (5)و الإجماع،و مع إذنه تملك بالإحياء.و سيأتي الكلام فيه في بحثه إن شاء اللّه تعالى.

بقي هنا شيء و هو:أنّ الأخبار المتقدمة في أنّ المعمورة منها للمسلمين قاطبةً لا إشعار فيها بالتفصيل بينها و بين الموات منها.و لا وجه لتقييدها بالأُولى إلّا ما يظهر من الحلّي (6)و غيره (7)،من أنّ المخصّص لها هو ما يأتي من الأخبار في أنّ الموات للإمام،و عمومها يشمل موات أراضي الخراج أيضاً.

و فيه:أنّ التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه يمكن تخصيص كلّ بالآخر،فلا وجه لترجيح تخصيص أخبار الباب بتلك الأخبار كما هو مناط الاستدلال لولا الموافقة لفتوى الأصحاب و الإجماع المنقول

ص:118


1- المسالك 1:155.
2- جامع المقاصد 7:11.
3- المسالك 1:155.
4- الوسائل 9:543 أبواب الأنفال ب 4.
5- انظر الوسائل 9:535 أبواب الأنفال ب 2.
6- السرائر 1:481.
7- انظر المنتهى 2:936،و جامع المقاصد 7:14،و المسالك 1:155.

عن التذكرة في خصوص هذه الموات أنّها للإمام (1).و حينئذ فلا إشكال.

و احترز بالقيد عمّا لو كانت معمورةً وقت الفتح ثم خربت،فإنّها للمسلمين دونه(عليه السّلام)؛ و ذلك لما سيأتي من اختصاص الموات من الأنفال التي يجوز إحياؤها و تملّكها به بما لم يجرِ عليه ملك مسلم و مَن بحكمه، أو جرى و باد أهلها،دون ما عرف صاحبها.

و نفى عنه الخلاف هنا في السرائر،فقال:و أمّا الذي جرى عليه ملك أي من موات أرض الخراج فإنّه ينظر،فإن كان صاحبه معيناً فإنّه له و لا يملك بالإحياء بلا خلاف،و إن لم يكن له صاحب معيّن و لا وارث معيّن فهو للإمام عندنا (2).انتهى.

و لا ريب أنّ هذه الموات المفروض كونها معمورةً وقت الفتح ثمّ خرجت صاحبها معلوم،و هو المسلمون كافّةً كما عرفت.

و يعرف المُحيى منها و الميّت وقت الفتح بإخبار الثقات و المعروفين من أهل التواريخ مع الإمكان،و إلّا فبالقرائن المفيدة للعلم،أو الظنّ المتاخم له.و منها ضرب الخراج و المقاسمة و لو من حكّام الجور،على ما ذكره جماعة (3)حملاً لأفعال المسلمين على الصحّة.

فإن انتفت فالأصل يقتضي عدم تقدّم العمارة إن كانت الآن معمورةً، و إلّا فعدمها بالكلية إن كانت الآن مواتاً،و حينئذٍ فيحكم لمن بيده منها شيء بالملك لو ادّعاه.

و منها: أرض الجزية،و هي كلّ أرض فتحت صلحاً على

ص:119


1- التذكرة 1:427.
2- السرائر 1:481.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:155،و السبزواري في الكفاية:79.

أن يكون الأرض لأهلها و الجزية فيها،فهي ملك لأربابها و لهم التصرف فيها بأنواع التصرّفات المملّكة و غيرها،بلا خلاف على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (1)؛ للنصوص المتقدمة جملة منها في بحث الجزية فلا نعيدها.

و لو باعها المالك لها و لو من مسلم صحّ لما مرّ و انتقل ما ضرب عليها من الجزية إلى ذمّة البائع دون المشتري مطلقاً كما هو فرض المتن،أو المسلم خاصة كما هو فرض الدروس و التحرير و المنتهى (2)،و المختلف حاكياً للحكم فيه عن الشيخ و المشهور و وافقهم أيضاً،قال:لأصالة براءة الذّمة،و لأنّ المأخوذ جزية و هي منافية للإسلام (3).فلا بأس به.

خلافاً للمحكي فيه و في الدروس (4)عن الحلبي،فجعلها على المشتري،و احتجّ له بأنّه حقّ على الأرض فتجب على من انتقلت إليه كالخراج.و أجاب عنه بالمنع،قال:و إنّما هو حقّ على رقبة الذمّي في نوع من ماله فإذا انتقل عنه سقط الحقّ عن المال.

و هو حسن،و الأصل و الجواب يساعدان العموم في المشتري لنحو المسلم و الذمّي،كما في إطلاق المتن.

لكن هنا من الأخبار ما يساعد الحلبي،كالصحيح:عن شراء أرض أهل الذمّة،فقال:« لا بأس بها،فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم،تؤدّي كما

ص:120


1- كالسرائر 1:478،و التذكرة 1:427،و المسالك 1:156.
2- الدروس 2:40،التحرير 2:130،المنتهى 2:935.
3- المختلف:332.
4- المختلف:332،الدروس 2:40.

يؤدّون» (1)الخبر.و نحوه آخر مضمر (2).

و لكنّهما مع قصور الثاني ليسا نصّين في المراد ممّا يؤدّي أنّه الجزية، فلعلّ المراد به الخراج المأخوذ من أرض السواد المتعلّقة بجميع المسلمين.

و أرض الذمّي ليس منحصراً في أرض الجزية المشروطة بوقوع الصلح على كونها لهم و عليهم الجزية؛ إذ لو وقع الصلح معهم على كونها للمسلمين كان حكمها حكم الأراضي المفتوحة عنوةً،كما سيأتي إليه الإشارة،و يكون المراد من شرائها المرخّص فيهما نحو الشراء المرخّص فيه فيما مرّ من الأخبار الواردة في شراء أراضي الخراج (3)،و منها:الرواية المتقدّمة المتضمنة للسؤال عن شراء أرض الخراج،فكرهه و قال:« إنّما أرض الخراج للمسلمين» فقالوا:فإنّه يشتريها الرجل و عليه خراجها، فقال:« لا بأس إلّا أن يستحيي من عيب ذلك» .و قيل في وجه الاستحياء من عيب ذلك:إنّ المراد بأرض الخراج أرض أهل الذمّة،و العيب لاشتباه خراج أرضهم بالجزية (4).

أقول:فلعلّ المراد ممّا يؤدّي في الصحيحين هذا،و إن احتمل فيهما كالخراج في هذه الرواية أيضاً الجزية حقيقة،كما احتمله أيضاً القائل المتقدم إليه الإشارة.

لكنه بعيد في هذه الرواية،بل ظاهرها المعنى الأوّل،فيمكن أن

ص:121


1- الكافي 5:4/283،التهذيب 7:662/149،الوسائل 17:370 أبواب عقد البيع و شروطه ب 21 ح 8.
2- التهذيب 7:656/148،الوسائل 17:369 أبواب عقد البيع و شروطه ب 21 ح 7.
3- راجع ص:3665.
4- ملاذ الأخيار 11:239.

ينصرف إليه ما فيهما.و بذلك يضعف الاستناد له إليهما جدّاً؛ لقصور دلالتهما حينئذ كما ترى.

فإذاً المشهور هو الأقوى.

و لو أسلم الذمّي المالك لها كان حكم أرضه حكم أرض من أسلم طوعاً ابتداءً و سقط ما على أرضه من الجزية أيضاً،لأنّه جزية بدل من جزية رؤوسهم،و لا جزية على مسلم اتّفاقاً نصّاً و فتوى.

هذا إذا صولحوا على أنّ الأرض لهم.

و لو شرطت الأرض حين الصلح معهم أنّها للمسلمين كانت ك الأراضي المفتوحة عنوة عامرها للمسلمين كافّةً و أمرها إلى الإمام، و مواتها له(عليه السّلام)بلا خلاف.

و الجزية حينئذٍ على رؤوسهم دون أراضيهم؛ لتعلّقها بالمسلمين،و للصحيح (1)و غيره (2)الواردين في خيبر.

و منها: كلّ أرض أسلم عليها أهلها طوعاً و رغبةً كالمدينة المشرّفة فهي لهم على الخصوص يتصرّفون فيها كيف شاؤوا و ليس عليهم فيها سوى الزكاة المفروضة مع اجتماع الشرائط المعتبرة في حاصلها،ممّا تجب فيه الزكاة.

للصحيح (3)و غيره (4):ذكرت لأبي الحسن الرضا(عليه السّلام)الخراج و ما

ص:122


1- التهذيب 7:655/148،الإستبصار 3:390/110،الوسائل 15:156 أبواب جهاد العدو ب 71 ح 2.
2- الكافي 3:2/512،التهذيب 4:341/118،الوسائل 15:157 أبواب جهاد العدو ب 72 ح 1.
3- التهذيب 4:342/119،الوسائل 15:158 أبواب جهاد العدو ب 72 ح 2.
4- الكافي 3:2/512،التهذيب 4:96/38،الوسائل 15:157 أبواب جهاد العدو ب 72 ح 1.

سار به أهل بيته،فقال:« العشر و نصف العشر على من أسلم طوعاً،تركت أرضه في يده و أُخذ منه العشر و نصف العشر فيما عمر منها و ما لم يعمر منها،أخذه الوالي فقبّله ممّن يعمره،و كان المسلمين،و ليس فيما كان أقلّ من خمسة أو ساق شيء» الخبر.

و لا خلاف فيه إذا قاموا بعمارتها حينئذ،أمّا لو تركوها فخرجت فإنّها تدخل في عموم قوله:

و كلّ أرض مملوكة ترك أهلها و ملّاكها عمارتها فللإمام أو نائبه تسليمها إلى من يعمرها بعد تقبيلها منه بحسب ما يراه من نصف أو ثلث أو ربع.

و عليه أي على الإمام طَسْقها أي أُجرتها لأربابها الذين تركوا عمارتها،على المشهور على الظاهر،المصرّح به في الدروس (1)و غيره (2).

بل لا خلاف فيه إلّا من الحلّي،فمنع من التصرّف فيها بغير إذن أربابها مطلقاً (3).و هو كما في الدروس متروك (4)،و بالخبرين المتقدمين محجوج.

و من ابن حمزة و القاضي (5)،فلم يذكروا الأُجرة بل قالا كالباقين -:إنّه يصرف حاصلها في مصالح المسلمين،كما هو ظاهر الخبرين،لكنّهما ليسا نصّين في عدم وجوبها،فلا يخرج بهما عن الأصل المقتضي للزومها.

ص:123


1- الدروس 2:40.
2- انظر المنتهى 2:938.
3- السرائر 1:477.
4- الدروس 2:40.
5- ابن حمزة في الوسيلة:132،القاضي في المهذب 1:182.

و به يتمّ الحكمة في جواز تصرف الإمام فيها بغير إذنهم نظراً إلى أنّه حينئذٍ إحسان محض و ما على المحسنين من سبيل.

و به يضعف مستند الحلّي من قبح التصرف في ملك الغير بغير إذنه؛ لاختصاص ما دلّ عليه من العقل و النقل بغير محلّ الفرض.

هذا إذا لم يبلغ حدّ الموات،و إلّا فيدخل في عموم قوله:

و كلّ أرض موات سبق إليها سابق و أحياها و أخرجها من عطلتها فهو أحقّ بها و إن كان لها مالك معروف فعليه طَسقها له.

بلا خلاف في جواز إحيائها مع عدم معروفية صاحبها،و لا في وجوب الأُجرة له إذا كان معروفاً و ملكها بغير الإحياء.

و في وجوبها له إذا ملكها بالإحياء خلاف مبنيّ على الاختلاف في زوال ملك الأوّل الحاصل له بالإحياء،بإحياء المحيي الثاني،أم لا.فقد اختلفوا فيه على أقوال.

فقيل:نعم و لا يستحق شيئاً و بملكه المحيي الثاني (1)؛ لعموم الصحاح بأنّ من أحيى أرضاً ميتة فهي له (2)،و خصوص الصحيح:« أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمرها فإنّ عليه فيها الصدقة،فإن كانت أرضاً لرجل قبله فغاب عنها و تركها و أخربها ثمّ جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض للّه عزّ و جلّ و لمن عمرها» (3).

و قريب منه الخبر:« إن تركها و أخربها فأخذها رجل من المسلمين

ص:124


1- قال به الشهيد الثاني في المسالك 1:156.
2- انظر الوسائل 25:411 أبواب إحياء الموات ب 1،3،4.
3- الكافي 5:2/279،التهذيب 7:672/152،الوسائل 25:414 أبواب إحياء الموات ب 3 ح 1.

من بعده فعمرها و أحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها» (1).

و قيل:لا (2)؛ لأصالة بقاء الملك،و الصحيح:عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها،فماذا عليه؟قال:

« الصدقة» قلت:فإن كان يعرف صاحبها،قال:« فليؤدّ إليه حقّه» (3).

و هو ظاهر في الدلالة على ما ذكرنا من عدم خروج الموات عن الملك بالإحياء،كما هو إجماع فيما إذا ملكها الأوّل بنحو الإرث و الشراء.

و لا معارض لهما سوى ما مرّ،و في جميعه نظر:

أمّا العموم:فإنّه مشترك بين القولين يمكن الاستدلال لكلّ منهما في البين كما فُعل من الطرفين.

و أمّا الرواية الثانية:فبعد الإغماض عن سندها لا دلالة فيها على زوال الملكية عن الأوّل،و إنّما غايتها الدلالة على أحقيّة الثاني،و لا تلازم بينها و بين زوال الملك،فيمكن القول ببقاء الملك و أحقّية الثاني بإحيائه.و يظهر ثمرة الملك بلزوم الأُجرة للمالك على المحيي.

و هذا القول هو ظاهر الماتن و جماعة (4).و لا يخلو عن قوّة؛ لما ستعرفه.

و أمّا الصحيحة:فليست صريحة في ملكية الثاني؛ لأنّ اللام كما تأتي للملك،كذا تأتي للاختصاص.و بعد تسليم ظهورها في الملك ليست ما نصّ من الصحيحة المعارضة بأنّه يؤدّي حقه؛ لأنّ المراد به إمّا نفس

ص:125


1- الكافي 5:5/279،التهذيب 7:674/152،الوسائل 25:414 أبواب إحياء الموات ب 3 ح 2.
2- قال به الشيخ في النهاية:420.
3- التهذيب 7:658/148،الوسائل 25:411 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 2.
4- الماتن في الشرائع 1:323؛ و أُنظر المنتهى 2:938،و الدروس 2:40.

الأرض أو طسقها،و كلّ منهما يلازم الملكية.

فمقتضى الجمع بينهما صرف ظهور الصحيحة الاُولى من الملكية للثاني إلى الأحقيّة،جمعاً،و إلّا لزم طرح الثانية رأساً.و يراد من الحقّ فيها الأُجرة لا الرقبة؛ لصراحة الاُولى في عدم لزوم أدائها و أحقيّة الثاني بها.

و الحاصل:أنّ العمل بالروايتين معاً يقتضي صرف ظاهر كل منهما أو مجملة إلى صريح الآخر أو مبيّنة.

و هذا الجمع أولى من الجموع الأُخر،و يعضده وقوع التعبير في الرواية الثانية بالأحقيّة دون الملكية،مع أنها كالصحيحة تعمّان ملك الأوّل بالإحياء أو نحو الشراء،مع أنّ الملك لا يزول في الثاني بالإجماع كما مضى،و عن التذكرة عليه إجماع العلماء (1)،فلا بدّ من تقييدهما بما عداه إن لم يجمع بينهما بما ذكرنا.

و من هنا يظهر ضعف القول ببقاء الملك و عدم الأحقّية للثاني إن كان.

و على المختار ففي توقّف الإحياء على استيذان المالك مع الإمكان و إلّا فالحاكم و إلّا فيحيي هو حسبة،كما هو مقتضى الأُصول الشرعية و أفتى به الشهيد في الدروس (2)،أم لا كما هو ظاهر الأخبار و أكثر الأصحاب (3)، وجهان.

و لا ريب أنّ الأوّل إن لم نقل بكونه أقوى،فهو أحوط و أولى.

و الحمد للّه أوّلاً و آخراً.

ص:126


1- حكاه عنه في المسالك 1:156،و هو في التذكرة 2:401.
2- الدروس 3:56.
3- كالمحقق في الشرائع 3:272،و العلّامة في المنتهى 2:936،و الشهيد الثاني في المسالك 1:156.

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به ثقتي الحمد للّه ربّ العالمين،و صلّى اللّه على خير خلقه محمد و آله الطاهرين.

ص:127

ص:128

كتاب التجارة

اشارة

كتاب التجارة هي في اللغة:الكسب،و في الشرع على تعريف المصنف و جماعة (1):

عقد المعاوضة بقصد الاكتساب عند التملك.و المراد بها هنا الأعم منه و من الخالي عن القصد المزبور،كالمعاوضة للقوت و الادّخار،إما إطلاقاً لها عليه مجازاً،أو إلحاقاً للزائد عن مدلولها به استطراداً.

و فيه فصول:

الأوّل فيما يكتسب به

اشارة

الأوّل: فيما يكتسب به ببيع كان أو غيره.و ينقسم إلى محرّم و مكروه و مباح؛ لأنّه إما أن يتعلّق به نهي أم لا،و الثاني المباح،و الأوّل إما أن يكون النهي عنه مانعاً عن النقيض أم لا،و الأوّل الأوّل،و الثاني الثاني.

و ربما قسّم إلى خمسة بزيادة الوجوب و الاستحباب.و لعل تركهما

ص:129


1- المصنّف في المعتبر 2:548،الشهيد الثاني في المسالك 1:164،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:3.

أولى؛ لأنّهما من عوارض التجارة.

المحرّم منه أنواع
اشارة

و المحرّم منه أنواع:

الأوّل الأعيان النجسة

الأوّل: الأعيان النجسة،كالخمر المتّخذ من العنب.

و الأنبذة جمع نبيذ،و هو الشراب المتّخذ من التمر،و يلحق بهما غيرهما من الأنبذة كالبِتع و المِزر و الجعَة و الفضيخ (1)،و ضابطها المسكر و إن لم يكن مائعاً،كالحشيشة،مطلقا،أو إن لم يفرض لها نفع آخر محلّل و قصد ببيعها المنفعة المحلّلة كما قيل (2).و فيه نظر؛ لعموم أدلّة المنع.

و الفقاع و إن لم يكن مسكراً؛ لأنه خُميرة استصغرها الناس.

و الميتة مطلقاً و الدم كذلك و الأرواث،و الأبوال مما لا يؤكل لحمه شرعاً و لو أُكل عادةً.

فيحرم التكسب بجميع ذلك،بلا خلاف في شيء منه،بل عن المنتهى إجماع أهل العلم في الأوّل و الرابع و الخنزير (3).و في السرائر و الغنية إجماعنا على الثالث (4)[بل في الأخير الإجماع على سحت ثمن الجميع] و في المسالك و عن التذكرة على الآخرين (5).

و النصوص مع ذلك بالأوّل مستفيضة،منها:« لعن رسول(صلّى اللّه عليه و آله)الخمر و عاصرها» إلى أن قال:« و بائعها و مشتريها» (6)الخبر.

ص:130


1- البتْع هو النبيذ المتّخذ من العسل،و المِزر يتّخذ من الذرّة،و الجِعَة يتّخذ من الشعير،و الفضيخ يتخذ من البسر.النهاية 1:94،و ج 4:324،و ج 1:277،و ج 3:453.
2- قال به الشهيد الثاني في الروضة البهية 3:207.
3- المنتهى 2:1008.
4- السرائر 2:219،الغنية(الجوامع الفقهية):618.
5- المسالك 1:165،التذكرة 1:582.
6- الكافي 6:10/398،التهذيب 9:451/104،الوسائل 17:224 أبواب ما يكتسب به ب 55 ح 3.

و منها:« السحت ثمن الميتة،و ثمن الكلب،و ثمن الخمر» (1).

و منها:« السحت أنواع» و عدّ منها ثمنها (2).

و بها يستدل على حكم تالييها؛ نظراً إلى إطلاق الخمر عليهما في المعتبرة المستلزم لكونهما إمّا منها حقيقة،أو مشاركين لها في الأحكام التي ما نحن فيه منها.

مضافاً إلى الصحيح في الأوّل:« السحت أنواع كثيرة» و عدّ منها« ثمن الخمر و النبيذ المسكر» (3).

و من الخبر الثاني و غيره (4)يظهر الحكم في الرابع.

و يستدل له و للخامس و البواقي بالخبرين،أحدهما الرضوي،و فيه:

« إن كلّ مأمور به ممّا هو صلاح للعباد،و قوام لهم في أُمورهم،من وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و يملكون و يستعملون فهذا كلّه حلال بيعه و شراؤه وهبته و عاريته،و كل أمر يكون فيه الفساد مما قد نهي عنه من جهة أكله و شربه و لبسه و نكاحه و إمساكه لوجه الفساد،مثل الدم،و الميتة،و لحم الخنزير،و الربا،و جميع الفواحش، و لحوم السباع،و الخمر،و ما أشبه ذلك فحرام ضارٍّ للجسم» (5)انتهى.

ص:131


1- الكافي 5:2/126،التهذيب 6:1061/368،الوسائل 17:93 أبواب ما يكتسب ب 5 ح 5.
2- انظر الوسائل 17:92،93 أبواب ما يكتسب به ب 5 الأحاديث 1،2،6،12.
3- الكافي 5:1/126،التهذيب 6:1062/368،الوسائل 17:92 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 1.
4- الفقيه 3:435/105،الفقيه 4:824/262،تفسير العياشي 1:117/322،الوسائل 17:94 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 8،9.
5- فقه الرضا(عليه السّلام):250،المستدرك 13:65 أبواب ما يكتسب به ب 2 ذيل حديث 1.

و نحوه الثاني المروي عن تحف العقول و رسالة المحكم و المتشابه للمرتضى بزيادة:« أو شيء من وجوه النجس» بعد الخمر،و التعليل ب« أنّ ذلك منهيّ عن أكله و شربه و لبسه و ملكه و إمساكه و التقلّب فيه،فجميع تقلّبه في ذلك حرام» (1)الحديث،و هو طويل متضمن لوجوه المكاسب.

و قصور سنده كباقي الروايات،مع اعتبار سند بعضها غير ضائر بعد العمل بها،و خلوّها عن المعارض،سوى الأصل و العمومات المخصَّصين بها.

و بعض الروايات في الميتة،الدالّ بظاهره على جواز بيع ما يتّخذ من جلودها للسيوف و شرائها (2)شاذّ،قاصر السند،ضعيف الدلالة و التكافؤ لما مرّ من وجوه عديدة،فالاستشكال في المسألة غفلة واضحة.

و نحوه الاستشكال في المنع عن بيع عذرة غير الإنسان مطلقاً و لو كان غير مأكول اللحم،بل عذرته أيضاً لو انتفع بها؛ لنفي البأس عن بيع جميعها في بعض الأخبار (3).

لاندفاعه كالأصل،و العمومات بما مرّ،و زيادة معارضته بصريح الخبر:« ثمن العذرة من السحت» (4)و المرجحات معه،أوجهها عدم الخلاف فيه،بل الوفاق عليه كما مرّ (5).و لا ينافيه حمل الإستبصار الأوّل

ص:132


1- تحف العقول:247،المحكم و المتشابه:46 و ليست فيه الزيادة،الوسائل 17:83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.
2- التهذيب 6:1100/376،الوسائل 17:173 أبواب ما يكتسب به ب 38 ح 4.
3- التهذيب 6:1081/372،1079،الإستبصار 3:183/56،181،الوسائل 17:175 أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 2،3.
4- التهذيب 6:1080/372،الإستبصار 3:182/56،الوسائل 17:175 أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 1.
5- راجع ص:368.

على ما عدا عذرة الإنسان (1)،الشامل لعذرة ما لا يؤكل لحمه من البهائم؛ لأن مثل ذلك لا يعدّ فتوى له،و إلّا لما انحصر فتاواه في عدٍّ.

مع احتمال أن يريد به عذرة مأكول اللحم خاصة،فإنه يجوز الاكتساب بها،كما هو ظاهر العبارة،وفاقاً للمرتضى و الحلّي و أحد قولي الطوسي (2)،و أكثر المتأخّرين،بل لعله عليه عامّتهم؛ لطهارتها و جواز الانتفاع بها،فيشملها الأصل و العمومات.

مضافاً إلى الإجماع المحكي عن المرتضى (3)،و الموثق المجوّز لبيعها ثانياً بعد المنع عنه أوّلاً (4)،بحمل الثاني على النجس،و الأول على الطاهر، جمعاً،و الشاهد ما مرّ من الإجماع و غيره.

خلافاً للمفيد و الديلمي (5)،فمنعا عنه و عن الأبوال إلّا ما تضمّنه الاستثناء الآتي؛ للاستخباث و عدم الانتفاع.

و لا دليل على ملازمة الأوّل للمنع بعد إمكان الانتفاع به وجداناً.و به يظهر وجه المنع عن الثاني.

و قيل: كما عن النهاية (6)،و في النسبة مناقشة؛ لتشويش العبارة بالمنع من الأبوال مطلقا خاصة إلّا بول الإبل للاستشفاء مع

ص:133


1- الاستبصار 3:56.
2- انظر الانتصار:201 203،الحلّي في السرائر 2:219،الطوسي في التهذيب 6:372.
3- كما في الانتصار:201.
4- التهذيب 6:1081/372،الإستبصار 3:183/56،الوسائل 17:175 أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 2.
5- المفيد في المقنعة:587،الديلمي في المراسم:170.
6- النهاية:364.

الضرورة إليه للمنع:ما مرّ،و للجواز في المستثنى:الإجماع في الظاهر، و صريح النصوص:منها الموثق:عن بول البقر يشربه الرجل؟قال:قال:

« إن كان محتاجاً إليه يتداوى بشربه،و كذلك بول الإبل و الغنم» (1)(2).و الخبر:عن شرب الرجل أبوال الإبل و البقر و الغنم،ينعت له من الوجع،هل يجوز له أن يشرب؟قال:« نعم لا بأس به» (3).

و يحرم التكسّب ب الخنزير و الكلب إجماعاً،كما حكاه جماعة (4)؛ و هو الحجة؛ مضافاً إلى صريح الرضوي و تاليه (5)في الأول، و عموم الثاني من حيث تضمّنه المنع عن التقلّب بمطلق النجس في الثاني؛ مضافاً إلى النصوص المستفيضة فيه،منها:ما مرّ (6).

و منها:الموثق بأبان المجمع على تصحيح رواياته و روايات فضالة الراوي عنه هنا،و فيه:« ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت» (7).

و الخبر:« و ثمن الكلب سحت،و السحت في النار» (8)و ليس في سنده سوى سهل الثقة عند جمع (9)،و سهل عند آخرين (10).

ص:134


1- التهذيب 1:832/284،الوسائل 25:113 أبواب الأطعمة المباحة ب 59 ح 1.
2- و منها الموثق الآخر المروي في(الكافي 7:1/245)و(التهذيب 10:533/134)،في كتاب الحدود باب حدّ المحارب.(منه رحمه اللّه).
3- طب الأئمّة:63،الوسائل 25:115 أبواب الأطعمة المباحة ب 59 ح 7.
4- منهم:الشيخ في الخلاف 3:181،و العلّامة في المنتهى 2:1008،1009.
5- راجع ص:3681.
6- في ص:368.
7- التهذيب 6:1017/356،الوسائل 17:119 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 3.
8- الكافي 5:4/120،الوسائل 17:118 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 2.
9- منهم:الشيخ الطوسي في رجاله:416،و الحرّ العاملي في الوسائل 30:389 و حكاه أيضاً عن بعض مشايخه المعاصرين.
10- منهم المجلسي في الوجيزة:224،و أُنظر تعليق الوحيد على منهج المقال:176،و منتهى المقال 3:429.

و نحوه آخر:عن ثمن الكلب الذي لا يصيد،فقال:« سحت،و أما الصيود فلا بأس» (1).

و يستفاد منه صريحاً،و من الموثق تقييداً اختصاص المنع بما عدا كلب الصيد المعلّم،و هو إجماع أيضاً،كما في الغنية و المنتهى و المسالك (2)،و بذلك يقيّد ما أُطلق فيه المنع عن ثمن مطلق الكلب،مع اختصاصه بحكم التبادر و الغلبة بما عداه.

و ليس في النص و الفتوى كما ترى التقييد بالسلوقي،كما في النهاية (3)،مع أنّ الأصل يدفعه،و لا وجه له أصلاً،و لذا رجع عنه في المبسوط،فأطلق (4).

و في كلب الماشية و الحائط أي البستان،و نحوه الدار و الزرع قولان للمنع كما في الشرائع و الغنية و عن الخلاف و النهاية و المفيد و القاضي (5)،و اختاره من المتأخّرين جماعة (6)ظواهر إطلاق المستفيضة المتقدمة،بل المتضمّنة منها لاستثناء كلب الصيد خاصّة و هي الموثقة و غيرها كالصريحة في العموم.

مضافاً إلى عموم المنع في رواية التحف (7)عن كل نجس،و عموم

ص:135


1- التهذيب 6:1060/367،الوسائل 17:119 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 7.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):586،المنتهى 2:1009،المسالك 1:167.
3- النهاية:364.
4- المبسوط 2:166.
5- الشرائع 2:12،الغنية(الجوامع الفقهية):586،الخلاف 3:183،النهاية:364،المقنعة:589،حكاه عن القاضي في المختلف:341.
6- منهم:السبزواري في الكفاية:88،و صاحب الحدائق 18:79.
7- المتقدمة في ص:132.

النبوي:« إذا حرّم اللّه تعالى شيئاً حرم ثمنه» (1)و عن الخلاف الإجماع عليه أيضاً (2).

و للجواز كما عن الإسكافي و الحلّي (3)،و اختاره كثير ممن تأخّر (4)الأصل،و العمومات.و يخصّصان بما مرّ،و فيه المعتبر السند كما ظهر.

و الاشتراك مع كلب الصيد في الانتفاع المسوّغ لبيعه قياس.

و ما في المبسوط من الرواية على مماثلة الأوّلين له (5)لم نقف عليها فهي مرسلة،و مع ذلك عن إفادة تمام المدّعى قاصرة.

نعم في الصحيح:« لا خير في الكلام إلّا كلب صيد أو ماشية» (6)و سياقه يعطي الاتحاد مع الأوّل في الأحكام،و لا قائل بالفرق في المقام، لكن في الدلالة نوع كلام.

و كيف كان فلا ريب أن الأحوط الأوّل.

و يحرم التكسّب ب المائعات النجسة بالذات،أو بالعرض مع عدم قبولها التطهير مطلقاً،و لو حصل لها نفع و أعلم بالنجاسة،إجماعاً كما في الغنية و المنتهى و المسالك (7)و غيرها؛ و هو الحجة،مضافاً إلى

ص:136


1- عوالي اللئلئ 2:301/110،المستدرك 13:73 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 8؛ بتفاوت يسير.
2- الخلاف 3:182.
3- نقله عن الإسكافي في المختلف:341،الحلي في السرائر 2:220.
4- منهم:العلّامة في المنتهى 2:1009،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:7،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:14،و الشهيد الثاني في الروضة 3:209.
5- المبسوط 2:166،و هي مروية في الوسائل 17:120 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 9.
6- الكافي 6:4/552،الوسائل 11:530 أبواب أحكام الدواب ب 43 ح 2.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):586،المنتهى 2:1010،المسالك 1:164.

العمومات المتقدمة المانعة عن بيع النجس،و المعربة عن تحريم ثمن ما حرم أصله.

عدا الدهن بجميع أصنافه،فيجوز بيعه مع الإعلام لفائدة الاستصباح للإجماع كما في الغنية و غيرها (1)،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

ففي الصحيح:« إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت،فإن كان جامداً فألقها و ما يليها و كُلْ ما بقي،و إن كان ذائباً فلا تأكله و استصبح به،و الزيت مثل ذلك» (2).

و فيه جُرَذ مات في سمن أو زيت أو عسل،فقال:« أمّا السمن و العسل فيؤخذ الجُرَذ و ما حوله،و أمّا الزيت فيستصبح به» (3)و قال في بيع ذلك الزيت:« تبيعه و تبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به» (4).

و ليس فيها مع كثرتها التقييد بالاستصباح تحت السماء،كما عن الأكثر،بل في الروضة و المسالك أنّه المشهور (5)،و عن الحلّي الإجماع عليه (6)؛ و مستنده غير واضح سواه،فإن تمّ كان هو الحجة،و إلّا فالإطلاق كما عليه كثير من المتأخّرين (7)لا يخلو عن قوة،للأصل،و خلوّ

ص:137


1- الغنية(الجوامع الفقهية):586؛ و أُنظر الخلاف 3:187،و السرائر 2:222.
2- الكافي 6:1/261،الوسائل 17:97 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 2.
3- الكافي 6:2/261،الوسائل 17:97 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 1.
4- التهذيب 7:563/129 بتفاوت،الوسائل 17:98 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 4.
5- الروضة 3:207،المسالك 1:164.
6- انظر السرائر 2:222.
7- منهم:العلّامة في الإرشاد 1:357،و التحرير 1:160،و الشهيد الثاني في الروضة 3:207،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:7.

النصوص عن القيد،مع ورودها في مقام بيان الحاجة،و كون أظهر أفرادها بالغلبة خلافه،لغلبة الإسراج في الشتاء.

لكن الأحوط بل الأولى الأوّل؛ لاعتضاد الإجماع بالشهرة؛ و ما ادّعاه في المبسوط من رواية الأصحاب (1)الصريحة في التقييد و إن اختار فيه خلافه،مع موافقته الأصحاب كما حكي في سائر كتبه و في هذا الكتاب في المكاسب (2).

و أما ما علّل به من تصاعد شيء من أجزائه مع الدخان قبل إحالة النار له بسبب السخونة إلى أن يلقى الظلال فتتأثّر بنجاسته.

فضعيف؛ فإنّ فيه بعد تسليمه أوّلاً:عدم جريانه في الأضلّة العالية،بل و القصيرة مع حصول الشك في الملاقاة،لأصالة الطهارة.

و ثانياً:عدم صلاحيته لإثبات المنع إلّا بعد ثبوت المنع عن تنجيس المالك ملكه،و لا دليل عليه،مع مخالفته الأصل،و إجماعنا المحكي هنا في الروضة و غيرها على عدم نجاسة دخان الأعيان النجسة (3).

ثم ظاهر العبارة كالجماعة و ظواهر النصوص المتقدمة الواردة في بيان الحاجة الاقتصار في الاستثناء على الاستصباح خاصّة،خلافاً لمن شذّ (4)، فألحق به البيع ليعمل صابوناً،أو ليدهن به الأجرب؛ استناداً إلى الأصل، و صريح الخبر المروي عن نوادر الراوندي (5)،و حملاً للنصوص على النفع

ص:138


1- المبسوط 6:283.
2- كالنهاية:588،و الخلاف 3:187،و المبسوط 2:167.
3- الروضة 3:208؛ و أُنظر المبسوط 6:283،و السرائر 3:121،و التنقيح الرائع 2:8.
4- انظر جامع المقاصد 4:13.
5- نوادر الراوندي:50،المستدرك 13:73 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 7.

الغالب.

و الأحوط الأول؛ لاندفاع الأوّل بعموم ما دلّ على المنع عن التكسّب به،خرج المجمع عليه و هو البيع و الشراء للاستصباح و يبقى الباقي.

و الثاني:بقصور السند.

و الثالث:بالضعف بالخلوّ عمّا عداه مع الكثرة،و اعتضاده بفهم فقهاء الطائفة.

و أما ما يقال في تعيين الاستصباح بالأمر به المستلزم للمنع عمّا عداه و لو من باب المقدّمة،فغير مفهوم بعد الإجماع على عدم كون هذا الأمر للوجوب،مع وروده مورد توهّم الحظر،و ليس مفاده حينئذٍ إلّا الإباحة كما قرّر في محلّه.

و اعلم أنّ مقتضى الأصل المستفاد من العمومات المتقدّمة و اختصاص النصوص المستثنية للاستصباح بالدهن النجس بالمتنجّس منه:

أنّه لا يجوز أن يباع و لا يستصبح بما يذاب من شحوم الميتة و ألياتها.

مضافاً إلى إطلاق المعتبرة المستفيضة المانعة عن الانتفاع بالميتة، ففي الصحيح:الميتة ينتفع بها بشيء؟فقال:

« لا» (1).و في الخبر:« أن ما قطع منها ميّت لا ينتفع به» (2).

و في آخر:« لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب» (3)فتأمل.مع أن

ص:139


1- الكافي 6:7/259،الوسائل 24:184 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 1.
2- الكافي 6:1/254،الفقيه 3:967/209،التهذيب 9:330/78،الوسائل 24:71 أبواب الذبائح ب 30 ح 1.
3- الكافي 6:6/258،التهذيب 9:323/76،الإستبصار 4:341/89،الوسائل 24:181 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 7.

ظاهرهم الاتفاق عليه كما قيل (1).

خلافاً للمحكي عن العلّامة،فجوّز الاستصباح به (2)،و تبعه من متأخّري المتأخّرين جملة (3)؛ للأصل المخصّص بما مرّ؛ و الروايات القاصرة الأسانيد الضعيفة هي كالأوّل عن المقاومة له.

الثاني الآلات المحرّمة

الثاني:الآلات المحرّمة،كالعود و الطبل و الزمر،و هياكل العبادة المبتدعة،كالصنم و الصليب،و آلات القمار،كالنرد و الشطرنج و غيرها، بإجماعنا المستفيض النقل في كلام جماعة من أصحابنا (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى عمومي الرضوي و تاليه (5)،المانعين عن التكسّب بكل ما فيه وجه من وجوه الفساد.

مع استلزام التكسّب بها المعاونة على الإثم المحرّمة كتاباً و سنّة و إجماعاً،إلّا أنّ مقتضى ذلك اختصاص التحريم بصورتها،فلو فرض لها منفعة محلّلة و قصدت ببيعها و شرائها بحيث لا يعدّ في العادة سفاهة أمكن الجواز فيه،و فيما لو كان لمكسورها قيمة و بيعت ممن يوثق به للكسر؛ للأصل،و عدم دليل على المنع يشمل محلّ الفرض،لندوره،فلا يشمله العموم المتقدّم،كإطلاق الأكثر،و المروي في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي،عن أبي بصير،عن مولانا الصادق(عليه السّلام)قال:« بيع الشطرنج

ص:140


1- الحدائق 18:84.
2- حكاه في جامع المقاصد 4:13 عن حواشي الشهيد عن العلّامة.
3- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 8:35،و السبزواري في الكفاية:85؛ و أُنظر مرآة العقول 22:49،و ملاذ الأخيار 14:279.
4- منهم:العلّامة في المنتهى 2:1011،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:41،و صاحب الحدائق 18:200.
5- المتقدمين في ص:3681.

حرام،و أكل ثمنه سحت،و اتّخاذها كفر،و اللعب بها شرك،و السلام على اللاهي بها معصية و كبيرة موبقة،و الخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير» (1)الخبر.

و نحوه فيما دلّ عليه من كون الشطرنج بمنزلة لحم الخنزير يثبت له أحكامه التي منها حرمة التكسّب به كما مضى المروي في الكافي:

« المقلّب لها كالمقلّب لحم الخنزير» (2).

لعدم انصراف إطلاقهما ككلام الأكثر إلى محلّ الفرض،و إن كان الإطلاق أحوط لو أمكن،و إلّا فيكسر كسراً لا يحتمل التصحيح ثم يباع.

و مما ذكرنا يظهر انسحاب الحكم في التكسّب بأواني الذهب و الفضة منعاً و جوازاً.

الثالث ما يقصد به المساعدة على المحرّم

الثالث:ما يقصد به المساعدة على المحرّم،كبيع السلاح مثل السيف و الرمح لأعداء الدين مسلمين كانوا أم مشركين،إذا كان في حال الحرب مع أهله،إجماعاً؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى عموم المتقدّم،و استلزامه الإعانة على الإثم المحرّمة بالكتاب و السنّة،و خصوص المستفيضة.

منها:الحسن،بل الصحيح:ما ترى فيما يحمل إلى الشام من السروج و أداتها؟فقال:« لا بأس،أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)، إنّكم في هدنة،فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح و السروج» (3).

ص:141


1- مستطرفات السرائر:29/59،الوسائل 17:323 أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 4.
2- الكافي 6:15/437،الوسائل 17:322 أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 3.
3- الكافي 5:1/112،التهذيب 6:1005/354،الإستبصار 3:187/57،الوسائل 17:101 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 1.

و الخبر:عن حمل السلام إلى أهل الشام،فقال:« احمل إليهم،فإن اللّه عزّ و جلّ يدفع بهم عدوّنا و عدوّكم» يعني الروم« فإذا كان الحرب بيننا فمن حمل إلى عدوّنا سلاحاً يستعينون به علينا فهو مشرك» (1).

و المرسل المنجبر ضعفه كما تقدّمه بالعمل،و وجود ابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه في سندهما:« قلت:إنّي أبيع السلاح، قال:« لا تبعه في فتنة» (2).

و مقتضى هذه النصوص كالعبارة و أصالة الإباحة الجواز فيما إذا لم يكن بيننا و بينهم حرب و لا مباينة،و به صرّح الحلّي (3)و جماعة (4).

و قيل: كما عن الشيخين و الديلمي و الحلبي (5)يحرم مطلقاً تبعاً لإطلاق بعض النصوص،كالصحيح المروي عن كتاب عليّ بن جعفر، و قرب الإسناد:عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة،قال:« إذا لم يحملوا سلاحاً فلا بأس» (6).

ص:142


1- الكافي 5:2/112،الفقيه 3:448/107،التهذيب 6:1004/353،الإستبصار 3:189/58،الوسائل 17:101 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 2؛ بتفاوت.
2- الكافي 5:4/113،التهذيب 6:1007/354،الإستبصار 3:186/57،الوسائل 17:102 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 4.و الرواية مسندة في غير الاستبصار.
3- انظر السرائر 2:216.
4- منهم:الشهيد الأول في الدروس 3:166،و الشهيد الثاني في المسالك 1:165،و صاحب الحدائق 18:208.
5- المفيد في المقنعة:588،الطوسي في النهاية:365،حكاه عن الديلمي في كشف الرموز 1:439،الحلبي في الكافي:282.
6- مسائل علي بن جعفر:320/176،قرب الإسناد:1047/264،الوسائل 17:103 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 6.

و المروي في الفقيه في وصيّة النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لعليّ(عليه السّلام):كفر باللّه العلي العظيم من هذه الأُمّة عشرة أصناف،و عدّ منهم بائع السلاح لأهل الحرب (1).

و فيهما مع قصور سند الثاني،و دلالة الأوّل،لأعميّة البأس المفهوم منه من الحرمة أنّهما مطلقان يجب تقييدهما بما مرّ،مع معارضتهما لإطلاق الجواز في ظاهر الخبر:إنّي رجل صيقل اشترى السيوف و أبيعها من السلطان،أ جائز لي بيعها؟فكتب(عليه السّلام):« لا بأس به» (2).

فإذا الأوّل أظهر،و إن كان الإطلاق أحوط.

ثم ظاهر الأُصول المتقدّمة و فحوى الصحيح الأوّل و ظاهر تاليه تحريم بيع ما يعدّ جُنّة لهم أيضاً،كالدرع و البيضة و لباس الفرس المسمّى بالتجْفاف (3).

و ربما قيل بعدمه (4)؛ للصحيح:عن الفئتين يلتقيان من أهل الباطل أبيعهما السلاح؟فقال:« بعهما ما يكنّهما:الدرع و الخفّين و نحو هذا» (5).

و هو كما ترى؛ فإنّه ليس من محل البحث جدّاً،مع قصوره عن المقاومة لما مرّ،سيّما الأُصول قطعاً.فهو ضعيف؟كالمستفاد من العبارة

ص:143


1- الفقيه 4:821/254،الوسائل 17:103 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 7.
2- التهذيب 6:1128/382،الوسائل 17:103 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 5.
3- التجفاف:تفعال بالكسر،شيء تلبسه الفَرَس عند الحرب كأنه درع.الجمع تجافيف.المصباح المنير:103.
4- الحدائق 18:209.
5- الكافي 5:3/113،التهذيب 6:1006/354،الإستبصار 3:188/57،الوسائل 17:102 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 3.

و نحوها من اختصاص التحريم بقصد الإعانة،و عدمه مع عدمه،و لو كان رايات الحرب قائمة أوله متهيّأة؛ لإطلاق النصوص المتقدّمة بالحرمة في هذه الصورة.

نعم،لو صحب عدم القصد الجهل بالحال و الجدال انتفى الحرمة بلا إشكال.و ألحق جماعة (1)بأعداء الدين قطّاع طريق المسلمين؛ للأُصول المتقدّمة،و خصوص عموم الرواية الأخيرة،لتعميمها المنع عن بيع السلاح في كلّ فتنة.و هو حسن.

و إجارة المساكن و الحَمولات بفتح الحاء،و هي الحيوان الذي يصلح للحمل،كالإبل و البغال و الحمير،و السفن داخلة فيها للمحرّمات كالخمر و ركوب الظلمة و إسكانهم لأجله و نحوه.

و في معنى الإجارة بيعها.

و بيع العنب و التمر و غيرهما ممّا يعمل منه المسكر لَيُعْمَل خمراً و مسكراً.

و الخشب لَيُعْمَل صنماً سواء شرطه في العقد أم حصل الاتفاق عليه، إجماعاً ظاهراً،و حكي عن المنتهى صريحاً (2)؛ و هو الحجة فيه بعد ما مرّ من الأُصول،و سيّما الدالّ منها على حرمة الإعانة على الإثم،المؤيّد بالعقول.

مضافاً إلى الخبر في الأوّل:عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر، قال:« حرام أجره» (3).

ص:144


1- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 3:211،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:9،و صاحب الحدائق 18:209.
2- المنتهى 2:1011.
3- الكافي 5:8/227،التهذيب 6:1077/371،الإستبصار 3:179/55،الوسائل 17:174 أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 1.

و لا ينافيه الصحيح:عن الرجل يؤاجر سفينته أو دابّته ممّن يحمل عليها أو فيها الخمر و الخنازير،فقال:« لا بأس» (1).

لاحتمال اختصاصه بصورة عدم الشرط و الاتفاق،بل عدم العلم و الظن أيضاً؛ لانتفاء التحريم معه إجماعاً،مع قصوره عن المقاومة لما مرّ و إن قصر بحسب السند،لانجباره بالإجماع و الأُصول من جهة النقل و العقول.

هذا مع أنّ حمل الخمر فيه غير منحصر الوجه في التحريم،فيحتمل ارتكابه للتخليل.و لا ينافيه حمل الخنازير؛ لأعميّة وجهه كالأوّل من الحرام،فيحتمل الحمل لوجه محلّل،كحصول جبر فيه و نحوه.

و خصوص الصحيح في الأخير:عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذه صلباناً،قال:

« لا» (2).و نحوه الخبر المعتبر (3)بالعمل،و وجود ابن محبوب و أبان المجمع على تصحيح رواياتهما في سنده،فلا يضرّ جهالة رواية.

مع خلوّهما عن المعارض،و اعتضادهما بما مرّ من الأُصول و الإجماع المحقّق أو المنقول.

و ظاهرهما كالخبر الأوّل انسحاب التحريم إلى صورة العلم بالشراء

ص:145


1- الكافي 5:6/227،التهذيب 6:1078/372،الإستبصار 3:180/55،الوسائل 17:174 أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 2.
2- الكافي 5:2/226،التهذيب 6:1082/373،الوسائل 17:176 أبواب ما يكتسب به ب 41 ح 1.
3- الكافي 5:5/226،التهذيب 6:1084/373،الوسائل 17:176 أبواب ما يكتسب به ب 41 ح 2.

لذلك و إن لم يشترط أو يتّفق عليه.و به أفتى في المختلف و المسالك و غيرهما (1)،و هو مقتضى الأُصول المتقدّمة أيضاً،مع أصل آخر،و هو:

لزوم النهي عن المنكر.فإذا علمنا بعمله وجب علينا نقضه و زجره عنه، فكيف يجوز لنا إعانته عليه؟!ما هذا إلّا أمر عجيب.

و إن خالف فيه الأكثر،فقالوا: يكره بيعه ممّن يعمله مع عدم الشرط و الاتّفاق مطلقاً،علم بعمله أو ظنّ.

و لا بُعد في الثاني،و إن كان الأحوط فيه أيضاً العدم،إلّا أنّ الأوّل مع ما عرفت من الأدلّة على خلافه غير ظاهر الوجه،إلّا ما يستفاد من الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الواردة في الأوّل،المبيحة لبيعه ممّن يخمره على الإطلاق،خرج منها المجمع على تحريمه من البيع في صورتي الاشتراط و الاتفاق،و يبقى الباقي تحت الإطلاق.

منها الصحيح:عن بيع عصير العنب ممّن يجعله حراماً،فقال:

« لا بأس به،يبيعه حلالاً فيجعله حراماً،فأبعده اللّه تعالى و أسحقه» (2).

و الصحيح:عن بيع العصير ممّن يخمره،فقال:« حلال،أ لسنا نبيع تمرنا ممّن يجعله شراباً خبيثاً» (3).

و الصحيح:« لو باع ثمرته ممّن يعلم أنه يجعله خمراً حراماً لم يكن بذلك بأس» (4)الخبر.

ص:146


1- المختلف:343،المسالك 1:165؛ و انظر الحدائق 18:202.
2- الكافي 5:6/231،التهذيب 7:604/136،الإستبصار 3:371/105،الوسائل 17:230 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 4؛ بتفاوت.
3- التهذيب 7:603/136،الإستبصار 3:370/105،الوسائل 17:231 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 8؛ بتفاوت.
4- الكافي 5:1/230،التهذيب 7:611/138،الإستبصار 3:374/106،الوسائل 17:229 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 1؛ بتفاوت يسير.

و الصحيح:عن بيع العصير ممّن يصنعه خمراً،فقال:« بِعه ممن يطبخه أو يصنعه خلّاً أحبّ إليّ،و لا أرى بالأوّل بأساً» (1).

و منه يستفاد الكراهة،مع كونها مقتضى الجمع بين ما مرّ من الأدلّة و هذه النصوص،و هي و إن اختصّت بالأوّل إلّا أنّ عدم القول بالفصل كراهةً و تحريماً بينه و بين البواقي يوجب التعدية إليها،مع ما في بعضها من التعليل المشعر بها.

فيخصّ بذلك مع الإجماع المتقدّم النصوص المتقدّمة كالأُصول بصورتي الاشتراط و الاتفاق،لكن في مقاومة هذه النصوص و إن كثرت و اشتهرت،و ظهرت دلالتها،بل و ربما كان في المطلب صريحاً بعضها لما مرّ من الأُصول و النصوص المعتضدة بالعقول إشكال،و المسألة لذلك محل إعضال،فالاحتياط فيها لا يترك على حال.

الرابع ما لا ينتفع به

الرابع: ما لا ينتفع به أصلاً،أو ينتفع لكن نادراً يعدّ بذل الثمن لأجله سفاهة عرفاً،إجماعاً؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى عموم أدلّة منع المعاملة مع السفيه،و حرمة تصرفاته لسفهه المستلزم للإعانة على الإثم لو عومل معه.

و هو كالمسوخ مطلقاً بريّة كانت،كالدبّ و القِرْد،أو بحرية، كالجِرّيّ و السلاحف،و كذا الضفادع و الطافي (2).

و قد أطلق المنع عن جميع ذلك أكثر المتقدّمين.و وجهه غير واضح

ص:147


1- التهذيب 7:605/137،الإستبصار 3:375/106،الوسائل 17:231 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 9.
2- الطافي:سمك،و هو الذي يموت في الماء ثم يعلو فوق وجهه.مجمع البحرين 1:276.

فيما ينتفع به نفعاً بيّناً،كالفيل و نحوه؛ للانتفاع بعظمه و الحمل عليه، فيشمله الأصل و العمومات.

مضافاً إلى الخبر في الأول:عن عظام الفيل يحلّ بيعه أو شراؤه للذي يجعل منه الأمشاط؟فقال:« لا بأس،قد كان لأبي منه مشط أو أمشاط» (1).

و الخبرين في العاج،في أحدهما:رأيت أبا الحسن(عليه السّلام)يتمشّط بمشط عاج و اشتريته له (2).

و في الثاني:عن العاج،فقال:« لا بأس به،و إنّ لي منه لمشطاً» (3).

مضافاً إلى دعوى الخلاف الإجماع على جواز التمشّط به،و جواز استعماله (4)،و الحلّي ذلك في الأوّل (5).

فمع ذلك لا وجه لإطلاق المنع عن المسوخ،بل ينبغي تقييده بما عداهما،بل بما لا نفع له يعتدّ به عند العقلاء،إلّا أن يقال بنجاسة المسوخ.و ما هنا يدفعه،مضافاً إلى ما تقدّم في كتاب الطهارة.

فالقول بجواز التكسّب بها مع الانتفاع المعتدّ به قويّ جدّاً،وفاقاً لأكثر متأخّري أصحابنا.

و الخبر الوارد بالمنع عن البيع و الشراء بالقرد مطلقاً (6)ضعيف جدّاً،

ص:148


1- الكافي 5:1/226،التهذيب 6:1083/373،الوسائل 17:171 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 2.
2- الكافي 6:4/489،الوسائل 17:171 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 3؛ بتفاوت في السند.
3- الكافي 6:5/389،الوسائل 2:123 أبواب آداب الحمام ب 72 ح 4.
4- الخلاف 1:68.
5- السرائر 2:220.
6- الكافي 5:7/227،التهذيب 7:594/134،الوسائل 17:171 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 4.

لا بأس بتقييده بعدم الانتفاع المعتدّ به،أو المحرّم كالإطافة به للّعب،كما هو الغالب في نفعه،أو حمله على الكراهة جمعاً بينه و بين ما مرّ الذي هو أقوى منه بمراتب شتّى.

و لا بأس بسباع الطير كالصقر و الهرة،و الفهد وفاقاً لأكثر المتأخّرين،تبعاً للحلّي و القاضي في الثلاثة (1)،و المفيد فيما عدا الهرة (2)، و للنهاية فيها و في الفهد خاصّة (3)؛ لطهارتها،و الانتفاع بها نفعاً معتدّاً به، فيشمله الأُصول المتقدّمة.

مضافاً إلى الصحيحين فيما عدا الثاني:عن الفهود و سباع الطير هل يلتمس التجارة فيها؟قال:« نعم» (4)و الصحيح فيه:« لا بأس بثمن الهرّ» (5).

و لا معارض لهذه النصوص مع صحتها،و اعتضادها بالأُصول و الشهرة العظيمة،بل الاتّفاق،كما يشعر به العبارة،و حكي عن ظاهر التذكرة في الهرة (6).

و في بقية السباع كالأسد و الذئب و النمر و نحوها قولان، أشبههما و أشهرهما بين المتأخّرين،وفاقاً للقاضي و الحلّي (7) الجواز تمسّكاً بما مرّ؛ مضافاً إلى النصوص:منها:عن بيع جلود النمر،فقال

ص:149


1- الحلّي في السرائر 2:221،حكاه عنه في المختلف:341.
2- انظر المقنعة:589.
3- النهاية:364.
4- الكافي 5:4/226،التهذيب 6:1148/386،الوسائل 17:170 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 1.
5- التهذيب 6:1017/356،تفسير العياشي 1:114/321،الوسائل 17:119 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 3.
6- التذكرة 1:582.
7- المهذب 2:442،السرائر 2:221.

« مدبوغة هي؟» قلت:نعم،قال:« ليس به بأس» (1).

و منها الخبر المروي عن قرب الإسناد:عن جلود السباع و بيعها و ركوبها أ يصلح ذلك؟قال:« لا بأس ما لم يسجد عليها» (2).

و قريب منهما النصوص الدالّة على جواز اتّخاذ جلودها و ركوبها (3)؛ لدلالتها على كونها قابلة للتذكية،لإفادتها جواز الانتفاع بجلودها لطهارتها، فيجوز بيعها و شراؤها.

خلافاً لمن تقدّم،فخصّوا الجواز بما مرّ،و إن اختلفوا في المختصّ به،فبين من جعله الفهد خاصّة،و هو الخلاف و النهاية (4)،لكن بزيادة الهرّة،و من ألحق به سباع الطير،و هو المفيد (5).

و هنا قولان آخران،أحدهما المنع عن السباع مطلقاً،كما عن العماني و الديلمي (6).

و الآخر إباحة الجميع إلّا ما لا ينتفع به،كالسبع و الذئب،كما عن المبسوط (7).

و مستند كلّ ذلك غير واضح،و على تقديره فلما مرّ غير مكافئ، و دعوى عدم الانتفاع بنحو السبع و الذئب مطلقاً ممنوعة.

ص:150


1- الكافي 5:9/227،التهذيب 6:1087/374،الوسائل 17:172 أبواب ما يكتسب به ب 38 ح 1؛ بتفاوت.
2- قرب الإسناد:1032/261،الوسائل 17:172 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 5 عن مسائل علي بن جعفر:382/189.
3- منها:ما ورد في الوسائل 24:114 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 4.
4- لم نجده في الخلاف و حكاه عنه في المهذب البارع 2:351،النهاية:364.
5- المقنعة:589.
6- حكاه عن العماني في المختلف:340،الديلمي في المراسم:170.
7- المبسوط 2:166.
الخامس الأعمال المحرّمة

الخامس: الأعمال المحرّمة في نفسها. كعمل الصور المجسمة ذوات الأرواح،إجماعاً في الظاهر،و صرّح به بعض الأجلّة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى مفهوم الرضوي و المروي عن تحف العقول و رسالة المحكم و المتشابه للمرتضى،و فيهما:« و أمّا تفسير الصناعات فكل ما يتعلّم العباد أو يعلّمون غيرهم من أصناف الصناعات،مثل الكتابة و الحساب» إلى أن قال:« و صنعه صنوف التصاوير ما لم يكن فيه مثال الروحاني،فحلال تعلّمه و تعليمه» (2).

و المرسل كالصحيح على الصحيح:« من مثّل مثالاً كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح» [فليس بنافخ] (3).و الحسن كالموثق بأبان المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه:« ثلاثة يعذّبون يوم القيامة» و عدّ منهم:« رجلاً صوّر تماثيل يكلّف أن ينفخ فيها و ليس بنافخ» (4).

و نحوهما المروي في الفقيه في حديث المناهي (5)،و المروي عن ابن

ص:151


1- جامع المقاصد 4:23،مجمع الفائدة و البرهان 8:54.
2- فقه الرضا(عليه السّلام):301،المستدرك 13:65 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1،تحف العقول:249،المحكم و المتشابه:47،الوسائل 17:83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.
3- الكافي 6:4/527،المحاسن:42/615،الوسائل 5:304 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- الكافي 6:10/528،المحاسن:44/616،الوسائل 5:305 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 5؛ بتفاوت يسير.
5- الفقيه 4:1/2،الوسائل 17:297 أبواب ما يكتسب ب ب 94 ح 6.

عباس و الخصال (1)،لكن أُضيفت الصورة إلى الحيوان.

و ظاهرها سيّما الأخير و الأوّلين اختصاص التحريم بصورة ذوات الأرواح،كما قيّدنا به العبارة،وفاقاً لجماعة،كالشيخين و المتأخّرين كافّة، كما حكاه بعض الأجلّة (2).و لعلّه فهم القيد من العبارة و نحوها من الخارج، و إلّا فلا إشعار فيها به،بل ظاهرها التعميم له و لغيره،كصورة النخلة و الشجرة،و لكن لا تساعده الأدلّة،بل الروايات مفهوماً و سياقاً كما عرفت على خلافه واضحة المقالة.

مضافاً إلى أصالة الإباحة،و صريح الصحيحين المرويين عن المحاسن،في أحدهما:« لا بأس بتماثيل الشجر» (3)و في الثاني:عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر،فقال:« لا بأس ما لم يكن شيئاً من الحيوان» (4).

و قريب منهما المرويان في الكافي،أحدهما الموثق كالصحيح بل الصحيح كما قيل (5)في قوله تعالى يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ [1] (6)الآية قال:« و اللّه ما هي تماثيل الرجال و النساء،و لكنّها تماثيل الشجر و شبهه» (7).و نحوه الثاني (8)،و ليس في سنده سوى سهل الثقة عند

ص:152


1- الخصال:76/108،77/109،الوسائل 17:297 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 7،9.
2- الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:11.
3- المحاسن:55/619،الوسائل 17:296 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 2.
4- المحاسن:54/619،الوسائل 17:296 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 3.
5- الحدائق 18:99.
6- سبأ:13.
7- الكافي 6:7/527،الوسائل 17:295 أبواب ما يكتسب به 94 ح 1.
8- الكافي 6:3/476،الوسائل 5:305 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 6.

جمع و سهل عند آخرين (1).

و احترز بالمجسمة عن الصور المنقوشة على نحو الورق و الوسادة فلا تحترم،وفاقاً للأكثر،بل كافّة من تأخّر كما في التنقيح (2)؛ للأصل،و ظاهر الرخصة في الجلوس عليها في الأخبار فعلاً،في أحدهما:« كانت لعلي بن الحسين(عليهما السّلام)وسائد و أنماط فيها تماثيل يجلس عليها» (3).

و في الباقي قولاً:ففي الموثق:عن الوسادة و البساط يكون فيه التماثيل؟قال:« لا بأس به يكون في البيت» قلت:التماثيل؟قال:« كلّ شيء يوطأ فلا بأس به» (4).و نحوه الخبر (5).

و قريب منهما الصحيح:« لا بأس أن يكون التماثيل في البيوت إذا غيّرت رؤوسها و ترك ما سوى ذلك» (6).

و الأصل يندفع بما مرّ من الإطلاقات.

و الخبر الثاني بقصور السند؛ مضافاً إلى ضعف الدلالة فيه و في سابقه،لعدم ظهور التماثيل فيهما في تماثيل الحيوانات،فيحتمل نحو الشجر؛ مضافاً إلى عدم الملازمة بين رخصة الجلوس و جواز الفعل إلّا بالإجماع عليها،و هو غير ثابت.

مع أنّها معارضة بالموثق كالصحيح:يجلس الرجل على بساط فيه

ص:153


1- راجع ص:3684.
2- التنقيح الرائع 2:11.
3- الكافي 6:4/477،الوسائل 5:309 أبواب أحكام المساكن ب 4 ح 4.
4- الكافي 6:6/527،الوسائل 5:308 أبواب أحكام المساكن ب 4 ح 2.
5- التهذيب 6:1122/381،الوسائل 17:296 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 4.
6- الكافي 6:8/527،المحاسن:56/619،الوسائل 5:308 أبواب أحكام المساكن ب 4 ح 3.

تماثيل؟فقال:الأعاجم تعظّمه و إنّا لنمقته» (1).

و نحوه الأخبار الآتية الناهية عن التماثيل على الإطلاق.

فالأصح تحريمه مطلقاً،وفاقاً للقاضي و الحلّي و شيخنا الشهيد الثاني (2)(3)،و يمكن حمل العبارة و مضاهيها عليه،بحمل الصفة على الممثّل دون المثال.

إلّا أن يجاب عن معارض الأصل من إطلاق النصوص بقصور سند الظاهر منها،و عدم ظهور المنع من صحيحها،فإنّ غايته ثبوت البأس في مفهومه و هو أعمّ من الحرمة.

إلّا أنّ كثرة الأخبار الظاهرة و اعتبار سند بعضها كالرضوي و المعتبرين بعده يمكن أن يدفع بهما الأصل،و إن كان في تعيّنه نوع نظر، لاعتضاد الأصل بعمل الأكثر،بل كافّة من تأخّر،كما مرّ.

و لا ريب أنّ الاجتناب عن مطلق ذي الروح أحوط،بل أولى و أظهر.

و أحوط منه الاجتناب عن مطلق المثال،كما عن الحلبي (4)؛ لإطلاق الخبرين في أحدهما:« و ينهى عن تزويق البيوت» قلت:و ما تزويق البيوت؟فقال:« تصاوير التماثيل» (5).

ص:154


1- الكافي 6:7/477،الوسائل 5:308 أبواب أحكام المساكن ب 4 ح 1.و فيهما بدل« لنمقته»:« لنمتهنه».
2- القاضي في المهذب 1:344،الحلي في السرائر 2:215،الشهيد الثاني في المسالك 1:165.
3- سيّما و قد ادّعى الفاضل في المنتهى فيما حكي عنه الإجماع هنا.فقال:يحرم سائر التماثيل و الصور ذوات الأرواح مجسّمة كانت أو غير مجسمة،إجماعاً منّا.(منه(رحمه اللّه)).و لكنّا لم نعثر عليه في المنتهى،و لا على من حكى عنه.
4- انظر الكافي في الفقه:281.
5- الكافي 6:1/526،المحاسن:37/614،الوسائل 5:303 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 1.

و في الثاني خطاباً للأمير(عليه السّلام)حين وجّه إلى المدينة:« لا تدع صورة إلّا محوتها،و لا قبراً إلّا سوّيته،و لا كلباً إلّا قتلته» (1).

و ضعفهما بالجوهري و صاحبه في الأوّل،و النوفلي و السكوني في الثاني يمنع من العمل بهما،و إن تأيّدا بالمستفيضة المعرِبة عن عدم نزول الملائكة بيتاً تكون فيه التماثيل و الصورة،كالخبر:« إنّ جبرئيل(عليه السّلام)قال:

إنّا لا ندخل بيتاً فيه صورة يعني صورة إنسان و لا بيتاً فيه تماثيل» (2)لظهورها كسياق الثاني في الكراهة.

و مع ذلك هما غير صريحي الدلالة،فيحتملان التقييد بمفاهيم ما قدّمناه من المعتبرة،أو إبقاءهما على ظاهرهما مع الحمل على الكراهة.

و الغناء و هو مدّ الصوت المشتمل على الترجيح المطرب،أو ما يسمّى في العُرف غناء و إن لم يطرب،سواء كان في شعر أو قرآن أو غيرهما،على الأصح الأقوى،بل عليه إجماع العلماء،كما حكاه بعض الأجلّاء (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحيح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،المروية جملة منها في الكافي في بابه [باب الغناء] في كتاب الأشربة (4)،و جملة اخرى منها في باب كسب المغنيّة من كتاب المعيشة (5).

ص:155


1- الكافي 6:14/528،المحاسن:34/613،الوسائل 5:306 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 8.
2- الكافي 6:3/527،الوسائل 5:175 أبواب مكان المصلي ب 33 ح 2.
3- انظر مجمع الفائدة 8:59 و 61،و الحدائق 18:101.
4- الكافي 6:431.
5- الكافي 5:119.

فمن الأوّل الصحاح المستفيضة،اثنان منها في قوله تعالى وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [1] (1)قال:« هو الغناء» (2).

و منها:« بيت الغناء لا يؤمن فيه الفجيعة و لا تجاب فيه الدعوة» (3).

و من الثانية النصوص المستفيضة،منها:« المغنيّة ملعونة،ملعون من أكل كسبها» (4).

و منها:عن بيع الجوار المغنيّات،فقال:« شراؤهنّ و بيعهنّ حرام، و تعليمهنّ كفر،و استماعهنّ نفاق» (5).

و بالجملة:النصوص في ذلك كادت تبلغ التواتر،و هي مع ذلك مطلقة،و لا ريب فيه.

عدا ما استثني،كغناء المغنيّة لزفّ العرائس خاصّة إذا لم تتغنّ بالباطل،و لم يدخل عليها الرجال و لم تلعب بالملاهي،وفاقاً للنهاية و جماعة (6)؛ للصحيح:« أجر المغنيّة التي تزفّ العرائس ليس به بأس،ليست بالتي يدخل عليها الرجال» (7).

و نحوه الخبر:« المغنيّة التي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها» (8).

ص:156


1- الفرقان:72.
2- الكافي 6:6/431،13/433،الوسائل 17:304 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 3،5.
3- الكافي 6:15/433،الوسائل 17:303 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 1.
4- الكافي 5:6/120،التهذيب 6:1020/357،الإستبصار 3:203/61،الوسائل 17:121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 4.
5- الكافي 5:5/120،التهذيب 6:1018/356،الإستبصار 3:201/61،الوسائل 17:124 أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 7.
6- النهاية:367؛ و انظر المسالك 1:165،و الكفاية:86،و الحدائق 18:116.
7- الكافي 5:3/120،الفقيه 3:376/98،الوسائل 17:121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 3.
8- الكافي 5:/120 2،التهذيب 6:/357 1023،الإستبصار 3:/62 206،الوسائل 17:121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 2.

خلافاً لظاهر المفيد و الحلبي و الديلمي،و صريح التذكرة و الحلّي (1)، فالحرمة مطلقاً؛ و لعلّه لقصور الخبرين عن المقاومة لما مرّ سنداً و عدداً و دلالةً؛ إذ غايتهما نفي البأس عن الأُجرة،و هو غير ملازم لنفي الحرمة، إلّا أن يثبت الملازمة بعدم القول بالفرق في المسألة،و الاستقراء الحاصل من تتبّع الأخبار الدالّة على الملازمة بينهما في كثير من الأُمور المحرّمة، و الأحوط الترك البتة.

و ينبغي القطع بعدم استثناء شيء آخر،كالحداء،و هو سوق الإبل بالغناء،و الغناء في مراثي الحسين(عليه السّلام)،و قراءة القرآن،و غير ذلك،و إن اشتهر استثناء الأوّل،و حكي الثاني عن قائل مجهول (2)،و استثنى الثالث بعض فضلاء متأخّري المتأخّرين (3)؛ لإطلاق أدلّة المنع،مع عدم ما يخرج به عنها سوى النصوص في الثالث.

و هي مع عدم مكافأتها للإطلاقات المجمع عليها هنا في الظاهر المصرّح به في كلام بعض المشايخ (4)قاصرة الأسانيد،ضعيفات الدلالة، فإنّها ما بين آمرة بقراءة القرآن بالحزن،كالمرسل كالصحيح:« إنّ القرآن نزل بالحزن فاقرؤوه بالحزن» (5).

و آمرة بقراءته بالصوت الحسن،كالخبر:« لكلّ شيء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن» (6).

ص:157


1- المفيد في المقنعة:588،الحلبي في الكافي:281،الديلمي في المراسم:170 التذكرة 1:582،السرائر 2:222.
2- انظر جامع المقاصد 4:23.
3- السبزواري في الكفاية:85.
4- مجمع الفائدة 8:59.
5- الكافي 2:2/614،الوسائل 6:208 أبواب قراءة القرآن ب 22 ح 1.
6- الكافي 2:9/615،الوسائل 6:211 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 3.

و لا ريب أن الأمرين غير الغناء،سيّما على المختار في تعريفه،من كونه ما يسمّى به عرفاً،و لا يسمّيان به فيه مطلقاً.

و لذا ورد أن الصوت الحسن من شعار الأنبياء و أئمّة الهدى و شيعتهم.

ففي الخبر:« ما بعث اللّه نبيّاً إلّا حسن الصوت» (1).

و في آخر:« كان علي بن الحسين(عليهما السّلام)أحسن الناس صوتاً بالقرآن، و كان السقّاؤون يمرّون فيقفون ببابه يستمعون قراءته» (2)و نحو غيره (3).

و في ثالث:« لم تعط أُمّتي أقلّ من ثلاث:الجمال،و الصوت الحسن،و الحفظ» (4).

نعم في العامي المروي في مجمع البيان:« فإذا قرأتموه أي القرآن فابكوا،فإن لم تبكوا فتباكوا،و تغنّوا به،فمن لم يتغنّ بالقرآن فليس منّا» (5).

و هو مع ضعف سنده،و احتماله التقيّة،كما ذكره بعض الأجلّة (6)معارض برواية خاصيّة،و فيها:« اقرءوا القرآن بألحان العرب و أصواتها، و إيّاكم و لحون أهل الفسوق و أهل الكبائر،فإنّه سيجيء من بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية،لا يجوز تراقيهم،قلوبهم

ص:158


1- الكافي 2:10/616.
2- الكافي 2:11/616،الوسائل 6:211 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 4.
3- مستطرفات السرائر:17/97،الوسائل 6:209 أبواب قراءة القرآن ب 23 ح 2.
4- الكافي 2:7/615.
5- مجمع البيان 1:16.
6- انظر عين الحياة للمحدّث المجلسي:237،و الاثني عشرية للمحدّث الحرّ العاملي:147.

مقلوبة،و قلوب من يعجبه شأنهم» (1).

مضافاً إلى الإجماع على عدم إبقائه على ظاهره،فقد ذكر الطبرسي بعد نقله أنّه تأوّله بعضهم بمعنى:استغنوا به،و أكثر العلماء على أنّه تزيين الصوت و تحزينه (2).

و النوح بالباطل بأن تصفه بما ليس فيه،إجماعاً ظاهراً،و حكي عن المنتهى صريحاً (3).

و هو الحجة فيه،مع ما دلّ على حرمة الباطل،و ربما يحمل عليه إطلاق المستفيضة المانعة،كحديث المناهي المروي في الفقيه« نهى عن النياحة و الاستماع إليها» (4).

و نحوه المروي عن معاني الأخبار في وصيّة النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لفاطمة(عليها السلام):

« إذا أنا متُّ فلا تقيمنّ عليّ نياحة» (5).

و عن الخصال:« إنّ النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة و عليها سِربال من قَطِران و دِرع من جَرَب» (6).

و بظاهرها أخذ المبسوط و ابن حمزة (7)،مدّعياً الأوّل الإجماع عليه.

و أمّا الأكثر فقالوا:إذا كان بالحق فجائز عن المنتهى الإجماع

ص:159


1- انظر مجمع البيان 1:16.
2- انظر مجمع البيان 1:16.
3- المنتهى 2:1012.
4- الفقيه 4:3،الوسائل 17:128 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 11.
5- معاني الأخبار:33/390،الوسائل 3:272 أبواب الدفن ب 83 ح 5.
6- الخصال:60/226،الوسائل 17:128 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 12.
7- المبسوط 1:189،ابن حمزة في الوسيلة:69.

عليه (1)؛ و هو الحجة،بعد الأصل،و المعتبرة المستفيضة:

منها الصحيح:« لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميت» (2).

و أظهر منه الصحيح المشهور في تجويز النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و تقرير نياحة أُمّ سلمة على ابن عمّها بحضرته (3).

و قريب منهما الموثق،المتضمّن لوصيّة مولانا الباقر(عليه السّلام)إلى الصادق(عليه السّلام)بوقف مال مخصوص لنوادب تندبه عشر سنين بمنى أيّام منى (4).

و نحوه الموثق الآخر،إلّا أنّ فيه النهي عن اشتراط الأُجرة (5)،و حمل معه على الكراهة.

و المرسل:عن أجر النائحة،فقال:« لا بأس به،قد نيح على رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) » (6).إلى غير ذلك من الأخبار المعتضدة بالأصل،و الشهرة العظيمة، و حكاية الإجماع المتقدّمة،و المخالفة للعامّة كما قاله بعض الأجلّة حاملاً للأخبار السابقة على التقيّة (7).و هو حسن.

ص:160


1- المنتهى 1:466.
2- الفقيه 3:376/98،التهذيب 6:1028/359،الإستبصار 3:199/60،الوسائل 17:127 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 7.
3- الكافي 5:2/117،التهذيب 6:1027/358،الوسائل 17:125 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 1.
4- الكافي 5:1/117،التهذيب 6:1025/358،الوسائل 17:125 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 1.
5- الكافي 5:3/117،التهذيب 6:1026/358،الإستبصار 3:200/60،الوسائل 17:126 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 3.
6- الفقيه 1:551/116،الوسائل 3:242 أبواب الدفن ب 71 ح 2.
7- الحدائق 4:168.

مضافاً إلى قصور أسانيدها،و احتمالها الحمل على ما مرّ،بقرينة المرسل في الفقيه،و لعلّه الرضوي:« لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقاً» (1).

أو الحمل على الكراهة،كما يشعر بها الموثق:عن كسب المغنية و النائحة،فكرهه (2).

و المروي عن علي بن جعفر في كتاب مسائله،عن أخيه(عليه السّلام)عن النوح على الميت أ يصلح؟قال:« يكره» (3).

أو على عدم الرضاء بقضائه سبحانه و ترك الصبر لأجله،ففي الخبر:

« من أقام النياحة فقد ترك الصبر و أخذ في غير طريقه» (4)الحديث،فتأمّل.

و إجماع الشيخ مع معارضته بأقوى منه،و تطرّق الوهن إليه بمصير الأكثر إلى خلافه مردود كإخباره،مع ما هي عليه من القصور سنداً، و احتمال الورود تقيّة إلى القول الأوّل.

نعم،الكراهة على الإطلاق غير بعيدة،وفاقاً للتهذيب (5)،مسامحة في أدلّة الكراهة.و لا ينافيها وصيّة الباقر(عليه السّلام)؛ لاحتمال الفرق بينهم(عليهم السّلام) و بين سائر الأُمّة،مع أنّه قائم بالضرورة،لاستحبابه لهم(عليهم السّلام)دونهم.

ص:161


1- الفقيه 3:378/98،الوسائل 17:128 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 9،و روى في فقه الرضا(عليه السّلام):252،المستدرك 13:93 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 1.
2- التهذيب 6:1029/359،الإستبصار 3:198/60،الوسائل 17:128 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 8.
3- مسائل علي بن جعفر:221/156،الوسائل 17:129 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 13.
4- الكافي 3:1/222،الوسائل 3:271 أبواب الدفن ب 83 ح 1.
5- التهذيب 6:359.

و هِجاء المؤمنين بكسر الهاء،قيل:هو ذكر معايبهم بالشعر (1).

و الأصل فيه بعد الإجماع المحكي عن المنتهى (2)عموم أدلّة حرمة الغيبة من الكتاب و السنّة،قال اللّه سبحانه: وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [1] (3).و في الحسن:« الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه تعالى عليه» (4)الخبر.

و الخبر:عن الغيبة،قال:« هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل، و تبثّ أمراً قد ستره اللّه تعالى عليه لم يقم عليه فيه حدّ» (5).

و في المرسل كالصحيح:« من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته أُذناه فهو من الذين قال اللّه عز و جل إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا [2] (6)» (7). [و نحوه الخبر عن الغيبه قال هو ان تقول لاخيك فى دينه ما لم يفعل و تثبت امرا قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حد ] و ظاهر العبارة و نحوها و صريح جماعة (8)اختصاص التحريم بالمؤمن و الأخ في الدين،فيجوز غيبة المخالف.و لا ريب فيه؛ للأصل؛ و ظاهر النصوص المزبورة الظاهرة في الجواز إمّا من حيث المفهوم كالأخير،أو

ص:162


1- الحدائق 18:146.
2- المنتهى 2:1013.
3- الحجرات:12.
4- الكافي 2:7/358،الوسائل 12:288 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 2.
5- الكافي 2:3/357،الوسائل 12:288 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 1.
6- النور:19.
7- الكافي 2:2/357،أمالي الصدوق:16/276،الوسائل 12:280 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 6.
8- منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد 4:26؛ و أُنظر الروضة 3:213،و الحدائق 18:150.

التعريف الظاهر في حصر الغيبة المحرّمة بالكتاب و السنّة فيما دلّت عليه العبارة،كما في البواقي.

و دعوى الإيمان و الأُخوّة للمخالف ممّا يقطع بفساده،و النصوص المستفيضة،بل المتواترة ظاهرة في ردّه،مضافاً إلى النصوص المتواترة الواردة عنهم(عليهم السّلام)بطعنهم،و لعنهم،و أنّهم أشرّ من اليهود و النصارى، و أنجس من الكلاب (1)؛ لدلالتها على الجواز صريحاً أو فحوًى،كالنصوص المطلقة للكفر عليهم (2)،مع زيادة لها في الدلالة بوجه آخر،و هو استلزام الإطلاق أمّا كفرهم حقيقة،أو اشتراكهم مع الكفّار في أحكامهم التي منها ما نحن فيه إجماعاً،و حكاه بعض الأصحاب صريحاً.

فتأمّلُ بعض من ندر ممّن تأخّر (3)ضعيف،كمتمسّكه من إطلاق الكتاب و السنّة،لورود الأوّل بلفظ الخطاب بصيغة الجمع المتوجّه إمّا إلى جميع المكلّفين،أو خصوص المسلمين،و الثاني بلفظ الناس أو المسلم، الشامل جميع ذلك للمخالف؛ فإنّ التعليل في الذين بما تضمّن الاُخوّة في الأوّل و بعض الثاني يقتضي اختصاص الحكم بمن ثبت له الصفة.و ليس في باقي السنة ممّا خلا عن ذلك ما ينافي ذلك بعد عدم عموم فيه لغة؛ فإنّ غايتها الإطلاق المنصرف إلى الفرد الكامل،هذا.

مع أنّ في التمسّك بإطلاق الآية مناقشة أُخرى،بناءً على المختار الذي عليه علماؤنا الأبرار من اختصاص مثل الخطاب بالمشافهين،و أنّ

ص:163


1- انظر الوسائل 1:229 أبواب الأسآر ب 3،ج 3:419 أبواب النجاسات ب 14.
2- انظر:الكافي 1:11/187،4/413،7/437،8.
3- المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 8:78،و السبزواري في الكفاية:86.

التعدية منهم إلى الغائبين تحتاج إلى دليل مبين،و هو في الأغلب الإجماع، و لا إجماع إلّا على الشركة مع اتّحاد الوصف،و لا ريب في تغايره،فلا شركة لهم معهم.و فيه نظر،هذا.

مع أنّ الأصحاب في الباب ما بين مصرّحٍ بعدم الاشتراك،و مفتٍ بعبارة ظاهرة في الاختصاص،لتضمّنها المؤمن الظاهر في اصطلاحهم في هذه الفرقة الناجية.

و يستفاد ذلك أيضاً من كثير من المعتبرة المستفيضة،و لا دلالة على التعدية،و على تقديرها فليست الآية بنفسها حجّة مستقلة،فالاستدلال بها غفلة واضحة عن أُصول الإماميّة.

و حفظ كتب الضلال عن الاندراس،أو عن ظهر القلب و نسخها و تعليمها و تعلّمها لغير النقض لها،و الحجّة على أربابها بما اشتملت عليه ممّا يصلح دليلاً لإثبات الحق،أو نقض الباطل لمن كان من أهلهما؛ و يلحق به الحفظ للتقية،أو لغرض الاطّلاع على المذاهب و الآراء،ليكون على بصيرة في تمييز الصحيح عن الفاسد،أو لغرض الإعانة على التحقيق،أو تحصيل ملكةٍ للبحث و الاطّلاع على الطرق الفاسدة ليتحرّز عنها،أو غير ذلك من الأغراض الصحيحة،كما ذكره جماعة (1).

و ينبغي تقييده بشرط الأمن على نفسه من الميل إلى الباطل بسببها، و أمّا بدونه فمشكل مطلقاً،لاحتمال الضرر الواجب الدفع عن النفس و لو من باب المقدّمة إجماعاً.

ص:164


1- منهم:المحقّق الثاني في جامع المقاصد 4:26،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:12،و الشهيد الثاني في المسالك 1:166.

و من هنا يظهر الأصل في المسألة في الجملة،و يتمّ ذلك بعدم القول بالفرق بين الطائفة؛ مضافاً إلى عدم الخلاف فيها مطلقاً،بل و عليه الإجماع عن ظاهر المنتهى (1)،مع أنّ فيه نوع إعانة على الإثم،و وجوه الفساد الواجب دفعها من باب النهي عن المنكر.

و تعلّم السحر و عرّف تارة:بكلام أو كتابة يحدث بسببه ضرر على من عمل له في بدنه أو عقله،و منه عقد الرجل عن حليلته،و إلقاء البغضاء بينهما،فقد قال اللّه تعالى فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ [1] (2).و في المروي عن الاحتجاج:« و من أكبر السحر النميمة يفرّق بها بين المتحابّين،و يجلب العداوة بين المتصادقين» (3)الحديث.

و قيل:و منه استخدام الملائكة و الجنّ،و استنزال الشياطين في كشف الغائبات و علاج المُصاب،و استحضارهم و تلبّسهم ببدن صبي أو امرأة و كشف الغائبات على ذلك (4).

و أُخرى:بأنّه عمل يستفاد منه حصول ملكة نفسانيّة يقتدر بها على أفعال غريبة و أسباب خفيّة.

و أُخرى:بوجه يدخل فيه علم الطلسمات و النيرنجات و غير ذلك، و ذلك أن يقال:هو استحداث الخوارق،إمّا بمجرّد التأثيرات النفسانية و هو السحر،أو بالاستعانة بالفلكيّات فقط و هو دعوة الكواكب،أو على تمزيج

ص:165


1- المنتهى 2:1013،و حكاه عنه في الحدائق 18:141.
2- البقرة:102.
3- الاحتجاج:340.
4- قال به الشهيد الثاني في المسالك 1:166.

القوى السماوية بالقوى الأرضيّة و هو الطلسمات،أو على سبيل الاستعانة بالأرواح الساذجة و هو العزائم.

قيل:و الكلّ حرام في شريعة الإسلام (1)،و ظاهره إجماع المسلمين عليه؛ و هو الحجة،كالنصوص المستفيضة،منها ما ورد في حدّ الساحر، ففي الخبر:« ساحر المسلمين يقتل» (2).

و في آخر:« يضرب الساحر بالسيف ضربة واحدة على أُمّ رأسه» (3).

و في ثالث:« حلّ دمه» (4).

و في رابع:« من تعلّم من السحر شيئاً كان آخر عهده بربّه،و حدّه القتل» (5).

و ظاهرها التحريم مطلقاً.

و قد استثني منه السحر للتوقّي و دفع المتنبّي.و لا بأس به،بل ربما وجب كفايةً،كما في الدروس و الروضة (6)،و تبعهما جماعة (7)؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن،بناءً على ضعف النصوص المثبتة للتحريم على الإطلاق،و لا جابر لها من إجماع أو غيره،مع معارضتها بكثير من

ص:166


1- التنقيح الرائع 2:12.
2- الكافي 7:1/260،الفقيه 3:175/371،التهذيب 10:583/147،علل الشرائع:1/546،الوسائل 17:146 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 2.
3- الكافي 7:2/260،التهذيب 10:584/147،الوسائل 28:366 أبواب بقيّة الحدود ب 1 ح 3.
4- التهذيب 10:585/147،الوسائل 28:367 أبواب بقية الحدود ب 3 ح 1.
5- التهذيب 10:586/147،الوسائل 28:367 أبواب بقيّة الحدود ب 3 ح 2.
6- الدروس 3:164،الروضة 3:215.
7- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:28،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:79،و صاحب الحدائق 18:72.

النصوص المتضمّنة لجواز تعلّمه للتوقّي و الحلّ به،منها:« حلّ و لا تعقد» (1).

و منها المروي في العلل:« توبة الساحر أن يحلّ و لا يعقد» (2).

و منها المروي عن العيون في قوله عزّ و جلّ وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ [1] (3)قال:« كان بعد نوح(عليه السّلام)قد كثرت السحرة و المموِّهون،فبعث اللّه تعالى مَلَكين إلى نبيّ ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة و ذكر ما يبطل به سحرهم و يردّ به كيدهم،فتلقّاه النبي من المَلَكين و أدّاه إلى عباد اللّه بأمر اللّه[فأمرهم]أن يقفوا به على السحر و أن يبطلوه،و نهاهم أن يسحروا به الناس» (4)الحديث.

و ربما خصّت روايات الحلّ بغير السحر،كالقرآن و الذكر و التعويذ و نحوهما،جمعاً.و هو أحوط.

و الكِهانة بكسر الكاف،قالوا:هي عمل يوجب طاعة بعض الجانّ له فيما يأمره به،و هو قريب من السحر أو أخصّ منه.

و الأصل في تحريمه بعد الإجماع المصرّح به في كلام جماعة من الأصحاب (5)النصوص المستفيضة،منها الخبران في تعداد السحت و عدّا

ص:167


1- الكافي 5:7/115،الفقيه 3:463/110،التهذيب 6:1043/364،قرب الإسناد:169/52،الوسائل 17:145 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 1.
2- علل الشرائع:546 ذيل حديث 1،الوسائل 17:147 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 3.
3- البقرة:102.
4- عيون الأخبار 1:1/208،الوسائل 17:147 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 4.و ما بين المعقوفين من المصدر.
5- انظر الإيضاح 1:405،و مجمع الفائدة 8:79،و الكفاية:87.

من أنواعه أجر الكاهن (1).

و في الثالث المروي عن مستطرفات السرائر،نقلاً من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب:« من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذّاب يصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل اللّه تعالى من كتاب» (2).

و في الرابع المروي عن الخصال:« من تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ له فقد برئ من دين محمّد(صلّى اللّه عليه و آله) » (3). و القيافة قالوا:هي الاستناد إلى علامات و أمارات يترتّب عليها إلحاق نسب و نحوه،بلا خلاف،بل عن المنتهى و في التنقيح الإجماع عليه (4)،و في الثاني أضافه إلينا،حاكياً عن بعض من خالفنا الخلاف فيه لبعض رواياتهم.

و منه ينقدح الوجه في إمكان حمل ما ورد برخصة مولانا الرضا(عليه السّلام) في الرجوع إلى القيافة (5)على التقيّة،مع قصور سند الرواية،و معارضتها بالمروي في الخصال:عن القيافة،قال:ما أُحبّ أن تأتيهم» (6)و فيه نظر.

قيل:و إنّما يحرم إذا رتّب عليها محرّماً،أو جزم بها (7).و لا بأس به، و إن كان الأحوط تركه مطلقاً.

ص:168


1- الكافي 5:2/126،الفقيه 4:262،التهذيب 6:1061/368،الخصال:25/329،الوسائل 17:93،94 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 5،9.
2- مستطرفات السرائر:22/83،الوسائل 17:150 أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 3.
3- الخصال:68/19،الوسائل 17:149 أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 2.
4- المنتهى 2:1014،التنقيح الرائع 2:13.
5- انظر الكافي 1:14/322.
6- الخصال:68/19،الوسائل 17:149 أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 2.
7- المسالك 1:166.

و الشعْبَدة قيل:هي الأفعال العجيبة المترتّبة على سرعة اليد بالحركة فتلبس على الحسّ (1).و لا خلاف في تحريمه كما عن المنتهى (2).

و القمار بالآلات المعدّة له،كالنرد و الشطرنج و الأربعة عشر، و اللعب بالخاتم و الجوز و البيض،بلا خلاف في شيء من ذلك،بل عن المنتهى و في غيره الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجّة بعد الكتاب و السنّة المستفيضة،قال اللّه سبحانه إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ [1] (4).و فسّر الميسر به في المستفيضة،منها:ما الميسر؟قال:« كلّ ما تقومر به حتّى الكعاب و الجوز» (5).

و منها:« الميسر هو القمار» (6).

و منها:« الشطرنج ميسر،و النرد ميسر» (7)و نحوه آخر (8).

و في الصحيح:عن قول اللّه عزّ و جلّ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [2] (9)فقال:« كانت قريش تقامر الرجل بأهله و ماله فنهاهم اللّه تعالى

ص:169


1- الحدائق 18:185.
2- المنتهى 2:1014.
3- المنتهى 2:1012؛ مجمع الفائدة و البرهان 8:41؛ و أُنظر المسالك 2:403،و كشف اللثام 2:372.
4- المائدة:90.
5- الكافي 5:2/122،الفقيه 3:374/97،التهذيب 6:1075/371،الوسائل 17:165 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 4.
6- الكافي 5:9/124،الوسائل 17:165 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 3.
7- الكافي 6:11/437،الوسائل 17:324 أبواب ما يكتسب به ب 104 ح 4.
8- تفسير العياشي 1:186/341،الوسائل 17:325 أبواب ما يكتسب به ب 104 ح 8.
9- البقرة:188،النساء:29.

عن ذلك» (1).

و لا يملك ما يترتّب عليه من الكسب،بل هو سحت و إن وقع من غير المكلّف،فيجب ردّه على مالكه،ففي الخبر:كان ينهى عن الجوز يجيء به الصبيان من القمار أن يؤكل،و قال:« هو سحت» (2).

و في آخر:الصبيان يلعبون بالجوز و البيض و يقامرون فقال:« لا تأكل منه فإنّه حرام» (3).

بل يستفاد من بعض الأخبار الاجتناب بعد الأكل بالتقيّؤ (4)و من آخر منها الحضور في المجالس التي يلعب فيها بها و النظر إليها،و هو مستفيض.منها:« من جلس على اللعب بها فقد تبوّأ مقعده من النار» (5).

و منها:« المطّلع في الشطرنج كالمطّلع في النار» (6).

و في آخر:« المقلّب لها كالمقلّب لحم الخنزير» (7).

و في ثالث:« مالك و لمجلس لا ينظر اللّه تعالى إلى أهله» (8).

إلّا أنّ في إثبات التحريم بذلك إشكالاً إلّا أن يكون إجماعاً.

و الغِشّ بكسر الغين بما يخفى كشوب اللبن بالماء،بلا

ص:170


1- الكافي 5:1/122،الوسائل 17:164 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 1.
2- الكافي 5:6/123،الوسائل 17:166 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 6.
3- الكافي 5:10/124،التهذيب 6:1069/370،الوسائل 17:166 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 7.
4- الكافي 5:3/123،الوسائل 17:165 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 2.
5- مستطرفات السرائر:29/59،الوسائل 17:323 أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 4.
6- الكافي 6:16/437،الوسائل 17:322 أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 2.
7- الكافي 6:15/437،الوسائل 17:322 أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 3.
8- الكافي 6:12/437،الوسائل 17:322 أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 1.

خلاف في الظاهر،و عن المنتهى صريحاً (1)؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:« ليس من المسلمين مَن غشّهم» (2).

و في آخر:« ليس منّا من غشّنا» (3).

و في ثالث:« إنّ البيع في الظلال غشّ،و إنّ الغشّ لا يحلّ» (4).

و في الخبر:« نهى رسول اللّه(عليه السّلام)أن يشاب اللبن بالماء» (5).

و احترز بالقيد عن مقابله،كمزج الحنطة بالتراب و التبن،و جيّدها برديئها،فيجوز على كراهة في ظاهر الأصحاب؛ و لعلّه للأصل، و اختصاص ما مرّ من النصّ بحكم التبادر بمحل القيد،و لظهور العيب في غيره،فيعلم بالنظر،فكأنّه يبيع غير الجيّد بثمنه مع علم المشتري و هو يشتري،فلا حرج فيه.

و لعلّ الكراهة لاحتمال شمول النص،و إمكان غفلة المشتري عنه.

و في الصحيح:عن الطعام يخلط بعضه ببعض،و بعضه أجود من بعض،قال:« إذا رُئيا جميعاً فلا بأس ما لم يغط الجيّد الرديء» (6).

ص:171


1- المنتهى 2:1013.
2- الكافي 5:2/160،التهذيب 7:49/12،الوسائل 17:279 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 2.
3- الكافي 5:1/160،التهذيب 7:48/12،الوسائل 17:279 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 1.
4- الكافي 5:6/160،الفقيه 3:770/172،التهذيب 6:54/13،الوسائل 17:280 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 3.
5- الكافي 5:5/160،الفقيه 3:771/173،التهذيب 7:53/13،الوسائل 17:280 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 4.
6- الكافي 5:1/183،التهذيب 7:139/33،الوسائل 18:112 أبواب أحكام العيوب ب 9 ح 1.

و في آخر:في الرجل يكون عنده لونان من طعام واحد و سعرهما شتّى،و أحدهما خير من الآخر،فيخلطهما جميعاً ثم يبيعهما بسعر واحد؟ قال:« لا يصلح له أن يفعل ذلك يغشّ به المسلمين حتّى يبيّنه» (1)فتأمّل.

ثم لو غشّ لكن لا بقصده بل بقصد إصلاح المال لم يحرم؛ للأصل، و اختصاص ما مرّ من النص بحكم التبادر بصورة القصد،و للصحيح:عن الرجل يشتري طعاماً فيكون أحسن له و أنفق له أن يبلّه من غير أن يلتمس منه زيادة،فقال:« إن كان بيعاً لا يصلحه إلّا ذلك و لا ينفقه غيره من غير أن يلتمس فيه زيادة فلا بأس،و إن كان إنّما يغشّ به المسلمين فلا يصلح» (2).

و تدليس الماشطة بإظهارها في المرأة محاسن ليست فيها،من تحمير وجهها و وصل شعرها و نحو ذلك،إرادة منها ترويج كسادها،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في بعض العبارات (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى عموم المعتبرة المتقدّمة الناهية عن كلّ غشّ،و منه يظهر انسحاب الحكم في فعل المرأة ذلك بنفسها.

و لو انتفى التدليس كما لو كانت مزوّجة فلا حرمة؛ للأصل.

و الخبر:« لا بأس على المرأة بما تزيّنت به لزوجها» (4).

و في آخر:عن المرأة تحفّ الشعر عن وجهها؟قال:« لا بأس» (5).

ص:172


1- الكافي 5:2/183،الفقيه 3:563/129،التهذيب 7:140/34،الوسائل 18:112 أبواب أحكام العيوب ب 9 ح 2.
2- الكافي 5:3/183،الفقيه 3:567/130،التهذيب 7:141/34،الوسائل 18:113 أبواب أحكام العيوب ب 9 ح 3.
3- مجمع الفائدة 8:84.
4- الكافي 5:3/119،التهذيب 6:1032/360،الوسائل 17:132 أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 3.
5- قرب الإسناد:883/226،الوسائل 17:133 أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 8.

بل يستحب كما يستفاد من كثير من المعتبرة (1).

و اعلم أنّه لا بأس بكسبها مع عدمه للأصل،و إطلاق المستفيضة،منها:« لا بأس بكسب الماشطة إذا لم تشارط و قبلت ما تعطى، و لا تصل شعر امرأة بشعر امرأة غيرها،و أمّا شعر المعز فلا بأس بأن يوصل بشعر المرأة» (2).

و يستفاد منه البأس مع الأمرين.و ليحمل على الكراهة؛ للأصل، و قصور الرواية،و أعميّة البأس من الحرمة،مع احتمالها في الثاني إذا كان فيه تعريض للشعر إلى غير ذات محرم،و عليه يحمل النهي عنه في عدّة من النصوص،أو على الكراهة،لما مرّ.

و تزيين الرجل بما يحرم عليه كتزيينه بالذهب و إن قلّ،و الحرير إلّا ما استثني،و لبسه السوار و الخلخال،و الثياب المختصّة بالنسوة في العادة،و تختلف باختلاف الأصقاع و الأزمان.إجماعاً في الأوّلين،نصّاً و فتوى.و على الأظهر الأشهر المحتمل فيه الإجماع في الباقي؛ لأنّه من لباس الشهرة المنهي عنه المستفيضة،منها الصحيح:« إنّ اللّه تعالى يبغض شهرة اللباس» (3).

و في المرسل كالموثق:« الشهرة خيرها و شرّها في النار» (4).

و الخبر:« من لبس ثوباً يشهره كساه اللّه تعالى يوم القيامة ثوباً من

ص:173


1- الوسائل 20:187 أبواب مقدمات النكاح ب 101.
2- الفقيه 3:378/98،الوسائل 17:133 أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 6؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 6:1/444،الوسائل 5:24 أبواب أحكام الملابس ب 12 ح 1.
4- الكافي 6:3/445،الوسائل 5:24 أبواب أحكام الملابس ب 12 ح 3.

النار» (1).

و في آخر:« كفى بالمرء خزياً أن يلبس ثوباً يشهره» (2).

مضافاً إلى النصوص المانعة عن تشبّه كلّ من الرجال و النساء بالآخر.

ففي الخبر:« لعن اللّه تعالى المتشبّهين من الرجال بالنساء، و المتشبّهات من النساء بالرجال» مروي عن الكافي و علل الصدوق (3).

و في رواية أُخرى فيه:« أخرجوهم من بيوتكم فإنّهم أقذر شيء» (4).

و قصور الأسانيد بالشهرة و الاعتبار منجبر،مع التأيّد بما فيه من إذلال المؤمن نفسه،المنهي عنه اتّفاقاً،نصّاً و فتوى و اعتباراً.

و منه يظهر انسحاب الحكم في تزيين المرأة بلباس الرجل مع عدم القائل بالفرق،فتأمّل بعض من تأخّر (5)في حرمة ذلك لهما ليس في محلّه.

و زَخْرَفَة المساجد أي نقشها بالذهب و تعشير المصاحف (6) به.

و علّل الأوّل بالبدعة؛ إذ لم يكن في زمن صاحب الشريعة عليه آلاف صلوات و تحية،و لم يرد به الرخصة.

و بالرواية:عن الصلاة في المساجد المصوّرة،فقال:« أكره ذلك،

ص:174


1- الكافي 6:4/445،الوسائل 5:24 أبواب أحكام الملابس ب 12 ح 4.
2- الكافي 6:2/445،الوسائل 5:24 أبواب أحكام الملابس ب 12 ح 2؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 8:27/69،علل الشرائع:63/602،الوسائل 17:284 أبواب ما يكتسب به ب 87 ح 1،2.
4- علل الشرائع:64/602،الوسائل 17:285 أبواب ما يكتسب به ب 87 ح 3.
5- كصاحب الحدائق 18:198.
6- عَشَّر المصاحف:جعل العواشر فيها.و عواشر القرآن:الآي التي يتمّ بها العَشَر.

و لكن لا يضرّكم اليوم» (1).

و الثاني بالموثق:عن رجل يعشِّر المصاحف بالذهب،فقال:

« لا يصلح» (2).

و فيهما نظر؛ لمنع البدعة مع عدم قصد التشريع،فإنّها إدخال ما ليس في الدين فيه عمداً.

و ضعف الرواية سنداً و دلالة كالموثق،لظهورهما في الكراهة، و الرخصة بأصالة الإباحة حاصلة.

و أظهر من الأخير فيها الخبر:عرضت على أبي عبد اللّه(عليه السّلام)كتاباً فيه قرآن معشَّر بالذهب و كتب في آخره سورة بالذهب،فأريته إيّاه،فلم يعب منه شيئاً إلّا كتابة القرآن بالذهب،فإنّه قال:« لا يعجبني أن يكتب القرآن إلّا بالسواد كما كتب أوّل مرّة» (3).

مع أنّ المستفاد من بعض النصوص نفي البأس على الإطلاق، كالخبر:« ليس بتحلية المصاحف و السيوف بالذهب و الفضة بأس» (4).

فالأصح فيهما الجواز،للأصل،مع الكراهة،للشبهة،وفاقاً لجماعة (5).

ص:175


1- الكافي 3:6/369،التهذيب 3:726/259،الوسائل 5:215 أبواب أحكام المساجد ب 15 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- التهذيب 6:1055/366،الوسائل 17:162 أبواب ما يكتسب به ب 32 ح 1.
3- الكافي 2:8/629،التهذيب 6:1056/367،الوسائل 17:162 أبواب ما يكتسب به ب 32 ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- الكافي 6:7/475،الوسائل 5:105 أبواب أحكام الملابس ب 64 ح 3.
5- منهم:المحقّق الثاني في جامع المقاصد 4:10،و الفيض في المفاتيح 3:14،و صاحب الحدائق 18:220.

و معونة الظالم بالكتاب،و السنّة المستفيضة،بل المتواترة، و الإجماع.

قال سبحانه وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ [1] الآية (1).

و قال تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ [2] (2).و عنهم(عليهم السّلام)كما في المجمع:أنّ الركون إليهم هو المودّة و النصيحة و الطاعة لهم (3).

و في الخبر في تفسيره:« هو الذي يأتي السلطان فيحبّ بقاءه إلى أن يدخل يده في كيسه فيعطيه» (4).

و يستفاد منه و من كثير من النصوص حرمة إعانة الظالمين و لو في المباحات و الطاعات،ففي الصحيح:عن أعمالهم،قال:« لا،و لا مدّة بقلم،إنّ أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلّا أصابوا من دينه» (5).

و أظهر منه الموثق:« لا تُعِنْهم على بناء مسجد» (6).

و قريب منهما القريب من الصحة،و فيه:إنّه ربما أصاب الرجل منّا الضيق أو الشدّة فيدعى إلى البناء يبنيه،أو النهر يكريه،أو المسنّاة (7)يصلحها،فما تقول في ذلك؟فقال(عليه السّلام):« ما أُحبّ أنّي عقدت

ص:176


1- المائدة:2.
2- هود:113.
3- مجمع البيان 3:200.
4- الكافي 5:12/108،الوسائل 17:185 أبواب ما يكتسب به ب 44 ح 1؛ بتفاوت يسير.
5- الكافي 5:5/106،التهذيب 6:918/331،الوسائل 17:179 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 5.
6- التهذيب 6:941/338،الوسائل 17:180 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 8.
7- المسنّاة:السدّ مجمع البحرين 1:231.

لهم عقدة،أو وكيت لهم وكاءً و إنّ لي ما بين لابتيها،لا و لا مدّة بقلم،إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من النار حتّى يحكم اللّه تعالى بين العباد» (1).

و نحوها أخبار أُخر هي كالأوّلة مؤيّدة بإطلاق كثير من النصوص المانعة عن إعانتهم (2).فالأحوط تركها مطلقاً إلّا لتقيّة أو ضرورة،و إن كان ظاهر الأصحاب بغير خلاف يعرف اختصاص التحريم بالإعانة في المحرّم، و لعلّه لقصور الأخبار المطلقة سنداً و الظاهرة دلالة،لاحتمال المباحات و الطاعات فيها ما عرضها التحريم بغصب و نحوه،كما هو الأغلب في أحوالهم.

و هو و إن نافاه النهي عن حبّ البقاء المجامع للإعانة على المباحات و الطاعات،إلّا أنّ المشتمل عليه قاصر السند،فلا يخرج بمثله عن الأصل المقطوع به،المعتضد بعمل الأصحاب كافّة من غير خلاف يعرف بينهم، فلا بدّ من حمله على الكراهة،كما يشعر بها الرواية الأخيرة المعبِّرة عن المنع بلفظه« ما أُحبّ» الظاهرة فيها البتّة،و إن اقتضى التعليل المذيّلة به الحرمة،لاحتمال أن يكون المراد من ذكره بيان خوف الاندراج في أفراد مصداقه،و لكن الإنصاف أن الجواز لا يخلو عن شيء (3).

و يدخل في إعانتهم المحرّمة اختيار التولية عنهم بلا خلاف؛ للمستفيضة،منها:« لأن أسقطَ من حالق (4)فأتقطّع قطعة أحبّ إليّ

ص:177


1- الكافي 5:7/107،التهذيب 6:919/331،الوسائل 17:179 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 6.
2- انظر الوسائل 17:177 أبواب ما يكتسب به ب 42.
3- في« ت» زيادة:لولا اتفاق الأصحاب.
4- الحالق:الجبل المرتفع.مجمع البحرين 5:151.

من أن أتولّى لأحد منهم عملاً،أو أطأ بساط رجل منهم،إلّا لتفريج كربة عن مؤمن،أو فكّ أسره،أو قضاء دينه،إنّ أهون ما يصنع اللّه تعالى بمن تولّى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ اللّه تعالى من حساب الخلائق،فإن ولّيت شيئاً من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك فواحدة بواحدة» (1)الحديث.

و لا خلاف فيما تضمّنه من الاستثناء و شرطه فتوًى و نصّاً،و هو مستفيض،و إن اختلف في الإباحة و الرجحان و الإثابة،فبين ما دلّ على الأوّل،و هو هذا الخبر،و نحوه المروي مرسلاً في الفقيه:« كفّارة خدمة السلطان قضاء حوائج الإخوان» (2).

و الخبران،في أحدهما:« إن كنت تعلم أنّك إن ولّيت عملت في عملك بما أمر به رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ثم تصيّر أعوانك و كتّابك أهل ملّتك فإذا صار إليك شيء واسيت به فقراء المؤمنين حتّى تكون واحداً منهم كان ذا بذا،و إلّا فلا» (3).

و في الثاني:« ما من جبّار إلّا و معه مؤمن يدفع اللّه به عن المؤمنين، و هو أقلّهم حظّا في الآخرة،يعني أقلّ المؤمنين حظّا،لصحبة الجبّار» (4).

و ما دلّ على الثاني،و هو مستفيض،أجودها دلالةً المروي عن الكشي (5)

ص:178


1- الكافي 5:1/109،التهذيب 6:924/333،الوسائل 17:194 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 9.
2- الفقيه 3:453/108،الوسائل 17:192 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 3.
3- الكافي 5:4/111،التهذيب 6:928/335،الوسائل 17:201 أبواب ما يكتسب به ب 48 ح 1.
4- الكافي 5:5/111،الوسائل 17:186 أبواب ما يكتسب به ب 44 ح 4.
5- الرواية ليست موجودة في رجال الكشي،بل توجد في رجال النجاشي:893/331.

في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن مولانا الرضا(عليه السّلام):« إنّ للّه تعالى بأبواب الظلمة من نوّر اللّه تعالى به البرهان،و مكّن له في البلاد، ليدفع عن أوليائه،و يصلح اللّه تعالى به أُمور المسلمين،لأنّهم صلحاء المؤمنين» إلى أن قال:« أُولئك المؤمنون حقّا،أُولئك أُمناء اللّه تعالى في أرضه،أُولئك نور اللّه تعالى في رعيّتهم يوم القيامة،و يزهر نورهم لأهل السماوات كما تزهر الكواكب الزهرية لأهل الأرض،أُولئك من نورهم نور يوم القيامة يضيء منهم القيامة،خُلِقوا و اللّه للجنة و خُلِقَت الجنة لهم،فهنيئاً لهم،ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كلّه» قال:قلت:بماذا جعلني اللّه فداك؟قال:« يكون معهم فيسرّنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا، فكن منهم يا محمّد» .و لقد جمع بينهما بعض الأصحاب بحمل الأوّلة على الداخل معهم لحبّ الدنيا و الرياسة،مازجاً ذلك بفعل الطاعات و قضاء حوائج المؤمنين و فعل الخيرات،و الثانية على الداخل لا لذلك،بل لمجرّد ما ذكر من الطاعات (1).

و هو جمع حسن،و إن أبى عنه بعض ما مرّ من الروايات.

ثم لو قلنا باختصاص تحريم الإعانة بالأُمور المحرّمة فلا ريب في انسحاب الحكم في معونة مطلق العصاة الظلمة،حتّى الظالم لنفسه بعصيانه مع حرمانه عن الرئاسة و خذلانه.

و إن قلنا بالعموم و لو في نحو المباحات فالظاهر من النصوص سياقاً اختصاص الحكم بمعونة الظلمة من أهل السنّة،فلا يحرم إعانة سلاطين

ص:179


1- الحدائق 18:132.

الشيعة في الأُمور المباحة،و يجوز حبّ بقائهم،لإيمانهم،و دفع شرور أعدائهم،إلّا أنّ عبارات الأصحاب مطلقة،و لعلّه لتخصيص التحريم فيها بالإعانة في الأُمور المحرّمة،و ذلك ممّا لا يدانيه شبهة.

نعم،النهي عن الركون إلى الظلمة في الآية مع ما في تفسيرها بما تقدّم في الرواية (1)مطلق،فالاحتياط الترك على الإطلاق،و إن أمكن المناقشة في دليله بعدم تبادر مثله من الآية،و ضعف الرواية المفسِّرة.

و أُجرة الزانية فإنّها سحت،كما في النصوص،و فيها الصحيح و غيره (2).

السادس أخذ الأُجرة على القدر الواجب من تغسيل الأموات و تكفينهم و حملهم و دفنهم

السادس:أخذ الأُجرة على القدر الواجب من تغسيل الأموات و تكفينهم و حملهم و دفنهم و نحوها الواجبات الأُخر التي تجب على الأجير عيناً أو كفايةً،وجوباً ذاتيّاً،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في كلام جماعة (3)؛ و هو الحجة،مع منافاته الإخلاص المأمور به كتاباً و سنّةً.

و أُخرج بالذاتي التوصّلي،كأكثر الصناعات الواجبة كفاية توصّلاً إلى ما هو المقصود من الأمر بها،و هو انتظام أمر المعاش و المعاد؛ فإنّه كما يوجب الأمر بها كذا يوجب جواز أخذ الأُجرة عليها،لظهور عدم انتظام المقصود بدونه؛ مع أنّه عليه الإجماع نصّاً و فتوى،و بذلك يندفع ما يورد من الإشكال بهذه الواجبات في هذا المجال.

و يستفاد من العبارة جواز أخذ الأُجرة على الأُمور المندوبة،كالتغسيل ثلاثاً،و التكفين بالقِطَع المستحبة،و نحو ذلك.و لا ريب فيه،وفاقاً للأكثر؛

ص:180


1- راجع ص:3721.
2- الوسائل 17:92 أبواب ما يكتسب به ب 5.
3- انظر مجمع الفائدة 8:89،و الحدائق 18:212.

للأصل،و انتفاء المانع من الإجماع و غيره،و هو منافاة الأخذ للإخلاص، فإنّ غايتها هنا عدم ترتّب الثواب لا حرمته،مع إمكان ترتّبه حينئذٍ أيضاً بعد إيقاع عقد الإجارة،فإنّها بعده تصير واجبة،و تصير من قبيل ما لو وجبت بنذر و شبهه؛ و لا ريب في استحقاق الثواب حينئذٍ.و وجهه أنّ أخذ الأُجرة حينئذٍ صار سبباً لوجوبها عليه،و معه يتحقّق الإخلاص في العمل، لكونه حينئذٍ لمجرّد الإطاعة و الامتثال للّه سبحانه،و إن صارت الأُجرة منشأً لتوجّه الأمر الإيجابي إليه،و هو واضح.

و به يتّضح جواز أخذ الأُجرة على الصلاة عن الأموات بعد إيقاع عقد الإجارة،بل لعلّ له قبل إيقاعه أيضاً وجهاً.

فالقول بعدم جواز أخذ الأُجرة على الأُمور المندوبة (1)أيضاً ضعيف، كالمحكي عن المرتضى (2)من جواز أخذها على الأُمور الواجبة التي تعلّقت الأوامر بها إلى الولي للأجير إذا لم يكن هو الولي.

و أخذ الرُّشا بضم أوّله و كسره مقصوراً،جمع رشوة بهما في الحكم بالإجماع،كما في كلام جماعة (3)،و النصوص المستفيضة، في بعضها أنّها سحت،و في عدّة منها:أنّها الكفر باللّه العظيم،و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما (4).

و إطلاقها كالعبارة،و صريح جماعة (5)يقتضي عدم الفرق بين أن

ص:181


1- نسبه في الإيضاح 1:408 إلى القاضي؛ انظر المهذّب 1:345.
2- حكاه عنه في الدروس 3:172.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:167،و الروضة 3:75،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:251.
4- انظر الوسائل 17:92 أبواب ما يكتسب به ب 5.
5- منهم:المصنّف في الشرائع 2:12.

يكون الحكم للراشي أو عليه.

و يأثم الدافع لها أيضاً؛ لأنه إعانة على الإثم و العدوان،إلّا إذا لم يمكن الوصول إلى الحق بدونها،فيجوز الدفع حينئذٍ،فإنّ الضرورات تبيح المحظورات.

و في الصحيح:عن الرجل يرشو الرجل على أن يتحوّل من منزله فيسكنه؟قال:« لا بأس» (1).

نعم يحرم على المدفوع إليه مطلقاً.

و قيل:إذا كان يحكم بالحق و إن لم يرتش جاز الدفع،و إلّا فلا.

و يدفعه إطلاق النص و الفتوى.

و قيل:و كذا يحرم على الحاكم قبول الهدية إذا كان للمُهدي خصومة في المال؛ لأنّه يدعو إلى الميل و انكسار قلب الخصم.و كذا إذا كان ممّن لم يعهد منه الهدية له قبل تولّي القضاء؛ لأنّ سببها العمل ظاهراً.و في الحديث:« هدايا العمّال غلول» (2)و في رواية:« سحت (3)(4).انتهى.

و هو أحوط،و إن كان في تعيينه و لا سيّما الأوّل نظر؛ للأصل، و قصور سند الروايتين،و ضعف الوجوه الاعتبارية مع عدم تسمية مثله رشوة.

و الأُجرة على الصلاة بالناس جماعة،وفاقاً لجماعة (5)؛ للخبر،

ص:182


1- التهذيب 6:1095/375،الوسائل 17:278 أبواب ما يكتسب به ب 85 ح 2.
2- المبسوط 8:151،و في أمالي الطوسي:268،و الوسائل 27:223 أبواب آداب القاضي ب 8 ح 6 ما نصّه:هديّة الأُمراء غلول،و هو في مسند أحمد 5:424.
3- المبسوط 8:151.
4- المفاتيح 3:251.
5- منهم:الشيخ في النهاية:365،و الحلّي في السرائر 2:217،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:93،و صاحب الحدائق 18:211.

بل الصحيح المروي في الفقيه في كتاب الشهادات،عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السّلام)قال:« لا تصلّ خلف من يبتغي على الأذان و الصلاة بين الناس أجراً،و لا تقبل شهادته» (1)و هو نصّ في التحريم.

و على القضاء و الحكم بين الناس،فإنّها من أحد المتحاكمين رشوة محرّمة،كما مضت إليه الإشارة.و كذا من غيرهما، مطلقاً،وفاقاً للحلبي و الحلّي (2)و جماعة (3)؛ للصحيح:عن قاضٍ بين فريقين يأخذ من السلطان على القضاء الرزق،فقال:« ذلك السحت» (4)بحمل الرزق فيه على الأجر؛ للإجماع على حلّه،و لأنّه لمّا كان جائزاً لجملة المسلمين المحتاجين من بيت المال فلا وجه للفرق بين القاضي و غيره (5).

خلافاً للمفيد و النهاية و القاضي (6)،فيجوز مع الكراهة؛ للأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة،لعدم دلالة الصحيح على الأُجرة،و صرف الرزق فيه إليها بمعونة الأمرين المتقدّمين ليس بأولى من صرف السحت فيه بهما إلى الكراهة،بل هو أولى،لموافقة الأصل.

و يمكن ترجيح الأوّل بأنّ المجاز اللازم على تقديره التقييد دون

ص:183


1- الفقيه 3:75/27،الوسائل 27:378 أبواب الشهادات ب 32 ح 6.
2- الحلبي في الكافي:283،الحلي في السرائر 2:217.
3- منهم:العلّامة في القواعد 1:121،و الشهيد الثاني في الروضة 3:71.
4- الكافي 7:1/409،الفقيه 3:12/4،الوسائل 27:221 أبواب آداب القاضي ب 8 ح 1.
5- مضافاً إلى ما روي عن الخصال:26/329،أنّه روي عن أبيه،عن سعد،عن أحمد بن محمد،عن ابن محبوب،عن أبي أيوب،عن عمار بن مروان قال:قال أبو عبد اللّه(عليه السّلام):كل شيء غلّ من الإمام(عليه السّلام)فهو سحت،و السحت أنواع كثيرة،منها ما أُصيب من أعمال الولاة الظلمة،و منها أُجور القضاة،و أُجور الفواحش،و ثمن الخمر و النبيذ المسكر،و الربا بعد البيّنة.(منه(رحمه اللّه)).
6- المفيد في المقنعة:588،النهاية:367،القاضي في المهذب 1:346.

الثاني،فإنّ اللازم منه المجاز المطلق المرجوح بالإضافة إليه،مع تأيّده في الجملة بفحوى الصحيحة المتقدّمة و غيرها (1)،المانعة من أخذ الأُجرة على نحو الأذان المستحب.

فالمنع فيما نحن فيه من حيث وجوبه و لو كفاية أولى،مع أنّ اللازم على الثاني كراهة الارتزاق،و لعلّهم لم يقولوا به،بل يخصّونه بالأُجرة، فيلزم على تقديره مجازان دون الأوّل.

و للماتن في الشرائع و الفاضل في المختلف (2)،فالتفصيل بين تعيّنه عليه بتعيين الإمام له و نحوه فالأوّل،و إلّا فالثاني،إمّا مطلقاً كما في المختلف،أو بشرط الحاجة و إلّا فكالأوّل كما عن الماتن في الكتاب.

و الأوّل أحوط و أولى،و أمّا القول الثاني فضعيف جدّاً.

و لا بأس في صور المنع عن أخذ الأُجرة بالرزق من بيت المال بلا خلاف؛ للأصل،و الضرورة،و اختصاص أدلّة المنع بغير هذه الصورة سوى الصحيحة المتقدّمة،لأنّها ظاهرة المنع فيها،إلّا أنّها كما مرّ محمولة على الأُجرة،أو الكراهة.

و الفرق بينه و بين الأُجرة ما قيل:من توقّف العمل عليها دونه (3)،أو أنّها تفتقر إلى تقدير العمل و العوض و ضبط المدّة و الصيغة الخاصّة بخلافه، لإناطته بنظر الحاكم و عدم تقدّره بقدر،و محلّه بيت المال و ما أُعدّ للمصالح من خراج الأرض و مقاسمتها (4).

ص:184


1- انظر الوسائل 5:447 أبواب الأذان و الإقامة ب 38.
2- الشرائع 4:69،المختلف:342.
3- مجمع الفائدة 8:92.
4- قال به في المسالك 1:166.

و في هذا الفرق نظر،بل الأوّل أولى و أظهر،و الأمر سهل لمن تدبّر.

و كذا يحرم أخذ الأُجرة على الأذان و لا بأس فيه بالرزق من بيت المال؛ لما مرّ.

و أمّا الأوّل و عليه الأكثر،بل عن بعض الأصحاب نفي الخلاف عنه (1)،و في الخلاف (2)عليه الإجماع (3)فللخبر المتقدّم في الصلاة بالناس (4)،الصريح في التحريم،المنجبر قصور سنده لو كان بالشهرة بين الأعيان،المؤيّد بروايات أُخر،منها:أتى رجل أمير المؤمنين(عليه السّلام)فقال:

إنّي و اللّه لأُحبّك للّه،فقال:« و لكنّي أُبغضك للّه» قال:و لم؟قال:« لأنّك تبغي على الأذان كسباً،و تأخذ على تعليم القرآن أجراً» (5).

و منها المرسل في الفقيه:« و لا تتّخذن مؤذّناً يأخذ على أذانه أجراً» (6)و عّد في المروي من دعائم الإسلام سحتاً (7).

خلافاً للمرتضى،فكالارتزاق؛ للأصل،و ضعف النصوص،أو عدم حجّيتها،لكونها من الآحاد (8).و هو حسن على أصله،غير مستحسن على

ص:185


1- حكاه في مفتاح الكرامة 4:95 عن حاشية الإرشاد للكركي.
2- في« ق» زيادة:و كذا في شرح القواعد لثاني المحقّقين(جامع المقاصد 4:36).منه(رحمه اللّه).
3- الخلاف 1:290.
4- في ص:3728.
5- الفقيه 3:461/109،التهذيب 6:1099/376،الإستبصار 3:215/65،الوسائل 17:157 أبواب ما يكتسب به ب 30 ح 1.
6- الفقيه 1:870/184،التهذيب 2:1129/283،الوسائل 5:447 أبواب الأذان و الإقامة ب 38 ح 1.
7- دعائم الإسلام 1:147،المستدرك 4:51 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 2.
8- نقله عنه في المسالك 1:166.

غيره،لانجبار الضعف بما مرّ.

و لا بأس ب أخذ الأُجرة على عقد النكاح و غيره من العقود بأن يكون العاقد وكيلاً عن أحد المتعاقدين.

أمّا تعليم الصيغة و إلقائها على الوجه اللازم فلا يجوز أخذ الأُجرة عليه؛ للوجوب.

نعم يجوز أخذها على الخطبة،و الخطبة في الإملاك.

المكروه

و المكروه: إمّا لإفضائه إلى المحرّم أو المكروه غالباً ك اتّخاذ الصرف حرفة،فإنّ فاعله لا يسلم من الربا.

و بيع الأكفان فإنّه يتمنّى الوباء.

و بيع الطعام فإنّه يتمنّى الغلاء،و لا يسلم من الاحتكار غالباً.

و بيع الرقيق و العبيد؛ فإنّه يكون أقلّ الناس خيراً،فإنّ شرّ الناس من باع الناس.

و الصياغة لأنّه يُذكّر الدنيا و ينسى الآخرة.

و الذباحة فإنّه يسلب من قلبه الرحمة.

و بيع ما يكنّ من السلاح لأهل الحرب،كالخفّين و الدرع فإنّ فيه نوع ركون إليهم و مودّة.

و لا خلاف في كراهة شيء من ذلك؛ للنصوص المستفيضة،ففي الخبر:« لا تسلّمه صيرفيّاً،فإنّ الصيرفي لا يسلم من الربا،و لا تسلّمه بيّاع أكفان،فإنّ صاحب الأكفان يسرّه الوباء إذا كان،و لا تسلّمه بيّاع طعام،فإنّه لا يسلم من الاحتكار،و لا تسلّمه جزّاراً،فإنّ الجزّار تُسلب منه الرحمة،

ص:186

و لا تسلّمه نخّاساً،فإنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قال:شرّ الناس من باع الناس» (1).

و نحوه آخر،مبدّلاً الصيرفي بالصائغ،معلّلاً بأنّه يعالج زين أُمّتي (2).

و ظاهرهما كغيرهما اختصاص الكراهة باتّخاذ ذلك حرفة،دون أن يصدر ذلك منه مرّة،بل ظاهر بعض المعتبرة عدم الكراهة مطلقاً إذا اتّقى اللّه سبحانه،ففي الموثق كالصحيح:« كلّ شيء ممّا يباع إذا اتّقى اللّه عزّ و جلّ فيه العبد فلا بأس به» (3).و في الخبر المعتبر الوارد في الصرف:

« خذ سواء و أعط سواء،فإذا حضرت الصلاة فَدَعْ ما بيدك و انهض إلى الصلاة،أما علمت أنّ أصحاب الكهف كانوا صيارفة» (4).

و لو لا الشهرة بين الأصحاب و جواز المسامحة في أدلّة الكراهة و الاستحباب لكان القول بالإباحة المطلقة من دون كراهة غير بعيد؛ للأصل،و ما مرّ من المعتبرة،و قصور سند الروايات المانعة،و احتمال ورودها مورد الغلبة.

ثم إنّ النصوص و العبارة و غيرها و إن أطلقت المنع عن الأُمور المزبورة و الآتية إلّا أنّه ينبغي التقييد بعدم احتياج الناس إليها،و إلّا فيجب عيناً أو كفايةً اتّفاقاً.و لا ينافيه الإطلاق المتقدّم؛ لوروده مورد الغالب الذي

ص:187


1- الكافي 5:4/114،علل الشرائع:1/530،الوسائل 17:135 أبواب ما يكتسب به ب 21 ح 1.
2- التهذيب 6:1038/362،الاستبصار 3:209/63،علل الشرائع:179،الخصال:138،معاني الأخبار:49،الوسائل 17:137 أبواب ما يكتسب به ب 21 ح 4؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 5:3/114،التهذيب 6:1039/363،الإستبصار 3:210/63،الوسائل 17:135 أبواب ما يكتسب به ب 20 ح 5.
4- الكافي 5:2/113،التهذيب 6:1040/363،الإستبصار 3:211/64،الوسائل 17:139 أبواب ما يكتسب به ب 22 ح 1.

ليس محل الفرض منه جدّاً.

و إمّا لضعته و رذالته كالحياكة و النساجة،ففي الخبر:« ولد الحائك لا ينجب إلى سبعة بطون» (1).

و الحجامة إذا شرط الأُجرة لا بدونها؛ للمعتبرين،أحدهما الموثق كالصحيح:عن كسب الحجّام،فقال:« مكروه له أن يشارط،و لا بأس عليك أن تشارطه و تماكسه،و إنّما يكره له و لا بأس عليك» (2).

و الثاني:« لا بأس به إذا لم يشارطه» (3).

و به يجمع بين إطلاق الأخبار المختلفة في المنع و الإباحة،و فيها الصحيح و غيره،في الجانبين.

و يحتمل الجمع بحمل الأوّل على الكراهة مطلقاً و الثاني على الجواز، إلّا أنّ الأوّل أرجح،لوضوح الشاهد عليه من الخبرين و فتوى الأكثر،و إن كان الكراهة مطلقاً كما في اللمعة (4)غير بعيدة.

و ضراب الفحل بأن يؤاجره لذلك؛ للمرسل:« نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عن عَسْب الفحل،و هو اجرة الضراب» (5).

و يستفاد من المعتبرين عدم الكراهة،أحدهما الصحيح:عن أجر

ص:188


1- رواه في المسالك 1:167 عن الصادق(عليه السّلام).
2- الكافي 5:4/116،التهذيب 6:1011/355،الإستبصار 3:193/59،الوسائل 17:106 أبواب ما يكتسب به ب 9 ح 9.
3- الكافي 5:1/115،التهذيب 6:1008/354،الإستبصار 3:190/58،الوسائل 17:104 أبواب ما يكتسب به ب 9 ح 1.
4- اللمعة(الروضة 3):219.
5- الفقيه 3:433/105،الوسائل 17:111 أبواب ما يكتسب به ب 12 ح 3.

التيوس (1)؟قال:« إن كانت العرب لتعاير به و لا بأس» (2).

و في الثاني:إنّ لي تَيْساً أكريه،فما تقول في كسبه؟قال:« كُلْ كسبه فإنّه لك حلال،و الناس يكرهونه لتعيير الناس بعضهم بعضاً» (3).

و لا بأس بالختانة و خفض الجواري بلا خلاف؛ للأصل، و الصحيح و غيره (4)في الثاني،مع أنّهما من السنن المرغّب إليهما في المعتبرة (5)،و لا ريب في منافاة ذلك للكراهة.

و إمّا لتطرّق الشبهة المندوب إلى تركها في النصوص المستفيضة ككسب الصبيان المجهول أصله؛ لحصول الشبهة فيه من اجتراء الصبي على ما لا يحلّ لجهله،أو علمه بارتفاع القلم عنه.

و لو علم اكتسابه من محلّل فلا كراهة،و إن أطلق الأكثر،كما أنّه لو علم تحصيله أو بعضه من محرّم وجب اجتنابه،أو اجتناب ما علم منه أو اشتبه به و كان محصوراً.

و في الخبر:« نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده،فإنّه إذا لم يجد سرق» (6).

ص:189


1- التيْس:الذَّكَر من المعز إذا أتى عليه حول.و الجمع:تُيُوس.المصباح المنير:79.
2- الكافي 5:5/116،التهذيب 6:1012/355،الإستبصار 3:194/59،الوسائل 17:111 أبواب ما يكتسب به ب 12 ح 2.
3- الكافي 5:2/115،التهذيب 6:1009/354،الإستبصار 3:191/58،الوسائل 17:111 أبواب ما يكتسب به ب 12 ح 1.
4- انظر الوسائل 17:129 أبواب ما يكتسب به ب 18،و ج 21:440 و 442 أبواب أحكام الأولاد ب 56،57.
5- الوسائل 21:433،440 أبواب أحكام الأولاد ب 52،56.
6- الكافي 5:8/128،التهذيب 6:1057/368،الوسائل 17:163 أبواب ما يكتسب به ب 33 ح 1.

و محل الكراهة تكسّب الولي به،أو أخذه منه،أو الصبي بعد رفع الحجر عنه.

و نحوه كسب من لا يجتنب المحارم المتعلّقة بالمال لا مطلقاً،فلا يكره كسب المجتنب عنها فيه،و الغير المجتنب عنها في غيره.

و من المكروه أخذ الأُجرة على تعليم القرآن،و نسخه، و كسب القابلة مع الشرط،و لا بأس به لو تجرّد عنه،وفاقاً للأكثر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر،و عن الحلّي إجماعنا على جواز الأوّلين (1)؛ استناداً في الجواز إلى الأصل،و مفهوم النصوص الآتية،و ضعف النصوص المانعة (2)و إن كانت مستفيضة،مع معارضتها بصريح بعض المعتبرة، المنجبر قصور سنده بالشهرة العظيمة المصرّح بالإباحة المطلقة.

ففيه:إنّ هؤلاء يقولون:إنّ كسب المعلّم سحت،فقال:« كذبوا أعداء اللّه تعالى،إنّما أرادوا أن لا يعلّموا القرآن،و لو أنّ المعلّم أعطاه رجل دية ولده كان للمعلّم مباحاً» (3).

و في آخر:ما ترى أن اعطي على كتابته أجراً؟قال:« لا بأس» (4)الحديث.

و في الكراهة في الأوّلين إلى الشبهة الناشئة من الأخبار المزبورة،

ص:190


1- انظر السرائر 2:223.
2- الوسائل 17:154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 1،3،4.
3- الكافي 5:2/121،الفقيه 3:384/99،التهذيب 6:1046/364،الإستبصار 3:216/65،الوسائل 17:154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 2.
4- الكافي 5:3/121،التهذيب 6:1053/366،الوسائل 17:158 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 4.

و فتوى جماعة بالحرمة إما مطلقاً،كما عن الحلبي (1)،أو مع الشرط خاصّة كما عزي إلى الطوسي في الاستبصار (2)،و فيه مناقشة.

استناداً من الأوّل إلى إطلاق المنع فيها.و من الثاني إلى الجمع بينها و بين ما دلّ على الجواز مطلقاً؛ لظواهر عدة من النصوص:منها:« المعلّم لا يعلّم بالأجر،و يقبل الهدية إذا اهدي إليه» (3).

و أظهر منه الخبران الناهيان عن أجر القارئ الذي لا يقرأ إلّا بأُجرة مشروطة (4).

و في الخبر:« إنّ أُمّ عبد اللّه بنت الحسن أرادت أن تكتب مصحفاً، فاشترت ورقاً من عندها،و دَعَت رجلاً فكتب لها على غير شرط،و أعطته حين فرغ خمسين ديناراً و أنّه لم تبع المصاحف إلّا حديثاً» (5).

لكنّها ليست بصريحة في التقييد،مع اختصاص الخبرين بالقارئ دون المعلّم،فارتكابه في المطلقات من الجانبين مشكل (6)،مع معارضة الخبرين بصريح بعض المعتبرة الظاهر في عموم المنع لصورة عدم الشرط

ص:191


1- الكافي في الفقه:283.
2- الاستبصار 3:65.
3- التهذيب 6 ك 1047/365،الإستبصار 3:218/66،الوسائل 17:156 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 5.
4- الفقيه 3:437/105،التهذيب 6:1097/376،الوسائل 17:156 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 6،7.
5- التهذيب 6:1054/366،الوسائل 17:160 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 10.
6- و مع ذلك فالنصوص المانعة مطلقة،و المجوّزة كذلك،و المفصّلة بين الشرط و عدمه مخصوصة بتعليم القرآن دون نسخه،فلا وجه للقول بالحرمة فيه،بل الكراهة أيضاً لولا الشهرة،اللهمّ إلّا أن يدّعى عدم القول بالفرق بين تعليم القرآن و نسخه مطلقاً،و لا تحريماً و لا كراهة،فتدبر.(منه(رحمه اللّه)).

أيضاً:و فيه:إنّي أقرأ القرآن فيُهدى إليّ الهدية فأقبلها؟قال:« لا» قلت:إن لم أُشارطه؟قال:« أ رأيت لو لم تقرأ كان يُهدى لك؟» قلت:لا،قال:

« فلا تقبله» (1).

فالأصح القول إمّا بالكراهة مطلقاً كما عليه جماعة (2)؛ لإطلاق النهي عنه في المستفيضة السالمة عن معارضة ما يصلح لتقييدها بصورة الاشتراط.أو انتفائها كذلك،بناءً على احتمال ورود المنع تقيّة،كما هو صريح الرواية الأُولى المجوّزة.فلولا الشهرة و جواز المسامحة في أدلّة الكراهة لكان هذا القول في غاية القوّة.

و أمّا القول بالحرمة مطلقاً أو في الجملة فضعيف البتّة؛ لضعف النصوص المانعة،و معارضتها بالأصل و الروايات المنجبر قصور أسانيدها بالشهرة في الجملة،هذا.

و أمّا الكراهة في القابلة مع الشرط فلم أقف فيها على دلالة،بل أصالة الإباحة المطلقة و الضرورة في ردّها أوضح قرينة،إلّا أن يكون إجماعاً، و المناقشة فيه واضحة،مع أنّ المحكي عن المنتهى (3)الإباحة من دون تقييد بالكراهة،إلّا أنّها لا بأس بها،لما عرفت من جواز المسامحة في نحو المسألة.

ثم إنّ الواجب تقييد الجواز على القول به مطلقاً أو في الجملة بصورة ما إذا لم يكن أحد الأمرين واجباً و لو كفايةً،و إلّا فينتفي رأساً و يثبت

ص:192


1- الفقيه 3:462/110،التهذيب 6:1048/365،الإستبصار 3:219/66،الوسائل 17:155 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 4.
2- منهم:العلّامة في التحرير 1:162،و الشهيد في الدروس 3:173،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:18.
3- المنتهى 2:1021.

التحريم إجماعاً،فتوًى و دليلاً.

فاتّخاذ بعض شرّاح الكتاب (1)هذا التفصيل قولاً آخر في المسألة ضعيف جدّاً،و إن كان ما ذكره حقّا.

و لا بأس بأُجرة تعليم الحِكَم و الآداب كالكتابة و الحساب،بلا خلاف،للأصل السالم عن المعارض.

و في الخبر:« لا تأخذ على التعليم أجراً» قلت:الشعر و الرسائل و ما أشبه ذلك أُشارط عليه؟قال:« نعم بعد أن يكون الصبيان عندك سواء في التعليم» (2).

و في آخر:إنّ لنا جاراً يكتّب،و سألني أن أسألك عن عمله،فقال:

« مُره إذا دُفع إليه الغلام أن يقول لأهله:إنّما أُعلّمه الكتاب و الحساب و أتّجر عليه بتعليم القرآن حتّى يطيب له كسبه» (3).

و ما في هذه الرواية من وجه الفرار عمّا يترتّب على أخذ الأُجرة على تعليم القرآن من الكراهة حيلة حسنة يحسن اتّخاذ المعلّمين لها وسيلة للخروج عن الشبهة الناشئة من القول بالحرمة إن كان الأطفال من أهل القابليّة لمعرفة الكتاب و الحساب،و إلّا فيبدّلونهما بالحفظ و التأديب، فيُجعل الأجر لهما لا للتعليم.

و يستفاد من الأوّل وجوب التسوية بينهم في التعليم،و لا ريب فيه مع الإطلاق و مساواة الأُجرة.و إلّا ففيه نظر؛ للأصل،و ضعف الخبر،بل

ص:193


1- الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:17.
2- الكافي 5:1/121،التهذيب 6:1045/364،الإستبصار 3:214/65،الوسائل 17:154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 1.
3- التهذيب 6:1044/364،الإستبصار 3:217/65،الوسائل 17:155 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 3.

ربما يحسن التفضيل،بل يجب بالقابليّة،أو عوارض أُخر.فالقول بوجوب التسوية مطلقاً إلّا إذا آجر نفسه من كلٍّ لتعليم شيء مخصوص يزيد على الآخر خاصّة كما عن النهاية (1)محلّ مناقشة؛ لما مرّ إليه الإشارة.

و قد يكره الاكتساب بأشياء أُخر يأتي ذكرها إن شاء اللّه تعالى في تضاعيف المباحث الآتية.

مسائل ستّ
اشارة

مسائل ستّ:

الاُولى لا يؤخذ ما يُنثر في الأعراس

الاُولى: لا يؤخذ ما يُنثر في الإملاك و الأعراس و غيرهما؛ للخبر:الإملاك يكون و العرس فينثر على القوم؟فقال:« حرام،و لكن كل ما أعطوك منه فخذ» (2)و لحرمة التصرف في ملك الغير إلّا ما يعرف معه الإباحة منه له،و به يجبر ضعف سند الخبر،مع عدم خلاف فيه يظهر.

و في الصحيح:عن النثار من السكر و اللوز و أشباهه،أ يحلّ أكله؟ قال:« يكره أكل كلّ ما انتهب» (3).

و المراد بالكراهة فيه إمّا الحرمة،أو المعنى المصطلح،لكن يخصّ على الأوّل بعدم الإذن،و على الثاني به،و وجه الكراهة فيه حينئذٍ تضمّنه لمهانة النفس و مخالفة المروءة المرغوب عنها.

الثانية لا بأس ببيع عظام الفيل،و اتّخاذ الأمشاط منها

الثانية: لا بأس ببيع عظام الفيل،و اتّخاذ الأمشاط و غيرها

ص:194


1- النهاية:367.
2- الكافي 5:8/124،التهذيب 6:1071/370،الإستبصار 3:220/66،الوسائل 17:169 أبواب ما يكتسب به ب 36 ح 4.
3- الكافي 5:7/123،التهذيب 6:1072/370،الإستبصار 3:221/66،الوسائل 17:168 أبواب ما يكتسب به ب 36 ح 2.

منها لما مضى مفصّلاً (1).

الثالثة يجوز أن يشترى من السلطان ما يأخذ باسم المقاسمة

الثالثة: يجوز أن يشترى من السلطان الجائر المخالف لا مطلقاً على الأصح ما يأخذ باسم المقاسمة و الخراج و اسم الزكاة،من ثمرة و حبوب و نَعَم،و إن لم يكن السلطان مستحقّاً له بشرط أن لا يزيد في الأخذ على ما لو كان الإمام العادل ظاهراً لأخذه.

و هو في الثالث مقدّر مضبوط،و قدّر في الأوّلين حيث لا تقدير فيهما في الشريعة بما يتراضى عليه السلطان و ملاّك الأرضين في ذلك الزمان.

فلو أخذ الجائر زيادة على ذلك كلّه حرم الزائد بعينه إن تميّز،و إلّا حرم الكلّ من باب المقدّمة.

و الأصل في المسألة بعد عدم الخلاف في الطائفة،و الإجماع المستفيض حكايته في كلام جماعة (2)المعتبرة المستفيضة:

منها الصحيح:عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة و غنمها،و هو يعلم أنّهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم، قال:فقال:« ما الإبل و الغنم إلّا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك،لا بأس به حتّى تعرف الحرام بعينه» قيل له:فما ترى في مصدّق يجيئنا فيأخذ صدقات أغنامنا فنقول:بعناها فيبيعناها،فما ترى في شرائها منه؟قال:

« إن كان قد أخذها و عزلها فلا بأس» قيل له:فما ترى في الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظّنا و يأخذ حظّه فيعزله بكيل،فما ترى في شراء

ص:195


1- راجع ص:3697.
2- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:19،و المحقّق الثاني في المقاصد 4:45،و رسالة قاطعة اللجاج(رسائل المحقّق الكركي 1):278،و الشهيد الثاني في المسالك 1:168.

ذلك الطعام منه؟فقال:« إن كان ما قبضه بكيل و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه بغير كيل» (1).

و المناقشة في الدلالة أوّلاً:بمنعها على إباحة الخراج و المقاسمة؛ فإنّ غايتها الدلالة على حكم الزكاة خاصّة.

و ثانياً:بانتفائها على إباحتها أيضاً؛ للإجمال في الجواب عن إباحتها بقوله:« لا بأس به حتّى تعرف الحرام بعينه» المحتمل لأن يراد منه الكناية عن عدم إباحتها،بناءً على معلوميّة حرمتها إجماعاً،و يكون المنشأ في الإجمال هو التقيّة.

و ثالثاً:باحتمال كون المصدّق من قبل العدل.

و رابعاً:باحتمال الشراء فيه الاستنقاذ لا المعاملة الحقيقية،بناءً على كون متعلّقها فيه صدقات المشترين خاصّة.

مدفوعة،فالأوّل:بظهور لفظ القاسم في كون المأخوذ مال المقاسمة،سيّما في مقابلة لفظ المصدّق،مع مضيّ السؤال عن حكم المسئول عن حكمه هنا في الصدر،المشعر بل الظاهر في أنّه غير الأوّل، و يتمّ الباقي بعدم القول بالفصل.

و الثاني:بانتفاء الإجمال بعد تعلّق السؤال بخصوص إبل الصدقة و وجوب مطابقة الجواب له و إرجاع ضميره إليه،و لا ينافيه تعليق الإباحة و تحديدها بعدم معلومية الحرمة بعد تضمّن السؤال إيّاها فيما زاد على الصدقة المفروضة،فيكون حاصل الجواب حلّ شراء الصدقة إذا لم تعلم فيها الزيادة المحرّمة التي تضمّنها السؤال،و سياق الرواية يأبى عن حمل

ص:196


1- الكافي 5:2/228،التهذيب 6:1094/375،الوسائل 17:219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 5.

الإجمال فيها لو كان على التقيّة.

و الثالث و الرابع:ببعدهما غايته،سيّما الأوّل بملاحظة حال الأئمّة(عليهم السّلام)زمان صدور الرواية من تقيتهم من العامّة غاية التقيّة.

و يدفع الثاني مضافاً إلى البعد الماضي بأنّ صدرها كالصريح في كون المبيع من غير المشتري.

و منها الحسن:« ما يمنع ابن أبي سماك أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس،و يعطيهم ما يعطي الناس؟» ثم قال للراوي:« لِمَ تركت عطاءك؟» قال:مخافةً على ديني،قال:« ما منع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطائك؟أما علم أنّ لك في بيت المال نصيباً» (1).

و هو مع حُسنه و احتمال صحته واضح الدلالة،من حيث تجويزه(عليه السّلام)أوّلاً لشباب الشيعة أخذ ما يعطي الحاكم الناس المعينين له، و من جملة ما يعطون وجوه الخراج و المقاسمة،و ثانياً للراوي أخذ العطاء من بيت المال الغالب فيه اجتماع وجوههما فيه،لندرة الزكوات،فإنّ لها أرباباً مخصوصة يعطون من دون إحراز لها فيه،فاحتمالها فيه ضعيف، و أضعف منه احتمال الوجوه الموصى بها أو المنذورة للشيعة،فالمناقشة في الدلالة بما مرّ ضعيفة.

و منها الموثق:عن الرجل يشتري من العامل و هو يظلم؟فقال:

« يشتري منه ما لم يعلم أنّه ظلم فيه أحداً» (2).

و ترك الاستفصال عمّا يشتري منه يفيد العموم لجميع أفراد السؤال

ص:197


1- التهذيب 6:933/336،الوسائل 17 ك 214 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 6.
2- الكافي 5:3/228،التهذيب 6:1093/375،الوسائل 17:221 أبواب ما يكتسب به 53 ح 2.

التي منها مفروض البحث،و لا ينافيه القيد،لاشتراطه فيه إجماعاً.

و ليس المراد من الظلم مطلقه،كيف لا و العامل لا ينفكّ عنه مطلقاً، فالمراد منه الظلم الزائد على المتعارف عرفاً،و هو المستند في الشرط الذي قدّمناه تبعاً لأصحابنا.

و بالوجه في دلالته يعلم الوجه في دلالة إطلاق النصوص المعتبرة بجواز الشراء من الظلمة من دون استفصال و تقييد بما يخرج عن مفروض المسألة:منها الصحيح:أشتري من العامل الشيء و أنا أعلم أنه يظلم؟ فقال:« اشتر منه» (1).

و المرسل كالصحيح:أشتري الطعام فيجيئني من يتظلّم،يقول:

ظلموني،فقال:« اشتره» (2).

و ينبغي تقييد الظلم فيهما بعدم العلم بوقوعه على المبيع،أو بعدم زيادته عن متعارفة لو وقع عليه،و يكون نسبته إلى الحاكم حينئذٍ من حيث عدم استحقاقه لمثله،و على هذا فهما ظاهران فيما ذكره الأصحاب من جواز الأخذ من المالك و لو تظلّم،أو أظهر عدم الرضاء،هذا.

مع التأيّد بما سيأتي من الصحاح المستفيضة المبيحة على الإطلاق أو العموم جوائز الظلمة (3)،و نحوها المعتبرة المستفيضة الدالّة على جواز قبالة الخراج و الجزية،كالصحيح:عن رجل يتقبّل بخراج الرجال و جزية رؤوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصائد و السمك و الطير،و هو لا يدري لعلّ هذا لا يكون أبداً أو يكون،أ يشتريه؟و في أيّ زمان يشتريه

ص:198


1- التهذيب 6:938/337،الوسائل 17:219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 4.
2- التهذيب 6:937/337،الوسائل 17:219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 3.
3- انظر ص:3748.

و يتقبّل به؟فقال:« إذا علمت أنّ من ذلك شيئاً واحداً قد أدرك فاشتره و تقبّل به» (1).و نحوه الموثق (2).

و الصحيح:« لا بأس بأن يتقبّل الرجل الأرض و أهلها من السلطان» و عن مزارعة أهل الخراج بالربع و النصف و الثلث؟قال:« نعم لا بأس به» (3)الخبر.

و هو كالصريح في أنّ حكم تصرّف الجائر في هذه الأراضي حكم تصرّف الإمام العادل في الجملة.

و يستفاد ممّا مرّ من النصوص صريحاً في بعض و إطلاقاً أو عموماً في آخر ما ذكره الأصحاب من غير خلاف يظهر:من عدم الفرق في الحكم المتقدّم بين الشراء و غيره من سائر المعاوضات و المعاملات،و قبض الجائر أو وكيله لها و عدمه،فلو وهبها و أحاله بها و قبّل الثلاثة،أو وكّله في قبضها،أو باعها و هي في يد المالك أو في ذمّته جاز التناول؛ لأنّ دليل الإباحة شامل لهذه الصور المفروضة.

و على ذلك يحمل الشراء و الأخذ في العبارة و غيرها من كلام جماعة.و يؤيّد العموم ما اتّخذ دليلاً في أصل المسألة من استلزام عدم الإباحة العسر و الحرج على الشيعة المنفيّين آية و رواية.

ثم إنّ في سقوط الزكاة بأخذ الحاكم لها قولين.

للأوّل:ظواهر الصحاح المستفيضة،منها:« ما أخذه منكم بنو أُميّة

ص:199


1- الفقيه 3:621/141،الوسائل 17:355 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ذيل حديث 4.
2- الكافي 5:12/195،التهذيب 7:544/124،الوسائل 17:355 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ح 4.
3- التهذيب 7:888/201،الوسائل 19:59 أبواب أحكام المزارعة ب 18 ح 3.

فاحتسبوا به و لا تعطوهم شيئاً ما استطعتم،فإنّ المال لا يبقى على هذا أن تزكّيه مرّتين» (1).

و منها:عن صدقة المال يأخذه السلطان؟فقال:« لا آمرك أن تعيد» (2).

بل يستفاد من كثير من المعتبرة و فيها الصحيح و غيره جواز احتساب ما يأخذه باسم الخراج مكان الزكاة (3)،إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الإطباق على ردّها،بل عليه إجماعنا عن المنتهى (4)،فتكون شاذّة،و مع ذلك محتملة للتقيّة،فقد حكي القول بمضمونها عن أبي حنيفة (5).

و للثاني:الأصل،و العمومات،و خصوص الصحيح:إنّ هؤلاء المصدّقين يأتون فيأخذون منّا الصدقة فنعطيهم إيّاها،أ تجزي عنّا؟فقال:

« لا،إنّما هؤلاء قوم غصبوكم أو ظلموكم،و إنّما الصدقة لأهلها» (6).

و يخصّ الأوّلان بما مرّ،و يحمل الثالث لقصوره عن مقاومته على الاستحباب تارة كما عن الشيخ (7)،و على الإعطاء اختياراً اخرى،كما ذكره

ص:200


1- الكافي 3:4/543،التهذيب 4:99/39،الإستبصار 2:76/27،الوسائل 9:252 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 3.
2- التهذيب 4:100/40،الإستبصار 2:77/27،الوسائل 9:253 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 5.
3- الوسائل 9:251 أبواب المستحقين للزكاة ب 20.
4- المنتهى 1:500.
5- حكاه عنه ابن قدامة في المغني 2:587.
6- التهذيب 4:101/40،الإستبصار 2:78/27،الوسائل 9:253 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 6.
7- انظر الاستبصار 2:27.

جماعة من أصحابنا (1)،و فيهما بُعدٌ،سيّما الثاني جدّاً،لمكان التعليل بالظلم،فالعمل به أحوط.

الرابعة لو دفع إليه مالاً ليصرفه في المحاويج و كان منهم فلا يأخذ منه إلّا بإذنه

الرابعة: لو دفع إليه مالاً ليصرفه في المحاويج و كان منهم و بصفتهم فلا يأخذ منه إلّا بإذنه مطلقاً وجدت القرائن على المنع أم لا،إجماعاً في الأوّل،كما على الجواز في مقابله.

و على الأصح في الثاني،وفاقاً من الماتن هنا للمبسوط،و أحد قولي الحلّي (2)؛ لاستصحاب المنع،و للصحيح المضمر في الأشهر:عن رجل أعطاه رجل مالاً ليقسّمه في محاويج أو مساكين و هو محتاج،أ يأخذ منه لنفسه و لا يُعلمه؟قال:« لا يأخذ منه شيئاً حتّى يأذن له صاحبه» (3).

خلافاً له في الشرائع،و الفاضل في جملة من كتبه (4).و هو أظهر، وفاقاً لهم و لظاهر الكليني و صريح النهاية (5)،و القول الثاني للحلّي و المسالك و جماعة (6)،بل ادّعى في الدروس عليه الشهرة (7).

للمعتبرة،منها الصحيحان،في أحدهما:عن الرجل يعطى الدراهم يقسّمها و يضعها في مواضعها و هو ممّن يحلّ له الصدقة،قال:« لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره» قال:« و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن

ص:201


1- منهم صاحب الحدائق 18:260.
2- المبسوط 1:247،الحلي في السرائر 1:463.
3- التهذيب 6:1000/352،الإستبصار 3:176/54،الوسائل 17:277 أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 3.
4- الشرائع 2:12،الفاضل في المنتهى 2:1021،و التحرير 1:162.
5- الكليني في الكافي 3:555،النهاية:36.
6- الحلي في السرائر 2:223،المسالك 1:167؛ و أُنظر الكفاية:88،و الحدائق 18:238.
7- الدروس 3:171،قال:و في جواز أخذه لنفسه رواية صحيحة و عليها الأكثر.

يضعها في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه» (1)و نحوه الثاني (2).

و الموثق (3)كالصحيح بأبان المجمع على تصحيح رواياته،بل قال جماعة بوثاقته (4)،و لكن ليس فيه اشتراط عدم الأخذ زائداً على ما يعطي الغير،بل مطلق،و لكن الأوّلان مقيّدان به فيجب حمله عليهما،سيّما مع دعوى الإجماع من كلّ من جوّز الأخذ عليه في كلام جماعة من أصحابنا (5).

و هذه النصوص مع صحة أكثرها بل جميعها ظاهرة الدلالة بل صريحة معتضدة بالشهرة الظاهرة و المحكيّة،فلا يقاومها شيء مما مرّ من الأدلّة،فأوّلها يخصّص بها،و يطرح الصحيح في مقابلها،لقصوره سنداً و مقاومة لها جدّاً،أو يؤوّل بالكراهة،أو يحمل على صورة وجود القرائن المانعة عن الأخذ،كما ذكره جماعة (6).

و لا بأس بهما،سيّما الثاني؛ لما صرّحت به اولى الروايات بالمنع عن الأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه،بعد تصريحها أوّلاً بالجواز على الإطلاق،و راويها بعينه هو راوي تلك الصحيحة،و ذلك قرينة

ص:202


1- الكافي 3:3/555،التهذيب 4:296/104،الوسائل 9:288 أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 3.
2- الكافي 3:2/555،التهذيب 4:295/104،الوسائل 9:288 أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 2.
3- الكافي 3:1/555،الوسائل 17:277 أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 1.
4- منهم:العلّامة في المختلف:225،و الشيخ سليمان بن عبد اللّه الماحوزي في معراج أهل الكمال:20،و أُنظر مرآة العقول 16:100.
5- منهم:الشهيد في المسالك 1:167،و أُنظر مجمع الفائدة و البرهان 8:115.
6- منهم:المجلسي الأوّل كما حكاه عنه في ملاذ الأخيار 10:322،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 8:112،و صاحب الحدائق 18:240.

واضحة على اختصاص المنع فيها بما قيّدت المنع به هذه الرواية.

و هنا قولان آخران مفصِّلان تارة بالفرق بين قول الدافع:هو للفقراء مطلقاً،أو:أعطه لهم،مع عدم علم المالك بفقره،فالثاني،بشرط أن لا يتخصّص بزيادة في الكميّة أو الوصف.و قوله:أعطه لهم،مع علمه به، فالأوّل؛ لأنّ المالك لو أراد لخصّصه بالذكر.

و فيه نظر،فقد يمنع التخصيص ترفع المدفوع إليه مقابلته بالتصريح له بأخذه.

و أُخرى بالفرق بين قوله:أصرفه و ما في معناه،في الفقراء،فالثاني، و إليهم،فالأوّل.

و فيهما مع عدم وضوح مستندها نظر،سيّما في مقابلة إطلاق ما مر من النص المعتبر.

و لو أعطى عياله و أقاربه جاز بلا خلاف إذا كانوا بالصفة للأصل،و الصحيح:في رجل أعطاه رجل مالاً ليقسّمه في المساكين و له عيال محتاجون،أ يعطيهم من غير أن يستأمر صاحبه؟قال:« نعم» (1).

و ليس فيه التقييد بعدم التفاضل،و لا ريب فيه في نحو الزكاة الجائز فيها ذلك،و محتمل في غيره عملاً بالإطلاق،إلّا أن يكون العدم هو المتبادر،فيتعيّن.

و نحوه الكلام في الأخذ لنفسه إن جوّزناه،لولا الإجماع المتقدّم المحكي،و الخبران المقيّدان (2).

مع إمكان التأمّل في الإجماع بعدم صراحة كلام الحاكين له فيه،

ص:203


1- التهذيب 6:1001/352،الوسائل 17:277 أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 2.
2- المتقدمان في ص:3745.

و مخالفة جماعة،حيث جوّزوا المفاضلة على الإطلاق.

و في الخبرين بعدم الصراحة،و احتمال أن يراد بهما المماثلة في جواز الإعطاء لا المعطى،مع احتمال اختصاصهما بغير الزكاة الغير اللازم فيها المساواة بالإجماع،و يشهد له خلوّ الموثق المتقدّم (1)عن اشتراطه،مع اختصاص مورده بالزكاة.

و لكن الأحوط اشتراطه مطلقاً،سيّما في غير الزكاة،و سيّما للمحصورين،و أحوط منه الكفّ عن الأخذ مطلقاً.

و أمّا لو عيّن له المصارف دونه أو عيّن له شيئاً مخصوصاً لم يجز له أن يتجاوز عما عيّنه إجماعاً؛ للصحيح المتقدّم (2)في الأوّل،و شهادة الحال في الثاني.

الخامسة جوائز الظالم محرّمة

الخامسة: جوائز السلطان،بل مطلق الظالم محرّمة إن علمت حرمتها بعينها فإن قبضها حينئذٍ أعادها إلى المالك إن عرفه و أمكنه،و لا يجوز إلى غيره معه إلّا أن يأخذه الظالم قهراً.

و هل يضمن حينئذٍ؟قيل:نعم (3)؛ لعموم:« على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (4).

و ربما فصّل (5)بين القبض بعد العلم بكونها مضمونة،فالضمان، و بينه قبله،فالعدم،إن لم يقصّر في الإيصال إلى من يجوز الإيصال إليه؛

ص:204


1- في ص:3745.
2- في ص:3745.
3- انظر جامع المقاصد 4:44.
4- عوالي اللئلئ 1:106/224،و ج 2:10/345،سنن البيهقي 6:95،مستدرك الحاكم 2:47.
5- المسالك 1:168.

لأنّ اليد على الأوّل عادية و في الثاني أمانة.

و إن جهل المالك أو تعذّر الإيصال إليه و من في حكمه لم يجز ردّه إلى الظالم،بل يتصدّق بها عن المالك مع الضمان إن لم يقبله.

و إلّا يعلم حرمتها بعينها فهي حلال مطلقاً و إن علم أنّ في ماله مظالم،بلا خلاف فيه و في جواز المعاملة معه حينئذٍ؛ للأصل، و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (1)،و قد تقدّم ما يتعلّق منها بجواز المعاملة (2).

و نحوه أخبار أُخر معتبرة،كالصحيح:« مالك لا تدخل مع عليّ في شراء الطعام،إنّي أظنّك ضيّقاً» قال:قلت:نعم،فإن شئت و سعت عليّ، قال:« فاشتره» (3).

و في الصحاح في جوائز العمّال من الدراهم و نحوها أخذها؟قال:

« نعم» (4).

و في بعضها:« و حجّ بها» (5)و في آخر:« كُل منه و خُذ،فلك المهنا و عليه الوزر» (6)و في غيرهما:« لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه» (7).

ص:205


1- الوسائل 17:220 أبواب ما يكتسب به ب 53.
2- راجع ص:3738.
3- التهذيب 6:932/336،الوسائل 17:218 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 1.
4- الفقيه 3:450/108،التهذيب 6:942/338،الوسائل 17:213 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 2.
5- الفقيه 3:450/108،الوسائل 17:218 أبواب ما يكتسب به ب 51 ذيل حديث 2.
6- الفقيه 3:449/108،التهذيب 6:940/338،الوسائل 17:213 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 1.
7- الكافي 5:2/228،التهذيب 6:1094/375،الوسائل 17:219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 5.

و الأفضل التورّع عنها بلا خلاف إن لم يخبر المجيز بالإباحة؛ للشبهة الموجبة للكراهة.

و ظاهر الخبرين المرويين عن العيون و غيره،المتضمّن أحدهما لعدم قبل أبي الحسن موسى(عليه السّلام)جوائز الرشيد أوّلاً بعد أن أُهديت إليه (1).

و ثانيهما تعليل قبوله منه بقوله:« لولا أنّي أرى من أزوّجه بها من عزاب آل أبي طالب لئلاّ ينقطع نسله ما قبلتها» (2).

و ربما نافاهما ما دلّ على قبول الحسنين(عليهما السّلام)جوائز معاوية،كما في الصحيح (3)و غيره (4).

و يمكن الجمع بحمل القبول إمّا على الوجه الذي علّل به في أحدهما،أو على أنّ المراد منه الإرشاد إلى الإباحة و دفع توهّم الحرمة،أو على كونه بعد العلم بخلوصها عن الحرام،و لا ريب في انتفاء الكراهة حينئذٍ،و لا خلاف فيه،و لا في انتفائها بإخبار المجيز بذلك،أو إخراج الخمس،لكونه مطهّراً للمال المختلط بالحرام علماً فلأن يطهّر المختلط به ظنّاً أو احتمالاً أولى ثم أولى.

و في الموثق:عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟قال:« لا،إلّا أن لا يقدر،فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت(عليهم السّلام) » (5).

ص:206


1- عيون الأخبار 1:4/60،الوسائل 17:216 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 10.
2- عيون الأخبار 1:5/62،الوسائل 17:216 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 11.
3- قرب الإسناد:308/92،الوسائل 17:216 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 13.
4- الإحتجاج:62،الوسائل 17:217 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 14.
5- التهذيب 6:915/330،الوسائل 17:202 أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 3.

ثم إنّ ظاهر إطلاق النص و الفتوى يقتضي الحلّية مع عدم العلم بالحرمة مطلقاً،علم بأن للمجيز مالاً حلالاً أم لا بل اشتبه الحال،إلّا أنّ المستفاد من بعض الأخبار الاشتراط بالأوّل،كالمروي عن الاحتجاج للطبرسي و كتاب الغيبة للطوسي،و فيهما بعد أن سئل مولانا الصاحب(عليه السّلام) عن أكل مال من لا يتورّع المحارم:« إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه و أقبل برّه،و إلّا فلا» (1).

و فيه قصور عن المقاومة لما مرّ لوجوه،فليطرح،أو يؤوّل إلى ما يؤول إلى الأوّل.

السادسة الولاية عن العادل جائزة

السادسة: الولاية للقضاء و الحكم بين الناس و غيره عن السلطان العادل جائزة بلا خلاف؛ للأصل،و فقد المانع و ربما وجبت في بعض الصور،كأمره(عليه السّلام)له بذلك.

و عن الجائر محرّمة بلا خلاف كما مرّ إليه و إلى أدلّته من المعتبرة الإشارة في المعونة على المظالم (2) إلّا مع الخوف و التقيّة على النفس أو المال أو العرض،عليه أو على المؤمنين،كلّاً أو بعضاً،على وجه لا ينبغي تحمّله عادة بحسب حال المكره في الرفعة و الضعة بالنسبة إلى الإهانة،فيجوز حينئذٍ،بل ربما وجب،بلا خلاف؛ للأصل،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة التي كادت تبلغ التواتر،بل هي متواترة في إباحة التقيّة،بل وجوبها،ففي الصحيحين:

ص:207


1- الإحتجاج:271،الغيبة:249،الوسائل 17:217 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 15.
2- راجع ص:3721 3722.

« التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه تعالى له» كما في أحدهما (1).

و في الثاني:« التقيّة في كلّ ضرورة،و صاحبها أعلم بها حين تنزّل به» (2).

مضافاً إلى خصوص الصحيح:عن القيام للولاة،قال:فقال أبو جعفر(عليه السّلام):« التقيّة من ديني و دين آبائي،و لا إيمان لمن لا تقيّة له» (3).

و بالجملة:لا خلاف و لا إشكال في الجواز مع التقيّة،و الحرمة مع عدمها؛ لما مضى.

نعم لو تيقّن أو ظنّ التخلّص من المآثم،و التمكّن من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر جازت و لو اختياراً،إجماعاً،بل قال جماعة: استحبّت لما فيه من الإعانة على البرّ و التقوى (4).

بل قيل:وجبت لو تمكّن من الأمرين؛ لوجوبهما (5).

و ردّ بتوقّف ذلك على كون وجوبهما مطلقاً غير مشروط بالقدرة، فيجب عليه تحصيلها من باب المقدّمة،و ليس بثابت (6).

ص:208


1- الكافي 2:/220 18،المحاسن:/259 308،الوسائل 16:214 أبواب الأمر بالمعروف و ما يناسبه ب 25 ح 2.
2- الكافي 2:/219 13،الوسائل 16:214 أبواب الأمر بالمعروف و ما يناسبه ب 25 ح 1.
3- الكافي 2:/219 12،الوسائل 16:204 أبواب الأمر و النهي ب 24 ح 4.
4- منهم:الشيخ في النهاية:356،و العلّامة في نهاية الإحكام 2:525.
5- انظر المسالك 1:168 و الحدائق 18:126.
6- كفاية الأحكام:88.

و فيه نظر؛ إذ يكفي في الثبوت إطلاق الأدلّة،و القدرة الذاتية المشروطة بها التكاليف حاصلة و إن كانت للتأثير غير صالحة،للتقيّة،و بعد ارتفاعها فالقدرة باقية و موانعها منتفية؛ مضافاً إلى صدق القدرة عليهما لمن انتفت في حقّه التقيّة.

و بالجملة:القدرة التي هي شرط التكليف بهما بل مطلق التكاليف هي القدرة الذاتيّة،و هي هنا حاصلة،و إنّما غاية التقيّة كونها من الموانع التي ليست التكاليف مشروطة بانتفائها،بل هي بالنظر إليها مطلقة يجب مهما أمكن التوصّل إلى الواجب بدفعها،و غاية الأمر مع عدم إمكان الدفع عدم المؤاخذة،و هو غير ملازم لاشتراط التكاليف بانتفائها،أ لا ترى إلى من اشتغلت ذمّته بحقوق الناس الغير المتمكّن للموانع من دفعها إليهم هل يوجب ذلك سقوطها عن ذمّته،أو يجب عليه دفعها و إيصال الحقوق إلى أربابها؟و لا ريب و لا خلاف في بطلان الأوّل،فتعيّن الثاني،و ما نحن فيه من قبيله،فتأمّل.

و لو اكره على الولاية و تنفيذ الأحكام و الأوامر و لا يكون للمكرَه مع ذلك التيقّن بالتخلّص و التمكّن أجاب إلى الإطاعة وجوباً دفعاً للضرر،و يجب عليه أن ينفذ أمره و نهيه و جميع ما يحكم به و لو كان محرّماً إجماعاً،فتوًى و نصّاً،متحرّياً الأسهل فالأسهل،و متدرّجاً من الأدنى إلى الأعلى،فلو أمكن تنفيذ الأمر بالأوّل وجب عليه الاكتفاء به،و هكذا،كمراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؛ اقتصاراً في فعل المحرّم على أقلّ ما تندفع به الضرورة الموجبة لفعله.

و لو انحصر في الأعلى وجب إلّا في قتل المسلم المحقون الدم،

ص:209

فلا يجوز إذا بلغه،إجماعاً؛ و للصحيح:« إنّما جعلت التقيّة لتحقن بها الدماء،فإذا بلغ الدم فلا تقيّة» (1)و نحوه الموثق (2).

و ظاهر الإطلاق يشمل الجراح أيضاً،كما عن الشيخ (3)،إلّا أنّ لزوم الاقتصار في الخروج عن العمومات المجوّزة لفعل المحرّمات بالتقيّة على المتيقّن المتبادر من الإطلاق و هو القتل فإنّه الفرد الأكمل،يقتضي المصير إلى جواز الجرح الذي لم يبلغ حدّه،و لذا اقتصر في الاستثناء عليه جماعة (4)،كما في العبارة،و لعلّه الأشهر.

و ينبغي القطع بالجواز إذا كان الخوف على النفس بتركه،و يحتاط بتركه في غيره.

و هل المسلم يشمل المخالف،أم يخصّ المؤمن؟إشكال.

و الاحتياط يقتضي المصير إلى الأوّل إذا كان الخوف بترك القتل على نحو المال،و سيّما القليل منه خاصّة،و أمّا إذا كان على النفس المؤمنة فإشكال،و لا يبعد المصير حينئذٍ إلى الثاني،فليس شيء يوازي دم المؤمن،كما يستفاد من النصوص المعتبرة (5).

ص:210


1- الكافي 2:/220 16،الوسائل 16:234 أبواب الأمر بالمعروف و ما يناسبه ب 31 ح 1.
2- التهذيب 6:/172 335،الوسائل 16:234 أبواب الأمر بالمعروف و ما يناسبه ب 31 ح 2.
3- حكاه عنه في المسالك 1:168.
4- منهم:العلّامة في نهاية الأحكام 2:525،و التذكرة 1:583،و الشهيد في الروضة 2:420.
5- انظر الوسائل 17:298 أبواب ما يكتسب به ب 95 ح 2.

الفصل الثاني في البيع و آدابه

اشارة

الفصل الثاني:

في البيع و آدابه

البيع

أمّا البيع:فهو الإيجاب و القبول اللذان ينتقل بهما العين المملوكة من مالك إلى غيره بعوض مقدّر.

تعريف البيع بالإيجابين كما هنا،أو اللفظ المطلق،كما في الشرائع و غيره (1)هو الأشهر،قيل:لأنّه المتبادر (2).و فيه نظر.

خلافاً للطوسي و الحلّي،فعرّفاه بمسبَّبهما الذي هو الانتقال (3).

و هما جنس يشمل العقود،و باقي القيود خاصّة مركّبة يخرج بها من العقود ما لا نقل فيه كالوديعة و المضاربة و الوكالة،و ما تضمّن نقل الملك بغير عوض كالهبة و الوصية بالمال،أو المنفعة خاصّة كالإجارة.

و قوله:من مالك،يتعلّق ب« ينتقل» فيعمّ ما كان ملكاً للعاقد و غيره، فيدخل فيه بيع الوكيل و الوليّ.

و به يندفع الاعتراض عن التعريف بعدم العموم فيه للثاني مع دخوله فيه بالإجماع.

و خرج بالعرض المقدّر الهبة المشروط فيها مطلق الثواب.

و حيث لم يعتبر التراضي و أطلق الإيجابين دخل فيه بيع المكرَه حيث يقع صحيحاً،و بيع الأخرس و شراؤه بالإشارة،فإنّه يصدق به الإيجاب و القبول.

ص:211


1- الشرائع 2:13؛ و أُنظر الروضة 3:221.
2- الروضة 3:221.
3- الطوسي في المبسوط 2:76،الحلّي في السرائر 2:240.

و بقي فيه دخول الهبة المشروط فيها عوض معيّن،و الصلح المشتمل على نقل الملك بعوض معلوم،فإنّه ليس بيعاً عند المصنف و سائر المتأخّرين،فاختلّ التعريف منه كاختلاله منه في غير الكتاب،و من غيره، و الأمر فيه سهل بعد وضوح المطلب.

و حيث كان البيع عبارة عن الإيجاب و القبول المذكورين فلا يكفي في اللزوم المعاطاة،و هي إعطاء كلّ واحد من المتبايعين من المال عوضاً عمّا يأخذه من الآخر باتّفاقهما على ذلك بغير العقد المخصوص،سواء في ذلك الجليل و الحقير،على المشهور،بل كان أن يكون إجماعاً،كما في الروضة و المسالك في موضعين (1)،بل ظاهر الأخير تحقّقه و انعقاده، و ادّعاه صريحاً في الغنية (2)؛ و هو الحجة بعد الأُصول القطعيّة من عدم الانتقال و ترتّب أحكام البيع من اللزوم و غيره.

مضافاً إلى ما استدلّ به في الغنية،قال:و لما ذكرناه نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عن بيع الملامسة و المنابذة و عن بيع الحصاة على التأويل الآخر،و معنى ذلك أن يجعل اللمس للشيء أو النبذ له أو إلقاء الحصاة بيعاً موجباً (3).انتهى،فتأمّل.

و لم نقف لهم على مخالف لا من الأصحاب عدا ما ربّما يتوهّم من كلام المفيد (4)من الاكتفاء بمجرد التراضي و التقابض و لو خلاء عن اللفظ

ص:212


1- الروضة 3:222،المسالك 1:169،170.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):586.
3- ورد مؤدّاه في معاني الأخبار:80،و عنه في الوسائل 17:358 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ح 13.
4- انظر المقنعة:591.

طرّاً،كما ذكره في المختلف (1)،و صرّح فيه بأنّه ليس بصريح فيه و لا ظاهر،بل يتوهّم،فكيف يتّخذ مثله مخالفاً صريحاً أو ظاهراً.

و لا من إطلاق الكتاب و السنّة؛ فإنّ ما دلّ منهما على الانتقال و اللزوم مختص بالعقود،و ليس مجرّد التراضي مع التقابض منها قطعاً،لغةً و عرفاً، مع أنّه يكفي الشك في الدخول فهيأ جزماً.

و كذلك ما دلّ منهما على حِلّ البيع؛ لاحتمال منع تسمية مثل ذلك بيعاً حقيقة،كما في الغنية مدّعياً عليه الإجماع (2)،و هو ظاهر جماعة (3)، و غاية العرف استعماله فيه،و هو أعمّ منها جدّاً.

و على تقديرها كما حكاه المحقق الشيخ علي-(رحمه اللّه) في شرح القواعد عن كافّة الأصحاب،حيث ادّعى أنّ المعاطاة عندهم بيع حقيقة، مفيد للملكية،و إنّما غايتهم أنّها ليست بلازمة (4)فغاية الدليل حينئذٍ ثبوت الحلّية،و هو غير اللزوم الذي هو مفروض المسألة.

و أمّا الوجوه الأُخر التي ذكرها بعض الأجلّة (5)انتصاراً لمتوهّم كلام المفيد-(رحمه اللّه) فلم أفهم منها دلالة بل و لا إشارة،و إنّما غايتها كباقي الأدلّة ثبوت الإباحة في التصرف،فلا كلام فيها،كما هو المشهور بين الطائفة،بل كافّتهم؛ لرجوع القائل بعدمها و حرمة التصرّف في المعاطاة (6)عنه إلى

ص:213


1- المختلف:348.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):586.
3- منهم:الشهيد في الروضة 3:222،و المسالك 1:169.
4- جامع المقاصد 4:58.
5- انظر مجمع الفائدة و البرهان 8:139.
6- و هو العلّامة في نهاية الأحكام 2:449.

الإباحة،كما حكاه جماعة (1)،و هي غير مفروض المسألة،بل يستفاد من كثير من المعتبرة عدم الاكتفاء بمجرّد القصد و الإشارة،و أنّه لا بدّ من لفظ البتّة،كما ذهب إليه بعض من لا يعتدّ به من الأجلّة (2).

ففي الصحيح و غيره من المعتبرة أنّه إنّما يحرّم و يحلّل الكلام (3).

و هي و إن اقتضت حرمة التصرف إلّا أنّها محمولة على اللزوم و على ما بعد الرجوع (4)؛ جمعاً بينه و بين ما دلّ على الإباحة بالتراضي من الإجماع في الغنية و شرح القواعد (5)،مع عدم الخلاف فيه بين الطائفة،لما عرفت من رجوع القائل بالحرمة كما حكاه جماعة.

نعم هي ليست دالّة على اشتراط كونه الألفاظ المخصوصة المشهورة بكيفياتها،المعهودة المشترطة،إلّا أنّه ليس فيها الدلالة على الاكتفاء بذلك من دونها أيضاً،و إنّما غايتها في الاكتفاء به و عدمه أنّها مجملة لا يمكن الاستناد إليها نفياً و لا إثباتاً في الكيفيات المزبورة.

و ممّا حقّقناه من الأصل و غيره يظهر وجوب الإتيان بكلّ ما اختلف

ص:214


1- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:58،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:140،و صاحب الحدائق 18:356.
2- حكاه في المسالك 1:169 عن بعض مشايخه المعاصرين.
3- الكافي 5:/201 6،التهذيب 7:/50 216،الوسائل 18:50 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 4.
4- بيان الحمل هو أنه قد ذكر في الحديث لفظ:يحلّل و يحرّم،فيمكن أن يريد الإمام(عليه السّلام)حصر التحليل في الكلام على وجه اللزوم،أي:لا يحلّل البيع على وجه اللزوم إلّا الكلام و حصر التحريم في الكلام على ما بعد الرجوع،أي لا يحرّم إرجاع المبتاع على صاحبه إلّا إجراء الكلام في البيع،فإنّه إذا أُجري الكلام في البيع يحرم رجوع كل منهما على الآخر.(منه(رحمه اللّه)).
5- الغنية(الجوامع الفقهية):586،جامع المقاصد 4:58.

في اعتباره هنا بل العقود مطلقاً،كالعربيّة و الماضوية و تقديم الإيجاب على القبول و غير ذلك،وفاقاً لجماعة (1).

خلافاً لآخرين (2)،فاكتفوا بمجرّد الإيجابين،إمّا مطلقاً،أو مع اعتبار بعض ما مرّ لا كلّاً،التفاتاً إلى أنّه عقد فيشمله عموم ما دلّ على لزوم الوفاء به،كقوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [1] (3).و فيه نظر؛ إذ بعد تسليم كون مثل ذلك عقداً يحصل الشك في دخوله في الآية جدّاً و إن كانت للعموم لغة،بناءً على عدم إمكان حملها عليه،من حيث خروج أكثر العقود منها على هذا التقدير إجماعاً،فليس مثله حجّة،فيكون الإجماع حينئذٍ قرينة على كون المراد بالعقود المأمور بالوفاء بها كلّاً ما تداول في زمان الخطاب لا مطلقاً،و دخول المفروض فيه غير معلوم جدّاً و لم يصل إلينا ما يدلّ عليه أصلاً.

فالواجب حينئذٍ الرجوع إلى ما قدّمناه من الأصل قطعاً،هذا.

و قد حكي الإجماع عن التذكرة على عدم الوقوع بالمضارع و الاستفهام (4)،و عن الخلاف على اعتبار الترتيب (5)،إلّا أنّ في منع العموم نظراً،و وجهه سيظهر.

فإذاً الجواز فيما عدا ما مرّ من محلّ الإجماع أظهر،و أمّا فيه فالاشتراط أقرب،لحجّية الإجماع المحكي،سيّما مع اعتضاده بعمل

ص:215


1- منهم:المحقق الثاني في رسائله 1:177،و جامع المقاصد 4:59،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:24،و أُنظر المختلف:348.
2- كالمحقق في الشرائع 2:13،و الشهيد الثاني في الروضة 3:225،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:145،و السبزواري في الكفاية:88.
3- المائدة:1.
4- التذكرة 1:462.
5- حكاه عن الخلاف في المسالك 1:171.

الأكثر،و تأيّد الأوّل منه بعدم صدق العقد حقيقة إلّا بعد صراحة اللفظ الدال عليه،و هو منحصر في الماضي،لتداول العادة بإجراء العقد به،المستلزم لصراحته فيه،و ليس كذلك غيره،فتدبّر.

شروط البيع
اشارة

و له أي البيع و انعقاد شروط:

الأوّل يشترط في المتعاقدين كمال العقل و الاختيار و أن يكون لبائع مالكا

الأوّل: يشترط في المتعاقدين كمال العقل و البلوغ،و الرشد و الاختيار و القصد.

فلا يجوز بيع المجنون و لو أدواريّاً إذا كان حال جنونه،و لا المغمى عليه و لا السكران،و لا الصبي،و لا السفيه،و لا المكرَه بغير حق، و لا الغافل،و لا النائم،و لا الهازل؛ بلا خلاف أجده إلّا في الصبي خاصّة، فعن الشيخ الجواز إذا بلغ عشراً (1).

و لم أقف على مستنده سوى القياس بجواز وصيّته و عتقه و طلاقه.

و فيه:منع القياس أوّلاً،ثم المقيس عليه ثانياً إلّا ما قام الدليل المعتدّ به عليه،و بكونه مع الفارق ثالثاً،لتضمّن الفرض تكاليف ليس محلّها دون الأُمور المزبورة،مع معارضته بالأُصول السليمة عمّا يصلح للمعارضة، حتّى العمومات الآمرة بالوفاء بالعقود من الكتاب و السنّة،فإنّه ليس محلّها إن أُريد صرفها إليه.

و إن أُريد صرفها إلى المعاملين معه إذا كان مع الشرائط فكذلك،إمّا لما عرفت من عدم بقائها على عمومها،و اختصاصها بالعقود المتداولة زمان النزول،و دخول مثله فيها غير معلوم فيدفع بالأصل.

ص:216


1- حكاه عنه في المفاتيح 3:46،و قال في المبسوط 2:163:و لا يصحّ بيع الصبي و شراؤه أذن له الولي أو لم يأذن،و روى أنّه إذا بلغ عشر سنين و كان رشيداً كان جائزاً.

أو لاستلزام الدخول حيث يعقد الصبي على ماله في أوائل المدّة المرخّصة لبيعه عنده من دون الولي إمّا جواز التصرّف في مال اليتيم المتّفق على المنع عنه نصّاً و فتوى،فتأمّل،أو الضرر الكثير إن أُمر بالصبر إلى أوان بلوغه و إجازته،مع أنّه قد لا يجيز،هذا.مع أنّ الشيخ لا يقول بالأمر بالصبر،بل يحكم باللزوم حين صدور العقد (1).و فيه ما مرّ.

و إذا ثبت المنع في هذه الصورة ثبت المنع بعدم القائل بالفرق في باقي الصور،و إن زعم الجواز فيها بل مطلقاً بعض من شذّ ممّن تأخّر (2)هذا.

مضافاً إلى استفاضة النصوص الصريحة بالمنع عن بيعه و شرائه و أمره إلى أوان بلوغه.

ففي الخبر:« إنّ الجارية إذا تزوّجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم،و دفع إليها مالها و جاز أمرها في البيع و الشراء،و أُقيمت عليها الحدود التامّة،و أخذ لها بها،و الغلام لا يجوز أمره في البيع و الشراء، و لا خرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة» (3)الخبر.

و أخصيّتها من المدّعى مدفوعة بعدم القائل بالفرق بين أصحابنا.هذا إن تمّ دعوى اختصاصها بماله بناءً على المتبادر،و إلّا فهي عامّة أو مطلقة.

نعم،الأظهر جوازه فيما كان فيه بمنزلة الآلة لمن له الأهليّة؛ لتداوله في الأعصار و الأمصار السابقة و اللاحقة من غير نكير بحيث يعدّ مثله إجماعاً من المسلمين كافّة.

ص:217


1- انظر المبسوط 2:83.
2- انظر مجمع الفائدة و البرهان 8:151،153.
3- الكافي 7:/197 1،الوسائل 18:410 أبواب أحكام الحجر ب 2 ح 1.

لكن ينبغي تخصيصه بما هو المعتاد في أمثال هذه الأزمنة،فإنّه الذي يمكن فيه دعوى اتّفاق الأُمّة.

و مقتضى الأُصول اطّراد الحكم و إطلاقه فيه و في الباقي دون السفيه في جميع الصور،كان العقد لهم أو لغيرهم،أذن لهم الوليّ أم لم يأذن، أجازوا بعد الإكمال أم لا؛ لمخالفة الفضولي للأصل،و اختصاص الفتوى و النصّ الدالّ على جوازه إن قلنا به بغير محلّ الفرض.

إلّا أنّ ظاهرهم الاتّفاق في المكرَه خاصّة على الصحّة بعد الإجازة، معلّلين بأنّه بالغ رشيد قاصد إلى اللفظ دون مدلوله،و إنّما منع عدم الرضا، فإذا زال أثّر العقد،كعقد الفضولي حيث انتفى القصد إليه من مالكه مع تحقق القصد إلى اللفظ في الجملة،فلمّا لحقته إجازة المالك أثّرت.

و لا يعتبر مقارنته للعقد؛ للأصل.بخلاف العقد المسلوب الأصل كعبارة الصبي،فلا تجبره إجازة الولي و لا رضاه بعد بلوغه.

و في الأصل مع الفرق نظر يظهر وجهه في الأوّل ممّا مرّ،و في الثاني من اشتراك العقدين في المانع و المقتضي،فإنّ المانع و هو عدم اعتبار العقد بنفسه و إن اختلف وجهه مشترك كالمقتضي من عموم لزوم الوفاء بالعقد بعد الرضا،فإنّه إن عمّم بحيث يشمل العقد الغير المعتبر شمل عقد الصبي أيضاً،و إن خصّ بالمعتبر منه في نظر الشارع لم يشمل عقد المكرَه أيضاً.

و دعوى تأثير إجازته بعد زوال المانع مع معارضته بالمثل غير معقولة،و أدلّة الفضولي إن سلّمناها لمثله غير شاملة كما مرّت إليه الإشارة، و أصالة عدم اعتبار مقارنة القصد و النيّة للعقد ممنوعة معارضة بأصالة بقاء عدم الصحّة قبل الإجازة،مضافاً إلى الأُصول المتقدّمة.

و بالجملة:لا أظنّ استقامة ذلك في التفرقة،فإن كان عليها إجماع،

ص:218

و إلّا فالمسألة محلّ مناقشة،هذا.

مع أنّ الهازل و العابث قد اتّفقوا على المنع فيهما دونه،مع جريان وجه الفرق المتقدّم بين المكرَه و الصبي هنا إن تمّ بالضرورة.

و يمكن الجواب عن الوجهين،فالأوّل و هو الأصل-:باندفاعه بعموم الأمر بالوفاء بالعقد.و القدح فيه بخروج الأكثر بالإجماع فيقيّد لأجله بالمتداول زمان الخطاب كما مرّ،مع عدم معلوميّة كون ما نحن فيه منه محلّ نظر؛ لاستلزامه إجماله و عدم إمكان التمسّك به في شيء ممّا عدا محلّ الوفاق،و هو مخالف لسيرة العلماء و طريقتهم المسلوكة بينهم، بلا خلاف يظهر بينهم في ذلك أصلاً من جهة استنادهم إليه في محلّ النزاع و الوفاق.

فالتحقيق أنّ الجمع بين الإجماعين يقتضي المصير إلى جعل الألف و اللام في« العقود» للعهد و الإشارة إلى جنس العقود المتداولة في ذلك الزمان،المعهودة و المضبوطة الآن في كتب فقهائنا،كالبيع و الإجازة و نحو ذلك،لا خصوص أشخاص كلّ عقد متداول فيه مع كيفياتها المخصوصة و المتداولة فيه،فما عرفت من المحذور.

و حينئذٍ نقول:لا ريب في دخول هذا العقد في جنس تلك العقود و كونه فرداً من أفراده و إن جهل اشتراكه معها في الخصوصيات،و ذلك كما عرفت لا يوجب القدح في دخوله في العموم،بل هو شامل له فيجب الوفاء به بمقتضاه،لكن لمّا كان الإكراه مانعاً لم يحكم به،فإذا زال وجب الحكم،للعموم.

و الثاني:بالإجماع على أنّ المراد بالعقود المأمور بالوفاء بها هو العبائر المعتبرة شرعاً،الصادرة عمّن يكون لها أهلاً خاصّة دون غيرها

ص:219

جدّاً،و أنّ عقود الصبي و عبائره غير معتبرة بل وجودها كعدمها،فالمانع عن دخول عقده فيه و هو سلب العبرة عنه لازم لذاته غير منفكّ عنه مطلقاً، فلا يتصوّر فيه زوال المانع أبداً،بخلاف المكرَه،فإنّ المانع عن دخول عقده فيه أمر خارج عن ذات العقد و حقيقته،ممكن الزوال،فإذا زال دخل في العموم.

و غاية ما يتصوّر للمنع حينئذٍ عدم مقارنة القصد للعقد.و هو مدفوع بأصالة عدم اشتراطه.

و المعارضة بأصالة عدم الصحّة حسن لولا العموم المقتضي لها،فإنّه لا اختصاص له بصورة دون صورة،و بحالة دون اخرى،بل شامل لجميع الصور حتّى زمان الإكراه،إلّا أنّه لمّا أجمع على كونه مانعاً حصل المنع به، فإذا زال أثّر العموم في حكمه.

و يشترط أن يكون كل من البائع و المشتري مالكاً للعوضين إجماعاً؛ للنصوص المستفيضة،و فيها الصحاح و الموثّقات و غيرها من المعتبرة التي كادت تكون هي مع سابقتها متواترة،و سيأتي إلى ذكر بعض منها الإشارة في تضاعيف المباحث الآتية.

أو وليّاً لهما مع صغرهما أو جنونهما الأصلي أو الطاري قبل البلوغ كالأب و الجدّ له و إن علا،دون الاُمّ و أبيها على الأشهر الأقوى.

و الحاكم الشرعي و أمينه المنصوب من قبله لذلك أو مطلقاً، و لكن ولايتهما بعد فقد الأبوين و الوصي لهما،كما أنّ ولاية الوصي لأحدهما بعد فقد الآخر قطعاً.

أو وكيلاً عن المالك،أو من له الولاية حيث يجوز له التوكيل.

و لا خلاف في ثبوت الولاية لهؤلاء،بل الظاهر الإجماع عليه؛ و هو الحجّة،كالمعتبرة التي يأتي إلى ذكرها في كتاب الحجر الإشارة.فلا إشكال

ص:220

فيه،و لا في ثبوتها للعدول من المؤمنين مع فقدهم حسبةً،على الأظهر الأشهر بين الطائفة،فإنّه إحسان محض و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [1] (1)مع دعاء الضرورة إليها في بعض الأحيان.

و في الخبر:عن رجل مات و له بنون صغار و كبار من غير وصيّة،و له خدم و مماليك و عقار،كيف يصنعون الورثة بقسمة ذلك الميراث؟قال:

« إن قام رجل ثقة فقسّمه و قاسمهم ذلك كلّه فلا بأس» (2).

و قريب منه كثير من النصوص المعتبرة (3).

فخلاف الحلّي (4)كما حكي شاذّ لا يلتفت إليه.

و اعلم أنّ الشرائط المتقدّمة عدا الملكية و عدم الكراهة شرط الصحة،بلا خلاف فيه،و في كون الملكية شرط اللزوم،بل في المختلف و كلام جماعة الإجماع عليه (5).

فلو باع الفضولي ملك الغير من دون إذنه مطلقاً لم يلزم إجماعاً، بل لم يصحّ إذا كان البيع لنفسه لا للمالك،فيمشي إلى المالك فيشتريه منه،كما صرّح به جماعة،كالفاضلين:العلّامة في جملة من كتبه كالمختلف و التذكرة،مدّعياً فيها عدم الخلاف فيه بين الطائفة (6)،و المقداد في شرح الكتاب (7)و غيرهما (8)،منزلين الأخبار المانعة

ص:221


1- التوبة:91.
2- الفقيه 4:/161 563،التهذيب 9:/392 1400،الوسائل 26:70 أبواب موجبات الإرث ب 4 ح 1.
3- الوسائل 19:421 أبواب أحكام الوصايا ب 88.
4- انظر السرائر 2:212.
5- المختلف:348؛ و أُنظر الحدائق 18:377.
6- المختلف:348،التذكرة 1:486.
7- التنقيح الرائع 2:26.
8- انظر الخلاف 3:168.

عن بيع ما لا يملك و الناهية عن شراء المغصوب و السرقة كما في المعتبرة المستفيضة (1)على ذلك،فلا ينبغي الاستشكال فيه و إن شمله عموم بعض أدلّة صحّة الفضولي و فتاويه.

و إذا لم يكن البيع كذلك ف في صحّته حينئذٍ قولان، أشبههما و أشهرهما بين المتأخّرين،بل مطلقاً،كما في الروضة و كلام جماعة (2)،بل قيل:كاد أن يكون إجماعاً (3)الصحة و وقوفه على الإجازة من المالك،فإن حَصَلت،و إلّا انفسخت المعاملة؛ لأنّه عقد صدر من أهله من حيث استجماعه لشرائط صحّته عدا الملكية،و كان في محلّه، لكون المبيع ممّا يجوز بيعه في حدّ ذاته فيكون صحيحاً،و بالإجازة يصير لازماً،لعموم الأمر بالوفاء بالعقد،لما تقدّم تحقيقه في صحّة عقد المكره و لزومه بعد الإجازة قريباً.

و اشتراط المباشرة للعقد هنا من المالك مدفوع بما دفعنا به اشتراط مقارنة القصد للعقد ثمّة،مع ثبوت عدم الاشتراط هنا في الجملة،كيف لا و صحّة المعاملة غير منحصرة في صدرها عن المالك خاصّة،لما عرفت من ثبوت الولاية للأشخاص الستّة بل السبعة.و ما أشبه بالمسألة ثبوت الولاية بالوكالة؟!فإنّ المأمور بالوفاء بالمعاملة فيها إنّما هو الموكّل خاصّة دون الوكيل بالضرورة،و ليس ذلك إلّا من حيث رضاه بها و وقوع العقد في ملكه،و لا فرق في ذلك بين تقدّمه عليها أو تأخّره عنها بالبديهة،فيكون المراد من الآية حينئذٍ وجوب الوفاء بالمعاملة على من وقعت على ملكه مع

ص:222


1- الوسائل 17:333 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1.
2- الروضة 3:229؛ مجمع الفائدة و البرهان 8:157،كفاية الأحكام:89.
3- الحدائق 18:377.

رضاه بها مطلقا،كان هو مباشراً للعقد أم لا،و القرينة عليه الإجماع الذي مضى،فتكون عامّة شاملة لمفروض المسألة.

و دعوى اشتراط المباشرة في خصوصها تقييد لها من غير دلالة،فلم تكن مسموعة،هذا.

مضافاً إلى فحوى ثبوت الفضولي في النكاح مطلقاً بالإجماعات المحكية (1)،و المعتبرة المستفيضة (2)،بل المتواترة،فإنّ ثبوته فيه مع بناء الأمر فيه على الاحتياط التامّ،كما يستفاد من النصوص و إجماع العلماء الأعلام مستلزم لثبوته هنا بطريق أولى؛ لأضعفيّته عنه جدّاً.

و لعمري إنّها من أقوى الأدلّة هنا،و لولاه لأشكل المصير إلى هذا القول؛ لحكاية الإجماعين الآتية.

و بمثل هذه الفحوى استدلّ جماعة من أصحابنا في مقامات عديدة، منها:عدم اشتراط تقديم الإيجاب على القبول في الصيغة بناءً على ثبوته ثمّة،المستلزم لثبوته هنا بالأولويّة المتقدّمة،و ارتضاه المشترطون للتقديم أيضاً،إلّا أنّهم أجابوا بإبداء الفرق المختصّ به من احتمال منع حياء المرأة غالباً عن اشتراطه فيه،و لا مانع عنه هنا بالمرة،و هو اعتراف منهم بثبوت الأولوية لولا الفارق المتقدّم إليه الإشارة.

مضافاً إلى خبر البارقي العامّي (3)المشهور،المجبور ضعفه كقصور

ص:223


1- المسائل الناصرية(الجوامع الفقهية):247،و أُنظر السرائر 2:565،و كشف اللثام 2:22.
2- الوسائل 20:292 أبواب عقد النكاح ب 12،13.و ج 21:114 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 24 إلى 27.
3- مسند أحمد 4:376،و هو في ثاقب المناقب:112،المستدرك 13:245 أبواب عقد البيع و شروطه ب 18 ح 1.

دلالته لو كان بالشهرة العظيمة،و الأُصول المسلّمة الدافعة للاحتمالات التي يناقش بها في الدلالة،هذا.

و في الموثق كالصحيح على الصحيح،بل روي بطريق آخر صحيح:

« قضى عليّ(عليه السّلام)في وليدة باعها ابن سيّدها و أبوه غائب،فاشتراها رجل فولدت منه غلاماً،ثمّ قدم سيّدها الأوّل فخاصم سيّدها الأخير فقال:هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني،فقال:خذ وليدتك و ابنها،فناشده المشتري، فقال:خذ ابنه يعني ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك البيع،فلمّا أخذه البيّع قال أبوه:أرسل ابني،قال:لا و اللّه لا أُرسل ابنك حتّى ترسل ابني،فلما رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع ابنه» (1).

و هو ظاهر الدلالة على المراد،خالٍ عن وصمة الشبهة و الإيراد،إلّا ما يتراءى في بادئ النظر من الإشكال فيه من حيث ظهوره في ردّ الأب بيع الابن أوّلاً،و القائل بالفضولي يقول بصحّته مع عدمه.

و يمكن دفعه بعدم ظهور ما يوجب الظهور فيه،و إنّما غايته الظهور في عدم الرضا بالإقباض و استرداد الجارية و ابنها،و هو غير صريح بل و لا ظاهر فيه،لاحتمال كونه للتردّد الغير الملازم له،فتأمّل.

و القول الثاني و هو فساد الفضولي للطوسي-(رحمه اللّه) في الخلاف و المبسوط،و الحلّي و ابن زهرة (2)مدّعياً هو كالأول الإجماع عليه، مستندين به،ثم بالأصل،و أخبار عاميّة هي ما بين ناهية عن بيع ما ليس

ص:224


1- الكافي 5:/211 12،التهذيب 7:/488 1960،الإستبصار 3:/205 739،الوسائل 21:203 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 1؛ بتفاوت.
2- الخلاف 3:168،المبسوط 2:381،الحلّي في السرائر 2:274،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):585.

عنده (1)،و نافية للبيع عمّا لا يملك (2)،و زاد الأوّل بأنّه تصرّف في ملك الغير.

و في الجميع نظر؛ لاندفاع الأصل بما مرّ،كاندفاع الإجماع به،لكونه أكثر و أقوى و أظهر،مع تطرّق الوهن العظيم إليه بعدم وجود قائل به عداهما و الحلّي،مع تصريح الأوّل بكون الصحة مذهب قوم من أصحابنا (3)،و حكي عن عظماء القدماء كالمفيد و ابن الجنيد و ابن حمزة (4)، و هو اختياره في النهاية (5).

و بالجملة:كيف يقبل دعوى الإجماع فيه محلٍّ لم يظهر القائل بمضمونه عدا مدّعيه (6)،فينبغي طرحه أو تأويله إن أمكن.

و الأخبار مع ضعفها،و معارضتها بأقوى منها سنداً و دلالة غير واضحة الدلالة.

أمّا الثاني:فباحتمال أن يراد ب« ما لا يملك» ما لا يصح تملّكه كالحرّ و نحوه،لعدم جواز بيعه كما يأتي،أو رجوع النفي إلى اللزوم،فيكون المراد لا لزوم بيع إلّا فيما يملك.و مع الاحتمالين لا يتمّ الاستدلال في البين.

و أمّا الأوّل:فلاحتماله المنع عن بيع غير المقدور على تسليمه،كبيع

ص:225


1- انظر سنن الترمذي 2:350،/351 1250،1251،1252.
2- عوالي اللآلي 2:/247 16،المستدرك 13:230 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1 ح 3.
3- الخلاف 3:168.
4- حكاه عنهم في المختلف:348،و أُنظر المقنعة:606،و الوسيلة:249.
5- النهاية:385.
6- في« ح» زيادة:و بعض من تأخّر عنه.

الطير في الهواء و نحوه،و لعلّه الظاهر.و ليس المقام منه؛ لإمكان القدرة على تسليمه بإجازة صاحبه،مع احتماله كالثاني ما قدّمناه عن الفاضلين (1)،مع معارضته بكثير من النصوص المعتبرة المجوّزة لبيع ما ليس عنده،المعربة عن كون المنع عنه مذهب العامّة.

ففي الصحيح:عمّ باع ما ليس عنده:« قال:لا بأس» قلت:إنّ من عندنا يفسده،قال:« و لم؟» قلت:باع ما ليس عنده،قال:« ما يقول في السلف قد باع صاحبه ما ليس عنده» (2)الخبر.

نعم في الصحيح:في امرأة باعت أرضاً ليست لها،أ تعطى المال أم تمنع؟قال:« ليمنعها أشدّ المنع،فإنّها باعت ما لا تملكه» (3)و نحوه آخر يأتي (4).

و لهما ظهور في حرمة التصرّف فضولاً،إلّا أنّه لعلّها لكون البيع لأنفسهما من غير أن يقصدا مالكها،و لا كلام فيها حينئذٍ كما مضى،و صرّح بها جماعة من أصحابنا (5).

و نحوه الجواب عن المعتبرة المستفيضة الناهية عن شراء الخيانة و السرقة (6)،لظهور سياقها في ذلك.

نعم إنّما يكون لها دلالة لو منعت عن الصحة بعد الإجازة من

ص:226


1- راجع ص:3765.
2- الكافي 5:/200 4،الوسائل 18:47 أبواب أحكام العقود ب 7 ح 3.
3- الكافي 5:/133 8،التهذيب 7:/181 795،الوسائل 17:333 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1 ح 2.
4- في ص:3773.
5- راجع ص:3765.
6- انظر الوسائل 17:333 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1.

المالك،و ليس فيها إليه إشارة فضلاً عن دلالة،بل ظاهرها عدمها،لعدم خبرة صاحبها بها،و عدم إعلام المشتري له بذلك قطعاً.

مع أنّ غاية شمول النهي فيها للمسألة إثبات الحرمة،و هي غير ملازم لعدم الصحة،لعدم اقتضائه إيّاه في المعاملة،على الأظهر الأشهر بين الطائفة،و دعوى كون البيع بمجرّده تصرّفاً ممنوعة مع كون المال عند صاحبه مثلاً.

و بالجملة:لا ريب في ضعف هذه الأدلّة سيّما في مقابلة تلك،فإذاً المصير إلى الأوّل أقوى،و إن كان الثاني في الجملة أحوط و أولى.

ثم على المختار هل الإجازة كاشفة عن صحّة العقد من حين وقوعه، أم ناقلة له من حينها؟قولان،الأظهر الأوّل،وفاقاً للأشهر؛ عملاً بمقتضى الإجازة،إذ ليس معناها إلّا الرضا بمضمون العقد،و ليس إلّا إنشاء نقل العوضين من حينه.

و وجه الثاني:توقّف التأثير عليه فكان كجزء السبب.

و فيه نظر يظهر وجهه مما مرّ.

و تظهر الفائدة في النماء المتخلّل بين العقد و الإجازة الحاصلة من المبيع،فهو للمشتري على الأوّل،كما أنّ نماء الثمن المعيّن للبائع، و للمالك المجيز على الثاني.

و لو لم يجز المالك رجع في عين ماله و نمائه مطلقاً،و عوض منافعها المستوفاة و غيرها و قيمة التالف من ذلك أو مثله على المشتري؛ للمعتبر بوجود صفوان المجمع على تصحيح رواياته في سنده فلا يضرّ جهالة راوية و إرساله،و فيه:عن رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولاداً،ثمّ أتاه مَن يزعم أنّها له و أقام على ذلك

ص:227

البينة،قال:« يقبض ولده و يدفع إليه الجارية و يعوّضه في قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها» (1).

ثمّ يرجع بذلك كلّه على البائع إذا لم يحصل له نفع في مقابله؛ لنفي الضرر،و للموثق في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجيء مستحق الجارية،فقال:« يأخذ الجارية المستحق و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد،و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أُخذت منه» (2).

و مع حصول النفع فيه إشكال.

كلّ ذا إذا لم يكن عالماً أنّه لغير البائع أو ادّعى البائع الإذن،و إلّا لم يرجع بما اغترم،لأنّه غاصب.

و لا ينافيه إطلاق الخبرين المتقدّمين؛ فإنّ ظاهرهما بحكم التبادر للغلبة الجاهل.

و هل يرجع بالثمن؟المشهور لا مطلقاً؛ لأنّه دفعه إليه و سلّطه عليه مع علمه بعدم استحقاقه له،فيكون بمنزلة الإباحة.

و قيّده الشهيد الثاني بما إذا تلف،أمّا مع بقائه فله الرجوع؛ لأنّه ماله و هو متسلّط عليه بمقتضى النص (3)،و لم يحصل منه ما يوجب النقل عن ملكه؛ لأنّه إنّما دفعه عوضاً عن شيء لا يسلم له لا مجّاناً.قال:بل يحتمل

ص:228


1- التهذيب 7:/83 357،الإستبصار 3:/85 289،الوسائل 21:204 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 4.
2- التهذيب 6:/82 353،الإستبصار 3:/84 287،الوسائل 21:205 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 5.
3- عوالي اللآلي 1:/222 99،/457 198،و ج 2:/138 383.

الرجوع مطلقاً وفاقاً للمحقق في بعض فتاواه؛ لتحريم تصرّف البائع فيه؛ لأنّه أكل مالٍ بالباطل،فيكون مضموناً عليه،و لو لا« ادّعاء العلّامة في التذكرة الإجماع على عدم الرجوع مع التلف لكان في غاية القوة (1).

و هو حسن،فتأمّل.

[و يشهد له الموثق المتقدم و إطلاقه يشمل الثمن التالف أيضا بل لعل أغلب أفراده] و لو باع ما لا يملكه مالك في العرف و العادة كالحرّ و فضلات الإنسان من شعره و وسخه و الخنافس و البقّ و البرغوث و القمل و الديدان المتعارفة لم ينعقد إجماعاً؛ لكونه سفهاً و لو لوحظ بعض المنافع الموظّفة له في مواضعها؛ لندرتها الموجبة لإلحاقها بالعدم.

و نحو ذلك ما لو باع نحو حبّة حنطة أو شعير أو غيرهما ممّا لا يعدّ إيقاع العقد عليه بيعاً،بل يعدّ معاملته سفاهة؛ لعدم صدق المال على مثله عرفاً و إن كان مثله من الحقوق التي لا يجوز لأحد التصرف فيها إلّا بإذن صاحبه كحق السبق و نحوه ممّا هو حق و لا يسمّى ملكاً؛ فإنّ معاملة مثل ذلك كلّه سفه و لو فرض نفع نادر له؛ لأنّه كالعدم كما تقدّم.

و لو باع ما يملك و ما لم يملك كعبده و عبد غيره صفقة و في عقد واحد صحّ (2) البيع و لزم في عبده خاصّة و وقف في الآخر على الإجازة على المختار في الثاني،و لا خلاف في الأوّل،بل ظاهرهم الإجماع عليه،و صرّح به في الغنية (3)؛ للصحيح:في رجل باع قطاع أرضين..و عرّف حدود القرية الأربعة..و إنّما له في هذه القرية

ص:229


1- انظر المسالك 1:172.
2- في المطبوع:و لو جمع بين ما يملك و ما لا يملك في عقد واحد كعبده و عبد غيره صحّ.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):585.

قطاع أرضين،فهل يصلح للمشتري ذلك و إنّما له بعض هذه القرية و قد أقرّ له بكلّها؟فوقّع(عليه السّلام):« لا يجوز بيع ما لا يملك،و قد وجب الشراء من البائع على ما يملك» (1).

مضافاً إلى أنّ البائع مأمور بالوفاء بالعقد في ماله،و عدم إجازة المالك بعد ذلك لا يرفع الأمر المستقرّ في ذمّته قبل ظهوره،فاحتمال بعض من تأخّر البطلان رأساً (2)،ليس في محلّه.

و أمّا توهّم إيجاب تبعّض الصفقة الخيار له،فمع أنّه لا يوجب البطلان ليس في محلّه؛ لإقدامه على ضرره،نعم إن جهل أمكن ثبوت الخيار له.

ثم إنّه إن أجاز صحّ البيع و لا خيار،و إن ردّ تخيّر المشتري مع جهله بكون بعض المبيع غير مملوك للبائع بين الفسخ و إمضائه؛ لتبعيض الصفقة،أو الشركة الموجبين للضرر،المنفي آية و رواية.

و ليس في النصّ ما يخالفه كما توهّم (3)و إن تضمّن لفظ الوجوب؛ لإضافته إلى البائع،و لا كلام فيه كما مرّ،و لكنّه غير الوجوب من المشتري، فقد يجامع ثبوت الخيار له الوجوب من البائع،كما في كثير من المواضع.

فإن فسخ رجع كلّ مال إلى مالكه،و إن رضي صحّ البيع في المملوك للبائع بحصّته من الثمن.و يعلم مقدارها بتقويمهما جميعاً ثم تقويم أحدهما منفرداً ثم نسبه قيمته إلى قيمة المجموع،فيخصّه من الثمن مثل

ص:230


1- الكافي 7:/402 4،الفقيه 3:/153 674،التهذيب 7:/150 667،الوسائل 17:339 أبواب عقد البيع و شروطه ب 2 ح 1.
2- مجمع الفائدة 8:162.
3- انظر الحدائق 18:400.

تلك النسبة.

فإذا قُوّما جميعاً بعشرين و أحدهما بعشرة صحّ في المملوك بنصف الثمن كائناً ما كان زائداً أم ناقصاً،لو كان الثمن في المثال ستّة أُخذ لأحدهما منها نصفها ثلاثة،هذا في جهة النقيصة،و يعلم المثال في جهة الزيادة بزيادة الثمن على العشرين و لو بواحدة،و إنّما أُخذ بنسبة القيمة و لم يخصّه من الثمن قدر ما قُوّم،لاحتمال زيادتها عنه و نقصانها،فربما جمع في بعض الصور بين الثمن و المثمن على ذلك التقدير،كما لو كان قد اشترى المجموع في المثال بعشرة.

ثم إنّه إنّما يعتبر قيمتهما مجتمعين إذا لم يكن لاجتماعهما مدخل في زيادة قيمة كلّ واحد كفرض العبارة.أمّا لو استلزم ذلك كمصراعي باب لم يقوّما مجتمعين؛ إذ لا يستحق مالك كلّ واحد ماله إلّا منفرداً،و حينئذٍ فيقوَّم كلّ منهما منفرداً و ينسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين و يؤخذ من الثمن بتلك النسبة،دون أن ينسب إلى قيمتهما مجتمعين.فلو كان قيمتهما كذلك اثني عشر و منفردين تسعة و الثمن ستّة و قيمة أحدهما ثلاثة يؤخذ لكلّ منهما من الثمن بقدر نسبة قيمتهما إلى التسعة و هو الثلث اثنان، و لا يؤخذ بقدر نسبة قيمتهما إلى الاثني عشر و هو الربع واحد و نصف،كذا قيل (1).

و ربما يستشكل مع جهل المشتري بالحال و بذله الثمن في مقابلة المجموع من حيث المجموع،فالأخذ بالنسبة إلى المجموع قيمتهما منفردين ظلم على المشتري و حيف عليه (2).

ص:231


1- الروضة 3:239،المسالك 1:172،الحدائق 18:402.
2- انظر الروضة 3:240،المسالك 1:173.

و هو حسن،إلّا أنّه منقوض بالظلم على البائع لو أُخذ بالنسبة إلى مجموع قيمتهما مجتمعين،مع عدم تقصيرة و إتلافه شيئاً على المشتري، و إنّما أراد له شيئاً لم يسلم له،فإلحاقه بالغاصب حينئذٍ في ضمان الصفقة ليس في محلّه مع براءة ذمّته عنه،و المسألة لا تخلو عن ريبة و إن كان الأوّل لا يخلو عن قوة.

أما لو باع العبد و الحر،أو الشاة و الخنزير أو الخلّ و الخمر صحّ البيع فيما يملك و ثبت للمشتري الخيار مع الجهل؛ لما مرّ بطل في الآخر لعدم جواز تملّكه و النهي عن بيعه كما مرّ.بل ربّما احتمل البطلان مع العلم في الأوّل لوجه آخر،و هو إفضاؤه إلى الجهل بثمن المبيع حال البيع،لأنّه في قوّة أن يقول:بعتك العبد بما يخصّه من الألف إذا وزّعت عليه و على شيء آخر لا يعلم مقداره الآن.

و على تقدير الصحة يقوّمان جميعاً ثم يقوّم أحدهما منفرداً،ثم ينسب قيمته إلى قيمة المجموع و يسقط من الثمن بقدر ما قابل الفاسد بتلك النسبة،كما مرّ في المسألة السابقة.

و طريق التقويم في المملوك ظاهر.

و في الحرّ:بأن يقوّم لو كان عبداً على ما هو عليه من الأوصاف و الكيفيات.

و الخمر و الخنزير:بأن يقوّما بقيمتهما عند مستحلّيهما،إمّا بإخبار جماعة منهم كثيرة يؤمن اجتماعهم على الكذب،و يحصل بقولهم العلم أو الظنّ المتاخم له،أو بإخبار عدلين من المسلمين يطّلعان على حاله عندهم،لا منهم مطلقاً،لاشتراط عدالة المقوّم كما قالوه.

الثاني الكيل أو الوزن أو العدّ

الثاني: يشترط فيهما المعلوميّة كلّاً أو بعضاً على ما يأتي،

ص:232

فلا يصحّ بيع المجهول و المبهم؛ حذراً من الغرر المنهي عنه إجماعاً،و قطعاً للنزاع.

و لكن المعلومية لكلّ شيء بحسبه في العادة،فما بيع ب الكيل أو الوزن أو العدّ يكون تعيينه بها،على الأظهر الأشهر بين أصحابنا.

فلو بيع ما يكال أو يوزن أو يعدّ لا كذلك بل جزافاً بطل لما تقدّم؛ و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة التي كادت تكون هي مع الأُولى متواترة،ففي الصحاح:« ما سمّيت فيه كيلاً فلا يصلح مجازفة» (1).

و قرينة السؤال في أحدها مع نفي الصلاح الدالّ على الفساد و فهم الأصحاب قرينة على الدلالة.

و في الخبرين،أحدهما الصحيح:« لا يصلح للرجل أن يبيع بصاع غير صاع المصر» (2).

و نحوه الثاني (3)مع قوّة في الدلالة؛ لتبديل« لا يصلح» ب« لا يحلّ» مع المنع فيه عن البيع بصاع البيت الذي يكون أصغر من صاع السوق.

و فيهما الدلالة على اعتبار صاع البلد و مكياله المشهور،كما هو عن الأصحاب منقول،فلا يجوز البيع بالكيل النادر،و عليه ينزّل إطلاق ما مرّ حملاً له على الأغلب و المتعارف.

و في الموثق كالصحيح:عن شراء الطعام أو ما يكال و يوزن،هل

ص:233


1- الكافي 5:/179 4،الفقيه 3:/131 570،التهذيب 7:/36 148،الوسائل 17:342 أبواب عقد البيع و شروطه ب 4 ح 2.
2- الكافي 5:/184 1،التهذيب 7:/40 169،الوسائل 17:377 أبواب عقد البيع و شروطه ب 26 ح 1.
3- الكافي 5:/184 2،التهذيب 7:/40 170،الوسائل 17:377 أبواب عقد البيع و شروطه ب 26 ح 2.

يصلح شراؤه بغير كيل و لا وزن؟فأجاب(عليه السّلام)بنفي البأس إذا كاله البائع و أخبر به المشتري (1).

و ظاهر البأس في مفهومه بحكم السياق و فهم الأصحاب التحريم.

و في المرسل كالصحيح على الصحيح:عن رجل يشتري الجصّ فيكيل بعضه و يأخذ البقية بغير كيل؟فقال:(عليه السّلام):« إمّا أن يأخذ كلّه بتصديقه،و إمّا أن يكيل كلّه» (2).

و في الخبر خطاباً لقوم شكوا إليه(صلّى اللّه عليه و آله)سرعة نفاد طعامهم لأنّهم لا يكيلون:« كيلوا فإنّه أعظم للبركة» (3).

و يستفاد من سابقيه جواز الاعتماد في الكيل و الوزن على إخبار البائع،و لا خلاف فيه في الظاهر،و النصوص به معهما مستفيضة،منها الموثق:يقول الرجل أعطنيه بكيلك،قال:« إذا ائتمنك فلا بأس» (4).

و منها الخبر المعتبر بوجود جملة ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم في سنده،فلا يضرّ اشتراك راويه،مع قرب احتمال كونه الثقة،و فيه:اشترينا طعاماً فزعم صاحبه أنه كاله،فصدّقناه و أخذناه بكيله، فقال:« لا بأس» فقلت:يجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟قال:

« لا،

ص:234


1- الكافي 5:/178 1،التهذيب 7:/37 158،الوسائل 17:345 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 7.
2- الكافي 5:/195 13،التهذيب 7:/125 545،الوسائل 17:344 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 3.
3- الكافي 5:/167 1،التهذيب 7:/163 722،الوسائل 17:439 أبواب آداب التجارة ب 34 ح 1.
4- الكافي 5:/179 6،التهذيب 7:/38 159،الوسائل 17:345 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 6.

أمّا أنت فلا تبعه حتّى تكيله» (1)و نحوهما غيرهما (2).

و يستفاد من هذه الأخبار تقريراً،و ذيل الأخير كبعض ما مرّ صريحاً اشتراط الكيل في المكيل كما في أكثرها،و الوزن في الموزون كما في بعضها أيضاً.و يلحق بهما الأخير؛ لعدم القائل بالفرق أصلاً،مضافاً إلى ثبوته كالمتقدّمين من القاعدة المتقدمة أيضاً،مع إمكان الاستدلال عليه بمعونة التقرير المستدل لأجله ببعض الأخبار المتقدمة على الأوّل بالصحيح:عن الجوز لا نستطيع أن نعدّه،فيكال بمكيال ثم يعدّ ما فيه،ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد،فقال:« لا بأس به» (3).

و يستفاد منه بمعونة عدم القائل بالفرق بين الجوز و غيره من المعدود و غيره،كما في المسالك و غيره (4)،أنّه لو تعذّر الوزن أو العدّ أو الكيل اعتبر مكيال واحد أو ميزان كذلك،و أُخذ بعد ذلك بحسابه الباقي.

و لا خلاف في الجواز،و إن اختلفوا في اشتراطه بالتعذّر،كما في المتن و غيره (5)،بل في الروضة التعبير به عن كثير من الأصحاب (6)؛ وقوفاً مع ظاهر النص.

ص:235


1- التهذيب 7:/37 157،الوسائل 17:345 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 4.
2- الفقيه 3:/131 571،الوسائل 17:346 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 8.
3- الكافي 5:/193 3،الفقيه 3:/140 617،التهذيب 7:/122 533،الوسائل 17:348 أبواب عقد البيع و شروطه ب 7 ح 1.
4- المسالك 1:175؛ و أُنظر السرائر 2:321.
5- كالقواعد 1:126.
6- الروضة البهية 3:266.

أو التعسّر،كما قيل (1)؛ حملاً له عليه،جمعاً بينه و بين عموم ما يدل على نفيه.

أو عدم الاشتراط مطلقاً،كما عليه الشهيد الثاني و غيره (2)؛ لزوال الغرر،و حصول العلم،و اغتفار التفاوت هنا كما في غيره،و عدم المنافاة له في الصحيح،فإنّ القيد في كلام الراوي،و لم يظهر من الجواب اعتباره.

مع إطلاق الخبرين في غير المعدود،و فيهما:عن الرجل يشتري بيعاً فيه كيل أو وزن يعيّره (3)ثم يأخذه على نحو ما فيه،قال:« لا بأس» (4).

و نحوهما آخر:فيمن اشترى مائة راوية من زيت،فاعترض راويه أو اثنتين و وزنهما،ثم أخذ سائره على قدر ذلك،قال:« لا بأس» (5).

و في زوال الغرر و حصول العلم إشكال،و اغتفار التفاوت هنا غير معلوم،و القياس على غيره حرام،و الاستقراء لو تمسك به لتصحيحه غير معلوم،و منافاة الصحيح له لأجل التقرير الذي هو العمدة في إثبات اعتبار العدّ في المعدود به ثابتة.

و الأخبار بحسب الأسانيد قاصرة،مع احتمال قصورها في الدلالة من حيث إنّها مطلقة،منصرفة إلى الصور المتعارفة التي ليس فيها العدول عن

ص:236


1- الدروس 3:198.
2- الشهيد الثاني في الروضة 3:266؛ و أُنظر الحدائق 18:474.
3- أي:يمتحنه،و في« ح» و الوسائل:بغيره.
4- الأول:الكافي 5:/193 4،التهذيب 7:/122 533،الوسائل 17:342 أبواب عقد البيع و شروطه ب 4 ح 4.الثاني:التهذيب 7:/123 536،الوسائل 17:342 أبواب عقد البيع و شروطه ب 4 ذيل الحديث 4.
5- الكافي 5:/194 7،الفقيه 3:/142 625،التهذيب 7:/123 539،الوسائل 17:343 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 1.

الثلاثة إلى الاعتبار بالمكيال الواحد،كما في العبارة،إلّا مع التعذّر أو التعسّر.

مضافاً إلى تشويش في متن الأوّلين بحسب النسخة الموجب لخروجهما عن مفروض المسألة.

مع معارضتها بإطلاق النصوص المتقدّمة المعتبرة للكيل أو الوزن، و سيّما المرسل المتقدّم في الجصّ،و نحوه الصحيح:في رجل اشترى من رجل طعاماً عدلاً بكيل معلوم،ثم إنّ صاحبه قال للمشتري:ابتع منّي هذا العدل الآخر بغير كيل،فإنّ فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعت،قال:

« لا يصلح إلّا أن يكيل» (1)الخبر.

و هما كالباقي و إن شملا صورتي التعذّر و التعسّر أيضاً،إلّا أنّ مقتضى الجمع بينهما و بين ما مرّ التخصيص بغيرهما،مضافاً إلى فتوى الأصحاب.

[فإن الأجود ما في العبارة من اشتراط التعذر في العدول من العد و يحتمل قويا إلحاق التعسر] ثم إنّ المحكي عن الأصحاب اعتبار الكيل و الوزن فيما بيع بهما في زمان الشارع و لو لم يبع الآن كذلك (2).

و إثباته من النص مشكل،إلّا أنّ الأمر فيه هيّن بناءً على عدم معلوميّة مثله في زمانه لنا الآن إلّا في نحو الطعام و الزيت و الجصّ،و أمثالها الآن تباع كذلك،و إن غُيّر الكيل بالوزن في بعضها و انعكس في آخر.

و لا بأس بالأوّل في المشهور؛ لأضبطية الوزن من الكيل.و يحتاط في الثاني،و إن ألحقه بالأوّل جماعة (3)؛ للخبر:« لا بأس بالسلف ما يوزن فيما

ص:237


1- الكافي 5:/179 4،الفقيه 3:/131 570،التهذيب 7:/36 148،الوسائل 17:342 أبواب عقد البيع و شروطه ب 4 ح 2.
2- مجمع الفائدة 8:177،الحدائق 18:471.
3- منهم:الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:53،و صاحب الحدائق 18:474.

يكال و ما يكال فيما يوزن» (1).

و فيه ضعف سنداً و قصور دلالةً،مضافاً إلى ما في السرائر من نفي الخلاف عن عدم جوازه (2).

و الأحوط المنع مطلقاً،فتأمّل جدّاً.

و يتفرّع على اشتراط المعلوميّة بأحد الأُمور الثلاثة فيما يباع بها أنّه لا تكفي مشاهدة الصُّبرة المجهولة في صحّة المعاملة و لا المكيال المجهول كقصعة حاضرة إن و تراضيا به،و لا الوزن المجهول،كالاعتماد على صخرة معيّنة و إن عرفا قدرها تخميناً،أو كالاه أو وزناه بعد ذلك، و لا العدّ المجهول،بأن عوّلا على ملء اليد،أو آلة يجهل ما يشتمل عليه ثم اعتبر العدّ به.

خلافاً للإسكافي في الصُّبرة (3).و يدفعه مضافاً إلى ما مرّ دعوى الإجماع على خلافه في المختلف (4).

و يجوز ابتياع جزء مشاع معلوم بالنسبة كالنصف و الثلث من معلوم بالكيل أو الوزن أو المساحة مطلقاً و إن اختلف أجزاؤه قيمة كالجواهر و الحيوان،إجماعاً؛ للأصل،و فقد المانع من الغرر و غيره جدّاً،فيصحّ بيع نصف الصبرة المعلومة المقدار و الوصف و نصف الشاة المعلومة بالمشاهدة أو الوصف.

و اعلم أنّ أقسام بيع الصبرة عشرة،ذكر الماتن بعضها منطوقاً و بعضها

ص:238


1- الفقيه 3:/167 739،التهذيب 7:/44 192،الإستبصار 3:/79 265،الوسائل 18:296 أبواب السلف ب 7 ح 1.
2- السرائر 2:321.
3- نقله عنه في المختلف:386.
4- المختلف:386.

مفهوماً.

و جملتها:أنّها إمّا أن تكون معلومة المقدار أو مجهولته،فإن كانت معلومة صحّ بيعها أجمع،و بيع جزء منها معلوم مشاع،و بيع مقدار معيّن علم اشتمالها عليه كقفيز،و بيعها كلّ قفيز بكذا،لا بيع كلّ قفيز منها بكذا.

و المجهول يبطل بيعها في الأقسام الخمسة إلّا في الثالث،بشرط العلم باشتمالها على المقدار،كما عن الأكثر (1)،أو مطلقاً على قول (2)، يجبر نقص المبيع فيه إذا تحقّق بالخيار بين الأخذ للموجود منها بحصّته من الثمن و بين الفسخ لتبعّض الصفقة.

و لا خلاف فيما عداه إلّا ما يحكى عن الطوسي من الحكم بالصحة في القسم الرابع مطلقاً و لو كان الصبرة مجهولة (3).

و هو مشكل يدفعه عدم تعيّن العوضين في هذه الصورة.

و احتمل العلّامة في المختلف فيها الصحة في القفيز الواحد لا الجميع،كما حكاه عن أبي حنيفة (4).

و المناقشة فيه واضحة،بل البطلان مطلقاً في غاية القوّة.

و هل ينزّل القدر المعلوم في الصورتين على الإشاعة،أو يكون المبيع ذلك المقدار في الجملة؟وجهان،أجودهما الثاني عند جماعة (5).

و تظهر الفائدة فيما لو تلف بعضها فعلى الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة، و على الثاني يبقى المبيع ما بقي قدره.

ص:239


1- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 3:268،و صاحب الحدائق 18:479.
2- كما قال به الشيخ في المبسوط 2:152.
3- الخلاف 3:163.
4- المختلف:386.
5- منه:الشهيد الثاني في الروضة 3:268،و السبزواري في الكفاية:90.

و في الصحيح:رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طُنّ (1)في أنبار بعضه على بعض من أجَمَة واحدة،و الأنبار فيه ثلاثون ألف طُنّ،فقال البائع:قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طُنّ،فقال المشتري:قد قبلت و اشتريت و رضيت،فأعطاه من ثمنه ألف درهم،و وكّل المشتري من يقبضه،فأصبحوا و قد وقع في القصب نار فاحترق منه عشرون ألف طنّ و بقي عشرة آلاف طن،فقال:« عشرة آلاف التي بقيت هي للمشتري، و العشرون التي احترقت من مال البائع» (2).

و هو ظاهر في الثاني،إلّا أنّ في صحة البيع الذي تضمّنه إشكالاً من حيث جهالة عين المبيع فيه،الموجبة للغرر المنفي،الموجب لفساد المعاملة،و صرّح به الأصحاب فيما لو باع شاة غير معلومة من قطيع، فقالوا:بطل و إن علم عدد ما اشتمل عليه من الشياه و تساوت أثمانها.

الثالث لا تباع العين الحاضرة إلّا مع

الثالث: لا تباع العين الحاضرة إلّا مع أحد الأُمور المعيِّنة لها (3)، الدافعة عن المعاملة بها ما يعدّ في العرف و العادة مجازفة من الكيل أو

ص:240


1- الطنّ بالضم-:الحُزمة من الحطب و القَصَب.لسان العرب 13:269.
2- التهذيب 7:/126 549،الوسائل 17:365 أبواب عقد البيع و شروطه ب 19 ح 1.
3- و اعلم أن تعيين المبيع مثلاً المعتبر في صحّة البيع تارة يكون من جهة المقدار و أُخرى من جهة الجنس و النوع و الشخص و الصفة و نحو ذلك،و التعيين المقداري مرَّ ذكره.و المراد يقول الماتن هنا:لا تباع العين الحاضرة..بيان اعتبار التعيين بالمعنى الثاني،و حينئذٍ فلا وجه لذكر التعيين المقداري هنا،كما لا يخفى،إلّا أن يكون المراد منه بيان أن التعيين الثاني غير معتبر في المبيع الذي لا يعتبر تعيينه به بل بالتعيين المقداري خاصة،فيكون تنبيهاً على أن التعيين الثاني لا يعتبر في مطلق بيع العين الحاضرة،بل قد يعتبر تعيينه به،و أما ما لا يعتبر تعيينه إلّا بالتعيين المقداري فهو كافٍ،و هو حسن،إلّا أنه فرع وجود مثل هذه العين التي لا تحتاج إلى التعيين الثاني،و لا أظنّه،فتدبّر.(منه(رحمه اللّه)).

الوزن أو العدّ فيما يباع بها،و كانت هي المطلوبة من بيعه عرفاً.

و المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة من المتبايعين أو أحدهما فيما عداه،و يكون الوصف في كلّ شيء بحسب ما يطلب في المعاملة به عادة بحيث يكون المعاملة بدونه فيها غرراً و مجازفة.

ففي الفرس بنحو الصغر و الكِبر دون مقدار اللحم،و في نحو الغنم المطلوب من شرائه مقداره به،و في نحو الفيل المطلوب به طوله و عرضه كما عند أهل الهند فيما حكي بمساحته،و في الثوب المطلوب به أوصافه التي تتفاوت بتفاوتها القيمة دون نحو الذرع بها دونه،و به إن كان هو المطلوب بالمعاملة في العادة،و نحوه الأرض،فيجوز بيعهما مشاهدة في الصورة الأُولى كنحوهما ممّا يقصد بمعاملته في العادة الأوصاف المندفعة بمشاهدتها الغرر و الجهالة،لا مساحة في تلك الصورة و إن بيعا بها نادراً؛ لعدم صدق الغرر و المجازفة فيها مع المشاهدة عرفاً و عادةً.

و على هذه الصورة تنزل كلمة الأصحاب المصرّحة بجواز بيعهما مشاهدة من دون مساحة على الإطلاق،بلا خلاف يظهر منهم صريحاً،بل عن التذكرة الإجماع عليه (1).و هو حسن.

و لا يبعد حمل إيجاب الخلاف (2)المساحة في بيعهما على الصورة الثانية جمعاً بين الفتاوي و الأدلّة،و إلّا فيشكل الأوّل في هذه الصورة، لتحقق الغرر به و المجازفة كالثاني،بانتفائهما في الصورة المقابلة عرفاً و عادةً.

و من هذا التحقيق يتحقق أنّه لو كان المراد بيعها عادةً

ص:241


1- التذكرة 1:494.
2- الخلاف 3:164.

طعمها كالدبس أو ريحها كالمسك فلا بدّ من اختبارها بهما إذا لم تفسد به أي بالاختبار،أو وصفها،بلا خلاف،حتى في جواز البيع بالوصف و إن أهملته العبارة،بل عليه الإجماع في الغنية (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل،و اندفاع الغرر به،كاندفاعه برؤية ما يدلّ بعضه على باقيه غالباً،كظاهر الصبرة و أُنموذج المتماثل.

و ينجبر النقص بعد التحقق بالخيار،مع التأيّد بظواهر ما مرّ من النصوص من جواز الاكتفاء عن الكيل و الوزن بإخبار البائع (2).

و لو بيع مثلها و لمّا يختبر بالأمرين،و لم يوصف بهما،أو وصف وصفاً لم تزل معه الجهالة بناءً على أصالة الصحة عن العيب و الآفة فيما هي الأصل فيه فقولان،أشبههما:الجواز مع العلم به من غير هذه الجهة كالقوام و اللون و غيرهما ممّا يختلف قيمته باختلافه.و عليه الأكثر، بل لعلّه عليه عامة من تأخّر.

و هو الأظهر؛ إحالةً على مقتضى الطبع،فإنّه أمر مضبوط عرفاً لا يتغيّر غالباً إلّا بعيب،فيجوز في دفعه الاعتماد على الأصل،لانتفاء الغرر حينئذٍ كانتفائه برؤية ما يدلّ بعضه على باقيه غالباً،كما تقدّم.

و ينجبر النقص بأن له الخيار لو خرج معيباً بين الردّ و الأرش إن لم يحدث فيه حدثاً زائداً على اختباره.

و يتعيّن الأرش بعد الإحداث فيه الزائد عنه كما في غيره من أنواع البيوع و إن كان المشتري المتصرّف أعمى؛ لتناول الأدلّة له.خلافاً لمن شذّ،فخيّره بين الأمرين و إن تصرّف (3).

ص:242


1- الغنية(الجوامع الفقهية):586.
2- راجع ص:3778.
3- المراسم:180.

و القول الثاني بالعدم إلّا بالاختبار أو الوصف محكي عن الحلبي و القاضي (1)و الديلمي (2)،و ربما نسب إلى الشيخين و ابن حمزة (3)؛ للغرر.

و فيه ما مرّ.

قيل (4):و للخبر:عن رجل يشتري ما يذاق،أ يذوقه قبل أن يشتريه؟ قال:« نعم فليذقه،و لا يذوق ما لا يشتري» (5)بناءً على أنّ الأمر بالذوق يقتضي البطلان مع عدمه.

ص:243


1- فيه:أنّ عبارته المحكية ظاهرة بل صريحة في الصحة لكن مع الخيار كما هو المختار،فإنّه قال:لا يجوز بيعه إلّا بعد أن يختبر،فإن بيع شيء منه من غير الاختبار له كان المشتري مخيّراً في ردّه على البائع.و نحوه عبارة الشيخين فإنّهما قالا:لا يجوز بيعه بغير اختيار له،فإن بيع من غير اختبار له كان البيع غير صحيح و المتبايعان فيه بالخيار،فإن تراضيا بذلك لم يكن به بأس.و لا يبعد أن يكون مراد غيرهم من عدم الصحة إلّا بالاختبار عدم اللزوم لا عدم الصحة بالمعنى المرادف للفساد،و ذلك فان استعمال الصحة و الجواز في اللزوم في عبائر القدماء غير عزيز كما عرفته من كلام الشيخين و القاضي،و نحو عبائرهم عبارة الحلي،و هي هكذا:قد روي أنه لا يجوز بيعه بغير اختيار،فان بيع من غير اختبار له كان البيع غير صحيح و المتبايعان فيه بالخيار،فان تراضيا بذلك لم يكن به بأس(السرائر 2:331)و في عبارته هذه شهادة أُخرى من حيث نقله الرواية التي هي عين مضمون ما ذكره الشيخان و القاضي،و الظاهر استناد غيرهم ممن أطلق عدم الصحة إلّا بالاختبار إليها،و على هذا فارتفع الخلاف و ظهر حجة أُخرى للمختار،و هي الرواية التي أشار إليها،لكنّها مرسلة لا يصلح مثلها للحجية،إلّا أن يجبر ضعفها بالأُصول و الشهرة.منه(رحمه اللّه).
2- الحلبي في الكافي:354،القاضي في المهذّب 1:352،الديلمي في المراسم:180.
3- المفيد في المقنعة:609،الطوسي في النهاية:404،ابن حمزة في الوسيلة:246.
4- قال به صاحب الحدائق 18:483.
5- التهذيب 7:/230 1004،المحاسن:/450 361،الوسائل 17:375 أبواب عقد البيع و شروطه ب 25 ح 1.

و فيه نظر؛ لضعف السند،و قصور الأمر هنا عن إفادة الوجوب، لوروده في محل توهّم الحظر،كما يشعر به سياقه،فلم يفد سوى الإباحة على الأظهر،و به قال من علماء الأُصول جماعة.

و لو أدّى اختباره إلى إفساده كالجوز و البطيخ و شبهه جاز شراؤه مطلقاً بعد تعيينه بوجه آخر؛ لما مضى.بل الجواز هنا بطريق أولى؛ لاستلزام المنع عنه العسر و الحرج جدّاً،مع عدم نقل خلاف هنا.

بل ظاهرهم الاتفاق على الجواز و إن اختلفوا في إطلاقه (1)أو تقييده بشرط الصحة فقط،كما عن بعض (2)،أو البراءة كذلك من العيب و الآفة، كما عن آخر،أو بشرط أحدهما،كما عن جماعة (3).

و الأوّل أشهر و أقوى؛ لعموم الأدلّة،بل في المختلف أنّ مراد الجماعة جواز البيع بالشرطين لا اشتراطهما في صحته (4)،فارتفع الخلاف إلّا من القاضي حيث لم يجوّزه إلّا بهما (5).

ص:244


1- كالحلّي في السرائر 2:331،و العلّامة في المختلف:389،و ابن فهد في المقتصر:166.
2- كالمفيد في المقنعة:610،و الديلمي في المراسم:180.
3- كالشيخ في النهاية:404،و ابن حمزة في الوسيلة:247.
4- المختلف:389.
5- فإنّه قال:و أما ما لا يمكن اختباره إلّا بإفساده فلا يجوز بيعه إلّا بشرط الصحة و البراءة من العيوب،فإن باع بخلاف ذلك لم يكن البيع صحيحاً.و الفرق بين عبارته و عبائر من سبقه كالمفيد و الديلمي هو تصريح هذه العبارة بعدم الصحّة مع البيع بخلاف ذلك،بخلاف عبارتهما،لتصريحها بالصحة مع الأرش.و يمكن إرجاع هذه العبارة إليها،بأن يراد بعدم الصحة عدم اللزوم كما في الحاشية السابقة،و لعلّه لذا لم يستثنه الفاضل في المختلف بل أطلق التوجيه حتى في عبارته،لكنه هنا محل نظر؛ لظهور عبارة المفيد و الديلمي في الأرش خاصّة دون الخيار،بل ظاهرهما اللزوم مع الأرش،و على هذا يخالفهما القاضي على أي تقدير سواء حمل عدم الصحة في كلامه على عدم اللزوم أو على الفساد،أمّا على الثاني فواضح،و كذا على الأول،فإنّ عدم اللزوم ليس مذهب المفيد و الديلمي،بل ظاهرهما كما عرفت اللزوم.(منه(رحمه اللّه)).

و يثبت مع الصحة الأرش لو خرج معيباً لا الردّ للتصرف فيه و يرجع بالثمن كلّه إن لم تكن لمكسوره قيمة تبذل له عادة، كالبيض الفاسد و الجوز الفارغ مطلقاً،و لو اشترط البائع البراءة من العيب على الأقوى.

خلافاً لجماعة (1)مع الشرط،فنفوا الرجوع حينئذٍ.

و فيه نظر؛ لبطلان البيع حيث لا يقابل الثمن مال،فيكون أكل مال بالباطل،و يكون الشرط منافياً لمقتضى العقد حينئذٍ.

و دفعه بالتراضي فيكون كدفع مال بغير عوض،مندفع بمنعه مع هذا الشرط المشعر ببقاء ماليّة في المبيع،فإنّ العيب فرع بقائها فيه،و لا يجوز إطلاقه مع انتفائها رأساً.مع عدم تماميّته؛ للمنع عن الرجوع على تقدير تسليمه فيما لو بقي الثمن و كان البائع ممّن لم يلزم الهبة له،فإنّ الدفع حينئذٍ كهبة مال بغير عوض،فيجوز الرجوع فيه حينئذٍ،فتأمّل.

و هل يكون العقد مفسوخاً من أصله نظراً إلى عدم الماليّة من حين العقد فيقع باطلاً ابتداءً،أو يطرأ عليه الفسخ بعد الكسر،فيكون هو المفسد نظراً إلى الصحة قبل ظهور الفساد و الأصل بقاؤها؟ وجهان،بل قولان.و رجحان الأوّل أظهر،بل و أصحّ؛ لأنّ ظهور الفساد كشف عن عدم الماليّة حين البيع في نفس الأمر لا أنّه أحدث عدمها

ص:245


1- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:113،و الشهيد الثاني في الروضة البهية 3:278.

حينه،و الصحة مبتنية على الظاهر و تنتفي بانكشاف الفساد،فيكون كابتياع الخمر على أنّه خلّ ثم انكشف خمريتها.

و منه يظهر ما في جزم الشهيد (1)بالثاني،مضافاً إلى جعله الأوّل ظاهر الجماعة،المشعر باتّفاق الطائفة.

و تظهر الفائدة في قول في مئونة النقل عن الموضع،فإنّها على البائع على الأوّل،و على المشتري على الثاني.

و في آخر فيما لو تبرّأ البائع من عيبه،فيتّجه كون تلفه على المشتري على الثاني دون الأوّل،و فيما لو رضي به المشتري بعد الكسر.

و في ثالث الحنث بمثله على الثاني دون الأوّل لو حلف أن لا يبتاع بيعاً صحيحاً.

و في الجميع نظر يظهر وجه الثاني ممّا مرّ (2).

و كذا يجوز بيع المسك في فأره و نافجته،و هي الجلدة المشتملة عليه و إن لم يُفتق فيختبر،بشرط العلم بمقداره.و نحوه ممّا يعتبر معرفته في معاملته،و تتفاوت قيمته بتفاوته،بلا خلاف،بل في بعض العبارات الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى ما مرّ من جواز البناء على أصل السلامة؛ لاندفاع الغرر به و الجهالة.فإن خرج معيباً تخيّر،دفعاً للضرر.و لكن فتقه بأن يدخل فيه خيط بإبرة ثم يخرج و يشمّ أحوط،ليرتفع الجهالة رأساً.

ص:246


1- الدروس 3:198.
2- في تحرير القول الثاني،فإنّ محصوله طروّ الفسخ بعد الكسر فإذاً يكون بعده مال البائع و إذا تلف حينئذٍ كان على البائع،فعلى التقديرين التلف على البائع.(منه(رحمه اللّه)).
3- الحدائق 18:485.

و لا يجوز بيع السمك في الآجام من دون ضميمة إذا لم يكن محصوراً مشاهداً لجهالته و لو بعضاً،بلا خلاف فيه،بل في الروضة الإجماع عليه (1).

قيل:و لا خلاف في الجواز مع الحصر و المشاهدة؛ لانتفاء الجهالة حينئذٍ (2).و هو كذلك،و إطلاق العبارة و غيرها يحمل على عدمهما كما هو الغالب.

و كذلك لم يجز إن ضمّ إليه القصب و نحوه على الأصحّ الأشهر.

و كذلك اللبن في الضرع بفتح الضاد،و هو الثدي لكل ذي خفّ أو ظلف،فلا يجوز بيعه و لو ضمّ إليه شيء أو ما يحتلب منه لأنّ ضميمة المجهول إلى المعلوم تصيّر المجموع مجهولاً.

خلافاً للنهاية و جماعة (3)،فالجواز فيهما،بل عليه في الأوّل الإجماع في الغنية (4)؛ لأخبار هي بحسب السند غير نقيّة،منها:« لا بأس بأن يشتري الأجمة إذا كان فيها قصب» (5).

و منها:في شرائها و ليس فيها قصب إنّما هي ماء،قال:« يصيد كفّاً من سمك فيقول:أشتري منك هذا السمك و ما في هذه الأجمة بكذا

ص:247


1- الروضة 3:282.
2- الحدائق 18:487.
3- النهاية:400،الوسيلة:283،الكفاية:91،المفاتيح 3:56،الحدائق 18:490.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):586.
5- التهذيب 7:/126 550،الوسائل 17:355 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ح 5.

و كذا» (1).

و منها الموثق:عن اللبن يشترى و هو في الضرع،قال:« لا،إلّا أن يحلب إلى سُكُرُّجَة (2)فيقول:أشتري منك هذا اللبن الذي في السكرّجة و ما في ضرعها بثمن مسمّى،فإن لم يكن في الضرع شيء كان ما في السكرّجة» (3).

و في الإجماع وهن؛ لمصير الأكثر إلى الخلاف،مع عدم معارضته كبعض الصحاح (4)مع عدم وضوح دلالته،و الأخبار المزبورة لما دلّ على اشتراط تعيين المبيع،المعتضد أصله بالإجماع و فرعه هنا بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً،مع إرسال الخبرين الأوّلين و إضمار الثالث و إن كان من الموثق،و عدم ارتباط الخبرين لموضوع المسألة،لورودهما في بيع الأجمة لا سمكها،فتأمّل جدّاً.

مع احتمال الجمع بينه و بين ما دلّ على المنع بما فصّل به جماعة (5)من الحكم بالصحة مع كون المقصود بالذات المعلوم،و المجهول تابعاً، و البطلان مع العكس أو تساويهما في القصد الذاتي.

ص:248


1- التهذيب 7:/126 551،الوسائل 17:355 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ح 6.
2- السكُرُّجَة:بضم السين و الكاف و الراء و التشديد،إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأدْم،و هي فارسية..النهاية 2:384.
3- الكافي 5:/194 6،الفقيه 3:/141 620،التهذيب 7:/123 538،الإستبصار 3:/104 364،الوسائل 17:349 أبواب عقد البيع و شروطه ب 8 ح 2.
4- الكافي 5:/193 5،التهذيب 7:/123 537،الإستبصار 3:/103 361،الوسائل 17:348 أبواب عقد البيع و شروطه ب 8 ح 1.
5- منهم:العلّامة في المختلف:387،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:110،و الشهيد الثاني في الروضة 3:282.

و لا ريب في حسنه؛ لانتفاء الغرر العرفي حينئذٍ،و هو الذي عليه المدار في الصحة و الفساد دون الجهالة،فإنّها بمجرّدها غير موجبة لفساد المعاملة بها،و لذا صحّت في نحو البناء و السكنى مع تحقّق الجهالة في حيطانها و أساسها،فتأمّل جدّاً.

و كذا القول في كلّ مجهول ضُمّ إلى معلوم ك أصواف الغنم على ظهرها مع ما في بطونها خاصّة دونها إن قلنا بمعلوميّتها، و إلّا فعدم الجواز فيها مطلقاً و لو كانت الضميمة بالأصالة مقصودة أقوى، لمجهوليّتها مع المنضمّ إليه على هذا التقدير جزماً.

خلافاً للطوسي و الحلبي و القاضي (1)،فجوّزوا بيعها مع الضميمة، استناداً إلى رواية ضعيفة:في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة و ما في بطونها من حمل بكذا و كذا درهماً،فقال:« لا بأس إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف» (2).

و يأتي فيها ما في سابقتها من وجوه الوهن،و احتمالها الجمع المتقدّم على التقدير الأوّل،و تكفي الوجوه المزبورة في ردّها على التقدير الثاني، مع استغرابٍ في مدلولها حينئذٍ من حيث إنّ ضمّ المجهول إلى المجهول لا يصيّر المجموع معلوماً،بل لا يزيد به إلّا جهالة و غروراً.

و من هنا يُقضي العجب من هؤلاء المشايخ المجوّزين لبيعهما منضمّاً مع منعهم عنه منفرداً للجهالة.و الرواية بالجواز لا تجعل الأصواف مع

ص:249


1- الطوسي في النهاية:400،الحلبي في الكافي:356،حكاه عن القاضي في المختلف:386.
2- الكافي 5:/194 8،الفقيه 3:/146 642،التهذيب 7:/45 196،الوسائل 17:351 أبواب عقد البيع و شروطه ب 10 ح 1.

الضميمة معلومة و لا دلّت على معلوميّتها معها،فكيف يقال بالجواز هنا و المنع عنه منفرداً؟! و كذا لا يجوز بيع كل واحد منهما أي كل من الصوف و الأجنّة،و يحتمل إرجاعه إلى الضميمتين في المسائل الثلاث،لكنّه بعيد منفرداً للجهالة،و هو حسن إن لم تزل بما يوجب المعلوميّة، كالمشاهدة في نحو القصب و الأصواف و الأوبار و الشعر،فإنّها تؤثّر المعلوميّة فيها على الأشهر الأقوى،و إن كان كلّ من الأصواف و تالياتها موزوناً في الجملة؛ لاختصاص الوزن فيها بما بعد الجزّ عرفاً دون ما إذا كانت على الظهر جدّاً،فإنّها حينئذٍ كالثمرة على الشجرة ليست بموزونة.

فيصحّ بيعها مع المشاهدة،وفاقاً للمفيد و الحلّي (1)و أكثر المتأخّرين (2)؛ للأصل،و فقد المانع.

خلافاً لظاهر إطلاق العبارة تبعاً للمشايخ الثلاثة.و المناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.

و قيّد الشهيد الجواز بشرط الجزّ أو كونها مستجزّة بالغة أوانه (3).

قيل:و لا وجه لاعتباره؛ لأنّ ذلك لا مدخل له في الصحة،بل غايته مع تأخيره الامتزاج بمال البائع،و هو لا مقتضي بطلان البيع،كما لو امتزجت لَقَطة الخُضر بغيرها فيرجع إلى الصلح (4).و هو حسن.

و لو شرط تأخيرها عن وقت البيع مدّة معلومة و تبعيّة المتجدّد لها في

ص:250


1- المفيد في المقنعة:594،الحلي في السرائر 2:322.
2- منهم العلّامة في المختلف:386،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:111،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:188.
3- الدروس 3:196.
4- الروضة 3:283.

البيع بنى على القاعدة السابقة،فإنّ كان المقصود بالذات هو الموجود صحّ و إلّا فلا.

و كذا لا يجوز بيع ما يلقح الفحل و هو ما تحمله الناقة، مفرداً إجماعاً؛ للجهالة،و للرواية المروية عن معاني الأخبار،المتضمّنة لنهيه(صلّى اللّه عليه و آله)عن الملاقيح و المضامين.و تفسير الأوّل بما في البطون و هي الأجنّة،و الثاني بما في أصلاب الفحول (1).

و في الصحيح:« لا تبع راحلة عاجلة بعشر ملاقيح من أولاد جمل في قابل» (2).

و كذا ما يضرب الصيّاد بشبكته منفرداً؛ لما مرّ،و للخبر:« نهى أن يشتري شبكة الصيّاد يقول:اضرب بشبكتك فما خرج فهو من مالي بكذا» (3).

و كذا منضمّاً فيهما،إلّا أن تكون الضميمة مقصودة أصالةً فيجوز حينئذٍ؛ لما مضى.

الرابع الرابع تقدير الثمن و تعيين جنسه

الرابع: من الشرائط في صحة البيع تقدير الثمن و تعيينه و تعيين جنسه و وصفه، فلو اشتراه بحكم أحدهما أو أجنبي فالبيع باطل إجماعاً،كما في المختلف و التذكرة الروضة (4)؛ للغرر و الجهالة المنهي عنهما بالإجماع و الرواية المتّفق عليها بين العلماء كافّة،

ص:251


1- معاني الأخبار:278،الوسائل 17:352 أبواب عقد البيع و شروطه ب 10 ح 2.
2- الكافي 5:/191 5،التهذيب 7:/121 527،الوسائل 17:352 أبواب عقد البيع و شروطه ب 10 ح 3.
3- الكافي 5:/194 10،الوسائل 17:354 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ح 1.
4- المختلف:385،التذكرة 1:468،الروضة البهية 3:264.

فلا قاومها شيء من النصوص و إن كانت صحيحة،سيّما مع اعتضادها في المسألة بعدم الخلاف فيها بين الطائفة،و الإجماعات المحكيّة.

و به يظهر الجواب عما دلّ عليه بعض المعتبرة (1)بعد تسليم كونه صحيحاً (2)من جواز تحكيم المشتري و لزوم الحكم عليه بالقيمة السوقية فما زاد،مع أنّه غير صريح في صحة المعاملة،محتمل لوجوه غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلّة.

و نحوه الكلام فيما لو اشتراه بثمن مجهول القدر و إن شوهد؛ لبقاء الجهالة و ثبوت الغرر المنفي معها.

خلافاً للشيخ (3)في الموزون مطلقاً،و للمرتضى في مال السلم خاصّة (4)،و للإسكافي في المجهول مطلقاً إذا كان المبيع صبرة مشاهدة مع اختلافهما جنساً،لزوال الغرر بالمشاهدة و الربا بالاختلاف (5).و هو كسابقيه

ص:252


1- الكافي 5:/209 4،الفقيه 3:/145 640،التهذيب 7:/69 297،الوسائل 17:364 أبواب عقد البيع و شروطه ب 18 ح 1.
2- إنّما لم يقطع بصحة السند لتطرق النظر إليها بأنها مروية في باب ابتياع الحيوان من التهذيب عن الحسن بن محبوب عن رفاعة النخاس،و هما و إن كانا ثقتين إلّا أن طريق الشيخ إلى الحسن في هذه الرواية غير معلوم،و إن ذكر في المشيخة أن ما يرويه عنه في كتبه و مصنفاته فطريقه إليه كذا و كذا،و هو صحيح،لكن لم يعلم أن هذا الحديث من الكتب و المصنفات،و ما ذكره في الخلاصة من أنه إن كان الحديث مأخوذاً من المصنفات فهو صحيح و إلّا فهو حسن بإبراهيم بن هاشم لا نعرف مأخذه،فإن كان من الفهرست فهو صحيح،كذا قيل،و لا يخلو عن نظر،و لذا لم يقدح و سلم(منه(رحمه اللّه)).
3- في المبسوط في كتاب الإجارات(3:223)و لكن منع عنه في الخلاف فقال:لا يكفي النظر إلى رأس مال السلم إلّا بعد العلم بمقداره سواء كان مكيلاً أو موزوناً أو مذروعاً،و لا يجوز جزافاً(3:198).منه(رحمه اللّه).
4- الناصريات(الجوامع الفقهية):217.
5- نقله عنه في المختلف:385.

شاذّ.

أو الصفة،كمائة درهم،و إن كانت مشاهدة لا يعلم وصفها مع تعدّد النقد الموجود.

أو الجنس و إن علم قدره.

لتحقق الجهالة في الجميع،فيكون الشراء فاسداً و إن اتّصل به القبض.و ليس كالمعاطاة؛ لأنّ شرطها اجتماع شرائط البيع سوى العقد الخاص بلا خلاف.

و حيث بطل البيع يضمن المشتري تلف المبيع مع قبضه و نُقصانَه بفتح النون،عطف على التلف،أي يضمن نقصانه إن تلف البعض عيناً و منفعة بالمثل إن كان مثليّا،و إلّا فبالقيمة يوم التلف،على الأشهر الأقرب؛ لأنّ الانتقال إلى القيمة إنّما هو عند تعذّر دفع العين.

و قيل:يوم القبض (1).و قيل:الأعلى منه إليه (2).

و هو حسن إن كان التفاوت بسبب نقص في العين أو زيادة،إما باختلاف السوق فالأول لازم،فالإطلاق بعيد.

و أبعد منه القول الثاني؛ لعدم الدليل عليه بعد ما عرفت من أنّه قبل التلف كان مخاطباً بأداء العين خاصّة دون القيمة،و إنّما الانتقال إليها بعد تعذّر الوصول إلى المأمور به أوّلاً.

نعم في الصحيح الوارد في المكتري بغلة إلى حدّ تجاوز بها عنه بغير إذن الصاحب بعد سؤاله عن عطبها و ما يترتّب عليه من ضمانه بقوله:أ رأيت لو عطب البغل أو نفق (3)أ ليس كان يلزمني؟قال:« نعم قيمة البغل يوم

ص:253


1- كما اختاره المصنّف في الشرائع 2:17.
2- السرائر 2:326.
3- نفقت الدابة:هلكت و ماتت.مجمع البحرين 5:241.

خالفته» (1).

و هو كما ترى ظاهر في نصرة هذا القول،إلّا أنّ احتمال رجوع الظرف إلى لزوم القيمة لا إليها قائم،لكنّه بعيد،إلّا أنّ البُعد لا يوجب المصير إليه بعد معارضته بأقوى منه بالاعتبار و الاشتهار و أصالة البراءة عن الزائد لو كان في القيمة يوم القبض على يوم التلف،مع ظهور ذيله في خلافه و إن كان في النقص بالعيب كالكسر و الدَبَر و الغَمْز (2)،ففيه بعد السؤال عن ضمانه:« عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم تردّه» فتأمّل.

ثم الدليل على الضمان هنا و كذا في كلّ ابتياع فاسد و مأخوذ بالسوم الخبر المشهور:« على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (3)و القاعدة المشهورة:كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

و معناها أنّه كما يضمن المشتري مثلاً بصحيحه لو فات في يده، بمعنى أنّه يذهب من ماله و يلزم عليه إيصال الثمن إلى البائع،كذلك يضمن بفاسده و يلزم عليه ردّ المبيع و إيصاله إلى البائع مع نمائه.

و لا ريب في صحتها مع علمه بالفساد و عدم جواز التصرّف و وجوب الحفظ و الردّ على المالك؛ لأنه حينئذٍ غاصب أو كالغاصب.

و كذا مع الجهل به،أو العلم مع عدم العلم بوجوب الردّ في الحال، بناءً على أنّ القبض تصرّف في ملك الغير بغير إذنه،مع حيث اختصاصه في محلّ الفرض بزعم صحة المعاملة،فإذا انتفت انتفى الإذن المترتّب على

ص:254


1- الكافي 5:/290 6،التهذيب 7:/215 943،الإستبصار 3:/134 483،الوسائل 19:119 أبواب أحكام الإجارة ب 17 ح 1.
2- الدَّبَر بالتحريك:الجرح الذي يكون في ظهر الدابّة.لسان العرب 4:274.غَمزَت الدابة:مالت من رجلها.القاموس 2:192.
3- عوالي اللئلئ 2:/345 10،مستدرك الحاكم 2:47.

زعمها،فيكون التصرّف في العين حينئذٍ و أكلها أكل مال بالباطل،لانحصار وجه الحلّ في كون المعاملة بيعاً أو تجارة عن تراض أو هبة أو غيرها من وجوه التراضي بأكل المال من غير عوض.و ليس الأوّلين بمقتضى الفرض، و كذا البواقي،للقطع من جهة الزعم المتقدّم بعدم الرضاء بالتصرّف مع عدم بذل شيء في المقابل،فالرضاء المتقدّم كالعدم،و ذلك واضح.

و احتمال الإلحاق بالمعاطاة في عدم لزوم قيمة الفائت و الاكتفاء عنها بالعوض المبذول بالرضا في المقابل،كما في عبارة بعض الأصحاب (1)غير جيّد،بناءً على عدم الدليل على الاكتفاء بالعوض و لزومه بمجرد الرضاء السابق،بل يترتّب على العقود الناقلة بشرائط الصحة و هي هنا مفقودة.

فإن تراضيا بالبدلين بعد العلم بالفساد و استمرّ رضاهما فلا كلام فيما ذكره،و إن انتفى فالاكتفاء بالرضاء السابق في لزومه يحتاج إلى التأمّل،سيما مع العلم بأنّ المنشأ زعم صحة المعاملة،فبعد كشف الفساد و عدم الرضاء بعده لم يكن هناك رضاء في الحقيقة،فلكلّ منهما الرجوع إلى المال أو بدله مع التلف،فإنّ:« الناس مسلّطون على أموالهم» (2).

و لا فرق في الأموال بين الموجودة و التالفة بمقتضى إطلاق النص و صريح الجماعة.

فالقاعدة على إطلاقها مع اشتهار العمل بها كذلك لا يكاد يختلجها ريبة و لا يدانيها شبهة،فالمناقشة فيها مطلقاً أو في الجملة فاسدة.

و لو لا الإجماع في مسألة المعاطاة على عدم الرجوع في العين التالفة

ص:255


1- الحدائق 18:467.
2- عوالي اللئلئ 1:/222 99.

لكان اللازم فيها الرجوع إلى هذه القاعدة،و لكن الإجماع مانع و فارق بينهما و بين المسألة،فقياسها بها مع بطلانه قياس مع الفارق.

و يجب على البائع أن يردّ عليه أي على المشتري ما زاد في المبيع بفعله مطلقاً،منفعة كانت الزيادة كتعليم الصنعة أو عيناً و هي المشار إليها ب الصبغ،على الأشبه الأشهر،وفاقاً للنهاية و المقنعة (1)؛ لأنّها أثر فعله غير متبرّع به فيكون له،مع استلزام عدم وجوب الردّ الضرر و الحيف و إضاعة عمله مع احترامه في الشريعة حيث لم يوجد ما يوجب إبطاله.

خلافاً للمبسوط،فلا يردّ مطلقاً،بل هو للبائع؛ لأنّه نماء ملكه (2).

و للحلّي:فالتفصيل بين الزيادتين فيجب الردّ في الثانية إن أمكن الفصل،و إلّا كان شريكاً بالنسبة من القيمة،و لا في الأولى،بل تكون تابعة للعين (3).

ثم على المختار ينبغي تقييده بجهل القابض بالفساد،و إلّا فتفصيل الحلّي عند جماعة [في المسألة] مستحسن.و لا بأس به؛ فإنّه حينئذٍ كالغاصب الذي ليس له الرجوع إلى المنفعة بالإجماع،كما في المهذّب (4).

و إذا أطلق النقد انصرف إلى نقد البلد لأنّه في حكم التعيين؛ إذ ليس معه غرر و لا جهالة عرفاً و عادةً.و ذلك واضح مع الوحدة،و كذا مع التعدّد و أغلبيّة البعض المنصرف إليه الإطلاق كالأوّل بالضرورة.و كذا معه

ص:256


1- النهاية:393،المقنعة:593.
2- المبسوط 3:95.
3- السرائر 2:481.
4- المهذب البارع 2:361.

و التساوي في القدر و القيمة و الماليّة،و إن اختلف الأفراد بحسب الرغبة على قول لا يخلو عن قوّة إن لم يؤدّ التفاوت فيها إلى الغرر و الجهالة أو النزاع و المشاجرة،و إلّا فهو محلّ مناقشة،فالأجود بطلان البيع فيه و إن كان من الفروض النادرة.و كذا في التعدّد و عدم التساوي في الأُمور الثلاثة، وفاقاً لإطلاق جماعة (1).

و إن عيّن نقداً لزم مطلقاً بلا إشكال؛ لكونه جزءاً من العقد المأمور بالوفاء به.

و لو اختلفا في قدر الثمن فادّعى البائع الأكثر و المشتري الأقلّ فالقول قول البائع مع يمينه إن كان المبيع قائماً بعينه و قول المشتري مع يمينه إن كان تالفاً على الأظهر الأشهر،بل عليه في الخلاف الإجماع (2)،و هو ظاهر الغنية،حيث نسبه إلى الأصحاب،مشعراً (3)به، و نسب خلافه في الدروس إلى الندور (4)،و فيه نوع إشعار به أيضاً؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المرسل كالموثق بابن أبي نصر الثقة الذي أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة،مع أنّه لم يرو إلّا عن الثقة كما في العُدّة (5):

في الرجل يبيع الشيء فيقول المشتري:هو بكذا و كذا بأقلّ ممّا قال البائع، قال:قال:« القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشيء قائماً بعينه» (6).

ص:257


1- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:534.
2- الخلاف 3:148.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):590.
4- الدروس 3:242.
5- عدة الأُصول 1:386.
6- الكافي 5:/174 1،الفقيه 3:/171 765،التهذيب 7:/26 109،الوسائل 18:59 أبواب أحكام العقود ب 11 ح 1.

و يستدلّ بمفهومه على الحكم الثاني،مع موافقته للأصل المجمع عليه نصّاً و فتوى من أنّ على المنكر اليمين بناءً على كون المشتري خاصّة منكراً و إن توهّم كونه مطلقاً أو في الجملة مدّعياً،لاندفاع التوهّم برجوع النزاع إلى الزائد عن الثمن لا إلى أصل الانتقال؛ لكونه بينهما مسّلماً.

و هذا الأصل و إن عمّ منطوق الخبر و لذا قيل به فيه أيضاً،كما عن التذكرة (1)،إلّا أنّ اعتبار السند بما مرّ مضافاً إلى روايته في الكتب الثلاثة و اعتضاده بالشهرة العظيمة و حكاية الإجماع المتقدمة،مع أخصّيته بالإضافة إلى الأصل و القاعدة أوجب تخصيصها به،سيّما مع تأيّده بإطلاق الصحيح:« إن اختلفا فالقول قول ربّ السلعة أو يتتاركا» (2).

و ظاهر التتارك بقاء السلعة.

و في المسألة أقوال أُخر نادرة كادت تكون شاذّة،مع عدم قيام دليل صالح على أكثرها عدا القول المتقدّم،و هو تقديم قول المشتري مطلقاً.

و فيه زيادةً على ما مضى التأمّل في الإطلاق جدّاً؛ لرجوع الأمر في بعض الصور إلى التحالف،كأن يدّعي البائع البيع بألف درهم و المشتري البيع بغنم،فتأمّل.

و على المختار لو كانت العين قائمة لكنّها قد انتقلت عن المشتري انتقالاً لازماً كالبيع و العتق ففي تنزيله منزلة التلف قولان.قيل:أجودهما العدم،لصدق القيام عليها و هو البقاء،و منع مساواته للتلف في العلّة

ص:258


1- التذكرة 1:575.
2- الكافي 5:/174 2،التهذيب 7:/26 110،الوسائل 18:59 أبواب أحكام العقود ب 11 ح 2.

الموجبة للحكم (1).

و يحتمل قويّاً الثاني؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتبادر أو المتيقن من النص،و ليس إلّا إذا لم ينتقل العين عنه كذلك.

و لو تلف بعضه ففي تنزيله منزلة تلف الجميع،أو بقاء الجميع،أو إلحاق كلّ جزء بأصله أوجه.أوجهها الأوّل؛ لصدق عدم قيامها بعينه، الذي هو مناط تقديم قول البائع،مضافاً إلى الوجه المتقدّم في تقوية القول الثاني.

و منه يظهر الوجه في تقديم قول المشتري لو امتزج العين بغيره امتزاجاً لا يمكن تخليصه؛ لعدم صدق القيام عرفاً،فإنّ ظاهره أخصّ من الوجود،فتأمّل جدّاً.

و يجوز أن يوضع لظروف السمن و الزيت و نحوهما ما كان وضعه لها معتاداً لا زائداً عليه.

قال بعض الأفاضل:المراد أنّه يجوز بيع الموزون بأن يوزن مع ظرفه ثم يسقط من المجموع مقدار الظرف تخميناً بحيث يحتمل كونه مقدار الظرف لا أنقص و لا أزيد،بل و إن تفاوت لا يكون إلّا بشيء يتساهل بمثله عادة؛ ثم يدفع ثمن الباقي مع الظرف إلى البائع (2).

و يظهر من بعض العبارات عدم احتياج الإندار المحتمل للأمرين إلى المراضاة،و أنّ المحتاج إليها الثاني.و هما ظاهر الأصحاب،كالمتن و غيره، فيكون الإندار في الأول قهرياً.

و لعلّه للموثق:إنّا نشتري الزيت في أزقاقه و يحسب لنا فيه نقصان

ص:259


1- الروضة 3:537.
2- مجمع الفائدة 8:190.

لمكان الأزقاق،فقال(عليه السّلام)« إن كان يزيد و ينقص يعني يحتملهما،كما فهمه الأصحاب فلا بأس،و إن كان يزيد و لا ينقص فلا تقربه» (1).

بناءً على أنّ المراد نفي البأس على الإطلاق حصل المراضاة أم لا،من حيث اختصاص النهي عن الإندار للزائد بالصورة الثانية،لكون الجواز في الأول مقطوعاً به بين الأصحاب،فإن:« الناس مسلّطون على أموالهم» (2).

فظهر أنّ نفي البأس عن الإندار في الشقّ الأوّل إنّما هو في الصورة الثانية التي وقع النهي فيها عنه في الشق الثاني خاصة أو مطلقاً،إلّا أنّ في بعض النصوص القاصرة الأسانيد اشتراط التراضي في الشقّ الأوّل أيضاً.

ففي رواية أنّه يطرح لظروف السمن و الزيت لكلّ ظرف كذا و كذا رطلاً فربما زاد و ربما نقص،قال:« إذا كان ذلك عن تراضٍ منكم فلا بأس» (3)، و نحوه في أُخرى مرويّة عن قرب الإسناد (4).

و مراعاتهما أحوط و إن كان في التعيّن نظر.

و يستفاد من الخبر الأوّل كالعبارة و نحوها جواز الإندار للناقص من دون توقّف على التراضي؛ و لعلّه لما يستفاد من كلمات الأصحاب و غيرها كون الإندار حقّا للمشتري و بيده،فله إسقاط ما يضرّ به،و ليس للبائع التسلّط عليه في منع عن ذلك،و هو واضح.

فما ذكره بعض الأصحاب من إلحاق ذلك بإندار الزائد في التوقّف

ص:260


1- الكافي 5:/183 4،التهذيب 7:/128 559،الوسائل 17:367 أبواب عقد البيع و شروطه ب 20 ح 4.
2- عوالي اللئالئ 1:/222 99.
3- التهذيب 7:/128 558،الوسائل 17:366 أبواب عقد البيع و شروطه ب 20 ح 1.
4- قرب الإسناد:/261 1035،الوسائل 17:367 أبواب عقد البيع و شروطه ب 20 ح 3.

على المراضاة (1)،مشكل على إطلاقه،و إنما يصحّ فيما لو كان الإندار بيد البائع أو مشتركاً بينهما، و أما لو كان بيد المشتري كما هو ظاهرهم حتى الملحق فلا؛ لما مضى.

الخامس القدرة على تسليمه

الخامس من الشرائط في كلّ من الثمن و المثمن: القدرة على تسليمه بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية و عن التذكرة (2)و هو الحجّة،مضافاً إلى استلزام البيع مع عدمها الغرر و السفاهة.

فلو باع الحمام الطائر أو غيره من الطيور المملوكة لم يصحّ إلّا أن يقتضي العادة بعوده فيصحّ عند جماعة (3).

و لا يخلو عن قوّة،لعموم الأدلة؛ و انتفاء الموانع من الإجماع، للخلاف مع شهرة الجواز.و الغرر،و لانتفائه عرفاً بتنزيل اعتياد العود فيه منزلة التحقّق،فهو كالعبد المنفذ في الحوائج و الدابّة المرسلة.

خلافاً للفاضل في النهاية،فأحتمل بطلانه (4).

و لو باع المملوك الآبق المتعذّر تسليمه منفرداً لم يصحّ إجماعاً،نصّاً و فتوى،إلّا إذا قدر المشتري على تحصيله دون البائع فجائز حينئذٍ عند جماعة (5)،بل ربما ظهر من الانتصار أنّه ممّا انفردت به الإمامية (6).

ص:261


1- جامع المقاصد 4:115.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):585،التذكرة 1:466.
3- منهم:الشهيدان في اللمعة(الروضة البهية 3):249،و صاحب الحدائق 18:434.
4- نهاية الإحكام 2:481.
5- منهم:العلامة في التذكرة 1:466،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:35،و الشهيد الثاني في الروضة 3:249.
6- الانتصار:209.

و هو كذلك؛ لعموم الأدلّة؛ و انتفاء الموانع من الإجماع،للخلاف.

و الغرر،لاندفاعه بالفرض.

خلافاً للشيخ و من تبعه (1)فكما لا يقدر؛ لإطلاق ما سيأتي من النص.و في شموله لمحلّ الفرض نظر.

و على المختار لو بيع مع الضميمة لم يلحقها أحكامها الآتية،فيوزّع الثمن عليهما لو لم يقدر على تحصيله أو تلف قبل القبض،و لا يتخيّر المشتري لو لم يعلم بإباقه،و لا يشترط في الضميمة صحة إفرادها بالبيع، لأنّه حينئذٍ بمنزلة المقبوض،و غير ذلك من الأحكام (2).

ص:262


1- الشيخ في النهاية:409،و الخلاف 3:168،و الديلمي في المراسم:177،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):586.
2- أقول و باللّه سبحانه التوفيق-:إن بيع الآبق الذي لا يقدر البائع على تسلمه على قسمين:الأوّل ما إذا لم يقدر المشتري على ذلك أيضاً،و حكمه فساد البيع مطلقاً،إلّا إذا انضمّ إليه ضميمة يمكن أن تكون طرفاً للمعاوضة منفردةً فيصح حينئذٍ.و لضميمة أحكام: منها:أنه لو لم يقدر على تسليمها البائع و لا المشتري كان البيع باطلاً من أصليه حتى في الضميمة،لعدم حصول الشرط الذي هو القدرة على التسليم و التسلم في المنضمّ و المنضمّ إليه،فلا يوزع الثمن عليهما،بل يردّ على المشتري كلا،و لا كذلك في القسم الثاني. و منها:أنه لو لم يعلم المشتري بإباقه ثم علم ثبت له الخيار بسبب عدم القدرة على تسلمه في فسخ أصل البيع حتى بالنسبة إلى الضميمة،إذا لو لم يثبت له الخيار كذلك و كان البيع بالإضافة إلى الضميمة لازماً لزم تبعض الصفقة،و لا كذلك في القسم الثاني،فإنّه لم يتّجه مطلقاً حتى في الضميمة من الجهة المزبورة أعني تبعّض الصفقة كما يأتي. و منها:أنه يشترط في الضميمة أن يكون مما يقبل المعاوضة منفردة حتى يصحّ ما في النصّ و الفتوى من أنه إذا لم يسلم له العبد كان الثمن بإزاء الضميمة،و لا كذلك الحكم في الضميمة في القسم الثاني. القسم الثاني:ما إذا قدر المشتري على تسلمه دون البائع،فإن قلنا بعدم تأثير قدرة المشتري في صحة البيع فسد،كما عليه الشيخ.و لو بيع مع الضميمة ترتّب عليها حكم الضميمة في المسألة السابقة.و إن قلنا بتأثيره في الصحّة كما هو المختار وفاقاً للمرتضى صحّ.و إذا بيع مع الضميمة لم يترتّب على هذه الضميمة الأحكام السابقة على الضميمة في المسألة السابقة. أما الأول منها و هو عدم توزيع الثمن عليها و على العبد إذا لم يقدر على تسليمها فلأنّه لفساد البيع بالإضافة إليهما معاً،لعدم الشرط من القدرة على التسليم و التسلّم.و لا كذلك الحكم هنا لو لم يدر على تسليم العبد و لا تسليمها،أو قدر عليها و لكن تلفت قبل القبض،فإنه يوزّع الثمن على العبد و على الضميمة،و يردّ على المشتري ما قابل الضميمة و يبقى ما قابل العبد لو لم يفسخ بالتبعّض،لأن العبد المزبور في حكم المقبوض،فلا وجه لإسقاط بعض ما قابله من الثمن،بخلاف الضميمة لعدم تبعّضها في كلتا الصورتين من عدم القدرة على تسليمه الضميمة و لا تسلمها و تلفها،كما هو واضح. و أما الحكم الثاني و هو خيار المشتري بالتبعّض فلأن الخيار به هناك ثابت لصدق التبعّض لفوات العبد بعد القدرة على تسليمه و تسلّمه.و لا كذلك هنا،فإن القدرة من المشتري تجعله من قبيل المقبوض،و الضميمة أيضاً مقبوضة بحكم الفرض،لعدم المانع المزبور من جهتها،و ليس المراد ثبوت الخيار من جهة إباق العبد،لأنّ الخيار به ليس من الأحكام المترتبة على الضميمة،فالخيار المنفي و إن كان مطلقاً المراد به ههنا من جهة التبعّض فإنه الذي من أحكام الضميمة. و أما الحكم الثالث و هو كون الضميمة ممّا يقبل المعاوضة منفردة فإنّ الضميمة هنا ليست ممّا يكون الثمن كلّها بإزائها خاصّة كما في المسألة السابقة،فلا يشترط فيها القابليّة المزبورة،بل الضميمة هنا جزء من المبيع المركّب منها و من العبد الآبق و يكفي قابليّة الثمن للتعويض عنهما،بناءً على أن العبد في حكم المقبوض نظراً إلى قدرة المشتري على تسليمه،و ذلك واضح. و ممّا أشرنا يظهر أنّ التعليل بقوله:لأنّ ذلك في حكم المقبوض راجع إلى الأحكام الثلاثة.(منه رحمه اللّه).

و يصحّ بيع الآبق الذي لم يقدر عليه كلّ منهما لو ضمّ إليه شيء يصحّ بيعه منفرداً،إجماعاً،كما في الانتصار و الغنية و التنقيح (1)؛ و هو الحجة المخصّصة للقاعدة.

ص:263


1- الانتصار:209،الغنية(الجوامع الفقهية):586،التنقيح الرائع 2:35.

مضافاً إلى المعتبرة كالصحيح:أ يصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة و أُعطيهم الثمن فأطلبها انا؟قال:« لا يصلح شراؤها إلّا أن تشتري منهم معها ثوباً أو متاعاً،فتقول لهم:أشتري منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع بكذا و كذا،فإنّ ذلك جائز» (1).

و الموثق:في الرجل يشتري العبد و هو آبق عن أهله،قال:

« لا يصلح إلّا أن يشتري معه شيئاً آخر،و يقول:أشتري منك هذا الشيء و عبدك بكذا و كذا،فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه» (2).

و يستفاد منه ما ذكره الأصحاب من غير خلاف يعرف من أنّه إن وجده المشتري و قدر على إثبات يده عليه،و إلّا كان الثمن بإزاء الضميمة، كان عدم القدرة للتلف أو غيره؛ مضافاً إلى إقدامه إلى كون الثمن بإزاء الجملة و إيقاعه العقد عليه فيجب عليه الوفاء به،و نزل الآبق حينئذٍ بالنسبة إلى الثمن منزلة المعدوم،و لكن لا يخرج بالتعذّر عن ملك المشتري، فيصحّ عتقه عن الكفارة و بيعه لغيره مع الضميمة،و أنّه لا خيار للمشتري بعدم القدرة على تسلّمه مع العلم بإباقه،مضافاً إلى قدومه على النقص فلا تسلّط له على البائع حينئذٍ.

و أما لو جهل جاز الفسخ إن كان البيع صحيحاً؛ دفعاً للضرر.و لا ينافيه الخبر؛ لكونه في العلم بالإباق ظاهر بل صريحاً.

ص:264


1- الكافي 5:/194 9،التهذيب 7:/124 541،الوسائل 17:353 أبواب عقد البيع و شروطه ب 11 ح 1.
2- الكافي 5:/209 3،الفقيه 3:/142 622،التهذيب 7:/124 540،الوسائل 17:353 أبواب عقد البيع و شروطه ب 11 ح 2.

ثم إنّه يشترط في بيعه ما يشترط في غيره من كونه معلوماً موجوداً عند العقد و غير ذلك سوى القدرة على تسليمه؛ لعموم الأدلة.فلو ظهر تلفه حين البيع،أو استحقاقه لغير البائع،أو مخالفاً للوصف بطل لا بيع فيما يقابله من الثمن في الأوّلين،و تخيّر المشتري في الثالث على الظاهر.

و لا يلحق بالآبق غيره ممّا في معناه كالبعير الشارد و الفرس العائر، على الأشهر الأقوى،بل المملوك المتعذّر تسليمه بغير الإباق أيضاً؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل المتقدّم على المنصوص،فلا يجوز بيعه منفرداً و لا منضماً؛ إلّا أن تكون الضميمة بالذات مقصودة،كما مضي.

و أمّا الضالّ و المجحود من غير إباق فقيل:يصحّ بيعهما و يراعي بإمكان التسليم،فإن أمكن في وقت قريب لا يفوت به شيء من المنافع يعتدّ به،أو رضي المشتري بالصبر إلى أن يسلّم،لزم.و إن تعذّر فسخ المشتري إن شاء،و إن شاء التزم و بقي على ملكه ينتفع به بالعتق و نحو (1).

و يحتمل قوياً وفاقاً للروضة- (2)بطلان البيع؛ لفقد شرط الصحّة، و هو إمكان التسليم المستلزم للغرر و السفاهة عرفاً و عادةً،اللذين هما المعيار في إثبات هذا الشرط من أصله.

نعم،لو حصل العلم أو الظنّ المتاخم له بإمكان التسليم أمكن المصير إلى الأوّل.

الآداب
اشارة

و أمّا الآداب:

المستحب من الآداب

فالمستحب التفقّه فيه و لو بالتقليد للعارف الفقيه فيما يتولّاه بنفسه من التكسّب،ليعرف صحيح العقد من فاسده،و يسلم من الربا.

ص:265


1- قال به صاحب الحدائق 18:437.
2- الروضة 3:251.

و التسوية بين المبتاعين بتقديم الباء المنقطة تحتها نقطة على التاء بالنقطتين الفوقانيّتين،جمع مبتاع،في الإنصاف و حسن المعاملة،فلا يفرق بين المماكس و غيره،و لا بين الشريف و الوضيع.

نعم،لو فاوت بينهم بسبب فضيلة و ديانة فلا بأس،كم ذكره جماعة (1).

قيل:و لكن يكره للآخذ قبول ذلك،و لقد كان السلف يوكّلون في الشراء من لا يعرف،هرباً من ذلك (2).

و الإقالة و فسخ المعاملة لمن استقاله و طلبه إذا كان مؤمناً، مشترياً كان أو بائعاً.

و الشهادتان بالتوحيد و الرسالة و التكبير عند الابتياع أي بعده،قائلاً بعدهما:« اللّهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه من فضلك فاجعل لي فيه فضلاً،اللّهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه من رزقك فاجعل لي فيه رزقاً» كما في الصحيحين (3)،و فيهما« ثم أعد كلّ واحدة ثلاث مرّات» .و ظاهر الدعاء اختصاص استحبابه للشراء للتجارة لا مطلقاً،و مع ذلك ظاهرهما استحباب التكبير خاصة بهذه الكيفيّة لا مطلقاً،فإلحاق الشهادتين به و الحكم باستحبابهما من دونها كما في العبارة و غيرها لم أقف لهما من الأثر على الأدلة،و لعلّهما للميمنة و البركة و لا بأس بهما؛ للمسامحة في أدلّة السنن و الكراهة،مع انه ورد الأمر

ص:266


1- منهم:الشهيد الثاني في الروضة البهية 3:286،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:119،و صاحب الحدائق 18:23.
2- الروضة 3:286.
3- الأول:الكافي 5:/156 1،التهذيب 7:/9 33،الوسائل 17:410 أبواب آداب التجارة ب 20 ح 1.الثاني:الفقيه 3:545/125،الوسائل 17:411 أبواب آداب التجارة ب 20 ح 1.

بالشهادتين في خبرين،لكن مع دعاءين بعدهما مختلفي الكيفية،إحداهما فيمن دخل سوقاً أو مسجد جماعة (1)،كما في أحدهما،و ثانيتهما فيما إذا جلس التاجر مجلسه،كما في الآخر (2).

و أن يأخذ ناقصاً و يعطي راجحاً نقصاناً و رجحاناً لا يؤدّي إلى الجهالة،بأن يزيد كثيراً بحيث يجهل مقداره تقريباً.

و لو تنازعا في تحصيل الفضيلة قيل:قدّم من بيده الميزان و المكيال؛ لأنّه الفاعل المأمور بذلك زيادة على كونه معطياً و آخذاً (3).

و لا خلاف في شيء من ذلك،و النصوص بالجميع سوى ما تقدّمت إليه الإشارة مستفيضة،منها« الفقه ثم المتجر،و اللّه للربا في هذه الأُمّة دبيب أخفى من دبيب النمل على الصفا» (4).

و منها:في المفاوت بين المماكس و غيره بإعطاء الزائد و عدمه:« لو كان يزيد الرجلين و الثلاثة لم يكن بذلك بأس،فأمّا أن يفعله لمن أبى عليه و كايسه و يمنعه ممّن لم يفعل فلا يعجبني إلّا أن يبيعه بيعاً واحداً» (5).

و منها:« أيّما عبد مسلم أقال مسلماً في بيع أقاله اللّه تعالى عثرته يوم القيامة» (6).

ص:267


1- الفقيه 3:/124 541،المحاسن:/40 48،الوسائل 17:408 أبواب آداب التجارة ب 18 ح 3.
2- الكافي 5:/155 1،الفقيه 3:/124 542،الوسائل 17:406 أبواب آداب التجارة ب 18 ح 1.
3- الروضة 3:291.
4- الكافي 5:/150 1،الفقيه 3:/121 519،التهذيب 7:/6 16،الوسائل 17:381 أبواب التجارة ب 1 ح 1.
5- الكافي 5:/152 10،التهذيب 7:/8 25،الوسائل 17:398 أبواب آداب التجارة ب 11 ح 1.
6- الكافي 5:/153 16،الفقيه 3:/122 526،التهذيب 7:/8 26،الوسائل 17:386 أبواب آداب التجارة ب 3 ح 2.

و ليس فيه كالعبارة تقييد الإقالة بصورة الندامة،خلافاً لجماعة، فقيّدوها بها (1)؛ حملاً للإطلاق عليه،لأنّه الغالب في أفراده؛ و التفاتاً إلى ورود القيد في الخبر:إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)لم يأذن لحكيم بن حزان في تجارته حتى ضمن له إقالة النادم (2)،الحديث.

و في الموثق المروي عن الخصال:« أربعة ينظر اللّه تعالى إليهم يوم القيامة» و عدّ منهم« من أقال نادماً» (3).

و التحقيق:أنّه ليس فيهما كعبارة هؤلاء الجماعة نفي الاستحباب عمّا عدا محلّ القيد،فالإطلاق أولى،مع ما فيه من قضاء الحاجة،و إدخال المسرّة في قلب الأخ المؤمن،المندوب إليهم مطلقاً في الشريعة.

و منها:« لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان» (4)و الأخبار بمعناه كثيرة (5)،إلّا أنّ غاية ما يستفاد منها استحباب إعطاء الراجح.

و لم أقف على ما يدلّ على الحكم المقابل صريحاً،بل و لا ظاهراً، و إن كان في آية المطفّفين و بعض النصوص نوع اشعار به،ففي الخبر:« من أخذ الميزان بيده فنوى أن يأخذ لنفسه وافياً لم يأخذ إلّا رجحاً،و من أعطى

ص:268


1- منهم:الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 3):286،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:119،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3:19.
2- الكافي 5:/151 4،التهذيب 7:/5 15،الوسائل 17:385 أبواب آداب التجارة ب 3 ح 1.
3- الخصال:/224 55،الوسائل 17:387 أبواب التجارة ب 3 ح 5.
4- الكافي 5:/159 1،الفقيه 3:/123 535،تهذيب 7:/11 44،الوسائل 17:392 أبواب آداب التجارة ب 7 ح 3.
5- الوسائل 17:392 أبواب آداب التجارة ب 7.

فنوى أن يعطي سواء لم يعط إلّا ناقصاً (1)فتأمل جدّاً.

المكروه من الآداب

و المكروه أُمور: مدح البائع سلعته و ذمّ المشتري لها و الحلف على البيع و الشراء؛ للمستفيضة منها:« من باع و اشترى فليحفظ خمس خصال و إلّا فلا يشترِ و لا يبع:الربا،و الحلف،و كتمان العيب،و المدح إذا باع،و الذّم إذا اشترى» (2).

و منها:« ثلاثة لا ينظر اللّه تعالى إليهم:أحدهم رجل اتّخذ اللّه بضاعة،لا يشتري إلّا بيمين،و لا يبيع إلّا بيمين» (3).

و منها:« ويل للتاجر من لا و اللّه و بلى و اللّه» (4).

و موضع الأدب الحلف صادقاً،و أمّا الكاذب فعليه لعنة اللّه تعالى.

و البيع في موضع يستتر فيه العيب و من غير قصد إليه،و إلّا فيحرم؛ للصحيح:« إنّ البيع في الظلال غشّ،و الغشّ لا يحلّ» (5).

و التماس الربح على المؤمن ففي الخبر:« ربح المؤمن على المؤمن حرام (6)،إلّا أن يشتري بأكثر من مائة درهم فاربح عليه قوت

ص:269


1- الكافي 5:/159 2،الفقيه 3:/123 534،التهذيب 7:/11 46،الوسائل 17:393 أبواب آداب التجارة ب 7 ح 5.
2- الكافي 5:/15 2،الفقيه 3:/120 515،تهذيب 7:/6 18،الخصال:/285 38،الوسائل 17:383 أبواب آداب التجارة ب 2 ح 2.
3- الكافي 5:/162 3،التهذيب 7:/13 56،الوسائل 17:419 أبواب آداب التجارة ب 25 ح 2.
4- الفقيه 3:371/97،الوسائل 17:420 أبواب آداب التجارة ب 25 ح 5؛ بتفاوت يسير.
5- الكافي 5:/160 6،الفقيه 3:/172 770،التهذيب 7:/13 54،الوسائل 17:466 أبواب آداب التجارة ب 58 ح 1.
6- في المصادر:ربا.

يومك،أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم و ارفقوا بهم» (1).

و ظاهره الحرمة،إلّا أنّ الأصل مع ضعف السند،و عموم أدلّة جواز المرابحة،و خصوص الخبر:« إن ولّيت أخاك أي بعته بالتولية و رأس المال فحسن،و إلّا فبع بيع البصير المداق» (2)أوجب الحمل على الكراهة،مع احتمال الإبقاء على الظاهر و التخصيص من وجه آخر،و هو الحمل على زمان قيام مولانا القائم عليه السلام،كما في الخبر حيث سئل فيه عن تفسيره (3).

قيل:و يستفاد من آخر وروده مورد التقيّة (4)و فيه نظر.

و كيف كان،فلا ريب في الكراهة مسامحة في أدلّتها،سيّما مع فتوى الأصحاب بها كافّة.

إلّا مع الضرورة فيأخذ منهم نفقة يوم له و لعياله موزّعة على المعاملين في ذلك اليوم مع انضباطهم،و إلّا ترك الربح على المعامل بعد تحصيل قوت يومه.

كلّ ذلك مع شرائهم للقوت،أمّا للتجارة فلا كراهة مع الرفق،كما دلّت عليه الرواية.

و التماسه أيضاً على من يعده بالإحسان بأن يقول له:هلمّ

ص:270


1- الكافي 5:/154 22،التهذيب 7:/7 23،الوسائل 17:396 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 1.
2- الكافي 5:/153 1،التهذيب 7:/7 24،الوسائل 17:397 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 2.
3- التهذيب 7:/178 785،الإستبصار 3:/7 233،الوسائل 17:397،أبواب التجارة ب 10 ح 4.
4- الحدائق 18:26.

أُحسن إليك،فيجعل إحسانه الموعود به ترك الربح عليه.

ففي الخبر:« إذا قال الرجل للرجل:هلمّ أُحسن بيعك،يحرم عليه الربح» (1).

و الجواب عن الحرمة بعين ما مرّ في الرواية السابقة.

و السوم و هو الاشتغال بالتجارة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لنهي النبي(صلّى اللّه عليه و آله)عن كما في الخبرين (2)،مع أنّه وقت دعاء و مسألة من اللّه سبحانه لا وقت تجارة،و في الخبر:« إنّ الدعاء فيه أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد» (3).

و دخول السوق أوّلاً و الخروج آخراً،بل يبادر إلى قضاء حاجته و يخرج منه سريعاً؛ لأنّه مأوى الشياطين،كما أنّ المسجد مأوى الملائكة فيكون على العكس،ففي مرسل الفقيه:« شرّ بقاع الأرض الأسواق،و هي ميدان إبليس،يغدو برايته،و يضع كرسيّه،و يبثّ ذريّته،فبين مطفّف في قفيز،أو طايش في ميزان،أو سارق في ذرع،أو كاذب في سلعة،فيقول:

عليكم برجل مات أبوه و أبوكم حي فلا يزال مع ذلك أوّل داخل و آخر خارج،و خير البقاع المساجد،و أحبّ أهلهم إلى اللّه تعالى أوّلهم دخولاً و آخرهم خروجاً منها» (4).

ص:271


1- الكافي 5:/152 9،الفقيه 3:/173 774،التهذيب 7:/7 21،الوسائل 17:395 أبواب التجارة ب 9 ح 1.
2- الأوّل:الكافي 5:/152 12،الفقيه 3:/122 529،التهذيب 7:/8 28،الوسائل 17:399 أبواب آداب التجارة ب 12 ح 2.الثاني:اُنظر سنن ابن ماجه 2:/744 2206.
3- الخصال:616،الوسائل 6:461 أبواب التعقيب ب 18 ح 10.
4- الفقيه 3:/124 539،الوسائل 17:468 أبواب آداب التجارة ب 60 ح 1.

و نحوه المروي عن المجالس بزيادة« و أبغض أهل الأسواق أوّلهم دخولاً إليها و آخرهم خروجاً منها» (1).

و لا فرق في ذلك بين التاجر و غيره،و لا بين أهل السوق عادةً و غيرهم.

و مبايعة الأدنين قيل:و هم الذين يحاسبون على الشيء الدون، أو من لا يسرّه الإحسان و لا تسوؤه الإساءة،أو من لا يبالي بما قال و لا ما قيل له (2).و في الفقيه نسب التفاسير الثلاثة إلى الأخبار (3)،و لكن في تفسير السفلة.

و ذوي العاهات و النقص في أبدانهم،كالجنون و الجذام و البرص و العمى و العرج.

و الأكراد و هم معروفون.

و لا خلاف في الكراهة في شيء من الثلاثة،و النصوص بها مستفيضة،ففي عدّة منها:« لا تخالطوا و لا تعاملوا إلّا من نشأ في الخير» (4).

و في رواية:« إيّاكم و مخالطة السفلة،فإنّ السفلة لا يؤول إلى خير» (5).

و في عدّة منها أيضاً:« لا تعامل ذا عاهة فإنّهم أظلم شيء» (6).

ص:272


1- مجالس الشيخ:144،الوسائل 17:469 أبواب آداب التجارة ب 60 ح 2.
2- المسالك 1:176.
3- الفقيه 3:100،ليس فيه التفسير الأوّل.
4- الفقيه 3:/100 388،علل الشرائع:/526 2،الوسائل 17:414 أبواب آداب التجارة ب 21 ح 4،6.
5- الفقيه 3:/100 392،علل الشرائع:/527 1،الوسائل 17:417 أبواب آداب التجارة ب 24 ح 2.
6- الوسائل 17:415 أبواب آداب التجارة ب 22.

و في الخبر:إنّ عندنا قوماً من الأكراد لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم و نبايعهم،فقال:« لا تخالطوهم،فإنّ الأكراد حيّ من أحياء الجنّ كشف اللّه تعالى عنهم الغطاء،فلا تخالطوهم» (1).

و التعرّض ل مباشرة الكيل أو الوزن إذا لم يحسن شيئاً منهما؛ حذراً من الزيادة و النقصان المؤدّيين إلى المحرّم.

و في الروضة:و قيل:يحرم حينئذٍ؛ للنهي عنه في الأخبار المقتضي للتحريم،و حمل على الكراهة (2).انتهى.

و لم أقف على هذا النهي،نعم في المرسل قلت له:رجل من نيّته الوفاء و هو إذا كان لم يحسن الكيل،قال:« فما يقول الذين حوله؟» قلت:

يقولون:لا يوفي قال:« هذا لا ينبغي له أن يكيل» (3).

و هو مع إرساله و اختصاصه بالكيل غير ظاهر في التحريم،بل مشعر بالكراهة،كما ذكره الجماعة (4).

و الاستحطاط أي طلب الوضيعة من الثمن بعد الصفقة للخبرين،في أحدهما« نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عن الاستحطاط بعد الصفقة» (5)و في بعض النسخ بدل الصفقة« الضمنة» بالنون،أي لزوم البيع و ضمان كلّ منهما به ما صار إليه.

ص:273


1- الكافي 5:/158 2،التهذيب 7:/11 42،العلل:178،الوسائل 17:416 أبواب آداب التجارة ب 23 ح 1.
2- الروضة 3:294.
3- الكافي 5:/159 4،الفقيه 3:/123 533،التهذيب 7:/12 47،الوسائل 17:394 أبواب آداب التجارة ب 8 ح 1.
4- في« ح»:جماعة.
5- الكافي 5:1/286،الفقيه 3:641/145،التهذيب 7:1017/333،الإستبصار 3:243/73،الوسائل 17:452 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 1.

و في الثاني:« الوضيعة بعد الصفقة حرام» (1).

و ظاهرهما التحريم،إلّا أنّ قصور السند مع الأصل،و شهرة الكراهة بل الإجماع عليها،أوجب الحمل على الكراهة،سيّما مع ورود الرخصة به في المستفيضة،منها:الرجل يشتري من الرجل البيع فيستوهبه بعد الشراء من غير أن يحمله على الكره،قال:« لا بأس» (2).

و منها:الرجل يشتري المتاع ثم يستوضع،قال:« لا بأس» (3)، و نحوهما خبران آخران (4).

لكن الخبرين الأوّلين معتبرا السند؛ لوجود ابن أبي عمير في سند الأوّل،الجابر جهالة الراوي بعده،و وثاقة الرواة في الثاني في التهذيب و إن ضعف في الكافي،إلّا أنّ معارضتهما للمستفيضة المنجبرة بالأصل و الشهرة غير واضحة،سيّما مع اعتبار سند بعضها بوجود صفوان الذي أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة،فمثله يوازي الرواية الأوّلة.

و أما الثانية و إن كانت صحيحة،إلّا أنّ ظاهر سياقها الذي تركناه الحرمة في الوضيعة مطلقاً و لو بدون الاستحطاط،و لم أقف على من قال به حرمة و لا كراهة،فتشذّ الرواية.

ص:274


1- الكافي 5:/286 2،الفقيه 3:646،التهذيب 7:/80 346،الوسائل 17:453 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 6.
2- الفقيه 3:/146 645،الوسائل 17:454 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 7.
3- التهذيب 7:/333 1018،الإستبصار 3:/73 244،الوسائل 17:453 أبواب التجارة ب 44 ح 3.
4- الأوّل:التهذيب 7:/333 1019،الإستبصار 3:/74 245،الوسائل 17:453 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 4.الثاني:التهذيب 7:/38 159،الوسائل 17:453 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 5.

و الزيادة في السلعة وقت النداء عليها من الدلاّل،بل يصبر حتى يسكت ثم يزيد؛ للدلالة على الحرص على الدنيا المرغوب عنه، و للخبر:« إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد،و إنّما يحرّم الزيادة النداء و يحلّها السكوت» (1).

و دخوله في سوم أخيه المؤمن بيعاً أو شراءً،بأن يطلب ابتياع الذي يريد أن يشتريه و يبذل زيادة عنه ليقدّمه البائع،أو يبذل للمشتري متاعاً غير ما اتّفق عليه هو و البائع؛ للنهي عنه في خبر المناهي المروي في الفقيه (2).

و هو و إن اقتضى التحريم،إلّا أنّ الأصل مع ضعف السند و شهرة الكراهة أوجب الحمل عليها،سيّما مع تضمّنه كثيراً من النواهي التي هي لها بإجماع الطائفة (3).

فالفتوى بالحرمة كما عن الطوسي و جماعة ضعيفة،و إن أيّدت بأنّ فيه كسر قلب المؤمن،و بأحاديث الحقوق المشهورة (4)؛ للشك في إفادة الأوّل الحرمة في نحو المسألة،و الأحاديث محمولة على الكراهة،و لهذا لم يقولوا بوجوب المساواة في الأموال و الشبع و الجوع.

و ما يقال من أنّ العمل بالأحاديث يلزم إلّا ما خرج بالإجماع،مدفوع باستلزامه خروج الأكثر عن العام،المقتضي لخروجه عن الحجية على

ص:275


1- الكافي 5:/305 8،الفقيه 3:/172 769 بتفاوت يسير،التهذيب 7:/227 994،الوسائل 17:458 أبواب آداب التجارة ب 49 ح 1.
2- الفقيه 4:/2 1،الوسائل 17:458 أبواب آداب التجارة ب 49 ح 3.
3- الطوسي في النهاية:374؛ و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):587،و السرائر 2:234،و فقه القرآن 2:45.
4- الوسائل 15:172 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 3.

الأظهر الأشهر بين الطائفة،فلم يبق إلّا حملها على الكراهة.

و إنّما يكره أو يحرم بعد التراضي أو قريبه خاصّة.فلو ظهر له ما يدلّ على عدمه فلا كراهة و لا تحريم؛ للأصل،و عدم صدق الدخول في السوم حينئذٍ عادة،و ادّعى عليه الاتّفاق في المسالك (1).

و لو كان السوم بين اثنين سواء دخل أحدهما على النهي أم لا بأن ابتدءا فيه معاً قبل محلّ النهي لم يجعل نفسه بدلاً عن أحدهما؛ لصدق الدخول في السوم جدّاً.

و لا كراهة فيما يكون في الدلالة؛ لأنّها عرفاً موضوعة لطلب الزيادة ما دام الدلّال يطلبها،فإذا حصل الاتفاق بين الدلّال و بين الغريم تعلّقت الكراهة،لأنّه لا يكون حينئذٍ في الدلالة و إن كان بيد الدلاّل.

و لا كراهة في طلب المشتري من بعض الطالبين الترك؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتبادر،أو المتيقن من النصّ و هو الدخول في السوم بغير هذا النحو،إلّا أن يستلزم لجبر الوجه فيكره،لعدم الرضا في نفس الأمر،مع احتمال العدم،للأصل المتقدّم.

و كيف كان،لا كراهة في ترك الملتمس منه قطعاً،بل ربما يستحب؛ لأنّ فيه قضاء حاجة لأخيه.

قيل:و يحتمل الكراهة لو قلنا بكراهة طلبه؛ لإعانته له على فعل المكروه (2).

و فيه نظر؛ إذا لا دليل على الكلّية بعد تسليم موضوعها،و إنّما هو لو تمّ في الأمر المحرّم خاصّة،مع أنّ المكروه إنّما هو طلب الترك و قد حصل

ص:276


1- المسالك 1:176.
2- الروضة 3:296.

من الطالب من دون توقف على إعانة الملتمس،فليس في إجابته له إعانة على الكراهة،فتأمل.

و أن يتوكّل في بيع المال حاضر لباد و هو الغريب الجالب للبلد و إن كان قروياً؛ للنصوص منها:« لا يبيع حاضر لباد،و المسلمون يرزق اللّه تعالى بعضهم من بعض» (1)و في بعض النسخ:« ذروا المسلمين يرزق اللّه تعالى» (2).و نحوه المروي عن مجالس الشيخ (3).

و سئل عن تفسيره في بعضها فقال:« إنّ الفواكه و جميع أصناف الغلّات إذا حملت من القرى فلا يجوز أن يبيع لهم أهل السوق من الناس، ينبغي أن يبيعه حاملوه من القرى و السواد» .و ظاهره الاختصاص بالنوعين،لا كلّ ما يجلب كما هو ظاهر الأصحاب،و لذا اقتصر عليهما بعض المتأخّرين (4).و العموم أولى،تبعاً لهم؛ التفاتاً إلى عموم التعليل،و حملاً للمفسّر على الغالب.

و منه مضافاً الى التعليل يظهر الوجه في تعميم البادي للقروي.

و ظاهر النهي التحريم، و لذا قيل:يحرم كما عن الخلاف و المبسوط و السرائر و الوسيلة (5)،إلّا أنّ الأصل مع ضعف الأسانيد أوجب المصير إلى الأوّل،وفاقاً للأكثر.

و في الصحيح:قلت له:الرجل يأتيه النبط بأحمالهم فيبيعها لهم

ص:277


1- الكافي 5:/168 1،التهذيب 7:/158 697،الوسائل 17:444 أبواب آداب التجارة ب 37 ح 1.
2- الفقيه 3:/174 778.
3- مجالس الشيخ:409،الوسائل 17:445 أبواب آداب التجارة ب 37 ح 3.
4- مفاتيح الشرائع 3:19.
5- الخلاف 3:172،المبسوط 2:160،السرائر 3:236،الوسيلة:260.

بالأجر،فيقولون له:أقرضنا دنانير إلى أن قال-:« لا بأس به» الحديث (1).

و فيه نوع تأييد للجواز،مع إمكانه بعموم الأخبار المرخّصة للسمسار في الوكالة لبيع أموال الناس (2).

و ذكر للحكم كراهةً أو تحريماً شروط خمسة لا دليل على شيء منها سوى علم الحضري بالنهي؛ لإناطة التكليف على الإطلاق به.و جهل الغريب بسعر البلد،فلو علم لم يكره؛ لإشعار التعليل باشتراطه.

و لو باع مع النهي انعقد و إن قلنا باقتضائه الفساد على الإطلاق؛ لتعلّقه هنا بالخارج.

قيل:و لا بأس بشراء البلدي له (3)؛ للأصل،و اختصاص النصوص بالبيع.

و يضعّفان بعموم التعليل:« ذروا الناس يرزق اللّه تعالى بعضهم من بعض» إلّا أنّي لم أقف على قائل به،فالتخصيص بالبيع أولى،و إن كانت الكراهة محتملة؛ لما مضى،للتسامح و الاكتفاء فيها بمثله جدّاً.

ثم إنّ المحرمين اختلفوا في إطلاق التحريم تبعاً لإطلاق النص كما في الأوّل،أو تقييده بما يضطرّ إليه كما في الثاني،أو بما إذا حكم عليه الحاضر فباع بدون رأيه،أو أكرهه على البيع بغلبة الرأي كما في الثالث،أو بيع الحاضر للبادي في البدو لا في الحضر كما في الرابع.و لا دليل على شيء من ذلك.

ص:278


1- التهذيب 7:/157 695،الوسائل 18:356 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 10.
2- الوسائل 18:74 أبواب أحكام العقود ب 20.
3- الروضة 3:297.

و تلّقي الركبان القاصدين إلى بلد البيع و الخروج إليهم للبيع عليهم و الشراء منهم؛ للمعتبرة،ففي الخبر:« لا تلقّ و لا تشتر ما تلقّى و لا تأكل منه» (1).

و في آخر:« لا تلقّ،فإنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)نهى عن التلقّي» قلت و ما حدّ التلقّي؟قال:« ما دون غدوة أو روحة» قلت:و كم الغدوة و الروحة؟ قال:« أربعة فراسخ» (2).

و ظاهر النهي التحريم،و به قال الطوسي في المبسوط و الخلاف، و القاضي،و الحلّي في السرائر و العلّامة في المنتهى،و المحقق الشيخ علي (3)و هو ظاهر الدروس و غيره (4)؛ لاعتبار سند الخبرين بوجود ابن محبوب في الأوّل و ابن أبي عمير في الثاني،مع صحة السند إليهما،و هما ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم.

خلافاً لأكثر من تأخّر،فالكراهة (5)؛ للأصل و ضعف السند.

و يضعّفان بما مرّ.

فإذاً القول بالتحريم أظهر،سيّما مع اعتضاد الخبرين بوجه آخر،و هو

ص:279


1- الكافي 5:/168 2،التهذيب 7:/158 696،الوسائل 17:443 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 2.
2- الكافي 5:/169 4،التهذيب /158 669،الوسائل 17:442 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 1.
3- المبسوط 2:160،الخلاف 3:172،القاضي نقله عنه في المختلف:346،السرائر 2:238،المنتهى 2:1005،المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد 4:38.
4- الدروس 3:179؛ و انظر الجامع للشرائع:257.
5- كالعلامة في التذكرة 1:585،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:39،و الشهيد الثاني في الروضة 3:297.

عمل الحلّي بهما مع اقتصاره في العمل بأخبار الآحاد على ما احتفّ منها بالقرائن القطعية جدّاً،مع دعوى الشيخ عليه الإجماع في الخلاف (1).

و حدّه عند الأصحاب بلا خلاف كما عن الخلاف و المنتهى (2) أربعة فراسخ فما دون.

و لكن النص المتقدّم لا يساعده؛ لظهوره في التحديد بما دونها،كما عن ابن حمزة (3).و لعلّ التحديد إليها في كلامهم بناءً على عدم انضباط الدون مع معارضة هذا النصّ بنصّ آخر مصرّح بالتحديد بالروحة (4)المفسّرة في النص المتقدّم بالأربعة فراسخ.و ليس في سنده سوى منهال القصّاب المنجبر جهالته بوجود ابن محبوب المتقدّم في سنده.و هذا أرحج و إن ماثله الأوّل في السند؛ لفتوى الأصحاب به دونه.

و كيف كان،فلا يكره ما زاد؛ لأنّه سفر للتجارة.

ثم إنّ مقتضى الأصل و اختصاص النص بحكم التبادر بصورتي القصد إلى الخروج و جهل الركب القادم بسعر المتاع في البلد:تخصيص الحكم تحريماً أو كراهة بهما.فلو اتّفق مصادفته الركب في خروجه لغرض لم يكن به بأس،و كذا لو خرج قاصداً مع الندامة و الرجوع عنه بعد الخروج على احتمال قوي.

و كذا لو علم الركب بالسعر لم يكره؛ لما مرّ.مضافاً إلى إشعار التعليل

ص:280


1- الخلاف 3:173.
2- الخلاف 3:172،المنتهى 2:1006.
3- الوسيلة:26.
4- الكافي 5:/168 3،التهذيب 7:/158 698،الوسائل 17:443 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 4.

به في الخبر:« لا يتلقى أحدكم تجارة خارجاً عن المصر،و المسلمون يرزق اللّه تعالى بعضهم من بعض» (1).

و منه يستفاد انتفاء الحكم في الشراء أو البيع منه بعد وصوله إلى حدود البلد؛ لعدم صدق الخروج عن المصر حينئذٍ إلّا أنّ عموم التعليل فيه ربما يدل على المنع فيه أيضاً.

و على القولين يصحّ البيع؛ لتعلّق النهي بالخارج،إلّا أنّ النهي عن أكل ما تلقّى و شرائه في الخبر الأوّل ربّما أشعر بالفساد،كما عن الإسكافي (2).

و على الصحة يثبت الخيار للركب إن ثبت الغبن الفاحش على الأشهر الأظهر؛ إذا لا ضرر و لا ضرار في الشرع.

و هل هو على التراخي أم الفور؟قولان،و الاستصحاب يقتضي المصير إلى الأوّل،كما عن التحرير وفاقاً للطوسي (3)،إلّا أنّه قيّده بثلاثة أيّام،كما عن التحرير (4)أيضاً.

خلافاً للأكثر فالثاني،اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم البيع على أقلّ ما يندفع به الضرر الموجب لهذا الخيار من أصله.

و الزيادة في السلعة مواطاةً للبائع يعني لا يقدم على شيء لا يريده بما فوق ثمنه ترغيباً للمشتري؛ للمروي عن معاني الأخبار:« قال:

لا تناجشوا و لا تدابروا» قال:و معناه أن يزيد الرجل في ثمن السلعة و هو لا يريد

ص:281


1- الكافي 5:/168 1،التهذيب 7:/158 697،الوسائل 17:443 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 5.
2- على ما نقله عنه في المختلف:346.
3- التحرير 1:160،الطوسي في المبسوط 2:160.
4- التحرير 1:160،166.

شراء ليسمعه غيره فيزيد بزيادته،و الناجش خائن،و التدابر الهجران (1).

و الأصح التحريم وفاقاً للأكثر،كما حكي (2)،بل نفي عنه في المهذّب الخلاف (3)،و عن المنتهى و المحقق الثاني الإجماع عليه (4)و هو الحجة.

مضافاً إلى أنّه غشّ و هو المسمى النجش و لا يبطل به البيع و إن تخيّر المشتري مع الغبن،لنفي الضرر،وفاقاً للأكثر في الأول،بل نفي عنه الخلاف في الخلاف (5)،و للفاضل و غيره (6)في الثاني.خلافاً للإسكافي في الأوّل،فأبطله إن كان من فعل البائع (7).

و للخلاف في الثاني،ففي الخيار على الإطلاق؛ للأصل،و انحصار العيب الموجب له فيما كان في المبيع خاصّة (8)و يضعّفان بما مرّ.

و للقاضي،فأثبت الخيار مطلقاً؛ للتدليس (9)و ليس بشيء.

و الاحتكار و هو افتعال من الحُكرة بالضم و هو حبس الطعام،كما عن الجوهري (10)،أو مطلق الأقوات يتربّص به الغلاء؛ للنهي عنه في المستفيضة،منها الصحيح:« إياك أن تحتكر» (11).

ص:282


1- معاني الأخبار:284،الوسائل 17:459 أبواب آداب التجارة ب 49 ح 4.
2- انظر المسالك 1:177،و مفاتيح الشرائع 3:19،و الحدائق 18:46.
3- المهذّب البارع 2:366.
4- المنتهى 2:1004،المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:39.
5- الخلاف 3:171.
6- الفاضل في التحرير 1:159؛ و انظر المسالك 1:177.
7- حكاه عنه في المختلف:346.
8- الخلاف 3:171.
9- حكاه عنه في المختلف:346.
10- الصحاح 2:635.
11- الكافي 5:/165 4،الفقيه 3:/169 747،التهذيب 7:/160 707،الإستبصار 3:/115 410،الوسائل 17:428 أبواب آداب التجارة ب 28 ح 3.

و المعتبر بوجود فضالة المجمع على تصحيح رواياته في سنده، فلا يضرّ اشتراك راويه (1)بين الثقة و الضعيف،و على تقدير تعيّنه فقد ادّعى الطوسي الإجماع على قبول روايته (2)و لذا عد:موثّقاً،و ربما قيل بوثاقته (3)و فيه:« لا يحتكر الطعام إلّا خاطئ» (4).

و لذا قيل يحرم كما عن المقنع و القاضي و الحلّي و أحد قولي الحلبي و المنتهى (5)،و به قال في المسالك و الروضة (6).

و لا يخلو عن قوّة،سيّما بملاحظة عمل الحلّي،و الأخبار الأُخر الصريحة في الحرمة،منها:« الجالب مرزوق،و المحتكر ملعون» (7).

و نحوه في لعنة غيره (8).

و منها الخبران المروي أحدهما عن المجالس:« أيّما رجل اشترى طعاماً فكبسه أربعين صباحاً يريد به غلاء المسلمين ثم باعه فتصدّق بثمنه لم يكن كفّارة لما صنع» (9).

ص:283


1- و هو إسماعيل بن أبي زياد.
2- عدّة الأُصول 1:380.
3- نقله الحرّ العاملي في خاتمة الوسائل 30:318 عن المحقق في المسائل العزّية.
4- التهذيب 7:/159 701،الإستبصار 3:/114 403،الوسائل 7:426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 12.
5- المقنع:125،القاضي في المهذّب 1:346،الحلي في السرائر 2:238،الحلبي في الكافي في الفقه:360،المنتهى 2:1006.
6- المسالك 1:177،الروضة 3:298.
7- الكافي 5:/165 6،الفقيه 3:/169 751،التهذيب 7:/159 702،الإستبصار 3:/114 404،الوسائل 17:424 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 3.
8- الكافي 5:/165 7،الفقيه 3:/169 753،التهذيب 7:/159 703،الإستبصار 3:/114 405،الوسائل 17:423 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 1.
9- المجالس:687،الوسائل 17:425 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 6.

و ثانيهما عن قرب الإسناد:« إنّ علياً(عليه السّلام)كان ينهى عن الحكرة في الأمصار و قال:ليس الحكرة إلّا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن» (1).

و نحوهما في المنع خاصّة المروي عن نهج البلاغة عنه(عليه السّلام) (2).

و عن كتاب ورام بن أبي فراس عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)عن جبرئيل(عليه السّلام)قال:

« اطّلعت في النار فرأيت وادياً في جهنّم يغلي،فقلت:يا مالك لمن هذا؟ قال:لثلاثة:المحتكرين،و المدمنين للخمر،و القوّادين» (3).

مضافاً إلى التأيّد باستلزامه الضرر على المسلمين المنفي،و بإجبار المحتكر على البيع بالإجماع كما يأتي (4).

خلافاً للشيخين (5)،فيكره،و تبعهما المصنف و الفاضل في قوله الآخر (6)؛ للأصل،و عموم السلطنة على المال،و قصور الروايات الأخيرة سنداً و الأوّلة دلالة.أمّا الصحيح فلاحتمال اختصاص المنع بالمخاطب، و أمّا تاليه فلعدم معلوميّة استلزام الخطأ التحريم.

مضافاً إلى إشعار بعض الصحاح بالجواز على كراهية،و فيه:عن الرجل يحتكر الطعام و يتربّص به هل يجوز ذلك؟فقال:« إن كان الطعام كثيراً يسع الناس فلا بأس،و إن كان قليلاً لا يسع الناس فإنّه يكره أن

ص:284


1- قرب الإسناد:/135 472،الوسائل 17:426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 7.
2- نهج البلاغة 3:110،الوسائل 17:427 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 13.
3- انظر الوسائل 17:426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 11.
4- في ص:382.
5- المفيد في المقنعة:616،الطوسي في المبسوط 2:195.
6- المختلف:345.

يحتكر و يترك الناس ليس لهم طعام» (1).

و وجه الإشعار واضح إن قلنا بثبوت كون الكراهة حقيقة في المعنى المصطلح في ذلك الزمان،و كذا إن قلنا بالعدم و كونها فيه منه و من التحريم أعمّ،بناءً على وجود القرينة بإرادة الأوّل من حيث العدول عن« لا يجوز» الذي سل عنه الراوي إلى« يكره» .و المسألة محلّ تردّد.

و إنّما يكون الاحتكار الممنوع منه في خمسة: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن على الأشهر؛ للموثق (2)،و نحوه الخبر الذي عن قرب الإسناد مرّ (3).

خلافاً للصدوق في المقنع و الخصال (4)،فزاد الزيت؛ لما رواه في الأخير عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال:« الحكرة في ستّة أشياء» و عدّ الخمسة المتقدّمة معه.

و لا يخلو عن قوة،لا للرواية،لقصور السند،بل للموثّق المتقدّم، فإنّه كالرواية في الفقيه مروي (5)،مضافاً إلى مفهوم الصحيح:عن الزيت فقال:« إن كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه» (6).

ص:285


1- الكافي 5:/165 5،التهذيب 7:/160 708،الإستبصار 3:/115 411،الوسائل 17:424 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 2.
2- الكافي 5:/164 1،الفقيه 3:/168 744،التهذيب 7:/159 704،الإستبصار 3:/114 406،الوسائل 17:425 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 4.
3- راجع ص:284.
4- المقنع:125،الخصال:329.
5- انظر الفقيه 3:/168 744.
6- الكافي 5:/164 3،التهذيب 7:/160 706،الإستبصار 3:/115 409،الوسائل 17:428 أبواب آداب التجارة ب 28 ح 2.

و قيل: كما عن المبسوط و ابن حمزة (1)،إنّه يكون في الملح أيضاً،و قوّاه في المسالك (2)،و أفتى به صريحاً في الروضة تبعاً للّمعة و القواعد (3).

و لعلّه لفحوى الأخبار المتقدّمة،لأنّ احتياج الناس إليه أشدّ،مع توقّف أغلب المآكل عليه.

و فيه مناقشة،مع استلزامه الزيادة على السبعة،فإنّ الأشياء المحتاج إليها الناس فيها غير منحصرة.و لكن لا بأس به على القول بالكراهة.

و إنّما يتحقق الكراهة إذا اشتراه و استبقاه لزيادة الثمن مع فقده في البلد و احتياج الناس إليه و لم يوجد بائع و لا باذل مطلقاً غيره فلو لم يشتره بل كان من غلّته لم يكره،كما عن العلّامة (4)؛ للصحيح:« الحكرة أن يشتري طعاماً ليس في المصر غيره» (5).و نحوه الخبر المتقدّم عن المجالس (6).

لكنّه ضعيف السند،و مع ذلك الشرط فيه كالأوّل يحتمل الورود مورد الغالب:فالتعميم أجود،وفاقاً للمسالك (7)؛ عملاً بالإطلاق،و التفاتاً إلى مفهوم التعليل في الصحيح المتقدّم« يكره أن يحتكر و يترك الناس ليس

ص:286


1- قال به في الحدائق 18:62،و هو في المبسوط 2:195،و الموسيلة:260.
2- المسالك 1:177.
3- اللمعة(الروضة البهية)3:299،القواعد 1:122.
4- المنتهى 2:1007.
5- الكافي 5:/164 3،الفقيه 3:/168 746،التهذيب 7:/160 706،الإستبصار 3:/115 409،الوسائل 17:427 أبواب آداب التجارة ب 28 ح 1.
6- في ص:3821.
7- المسالك 1:177.

لهم طعام» .و منه و من الصحيح هنا يظهر وجه التقييد بالفقد و عدم وجود الباذل.

و أمّا اشتراط استبقائه لزيادة الثمن فواضح إن أُريد نفي الحكرة إن استبقاه للقوت،و محل إشكال إن أُريد الظاهر و الإطلاق و لو لغير القوت.بل المنع فيه مع عدم احتياجه إليه محتمل؛ للإطلاقات،و إشعار التعليل المتقدّم به.

ثم إنّه ليس له حدّ و غاية غير ما قدّمناه من احتياج الناس إليه و عدم باذل لهم،و حيثما حصل ثبت الحكرة من دون اشتراط زمان آخر و مدّة، كما في الصحيحين،وفاقاً للمفيد و الفاضلين و جماعة (1)،بل ادّعي عليه الشهرة (2).

و قيل كما عن الطوسي و القاضي خاصّة (3):و يشترط زيادةً على ما مرّ من الشرائط إن يستبقيه في زمان الرخص أربعين يوماً و في الغلاء ثلاثة أيّام،فلا حكرة قبل الزمانين في الموضعين؛ لرواية ضعيفة (4)و عن المقاومة لما مرّ و تقييده قاصرة.

و يُجبر المحتكر على البيع مع الحاجة إجماعاً،كما في المهذب و التنقيح و كلام جماعة (5)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الخبرين،في أحدهما

ص:287


1- المفيد في المقنعة:616،المحقق في الشرائع 2:21،العلّامة في التحرير 1:160؛ و انظر التنقيح الرائع 2:42،و الروضة البهية 3:299.
2- كما في الحدائق 18:63.
3- نقله عنهما الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3:17.
4- الكافي 5:/165 7،الفقيه 3:/169 753،التهذيب 7:/159 703،الإستبصار 3:/114 405،الوسائل 17:423 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 1.
5- المهذب البارع 2:370،و التنقيح 2:42؛ و انظر السرائر 2:239،و الحدائق 18:46.

أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)بالمحتكرين فأمر بحكرتهم إلى أن تخرج في بطون الأسواق و حيث ينطلق الناس إليها» (1).

و هل يسعّر الحاكم السعر عليه حينئذٍ؟ الأصحّ الأشهر لا مطلقاً،وفاقاً للطوسي و القاضي و الحلّي و الشهيد الثاني (2)؛ للأصل، و عموم السلطنة في المال،و خصوص الخبر:« لو قوّمتَ عليهم،فغضب(صلّى اللّه عليه و آله) حتى عرف الغضب في وجهه،فقال:أنا أُقوّم عليهم؟!إنّما السعر إلى اللّه تعالى،يرفعه إذا شاء و يضعه إذا شاء» (3).

خلافاً للمفيد و الديلمي (4)،فيسعّر عليه بما يراه الحاكم من المصلحة؛ لانتفاء فائدة الإجبار لا معه،لجواز الإجحاف في القيمة.

و فيه:منع انحصار الفائدة فيما ذكره،مع اندفاع الإجحاف بما يأتي.

و لابن حمزة و الفاضل و اللمعة (5)،فالتفصيل بين إجحاف المالك فالثاني،و عدمه فالأوّل؛ تحصيلاً لفائدة الإجبار،و دفعاً لضرر الإجحاف.

و فيهما نظر،فقد يحصلان بالأمر بالنزول عن المجحف،و هو و إن كان في معنى التسعير إلّا أنّه لا يُحصَر في قدر خاصّ.

ص:288


1- الفقيه 3:/168 745،التهذيب 7:/161 713،الإستبصار 3:/114 408،الوسائل 17:403 أبواب آداب التجارة ب 30 ح 1.بتفاوت يسير.الخبر الثاني:الكافي 5:/164 2،التهذيب 7:/159 705،الإستبصار 3:/114 407،الوسائل 17:429 أبواب آداب التجارة ب 29 ح 1.
2- الطوسي في المبسوط 2:195،القاضي حكاه عنه في المختلف:346،الحلي في السرائر 2:239،الشهيد الثاني في الروضة البهية 3:299.
3- تقدّم مصدره في الهامش(6).
4- المفيد في المقنعة:616،الديلمي في المراسم:182.
5- ابن حمزة في الوسيلة:260،الفاضل في المختلف:346،اللمعة(الروضة البهية 3):299.

الفصل الثالث في الخيار

اشارة

الفصل الثالث في الخيار هو و الخبرة بمعنى المشيّة في ترجيح أحد الطرفين الجائزين،و شرعاً عبارة عن ملك إقرار العقد و إزالته بعد وقوع مدّة معلومة.

و النظر في أقسامه و أحكامه

أقسام الخيار
اشارة

و أقسامه على ما في الكتاب سبعة و في بعض العبارات خمسة (1)،و في آخر ثمانية (2)،و أنهاها في اللمعة أربعة عشر (3).

الأوّل خيار المجلس

الأوّل: خيار المجلس إضافة إلى الموضع مع كونه غير معتبر في ثبوته بالإجماع و إنّما المعتبر عدم التفرّق بالأبدان إمّا تجوّزاً في إطلاق بعض أفراد الحقيقة،أو حقيقة عرفية.

و هو ثابت بعد العقد للمتبايعين أي طرفيه مطلقاً،كان العقد لهما أو لغيرهما أو على التفريق،على بعض الوجوه في الأخيرين، بالإجماع القطعي،و المستفيض الحكاية في كلام جماعة (4)؛ لقوله(صلّى اللّه عليه و آله):

« البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» (5)المستفيض النقل في الصحاح و غيرها من

ص:289


1- الشرائع 2:21.
2- الكفاية:91،انظر الحدائق 19:3.
3- اللمعة(الروضة البهية 3):447.
4- منهم:الشيخ في الخلاف 3:8،و العلّامة في التذكرة 1:515،و صاحب الحدائق 19:5.
5- الوسائل 18:5 أبواب الخيار ب 1،عوالي اللئلئ 1:/133 21،و انظر مسند أحمد 2:9،73 و فيه بتفاوت يسير،و كذا في سنن ابن ماجة 2:/736 2182،2183.

المعتبرة الخاصيّة و العاميّة.

و ما في شواذّ أخبارنا مما دلّ على اللزوم على الإطلاق بعد الصفقة (1)و إن كان معتبر السند بالموثّقية مطروح،أو محمول على التقيّة عن رأي أبي حنيفة (2)،فإنّه القائل بمضمونه،و الرادّ بقوله هذا لقول سيّد البرية باعترافه و فتواه المنحوسة،و هو أحد مطاعنه المشهورة.

و بما ذكر من الأدلّة تخصّص عمومات الكتاب و السنة في لزوم المعاملة بإجراء الصيغة بشرائطها المعتبرة،فلا شبهة في المسألة.

فلهما الخيار في كل بيع ما لم يشترطا فيه أي في العقد سقوطه فلو اشترطاه أو أحدهما سقط بحسب الشرط،بلا خلاف يعرف،كما في كلام جماعة (3)،بل عليه الإجماع في الغنية (4)؛و هو الحجة المقيِّدة لإطلاق ما مرّ من المستفيضة،مع أنّ شمولها لمحلّ الفرض محلّ مناقشة،بل ظاهرها بحكم التبادر الاختصاص بغيره.

و ما ربما يتوهّم من مخالفة هذا الشرط لمقتضى العقد بناءً على اقتضائه ثبوت الخيار على الإطلاق فيفسد مدفوع أولاً:بعدم تسليم الاقتضاء في المقام،و ثانياً:باستلزامه عدم صحة شيء من الشروط في العقود،لأنّ مقتضاها لزوم الوفاء بها مطلقاً،فتخصيصها بالشروط مخالَفَة لمقتضاها.

ص:290


1- التهذيب 7:/20 87،الإستبصار 3:/73 242،الوسائل 18:7 أبواب الخيار ب 1 ح 7.
2- انظر المغني و الشرح الكبير 4:69،المجموع 9:184.
3- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 3:448،و المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:386،و صاحب الحدائق 19:7.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):587.

فالتحقيق أنّ ثبوت الخيار مقتضى العقد المطلق لا المشروط بإسقاطه،فإنّ مقتضاه حينئذٍ السقوط،فيلزم؛ لأنّ الشرط على هذا جزء من العقد.

ثم ظاهر العبارة و غيرها اختصاص الشرط المسقط بالمذكور في متن العقد،فلو اشترط قبله لم يلزم؛ و لعلّه لإطلاق النصّ المثبت للخيار، و النصوص المستفيضة الواردة في النكاح،الدالّة على هدمه الشروط قبله (1)،الشاملة للمقام عموماً أو فحوًى.و لا يخلو عن قوة إلّا إذا أوقعا العقد على الشرط المتقدّم؛ فإنّه حينئذٍ كالجزء.

خلافاً للشيخ،فأسقط به الخيار على الإطلاق (2).و هو غير بعيد لولا نصوص النكاح؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد،و اختصاص النصّ المثبت للخيار بحكم التبادر بغير محلّ الفرض.

و نحو الاشتراط في إسقاط الخيار عند الأصحاب أمران،أحدهما إسقاطهما أو أحدهما إيّاه بعد العقد بقولهما:أسقطنا الخيار،أو أوجبنا البيع،أو اخترناه،أو ما أدّى ذلك،إجماعاً،كما في الغنية و عن التذكرة (3)؛ و هو الحجة المقيِّدة لإطلاق ما مرّ من المستفيضة المثبتة للخيار في المسألة.

مضافاً إلى مفهوم بعض المعتبرة الواردة في خيار الحيوان،و فيه:

« فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة فذلك رضا منه فلا شرط له» (4).

ص:291


1- انظر الوسائل 21:275 أبواب المهور ب 20.
2- كما في الخلاف 3:22.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):587،التذكرة 1:517.
4- الكافي 5:/169 2،التهذيب 7:/24 102،الوسائل 18:13 أبواب الخيار ب 4 ح 1.

و منه يظهر الوجه فيما ذكروه من المسقط الثاني،و هو التصرف.و لا ريب فيه إن تحقّق من كلّ من المتبايعين في مال الآخر،كما يستفاد من مفهوم الخبر بل منطوقه.

و أمّا السقوط بتصرّف كلّ في ماله كما ذكروه فوجهه بعد لم يظهر، سوى ما قيل من دلالته على الفسخ (1).

و لا ريب فيه إن تمّت الدلالة و لو بمعونة قرينة،و إلّا فهو محلّ مناقشة؛ لمنع الدلالة مع أعمّية التصرّف من الفسخ و غيره،فيحتمل السهو و الغفلة،فإن تمّ إجماع على الإطلاق،و إلّا فالمسألة محلّ ريبة،لأصالة بقاء صحّة المعاملة و لزومها و الخيار فيها بالضرورة.

و جملة ما ذكر من المسقطات ثلاثة،و مع عدم شيء منها يثبت الخيار ما لم يفترقا بأبدانهما،فلو افترقا أو أحدهما عن صاحبه و لو بخطوة لزم البيع بلا خلاف،كما يستفاد من المعتبرة،منها الصحيح قال:سمعت أبا جعفر(عليه السّلام)يقول:« بايعت رجلاً،فلمّا بعته قمت فمشيت خُطىً،ثم رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا» (2)و نحوه غيره (3).

و لولاها لا شكل إثبات اللزوم و سقوط الخيار بالافتراق بنحو من الخطوة بإطلاق مفهوم الأخبار المتقدّمة؛ لاختصاصها بحكم التبادر بالافتراق المعتدّ به،الغير الصادق على الافتراق بنحو الخطوة عرفاً و عادةً.

ثم إنّ ظاهر العبارة كالجماعة و نصوص المسألة اعتبار المباشرة و ارتفاع الكراهة في الفرقة و عدم اختيار الفسخ،فلو أُكرها أو أحدهما عليها

ص:292


1- الحدائق 19:19.
2- الكافي 5:/171 8،الوسائل 18:8 أبواب الخيار ب 2 ح 3.
3- الفقيه 3:/127 557،التهذيب 7:/20 84،الإستبصار 3:/72 239،الوسائل 18:8 أبواب الخيار ب 2 ح 2.

لم يسقط مع منعهما من التخاير،فإذا زال الإكراه فلهما الخيار في مجلس الزوال،و لو لم يمنعا من التخاير لزم العقد.

و اعلم أنّه لو التزم بالعقد أحدهما بموجب الالتزام كائناً ما كان من الثلاثة سقط خياره خاصّة؛ إذ لا ارتباط لحقّ أحدهما بالآخر.و لو فسخ أحدهما و أجاز الآخر قدّم الفاسخ و إن كان فسخه عن الإجازة تأخّر؛ لأنّ إثبات الخيار إنّما قُصِد به التمكّن من الفسخ دون الإجازة؛ لأنّها ثابتة بالأصالة،فإنّ العقد اقتضى الوقوع و الأصل بقاؤه إلى تحقق الرافع، فالحاصل في العقد عين ما تضمّنته الإجازة.

و منه يظهر الوجه في تعميم ذلك في كلّ خيار مشترك.

و لو خيّره فسكت بقي خيار الساكت إجماعاً؛ إذ لم يحصل منه ما يدلّ على إسقاطه.و كذا الخيِّر على الأصحّ الأشهر؛ للأصل،و الإطلاق، و انتفاء المانع،لأعمّية التخيير من الإسقاط.

خلافاً للشيخ (1)،فأسقطه؛ للخبر:« البيّعان بالخيار ما لم يفترقا،أو يقل أحدهما لصاحبه:اختر» (2).

و ظاهر الجماعة كونه من طريق العامة فليس فيه حجّة،سيّما في مقابلة ما مرّ من الأدلّة.

الثاني خيار الحيوان

الثاني: خيار الحيوان،و هو ثلاثة أيّام مطلقاً رقيقاً كان أو غيره، مبدؤها من حين العقد للمشتري خاصّة دون البائع على الأصح الأشهر،بل في الغنية الإجماع عليه (3)،و عليه عامة من تأخّر،وفاقاً

ص:293


1- كما في الخلاف 3:21.
2- درر اللئلئ 1:336،المستدرك 13:299 أبواب الخيار ب 2 ح 3.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):587.

للإسكافي و الصدوق و الشيخين و الديلمي و القاضي و الحلي (1)؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل و عمومات الكتاب و السنّة الدالّة على لزوم المعاملة بإجراء الصيغة بشرائطها المعتبرة على المجمع عليه بين الطائفة،و هو في المشتري خاصّة،كما حكاه جماعة (2).

و التفاتاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،و هي ما بين ظاهره في النفي عن البائع و صريحه،فمن الأوّل الصحاح و غيرها:« الشرط في الحيوان كلّه ثلاثة أيّام للمشتري» (3)لظهور اللام في الاختصاص،مع كون مثل هذا المفهوم للقيد.

أ لا ترى إلى الصحيح:قلت له:ما الشرط في الحيوان؟فقال:« ثلاثة أيّام للمشتري» قلت:و ما الشرط في غير الحيوان؟قال:« البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» (4).

فإنّه كالنص في الاختصاص،و إلّا لاتّجه للراوي سؤال الفرق بين الشرطين المخصّص كلّ منهما فيه بكلّ من الشقّين،و أخبارهم(عليهم السّلام) يكشف بعضها عن بعض.

و نحو هذه النصوص في الظهور الصحيحان:« البيّعان بالخيار حتى

ص:294


1- نقله عن الإسكافي في المختلف:350،الصدوق في المقنع:122،المفيد في المقنعة:599،الطوسي في المبسوط 2:78،الديلمي في المراسم:173،القاضي في المهذب 1:353،الحلي في السرائر 2:241.
2- منهم:ابن إدريس في السرائر 2:244،و الفاضل الآبي في كشف الرموز 1:457،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:44.
3- الوسائل 18:10 أبواب الخيار ب 3.
4- الكافي 5:/170 6،التهذيب 7:/20 85،الإستبصار 3:/72 240،الوسائل 18:11 أبواب الخيار ب 3 ح 5.

يفترقا،و صاحب الحيوان ثلاثة أيام» (1)و هما بحسب السياق ظاهران في حصر خيار الحيوان في أحدهما،و هو مخالف للإجماع إن أُريد به البائع، لعدم الانحصار فيه،فتعيّن مَن هو الصاحب الآن أي بعد العقد و هو المشتري،مضافاً إلى تقييده به في الموثق كالصحيح:« صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيام» (2).

و قريب منها في ذلك كثير من النصوص،منها الصحيح:على مَن ضمان الحدث في الحيوان؟قال:« على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام و يصير المبيع للمشتري» (3).

و المرسل كالصحيح:« إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة أيّام فهو من مال البائع» (4)بناءً على أنّ التلف إنّما هو ممّن لا خيار له،فتأمّل.

و من الثاني:الصحيح المروي في قرب الإسناد عن رجل اشترى جارية لمن الخيار،للمشتري أو للبائع أو لهما كليهما؟فقال:« الخيار لمن اشترى نظره ثلاثة أيام،فإذا مضت ثلاثة أيّام فقد وجب الشراء» (5).

خلافاً للمرتضى (6)خاصّة،فأثبته للبائع أيضاً؛ للصحيح:« المتبايعان

ص:295


1- الأول 5:/170 5،الوسائل 18:5 أبواب الخيار ب 1 ح 1.الثاني:5:/170 4،التهذيب 7:/24 100،الوسائل 18:11 أبواب الخيار ب 3 ح 6.
2- التهذيب 7:/67 287،الوسائل 18:10 أبواب الخيار ب 3 ح 2.
3- الكافي 5:/169 3،التهذيب 7:/24 103،الوسائل 18:14 أبواب الخيار ب 5 ح 2.
4- الفقيه 3:/127 555،التهذيب 7:/67 288،الوسائل 18:15 أبواب الخيار ب 5 ح 5.
5- قرب الإسناد:/167 611،الوسائل 18:12 أبواب الخيار ب 3 ح 9.
6- انظر الانتصار:210.

بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان،و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا» (1).

و هو لقصوره عدداً و اشتهاراً لا يقاوم ما مرّ جدّاً؛ لصحتها، و استفاضتها،و وضوح دلالتها ظهوراً في بعض و صراحةً في آخر،مع اشتهار العمل بها بين أصحابنا بحيث كاد أن يكون العمل به الآن مجمعاً عليه بيننا،كما صرّح به جماعة من أصحابنا (2).

و العجب منه-(رضى اللّه عنه) الركون إلى العمل به مع أنّه من الآحاد الغير المعمول بها عنده،بل و عندنا أيضاً؛ لما مضى.فيحتمل ككلامه الحمل على أنّ الخيار للمشتري و على البائع،فهو بالنسبة إليهما مدّة ثلاثة أيّام،أو على أنّ الخيار للمجموع من حيث المجموع فلا يدلّ على ثبوته في الأفراد،أو على ما لو باع حيواناً بحيوان.

و هذه الوجوه و إن بَعُدت،إلّا أنّها للجمع بين النصوص و الفتاوى قد حسنت.

و ظاهر الوجه الأخير الموافقة للمرتضى فيما إذا كان كلّ من العوضين حيواناً،و به صرّح جماعة (3)؛ جمعاً بين النصوص المختلفة،و التفاتاً إلى اتّحاد وجه الحكمة في ثبوت هذا الخيار للمشتري خاصّة،و هو خفاء حال الحيوان المحتاج إلى ضرب هذا الخيار.

و فيه إشكال،فإنّ الجمع على تقدير تكافؤ المتعارضين المفقود في البين لا حجّة فيه بمجرّده إن لم يقم شاهد منهما أو من الخارج على

ص:296


1- التهذيب 7:/23 99،الوسائل 18:10 أبواب الخيار ب 3 ح 3.
2- راجع ص 2831.
3- منهم:العلّامة في التذكرة 1:519،و الشهيد الثاني في المسالك 1:178،و المحقّق الأردبيلي 8:395.

صحّته،كما فيما نحن فيه.

و الحكمة مستنبطة،فيشكل التعلّق بها و إن حصل الظنّ القويّ غاية القوّة بصحّتها،لإطلاق المنع عن العمل بها في شريعتنا.

نعم،إذا كانت منصوصة أو معلومة علماً قطعيّاً لا يختلجه شائبة شكّ و ريبة كانت حجة،و ليست في المقام إحداهما بالضرورة.

نعم،يمكن الاستدلال عليه بإطلاق الصحيحين المثبتين للخيار ثلاثة أيّام لصاحب الحيوان (1)،بناءً على أنّ المراد به من انتقل إليه لا صاحبه الأصلي،فيشمل المقام و عكس الأوّل كما إذا باع الدراهم مثلاً بالحيوان.

و هو غير بعيد،إلّا أنّ تقييده بالمشتري في الموثّق المتقدّم (2)كإطلاق النصوص باختصاص الخيار بالمشتري له يوهن الإطلاق.

و الذبّ عنه باحتمال ورود القيد و الإطلاق مورد الغالب مشترك الورود،فإنّ الغالب في صاحب الحيوان هو المشتري له خاصّة،إلّا أن عمومه اللغوي من حيث الإضافة مع عدم سبق معهود مع اعتضاده بالحكمة العامة المشار إليها ينافي الحمل على الغالب،فلا يخلو القول بذلك عن قوّة،و إن كان بعدُ في قالب الشبهة من حيث إمكان دعوى سبق المعهود الخارجي و هو الغالب،فلا يفيد الإضافة العموم اللغوي،مع اختصاصه بإضافة المصدر لا مطلق المضاف.

و الحكمة يرد على التمسك بها الإيراد الماضي و للحلبي و ابن زهرة العلوي (3)في المدّة:فجعلاها في الأمة مدّة

ص:297


1- المتقدمين في ص:295.
2- في ص:295.
3- الحلبي في الكافي في الفقه:353،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):587.

استبرائها دون الثلاثة،مدّعياً الثاني عليه إجماع الطائفة.

و هو مع عدم وضوح مستنده عدا الإجماع المزبور الموهون بمصير الأكثر إلى خلافه يدفعه إطلاق النصوص،بل عموم بعضها المتضمّن للفظ الكل (1)،و خصوص الصحيح المتقدّم عن قرب الإسناد (2)،و قريب منه الصحيح الآخر:« عهدة البيع في الرقيق ثلاثة أيّام إن كان بها[خَبل (3)]أو برص أو نحو هذه» (4)الحديث،و نحوهما الصحيح الآتي:فتدبّر.

و للطوسي (5)في مبدئها،فجعله من حين التفرّق،بناءً على حصول الملك به عنده.و ظواهر النصوص بحكم التبادر و السياق في بعض تدفعه.

و يسقط هذا الخيار لو شرط البائع في العقد سقوطه أو أسقطه المشتري بعد العقد لما مضى (6) أو تصرف فيه المشتري بعده سواء كان تصرّفاً ناقلاً مطلقاً لازماً كان كالبيع و نحوه أو غير لازم،كالوصيّة و الهبة قبل القبض أو غير ناقل ممّا يسمّى تصرّفاً و حدثاً عرفاً.و الأصل في السقوط به و إن خالف الأصل الإجماع في الظاهر، و المحكي عن التذكرة (7)،و الصحاح،منها:« فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة أيّام فذلك رضاً منه و لا شرط له» قيل له:و ما

ص:298


1- الوسائل 18:10 أبواب الخيار ب 3.
2- في ص:3833.
3- أثبتناه من الكافي و التهذيب،و في النسخ و الوسائل:الحبل.و الخَبل:فساد الأعضاء و الفالج.(القاموس 3:376).
4- الكافي 5:/172 13،التهذيب 7:/25 105،الوسائل 18:12 أبواب الخيار ب 3 ح 7.
5- كما في النهاية:385.
6- راجع ص:3827.
7- التذكرة 1:519.

الحدث؟قال:« أن لامس أو نظر منها إلى ما كان محرّماً عليه قبل الشراء» (1)و نحوه الصحيح المروي عن قرب الإسناد (2).

و لا إجمال في الحدث بعد وضوح معناه بالرجوع إلى العرف،و هو عامّ لما مثّل به فيهما من اللمس و النظر و غيرهما،و الظاهر كونهما بعنوان المَثَل لا إرادة الحصر،لعدم تقييد اللفظ بخصوصيّة المحلّ،فيشمل الحدثين و غيرهما في الجارية و غيرها.

مع استفادة العموم في كلّ من الأمرين من الصحيح الثالث:في الرجل اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثاً من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ له أن يردّها في الثلاثة أيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي ركبها فراسخ؟فوقّع(عليه السّلام):« إذا أحدث فيها حدثاً فقد وجب الشراء إن شاء اللّه تعالى» (3).

و بما ذكرنا اندفع أوهام بعض الأعلام في المقام (4).

نعم،الظاهر من الصحيح الأوّل المفرّع على الحكم بسقوط الخيار بالحدث قوله:« فذلك رضاً منه» الذي هو بمكان التعليل للحكم المفرّع عليه كون المناط في السقوط بالحدث حصول الرضا بسببه بلزوم العقد، فلو علم انتفاءه و أنّ قصده بالحدث في المبيع اختياره أو غيره بقي خياره.

و لعلّه إلى هذا نظر بعض المحققين في تقييد التصرّف المسقط بما إذا

ص:299


1- الكافي 5:/169 2،التهذيب 7:/24 102،الوسائل 18:13 أبواب الخيار ب 4 ح 1.
2- قرب الإسناد:/168 611،الوسائل 18:13 أبواب الخيار ب 4 ح 3.
3- التهذيب 7:/75 320،الوسائل 18 ك 13 أبواب الخيار ب 4 ح 2.
4- مجمع الفائدة و البرهان 8:397،398.

لم يكن للاختبار و نحوه (1).

و يؤيّده الأصل و الإطلاقات،و بعض النصوص،كالخبرين (2)، أحدهما الصحيح:عن رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيّام ثم ردّها؟قال:

« إن كان تلك الثلاثة أيّام شرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد،و إن لم يكن لها لبن فليس عليه شيء» فتأمّل.

الثالث خيار الشرط

الثالث: خيار الشرط الثابت به و هو بحسب ما يشترط لأحدهما،أو لكلّ منهما،أو لأجنبيٍّ عنهما،أو عن أحدهما،أو له مع أحدهما عنه و عن الآخر،أو له معهما،بلا خلاف كما في كلام جماعة (3)، بل عليه الإجماع في الخلاف و الغنية و عن التذكرة (4)؛ و هو الحجة بعد عموم الأدلّة بلزوم الوفاء بالعقود بسيطة كان أو مركّبة،و كذا الشروط، و اشتراط الأجنبي تحكيم لا توكيل عمن جعل عنه،فلا خيار له معه.

و كما يجوز اشتراط الخيار له كذا يجوز اشتراط مؤامرته و الرجوع إلى أمره،و يلزم العقد من جهة المتبايعين في المقامين و يتوقّف على خياره في الأوّل،و أمره في الثاني.فإن أمَر بالفسخ جاز للمشروط له استئماره الفسخ، و لا يتعيّن عليه؛ لأنّ الشرط مجرّد استئماره لا التزام قوله.و ليس كذلك لو أمرّ بالالتزام،فإنّه ليس له الفسخ حينئذٍ و إن كان الفسخ أصلح؛ عملاً

ص:300


1- جامع المقاصد 4:291.
2- الأول:الكافي 5:174 سطر 1،الوسائل 18:26 أبواب الخيار ب 13 ذيل الحديث 1.الثاني:الكافي 5:/173 1،التهذيب 7:/25 107،الوسائل 17:26 أبواب الخيار ب 13 ح 1.
3- منهم:السبزواري في الكفاية:91،و البحراني في الحدائق 19:38.
4- الخلاف 3:9،الغنية(الجوامع الفقهية):587،التذكرة 1:521.

بالشرط،و لأنّه لم يجعل لنفسه خياراً.فالحاصل أنّ الفسخ يتوقّف على أمره؛ لأنّه خلاف مقتضى العقد فيرجع إلى الشرط،و أمّا الالتزام بالعقد فلا يتوقّف على الأمر،لأنّه مقتضى العقد.

و الفرق بين مؤامرة الأجنبي و جعل الخيار له ظاهر؛ لأنّ الغرض من المؤامرة الانتهاء إلى أمره لا جعل الخيار له،بخلاف من جعل الخيار له.

و لا بدّ أن تكون مدّته أي الخيار و كذا الاستيمار مضبوطة غير محتملة للزيادة و النقيصة،متّصلة بالعقد كانت أم منفصلة،و يصير العقد على الثاني جائزاً بعد لزومه مع تأخّره عن المجلس.

فلو شرطا خياراً و أطلقا من دون بيان المدّة بطل الشرط على الأشهر بين من تأخّر،وفاقاً للمرتضى و المبسوط (1)؛ للجهالة و الغرر المنهي عنهما في الشرع،الموجبين لجهالة الثمن أو المثمن،فإنّ للشرط قسطاً من العوض.

خلافاً للمفيد،فيصحّ و كان الخيار إلى ثلاثة أيّام (2)،و تبعه جماعة كالخلاف و الانتصار و القاضي و الحلبي و ابن زهرة العلوي (3)،مدّعياً هو في الظاهر كالأوّلين صريحاً عليه الإجماع،و حجّيته مع اعتضاده بالكثرة و الشهرة القديمة تقتضي المصير إليه و تخصيص ما مضى به من الأدلّة؛ و علّله السيدان بأن الثلاثة هي المدّة المعهودة في الشريعة لضرب الخيار، و الكلام إذا أُطلق حُمِل على المعهود.و فيه مناقشة.

ص:301


1- حكاه عن المرتضى في المختلف:350،المبسوط 2:78.
2- المقنعة:592.
3- الخلاف 3:20،الانتصار:210،القاضي في المهذب 1:353،الحلبي في الكافي في الفقه:353،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):587.

كلّ ذا إذا شرطاه و لم يذكرا المدّة و أمّا لو ذكراها مبهمة بحيث كانت للزيادة و النقيصة محتملة لم يجز قولاً واحداً،و هي كقدوم الغزاة و إدراك الثمرات و نحو ذلك.

و في فساد العقد بفساد الشرط قولان،الأشهر الأظهر ذلك.

و يجوز اشتراط مدّة معينة يردّ فيها البائع الثمن و يرتجع المبيع لما مرّ،و إنّما أفرده.بالذكر لامتيازه عن السابق باشتراط الفسخ فيه بردّ الثمن دونه،و لورود النصوص فيه بالخصوص،و هي مستفيضة،منها الموثق:رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فمشى إلى أخيه،فقال له:أبيعك داري هذه على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردّ عليّ؟ قال:« لا بأس بهذا،إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه» قلت:فإنّها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة لمن تكون الغلة؟فقال:« الغلّة للمشتري،أ لا ترى أنها لو احترقت لكانت من ماله» (1)و قريب منه الصحيح (2)و غيره (3).

و منه مضافاً إلى لزوم العمل بالشرط يظهر المستند في قوله: فلو انقضت المدّة و لمّا يردّ الثمن لزم البيع،و لو تلف في المدّة كان من المشتري،و كذا لو حصل له نماء كان له.

و ظاهر النصّ و العبارة انفساخ المعاملة بردّ الثمن خاصّة،من دون إيماء إلى اشتراط فسخها قبله.

ص:302


1- الكافي 5:/171 10،الفقيه 3:/128 559،التهذيب 7:/23 96،الوسائل 18:19 أبواب الخيار ب 8 ح 1.
2- التهذيب 7:/24 103،الوسائل 18:20 أبواب الخيار ب 8 ح 2.
3- التهذيب 7:/176 780،الوسائل 18:20 أبواب الخيار ب 8 ح 3.

خلافاً لظاهر الأصحاب كما ذكره بعض الأجلّة (1)،فاشترطوا الفسخ قبله؛ و لعلّه لأصالة بقاء الصحة،مع عدم دلالة ردّ الثمن بمجرّده على الفساد من دون ضمّ قرينة من عرف أو عادة.

و النصّ كالعبارة وارد مورد الغلبة؛ فإنّ العادة قاضية بكون مثل هذا الرد فسخاً للمعاملة،فتكون دلالةً بقرينة،و هي غير منافية لما ذكره الأصحاب البتة،و من المقطوع عدم دخول ردّ الثمن لأجل الأمانة في مورد النص و العبارة،و عدم إيجابه لفساد المعاملة بالضرورة،اللّهمّ إلّا أن يريدوا به التصريح بلفظ الفسخ،فالمنافاة ثابتة،و لكن لا دليل على اعتباره.

و يسقط هذا الخيار بالإسقاط في المدّة إجماعاً،كما في الغنية (2)؛ و للرواية الآتية (3)في سقوطه بالتصرّف.

الرابع خيار الغبن

الرابع: خيار الغبن بسكون الباء،واصلة الخديعة،و المراد به هنا البيع و الشراء بغير القيمة و من ثبوته وقت العقد باعتراف الغابن،أو البيّنة بما لا يتغابن و لا يتسامح فيه غالباً و المرجع فيه إلى العادة:

لعدم تقديره في الشريعة و ثبوت جهالة المغبون بالغبن،و يكون بأحد الأمرين،بلا خلاف فيه و في عدم الثبوت بقوله و لو مع يمينه مع عدم إمكانها في حقّه.

و في ثبوتها بذلك مع الإمكان قولان،من أصالة عدم العلم،و كونه كالجهل من الأُمور التي تخفى غالباً فلا يطّلع عليه إلّا من قِبَل مَن هي به، و من أصالة لزوم العقد و وجوب الوفاء به فيستصحب إلى ثبوت المُزيل.

ص:303


1- الحدائق 19:35.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):587.
3- في ص:3853.

و كيف كان،إذا ثبت الأمران يثبت له أي المغبون كائناً من كان الخيار في الفسخ و الإمضاء في المشهور بين الأصحاب،بل عليه الإجماع في الغنية و التذكرة (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى نفي الضرر و الضرار في الشريعة،و النهي عن أكل مال الغير إلّا أن يكون تجارة عن تراضٍ في الكتاب (2)و السنّة (3).

و في النصوص:« غبن المسترسل حرام» كما في أحدها (4)،أو المؤمن،كما في ثانيها (5).و في ثالثها:« لا يغبن المسترسل فإنّ غبنه لا يحلّ» (6).

و في مجمع البحرين:الاسترسال:الاستيناس و الطمأنينة إلى الإنسان و الثقة فيما يحدّثه (7).انتهى.

و بالجملة لا شبهة في المسألة و إن نقل عن الماتن في درسه إنكار هذا الخيار (8).

و ظاهر العبارة كصريح الجماعة أنّه لا أرش مع الإمضاء،بل عليه

ص:304


1- الغنية(الجوامع الفقهية):587،التذكرة 1:522.
2- النساء:29.
3- انظر الوسائل 5:120 أبواب مكان المصلي ب 3.
4- لم نجد رواية بهذا النص.نعم وجدنا روايات تنص على أن غبن المسترسل سحت،و غبن المسترسل ربا،كما في الوسائل 17:395 أبواب آداب التجارة ب 9 الأحاديث 2،4،5.
5- الكافي 5:/153 15،التهذيب 7:/7 22،الوسائل 17:395 أبواب آداب التجارة ب 9 ح 3.
6- فتح الأبواب:160،الوسائل 17:385 أبواب آداب التجارة ب 2 ح 7.
7- مجمع البحرين 5:383.
8- الدروس 3:275،المسالك:179.

الإجماع في التذكرة (1)،و هو الحجة،مضافاً إلى أصالة البراءة،و اندفاع الضرر بالخيار بالضرورة،فلا موجب له بالمرّة.

و في سقوط الخيار ببذل الغابن التفاوت قولان،للأول:الاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم العقد على المتيقّن المجمع عليه و المتحقق به الضرر،و ليس منهما محلّ الفرض،أمّا الأوّل فللخلاف،و أمّا الثاني فلاندفاع الضرر بالبذل.

و للثاني و هو الأشهر-:الاستصحاب لما ثبت،و هو الأظهر إن كان الإجماع في إثبات أصل هذا الخيار هو المستند،و لا ينافيه وقوع الخلاف في محلّ الفرض،لأنه غير محلّ الإجماع،و ثبوت الحكم فيه به يقتضي انسحابه في محلّ الخلاف بالاستصحاب.و لا كذلك لو كان المستند للإثبات أدلّة نفي الضرر خاصّة؛ لدوران الحكم معه حيث دار،فيندفع بالبذل،فتأمّل و حيث إنّ الاعتماد فيه على الأوّل أيضاً كان القول الثاني متّجهاً.

و المشهور أنّه لا يسقط بالتصرّف مطلقاً سواء كان المتصرّف الغابن أو المغبون،و سواء خرج به عن الملك كالبيع،أو منع مانع من الردّ كالاستيلاد،أم لا؛ للأصل.إلّا أن يكون المغبون المشتري و قد أخرجه عن ملكه،أو عرض له مانع عن ردّه و إن لم يخرج عن ملكه،فيسقط خياره؛ إذ لا يمكنه ردّ العين المنتقلة إليه ليأخذ الثمن.

خلافاً لجماعة (2)،فتنظّروا في إطلاق الاستثناء؛ للضرر على المشتري

ص:305


1- التذكرة 1:523.
2- منهم:الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 3):465،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:404،و انظر الحدائق 19:24.

مع تصرّفه فيه على وجه يمنع من ردّه لو قلنا بسقوط خياره به مع الجهل بالغبن أو الخيار؛ لبقاء الضرر المثبت للخيار،و حينئذٍ فيمكن الفسخ مع تصرّفه كذلك،و إلزامه بالقيمة إن كان قيميّاً أو المثل إن كان مثلياً،جمعاً بين الحقّين.

و كذا لو تلفت العين أو استولد الأمة،كما يثبت ذلك لو كان المتصرّف المشتري و المغبون البائع،فإنّه إذا فسخ فلم يجد العين يرجع إلى المثل أو القيمة.

الخامس خيار التأخير

الخامس: خيار التأخير،أي تأخير إقباض الثمن و المثمن عن ثلاثة أيّام،ف من باع و لم يقبض الثمن و لا قبّض بتشديد الباء المبيع و لا اشترط التأخير فيهما احترز به عن النسيئة و السلف- فالبيع لازم على المتعين إلى ثلاثة أيّام،و مع انقضائها يثبت الخيار بين الفسخ و الإمضاء للبائع خاصّة،بالإجماع المستفيض النقل في كلام جماعة، كالإنتصار و الغنية و التنقيح و التذكرة (1)،و غيرها من كتب الجماعة (2)، و النصوص به مع ذلك مستفيضة.

ففي الصحيح:عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن،قال:« الأجل بينهما ثلاثة أيّام،فإن قبضه بيعه و إلّا فلا بيع بينهما» (3).

ص:306


1- الانتصار:210،الغنية(الجوامع الفقهية):587،التنقيح الرائع 2:48،التذكرة 1:523.
2- انظر جامع المقاصد 4:297،و المسالك 1:180؛ مجمع الفائدة 8:405،الحدائق 19:44.
3- التهذيب 7:/22 92،الإستبصار 3:/78 259،الوسائل 18:22 أبواب الخيار ب 9 ح 3؛ بتفاوت يسير.

و في آخر:الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده،فيقول:

حتى آتيك بثمنه،قال:« إن جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيّام،و إلّا فلا بيع له» (1).

و في الموثق:« من اشترى بيعاً فمضت ثلاثة أيّام و لم يجيء فلا بيع له» (2).

و ليس فيها كغيرها اشتراط عدم إقباض المبيع،بل إطلاقها يشمل صورتي إقباضه و عدمه.بل ربما كان ظاهراً في الصورة الاُولى إن قلنا بأنّ القبض في نحو المتاع هو الأخذ باليد؛ لغلبة تحقّقه بعد عقد البيع.

نعم،لو قلنا بأنّ القبض فيه هو النقل لم يكن للإطلاق ظهور في ذلك،بل ظاهر السياق عدم تحقّقه،فتدبّر.

و لعلّ استناد الأصحاب إلى هذه الأخبار مع اشتراطهم عدم إقباض المبيع مبنيّ على كون القبض عندهم في نحو المتاع هو النقل لا مجرّد القبض باليد،و سيأتي الكلام فيه (3).

إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الاتفاق على الاشتراط،بل عبارات نقلة الإجماع مصرّحة به،و ربما كان في الصحيح الأوّل إشعار به،بل دلالة عليه،فتأمّل،فلا مندوحة عنه،مع لزوم الاقتصار في الخيار المخالف للأصل على القدر المتيقّن من الإطلاق،مع أنّ في الغنية نسب ذلك إلى

ص:307


1- الكافي 5:/171 11،التهذيب 7:/21 88،الإستبصار 3:/77 258،الوسائل 18:21 أبواب الخيار ب 9 ح 1.
2- الفقيه 3:/126 552،التهذيب 7:/22 91،الإستبصار 3:/78 260،الوسائل 18:22 أبواب الخيار ب 9 ح 4.
3- راجع ص:3895.

رواية الأصحاب (1).

نعم،عن الشيخ القول بجواز الفسخ مع تعذّر قبض الثمن (2)،و قوّاه في الدروس (3)؛ لخبر نفي الضرر،لا لما مرّ من النص،لعدم التقييد فيه بقيد تعذّر قبض الثمن.و الرجوع فيه إلى أدلّة لزوم العقد أولى؛ لاندفاع الضرر بأخذ العين مقاصّة إن أمكنت،و إلّا فليس للفسخ فائدة.

و ظاهر النصوص كما ترى بطلان البيع بعد الانقضاء لا ثبوت الخيار، كما عن الإسكافي و أحد قولي الطوسي (4)،إلّا أنّ الشهرة العظيمة و الإجماعات المحكية البالغة حدّ الاستفاضة مع أصالة بقاء الصحة أوجبت المصير إلى حمل البيع المنفي بعد تعذّر الحمل على الحقيقة على البيع اللازم خاصّة،و إن كان أقرب المجازات نفي الصحة.

مع إمكان المناقشة في ظهور الدلالة بورود النفي هنا مورد توهّم لزوم المعاملة،فلا يفيد سوى نفيه،و هو يجامع بقاء الصحة المستفاد من الأدلّة المتقدّمة.

مضافاً إلى إشعار ما عدا الخبر الأولّ بذلك،من حيث تخصيص النفي فيه بالمشتري فقال:« لا بيع له» و هو ظاهر في الثبوت للبائع.

و لا ينافيه نفيه فيما بينهما في الخبر الأوّل؛ لكون المتعلّق المركّب الصادق نفيه بانتفاء البيع عن أحدهما،فلا إشكال بحمد اللّه تعالى.

ثم إنّه لا فرق في المبيع بالإضافة إلى مدّة الخيار بين الجارية و غيرها

ص:308


1- الغنية(الجوامع الفقهية):587.
2- كما في النهاية:385.
3- الدروس 3:274.
4- حكاه عن الإسكافي في المختلف:351،الطوسي في المبسوط 2:87.

في إطلاق أكثر النصوص و الفتاوى،خلافاً للمقنع و محتمل الاستبصار (1)، فجعلا مدّة الخيار فيها إلى شهر؛ للصحيح (2).و هو أحوط،و إن كان الأوّل أجود؛ لتعاضد أدلّته بالكثرة و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة،و الإجماعات المحكية.

و اعلم أنّ قبض البعض كلا قبض؛ لصدق عدم قبض الثمن و إقباض المثمن مجتمعاً و منفرداً،و لظاهر بعض النصوص المثبتة للخيار لمن باع محملاً و قبض بعض الثمن (3)،فتأمّل.

و شرط القبض المانع كونه بإذن المالك،فلا أثر لما يقع بدونه،كما لو ظهر الثمن مستحقاً أو بعضه.

و لا يسقط هذا الخيار بمطالبة البائع بالثمن بعد الثلاثة و إن كانت قرينة الرضا بالعقد؛ عملاً بالاستصحاب،على إشكال مع القرينة،لمفهوم بعض ما مرّ من الأخبار في خيار الحيوان (4).

و لو بذل المشتري الثمن بعدها قبل الفسخ سقوط الخيار وجهان،منشأهما زوال الضرر و الاستصحاب.و الثاني أظهر؛ لكون دليل الأوّل مناطاً مستنبطاً.

و حيث يثبت الخيار بشرائطه فإن تلف المبيع بعد بانقضاء

ص:309


1- لم نجده في نسختنا من المقنع،و قد نقله عنه في المختلف:351،الاستبصار 3:78.
2- التهذيب 7:/80 342،الإستبصار 3:/78 261،الوسائل 18:23 أبواب الخيار ب 9 ح 6.
3- الكافي 5:/172 16،التهذيب 7:/21 90،الوسائل 18:21 أبواب الخيار ب 9 ح 2.
4- راجع ص:3836.

الثلاثة كان من البائع إجماعاً تواتر نقله جدّاً.و إن تلف فيها ف قال المفيد و كثير ممّن تبعه (1)،بل ادّعى عليه الإجماع في الانتصار و الغنية (2) يتلف في الثلاثة من المشتري،و بعدها من البائع لأنّ العقد ثبت بينهما عن تراضٍ منهما،بخلاف ما بعد الثلاثة،لأنّ البائع أحقّ به.

و في نكت الإرشاد للشهيد-(رحمه اللّه)-:الظاهر أنّ مراده أنّه لمّا ثبت العقد الناقل للملك و لا خيرة للبائع فيه،بل هو ممنوع منه لحقّ المشتري صار كالمودع عنده،بخلاف ما بعدها،فإنّ إمساكه لنفسه لثبوت الخيار له حينئذٍ عند جماعة،أو لبطلان البيع،كظاهر كلام ابن الجنيد و الشيخ.انتهى.

و هو بملاحظة ردّه الرواية الآتية بعدم الصراحة في المتنازع،و عدم عموم لها يشمله مشعر،بل ظاهر في الميل إلى هذا القول.

و هو غير بعيد؛ للإجماعين المحكيين اللذين هما في حكم خبرين صحيحين،مع كون النماء له فيكون التلف عليه،لتلازم الأمرين،كما يستفاد من بعض أخبار خيار الشرط (3).

و النقض بالتلف بما بعد الثلاثة كما في السرائر (4)مدفوع بالإجماع ثمّة دون المسألة،مضافاً إلى الحجّة المتقدّمة.

و لكن استقرّ رأي المتأخّرين كافّة بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعاً على أنّ الوجه تلفه من البائع في الحالين؛ لأنّ التقدير أنّه لم يقبض و قد قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):« كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال

ص:310


1- المفيد في المقنعة:592،و انظر المراسم:172،و الكافي في الفقه:353.
2- الانتصار:210،الغنية(الجوامع الفقهية):587.
3- راجع ص:3840.
4- السرائر 2:277.

بائعه» (1).

و في الخبر في رجل اشترى متاعاً من رجل و أوجب له غير أنّه ترك المتاع و لم يقبضه،و قال:آتيك غداً إن شاء اللّه تعالى،فسرق المتاع،من مال مَن يكون؟قال:« من صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى المتاع و يخرجه من بيته،فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ إليه ماله» (2).

و المسألة محلّ تردّد،و إن كان ما صار إليه المتأخّرون لا يخلو عن قوّة،سيّما مع دعوى الخلاف عليه الإجماع (3).

و أمّا التفصيل بين التلف بعد عرض السلعة على المشتري فلم يقبله فالأوّل،و قبله فالثاني كما عن ابن حمزة و الحلبي (4)فلا مستند له،فهو ضعيف غايته،و إن مال إليه في المختلف (5).

و لو اشترى ما يفسد من يومه و لو بنقص الوصف و فوات الرغبة،كما في الخضروات و اللحم و العنب و كثير من الفواكه ففي رواية مرسلة عمل بها الأصحاب كافّة كما في المهذّب (6)،بل عليه الإجماع في الغنية (7)أنّه يلزم البيع إلى الليل،فإن لم يأت المشتري

ص:311


1- عوالي اللئلئ 3:/212 59،المستدرك 13:303 أبواب الخيار ب 9 ح 1.
2- الكافي 5:/171 12،التهذيب 7:/21 89،الوسائل 18:23 أبواب الخيار ب 10 ح 1.
3- الخلاف 3:20.
4- ابن حمزة في الوسيلة:239،الحلبي في الكافي في الفقه:353.
5- المختلف:351.
6- المهذب البارع 2:383.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):587.

بالثمن فلا بيع له (1).

و في نسبة الحكم إلى الرواية نوع إشعار بالتردّد في المسألة،و ليس لقصور السند،للانجبار بالعمل،و نحوه حجّة عند الماتن،و لا لقصور الدلالة من حيث ظهورها في بطلان المعاملة لا ثبوت الخيار كما ذكره الجماعة،لما مرّت إليه الإشارة،بل لأنّ الظاهر أنّ هذا الخيار شُرّع لدفع الضرر،و إذا توقّف ثبوته على دخول الليل مع كون الفساد يحصل من يومه كما فرض في الخبر لا يندفع الضرر،و إنّما يندفع بالفسخ قبل الفساد،و لذا فرضه شيخنا في الدروس خيار ما يفسده المبيت (2).

و هو حسن،و إن كان فيه خروج من ظاهر النص؛ لتلافيه بخبر الضرار،مع أنّ حمله عليه بإرادة الليلة أيضاً من اليوم ممكن.

و الأقرب تعديته إلى كلّ ما يتسارع إليه الفساد عند خوفه و لا يتقيد بالليل،وفاقاً للدروس و الروضة (3).فعلى هذا لو كان مما يفسد في يومين تأخّر الخيار عن الليل إلى حين خوفه،و لا يضرّ خروجه عن مورد النص، فإنّ خبر الضرار يفيده في الجميع.

و في إلحاق فوات السوق بخوف الفساد وجهان،و لكن الأصل مع عدم تيقّن الضرر يقتضي المصير إلى الثاني،مع كونه في الجملة أحوط.

و ظاهر الماتن و غيره (4)،و صريح جماعة (5)كالغنية مدّعياً الإجماع

ص:312


1- الكافي 5:/172 15،التهذيب 7:/25 108،الإستبصار 3:/78 262،الوسائل 18:24 أبواب الخيار ب 11 ح 1.
2- الدروس 3:274.
3- الدروس 3:274،الروضة 3:460.
4- انظر التذكرة 1:523.
5- منهم:المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:408،و صاحب الحدائق 19:54.

عليه (1):كون هذا الخيار من جملة أفراد خيار التأخير،فيشترط فيه ما يشترط فيه من الأُمور الثلاثة.

السادس خيار الرؤية

السادس: خيار الرؤية،و هو إنّما يثبت في بيع الأعيان الحاضرة أي المشخّصة الموجودة في الخارج إذا كان بالوصف من غير مشاهدة مع عدم المطابقة.

و كذا لو بيعت برؤية قديمة لو ظهرت بخلاف ما رآه،إلّا أنّه ليس من أفراد هذا القسم،بقرينة قوله: و لا يصحّ البيع في مثلها حتى يذكر الجنس و الوصف الرافعين للجهالة،و يشير إلى معيّن،و ذلك لأنّ ما ذكر من الشرط مقصور على ما لم ير أصلاً؛ إذ لا يشترط وصف ما سبقت رؤيته.

و يتفرّع على الشرط أنّه لو انتفى بطل،و لو انتفت الإشارة كان البيع كلّياً لا يوجب الخيار لو لم يطابق المدفوع،بل عليه الإبدال.

و حيث وقع البيع على المشار إليه الموصوف فإنّ كان موافقاً للوصف من دون زيادة و نقيصة لزم البيع.

و إلّا يوافق بأن نقص عنه كان للمشتري الردّ إذا كان هو الموصوف له دون البائع،بلا خلاف؛ للصحيح:عن رجل اشترى ضيعة و قد كان يدخلها أو يخرج منها،فلمّا أن نقد المال و صار إلى الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يُقِله،فقال(عليه السّلام):« لو أنّه قلب منها أو نظر إلى تسعة و تسعين قطعة ثم بقي قطعة و لم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية» (2)

ص:313


1- الغنية(الجوامع الفقهية):587.
2- الفقيه 3:/171 766،التهذيب 7:/26 112،الوسائل 18:28 أبواب الخيار ب 15 ح 1.

مضافاً إلى حديث نفي الضرر (1).

و منها يظهر المستند في قوله: و كذا لو لم يرد البائع و باعه و اشترى المشتري منه بالوصف متعلّق بالبائع،أي باعه من دون أن يراه،بل بالوصف،سواء كان من المشتري أو ثالث كان الخيار للبائع خاصّة لو كان بخلاف الصفة إذا كان الوصف من المشتري، و له أيضاً إذا كان من ثالث و زاد و نقص باعتبارين،و يقدّم الفاسخ منهما كما مضى (2).

و لو رأى البعض و وصف الباقي تخيّر في الجميع مع عدم المطابقة، و ليس له الاقتصار على فسخ ما لم يره؛ لدخول الضرر بتبعّض الصفقة، و يمكن الاستناد له إلى الصحيحة السابقة إن جعل المشار إليه بذلك تمام الضيعة لا خصوص القطعة الغير المرئيّة.و لا ينافيه لو عكس الإشارة؛ فإنّ غايتها إثبات الخيار له في تلك القطعة،و هو لا يدلّ على جواز الاقتصار بفسخها خاصّة.

و هل هذا الخيار على الفور أو التراخي؟وجهان.

أشهرهما الأوّل؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدال على لزوم العقد على أقلّ ما يندفع به الضرر المثبت لأصل هذا الخيار.

و أجودهما الثاني؛ لإطلاق النص و الاستصحاب،إلّا إذا استلزام الضرر فيلزم بالاختيار.

و سيأتي خيار العيب إن شاء اللّه تعالى و هو السابع،و لم يذكره هنا لكثرة مباحثه و تشعّب مسائله،فحسن جعله فصلاً برأسه.

ص:314


1- انظر الوسائل 18:32 أبواب الخيار ب 17 ح 3،4،5.
2- راجع ص:3830.
أما الأحكام أما الأحكام فمسائل
اشارة

و أما الأحكام المتعلّقة بالخيار فمسائل:

الأُولى خيار المجلس يختصّ بالبيع

الاُولى: خيار المجلس يختصّ بالبيع و يجري في جميع أنواعه؛ لعموم الأدلّة،و عليه الإجماع في الغنية (1) دون غيره من عقود المعارضات لازمة كانت أم جائزة،إجماعاً،كما في الخلاف و المسالك و الغنية (2)؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على موارد الأدلّة،و ليست إلّا البيع خاصّة.

الثانية التصرّف يُسقِط خيار الشرط

الثانية: التصرّف ممّن له الخيار في العوض المنتقل إليه بالعقد يُسقِط خيار الشرط بالنسبة إليه،كما أنّ التصرّف في ماله المنتقل إلى صاحبه يفسخ العقد إذا كان بشرائط الصحة،كأن يكون بعد ردّ الثمن أو المبيع إذا اشترط استرجاعهما؛ لأنّ منه في الأوّل إجازة للزوم العقد و التزام به،و في الثاني فسخ له و أمارة الرضاء بعدمه،على الأشهر،بل بلا خلاف كما في الغنية (3).

و يدلّ على الأوّل في الجملة بعض المعتبرة:في رجل اشترى ثوباً بشرط إلى نصف النهار،فعرض له ربح فأراد بيعه،قال:« ليشهد أنّه رضيه فاستوجبه ثم ليبعه إن شاء،و إن أقامه في السوق و لم يبع فقد وجب عليه» (4).

و ليس في سنده سوى السكوني المجمع على قبول رواياته،كما عن الطوسي (5).

ص:315


1- الغنية(الجوامع الفقهية):587.
2- الخلاف 3:13،المسالك 1:180،الغنية(الجوامع الفقهية):587.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):587.
4- الكافي 5:/173 17،التهذيب 7:/23 98،الوسائل 18:25 أبواب الخيار ب 12 ح 1.
5- انظر عدة الأُصول 1:380.

مضافاً إلى ما مرّ من النصّ في بيع الحيوان (1)،الدالّ بظاهره على أنّ تصرّف المشتري فيه أمارة الالتزام بالعقد و الرضاء به،المشعر بأنّه المعيار في سقوط الخيار على الإطلاق و لو في نحو المضمار.

إلّا أنّ ظاهرهما الاختصاص بالتصرّف المقصود به التملّك،و هو ظاهر الغنية حيث علّل سقوط الخيار بالتصرّف بأنّه من المشتري إجازة (2).

و لا ريب في السقوط بمثله،أمّا السقوط بمطلق التصرّف حتى الظاهر في عدم قصد التملّك و الالتزام بالعقد،إمّا لوقوعه بعنوان الغفلة و السهو،أو مراعاة للمبيع بالضبط و الحفظ فمحلّ نظر؛ للزوم الاقتصار فيما خالف ما دلّ على ثبوت الخيار على القدر المتيقّن من النص.

و منه يظهر الوجه في قوّة احتمال عدم السقوط بالتصرّف الذي ليس مورد النص،كتصرّف المتبايعين في الثمن،أو البائع في المبيع مع ثبوت الخيار للمتصرّف،إلّا إذا دلّ على إسقاط الخيار أو فسخ البيع،فيلزمان حينئذٍ،لما مرّ في الخبر.

و أمّا إذا لم يدلّ عليه،بل دلّ على الخلاف فالظاهر عدم سقوط الخيار و لا انفساخ البيع؛ للأصل،و ظاهر ما مرّ من النصّ المثبت لهذا الخيار،لدلالته في الظاهر على تصرّف البائع ذي الخيار في الثمن،و مع ذلك حكم بثبوت خياره،و ليس إلّا لعدم دلالة التصرّف في مثل هذا الخيار على الإسقاط،و أن ليس المبطل له سوى انقضاء المدّة أو ردّ الثمن إذا كان الخيار للبائع،أو المبيع إذا كان بالعكس.

و بالجملة المدار في إسقاط التصرّف للخيار و إيجابه البيع هو ما دلّ

ص:316


1- راجع ص:3836.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):587.

منه عليهما،لا مطلقاً كما في العبارة و غيرها من كلمات أصحابنا (1).

و يمكن أن يكون مرادهم من الإطلاق كون الأصل في التصرّف الدلالة على الرضاء بأحد الأمرين إلّا أن يظهر من الخارج ما يخالفها،كأن ينضمّ إليه ما يدلّ على عدم القصد إلى أحد الأمرين.

و هو و إن خالف الأصل إلّا أنّ استفادته من النص في خيار الحيوان ممكن،حيث جعل التصرّف فيه بمجرّده أمارة الرضاء،لكن ليس فيه دلالة على لزوم أحد الأمرين بمطلق التصرّف،حتى ما اقترن منه بما يدلّ على عدم الرضاء بأحدهما من عادة أو غيرها،فيجب في مثله الرجوع إلى الأصل،و هو بقاء الخيار و لزوم البيع.

و بذلك يجمع بين إطلاق الفتاوي بلزوم أحدهما بالتصرّف و النص المثبت لهذا الخيار الظاهر في عدم سقوطه بتصرّف البائع في الثمن،بحمل الأوّل على ما لم يعلم فيه عدم رضاء المتصرّف بأحد الأمرين،و الثاني على ما علم فيه ذلك،و غالب ما يقع من التصرّفات في بيع الشرط في أمثال الزمان من هذا القبيل،فلا يوجب السقوط و لا الفسخ،فتدبّر.

ثم إنّ ظاهر العبارة اختصاص السقوط بالتصرّف بهذا الخيار،و قد مرّ ثبوت السقوط به في غيره كخيار المجلس (2)،فلا وجه للتخصيص به.

الثالثة الخيار يورث

الثالثة: الخيار بأنواعه يورث،مشروطاً كان أو لازماً بالأصل أي بأصل الشرع،بلا خلاف،بل ظاهرهم الإجماع عليه،و حكي صريحاً (3)؛

ص:317


1- كالحلّي في السرائر 2:247،و العلّامة في التذكرة 1:528،و الشهيد في الدروس 3:270.
2- راجع ص:3829.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):588،التذكرة 1:536.

للنبوي العام،المنجبر بعمل العلماء الأعلام:« ما ترك الميت من حقّ فهو لوارثه» (1)و المؤيّد بعمومات الإرث كتاباً و سنّة،فلا شبهة و لا خلاف في المسألة إلّا في خيار المجلس،فوجهان (2)،و قولان،و ظاهر السرائر دعوى الإجماع على أنّه يورث (3)،كما هو أيضاً مقتضى الأصل.

و كيف كان،فإن كان الخيار خيار الشرط مثلاً يثبت للوارث بقيّة المدّة المضروبة،فلو كان غائباً أو حاضراً و لم يبلغه الخبر حتى انقضت المدّة سقط خياره بانقضائها كالمورّث.

و لو تعدّدت الورثة و اختلفوا في الفسخ و الإجازة قيل:قدّم الفسخ (4).

و فيه نظر.

و على تقديره ففي انفساخ الجميع أو في حصّته ثم يتخيّر الآخر لتبعض الصفقة وجهان.

و لو جُنّ قام وليّه مقامه.

الرابعة المبيع يملك بالعقد

الرابعة: المبيع يملك بالعقد على الأشهر الأظهر،بل عليه عامّة من تأخّر،بل ظاهر المحكي عن السرائر الإجماع عليه (5).

ص:318


1- سنن ابن ماجة 2:914،2738،مسند أحمد 2:453؛ بتفاوت.
2- من ظهور أدلّته في اختصاصه بالمتبايعين بناءً على جعل غاية مدّته افتراقهما بالأبدان،و هو حاصل بافتراقهما بالأرواح،لأولويته على الأول،و من عدم صدق التفرق بالأبدان الذي هو المعيار في انقضاء الخيار.و الأصل يقتضي بقاء الخيار،فلو كان الوارث حاضراً في المجلس انتقل إليه،للعموم،و لا ينافيه اختصاص الخيار بالمتبايعين و أن ثبوته ابتداءً و بالذات مختص بهما و هو ينافي الانتقال إلى الوارث ثانياً و بالعرض.(منه(رحمه اللّه)).
3- السرائر 2:249.
4- قال به العلامة في التذكرة 1:518.
5- السرائر 2:248.

قيل (1):لتعليق إباحة التصرّف بالتجارة في الكتاب و السنّة على المراضاة و المبايعة،فلو لم تكن مفيدة للملك لما جاز التعليق عليها.

و أنّ الصحة في المعاملة عبارة عن ترتّب الأثر،فحال وقوع العقد إن وصف بها ثبت المطلوب،و إلّا فلا خيار،لترتّبه على العقد الصحيح و الفرض عدمه.

و أنّ المقتضي للملك و هو العقد موجود؛ لأنّه السبب الشرعي لنقل العين هنا،و لذا عرّفوه بأنّه انتقال عين أو تمليك عين.و المانع مفقود؛ إذ ليس إلّا ثبوت الخيار،و هو غير منافٍ للملك كخيار العيب،فيكون الملك حاصلاً.

و أنّه لو لم ينتقل بالعقد إلى المشتري لكان موقوفاً،و حينئذٍ لم يكن فرق بين بيع المالك و الفضولي،و استحالة اللازم ظاهرة.

و الأجود الاستدلال عليه أوّلاً بإطلاق كثير من النصوص الدالّة على جواز بيع المبتاع قبل القبض مطلقاً،كما في بعض (2)،و من البائع،كما في آخر (3)،و أنّ مال العبد للمشتري مطلقاً أو مع علم البائع،كما في ثالث (4)، و مفهوم النصوص الدالّة على أنّ كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه (5)،من دون تقييد بمضيّ زمان الخيار.

و ثانياً:بخصوص ما مرّ من المعتبرة في خيار الشرط الصريحة في أنّ

ص:319


1- التنقيح الرائع 2:50.
2- الوسائل 18:65 أبواب أحكام العقود ب 16.
3- الوسائل 18:41 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 3،4.
4- الوسائل 18:353 أبواب بيع الحيوان ب 7 ح 2،3.
5- 1

كلّاً من النماء و التلف في مدّة الخيار من مال المشتري (1)،و هي و إن اختصّت بنوع من الخيار إلّا أنّه يتعدّى عنه إلى باقي الأقسام بمعونة عدم القائل بالفرق.

و قيل كما عن الإسكافي و الطوسي:يملك به و بانقضاء الخيار مع عدم الفسخ،إمّا مطلقاً،كما عن الأوّل (2)،أو بشرط كون الخيار للبائع أو لهما و إلّا فكالأوّل،كما عن الثاني في نقل (3)،أو يخرج عن ملك البائع خاصّة و إن لم يدخل في ملك المشتري،كما في آخر (4).

و لا مستند للثاني،سيّما على النقل الأخير،مع اندفاعه بالنصّ الماضي و الآتي.

و للإسكافي الأصل،و النصوص المستفيضة في خيار الحيوان، الظاهرة في كون التلف من البائع قبل انقضاء مدّته و استمراره إلى أن يصير المبيع بانقضاء الخيار للمشتري،و مرّ بعضها في بحثه (5).

و يذبّ عن الإيراد بالأخصّية بما يذبّ به عنه في الأخبار السابقة، و حينئذٍ فيحصل التدافع بين هذه و تلك.

و مقتضى وجوه التراجيح العدول عن هذه إليها؛ لأرجحيّتها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة؛ و تأيّدها بما مرّ من الأدلّة السابقة؛ مضافاً إلى صراحة الدلالة،و المخالفة لما عليه العامّة كافّة،كما حكاه بعض الأجلّة.

ص:320


1- 2
2- 3
3- 4
4- 5
5- 6

بخلاف هذه؛ لمرجوحيّتها بالإضافة إليها في كلّ من الأُمور الأربعة، لشذوذها،و عدم معاضد لها سوى الأصل المعارض بأصالة براءة الذمّة من المنافع المتلفة عند المشتري مثلاً،و عدم صراحتها،و احتمالها الحمل على محامل أجودها التقيّة.هذا.

مع أنّ العمل بها مجمع عليه بين الأصحاب كافّة،من حيث كون التلف فيها ممّن لا خيار له،فيكون هذه مستثناة من القاعدة بالنص و الإجماع،كما أنّ التلف قبل القبض من مالكه الأوّل مطلقاً كان الخيار لغيره أم لا مستثنى منها بهما أيضاً.

و منه يظهر فساد ما مرّ من الذبّ من الأخصّية في هذه المستفيضة، فتدبّر.

و يكون المراد بنفيها صيرورة المبيع قبل انقضاء الخيار للمشتري نفيها بعنوان اللزوم و الاستقرار.

و على القول الثاني هل الانقضاء مع عدم الفسخ ناقل كما عن الأوّل، أو كاشف كما عن الثاني؟أظهرهما الثاني.

و تظهر ثمرة الخلاف في صور:

منها في النماء المنفصل كاللبن و الحمل و الثمرة المتجددة في زمن الخيار فللمشتري على الأشهر،و كذا على الكشف إن لم يفسخ،و للبائع على القول الآخر.

و منها في الأخذ بالشفعة في زمن الخيار،و في جريانه في حول الزكاة لو كان كلّ منهما زكويّاً.

و غير ذلك من الصور التي منها ما إذا كان الخيار للمشتري أو البائع،ف جاز له التصرّف في المبيع،و للبائع في الثمن و إن لم

ص:321

يوجب كلّ منهما البيع على نفسه قبل التصرّف على القول الأوّل، فإنّ الناس مسلّطون على أموالهم،و توقّف على الإيجاب أو انقضاء مدّة الخيار على الثاني،لعدم حصول الملك الموجب للتسلّط حينئذٍ.

و لا فرق في التصرّفات بين أنواعها إذا كان الخيار للمتصرّف خاصّة.

و أمّا إذا كان للآخر دونه،أو لهما فلا يجوز إذا كانت ناقلة كالبيع و الوقف و الهبة إلّا بإذن الآخر؛ لمنافاتها خياره.

نعم،له الاستخدام و المنافع و الوطء على إشكال فيه،فإن حبلت فالأقرب الانتقال إلى القيمة قيمة الأمة مع فسخ البائع،وفاقاً للفاضل و الحلّي (1)،و خلافاً للطوسي و القاضي (2)،فيرجع بقيمة الولد و العقر على المشتري،بناءً على عدم الانتقال الموجب لعدم الاستيلاد.

الخامسة إذا تلف المبيع الشخصي قبل قبضه فهو من مال بائعه

الخامسة:إذا تلف المبيع الشخصي قبل قبضه بآفة من اللّه سبحانه لا بجناية جانٍ فهو من مال بائعه إجماعاً،كما عن الغنية و الروضة (3)،و هو ظاهر جماعة (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرين،أحدهما النبوي:« كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» و نحوه الثاني المتقدّم هو كالأوّل في تلف المبيع في خيار التأخير (5).

و قصورهما سنداً منجبر بعمل الكلّ جدّاً،فهما بعد الإجماع مخرجان

ص:322


1- العلّامة في التذكرة 1:534،الحلّي في السرائر 2:247.
2- الطوسي في الخلاف 3:24،القاضي في المهذب 1:358.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):587،الروضة 3:459.
4- منهم:المحقّق الثاني في جامع المقاصد 4:308،و المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:418،و السبزواري في الكفاية:93.
5- راجع ص:3848.

للحكم هنا عن مقتضى القاعدة المتقدّمة،القائلة بحصول الملكيّة بمجرّد العقد،المستلزم لكون التلف من المشتري.

لكن ظاهرهما بحكم التبادر و فتوى الجماعة اختصاص الحكم بالتلف بآفة منه سبحانه،كما قيّدنا بع العبارة،فلو تلف بغيرها لزم فيه الرجوع إلى مقتضى القاعدة (1).

و قيل:يتخيّر المشتري بين الرجوع بالثمن و بين مطالبة التالف بالمثل أو القيمة لو كان التلف من أجنبي أو من البائع.و لو كان منه و لو بتفريطه فهو بمنزلة القبض؛ لأنّه ملكه قد أتلفه بنفسه (2).و فيه نظر.

و هل النماء بعد العقد قبل التلف بالآفة للمشتري أو البائع؟وجهان مبنيّان على أنّ التلف هل هو أمارة الفسخ للعقد من حينه أو من أصله؟ ظاهر المسالك و غيره الأوّل (3)،مشعراً بدعوى الوفاق عليه،و هو مقتضى القاعدة و استصحاب الحالة السابقة.

لكن ينافيه ظاهر النص و العبارة كعبارات الجماعة،فيحتاج إلى تقدير دخوله في ملك البائع آناً ما و يكون التلف كاشفاً عنه،مثل دخول الدية في ملك الميت،و العبد المأمور بعتقه في ملك المعتق عنه.

ص:323


1- و هو أن المتلِف إن كان هو المشتري فذاك قبض منه فتلف من ماله و لا ضمان على البائع،فإن لم يكن له خيار أخذ الثمن،و إن كان له خيار أو لأجنبي له أو لهما فله الرضا و أخذ الثمن و الفسخ و أخذ القيمة أو المثل،و إن كان أي التلف من البائع أو الأجنبي فإن لم يكن للمشتري و لا الأجنبي له خيار أخذ المشتري من المتلف المثل أو القيمة،و كذا لو كان له خيار و اختار البيع.و لو اختار الفسخ أخذ الثمن من البائع و رجع هو على الأجنبي بالمثل أو القيمة.(منه(رحمه اللّه)).
2- الروضة البهية 3:526،المسالك 1:182.
3- المسالك 1:181؛ و الكفاية:93،و انظر الحدائق 19:75.

و حكي الثاني في التذكرة وجهاً (1).

ثم إنّ مقتضى الأصل و اختصاص ظاهر الفتاوي و النص بالمبيع:كون الحكم في تلف الثمن تلفه من مال البائع؛ لأنّه صار بالعقد ماله فيجب أن يكون التلف منه.إلّا أنّ ظاهر بعض الأصحاب إلحاقه بالأوّل (2)،مشعراً بدعوى الوفاق عليه و على إرادته من المبيع و إرادة المشتري من البائع، التفاتاً إلى صدقهما عليهما لغةً،فإن تمّا،و إلّا فالمسألة محلّ إشكال.

لكن ظاهر الخبر الثاني (3)العموم،فلا بأس به،فيكون التلف قبل القبض من المشتري،كما أنّ تلف المبيع من البائع قبل القبض.

و كذا لو تلف المبيع أو الثمن بالآفة الإلهيّة بعد قبضه و قبل انقضاء خيار المشتري أو البائع،فإنّ التلف مدّة الخيار ممّن لا خيار له، بلا خلاف أجده؛ لما مرّ في كلّ من خياري الشرط و الحيوان من المعتبرة المستفيضة (4).و أخصّيتها من المدّعى مندفعة بعدم القائل بالفرق بين الطائفة.

مع أنّ هذا الحكم غير محتاج إلى دلالة من كتاب أو إجماع أو سنّة على حدةٍ في بعض صور المسألة،و هو على المشهور ما إذا تلف المبيع بعد القبض و الخيار للبائع و بالعكس؛ لكون المتلَف مال من لا خيار له، المنتقل إليه بمجرّد العقد،فيكون الحكم في الصورتين موافقاً للقاعدة مع تأيّد أُولاهما بأخبار خيار الشرط.

ص:324


1- التذكرة 1:535.
2- مجمع الفائدة و البرهان 8:418.
3- المتقدم في ص:3848.
4- راجع ص:3832،3840.

و إنّما المحتاج إلى الدلالة ما إذا تلف المبيع بعده و الخيار للمشتري و بالعكس؛ لمخالفة الحكم فيهما للقاعدة المتقدّمة جدّاً،و لا إشكال فيه أصلاً بعد قيام النص و الفتوى بإثباته فيهما،فيكون كلّ منهما بهما عن القاعدة مستثنى.

كما أنّ الحكم في الصورتين الأخيرتين موافق لمقتضى القاعدة على القول بعدم الملكية بمجرّد الصيغة،مع تأيّد أولاهما بأخبار خيار الحيوان، فلا يحتاج إلى دلالة،و إنّما المحتاج إليها عليه الحكم في الصورتين السابقتين،و لعلّها عند القائل به الإجماع و أخبار خيار الشرط،دون النصوص الواردة في خيار الحيوان،لاختصاصها مع الضميمة بالصورتين الأخيرتين اللتين لا يحتاج على هذا القول فيهما إلى دلالة.

ثم كلّ ذا مع التلف في صورة اختصاص الخيار بأحدهما،و أمّا التلف في الخيار المشترك فهو من المشتري إن كان التالف المبيع،و من البائع إن كان الثمن،على الأشهر،و به صرّح جمع (1)،من دون خلاف يعرف،و به صرّح بعض (2).

و هو كذلك بناءً على الأشهر الأظهر من حصول التملّك بمجرّد العقد،و يشكل على القول الآخر؛ فإنّ اللازم عليه كونه بعكس الأوّل، عملاً بقاعدته،مضافاً إلى ورود النص به،كما قيل (3).

و لو تلف كلّ من المبيع أو الثمن بعد ذلك أي انقضاء الخيار كان لهما أو لأحدهما كان التلف من المشتري في الأوّل،و من

ص:325


1- منهم:العلّامة في القواعد 1:144،و الشهيد الثاني في الروضة 3:525،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 8:420،و البحراني في الحدائق 19:37.
2- الكفاية:93.
3- انظر الحدائق 19:75.

البائع في الثاني،إجماعاً،فتوى و دليلاً.

السادسة لو اشترى ضيعة رأى بعضها و وُصِفَ له سائرها،كان له الخيار فيها أجمع

السادسة: لو اشترى ضيعة رأى بعضها و وُصِفَ له سائرها،كان له الخيار فيها أجمع إذا لم يكن على الوصف الذي وقع عليه العقد،و لا يجوز له الفسخ في البعض،بلا خلاف،بل ربما احتمل الإجماع؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى ما قدّمناه في خيار الرؤية من الأدلّة (1)،فلا وجه لمناقشة بعض الأجلّة في ثبوت أصل الخيار في المسألة.

و كذا له الخيار لو اشتراها على أنّها جُرْبانٌ معيّنة فظهرت ناقصة،بلا خلاف،إلّا إذا كان للبائع بجنبها ما يتمّها،فلا خيار حينئذٍ عند الشيخ (2)؛ للخبر:في رجل باع أرضاً على أنّها عشرة أجربة،فاشترى المشتري منه بحدوده و نقد الثمن و وقّع صفقة البيع و افترقا،فلمّا مسح الأرض إذا هي خمسة أجربة،قال:« إن شاء استرجع فضل ماله و أخذ الأرض،و إن شاء ردّ المبيع و أخذ ماله كلّه،إلّا أن يكون له إلى جنب تلك الأرض أيضاً أرضون فلتؤخذ و يكون البيع لازماً،و عليه الوفاء بتمام البيع» (3)الحديث.

خلافاً للأكثر،فأطلقوا الخيار؛ للأصل،و قصور سند الخبر.

و مقتضاه ثبوت الخيار بين الردّ و أخذ تمام الثمن أو الإمضاء و الاسترداد منه بقدر الفائت،و هو أشهر،خلافاً للمبسوط (4)،فنفى الاسترداد و أثبت الخيار بين الردّ و الإمضاء بتمام الثمن،و هو طرح للخبر المعتبر عنده.و لا ريب أنّ ما ذكره في المقامين أحوط للمشتري،فلا يتركه مهما أمكن.

ص:326


1- راجع ص:3851.
2- كما في النهاية:420.
3- الفقيه 3:/151 663،التهذيب 7:/153 675 و فيهما بتفاوت يسير،الوسائل 18:27 أبواب الخيار ب 14 ح 1.
4- المبسوط 2:76.

الفصل الرابع في لواحق البيع

اشارة

الفصل الرابع:

في لواحق البيع،و هي خمسة

الأوّل النقد و النسيئة
اشارة

الأوّل: النقد و النسيئة أي البيع الحالّ و المؤجّل.يسمّى الأوّل نقداً باعتبار كون ثمنه منقوداً و لو بالقوّة،و الثاني مأخوذ من النسيء و هو تأخير الشيء،تقول:أنسأت الشيء إنساءً إذا أخّرته،و النسيئة اسمٌ وضع موضع المصدر.

و اعلم أنّ البيع بالنسبة إلى تعجيل الثمن و المثمن و تأخيرهما و التفريق بتعجيل الأوّل و تأخير الثاني و بالعكس أربعة أقسام.فالأوّل:النقد،و الثاني:

بيع الكالي بالكالي بالهمزة اسم فاعل أو مفعول بمعنى المراقبة،لمراقبة كلّ واحد منهما صاحبه لأجل دينه،و الثالث:السلف و السلم،و الرابع:النسيئة.

و كلّها صحيحة عدا الثاني،فقد ورد النهي عنه و انعقد الإجماع على فساده، كما في الغنية و الروضة و غيرهما (1).

إذا تقرّر ذلك فاعلم أنّ من ابتاع شيئاً مطلقاً من دون اشتراط تأجيل في أحد العوضين فالثمن و كذا المبيع حالّ،كما لو شرط فيهما تعجيله فيجب التسليم في الحال،بلا خلاف؛ لانصراف الإطلاق إليه عرفاً.

قيل (2):و للموثق:في رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمّى ثم

ص:327


1- الغنية(الجوامع الفقهية):589،الروضة 3:513؛ و انظر المسالك 1:182،و الحدائق 19:118.
2- الحدائق 19:119.

افترقا،قال:« وجب البيع،و الثمن إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد» (1).

ثم اشتراط التعجيل إن كان من دون تعيين زمان أفاد التأكيد خاصّة في المشهور.و إن كان معه بأن شرط تعجيله في هذا اليوم مثلاً تخيّر المشروط له لو لم يحصل الشرط في الوقت المعيّن بين الفسخ و الإمضاء،وفاقاً للشهيدين (2)،بل استحسن ثانيهما ثبوت الخيار مع الإطلاق أيضاً لو أخلّ به عن أوّل وقته؛ للإخلال بالشرط.

و لو شرط التأجيل في الثمن مع تعيين المدّة في الأجل صحّ إجماعاً في الظاهر،و حكي عن التذكرة صريحاً (3)،و أخبار الباب به كما سيأتيك إن شاء اللّه تعالى مستفيضة جدّاً.

و لا فرق فيها بين القصيرة و الطويلة حتى مثل ألف سنة ممّا يعلم المتعاقدان عدم بقائهما إليه عادةً،بلا خلاف يعلم منّا في ذلك،إلّا ما حكي عن الإسكافي من منعه التأجيل زيادة على ثلاث سنين (4).و الأصل و العمومات و خصوص إطلاقات أخبار الباب يدفعه،مع عدم وضوح مستنده.

نعم،في الخبرين المروي أحدهما في الكافي و الثاني عن قرب الإسناد:إنّا إذا بعناهم بنسيئة كان أكثر للربح،قال:« بعهم بتأخير سنة» فقلت:فتأخير سنتين؟قال:« نعم» قلت:بثلاث؟قال:

« لا» (5).و قصور سندهما مع عدم مكافأتهما لما مضى يمنع من العمل بهما،

ص:328


1- الكافي 5:/474 10،الوسائل 18:36 أبواب أحكام العقود ب 1 ح 2.
2- الشهيد الأول في الدروس 3:202،الشهيد الثاني في الروضة 3:513.
3- التذكرة 1:546.
4- حكاه عنه في المختلف:364.
5- الكافي 5:/207 1،قرب الإسناد:/372 1326،الوسائل 18:35 أبواب أحكام العقود ب 1 ح 1،3.

مع احتمال ورودهما مورد التقيّة عن رأي بعض العامّة،كما يفهم من عبارة بعض الأجلّة (1)؛ مضافاً إلى عدم انطباقهما على مذهبه بالضرورة.

و ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف،و به صرّح بعض (2)أنّه لو لم يعيّن المدّة بطل المعاملة؛ للغرر،و الجهالة فيها، المستلزم ذلك جريانهما في الثمن جدّاً،بناءً على أنّ للأجل قسطاً من الثمن عادةً و عرفاً.

و كذا تبطل لو عيّن أجلاً محتملاً للزيادة و النقيصة كقدوم الغزاة و إدراك الثمرات،أو مشتركاً بينهما و إن كان في الجملة معيّناً، كنفرهم من منى و شهر ربيع أو يوم جمعة أو خمسين مثلاً؛ لعين ما مرّ سابقاً.

و قيل في الأخير:يصحّ و يحمل على الأوّل؛ لتعليقه الأجل على اسم معيّن و هو يتحقّق بالأوّل،لكن يعتبر علمهما بذلك قبل العقد،ليتوجّه قصدهما إلى أجل مضبوط،فلا يكفي ثبوت ذلك شرعاً مع جهلهما أو أحدهما به،و مع القصد لا إشكال في الصحة و إن لم يكن الإطلاق محمولاً عليه (3).

قيل:و يحتمل الاكتفاء في الصحة بما يقتضيه الشرع في ذلك،قصداه أم لا؛ نظراً إلى كون الأجل الذي عيّناه مضبوطاً في نفسه شرعاً،و إطلاق اللفظ منزّل على الحقيقة الشرعية (4).

و هو كما ترى؛ لمنع تنزيل الإطلاق عليها مطلقاً،بل إنّما ذلك

ص:329


1- مجمع الفائدة و البرهان 8:327.
2- السبزواري في الكفاية:94.
3- الروضة 3:514.
4- الروضة 3:514.

بالإضافة إلى إطلاق متصدّعها خاصّة،لعدم دليل عامّ يدلّ على التعدّي أصلاً،و ثبوته في بعض المواضع لا يوجبه كلّياً إلّا بالقياس المحرّم عندنا، أو الاستقرار الغير الثابت ظاهراً،فتأمّل جدّاً.

و كذا تبطل لو قال: بعتك هذه السلعة بكذا و كذا نقداً و بكذا و كذا نسيئة على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر، وفاقاً للإسكافي و المفيد و السيّد و ابن حمزة و المبسوط و الديلمي و الحلبي و القاضي و ابن زهرة العلوي و الحلي (1)؛ لعين ما مرّ.

مضافاً إلى النهي عن بيعين في صفقة واحدة،المروي من طريق الخاصّة و العامّة المفسَّر بذلك في كلام جماعة كالإسكافي و ابن زهرة و العلّامة (2).

ففي الخبرين أحدهما الموثق:« فانههم عن بيع ما لم يقبض،و عن شرطين في بيع،و عن ربح مال يضمن» (3).

و في الثاني:« نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عن سلف و بيع،و عن بيعين في بيع واحد،و عن بيع ما ليس عندك،و عن ربح ما لم يضمن» (4).

و هما مع اعتبار سندهما بالشهرة،و حجّية الأوّل بالموثقية واضحا

ص:330


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:361،المفيد في المقنعة:595،السيد في المسائل الناصرية:216،ابن حمزة في الوسيلة:241،المبسوط 2:159،الديلمي في المراسم:174،الحلبي في الكافي:357،نقل عن القاضي في المختلف:361،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):589،الحلّي في السرائر 2 287.
2- نقله عن الإسكافي في المختلف:361،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):589،العلامة في التحرير 1:173.
3- التهذيب 7:/230 1006،الوسائل 18:58 أبواب أحكام العقود ب 10 ح 6.
4- التهذيب 7:/230 1005،الوسائل 18:37 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 4.

الدلالة،إمّا لما مرّ من ظهورهما في ذلك كما فهم الجماعة،أو لإطلاقهما الشامل له و لما قيل في معناهما أيضاً من أن يقول:بعتك هذا بألف بأن تبيعني دارك هذه بألف مثلاً (1).

مع تأيّدهما بالقاعدة المتقدّمة،و قاعدة أُخرى هي أنّ مقتضى العقد الانتقال من حينه كما مضى،و لا يقبله الثمن المتردّد جدّاً.

مع أنّه ليس لهما التخيير بين الثمنين إلى الأجلين إجماعاً،بل لا بدّ إمّا من البطلان،أو لزوم أقلّ الثمنين إلى أبعد الأجلين،و الثاني غير منطبق على القواعد القطعية المستفادة من الكتاب و السنة و إجماع الأُمّة من حرمة أكل مال الغير إلّا برضاء منه بنحو من الهبة و المراضاة و التجارة،و ليس شيء من ذلك هنا بالبديهة،لوقوع المراضاة على أحد الثمنين بما يناسبه من الأجلين لا بما يضادّه كما في البين.

و بهذا يبطل ما في رواية النوفلي عن السكوني من أنّ له أقلّ الثمنين إلى أبعد الأجلين (2)،يعني نسيئة مضافاً إلى قصور سندها،و عدم مكافأتها لما مضى،و شذوذ القائل بها و ندرته،و هو الشيخ في نهايته (3)مع رجوعه عنه في مبسوطه (4).

ثم على المختار هل لهذا البيع حكم البيع الفاسد،فيرجع من تلف المبيع إلى المثل أو القيمة،أم لا،بل يرجع البائع معه إلى ما في هذه الرواية من أقلّ الثمنين إلى أبعد المدّة؟قولان.أشهرهما بين المتأخّرين

ص:331


1- انظر المبسوط 2:159.
2- التهذيب 7:/53 230،الوسائل 18:37 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 2.
3- النهاية:388.
4- المبسوط 2:159.

الأوّل،عملاً بالأصل في البيع الفاسد،و بين المتقدّمين المتقدّم ذكر جمع منهم،كالمفيد و الإسكافي و القاضي و ابن حمزة و ابن زهرة في الغنية (1)مدّعياً الإجماع عليه:الثاني؛ و لعلّه للصحيح:« من باع سلعة فقال:« إنّ ثمنها كذا و كذا يداً بيد،و كذا و كذا نظرة،فخذ بأيّ ثمن شئت،و جعل صفقتهما واحدة،فليس له إلّا أقلّهما و إن كان نظرة» (2).

و لا بأس به؛ لاعتضاده مع صحّة سنده(بمصير كثير من القدماء إلى العمل به) (3).

و أمّا الاستدلال بهذه الرواية للقول بما في الرواية السابقة فمحلّ مناقشة؛ لعدم ظهورها في وقوع البيع و الصفقة،بتلك المعاملة،بل غايتها الدلالة على وقوع الإيجاب بها خاصّة،و لعلّه يكون الحكم المذكور مترتّباً على فساد المعاملة،كما فهمه الجماعة.

مع ما في ذيلها من تتمّة مروية في الكافي و التهذيب تنافي الاستدلال المتقدّم بالضرورة،و هي هذه:« من ساوم بثمنين أحدهما عاجل و الآخر نظرة فليبيّن أحدهما قبل الصفقة» (4)بناءً على أنّ الظاهر منه ما ذكره جماعة (5)و هو المتبادر بالبديهة أنّه لا يجوز هذا الترديد،بل لا بدّ من

ص:332


1- المفيد في المقنعة:595،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:361،نقله عن القاضي في المختلف:361،ابن حمزة في الوسيلة:241،الغنية(الجوامع الفقهية):589.
2- الكافي 5:/206 1،الفقيه 3:/179 812،التهذيب 7:/47 201،الوسائل 18:36 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 1.
3- بدل ما بين القوسين في« ح»:و مصير كثير من القدماء إلى العمل به بالإجماع المحكي.
4- في الكافي و التهذيب بدل« فليبيّن»:« فليسمِّ».
5- منهم:الطوسي في المبسوط 2:159،و الفاضل المقدار في التنقيح 2:54،و الشهيد الثاني في الروضة 3:514.

تعيين أحدهما قبل العقد،و أن يوقعه عليه،لا تعيين مقدار الثمنين أو الثمن و الأجل.

و اعلم أنّ ظاهر الأصحاب عدم الفرق في الحكم صحة و بطلاناً بين ما تقدّم و بين ما لو كان المبيع المتردّد ثمنه إلى أجلين كشهر بدينار،و شهرين بدينارين.

فإن كان إجماع،و إلّا كما يقتضيه قوله: بطل من دون إشارة إلى خلاف من فتوى أو رواية كان المختار هنا أقوى منه فيما مضى؛ لفقد المعارض فيه،لاختصاص النصّ مطلقاً بالصورة السابقة،و عدم ثبوت الإجماع كما هو الفرض.

و يصحّ أن يبتاع البائع ما باعه من المشتري نسيئة قبل الأجل بزيادة من الثمن الذي باعه به و نقصان،بجنس الثمن و غيره، حالّا و مؤجّلاً بلا خلاف فتوى و نصّاً،عموماً و خصوصاً،ففي الصحيح:

عن الرجل يبيع المتاع نسيئة فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه،قال:

« نعم،لا بأس به» (1)الحديث.

و في آخر:رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه، فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه،فقال له المطلوب:أبيعك هذه الغنم بدراهمك التي عندي،فرضي،قال:« لا بأس بذلك» (2)و نحوه غيره ممّا سيأتي.

ص:333


1- الكافي 5:/208 4،الفقيه 3:/134 585،التهذيب 7:/47 204،الوسائل 18:41 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 3.
2- الفقيه 3:/165 727،التهذيب 7:/43 181،الوسائل 18:40 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 1.

و يستفاد من بعض الصحاح المنع عن ابتياعه نسيئة،و فيه:عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر أو غنم أو غير ذلك،فأتى الطالب المطلوب ليبتاع منه شيئاً،فقال:« لا يبيعه نسيّاً،و أمّا نقداً فليبعه بما شاء» (1).

إلّا أنّ فيه إجمالاً،مع احتماله الحمل على الكراهة جدّاً جمعاً بينه و بين ما تقدّم؛ لعدم مكافأته له قطعاً.

و كيف كان،فالجواز عند الأصحاب مطلقاً مشروط بما إذا لم يشترط البائع في البيع الأوّل ذلك أي بيعه منه ثانياً،و لا خلاف فيه.

و يدلّ عليه ظاهر المروي عن قرب الإسناد و عن كتاب علي بن جعفر عنه عن أخيه(عليه السّلام):عن رجل باع ثوباً بعشرة دراهم،ثم اشتراه بخمسة دراهم أ يحلّ؟قال:« إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس» (2).

و ربما علّل تارة باستلزامه الدور؛ لأنّ بيعه له يتوقّف على ملكيّته له المتوقّفة على بيعه.

و أُخرى بعدم حصول القصد إلى نقله عن البائع حقيقة.

و ضعّف الأوّل:بأنّ المتوقّف على حصول الشرط هو لزوم البيع لا انتقاله إليه،غايته أنّ تملّك البائع موقوف على تملّك المشتري،و أمّا أنّ تملّك المشتري موقوف على تملّك البائع فلا؛ و لأنّه وارد في باقي الشروط كشرط العتق،و خصوصاً شرط بيعه للغير،مع صحّته إجماعاً.و أوضح لملك المشتري ما لو جعل الشرط بيعه من البائع بعد الأجل؛ لتخلّل ملك

ص:334


1- التهذيب 7:/48 207،الوسائل 18:45 أبواب أحكام العقود ب 6 ح 8.
2- قرب الإسناد:/267 1062،مسائل علي بن جعفر:/127 100 بتفاوت،الوسائل 18:42 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 6.

المشتري فيه.

و الثاني:بأنّ الفرض حصول القصد إلى ملك المشتري و إنّما رتّب عليه نقله ثانياً،بل شرط النقل ثانياً يستلزم القصد إلى النقل الأول،لتوقّفه عليه،و لاتّفاقهم على أنّهما لو لم يشترطا ذلك في العقد صحّ و إن كان من قصدهما ردّه،مع أنّ العقد يتبع القصد،و المصحّح له ما ذكرناه من أنّ قصد ردّه بعد ملك المشتري له غير مناف لقصد البيع بوجه،و إنّما المانع عدم القصد إلى نقل الملك إلى المشتري أصلاً،بحيث لا يترتّب عليه حكم الملك و هو حسن.

و لو حلّ الأجل فابتاعه من المشتري بغير جنس الثمن أو بجنسه من غير زيادة و لا نقصان صحّ بلا خلاف يظهر؛ لبعض ما مرّ.

و لو زاد عن الثمن الذي باع به أوّلاً أو نقص عنه ففيه قولان و روايتان،أشبههما و أشهرهما الجواز و هي:الصحاح المستفيضة المعتضدة بالأصل و العمومات،منها ما مرّ،و في آخر:عن رجل باع طعاماً بمائة درهم إلى أجل،فلمّا بلغ ذلك الأجل تقاضاه فقال:

ليس لي دراهم خذ منّي طعاماً،فقال:« لا بأس به،فإنّما له دراهمه يأخذ بها ما شاء» (1)و نحوه في رابع (2)و غيره (3).

و الثانية:الخبر:عن رجل بعته طعاماً بتأخير إلى أجل مسمّى،فلمّا

ص:335


1- الكافي 5:/186 8،الفقيه 3:/166 734،التهذيب 7:/33 136،الإستبصار 3:/77 256،الوسائل 18:307 أبواب السلف ب 11 ح 10.
2- التهذيب 6:/205 469،و ج 7:/44 191،الوسائل 18:308 أبواب السلف ب 11 ح 11.
3- الكافي 5:/187 12،التهذيب 7:/30 128،الإستبصار 3:/75 253،الوسائل 18:306 أبواب السلف ب 11 ح 8.

جاء الأجل أخذته بدراهمي،فقال:ليس عندي دراهم،و لكن عندي طعام اشتراه منّي،فقال:« لا تشتره منه فإنّه لا خير فيه» (1).

و عمل بها الشيخ في النهاية و كتابي الحديث (2)،مستدلاً بها فيهما على ما ذكره من البطلان في الصورة المذكورة في العبارة خاصّة.

و لا دلالة لها عليه بالمرّة،كما لا دلالة لما استدلّ به في الاستبصار (3)بياناً لما اختاره من رواية أُخرى في المسألة،و فيها:أبيع الطعام من الرجل إلى أجل،فأجيء و قد تغيّر الطعام من سعره،فيقول:ليس لك عندي دراهم،قال:« خذ منه بسعر يومه» (4)الحديث.

هذا مع ضعف سندهما،و قصورهما عن المكافأة لما مضى جدّاً، فليُحملا على الكراهة.

و ربما قيل بهما مخصّصين بموردهما من الطعام (5).و لا وجه له،مع أنّه لا شاهد عليه.

و لا يجب على المشتري دفع الثمن قبل حلوله و إن طلب البائع إجماعاً؛ تمسّكاً بالأصل،و التفاتاً إلى لزوم العمل بمقتضى الشرط.

و منهما يظهر الوجه في أنّه لو تبرّع المشتري بالدفع حينئذٍ لم يجب على أن البائع القبض منه،مضافاً إلى الإجماع

ص:336


1- التهذيب 7:/33 137،الإستبصار 3:/76 255،الوسائل 18:311 أبواب السلف ب 12 ح 3.
2- النهاية:389،الاستبصار 3:77،التهذيب 7:33.
3- الاستبصار 3:77.
4- الفقيه 3:/13 566،التهذيب 7:/34 145،الإستبصار 3:/77 257،الوسائل 18:312 أبواب السلف ب 12 ح 5.
5- الحدائق 19:129.

عليه كالأوّل.

و تخيّل الوجوب هنا بناءً على أنّ فائدة التأجيل الرخصة للمشتري بالتأخير لا عدم وجوب الأخذ على البائع قبله بعد الدفع إليه ضعيف أوّلاً:

بمنع استلزام انحصار فائدته في ذلك بعد تسليمه وجوب الأخذ على البائع،مع مخالفته الأصل الخالي عن المعارض من النصّ و الإجماع، لاختصاصه بغير صورة الفرض.

و ثانياً:بمنع الانحصار؛ لجواز تعلّق غرض البائع بتأخير القبض إلى الأجل،فإن الأغراض لا تنضبط.

و أمّا لو حلّ الأجل أو كان الثمن غير مؤجّل مطلقاً،في الذمّة كان أو معيّناً فدفع وجب على البائع القبض إجماعاً.

و لو امتنع البائع منه في المقامين فهلك من غير تفريط من الباذل فيه تلف من البائع مطلقاً،وفاقاً للنهاية و المفيد و الديلمي و القاضي و ابن حمزة (1).

خلافاً للمبسوط و الحلّي و جماعة (2)،فخصّوه بصورة عدم التمكّن من الحاكم ليدفع إليه؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على عدم تعيين الثمن للبائع حيث كان كلّياً إلّا بقبضه أو قبض من بحكمه على محلّ الوفاق،و التفاتاً إلى اندفاع الضرر عن المشتري بالدفع إلى الحاكم،فلو قصّر كان كالمفرّط في المال من حيث تمكّنه من دفعه إلى مستحقه أو نائبه

ص:337


1- النهاية:388،المفيد في المقنعة:595،الديلمي في المراسم:174،نقله عن القاضي في المختلف:362،ابن حمزة في الوسيلة:257.
2- المبسوط 2:190،الحلّي في السرائر 2:288؛ و انظر اللمعة(الروضة البهية 3):520،و التنقيح الرائع 2:55.

فيكون من ماله.

و لا يخلو عن قوّة،بل ادّعى عليه الشهرة بعض الأجلّة (1).لكنّه غير ملازم لوجوب الدفع الى الحاكم بعد امتناع البائع أوّل مرّة؛ لعدم الدليل عليه من إجماع أو رواية،لاختصاصه بصورة الدفع إلى المالك خاصّة.

و حينئذٍ فله التصرّف فيه و التأخير بدفعه حيث يكون الثمن كليّاً إلى أن يطالبه المالك أو من يقوم مقامه به،إلّا أنّ الإيصال إليه مهما أمكن أحوط، مسارعةً إلى إبراء الذمّة يقيناً،و تفصّياً عن فتوى جماعة.

و كذا الكلام فيما مرّ من الأحكام في طرف البائع لو باع سلماً فلا يجب عليه الدفع قبل الأجل و يجب بعده،و على المشتري قبوله،و مع عدمه فالتلف منه مطلقاً،أو على التفصيل المتقدّم،و كذا الحكم في كلّ حق واجب امتنع مستحقه عن قبضه.

و اعلم أنّ البيع بالنسبة إلى الخيار بالثمن و عدمه أربعة أقسام؛ لأنّه إمّا أن يخبر به،أولا،و الثاني المساومة،و الأوّل إما أن يبيع معه برأس المال، أو بزيادة عليه،أو بنقصان عنه،و الأوّل التولية،و الثاني المرابحة،و الثالث المواضعة.

و الدليل على جواز الجميع بعد الإجماع عليه كما حكاه بعض الأجلّة (2)عمومات الكتاب و السنة،و خصوص المعتبرة،و يستفاد منها أنّ الأوّل أفضلها (3)،و يساعده الاعتبار جدّاً.و يجب فيما عداه ذكر رأس المال من غير زيادة و لا نقيصة،و إلّا كان خيانة و خديعة منهيّاً عنهما في الشريعة،

ص:338


1- الحدائق 19:132.
2- كالعلامة في التذكرة 1:541.
3- انظر الوسائل 18:61 أبواب أحكام العقود ب 14.

و الأجل و إن لم يكن جزءاً من الثمن لكنّه كالجزء،لاختلاف الأغراض باختلافه في زيادة الثمن و نقصه.

و من ابتاع بأجل و باع مرابحةً أو مواضعةً أو توليةً فليُخْبِر المشتري بالأجل و لو لم يخبر به صحّ البيع،بلا خلاف ظاهراً،و حكي في الخلاف و الغنية (1)صريحاً؛ لعموم الكتاب و السنّة،و خصوص ما يأتي من المعتبرة.

و لكن كان للمشتري الخيار بين الردّ و الإمساك بالثمن حالاً و لم يكن له من الأجل المذكور شيء أصلاً،وفاقاً للمبسوط و الخلاف و السرائر و الغنية (2)،و هو الأشهر بين الطائفة،سيّما متأخّريهم،بل ظاهرهم الاتّفاق عليه كافّة إلّا مَن تأتي إليه الإشارة.

و كذا الحكم فيما لو ظهر كذبه في الإخبار بقدر الثمن أو جنسه أو وصفه،أو غلطه فيه،ببيّنة أو إقرار؛ لغروره الموجب لخياره.

و لكن في رواية بل روايات معتبرة الأسانيد،عمل بها النهاية و القاضي و ابن حمزة (3)أنّ للمشتري من الأجل مثله ففي الصحيح:في الرجل يشتري المتاع إلى أجل،فقال:« ليس له أن يبيع مرابحةً إلّا إلى الأجل الذي اشتراه إليه،و إن باعه مرابحةً و لم يخبره كان للذي اشتراه مثل ذلك» (4).

ص:339


1- الخلاف 3:135،الغنية(الجوامع الفقهية):589.
2- المبسوط 2:142،الخلاف 2:135،السرائر 2 ك 291،الغنية(الجوامع الفقهية):589.
3- النهاية:389،حكاه عن القاضي في المختلف:369،ابن حمزة في الوسيلة:243.
4- الكافي 5:/208 3،التهذيب 7:/47 203،الوسائل 18:83 أبواب أحكام العقود ب 25 ح 2.

و نحوه خبران آخران،في سندهما جهالة،إلّا أنّ في أحدهما صفوان (1)، و في ثانيهما الحسن بن محبوب (2)،اللذين قد أجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما العصابة،فالقول بها مع صحّة أُولاها لا يخلو عن قوّة.

إلّا أنّ في مقاومتها للقاعدة التي استند إليها الأوّلون من أنّه عقد على مبيع بثمن معلوم حالّ مقرون ذلك برضاهما فيكون صحيحاً فيملك البائع جملة الثمن بذلك،و إخفاء الأجل لا يوجب أن يكون للمشتري مثله،غاية ما في الباب إيجابه الخيار،كالعيب إذا لم يعلم به نوع مناقشة،سيّما مع اعتضاد القاعدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً من متأخّرين الطائفة،مع رجوع الشيخ عن العمل بهذه المعتبرة في النهاية في كتابيه المتقدّم إلى ذكرهما الإشارة،و لعلّه لهذا توقّف شيخنا الشهيد-(رحمه اللّه) في النكت (3)،و هو في محلّه.

و ربّما فصّل بين البيع بشرط النقد و الحلول فالأوّل،و عدمه بل يبيع بمثل ما ابتاعه فالثاني،و عليه حمل إطلاق الأخبار (4).

و لا شاهد عليه،مع منافاته القاعدة المقرّرة من اقتضاء العقد بمجرّده النقد و الحلول الموجب عند القائل للمصير إلى الأوّل (5)،و لعلّه لذا استشكله المفصّل بعد ذكره،و هو في محلّة.

ص:340


1- الكافي 5:/198 7،الفقيه 3:/134 583،التهذيب 7:/56 245 و فيه و في الكافي بتفاوت،الوسائل 18:82 أبواب أحكام العقود ب 25 ح 1.
2- التهذيب 7:/59 254،الوسائل 18:83 أبواب أحكام العقود ب 25 ح 3.
3- غاية المراد(مخطوط).
4- كما في المختلف:369.
5- بل يحتمل البطلان لو قصد المشتري البيع بمثل ما ابتاعه من جميع الوجوه حتى في الحلول و التأجيل؛ لجهالة الثمن على هذا بناءً على أن الأجل له قسط من الثمن،و لذا يجب تعيينه في كل من بيعي النسيئة و السلف إجماعاً،و الأجل هنا مجهول الأصل و المقدار جدّاً(منه(رحمه اللّه)).

و هنا

مسألتان
اشارة

مسألتان:

الأُولى إذا باع مرابحة فلينسب الربح إلى السلعة

الأُولى: إذا باع مرابحة فلينسب الربح إلى السلعة و هو كما ذكره الأصحاب كأن يقول:بعتك هذه بكذا و ربح كذا؛ لخلوّه عن شبهة الحرمة و الكراهة فتوًى و روايةً.

و لا كذلك لو نسبه إلى المال و هو كما قالوه كأن يقول:

بعتك بمائة و ربح المائة عشرة ف إنّه فيه قولان،أصحّهما و أشهرهما بين المتأخّرين،بل لعلّه عليه عامّتهم الجوار مع الكراهة وفاقاً للمبسوط و الخلاف و السرائر (1)،استناداً في الثاني إلى الشبهة الناشئة عن اختلاف الفتوى و الرواية،و في الأوّل إلى الأصل و العمومات المبيحة.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة،منها الصحيح:الرجل يريد أن يبيع البيع فيقول:أبيعك بده دوازده،أو ده يازده،فقال:« لا بأس به،إنّما هذه المراوضة،فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة» (2).

و في الاستدلال به كما فعله الأكثر نظر؛ لذيله الآمر بجعل البيع جملة واحدة،الظاهر في أنّ المراد أن يقول:بعتك هذه السلعة بدوازده أو يازده بعين ما فعله مولانا الباقر(عليه السّلام)،كما في الصحيح الآتي،المستدلّ به في كلامهم للقول الثاني.و ليس في صدره ما ينافيه؛ لاحتمال توجّه نفي البأس إليه بشرط العمل بما في الذيل،أو إذا كان ذلك قبل البيع.

نعم،في الصحيح أو الموثق الصحيح:« إنّي أكره بيع عشرة أحد

ص:341


1- المبسوط 2:141،الخلاف 3:134،السرائر 2:291.
2- التهذيب 7:/54 235،قرب الإسناد:/29 96 بتفاوت يسير،الوسائل 18:63 أبواب أحكام العقود ب 14 ح 5.

عشر و عشرة اثني عشر،و نحو ذلك من البيع،و لكن أبيعك بكذا و كذا مساومة» (1).

و نحوه الخبر:« أكره بيع ده يازده و ده دوازده،و لكن أبيعك بكذا و كذا» (2).

و ليسا نصّاً في الجواز؛ لأعمّية الكراهة في زمان الصدور منها بالمعنى المصطلح و من الحرمة،فلم يبق إلّا الأصل و العمومات،و فيهما مناقشة بعد ما مرّ في الصحيحة الاُولى من الأمر بنسبة الربح إلى السلعة،و الجمع بين الربح و الثمن جملة.

و لعلّه لهذا ذهب من القدماء إلى القول الثاني جماعة،كالنهاية و المفيد و القاضي و التقي و الديلمي (3).

و يؤيّده الصحيح عن مولانا الصادق(عليه السّلام)،قال:« قدم متاع لأبي من مصر فصنع طعاماً و دعا له التجار،فقالوا:نأخذه منك بده دوازده،فقال(عليه السّلام):

و كم يكون ذلك؟فقالوا:في كلّ عشرة آلاف ألفين،فقال:إني أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألفاً» (4).

و هو و إن لم يكن ظاهراً ظهوراً تامّاً إلّا أنّ في عدو له(عليه السّلام)عن إجراء

ص:342


1- الكافي 5:/197 4،التهذيب 7:/54 236 بتفاوت يسير،الوسائل 18:63 أبواب أحكام العقود ب 14 ح 4.
2- الكافي 5:/197 3،التهذيب 7 ك /55 237،الوسائل 18:62 أبواب أحكام العقود ب 14 ح 2.
3- النهاية:389،المفيد في المقنعة:605،و القاضي في الكامل حكاه عنه في المختلف:368،التقي في الكافي في الفقه:359،الديلمي في المراسم:175.
4- الكافي 5 ك /197 2،الفقيه 3:/135 589،التهذيب 7:/54 234،الوسائل 18:61 أبواب أحكام العقود ب 14 ح 1.

الصيغة بنحو ما ذكروه إلى ما ذكره نوع إيماء و إشارة إلى بأس فيما ذكروه، و هو كالكراهة في الخبرين المتقدمين و إن كان أعمّ من الحرمة إلّا أنّ الأمر بما فعله(عليه السّلام)هنا في الصحيحة السابقة قرينة واضحة على الحرمة، و أخبارهم(عليهم السّلام)بعضها يكشف عن بعض كما في الرواية.

إلّا أنّ في تعيّن المصير إليها نوع مناقشة بعد اعتضاد الأصل و العمومات كتاباً و سنّة بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً، بل لعلّها إجماع في الحقيقة،مع رجوع الشيخ القائل بالحرمة في النهاية إلى الكراهة في الكتابين المتقدم إلى ذكرهما الإشارة،مع دعواه الإجماع في الخلاف (1)على الكراهة.

مضافاً إلى التأيّد بالخبرين المتضمّنين للكراهة المشعرين بها بالمعنى المصطلح من حيث بُعد المسامحة في التعبير عن الحرمة بلفظ الكراهة.

مضافاً إلى إشعار الصحيحة منهما بها من وجه آخر مستفاد من تتمة لها هي هذه:و قال لي:« أتاني متاع من مصر فكرهت أن أبيعه كذلك و عظم عليّ،فبعته مساومة» .و لا ريب أنّ المنع أحوط،هذا.

و قد ذكر بعض الأجلّة أنّ الظاهر من المعتبرة هنا كراهة المرابحة و أولوية المساومة،لا الكراهة في موضع المسألة (2).

و هو كذلك لولا المخالفة لفهم الطائفة،و لذا بعد الحكم بالكراهة في الصحيحة المتقدّمة،قال:« و لكن أبيعك كذا و كذا مساومة» فتأمّل.

الثانية من اشترى أمتعة صفقة لم يجز بيع بعضها مرابحة

الثانية: من اشترى أمتعة صفقة أي في عقد واحد،و سمّي بذلك

ص:343


1- الخلاف 3:134.
2- الحدائق 19:206.

اعتباراً بما كانوا يصنعونه من وضع أحدهما يده في يد صاحبه حال البيع، أو أنه يصفق أحدهما على يد الآخر عند انتهاء العقد لم يجز بيع بعضها مرابحةً،سواء قوّمها أو بسط الثمن عليها و باع خيارها بلا خلاف فيما إذا كانت متفاضلة.

و كذا إذا كانت متساوية،على الأشهر الأقوى،بل عليه المتأخّرون كافّة؛ لأنّ المبيع المقابل بالثمن هو المجموع لا الأفراد،و إن تقسّط الثمن عليها في بعض الموارد،كما لو تلف بعضها أو ظهر مستحقّاً.

و لإطلاق الصحيحين:في الرجل يشتري المتاع جميعاً ثم يقوّم كل ثوب بما يسوى حتى يقع رأس ماله يبيعه مرابحةً ثوباً ثوباً؟قال:

« لا،حتى يبيّن أنّه إنّما قوّمه» (1).

خلافاً للإسكافي (2)فجوّزه حينئذٍ.و هو ضعيف.

و لو أخبر بذلك أي ببيعه الأوّل و تقويمه المبيع بما يقابله من الثمن جاز مطلقاً،بلا خلاف،و لكن يخرج بذلك عن وضع المرابحة لأنّها لا بدّ فيها من الإخبار برأس المال،و هو هنا غير حاصل؛ لأنّه لم يشتر تلك السلعة وحدها بشيء حتى يخبر به،إلّا أنّ ظاهر الخبرين كونه مرابحة،و لعلّها مجرّد تسمية.

و مما ذكرنا يظهر الوجه في قوله: و لو قوّم التاجر على الدلّال متاعاً بقيمة معينة و لم يواجبه البيع بإجزاء الصيغة و جعل له الزائد عنها أو شاركه فيه،أو جعل لنفسه منه قسطاً و شيئاً معيّناً

ص:344


1- الكافي 5:/197 1،الفقيه 3:/136 590،التهذيب 7:/55 239،الوسائل 18:77 أبواب أحكام العقود ب 21 ح 1،5.
2- نقله عنه في المختلف:368.

و للدلّال الزائد عليه لم يجز للدلّال بيع ذلك المتاع مرابحة بلا خلاف؛ لأنّه كاذب في إخباره،إذ مجرّد التقويم لا يوجبه.

و للخبر:عن الرجل يحمل المتاع لأهل السوق و قد قوّموا عليه قيمة، و يقولون:بع فما ازددت فلك،فقال:« لا بأس بذلك،و لكن لا يبيعه مرابحة» (1).

و يجوز لو أخبر بالصورة إلّا أنّه خارج عن وضع المرابحة كما قلناه في الأوّل.

و لو باع زائداً يكون للدلاّل الأُجرة أُجرة المثل؛ لأنّه عمل عملاً له اجرة عادةً،فإذا فات المشروط له شرعاً كما سيأتي رجع إليها.

و تكون الفائدة و الزيادة المشترطة له للتاجر مطلقاً، على الأشهر،سيّما بين من تأخّر؛ لأنّه نماء ملكه فيتبعه،مع عدم ما يوجبه للدلّال سوى الشرط السابق و ليس بموجب سواء كان التاجر دعاه أوّلاً، كأن قال له:بع هذا بكذا و لك ما زاد أو كان ابتدأه الدلّال فقال له:

خبّرني بثمن هذا المتاع و اربح عليّ فيه شيئاً لأبيعه،ففعل ذلك التاجر.

و من الأصحاب كالشيخين و القاضي و المختلف (2) من فرّق بين الصورتين،فوافق الأكثر في الثانية و خالفهم في الأُولى؛ استناداً إلى المعتبرة المستفيضة:

منها زيادة على ما مرّ من الخبر الصحيح:في رجل قال لرجل:بع

ص:345


1- الفقيه 3:/135 588،التهذيب 7:/54 233،الوسائل 7:/54 233،الوسائل 18:57 أبواب أحكام العقود ب 10 ح 3.
2- المفيد في المقنعة:605،الطوسي في النهاية:390،حكاه عن القاضي في المختلف:369.

ثوبي هذا بعشرة دراهم فما فضل فهو لك،فقال:« ليس به بأس» (1)و نحوه الآخر (2)،و الموثق (3).

و قد حملها جملة من الأصحاب جمعاً بينها و بين القاعدة على صورة الجعالة،و ردّوا ما يترتّب عليها من الجهالة بأنّ المنع عنها فيها إنّما هو لأدائها إلى المنازعة،و هي هنا منتفية؛ إذ الواسطة إن زاد في الثمن مهما زاد كانت له الزيادة و إلّا فلا شيء له بالمرّة؛ لأنّهما تراضيا على ذلك، بخلاف الجعالة المجهولة المؤدّية إلى المنازعة.

و فيه مناقشة؛ لمنع انحصار العلّة في المنع عنها في الجعالة فيما مرّ، فقد تكون شيئاً آخر كالغرر الممكن هنا،لجواز توهّم الدلّال قدراً يزيد على ذلك و لم يحصل له،فيقع في الغرر المنهي عنه.

و المسألة محلّ إشكال،فإنّ اطراح الأخبار الصحيحة من دون معارض صريح مشكل،و مخالفة القاعدة المعتضدة بالشهرة العظيمة أشكل.إلّا أنّ في دلالتها نوع مناقشة؛ فإنّ غايتها نفي البأس مع المراضاة، و لعلّه لا كلام فيه،و إنّما الكلام في عدمها برجوع ربّ المال عمّا قال،و لا دلالة فيها على لزوم ما قال بحال.

الثاني فيما يدخل في المبيع

الثاني:فيما يدخل في المبيع عند إطلاق لفظه.

ذكر جماعة من الأصحاب كالفاضلين و الشهيدين و غيرهم (4)من غير

ص:346


1- الكافي 5:/195 2،التهذيب 7:/53 231،الوسائل 18:57 أبواب أحكام العقود ب 10 ح 1.
2- التهذيب 7:/54 232،الوسائل 18:57 أبواب أحكام العقود ب 10 ح 2.
3- التهذيب 7:/235 1026،الوسائل 18:57 أبواب أحكام العقود ب 10 ح 4.
4- المحقق في الشرائع 2:27،العلامة في القواعد 1:148،و التذكرة 1:570،و التحرير 1:173،الشهيد الأول في الدروس 3:205،الشهيد الثاني في الروضة 3:530،و المسالك 1:183؛ و انظر التنقيح الرائع 2:62،و جامع المقاصد 4:366،و الكفاية:95،و الحدائق 19:143.

خلاف يعرف أنّ الضابط أنّه يراعى فيه اللغة و العرف العام أو الخاص.

و زاد شيخنا الشهيد الثاني فقال:و كذا يراعى الشرع بطريق أولى،بل هو مقدّم عليهما،و قال:ثم إن اتّفقت،و إلّا قُدّم الشرعي،ثم العرفي،ثم اللغوي (1).

و اعترضه وحيد عصره و زمانه و فريد دهره و أوانه خالي العلّامة أدام اللّه تعالى بقاءه (2)بأنّ البائع ما باع إلّا ما هو مقصوده و المشتري ما اشترى إلّا كذلك،و مقصودهما من المطلق ليس إلّا ما هو باصطلاحهما،بل لو صرف إلى اصطلاح الشارع يلزم بطلان العقد من جهة أُخرى،و هو مجهولية المبيع حال العقد،نعم إذا عرفا اصطلاح الشارع و أوقعا العقد عليه يكون هو المرجع،لكن لا من جهة تقديمه على اصطلاحهما،بل من جهة تعيينهما،كما إذا أوقعاه على اصطلاح طائفة أُخرى.انتهى.

و هو و إن اختصّ بالاعتراض عليه في تقديمه الحقيقة الشرعية على العرف و اللغة،إلّا أنّه ينسحب في تقديمهما على عرف المتبايعين.

و لعلّه لهذا عدل بعض متأخّرين الأصحاب عن تلك الضابطة إلى أُخرى،و هي الرجوع إلى العرف العام،و أنّه لو اختصّ أهل بلد أو قرية بعرف خاص ظاهر شائع بينهم حمل كلامهم في بلدهم على ذلك،و هذا أمر يختلف بحسب البلاد المختلفة في الأزمان المختلفة (3).

ص:347


1- كما في الروضة البهية 3:530.
2- هو الوحيد البهبهاني،و لم نجد الاعتراض في كتبه الموجودة لدينا.
3- كفاية الأحكام:95.

و هي في غاية الجودة إلّا أنّ الذي يخطر بالفهم العليل و الفكر الكليل عدم الخلاف في ذلك من الجماعة،و أنّ الظاهر أنّ مرادهم من تلك الضابطة إنّما هو حيث لا يعرف للمتبايعين حقيقة عرفية و اختلفوا في المبيع،أو لم يمكن الرجوع إليهما في معرفتها بموت و نحوه، فالضابط حينئذ ما ذكروه،و إلّا فمع معلوميّة عرفهما لا يمكن الرجوع إلى غيره،و عدم إرادتهم انسحاب تلك الضابطة إلى هذه الصورة مما يقطع بتعيّنه.

و وجه الضابطة في غيرها ظاهر إلّا في تقديم الحقيقة الشرعية حيث علمت على العرفية و اللغوية إن اختلفت،فإنّ الظاهر بل المقطوع به عدم إرادة المتبايعين غالباً إيّاها،بل إنّما أرادا أحد الأمرين البتة،و لعلّه لهذا لم يذكرها عدا الشهيد الثاني في المسالك و الروضة (1).

و أمّا ما ربما يستأنس به له،ممّا ورد في المعتبرة في النذر و الوقف و الوصية من الرجوع في الألفاظ إلى المعاني الشرعية المستعملة فيها تلك الألفاظ في الكتاب و السنة،فمع أنّها مختصّة بموارد مخصوصة،و مع ذلك ليست بأجمعها متّفقاً عليها بين الطائفة،و التعدية من دون دلالة حرام البتّة، محلّ مناقشة؛ فإنّها وردت في الألفاظ الخاصّة التي لا يعلم لها معانٍ معينة في العرف و اللغة،بل تكون مجملة أو مبهمة،فالتعدية إلى نحو المسألة ممّا تعرف فيه تلك المعاني فيهما مشخّصة غير واضحة.

و مما ذكرنا تحقق أنّ الضابطة الرجوع إلى عرف المتبايعين إن عُلِمَ، و إلّا فإلى العرف العامّ إن كان،و إلّا فإلى اللغة،فتأمّل.

ص:348


1- المسالك 1:183،الروضة 3:530.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ من باع أرضاً مقتصراً على لفظها لم يدخل نخلها و لا شجرها بلا خلاف،كما في التنقيح (1)؛ و هو الحجة بعد الأصل و عدم المخرج عنه من اللفظ الدال عليه بإحدى الدلالات الثلاث في اللغة و العرف.

إلّا أن يشترط الدخول،فيدخل إجماعاً؛ عملاً بمقتضى الشرط.

أو يقول:بحقوقها،فكذلك عند الشيخ و القاضي و ابن حمزة و ابن زهرة و الحلّي (2)؛ بناءً على توهّم شمول الحقوق لهما.و فيه منع.

و التفاتاً إلى ما في رواية صحيحة من قوله(عليه السّلام)في رجل اشترى أرضاً بحدودها الأربعة و فيها زرع و نحل،و غيرهما من الشجر،و لم يذكر النخل و لا الزرع و لا الشجر في كتابه،و ذكر فيه أنّه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة و الخارجة فيها،أ يدخل النخل و الأشجار و الزرع في حقوق الأرض أم لا؟فوقّع(عليه السّلام):« إذا ابتاع الأرض بحدودها و ما أُغلق عليه بابها فله جميع ما فيها إن شاء اللّه تعالى» (3).

و هي مع أنّها مكاتبة غير صالحة للخروج عمّا اقتضته الحجّة المتقدّمة،المعتضدة بالشهرة العظيمة المتأخّرة غير واضحة الدلالة،بل هي على خلافه واضحة المقالة،من حيث تعليق الدخول فيها على ذكر ما أُغلق عليه بابها،الدالّ بمفهومه على عدمه مع عدم ذكره،و المنطوق لا

ص:349


1- التنقيح الرائع 2:62.
2- الشيخ في المبسوط 2:105،و الخلاف 3:82،القاضي في المهذب 1:376،ابن حمزة في الوسيلة:240،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):590،الحلي في السرائر 2:379.
3- التهذيب 7:/138 613،/155 685،الوسائل 18:90 أبواب أحكام العقود ب 29 ح 1.

خلاف فيه،كما في التنقيح (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى شهادة العرف بالدخول مع ذكره.

و منها بمعونة ما ذكرنا يظهر الوجه في عدم دخول الزرع في بيع الأرض مطلقاً،كان مجزوراً أم لا،و هو أشهر و أقوى.خلافاً للمبسوط في الثاني إذا كان ظاهراً،فالجزّة الأُولى للبائع و الباقي للمشتري (2).

و لو ابتاع داراً دخل في مفهومها العرصة،و الحيطان،و الأبواب، و الأغلاق المنصوبة،و الأخشاب المستدخلة،و السلّم المثبت و المفتاح على قول،و البيت الأعلى و الأسفل لاقتضاء العرف ذلك كلّه، إلّا أنّ يتغير أو تشهد العادة للأعلى بالانفراد كما في بعض البلاد،فتخرج حينئذٍ،و عليه يحمل ظاهر إطلاق المكاتبة الصحيحة:في رجل اشترى من رجل بيتاً في دار له بجميع حقوقه و فوقه بيت آخر،هل يدخل البيت الأعلى في حقوق البيت الأسفل أم لا؟فوقّع(عليه السّلام):« ليس له إلّا ما اشتراه باسمه و موضعه إن شاء اللّه» (3)الحديث.و ذيله قريب من صدره،مع أنّها في البيت لا في الدار (4).

و لو باع نخلاً مؤبّراً بتشقيق طلع الإناث و ذرّ طلع الذكور فيه ليجيء ثمره أصلح فالثمرة للبائع على الأظهر الأشهر بين الطائفة؛ للنصوص المعتبرة،في اثنين منها:« من باع نخلاً قد لقّح» كما في

ص:350


1- التنقيح الرائع 2:62.
2- المبسوط 2:103.
3- الفقيه 3:/153 672،التهذيب 7:/150 664،الوسائل 18:91 أبواب أحكام العقود ب 31 ح 1.
4- التهذيب 7:/150 665،الوسائل 18:92 أبواب أحكام العقود ب 31 ح 2.

أحدهما،أو« أُبِرّ» كما في الثاني« فالثمرة للبائع إلّا أن يشترط المبتاع» (1).

و في الثالث:« إنّ ثمرة النخل للذي أبرّها،إلّا أن يشترط المبتاع» (2).

خلافاً لابن حمزة،فجعلها للمبتاع مع عدم بدوّ الصلاح (3).

و هو شاذّ،و مستنده مع ذلك غير واضح،و الإجماعات المستفيضة على خلافه محكيّة،فهو ضعيف غايته.

إلّا أن يشترط كونها للمتاع،فيدخل كما قاله،بل مطلقاً و لو بدا الصلاح،بلا خلاف،عملاً بصريح تلك المعتبرة،و التفاتاً إلى مقتضى الشرطيّة.

و مقتضى الأصل،و اختصاص الانتقال إلى المبتاع مع عدم التأبير في الحجج السابقة بصورة البيع خاصّة صريحاً في بعض و ظهوراً في آخر:

عدمه فيما عداها من صور وجوه الانتقالات،كالإرث و الوقف و الهبة و غيرها من الأُمور الناقلة،إلّا أن يقتضي عرف الناقل الدخول،فيدخل البتة،و بما ذكرناه صرّح جماعة مدّعياً بعضهم الإجماع عليه (4).

خلافاً للمبسوط و القاضي فعمّماه إلى الصور المزبورة (5).و لا دليل لهما سوى القياس بالبيع،كما صرّح به في السرائر (6)،و هو كما ترى.

ص:351


1- الكافي 5:/177 12،14،التهذيب 7:/87 369،370،الوسائل 18:93 أبواب أحكام العقود ب 32 ح 2،3.
2- الكافي 5:/178 17،التهذيب 7:/87 371،الوسائل 18:92 أبواب أحكام العقود ب 32 ح 1.
3- الوسيلة:250.
4- انظر المسالك 1:184.
5- المبسوط 2:100،المهذب 1:374.
6- السرائر 2:364.

و كذا لو باع شجرة مثمرة فيها ثمرتها لم تدخل في مفهومها مطلقاً،بلا خلاف هنا كما يفهم عن بعض أصحابنا (1)،إلّا أنّ المحكي عن الشيخين المتقدّمين المخالفة في نحو القطن بعد خروج جوزقه (2)و قبل التشقّق،و في الورد قبل تفتّحه،فحكما بالدخول حينئذٍ (3).و يمنعهما الأصل الذي قدّمناه؛ لعدم دخول الثمرتين في مفهوم الأصل مطلقاً.

و منه يظهر الوجه في قوله: أو باع دابّة حاملاً لم يدخل فيها حملها على الأظهر الأقوى،و عليه أكثر أصحابنا،وفاقاً للنهاية و المقنعة و القاضي و الحلبي و الديلمي و ابن زهرة و الحلّي (4)،مدّعياً الإجماع عليه.

خلافاً للمبسوط و القاضي في المهذب،و الجواهر (5)،فيدخل.

و مستندهما غير واضح عدا دعواهما كونه كالجزء.و فيه منع،و لذا يصحّ الوصية له و به و كذلك الإقرار،دون الجزء؛ إذا لا يصحّ شيء من ذلك فيه.فالخروج عن مقتضى الأصل القطعي المعتضد بالشهرة العظيمة به مجازفة.

نعم ربما يستأنس له ببعض المعتبرة في عتق الأمة:عن رجل أعتق أمة و هي حبلى،فاستثنى ما في بطنها،قال:« الأمة حرّة،و ما في بطنها

ص:352


1- التنقيح 2:64،المهذب البارع 2:396.
2- جَوْزَقٌ:فَوْعَل استعمله الفقهاء في كِمام القطن.المصباح المنير:99.
3- المبسوط 2:102 و 103،المهذب 1:374 و 375.
4- النهاية:409،المقنعة:600 القاضي في الكامل كما في المهذب البارع 2:397،الحلبي في الكافي:356،الديلمي في المراسم:176،لم نعثر عليه في الغنية حكاه عنه في التنقيح 2:74،الحلّي في السرائر 2:343.
5- المبسوط 2:156،لم نعثر عليه في المهذب حكاه عنه في المختلف:379،جواهر الفقه:238.

[حرّ (1)]،لأنّ ما في بطنها منها» (2).

لكنه قاصر السند،غير معمول عليه عند الأكثر،معارض بأجود منه من المعتبرة المعتضدة بالشهرة في محلّها و في المسألة،كالموثق:عن امرأة دبّرت جارية لها،فولدت الجارية جارية نفيسة،فلم تدر المرأة حال المولود هي مدبّرة أو غير مدبّرة،فقال:« متى كان الحمل بالمدبّرة؟أقبل ما دبّرت أم بعد؟» فقلت:لست أدري،و لكن أجبني فيهما جميعاً،فقال:

« إن كانت المرأة دبّرت و بها حبل و لم تذكر ما في بطنها فالجارية مدبّرة، و الولد رقّ،و إن كان إنّما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبّر في تدبير امّه،لأنّ الحمل إنّما حدث بعد التدبير» (3).

و في الحسن:عن رجل دبّر جارية و هي حبلى،فقال:« إن كان علم بحبل الجارية فما في بطنها بمنزلتها،و إن كان لا يعلم فما في بطنها رقّ» (4).

و على الدخول فهل يجوز الاستثناء للبائع؟قولان؛ للعدم كما عمّن تقدم أنّه كالجزء،فكما لا يجوز استثناؤه فكذلك شبهه.و للجواز كما عن الإسكافي و ابن حمزة (5)الأصل،و منع المشابهة.و لا يخلو عن قوّة.

و على المختار جاز اشتراط الدخول بلا خلاف،كما قيل (6)؛ للأصل،

ص:353


1- أثبتناه من المصادر.
2- الفقيه 3:/85 309،التهذيب 8:/236 851،الوسائل 23:106 أبواب العتق ب 69 ح 1.
3- الكافي 6:/184 5،الفقيه 3:/71 246،التهذيب 8:/250 947،الاستبصار 4:/31 109،بتفاوت،الوسائل 23:122 أبواب التدبير ب 5 ح 2.
4- الكافي 6:/184 4،الفقيه 3:/71 247،التهذيب 8:/260 946،الإستبصار 4:/31 108،الوسائل 23:123 أبواب التدبير ب 5 ح 3.
5- حكاه عن الإسكافي في المختلف:379،ابن حمزة في الوسيلة:248.
6- قال الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:245:و مع التقييد بكونه للمشتري يصحّ البيع و يكون الولد للمشتري بلا نزاع.

و اندفاع الجهالة بالضميمة.

و لا فرق في الاشتراط بين أن يقول:بعتك الجارية و حملها أو شرطت لك حملها،أو بعتك هذه الأمة بكذا و حملها،بلا خلاف،فيما عدا الصورة الأُولى،و على قول جماعة (1)فيها أيضاً؛ لقاعدة الضميمة.

خلافاً للتذكرة (2)فيبطل؛ للجهالة.

و لو لم تؤبّر النخلة فالطلع للمشتري بلا خلاف،بل عليه الإجماع في كلام جماعة،كشيخنا في الخلاف،و العلّامة في المختلف و التذكرة،و ظاهر الماتن في الشرائع،و الفاضلين المقداد (3)و الصيمري في شرحيهما على الكتاب و الكتاب المتقدّم؛ و هو الحجة،مضافاً إلى مفهوم القيد الذي هو حجّة في أكثر المعتبرة المتقدّمة (4).

و بهما يخصّ الأصل الدالّ على استصحاب كونه للبائع،بناءً على عدم دخوله في مفهوم النخل لغة،بل و عرفاً،لكن مع تأمّل فيه على إطلاقه.

الثالث في القبض

الثالث في القبض و أحكامه.

اعلم أنّ إطلاق العقد و تجريده عن شرط تأخير أحد العوضين، أو تأخيرهما إذا كانا عينين،أو أحدهما يقتضي وجوب تسليم المبيع

ص:354


1- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 3:309،الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:245،و صاحب الحدائق 19:393.
2- التذكرة 1:498.
3- الخلاف 3:79،المختلف:377،التذكرة 1:573،الشرائع 2:27،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:64.
4- راجع ص:3889.

و الثمن على المتبايعين فوراً،فيتقابضان معاً لو تمانعا من التقدّم سواء كان الثمن عيناً أو ديناً،و إنّما لم يكن أحدهما أولى بالتقدّم لتساوي الحقّين في وجوب تسليم كلّ واحد منهما إلى مالكه.و عليه الأكثر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر،وفاقاً للإسكافي (1).

خلافاً للمبسوط و الخلاف و القاضي و الحلّي و ابن زهرة العلوي (2)، فحكموا بإجبار الحاكم البائع على الإقباض أوّلاً بعد التمانع؛ لأنّ الثمن تابع للمبيع.

و يضعف باستواء العقد في إفادة الملك لهما،فإن امتنعا أجبرهما الحاكم معاً مع إمكانه،كما يجبر الممتنع من قبض ماله.

و يجوز اشتراط تأخير إقباض أحد العوضين مدّة معيّنة و الانتفاع به منفعة معينة؛ لأنه شرط سائغ،فيدخل تحت العموم.

و لا يجب على المشروط له فوريّة الإقباض،بل له التأخير إلى الأجل.و لا كذلك غيره،فإنّه يجب الإقباض عليه فوراً؛ للأصل، و اختصاص المخرج عنه بمن له الشرط.

و حيث إنّ القبض من الأُمور المعتبرة شرعاً لما يترتّب عليه من الأحكام بالنسبة إلى الوصيّة و الرهن و الهبة،فإنّ للقبض فيها مدخلاً باعتبار شرطيّته للصحة أو اللزوم،و كذا بالنسبة إلى البيع،إذ من أحكامه فيه انتقال ضمان المبيع مثلاً إلى المشتري بعده مع عدم الخيار له، و كونه على البائع قبله،و جواز بيع ما اشتراه بعده مطلقاً،و تحريمه أو كراهته قبله على بعض الوجوه،و جواز فسخ البائع مع تأخير الثمن و عدم

ص:355


1- نقله عنه في المختلف:395.
2- المبسوط 2:148،الخلاف 3:151،حكاه عن القاضي في المختلف:395،الحلّي في السرائر 2:306،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):589.

قبض المبيع بعد ثلاثة أيّام،و غير ذلك احتيج إلى تعريفه،و حيث لم يرد فيه نصّ كلّي يتضمّنه وجب الرجوع فيه إلى العرف.

و قد اختلف فيه الأصحاب بعد اتّفاقهم على أنّه هو التخلية بينه و بينه بعد رفع اليد عنه فيما لا ينقل خاصّة كالعقار و نحوه على أقوال،أحدها ما اختاره الماتن في الشرائع (1)،و إليه أشار هنا بقوله:

و كذا هو التخلية فيما ينقل محتجّاً بأنّه استعمل في التخلية إجماعاً فيما لا ينقل و لا يحوّل،فيجب أن يكون كذلك في غيره،و يكون حقيقة في المعنى المشترك،إذ لو استعمل في المنقول بمعنى آخر لكان إما حقيقة فيهما فيلزم الاشتراك،أو مجازاً في الآخر فيلزم المجاز،و كلاهما على خلاف الأصل.

و فيه نظر؛ لوجوب المصير إلى أحدهما بعد قيام الدليل عليه،كما يأتي،مع أنّ استعمال القبض في التخلية في المنقول خلاف المفهوم و المتبادر منه في العرف و اللغة،بل المتبادر منه عرفاً عند الإطلاق هو القبض باليد،و به صرّح جماعة من أهل اللغة (2)،فاللازم الاقتصار عليه، إلّا ما قام الإجماع على إرادة الخلية منه،و هو إنّما يكون في غير المنقول خاصّة.

و كذا لا يجب اعتبار شيء زائد عليه من النقل إلّا ما قام الدليل على اعتباره،فيعتبر إن تمّ،فتأمّل جدّاً.

و مع ذلك تردّه المعتبرة الآتية ظاهراً،فلا وجه لهذا القول أصلاً.

ص:356


1- الشرائع 2:29.
2- منهم:الفيروزآبادي في القاموس 2:354،و ابن الأثير في النهاية 4:6،و الفيومي في المصباح المنير:488،و الطريحي في مجمع البحرين 4:226.

و قيل: إنّه في القماش و نحوه ممّا يتناول باليد،كالدراهم و الدنانير و الجواهر هو الإمساك باليد،و في الحيوان كالعبد و البهيمة هو نقله و إن اختلف فيهما،ففي الأوّل بأن يقيمه المشتري إلى مكان آخر،و في الثاني بأن يمشي به إلى مكان آخر،و في المكيل و الموزون الكيل و الوزن،تحقيقاً أو تقديراً،كأن يخبر بهما مع تصديق المشتري له بهما مثلاً مع رفع اليد عنه،على قول.

صرّح بهذا القول شيخنا في المبسوط،و تبعه ابن البراج و ابنا حمزة و زهرة (1)،مدّعياً عليه الإجماع،إلّا أنّه جعله في المنقول مطلقاً هو النقل خاصّة؛ و هو الحجة في الجملة.

مع اعتضاده كذلك بالشهرة المحكيّة في كلام جماعة،كالمهذب (2)و ابن المفلح،و بفتوى كثير من متأخّرين الطائفة،كالشهيدين في اللمعتين و شراح الكتاب و غيرهم (3)،و يعضده العرف أيضاً في الجملة،كما صرّح به جماعة (4)،و يشهد له في الجملة بعض المعتبرة،كالصحيح:عن الرجل يبيع المبيع قبل أن يقبضه،فقال:« ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلّا أن تولّيه الذي قام عليه» (5).

ص:357


1- المبسوط 2:120،ابن البراج في المهذب 1:385،ابن حمزة في الوسيلة:252،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):589.
2- انظر المهذب البارع 2:398.
3- اللمعة(الروضة البهية 3):523،المهذب البارع 2:398،المقتصر:173،التنقيح 2:66.
4- منهم:العلامة في المختلف:393،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:66،و السبزواري في الكفاية:96.
5- التهذيب 7:/35 146،الوسائل 18:68 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 11.

و الخبر الذي قصور سنده من جميع الوجوه بالشهرة منجبر:في رجل اشترى متاعاً من آخر و أوجبه غير أنّه ترك المتاع عنده و لم يقبضه،و قال:

آتيك إن شاء اللّه تعالى،فسرق المتاع،من مال مَن يكون؟قال:« من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته،فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ ماله إليه» (1).

و المناقشة فيهما بضعف الدلالة،من حيث إنّ ظاهر الاُولى أنّ البيع قبل القبض لا يجوز حتى يكيل أو يزن،و ذلك لا يدلّ على كون القبض ذلك بضمّ السؤال؛ إذ يصحّ جواب السائل هل يجوز قبل القبض؟بأنّه لا يجوز قبله بدون أحد الأمرين.و الثانية أنّه يعتبر في انتقال الضمان من البائع إلى المشتري نقل المتاع و إخراجه من بيته،و ليس فيه تفسير القبض بكونه عبارة عمّا ذا،مع أنّ ظاهرها أنّه يعتبر في انتقال الضمان الإخراج من بيت البائع،و لا قائل به.

مدفوعة،بظهور الاُولى في ارتفاع المنع تحريماً أو كراهة بأحد الأمرين،فليكونا قبضاً،للإجماع على عدم ارتفاعه إلّا به،فالإجماع شاهد عليه،و لعلّه مراد شيخنا في المختلف من قوله بعد نقلها:فجعل(عليه السّلام) الكيل و الوزن هو القبض،للإجماع على تسويغ بيع الطعام بعد قبضه (2).

و بنحوه يجاب عن الثانية،و به صرّح في المهذب،فقال في تقريب جعل النقل فيها هو القبض لتعليله زوال الضمان به:و لا خلاف في أنه معلّل بالقبض (3).و به يندفع ما أُورد عليها من الاعتراض الآخر.

ص:358


1- الكافي 5:/171 12،التهذيب 7:/21 89،الوسائل 18:23 أبواب الخيار ب 10 ح 1.
2- المختلف:393.
3- المهذب البارع 2:399.

و هنا أقوال أُخر،منها:ما اختاره شيخنا في الدروس من أنّه في الحيوان نقله،و فيما يعتبر باعتبار مخصوص لدفع الجهالة كيله أو وزنه أو عدّه أو نقله،و في الثوب وضعه في اليد (1)؛ استناداً في الكيل و الوزن إلى الصحيح المتقدّم،و في النقل إلى ما مرّ من الخبر.

و هو حسن؛ لما ظهر،إلّا أنّ إلحاق المعدود بالمكيل و الموزون قياس،و الفرق بين الحيوان و غيره ضعيف.

و منها:الاكتفاء بالتخلية مطلقاً بالنسبة إلى نقل الضمان لا زوال التحريم و الكراهة عن البيع قبل القبض (2).و العرف يأباه و الأخبار تدفعه.

و منها:ما في المختلف من أن المبيع إن كان منقولاً فالقبض فيه هو النقل أو الأخذ باليد،و إن كان مكيلاً أو موزوناً فقبضه هو ذلك أو الكيل و الوزن (3).

و الفرق بينه و بين المشهور من وجهين الاكتفاء عليه في المنقول بقبض اليد من دون احتياج إلى النقل،و في المكيل و الموزون بهما من دون احتياج إلى الكيل و الوزن،و لا يكتفى في المقامين بشيء من ذلك على المشهور،بل لا بدّ من النقل في الأوّل،و أحد الأمرين في الثاني،فلو قبض باليد فيهما لم يحصل القبض مطلقاً،و العرف كما ترى يأباه و يوجب المصير إلى هذا القول جدّاً،لموافقته له ظاهراً.فالقول به لا يخلو عن قوّة لولا ما قدّمناه من الأدلّة،لكنها للتنزيل على هذا القول قابلة،و لذا أيّده القائل به بما قدّمناه من المعتبرة.

ص:359


1- الدورس 3:213.
2- قال به في الدروس 3:213.
3- المختلف:393.

فهذا القول أقر،و إن كان المصير إلى المشهور في بعض الأحيان أحوط.

و حيث اعتبرنا الكيل و الوزن في القبض ففي الافتقار إلى اعتباره ثانياً لأجله،أو الاكتفاء بالاعتبار السابق،وجهان،من إطلاع توقّف الحكم على الكيل أو الوزن و قد حصلا.و قوله(عليه السّلام):« لا تبعه حتى تكيله أو تزنه» (1)لا يدلّ على أزيد من حصولهما الشامل لما كان قبل البيع.

و من كون الظاهر أنّ ذلك لأجل القبض لا لأجل صحّة البيع،فلا بدّ من اعتبار جديد بعد العقد،و به صرّح العلّامة و الشهيدان و جماعة (2).

و لا يخلو عن قوّة؛ لقوله(عليه السّلام)في الصحيح المتقدّم:« إلّا أن توليه» فإنّ الكيل السابق شرط لصحة البيع أو ما قام مقامه،فلا بدّ منه في التولية و غيرها،و مقتضى قوله(عليه السّلام)المشار إليه أنّه معها لا يتوقّف على كيل أو وزن،فدلّ ذلك على أنّهما لأجل القبض لا لأجل صحة البيع.و من هنا يظهر الوجه في الاكتفاء عنهما تحقيقاً بالإخبار،فنعم على الأوّل،و لا على الثاني.و نحوه الكلام في العدّ إن اعتبرناه.

و يجب عند الإقباض تسليم المبيع مفرّغاً من أمتعة البائع و غيرها مما لا يدخل في المبيع فلو كان فيه متاع فعلى البائع إزالته فوراً،و لو كان مشغولاً بزرع لم يبلغ وجب الصبر إلى أوانه إن اختاره البائع.

ثم إن كان المشتري عالماً بالحال،و إلّا تخيّر بين الفسخ و الصبر إن

ص:360


1- تقدّم مصدره في ص:3896.
2- قال العلّامة في القواعد 1:..فحينئذٍ لو اشترى مكابلة و باع مكابلة،لا بدّ لكل بيع من كيلٍ جديد ليتمّ القبض،و قال الشهيد في الدروس 3:213،و لا يكفي الاعتبار الأول عن اعتبار القبض،الشهيد الثاني في المسالك 1:185.

احتاج إلى مضيّ زمان يفوت فيه شيء من النفع المعتدّ به،دفعاً للضرر.

و لو كان فيه ما لا يخرج إلّا بهدم وجب أرشه على البائع.

ثم إنّ التفريغ و إن كان واجباً إلّا أنّ الظاهر عدم توقّف القبض عليه، بل لو رضي المشتري بتسلّمه مشغولاً تمّ و وجب التفريغ بعده.

و لا بأس ببيع المشتري ما لم يقبض إذا لم يكن مكيلاً و لا موزوناً،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في بعض العبارات (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أدلّة الجواز في المسألة الآتية،عموماً في بعض و فحوى في الباقي.

و صريح الصحيحين في أحدهما:« فإن لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه» (2).

و في الثاني:عن قوم اشتروا بزاً (3)فاشتركوا فيه جميعاً و لم يقسّموه، أ يصلح لأحد منهم أن يبيع بزّه قبل أن يقبضه و يأخذ ربحه؟قال:« لا بأس به،لأنّ هذا ليس بمنزلة الطعام لأن الطعام يكال» (4).

و مفهوم الآخر:عن الرجل يبيع المبيع قبل أن يقبضه،فقال:« ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلّا أن تولّيه» (5)و نحوه غيره ممّا يأتي.

و يكره فيما يكال أو يوزن،و تتأكّد الكراهة في الطعام وفاقاً

ص:361


1- التحرير 1:176.
2- الفقيه 3:/129 560،التهذيب 7:/35 147،الوسائل 18:68 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 12.
3- البَزّ:الثياب و بائعه بزّاز.مجمع البحرين 4:8.
4- الفقيه 3:/136 594،التهذيب 7:/55 240،الوسائل 18:67 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 10.
5- تقدّم مصدره في ص:357.

للمفيد و النهاية و القاضي في الكامل (1)،و اختاره من المتأخّرين جماعة، كالشهيد في الدروس اللمعة،و المختلف،و الفاضل المقداد و الصيمري و الماتن هنا و في الشرائع (2)،و غيرهم (3)،بل ادّعى عليه بعض الأجلّة الشهرة المتأخّرة (4).

و لا يخلو عن قوّة؛ جمعاً بين ما دلّ على الجواز من الأصل، و العمومات،و ظاهر عموم التعليل في الصحيحين،في أحدهما:في رجل أمر رجلاً يشتري متاعاً فيشتريه منه،قال:« لا بأس بذلك إنّما البيع بعد ما يشتريه» (5)و نحوه الثاني:« لا بأس،إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه» (6).

و ظاهر عموم الصحيحين (7)الناشئ من ترك الاستفصال،في أحدهما:عن الرجل يشتري الثمرة ثم يبيعها قبل أن يأخذها،قال:« لا بأس به،إن وجد ربحاً فليبع» و لا ريب أنّ الثمرة مكيل في الجملة،بل طعام في بعض الإطلاقات.

ص:362


1- المفيد في المقنعة:596،النهاية:398،و حكاه عن كامل القاضي في المختلف:393.
2- الدروس 3:211،اللمعة(الروضة البهية 3):528،المختلف:393،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:68،الشرائع 2:31.
3- انظر كشف الرموز 1:473 و كفاية الأحكام:96.
4- الحدائق 19:168.
5- التهذيب 7:/50 218،الوسائل 18:50 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 6؛ بتفاوت يسير.
6- التهذيب 7:/51 220،الوسائل 18:51 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 8؛ بتفاوت يسير.
7- الأول:الفقيه 3:/132 576،التهذيب 7:/88 376،الوسائل 18:47 أبواب أحكام العقود ب 7 ح 2.الثاني:التهذيب 7:/89 377،الوسائل 18:47 أبواب أحكام العقود ب 7 ح 3.

و خصوص الخبر الذي قصور سنده بالشهرة المحكية و ما قدّمناه من أدلّة الإباحة منجبر:في الرجل يشتري الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه،قال:

« لا بأس» (1).

و بين ما دلّ على النهي عنه،و نفي الصلاحية،و ثبوت البأس به من الصحاح المستفيضة،منها مضافاً إلى ما مرّ:« إذا اشتريت متاعاً فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه إلّا أن تولّيه» (2).

و منها:« من احتكر طعاماً..و أراد أن يبيعه فلا يبعه حتى يقبضه و يكتاله» (3).

و منها:في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل أن يكتاله،قال:

« لا يصلح له ذلك» (4)و نحوه آخر (5).

و نحوها غيرها من المعتبرة كالموثقين كالصحيح،في أحدهما:عن رجل اشترى بيعاً ليس فيه كيل و لا وزن،إله أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه و يأخذ ربحه؟فقال:« لا بأس بذلك ما لم يكن فيه كيل و لا وزن» (6)الخبر.

و في الثاني:اشترينا طعاماً فزعم صاحبه أنه كاله فصدّقناه و أخذنا بكيله،فقال:« لا بأس» فقلت:أ يجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟

ص:363


1- الكافي 5:/179 3،التهذيب 7:/36 151،الوسائل 18:65 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 6.
2- التهذيب 7:/35 147،الوسائل 18:68 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 12.
3- التهذيب 7:/37 155،الوسائل 18:69 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 17.
4- الكافي 5:/178 2،التهذيب 7:/36 149،الوسائل 18:68 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 13.
5- التهذيب 7:/36 150،الوسائل 18:68 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 14.
6- الفقيه 3:/136 593،التهذيب 7:/56 241،الوسائل 18:69 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 18.

قال:« لا،أمّا أنت فلا تبعه حتى تكيله» (1).

و الموثق:عن الرجل يبيع الطعام أو الثمرة و قد كان اشتراها و لم يقبضها،قال:« لا حتى يقبضها» (2).

و هذه النصوص و إن ترجّحت على أدلّة الإباحة بالكثرة و الصحة، و لعلّه لذا قيل:يحرم إمّا مطلقاً،طعاماً أو غيره،بتولية أو غيرها، كما عن العماني (3)،أو طعاماً خاصّة مطلقاً،كما عن الصدوق و القاضي في المهذب،و المبسوط و الغنية (4)،مدّعين فيهما الإجماع.

إلّا أنّها ما بين قاصرة بحسب الدلالة،و هي ما تضمّن ثبوت البأس أو نفي الصلاحية،لأعميّة الأوّل من الحرمة،و ظهور الثاني في الكراهة،سيّما بملاحظة الخبر:عن رجل اشترى طعاماً ثم باعه قبل أن يكيله،قال:

« لا يعجبني أن يبيع كيلاً أو وزناً قبل أن يكيله أو يزنه،إلّا أن يولّيه كما اشتراه» (5).

و شاذّةٍ،و هي ما استثنت من المنع صورة التولية،فإنّه لا قائل بهذا التفصيل من القائلين بالحرمة المتقدّم إلى ذكرهم الإشارة.

نعم،قد يوجد القول بها من بعض متأخّرين الطائفة،كما سيأتي في ذيل الرواية إلى ذكره الإشارة.

ص:364


1- التهذيب 7:/37 157،الوسائل 17:345 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 4.
2- التهذيب 7:/36 152،الوسائل 18:68 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 15.
3- نقله عنه في المختلف:393.
4- الصدوق في المقنع:123،المهذب 1:385،المبسوط 2:119،الغنية(الجوامع الفقهية):585.
5- التهذيب 7:/37 154،الوسائل 18:69 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 16.

و بعدم مصير أحد إلى هذا القول صرّح بعض الأجلّة (1)،و مع ذلك فالقائل بهذه النصوص ليس إلّا العماني،حيث أطلق فيها المبيع و لم يخصّ بالطعام،و التخصيص إنّما هو في كلام الرواة و مع ذلك فليس قابلاً لتقييد الإطلاق،و حينئذٍ فتكون متروكة عن القائلين بالإباحة كافّة،و أكثر القائلين بالحرمة،و هذا من أكبر الشواهد على تعيين حملها على الكراهة.

نعم،يبقى الكلام فيما دلّ منها على المنع عن خصوص الطعام؛ لاعتضادها بفتوى جماعة،و بالإجماعات المحكية.إلّا أنّها ما بين ضعيفةٍ دلالةً بالتضمّن لنفي الصلاحيّة أو ثبوت البأس،المتقدّم إلى ما في دلالتها على الحرمة من المناقشة،و متضمّنةٍ لما لا يقول به هؤلاء الجماعة،من اعتبار الحكرة و استثناء التولية.

و الإجماعات المحكية هنا موهونة؛ إذ لم يوجد القائل بها إلّا هؤلاء الجماعة القليلة بالإضافة إلى القائلين بالحرمة على الإطلاق أو الكراهة كذلك.

و لكن شبهة القول بالحرمة هنا قويّة أقوى منها في المسألة السابقة، و لذا حكم في العبارة بتأكّد الكراهة هنا.

و تخفّ لو باع توليةً؛ لما تقدّم من المعتبرة. و نحوها ما في رواية أُخرى صحيحة حاصلة قوله: لا تبعه حتى تقبضه إلّا أن تولّيه (2).

و سياق العبارة يشعر بعدم القائل بها.و هو كذلك قبل زمانه-(رحمه اللّه) كما مضى،و أمّا بعده فقد اختاره الفاضل في التحرير و الإرشاد،و الشهيد

ص:365


1- المهذّب البارع 2:401.
2- الفقيه 3:/129 560،الوسائل 18:65 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 1.

الثاني في المسالك و الروضة (1)،و بها جَمَعا بين الأخبار المختلفة.

و المناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.

و عليه فهل يخصّ الحكم بالتولية أم يعمّ الوضيعة؟وجهان،من لزوم الاقتصار فيما خالف إطلاقات المنع على ما تضمّنته الرواية،و من مفهوم الصحيحة:« إذا ربح لم يصلح حتى يقبض» (2)و احتمال ورود الإطلاقات و استثناء التولية خاصّة مورد الغلبة،لكون المعاملة بالوضيعة نادرة،إلّا أنّه وارد في مفهوم الصحيحة،و مع ذلك يؤيّد الأوّل الخبر:

« لا بأس أن يولّيه كما اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع» (3).

و لو قبض المشتري المكيل فادّعى نقصانه فإن حضر الاعتبار و شهده فالقول قول البائع مع يمينه بلا خلاف أجده؛ و هو الحجة، دون ما علّل به جماعة من العمل بالظاهر من أنّ صاحب الحق إذا حضر اعتباره يحتاط لنفسه و يأخذ مقدار حقّه.مع إمكان موافقة الأصل للظاهر باعتبار آخر،و هو أنّ المشتري لمّا قبض حقّه كان في قوّة المعترف بوصول حقّه إليه كملاً،فإذا ادّعى بعد ذلك نقصانه كان مدّعياً لما يخالف الأصل.

فإنّ فيه مناقشة؛ لمنع الظهور أوّلاً،باحتمال الاعتماد على البائع،أو الغفلة و السهر،أو حضور الاعتبار للغير،فتأمّل.

و منع معارضته للأصل و رحجانه عليه بعد تسليمه لولا الإجماع ثانياً.

و كذا دعوى الموافقة للأصل،فإنّ إقامة أخذ الحق مع حضور الاعتبار مقام الاعتراف ممنوعة،و إن هو إلّا قياس فاسد في الشريعة،فإذا العمدة

ص:366


1- التحرير 1:176،الإرشاد 1:382،المسالك 1:186،187،الروضة 3:528.
2- التهذيب 7:/36 153،مسائل علي بن جعفر:/124 84،/123 83،قرب الإسناد:/265 1052،الوسائل 18:67 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 9.
3- تقدّم مصدره في ص:3903.

فتوى الجماعة.

هذا إذا ادّعى الغلط،و أمّا إذا ادّعى عدم وصول الحق فالحكم فيه كما في الصورة الثانية،المشار إليها بقوله: و إن لم يحضره فالقول قوله أي المشتري مع يمينه قولاً واحداً؛ تمسّكاً بالأصل السليم عن المعارض جدّاً.

و كذا القول بالتفصيل بين صورتي الحضور فالأوّل،و عدمه فالثاني في الموزون و المعدود و المذروع و إن خالف الأصل في الصورة الأُولى؛ لعين ما مرّ في المسألة السابقة.

الرابع في الشرائط

الرابع:في الشرائط المرسومة في متن العقد التي لم يعلّق عليها العقد،كأن يقول:بعتك هذا المتاع و شرطت عليك صباغة هذا الثوب، دون المذكورة في طرفيه و المعلّق عليها،كأن يقول:بعتك هذا المتاع إن جاء زيد؛ إذا لا أثر للأوّلة (1)في صحة العقد و لزومه أصلاً،و الثانية لا يصحّ

ص:367


1- المذكورة في طرفيه،و يصح العقد و يلزم من دونها؛ لفحوى ما دل على ذلك في عقد المتعة من النص و الفتوى بأنّ الشروط قبله و بعده لا تلزم أصلاً،و لا يؤثر فقدها في العقد فساداً و لا تزلزلاً،و يفسد العقد في المعلّق عليها من أصله؛ لمنافاة التعليق القصد إلى إيقاع مضمون البيع الذي هو الانتقال من حين العقد،مع أنه شرط في صحته إجماعاً،و وجه المنافاة واضح؛ إذ تعليق النقل على الشرط ليس عبارة إلّا عن عدمه إلّا بعد حصوله،و هو بعدُ لم يحصل كما هو مقتضى التعليق،إذ تعليق العقد على أمر حاصل شيء ليس له حاصل.و ليس كذلك الشروط المرسومة في متن العقد لا على جهة التعليق و لو بلفظ:أبيعك بشرط كذا،مع قيام القرينة على عدم قصدها التعليق كما هو الغالب،و ذلك لحصول القصد إلى النقل من الحين من دون توقف له على الشرط،و إنما فائدته انتفاء اللزوم بانتفائه،و نحن نقول به.و إنما جعل غايته ذلك دون عدم صحة العقد و فساده لأن ذلك من فوائد التعليق و قد فرض عدمه،مع أن العقد مطلق فلا يتقيد بالشرط المذكور في متنه.و تحصيل فائدة الشرط لتصحيح معناه يمكن بإرجاعها إلى اللزوم الذي هو من فوائد العقد و لوازمه،و معه فلا وجه لإرجاعها إلى نفس العقد و الحكم بانتفائه عند انتفائه،بل هو زيادة في التجوّز لا داعي لها،بل الأصل يردّها،فتأمّل جدّاً.ثم إنّ الفارق بين الشرط العليقي و غيره ممّا يرسم في العقد و متنه مع اشتراكهما في التعبير عنهما بما يؤدّي الشرطية و معناها وقوع الأول بلفظ:بعتك بشرط كذا أو ما أدى مؤدّاه،مع عدم قرينة تدل على عدم قصد التعليق،و وقوع الثاني بلفظ:بعتك و شرطت عليك كذا،أو بشرط كذا،مع القرينة على عدم قصد التعليق أصلاً كما يكون غالباً.(منه(رحمه اللّه)).

معها العقد جدّاً.

و يصحّ منها ما كان سائغاً لم يمنع عنه كتاب و لا سنّة.و يدخل فيه اشتراط أن لا تؤدّي إلى الجهالة؛ لاستلزامها حينئذٍ الغرر المنهي عنه في الشريعة،و داخلاً تحت القدرة للمشروط عليه كقصارة الثوب و نحوها،و غير منافٍ لمقتضى العقد مما اجمع على فساده،كاشتراط عدم انتقال أحد العوضين إلى المتبايعين.

و الأصل في الصحة بعد الإجماع الكتاب و السنّة المستفيضة،منها الصحيح:« المسلمون عند شروطهم إلّا كلّ شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ فلا يجوز» (1).

و الصحيح:« من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب اللّه تعالى فلا يجوز على الذي اشترط عليه،و المسلمون عند شروطهم فيما يوافق كتاب اللّه عز و جل» (2)و نحوهما في الجملة الصحيحة الآتية (3)و غيرها من المعتبرة (4).

ص:368


1- الفقيه 3:/127 553،التهذيب 7:/22 93،الوسائل 18:16 أبواب الخيار ب 6 ح 2.
2- الكافي 5:/169 1،التهذيب 7:94/22،الوسائل 18:16 أبواب الخيار ب 6 ح 1.
3- في ص:3914.
4- انظر الوسائل 18:16 أبواب الخيار ب 6.

و المتبادر منها و من ظاهر الأمر بالوفاء بالعقود الشاملة لما الشرائط جزؤها وجوب الوفاء بها مطلقاً،سيّما بملاحظة الخبر:« من شرط لامرأته شرطاً فليَفِ به،فإنّ المسلمين عند شروطهم إلّا شرطاً حرّم حلالاً أو حلّل حراماً» (1)و هو أقوى،وفاقاً لجماعة من أصحابنا (2)،و في الغنية و السرائر الإجماع عليه (3).

و قيل:لا يجب،و إنّما فائدته جعل البيع عرضة للزوال بالفسخ عند عدم سلامة الشرط،و لزومه عند الإتيان به؛ تمسّكاً بالأصل،و ضعف النصوص عن إفادة الوجوب (4).

و يضعّفان بما مرّ؛ مضافاً إلى عموم الأمر في الكتاب كما ظهر.

و قيل بالتفصيل و هو:أنّ الشرط الواقع في العقد اللازم إن كان العقد كافياً في تحقّقه و لا يحتاج بعده إلى صيغة فهو لازم لا يجوز الإخلال به، كشرط الوكالة في العقد،و إن احتاج بعده إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازم،بل يقلّب العقد اللازم جائزاً،و جعل السرّ فيه أنّ اشتراط ما العقد كافٍ في تحقّقه كجزء من الإيجاب و القبول فهو تابع لهما في الجواز و اللزوم،و اشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد و قد علّق عليه العقد،و المعلّق على الممكن ممكن،و هو معنى قبل اللازم جائزاً (5).

و هو كسابقه في الضعف،و إن كان أجود منه.

ص:369


1- التهذيب 7:1872،الوسائل 18:17 أبواب الخيار ب 6 ح 5.
2- منهم:العلامة في الإرشاد 1:359،و الشهيد الثاني في المسالك 1:190 و الروضة البهية 3:508،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:147.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):586،السرائر 2:326.
4- قال به الشهيد الأوّل في اللمعة(الروضة البهيّة 3):506.
5- حكاه في الروضة 3:507.

و كيف كان،يستفاد من النصوص مضافاً إلى الإجماع أنّه لا يجوز اشتراط غير السائع ممّا منعت عنه الكتاب و السنّة،كأن يحرّم حلالاً أو بالعكس،كما أفصحت عنه الرواية الأخيرة.

و لكن فيه إجمال فلا يدري هل المراد بالحلال و الحرام ما هو كذلك بأصل الشرع من دون توسّط العقد،أو ما يعمّ ذلك؟ و لكن الذي يقتضيه النظر من تتبّع الفتاوي و النصّ هو الأوّل؛ لاتّفاقهم على صحّة شرائط خاصة تكون منافيات لمقتضى العقد،كاشتراط عدم الانتفاع مدّة معينة،و سقوط خيار المجلس و الحيوان و ما شاكله،و لا ريب أنّ قبل الشرط بمقتضى العقد يحلّ الانتفاع مطلقاً و الردّ في زمان الخيار،و يحرم بعده جدّاً،فقد حرّمت الشروط ما كان حلالاً بتوسّط العقد.

و للنصوص الآتية (1)في بيع الأمة بشرط عدم البيع و الهبة،المجوّزة لذلك،المستلزمة لحرمتها بعد الشرط،مع أنّهما حلال بواسطة العقد قبله، و في استثناء اشتراط نفي الميراث من الجواز فيها إشعار بما ذكرنا (2).

و حينئذٍ فالضابط في الشروط التي لم تحرّم الحلال بأصل الشرع و بالعكس هو الجواز،إلّا أن يمنع عنه مانع من نصّ أو إجماع.

و يتفرّع على اشتراط الدخول تحت القدرة أنّه لا يجوز اشتراط غير المقدور،كبيع الزرع على أن يصيّره سنبلاً و الدابّة على أن

ص:370


1- في ص:3914.
2- و إن كان يتوهّم منه خلافه،من حيث إن الإرث المستثنى من الجواز اشتراط نفيه شيء يحلّ بنفس العقد لا بأصل الشرع،و ذلك لمنع إباحته بنفس العقد،بل إنما هو بالولاء المسبّب عن العقد،و لا دخل للعقد فيه إلّا بالسببية البعيدة،فيصدق معها كون إباحة الإرث بأصل الشريعة لا بأصل المبايعة؛ إذ الظاهر من الإباحة بأصلها حصولها منها من دون واسطة.(منه(رحمه اللّه)).

تصير حاملاً،و نحو ذلك،سواء شط أن يبلغ ذلك بفعله أم بفعل اللّه تعالى،لاشتراكهما في عدم المقدورية.

و لا بأس باشتراط تبقيته أي الزرع في الأرض إذا بيع أحدهما دون الآخر إلى أوان السنبل؛ لأنّ ذلك مقدور له.و لا يعتبر تعيين مدّة البقاء،بل يحمل على المتعارف من البلوغ؛ لأنّه منضبط و يلزم البائع حينئذٍ التبقية إلى الغاية،كما أنّ مع إطلاق الابتياع من دون اشتراط التبقية يلزم البائع إبقاؤه إلى إدراكه،و كذا لو اشترى الثمرة عن الأُصول منفردة،مطلقاً،أو بشرط التبقية؛ عملاً في صورة الشرط بمقتضاه، و في غيرها بمقتضى العادة،فإنّه إن قطع الزرع و الثمرة قبل أوانهما لم يكن لهما قيمة في الأغلب،خصوصاً ثمرة النخل،فالعادة تقتضي إبقاءهما للمشتري في مفروض المسألة،و للبائع فيما إذا باع أصل الشجرة و كانت الثمرة مؤبّرة.

مضافاً إلى ظواهر النصوص المعتبرة الواردة في بيع الزرع،منها الصحيح:« لا بأس بأن تشتري زرعاً أخضر ثم تتركه حتى تحصده إن شئت أو تعلفه من قبل أن يسنبل و هو حشيش» (1)و نحوه غيره من الصحيح و غيره (2).

فلا إشكال في الحكم ما لم يشترط الإزالة كما لا إشكال فيه مع اشتراطها،عملاً بوجوب الوفاء بالشروط،كما تقدّمت إليه الإشارة.

و يصحّ بيع الرقيق مع اشتراط العتق مطلقاً،أو عن

ص:371


1- الكافي 5:/274 1،التهذيب 7:/142 629،الإستبصار 3:/112 395،الوسائل 18:234 أبواب بيع الثمار ب 11 ح 1.
2- الوسائل 18:234 أبواب بيع الثمار ب 11.

المشتري،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في المسالك (1)،أو عن البائع أيضاً كما عن التذكرة،و عزاه إلينا مؤذناً بدعوى الإجماع عليه (2).

خلافاً للشهيدين فيه،فأبطلاه؛ استناداً إلى أنّه لا عتق إلّا في ملك (3).

و لقائل أن يقول بوقوعه في الملك في محلّ الفرض؛ لكون المعتِق و هو المشتري مالكاً له.نعم،المعتق عنه و هو البائع غير مالك،و لا دليل على اشتراط ملكيّة المعتق عنه في صحّته،فتأمّل.

و كيف كان،فالأصل في صحة هذا الشرط مضافاً إلى الإجماعات المحكيّة في الكتابين و المهذب (4)عموم ما قدّمناه من المستفيضة بلزوم الوفاء بالشروط التي لم يمنع عنها كتاب أو سنة.

و ما ربما يستشكل في الصحة بمنافاته لمقتضى العقد فتردّه القاعدة الكلّية المشهورة من فساد الشروط المنافية له.

مردود أوّلاً:بعدم ثبوتها كلّية؛ إذ لا دليل عليها من كتاب أو إجماع أو سنّة،لاختصاصها كما عرفت بشرائط خاصّة ليس محلّ الفرض منها بالضرورة،كيف لا و لا مانع عنه من الأمرين،بل هو أمر مرغّب إليه في الشريعة.و دعوى الإجماع على الكلّية ممنوعة؛ لاتّفاقهم على صحّة شروط تنافي مقتضاه،كما تقدّم إليه الإشارة (5).

و ثانياً:على تقدير تسليم الإجماع عليها فهي هنا بعدم الخلاف و دعوى الإجماع مخصّصة.

ص:372


1- المسالك 1:191.
2- التذكرة 1:492.
3- الدروس 3:216،المسالك 1:191.
4- المهذّب البارع 2:401.
5- راجع ص:3908.

و ممّا ذكرنا يظهر صحّة شرط التدبير و الكتابة فإن وفى بالشروط،و إلّا تخيّر البائع بين فسخ البيع و إمضائه،فإن فسخ استردّه و إن انتقل قبله عن ملك المشتري.

و كذا يتخيّر لو مات قبل العتق،فإن فسخ رجع بقيمته يوم التلف على الأصح؛ لأنه وقت الانتقال إليها،و كذا لو انعتق قهراً.

و لو اختار الإمضاء فهل يرجع على المشتري بما يقتضيه شرط العتق من القيمة،فإنّه يقتضي نقصاناً من الثمن،أم يلزم ما عيّن منه خاصة؟قولان.

للأوّل كما عن العلامة و جماعة (1)اقتضاء الشرط نقصاناً من الثمن،و لم يحصل.

و للثاني كما في الدروس (2)أنّ الشروط لا يوزّع عليها الأثمان.

و ردّ (3)بأنّ الثمن لا يوزّع على الشرط بحيث يجعل بعضه مقابلاً له، و إنّما الشرط محسوب من الثمن،و قد حصل باعتباره نقص في القيمة، فطريق تداركه ما ذكر.

و طريق معرفة الشرط أن يقوّم العبد بدونه و يقوّم معه،و ينظر التفاوت بين القيمتين،و ينسب إلى القيمة التي هي مع الشرط،و تؤخذ من المشتري مضافاً إلى الثمن بمقدار تلك النسبة منه.

و كذا كلّ شرط لم يسلم لمشترطه،فإنّه يفيد تخييره بين فسخ العقد المشروط فيه و إمضائه.

ص:373


1- العلامة في القواعد 1:153،و التحرير 1:180؛ و انظر جامع المقاصد 4:423 و المسالك 1:192.
2- الدروس 3:216.
3- جامع المقاصد 4:423،و المسالك 1:192.

و لو اشترط أن لا يعتق أو لا يطأ الأمة بطل الشرط في المشهور، بناءً منهم على منافاته لمقتضى العقد فيبطل.و فيه ما مرّ.

و ربما علّل بمنافاته للكتاب و السنّة؛ لمنعه ما أباحاه (1).

و هو كما ترى،فإن كان إجماع،و إلّا فالأظهر الصحة،كما عن بعض الأصحاب (2)،تمسّكاً بعموم المعتبرة المتقدّمة،و ليس هو محرِّماً لما أباحه الكتاب و السنة من دون توسّط المعاملة،و إن حرّم ما أباحاه بتوسّطها،فإنّه لا حجر فيه،كما تقدّمت إليه الإشارة.

و على المشهور قيل:يبطل الشرط خاصّة دون البيع كما عن الإسكافي و الطوسي و القاضي و الحلّي و ابن زهرة العلوي (3)،مدعياً عليه الإجماع؛ لأصالة الصحة.و لا دليل عليها،بل أصالة عدم الانتقال تقتضي المصير إلى خلافها،و على تقديرها فتمنع بالأدلّة الآتية المقتضية خلافها.

و لعموم أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ [1] (4)و ليس بشامل للمقام،أمّا أوّلاً:

فلتقييده بالقصد المنفي فيه،بناءً على تعلّقه بمقارن الشرط لوقوع التراضي عليه دون غيره،فإذا انتفى انتفى،مع أنّه شرط في الصحة اتّفاقاً.

و ثانياً:بحصول المانع عن الصحة بالجهالة؛ لما ذكره جماعة (5)من

ص:374


1- الخلاف 3:157،التنقيح الرائع 2:73.
2- التنقيح الرائع 2:73.
3- حكاه عن الإسكافي المختلف:396،الطوسي في الخلاف 3:157،و المبسوط 2:149،حكاه عن القاضي في المختلف:396،قال في مفتاح الكرامة 4:732 و ربّما حكي عن الحلّي و لم أجده في السرائر.ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):587.
4- البقرة:275.
5- منهم العلّامة في المختلف:396،ابن فهد الحلّي في المهذب البارع 2:406.

أنّ الشرط له قسط من الثمن،فإنّه قد يزيد باعتباره و ينقص،فإذا بطل بطل ما بإزائه من الثمن،و هو غير معلوم،فتطرّق الجهالة إلى الثمن،فيبطل البيع.

و لأنّ لزوم الشرط فرع على صحة البيع،فلو كانت موقوفة على صحته لزم الدور.و هو كما ترى.

و لأنّ عائشة اشترت بريرة بشرط أن تعتقها و يكون ولاؤها لمولاها، فأجاز النبي(صلّى اللّه عليه و آله)البيع و أبطل الشرط (1).و ضعف سنده يمنع العمل به.

فإذاً الأقوى فساد البيع أيضاً،وفاقاً لأكثر أصحابنا،كالفاضلين و الشهيدين و شارحي الكتاب و غيرهم (2).و لكنّه بعد محلّ نظر،بل لعلّ الصحة أظهر (3).

ص:375


1- عوالي اللئالي 3:/217 79،سنن ابن ماجة 2:/842 2521.
2- المحقق في الشرائع 2:34،العلامة في التحرير 1:180،و القواعد 1:152،الشهيد الأول في الدروس 3:214،الشهيد الثاني في المسالك 1:191؛ و انظر المهذب البارع 2:407،و التنقيح الرائع 2:73،و جامع المقاصد 4:415،و الكفاية:97.
3- و ذلك لأن في جميع هذه الأجوبة ما عدا الثالث نظراً،للمنع من عدم دليل على أصالة الصحة التي ليست عبارة إلّا عن مجرّد الانتقال دون اللزوم،و هو عبارة عن البيع المحلّل في قوله سبحانه أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ فكأنّه تعالى قال:أحلّ اللّه الانتقال،و تحليله ليس عبارة إلّا عن الرضاء به،و إمضائه،و هذا عين معنى الصحة.و منعها على تقدير تسليمها بالأدلّة الآتية يتوقف على تماميّتها و ستعرف ما فيها. و منع شمول عموم أحلّ اللّه البيع للمقام بفقد التراضي المشترط في صحّته يتوقف على تسليم فقد التراضي،و هو ممنوع،لتوقفه على كون الشرط شرطاً تعليقياً يتوقّف نفس الانتقال عليه لا شرطاً ضمنياً لا يتوقف عليه الانتقال أصلاً بل اللزوم خاصة،و هو خلاف المفروض في أصل بحث الشروط،لأنها كما عرفت من القسم الثاني و يشير إليه هنا أيضاً أنه لو كان المراد من الشرط فيه ما يكون من القسم الأول لما كان للشرط من حيث فساده مدخل في فساد العقد،بل فساده ناشٍ من أصل تعليقه عليه،و لذا لو كان الشرط صحيحاً كان العقد فاسداً أيضاً.فتخصيص مفسد العقد سببه بفساد الشرط أوضح شاهد على عدم سبب آخر غيره،و ليس ذلك إلّا من حيث فرضهم الشرط من القسم الثاني أي الضمني دون التعليقي.و على هذا فالرضاء بمضمون العقد حاصل من دون توقف على الشرط المذكور في ضمنه،و إنّما غايته تزلزل اللزوم و انتفاؤه حيث لا يحصل شرطه،و هو لا يستلزم انتفاء صحّة العقد. و دعوى حصول الجهالة لما ذكره الجماعة ممنوعة،لمنع ما ذكروه بما عرفته من الدروس من عدم توزّع الأثمان على الشروط.و ما قيل في ردّه سابقاً غير جارٍ هنا بحيث يثبت فساد العقد،إذ غايته إثبات نقص من الثمن في مقابلة الشرط بعد ثبوت الخيار المتفرّع على صحّة البيع،و ثبوته هنا بذلك لا ينافيها بل يؤكّدها. و ردّ الرواية بضعف السند حسن إن لم يحصل له جابر،و هو فيه حاصل،لموافقتها الأصل الدالّ على الصحّة ممّا عرفته،مع أنها مرويّة في الفقيه(3:/79 284)بطريق صحيح و إن لم تكن بهذه الصراحة لكنّها في غاية الظهور،مضافاً إلى الإجماع المنقول في الغنية،كما سبق آنفاً.(منه(رحمه اللّه)).

و لو اشترط في الأمة المبتاعة أن لا تباع و لا توهب فالمروي في المستفيضة الجواز.

ففي الصحيحين:عن الشرط في الإماء أن لا تباع و لا تورث و لا توهب،قال:« يجوز ذلك غير الميراث،فإنّها تورّث،و كلّ شرط خالف كتاب اللّه تعالى فهو مردود» كما في أحدهما (1):أو:« باطل» كما في الثاني (2)،و نحوهما خبران آخران (3)،إلّا أنّ في سندهما ضعفاً،لكنّهما

ص:376


1- الكافي 5:/212 17،الوسائل 18:267 أبواب بيع الحيوان ب 15 ح 1.
2- التهذيب 7:/67 289،الوسائل 18:267 أبواب بيع الحيوان ب 15 ح 1.
3- أحدهما في التهذيب 7:/25 106،الوسائل 18:267 أبواب بيع الحيوان ب 15 ح 2. و الآخر في التهذيب 7:/373 1509.

كالأوّلين معتضدان بالأصل.

و المعتبرة المتقدّمة (1)الناصّة على صحة الشروط التي لم يمنع عنها الكتاب و السنّة و منها الشرط في محلّ الفرض،كما مضت إليه الإشارة، فتردّد الماتن كما تشعر به العبارة،كفتوى جماعة بفساد الشرط و البيع (2)، أو الأوّل خاصّة كما عن المبسوط (3)،لا وجه له سوى ما مرّ،و ضعفه قد ظهر.

و لو باع أرضاً مشاهدة أو موصوفة على كونها جرباناً معيّنة فنقصت فللمشتري الخيار بين الفسخ و الإمضاء ب تمام الثمن وفاقاً للمبسوط و القاضي و القواعد و ولده (4)؛ لأنّ العقد وقع على جميع الثمن فلا يتبعّض عليه،بل يكون له الخيار بين الأمرين.

و هو قوي لولا ما في رواية معتبرة الإسناد في الجملة، عمل بها النهاية و الحلّي و المختلف و جماعة (5)،بل ادّعى عليه جماعة الشهرة،من أنّ له أن يفسخ أو يمضي البيع بحصّتها من الثمن فهي الحجة في هذا القول،لا ما يقال من التعليل من أنّه وجده ناقصاً فكان له أخذه بقسطه من الثمن،كما لو اشترى الصبرة على أنّها عشرة أقفزة فبانت

ص:377


1- في ص:3906.
2- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:74،و العلامة في المختلف:396،و الشهيد الأوّل في الدروس 3:214.
3- المبسوط 2:149.
4- المبسوط 2:154،حكاه عن القاضي في المختلف:390،القواعد 1:154،الإيضاح 1:515.
5- النهاية:420،الحلّي في السرائر 2:375،المختلف:390؛ و انظر الشرائع 2:35،و التبصرة:93.

تسعة،و كذا المعيب،له إمساكه و أخذ أرشه؛ فإنّه لا يخلو عن مناقشة.

و كيف كان فالأوّل أحوط.

و في هذه الرواية أنّه إن كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض لزم البائع أن يوفيه منها و به أفتى في النهاية (1).خلافاً للأكثر؛ لقصور السند،و مخالفة الأصل،لعدم تناول العقد لذلك.

و قد مضت الإشارة إلى الرواية مع المسألة في أحكام الخيار (2).

و يجوز أن يبيع مختلفين كثوب و حيوان و صبرة مكيلة أو موزونة في صفقة واحدة و أن يجمع بين سلف و بيع و نكاح و إجازة،كأن يقول:بعتك هذا الثوب و طغاراً من حنطة إلى سنة،و آجرتك هذه الدار إلى شهر و زوّجتك ابنتي بمائة،فقال:قبلت،صحّ عندنا،كما في المسالك و غيره (3)؛ للأصل،و العمومات السليمة عن المعارض،عدا ما يتوهّم من الجهالة،و هي مدفوعة بأنّ الجميع بمنزلة عقد واحد،و العوض فيه معلوم بالإضافة إلى الجملة،و هو كافٍ في انتفاء الغرر و الجهالة،و إن كان عوض كلّ منهما بخصوصه غير معلوم حال العقد.

و كون كل واحد بخصوصه بيعاً في المعنى،أو بعضه إجارة أو غيرها،الموجب لعوض معلوم لا يقدح؛ لأنّ لهذا العقد جهتين،فبحسب الصورة هو عقد واحد،فيكفي العلم بالنسبة إليه.

ثم إن احتيج إلى التقسيط قسّط الثمن على قيمة المبيع و أُجرة المثل

ص:378


1- النهاية:420.
2- راجع ص:3863.
3- المسالك 1:192؛ و انظر الشرائع 2:35،و التنقيح الرائع 2:77،و انظر الدروس 3:218.

و ثمن المثل.

الخامس في العيوب
اشارة

الخامس:في العيوب المجوّزة للردّ.

و ضابطها ما كان زائداً عن الخلقة الأصلية و هي خلقة أكثر النوع الذي يعتبر فيه ذلك ذاتاً و صفة أو ناقصاً عنها،عيناً كان الزائد و الناقص كالإصبع زائدة على الخمس أو ناقصة عنها،أو صفة كالحمى و لو يوماً،بأن يشتريه فيجده محموماً أو يحمّ قبل القبض و إن برئ ليومه،كما قيل (1).

و الأصل في هذا الضابط بعد الاتّفاق عليه في الظاهر حكم العرف بذلك.

مضافاً إلى الخبر:« كلّ ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب» (2).

و هل يعتبر مع ذلك كون الزيادة و النقصان موجبين لنقص المالية أم لا؟قولان،من إطلاق النص،و الاتفاق على أن الخصاء عيب مع إيجابه زيادة المالية،و كذا عدم الشعر على الركب و العانة،كما يدلّ عليه بعض المعتبرة،المنجبر قصور سنده بعمل الطائفة.

و من وجوب الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقّن،مع الشك في تسمية مثل ذلك عيباً عرفاً،فلا يدخل في إطلاق النصوص.

و على تقدير الدخول بها فالدليل فيها على العدم موجود،و هو الحكم فيها بالرجوع إلى الأرض الملازم لنقص القيمة في الأغلب.

و الاتّفاق على ما مرّ مع ما ظهر من ظاهر الخبر لم ينقدح به ضرر.

و إطلاق العقد يقتضي السلامة من العيوب في العوضين فلو ظهر عيب في المبيع سابق على العقد تخيّر المشتري بين الردّ

ص:379


1- 1
2- 2

و استرداد الثمن و الإمضاء مع أخذ الأرش و هذا هو السابع من أقسام الخيار المطوي ذكره مفصّلاً سابقاً، و الأصل فيه بعد خبر نفي الضرر (1)و الإجماع القطعي،و المحكي في الغنية (2)النصوص المعتبرة الآتي إلى جملة منها الإشارة،ففي المرسل كالصحيح بجميل:في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً،قال:

« إن كان الثوب قائماً بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن،و إن كان قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب» (3).

و ليس فيه كالباقي ذكر الإمضاء مع الأرض،بل ظاهرها الردّ خاصّة، و لكن الإجماع و لو في الجملة كافٍ في التعدية.

مضافاً إلى الرضوي:« إن خرج في السلعة عيب و علم المشتري فالخيار إليه إن شاء ردّ و إن شاء أخذ أو ردّ عليه بالقيمة أرش العيب» (4)و الظاهر كون همزة أو زائدة،كما صرّح به بعض الأجلة (5).

و لا خير للبائع في هذه الصورة،و إن كان له الخيار لو انعكست، كما لو خرج الثمن معيباً؛ استناداً في الأوّل إلى الأصل،و اختصاص العيب الموجب للخيار بغيره،و في الثاني ببعض ما مرّ من خبر نفي الضرر.

و يسقط الردّ بأُمور خمسة: بالبراءة من العيب مطلقاً و لو إجمالاً كأن يقول:بعتك هذا بكل عيب،على الأشهر الأقوى،بل عليه

ص:380


1- الكافي 5:/293 6،الوسائل 18:32 أبواب الخيار ب 17 ح 4.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):588.
3- الكافي 5:/207 2،الفقيه 3:/136 592،التهذيب 7:/60 258،الوسائل 18:30 أبواب الخيار ب 16 ح 3.
4- فقه الرضا(عليه السلام):253،المستدرك 13:306 أبواب الخيار 12 ذيل حديث 3.
5- الحدائق 19:64.

في الغنية إجماعنا (1).

و لأنّ التبرّي الإجمالي يتناول كل عيب فيدخل تحته الجزئيات.

و لتبايعهما على شرط التبرّي من كل عيب،فيثبت لهما ما شرطاه؛ لعموم قوله(عليه السّلام):« المؤمنون عند شروطهم» (2).

و لإطلاق المعتبرين،في أحدهما:« أيّما رجل اشترى شيئاً فيه عيب أو عوار و لم يتبرّأ إليه منه و لم يبيّن له،فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً و علم بذلك العيب و بذلك العوار،أنه يمضي عليه البيع و يردّ عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به» (3).

و ضعف سنده بموسى بن بكر على الأشهر مجبور بعمل الأكثر، و برواية فضالة المجمع على تصحيح ما يصح عنه.

و في الثاني:« المتاع بياع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي؛ فإذا نادى عليه تبرّأ من كل عيب فيه؛ فإذا اشتراه المشتري و رضيه و لم يبق إلّا نقده الثمن فربما زهده،فإذا زهد فيه ادّعى فيه عيوباً أنّه لا يعلم بها،فيقول له المنادي:قد تبرّأت منها:فيقول المشتري:لم أسمع البراءة منها،أ يصدّق فلا يجب عليه الثمن،أم لا يصدّق فيجب عليه الثمن؟فكتب:« عليه الثمن» (4)فتأمّل.

خلافاً للمحكي عن الإسكافي و القاضي (5)،فلا يكفي التبرّي إجمالاً؛

ص:381


1- الغنية(الجوامع الفقهية):588.
2- عوالي اللئلئ 2:/257 7،و في الوسائل 18:16 أبواب الخيار ب 6:المسلمون عند شروطهم.
3- الكافي 5:/207 3،التهذيب 7:/60 257،الوسائل 18:30 أبواب الخيار ب 16 ح 2.
4- التهذيب 7:/66 285،الوسائل 18:111 أبواب أحكام العيوب ب 8 ح 1.
5- حكاه عن الإسكافي في المختلف:371،القاضي في المهذب 1:392.

للجهالة.و المناقشة فيها بعد ما عرفت واضحة.

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين علم البائع و المشتري بالعيوب و جهلهما و التفريق،و لا بين الحيوان و غيره،و لا بين العيوب الباطنة و[الظاهرة (1)]و عليه الإجماع في صريح الخلاف و الغنية و ظاهر المسالك (2).

و لا بين الموجودة حالة العقد و المتجدّدة بعده حيث تكون على البائع مضمونة،و عليه الإجماع في التذكرة (3)؛ و هو الحجة أيضاً مضافاً إلى العمومات،و أنّ الخيار بها ثابت بأصل العقد و إن كان السبب حينئذٍ غير مضمون،فلا يرد كون البراءة ممّا لا يجب،مع أنّه لا دليل على المنع عنها كلّية و لو في نحو المسألة،فتأمّل.

و بالعلم به ممّن لولاه لثبت الخيار له قبل العقد و بالرضا منه به بعده و أولى منه التصريح بإسقاطه.

بلا خلاف فيهما و في السقوط بتأخير الردّ مع العلم بالعيب كما في الغنية (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً في الأوّلين إلى الأصل،و اختصاص المثبت لهذا الخيار من النص و الإجماع بغير محلّ الفرض،و مفهوم أوّل المعتبرين (5)في الأوّل.

إلّا أنّ ظاهر أصحابنا المتأخّرين كافّة الخلاف في الثالث،فنفوا

ص:382


1- في النسخ:الحادثة،و ما أثبتناه أنسب.
2- الخلاف 3:127،الغنية(الجوامع الفقهية):588،المسالك 1:193.
3- التذكرة 1:525.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):588.
5- راجع ص:3918.

الفوريّة عن هذا الخيار من غير خلاف يعرف،كما صرّح به جماعة (1)،بل ربما احتمله بعضهم إجماعاً (2).

و هو أقرب؛ للاستصحاب،و إطلاق النصوص،و خصوص بعضها كما (3)قيل.و حكاية الإجماع في الغنية (4)بمصير كافّة المتأخّرين إلى خلافه موهونة.

و بحدوث عيب عنده مضمون عليه،سواء كان حدوثه من جهته أم لا.و احترزنا بالقيد عمّا لو كان حيواناً و حدث العيب فيه في الثلاثة من غير جهة المشتري،فإنّه حينئذٍ لا يمنع من الردّ و لا الأرض؛ لأنّه مضمون على البائع.

و لو رضي البائع بردّه مجبوراً بالأرض أو غير مجبور جاز.

و في حكمه ما لو اشترى صفقةً متعدّداً فظهر فيه عيب فتلف أحدهما،أو اشترى اثنان صفقةً و امتنع أحدهما من الردّ فإنّ الآخر يُمنع منه و له الأرش و إن أسقطه الآخر،سواء اتّحدث العين أم تعدّدت،اقتسماها أم لا؛ لما مرّ من الأصل،و اختصاص المثبت لهذا الخيار من الإجماع و النص بغير محلّ الفرض؛ مضافاً إلى حديث نفي الضرر،مع أنّه لا خلاف في ذلك سوى الأخير،كما يأتي (5).

و بإحداثه في المبيع حدثاً يعدّ في العرف تصرّفاً كركوب

ص:383


1- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:436،و السبزواري في كفاية الأحكام:94،و صاحب الحدائق 19:117.
2- كالشهيد الثاني في المسالك 1:196.
3- كفاية الأحكام:94.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):588.
5- في ص:3923.

الدابة و لو في طريق الردّ،و نعلها،و حلب ما يحلب،و لبس الثوب و قصارته،و سكنى الدار،و نحو ذلك ممّا يعدّ تصرّفاً.

و ينبغي تقييده بعدم قصد الاختبار و نحوه ممّا دلّ على عدم الرضاء بالعقد و إمضائه،كما مضى في بحث الخيار (1).

و الأصل فيه بعد ما مرّ ثمة و عدم الخلاف فيه أوّل المعتبرين المتقدّمين (2)،و المرسل كالصحيح المتقدّم (3)،لكنّه في الجملة،كالصحاح المستفيضة الآتية في وطء الأمة (4).

و إطلاقها يشمل التصرّف الناقل كالبيع و نحوه و غيره، و المغيّر للعين و غيره،عاد إليه بعد خروجه عن ملكه أم لا. و لا فرق فيه بين ما لو كان قبل العلم بالعيب أو بعده.

خلافاً للمحكي عن الطوسي في التصرف قبل العلم،فلم يسقط به الخيار (5)؛ للأصل.و يندفع بما مرّ.

و للخبر الأوّل،حيث جعل فيه العلم بالعيب قبل الحدث شرطاً لمضيّ البيع عليه به.

و فيه نظر؛ لتوقّفه على اشتراط سبقه على الحدث في سقوط الخيار به.و ليس بمعلوم،فيحتمل أنّ المراد أنّه لو أحدث فيه شيئاً ثم علم به لم يكن له الخيار،لا أنّ الحدث إذا كان بعد العلم ينفي الخيار فيستدلّ بمفهومه على أنّ الحدث قبله لا ينفيه،فتدبّر.

ص:384


1- راجع ص:3853.
2- في ص:3918.
3- في ص:3917.
4- في ص:3924.
5- حكاه عنه في الدروس 3:283.

ثم كلّ ذا في سقوط الردّ خاصّة بالخمسة، و أمّا الأرش فيسقط بالثلاثة الأُول خاصّة،بلا خلاف دون الأخيرين على الأظهر الأشهر، بل عليه الإجماع في الغنية (1)؛ استناداً إلى ما مرّ في الأوّل،و إلى استصحاب بقاء الأرش مع عدم المانع عنه من الرضا بالعيب و غيره في الثاني.

خلافاً لابن حمزة في الثاني من الثاني،و هو التصرّف إذا كان بعد العلم بالعيب،فأسقط به الأرش أيضاً؛ تمسّكاً بدلالته على الرضا بالعيب (2).

و هو كما ترى،مع أنّ ما مضى من الأصل حجة عليه قطعاً.مضافاً إلى عموم النصوص بأخذ الأرش بالتصرّف،مع دون تقييد له بالواقع قبل العلم بالعيب (3).

و يجوز بيع المعيب و إن لم يذكر عيبه مع عدم الغش،بلا خلاف في الظاهر؛ للأصل،و فقد المانع،لاندفاع الضرر بالخيار و الأرش.

و لكن ذكره مفصّلاً أفضل تبعيداً عن احتمال الغشّ المنهي عنه،و احتمال الضرر بغفلة المشتري عن العيب حال البيع أو بعده.

و لو ابتاع شيئين فصاعداً صفقة واحدة فظهر العيب في البعض فليس له ردّ المعيب منفرداً و لكن له ردّ الجميع،أو أخذ الأرش خاصّة،بلا خلاف يظهر،بل عليه الإجماع في الخلاف و الغنية (4)؛ لما مرّ،و منه حصول الضرر بتبعيض الصفقة الذي يُعدّ ضرراً

ص:385


1- الغنية(الجوامع الفقهية):588.
2- الوسيلة:257.
3- الوسائل 18:102 أبواب أحكام العيوب ب 4.
4- الخلاف 1:569،الغنية(الجوامع الفقهية):590.

عرفاً و عادةً.

و كذا لو اشترى اثنان مثلاً شيئاً مطلقاً من بائع كذلك في عقد واحد و صفقة واحدة فلهما الردّ معا بالعيب،أو أخذ الأرش و ليس لأحدهما الانفراد بالردّ دون الأرش على الأظهر الأشهر،وفاقاً للشيخين و الحلبي و القاضي و الديلمي و ابن حمزة (1)؛ لما مرّ إليه الإشارة من الأصل،و اختصاص المثبت لهذا الخيار من الإجماع و النص بحكم الخلاف و التبادر بغير محلّ الفرض،و الضرر بتبعيض الصفقة.

مضافاً إلى الضرر بالشركة فيما لو حدث عيب بالبعض بعد الصفقة فإنّه يمنع من الردّ بالإضافة إليه،فانفراد الآخر بالردّ يوجب الشركة بين البائع و المشتري الآخر.

خلافاً للإسكافي و الحلّي و القول الثاني للطوسي و القاضي (2)،فجوّزوا التفريق هنا؛ للعموم،و لجريانه مجرى عقدين بسبب تعدّد المشتري،فإنّ التعدّد في البيع يتحقّق تارة بتعدّد البائع،و أُخرى بتعدّد المشتري،و ثالثاً بتعدّد العقد؛ و لأنّ عيب التبعّض جاء من قبله حيث باع من اثنين،و هذا إنّما يتمّ مع علمه بالتعدّد.

و للتحرير و غيره (3)،فالتفصيل بين العلم به فالثاني،و عدمه فالأوّل؛ جمعاً.

ص:386


1- المفيد في المقنعة:600،الطوسي في المبسوط 2:127،الحلبي في الكافي:358،القاضي في المهذب 1:393،الديلمي في المراسم:176،ابن حمزة في الوسيلة:256.
2- نقله عن الإسكافي في المختلف:374،الحلّي في السرائر 2:345،الطوسي في المبسوط 2:351،حكاه عن القاضي في المختلف:374.
3- التحرير 1:374؛ و انظر جامع المقاصد 4:334 و مجمع الفائدة 8:436.

و فيهما نظر يظهر وجهه ممّا مرّ.

و الوطء يمنع ردّ الأمّة المعيبة،بالإجماع،و الصحاح المستفيضة الآتية،و غيرها من المعتبرة؛ مضافاً إلى بعض ما مرّ من الأدلّة.

إلّا من عيب الحبل فله ردّها،إمّا مطلقاً،كما عليه أكثر أصحابنا، بل في الانتصار و الغنية عليه إجماعنا (1).أو بشرط كونه من المولى،كما عن الإسكافي و النهاية و محتمل ابن حمزة (2)،و به صرّح في المختلف (3).

و لا يخلو عن قوّة؛ استناداً في جواز الردّ بل وجوبه في الصورة المزبورة إلى الإجماع،و الصحاح المستفيضة،في عدّة منها:لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطئها صاحبها،و له أرش العيب،و تردّ الحبلى و يردّ معها نصف عشر قيمتها (4).

مضافاً إلى أنّها حينئذٍ أُمّ ولد لمولاها فاسد بيعها.

و في العدم في غيرها إلى أصالة لزوم العقد،و الدليل المتقدّم الدالّ على عدم جواز الردّ مع التصرّف،و إطلاق الصحاح المتقدّمة بإسقاط الوطء ردّ الأمة المعيبة،و اختصاص النصوص المتقدّمة بحكم التبادر و الغلبة بصورة كون الحبل من المولى خاصّة.

و لا ينافي ذلك اشتراط عدم الردّ فيها بالوطء خاصة؛ لوروده كالحبل مورد الغلبة،فإنّ أظهر تصرّفات المشتري و أغلبها في الأمة الوطء بالضرورة،فسقط بذلك حجج الأكثر.

ص:387


1- الانتصار:211،الغنية(الجوامع الفقهية):588.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:373،النهاية:393،ابن حمزة في الوسيلة:256.
3- المختلف:373.
4- الوسائل 18:105 أبواب أحكام العيوب ب 5.

مع منافاة مذهبهم وجوب الردّ كما هو ظاهر النصوص المزبورة، و إلزام نصف العشر،كما في أكثرها،أو العشر،كما في بعضها؛ لمنافاتهما القاعدة،سيّما الثاني،فإنّ المنافع قبل الفسخ للمشتري،و ليس كذلك على المختار،فإنّها للبائع،لفساد البيع،فيلزمان المشتري؛ لمكان التصرّف مع عدم المسقط،و عليه يجب الردّ كما مرّ.

و لا فرق في التصرّف بين الوطء و غيره،كما صرّح به في النهاية و في المختلف شيخنا العلّامة (1).

و تلتئم القواعد و الأخبار المختلفة في التقديرين منها،بعضها مع بعض،بحمل ما دلّ منها على الأوّل على الأغلب و هو الثيوبة،و الثاني على البكارة.و عليهما يحمل بعض النصوص المجملة في التقدير بشيء،كما في الخبر (2)،أو بكسوتها،كما في الصحيح (3)،بإرادة نصف العشر أو العشر منهما فيما يناسبهما من الصورتين،فالتأمت القواعد و النصوص ظاهراً،و لا كذلك على المشهور جدّاً.

هنا مسائل
اشارة

و هنا مسائل:

الأُولى التصرية تدليس

الأُولى: التصرية و هي جمع لبن الشاة و ما في حكمها في ضرعها،بتركها بغير حلب و لا رضاع،فيظنّ الجاهل بحالها كثرة ما يحلبه، فيرغب في شرائها بزيادة تدليس محرّم،و غشّ منهي عنه،بالإجماع، و النص المستفيض النقل (4).

ص:388


1- النهاية:393،المختلف:373.
2- الكافي 5:/215 8،الفقيه 3:/139 608،التهذيب 7:/62 269،الإستبصار 3:/81 275،الوسائل 18:106 أبواب أحكام العيوب ب 5 ح 5.
3- الكافي 5:/215 9،الفقيه 3:/139 610،التهذيب 7:/62 270،الإستبصار 3:/81 276،الوسائل 18:107 أبواب أحكام العيوب ب 5 ح 6.
4- انظر الوسائل 17:279 أبواب ما يكتسب به ب 86.

و يثبت بها خيار للمشتري بين الردّ و الإمضاء بدون أرش؛ استناداً في الأوّل إلى الإجماعات المحكيّة في كلام جماعة (1)،البالغة حدّ الاستفاضة،و النصوص العامية (2)المنجبرة به و بحديث نفي الضرر (3).و في الثاني إلى الأصل،و اندفاع الضرر بخيار الردّ.

و ليس عيباً كما عُدّ،فلا يثبت به أرش.

و يثبت إن لم يعترف بها البائع و لم تقم بها بيّنه باختبارها ثلاثة أيّام،فإن اتّفقت فيها الحلبات عادةً أو زادت اللاحقة فلا تصرية،و إن اختلفت في الثلاثة و كان بعضها ناقصاً عن الحلبة الأُولى نقصاناً خارجاً عن العادة و إن زاد بعدها في الثلاثة ثبت الخيار بعد الثلاثة بلا فصل،من غير تأخير،أو مطلقاً،على اختلاف الوجهين،بل القولين.

و لو ثبت بالاعتراف أو البينة جاز الفسخ من حين الثبوت مدّة الثلاثة ما لم يتصرّف بغير الاختبار،بشرط النقصان،فلو تساوت أو زادت هبةً من اللّه سبحانه فالأقوى زواله.خلافاً للخلاف (4)،فأثبت الخيار بالتصرية و إن لم ينقص اللبن؛ لظاهر النص.

و الفرق بين مدّة التصرية و خيار الحيوان على الأوّل ظاهر،فإنّ الخيار في ثلاثة الحيوان فيها و في ثلاثة التصرية بعدها.

و كذا على الثاني إن قلنا بفوريّة هذا الخيار،فيسقط بالإخلال بها دون خيار الحيوان،و كذا إن لم نقل بها،لجواز تعدّد الأسباب.و تظهر الفائدة

ص:389


1- منهم:الشيخ في الخلاف 3:102،الشهيد الثاني في المسالك 1:194،و الروضة البهية 3:501.
2- انظر سنن البيهقي 5:318،319.
3- المتقدم في ص:3917.
4- الخلاف 3:107.

فيما لو أسقط أحدهما.

و كيف كان يردّ معها إن اختار ردّها لبنها الذي حلبه منها مع وجوده حين العقد،أو بدله،قولاً واحداً،لأنّه جزء من المبيع.و كذا المتجدّد بعده على قول،لإطلاق النص بالردّ الشامل له.

و يشكل بأنّه نماء المبيع الذي هو ملكه،و العقد إنّما ينفسخ من حينه،فالأقوى عدم لزوم ردّه،لما ذكر،مع ضعف النص و عدم جابر له في محلّ الفرض،مع عدم الصراحة،فيحتمل الفرض الأوّل.هذا إن عملنا به في الجملة و لو بمعونة العمل،و إلّا بأن اقتصرنا في هذا الخيار المخالف للأصل بمورد الإجماع اتّضح الجواب عنه من أصله،و تعيّن المصير إلى ما ذكر.

و لو لم يتلف اللبن الواجب الردّ،لكن تغيّر في ذاته أو صفته،بأن عمل جبناً أو مخيضاً أو نحوهما ففي ردّه بالأرش إن نقص،أو مجّاناً،أو الانتقال إلى البدل أوجه،أجودها و أشهرها الأوّل.

و إن تعذّر ردّه انتقل الضمان إلى مثل لبنها مع الإمكان أو قيمته مع التعذّر على الأشهر الأظهر،وفاقاً للمفيد و القاضي و الحلّي و كثير من المتأخّرين (1)؛ عملاً بقاعدة الضمان.

و قيل كما عن أحد قولي الطوسي (2) ضاع من برّ مطلقاً، و قوله الآخر (3)التمر كذلك بدل البرّ،و أفتى بهما في الغنية على التخيير،

ص:390


1- المفيد في المقنعة:598،القاضي في المهذب 1:392،الحلي في السرائر 2:300؛ و انظر الشرائع 2:37،و التحرير 1:185،و اللمعة(الروضة البهية 3):502.
2- الخلاف 3:105.
3- المبسوط 2:125.

مدّعياً الإجماع عليه (1)؛ جمعاً بين النبويين:« من اشترى شاة مصرّاة فهو بالخيار ثلاثة أيّام،إن شاء أمسكها و إن شاء ردّها و صاعاً من تمر» كما في أحدهما (2)،أو:« بر» كما في الثاني (3).

و حملهما الأصحاب للضعف،و عدم الجابر في المحلّ،و المخالفة للقاعدة على صورة ما إذا(تعذّر ذلك و كان) (4)هو القيمة السوقية.و لا بأس به؛ جمعاً بين الأدلّة.

ثم مقتضى الأصل و اختصاص النص المشهور و الإجماع بالشاة عدم ثبوت التصرية في نحو الناقة و البقرة و الأمة.

خلافاً للأشهر،بل المجمع عليه كما عن الشيخ (5)في الأوّلين، فتثبت.

و هو أظهر؛ للإجماع المحكي،المعتضد بفتوى الأكثر،و العامي المروي عن الزمخشري في الفائق:« لا تُصَرِّ الإبل و الغنم،و من اشترى مصرّاة فهو بآخر النظرين،إن شاء ردّها و ردّ معها صاعاً من تمر» و روى:

« صاعاً من طعام» (6).

و نحوه المروي عن معاني الأخبار،و فيه زيادة على الحكم التعليل بأنّه خداع (7).

ص:391


1- الغنية(الجوامع الفقهية):588.
2- سنن البيهقي 5:318.
3- سنن البيهقي 5:319.
4- بدل ما بين القوسين في« ق»:كان ذلك.
5- الخلاف 3:105.
6- الفائق 2:292،393.
7- معاني الأخبار:282،الوسائل 18:27 أبواب الخيار ب 13 ح 2.

و هو مضافاً إلى إطلاق المصرّاة كالنص في الشمول للبقرة،مع عدم القائل بالفرق بين الطائفة،و مضافاً إلى حديث نفي الضرر (1)،بناءً على أنّ المقصود الأعظم فيهما هو اللبن في الأغلب،فتصريتهما يوجب التدليس الموجب للخيار.و لا كذلك الأمة؛ إذ ليس المقصود الأعظم منها ذلك،فلا ضرر في الأغلب،فلا خيار بتصريتها عند الأكثر،لعدم الموجب له.خلافاً للإسكافي و الدروس و غيرهما (2).و الأوّل هو الأظهر.

الثانية الثيوبة ليست عيباً

الثانية: الثيوبة في الإماء ليست عيباً مطلقاً في المشهور بين الأصحاب؛ لأنّها فيهنّ بمنزلة الخلقة الأصلية و إن كانت عارضة،بناءً على غلبتها فيهنّ.

خلافاً لظاهر القاضي و مستوجه الشهيد الثاني (3)؛ لأنّ البكارة مقتضى الطبيعة،و فواتها نقص يحدث على الأمة،و يؤثّر في نقصان القيمة تأثيراً بيّناً،فيتخيّر بين الردّ و الأرش،خصوصاً في الصغيرة التي ليست محلّ الوطء،فإنّ أصل الخلقة و الغالب متطابقان في مثلها على البكارة،فتكون فواتها عيباً.

و هو في الصغيرة لا يخلو عن قوة،و نفى عنه البأس في التذكرة بعد أن حكاه عن بعض الشافعية (4).إلّا أنّ في الخروج عن مقتضى لزوم العقد الثابت بالأدلّة القاطعة فتوًى و آيةً و روايةً،مع اعتضاده في المسألة بالشهرة

ص:392


1- المتقدم في ص:3917.
2- نقله عن الإسكافي في التحرير 1:185،الدروس 3:277؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:70.
3- القاضي في المهذب 1:395،الشهيد الثاني في الروضة البهية 3:500.
4- التذكرة 1:539.

العظيمة،مع الشك في تسمية مثل ذلك عيباً عرفاً و عادةً (1)،و قصور سند ما دلّ على أنّ العيب هو كلّ ما نقص عن الخلقة،مع عدم جابر له في المسألة و عدم وضوح الدلالة نوع مناقشة.

نعم لو شرط البكارة في متن العقد فثبت سبق الثيوبة بالبيّنة،أو إقرار البائع،أو قرب زمان الاختبار لزمان البيع،بحيث لا يمكن فيه تجدّد الثيوبة بحسب العادة كان له الردّ على الأظهر الأشهر بين الطائفة،لا لكونه عيباً،بل لقاعدة الشرطية.

و منه ينقدح الوجه في القول بعدم الأرش مع الإمضاء؛ لاختصاصه بالعيب،و الواقع ليس كذلك،بل فوات أمر زائد،و يأتي على القول السابق ثبوته،و ربما أشعر به الموثق الآتي.

خلافاً للقاضي في الكامل (2)،فنفى الأمرين،و ربما يستدل له بالموثق:عن رجل باع جارية على أنّها بكر فلم يجدها على ذلك،قال:

« لا تردّ عليه،و لا يجب عليه شيء،إنّه يكون يذهب في حال مرض أو أمر يصيبها» (3).

و هو مع الإضمار غير واضح الدلالة على ثبوت الحكم مع سبق الثيوبة،كما هو مفروض المسألة،بل ربما كان فيها على الخلاف و موافقة العبارة نظراً إلى التعليل نوع إشارة.

مع معارضته بالخبر:في رجل اشترى جارية على أنّها عذراء فلم

ص:393


1- بل في التحرير 1:(182):الثيوبة ليست عيباً و لا نعلم فيه خلافاً(منه(رحمه اللّه)).
2- حكاه عنه في المختلف:372 و التنقيح 2:82.
3- الكافي 5:/215 11،التهذيب 7:/65 279،الوسائل 18:108 أبواب أحكام العيوب ب 6 ح 2.

يجدها عذراء،قال:« يردّ عليه فضل القيمة إذا علم أنّه صادق» (1).

لكنّه مقطوع،و في سنده جهالة،و إطلاقه غير معمول به بين الطائفة من حيث إطلاق الحكم فيه بثبوت الأرش الشامل لصورة الجهل بسبق الثيوبة.

مع أنّه على تقدير العلم به لا أرش أيضاً،كما تقدّمت إليه الإشارة، و به قال جماعة (2)؛ للأصل المتقدّم،مع ضعف هذه الرواية بالوجوه المزبورة،إلّا أنّ في الدروس (3)نسب الأرش إلى الشهرة،و ربما أشعرت به الموثقة المتقدّمة،و لعلّه لذا توقّف فيه بعض الأجلّة (4).

و لو لم يثبت التقدّم فلا ردّ بلا خلاف؛ للأصل،و لأنّها قد تذهب ب العلّة و النزوة كما في الموثقة المتقدّمة،و هي حجّة أُخرى في المسألة،بل ربما حكي عن بعض الأصحاب (5)انسحاب الحكم في الصورة السابقة.و لا مستند له سوى الأصل المندفع بالقاعدة المتقدّمة إليها الإشارة،و ظاهر إطلاق صدر الموثقة المقيّد بما في ذيلها من العلّة المشعرة باختصاص الحكم بصورة الجهل بسبق الثيوبة لا مطلقاً.

الثالثة لا يردّ العبد بالإباق الحادث عند المشتري

الثالثة: لا يردّ العبد و لا الأمة بالإباق الحادث عند المشتري بلا خلاف؛ للأصل،و المعتبرين،أحدهما الصحيح:« ليس في إباق العبد

ص:394


1- الكافي 5:/216 14،التهذيب 7:/64 278،الوسائل 18:108 أبواب أحكام العيوب ب 6 ح 1.
2- منهم:ابن حمزة في الوسيلة:257،الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 3:498.
3- الدروس 3:276.
4- كالسبزواري في الكفاية:94،و صاحب الحدائق 19:99.
5- انظر كشف الرموز 1:480.

عهدة» (1).

و نحوه الثاني الموثق (2)،لكن بزيادة:« إلّا أن يشترط المبتاع» بحملهما عليه،جمعاً بينهما و بين الصحيح الصريح في أنّه يردّ بالإباق عند البائع،و فيه بعد الحكم بردّ المملوك من أحداث السنة:قال له محمد بن علي:فالإباق؟قال:« ليس الإباق من هذا إلّا أن يقيم بيّنة أنّه كان آبقاً عنده» (3).

و هو المستند في قوله: و يردّ ب الإباق السابق مضافاً إلى الإجماع عليه في الجملة.

و إطلاقه كالعبارة و غيرها و صريح جماعة (4)الاكتفاء بالإباق السابق و لو مرّة.

خلافاً لبعضهم (5)،فقيّده بالمعتاد و لو بمرّة ثانية.

و مستنده غير واضح عدا الأصل،و الشك في تسمية الإباق مرّة عيباً عادةً.

و يندفع الأوّل بما مرّ،و الثاني بأنّ الردّ لعلّ المستند فيه هو إطلاق النص،لا ثبوت كونه من العيب،فإذاً الإطلاق أظهر،وفاقاً للأكثر.

ص:395


1- التهذيب 6:/312 864،الوسائل 18:114 أبواب أحكام العيوب ب 10 ح 1.
2- التهذيب 7:/237 1034،الوسائل 18:114 أبواب أحكام العيوب ب 10 ح 2.
3- الكافي 5:/217 17،التهذيب 7:/63 273،الوسائل 18:98 أبواب أحكام العيوب ب 2 ح 2.
4- منهم:الشيخ في المبسوط 2:131،و الحلّي في السرائر 2:303،و العلّامة في التحرير 1:184.
5- الروضة البهيّة 3:499.
الرابعة لو اشترى أمةً لا تحيض في ستّة أشهر فصاعداً و مثلها تحيض فله الردّ

الرابعة: لو اشترى أمةً لا تحيض في ستّة أشهر فصاعداً و مثلها تحيض،فله الردّ وفاقاً للنهاية و القاضي و ابن حمزة (1)و المتأخّرين كافّة.

للصحيح:عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها ستّة أشهر و ليس بها حبل،قال:« إن كان مثلها تحيض و لم يكن ذلك من كبر فهذا عيب تردّ منه» (2).

و لأنّ ذلك لا يكون إلّا لعارض غير طبيعي فيكون عيباً خلافاً للحلّي (3)،فلا تردّ و هو شاذّ،و الدليلان سيّما الثاني عليه حجّة.

و مقتضاه بل الأوّل أيضاً كما قيل (4)،و لعلّه غير بعيد أنّه لا يعتبر في ثبوت عيب الحيض مضيّ ستّة أشهر،كما في العبارة و عبارة جماعة (5)، بل يثبت بمضيّ مدّة تحيض فيها ذوات أسنانها في تلك البلاد.

و منه ينقدح الوجه فيما ذكره بعض الأصحاب (6)من أنّ عدم تحيّض الحديثة البلوغ في المدّة المزبورة ليس عيباً يوجب الردّ بالبديهة،فإنّ أمثالها لم تحضن فيها غالباً في العادة،و يمكن أن ينزّل على ذلك عبارة المتن و الجماعة.

ص:396


1- النهاية:395،حكاه عن القاضي في المختلف:372،ابن حمزة في الوسيلة:256.
2- الكافي 5:/213 1،الفقيه 3:/285 1357،التهذيب 7:/65 281،الوسائل 18:101 أبواب أحكام العيوب ب 3 ح 1.
3- السرائر 2:305.
4- التنقيح الرائع 2:82.
5- منهم:الشيخ في النهاية:395،و العلامة في القواعد 1:145،و الإرشاد 1:377،و صاحب الحدائق 19:103.
6- انظر مجمع الفائدة 8:445.
الخامسة لا يردّ البزر و الزيت بما يوجد فيه من الثفل المعتاد

الخامسة: لا يردّ البزر بفتح الباء و كسرها،حبّ يؤخذ منه دهن يقال له:دهن الكتاب،كأنّه بتقدير مضاف أي دهن البزر،و يطلق على الدهن كما عن الصحاح (1) و الزيت بما يوجد فيه من الثفل المعتاد بضم المثلّثة،هو و الثافل ما استقرّ من كدرة تحت المائع.

و الأصل في الحكم بعد الإجماع على الظاهر الأصل،و العمومات السليمة عن المعارض،إمّا بناءً على أنّ مثله ليس عيباً،أو لاقتضاء طبيعة الدهن كون ذلك فيه غالباً،فيجري مجرى علم المشتري بالعيب المسقط للردّ،كما مضى (2)و يأتي.

نعم لو خرج بالكثرة عن القدر الذي جرت به العادة جاز ردّه لكونه حينئذٍ عيباً بالضرورة عرفاً و عادةً،لكن الردّ مشروط بما إذا لم يعلم و أمّا معه فلا ردّ،بلا خلاف فيه و فيما مضى؛ استناداً فيهما إلى قواعد العيب المتقدّمة نفياً و إثباتاً.

و لا يشكل صحة البيع مع زيادته عن المعتاد بجهالة قدر المبيع المقصود بالذات فيجهل مقدار ثمنه؛ لأنّ مثل ذلك غير قادح مع معرفة مقدار الجملة،كما في معرفة مقدار السمن بظروفه جملة من دون العلم بالتفصيل.

و على التفصيل في العبارة يحمل بعض المعتبرة،كالحسن كالصحيح،بل الصحيح على الصحيح:« إن كان المشتري يعلم أنّ الدُّردي (3)يكون في الزيت فليس عليه ردّه،و إن لم يكن يعلم فله ردّه» (4).

ص:397


1- الصحاح 2:589.
2- راجع ص:3920.
3- الدُّردي من الزيت و غيره ما يبقى في أسفله مجمع البحرين 3:45.
4- الكافي 5:/229 1،الفقيه 3:/172 767،التهذيب 7:/66 283،الوسائل 18:109 أبواب أحكام العيوب ب 7 ح 1.
السادسة لو تنازعا في التبرّي من العيب فالقول قول منكره مع يمينه

السادسة: لو تنازعا في شيء من مسقطات الخيار ك التبرّي من العيب و نحوه،فقال:بعتك بالتبرّي مثلاً:فقال:لا فالقول قول منكره مع يمينه بلا خلاف يعرف؛ للأصل المجمع عليه فتوًى و روايةً:

« البيّنة على المدّعى،و اليمين على من أنكر» .و الخبر الوارد بخلافه (1)مع ضعفه بالكتابة،و عدم وضوح الدلالة، و قرب احتمال اجتماعه نظراً إلى السياق مع القواعد شاذّ لا يلتفت إليه البتّة.

السابعة لو ادّعى المشتري تقدّم العيب و لا بيّنة فالقول قول البائع مع يمينه

السابعة: لو ادّعى المشتري تقدّم العيب المتحقق و أنكره البائع و لا بيّنة للمشتري فالقول قول البائع مع يمينه على القطع بعدم العيب عنده مع اختباره المبيع قبل المبيع و اطّلاعه على خفايا أمره،قولاً واحداً،و على نفي العلم به مع العدم،وفاقاً للتذكرة (2)،وفاقاً للتذكرة،فعلى المشتري الإثبات بالبيّنة.

و قيل:على القطع بالعدم كالأوّل (3)؛ عملاً بأصالة العدم،و اعتماداً على ظاهر السلامة.

و الأصل فيه الأصل المتقدّم.

ما لم يكن هناك قرينة حال قطعيّة تشهد لأحدهما كزيادة الإصبع و اندمال الجرح،مع قصر زمان البيع بحيث لا يحتمل التأخّر في العادة،فيحكم للمشتري،أو طراوة الجرح مع تطاول زمان البيع،فيحكم للبائع من دون يمينه.

ص:398


1- التهذيب 7:/66 285،الوسائل 18:111 أبواب أحكام العيوب ب 8 ح 1.
2- التذكرة 1:541.
3- الحدائق 19:102.
الثامنة يقوَّم المبيع صحيحاً و معيباً،و يرجع المشتري على البائع بنسبة ذلك

الثامنة: في كيفيّة أخذ الأرش،و هو أن يقوَّم المبيع صحيحاً و معيباً،و يرجع المشتري على البائع بنسبة ذلك التفاوت من الثمن لا نفس تفاوت المعيب و الصحيح؛ لأنّه قد يحيط بالثمن أو يزيد عليه،فيلزم أخذ العوض و المعوض،كما إذا اشتراه بخمسين و قوّم معيباً بها و صحيحاً بمائة أو أزيد،و على اعتبار النسبة يرجع في المثال بخمسة و عشرين، و على هذا القياس.

و لو تعدّد القيم،بأن اختلف أهل الخبرة أو اختلفت قيمة أفراد ذلك النوع المساوية للمبيع،فإنّ ذلك قد يتّفق على الندرة،و الأكثر و منهم المصنف عبّروا عن ذلك باختلاف أهل الخبرة رجع إلى القيمة الوسطى المتساوية النسبة إلى الجميع المنتزعة منه،نسبتها إليه بالسوية، فمن القيمتين يؤخذ نصفها،و من الثلاث ثلثها،و من الأربع ربعها،و هكذا.

و ضابطه أخذ قيمة منتزعة من المجموع نسبتها إليه كنسبة الواحد إلى تلك القيم،و ذلك لانتفاء الترجيح.

و طريقه أن تجمع القيم الصحيحة على حدةٍ و المعيبة كذلك،و تنسب إحداهما إلى الأُخرى،و تؤخذ بتلك النسبة.

و لا فرق بين اختلاف المقوّمين في قيمته صحيحاً و معيباً و في إحداهما.

و قيل:ينسب معيب كل قيمة إلى صحيحها،و يجمع قدر النسبة، و يؤخذ من المجتمع بنسبتها (1)و في الأكثر يتّحد الطريقان،و قد يختلفان في يسير.

ص:399


1- قد نسب هذا الطريق إلى الشهيد الأول و فخر المحققين،انظر الروضة البهية 3:478 و مفتاح الكرامة 4:633.
التاسعة لو حدث العيب بعد العقد و قبل القبض كان للمشتري الردّ

التاسعة: لو حدث العيب بعد العقد و قبل القبض كان للمشتري الردّ بلا خلاف فيه و في جواز أخذ الأرش بعد الإمضاء مع التراضي؛ استناداً في الأوّل إلى حديث نفي الضرر (1)،و في الثاني إلى كونه أكل مال بالتراضي.

و في ثبوت أخذ الأرش مع العدم كما في العيب السابق قولان، أشبههما و أشهرهما بين المتأخّرين،وفاقاً للنهاية و التقي و القاضي (2) الثبوت لفحوى ما دلّ على كون تلف المبيع قبل القبض مع البائع (3)، فكون تلف الجزء أو الوصف قبله منه بطريق أولى.

و لإطلاق الصحيح،بل عمومه:في رجل اشترى من رجل عبداً أو دابّة و شرط يوماً أو يومين فمات العبد أو نفقت الدابة أو حدث فيه حدث، على مَن الضمان؟قال:« لا ضمان على المبتاع حتى ينقضي الشرط و يصير المبيع له» (4).فإنّ إطلاق الحدث فيه بل عمومه الناشئ من ترك الاستفصال يشمل النقص في المبيع بجزء منه أو صفة،و قد نفى ضمانه عن المبتاع، و هو يستلزم الضمان على البائع،إذ لا واسطة.

خلافاً للمبسوط و الخلاف (5)،مدّعياً عليه الوفاق،و تبعه الحلّي (6)، فنفيا الثبوت،و اقتصرا على الردّ و الإمساك؛ للأصل النافي للأرش مع عدم

ص:400


1- المتقدم في ص:3917.
2- النهاية:395،التقي في الكافي في الفقه:355،القاضي في المهذب 1:397.
3- انظر الوسائل 18:23 أبواب الخيار ب 10.
4- الكافي 5:/169 3،الفقيه 3:/126 551،التهذيب 7:/24 103،الوسائل 18:14 أبواب الخيار ب 5 ح 2 في الجميع عدا الفقيه بتفاوت يسير.
5- المبسوط 2:138،الخلاف 2:561.
6- السرائر 2:247.

الموجب له سوى الضرر المندفع بخيار الردّ.

و يندفع الإجماع بالوهن،كيف و لم يوجد بما ادّعاه قائل سواه؟! و الأخيران بما مرّ من الدليلين.

و لكن قد يمنعان،فالأوّل:بمنعه،بناء على وجود الفارق بين المقيس و المقيس عليه من انتفاء الضرر على البائع في المقيس عليه؛ لأنّ التلف فيه موجب لبطلان البيع الموجب للتسلّط على استرداد الثمن خاصّة، و ثبوته في الثاني،لعدم رضاء البائع ببذل العين إلّا في مقابلة تمام الثمن، فأخذ المبيع منه ببعضه من غير رضاء منه تجارة عن غير تراضٍ محرّم بالكتاب و السنّة.

و لا ينتقض بأخذ الأرش في العيب السابق على العقد مع ورود دليل المنع فيه أيضاً؛ لمنع الورود على الإطلاق،لعدم تسليمه فيما إذا علم البائع بالعيب،فقد يكون الوجه في أخذ الأرش منه المقابَلَة له بمقتضى التغرير و إقدامه على الضرر،و لا كذلك محلّ الفرض،و يسلّم في صورة الجهل، و لكن يدفع النقض فيها بالإجماع،و هو كافٍ في ردّ دليل المنع؛ مضافاً إلى النصوص إن تمّت في الدلالة على جواز أخذ الأرش،فتأمّل.

و الثاني:أوّلاً:بمتروكيّة الظاهر عند المستدلّ من حيث الدلالة على عدم انتقال الملك بمجرّد العقد،و التوقّف على انقضاء الشرط،و هو متحاشٍ عنه باليقين.

و ثانياً:بضعف الدلالة،أوّلاً:بشهادة السياق بكون المراد من الحدث ما هو من قبيل الموت المترتّب عليه تلف الجملة.

و ثانياً:و هو العُمدة بعدم الدلالة على مشروطيّة تعلّق الضمان على البائع بكون الحدث قبل القبض،بل غايته الدلالة على تعلّقه عليه قبل

ص:401

انقضاء زمان الخيار،و هو أعمّ من الأوّل،فقد ينقضي الخيار قبله.بل مفهومه حينئذٍ كون الضمان على المبتاع في هذه الصورة،و هو ضدّ المطلب في الجملة،و إن دلّ عليه المنطوق كذلك.و إتمامه بالإجماع المركّب ليس بأولى من العكس في المفهوم.

فهذا القول لعلّه لا يخلو عن قوة،سيّما مع اعتضاده بالإجماع المتقدّم،و إن لم يكن بنفسه لما مرّ حجّة مستقلة،و لكن مع ذلك لا تخلو المسألة عن شبهة،فالاحتياط فيه لا يترك البتّة.

و كذا لو قبض المشتري بعضاً من المبيع و حدث عيب في الباقي كان الحكم المتقدّم ثابتاً فيما لم يقبض منه،فله الخيار بين الردّ و الإمضاء مع أخذ الأرش.بلا إشكال في الثاني؛ للدليل المتقدّم بعد فرض التماميّة.

و كذا في الأوّل إن أراد بالمردود مجموع المبيع؛ للدليل المتقدّم.

و على إشكال فيه إن أراد به خصوص المعيب،كما هو ظاهر سياق العبارة؛ لاستلزام ردّه خاصّة تبعّض الصفقة،الموجب للضرر على البائع،المنفي في الشريعة فتوًى و روايةً.

فإذاً الأقوى عدم جواز ردّه خاصّة،بل إمّا الجميع،أو إمساكه بتمام الثمن،أو مع الأرش على اختلاف القولين.

ص:402

الفصل الخامس في الربا

اشارة

الفصل الخامس:

في الربوا و قد يقلب واوه ألفاً (1)،و هو في اللغة:الزيادة،قال اللّه سبحانه:

فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللّهِ [1] (2).

و شرعاً:بيع أحد المتماثلين المقدّرين بالكيل أو الوزن في عهد صاحب الشرع(عليه السّلام)أو في العادة بالآخر مع زيادة في أحدهما حقيقة أو حكماً،أو إقراض أحدهما معها مطلقاً و إن لم يكونا مقدّرين بالأمرين،إذا لم يكن باذل الزيادة حربيّا،و لم يكن المتعاقدان والداً مع ولده،و لا زوجاً مع زوجته.

و ربما يبدل البيع بمطلق المعاوضة.و لا يخلو عن قوّة،وفاقاً للطوسي و القاضي و فخر الدّين و الشهيدين و المحقّق الشيخ علي و غيرهم (3)؛ لإطلاق الكتاب و السنّة،فمنها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح:« الحنطة و الشعير رأساً برأس لا يزداد واحد منهما

ص:403


1- الربوا كتب بالواو على لغة من يفخم،كما كتبت الصلاة و الزكاة،و زيدت الألف بعدها تشبيهاً بواو الجمع،تفسير الكشاف 1:318.
2- الروم:39.
3- الطوسي في المبسوط 2:88،القاضي في المهذّب 1:364،فخر الدين في إيضاح الفوائد 2:104،الشهيد الأول في الدروس 3:328،الشهيد الثاني في المسالك 1:278،المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد 5:411؛ و انظر الشرائع 3:240.

على الآخر» (1).

و فيه:« الدقيق بالحنطة،و السويق بالدقيق مثلاً بمثل لا بأس به» (2).

و نحوه آخر (3).

و فيه:« كان عليّ(عليه السّلام)يكره أن يستبدل وَسْقين من تمر المدينة بوَسْق من تمر خيبر» (4).

و فيه:عن رجل استبدل قوصرتين فيهما بُسر مطبوخ بقوصرة فيهما مشقّق،فقال:« هذا مكروه» فقال أبو بصير:لِمَ يكره؟فقال:« كان عليّ بن أبي طالب(عليه السّلام)يكره أن يستبدل وسقاً من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر،و لم يكن(عليه السّلام)يكره الحلال» (5).

إلى غير ذلك من النصوص المؤيّد إطلاقها بعموم بعضها الناشئ من ترك الاستفصال،كالأخير،و الموثق كالصحيح على الصحيح،بل ربما عدّ من الصحيح:أ يجوز قفيز من حنطة بقفيزين من شعير؟قال:« لا يجوز إلّا مثلاً بمثل» (6).

و صريح الصحيح:عن الرجل يدفع إلى الطحّان الطعام،فيقاطعه على

ص:404


1- الكافي 5:/187 2،الفقيه 3:/178 803،التهذيب 7:/95 402،الوسائل 18:138 أبواب الربا ب 8 ح 3.
2- الفقيه 3:/178 802،التهذيب 7:/94 401،الوسائل 18:142 أبواب الربا ب 9 ح 4.
3- الكافي 5:/189 10،الوسائل 18:141 أبواب الربا ب 9 ح 2.
4- التهذيب 7:/94 400،الوسائل 18:152 أبواب الربا ب 15 ح 3.
5- الكافي 5:/188 7،التهذيب 7:/96 ذيل حديث 412،الوسائل 18:151 أبواب الربا ب 15 ح 1.
6- الكافي 5:/188 5،التهذيب 7:/96 410،الوسائل 18:138 أبواب الربا ب 8 ح 2.

أن يعطي صاحبه لكلّ عشرة اثني عشر دقيقاً،فقال:« لا» فقلت:فالرجل يدفع السمسم إلى العصّار و يضمن له لكل صاع أرطالاً مسمّاة؟قال:

« لا» (1).

خلافاً للحلّي،و الماتن في الشرائع في هذا الكتاب،و الفاضل في الإرشاد و القواعد فيه (2)،فخصّوه بالبيع؛ اقتصاراً فيما خلاف الأصل على المجمع عليه،و حملاً للإطلاق على الفرد المتبادر،و ليس إلّا البيع.

و ضعف الجميع بما ذكرناه ظاهر،مع رجوع الفاضلين عنه إلى المختار في كتاب الصلح (3)،و مع ذلك هو أحوط باليقين.

و تحريمه معلوم من الشرع المبين،قال اللّه سبحانه أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا [1] (4)و قال يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ [2] (5)و قال الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ [3] (6).و النصوص به زيادة على ما مرّ مستفيضة،و هو من أعظم الكبائر حتى أن الدرهم منه أعظم من سبعين زنية بذات المحرم،كما في الصحيح (7)،و فيه:« قال أمير المؤمنين(عليه السّلام):آكل الربا و مؤكله و كاتبه و شاهداه

ص:405


1- الكافي 5:/189 11،الفقيه 3:/147 649 بتفاوت،التهذيب 7:/96 411،الوسائل 18:141 أبواب الربا ب 9 ح 3.
2- الحلي في السرائر 2:487،الشرائع 2:43،الإرشاد 1:377،القواعد 1:184.
3- المحقق في الشرائع 2:122،العلامة في الإرشاد 1:405.
4- البقرة:274.
5- البقرة:276.
6- البقرة:274.
7- مجمع البيان 2:390،تفسير القمي 1:93،الوسائل 18:123 أبواب الربا ب 1 ح 19.

فيه سواء» (1)و نحوه الخبر الآخر اللاعن لهؤلاء و زيادة المشتري و البائع (2).

و في الموثق كالصحيح في آكل الربا:« لأن أمكنني اللّه عزّ و جلّ لأضربنّ عنقه» (3).

و في الخبر:« أخبث المكاسب كسب الربا» (4).

و يثبت في كلّ مكيل أو موزون في زمان صاحب الشريعة إن عُرِفا فيه مطلقاً و إن لم يقدَّر بهما عندنا،بلا خلاف،كما في المبسوط (5).

و إن لم يُعرَفا فيه فالمتّجه دوران الحكم معهما حيث دارا نفياً و إثباتاً مطلقاً،وفاقاً للمبسوط و القاضي و المختلف (6)،بل كافّة المتأخّرين؛ التفاتاً إلى الأصل في الجملة،و أنّ كلّ بلد لهم عرف خاصّ،فينصرف إطلاق الخطاب إليه البتة.

خلافاً للنهاية و الديلمي (7)،فأدارا الحكم معهما إثباتاً خاصّة،بحيث لو كانا في بلد كان المقدّر بهما فيه ربويّاً مطلقاً،حتى في البلدان التي لم يقدّر بهما.

و للمفيد و الحلّي (8)،فالتفصيل بين تساوي البلدان المقدّرة بهما

ص:406


1- الكافي 5:/144 2،الفقيه 3:/174 783،الوسائل 18:126 أبواب الربا ب 4 ح 1.
2- الفقيه 3:/174 784،التهذيب 7:/15 64،الوسائل 18:127 أبواب الربا ب 4 ح 2.
3- الكافي 5:/147 11،الوسائل 18:125 أبواب الربا ب 2 ح 1.
4- الكافي 5:/147 12،الوسائل 18:118 أبواب الربا ب 1 ح 2.
5- المبسوط 2:90.
6- المبسوط 2:90،القاضي في المهذب 1:363،المختلف:356.
7- النهاية:378،الديلمي في المراسم:179.
8- المفيد في المقنعة:94،الحلي في السرائر 2:263.

و غيرها في الغلبة فالثاني،و تفاوتها بها فالأغلب.

و مستندهما غير واضح سوى الإطلاق في الأوّل.و يضعّف بما مرّ، مع معارضته بالإطلاق النافي للربا فيما لم يقدّر بهما،و الترجيح لا بدّ له من دليل قطعاً،و إلّا فاللازم الرجوع إلى حكم الأصل جدّاً،و الاحتياط لا يصلح دليلاً في نحو المقام أصلاً.

و كيف كان،فثبوت الحكم في كل مقدّر بهما تقديراً يشترط في بيعه مع اتّحاد الجنسيّة مجمع عليه بين أصحابنا،كما في الغنية و السرائر و القواعد (1)،و غيرهما من كتب الأصحاب.

مضافاً إلى إطلاقات السنّة و الكتاب،و خصوص المعتبرة المستفيضة الآتية في الباب،و هي ما بين مثبتة للربا في ذلك من دون تعرّض لنفيه عمّا دونه،و نافيه له عنه أيضاً،كالموثق كالصحيح:« لا يكون الربا إلّا فيما يكال أو يوزن» (2).

و الموثق:« كلّ شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد،فإذا كان لا يكال و لا يوزن فليس به بأس اثنين بواحد» (3).

و يستفاد منه اشتراط اتّحاد الجنسية؛ مضافاً إلى الإجماع عليه في الجملة.و سيأتي تمام الكلام فيه في بيع العروض المختلفة فيها نسيئة (4).

و المراد بالجنسيّة هنا الحقيقة النوعيّة باصطلاح أهل المنطق،فإنّه

ص:407


1- الغنية(الجوامع الفقهية):588،السرائر 2:253،القواعد 1:140.
2- التهذيب 7:/19 81،تفسير العياشي 1:/152 504،الوسائل 18:132 أبواب الربا ب 6 ح 1.
3- التهذيب 7:/119 517،الإستبصار 3:/101 351،الوسائل 18:153 أبواب الربا ب 16 ح 3.
4- انظر ص:3951 3953.

يسمى جنساً بحسب اللغة.

و ضابط الجنس المستفاد من العرف و اللغة و الشرع بالإجماع ما يتناوله اسم خاصّ كالحنطة بالحنطة و الأرز بالأرز و يستثنى منه الشعير بناءً على اقتضاء الضابط عدم مجانسته مع الحنطة؛ لعدم تناول اسم أحدهما للآخر،فيعدّ هنا جنساً واحداً على الأشهر الأظهر،كما يأتي إليه و إلى الخلاف فيه الإشارة (1).

و مقتضى الضابط عدم دخول السلت (2)و العَلَس (3)في الحنطة و الشعير؛ لمغايرة الاسم،إلّا إذا ثبت الاتّحاد بنحو من اللغة و العرف أو الشرع،فيدخل كالشعير.

و ممّا مرّ يظهر أنّه يشترط في جواز بيع المثلين المتجانسين المقدّرين بأحد التقديرين التساوي في القدر و الحلول، فلو بيع بزيادة حرم نقداً و نسيئة إجماعاً فيه و في أنّه يصحّ متساوياً يداً بيد و أنّه يحرم نسيئة لأنّ للأجل قسطاً من الثمن عرفاً و شرعاً،إجماعاً،و في الصحيح:« لا تبع الحنطة بالشعير إلّا يداً بيد» (4).

و في الخبر:« إنّما الربا في النسيئة» (5).

نعم في المختلف حكى الخلاف عن الخلاف في الأخير،فقال بالكراهة،إلّا أنّه حملها على الحرمة معتذراً بغلبة إطلاقها عليها في كلامه،

ص:408


1- ص:3953.
2- السلت بالضم:ضرب من الشعير ليس له قشر،كأنه حنطة.الصحاح 1:253.
3- العَلَسُ أيضاً:ضرب من الحنطة تكون حبّتان في قشر واحد،و هو طعام أهل صنعاء.الصحاح 3:952.و قال في المصباح المنير 2:425:و قيل هو العدس.
4- التهذيب 7:/95 408،الوسائل 18:140 أبواب الربا ب 8 ح 8.
5- عوالي اللئلئ 3:/220 84،سنن ابن ماجة 2:/758 2257.

و مع ذلك نفي الخلاف في عنوان البحث عن الحرمة عازياً لقول الخلاف إلى الشذوذ (1).و هو مشعر بالإجماع عليها كما ترى.

و لا يضرّ في الزيادة العينية نحو عقد التبن (2)و الزوان (3)اليسير الذي جرت به العادة في أحد العوضين دون الآخر،أو زيادة عنه؛ لأنّ ذلك لا يقدح في إطلاق المثليّة و المساواة قدراً عرفاً و عادةً.و لو خرج عن المعتاد ضرّ بالضرورة.

و يجب إعادة الربا على المالك مع العلم بالتحريم حين المعارضة بلا خلاف في الظاهر،و قد حكي (4)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى نصّ الآية وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ [1] (5)و غيرها من الآيات الأُخر (6)الناصّة هي كالروايات (7)بحرمة الربا التي هي الزيادة لغةً،الموجبة لعدم الملكيّة،فيلزم الردّ مع معرفتها قدراً و معرفة الصاحب بالضرورة،و النصوص الآتية مصرِّحةً بذلك أيضاً تنفع المقام نصّاً أو فحوًى،فتأمّل جدّاً.

فإن جهل صاحبه جهلاً أوجب اليأس عنه و عرف مقدار الربا مفصّلاً كالربع و الثلث كان له حكم المال المجهول المالك المشار إليه بقوله: تصدّق به عنه.

ص:409


1- المختلف:354.
2- التبْن:ساق الزرع بعد دياسه.المصباح المنير:72.
3- الزوان:حبّ يخالط البُرّ فيكسبه الرَّداءَة.المصباح المنير:260.
4- انظر الحدائق 19:216.
5- البقرة:279.
6- البقرة:276،278.
7- الوسائل 18:117 أبواب الربا ب 1.

و لو علم قدره جملةً لا تفصيلاً.قيل:فإن علم أنّه يزيد عن الخمس خمّسه و تصدّق بالزائد و لو ظنّاً،و يحتمل قويّاً كون الجميع صدقة،و لو علم نقصانه عنه اقتصر على ما تيقّن به البراءة،صدقةً على الظاهر و خمساً في وجه (1).و هو أحوط.

و إن انعكس ف عرفه و لو في جملة قوم منحصرين و جهل مقدار الربا أصلاً صالح الصاحب عليه و لا خمس هنا.

فإن أبى عن الصلح فعن التذكرة دفع إليه خمسه إن لم يعلم زيادته، أو ما يغلب على ظنّه إن علم زيادته أو نقصه؛ لأنّ هذا القدر جعله اللّه تعالى مطهِّراً للمال (2).

و فيه نظر،و الأحوط وجوب دفع ما يحصل به يقين البراءة.

قيل:و يحتمل الاكتفاء بدفع ما يتيقّن انتفاؤه عنه (3).و هو ضعيف.

و إن مزجه بالحلال و جهل المالك و القدر تصدّق بخمسه على السادة،على الأظهر الأشهر بين الطائفة؛ للنصوص المتقدّمة هي و البحث في المسألة في كتاب الخمس،فليطلب التحقيق ثمّة.

إلّا أنّ النصوص الآتية الواردة في بيان الحاجة خالية عن ذكر الخمس بالمرّة،بل ظاهرة في حلّ الجميع بالكلية من دون ريبة،و لكن لم يعمل بها إلّا نادر من الطائفة (4)،و مع ذلك فظاهر سياقها صورة الجهل بالحرمة خاصّة،فالعمل بالنصوص المتقدّمة في بحث الخمس العامّة لنحو المسألة

ص:410


1- المسالك 1:67.
2- التذكرة 1:253.
3- المدارك 5:388.
4- حكاه عن الصدوق في المختلف:352.

أقوى البتّة.

و لو جهل التحريم حين المعاوضة ثم علم به و تاب و استغفر ربّه كفاه الانتهاء عنه و التوبة،فلا يجب عليه شيء من الأُمور المزبورة في الصورة المذكورة،وفاقاً لجماعة،كالمقنع و النهاية (1)؛ للأصل،و اختصاص أدلّة حرمة الربا و الزيادة من الكتاب و السنّة بحكم التبادر و قاعدة التكليف و النصوص الآتية بالصورة السابقة.

مضافاً إلى انسحاب الحكم بعدم الوجوب في حالة الجهل إلى حال الانكشاف و المعرفة،عملاً باستصحاب الحالة السابقة.

و ظاهر قوله سبحانه فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ [1] (2)المفسّر به في ظاهر كلام الطبرسي بقوله:معناه ما أخذ و أكل من الربا قبل النهي،و لا يلزمه ردّه (3).فتأمّل.

و ظاهر النصوص،كالصحيح فيمن أراد الخروج عن الربا:« مخرجك من كتاب اللّه تعالى فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللّهِ [2] و الموعظة:التوبة» (4).

و أظهر منه الصحيح المروي عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى، و نحوه الرضوي:إنّ رجلاً أربى دهراً من الدهر،فخرج قاصداً إلى أبي جعفر(عليه السّلام) يعني الجواد فقال له:« مخرجك من كتاب اللّه تعالى يقول اللّه فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ [3] و الموعظة هي

ص:411


1- المقنع:125،النهاية:376.
2- البقرة:275.
3- مجمع البيان 1:390.
4- التهذيب 7:/15 68،تفسير العياشي 1:/152 506،الوسائل 18:130 أبواب الربا ب 5 ح 7.

التوبة،لجهله بتحريمه ثم معرفته به،فما مضى فحلال،و ما بقي فليتحفّظ» (1)خلافاً للحلّي و كثير من المتأخّرين (2)،فأوجبوا الردّ؛ عملاً بآية فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ [1] (3)و سياقها ظاهر في صورة العلم بالحرمة.

و حملاً للآية السابقة و الخبرين في أحدهما:« قد وضع ما مضى من الربا و حرم ما بقي،فمن جهله وسعه جهله حتى يعرفه» (4)و قريب منه الثاني (5)على العود إلى الذنب بمعنى سقوطه بالتوبة،أو ما كان من الربا في زمن الجاهلية.و هو ضعيف بعد ما مرّ من الأدلّة،و ما سيأتي إليه الإشارة من المعتبرة.

و للإسكافي،فإن كان معروفاً ردّه على صاحبه و تاب إلى اللّه تعالى، و إن اختلط بماله حتى لا يعرفه أو ورث مالاً يعلم أنّ صاحبه كان يربى و لا يعلم الربا بعينه فيعز له جاز له أكله و التصرف إذا لم يعلم الربا (6).

و لا يخلو عن قوّة؛ للمعتبرة،منها الصحيح في الذي قال:« إنّي ورثت مالاً و قد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربى،و قد اعترف أنّ فيه رباً و استيقن ذلك،و ليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه،و قد

ص:412


1- نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:/161 413،الوسائل 18:131 أبواب الربا ب 5 ح 10،و لم نعثر عليه في فقه الرضا(عليه السّلام).
2- الحلي في السرائر 2:251،المختلف:353،و انظر البيان:217،و كفاية الأحكام:43.
3- البقرة:279.
4- الفقيه 3:/175 789،الوسائل 18:129 أبواب الربا ب 5 ح 3.
5- الكافي 5:9/146،مستطرفات السرائر:44/90،الوسائل 18:130 أبواب الربا ب 5 ح 4.
6- حكاه عن الإسكافي في المختلف:352.

سألت الفقهاء من أهل العراق و الحجاز فقالوا:لا يحلّ أكله من أجل ما فيه، فقال له أبو جعفر(عليه السّلام):إن كنت تعلم أنّ فيه مالاً معروفاً ربا و تعرف أهله فخذ رأس مالك و ردّ ما سوى ذلك،و إن كان مختلطاً فكله هنيئاً،فإنّ المال مالك،و اجتنب ما كان يصنع صاحبه،فإنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قد وضع ما مضى من الربا و حرّم عليهم ما بقي،فمن جهله وسع له جهله حتى يعرفه، فإذا عرف تحريمه حرم عليه و وجب عليه فيه العقوبة إذا ارتكبه كما يجب على من أكل الربا» (1).

و نحوه الصحيح الآخر،و فيه زيادة على ما مرّ:« و أيّما رجل أفاد مالاً كثيراً فيه الربا فجهل ذلك ثم عرفه فأراد أن ينزعه،فما مضى فله،و يدعه فيما يستأنف» (2)و نحوهما غيرهما (3).

إلّا أنّ سياقها كما ترى بالدلالة على المختار أولى،من حيث تعليل حلّ أكل الربا المختلط بوضع الرسول(صلّى اللّه عليه و آله)ما مضى منه،و هو كالصريح في أنّ المراد بما مضى نفس الربا في حالة الجهل (4)،و منه يظهر صحة تفسير الآية بما قدّمناه،كما هو أيضاً ظاهرها.

و بالجملة الدلالة على الحلّ في غاية الوضوح جدّاً،فحمل الأمر بالردّ مع التمييز و العزل (5)على الاستحباب غير بعيد.

ص:413


1- الكافي 5:/145 5،التهذيب 7:/16 70،الوسائل 18:129 أبواب الربا ب 5 ح 3.
2- الكافي 5:/144 3،الفقيه 3:/175 787،التهذيب 7:/16 69،الوسائل 18:128 أبواب الربا ب 5 ح 2.
3- انظر الوسائل 18:128 أبواب الربا ب 5.
4- في« ت» زيادة:لذلك،و في« ر»:مطلقاً،و في« ق»:مطلقاً لذلك.
5- في« ر» زيادة:لذلك،و في« ح»:مطلقاً لذلك.

و الجمع بجمل الأمر على ظاهره و تقييد الأدلّة المتقدمة الدالّة على إطلاق الإباحة بصورة الخلط و إن أمكن،إلّا أنّ عدم التكافؤ بكثرتها، و اعتضادها بفتوى جماعة و ظهور سياق المعتبرة المتضمّنة للأمر المزبور في عموم الإباحة حتى لصورة التمييز و المعرفة أوجب أولويّة صرف الأمر عن ظاهره إلى الاستحباب،و إن كان العمل بظاهره أحوط،و أحوط منه القول الثاني.

و إذا اختلفت أجناس العروض الربوية أي المكيلة و الموزونة فبيعت إحداهما بمخالفها منها في الجنسية جاز التفاضل إذا بيعت نقداً إجماعاً،كما في المختلف و الروضة و غيرهما من كتب الجماعة (1)؛ للأصل،و الأدلّة الآتية.

و في النسيئة قولان،أشبههما و أشهرهما بين المتأخّرين،بل مطلقاً كما في المسالك (2)،بل (3)لعلّه عليه عامّتهم الجواز مع الكراهة وفاقاً للمبسوط و الحلّي و النهاية و ابن حمزة و ابن زهرة (4)مدّعياً على الكراهة إجماع الطائفة.

استناداً في الأوّل الى الأصل،و العمومات،و النبوي المشهور (5):« إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم» (6)المعتضد بعد الشهرة بعموم كثير من

ص:414


1- المختلف:354،الروضة 3:446؛ و انظر كشف الرموز 1:486،و قال في الكفاية:98 و الحدائق 19:224:بلا خلافٍ.
2- المسالك 1:199.
3- بل في السرائر(2:253)نفي الخلاف عنه(منه(رحمه اللّه)).
4- المبسوط 2:89،الحلّي في السرائر 2:256،النهاية:317،ابن حمزة في الوسيلة:253،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):588.
5- بل المجمع عليه كما في السرائر(2:253).(منه(رحمه اللّه)).
6- عوالي اللئلئ 3:/221 86،المستدرك 13:341 أبواب الربا ب 12 ح 4.

المعتبرة الدالّة عليه منطوقاً في بعض،كالمعتبرين،أحدهما الصحيح:

« يكره قفيز لوز بقفيزين،و قفيز تمر بقفيزين،و لكن صاع من حنطة بصاعين من تمر،و صاع من تمر بصاعين من زبيب (1).

و ثانيهما الموثق،عن الطعام و التمر و الزبيب،فقال:« لا يصلح شيء منها اثنان بواحد،إلّا أن تصرفه إلى نوع آخر،فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد و أكثر من ذلك» (2).

و مفهوماً في آخر،كالموثق الصحيح:« كلّ شيء يكال و يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد» (3).

خلافاً للإسكافي و العماني و المفيد و الديلمي و القاضي (4)(5)،فمنعوا عنها؛ للحديث المشهور:« إنّما الربا في النسيئة» (6).

و الصحيح:« ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شيء من الأشياء فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يداً بيد،فأمّا نظرة فإنّه لا يصلح» (7).

ص:415


1- الكافي 5:/189 12،التهذيب 7:/94 398،الوسائل 18:146 أبواب الربا ب 13 ح 3.
2- الفقيه 3:/178 804،التهذيب 7:/95 406،الوسائل 18:146 أبواب الربا ب 13 ح 5.
3- التهذيب 7:/119 517،الإستبصار 3:/101 351،الوسائل 18:153 أبواب الربا ب 16 ح 3.
4- حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف:354،المفيد في المقنعة:93،الديلمي في المراسم:179،القاضي في المهذب 1:365.
5- و الكيدري،و الفاضل في التحرير(1:170)منه(رحمه اللّه).
6- عوالي اللئلئ 3:/220 84،سنن ابن ماجه 2:/758 2257.
7- الكافي 5:/191 6،الفقيه 3:/176 796،التهذيب 7:/93 396،الوسائل 18:145 أبواب الربا ب 13 ح 2.

و نحوه خبران آخران (1)،في سندهما كالأوّل ضعف من وجوه،و كذا في دلالتهما كالصحيح قصور بعدم صراحة،بل و لا ظهور في المطلوب لو لم تكن بخلافه،و الدلالة على الكراهة ساطعة النور كما هو المشهور.

و تزيد الحجة على الحديث الأوّل زيادة على ما مرّ بمتروكيّة المتن، من حيث الدلالة على حصر الربا في النسيئة،و لا قائل به من الطائفة،و على تقديره فليس الربا فيه مطلق الزيادة،بل بشرائطها المعتبرة،و من جملتها عند علمائنا كما في المختلف (2)اتّحاد الجنس،و به صرّحت الصحيحة المتقدّمة،هذا مع احتمال وروده كالروايات الثلاثة الأخيرة مورد التقيّة؛ لكون المنع مذهب العامّة،كما يلوح من الغنية (3)،و يؤيّده مصير الإسكافي إليه.

و في الثاني إلى الشبهة الناشئة من أدلّة المنح المزبورة،سيّما مع صحة بعضها،و قوّة احتمال دلالة نفي الصلاحية على الحرمة إمّا من حيث الصيغة،كما ادّعاه بعض المشايخ الأجلّة (4)،أو من حيث غلبة التعبير به و بلفظ الكراهة عن الحرمة في أحاديث الربا بلا شبهة،و قد مضى إلى بعضها الإشارة (5)،مع التأيّد بفتوى من تقدّم من عظماء الطائفة.

إلّا أنّ المستفاد منها ليس سوى المنع عن خصوص الزيادة العينية، لا

ص:416


1- الأول:التهذيب 7:/118 514،الوسائل 18:159 أبواب الربا ب 17 ح 14.الثاني:الكافي 5:/191 6،التهذيب 7:/93 395،الوسائل 18:157 أبواب الربا ب 17 ح 9.
2- المختلف:354.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):588.
4- كصاحب الحدائق 19:226.
5- راجع ص:3941 و 3942.

الحاصلة بمجرّد النسيئة و نحوها من الزيادات الحكميّة،فالفتوى بانسحاب المنع فيها لا وجه لها مطلقاً،حرمة كانت أو كراهة،إلّا أنّ المصير إلى الأخير بناءً على المسامحة في مثله غير بعيد.

ثم كلّ ذا إذا كنت الأجناس المختلفة الربوية عروضاً.فلو كانت أثماناً أو ملفّقاً منهما اختلف الحكم فيهما بالمنع عن النسيئة في الأوّل مطلقاً،كما يأتي،و بجوازها في الثاني كذلك،إجماعاً،كما في الغنية و المختلف و الإيضاح و الروضة و المهذب و غيرها من كتب الجماعة (1)؛ لأنّه إمّا سلف أو نسيئة قد قام بجوازهما مطلقاً مضافاً إلى ما مرّ الأدلّة القاطعة.

و الحنطة و الشعير جنس واحد في الربا و إن اختلفا في غيره،فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً،نسيئة كان أو عيناً،على الأشهر الأقوى،وفاقاً للصدوق و الشيخين و الديلمي و الحلبي و ابن حمزة و القاضي و ابن زهرة (2)،مدّعياً هو كالطوسي الإجماع عليه؛ و هو الحجة.

مضافاً الى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،المعتضدة بعد الخلوّ عمّا يصلح للمعارضة بالشهرة العظيمة القديمة و المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة.

و هي ما بين صريحةٍ في الحكم و اتّحاد الحقيقة،كالصحاح،منها:

ص:417


1- الغنية(الجوامع الفقهية):588،المختلف:354،إيضاح الفوائد 1:484،الروضة 3:445،المهذب البارع 2:421 و قال فيه..فيجوز التفاوت قدراً نقداً قطعاً و نسيئة كذلك.
2- الصدوق في الفقيه 3:178،المفيد في المقنعة:604،الطوسي في المبسوط 2:89،الديلمي في المراسم:179،الحلبي في الكافي في الفقه:357،ابن حمزة في الوسيلة:253،القاضي في المهذب 1:362،ابن زهرة في العتبة(الجوامع الفقهية):588.

عن الرجل يشتري الحنطة فلا يجد إلّا شعيراً،أ يصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟قال:« لا،إنّما أصلهما واحد» (1).

و منها:« لا يصلح،لأن أصل الشعير من الحنطة» (2).

و منها:« لا يجوز إلّا مثلاً بمثل،إنّ الشعير من الحنطة» (3)و نحوها غيرها (4).

و في المرتضوي:« إنّ اللّه تعالى أمر آدم(عليه السّلام)أن ازرع ممّا اخترت لنفسك،و جاءه جبرئيل بقبضة من الحنطة،فقبض آدم على قبضة و حوّاء على اخرى،فقال آدم(عليه السّلام)لحوّاء:لا تزرعي أنت،فلم تقبل أمر آدم، فكلّ ما زرع آدم جاء حنطة،و كل ما زرعت حوّاء جاء شعيراً» (5).

و ظاهرةٍ في الحكم خاصّة،و لكن تدلّ على الاتّحاد في الحقيقة بضميمة القاعدة المتّفق عليها فتوًى و روايةً أنّه لا ربا إلّا مع اتّحاد الجنسيّة، مضافاً الى الروايات السابقة،و هي مستفيضة،منها الصحيح:« الحنطة و الشعير رأساً برأس،لا يزداد واحد منهما على الآخر» (6).

خلافاً للإسكافي و العماني و الحلّي (7)،فجنسان،التفاتاً الى العرف

ص:418


1- الكافي 5:/187 3،التهذيب 7:/94 399،الوسائل 18:138 أبواب الربا ب 8 ح 4.
2- الكافي 5:/187 1،التهذيب 7:/96 409،الوسائل 18:137 أبواب الربا ب 8 ح 1.
3- الكافي 5:/188 1،التهذيب 7:/96 410،الوسائل 18:138 أبواب الربا ب 8 ح 2.
4- الوسائل 18:137 أبواب الربا ب 8.
5- علل الشرائع:/574 2،المستدرك 13:344 أبواب الربا ب 17 ح 2.
6- الفقيه 3:/178 803،التهذيب 7:/95 402،الوسائل 18:138 أبواب الربا ب 8 ح 3.
7- حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف:354،الحلّي في السرائر 2:255.

و اللغة،و الرواية العامية:« بيعوا الذهب بالورق و الورق بالذهب،و البرّ بالشعير و الشعير بالبرّ كيف شئتم يداً بيد» (1)و في السند ضعف.و في الدلالة قصور.

و الأوّل حسن لولا الأدلّة المتقدّمة،و لذا يعدّان جنسين في غير المقام كالزكاة،فلا يجعلان نصاباً مع نقص كلّ منهما عنه.إجماعاً.

و لا ينافيه الاتّحاد حقيقة،كما يستفاد من الأخبار المتقدّمة؛ فإنّ الأحكام الشرعية تابعة للأسامي اللغوية و العرفية،دون الحقائق النفس الأمريّة،و إنّما خرج المقام عن هذه القاعدة تبعاً للآثار الصحيحة المعصومية،الحاكمة بحصول الربا فيه في الشريعة،مراعاةً للحقيقة النفس الأمريّة،و لا يجوز التعدّي إلى غيره بالضرورة.

و كذا ما يكون منهما،كالسويق و الدقيق و الخبز و الهريسة و نحوها جنس واحد،إجماعاً،كما عن التذكرة (2)؛ و هو الحجة المؤيّدة بعدم الخلاف بين الطائفة فيه و في أنّ ثمرة النخل بأنواعه و ما يعمل منها كالدبس و نحوه جنس واحد في الربا،فلا يباع أحدهما بالآخر متفاضلاً،لا نقداً و لا نسيئة و كذا ثمرة الكرم و ما يكون منه كالدبس و العصير و البختج و نحوها جنس واحد،لا يجوز فيه ما ذكر.

مضافاً الى المعتبرة المستفيضة،منها الصحاح في الحنطة بالدقيق، كما في أحدها و الموثق (3)،و السويق بالدقيق،كما في الثاني (4)بزيادة ما في

ص:419


1- ورد مؤداه في سنن ابن ماجه 2:/757 2254،و سنن البيهقي 5:282.
2- التذكرة 1:479.
3- الكافي 5:/189 10،الوسائل 18:141 أبواب الربا ب 9 ح 2.
4- الفقيه 3:/178 802،التهذيب 7:/94 401،الوسائل 18:142 أبواب الربا ب 9 ح 4.

الأوّل أيضاً،و البرّ بالسويق،كما في الثالث (1):« مثلاً بمثل لا بأس به» .و في الخبر المنجبر قصور سنده بالشهرة و وجودِ ابن محبوب الذي أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة:« ما ترى في التمر و اليسر الأحمر مثلاً بمثل؟قال:« لا بأس به» قلت:فالبختج و العصير مثلاً بمثل؟ قال:« لا بأس به» (2).

و هي و إن اختصّت بموارد مخصوصة،إلّا أنّ أخبار اتّحاد الحنطة مع الشعير المتقدّمة (3)ظاهرة في التعدية و تأسيس ما عليه الأصحاب من القاعدة الكلّية،و هي:اتّحاد كلّ فرع مع أصله؛ نظراً الى تعليلها مع صحتها و استفاضتها،كما مضى المنح عن المفاضلة بينهما بأنّ أصل الشعير من الحنطة،الدالّ على أنّ كلّ فرع له حكم أصله من حرمة المفاضلة،فإنّ العلّة المنصوصة يتعدّى بها إلى ما عدا موردها و إن اختصّت به بالإضافة،على الأظهر الأشهر بين الطائفة،كما حُقّق مستقصى في الكتب الأُصولية.

مضافاً الى التصريح بالكلّية في بعض المعتبرة،المنجبر قصوره بالقطع و الإرسال بالشهرة و ما مرّ من الأدلّة،و فيه:« ما كيل أو وزن ممّا أصله واحد فليس لبعضه فضلاً على بعض،كيلاً بكيل أو وزناً بوزن،فإذا اختلف أصل ما يكال فلا بأس به اثنان بواحد،و يكره نسيئة» إلى أن قال:

« و ما كان أصله واحداً و كان يكال أو يوزن فخرج منه شيء لا يكال و لا

ص:420


1- الكافي 5:/189 9،التهذيب 7:/95 404،الوسائل 18:140 أبواب الربا ب 9 ح 1.
2- الكافي 5:/190 18،التهذيب 7:/97 408،الوسائل 18:150 أبواب الربا ب 14 ح 5.
3- في ص:3954.

يوزن فلا بأس به يداً بيد،و يكره نسيئة،و ذلك كالقطن و الكتاب،فأصله يوزن و غزله يوزن،و ثيابه لا توزن،فليس للقطن فضل على الغزل،واصلة واحد،فلا يصلح إلّا مثلاً بمثل،فإذا صنع منه الثياب صلح يداً بيد، و الثياب لا بأس الثوبان بالثوب» (1)الحديث.

و بما حقّقناه في المقام ينقدح وجه القدح في المناقشة التي أوردها بعض الأجلّة على الأصحاب فيما ذكروه من القاعدة الكلّية،من حيث عدم انضباطها على القوانين،من حيث إنّه لا يصدق على الكلّ اسم خاصّ و أنّ له حقيقة واحدة،و لهذا لو حَلَفَ أحد أن لا يأكل أحدهما لا يحنث بأكل الآخر،فيحتمل أن يكونا جنسين،و جواز بيع أحدهما بالآخر يكون كذلك،و يكون الشرط للكراهة مع عدمه،كما مرّ في سائر المختلفات، و يمكن أن يقال:إنّ الضابط أحد الأمرين،إمّا الاتّفاق في الحقيقة أو الاتّحاد في الاسم،و هنا الأوّل تحقّق و لم يتحقّق الثاني،و فيه تأمّل (2).

و ذلك فإنّ مرجع المناقشة إلى الشك في المراد من الجنس المشترط اتّحاده في الربا بين الربوبين هل هو الحقيقة الأصليّة خاصّة و إن اختلفت أسماء أفرادهما،أو أنّه لا بدّ من الاتّحاد في الاسم،بناءً على دوران الأحكام مدارها في جملة من المواضع بالضرورة؟و لا وجه له بعد إمعان النظر فيما قدّمناه من الأدلّة الدالّة على إرادة المعنى الأوّل بلا شبهة،و تكون هي المستثنية للمسألة من قاعدة دوران الأحكام مدار التسمية،كما سلّمه هو في المسألة السابقة بتلك النصوص،الجارية هنا بمقتضى العلّة المنصوصة.

ص:421


1- الكافي 5:1/192،الوسائل 18:158 أبواب الربا ب 17 ح 12.
2- مجمع الفائدة و البرهان 8:468.

و لذا إنّ الحلّي المصرّ على إرادة المعنى الثاني في المسألة السابقة وافق الأصحاب في المسألة،مدّعياً في جملة من مواردها إجماع الطائفة (1)،فلا وجه للمناقشة من هذه الحيثيّة.

و كذا من الحيثية الأُخرى التي ذكرها أيضاً من قوله:إنّه لا شكّ أنّ الحنطة إذا جعلت دقيقاً تزيد،و هو ظاهر،و دلّت عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة،و انطباق الوجه المذكور فيها على قواعدهم يحتاج إلى التأمّل،فلا ينبغي صحة بيع أحدهما بالآخر متساوياً أيضاً؛ للزيادة،كما في اليابس من جنس بآخر رطباً،مثل الرُّطَب بالتمر و العنب بالزبيب،فلا ينبغي النظر الى مثل هذه الزيادة في وقت آخر بتبديل و تغيير،مع أنّه معتبر عندهم في الرُّطَب و التمر (2).

و ذلك لاغتفار هذه الزيادة اتفاقاً فتوًى و روايةً،و لعلّ الوجه فيه ما أُشير إليه و إلى الإشكال الذي ذكره في الصحيحة المشار إليها في كلامه،فإنّ فيه:ما تقول في البرّ بالسويق؟فقال:« مثلاً بمثل لا بأس به» قلت:إنّه يكون له رَيع فيه فضل،فقال:« أ ليس له مئونة؟» قلت:بلى،قال:« هذا بهذا» (3).

و حاصله أنّ اغتفار الزيادة إنّما هو لأجل مئونة الطحن،و ليس بيع الرُّطَب بالتمر اليابس على تقدير المنع عنه مثله بالبديهة؛ إذ لا مئونة في يبس التمر،و هو فرق واضح بينهما لا يشوبه شوب المناقشة أصلاً.

ص:422


1- السرائر 2:261.
2- مجمع الفائدة و البرهان 8:468،469.
3- الكافي 5:/189 9،التهذيب 7:/95 404،الوسائل 18:140 أبواب الربا ب 9 ح 1.

و بالجملة لا وقع لأمثال هذه المناقشات فيما أسّسته النصوص المعتبرة،و اتّفقت عليه كملة الطائفة،و تعدّدت فيه الإجماعات المحكية.

و اللحوم كالألبان تابعة للحيوان في الاختلاف فحلم الضأن، و المعز و كذا لبنهما جنس،لشمول الغنم لهما،و البقر و الجاموس و لبنهما جنس،و كذا العراب و البخاتيّ و لبنهما جنس واحد،و هكذا،بلا خلاف، بل في الغنية (1)و عن التذكرة الإجماع عليه (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً الى العرف و اللغة فيما عدا الثاني،و لولاه هنا و في بحث الزكاة لأمكن المناقشة فيه بالضرورة؛ لتغاير جنسهما عرفاً و إن تجانسا لغةً،كما حكي (3).

و منه يظهر الوجه في عدم تغاير الوحشي للأهلي،إلّا أنّ ظاهر الأصحاب ذلك،و في الغنية و التذكرة و غيرهما الإجماع عليه (4).

و ممّا قدّمناه من القاعدة الكلّية يظهر الوجه فيما ذكره من أنّ ما يستخرج من اللبن جنس واحد كالحليب و الكشك و الكامخ (5)و الزبد و السمن و الجبن،فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر بالتفاضل مع اتّحاد جنس الحيوان،و عليه بالخصوص الإجماع في الغنية و التذكرة (6).

ص:423


1- و كذا في شرح القواعد للمحقق الثاني في الكل(جامع المقاصد 4:268)و في المسالك(1:199)في البقر و الجاموس.(منه(رحمه اللّه)).
2- الغنية(الجوامع الفقهية):588،التذكرة 1:479.
3- المسالك 1:199 و الحدائق 19:247.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):588،التذكرة 1:478؛ و انظر جامع المقاصد 4:268.
5- الكامخ:الذي يؤتدم به؛ معرّب.مجمع البحرين 2:441.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):588،التذكرة 1:479.

و كذا الأدهان تتبع ما تستخرج منه فدهن الغنم مخالف لدهن البقر،فيجوز بيع أحدهما بالآخر مع التفاضل بالنقد و النسيئة،لكن في الأخير مع الكراهة،كما مرّت إليه الإشارة (1).

و كذا الخلّ تتبع أُصولها،فخلّ التمر مخالف لخلّ العنب.و الطيور عندهم أجناس،فالحمام كلّه جنس على قول (2).

و قيل:ما يختص من أنواعه باسم جنس مغاير (3).

و ما لا كيل و لا وزن و لا عدّ فيه فليس بربوي،كالثوب بالثوبين،و العبد بالعبدين و يمنع من التفاضل فيه نقداً،إجماعاً،كما في المختلف و غيره من كتب الجماعة (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات السليمة عن المعارض سوى إطلاقات الكتاب و السنة بحرمة الربا،و هي ليست باقية على ظواهرها من حرمة مطلق الزيادة،بل هي مقيّدة و لو في الجملة بإجماع الطائفة،و بالمقدّر بالتقديرين خاصّة بالمعتبرة الآتية المتّفق عليها في الصورة المفروضة.

و في النسيئة خلاف و شبهة و الأشبه فيها عند المتأخرين كافّة الجواز مع الكراهة وفاقاً للصدوقين و المبسوط و الحلّي و ظاهر الغنية (5)،بل عن التذكرة الإجماع عليه (6).

ص:424


1- راجع ص:3951.
2- كما في التذكرة 1:478 و الدروس 3:293.
3- الشرائع 2:45.
4- المختلف:354؛ و انظر الحدائق 19:226.
5- الصدوق في المقنع:125،و نقله عن والد الصدوق في المختلف:354،المبسوط 2:89،الحلّي في السرائر 2:256،الغنية(الجوامع الفقهية):588.
6- التذكرة 1:477.

استناداً في الأوّل إلى ما مرّ،و إطلاق تلك المعتبرة،و هي مستفيضة، فمنها مضافاً الى ما مضى في صدر الفصل من الموثقين النافي ثانيهما للبأس،قبل المتن منه المتقدّم (1)،عن البيضة بالبيضتين و الثوب بالثوبين و الفرس بالفرسين المعتبرة الأُخر المستفيضة:منها الموثق:« لا بأس بالثوب بالثوبين» (2).

و الخبران (3)،أحدهما الموثق:عن الشاة بالشاتين و البيضة بالبيضتين، قال:« لا بأس ما لم يكن كيلاً أو وزناً» .و نحوهما الرضوي،و زيد في آخره:« لو أنّ رجلاً باع ثوباً بثوبين أو حيواناً بحيوانين من أيّ جنس يكون،لا يكون ذلك من الربا» (4).

و هي مع اعتبار أسانيدها،و استفاضتها،و اعتضادها بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة،مضافاً إلى إجماع التذكرة (5)ما بين ظاهرة بحسب الإطلاق،و كصريحة بحسب حصر الربويّ في المقدّر بالتقديرين.

و مع ذلك مخالفة لما عليه أكثر العامّة،بل عامّتهم،كما سيأتي إليه الإشارة،و مؤيّدة بفحوى الأدلّة المتقدّمة (6)الدالّة على جواز بيع أحد

ص:425


1- راجع ص:3944 الهامش(5).
2- التهذيب 7:/119 518،الوسائل 18:153 أبواب الربا ب 16 ح 4.
3- الأول:الكافي 5:/191 8،التهذيب 7:/118 513،الوسائل 18:152 أبواب الربا ب 16 ح 1.الثاني:الفقيه 3:/178 807،الوسائل 18:155 أبواب الربا ب 17 ح 2.
4- فقه الرضا(عليه السّلام):258،المستدرك 13:342 أبواب الربا ب 14 ح 2.
5- التذكرة 1:477.
6- في ص:3945.

الربوبين بالآخر مطلقاً و لو نسيئة مع الاختلاف في الجنسية،و عليها يحمل استدلال الفاضل في المختلف (1)هنا بحديث:« إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم» (2)و إلّا فلا ربط له و لا مدخليّة إلّا على تقدير تعميم المنع فيها لبيع نحو العبد بالثوبين،و لا تساعده الفتوى و الرواية،لاختصاصهما بالمتجانسين خاصّة،بل صرّح بعض الصحاح الآتية بنفي البأس مع الاختلاف في الجنسية.

و كيف كان فالأقوى الكراهة.

خلافاً لجماعة،كالإسكافي و العماني و المفيد و الخلاف و النهاية (3)؛ لأخبار هي مع موافقتها للعامة،كما ذكره جماعة،و أشعر به بعضها،كما سيأتي إليه الإشارة ليست صريحة في المنع،بل و لا ظاهرة؛ لأنّها ما بين مشعرة بالبأس مفهوماً،كالصحيحين،في أحدهما:العبد بالعبدين،و العبد بالعبد و الدراهم،قال:« لا بأس بالحيوان كله يداً بيد» (4).

و في الثاني:« البعير بالبعيرين،و الدابّة بالدابّتين يداً بيد لا بأس به» (5).

و مصرِّحة بلفظ الكراهة،كالصحيح:عن الثوبين الرديئين بالثوب

ص:426


1- المختلف:354.
2- عوالي اللئلئ 3:/221 86،المستدرك 13:341 أبواب الربا ب 12 ح 4.
3- حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف:354،المفيد في المقنعة:604،الخلاف 1:525،النهاية:377.
4- الكافي 5:/191 3،الفقيه 3:/177 799،التهذيب 7:/118 512،الإستبصار 3:/100 348،الوسائل 18:156 أبواب الربا ب 17 ح 6.
5- الكافي 5:/190 1،التهذيب 7:/118 511،الإستبصار 3:/100 347،الوسائل 18:155 أبواب الربا ب 17 ح 4.

المرتفع،و البعير بالبعيرين،و الدابّة بالدابّتين،فقال:« كره ذلك علي(عليه السّلام) فنحن نكرهه إلّا أن يختلف الصنفان» (1).

و كلّ من البأس و الكراهة أعمّ من الحرمة،و مع ذلك السكوت عن النسيئة في الأوّلين لعلّه للتقيّة،و به يشعر بعض المعتبرة،كالصحيح:عن البعير بالبعيرين يداً بيد و نسيئة:« لا بأس به» ثم قال:« خطّ على النسيئة» (2)و في الفقيه بعد نقله زاد:« لأنّ الناس يقولون:لا،و إنّما فعل ذلك للتقيّة» (3).

و هذه الزيادة نصّ في ورود المنع على تقديره مورد التقيّة، كالسكوت و الضرب على النسيئة.و لا يقدح احتمال كونها من الصدوق؛ لكونه من أهل الاطّلاع و الخبرة بمذاهب العامّة،مسموعاً حكايته لمثله بالبديهة،سيّما بعد أن وافقه فيها من المتأخّرين جماعة (4).

و الثالث للإطلاق الشامل لصورة البيع نقداً متروك الظاهر جدّاً.

و في الثاني (5)إلى الشبهة الناشئة من الخلاف في المسألة،سيّما من هؤلاء الجماعة الذين هم عظماء الطائفة،و احتمال الذبّ عن ضعف الدلالة أوّلاً:بثبوت المسامحة في أخبار الربا بالتعبير عن الحرمة بلفظ البأس

ص:427


1- التهذيب 7:/12 521،الإستبصار 3:/101 352،الوسائل 18:154 أبواب الربا ب 16 ح 7.
2- الكافي 5:/191 4،التهذيب 7:/117 510،الإستبصار 3:/100 346،الوسائل 18:156 أبواب الربا ب 17 ح 7 و فيه و في الكافي بتفاوت.
3- الفقيه 3:/177 800،الوسائل 18:157 أبواب الربا ب 17 ح 8.
4- منهم:الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:62،و صاحب الحدائق 19:229.
5- أي:استناداً في الثاني و هو كراهة النسيئة في غير المكيل و الموزون و المعدود إلى..

و الكراهة و نفي الصلاحية،كما مضت إليه الإشارة.

و ثانياً:بصراحة الكراهة في الصحيحة الثالثة من حيث نسيتها إلى علي(عليه السّلام) في الحرمة،بعد ملاحظة كثير من المعتبرة الدالّة على أنّه(عليه السّلام) ما كان يكره إلّا الحرام (1).

و الأصل و العمومات و إطلاق المعتبرة لا تبلغ قوّة المعارضة لمثل هذه الصحيحة الصريحة و لو بالضميمة،المعتضدة بسابقتيها من الصحيحتين الظاهرتي الدلالة بمعونة ما مرّ إليه الإشارة،مع احتمال كون المنع فيها عن النسيئة لأجلها من حيث هي هي كما في الصرف،لا من حيث الربا،فلا معارضة بينها و بين ما دلّ من تلك المعتبرة على حصر الربا في المكيل و الموزون،فتأمّل.

فلولا الشهرة العظيمة المتأخرة،المؤيّدة بإجماع التذكرة (2)و مخالفة العامّة و الفحوى المتقدّمة لكان المصير إلى هذا القول لا يخلو عن قوّة، و لعلّه لما ذكرناه احتاط به في الغنية (3)،و هو في غاية الجودة.

و في ثبوت الربا في المعدود فيحرم التفاضل فيه مع التجانس مطلقاً نقداً و نسيئةً تردّد ينشأ من إطلاق الكتاب و السنّة بحرمة الربا، و هي في اللغة مطلق الزيادة،و النصوص المتقدّمة المانعة عن بيع العبد بالعبدين و الثوب بالثوبين.

و ممّا مرّ من الجواب عنهما،و المعارضة لهما بما هو أقوى منهما من الأصل،و العمومات،و الإجماعات المحكية الآتية،و المستفيضة،و منها

ص:428


1- انظر الوسائل 18:151 أبواب الربا ب 15.
2- راجع ص:3961.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):588.

زيادة على ما مرّ الصحيح:« لا بأس بمعاوضة المتاع ما لم يكن كيلاً أو وزناً» (1).

و الرضوي:« الربا الذي لا يؤكل هو ما يكال أو يوزن» (2).

و صريح الخبر المنجبر إرساله و قطعه بالعمل،و الموافقة لما مرّ، و فيه:« من عُدّ عدّاً و لم يُكَلْ و لم يوزن فلا بأس به اثنان بواحد يداً بيد، و يكره نسيئة» (3).

و لا مكافأة لشيء من أدلّة المنع لهذه بالضرورة،سيّما أخبارها؛ لخروجها عمّا نح فيه ظاهراً،فإنّ مواردها ممّا لا يقال له في العرف إنّه يباع عدّاً،و لذا فرضها الأصحاب مسألة أُخرى غير المسألة،و إن ظهر من جماعة كبعض شرّاح الكتاب اتحادهما (4).و ليس كذلك قطعاً،مع أنّ جملة منها بل أكثرها مصرّحة بجواز التفاضل يداً بيد،و لا يقول به المانعون.

و كيف كان أشبهه أي الخلاف هنا و أشهره،بل عن الخلاف و السرائر و مجمع البيان الإجماع عليه (5) الانتفاء رأساً،فيجوز بيع أحد المعدودين بالآخر مع التجانس و الاختلاف مطلقاً،وفاقاً للعماني و الصدوقين و الشيخ و القاضي (6)و كافة المتأخّرين.خلافاً للمفيد و الإسكافي و الديلمي (7).

ص:429


1- الكافي 5:/189 12،التهذيب 7:/94 398،الوسائل 18:146 أبواب الربا ب 13 ح 3.
2- فقه الرضا(عليه السّلام):258،المستدرك 13:334 أبواب الربا ب 3 ح 1،و فيه صدر الحديث.
3- الكافي 5:/192 1،الوسائل 18:153 أبواب الربا ب 16 ح 2.
4- التنقيح 2:90.
5- الخلاف 1:526،السرائر 2:262،مجمع البيان 1:390.
6- حكاه عن العماني و والد الصدوق في المختلف:353،الصدوق في المقنع:125،الشيخ في النهاية:379،القاضي في المهذب 1:362.
7- المفيد في المقنعة:605،نقله عن الإسكافي في المختلف:353،الديلمي في المراسم:179.

و لو بيع شيء في بلد كيلاً أو وزناً و في بلد آخر جزافاً فلكلّ بلد دون أهله حكم نفسه من الربا إن بيع بأحدهما،و عدمه إن بيع بغيرهما مطلقاً،على الأشهر الأقوى.

و قيل:يغلب تحريم التفاضل إمّا مطلقا،كما عن النهاية و الديلمي (1)، أو إذا كان البيع بعهما غالباً أو مساوياً دون ما إذا كان نادراً،كما عن المفيد و الحلّي (2)،و الكلام في المقام في أوّل الفصل قد مضى مفصّلاً (3).

و في بيع الرُّطَب بالتمر مع التساوي روايتان،أشهرهما المستفيض النقل من طرق الخاصّة و العامّة المنع بل عليه الإجماع في الخلاف و الغنية (4)،ففي النبوي بعد أن سئل عن بيع الرُّطب بالتمر،فقال:

« أ ينقص إذا جفّ؟» فقيل له:نعم،فقال:« لا إذا» (5).

و في الصحيح و غيره:« لا يصلح التمر اليابس بالرطَب،من أجل أنّ التمر يابس و الرطَب رَطْب،فإذا يبس نقص» (6).

خلافاً للإستبصار و موضع من المبسوط و الحلّي (7)؛ تمسّكاً بالأصل،

ص:430


1- النهاية:378،الديلمي في المراسم:179.
2- المفيد في المقنعة:604،الحلي في السرائر 2:263.
3- راجع ص:3943.
4- الخلاف 1:533،الغنية(الجوامع الفقهية):589.
5- عوالي اللئلئ 2:/254 28،المستدرك 13:342 أبواب الربا ب 13 ح 2.
6- الكافي 5:/189 12،التهذيب 7:/94 398،الإستبصار 3:/93 314،الوسائل 18:148 أبواب الربا ب 14 ح 1 و الآخر: التهذيب 7:/90 384،الإستبصار 3:/93 315،الوسائل 18:150 أبواب الربا ب 14 ح 6.
7- الاستبصار 3:/93 805،المبسوط 2:93،الحلي في السرائر 2:259.

و العمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة،لاختصاص أدلّة حرمة الربا و الزيادة بالحاصلة وقت المبايعة،و هي هنا مفقودة،و لذا لم يتعدّ كثير من المانعين هنا إلى الغير في المسألة الآتية.

و قدحاً في النصوص المتقدّمة،أوّلاً:بركاكة النبوي متناً،و الصحيح و ما بعده دلالةً،لأعميّة عدم الصلاحية من الحرمة جدّاً،كما اعترف به المتأخّرون مكرّراً،مع احتمال حملها على المنع نسيئة،كما يستفاد من الصحيح تقييداً:« أنّ المؤمنين(عليه السّلام)كره أن يباع التمر بالرطَب عاجلاً بمثل كيله إلى أجل،من أجل أنّ التمر ييبس فينقص من كيله» (1)و لا كلام فيه أصلاً.

و ثانياً:بالمعارضة بالموثق المجوّز لذلك ظاهراً:عن العنب الزبيب، قال:« لا يصلح إلّا مثلاً بمثل» قلت:و الرطَب و التمر؟قال:« مثلاً بمثل» (2).

و حمل المماثلة على الوصف أي في الرطوبة و اليبوسة،فيكون كناية عن المنع،و حصر الجواز في العنب بالعنب و الزبيب بالزبيب،و هكذا في الأخيرين بعيد جدّاً،سيّما بعد تتبّع موارد استعمالها في أخبار الربا الكاشف عن أنّ المراد بها المماثلة في المقدار فعلاً قطعاً.

مضافاً الى تأيّده كباقي أدلّة الجواز بمفهوم الصحيح المتقدّم.

و لا يخلو عن قوّة لولا الشهرة العظيمة،و حكاية الإجماع المتقدّمة،

ص:431


1- الفقيه 3:/178 805،التهذيب 7:/95 408،الوسائل 18:149 أبواب الربا ب 14 ح 2.
2- الكافي 5:/190 16،التهذيب 7:/97 417،الإستبصار 3:/92 313،الوسائل 18:139 أبواب الربا ب 14 ح 3.

و قوّة احتمال صحة دلالة نفي الصلاحية على الحرمة بمعونة ما تقدّم إليه الإشارة غير مرّة.و ضعف احتمال تقييد أخبار المنع بصورة النسيئة بمفهوم الصحيحة،بناءً على قصور دلالتها عليه؛ إذ غايتها الدلالة على منعها خاصّة،و هو غير ملازم للجواز في الصورة المقابلة،فإنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه،كما اشتهر في الألسنة و قامت عليه الأدلّة،مع أنّ مفهوم التعليل فيها صريح في العموم لصورتي النقد و النسيئة،و لو كان المنع مختصّاً بها لكان اللازم التعليل بها دون ما فيها من العلّة.

و ركاكة متن النبوي بمثل ما فيه غير معلومة،سيّما و أن يخرجه عن الحجية،و دلالته ظاهرة.

و المناقشة فيه و فيما عدا الصحيحة لضعف السند مدفوعة بانجباره بالشهرة العظيمة و الإجماع الذي هو حجة أُخرى مستقلّة.

فبجميع ما مرّ يتقوّى أدلّة المنع بالضرورة،فلا تقاومها أدلّة الجواز المتقدّمة حتى الموثّقة،لقصور السند،و عدم الصراحة باحتمالها لما تقدّم إليه الإشارة،و لو كان بعيداً غايته (1).

و هل تسري العلّة المنصوصة في تلك المعتبرة للحرمة في بيع الرطب بالتمر في غيره كالزبيب بالعنب و البُسر بالرطب بناءً على نقص العنب بالجفاف و البُسر بالرطب؟ الأشبه عند الماتن لا وفاقاً لجماعة من أصحابنا،كالنهاية و الخلاف و موضع من المبسوط و الغنية (2).

ص:432


1- مع إمكان حملها على التقية كما يلوح من الغنية(الجوامع الفقهية):589.(منه(رحمه اللّه)).
2- النهاية:379،الخلاف 1:533،المبسوط 2:93،الغنية(الجوامع الفقهية):589.

و خلافاً لآخرين،كالقديمين و ابن حمزة (1)،و مال إليه من المتأخّرين جماعة (2).

و مبنى الخلاف الاختلاف في التعدية بالعلّة المنصوصة إلى غير موردها بعد وجودها فيه،و حيث إنّ الأشهر الأقوى ذلك مطلقاً،كما حقّق في الأُصول مستقصى،كان القول بالسراية هنا قويّاً جدّاً.

و لا يثبت الربا بين الوالد و الولد،و لا بين الزوج و الزوجة،و لا بين المملوك المختص،لا مطلقاً كما في الخبر (3) و المالك و لا بين المسلم و الحربي بلا خلاف إلّا من الإسكافي (4)،حيث خصّ أخذ الزيادة بالوالد دون الولد،و اشترط أن لا يكون للولد وارث و لا عليه دين.

و هو شاذّ،و الإجماع على خلافه على الظاهر منعقد،بل في الانتصار و الغنية و غيرهما (5)مطلقاً،و في السرائر و غيره (6)في الأخير خاصّة مصرّح؛ و هو الحجة في جميع ذلك.

مضافاً إلى النصوص المنجبر قصور أسانيد أكثرها بعمل الطائفة و المخالفة لما عليه العامة،ففي الصحيح:عن رجل أعطى عبده عشرة دراهم على أن يؤدّي العبد كلّ شهر عشرة دراهم،أ يحلّ ذلك؟قال:

« لا

ص:433


1- حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف:355،ابن حمزة في الوسيلة:253.
2- منهم العلّامة في المختلف:356،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:92،الشهيد الثاني في الروضة 3:445.
3- الكافي 5:/147 3،الوسائل 18:135 أبواب الراب ب 7 ح 3.
4- على ما نقله عنه في المختلف:353.
5- الانتصار:212،الغنية(الجوامع الفقهية):589؛ و انظر المختلف:353،و التنقيح الرائع 2:94،و مفاتيح الشرائع 3:63.
6- السرائر 2:252؛ و انظر المسالك 1:200،و الحدائق 19:257.

بأس به» (1).

و في الخبرين:« ليس بين الرجل و ولده و لا بينه و بين مملوكه و لا بينه و بين أهله ربا» (2).

و في آخر:« ليس بيننا و بين أهل حربنا ربا،نأخذ منهم ألف درهم بدرهم،نأخذ منهم و لا نعطيهم» (3).

و مقتضاه اختصاص النفي بصورة أخذ المسلم الزيادة دون العكس، و هو الأظهر،وفاقاً للأكثر،بل في ظاهر السرائر و صريح الخلاف الإجماع عليه (4)؛ لذلك،و للاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ على تحريم الربا على المتيقّن.

خلافاً للنهاية و جماعة،فأطلقوا الجواز (5).و هو ضعيف.

و في شمول الأولين لمن علا و من سفل،و الزوجة للمنقطعة، و المملوك للمكاتب بقسميه نظر،ينشأ من الإطلاق أو العموم،و من لزوم الاقتصار فيما خالف الأصل المتقدّم على الفرد المتيقّن،بناءً على الشك في دخول ما عداه في الأمرين؛ لعدم التبادر.و هو أحوط،بل لعلّه أولى و أظهر.

ص:434


1- الفقيه 3:/178 806،الوسائل 18:136 أبواب الربا ب 7 ح 6.
2- أحدهما تقدم في ص:3969.و الآخر في:التهذيب 7:17:75،الإستبصار 3:/71 236،الوسائل 18:136 أبواب الربا ب 7 ح 4.
3- الكافي 5:/147 2،الفقيه 3:/176 790،الوسائل 18:135 أبواب الربا ب 7 ح 2.
4- السرائر 2:252،الخلاف 1:539.
5- النهاية:376؛ و انظر التذكرة 1:485،و التنقيح الرائع 2:94،و مفاتيح الشرائع 3:62.

خلافاً للأكثر في الثالث،فعمّموا الزوجة للمنقطع.و فيه مضافاً إلى ما سبق منع صدق الزوجة عليها حقيقة.

و هل يثبت بينه أي المسلم و بين الذمّي إذا كان بشرائط الذمّة؟ فيه روايتان،أشهرهما بين المتأخّرين كافّة،وفاقاً للإسكافي و القاضي و ابن حمزة و الحلّي (1) أنّه يثبت.

و لم أقف عليه بالخصوص،نعم يشمله إطلاق بعض النصوص:قلت:

فالمشركون بيني و بينهم ربا؟قال:«نعم» (2)و العامّ المخصص حجة في الباقي جدّاً،و ضعف السند منجبر بما تقدّم،و بعموم الكتاب و السنة بتحريم الربا.

خلافاً للصدوقين و المفيد و المرتضى (3)،فلا يثبت،بل ادّعى الأخير عليه الإجماع؛ للمرسل:« ليس بين المسلم و الذمّي ربا» (4).

و هو قاصر السند،ضعيف التكافؤ هو كالإجماع المحكي لما مرّ من الدليل القاطع،المعتضد في خصوص المقام بالشهرة.

فإذاً القول الأوّل مع كونه أحوط في الجملة لا يخلو عن قوة.

و حمل الأصحاب المرسلة على خروج الذمّي عن شرائط الذمّة.و لا بأس به،جمعاً بين الأدلّة.

و يجوز أن يباع الثوب بالغزل مطلقاً و لو تفاضلاً للصحيح:عن بيع الغزل بالثياب المنسوجة و الغزل أكثر وزناً من الثياب،

ص:435


1- حكاه عن الإسكافي و القاضي في المختلف:353،ابن حمزة في الوسيلة:254،الحلّي في السرائر 2:252.
2- راجع ص:3970 الهامش(2).
3- نقله عن والد الصدوق في المختلف:353،الصدوق في المقنع:126 حكاه عن المفيد في المختلف:353،المرتضى في الانتصار:212.
4- الفقيه 3:/176 792،الوسائل 18:136 أبواب الربا ب 7 ح 5.

قال:« لا بأس» (1).

و نحوه الخبر:« و ما كان أصله واحداً و كان يكال أو يوزن فخرج منه شيء لا يكال و لا يوزن فلا بأس به يداً بيد،و يكره نسيئة،و ذلك كالقطن و الكتان فأصله يوزن و غزله يوزن،و ثيابه لا توزن،فليس للقطن فضل على الغزل،واصلة واحد فلا يصلح إلّا مثلاً بمثل،فإذا صنع منه الثياب صلح يداً بيد،و الثياب لا بأس الثوبان بالثوب» (2).

و يستفاد منه مضافاً الى عموم الأدلّة فتوًى و روايةً باشتراط الكيل و الوزن في تحقق الربا بعد الاتحاد في الجنسيّة المتبادر منهما تحققهما بالفعل في المتعاوضين تعدية الحكم عن مفروض العبارة إلى كلّ فرع لم يوافق الأصل في التقديرين،و هو واضح بحمد اللّه سبحانه.

و يُكره بيع الحيوان باللحم المجانس له،كالشاة بلحمه مثلاً مطلقاً و لو تماثلاً في المقدار،نقداً أو نسيئة،حيّاً كان المبيع أو مذبوحاً،على ما يقتضيه إطلاق العبارة جدّاً.

و يحتمل أن يريد بالتماثل التجانس،و إنّما كان أخفى بناءً على اختصاص أكثر فتاوى المنع و الإجماع المحكي (3)به جدّاً،و كون توهّم الربا فيه أقوى.و وجه الكراهة في غيره إطلاق النص و بعض الفتاوى.

و اختيار الماتن الجواز مطلقاً ضعيف جدّاً،و إن اختاره الحلّي

ص:436


1- الكافي 5:/190 1،الفقيه 3:/137 596،التهذيب 7:/121 528،الوسائل 18:161 أبواب الربا ب 19 ح 1.
2- الكافي 5:/192 1،الوسائل 18:158 أبواب الربا ب 17 ح 12.
3- حكاه الشيخ في الخلاف 3:75،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):588،و العلّامة في المختلف:355.

و الفاضل في الإرشاد و التحرير و شيخنا الشهيد الثاني و المحقق الشيخ علي (1)،إلّا أنّهما خصّا المسألة بالمجانس و الجواز بالحي،و اختارا الحرمة في غيره،جمعاً بين الأدلّة بحمل ما دلّ منها على الجواز من الأصل و العمومات كتاباً و سنةً على الصورة الأُولى خاصّة،و ما دلّ منها على حرمة الربا على الثانية،بجامع فقد شرطه من التقدير بالكيل أو الوزن في الأُولى دون الثانية.و اعتماداً في الكراهة إلى الشبهة الناشئة من إطلاق القول و الرواية بالحرمة.

خلافاً للأكثر و منهم الشيخان و الديلمي و القاضي و الإسكافي و ابن حمزة و ابن زهرة (2)،فأطلقوا الحرمة،و إن اختلفت عبائرهم في اختصاصها بالمجانس،أو العموم له و للغير.و لا يبعد إرادتهم الاختصاص،و يستفاد من الأخير و المحكي عن الخلاف (3)الإجماع عليه و على أصل المنع فيه (4)، و به تشعر عبارة المختلف و الدروس،حيث نسبا القول الأوّل إلى الشذوذ و الندرة (5).

و ينبغي القطع بها في المجانس في الصورة الثانية،و أمّا في الأُولى

ص:437


1- الحلّي في السرائر 2:258،الإرشاد 1:379،التحرير 1:170،الشهيد الثاني في الروضة 3:446،المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:279.
2- المفيد في المقنعة:604،الطوسي في المبسوط 2:100،الديلمي في المراسم:179،القاضي في المهذب 1:373،حكاه عن الإسكافي في المختلف:355،ابن حمزة في الوسيلة:254،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):588.
3- و كذا في التنقيح 2:69،حيث قال:بيع اللحم الحاضر بالحيوان المخالف له جنساً جائز إجماعاً،و بيعه بالحيوان المماثل له مختلف فيه(منه(رحمه اللّه)).
4- الخلاف 3:75.
5- المختلف:355،الدروس 3:295.

فلعلّها أيضاً لا يخلو فيها عن قوّة؛ لإطلاقات الإجماعات المحكيّة، المعتضدة بالشهرة العظيمة،و الموثقة:« أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)كره اللحم بالحيوان» (1).

و بهما يقيّد إطلاق أدلّة حصر الربا في المقدّر بأحد التقديرين؛ لكونهما أقوى منها بمراتب.

و المناقشة في الرواية بقصور السند و الدلالة مدفوعة أوّلاً:

بانجبارها (2)بالشهرة،و ثانياً:بكون الموثّقة في نفسها حجة،و أنّ القرينة على إرادة الحرمة من لفظ الكراهة فيها ظاهرة بمعونة ما تقدّم إليه الإشارة غير مرّة،من دلالة المعتبرة بأنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)لا يكره الحلال،كما في بعض (3)،أو إلّا الحرام،كما في آخر (4).

و مقتضى الرواية المنع عن مطلق المعاوضة،و لا كذلك عبائر الجماعة المحكيّة،فإنّها في البيع خاصّة،و إرجاع كلّ منهما إلى الآخر ممكن بحمل الأدلّة على المعاملة الغالبة،و هي المبايعة خاصّة،دون نحو الصلح،لندرته بالإضافة بالضرورة،و الثانية على إرادة التمثيل منها لا الحصر،إلّا أنّ مقتضى الأصل و لزوم الاقتصار في المخالف له على القدر المتيقّن منعه من الفتوى و النص هو الاختصاص بصورة البيع.

و لكن هذا إذا كان الحيوان حيّاً،و إلّا فالتعميم مطلقاً لعموم أدلّة

ص:438


1- الكافي 5:/191 7،الفقيه 3:/176 794،التهذيب 7:/120 525،الوسائل 18:143 أبواب الربا ب 11 ح 1.
2- في« ق» و« ر» و« ت»:انجبارهما.
3- الكافي 5:/188 7،التهذيب 7:/96 412،الوسائل 18:151 أبواب الربا ب 15 ح 1.
4- لم نعثر عليه في المجامع الحديثيّة.

حرمة الربا،بناءً على تحققه في المذبوح بوجود شرطه جدّاً أقوى.

و قد يتخلّص من الربا إن أُريد بيع أحد الربوبين بالآخر متفاضلاً بالضميمة بأن يجعل مع الناقص منهما،أو معهما إن اشتبه ناقصهما متاع من غير جنسه أي الناقص،فتكون الضميمة في مقابلة الزيادة مثل بيع درهم و مدٍّ من تمر بمدّين منه،أو درهمين،و أمداد و دراهم (1)،بلا خلاف بين الطائفة،بل عليه الإجماع في الخلاف و الغنية و المسالك و التذكرة و غيرهما من كتب الجماعة (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات،و اختصاص أدلّة الحرمة بحكم التبادر و السياق بغير مفروض المسألة.

و مع ذلك المعتبرة و فيها الصحيح و غيرها به مستفيضة،بل كادت تكون متواترة،منها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة في بحث الصرف في بيع السيوف المحلّاة بالذهب و الفضّة- (3)المعتبرة المستفيضة،منها الصحيحان،في أحدهما:قلت له:أشتري ألف درهم و دينار بألفي درهم، فقال:« لا بأس بذلك،إنّ أبي كان أجرأ على أهل المدينة منّي،و كان يقول هذا،فيقولون:إنّما هذا الفرار،لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم و لو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار،و كان يقول لهم:نِعْمَ الشيء الفرار من الحرام إلى الحلال» (4).

ص:439


1- أي بيع درهم و مد من تمر بأمداد و دراهم،فتكون الأمداد في مقابل الدرهم و الدراهم في مقابل المدّ.
2- الخلاف 3:61،الغنية(الجوامع الفقهية):588،المسالك 1:200،التذكرة 1:481؛ و انظر نهاية الإحكام 2:548،و جامع المقاصد 4:275.
3- في ص:4000.
4- الكافي 5:/246 9،الفقيه 3:/185 834،التهذيب 7:/104 445،الوسائل 18:178 أبواب الصرف ب 6 ح 1.

و في الثاني:« لا بأس بألف درهم و درهم بألف درهم و دينارين إذا دخل فيهما ديناران أو أقلّ أو أكثر فلا بأس به» (1).

و الخبر:عن الدراهم بالدراهم و عن فضل ما بينهما،فقال:« إذا كان بينهما نحاس أو ذهب فلا بأس به» (2).

و إطلاقها ككلام أكثر الأصحاب يقتضي إطلاق الجواز و لو مع عدم قصد صرف كلٍّ إلى ما يخالفه،و به صرّح في الدروس (3)،و أنّه لا يشترط في الضميمة أن تكون ذات وقع في مقابل الزيادة.

و حصول التفاوت عند المقابلة و توزيع الثمن عليهما باعتبار القيمة على بعض الوجوه غير قادح،لحصوله حينئذٍ بالتقسيط لا بالمعاوضة الجديدة،فإنّه إنّما وقع على المجموع بالمجموع،فالتقسيط غير معتبر و لا مفتقر إليه.

نعم لو عرض سبب يوجبه،كما لو تلف الدرهم المعيّن قبل القبض، أو ظهر مستحقاً و كان في مقابله ما يوجب الزيادة المفضية إلى الربا،كما لو باع درهماً معيّناً و مدّاً بمدّين و درهمين و تلف الدرهم:

ففي بطلان البيع من أصله بناءً على لزوم التفاوت في الجنس الواحد.

أو بالإضافة إلى مخالف التالف خاصّة،بناءً على أنّ كلّاً من الجنسين قد قوبل بمخالفه،فإذا بطل بطل ما قوبل به خاصة.

أو الصحة و التقسيط على وجه لا يلزم منه الرباء،بناءً على أنّ أجزاء المبيع لمّا قوبلت بأجزاء الثمن على طريق الشيوع لم يجب أن يقع التقسيط

ص:440


1- التهذيب 7:/106 456،الوسائل 18:180 أبواب الصرف ب 6 ح 4.
2- التهذيب 7:/98 422،الوسائل 18:181 أبواب الصرف ب 6 ح 7.
3- الدروس 3:298.

على وجه يلزم معه المحذور؛ صيانةً للعقد عن الفساد مهما أمكن.

احتمالات،أجودها:الأخير،بناءً على استصحاب الصحة،و عدم وضوح ما استشكل فيها من أنّ مقتضى التقسيط مقابلة كلّ من الجنسين بما قابلة على النسبة إلّا على تقدير وجود دليل على لزوم صرف كلّ جنس إلى ما خالفه،و هو غير واضح؛ لما عرفت من إطلاق النصوص و أكثر الفتاوي و صريح بعضها في الصحة،من دون إيماء فيها إلى التقييد بالقصد إلى ذلك أو أنّه المنشأ في الصحة و لا إشارة.

أو يتخلّص منه ب أن بيع أحدهما سلعته لصاحبه بجنس غيرها و يشتري الأُخرى بذلك الثمن فيسقط اعتبار المساواة، و كذا لو وهبه سلعته ثم وهبه الآخر،أو أقرضه و تباريا،أو تبايعا و وهبه الزيادة،و لكن من غير شرط في الكلّ،لأنّ الشرط حينئذٍ زيادة في العوض المصاحب له.

و لا يقدح في ذلك كون هذه الأُمور غير مقصودة بالذات و العقود تابعة للقصود؛ لأنّ القصد إلى عقد صحيح و غاية صحيحة كافية في الصحة،و لا يشترط فيه قصد جميع الغايات المترتّبة عليه،فإنّ من أراد شراء دار مثلاً ليؤاجرها و يتكسّب بها فإنّ ذلك كافٍ في الصحة و إن كان له غايات أُخر أقوى من هذه و أظهر في نظر العقلاء كالسكنى و غيره.

و قد ورد في النصوص ما يدلّ على جواز الحيلة على نحو ذلك،منها زيادة على ما مرّ الصحيح:عن رجل يريد أن أُعينه المال أو يكون لي عليه مال قبل ذلك،فيطلب منّي مالاً أزيده على مالي الذي عليه،أ يستقيم أن أزيده مالاً و أبيعه لؤلؤة تسوي مائة درهم فأقول له:أبيعك هذه اللؤلؤة بألف درهم على أن أُؤخّرك بثمنها و بمالي عليك كذا و كذا

ص:441

شهراً؟قال:« لا بأس» (1).

و في الموثق:يكون لي على الرجل دراهم فيقول:أخّرني بها و أنا أُربحك،فأبيعه جبّةً (2)تقوّم عليّ بألف درهم،بعشرة آلاف درهم،أو قال:

بعشرين ألفاً و أُؤخّره بالمال،قال:« لا بأس» (3).

ص:442


1- الكافي 5:/206 12،التهذيب 7:/52 226،الوسائل 18:55 أبواب أحكام العقود ب 9 ح 5.
2- في« ق» و« ت» و بعض المصادر:حبّة.
3- الكافي 5:/205 11،التهذيب 7:/52 227،الوسائل 18:55 أبواب أحكام العقود ب 9 ح 4.
الكلام في الصرف

و من هذا الباب الكلام في الصرف و هو لغة الصوت،و شرعاً بيع الأثمان و هي الذهب و الفضّة مطلقا،مسكوكين كانا أم لا،تبعاً لإطلاق النص و الفتوى بالأثمان و إنّما سمّي بالصرف لما يشتمل عليه من الصوت عند تقليبها في البيع و الشراء.

و سمّي الجنسان بالأثمان لوقوعهما عوضاً عن الأشياء،و مقارنتهما بباء العوض غالباً،بل عن الراوندي عن شيخه العلّامة الحلّي أنّهما ثمن مطلقا و إن اقترنت الباء بغيرهما حتى لو باعه ديناراً بحيوان ثبت الخيار للبائع،مدّعياً على ذلك الاتفاق (1).

يشترط في الصرف التقابض في المجلس

و يشترط فيه صحةً زيادة على ما يشترط في مطلق البيع و الربا التقابض في المجلس المراد به الأعمّ من مجلس العقد،كما يأتي، و لذا عبّر بالتقابض،قبل التفرق و يبطل لو افترقا قبله على الأظهر الأشهر بل لعلّه عليه عامة من تقدّم و تأخّر،عدا من شذّ و ندر (2)،و في الغنية و السرائر و المسالك و غيره (3)الإجماع عليه (4)،نصّاً في الأوّلين و ظاهراً في الباقي؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح

ص:443


1- حكاه عنه في المسالك 1:201 و الحدائق 19:277.
2- حكاه عن الصدوق في كشف الرموز 1:497 و التنقيح 2:97.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):587،السرائر 2:243،المسالك:177؛ و انظر كشف الرموز 1:497،مجمع الفائدة 8:304.
4- و في التحرير(1:171)بلا خلاف و في الدروس(3:305)أن رواية الجواز متروكة و نحوهما في التنقيح(2:97).(منه(رحمه اللّه)).

« إذا اشتريت ذهباً بفضّة أو فضّة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه،و إن نزا حائطاً فانزل معه» (1).

و فيه:« لا يبتاع رجل فضّة بذهب إلّا يداً بيد،و لا يبتاع ذهباً بفضة إلّا يداً بيد» (2).

و فيه:عن الرجل يشتري من الرجل الدراهم فيزنها و ينقدها و يحسب ثمنها كم هو ديناراً،ثم يقول:أرسل غلامك معي حتى أُعطيه الدنانير، فقال:« ما أُحبّ أن يفارقه حتى يأخذ الدنانير» فقلت:إنّما هم في دار واحدة و أمكنتهم قريبة بعضها من بعض،و هذا يشقّ عليهم،فقال:« إذا فرغ من وزنها و انتقادها فليأمر الغلام الذي يرسله أن يكون هو الذي يبايعه و يدفع إليه الورق و يقبض منه الدنانير حيث يدفع إليه الورق» (3).

و في الخبر:عن الرجل يبتاع الذهب بالفضة مثلاً بمثلين،قال:

« لا بأس به يداً بيد» (4).

و المناقشة بقصور سنده كغيره (5)،و دلالتهما كالصحاح بعدم الدلالة على البطلان،بل غايتهما ثبوت البأس مع عدم التقابض،و هو كلا أُحبّ أعمّ من البطلان.و غاية الصحاح الأمر بالتقابض و النهي عن التفرق قبله،

ص:444


1- التهذيب 7:/99 427،الإستبصار 3:/93 319،الوسائل 18:169 أبواب الصرف ب 2 ح 8.
2- الكافي 5:/251 31،التهذيب 7:/99 426،الإستبصار 3:/93 318،الوسائل 18:168 أبواب الصرف ب 2 ح 3.
3- الكافي 5:/252 32،التهذيب 7:/99 429،الإستبصار 3:/94 320،الوسائل 18:167 أبواب الصرف ب 2 ح 1.
4- التهذيب 7:/98 424،الإستبصار 3:/93 317،الوسائل 18:169 أبواب الصرف ب 2 ح 7.
5- انظر المستدرك 13:348 أبواب الصرف ب 2.

اللذين مقتضاهما وجوبها شرعاً،و لم يقولوا به إلّا من شذّ منهم،كالفاضل في التذكرة و الشهيد في الدروس (1)،حيث أطلقا الوجوب عليه،مع احتمال كلامهما الشرطي دون الشرعي.و مع ذلك فالوجوب غايته الإثم بالمخالفة، لا بطلان المعاملة،بناءً على الأظهر الأشهر بين الطائفة من اختصاص اقتضاء النهي للفساد بالعبادة.

مدفوعة بانجبار الجميع بعمل الطائفة،و الإجماعات المحكية (2)، و هما أقوى قرينة و أمارة على صحة السند و بيان الدلالة،مع أنّ حمل الأمر و النهي على حقيقتهما غير ممكن،بناءً على تبادر الإرشاد منهما دون الوجوب و الحرمة في أمثال موارد الأخبار المزبورة،و لعلّه لذا قال بالوجوب الشرطي دون الشرعي معظم الطائفة،بل عامّتهم،كما احتمله جماعة،و لا وجه للإرشاد في الظاهر سيّما بمعونة ضمّ فهم الطائفة سوى بطلان المعاملة مع عدم التقابض قبل المفارقة،مع أنّ كلّ مَن أوجب التقابض و منع من دونه قال بالفساد مع عدم حصوله،و كلّ من قال بالصحة من دونه لم يوجب التقابض لا شرعاً و لا شرطاً.

و كيف كان فلا ريب في المسألة.

خلافاً للمحكي عن الصدوق خاصّة (3)،فلم يشترط الشرط المتقدّم إليه الإشارة؛ للمستفيضة،منها الموثق:عن الرجل يحلّ له أن يسلف دنانير كذا بكذا درهماً إلى أجل؟قال:« نعم،لا بأس به» و عن الرجل يحلّ له أن يشتري دنانير بالنسيئة؟قال:« نعم،إنّما الذهب و غيره في الشراء و البيع

ص:445


1- التذكرة 1:511،الدروس 3:267.
2- راجع ص:3979.
3- حكى عنه الآبي في كشف الرموز 1:497.

سواء» (1).

و هي مع ضعف أكثرها و قصور سند باقيها ضعيفة التكافؤ لما مضى من وجوه شتّى،فطرحها أو تأويلها بما ذكره الشيخ-(رحمه اللّه) في الكتابين (2)و غيره من أصحابنا (3)متعيّن جدّاً،و إن خالفت التقيّة،على ما ذكره بعض الأجلّة (4)؛ لعدم بلوغ هذا المرجّح المرجّحات المتقدّمة النصّية و الاعتباريّة.

ثم مقتضى الأصل و العمومات و اختصاص المثبت للشرط من النص و الفتوى بالبيع خاصّة عدمه فيما عداه من مطلق المعاوضة،و ليس كالربا في ظاهر الجماعة.

و ذكر الفاضلان و الشهيدان (5)أنّه لو قبض البعض خاصّة قبل التفرّق صحّ فيما قبض و بطل في الباقي،و تخيّرا معاً في إجازة ما يصحّ فيه و فسخه إذا لم يكن من أحدهما تفريط في تأخير القبض،و لو كان تأخيره بتفريطهما فلا خيار لهما،و لو اختصّ به أحدهما سقط خياره خاصّة.

و هو كذلك؛ استناداً في الأوّل إلى الأصل و العمومات،و وجود الشرط المصحّح لبيع الصرف فيه.

ص:446


1- التهذيب 7:/100 435،الإستبصار 3:/94 325،الوسائل 18:171 أبواب الصرف ب 2 ح 14.
2- التهذيب 7:101،الاستبصار 3:95.
3- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:97.
4- الحدائق 19:282.
5- المحقق في الشرائع 2:48،العلّامة في التحرير 1:171،الشهيد الأول في الدروس 3:299 الشهيد الثاني في المسالك 1:201،و الروضة 3:377.

و في الثاني إلى فقده فيه الموجب لفساده.

و في الثالث إلى تبعّض الصفقة الذي هو عيب و موجب للخيار عند الجماعة،و ساعدته قضيّة نفي الضرر المتّفق عليها فتوًى و رواية.

و في الرابع بقسميه إلى استناد الضر الموجب للخيار إلى المفرّط، فيكون بالتفريط قادماً عليه،فلا موجب لخياره،مع اقتضاء الأصل و العمومات عدمه.

و أمّا ما ربما يستشكل به في الأوّل مما في الصحيح:في رجل يبتاع من رجل بدينار..هل يصلح له أن يأخذ بنصفه ورقاً أو بيعاً و يترك نصفه حتى يأتي بعد فيأخذه منه ورقاً أو بيعاً؟قال:« ما أُحبّ أن أترك شيئاً حتى آخذه جميعاً،فلا تفعله» (1).

فليس بصحيح؛ لمنع الدلالة على المنع أوّلاً،و احتمال انصرافه على تقديره إلى صحة المجموع من حيث المجموع و لا كلام فيه،ثانياً.

و لو فارقا المجلس مصطحبين لم يبطل العقد،بلا خلاف في الظاهر؛ للأصل،و العمومات،و عدم استفادة شيء من أخبار الشرط عدا التقابض قبل التفرّق بالأبدان،كما في خيار المجلس،لا المجلس،ففي بعض الصحاح المتقدّمة:« لا تفارقه حتى تأخذ منه،و إن نزا حائطاً فانز معه» (2).

و لو وكّل أحدهما صاحبه أو أجنبياً في القبض فافترقا قبله بطل العقد؛ لعدم الشرط،و هو التقابض قبل تفارق المتعاقدين،و به وقع

ص:447


1- الكافي 5:/247 13،التهذيب 7:/99 430،الوسائل 18:169 أبواب الصرف ب 2 ح 9؛ بتفاوت يسير.
2- راجع ص:3979.

التصريح في بعض الصحاح المتقدّمة (1).

هذا إذا وكّله في القبض دون الصرف.و لو وكّله فيه خاصّة أو مع القبض فالمعتبر مفارقة الوكيل لمن وقع معه العقد دون المالك.و الضابط أنّ المعتبر التقابض قبل تفرّق المتعاقدين سواء كانا مالكين أو وكيلين.

و لو اشترى منه دراهم بدنانير أو بالعكس ثم اشترى بها أي بتلك النقود المبتاعة قبل القبض لها من البائع دنانير أو دراهم لم يصحّ البيع الثاني مطلقاً،و كذا الأوّل إن تفرّقا قبل التقابض أيضاً، على الأشهر بين أصحابنا.

استناداً في الأوّل إلى أنّه باع ما لا يملك،بناءً على توقّف ملك العوض في الصرف على التقابض قبل التفرّق،الغير الحاصل فيه بحكم الغرض.

و في الثاني إلى عدم التقابض الذي هو شرط في صحّة بيع الصرف.

خلافاً لثاني المحققين و الشهيدين (2)في الأوّل،فصحّحاه مع التقابض قبل التفرّق،و ألحقاه بالفضولي حينئذٍ.

و للحلّي (3)،فالتفصيل بين ما إذا كان النقد المبتاع معيّناً و حصل التقابض في المجلس فالصحة،و إلّا،بأن كان النقد المبتاع في الذمّة،أو لم يحصل التقابض فيه فضدّها،لوجود موجبه في الثاني،و لزوم بيع الدين بالدين في الأوّل.

ص:448


1- في ص:3980.
2- المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:182،الشهيد الثاني في المسالك 1:201.
3- كما في السرائر 2:267.

و منع عن الوجه الأخير المحققان المتقدّمان تبعاً للفاضل في المختلف و غيره (1)،بناءً منهم على منع كون مثل ذلك من بيع الدين بالدين المنهي عنه.

و لعلّه كذلك،و مختارها لا يخلو عن قوّة؛ لعموم دليل الفضولي بل فحواه.

و لو كان له أي لزيد مثلاً عليه أي على عمرو دنانير أو دراهم فأمره أن يحوّلها إلى الدراهم أو الدنانير في ذمّته، و ساعره على ذلك،بأن عيّن كلّاً من العوضين بإزاء الآخر فقبل عمرو صحّ البيع و إن لم يقبض النقود المبتاعة؛ للموثقين،بل ربّما عُدّا صحيحين، في أحدهما:عن الرجل يكون لي عنده دراهم فآتيه فأقول:حوّلها دنانير من غير أن أقبض شيئاً؟قال:« لا بأس به» قلت:و يكون لي عنده دنانير فآتيه فأقول:حوّلها لي دراهم و أثبتها عندك و لم أقبض منه شيئاً؟قال:

« لا بأس» (2).

و نحوه الثاني (3)بزيادة التعليل بما يرجع حاصله إلى قوله: لأنّ النقدين من شخص واحد.

و عمل بهما الإسكافي و الطوسي (4)،و تبعهما أكثر المتأخّرين،بل لعلّه

ص:449


1- المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:182،الشهيد الثاني في المسالك 1:201،المختلف:385؛ و انظر الحدائق 19:283.
2- الكافي 5:/247 12،التهذيب 7:/103 442،الوسائل 18:175 أبواب الصرف ب 4 ح 2؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 5:/245 2،الفقيه 3:/186 837،التهذيب 7:/102 441،الوسائل 18:174 أبواب الصرف ب 4 ح 1.
4- حكاه عن الإسكافي في المختلف:385،الطوسي في النهاية:380.

عليه عامّتهم،و إن اختلفوا في التعبير بظاهرهما،كما عن الأوّلين و هنا،أو بما يوجب إرجاعهما إلى القاعدة،كما عليه جماعة (1)،بجعل الأمر بالتحويل فيهما كناية عن التوكيل في طرفي العقد،و بناؤه على صحته و صحة القبض إذا توقّف البيع عليه بمجرّد التوكيل في البيع؛ نظراً إلى أنّ التوكيل في شيء إذن في لوازمه التي يتوقّف عليها.و لا ريب فيه على هذا التعبير،و إن احتاج إلى عناية تطبيق ظاهر الخبرين عليه؛ لموافقته للقاعدة، لكن بشرط قبض عين العوضين بعد العقد،مع احتمال العدم،إمّا لما سيأتي من كون ما في الذمّة مقبوضاً،أو للخبرين الظاهرين فيه،مع اعتضادهما بفتوى الأكثر جدّاً،فيقيَّد بهما ما دلّ على اشتراط التقابض في النقدين من النصّ و الفتوى.

و لا بُعد فيه على الأوّل أيضاً بعد ورود النصّ المعتبر فيه؛ إذ لا استبعاد في مخالفة هذا النوع من الصرف لغيره باعتبار اتّحاد مَن عليه الحق،فكان كالقابض،كما ذكره الفاضل في المختلف (2).

فخلاف الحلّي (3)و مصيره إلى البطلان مطلقاً مع ندرته،كما في الدروس (4)ضعيف،و إن كان الأحوط العمل عليه،و الخروج عن شبهته بالتوكيل في البيع و القبض الراجع الى التعبير الأخير لكن مع الشرط المتقدّم.

بل يكفي التوكيل في القبض خاصّة ظاهراً إن جرت بينهما صيغة

ص:450


1- منهم:العلّامة في التذكرة 1:511،و الشهيد الثاني في الروضة 3:376،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:99.
2- المختلف:358.
3- السرائر 2:266.
4- الدروس 3:301.

المبايعة،بناءً على أنّ ما في ذمّة المديون من النقود المبتاعة بمنزلة المقبوض بيده،فإذا جعله وكيلاً في القبض صار كأنّه قابض لما في ذمّته، فصدق التقابض قبل التفرق،على إشكال فيه؛ لمخالفته لظاهر الخبرين، مع الشك في مقبوضيّة ما في الذمّة،و عدم مصحّح آخر له في البين.

و لا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منهما بشيء منهما أو غيرهما،إجماعاً،فإنّه ربا محض استفاض بحرمته الكتاب و السنّة المتقدّم إليهما الإشارة.

مضافاً الى خصوص المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:« الفضّة بالفضّة مثلاً بمثل،ليس فيه زيادة و لا نقصان،الزائد و المستزيد في النار» (1).

و يجوز التفاضل في المختلف منهما جنساً،كذهب بفضّة و بالعكس،بشرط التقابض قبل التفرّق،بلا إشكال فيهما،لما مضى.

مضافاً إلى خصوص النصوص،منها الصحيحان (2):عن الرجل يبتاع الذهب بالفضّة مثلاً بمثلين،قال:« لا بأس به يداً بيد» . و يستوي في اعتبار التماثل المشترط في صحّة بيع الربويات مطلقا الصحيح و المكسور و المصوغ و غيره،بلا خلاف،فإنّ جيّد كل جنس و رديئه واحد،فلا ربا مع التماثل في المقدار.

مضافاً الى خصوص النصوص في المضمار،منها الصحيح:عن

ص:451


1- الفقيه 3:/183 828،التهذيب 7:/98 419،الوسائل 18:165 أبواب الصرف ب 1 ح 1.
2- الأول:التهذيب 7:/98 424،الإستبصار 3:/93 317،الوسائل 18:169 أبواب الصرف ب 2 ح 7.الثاني:التهذيب 7:/99 425،الوسائل 18:169 أبواب الصرف ب 2 ح 6.

الرجل يستبدل الكوفيّة بالشاميّة وزناً بوزن فيقول الصيرفي:لا أُبدّل لك حتى تبدّل لي يوسفيّة بغلّة وزناً بوزن،فقال:« لا بأس» فقلت:إنّ الصيرفي إنّما طلب فضل اليوسفيّة على الغلّة،قال:« لا بأس به» (1).

و إذا كان في أحدهما غشّ لم يبع بجنسه الخالص،بلا خلاف، بل عليه الإجماع في بعض العبارات (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى لزوم الربا فيه،باحتمال مساواة الجنس الصافي للمغشوش في المقدار،فيلزم زيادة الغشّ فيه على الصافي،و هو الربا المحرّم،فلا يباع بالجنس إلّا أن يعلم زيادة الصافي و لو على فرض الندرة،أو مقدار ما فيه أي في المغشوش من الجوهر الخالص فيزاد الثمن عن قدر ذلك الجوهر و لو يسيراً لم يكن بقيمة الغشّ بعد أن يكون متمولاً في العرف و العادة،فيكون قد زيد حينئذ بما يقابل الغشّ.

و تقييد منع البيع بالجنس يقتضي الجواز بغيره على الإطلاق،و لو حالة الجهل بمقدار المغشوش.و هو كذلك؛ للأصل؛ و فقد المانع من احتمال الربا،بناءً على اختلاف الجنس.

و للصحيح:عن شراء الفضّة فيها الرصاص بالورق و إذا خلصت نقصت من كلّ عشرة درهمين أو ثلاثة،قال:« لا يصلح إلّا بالذهب» و عن شراء الذهب فيه الفضّة و الزيبق و التراب بالدنانير و الورق،فقال:

« لا تصارفه إلّا بالورق» (3).

ص:452


1- الكافي 5:/247 11،التهذيب 7:/104 448،الوسائل 18:181 أبواب الصرف ب 7 ح 1.
2- الحدائق 19:291.
3- الكافي 5:/249 21 بتفاوت،التهذيب 7:/109 468،الوسائل 18:188 أبواب الصرف ب 11 ح 1.

و ما فيه من حصر بيع المغشوش بالمخالف مبنيّ على الغالب نقص الخالص عن المغشوش بحسب المقدار،فإنّ بناء البيع و الشراء على المماكسة و المغالبة،فالمشتري لا يبذل فضّة خالصة أو ذهباً كذلك في مقابل الغشّ و تعسر معرفة مقدار المغشوش،و إلّا فلو تحقق خلاف الغالب من زيادة الخالص على الغشّ،أو حصول معرفة المقدار جاز بلا إشكال و لا خلاف،كما مضى.

و يجوز بيع أحد المغشوشين المتجانسين بالآخر مطلقا،و لو كان مقدار الخالص منهما مجهولاً،بل و لو علم زيادة الخالص في أحدهما على الخالص الذي في الآخر بناءً على ما مضى من الحيلة في دفع الربا بضمّ الضميمة إلى أحدهما أو إليهما (1)،و لا ريب أنّ الغشّ ضميمة تصلح للربا و عدمه جدّاً،كما عرفت ممّا ذكره أصحابنا،و به صرّح في الدروس شيخنا (2).

و لا يباع تراب معدن الذهب بالذهب،و لا تراب معدن الفضّة بالفضّة أي ترابهما الخليط بهما بخالصهما مع جهالتهما أو أحدهما؛ لاحتمال زيادة أحد العوضين عن الآخر فيدخل فيه الربا.

و لو علم زيادة الثمن عمّا في التراب من جنسه لم يصحّ هنا،و إن صحّ في المغشوش جدّاً،بناءً على أنّ التراب لا قيمة له لتصلح في مقابل الزائد أصلاً.

و منه يعلم جواز بيع التراب بالخالص مع مساواة مقدار جوهريهما؛ لعدم الزيادة أصلاً و التراب لعدم قيمة له وجوده كعدمه.

ص:453


1- راجع ص:3975.
2- الدروس 3:301.

و يباع أحد الترابين بغيره أي بغير جنسه،نقداً كان أم لا مطلقا.

و لو جُمعا أي الترابان،بأن خلطا و مزجا،أو أُريد بيعهما في صفقة واحدة معاً جاز بيعه أي المجموع بهما أي بخالصهما معاً؛ لكونه من الضميمة المصحّحة لذلك قطعاً،و إن جهل مساواة مقدار الثمن و المثمن منهما للآخر.

و للمعتبرة،منها الخبر:عن الجوهر الذي يخرج من المعدن و فيه ذهب و فضّة و صفر جميعاً،كيف نشتريه؟فقال:« تشتريه بالذهب و الفضّة» (1).

و يجوز بيعهما معاً أيضاً بأحدهما مع العلم بزيادة الثمن على مجانسه بما يصلح عوضاً عن الآخر.و أولى منهما بيعهما بغيرهما.

و يباع جوهر الرَّصاص بفتح الراء و النُّحاس بضم النون بالذهب و الفضّة و إن كان فيه يسير من ذلك مطلقاً،و إن لم يعلم زيادة الثمن عن ذلك اليسير،و لم يقبض قبل التفرّق ما يساويه،بلا خلاف في الظاهر؛ لأنّه لقلّته مضمحلّ،و تابع غير مقصود بالبيع.

و للنصوص،منها الصحيح و غيره:في الأُسرب (2)يشترى بالفضّة، فقال:« إن كان الغالب عليه الأُسرب فلا بأس» (3).

ص:454


1- الكافي 5:/249 22،التهذيب 7:/111 478،الوسائل 18:189 أبواب الصرف ب 11 ح 5.
2- الأُسرُب:كقُنفُذ،الآنُكُ بالمدِّ،هو الرّصَاص،و هو فارسي مُعرب.تاج العروس 3:55.
3- الكافي 5:/248 15،التهذيب 7:111481،الوسائل 18:203 أبواب الصرف ب 17 ح 1.

و مثله المنقوش منهما على الجدران و السقوف بحيث لا يحصل منهما شيء يعتدّ به على تقدير نزعه منهما.

و يجوز إخراج الدراهم و الدنانير المغشوشة بنحو من الصفر و الرصاص و نحوها،و المعاملة بها إذا كانت معلومة الصرف و الرواج بين الناس،بأن يعامل بها مطلقاً و إن جهل مقدار الخالص منهما،بجنسهما كان أو غيرهما،لكن بشرط في الأوّل قد مضى (1).

و لو لم تكن كذلك بأن لا يتعامل بها في العادة،و كانت مهجورة في المعاملة لم يجز إنفاقها إلّا بعد بيانها و إظهار غشّها إذا كان ممّا لا يتساهل به عادةً،بلا خلاف في المقامين،بل في المختلف الإجماع عليهما (2)؛ هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات في الأوّل،و لزوم الغشّ المحرّم بالنصّ و الإجماع في الثاني.

و بهما يجمع بين الأخبار المختلفة المجوّزة لإنفاقها مطلقاً، كالصحاح،في أحدها:عن الدراهم المحمول عليها،فقال:«لا بأس بإنفاقها» (3).

و نحوه الآخران،لكن بزيادة شرط فيهما و هو زيادة الفضّة عن الثلثين،كما في أحدهما (4)،أو كونها الغالب عليها،كما في الثاني (5)،

ص:455


1- راجع ص:3988.
2- المختلف:395.
3- التهذيب 7:/108 462،الإستبصار 3:/96 329،الوسائل 18:185 أبواب الصرف ب 10 ح 1.
4- التهذيب 7:/108 463،الإستبصار 3:/96 330،الوسائل 18:186 أبواب الصرف ب 10 ح 3.
5- التهذيب 7:/108 464،الإستبصار 3:/96 331،الوسائل 18:186 أبواب الصرف ب 10 ح 4.

و لعلّه وارد بتبع العادة في ذلك الزمان من عدم المعاملة بها إلّا إذا كانت كذلك.

و المانعة له كذلك،كالخبر المنجبر ضعف سنده بوجود ابن أبي عمير المجمع على تصحيح رواياته فيه:قال:كنت عند أبي عبد اللّه(عليه السّلام) فأُلقي بين يديه دراهم،فألقى إليّ درهماً منها،فقال:« أيش هذا؟» فقلت:

ستوق،فقال:« و ما الستوق؟» فقلت:طبقتين من فضّة و طبقة من نحاس و طبقة من فضّة،فقال:« اكسر هذا فإنّه لا يحلّ بيع هذا و لا إنفاقه» (1).

بحمل الأدلّة على الصورة الأُولى و الثانية على الثانية بشهادة ما مرّ من الأدلّة،و خصوص الصحيحين،في أحدهما:عندنا دراهم يقال لها الشاهية يحمل على الدراهم دانقين،فقال:« لا بأس به إذا كان يجوز بين الناس» (2).

و في الثاني المروي في الكافي:الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره ثم يبيعها،قال:« إذا كان يجوز بين الناس فلا بأس» (3).

لكن رواه في التهذيب بإسقاط الناس و تبديله بلفظ ذلك،و قراءة البيّن بتشديد الياء فعلاً ماضياً لا ظرفاً،و ظاهره حينئذٍ المنع عن الإنفاق إلّا بعد البيان،فيكون من روايات المنع،لكن مقيّداً بعدم البيان،مصرّحاً بالجواز بعده (4).

و به مضافاً إلى الاتّفاق يقيّد إطلاق الرواية المتقدّمة بالمنع،بحملها

ص:456


1- التهذيب 7:/109 466،الإستبصار 3:/97 333،الوسائل 18:186 أبواب الصرف ب 10 ح 5.
2- الفقيه 3:/183 831،التهذيب 7:/108 465،الإستبصار 3:/96 332،الوسائل 18:187 أبواب الصرف ب 10 ح 6؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 5:/263 2،الوسائل 18:185 أبواب الصرف ب 10 ح 2.
4- التهذيب 7:/109 467.

على صورة عدم البيان إن صحّت النسخة.

و هنا

مسائل

اشارة

مسائل ستّ.

الأولى إذا دفع زيادة عمّا للبائع صحّ

الأولى: إذا ابتاع ديناراً مثلاً و دفع زيادة عمّا يجب عليه للبائع أو بالعكس صحّ المعاملة إذا وقعت على العوضين في الذّمة،و لا كذلك لو كانا معيّنين،من حيث اشتمال أحد العوضين على زيادة عينية،و كذلك لو كان الزائد معيّناً و المطلق مخصوصاً بقدر ينقص عن المعيّن بحسب نوعه.

و حيث صحّت المعاملة تكون الزيادة أمانة في يد مَن وقعت في يده،بلا خلاف،إذا كان الدفع بطريق العمد و الاستيمان،بل في المسالك الاتّفاق عليه (1).

و كذا لو هجل الحال،بأن بأن فيه زيادة خارجة عن العادة لا تكون إلّا غلطاً أو تعمّداً لا مسامحة فشكّ في كونها على سبيل العمد،أو عرف كونها على نحو السهو على قول الأكثر؛ لأصالة البراءة من الضمان،الخالية عن المعارض من نحو القبض بسبب مضمون،كالسوم و الغصب و البيع الفاسد،فإنّه قبضها هنا بإذن المالك،فيكون كالودعي.

و القول الآخر أنّها تكون مضمونة؛ لأنّه قبضة على أنّه أحد العوضين اللذين جرى عليهما عقد المعاوضة،فيكون مضموناً؛ نظراً إلى مقتضى العقد،و لأنّه أقرب الى الضمان من المقبوض بالسوم،و لعموم:« على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (2).

ص:457


1- المسالك 1:202.
2- عوالي اللئلئ 1:/244 106؛ و انظر سنن البيهقي 6:95،و مسند أحمد 5:8،12،و مستدرك الحاكم 2:47.

و ضعّف بأنّ القبض على نيّة العوض غير قادح مع ظهور العدم، و العقد لا يقتضي ضمان غير العوض.

و كونه أقرب من المقبوض بالسوم إنّما يجري لو سلّم كون المقبوض بالسوم كذلك،و هو محلّ النزاع.

و عموم الخبر بحيث يشمل محلّ النزاع في حيّز المنع،فإنّ الثابت على الآخذ بمقتضى الخبر غير مبيّن،فجاز كون الواجب على اليد الحفظ أو نحوه إلى الأداء،و يرشد إليه الأمانات المقبوضة باليد مع عدم الحكم بضمانها،و إنّما القدر المتّفق عليه وجوب الحفظ خاصّة.

و في الأخيرين نظر،فالأوّل بابتناء الفحوى على ثبوت الحكم في المقيس عليه و أنها على تقديره.

و الثاني أوّلاً:باستلزامه القدح في الاستناد الى الخبر لإثبات ضمان المأخوذ باليد على الآخذ،و عدم جوازه في شيء من مواضع الخلاف،بناءً على ما زعمه من الإجمال،و هو خلاف الوفاق.

و ثانياً:بأقربيّة الضمان من الحفظ إلى سياق الخبر بعد العرض على العرف،سيّما بعد ملاحظة فهم الأصحاب،مع أنّ إرادة الأمرين منه أظهر بالإضافة إلى الإطلاق،و تقييده بأحدهما سيّما الثاني؛ لمرجوحيّته كما ظهر لا بدّ له من داعٍ،و ليس،فاللازم العمل على الإطلاق،و هو كافٍ في الإثبات في الباب و غيره من الأبواب،فالقول الثاني أقرب إلى الصواب، وفاقاً للمحقق الثاني و غيره من الأصحاب (1)،مع أنّه أحوط بلا ارتياب.

ثم الأمانة حيث قلنا بها هل هي شرعيّة يجب ردّها على الفور و إعلام

ص:458


1- جامع المقاصد 4:198؛ و انظر إيضاح الفوائد 1:453.

المالك بها،أم مالكيّة لا يجب ردّها فوراً إلّا مع طلب المالك لها،و إن وجب عليه حفظها؟قولان،أحوطهما الأوّل.

و لو كانت الزيادة معتادة ممّا يتفاوت به الموازين و يتسامح بها عادةً لم يجب إعادته إجماعاً ظاهراً،و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة جدّاً،منها الصحيحان،في أحدهما و هو طويل:قلت:فأقول له:

اعزل منه خمسين كرّاً أو أقلّ أو أكثر بكيله،فيزيد و ينقص و أكثر ذلك ما يزيد،لمن هي؟قال:« هي لك» (1)الحديث.

و في الثاني:عن فضول الكيل و الموازين،فقال:« إذا لم يكن تعدّياً فلا بأس» (2).

و لكن يستحب الردّ؛ لما مرّ من استحباب أخذ الناقص،و إن استحبّ دفع الزائد للبائع،بل و ربما يتعيّن لو علم من عادته عدم الزيادة بمثلها إلّا سهواً،و إن كانت معتادة من غيره جدّاً،فيرجع إلى حكم المسألة المذكورة سابقاً.

الثانية يجوز أن يبدل له درهماً بدرهم و يشترط صياغة خاتم

الثانية: يجوز أن يبدل له درهماً بدرهم و يشترط عليه صياغة خاتم وفاقاً للنهاية و جماعة (3)؛ لرواية قاصرة السند بالجهالة،و المتن عن الدلالة،إذ فيها:عن الرجل يقول للصائغ:صغ لي هذا الخاتم و أبدّل لك

ص:459


1- الكافي 5:/182 3،الوسائل 18:86 أبواب أحكام العقود ب 27 ح 1.
2- الكافي 5:/182 2،الفقيه 3:/131 572،التهذيب 7:/40 167،الوسائل 18:87 أبواب أحكام العقود ب 27 ح 3.
3- النهاية:381؛ و انظر التذكرة 1:515،و التحرير 1:172،و الدروس 3:304،و الحدائق 19:306.

درهماً طازجياً بدرهم غلّة،قال:« لا بأس» (1).

و هو كما ترى لا دلالة فيه على المطلوب أصلاً،فأوّلاً:بتضمنهما جعل إبدال الدرهم بالدرهم شرطاً في الصياغة،لا بيعهما بشرطها، و أحدهما غير الآخر جدّاً.

و ثانياً:بتضمّنها إبدال درهم طازج بدرهم غلّة مع شرط الصياغة من جانب الغلّة،و قد ذكر جماعة من أهل اللغة (2)أنّ الطازج هو الخالص و الغِلّة غيره و هو المغشوش،و حينئذٍ فالزيادة الحكميّة و هي الصياغة في مقابلة الغشّ،و هذا لا مانع عنه مطلقا،لا في هذه المسألة و لا في غيرها، و لا في الحكميّة و لا في غيرها،و على هذا يصحّ الحكم و يتعدّى لكن لا في مطلق الدرهم،كما ذكروه،بل ما شابه موردها،هذا.

مع مخالفتها الأصل المطّرد من عدم جواز الزيادة من أحد الجانبين مطلقا،حكميّة كانت أو عينيّة،فلا يجوز الاستناد فيما خالفه إلى مثلها مع ما هي عليه ممّا قدّمنا.

فلو بيع الدرهمان بل مطلق الربويات كذلك بطل،وفاقاً لجماعة، كالشهيدين و الفاضل في المختلف و المحقق الثاني في شرح القواعد و الصيمري في شرح الشرائع (3).

و على العمل بها كما فهموه لا يتعدّى الحكم إلى غير موردها؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل المتقدّم على المتيقّن من النص

ص:460


1- الكافي 5:/249 20،التهذيب 7:/110 471،الوسائل 18:195 أبواب الصرف ب 13 ح 1.
2- منهم ابن الأثير في نهايته 3:123،ابن منظور في لسان العرب 2:317.
3- الشهيد الأول في الدروس 3:304،الشهيد الثاني في الروضة 3:382،المختلف:358،جامع المقاصد 4:202.

و الفتوى.

خلافاً للمحكي عن جماعة (1)،فجوّزوا التعدية مطلقاً في الطرفين من الشرط و النقدين.و هو ضعيف جدّاً.

و يجوز أن يقرضه الدراهم أو الدنانير و يشترط أن ينقدها بأرض أُخرى للأصل،و العمومات،مع فقد المانع من نصّ أو إجماع؛ لاختصاصهما بالمنع عن القرض بشرط النفع،و ليس الإنقاد في بلد آخر منه جدّاً.

مضافاً إلى خصوص الصحيح:في الرجل يسلف الرجل الورق على أن ينقدها إيّاه بأرض أُخرى و يشترط عليه ذلك،قال:« لا بأس» (2).

و لعلّ المراد من الإسلاف فيه القرض؛ لكثرة استعماله فيه (3).

و لم أقف على من تعرّض لهذا الحكم هنا و لا في بحث القرض بنفي و لا إثبات،عدا شيخنا في الدروس في القرض (4)و الفاضل في الإرشاد (5)هنا (6)،فصرّحا بما هنا.

و كان ذكره ثمّة كما فعله الأوّل أنسب و أولى،إلّا أن يكون المراد

ص:461


1- منهم:العلّامة في التذكرة 1:515،و الشهيد الثاني في المسالك 1:203،و صاحب الحدائق 19:306.
2- التهذيب 6:/203 459،الوسائل 18:197 أبواب الصرف ب 14 ح 6.
3- في« ح» زيادة:و في الصحيح:يدفع إليّ الرجل الدراهم فأشترط عليه أن يدفعها بأرض أُخرى سود بوزنها،و أشترط ذلك عليه،قال:لا بأس» التهذيب 7:/110 473،الوسائل 18:197 أبواب الصرف ب 14 ح 5.
4- الدروس 3:319.
5- كالشيخ في النهاية(382)و الحلّي في السرائر(2:64)على ما حكي عنهما(منه رحمه الله).
6- الإرشاد 1:369.

بذكره هنا بيان أنّ القرض ليس يجري فيه حكم الصرف فيشترط فيه التقابض قبل التفرق.

و هو حسن تقدّم وجهه،و يدلّ عليه الصحيح المتقدّم،و الخبر:عن الرجل يسلف الرجل الدراهم و ينقدها إيّاه بأرض أُخرى و الدراهم عدداً، قال:« لا بأس به» (1)فتأمّل.

الثالثة الأواني المصوغة من الذهب و الفضّة

الثالثة: الضابط في جواز بيع الأواني المصوغة من الذهب و الفضّة بأحدهما أن يكون في الثمن زيادة على ما في المصوغ من جنسه تقابل الجنس الآخر و إن قلّت بعد أن تكون متموّلة،مطلقا،سواء علم مقدار كلّ واحد منهما أم لا،و سواء أمكن تخليصهما أم لا،كان الثمن من جنس النقد الأقلّ في المصوغ أم من جنس الأكثر.

وفاقاً لأكثر من تأخّر،كالروضتين و المحقق الثاني و الفاضل في المختلف (2)؛ عملاً فيه بالقواعد المتقدّمة الدالّة عليه و على جواز بيعهما معاً بهما كذلك مطلقاً،علم مقدارهما أو أحدهما أم لا،أمكن تخصيصهما أم لا،و بغيرهما كذلك.

خلافاً للنهاية و جماعة (3)،فقالوا:إن كان كلّ واحد منهما معلوماً جاز بيعه بجنسه من غير زيادة و بغير الجنس،و إن زاد و إن لم يعلم أمكن تخلصهما لم يُبَع بأحدهما و بيعت بهما أو بغيرهما، و إن تعذّر التخليص و كان الأغلب أحدهما بيعت بالأقل منهما خاصّة، و إن

ص:462


1- التهذيب 7:/110 472،الوسائل 18:197 أبواب الصرف ب 4 ح 7.
2- اللمعة(الروضة البهية 3):383،جامع المقاصد 4:186،المختلف:359.
3- النهاية:383؛ و انظر الشرائع 2:50،و الحدائق 19:308.

تساويا مقداراً بيعت بهما أو بغيرهما.

و هذا التفصيل مع عدم وضوح مستنده يتوجّه النظر إليه من وجوه مذكورة في كلام بعض هؤلاء الجماعة المتقدّم ذكرهم،يسهل على المتدبّر المتأمّل استخراجها من القواعد المتقدّمة،و طريق إيرادها على كلام هؤلاء الجماعة.

و ربما كان مستندهم في عدم البيع بأحدهما مع إمكان التخليص بعض النصوص:في جام فيه ذهب و فضّة أشتريه بذهب أو فضّة؟ فقال:« إن كان تقدر على تخليصه فلا،و إن لم تقدر على تخليصه فلا بأس» (1).

و فيه قصور سنداً بجهالة جماعة من رواته جدّاً،و منافاة إطلاقه ذيلاً في الجواز مع عدم إمكان التخليص،و صدراً في العدم مع الإمكان لما فصّلوه قطعاً.

و مع ذلك غير مقاوم للقاعدة المسلّمة المتّفق عليها نصّاً و فتوى، و يمكن تطبيقه ككلام الجماعة بحذافيره عليها،كما فعله بعض أصحابنا (2).

و كيف كان فالأمر سهل بعد وضوح المطلب و المأخذ.

و هل يكفي غلبة الظنّ في زيادة الثمن على مجانسه من الجوهر،كما في اللمعة (3)،لعسر العلم اليقيني بقدره غالباً،و مشقّة التخليص الموجب له،أم يعتبر القطع بها؟قولان،أجودهما الثاني،وفاقاً للدروس و الشهيد الثاني (4)؛

ص:463


1- الكافي 5:/250 26،التهذيب 7:/122 484،الوسائل 18:200 أبواب الصرف ب 15 ح 5.
2- الحدائق 19:308.
3- اللمعة(الروضة البهية 3):384.
4- الدروس 3:301،الشهيد الثاني في الروضة 3:384.

لأنّه الأصل.

و تعسّره لا يوجب جواز الانتقال إلى غلبة الظن إلّا حيث لا يمكن التخلّص من ضرر عدم العلم إلّا به،و هنا ليس كذلك جدّاً،بل يتعيّن في مثله العدول إلى البيع بغير الجنس قطعاً.

نعم،لو لم يمكن و احتيج إلى البيع به أمكن ذلك؛ دفعاً لضرر ذي الحاجة،و مشقّة التخليص،المنفيّين إجماعاً،نصّاً و فتوى.

الرابعة المراكب و السيوف المحلّاة إن علم مقدار الحلية بيعت بالجنس

الرابعة: المراكب و السيوف و نحوها المحلّاة بأحد النقدين إن علم ما فيها من مقدار الحلية أو ظنّ،على اختلاف القولين بيعت بالجنس المحلّاة به،لكن مع زيادة تقابل المركب أو النصل و هو حديدة السيف،بلا خلاف يظهر،بل في الخلاف الإجماع عليه (1)؛ لما مرّ في المسألة السابقة (2).

مضافاً الى المعتبرين،أحدهما(بالموثقية و الثاني بها أيضاً) (3)مع انجبار الجهالة بعدها بالشهرة،و وجود صفوان المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه في سنده:عن السيف المفضّض يباع بالدراهم؟قال:« إذا كانت فضّته أقلّ من النقد فلا بأس،و إن كان أكثر فلا يصلح» (4).

ص:464


1- الخلاف 3:71.
2- راجع ص:3998.
3- بدل ما بين القوسين في« ت»:بالصحّة و الثاني بالموثقية.
4- التهذيب 7:/113 488،الإستبصار 3:/98 338،الوسائل 18:200 أبواب الصرف ب 15 ح 7.الثاني:التهذيب 7:/113 489،الإستبصار 3:/98 339،الوسائل 18:200 أبواب الصرف ب 15 ح 8.

و نحوهما الموثق:عن السيف المحلّى و السيف الحديد المموّه بالفضة نبيعه بالدراهم؟فقال:« نعم» كما في الكافي،أو:« بع بالذهب» كما في التهذيب،و قال:« يكره أن تبيعه نسيئة» و قال:« إذا كان الثمن أكثر من الفضّة فلا بأس» (1).

و الخبر المنجبر قصور سنده بالإضمار و الجهالة ببعض ما مرّ إليه الإشارة،مع أنّه في الكافي صحيح:عن السيوف المحلّاة فيها الفضّة تباع بالذهب إلى أجل مسمّى؟فقال:« إنّ الناس لم يختلفوا في النسأ أنّه الربا، إنّما اختلفوا في اليد باليد» فقلت له:نبيعه بالدراهم بنقد؟فقال:« كان أبي يقول:يكون معه عَرَض أحبّ إليّ» فقلت:إنّه إذا كانت الدراهم التي تعطى أكثر من الفضّة التي فيه،فقال:« و كيف لهم بالاحتياط بذلك» فقلت:

يزعمون أنّهم يعرفون ذلك،فقال:« إن كانوا يعرفون ذلك فلا بأس،و إلّا فإنّهم يجعلون معه العرض أحبّ إليّ» (2).

و يستفاد منه اشتراط المعرفة في بيع المحلّى بجنس الحلية،و عدم الاكتفاء فيه بالمظنّة،كما تقدّم إليه الإشارة و حكاه عن الأكثر هنا في الروضة (3).

و كفاية الزيادة الحكميّة في تحقق الربا،كما عليه الأصحاب كافّة، إلّا ما مرّ عن الطوسي و حكي عن الحلّي من اشتراط العينية (4).

ص:465


1- الكافي 5:/250 25،التهذيب 7:/114 492،الإستبصار 3:/99 341،الوسائل 18:199 أبواب الصرف ب 15 ح 4.
2- الكافي 5:/251 29،التهذيب 7:/113 487،الإستبصار 3:/98 337،الوسائل 18:198 أبواب الصرف ب 15 ح 1.
3- الروضة 3:384.
4- الطوسي في النهاية:383،الحلي في السرائر 2:272.

و تردّه مضافاً إلى الرواية عمومات الأدلّة من الكتاب و السنّة بتحريم الربا و الزيادة التي هي أعمّ منها و من الحكميّة.

و قريب من هذه المعتبرة المستفيضة روايات أُخر معتبرة،منها الصحيح:عن بيع السيف المحلّى بالنقد،فقال:« لا بأس» (1)بحملها على البيع به بشرط الزيادة،كما دلّت عليه تلك المعتبرة.

و ينبغي أن يكون بيعها بالجنس نقداً،و لو بيعت نسيئة نقد من الثمن ما قابل الحلية بلا خلاف في الظاهر؛ لعموم الأدلّة بعدم جواز بيع النقدين أحدهما بالآخر نسيئة،الشامل لنحو المسألة.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة،منها زيادة على ما مرّ من الرواية الرابعة المصرحة بحرمة النسيئة في المسألة الصحيحان،في أحدهما:

« لا بأس ببيع السيف المحلّى بالفضة بنسأ إذا نقد ثمن فضّته،و إلّا فاجعل ثمنه طعاماً،و لينسئه إن شاء» (2)و نحوه الثاني (3).

و قريب منهما الموثّق المتقدم (4)،بحمل الكراهة فيه على الحرمة؛ لغلبة استعمالها فيها في أحاديث الربا و نحوها كما مرّ إليه مراراً الإشارة.

و أمّا الخبر:عن السيف المحلّى بالفضة يباع نسيئة،قال:« ليس به بأس،لأنّ فيه الحديد و السير» (5)فهو مع قصور السند بالجهالة قابل

ص:466


1- الكافي 5:/249 23،التهذيب 7:/112 485،الإستبصار 3:/97 335،الوسائل 18:199 أبواب الصرف ب 15 ح 3.
2- التهذيب 7:/112 486،الإستبصار 3:/97 336،الوسائل 18:200 أبواب الصرف ب 15 ح 6.
3- المتقدم أعلاه في الهامش(1).
4- في ص:465.
5- التهذيب 7:/113 491،الإستبصار 3:/99 342،الوسائل /18 201 أبواب الصرف ب 15 ح 10.

للانطباق على الأخبار المتقدّمة،بحمله على النسيئة فيما عدا الحلية،كما فعله شيخ الطائفة (1).

و الظاهر انسحاب الحكم فيما شابه المسألة من الأواني المصوغة من الذهب و الفضّة،و ضابطه المنع عن بيع أحد النقدين بالآخر نسيئة مطلقا، ضمّ إليهما من غير جنسهما أم لا. و إن جهل مقدار الحلية بيعت بغير الجنس مطلقا،اتّفاقاً، فتوًى و نصّاً،و به أيضاً حالّا إذا علم زيادته عن الحلية،و إن جهل قدرها مفصّلاً،فقد يتّفق ذلك أحياناً.و الأصل فيه الأصل،و العمومات،مع فقد المانع من احتمال الربا و الزيادة بما فيه الحليّة؛ لاندفاعه بزيادة الثمن عنها فتقابل هذه بتلك،فال شبهة في المسألة.

و قيل كما عن النهاية (2):أنه إن أراد بيعها أي المراكب المحلاّة بالجنس المحلّاة به ضمّ إليها شيئاً آخر،و حيث إنّ ظاهره ضمّه إلى ما فيه الحلية أو إليها،نسبه الأصحاب كالعبارة إلى القيل المشعر بالتمريض،و ذلك من حيث زيادة المحذور فيه،فإنّ المحتاج إلى الضميمة إنّما هو الثمن خاصّة لتقابل ما زاد عن الحلية.

و مع ذلك لم نقف له على شاهد و لا رواية عدا ما في المسالك (3)من وجودها كعبارة النهاية،و لم نقف عليها في شيء من أخبار المسألة في الكتب الأربعة.

و ربما كان نظره إلى ما تقدّم من الرواية الرابعة،و قوله عليه السلام فيها« كان

ص:467


1- انظر الاستبصار 3:99.
2- النهاية:384.
3- المسالك 1:203.

أبي يقول:يكون معه عرض أحب إليّ» (1)بتوهّم رجوع الضمير إلى السيوف المحلّاة.

و هو مع منافاة المرجع له بحسب القاعدة،و إن كان يستأنس لدفعها بعبارة الراوي المتقدّمة عليه المذكّرة للضمير كما فيه يأبى عنه ذيل الرواية.

و كيف كان فهذا القول ضعيف غايته،كالمعتذر له في الدروس (2)بالضرورة.

الخامسة لا يجوز بيع شيء بدينار غير درهم

الخامسة: لا يجوز بيع شيء مطلقا،نقداً كان أو ثياباً بدينار مثلاً غير درهم فيقول:بعتك هذا بدينار إلّا درهماً،إذا لم يعرف نسبة الدرهم إلى الدينار،نقداً كان أم نسيئة،بلا خلاف لأنّه أي الثمن حينئذٍ مجهول.

و للمستفيضة،منها« يكره أن يشتري السلعة بدينار غير درهم،لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم» (3)و نحوه خبر آخر (4).

و في ثالث« ذكره أن يشتري الرجل بدينار إلّا درهماً و إلّا درهمين نسيئة،و لكن يجعل ذلك بدينار إلّا ثلثاً،و إلّا ربعاً،و إلّا سدساً،أو شيئاً يكون جزءاً من الدينار» (5).

و قصور الأسانيد منجبر بالفتاوى كضعف دلالة الكراهة على الحرمة، مع انجباره زيادة على ذلك بالتعليل في أكثرها،الصريح في الحرمة

ص:468


1- تقدّم مصدرها في ص:4001.
2- الدروس 3:302.
3- الكافي 5:/196 7،التهذيب 7:/57 248،الوسائل 18:80 أبواب أحكام العقود ب 23 ح 1.
4- التهذيب 7:/116 504،الوسائل /18 81 أبواب أحكام العقود د 23 ح 4.
5- التهذيب 7:/116 503،الوسائل /18 81 أبواب أحكام العقود ب 23 ح 3.

بملاحظة ما دلّ على حرمة بيع الغرر و المجازفة من الفتاوى و السنّة.

مضافاً إلى رواية أُخرى في الفساد صريحة:في الرجل يشتري السلعة بدينار غير درهم إلى أجل،قال:« فاسد فلعلّ الدينار يصير بدرهم» (1).و لا يقدح اختصاصها كبعض ما مرّ بالمنع نسيئة؛ الإشعار التعليل فيها و في غيرها بالعموم البتّة.

السادسة ما يجمع من تراب الصياغة يباع بالذهب و الفضّة

السادسة: ما يجمع من تراب الصياغة من الذهب و الفضّة حكمه حكم تراب المعدن في جواز أن يباع مع اجتماعهما فيه بالذهب و الفضّة (2) معاً،و بأحدهما بشرط العلم بزيادة الثمن عن مجانسه،و مع الافراد بغير جنسه.و إطلاق الخبرين الآتيين بالبيع بالطعام لعلّه لمجرّد التسهيل و دفع كلفة مشقّة تحصيل العلم بمقدار الجوهرين ليزاد على أحدهما لو جعل هو الثمن خاصّة.

و يجب على الصائغ أن يتصدّق به عن مالكه مع الضمان، بلا خلاف في الأوّل لأنّ أربابه لا يتميّزون في الغالب،و لو بنحو من العلم بهم في محصورين،فلا يمكن التخلّص عن حقّهم إلّا بذلك، فوجب؛ و للنصوص الواردة بذلك في المال المجهول المالك.

و للخبرين في خصوص المقام،في أحدهما:عمّا يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع به؟قال:« تصدّق به فإمّا لك و إمّا لأهله» قال:فإنّ فيه ذهباً و فضّة و حديداً فبأيّ شيء أبيعه؟قال:« بعه بطعام» قلت:إنّ لي قرابة محتاجاً أُعطيه منه؟قال:« نعم» (3).

ص:469


1- التهذيب 7:/116 502،الوسائل /18 80 أبواب أحكام المعقود ب 23 ح 2.
2- في المختصر المطبوع زيادة:أبو بجنس غيرهما.
3- الكافي 5:/250 24،التهذيب 7:/111 479،الوسائل 18:202 أبواب الصرف ب 16 ح 1.

و في الثاني:عن تراب الصائغين و إنّا نبيعه،قال:« أما تستطيع أن تحلّه من صاحبه؟» قال:قلت:لا،إذا أخبرته اتّهمني،قال:« بعه» قلت:

بأيّ شيء أبيعه؟قال:« بطعام» قلت:فأيّ شيء نصنع به؟قال:« تصدّق به إمّا لك و إمّا لأهله» قلت،إن كان لي قرابة محتاج فأصله؟قال:

« نعم» (1).

و قصور السند منجبر بالعمل.

و يستفاد من الأخير توقّف التصدّق على عدم إمكان الاستحلال من الصاحب،و به صرّح الأصحاب،حتى ذكروا أنّه لو علمه في محصورين وجب التخلّص منه و لو بالصلح مع الجهل بمقدار الحق،و لا فرق في ذلك بي ما إذا كان متعدّداً أو متّحداً.

لكن ظاهر الخير جواز التصدّق مع العلم بالمالك بمجرّد خوف التهمة.و هو مشكل،سيّما مع إمكان إيصال الحق المتصدّق به إليه،أو الاستحلال مه بوجه لا يوجب التهمة.

و على قول قويّ في الثاني (2)لو ظهر المالك و لم يرض به؛ لعموم الأدلّة الدالّة على ضمان ما أخذت اليد،خرج منه ما لو إذا رضي الصاحب أو استمرّ الاشتباه بالإجماع،فيبقى الباقي.

و القول الثاني العدم؛ لإذن الشارع له في الصدقة فلا يتعقّب الضمان.

و في التلازم نظر،مع إشعار الخبرين يقول:« إمّا لك و إمّا لأهله» بتعقّب الضمان إذا لم يرض المالك،بناءً على معناه على الظاهر المصرّح به

ص:470


1- التهذيب 6:/383 1131،الوسائل /18 202 أبواب الصرف ب 16 ح 2.
2- عطف على قوله:في الأول،في ص 4005،و المراد به الضمان.

في كلام جماعة (1)أنّ التصدّق لك إن لم يرض الصاحب،و له إن رضي.

و لا ريب أنّ الضمان أحوط.

و مصرف هذه الصدقة الفقراء و المساكين،كما ذكره الأصحاب؛ و لعلّه لانصراف الإطلاق إليه بحكم الاستقراء:

و يجوز الدفع إلى ذي قرابته إذا كانوا بصفتهم،بنصّ الخبري،و عدم خلاف بين الأصحاب فيه و في جواز الإعطاء للعيال إذا كانوا بصفة الاستحقاق؛ و لعلّه لفحوى الجواز في الزكاة.

و يستفاد منه جواز أخذه لنفسه مع الشرط المذكور إن قلنا بذلك ثمّة لو دفعت إليه للصرف في الفقراء و أهل المسكنة و هو بصفتهم،فتأمّل.

و يلحق بالصياغة ما شابهها من الصنائع الموجبة لتخلّف أثر المال، كالحدادة و الطحن و الخياطة و الخبازة.

كلّ ذا إذا لم يعلم إعراض المالك عنه،و إلّا قالوا:جاز التملك له و التصرّف من دون تصدّق عن الصاحب،فإن كان إجماع،و إلّا فللنظر فيه مجال،حيث لم ينهض حجّة على انتقال الملك و جواز التصرّف بمجرّد نيّة الإعراض،مضافاً إلى إطلاق الخبرين بالتصدّق،فتأمّل.

ص:471


1- منهم:صاحب الحدائق 19:312.

المجلد 9

اشارة

سرشناسه:طباطبائی کربلائی، علی بن محمدعلی، 1161 - 1231ق.

عنوان و نام پديدآور:ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل/ تالیف محمدعلی الطباطبایی؛ تحقیق موسسه آل البیت(ع) لاحیاءالتراث.

مشخصات نشر:قم: موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاءالثرات، 1418ق.-= 1376-

مشخصات ظاهری:16 ج.: نمونه.

فروست:موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

شابک: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری

يادداشت:عربی.

يادداشت:کتاب حاضر شرحی بر مختصرالنافع محقق حلی است.

يادداشت:ج.9 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت:ج. 11 - 13 (چاپ؟: 1421ق. = 1379).

يادداشت:ج. 15و 16 (چاپ؟: 1422ق. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:محقق حلی، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 7ق.

شناسه افزوده:محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

شناسه افزوده:موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاء الثرات

رده بندی کنگره:BP182/م3م30216 1376

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

تتمة كتاب البيع

الفصل السادس في بيع الثمار

الفصل السادس في بيع الثمار اعلم أنّه لا يجوز بيع ثمرة النخل بل مطلقا،كما يأتي قبل ظهورها المفسّر بالبروز إلى الوجود،و إن كانت بعدُ في [في بعد] الطلع أو الكِمام، في كلام جماعة (1)،و يشهد له بعض المعتبرة الآتية،عاما واحداً،بمعنى ثمرة ذلك العام و إن وجدت في شهر أو أقلّ.

للغرر،و الإجماع المستفيض النقل في كلام جماعة،كالغنية و السرائر و المختلف و التذكرة و التنقيح و الدروس و نكت الإرشاد و المسالك و الروضة (2)،و المفلح الصيمري في شرح الشرائع؛ و هو و ما قبله الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الناهية عنه فحوًى في بعض،و نصّاً

ص:5


1- منهم:الشيخ في النهاية:414،و الشهيد في الدروس 3:234،و الشهيد الثاني في الروضة 3:354.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):586،السرائر 2:359،المختلف:376،التذكرة 1:502،التنقيح الرائع 2:104،الدروس 3:234،المسالك 1:204،الروضة 3:354.

في الباقي.

فمن الأوّل النصوص الآتية المانعة عن بيعها قبل بدوّ الصلاح.

و نحوها المعتبران،أحدهما الصحيح،و الثاني الموثّق كالصحيح على الصحيح:« لا تشتر النخل حولاً واحداً حتى يطعم،و إن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل» (1).

و الخبر:« إذا بيع الحائط فيه النخل و الشجر سنة واحدة فلا يباعنّ حتّى تبلغ ثمرته» (2).

و من الثاني الموثّق كالصحيح:عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟قال:« لا،إلّا أن يشتري معها غيرها رطبة أو بقلاً، فيقول:أشتري منك هذه الرطبة» إلى أن قال:« فإن لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة و البقل» (3).

و هو و إن دلّ على الجواز مع الضميمة مطلقا،إلّا أنّ اللازم وفاقاً للتذكرة (4)حملها على المقصودة بالأصالة و كون الثمرة تابعة غير مقصودة؛ جمعاً بين الأدلّة،و التفاتاً إلى الإشعار به في ذيل الرواية من العلّة بأنّه إن لم تخرج الثمرة كان رأس ماله في الرطبة،بناءً على الغالب من عدم

ص:6


1- الأول:التهذيب 7:/88 374،الإستبصار 3:/85 290،الوسائل 18:213 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 9.الثاني:التهذيب 7:/88 375،الإستبصار 3:/86 291،الوسائل 18:214 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 10.
2- الفقيه 3:/157 690،التهذيب 7:/87 372،الإستبصار 3:/86 293،الوسائل 18:212 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 7.
3- الكافي 5:/176 7،الفقيه 3:/133 578،التهذيب 7:/84 360،الإستبصار 3:/86 295،الوسائل 18:219 أبواب بيع الثمار ب 3 ح 1.
4- التذكرة 1:502.و ادعى عليه في المسالك(1:204)الشهرة.(منه رحمه الله).

دفع الثمن في مثل هذه الصورة إلّا بعد أن تكون الضميمة بالذات مقصودة دون الثمرة.

و به يقيّد إطلاق المعتبرة المتقدّمة ككلام الجماعة،و إن كان الأحوط الترك مطلقا و لو مع الضميمة،فراراً من الشبهة الناشئة من الإطلاقات المزبورة،هذا.

و يستفاد من الصحاح الجواز من دون ضميمة أيضاً،لكن مع الكراهة،منها:عن شراء النخل و الكرم و الثمار ثلاث سنين أو أربع سنين، قال:« لا بأس به،يقول:إن لم يخرج في هذه أخرج من قابل،و إن اشتريته سنة فلا تشتره حتى يبلغ،و إن اشتريته ثلاث سنين قبل أن يبلغ فلا بأس» و عن الرجل يشتري الثمرة المسمّاة من أرض فتهلك تلك الأرض كلّها،فقال:« اختصموا في ذلك إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و كانوا يذكرون ذلك،فلمّا رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة و لم يحرّمه،و لكن إنّما فعل ذلك من أجل خصومتهم» (1).

و فيه دلالة على كون النهي للإرشاد و رفع المنازعة،و في غيره كونه للكراهة،كالصحيح:« إنّما يكره شراؤها سنة واحدة قبل أن يطلع مخافة الآفة حتى تستبين» (2).

و نحوهما في عدم كون النهي للحرمة الخبر:« خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسمع ضوضاء،فقال:ما هذا؟فقيل:تبايع الناس بالنخل،فقعد النخل العام،فقال صلى الله عليه و آله:أمّا إذا فعلوا فلا يشتروا النخل حتى يطلع فيه شيء،

ص:7


1- الكافي 5:/175 2،التهذيب 7:/85 364،الإستبصار 3:/87 299،الوسائل 18:210 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 2.
2- التهذيب 7:/87 373،الإستبصار 3:/86 292،الوسائل 18:213 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 8.

و لم يحرّمه» (1).

و لذلك جمع الشيخ بينها و بين المتقدّمة عليها في الكتابين بالكراهة (2)، لكن فتواه بها بمجرّد ذلك غير معلومة،فلعلّها لمجرّد الجمع بين الأخبار المختلفة،مع احتماله الحرمة و الاستحباب معاً في ذيل الباب المذكور فيه الأخبار المزبورة،المشعر بل الظاهر في تردّده في الكراهة،مع احتمال إرادته الكراهة في البيع بعد ظهورها قبل بدوّ الصلاح،كما تشعر به عبارته، سيّما بعد ضمّ سياق بعضها إلى بعض،و لذا نسب جماعة القول بالكراهة إليه في المسألة الآتية دون هذه المسألة (3).

و كيف كان،ففتواه هنا بالكراهة لو كانت،مع أنّها غير معلومة شاذّة،كما دلّ عليها من النصوص و إن كانت بحسب الأسانيد معتبرة، لا تقاوم شيئاً ممّا قدّمناه من الأدلّة،سيّما الإجماعات المحكيّة المستفيضة التي كلّ واحد منها في حكم رواية صحيحة معتضدة بالشهرة العظيمة.

مضافاً إلى ضعف دلالة الصحاح بالضرورة،فالأوّل:بقرب احتمال إرادة بدوّ الصلاح من البلوغ المنهي عن بيع الثمرة قبله،بل لعلّه الظاهر، كما لا يخفى على المتأمّل المتدبّر.

و الثاني:أوّلاً:بأعمّية الكراهة من المعنى المصطلح في هذه الأزمان المتأخّرة،فيحتمل الحرمة،بل يتعيّن،بشهادة الأخبار الظاهرة فيها لمكان النهي،بالضرورة.

ص:8


1- الكافي 5:/174 1،التهذيب 7:/86 366،الإستبصار 3:/88 301،الوسائل 18:209 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 1.
2- التهذيب 7:88،الاستبصار 3:88.
3- منهم:العلّامة في المختلف:376،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:105،و البحراني في الحدائق 19:324.

و ثانياً:باحتمال أن يراد من طلوع الثمرة بلوغها و بدوّ و صلاحها، و لا بأس به و إن بَعُد؛ جمعاً بين الأدلّة.

و بنحوه يجاب عن الثالث،فتأمّل،مضافاً إلى قصور سنده بالجهالة و وجه آخر لضعف الدلالة.

فاحتمال بعض متأخّري متأخّري الطائفة المصير إلى الجواز مع الكراهة (1)ضعيف غايته.

و لا أزيد من عام واحد (2)،على الأظهر الأشهر،بل عن الحلّي عليه الإجماع (3)؛ و هو الحجة.

و المناقشة فيه بخروج مَن سيأتي كما في المختلف (4)مردودة، بناءً على ما عليه أصحابنا من عدم القدح فيه بمثل ذلك بالبديهة،هذا.

مضافاً إلى أكثر ما مرّ من الأدلّة من لزوم الغرر،و الجهالة،و فحاوى الأخبار الآتية،فتأمّل،و إطلاق الموثّقة الثانية (5)بل عمومها الناشئ من ترك الاستفصال.

مضافاً إلى مفهوم بعض المعتبرة بالشهرة،و ما قدّمناه من الأدلّة:عن النخل و الثمر يبتاعهما الرجل عاما واحداً،إلى أن قال:« فإذا أثمرت فابتعها أربعة أعوام إن شئت مع ذلك العام أو أكثر من ذلك أو أقل» (6).

ص:9


1- الحدائق 19:329.
2- عطف على قوله:عاما واحداً،في ص 5.أي:لا يجوز بيع ثمرة النخل قبل ظهورها أزيد من عام واحد.
3- السرائر 2:359.
4- المختلف:376.
5- المتقدمة في ص:6.
6- التهذيب 7:/91 387،الإستبصار 3:/88 302،الوسائل 18:214 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 12.

خلافاً للمقنع و التذكرة (1)،فجوّزاه،كما حكاه جماعة؛ استناداً إلى الأصل و العمومات،و الصحيح:عن شراء النخل،فقال:« كان أبي يكره شراء النخل قبل أن يطلع ثمرة السنة،و لكن السنتين و الثلاثة،كان يقول:

إن لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الأُخرى» و عن الرجل يبتاع النخل و الفاكهة قبل أن يطلع،فيشتري سنتين أو ثلاثاً أو أربعاً؟فقال:

« لا بأس» (2)الحديث.

و ربما يستدل له بإطلاق المعتبرين (3)و الصحيح الأوّل (4)من الصحاح،المتوهَّم معارضتها لهما،من حيث تخصيص المنع في الأوّلين قبل أن يطعم بالحول الواحد،المشعر بالجواز فيما زاد،مع التصريح به فيه أخيراً،و إطلاق جواز البيع ثلاث سنين قبل البلوغ في الأخير،و هو كالأوّل أعمّ من ظهور الثمرة قبل بدوّ الصلاح و عدمه إن كان الأمران مراداً بهما بدوّ الصلاح،و إن أُريد بهما مجرّد ظهور الثمرة و إن بَعُد كان الخبران نصّين في الجواز قبله.

و في الجميع نظر؛ لاندفاع الأوّلين بما مرّ،سيّما أدلّة نفي الغرر.

و تاليهما:باحتمال الطلوع فيه بدوّ الصلاح،كما مرّ.

و يكون المراد يقول:« إن لم يحمل» إلى آخره:إن خاست.

و ارتكاب هذا الحمل فيه و إن بَعُد أولى من ارتكاب الحمل فيما مرّ؛ لكونه بوجوه كثيرة أعظمها الشهرة و أدلّة نفي الغرر المتّفق عليها فتوًى

ص:10


1- المقنع:123،التذكرة 1:502.
2- التهذيب 7:/87 373،الإستبصار 3:/86 292،الوسائل 18:213 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 8.
3- المتقدمين في ص:5.
4- المتقدم في ص:7.

و روايةً بالترجيح أولى و أظهر.

و ربما يستأنس لحمل الطلوع فيه على البلوغ بملاحظة الصحيح الأوّل،حيث اشترط في نفي بأس الشراء ثلاث سنين وقوعه قبل البلوغ الذي مرّ أنّ الظاهر منه بدوّ الصلاح و جعله المعيار له دون غيره،مع تضمّنه قوله في الصدر تعليلاً للجواز:« إن لم يخرج في هذه السنة أخرج من قابل» (1).و لو كان المعيار هو الظهور لكان التبديل به عن البلوغ أولى،كما لا يخفى.

و منه يظهر الجواب عن الاستناد إليه و إلى المعتبرين من حيث جعلهما المعيار في الجواز مع تعدّد السنين و المنع مع الاتّحاد هو قبل الإطعام الظاهر في بدوّ الصلاح،مع حكاية التصريح به عن الصحاح،قال:

أطعَمَتِ النخلة إذا أدرك ثمرها،و أطعَمَت البسرة أي صار لها طعم (2).

ثم لو سلّم الإطلاق المتوهّم لاُجيب عنه بالتقييد بما تقدّم،لما تقدّم، فالقول بالمنع متعيّن.

و كذا لا يجوز بيعها سنة واحدة بعد ظهورها مطلقا، بشرط التبقية أو مطلقا ما لم يبد صلاحها،و هو أن يحمرّ أو يصفرّ على الأظهر الأشهر وفاقاً للإسكافي و الصدوق و الطوسي و الحلبي و ابن حمزة و ابن زهرة العلوي (3)،مدّعياً هو كالمبسوط و الخلاف عليه الإجماع؛ و هو الحجة.

ص:11


1- راجع ص:7.
2- الصحاح 5:1975.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:376،الصدوق في المقنع:123،الطوسي في المبسوط 2:113،و الخلاف 3:85،الحلبي في الكافي في الفقه:356،ابن حمزة في الوسيلة:250،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):586.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،منها زيادة على أكثر النصوص المتقدمة،كالمعتبرة الثلاثة الأُول و الأولى من الصحاح المقابلة لها المعتبرة بالشهرة،مع كون أسانيد بعضها معتبرة،و هي مستفيضة،منها الصحيح:

« لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها» (1).

و الموثق:عن الفاكهة متى يحلّ بيعها؟قال:« إذا كانت فاكهة كثيرة في موضع واحد فأطعم بعضها فقد حلّ بيع الفاكهة كلّها،فإذا كان نوعاً واحداً فلا يحلّ بيعه حتى يطعم،فإن كان أنواعاً متفرقة فلا يباع منها شيء حتى يطعم كلّ نوع منها وحده ثم تباع تلك الأنواع» (2).

و المرسل كالموثق:عن بيع الثمرة قبل أن تدرك،فقال:« إذا كان في ملك بيع له غلّة فقد أدركت فبيع ذلك حلال» (3).

و قريب منه الصحيح:« إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعها جميعاً» (4).

و هما دالّان على المنع في غير محلّ المنطوق الذي منه المفروض، صريحاً في الأوّل،و ظاهراً في الثاني بملاحظة الأوّل.

و الخبران،في أحدهما:عن رجل اشترى بستاناً فيه نخل ليس فيه غير بسر أخضر،فقال:« لا حتى يزهو» قلت:و ما الزهو؟قال:« حتى

ص:12


1- الكافي 5:/175 4،التهذيب 7:/85 365،الإستبصار 3:/87 300،الوسائل 18:211 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 4.
2- التهذيب 7:/92 391،الإستبصار 3:/89 304،الوسائل 18:218 أبواب بيع الثمار ب 2 ح 5.
3- الكافي 5:/175 6،التهذيب 7:/84 361،الإستبصار 3:/87 296،الوسائل 18:217 أبواب بيع الثمار ب 2 ح 2؛ بتفاوت.
4- الكافي 5:/175 5،التهذيب 7:/85 362،الإستبصار 3:/87 297،الوسائل 18:217 أبواب بيع الثمار ب 2 ح 1.

يتلوّن» (1)و في الثاني:« لا تشتره حتى يتبيّن صلاحه» (2).

و المروي عن كتاب علي بن جعفر:عن شراء النخل سنة واحدة، قال:« لا يشترى حتى يبلغ» (3).

و نحوها المروي في حديث المناهي المروي في آخر الفقيه:« نهى أن تباع الثمار حتى تزهو» (4).

و هي مع استفاضتها و اعتضادها بالأخبار الأوّلة واضحة الدلالة، للتصريح فيها منطوقاً في بعض و مفهوماً في آخر بالمنع قبل بدوّ الصلاح، كما في جملة منها،و الصحيح:هل يجوز بيع النخل إذا حمل؟فقال:

« لا يجوز بيعه حتّى يزهو» قلت:و ما الزهو جعلت فداك؟قال:« يحمرّ و يصفرّ و شبه ذلك» (5).

أو قبل البلوغ كما في بعض،أو الإطعام،كما في آخر،أو الإدراك، كما في ثالث.

و ظاهر هذه الألفاظ المتبادر منها عند الإطلاق هو بدوّ الصلاح،و قد مرّ عن الصحاح (6)ما يدلّ عليه في الثاني،و أخبارهم عليهم السلام يكشف بعضها

ص:13


1- الكافي 5:8/176،التهذيب 7:359/84،الإستبصار 3:294/86،الوسائل 18:212 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 5.
2- التهذيب 7:/91 388،الإستبصار 3:/89 203،الوسائل /18 214 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 13.
3- مسائل علي بن جعفر:/169 284،الوسائل 18:217 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 22.
4- الفقيه 4:/2 1،الوسائل 18:215 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 14.
5- الكافي 5:/175 3،الفقيه 3:/133 580،التهذيب 7:/85 363،الإستبصار 3:/87 298،الوسائل 18:211 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 3.
6- راجع ص:4014.

عن بعض.

خلافاً للمفيد و الديلمي و الحلّي و التذكرة و الروضتين (1)،فالجواز مع الكراهة؛ عملاً في الأوّل بالأصل و العمومات و الصحيحة المتقدّمة (2)سنداً للمقنع في المسألة السابقة،لتصريحها بالكراهة قبل أن تطلع ثمرة السنة، و المراد بها الكراهة الاصطلاحية،بقرينة ما مرّ في بعض المعتبرة السابقة من أنّه عليه السلام نهاهم عن ذلك و لم يحرّمه (3)،فتصرف الأخبار الناهية إليها،مع احتمالها الحمل على التقيّة،كما يستفاد من بعض المعتبرة،كالصحيح:عن بيع النخل سنتين،فقال:« لا بأس» قلت:جعلت فداك،إنّ ذا عندنا عظيم، قال:« أما إنّك إن قلت ذلك لقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله أحلّ ذلك فتظلموا» فقال عليه السلام:«لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها» (4).

و في الثاني إلى الصحيحة المتضمّنة للكراهة (5)،و إلى الشبهة الناشئة من الخلاف في المسألة فتوًى و روايةً.

و المناقشة في الجميع واضحة؛ لاندفاع الأوّلين بما مرّ من الأدلّة، كاندفاع الثالث بها و بمتروكية الظاهر إن أُريد من الطلوع فيه مجرّد الظهور، و بأعمّية الكراهة من المعنى المصطلح علية بين متأخّري الطائفة إن أُريد به البلوغ،كما عليه بناء الحجة،و مرّت إلى صحته الإشارة (6)،فيحتمل

ص:14


1- المفيد في المقنعة:602،الديلمي في المراسم:177،الحلي في السرائر 2:359،التذكرة 1:504،اللمعة(الروضة البهية 3):355.
2- في ص:9.
3- راجع ص:7.
4- راجع ص:12.
5- المتقدمة في ص:9.
6- راجع ص:8.

الحرمة،فلتصرف إليها،جمعاً بين الأدلّة،سيّما بعد ملاحظة الصحيحة المضاهية له في السياق و العبارة،المصرّحة بالنهي الظاهر في الحرمة (1).

و دلالة القرينة المزبورة على الكراهة الاصطلاحية غير معلومة إلّا بعد معلوميّة تعلّق نهيه صلى الله عليه و آله الذي ليس للحرمة ببيع الثمرة سنة واحدة،و ليس في المعتبرة المتضمّنة لهذه القرينة ذكر لذلك،بل و لا إيماء إليه و لا إشارة، فيحتمل تعلّقه إلى بيعها سنتين قبل بدوّ صلاحها لا مطلقا.

و لعلّه يشير إليه الصحيحة المستشهد بها للحمل على التقية،حيث إنّ الظاهر منها وقوع التظلّم في مورد السؤال فيها،و هو البيع سنتين الذي يأبى عنه العامة،كما يشعر إليه سياق الرواية،و يستشعر أيضاً من عبارة الغنية (2)، بل حكي التصريح به عن السرائر و التذكرة (3).و الظاهر أنّ قضية التظلّم الذي تعقّبها النهي الذي ليس للحرمة بمقتضى المعتبرة المتقدّمة مع هذه القضية واحدة.

و من هنا انقدح وجه الجواب عن الاستشهاد بهذه الصحيحة لحمل أخبار المنع على التقية،فإنّ ما منعت عنه العامّة بمقتضى الرواية و عبارة الغنية هو البيع قبل بدوّ صلاح الثمرة سنتين لا خصوص السنة الواحدة،كما هي مورد الروايات السابقة.

و للمحكي عن ظاهر الديلمي (4)،فالتفصيل بين السلامة من الآفة إلى أوان بلوغ الثمرة فالصحة،لكن لم يذكر عنه الكراهة،و عدمها فالأوّل،

ص:15


1- راجع ص:5.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):586.
3- السرائر 2:358،التذكرة 1:504.
4- حكاه عنه في الحدائق 19:333،انظر المراسم:177.

بمعنى تبيّن فساد المعاملة؛ جمعاً بين الأدلّة.

و هو مع الندرة و عدم وضوح الشاهد عليه و الحجّة يتوجّه عليه المناقشات السابقة،فهو أضعف من سابقه بالضرورة.

نعم لو ضمّ إليها شيء يجوز بيعه منفرداً أو بيعت أزيد من سنة،أو بشرط القطع في الحال و إن لم يقطع بعد ذلك مع تراضيهما عليه جاز إجماعاً في الظاهر،و صرّح به في الأخيرين في الغنية و الخلاف و المبسوط و التذكرة (1)،و في الجميع في السرائر و التنقيح و شرح الشرائع للصيمري (2)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا ما ربما يتوهّم منه من إطلاق الأخبار المانعة.

و المناقشة فيه واضحة؛ لاختصاصها بحكم التبادر بغير صورة البيع بأحد الأُمور المزبورة،مع التصريح في بعضها بعد المنع بجوازه بالضميمة في صورة بيع الثمرة قبل طلوعها،المستلزم لجوازه هنا بطريق أولى إن حمل الطلوع فيه على الظهور،و إلّا فهو نصّ في المقام جدّاً.

و في آخر منها مستفيض بجواز البيع سنتين فصاعداً قبل البلوغ،كما في بعضها،أو الطلوع،كما في الآخر،و طريق الاستدلال به ظاهر مما قدّمنا.

و في ثالث بالجواز مع القطع،كما قيل (3).

ص:16


1- الغنية(الجوامع الفقهية):586،الخلاف 3:85،المبسوط 1:113،التذكرة 1:504.
2- السرائر 2:360،التنقيح الرائع 2:104.
3- مفاتيح الشرائع 3:56.

و ينبغي تقييده ككلام الأصحاب،و به صرّح بعضهم (1)بكون المشروط قطعها ممّا ينتفع به عند العقلاء،فإنّ المعاملة بدونه تعدّ سفهاً عرفاً،كما مراراً قد مضى.

و ألحق الفاضل بالثلاثة بيعها على مالك الأصل،و بيع الأُصول مع استثناء الثمرة (2).

و فيهما نظر؛ لخروج الثاني عن محلّ الفرض،فإنّه لا بيع هنا و لا نقل ثمرة،و عدم وضوح دليل على الأوّل عدا التبعيّة،و لا تكون إلّا إذا بيعت مع الأصل،و لذا قال بالبطلان في التحرير،و حكي عن الخلاف و المبسوط (3)(4). و يجوز بيعها مع أُصولها مطلقا و إن لم يبد صلاحها و كان عارياً من الشرائط الثلاثة،إجماعاً،فإنّها في معنى الضميمة جدّاً.

ثم إنّ تفسير البدوّ بالاحمرار و الاصفرار خاصّة في العبارة هو الأظهر الأشهر بين الطائفة،كما عن الإسكافي و الطوسي و القاضي و الصهرشتي (5)،

ص:17


1- الحدائق 19:335.
2- كما في قواعد الأحكام 1:130.
3- التحرير 1:188،الخلاف 3:87،المبسوط2:114.
4- نعم ادّعى الإجماع عليه في القواعد(1:130)و هو حسن إن تمّ.(منه رحمه الله).
5- هو الشيخ الثقة الجليل نظام الدين أبو الحسن أو أبو عبد اللّه سليمان بن الحسن بن سليمان الصّهرشتي،و كان عالماً كاملاً،فقيهاً،وجهاً،ديّناً،ثقة،شيخاً من شيوخ الشيعة،و من كبار تلامذة السيد المرتضى و الشيخ أبي جعفر الطوسي،و يروي عنهما و عن الشيخ المفيد،و أبي يعلى الجعفري،و أبي الحسين النجاشي،و أبي الفرج القزويني،و أبي عبد اللّه الحسين بن الحسن بن بابويه ابن أخي الصدوق و جدّ الشيخ منتجب الدين صاحب الفهرست،و أبي الحسن الفتال و يروي عنه الشيخ حسن بن الحسين بن بابويه المعروف بحسكا.له كتب عديدة:منها:كتاب قبس المصباح في الأدعية و هو ملخص مصباح المتهجّد لأستاذه أبي جعفر الطوسي،شرح النهاية للطوسي أيضاً،النفيس في الفقه،تنبيه الفقيه،النوادر،التبيان في عمل شهر رمضان،نهج المسالك إلى معرفة المناسك،شرح ما لا يسع جهله،عمدة الولي و غيرها.و قد ينقل عنه في بعض الكتب الفقهية كالمعتبر و الذكرى و غاية المراد و غيرهما.و لمزيد الاطلاع انظر:معالم العلماء:/56 373،فهرست منتجب الدين:/85 184،أمل الآمل 2:128،/129 358،360،رياض العلماء 2:445 449،رجال بحر العلوم 2:40 42،روضات الجنات 4:11 13،أعيان الشيعة 7:296،الكنى و الألقاب 2:395.

و الحلّي (1)،و هو مختار الشهيدين و الفاضل في أكثر كتبه (2).

و عليه دلّت أكثر النصوص المتقدّمة و إن اختلفت في الظهور و الصراحة،فمن الأوّل:المعتبرة المستفيضة المعبّرة عنه بالإطعام،كما في بعض،و البلوغ،كما في آخر،و الإدراك،كما في ثالث.

و من الثاني:المعتبران المعبّران عنه بالزهو المفسَّر فيهما و في كلام أهل اللغة كما حكاه جماعة (3)بالتلوّن،كما في أحدهما (4)،و الاحمرار و الاصفرار كما في الثاني (5).

و قصور سندهما منجبر بالشهرة العظيمة،و يرجع إليهما الأخبار الأوّلة بحمل الألفاظ الثلاثة فيها على ما فيهما لصدقها مع الاحمرار و الاصفرار جدّاً.

ص:18


1- حكاه عن الإسكافي في المهذب البارع 2:436،الطوسي المبسوط 2:114،القاضي في المهذب 1:380،الحلّي في السرائر 2:361.
2- الشهيدان في اللمعة و الروضة 3:355،الفاضل في التذكرة 1:503،و التحرير 1:188،و القواعد 1:130.
3- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح 2:106،و المجلسي في مرآة العقول 19:175.
4- راجع ص:12.
5- راجع ص:13.

و نحوهما في الصراحة أخبار عامّية منجبرة بالشهرة،منها:« نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن بيع الثمرة حتى تُشَقِّح» قيل:و ما التشقيح؟قال:

« تحمرّ و تصفرّ و يؤكل منها» (1).

و منها:عن قوله« حتى تزهو؟» قال:« تحمرّ و تصفرّ» (2).

خلافاً للماتن في الشرائع و الفاضل في الإرشاد (3)،فزادا:أو بلوغ غاية يؤمن عليها الفساد.و لعلّه للجمع بين ما مرّ و بين الخبر الذي مرّ، و فيه:« لا،حتى يثمر و يؤمن ثمرتها من الآفة» (4)و نحوه خبران عاميّان (5).

و ضعف الجميع سنداً،بل و دلالة باحتمال أن يراد بزمان أمن الثمرة من الآفة زمان احمرارها و اصفرارها كما صرّح به بعض الأجلّة (6)،مع عدم المقاومة لما مرّ جدّاً يضعف الاستناد إليه قطعاً،مع احتمال إرادة الفاضلين من الترديد التنبيه على تعدّد القولين،و لم نقف على القائل بالثاني خاصّة، و لا ريب في ضعفه و إن وجد القائل به،و عليه فالمرجع فيه إلى العادة.

و ربما حدّ في النبوية العامية بطلوع الثريا (7).

و ردّها بالضعف سنداً جماعة (8)،و زاد بعضهم القصور من حيث

ص:19


1- صحيح البخاري 3:101،سنن البيهقي 5:301،سنن أبي داود 3:/253 3370.
2- صحيح البخاري 3:101،سنن البيهقي 5:300.
3- الشرائع 2:52،الإرشاد 1:363.
4- التهذيب 7:/91 387،الإستبصار 3:/88 302،الوسائل 18:214 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 12.
5- سنن البيهقي 5:300،سنن أبي داود 3:/252 3368،مسند أحمد 2:42؛ بتفاوت يسير.
6- الحدائق 19:339.
7- مسند أحمد 2:42،سنن البيهقي 5:300.
8- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:205،السبزواري في الكفاية:100،و صاحب الحدائق 19:335.

الدلالة (1).

و كذا لا يجوز بيع ثمرة الشجرة سنة حتى تظهر و يبدو صلاحها لعين ما مرّ،و إن اختصّ بعضها بالنخل.

مضافاً إلى الموثق:عن الكرم متى يحلّ بيعه؟فقال:« إذا عقد و صار عقوداً،و العقود اسم الحصرم بالنبطية» (2).

و هو أي بدوّ الصلاح هنا أن ينعقد الحبّ و إن كان في كِمام، بكسر الكاف،جمع أكِمّة بفتح الهمزة و كسر الكاف و فتح الميم مشدّدة، و هي غطاء الثمرة و النور كالرمّان،و كذا لو كان في كِمامين،كالجوز و اللوز.

و على هذا التفسير كما هنا و في أكثر كتب الفاضل (3)لم يختلف الظهور و بدوّ الصلاح،و إنّما يختلفان في النخل خاصّة.

و يظهر الاختلاف هنا أيضاً على غيره من جعل البدوّ تناثر الزهر بعد الانعقاد،كما عن النهاية و الكامل و السرائر و التحرير و الدروس (4)،بل ادّعى عليه الشهرة المطلقة أو المتأخّرة خاصّة جماعة (5)؛ أو تلوّن الثمرة،أو صفاء لونها،أو الحلاوة و طيب الأكل في مثل التفاح،أو النضج في مثل البطيخ، أو تناهي عظم بعضه في مثل القثّاء،كما عن المبسوط و المهذب (6).

و منشأ الاختلاف في التفاسير اختلاف النصوص في التعبير،فبين

ص:20


1- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 8:206.
2- الكافي 5:/178 18 بتفاوت يسير،التهذيب 7:/84 358،الوسائل 18:212 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 6.
3- انظر التذكرة 1:504،و التحرير 1:188،و القواعد 1:130.
4- النهاية:414،السرائر 2:363،التحرير 1:188،الدروس 3:235.
5- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 2:107.
6- المبسوط 1:114،المهذب 1:381.

ما عبّر فيه بالانعقاد و الصيرورة حصرماً،كما مرّ في الموثّق،و به استدل للأوّل.و فيه نظر.

و ما عبّر به بزيادة سقوط الورد،كما في القول الثاني،و فيه:« ثمرة الشجرة لا بأس بشرائها إذا صلحت ثمرته» فقيل له:و ما صلاح ثمرته؟ فقال:« إذا عقد بعد سقوط ورده» (1).

و ما عبّر بالطعم أو البلوغ أو الإدراك الراجع بحكم التبادر إلى القول الثالث،و هو المعتبرة المستفيضة المتقدّم إليها الإشارة.

و خيرها أوسطها؛ لانجبار ضعف ما دلّ عليه سنداً بالشهرة المحكيّة جدّاً،و قصور الأخبار الأخيرة عن المقاومة له دلالةً،لاحتمال إرجاع ما فيها من الألفاظ الثلاثة إليه جدّاً،كما فعل فيما تقدّم.

و لا ريب أنّ الأخير أحوط،فلا يترك مهما أمكن.

و إذا أدرك بعض ثمرة البُستان جاز بيع ثمرته أجمع بلا خلاف، بل عليه الإجماع في كلام جماعة،كالمختلف و المسالك و شرح الشرائع للصيمري و غيرهم (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة المتقدم إليها الإشارة،و فيها الصحيح و المرسل كالموثق:« إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعه جميعاً» (3)كما في الأوّل.

و في الثاني:عن بيع الثمرة قبل أن تدرك،فقال:« إذا كان في ملك

ص:21


1- التهذيب 7:/91 388،الإستبصار 3:/89 203،الوسائل 18:214 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 13.
2- المختلف:376،المسالك 1:205،و انظر الحدائق 19:337.
3- الكافي 5:/175 5،التهذيب 7:/85 362،الإستبصار 3:/87 297،الوسائل 18:217 أبواب بيع الثمار ب 2 ح 1.

بيع له غلّة قد أدرك فبيع كلّه حلال» (1).

و إطلاق النص و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الضميمة بين أن تكون متبوعة أو تابعة.

و لا ريب في الأولى؛ للقاعدة المطّردة من صحة المعاملة مع الضميمة التي تكون بالذات مقصودة مخرجة لها عن الغرر و المجازفة،و قد تقدّم إلى ذكرها مراراً الإشارة.

و كذا في الثانية بعد ما عرفت من إطلاق النص و الفتوى المخرجين لها عمّا دلّ على فساد المعاملة و لو بضمّ ضميمة ليست بالذات مقصودة إذا اشتملت على الغرر و الجهالة.

و من هنا انقدح وجه القدح في استدلال جماعة (2)بقاعدة الضميمة المزبورة لصحة هذه المعاملة مطلقا و لو في الصورة الثانية،فإنّها لم تنهض بإثباتها إلّا في الصورة الأُولى خاصّة.

و لعلّ الوجه فيه أنّ الضميمة هنا ليست لدفع الغرر و الجهالة حتى يأتي فيها التفصيل المتقدم إليه الإشارة،لاختصاص مثله بما يتصوّر فيه الأمران لو خلا عنها،و ليس منه مفروض المسألة،بناءً على أنّ المنع عن بيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها إنّما هو تعبّد محض نهض بإثباته الأخبار المانعة،لولاها لتعيّن المصير إلى الجواز،نظراً إلى الأصل،و العمومات السليمة عن معارضة الغرر و المجازفة،لاندفاعهما بالمشاهدة،و لذا صار

ص:22


1- الكافي 5:/175 6،التهذيب 7:/84 361،الإستبصار 3:/87 296،الوسائل 18:217 أبواب بيع الثمار ب 2 ح 2.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:205،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:207،و صاحب الحدائق 19:337.

إليه جماعة (1)بعد حملهم تلك الأخبار على الكراهة بشهادة بعضها كما زعموه،بل ضمّها هنا ليس إلا للذبّ و الفرار عن الدخول تحت إطلاق تلك الأخبار بناءً على اختصاصها بحكم التبادر بغير المضمار.

و لو أدرك ثمرة بستان ففي جواز بيع بستان آخر لم يدرك منضمّاً إليه تردّد ينشأ من إطلاق تلك الأخبار المانعة عن بيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح،و اختصاص ما تقدّم من الإجماع و المعتبرة بالمسألة الأُولى خاصّة،و ليس مثلها المسألة،فإنّ لكلّ بستان حكمه.

مضافاً إلى ظاهر بعض المعتبرة،كالموثق:عن الفاكهة متى يحلّ بيعها؟قال:« إذا كانت فاكهة كثيرة في موضع واحد فأطعم بعضها فقد حلّ بيع الفاكهة كلّها،فإذا كان نوعاً واحداً فلا يحلّ بيعه حتى يطعم،فإن كان أنواعاً متفرّقة فلا يباع منها شيء حتى يطعم كلّ نوع منها وحده ثم تباع تلك الأنواع» (2).

و ممّا عرفت من انصراف إطلاق تلك الأخبار بحكم التبادر إلى غير صورة الضميمة،فيتّجه الحكم بالصحة معها،بناءً على ما عرفت من عموم أدلّتها السليمة مع الضميمة عن معارضة الأخبار المانعة،و أنّه لا غرر هنا، و كون المنع على تقديره إنّما هو تعبّد محض لا للمجازفة.

و معارضةِ الموثّقة بأقوى منها من المعتبرة سنداً و دلالةً،و هو الرواية الثانية المتقدّمة في المسألة السابقة (3)،لشمولها للمسألة؛ مضافاً إلى ضعف

ص:23


1- منهم:الشيخ في التهذيب 7:88،و العلّامة في التذكرة 1:502،و المحقق الثاني غ في جامع المقاصد 4:162،و الشهيد في المسالك 1:205،و صاحب الحدائق 19:333.
2- التهذيب 7:/92 391،الإستبصار 3:/89 304،الوسائل 18:218 أبواب بيع الثمار ب 2 ح 5.
3- راجع ص:21.

دلالة الموثّقة بقرب احتمال خروجها عن مفروض المسألة باشتراطها في صحة بيع الثمرة مع الضميمة اتّحاد النوع،و لم يقل به أحد من الطائفة، فيكون حينئذٍ شاذّة،و صرّح بذلك بعض الأجلّة (1).

و منه يظهر أنّ الجواز أشبه و مع ذلك هو بين المتأخّرين أشهر.خلافاً للمبسوط و الخلاف (2).و هو ضعيف.

و يصحّ بيع ثمر الشجرة بعد انعقاد الحبّ مطلقا و لو كان في الأكمام منضمّاً إلى أُصوله كان أ و منفرداً بلا خلاف أجده؛ للأصل، و العمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة،عدا توهّم لزوم الغرر و الجهالة باستتار الثمرة.و يندفع بجواز البيع بناءً على أصالة الصحة،كما مرّ في بحث بيع المسك في فأره و نحوه إلى ذكره الإشارة (3).

و كذا يجوز بيع الزرع قائماً على أُصوله مطلقا،قصد قصله أم لا و حصيداً أي محصوداً و إن لم يعلم ما فيه؛ استناداً في الأوّل إلى أنّه قابل للعلم مملوك فتتناوله الأدلّة من عمومات الكتاب و السنة.

و في الثاني إلى أنّه حينئذٍ غير مكيل و لا موزون،بل يكفي في معرفته المشاهدة،فتتناوله تلك الأدلّة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة فيهما،منها الصحاح،في أحدها:

أ يحلّ شراء الزرع الأخضر؟قال:« نعم لا بأس به» (4).

و في الثاني:« لا بأس بأن تشتري زرعاً أخضر ثم تتركه حتى تحصده

ص:24


1- الحدائق 19:338.
2- المبسوط 2:114،الخلاف 3:88.
3- راجع ص:246 ج 8.
4- الكافي 5:/274 2،التهذيب 7:/142 630،الإستبصار 3:/113 399،الوسائل 18:234 أبواب بيع الثمار ب 11 ح 2.

إن شئت أو تعلفه قبل أن يسنبل و هو حشيش» (1).

و قريب منه الثالث و غيره:« لا بأس أن تشتري زرعاً أخضر،فإن شئت تركته حتى تحصده،و إن شئت بعته حشيشاً» (2).

و منها الموثّق:عن شراء القصيل يشتريه الرجل،فلا يقصله و يبدو له في تركه حتى يخرج سنبله شعيراً أو حنطة و قد اشتراه من أصله على أنّ ما يلقاه من خراج فهو على العِلْج (3)،فقال:« إن كان اشترط عليه الإبقاء حين اشتراه إن شاء قطعه قصيلاً و إن شاء تركه كما هو حتى يكون سنبلاً،و إلّا فلا ينبغي له أن يتركه حتى يسنبل» (4).

و منها الخبر:عن بيع حصائد الحنطة و الشعير و سائر الحصائد،قال:

« حلال بيعه فليبعه بما شاء» (5).

و لا خلاف في شيء من ذلك إلّا ما يحكى عن المقنع في الأوّل، حيث شرط كونه سنبلاً أو القصيل (6).

و له الخبر:عن الحنطة و الشعير أشتري زرعه قبل أن يسنبل و هو حشيش؟قال:«لا إلّا أن يشتريه لقصيل يعلفه الدوابّ ثم يتركه إن شاء

ص:25


1- الكافي 5:/274 1،التهذيب 7:/142 629،الإستبصار 3:/112 395،الوسائل 18:234 أبواب بيع الثمار ب 11 ح 1.
2- التهذيب 7:/144 639،الإستبصار 3:/112 394،الوسائل 18:235 أبواب بيع الثمار ب 11 ح 6.
3- العِلْج:الكافر،قال في الوافي 18:549:يعني على أن يكون الخراج على البائع دون المشتري،فإنّ الزرّاع و الأكرة كانوا يومئذٍ من كفّار العجم.
4- الكافي 5:/275 6،الفقيه 3:/148 651،التهذيب 7:/142 626،الإستبصار 3:/112 396،الوسائل 18:236 أبواب بيع الثمار ب 11 ح 7.
5- الكافي 5:/276 4،التهذيب 7:/141 622.
6- المقنع:131.

حتى يسنبل» (1).

و فيه مضافاً إلى الضعف سنداً بالبطائني قصور عن المقاومة لما مرّ جدّاً من وجوه شتّى.

و أمّا الموثّق:« لا تشتر الزرع ما لم يسنبل،فإذا كنت تشتري أصله فلا بأس بذلك..» (2)فليس له فيه حجّة؛ لظهور السياق في أنّ المراد بالزرع هو الحاصل،و قد مرّ أنّه لا يجوز بيعه قبل بدوّ صلاحه الذي هو انعقاد حبّه،و الشاهد عليه قوله عليه السلام:« فإذا كنت تشتري أصله» إلى آخره، فتأمّل.

ثم إنّ ظاهر النصوص و الفتاوى استحقاق المشتري الصبر إلى أوان البلوغ،فيجب على البائع الصبر إليه جدّاً،إلّا أنّ الموثّقة الأُولى ظاهرة في خلافها حيث دلّت على أنّه لا ينبغي الترك حتى يسنبل مع عدم شرط الإبقاء،و لكن ليس نصّاً في التحريم،بل و لا ظاهراً،بل ربما أشعرت اللفظة بالكراهة جدّاً،فلا بأس بحملها عليها؛ لذلك،أو جمعاً.

و أمّا حملها على صورة البيع قصيلاً كما يشعر به صدراً فلا وجه له أصلاً،أوّلاً:بضعف إشعار الصدر،فإنّ شراء القصيل أعمّ من شرائه قصيلاً.

و ثانياً:بأنّ شراءه كذلك ينافي التفصيل في الجواب بقوله:« إن كان اشترط عليه الإبقاء» الى آخره،ظاهراً؛ لمنافاة اشتراط الإبقاء الشراء قصيلاً،إذ معناه الشراء بشرط القطع جدّاً،و صرّح به الحامل ايضاً (3).

ص:26


1- الفقيه 3:/149 655،الوسائل 18:237 أبواب بيع الثمار ب 11 ح 10.
2- التهذيب 7:/144 637،الإستبصار 3:/113 402،الوسائل 18:220 أبواب بيع الثمار ب 3 ح 3.
3- الحدائق 19:365.

و يجوز بيع الخُضر كالقثّاء و الباذنجان و البطيخ و الخيار بعد انعقادها و ظهورها،و إن لم يتناه عظمها على المشهور.خلافاً للمبسوط، اشترطه،كما مرّ (1).

لقطة و لقطات معيّنة معلومة العدد.

كما يجوز شراء الثمرة الظاهرة و ما يتجدّد في تلك السنة و في غيرها مع ضبط السنين؛ لأنّ الظاهرة منها بمنزلة الضميمة إلى المعدوم سواء كانت المتجدّدة من جنس الخارجة أم غيره.

و المرجع في اللقطة العرف،فما دلّ على صلاحيته للقطع يُقطع،و ما دلّ على عدمه لصغره أو شكّ فيه لا يدخل.أمّا الأوّل فواضح،و أمّا المشكوك فيه فلأصالة بقائه على ملك مالكه،و عدم دخوله فيما أُخرج باللقط.

و كذا يجوز بيع ما يجزّ كالرطْبة بفتح الراء و سكون الطاء، نبت خاصّ،قيل (2):له أوراق صغار ذو بسط في الجملة،يقال له بالفارسية:اسبست،كما عن الصحاح و المغرب (3) جزّة و جزّات و كذا ما يخرط أصل الخرط أن يقبض باليد على أعلى القضيب ثم يمرّها عليه إلى أسفله ليأخذ منه الورق،و منه المثل السائر دونه خرط القتاد،و المراد هنا ما يقصد من ثمرته ورقه كالحِنّاء و التوت بالتاءين من فوق خرطة و خرطات و دليل الجواز في الكلّ بعد الوفاق في الظاهر الأصل،و العمومات السليمة عن المعارض،مضافاً إلى المعتبرين في الأخيرين أحدهما الموثق

ص:27


1- في ص:20.
2- مجمع الفائدة و البرهان 8:210.
3- الصحاح 1:203،المغرب 1:210.

عن ورق الشجر،هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات؟ فقال:« إذا رأيت الورق في شجره فاشتر منه ما شئت من خرطة» (1).

و هو في غاية الظهور فيما عليه المشهور من اشتراط الصحة بالظهور.

خلافاً للمحكي عن ظاهر ابن حمزة في نحو الجزّة الثانية و الثالثة، فجوّز بيعها منفردة قبل الظهور (2).و هو بأدلّة الغرر و الجهالة محجوج.

و بها و بالموثّقة يقيّد إطلاق الرواية الثانية:عن الرطبة يبيعها هذه الجزّة و كذا و كذا جزّة بعدها؟قال:« لا بأس به» و قال:« كان أبي عليه السلام يبيع الحِنّاء كذا و كذا خرطة» (3).مع ظهور صدرها فيما دلّت عليه الموثّقة.

و لو باع الأُصول من النخل بعد التأبير فالثمرة للبائع بلا خلاف إلّا من ابن حمزة،فحكم بأنّها قبل البدوّ للمبتاع مطلقا (4).و المعتبرة و غيرها من الأدلّة عليه حجّة.

و كذا لو باع الشجرة بعد انعقاد الثمرة كانت للبائع مطلقا، مستورة كانت أو بارزة ما لم يشترطها المشتري فيدخل هنا و سابقاً، على الأشهر الأقوى.

خلافاً للمبسوط و القاضي في المستورة،كالورد الذي لم ينفتح، فحكما بالدخول مطلقا،اشترط أم لا (5).و الكلام في المقامين و ما يتعلّق

ص:28


1- الكافي 5:/176 7،الفقيه 3:/133 578،التهذيب 7:/86 367،الوسائل 18:221 أبواب بيع الثمار ب 4 ح 2.
2- انظر الوسيلة:253.
3- الكافي 5:/177 11،التهذيب 7:/86 368،الوسائل 18:221 أبواب بيع الثمار ب 4 ح 3.
4- الوسيلة:250.
5- المبسوط 2:102،القاضي في المهذب 1:375.

بهما قد مضى في بحث ما يدخل في المبيع مفصّلاً (1).

و حيث ما كانت الثمرة للبائع وجب عليه أي المشتري تبقيتها إلى أوان بلوغها و أخذها عرفاً بحسب تلك الشجرة،من بسر أو رطب أو تمر أو عنب أو زبيب.

و إن اضطرب العرف فالأغلب.

و مع التساوي ففي الحمل على الأقلّ،اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على حُرمة التصرف في مال المشتري على المتيقّن،أو الأكثر،بناءً على ثبوت أصل الحقّ فيستصحب إلى أن يثبت المزيل،أو اعتبار التعيين و بدونه يبطل،للاختلاف المؤدّي إلى الجهالة،أوجه.

و لا خلاف في أصل الحكم.و مستندهم فيه مع مخالفته الأصل المتقدّم للعبد غير واضح،و استناد البعض (2)إلى استلزام كون الثمرة للبائع ذلك غير بيّن.

و حديث نفي الضرر بالمثل معارض،فإن كان إجماع أو قضاء عادة بذلك،و إلّا فالأمر على الفقير ملتبس.

نعم،ربما يستأنس له بنصوص الزرع المتقدّمة الدالة عليه فيه بأوضح دلالة،و لعلّه مع عدم الخلاف كافٍ للحجة في المسألة.

و يجوز أن يستثني البائع ثمرة شجرة معيّنة أو شجرات بعينها، أو حصّة مشاعة كالنصف و الثلث أو أرطالاً معلومة بحيث يزيد عنها بقدر ما يقابل الثمن،بلا خلاف إلّا من الحلبي (3)في الأخير،فمنعه للجهالة.

ص:29


1- راجع ص:352 ج 8.
2- المسالك 1:205.
3- انظر الكافي في الفقه:356.

و في المسالك:الأصحاب على خلافه (1)؛ لمنع الجهالة بعد تعيّن مقدار الثمرة المبيعة بالمشاهدة،و به مع ذلك رواية صريحة،صحيحة عند جماعة (2)،و فيها:إنّ لي نخلاً بالبصرة،فأبيعه و أُسمّي الثمن،و أستثني الكرّ من التمر أو أكثر أو؟العدد من النخل،قال:« لا بأس» (3).

و نحوها اخرى لراويها عن الكافي مرويّة:في الرجل يبيع الثمرة ثم يستثني كيلا و تمراً،قال:« لا بأس به» قال:و كان مولى له عنده جالساً فقال المولى:إنّه ليبيع و يستثني[أوساقاً] يعني أبا عبد اللّه عليه السلام قال:فنظر إليه و لم ينكر ذلك من قوله (4).

و لو خاست الثمرة بأمر منه سبحانه سقط من الثُّنيا و هو المستثنى بحسابه و نسبتِه إلى الأصل في الصورتين الأخيرتين خاصّة، بخلاف الأُولى،فإنّ استثناءها كبيع الباقي منفرداً،فلا يسقط منها بتلف شيء من المبيع،لامتياز حقّ كلّ واحد عن صاحبه،بخلاف الأخيرتين، لأنّه فيهما شائع في الجميع،فيوزّع الناقص عليهما إذا كان التلف بغير تفريط.

و طريق توزيع النقص على الحصّة المشاعة جعل الذاهب عليهما و الباقي لهما.

و أمّا في الأرطال المعلومة فيعتبر الجملة بالتخمين و ينسب إليها

ص:30


1- المسالك 1:205.
2- روضة المتقين 7:77،كفاية الأحكام:100؛ و انظر مجمع الفائدة 11:547.
3- الكافي 5:/175 4،التهذيب 7:/85 365،الإستبصار 3:/87 300،الوسائل 18:211 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 4.
4- الفقيه 3:/132 577،الوسائل 18:242 أبواب بيع الثمار ب 15 ح 1.ما بين المعقوفين من المصدر.

المستثنى،ثم ينظر الذاهب فيسقط منه بتلك النسبة.

و لا يجوز بيع ثمرة النخل بتمر منها إجماعاً،كما في المبسوط و المختلف و المسالك و الروضة و شرح الشرائع للمفلح الصيمري و المهذب (1)،و غيرها من كتب الجماعة (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،منها الصحيح:« نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن المحاقلة و المزابنة» (3).و نحوه الموثق (4).

و النبوي:أنّه نهى عن بيع المحاقلة و المزابنة.و المحاقلة:بيع الزرع و هو في سنبله بالبرّ،و المزابنة:بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر (5).

و يستفاد منه ما في العبارة و كلام الجماعة كافّة من أنّ هذه المعاملة هي المزابنة و أنّ المعاملة الآتية هي المحاقلة،مع أنّ ذلك محكي عن جملة من أهل اللغة (6).

إلّا أنّ المستفاد من ذيل الخبرين الأوّلين سيّما الثاني عكس التفسيرين؛ إذ فيه:المحاقلة بيع النخل بالتمر،و المزابنة بيع السنبل بالحنطة،و حُمِل على و هم الراوي (7).و لا بأس به؛ جمعاً،فإنّ ما عليه

ص:31


1- المبسوط 2:117،المختلف:377،المسالك 1:205،الروضة 3:361،المهذب البارع 2:439.
2- انظر الخلاف 3:94،و مرآة العقول 19:361،و الحدائق 19:352.
3- الكافي 5:/275 5،التهذيب 7:/143 633،الإستبصار 3:/91 308،الوسائل 18:239 أبواب بيع الثمار ب 13 ح 1.
4- التهذيب 7:/143 635،الإستبصار 3:/91 309،الوسائل 18:239 أبواب بيع الثمار ب 13 ح 2.
5- معاني الأخبار:277،الوسائل 18:240 أبواب بيع الثمار ب 13 ح 5.
6- الفائق 1:298،تهذيب اللغة 13:227،المصباح المنير:251.
7- التذكرة 1:508.

الأصحاب أقوى،لإجماعهم عليه ظاهراً،مع اعتضاده بالنبوي المتقدّم، المنجبر ضعفه بعملهم جدّاً.

مع أنّه لا ثمرة للاختلاف يتعلّق بالباب؛ للإجماع على تحريمهما مطلقا،سمّيت إحداهما باسم الأُخرى أم لا.نعم،ربما تظهر في الكفّارة بالحنث في نحو ما لو نذر ترك المزابنة مثلاً و قلنا بصحته،فباع ثمرة النخل بتمرها لزمت على الأوّل دون الثاني.

و هل يجوز بيعها بتمر من غيرها؟فيه قولان،أظهرهما و أشهرهما سيّما بين المتأخّرين المنع وفاقاً لأحد قولي الطوسي و القاضي،و للمفيد و ابن زهرة و ابن حمزة و التقي و الديلمي و الحلّي (1)،بل ظاهر الغنية الإجماع عليه؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى إطلاق النصوص المتقدمة،و نصوص أُخر،كالوارد في العَرِيّة و فيه:« هي النخلة تكون للرجل في دار رجل آخر،فيجوز أن يبيعها بخرصها تمراً،و لا يجوز ذلك في غيره» (2).

و دلالته كما ترى ظاهرة إن جوّزنا بيع ثمرة العَرِيّة بتمر من نفسها، و إلّا فهي صريحة،لاختصاص الرخصة حينئذٍ ببيعها بتمر من غيرها، و مقتضاه رجوع الإشارة في لفظة« ذلك» إليه،و هو صريح في المنع هنا، كما لا يخفى.

ص:32


1- الطوسي في المبسوط 2:118،القاضي في المهذب 1:383،المفيد في المقنعة:603،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):589،ابن حمزة في الوسيلة:250،التقي في الكافي في الفقه:356،الديلمي في المراسم:178،الحلي في السرائر 2:367.
2- الكافي 5:/275 9،التهذيب 7:/143 634،الإستبصار 3:/91 311،الوسائل 18:241 أبواب بيع الثمار ب 14 ح 1.

و به يضعّف احتمال العهديّة في اللام في النصوص و رجوعها إلى تمر نفس النخلة المذكور سابقاً؛ فإنّ أخبارهم عليهم السلام يكشف بعضها عن بعض، مع بُعده في الخبرين الأوّلين منها جدّاً،إذ لم يتقدّم لتمرها ذكر فيهما سابقاً،و الحمل كما في أحدهما و النخل كما في ثانيهما أعمّ من التمر جدّاً، فكيف يمكن جعل اللام للعهد و الإشارة إليهما،فتأمّل جدّاً.

و القول الثاني و هو الجواز للنهاية و جماعة (1)؛ للأصل،و العمومات المخصّصين بما مرّ من الأدلة،و المعتبرين،أحدهما الصحيح:في رجل قال لآخر:بعني ثمرة نخلك هذا الذي فيها بقفيزين من تمر أو أقلّ أو أكثر يسمّي ما شاء فباعه،فقال:« لا بأس به» و قال:« التمر و البسر من نخلة واحدة لا بأس به» (2)الحديث.

و ثانيهما الموثق:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:« إنّ رجلاً كان له على رجل خمسة عشر وسقاً من تمر و كان له نخل،فقال له:خذ ما في نخلي بتمرك،فأبى أن يقبل،فأتى النبي صلى الله عليه و آله فقال:يا رسول اللّه إنّ لفلان عليّ خمسة عشر وسقاً من تمر فكلّمه يأخذ ما في نخلي بتمره،فبعث النبي صلى الله عليه و آله فقال:يا فلان خذ ما في نخله بتمرك،فقال:يا رسول اللّه لا يفي،و أبى أنّ يفعل» الحديث،و في آخره:« إنّ ربيعة الرأي لمّا بلغه هذا عن النبي صلى الله عليه و آله قال:هذا ربا» قلت:أشهد باللّه إنّه لمن الكاذبين،قال:

« صدقت» (3).

ص:33


1- النهاية:416،حكاه في المختلف:378 عن القاضي في الكامل و اختاره هو أيضاً،الكفاية:100.
2- الكافي 5:/176 10،التهذيب 7:/89 379،الإستبصار 3:/91 310،الوسائل 18:223 أبواب بيع الثمار ب 6 ح 1.
3- التهذيب 7:/91 390،الإستبصار 3:/92 312،الوسائل 18:224 أبواب بيع الثمار ب 6 ح 3.

و فيهما مضافاً إلى قصور الثاني سنداً لمقاومة ما مرّ جدّاً مخالفة الأوّل منهما و إن صحّ سنده للمجمع عليه،أوّلاً:بإطلاق جواز البيع بالتمر في صدره بل عمومه الشامل لما إذا كان من النخلة جدّاً.

و ثانياً:بوقوع التصريح به في قوله:« التمر و البسر من نخلة واحدة لا بأس به».و لذا حمله الشيخ على العرّية.

و الذبّ عن ذلك بتقييد الإطلاق في الأوّل،و دعوى عدم القدح في الحجّية بخروج البعض للندرة في الثاني لا يفيد؛ فإنّ أمثال ذلك و إن لم يقدح فيها ابتداءً إلّا أنّه قادح في مقام التعارض جدّاً.

و عدم ظهور الثاني في البيع الذي هو خاصّةً بمقتضى النصوص و الفتاوي محلّ المنع،فيحتمل الصلح،و قد حمله الشيخ و المختلف عليه (1)،و هو متعيّن،جمعاً.

و كذا لا يجوز بيع السنبل كما في أكثر النصوص و الفتاوي،بل في المبسوط و المسالك الاتّفاق عليه (2)،فيرجع إليه التعبير في بعضها ببيع الزرع بحبّ منه إجماعاً،نصّاً و فتوى.

و الجميع مع الإشارة إلى المستند في أنّ هذه المعاملة هي المحاقلة قد تقدم (3).

و في جواز بيعه بحبّ من غيره قولان،أظهرهما وفاقاً لمن مضى التحريم لعين ما مضى (4)؛ مضافاً إلى خصوص الموثّق (5)هنا،

ص:34


1- الشيخ في الخلاف 3:94،المختلف:378.
2- المبسوط 2:117،المسالك 1:206.
3- راجع ص:30.
4- راجع ص:32.
5- الكافي 5:/275 8،الفقيه 3:/152 669،التهذيب 7:/143 632،الوسائل 18:238 أبواب بيع الثمار ب 12 ح 3،4.

الآمر بشراء الزرع بالورق،المعلّل بأنّ أصله طعام،المشعر بل الظاهر في المنع عن بيعه بالطعام مطلقا.

و القول الثاني لمن تقدّم (1)؛ استناداً منهم إلى العمومين المخصّصين بما مرّ،و الصحيح:« لا بأس بأن يشتري زرعاً قد سنبل و بلغ بحنطة» (2).

و فيه:أنّه مع مخالفة إطلاقه الشامل لما إذا بيع بحنطة منه الإجماع، و احتمال اختصاصه بصورة عدم التجانس بينها و بين السنبل،كأن كان أرزاً بيع بها،و لا كلام في الجواز حينئذ في ظاهر الأصحاب قاصر عن المقاومة لما مرّ جدّاً،فالاستدلال به ضعيف.

و أضعف منه الاستدلال بالمعتبرين،أحدهما الموثق:عن بيع حصائد الحنطة و الشعير و سائر الحصائد،قال:« حلال فليبعه بما شاء» (3).

و ثانيهما الحسن:عن رجل اشترى من رجل أرضاً جرباناً معلومة بمائة كرّ على أن يعطيه من الأرض،قال:« حرام» فقلت:جعلت فداك فإنّي أشتري منه الأرض بكيل معلوم و حنطة من غيرها؟قال:« لا بأس بذلك» (4).

لقصور سندها عن المقاومة لما مرّ أوّلاً،و خروجهما عن محلّ البحث ثانياً؛ لظهور الأوّل في الحصائد،و ليس الكلام فيها،بل فيما لم يحصد و يكون على أصله قائماً،و أحدهما غير الآخر،كما ترى،و على

ص:35


1- راجع ص:32.
2- التهذيب 7:/142 629،الإستبصار 3:/112 395،الوسائل 18:237 أبواب بيع الثمار ب 12 ح 1.
3- الكافي 5:/276 4،التهذيب 7:/141 622.
4- الكافي 5:/265 8،الفقيه 3:/151 666،التهذيب 7:/149 661،الوسائل 18:237 أبواب بيع الثمار ب 12 ح 2.

تقدير التجوّز في الحصائد بأن يراد منها الزروع الآئلة إليها يأتي في عمومه ما مضى في إطلاق الصحيح المتقدّم جدّاً،مع أنّ الموجود في التهذيب المروي فيه بدل« بما شاء» « إن شاء» فلا دلالة فيه أصلاً.

و الثاني في بيع الأرض بحاصلها و غيره لا بيع الزرع بهما،و تأويله إليه بإضمارٍ أو تجوّزٍ مع عدم إمكان الاستدلال به حينئذٍ لا داعي يلجئ إليه أصلاً.

و اعلم أنّ مقتضى الأصل و اختصاص النصوص و كثير من الفتاوي بالمنع عن بيع ثمرة النخل بالتمر و السنبل المتبادر منه نحو الحنطة به، حلّ بيع باقي الثمار على أُصولها و لو بمجانسها مطلقا،منها أو من غيرها، و به صرّح جماعة من أصحابنا (1).

خلافاً لآخرين (2)،فعدّوا المنع إليها،و ألحقوها بالمزابنة إذا كانت في الأشجار،و بالمحاقلة إذا كانت في الزروع؛ نظراً منهم إلى أنّ أحد أدلّة المنع فيهما احتمال تحقق الربا،بناءً على أنّهما بيع ثمرتين ربويتين مكيلتين أو موزونتين،و الغالب التفاوت،فحصل شرط الربا؛ و لأنّ بيع أحد الربويين بالآخر مشروط بالعلم بمساواتهما قدراً،كما مضى،و معلوم أنّها غير ظاهرة هنا.

و هو كما ترى؛ فإنّ الأثمار على الأُصول و الأشجار ليست مقدّرة بأحد التقديرين جدّاً،بل يباع مشاهدة عرفاً و عادةً و شرعاً،و المعتبر من المكيل

ص:36


1- منهم:ابن زهرة في الغنية:589،و السبزواري في الكفاية:100،و البحراني في الحدائق 19:357.
2- كالشهيد الأول في الدروس 3:237،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:170،و الشهيد الثاني في الروضة 3:361.

و الموزون في الربا ما قدّر بهما فعلاً لا تقديراً،كما تقدّم نصّاً و فتوى.

مضافاً إلى وقوع التصريح بنفي الربا في بعض ما مضى من النص (1)، فلا وجه للاستناد إليه أصلاً.

و أمّا الاستناد في الثمار إلى العلّة المنصوصة في المنع عن بيع الرطب بالتمر من النقصان عند الجفاف (2)على تقدير القول بالتعدية بالعلّة المنصوصة فغير مُجدٍ،أوّلاً:بأخصّيتها من المدّعى،لعدم شمولها ما لو بيع أثمار الأشجار بمجانسها مع التوافق في الرطوبة و اليبوسة.

و ثانياً:باختصاصها بالمعوضين المقدّرين أحد التقديرين فعلاً و ليس المقام منه قطعاً،و احتمال التعدية إليه بعيد جدّاً،بناءً على قوة احتمال مدخليّة للخصوصية في العلّة هنا،فتأمّل جدّاً.

نعم،ربما يستأنس لهم في الجملة بالموثّق المتقدّم،الآمر بشراء الزرع بالورق.و لا ريب أنّ ما ذكروه أحوط،سيّما في بيع الرطب باليابس.

و يجوز بيع العَرِيّة بخَرْصِها إجماعاً،كما في الغنية و الخلاف و المسالك و المهذب (3)و شرح الشرائع للصيمري،و غيرها من كتب الجماعة (4)؛ و هو الحجة المقيّدة لإطلاق النصوص المتقدّمة.

مضافاً إلى بعض المعتبرة:« رخّص رسول اللّه صلى الله عليه و آله في العرايا أن تشتريها بخرصها تمراً» ثم قال:« و العرايا جمع عَرِيّة و هي النخلة تكون للرجل في دار رجل آخر فيجوز له أن يبيعها

ص:37


1- راجع ص:33.
2- انظر الوسائل 18:148 أبواب الربا ب 14.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):589،الخلاف 3:95،المسالك 1:206،المهذب البارع 2:440.
4- كشف الرموز 1:507،ملاذ الأخيار 11:224،الحدائق 19:357.

بخَرْصِها» (1).

و اكتفى عنه الماتن بقوله: فيشتريها صاحب المنزل بخرصها تمراً و ظاهر النص و العبارة كما ترى أنّ العريّة ما تكون في الدار خاصّة، و حكي عن القاضي في الكامل (2).

خلافاً للأكثر،فألحقوا البستان بالدار،و في الغنية و المسالك الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى التصريح به عن أهل اللغة (4)،و إطلاق المروي عن معاني الأخبار عنه صلى الله عليه و آله أنّه رخّص إلى أن قال-:واحدتها عريّة،و هي النخلة التي يعريها صاحبها رجلاً محتاجاً،و الإعراء:أن يبتاع تلك النخلة من المعرى بتمر لموضع حاجته (5).

و ظاهر الإطلاق مضافاً إلى التعليل كما ترى ينادي بالعموم للبستان، بل و غيره أيضاً كالخان و نحوه،و السند و إن قصر إلّا أنّه بالشهرة منجبر.

و منه يظهر وجه التعدية إلى مستعير الدار و مستأجرها،كما في كلام جماعة (6).و ليس في الرواية الأُولى كالعبارة من حيث التقييد فيهما بصاحب الدار منافاة لذلك؛ لصدق الإضافة بأدنى ملابسة.

نعم،يستفاد منه الاختصاص بالبيع عن صاحب الدار دون غيره،

ص:38


1- تقدّم مصدره في ص:32.
2- حكاه عنه في المختلف:378.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):589،المسالك 1:206.
4- لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب اللغة،و نُسب إلى أهل اللغة في الدروس 3:238،و المهذّب البارع 2:441،و جامع المقاصد 4:171،و المسالك 1:206.
5- معاني الأخبار:277،الوسائل 18:241 أبواب بيع الثمار ب 14 ح 2.
6- منهم:الشهيدان في الدروس 3:238 و المسالك 1:206.

و لا كلام فيه،وفاقاً لظاهر الأصحاب.

و مقتضى الأصل و اختصاص النصوص بحكم التبادر و الصراحة في الجملة بالنخلة الواحدة بتمر من غيرها،عدم التعدية إلى ما لم تتكمّل فيه القيود الثلاثة.

فلا عريّة فيما عدا النخل مطلقا،قلنا بالمزابنة فيه أم لا،و فائدة انتفائها على الأوّل حرمتها،و على الثاني جوازها من دون قيودها،و في المسالك ادّعى الوفاق على أصل الانتفاء هنا (1).

و لا في المتعدّد منها إلّا مع تعدّد الموضع أو المالك،لا العقد.

و لا بتمرٍ منها مطلقا،وفاقاً لأكثر أصحابنا،مؤيّداً باستلزام جوازه اتّحاد الثمن و المثمن الممنوع منه اتفاقاً.

و قيل بالجواز فيه؛ لإطلاق النص (2).و فيه ما مرّ.

و فصّل بعض (3)بين صورتي اشتراط كون التمر منها فالأوّل،و إلّا فالثاني إن صبر عليه حتى يصير تمراً،و إلّا فالعقد يجب كونه حالّا؛ للزوم بيع الكالي بالكالي بدونه جدّاً.

و المراد بخَرْصِها البيع بمقدارها،فلو اشتراها بزائد أو ناقص لم يجز اتفاقاً،نصّاً و فتوى.

و هل المعتبر فيه المماثلة بين ثمرة النخل عند صيرورتها تمراً و بين التمر الذي هو الثمن،أو المماثلة بين ما عليها رطباً و بين التمر؟قولان.

للأوّل المحكي عن الأكثر (4)،بل ظاهر الكلّ استلزام الثاني بيع

ص:39


1- المسالك 1:206.
2- قال به العلّامة في المختلف:378.
3- كالعلّامة في التذكرة 1:509.
4- حكاه الشهيد الثاني في المسالك 1:206.

الرطب بالتمر متساوياً،الممنوع منه،كما مضى (1).

الثاني كما عن التذكرة (2)أنّه مستثنى.

و ظاهر إطلاق النص و الفتاوي و صريح جملة منها أنّه لا يعتبر مطابقة ثمرتها جافّة لثمنها في الواقع،بل يكفي المطابقة في ظنّ الخارص عند العقد،فلو زادت عند الجفاف عنه أو نقصت لم يقدح في الصحة.

خلافاً لمن شذّ،فاعتبر فيها المطابقة (3).و يأتي عليه المنع عن التصرّف في ثمرة النخلة بالأكل و نحوه إلى استعلام المطابقة و عدمها بالجفاف.

و في اشتراط التقابض في المجلس قولان،أظهرهما و عليه الأكثر لا؛ لإطلاق النصّ و الفتوى.و عن المبسوط نعم (4).و هو ضعيف جدّاً،بل في بعض العبائر الإجماع على خلافه (5).

و يجوز بيع الزرع قصيلاً أي مقطوعاً بالقوّة،بأن شرط قطعه قبل حصاده و على المشتري قطعه عملاً بمقتضى الشرط.

و لو امتنع عنه فللبائع إزالته و تفريغ أرضه منه،إمّا مطلقا، كما عليه جماعة (6)،أو بشرط الإذن من الحاكم أو تعذّره،كما عليه شيخنا

ص:40


1- و لكن قد عرفت ما فيه(منه رحمه الله).راجع ص 36.
2- التذكرة 1:509.
3- نسبه في المسالك 1:206 إلى« قيل»،و ذكر في الجواهر 24:112 أنه لم يتحقق القائل بذلك،و ربما يوهم من عبارة المبسوط 2:119 و الوسيلة:250،و لكن المراد منها المطابقة بين الثمن المبذول و الثمرة المخروصة.
4- المبسوط 2:119.
5- كما في التذكرة 1:509.
6- التذكرة 1:504،جامع المقاصد 4:164،الكفاية:100،الحدائق 19:365.

الشهيد الثاني (1).و هو أقوى؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقَّن.

و المستند في الجواز حينئذٍ بعد الوفاق على الظاهر حديث نفي الضرر (2)المتفق عليه فتوًى و روايةً.

و منه بعد الوفاق على الظاهر ينقدح الوجه في أنّ له المطالبة بأُجرة أرضه عن المدّة التي بقي فيها بعد إمكان قصله مع الإطلاق،و بعد المدّة التي شرطا قصله فيها مع التعيين.

و لو كان شراؤه قبل أوان قصله وجب على البائع الصبر إلى أوان بلوغه مع الإطلاق،كما لو باع الثمرة و الزرع للحصاد.

و لو تركه أي البائع القصل كان له ذلك،و أن يطالبه أي المشتري بأُجرة أرضه عن زمن العدوان و أرش النقص في الأرض إن حصل بسببه،إذا كان التأخير بغير رضاه.

و يجوز أن يبيع ما ابتاعه من الثمرة على أُصولها بزيادة عن الثمن أو نقص قبل قبضها بلا خلاف هنا،و إن قيل بالمنع فيما عداه (3)،بل في المسالك الإجماع عليه (4)؛ و هو الحجة بعد الأصل، و العمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة،لاختصاص النصوص المانعة بالمكيل و الموزون خاصّة،و ليس الثمرة على الشجرة مكيلة و لا موزونة بالضرورة.

مضافاً إلى صريح الصحيحين،أحدهما:في رجل اشترى الثمرة ثم

ص:41


1- كما في المسالك 1:206.
2- الكافي 5:/292 2،التهذيب 7:/146 651،الوسائل 18:32 أبواب الخيار ب 17 ح 3.
3- حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف:393،انظر المهذب 2:400.
4- المسالك 1:206.

يبيعها قبل أن يقبضها،قال:« لا بأس» (1)و نحوه الثاني بزيادة قوله:« إن وجد ربحاً فليبع» (2)و نفي البأس فيهما يقتضي نفي الكراهة أيضاً.

فلا وجه لقوله على كراهية و لعلّها لإطلاق بعض الأخبار (3)و الفتاوي بالمنع،لكنّه سابقاً لم يجعله سبباً للكراهة مطلقا،بل خصّها بالمقدّر بأحد التقديرين خاصّة (4)،كما اشترطه أكثر النصوص و فتاوي الجماعة.

و لو كان بين اثنين أو جماعة نخل أو زرع،أو شجرة فتقبّل أحدهما بحصّة صاحبها أي الثمرة المدلول عليها بالنخلة،مع أنّ في بعض النسخ صاحبه بتذكير الضمير،و هو الأظهر بحسب السياق من نفس الثمرة خاصّة،كما يستفاد من جماعة (5)،أو من ثمرة مطلقا و لو من غيرها،كما يستفاد من آخرين (6) بوزن معلوم صحّ للصحاح،منها:عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه:

اختر إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيلاً مسمّى و تُعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص،و إمّا أن آخذه بذلك،قال:« لا بأس» (7).

ص:42


1- التهذيب 7:/89 377،الوسائل 18:225 أبواب بيع الثمار ب 7 ح 3.
2- الفقيه 3:/132 576،التهذيب 7:/88 376،الوسائل 18:225 أبواب بيع الثمار ب 7 ح 2.
3- التهذيب 7:/36 152،الوسائل 18:68 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 15.
4- راجع ص:361 ج 8.
5- منهم:العلامة في التذكرة 1:510،و الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 3):368،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:175.
6- انظر الروضة البهية 3:370،و مجمع الفائدة و البرهان 8:221.
7- الكافي 5:/193 2،الفقيه 3:/142 623،التهذيب 7:/125 546،الوسائل 18:231 أبواب بيع الثمار ب 10 ح 1.

و منها:« أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله.. (1)بعث عبد اللّه بن رواحة فقوّم عليهم قيمة و قال:إمّا أن تأخذوه و تعطون نصف الثمر،و إمّا أن أُعطيكم نصف الثمرة و آخذه،فقالوا:بهذا قامت السماوات و الأرض» (2).

و نحوه الثالث (3)بزيادة ظهور في كون الثمن من الثمر؛ لعدم اختلاف نسخته بتبديل أحد اللفظين مكان الآخر،كما في الثاني.

و بهذه النصوص يقيّد إطلاق المنع في النصوص الواردة في المزابنة و المحاقلة (4)إن قلنا بكونه بيعاً،و مع ذلك لا خلاف فيه بين الطائفة عدا الحلّي (5)،فنفاه رأساً،نظراً منه إلى عدم كونه بيعاً و إلّا لجاء فيه المزابنة، و لا صلحاً و إلّا لجاء فيه الغرر و الجهالة إن كان العوض مشروطاً من نفس الثمرة،و إن كان في الذمّة لزم و وجب أداء الثمن مطلقا،كانت الثمرة باقية أو تالفة،مع أنّ جماعة اشترطوا في الصحة السلامة من الآفة (6).

و هو على أصله حسن،غير مستحسن على غيره؛ لاحتمال كونه معاملة أُخرى غير الأمرين،أو هما و تكون من قاعدتهما مستثناة قد نهضت بإثباتها و الاستثناء النصوص المزبورة المعتضدة بعد الصحة و الكثرة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون لنا الآن إجماع الطائفة.

ص:43


1- ورد الحديث هكذا:« عن أبي عبد اللّه عليه السلام أن أباه حدَّثه أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أعطى خيبر بالنصف،أرضها،و نخلها،فلما أدركت الثمرة بعث..».
2- الكافي 5:/266 1،التهذيب 7:/193 855،الوسائل 18:232 أبواب بيع الثمار ب 10 ح 2.
3- الكافي 5:/267 2،الوسائل 18:233 أبواب بيع الثمار ب 10 ح 3.
4- انظر الوسائل 18:239 أبواب بيع الثمار ب 13.
5- السرائر 2:372.
6- منهم:العلّامة في الإرشاد 1:364،و الشهيد الأوّل في الدروس 3:238،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:113.

و ظاهرها تأدّيه بما دلّ على ما اتّفقا عليه بأيّ عبارة.

خلافاً لظاهر الجماعة المحكي عنهم في الروضة (1)،فاشترطوا في صيغتها الوقوع بلفظ القبالة.و حجّتهم غير واضحة.

و ظاهر الصحيح الأوّل و غيره أنّ المتقبّل يملك الزائد و عليه الناقص.

و أمّا الحكم بأنّ قراره مشروط بسلامة الثمرة من الآفة الإلهية بحيث لو حصلت فسدت المعاملة رأساً أو في الجملة و رجع الأمر إلى ما كانا عليه من الشركة فوجهه غير واضح،و إن ذكره جماعة،و النصوص كما ترى عن بيانه خالية.

و توجيهه بأنّ المتقبّل لما رضي بحصّة معيّنة في العين صار بمنزلة الشريك غير نافع؛ لأنّ كون العوض منها غير لازم و إن جاز،فالرضا إنّما وقع بالقدر لا به مشتركاً،إلّا أن ينزّل على الإشاعة.

فالمتّجه وفاقاً لظاهر الروضة و جماعة (2)عدم اشتراطها في الصحة إن لم يشترط كون الثمن من نفس الثمرة،أو اشترط و لم ينزّل على الإشاعة.

و لو كان النقص لا بآفة بل بخلل في الخرص لم ينقص شيء؛ للأصل،و ظاهر النص.و كذا لا ينقص لو كان بتفريط المتقبّل بلا إشكال.

ثم إنّ ظاهر العبارة هنا و في الشرائع (3)عدم لزوم هذه المعاملة و أنّ غايتها الجواز و الصحة؛ و لعلّه نظر إلى قصور النصوص المزبورة عن إفادة

ص:44


1- الروضة 5:369.
2- الروضة 3:369 370،المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:178،الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:221،صاحب الحدائق 19:364.
3- الشرائع 2:55.

اللزوم بالبديهة.

و فيه مناقشة؛ لدلالتها في الظاهر على كونها عقداً،مع الاتّفاق عليه ظاهراً،و الأصل فيه اللزوم،نظراً إلى العمومات الآمرة بالوفاء به من الكتاب و السنة.

و إذا مرّ الإنسان بثمرة النخل و الفواكه جاز له أن يأكل ما لم يضرّ به و يفسده،بأن يأكل منه كثيراً بحيث يؤثّر فيها أثراً بيّناً و يصدق معه مسمّاه عرفاً،و يختلف ذلك بكثرة الثمرة و المارّة و قلّتهما جدّاً.

و ليس من هذا الشرط الإفساد بكسر الغصن و نحوه و إن كان في حدّ ذاته حراماً.

أو يقصد المرور إليه للأكل،بل يكون المرور اتفاقيّاً،بأن يكون الطريق قريبة منها بحيث يصدق عليه المرور عرفاً،لا أن يكون طريقه على نفس الشجرة.

على الأشهر الأظهر بين الأصحاب،بل لم نقف على مخالف فيه من قدمائهم إلّا ما يحكى عن المرتضى رحمه الله في بعض كتبه (1)،بل ادّعى عليه في الخلاف و السرائر الوفاق (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة المعتضد بعضها،و المنجبر قصور باقيها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون من القدماء إجماعاً،و بعمل نحو الحلّي الذي لا يرى العمل بالأخبار إلّا ما تواتر منها أو تعاضد بالإجماع جدّاً،مع أنّه قد ادّعاهما صريحاً هنا (3).

ص:45


1- حكاه عنه في المسالك 1:207.
2- الخلاف 2:546،السرائر 3:126.
3- السرائر 3:126.

منها المرسل كالصحيح على الأشهر الصحيح:عن الرجل يمرّ بالنخل و السنبل و الثمرة،أ فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها في ضرورة أو من غير ضرورة؟قال:« لا بأس» (1).

و منها:عن الرجل يمرّ بالبستان و قد حيط عليه أو لم يحط،هل يجوز له أن يأكل من ثمره و ليس يحمله على الأكل من ثمره إلّا الشهوة له، و له ما يغنيه عن الأكل من ثمره،و هل له أن يأكل من جوع؟قال:« لا بأس أن يأكل و لا يحمله و لا يفسده» (2).

و منها:أمرّ بالثمرة فآكل منها،قال:« كل و لا تحمل» (3).

و منها:« لا بأس أن يمرّ على الثمرة و يأكل منها و لا يفسد» (4)إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

و من الأخبار الأخيرة منها يظهر أنّه لا يجوز أن يفسد و يأخذ معه شيئاً و هو إجماع كما يأتي،بل ظاهر الأصحاب أنه شرط.

و في جواز ذلك أي الأكل مع الشروط في غير النخل من الزرع و الخضر تردّد ينشأ من قبح التصرّف في مال الغير،المعتضد بنصّ الكتاب الدالّ على النهي عن أكل أموال الناس بالباطل بغير تراضٍ (5).

ص:46


1- التهذيب 7:/93 393،الإستبصار 3:/90 306،الوسائل 18:226 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 3.
2- التهذيب 6:/383 1135،الوسائل 18:227 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 5.
3- التهذيب 7:/89 380،الإستبصار 3:/90 305،الوسائل 18:227 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 4.
4- الكافي 3:/569 1،المحاسن:/528 766،الوسائل 18:229 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 12.
5- النساء:29.

و الخبرين،أحدهما الصحيح:عن الرجل يمرّ بالثمرة من الزرع و النخل و الكرم و الشجر المباطيخ (1)و غير ذلك من الثمر،أ يحلّ له أن يتناول منه شيئاً و يأكل بغير إذن صاحبه،و كيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره القيم و ليس له،و كم الحدّ الذي يسعه أن يتناول منه؟قال:

« لا يحلّ له أن يأخذ منه شيئاً» (2).

و الثاني المرسل:قلت له:الرجل يمرّ على قراح (3)الزرع،يأخذ من السنبل؟قال:« لا» قلت:أي شيء السنبلة؟قال:« لو كان كلّ من يمرّ أخذ سنبلة كان لا يبقى شيء» (4).

و سنده و إن قصر إلّا أنّه بالتعليل فيه المؤيّد بالاعتبار منجبر.

و من الخبر الذي مرّ،المرجَّح على ما هنا بصراحة الدلالة و عمل الأكثر،فليحمل الخبران هنا على الكراهة،أو عدم الإذن،كما ربما يستشعر من أوّلهما،أو الحمل،كما هو ظاهر الثاني،بل الأوّل أيضاً.

و لا ريب أنّ الترك هنا بل و سابقا أيضاً أحوط و أولى،بل ربما كان متعيّناً.

و لا وجه لتخصيص التردّد بالحكم هنا مع جريانه فيما سبق جدّاً إلّا وجود القائل بالمنع هنا زائداً على المرتضى،و عدم حكاية إجماع هنا،مع اختصاص كثير من الفتاوي المجوّزة المحكيّة في المختلف (5)بالحكم

ص:47


1- المبطخة:منبت البطيخ.لسان العرب 3:9.
2- التهذيب 7:/92 392،الإستبصار 3:/90 307،الوسائل 18:228 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 7.
3- القَرَاحُ:المزرعة التي ليس عليها بناء و لا فيها شجر،و الجمع أَقرِحَةُ.الصحاح 1:396.
4- التهذيب 6:/385 1140،الوسائل 18:227 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 6.
5- المختلف:687.

سابقاً.

ثم إنّ اشتراط الشرطين في العبارة في الإباحة مقطوع به و بثالث هو ما حكم به فيها من عدم جواز الحمل بين الطائفة،بل لعلّه إجماع؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و اختصاص النصوص المبيحة بصورة المرور خاصّة.

و نفي البأس عنه في الرواية الأخيرة (1)مع قصور السند،و عدم الجابر فيه لعلّه مصروف إلى الأكل المعطوف عليه،فكأنّه قال:لا بأس بالأكل بعد المرور اتفاقاً،فثبت الشرط الثاني.

و إثبات الأخيرين من الأصل و النصوص مشكل؛ لاندفاع الأوّل بإطلاق الرخصة،و عدم نهوض الثاني إلّا بالنهي عنهما،و غايته الحرمة،و هي أعمّ من الشرطية،فإثباتها بذلك كما في كلام جماعة (2)لا يخلو عن مناقشة.

نعم الظاهر التلازم بينهما في النهي عن الإفساد إذا فُسّر بما مرّ،و هو عدم الأكل زائداً،إلى آخر ما تقدّم (3)و لا إن فُسّر بالمعنى الآخر.

و زيد على الثلاثة شروط أُخر،هي عدم العلم بالكراهة و عدم ظنّها، و كون الثمرة على الشجرة.

و لا بأس بها؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن المتبادر من أخبار الرخصة.

و ما ربما يظهر منه المنافاة للشرط الأوّل قاصر السند،غير معلوم الجابر في المحلّ.

ص:48


1- المتقدمة في ص:46.
2- منهم العلامة في التذكرة 1:510،الشهيد الثاني في المسالك 1:207،السبزواري في الكفاية:101.
3- في ص:44.

الفصل السابع في بيع الحيوان

اشارة

الفصل السابع:

في بيع الحيوان إذا تلف الحيوان المبيع في الثلاثة الأيّام التي هي مدّة الخيار فيه فهو من مال البائع مطلقا و لو كان بعد حصول القبض من المشتري إذا لم يكن التلف بسببه،و لا عن تفريط منه لما مرّ مفصّلاً في المسألة الخامسة من أحكام الخيار،من أنّ التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له،فلا نعيده (1).

و لا يمنع العيب الحادث في الحيوان من غير جهة المشتري في زمن الخيار من الردّ ب أصل الخيار مطلقاً،بلا خلاف في الظاهر؛ لأنه مضمون على البائع بالوفاق على الظاهر،و المعتبرة المتقدّمة في خيار الحيوان،منها الصحيح:على مَن ضمان الحدث في الحيوان؟قال:« على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام» (2)و حينئذٍ لا يكون مؤثّراً في رفع الخيار.

و في جواز الردّ بالعيب أيضاً و عدمه قولان؛ للأوّل كما هو ظاهر الأكثر،و لعلّه الأظهر أنّه مضمون على البائع.

و تظهر الثمرة فيما لو أسقط الخيار الأصلي و المشترط،فله الردّ بالعيب على الأوّل و لا على الثاني.و في ثبوت الخيار بعد انقضاء الثلاثة

ص:49


1- راجع ص:324 ج 8.
2- الكافي 5:/169 3،الفقيه 3:/126 551،التهذيب 7:/24 103،الوسائل 18:14 أبواب الخيار ب 5 ح 2.

و عدمه،فعلى الثاني يسقط الخيار،و يبقى على الأوّل؛ إذ لا يتقيّد خيار العيب بالثلاثة و إن اشترط حصوله فيها فما قبلها،و غايته ثبوته فيها بسببين،و هو غير قادح،فإنّها معرّفات يمكن اجتماع كثير منها في وقت واحد،كما في خيار المجلس و الشرط و الغبن إذا اجتمعت في بيع واحد قبل التفرق.

و لو كان حدوث العيب بعد الثلاثة منع الردّ بالعيب السابق؛ لكونه غير مضمون على البائع مع تغيّر المبيع،فإنّ ردّه مشروط ببقائه على ما كان،فيثبت في السابق الأرش خاصّة.

و إذا بيعت الحامل فالولد للبائع على الأظهر الأشهر ما لم يشترطه المشتري و قد مرّ البحث فيه و في أنّه للمشتري مع الشرط مفصّلاً في بحث ما يدخل في المبيع،فلا نعيده ثانياً (1).

و يجوز ابتياع بعض الحيوان مشاعاً مع التعيين،كالنصف و الربع، إجماعاً في الظاهر،و المحكي في شرح القواعد للشيخ علي رحمه الله و كلام غيره (2)صريحاً؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات السليمة عمّا يوجب فساد المعاملة من نحو الجهالة بالضرورة،و فحوى النصوص الآتية إن قلنا بها.

و لا يجوز مفروضاً و لو كان رأساً أو جلداً،و لا غير معيّن كشيء أو جزء،إجماعاً منهم في المقامين على الظاهر،مضافاً إلى الإيماء إليه في بعض عبارات الجماعة (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأدلّة الآتية للمنع في

ص:50


1- راجع ص:352 ج 8.
2- جامع المقاصد 4:135؛ تذكرة الفقهاء 1:497.
3- مجمع الفائدة 8:226.

الأوّل،و الجهالة بلا شبهة في الثاني.

و أمّا لو باع الشاة مثلاً و استثنى الرأس أو الجلد منها ففي رواية السكوني (1) و نحوها المروي عن العيون (2):أنّ البائع يكون شريكاً بنسبة قيمة ثُنياه و مستثناه،فلو قُوِّم الشاة بجميعها بعشرة و بدون المستثنى تسعة كان البائع شريكاً بالعشر،و به أفتى في النهاية (3)و الخلاف و المبسوط،و تبعه القاضي (4).

و لا ريب في ضعفه؛ لقصور سند الرواية أوّلاً،و عدم مقاومتها للقواعد الآتية في كلام الجماعة ثانياً،و مخالفتها للاعتبار ثالثاً،فإنّ الشركة بالنسبة التزام بغير ما وقع عليه التراضي جدّاً.

و متى حكمنا ببطلان الاستثناء لم يبق في اللفظ ما يدلّ على جزء مشاع أصلاً،فكان طرحها متعيّناً،فقد ورد عنهم عليهم السلام:خذوا ما شابه أحكامنا و اتركوا ما خالفها (5)،و لعلّه لذا اختار الأكثر خلافها و إن اختلفوا في المسألة بعد ذلك على أقوال أربعة،فبين مصحّحٍ للبيع و الشرط مطلقاً،فله عين المستثنى،كما في الانتصار (6)،و عن المفيد و الإسكافي و التقي و الحلّي (7)،عملاً بمقتضى الأصل و العمومات بلزوم العقود و الشروط مع

ص:51


1- الكافي 5:/304 1،التهذيب 7:/81 350،الوسائل 18:275 أبواب بيع الحيوان ب 22 ح 2.
2- عيون الأخبار 2:/43 153،الوسائل 18:276 أبواب بيع الحيوان ب 22 ح 3.
3- مدّعياً عليه الإجماع(منه رحمه الله)و في« ح» و« ر» جعلت متناً.
4- النهاية:413،الخلاف 3:92،المبسوط 2:116،القاضي في المهذب 1:382.
5- انظر الوسائل 27:106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1،21.
6- مدعياً عليه الإجماع(منه رحمه الله).
7- الانتصار:212،المفيد في المقنعة:600،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:384،التقي في الكافي:354،الحلي في السرائر 2:355.

تعيّن المستثنى.و فيه منع على إطلاقه.

و مبطلٍ لهما كذلك؛ استناداً إلى إفضائه إلى الضرر و التنازع؛ لأنّ المشتري قد يختار تبقية هذا الحيوان،و هو يؤدّي إلى عدم انتفاع البائع بحقّه،و إن اختار البائع ذبحه ليتوصّل إلى حقّه كان فيه منع المشتري من التصرّف بماله بما يختار من التصرفات،و ربما كانت التبقية أنفع له من الذبح،فيؤدّي إلى التنازع.و فيه ما في سابقه من المنع على إطلاقه.

و مفصِّلٍ تارة بين حيّ الحيوان فالثاني،و مذبوحه فالأوّل،كما في القواعد (1).و هو الأقوى؛ جمعاً بين دليلي القولين،مع سلامتهما عن الإيرادين المتقدّمين في البين.

و أُخرى كذلك،لكن بزيادة إلحاق ما يراد ذبحه بالمذبوح،كما في المختلف و كلام جماعة (2)؛ لعدم ورود دليل المنع المتقدّم فيه أيضاً.

و فيه نظر؛ فإنّ إرادة الذبح قد لا تجامعه،فقد يحصل البداء،فيؤدّي إلى المحذور من الضرر و التنازع.

مضافاً إلى عدم انحصار دليل المنع في ذلك،بل منه الجهالة؛ لتفاوت لحم الرأس قلّةً و كثرةً بتفاوت المذبح،و الجلد دقّةً و ضخامةً،إلّا أن يقال بعدم عدّ مثل ذلك في العرف جهالةً و شرائه سفاهةً.و لعلّه كذلك في الرأس ظاهراً،إلّا أن الدليل الأوّل قائم جدّاً.

و لو اشترك جماعة في شراء الحيوان و اشترط أحدهم الرأس و الجلد بماله من الثمن كان له منه أي المبيع بنسبة ما نقد،لا ما

ص:52


1- القواعد 1:129.
2- المختلف:384؛ و انظر جامع المقاصد 4:136،و المسالك 1:208،و الروضة 3:311.

شرط للحسن،بل ربما عدّ من الصحيح:في رجل شهد بعيراً مريضاً و هو يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم،و أشرك فيه رجلاً بدرهمين بالرأس و الجلد،فقضى أنّ البعير برئ فبلغ ثمانية دنانير،فقال:« لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ،فإن قال:أُريد الرأس و الجلد ليس له ذلك،هذا الضرار،و قد اعطي حقّه إذا اعطي الخمس» (1).

و يأتي ما مرّ فيه،مع ظهوره كما سبق فيما يقصد ذبحه لا مطلقاً، فلا وجه للتعميم على تقدير العمل بهما بعد وجود القول بالفصل بين مورده فالجواز،و غيره فالمنع،كما مضى.

إلّا أنّي لم أقف على مخالف هنا عدا شيخنا الشهيد الثاني و من تبعه من بعض أصحابنا (2)،حيث جعلوا الحكم فيه و فيما سبق واحداً.و هو كذلك إن لم يكن انعقد الإجماع على خلافه،و ربما احتمله في شرح القواعد المحقق الثاني (3)،و لعلّه وجه الفرق بينهما في العبارة و غيرها من التردّد في الأوّل و الجزم بالحكم هنا.

و هو حسن إن تمّ،و إلّا فمجرّد صحة السند على تقديرها غير كافٍ في الخروج عن مقتضى القواعد المتقدّمة جدّاً مع إمكان تأويل الرواية إلى ما يلائمها.

و لو قال:اشتر حيواناً بشركتي أو بيننا صحّ البيع لهما،فإنّ الأمر بالشراء كذلك توكيل،و لا خلاف فيه و لا في أنّ على كلّ

ص:53


1- الكافي 5:/293 4،التهذيب 7:/82 351،الوسائل:أبواب بيع الحيوان ب 22 ح 1.
2- الشهيد الثاني في المسالك 1:208،المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:229.
3- جامع المقاصد 4:137.

واحد منهما نصف الثمن لا غير،فإن الظاهر من الشركة المطلقة هو التساوي في الحصّة؛ مضافاً إلى عدم إمكان الترجيح إلّا مع قيام قرينة عليه، فتتبّع.

و إن أدّى أحدهما الجميع بإذن الآخر صريحاً أو فحوًى و لو بمقتضى العادة المعلومة لهما في الإنقاد عنه لزم الغرم له،و إلّا فلا.

و لو تلف المبيع بعد قبضه بإذن الآخر و لو فحوًى فهو منهما،فإن ذلك مقتضى الشركة جدّاً،و يرجع على الآخر بما نقد عنه إذا كان بإذنه لا مطلقاً.

و لو زاد الأمر على ذلك و قال: اشتره على أن يكون الربح لنا أي بيننا و لا خسران عليك إن حصل لم يلزم الشرط وفاقاً للحلّي و جماعة من المتأخّرين (1)،قال:لأنّه مخالف لأُصول المذهب،لأنّ الخسران على رؤوس الأموال بغير خلاف،فإذا شُرِط على واحد من الشريكين كان هذا الشرط مخالفاً للكتاب و السنّة،لأن السنة جعلت الخسران على رؤوس الأموال (2).

و يضعّف بإمكان التعويل في ذلك إلى الكتاب و السنة من حيث أمرهما بالوفاء بالعقود و الشروط،و تصريحهما بجواز أكل مال الغير مع التراضي،و قد حصل هنا كما هو المفروض،قال سبحانه إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ [1] (3).

ص:54


1- الحلي في السرائر 2:349؛ و انظر الشرائع 2:57،و التنقيح الرائع 2:120،و المسالك 1:208.
2- انظر الوسائل 19:5 أبواب الشركة ب 1.
3- النساء:29.

و في رواية صحيحة إذا شارك رجل في جارية له و شرط للشريك الربح دون الخسارة جاز إذا طابت نفس صاحب الجارية (1).

و قريب منه في أُخرى:في رجل شارك رجلاً في جارية،فقال له:إن ربحت فلك،و إن وضعت فليس عليك شيء،فقال:« لا بأس بذلك إذا كانت الجارية للقائل» (2)فتأمّل.

فدعوى مخالفة الشرط لهما لا وجه لها،و اقتضاء الشركة عموم الخسارة على إطلاقه محلّ مناقشة،فقد يخصّ ذلك بصورة عدم اشتراطها على أحدهما،و أنّى له بدفعه،فالمصير إلى الجواز لا يخلو عن قوّة،وفاقاً للطوسي و القاضي و المختلف و الدروس (3)كما حكي.

و ظاهر العبارة و القواعد فساد الشرط خاصّة.و وجهه ليس بواضح، و مقتضى الشرطية فساد الشركة من أصلها بفساد شرطها،فتأمّل جدّاً.

و يجوز النظر إلى وجه المملوكة و محاسنها إذا أراد شراءها إجماعاً حكاه جماعة (4)،و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة (5)،منجبر قصور أسانيدها بالأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة إذا لم يكن بتلذّذ و لا ريبة؛

ص:55


1- الكافي 5:/212 16،التهذيب 7:/71 304،الوسائل 18:265 أبواب بيع الحيوان ب 14 ح 1.
2- التهذيب 7:/81 347،الإستبصار 3:/83 283،الوسائل 18:266 أبواب بيع الحيوان ب 14 ح 2.
3- الطوسي في النهاية:411،القاضي حكاه عنه في المختلف:382،المختلف:382،الدروس 3:224.
4- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:435،و انظر الحدائق 23:49.
5- انظر الوسائل 18:273 أبواب بيع الحيوان ب 20.

مضافاً إلى الاعتضاد بعمل الطائفة.

و جوّز في التذكرة (1)النظر إلى ما عدا العورة مطلقاً.و لا يخلو عن قوّة،و سيأتي التحقيق في المسألة في كتاب النكاح إن شاء اللّه سبحانه.

و يستحب لمن اشترى رأساً أي رقيقاً مطلقاً،ذكراً كان أو أُنثى؛ تبعاً لإطلاق النص و الفتوى أن يغيّر اسمه عند شرائه،بل قيل مطلقاً (2)، و لو بالانتقال بنحو من الهبة و الصلح و أن يطعمه شيئاً حلواً، و يتصدّق عنه بأربعة دراهم شرعيّة.

و يكره أن يريه ثمنه في الميزان كل ذلك للروايات،منها:« إذا اشتريت رأساً فلا ترينّ ثمنه في كفّة الميزان،فما من رأس يرى ثمنه في كفّة الميزان فأفلح،فإذا اشتريت رأساً فغيّر اسمه و أطعمه شيئاً حلواً إذا ملكته،و تصدّق عنه بأربعة دراهم» (3).

و ظاهره كغيره ترتّب الكراهة على رؤية الثمن في الميزان،و لذا عبّر به في العبارة و كلام جماعة (4).و ربما قيل بها مطلقاً و لو لم يكن في الميزان بل خارجاً؛ حملاً للنصّ على المتعارف من وضع الثمن في كفّة الميزان عند الشراء (5).

و هو حسن لو قام دليل على الكراهة مطلقاً،و هو غير واضح جدّاً.

ص:56


1- التذكرة 1:501.
2- الدروس 3:224.
3- الكافي 5:/212 14،التهذيب 7:/70 302،الوسائل 18:251 أبواب بيع الحيوان ب 6 ح 1.
4- كالشهيد في الدروس 3:224،و السبزواري في الذخيرة:101،و البحراني في الحدائق 19:417.
5- الحدائق 19:417.
و يلحق بهذا الباب مسائل
اشارة

و يلحق بهذا الباب مسائل:

الأُولى المملوك يملك فاضل الضريبة

الاُولى:المملوك يملك فاضل الضريبة فعيلة بمعنى المفعولة، و المراد بها ما يؤدّي العبد إلى سيّده من الخراج المقدّر عليه.

و المستند في الحكم الصحيح:« إذا أدّى إلى سيّده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للملوك» إلى أن قال:قلت له:فللملوك أن يتصدّق ممّا اكتسب و يعتق بعد الفريضة التي كان يؤدّيها إلى سيّده؟قال:

« نعم و أجر ذلك له» قلت:فإن أعتق مملوكاً ممّا اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء المعتق؟قال:فقال:« يذهب فيتوالى إلى من أحبّ،فإذا ضمن جريرته و عقله كان مولاه و يرثه» (1)الحديث.

قيل:و أفتى به الشيخ في النهاية و تبعه القاضي (2).

و فيه نظر،فإنّ المحكي من عبارته في المختلف هو تملّك التصرّف خاصّة،و لعلّه لذا نسبه دون التملك إليهما في المهذب (3).نعم،القول بذلك محكيّ فيه عن الصدوق و الإسكافي (4)،حيث قالا:يملك العين لكن لا مستقرّاً.

و كيف كان الأقوى:ما قيل من أنّه لا يملك شيئاً مطلقاً إلّا أن يأذن له المولى في التصرّف فيحصل له إباحته خاصّة.

ص:57


1- الكافي 6:/190 1،الفقيه 3:/74 261،التهذيب 8:/224 807،المقنع:161،الوسائل 18:255 أبواب بيع الحيوان ب 9 ح 1.
2- قاله في المختلف:624،و هو في النهاية:543،و المهذّب 2:359.
3- المهذب البارع 2:450.
4- المختلف:624.

و هذا القول هو الأشهر بين أصحابنا كما حكاه جماعة منّا (1)،و هو الظاهر من تتبّع كلماتهم جدّاً،حيث لم أقف على مخالف لهم في ذلك إلّا نادراً،بل ادّعى الشيخ في الخلاف في كتاب الزكاة و الفاضل في نهج الحق عليه إجماعنا صريحاً (2)،و دلّ عليه كلام الحلّي المحكي في المختلف (3)في كتاب العتق ظاهراً (4)،حيث قال:إنّه لا يملك عندنا.و نحوه عبارة المبسوط المحكية عنه في كتاب الكفّارات (5).و ربما كان في عبارة الانتصار إشعار به،بل ظهور جدّاً مع فتواه به فيه صريحاً (6).

و هو الحجة المؤيّدة بأصالة عدم الملكيّة السالمة كالإجماعات المحكيّة عمّا يصلح للمعارضة سوى الرواية السابقة،و هي مع اختصاصها بفاضل الضريبة،بل و دلالتها على العدم فيما عداه بمفهوم الشرطية تأوّلها الأصحاب بإرادة جواز التصرّف و الإباحة دون الملكيّة.

و هو و إن كان ينافيه ظاهر سياقها،إلّا أنّه لا بأس به،جمعاً بين الأدلّة.

مع منافاة إطلاقها لما أجمع عليه الطائفة من ثبوت الحجر عليه في

ص:58


1- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):567،العلامة في التذكرة 1:498،المحدث الكاشاني في المفاتيح 3:43.
2- الخلاف 2:42،نهج الحق:484.
3- المختلف:624.
4- و نحوه الفاضل في المنتهى في مسألة زكاة العبد لكن في ما عدا فاضل الضريبة و أرش الجناية،قال:و لو ملّكه مولاه شيئاً لم يملكه؛ لأنه مال فلا يملك التمليك كالبهيمة،قاله أصحابنا،فلا تجب الزكاة على العبد و تجب على السيّد،و للشافعي قولان(المنتهي 1:472)(منه رحمه الله).
5- المختلف:670،المبسوط 6:217.
6- الانتصار:213.

تصرّفاته بالكليّة،حيث دلّت على جواز عتقه و شبهه،و هو مضافاً إلى انعقاد الإجماع على خلافه قد منع عنه الكتاب و السنة عموماً في بعض و صريحاً في آخر،قال اللّه سبحانه ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ [1] (1)و لا ريب في شمول الشيء المنفي قدرته عليه للتصرف لغةً و إجماعاً لو لم نقل بشموله لنحو التملّك أيضاً،فإنّه شيء جدّاً،و مقتضى العموم الناشئ من وقوع الشيء نكرةً في سياق النفي الشمول له قطعاً،فهو حجّة أُخرى لنفي الملك مطلقاً،و لعلّه لذا استدلّ به لذلك أصحابنا.

و قريب منه في ذلك الآية الأُخرى الآتية (2).

و في الصحيح:في المملوك ما دام عبداً:« فإنّه و ماله لأهله،لا يجوز له تحرير و لا كثير عطاء و لا وصية إلّا أن يشاء سيّده» (3).

و هو كما ترى ظاهر بل لعلّه صريح في عدم جواز التصرّفات التي إباحتها الرواية الاُولى مطلقاً و أنّه لا يملك أصلاً.

و ما ربما يتوهّم فيه من المناقشة في الأوّل بتقييد إطلاقه بغير فاضل الضريبة فإنّ هذه الرواية مطلقة و تلك مقيّدة،و في الثاني بأنّ اللام في « لأهله» و إن كان ظاهراً في الملكيّة إلّا أنّ إضافة المال إلى العبد ظاهرة في ثبوتها له أيضاً بالبديهة،و حيث لم يجتمعا وجب المصير إلى التأويل في أحدهما بإرجاعه إلى الآخر بنحو من التوجيه،و هو إرادة جواز التصرّف

ص:59


1- النحل:75.
2- في ص:65.
3- التهذيب 9:/216 853،الإستبصار 4:/135 507،الوسائل 19:410 أبواب أحكام الوصايا ب 78 ح 1.

خاصّة،بناءً على كفاية أدنى ملابسة في صحة الإضافة جدّاً،و حيث لا مرجّح وجب التوقّف،و به تخرج الرواية عن الحجية.

مدفوع،فالأوّل:باشتراط التكافؤ في حمل المطلق على المقيّد المفقود في المقام؛ لاعتضاد الأوّل بالأصل،و الإجماعات المحكية، و الشهرة العظيمة المتحقّقة،فلا يمكن المصير إلى الخمل المزبور في المسألة،كما لا يمكن الجمع بينهما بحمل التصرّف في الصحيحة على الواقع بإذن المالك،جمعاً بينها و بين الثانية و نحوها من الأدلّة حمل المطلق على المقيّد،فإنّه فرع العمل بها،مع أنّك قد عرفت المنع عنه مطلقاً،لعدم التكافؤ أصلاً.

و الثاني:بمنع فقد المرجّح،فإنّ القرينة على صرف التوجيه المتقدّم إلى إضافة المال إلى العبد قائمة،فإنّ اللام في الرواية مفيدة للملكيّة بالبديهة،نظراً إلى سياق الرواية حيث تضمّنت العبد و ضمّته إلى ماله أوّلاً و صرفت الحكم المستفاد من اللام إليهما،و لا ريب أنّه بالإضافة إلى العبد معناها الحقيقي،و هو الملكيّة أو الاختصاص،فلو حمل على المعنى المجازي أو حقيقي آخر غيرهما لو كان لزم استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في معنييه الحقيقيين أو المتخالفين بالوصفين،و هما مرغوب عنهما،سيّما الثاني عند المحققين،فتعيّن المصير إلى صرف التوجيه إلى الطرف المقابل حيث لا قرينة مثل ذلك و غيره فيه يوجب العكس بالبديهة،فتأمّل.

و من هنا انقدح الوجه في صحة ما أجاب به الجماعة عن النصوص

ص:60

المستفيضة الآتية في المسألة الآتية (1)و في بحث العتق إن شاء اللّه سبحانه، المضيفة للمال إلى العبد،الظاهرة لذلك في الملكيّة،من صحة الإضافة بأدنى ملابسة،و هو و إن كان في حدّ ذاته بعيداً إلّا أنّ المصير إليه بملاحظة ما سلف كان متعيّناً جدّاً.

مضافاً إلى الصوارف الأُخر التي تقدّمت من الأدلّة على عدم الملكيّة.

و قريب من الصحيحة المزبورة ما في صحيحة أُخرى طويلة متضمّنة للقضيّة المشهورة بين ابن أبي ليلى و ابن شبرمة،و فيها من كلام مولانا الصادق عليه السلام بعد قول الراوي له:قلت:أ ليس قد أوصى للعبد بثلث ماله:

« إنّ العبد لا وصية له،إنّ ماله لمواليه» (2).

و نحو هذه الأدلّة في عدم الملكيّة نصوص أُخر واردة في مباحث الوصية و إن اختلفت في الدلالة،فبين ظاهرةٍ في ذلك و لو بالمعونة، كالصحيح:في مكاتب كانت تحته امرأة حرّة فأوصت له عند موتها بوصيّة، فقال أهل الميراث:لا نجيز وصيّتها،إنّه مكاتب لم يعتق و لا يرث،فقضى أنّه يرث بحساب ما أُعتق منه،و يجوز له الوصية بحساب ما أُعتق منه.

و قضى في مكاتب اوصي له بوصية و قد قضى نصف ما عليه فأجاز نصف الوصيّة (3).الحديث.

و وجوه الدلالة فيه واضحة أقواها تعليل الورثة عدم الإجازة بأنّه بعدُ مملوك لم يعتق،و هو ظاهر في اشتهار عدم تملّكه للوصيّة بالعبودية في

ص:61


1- في ص:65.
2- الكافي 7:/26 1،التهذيب 9:/217 854،الوسائل 19:354 أبواب أحكام الوصايا ب 39 ح 5.
3- الكافي 7:/28 1،الفقيه 4:/160 558،التهذيب 9:/223 874،الوسائل 19:413 أبواب أحكام الوصايا ب 80 ح 1.

تلك الأزمنة،و يومئ إليه ما ذكره الأصحاب في المنع عن الوصيّة لمملوك الغير من التعليل بعدم المالكية.

و مشعرةٍ به،و هي كثيرة،و إن اختلفت في الإشعار ضعفاً و قوّةً،فمنها النصوص المتواترة المجمع عليها الدالّة على نفي الموارثة بالرقّية (1).

و قد جعله الفاضل في المختلف حجة مستقلّة،فقال:و لأنّه لو ملك لدخل المال في ملكه بالأسباب الموجبة للدخول من غير اختيار كالميراث و شبهه،و التالي باطل إجماعاً،فكذا المقدّم (2).

و لا يخلو عن مناقشة؛ لإمكان دفع الملازمة حيث لم يقم عليها حجة ظاهرة،فيحتمل كون نفي التوارث تعبّداً،كما اتّفق مثله في منع الوارث عن الميراث إذا كان قاتلاً مع كونه يملك للمال إجماعاً و إن كان وجه الحكمة فيه ظاهراً.

و نحوه في الضعف استدلاله الآخر بقوله:و لأنّه لو ملك لما جاز له أخذه منه قهراً،و التالي باطل إجماعاً،و لما رواه محمد بن إسماعيل في الصحيح عن مولانا الرضا عليه السلام قال:سألته عن رجل يأخذ من أُمّ ولده شيئاً وهبه لها بغير طيب نفسها من خدم أو متاع،أ يجوز ذلك؟قال:« نعم إذا كانت أُمّ ولده» (3).

لمنع الملازمة،لعدم الدليل عليها من كتاب أو سنّة أو إجماع حتى في المسألة،إلّا أن يدّعي الاستقراء،و هو حسن،مع أنّ في الاستناد لإبطال التالي بالصحيح ما ترى،فلعلّ تجويز الاسترداد منها بناءً على كون

ص:62


1- انظر الوسائل 26:43 أبواب موانع الإرث ب 16.
2- المختلف:624.
3- التهذيب 8:/206 729،الوسائل 23:169 أبواب الاستيلاد ب 1 ح 2.

الموهوب لها هبة لغير ذي رحم و يجوز ذلك فيها إجماعاً،فتوًى و نصّاً، و ربما كان في الشرطيّة في ذيله إشعار بذلك أيضاً،فتأمّل جدّاً.

و منها النصوص الواردة في وصيّة المولى لمملوكه بثلث ماله و أنّه يعتق بحسابه (1)،و هو ظاهر في عدم إعطائه ثلثه،و لا وجه له في الظاهر إلّا عدم تملّكه [له] ،فتأمّل.

و بالجملة تتبّع النصوص الواردة في العتق و الوصية للملوك [للمملوك] يكشف عن عدم الملكيّة له من دون ريبة،فلا يقاومها سيّما بعد اعتضادها بما قدّمناه من الأدلّة شيء من الرواية السابقة و غيرها،كالمستدَلّ به للقول باستثناء أرش الجناية خاصّة،كما حكي قولاً في الروضة (2)،و قال به القاضي و النهاية (3)لكن مع إلحاق ما يُملِّكه مولاه و فاضل الضريبة،و هو الموثّق:ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقلّ أو أكثر،فيقول:

حلّلني من ضربي إيّاك،و من كلّ ما كان منّي إليك ممّا أخفتك و أرهبتك، فيحلّله و يجعله في حلّ رغبة فيما أعطاه،ثم إنّ المولى بعدُ أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع قد وضعها فيه العبد و أخذها المولى،إحلال له هي؟ فقال:«..لا يحلّ له؛ لأنّه افتدى بها نفسه من العبد مخافة العقوبة و القصاص يوم القيامة» قال:فقلت:فعلى العبد أن يزكّيها إذا حال عليه الحول؟قال:« لا إلّا أن يعمل له بها» (4)الحديث.

و فيه مضافاً إلى ما مرّ قصور السند،و تضمّنه عدم جواز أخذ

ص:63


1- الوسائل 19:415 أبواب أحكام الوصايا ب 82.
2- الروضة البهية 3:312.
3- القاضي في المهذب 2:359،النهاية:543.
4- الفقيه 3:/146 644،التهذيب 8:/225 808،الوسائل 18:256 أبواب بيع الحيوان ب 9 ح 3.

المولى ذلك منه و هو مخالف للإجماع كما في عبارة المختلف المتقدّمة (1)، و نحوها ما صرّح به أيضاً بعدها بأدنى فاصلة،فقال:لو فرضنا أنّ العبد يملك فإنّه لا يملك ملكاً تامّاً؛ إذ لمولاه انتزاعه منه إجماعاً (2).

مضافاً إلى احتمال حمله على التقيّة؛ لأنّ الملكية مذهب جماعة من العامّة (3)،كما يستفاد من عبارات هؤلاء النقلة للإجماعات المتقدّمة (4)،مع ظهور ذيله في ذلك من حيث تضمّنه استحباب الزكاة في مال التجارة،و هو مذهب العامّة،و إن اشتهر أيضاً بين الطائفة.

و به يمكن الجواب عن الأخبار المتوهّم منها الدلالة على الملكية مطلقاً،أظهرها دلالةً الخبر:عن رجل قال لمملوكه:أنت حرّ،و لي مالُك، قال:« لا يبدأ بالحريّة قبل المال،يقول:لي مالك،و أنت حرّ،برضا المملوك» (5).

و فيه مع ذلك قصور السند،للجهالة،و إن عدّه من الحسن بل الصحيح جماعة (6)،و أنّه معارض بكثير من المعتبرة الدالّة على كون مال المعتَق للمالك إذا كان جاهلاً بماله مطلقاً و لو لم يستثن (7).

و أمّا الخبر:« أنّ علياً عليه السلام أعتق عبداً فقال له:إنّ ملكك لي و لك،

ص:64


1- في ص:62.
2- المختلف:624.
3- منهم ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 4:321،و ابن حزم في المحلى 8:320.
4- في ص:58.
5- الكافي 6:/191 5،الفقيه 3:/92 344،التهذيب 8:/224 806،الإستبصار 4:/11 33،الوسائل 23:48 أبواب العتق ب 24 ح 5.
6- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 8:251،و المجلسي في روضة المتقين 6:394.
7- انظر الوسائل 23:47 أبواب العتق ب 24.

و قد تركته لك» (1)فمع قصور السند غير واضح الظهور في المنافاة لمذهب المشهور و غيره؛ لإجماله إن ارتكب المجاز في إحدى اللامين،و مخالفته الإجماع إن حملناه على الحقيقة،لإفادتهما التشريك بالبديهة،و لا قائل به من الطائفة.

مع منافاته صريح الآية ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ [1] (2)الآية لتصريحها بأن ليس للعبيد في أموال الموالي شركة.

فاستدلال بعض الأجلّة (3)بهذه الرواية لقوله بإطلاق ثبوت الملكيّة له تبعاً للماتن في الشرائع (4)ضعيف غايته،كضعف استدلاله بما أشرنا إليه من الأخبار المتقدّمة.

و يتحصّل ممّا طوّلنا به الكلام في المسألة القطع بعدم الملكيّة فيما عدا فاضل الضريبة و أرش الجناية،و كذلك فيهما على الظاهر المشهور بين الطائفة.

الثانية من اشترى عبداً له مال كان ماله للبائع إلّا مع الشرط

الثانية:من اشترى عبداً مثلاً و كان له مال كان ماله للبائع إلّا مع الشرط فيكون للمشتري،على الأظهر الأشهر بين الطائفة،كما حكاه جماعة (5)؛ للمعتبرة،منها الصحيح:عن رجل باع مملوكاً فوجد له مالاً،

ص:65


1- التهذيب 8:/237 855،الوسائل 23:49 أبواب العتق ب 24 ح 7.و فيهما:« إنّ ملكك لي،و لكن قد تركته لك».
2- الروم:28.
3- الحدائق 19:396.
4- الشرائع 2:58.
5- منهم:السبزواري في الكفاية:101،و المحقق في الشرائع 2:58،و صاحب الحدائق 19:400.

فقال:« المال للبائع،إنّما باع نفسه،إلّا أن يكون شرط عليه أنّ ما كان له من مال أو متاع فهو له» (1).

و نحوه خبران آخران،مروي أحدهما في الفقيه (2)،و ثانيهما عن أمالي ولد الشيخ (3).

و هذان الحكمان على المختار واضحان؛ لعدم دخول المال في لفظ المبيع لغةً و عرفاً،فيكون للبائع جدّاً،إلّا مع الشرط أو ما في حكمه من جريان العادة بدخوله كثياب البدن و نحوها إن حصلت فيدخل.

و يشكل الحكمان على غيره؛ إذ لا وجه لهما حينئذٍ،إذ لا موجب لكونه للبائع في الأوّل و للمشتري في الثاني،بل يتبع المال مالكه،فهما أقوى دليل على المختار و أولى بالدلالة عليه من دلالة إضافة المال إلى العبد في النصوص على خلافه،لكفاية أدنى ملابسة في الإضافة،كما مضت إليه و إلى ما يدلّ على تعيّن إرادته الإشارة (4).

و قيل (5)بأنّه للبائع مع جهله به و للمشتري مع علمه؛ للصحيح:

الرجل يشتري المملوك و له مال،لمَن ماله؟فقال:« إن كان علم البائع أنّ له مالاً فهو للمشتري،و إن لم يكن له علم فهو للبائع» (6).

ص:66


1- الكافي 5:/213 2،التهذيب 7:/71 306،الوسائل 18:252 أبواب بيع الحيوان ب 7 ح 1.
2- الفقيه 3:/138 604،الوسائل 18:253 أبواب بيع الحيوان ب 7 ح 4.
3- أمالي الطوسي:397،الوسائل 18:254 أبواب بيع الحيوان ب 7 ح 5.
4- راجع ص:61.
5- نقل القول عن الإسكافي في المختلف:380.
6- الكافي 5:/213 1،الفقيه 3:/138 605،التهذيب 7:/71 307،الوسائل 18:253 أبواب بيع الحيوان ب 7 ح 2.

و هو ضعيف؛ لقصور الخبر عن المقاومة لما مرّ و إن صحّ السند؛ لكثرة العدد،و الاعتضاد بالأصل و بعمل الأكثر،فليطرح،أو يؤوّل إلى الأوّل بالحمل على صورة الشرط،كما في المختلف (1)،أو ما في معناه من قضاء العادة بدخوله كما مرّ،و لعلّه أظهر.

و به يظهر اتّحاده مع المعتبرة في الدلالة على عدم الملكيّة،و عدم انطباقها على القول بها؛ إذ لا وجه لتأثير العلم و عدمه في دخول ملك العبد من دون عقد في ملك البائع و المشتري.و انطباقها على الأوّل واضح؛ لأنّ كون المال للبائع على تقدير الجهل مقتضى الأصل،فإنّه ملكه فيتبعه، و للمشتري على تقدير العلم مقتضى العادة الجارية مجرى الشرط فيتبع، كما حملنا عليه الرواية.

ثم مع الدخول بأحد الأمرين ينبغي أن يراعى فيه شروط البيع من كونه معلوماً لهما أو ما في حكمه،و سلامته من الربا بأن يكون الثمن مخالفاً لجنسه الربوي أو زائداً عليه،و قبض مقابل الربوي في المجلس إن كان صرفاً،و غيرها.

و على هذا التفصيل يحمل إطلاق الصحيح:قلت له:الرجل يشتري المملوك و ماله،قال:« لا بأس به» قلت:فيكون مال المملوك أكثر ممّا اشتراه،قال:« لا بأس به» (2).

و هو كالنصوص السابقة ظاهر الانطباق على المختار دون غيره، فالعجب من نحو الماتن كيف حكم بهذا الحكم هنا على الإطلاق مع

ص:67


1- المختلف:380.
2- الكافي 5:/213 3،الفقيه 3:/139 606،التهذيب 7:/71 305،الوسائل 18:254 أبواب بيع الحيوان ب 8 ح 1.

حكمه بالملك الغير المجامع له سابقاً؟! اللّهم إلّا أن يريد بمال العبد هنا مال مولاه،و إنّما أُضيف إليه لتسليطه المولى و إباحته له فيحصل أدنى الملابسة الكافي في صدق الإضافة،و بهذا الوجه تخرج النصوص عن مورد المسألة السابقة من ثبوت الملكيّة أو عدمها بالبديهة.

الثالثة:يجب على البائع استبراء الأمة

الثالثة:يجب على البائع و من في حكمه إن قلنا بإلحاقه به استبراء الأمة الموطوءة له حال بلوغها في قبل أو دبر،عزل أم لا،في ظاهر إطلاق النصوص و الفتاوي قبل بيعها بل مطلق الانتقال على الأشهر الأقوى،بل ربما يستفاد من الخلاف و الغنية الإجماع عليه (1).

بترك وطئها مطلقاً و لو دبراً،دون سائر الاستمتاعات،في زمان يأتي عليها بحيضة واحدة إن لم تُبَع في أثنائها،و إلّا فيكفي تمامها على الأشهر الأقوى إن كانت ممّن تحيض و حدّها البالغة تسع سنين، بلا خلاف يوجد إلّا نادراً.

و بخمسة و أربعين يوماً من حين الوطء إن لم تحض بعدُ،أو انقطع عنها حيضها و كانت في سنّ من تحيض.

و كذا يجب الاستبراء بما ذكر كيفيّةً و قدراً على المشتري إذا لم يستبرئها البائع مطلقا،علم بوطئه لها أو جهل،و لا يجب إذا علم العدم اتّفاقاً،نصّاً و فتوى.

و لا خلاف في شيء من ذلك إلّا من الحلّي (2)في إلحاق مُطلق الانتقال بالبيع،التفاتاً إلى الأصل،و اختصاص الموجب به خاصّة،فالإلحاق

ص:68


1- الخلاف 3:131،الغنية(الجوامع الفقهية):612.
2- السرائر 2:346.

لا بدّ له من حجّة،و ليست سوى دعوى الاشتراك في الحكمة الموجبة في الملحق به،و ليست بمنصوصة.

و المناقشة فيه واضحة بعد ملاحظة خصوص الرواية الآتية في المسبيّة (1)المندفع أخصّيتها من المدّعى بعدم القول بالفرق بين الطائفة.

مضافاً إلى ظواهر كثير من المعتبرة الظاهرة في الحكمة،كالصحيح:

في رجل ابتاع جارية لم تطمث،قال:« إن كانت صغيرة لا يتخوّف عليها الحمل فليس عليها عدّة فليطأها إن شاء،و إن كانت قد بلغت و لم تطمث فإنّ عليها العدّة» (2).

و قريب منه الخبر الذي ضعف سنده بالشهرة العظيمة منجبر:عن الجارية التي لا يخاف عليها الحبل،قال:« ليس عليها عدّة» (3).

لظهوره في فهم الراوي دوران وجوب العدّة مدار خوف الحبل و أنّ إشكاله في الحكم مع عدم الخوف،و قد قرّره عليه السلام على ذلك،فتدبّر.

و يشهد له سقوط الاستبراء فيمن لا يخاف عليها الحبل أصلاً، كالصغيرة و نحوها،و في المشتراة من المرأة،فتأمّل جدّاً،و لعلّه لذا رجع عنه في باب السراري و ملك الأيمان (4).

و منه أيضاً في الاكتفاء بتمام الحيضة إن بيعت في الأثناء،فلم يكتف

ص:69


1- انظر ص:72.
2- الكافي 5:/473 6،التهذيب 8:/171 595،الإستبصار 3:/357 1278،الوسائل 21:83 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 3 ح 1.
3- التهذيب 8:/171 596،الإستبصار 3:/357 1279،الوسائل 21:83 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 3 ح 2.
4- السرائر 2:634.

به (1).

و يردّه الإجماع المحكي في الخلاف (2)،و المعتبرة،كالصحيحين،في أحدهما:عن رجل اشترى جارية و هي حائض،قال:« إذا طهرت فليمسّها إن شاء» (3).

و الموثق:عن رجل اشترى جارية و هي طامث أ يستبرئ رحمها بحيضة أُخرى أم تكفيه هذه الحيضة؟قال:« لا،بل تكفيه هذه الحيضة، فإن استبرأها بأُخرى فلا بأس،هي بمنزلة فضل» (4).

و من المبسوط (5)،فألحق بالوطء سائر وجوه الاستمتاعات؛ للموثق:

عن الرجل يشتري الجارية و هي حبلى،أ يطؤها؟قال:« لا» قلت:فدون الفرج؟قال:« لا يقربها» (6).

و يردّه مضافاً إلى الأصل،و انتفاء وجه الحكمة الإجماع الذي حكاه في الخلاف (7)،و خصوص المعتبرة،كالصحيح:قلت:يحلّ

ص:70


1- السرائر 2:635.
2- الخلاف 3:131.
3- التهذيب 8:/171 595،الإستبصار 3:/357 1278،الوسائل 21:83 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 3 ح 1. و الثاني:الكافي 5:/473 6،الوسائل 21:83 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 3 ذيل الحديث 1.
4- التهذيب 8:/174 606،الإستبصار 3:/359 1286،الوسائل 21:96 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 10 ح 2.
5- المبسوط 2:140.
6- التهذيب 8:/177 620،الإستبصار 3:/362 1302،الوسائل 21:88 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 5 ح 5.
7- الخلاف 3:132.

للمشتري ملامستها؟قال:« نعم،و لا يقرب فرجها» (1).

و الموثق:أ يحلّ له أن يأتيها فيما دون فرجها؟قال:« نعم» (2).

و نحوه خبران آخران،في أحدهما:« و لكن يجوز ذلك فيما دون الفرج» (3).و في الثاني:« لا بأس بالتفخيذ لها حتى تستبرئها،و إن صبرت فهو خير لك» (4).

فلتحمل الموثّقة على الاستحباب،كما يستفاد من هذه الرواية.

و من المفيد في مبلغ العدّة الثانية،فجعله أشهراً ثلاثة (5).

و لا مستند له سوى القياس على الحرّة المطلّقة.

و المناقشة فيه واضحة،سيّما بعد اتّحاد عدّة الأمة المطلّقة لمقدار عدّتها في المسألة بالإجماع و أكثر النصوص المعتبرة.

و مع ذلك النصوص بردّه هنا مستفيضة زيادة على الإجماع في الخلاف (6)،منها:عن الجارية التي لم تبلغ المحيض و يخاف عليها الحبل، قال:« يستبرئ رحمها الذي يبيعها بخمس و أربعين ليلة و الذي يشتريها بخمس و أربعين ليلة» (7).

ص:71


1- التهذيب 8:/173 605،الإستبصار 3:/360 1291،الوسائل 21:90 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 6 ح 5.
2- التهذيب 8:/177 621،الإستبصار 3:/363 1303،الوسائل 21:105 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 18 ح 5.
3- الفقيه 3:/282 1346،التهذيب 8:/212 759،علل الشرائع:/503 1،الوسائل 18:261 أبواب بيع الحيوان ب 11 ح 5.
4- التهذيب 8:/178 623،الإستبصار 3:/363 1304،الوسائل 21:87 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 5 ح 1.
5- المقنعة:600.
6- الخلاف 5:80.
7- الكافي 5:/473 5،الوسائل 18:258 أبواب بيع الحيوان ب 10 ح 3.

و منها:في الرجل يشتري الجارية و لم تحض أو قعدت عن المحيض،كم عدّتها؟قال:« خمسة و أربعون يوماً» (1)و نحوه آخر (2).

و في الصحيح و الموثق:في كم يستبين له حبل؟قال:« في خمس و أربعين ليلة» (3).

هذا،و كلامه في المقنعة في باب لحوق الأولاد (4)يوافق ما في العبارة.

و من الصحيحين (5)في مقدار العدّة الأُولى،فجعلاه حيضتين، مؤذنين بكون الواحدة مذهب العامّة.

و هما شاذّان مردودان بفحوى المعتبرة المتقدّمة المكتفية بتمام الحيضة،و صريح أخبار معتبرة أُخر،منها:« استبرئوا سباياكم بحيضة» (6).

و قصور السند بالفتاوي منجبر،و حملهما على الاستحباب كما فعله الشيخ (7)غير بعيد،كما دلّ عليه صريح الموثّق المتقدّم،و لعلّ العامّة في

ص:72


1- التهذيب 8:/172 600،الإستبصار 3:/358 1283،الوسائل 21:84 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 3 ح 6.
2- التهذيب 8:/172 599،الإستبصار 3:/358 1282،الوسائل 21:84 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 3 ح 5.
3- الكافي 5:/472 1،2،الوسائل 18:257 أبواب بيع الحيوان ب 10 ح 1.
4- المقنعة:538.
5- الأول التهذيب 8:/173 605،الإستبصار 3:/360 1291،الوسائل 21:90 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 6 ح 5.الثاني:التهذيب 8:/171 594،الإستبصار 3:/359 1287،الوسائل 21:95 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 10 ح 1.
6- التهذيب 8:/176 615،الوسائل 21:104 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 17 ح 1.
7- التهذيب 8:175.

المدينة أنكرت استحباب الحيضتين.

و من بعض المحققين في تعميم الوطء للدبر،فخصّه بالقبل (1)،و هو الظاهر من الحلّي (2)حيث أوجب الاستبراء بتركة خاصّة للمشتري؛ و لعلّه للأصل،و اختصاص الموجب من النص بحكم التبادر بمحلّ الفرض، فلا يجوز التعدّي إلى الغير.

و لا يخلو عن قرب إن لم يحصل بوطء الدبر خوف سبق الماء في القبل الموجب لخشية الحبل،بل حصل القطع بعدمه بالعزل و نحوه.

و منه يظهر الوجه في الإشكال في تعميم الوطء له مع العزل الموجب للقطع بعدم الحبل من هذا الوطء،و لا فرق فيه بين القبل و الدبر إلّا أنّ التعميم مطلقا كما ذكرنا وفاقاً لظاهر أكثر الأصحاب هنا طريق الاحتياط.

و يسقط الاستبراء عن الصغيرة الغير البالغة و اليائسة عن الحيض،بالبلوغ إلى سنّ اليأس و المستبرأة بلا خلاف في الثلاثة،و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و اختصاص النصوص بحكم التبادر في بعض، و به و بوجه الحكمة في الباقي بغير الثلاثة،فالتعدية لمخالفتها الأصل لا بدّ لها من حجّة و دلالة هي في المقام مفقودة.

مع تظافر المعتبرة بعدمها بالضرورة،منها مضافاً إلى ما مرّ إليه الإشارة الموثّق كالصحيح،بل ربما عدّ من الصحيح:عن الرجل يشتري الجارية التي لم تبلغ المحيض و إذا قعدت عن المحيض،ما عدّتها؟و ما يحلّ للرجل من الأمة قبل أن تحيض؟قال:« إذا قعدت عن المحيض أو

ص:73


1- الدروس 3:229،مجمع الفائدة 8:267.
2- السرائر 2:346.

لم تحض فلا عدّة لها» (1)الحديث.

و من النصوص الثالثة الأخبار الدالّة على السقوط عن أمة المرأة و أنّه يقبل قول البائع العدل إذا أخبر بالاستبراء أو عدم الوطء أصلاً،و هي مستفيضة.

فممّا يتعلّق بالأوّل المعتبرة،منها الصحيح:« عن الأمة تكون لامرأةٍ فتبيعها،قال:« لا بأس أن يطأها من غير أن يستبرئها» (2)و نحوه الموثق كالصحيح (3)،بل قيل:صحيح (4).

و في مضاهيه في الوصفين على القولين:اشتريت جارية بالبصرة من امرأة فخبّرتني أنّه لم يطأها أحد،فوقعت عليها و لم أستبرئها،فسألت ذلك أبا جعفر عليه السلام،فقال:« هو ذا أنا قد فعلت ذلك و ما أُريد أن أعود» (5).

و ربما يستشعر منه اشتراط الحكم هنا بعدم معلوميّة وطء في ملك المرأة بتحليل و نحوه،بل مطلقاً،و مقتضاه وجوب الاستبراء عند عدم الشرط،و لعلّه كذلك،و يعضده انسحاب وجه الحكمة هنا أيضاً،إلّا أنّ مقتضاه الاكتفاء باحتمال الوطء لا اشتراط العلم به.

و لا ريب أنّه أحوط إذا لم تخبر بعدم الوطء،بل مطلقاً،كما عن

ص:74


1- التهذيب 8:598/172،الإستبصار 3:1281/357،الوسائل 21:84 أبواب نكاح العيد و الإماء ب 3 ح 4؛ بتفاوت يسير.
2- التهذيب 8:/174 607،الإستبصار 3:/360 1292،الوسائل 21:91 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 7 ح 1.
3- التهذيب 8:/174 608،الإستبصار 3:/360 1293،الوسائل 21:91 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 7 ذيل حديث 1.
4- مجمع الفائدة 8:270.
5- التهذيب 8:/174 609،الإستبصار 3:/361 1294،الوسائل 21:91 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 7 ح 2.

الحلّي و فخر المحققين (1)،و إن كان في تعيّنه نظر،لإطلاق الصحيحين الأوّلين المعتضدين بالأصلين (2)،و بإطلاق الفتاوي في البين،فيقيّد بهما الحكمة إن عمّت،مع أنّ عمومها محلّ نظر،لاحتمال الخوف الذي هو الأصل فيها الغالب كما في الشراء من الرجل لا مطلقه.

و ينبغي القطع باشتراط عدم المعلوميّة؛ التفاتاً إلى الحكمة و عليه ينزّل الإطلاقات.و يفرق حينئذٍ بين الشراء منها و من الرجل بوجوب الاستبراء في الثاني مطلقاً إلّا مع العلم أو ما في حكمه بعدم الوطء أصلاً،و عدمه في الأوّل كذلك إلّا مع العلم بالدخول المحترم أو المطلق على الأقوى.

و ممّا يتعلق بالثاني المستفيضة،و هي ما بين مطلقة في المخبِر، كالخبر:« إذا اشتريت جارية فضمن لك مولاها أنها على طهر فلا بأس أن تقع عليها» (3).

و مقيّدةٍ له بالوثاقة و الأمانة،منها:في رجل يشتري الأمة من رجل فيقول:إنّي لم أطأها،فقال:« إن وثق به فلا بأس بأن يأتيها» (4).

و منها:الرجل يشتري الجارية و هي طاهر و يزعم صاحبها أنّه لم يمسّها منذ حاضت،فقال:« إن ائتمنته فمسّها» (5).

ص:75


1- الحلّي في السرائر 2:346،فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3:360.
2- أي:أصالة عدم الدخول و أصالة عدم وجوب الاستبراء.(منه رحمه الله).
3- التهذيب 8:/173 602،الإستبصار 3:/359 1288،الوسائل 21:90 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 6 ح 3.
4- الكافي 5:/472 4،التهذيب 8:/173 603،الإستبصار 3:/359 1289،الوسائل 21:89 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 6 ح 1.
5- التهذيب 8:/173 604،الإستبصار 3:/360 1290،الوسائل 21:90 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 6 ح 4.

و قصور الأولى بالجهالة و الثانية بالاشتراك بل احتمال الضعيف بالقرينة (1)منجبر بالشهرة،مع أنّهما معدودان في الحسن و الصحيح في كلام جماعة (2).

مضافاً إلى كون الأولى في الكافي صحيحة،أو حسنة كالصحيحة، و وجود من أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة في سند الثانية،مع اعتضادهما بالأصل،و اختصاص النصوص المثبتة للحكم بحكم التبادر بغير مفروض المسألة.

و دعوى عموم الحكمة لنحوها غير ظاهرة يظهر وجهه ممّا تقدّم إليه الإشارة.

فإذاً الأظهر ما عليه الأكثر،بل ربما يظهر من الغنية الإجماع عليه (3).

خلافاً للفاضلين المتقدّم ذكرهما (4)،فأوجب الاستبراء هنا أيضاً؛ لروايات هي ما بين قاصرة السند،أو ضعيفة الدلالة،أو مخالفة في الظاهر للمجمع عليه بين الطائفة،فأولاها:أشتري الجارية من الرجل المأمون، فيخبرني أنّه لم يمسّها منذ طمثت عنده و طهرت،قال:« ليس بجائز أن تأتيها حتى تستبرئها بحيضة» (5)الحديث.

ص:76


1- يعني احتمال أن يكون المراد بأبي بصير هو يحيى بن القاسم الضعيف بقرينة رواية شعيب العقرقوفي عنه.
2- كالشهيد الثاني في المسالك 1:209،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:262،و المجلسي في ملاذ الأخيار 13:325.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):612.
4- راجع ص:75.
5- الفقيه 3:/282 1346،التهذيب 8:/212 759،علل الشرائع:/503 1،الوسائل 18:261 أبواب بيع الحيوان ب 11 ح 5.

و ثانيتها الصحيح:عن جارية تشترى من رجل مسلم يزعم أنّه قد استبرأها،أ يجزئ ذلك أم لا بد من استبرائها؟قال:« أستبرئها بحيضتين» (1).

و ثالثتها الصحيح:في رجل اشترى جارية و لم يكن صاحبها يطؤها، أ يستبرئ رحمها؟قال:« نعم» (2).

فلتطرح،أو تؤوّل بما يؤول إلى الأوّل بالحمل على عدم أمانة المخبر،و الأوّل الظاهر فيها بحسب السند قاصر،أو على الاستحباب،كما يشعر به الصحيح الأوّل،من حيث تضمّنه الأمر بالاستبراء حيضتين الذي هو للاستحباب بلا خلاف في الظاهر.

و يفصح عنه الخبر بل الحسن كما قيل- (3):أ فرأيت إن ابتاعها و هي طاهرة و زعم صاحبها أنّه لم يطأها منذ طهرت،فقال عليه السلام:« إن كان عندك أميناً فمسّها» و قال عليه السلام:« إنّ ذا الأمر شديد،فإن كنت لا بدّ فاعلاً فتحفظ لا تنزل عليها» (4).

فما عليه الأكثر أقوى،و إن كان الاحتياط الأكيد فيما ذكراه جدّاً، كاعتبار العدالة بعده،وفاقاً لظاهر العبارة و جماعة (5)،و إن كان الاكتفاء بمن تسكن النفس إليه لا يخلو عن قوّة؛ لظاهر المعتبرة المتقدمة،لخلوّها عن اعتبارها بالمعنى المصطلح بين المتشرّعة،و إنّما غايتها اشتراط الأمانة

ص:77


1- التهذيب 8:/173 605،الإستبصار 3:/360 1291،الوسائل 21:90 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 6 ح 5.
2- الكافي 5:/472 2،الوسائل 18:257 أبواب بيع الحيوان ب 10 ح 1.
3- قال به المحدث المجلسي في ملاذ الأخيار 13:334.
4- الكافي 5:/473 7،التهذيب 8:/172 601،الإستبصار 3:/358 1285،الوسائل 21:89 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 6 ح 2.
5- منهم الشيخ في النهاية:410،الشهيد الثاني في المسالك 1:209،و الروضة 3:315.

و الوثاقة،و هما أعم منها لغةً و عادةً.

و لا يجوز أن توطأ الأمة الحامل قُبُلاً حتى يمضي لحملها أربعة أشهر كما عن المفيد و الحلبي (1)،و في الغنية مدّعياً في الظاهر عليه إجماع الطائفة (2)؛ و هو الحجة لا الرواية الآتية،لزيادة فيها ليست في كلام هؤلاء الجماعة،بل حكيت عن النهاية (3)خاصّة،و تبعه من المتأخّرين جماعة،كالماتن في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و القواعد و شيخنا في الروضة و المسالك (4).

و لا ريب في الحرمة قبل انقضاء هذه المدّة؛ للمعتبرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة (5)،و هي مع ذلك معتضدة بالشهرة العظيمة،كما في الدروس (6)،و إجماع الغنية،و أصالة بقاء الحرمة السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا قوله سبحانه أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [1] (7).و هو معارض بالآية الأُخرى وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [2] (8)و بعد التساقط بموجب التعارض تبقى الأصالة المزبورة عن معارضة الآية الأُولى سليمة.

و إلى التعارض مع ترجيح الثانية على ما ذكره بعض الأجلة (9)يشير

ص:78


1- المفيد في المقنعة:544،الحلبي في الكافي:300.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):612.
3- النهاية:496.
4- الشرائع 2:59،الإرشاد 1:366،القواعد 1:130،الروضة 3:316،المسالك 1:209.
5- انظر الوسائل 21:91 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 8.
6- الدروس 3:228.
7- النساء:3.
8- الطلاق:4.
9- الحدائق 19:448.

بعض المعتبرة،كالصحيح:في الأمة الحبلى يشتريها الرجل،قال:« سئل أبي عن ذلك فقال:أحلّتها آية و حرّمتها آية فأنا ناهٍ عنها نفسي و ولدي» (1)و النهي حقيقة في الحرمة.

و تخصيصه إيّاه بنفسه و ولده غير مشعر بالكراهة،فلعلّه للتقية (2)، كما صرّح به جماعة (3).

فإذاً الرواية من أدلّة الحرمة كالمستفيضة،منها الصحيح:الرجل يشتري الجارية و هي حامل،ما يحلّ منها؟قال:« ما دون الفرج» (4).

و الموثقات الثلاث،فيما عدا الثالث منها:عن الجارية يشتريها الرجل و هي حبلى،أ يطؤها؟قال:« لا» (5).و نحوهما المرويان عن قرب الإسناد (6).

ص:79


1- الكافي 5:/474 1،التهذيب 8:/176 616،الإستبصار 3:/362 1298،الوسائل 21:92 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 8 ح 2.
2- سيّما بعد ملاحظة الصحيح:قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عمّا يروي الناس عن علي عليه السلام في أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها و لا ينهى عنها إلّا أنه ينهى عنها نفسه و ولده،فقلت:و كيف يكون ذلك؟قال:« قد أحلّتها آية و حرّمتها آية أُخرى» قلت:فهل يصير إلّا أن تكون إحداهما قد نسخت الأُخرى،أو هما محكمتان جميعاً،أو ينبغي أن يعمل بهما؟فقال:« قد بيّن لكم إذ نهى نفسه و ولده» قلت:ما منعه أن يبيّن ذلك للناس؟فقال:« خشي أن لا يطاع،و لو أنّ علياً عليه السلام ثبتت له قدماه أقام كتاب اللّه و الحق كلّه».الكافي 5:/556 8.(منه رحمه الله).
3- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:276،و البحراني في الحدائق 19:447.
4- الكافي 5:/475 4،التهذيب 8:/176 618،الإستبصار 3:/362 1300،الوسائل 21:87 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 5 ح 3.
5- الأُولى:التهذيب 8:/177 620،الإستبصار 3:/362 1302،الوسائل 21:88 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 5 ح 5.الثانية:التهذيب 8:/176 619،الإستبصار 3:/362 1301،الوسائل 21:93 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 8 ح 6.
6- قرب الإسناد:/310 1209،الوسائل 21:94 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 8 ح 8.

و فيه:عن الجارية الحبلى يشتريها الرجل فيصيب منها دون الفرج؟ فقال:« لا بأس» قلت:فيصيب منها في ذلك؟قال:« تريد تغرّة» (1).

و الخبران (2)،في أحدهما:« عشر لا يحلّ نكاحهنّ و لا غشيانهنّ» و عدّ منها« أمتك و هي حبلى من غيرك» .و في الموثق:عن رجل اشترى جارية حاملاً و قد استبان حملها فوطئها،قال:« بئس ما صنع» (3).

إلى غير ذلك من النصوص الآتية التي بملاحظتها و سابقتها ربما يحصل القطع بأنّها متواترة،و هي ما بين ظاهرة و صريحة في الحرمة.

فالقول بالكراهة كما عن الخلاف و الحلّي (4)ضعيف،و إن ادّعى الأوّل عليه الإجماع؛ لوهنه بمصير الأكثر إلى خلافه،مع معارضته بالإجماع المتقدم،فلا يقاوم ما مرّ من الأدلّة.

و نحوه باقي أدلّة الجواز؛ لضعف الآية المتقدّمة بما مرّ إليه الإشارة، و الرواية:« ما أُحبّ للرجل المسلم أن يأتي الجارية حبلى قد حبلت من غيره حتى يأتيه فيخبره» (5)بقصور السند بالجهالة،و المتن عن وضوح الدلالة؛ لأعميّة:« ما أُحبّ» من الكراهة.

ص:80


1- الكافي 5:/475 5،الوسائل 21:88 أبواب نكاح العبيد و الإماء و بدلها في« ح» و« ت» و« ر»:يزيد نفرة.
2- الفقيه 3:/286 1360،التهذيب 8:/198 695،696،الوسائل 21:106 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 19 ح 1،2؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 5:/487 1،الفقيه 3:/284 1351،التهذيب 8:/178 624،الوسائل 21:94 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 9 ح 1.
4- الخلاف 5:85،الحلي في السرائر 2:635.
5- التهذيب 8:/178 623،الإستبصار 3:/363 1304،الوسائل 21:87 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 5 ح 1.

فإذاً الأقوى ما عليه الجماعة من الحرمة قبل المدّة.

و فيما بعدها أقوال مختلفة باختلاف الأنظار في الجمع بين أخبار المسألة،أشهرها كما في الدروس (1)،و لعلّه الظاهر من كلام الجماعة الجواز مع الكراهة؛ استناداً في الثاني إلى الشبهة الناشئة من إطلاق النهي في النصوص المتقدّمة و كلام جماعة (2).

و في الأوّل إلى الأصل،و العمومات،و الصحيح:قلت:و إن كانت حبلى فمالي منها إن أردت؟قال:« لك ما دون الفرج إلى أن تبلغ في حبلها أربعة أشهر و عشرة أيّام فلا بأس بنكاحها في الفرج» (3)الحديث.و به يقيّد الإطلاق المتقدّم.

و فيه إشكال،أوّلاً:بقصوره عن المقاومة لما تقدّم عدداً،مع بُعد التقييد فيها جدّاً،فإنّ أظهر أفراد الحبلى المنهي عن وطئها فيه هو من استبان حملها،و ليس إلّا بعد انقضاء المدّة المزبورة غالباً،و بذلك صرّح بعض أصحابنا (4).

و ثانياً:بمعارضته بكثير من المعتبرة المصرّحة بالمنع إلى حين الوضع،كالصحيح:« في الوليدة يشتريها الرجل و هي حبلى،قال:

« لا يقربها حتى تضع ولدها» (5).

ص:81


1- الدروس 3:229.
2- منهم:الشيخ في التهذيب 8:178،و الاستبصار 3:363،و السبزواري في الكفاية:101.
3- التهذيب 8:/177 622،الإستبصار 3:/364 1305،الوسائل 21:92 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 8 ح 3.
4- مجمع الفائدة 8:276.
5- الكافي 5:/475 3،التهذيب 8:/176 617،الإستبصار 3:/362 1299،الوسائل 21:91 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 8 ح 1.

و نحوه النبوي المروي عن العيون:« نهى عن وطء الحبالى حتى يضعن» (1).

و حملهما على الكراهة فرع المكافأة و رحجان الاُولى،و ليس، لاعتضاد هذين بالأصل و إطلاق النصوص المتقدّمين،و تأيّدهما بظاهر الصحيح الأوّل من حيث دلالته على انحصار الأمر بين الإباحة المطلقة،كما دلّت عليه الآية الأُولى،أو الحرمة كذلك،كما صرّحت به الثانية،و حيث ظهر لنا الحرمة في الجملة بالأدلّة السابقة تعيّن ترجيح الآية الثانية،و هي في الحرمة إلى الوضع صريحة،و لا آية هنا تدلّ على التفصيل بين المدّتين بالبديهة.

و ثالثاً:بتطرّق الوهن إليه بخلوّه في الكافي من التحديد إلى الغاية (2)، بل الرواية فيه مطلقة و بالغاية غير مقيّدة،و ليست الشهرة بمجرّدها هنا توجب الرجحان و التقوية،بحيث يتقوّى و يترجّح على تلك الأدلّة،مع أنّ عبائر المقيّدين للحرمة بهذه المدّة مختلفة،فبين من عبّر بنفس ما في الرواية (3)،و من عبّر بالأربعة أشهر و أسقط الزيادة (4).

فإذاً القول بالحرمة قويّ غاية القوّة،وفاقاً للمفيد في المقنعة في باب لحوق الأولاد،و الفاضل في المختلف و المحقق الثاني و الشهيد في اللمعة (5)،مع أنّه طريق الاحتياط في المسألة.

ص:82


1- عيون الأخبار 2:271/63،الوسائل 21:93 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 8 ح 7.
2- انظر الكافي 5:/474 1.
3- منهم:الشيخ في النهاية:496،و ابن حمزة في الوسيلة:308،و المحقق في الشرائع 2:59.
4- منهم:المفيد في المقنعة:544،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):612 و أبو الصلاح في الكافي في الفقه:300.
5- المقنعة:544،المختلف:572،المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:154،اللمعة(الروضة البهية 3):316.

و هنا أقوال أُخر مداركها غير معلومة،و إن كان يجمع بها النصوص المختلفة؛ لخلوّها عن شاهد و قرينة.

ثم إنّ تخصيص العبارة الوطء بالقبل ظاهر الأكثر،و ادّعى عليه في الدروس الشهرة (1)؛ و لعلّه للأصل،و اختصاص النصوص بحكم التبادر و الغلبة به دون الدبر.

و قيل بإلحاقه به (2)؛ للإطلاق.و فيه ما مرّ.

و لورود النهي عن القرب الشامل لقربه في بعض الأخبار.

و فيه مضافاً إلى قصور السند و ضعف الدلالة باحتمال إرادة الغالب مخالفة للإجماع و النصوص إن ابقي على عمومه،و إلّا فاللازم ترجيح ما يوافق الأصل من بين أفراده،فتأمّل.و لا ريب أنّه أحوط.

و اعلم أنّه لو وطئها أي الحامل المستبين حملها عزل استحباباً،كما عن التحرير و القواعد (3)؛ و لعلّه لإشعار بعض النصوص الآتية به،مع عدم دليل على وجوبه من أمر أو غيره عدا ما ربما يتوهّم من الأخبار الناهية عن وطئها،و هو أعمّ من الأمر بالعزل جدّاً.

و لو لم يعزل كره له بيع ولدها بل حرم،وفاقاً لجماعة من قدمائنا،كالمفيد و الشيخ في النهاية و ابن حمزة و الحلبي و الديلمي و ابن زهرة العلوي (4)مدّعياً عليه الإجماع؛ و هو الحجة،مضافاً إلى ظواهر النصوص الآتية.

ص:83


1- الدروس 3:228.
2- التنقيح الرائع 2:124.
3- التحرير 1:191،القواعد 1:130.
4- المفيد في المقنعة:544،النهاية:507،ابن حمزة في الوسيلة:308،الحلبي في الكافي:301،الديلمي في المراسم:156،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):612.

و استحب أن يعزل له من ميراثه قسطاً يعيش به،ففي الموثّق المتقدّم صدره إلى قوله:« بئس ما صنع» قلت:فما تقول فيه؟قال:« أ عَزَلَ عنها أم لا؟» فقلت:أجبني في الوجهين،قال:« إن كان عزل عنها فليتّق اللّه سبحانه و لا يعود،و إن كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد و لا يورثه، و لكن يعتقه و يجعل له شيئاً من ماله يعيش به،فإنّه غذّاه بنطفته» (1).

و نحوه في الأمر بالعتق خبران آخران (2)،ظاهرهما كالأوّل وجوب العتق،من حيث الأمر به.بل في أحدهما أنّ عليه ذلك،و هو كالصريح في الوجوب.

إلّا أنّ ظاهر متأخّري الأصحاب كافّة و جمع من القدماء (3)الاستحباب؛ و لعلّه لقصور الأسانيد مع أصالة البراءة.

و فيهما مناقشة،فإن كان إجماع،و إلّا فالوجوب لا يخلو عن قوّة؛ لاعتبار سند الروايات،سيّما الاُولى،و اعتضاد بعضها ببعض،لكن مخالفة الأصحاب مشكلة،و لا ريب أنّ الوجوب أحوط.

الرابعة يكره التفرقة بين الأطفال و أُمّهاتهم حتى يستغنوا

الرابعة:يكره التفرقة بين الأطفال و أُمّهاتهم حتى يستغنوا عنهنّ، بلا خلاف،بل سيأتي عن جماعة التصريح بالحرمة؛ و هو الحجة،مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،العاميّة و الخاصيّة.

ص:84


1- راجع ص:80.
2- الأول:الكافي 5:/488 3،التهذيب 8:/179 626،الوسائل 21:94 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 9 ح 2.الثاني:الكافي 5:/487 2،التهذيب 8:/178 625،الوسائل 21:95 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 9 ح 3.
3- منهم:المفيد في المقنعة:544،و الشيخ في النهاية:507،و ابن حمزة في الوسيلة:308.

ففي النبوي:« من فرّق بين والدة و ولدها فرّق اللّه تعالى بينه و بين أحبّته» (1).

و في الصحيح:أنّه اشتريت لمولانا الصادق عليه السلام جارية من الكوفة.

فذهبت تقوم في بعض الحاجة،فقالت:يا أُمّاه،فقال عليه السلام لها:« أ لكِ أُمّ؟ » قالت:نعم،فأمر بها فردّت،و قال:« ما أمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره» (2).

و في الخبر:الجارية الصغيرة يشتريها الرجل،فقال:« إن كانت قد استغنت عن أبويها فلا بأس» (3).

و اختلف الأصحاب في حدّه أي الاستغناء،فقيل: سبع سنين مطلقاً (4) و قيل:أن يستغني عن الرضاع كذلك (5)،و قيل بالتفصيل بين الأُنثى فالأوّل،و الذكر فالثاني (6)،و قيل فيه أقوال أُخر مختلفة مبنيّة عند جماعة (7)على الاختلاف في مدّة الحضانة،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى ترجيح الثالث ثمة.

إلّا أنّه لا إشعار في شيء من نصوص المسألة بشيء من الأقوال

ص:85


1- عوالي اللآلي 2:/249 20،المستدرك 13:375 أبواب بيع الحيوان ب 10 ح 4،و انظر مسند أحمد 5:413،و مستدرك الحاكم 2:55.
2- الكافي 5:/219 3،التهذيب 7:/73 313،الوسائل 18:264 أبواب بيع الحيوان ب 13 ح 3.
3- الكافي 5:/219 4،الوسائل 18:265 أبواب بيع الحيوان ب 13 ح 5.
4- قال به المحقق في الشرائع 2:59،و العلامة في القواعد 1:130،و الشهيد في اللمعة(الروضة 3):328.
5- قال به العلامة في القواعد 1:130.
6- قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:159،و الشهيد الثاني في المسالك 1:210.
7- كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 4:158،و الشهيد الثاني في المسالك 1:210.

المزبورة،بل هي بخلاف بعضها كالثاني ظاهرة الدلالة.

و لا يترك الاحتياط في المسألة،سيّما على القول بالحرمة،و قد أشار إليه بقوله: و منهم من حرّم التفرقة،كالإسكافي و المفيد و القاضي و الديلمي و أحد قولي الطوسي و الشهيدين و المحقق الثاني (1)،و عن التذكرة عليه الشهرة (2).

و لا يخلو عن قوّة؛ لظواهر كثير من المعتبرة،بل صريح بعضها،ففي الصحيح:في الرجل يشتري الغلام و الجارية و له أخ أو أُخت أو أب أو أُمّ بمصر من الأمصار،قال:« لا يخرجه إلى مصر آخر[إن كان صغيراً ]و لا تشتره،و إن كان له أُمّ فطابت نفسها و نفسه فاشتره إن شئت» (3).

و فيه:« بيعوهما جميعاً أو أمسكوهما جميعاً» (4).

و في الموثق كالصحيح:عن أخوين مملوكين هل يفرّق بينهما و بين المرأة و ولدها؟فقال:« لا،هو حرام إلّا أن يريدوا ذلك» (5).

و هذه النصوص مع وضوح أسانيدها و قوّة دلالتها ظهوراً في الأوّلين

ص:86


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:381،المفيد في المقنعة:545،القاضي في المهذب 1:318،الديلمي في المراسم:177،الطوسي في النهاية:410،الشهيدين في اللمعة و الروضة البهية 3:318،المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:157.
2- التذكرة 1:501.
3- الكافي 5:/219 5،الفقيه 3:/140 616،التهذيب 7:/67 290،الوسائل 18:263 أبواب بيع الحيوان ب 13 ح 1.
4- الكافي 5:/218 1،الفقيه 3:/137 599،التهذيب 7:/73 314،الوسائل 18:264 أبواب بيع الحيوان ب 13 ح 2.
5- الكافي 5:/218 2،الفقيه 3:/137 600،التهذيب 7:/73 312،الوسائل 18:265 أبواب بيع الحيوان ب 13 ح 4.

من حيث النهي و الأمر،و صراحة في الثالث من حيث التصريح بلفظ التحريم الناصّ على المنع معتضدة بفتوى عظماء الطائفة،و الشهرة المحكية،بل المتحققة،مع سلامتها عمّا يصلح للمعارضة عدا الأصل و العمومات المثبتين للمالك السلطنة.و يخصّصان بما مرّ من الأدلّة.

و ليس في النبوي و تاليه مع قصور سند الأوّل ما ينافيه أيضاً نصّاً، بل و لا ظهوراً،بل ربما كان فيهما سيّما الأوّل إشعار بالتحريم جدّاً.

فالقول بالكراهة كما هنا و في الشرائع و القواعد و الإرشاد و المختلف و السرائر (1)ضعيف،كتخصيص الحكم كراهةً أو تحريماً في العبارة و غيرها بالأُمّ و ولدها،و تعميمه لصورتي المراضاة بالفرقة و عدمها.

بل الأصلح التعدية إلى غير الاُم من الأرحام المشاركة لها في الاستيناس و الشفقة كالأب و الأخ و الأُخت و العمّة و الخالة،وفاقاً للإسكافي و جماعة (2)؛ لتصريح الصحيح الأوّل و الموثّق بمن عدا الأخيرين،و ظهور الحكم فيهما بعدم القائل بالفرق،مع قوّة احتمال قطعيّة المناط في المنع هنا.

و تخصيص (3)المنع بصورة عدم المراضاة؛ لتصريح الخبرين بالجواز فيما عداها،مضافاً إلى الأصل،و اختصاص النصوص المانعة غيرهما بحكم التبادر و غيره بالصورة الأُولى.

و منه يظهر الوجه في عدم تعدية الحكم إلى البهيمة،بل يجوز التفرقة بينهما بعد الاستغناء عن اللبن مطلقاً،و قبله إن كان ممّا يقع عليه الزكاة،أو

ص:87


1- الشرائع 2:59،القواعد 1:130،الإرشاد 1:366،المختلف:381،السرائر 2:347.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:381؛ و انظر الجامع للشرائع:263،و الدروس 3:226،و جامع المقاصد 4:158،و المسالك 1:210،و مفاتيح الشرائع 3:42.
3- عطف على التعدية.

كان له ما يمونه من غير لبن امّه.

قيل:و موضع الخلاف بعد سقي الأُمّ اللبأ،أمّا قبله فلا يجوز مطلقاً؛ لما فيه من التسبيب إلى هلاك الولد،فإنّه لا يعيش بدونه،على ما صرّح به جماعة (1).

الخامسة إذا وطئ المشتري الأمة ثم بان استحقاقها انتزعها المستحق

الخامسة:إذا وطئ المشتري الأمة المبتاعة جهلاً منه بالغصبية ثم بان استحقاقها لغير البائع بالبيّنة و نحوها انتزعها المالك المستحق لها،اتّفاقاً،فتوًى و نصّاً مستفيضاً،منها الصحيح:في وليدة باعها ابن سيّدها و أبوه غائب،فاستولدها الذي اشتراها إلى أن قال -:« الحكم أن يأخذ وليدته و ابنها» (2)و نحوه الموثّق و غيره ممّا سيأتي (3).

و له أي للمالك على المشتري عقرها أي نصف العشر من ثمنها إن كانت ثيّباً،و العشر منه إن كانت حين الوطء بكراً على الأشهر الأقوى،بل عليه الإجماع في الخلاف (4)؛ عملاً بالمعتبرة الواردة في التحليل،كالصحيح أ رأيت إن أحلّ له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضّها،قال:« لا ينبغي له ذلك» قلت:فإن فعل،أ يكون زانياً؟ قال:« لا،و يكون خائناً و يغرم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكراً،و إن لم تكن بكراً فنصف عشر قيمتها» (5).

ص:88


1- منهم:العلّامة في التذكرة 1:501،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:158،و الشهيد الثاني في الروضة 3:318.
2- التهذيب 7:/74 319،الإستبصار 3:/85 288،الوسائل 21:203 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 1.
3- في ص:90.
4- الخلاف 3:158.
5- الكافي 5:/468 1،الفقيه 3:/289 1377،التهذيب 7:/244 1064،الوسائل 21:132 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 35 ح 1.

و في تزويج الأمة المدلّسة نفسها بالحرّة،كالصحيح:في رجل تزوّج بامرأة فوجدها أمة دلّست نفسها،قال:« إن كان الذي زوّجها إيّاه من غير مواليها فالنكاح فاسد» قلت:كيف يصنع بالمهر إلى أن قال-:« و إن زوّجها إيّاه وليّ لها ارتجع على وليّها بما أخذته منه،و لمواليها عشر قيمتها إن كانت بكراً،و إن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحلّ من فرجها» قلت:فإن جاءت منه بولد؟قال:« أولادها منه أحرار» (1)الحديث.

و مغايرة المورد للمقام مدفوعة باتّحاد طريق المسألتين،و بإشعار الثاني بالعموم و انسحاب الحكم في البين لوجهين،أجودهما تعقيبه بما هو كالتعليل له من استحلال الفرج المتحقق هنا،و ثانيهما الفحوى،كما استدلّ به لذلك بعض أصحابنا (2).

و قيل: كما عن الطوسي و الحلّي (3)أنّه يلزمه مهر أمثالها لأنّه القاعدة الكلّية في عوض البضع،و أنّه بمنزلة قيمة المثل في غيره.

و هو حسن لولا ما مرّ من الدليل المعتضد بعمل الأكثر.

و لا فرق في ثبوت العقر أو المهر بالوطء بين علم الأمة بعدم صحة البيع و جهلها،على أصحّ القولين،و هو الذي يقتضيه إطلاق العبارة و غيرها؛ لأنّ ذلك حقّ للمولى،و لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [1] .

و في الدروس:لا يرجع عليه بالمهر إلّا مع الإكراه؛ استناداً إلى أنّه لا مهر لبغيّ (4).

ص:89


1- الكافي 5:/404 1،التهذيب 7:/422 1690،الإستبصار 3:/216 787،الوسائل 21:185 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 67 ح 1.
2- مجمع الفائدة 8:289،الحدائق 19:452.
3- الطوسي في المبسوط 3:102،الحلي في السرائر 2:347.
4- الدروس 3:115،و انظر ص 230.

و يضعّف بما مرّ،و أنّ المهر المنفي مهر الحرّة بظاهر الاستحقاق المستفاد من اللام في لبغيّ،و نسبة المهر،و من ثمّ يطلق عليها المهيرة.

و عليه اُجرة المنافع المستوفاة له منها و قيمة الولد إن كان قد أولَدَها يوم سقط حيّاً لأنّه نماء ملكه فيتبعه.و إنّما عدل إلى القيمة مع اقتضاء الأصل الرقبة؛ لما دلّ على أنّ الولد يتبع الأشرف،من المعتبرة المستفيضة (1).

مضافاً إلى خصوص الموثق:في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجيء مستحق الجارية،فقال:« يأخذ الجارية المستحق،و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد،و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أُخذت منه» (2).

و للمرسل كالصحيح على الصحيح:في رجل اشترى جارية فأولَدَها فوجدت الجارية مسروقة،قال:« يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ الرجل ولده بقيمته» (3).

و نحوهما الخبر (4)الذي قصور سنده بالجهالة منجبر بفتوى الأكثر، بل الإجماع كما في الخلاف (5).

ص:90


1- الوسائل 21:121 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 30.
2- التهذيب 7:/82 353،الإستبصار 3:/84 285،الوسائل 21:205 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 5.
3- الكافي 5:/215 10،التهذيب 7:/65 280،الإستبصار 3:/84 286،الوسائل 21:204 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 3.
4- الكافي 5:/216 13،التهذيب 7:/64 276،الإستبصار 3:/84 287،الوسائل 21:204 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 2.
5- الخلاف 3:159.

خلافاً للمفيد،فحكم برقّية الولد (1)؛ و له الصحيح المتقدّم (2).

و حمله الشيخ على أنّ المراد بالولد قيمته،إقامةً للمضاف إليه مقام المضاف (3)؛ جمعاً بينه و بين ما مرّ (4)و غيره،كالخبر:رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولاداً،ثم أتاها من يزعم أنّها له،و أقام على ذلك البيّنة،قال:« يقبض ولده،و يدفع إليه الجارية و يعوّضه من قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها» (5)فإنّ المراد بقبض الولد قبضه بالقيمة.

و يستفاد من الموثّق الوجه في أنّه يجوز للمشتري أن يرجع بالثمن و قيمة الولد اللذين غرمهما للمالك على البائع الغارّ له مع جهله.

و لو كان عالماً باستحقاقها حال الانتفاع لم يرجع بشيء.

و لو علم مع ذلك بالتحريم كان زانياً و الولد رقّ؛ لأنّه نماء ملكه فيتبعه،و للصحيح:« في رجل أقرّ على نفسه أنّه غصب جارية فولدت الجارية من الغاصب،قال:« تردّ الجارية و الولد على المغصوب إذا أقرّ بذلك الغاصب أو كانت عليه بيّنة» (6).

ص:91


1- المقنعة:601.
2- في ص:88.
3- الاستبصار 3:85.
4- و ادّعى في المبسوط(3:102)و الخلاف(3:159)الإجماع على انعقاد الولد على الحرّية فيضعّف به ما ذكره المفيد من الرقيّة.(منه رحمه الله).
5- التهذيب 7:/83 357،الإستبصار 3:/85 289،الوسائل 21:204 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 4.
6- الكافي 5:/556 9،التهذيب 7:/482 1936،الوسائل 21:177 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 61 ح 1.

و عليه الحدّ بموجب الزنا،و المهر اتّفاقاً؛ لفحوى ما مضى.

و لو اختلف حاله بأن كان جاهلاً عند البيع ثم تجدّد له العلم رجع بما غرمه حال الجهل و سقط الباقي.

و في رجوعه بالعُقر مع الجهل قولان من أنّ المغرور يرجع على من غرّه بما لا يحصل في مقابلته نفع كالعمارة و النفقة و نحوهما،أمّا ما حصل له في مقابلته نفع كالثمرة و السكنى و عوض البضع فلا.

و من أنّه دخل على إباحة هذه الأشياء بغير عوض،فإذا غرم عوضها رجع به المغرور على من غرّه.

و أشبههما عند الماتن هنا و غيره (1) الرجوع إمّا لما مرّ،أو لفحوى الرجوع بقيمة الولد المستلزم ثبوته فيه مع كونه نفعاً عظيماً في مقابلة الثمن المدفوع جدّاً إيّاه هنا بطريق أولى،فتأمّل.

السادسة يجوز ابتياع ما يسبيه الظالم

السادسة:يجوز ابتياع ما يسبيه الظالم مطلقاً،مسلماً كان أم كافراً و إن كان للإمام بعضه فيما لو أُخذ غيلة و نحوها ممّا لا قتال فيه،فإنّه لآخذه و عليه الخمس أو كلّه فيما لو أُخذ بالقتال بغير إذن منه عليه السلام،فإنّه حينئذٍ بأجمعه له عليه السلام على الأظهر الأشهر،بل عن الخلاف و الحلّي الإجماع عليه (2)خلافاً للماتن،فجعله كالأوّل (3).

و من هنا ينقدح وجه احتمال كون الترديد بسبب الخلاف في أنّ المغنوم بغير إذن الإمام هل هو له،كما هو المشهور و وردت به الرواية (4)،

ص:92


1- الماتن في الشرائع 2:59؛ و انظر الدروس 3:230.و التنقيح الرائع 2:127،و الروضة 3:327.
2- الخلاف 4:190،الحلي في السرائر 2:348.
3- المختصر النافع:64.
4- التهذيب 4:/135 378،الوسائل 9:529 أبواب الأنفال ب 1 ح 16.

أم لآخذه و عليه الخمس،نظراً إلى قطع الرواية؟ و كيف ما كان،لا خلاف في إباحة التملّك له حال الغيبة للشيعة، و أنّه لا يجب إخراج حصّة الموجودين من الهاشمييّن؛ لإباحة الأئمّة عليهم السلام ذلك لتطيب مواليدهم كما في النصوص المستفيضة (1)المتّفق عليها بين الطائفة،كما حكاه جماعة (2).

و تمام الكلام في المسألة يطلب من كتاب الخمس،فإنّه محلّه.

و لا ريب في ثبوت الرخصة لنا.

و أمّا غيرنا فعن الأصحاب و به صرّح جماعة (3)أنّه تقرّ يده عليه و يحكم له بظاهر الملك؛ للشبهة الناشئة عن اعتقادهم الملكيّة كتملّك الخراج و المقاسمة،فلا يؤخذ منه من دون رضاه مطلقاً،لا سرّاً و لا علانيةً.

فإن كان إجماع،و إلّا فما ذكروه محلّ ريبة و مناقشة،فإنّ ظاهر الأخبار و كلام الأصحاب اختصاص الإباحة له بالشيعة و حصول التملّك لهم بمجرّد الاستيلاء عليه و لو من دون بذل عوض.

إلّا أن يقال:إنّ هذه يد ظاهراً،و لا بدّ من بذل عوضٍ في مقابلها، فيكون استنقاذاً لا بيعاً حقيقة.و لكنّه كما ترى،و الاحتياط لا يخفى.

و لو اشترى أمةً سرقت من أرض الصلح ردّها على البائع و استعاد ثمنها منه إن كان حيّاً فإن مات البائع و لا عقب و لا وارث له سَعَتِ الأمة في ثمن رقبتها على رواية مسكين السمّان (4) الصحيحة

ص:93


1- انظر الوسائل 9:543 أبواب الأنفال ب 4.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:210،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:282 283،و السبزواري في الكفاية:102،و صاحب الحدائق 19:462.
3- منهم:الشهيد الأول في الدروس 3:233،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:131،و الشهيد الثاني في المسالك 1:212.
4- التهذيب 7:/83 355،الوسائل 18:277 أبواب بيع الحيوان ب 23 ح 1.

إليه،القاصرة بجهالته،و لكن عمل بها النهاية و تبعه القاضي و الشهيد الأوّل (1).

و فيها مضافاً إلى القصور بالجهالة مع عدم جابر لها في المسألة مخالفتها للقواعد المقرّرة،إحداها:وجوب الردّ على البائع أو وارثه مع فقده،فإنّه غير مالك و لا ذو يد شرعيّة،فكيف يجوز تسليم المال المعصوم إليه،بل لا يجوز بالضرورة.

و ثانيتها:أنّ استسعاءها في الثمن المدفوع إلى البائع كما فيها يقتضي أخذه من غير آخذه،لأنّ ما بيدها لمالكها.

و ما ربما يعتذر به عن الأوّل:بأنّ البائع لم يثبت كونه سارقاً،و يده أقدم،و مخاطبته بالردّ ألزم،خصوصاً مع بُعد دار الكفر.

و عن الثاني:بأن مال الحربي فيء في الحقيقة و بالصلح صار محترماً احتراماً عرضيا،فلا يعارض ذهاب مال محترم احتراماً حقيقيّا.

مضعّف،فالأوّل:بأنّ يده إن كانت شرعية فالبيع صحيح ماضٍ و لا ردّ،و إن كانت يد عدوان لم يجز التسليم إليه،و مخاطبته بالردّ لا تقتضي جواز تسليم مَن هي في يده و إن وجب عليه السعي في ذلك،فإنّ له طريقاً إليه،إمّا بمراجعة المالك أو الحاكم.

و الثاني:بأنّ الاحترام يقتضي عصمة المال،و لا تفاوت في ذلك بين كون الاحترام حقيقيّا أو عرضيّاً،و المتلِف للمال المحترم ليس هو مولى الجارية حقيقة،بل الذي غرّه،و المغرور يرجع على الغارّ لا من لم يغرّه لا مباشرةً و لا تسبيباً،و حقيقة الحال أنّ كلّاً منهما مظلوم بضياع ماله،

ص:94


1- النهاية:414،القاضي في الكامل نقله عنه في المختلف:384،الشهيد الأوّل في الدروس 3:232.

و لا يرجع أحد المظلومين على الآخر،بل على ظالمه.

و لما ذكرنا قيل: كما عن الحلّي (1) يحفظها كاللقطة.و لو قيل تدفع إلى الحاكم و لا تكلّف الأمة السعي لأداء الثمن كان حسناً لكن لا مطلقاً،بل يجب التسليم إلى المالك أو وكيله،فإن تعذّر الوصول إليهما فإلى الحاكم.و يمكن تنزيل الإطلاق عليه بحمله على تعذّر الوصول إلى المالك و من في حكمه،و لعلّه الغالب،لبعد دار الكفر.

و صار إلى هذا القول كثير من المتأخّرين (2)،و وجهه واضح ممّا قرّرناه.

و ظاهره كسابقه أنّ الدفع إلى الحاكم إنّما هو لكونه وليّاً عن الغائب، و أنّه يجب إيصاله إليه.

خلافاً لتوهّم بعض من تأخّر (3)،فحسب أنّ ذلك من حيث كونه نائباً عن الإمام،و أنّ الجارية له عليه السلام يجب عليه إيصاله إلى مصارفه.و ليس في كلام الجماعة ما يوجب التوهّم،بل عبائر جملة منهم بخلافه مصرّحة، و متعلّق الموت في الرواية ليس هو المالك بالضرورة بل إنّما هو البائع خاصّة.

السابعة إذا دفع إلى مأذون مالاً ليشتري نسمة و يعتقها

السابعة:إذا دفع رجل إلى عبد لغيره مأذون منه للتجارة مالاً ليشتري نسمة و يعتقها عنه و يحجّ عنه ببقيّة المال،فاشترى

ص:95


1- انظر السرائر 2:356.
2- كالمحقق في الشرائع 2:61،و العلّامة في المختلف:384،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:130،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:148،و الشهيد الثاني في المسالك 1:212،و الروضة 3:346.
3- الشهيد في الدروس 3:233،مجمع الفائدة 8:291.

المأذون أباه و تحاقَّ أي تخالف في الحق كلّ من مولاه و مولى الأب المعتق و ورثة الآمر بعد العتق و الحج،و كل يقول:اشترى العبد بمالي،ففي رواية ابن أشْيَم بفتح الهمزة و سكون الشين المعجمة و فتح الياء المنقطة تحتها نقطتين،عن أبي جعفر عليه السلام،الواردة في القضيّة (1)أنّه مضت الحَجّة و يردّ المعتق على مولاه رقّاً،ثم أيّ الفريقين أقام البيّنة كان له رقّاً.

و في السند ضعف بجهالة الراوي،أو غلوّه كما حكم به الشهيد الثاني وفاقاً للمحقق الثاني (2).

و في المتن مخالفة لأُصول المذهب من حيث اشتماله على الأمر بردّ العبد إلى مولاه مع اعترافه ببيعه و دعواه فساده،و مدّعي الصحة مقدّم؛ و على مضيّ الحَجّة،مع أنّ ظاهر الأمر حجّة بنفسه و لم يفعل؛ و على مجامعة صحة الحج لعوده رقّاً،و قد حجّ بغير إذن السيد.

و ما يعتذر به عن الأوّل:بأنّ المأذون بيده مال لمولى الأب و غيره، و بتصادم الدعاوي المتكافئة يرجع إلى أصالة بقاء الملك على مالكه،و أنّه لا يعارضه فتواهم بتقديم دعوى الصحة على الفساد،لأنّها مشتركة بين متقابلين متكافئين هما مولى المأذون و ورثة الآمر فتساقطا.

مضعّف بمنع تكافئها،مع كون من عدا مولاه خارجاً،و الداخل متقدّم،فسقطا دونه،و لم يتمّ الأصل،و هو بقاء الملك.

و منه يظهر عدم تكافؤ الدعويين الأُخريين،لخروج الآمر و ورثته عمّا

ص:96


1- الكافي 7:/62 20،التهذيب 7:/234 1023،الوسائل 18:280 أبواب بيع الحيوان ب 25 ح 1.
2- الشهيد الثاني في المسالك 1:210،المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:144.

في يد المأذون التي هي بمنزلة يد سيّده،و الخارجة لا تكافئ الداخلة، فتقدّم،و إقرار المأذون بما في يده لغير المولى غير مسموع.

فالاعتذار ضعيف،كالاعتذار بحمل الرواية على إنكار مولى الأب البيع لا فساده،هرباً من تقديم مدّعي الفساد،و التجاءً إلى تقديم منكر بيع عبده؛ لمنافاته لمنطوق الرواية و مفروض عبائر الجماعة الدالّين على دعوى كونه اشترى بماله.

و لما ذكرنا حصل في الفتوى اضطراب و اختلاف،فبين من عكف على ظاهر الرواية،كالقاضي و النهاية (1).و المناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.

و بين من حكم لمولى المأذون بعد حلفه باسترقاق العبد المعتق؛ لأنّ يده على ما بيد المأذون،فيكون قوله مقدّماً على من خرج عند عدم البيّنة.

ذهب إليه الماتن في الشرائع،و الفاضل في المختلف و القواعد،و الشهيدان في الروضتين و المسالك،و المحقق الثاني في شرح القواعد،تبعاً للحلّي (2).

و عليه لا فرق بين كون العبد الذي أعتقه المأذون أباً له أو لا،و إن كانت الرواية تضمّنت الأوّل؛ لاشتراكهما في المعنى المقتضي لترجيح قول ذي اليد.

و لا بين دعوى مولى الأب شراءه من ماله،بأن يكون قد دفع للمأذون مالاً يتّجر به فاشترى أباه من سيّده بماله،و عدمه؛ لأنّه على

ص:97


1- نقله عن القاضي في المختلف:384،النهاية:414.
2- الشرائع 2:60،المختلف:385،القواعد 1:129،اللمعة(الروضة البهية 3):330،المسالك 1:210،جامع المقاصد 4:143،الحلّي في السرائر 2:357.

التقدير الأوّل يدّعي فساد البيع،و مدّعي صحته مقدّم،و على الثاني خارج، لمعارضة يده القديمة يد المأذون الحادثة فتقدّم،و الرواية تضمّنت الأوّل.

و لا بين استيجاره على حجّ و عدمه؛ لعدم مدخليته لذلك في الترجيح،و إن كانت الرواية تضمّنت الأوّل.

و ذكر الماتن هنا و تبعه ابن فهد في الشرح (1)أنّه يناسب الأصل في نحو المسألة الحكم بإمضاء ما فعله المأذون ما لم تقم بيّنة تنافيه و كأنّه يريد بالأصل أصالة صحّة ما فعل من شراء و عتق و حجّ و غيرها.

قال في الدروس:و هو قويّ إذا أقرّ بذلك؛ لأنّه في معنى التوكيل، إلّا أنّ فيه طرحاً للرواية المشهورة (2).

و يضعّف أوّلاً:بأنّ إقرار الوكيل إنّما يعتبر إذا لم يكن إقراراً على الغير،و معلوم أنّ إقرار العبد على ما في يده إقرار على سيّده،فلا يسمع.

و ثانياً:بأنّ دعواه اشتهار الرواية غير واضحة إن أراد بحسب الفتوى و العمل،إذ لم يعمل به إلّا من مرّ إليه الإشارة،و هو بالإضافة إلى باقي الجماعة نادر بالبديهة،و جيّدة إن أراد الشهرة بحسب الرواية،إلّا أنّها بمجرّدها غير كافية في الاستناد إليها بالضرورة.

هذا كلّه مع عدم البيّنة،و معها تقدّم إن كانت لواحد،و لو كانت لاثنين أو للجميع بني على تقديم بيّنة الداخل أو الخارج عند التعارض،فعلى الأوّل:الحكم لمولى المأذون كما تقدّم،لكن من دون يمين.

ص:98


1- المهذب البارع 2:464.
2- الدروس 3:233.

و على الثاني:يتعارض الخارجان،و الأقوى وفاقاً لجماعة (1)تقديم بيّنة الدافع،عملاً بمقتضى صحّة البيع.

مع احتمال تقديم بيّنة مولى الأب،لادّعائه ما ينافي الأصل و هو الفساد،و توضيحه أن مولى الأب بالإضافة إلى ورثة الدافع مدّعٍ خارج، فتقدّم بيّنته؛ لأنّه مدّعٍ بأحد تفاسير المدّعى،لأنّه يدّعي ما ينافي الأصل.

و يضعّف:بأنّه مدّعٍ و خارج بالإضافة إلى مولى المأذون،كما أنّ الآخر أيضاً مدّعٍ و خارج بالإضافة إليه،و لا يلزم من كون دعوى أحدهما توافق الأصل و دعوى الآخر تخالفه أن يكون أحدهما بالإضافة إلى الآخر مدّعياً و خارجاً،فترجيح بيّنته و تقديم بيّنة مدّعي الفساد إنّما يكون حيث لا يقطع بكون الآخر مدّعياً،فأمّا إذا قطع به و أقاما بيّنتين فلا بدّ من الترجيح،و هو ثابت في جانب مدّعي الصحة.

الثامنة:إذا اشترى عبداً فدفع البائع إليه عبدين ليختار أحدهما فأبق واحد

الثامنة:إذا اشترى رجل من غيره عبداً في الذمة فدفع البائع إليه عبدين ليختار أحدهما فأبق واحد منهما من يده من دون تفريط قيل كما عن الطوسي و القاضي (2) يرتجع المشتري نصف الثمن من البائع و يأخذ في الفحص عن الآبق.

ثم إن وجده ردّ الثمن المرتجع و تخيّر بينهما و اختار أيّهما شاء و إلّا يجده كان العبد الآخر الموجود بينهما نصفين لرواية النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه (3)عليه السلام.

ص:99


1- منهم:العلامة في القواعد 1:129،و التذكرة 1:499،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:145،و الشهيد الثاني في المسالك 1:210،و صاحب الحدائق 19:470.
2- الطوسي في النهاية:411،القاضي في الكامل على ما نقله عنه في المختلف:382.
3- التهذيب 7:354/82،الوسائل 18:268 أبواب بيع الحيوان ب 16 ذيل الحديث 1.

و في الرواية كما ترى ضعف من حيث السند بالراويين، و المتن بمخالفته لأُصول المذهب،من حيث إنّ التالف مضمون على المشتري،لقبضه بالسوم،و له المطالبة بالمبيع،لأنّه موصوف في الذمّة، و لا وجه لكون العبد الباقي بينهما،فإنّ المبيع ليس نصف كلّ واحد منهما.

و حينئذٍ المعتمد الرجوع إلى ما يناسب الأصل و هو أن يضمن المشتري له أي للبائع الآبق،و يطالبه بما ابتاعه منه في الذمّة.

و لا ريب في الثاني.و يبنى الأوّل على ضمان المقبوض بالسوم،و هو الذي قبضه ليشتريه فتلف في يده بغير تفريط.و حيث إنّ ذلك هو الأظهر الأشهر صحّ الحكم هنا؛ لأنّ القبض هنا في معنى القبض بالسوم،إذ الخصوصيّة (1)ليست لقبض السوم،بل لعموم ما دلّ على ضمان اليد المشترك بينهما.

و يأتي على القول بعدم الضمان ثَمّ عدمه هنا؛ لاتّحاد دليل العدم، و هو القبض بإذن المالك مع عدم تفريط،فيكون كالودعي.

بل قيل:يمكن عدم الضمان هنا و إن قلنا به ثمّة؛ لأنّ المقبوض بالسوم مبيع بالقوّة،أو مجازاً بما يؤول إليه،و صحيح المبيع و فاسده مضمون.بخلاف صورة الفرض؛ لأنّ المقبوض فيه ليس كذلك،لوقوع البيع سابقاً و إنّما هو محض استيفاء حقّ.لكن يندفع ذلك بأنّ المبيع لما كان أمراً كلّياً و كان كلّ واحد من المدفوع صالحاً لكونه فرداً له كان في قوّة المبيع،بل دفعهما للتخيير حصر له فيهما فيكون بمنزلة المبيع حيث إنّه

ص:100


1- أي خصوصيّة الضمان.(منه رحمه الله).

منحصر فيهما،فالحكم بالضمان ها هنا أولى منه (1).انتهى.

و مبناه على أنّ لخصوصيّة القبض بالسوم بالمعنى المعروف مدخلاً في الضمان،و قد عرفت فساده،مع اعتراف القائل به قبل الكلام.

و كيف كان،فالأجود وفاقاً لأكثر من تأخّر الضمان مع تاليه من المطالبة بما ابتاعه،و هو خيرة الفاضلين و الشهيدين و ثاني المحققين و المفلح الصيمري و غيرهم (2)تبعاً للحلي (3)؛ التفاتاً إلى الأُصول،و تضعيفاً للرواية بما مر.

و لما قيل في تنزيلها من البناء على أنّ العبدين متساويان في القيمة و مطابقان في الوصف،و أنّ حق المشتري منحصر فيهما كما في الدروس (4).

أو البناء على تساوي العبدين من كلّ وجه،ليلحق بمتساوي الأجزاء،فيجوز بيع عبد منهما كما يجوز بيع قفيز من صبرة،و ينزّل على الإشاعة،فيكون التالف منهما و الباقي لهما،كما في المختلف (5):

بأنّ (6)انحصار الحق فيهما إنّما يكون لو ورد البيع على عينهما،و هو خلاف المفروض،و مجرّد دفعه الاثنين ليس تشخيصاً و إن حصر الأمر

ص:101


1- الروضة 3:348.
2- المحقق في الشرائع 2:60،العلامة في القواعد 1:130،و التحرير 1:192،و التذكرة 1:500،الشهيدان في اللمعة و الروضة 3:347،و المسالك 1:211،المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:149.
3- انظر السرائر 2:350.
4- الدروس 3:230.
5- المختلف:382.
6- أي:تضعيفاً لما قيل..بأنّ.

فيهما،لأصالة بقاء الحق في الذمّة إلى أن يثبت المزيل شرعاً،و عدم تضمين التالف مخالف لما عليه الأكثر،كما مرّ،و توجيهه بما تقدّم ضعفه قد ظهر،فاندفع التنزيل الأوّل.

و يندفع الثاني بأنّه لو صحّ لنا في ارتجاع نصف الثمن كما صرّحت به الرواية،هذا،مع أنّ في عدّ العبدين من متساوي الأجزاء و تنزيل بيع أحدهما منزلة بيع قفيز من الصبرة و تنزيله على الإشاعة مناقشة واضحة.

و لو ابتاع عبداً من عبدين أي أحدهما كلّيّاً لم يصحّ على الأصحّ الأشهر كما في المهذّب و غيره (1)،و لعلّه عليه عامّة من تأخّر،وفاقاً للحلّي (2)مدّعياً الإجماع عليه من حيث الاتفاق على أنّ المبيع إذا كان مجهولاً كان البيع باطلاً.و عليه لا فرق بين أن يكونا متساويين في القيمة و الصفات أم مختلفين فيهما؛ للاشتراك في العلّة المقتضية للبطلان.

و حكى الشيخ في الخلاف في باب البيوع عن رواية الأصحاب الجواز على الإطلاق،مدّعياً الإجماع عليه (3)،و ظاهره الميل إليه، إلّا أنّه رجع عنه في باب السلم (4)،فلا عبرة بقوله الأوّل كدعواه الإجماع عليه،و استناده به و بالرواية،و بعموم قوله عليه السلام:« المؤمنون عند شروطهم» (5)لضعف الأوّل بمخالفته نفسه،مع شهرة خلافه الظاهرة في وهنه.

ص:102


1- المهذب البارع 2:466؛ و انظر الشرائع 2:60،و القواعد 1:130،و جامع المقاصد 4:150،و المسالك 1:211.
2- السرائر 2:350.
3- الخلاف 3:38.
4- الخلاف 3:217.
5- عوالي اللئلئ 1:173/293،المستدرك 13:301 أبواب الخيار ب 5 ح 7.

و الثاني:بعدم الدلالة على وقوع البيع كذلك،بل الظاهر وقوعه في الذمّة،مع ما يظهر من كلامه أنّ هذه الرواية هي الرواية السابقة (1)،و قد عرفت ما فيها من قصور السند،و المخالفة لأُصول المذهب.

و الثالث:بالمعارضة بما دلّ على المنع عن بيع الغرر،و منه محلّ الفرض.

و يأتي على التنزيل الثاني للمختلف (2)القول بالصحة مع تساويهما من كلّ وجه،كما يصحّ بيع قفيز من صبرة متساوية الأجزاء.و يضعّف بمنع تساوي العبدين على وجه يلحق المثلي،مضافاً إلى ما مرّ.

التاسعة إذا وطئ أحد الشريكين الأمة سقط عنه من الحدّ ما قابل نصيبه

التاسعة:إذا وطئ أحد الشريكين أو الشركاء في الأمة إيّاها فعل حراماً و سقط عنه من الحدّ ما قابل نصيبه و نصيب شريكه إذا كان بحكمه،كولده،فإنّه لأحدّ على الأب في نصيب ابنه،كما لا حدّ عليه لو كانت بأجمعها له و حُدّ للباقي مع انتفاء الشبهة بما قابلة،و هو النصف في المثال،و قس عليه الغير.

و طريقه مع عدم الاحتياج إلى تبعيض الجلدة الواحدة واضح،و أمّا معه فقيل (3):يحتمل اعتبار مقدار السوط و كيفيّة الضرب.و الأظهر الأخذ بنصف السوط أو ربعه و هكذا؛ للصحيح:قال في نصف الجلدة و ثلثها:

« يؤخذ بنصف السوط و ثلثي السوط» (4).

و مع الشبهة بنحو من توهّم حلّ الوطء من حيث الشركة يدرأ الحدّ

ص:103


1- المتقدمة في ص:100.
2- راجع ص:102.
3- مجمع الفائدة و البرهان 8:293.
4- الكافي 7:5/175،المحاسن:378/273،الوسائل 28:16 أبواب مقدمات الحدود ب 3 ح 1.

عنه بالكلية اتفاقاً،فتوًى و نصّاً،فقال عليه السلام:« ادرءوا الحدود بالشبهات» (1).

و بهما يقيّد إطلاق المستفيضة الواردة في المسألة،كالصحيح:

سمعت عبّاد البصري يقول:كان جعفر عليه السلام يقول:« يدرأ عنه من الحدّ بقدر حصّته منها،و يضرب ما سوى ذلك» يعني:في الرجل إذا وقع على جارية له فيها حصّة (2).

و الخبرين،أحدهما الحسن:في رجلين اشتريا جاريةً فنكحها أحدهما دون صاحبه،قال:« يضرب نصف الحدّ،و يغرم نصف القيمة إذا أحبَلَ» (3).

و في الثاني:في جارية بين رجلين وطئها أحدهما دون الآخر فأحبلها،قال:« يضرب نصف الحدّ،و يغرم نصف القيمة» (4).

إلى غير ذلك من النصوص الآتية المروية هي كالمتقدّمة في الكافي في كتاب الحدود في باب الرجل يأتي الجارية و لغيره فيها شركة.

ثم إن حملت منه قوّمت عليه حصص الشركاء و أُخذت خاصّة دون ما قابل نصيبه؛ للخبرين المتقدّمين.

و آخرين،في أحدهما:قوم اشتركوا في شراء جارية فائتمنوا بعضهم و جعلوا الجارية عنده فوطئها،قال:« يجلد الحدّ و يدرأ عنه من الحدّ بقدر ما له فيها،و تُقومَ الجارية و يغرم ثمنها للشركاء،فإن كانت القيمة في اليوم

ص:104


1- الفقيه 4:90/53،الوسائل 28:47 أبواب مقدمات الحدود ب 24 ح 4.
2- الكافي 7:8/195،الوسائل 28:119 أبواب حدّ الزنا ب 22 ح 3.
3- الكافي 7:7/195،التهذيب 10:98/30،الوسائل 28:121 أبواب حد الزنا ب 22 ح 8.
4- الكافي 7:/195 6،التهذيب 10:/30 97،الوسائل 28:121 أبواب حد الزنا ب 22 ح 7.

الذي وطئ أقلّ ممّا اشتريت به فإنّه يلزم أكثر الثمن،لأنّه قد أفسد على شركائه،و إن كان القيمة في اليوم الذي وطئ أكثر ممّا اشتريت به يلزم الأكثر» (1).

و مقتضاه الأخذ مع اختلاف القيم بأعلاها من قيمة الشراء و قيمتها يوم الوطء،و هو المحكي عن القائل الآتي.

و فيه أقوال أُخر،مختلفة بين مُثبِتٍ لقيمة يوم الإحبال،و مبدّلٍ لها بقيمة يوم التقويم،و مُلزمٍ لأعلاهما.

و دوران الإلزام بالقيمة مدار إفساد الأمة،و ليس إلّا الإحبال،فإنّه الذي يتحقق به الإفساد الموجب لعدم إمكان التصرّف فيها و خروجها عن الملكيّة في الجملة.

و أظهر منه في الدلالة عليه بعد الأصل مفهوم قوله عليه السلام فيما مرّ من الخبر:« و يغرم نصف القيمة إذا أحبل» .و به أفتى الحلّي (2)و تبعه الأكثر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر.

و قصور السند بفتاويهم منجبر،مضافاً إلى الأصل،و قصور الأخبار الآتية عن المقاومة له من حيث السند و العمل،و اعتضاده بالخبرين المتقدّمين.

و قيل كما عن النهاية (3)أنّها تقوّم بمجرّد الوطء للخبر:عن رجال اشتركوا في أمة فائتمنوا بعضهم على أن تكون الأمة عنده فوطئها،

ص:105


1- الكافي 7:1/194،التهذيب 10:96/29،الوسائل 28:119 أبواب حد الزنا ب 22 ح 4.
2- السرائر 2:352.
3- النهاية:411.

قال:« يدرأ عنه من الحدّ بقدر ما له فيها من النقد،و يضرب بقدر ما ليس له فيها،و تقوّم الأمة عليه بقيمة و يلزمها،فإن كانت القيمة أقلّ من الثمن الذي اشتريت به الجارية الْزِم ثمنها الأوّل،و إن كانت قيمتها في ذلك اليوم الذي قوّمت فيه أكثر من ثمنها الزِم ذلك الثمن و هو صاغر،لأنّه استفرشها» (1).

و رُدّ بقصور السند بالجهالة،و المتن بالدلالة،لاحتماله ككلام القائل الحمل على صورة الحمل خاصّة.

و هو حسن لولا ما في ذيله من قوله:قلت:فإن أراد بعض الشركاء شراءها دون الرجل؟قال:« ذلك له،و ليس له أن يشتريها حتى يستبرئها، و ليس على غيره أن يشتريها إلّا بالقيمة» .و هو كما ترى كالنص في جواز شراء بعض الشركاء لها،المنافي للحمل المزبور جدّاً،فإنّه لا تباع المستولدة قطعاً،مضافاً إلى قوله:« حتى يستبرئها» الصريح في عدم حبلها.

و تقييد الذيل بصورة عدم الحبل ملازم للتفكيك بينه و بين الصدر، و لا يرتفع إلّا بتكلّف جدّاً.

و هو و إن كان في مقام الجمع حسناً،إلّا أنّه ليس بأولى من حمل الإحبال في الخبر المتقدّم على الوطء مجازاً،تسميةً للسبب باسم المسبّب و يكون تأكيداً لمفروض الصدر جدّاً.

و يحتمله التعليل بالإفساد في الخبر الآخر بإرادة الاستفراش المصرّح به في هذا الخبر.و حاصله حينئذٍ لزوم القيمة عليه،لمكان الإفساد باحتمال الحبل لا نفسه.

ص:106


1- الكافي 5:2/217،التهذيب 7:309/72،الوسائل 18:269 أبواب بيع الحيوان ب 17 ح 1.

و هو كالأوّل و إن بَعُدَ،إلّا أنّه ليس بأبعد من الحمل الأوّل في هذا الخبر.

مع تأيّد هذا الحمل بصريح الخبر:عن رجل أصاب جارية من الفيء فوطئها قبل ان يقسّم،قال:« تقوّم الجارية،و تدفع إليه بالقيمة و يحطّ منها ما يصيبه منها من الفيء،و يجلد الحدّ و يدرأ عنه من الحدّ بقدر ما كان له فيها» فقلت:و كيف صارت الجارية تدفع إليه هو بالقيمة دون غيره؟قال:

« لأنّه وطئها و لا يؤمن أن يكون ثَمَّ حبل» (1).

إلّا أنّ المستفاد منه كون الحبل سبباً للتقويم عليه،و هو غير صالح لوجوبه باحتماله،بل مقتضاه الصبر إلى تحقق الحبل فإن تحقق وجب،و إلّا بقيت الشركة بحالها،و ليس التقويم فوراً بواجب قطعاً.

فإذاً المصير إلى ما عليه الأكثر أظهر،سيّما مع قصور الخبرين الأخيرين،و عدم جابر لهما في البين،مع منافاتهما الأُصول المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة،و المؤيدة بظاهر الخبرين المتقدّم إلى ذكرهما الإشارة.و صرفهما عن ظاهرهما بالنصوص المقابلة فرع المكافأة،و هي لما عرفت في المقام مفقودة.و لكن الاحتياط بالتقويم عليه بالوطء مع استرضاء الطرفين لا يترك في المسألة.

و على التقديرين ينعقد الولد حرّا مطلقاً،و لو كان الوطء عن زنا،في ظاهر إطلاق العبارة و صريح جماعة (2)،و هو ظاهر النصوص

ص:107


1- الكافي 7:2/194،الفقيه 4:96/33،التهذيب 10:100/30،الوسائل 28:120 أبواب حد الزنا ب 22 ح 6.
2- منهم:المحقق في الشرائع 2:60،و العلّامة في القواعد 1:129،و صاحب الحدائق 19:478.

المتقدّمة الآمرة بالتقويم لمكان الحمل،الصريحة في كونه عن زنا،لمكان الحكم بالحدّ المنحصر في صورته بالنص و الإجماع،و لو لا أنّه حرّ لما حصل بحمله استيلاد و إفساد موجب للتقويم.

و لعلّ الحكمة أنه ليس زنا محضاً بسبب ملكه لبعضها الموجب لحصول الفراش،كما صرّح به بعض النصوص المتقدّمة،و من هنا حكم جماعة (1)بأنّ الواجب هنا من الحدّ الجلد خاصّة و إن كان محصناً،لأنّه الذي يقبل التبعيض.

و هو حسن؛ لإطلاق النصوص المتقدّمة،إلّا أنّه ربما ينافيه بعض المعتبرة:عن رجل وقع على مكاتبته،قال:« إن كانت أدّت الربع جلد و إن كان محصناً رجم،و إن لم يكن أدّت شيئاً فليس عليه شيء» (2).

لكن ربما يعارضه إطلاق الخبرين،أحدهما الصحيح:عن جارية بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه منها،فلمّا رأى ذلك شريكه وثب على الجارية فوقع عليها،قال:فقال:« يجلد الذي وقع عليها خمسين جلدة، و يطرح عنه خمسون جلدة،و يكون نصفها حرّا،و يطرح عنها من النصف الباقي الذي لم يعتق إن كانت بكراً عشر قيمتها،و إن كانت غير بكر نصف عشر قيمتها،و تستسعي هي في الباقي» (3)و نحوه الثاني (4)،فتأمّل.

ص:108


1- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:211 و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:393،و صاحب الحدائق 19:475.
2- الكافي 7:3/194،التهذيب 10:95/29،الإستبصار 4:785/210،الوسائل 28:120 أبواب حد الزنا ب 22 ح 5.
3- الكافي 7:4/195،التهذيب 10:99/30،الوسائل 28:118 أبواب حد الزنا ب 22 ح 1.
4- الكافي 7:5/195،التهذيب 10:101/31،الوسائل 28:119 أبواب حد الزنا ب 22 ح 2.

و كيف كان يجب على الواطئ قيمة حصص الشركاء منه أي من الولد عند الولادة و السقوط حيّاً إن قوّمت حائلاً،و إلّا دخلت قيمة الولد معها،كما ذكره جماعة من أصحابنا (1).و الظرف متعلّق بالقيمة،أي القيمة عند الولادة.

بلا خلاف؛ توفيةً لحق الشركاء من النماء،و التفاتاً إلى فحوى المعتبرة الواردة في وطء الشركاء الأمة المشتركة مع تداعيهم الولد،منها الصحيح:« إذا وطئ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت و ادّعوه جميعاً أقرع الوالي بينهم،فمن خرج كان الولد ولده و يردّ قيمة الولد على صاحب الجارية» (2)و نحوه صحيحان آخران (3).

و ذكر جماعة (4)أنّه يجب على الأب مضافاً إلى ذلك أرش العقر بسبب الوطء،سواء كانت بكراً أم ثيّباً،و هو العشر أو نصفه مستثنى منهما قدر نصيبه،و لعلّه يومئ إليه الخبران المتقدّمان الملزمان لهما على أحد الشريكين لها.

مضافاً إلى النصوص المتقدّمة،الملزمة لهما على الواطئ للأمة المحلّل له منها ما دون المواقعة،و للأمة المدلّسة نفسها بالحرّة (5).

ص:109


1- منهم:المحقق في الشرائع 2:60،و العلّامة في القواعد 1:129،و صاحب الحدائق 19:478.
2- التهذيب 8:590/169،الإستبصار 3:1318/368،الوسائل 21:171 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 57 ح 1.
3- الكافي 5:1/490،التهذيب 7:591/169،الإستبصار 3:1319/368،الوسائل 21:171 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 57 ح 2،3.
4- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:211،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:294،و صاحب الحدائق 19:480.
5- راجع ص 89.

و يحصل بملاحظتها و إن غايرت مورد المسألة المظنّة القوية بلزوم أحد الأمرين في وطء كلّ مملوكة،منفردةً كانت لأحد بالملكيّة أو مشتركةً مطلقاً،حتى لو كانت هي الشريكة.

و ليس فيها كغيرها إضافة أرش البكارة،بل ظاهرها التداخل و أنّه هو الزائد على عقر الثيّبة،ففتوى المسالك (1)بلزومه أيضاً ضعيفة،كفتوى الحلّي (2)بعدم لزوم عقر الشيبة،و إن انتصر له بعض (3)؛ لخلوّ النصوص المتقدّمة الواردة بتقويم الأمة في المسألة عنه،مع ورودها في مقام بيان الحاجة؛ للزوم تقييدها بما قدّمناه من الحجّة،كتقييدها بما دلّ على لزوم قيمة الولد مع خلوّها عنها أيضاً بالضرورة.

ثم إنّه ذكر جماعة من غير خلاف يعرف أنّها لا تدخل في ملك الواطئ بمجرّد الحمل،بل بالتقويم و دفع القيمة أو الضمان مع رضا الشريك،فكسبها قبل ذلك للجميع،و كذا حق الاستخدام،و لو سقط الولد قبل التقويم استقرّ ملك الشركاء.

و هو كذلك؛ للأصل،و استصحاب بقاء الملك،و هو لا ينافي قهرية التقويم المستفادة من النصوص المتقدّمة.و اعتبار الرضا في عبائر الجماعة ليس لصحّة التقويم كما توهّم،بل لضمان القيمة الثابتة بعده.

العاشرة المملوكان المأذون لهما في التجارة إذا ابتاع كلّ منهما صاحبه حكم للسابق

العاشرة:المملوكان المأذون لهما في التجارة إذا ابتاع كلّ منهما لمولاه صاحبه من مولاه حكم للسابق عقداً و لو بتقدّم قبوله على قبول الآخر،من غير توقّف على إجازة،و للآخر أيضاً إذا كان معها،و إلّا

ص:110


1- المسالك 1:211.
2- السرائر 2:352.
3- كالبحراني في الحدائق 19:480.

بطل،لبطلان الإذن بزوال الملك،إلّا أن يكون بطريق الوكالة فيصحّ مطلقاً.

و الفرق بين الإذن و الوكالة أنّ الإذن ما جعلت الاستنابة فيه تابعة للملك تزول عرفاً بزواله بالبيع و نحوه،و الوكالة ما أباحت التصرّف المأذون فيه مطلقاً.

و الفارق بينهما مع اشتراكهما في الإذن المطلق إمّا تصريح المولى بالخصوصيتين،أو دلالة القرائن عليه،و مع عدمهما فالظاهر حمله على الإذن،لدلالة العرف عليه.

و على ما ذكرنا يحمل إطلاق العبارات ببطلان اللاحق،بحمله على عدم اللزوم المطلق المتردّد بين البطلان بالمعنى الأخصّ و الأعمّ.

و لو اشتبه السابق أو السبق مُسِحت الطريق التي سلكها كل واحد منهما إلى مولى الآخر و حكم بالسبق للأقرب منهما طريقاً مع تساويهما في المشي قوّة و ضعفاً،وفاقاً للطوسي (1)؛ للخبر:في رجلين مملوكين مفوّض إليهما يشتريان و يبيعان بأموالهما،فكان بينهما كلام، فخرج هذا يعدو إلى مولى هذا،و هذا إلى مولى هذا،و هما في القوّة سواء، فاشترى هذا من مولى هذا العبد،و ذهب هذا فاشترى من مولى هذا العبد الآخر و انصرفا إلى مكانهما،فتشبّث كلّ واحد منهما بصاحبه و قال:أنت عبدي قد اشتريتك من سيّدك،قال:« يحكم بينهما من حيث افترقا بذرع الطريق،فأيّهما كان أقرب فهو الذي سبق الذي هو أبعد،و إن كانا سواء فهما رُدّا على مواليهما،جاءا سواء و افترقا سواء،إلّا أن يكون أحدهما سبق صاحبه،فالسابق هو له إن شاء باع و إن شاء أمسك،و ليس له أن

ص:111


1- انظر النهاية:412،و الاستبصار 3:83.

يضربه» (1).

و ضعف سنده يمنع من العمل به،و لذا أعرض عنه الحلّي (2)و أكثر المتأخّرين و أوجبوا الرجوع إلى الأصل،و إن اختلفوا في مقتضاه،فبين من حكم بالقرعة مطلقاً،كالفاضل و شيخنا في الروضة و غيرهما (3)،فإنها لكلّ أمر مشكل.

و من فرّق بين صورتي الاشتباه في السابق فكذلك،و الاشتباه في السبق فالبطلان كصورة الاقتران،و هو خيرة المهذب (4)؛ استناداً في الأول إلى ما مرّ،و في الثاني إلى جواز الاقتران مع عدم معلوميّة السبق المصحّح للبيع فلا يجوز الحكم بالمسبّب مع الجهل بالسبب.و فيه نظر.

و الأوّل أظهر،و عليه يستخرج في الصورة الأُولى برقعتين مكتوب في إحداهما السابق و في الأُخرى المسبوق،و في الثانية بثلاث رقع يكتب في الثالثة الاقتران،ليحكم بالوقوف معه أو البطلان،على اختلاف القولين إن كان.

فإن اتفقا طريقاً بطل العقدان معاً،كصورة الاقتران؛ لتدافعهما،وفاقاً للحلّي و الفاضل و كثير من المتأخّرين (5)،و إن اختلفوا في

ص:112


1- الكافي 5:3/218،الفقيه 3:32/10،التهذيب 7:310/72،الإستبصار 3:279/82،الوسائل 18:271 أبواب بيع الحيوان ب 18 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- السرائر 2:352.
3- الفاضل في المختلف:383،و التذكرة 1:500،الروضة 3:338؛ و انظر جامع المقاصد 4:147،و الجامع للشرائع:262.
4- المهذب البارع 2:471.
5- الحلي في السرائر 2:352،الفاضل في القواعد 1:129،و التذكرة 1:499؛ و انظر الجامع للشرائع:262،و المسالك 1:211،و الحدائق 19:482.

إطلاق البطلان،كما عن الأوّل،أو تقييده بصورة عدم الإجازة أو الوكالة، كما عليه الباقون،و يمكن تنزيل الأوّل عليه،كما مرّت الإشارة إليه.

و في رواية مرسلة (1)عمل بها النهاية و بعض من تبعه (2)أنّه يقرع بينهما و فيها ما في الرواية السابقة،مضافاً إلى عدم وجه للقرعة في صورة الاقتران،لأنّها لإظهار المشتبه،و لا اشتباه هنا.

و ما أجاب به الماتن عن الأخير من جواز ترجيح أحدهما في نظر الشرع فيقرع (3)مضعّف بأنّ التكليف منوط بأسبابه الظاهرة،و إلّا لزم التكليف بالمحال.

و الأجود أن يضعّف بعدم كفاية الجواز في القرعة؛ لمعارضته بجواز عدم الترجيح في نظر الشرع الموجب للفساد،فالرجوع إلى القرعة موجب لخروج الفاسد لا محالة،فتأمّل.

نعم يصحّ فيما لو ثبت صحة أحدهما في الجملة في الشريعة،و ليس بثابت بالضرورة،هذا.

و يظهر من المحقّق الثاني في شرح القواعد الميل إلى الحكم بصحة العقدين معاً (4)؛ التفاتاً إلى أصالة بقاء الإذن،و عدم وضوح بطلانه بمجرّد الشروع في البيع؛ إذ المبطل إن كان الخروج عن الملك فإنما يتحقّق بتمام

ص:113


1- الكافي 5:3/218،التهذيب 7:311/73،الوسائل 18:272 أبواب بيع الحيوان ب 18 ح 2.
2- النهاية:412،و تبعه ابن البراج في الكامل على ما نقله عنه في المختلف:383.
3- انظر نكت النهاية:396.
4- جامع المقاصد 4:146.

العقد؛ و إن كان الشروع فيه بناءً على تضمّنه القصد إلى إخراجه عن ملكه الملازم للقصد إلى منعه عن التصرف ففيه منع؛ لعدم التلازم بين القصدين، لفقد ما يدلّ عليه بشيء من الدلالات في البين.

ثم إنّ هذا كلّه إذا كان شراؤهما لمولاهما كما قلناه،أمّا لو كان لأنفسهما كما يظهر من الرواية السابقة (1)فإن أحلنا ملك العبد بطلا،و إن أجزناه صحّ السابق و بطل المقارن و اللاحق حتماً؛ إذ لا يتصوّر ملك العبد لسيّده جدّاً.

ص:114


1- في ص:112.

الفصل الثامن في السلف

اشارة

الفصل الثامن في السلف هو و السلم عبارتان عن معنى واحد و هو ابتياع مال موصوف مضمون في الذمّة إلى أجل معلوم بمال كذلك حاضر مقبوض في المجلس أو في حكمه ممّا لم يكن حاضراً في المجلس ثم أُحضر و قبض فيه قبل التفرق.

و كذا ما كان حاضراً فيه موصوفاً غير معيّن إذا عُيّن فيه؛ لأنّه بالتعيين فيه مع القبض يصير في حكم الحاضر.

و ما كان ديناً على البائع على قولٍ،فإنّه في حكم الحاضر،بل المقبوض.

و الابتياع جنس،و مضمون فصل يخرج به ابتياع الأعيان الحاضرة، و إلى أجل فصل يخرج به البيع بالوصف حالّا،و قوله:معلوم،إشارة إلى شرط من شرائط السلف.

و الأصل فيه بعد الإجماع في الغنية و المختلف و عن التذكرة (1)عمومات الكتاب و السنّة،و خصوص الصحيح و غيره من المعتبرة:عن رجل باع بيعاً ليس عنده إلى أجل و ضمن البيع،قال:« لا بأس به» (2)مضافاً إلى ما يأتي في المباحث الآتية.

ص:115


1- الغنية(الجوامع الفقهية):589،المختلف:364،التذكرة 1:547.
2- الكافي 5:2/200،التهذيب 7:117/27،الوسائل 18:292 أبواب السلف ب 5 ح 1،و انظر الحديثين 2،7 من الباب نفسه.

و ينعقد بقول المسلّم و هو المشتري-:أسلمت إليك،أو:أسلفتك، أو:سلّفتك،بالتضعيف،و في:سلّمتك،وجه متروك بين الفقهاء،كذا في كذا،و يقبل المسلّم إليه و هو البائع بقوله:قبلت،و شبهه،و لو جعل الإيجاب منه جاز بلفظ البيع،و التمليك على قول،و أسلمت منك، و أستلفت،و تسلّفت و نحوه،و القبول من المسلم هنا:قبلت،و شبهه،كذا قالوه.

و النظر فيه في أُمور ثلاثة شروطه و أحكامه و لواحقه

الأوّل في الشروط
اشارة

الأوّل: في الشروط المصحّحة و هي خمسة

الأوّل ذكر الجنس و الوصف

الأوّل:ذكر الجنس و المراد به هنا الحقيقة النوعية،كالشعير و الحنطة، و الوصف الرافع للجهالة،الفارق بين أصناف ذلك النوع، بعبارات معلومة عند المتعاقدين،ظاهرة الدلالة في العرف و اللغة.

و ليس المراد مطلق الوصف،بل الذي يختلف لأجله الثمن اختلافاً ظاهراً لا يتسامح بمثله في السلم عادة،فلا يقدح الاختلاف اليسير المتسامح به فيه غير المؤدّي إليه.

و المرجع في الأوصاف إلى العرف،و ربما كان العامي أعرف بها من الفقيه و حظّه منها الإجمال.

و المعتبر من الوصف ما يتناوله الاسم المزيل لاختلاف أثمان الأفراد الداخلة في المعيّن و لا يبلغ فيه الغاية،فإن بلغها و أفضى إلى عزّة الوجود بطل،بلا خلاف يظهر.

قيل:لأنّ عقد السلف مبني على الغرر؛ لأنّه بيع ما ليس بمرئي،فإذا كان عزيز الوجود كان مع الغرر مؤدّياً إلى التنازع و الفسخ،فكان منافياً

ص:116

للمطلوب من السلف (1).

و الأصل في هذا الشرط بعد الإجماع أدلّة نفي الغرر،و النصوص الآتية في تضاعيف الفصل.

فلا يصحّ السلم فيما لا يضبطه الوصف كاللحم نيّه و مشويّه و الخبز بأنواعه و الجلود بلا خلاف في الأوّلين،بل عليه الإجماع في الغنية (2)(3)؛ لما مرّ.

مع التصريح بالمنع عن الأوّل في الخبر:عن السلف في اللحم،قال:

« لا تقربنّه،فإنّه يعطيك مرّة السمين،و مرّة التاوي (4)،و مرّة المهزول، و اشتر معاينةً يداً بيد» و عن السلف في روايا الماء،فقال:« لا تقربها،فإنّه يعطيك مرّة ناقصة،و مرّة كاملة،و لكن اشتره معاينةً و هو أسلم لك و له» (5).

و قصور السند منجبر بالعمل،إلّا أنّ ظاهره التعليل بغير ما في العبارة و فتوى الجماعة.

و لكن يدفعه عدم الدلالة على حصر العلّة المجامع للتعليل أيضاً بما في العبارة.

ص:117


1- جامع المقاصد 4:210.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):589.
3- و كذا في السرائر(2:308)و التذكرة(1:549)و في الخلاف(3:204)الإجماع في اللحم خاصة(منه رحمه الله).
4- التاوي:الهالك.القاموس المحيط 4:309.
5- الكافي 5:12/222،الفقيه 3:738/167،التهذيب 7:193/45،الوسائل 18:287 أبواب السلف ب 2 ح 1.

و على المشهور في الأخير،وفاقاً للحلّي (1)؛ لتعذّر الضبط بالوصف، و عدم إفادة الوزن الوصف المعتبر،لأنّ أهمّ أوصافها المختلف باختلافه أثمانها السمك و الغلظ،و لا يحصل به.

خلافاً للطوسي و القاضي (2)،فيصح؛ لإمكان الضبط بالمشاهدة، و للخبرين،في أحدهما:قلت:إنّي رجل قصّاب،أبيع المسوك قبل أن أذبح الغنم؟فقال:« ليس به بأس،و لكن انسبها غنم أرض كذا و كذا» (3).

و في الثاني:رجل اشترى الجلود من القصّاب فيعطيه كل يوم شيئاً معلوماً،فقال:لا بأس» (4).

و فيهما ضعف سنداً،و في الأخير دلالةً أيضاً؛ لعدم الإشعار فيه ببيع السلف،و لا بالبيع قبل الذبح،فيحتمل أن يبيعها مشاهدةً و يدفع إليه كلّ يوم قدراً معلوماً،فالاستناد إليهما سيّما الثاني ضعيف جدّاً،كالاستناد إلى الأوّل،للخروج عن السلم بناءً على أنّ المبيع فيه أمر في الذمّة مؤجّل إلى مدّة،و هو معيّن بالمشاهدة على ما ذكره.

قيل:و يمكن الجمع بمشاهدة جملة يدخل المُسلَم فيه في ضمنها من غير تعيين،و هو غير مخرج عن وضعه،كاشتراطه من غلّة قرية معيّنة لا تخيس (5)عادةً،و حينئذٍ فتكفي مشاهدة الحيوان عن الإمعان في

ص:118


1- انظر السرائر 2:307.
2- الطوسي في الخلاف 3:198،حكاه في المختلف عن القاضي في الكامل:366.
3- الكافي 5:9/201،التهذيب 7:119/28،الوسائل 18:293 أبواب السلف ب 5 ح 4.المَسْك:الجلد.القاموس المحيط 3:329.
4- الكافي 5:10/221،الفقيه 3:730/165،التهذيب 7:120/28،الوسائل 18:290 أبواب السلف ب 3 ح 7.
5- خاسَ البيعُ و الطعام،كأنَّه كسَدَ حتى فَسَد.الصحاح 3:926.

الوصف (1).

و هو حسن،و لكن المشهور المنع مطلقاً.

و نحو المذكورات الجواهر مطلقاً،و اللآلي الكبار؛ لتعذّر ضبطها على وجه يرفع بسببه اختلاف الثمن،و تفاوت (2)الثمن فيها تفاوتاً باعتبارات لو ذكرت لأدّت إلى عسر وجودها الموجب للبطلان كما مضى،و بدونها لا يحصل العلم بوصفها.

أمّا اللآلي الصغار التي لا تشتمل على أوصاف كثيرة تختلف باختلافها القيمة فيجوز مع ضبط ما يعتبر فيها من الوزن و العدد مع بعض الصفات.

و ضابطها كلّ ما يباع بالوزن و لا يلاحظ فيه الأوصاف الكثيرة عرفاً.

و تحديد بعض إيّاه بما يطلب للتداوي دون التزيّن،أو ما يكون وزنه سدس دينار (3)،رجوع إلى ما لا دليل عليه.

و كذا القول في بعض الجواهر التي لا يتفاوت الثمن باعتبارها تفاوتاً بيّناً كبعض العقيق،على ما في الدروس و غيره (4).

و يجوز في الأمتعة و الحيوان كلّه،صامتاً كان أم ناطقاً و الحبوب و الفواكه و الطيب و نحو ذلك و بالجملة كلّ ما يمكن ضبطه بالوصف الموصف (5)،بلا خلاف يعرف،بل على الثاني الإجماع في الغنية (6)؛ للأصل،و العمومات،و الصحاح المستفيضة و غيرها من

ص:119


1- قال به الشهيد الثاني في الروضة 3:406.
2- عطف على التعذّر.(منه رحمه الله).
3- جامع المقاصد 4:212.
4- الدروس 3:248؛ و انظر الروضة 3:406،و الحدائق 20:14.
5- أي:سابقاً.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):589.

المعتبرة،ففي الصحيح و غيره:« لا بأس بالسلم في المتاع إذا وصفت الطول و العرض» (1).

و نحوهما الموثق كالصحيح:عن السلم و هو السلف في الحرير و المتاع الذي يصنع في البلد الذي أنت به؟قال:« نعم إذا كان إلى أجل معلوم» (2).

و في الصحيح و الموثق كالصحيح:« لا بأس بالسلم في الحيوان إذا وصفت أسنانها» (3).

و في الصحيح:« إنّ أبا جعفر عليه السلام لم يكن يرى بأساً بالسلم في الحيوان بشيء معلوم إلى أجل معلوم» (4).

و فيه:عن السلف في الطعام بكيل معلوم إلى أجل معلوم،قال:

« لا بأس به» (5).

و النصوص بذلك كثيرة تمرّ بك في المباحث الآتية.

الثاني قبض رأس المال قبل التفرق

الثاني:قبض رأس المال أي الثمن قبل التفرق بالبدن.

و الأصل في شرطيته في صحة السلم الإجماع في الظاهر،المحكي في الغنية و عن التذكرة (6)صريحاً.

ص:120


1- الكافي 5:1/199،التهذيب 7:113/27،الوسائل 18:283 أبواب السلف ب 1 ح 1.
2- الكافي 5:2/199،التهذيب 7:114/27،الوسائل 18:289 أبواب السلف ب 3 ح 4.
3- الكافي 5:3/220،الوسائل 18:284 أبواب السلف ب 1 ح 3.
4- الكافي 5:5/220،الوسائل 18:288 أبواب السلف ب 3 ح 2.
5- الكافي 5:2/185،التهذيب 7:121/28،الوسائل 18:295 أبواب السلف ب 6 ح 1.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):589،التذكرة 1:556.

خلافاً للإسكافي (1)،فجوّز التأخير إلى ثلاثة أيّام.و هو شاذّ،و في المهذّب و الدروس و المسالك (2)أنّه متروك.

فلو باع سلماً و لم يقبض من الثمن قبل التفرّق شيئاً بطل رأساً.

و لو قبض بعض الثمن ثم افترقا بطل فيما لم يقبض و صحّ في المقبوض و لكن يتخيّر البائع في الفسخ؛ لتبعّض الصفقة،إلّا إذا كان عدم الإقباض بتفريطه فلا خيار له.

و لو كان الثمن ديناً على البائع فبيع المسلم فيه به صحّ على الأشبه وفاقاً للنهاية (3)،و عليه الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في التحرير (4)،إمّا لأنّ ما في الذمّة بمنزلة المقبوض،أو للأصل،و العمومات، و انحصار دليل هذا الشرط في الإجماع،و ليس بمتيقّن بل و لا ظاهر في محل النزاع؛ لمكان الاختلاف.

مضافاً إلى التأيد بالخبر:في رجل كان له على رجل دراهم،فعرض عليه الرجل أن يبيعه بها طعاماً إلى أجل مسمّى،فقال:« لا بأس بذلك» (5)الخبر.

و لا ينافيه النهي عنه في الذيل؛ لإشعار السياق بورود ذلك للتقيّة.

و أولى بالجواز ما حوسب به عن الثمن الكلّي دون أن يقع البيع به، و عليه الأكثر لما يأتي.

خلافاً للأشهر في الأوّل دون الثاني،فيبطل؛ لأنّه بيع دين بدين منهي

ص:121


1- كما حكاه عنه في المختلف:364.
2- المهذب البارع 2:473،الدروس 3:256،المسالك 1:213.
3- النهاية:397.
4- الشرائع 2:32،التحرير 1:195.
5- التهذيب 7:186/43،الوسائل 18:298 أبواب السلف ب 8 ح 1؛ بتفاوت يسير.

عنه،أمّا كون المسلم فيه ديناً فواضح،و أمّا الثمن الذي في الذمّة فلأنّه دين في ذمّة المسلم إليه،فإذا جعل عوضاً للمسلم فيه صدق بيع الدين بالدين، لأنّ نفس الدين قد قرب بالباء فصار ثمناً.و لا كذلك المحاسبة عليه قبل التفرق إذا لم يشترطه ثمناً؛ لأنّه استيفاء دين قبل التفرّق مع عدم ورود العقد عليه،فلا يقصر عمّا لو أطلقا الثمن ثم أحضره قبل التفرّق.

و إنّما يفتقر إلى المحاسبة مع تخالفهما جنساً أو وصفاً،أمّا لو اتّفق ما في الذمّة فيهما وقع التهاتر و التساقط قهريّاً و لزم العقد.

و للدروس في الثاني (1)،فاستشكل فيه؛ استناداً إلى أنّه يلزم منه كون مورد العقد ديناً بدين.

و مبنى القولين على أحد تفسيري بيع الدين بالدين،و هو شموله لما صار ديناً بالعقد و إن لم يكن ديناً قبله،و عليه الأكثر.

و فيه نظر يتّضح وجهه بالتدبّر فيما ذكره شيخنا في الروضة في كتاب الدين:من أنّ الدين الممنوع منه ما كان عوضاً حال كونه ديناً بمقتضى تعلّق الباء به،و المضمون عند العقد ليس بدين،و إنّما يصير ديناً بعده فلم يتحقّق بيع الدين بالدين (2).

و هو في غاية الجودة،و إن ناقض نفسه في المسألة في الكتاب المتقدّم إلى ذكره الإشارة.فضَعُفَ القولان بالضرورة.

و تزيد على الثاني الحجة بما أورده عليه شيخنا في المسالك و الروضة (3)في المسألة:من أنّ بيع الدين بالدين لا يتحقّق إلّا إذا جعلا في

ص:122


1- الدروس 3:256.
2- الروضة البهية 4:20.
3- المسالك 1:213،الروضة 3:410.

نفس العقد متقابلين في المعاوضة،قضيّةً للباء.و هي هنا منفية؛ لأنّ الثمن فيه أمر كلّي و تعيينه بعد العقد في شخص لا يقتضي كونه هو الثمن الذي جرى عليه العقد،و مثل هذا التقاصّ و التحاسب استيفاء لا معاوضة،و لو أثّر مثل ذلك لأثّر مع إطلاقه ثم دفعه في المجلس،لصدق بيع الدين بالدين عليه ابتداءً.

فإذاً القول بما في المتن أظهر لكنّه يكره لشبهة الخلاف.

فالاحتياط عنه أجود،بل لعلّه المتعيّن؛ للصحيح:عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر أو غنم أو غير ذلك،فأتى المطلوب الطالب ليبتاع منه شيئاً؟قال:« لا يبيعه نسيئاً،فأمّا نقداً فليبعه بما شاء» (1)فتأمّل.

الثالث تقدير المبيع بالكيل أو الوزن

الثالث:تقدير المبيع المسلم فيه بالكيل أو الوزن المعلومين فيما يكال أو يوزن،و فيما لا يضبط بيعه سلفاً إلّا به،و إن جاز بيعه جزافاً كالحطب و الحجارة،بلا خلاف.

استناداً في الأوّل إلى ما دلّ عليه في مطلق البيع من حديث النهي عن بيع الغرر و المجازفة،مع التأيّد بخصوص المعتبرة،كالصحيح:عن السلم في الطعام بكيل معلوم إلى أجل معلوم،قال:« لا بأس به» (2).

و الموثق:« لا بأس بالسلم كيلاً معلوماً إلى أجلٍ معلوم،لا يسلم إلى دياس و لا إلى حصاد» (3).

مضافاً إلى صريح النبوي العامي:« من أسلف فليسلف في كيل معلوم

ص:123


1- التهذيب 7:207/48،الوسائل 18:45 أبواب أحكام العقود ب 6 ح 8.
2- الكافي 5:2/185،التهذيب 7:121/28،الوسائل 18:295 أبواب السلف ب 6 ح 1.
3- الكافي 5:1/184،الفقيه 3:740/167،التهذيب 7:116/27،الوسائل 18:289 أبواب السلف ب 3 ح 5.

إلى أجلٍ معلوم» (1)و قصور السند بالعمل مجبور.

و في الثاني:إلى الدليل الأوّل من لزوم الغرر،مع عدم اندفاعه هنا إلّا بأحد الأمرين،و إن اندفع بالمشاهدة في غير السلف؛ لعدم إمكانه فيه بالضرورة إلّا على احتمالٍ تقدّم إلى ذكره الإشارة من الاكتفاء بمشاهدة جملة يدخل المسلم فيه في ضمنها من غير تعيين (2)،إلّا أنّه لم يعتبره هنا أحد من الطائفة،حتى من احتمل اعتباره في المسألة السابقة.

و لا يكفي التقدير ب العدد إجماعاً في المعتبر بأحد التقديرين.

و كذا لو كان ممّا يعدّ و يباع به في مطلق البيع مطلقاً،وفاقاً للطوسي و التذكرة (3)؛ للتفاوت المفضي إلى الغرر و الجهالة.

خلافاً للإسكافي (4)،فيجوز كذلك؛ للأصل.و يندفع بما مرّ.

و لجماعة من المتأخّرين كالشهيدين و غيرهما (5)،فالتفصيل بين ما يكثر فيه التفاوت كالرّمان و البطّيخ و الباذنجان فالأوّل،و ما يقلّ فيه كالصنف الخاص من الجوز و اللوز فالثاني؛ للتسامح عادةً في مثله فيندفع معه الغرر.

و هو حسن إن كان التفاوت اليسير كذلك،و إلّا فالأوّل أظهر،و لعلّ هذا مراد المفصِّل.

ص:124


1- مسند أحمد 1:217،صحيح مسلم 3:127/1226،128،سنن أبي داود 3:3463/275،سنن النسائي 7:290،الجامع الصغير 2:8433/569.
2- راجع ص:118.
3- الطوسي في المبسوط 2:188،التذكرة 1:556.
4- على ما نقله عنه في المختلف:367.
5- الشهيد الأول في الدروس 3:253،الشهيد الثاني في الروضة 3:411؛ و انظر قواعد الأحكام 1:136،و التحرير 1:195.

و بالجملة:الضابط للصحة الانضباط الدافع لاختلاف الثمن،فحيث حصل بالعدد جاز السلم،و إلّا فالأقرب المنع.

و عليه يتعيّن الضبط بالوزن أو الكيل في المقدّر بهما،و بالأوّل في غيره مطلقاً،و بالثاني فيما لا يتجافى في المكيال كالجوز و اللوز،دون ما يتجافى كالبطيخ و الباذنجان و الرمان فيتعيّن فيه الأوّل.

و يعتبر في مثل الثوب ضبطه بالذرع،و إن جاز بيعه بدونه مع المشاهدة،كما مرّ إليه الإشارة.و كان عليه أن يذكره أيضاً؛ لخروجه عن الاعتبارات المذكورة.

و حيث قد عرفت اعتبار الضبط بالوزن أو الكيل فيما لا يضبط إلّا به و إن جاز بيعه بالجزاف ظهر لك الوجه في أنّه لا يصحّ السلم في نحو القصب أطناناً،و لا في الحطب حُزَماً،و لا في الماء قِرباً مع ورود النهي عن الأخير في بعض النصوص و قد تقدّم (1).

و كما يشترط تقدير المسلم فيه بأحد ما تقدّم كذا يشترط التقدير في الثمن لكن بما تقدّر في مطلق البيع،فيعتبر المقدّر بأحد الاعتبارات الثلاثة به،و ما عداه بما يعتبر به من الذرع و نحوه،فلو كان ممّا يباع جزافاً جاز الاقتصار على مشاهدته كما لو بيع.

و قيل:يكفي هنا التقدير ب المشاهدة مطلقاً،كما عن المرتضى (2)،و قد تقدّم الكلام فيه فيما مضى (3)و أنّ العمل على الأوّل أشهر و أقوى.

ص:125


1- في ص:117 الرقم(4).
2- الناصريات(الجوامع الفقهية):217.
3- راجع ص:251 من ج 8.
الرابع تعيين الأجل بما يرفع احتمال الزيادة و النقصان

الرابع:تعيين الأجل المشترط بما يرفع احتمال الزيادة فيه و النقصان عند المتعاقدين،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في نهج الحق و الغنية (1)(2)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى النبوي العام (3)،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (4)المتقدّمة إلى جملة منها الإشارة.

و أخصّية موارد الأخيرة بعدم القائل بالفرق مدفوعة.

الخامس أن يكون وجوده غالباً حين حلوله

الخامس:أن يكون وجوده أي المسلم فيه غالباً حين حلوله بحلول أجله المشترط فيه في البلد الذي شرط تسليمه فيه أو بلد العقد حيث يطلق،على أحد الأقوال الظاهر من الماتن هنا،حيث لم يذكر اشتراط ذكر محلّ التسليم،و هو ظاهر في الصحة بدونه،و إلّا لاشترطه،أو فيما قارب البلدين بحيث ينقل إليه عادةً،و لا يكفي وجوده فيما لا يعتاد نقله منه إليه إلّا نادراً،كما لا يشترط وجوده حال العقد حيث يكون مؤجّلاً،و لا فيما بينهما.

و اعتبار غلبة الوجود فيه عند الحلول هو المشهور بين الأصحاب،بل لا يكاد يعرف لهم مخالف في ذلك،إلّا ما ربما يتوهّم من عبارتي القواعد و الدروس،حيث بدّل الغلبة بالإمكان في الأوّل،و بالقدرة على التسليم في الثاني (5).

و هما و إن أورثا التوهّم في بادئ النظر،إلّا أنّ التدبّر في كلامهما

ص:126


1- نهج الحق:487،الغنية(الجوامع الفقهية):589.
2- و عن الخلاف(3:197)و التذكرة(1:548).(منه رحمه الله).
3- المتقدم في ص:123.
4- انظر الوسائل 18:288 أبواب السلف ب 3.
5- القواعد 1:137،الدروس 3:256.

يقتضي المصير إلى التأويل فيهما،بحملهما على ما ذكره بعض الأصحاب (1):من أنّ المراد بإمكان وجوده و القدرة على تسليمه كونه بحيث يوجد كثيراً عادةً بحيث لا يندر تحصيله،فالمراد إمكان وجوده عادةً،فإنّ الممكن عادةً هو الذي لا يعزّ وجوده.

فقد صرّحا أوّلاً باشتراط عدم الاستقصاء في الأوصاف الموجب لعزّة الوجود و البطلان معه.و ثانياً بما يفصح عن إرادتهما الحمل من الإمكان و ما في معناه صريحاً:

فقال الأوّل:و لو طرأ الانقطاع بعد انعقاد السلم كما لو أسلم فيما يعمّ وجُوده و انقطع لحاجة،أو وجد وقت الحُلول عامّاً ثم أخّر التسليم لعارض ثم طالب بعد انقطاعه تخيّر المشتري.إلى آخر كلامه.

و هو كما ترى كالصريح،بل صريح في جعل المعيار في انعقاد السلم هو عموم الوجود،و نحوه كلام آخر له يقرب من هذا في الدلالة عليه.

و قال الثاني:و لو أسلم فيما يعسر وجوده عند الأجل مع إمكانه كالكثير من الفواكه في البواكير فإن كان وجوده نادراً بطل،و إن أمكن تحصيله لكن بعد مشقّة فالوجه الجواز؛ لإلزامه به مع إمكانه،و يحتمل المنع:لأنّه غرر.

فهو كالصريح في عدم جعل المعيار مجرّد الإمكان بالمعنى المتوهّم، بل جعله إيّاه بالمعنى المتقدّم،فنسبة الخلاف إليهما في المسألة ليست بجيّدة.

و من عبارة الدروس يظهر نوع إيماء إلى وجه اشتراط هذا الشرط،

ص:127


1- المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:236.

و يفصح عنه صريحاً ما مرّ في توجيه البطلان مع الاستقصاء في الأوصاف المنجرّ إلى عزّة الوجود.و هو و إن احتاج الاستناد إليه لذلك إلى نوع تأمل إلّا أنّه صالح لاعتضاد عدم الخلاف الذي هو الحجة في المقام،و ليس في شيء من النصوص ما يخالف ذلك،كما يظهر بالتأمّل فيها و التدبّر.

ثم إنّ الوجود عند الأجل بأي معنى اعتبر أعمّ من التجدّد فيه بعد عدمه في زمن العقد،و إليه أشار بقوله: و لو كان معدوماً وقت العقد و ما بينهما،أو وجوده فيه إلى الأجل.

الثاني في أحكامه و هي مسائل
اشارة

الثاني:في أحكامه،و هي مسائل:

الاُولى لا يجوز بيع السلم قبل حلوله

الاُولى:لا يجوز بيع السلم قبل حلوله بحلول الأجل مطلقاً، على من هو عليه كان أو غيره،حالّا أو مؤجّلاً،بلا خلاف يظهر،إلّا من بعض من ندر ممّن تأخّر (1)،فجوّزه مطلقاً؛ التفاتاً إلى أنّه حق مالي فيجوز بيعه.و لا ينافيه عدم استحقاق المشتري الأوّل له؛ لتعلّق عدم الاستحقاق بالمطالبة دون الملكيّة،فإنّها حاصلة و إن لم يجز له قبل الأجل المطالبة.

و القدرة على التسليم المشترطة في صحة المعاملة إنّما هي في الجملة لا حين إجراء عقد المعاملة،و إلّا لما صحّ ابتياع الأعيان الغائبة إلّا بعد حضورها و إمكان القدرة على تسليمها حين المعاملة،و هو فاسد بالإجماع و الضرورة.

و ربما يضعّف بابتنائه على حصول الملكيّة.

و المناقشة فيه واضحة؛ إذ هي فرع الانتقال،و هو مشروط بانقضاء المدّة،و ليس،كما هو مفروض المسألة.

ص:128


1- الحدائق 20:45.

و منه يظهر أنّ صرف الاستحقاق المنفي إلى المطالبة خاصّة دون الملكيّة فاسد بالبديهة بعد ما ظهر من اشتراطها بانقضاء المدّة المشترطة في الانتقال حين المعاملة،فما لم يتحقّق كما هو المفروض لم تحصل الملكيّة.و فيه نظر.

إلّا أنّ ظاهر الغنية و التنقيح و المحقق الثاني في شرح الإرشاد كالفاضل الأردبيلي في شرح الإرشاد (1)انعقاد الإجماع على الحكم على الإطلاق المستفاد من العبارة و غيرها من عبائر الجماعة،فلا ريب في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و يجوز بيعه بعده و بعد القبض بالضرورة و كذا إن لم يقبضه مطلقاً،و لو بمجانس الثمن،ربويين كانا أو غيره،على الأظهر الأشهر بين الطائفة إذا لم يكن بين الثمنين الربويين مع التجانس تفاوت بزيادة و لا نقيصة؛ للأصل،و العمومات،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.و مواردها و إن اختصّت بالبيع على من هو عليه،إلّا أنّه لا قائل بالفرق بين الطائفة.

خلافاً للتهذيب (2)،فمنع من البيع بالدراهم إذا كان الثمن الأوّل كذلك؛ للخبر:عن الرجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة أ يأخذ بقيمته دراهم؟قال:« إذا قوّمه دراهم فسد،لأنّ الأصل الذي اشترى به دراهم، فلا يصلح دراهم بدراهم» (3).

ص:129


1- الغنية(الجوامع الفقهية):589،التنقيح الرائع 2:145،مجمع الفائدة و البرهان 8:360.
2- التهذيب 7:30.
3- التهذيب 7:129/30،الإستبصار 3:246/74،الوسائل 18:308 أبواب السلف ب 11 ح 12.

و ضعف سنده يمنع من العمل به،مع احتماله ككلام التهذيب الحمل على صورة التفاوت بالزيادة و النقيصة،كما فهمه منه الجماعة،و لذا لم ينسبوا إليه القول الأوّل بالمرّة،بل نسبوه إلى هذا القول،و له فيه موافق كثير من الطائفة كالإسكافي و العماني و القاضي و ابن زهرة و الحلبي و ابن حمزة (1)،و ادّعى في الدروس أنّه مذهب الأكثر (2)،و عن الحلبي دعوى الإجماع عليه،و هي ظاهر الغنية،و اختاره جمع ممّن تأخر (3)؛ لكثير من تلك الصحاح،و هي مستفيضة،منها فيمن أعطى رجلاً ورقاً بوصيف إلى أجل مسمى،فقال له صاحبه:بعد لا أجد وصيفاً،خذ مني قيمة وصيفك اليوم ورقاً،قال:« لا يأخذ إلّا وصيفه أو ورقه الذي أعطاه أوّل مرّة لا يزداد عليه شيئاً (4).

و منها:« من اشترى طعاماً أو علفاً..فإن لم يجد شرطه و أخذ ورقاً لا محالة قبل أن يأخذ شرطه فلا يأخذ إلّا رأس ماله لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ [1] » (5).

و منها:عن الرجل يسلف في الحنطة و التمر بمائة درهم،فيأتي

ص:130


1- حكاه عن الإسكافي و العماني و القاضي في المختلف:365،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):589،الحلبي في الكافي:358،ابن حمزة في الوسيلة:251.
2- الدروس 3:258.
3- منهم:العلّامة في التحرير 1:196،و الشهيد الثاني في الروضة 3:421،و صاحب الحدائق 20:36.
4- الكافي 5:2/220،التهذيب 7:133/32،الإستبصار 3:249/75،الوسائل 18:307 أبواب السلف ب 11 ح 9؛ بتفاوت يسير.
5- التهذيب 7:134/32،الإستبصار 3:250/75،الوسائل 18:309 أبواب السلف ب 11 ح 15.

صاحبه حين يحلّ الذي له،فيقول:و اللّه ما عندي إلّا نصف الذي لك، فخذ منّي إن شئت بنصف الذي لك حنطة و بنصفه ورقاً،فقال:« لا بأس إذا أخذ منه الورق كما أعطاه» (1).

و منها:عن الرجل يسلف في الغنم ثنيان و جذعان و غير ذلك إلى أجل مسمّى،قال:« لا بأس إن لم يقدر الذي عليه الغنم على جميع ما عليه يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها و يأخذ رأس مال ما بقي من الغنم دراهم،و يأخذون دون شروطهم،و لا يأخذون فوق شروطهم» قال:

« و الأكسية أيضاً مثل الحنطة و الشعير و الزعفران و الغنم» (2).

خلافاً للمفيد و الحلّيين و كثير من المتأخّرين (3)،حتى ادّعى جماعة (4)منهم عليه الشهرة؛ للأصل،و العمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة سوى الصحاح المتقدّمة،و هي غير صريحة الدلالة على وقوع المعاملة الثانية،فيحتمل ورودها في الفسخ خاصّة.و لا ريب في المنع عن الزيادة حينئذٍ مع التجانس و الكيل و الوزن كما هو مفروض المسألة؛ لأنّها ربا محض،منعت عنه الشريعة،و ذلك فإن بالفسخ يستحق المسلم ثمنه خاصّة فلا يجوز له حينئذٍ أخذ الزيادة،و لا كذلك مع عدم الفسخ و إبقاء المعاملة،فإنّ ما يستحقه في هذه الصورة هو المسلم فيه دون الثمن الأوّل،

ص:131


1- التهذيب 7:135/32،الإستبصار 3:251/75،الوسائل 18:309 أبواب السلف ب 11 ح 16.
2- الكافي 5:8/221،الوسائل 18:303 أبواب السلف ب 11 ح 1.
3- المفيد في المقنعة:596،ابن إدريس في السرائر 2:311،العلّامة في المختلف:364،المحقق في الشرائع 2:65،الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:361،صاحب الحدائق 20:43.
4- منهم:السبزواري في الكفاية:102،و صاحب الحدائق 20:40.

فله أن يبيعه بأضعاف الثمن الذي دفعه،و لا موجب للربا فيها بالمرّة.هذا.

مضافاً إلى إطلاق كثير من المعتبرة،منها المرسل كالموثق:في الرجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل فيحلّ الطعام فيقول:ليس عندي طعام و لكن انظر ما قيمته فخذ مني ثمنه،قال:« لا بأس بذلك» (1).

و الخبر:الرجل يسلفني في الطعام فيجيء الوقت و ليس عندي طعام، أُعطيه بقيمته دراهم؟قال:« نعم» (2).

و المسألة محلّ تردّد،و إن كان الأوّل لا يخلو عن قوّة؛ للإجماعات المحكية و ظهور الصحاح سيّما الأوّل منها في المعاملة الثانية،و لو سلّم عدمه فإطلاقها بل عمومها يشملها أيضاً بالضرورة،سيّما مع التعليل في بعضها بقوله « لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ» [1] الذي هو كالنص في العموم،و هي بالنظر إلى الأصل و العمومات خاصّة،فلتقدّم.

و النصوص المعارضة قاصرة السند،ضعيفة الدلالة؛ لاحتمالها الحمل على صورة عدم الزيادة أو عدم المجانسة،و لا ريب في الجواز فيهما فتوًى و روايةً،ففي الصحيح عن رجل أسلف رجلاً دراهم بحنطة حتى إذا حضر الأجل لم يكن عنده طعام و وجد عنده دوابّ و رقيقاً و متاعاً،يحل له أن يأخذ من عروضه ذلك بطعامه؟قال:« نعم،يسمّي كذا و كذا بكذا و كذا صاعاً» (3).

ص:132


1- الكافي 5:6/185،التهذيب 7:127/30،الإستبصار 3:252/75،الوسائل 18:305 أبواب السلف ب 11 ح 5.
2- الكافي 5:12/187،التهذيب 7:128/30،الإستبصار 3:253/75،الوسائل 18:306 أبواب السلف ب 11 ح 8.
3- الكافي 5:7/186،التهذيب 7:130/31،الإستبصار 3:254/76،الوسائل 18:305 أبواب السلف ب 11 ح 6.

و صريحة كالصحاح المتقدّمة و غيرها جواز بيع الطعام على من هو عليه قبل القبض من دون كراهة.

خلافاً لظاهر الماتن،فخصّ الحكم بالجواز من دونها بما عداه لقوله: على كراهية في الطعام على من هو عليه و هو المسلم إليه و على غيره و هو ظاهر الغنية مدّعياً عليه إجماع الطائفة،إلّا أنّه أبدل الكراهة بالحرمة (1)،و لعلّهما نظرا إلى ما تقدّم في بيعه قبل قبضه من إطلاق النصوص المانعة.

و يدفعه أنّ هذه النصوص خاصّة مقدّمة على تلك،لكن في مواردها و هو البيع ممّن هو عليه خاصّة.

و لكن الكراهة على الإطلاق غير بعيدة بناءً على المسامحة في أدلّتها فتكفي فيها بشبهة الخلاف،و الإجماع المدّعى،و الإطلاق الذي مضى.

و كما يجوز بيعه مطلقاً و لو مرابحة و كان كلّ من الثمنين ربويا كذا يجوز بيع بعضه كذلك،و صرّح بجوازه في الجملة بعض الصحاح المتقدّمة،و هي متّفقة الدلالة على جواز توليته و تولية بعضه بمعنى بيعهما برأس المال،و لا فائدة لذكرهما إلّا التنبيه على عموم الجواز في بيع الجميع و البعض المذكور سابقاً لصورتي المرابحة و المواضعة مطلقاً؛ دفعاً للقولين المتقدّمين من المنع عن البيع بمجانس الثمن الأوّل مع ربويّتهما إمّا مطلقاً،كما في أحدهما،أو في صورة تفاوتهما بالزيادة و النقيصة كما في الثاني.

و كذا حكم بيع الدين فلا يجوز قبل الأجل مطلقاً،و يجوز بعده كذلك،بلا خلاف في الأخير إلّا في البيع على غير من هو عليه،

ص:133


1- الغنية(الجوامع الفقهية):589.

فمنعه الحلّي مدّعياً الإجماع عليه (1).و الأظهر الأشهر خلافه؛ للأصل، و العمومات السليمة عن المعارض سوى الإجماع المحكي،و هو بعد اشتهار خلافه عن التخصيص قاصر.

و أمّا الأوّل ففيه خلاف،فبين مصرّح بالمنع،كالشهيد في الدروس (2)،و هو ظاهر الإرشاد (3)و المتن،لظاهر التشبيه.

و مصرّح بالجواز،كما في الروضة و عن التذكرة (4)،و هو ظاهر المختلف و اللمعة و جماعة (5).

و مستند القولين قد مرّ،و ضعف الثاني منهما قد ظهر،لكن في جريان وجه الضعف هنا مطلقا نظر ينشأ من ابتنائه ثمّة إمّا على الإجماع الظاهر المحكي،و هو مفقود هنا،أو على عدم انتقال السلم حين العقد المستلزم لعدم الملكيّة للبائع.

و منه ينقدح فساد المعاملة قبل حلول الأجل،و لا كذلك مطلق الدين؛ لحصول الملكيّة بمجرّد السبب في بعض أفراده،و غاية الأمر توقّف المطالبة على انقضاء الأجل،كما في مهر الزوجة و القرض المشترط فيهما الأجل اللازم.

و لعلّه لذا أفتى الأصحاب من غير خلاف يعرف بالمنع في السلف، و اختلفوا في المسألة،و صار إلى الجواز فيها الجماعة المزبورة التي يمكن

ص:134


1- السرائر 2:55.
2- الدروس 3:313.
3- الإرشاد 1:391.
4- الروضة 4:19،التذكرة 2:3.
5- المختلف:411،اللمعة(الروضة البهية 4):19؛ و انظر المسالك 1:217،و الكفاية:104.

أن يطلق عليهم بالإضافة إلى المخالف الشهرة.

و يحتمل إرجاع التشبيه في العبارة إلى ما يوافق هؤلاء الجماعة،بأن يراد منه التشبيه للسلف في أصل جواز البيع لا مطلقا.

و حيث جاز فإن باعه بما هو حاضر مشخّص بنحو الإشارة صحّ بلا خلاف و لا ريبة؛ للأصل،و العمومات التي هي عن المعارض سليمة.

و كذا صحّ إن باعه بمضمون حالّ إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق فيه بين ما لو كان مؤجّلاً ثم حلّ الأجل،أو كان غير مؤجّل في الأصل،كما إذا بيع بدينار كلّي غير مستقرّ في ذمّة قبل البيع.و لا إشكال فيه؛ لما مرّ،مع عدم صدق الدين عليه حقيقة كما يأتي.

و يشكل في الأوّل إن لم يكن إجماع،كما هو ظاهر الروضة (1)، حيث جعل الجواز أقوى.و هو مشعر بل ظاهر في وقوع الخلاف،و وجهه قوّة احتمال صدق الدين عليه،بناءً على تضمّنه الأجل و لو في الزمان السابق على العقد،فيلزم حينئذٍ بيع الدين بالدين.

و وجه الجواز إمّا الشك في الصدق،أو لزوم الاقتصار في المنع عن بيع الدين بالدين المخالف للأصل على محلّ الوفاق،و ليس منه محلّ الفرض،لوقوع الخلاف.و الخبر المانع عنه و إن كان عامّاً إلّا أنّه قاصر سنداً يشكل الاعتماد عليه فيما عدا الإجماع.

و ربما يوجّه باختصاص الدين بالمؤجّل،كما في كلام الأصحاب

ص:135


1- الروضة 4:20.

و جماعة من أهل اللغة (1)،و محلّ الفرض بعد انقضاء أجله ليس كذلك.

و فيه نظر؛ إذ لا يبعد أن يكون المراد من اعتبار الأجل فيه اعتباره حين ثبوته،بمعنى أنّ الدين ما يضرب فيه الأجل أوّل مرّة،و لا ينافيه خلوّه عنه في ثاني الحال،و لذا أنّ الأصحاب يطلقون على الدين بعد حلول أجله لفظه إطلاقاً حقيقيّا،و هو المتداول عرفاً،و لا يصلح السلب عنه فيه حينئذٍ جدّاً.

و كيف كان فالمنع أقوى.

و يحتمل أن يراد بالمضمون الحالّ في العبارة و غيرها هو المعنى الثاني،و لعلّه الظاهر،فلا خلاف فيه.

و لو شرط تأجيل الثمن قيل:يحرم كما عن الحلّي (2)و تبعه كثير (3) لأنّه بيع دين بدين منهيّ عنه بالنص و الإجماع.

و فيه نظر؛ لأنّ الدين الممنوع عن بيعه بمثله ما كان عوضاً حال كونه ديناً بمقتضى تعلّق الباء به،و المضمون عند العقد ليس بدين و إنّما يصير ديناً بعده،فلم يتحقق بيع الدين به،و لأنه يلزم مثله في بيعه بحالّ، و لم يلتزموه،و الفرق غير واضح.

و دعوى إطلاق اسم الدين عليه إن أرادوا به قبل العقد فممنوع،أو بعده فمشترك بين الحالّ المؤجّل،فيلزم أن لا يصحّ بحال كما مر.

و إطلاقهم له عليه عرفاً إذا بيع به فيقولون:باع فلان ماله بالدين،مجاز

ص:136


1- القاموس 4:226،الصحاح 5:2117.
2- السرائر 2:56.
3- كالعلّامة في المختلف:410،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:360،و صاحب الحدائق 20:47.

يقصد به أنّ الثمن بقي في ذمّته ديناً بعد البيع،و لو اعتبر مثل هذا الإطلاق جاء مثله في الحالّ إذا لم يقبضه،خصوصاً إذا أمهله به من غير تأجيل، فتأمّل.

و لذا قيل:يكره كما عن النهاية (1) و هو الأشبه بالأصل السليم عن المعارض كما ظهر،و هو خيرة الشهيد الثاني (2).

هذا إذا كان الثمن ديناً بالعقد،كما هو فرض المتن و الأصحاب.

و أمّا لو باع ديناً في ذمّة زيد بدين آخر له في ذمّته،أو في ذمة ثالث،أو ديناً في ذمّة زيد بدين للمشتري في ذمّة عمرو لم يجز قولاً واحداً،كما في المهذّب و غيره (3) لأنّه بيع دين بدين بلا إشكال.

و الأصل فيه بعد الإجماع النبوي العامي المانع عن بيع الكالي بالكالي (4)،و الخاصّي:« لا يباع الدين بالدين» (5).

قال في القاموس:الدين ماله أجل،و ما لا أجل له فقرض (6)، و الكالي و الكُلْأة بالضم النسيئة (7).و نحوه في الأوّل المحكي عن النهاية الأثيرية و الغريبين (8)،و هو ظاهر الأصحاب أيضاً،و ربما يحكى عن بعض

ص:137


1- النهاية:310.
2- المسالك 1:217.
3- المهذب البارع 2:476،انظر المسالك 1:217،و الحدائق 20:48.
4- مستدرك الحاكم 2:57،الجامع الصغير(للسيوطي)2:9470/698.
5- الكافي 5:1/100،التهذيب 6:400/189،الوسائل 18:298 أبواب السلف ب 8 ح 2.
6- القاموس المحيط 4:226.
7- القاموس المحيط 1:27.
8- حكاه عنهم صاحب الحدائق 20:48.

أهل اللغة أنّه القرض (1).و هو ضعيف.

الثانية إذا دفع دون الصفة و رضي المسلم صحّ

الثانية:إذا دفع المسلم إليه المسلم فيه دون الصفة أو المقدار المشترطين فيه لا يجب على المسلم قبوله،و إن كان أجود من وجه آخر؛ لأنّه ليس نفس حقّه،مع تضرّره به.

و لو رضي المسلم بذلك صحّ و لو كان ذلك لأجل التعجيل،بلا خلاف،بل في الغنية الإجماع عليه (2)؛ لأنّه أسقط حقّه من الزائد برضاه،و النصوص به مع ذلك مستفيضة،منها الصحاح،في أحدها:

عن الرجل يسلم في وُصَفاء بأسنان معلومة و لون معلوم،ثم يعطى دون شرطه أو فوقه،فقال:« إذا كان من طيبة نفس منك و منه فلا بأس» (3).

و في الثاني و الثالث:« و يأخذون دون شرطهم و لا يأخذون فوق شروطهم» (4).

و منها:أ رأيت إن أسلم في أسنان معلومة أو شيء معلوم من الرقيق، فأعطاه دون شرطه أو فوقه بطيبة النفس منهم،قال:« لا بأس» (5).

و نحوه ما لو رضي بغير الجنس.

و لو دفع المسلم فيه بالصفة وجب القبول أو إبراء المسلم إليه

ص:138


1- المصباح المنير:205.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):589.
3- الكافي 5:7/221،التهذيب 7:200/46،الوسائل 18:299 أبواب السلف ب 9 ح 1.
4- الكافي 5:8/221،9،الفقيه 3:236/167،التهذيب 7:132/32،الإستبصار 3:248/74،الوسائل 18:303 أبواب السلف ب 11 ح 1.
5- الكافي 5:1/220،الفقيه 3:733/166،التهذيب 7:177/42،الوسائل 18:299 أبواب السلف ب 9 ح 2.

بعد حلول الأجل،و لو امتنع قَبَضَه الحاكم مع الإمكان،و إلّا فيخلّي بينه و بينه و يبرأ بمجرّده على الظاهر.

و كذا يجب القبول أو الإبراء بعد الحلول لو دفع إليه فوق الصفة في المشهور بين الأصحاب؛ قيل:لأنّه خير و إحسان،فالامتناع منه عناد،و لأنّ الجودة صفة لا يمكن فصلها،فهي تابعة (1) و لا كذلك لو دفع أكثر قدراً يمكن فصله و لو في ثوب.

و فيهما نظر،فالأوّل:بعدم دليل على وجوب قبول الإحسان، و لا يلزم أن يكون الامتناع منه عناداً،بل هو مطالبة لحقّه المشترط، و المؤمنون عند شروطهم؛ مضافاً إلى اختلاف الأغراض،فقد يتعلّق بخصوص المشترط دون الزائد،كما يتّفق في كثير من الأحيان.هذا مضافاً إلى التأيّد بمفهوم الصحيح المتقدّم [عن رجل يسلف في وصف أسنان معلومة و لون معلوم ثم يعطى فوق شرطه فقال إذا كان على طيبة نفس منك و منه فلا بأس] .و الثاني:بأن عدم إمكان الفصل و تابعيّة الوصف لا يوجب على المسلم قبول ذلك المدفوع مع إمكان العدول عنه إلى الغير،و لعلّه لذا حكي عن الإسكافي (2)القول بعدم وجوب القبول كما قالوا به بلا خلاف في دفع الأكثر بحسب المقدار.و هو كما ترى في غاية القوّة و إن كان الأحوط للمسلم القبول.

الثالثة إذا تعذّر عند الحلول،أو انقطع فطالب كان مخيّراً بين الفسخ و بين الصبر

الثالثة:إذا تعذّر المسلم فيه عند الحلول،أو انقطع حيث يكون مؤجّلاً ممكن الحصول بعد الأجل عادةً فاتّفق عدمه ابتداءً أو بعد وجوده فطالب المسلم البائع إيّاه كان مخيّراً بين الفسخ و استرداد الثمن أو مثله و بين الصبر إلى وجوده و لم ينفسخ العقد.بلا خلاف

ص:139


1- الروضة 3:422.
2- كما في المختلف:367.

في الأخير؛ لأنّ تناول الدفع لهذه السنة لقضيّة الأجل،و مورد العقد إنّما هو الذمّة.

و على الأظهر الأشهر في الأول،بل عليه عامّة من تأخّر،و ربما أشعر عبارة المختلف و الدروس (1)بالإجماع عليه،بل ربما كانت الاُولى ظاهرة في انعقاده؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة التي هي بين صريحة في ذلك، كالموثّق:عن رجل أسلف في شيء يسلف الناس فيه من الثمار،فذهب زمانها و لم يستوف سلفه،قال:« فليأخذ رأس ماله أو لينظره» (2).

و ظاهرة فيه،كالصحاح المتقدّمة في بيع السلف بعد حلول الأجل (3)،كذا قيل (4).

و فيه نظر يظهر وجهه ممّا ثَمَّ قد مرّ،و لعلّها صالحة للتأييد و إن كان بعضها ظاهراً في البيع.

و منه زيادة على ما مرّ يظهر أنّ له أن لا يفسخ و لا يصبر بل يأخذ قيمته حينئذٍ.

و خلاف الحلّي بعدم الخيار (5)شاذّ لا يلتفت إليه في المضمار.

و ليس هذا الخيار فورياً؛ للأصل السالم عن المعارض،فله الرجوع بعد الصبر إلى أحد الأمرين المخيّر بينهما ما لم يصرّح بإسقاط الخيار،

ص:140


1- المختلف:366،الدروس 3:257.
2- الفقيه 3:728/165،التهذيب 7:131/31،الإستبصار 3:247/74،الوسائل 18:309 أبواب السلف ب 11 ح 14.
3- في ص:131.
4- الروضة البهية 3:421.
5- السرائر 2:317.

و يسقط معه،كما في الدروس و الروضة (1).

و لو كان أحد موجبي الخيار من التعذّر و الانقطاع بعد بذله له و رضاه بالتأخير سقط خياره؛ لمجيء التقصير من قبله.و لا ينافيه إطلاق النص المتقدّم؛ لعدم شموله في الظاهر لمحلّ الفرض،و لا كذلك لو كان بعدم المطالبة أو بمنع البائع مع إمكانه.

و في حكم انقطاعه عند الحلول موت المسلم إليه قبل الأجل و قبل وجوده؛ نظراً إلى أنّه دين فيشمله عموم ما دلّ على حلول ما على الميت من الدين بالموت.و لا كذلك العلم قبل الأجل بعدم المسلم فيه بعده،بل يتوقّف الخيار على الحلول؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم العقد على مورد النص و الإجماع،و التفاتاً إلى عدم وجود المقتضي له الآن؛ إذ لم يستحق حينئذٍ شيئاً.

و لو قبض البعض و تأخّر الباقي تخيّر أيضاً بين الصبر و الفسخ في الجميع،و الفسخ في الباقي؛ التفاتاً في الأوّل:إلى ضرر تبعّض الصفقة.

و في الثاني:إلى المعتبرة،منها الصحيحان،في أحدهما:أ رأيت إن أوفاني بعضاً و عجز عن بعض،أ يجوز أن آخذ بالباقي رأس مالي؟قال:

« نعم،ما أحسن ذلك» (2).

و في الثاني:« لا بأس إن لم يقدر الذي عليه الغنم على جميع ما عليه أن يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها أو ثلثيها و يأخذ رأس مال ما بقي من الغنم دراهم» (3).

ص:141


1- الدروس 3:257،الروضة 3:423.
2- الكافي 5:3/185،التهذيب 7:122/28،الوسائل 18:304 أبواب السلف ب 11 ح 2.
3- الكافي 5:8/221،9،الفقيه 3:236/167،التهذيب 7:132/32،الإستبصار 3:248/74،الوسائل 18:303 أبواب السلف ب 11 ح 1.

و في تخيّر المسلم إليه مع الفسخ في البعض وجه قوي؛ لتبعّض الصفقة عليه،إلّا أن يكون التأخير من تقصيرة فلا خيار له.

الرابعة إذا دفع من غير الجنس و رضي الغريم و لم يساعره احتسب بقيمته يوم الإقباض

الرابعة:إذا دفع المديون إلى المدين من غير الجنس الذي استدانه على أنّه قضاء منه و رضي الغريم به و لم يساعره وقت الدفع احتسب بقيمته يوم الإقباض مطلقاً،سلفاً كان الدين أم لا،كان المدفوع عروضاً أم غيرها،بلا خلاف،بل عليه الوفاق في المسالك و الكفاية و غيرهما (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،منها الصحيحتان المكاتبتان المروية إحداهما في التهذيب:في رجل كان له على رجل مال،فلمّا حلّ عليه المال أعطاه به طعاماً أو قطناً أو زعفراناً،و لم يقاطعه على السعر،فلمّا كان بعد شهرين أو ثلاثة ارتفع الطعام و الزعفران و القطن أو نقص،بأي السعرين يحسبه؟هل لصاحب الدين سعر يومه الذي أعطاه و حلّ ماله عليه،أو السعر الثاني بعد شهرين أو ثلاثة يوم حاسبه؟فوقّع عليه السلام:« ليس له إلّا على حسب سعر وقت ما دفع الطعام إن شاء اللّه تعالى» (2)الخبر.

و نحوها الثانية المروية عن الكافي (3).

و منها الموثقات،في أحدها:عن الرجل يكون لي عليه المال فيعطيني بعضاً دنانير و بعضاً دراهم،فإذا جاء يحاسبني ليوفيني يكون قد تغيّر سعر الدنانير،أيّ السعرين أحسب له،الذي يوم أعطاني الدنانير،أو سعر يومي الذي أُحاسبه؟فقال:« سعر يوم أعطاك الدنانير،لأنّك حبست

ص:142


1- المسالك 1:217،الكفاية:96؛ و انظر التنقيح الرائع 2:149.
2- التهذيب 6:432/196،الوسائل 18:85 أبواب أحكام العقود ب 26 ح 5.
3- الكافي 5:3/181،الوسائل 18:84 أبواب أحكام العقود ب 26 ح 4.

عنه منفعتها» (1).و نحوه الآخران (2).

و الخبران،في أحدهما:في الرجل يكون له على الرجل دراهم فيعطيه دنانير و لا يصارفه،فتغيّر الدنانير بزيادة أو نقصان،قال:« له سعر يوم أعطاه» (3).

و علل مع ذلك بأنّ جعل المدفوع قضاءً يقتضي كونه من جنس الدين،فلمّا لم يكن عند الدفع الذي هو وقت القضاء من جنسه فلا بدّ من احتسابه على وجه يصير من الجنس،و ذلك باعتبار قيمته يومئذ،سواءً كان مثليّا أو قيمياً.

الخامسة عقد السلف قابل لاشتراط ما هو معلوم

الخامسة:عقد السلف قابل لاشتراط ما هو معلوم غير موجب للجهالة فلا يبطل باشتراط بيع فيه أو هبة شيء أو عمل محلّل، أو صنعة كأن يقول:أسلمت إليك هذه العشرة الدراهم في خمسين منّاً من تمر إلى مدّة كذا بشرط أن تبيع منّي أو توهب لي هذا الكتاب مثلاً،أو تعلّمني الصنعة الفلانية،و نحو ذلك ممّا يصحّ اشتراطه.

للأصل،و العمومات السليمة عن المعارض عدا رواية (4)قاصرة السند،مجملة الدلالة،من حيث تضمّنها النهي عن سلف و بيع و عن بيعين

ص:143


1- الكافي 5:16/248،الفقيه 3:835/185،التهذيب 7:458/107،الوسائل 18:183 أبواب الصرف ب 9 ح 2.
2- الفقيه 3:829/184،التهذيب 7:459/107،460،الوسائل 18:184 أبواب الصرف ب 9 ح 3،4.
3- الأول:التهذيب 7:461/108،الوسائل 18:185 أبواب الصرف ب 9 ح 5.الثاني:الكافي 5:3/245،التهذيب 7:457/106،الوسائل 18:183 أبواب الصرف ب 9 ح 1.
4- التهذيب 7:1005/230،الوسائل 18:37 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 4.

في بيع واحد،فلعلّ المراد به ما قيل في تفسيره:من أنّ المراد أن يقول:

بعتك منّاً من طعام حالّا بعشرة و سلفاً بخمسة،و وجه المنع عنه حينئذٍ ظاهر على الأصح الأشهر.

و قد مرّ الكلام فيه في بيع شيئين بثمنين مختلفين إلى أجلين (1)،و قد مرّ الكلام في نظير المسألة في بحث جواز الجمع بين أُمور مختلفة في صيغة واحدة (2).

و هنا مسألتان:

الاُولى: لو أسلف في غنم و شرط أصواف نعجات بعينها كأن يقول:أسلمت إليك هذه المائة في عشرين شاة مؤجّلاً إلى كذا بشرط أن تعطيني أصواف هذه النعجات بعينها قيل: كما عن الشيخ و الفاضل (3) يصحّ للأصل،و ما سيأتي من ضعف دليل المانع.

و الأشبه عند الماتن وفاقاً للحلّي (4) المنع عن الصحة؛ لأنّ السلم في المشاهد لا يجوز،لأنّه بيع مضمون و من شرط صحته الأجل، و أن بيع الصوف على ظهر الغنم لا يجوز للجهالة و يضعّف الأوّل:بأنّه يجوز السلم حالّا إذا كان من قصدهما الحلول بقول:أسلمت إليك مثلاً،فيكون قد تجوّز باستعمال لفظ« أسلمت» مكان « بعت» و لأنّ السلم قسم من أقسام البيع،و كما يجوز استعمال« بعت» في السلم فليجز استعمال« أسلمت» في البيع،لعدم الفارق.

ص:144


1- راجع ج 8 ص 330.
2- راجع ج 8 ص 378.
3- الشيخ في النهاية:399،العلّامة في المختلف:366،و التحرير 1:197،و القواعد 1:137.
4- انظر السرائر 2:316.

و فيه نظر.و الأولى الجواب عنه بأن اشتراطها ليس سلماً فيها،بل شرط فيه خارج عنه،و هو جائز كباقي الشروط الجائزة بحكم ما تقدّم في صدر المسألة،و لعلّه لذا اقتصر الماتن في التعليل على الثاني خاصّة.

و الثاني:بمنع المنع عن بيع الصوف على الظهر،بل هو جائز.

و في المهذب:أنّ موضوع المسألة أن يكون شرط الأصواف أن يجزّ حالّا،فلو عيّنها و شرط تأجيل الجزّ إلى أمد السلف أو شرط أصواف نعجات في الذمة غير مشاهدة لم يصحّ قولاً واحداً (1).

و الثانية:لا يجوز استناد السلف إلى معيّن؛ لأنّه ابتياع مضمون كلّي في الذمة غير مشخص إلّا بقبض المشتري.

و يتفرّع عليه أنّه لو شرط ثوباً من غزل امرأة معيّنة أو غلّة من قراح أي مزرعة بعينه لم يضمن و لا يصحّ؛ لأنّ تشخيص المسلم فيه بأحد الأُمور المزبورة خروج عن حقيقة السلف،كما مرّت إليه الإشارة.

نعم،لو استند إلى معيّن قابل للإشاعة و لا يفضي التعسّر فيه إلى عسر التسليم عادةً جاز،كما لو أسلف على مائة رطل من تمر البصرة،فإن ذلك يجري مجرى الصفات المشترطة في السلف في الحدارة و الصراية،و عليه يحمل الخبران،أحدهما الصحيح:عن رجل اشترى طعام قرية بعينها، فقال:« لا بأس،إن خرج فهو له،و إن لم يخرج كان ديناً عليه» (2).

و ثانيهما:في الرجل يشترى طعام قرية بعينها:« و إن لم يسمّ له قرية بعينها أعطاه من حيث شاء» (3).

ص:145


1- المهذب البارع 2:478.
2- الفقيه 3:574/132،التهذيب 7:162/39،الوسائل 18:313 أبواب السلف ب 13 ح 1.
3- الكافي 5:11/186،التهذيب 7:163/39،الوسائل 18:314 أبواب السلف ب 13 ح 3.
النظر الثالث في لواحقه
اشارة

النظر الثالث:في لواحقه،و هي قسمان:

الأوّل في دين المملوك

الأوّل:في دين المملوك،و اعلم أنّه لا خلاف حتى ممن قال بمالكيّته أنّه ليس له ذلك أي أخذ الدين مطلقاً،و لو لمولاه؛ لمحجوريّته بالنصّ و الإجماع المانعين عن مطلق تصرّفاته.

إلّا مع الإذن،فلو بادر إلى الاستدانة من دون إذن من المولى بالمرّة لزم في ذمّته،و يتبع به إذا أُعتق،و لا يلزم المولى شيء، بلا خلاف فيه؛ للأصل،و الصحيح:« إن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شيء على المولى،و يستسعي العبد في الدين» (1).

و قريب منه ظاهر الموثق:عن مملوك يشتري و يبيع قد علم بذلك مولاه حتى صار عليه مثل ثمنه،قال:« يستسعى فيما عليه» (2).

و ظاهرهما أنّه يتبع به في حال الرقّ بالاستسعاء،و به أفتى ظاهراً بعض الأصحاب (3)تبعاً للفاضل في المختلف (4).

و يشكل برجوعه إلى ضمان المولى في الجملة،فإنّ كسبه له بالضرورة.

و يمكن دفعه بجواز التزامه في صورة علم المولى باستدانته مع عدم منعه عنها الراجع إلى الإذن بالفحوى،كما هو ظاهر الموثّقة و الصحيحة،

ص:146


1- الكافي 5:3/303،التهذيب 6:445/200،الإستبصار 3:31/11،الوسائل 18:373 أبواب الدين و القرض ب 31 ح 1.
2- التهذيب 6:446/200،الإستبصار 3:32/12،الوسائل 18:376 أبواب الدين و القرض ب 31 ح 6.
3- كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3:135.
4- المختلف:414.

و إن كانت بالإضافة إلى إذن الفحوى مطلقة أو عامّة،إلّا أنّها محتملة للتقييد بالصورة المزبورة،جمعاً بين الأدلّة.

و يفرق حينئذٍ بين الإذن الصريح و الفحوى،باستلزام الأوّل الضمان على السيد مطلقاً،حتى مع عجز المملوك عن السعي أصلاً،و اختصاص الضمان عليه بصورة قدرة العبد على السعي،و عدمه مطلقاً مع العجز على الثاني.

و في الصحيح:في الرجل يستأجر مملوكاً فيستهلك مالاً كثيراً،فقال:

« ليس على مولاه شيء و ليس لهم ان يبيعوه،و لكن يستسعي،و إن عجز عنه فليس على مولاه شيء و لا على العبد شيء» (1).

و نحوه الخبر (2)،لكن بتبديل« عجز عنه» ب« حجر عليه مولاه» .و عليه يمكن حمل الخبرين الآمرين بالسعي على صورة رضاء السيد و إلّا فيتبع به بعد العتق.و هو غير بعيد لو لم يكن في السند قصور و في المتن تصحيف،هذا.

و ربما يحمل الاستسعاء على ما بعد العتق،فيندفع الإشكال،و لكن يلزم آخر و هو عدم استسعاء الحرّ فيما عليه،إلّا أن يكون هذا مستثنى، لكنّه فرع ظهور الخبرين في الحمل،و هو محلّ نظر،بل لعلّهما في الاحتمال الأوّل ظاهران،كما لا يخفى.

و لو أذن له المولى في الاستدانة لزمه الدين دون المملوك بلا خلاف فيما لو كانت للمولى مطلقاً،أو للعبد و كانت لما يتعلّق بنفقته اللازمة على مولاه،و قد حكي في المختلف و المهذب و الروضة و غيرها (3).

ص:147


1- التهذيب 6:1144/385،الوسائل 19:114 أبواب أحكام الإجارة ب 11 ح 3.
2- التهذيب 7:1000/229،الوسائل 18:374 أبواب الدين و القرض ب 31 ح 4.
3- المختلف:414،المهذب البارع 2:479،الروضة 4:45؛ و انظر الحدائق 20:217.

و كذا إن استبقاه أو باعه يلزم المولى مطلقاً،و لو كانت للعبد في غير ما يتعلق بنفقته،بلا خلاف،كما قيل (1)،بل عليه الإجماع في المهذب (2)؛ للخبرين،في أحدهما:عن غلام كنت أذنت له في الشراء و البيع،فوقع عليه مال للناس و قد أعطيت به مالاً كثيراً،فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:« إن بعته لزمك ما عليه،و إن أعتقته فالمال على الغلام و هو مولاك» (3)و نحوه الثاني (4).

و قصور السند فيهما بالجهالة منجبر في المسألة بعدم الخلاف فيها بين الطائفة،و وجود عثمان بن عيسى الذي أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

و هما و إن اختصّا بصورة البيع خاصّة إلّا أن ثبوت الحكم فيها يستلزم الثبوت في الأُولى بطريق أولى،لكن يرد عليهما ما سيأتي الإشارة إليه قريباً إن شاء اللّه تعالى.

فإذاً العمدة في الحجّة هو عدم الخلاف و الإجماع المدّعى.

و أمّا لو أعتقه و كانت الاستدانة للعبد فيما لا يتعلّق بنفقته، بل كانت لغيرها من مصالحة فروايتان إحداهما أنه يسعى في الدين و يؤخذ به،رواها عجلان عن مولانا الصادق عليه السلام:في رجل أعتق عبداً له و عليه دين،قال:« دينه عليه

ص:148


1- قال به البحراني في الحدائق 20:217.
2- المهذب البارع 2:479.
3- التهذيب 6:431/196،الوسائل 18:373 أبواب الدين و القرض ب 31 ح 2.
4- الكافي 5:1/303،التهذيب 6:443/199،الإستبصار 3:29/11،الوسائل 18:374 أبواب الدين و القرض ب 31 ح 3.

لم يزده العتق إلّا خيراً» (1)و قد عمل بها النهاية و تبعه القاضي و جماعة (2).

و فيها قصور سنداً بالضعف و الجهالة.

مضافاً إلى القصور في الدلالة،لاحتمالها أوّلاً:الحمل على إرادة المولى من الضمير المجرور بعلى الثانية،و ليست نصّاً في دفعه الذيل و التتمّة.

و ثانياً:الحمل على ما إذا لم يقع بإذن المولى الاستدانة.

و به يجاب عن المعتبرين السابقين لو تمسّك بهما في البين،فإنّ الإذن في التجارة فيهما غير ملازم للإذن في الاستدانة جدّاً.

و لعلّ الوجه في تضمين المولى للدين في صورة البيع فيهما هو حيلولته بين أصحاب الدين و بين العبد بالبيع،لا من حيث إنّ المال لازم بأصل الإذن في التجارة و الحال أنّ الإذن لم يحصل في الاستدانة.

و على الوجه يحمل إطلاق النص:في عبدٍ بيع و عليه دين،قال:

« دينه على من أذن له في التجارة و أكل ثمنه» (3)مع احتماله الحمل على صورة الإذن في الاستدانة،و ليس فيه ما ينافيه بالمرّة.

و في الأُخرى: أنّه لا يسقط عن ذمّة المولى،و هي مع كونها أشهر كما هنا و في الشرائع و غيرهما (4)،أصحّ سنداً ظاهراً و فيها:

قلت له:رجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دين،قال:« إن كان أذن

ص:149


1- التهذيب 8:895/248،الإستبصار 4:64/20،الوسائل 23:90 أبواب العتق ب 54 ح 1.
2- النهاية:311،نقله عن القاضي في المختلف:414؛ و انظر الكافي في الفقه:331،و المختلف:414.
3- التهذيب 8:897/248،الإستبصار 4:63/20،الوسائل 23:90 أبواب العتق ب 55 ح 2.
4- الشرائع 2:70؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:135.

له أن يستدين فالدين على مولاه،و إن لم يكن أذن له» إلى آخره،و قد مضى (1).

و عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال يشمل صور العتق و البيع و الاستبقاء.

و هو و إن احتمل التخصيص بالأخيرتين جمعاً بينه و بين المعتبرين المتقدمين و غيرهما بحمله عليهما،لوقوع تقييد الحكم بهما بالبيع فيهما مع التصريح فيهما بلزوم الدين على العبد في صورة العتق دون المولى.إلّا أنّه ليس بأولى من الجمع بينهما بحمل الخبرين على صورة عدم الإذن في الاستدانة جدّاً.بل هذا من حيث الاعتضاد بالشهرة المحكية في كلام جماعة،بل ربما كانت متحقّقة،مضافاً إلى مخالفة الأوّل للقاعدة الشرعية، فإنّ العبد بمنزلة الوكيل و إنفاقه على نفسه و تجارته بإذن المولى إنفاق لمال المولى كما لو لم يعتق أولى ثم أولى.

فالعمل بهذه الرواية أقوى،وفاقاً للإستبصار و الحلّي و جماعة من المتأخّرين (2)،سيما مع اعتضاده باستصحاب الحكم بالضمان على المولى الثابت في حال عدم العتق للاستبقاء و جريانه إلى صورته جدّاً.

و لو مات المولى كان الدين أي دين العبد الذي لزم ذمّته في تركته،و لو كان له غرماء كان غريم المملوك كأحدهم لا يقدّم أحدهم على الآخر،بلا خلاف يظهر.

للموثق:عن رجل مات و ترك عليه ديناً و ترك عبداً له مال في التجارة و ولداً،و في يد العبد مال و متاع و عليه دين استدانه العبد في حياة سيّده في

ص:150


1- في ص 146 الرقم(1).
2- الاستبصار 3:11،الحلّي في السرائر 2:58؛ و انظر جامع المقاصد 5:204،و الروضة 4:45،و الكفاية:104.

تجارة،و إنّ الورثة و غرماء الميت اختصموا فيما في يد العبد من المال و المتاع و في رقبة العبد،فقال:« أرى أن ليس للورثة سبيل على رقبة العبد، و لا على ما في يده من المتاع و المال إلّا أن يضمنوا دين الغرماء جميعاً فيكون العبد و ما في يده للورثة،فإن أبوا كان العبد و ما في يده للغرماء، يقوّم العبد و ما في يده من المال،ثم يقسّم ذلك بينهم بالحصص،فإن عجز قيمة العبد و ما في يده عن أموال الغرماء رجعوا على الورثة فيما بقي لهم إن كان الميت ترك شيئاً» (1)الحديث.

و في القاصر سنداً بالضعيف و عدّة من المجاهيل جدّاً:الرجل يموت و عليه دين،و قد أذن لعبده في التجارة،و على العبد دين،فقال:« يبدأ بدين السيد» (2).

و هو كما ترى منافٍ لما مضى،فليطرح أو يؤوّل بما يؤول إلى الأوّل بتعميم دين السيّد لدين عبده،و يجعل صدق الابتداء بالإضافة إلى الإرث و الوصايا.

و يحتمل الحمل على صورة الإذن في التجارة دون الاستدانة، و يخصّ حينئذٍ دين السيد بدين نفسه دون عبده،و يجعل الأمر بأداء دين العبد المفهوم من الأمر بالابتداء بدين السيّد للاستحباب،فلا منافاة.

و لو كان مأذوناً في التجارة خاصّة دون الاستدانة فاستدان لم يلزم المولى دينه مطلقاً،إجماعاً في الظاهر؛ للأصل.

ص:151


1- الكافي 5:2/303،التهذيب 6:444/199،الإستبصار 3:30/11،الوسائل 18:375 أبواب الدين و القرض ب 31 ح 5.
2- التهذيب 8:896/248،الإستبصار 4:65/20،الوسائل 23:90 أبواب العتق ب 55 ح 1.

و هل يسعى العبد فيه؟ أي في الدين قيل:نعم مطلقاً،كما عن النهاية (1)؛ للصحيحة المتقدّمة (2).

و قيل: كما عن الحلّي و جماعة (3) يتبع به إذا أُعتق كذلك و هو أشبه و أشهر،و في الخلاف الإجماع (4)،و هو مع ذلك أوفق بالأصل.

و يجاب عن الصحيحة بما مرّ من الحمل على علم المولى باستدانته مع عدم منعه عنها،الظاهر في حصول الإذن منه له بالفحوى،و لا كلام فيه جدّاً؛ أو على الاستسعاء برضاء المولى،كما أفصح عنه الخبر الذي مضى؛ أو على تقييد الاستسعاء بما بعد العتق.

و اختار جماعة التفصيل و إن اختلفوا فيه،فبين من أورده على صورتي علم المدين بعدم الإذن في الاستدانة فالثاني،و إلّا فالأوّل،كما عن ابن حمزة (5).

و بين من أورده على صورتي الدين لمتعلّق التجارة فالأول،و لغيره فالثاني،كما عليه الفاضل و المحقق الثاني و جماعة (6).

و لا يخلو عن قوّة إن حصل الإذن بالفحوى في الاستدانة في الصورة الأُولى بمجرّد التعلّق بالتجارة،و إلّا فما في المتن أقوى.

ص:152


1- النهاية:311.
2- في ص:146.
3- الحلي في السرائر 2:58؛ و انظر الشرائع 2:70،و الكفاية:104.
4- الخلاف 3:179.
5- الوسيلة:274.
6- العلّامة في المختلف:414،المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:205؛ و انظر الروضة 4:47،و المسالك 1:224.
القسم الثاني في القرض

القسم الثاني:في القرض.

و فيه أجر عظيم و ثواب جسيم ينشأ من معونة المحتاج تطوّعاً و تقرّباً إليه سبحانه.

ففي النبوي:« من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف اللّه تعالى عنه كربة من كرب يوم القيامة» (1).

و النصوص بفضله و ذمّ منعه من المحتاج إليه مستفيضة (2).

و هو أفضل من الصدقة،كما رواه الشيخ و جملة ممن تأخّر عنه في الكتب الفقهية من أن القرض أفضل من الصدقة بمثله من الثواب (3)،و معناه كما فهمه جماعة (4)أنّ ثواب القرض ضعف ثواب الصدقة.

و ربما أشكل الجمع بينه و بين غيره من المعتبرة المروية في الكافي و عن هداية الصدوق و نوادر الراوندي (5):من أنّ الصدقة الواحدة بعشرة و القرض بثمانية عشر،حيث إنّ ظاهر الخبر أنّ درهم الصدقة بعشرة، و درهم القرض بعشرين.

و ربما يدفع بأنّ المفاضلة و المضاعفة إنما هي في الثواب،و لا ريب أنّه إذا تصدّق بدرهم فإنّه إنما يصير عشرة باعتبار ضمّ الدرهم المتصدّق به

ص:153


1- مسند أحمد 2:252،صحيح مسلم 4:38/2074،سنن ابن ماجة 1:225/82؛ بتفاوت يسير.
2- انظر الوسائل 18:329 أبواب الدين و القرض ب 6.
3- النهاية:311،السرائر 2:59،التحرير 1:199،التذكرة 2:4.
4- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:20،و الشهيد الثاني في المسالك 1:219،و صاحب الحدائق 20:107.
5- الكافي 4:1/33،الهداية:44،نوادر الراوندي:6.

حيث إنه لا يرجع،و الحاصل من الثواب الذي اكتسبه بالصدقة في الحقيقة مع قطع النظر عن ذلك الدرهم إنما هو تسعة،و على هذا فثواب القرض و هو ثمانية عشر ضعف التسعة،لأن المفاضلة إنما هي في الثواب المكتسب خاصّة.

قيل:و السرّ في المضاعفة أنّ الصدقة تقع في يد المحتاج و غيره و القرض لا يقع إلّا في يد المحتاج غالباً،و أنّ درهم القرض يعود فيقرض و درهم الصدقة لا يعود (1).و إلى الأوّل أُشير في الخبر المروي عن الهداية:

« و إنّما صار القرض أفضل من الصدقة لأنّ المستقرض لا يستقرض إلّا من حاجة» (2).

ثم إنّ ترتّب الثواب عليه فضلاً عن زيادته على ثواب الصدقة فرع التقرّب به إلى اللّه تعالى،فلو خلا عنه لم يترتّب عليه الثواب فضلاً عن فرعه و هو الزيادة و وجهه واضح.

مضافاً إلى الخبرين المروي أحدهما في الكافي و الثاني عن تفسير علي بن إبراهيم،ففيهما:« الرباء رباءان،أحدهما حلال و الآخر حرام،فأمّا الحلال فهو أن يقرض الرجل أخاه قرضاً طمعاً أن يزيده و يعوّضه أكثر مما يأخذه من غير شرط بينهما..فهو مباح له،و ليس له عند اللّه تعالى ثواب فيما أقرضه،و هو قوله تعالى فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللّهِ [1] (3)و أمّا الحرام فالرجل يقرض قرضاً بشرط أن يردّ أكثر ممّا أخذه،فهذا هو الحرام» (4).

ص:154


1- كما قال به الشهيد الثاني في الروضة 4:11.
2- الهداية:44.
3- الروم:39.
4- الكافي 5:6/145،تفسير القمي 2:159،الوسائل 18:160 أبواب الربا ب 18 ح 1.

و حيث إنّه لا خلاف نصّاً و فتوى في إفادته انتقال الملك بمجرّد الدالّ عليه أو مع ضميمة التصرّف،على الخلاف الآتي،لا جرم وجب الاقتصار فيه لمخالفته الأصل على ما يتحقّق به الانتقال بالإجماع و الضرورة،و هو ما إذا كان بعقد يتضمّن الإيجاب و القبول،فلا يكفي المعاطاة فيه و إن اكتفى بها في حصول إباحة التصرّف،مع أنّه لا خلاف في الأمرين،بل ظاهرهم الإجماع عليه و على كونه من العقود الجائزة.

و الصيغة:أقرضتك،أو انتفع به،أو تصرف فيه،أو ملّكتك،أو خذ هذا،أو اصرفه و عليك عوضه،و ما أدّى هذا المعنى؛ لأنّه كما عرفت من العقود الجائزة،و هي لا تنحصر في لفظ بل تتأدّى بما أفاد معناها.

و إنّما يحتاج إلى ضميمة« و عليك عوضه» ما عدا الصيغة الأُولى، فإنّها صريحة في معناه لا يفتقر إلى ضميمة،فيقول المقترض:قبلت، و شبهه ممّا دلّ على الرضا بالإيجاب.

و استقرب في الدروس الاكتفاء بالقبض؛ لأنّ مرجعه إلى الإذن في التصرّف (1).

و هو حسن إن أُريد إفادته إباحة التصرّف،و فيه نظر إن أُريد إفادته الملك المترتّب على صحة القرض،إذ لا دليل عليه،و ما استدلّ به لا يؤدّي إليه؛ فإن الإذن في التصرّف لا يؤدّي إلّا إباحته.

و يجب الاقتصار على أخذ العوض مثلاً أو قيمة،من دون زيادة،عيناً كانت أو صفة،ربوية كانت العين المستقرضة أم غيرها، إجماعاً،كما في المختلف و المسالك و غيرهما (2)،بل حكى في العينيّة

ص:155


1- الدروس 3:318.
2- المختلف:415،المسالك 1:219،مجمع الفائدة 9:61.

بعض الأجلّة إجماع المسلمين كافّة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أدلّة عموم تحريم الربا و الزيادة من الكتاب (2)و السنّة (3)، و هي كإطلاق العبارة و إن عمّت صورتي اشتراطها و عدمها إلّا أنّها مخصّصة بالصورة الأُولى خاصّة،بلا خلاف،كما في المسالك و غيره (4)؛ و هو الحجة المخصّصة؛ مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الآتية.

و حينئذٍ لو شرط النفع و لو بزيادة الوصف كالصحاح عوض المكسّرة حرم بلا خلاف فيما عدا المثال إلّا نادراً؛ لعموم ما مرّ،مضافاً إلى عموم النهي عن قرض يجرّ نفعاً في النبوي العامي (5)،و خصوص المعتبرة،منها الصحيح:« من أقرض رجلاً ورقاً فلا يشترط إلّا مثلها،فإن جوزي بأفضل منها فليقبل،و لا يأخذ أحد منكم ركوب دابة أو عارية متاع يشترط من أجل قرض ورقة» (6).

و الصحيح:عن رجل كانت لي عليه مائة درهم عدداً فقضاها مائة وزناً،قال:« لا بأس ما لم يشترط» قال:و قال:« جاء الربا من قبل الشروط، إنّما تفسده الشروط» (7).

و أصرح منهما الخبر المروي عن قرب الإسناد:عن رجل أعطى

ص:156


1- مجمع الفائدة 9:60.
2- البقرة:275،276،278،آل عمران:130.
3- انظر الوسائل 18:117 أبواب الربا ب 1.
4- المسالك 1:219؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:125،و الحدائق 20:116.
5- الجامع الصغير 2:6336/284،سنن البيهقي 5:349،دعائم الإسلام 2:167/61،المستدرك 13:409 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 2.
6- التهذيب 6:457/203،الوسائل 18:357 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 11.
7- الكافي 5:1/244،التهذيب 7:483/112،الوسائل 18:190 أبواب الصرف ب 12 ح 1.

رجلاً مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقلّ أو أكثر،قال:« هذا الربا المحض» (1).

و على التحريم المستفاد من هذه الأدلّة يحمل عموم البأس في الزيادة مطلقاً،أو مع الشرط خاصّة،المستفاد من مفاهيم الأخبار الآتية،فإنّ أخبارهم عليهم السلام بعضها يكشف عن بعض.

و كذا في المثال،على الأظهر الأشهر،سيّما بين من تأخّر؛ لعموم النبوي المتقدّم،المنجبر بفتاويهم.و لا ينافيه التخصيص بصورة الاشتراط؛ فإنّ العام المخصّص حجة في الباقي؛ مضافاً إلى إطلاق المعتبرة المتقدّمة، بل عمومها الشامل لمفروض المسألة.

مضافاً إلى خصوص الصحيح:« إذا أقرضت الدراهم ثم جاءك بخير منها فلا بأس إن لم يكن بينكما شرط» (2).

و البأس و إن كان أعمّ من الحرمة إلّا أنه محمول عليها بما تقدّم إليه الإشارة من الضميمة.

خلافاً للحلبي و النهاية و جماعة (3)،فجوّزوا الزيادة فيه مطلقاً و لو مع الشرط،و زاد الأوّل ما شابه المثال،فجوّز زيادة مطلق الأوصاف مطلقاً؛ استناداً إلى الصحيح:عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلّة و يأخذ منه الدراهم الطازجية طيبة بها نفسه،قال:« لا بأس» (4).

ص:157


1- قرب الإسناد:1055/265،الوسائل 18:359 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 18.
2- الكافي 5:3/254،التهذيب 6:449/201،الوسائل 18:360 أبواب الدين و القرض ب 20 ح 1.
3- الحلبي في الكافي:331؛ النهاية:312؛ و انظر الوسيلة:272،و مجمع الفائدة 9:62،و حكاه في المختلف عن ابن البراج:415.
4- الكافي 5:4/254،الفقيه 3:821/181،التهذيب 7:499/115،الوسائل 18:192 أبواب الصرف ب 12 ح 5،الدرهم الغلّة:المغشوش.(مجمع البحرين 5:436).الطازجية:البيض الجيّدة.مجمع البحرين 2:315.

و ليس فيه دلالة؛ فإنّ ظاهره إعطاء الزائد الصحيح بدون الشرط، و لا خلاف فيه،كما في الروضة (1)،بل عليه الإجماع في المختلف و الغنية (2)،و به أفتى الأصحاب كافّة،و تبعهم الماتن فقال: نعم لو تبرّع المقترض بزيادة في العين أو الصفة لم يحرم إجماعاً،كما في الكتب الثلاثة،و الصحاح و غيرها بذلك مستفيضة،منها زيادة على الصحيحين المتقدّم إلى ذكرهما الإشارة الصحيح:عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عدداً ثم يعطي سوداً وزناً و قد عرف أنها أثقل مما أخذ،و تطيب نفسه أن يجعل له فضلها،فقال:« لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط،و لو وهبها له كلّاً كان أصلح» (3).

و الصحيح:عن الرجل يستقرض من الرجل قرضاً و يعطيه الرهن إمّا خادماً و إمّا آنية و إمّا ثياباً،فيحتاج إلى شيء من منفعته،فيستأذنه فيه فيأذن له،قال:« إذا طابت نفسه فلا بأس» فقلت:إنّ مَن عندنا يرون (4)أنّ كل قرض يجرّ منفعة فهو فاسد،قال:« أو ليس خير القرض ما جرّ منفعة» (5).

و نحوه في الحكم بأنّ خير القرض ما جرّ منفعة خبران (6)معتبرا

ص:158


1- الروضة 4:14.
2- المختلف:415،الغنية(الجوامع الفقهية):591.
3- الكافي 5:1/253،الفقيه 3:815/180،التهذيب 7:470/109،الوسائل 18:191 أبواب الصرف ب 12 ح 2.
4- في المصادر:يروون.
5- الكافي 5:1/255،الفقيه 3:819/181،التهذيب 6:452/201،الوسائل 18:354 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 4.
6- الأول:الكافي 5:2/255،التهذيب 6:453/202،الإستبصار 3:22/9،الوسائل 18:355 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 5.الثاني:الكافي 5:3/255،الوسائل 18:355 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 6.

السند،في أحدهما صفوان و ابن بكير،و في الثاني ابن أبي عمير،و هؤلاء حكي على تصحيح ما يصحّ عنهم إجماع العصابة (1).

و يستفاد منها كنفي البأس فيها و في غيرها ممّا مضى و غيره أنّه لا يكره أيضاً.

مضافاً إلى ما روي في العامي من أنّ النبي صلى الله عليه و آله اقترض بكراً فردّ بازلاً رباعيا و قال:« إنّ خير الناس أحسنهم قضاءً» (2).

و نحوه في الخاصي أيضاً،و هو الموثّق كالصحيح:« إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يكون عليه الثنيّ فيعطي الرباع» (3).

و في الصحيح:عن الرجل يستقرض من الرجل الدرهم فيرد عليه المثقال،أو يستقرض المثقال فيردّ عليه الدرهم،فقال:« إذا لم يكن شرط فلا بأس،و ذلك هو الفضل،إنّ أبي رحمه الله كان يستقرض الدراهم الفُسولة (4)فيدخل عليه الدراهم الجلال (5)فيقول:يا بنيّ،ردّها على الذي استقرضتها منه،فأقول:يا أبه،إنّ دراهمه كانت فُسولة،و هذه خير منها،فيقول:

يا بنيّ،إنّ هذا هو الفضل،فأعطه إيّاها» (6).

نعم،ربما تنافيها الأخبار المانعة عن الزيادة مطلقاً،كالصحيح:عن

ص:159


1- انظر رجال الكشي 2:673،830.
2- سنن البيهقي 5:353،صحيح مسلم 3:118/1224؛ بتفاوت.
3- الكافي 5:5/254،الوسائل 18:192 أبواب الصرف ب 12 ح 6.
4- الدراهم الفُسُولة:أي الرذلة.مجمع البحرين 5:439.
5- في التهذيب و الفقيه:الجياد.
6- الكافي 5:6/254،الفقيه 3:816/180،التهذيب 7:500/115،الوسائل 18:193 أبواب الصرف ب 12 ح 7.

الرجل يسلم في بيع أو تمر عشرين ديناراً و يقرض صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين ديناراً،قال:« لا يصلح إذا كان قرضاً يجرّ شيئاً» (1)الخبر.

و طريق الجمع بينه و بين ما مرّ حمل هذا و ما ضاهاه على صورة الشرط أو التقيّة،كما يستفاد من بعض ما مرّ،أو كراهة الأخذ خاصّة،و هذا أجود،و ليس عليه منافاة،فإنّ موارد ما دلّ على الفضل في الزيادة هو صورة الإعطاء خاصّة،و لا كذلك ما دلّ على المنع؛ فإنّ مواردها صورة الأخذ خاصّة.

و لا فرق في الجواز مع عدم الشرط بين أن يكون من نيّتهما ذلك أم لا؛ لإطلاق النصوص الماضية.

مضافاً إلى خصوص بعض المعتبرة:عن رجل أقرض رجلاً دراهم فردّ عليه أجود منها بطيبة نفسه،و قد علم المستقرض و القارض أنّه إنّما أقرضه ليعطيه أجود منها،قال:« لا بأس إذا طابت نفس المستقرض» (2).

و قصور السند بالجهالة منجبر بوجود الحسن بن محبوب فيه،و قد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

نعم يكره،وفاقاً للدروس (3)؛ مسامحةً في أدلّتها،كما مرّ غير مرّة.

ثم إنّ ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف،بل في المسالك و عن السرائر (4)الإجماع عليه:فساد القرض مع شرط النفع،فلا يجوز التصرف

ص:160


1- التهذيب 6:462/204،الإستبصار 3:27/10،الوسائل 18:356 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 9.
2- الكافي 5:2/253،التهذيب 6:447/200،الوسائل 18:192 أبواب الصرف ب 12 ح 4.
3- الدروس 3:319.
4- المسالك 1:219،السرائر 2:60.

فيه و لو بالقبض،و معه و مع العلم يكون مضموناً عليه كالبيع الفاسد، للقاعدة المشهورة:كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده خلافاً لابن حمزة فجعله أمانة (1).

و الأصل في حرمة التصرّف بعد الإجماع ظواهر النصوص المتقدّمة المصرّحة بفساد الزيادة مع اشتراطها،المستلزم لفساد المشروط بها؛ لابتناء العقد و المراضاة فيه عليها،و انتفاؤها يستلزم انتفاء المشروط بها المتوقّف عليها قطعاً.

فمناقشة بعض الأصحاب في ذلك بعد تسليمه دلالة النصوص على فساد الشرط و حرمة الزيادة غفلة واضحة (2).

و حيث حلّت الزيادة بالتبرّع بها فلا يخلو إمّا أن تكون حكميّة،كما لو دفع الجيّد بدل الردي أو الكبير بدل الصغير،فالظاهر أنّه يملكه المقرض ملكاً مستقرّاً بقبضه،كما قيل (3).

و إن كانت عينيّة ففي كون المجموع وفاءً أو يكون الزائد بمنزلة الهبة فيلزمه أحكامها نظر.و لعلّ الثاني أظهر؛ لأصالة بقاء الملك على أصله، مضافاً إلى إطلاق الهبة عليه في بعض الصحاح المتقدّمة،لكنه في الزيادة الحكميّة.

و اعلم أنّ ما يصحّ إقراضه هو كلّ ما صحّ إحصاء قدره و وصفه، فيجوز أن يقترض الذهب و الفضّة وزناً،و الحبوب كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب كيلاً و وزناً،و الخبز وزناً بلا خلاف،كما في المسالك

ص:161


1- الوسيلة:273.
2- الحدائق 20:117.
3- الحدائق 20:118.

و غيره (1) و عدداً على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع في المختلف و التذكرة و المسالك و عن السرائر و المبسوط (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات،و النصوص المنجبر قصور أسانيدها بالشهرة العظيمة،منها:« لا بأس باستقراض الخبز» (3).

و منها:إنّا نستقرض الخبز من الجيران،فنردّ أصغر منه أو أكبر؟ فقال عليه السلام:« إنّا نستقرض الجوز الستّين و السبعين عدداً فيه الصغير و الكبير،فلا بأس» (4)و نحوه غيره (5).

و هما صريحان في جواز الاقتراض و الردّ مع التفاوت.خلافاً للدروس،فاشترط فيه عدم العلم به (6)،و لعلّ المراد التفاوت الذي لا يتسامح به عادةً.

و كلّ ما يتساوى أجزاؤه قيمة و منفعة و يتقارب صفاته و يعبّر عنه بالمثلي يثبت في الذمّة مثله كالحبوب،بلا خلاف،كما في المسالك و غيره (7)،بل عليه الإجماع في الغنية (8)،و شرح الشرائع للمفلح الصيمري.

و ربما ألحق به العين المستقرضة جماعة (9)،فيجب قبولها؛ للأولويّة.

ص:162


1- المسالك 1:219؛ و انظر الدروس 3:321.
2- المختلف:415،التذكرة 2:5،المسالك 1:219،السرائر 2:60،المبسوط 2:161.
3- التهذيب 7:1041/238،الوسائل 18:361 أبواب الدين و القرض ب 21 ح 3.
4- الفقيه 3:493/116،الوسائل 18:361 أبواب الدين و القرض ب 21 ح 1.
5- التهذيب 7:719/162،الوسائل 18:361 أبواب الدين و القرض ب 21 ح 2.
6- الدروس 3:321.
7- المسالك 1:220؛ و انظر التذكرة 2:5.
8- الغنية(الجوامع الفقهية):591.
9- منهم:الشهيد الأول في الدروس 3:320،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:156،و البحراني في الحدائق 20:137.

و إذا تعذّر ينتقل إلى قيمته وقت المطالبة و التسليم؛ لأنّ الثابت في الذمّة إنما هو المثل إلى أن يطالب به،و به أفتى شيخنا في المسالك و تبعه جماعة (1).

و قيل:وقت القرض؛ لسبق علم اللّه تعالى بتعذّر المثل وقت الأداء (2).

و يضعّف بأنّه لا منافاة بين وجوب المثل وقت القرض طرداً للقاعدة الإجماعية و الانتقال إلى القيمة عند المطالبة لتعذّره.

و قيل:وقت التعذّر؛ لأنّ وقت الانتقال إلى البدل الذي هو القيمة (3).

و يضعّف بأن تعذّره بمجرّده لا يوجب الانتقال إلى القيمة؛ لعدم وجوب الدفع حينئذٍ،فيستصحب الواجب إلى أن يجب دفعه بالمطالبة، فحيث لم يوجد الآن ينتقل إلى القيمة.

و لا ريب أنّ العمل بأعلى القيم أحوط.

و ما ليس كذلك و يعبّر عنه بالقيمي يثبت في الذمّة قيمته،وفاقاً للمشهور،كما في المسالك و غيره (4)؛ لاختلاف الصفات،فالقيمة أعدل.

و قيل:بل يثبت مثله أيضاً (5)؛ لأنّه أقرب إلى الحقيقة،و لخبرين عاميين (6)واردين في مطلق الضمان.

و عورضا بآخر (7)،مع أنّه لا قائل به عدا الماتن في الشرائع،و نسب إلى ظاهر الاخلاف (8).

ص:163


1- المسالك 1:220؛ و تبعه الشهيد في الدروس 3:321،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 9:69،و السبزواري في الكفاية:103.
2- قال به العلّامة في القواعد 1:157.
3- كما قال به في السرائر 2:60،راجع الحدائق 20:136.
4- المسالك 1:220؛ و انظر التنقيح الرائع 2:156،الكفاية:103.
5- كما قال به المحقق في الشرائع 2:68.
6- سنن البيهقي 6:96.
7- سنن البيهقي 6:96.
8- الخلاف 3:175.

و قيل بضمان المثل الصوري فيما يضبطه الوصف و هو ما يصحّ السلم فيه،و ضمان ما ليس كذلك بالقيمة كالجوهر،و هو مختار التذكرة (1)؛ لخبرين عاميين (2)في الأوّل،ظاهرهما الوقوع مع التراضي،و لا شبهة في جواز دفع المثل معه مطلقا.

و على اعتبار القيمة مطلقاً أو على بعض الوجوه،فهل المعتبر قيمة وقت التسليم،أو وقت القرض،أو وقت التصرف؟فيه أقوال (3).

قيل:و لا اعتبار لقيمة يوم المطالبة هنا قولاً واحداً،إلّا على القول بضمانه بالمثل،فيتعذّر،فيعتبر يوم المطالبة كالمثل،على أصحّ الأقوال (4).

و يملك الشيء المستقرض المقترض أي يملكه المقترض بالقبض لا بالتصرّف،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر، و في ظاهر السرائر و التذكرة دعوى إجماعنا عليه (5)؛ لأنّ التصرّف فرع الملك فيمتنع كونه شرطاً فيه،و إلّا دار.

قيل:و فيه نظر؛ لمنع تبعيّته للملك مطلقاً،إذ يكفي فيه إذن المالك، و هو هنا حاصل بالعقد،بل بالإيجاب (6).

و يضعّف أوّلاً:بأنّ الإذن إنّما حصل من المالك بأن يكون المقترض مالكاً و يكون عليه العوض،لا مطلقاً،كما في سائر المعاوضات،فإنّها على

ص:164


1- التذكرة 2:5.
2- سنن البيهقي 6:21.
3- قال بالأول المحقق في الشرائع 2:18،و بالثاني المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:24،و بالثالث الشهيد الثاني في المسالك 1:220.
4- المسالك 1:220.
5- السرائر 2:60،التذكرة 2:6.
6- المسالك 1:220.

تقدير بطلانها لا يجوز التصرف بالإذن الحاصل بتوهّم الصحة.

و ثانياً:بعدم كفاية الإذن في كثير من التصرّفات المجمع عليها هنا المتوقّفة على الملك،كالوطء المتوقف عليه،أو على التحليل المتيقّن فقده في المقام،فانحصر الوجه في إباحته في الأوّل،و كالبيع و نحوه،فإنّه لا يجوز لغير مالكه إلّا بالوكالة أو فضولاً،و معلوم انتفاؤهما.

و من هنا ظهر ضعف القول بعدم حصول الملك إلّا بالتصرف،كما عن ظاهر الخلاف (1)،مع احتمال مخالفته الآن للإجماع،كما يستفاد من بعض الأصحاب (2)،و مع ذلك المعتبرة بردّه صريحة،منها الصحيح:رجل دفع إلى رجل مالاً قرضاً،على من زكاته،على المقرض أو المقترض؟ قال:«لا،بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولاً على المقترض» قال:

قلت:فليس على المقرض زكاتها؟قال:« لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد،و ليس على الدافع شيء،لأنّه ليس في يده شيء إنّما المال في يد الآخذ،فمن كان المال في يده زكّاه» قال:قلت:أ فيزكّي مال غيره من ماله؟قال:« إنّه ماله ما دام في يده،و ليس ذلك المال لأحدٍ غيره» ثم قال:

« يا زرارة،أ رأيت و ضيعة ذلك المال و ربحه لمن هو؟و على من هو؟ » قلت:للمقترض،قال:« فله الفضل و عليه النقصان،و له أن ينكح و يلبس منه و يأكل» (3)الحديث.

و قريب منه الموثق:عن رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت،

ص:165


1- الخلاف 3:177.
2- المسالك 1:221.
3- الكافي 3:6/520،التهذيب 4:85/33،الوسائل 9:100 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 7 ح 1.

فقال الرجل:كانت عندي وديعة،و قال الآخر:إنّما كانت عليك قرضاً، قال:« المال لازم له إلّا أن يقيم البينة أنّها كانت وديعة» (1)فتأمّل.

و قالوا:و تظهر ثمرة الخلاف في جواز رجوع المقرض في العين ما دامت باقية،و وجوب قبولها لو دفعها المقترض،و في النماء قبل التصرّف، إن قلنا بكون التصرّف ناقلاً للملك حقيقة أو ضمناً،يعني:قبل التصرّف بلحظة يسيرة،كما في العبد المأمور بعتقه عن الآمر غير المالك،فإنّه للمقترض على المختار،و للمقرض على القول الآخر،و لو قيل فيه بالكشف ففيه احتمالان.

ثم ليس في كلامهم تصريح ببيان المراد بالتصرّف الموجب للملك، على ما ذكر في المسالك (2)،و يشعر بعض العبارات (3)بأنّ المراد التصرّف المتلف للعين أو الناقل،و عن ظاهر الشهيد في بعض التحقيقات أنّ المراد مطلق التصرّف (4)،كما هو الظاهر،و عليه فيعود الخلاف مع المشهور لفظياً،فإنّ القبض نوع من التصرّف،فتأمّل.

و على المختار ليس للمقرض الرجوع في العين،وفاقاً للأكثر،بل عليه عامّة من تأخّر،بل و ربما يستشعر من كثير من العبارات الإجماع عليه (5)؛ لأنّ فائدة الملك أن لا يتسلّط عليه غيره إلّا برضاه،و الثابت بالعقد و القبض للمقرض إنّما هو البدل فيستصحب الحكم إلى أن يثبت المزيل،

ص:166


1- الكافي 5:8/239،الفقيه 3:883/194،التهذيب 7:788/179،الوسائل 19:85 أبواب أحكام الوديعة ب 7 ح 1.
2- المسالك 1:221.
3- المسالك 1:221.
4- حكاه عنه في المسالك 1:221.
5- كالسرائر 2:60،و التذكرة 2:6.

و ليس بثابت سوى دعوى الإجماع على جواز العقد،و هي مع فتوى الأكثر بما ينافيه من عدم جواز الرجوع في العين يتطرّق إليها الوهن.

و على تقدير صحتها يحتمل أن يكون المراد بالجواز عدم وجوب إمهال المقترض إلى قضاء الوطر من العين،و إن كانت قضيّة العرف ذلك، كما صرّح به في الدروس (1).

و هذا الجمع أجود ممّا ذكره في المسالك:من أنّ المراد بالجواز تسلّط المقرض على أخذ البدل إذا طالب به متى شاء،و أنّه إذا أرادوا بالجواز هذا المعنى فلا مشاحّة في الاصطلاح،و إن كان مغايراً لغيره من العقود الجائزة من هذا الوجه (2).

و ذلك فإنّ مظهر الجواز و اللزوم إنّما هو بالنسبة إلى مال القرض،فإن قلنا بجواز العقد ترتّب عليه صحّة الرجوع في العين،كما هو مقتضى العقود الجائزة.و إن قلنا بلزومه فليس له إلّا العوض المستقرّ في الذمّة و إن كانت العين موجودة،كما هو مقتضى العقود اللازمة.

و مجرّد تسميته جائزاً مع ترتّب ثمرة اللزوم عليه من عدم جواز الرجوع في العين غير مجدٍ،فإنّ ثمرة الجواز بالمعنى الذي ذكره ثابت بأصل العقد،سواء سمّي جائزاً أو لازماً،و ليس كذلك لو أُريد بالجواز ما ذكرناه،فإنّه مخالف لمقتضى العقد بحسب العرف،فإنّ مقتضاه بحسبه إنّما هو الرضاء بالإمهال إلى حين قضاء الوطر من العين.

و قريب منه في الضعف الوجه الذي ذكره بعض الأفاضل:من أنّه ليس ببعيد ان يكون النزاع فيما قبل الفسخ يعني إذا تحقق العقد مع الشرط

ص:167


1- الدروس 3:324.
2- المسالك 1:221.

و حصل المملّك الناقل،فمع عدم طريان الفسخ عليه بالتقايل من الجانبين أو من جانب واحد هل يجوز الرجوع في العين مع كراهة المقترض أم لا؟ (1).و ذلك فإنّ النزاع حينئذٍ يصير قليل الفائدة؛ إذ للمقرض أن يفسخه و يأخذ ماله،و للمقترض أيضاً الفسخ و إعطاء العين،فليس للمقرض عدم القبول،هذا،مع احتمال حصول الفسخ بمجرّد مطالبة العين أو ردّها من دون احتياج إلى عبارة أُخرى.

و لا يلزم اشتراط الأجل فيه بلا خلاف يعرف إلّا ممّن ندر من بعض من تأخّر (2)،و ربما أشعر عبارة الماتن في الشرائع و كذا غيره بالإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة على جواز أصله (4)، المستلزم لجواز شرطه بالبديهة،إلّا أنّ في الاستناد إليه نوع خفاء و مناقشة بعد ما مرّ إليه الإشارة من وهنه بمصير أكثر الأصحاب إلى عدم جواز الرجوع في العين الذي ينافيه،و أنّ المراد بالجواز في كلامهم غير المعنى المعروف بينهم،و هو عدم لزوم الأجل الذي هو مقتضى العقد بحسب العرف.

و الإجماع على عدم لزومه ثابت إلّا أنّه لا يدلّ إلّا على عدم لزومه بمجرّد العقد،و هو لا ينافي لزومه مع الشرط إلّا أن يجاب بما يأتي.

ص:168


1- مجمع الفائدة و البرهان 9:78.
2- الحدائق 20:132،و انظر مجمع الفائدة 9:80،و مفاتيح الشرائع 3:126.
3- الشرائع 2:68؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:126،و الحدائق 20:132.
4- مجمع الفائدة و البرهان 9:75،الحدائق 20:130.

و بالإجماعين يخصّص ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود و الشروط كتاباً و سنّة (1).

و ربما يزاد عليهما بدلالة الكتاب و السنة المتواترة على استحباب القرض و المداينة (2)و لا يتعلّق بخصوص إجراء الصيغة،بل بمدلولها و هو تأخير المطالبة للعين المستقرضة إلى مدّة قضاء الوطر منها،كما مرّت إليه الإشارة،و استحباب التأخير هو عين معنى الجواز.

و فيه نظر،أوّلاً:بمنع تعلّق الاستحباب بخصوص المدلول،بل بسببه الذي هو إجراء الصيغة و إن كان الوجه في تعلّقه به هو رجحان العمل بمسبّبه،فيرجع حاصل الأدلّة إلى استحباب الإقدام إلى القرض و إيجاب سببه،و لا ينافيه وجوب المسبّب بعده،و إن هو إلّا كالتجارة،فقد تظافرت الأدلّة باستحبابها مع وجوب العمل بمقتضيات أسبابها،كصيغ البيوع و نحوها،و ككثير من العبادات المستحبة الواجبة بالشروع فيها.

و بالجملة استحباب الشيء ابتداءً غير وجوبه استدامةً،فاستحباب الإقراض ابتداءً لا ينافي وجوب العمل بمقتضى عقده بعد إيجاده.

و ثانياً:بأنّ ذلك بعد تسليمه إنّما يتوجّه بالنظر إلى نفس العقد، و أنّه بمجرّده لا يقتضي وجوب التأخير،بل غايته الاستحباب،كما يستفاد من أدلّة استحبابه،و لا كلام فيه،لما مرّ من الإجماع على جواز العقد المستلزم لعدم وجوب التأخير،و لكنّه لا ينافي لزومه بسبب آخر غير نفس العقد المجرّد،و هو العقد المركّب من الشرط،لعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود،مضافاً إلى ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط.

ص:169


1- المائدة:1؛ و انظر الوسائل 23:326 أبواب النذر و العهد ب 25.
2- الوسائل 18:329 أبواب الدين و القرض ب 6.

و ذلك كما لو أوقع عقد البيع حالّا،فإنّه لا يقتضي وجوب التأخير في أحد العوضين إلى أجل،و لا كذلك لو أوقع مؤجّلاً،فقد يكون عقد القرض بنفسه لا يفيد لزوم أجل،و مع شرطه يفيد لزومه.

و بالجملة لا منافاة بين جواز أجل القرض نظراً إلى نفس العقد و لزومه باشتراطه فيه،لتغاير السببين،كما لو اشترط أجله في عقد آخر لازم،كما عليه الأكثر،و إن خالف فيه بعض من شذّ و ندر (1)،فالاستدلال بذلك على المطلوب غير مفهوم.

إلّا أن يقال بالفرق بين القرض و البيع بعدم دلالة عقده على أجل، بخلاف القرض؛ لدلالته عليه بحسب العرف كما مرّ،فإذا لم يجب الوفاء به مع دلالة العقد الذي هو الأصل في لزوم الوفاء به و بالشرط المذكور في ضمنه عليه فعدم وجوب الوفاء به إذا دلّ عليه الشرط أولى،فتأمّل.

و قريب منه استدلال بعض الأفاضل (2)على ضدّه و هو لزوم الأجل بعد اشتراطه بما مرّ من العمومين،و خصوص قوله سبحانه إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [1] (3).و الخبرين المروي أحدهما عن ثواب الأعمال:« من أقرض قرضاً و ضرب له أجلاً و لم يؤت به عند ذلك الأجل،كان له من الثواب في كلّ يوم يتأخّر عن ذلك الأجل مثل صدقة دينار واحد كلّ يوم» (4).

و نحوه الثاني المروي عن الفقه الرضوي (5).

ص:170


1- انظر الدروس 3:324.
2- الحدائق 20:130،مفاتيح الشرائع 3:126.
3- البقرة:282.
4- ثواب الأعمال:138،الوسائل 18:329 أبواب الدين و القرض ب 6 ح 1.
5- فقه الرضا(عليه السلام):257،المستدرك 13:396 أبواب الدين و القرض ب 6 ح 4.

و ذلك فإنّ غاية الأدلّة صحّة التأجيل،و لا كلام فيها،و ثمرتها إنّما هو جواز تأخير الدفع إلى الأجل و وجوبه بعده،و هو غير لزومه الذي هو عبارة عن وجوب التأخير إليه،و إنّما الكلام فيه.

هذا مضافاً إلى قصور سند الخبرين مع عدم معاضد لهما في البين، و ضعف دلالة الكتاب من وجه آخر،و هو اختصاصه بالدين،و هو غير القرض بنصّ أهل اللغة،فقد صرّح في القاموس و غيره بأنّه لا أجل فيه، بخلاف الدين،فإنّه الذي فيه الأجل (1).فالاستدلال به على لزومه في القرض على تقدير تماميّته بفساد الوجه الأوّل غير تامّ من هذا الوجه.

نعم في المضمر:عن رجل أقرض رجلاً دراهم إلى أجل مسمّى ثم مات المستقرض،أ يحلّ مال القارض بعد موت المستقرض منه،أم لورثته من الأجل ما للمستقرض في حياته؟فقال:« إذا مات فقد حلّ مال القارض» (2).

و هو مشعر بلزوم التأجيل في القرض كالدين،من حيث التقرير و المفهوم،إلّا أنّ قصور السند بالإضمار و المتن للإجماع أوجب هجره في المضمار.

و أمّا القدح فيه بالدلالة بمنع الظهور بالكلّية،بنحو ما أُجيب به عن الخبرين المتقدّم إلى ذكرهما الإشارة،من أنّ غايته الدلالة على صحّة الأجل لا اللزوم الذي هو مفروض المسألة،لعلّه محلّ مناقشة يستخرج وجهها من النظر إلى لفظة« حلّ» الظاهرة في عدم استحقاق المطالبة قبل انقضاء المدة المضروبة حال حياة المستقرض بالضرورة،فتأمّل.

ص:171


1- القاموس المحيط 4:226؛ و انظر لسان العرب 13:167.
2- التهذيب 6:409/190،الوسائل 18:344 أبواب الدين و القرض ب 12 ح 2.

و كذا لا يتأجّل الدين الحالّ بتأجيله،بأن يعبّر عنه صاحب الدين بعبارة تدلّ عليه من غير ذكره في عقد،بأن يقول:أجّلتك في هذا الدين مدّة كذا؛ إذ ليس ذلك بعقد يجب الوفاء به،بل هو وعد يستحبّ الوفاء به.

و أشار بقوله: مهراً كان الدين، أو غيره إلى خلاف بعض العامّة،حيث ذهب إلى ثبوت التأجيل في ثمن المبيع و الأُجرة و الصداق و عوض الخلع دون القرض و بدل السلف (1)،و إلى خلاف آخرين منهم من ثبوته في الجميع (2).

و لو غاب صاحب الدين غيبة منقطعة نوى المستدين قضاءه وجوباً إجماعاً كما قيل (3)،و كذا الحكْم في كلّ من عليه حق،سواء كان ذو الحق غائباً أم حاضراً،و إنما ذكر الوجوب مع الغيبة المنقطعة تأكيداً،و وجّه الوجوب بأنه من أحكام الإيمان،كما قالوا في العزم على الواجب الموسّع، لا لكونه بدلاً عن التعجيل.و فيه نظر،إلّا أن يكون إجماعاً.

و الأجود الاستدلال عليه في محلّ الفرض بالنصوص المروية في باب الدين في الكتب الثلاثة،الدالة على أن من استدان ديناً فلم ينوِ قضاءه كان بمنزلة السارق (4).و به صرّح في الرضوي أيضاً (5).

ص:172


1- حكاه عن أبي حنيفة في المغني و الشرح الكبير 4:384.
2- كما نقله عن مالك و الليث في المغني و الشرح الكبير 4:384.
3- جامع المقاصد 5:15،مجمع الفائدة 9:84.
4- الكافي 5:1/99،2،الفقيه 3:475/112،التهذيب 6:411/191،الوسائل 18:327 329 أبواب الدين و القرض ب 5 ح 1،2،5.
5- فقه الرضا(عليه السلام):268،المستدرك 13:394 أبواب الدين و القرض ب 5 ذيل حديث 1.

و قصور الأسانيد منجبر بالاعتبار و فتوى الأصحاب،و مؤيّد بالصحيح:عن الرجل يكون عليه الدين لا يقدر على صاحبه و لا على وليّ له و لا يدري بأيّ أرض هو؟قال:« لا جناح بعد أن يعلم اللّه تعالى منه أنّ نيّته الأداء» (1).

و في الخبر:« من كان عليه دين ينوي قضاءه كان معه من اللّه عزّ و جلّ حافظان يعينانه على الأداء من أمانته،فإن قصرت نيّته عن الأداء قصر عنه المعونة بقدر ما قصر من نيّته» (2).

و في آخر:« أُحبّ للرجل يكون عليه دين ينوي قضاءه» (3).

و يجب عليه عزله عند وفاته وفاقاً للنهاية (4)،بل ربما احتمل في المسالك عدم الخلاف فيه (5)،مشعراً بدعوى الإجماع عليه، كما في شرح القواعد للمحقق الثاني (6).

و لا دليل عليه عدا ما قيل من أنّه مناسب لتميّز الحق و أبعد عن تصرّف الورثة فيه (7).و هو كما ترى.

مع أنّ في السرائر ادّعى إجماع المسلمين على العدم (8).و هو أقوى؛ للأصل،و إن كان الأوّل أحوط و أولى،و أحوط منه العزل مطلقاً،فقد حكي

ص:173


1- التهذيب 6:395/188،الوسائل 18:362 أبواب الدين و القرض ب 22 ح 1.
2- الكافي 5:1/95،الفقيه 3:473/112،التهذيب 6:384/185،الوسائل 18:328 أبواب الدين و القرض ب 5 ح 3.
3- الكافي 5:4/93،الوسائل 18:321 أبواب الدين و القرض ب 2 ح 4.
4- النهاية:307.
5- المسالك 1:222.
6- جامع المقاصد 5:15.
7- كما في المسالك 1:222.
8- السرائر 2:37.

في المسالك قولاً (1).و لكن لا يلزم منه انتقال الضمان بالعزل،بل عليه الضمان مع التلف على الإطلاق؛ لعدم الدليل على الانتقال.

و على كلّ حال يجب أن يكون موصياً به عند الوفاة،بلا خلاف، كما في شرح الشرائع للمفلح الصيمري؛ لأنّه مع ترك الوصية ربما أدّى إلى فوات المال و بقاء اشتغال الذمّة به،فتجب من باب المقدّمة.

و يدلّ عليه أيضاً بعض النصوص الآتية،بل عن ظاهر جملة من الأصحاب وجوب التوصية بماله و عليه (2)،و عليه تدلّ جملة من الأخبار الآتية في كتاب الوصية إن شاء اللّه سبحانه.

و لو لم يعرفه اجتهد في طلبه ببذل الوسع في السؤال عنه في الأمكنة التي يمكن كونه أو خبره بها،و يستمر كذلك على وجه لو كان لظهر،بلا خلاف أجده،و به يشعر الصحيح المتقدّم.

مضافاً إلى صريح الصحيح:في رجل كان له على رجل حق ففقده و لا يدري أين يطلبه،و لا يدرى أ حيّ هو أم ميت،و لا يعرف له وارثاً و لا نسباً و لا ولداً،قال:« اطلب» قال:إنّ ذلك قد طال فأتصدّق به؟قال:

« اطلب» (3).

و نحوه خبران آخران (4)مرويّان هما كالأوّل و الأخبار الآتية في الكتب الثلاثة في باب ميراث مفقود الخبر،في أحدهما:إنّه كان عند أبي أجير

ص:174


1- المسالك 1:222.
2- انظر الحدائق 20:149.
3- التهذيب 6:396/188،الوسائل 18:362 أبواب الدين و القرض ب 22 ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- الكافي 7:1/153 و 2،التهذيب 9:1387/389 و 1388،الفقيه 4:769/241،الوسائل 26:296 أبواب ميراث الخنثى ب 26 ح 1 و 2.

يعمل عنده بالأجر ففقدناه و بقي له من أجره شيء و لا نعرف له وارثاً،قال:

« فاطلبه» قال:قد طلبناه و لم نجده،فقال:« مساكين» و حرّك يديه،قال:

فأعاد عليه،قال:«اطلب و اجهد فإن قدرت عليه،و إلّا فكسبيل مالك حتى يجيء له طالب،فإن حدث بك حدث فأوصِ به إن جاء له طالب أن يدفع إليه» . و مع اليأس عنه بحيث لا يحتمل الوقوف عليه عادةً قيل:

يجب أن يتصدق به عنه كما عن الطوسي و القاضي و جماعة (1)(2)؛ لئلّا يتعطّل المال و يخرج عن الانتفاع،و لاحتياج من هو عليه إلى تفريغ ذمّته و لا سبيل غير الصدقة.و هو كما ترى.

نعم في الفقيه بعد الصحيح المتقدّم-:و قد روي في هذا خبر آخر:

« إن لم تجد وارثاً و علم اللّه تعالى منك الجهد فتصدّق به» (3).

قيل (4):و نحوه الخبران،في أحدهما:قد وقعت عندي مأتا درهم و أربعة دراهم..فمات صاحبها و لم أعرف له ورثة،فرأيك في إعلامي حالها و ما أصنع بها،فقد ضقت بها ذرعاً؟فكتب:« اعمل فيها و أخرجها صدقةً قليلاً قليلاً حتى تخرج» (5).

ص:175


1- الطوسي في النهاية:307،نقله عن القاضي في المختلف:411؛ و انظر المختلف:412،و الدروس 3:312.
2- بل أكثر الأصحاب،كما عن المحقق الثاني في شرح القواعد(جامع المقاصد 5:16)بل المشهور،كما في الروضة(4:18).منه رحمه الله.
3- الفقيه 4:770/241،الوسائل 26:298 أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 11.
4- الحدائق 20:151،153.
5- الكافي 7:3/153،التهذيب 9:1389/389،الإستبصار 4:740/197،الوسائل 26:297 أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 3.

و في الثاني:كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه،و له عندنا دراهم و ليس له وارث،فقال عليه السلام:« تدفع إلى المساكين» ثم قال:رأيك فيها،ثم أعاد عليه المسألة،فقال له مثل ذلك،فأعاد عليه المسألة ثالثة،فقال عليه السلام:

« تطلب وارثاً فإن وجدت له وارثاً،و إلّا فهو كسبيل مالك» ثم قال:

« ما عسى أن تصنع بها» ثم قال:« توصي بها فإن جاء طالبها و إلّا فكسبيل مالك» (1).

و أسانيدها بالإرسال و الجهالة قاصرة،و عن المقاومة للصحيحين المتقدّمين سيّما الثانية و تاليها ضعيفة،و لقاعدة أصالة بقاء شغل الذمّة معارضة،و لذا أنكر الحلّي هذا القول و أوجب الدفع إلى الحاكم (2).

و هو أجود،و إن كان القول بجواز الصدقة عن المالك مع الضمان له إذا لم يرض بها لا يخلو عن قوّة،وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني و جماعة (3)؛ لأنّه إحسان محض،فإنّه إن ظهر المالك ضمن له العوض مع عدم الرضاء بها،و إلّا فالصدقة أنفع من بقائها المعرض لتلفها،فتأمّل.

و أمّا الوجوب فقد عرفت ما فيه.

و ما يستفاد من بعض الأخبار المتقدّمة من أنّه كسبيل ماله فشاذّ، و سند الدالّ عليه ضعيف،نعم ورد مثله في القريب من الصحيح في الفقيه (4).

و لا تصحّ المضاربة بالدين حتى يقبض مطلقاً،و لو كان من هو عليه عاملاً،إجماعاً،كما عن التذكرة (5)؛ و هو الحجة.

ص:176


1- التهذيب 7:781/177،الوسائل 18:362 أبواب الدين و القرض ب 22 ح 3.
2- السرائر 2:37.
3- المسالك 1:222؛ و انظر جامع المقاصد:16،و مجمع الفائدة 9:89،و الحدائق 20:154.
4- الفقيه 4:767/241،الوسائل 26:298 أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 10.
5- التذكرة 2:3.

مضافاً إلى بعض المعتبرة المنجبر قصور سنده بالشهرة:في رجل له على رجل مال فتقاضاه و لا يكون عنده ما يقضيه،فيقول:هو عندك مضاربة،قال:« لا يصحّ حتى يقبضه» (1).

و لو باع الذمّي ما لا يملكه المسلم كالخمر و الخنزير و قبض ثمنه جاز أن يقبضه المسلم عن حقّه بلا خلاف،بل عليه الإجماع في بعض العبارات (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى صريح الموثّقة:لي على رجل ذمّي دراهم فيبيع الخمر و الخنازير و أنا حاضر،فهل لي أن آخذها؟فقال:« إنّما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك» (3).

مضافاً إلى إطلاق المعتبرة المستفيضة،منها الصحاح،في اثنين منها:

في رجل كان له على رجل دراهم فباع خمراً أو خنزيراً و هو ينظر إليه فقضاه،فقال:« لا بأس،أمّا للمقتضي فحلال،و أمّا للبائع فحرام» (4)و نحوهما الثالث (5)و الرابع (6).

و إطلاقها و إن شمل البائع المسلم،إلّا أنّ الظاهر منه بحكم التبادر

ص:177


1- الكافي 5:4/240،الفقيه 3:634/144،التهذيب 6:428/195،الوسائل 19:23 أبواب أحكام المضاربة ب 5 ح 1.و فيها:« لا يصلح» بدل« لا يصحّ».
2- كما في السرائر 2:44.
3- الكافي 5:10/232،الوسائل 17:232 أبواب ما يكتسب به ب 60 ح 1.
4- الأول:الكافي 5:9/231،التهذيب 7:606/137،الوسائل 17:232 أبواب ما يكتسب به ب 60 ح 2.الثاني:التهذيب 6:429/195،الوسائل 18:370 أبواب الدين و القرض ب 28 ح 1.
5- الكافي 3:5/568،الفقيه 2:100/28،التهذيب 4:379/135،الوسائل 15:154 أبواب جهاد العدو ب 70 ح 1.
6- المقنعة:279،الوسائل 15:155 أبواب جهاد العدو ب 70 ح 2.

و الغالب هو الذمّي لا المسلم؛ لعدم اعتياد بيعه لمثل الخمر و الخنزير في بلاد الإسلام التي هي مورد الروايات.

ثم على تقدير عمومها له يجب التخصيص بغيره؛ التفاتاً إلى عموم الأدلّة بعدم تملّكه ثمنها و فساد بيعه لهما،فكيف يجور اقتضاء ما لا يملكه و يكون باقياً على ملك المشتري يجب ردّه عليه،أو التصدّق به عنه مع الجهل،كما في المعتبرين (1)بحملهما عليه،أحدهما الصحيح:في رجل ترك غلاماً له في كرم له يبيعه عنباً أو عصيراً،فانطلق الغلام فعصر خمراً ثم باعه،قال:« لا يصلح ثمنه» إلى أن قال:« إنّ أفضل خصال هذه التي باعها الغلام أن يتصدّق بثمنها» .و استناداً إلى فحوى بعض المعتبرة،كمرسلة ابن أبي نجران الصحيحة إليه،عن مولانا الرضا عليه السلام:عن نصراني أسلم و عنده خمر و خنازير و عليه دين،هل يبيع خمره و خنازيره و يقضي دينه؟قال:

« لا» (2).

فإنّ تحريم قضاء الدين من أثمانها على الذمّي بعد إسلامه يستلزم تحريم الاقتضاء على المسلم من أصله بطريق أولى،فتأمّل جدّاً.

و ظاهر العبارة و صريح جماعة (3)اختصاص الذمّي بالحكم دون الحربي.

و هو كذلك؛ لما مرّ من وجوب الاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ

ص:178


1- الكافي 5:2/230 و 7،التهذيب 7:601/136،الوسائل 17:223 أبواب ما يكتسب به ب 55 ح 1 و 2.
2- الكافي 5:14/232،الوسائل 17:226 أبواب ما يكتسب به ب 57 ح 1.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:222،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 9:92،و صاحب الحدائق 20:167.

على تحريم ثمن الأُمور المزبورة على المسلم مطلقاً (1)على المتيقّن،و ليس إلّا الذمّي؛ لعدم إجماع على غيره لو لم نقل بالإجماع على عدمه، و اختصاص النصوص المتقدّمة به صريحاً في بعضٍ و ظاهراً بحكم الغلبة و التبادر في الباقي،لندرة وجود الحربي في بلاد الإسلام التي هي ظاهر مواردها.

و منه يظهر الوجه فيما قيّد به الحكم في الذمّي بعض الأصحاب أيضاً:من اشتراط أن يكون في بيعه مستتراً (2).

و ذلك فإنّه مع عدم الاستتار يصير في حكم الحربي عند الأصحاب، مضافاً إلى جريان الوجه المتقدّم في إخراجه عن الحكم في الذمّي المتجاهر بالفسق،لعدم انصراف الإطلاق إليه بالضرورة و لو أسلم الذمّي قبل بيعه ما لا يملكه حال إسلامه قيل: كما عن النهاية (3) يتولّاه غيره ممن يجوز له بيعه؛ للخبر:إن أسلم رجل و له خمر و خنازير ثم مات و هي في ملكه و عليه دين قال:« يبيع ديّانه أو وليّ له غير مسلم خنازيره و خمره فتقضي دينه،و ليس له أن يبيعه و هو حيّ و لا يمسكه» (4).

و هو ضعيف وفاقاً للقاضي و الحلّي و الفاضلين (5)؛ لأنّ المسلم لا يملك ذلك و لا يجوز بيعه مباشرة فلا يجوز تسبيباً،و الرواية مقطوعة،

ص:179


1- أي:و لو اقتضاءً.(منه رحمه الله).
2- الروضة 4:23.
3- النهاية:308.
4- الكافي 5:13/232،التهذيب 7:612/138،الوسائل 17:227 أبواب ما يكتسب به ب 57 ح 2.
5- القاضي نقله عنه ابن فهد في المهذب البارع 2:483،الحلّي في السرائر 2:44،المحقق في الشرائع 2:69،العلّامة في التذكرة 2:7.

و مع ذلك في سندها جهالة،و من الجائز حملها على أن يكون له ورثة كفّار يبيعون الخمر و يقضون ديونه.

و لو كان لاثنين فصاعداً ديون مشتركة بينهما في ذمّة ثالث فصاعداً فاقتسماها فما حصل كان لهما،و ما تَوى بالمثناة من فوق بمعنى:هلك،كان منهما على الأشهر الأقوى،وفاقاً للإسكافي و الطوسي و القاضي و الحلبي و ابن حمزة و ابن زهرة (1)مدّعياً الإجماع عليه كالثاني؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة المروية في التهذيب في بابي الدين و الشركة،منها الموثق:عن رجلين بينهما مال منه دين و منه عين،فاقتسما العين و الدين،فَتَوي الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه،و خرج الذي للآخر،أ يردّ على صاحبه؟قال:« نعم ما يذهب بماله» (2).

و نحوه الباقي (3)،و الصحيح المروي في التهذيب و الفقيه في كتاب الصلح (4).

و قصور الأسانيد فيما عداه منجبر بالشهرة العظيمة،و الإجماعات المحكيّة،و بعض الوجوه الاعتبارية المذكورة في المختلف (5)من أنّ المال

ص:180


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:480،الطوسي في النهاية:308،القاضي في جواهر الفقه:486،الحلبي في الكافي:344،ابن حمزة في الوسيلة:263،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):596.
2- التهذيب 7:821/186،الوسائل 19:12 أبواب أحكام الشركة ب 6 ح 2.
3- انظر الوسائل 19:12 أبواب الشركة ب 6.
4- الفقيه 3:60/23،التهذيب 6:477/207،الوسائل 18:370 أبواب الدين و القرض ب 29 ح 1.
5- المختلف:479.

مشترك،فإنّ التقدير ذلك،فإذا دفع إلى أحدهما فإنّما دفع عمّا في ذمّته، و الدفع إنّما هو للمال المشترك،فلا يختصّ به القابض.

و لا دليل على لزوم القسمة في نحو المسألة،مع أنّ الأصل عدمه بالضرورة.

خلافاً للحلّي (1)،فحكم به؛ قياساً على ثبوته فيما لو أوهبه أحدهما أو أبرأ ذمّة من عليه الحق الذي صار من نصيبه،بلا خلاف كما حكاه،فكذا فيما نحن فيه.

و هو كما ترى،و إن مال إليه في المختلف أخيراً (2)،و تبعه بعض المتأخّرين (3)؛ لضعف القياس أوّلاً،و عدم معارضته على تقدير حجّيته لما قدّمناه من الإجماعات المحكية و المعتبرة المستفيضة ثانياً،فالقول بمقالته ضعيف جدّاً.

قيل (4):و قد يحتال للقسمة بأن يحيل كلّ منهما صاحبه بحصّته التي يريد إعطاءها صاحبه و يقبل الآخر،بناءً على صحة الحوالة من البريء،أو فرض سبق دين عليه.

و لو اصطلحا على ما في الذمم بعضاً ببعض جاز،وفاقاً للشهيدين (5).

و على أحد الأُمور المذكورة يحمل إطلاق الصحيح المروي عن كتاب علي بن جعفر و قرب الإسناد:عن رجلين اشتركا في السلم،أ يصلح لهما

ص:181


1- السرائر 2:402.
2- المختلف:480.
3- مجمع الفائدة 9:93.
4- الروضة 4:19.
5- الدروس 3:314،الروضة 4:19.

أن يقتسما قبل أن يقبضا؟قال:« لا بأس» (1).

أو على الصحة دون اللزوم،و على عدمه خاصّة تحمل الأخبار السابقة.

و لا بأس به؛ جمعاً بين الأدلّة،و إن كان اعتبار المراضاة مرّة ثانية بعد الأخذ أحوط البتّة.

و لو باع الدين بأقلّ منه عيناً أو قيمة على وجه لا يحصل فيه الربا،و لا الإخلال بشروط الصرف لو كان العوضان من الأثمان لم يلزم الغريم أن يدفع إليه أي إلى المشتري أكثر ممّا دفع إلى البائع،وفاقاً للطوسي و القاضي (2) على تردّد فيه ينشأ من الخبرين،في أحدهما:

رجل اشترى ديناً على رجل ثم ذهب إلى صاحب الدين فقال له:ادفع إليّ ما لفلان عليك فقد اشتريته منه،قال:« يدفع إليه ما دفع إلى صاحب الدين،و برئ الذي عليه المال عن جميع ما بقي عليه» (3)و قريب منه الثاني (4).

و من قصور سندهما بالجهالة،و عدم جابر لهما في المسألة،مع مخالفتهما للقواعد الثابتة من الكتاب و السنّة،فإنّ ما وقع عليه العقد الذي يجب الوفاء به ليس إلّا جميع الدين دون بعضه،فلا وجه في الاقتصار

ص:182


1- مسائل علي بن جعفر:77/122،قرب الاسناد:1040/263،الوسائل 18:371 أبواب الدين و القرض ب 29 ح 2.
2- الطوسي في النهاية:311،نقله عن القاضي في المختلف:411.
3- الكافي 5:3/100،التهذيب 6:410/191،الوسائل 18:348 أبواب الدين و القرض ب 15 ح 3.
4- الكافي 5:2/100،التهذيب 6:401/189،الوسائل 18:347 أبواب الدين و القرض ب 15 ح 2.

عليه،و مع ذلك فلا وجه لبراءة ذمّة المديون كما صرّحت به الرواية الأُولى.

و مع ذلك فالثانية غير صريحة في المطلوب،بل و لا ظاهرة،و لذا لم يذكرها حجة في المسألة جماعة،و هذا هو الأظهر الأشهر بين الطائفة.

و بما ذكرناه لا يبقى وجه للتردّد في المسألة،كما في صريح العبارة و ظاهر اللمعة (1)،فلتطرح الروايتان،للجهالة،و المخالفة للقواعد المقرّرة، المعتضدة بالإجماع من أصلها،و بالشهرة في خصوص المسألة،أو تحملا على ما تلتئمان معها من إرادة الضمان من البيع مجازاً،لشبهه به في المعاوضة،أو فساد البيع للربا و غيره،فيكون الدفع مأذوناً فيه من البائع في مقابلة ما دفع،و يبقى الباقي لمالكه،و يكون المراد ببراءة المديون في الرواية الأُولى البراءة من حق المشترى لا مطلقاً.

خاتمة

خاتمة قد صرّح الأصحاب من غير خلاف يعرف بأنّ أُجرة الكيّال و وزّان المتاع على البائع الآمر له بهما؛ لأنهما من مصلحته فتتعلّق الأُجرة به.

و كذا أُجرة بائع الأمتعة تتعلّق به إذا كان بائعها دلّالاً ناصباً نفسه لذلك،فإنّه يستحقّها و إن لم يتشارطا عليه؛ لأن هذا العمل مما يستحقّ عليه اجرة في العادة،و نصب الدلّال نفسه لذلك قرينة على عدم التبرع بالضرورة،كما حقّق في بحث الإجارة.

و مما ذكرنا يظهر الوجه فبما ذكروه من أن اُجرة الناقد و وزّان الثمن على المشتري الآمر له لذلك [بذلك] و كذا اجرة مشتري الأمتعة عليه إذا

ص:183


1- اللمعة(الروضة البهية 4):20.

كان دلّالًا ناصباً نفسه لذلك مأموراً به من جهته.

و لو تبرّع الواسطة بكل من الأُمور المزبورة من دون أمر من البائع أو المشتري له بذلك،و لا ما يقوم مقامه من الدلالة لم يستحقّ اجرة على من تلزمه الأُجرة مع أمره أو ما في حكمه و لو أجاز البيع و الشراء و غيرهما؛ لأنّه بالفعل لم يستحقّ لمكان التبرع،و بعد الإجازة لم يعمل عملاً،و الأصل براءة الذمة من استحقاق شيء.

و إذا جمع الواسطة بين الابتياع و البيع و نصب نفسه لذلك و يعبّر عنه بالسمسار فباع أمتعة لشخص و اشترى غيرها لآخر فاُجرة كلّ عمل على الآمر به لعدم المنافاة.

و لا يجمع بينهما أي بين العملين لواحد أي لشيء واحد، بأن يبيعه لأحد و يشتريه لآخر،قيل:لأنّ البيع مبني على المكايسة و المغالبة و لا يكون الشخص الواحد غالباً و مغلوباً و العمل بالحالة الوسطى خارج عن مطلوبهما غالباً فيتوقف على رضاهما بذلك،و حينئذ فمن كايس له استحقّ عليه الأُجرة خاصة (1).

و هو حسن،لكن يشكل إطلاقه بما لو كان السعر مضبوطاً عادة بحيث لا يحتاج إلى المماكسة،أو كانا قد اتّفقا على قدر معلوم و أراد تولية طرفي العقد،و حينئذ يكون عليهما أُجرة واحدة بالسوية سواء اقترنا في الأمر أم تلاحقا،مع احتمال كون الأُجرة على السابق.

و لا يجب أُجرتان،وفاقاً للحلّي و المسالك و الروضة (2)؛ للأصل مع عدم المخرج عنه سوى العمل،و هو لوحدته لا يوجب إلّا اجرة واحدة

ص:184


1- المسالك 1:224.
2- الحلي في السرائر 2:338،المسالك 1:224،الروضة 3:544.

عادةً،و تعدّد الطرفين غير موجب لتعددها،إن لا دليل عليه شرعاً و لا عرفاً.

و هي مع الاقتران في الأمر عليهما موزّعة؛ لعدم المرجّح جدّاً.و كذا مع التلاحق؛ لاستواء الموجب و هو العمل بالإضافة إليهما.

و وجه احتمال تقديم السابق أصالة براءة ذمّة المسبوق،و وجود المرجّح من سبق الأمر الذي له مدخل في الإيجاب قطعاً،و لكن الأوّل أولى.

و ظاهر النهاية و صريح الفاضل في المختلف و المحقق الثاني على ما حكي تعدّد الأُجرة (1).

و لعلّهما نظرا إلى أن أمر الآمر بالعمل إقدام منه على التزام تمام الأجر بحصول المأمور به و رضاء منه بذلك،و لا مدخل لاتّحاد العمل.و لعلّه غير بعيد،سيّما مع كون متعلّق الأمرين طرفي الإيجاب و القبول و جهل أحدهما بأمر الآخر،فتأمّل.

هذا إذا جوّزنا للواحد تولّي طرفي العقد،و إلّا فعدم استحقاق الواحد لهما واضح.

و يحتمل على بُعد أن يكون الضمير المجرور عائداً إلى الإيجاب و القبول المدلول عليهما بالمقام تضمّناً،أو بالبيع و الابتياع،فيكون ذهاباً إلى المنع،أو يعود الضمير إلى الأُجرتين بناءً على المنع من تولّي طرفي العقد، أو غيره.

و لا يضمن الدلّال و كذا السمسار ما يتلف في يده ما لم يفرّط أو يتعدّ؛ لأنه أمين،بلا خلاف أجده.

ص:185


1- النهاية:406،المختلف:399،جامع المقاصد 4:396.

و لو اختلفا في التفريط أو التعدّي و لا بيّنة فالقول قول الدلّال مع يمينه لأنه منكر و ليس عليه إلّا اليمين،بلا خلاف؛ للنبوي (1).

و كذا لو اختلفا في القيمة أي قيمة التالف؛ لأنّ الأصل براءة الذمة من الزيادة.و اللّه العالم بحقائق أحكامه سبحانه.

ص:186


1- علل الشرائع:190،الاحتجاج:92،الوسائل 27:293 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 25 ح 3.

كتاب الرهن و أركانه أربعة

اشارة

كتاب الرهن و أركانه أربعة:

الأوّل في تعريف الرهن

الأوّل:في بيان الرهن و شرائطه.

و هو لغة:الثبات و الدوام،و منه النعمة الراهنة،أي الثابتة و الدائمة.و يطلق على الحبس بأيّ سبب كان،و منه قوله سبحانه كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [1] (1)أي:بما كسبته من خير أو شرّ محبوسة.

و شرعاً: وثيقة لدين المرتهن إذا تعذّر استيفاؤه ممّن هو عليه استوفى منه أو من ثمنه.

و الوثيقة:فعيلة بمعنى المفعول،أي:موثوق به لأجل الدين،و التاء فيها لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية كتاء الحقيقة،لا للتأنيث،فلا يرد عدم المطابقة بين المبتدأ و الخبر في التذكير و التأنيث.مع أن الضمير الواقع مبتدأ لخبرٍ مؤنث إذا كان مرجعه مذكراً يجوز فيه الأمران،نظراً إلى الاعتبارين.

و ليس في إضافة الدين إلى المرتهن دور من حيث أخذ الرهن في تعريف المرتهن،إن عرّفناه في التعريف بصاحب الدين أو مَن له الوثيقة من غير أن يؤخذ الرهن في تعريفه.

و التخصيص بالدين مبنيّ إما على عدم جواز الرهن على غيره و إن

ص:187


1- المدَّثر:38.

كان مضموناً كالغصب،أو على أن الرهن عليه إنّما هو لاستيفاء الدين على تقدير ظهور الخلل بالاستحقاق أو تعذّر العين،و فيه تكلّف،مع أنه قد يبقى بحاله فلا يكون ديناً.

و كيف كان،هو ثابت بإجماع المسلمين كافّة،كما في المهذب و ظاهر الغنية (1)،و به نصّت الآية الشريفة وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ [1] (2)و السنة الخاصيّة و العاميّة به مستفيضة،بل متواترة يأتي إلى ذكرها الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.

و شرط السفر في الآية مبني على الأغلب،و ليس شرطاً في الصحة بإجماعنا المحكي في كلام جماعة (3)،و النصوص المعتبرة التي منها رواية الدرع المشهورة (4).

و ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف أنه عقد لا بدّ فيه من الإيجاب و القبول الدالّين عليه،و ذكر جماعة (5)منهم أن الإيجاب:

رهنتك،أو:وثّقتك بالتضعيف أو:أرهنتك بالهمزة أو:هذا رهن عندك أو على مالك،أو:وثيقة عندك،أو:خذه على مالك أو بمالك،أو:

أمسكه حتى أُعطيك مالك بقصد الرهن و شبهه مما أدّى المعنى.

قيل:و إنما لم ينحصر هذا العقد في لفظٍ كالعقود اللازمة و لا في الماضي لأنه جائز من طرف المرتهن الذي هو المقصود الذاتي منه،فغلب

ص:188


1- المهذب البارع 2:492،الغنية(الجوامع الفقهية):592.
2- البقرة:283.
3- منهم:الطوسي في الخلاف 3:221،و الفاضل المقداد في كنز العرفان 2:59.
4- درر اللئلئ 1:325،المستدرك 13:418 أبواب أحكام الرهن ب 1 ح 5.
5- منهم المحقق في الشرائع 2:75،الشهيد الثاني في المسالك 1:225،و الروضة 4:54.

فيه جانب الجائز مطلقاً (1).

و فيه نظر،فإن اعتبار ما لم يعتبر هنا في العقود اللازمة إنما هو للاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ على عدم اللزوم على المتيقّن،و هو جارٍ في المقام،لتضمّنه اللزوم و لو من طرف الراهن،و عدم اللزوم من جانب المرتهن غير قادح بعد كون المنشأ للاعتبار هو نفس اللزوم المخالف للأصل من حيث هو من دون اعتباره من الطرفين،فتدبّر.

و الأجود الاستدلال عليه بعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقد،و هو صادق بإحدى العبارات المزبورة،فاشتراط زائد عليها يحتاج إلى دلالة، و هي في المقام مفقودة.

و هذا و إن جرى في العقود اللازمة إلّا أنّ الدلالة على اشتراطه فيها في الجملة حاصلة لولاها لكان حملها حكم المسألة فتكون متّبعة،و قياس المقام عليها فاسد بالضرورة.

و تكفي الإشارة في الأخرس و إن كان عارضاً،أو الكتابة معها بما يدلّ على قصد الرهن لا بمجرّد الكتابة؛ لإمكان العبث،أو إرادة أمر آخر.

و القبول:قبلت،و شبهه من الألفاظ الدالّة على الرضاء بالإيجاب.

و هل يشترط الإقباض فيه؟ الأظهر الأشهر نعم وفاقاً للإسكافي و المفيد و النهاية و القاضي و الحلبي و الديلمي و ابن زهرة العلوي و الطبرسي (2)،مدعياً هو كسابقه الإجماع عليه،و هو خيرة الماتن هنا و في

ص:189


1- الروضة 4:54.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:416،المفيد في المقنعة:622،النهاية:431،القاضي في المهذب 2:46،الحلبي في الكافي:334،الديلمي في المراسم:192،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):592،الطبرسي في مجمع البيان 1:400.

الشرائع و الشهيد في كتبه الثلاثة (1).

و الأصل فيه بعد الإجماعات المحكية التي كلّ واحد منها حجّة مستقلة الآية الشريفة المتقدمة المقيّدة للرهان بالمقبوضة،و مفهوم مثله حجّة عرفاً و عادةً،كاشتراط التراضي في التجارة،و العدالة في الشهادة.

و الموثقة:« لا رهان إلّا مقبوضة» (2)و نحوه المروي عن تفسير العياشي (3).

و نفي الصحة أقرب من نفي الكمال إلى نفي الحقيقة المتعذّرة،مع احتمال أن يكون إرادة نفي الحقيقة ممكنة،بناءً على كون القبض جزءاً من مفهوم الرهانة،كما سيأتي إليه الإشارة من دلالة الأخبار عليه و كلام بعض أهل اللغة،و على هذا فتكون: مَقْبُوضَةٌ [1] في الآية صفة موضِحة لا مخصِّصة.

و بهذه الأدلّة تخصّص عمومات الكتاب و السنة بلزوم الوفاء بالعقود بالضرورة.

و بنحوه يجاب عن إطلاقات الأخبار الواردة في الرهن المعلّقة لأحكامه على مطلقه،مضافاً إلى عدم انصرافها بحكم عدم التبادر و ندرة الرهان الغير المقبوضة إليها بالبديهة،مع أن انصراف الإطلاقات إلى العموم مشروط بعدم ورودها لبيان حكم آخر غير ما يتعلّق بنفسها،و ليست الإطلاقات هنا كذلك جدّاً،فلا عموم فيها أصلاً.

ص:190


1- الشرائع 2:75،الشهيد في الدروس 3:383،و اللمعة(الروضة البهية 4):56،غاية المراد 2:183.
2- التهذيب 7:779/176،الوسائل 18:383 أبواب أحكام الرهن ب 3 ح 1.
3- تفسير العياشي 1:525/156،الوسائل 18:383 أبواب أحكام الرهن ب 3 ح 2.

مضافاً إلى أنه بعد ملاحظة الأخبار المتضمّنة لها يحصل الظن القوي المتاخم بالعلم بتلازم الرهن و القبض،بحيث كادت تدلّ على أنه جزء من مفهومه،كما حكي أيضاً عن بعض أهل اللغة (1)،و بذلك ينادي سياقها، و إن اختلفت في الدلالة عليه ظهوراً و خفاءً.

و بما ذكر سقط حجج القول بالعدم كما عن الخلاف (2)،و هو خيرة الفاضل و ولده و المسالك و الروضة (3)،و تبعهم على ذلك جماعة (4).

ثم ظاهر الآية و الرواية بناءً على أن المتبادر منهما نفي الصحة أو الماهية مع عدم المقبوضية اشتراط القبض في الصحة،و به نصّ الطبرسي في حكايته الإجماع (5)،و به صرّح جماعة (6).و هو ظاهر العبارة و غيرها مما أُطلق فيه اشتراطه؛ لانصرافه إلى الاشتراط في الصحة.

خلافاً لآخرين (7)،فجعلوه شرطاً في اللزوم،منزّلين الخلاف عليه، و هو الظاهر من عبارة الغنية في دعواه الإجماع عليه (8).

ص:191


1- انظر:الفائق في غريب الحديث 2:94،و القاموس المحيط 4:231،و النهاية 2:285.
2- الخلاف 3:223.
3- العلّامة في القواعد 1:161،و ولده في إيضاح الفوائد 2:25،المسالك 1:225،الروضة 4:57.
4- منهم:ابن إدريس في السرائر 2:417،و ابن فهد في المقتصر:190،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:94،و صاحب الحدائق 20:226.
5- مجمع البيان 1:400.
6- منهم:المفيد في المقنعة:622،و الديلمي في المراسم:192،و الحلبي في الكافي:334.
7- منهم:الشيخ في النهاية:431،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):592،و ابن فهد في المهذب البارع 2:46،و الشهيد في الروضة 4:56؛ و انظر إيضاح الفوائد 2:26.
8- الغنية(الجوامع الفقهية):592.

و يضعّفه ما مرّ؛ مضافاً إلى الأصل،و عدم دليل على الصحة؛ لانحصار الأدلّة عليها في نحو المسألة في الإجماع،و ليس بمتحقق بالضرورة،و أدلّة لزوم الوفاء بالعقود،و هي بعد الإجماع على عدم اللزوم الذي هو مفادها غير تامّة،و ليس عليها دلالة أُخرى غير ما تقدّم إليه الإشارة بالضرورة.

و يتفرع على القولين فروع كثيرة تعرّض لذكرها الجماعة في كتبهم الاستدلالية.

ثم إن محلّ الخلاف في اشتراط القبض إنما هو أوّل مرّة لا استدامةً، فلو أقبضها الراهن و ارتجعها صحّ الرهن و لزم،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة،كالغنية و كشف الحق و التذكرة و غيرها من كتب الجماعة (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى عموم الأدلّة،و استصحاب الحالة السابقة من اللزوم و الصحة.

و من شرطه أيضاً أن يكون عيناً فلا يصحّ رهن المنافع،اتفاقاً،كما في المسالك و غيره (2)،لكن صريح المختلف وقوع الخلاف فيه (3).

و هو على المختار واضح؛ لعدم صحة إقباضها إلّا بإتلافها.و كذا على غيره؛ لأنها تستوفى شيئاً فشيئاً و كلّ ما حصل منها شيء عدم ما قبله، و المطلوب من الرهن أنه متى تعذّر استيفاء الدين استوفى من الرهن.

ص:192


1- الغنية(الجوامع الفقهية):592،كشف الحق:489،التذكرة 2:26؛ المسالك 1:225.
2- المسالك 1:227؛ و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):592،و السرائر 2:416،417.
3- المختلف:423.

قيل:و فيه نظر (1)؛ فإن استيفاء الدين من عين الرهن ليس بشرط، بل منه أو من بدله،و لو ببيعه قبل الاستيفاء،كما لو رهن ما يتسارع إليه الفساد قبله،و المنفعة يمكن فيها جواز ذلك بأن يوجر العين و يجعل الأُجرة رهناً.

و قريب منه القول في القبض؛ لإمكانه بتسليم العين ليستوفي منها المنفعة و يكون عوضها رهناً.

و فيه:أنه خروج عن المتنازع؛ إذ لا كلام في جواز رهن الأُجرة،إنما الكلام في المنفعة نفسها.

و لا الدين (2)بناءً على المختار من اشتراط القبض؛ لأنه أمر كلّي لا وجود له في الخارج يمكن قبضه،و ما يقبض بتعيين المديون ليس نفسه و إن وجد في ضمنه.

و احتمال جوازه على هذا القول و الاكتفاء في القبض بما يعيّنه المديون بناءً على صدق قبض الدين عليه عرفاً كهبة ما في الذمّة فرع عموم في الأدلّة يشمل مفروض المسألة،و ليس؛ فإن المتبادر منها قبض المرهون نفسه لا ما هو فرد من أفراده،و صدق القبض عرفاً لا يستلزم تحقق القبض المتبادر من الأدلّة جدّاً.

و ربما يضعّف الاحتمال أيضاً بأن أخذ الرهن ليس إلّا من حيث عدم الوثوق باستيفاء ما في الذمة،فكيف يستوثق في استيفائه بمثله؟! .و فيه نظر؛ لاختلاف الديون و مَن عليه الحق في سهولة القضاء و عسره،فكم من ديون متيقّنة الأداء يصلح الاستيثاق بها على غيرها مما

ص:193


1- قال به الشهيد الثاني في حاشية الروضة 4:65.
2- أي:لا يصحّ رهن الدين.

ربما يئس منه أربابها.

مضافاً إلى عدم جريانه فيما لو كان الدين المرهون على المرتهن نفسه،فيحصل منه الاستيثاق و أيّ استيثاق،و القول بالجواز في مثله غير بعيد بناءً على مقبوضية ما في الذمة،إلّا أن في الاكتفاء بمثل هذا القبض سيّما مع الشك في صحة البناء مع عدم انصراف الأدلة الدالّة على اشتراطه إليه نوع نظر مع عدم القول بالفرق.

و من الوجه الأوّل ينقدح الوجه في ضعف التمسّك للجواز على الإطلاق و لو كان الدين المرهون على غير المرتهن و اشترط القبض بالإطلاقات.

و على القول بعدم اشتراط القبض لا مانع من صحّة رهنه.

و قد صرّح في التذكرة ببناء الحكم على القول باشتراط القبض و عدمه،فقال:لا يصحّ رهن الدين إن شرطنا في الرهن القبض؛ لأنه لا يمكن قبضه (1).لكنه في القواعد (2)جمع بين الحكم بعدم اشتراط القبض و عدم جواز رهن الدين،فتعجّب عنه الشهيدان (3)،و هو في محله.

و الاعتذار له عن ذلك:بعدم المنافاة بين عدم اشتراطه و اعتبار كونه مما يقبض مثله مع تصريحه بالبناء المذكور،غير مسموع إلّا أن يقال باختلاف نظره في البناء في الكتابين،فكم مثل ذلك قد صدر عن مثله و غيره.

و التحقيق:صحّة ما في الثاني من عدم صحّة البناء،و إمكان الجمع

ص:194


1- التذكرة 2:16.
2- القواعد 1:158.
3- الشهيد الأول في الدروس 3:387،الشهيد الثاني في الروضة 4:66.

بين القولين؛ لعدم المنافاة،مضافاً إلى عدم البُعد في المصير إليه بناءً على الوقوف على ظاهر الأُصول،و عدم الاكتفاء في الخروج عنها بمجرّد الإطلاقات الغير المنصرفة إلى المفروض لعدم تبادره منها.

و يذبّ عن عمومات لزوم الوفاء بالعقود بصرفها إلى ما يتبادر من إطلاقات النصوص في الرهون،فإنه بملاحظتها و النظر فيما ورد في بعضها مما هو كالتعليل لشرعيّة الرهن بأنه للوثوق الغير الحاصل في أغلب أفراد المفروض يحصل الظن القوي بل المتاخم للعلم بأن عقد الرهن لا يصحّ إلّا فيما يمكن قبضه و إن لم يشترط إقباضه،فمضمون العقد الذي يجب الوفاء به هو الصحيح الشرعي الذي يكون المرهون فيه بنفسه مما يمكن قبضه لا غيره،كما سيأتي في نظائره من عدم لزوم الوفاء فيما لا يمكن قبضه و بيعه،كالحرّ و شبهه،المشار إلى حكمه بقوله: مملوكاً فلا يصحّ رهن الحرّ،إجماعاً مطلقاً،من مسلم أو كافر،عند مسلم أو كافر؛ إذ لا شبهة في عدم ملكه.

و لا الخمر و الخنزير،بلا خلاف إذا كان الراهن مسلماً،و كذا إذا كان المرتهن كذلك و لم يضعهما عند ذمّي،و مع الوضع عنده فكذلك عند الأكثر.

خلافاً للشيخ (1)،فأجازه حينئذ إذا كان الراهن ذمّيا؛ محتجاً بأنّ حق الوفاء إلى الذمي،فيصحّ كما لو باعهما و أوفاه ثمنهما.

و يضعّف بوضوح الفرق؛ فإن فائدة الرهن تسليط المرتهن على المرهون بالبيع و نحوه مما يتضمّن الاستيفاء،و هو هنا ممتنع،و الوضع عند

ص:195


1- كما في المبسوط 2:223.

الذمّي غير مُجدٍ بعد ظهور أن يد الودعي يد المستودع،و لا يأتي هذا المحذور فيما فرضه،لعدم تسليط له عليهما بما يوجب الاستيفاء،بل هو المتسلّط عليه و المتكفّل للإيفاء بنحو من البيع جدّاً.

و من هنا ينقدح الوجه في المنع عن رهن العبد المسلم و المصحف عند كافر و لو وضع عند مسلم؛ فإنّ رهنهما عنده نوع تسليط له عليهما منفي آيةً (1)و اتفاقاً.

و قيل:بالجواز فيهما بعد الوضع في يد المسلم (2)؛ لانتفاء السبيل بذلك،و إن لم يشترط بيعه للمسلم،لأنه حينئذ لا يستحق الاستيفاء من قيمته إلّا ببيع المالك أو من يأمره أو الحاكم مع تعذّره،و مثله لا يعدّ سبيلاً؛ لتحققه و إن لم يكن هناك رهن.

و فيه نظر،مع غموض الفرق بينه و بين الخمر التي قد منع عن رهنها القائل المزبور،فتدبّر.

و أن يكون مما يمكن قبضه و يصحّ بيعه فلا يصحّ رهن الطير في الهواء؛ لعدم إمكان قبضه.

قيل:و لو لم نشترطه أمكن الجواز؛ لإمكان الاستيفاء منه و لو بالصلح عليه (3).

و فيه نظر؛ فإن مجرّد الإمكان مع الندرة غايتها غير محصِّل للمقصود الذاتي بالرهن و هو الاستيثاق،و معه لا يحصل عموم يدلّ على لزوم الوفاء بمثله؛ لما مرّ،و لعلّه لذا اشترط الشرطين من لم يشترط القبض أيضاً.

ص:196


1- النساء:141.
2- المسالك 1:227.
3- الروضة 4:70.

و بما هنا و ما يأتي و ما مضى يتأيّد ما أيّدنا به الفاضل في القواعد فيما تقدّم.

و لا السمك في الماء،إلّا إذا اعتيد عود الأوّل،و شوهد الثاني و انحصر في محلّ،بحيث لا يتعذّر قبضهما عادةً،فيصحّ رهنهما حينئذ مع الإقباض على القول باشتراطه،و مطلقاً على غيره.

و حيث اجتمع الشرائط المزبورة جاز الرهن مطلقاً منفرداً كان المرهون بملك الراهن أو مشاعاً بينه و بين غيره،إجماعاً،كما في الخلاف و الغنية و التذكرة (1).و يتوقّف الإقباض في الثاني على إذن الشريك إما مطلقاً كما قيل (2)،أو إذا كان مما لا يكتفى في قبضه بتخليته،على الأصح؛ لحرمة التصرف في ملك الغير فيما يستلزمه و هو المشروط خاصة، دون ما يكتفى في قبضه بالتخلية،فإنها لا تستدعي تصرّفاً،بل رفع يد الراهن عنه خاصّة و تمكينه منه.

و على تقدير اعتباره فلو قبضه بدون إذن الشريك و فعل المحرّم تمّ القبض على الأصح،فإن النهي الذي توهّم منه القول بعدم التمامية إنما هو لحقّ الشريك خاصة؛ للإذن من قبل الراهن الذي هو المعتبر شرعاً.

و لو رهن ما لا يملكه فإن كان بإذن المالك صحّ،إجماعاً،كما حكاه بعض الأصحاب (3)،و إلّا وقف على إجازة المالك في المشهور بين الأصحاب،و هو ظاهر على القول بالفضولي،كما هو أصحّ القولين.

و لو كان يملك بعضه مضى الرهن و صحّ في ملكه خاصة،

ص:197


1- الخلاف 3:224،الغنية(الجوامع الفقهية):592،التذكرة 2:17.
2- الروضة 4:64.
3- المسالك 1:234.

و توقّف الباقي على الإجازة.

و يشكل الصحة فيما يملك مع جهل المرتهن بالحال و عدم إجازة المالك،أمّا على القول باشتراط تعيّن المرهون و عدم صحة ما فيه جهالة كما هو ظاهر الدروس حاكياً له عن صريح الشيخ مع دعواه الإجماع (1)فظاهر.

و أمّا على القول بعدم الاشتراط و الاكتفاء بالتميّز في الجملة كما عن الفاضل (2)فكذلك؛ لعدم التميّز في مفروض المسألة و يمكن أن يقيّد ما في العبارة بصورة علم المرتهن بالحال.

و في هذا الإشكال نظر واضح،بل لعلّه فاسد.

و حيث جاز قيل:يضمن الراهن،و إن تلف بغير تفريط (3)؛ لأنه عرضه للإتلاف بالرهن.

و فيه نظر،إلّا أن يكون إجماعاً،كما هو ظاهر المسالك (4).

و للمالك إجباره على افتكاكه مع قدرته منه و الحلول؛ لأنه عارية و العارية غير لازمة،أما قبل الحلول فليس له ذلك إذا أذن فيه،كما قالوه.

و للمرتهن مع الحلول و إعسار الراهن أن يبيعه و يستوفي دينه منه إن كان وكيلاً في البيع،و إلّا باعه الحاكم إذا ثبت عنده الرهن،سواء رضي المالك بذلك أو لا؛ لأن الإذن في الرهن إذن في توابعه التي من جملتها بيعه عند الإعسار.

ص:198


1- الدروس 3:388،و هو في الخلاف 3:255.
2- قال به في التذكرة 2:14،و المختلف:423.
3- قال به الشهيد الثاني في الروضة 4:69.
4- المسالك 1:234.

و هو لازم من جهة الراهن و إلّا لانتفت فائدته؛ مضافاً إلى عموم لزوم الوفاء بالعقود.و جائز من طرف المرتهن،بلا خلاف،بل عليه و على الأول الإجماع في ظاهر الغنية،و عن صريح التذكرة (1)؛ و هو الحجة، مضافاً إلى أنه لمصلحة فله إسقاطه.

و الفرق بينهما أن الأوّل يسقط حق غيره و الثاني يسقط حق نفسه.

و لا يشبهه شيء من العقود إلّا عقد الكتابة على قول،و يمكن تمشيته في سائرها على القول بالفضولي مع كونه في أحد جانبيها خاصة.

و يستعقب اللزوم عدم جواز الانتزاع إلّا بإسقاط المرتهن الحقّ من الارتهان بفسخ عقد الرهانة،أو حصول براءة ذمّة الراهن من جميع ما عليه من حق المرتهن بأحد موجباتها.

و في إلحاق حصول البراءة من بعض الحق بها من الجميع في جواز انتزاع مجموع الرهن قولان:

للأوّل كما عن القواعد (2)وقوع الرهن في مقابلة مجموع الدين من حيث هو مجموع،و قد ارتفع بعضه فيرتفع المجموع،ضرورة ارتفاعه بارتفاع بعض أجزائه.

و للثاني كما عن الدروس و المبسوط مدّعياً الإجماع عليه (3)النظر إلى الغالب من تعلّق الأغراض باستيفاء الدين عن آخره من الرهن، و يعضده الأصل و الاستصحاب.

و لا ريب فيه لو شرط كونه رهناً على كلّ جزء،كما لا ريب في الأوّل

ص:199


1- الغنية(الجوامع الفقهية):592،حكاه عن التذكرة في مجمع الفائدة 9:142.
2- القواعد 1:165.
3- الدروس 3:403،المبسوط 2:201.

لو شرط كونه رهناً على المجموع،لا على كلّ جزء منه.

و هنا مع عدم الشرطين احتمال ثالث قوّاه في المسالك (1)،و هو مقابلة أجزاء الرهن بأجزاء الدين و تقسيطه عليها،كما هو مقتضى كلّ معاوضة،فإذا بريء من بعض الدين ينفكّ من الرهن بحسابه،فمن النصف النصف و من الثلث الثلث،و هكذا.

و يستشكل فيه بما لو تلف جزء من المرهون فإنه يقتضي أن لا يبقى الباقي رهناً على مجموع الدين،بل على جزء يقتضيه الحساب.

و دفعه بما ذكر في توجيه الاحتمال الثاني من تعلّق الغرض باستيفاء الدين كلّه من الرهن،حسن لو لم يأب هذا الاحتمال العرف الذي هو الأصل في التوجيه المزبور،و لا بُدّ من التأمّل.

و لو رهنه الراهن على الدين المؤجّل و شرطه أن يكون مبيعاً للمرتهن بذلك الدين،أو بقدر مخصوص إن لم يؤدّه عند حلول الأجل لم يصحّ كلّ من البيع و الرهن،بلا خلاف،كما يظهر من المسالك (2)،و في السرائر الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى انتفاء موجب الصحة من الصيغة،و عدم جواز التعليق في الأوّل و يستعقبه فساد الثاني؛ لفساد المشروط بفساد الشرط،مضافاً إلى أنّه لا يوقّت إلّا بالوفاء.

و في تعليل فساد المشروط بفساد شرطه نظر،يظهر وجهه مما في بحث الشروط من كتاب البيع قد مر (4).فالعمدة في فساده هو الإجماع

ص:200


1- المسالك 1:232.
2- المسالك 1:232.
3- السرائر 2:427.
4- راجع ج 8 ص 376.

المنقول.

و لو قبضه كذلك ضمنه بعد الأجل لا قبله،بناءً على القاعدة المشهورة المبرهن عليها المنفي عنها الخلاف في المسالك (1)في خصوص المسألة:من أن كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده،و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده،و حيث إن البيع يضمن بصحيحه حكم بالضمان بعد الأجل،لفساده في المقام،و إن الرهن لا يضمن بصحيحه حكم بعدمه قبله.

و السرّ فيهما أنهما تراضيا في لوازم العقد،فحيث كان مضموناً فقد دخل القابض على الضمان و دفع المالك عليه؛ مضافاً إلى عموم:« على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (2).

و حيث يكون غير مضمون يكون التسليم واقعاً على اعتقاد صحّة العقد،فلم يقصد المسلّم ضماناً،بل سلّم على قصد العدم،و لم يلتزم للتسليم ضماناً أيضاً،فينتفي المقتضي له.

و يعضده الأصل،و انتفاء المخرج عنه من العموم المتقدّم؛ لعدم انصرافه إلى نحو الفرض مما قصد فيه المسلّم نفي الضمان.

و لكن هذا إنما يتمّ لو كانا جاهلين بالفساد أو عالمين به،فإن الدفع و القبض حينئذ يكون بمنزلة الأمانة،و كذا لو كان الدافع عالماً دون الآخر، و يشكل في العكس،من حيث إن القابض لعلمه بالحال أخذ بغير حقّ و الدافع توهّم الصحة،و إلّا لما رضي بدفع ماله،فينبغي أن يكون مضموناً؛

ص:201


1- المسالك 1:233.
2- عوالي اللآلي 2:10/345،سنن البيهقي 6:90،مستدرك الحاكم 2:47،مسند أحمد 5:8.

للعموم السابق.إلّا أن يدفع بما مرّ من الأصل،و عدم انصراف العموم إلى محل الفرض.

و هذا هو العمدة في توجيه الحكم في الصور السابقة؛ إذ لولاه لأمكن انسحاب هذا الإشكال في الصورة الأُولى منها،من حيث إنّ رضاء المسلّم بدفع العين فيها إنما هو لتوهّم صحّة العقد،بحيث لولاه لما رضي بالدفع.

و لا يدخل حمل الدابة و لا ثمرة النخل و الشجر و نحوهما من النماء الموجود حال العقد في الرهن إلّا بالاشتراط،أو الاتصال الغير القابل للانفصال،عند الأكثر،بل في الانتصار الإجماع (1)،لكن على الحمل خاصّة.

خلافاً للإسكافي،حيث قال بالدخول على الإطلاق (2)؛ تبعاً للأصل.

و لا ريب في ضعفه،و عدم إمكان المصير إليه،لمخالفته الإجماع، و الأصل الدالّ على عدم الدخول،مع عدم المخرج عنه بعد ظهور أنه لا يتناوله لفظ المرهون.

و قيل بدخول نحو الصوف و الوبر مما هو بحكم الجزء (3).

و هو حسن إن حكم العرف بالدخول،و إلّا فالأظهر ما هو المشهور، و لعلّه المفروض.

نعم لو تجدّد النماء بعد الارتهان دخل إن كان متّصلاً لا يقبل الانفصال،كالسمن و الطول،بالإجماع المستفيض النقل في كلام غير واحد من الأصحاب (4).

ص:202


1- الانتصار:230.
2- حكاه عنه في المختلف:418.
3- الحدائق 20:240.
4- كالعلّامة في المختلف:418،و الشهيد الثاني في الروضة 4:89.

و كذا إن كان منفصلاً كأمثلة العبارة،أو ما يقبله كالشعر و الصوف على المشهور،كما عن الإسكافي و أحد قولي الطوسي،و المفيد و القاضي و الحلبي و الحلّي و المرتضى و ابني حمزة و زهرة (1)،و تبعهم من المتأخرين جماعة،كالماتن هنا و في الشرائع و الشهيد في كتبه الثلاثة (2).

و لا يخلو عن قوة.لا لتبعيّة الأصل كما قيل (3)؛ لمنعها في مطلق الحكم،بل إنما هي في الملك و لا كلام فيها.و لا لتبعيّة ولد المدبّرة لها في التدبير؛ لخروجها بالدليل،مع حرمة القياس،و وجود الفارق و هو تغليب جانب العتق.

بل للإجماع المنقول في صريح الانتصار و السرائر و ظاهر الغنية (4)؛ و هو حجّة،سيّما مع اعتضاده بالتعدّد و الشهرة.

و لولاه لكان المصير إلى القول بعدم الدخول كما عن الخلاف و المبسوط (5)و تبعه من المتأخّرين جماعة (6)لا يخلو عن قوّة.لا للمعتبرة الآتية القاضية بأن النماء المتجدّد للراهن؛ لأن غايته الدلالة على التبعيّة في

ص:203


1- نقله عن الإسكافي في المختلف:418،الطوسي في النهاية:434،المفيد في المقنعة:623،القاضي في المهذب 2:61،الحلبي في الكافي:334،الحلي في السرائر 2:424،المرتضى في الانتصار:230،ابن حمزة في الوسيلة:265،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):592.
2- الشرائع 2:83،الشهيد في الدروس 3:393،و اللمعة(الروضة 4):88،و غاية المراد 2:191.
3- الروضة 4:88.
4- الانتصار:230،السرائر 2:424،الغنية(الجوامع الفقهية):592.
5- الخلاف 3:241،المبسوط 2:215.
6- منهم:العلّامة في القواعد 1:164،و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 2:36،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:132.

الملك،و لا ينافيها الدخول في المرهون كما هو فرض المسألة.بل لأصالتي عدم الدخول،و جواز تصرّف المالك في ماله و نمائه كيف يشاء، خرج منهما الأصل بوقوع الرهن عليه،فبقي الباقي.

و لو اشترط المرتهن الدخول أو الراهن الخروج ارتفع الإشكال، و حكي عليه الإجماع في الدروس (1)،و يعضده عموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط؛ مضافاً إلى ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود.

و لا ينافي اشتراط الدخول عدم جواز رهن المعدوم؛ لمنعه على العموم،بل يخصّ بما ليس تابعاً لموجود،و أما فيه فيجوز،كما هو المفروض.

و فائدة الرهن مطلقاً للراهن عندنا،و عليه الإجماع في كشف الحق و غيره (2)،و الإجماعات السابقة جارية هنا؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى كثير من المعتبرة التي هي مع تعدّدها موثقات كالصحيحة، فإن في سندها جملة ممن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنهم العصابة، في اثنتين منها:أن غلّة الرهن تحتسب لصاحب الرهن مما عليه (3).

و في الثالث:إن رهن داراً لها غلّة لمن الغلّة؟قال:« لصاحب الدار» (4)هذا.

مضافاً إلى المعتبرة الآتية الدالّة على أن هلاك الرهن منه فكذا نماؤه

ص:204


1- الدروس 3:394.
2- كشف الحق:490؛ انظر كشف الرموز 1:542،و المسالك 1:233،و مجمع الفائدة و البرهان 9:170،و مفاتيح الشرائع 3:140.
3- الكافي 5:13/235،التهذيب 7:750/169 و 7:773/175،الوسائل 18:394 أبواب أحكام الرهن ب 10 ح 1 و 4.
4- الكافي 5:12/235،الوسائل 18:395 أبواب أحكام الرهن ب 10 ح 3.

له؛ للتلازم بينهما الثابت ببعضها و ببعض المعتبرة الواردة في [بحث] خيار الشرط، و فيه بعد الحكم بأن النماء للمشتري:« أ رأيت لو أن الدار احترقت مِن مال مَن كانت تكون الدار دار المشتري» (1).

و لم يخالف في المقام عدا العامة فيحتجّ عليهم بما رووه من النبوي:

« لا يُغلق الرهن،الرهن من صاحبه الذي رهنه،له غنمه و عليه غرمه» (2).

و يستفاد منه التلازم المتقدم،مضافاً إلى موافقته للحكمة الربّانية.

و لو رهن رهنين بدينين ثم أدّى عن أحدهما و فكّ ما بإزائه من الرهن لم يجز إمساكه ب الدين الآخر للأصل،و عدم ارتباط أحد الدينين بالآخر،فلا يجوز أخذ رهن أحدهما بالآخر.

و منه يظهر الوجه في أنه لو كان له دينان و أخذ بأحدهما رهن دون الآخر لم يجز إمساكه بهما و لا بدين ثالث.

و لا يدخل زرع الأرض المرهونة في الرهن مطلقاً سابقاً كان على الرهانة أو متجدّداً بعدها،بلا خلاف أجده؛ للأصل،و عدم المخرج عنه في المقام.

الثاني في الحق

الثاني:في بيان الحق المرهون به.

و يشترط ثبوته في الذمة بمعنى استحقاقه فيها مطلقاً،و إن لم يكن مستقراً كالقرض و ثمن المبيع و لو في زمن الخيار مالاً كان كالأمثلة أو منفعة كالعمل و نحوه من المنافع المستأجرة،فلا يصحّ الرهن على ما لم يثبت كمالٍ يستدينه بعدُ،أو يستأجره كذلك،و لا على ما

ص:205


1- التهذيب 7:780/176،الوسائل 18:20 أبواب الخيار ب 8 ح 3.
2- عوالي اللآلي 3:1/234،المستدرك 13:422 أبواب كتاب الرهن ب 10 ح 3،و انظر سنن الدارقطني 3:32 33،و الجامع الصغير 2:9976/757.

حصل سببه و لم يثبت،كالدية قبل استقرار الجناية و إن حصل الجرح، و لا على مال الجعالة قبل الردّ و إن(شرع في العمل) (1).

و أمّا العين فلا يصحّ الرهن عليها إن كانت أمانة،بالاتفاق،كما عن التذكرة و في المسالك و غيره (2)؛ و هو الحجة مضافاً إلى الأدلّة الآتية في المنع عن الرهن على العين المضمونة.

لا ما قيل من امتناع استيفائها بعينها من شيء آخر،كما هو مقتضى الرهن (3).

فإنه يردّ أوّلاً:بإمكان التوثيق بأخذ العوض عند التلف.

و ثانياً:بعدم جريانه في الدين المجمع على جواز الرهن عليه،فإنّ ما يستوفي من الرهن أو ثمنه ليس عين الدين الكلّي الذي اشتغل به الذمة، و لا ريب في تغايره لجزئيّاته و لو في الجملة،سيّما على القول بأن وجوده في الخارج في ضمن الفرد لا عينه.

و كذا إذا كانت مضمونة كالغصب،عند الأكثر.و هو الأظهر؛ للأصل، و عدم دليل على الصحة،لعدم الإجماع بعد استقرار فتوى الأكثر على الخلاف،و اختصاص الآية (4)و جملة من النصوص بالدين،و عدم انصراف إطلاق باقيها بحكم ما سبق غير مرّة إلى محل الفرض.

نعم،بقي العمومات الدالّة على لزوم الوفاء بالعقود،إلّا أنه يمكن الذبّ عنها باختصاصها بحكم الإجماع بالعقود المتداولة في زمان الشرع،

ص:206


1- بدل ما بين القوسين في« ت» و نسخة في« ق» و« ر»:حصل البذل.
2- التذكرة 2:23،المسالك 1:228،المفاتيح 3:137.
3- المسالك 1:228.
4- البقرة:283.

و في كون محل الفرض منها نوع شك و غُموض ينشأ من الشك في تداول مثله فيه،و إن حصل القطع بتداول جنس الرهن فيه،لكن كون المقام من أفراده محل غموض،و تسميته رهناً حقيقة في اللغة و العرف غير معلوم، فلا بُدّ حينئذ من الرجوع إلى حكم الأصل،و هو فساد الرهن،فتأمّل جدّاً.

و بما ذكر سقط حجج القول بالجواز،كما اختاره الشهيدان و حكي عن التذكرة (1)،مع ورود مثلها في الأمانة حيث يحتمل سبب الضمان.

و ما يذبّ به عن الإيراد،من كون العين في محل البحث مضمونة عند الرهن و لا كذلك الأمانة،غير مفهوم،فإنّ مضمونيّة محل البحث مشروط بالتلف و ليس بالفعل على اليقين،و الضمان بالشرط جارٍ في نحو العارية،فإنها و إن لم تكن مضمونة عند العقد بمجرّد التلف فيما بعد، إلّا أنها مضمونة به مع التفريط.

فكلّ من المقامين مضمون عند العقد في الجملة،و إن كان الضمان في الأوّل بمجرّد التلف و في الثاني به مع التفريط،و مجرّد الافتراق بذلك غير مجدٍ للفرق بعد دعوى عموم دليل الجواز و الاشتراك في الضمان في الجملة الذي هو المعيار في دعواهم صحّة الرهن به.

نعم يمكن الذبّ و التفريق بالإجماع.

و أمّا استدلال بعض متأخّري الأصحاب (2)للجواز بالمعتبرة المستفيضة الدالّة على جواز الرهانة على خصوص المضمون،منها:عن السلم في الحيوان و الطعام و يؤخذ الرهن؟فقال:« نعم،استوثق من مالك ما

ص:207


1- الشهيد الأول في الدروس 3:401 و 403،الشهيد الثاني في المسالك 1:228،و الروضة 4:53،التذكرة 2:23.
2- الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:138.

استطعت» (1).

فإن كان من حيث دلالتها على الجواز في المضمون كما هو ظاهر العبارة فغريب؛ إذ لم تدلّ إلّا على الجواز في السلف و النسيئة؛ و هما من أقسام الدين الجائز فيه أخذ الرهن بالإجماع،و مجرّد تسميته مضموناً مع عدم كونه من محل البحث لعدم كونه عيناً غير مجدٍ في الاستدلال جدّاً.

و إن كان من حيث إشعار التعليل بالاستيثاق بالعموم ففيه أنه بعد عدم وروده إلّا في بعضها،فلا وجه للاستدلال بجميعها.

مضافاً إلى المنافاة لظاهر العبارة،إذ حصول الاستيثاق بهذا الرهن أوّل الكلام،فإنه لا استيثاق إلّا بعد صحته و عدم جواز رجوع الراهن فيه،و هي أوّل البحث.

مع أن عمومها يخرج منه كثير من الرهون الفاسدة التي الصحيحة منها بالإضافة إليها قليلة،و مثل هذا العام خارج عن الحجية،كما برهن عليه في المسائل الأُصولية.

ثم إن في اشتراط ثبوت الدين و استقراره في الذمة قبل الرهن،أم الاكتفاء بالمقارنة،كأن يقول:بعتك هذا العبد بألف و ارتهنت هذا الثوب به،فقال المشتري:اشتريت و رهنت،قولان،و حكي الأوّل عن الأكثر، و الثاني عن التذكرة (2)،و اختيار الأوّل لا يخلو عن قوّة.

و لو رهن رهناً على مال ثم استدان آخر فجعله عليهما صحّ لعدم المانع،و وجود المقتضي من التوثيق و الارتفاق،سيّما مع زيادة قيمة على الأوّل.

ص:208


1- التهذيب 7:178/42،الوسائل 18:380 أبواب أحكام الرهن ب 1 ح 4.
2- التذكرة 2:23.

و لا يشترط الفسخ ثم التجديد،بل يضمّ بعقد جديد.

و كذا لو رهن على المال الواحد رهناً آخر فصاعداً،و إن كانت قيمة الأوّل تفي بالدين؛ لجواز عروض ما يمنع من استيفائه منه،و لزيادة الارتفاق و التوثيق.

الثالث في الراهن

الثالث:في بيان الراهن.

و يشترط فيه كمال العقل بالبلوغ و الرشد و جواز التصرف برفع الحجر عنه في التصرفات المالية كما في سائر العقود.

و للولي أن يرهن لمصلحة المولّى عليه ماله،كما إذا افتقر إلى الاستدانة لنفقته أو إصلاح ماله و لم يكن بيع شيء من ماله أعود،أو لم يمكن و توقّفت على الرهن،و يجب كونه على يد ثقة يجوز إيداعه منه.

و لا خلاف في أصل الحكم،بل عليه الوفاق في المسالك (1)،و إنما الخلاف لبعض الشافعية كما فيه.

و كذا يجوز بل ربما قيل يجب أخذ الرهن له،كما إذا أسلف ماله مع ظهور الغبطة،أو خيف على ماله من غرق أو حرق أو نهب.

و يعتبر كون الرهن مساوياً للحق أو أزيد؛ ليمكن الاستيفاء منه، و كونه بيد الولي أو يد عدل،ليتمّ التوثّق،و الإشهاد على الحق لمن يثبت به عند الحاجة إليه عادةً،فلو أخلّ ببعض هذه ضمن مع الإمكان،كما قالوه، و لا ريب أن فيه احتياطاً لمال اليتيم المبني جواز التصرف فيه عندهم على المصلحة و الغبطة،فضلاً عن عدم دخول نقص عليه.

و ليس للراهن التصرف في الرهن ببيع أو وقف أو نحوهما مما يوجب إزالة الملك،و لا بإجارة و لا سكنى و لا غيرهما مما يوجب

ص:209


1- المسالك 1:229.

نقصه،بلا خلاف فيهما؛ لما في الأوّل من فوات الرهن،و في الثاني من دخول الضرر على المرتهن.

و أما غيرهما مما لا يوجب الأمرين فكذلك على الأشهر الأقوى؛ لإطلاق المروي في المختلف و غيره عنه عليه السلام:« الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن» (1).

و للإجماع المحكي عن الطوسي في استخدام العبد و ركوب الدابة و زراعة الأرض و سكنى الدار (2)،و عن الحلّي مطلقاً (3).

خلافاً للمحكي عن محتمل التذكرة (4)،و تبعه من متأخّري المتأخّرين جماعة (5)،مستندين إلى الأصل،و عموم الخبر بإثبات التسلط لأرباب الأموال عليها مطلقاً (6).

و خصوص الصحيحين الواردين في تجويز وطء الأمة المرهونة،في أحدهما:رجل رهن جارية عند قوم،أ يحلّ له أن يطأها؟قال:« إن الذين ارتهنوها يحولون بينه و بينها» قلت:أ رأيت إن قدر عليها خالياً؟قال:« نعم، لا أرى عليه هذا حراماً» (7)و نحوه الثاني (8).

ص:210


1- المختلف:421.
2- كما في المبسوط 2:206،237،و الخلاف 3:252.
3- السرائر 2:417.
4- التذكرة 2:29.
5- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 9:164،و السبزواري في كفاية الأحكام:109،و صاحب الحدائق 20:266.
6- عوالي اللئلئ 1:99/222.
7- الكافي 5:15/235،التهذيب 7:752/169،الوسائل 18:397 أبواب أحكام الرهن ب 11 ح 2.
8- الكافي 5:20/237،الفقيه 3:910/201،التهذيب 7:753/169،الوسائل 18:396 أبواب أحكام الرهن ب 11 ح 1.

و لا يخلو عن قوة لولا الرواية المتقدمة،و الإجماعات المحكية المتقدمة بعضها و الآتي باقيها،المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة،لعدم معلومية الخلاف حتى عن التذكرة،كما اعترف به بعض هؤلاء الجماعة (1)،بل ظاهر عبارته المحكية عدم الخلاف في المنع بين الإمامية،حيث نسبه إلى الشافعية خاصة، و لم ينسبه إلى أحد منّا،نعم أيّد مذهبهم،لكن بعبارات ليست في الفتوى بالجواز صريحة،بل و لا ظاهرة.

و أمّا هؤلاء الجماعة فلا ينافي مخالفتهم الإجماع،سيّما و إنّ دأبهم المناقشة في كثير من الموارد الإجماعية،و لا يبالون بالإجماعات المحكية، معتضدةً بالشهرة بل و عدم الخلاف كانت أم غير معتضدة،فيخصّص بالإجماع الدليلان الأوّلان.

و يذبّ عن الخبرين به و بالإجماع المحكي عن صريح المبسوط و الخلاف (2)على أنه لا يجوز وطء الأمة المرهونة،المعتضدين ببعض الوجوه الاعتبارية،المشار إليه بقوله: لأنه تعريض للإبطال في الرهن بالاستيلاد المانع عن البيع،بل ربما حصل معه الموت بسبب الوضع في بعض الأحيان.

مضافاً إلى الإجماع الظاهر من قول الماتن: و فيه رواية بالجواز مهجورة و نحوه قول الشهيد في الدروس (3)،فاستفاض الإجماع على

ص:211


1- انظر الكفاية:109.
2- المبسوط 2:206،الخلاف 3:231.
3- الدروس 3:400.

المنع عن وطئها عموماً في بعض و خصوصاً في آخر،فلا يقاومه الخبران و إن صحّ سندهما،بل و إن اعتضدا بأحاديث أُخر غيرهما،فقد ورد عنهم عليهم السلام الأمر بطرح الخبر الشاذّ الذي لم يوجد له عامل،و الأمر بالأخذ بالمشتهر بين الأصحاب (1)،معلّلاً بعلّة اعتبارية قاطعة عامة تجري في الفتوى و الرواية.و بها يذبّ عن المناقشة فيه بالاختصاص بالأخيرة؛ لكونها مورد ما دلّت عليه الرواية الآمرة،هذا.

مع احتمالها الحمل على التقية،كما يستشعر من التذكرة و عبارة الشيخ المحكية (2)،حيث عزيا القول بالجواز إلى الشافعية كما في الأُولى، أو مطلقاً كما في الثانية.

و لعلّ وجه الحكمة في المنع عن التصرّفات بالكلّية و إن لم تكن ناقلة و لا منقصة ما ذكره بعض الأصحاب (3):من القصد إلى تحريك الراهن إلى الأداء؛ إذ لو جاز له الانتفاع و لو في الجملة لانتفت الفائدة في الرهانة و الوثيقة،فقد يكتفي ببعض المنافع و يقتصر به عن الباقي.

و مثله و إن لم يصلح دليلاً،إلّا أنه قابل للتأييد القوي جدّاً.

و بما ذكر يظهر الجواب عن مختار المسالك و المهذّب (4)و الصيمري:

من جواز التصرف بما يعود به النفع إلى المرتهن،كمداواة المريض،و رعي الحيوان،و تأبير النخل،و ختن العبد،و خفض الجارية،إن لم يؤدّ إلى النقص،إلّا أن يقال بحصول الإذن بذلك بالفحوى،و لكنه حينئذ خروج

ص:212


1- انظر الوسائل 27:106 أبواب صفات القاضي ب 9.
2- التذكرة 2:28،الشيخ في الخلاف 3:231.
3- الشهيد في المسالك 1:231.
4- المسالك 1:231،المهذب البارع 1:496.

عن المفروض جدّاً،لأنه التصرف الذي لم يتحقق فيه إذن أصلاً.

و حيث ثبت المنع لو خالف و تصرّف بدون الإذن،فإن كان بعقد كما لو باعه الراهن مثلاً بدونه صحّ و إن أثم،و لكن وقف على إجازة المرتهن فإن حصلت،و إلّا بطل؛ استناداً فيه إلى ما مرّ،و في الصحة إلى عموم أدلّة الفضولي،أو فحواها إن اختصّت بإجازة المالك.

و إن كان بانتفاع منه أو ممن سلّطه عليه و لو بعقد لم يصحّ،و فعل محرّماً؛ لما مضى.

و في وقوف العتق على إجازة المرتهن أم بطلانه من رأس تردد للمنع كما عن المبسوط (1)كون العتق إيقاعاً فلا يتوقف؛ لاعتبار التنجيز فيه.

و للجواز عموم أدلّة العتق السليمة عن المعارض،بناءً على أن المانع هنا حق المرتهن،و قد زال بالإجازة بمقتضى الفرض.

أشبهه الجواز و الصحّة مع الإجازة،وفاقاً للنهاية و التحرير (2)، و به أفتى الماتن في الشرائع و الصيمري في الشرح،و تبعهم الشهيدان (3)؛ لمنع منافاة التوقف المذكور للتنجيز كغيره من العقود التي يشترط ذلك فيها أيضاً،فإنّ التوقف الممنوع منه هو توقف المقتضي على شرط لا على زوال مانع،و على هذا لو لم يبطله المرتهن إلى أن افتكّ الرهن لزم.

و هو حسن مع حصول نية التقرب،و هو مع النهي عنه و اشتراطه

ص:213


1- المبسوط 2:206.
2- النهاية:433،التحرير 1:207.
3- الشرائع 2:82،الدروس 3:398،الروضة 4:83.

بالقربة لا يخلو عن التأمّل.

مضافاً إلى الأصل،و عدم عموم في أدلّة لزوم العتق يشمل محل النزاع،و إن كان الأحوط ذلك،بمعنى عدم تملّكه مثل هذا العبد و عتقه في ثاني الحال.

إلّا أنه يمكن الذبّ عن الأوّل بأن متعلّق النهي هو التصرف،و ليس بمعلوم عدّ مثل إجراء صيغة العتق بمجرّده منه،و لعلّه لذا إن الشيخ مع دعواه الإجماع المتقدم (1)جوّز تزويج العبد المرهون في الخلاف و المبسوط (2)،مشترطاً فيه عدم التسليم إلّا بعد الفكّ،و مال إليه الفاضل في المختلف بعد أن ردّه (3)،وفاقاً لموضع آخر من المبسوط (4)قد منع فيه عن التزويج على الإطلاق،مستنداً إلى إطلاق ما مرّ من الخبر (5).

فما ذكره الأكثر من الجواز،هو الوجه مع تحقق العموم،كما هو ظاهر الفريقين،حيث لم يتعرّضوا لمنعه،بل ظاهرهم الإطباق على وجوده،و إنما علّل المانع المنع بما مرّ لا بمنعه،و هو ظاهر في إجماعهم على وجوده.

الرابع في المرتهن

الرابع:في بيان المرتهن.

و يشترط فيه ما اشترط في الراهن و المتعاقدين في سائر العقود:

من كمال العقل بما مرّ و جواز التصرف لاتّحاد الدليل.

و اعلم أن إطلاق الرهن لا يقتضي كون المرتهن وكيلاً في البيع و

ص:214


1- راجع ص:211.
2- الخلاف 3:253،المبسوط 2:238.
3- المختلف:421.
4- المبسوط 2:200.
5- في ص:210.

لكن يجوز اشتراط الوكالة في بيع الرهن عند حلول أجل الدين،له و لوارثه و غيره،في عقد الرهن و غيره من العقود اللازمة،بلا خلاف يعرف،بل عليه الإجماع في الغنية (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل، و عمومات الأدلة بلزوم الوفاء بالعقود و الشروط السائغة الغير المخالفة للكتاب و السنة،و ما نحن فيه منها بالبديهة.

و لو عزل الراهن المشروط له الوكالة،مرتهناً كان أو غيره لم ينعزل عنها،على الأظهر،وفاقاً للفاضلين و الشهيد الثاني و المفلح الصيمري و جماعة (2)؛ للزوم الرهن من جهته،و هو الذي شرطها على نفسه،فيلزم من جهته.

خلافاً لنادر (3)،فقال:ينعزل؛ إما لأن الوكالة من العقود الجائزة التي من شأنها تسلّط كلّ منهما على الفسخ؛ أو لعدم وجوب الوفاء بالشرط مطلقاً و إن كان في عقد لازم،بل شأنه تسلّط المشروط له على فسخ العقد المشروط فيه؛ أو لأن لزوم الشرط إنما يكون مع ذكره في عقد لازم كالبيع، و ليس كذلك الرهن،فإن ترجيح أحد طرفيه على الآخر ترجيح من غير مرجّح.

و يضعّف الأوّل:بأن جواز الوكالة بحسب الأصل لا ينافي لزومها بسبب العارض،كالاشتراط في العقد اللازم،و هو هنا كذلك.

و الثاني:بمنع عدم وجوب الوفاء بالشرط في العقد اللازم،بل الظاهر

ص:215


1- الغنية(الجوامع الفقهية):592.
2- المحقق في الشرائع 2:79،العلّامة في القواعد 1:161،الشهيد الثاني في الروضة 4:78؛ و انظر الوسيلة:265،و اللمعة(الروضة البهية 4):78،و الحدائق 20:257.
3- الشهيد في اللمعة(الروضة 4):78.

الوجوب،وفاقاً للأكثر،و قد تقدّم البحث في ذلك (1).

و الثالث:بأن عقد الرهن لمّا كان لازماً من طرف الراهن كان ما يلزمه الراهن على نفسه بعقده لازماً من قبله،عملاً بمقتضى اللزوم،و الشرط وقع من الراهن على نفسه فيلزم،و لمّا كان جائزاً من طرف المرتهن كان ما يلزمه كذلك فيجوز له فسخ الوكالة،و هو واضح،لأنه حقّه فله تركه.

و أما فسخ العقد المشروط فيه فغير متوجّه في المقام،بناءً على تعقّبه الضرر على المرتهن.

نعم،لو كان مشروطاً في عقد لازم آخر توجّه الفسخ حينئذٍ،إلّا أن المقصود هنا شرطها في عقد الرهن خاصة.

و أما ما ربما يستدل لهذا القول باتّفاق الأصحاب في الظاهر على أنه تبطل الوكالة المشروطة فيه أي في عقد الرهن بموت الموكّل دون الرهانة بناءً على أن لزومها يستدعي عدم بطلانها،كما هو شأن العقود اللازمة،فالبطلان به منافٍ للّزوم.

فمضعّف بأن تغيّر حكم الوكالة بالشرط لا يوجب تغيّر حقيقتها التي هي استنابة الوكيل بإيقاع الفعل عن الموكّل،و هي بموت الموكل منتفية، لعدم جواز إيقاع الفعل هنا عن الميّت،لانتقال متعلّق الوكالة إلى الغير،و مع انتفاء الحقيقة ينتفي الحكم،لأن الجواز و اللزوم من أحكام الوكالة،و لا بقاء للحكم مع انتفاء الحقيقة.

و كما تبطل بموت الموكّل تبطل بموت الوكيل،لا من حيث كون الوكالة من العقود الجائزة التي من شأنها البطلان بالموت،بل من حيث إنّ

ص:216


1- راجع ص:368 من ج 8.

الغرض من الوكالة الإذن في التصرّف،فيقتصر فيها على من اذن له خاصّة، فإذا مات بطلت من هذه الجهة،كالإجارة المشروط فيها العمل بنفسه،فإنها تبطل بموته.

و أما الرهانة فلا تبطل بموت أحدهما؛ للزومها من جهة الراهن و كونها حقّا للمرتهن.لكن إذا مات أحدهما كان للآخر الامتناع من تسليمه إلى وارثه،و كذا للوارث الامتناع من تسليمه إليه؛ لأن وضعه عند أحد مشروط باتّفاقهما عليه.و إن تشاحّا فللحاكم تسلّمه و تسليمه إلى عدل ليقبضه لهما،كذا قالوه.

و يجوز للمرتهن ابتياع الرهن لنفسه برضاء المالك مطلقاً،كان وكيلاً في بيعه أم لا،إجماعاً على الظاهر؛ للأصل،و العمومات،مع فقد المانع.

مضافاً إلى الصحيح:عن الرجل يكون له الدين على الرجل و معه الرهن،أ يشتري الرهن منه؟قال:« نعم» (1).

و في جوازه بمجرّد وكالته في بيعه مع عدم معلومية رضاء المالك به و بعدمه قولان،مبنيان على جواز بيع الوكيل من نفسه و عدمه،و ليس هنا محل ذكره.و لا ريب أن الترك أو الاستيذان أحوط.

و المشهور جواز ابتياعه لولده و شريكه و من يجري مجراهما.

خلافاً للإسكافي (2)،فمنع عنه أيضاً.و لا شاهد له سوى القياس جدّاً،فإنّ الأخبار المانعة عن بيع الوكيل من نفسه (3)غير ظاهرة الشمول

ص:217


1- الكافي 5:22/237،التهذيب 7:755/170،الوسائل 18:399 أبواب أحكام الرهن ب 13 ح 2.
2- كما حكاه عنه في المختلف:422.
3- الوسائل 18:384 أبواب أحكام الرهن ب 4.

للمفروض أصلاً.و ما ربما يتوهّم منه الشمول له من حيث التعليل للمنع فيه بالتهمة الجارية فيه ظاهر في كراهة المنع لا تحريمه،فلا وجه للاستناد إليه لإثباته.

و المرتهن أحقّ من غيره باستيفاء دينه من الرهن مطلقاً سواء كان الراهن حياً أو ميّتاً بلا خلاف في الأول فتوًى و رواية،بل عليه الإجماع في ظاهر كلام المقدس الأردبيلي و غيره (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أن فائدة الرهن شرعاً و عرفاً و لغةً اختصاص المرتهن بالاستيفاء،و مقتضاها تقديمه على غيره من الغرماء.

و منها يظهر الوجه في انسحاب الحكم في الثاني،مع اشتهاره بين الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم في ذلك،و إن أشعر كثير من العبارات بوقوعه،و لكن لم يصرّح أحد منهم بقائله،إلّا أن بعض متأخّري المتأخّرين عزاه إلى الصدوق في الفقيه (2)،بناءً على ذكره فيه الرواية المخالفة المشار إليها في العبارة بقوله: و في الميت رواية أُخرى مع ذكره في أوله ما يستدل به على فتواه بها.و فيه نظر.

و المراد بالرواية هنا الجنس،لتعددها،في بعضها:عن رجل أفلس و عليه دين لقوم و عند بعضهم رهون و ليس عند بعضهم،فمات و لا يحيط ماله بما عليه من الدين،قال:« يقسم جميع ما خلّف من الرهون و غيرها على أرباب الدين بالحصص» (3).

ص:218


1- الأردبيلي في مجمع الفائدة 9:155؛ و انظر السرائر 2:424.
2- حكاه في الحدائق 20:260،عن السيد عبد اللّه بن المقدس السيد نور الدين بن العلّامة السيد نعمة اللّه الجزائري،و هو في الفقيه 3:198 ح 901.
3- الفقيه 3:891/196،التهذيب 7:783/177،الوسائل 18:405 أبواب أحكام الرهن ب 19 ح 1.

و نحوه آخر:« جميع الديّان في ذلك سواء و يوزّعونه بينهم بالحصص» (1)الخبر.

و هما قاصرا الأسانيد،بل الأُولى ضعيفة،و الثانية مع الجهالة مكاتبة، و مع ذلك شاذّتان مخالفتان لما مرّ من الفائدة المتفق عليها فتوًى و رواية.

مضافاً إلى سبق حق المرتهن بالرهانة،و أصالة بقائه و ثبوت سلطنته المتقدمة،و لا يخرج عن هاتين القاعدتين المعتضدتين بعمل الأصحاب في البين بنحو هذين الخبرين اللذين أُمرنا بطرح أمثالهما من شواذّ الأخبار.

و ربما يؤوّلان بتأويلات بعيدة،لكن لا بأس بها،جمعاً بين الأدلّة،هذا.

مع أن في الدروس الرواية مهجورة (2)،و هذه العبارة في دعوى الإجماع على خلافها ظاهرة،بل عبارة السرائر (3)في دعواه صريحة،و في المسالك أن تحقق التعارض في الحي إنما هو إذا كان مفلساً محجوراً عليه؛ إذ بدونه يتخير في الوفاء (4).و هو كذلك.

و لو قصر الرهن عن الدين المرهون به ضرب المرتهن مع الغرماء في الفاضل من الدين؛ لعدم انحصار الحق في الرهن بعقده، فيتناوله عموم الأدلّة بضرب صاحب الدين مع الغرماء في مال المفلس و الميت،و كذلك لو زاد عنه صرفه إلى الغرماء أو الورثة.

و الرهن أمانة في يد المرتهن،و لا يسقط بتلفه شيء من ماله ما لم يتلف بتعدٍ أو تفريط بلا خلاف بين الأصحاب على الظاهر،بل عليه

ص:219


1- الفقيه 3:901/198،التهذيب 7:784/178،الوسائل 18:405 أبواب أحكام الرهن ب 19 ح 2.
2- الدروس 3:404.
3- السرائر 2:424.
4- المسالك 1:230.

الإجماع عن الشيخ و في التذكرة و نهج الحق للفاضل و السرائر و الغنية (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و المعتبرة المستفيضة،منها الصحاح،في أحدها:

رجل رهن عند رجل رهناً فضاع [و ضاع] الرهن،قال:« هو من مال الراهن، و يرتجع المرتهن عليه بماله» (2).

و في الثاني:الرجل يرهن عند الرجل رهناً فيصيبه شيء أو يضيع، قال:« يرجع عليه بماله» (3).

و في الثالث:الرجل يرهن الغلام أو الدار فتصيبه الآفة،على من يكون؟قال:« على مولاه» ثم قال لي:« أ رأيت لو قتل قتيلاً على من يكون؟» قلت:هو في عنق العبد،قال:« أ لا ترى لِمَ يذهب من مال هذا؟ » ثم قال:« أ رأيت لو كان ثمنه مائة دينار فزاد و بلغ مائتي دينار لمن كان يكون؟» قلت:لمولاه،قال:« و كذا يكون عليه ما يكون له» (4).

و منه و مما في معناه مما دلّ على التلازم بين النقصان و المنفعة يظهر وجه إمكان الاستناد في المقام إلى المعتبرة المتقدمة الدالّة على أن نماء الرهن للراهن (5)،و لكن بإزائها أخباراً ظاهرة المخالفة بحسب الإطلاق في

ص:220


1- الشيخ في الخلاف 3:256،التذكرة 2:32،نهج الحق:489،السرائر 2:419،الغنية(الجوامع الفقهية):593.
2- الفقيه 3:885/195،الوسائل 18:385 أبواب أحكام الرهن ب 5 ح 1.
3- الكافي 5:11/235،التهذيب 7:757/170،الإستبصار 3:421/118،الوسائل 18:387 أبواب أحكام الرهن ب 5 ح 5.
4- الكافي 5:10/234،التهذيب 7:764/172،الإستبصار 3:430/121،الوسائل 18:387 أبواب أحكام الرهن ب 5 ح 6.
5- راجع ص:204.

الحكم،منها الصحيح:عن قول علي عليه السلام في الرهن:« يترادّان الفضل» قال:« كان عليه السلام يقول ذلك» قلت:كيف يترادّان الفضل؟فقال:« إن كان الرهن أفضل مما رهن به ثم عطب ردّ المرتهن الفضل على صاحبه،و إن كان لا يسوى ردّ الراهن ما ينقص من حقّ المرتهن» قال:« و كان ذلك قول علي عليه السلام في الحيوان و غير ذلك» (1).و نحوه الموثق كالصحيح (2).

و حملا على تفريط المرتهن؛ للمرسل في الرهن:« إذا ضاع من عند المرتهن من غير أن يستهلكه رجع في حقه على الراهن فأخذه،فإن استهلكه ترادّا الفضل بينهما» (3).

و به أيضاً يشعر ظاهر الصحيح:عن الرجل يرهن الرهن بمائة درهم و هو يسوي ثلاثمائة درهم فهلك،أعلى الرجل أن يردّ على صاحبه مأتي درهم؟قال:« نعم،لأنه أخذ رهناً فيه فضل فضيّعه» قلت:فهلك نصف الرهن،قال:« على حساب ذلك» (4).

و نحوه الخبر:« إذا رهنت عبداً أو دابةً فماتا فلا شيء عليك،و إن هلكت الدابة أو أبق الغلام فأنت ضامن» (5).

ص:221


1- الكافي 5:7/234،التهذيب 7:761/171،الإستبصار 3:426/119،الوسائل 18:390 أبواب أحكام الرهن ب 7 ح 1.
2- الكافي 5:6/234،التهذيب 7:760/171،الإستبصار 3:425/119،الوسائل 18:391 أبواب أحكام الرهن ب 7 ح 3.
3- الكافي 5:8/234،التهذيب 7:762/172،الإستبصار 3:427/120،الوسائل 18:387 أبواب أحكام الرهن ب 5 ح 7.
4- الكافي 5:9/234،الفقيه 3:904/199،التهذيب 7:763/172،الإستبصار 3:429/120،الوسائل 18:391 أبواب أحكام الرهن ب 7 ح 2.
5- الكافي 5:18/236،التهذيب 7:766/173،الإستبصار 3:431/121،الوسائل 18:388 أبواب أحكام الرهن ب 5 ح 8.

لحمل الهلاكة فيه على الإهلاك ليرتفع المنافاة بين حكمية بالنفي و الإثبات،و هو وجه الإشعار فيه،كالتعليل بالتضييع في الأوّل.

و يمكن أيضاً حملهما على التقيّة؛ لكون الضمان مذهب العامة،كما يظهر من عبائر نقله الإجماع في المسألة،و حكاه الفاضل صريحاً عن أبي حنيفة (1)،و احتجّ عليه كابن زهرة في الغنية (2)بالنبويين المشهورين بين الخاصّة و العامّة،في أحدهما:« لا يغلق الرهن،الرهن من صاحبه،له غنمه و عليه غرمه» (3).و في الثاني:« الخراج بالضمان» (4)و خراجه للراهن إجماعاً.

و ربما يشعر بالورود عليها نسبة الحكم في الأوّل إلى علي عليه السلام خاصة،من دون أن ينسبه إلى نفسه بالمرّة،و هو ظاهر في الورود تقيّة، سيّما مع تكرار ذكر النسبة.

مضافاً إلى صريح بعض المعتبرة،كالموثق:قلت له:الرجل يرتهن العبد فيصيبه عوراً و ينقص من جسده شيء،على مَن يكون نقصان ذلك؟ قال:« على مولاه» قلت:إنّ الناس يقولون:إن رهنت العبد فمرض أو انفقأت عينه فأصابه نقصان في جسده،ينقص من مال الرجل بقدر ما ينقص من العبد،قال:« أ رأيت لو أنّ العبد قتل قتيلاً على من يكون جنايته؟» قال:« جنايته في عنقه» (5).

ص:222


1- التذكرة 2:32.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):593.
3- عوالي اللئلئ 3:1/234،المستدرك 13:422 أبواب كتاب الرهن ب 10 ح 3،و انظر سنن الدارقطني 3:125/32 133(و فيه بتفاوت يسير).
4- عوالي اللئلئ 1:89/219،سنن ابن ماجة 2:2243/754.
5- الفقيه 3:887/195،الوسائل 18:386 أبواب أحكام الرهن ب 5 ح 4.

ثم إن مفهوم العبارة هنا و في الشرائع (1)سقوط الحق بتلف الرهن مع الضمان،و هو صريح المعتبرة المتقدمة.

و يشكل الاستناد إلى إطلاقها مع مخالفة ظاهر أكثرها المجمع عليه بين الطائفة،و احتمالها الحمل على التقية،كما مرّت إليه الإشارة،و ضعف الرواية السليمة عن القدحين و عدم جابر لها في البين.

مضافاً إلى مخالفتها القاعدة فيما إذا لم يكن الدين من جنس ما يضمن به التالف،فلا يسقط من الحق شيء و إن كان التالف مضموناً، لاختلاف الحقين.

و يمكن حملها على التراضي أو التقاصّ،و إلّا فيشكل الاستناد إليها؛ لما مضى.

و ليس له أي المرتهن التصرف فيه أي الرهن؛ لما مضى في منع الراهن عنه الجاري هنا عموماً و فحوى.

مضافاً إلى المعتبرة،منها الموثق كالصحيح:عن رجل رهن رهناً ثم انطلق فلا يقدر عليه،أ يباع الرهن؟قال:« لا،حتى يجيء» (2).

و نحوه في آخر (3)،مثله في القرب من الصحة،يتضمن سنده كالأوّل من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

و لو تصرف فيه من غير إذن مطلقاً خرج عن الأمانة و ضمن العين مع التلف بالمثل إن كان مثلياً،و بالقيمة يوم التلف إن كان قيميّاً.

ص:223


1- الشرائع 2:80.
2- التهذيب 7:748/169،قرب الاسناد:80،الوسائل 18:385 أبواب أحكام الرهن ب 4 ح 3.
3- الكافي 5:5/234،الفقيه 3:897/197،التهذيب 7:749/169،الوسائل 18:384 أبواب أحكام الرهن ب 4 ح 1.

و ضمن الأُجرة أيضاً إن تصرف في المنفعة بدون الإذن،أو معه على وجه العوض.

و في الصحيح:« في الأرض البور يرتهنها الرجل ليس فيها ثمرة، فيزرعها و ينفق عليها من ماله،أنه يحسب له نفقته و عمله خالصاً،ثم ينظر نصيب الأرض فيحسبه من ماله الذي ارتهن به الأرض حتى يستوفي ماله، فإذا استوفى ماله فليدفع الأرض إلى صاحبها» (1).

و لو كان الرهن دابة قام المرتهن بمئونتها حيث لم يقم الراهن بها وجوباً؛ لوجوب الحفظ عليه،و لا يتم إلّا بالإنفاق عليه فيكون واجباً.

و إذا أنفق تقاصّا و رجع كلّ ذي فضل بفضله مع الإنفاق بنية الرجوع لا مطلقاً،إجماعاً،بل يرجع معها خاصّة إمّا مطلقاً،كما هنا و في الشرائع و عن الحلّي و الفاضل (2)،أو بشرط إذن المالك أو الحاكم،أو الإشهاد بعد تعذّرهما،كما قيّده الشهيدان و غيرهما (3).

و يأتي في التقاصّ على إطلاقه ما مضى،و لذا إن الحلّي ذكر الرجوع إلى ما أنفق من دون ذكره.و هو الأوفق بالأصل حيث يمكن الرجوع إليه، إلّا أنه ربما يستفاد من النصوص الآتية بعد الحمل على ما يأتي إليه الإشارة جوازه كذلك،و ربما أيّدته الروايات السابقة،و لا ريب فيه مع المراضاة،و أما مع عدمها فالمصير إلى الأوّل أحوط و أولى.

و كيف كان،هذه الأقوال متّفقة على عدم جواز تصرف المرتهن في

ص:224


1- الكافي 5:14/235،التهذيب 7:751/169،الوسائل 18:395 أبواب أحكام الرهن ب 10 ح 2.
2- الشرائع 2:80،الحلّي في السرائر 2:425،العلّامة في المختلف:418.
3- الشهيد الأول في الدروس 3:394،الشهيد الثاني في الروضة 4:81؛ مجمع الفائدة و البرهان 9:160.

الرهن بدون إذن الراهن،و رجوع كل منهما معه إلى الآخر فيما يستحقه بعد إنفاق المرتهن،فهو إلى نفقته،و الراهن إلى منفعة ماله على الإطلاق.

خلافاً للطوسي و الحلّي في الدابة (1)،فجوّزا الركوب و الحلب بعد الإنفاق،و حكما بأن المنفعة بإزاء النفقة على الإطلاق،و لو مع عدم المراضاة و تفاوت الحقين بالزيادة و النقصان.

و استندا في ذلك إلى ما في رواية من أن الظهر يُركب و الدرّ يُشرب،و على الذي يَركب و يَشرب النفقة (2) رواها السكوني.

و قريب منها الصحيح:عن الرجل يأخذ الدابة أو البعير،إله أن يركبه؟قال:فقال:« إن كان يعلفه فله أن يركبه،و إن كان الذي رهنه عنده يعلفه فليس له أن يركبه» (3).

و الأوّل قاصر السند،و إن روى إلى الراوي في الموثق،إلّا أنه كالثاني مخالف للأدلّة المتقدمة القاطعة على عدم جواز تصرف كلّ من الراهن و المرتهن في الرهن بدون إذن الآخر.

مع مخالفتهما القاعدة المقرّرة في الضمان،فإنّ مقتضاها ما تقدّم إليه الإشارة:من رجوع الراهن بحق المنفعة و المرتهن بحق النفقة،و تخصيص كلّ من هاتين القاعدتين المعتضدتين بالإجماع في الأصل،و الشهرة العظيمة في خصوص المسألة جرأة عظيمة،فإنه لا يقاوم شيئاً منهما الروايتان بالضرورة.

ص:225


1- الطوسي في النهاية:435،الحلّي في السرائر 2:425.
2- الفقيه 3:886/195،التهذيب 7:775/175،الوسائل 18:398 أبواب أحكام الرهن ب 12 ح 2.
3- الكافي 5:16/236،الفقيه 3:889/196،التهذيب 7:778/176،الوسائل 18:397 أبواب أحكام الرهن ب 12 ح 1.

مع احتمالهما الحمل على ما حملهما عليه الأصحاب:من حصول الإذن و مساواة الحقّين،و هو و إن كان بعيداً غايته،إلّا أنه لا بأس به،جمعاً بين الأدلّة.

و قد صرّح الأصحاب من غير خلاف يعرف،بل في شرح الإرشاد الإجماع عليه (1)بأن للمرتهن استيفاء دينه من الرهن و إن لم يكن وكيلاً في البيع،أو انفسخت الوكالة بموت الراهن إن خاف جحود الراهن أو الوارث للحق و لم يتمكّن من إثباته عند الحاكم لعدم البينة أو غيره من العوارض؛ لعدم الحرج و الضرر في الشرع.

و للخبر،و ربما عدّ من الحسن،بل الصحيح:رجل مات و له ورثة، فجاء رجل فادّعى عليه مالاً و أن عنده رهناً،فكتب عليه السلام:« إن كان له على الميت مال و لا بيّنة له عليه فليأخذ ماله مما في يده،و ليردّ الباقي على ورثته،و متى أقرّ بما عنده أُخذ به و طولب بالبينة على دعواه،و أوفى حقه بعد اليمين،و متى لم تقم البينة و الورثة ينكرون فله عليهم يمين علم، يحلفون باللّه تعالى ما يعلمون على ميّتهم حقّا» (2).

و المرجع في الخوف إلى القرائن الموجبة للظن الغالب لجحوده، و ربما احتمل كفاية مطلق الاحتمال.

و يستفاد من الخبر المستند في الحكم أنه لو اعترف المرتهن بالرهن و ادّعى الدين على الراهن و لا بيّنة له فالقول قول الوارث،و له إحلافه إن ادّعى عليه العلم بثبوت الحق؛ مضافاً إلى موافقته الأصل العام،

ص:226


1- مجمع الفائدة و البرهان 9:161.
2- الفقيه 3:901/198،التهذيب 7:784/178،الوسائل 18:406 أبواب أحكام الرهن ب 20 ح 1.

مع عدم خلاف فيه في المقام.

و لو باع المرتهن الرهن بدون إذن الراهن وقف على الإجازة و صحّ بعدها،على الأشهر الأقوى من جواز الفضولي،و بطل الرهن،كما لو أذن ابتداءً أو باع هو بإذن المرتهن مطلقاً،لزوال متعلّقه.

و لا يجب جعل الثمن رهناً إلّا مع اشتراطه.

قيل:أما إذا أتلفه متلف إتلافاً يقتضي العوض كان العوض رهناً؛ لإمكان الاستيثاق به و عدم خروجه عن الفرض،لكنه يبطل وكالة المرتهن في الحفظ و البيع إن كانت لاختلاف الأغراض في ذلك باختلاف الأموال.

انتهى (1).

و في الفرق و تعليل قيام العوض مقام المتلف رهناً نظر يظهر وجهه لمن تدبّر.

و لو كان المرتهن وكيلاً في بيع الرهن فباع بعد الحلول صحّ البيع بلا ريب،و جاز له استيفاء دينه من الثمن إما مطلقاً،كما ربما يظهر من إطلاق مفهوم سياق العبارة،و به صرّح في الشرائع و عن جماعة (2)،أو بشرط توافق الدين مع الثمن في الجنس و الوصف،كما عن آخرين (3).

و الوجه إن لم يكن إجماع على خلافه عدم الجواز مطلقاً؛ للأصل، و عدم دليل على الجواز سوى الإذن في البيع،و هو لا يستلزم الإذن في

ص:227


1- مفاتيح الشرائع 3:139.
2- الشرائع 2:82؛ و انظر التحرير 1:206،و الدروس 3:389،و مفاتيح الشرائع 3:140.
3- نقله عنهم في الحدائق 20:275.

الاستيفاء.

و الشرط في القول الثاني غير مخصّص له؛ لعدم قيام دليل صالح عليه،و إن قيل مثله فيما إذا كان ما في ذمّة المديون مثل الدين في الوصفين،فإنّه يجوز له الأخذ مقاصّةً حينئذ من دون توقّف على المراضاة.

و يمكن الاستناد للأوّل أوّلاً:بظواهر النصوص المتقدمة بجواز المقاصّة الجارية في المسألة بحكم المظنّة الحاصلة من التتبع لها و الاستقراء.

و ثانياً:بقيام القرينة الحالية في الإذن بالبيع بعد الحلول على الرخصة في الاستيفاء في الأغلب،و ينزل عليه إطلاقات الجواز في نحو عبارة الشرائع.

و لو أذن الراهن في البيع قبل الحلول جاز البيع،و لكن لم يستوف دينه من الثمن حتى يحلّ الأجل؛ لعدم الاستحقاق قبله، و الإذن في البيع لا يقتضي تعجيل الاستيفاء،بل و لا مطلقة إلّا مع قيام القرينة،كما مضى.

و اعلم أنه إذا حلّ الدين فإن كان المرتهن وكيلاً في البيع و الاستيفاء جازا له،و عليه يحمل إطلاق الموثق،بل ربما عُدّ من الصحيح:عن الرجل يكون عنده الرهن،فلا يدري لمن هو من الناس،فقال عليه السلام:« لا أُحبّ أن يبيعه حتى يجيء صاحبه» ثم قال:« إن كان فيه نقصان فهو أهون لبيعه فيؤجر فيما نقص من ماله،و إن كان فيه فضل فهو أشدّهما عليه،يبيعه و يمسك فضله حتى يجيء صاحبه» (1).

ص:228


1- الكافي 5:4/233،الفقيه 3:896/197،التهذيب 7:747/168،الوسائل 18:384 أبواب أحكام الرهن ب 4 ح 2.

و إلّا لم يجز له تولّيهما،و عليه يحمل إطلاق الموثقين اللذين في بحث حجر المرتهن عن التصرف قد مضيا (1)،بل طلبهما منه،أو الإذن فيهما،فإن فعل،و إلّا رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه بهما،فإن أبى كان له حبسه،لأنه ولي الممتنع.

و للخبر:« كان أمير المؤمنين عليه السلام يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه،ثم يأمر فيقسم ماله بالحصص،فإن أبى باعه فقسّمه فيهم» يعني ماله (2).

و لو لم يمكن الوصول إلى الحاكم لعدمه أو بُعده قيل:احتمل جواز استقلاله بالبيع بنفسه و استيفاء حقّه،كما لو ظفر بغير جنس حقّه من مال المديون الجاحد مع عدم البيّنة،وفاقاً لجماعة (3).

و لا بأس به؛ دفعاً للضرر و الحرج المنفيين آية و رواية؛ مضافاً إلى إطلاق الموثّق المتقدم.و لا يعارضه في المقام الموثقان؛ لعدم انصرافهما إليه.

و يلحق به مسائل النزاع،و هي أربع

اشارة

و يلحق به مسائل النزاع،و هي أربع:

الأُولى يضمن المرتهن قيمة الرهن

الاُولى:يضمن المرتهن قيمة الرهن إذا أتلفه بتعدٍّ أو تفريط و ثبت بإقراره أو البينة يوم تلفه وفاقاً للأكثر،كما في الدروس و المسالك،و به أفتيا فيهما و في الروضتين،وفاقاً للشيخين و الفاضلين (4)،

ص:229


1- راجع ص:223.
2- الكافي 5:1/102،التهذيب 6:412/191،الإستبصار 3:15/7،الوسائل 18:416 أبواب أحكام الحجر ب 6 ح 1.
3- التذكرة 2:32،المسالك 1:232،مجمع الفائدة و البرهان 9:161.
4- الدروس 3:405،المسالك 1:235،اللمعة(الروضة البهية 4):90،المفيد في المقنعة:623،الطوسي في النهاية:431،المحقق في الشرائع 2:85،العلّامة في القواعد 1:164.

و اختاره كثير من المتأخّرين (1)؛ لأنه وقت الانتقال إلى القيمة،و الحق قبله كان منحصراً في العين و إن كانت مضمونة.

و لقائل أن يقول:لا منافاة بين انحصار الحق في العين قبل التلف و انتقال قيمتها قبله إلى الذمة بعده،و لا بدّ من التأمّل.

و قيل:يوم قبضه،و به أفتى في الشرائع (2)،و حكاه كالفاضل في القواعد (3)قولاً في المسألة،و اعترف جماعة بأنه مجهول القائل،و ربما أشعر بجهالته أيضاً العبارة،حيث لم ينظمه في سلك الأقوال المنقولة،و مع ذلك لا دليل عليه يعتدّ به.

و يضعّف أيضاً بأنه قبل التفريط غير مضمون فكيف يعتبر قيمته فيه.

و هو كما ترى؛ لما مضى.

و قيل:أعلى القِيَم من حين القبض إلى حين التلف و يظهر من المهذب أنه كالثاني في جهالة القائل (4)،و ليس كذلك،فقد حكي عن المبسوط في كثير من العبارات كشرح الشرائع للصيمري و المسالك و غيرهما (5)،بل ذكر الأول أنه قول مشهور نقله فخر الدين و اختاره و نقله المقداد أيضاً (6)،و هو مشهور في المصنفات.

ص:230


1- كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 5:131،و السبزواري في الكفاية:108،و صاحب الحدائق 20:234.
2- الشرائع 2:85.
3- القواعد 1:164.
4- المهذب البارع 2:502.
5- المسالك 1:236،و انظر التنقيح الرائع 2:174،و الحدائق 20:282.
6- فخر الدين في إيضاح الفوائد 2:35،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:174.

و لعلّه أحوط،بل و أجود،إما لكونه كالغاصب فيؤخذ بأشقّ الأحوال،أو لاقتضاء شغل الذمّة اليقيني البراءة كذلك و لا تحصل إلّا بذلك.

و قيل بالأعلى من يوم التلف إلى يوم حكم الحاكم عليه بالقيمة،كما عن الإسكافي (1).

و يضعف بأن المطالبة لا دخل لها في ضمان القيمي.

و قيل بالأعلى من يوم التفريط إلى يوم التلف،اختاره الفاضل في المختلف و الصيمري في شرح الشرائع و ابن فهد في المهذب (2)؛ لأنّه من حين التفريط كالغاصب.

و يتوقف على الثبوت.

و لا ريب أن ما قدّمناه أحوط،و إن كان الأوّل لا يخلو عن قرب.

ثم إن هذا كله إذا كان قيميّاً.و لو كان مثليّا ضمنه بمثله إن وجد،و إلّا فقيمة المثل عند الأداء،وفاقاً لجماعة كالمختلف و المسالك و الروضة (3)؛ لأن الواجب عنده إنما كان المثل و إن كان متعذّراً،و انتقاله إلى القيمة بالمطالبة،بخلاف القيمي؛ لاستقرارها في الذمّة من حين التلف على الإطلاق.

و لو اختلفا في القيمة فالقول قول الراهن وفاقاً للشيخين و القاضي و الديلمي و التقي و ابني حمزة و زهرة (4)في الغنية مدّعياً فيها

ص:231


1- حكاه عنه في المختلف:417.
2- المختلف:417،المهذب البارع 2:502.
3- المختلف:417،المسالك 1:236،الروضة 4:91.
4- المفيد في المقنعة:623،الطوسي في النهاية:431،القاضي في المهذب 2:69،الديلمي في المراسم:193،التقي في الكافي في الفقه:335،ابن حمزة في الوسيلة:266،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):593.

الإجماع عليه،و في الدروس و المسالك (1)عزياه إلى الأكثر؛ نظراً إلى كون المرتهن خائناً بتفريطه فلا يقبل قوله.

و يضعّف بأن قبول قوله من جهة إنكاره لا من حيث كونه أميناً أو خائناً.

و قيل:القول قول المرتهن مع يمينه،كما عن الحلّي و تبعه الشهيدان و كثير من المتأخرين (2) و هو أشبه لأنه منكر،و الأصل براءة الذمة من الزائد؛ و للنبوي العام:« البيّنة على المدّعى و اليمين على من أنكر» (3).

و لكنه يشكل بحكاية الإجماع المتقدّمة المعتضدة بالشهرة القديمة، فالمسألة محلّ إشكال و ريبة،و إن كان مختار المتأخّرين لا يخلو عن قوّة.

الثانية لو اختلفا فيما عليه الرهن فالقول قول الراهن

الثانية:لو اختلفا فيما عليه الرهن من الدين،فادّعى المرتهن زيادته و الراهن نقصه فالقول قول الراهن وفاقاً للأكثر،كالصدوق و الطوسي و القاضي و التقي و ابن حمزة و الحلّي و ابن زهرة (4)مدّعيين عليه الإجماع؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل و النبوي المتقدمين،و المعتبرة المستفيضة،منها

ص:232


1- الدروس 3:406،المسالك 1:236.
2- الحلّي في السرائر 2:421،الشهيد الأول في اللمعة(الروضة البهية 4):92،الشهيد الثاني في المسالك 1:236؛ و انظر الشرائع 2:85،و المختلف:417،و الحدائق 20:282.
3- سنن الدارقطني 4:52/218،سنن البيهقي 10:252.
4- الصدوق في المقنع:129،الطوسي في النهاية:431،القاضي في المهذب 2:73،التقي في الكافي:335،ابن حمزة في الوسيلة:266،الحلي في السرائر 2:421،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):593.

الصحيح:في رجل يرهن عند صاحبه رهناً و لا بيّنة بينهما فيه،ادّعى الذي عنده الرهن أنه بألف درهم،و قال صاحب الرهن:إنه بمائة،قال:« البينة على الذي عنده الرهن أنه بألف درهم،فإن لم يكن له بينة فعلى الراهن اليمين» (1)و نحوه الباقي (2)الموثقة جميعها،بل ربما قيل بصحة بعضها (3).

و في رواية قاصرة السند (4)،ضعيفة التكافؤ عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة من وجوه عديدة أن القول قول المرتهن ما لم يَدَّعِ زيادةً عن قيمة الرهن و هو في غاية الضعف و إن حكي عن الإسكافي (5).و ربما يحتمل الحمل على التقية؛ لفتواه بها،مع الاعتضاد بكون الرواية عن السكوني الذي هو من قضاة العامة.

الثالثة لو قال القابض هو رهن،و قال المالك هو وديعة،فالقول قول المالك مع يمينه

الثالثة:لو اختلفا في الرهانة ف قال القابض: المرتهن هو رهن،و قال المالك: الراهن هو وديعة،فالقول قول المالك مع يمينه مطلقاً،وفاقاً للأكثر،كما في المسالك (6)،بل المشهور،كما في الدروس (7)،و ربما أشعر عبارة الماتن هنا بالإجماع عليه؛ لأصالة عدم الرهن الذي يترتب عليه عدم جواز التصرف المخالف لها بالضرورة،

ص:233


1- الكافي 5:2/237،التهذيب 7:769/174،الإستبصار 3:432/121،الوسائل 18:402 أبواب أحكام الرهن ب 17 ح 1.
2- انظر الوسائل 18:403 أبواب أحكام الرهن ب 17 الأحاديث 2،3،4.
3- انظر روضة المتقين 7:373.
4- الفقيه 3:895/197،التهذيب 7:774/175،الإستبصار 3:435/122،الوسائل 18:403 أبواب أحكام الرهن ب 17 ح 4.
5- كما حكاه عنه في المختلف:417.
6- المسالك 1:236.
7- الدروس 3:406.

و لكونه منكراً فيشمله النبوي المتقدم.

و للصحيحين،في أحدهما المروي في التهذيب:في رجل رهن عند صاحبه رهناً،فقال الذي عنده الرهن:أرهنته عندي بكذا و كذا،و قال الآخر:إنما هو عندك وديعة،فقال:« البينة على الذي عنده الرهن أنه بكذا و كذا،فإن لم يكن له بينة فعلى الذي له الرهن اليمين» (1).

و في الثاني المروي في الكافي في رجل قال لرجل:لي عليك ألف درهم،فقال الرجل:لا،و لكنها وديعة،فقال عليه السلام:« القول قول صاحب المال مع يمينه» (2).

و فيه رواية أُخرى بل روايات بالعكس،منها:عن متاع في يد رجلين أحدهما يقول:استودعتكه،و الآخر يقول:هو رهن،قال:فقال:

« القول قول الذي يقول:إنه رهن عندي،إلّا أن يأتي الذي ادّعى أنه أودعه بشهود» (3).

و منها:« يسأل صاحب الوديعة البينة،فإن لم يكن له بينة حلف صاحب الرهن» (4).

و نحوها رواية أُخرى (5)هي كسابقتيها معتبرة الأسانيد بالموثقية في بعض،و القرب منها في آخر،و من الصحة في ثالث.

ص:234


1- التهذيب 7:769/174،الوسائل 18:400 أبواب أحكام الرهن ب 16 ح 1.
2- الكافي 5:3/238،التهذيب 7:777/176،الوسائل 18:404 أبواب أحكام الرهن ب 18 ح 1.
3- الكافي 5:4/238،الفقيه 3:888/195،التهذيب 7:776/176،الوسائل 18:401 أبواب أحكام الرهن ب 16 ح 3.
4- الكافي 5:1/237،الوسائل 18:403 أبواب أحكام الرهن ب 17 ح 2.
5- الفقيه 3:906/199،الوسائل 18:401 أبواب أحكام الرهن ب 16 ح 2.

إلّا أنها متروكة و إن عمل بها جماعة،كالصدوق في المقنع و الطوسي في الاستبصار (1)؛ لضعفها عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة،سيّما بين متأخّري الطائفة.

و هنا قولان آخران مفصِّلان بين صورتي اعتراف المالك بالدين فالثاني،و إنكاره له فالأول،كما في أحدهما،و نسب إلى ابن حمزة (2).

و في الثاني المحكي عن الإسكافي (3)التفصيل بين صورتي اعتراف القابض للمالك بكونه في يده على سبيل الأمانة ثم صار رهناً فالأوّل، و ادعاؤه إيّاه ابتداءً فالثاني.

و لا حجة عليهما واضحة سوى ما يذكر لهما من الجمع بين الأخبار و الأدلّة،و هو فرع المقاومة التي هي في المقام مفقودة،مع عدم وضوح شاهد عليهما،و تعارض أحدهما بالآخر بالضرورة.نعم للأوّل في الصورة الأُولى ظاهر الحال،و لكنه غير صالح لمعارضة الأصل و ما مرّ من النصوص في هذا المجال.

الرابعة إن اختلفا في التفريط فالقول قول المرتهن مع يمينه

الرابعة:إن اختلفا في التفريط فالقول قول المرتهن مع يمينه بلا خلاف يظهر،بل عليه الإجماع في الغنية (4)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأُصول المتقدمة السليمة هنا عن المعارض.

ص:235


1- المقنع:129،الاستبصار 3:122.
2- الوسيلة:266.
3- حكاه عنه في المختلف:417.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):593.

كتاب الحَجر

اشارة

كتاب الحَجر هو:لغة المنع و الحظر و التضييق،و شرعاً:ما أشار إليه الماتن في تعريف المحجور من أنه هو الممنوع من التصرف في ماله شرعاً.

و هو ثابت بالكتاب و السنة و الإجماع،قال سبحانه وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِياماً [1] (1)و قال جلّ شأنه وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ [2] (2).و هو قسمان:حجر على الإنسان لحقّ غيره،كالمفلّس لحقّ الغرماء، و المريض لحقّ الورثة،و المكاتب لحقّ السيد،و الراهن لدين المرتهن؛ و حجر عليه لحقّ نفسه،و هو ثلاثة:الصبي و المجنون و السفيه.

و قد يورد على التعريف مناقشات سهلة ليس للتعرض لذكرها و الجواب عنها مزيد فائدة.

أسباب الحَجر

و أسباب الحَجر بحسب ما جرت عادة الأصحاب بذكره في الباب ستة و إلّا فهي أزيد،و هي: الصغر،و الجنون،و الرقّ،و المرض، و الفلس،و السفه قيل (3):وجه الحصر أن الحجر إمّا عام للأموال و الذِّمَم أو خاصّ

ص:236


1- النساء:5.
2- النساء:6.
3- قال به الشهيد الثاني في المسالك 1:246.

بالأوّل،و الأوّل:إما أن يكون ذا غاية يعلم زوال سببها أم لا،و الأوّل ذو السبب الأوّل،و الثاني ذو الثاني،و الثاني:إما أن يكون الحجر فيه مقصوراً على مصلحة المحجور عليه أو لغيره،و الأول ذو السادس،و الثاني:إما أن يكون مالكاً للمحجور عليه أو لا،و الأول ذو الثالث،و الثاني:إما أن يكون موقوفاً على حكم الحاكم أو لا،و الأوّل ذو الخامس،و الثاني ذو الرابع.

و ثبوت الحجر بالستة مجمع عليه،كما عن التذكرة (1)،و به صرّح جماعة؛ و هو الحجة المخصّصة للأصل و عموم الأدلّة بإثبات السلطنة؛ مضافاً إلى الأدلّة الآتية فيما عدا الأوّلين،و الآية الثانية،و السنة المستفيضة الآتي إلى ذكر بعضها الإشارة في الأوّل،و فحواهما في الثاني،مع تأيّد الحكم فيه مطلقاً و في غير المميّز من الأوّل بالاعتبار جدّاً.

يزول حجر الصغير بوصفين

اشارة

و لا يزول حجر الصغير إلّا بوصفين،

الأوّل البلوغ

الأوّل:البلوغ،و هو يعلم بإنبات الشعر الخشن على العانة بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية و نهج الحق و التذكرة و غيرها من كتب الجماعة (2)؛ و هو الحجة المخصّصة.

مضافاً إلى النصوص العاميّة و الخاصيّة المعتبرة بالشهرة،و تضمّن سندها مَن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة،و سيأتي إلى ذكرها الإشارة.

و ظاهرهما بحكم التبادر و صريح العبارة و جماعة (3)اعتبار الخشونة و عدم الاكتفاء بمطلق الشعر.و لا ريب فيه؛ لعدم خلوّ المولود عنه في

ص:237


1- التذكرة 2:73.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):594،نهج الحق،491،التذكرة 2:73؛ و انظر الخلاف 3:281.
3- منهم:الطوسي في المبسوط 2:283،و العلّامة في القواعد 1:168،و الشهيد الثاني في المسالك 1:246.

جميع الأحيان حتى حين الولادة،مضافاً إلى الأصل.

و في التقييد بالعانة إخراج لغيره من الشعور النابتة في نحو الوجه من المواضع المعهودة.و هو أحد القولين في المسألة،بل ظاهر المسالك أن عليه إجماع الإمامية (1)مع أنه في الروضة حكم بأن القول الآخر لا يخلو عن قوة (2).و هو كذلك،وفاقاً للتحرير و جماعة (3)؛ لإطلاق بعض المعتبرة كعبارة الغنية في حكايته الإجماع المتقدمة.

مضافاً إلى وقوع التصريح بإلحاق شعر الوجه بالعانة في بعض تلك المعتبرة (4).

و في كونه أمارة البلوغ أو سبقه قولان،ظاهر الأُصول و أكثر أدلّة اعتباره الأوّل،و إن حكي الثاني في المسالك عن الأكثر (5).

أو خروج المني و هو الماء الذي يتكوّن منه الولد من الموضع المعتاد بالإجماع المستفيض النقل في كتب جملة من الأصحاب،كالغنية و التذكرة و غيرهما من كتب الجماعة (6)؛ و مع ذلك تظافرت به الآيات الشريفة إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ [1] (7)وَ الَّذِينَ [2]

ص:238


1- المسالك 1:246.
2- الروضة 2:145.
3- التحرير 1:218؛ و انظر المبسوط 1:266،الحدائق 20:346،ملاذ الأخيار 12:287.
4- التهذيب 7:1544/382،الإستبصار 3:855/237،الوسائل 20:278 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 9.
5- المسالك 1:246.نُسب فيه إلى المشهور.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):594،التذكرة 2:74؛ و انظر المسالك 1:247.
7- النور:59.

لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ [1] (1) حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ [2] (2).و الاحتلام هو خروج المني،كما عن التذكرة (3).و ظاهره عدم الفرق بين أن يكون الخروج في نوم أو يقظة،خلافاً للمحكي عن بعض أهل اللغة،فجعله الأوّل خاصّة (4).

لكن الظاهر أن النوم غير معتبر في البلوغ اتفاقاً،كما في الكفاية (5).

و نحو الآيات المعتبرة المستفيضة التي علّق فيها التكاليف اللازمة على الحلم،و سيأتي إلى بعض منها الإشارة.

مضافاً إلى الصحيحين،في أحدهما:« لا تغطّي المرأة شعرها عنه حتى يحتلم» (6).

و في الثاني:« انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام و هو أشُدّه،و إن احتلم و لم يؤنس منه رشده و كان سفيهاً أو ضعيفاً فليمسك عنه وليّه ماله» (7).

و نحوه المروي عن الخصال:متى يجوز أمر اليتيم؟قال:« حتى يبلغ أشدّه» قال:و ما أشدّه؟قال:« احتلامه» (8).

و الخبر:عن الغلام متى يجب عليه الصوم و الصلاة؟قال:« إذا راهق

ص:239


1- النور:58.
2- النساء:6.
3- التذكرة 2:74.
4- كالقاموس المحيط 4:100،و مجمع البحرين 6:50.
5- الكفاية:112.
6- الفقيه 3:1308/276،الوسائل 21:460 أبواب أحكام الأولاد ب 74 ح 1.
7- الكافي 7:2/68،الفقيه 4:569/163،التهذيب 9:737/183،الوسائل 19:363 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 9.
8- الخصال:3/495،الوسائل 18:412 أبواب الحجر ب 2 ح 5.

الحلم و عرف الصلاة و الصوم» (1).

و يشترك في هذين الدليلين الذكور و الإناث لإطلاق أدلّتهما؛ مضافاً إلى الإجماع عليه قطعاً.

أو السنّ و هو في الذكر بلوغ خمس عشرة سنة على الأظهر الأشهر بين الطائفة،كما حكاه جماعة،كالمهذب و المسالك و شرح الشرائع للصيمري و المفاتيح و الكفاية (2)،بل في الثاني كاد أن يكون إجماعاً،و به يشعر ظاهر الشرائع و اللمعة (3)،حيث لم ينقل الخلاف فيه مع نقله له في الأُنثى خاصة؛ مضافاً إلى وقوع التصريح به في الخلاف و الغنية (4)،و عن ظاهر الطبرسي و غيره (5)،حيث نسباه إلى أصحابنا بصيغة الجمع المضاف المفيدة للعموم لغة،و عن كنز العرفان أيضاً،و ذكر فيه أنه من شعار الشيعة و الشافعية (6).

و هو الحجة،مضافاً إلى الأُصول الكثيرة القطعية،و المعتبرة المستفيضة العاميّة و الخاصيّة،فمن الأولة النبويان المرويان في الغنية (7)في أحدهما:« إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله و ما عليه و أُخذت منه الحدود» .

ص:240


1- التهذيب 2:1587/380،الإستبصار 1:1559/408،الوسائل 4:19 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 3 ح 3.
2- المهذب 1:294،المسالك 1:247،المفاتيح 1:14،الكفاية:112.
3- الشرائع 2:100،اللمعة(الروضة البهية 2):144.
4- الخلاف 3:282،الغنية(الجوامع الفقهية):594.
5- الطبرسي في مجمع البيان 2:9؛ و انظر التذكرة 2:75.
6- كنز العرفان 2:102.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):594.

و من الثانية المعتبرتان،في إحداهما:« الجارية إذا تزوّجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع إليها مالها و جاز أمرها في البيع و الشراء» إلى أن قال:« و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج عنه اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك» (1).

و في الثانية:« الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم و تزوّجت و دفع إليها مالها و أُقيمت الحدود التامة عليها و لها» فقلت:الغلام يجري في ذلك مجرى الجارية؟فقال:« الغلام إذا زوّجه أبوه و لم يدرك كان له الخيار إذا أدرك و بلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك» (2)الحديث.

و في ذيله المذكور في الاستبصار في كتاب النكاح في باب أولياء العقد كصدر الأوّل (3)،الغير المذكورين في هذا المحل دلالة أيضاً على المطلب.

و هما مع اعتبار سنديهما بالقرب من الصحة بتضمّنهما لابن محبوب الذي قد حكي على تصحيح رواياته إجماع العصابة (4)منجبرتان كالنبويين،بل معتضدتان بالشهرة العظيمة القديمة و المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة؛ و بالإجماعات المحكية،و الأُصول القطعية،و المخالفة للعامة،كما يستفاد من عبائر نقله الإجماعات في

ص:241


1- الكافي 7:1/197،الوسائل 18:410 أبواب الحجر ب 2 ح 1.
2- التهذيب 7:1544/383،الوسائل 20:278 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6 ح 9.
3- الاستبصار 3:855/237.
4- انظر رجال الكشي 2:1050/830.

المسألة،و يؤيّد بمخالفة الإسكافي،حيث حكم بالبلوغ بالأربع عشرة (1)، فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و لم نقف للمخالف على حجة سوى ما يستدل له من الصحيح:في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟قال:« ما بينه و بين خمس عشرة سنة أو أربع عشرة سنة» (2)الحديث.

و المناقشة فيه واضحة،بل ربما يستدل به على قول الأكثر؛ لظهوره في عدم إلزامه بالصوم قبل الخمس عشرة،لمكان التخيير المنافي للوجوب العيني،و حيث لا قول بالوجوب التخييري حتى من الإسكافي تعيّن حمل الأخذ فيه على الأخذ الاستحبابي.

مضافاً إلى شهادة صدره به حيث سئل فيه في كم يؤخذ الصبي بالصلاة؟فقال:« فيما بين سبع و ستّ سنين» فقال:في كم يؤخذ بالصيام (3).إلى آخر ما مرّ.

و الأخذ الأوّل للاستحباب بالإجماع،فكذلك الثاني،لظاهر السياق.

و تحديده إلى الحدّ المذكور ظاهر بل لعلّه صريح في ارتفاعه بالبلوغ إليه، و هو ملازم للوجوب بعده،إذ لا قائل بالإباحة حينئذٍ،مع منافاتها الاعتبار بالضرورة.

و في رواية أنه من ثلاث عشرة إلى أربع عشرة (4) في سندها عبد اللّه بن جبلة و عدة من الجهلاء،و مع ذلك هي شاذّة لم يوجد قائل بها،

ص:242


1- نقله عنه في المختلف:423.
2- الكافي 4:2/125،الوسائل 10:233 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 1.
3- التهذيب 2:1590/381،الإستبصار 1:1563/409،الوسائل 4:18 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 3 ح 1.
4- التهذيب 6:856/310،الوسائل 19:367 أبواب أحكام الوصايا ب 45 ح 3.

و غير مكافئة لشيء من الأدلّة المتقدمة.

و بهذين يجاب عن المعتبرة الأُخر الواردة في المسألة،كالموثقين، في أحدهما:« إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات و كتبت عليه السيّئات و جاز أمره إلّا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً» فقال:و ما السفيه؟فقال:

« الذي يشتري الدراهم بأضعافه» قال:و ما الضعيف؟قال:« الأبله» (1).

و في الثاني:« إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة و كتبت عليه السيّئة و عوقب،فإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك،و ذلك أنها تحيض لتسع سنين» (2).

و الحسن بالوشّاء:« إذا بلغ أشُدّه ثلاث عشرة سنة و دخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين،احتلم أو لم يحتلم،كتبت عليه السيئات،و كتبت له الحسنات،و جاز له كل شيء إلّا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً» (3).

و مع ذلك يحتمل التقية،فالعجب كل العجب من الكفاية،حيث استوجه العمل بها مع عدم تصريح منه بقائل بها بالمرة (4).

و بنحو ذلك يجاب عما في رواية أُخرى من حصول الإدراك ب بلوغ عشرة و هي كثيرة واردة في الطلاق و الوصية (5).

ص:243


1- التهذيب 9:731/182،الوسائل 19:363 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 8.
2- الكافي 7:6/68،التهذيب 9:741/184،الوسائل 19:365 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 12.
3- الكافي 7:7/69،الخصال:4/495،الوسائل 19:364 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 11.
4- الكفاية:112.
5- انظر الوسائل 19:360 أبواب الوصايا ب 44،و ج 22:77 أبواب مقدمات الطلاق ب 32.

لكنها غير صريحة في تحقق البلوغ به،بل و لا ظاهرة؛ لاحتمال إرادة رفع الحجر عنه في الأُمور المذكورة كما ذهب إليه جماعة (1)و هو غير ملازم لحصول البلوغ به بالكلّية،و مع ذلك قاصرة السند يأتي عليها ما مرّ إليه الإشارة،و مع ذلك معارضة بأقوى منها في بحث الطلاق كما يأتي ثمة.

و يستفاد من مجموع الروايات المتقدمة أن الإدراك في الأُنثى ب بلوغ تسع سنين و عليه الإجماع في الغنية و السرائر و الخلاف و التذكرة و الروضة (2)؛ و هو حجّة أُخرى.

خلافاً للمحكي عن المبسوط و ابن حمزة (3)،فنفيا البلوغ به،و أثبتاه بالعشرة.

و لا حجة لهما واضحة من فتوى و لا رواية عدا ما في الكفاية و غيره (4)، فأسندا مذهبهما إلى رواية،و لم أقف عليها،فهي مرسلة،مع ظهور عبارته في أنها بحسب السند قاصرة،فمثلها غير صالحة للحجية،مع عدم معارضتها للأدلّة المتقدمة فتوى و رواية،و الأُصول بما مرّ مخصَّصة.

و في الموثق:عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟فقال:« إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة،فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جرى عليه القلم،و الجارية مثل ذلك،إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت

ص:244


1- منهم:ابن فهد في المهذب البارع 2:514 و الشهيد في المسالك 1:247،و انظر التنقيح الرائع 2:180.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):594،السرائر 2:199،الخلاف 3:282،التذكرة 2:75،الروضة 2:144.
3- المبسوط 2:283،ابن حمزة في الوسيلة:137.
4- الكفاية:112؛ المسالك 1:247.

قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة و جرى عليها القلم» (1).

و هو كما ترى شاذّ؛ مضافاً إلى قصور السند،و عدم المكافأة لشيء مما مرّ.

ثم إن مقتضى الأُصول المتقدمة و ظاهر النصوص و العبارات الحاكمة بالبلوغ بالتسع و الخمس عشرة سنة بحكم التبادر و الصدق عرفاً و عادة إنما هو السنتان كاملة،فلا يكفي الطعن فيهما بالبديهة،و به صرّح جماعة كالمسالك و غيره (2)،و ظاهره كغيره أن ذلك مذهب الأصحاب كافة،و قد وقع التصريح باشتراطه في بعض النصوص المتقدمة،كالنبوي في الذكر و أُولى المعتبرتين التاليتين له في الجارية (3)،فمناقشة بعض الأجلّة (4)في ذلك و احتماله الاكتفاء بالطعن عن الكمال واهية.

و للإسكافي،فصار إلى عدم ارتفاع الحجر عنها بالتسع إلّا بالتزويج و الحمل (5).

و هو شاذّ،و مستنده غير واضح،بل الدليل على خلافه لائح.

الثاني الرشد

الثاني:الرشد،و هو كما ذكره الأصحاب من غير خلاف يعرف، و ساعده العادة و العرف أن يكون مصلحاً لماله بحيث يكون له ملكة نفسانية تقتضي إصلاحه،و تمنع إفساده و صرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء،لا مطلق الإصلاح،لاجتماعه مع السفه المقابل للرشد جدّاً،

ص:245


1- التهذيب 2:1588/380،الإستبصار 1:1560/408،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 12.
2- المسالك 1:247؛ و انظر مفاتيح الشرائع 1:14،و الحدائق 20:350.
3- راجع ص:241.
4- المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 9:190.
5- نقله عنه في المختلف:423.

مع عدم صدق الرشد بمجرّده عرفاً و عادة.

و في اعتبار العدالة في الرشد تردّد ينشأ من عموم أدلّة ثبوت السلطنة لأرباب الأموال (1)،و إطلاق الأدلّة كتاباً و سنة بدفع أموال اليتامى بإيناس الرشد (2)من غير اعتبار أمر آخر،و المفهوم من الرشد في العرف كما عرفت هو مجرّد إصلاح المال على الوجه المتقدم و إن كان فاسقاً، و ليس لعدمه مدخلية في مفهومه عرفاً،كيف لا و هو أمر شرعي مغاير له من حيث هو هو قطعاً،فكيف يعتبر ما لا مدخلية لهم في فهمه فيما هو متداول بينهم و متعارف عندهم تعارفاً شائعاً.

و من النهي عن إيتاء السفهاء المال (3)،مع ما روي أن شارب الخمر سفيه (4)،و لا قائل بالفرق.

و عن ابن عباس أن الرشد هو الوقار و الحلم و العقل (5).

و الأوّل أظهر،وفاقاً للأكثر،بل عليه عامة من تأخّر؛ لما مرّ،و ضعف الدليل الآخر،فإن إطلاق السفيه على الشارب في الرواية بعد الإغماض عن سندها أعمّ من كونه على الحقيقة التي عليها المدار في جميع الألفاظ الواردة في الكتاب و السنة،و المحاورات اللغوية و العرفية،فيحتمل المجاز، بل و يتعين،لعدم التبادر،و صحة السلب عنه في العادة بعد استجماعه شرائط الرشد ما عدا العدالة.

ص:246


1- عوالي اللئلئ 1:99/222،198/457،و ج 2:383/138.
2- النساء:6؛ و انظر الوسائل 18:410 أبواب الحجر ب 2،و ج 19:336 أبواب الوصايا ب 45.
3- النساء:6.
4- تفسير العياشي 1:22/220،الوسائل 19:368 أبواب الوصايا ب 45 ح 8.
5- الدر المنثور 2:121،المجموع(للنووي)13:368.

و الرواية عن ابن عباس غير ثابتة،و على تقديرها فهي مقطوعة للحجيّة غير صالحه،إلّا أن يقال بكونه من أهل اللغة و الخبرة فيعتبر كلامه من هذه الجهة.

و لكن المناقشة فيه بعد معلومية مخالفته للعرف و اختيارنا لزوم تقديمه على اللغة عند المعارضة واضحة،فالقول باعتبارها كما عن المبسوط و الخلاف و في الغنية (1)ضعيف غايته،و إن ادّعى في الأخير عليه إجماع الإمامية؛ لوهنه في المسألة بمصير الأكثر إلى خلافه،مع عدم ظهور مخالف لهم سوى الطوسي في الكتابين خاصّة،و مع ذلك فعبارته بالاعتبار المحكية غير صريحة فيه،بل و لا ظاهرة،من حيث التعبير عنه بالاحتياط الظاهر في الاستحباب،فلم يبق قائل به صريحاً،بل و لا ظاهراً إلّا مدّعي الإجماع،فكيف يصلح مثله دليلاً؟ و الاستصحاب لو تمسّك به مندفع بالإطلاقات.

و ربما أيّد المختار جماعة (2)بأن مع اعتبار العدالة لم يقم للمسلمين سوق بالمرّة و لم ينتظم للعالم حالة؛ لأن الناس إلّا النادر منهم إما فاسق أو محتملة،و الجهل بالشرط يقتضي الجهل بالمشروط بالضرورة،و أنه ما نقل في الروايات و أقوال العلماء المعاصرين للأئمّة عليهم السلام مع عموم البلوى بالأيتام و أموالهم المنع عن معاملتهم و مناكحتهم و غير ذلك بدون العدالة.

و قد ورد في النصوص الأمر بالمعاملة و المناكحة من غير تقييد بالعدالة،و في كثير من المعتبرة دلالة على جواز معاملة الفسّاق و أهل السرقة

ص:247


1- المبسوط 1:284،الخلاف 3:283،الغنية(الجوامع الفقهية):594.
2- منهم:الشهيد في المسالك 1:248،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 9:194،و صاحب الحدائق 20:352.

و أخذ جواز العمّال و الظلمة،و على جواز بيع الخشب لمن يعمل صنماً و العنب لمن يعمل خمراً.

و فيه مناقشة؛ لعدم تماميّته إلّا على تقدير اشتراطها على الإطلاق، و ليست كذلك بمشترطة،فقد صرّح الأصحاب بأن اعتبارها على القول به إنما هو في الابتداء لا في الاستدامة،و عليه حكي الإجماع في التذكرة (1)، و بذلك صرّح القائلان في الكتب المزبورة،و إن احتاطوا باعتبارها أيضاً في الاستدامة.

فعلى هذا يمكن أن يمنع ما ذكر من المؤيّدات في المسألة؛ لاحتمال ابتنائها على وجه الصحّة و هو حصول العدالة ابتداءً و إن طرأ بعدها وصف الضدّ،و مرجعه إلى حمل أفعال المسلمين على الصحة،و هو شيء متّفق عليه بين العلماء كافّة،مستفاد من النصوص المعتبرة،و سيرة المسلمين في جميع الأمصار و الأزمنة.

و لا يضرّ معه الجهل بالشرط في المسألة،كما لا يضرّ معه الجهل بكثير من الشروط المعتبرة في الأموال المبتاعة في أسواق المسلمين، كالجلود المشترطة فيها التذكية و مطلق الأموال المشترطة في المعاملة بها و ابتياعها الملكيّة،و عدم كونها سرقة،و غير ذلك مما لا يعدّ كثرةً،و منه مفروض المسألة بالإضافة إلى شرط أصل الرشد الذي هو إصلاح المال.

فلو صحّ التمسك بالمؤيّدات المزبورة لنفي اعتبار العدالة لصحّ التمسك بها لنفي اعتبار أصل الرشد؛ لتساوي نسبتها إليهما بالضرورة، فكما لا يضرّ الجهل بالشروط فيما عدا المسألة بناءً على حمل أفعال

ص:248


1- التذكرة 2:75.

المسلمين على الصحة فكذلك فيها بالبديهة،لتساوي النسبة.

و مع عدم الوصفين البلوغ و الرشد أو أحدهما استمرّ الحجر عليه و لو طعن في السنّ و بلغ خمساً و عشرين سنة،اتفاقاً منّا،كما في نهج الحق و المسالك و غيرهما (1).

خلافاً للحنفية،فمنعوا عن حجره بعد بلوغه إلى المدة المذكورة (2)، و عموم الأدلّة عليه حجة.

و يعود الحجر بعد عود السبب إلّا الفسق فلا يعود بعوده،إجماعاً، كما مرّ عن التذكرة (3)،و به صرّح القائلان باشتراط العدالة كما تقدّم إليه الإشارة.

و يعلم رشد الصبي باختباره بما يلائمه من التصرفات و الأعمال ليظهر اتّصافه بالملكة و عدمه،فمن كان من أولاد التجار فوّض إليه البيع و الشراء بمعنى مماكسته فيهما على وجههما و يراعى إلى أن يتمّ مساومته ثم يتولاّه الولي إن شاء،فإذا تكرّر ذلك منه و سلم من الغبن و التضييع في غير وجهه فهو رشيد.

و إن كان من أولاد من يصان عن ذلك اختبر بما يناسب حال أهله، إمّا بأن يسلّم إليه نفقة مدّة لينفقها في مصالحه أو مواضعها التي عُيّنت له، أو بأن يستوفي الحساب على معامليهم،أو نحو ذلك،فإن وفى بالأفعال الملائمة فهو رشيد.

ص:249


1- نهج الحق:492،المسالك 1:248؛ و انظر الروضة 4:109.
2- التفسير الكبير 9:189،أحكام القرآن للجصّاص 1:489.
3- التذكرة 2:75.

و من تضييعه إنفاقه في المحرّمات،إجماعاً،كما في التذكرة (1)،أو في الأطعمة التي لا تليق بحاله بحسب وقته و بلده و شرفه و صنعته،و الأمتعة و اللباس كذلك.

و إن كان أنثى اختبرت بما يناسبها من الأعمال،كالغزل و الخياطة و شراء آلاتهما المعتادة لأمثالها بغير غبن،و حفظ ما يحصل في يدها من ذلك،و المحافظة على اجرة مثلها إن عملت للغير،و حفظ ما تليه من أسباب البيت و وضعه على وجهه،و صون الأطعمة التي تحت يدها عن مثل الهرة و الفأرة و نحو ذلك،فإذا تكرّر ذلك منها على وجه الملكة ثبت رشدها،و إلّا فلا.

و لا يقدح فيها وقوع ما ينافيها نادراً من الغلط و الانخداع في بعض الأحيان؛ لوقوعه من الكاملين كثيراً.

قيل:و وقت الاختبار قبل البلوغ (2)،عملاً بظاهر الآية (3).

و هو كذلك إن أُريد به جوازه قبله،لا انحصار وقته فيه.بل يمكن أن يراد وجوبه؛ حذراً من منع ربّ المال من التصرف فيه بعد بلوغه.

و يثبت الرشاد بشهادة رجلين به في الرجال بلا إشكال فيه و في ثبوت غيره من أمارات البلوغ بهما أيضاً،و إن كان الفرض مع عدالة الشهود نادراً،إجماعاً،و قد حكاه صريحاً بعض أصحابنا (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى عموم الأدلّة بقبول شهادتهما،و الاستقراء.

ص:250


1- التذكرة 2:75.
2- المبسوط 2:284.
3- النساء:6.
4- المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 9:200.

و بشهادة الرجال منفردين أو النساء كذلك،أو ملفّقات منهنّ و منهم كرجل و امرأتين في النساء بلا خلاف في الظاهر،بل عليه الإجماع في كثير من العبارات (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى ما مرّ في الأوّل، و النصوص المستفيضة الدالّة على الاكتفاء بشهادتين منفردات فيما لا يطّلع عليه الرجال غالباً (2)في الثاني،بناءً على كونه منه بلا إشكال،و بفحواها يستدل على الثالث؛ مضافاً إلى لزوم الحرج بالاقتصار على الأوّل.

و يعتبر في الثبوت بالشهادة ما يذكر من الشرائط في بحثها من العدالة و قيامها عند الحاكم و حكمه به.

خلافاً لبعض الأجلّة فاكتفى بالعدالة عن الأخيرين (3)؛ نظراً منه إلى الشك في اشتراطهما هنا،بل و مطلق المواضع،و سيأتي الكلام معه في بحثها بعون اللّه سبحانه.

و اعلم أن بتعريف الرشد المتقدم يعرف السفيه المتّصف بضدّه و هو الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة و يفسدها و لا يصلحها.

و مما تقدّم من الإجماع و غيره يظهر وجه منعه عن التصرفات المالية و إن حدث سفهه بعد رشده.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،منها:« إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة و ولده سفيه مفسد لا ينبغي له أن يسلّط واحداً منهم على ماله الذي

ص:251


1- مجمع الفائدة و البرهان 9:200،لم نعثر على غيرها من عبارات الفقهاء ادّعي فيها الإجماع،كما أشار إليه أيضاً في مفتاح الكرامة 5:251.
2- انظر الوسائل 27:350 أبواب الشهادات ب 24.
3- مجمع الفائدة و البرهان 9:199.

جعله اللّه تعالى قياماً» (1)الحديث.

و مقتضاه كالأصل،و عموم آية المنع عن تمكين السفيه من المال (2)،و مفهوم فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً [1] (3)و منطوق:« فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً» (4)الدالّين على الحجر بمجرّد السفه عدم توقّفه على حكم الحاكم.و كذا زواله؛ لظاهر الآية الأُولى،و هو أحد القولين المشهورين في المسألة و أصحّهما،وفاقاً لجماعة (5).

خلافاً لآخرين (6)،فاعتبروا حكمه في ثبوته و زواله؛ نظراً منهم إلى مخالفة كلّ منهما للأصل فيقتصر فيهما على المتيقن،و هو ما كان بحكم الحاكم،كالمفلّس.

و وجه النظر فيه ظاهر لكلّ متدبّر فيما مرّ و ناظر.

و هنا قولان آخران مفصِّلان بين الثبوت فالأوّل،و الزوال فالثاني،كما في أحدهما؛ و بينهما بالعكس،كما في الثاني،و الأوّل مختار اللمعة (7)، و الثاني مجهول القائل،كما صرّح به جماعة (8).

و كيف كان فلو باع و الحال هذه أي بعد ثبوت حجره بمجرّد

ص:252


1- تفسير القمي 1:131،المستدرك 13:241 أبواب عقد البيع و شروطه ب 11 ح 5.
2- النساء:5.
3- النساء:6.
4- البقرة:282.
5- منهم:العلّامة في التحرير 1:219،و الشهيد في الروضة 4:107،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:196،و صاحب الحدائق 20:360.
6- كالشيخ في المبسوط 2:286،و المحقق في الشرائع 2:103،و العلّامة في التذكرة 2:77.
7- اللمعة(الروضة البهية 4):107.
8- منهم:الشهيد في المسالك 1:249 و صاحب الحدائق 20:363.

ثبوت سفهه،أو بشرط حكم الحاكم به على الاختلاف لم يمض بيعه و إن ناسب أفعال العقلاء إلّا مع إجازة الولي،فيمضي على القول بالفضولي و جواز بيع السفيه بإذن الولي،كما هو مذهب الفاضل و غيره (1).

خلافاً للطوسي و ابن حمزة (2)،فمنعا منه؛ و حجتهما عليه غير واضحة،مع اقتضاء الأصل و العمومات السليمة عن المعارض في المقام جوازه.

و كذا لو وهب أو أقرّ بمال لم يمضيا مطلقاً،كسائر تصرفاته المالية؛ لمكان حجره عنها.

و مقتضى الأصل،و عمومات أدلّة جواز التصرفات،مع اختصاص أدلّة حجر هذا الفرد كتاباً و سنة و إجماعاً بالمال:أنه يصحّ تصرفاته الغير المالية من نحو طلاقه و ظهاره و إقراره بما لا يوجب مالاً كالإقرار بالجناية الموجبة للقصاص و إن كان نفساً،و كالنسب و إن أوجب النفقة على الأصحّ؛ لتضمّنه أمرين غير معلومي التلازم،فيقبل في أحدهما دون الآخر،كالإقرار بالسرقة على وجه يؤخذ بالمال دون القطع.

و عليه ففي الإنفاق على المقرّ له من مال المقرّ أو بيت المال قولان، و لا خلاف في أصل الحكم على الظاهر،مضافاً إلى الإجماع المحكي في بعض العبائر (3).

و المملوك المراد به ما يشمل المملوكة،لعموم الأدلّة ممنوع

ص:253


1- العلّامة في التذكرة 2:78؛ و انظر الشرائع 2:101،و المسالك 1:249،و جامع المقاصد 5:198.
2- الطوسي في المبسوط 2:286،ابن حمزة في الوسيلة:235.
3- انظر مجمع الفائدة و البرهان 9:212.

من جميع التصرفات الماليّة و غيرها إلّا الطلاق،أو إذا كانت بإذن المولى إجماعاً في أصل المنع،كما قدّمناه في بحث عدم مالكيّته عن المختلف (1)،و حكاه أيضاً غيره في غيره و في الاستثناء الأخير أيضاً (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الآية الكريمة عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ [1] (3)في الأول،و النصوص المستفيضة بل المتواترة في المقامين،مضى بعضها في البحث المتقدم و غيره،و يأتي بعض منها في النكاح و غيره.

و على الأشهر الأظهر في الاستثناء الأوّل إذا كانت الزوجة غير أمة المولى،كما يأتي في بحثه.

خلافاً لآخرين،فنفوا خياره فيه أيضاً؛ التفاتاً إلى صحاح كثيرة يأتي الكلام عليها ثمة.

و عن التذكرة استثناء الضمان أيضاً؛ لأنه تصرف في الذمة لا بالعين (4).

و يردّه عموم الآية،مع عدم وضوح شاهد على التخصيص بالبديهة.

و المريض ممنوع من الوصية بما زاد عن الثلث على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تقدّم و تأخّر،و ادّعى في الغنية عدم الخلاف فيه (5)،بل في الشرائع و غيره (6)الإجماع عليه؛ و هو الحجة،مضافاً إلى

ص:254


1- راجع ص:58.
2- مجمع الفائدة و البرهان 9:213.
3- النحل:75.
4- التذكرة 2:87.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):604.
6- الشرائع 2:260؛ و انظر الحدائق 20:353.

النصوص المستفيضة،بل المتواترة (1).

قيل:خلافاً لوالد الصدوق (2)و بعض النصوص القاصرة سنداً و دلالةً و مقاومة لما مرّ من وجوه عديدة جدّاً (3).و سيأتي الكلام في المقام في بحث الوصية إن شاء اللّه تعالى مستقصًى.

و كذا الكلام في منعه عن التبرعات المنجّزة الغير المعلّقة على الوفاة،كالهبة و الوقف و التصدق و المحاباة في البيع أو الإجارة أو نحو ذلك،إذا كانت زيادة على الثلث،فيمنع عنها كالوصية على الخلاف الآتي ذكره في بحثها إن شاء اللّه تعالى مستقصًى.

و حيث تصرّف في محل المنع توقّف على إجازة الورثة و لا تقع من أصلها فاسدة،بلا خلاف؛ للمعتبرة الآتية ثمة.

و الأب و الجدّ للأب و إن علا يَليان على الصغير و المجنون بلا خلاف،كما في المسالك (4)،بل إجماعاً،كما عن التذكرة و في غيرها (5)؛ و هو الحجة،كالنصوص المستفيضة،بل المتواترة الواردة في التزويج (6)،الصريحة في ثبوت ولايتهما عليهما فيه،المستدل بها بالفحوى و الأولوية في المسألة؛ مضافاً إلى خصوص النصوص المستفيضة الواردة في بحثي أموال الأيتام و الوصية و غيرهما من المباحث الكثيرة.

فلا ريب و لا خلاف في المسألة،و لا في نفوذ تصرّفات أحدهما مع

ص:255


1- انظر الوسائل 19:275 أبواب الوصايا ب 11.
2- نقله عنه في المختلف:510.
3- انظر الوسائل 19:280 أبواب الوصايا ب 11 ح 16،19.
4- المسالك 1:250.
5- التذكرة 2:80،مجمع الفائدة و البرهان 9:231.
6- انظر الوسائل 20:275 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6.

فقد الآخر،أو الموافقة و عدم المعارضة،أو سبق تصرف المتصرف منهما.

و أما مع التقارن ففي تقديم الأب،أو الجدّ،أو البطلان،احتمالات، بل و أقوال،أوسطها الوسط،لفحوى ما دلّ على ثبوته في التزويج من الإجماعات المحكية و النصوص المستفيضة.

فإن فُقِدا فالوصي لأحدهما فإن فُقِد الوصي فالحاكم بلا خلاف فيهما و في الترتيب بين الأولياء،و كون المراد بالحاكم حيث يطلق من يعمّ الفقيه الجامع لشرائط الفتوى،بل على الأخير الإجماع في المسالك (1)؛ و هو الحجة فيه،كالنصوص المستفيضة الواردة في الوصية في ثبوت ولاية الوصي،و يستفاد من بعضها ثبوت الولاية للحاكم مع فقد الوصي و للمؤمنين مع فقده (2)،و هو كثير،بل لعلّه مستفيض ذكر بعضها مع الخلاف في الأخير في كتاب التجارة (3)،و باقي الأخبار تعرف من كتاب الوصية.

ثم الولاية في مال السفيه الذي لم يسبق له رشد كذلك للأب و الجدّ، إلى آخر ما ذكر،وفاقاً للشهيدين و غيرهما (4)؛ عملاً بالاستصحاب، و فحوى ما دلّ على ثبوتها في النكاح من الإجماع المحكي في عبائر كثير من الأصحاب (5).

ص:256


1- المسالك 1:250.
2- الوسائل 17:362 أبواب عقد البيع و شروطه ب 16،و ج 19:421 أبواب أحكام الوصايا ب 88.
3- راجع ج 8 ص:220.
4- الروضة 4:106،و انظر المفاتيح 2:265.
5- انظر المسالك 1:448،و المفاتيح 2:265.

خلافاً للأكثر،كما في المسالك و غيره (1)،فأثبتوها هنا للحاكم على الإطلاق.

و لا دليل عليه يعتدّ به إلّا ما قيل من ظهور توقّف الحجر عليه و رفعه على حكمه في كون النظر إليه (2).

و فيه نظر؛ لمنع التوقف أوّلاً،كما مضى (3).ثم منع الظهور ثانياً؛ لعدم التلازم جدّاً،إذا لا منافاة بين توقّف الأمرين على حكمه و كون النظر و الولاية إلى الأبوين بعده أصلاً.

و إن سبق رشده و ارتفع عنه الحجر بالبلوغ معه ثم لحقه السفه فللحاكم الولاية دونهم.

قيل:لارتفاع الولاية عنه بالرشد فلا تعود إليهم إلّا بدليل،و هو منتف،و الحاكم وليّ عامّ لا تحتاج توليته إلى دليل و إن تخلّف في بعض الموارد (4).و ظاهر المسالك و الروضة و غيرهما (5)عدم الخلاف فيه.

فإن تمّ إجماعاً كان هو الحجة،و إلّا فالقول بالولاية للأبوين هنا أيضاً لا يخلو عن قوة؛ التفاتاً إلى ثبوته في بحث التزويج على الأقوى بالأولوية.

مضافاً إلى ظهور الإجماع من التذكرة المشار إليها ثمة (6)،المستلزمة لثبوت الحكم هنا بأولوية أُخرى زيادة على الأولوية الأوّلة،و سيأتي ثمّة بيان ضعف التعليل المتقدم لإثبات ولاية الحاكم في المسألة.

ص:257


1- المسالك 1:250،قال:هو أشهر القولين.
2- المسالك 1:250.
3- في ص 253.
4- قال به الشهيد الثاني في الروضة 4:106.
5- المسالك 1:250،الروضة 4:106؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 9:232.
6- التذكرة 2:586.

و هذا القول هو الظاهر من العبارة و ما ضاهاها،حيث أُطلق فيها المجنون بحيث يشمل من اتّصل جنونه بصغره و من تجدّد له ذلك بعد رشده،و السفيه بالإضافة إلى المال بمعنى المجنون،و لعلّه لذا لم يذكر وليّ السفيه اكتفاءً منه ببيان وليّ المجنون،و اللّه العالم.

ص:258

كتاب الضمان

اشارة

كتاب الضمان و هو يطلق على معنيين،أحدهما أخصّ من الآخر،و الأعمّ عبارة عن عقد شرع للتعهّد بنفس أو مال و الأوّل الكفالة،و الثاني الحوالة إن كان ممّن في ذمّته مال،و إلّا فالضمان بالمعنى الأخص و لذا صار أقسامه ثلاثة:

.

الأوّل ضمان المال

الأوّل:ضمان المال.

و هو المراد منه حيث يطلق بلا قيد،بخلاف القسيمين فلا يطلق عليهما إلّا بأحد القيدين.

و هو ثابت بالكتاب و السنّة و الإجماع،قال سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [1] (1)و قال عزّ شأنه وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ [2] (2).و أمّا السنة فمن طريق الخاصّة و العامّة مستفيضة سيأتي إلى جملة من الأولى الإشارة.

و من الثانية النبوية المشهورة في قضيّة ضمان علي عليه السلام عن الميت، و كذا أبي قتادة (3)،و فيها:أقبل صلى الله عليه و آله على علي عليه السلام،فقال:« جزاك اللّه

ص:259


1- المائدة:1.
2- يوسف:72.
3- الخلاف 3:314،315،الوسائل 18:424 أبواب الضمان ب 3 ح 2،3؛ و انظر سنن الدارقطني 3:78،291/79،292،293،سنن البيهقي 6:73،74،سنن أبي داود 3:3343/247.

تعالى عن الإسلام خيراً و فكّ رهانك كما فككت رهان أخيك» .و في اخرى نبوية:« العارية مؤدّاة،و المِنْحَة مردودة (1)،و الدين مقضيّ،و الزعيم غارم» (2).

و أمّا الإجماع فمن المسلمين كافّة،كما في المهذب و غيره (3).

و يشترط في الضامن التكليف بالبلوغ و العقل،فلا يصحّ من الصبي و المجنون،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في المسالك (4)؛ لأدلّة الحجر عليهما،و حديث رفع القلم (5).و يصحّ عنهما،بلا خلاف أجده إلّا من الطبرسي،فلا يصحّ كالأوّل (6).

و يدفعه الأصل،و العمومات،و فحوى ما دلّ على الصحة عن الميّت،و به صرّح الفاضل في المختلف (7).

و يشترط فيه أيضاً جواز التصرف برفع الحجر عنه،و لقد كان فيه غنى عن ذكر الشرط السابق؛ لاندراجه تحت هذا الشرط.و كيف كان فلا يصحّ من السفيه و لا المملوك بدون إذن السيد،بلا خلاف أجده في الأوّل،و بالمنع فيه صرّح في التذكرة (8)،و وفاقاً للأكثر في الثاني؛ لعموم

ص:260


1- المِنْحَة بالكسر:في الأصل الشاة أو الناقة يعطيها صاحبها رجلاً يشرب لبنها ثمّ يردّها إذا انقطع اللبن،ثمّ كثر استعماله حتى أُطلق على كلّ عطاء.المصباح المنير:580.
2- عوالي اللئلئ 3:1/241،مستدرك الوسائل 13:393 أبواب الدين و القرض ب 4 ح 4؛ و انظر مسند أحمد 5:267.
3- المهذّب البارع 2:522؛ و انظر المبسوط 2:322،و التذكرة 2:85،و المفاتيح 3:143.
4- المسالك 1:251.
5- الخصال:40/93،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
6- حكاه عنه في المختلف:431.
7- المختلف:431.
8- التذكرة 2:78.

أدلّة الحجر،و منها قوله سبحانه عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ [1] (1).خلافاً للفاضل في المختلف و التذكرة (2)،فقال بالصحة،و يتبع به بعد العتق؛ و لعلّه للأصل،و العموم،و اختصاص الآية بحكم السياق بالحجر في المال.

و في الجميع نظر؛ إذ لا أصل للأصل بعد قطع النظر عن العموم،بل مقتضاه الفساد،و لا للعموم بعد فقد اللفظ الدالّ عليه في اللغة و العرف، و الإطلاق لا ينصرف إلّا إلى الفردِ المتبادر الغالب،و ليس منه محل الفرض.

و تخصيص الشيء بالمال مخالف للعموم المستفاد من ذكر النكرة في سياق النفي،و ظهوره من السياق صريحاً بل و ظاهراً غير معلوم،سيّما مع استنادهم عليهم السلام بالآية لمنعه عن نحو الطلاق الذي ليس بمال في كثير من النصوص (3).

و أما الاستناد بعموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [2] (4)فغير مفيد بعد اختصاصه بحكم الوضع عندنا بالحاضرين،و انحصار وجه التعدية إلى مَن عداهم بالإجماع المفقود في المفروض،لمصير الأكثر إلى عدم الصحة،فتأمّل.

و يصحّ مع الإذن،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في المختلف و غيره (5).

و في تعلّق المال حينئذ بذمّة العبد فيتبع به بعد العتق،كما في الشرائع

ص:261


1- النحل:75.
2- المختلف:431،التذكرة 2:87.
3- انظر الوسائل 22:101 أبواب مقدمات الطلاق ب 45.
4- المائدة:1.
5- المختلف:425؛ و انظر المسالك 1:251.

و اللمعة (1)،بناءً على أن الإذن إنما هو في الالتزام دون الأداء الذي هو أخصّ،و لا دلالة للعام على الخاص.

أو بكسبه،بناءً على أن الإطلاق يحمل على ما يستعقب الأداء،فإنه المعهود و ليس إلّا ذاك،إذ الفرض أن الضامن هو العبد دون السيد.

أو بمال المولى مطلقاً،كما عن الإسكافي و في المسالك و الروضة (2)،قياساً له بالاستدانة.

أقوال و إشكال،إلّا أن يكون هناك معهود فيتبع،بلا إشكال فيه و في لزوم كلّ من الاحتمالات مع الاشتراط،مضافاً إلى عدم الخلاف فيه،كما صرّح به بعض الأصحاب (3).

و لا بدّ في اللزوم من رضاء المضمون له وفاقاً للأكثر،بل لعلّه عليه عامّة مَن تأخّر،و في الغنية الإجماع عليه (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و أن حقه ينتقل من ذمّة إلى أُخرى،و الناس مختلفون في حسن المعاملة و سهولة القضاء،فلو لم يعتبر رضاه لزم الضرر و الغرر.

و مفهوم الصحيح:الرجل يموت و عليه دين فيضمنه ضامن للغرماء، فقال:« إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمة الميت» (5).

و الرضوي:« و إن كان لك على رجل مال و ضمنه رجل عند موته

ص:262


1- الشرائع 2:107،اللمعة(الروضة البهية 4):113.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:431،المسالك 1:251،الروضة 4:114.
3- مجمع الفائدة 9:286.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):595.
5- الكافي 5:2/99،الفقيه 4:582/167،التهذيب 6:392/187،الوسائل 18:422 أبواب أحكام الضمان ب 2 ح 1.

و قبلت ضمانه فالميت قد برئ و قد لزم الضامن ردّه عليك» (1).

مضافاً إلى التأيّد بالخبر:احتضر عبد اللّه بن الحسن فاجتمع عليه غرماؤه فطالبوه بدين،فقال:ما عندي ما أُعطيكم،و لكن ارضوا بمن شئتم من بني عمّي علي بن الحسين عليهما السلام أو عبد اللّه بن جعفر،فقال الغرماء:أما عبد اللّه بن جعفر فمليّ مَطُول (2)،و علي بن الحسين عليهما السلام رجل لا مال له صدوق و هو أحبّهما إلينا،فأرسل إليه فأخبره الخبر،فقال:« أنا أضمن لكم المال إلى غلّة» و لم يكن له غلّة[تجمّلاً (3)]فقال القوم:قد رضينا،فضمنه فلمّا أتت الغلّة أتاح اللّه تعالى بالمال فأدّاه (4).

و قصور سنده كالثاني لو كان منجبر بعمل الأعيان،و لكن في الاستدلال به كما في المختلف (5)كلام.

خلافاً لأحد قولي الطوسي (6)،فلم يعتبر رضاه؛ للنبوي المتقدم المتضمن لضمان علي عليه السلام و أبي قتادة عن الميت و حكمه عليه السلام عليهما باللزوم بقوله المتقدم بمجرّد ضمانهما،مع عدم سبق سؤاله عن رضاء المضمون له (7).

ص:263


1- فقه الرضا(عليه السلام):268،المستدرك 13:404 أبواب الدين و القرض ب 14 ح 2.
2- المَطْل:التسويف بالعدة و الدين،و هو مَطُول.القاموس 4:52.
3- في النسخ:كملاً.و ما أثبتناه من الكافي.و قال العلّامة المجلسي في مرآة العقول 19:49:تجمّلاً بالجيم أي:إنّما قال ذلك لإظهار الجمال و الزينة و الغنى،و يمكن أن يقرأ بالحاء أي:إنّما فعل تحملاً للدين،أو لكثرة حمله و تحمّله للمشاقّ،و الأوّل أظهر.
4- الكافي 5:7/97،الفقيه 3:191/55،التهذيب 6:495/211،الوسائل 18:426 أبواب أحكام الضمان ب 5 ح 1.
5- المختلف:429.
6- الخلاف 3:313.
7- راجع ص:4252.

و هو مع قصور سنده،مع عدم جابر له في محل الفرض قاصر الدلالة،أوّلاً:بأنه لا عموم فيه؛ لكونه قضية في واقعة.

و ثانياً:باحتمال وجود القرينة الدالّة على رضاه؛ لعدم وجود ما يوفي به دينه من التركة على الظاهر،مع كون الضامن مثل عليّ عليه السلام في غاية مرتبة من الوثوق عليه في الوفاء،و هو موجب لحصول العلم برضاء المضمون له و لو بالفحوى،و لعلّه كافٍ في الصحة،بل و اللزوم،و إن توقّف على القبول اللفظي بعده على الاختلاف.

و ثالثاً:باحتمال حصول رضاء المضمون له في الواقعة،و عدم النقل لا يدلّ على العدم بالضرورة،و دفعه بأصالة العدم مشروط بعدم النص على الاشتراط،و قد مرّ.فما هذا شأنه لا يعترض به الأدلّة المتقدمة.

و ربما يستدل له بالموثق:في الرجل يكون عليه دين فحضره الموت،فيقول وليّه:عليّ دينك،قال:« يبرئه ذلك و إن لم يوفّه وليّه من بعده» و قال:« أرجو أن لا يأثم،و إنما إثمه على الذي يحبسه» (1).

و فيه بعد قصور السند عن المقاومة لما مرّ قصور الدلالة؛ لإطلاقه بالإضافة إلى حصول رضاء المضمون له و عدمه فليقيّد بالأوّل،جمعاً بين الأدلّة،للاتفاق على تقديم النص على الظاهر،سيّما مع اعتضاده بالأصل، و أدلّة نفي الضرر،و عمل الأكثر،فالاستدلال به في مقابلة الأوّل ضعيف.

و أضعف منه الاستدلال بالموثق الآخر:عن رجل مات و له عليّ دين،و خلّف ولداً رجالاً و نساءً و صبياناً،فجاء رجل منهم فقال:أنت في حلّ مما لإخوتي و أخواتي و أنا ضامن لرضاهم عنك،قال:« تكون في سعة

ص:264


1- التهذيب 6:397/188،الوسائل 18:346 أبواب الدين و القرض ب 14 ح 2.

من ذلك و حلّ» قلت:و إن لم يعطهم؟قال:« كان ذلك في عنقه» قلت:

فإن رجع الورثة عليّ فقالوا:أعطنا حقّنا؟فقال:« لهم ذلك في الحكم الظاهر،فأما بينك و بين اللّه تعالى فأنت في حلّ منها إذا كان الرجل الذي أحلّ لك يضمن رضاهم» (1)الحديث.

لاشتراكه مع سابقه في قصور السند،مع زيادة قصور فيه بخروجه عن محل النزاع؛ لتضمّنه إبراء ذمّة المديون عن مال الغريم مجّاناً بدون نقله إلى ذمّته،و هذا مع كونه في الظاهر مخالفاً للإجماع؛ لحرمة التصرف في مال الغير بدون الإذن،و لعلّه لهذا أطلق عليه السلام و قال:إن للورثة المطالبة في الحكم الظاهر،و هو أعم من وجود البينة على الضمان و عدمه ليس من محل النزاع؛ لأنه ما تضمّن إبراء ذمة المديون عن مال الغريم بنقله إلى ذمة الضامن لا إبراؤه مجّاناً،و الضمان في الخبر ليس إلّا على تحصيل رضاء الغريم،و هو ليس من الضمان الذي هو محل الفرض.

نعم،الخبر صريح في حصول البراءة بما فيه من الضمان،لكنه مخالف للقواعد،بل و الإجماع،و على تقدير العدم فهو كما عرفت خارج عن محل النزاع،فالاستدلال على المطلب فيه عين الغفلة (2).

كالاستدلال بالصحيح:الرجل يكون عنده المال وديعة،يأخذ منه بغير إذن صاحبه،قال:« لا يأخذ إلّا أن يكون له وفاء» قلت:أ رأيت إن وجد من يضمنه و لم يكن له وفاء و أشهد على نفسه الذي يضمنه يأخذ

ص:265


1- الكافي 7:7/25،التهذيب 9:682/167،الوسائل 18:425 أبواب أحكام الضمان ب 4 ح 1.
2- انظر الحدائق 21:11.

منه،قال:« نعم» (1).

لخروجه كسابقه عن محل النزاع،مع مخالفته للقواعد،بل الإجماع.

ثم على المختار هل المعتبر مجرّد الرضاء كيف اتّفق،أم لا بدّ من كونه بصيغة القبول؟ قولان،أجودهما الثاني؛ للأصل،و الاقتصار فيما خالفه من اللزوم و الانتقال على المتيقن من الإجماع و النص،و ليس فيه تصريح بكفاية مطلق الرضاء.و إطلاقه لا عبرة به؛ لعدم وروده في بيان حكمه،بل لبيان حكم آخر؛ مضافاً إلى تضمّن بعض ما مرّ من الأخبار (2)القبول بصيغته و شرائطه من المضيّ و التواصل المعهود بينه و بين الإيجاب.

و لا عبرة بالمضمون عنه أي برضاه،بلا خلاف أجده حتى من القائلين بعدم الصحة مع الإنكار،فإن قولهم بذلك غير مبني على اعتبار رضاه ابتداءً،بل على جعلهم الإنكار مانعاً،و لذا صرّحوا بالصحة مع عدم معلومية كلّ من الرضاء و الإنكار.

و ربما يشعر بعدم الخلاف العبارة و غيرها،بل في المسالك الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة بعد العمومات،و ظواهر ما مرّ من المعتبرة المكتفية في شرائط الصحة و الحكم باللزوم بمجرد رضاء المشروط له.و النبوي المتقدم بالضمان عن الميّت بعد موته نصّ في ذلك (4).

و لو علم المضمون عنه بالضمان فأنكر و لم يرض به

ص:266


1- الفقيه 3:881/194،التهذيب 7:792/180،الوسائل 19:86 أبواب أحكام الوديعة ب 8 ح 1.
2- في ص:263.
3- المسالك 1:253.
4- راجع ص:260.

لم يبطل الضمان على الأصح الأشهر،بل لعلّه علية عامّة من تأخّر، وفاقاً للحلّي (1)؛ لبعض ما مرّ (2)،مضافاً إلى ما ظاهرهم الاتفاق عليه من جواز أداء الدين عنه بغير رضاه،بل مع كراهته،فالتزامه في الذمة أولى.

خلافاً للنهاية و المقنعة و القاضي و ابن حمزة (3)،فنفوا الصحة بالإنكار.و حجّتهم عليه غير واضحة عدا الأصل الغير المعارض لما مرّ من الأدلة،مضافاً إلى استصحاب الصحة السابقة.فما قالوه ضعيف غايته.

و في اعتبار العلم بالمضمون عنه و المضمون له بالوصف و النسب، كما عن المبسوط (4)؛ أو بما يتميّزان به عن الغير خاصّة،كما في اللمعة (5)؛ أو العدم مطلقاً،كما عن الخلاف و في الغنية (6)،و هو ظاهر العبارة و صريح الشرائع و الفاضل فيما عدا المختلف و المسالك و الروضة (7)؛ أو يعتبر معرفة الأوّل بما يتميّز خاصّة دون الثاني،كما في المختلف (8)،أقوال أربعة.

أجودها ثالثها؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد المتأيّد بإطلاقات أخبار

ص:267


1- السرائر 2:70.
2- قال في الحدائق 21:15:و علّلوه بأنّ إنكار المضمون عنه لا أثر له،فإنه إذا لم يعتبر رضاه ابتداءً فلا عبرة بإنكاره بعده.
3- النهاية:314،المقنعة:814،القاضي حكاه عنه في المختلف:429،ابن حمزة في الوسيلة:280.
4- المبسوط 2:323.
5- اللمعة(الروضة البهية 4):118.
6- الخلاف 3:313،الغنية(الجوامع الفقهية):595.
7- الشرائع 2:108،العلّامة في التحرير 1:221،و القواعد 1:177،المسالك 1:252،الروضة 4:119.
8- المختلف:429.

الباب،و النبوي المتقدّم (1)الظاهر في جهالة الشخصين.و مجرّد حضور الجنازة مع عدم المعرفة بمحمولها مطلقاً و لو بقدر ما يحصل به التميّز في الجملة ليس معرفة بالمضمون عنه بالضرورة.

و الغرر المتوهّم منه اشتراط المعرفة مطلقاً أو في الجملة سيأتي إلى جوابه الإشارة،مع أن الاستناد إليه يوجب اشتراط المعرفة بسهولة القضاء في المضمون له و حسن المعاملة،و هو منفيّ بالإجماع،كما في المختلف (2).

و هو أي الضمان ينقل المال المضمون من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن و يُبرئ ذمّة المضمون عنه بإجماعنا المستفيض الحكاية في كلام جماعة،كالسرائر و الغنية و نهج الحق و المهذب و المسالك و التذكرة،و غيرها من كتب الجماعة (3)؛ و هو الحجة المخصِّصة للأصل؛ مضافاً إلى النصوص المستفيضة الخاصيّة و العامّيّة المتقدّمة التي هي ظاهرة في ذلك،بل صريحة.

خلافاً للعامّة،فجعلوا فائدته ضمّ ذمّة إلى أُخرى،و خيّروا لذلك المضمون له بين مطالبة المضمون عنه و الضامن (4).

و تظهر ثمرة الخلاف في مواضع،منها:جواز الدور فيه كالتسلسل، فالأوّل:كأن يضمن اثنان كلّ ما على صاحبه،أو يضمن الأصيل ضامنه بما

ص:268


1- في ص:260.
2- المختلف:429.
3- السرائر 2:70،الغنية(الجوامع الفقهية):595،نهج الحق:494،المهذب البارع 2:522،المسالك 1:253،التذكرة 2:93؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:145،و الحدائق 21:16.
4- انظر المغني و الشرح الكبير 5:73.

يضمنه عنه بعينه،أو ضامن ضامنه،و هكذا.و الثاني:كأن يضمن أجنبي عن الضامن،و هكذا.

لتحقق الشرط،و هو ثبوت المال في الذمّة،و عدم المانع،فيرجع كلّ ضامن مع الإذن بما أدّاه على مضمونه لا على الأصيل في الثاني،و في الأوّل يسقط الضمان و يرجع الحق كما كان.

نعم،يترتب عليه أحكامه،كظهور إعسار الأصيل الذي صار ضامناً الموجب لخيار المضمون له في فسخ ضمانه و الرجوع إلى المضمون عنه الذي صار ضامنه كما يأتي.

و لا خلاف بيننا في شيء من ذلك إلّا من المبسوط في الأوّل، فمنعه؛ لاستلزامه صيرورة الفرع أصلاً و الأصل فرعاً؛ و لعدم الفائدة (1).

و ردّ الأوّل بأن ذلك لا يصلح للمانعية،و الثاني بأن الفائدة موجودة، و هو ما مرّ إليه الإشارة من ظهور إعسار الأصيل و ما بعده.

و كذلك يصحّ وحدة الضامن و تعدّد المضمون عنه و بالعكس مع الاقتران،أما بدونه في مال واحد فيصح الأوّل خاصّة.و هذا كلّه ظاهر بحمد اللّه سبحانه.

و يشترط فيه أي الضامن الملاءة بأن يكون مالكاً لما يوفي به الحق المضمون فاضلاً عن المستثنيات في وفاء الدين أو علم المضمون له بإعساره حين الضمان،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و عدم انصراف إطلاق النصوص إليه،بناءً على أن

ص:269


1- المبسوط 2:323.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):595.

المتبادر المقصود من الضمان استيفاء الدين من الضامن،و به يشعر ظاهر اشتراط رضاء المضمون له في بعضها،و إنما يكون ذلك إذا أمكن الأداء بيساره؛ مضافاً إلى لزوم الضرر بعدم اعتباره.

و به يجاب عن عموم الأمر بالوفاء بالعقود لو تمسّك به.

و منه يظهر الوجه في عدم الاشتراط مع العلم بالإعسار؛ للزوم الوفاء بالعقد السالم حينئذ عن الضرر المعارض،لاندفاعه بالإقدام عليه بالعلم؛ مضافاً إلى النص المتقدّم في ضمان علي بن الحسين عليهما السلام مع اعتراف من ضمن لهم فيه بأنه لا مال له (1)،و لذا لم يكن شرطاً في الصحة،بل في اللزوم خاصّة،كما صرّح به جماعة (2).

و على هذا لو لم يعلم بإعساره حتى ضمن ثم بان إعساره كان المضمون له مخيّراً بين الفسخ و الرجوع إلى المضمون عنه و بين إلزام العقد و مطالبة الضامن.

و في فورية هذا الخيار أم كونه على التراخي وجهان،أجودهما الثاني،وفاقاً للشهيد الثاني (3)،للأصل.

و إنما يعتبر الملاءة في الابتداء دون الاستدامة.فلو تجدّد إعساره بعد الضمان لم يكن له الفسخ؛ لتحقق الشرط حالته و الأصل بقاء الصحة.

و كما لا يقدح تجدّد إعساره فكذا تعذّر الاستيفاء منه بوجه آخر.

و الضمان المؤجّل للدين الحالّ جائز مطلقاً،تبرّعاً كان أو

ص:270


1- راجع ص:264.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:253،و الفيض في مفاتيح الشرائع 3:144،و صاحب الحدائق 21:16.
3- كما في المسالك 1:253.

غيره،إجماعاً،كما عن التذكرة و في الشرائع و المسالك (1)؛ للأصل، و العمومات السليمة عن المعارض،عدا ما ربما يتوهّم من كونه ضماناً معلّقاً و هو غير جائز عندنا.و ليس كما يتوهّم،بل هو تأجيل للدين الحالّ في عقد لازم فيلزم.

و في جواز العكس،و هو الضمان المعجّل للدين المؤجّل قولان،أصحّهما الجواز مطلقاً،وفاقاً للمبسوط و القاضي في المهذب و الحلّي و الفاضلين و الشهيدين (2)،و المفلح الصيمري،بل لعلّه عليه عامّة المتأخّرين؛ للأصل،و عموم دلائل مشروعيّة الضمان مع فقد المعارض، لفساد ما يأتي،و أصالة عدم غيره.

خلافاً للمقنعة و النهاية و القاضي في الكامل و ابني حمزة و زهرة (3)، فمنعوا عنه كذلك؛ لبناء الضمان على الإرفاق فيشترط فيه الأجل،لمنافاة الحالّ للإرفاق،لأن الضمان الحالّ يسوّغ تعجيل المطالبة بالحق المضمون فيتسلّط الضامن على مطالبة المضمون عنه فتنتفي فائدة الضمان،و أن ثبوت المال في ذمّة الضامن فرع ثبوته في ذمّة المضمون عنه،و الفرع لا يكون أقوى من الأصل.

و وافقهم فخر الإسلام و المحقق الثاني كما حكي (4)،لا لما ذكر،بل

ص:271


1- التذكرة 2:93،الشرائع 2:108،المسالك 1:253.
2- المبسوط 2:324،المهذب حكاه عنه في المختلف:429،الحلي في السرائر 2:70،المحقق في الشرائع 2:108،العلّامة في التحرير 1:223،الشهيدين في اللمعة(الروضة البهية 4):122.
3- المقنعة:815،النهاية:315،و حكاه عن الكامل في المختلف:429،ابن حمزة في الوسيلة:280،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):595.
4- فخر الإسلام في إيضاح الفوائد 2:82،المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:310.

لأن من شرط صحّة الضمان وجوب الحق على المضمون عنه،و الأجل حق من حقوق الدين،و تعجيله غير واجب فيكون ضمانه كذلك ضمان ما لم يجب،و ليس بصحيح.

و في الجميع نظر،فالأوّل:أوّلاً:بعدم جريانه في الضمان تبرّعاً.

و ثانياً:بمنع بناء الضمان على الإرفاق و انحصار فائدته فيه؛ إذ لا دليل عليه من نصّ أو إجماع،و يحتمل كون الفائدة فيه هو تفاوت الغرماء بحسن القضاء و التقاضي.

و ثالثاً:بمنع اقتضاء الإحلال تسويغ المطالبة مطلقاً،بل يشترط حلوله على المضمون عنه،أو تصريحه بالرجوع عليه حالّا.

و بهذا يظهر وجه النظر في الثاني،مع أن الضمان كالقضاء على اعترافهم،فكما أنه يجوز للمضمون عنه دفع المال معجّلاً فكذا يجوز الضمان حالّا.

و أمّا الثالث:فلأن المضمون إنّما هو المال،و أمّا الأجل فلا يتعلّق به الضمان و إن كان من توابع الحق و أوصافه،إلّا أن دخوله حيث يدخل ليس بالذات بل بالتبع،و هو حق للمديون،فإذا رضي الضامن بإسقاطه و تعجيل الإيفاء فقد ضمن ما يجب و هو المال و رضي بإسقاط الوصف.

و لا يرد أنه غير واجب الأداء بسبب الأجل؛ لأنه واجب في الجملة، غايته أنه موسّع،سيّما مع رضاء المضمون عنه.

و بما ذكرنا يظهر وجه الجواز في باقي الصور الغير المفروضة في العبارة،و هي ثمان:الضمان المؤجّل للدين المؤجّل مع تساوي الأجلين، أو الاختلاف بالزيادة و النقصان،بسؤال المضمون عنه كان أو تبرعّاً،فهذه ستة،و الضمان المعجّل للدين المعجّل بالسؤال أو التبرّع،فهذه ثمان.

ص:272

و يمكن إدراجها في العبارة بحذف ما ذكرناه في صورتيها من الصلة، إلّا أن الظاهر من ذكر القولين فيها في الصورة الثانية يقتضي ذكر ما ذكرناه من الصلة،لاختصاص نصّ القول بالمنع فيها بها معها خاصّة،و ذكرت الصلة في الأُولى بالتبعية،و إن كان ظاهر العبارة كالشرائع (1)في هذه الصورة و ظاهر اختصاص فتوى المانعين بالصورة الثانية عدم الخلاف فيه في الأُولى بشقوقها،و لكن مقتضى تعليلات المنع انسحابه في كثير من شقوقها و بعض شقوق الصورة الثانية،و إن اختلفت في تعيينها.

و يرجع الضامن على المضمون عنه بما أدّاه إن ضمن بسؤاله و إن لم يؤدّ بإذنه،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الغنية و السرائر و المسالك و عن التذكرة (2)؛ و هو الحجة المخصِّصة للأصل.

مضافاً إلى المعتبرة المنجبر قصور أسانيدها بعمل الطائفة و الإجماعات المحكية،منها الخبر المروي في الكتب الثلاثة« ليس على الضامن غرم،الغرم على من أكل المال» (3)فتأمّل.

و منها الموثق المروي في الكافي في باب الصلح،و في التهذيب في هذا الباب بسنده إلى عمر بن يزيد:عن رجل ضمن ضماناً ثم صالح عليه، قال:« ليس له إلّا الذي صالح عليه» (4).

ص:273


1- الشرائع 2:108.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):595،السرائر 2:71،المسالك 1:254،التذكرة 2:94.
3- الكافي 5:5/104،الفقيه 3:186/54،التهذيب 6:485/209،الوسائل 18:421 أبواب أحكام الضمان ب 1 ح 1.
4- الكافي 5:7/259،التهذيب 6:490/210،الوسائل 18:427 أبواب أحكام الضمان ب 6 ح 1.

و نحوه الخبر المروي في الأخير (1)بسند فيه بنان،المعدّ في الحسن عند بعض.

و هما ظاهرا الدلالة من حيث إطلاقهما الشامل لصورتي الإذن في الأداء و عدمه.

و يستفاد منهما أنه لا يجب على المضمون عنه أن يؤدّي إلى الضامن أكثر ممّا دفعه إلى المضمون له،مع أنه أيضاً لا خلاف فيه في الجملة،و يعضده الأصل،و عدم دليل على الزائد،لاختصاص الفتاوى و الإجماعات التي هي العمدة في الحجة بما أدّاه خاصّة.

و خلاف الإسكافي في بعض الصور (2)شاذّ لا يلتفت إليه،و النصوص كما ترى حجة عليه.

و من هنا يظهر الوجه في أنه لو وهبه أي الضامن المضمون له أو أبرأه عن المضمون لم يرجع الضامن على المضمون عنه بشيء و لو كان الضمان بإذنه و كذا لم يرجع المضمون له عليه به عندنا؛ بناءً على انتقال الحق من ذمّة إلى أُخرى.

خلافاً للعامة،فأثبتوا له الرجوع به عليه؛ بناءً على أصلهم الذي مضى (3).

و إذا تبرّع الضامن بالضمان فلا رجوع له على المضمون عنه بما أدّاه مطلقاً،و إن كان الأداء بإذنه،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الكتب

ص:274


1- التهذيب 6:489/210،الوسائل 18:427 أبواب أحكام الضمان ب 6 ح 2.
2- كما حكاه عنه في المختلف:432.
3- في ص:269.

المتقدمة و نهج الحق للفاضل (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أصالة براءة الذمة حتى في صورة الإذن في الأداء؛ لانتقال الحق إلى ذمته و لا دليل مع عدم الإذن في الضمان على اشتغال ذمّة المضمون عنه بما أدّاه بمجرّد إذنه في الأداء.

كما أن الأمر في غير صورة الضمان كذلك،ليس له الرجوع بمجرّد الإذن في الأداء،إلّا أن يقول قبل الضمان:أدِّ عنّي،أو دلّت عليه قرينة، فيرجع حينئذٍ بما أدّى بلا شبهة،لظهوره في الالتزام بالعوض،كما لو صرّح به بقوله:و عليّ عوضه.و دليل الرجوع حينئذٍ لزوم الضرر على الدافع الناشئ من أمر الآمر،و هو منفي اتفاقاً فتوى و رواية.فمناقشة بعض الأصحاب في الرجوع في هذه الصورة لعدم الدليل بزعمه غير واضحة (2).

و إطلاق الخبرين المتقدمين (3)بالرجوع محمول على صورة الإذن في الضمان،كما هو الغالب دون التبرّع.

و لو ضمن ما عليه صحّ و إن لم يعلم كمّيته و مقداره حال الضمان على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،وفاقاً للمقنعة و النهاية و الإسكافي و الديلمي و التقي و القاضي و ابن زهرة العلوي (4)مدّعياً عليه الإجماع؛ و هو الحجة.

ص:275


1- نهج الحق:494.
2- انظر مجمع الفائدة و البرهان 9:291.
3- في ص:274.
4- المقنعة:815،النهاية:315،و نقله عن الإسكافي في المختلف:429،الديلمي في المراسم:200،التقي في الكافي في الفقه:340،القاضي حكاه عنه في المختلف:429،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):595.

مضافاً إلى أدلّة لزوم الوفاء بالعقود من الكتاب و السنة السليمة هنا عما يصلح للمعارضة،كما يأتي إليه الإشارة.

و استدلوا زيادةً على ذلك:بقوله سبحانه وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ [1] (1)مشيراً إلى الحِمْل المختلف أفراده في الكمّية.

و المناقشة باحتمال المعلومية بالتعارف حال الضمان و المعهودية، بأصالة العدم مدفوعة.

و إطلاقِ قوله عليه السلام:« و الزعيم غارم» (2).

و الخبرِ:« أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقول في خطبته:من ترك ضياعاً فعليّ ضياعه،و من ترك ديناً فعليّ دينه،و من ترك مالاً فآكله،و كفالة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ميّتاً ككفالته حيّاً،و كفالته حيّاً ككفالته ميّتاً» (3).

و لو لم يكن ضمان المجهول صحيحاً لم يكن لهذا الضمان حكم و لا اعتبار؛ إذ الباطل لا اعتبار به فامتنع من الإمام عليه السلام الحكم بأن النبي صلى الله عليه و آله كافل.

و فيه نظر،كالاستدلال بأخبار أُخر (4)تضمّنت كفالة علي بن الحسين عليهما السلام جميع ما على المريض،لظهور جهالته و أصالته عدم معلوميته،و بعضها قد مر (5)،نعم يصلح الجميع للتأييد القوي.

ص:276


1- يوسف:72.
2- عوالي اللئلئ 3:1/241،المستدرك 13:393 أبواب الدين و القرض ب 4 ح 4؛ و انظر مسند أحمد 5:267،سنن ابن ماجة 2:2405/804،سنن أبي داود 3:3565/296،و قد تقدم ذكره في ص:4252.
3- التهذيب 6:494/211،الوسائل 18:337 أبواب الدين و القرض ب 9 ح 5.
4- الروضة من الكافي 8:514/332،الوسائل 18:423 أبواب أحكام الضمان ب 3 ح 1.
5- راجع ص:264.

خلافاً للمبسوط و الخلاف و القاضي في المهذب و الحلّي (1)،فقالوا بالمنع؛ استناداً إلى تضمّنه الغرر المنهي عنه،مع عدم دليل على الصحة.

و يندفع الثاني بما مرّ من الأدلّة.

و الأول بمنع الغرر؛ إذ ليس إلّا في المعاوضات المفضية إلى التنازع دون مثل الإقرار و المقام و شبههما؛ لتعين الحكم فيها،و هو الرجوع إلى المقرّ في الأوّل و إلى البيّنة في الثاني.

و ما ربما يدفع به هذا من عدم تسليم زوال الغرر بالرجوع إلى ما ثبت بالبينة،لاحتمال قيامها بما يعجز عنه الضامن فيحصل الضرر المستند إلى الغرر.

مدفوع بأن هذا الضرر هو شيء أدخله على نفسه،فهو مستند إلى فعله و ضمانه للمجهول مع علمه بهذا الاحتمال و قد أقدم على ذلك، فيكون كما لو ضمن المعلوم مع عجزه عنه،و ذلك واضح.

هذا إذا أمكن العلم به بعد ذلك،كالمثال،فلو لم يمكن كضمنتُ لك شيئاً ممّا في ذمّته،لم يصحّ قولاً واحداً،كما في المسالك (2).

و على تقدير الصحة يثبت عليه ما تقوم به البينة أنه كان لازماً للمضمون عنه وقت الضمان لا ما يتجدّد أو يوجد في دفتر أو حساب،و لا ما يقرّ به المضمون عنه أو يحلف عليه المضمون له بردّ اليمين من المضمون عنه؛ لعدم دخول الأول في الضمان،و عدم ثبوت الثاني في الذمة،و إنما يلزم الثابت فيها خاصة،و عدم نفوذ الإقرار في

ص:277


1- المبسوط 2:322،الخلاف 3:319،القاضي حكاه عنه في المختلف:429،الحلّي في السرائر 2:72.
2- المسالك 1:256.

الثالث على الغير،و كون الخصومة حينئذ مع الضامن و المضمون عنه، فلا يلزمه ما ثبت بمنازعة غيره،كما لا يثبت ما يقرّ به في الرابع،نعم لو كان الحلف بردّ الضامن ثبت ما حلف عليه.

و لا خلاف في شيء من ذلك إلّا من الحلبي في الثالث،فأثبته عليه (1)،و تبعه في الغنية مدّعياً عليه إجماع الطائفة (2).

و فيه وهن؛ لعدم وجود قائل به إلّا هو و الحلبي،فكيف يمكن معه دعوى الإجماع؟!و لكنه أعرف.

و من المفيد و الطوسي في الرابع (3)،فأثبتاه عليه،و إن اختلفا في الإطلاق،كما عن الأوّل،و التقييد بكون الحلف برضا الضامن،كما عن الثاني.

و يمكن ردّ هذا القول مع القيد إلى الأوّل بحمل الرضا على الردّ و إن كان أعمّ منه.و ربما يُبنى ذلك على أن يمين المدّعى هل هو كالبيّنة أو كإقرار المنكر،فيثبت على الضامن ما حلف عليه على الأوّل دون الثاني.

القسم الثاني في الحوالة

القسم الثاني: في الحوالة.

و هي مشروعة بالنص و الإجماع لتحويل المال من ذمّة إلى ذمّة أُخرى مشغولة بمثله جنساً و وصفاً،هذا هو القدر المتفق عليه منها،و إلّا فالأظهر الأشهر جوازها على البري،بل عليه الإجماع عن السرائر (4)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى عموم الأمر بالوفاء بالعقود،و إطلاق

ص:278


1- الكافي في الفقه:340.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):595.
3- المفيد في المقنعة:815،الطوسي في النهاية:316.
4- السرائر 2:79.

بعض النصوص الآتية.

خلافاً لأحد قولي المبسوط (1)،فمنعها،و هو ظاهر العبارة؛ و حجّتهما عليه غير واضحة،عدا الأصل الغير المعارض لما مرّ من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة.

و لكنه حينئذ يكون أشبه بالضمان؛ لاقتضائه نقل المال من ذمّة مشغولة إلى ذمّة بريئة،فكان المحال عليه بقبوله لها ضامناً لدين المحتال على المحيل،و لكنها لا تخرج بهذا الشبه عن أصل الحوالة فلتحقها أحكامها.

و في اشتراط تماثل المالين في الأمرين قولان؛ للأول: كما عن الشيخ و جماعة (2)،و جعله مشهوراً بين الفقهاء في التذكرة (3)التفصّي من التسلّط على المحال عليه بما ليس في ذمّته.

و للثاني: كما عليه المفلح الصيمري و غيره (4)أصالة الجواز الناشئة عما مرّ من العموم و الإطلاق،و فحوى ما دلّ على جوازها على البري فعلى من عليه بالمخالف أولى.

و ضرر التسلّط مدفوع باعتبارنا رضاء المحال عليه مطلقاً أو هنا قطعاً، فإذا رضي أن يدفع من غير الجنس الذي عليه فلا مانع،كما لو تراضيا بقبض غير الجنس.

و يشترط في الصحة كون المال معلوماً عند المحيل؛ لدفع الغرر

ص:279


1- المبسوط 2:313.
2- الشيخ في المبسوط 2:313،ابن حمزة في الوسيلة:282،حكاه عنهما و عن القاضي في المختلف:433.
3- التذكرة 2:108.
4- انظر الروضة 4:135.

بالجهالة.و هو حسن إن كان الحوالة اعتياضاً.و أما لو كان استيفاءً احتمل الصحة،كما عن التذكرة (1)؛ لعين ما تقدّم في الضمان.

و ثابتاً في ذمّته و إن لم يستقر،بلا خلاف،بل عليه الإجماع عن التذكرة (2)،فلا يجوز الحوالة من البري،بل هي وكالة إما في اقتراض إن كانت على مثله،أو في استيفاء إن كانت على ضدّه.

و لا فرق فيه بين أن يكون مثليّا أو قيميّاً،وفاقاً لجماعة (3).

و خلافاً لآخرين (4)في الأخير،فمنعوا من الحوالة به؛ لجهالته.

و يضعّف بانضباطه بالوصف و انضباط قيمته تبعاً له،و هي الواجب فيه،فالمانع مفقود،و عموم الأدلة يشمله.

و رضاء الثلاثة المحيل و المحتال و المحال عليه،بلا خلاف في الأوّلين،بل عليه الإجماع في كلام جماعة،كالغنية و التذكرة و المسالك، و غيرها من كتب الجماعة (5)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أن من عليه الحق مخيّر في جهات القضاء،فلا يتعيّن عليه بعض الجهات قهراً،و المحتال حقّه ثابت في ذمّة المحيل،فلا يلزمه نقله إلى ذمّة أُخرى إلّا برضاه.

قيل:و يستثنى من اعتبار رضاء الأوّل ما لو تبرّع المحال عليه بالوفاء، فلا يعتبر رضاء المحيل قطعاً؛ لأنه وفاء دينه بغير إذنه،و العبارة حينئذ عنه

ص:280


1- التذكرة 2:107.
2- التذكرة 2:106.
3- كالشهيد الثاني في المسالك 1:259،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3:149،و صاحب الحدائق 21:53.
4- كالمبسوط 2:312،و الوسيلة:282.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):595،التذكرة 2:106،المسالك 1:258؛ و انظر المفاتيح 3:148،و الكفاية:114،و الحدائق 21:52.

أن يقول المحال عليه للمحتال:أحلتك بالدين الذي لك على فلان على نفسي،فيقبل،فيقومان بركن العقد (1).انتهى.

و لعلّه ناظر إلى جواز الوفاء عنه بدون إذنه بالاتفاق،كما قدّمناه.و هو حسن،إلّا أن في صلوحه لإدراج مثل هذا في الحوالة التي هي من العقود اللازمة مناقشة؛ لاختصاص إطلاقات نصوصها بغيره،و عدم عموم في العقود التي أُمِرنا بالوفاء بها إلّا بالنظر إلى أنواع العقود المتعارفة زمان الصدور كما قدّمناه،و منها الحوالة،و لا بد من الاقتصار فيها على ما يسمّى بها حقيقة لا مطلقاً،و كون ما ذكر منها محلّ إشكال،فللتوقف فيه مجال.

و على المشهور في الثالث،بل عليه الإجماع عن الشيخ و التذكرة (2)في مقامين منها؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى ما قيل من أنه أحد أركان الحوالة،مع اختلاف الناس في الاقتضاء سهولةً و صعوبة (3).

و يضعّف الأوّل:بأن الموجود في كلام الشيخ المحكي في المختلف (4)ليس إلّا دعوى الإجماع على صحة الحوالة مع رضاء الثلاثة و عدم دعواه مع عدمه.

و هو أعم من الإجماع المحكي هنا،و لم يحكه عنه هو و لا غيره سوى المسالك (5)،و لعلّه اشتباه،و يبعد غاية البعد وقوفه على كلام آخر له يدل عليه،مع أن كتابه الخلاف مما ديدنه ذكر الإجماع فيه و لم يحكه فيه

ص:281


1- المسالك 1:259.
2- الشيخ في المبسوط 2:312،التذكرة 2:106.
3- الروضة 4:136.
4- المختلف:432.
5- المسالك 1:258.

هنا،و نحوه ابن زهرة في الغنية و الحلّي في السرائر،فمع أن ديدنهما نقل الإجماعات في المسائل لم ينقلاه هنا أصلاً،بل اقتصرا على الموجود في المختلف من كلام الشيخ (1).

مع أن في الغنية حكى الإجماع على اشتراط رضاء الأوّلين و لم يحكه في الثالث (2)،و لو كان إجماعاً لنقله قطعاً،كما لا يخفى على الممارس لكتابة هذا جدّاً.

و أمّا التذكرة فالمحكي فيها ليس صريحاً في الإجماع؛ إذ غاية ما ذكر في عبارته في المقام الأوّل هو أنه قال أصحابنا،إلى آخره،و في الثاني:

يشترط رضاه عندنا (3).

و هما ليس نصّاً في حكاية الإجماع،بل و لا ظاهراً بعد ملاحظة ذكره نحو العبارتين في المختلف مما يتضمن نسبة الحكم إلى الأصحاب،مع أنه في صدر المسألة ذكر أنه مشهور بين الأصحاب (4).و هو ظاهر في وقوع الخلاف و عدم الإجماع،مع أن ذكره أصل الحكم فيه يدلّ على عدم الإجماع عليه.

مضافاً إلى نقله الخلاف فيه عن ظاهر المفيد و النهاية،و حكايته فيه عبارة ابن حمزة المشعرة بل الظاهرة في وقوع الخلاف بيننا في المسألة في زمانه،و نحوها عبارة السرائر و الغنية (5)،بل هما صريحان في عدم الإجماع و وقوع الخلاف،هذا.

ص:282


1- الغنية(الجوامع الفقهية):595،السرائر 2:80.
2- راجع ص:281.
3- التذكرة 2:106.
4- المختلف:432.
5- المختلف:432.

مضافاً إلى مصيره في المختلف إلى تقوية ما حكاه عن الشيخين، و هو بعد معلوميّة تأخّر المختلف عن التذكرة نصّ في عدم الاعتداد بما قاله في التذكرة مما ظاهره حكاية الإجماع،إما من حيث سلب ظهورها في دعوى الإجماع،أو ظهور تبين خلافه،و إلّا لما صار إلى خلافه.

و الثاني:بأن المحيل قد أقام المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة،فلا وجه للافتقار إلى رضاء من عليه الحق،كما لو وكّله في القبض منه.

و اختلاف الناس في الاقتضاء لا يمنع من مطالبة المستحق و من نصبه،خصوصاً مع اتفاق الحقين جنساً و وصفاً.

و ما ربما يقال من أنه قياس للحوالة على الوكالة مع كونها من العقود الجائزة دون الأُولى،فإنها من العقود اللازمة المترتب عليها كثير من الأحكام المخالفة للأُصول القطعية.

غير مفهوم،فإن المراد من تشبيهها بالوكالة ليس إلّا لأجل دفع دليل الاشتراط من اختلاف الناس في سهولة الاقتضاء و صعوبته،بناءً على أنه لو صلح للاشتراط و إثبات المانعية عن الحوالة بدون رضاه لصلح لإثبات المانعية عن الوكالة مع عدم رضاه بالبديهة؛ لجريان دليل المنع على الحوالة فيها حينئذ بالضرورة.و مثله لا يسمّى قياساً،بل تنظيراً،و هو جائز إجماعاً حيث يحصل دليل آخر للحكم في المقيس غير نفس القياس،كما فيما نحن فيه،لأن الدليل فيه هو عموم الأمر بالوفاء بالعقود،و إطلاق كثير مما سيأتي من النصوص.

و أجود منه التنظير ببيع ما على المحال عليه من المحتال؛ لجوازه و إن

ص:283

لم يرض به المحال عليه إجماعاً إلّا من الحلّي (1)،مع أن دليل المنع جارٍ فيه أيضاً.

و لعلّه لذا ربما اقتصر بعض على رضاء المحيل و المحتال و أشار به في المهذب إلى الحلّي (2)،و ليس كذلك،فإنه ممن يشترط رضاء الثلاثة (3)كما يستفاد من عبارته المحكية في شرح الشرائع للصيمري،و في التنقيح نسبه إلى التقي (4)،و قد مرّ عن المختلف حكايته عن الشيخين، و مال إليه هو و شيخنا الشهيد الثاني في كتابيه (5)كالفاضل المقداد في التنقيح (6).

و لا يخلو عن قوة؛ لما مرّ إليه الإشارة من الأدلّة مع سلامتها عما يصلح للمعارضة.

نعم،لو كان المالان مختلفين و كان الغرض استيفاء مثل حق المحتال توجّه اعتبار رضاء المحال عليه؛ لأن ذلك بمنزلة المعاوضة الجديدة فلا بدّ من رضاء المتعاقدين.

و لو رضي المحتال بأخذ جنس ما على المحال عليه زال المحذور.

قيل:و على تقدير اعتبار رضاه ليس هو على حد رضاهما؛ لأن الحوالة عقد لازم لا يتم إلّا بالإيجاب و القبول،فالإيجاب من المحيل و القبول من المحتال،و يعتبر فيهما ما يعتبر في غيرهما من اللفظ العربي

ص:284


1- السرائر 2:55.
2- المهذب البارع 2:529.
3- انظر السرائر 2:79.
4- التنقيح الرائع 2:192.
5- الروضة البهية 4:136،و المسالك 1:258.
6- التنقيح الرائع 2:193.

و المطابقة و غيرهما،و أما رضاء المحال عليه فيكفي كيف اتّفق متقدّماً و متأخراً و مقارناً.و لو جوّزنا الحوالة على البري اعتبر رضاه قطعاً (1).

و لا يجب قبول الحوالة و لو كان على مليّ بلا خلاف بيننا؛ للأصل،و فقد المانع،لأن الواجب قبوله أداء الدين،و ليست أداءً،و إنما هي نقل الدين من ذمّة إلى أُخرى،فلا يجب قبولها.

خلافاً لبعض العامة (2)،فأوجب القبول إذا كانت على مليّ؛ للنبوي:

« إذا أُحيل أحدكم بحقّ على مليّ فليحتل» (3).

و قصور السند يمنع العمل به،فليحمل على الاستحباب.

نعم لو قبل الحوالة لزمت،و لا يرجع حينئذ المحتال على المحيل بالمال المحال به مطلقاً و لو افتقر المحال عليه بعد يساره حين الحوالة؛ لأنها توجب البراءة منه إجماعاً،كما في الغنية و عن السرائر و التذكرة (4)،فلا يعود إلّا بسبب.

و للخبر:عن الرجل يحيل الرجل بمال على الصيرفي ثم يتغيّر حال الصيرفي،أ يرجع على صاحبه إذا احتال و رضي؟قال:

« لا» (5).و لا فرق فيه عند الأكثر بين أخذ المحتال شيئاً من المال و عدمه؛ لما مرّ،مضافاً إلى أصالتي لزوم العقد و عدم اشتراط الأخذ،و إطلاق النصوص التي ستذكر.

خلافاً للمحكي عن الديلمي،ففصّل بين الصورتين،و وافق في

ص:285


1- الروضة البهيّة 4:136.
2- كابن قدامة في المغني و الشرح الكبير 5:60.
3- مسند أحمد 2:463.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):595،السرائر 2:80،التذكرة 2:105.
5- التهذيب 6:501/212،الوسائل 18:434 أبواب أحكام الضمان ب 11 ح 4.

الأُولى و خالف في الثانية (1).و هو شاذّ،و حجته غير واضحة.

و يشترط ملاءته وقت الحوالة أو علم المحتال بإعساره بلا خلاف بين أصحابنا،كما في الغنية (2)،و عليه الإجماع صريحاً عن التذكرة (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرين،أحدهما الصحيح (4)،و ثانيهما الموثق (5):عن الرجل يحيل على الرجل بدراهم،أ يرجع عليه؟قال:« لا يرجع عليه أبداً إلّا أن يكون قد أفلس قبل ذلك» .و هو و إن عمّ صورتي العلم بإفلاسه و عدمه،إلّا أنه محمول على الثانية؛ لكون الحوالة في هذه الصورة من الفروض الغالبة دون الصورة الأُولى،فإنها من الفروض النادرة،فلا يحمل عليها إطلاق الرواية.و وجه الصحة فيها عموم الأدلّة،و أن المحتال صاحب الحق فله إسقاطه جدّاً، فلأن يرضى بانتقاله إلى ذمّة المعسر أولى.

و لو أُحيل و رضي لظنّه ملاءته ثم بان فقرة عند الحوالة رجع إن شاء؛ عملاً بالشرطية،و به صرّحت الرواية السابقة.

و العبرة بيساره و إعساره وقت الحوالة،فلو كان مليّاً فيه ثم تجدّد الإعسار فلا رجوع.

ص:286


1- المراسم:201.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):595.
3- التذكرة 2:105.
4- الفقيه 3:192/55،التهذيب 6:569/232،الوسائل 18:433 أبواب أحكام الضمان ب 11 ح 1.
5- الكافي 5:4/104،التهذيب 6:498/212،الوسائل 18:434 أبواب أحكام الضمان ب 11 ح 3.

و لو انعكس فتجدّد له اليسار بعد الإعسار قبل أن يرجع المحتال ففي جواز الرجوع حينئذ وجهان،من زوال الضرر،و من ثبوت الرجوع قبله فيستصحب.و هذا أظهر،وفاقاً لإطلاق العبارة و جماعة (1)؛ لأن الموجب للرجوع ليس هو الإعسار على الإطلاق ليزول بزواله،بل الإعسار وقت العقد،و هو متحقق فيثبت حكمه.

و لو استجمعت الحوالة شرائطها المتقدمة يبرأ المحيل من المال الذي أحال به مطلقاً و إن لم يبرئه المحتال على الأظهر الأشهر، كما في المسالك و غيره (2)؛ للإجماعات المتقدمة المحكية على انتقال الحق بمجرّد الحوالة.

مضافاً إلى إطلاق النصوص المتقدمة،و عموم الأدلّة بلزوم الوفاء بالعقود كتاباً و سنةً،بناءً على أن معنى الحوالة الانتقال من حينها، نظراً إلى مبدإ اشتقاقها الذي هو التحويل،فإذا تحققت وجب تحقّق المبدأ.

مع أن الإبراء إما أن يكون قبل الانتقال من ذمّة المحيل أو بعده، و الأوّل يستلزم بطلان الحوالة،إذ ليس له في ذمّة المحيل حينئذ شيء يحيله به،و الثاني يستلزم تحصيل الحاصل،لأن ذمّته برئت بالحوالة فلا حاجة إلى إبراء آخر.

ص:287


1- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:360،و الشهيد الثاني في الروضة 4:137،و السبزواري في الكفاية:115.
2- المسالك 1:259؛ و انظر جامع المقاصد 5:360.

و في رواية بل روايتين،إحداهما صحيحة (1)،و الثانية ضعيفة (2)أنه إن لم يبرئه أي المحيلَ المحتالُ فله الرجوع عليه بالمال،و قد عمل بها الشيخان و جماعة من القدماء الأعيان (3).

و هما لقصورهما عن المقاومة لما قدّمناه من الأدلّة سنداً في بعض و دلالة في الجميع ينبغي طرحهما أو تأويلهما بما ذكره جماعة (4)من حمل الإبراء فيهما على الرضاء بالحوالة،و أنه أُريد بعدم الإبراء الكناية عن عدم الرضاء بالحوالة.

و ربما يتوجه حملهما على التقية عن مذهب بعض العامة (5)من عدم حصول البراءة بالحوالة و أن مقتضاها إنما هو ضمّ ذمة إلى أُخرى،كما قالوه في الضمان (6).

و بالجملة الإعراض عنهما أجدر،و المصير إلى ما قابلهما بما قدّمناه من الأدلّة أليق.

ص:288


1- الكافي 5:2/104،التهذيب 6:496/211،الوسائل 18:433 أبواب أحكام الضمان ب 11 ح 2.
2- الكافي 5:/104 ذيل حديث 2،التهذيب 6:497/212،الوسائل 18:434 أبواب أحكام الضمان ب 11 ذيل حديث 2.
3- المفيد في المقنعة:815،الطوسي في النهاية:316؛ و انظر الوسيلة:282،و الكافي في الفقه:340،و حكاه عن ابن الجنيد و القاضي في التنقيح 2:194.
4- منهم:الشهيد في المسالك 1:259،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 9:310،و صاحب الحدائق 21:51.
5- كابن قدامة في المغني و الشرح الكبير 5:55.
6- راجع ص:269.

القسم الثالث الكفالة

القسم الثالث: في الكفالة.

و هي التعهّد بالنفس أي التزام إحضار المكفول متى طلبه المكفول له.

و هي ثابتة بالسنّة و الإجماع،بل و الكتاب،قال سبحانه حكايةً عن إخوة يوسف فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ [1] (1)فتأمّل.

و لكنها مكروهة،كما يستفاد من النصوص المستفيضة،ففي عدّة منها:«الكفالة خسارة،غرامة،ندامة» (2)و في أُخر:«مالك و الكفالات،أما علمت أنها أهلكت القرون الأُولى» (3).

و يعتبر فيها رضاء الكافل و هو المعبّر عنه بالكفيل و المكفول له بلا خلاف،بل عن التذكرة عليه الإجماع (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أنّ الإنسان لا يصحّ أن يلزمه الحق إلّا برضاه،و كذا صاحب الحق لا يجوز إلزامه شيئاً بغير رضاه،و بهما يتمّ العقد دون من عليه الحق و هو المعبّر عنه ب المكفول عنه فلا يعتبر رضاه على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر،و عليه الإجماع في التذكرة (5)؛ و هو

ص:289


1- يوسف:78.
2- الفقيه 3:189/55،التهذيب 6:492/210،الوسائل 18:428،429 أبواب أحكام الضمان ب 7 ح 2،5.
3- الكافي 5:1/103،الفقيه 3:185/54،التهذيب 6:484/209،الوسائل 18:428 أبواب أحكام الضمان ب 7 ح 1،4.
4- التذكرة 2:100.
5- التذكرة 2:100.

الحجة.

مضافاً إلى عموم الأمر بالوفاء بالعقود الشاملة لمفروض المسألة؛ لكونها منها،كما مرّت إليه الإشارة.

مضافاً إلى وجوب الحضور عليه متى طلبه صاحب الحق و لو بالدعوى بنفسه أو وكيله،إجماعاً،كما في المسالك و غيره (1)،و الكفيل بمنزلة الوكيل حيث يأمره بإحضاره،و غاية الكفالة هي حضور المكفول حيث يطلب.

خلافاً للمبسوط و القاضي و ابن حمزة و قوّاه الفاضل في التحرير [السرائر] و حكي عن الحلّي (2)؛ التفاتاً إلى أنه إذا لم يأذن فيها أو لم يرض به لم يلزمه الحضور مع الكفيل،فلم يتمكّن من إحضاره،فلا يصحّ كفالته، لأنها كفالة بغير المقدور عليه.و هذا بخلاف الضمان؛ لإمكان وفاء دينه من مال غيره بغير إذنه،و لا يمكن أن ينوب عنه في الحضور.

و ردّ بالمنع من عدم لزوم الحضور معه.

قيل:و على تقدير اعتبار رضاه ليس على حدّ رضاء الآخرين من وجوب المقارنة،بل يكفي كيف اتّفق (3)،كما مرّ نظيره في الضمان (4).

و في اشتراط الأجل فيها،فلا يصحّ حالّا،أم لا فيصحّ قولان الثاني أظهر،و هو أشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ لأصالتي الجواز و عدم الاشتراط.

خلافاً للمحكي عن المفيد و النهاية و ظاهر الديلمي و القاضي في أحد

ص:290


1- المسالك 1:263؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:150.
2- المبسوط 2:337،القاضي حكاه عنه في المختلف:434،ابن حمزة في الوسيلة:281،التحرير 1:225،الحلّي في السرائر 2:78.
3- المسالك 1:263.
4- راجع ص:285.

قوليه و ابن حمزة (1)فالأوّل؛ و حجّتهم عليه غير واضحة و لا مذكورة في كتب الجماعة عدا القياس بالضمان.و ضعفه أوضح من أن يحتاج إلى بيان.

فإن اشترط أجلاً فلا بدّ من كونه معلوماً بلا خلاف بيننا،بل عليه الوفاق في المسالك و غيره (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى استلزام الجهل به الغرر المنهي عنه في الشريعة،إذ ليس له وقت يستحق فيه المطالبة كغيره من الآجال،فتأمّل.

خلافاً لبعض العامة،فاكتفى بالأجل المجهول؛ لاشتمالها على التبرع فيتسامح فيها كالعارية (3).و هو قياس مع الفارق.

و إذا دفع الكافل الغريم و هو المكفول إلى المكفول له و سلّمه إليه تسليماً تامّاً بأن لا يكون هناك مانع من تسلّمه كتغلّب أو حبس ظالم، و كونه في مكان لا يتمكّن من وضع يده عليه لقوّة المكفول و ضعف المكفول له،و في المكان المعيّن إن بيّناه في العقد،و في بلد العقد إن أطلقاه،و بعد الأجل إن كانت مؤجّلة،أو في الحلول متى شاء إن كانت حالّة،و نحو ذلك فقد برئ من عهدته اتّفاقاً،و لو امتنع من تسلّمه، على الأظهر.

و قيل:سلّمه حينئذ إلى الحاكم و برئ أيضاً (4).

و فيه نظر،بل الظاهر حصول البراءة حينئذ من دون احتياج إلى

ص:291


1- المفيد في المقنعة:845،النهاية:315،الديلمي في المراسم:200،القاضي حكاه عنه في المختلف:434،ابن حمزة في الوسيلة:281.
2- المسالك 1:263؛ و انظر الحدائق 21:64.
3- انظر المجموع 14:48.
4- المسالك 1:263.

التسليم إليه،وفاقاً لبعض من تأخّر (1)،و إن كان التسليم إليه أحوط.

و كذا الإشهاد عليه و على الامتناع من قبضه،و لا دليل على وجوبه مطلقاً حتى في صورة عدم إمكان الحاكم،و لعلّ اعتباره في كلام شيخنا الشهيد الثاني (2)للإرشاد للإثبات،لا لتوقف البراءة عليه.

و إن امتنع الكفيل من تسليمه ألزمه الحاكم به،فإن أبى كان للمكفول له طلب حبسه منه حتى يحضر الغريم أو يؤدّي ما عليه إن أمكن أداؤه عنه،كالدين.

فلو لم يمكن،كالقصاص و الزوجيّة و الدعوى لعقوبة توجب حدّا أو تعزيراً ألزم بإحضاره حتماً مع الإمكان،و له عقوبته عليه،كما في كلّ ممتنع من أداء الحق مع قدرته.

فإن لم يمكنه الإحضار و كان له بدل،كالدية في القتل و إن كان عمداً أو مهر مثل الزوجة،وجب عليه الإحضار.

و لا خلاف في شيء من ذلك في الظاهر،حتى في جواز الاكتفاء عن الإحضار بأداء ما عليه إذا رضي به المكفول له.

و أما مع عدم رضاه به و مطالبته الإحضار ففي الاكتفاء بذلك عنه هنا أيضاً،أم لا،فيجوز للمكفول له إلزامه بالإحضار مطلقاً قولان؛ للأوّل كما هو ظاهر العبارة و جماعة (3)تبعاً للطوسي (4)-:حصول الغرض من الكفالة.

ص:292


1- كالعلامة في التذكرة 2:101،و الشهيد الثاني في المسالك 1:263،و صاحب الحدائق 21:65.
2- المسالك 1:263.
3- منهم:ابن إدريس في السرائر 2:78،و العلامة في الإرشاد 1:403.
4- النهاية:315.

و للثاني كما عن التذكرة،و به صرّح في المسالك و الروضة (1)، و اختاره من متأخّري المتأخّرين جماعة (2)-:عدم انحصار الأغراض في أداء الحق أو كيف اتّفق،خصوصاً فيما له بدل اضطراري.

و هو الأقوى؛ لذلك،مضافاً إلى العمومات الدالّة على لزوم الوفاء بالعقد،و ظواهر المعتبرة المستفيضة التي هي الأصل في المسألة.

منها الموثق:«اتي أمير المؤمنين برجل تكفّل بنفس رجل،فحبسه و قال:اُطلب صاحبك» (3)و نحوه خبران آخران (4).

و الرضوي:«إذا كفل الرجل الرجل حبس إلى أن يأتي بصاحبه» (5).

و ليس فيها مع كثرتها،و اعتبار سند بعضها،و انجبار ضعف باقيها كقصور الأوّل بعمل العلماء تخيير للكفيل بين الإحضار و أداء المال،بل أُمر بالأوّل خاصة.

و ربما يمكن أن يقال باحتمال ورود الأمر و الإلزام بالإحضار مورد الغالب من عدم بذل الكفيل للمال،فلا دلالة في هذه الأخبار على لزوم الإحضار على الإطلاق.

ثم على تقدير كون الحق مالاً و أدّاه الكفيل برضاء المكفول له أو مطلقاً،فإن كان قد أدّى بإذن المكفول عنه رجع عليه كمن أدّى المال بإذن

ص:293


1- التذكرة 2:102،المسالك 1:263،الروضة 4:155.
2- منهم:الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:152،و صاحب الحدائق 21:66.
3- الكافي 5:6/105،الوسائل 18:430 أبواب أحكام الضمان ب 9 ح 1.
4- الفقيه 3:184/54،التهذيب 6:487/209،الوسائل 18:431 أبواب أحكام الضمان ب 9 ح 2،4.
5- فقه الرضا(عليه السلام):256،المستدرك 13:438 أبواب أحكام الضمان ب 7 ح 1؛ بتفاوت.

مَن عليه.و كذا إن أدّى بغير إذنه مع كفالته بإذنه و تعذّر إحضاره و المراجعة إليه؛ لأن ذلك من لوازم الكفالة،فالإذن فيها إذن في لوازمها،و لا رجوع له في غير الصورتين.

و الفرق بين الكفالة و الضمان في رجوع من أدّى بالإذن هنا و إن كفل بغير الإذن بخلاف الضمان عدم تعلّق الكفالة بالمال بالذات،و أن حكم الكفيل بالنسبة إليه حكم الأجنبي،فإذا أدّاه بإذن المديون فله الرجوع، بخلاف الضمان،لانتقال المال به إلى ذمّته فلا ينفعه الإذن في الأداء بعده، لأنّه كإذن البريء للمديون في أداء دينه.

و لو تكفّل رجل برجل و قال:إن لم أُحضره إلى كذا كان عليّ كذا،كان كفيلاً أبداً و لم يلزمه المال عند الأجل،بل لا بدّ من الإحضار.

و لو قال:عليّ:كذا إلى كذا إن لم أُحضره،كان ضامناً للمال إن لم يحضره في الأجل في المشهور بين الأصحاب،بل عليه الإجماع في صريح المهذب البارع و شرح الشرائع للصيمري و عن المحقق الشيخ علي و هو ظاهر التنقيح (1)،و لعلّه كذلك.

و لم يقدح فيه مخالفة الإسكافي (2)؛ لشذوذه،و معلومية نسبه،مع موافقته لهم في الجملة.

و نحوه الجواب عن تنظّر الفاضل في المختلف (3)،و جعله رأيه أنسب.

ص:294


1- المهذب البارع 2:532،المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:393،التنقيح الرائع 2:196.
2- كما حكاه عنه في المختلف:435.
3- المختلف:435.

و أما الاختلاف في الشقّ الثاني من حيث تقييد الحكم فيه بضمان المال بشرط عدم الإحضار،كما هنا و في كلام الشيخ و متابعيه و الفاضل في التحرير و التذكرة (1)،و عدمه،كما في الشرائع و الإرشاد و القواعد (2)فغير قادح فيه على اليقين؛ للموافقة في الحكم في كلتا الصورتين،غاية الأمر الاختلاف في الإطلاق و التقييد،و هو لا يوجب الخروج و المخالفة في أصل الحكم،و الإجماعات المحكية إنما هي على أصله في الجملة،لا على وصفيته من أحد الأمرين.

مع احتمال عدم المخالفة في التقييد و الاتفاق على اعتباره و إن سومح بذكره في تلك الكتب،و لعلّه للاعتماد على الشرطية المذكورة فيها قبل الحكم كالعبارة.

و يعضده استنادهم إلى ما هو الأصل في هذا الحكم من الموثقين المذكور فيهما القيد كالعبارة،في أحدهما:عن الرجل يكفل بنفس الرجل فإن لم يأت به فعليه كذا و كذا درهماً،قال:«إن جاء به إلى أجل فليس عليه مال و هو كفيل بنفسه أبداً إلّا أن يبدأ بالدراهم،فإن بدأ بالدراهم فهو له ضامن إن لم يأت به إلى الأجل الذي أجّله» (3).

و في الثاني:رجل كفل لرجل بنفس رجل،فقال:إن جئت به و إلّا فعليّ خمسمائة درهم،قال:«عليه نفسه و لا شيء عليه من الدراهم» فإن قال:عليّ خمسمائة درهم إن لم أدفعه،فقال:«تلزمه الدراهم إن لم يدفعه

ص:295


1- الشيخ في النهاية:315،و تبعه ابن حمزة في الوسيلة:281،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):595،التحرير 1:225،التذكرة 2:102.
2- الشرائع 2:115،الإرشاد 1:403،القواعد 1:183.
3- الفقيه 3:187/54،التهذيب 6:488/209،الوسائل 18:432 أبواب أحكام الضمان ب 10 ح 2.

إليه» (1).

و ليس في سندهما عدا داود بن الحصين في الأوّل،و هو موثّق،مع احتمال وثاقته،لتوثيق النجاشي له على الإطلاق من دون إشارة إلى وقفه (2)،و هو ظاهر في حسن عقيدته،و إن صرّح به الشيخ في رجال [رجاله] (3)،لتقديمه عليه عند التعارض.

و حسن بن محمّد بن سماعة و أبان بن عثمان في الثاني،و كلاهما موثّقان،مع أنّ الثاني منهما ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

فهما في غاية من الاعتبار،و مع ذلك مشتهران بين الأصحاب غاية الاشتهار،و لو كانا ضعيفين لحصل لهما به الانجبار.فلا يلتفت إلى ما يرد عليهما من المخالفة للقواعد الشرعية و العربية من حيث تضمّنهما الفرق بين المسألتين بمجرّد تقديم الجزاء على الشرط و تأخيره عنه،مع أن ذلك لا مدخل له في اختلاف الحكم،لأن الشرط و إن تأخّر فهو في حكم المتقدم،فكم من نصوص مخالفة للقواعد يخرج بها عنها،مع قصورها عن مرتبة الموثقين الواردين هنا،فالخروج بهما عنها مع ما هما عليه من المرجّحات القوية التي عمدتها فتوى الطائفة و الإجماعات المحكية بطريق أولى،و لا احتياج إلى التكلّفات الصادرة عن جماعة في تطبيقهما مع القاعدة،مع تضمّن بعضها اطراحهما و الخروج عن ظاهرهما بالكلّية.

ص:296


1- الكافي 5:3/104،التهذيب 6:493/210،الوسائل 18:432 أبواب أحكام الضمان ب 10 ح 1.
2- رجال النجاشي:421/159.
3- رجال الشيخ:349.

و من خلّى غريماً و أخلصه من يد غريمه قهراً لزمه إعادته أو أداء ما عليه إن أمكن،كما في الدين،دون القصاص و نحوه،مطلقاً،أو بعد تعذّر الإحضار على المختار في الكفيل،و المخلِّص بحكمه.

لكن هنا حيث يؤخذ منه المال لا رجوع له على الغريم إذا لم يأمره بدفعه،إذ لم يحصل من الإطلاق و التخليص ما يقتضي الرجوع.

و لو كان الغريم قاتلاً عمداً كان أو شبهه أعاده أو دفع الدية و لا خلاف في المقامين على الظاهر،بل عليهما الإجماع في شرح الشرائع للصيمري؛ و علّلوه بأنّه غصب لليد المستولية المستحقة من صاحبها،فكان عليه إعادتها أو أداء الحق الذي بسببه تثبت اليد عليه.

و يعضده حديث نفي الضرر (1)؛ مضافاً إلى الصحيح في الثاني:عن رجل قتل رجلاً عمداً،فرفع إلى الوالي فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه،فوثب عليهم قوم فخلّصوا القاتل من أيدي الأولياء،قال:«أرى أن يحبس الذي خلّص القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل»[قيل:فإن مات القاتل (2)]و هم في السجن،قال:«فإن مات فعليهم الدية يؤدّونها جميعاً إلى أولياء المقتول» (3).

قالوا:و لا يقتصّ منه في العمد؛ لأنه لا يجب على غير المباشر.

ثم إن استمرّ القاتل هارباً ذهب المال على المخلّص.

ص:297


1- عوالي اللآلي 1:93/220،سنن الدارقطني 4:83/227،سنن ابن ماجه 2:2340/784،2341،مسند أحمد 5:327؛ و انظر الوسائل 25:427 أبواب إحياء الموات ب 12 الأحاديث 3،4،5.
2- أضفناه من المصدر.
3- الكافي 7:1/286،الوسائل 18:437 أبواب أحكام الضمان ب 15 ح 1.

و إن تمكّن وليّ المقتول منه في العمد وجب عليه ردّ الدية على الغارم و إن لم يقتصّ من القاتل؛ لأن الدية وجبت لمكان الحيلولة و قد زالت،و عدم القتل الآن مستند إلى اختيار المستحق لا إلى تقصير المخلّص.

و لو كان تخليص الغريم من يد كفيله و تعذّر استيفاء الحق من قصاص أو مال و أخذ الحق من الكفيل،كان له الرجوع على الذي خلّصه كتخليصه من يد المستحق.

و تبطل الكفالة بموت المكفول قبل إحضاره،بلا خلاف،بل في الغنية و التذكرة عليه الإجماع (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى فوات متعلّقها و هو النفس،و فوات الغرض لو أُريد البدن.

قيل:إلّا في الشهادة على عينه ليحكم عليه بإتلافه أو المعاملة له إذا كان قد شهد عليه من لا يُعرف نسبه،بل شهد على صورته فيجب إحضاره ميتاً حيث يمكن الشهادة عليه بأن لا يكون قد تغيّر بحيث لا يُعرف، و لا فرق حينئذ بين كونه قد دُفن و عدمه،لأن ذلك مستثنى من تحريم نبشه (2).

و هو حسن مع اشتراطه أو قيام القرينة على إرادته،و مشكل مع عدمهما؛ لعدم انصراف إطلاق الكفالة إلّا إلى إحضار المكفول حال الحياة، و لكن الأحوط ذلك.

ص:298


1- الغنية(الجوامع الفقهية):595،التذكرة 2:102.
2- الروضة البهية 4:169.

كتاب الصلح

كتاب الصلح و هو مشروع في الأصل لقطع المنازعة السابقة أو المتوقّعة.

و هو في الجملة مجمع عليه بين الأُمّة،كما عن السرائر و التذكرة (1)،و الآيات به كالسنة متظافرة،قال سبحانه وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ [1] (2).و قال عزّ شأنه وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما [2] (3).و في الصحيح:«الصلح جائز بين المسلمين» (4).

و نحوه المرسل الخاصي المروي في الفقيه (5)،و العامي (6)،بزيادة فيهما من الاستثناء الآتي،هذا.

و النصوص من الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الواردة في موارد مخصوصة به مستفيضة،سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

و مقتضاها كإطلاق السابقة،مضافاً إلى إجماع الإمامية المحكي في

ص:299


1- السرائر 2:64،التذكرة 2:177.
2- النساء:128.
3- الحجرات:9.
4- الكافي 5:5/259،التهذيب 6:479/208،الوسائل 18:443 أبواب أحكام الصلح ب 3 ح 1،و في الجميع:«بين الناس».
5- الفقيه 3:52/20،الوسائل 18:443 أبواب أحكام الصلح ب 3 ح 2.
6- سنن الدارقطني 3:96/27،97،مسند أحمد 2:366،سنن الترمذي 2:1363/403.

كلام جماعة بعنوان الاستفاضة (1)عدم اشتراطه بسبق خصومه،كما عليه بعض العامة (2).

نعم،ربما يشعر لفظة الصلح بتحقق منازعة،و لكن لا يتعيّن كونها سابقة،بل يصحّ إطلاقه بالإضافة إلى رفع منازعة متوقّعة محتملة و إن لم تكن سابقة،كما يفصح عنه الآية الأُولى،فاشتراط السبق في مفهومه باعتبار اللفظة غفلة واضحة.

نعم،لا تساعد الأخبار المتقدّمة على الدلالة على مشروعيّته حيث لا منازعة سابقة و لا متوقّعة.

و لكن يمكن الذبّ عنه بعدم القائل بالفرق بين الأُمّة،فكلّ من قال بالمشروعية لدفع منازعة متوقّعة و إن لم تكن سابقة كما دلّ عليها إطلاق الأخبار المذكورة،قال بها في الصورة المزبورة التي لم تكن المنازعة فيها بسابقة و لا متوقّعة،هذا.

مضافاً إلى عموم أدلّة لزوم الوفاء بالعقود الشاملة لمفروض المسألة.

فلو وقع ابتداءً على عين بعوض معلوم صحّ و أفاد نقل كلّ من العوضين كما في البيع.

و لا يلزم من كون أصل المشروعيّة لقطعها ثبوتها في كلّ فرد فرد من أفراده خصوصاً مع وجود الأدلّة الشاملة بعمومها أو إطلاقها لما لا خصومة فيه،كما في نظائره كالعدّة،فقد شرّعت لاستبراء الرحم مع الاتفاق نصّاً و فتوى على وجوبها في مواضع يقطع ببراته فيها.

ص:300


1- منهم:العلّامة في التذكرة 2:177،الشهيد الثاني في المسالك 1:267،الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3:120.
2- كالخطيب في مغني المحتاج 2:178.

و يجوز مع الإقرار من المدّعى عليه بالدين و الإنكار له، بلا خلاف بيننا،كما في الروضة و غيرها (1)،بل في المسالك و الغنية و عن التذكرة (2)عليه إجماع الإماميّة؛ للعمومات.

ثم إن كان المدّعى محقّاً استباح ما دفع إليه المنكر صلحاً،و إلّا فهو حرام باطناً،عيناً كان أم ديناً.حتى لو صالح عن العين بمال فهي بأجمعها حرام،و لا يستثني له منها مقدار ما دفع إليه من العوض؛ لفساد المعاوضة في نفس الأمر،لأنه إنما صالح المحقّ المبطلَ دفعاً لدعواه الكاذبة،و قد يكون استدفع بالصلح ضرراً عن نفسه أو ماله،و مثل هذا لا يُعدّ تراضياً يبيح أكل مال الغير.

و يدلّ على الأوّل المعتبرة،منها الصحيح:«إذا كان للرجل على رجل دين،فمطله حتى مات،ثم صالح ورثته على شيء منه فالذي أخذته الورثة لهم،و ما بقي فهو للميت يستوفيه في الآخرة،فإن هو لم يصالحهم على شيء حتى مات و لم يقض عنه فهو كلّه للميت يأخذه به» (3).

قيل:نعم لو استندت الدعوى إلى قرينة كما لو وجد بخط مورّثه أن له حقّا على أحد فأنكر،و صالحه على إسقاطها بمال فالمتّجه صحة الصلح.

و مثله ما لو توجّهت الدعوى بالتهمة؛ لأن اليمين حق يصحّ الصلح على إسقاطه (4).

إلّا ما حرّم حلالاً أو حلّل حراماً و لا خلاف في صورتي

ص:301


1- الروضة 4:174؛ و انظر التنقيح الرائع 2:201،و الكفاية:116.
2- المسالك 1:267،الغنية(الجوامع الفقهية):594،التذكرة 2:179.
3- الكافي 5:8/259،التهذيب 6:480/208،الوسائل 18:446 أبواب أحكام الصلح ب 5 ح 4.
4- الروضة 4:173.

الاستثناء؛ و يدلّ عليه بعده الخبران المتقدّمان و غيرهما.

و فسّر الأوّل:بالصلح على أن لا يطأ أحدهما حليلته،أو لا ينتفع بماله و نحوه.

و الثاني:بالصلح على استرقاق حرّ،أو استباحة بضع لا سبب لإباحته غيره،أو ليشرب الخمر و نحوه.

فالصلح على مثل هذه باطل باطناً و ظاهراً،و عليه يكون الاستثناء متصلاً.

و ربما فسّر بصلح المنكر على بعض المدّعى أو منفعته أو بدله مع كون أحدهما عالماً بفساد الدعوى،لكنه هنا صحيح ظاهراً و إن فسد باطناً، كما مضى،و عليه يكون الاستثناء منقطعاً.

و هو صالح للأمرين معاً؛ لأنه محلّل للحرام بالنسبة إلى الكاذب و محرّم للحلال بالنسبة إلى المحق.

و يصحّ الصلح مع علم المصطلحين بما وقعت المنازعة فيه، و مع جهالتهما به مطلقاً ديناً كان ما تنازعا فيه أو عيناً إرثاً كان أو غيره،بلا خلاف فيه في الجملة،بل عليه في المسالك و عن التذكرة (1)إجماع الإمامية؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى العمومات،و خصوص المعتبرة في الصورة الثانية،منها الصحيحان:في رجلين كان لكلّ منهما طعام عند صاحبه و لا يدري كلّ واحد منهما كم له عند صاحبه،فقال كلّ واحد منهما لصاحبه:لك ما عندك،و لي ما عندي،فقال:«لا بأس بذلك إذا تراضيا و طابت به

ص:302


1- المسالك 1:267،التذكرة 2:178.

أنفسهما» (1)و نحوهما الموثق (2).

و إطلاقهما كالعبارة و غيرها من عبائر الجماعة و منها عبارة التذكرة المحكي فيها إجماع الإمامية يشمل صور كون المتنازع فيه مما يتعذّر معرفتهما له مطلقاً أو لا،أمكن معرفته في الحال أم لا لعدم مكيال أو ميزان و نحوهما من أسباب المعرفة.

و لا خلاف في الأُولى؛ لاتفاق الأدلّة عليها فتوًى و نصّاً؛ مضافاً إلى أن إبراء الذمّة أمر مطلوب و الحاجة إليه ماسّة،و لا طريق إليه إلّا الصلح، فلا إشكال فيها.

و كذا في الثالثة عند جماعة،كالشهيدين و الفاضل المقداد (3)؛ لتعذّر العلم به في الحال مع اقتضاء الضرورة و مساس الحاجة لوقوعه و الضرر بتأخيره و انحصار الطريق في نقله فيه،مع تناول الأدلّة السابقة له.

و من هذا القبيل أيضاً الصلح على نصيب من ميراث أو عين يتعذّر العلم بقدره في الحال مع إمكان الرجوع في وقت آخر إلى عالم به،مع مسيس الحاجة إلى نقله في الحال.

و يشكل في الثانية،من عموم الأدلّة بالجواز المعتضدة بإطلاقات عبائر كثير من الأصحاب،و من حصول الجهل و الغرر فيها الموجبين للضرر بالزيادة و النقيصة مع إمكان التحرّز عنهما.و لذا قيّد في المسالك و الفاضل

ص:303


1- الكافي 5:2/258،الفقيه 3:53/21،التهذيب 6:470/206،الوسائل 18:445 أبواب أحكام الصلح ب 5 ح 1.
2- التهذيب 7:826/187،الوسائل 18:445 أبواب أحكام الصلح ب 5 ذيل حديث 1.
3- الشهيد الأول في الدروس 3:330،الشهيد الثاني في المسالك 1:267،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:201.

في التنقيح (1)إطلاق العبارة بصورة تعذّر تحصيل العلم بالحق و المعرفة بالكلية.

و هو حسن إما لترجيح عموم أدلّة النهي عن الغرر،أو لتعارضها مع عموم أدلّة جواز الصلح مع عدم مرجّح للثانية،فلا بدّ من المصير حينئذ إلى حكم الأصل،و هو الفساد و عدم الصحة.

مضافاً إلى إمكان ترجيح أدلّة النهي عن الغرر باعتضادها بالاعتبار و رحجانها عند الأصحاب على أدلّة الصحة في كثير من المعاملات المختلفة كالبيع و الإجارة و نحوهما من المعاملات المعروفة.

و لو اختصّ الجهل بأحدهما فإن كان المستحق لم يصحّ الصلح في نفس الأمر،كما مرّ،إلّا أن يعلمه الآخر بالقدر،أو كان المصطلح به بقدر الحق مع كونه غير متعين؛ للخبر المعتبر المنجبر ضعف سنده بتضمّنه ابن أبي عمير المجمع على تصحيح رواياته،مضافاً إلى مشاركة الراوي له في الإجماع على تصحيح رواياته،كما حكي (2)،و فيه:رجل يهوديّ أو نصرانيّ كان له عندي أربعة آلاف درهم فمات،أ يجوز لي أن أُصالح ورثته و لا أعلمهم كم كان؟قال:«لا يجوز حتى تخبرهم» (3)و عليه يحمل إطلاق الأدلّة.

و الصحيح:في الرجل يكون عليه الشيء فيصالح عليه،فقال:«إذا

ص:304


1- المسالك 1:267،التنقيح الرائع 2:201.
2- الراوي هو علي بن أبي حمزة،و قد قال الشيخ الطوسي:أنه عملت الطائفة برواياته.انظر عدة الأُصول 1:381.
3- الكافي 5:6/259،الفقيه 3:54/21،التهذيب 6:472/206،الوسائل 18:445 أبواب أحكام الصلح ب 5 ح 2.

كان بطيبة نفس من صاحبه فلا بأس» (1).

و إطلاق الخبر و إن شمل صورتي وقوع الصلح بمقدار الحق و عدمه، إلّا أنه مقيّد بالصورة الثانية و كون المصالح به أقل؛ التفاتاً إلى أنه الغالب دون المساوي و الزائد،فيرجع فيهما إلى عموم أدلّة جواز الصلح،و يقتصر في تخصيصها بالخبر على الغالب المتيقن منه دون النادر.

و يختصّ فساد الصلح فيه بالباطن دون الظاهر؛ لصحّته،كما مرّ، لعدم العلم بكون من عليه الحق مبطلاً خادعاً في صلحه و احتمال كونه محقّاً،فيكون حاله مشتبهاً،فلا يكون صلحه باطلاً في الظاهر،و إن كان على مجهول.

نعم،لو انكشف أمره ظاهراً بعد الصلح بحيث علم مقدار الحق و زيادته على ما صالح عليه بالبينة أو اعترف من عليه الحق بذلك اتّجه بطلان الصلح ظاهراً و باطناً.

هذا إذا لم يكن من له الحق قد رضي باطناً بالصلح بالأقل.

أما لو رضي به باطناً كان الصلح صحيحاً في نفس الأمر أيضاً،وفاقاً للتذكرة و المسالك و جماعة (2)،فلا يجوز للمستحق حينئذٍ أخذ ما زاد عن مال الصلح و إن علم الزيادة؛ لحصول الرضاء منه بذلك الأقل عوضاً عن حقه و إن كثر،فيكون العبرة في إباحة الباقي بالرضاء الباطني لا بالصلح؛ و يمكن الاستدلال عليه بإطلاق الصحيحة المتقدمة.

و لو انعكس الفرض بأن كان المستحق عالماً بقدر الحق و الغريم

ص:305


1- التهذيب 6:471/206،الوسائل 18:446 أبواب أحكام الصلح ب 5 ح 3.
2- التذكرة 2:179،المسالك 1:267؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:122،و الكفاية:117،و الحدائق 21:91.

جاهلاً و يريد التخلّص منه،فإن كان بقدر الحق أو دونه جاز،إجماعاً.

و كذا إذا كان زائداً عليه مع رضا الغريم به باطناً؛ لما مضى من أنّ العبرة حينئذ في إباحة ذلك الزائد بالرضا الباطني به لا بالصلح،و أما مع عدمه فلا يصح في الباطن،كما في المسالك و غيره (1).

و هو عقد لازم من طرفيه مستقل بنفسه مطلقاً،على الأقوى، وفاقاً لأكثر أصحابنا،بل عليه كافّة المتأخّرين منّا،بل عن التذكرة و السرائر (2)عليه إجماعنا؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أدلّة لزوم الوفاء بالعقود كتاباً و سنةً.

خلافاً للطوسي،فجعله تارة بيعاً مطلقاً (3).

و يدفعه عدم اشتراطه بشرائطه التي منها معلومية المبيع،و ليست هنا بمشترطة اتفاقاً فتوًى و روايةً،كما مضى.

و أُخرى فرعاً له إذا أفاد نقل العين بعوض معلوم،و للإجارة إذا وقع على منفعة معلومة بعوض معلوم،و للعارية إذا تضمّن منفعة بغير عوض، و للهبة إذا تضمّن ملك العين بغير عوض،و للإبراء إذا تضمّن إسقاط دين؛ استناداً إلى إفادته فائدتها حيث يقع على ذلك الوجه،و حينئذ فيلحقه حكم ما لحق به (4).

و فيه:أن إفادة عقد فائدة آخر لا تقتضي الاتحاد،كما لا تقتضي القسمة و الهبة بعوض معيّن اتّحادهما مع البيع.

ص:306


1- المسالك 1:267؛ و انظر المفاتيح 3:122.
2- التذكرة 2:177،السرائر 2:64.
3- الخلاف 3:300.
4- كما في المبسوط 2:288.

و حيث صحّ لا يبطل إلّا ب الفسخ و التقايل فينفسخ به،بلا خلاف،بل عليه في شرح الإرشاد الإجماع (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أدلّة استحباب الإقالة مع تضمنها أكل مال بطيبة نفس و تجارة عن تراض.

و لو اصطلح الشريكان على أن يكون الخسران على أحدهما و الربح له و للآخر رأس ماله خاصّة صحّ بلا خلاف إذا كان ذلك بعد انقضاء الشركة و إرادة فسخها،ليكون الزيادة مع من هي معه بمنزلة الهبة و الخسران على من هو عليه بمنزلة الإبراء؛ لعموم الأدلّة.

و للمعتبرة،و فيها الصحيح و غيره:في رجلين اشتركا في مال فربحا فيه ربحاً و كان من المال دين و عين،فقال أحدهما لصاحبه:أعطني رأس مالي و لك الربح و عليك التوَى،فقال:«لا بأس إذا اشترطا» (2).

و ليس فيها كالعبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة عموم الحكم بالصحة لصورة اشتراط ذلك في عقد الشركة أو بعده و إن لم يرد القسمة؛ لظهور سياق الرواية فيما قيّدنا به العبارة من تعقّب القول بأن الربح و الخسران لأحدهما و رأس المال للآخر للشركة و حصوله بعدها و بعد إرادة القسمة،لقوله فربحا ربحاً،و أعطني رأس المال.

و ليس في قوله:«إذا اشترطا» منافاة لذلك؛ لاحتمال أن يكون المراد منه:إذا تراضيا رضا يتعقّب اللزوم بوقوعه في عقد لازم،كعقد صلح و نحوه.

ص:307


1- مجمع الفائدة و البرهان 9:340.
2- الكافي 5:1/258،الفقيه 3:637/144،التهذيب 6:476/207،الوسائل 18:444 أبواب أحكام الصلح ب 4 ح 1؛ بتفاوت.

و ليس المراد إذا اشترطا في عقد الشركة كما توهّم؛ لاختصاصه حينئذ بنفي البأس في صورة وقوع الشرط فيه،بل و دلالته بمفهوم الشرط على ثبوته مع وقوعه في غيره،و لا قائل بهما،فتعيّن كون المراد ما ذكرنا.

و وجه اشتراطه عليه السلام ذلك خلوّ السؤال عن بيان رضاء الآخر،و إنما غايته الدلالة على صدور القول من أحدهما.

و نحوها العبارة في عدم العموم للصورة المذكورة؛ لأن اشتراط ذلك فيها لا يسمّى صلحاً،بل اشتراطاً.

بقي الكلام في صحته حيث حصل.

قيل:نعم،كما عن الشيخ و جماعة (1)؛ زعماً منهم عموم الرواية لمثله،مضافاً إلى عموم:«المؤمنون عند شروطهم» (2).

و يضعف الأوّل:بما مرّ.و الثاني:بمخالفة مثل هذا الشرط لمقتضى الشركة من تبعية الربح لرأس المال كالخسارة،فيكون مخالفاً للكتاب و السنة،فيكون فاسداً بالإجماع و المعتبرة.

و ليس مثل هذا الشرط كاشتراط الخيار في عقد البيع و نحوه في المنافاة لمقتضى العقد،لأنه اللزوم،و اشتراطه يوجب التزلزل المنافي له فينتقض به؛ لصحته إجماعاً،و ذلك لأن مقتضى عقد البيع إنما هو الانتقال خاصّة و إنما اللزوم من صفاته و كيفياته الخارجة،فاشتراط الخيار ليس بمناف لمقتضاه البتة.و لا كذلك عقد الشركة،فإنه ليس له مقتضى سوى ما مرّ،و حيث اشترط خلافة لم يبق للشركة معنىً بالكلية،و يكون بمنزلة

ص:308


1- نقله عنهم الشهيد الثاني في الروضة 4:177.
2- الوسائل 18:16 أبواب الخيار ب 6 الأحاديث 1،2،5 و فيها:المسلمون،و كذا في صحيح البخاري 3:120،و سنن الترمذي 2:1363/403.

العقد للشيء بشرط عدمه،كما أن البيع المشترط فيه عدم الانتقال كذلك، لمنافاة الشرط لمقتضاه البتة.

فإذاً القول بعدم الصحة في غاية القوّة وفاقاً للدروس و المحقق الثاني و الروضة (1)،و هو أيضاً مختار المصنف،كما سيأتي إليه الإشارة،و هو شاهد آخر على اختصاص العبارة بما قدّمناه من الصورة الخاصة دون الصورتين الأخيرتين المتّجه فيهما عدم الصحة.

و أما ما ربما يقال في توجيه الصحة من أن غاية منافاة هذا الشرط لمقتضى العقد بطلان الشركة،و هو غير ملازم لبطلان الشرط،فقد يكون ذكره في عقدها كناية عن إرادة الإقراض دونها.

فالمناقشة فيه واضحة،أمّا أوّلاً:فلعدم قصدهما إلى الإقراض بالبديهة.

و أمّا ثانياً:فلأن الإقراض يستعقب عدم جواز الرجوع إلى عين المال مطلقاً و لو قبل المزج اتفاقاً،و مقتضى عقد الشركة جواز الرجوع،حيث إنه من العقود الجائزة،كما سيأتي إليه الإشارة (2)،و كلّ من قال بصحة هذا الشرط يلتزم بهذا المقتضى،فصرف العقد عن هذا المقتضى إلى غيره مما لا يقتضيه و لم يقل به أحد،و لم يقصده المتعاقدان بهذا الشرط لا وجه له بالمرة.

و حيث كان الصلح مشروعاً لقطع التنازع بين المتخاصمين بحسب أصله و إن صار بعد ذلك أصلاً مستقلا بنفسه لا يتوقف على سبق خصومة

ص:309


1- الدروس 3:333،المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:413،الروضة 4:177.
2- في ص:328.

اعتاد المصنفون أن يذكروا أحكاماً من التنازع في الكتاب،و أشار الماتن إلى بعضها بقوله:

و لو كان بيد اثنين درهمان فقال أحدهما:هما لي،و قال الآخر:

هما بيني و بينك و لا بيّنة لأحدهما فلمدّعي الكل درهم و نصف، و للآخر ما بقي للمعتبرين كالصحيحين،بالشهرة و تضمّن سنديهما ابن أبي عمير و عبد اللّه بن المغيرة المدّعى على تصحيح رواياتهما إجماع أصحابنا،فلا يضرّ إرسالهما،مع كونه في أحدهما عن غير واحد الملحق بالصحيح على الأقوى:في رجلين كان معهما درهمان،فقال أحدهما:

الدرهمان لي،و قال الآخر:هما بيني و بينك،فقال عليه السلام:«أما الذي قال:

هما بيني و بينك،فقد أقرّ بأن أحد الدرهمين ليس له فيه شيء و أنه لصاحبه،و يقسّم الدرهم الثاني بينهما نصفين» (1).و قريب منه الثاني (2).

و إطلاقهما كالعبارة و غيرها من عبائر الجماعة يشمل صورتي دعوى الثاني للدرهم معيّناً أو مشاعاً،و كذا وقوع القسمة بعد حلف كلّ منهما على استحقاقه النصف الذي يأخذه أو قبله.

خلافاً للدروس و التنقيح في الأوّل (3)،فخصّا الحكم بتنصيف الدرهم الثاني خاصّة دون الأوّل بصورة دعوى الثاني له معيّناً،و استقربا في صورة الدعوى له إشاعةً قسمة الدرهمين نصفين،و يحلف الثاني للأوّل؛ التفاتاً إلى القاعدة،نظراً إلى أن النصف في الحقيقة بيد الأوّل و النصف بيد الثاني،فمدّعي التمام خارج بالنسبة إلى الثاني،فيكون اليمين عليه و البينة

ص:310


1- الفقيه 3:59/22،التهذيب 6:481/208،809/292،الوسائل 18:450 أبواب أحكام الصلح ب 9 ح 1 و ذيله.
2- الفقيه 3:59/22،التهذيب 6:481/208،809/292،الوسائل 18:450 أبواب أحكام الصلح ب 9 ح 1 و ذيله.
3- الدروس 3:333،التنقيح 2:203.

على الأوّل.

و للتذكرة و جماعة (1)في الثاني،فذكروا أن القسمة بعد الحلف،و أن من نكل منهما قضى به للآخر،و لو نكلا معاً أو حلفا معاً قسّم الدرهم المتنازع فيه بينهما نصفين؛ رجوعاً إلى قاعدة التنازع،و جمعاً بينهما و بين الخبرين هنا.

و لعلّه كالأوّل غير بعيد،و إن كان في تعيينهما نظر،فالأوّل:بظهور الخبرين و كلمة الأصحاب في الدعوى مشاعاً لا معيّناً،فيكون بالإضافة إلى القاعدة خاصّاً،فليقدّم.

و الثاني:بعدم تماميّة إحلاف كلّ منهما في صورة دعوى الثاني الدرهم مشاعاً؛ لاختصاص الحلف حينئذ بالثاني و توجه البينة إلى الأوّل، و مع ذلك يستحق بعد الحلف تمام الدرهم لا النصف،كما مرّ،فتأمّل.

ثم إنّ كلّ ذا إذا كان الدرهمان بيدهما معاً دون ما إذا كانا بيد أحدهما أو ثالث لخروجهما عن الرواية و فتوى الجماعة،فلا بدّ فيهما من الرجوع إلى القاعدة و يحكم فيهما لذي اليد مع حلفه على عدم استحقاق الآخر، فإن كان مدّعي الدرهمين كانا له مع حلفه للآخر على عدم استحقاقه شيئاً.

و كذا إن كان مدّعي الدرهم لكن يردّ درهماً و يحلف على عدم استحقاق الآخر الدرهم الثاني،و إن كان ثالثاً فكهما إن كذّبهما فيحلف لهما و يقرّ في يده الدرهمان،و كأحدهما إن أقرّ له و صدّقه.

و كذا لو أودعه إنسان درهمين و إنسان آخر درهماً فامتزجت لا عن تفريط من الودعي و تلف واحد من الدراهم و لم يعلم من أيّهما

ص:311


1- التذكرة 2:195؛ و انظر جامع المقاصد 5:435،و المسالك 1:268،و الروضة البهية 4:182.

ببيّنة و لا إقرار فلصاحب الاثنين درهم و نصف،و للآخر ما بقي على المشهور بين الأصحاب.

للخبر:في رجل استودع رجلاً دينارين و استودعه آخر ديناراً فضاع دينار منهما،فقال:«يعطى صاحب الدينارين ديناراً و يقتسمان الدينار الباقي بينهما نصفين» (1).

و يشكل هنا مع ضعف السند بأن التالف غير محتمل كونه لهما، بل من أحدهما خاصّة؛ لامتناع الإشاعة هنا،فكيف يقسّم الدرهم بينهما مع أنه مختصّ بأحدهما قطعاً؟ .و الذي يقتضيه النظر و يشهد له الأُصول الشرعية القول بالقرعة في أحد الدرهمين،و مال إليه الشهيدان (2)،و لكنهما لم يجسرا على مخالفة الأصحاب.

و هو في محله؛ لجبر السند و المخالفة للقواعد بعملهم،مع كون الراوي ممن حكى الطوسي إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (3)، و قال بثقته جماعة (4).

و القول في اليمين كما مرّ من عدم تعرّض الأصحاب له،فجاز أن يكون الصلح فيهما قهريّاً و جاز أن يكون اختياريّاً،فإن امتنعا عنه فاليمين، و ربما امتنع هنا إذا لم يعلم الحالف عين حقّه.

ص:312


1- الفقيه 3:63/23،التهذيب 6:483/208،الوسائل 18:452 أبواب أحكام الصلح ب 12 ح 1.
2- الدروس 3:334،الروضة 4:184.
3- عدّة الأُصول 1:380.
4- منهم:المحقق في المعتبر 1:252،و المسائل الغريّة على ما نقله عنها في منتهى المقال 2:42.

و احترز بالمزج لا عن تفريط عما لو كان بتفريط،فإنّ الودعي يضمن التالف فيضمّ إليهما و يقتسمانها من غير نقص،و قد يقع مع ذلك التعاسر على العين فيتّجه القرعة.

و لو كان بدل الدرهم مالاً يمتزج أجزاؤه بحيث لا يتميّز و هما متساويان كالحنطة و الشعير،و كان لأحدهما قفيزان مثلاً و للآخر قفيز و تلف قفيز بعد امتزاجهما بغير تفريط فالتالف على نسبة المالين،و كذا الباقي، فيكون لصاحب القفيزين قفيز و ثلث،و للآخر ثلثا قفيز،و الفرق أن الذاهب هنا عليهما معاً،بخلاف الدرهم؛ لأنه مختص بأحدهما قطعاً.

و لو كان لواحد ثوب اشتراه بعشرين درهماً و للآخر ثوب اشتراه بثلاثين درهماً فاشتبها،فإن خيّر أحدهما صاحبه فقد أنصف كما في النص و إلّا تخيّر بل تعاسرا بيعاً و قُسّم الثمن بينهما أخماساً و يعطى صاحب الثلاثين ثلاثة و الآخر اثنين،وفاقاً للمعظم،كما في الدروس (1)،و نسبه في المسالك و شرح الإرشاد للفاضل الأردبيلي (2)إلى المشهور؛ للخبر المروي في التهذيب و الفقيه،عن الحسين بن أبي العلاء، عن إسحاق بن عمار قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهماً في ثوب و آخر عشرين درهماً في ثوب،فبعث الثوبين فلم يعرف هذا ثوبه و لا هذا ثوبه،قال:«يباع الثوبان فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن،و الآخر خمسي الثمن» قال:قلت:فإن صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين:اختر أيّهما شئت،قال:«قد أنصفه» (3).

ص:313


1- الدروس 3:332.
2- المسالك 1:268،مجمع الفائدة و البرهان 9:345.
3- الكافي 7:2/421،الفقيه 3:62/23،التهذيب 6:482/208،المقنع:123،الوسائل 18:451 أبواب أحكام الصلح ب 11 ح 1.

خلافاً للحلّي (1)،فالقرعة؛ فإنها لكل أمر مشكل.

و استحسنها في المسالك (2)،و لعلّه لعموم أدلّتها،و التأمّل في سند الرواية بالقطع في التهذيب و الضعف في الفقيه.

و يضعف بالانجبار بالشهرة المحكية في الدروس و غيره و كلامه.

مع احتمال صحة طريق الصدوق إلى الراوي كما يظهر من الفهرست (3)،و إن ضعف في الفقيه بسعدان بن مسلم و غيره كما في الروضة (4)،و يحتمل الصحة أيضاً في طريق الشيخ،كما يظهر من كتابه المشار إليه،بناءً على الاكتفاء فيها بالظنون الاجتهادية،فتكون الرواية حسنة،فلا شبهة معها توجب القرعة.

و للتذكرة،ففصّل بين ما لو بيعا مجتمعين فالأول،للشركة الإجبارية، كما لو امتزج الطعامان،و إن بيعا منفردين متساويين فلكل واحد منهما ثمن ثوب،و إن تفاوتا فالأكثر لصاحبه بناءً على الغالب (5).

و هو اجتهاد في مقابلة النصّ المعتبر،مع تطرّق الإشكال إليه بعدم دليل على اعتبار الغلبة التي غايتها إيراث المظنة خاصّة في نحو المسألة التي هي من قبيل الموضوعات دون الأحكام الشرعية،فلا يكتفى فيها بالمظنّة إلّا إذا قامت عليه الأدلّة،هذا.

ص:314


1- السرائر 2:69.
2- المسالك 1:268.
3- الفهرست:15.
4- الروضة 4:183.
5- التذكرة 2:195.

و لقد احتمل الفاضل المقداد في شرح الكتاب (1)حمل الخبر على امتزاج المالين قبل الشراء و وقوع الشراء للثوبين على سبيل الشركة و أنه اشتريا لهما بعنوان الإشاعة؛ و عليه يكون القول بالقرعة في غاية القوة؛ لخروج الرواية على هذا الحمل عن موضوع المسألة.

و لكن فيه بُعد عن سياق الرواية و ما فهمه منها الجماعة،فالمصير إليها أقوى؛ لما مضى.و عليها يكون الصلح في المقام قهريّاً كسابقيه.

و لا يتعدّى إلى غير موردها من الثياب المتعدّدة و الأثمان و الأمتعة.

و يحتمل التعدية؛ لتساوي الطريق.و الأوّل أجود،و عليه يتعيّن القرعة؛ لعموم الأدلّة فيها،و سلامتها عما يصلح للمعارضة.

و إذا ظهر استحقاق أحد العوضين للغير،أو عدم صحّة تملّكه كالحرّ و نحوه بطل الصلح إذا كان معيّناً في العقد،بلا خلاف و لا إشكال فيه،و في الصحة إذا كان مطلقاً،فيرجع إلى بدله كالبيع.

و لو ظهر فيه عيب فله الفسخ؛ دفعاً للضرر.و في تخيّره بينه و بين الأرش إشكال،و الأصل يقتضي العدم.

و لو ظهر غبن لا يتسامح بمثله ففي ثبوت الخيار وجهان،أجودهما ذلك،وفاقاً للشهيدين (2)؛ دفعاً للضرر،كما قلنا في البيع.

ص:315


1- التنقيح الرائع 2:206.
2- الدروس 3:331،الروضة 4:180.

كتاب الشركة

كتاب الشركة بكسر الشين و إسكان الراء،و فتحها فكسرها و هي تطلق على معنيين.

أحدهما: اجتماع حقّ مالكين فصاعداً في الشيء الواحد على سبيل الشياع و اجتماع الحقوق بمنزلة الجنس الشامل لاجتماعها على وجه التميّز و غيره.

و المراد بالوحدة الوحدة الشخصية،لا الجنسية و لا النوعية و لا الصنفية؛ لعدم تحقّق الشركة فيها مع تعدّد الشخص.و بالواحد الواحد فيما هو متعلّق للشركة،فلا ينافيه التعدّد؛ لصدق الاجتماع بالمعنى المذكور في كلّ فرد من أفراد المتعدّد.

و بقوله:على سبيل الشياع،خرج اجتماع حقوقهم في الشيء الواحد المركّب من أجزاء متعدّدة كلّ جزء يستحقّه واحد.

و ثانيهما:عقدٌ ثمرته جواز تصرّف الملّاك للشيء الواحد على سبيل الشياع،و هذا هو الذي به تندرج الشركة في جملة العقود و يلحقها الحكم بالصحة و البطلان دون الأوّل.

و لا خلاف في المعنيين،و إنكار بعض المتأخّرين (1)للثاني بناءً على عدم الدليل على كونها عقداً مع مخالفته الإجماع في الظاهر مضعّف

ص:316


1- صاحب الحدائق 21:148.

بدلالة ثمرته من جواز التصرف المطلق أو المعيّن المشترط على ذلك؛ بناءً على مخالفتها بقسميها سيّما الثاني الأصل؛ لحرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه،فيقتصر فيها على القدر المتيقن،و هو ما دلّ عليها صريحاً من الجانبين،كما نبّه عليه في التذكرة (1)،و عليه يصحّ إطلاق العقد عليه.

و أما الاكتفاء فيها بمجرّد القرائن الدالّة عليها،أو الألفاظ الغير الصريحة فيها فلا دليل عليه.

و على فرض وجوده كما يدّعى من ظاهر النصوص،مع عدم دلالتها عليه أصلاً فلا ريب في مغايرة هذا المعنى للأوّل أيضاً؛ لحصول الأوّل بامتزاج المالين قهراً من دون رضا المتشاركين،و هو غير الامتزاج مع الرضا به و بالتصرف في المالين مطلقاً أو مقيّداً على حسب ما يشترطانه، فإنكاره رأساً فاسد جدّاً.

و لا ينافي التغاير دخول الثاني في الأوّل دخول الخاص في العام و أنه من أفراده؛ لمغايرتهما في الجملة قطعاً،و هو كافٍ في إفراد الخاصّ عن العام في الإطلاق.

ثم إنها بالمعنى الأوّل قد تكون في عين،و هو ظاهر،و منفعة كدار استأجراها أو عبدٍ اوصي بخدمته لهما،و حقّ كشفعة و خيار و رهن.

و سببها قد يكون إرثاً و عقداً،و هما يجريان في الثلاثة،فتحصل بإرثهما مالاً أو منفعة دار مثلاً استأجرها مورّثهم أو حق شفعة أو خيار، و بشرائهما داراً بعقد واحد،و بشراء كلّ واحد منهما جزءاً مشاعاً منها و لو على التعاقب،و باستيجارهما إياها،و بشرائهما بخيار لهما،و حيازةً لبعض

ص:317


1- التذكرة 2:219،222.

المباحات دفعة بأن يشتركا في نصب حبالة و رمي سهم مثبت،فيشتركان في ملك الصيد،و مزجاً لأحد ماليهما بالآخر بحيث لا يتميّز،و لا يجريان إلّا في العين،و يمكن الفرض الأخير في المنفعة بأن يستأجر كلّ منهما دراهم للتزيين بها حيث نجوّزه متميّزة ثم امتزجت بحيث لا يتميّز.

و لا تصحّ الشركة في الأموال إلّا مع امتزاج المالين المتجانسين على وجه لا يمتاز أحدهما عن الآخر بأن يتّفقا في الوصف زيادةً على الاتفاق في الجنسيّة،بلا خلاف فيه عندنا،بل عليه في الغنية و عن الخلاف و السرائر و التذكرة (1)إجماعنا.

فلو لم يمتزجا،أو امتزجا بحيث يمكن التمييز و إن عسر،كالحنطة بالشعير،أو الحمراء من الحنطة بغيرها،أو الكبيرة الحبّ بالصغيرة،و نحو ذلك فلا اشتراك.

و لا فرق في الامتزاج بين وقوعه اختياراً أو اتفاقاً،و في المالين بين كونهما من الأثمان أو العروض،إجماعاً من الأُمّة في الأثمان،و من الأصحاب في العروض،كما في التذكرة (2).

و ظاهره الإجماع على عدم الفرق في الأعراض بين ذوات القيم و الأمثال،و حصول الشركة فيهما بالمزج بالشرط المتقدّم،مع أن الماتن في الشرائع صار إلى الفرق بينهما،فمنع تحقق الشركة بالمزج في ذوات القيم (3)،وفاقاً للمبسوط و الإسكافي إلّا أنه أطلق (4).و لكنه معلوم النسب

ص:318


1- الغنية(الجوامع الفقهية):595،الخلاف 3:327،السرائر 2:398،التذكرة 2:221.
2- التذكرة 2:222.
3- الشرائع 2:129.
4- المبسوط 2:346،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:480.

فلا يقدح خروجه في الإجماع.

و مع ذلك يضعّف بتحقّق المزج على الوجه المتقدم في كثير منها، كالثياب المتعدّدة المتقاربة الأوصاف،و الخشب كذلك،و نحوهما، فيستحق الشركة؛ فإن ضابطها حصول المزج مع عدم الامتياز، و لا خصوصية للقيمي و المثلي في ذلك،و قد حصل.

و متى تحقّقت الشركة فيها (1)فإن علم قيمة ما لكلّ واحد منهما كان الاشتراك على نسبة القيمة،و إلّا ففي الحكم بالتساوي،كما في التذكرة (2)، اتّكالاً على الأصل،أو الرجوع إلى الصلح،كما في المسالك و غيره (3)قولان،أجودهما الثاني،إلّا مع التعاسر و عدم الرضا بالصلح،فيمكن الأوّل.

و لو قلنا بمنع الشركة في القيمي بالمزج فطريق التخلّص من المنع و الحيلة لتحصيل الشركة فيه أن يبيع كلّ منهما حصّته مما في يده بحصّته مما في يد الآخر،أو يتواهبا الحصص،أو يبيع حصّته بثمن معيّن من الآخر و يشتري حصّة الآخر بذلك الثمن،و غير ذلك من الحيل.

و تجري في المثلي أيضاً حيث لا يقبل الشركة بالمزج بتغاير الجنس أو الوصف.

و اعلم أن المستفاد من كلام الأصحاب في المقام سيّما كلام الفاضل في التذكرة (4)في دعواه الإجماع على حصول الشركة بمزج العروض

ص:319


1- أي:في العروض القيميّة.(منه رحمه اللّه).
2- التذكرة 2:222.
3- المسالك 1:275؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 10:198.
4- التذكرة 2:222.

و الأثمان مزجاً لا يتميّز معه المالان عدم اشتراط عدم التميّز في نفس الأمر،بل يكتفى بعدمه في الظاهر و إن حصل في نفس الأمر.

و هو منافٍ لما ذكروه في التعريف من أنها اجتماع الحقوق على الإشاعة،فإن الظاهر منها حيث تطلق أن لا يفرض جزء إلّا و فيه حقّ لهما، و به صرّح الفاضل المقداد في شرح الكتاب (1)،بل صرّح فيه بعدم حصول الشركة بمزج الحنطة و الذرّة و الدخن و السمسم و نحوها بمثلها،بل حصرها في مزج مثل الأدِقّة و الأدهان بمثلها.

و لكن الظاهر عدم استقامة ما ذكره على طريقة الأصحاب؛ لاتّفاقهم في الظاهر و به صرّح الفاضل كما مرّ على عدم اشتراط عدم تميّز النفس الأمري،مع أن اشتراطه في نحو الأثمان مخالف لطريقة المسلمين في الأعصار و الأمصار،لأنهم لا يزالون يتشاركون فيها من زمن النبي صلى الله عليه و آله إلى زماننا هذا من غير نكير في صقع من الأصقاع أو عصر من الأعصار،فكان إجماعاً،و قد نبّه عليه في التذكرة.

بقي الكلام في التوفيق بين التعريف و ما هنا،و الخطب سهل بعد الإجماع على ما هنا؛ لعدم الدليل على ما في التعريف من اعتبار الإشاعة بالمعنى المتقدم،مع احتمال إرادتهم منها هنا عدم التميّز المطلق.

و كيف كان،فهذه الشركة حيث كانت على جهة الاختيار و قصد التجارة هي الشركة العِنانيّة،و هي مجمع عليها بين المسلمين كافّة،كما في الغنية و عن التذكرة (2)،و به صرّح جماعة (3)،و النصوص بها مع ذلك

ص:320


1- التنقيح الرائع 2:208.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):596،التذكرة 2:220.
3- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 8:10،و الشهيد الثاني في الروضة 4:198،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:209.

مستفيضة،منها الصحيح:عن الرجل يشارك في السلعة؟قال:«إن ربح فله،و إن وضع فعليه» (1).

و الموثق:عن الرجل يشتري الدابة و ليس عنده نقدها،فأتى رجلاً من أصحابه فقال:يا فلان انقد عنّي ثمن هذه الدابّة و الربح بيني و بينك، فنقد عنه فنفقت الدابة،قال:«ثمنها عليهما لأنه لو كان ربحاً لكان بينهما» (2)و بمعناه غيره (3).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة،و سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

و لا ينعقد الشركة بالأبدان و الأعمال بأن يتعاقدا على أن يعمل كلّ منهما بنفسه و يشتركا في الحاصل،سواء اتّفق عملهما قدراً أو نوعاً،أم اختلف فيهما أو في أحدهما،و سواء عملاً في مال مملوك أم في تحصيل مباح؛ لأن كلّ واحد متميّز ببدنه و عمله فيختص بفوائده،كما لو اشتركا في مالين متمايزين.

و لو اشتركا كذلك فحصلا كان لكل واحد ما حصل و هو اُجرة عمله إن تميّز أحد المحصولين عن الآخر،و إلّا فالحاصل لهما و يصطلحان.

و كذا لا أصل لشركة الوجوه و هي أن يشترك اثنان وجيهان لا مال لهما بعقد لفظي ليبتاعا في الذمّة على أن ما يبتاعه كلّ منهما يكون بينهما،فيبيعان و يؤدّيان الأثمان و ما فضل فهو بينهما.

أو أن يبتاع وجيه في الذمّة و يفوّض بيعه إلى خامل على أن يكون

ص:321


1- التهذيب 7:817/185،الوسائل 19:5 أبواب أحكام الشركة ب 1 ح 1.
2- التهذيب 7:184/43،الوسائل 19:5 أبواب أحكام الشركة ب 1 ح 2.
3- التهذيب 7:822/186،الوسائل 19:6 أبواب أحكام الشركة ب 1 ح 3.

الربح بينهما.

أو أن يشترك وجيه لا مال له و خامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه و المال من الخامل،و يكون المال في يده لا يسلمه إلى الوجيه و الربح بينهما.

أو أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعضه له.

و لا المفاوضة و هي أن يشترك شخصان فصاعداً بعقد لفظي على أن يكون بينهما ما يكتسبان و يربحان،و يلتزمان من غُرم و يحصل لهما من غُنم،فيلتزم كل منهما للآخر مثل ما يلتزمه من أرش جناية،و ضمان غصب،و قيمة متلف،و غرامة ضمان و كفالة،و يقاسمه فيما يحصل له من ميراث،أو يجده من لقطة و ركاز،و يكتسبه في تجارة،و نحو ذلك، و لا يستثنيان من ذلك إلّا قوت يوم و ثياب بدن و جارية يتسرّى بها.

و هذه الثلاثة بمعانيها باطلة بإجماعنا،كما في الغنية و الانتصار و المختلف و التذكرة و التنقيح و المهذب البارع و المسالك و الروضة،و غيرها من كتب الجماعة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و حديث نفي الغرر و الضرر (2)،مع عدم دليل على الصحة من كتاب أو سنة سوى الأمر بالوفاء بالعقود و الشروط،و هو ليس على ظاهره في الشركة،لأنها من العقود الجائزة،كما سيأتي إليه

ص:322


1- الغنية(الجوامع الفقهية):596،الانتصار:229،المختلف:479،التذكرة 2:220،التنقيح 2:210،المهذب البارع 2:545،المسالك 1:275،الروضة 4:199؛ و انظر جامع المقاصد 8:10،و إيضاح الفوائد 2:299.
2- الوسائل 25:427 أبواب إحياء الموات ب 12 الأحاديث 3،4،5؛ و انظر سنن الدارقطني 4:83/227،و سنن ابن ماجة 2:2340/784،2341،و مسند أحمد 5:337.

الإشارة (1).

و مجرد التراضي لا يوجب مخالفة الأصل،و لزوم انتقال فائدة كلّ واحد استحقها بعمله أو ماله إلى الآخر،سيّما مع تفاوت فائدتهما بالزيادة و النقيصة؛ إذ لا دليل على اللزوم بمجرد التراضي،بل غايته الإباحة، و ليست بثمرة الشركة.

مع أن حصولها بمجرده مع جهل المتعاقدين بالفساد محلّ مناقشة، سيّما مع ندامتهما أو أحدهما عمّا فعله و التزمه،فإن الإباحة حينئذ بمجرّد التراضي السابق غير معلومة،لابتنائه على توهّمهما الصحة،و لذا صرّح الأصحاب بعدم إفادة العقود الفاسدة الإباحة مع حصول رضا الطرفين بها؛ نظراً منهم إلى ابتنائه على توهّم الصحة،فلعلّهما لو علما بالبطلان لم يرضيا،و مثل هذا الرضا ليس برضاً مبيح لأكل مال الغير بالبديهية.

فمناقشة بعض متأخّرين متأخّرينا في المسألة و احتماله الصحة (2)تبعاً للعامة في الثلاثة،و الإسكافي (3)في أُوليها خاصّة عجيبة.

نعم لو علما بالفساد و تشاركا جاز بلا إشكال،إلّا أنّ لهما الرجوع ما دامت العين باقية،و مع ذلك خارج عن مفروض المسألة،فإن ذلك استحلال بالإباحة دون عقد الشركة.

و إذا تشاركا شركة العنان و تساوى المالان في القدر فالربح بينهما سواء،و لو تفاوتا فيه فالربح كذلك أي متفاوت بحسب تفاوت المالين،فالزائد منه لربّ الزائد منهما.

ص:323


1- في ص:328.
2- مجمع الفائدة و البرهان 10:193.
3- كما نقله عنه في المختلف:479.

و كذا الخسران يوزّع على المتشاركين بالنسبة إلى المالين فمتساوياً مع التساوي و بالنسبة مع التفاوت.

بلا خلاف و لا إشكال في شيء من ذلك فتوى و نصاً.

و إطلاق العبارة و غيرها في تفاوت المالين يشمل صورتي مساواتهما في العمل و عدمها،و ظاهر المسالك أن عليه اتّفاقنا (1)،و حكى في الأُولى الخلاف عن بعض العامة،حيث منع من الشركة مع عدم استواء المالين في القدر مع اتفاقهما في العمل،و ضعّفه بأن المعتبر في الربح المال و العمل تابع فلا يضرّ اختلافه،كما يجوز مع تساويهما في المال عند الكلّ و إن عَمِل أحدهما أكثر.

و لو شرط أحدهما في الربح زيادة عما يستحقه بنسبة ماله فالأشبه وفاقاً للمبسوط و الخلاف و القاضي و الحلّي و ابن زهرة العلوي (2)مدّعياً فيه الإجماع،و نسبه سابقه إلى الأكثر أن الشرط لا يلزم لأنّ الزيادة الحاصلة في الربح لأحدهما ليس في مقابلها عوض،و لا وقع اشتراطها في عقد معاوضة لتنضمّ إلى أحد العوضين،و لا اقتضى تملّكها عقد هبة،و الأسباب المثمرة للملك معدودة،و ليس هذا أحدها،فيبطل الشرط،هذا.

مضافاً إلى الأصل،و الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة المحكية في كلام الحلّي.

ص:324


1- المسالك 1:276.
2- المبسوط 2:349،الخلاف 3:332،القاضي في جواهر الفقه(الجوامع الفقهية)487،الحلي في السرائر 2:400،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):596.

خلافاً للفاضل و والده و ولده (1)،فحكموا باللزوم تبعاً للمرتضى (2)، مدّعياً الإجماع عليه؛ و هو الحجة عندهم،مضافاً إلى عمومي الأمر بالوفاء بالعقود،و لزوم الشروط،و قوله سبحانه إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ [1] (3).و في الجميع نظر؛ لاندفاع الإجماع بالإجماع المتقدم الذي هو أقوى منه،لاعتضاده بفتوى الأكثر كما مر؛ و العمومين بعدم بقائهما على ظاهرهما من الوجوب في الشركة لكونها كما مرّ و سيأتي من العقود الجائزة المستعقبة لجواز الفسخ و الرجوع بلا ريبة،و هما ينافيان اللزوم بلا شبهة؛ و الآية يمنع كون هذا الشرط تجارةً،لعدم تضمّنه معاوضة،كما مرّ.

و مجرّد التراضي غير كاف في اللزوم،بل غايته الإباحة،و لا كلام في الجواز بها،و لكنه غير مفروض المسألة؛ لعدم استناده إلى عقد الشركة، و مع ذلك الإباحة في صورة جهلهما بفساد الشرط محل مناقشة تقدم إليها الإشارة (4).

ثم ظاهر العبارة و غيرها و صريح المحكي عن القاضي (5)بطلان الشرط خاصّة.و الأجود وفاقاً لجماعة (6)أنه يتبعه بطلان الشركة بمعنى الإذن في التصرف؛ لابتنائه من كلّ منهما على صحّة الشرط،فلا إذن حقيقةً

ص:325


1- الفاضل و والده في المختلف:479،و ولده في إيضاح الفوائد 2:301.
2- الانتصار:228.
3- النساء:29.
4- راجع ص:324.
5- جواهر الفقه(الجوامع الفقهية):487.
6- منهم:الشيخ في المبسوط 2:349،و الشهيد الثاني في الروضة 4:201،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 8:25.

بدونها،فإن عملا كذلك فالربح تابع للمال و إن خالف الشرط،و يكون لكلّ منهما اجرة عمله بعد وضع ما قابل عمله في ماله.

هذا إذا اشتركا في العمل و تساويا فيه.

و أما لو كان العامل أحدهما و شرطا الزيادة له صحّ،بلا خلاف فيه، و في الصحة أيضاً لو كان لصاحب الزيادة زيادة عمل،كما حكاه جماعة (1)،و لكن الأوّل بالقراض أشبه،لاعتبار العمل من الجانبين في الشركة.

و مع الامتزاج ليس لأحد الشركاء التصرف في المال المشترك إلّا مع إذن الباقين لقبح التصرف في مال الغير بدون إذنه عقلاً و شرعاً، و هذا الحكم جارٍ في مطلق الشركة حتى بالمعنى الأوّل،و سواء كان سببها المزج أو غيره،باختيارهما كانت أم بدونه،فإن الإذن في التصرف أمر زائد على مفهوم الشركة بهذا المعنى.

و من هنا يظهر ما في تخصيص العبارة الحكم بصورة الامتزاج خاصّة.

و يجب أن يقتصر المأذون من التصرف على ما يتناوله الإذن عموماً أو خصوصاً،فلا يجوز له التعدّي،و يضمن معه إجماعاً.

و لو كان الإذن له في التصرف في التجارة مطلقاً غير مقيّد بنوع خاص منه صحّ تصرفه كذلك بأيّ نوع شاء من أنواع التجارة،و ما فيه مصلحة الشركة من البيع و الشراء مرابحةً،و مساويةً،و توليةً،و مواضعةً حيث تقتضيها المصلحة،و قبض الثمن،و إقباض المثمن،و الحوالة،

ص:326


1- المحقق في الشرائع 2:130،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:211،السبزواري في الكفاية:119.

و الاحتيال،و الردّ بالعيب،و نحو ذلك،كما في الوكيل المطلق.

و لا يجوز له إقراض شيء من المال إلّا مع المصلحة،و لا المحاباة في البيع،و لا المضاربة عليه؛ لأن ذلك ليس من توابع التجارة،و لا يتناوله الإطلاق.

و لو شرط الآذن في التصرف الاجتماع فيه،أي اجتماعه أو غيره أو هما معاً مع المأذون لزم اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد الإذن.

و هي أي الشركة بالمعنى الأوّل جائزة فلا يلزم،بلا خلاف، بل عليه الإجماع في الغنية و عن التذكرة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و عدم دليل على أنه يجب على الإنسان مخالطة غيره في ماله،مع أن الناس مسلّطون على أموالهم،و من جملة أفراد التسلّط إفراده من غيره.

و كذا الشركة بالمعنى الثاني الممتاز عن الأوّل مع اشتراكه له في الأصل بتضمّنه الإذن في التصرف للتجارة جائزة أيضاً؛ للإجماع المتقدّم،المعتضد بعدم الخلاف في أنها في معنى الوكالة،و هي جائزة فتكون هي أيضاً جائزة.

و بهذه الأدلّة تخصّ أدلة الأمر بالوفاء بالعقود من الكتاب و السنة، فلكلّ منهما فسخها بمعنييها،و مطالبة القسمة،و المنع عن التصرف الذي أذن به للآخر بالكلية أو في الجملة.

و ليس لأحد الشركاء الامتناع من القسمة عند المطالبة أي مطالبة

ص:327


1- الغنية(الجوامع الفقهية):596،التذكرة 2:224.

الآخر إيّاها،بل تجب عليه،و مع امتناعه فللحاكم إجباره عليها، بلا خلاف،كما في المسالك (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى استلزام الامتناع الضرر على الغير و أقلّه سلب تسلّطه على ماله الثابت له شرعاً،مع استلزامه الضرر له بوجه آخر في بعض الصور و هو منفي عقلاً و شرعاً فيجب عليه الإقدام عليها.

إلّا أنّ يتضمّن القسمة ضرراً على الممتنع أو عليهما، فلا يجبر في المقامين مطلقاً،إلّا إذا حصل للطالب ضرر من غير جهة القسمة،فيجبر حينئذٍ إذا كان ضرره أقوى،و يقرع مع التساوي.

و لا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر،و الأصل في المقام الأوّل حديث نفي الضرر،و في الثاني تضمّنه السفه أو الإسراف المنهي عنهما.

و يلحق بالضرر الدافع للجبر اشتمال القسمة على الردّ؛ لأنّه معاوضة محضة تستدعي التراضي من الطرفين،و تسمّى قسمة تراض،و ما فيه الجبر قسمة إجبار.

و هل يتحقّق الضرر الدافع له بنقصان القيمة مطلقاً،أو مع التفاحش، أو بعدم الانتفاع مطلقاً،أو الذي كان مع الشركة؟أقوال أربعة،أقواها الأوّل وفاقاً لجماعة (2).

و لا يلزم أحد الشريكين إقامة رأس المال و إنضاضه (3)،بل له المطالبة بالقسمة قبله مطلقاً،طلبها الآخر منه أم لا،بلا خلاف يظهر؛

ص:328


1- المسالك 1:277.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:277،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 10:211.
3- نَضَّ المال:إذا تحوّل عيناً بعد أن كان متاعاً،لأنه يقال:ما نضَّ بيدي منه شيء.القاموس 2:358،الصحاح 3:1107.

للأصل،و فقد المانع.

و لا ضمان على أحد الشركاء ما لم يكن التلف بتعدّ و هو فعل ما لا يجوز فعله في المال أو تفريط و هو التقصير في حفظه و ما يتمّ به صلاحه،لأنه أمين و القول في التلف قوله مع يمينه،بلا خلاف في شيء من ذلك،بل عليه الإجماع في الغنية و الروضة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الإجماع على أن الشركة في معنى الوكالة و الحكم فيها ذلك بإجماع العلماء كافّة،كما حكاه بعض الأجلّة (2).

و لو ادّعى شراء شيء لنفسه أو لهما حلف و قبل بيمينه؛ لأن مرجع ذلك إلى قصده،و هو أعلم به،و الاشتراك لا يعيّن التصرف بدون القصد، و إنما لزم الحلف مع أن القصد من الأُمور الباطنة التي لا تُعلَم إلّا من قبله لإمكان الاطّلاع عليه بإقراره.

و لا تصحّ مؤجلة إجماعاً،كما في الغنية (3)،إلّا أنه قال بدل لا تصحّ:لا تلزم.

قيل:المراد بصحّة التأجيل المنفية ترتب أثرها بحيث تكون الشركة إلى الأجل لازمة؛ و إنما لم تصحّ لأنها عقد جائز كما مرّ،فلا يؤثّر التأجيل فيها،بل لكلّ منهما فسخها قبل الأجل.نعم،يترتّب على الشرط عدم جواز تصرّفهما بعده إلّا بإذن مستأنف؛ لعدم تناول الإذن له،فلشرط الأجل أثر في الجملة (4).انتهى.

ص:329


1- الغنية(الجوامع الفقهية):596،الروضة 4:203.
2- الحدائق 21:166.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):596.
4- المسالك 1:276.

و ظاهره بقاء الشركة بمعنى جواز التصرف بالإذن إلى المدّة المضروبة،لا أنها فاسدة بالكليّة.و هو حسن،لكنه منافٍ لظاهر العبارة و ما ضاهاها و المحكي عن الشيخين (1).

و يحتمل حملها على ما إذا اشترطا لزومها إلى المدّة،فيتوجه عليه حينئذٍ فساد الشركة؛ لفساد الشرط بمنافاته لمقتضاها فتفسد هي أيضاً،لأن الإذن منهما في التصرف مبني على اشتراطهما اللزوم و توهّمهما صحة الشرط،و حيث فسد فسد المبنيّ عليه.

نعم،لو ظهر أن مرادهما من الاشتراط تحديد الإذن إلى المدّة خاصّة كان ما ذكر موجّهاً،و لعلّه مراده و إن كانت العبارة مطلقة.

و تبطل الشركة بالمعنى الثاني بالموت إجماعاً،كما في الغنية (2)؛ لأنها في معنى الوكالة،و تبطل بذلك إجماعاً فتبطل هي أيضاً.

قالوا:و في معناه الجنون،و الإغماء،و الحجر للسفه أو الفلس؛ و لعلّ الوجه فيه انقطاع الإذن بالأُمور المذكورة،فعوده بارتفاعها مخالف للأصل، فيحتاج إلى دلالة،و هي هنا و في الوكالة مفقودة.

و منه يظهر حجّة أُخرى لانفساخ الشركة بالأوّل؛ لانحصار الإذن من الآذن للميت خاصّة حال الحياة،و انتقاله إلى الوارث خلاف الأصل فيدفع به،و ليس التصرف بالإذن حقّا يورث.

نعم،القسمة حق له إذا لم يكن هناك دين و لا وصية،و إلّا بنى على الانتقال إليه و عدمه.

و يكره مشاركة الذمي بل مطلق الكافر،كما قالوه،و نفى عنه

ص:330


1- حكاه عنهما في المختلف:480.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):596.

الخلاف في الغنية (1) و إبضاعه و هو أن يدفع إليه مالاً يتّجر فيه لصاحب المال خاصّة و إيداعه للمعتبرين،أحدهما الصحيح:«لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي،و لا يبضعه بضاعة،و لا يودعه وديعة،و لا يصافيه المودّة» (2).

ص:331


1- الغنية(الجوامع الفقهية):596.
2- الكافي 5:1/286،الفقيه 3:638/145،التهذيب 7:815/185،قرب الإسناد:612/167،الوسائل 19:8 أبواب أحكام الشركة ب 2 ح 1.

كتاب المضاربة

كتاب المضاربة مأخوذة من الضرب في الأرض؛ لأنّ العامل يضرب فيها للسعي على التجارة و ابتغاء الربح بطلب صاحب المال،فكان الضرب مسبّب عنهما، فتحققت المفاعلة لذلك.

أو من ضرب كلّ منهما في الربح بسهم.

أو لما فيه من الضرب بالمال و تقليبه.

و هذه لغة أهل العراق،و أهل الحجاز يعبّرون عنها بالقراض من القرض و هو القطع،كأنّ صاحب المال اقتطع منه قطعة و سلّمها إلى العامل، أو اقتطع له قطعة من الربح في مقابلة عمله؛ أو من المقارضة،و هي المساواة،و منه قول أبي الدرداء:قارض الناس ما قارضوك فإن تركتهم لم يتركوك (1).و وجه التساوي هنا أن المال من جهةٍ و العمل من اخرى و الربح في مقابلهما،فقد تساويا في قوام العقد،أو أصل استحقاق الربح و إن اختلفا في كمّيته.

و هي على ما ظهر من وجه التسمية أن يدفع الإنسان إلى غيره مالاً مخصوصاً ليعمل فيه بحصّة معيّنة من ربحه من نصف أو ثلث أو نحو ذلك بحسب ما يشترطانه.

و لو اشترط جميعه للمالك فهو بضاعة،و لو انعكس فاشترط جميعه للعامل فقرض و مداينة،و إن لم يشترطا شيئاً أو فسد العقد بفساد بعض

ص:332


1- النهاية لابن الأثير 4:41.

شروطه فالربح كله للمالك و للعامل اجرة المثل،كذا ذكره في المسالك تبعاً للتذكرة (1).

و لعل المراد أن اشتراط الربح لهما معاً إنما يكون في القراض، و اشتراطه للعامل خاصّة إنما يكون في القرض،و للمالك خاصة إنما يكون في البضاعة،و هذا لا يدل على حصول القراض بمجرد هذا الاشتراط كما يوهمه ظاهر كلامهما،و لا على حصول القرض بذلك،فاندفع ما يرد عليهما من عدم حصول كلّ من القرض و القراض بمجرّد الدفع و اشتراط ما يناسبهما،بل يشترط فيهما صيغ مخصوصة.

مع أنه يحتمل الاكتفاء به في الأوّل؛ للمعتبرة المستفيضة و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما:«من ضمن تاجراً فليس له إلّا رأس ماله، و ليس له من الربح شيء» (2).

لظهورها في أنّه بمجرّد تضمين المالك للمضارب يصير المال قرضاً و يخرج عن المضاربة،و إن لم يتقدّم هناك عقد القرض،و هو في معنى اشتراط الربح للعامل،فإن الأمرين من لوازم القرض،فتأمّل.

نعم،يتوجّه عليهما في حكمهما بلزوم الأُجرة في الصورة الأخيرة أنّه لا دليل عليه،مع كون الأصل عدمه،و مرجعه إلى قيام احتمال التبرّع، و لا اجرة معه.

و يمكن دفعه بتخصيص ما ذكراه بصورة جريان عقد القراض.و وجه

ص:333


1- المسالك 1:281،التذكرة 2:229.
2- الصحيح:الكافي 5:3/240،الفقيه 3:632/144،التهذيب 7:839/190،الوسائل 19:22 أبواب المضاربة ب 4 ح 1.الموثق:التهذيب 7:830/188،الإستبصار 3:453/126،الوسائل 19:23 أبواب المضاربة ب 4 ح 2؛ بتفاوت يسير.

الدفع حينئذٍ أن صدور عقده منهما إقدام منهما على عدم خلوّ عمل العامل عن الأجر و سلب التبرّع عنه،غاية الأمر أنهما لم يشترطا أو اشترطا شيئاً معيّناً،و هو لا يوجب كون العمل تبرّعاً،و حيث انتفى احتماله وجب أجرة المثل،بلا خلاف في الظاهر.

و وجهه أن الحكم بعدم وجوبها يستلزم الضرر على العامل الناشئ عن إغراء المالك له بترغيبه إلى العمل تحصيلاً لما بإزائه من الأجر المطلق أو المعيّن،و حيث بطل تعيّن المثل.

و لذا حكم الأصحاب بوجوب مثل ذلك لمن عمل لآخر عملاً يحكم العرف بعدم كونه متبرّعاً،كأن يكون دلّالاً أو سمساراً.

و ظاهر عبارتهما كباقي الأصحاب عدم لزومه للعامل في البضاعة.

و هو حسن إن لم يكن هناك قرينة من عرف أو عادة بلزومه،و إلّا فالمتّجه لزومه؛ و لذا فصّل الفاضل المقداد في شرحه على الكتاب فقال فيها (1):إن قال مع ذلك:و لا اجرة لك،فهو توكيل في الاسترباح من غير رجوع عليه بأُجرة،و إن قال:لك اجرة كذا،فإن كان عيّن عملاً مضبوطاً بالمدة أو العمل فذاك إجارة،و إن لم يعيّن فجعالة،و إن سكت و كان ذلك الفعل له اجرة عرفاً فله اجرة مثله (2).

و لنعم ما فصّل،و ينبغي تنزيل كلمة الأصحاب عليه.

و يجوز لكلّ منهما الرجوع و فسخ العقد سواء كان المال ناضّاً منقوداً دراهم و دنانير أو مشتغلاً بالعروض غير منضوض،بناءً على جوازها من الجانبين،بلا خلاف يظهر،و به صرّح في المسالك

ص:334


1- أي:في البضاعة.
2- التنقيح الرائع 2:213،214.

و غيره (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى التأيّد بالأصل،و أنها وكالة في الابتداء ثم قد تصير شركة، و كلتاهما جائزتان،فلتكن هي كذلك.

ثم إن كان الفاسخ العامل و لم يظهر ربح فلا شيء له،و إن كان المالك ضمن للعامل أُجرة المثل إلى ذلك الوقت،صوناً للعمل المحترم عن الخلوّ من الأجر.

و يحتمل العدم؛ للأصل،و إقدام العامل عليه لمعرفته جواز العقد و احتمال الانفساخ قبل ظهور الربح.بل و بعده مع تحقّق الوضيعة المستغرقة له،لكونه وقاية لرأس المال،بلا خلاف يظهر.

و لو ظهر ربح في الصورتين فهو على الشرط لا غير.

قيل:و من لوازم جوازها وقوع العقد بكلّ لفظ يدلّ عليه (2).

و في اشتراط وقوع قبوله لفظيّاً أو جوازه بالفعل أيضاً قولان،قوّى ثانيهما في الروضة تبعاً للتذكرة (3).و يظهر منها عدم الخلاف بيننا فيه و في الاكتفاء في طرفي الإيجاب و القبول بكلّ لفظٍ.فإن تمّ،و إلّا فالأولى خلافهما؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على أن الربح تابع للمال و للعامل اجرة المثل،المنطبق مع المضاربة تارةً و المتخلّف عنها اخرى على المتيقّن؛ و لعلّه لهذا اعتبر فيها التواصل بين الإيجاب و القبول، و التنجيز،و عدم التعليق على شرط أو صفة.

و هو حسن على ما حقّقناه،و لكن على ما ذكره من الاكتفاء بالفعل

ص:335


1- المسالك 1:281؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 10:240،و الكفاية:119.
2- الروضة 4:212.
3- الروضة 4:212،التذكرة 2:229.

في طرف القبول و بكلّ لفظ في طرف الإيجاب بناءً على جواز العقد مشكل،و سؤال الفرق بينه و بين اعتباره إيّاهما متّجه.

و لا يلزم فيها اشتراط الأجل هذه العبارة تحتمل معنيين، أحدهما:أنه لا يجب أن يشترط فيها الأجل و لا ضربها إليه،بل يجوز مطلقاً؛ للأصل،و العمومات.

و الثاني:أن الأجل المشترط فيها حيث كان غير لازم،بل جائز يجوز لكلّ منهما الرجوع فيه؛ لجواز أصله بلا خلاف،كما مضى،فلأن يكون الشرط المثبت فيه جائزاً بطريق أولى،و لعلّ هذا هو المراد،و إن صحّ إرادة الأوّل أيضاً.

و في التعبير بعدم اللزوم حيث يراد من العبارة المعنى الثاني إشارة إلى ثبوت الصحة؛ و الوجه فيه أنه يثمر المنع من التصرّف بعد الأجل إلّا بإذن جديد،لأن التصرف تابع للإذن،و لا إذن بعده.

و كذا لو أجّل بعض التصرفات كالبيع أو الشراء خاصّة،أو نوعاً خاصاً من التجارة.

و لا كذلك اشتراط لزومها إلى أجل أو مطلقاً،فإنه باطل و مبطل،على الأشهر الأقوى،أمّا لمنافاته لمقتضى العقد،أو لعدم دليل على لزومه سوى الأمر بالوفاء بالعقود و لزوم الوفاء بالشروط،و ليس على ظاهره هنا من الوجوب بلا خلاف،كما مضى،فإذا فسد الشرط تبعه العقد في الفساد، بخلاف شرط الأجل،فإن مرجعه إلى تقييد التصرف بوقت خاصّ،و هو غير منافٍ،و لا موجب لفساد العقد،لعدم توقّفه عليه كما في الأوّل.

و يجب على العامل أن يقتصر في التجارة على ما يعيّن له المالك من التصرف بحسب نوعها و مكانها و زمانها،و من يشتري منه

ص:336

و يبيع عليه،و غير ذلك؛ لأن جواز التصرف تابع لإذن المالك و لا إذن مع المخالفة.

و لا خلاف فيه و في صحة المضاربة المشتملة على التعيين بمثل ذلك،و إن ضاقت بسببه التجارة،بل صريح المسالك و ظاهر الغنية (1)أن عليه إجماع الإمامية؛ و هو الحجة،مضافاً إلى ظواهر النصوص الآتية (2).

و لو أطلق له الإذن تصرّف في الاستنماء و الاسترباح كيف شاء من وجوه التصرفات،و لو بغير نقد البلد و ثمن المثل بشرط المصلحة،وفاقاً لجماعة (3).

خلافاً للطوسي في المبسوط و الخلاف (4)،فاشترطهما.

و لا وجه له إذا اقتضت المصلحة غيرهما،و إن كان فرضها في الأخير نادراً.

و يمكن حمل كلامه على ما يلائم المختار بصرفه إلى الغالب؛ نظراً إلى أنه الذي يتضمن المصلحة دون غيره.

و الصرف إلى الغالب هو الأصل في حمل إطلاق الإذن على المصلحة؛ لعدم انصرافه إلى غيرها إلّا أن يصرّح بغيره،فيجوز مطلقاً قولاً واحداً،و لا إشكال فيه جدّاً لو لم يتضمّن الإذن بذلك سفاهة،و إلّا فيشكل أصل المضاربة من جهتها،بل الظاهر حينئذٍ عدم صحّتها.

و اعلم أنه لما كانت المضاربة معاملة على المال لتحصيل الربح كان

ص:337


1- المسالك 1:281،الغنية(الجوامع الفقهية):596.
2- في ص:346.
3- التنقيح 2:216،الروضة 4:214،مفاتيح الشرائع 3:91.
4- المبسوط 3:174،الخلاف 3:463.

إطلاق العقد مقتضياً للترخيص فيما اعتيد تولّي المالك له بنفسه من عرض القماش على المشتري،و نشره،و طيّه،و إحرازه،و بيعه،و شرائه،و قبض ثمنه،و إيداعه الصندوق،و نحو ذلك.

و هذا النوع لو استأجر عليه فلا اجرة له،عملاً بالمعتاد،مضافاً إلى الأصل.

و ما جرت العادة بالاستيجار عليه كالدلالة،و الحمل،و الكيل، و الوزن،و نقل الأمتعة الثقلية التي لم تجر عادة التجار بمباشرتها بأنفسهم بحسب حال تلك التجارة من مثل ذلك التاجر جاز له الاستيجار عليه، و لو عمل بنفسه لم يستحقّ اجرة بحسب ما يقتضيه إطلاق كلامهم.لكن لو قصد بالعمل الأُجرة كما يأخذ غيره أو أقلّ،و قلنا بجواز أن يستأجر الوكيل في الاستيجار نفسه،لم يبعد القول باستحقاقه الأُجرة،سيّما في الأقل؛ للأولوية.

و يشترط في صحّة المضاربة كون الربح مشتركاً بينهما، بلا خلاف فيه فتوًى و نصّاً مستفيضاً،ففي الموثق:عن مال المضاربة،قال:

«الربح بينهما،و الوضيعة على المال» (1).و نحوه النصوص الآتية (2).

مع أنه لو اختصّ الربح بأحدهما كان بضاعةً أو قرضاً و مداينة،كما مضى إليه الإشارة (3)،لكن ذلك إذا لم يكن الدفع بصيغة المضاربة،و إلّا فيحتملهما و عدمهما،و عليه يكون الربح كلّه للمالك و للعامل اجرة المثل،

ص:338


1- التهذيب 7:829/188،الإستبصار 3:452/126،الوسائل 19:21 أبواب أحكام المضاربة ب 3 ح 5.
2- في ص:345.
3- راجع ص:333.

كما تقدّم،و كذا على الأوّل في صورة البضاعة،لكن لا اجرة للعامل إمّا مطلقاً،كما يقتضيه إطلاق عبائر الجماعة،أو على التفصيل الذي قدّمنا إليه الإشارة،و عليه في الصورة الثانية يكون الربح كلّه للعامل و للمالك رأس المال بلا خلاف.

و يثبت للعامل ما شرط له المالك من الربح من النصف أو الثلث أو نحوهما ما لم يستغرقه على الأشهر الأظهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في المسالك بل غيره (1)أيضاً إجماع المسلمين عليه،إلّا شواذّ منّا لا يقدح خروجهم في الإجماع جدّاً.

و الأصل فيه المعتبرة المستفيضة الحاكمة في الربح بالشركة،و قد تقدّم جملة منها،و سيأتي إلى باقيها الإشارة.

و أمّا ما ربما يتخيّل في دلالتها بأن الشركة فيه أعمّ من الاستحقاق منه بحسب الشرط،فلعلّها بحسب ما يستحقه من الأُجرة،و الإضافة يكفي فيها أدنى الملابسة.

فالمناقشة فيه واضحة؛ لأن استحقاق الأُجرة إنما هو على المالك لا على الربح،فإضافتها إليه لا وجه لها بالكلية،هذا.

مع منافاة ذلك لسياقها و ما هو المتبادر منها جملة،مع وقوع التصريح في بعضها بأن الربح بينهما على حسب ما شرط،و ليس إلّا ما يحصل من الربح بقدر نصيبه دون اجرة المثل فهو ضعيف جدّاً،كالاستدلال للحكم بعمومي الأمر بالوفاء بالعقد و الالتزام بالشرط؛ لإفادتهما الوجوب من حينهما،و لم يقل به أحد أصلاً.

ص:339


1- المسالك 1:284؛ و انظر الروضة 4:219،و الكفاية:120.

و قيل كما عن النهاية و المفيد و القاضي و التقي (1) للعامل اجرة المثل و الربح كله للمالك؛ لأن النماء تابع للمال.و في إطلاقه منع.

و لجهالة العوض الموجبة لفساد المعاملة.و هو منتقض بكثير من العقود كالمزارعة،و مرجعه إلى منع إفادة الجهالة فساد المعاملة على الإطلاق،و سنده مع عموم دليل الإفادة ما قدّمناه من الأدلّة،و ما ذكروه اجتهادات في مقابلتها غير مسموعة.

مع أن مرجعها بل صريح بعضها إلى الحكم بفساد هذه المعاملة، و النصوص بخلافه زيادةً على ما مرّ مستفيضة من طرق الخاصة (2)و العامة،و قد استعملها الصحابة،فروي ذلك عن علي عليه السلام و ابن مسعود و حكيم بن حزام و أبي موسى الأشعري (3)،و لا مخالف لهم فيه.

و يجوز أن ينفق العامل في السفر الذي يعمل فيه للتجارة من الأصل كمال النفقة و جميع ما يحتاج إليه فيه من مأكول و ملبوس و مشروب و مركوب،و آلات ذلك كالقربة و الجواليق و نحوها،و أُجرة المسكن و نحو ذلك،على الأشهر الأظهر،و عليه عامة من تأخّر،و عن الخلاف الإجماع عليه (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرين،أحدهما الصحيح:في المضارب:«ما أنفق في سفره فهو من جميع المال،و إذا قدم بلده فما أنفق فهو من نصيبه» (5)

ص:340


1- النهاية:428،المفيد في المقنعة:633،القاضي في المهذب 1:462،التقي في الكافي في الفقه:347.
2- الوسائل 19:20 أبواب المضاربة ب 3.
3- انظر نيل الأوطار 5:6/393.
4- الخلاف 3:461.
5- الكافي 5:5/241،التهذيب 7:847/191،الوسائل 19:24 أبواب أحكام المضاربة ب 6 ح 1.

و نحوه الثاني القوي (1).

قيل:بل الزائد عن نفقة الحضر خاصة؛ لأنه الحاصل بالسفر،و أما غيره فليس السفر علة له (2).

و قيل:بل نفقة السفر كلّها على نفسه كنفقة الحضر؛ لأن الأصل عدم جواز التصرف إلّا بما دلّ عليه الإذن و لم يدلّ إلّا على الحصّة المعيّنة.

و كلاهما اجتهاد في مقابلة النصّ المعتبر،إلّا أن يحمل«ما» في «ما أنفق» على ما خصّ بالسفر،و هو خلاف الظاهر.

و حيث قلنا بجواز الإنفاق وجب عليه أن يراعي فيها ما يليق به عادة مقتصداً،فإن أسرف حُسِب عليه،و إن أقتر لم يحسب له،و إذا عاد من السفر فما بقي من أعيانها و لو من الزاد يجب ردّه إلى التجارة،أو تركه إلى أن يسافر إن كان ممن يعود إليه قبل فساده.

ثم إنّ كلّ ذا ما لم يشترط،و لو شرط عدمها لزم،و لو أذن بعده فهو تبرّع محض.و لو شرطها فهو تأكيد،إلّا أن يزيد المشترط على ما لَه إنفاقه، و يشترط حينئذ تعيينها؛ لئلّا يتجهّل الشرط،بخلاف ما يثبت بأصل الشرع.

و لا يعتبر في ثبوتها حصول الربح،بل ينفق و لو من الأصل؛ لإطلاق الفتوى و النصّ،و مقتضاهما إنفاقها من الأصل و لو مع حصول الربح،و لكن ذكر جماعة (3)إنفاقها منه دون الأصل،و عليه فليقدّم على حصّة العامل.

و مئونة المرض في السفر،و كذا المدّة التي لم يشتغل فيها بالتجارة

ص:341


1- الكافي 5:9/241،الفقيه 3:635/144،الوسائل 19:24 أبواب أحكام المضاربة ب 6 ذيل حديث 1.
2- المبسوط 3:172.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:282،و صاحب الحدائق 21:212.

على العامل،و كذا سفر لم يؤذن فيه و إن استحقّ الحصّة.

و المراد بالسفر العرفي لا الشرعي؛ لانصراف الإطلاق إليه دون الأخير،فإرادته منه مخالف للإطلاق،فيقتصر فيه على مورد الدليل،و ليس هنا لا من نصّ و لا فتوى،فينفق من الأصل و إن كان قصيراً أو أتمّ الصلاة، إلّا أن يخرج عن اسم المسافر،أو يزيد عما يحتاج التجارة إليه،فينفق من ماله إلى أن يصدق الوصف.

و لو كان لنفسه أو لغيره غير هذا المال فالوجه التقسيط.

و قيل:إنه لا نفقه على مال المضاربة هنا (1).و هو أحوط و أولى.

و على الأوّل فهل هو على نسبة المالين أو العملين؟فيه وجهان.

و اعلم أنه لما كان المقصود من العقد أن يكون ربح المال بينهما وجب أن لا يشتري العامل إلّا بعين المال فإن ذلك لا يحصل إلّا به؛ لأن الحاصل بالشراء في الذمّة ليس ربح هذا المال؛ مضافاً إلى أن في الشراء كذلك احتمال الضرر على المالك؛ إذ ربما يتلف رأس المال فتبقى عهدة الثمن متعلقة بالمالك،و قد لا يقدر عليه،أو لا يكون له غرض في غير ما دفع.

و يتفرّع عليه أنه لو اشترى في الذمة وقع الشراء له و الربح له ظاهراً و باطناً إن عيّن ذمّته أو أطلق و لم يعيّن ذمّة،و للمالك إن عيّن ذمّته لفظاً مع إذنه سابقاً أو لاحقاً،و بدونه يبطل.و لو عيّنه قصداً لا لفظاً حكم بالشراء له ظاهراً و وقع للمالك باطناً بشرط الإذن و لو لاحقاً،و إلّا بطل بالإضافة إليه،كما تقدم.

ص:342


1- كفاية الأحكام:120.

و لا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر،و لا إشكال أيضاً إلّا في صورة الشراء في ذمّة المالك أو الذمة مطلقاً،فيحتمل الحكم بالشراء للمالك ظاهراً و باطناً مطلقاً،و إن لم يأذن للعامل بالشراء كذلك صريحاً؛ لما مرّ من اقتضاء إطلاق الإذن تولّي العامل ما يتولّاه المالك كعرض القماش و نحوه،و منه الشراء كذلك،بناءً على غلبة تحقّقه منه و من العامل،بل و مطلق التجار،فينصرف الإطلاق إليه أيضاً،و لم أرَ من تنبّه لهذا الإشكال إلّا المقدس الأردبيلي رحمه الله في شرح الإرشاد (1)و خالي العلّامة دم ظلّه العالي في حواشيه على الكفاية و رسالته الفارسية في التجارة.

و يمكن تنزيل إطلاق كلمة الأصحاب عليه بصرفه إلى غير صورة غلبة ذلك و يكون مقصودهم بيان ما يقتضيه الإذن الحاصل من نفس العقد، دون الحاصل به مع ضميمة أمر آخر من عادة أو غيرها،فإن ذلك أمر آخر، و لكن على هذا يتّجه سؤال الفرق بين جعلهم جواز تولّي العامل ما يتولّاه المالك من مقتضيات العقد معلّلين باقتضاء العرف ذلك فيحمل إطلاق الإذن عليه،و حكمهم هنا بوجوب الشراء بالعين معلّلين باقتضاء العقد ذلك،مع أن هذا مشارك للأوّل في قضاء العرف بالشراء في الذمّة،كما مرّ إليه الإشارة.

اللّهم إلّا أن يجعل وجه الفرق الاطمئنان بقضائه ثمّة و عدم اختلاف العرف فيه دون المسألة؛ للشك فيه،أو لاختلاف العرف،فلا يمكن جعل الشراء في الذمّة من مقتضى العقد على الإطلاق،بل يناط الأمر فيه بالعرف حيث حصل،فلا سبيل إلى جعل ذلك قاعدة كلّية،بل القاعدة في مثله كما يقتضيه النظر و الرجوع إلى حكم الأصل هو الذي أسّسوه من وجوب

ص:343


1- مجمع الفائدة و البرهان 10:245.

الشراء بالعين إلّا مع إذن المالك به في الذمّة،فيتبع حينئذٍ بما يستعقبه من تعلّق عهدة الثمن بذّمته و وجوب أدائه عليه دون العامل،بقي مال المضاربة أم لا.و عليه يكون المبيع مالاً للمضاربة إن أدّى ثمنه من مالها،وفاقاً للشيخ و غيره (1)،و تبعه الفاضل المقداد،قال:و حكى فيه هنا أقوالاً غير محصّلة لا فائدة في ذكرها (2).

و بما ذكرناه من وجه الفرق تفطّن الفاضل المقدس،فقال بعد الاستشكال بنحو ما ذكرنا:فتأمّل،إذ قد لا يفهم يعني الإذن بالشراء في الذمة و يتلف قبل الأداء لمانع غير اختياري (3).

و لو أمره المالك بالسفر إلى جهة معيّنة فقصد غيرها ضمن مع التلف،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في السرائر و الغنية (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأُصول،و النصوص المستفيضة،منها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة الصحيح:في الرجل يعمل بالمال مضاربةً،قال:«له الربح،و ليس عليه من الوضيعة شيء،إلّا أن يخالف عن شيء ممّا أمر به صاحب المال» (5)و نحوه الموثق (6)و غيره (7).

ص:344


1- الشيخ في المبسوط 3:174؛ و انظر المسالك 1:283.
2- التنقيح الرائع 2:220.
3- مجمع الفائدة و البرهان 10:245.
4- السرائر 2:407،الغنية(الجوامع الفقهية):596.
5- التهذيب 7:843/191،الوسائل 19:17 أبواب المضاربة ب 1 ح 7.
6- التهذيب 7:828/187،الإستبصار 3:451/126،الوسائل 19:16 أبواب المضاربة ب 1 ح 4.
7- الكافي 5:7/241،الوسائل 19:16 أبواب المضاربة ب 1 ح 3.

و يستفاد منها بناءً على الأقوى من رجوع الاستثناء المتعقّب للجمل المتعاطفة إلى الأخيرة خاصّة أنه لو ربح كان الربح بينهما بمقتضى الشرط الذي وقع بينهما من نصف أو ثلث أو غيرهما.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة المستفيضة،منها الصحيحان،في أحدهما:عن الرجل يعطي المال مضاربة و ينهى أن يخرج به فخرج،قال:

«يضمن المال،و الربح بينهما» (1)و نحوه الثاني (2)،و الموثق (3)،و الخبر القريب من الصحيح (4)،بل عدّ منه عند جماعة من المحقّقين.

و كذا لو أمره بابتياع شيء معيّن فعدل إلى غيره ضمن مع التلف؛ لعين ما تقدّم من الأدلّة حتى الإجماع المنقول في السرائر و الغنية (5).

و لو ربح كان بينهما؛ للموثّق،بل الصحيح كما قيل (6):في رجل دفع إلى رجل مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربةً،فذهب فاشترى به غير الذي أمره،قال:«هو ضامن،و الربح بينهما على ما شرط» (7).

مضافاً إلى عموم الصحيح:في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربةً فيخالف ما شرط عليه،قال:«هو ضامن،و الربح بينهما» (8).

ص:345


1- الكافي 5:2/240،التهذيب 7:836/189،الوسائل 19:15 أبواب أحكام المضاربة ب 1 ح 1.
2- الكافي 5:1/240،التهذيب 7:835/189،الوسائل 19:15 أبواب المضاربة ب 1 ح 2.
3- التهذيب 7:827/187،الوسائل 19:18 أبواب المضاربة ب 1 ح 10.
4- الفقيه 3:631/143،التهذيب 7:837/189،الوسائل 19:17 أبواب المضاربة ب 1 ح 6.
5- راجع ص:345.
6- انظر مجمع الفائدة و البرهان 1:236.
7- التهذيب 7:853/193،الوسائل 19:18 أبواب المضاربة ب 1 ح 9.
8- التهذيب 7:838/190،الوسائل 19:16 أبواب أحكام المضاربة ب 1 ح 5.

و هذه النصوص مع اعتبار أسانيدها،و استفاضتها،و اعتضادها بعمل الأصحاب من غير خلاف يعرف،بل ظاهر المسالك (1)الإجماع عليه خالية عن المعارض،إلّا ما يقتضيه القاعدة من فساد المضاربة و وقوع المعاملة فضوليّاً تقف على الإجازة تصحّ معها،و الربح كلّه للمالك،و ليس للعامل شيء،و تبطل بدونها.و لكن لا مندوحة عن تخصيصها بهاء؛ لما مضى.و ربما وجّهت بما تلتئم به معها.

فقيل:و كان السبب في ذلك أن الغرض الذاتي في هذه المعاملة هو الربح و باقي التخصيصات عرضية لا تؤثّر في فساد المعاوضة المخالفة لحصول المقصود بالذات (2).

و هو كما ترى،و لذا صرّح الموجّه في محلّ آخر باختصاص الحكم بموارد النصوص،فقال:أمّا لو تجاوز بالعين و المثل و النقد من وجوه التصرف حيث تعيّنت وقف على الإجازة،فإن لم يُجز بطل (3).

و هو كما ترى في غاية الجودة من حيث الدلالة على فساد التوجيه المتقدّم إليه الإشارة،و محلّ مناقشة من حيث تخصيصه الحكم بموارد الأخبار المذكورة؛ لقوة احتمال التعدية إلى ما ذكره من الأمثلة،لدلالتها عليها بالأولوية،فإن الحكم فيها بصحة المضاربة مع المخالفة لما شرط عليه صريحاً يستلزم الحكم بصحّتها مع المخالفة لما دلّ عليه عقد المضاربة التزاماً،كالأمثلة المذكورة بطريق أولى.

هذا إن أراد بالأمثلة ما يستفاد منها ضمن العقد التزاماً.

ص:346


1- المسالك 1:283.
2- المسالك 1:283.
3- الروضة 4:218.

أمّا لو أراد بها ما شرط منها في ضمنه كان التعدية بالنص أيضاً واضحة؛ لعموم الصحيحين فيما شرط عليه الشامل لاشتراط ما ذكره من الأمثلة،و مرجع المناقشة على هذا إلى فساد دعوى أخصّية الموارد بل لا مورد خاصّاً إلّا في بعضها،كما لا يخفى.

و موت كلّ واحد منهما يُبطل المضاربة بلا خلاف؛ لانتقال المال إلى الوارث في موت المالك،فلا أثر لإذنه السابق في ملك الغير؛ و اختصاصِ الإذن في التصرف بالعامل،فلا يتعدّى إلى وارثه بعد موته،مع أنها في معنى الوكالة و الحكم فيها ذلك إجماعاً،و لذا يلحق بالموت الخروج عن أهليّة التصرف بنحو من الجنون و الإغماء و الحجر عليه لسفه، و يظهر وجهه مما قدّمناه في بطلان الشركة بذلك (1).

ثم إن كان الميت المالك و كان المال ناضّاً لا ربح فيه أخذه الوارث، و إن حصل فيه ربح اقتسماه بالشرط.و يقدّم حصّة العامل على جميع الغرماء؛ لملكه لها بالظهور،فكان شريكاً للمالك،و لتعلّق حقّه بعين المال دون الذمّة فليقدّم.

و إن كان المال عرضاً فللعامل بيعه مع رجاء الربح،و إلّا فلا،كذا في المسالك (2).

و تأمّل فيه صاحب الكفاية (3)،و لعلّه في محله؛ لانتقال المال إلى الوارث فليس له التصرف فيه إلّا بإذنه،و مجرّد رجاء الربح غير مجوّزٍ لذلك.

ص:347


1- راجع ص 331.
2- المسالك 1:283.
3- الكفاية:120.

و قال فيه:و للوارث إلزامه بالإنضاض إن شاء مطلقا (1).

و تأمّل فيه أيضاً في الكفاية (2)؛ و لعلّ وجهه الأصل،و عدم موجب لتسلّط الوارث عليه،إلّا أن يقال:إنه حقّ للمورّث فينتقل إليه،فتأمّل.

و إن كان الميت العامل فإن كان المال ناضّاً و لا ربح أخذه المالك.

و إن كان فيه ربح دفع إلى الورثة حصّتهم منه.و لو كان هناك متاع و احتيج إلى البيع و التنضيض فإن أذن المالك للوارث فيه جاز،و إلّا نصب له الحاكم أميناً يبيعه،فإن ظهر فيه ربح أوصل حصّة الوارث إليه،و إلّا سلّم الثمن إلى المالك.

و حيث حكم ببطلان المضاربة بالموت و أُريد تجديدها مع وارث أحدهما اشترط في الثانية شروط الاُولى من إنضاض المال و الصيغة و غيرهما؛ و الوجه فيه واضح.

و يشترط في مال المضاربة أن يكون عيناً لا ديناً،إجماعاً،كما يأتي دنانير أو دراهم إجماعاً،كما في الروضة و المسالك و عن التذكرة (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى مخالفة المضاربة للأصل الدالّ على تبعيّة الربح للمال، و استحقاق العامل الأُجرة مطلقاً أو في الجملة،حيث يحكم فيها باشتراكهما في الربح على حسب الشرط،و لا دليل على صحّتها و لزوم الوفاء بمقتضاها سوى عمومات الأمر بالوفاء بالعقود و الشروط.و مرّ الجواب عنه غير مرّة.

و إطلاقاتِ أخبار المضاربة.و في شمولها لمفروض المسألة و ما ضاهاه

ص:348


1- المسالك 1:283.
2- الكفاية:120.
3- الروضة 4:219،المسالك 1:283،التذكرة 2:230.

ممّا وقع فيه الخلاف و المشاجرة محلّ مناقشة؛ لعدم ما يدلّ فيها على العموم سوى الإطلاق،و يشترط في انصرافه إليه عدم ذكره لبيان أمر آخر غير محل الإطلاق،و هذا الشرط فيها مفقود،لوضوح ورودها لبيان أحكام خاصّة فيه دون بيان جواز المضاربة على الإطلاق،و هذا واضح لمن تدبّرها،فينبغي الاقتصار في مثلها على المتيقّن من النص و الفتوى،و ليس إلّا النقدين جدّاً.

و عليه ف لا تصحّ المضاربة بالعروض و لا الفلوس و غيرهما حتى النقرة،بلا تردّد،و إن حصل من الماتن فيها في الشرائع (1).و ليس في محلّه،سيّما مع صراحة الإجماعات المحكية (2)في اشتراط النقدية و النقش بسكّة المعاملة،و مع ذلك صرّح في المسالك بمخالفة تأمّله الإجماع،و عدم موافق له فيه (3).

و لو قوّم عرضاً و شرط للعامل حصّته من الربح فسد المضاربة؛ لفقد الشرط.و كان الربح للمالك،و للعامل الأُجرة كما هو الحكم في كلّ مضاربة فاسدة،و تقدّم إلى وجهه الإشارة.

و الأظهر الأشهر بل لعله عليه عامة من تأخّر أنه لا بُدّ أن يكون معلوم القدر ف لا تكفي مشاهدة رأس مال المضاربة ما لم يكن معلوم القدر إمّا للجهالة،أو للاقتصار فيما خالف الأصل المتقدم على المجمع عليه المتيقّن.

ص:349


1- الشرائع 2:139.
2- انظر جامع المقاصد 8:66،و مفاتيح الشرائع 3:90.
3- المسالك 1:283.

و فيه قول بالجواز للمبسوط (1)و ربما يُعزى إلى المرتضى (2)؛ لزوال معظم الغرر بها.و هو ضعيف.

و أضعف منه الاكتفاء بالجزاف و إن لم يشاهد،كما حكاه في المختلف عن الطوسي و قوّاه (3)؛ لعموم:«المؤمنون عند شروطهم» (4).

و هو كما ترى يظهر وجه النظر فيه مما مضى مراراً.

و لو اختلفا في قدر رأس المال فادّعى العامل النقصان و المالك الزيادة و لا بيّنة له فالقول قول العامل مع يمينه لأنه منكر و الأصل معه.

و كذا يقبل قوله في قدر الربح؛ لأنه أمين فيقبل قوله فيه.

و لا خلاف فيهما إلّا من المحقق الثاني و الشهيد الثاني في الأوّل (5)، فقيّداه بصورة عدم ظهور الربح،و حكما فيه بأن القول قول المالك؛ لرجوع الاختلاف حينئذ إلى الاختلاف في مقدار حصّة العامل،و القول فيه قول المالك على الأظهر الأشهر؛ لتبعيّة النماء للملك،فجميعه له إلّا ما أقرّ به للعامل.

و هو حسن،إلّا أن في إطلاق الحكم بذلك مع ظهور الربح إشكالاً؛

ص:350


1- المبسوط 3:199.
2- نقله في كشف الرموز 2:15.
3- المختلف:483.
4- الوسائل 18:أبواب الخيار ب 6 ح 1،2،5 و ج 21:276 أبواب المهور ب 20 ح 4؛ و انظر سنن الدارقطني 3:98/27،99،صحيح البخاري 3:120(و في الجميع:المسلمون..).
5- المحقق الثاني في جامع المقاصد 8:168،الشهيد الثاني في المسالك 1:284.

لعدم التلازم بين الاختلافين،فقد يختلفان في قدر رأس المال و يتفقّان مع ذلك على كون الحاصل من الربح مقداراً معيّناً.

نعم،لو اختلفا في مجموع ما في يد العامل فادّعى المالك:أن ثلاثة أرباعه مثلاً رأس المال و الباقي ربح،و العامل:أن نصفه مثلاً رأس المال و الباقي ربح اتّجه ما ذكراه،و لعلّ هذا هو محطّ نظرهما و إن ادّعيا التلازم بين الاختلافين مطلقاً.

و يملك العامل نصيبه من الربح بظهوره و إن لم ينضّ على المشهور بين الأصحاب،بل لا يكاد يتحقق مخالف فيه منّا،كما في المسالك (1)،و يفهم من التذكرة (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة المتقدّمة و غيرها الدالّة بإطلاقها على أن الربح بينهما،و هو يتحقّق بمجرّد ظهوره لغةً و عرفاً.

و خصوص الصحيح:رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه و هو لا يعلم،قال:« يقوّم فإن زاد درهماً واحداً انعتق و استسعى في مال الرجل» (3).

و هو كما ترى ظاهر في غاية الظهور؛ إذ لو لم يكن مالكاً لحصّته بمجرد الظهور لم ينعتق عليه أبوه،مع أنه عليه السلام حكم بالانعتاق بمجرّد زيادة القيمة على رأس المال،و لا وجه له سوى دخوله في ملكه بنصيبه من الزيادة،فيسري العتق في الباقي،كما هو القاعدة في العتق.

ص:351


1- المسالك 1:286.
2- التذكرة 2:242.
3- الكافي 5:8/241،الفقيه 3:633/144،التهذيب 7:841/190،الوسائل 19:25 أبواب أحكام المضاربة ب 8 ح 1.

و حكى فخر الإسلام (1)عن والده أنّ في المسألة أقوالاً أُخر ثلاثة:

بين حاكم بتوقّف التملّك على الإنضاض؛ نظراً إلى عدم وجود الربح في الخارج،بل هو مقدّر موهوم،و المملوك لا بُدّ أن يكون محقّق الوجود، فيكون الظهور موجباً لاستحقاق الملك بعد التحقق.

و قائلٍ بتوقّفه على القسمة؛ لاستلزام التملّك قبلها شيوع النقصان الحادث بعد ذلك في المال كسائر الأموال المشتركة،و التالي باطل، لانحصاره في الربح،و لأنه لو ملك لاختصّ بربحه،و لأنّ المضاربة معاملة جائزة و العمل فيها غير مضبوط فلا يستحقّ العوض فيها إلّا بتمامه كمال الجعالة.

و وافقه ثالث في اعتبار القسمة إلّا أنه جعلها كاشفة عن الملك لا مُملّكة؛ لأن القسمة ليست من الأسباب المُملّكة،لانحصار المقتضي للملك في العمل خاصّة،و هي دالّة على تمامه الموجب للملكيّة.

و هذه الأقوال مع كونها اجتهادات صرفة في مقابلة النصوص المعتبرة،غير معروفة القائل بين الخاصّة و العامّة،إلّا الثاني خاصّة فقد جعله في التذكرة (2)للشافعي في أحد قوليه و أحمد في إحدى الروايتين، و وافقا في الباقي على الأوّل (3)مضعَّفة،فالأوّل:أوّلاً بمنع عدم وجود الربح قبل الإنضاض؛ لعدم انحصار المال في النقد،فإذا ارتفعت قيمة العروض فرأس المال منه ما قابل رأس المال و الزائد ربح،و هو محقّق الوجود.

ص:352


1- إيضاح الفوائد 2:322.
2- التذكرة 2:242.
3- مراده من الأوّل قول المشهور،و هو تملّك الربح بمجرّد ظهوره.

و ثانياً:بعدم تسليم أنّ غير متحقق الوجود غير مملوك؛ فإن الدين مملوك و هو في الخارج غير موجود.

و الثاني:بعدم الملازمة بين الملك و ضمان الحادث على الشياع، و يجوز أن يكون مالكاً و يكون ما يملكه وقاية لرأس المال،فيكون الملك متزلزلاً و استقراره مشروط بالسلامة.

و منه يظهر وجه عدم المنافاة بين ملك الحصة و عدم ملك ربحها بسبب تزلزل الملك.

و لأنه لو اختصّ بربح نصيبه لاستحقّ من الربح أكثر مما شرط له، و لا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه.

و لأن القسمة ليست من العمل في شيء،فلا معنى لجعلها تمام السبب في الملك،فلا وجه لإلحاقها بالجعالة.

و منه يظهر الوجه في ضعف الثالث.

و بعض وجوه الضعف و إن كان لا يخلو عن نظر إلّا أن الخطب فيه بعد استناد الضعف حقيقة إلى ما قدّمناه سهل،و مع ذلك ما ذكر أيضاً معاضد.

و على المختار ليس الملك تامّاً و لا على قرار؛ لأن الربح وقاية لرأس المال فلا بُدّ للاستقرار من إنضاض جميع المال أو قدر رأس المال،مع الفسخ أو القسمة أو لا معهما على قول،و بدونه يجبر ما يقع في التجارة من تلف أو خسران،و هو محلّ وفاق،كما في المسالك (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أن معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال زمن العقد،فإذا

ص:353


1- المسالك 1:286.

لم يفضل شيء فلا ربح.و لا فرق في ذلك بين كون الربح و الخسران في مرّة واحدة أو مرّتين،و في صفقة أم اثنتين،و في سفرة أو سفرات؛ لعموم الحجتين.

و لا خسران على العامل و كذا لا تلف إلّا أن يكون كلّ منهما عن تعدّ أو تفريط منه في المال،بلا خلاف،و به صرّحت النصوص المستفيضة المتقدمة (1)،القائلة إنّ له الربح و لا شيء عليه من الوضيعة إلّا أن يخالف أمر صاحب المال.

و قوله مقبول في دعوى التلف مطلقاً،بأمر ظاهر كان كالحرق أو خفيّ كالسرق،أمكنه إقامة البينة عليه أم لا؛ لأنه أمين،بلا خلاف فيه و في قبول قوله في دعوى عدم التفريط و الخسارة و رأس المال،كما مرّ.

و لا يقبل قوله في نصيبه من الربح على الأظهر الأشهر،كما مر و لا في الردّ أي ردّ المال إلّا ببيّنة على الأشبه الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر؛ لأصالة العدم،و لأن المالك منكر فيكون القول قوله بيمينه، و العامل مدّعٍ فعليه البينة،كما هو القاعدة المطّردة فتوى و رواية.

خلافاً للمبسوط (2)،فيقبل قوله بلا بينة؛ لأنه أمين كالمستودع.

و كلية الكبرى ممنوعة،و قياسه على المستودع مع فساده في الشريعة قياس مع الفارق بلا شبهة؛ لكون قبض المستودع لنفع المالك،فهو محسن محض،فلا سبيل عليه ببيّنة أو غيرها،و لا كذلك قبض العامل،فإنه لنفسه،فلا إحسان يوجب نفي السبيل عنه و العدول به عن الأصل، فالاستدلال به ضعيف.

ص:354


1- في ص:345.
2- المبسوط 3:174.

كالاستدلال باستلزام عدم تقديم قبول قوله الضرر المنفي؛ لجواز أن يكون صادقاً،فتكليفه بالردّ ثانياً تكليف بما لا يطاق.

لجريانه بعينه في عدم تقديم قول المالك؛ لاستلزامه الضرر عليه، لجواز أن يكون المدّعى كاذباً في دعواه.و المالك صادقاً في إنكاره، و تكليفه برفع اليد عما دفعه فيه ما ادّعي في سابقه،و مع ذلك مطّرد في كل مدّعٍ،مع أن الأدلّة القاطعة فتوًى و رواية قد نهضت على فساده.

و هو على تقدير تماميته و سلامته عن النقضين استبعاد محض و اجتهاد صرف،غير ملتفت إليه في مقابلة تلك الأدلّة.

و لو اشترى العامل أباه فظهر فيه ربح عتق نصيب العامل من الربح، و سعى العبد المعتق في باقي ثمنه للمالك،بلا خلاف فيه في الجملة،بل مطلقاً،كما صرّح به الفاضل الأردبيلي في شرح الإرشاد (1)، و يفهم من المسالك (2)أيضاً،و عليه الإجماع في الغنية و عن السرائر (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة (4)في بحث تملّك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره.

و إطلاقها كالفتاوى و الإجماع في العامل يشمل صورتي يساره و إعساره،و في الربح صورتي ظهوره حال الشراء و بعده،بل النص عامّ؛ لترك الاستفصال فيه المقتضي له.

ص:355


1- مجمع الفائدة و البرهان 10:257.
2- المسالك 1:288.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):596،السرائر 2:409.
4- في ص:352.

و قيل (1)باختصاص الحكم بالاستسعاء و عدم السراية بإعسار العامل، و الحكم بها عليه مع يساره؛ لاختياره السبب الموجب لها،كما يأتي في بابه،و حملت الرواية عليه جمعاً بين الأدلّة.

و ربما فرّق بين ظهور الربح حالة الشراء و تجدّده،فيسري في الأوّل دون الثاني،قيل:و يمكن حمل الرواية عليه (2).

و هما اجتهاد في مقابلة النص الصحيح المعتضد بعدم ظهور الخلاف،و الإجماع المحكي.

مع ابتنائهما على القول بالسراية في العتق القهري،و هي مع أن الأشهر على خلافها كما حكي مخالفة للأصل القطعي.

مع أن القائل بهما غير معروف،و إن حكي الأوّل في الروضة قولاً و لكنه في المسالك جعله كالثاني وجهاً (3).

و ذكر فيهما ثالثاً و هو بطلان البيع مطلقاً؛ لأنه منافٍ لمقصود القراض،إذ الغرض منه هو السعي للتجارة التي تقبل التقليب للاسترباح، و الشراء المتعقّب للعتق ينافيه؛ لأنه ربما يعجز عن السعي و العامل عن أداء القيمة،و كلّ ما كان فيه خطر على المال أو كان مما لا مصلحة فيه لا يجوز للعامل فعله.

و هو كسابقيه في الضعف و المخالفة لإطلاق النص و الفتاوى و الإجماع المحكي.

نعم،له وجه في صورة علم العامل بالنسب و عدم إذن المالك له في

ص:356


1- الروضة 4:224.
2- كما في الروضة 4:224.
3- المسالك 1:288.

شرائه؛ لاختصاص النص بصورة الجهل.إلّا أن الحجة في انسحاب الحكم فيها ليست بمنحصرة فيه؛ لما عرفت من إطلاق الفتاوى و الإجماع المحكي.

و لكن الخروج بمجرّده عن الدليل القطعي و جعله خاصّاً بالإضافة إليه ليس على ما ينبغي؛ لاشتراط الصراحة أو ما يقرب منها في الخاص حيث يراد تقديمه على العام،سيّما القطعي،و لا ريب في فقدهما،فالأخذ بالعام هنا لعلّه أقوى،وفاقاً للمحكي في بعض الحواشي عن المحقق الشيخ علي.

و متى فسخ المالك المضاربة قبل العمل أو بعده مطلقاً،كان المال ناضّاً أم لا،حصل فيه ربح أم لا صحّ إجماعاً،بناءً على جواز العقد.

و ليس للعامل شيء مع عدم عمل،بلا خلاف و معه كان للعامل أُجرته إلى ذلك الوقت الذي فسخ فيه إن لم يكن ظهر ربح،و إلّا فله حصّته منه.

بلا خلاف في شيء من ذلك،إلّا من الشهيد الثاني (1)و تبعه المحقق الأردبيلي و غيره (2)،فاستشكل في الحكم بالأُجرة على تقدير عدم الربح بأن مقتضى العقد استحقاق الحصّة خاصّة إن حصلت لا غيرها،و تسلّط المالك على الفسخ من مقتضياتها،فالعامل قادم على ذلك،فلا شيء له سوى ما عيّن.

و لعله في محله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه،و مرّ ما يزيد في تقريبه (3).

ص:357


1- انظر الروضة 4:220.
2- الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 10:267؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:93،و الحدائق 21:252.
3- راجع ص:336.

و ظاهر العبارة و غيرها (1)و صريح جماعة (2)اختصاص ثبوت الأُجرة بصورة فسخ المالك خاصّة،فلو فسخ العامل خاصّة أو مع المالك أو حصل الفسخ لعارض من موت أو جنون أو غيرهما لم يكن له اجرة.

و هو كذلك؛ للأصل،و عدم جريان تعليل ثبوتها في الصورة الاُولى من تفويت المالك على العامل ما شرط له فيستحق الأُجرة على تقدير تمامه هنا،سيّما في صورة استناد الفسخ إلى العامل خاصّة أو في الجملة؛ لحصول التفويت من جهته.

خلافاً للتذكرة،فأثبت له الأُجرة كالصورة السابقة (3).و لا وجه له بالكليّة.

هذا على تقدير ثبوتها في تلك الصورة،و إلّا فعدمها هنا ثابت بطريق أولى.

و لو ضمّن صاحب المال العامل أي جعله ضامناً لمال المضاربة متى تلف انفسخت و صار الربح له للمعتبرة،و فيها الصحيح و غيره:

« من ضمّن تاجراً فليس له إلّا رأس ماله،و ليس له من الربح شيء» (4).

و إطلاقها كالعبارة يشمل صورتي قصدهما القرض أم المضاربة.

و ربما يستشكل في كلتا الصورتين،فالأُولى:بعدم اشتمال العقد على ما يدلّ على القرض من العبائر المعتبرة في عقده،كأقرضتك و نحوه؛ إذ

ص:358


1- كالشرائع 2:143،و إيضاح الفوائد 2:328،و جامع المقاصد 8:153.
2- كالشهيد الثاني في الروضة 4:220،و صاحب الحدائق 21:252.
3- التذكرة 2:246.
4- الكافي 5:3/240،الفقيه 3:632/144،التهذيب 7:830/188،وص 839/190،الإستبصار 3:453/126،الوسائل 19:22 أبواب أحكام المضاربة ب 4 ح 1،2.

المفروض وقوع العقد بلفظ القراض،و أنه إنما ذكر فيه تضمين التاجر خاصّة.

و الثانية:بأن العقود تابعة للقصود،و هما قد قصد المضاربة كما هو المفروض،فكيف يجعل قرضاً بمجرّد التضمين مع عدم دلالته عليه صريحاً،بل و لا ظاهراً.

و منافاته لمقتضى العقد لا تستلزم صيرورته قرضاً،فليكن قراضاً فاسداً يكون المال للمالك و للعامل اجرة المثل،كما هو الضابط في كلّ قراض فاسد.

و لكن العدول بذلك عن المعتبرة السليمة عما يصلح للمعارضة عدا القاعدة إشكال.

اللّهم إلّا أن تحمل على صورة وقوع القراض بغير لفظه،بل بنحو قوله:خذه و اتّجر به و ضمانه عليك،فإنه يكون حينئذٍ قرضاً إجماعاً،كما في المهذب البارع قال معلّلاً:نظراً إلى المعنى،و صوناً للعقد عن الفساد، و للفظ المسلم عن الهذر (1).

و هو حسن إن اقتصر في العبارة على ما مرّ،و إلّا فلو زاد الشركة في الربح لم يجرِ فيه أكثر ما ذكره من التعليلات،بل كلها؛ لتصادمها من طرفي الفرض و القراض،هذا.

و حمل المعتبرة على ذلك بعيد غايته،بل الظاهر أنه لا مندوحة عن العمل بها مطلقاً،كما في العبارة و تبعه جماعة.

و لا يطأ المضارب بكسر الراء،و هو العامل جارية اشتريت

ص:359


1- المهذب البارع 2:561.

بمال القراض إجماعاً إذا لم يكن المالك قد أذن له في وطئها.

و كذا لو كان المالك أذن له فيه مطلقاً،أذن له سابقاً على الشراء أو لاحقاً مع ظهور الربح على الأشهر؛ استناداً في المنع في الصورة الأُولى إلى أن الإذن فيها لا أثر له،لأن التحليل إمّا تمليك أو عقد،و كلاهما لا يصلحان قبل الشراء،فلا يتناوله الحصر في قوله تعالى إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ [1] (1).و في الثانية إلى الأدلّة المانعة عن تحليل أحد الشريكين للآخر حصّته من الجارية المشتركة (2).

و فيه أي في وطئها بالإذن السابق رواية بالجواز رواها في التهذيب عن الحسن بن محمّد بن سماعة،عن محمّد بن زياد،عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي،عن أبي الحسن عليه السلام:قال:قلت:رجل سألني أن أسألك أنّ رجلاً أعطاه مالاً مضاربةً يشتري له ما يرى من شيء و قال:اشتر جاريةً تكون معك و الجارية إنما هي لصاحب المال،إن كان فيها و ضيعة فعليه،و إن كان ربح فله،للمضارب أن يطأها؟قال:« نعم» (3).

و هي مع قصور سندها بعدم صحة طريق الشيخ إلى الحسن؛ لتضمنه واقفيّاً كهو و إن كانا ثقتين،و اشتراك محمّد بن زياد،و عدم توثيق عبد اللّه و إن عُدّ من الحسن لا دخل لها بالمقام؛ لظهورها في عدم كون الجارية من مال المضاربة.

و مع ذلك متروكة لتضمّنها جواز الوطء بمجرّد إذن المالك في

ص:360


1- المؤمنون:6.
2- انظر الوسائل 21:142 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 41.
3- التهذيب 7:845/191،الوسائل 19:27 أبواب أحكام المضاربة ب 11 ح 1.

شرائها و كونها معه،و هو أعم من تحليله الوطء،و لا دلالة للعام على الخاص بالبديهة،مع عدم فتوى أحد بها سوى الشيخ في النهاية (1)،و لم يوافقه من بعده بل و لا قبله أحد من الطائفة،فلا يُخصّص بها ما قدّمناه من الأدلّة على الحرمة،و إن كانت بحسب السند معتبرة في الجملة،لعدم الضعف بالحسن و من قبله،لكونهما موثقين و الموثق حجّة،و لا بالكاهلي، لحسنه،و هو كالسابقين حجّة،و اشتراك ابن زياد غير مضرّ،لظهوره في ابن أبي عمير،لغلبة التعبير به عنه.

و ذهب جماعة (2)إلى الجواز في الصورة الثانية؛ قدحاً منهم في تلك الأدلّة المانعة.

و لا يخلو عن قوّة،كما سيأتي في بحث النكاح إليه الإشارة.

و هنا صورة أُخرى ثالثة هي الإذن في الوطء بعد الشراء مع عدم ظهور ربح أصلاً.

و حكمها الجواز عند جماعة (3)مطلقاً،و ينبغي القطع به مع القطع بعدم ظهور ربح.

و يشكل مع عدم القطع به و احتمال ظهوره إن قلنا بالمنع في صورته؛ لاحتمال حصول الشركة الموجبة للمنع في نفس الأمر،فيجب الترك من باب المقدمة.

و يحتمل الجواز مطلقاً،كما قالوه؛ لأصالة عدم الظهور.و لا ريب أن الأحوط تركه.

ص:361


1- النهاية:430.
2- منهم:العلّامة في الإرشاد 1:436،و فخر المحققين في الإيضاح 2:320.
3- التنقيح 2:225،المسالك 1:291.

و لا تصحّ المضاربة بالدين حتى يقبض بلا خلاف،بل عليه الإجماع عن التذكرة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى بعض المعتبرة،كالقوي المرتضوي:« في رجل له على رجل مال فتقاضاه و لا يكون عنده ما يقضيه،فيقول:هو عندك مضاربة، قال:لا يصحّ حتى يقبضه» (2).

و مثله ما لو أذن للعامل في قبضه من الغريم،فإنه لا يخرج بذلك عن وقوع المضاربة بالدين،إلّا أن يجدّد عقدها بعد القبض.

و لو كان في يده أموال مضاربة لمتعدّدين فمات و عُلم بقاؤها في تركته فإن كان عيّنها لواحد منهم أو علمت منفردة بالقرائن المفيدة للعلم فلا بحث و إلّا تحاصّ فيه أي في المجتمع من أموال المضاربة الغرماء و أرباب الأموال على نسبة أموالهم؛ للخبر:« من يموت و عنده مال مضاربة فإن سمّاه بعينه قبل موته فقال:هذا لفلان،فهو له،و إن مات و لم يذكر فهو أُسوة الغرماء» (3).

هذا إذا كانت أموالهم مجتمعة في يده على حدة،و أمّا إذا كانت ممتزجة مع جملة ماله مع العلم بكونه موجوداً فالغرماء بالنسبة إلى جميع التركة كالشريك،إن وسعت التركة أموالهم أخذوها،و إن قصرت تحاصّوا،كذا قيل (4).

و الوجه في حرمان الورثة مع قصور التركة عن مالهم أو مساواتها له مع فرض وجود مال للمورث غير واضح،إلّا مع ثبوت موجب ضمان

ص:362


1- التذكرة 2:231.
2- الكافي 5:4/240،الفقيه 3:634/144،التهذيب 6:428/195،الوسائل 19:23 أبواب أحكام المضاربة ب 5 ح 1.
3- التهذيب 7:851/192،الوسائل 19:29 أبواب أحكام المضاربة ب 13 ح 1.
4- المسالك 1:291.

التالف من أموالهم من تعدّ أو تفريط؛ لثبوت أمانته و عدم ضمانه للتالف إلّا مع أحد الأمرين،كما مرّ (1).

و الاكتفاء في الضمان باحتمال أحدهما مدفوع بالأصل.و عموم:

« على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (2)مخصَّص بما دلّ على أمانته.

فالوجه ضرب الورثة مع الغرماء في التحاصّ،و أخذهم جميع ما لمورّثهم مع العلم بعدم تلف شيء منه،و مع احتماله يتحاصّون معهم بنسبة مالهم.

و يمكن حمل كلام القائل عليه بتعميم الغرماء في كلامه للورثة بضرب من التغليب.

و لكن يشكل بتوقّف ذلك على معرفة مقدار مال الميت و معلوميّة نسبته بالإضافة إلى أموالهم،و لو جهل أشكل الحكم في ضربهم معهم في التحاصّ.

ثم كلّ ذا مع العلم ببقاء أموال المضاربة.

و أمّا مع الجهل به و احتمال تلفها يحكم بكون التركة ميراثاً؛ عملاً بظاهر اليد.

و لكن مع ذلك هل يحكم بضمانه للمضاربة من حيث أصالة بقائه إلى أن يعلم تلفه بغير تفريط،و لعموم:« على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» أم لا؛ لأصالة براءة الذمة و كونه أمانة غير مضمونة.و أصالة بقائه لا تقتضي ثبوته في ذمّته مع كونه أمانة؟وجهان،أجودهما الأخير،يظهر وجهه مما مرّ عن قريب.

ص:363


1- في ص:355.
2- عوالي اللئلئ 2:10/345،و في سنن البيهقي 6:90،و مستدرك الحاكم 2:47،و مسند أحمد 5:8،13(حتى تؤديه).

كتاب المزارعة و المساقاة

اشارة

كتاب المزارعة و المساقاة

أما المزارعة

اشارة

أما المزارعة فهي لغةً مفاعلة من الزرع،و هي تقتضي وقوعه منهما،لكنها في الشرع صارت معاملة على الأرض بحصّة معيّنة من حاصلها سواء كان كلّ من البذر و العوامل للمالك أو العامل أو مشتركاً، و سواء كان كلّ من الأرض و العمل مختصّاً بأحدهما أو مشتركاً بينهما، و نسب الفعل إليهما بفعل أحدهما مع طلب الآخر،فكأنه لذلك فاعل، كالمضاربة.

و خرج بالمعاملة على الأرض المساقاة،فإنها بالذات على الأُصول، و بالحصّة إجارة الأرض للزراعة أو الأعم؛ إذ لا تصح إلّا بأُجرة معلومة لا بحصّة من الحاصل.

هذا بحسب الاصطلاح،و إلّا ففي الأخبار ربما تطلق المزارعة على ما يشمل المساقاة،و ربما تطلق على ما يشملهما و إجارة الأرض أيضاً كالقبالة.

و الثلاثة ثابتة بإجماعنا المستفيض النقل في عبائر جماعة من أصحابنا،كالغنية و التذكرة و المهذب البارع و المسالك (1)،و غيرها من كتب الجماعة (2).

و نصوصنا به مع ذلك مستفيضة معتضدة ببعض الأخبار العاميّة (3)،

ص:364


1- الغنية(الجوامع الفقهية):601،التذكرة 2:336،المهذب البارع 2:566،المسالك 1:291.
2- كالمبسوط 3:254،و السرائر 2:441،و الحدائق 21:278.
3- سنن أبي داود 3:262،3408/263 3410،الموطأ 2:1/703،2،سنن الدارمي 2:270،سنن الدارقطني 3:149/37 151.

ففي الصحيح:عن المزارعة،قال:« النفقة منك،و الأرض لصاحبها،فما أخرج اللّه عزّ و جلّ منها من شيء قسّم على الشرط،و كذلك أعطى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم خيبر حين أتوه فأعطاهم إيّاها أن يعمروها و لهم النصف مما أخرجت» (1)و نحوه غيره (2)،و هما مما يشمل المساقاة.

و:عن الرجل يعطي الرجل أرضه و فيها الرمان و النخل و الفاكهة، و يقول:اسق هذا من الماء و اعمره و لك النصف مما خرج،قال:

« لا بأس» (3)و هو المساقاة.

و في الصحيح:عن الرجل يتقبّل الأرض بالدنانير أو بالدراهم؟قال:

« لا بأس» (4)و هو إجارة الأرض.

و استدل الأكثر بالصحيح السابق و نحوه على جواز المزارعة و المساقاة بصيغة الأمر.

و فيه نظر؛ لقصور الدلالة أوّلاً:بأن غايته نفي البأس،و هو لا يدلّ على اللزوم المطلوب إثباته بالصيغة.

و ثانياً:بعدم تضمّنه القبول و لو فعلاً،و هو كاشف عن أن المراد من ذكر ذلك بيان ما يصحّ مساقاته،لا صيغتها حتى يستدل به على ذلك.

فإذاً الأحوط بل الأجود وفاقاً للشهيد الثاني (5)اعتبار الماضويّة،

ص:365


1- الكافي 5:2/268،التهذيب 7:876/198،الوسائل 19:45 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 10 ح 2.
2- الكافي 5:3/268،التهذيب 7:874/197،الوسائل 19:46 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 11 ح 2.
3- الكافي 5:2/268،الفقيه 3:678/154،التهذيب 7:876/198 بتفاوت،الوسائل 19:44 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 9 ح 2.
4- الكافي 5:4/265،الوسائل 19:54 أبواب المزارعة و المساقاة ب 16 ح 4.
5- الروضة 4:276.

و القبول اللفظي،و سائر ما يعتبر في العقود اللازمة هنا أيضاً؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على عدم اللزوم على القدر المجمع عليه و المتيقّن كونه عقداً،و ليس ما يتضمّن الإيجاب بنحو من الأمر و القبول فعلاً بمتيقّن كونه عقداً عرفاً حتى يدخل في حيّز ما دلّ على لزومه،فافهم.

و تلزم المتعاقدين إجماعاً،كما في المسالك و غيره (1)؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقود إلّا ما أخرجه الدليل،و ليس هذا منه إجماعاً،كما في الروضة (2).

و لكن لو تقايلا و تفاسخا العقد صحّ الفسخ،بلا خلاف يعرف،بل قيل:كأنه إجماع (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى عموم أدلّة استحباب الإقالة (4).

و لا تبطل بالموت و لا البيع،بلا خلاف؛ للأصل،و أن ذلك مقتضى اللزوم،فإن مات المالك أتمّ العامل العمل،و إن مات العامل قام وارثه مقامه،و إلّا استأجر الحاكم من ماله أو مما يخرج من حصّته من يقوم به،إلّا إذا شرط على العامل أن يعمل بنفسه و مات قبل ظهور الثمرة،فتبطل بموته،دون ما إذا مات بعده؛ لسبق ملكه.

و ربما قيل بالبطلان بموته في هذه الصورة مطلقاً،و لو بعد ظهور الثمرة (5).

و يستشكل بأنه قد ملك بظهورها الحصّة.

ص:366


1- المسالك 1:292؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:95.
2- الروضة 4:276.
3- مجمع الفائدة و البرهان 10:99.
4- الوسائل 17:385 أبواب آداب التجارة ب 3.
5- الروضة 4:277.

و يمكن الجواب بنحو ما مرّ في المضاربة:من تزلزل الملكيّة و عدم استقرارها إلّا بتمام العمل هنا،فلو مات قبله انتفى ملكه لها،فتأمّل.

و شروطها ثلاثة
اشارة

و شروطها ثلاثة أحدها:

الأول أن يكون النماء مشاعاً

أن يكون النماء مشاعاً بينهما تساوياً فيه أو تفاضلا بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية و غيرها (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى كون عقد المزارعة و المساقاة على خلاف الأصل؛ لتضمنه جهالة العوض،فيقتصر فيه على موضع الإجماع و النقل،و ليس إلّا مع إشاعة النماء،ففي المعتبرة المستفيضة،و فيها الصحيح و غيره:« لا بأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس» (2).

و خصوص الصحيح:« لا تقبل الأرض بحنطة مسمّاة،و لكن بالنصف و الثلث و الربع و الخمس لا بأس به» (3).

و عليه فلو شرط لأحدهما شيء معيّن و إن كان البذر،و للآخر الباقي أو لهما بطل،سواء كان الغالب أن يخرج منها ما يزيد على المشروط و عدمه.

خلافاً للمحكي عن الشيخ و جماعة (4)،فجوزوا استثناء البذر من جملة الحاصل.و في المختلف جواز استثناء شيء مطلقاً (5)،و رجّحه في الكفاية (6)؛ استناداً إلى قوله سبحانه إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً [1] (7)الآية.

ص:367


1- الغنية(الجوامع الفقهية):601؛ و انظر الحدائق 21:284.
2- انظر الوسائل 19:41،42 أبواب المزارعة و المساقاة ب 8 ح 3،7.
3- الكافي 5:3/267،التهذيب 7:871/197،الإستبصار 3:459/128،الوسائل 19:41 أبواب المزارعة و المساقاة ب 8 ح 3.
4- الشيخ في النهاية:440؛ المهذب 2:12،السرائر 2:444،التحرير 1:256.
5- المختلف:471.
6- الكفاية:121.
7- النساء:29.

و هو كما ترى؛ إذ ليس المستفاد منه إلّا الجواز مع المراضاة،و هو لا يستلزم اللزوم مع فقدها و لو بعدها كما هو المدّعى،مع أنه مخصّص بما مضى.

مضافاً إلى ما دلّ على النهي عن التجارة المتضمنة للغرر و الجهالة، و منها مفروض المسألة،كما مرّ إليه الإشارة،و به صرّح في الغنية،فقال بعد الاستناد إلى الإجماع-:و لأنه قد لا يسلم إلّا ما عيّنه،فيبقى ربّ الأرض و النخل بلا شيء،و قد لا يعطب إلّا غلّة ما عيّنه،فيبقى العامل بغير شيء (1).

و لو شرط أحدهما على الآخر شيئاً يضمنه مضافاً إلى الحصّة من ذهب أو فضّة صحّ على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و ظاهر المسالك و المفلح الصيمري (2)عدم الخلاف فيه،حيث ذكرا جهالة القائل بالبطلان،و أنه إنما حكاه الماتن و العلّامة (3)؛ و هو مع التمامية يصلح للحجية.

مضافاً إلى عموم الأدلّة بلزوم الوفاء بالعقود و الشروط،السليمة عن المعارض من نحو ما قدّمناه من الغرر و الجهالة،و لزوم كون النماء على الإشاعة،لخروجه عنه بالبديهة.

و في المفاتيح:و في بعض الأخبار عليه دلالة (4).

و لعلّه ما أشار إليه في الكفاية (5)من بعض المعتبرة:عن الرجل يزرع

ص:368


1- الغنية(الجوامع الفقهية):601.
2- المسالك 1:292.
3- الماتن في الشرائع 2:150،العلّامة في المختلف:471.
4- المفاتيح 3:96.
5- الكفاية:121.

له الحرّاث الزعفران و يضمن له أن يعطيه في كلّ جريب أرض يمسح عليه وزن كذا و كذا درهماً،فربما نقص و غرم،و ربما استفضل و زاد،قال:

« لا بأس به إذا تراضيا» (1).

و حيث صحّ يكون قراره مشروطاً بالسلامة،كاستثناء أرطال معلومة من الثمرة في المبايعة،و لو تلف البعض سقط من الشرط بحسابه؛ لأنه كالشريك و إن كانت حصّته معيّنة.

و يحتمل قويّاً أن لا يسقط شيء بذلك؛ عملاً بإطلاق الشرط،إلّا أن يكون هناك عرف يوجب الصرف إلى الأوّل،فيتبع.

الثاني أن يقدّر لها مدة معلومة

و ثانيها: أن يقدّر لها مدة معلومة يدرك فيها الزرع علماً أو ظنّاً،وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني و جماعة (2).فلو لم يعيّن مدّة أو عيّن أقل من ذلك بطل؛ لأن مقتضى العقد اللازم ضبط أجله،و الأجل الناقص خلاف وضع القبالة و تفويت للغرض منها.

خلافاً لظاهر إطلاق العبارة هنا و في الشرائع و الإرشاد (3)في الثاني، فجوّزوا الاقتصار على المدّة الناقصة.

قيل:لجواز التراضي بعدها (4).

و يضعف بعدم لزومه،فلا يعلّق عليه شرط اللازم.

و لبعض متأخّري الأصحاب (5)في الأوّل إذا عيّن المزروع،مدّعياً

ص:369


1- الكافي 5:9/266،الفقيه 3:696/159،التهذيب 7:869/196،الوسائل 19:49 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 14 ح 1.
2- الشهيد الثاني في المسالك 1:292؛ و انظر إيضاح الفوائد 2:285،و الكفاية:121،المفاتيح 3:96.
3- الشرائع 2:150،الإرشاد 1:427.
4- مفاتيح الشرائع 3:97.
5- كالشهيد الثاني في المسالك 1:298،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 10:128.

على خلافه الوفاق،و جعله في الشرائع و غيره (1)وجهاً،و لم يذكروه قولاً، و فيه نوع إشعار بالوفاق كما ادّعاه؛ فإن تمّ كان هو الحجة،و إلّا فما اختاره من عدم اعتبار ذكر المدّة في تلك الصورة لا يخلو عن قوة؛ إقامةً للعادة مقام ذكر المدّة،و إن كان ما ذكره الأصحاب أحوط البتة،سيّما مع عدم الخلاف،و قوة احتمال انعقاد الإجماع.

و حيث عيّنت و مضت و الزرع باقٍ لم يدرك لفساد الظن كان للمالك إزالته،على الأشهر الأظهر؛ لانقضاء المدّة التي يستحق فيها التبقية، و الأصل تسلّط المالك على ملكه كيف شاء.

و فيه قول بالعدم مطلقاً (2)،و آخر به مع عدم الأرش،و أمّا معه فالأوّل (3).

و هو أحوط،و أحوط منه العدم المطلق.

و عليه ففي استحقاق المالك الأُجرة،كما عن التذكرة (4)،أو لا،كما عن القواعد (5)و ليس كذلك لاختياره الأوّل قولان،أجودهما الأوّل.

أمّا لو اتفقا على التبقية جاز بعوض و غيره،إلّا أنها مع العوض يفتقر في لزومها إلى تعيين مدّة زائدة كالإجارة.

و لو ترك المزارعة حتى انقضت المدة لزمته اجرة المثل مع تمكين المالك له منها،كالإجارة؛ لتفويت منفعتها عليه.و لا فرق في ذلك عند

ص:370


1- الشرائع 2:150؛ و انظر المسالك 1:292.
2- انظر التذكرة 2:339.
3- المسالك 1:293.
4- التذكرة 2:339.
5- القواعد 1:237.

الأكثر بين الترك اختياراً أو غيره،و قيل بالاختصاص بالأوّل (1).و لا يبعد.

ثالثها أن تكون الأرض مما يمكن الانتفاع بها

و ثالثها: أن تكون الأرض مما يمكن الانتفاع بها في الزراعة المقصودة منها أو في نوع منها مع الإطلاق،بأن يكون لها ماء من نهر،أو بئر،أو مصنع،أو تسقيها الغيوث غالباً،أو الزيادة كالنيل.

و الضابط إمكان الانتفاع بزرعها المقصود عادة،فإن لم يمكن بطلت المزارعة و إن رضي العامل.

و الوجه في اشتراطه ظاهر؛ لمنافاة عدم الإمكان بها للعقد؛ لانصرافه إلى ما يمكن حصول المقصود من المزارعة منه؛ إذ مع غيره تكون لغواً، هذا.

مضافاً إلى مخالفة أصل العقد من حيث تضمّنه جهالة العوض للأصل،فيقتصر فيه على المتيقن من النص و الإجماع،و ليس إلّا مع إمكان الانتفاع.

مع أنه لا خلاف في اشتراطه في الجملة،و إن اختلفوا في متعلّقه هل هو الصحة مطلقاً،كما هو ظاهر العبارة،فيبطل العقد مع عدمه مطلقاً و لو مع العلم بفقده ابتداءً و عدمه بعد وجوده؟ أو في صورة الجهل بعدمه حين العقد خاصّة،كما هو ظاهر الفاضل في الإرشاد (2)،حيث حكم بالبطلان بعدمه إلّا مع العلم به؟ أو اللزوم في صورة الجهل خاصّة،فللعامل الخيار فيها بعد العلم؟ و أمّا صورة العلم ابتداءً بعدمه حين العقد فليس بشرطٍ أصلاً،بل

ص:371


1- مجمع الفائدة و البرهان 10:105.
2- الإرشاد 1:427.

يلزم فيها،كما هو صريح القواعد (1)،و وجهه كالسابق غير واضح بعد ما قرّرناه،سيّما هذا.

و حمل على محامل مع بُعدها لا ينطبق شيء منها مع ما قدّمناه من الأدلّة.

و قريب منهما في الضعف ما ذكره الفاضلان (2)و تبعهما الشهيدان في الروضتين (3):من أن مع انقطاع الماء في الأثناء يتخيّر العامل بين الفسخ و الإمضاء.

قيل:لطروّ العيب،و لا يبطل العقد،لسبق الحكم بصحته فيستصحب،و الضرر يندفع بالخيار (4).و فيه نظر.

قالوا:فإن فسخ فعليه من الأُجرة بنسبة ما سلف من المدّة؛ لانتفاعه بأرض الغير بعوض لم يسلم له و زواله باختياره الفسخ.

و يشكل بأن فسخه لعدم إمكان الإكمال،و عمله الماضي مشروط بالحصّة لا بالأُجرة،فإذا فاتت بالانقطاع ينبغي أن لا يلزمه شيء آخر.

نعم،لو كان قد استأجرها للزراعة توجه.

و بالجملة لزوم الأُجرة عليه لما سلف من أحكام الإجارة دون المزارعة؛ إذ لا شيء عليه فيها سوى الحصة،و قد فاتت.

و حيث استفيد من حقيقة المزارعة أن المعقود عليه هو الأرض ينبغي أن تكون مملوكة و لو منفعة،و صرّح جماعة من المحققين (5)بكفاية

ص:372


1- القواعد 1:238.
2- المحقق في الشرائع 2:151،العلّامة في القواعد 1:238.
3- اللمعة(الروضة البهية 4):279.
4- الروضة 4:279.
5- كالمحقق في الشرائع 3:276،و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 2:231،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 7:19.

الأولوية الحاصلة في الأرض الخراجية،و بالإحياء إن لم نقل بكونه مفيداً للملك.

و في النصوص ما يدلّ على جواز تقبيل الأرض الخراجية للزراعة، ففي الصحيح:عن مزارعة أهل الخراج بالربع و الثلث و النصف،فقال:

« لا بأس» (1).

و في آخر:عن الرجل يكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل أن يعمرها و يصلحها و يؤدّي خراجها،و ما كان من فضل فهو بينهما،قال:« لا بأس» (2).إلى غير ذلك من النصوص (3).

خلافاً للمسالك (4)،فمنع عن مزارعتها إلّا مع الحيل التي فيه ذكرها.

و المعتبرة حجة عليه كما ترى،و حملها على صورة الحيل بعيد جدّاً.

و له أي للعامل أن يزرع الأرض بنفسه و بغيره و مع غيره و إن لم يأذن المالك،سواء كان ذلك بعنوان التوكيل و الاستنابة،أو نقل بعض الحصة بعنوان الشركة و المزارعة الثانية،قالوا:لنقل منفعة الأرض إليه بالعقد اللازم،و الناس مسلّطون على أموالهم.

و قيل:لا يجوز له تسليم الأرض إلّا بإذن المالك،كما في الإجارة (5).

ص:373


1- الفقيه 3:693/158،التهذيب 7:888/201،الوسائل 19:42 أبواب المزارعة و المساقاة ب 8 ح 8.
2- الكافي 5:2/268،التهذيب 7:876/198،الوسائل 19:45 أبواب المزارعة و المساقاة ب 10 ح 2.
3- انظر الوسائل 19:126 أبواب الإجارة ب 21.
4- المسالك 1:291.
5- المسالك 1:296.

و قيل:إنما يجوز مزارعته غيره أو مشاركته له إذا كان البذر منه؛ ليكون تمليك الحصة منوطاً به؛ و لأن الأصل أن لا يتسلّط على البذر إلّا المالك أو من أذن له.

و أمّا المساقاة فليس للعامل فيها أن يساقيه؛ لأنه لا يملك منها سوى الحصّة من الثمرة بعد ظهورها،و الأصل فيها للمالك،و هو فيها كالبذر في المزارعة،فيعامل عليه من يملكه،و هو للعامل مقصود بالعرض كالأرض للمزارع (1).

و هو أحوط في الجملة،و إن كان القول بعدم اشتراط كون البذر منه في الجواز لا يخلو عن قوة،مع كونه الأشهر بين الطائفة،بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية (2). إلّا أن يشترط عليه زرعها بنفسه فلا يجوز التعدّي إجماعاً؛ لأنّ المؤمنين عند شروطهم.

و كذا له مع إطلاق المزارعة أن يزرع ما شاء على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في ظاهر الغنية (3)الإجماع عليه؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى ما قيل من دلالة المطلق على الماهية من حيث هي،و كلّ فرد من أفراد الزرع يصلح المطلق أن يوجد في ضمنه (4).

و هو حسن إن تساوت أفراد الماهية في التبادر و الغلبة،و إلّا فما ذكر محلّ مناقشة،بل الظاهر تعيّن الراجح بأحد الأمرين،كما قالوا بمثله في

ص:374


1- المسالك 1:296.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):601.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):601.
4- الروضة 4:280.

مواضع عديدة،فلولا إجماع الغنية المعتضد بالشهرة لكان المصير إلى ما ذكرنا في غاية القوّة.

و به صرّح بعض الأفاضل،فقال:و الحق أن الإطلاق إن اقتضى بالنظر إلى ذلك الأرض و ذلك الوقت تعيين نوع من الزرع تعيّن،و إلّا فالأولى مراعاة مصلحة المتعاملين أو المالك،كما في إطلاق الوكالة و غيرها من العقود.انتهى.

نعم،لو عمّم الإذن اتّجه ما ذكروه؛ لدلالته على كلّ فرد فرد.

و كيف كان،فتعيين نوع الزرع بالخصوص غير لازم؛ لكون كلّ من العموم و الإطلاق المتساوي الأفراد في حكم التعيين،من حيث دخول جميع الأفراد فيهما عموماً في الأوّل،و إطلاقاً في الثاني،فيكون المالك بهما قادماً على أضرّ الأنواع.

و كذا المطلق الغير المتساوي الأفراد إذا كان الأضرّ من الأفراد الراجحة و يكون غير الأضرّ داخلاً بالأولوية.

و لو انعكس فكان الأضرّ من الأفراد المرجوحة فإن قلنا بتعيّن الراجح كان عن الإطلاق خارجاً و يكون صرفه إلى الراجح من قبيل تعيينه.

و إن قلنا بعدم تعيّنه و لزوم الصرف إلى جميع أفراده نظراً إلى ما قدّمناه من الدليل كان كذلك؛ لكون الدليل كالرجحان الموجب للتعيين.

فعلى أيّ تقدير تعيين النوع بالخصوص غير محتاج إليه.

فما عن التذكرة (1)من لزومه لتفاوت ضرر الأرض باختلاف جنس المزروعات فيلزم بتركه الغرر غير ملتفت إليه،فإنّ ما ذكرناه بجميع

ص:375


1- التذكرة 2:340.

تقاديره في حكم التعيين،فلا غرر يلزم بتركه،فلا ريب في صحّة العقد و تخيّر العامل في زرع ما شاء مع العموم أو الإطلاق مطلقاً أو في الجملة.

إلّا أن يعيّن له المالك شيئاً من الزرع،فلا يجوز التعدّي عما عيّن له،سواء كان المعيّن شخصيّاً كهذا الحبّ،أو صنفيّاً كالحنطة الفلانية،أم نوعيّاً أم غيره،بلا خلاف،بل عليه الإجماع ظاهراً،و صرّح به في الغنية (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى عموم أدلّة لزوم الوفاء بالعقود و الشروط.

فلو خالف و زرع الأضرّ ففي بطلان المزارعة مع انقضاء المدّة و لزوم اجرة المثل عما زرعه،أو تخيّر المالك بين الفسخ فله الأُجرة،و الإبقاء فله المسمّى و الأرش قولان:

من أن مقدار المنفعة المعقود عليها قد استوفى بزيادة في ضمن زرع الأضرّ،فيتخير بين الفسخ لذلك فيأخذ الأُجرة لما زرع،لوقوعه أجمع بغير إذنه،لأنه غير المعقود عليه،و بين أخذ المسمّى في مقابلة مقدار المنفعة المعيّنة مع أخذ الأرش في مقابلة الزائد الموجب للضرر.

و من أن الحصّة المسمّاة إنما وقعت في مقابلة الزرع المعيّن و لم يحصل،و المزروع لم يتناوله العقد و لا الإذن،فلا وجه لاستحقاق المالك فيه الحصة.

و لعل هذا هو الأجود،وفاقاً للشهيد الثاني و غيره (2)،خلافاً للماتن في الشرائع و غيره (3)،فالأوّل.

ص:376


1- الغنية(الجوامع الفقهية):601.
2- الشهيد الثاني في الروضة 4:282؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 10:109.
3- الشرائع 2:151؛ و انظر القواعد 1:238.

و من وجه المختار يظهر وجه الإشكال فيما ذكره جماعة من الأصحاب (1):من أن للعامل زرع ما هو أقلّ ضرراً فيستحق ما سمّاه من الحصّة،و لا أرش و لا خيار؛ لعدم الضرر.

و ذلك لأنه غير معقود عليه أيضاً،فكيف يستحق فيه شيئاً مع أنه نماء بذر العامل الذي لا دليل على انتقاله عن ملكه؟ و الاعتذار بأن الرضاء بزرع الأضرّ بالنسبة إلى الأرض يقتضي الرضاء بالأقلّ ضرراً.

مضعّف بأن غرض المالك ليس منحصراً فيما يتعلّق بمصلحة الأرض،بل القصد الذاتي إنما هو الانتفاع بالزرع،و مصلحة الأرض تابعة و ليست بالذات مقصودة،و لا شك أن الأغراض تختلف في أنواع المزروع،فربما كان غرضه في الأشدّ ضرراً من حيث نفعه أو الحاجة إليه و إن حصل للأرض ضرر،و لا يتعلق غرضه بالأخفّ و إن انتفعت الأرض به.

نعم،مثل هذا يجري في إجارة الأرض لزرع نوع معيّن،فإنّ عدول المستأجر إلى زرع الأخفّ متّجه؛ لأن الغرض في الإجارة لمالك تحصيل الأُجرة خاصة،و هي على التقديرين حاصلة،و يبقى معه زيادة تخفيف الضرر عن أرضه.

و خراج الأرض و أُجرتها على صاحبها بلا خلاف،كما يستفاد من النصوص (2)؛ لأنّه موضوع عليها إلّا أن يشترطه على الزارع

ص:377


1- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:294،و السبزواري في الكفاية:122،و صاحب الحدائق 21:315.
2- انظر الوسائل 19:44 أبواب المزارعة و المساقاة ب 10.

كلا أو بعضاً،فيجب عليه مع تعيينه؛ عملاً بمقتضى الشرط.

و كذا لو زاد السلطان فيه زيادة و طلبها من الزرع وجب على صاحب الأرض دفعها إليهم،كما في الخبر (1)،و فيه قصور من حيث السند،و مخالفة المتن للقاعدة؛ فإن المظلوم مَن ظُلم و الغرامة على الظالم، و لذا أن الراوي قال بعد الحكم:أنا لم أظلمهم و لم أزد عليهم،قال:« إنهم إنما زادوا على أرضك» .و يستفاد من التعليل انسحاب الحكم في كل موضع يشابه مورده،كما يتفق كثيراً في أمثال بلادنا من الظلم على سكنة الدور بمال يكتب عليها لا عليهم،فمقتضى الأصل و القاعدة براءة ذمة أربابها و صرف الغرامة إلى السكنة،فإن المظلوم من ظُلم،إلّا أن التعليل في الخبر كما ترى يقتضي خلافه و صرف الغرامة إلى أرباب الدور؛ لوضع الغرامة عليها دون ساكنيها، و لكن الحال في السند كما ترى،و لا أجد له جابراً،فيشكل الحكم به هنا أيضاً.

و لو شرط عليه الخراج كملاً فزاد السلطان فيه زيادة فهي على صاحب الأرض،كما في المسالك (2)؛ لأن الشرط لم يتناولها و لم تكن معلومة،فلا يمكن اشتراطها.

و استشكله من متأخّري المتأخّرين جماعة (3)؛ نظراً إلى كثير من المعتبرة الدالّة على اغتفار مثل هذه الجهالة،فيجوز اشتراط تلك الزيادة و إن لم تكن معلومة،ففي الصحيح:الرجل تكون له الأرض،عليها خراج

ص:378


1- التهذيب 7:915/208،الوسائل 19:56 أبواب المزارعة و المساقاة ب 16 ح 10.
2- المسالك 1:296.
3- كالسبزواري في الكفاية:122،و صاحب الحدائق 21:337.

معلوم ربما زاد و ربما نقص،فيدفعها إلى الرجل على أن يكفيه خراجها و يعطيه مائتي درهم في السنة،قال:« لا بأس» (1)و نحوه غيره (2).

و في الدلالة ضعف،فإن غايته نفي البأس الغير الملازم للّزوم الذي هو المطلوب؛ لأعمّيته منه،فقد يجامع جواز الرجوع،و يكون المطلوب من نفي البأس حينئذٍ بيان الجواز مع حصول التراضي،أ لا ترى إلى الصحيح:عن القوم يدفعون أرضهم إلى رجل فيقولون:كلها و أدّ خراجها، قال:« لا بأس به إذا شاؤوا أن يأخذوها أخذوها» (3)قد حكم فيه بنفي البأس عن نحو ذلك مع تصريحه بجواز الرجوع،فظهر أن المراد من نفي البأس حيث يطلق إنما هو بيان الجواز المطلق لا اللّزوم.

إلّا أن يقال بأن المقصود من التمسك بنفي البأس إنما هو إثبات الجواز دفعاً لما يتوهم من النهي عنه الناشئ من الجهالة،و حيث ثبت الجواز ثبت اللزوم حيث يذكر في العقد اللازم،عملاً بما دلّ على لزومه، و هذا هو السرّ في تمسّك الأصحاب في القول بلزوم كثير من الشروط في العقود اللازمة بالنصوص التي غايتها نفي البأس عنها لا الحكم بلزومها.

و لكن هذا إنما يتم لو دلّت النصوص على نفي البأس عنها و إن ذكرت في العقد اللازم،و إلّا فالتمسك بها لذلك محل إشكال؛ لأن المناط في نفي البأس حيث يذكر في غير العقود اللازمة هو حصول المراضاة، و الغرر و الجهالة لعلهما مغتفران معها فيما عداها؛ لجواز الرجوع بعد ظهور

ص:379


1- الكافي 5:5/265،التهذيب 7:868/196،الوسائل 19:57 أبواب المزارعة و المساقاة ب 17 ح 1.
2- الفقيه 3:678/154،الوسائل 19:57 أبواب المزارعة و المساقاة ب 17 ح 1.
3- التهذيب 7:918/209،الوسائل 19:58 أبواب المزارعة و المساقاة ب 17 ح 3.

الغرر دونها؛ لعدم جوازه فيها للزومها،و لعله لهذا نهي عنها،و نصوص المسألة لعلها من هذا القبيل؛ إذ لم يذكر فيها وقوع اشتراط ذلك في ضمن عقد لازم،فكيف يستدلّ بها على الجواز و لو ذكر فيه؟ إلّا أن يتمسك بإطلاق نفي البأس الشامل لصورتي وقوع الشرط في ضمن العقد اللازم و غيره،إلّا أن في الخروج بمثله عن عموم ما دلَّ على النهي عن الغرر و الجهالة إشكالاً.

و نحو الخراج المئونة التي يتوقف عليها العمل و لا يتعلق بنفس العمل و التنمية،كإصلاح النهر و الحائط،و إقامة الدولاب،و بالجملة ما لا يتكرّر كل سنة؛ لأنها من متمّمات الأرض،دون ما فيه صلاح الزرع و بقاؤه مما يتكرر كلّ سنة،كالحرث و السقي و آلاتهما،و تنقية النهر،و حفظ الزرع و حصاده،فإن ذلك كله على العامل؛ لأنه من جملة العمل.

و لو شرط من عليه المئونة إيّاها على الآخر كلا أو بعضاً لزم،عملاً بمقتضى الشرط.

و يجوز لصاحب الأرض و كذا الأُصول أن يخرص على الزارع بعد انعقاد الحبّ و ظهور الثمرة،بأن يقدّر ما يخصّه من الحصّة تخميناً و يقبّله به بحبّ و لو منه بما خرصه به.

و الزارع بالخيار في القبول و لا يلزمه،بلا خلاف؛ للأصل فإن قبل لزم.و لكن كان في المشهور،بل قيل:لا يكاد يتحقق فيه خلاف (1) استقراره مشروطاً بسلامة الزرع و الثمرة من الآفة الإلهية.

فلو تلف أجمع فلا شيء على الزارع،و لو تلف البعض سقط منه

ص:380


1- مجمع الفائدة و البرهان 10:116.

بالنسبة.و لا نصّ فيه و لا قاعدة تقتضيه،فإن كان إجماع،و إلّا ففيه كلام مضى كسائر ما يتعلّق بالمقام من النصوص و خلاف الحلّي (1)في أصل الحكم في باب بيع الثمار.

و أمّا لو أتلفه متلف ضامن لم يتغيّر المعاملة قولاً واحداً،و طالب المتقبّل المتلف بالعوض،و لو زاد فالزائد للمتقبّل،و لو نقص بسبب الخرص لم يسقط بسببه شيء،بلا خلاف،للأصل في المقامين.

مضافاً إلى الخبرين،أحدهما الموثق:عن الرجل يمضي ما خرص عليه من النخل؟قال:« نعم» قلت:أ رأيت إن كان أفضل مما خرص عليه الخارص،أ يجزيه ذلك؟قال:« نعم» (2).

و ثانيهما المرسل:إنّ لنا أكرة،فنزارعهم فيقولون لنا:قد حزرنا (3)هذا الزرع بكذا و كذا،فأعطوناه و نحن نضمن لكم أن نعطيكم حصّتكم على هذا الحزر،قال:« و قد بلغ؟» قلت:نعم،قال:« لا بأس بهذا» قلت:

فإنه يجيء بعد ذلك فيقول لنا:إن الحزر لم يجيء كما حزرت قد نقص، قال:« فإذا زاد يردّ عليكم؟» قلت:لا،قال:« فلكم أن تأخذوه بتمام الحزر،كما أنه إذا زاد كان له كذلك إذا نقص» (4).

و يستفاد منه مضافاً إلى الاتفاق كما حكي (5)اشتراط الخرص ببلوغ الزرع،و هو مقتضى الأصل الدال على فساد هذه المعاملة،كما تقدم

ص:381


1- السرائر 2:368.
2- التهذيب 7:905/205،الوسائل 19:50 أبواب المزارعة و المساقاة ب 14 ح 3.
3- الحَزْرُ:التقدير و الخرص.الصحاح 2:629.
4- الكافي 5:1/287،التهذيب 7:916/208،الوسائل 19:50 أبواب المزارعة و المساقاة ب 14 ح 4.
5- انظر الحدائق 21:34.

في كلام الحلي،فيقتصر فيها على مورد الإجماع و النص،و ليس إلّا الخرص بعد البلوغ،ففي الصحيح الوارد في تقبيل الخيبر:« فلمّا بلغت الثمرة أمر عبد اللّه بن رواحة فخرص عليهم» (1)الحديث.

و تثبت اجرة المثل في كل موضع تبطل فيه المزارعة لصاحب الأرض إن كان البذر من الزارع،و الحاصل له إن كان البذر منه و عليه اجرة مثل العامل و العوامل و الآلات.

و لو كان البذر منهما فالحاصل بينهما على نسبته و لكل منهما على الآخر اجرة مثل ما يخصّه على نسبة ما للآخر من الحصّة،فلو كان البذر بينهما بالنصف مثلاً رجع المالك بنصف أُجرة أرضه و العامل بنصف اجرة عمله و عوامله و آلاته،و على هذا القياس باقي الأقسام.

و لو كان البذر من ثالث فالحاصل له و عليه اجرة مثل الأرض و باقي الأعمال و آلاتها لصاحبها.

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده؛ و يظهر وجهه مما ذكرناه في المضاربة الفاسدة (2).

و إطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم الفرق في ثبوت الأُجرة لمن ليس له البذر على الآخر في مقابلة أرضه أو عمله بين أن يكون هناك حاصل أم لا. و تكره إجارة الأرض بالحنطة أو الشعير مطلقاً،منها كانا أو من غيرها،زرعت بجنسهما أم بغيرهما؛ استناداً في الجواز إلى الأصل و العمومات،و في الكراهة إلى شبهة الخلاف،و احتمال التحريم فتوى و رواية.

خلافاً للأشهر فيما إذا كانا منها،فقالوا فيه بالحرمة إذا اشترط،بل

ص:382


1- الكافي 5:2/267،الوسائل 18:232 أبواب بيع الثمار ب 10 ح 3.
2- راجع ص:349.

نفى عنه الخلاف بعض الأجلّة (1)،قالوا:لأن خروج ذلك القدر منها غير معلوم،فربما لا يخرج منه شيء،أو يخرج بغير ذلك الوصف،و من ثمّ لم يجز السلف في حنطة من قراح معيّن لذلك،و للخبرين:عن إجارة الأرض بالطعام،فقال:« إن كان من طعامها فلا خير فيه» (2).

و يضعّف الأوّل:بمنعه على إطلاقه؛ إذ ربما كانت الأرض واسعة لا تخيس بذلك القدر عادة،فلا يتمّ إطلاق المنع.

و الخبران:بقصور السند و الدلالة؛ فإن نفي الخير أعمّ من الحرمة،بل ربما أشعر بالكراهة.

و يمكن الذبّ عن الأوّل:بتتميم الإطلاق بعدم القائل بالفرق.

و عن الثاني:بانجبار قصور السند بالشهرة المحكية في كلام جماعة (3)،مع أن سند أحدهما صحيح إلى صفوان،و جهالة من بعده مجبورة بكونه ممن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

و الدلالة بورود النهي الظاهر في الحرمة عن إجارة الأرض بالطعام في كثير من المعتبرة،و فيها الموثق كالصحيح و غيره:« لا تؤاجر الأرض بالحنطة و الشعير و لا بالتمر،و لا بالأربعاء،و لا بالنطاف (4)،و لكن بالذهب

ص:383


1- كصاحب الحدائق 21:291.
2- الكافي 5:6/265،التهذيب 7:864/195،الإستبصار 3:460/128،الوسائل 19:55 أبواب المزارعة و المساقاة ب 16 ح 5.و الخبر الآخر:التهذيب 7:917/209،الإستبصار 3:461/128،الوسائل 19:56 أبواب المزارعة و المساقاة ب 16 ح 9.
3- منهم الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3:110،السبزواري في الكفاية:126،البحراني في الحدائق 21:287.
4- الارْبِعاء جمع الربيع و هو:جدول أو ساقية تجري إلى النخل أو الزرع.النِّطاف جمع نطفة:الماء الصافي قلّ أو كثر.و قيل:ما يبقى في الدلو.مجمع البحرين 4:332 و ج 5:125.

و الفضة،لأن الذهب و الفضة مضمون و هذا ليس بمضمون» (1).

و أظهر منها الصحيح:كان لي أخ فهلك و ترك في حجري بنتاً و لي أخ يلي ضيعة لنا و هو يبيع العصير ممن يصنعه خمراً و يؤاجر الأرض بالطعام، فأمّا ما يصيبني فقد تنزّهت،فكيف أصنع بنصيب اليتيم؟فقال:« أمّا إجارة الأرض بالطعام فلا تأخذ منه نصيب اليتيم» (2)الحديث.

فإن حمله على الكراهة مضافاً إلى مخالفته لظاهر النهي في غاية البعد.

و هو كالمعتبرة السابقة و إن اقتضت إطلاق المنع و لو كانت الحنطة أو الشعير اللذين استؤجرت الأرض بهما من غيرها،إلّا أن اللازم تقييدها بما إذا كانا منها؛ لعدم القائل بالحرمة كذلك،فإن القائل بحرمة إجارتها بهما و لو من غيرها و هو القاضي (3)يشترط اتّحاد الجنس بينهما و بين ما تزرع الأرض به،فلو آجرها بحنطة مثلاً و زرع فيها شعيراً لم يحرم عنده.

و النصوص المذكورة خالية عن هذا الشرط،و إن احتملت التقييد به، كالخبرين الأوّلين بأن يراد من قوله:« إن كان من طعامها» أي من جنسه و لو كان من غيرها.

و ربما أيّده المروي في العلل عن الصادقين عليهما السلام أنهما سئلا:ما العلّة التي من أجلها لا يجوز أن تؤاجر الأرض بالطعام و تؤاجر بالذهب و الفضة؟

ص:384


1- الكافي 5:1/264،التهذيب 7:638/144 وص 861/195،الإستبصار 3:457/127،الوسائل 19:54 أبواب المزارعة و المساقاة ب 16 ح 2،6.
2- التهذيب 7:766/296،الوسائل 19:55 أبواب المزارعة و المساقاة ب 16 ح 7.
3- المهذّب 2:10.

قال:« العلّة في ذلك أن الذي يخرج حنطة و شعير،و لا يجوز إجارة حنطة بحنطة و لا شعير بشعير» (1).

إلّا أن تقييدها بما ذكره الأكثر من الشرط دون هذا و حمل الخبرين على ظاهرهما أولى؛ لاعتضاد هذا الجمع بالشهرة،و ما تقدّم من تعليل المنع في تلك المعتبرة من أنهما ليسا بمضمونين دون النقدين،فإن ذلك إنما يتّجه فيما إذا كان مال الإجارة من حاصل تلك الأرض،فإنه يجوز أن لا يخرج منها شيء بخلاف النقدين الثابتين في الذمّة بمجرّد العقد، و الحنطة و الشعير الخارجان عن الحاصل في حكمهما في صحة المضمونية.

و بالحسن:عن رجل اشترى من رجل أرضاً جرباناً معلومة بمائة كرّ على أن يعطيه من الأرض،قال:«حرام» فقلت له:فما تقول جعلني اللّه فداك أن أشتري منه الأرض بكيل معلوم من حنطة من غيرها؟قال:

« لا بأس» (2).

بناءً على ظهور اتّحاد البيع و الإجارة فيما الظاهر أنه هو وجه المنع عن الأوّل فيه من عدم معلوميّة حصول العوض و كميّته كيلاً أو وزناً،و قد عرفت أن ما كان من الأرض غير مضمون و لا ثابت في الذمّة و لا هو معلوم الحصول فلا يجوز البيع به و لا الإجارة.

و فيه زيادة على الشهادة على الجمع تقوية لدلالة الأخبار المتقدمة المتضمنة للنهي و نفي الخير على الحرمة؛ لتصريحه بها كما ترى.

ص:385


1- علل الشرائع:1/518،الوسائل 19:56 أبواب المزارعة و المساقاة ب 16 ح 11.
2- الكافي 5:8/265،الفقيه 3:666/151،التهذيب 7:661/149،الوسائل 18:237 أبواب بيع الثمار ب 12 ح 2.

و رواية العلل و إن شهدت بالجمع الآخر إلّا أن فيها قصوراً من حيث السند،و المقاومة لما مرّ من الوجوه لصحة الجمع الأوّل،و إن اعتضدت بالصحيح:« لا تستأجر الأرض بالحنطة ثم تزرعها حنطة» (1)لاحتماله التقييد بكون الحنطة المستأجرة بها الأرض منها لا مطلقاً،و يؤيّده ملاحظة المعتبرة المتقدمة الناهية عن إجارة الأرض بالطعام على الإطلاق معلّلة بما يقتضي تقييده بهذا القيد،كما مرّ إليه الإشارة.

و مما حرّرنا ظهر عدم الخلاف في جواز إجارة الأرض بالطعام من غيرها مع تغايره لجنس ما تزرع به على كراهة؛ و لعلّ وجهها إطلاق المعتبرة بالنهي عن مؤاجرتها به مطلقاً المحتمل شموله للصورة و إن تضمّنت ما يقتضي التقييد بغيرها،كما مضى؛ للمسامحة في الكراهة و الاكتفاء في إثباتها بالاحتمال مطلقاً و إن ضعف،على الأشهر الأقوى.

و عدم الخلاف في حرمتها به منها إلّا من ظاهر العبارة،حيث أطلقت الحكم بالكراهة بحيث شملت الصورة؛ و وجهه غير ظاهر بعد ما عرفت من الأدلّة على الحرمة فيها.

مضافاً إلى عدم القائل بذلك من الطائفة،كما يظهر من تتبّع كتب الجماعة،و أن الأشهر الأقوى الحرمة في هذه الصورة و الكراهة في الصورة الأُولى و لو مع اتّحاد الجنس.

خلافاً للقاضي في الصورتين،فظاهره الجواز مع التغاير جنساً مطلقاً و الحرمة مع الاتحاد كذلك (2).

ص:386


1- الكافي 5:3/265،الفقيه 3:695/159،التهذيب 7:863/195،الوسائل 19:54 أبواب المزارعة و المساقاة ب 16 ح 3.
2- المهذب 2:10.

و لا ريب أن الحرمة فيما عدا محل الاتفاق على الجواز أحوط و أولى.

و يكره أيضاً أن يوجرها بأكثر مما استأجرها به،إلّا أن يحدث فيها حدثاً و لو لم يقابل الزيادة،كما يدلّ عليه إطلاق المعتبرة الآتية أو يؤجرها بغير الجنس الذي استأجرها به بلا خلاف في الجواز مع الاستثناءين فتوًى فيهما،و نصّاً في الأوّل خاصّة دون الثاني؛ لظهوره في المنع فيه بحسب الإطلاق أيضاً،حيث حصر المجوّز في الاستثناء الأوّل،فإن كان إجماع على الجواز بالثاني،كما هو الظاهر و به صرّح في الانتصار (1)،و إلّا فهو محل مناقشة.

و أمّا الحكم بالكراهة بدونهما دون الحرمة فهو الأشهر بين متأخّري الطائفة،بل عن التذكرة أن عليه أكثر علمائنا الإمامية (2).و هو كما ترى ظاهر في الشهرة المطلقة.

وفاقاً للحلّي و أحد قولي الديلمي و القاضي (3)،و لعلّه عليه عامّتهم؛ استناداً في الكراهة إلى شبهة الخلاف الآتي فتوًى و روايةً،و في الجواز إلى الأصل،و العمومات كتاباً و سنة،و صريح كثير من المعتبرة المستفيضة،في ثلاث منها و أحدها الصحيح،و باقيها قريب منه؛ لاشتمال السند على الحسن بن محبوب و ابن فضال المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما، و وجود سهل في بعضه قبل الأخير بناءً على سهولة ضعفه أو وثاقته سهل -:في الرجل يستأجر الأرض ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها،قال:« لا بأس،

ص:387


1- الانتصار:231.
2- التذكرة 2:291.
3- الحلي في السرائر 2:446،الديلمي في المراسم:195،القاضي في المهذب 2:11.

إنّ هذا ليس كالحانوت و لا كالأجير،فإنّ فضل الحانوت و الأجير حرام» كذا في الأوّل (1)،و بدّل« الحانوت» ب« البيت» في الباقي (2).

و في موثقين منها (3):« إذا تقبّلت أرضاً بذهب أو فضّة لا تقبّلها بأكثر مما تقبّلتها،و إن تقبّلتها بالنصف و الثلث فلك أن تقبّلها بأكثر مما تقبّلتها به،لأن الذهب و الفضة مضمونان» كذا في أحدهما (4)،و قريب منه في

ص:388


1- الكافي 5:3/272،التهذيب 7:895/203،الإستبصار 3:464/129،الوسائل 19:125 أبواب الإجارة ب 20 ح 4.
2- انظر الوسائل 19:125،126 أبواب الإجارة ب 20 الأحاديث 2،3،5.
3- الاستدلال بهما مبني على فرض عموم عنوان المسألة لكل من الإجارة و المزارعة،كما يفصح عنه عموم أدلة المجوّزين من الأصل و العمومات،و كذا بعض أدلة المانعين من استلزام الزيادة الربا لهما،و وجه الاستدلال بهما على هذا تجويزه عليه السلام فيهما المزارعة الثانية بأكثر مما زورع به في المزارعة الاُولى،و يكون الجواب عن صدرها المانع عن الزيادة في الإجارة ما في المتن من الشذوذ لو حمل على ظاهره؛ لعدم قول أحد من المانعين بذلك؛ إذ كلّ من منع منع منه مطلقاً،كان ما استوجر به ثانياً النقدين أم غيرها،و كل من جوّز جوّز كذلك.نعم ظاهر الشيخ في الاستبصار القول بالفرق فيهما،لكن ذكره احتمالاً لا فتوى؛ جمعاً بين النصوص،كما ذكر غيره من الاحتمالات،و سياق كلامه ظاهر فيما قلناه من فرض عموم المسألة لكلّ من الإجارة و المزارعة،فإنه قال بعد ذكر الأخبار الثلاثة المتقدمة:و ينبغي بأن نقيّدها بأحد أشياء إمّا أن نقول:له إجارتها إذا كان استأجرها بدراهم أو دنانير معلومة أن يوجرها بالنصف أو الثلث أو الربع و إن علم أن ذلك أكثر.ثم ذكر الرواية الثانية سنداً للقول بالحرمة،ثم قال:و الثاني أنه يجوز مثلاً إذا استأجرها بالثلث أو الربع أن يوجرها بالنصف؛ لأن الفضل إنما يحرم إذا كان استأجرها بدراهم فآجرها بأكثر منها،و أمّا على هذا الوجه فلا بأس.ثم ذكر هذين الموثّقين،و وجه دلالته على ما قلنا إطلاقه لفظ الإجارة على الإجارة بالثلث و النصف،و ذلك لا يكون إلّا بزراعة،و ربما يقربه ذكر الماتن هذه المسألة هنا و في الشرائع في هذا الكتاب و في كتاب الإجارة.(الشرائع 2:150،181).منه رحمه اللّه.
4- الكافي 5:7/273،التهذيب 7:898/20،الإستبصار 3:467/130،الوسائل 19:127 أبواب الإجارة ب 21 ح 2.

الثاني (1).

و لا يقدح في الاستدلال بهما تضمّنهما للنهي عن التقبيل بزيادة في النقدين؛ لاحتمال أن يكون المراد منه المزارعة،أي:لا تستأجرها بهما فتزارع بأكثر منهما،و يكون الوجه حينئذٍ في النهي ما مرّ من اشتراط كون المزارعة بحصّة مشاعة من الحاصل،فلا يجوز بالنقدين و ما في معناهما.

و ليس الوجه فيه المنع عن خصوص الزيادة،و إنما ذكرت تبعاً للعادة من عدم وقوع المزارعة مرّة ثانية إلّا معها.

و لو لم تحمل الروايتان على ذلك للحقتا بالشواذّ؛ لعدم قائل بهما كذلك،و هو الفرق بين النقدين و غيرهما بجواز الزيادة في الثاني دون الأوّل،فتأمّل.

خلافاً للمقنع و الإسكافي و الشيخين و المرتضى و الحلبي،و القول الآخر للديلمي و القاضي (2)،فاختاروا الحرمة،و هو خيرة الغنية (3)مدّعياً عليها إجماع الإمامية؛ فإن تمّ كان هو الحجّة،دون الرواية:عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام مسمّى،ثم آجرها و شرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل أو أكثر،و له في الأرض بعد ذلك فضل،أ يصلح له ذلك؟قال:« نعم،إذا حفر لهم نهراً أو عمل لهم شيئاً يعينهم بذلك فله ذلك» (4).

ص:389


1- الفقيه 3:654/149،الوسائل 19:128 أبواب الإجارة ب 21 ح 6.
2- المقنع:131،حكاه عن الإسكافي في المختلف:461،المفيد في المقنعة:640،الطوسي في المبسوط 3:226،المرتضى في الانتصار:231،الحلبي في الكافي:346،الديلمي في المراسم:195،القاضي في المهذب 2:12.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):60.
4- الكافي 5:2/272،الفقيه 3:689/157،التهذيب 7:896/203،الإستبصار 3:468/130،الوسائل 19:127 أبواب الإجارة ب 21 ح 3،4.

لقصور السند بجهالة الراوي،و الشهرة القديمة تصلح جابرة حيث لا تعارضها الشهرة المتأخّرة،و قد عارضتها في المسألة،فالترجيح فيها للثانية؛ لكثرة أدلّتها من الأُصول و النصوص المستفيضة،هذا.

مع احتمالها لقصور في الدلالة،فإنّ غايتها أنه لا يصلح،و هو أعمّ من الحرمة،بل مشعر بالكراهة عند جماعة،و منهم شيخ الطائفة القائل هنا بالحرمة،بل جعله دليلاً للكراهة و صريحاً فيها في مواضع عديدة (1).

و إجماع الغنية مع وهنه بمخالفة معظم الطائفة و إن كانوا بعده موهون،فلا يصلح للحجيّة،سيّما إذا عارضته الشهرة المحكية على الجواز في التذكرة (2)،كما عرفته.

و أما ما في رواية أُخرى:« لا بأس أن يستأجر الرجل الدار أو الأرض أو السفينة ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به إذا أصلح شيئاً» (3).

فيجاب عنه مضافاً إلى قصور سندها كالسابقة بقصور الدلالة،فإن غايتها ثبوت البأس في محلّ المنع،و هو أعم من الحرمة.

و حمله عليها لإضافته إلى الدار و هو للحرمة،كما دلّت عليه بعض الأخبار السابقة (4)إنما يتمّ لو لم يكن استعماله في الأعم منها و من الكراهة.

و السياق إنما يدلّ على التعيين لو لم يدلّ دليل على الكراهة في الأرض،و قد مرّ ما يدلّ عليها من المعتبرة،فمقتضى الجمع رفع اليد عن

ص:390


1- الإستبصار 3:130،النهاية:439.
2- راجع ص:388.
3- التهذيب 7:979/223،الوسائل 19:129 أبواب الإجارة ب 22 ح 2.
4- راجع ص:389.

السياق و إبقاء البأس على عمومه،و إرادة الحرمة منه بالإضافة إلى الدار، و الكراهة بالإضافة إلى الأرض.

هذا على تقدير تسليم ثبوت الحرمة بالإضافة إلى الدار،كما دلّت عليه تلك المعتبرة،و قال بما فيها الماتن في الشرائع (1)،و حكاه عن الشيخ في التذكرة (2)،و إلّا كما هو ظاهر المتأخّرين فلا سياق يشهد بذلك بالبديهة.

و أما الاحتجاج للمنع بقضيّة لزوم الربا فأوضح حالاً في الفساد من الحجة السابقة؛ فإنه إنما يتحقّق في معاوضة أحد المثلين بالآخر مع الزيادة و الكيل أو الوزن.

مضافاً إلى الصحيح الدالّ على عدمه هنا،و فيه:« لو أن رجلاً استأجر داراً بعشرة دراهم و سكن بيتاً منها و آجر بيتاً منها بعشرة دراهم لم يكن به بأس،و لا يؤاجرها بأكثر مما استأجرها إلّا أن يحدث فيها شيئاً» (3)و لو ثبت في الثاني لثبت الربا في الأوّل.

ثم إن ظاهر الفريقين حتى الشيخ كما في المختلف و غيره (4)عدم الفرق في الحكم كراهة أو تحريماً بين الأرض و غيرها من الأعيان المستأجرة.

فإن كان إجماع كان القول بالكراهة مطلقاً متعيّناً.

و عليها تحمل النصوص الدالّة على الحرمة في الثلاثة المتقدمة في

ص:391


1- الشرائع 2:181.
2- التذكرة 2:291.
3- الكافي 5:4/272،التهذيب 7:919/209،الوسائل 19:129 أبواب الإجارة ب 22 ح 3.
4- المختلف:461؛ و انظر الروضة 4:356.

تلك المعتبرة (1)؛ لصراحتها في الجواز في غيرها،دون لفظ الحرمة فيها، لظهوره فيها،و الظاهر يُدفع بالنص حيث لا يمكن الجمع بينهما كما هو الفرض،للإجماع على عدم الفرق،و الاختلاف في شدّة الكراهة و ضعفها كافٍ لوجه الفرق بين الأرض و غيرها و الثلاثة في المعتبرة كما لا يخفى.

و إن لم يكن إجماع كما هو الظاهر كان الفرق في الحكم بينهما كراهةً في الأوّل و حرمةً في الثاني متّجهاً،كما في الشرائع (2)؛ عملاً بظاهر المعتبرة،مع عدم داعٍ فيها إلى الجمع الذي قدّمناه.

مضافاً إلى تأيّدها بمعتبرة أُخر،منها الصحيح المتقدم في الدار، و قريب منه الآخر:في الرجل يستأجر الدار ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها،قال:« لا يصلح ذلك إلّا أن يحدث فيها شيئاً» (3).

و نفي الصلاحية و إن كان أعمّ من الحرمة إلّا أن التصريح بها في تلك المعتبرة نفى عنه احتمال الكراهة.

و منها في الأجير الصحيحان:عن الرجل يتقبّل العمل فلا يعمل فيه و يدفعه إلى آخر فيربح فيه؟قال:« لا،إلّا أن يكون قد عمل فيه شيئاً» (4).

و الخبر:« لا يصلح ذلك إلّا أن تعالج معهم فيه» قلت:فإني أُذيبه لهم،قال،فقال:« ذلك عمل فلا بأس» (5).

ص:392


1- راجع ص:389.
2- الشرائع 2:150،181.
3- الكافي 5:8/273،التهذيب 7:899/204،الوسائل 19:130 أبواب الاجارة ب 22 ح 4.
4- الكافي 5:1/273،التهذيب 7:923/210،الوسائل 19:132،133 أبواب الإجارة ب 23 ح 1،ح 4.
5- الفقيه 3:698/159،التهذيب 7:927/211،الوسائل 19:134 أبواب الإجارة ب 23 ح 7.

و في آخر:عن الرجل الخيّاط يتقبّل العمل فيقطعه و يعطيه من يخيطه و يستفضل؟قال:« لا بأس،قد عمل فيه» (1)و نحوه غيره (2).

و المستفاد منها ما قدّمناه من الاكتفاء في مقابل الزيادة بعمل ما و لو لم يواز الزيادة،و هو خلاف ما ذكره الماتن في الشرائع (3)و حكاه عن الشيخ في التذكرة (4)مما ظاهره اشتراط كون العمل مقابلاً للزيادة.

و ربما الحق بالثلاثة الرحى؛ للخبر:« إني لأكره أن أستأجر رحى ثم أُؤاجرها بأكثر مما استأجرتها به،إلّا أن يُحدَث فيها حدث أو يغرم فيها غرامة» (5).

و السفينة:للرواية المتقدمة (6).

و قصور سندهما كالدلالة يمنع من أخذهما دليلاً للحرمة،سيّما في مقابلة أدلّة الإباحة،مع إشعار الاُولى بالكراهة.

ص:393


1- التهذيب 7:924/210،الوسائل 19:133 أبواب أحكام الإجارة ب 23 ح 5.
2- الفقيه 3:699/159،التهذيب 7:926/211،الوسائل 19:133 أبواب أحكام الإجارة ب 23 ح 6.
3- الشرائع 2:181.
4- التذكرة 2:291.
5- الكافي 5:9/273،التهذيب 7:900/204،الوسائل 19:130 أبواب أحكام الإجارة ب 22 ح 5.
6- في ص:391.

المساقاة

و أمّا المساقاة فهي لغة:مفاعلة من السقي،و اشتقّ منه دون باقي أعمالها،لأنه أنفعها و أظهرها في أصل الشرعية و هو نخل الحجاز الذي يسقى من الآبار مع كثرة مئونته.

و شرعاً: معاملة على الأُصول الثابتة،كالنخل و الرمان بحصّة من ثمرها و المراد بالثمرة معناها المتعارف؛ للتردّد في صحة هذه المعاملة على ما يقصد ورقه و ورده،كالحنّاء،لمخالفتها كالمزارعة،لما مرّ فيها من الاشتمال على الغرر و الجهالة للأُصول القطعية،فيقتصر فيها على مورد الإجماع و المعتبرة،و ليس منه مفروض المسألة.و لو لوحظ إدخاله أُريد بالثمرة نماء الشجرة،ليدخل فيه الورق المقصود و الورد.

و الأصل في مشروعيّتها عندنا هو الإجماع عليه في الظاهر،و صرّح به في الغنية و التذكرة (1)،و النصوص المعتبرة به مستفيضة،منها الصحيحة المتقدمة في صدر المزارعة (2).

و تلزم المتعاقدين كالإجارة بلا خلاف بيننا،كما في المسالك و غيره (3)؛ لعين ما مرّ في المزارعة فلا تنفسخ إلّا بالتقايل.

و تصحّ المساقاة قبل ظهور الثمرة إجماعاً (4) كما هنا و عن

ص:394


1- الغنية(الجوامع الفقهية):601،التذكرة 2:341.
2- راجع ص:366.
3- المسالك 1:297؛ و انظر الكفاية:122.
4- كلمة إجماعاً ليست في المختصر المطبوع.

التذكرة و في المسالك و شرح الشرائع للمفلح الصيمري و غيرها من كتب الجماعة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أدلّة مشروعية هذه المعاملة؛ إذ لا فرد لها أظهر من مفروض المسألة.

و كذا بعدها إذا بقي للعامل عمل فيه المستزاد في الثمرة، على الأشهر الأظهر بين الطائفة،بل لعلّه عليه عامّتهم،لجهالة القائل بعدم الصحة و إن اشتهر حكايته في كتب الجماعة (2)،فغير بعيد كونه إجماعاً كالأوّل،فيمكن أخذه حجّة.

مضافاً إلى الأصل،و عموم النصوص الدالّة على المشروعيّة،و فحوى ما دلّ على الصحّة في الصورة السابقة،فإن المعاملة حينئذٍ أبعد عن الغرر؛ للوثوق بالثمرة،فتكون أولى مما لو كانت معدومة.

و وجه عدم الصحة أن الثمرة إذا ظهرت فقد حصل المقصود،فصار بمنزلة المضاربة بعد ظهور الربح،و أن المقصود من المساقاة ظهور الثمرة بعمله.و فيهما منع ظاهر.

و لو كان العمل بحيث لولاه لاختلّ حال الثمرة لكن لا يحصل به زيادة،كحفظها من فساد الوحش و الآفة،فمقتضى القاعدة المتقدم إليها الإشارة غير مرة هنا و في المزارعة فساد المعاملة.

و المراد بما فيه مستزاد الثمرة نحو الحرث و السقي و رفع أغصان الكرم على الخشب و تأبير ثمرة النخل،دون نحو الجدار و الحفظ و النقل و قطع الحطب الذي يعمل به الدبس من الأعمال التي لا يستزاد بها الثمرة،

ص:395


1- التذكرة 2:343،المسالك 1:297؛ و انظر التحرير 1:259،و الكفاية:122.
2- كالمهذب البارع 2:572،و الحدائق 21:345.

فإن المساقاة لا تصحّ بها إجماعاً،كما عن التذكرة و في المسالك و الروضة و غيرها من كتب الجماعة (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى ما مرّ من القاعدة.

و حيث لا تصحّ صحّت الإجارة على بقية الأعمال بجزء من الثمرة و الصلح و الجعالة بلا إشكال؛ لعموم أدلّتها السليمة عما تصلح للمعارضة.

و لا تبطل بموتهما و لا بموت أحدهما على الأشبه الأشهر، بل لعلَّه عليه عامّة من تأخّر؛ لما مر في المزارعة (2).

خلافاً للمبسوط،فقال:يبطل عندنا (3).

و هو شاذّ،و الإجماع المستفاد من ظاهر كلامه بمصير كافّة المتأخّرين إلى خلافه مع عدم عثور على موافق له موهون،فالمصير إليه ضعيف.

إلّا أن يشترط المالك تعيين العامل فتنفسخ بموته،بلا خلاف و لا إشكال.

و أمّا الأحكام المترتّبة على موت كلّ منهما فبيانها في المزارعة قد مضى.

و إنما تصحّ المساقاة على كلّ أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه فتصحّ على النخل و الكرم و شجر الفواكه،بلا خلاف فيها و في عدم الصحة في الشجر الغير الثابت،و نحو الوديّ بالدال المهملة بعد الواو المفتوحة و الياء المشدّدة أخيراً و هو صغار النخل،كما في المسالك (4)، بل عليه الإجماع في التذكرة في نحو البطّيخ و الباذنجان و قصب السكّر

ص:396


1- التذكرة 2:343،المسالك 1:297،الروضة 4:311؛ و انظر الكفاية:122.
2- راجع ص:367.
3- المبسوط 3:216.
4- المسالك 1:297.

و البقول (1)؛ و هما الحجة فيهما بعد القاعدة المقتضية لفساد هذه المعاملة في الثاني،و فيما لا ثمرة له إذا كان له ورق ينتفع به،كالتوت الذكر الذي يقصد منه الورق دون الثمر،و الحنّاء.

و فيه وجه للصحة عند جماعة (2)؛ بناءً على أن الورق المقصود منه كالثمرة في المعنى،فيكون مقصود المساقاة حاصلاً به،و في المسالك:

و في بعض الأخبار ما يقتضي دخوله (3).

فإن كان و صحّ الاعتماد عليه باعتبار السند،و إلّا فالأجود المنع،وفاقاً لظاهر العبارة و غيرها (4)،من حيث ظهور الثمرة فيهما في المعنى الخاص وقوفاً على ظاهر القاعدة المتّفق عليها بين الجماعة.

اللّهم إلّا أن يكون هنا تنقيح مناط و علّة،و ليس؛ إذ ليس المنقّح إلّا الإجماع،و هو مفقود لقضيّة الخلاف،و العقل و غايته المظنّة،و ليست بمنقّحة حتى تبلغ درجة القطع،و ليست هنا ببالغة إليها بالضرورة.

قالوا:لو ساقاه على وديّ مغروس إلى مدّة يحمل مثله فيها غالباً صحّ و لو لم يحمل فيها،و إن قصرت المدة المشترطة عن ذلك غالباً أو كان الاحتمال على السواء لم يصحّ.

و علّل الصحة في الصورة الأُولى بأن مرجع المساقاة إلى تجويز ظهور الثمرة و ظنّه بحسب العادة،فإذا حصل المقتضي صحّ مطلقا و إن تخلّف، كما لو ساقاه على شجرة كبيرة و اتّفق عدم الثمرة في المدّة.

ص:397


1- التذكرة 2:342.
2- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 4:313،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 10:125،و السبزواري في الكفاية:123.
3- المسالك 1:297.
4- كالحدائق 21:356.

و منه يظهر وجه عدمها في الثانية.

و في الاُولى لا اجرة له على جميع العمل؛ لقدومه على ذلك، و المعتبر في صحة المساقاة ظنّ ثمرة و لو في آخر المدة،كما لو ساقاه عشر سنين و كانت الثمرة لا تتوقع إلّا في العاشرة،و حينئذٍ فتكون الثمرة في مقابلة جميع العمل،و لا يقدح خلوّ باقي السنين،فإنّ المعتبر حصول الثمرة ظنّاً في مجموع المدة لا في جميع أجزائها.

و في الثانية له اجرة المثل مع جهله بالفساد،كما قالوه في هذه المعاملة حيثما خرجت فاسدة.

و يشترط فيها ذكر المدة المعلومة التي يمكن حصول الثمرة فيها غالباً و لو بالمظنة،كما مرّ إليه الإشارة،و عليه في الجملة الإجماع في المسالك (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى لزوم هذه المعاملة،و لا معنى لوجوب الوفاء بها دائماً و لا إلى مدة غير معلومة،و لا سنة واحدة؛ لاستحالة الترجيح من غير مرجّح.

و في اشتراط تعيينها بما لا يحتمل الزيادة و النقيصة دون غيره كقدوم الحاج و إدراك الغلّة و إن كانت هي الغلّة المعامل عليها،أم الاكتفاء بتقديرها بثمرة المساقي عليها قولان.و الأوّل أشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر إلّا من ندر ممن تأخّر (2)؛ وقوفاً فيما خالف الأصل و احتمل الجهالة و الغرر على موضع اليقين من الإجماع و النص.

ص:398


1- المسالك 1:298.
2- انظر مجمع الفائدة 10:128.

و على الثاني الإسكافي (1)؛ نظراً إلى أنه بالنسبة إلى ثبوته عادة كالمعلوم،و أن المقصود منها هو العمل إلى إكمالها،و أن العقد مبني على الغرر و الجهالة،فلا يقدحان فيه.

و للصحيح:عن الرجل يعطي الرجل أرضه فيها الرمان و النخل و الفاكهة فيقول:اسق هذا و اعمره و لك نصف ما خرج،قال:« لا بأس» (2).

و له وجه؛ للدليل الأوّل دون الباقي،لضعفها،سيّما الأخير،لما مرّ في المزارعة (3)،و لكنه شاذّ فالمصير إليه ضعيف.

و يلزم العامل من العمل مع إطلاق العقد ما دلّ عليه العرف و العادة مما فيه مستزاد الثمرة خاصّة،كما عن الإسكافي (4)،و تشعر به ظاهر العبارة،أو إصلاحها أيضاً،كما عليه أكثر متأخّري الطائفة (5).

و ضابطه كما ذكره الأصحاب ما يتكرّر كلّ سنة،كإصلاح الأجاجين (6)،و إزالة الحشيش المضرّ بالأُصول،و قطع ما يحتاج إلى القطع من أغصان الشجر و النخل،و إصلاح الأرض بالحرث و الحفر حسب ما يحتاج إليه،و السقي،و التلقيح،و العمل بالناضح،و تعديل الثمرة بإزالة ما يضرّ بها من الأغصان و الأوراق لإيصال الهواء إليها و ما تحتاج إليه من الشمس،و لقاط الثمرة بمجرى العادة،و حفظها،إلى غير ذلك.

ص:399


1- كما حكاه عنه في المسالك 1:298.
2- الكافي 5:2/268،الفقيه 3:678/154،التهذيب 7:876/198،الوسائل 19:44 أبواب المزارعة و المساقاة ب 9 ح 2.
3- راجع ص:366.
4- على ما نقله عنه في المختلف:472.
5- كالمحقق في الشرائع 2:156،و العلّامة في القواعد 1:240،و الشهيد الثاني في الروضة 4:313.
6- الأجاجين جمع الإجّانة و هي موقع الماء تحت الشجرة.مجمع البحرين 6:197.

و على المالك القيام بما يقتضي العرف و العادة قيامه به.

و ضابطه كما ذكروه ما لا يتكرّر كلّ سنة،و إن عرض له في بعض الأحوال التكرّر،ممّا يتعلّق نفعه بالأُصول بالذات و إن حصل منه النفع للثمرة بالعرض،فإنه على المالك دون العامل،ك بناء الجدران و عمل النواضح و حفر الأنهار و الآبار،و ما يسقى بها من دالية أو دولاب أو نحو ذلك.

و الأكثر كما في المسالك و غيره (1)على أن الكُشّ (2)للتلقيح على المالك.خلافاً للحلّي،فعلى العامل (3).

و في التذكرة أنّ شراء الزبل و أُجرة نقله على ربّ المال (4).

و الأقوى في ذلك كلّه الرجوع إلى المتعارف في كلّ بلد أو قرية فإنه الأصل في أمثال هذه المسائل.

و كذا خراج الأرض على المالك؛ لعين ما مرّ في المزارعة (5).

إلّا أن يشترط شيء من ذلك على العامل فيلزمه بعد أن يكون معلوماً.و لا فرق بين أن يكون المشترط عليه جميعه أو بعضه،بلا خلاف إلّا من الإسكافي (6)في اشتراط المالك على العامل إحداث أصل جديد من حفر بئر أو غرس يأتي به لا يكون للمساقي في ثمرته حقّ.

ص:400


1- المسالك 1:298؛ و انظر القواعد 1:240.
2- الكُشّ:ما يُلْقح به النخل.لسان العرب 6:342.
3- السرائر 2:451.
4- التذكرة 2:346.
5- راجع ص:378.
6- كما حكاه عنه في المختلف:472.

و هو شاذّ،و المصير إلى الأوّل متعيّن؛ لعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط.

و منه يظهر الوجه في لزوم الشرط في صورة العكس،و هي اشتراط العامل ما عليه على المالك،لكن فيها يفرق بين صورتي اشتراط الجميع و البعض،فيبطل في الأُولى؛ لمنافاته لمقتضى العقد.

و لا خلاف فيه و في أصل الاشتراط مطلقاً،كان المشروط أقلّ أو أكثر،بل في ظاهر المسالك الإجماع عليه (1)،إلّا من المبسوط،كما في المختلف (2)فيما إذا ساقاه بالنصف على أن يعمل ربّ المال معه،فأبطل به المساقاة،بناءً على أن وضعها على أن مِن ربّ المال المال و مِن العامل العمل كما في القراض.

و فيه على إطلاقه منع،مع أنه منقوض بتسويغه اشتراط العامل على المالك أن يعمل معه غلامه،و أن يكون على المالك بعض العمل،فيلكن هذا مثل ذلك؛ لأنه من قبيله،بل قيل:إنه نفسه (3).

و منه أيضاً (4)فيما إذا ساقاه على أن اجرة الأُجراء الذين يعملون معه و يستعان بهم من الثمرة،فأفسد به المساقاة؛ لاستلزامه كون المال و العمل معاً من ربّ المال،و هو منافٍ لوضعها،كما مرّ.

و هو حسن إن لم يبق للعامل عمل يستزاد به الثمرة،و إلّا فهو محلّ مناقشة،بل ظاهر المختلف و صريح المهذب (5)الاكتفاء في الصحة بمجرّد

ص:401


1- المسالك 1:298.
2- المختلف:472،و هو في المبسوط 3:211.
3- كما في المختلف:472.
4- المبسوط 3:217.
5- المختلف:472،المهذب البارع 2:574.

العمل و إن لم يكن فيه مستزاد للثمرة،كالحفظ و التشميس و الكبس في الظروف و نحو ذلك.و لا ريب في ضعفه.

و لا بُدّ أن تكون الفائدة مشاعة كما في المزارعة،بلا خلاف؛ لعين ما مرّ فيها من الأدلّة (1) فلو اختصّ بها أحدهما لم تصحّ المساقاة؛ لفقد شرطها.

لكن يختلف الحكم في ذلك بين ما لو كان المشروط له جميعها العامل أو المالك،فإن كان الأوّل كان الثمرة كلها للمالك،و للعامل اجرة المثل مع جهله بالفساد،كما هو الحكم في كلّ مساقاة باطلة،و سيأتي إليه و إلى وجهه الإشارة (2).

و إن كان الثاني فالأقوى أنه لا اجرة له؛ لدخوله في العمل على وجه التبرّع فلا اجرة له و لا حصّة،كما في البضاعة.

و فيه احتمال ضعيف بثبوت الأُجرة.

و نحو اختصاص أحدهما بالفائدة في بطلان المعاملة ما لو شرط لنفسه شيئاً معيّناً و ما زاد بينهما،أو قدّر لنفسه أرطالاً أو ثمرة نخلة معيّنة.

و وجه البطلان فيهما بالخصوص مرّ في المزارعة فيما حكيناه من كلام ابن زهرة (3).

و يجوز اختلاف الحصّة في الأنواع،كالنصف من العنب و الثلث من الرطب،أو النوع الفلاني،إذا علما الأنواع؛ حذراً من وقوع أقلّ الجزءين لأكثر الجنسين مع الجهل بها فيحصل الغرر.

ص:402


1- راجع ص:368.
2- في ص:405.
3- راجع ص:369.

و لو ساقاه بالنصف إن سقى بالناضح و بالثلث إن سقى بالسائح بطلت،على الأشهر الأظهر؛ لأن الحصّة لم تتعين،و إن هي حينئذٍ إلّا كالبيع بثمنين إلى أجلين مختلفين،و المعتمد فيه البطلان،كما مرّ في بحثه (1).

و يحتمل الصحة إن قيل بها ثمّة و كان مستندها منع الجهالة دون الرواية خاصّة.

و إن كانت هي الحجة خاصّة فيها ثمة كانت الصحة هنا ممتنعة؛ للجهالة،مع عدم وجود مخصّص لحكمها من إجماع أو رواية،و إلحاقها بالبيع قياس فاسد في الشريعة.

و تملك الفائدة بالظهور من دون توقّف على بدوّ الصلاح، بلا خلاف بيننا كما في المسالك،و فيه عن التذكرة الإجماع عليه (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى ما مرّ في المضاربة (3)،و لذا تجب الزكاة على كلّ من المالك و العامل إذا بلغ نصيبه الزكاة،لوجود شرط الوجوب و هو تعلّق الوجوب بها على ملكه.

خلافاً للغنية (4)،فأسقطها من العامل؛ محتجّاً بأن حصّته كالأُجرة.

و هو ضعيف غايته،بل انعقد الإجماع ممن بعده على فساد ما ذكره؛ لأن الأُجرة إذا كانت ثمرة أو زرعاً قبل تعلّق الوجوب وجبت الزكاة على الأجير،كما لو ملكها كذلك بأيّ وجه كان،و إن أراد كالأُجرة بعد ذلك فليس محل النزاع إلّا أن يذهب إلى أن الحصة لا يملكها العامل بالظهور،

ص:403


1- راجع ص:333 من ج 8.
2- المسالك 1:302،و هو في التذكرة 2:349.
3- راجع ص:352.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):602.

بل بعد بدوّ الصلاح و تعلّق الزكاة،لكنه خلاف الإجماع،و مع ذلك لا يتمّ التعليل بالأُجرة؛ لاجتماعها مع وجوب الزكاة فيها كما عرفت،بل اللازم التعليل بتأخّر ملكه عن الوجوب.

و لو كان المساقاة بعد تعلّق الزكاة و جوّزناها بأن بقي من العمل ما فيه مستزاد الثمرة حيث جوّزناها مع ذلك اتّجه ما ذكره من وجوب الزكاة في حصّة العامل على المالك؛ لتعلق الوجوب بها على ملكه.

و إذا اختلَّ أحد شروط المساقاة المعتبرة في صحتها كانت الفائدة للمالك لأنها تابعة لأصلها،و لا ناقل سوى العقد،و قد بطل بحكم الفرض.

و للعامل الأُجرة أُجرة المثل إذا لم يكن عالماً بالفساد،و لم يكن الفساد بشرط عدم الحصّة للعامل؛ لأنه لم يتبرّع بعمله و لم يحصل له العوض المشروط له فيرجع إلى الأُجرة.و لا كذلك مع أحد الأمرين؛ لقدومه حينئذٍ على أن لا شيء له.

و لا خلاف و لا إشكال في شيء من ذلك إلّا في استحقاقه الأُجرة حيث يستحقها لو زادت عن الحصّة،فأحتمل في المسالك الاكتفاء بها عن الأُجرة؛ لقدومه على أن لا يكون له سواها في مقابلة عمله،حتى لو كانت في مقابلة عشر العمل لكان مسقطاً للزائد،فيكون متبرّعاً للزائد على هذا التقدير،كما تبرّع به على تقدير اشتراط جميع الثمرة للمالك،و على تقدير عليه بالفساد (1).

و فيه أوّلاً:أن ذلك لو صلح دليلاً للاكتفاء بالحصّة عن الأُجرة الزائدة

ص:404


1- المسالك 1:299.

لصلح دليلاً لنفي الأُجرة بالمرّة حيث لا تحصل فائدة بالكلية؛ لقدومه على أن لا شيء له لو فسدت الثمرة و لم تكن هناك فائدة،و ليت شعري كيف لم يستدلّ به على ذلك مع كونه أوفق بالأصل؟! و ثانياً:بأن الحصّة إنما وجبت بحيث لا تجوز الزيادة و لا النقيصة، من حيث اشتراطها في العقد اللازم على تقدير الصحة،و صار الحكم في المسألة مبنياً على قاعدة أُخرى من كونه عملاً موجباً للأُجرة،و أن الداخل فيه إنما دخل بذلك و لكن لا تسلم له،لظهور فساد المعاملة،فلا بُدّ لعمله من اجرة،و رضا العامل بتلك الحصّة على تقدير صحة المعاملة لا مدخل له في مفروض المسألة،لمغايرتهما،و رضاه بالأقلّ ثمّة لا يوجب الحكم به عليه هنا إلّا أن يتجدّد رضا آخر منه بذلك،و المفروض عدمه،و إلّا فلا كلام معه.

و ثالثاً:بما ذكره في الكتاب المشار إليه من أنه لم يقدم على التبرّع بعمله أصلاً،بل كما يحتمل أن تكون الحصّة قاصرة عن مقابلة العمل يحتمل مساواتها له و زيادتها عليه أضعافاً مضاعفة،فهو قادم على عمل محتمل للزيادة و النقيصة،فليس متبرّعاً به بالكلية،و إن احتمل قصورها في بعض الأزمنة،بخلاف العالم و شارط جميع الحصة للمالك،فإنه في ابتداء الأمر قادم على التبرّع المحض على أيّ تقدير.

و يكره أن يشترط المالك (1) على العامل شيئاً من ذهب أو فضة و لكن يجب الوفاء به لو شرط عملاً بما دلّ على لزومه من الكتاب و السنة ما لم تتلف الثمرة يُخرج منها شيء،و لو تلفت أو عدمت

ص:405


1- في المختصر المطبوع زيادة:مع الحصّة.

لم يجب الوفاء به.

بلا خلاف في شيء من ذلك حتى الكراهة،كما في المسالك (1)، و علّلت مع ذلك في المهذب و غيره (2)بجواز كون الخارج بقدر الشرط أو أقل،فيكون عمله ضائعاً موجباً للضرر المنفي عقلاً و شرعاً،مع احتمال خروج العامل بذلك عن الرشد و دخوله في السفهاء.و فيه نظر.

و وجّه في المسالك و غيره (3)سقوط المشروط مع تلف الثمرة أو عدمها بأجمعها أنه لولاه لكان أكل مال بالباطل؛ فإن العامل قد عمل و لم يحصل له عوض فلا أقلّ من خروجه رأساً برأس.

نعم،لو كان الشرط للعامل على المالك اتّجه عدم سقوطه؛ لأن العوض من قبل العامل و هو العمل قد حصل،و الشرط بالعقد قد وجب،فلا وجه لسقوطه.

و ربما قيل بمساواته الأوّل (4).و هو ضعيف.

و لو كان التالف في الصورة الأُولى البعض خاصة فهل يسقط من المشروط بالنسبة؛ لمقابلة الأجزاء بالأجزاء حيث قوبلت الجملة بالجملة؟ أو لا؛ لأصالة العدم،و أن المعتبر حصول عوض العمل و لا اعتبار بكثرته و قلّته،و من ثمّ لا يسقط من العمل شيء بتلف بعض الثمرة أو أكثرها؟ قولان،أجودهما الثاني،وفاقاً للشهيد الثاني (5).خلافاً للمحكي في بعض الحواشي عن المحقق الثاني.

ص:406


1- المسالك 1:229.
2- المهذّب البارع 2:575؛ و انظر مجمع الفائدة 10:130.
3- المسالك 1:299؛ و انظر جامع المقاصد 7:370.
4- حكاه في جامع المقاصد 7:370،عن ظاهر إطلاق عبارة التذكرة و التحرير.
5- المسالك 1:299.

و لا يخلو عن قوّة حيث لا يكون الباقي من الثمرة يوازي العمل لقلّته؛ بناءً على انسحاب علّة السقوط في صورة تلف الثمرة بأجمعها هنا، إلّا أنها لمّا لا يخلو عن شيء من أصلها و كان الإجماع هو العمدة في علّة السقوط في تلك الصورة كان عدمه هنا أقوى؛ عملاً بالأصل الدالّ على لزوم الوفاء.

و هل يلحق باشتراط الذهب و الفضة في الجواز مع الكراهة اشتراط حصّة من الأُصول الثابتة؟ قولان؛ لعموم دليل الجواز في الملحق به،و أنّ مقتضى المساقاة جعل الحصّة من الفائدة،و أن الحصّة من الأُصول تدخل في ملكه، فلا يكون العمل المبذول في مقابلة الحصة واقعاً في ملك المالك، و لا واجباً بالعقد؛ إذ لا يعقل أن يشترط العمل في ملك نفسه.

و منه يظهر الوجه في الفرق بينه و بين اشتراط النقدين،و حاصله أنه فرق بين أن يكون الشرط من غير المال الذي يعمل به و بين أن يكون منه؛ لأن جعل العوض الحاصل للعامل و هو الحصّة من النماء إنما هو في مقابلة العمل بجميع المال المعقود عليه،و إذا صار له جزء من الأصل لم يحصل العمل بجميع المال المملوك للمالك،فلم يستحق مجموع الحصة المشترطة؛ لإخلاله بالشرط و هو العمل بالجميع،فيبطل العقد.

و فيه نظر؛ لاحتمال أن يكون اشتراط الحصة من الأصل كالاستثناء من العمل بجميع المال المملوك،و بياناً لأن ما يستحقه من الحصّة من الثمرة بعضها في مقابلة العمل بما يخصّ المالك من الأُصول الثابتة و الباقي بتبعيّته للملك الحاصل له بالشرط في العقد اللازم.

و مع هذا فالمنع أوجه،وفاقاً للأكثر،كالطوسي و الحلّي و فخر الدين

ص:407

و المسالك و المفلح الصيمري (1)،بل لم أقف على مخالف صريحاً،بل و لا ظاهراً عدا الماتن في الشرائع (2)،حيث تردّد،و نحوه الفاضل في القواعد (3)،بعد جزمهما بالمنع،اقتصاراً في هذه المعاملة المخالفة للأُصول على المجمع عليه المتيقن.

ص:408


1- الطوسي في المبسوط 3:211،الحلي في السرائر 2:455،فخر الدين في إيضاح الفوائد 2:294،المسالك 1:299.
2- الشرائع 2:157.
3- القواعد 1:240.

كتاب الوديعة و العارية

اشارة

كتاب الوديعة و العارية

الوديعة

أمّا الوديعة:فهي استنابة في الاحتفاظ خاصّة،فخرج نحو الوكالة و المضاربة و الإجارة؛ لأنَّها استنابة فيه مع شيء زائد و هو التصرف، بل هو المقصود بالذات منها دون الاستنابة،بعكس الوديعة،لكونها المقصود بالذات فيها دون أمر آخر.

و الأصل فيها بعد إجماع الأُمة المحكي في كلام جماعة،كالغنية و المهذب و التذكرة (1)الكتاب،و السنة المتواترة الخاصيّة و العاميّة،قال اللّه سبحانه إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [1] (2).و في النبوي العامي:« أدّ الأمانة إلى من ائتمنك و لا تخن من خانك» (3)و نحوه الخاصيّة المتواترة التي سيأتي إلى جملة منها الإشارة (4).

و تفتقر إلى الإيجاب و القبول قولاً كان كلّ منهما أو فعلاً و لا يشترط في القول حيث إنها من العقود الجائرة الصراحة بل يكتفي فيه بنحو من التلويح و الإشارة إذا كانت لمعناها مفهمة.

و وجه الاكتفاء بالقبول الفعلي أنه ربما كان أقوى من القولي باعتبار التزامه دخولها حينئذٍ في ضمانه مع التقصير؛ لعموم:« على اليد ما أخذت

ص:409


1- الغنية(الجوامع الفقهية):600،المهذب البارع 3:7،التذكرة 2:196.
2- النساء:58.
3- تفسير أبي الفتوح الرازي 2:526،المستدرك 14:11 أبواب كتاب الوديعة ب 2 ح 13.
4- في ص:413.

حتى تؤدّي» (1).

و قيل:إن كان الإيجاب بلفظ:أودعتك،و شبهه وجب القبول لفظاً، و إن قال:احفظه،و نحوه لم يفتقر إلى اللفظ (2).

و وجهه غير واضح،كما صرّح به من متأخّري متأخري الأصحاب جماعة (3).

و كيف كان،فلا يجب المقارنة بين الإيجاب و القبول،بلا خلاف يظهر،و به صرّح في المفاتيح (4).و لا ريب فيه و لا شبهة حيث يكون القبول فعليّاً،و لو كان قوليّاً ففيه نوع مناقشة لولا حكاية عدم الخلاف التي هي حجة عامّة،مؤيّدة بإطلاقات أخبار الوديعة.

و لو طرحه عنده من غير ما يدلّ على الإيداع من قرينة و لو حالية و لم يحصل القبول فعلاً لم يلزم الحفظ مطلقاً،بلا خلاف يظهر،إلّا من الكفاية حيث أثبت الوديعة لو حصل ثمّة قبول لفظي،مدّعياً كون مجرّد الطرح دالاّ على الوديعة (5).

و فيه مناقشة حيث لم تنضمّ إليه قرينة من عرف أو عادة.

و حيث لم تثبت،لو ذهب المستودَع و تركه فلا ضمان عليه؛ للأصل.

لكن قيل:يأثم إن كان ذهابه بعد غيبة المالك؛ لوجوب الحفظ من باب الإعانة على البرّ و معاونة المحتاج على الكفاية (6).

ص:410


1- مستدرك الحاكم 2:47،عوالي اللئلئ 2:10/345،سنن البيهقي 6:90.
2- حكاه في التذكرة 2:197 عن بعض العامّة،و قال في المسالك 1:303:و هو كلام موجّه.
3- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة 10:274،و تنظّر فيه في الكفاية:132.
4- مفاتيح الشرائع 3:162.
5- الكفاية:132.
6- المسالك 1:303.

و في كونه فسخاً للوديعة حيث ثبت قول،جزم به في التذكرة (1).

و هو حسن إن قرنه ما يدلّ عليه،و إلّا فهو محل مناقشة،سيّما إذا كان القبول فعلاً؛ لأصالة بقاء حكم الوديعة،و عموم الرواية المتقدمة.

و لو حصل ذلك بعد غيبة المالك ضمن قولاً واحداً.و لا ريب فيه حيث يكون تفريطاً،و لعلّه مراد الجماعة.

و يشترط فيهما الاختيار بلا خلاف و لا إشكال،فلو اكره المودِع في الإيداع لم يؤثّر؛ لعدم الإذن في الاستنابة حقيقة.و كذا لو اكره المستودَع على القبض لم يضمن مطلقاً،إلّا مع الإتلاف،أو وضع يده عليه بعد ذلك مختاراً،فيضمن حينئذٍ جدّاً؛ لعموم الخبر المتقدّم.

و هل تصير بذلك حينئذٍ وديعة لا يجب ردّها إلّا مع طلب المالك أو من يقوم مقامه،أو أمانة شرعية يجب إيصالها إلى المستحق فوراً،و بدونه يضمن مطلقاً؟وجهان.

و ربما يفرق بين وضع اليد عليها اختياراً بنية الاستيداع و عدمه، فيضمن على الثاني مع الإخلال بما يجب عليه دون الأوّل؛ إعطاءً لكلّ واحد حكمه الأصلي.

و لا يخلو عن وجه،و إن كان الثاني أوجه؛ لكونه الموافق للأصل الدالّ على عدم جواز التصرف في ملك الغير،و وجوب إيصاله إليه فوراً، خرج منه الوديعة المعلومة إجماعاً،فتوًى و نصّاً،و بقي ما عداها و لو ما يشك كونه وديعة كما هو الفرض؛ للشك في تأثير الإذن السابق في ثبوتها داخلاً تحته جدّاً،مع أنه أحوط و أولى.

ص:411


1- التذكرة 2:197.

و مما حققناه ظهر وجه الفرق بين الأمانتين،و ضابطه:أنه مع وضع اليد بإذن المالك أو مَن في حكمه يكون وديعة،و بدونه مع عدم الغصب أمانة شرعية.

و وجه الضمان فيها مع الإخلال بما يجب عليه من الردّ فوراً بعد الإجماع الخبر المتقدّم،و هو و إن عمّ صورة عدم الإخلال بذلك أيضاً إلّا أنها مخصّصة بالإجماع المتأيّد بالأصل و الاعتبار جدّاً.

و يجب على المستودَع أن يحفظ كلّ وديعة قَبِلَها لفظاً أو فعلاً،بلا خلاف و لا إشكال في الثاني؛ لعموم الخبر المتقدم.و كذا في الأوّل مطلقاً و لو فسخ عقدها و خرج عن الاستيداع،فيجب إلى أن يردّها إلى مالكها؛ لاستلزام تركه إضاعة المال المنهيّ عنها في الشريعة،مع استلزامه الضرر على المالك بتغريره له بقبولها،و هو منفي قطعاً،فتوى و رواية.

مضافاً إلى إطلاق الأدلّة من الكتاب و السنة بردّ الأمانة الشامل لمفروض المسألة،و لا يتمّ إلّا بالحفظ،فيجب و لو من باب المقدمة.

فمنها زيادة على ما مرّ إليه الإشارة المستفيضة،منها:« أدّوا الأمانات إلى أهلها و إن كانوا مجوساً» (1).و في آخر:« و لو إلى قاتل أولاد الأنبياء» (2).

و منها:« لو أنّ قاتل علي عليه السلام ائتمنني على أمانة لأدّيتها إليه» (3)

ص:412


1- الكافي 5:2/132،التهذيب 6:993/351،الوسائل 19:73 أبواب أحكام الوديعة ب 2 ح 5.
2- الكافي 5:/133 3،الخصال:614،الوسائل 19:73،76 أبواب الوديعة ب 2 ح 6،14.
3- الكافي 5:4/133،الوسائل 19:72 أبواب أحكام الوديعة ب 2 ح 2،و رواه الصدوق في أماليه:5/204 عن عمر بن يزيد.

و بمعناه غيره (1)،إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

و أسانيدها و إن كانت ما بين ضعيفة و قاصرة عن الصحّة إلّا أنها بالإجماع و ظاهر الكتاب المؤيّد بما قدّمناه منجبرة،مع قوّة احتمال كونها متواترة،فترتفع المناقشة في السند من أصلها بالمرة،هذا.

مضافاً إلى ما سيأتي من المعتبرة الدالّة على الضمان مع مخالفة أمر المالك في المحافظة،و بالجملة لا شبهة في المسألة.

و ينبغي أن يكون الحفظ بما جرت به العادة من مكان الوديعة و زمانها؛ لعدم التعيين من قبل الشارع فيرجع إليها،فليحرز نحو الثوب و النقد في الصندوق المقفل أو الموضوع في بيت محرز عمن يخاف منه عليه عادة،لا عن الغير مطلقاً كما في المسالك و الروضة و عن التذكرة (2)؛ لعدم اعتبار مثله في الحفظ عادة،بل يعدّ الحفظ بما ذكرناه حفظاً و لو لم يحرز عمن لا يخاف منه عليه كالأهل و الشريك جدّاً،فاعتبار الحرز عن الغير مطلقاً كما في الكتب المشار إليها غير سديد قطعاً.

و الدابة في الإصطبل المضبوط بالغلق.

و الشاة في المراح كذلك،أو المحفوظ بنظر المستودع.

و هذه الثلاثة مما جرت العادة بكونها حرزاً لما ذكر،و قد يفتقر إلى أمر آخر،ككون الصندوق المذكور كبيراً،أو موضوعاً في محل لا يعتاد سرقته منه،أو يقوم غيرها مقامها عادة،كوضع الدابة في بيت السكنى،أو الشاة في داره المضبوطة.

ص:413


1- الكافي 5:5/133،التهذيب 6:994/351،الوسائل 19:74 أبواب أحكام الوديعة ب 2 ح 8.
2- المسالك 1:305،الروضة 4:239،التذكرة 2:200.

و بالجملة الضابط ما يعدّ به في العرف حافظاً غير مقصّر في الحفظ أصلاً،و هو يختلف باختلاف الأحوال و العادات جدّاً،و إنما ذكرت الأمثلة و نحوها في عبارات الأصحاب توضيحاً.

و لا فرق في وجوب الحرز على المستودع بين من يملكه و غيره، و لا بين من يعلم المودع أنه لا حرز له و غيره،فلو أودعه دابَّة مع علمه أنه لا إصطبل له أو مالاً مع علمه بأنه لا صندوق له لم يكن عذراً،فيضمن مع عدم الحفظ.

ثم إنّ كلّ ذا إذا لم يعيّن المالك حرزاً و لو عيّن المالك حرزاً اقتصر عليه وجوباً،بلا خلاف فيه في الجملة، و لو نقلها إلى أدون أو أحرز ضمن إجماعاً في الأوّل،كما في الغنية و المسالك (1).

و وفاقاً للمحكي عن الحلّي و المحقق الثاني و المسالك و الروضة (2)في الثاني؛ عملاً بمقتضى التعيين،و اختلاف الأغراض في ذلك.

و به يظهر حكم النقل إلى المساوي بفحوى الخطاب.

خلافاً للشيخ (3)رحمه الله فيه.و هو قياس باطل،إلّا أن يكون هناك قرينة حال أو مقال دالّة على أن المراد من التعيين نفس الحفظ دون خصوصيّة المحل،و لعلّه غير محل النزاع.

و للأكثر و منهم الحليّ (4)،كما يظهر من عبارته المحكية لي،بل ادّعي عليه الإجماع في الأحرز،فجوّزوا النقل إليه.

ص:414


1- الغنية(الجوامع الفقهية):600،المسالك 1:305.
2- لم نعثر على قول الحلّي في السرائر،المحقق الثاني في جامع المقاصد 6:35،المسالك 1:305،الروضة 4:237.
3- كما في المبسوط 4:141.
4- السرائر 2:440.

و هو أظهر؛ لدلالة العرف عليه.و اختلاف الأغراض مع الجهل بأن المقصود من التعيين هو الخصوصية غير قادح،كيف لا و مراعاته في عدم الأخذ بالأولوية في مفروض المسألة توجب انسداد باب إثبات الأحكام الشرعية بها بطريق أولى بالضرورة،و لم يقل به هؤلاء الجماعة.

نعم،لو علم قصد الخصوصية بالنهي عن النقل إليه و نحوه اتّجه المنع،و لا خلاف فيه،بل في التنقيح و المسالك (1)الإجماع عليه؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأدلّة المتقدمة.

فيضمن حينئذٍ إلّا مع الخوف ببقائها فيه من التلف و نحوه علماً أو ظنّاً متاخماً له أو مطلقاً،لا مع الشك،و أولى منه دونه،فيجوز النقل في الأوّلين و لا ضمان،بلا خلاف و لو قال:و لو تلفت؛ لأنه محسن و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [1] (2).بل الظاهر الوجوب كما قالوه؛ لوجوب الحفظ عليه،و لا يتمّ إلّا بذلك،و لا دليل على سقوطه بنهي المالك عنه مطلقاً،فإن غايته إيجاب شيء آخر عليه و هو المحل،و سقوطه بتعذّره لمكان الخوف لا يوجب سقوط الواجب الآخر الذي أمر به الشارع.

مع احتمال الوجوب فيما لو قال:و لو تلفت،من وجه آخر،و هو ثبوت نوع سفاهة للمودع بقوله ذلك،فيجب الحفظ عليه لذلك،كمال الطفل و المجنون إذا وقع في يده.

نعم،قالوا:لا ضمان عليه بعدم النقل حينئذٍ و إن أثم؛ لإسقاط المالك ذلك عنه،مضافاً إلى الأصل،و بهما يخصّص عموم على اليد،و لعلّ

ص:415


1- التنقيح الرائع 2:238،المسالك 1:306.
2- التوبة:91.

مرادهم صورة لم تستلزم سفاهة المودِع.

و لا كذلك لو لم ينهه؛ لانصراف التعيين إلى غير صورة الخوف من التلف بالبقاء في المعيّن،فلا إسقاط من المالك للضمان،بخلاف ما لو نهى عن النقل،و سيّما لو قال:و لو تلفت؛ لاستلزامه سيّما الثاني الإسقاط، مع احتمال العدم في الأوّل،لعدم الصراحة في الإسقاط،فيؤخذ حينئذٍ بعموم على اليد.

ثم إن جواز النقل إلى الغير مع الخوف في صورة النهي يستلزمه في غيرها حيث يمنع فيه بدونه بطريق أولى،و لا ضمان؛ للإذن من الشارع، مع عموم نفي السبيل.

و لا خلاف فيه إلّا من الفاضل (1)،فأثبت الضمان؛ و لعلّه لعموم:على اليد،و هو معارض بالعموم المتقدّم المتأيّد بالأصل و الاعتبار.

و فيه قول بالتفصيل (2)ضعيف كالآخر.

و لو احتاج النقل حيث جاز إلى الأُجرة ففي الرجوع بها على المالك مع نيّته كما في المسالك (3)،أو لا مطلقاً كما عن التذكرة (4)وجهان،من الأصل،و نفي الضرر.و لعلّه أوجه و أحوط للمالك،و إن كان العدم للمستودَع أحوط.

و في اشتراط كون المنقول إليه أحرز أو مساوياً مع إمكانهما بالترتيب ثم الأدون،أم لا،بل يجوز إلى الأخيرين مطلقاً،الأحوط الأوّل،و بتعيّنه

ص:416


1- كما في التحرير 1:266.
2- كما في التحرير 1:266.
3- المسالك 1:306.
4- التذكرة 2:204.

صرّح في المسالك (1)؛ اقتصاراً في انتفاء الضمان عنه مع لزومه عليه بعموم النص على المتيقّن.

خلافاً لظاهر إطلاق العبارة و كثير من عبائر الجماعة؛ رجوعاً إلى حكم الوديعة بعد تعذّر المعيّن،و إن هو حينئذٍ إلّا كما لو لم يعيّن،و الحكم فيه ذلك بلا خلاف.

و يمكن الفرق بين ما لو كان المقصود من التعيين الأحرزية فالأوّل، و إلّا فالثاني،و لعلّه مراد القائل بالأوّل و إن أطلق؛ لاحتمال الإطلاق الحمل على الشق الأوّل بناءً على أنه المقصود من التعيين غالباً،و هذا أوجه،و إن كان الأوّل على إطلاقه أحوط.

و هي جائزة من الطرفين بلا خلاف،كما في المسالك و غيره (2)؛ و هو الحجة المخصّصة لأدلّة لزوم الوفاء بالعقود إن قلنا بكونها منها كما هو المشهور،و إن قلنا بكونها إذناً فقط ارتفع الإشكال من أصله و لا احتياج إلى تخصيص.

و كيف كان،فللمودِع مطالبتها متى شاء،و للمستودَع ردّها كذلك، لكن مع وجود المالك أو وكيله لا يبرأ إلّا بردّها عليه دون الحاكم؛ إذ لا ولاية له على الحاضر الرشيد.

و مع فقدهما يجوز دفعها إلى الحاكم مع العذر،كالعجز عن حفظها، أو الخوف عليها من السرق أو الحرق،أو نحو ذلك من الأعذار؛ لأن له ولاية على الغائب على هذا الوجه لا بدونه،لالتزامه بالحفظ بنفسه فلا يبرأ إلّا بدفعها إلى المالك أو وكيله.

ص:417


1- المسالك 1:306.
2- المسالك 1:304؛ و انظر مجمع الفائدة 10:276،الكفاية:132.

مع أن المالك لم يرض بيد غيره،و لا ضرورة له إلى إخراجها من يده،فليحفظها إلى أن يجدهما أو يتجدّد له عذر.

و لا خلاف في شيء من ذلك بيننا و بين جماعة من العامّة،و كذا في جواز إيداعها من ثقة،و أنه مع تعذّر الحاكم.أما مع القدرة عليه فلا،حكاه في المسالك و غيره (1)،بل عن التذكرة (2)الإجماع عليه؛ و هو الحجة، مضافاً إلى ما مرّ من الأدلّة.

و في الأوّل عن بعض العامة جواز الدفع إلى الحاكم عند تعذّر المالك مطلقاً؛ لأنه بمنزلة الوكيل،و نفى عنه البعد فيه.

و ليس بوجه،سيّما مع دعواه عدم الخلاف في خلافه،فيجب المصير إليه،مع أنه أحوط.

و في وجوب قبول الحاكم إياها حيث جاز ردّها إليه،أم العدم وجهان،أحوطهما الأوّل.

و يأتيان مع الاحتياط فيما لو حمل المديون الدين إليه مع غيبة المدين،أو الغاصب المغصوب أو بدله عند تلفه،و غير ذلك من الأمانات التي يليها الحاكم.

و يجوز السفر بها بعد ذلك كلّه لا مطلقاً،إلّا أن يخاف عليها مع الإيداع،فيقدّم السفر عليه هنا،و في التذكرة (3)الإجماع عليه.

و حيث جاز السفر أو وجب يشترط فيه عدم ظهور أمارة الخوف فيه.

و أمّا معه فلا يجوز مطلقاً و إن خيف عليها في الحضر،بلا خلاف يظهر؛

ص:418


1- المسالك 1:310؛ و انظر مجمع الفائدة 10:304.
2- التذكرة 2:199،200.
3- التذكرة 2:200.

لتعارض الخطرين فيرجّح الحضر،لأن السفر بنفسه خطر،فإذا انضم إليه أمارة الخوف زاد خطر على خطر.

و منه يظهر عدم جواز السفر بها من دون ضرورة،و به مع الإجماع عليه صرّح في التذكرة (1)،معلّلاً بالتزامه الحفظ،فليؤخّر السفر أو يلتزم خطر الضمان.

و من التعليل يظهر انسحاب المنع عنه في صورة التمكن من دفعها إلى الحاكم أو الثقة أيضاً؛ لالتزامه الحفظ بنفسه فلا يجوز من دون ضرورة، إلّا أن ظاهره الجواز في هذه الصورة؛ لأن النبي صلى الله عليه و آله كانت عنده ودائع، فلما أراد الهجرة سلّمها إلى أُمّ أيمن،و أمر عليّاً عليه السلام أن يردّها (2).

و في السند و الدلالة نظر،فإن كان إجماع،و إلّا فالأوّل أظهر و أحوط.

و كما تبطل بالفسخ كذا تبطل بموت كلّ واحد منهما أو ما يوجب الخروج عن أهليّة التصرف،كالجنون و الإغماء،بلا خلاف؛ لأن ذلك من أحكام العقود الجائزة،و الوديعة منها،كما مضى.

و حيث بطلت تصير أمانة شرعيّة تجب المبادرة إلى ردّها على الفور إلى أهله،و لا يقبل قول مَن هي في يده في ردها إلى المالك و لو مع يمينه، بخلاف الوديعة.

و من هنا يظهر بطريق أولى ما ذكروه من أنه لا يصحّ وديعة الطفل و المجنون؛ لعدم أهليّتهما،فيضمن القابض،و لا يبرأ بردّها إليهما،بل إلى وليّهما أو الحاكم.

ص:419


1- التذكرة 2:200.
2- عوالي اللئلئ 3:2/250،المستدرك 14:7 أبواب كتاب الوديعة ب 1 ح 12؛ و انظر الكامل في التاريخ لابن الأثير 2:103.

و لو علم تلفها في أيديهما إن لم يقبض فقبضها بنيّة الحسبة في الحفظ لم يضمن؛ لأنه محسن و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [1] (1)لكن يجب مراجعة الولي في ذلك مع الإمكان.

و لو استودعا لم يضمنا بالإهمال؛ لأن المودِع لهما متلف ماله، و الضمان بالإهمال إنما يثبت حيث يجب الحفظ،و الوجوب لا يتعلق بهما؛ لأنه من خطاب الشرع المختص بالمكلفين.و لا يعارضه حديث على اليد؛ لظهور«على» في وجوب الدفع و التكليف بالردّ،فيكون مختصّاً بالمكلف.

نعم،لو تعدّيا فيه فتلف فهل يضمنان،أم المميّز خاصّة،أم لا مطلقاً؟وجوه،و كذا القول في كلّ ما يتلفانه من مال الغير.

و اختار الأوّل في المسالك (2)،معلّلاً بأن الإتلاف لمال الغير سبب في ضمانه إذا وقع بغير إذنه،و الأسباب من باب خطاب الوضع يشترك فيها الصغير و الكبير.

و هو حسن مع وجود ما يدلّ على السببية على الإطلاق،و لم أقف إلّا على الحديث المتقدم المختص كما عرفت و اعترف به بالمكلف،فإن وجد ما يدلّ عليها كذلك،و إلّا فعدم الضمان مطلقاً أقوى،وفاقاً للتذكرة كما حكى عنه في كتاب الحجر (3)؛ عملاً بأصالة براءة الذمة.

و لو كانت الوديعة دابّة أو مملوكاً أو شجراً أو نحو ذلك مما يحتاج بقاؤه إلى إنفاق وجب على المستودع علفها و سقيها و جميع ما يحتاج إليه حفظها إن لم يتكفّلها المودِع،بلا خلاف؛ لوجوب حفظها

ص:420


1- التوبة:91.
2- المسالك 1:306.
3- التذكرة 2:78.

عليه،و لا يتمّ إلّا بذلك،فيجب عليه.

و المعتبر فيه ما يعتاد لأمثالها،فالنقصان عنه تفريط،فيضمنها حينئذٍ و إن ماتت بغيره.

و لا يعود حكم الوديعة لو عاد إلى الإنفاق إلّا مع حصول الإيداع بإذن جديد،كما قالوه في كلّ تعدّ أو تفريط.

و لا فرق في ذلك بين أن يأمره المالك بالإنفاق،أو يطلق،أو ينهاه؛ لوجوب حفظ المال عن التلف،فيضمن في الصور على قول،و لا في الأخيرة على آخر،لأن حفظ المال بالذات إنما يجب على مالكه لا على غيره،و وجوب حفظ الوديعة على المستودَع إنما هو بالعرض يثبت حيث لا ينهاه المالك و يرتفع مع نهيه.

نعم يجب في الحيوان مطلقاً اتفاقاً؛ لأنه ذو روح.لكن لا يضمن بتركه كغيره من الشجر و نحوه؛ لقدوم المالك بنهيه على سقوطه عنه،كذا قيل (1).

و هو حسن حيث يثبت حكم الوديعة في هذه الصورة تضمّنها على المالك سفاهة،و إلّا فهو محل مناقشة،فإن مقتضى القواعد كونها حينئذٍ أمانة شرعية يجب حفظها و المبادرة بردّها إلى متولّيها عن مالكها،و يأتي وجه المناقشة فيما ذكروه من الحكم المزبور فيما يشابه مفروض المسألة، و قد تقدّم إليه بعضه الإشارة (2)،إلّا أن الظاهر إرادتهم ثبوت الحكم حيث لا يتضمن إيداع المالك سفاهة،كما يستفاد من قواعدهم الكلية.

ص:421


1- انظر الروضة البهية 4:246.
2- راجع ص:416.

و اعلم أن كثيراً من الأصحاب (1)ذكروا أن مستودَع الحيوان إن أمره المالك بالإنفاق أنفق و رجع عليه بما غرم،و إن أطلق توصّل إلى استيذانه، فإن تعذّر رفع أمره إلى الحاكم ليأمره به،أو يستدين عليه،أو يبيع بعضه للنفقة،أو ينصب أميناً،فإن تعذّر أنفق هو و أشهد عليه و يرجع به على المالك و لو تعذّر الإشهاد اقتصر على نية الرجوع،و كذا القول مع نهي المالك له عنه.

و لا إشكال في شيء من ذلك،حتى الرجوع بما أنفق على المالك حيث أثبتوه له؛ لاستلزام عدمه الضرر المنفي،مع أنه محسن و ليس عليه سبيل.إلّا أن في اشتراط الإشهاد نظراً؛ لعدم الدليل عليه،و يحتمل أن يكون ذكره إرشاداً لا اشتراطاً،فتأمّل جدّاً.

و الوديعة أمانة لا يضمنها المستودَع إلّا مع التفريط أو العدوان إجماعاً؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:

« صاحب البضاعة و الوديعة مؤتمنان» (2).

و في آخر:رجل استأجر أجيراً فأقعده على متاعه فسرق،قال:« هو مؤتمن» (3).

و في ثالث:عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق،أعلى صاحبه ضمان؟فقال:« ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أميناً» (4).

ص:422


1- كالعلّامة في التحرير 1:268،و الشهيد الثاني في المسالك 1:305،و صاحب الحدائق 21:415.
2- الكافي 5:1/238،التهذيب 7:790/179،الوسائل 19:79 أبواب أحكام الوديعة ب 4 ح 1.
3- الفقيه 3:878/193،الوسائل 19:79 أبواب أحكام الوديعة ب 4 ح 2.
4- الكافي 5:4/238،التهذيب 7:812/184،الوسائل 19:80 أبواب أحكام الوديعة ب 4 ح 5.

و في رابع:عن وديعة الذهب و الفضة؟فقال:« كلّ ما كان من وديعة لم تكن مضمونة فلا يلزم» (1).

و في الموثق:رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت،فقال الرجل:

كانت عندي وديعة،و قال الآخر:إنها كانت قرضاً عليك،فقال:« المال لازم له إلّا أن يقيم البينة أنها كانت وديعة» (2)إلى غير ذلك من النصوص.

و عمومها و إن اقتضى نفي الضمان عن المتعدّي و المفرط،إلّا أنه مع بُعد انصرافه إليهما مخصّص بالإجماع،و الصحيح:رجل دفع إلى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت،هل يجب عليه إذا خالف أمره و أخرجها عن ملكه؟فوقّع عليه السلام:« هو ضامن لها إن شاء اللّه» (3).

ثم إن التفريط هو ترك ما يجب فعله،كما إذا أخّر الإحراز زيادة على المعتاد،أو طرحها فيما ليس بحرز و ذهب عنها،أو كان المحل غير صالح للحرز أصلاً،أو ترك نشر الثوب المحتاج إليه،أو لبسه حيث يحتاج إليه، أو ترك سقي الدابة و علفها و نحوهما مما تحتاج إليه بحسب المعتاد كما مضى،أو يودعها من غير ضرورة و لا إذن،أو يسافر بها كذلك مطلقاً و لو كان الطريق أمناً،أو نحو ذلك،و ضابطه ما يعدّ تفريطاً في الحفظ.

و التعدّي عكسه،مثل أن يلبس الثوب،أو يركب الدابة،أو يجحد مع مطالبة المالك أو مطلقاً على قول،أو يخالطها بمال آخر مطلقاً و لو من

ص:423


1- الكافي 5:7/239،التهذيب 7:789/179،الوسائل 19:79 أبواب أحكام الوديعة ب 4 ح 4.
2- الكافي 5:8/239،الفقيه 3:883/194،التهذيب 7:788/179،الوسائل 19:85 أبواب أحكام الوديعة ب 7 ح 1.
3- الكافي 5:9/239،الفقيه 3:880/194،التهذيب 7:791/180،الوسائل 19:81 أبواب أحكام الوديعة ب 5 ح 1.

المالك بحيث لا يتميّز،أو يفتح الختم الذي ختمه المالك أو هو بأمره لا مطلقاً،أو ينسخ من الكتاب أو نحو ذلك بدون إذنه،و ضابطه ما يعدّ به خائناً.

و لا خلاف في الضمان بكلّ ما مرّ،إلّا أن يكون لشيء منه مدخل في الحفظ،فلا ضمان،لوجوبه.و قد ادّعى الإجماع على الضمان بكثير من الأُمور المتقدمة الفاضل في التذكرة و غيره (1)،إلّا أن المحكي عن المقنع في الرهن الذي هو في حكم الوديعة من حيث الأمانة عدم الضمان بترك نشره و لو احتاج إليه (2).

و عبارته المحكية عن إفادته قاصرة،كالنصوص المستدل له بها على ذلك،منها الصحيح:عن رجل رهن عنده ثياباً تركها مطويّة لم يتعهّدها و لم ينشرها حتى هلكت؟قال:« هذا نحو واحد يكون حقه عليه» (3).

و نحوه عبارة المقنع،و لا دلالة فيهما على نفي الضمان،بل غايتهما الدلالة على بقاء الدين،و هو لا يستلزمه إلّا على تقدير ثبوت التقاصّ قهراً، و هو خلاف الأصل،مع أنه لا دليل عليه.

و لو تصرف المستودع فيها باكتساب بأن دفعها عن عين مبتاعة للاسترباح ضمن و كان الربح للمالك بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى بعض المعتبرة المنجبر قصور بعض رواتها بوجود ابن

ص:424


1- التذكرة 2:197؛ و انظر مجمع الفائدة 10:320.
2- حكاه عنه في المختلف:419،و هو في المقنع:128.
3- الفقيه 3:903/199،التهذيب 7:773/175،الإستبصار 3:424/119،الوسائل 18:389 أبواب أحكام الرهن ب 6 ح 1.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):600.

محبوب في سنده،و قد حكي إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (1)،و فيه:إني كنت استودعت رجلاً مالاً فجحدنيه و حلف لي عليه،ثم إنه جاءني بعد ذلك بسنتين بالمال الذي كنت استودعته إيّاه،قال:هذا مالك فخذه،و هذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك، و اجعلني في حلّ،فأخذت منه المال و أبيت أن آخذ الربح منه و أوقفته المال الذي كنت استودعه و أتيت حتى أستطلع رأيك فما ترى؟قال:فقال:

« خذ نصف الربح و أعطه النصف و حلّه،إن هذا رجل تائب و اللّه يحبّ التوّابين» (2).

و الأمر بإعطاء النصف للاستحباب،كما ينادي به التعليل.

و إطلاقه كالعبارة يقتضي عدم الفرق في استحقاق المالك الربح بين أن يأذن للودعي في التجارة بشرط الضمان أم لا،و هو ظاهر المحكي عن الشيخين و الديلمي و القاضي و الحلبي (3).

خلافاً للإسكافي (4)في الأول،فجعله حينئذٍ للودعي،و نفى عنه البأس في المختلف (5)معلّلاً بأن التضمين يقتضي انقلاب الوديعة قرضاً و مداينة،و له شواهد من المعتبرة المتقدمة في المضاربة،و يمكن تنزيل الإطلاقات عليه.

ص:425


1- انظر رجال الكشي 2:830.
2- الفقيه 3:882/194،التهذيب 7:793/180،الوسائل 19:89 أبواب أحكام الوديعة ب 10 ح 1.
3- المفيد في المقنعة:626،الطوسي في النهاية:437،الديلمي في المراسم:193،حكاه عن القاضي في المختلف:445،الحلبي في الكافي في الفقه:230.
4- كما نقله عنه في المختلف:445.
5- المختلف:445.

إلّا أنه لا يخلو عن شائبة ريبة؛ لاختصاص المعتبرة بالمضاربة، و عدم وجود شيء فيها يوجب التعدية،فلا يمكن الخروج عن مقتضى القواعد الدالّة على تبعية الربح للمال حيث يقع الاكتساب بعين الوديعة و تجعل بعينها أحد عوضي المعاملة.و ليس في العبارة و ما ضاهاها تقييد الحكم بهذا القيد،إلّا أن مقتضى قواعدهم التقييد به و بإجازة المالك أيضاً، و إلّا فالمعاملة باطلة،و به صرح في التنقيح (1).

و لكن الإطلاق محتمل؛ لإطلاق النص المؤيّد بإطلاق النصوص الواردة في التجارة بمال اليتيم بغير وجه شرعي الحاكمة بأن الربح لليتيم و الضمان على المتّجر كما في المسألة،و تنزيلهما ككلمة الأصحاب في المقامين على القيدين سيّما الثاني في مال اليتيم بعيد في الغاية.

فالقول بالإطلاق لا يخلو عن قوّة.و لعلّ الوجه فيه كون الانتقال من باب التقاص القهري؛ لأن البائع أخذ المال و تصرّف فيه و ذهب،و لا يكاد يتيسّر الاسترداد منه كما هو الغالب،مع أن حبس المال عنه مدة ضرر عليه منفي،و لكن اللازم على هذا التقدير تقييد الحكم بعدم إمكان استرداد العين كما هو الغالب،و يمكن تنزيل الإطلاقات عليه؛ لذلك.

ثم كلّ ذا إذا اشترى بالعين،أو في ذمّة مالكها،أو في الذمّة مطلقاً.

و لو اشترى في ذمّته و عوّضها عمّا تعلّق بها ففي صحة المعاملة إشكال،و لكن مقتضى القواعد الصحّة،سيّما و أن يكون البائع ممن لا يبالي بأخذ العوض كيف كان من حلال أو حرام.

و كيف كان،فما ذكرناه من التوجيه من التقاص القهري و الضرر

ص:426


1- التنقيح الرائع 2:241.

المنفي يقتضي كون المبيع و الربح كلّه للمالك حيث لا يمكن استرداد العين من البائع،و ما ذكرناه من التحقيق غير مختصّ بالمقام،بل جارٍ حيثما العلّتان فيه تجريان.

و حيث صارت الوديعة مضمونة على المستودع بأحد أسباب الضمان من إخراجها من الحرز أو غير ذلك مما مرّ لا يبرأ الودعي عن الضمان بردّها إلى الحرز حيث كان الإخراج منه سبباً،و في حكمه ترك الخيانة،و السبب الموجب كائناً ما كان،و إنما ذكر الردّ إلى الحرز مثلاً.

و كذا لو تلف الوديعة في يده بتعدّ أو تفريط فردّ مثلها إلى الحرز لا يبرأ،بلا خلاف،بل عليه الإجماع عن التذكرة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى عموم على اليد،و ما قالوه من أنه صار بمنزلة الغاصب بتعدّيه فيستصحب الضمان إلى أن يحصل من المالك ما يقتضي زواله.

بل لا يبرأ إلّا بالتسليم إلى المالك أو من يقوم مقامه ممن تقدّم فيبرأ حينئذٍ و لو جدّد المالك له الاستيمان بعد الردّ إجماعاً كما في التذكرة و غيره (2).

و في الحصر إشعار بعدم زوال الضمان مع عدم الردّ مطلقاً و لو استأمنه المالك ثانياً،أو أسقط عنه الضمان،و هو أحد القولين في المسألة.و الأشهر السقوط،و لا يبعد.

و لا يضمنها لو قهره عليها ظالم بلا خلاف؛ لأمانته.و ينبغي تقييده بما إذا لم يكن سبباً في الأخذ القهري،بأن يسعى بها إليه،أو

ص:427


1- التذكرة 2:198.
2- التذكرة 2:198؛ قال في المسالك 1:310:هذا لا شبهة فيه.و قال في الحدائق 21:453:لا خلاف و لا إشكال فيه عندهم.

أظهرها فوصل إليه خبرها مع مظنّته،و مثله ما لو أخبر بمكانها اللّص فسرقها.

و لا فرق بين أخذ القاهر لها بيده و لو من يده،و أمره له بدفعها إليه كرهاً،على الأشهر الأقوى؛ لانتفاء التفريط فيهما،فينحصر الرجوع بالغرامة على الظالم.

خلافاً للحلبي و التذكرة (1)في الثاني،فجوّزا له الرجوع على المستودع و إن استقرّ الضمان على الظالم.

و هو شاذّ،و الأصل مع نفي السبيل عن المحسن يدفعه.

لكن إن أمكنه الدفع عنها بما يوجب سلامتها وجب بلا خلاف؛ لوجوب الحفظ عليه،و لا يتم إلّا به،فيجب و لو مقدمة ما لم يؤدّ إلى تحمل الضرر الكثير،كالجرح و أخذ المال،فيجوز تسليمها حينئذٍ و إن قدر على تحمّله،بلا خلاف،لأنه ضرر منفي.

و المرجع في الكثرة و القلّة إلى حال الودعي،فقد تعدّ الكلمة اليسيرة من الأذى كثيرة في حقّه لكونه جليلاً لا يليق نحو ذلك بحاله،و منهم من لا يعتدّ بمثله.

و أمّا أخذ المال فإن كان من مال المستودع،قيل:لم يجب بذله مطلقاً و لو لم يستوعبها؛ إذ لا ضرر و لا ضرار (2).

و فيه نظر؛ لوجوب الحفظ،و لا يتم إلّا به،فيجب،و الضرر يندفع بالرجوع بعد نيّته.

و إن كان من الوديعة فإن لم يستوعبها وجب دفعه إليه من باب

ص:428


1- الحلبي في الكافي في الفقه:230،التذكرة 2:205.
2- الروضة 4:234.

المقدمة مع المكنة.فلو ترك مع القدرة فأخذ الجميع ضمن ما يمكن فيه السلامة لا الجميع؛ لذهاب قدر المدفوع على التقديرين.

و يحتمله؛ التفاتاً إلى التفريط الموجب له،مع ظهور الفرق في الذهاب بين التقديرين بكونه بأمر الشارع على الأوّل،و بدونه على الثاني، و هو فرق واضح،و إن هي حينئذٍ إلّا كما لو فرّط فيها فتلف بغيره،و قالوا فيها بضمانها مع أنها ذاهبة على التقديرين،فتأمّل.

و إن لم يمكن الدفع عنها إلّا بأخذها أجمع فلا تقصير.

و لو أحلفه الظالم على أنها ليست عنده حلف مورّياً بما يخرجه عن الكذب،بأن يحلف ما استودع من فلان و يخصّه بوقت أو جنس أو مكان أو نحوها مغايراً لما استودعه.و إنما يجب التورية عليه مع علمه بها و تمكنه منها،و إلّا سقطت؛ لأنه كذب مستثنى للضرورة اتفاقاً فتوى و رواية (1)،ترجيحاً لأخفّ القبيحين حيث تعارضا إن قلنا بقبحه في نحو المقام أيضاً،و إلّا ارتفع الإشكال من أصله؛ لفقد التعارض.

و يجب على المستودع إعادتها إلى المالك بمعنى رفع يده عنها و التخلية بين المالك و بينها مع المطالبة بلا خلاف،بل عليه الإجماع؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الكتاب (2)و السنة،فمنها زيادة على ما مضى بعض المعتبرة:عن رجل استودع رجلاً من مواليك مالاً له قيمة،و الرجل الذي عليه المال رجل من العرب يقدر أن لا يعطيه شيئاً،و المودِع رجل خارجي

ص:429


1- الكافي 7:6/435،التهذيب 8:1037/283،الوسائل 23:201 أبواب الأيمان ب 3 ح 1.
2- النساء:58.

شيطان،فلم أدع شيئاً؟فقال:« قل له:يردّه عليه،فإنه ائتمنه عليه بأمانة اللّه تعالى» (1).

و مقتضى صريحه كغيره و إطلاق العبارة كغيرها من النص و الفتوى عدم الفرق في المودِع بين المسلم و الكافر.

خلافاً للحلبي (2)في الحربي،حيث أوجب الردّ في وديعته إلى سلطان الإسلام.

و هو شاذّ،و ربما انعقد بعده على خلافه الإجماع.

قالوا (3):و يجب الردّ فوراً مع الإمكان؛ و لعلّ الوجه فيه مع عدم اقتضاء الأمر الفورية هو وجوب الاقتصار في وضع اليد على مال الغير على القدر المتحقق معه إذنه،و مطالبة الردّ تقتضي انقطاعه،فلا يجوز له التصرف زيادة على ما يتحقق به الردّ،فلا وجه لتأمّل بعض من عاصرناه في الفور (4).

نعم،له وجه حيث ينضمّ إلى المطالبة من عرف أو عادة ما يدلّ على التوسعة و بقاء الإذن إلى حين الردّ متى اتّفق،و لكن الظاهر خروجه عن مفروض الجماعة.

و في جواز التأخير للإشهاد مطلقاً،أو لا كذلك،أو التفصيل بين الإيداع بالإشهاد فالأوّل و إلّا فالثاني أقوال ثلاثة.أوّلها لا يخلو عن قوّة؛

ص:430


1- الكافي 5:8/133،التهذيب 6:996/351،الوسائل 19:74 أبواب أحكام الوديعة ب 2 ح 9.
2- انظر الكافي في الفقه:231.
3- منهم:العلّامة في التذكرة 2:205،و الشهيد الثاني في المسالك 1:307 و الروضة 4:241،و السبزواري في الكفاية:133.
4- الحدائق 21:427.

دفعاً للضرر و التهمة،لكن يجب المبادرة إلى الإشهاد.

و لو كانت الوديعة غصباً منعه أو وارثه من أخذها و توصّل في وصولها إلى المستحق لها إن عرف.

و لو جهله عرّفها كاللقطة حولاً،فإن وجده،و إلّا تصدّق بها عن المالك إن شاء،و يضمن إن لم يرض على المشهور؛ للخبر المنجبر ضعفه بعمل الأكثر:عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص مالاً أو متاعاً و اللصّ مسلم،هل يردّ عليه؟قال:« لا يردّه،فإن أمكنه أن يردّه على صاحبه فعل،و إلّا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرّفها حولاً،فإن أصاب صاحبها ردّها عليه،و إلّا تصدّق بها،فإن جاء بعد ذلك خيّره بين الأجر و الغرم،فإن اختار الأجر فله،و إن اختار الغرم غرم له و كان الأجر له» (1).

خلافاً للحلبي و الحلّي (2)،فأوجبا ردّها إلى إمام المسلمين،و مع التعذّر يبقى أمانة ثم يوصي بها إلى عدل إلى حين التمكن من المستحق، قوّاه في المختلف (3)،معلّلاً بأنه أحوط،و التفاتاً إلى ضعف الخبر.و في الثاني ما مرّ،و في الأوّل نظر.

و للمفيد و الديلمي (4)،فأوجبا إخراج الخمس قبل التصدّق و لم يذكرا التعريف.

ص:431


1- الكافي 5:21/308،الفقيه 3:856/190،التهذيب 6:1191/396،الاستبصار 3:440/124،المقنع:128،الوسائل 25:463 أبواب اللقطة ب 18 ح 1.
2- الكافي في الفقه:231،السرائر 2:436.
3- المختلف:444.
4- المفيد في المقنعة:627،الديلمي في المراسم:194.

و للفاضل في الإرشاد و تبعه الشهيد الثاني (1)،فخيّرا بين الصدقة بها بعد اليأس و التعريف مع الضمان،و إبقائها أمانة.

و له لولا ما مرّ من الخبر المنجبر بعمل الأكثر وجه،كما في كلّ مال مجهول المالك،فقد دلّت الأخبار بأن حكمها ذلك،لكنها خالية عن الضمان،بل ظاهرها عدمه.

ثم الضمان على تقديره هل هو بمعنى أنه لو وجد صاحبه يجب ردّه عليه فقط،أو لا،بل ضمان مثل سائر الديون حتى يجب عليه الإيصاء،ثم على الورثة كذلك؟فيه وجهان،و الأوّل بالأصل أنسب.

ثم إن ظاهر التشبيه باللقطة في الرواية يقتضي جواز التملك بعد التعريف،و لم يذكره أحد في المسألة.

و إنما يجب منع الغاصب مع إمكانه،و إلّا سلّمها إليه،و في الضمان إشكال،و الأقرب العدم.

و لو كانت الوديعة المغصوبة مختلطة بمال المودع ردّها عليه إن لم يتميّز إجماعاً،كما في الغنية و عن الحلّي (2)،و نسبه فخر الدين إلى الأصحاب كافّة (3)و لولاه لكان الحكم على إطلاقه محل ريبة؛ لاستلزام الردّ تسليط الغاصب على مال غيره بغير حق،و هو غير جائز أيضاً.

و الأوفق بالقواعد هو ما ذكره في المسالك (4)من أن الأقوى ردّه على الحاكم مع إمكانه ليقسّمه و يردّ على الغاصب ماله.و مع تعذّره يحتمل قويا

ص:432


1- الإرشاد 1:438،الشهيد الثاني في المسالك 1:307.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):600،الحلي في السرائر 2:436.
3- إيضاح الفوائد 2:122.
4- المسالك 1:307.

جواز تولّي الودعي القسمة ان كان مثليّا و قدر حق الغاصب معلوماً؛ جمعاً بين الحقين.و القسمة هنا إجبارية؛ للضرورة،تنزيلاً للودعي منزلة المالك حيث قد تعلّق بضمانه،و للحسبة.

و لو امتزج على وجه لا يعلم القدر أصلاً ففيه إشكال،و حينئذٍ يتوجّه ما أطلقه الأصحاب إن لم يمكن مدافعة الغاصب على وجه يمكن معه الاطلاع على الحق.

و يحتمل عدم جواز الردّ مطلقاً مع إمكانه إلى أن يعترف الغاصب بقدر معيّن أو يقاسم؛ لاستحالة ترجيح حقّه على حق المغصوب منه مع تعلّق الودعي بالحقين.

و إذا اختلفا فادّعى الودعي التلف و أنكره المالك أو اتّفقا عليه و لكن ادّعى المالك التفريط فالقول قول المستودع مع يمينه بلا خلاف في الأخير إلّا من حيث لزوم اليمين،فيأتي فيه خلاف من أنكره في الأوّل؛ لعموم دليله،و لكن المشهور خلافه،لعموم:« البيّنة على المدّعى،و اليمين على من أنكر» (1).

و على الأشهر الأظهر في الأوّل مطلقاً،أطلق التلف أو ادّعاه بأمر خفيّ أو ظاهر،بل عن التذكرة (2)الإجماع عليه و على لزوم اليمين.

خلافاً للمبسوط (3)في دعوى التلف بأمر ظاهر،فلم يقبل قوله حينئذٍ إلّا ببيّنة؛ لإمكان إقامتها.

ص:433


1- علل الشرائع:1/190،الاحتجاج:90،تفسير القمي 2:155،الوسائل 27:293 أبواب كيفية الحكم ب 25 ح 3.
2- التذكرة 2:206.
3- المبسوط 4:141.

و هو شاذّ،و مستنده غير واضح،و عموم البينة على المدّعى و إن ساعده إلّا أنه لا اختصاص له بالفرد الذي ذكره،بل يجري في الفردين اللذين تقدما،و الحال أنه لم يلتزمه.

و للمقنع،فقدّم قوله مطلقاً من دون يمين كذلك؛ لما رواه مرسلاً عن مولانا الصادق عليه السلام،أنه سئل عن المودع إذا كان غير ثقة هل يقبل قوله؟ قال:« نعم،و لا يمين عليه» (1)و نسبه في الفقيه إلى مشايخه (2).و هو مشعر بشهرة ذلك في الزمن الأوّل،و ربما اعتضد بالنصوص الناهية عن اتّهام المستأمن و لا ينفك الإحلاف عنه؛ مضافاً إلى الأصل النافي للزومه.

لكن الإجماع المتقدم الذي هو في حكم خبر صحيح معتضد بالشهرة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً أوهن المصير إليه،مع عدم وضوح سند الأحاديث الدالّة عليه،و معارضتها بمفهوم المرسلة المروية في الغنية قال بعد الحكم بما في العبارة في الصورة الثانية-:و روى أنه لا يمين عليه إن كان ثقة غير مرتاب (3).و بمضمونها في المسألة أفتى الإسكافي و الحلبي كما حكي (4).

لكنها في ضعف السند كما مرّ،فليس عليهما المعتمد و المعوّل،بل العمل على الأوّل،فإنه أظهر و أحوط.

و لو اختلفا في مال هو في يد المستودع و لو بإقراره أنه هل هو وديعة عنده أو دين عليه فالقول قول المالك بيمينه على أنه

ص:434


1- لم نعثر عليه في المقنع المطبوع،و لكن أورده عنه في الوسائل 19:80 أبواب الوديعة ب 4 ح 7.
2- الفقيه 3:194.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):600.
4- حكاه عنهما في المختلف:444،و هو في الكافي في الفقه:231.

لم يودع بلا خلاف؛ عملاً بعموم على اليد الموجب لضمان ما أخذته، خرجت عنه الأمانة حيث تكون معلومة بالإجماع فتوى و رواية،و بقي الباقي يشمله عموم الرواية.

و الموثق كالصحيح:عن رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت، فقال الرجل:كانت عندي وديعة،و قال الآخر:إنما كانت عليك قرضاً؟ قال:« المال لازم إلّا أن يقيم البينة أنها كانت وديعة» (1).

و الرواية كما ترى صريحة،إلّا أنها كالعبارة مطلقاً غير مقيّدة بثبوت وقوع المال في يد المستودع،إلّا أن الإطلاق منصرف إليه بالتبادر و الغلبة، فإن الوديعة لا تكون إلّا به غالباً في العادة،و ما عداه يرجع فيه إلى أصالة براءة الذمة.

و بما ذكرناه من التقييد صرّح الحلّي،و قال بعده:و المسألة غامضة (2).

و أمارة الغموض بعد التقييد بذلك غير واضحة؛ لتظافر الأدلّة من الاعتبار و السنة بوضوح المسألة،و لعلّه لهذا ردّه الفاضل في المختلف (3)، و تبعه المقداد في التنقيح (4)،أو لدعواه التقييد المتقدم.و بيانه الفرق بين دعوى الوديعة مع الإقرار بوقوعها في يده فما ذكره،و بدونه كأن قال:

ما عندي وديعة،فالقول قوله،للأصل،و عدم المخرج عنه،فإن الإقرار بالوديعة أعم من الإقرار بالأخذ باليد الموجب للضمان المسقط لدعواه.

ص:435


1- الكافي 5:8/239،الفقيه 3:883/194،التهذيب 7:788/179،الوسائل 19:85 أبواب أحكام الوديعة ب 7 ح 1.
2- السرائر 2:437.
3- المختلف:444.
4- التنقيح الرائع 2:246.

و وجه الردّ حينئذٍ ما تقدّم من النص المطلق؛ مضافاً إلى ظهور لفظة « عندي» في الإقرار بتسليط اليد،بناءً على الغالب كما مرّ،فيحكم به بالإقرار باليد على الظاهر.و لا بأس به،وفاقاً لظاهر إطلاق الأكثر، كالإسكافي و الطوسي (1).

و يفهم من قوله: إذا تعذّر الردّ أو تلف العين أن مع عدم التعذّر القول قول الودعي.و لا ريب فيه؛ لأصالة عدم القرض،فله ردّ نفس العين،و الخبر المتقدم صريح في التلف،فلا يعمّ غيره.

و لو اختلفا في القيمة بعد الاتفاق على التلف بالتفريط فالقول قول المالك مع يمينه كما عن الشيخين و في الغنية (2)؛ لخروجه بالتفريط عن الأمانة.

و يضعف بأنه ليس مأخذ القبول حتى يقال:إنه خرج عن الأمانة،بل لأنه منكر للزيادة فيشمله عموم الرواية:« البينة على المدّعى و اليمين على من أنكر» (3).

و لذا قيل: كما عن الحلبي و الحلّي و ابن حمزة (4)إن القول قول المستودع و هو أشبه و أشهر،بل لعلّه عليه عامة من تأخّر، و الرواية (5)المدّعاة على الأوّل مرسلة خارجة بذلك،مع عدم جابر لها

ص:436


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:444،الطوسي في النهاية:436.
2- المفيد في المقنعة:626،الطوسي في النهاية:436،الغنية(الجوامع الفقهية):600.
3- المتقدمة في ص:434.
4- الحلبي في الكافي:231،الحلي في السرائر 2:436،ابن حمزة في الوسيلة:275.
5- المتقدمة في ص:435.

بالمرّة عن الحجية.

و لو اختلفا في الردّ فأنكره المالك فالقول قول المستودع و إن كان مدّعياً بكل وجه،على المشهور،بل في المختلف في كتاب الوكالة حكى عن الحلّي الإجماع عليه (1)،و نسبه المفلح الصيمري إلى الجميع، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه و على اعتبار اليمين هنا،قال بعد الحكم:و عليه فتوى الجميع و إن استشكله بعضهم بعد الفتوى لاحتمال أن يكون القول قول المالك؛ لأنه منكر و قد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:« البينة على المدّعى و اليمين على من أنكر» و لم أجد قائلاً بهذا الاحتمال،بل الفتاوى متطابقة على أن القول قول الودعي؛ لأنه أمين قبض المال لمصلحة المالك،فيكون قوله مقبولاً بالردّ،و هو المعتمد.انتهى.

و يعضد الإجماع الذي ادّعاه ما مرّ في المضاربة من جواب المشهور عمن يدّعي قبول قول العامل بالردّ قياساً على المقام بأنه مع الفارق،لكونه فيه قبض المال لنفع المالك و الإحسان إليه فلا سبيل له عليه دون العامل، لعدم قبضه إيّاه كذلك،بل لنفع نفسه،فلا إحسان بالإضافة إليه (2).فلولا الإجماع لأُشير و لو في كلام بعضهم بمنع المقيس عليه،و لم يُشَر إليه في كلامٍ أصلاً،بل ظاهر الاستدلال يقتضي الوفاق على الحكم هنا،مع أن بالإجماع على قبول دعوى الرد ممن قبل الأمانة لمجرد الإحسان بالمالك صرّح في المهذب في كتاب الوكالة،و سننقل كلامه المصرّح به ثمّة (3).

و من بيان الفارق ثمّة يظهر حجة أُخرى في المسألة؛ مضافاً إلى

ص:437


1- المختلف:438،و هو في السرائر 2:87.
2- راجع ص:355.
3- المهذب البارع 3:39.

حكاية الإجماع المتقدمة،مع أن ظاهرهم الاتفاق على تقديم قوله في التلف و لو في الجملة،استناداً إلى مجرّد الأمانة،و هي جارية في المقام بلا شبهة،فكما يخصّص بها الأصل و عموم الرواية المتقدمة بالإضافة إلى تلك المسألة،فليخصّصا بها هنا لا محالة،هذا.

مضافاً إلى التأيّد بالنصوص المتقدم إليها الإشارة الناهية عن رمي الأمين بالتهمة،و تكليفه بالبينة على الردّ يلزمه،لكن فيه مناقشة.

و كيف كان فلا مذهب عن هذا القول و لا مندوحة.

هذا إذا ادّعى ردّها على من ائتمنه.أما لو ادّعاه على غيره كالوارث فكغيره من الاُمناء يكلّف بالبينة؛ لأصالة عدمه و هو لم يأتمنه،فلا يكلّف تصديقه،بلا خلاف فيه،و في أن دعوى ردّها على الوكيل كدعوى ردّها على الموكّل،لأن يده كيده.

و لو مات المودع سلّمها المستودع إلى وارثه إن اتّحد،أو إلى من يقوم مقامه من وكيل أو ولي.

و إذا كان الوارث جماعة دفعها إليهم إن اتّفقوا في الأهلية، و إلّا فإلى الأهل و ولي الناقص أو إلى من يرتضونه.و لو دفعها إلى البعض بغير إذن ضمن حصص الباقين لتعدّيه فيها بدفعها إلى غير المالك.

و تجب المبادرة إلى ردّها إليهم علم الوارث بها أم لا،بلا خلاف بيننا إلّا من التذكرة (1)،ففرّق بين صورتي الجهل بها فكذلك،و العلم فلا،بل يجوز التأخير إلى المطالبة حينئذٍ.

ص:438


1- التذكرة 2:207.

و استوجهه في المسالك (1)،لكنه قال:إلّا أنه لم يتحقق به قائل منّا.

و هو ظاهر في الإجماع،و أظهر منه قوله قبل ذلك:عندنا،بعد الحكم بعدم الفرق،إلّا أنه قال بعدُ ما يعرب عن خلاف هذا الظاهر.

و الأصل في وجوب المبادرة صيرورتها بالموت أمانة شرعية؛ لاختصاص الإذن في التصرف بالمالك و قد انتقل المال منه إلى المالك الثاني و هو الوارث،و هو غير آذن،فالتصرف في ملكه بغير إذنه غير جائز تجب المبادرة إلى ردّه.

أمّا العاريّة

و أمّا العاريّة بتشديد الياء،كما عن الصحاح (2)و غيره (3)،و قد تخفّف،كما عن بعض أهل اللغة (4)،نسبة إلى العار،لأن طلبها عار،أو إلى العارة مصدر ثانٍ لأعرته إعارة كالجابة للإجابة،أو من عار إذا جاء و ذهب،لتحوّلها من يدٍ إلى أُخرى،أو من التعاور و هو التداول.

فهي شرعاً الإذن في الانتفاع بالعين تبرّعاً و الأصل فيها بعد الإجماع من الأُمة كما عن التذكرة و في المهذب (5)و غيرهما من كتب الجماعة (6)الكتاب و السنة،قال اللّه سبحانه وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى [1] (7).

ص:439


1- المسالك 1:313.
2- الصحاح 2:761.
3- النهاية 3:320.
4- كالفيروزآبادي في القاموس المحيط 2:101.
5- التذكرة 2:209،المهذب البارع 3:11.
6- كالمبسوط 4:49.
7- المائدة:2.

و قال وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ [1] (1)و هو بكما عن مجمع البحرين اسم جامع لمنافع البيت،كالقدر،و الدلو،و الملح،و الماء،و السراج،و الخمرة، و نحو ذلك مما جرت العادة بعاريته (2).

و في الخبرين:« هو القرض يقرضه،و المعروف يصنعه،و متاع البيت يعيره» (3).

و في المرسل:« نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يمنع أحد الماعون جاره، و قال:من منع الماعون جاره منعه اللّه سبحانه خيره يوم القيامة و وكّله إلى نفسه،و من وُكِّل إلى نفسه فما أسوأ حاله» (4).

و يستفاد منه و من الآيتين وجوبها،لكن ضعفه سنداً و قصورهما عن إفادة الوجوب صريحاً،مع الإجماع على عدمه ظاهراً،و اختصاص الجميع بالماعون المفسّر فيما مرّ بالأخص يوجب الحمل على تأكّد الاستحباب.

و أما السنة فزيادة على ما مرّ مستفيضة من طرق الخاصة و العامة كادت تكون متواترة،بل متواترة،و سيأتي إلى جملة منها الإشارة (5).

و ليست لازمة لأحد المتعاقدين فلكل منهما فسخها متى شاء، إجماعاً كما في المسالك و غيره (6)،سواء أُطلق أو جعل لها مدة،إلّا إذا أعاره للرهن فرهن كما تقدّم،أو لدفن المسلم و من بحكمه فدفن فيه،

ص:440


1- الماعون:7.
2- مجمع البحرين 6:316.
3- الكافي 3:8/498،الوسائل 9:46 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 7 ح 2.
4- الفقيه 4:/8 ضمن ح 1،الوسائل 9:51 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 7 ح 12.
5- في ص:447.
6- المسالك 1:314؛ و انظر التذكرة 2:211،و التحرير 1:270.

بلا خلاف فيه،بل عليه الإجماع عن التذكرة (1)؛ لاستلزامه النبش المحرّم و هتك الحرمة،إلّا إذا صار ميماً.

و لو رجع قبل الدفن جاز و إن كان الميت قد وضع،على الأقوى؛ للأصل،و اختصاص دليل المنع من الاعتبار و الإجماع بغير الفرض.

و مئونة الحفر لازمة لولي الميت؛ لقدومه على ذلك،إلّا ان يتعذّر عليه غيره مما لا يزيد عنه عوضه،فيقوى كونه من مال الميت؛ لعدم التقصير،وفاقاً للمسالك و الروضة (2).

خلافاً للمحكي عن التذكرة،فأطلق الغرامة على الحفر (3).

و لا يلزم وليه طمّه؛ للإذن فيه من المعير.

أو حصل بالرجوع ضرر على المستعير لا يستدرك،كما لو أعار لوحاً ليرقع به السفينة فرقع ثم لجج في البحر و لم يمكن الخروج بها إلى الشاطئ و لا الإصلاح مع النزع من غير ضرر.

خلافاً للشهيد الثاني (4)،فجوّزه و قال بثبوت المثل أو القيمة مع تعذّره؛ لما في ذلك من الجمع بين المصلحتين.

و هو قوي إن لم يكن إجبار ربّ السفينة على بذل البدل يوجب الضرر عليه،و إلّا فعدم الرجوع لعلّه حينئذٍ أقرب،إلّا أن يقال بجوازه و عدم وجوب تعجيل التسليم حينئذٍ إلى أن يزول الضرر،و لا بأس به.

و تظهر الفائدة في وجوب المبادرة بالرّد بعد زوال الضرر من غير

ص:441


1- التذكرة 2:211.
2- المسالك 1:314،الروضة 4:258.
3- التذكرة 2:211.
4- كما في المسالك 1:314.

مطالبة جديدة و لا كذلك لو لم يرجع،فإنه لا تجب المبادرة به إلّا بعد المطالبة.

أو أعار حائطاً ليضع أطراف خشبه عليه و كان طرفه الآخر في ملكه، عند الطوسي (1)؛ لأدائه إلى قلع جذوعه جبراً من ملكه.

أو أرضاً للزرع و لم يدرك بعد،عنده و عند الحلّي (2)؛ لإقدامه أوّلاً على إبقائه المدّة.

أو للبناء و الغرس مدّة معلومة،عند الإسكافي (3)و أكثر المتأخّرين، بل لعلّه عليه عامّتهم،على جواز مطالبة المعير بالإزالة في هذه الثلاثة مع الأرش و هو تفاوت ما بين كونه منزوعاً و ثابتاً.

و هو قوي؛ لبناء العارية على الجواز إلّا ما خرج بدليل و هو في الفرض مفقود.

و حديث نفي الضرر بين المعير و المستعير مشترك فيسقط اعتباره؛ للتعارض،و يرجع إلى الأصل الدال على ثبوت السلطنة لكل مالك على ملكه،مع إمكان الجمع بين الحقين بدفع المعير الأرش الموجب لدفع الضررين.

و ليس له الإزالة حيث جازت له بنفسه؛ لاستلزامه التصرف في ملك الغير بغير إذنه.و لا قبل دفع الأرش؛ لاحتمال الضرر بتعذّر الرجوع عليه بإفلاس و نحوه فيضيع حق المستعير.

و يشترط فيها ما يدل على الإيجاب و القبول و إن لم يكن لفظاً،

ص:442


1- المبسوط 3:56.
2- الطوسي في المبسوط 3:56،الحلي في السرائر 2:433.
3- كما نقله عنه في المختلف:448.

كما لو فرش لضيفه فراشاً فجلس عليه،و كأكل الطعام من القصعة المبعوث فيها،وفاقاً لجماعة (1)؛ لجريان العادة بمثله.

و منهم من اشترط لفظاً كما في نظائره.

و هو أوفق بالأصل الدالّ على حرمة التصرف في مال الغير بغير القطع بإذنه حيث لا يحصل من جهة الفعل،إلّا أن العادة في نحو الأمثلة المذكورة ربما أفادت القطع به.و لا شبهة مع الإفادة،و لا دليل على اعتبار اللفظ في هذه الصورة بعد أن العارية من العقود الجائزة.و مع عدمها فيحلّ إشكال و إن أفادت المظنّة؛ حيث لا دليل على اعتبارها و تخصيص الأصل بها في نحو المسألة.

و من هنا ينقدح وجه القدح فيما حكي عن التذكرة (2)من الاكتفاء بحسن الظن بالصديق في جواز الانتفاع بمتاعه إن لم يقيّد بكون منفعته مما يتناوله الإذن الوارد في الآية (3)بجواز الأكل من بيته بمفهوم الموافقة.

و لا كذلك لو قيّد به؛ لاستناد الرخصة في المقيد حقيقة إلى الآية لا إلى نفس حسن المظنّة.

و منه يظهر جواز تعدية الجواز إلى الأرحام الذين تناولتهم الآية في الصورة المذكورة.

و في المعير المالكية و لو للمنفعة خاصّة،فلا يجوز للغاصب الإعارة،و في معناه المستأجر الذي اشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه،

ص:443


1- منهم:العلّامة في التذكرة 2:211،و الشهيد الثاني في الروضة 4:255،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:166.
2- التذكرة 2:211.
3- النور:31.

فلا تجوز له كالأوّل إلّا مع إذن المالك،فيجوز حينئذٍ بلا شبهة.

و كمال العقل بالبلوغ و عدم الجنون جواز التصرف في المال برفع الحجر عنه فيه،فلا تجوز إعارة فاقدي الشرائط كالصبي و المجنون و السفيه و نحوهم إلّا بإذن الولي بالإعارة لمالهم أو ماله؛ لأن المعتبر إذن الولي،و هو المعير في الحقيقة حيث حصل منه الرخصة،و لا كذلك الحكم في إذنه للمجنون و الصبي في إيقاع نحو البيع مما يشترط فيه الألفاظ المعتبرة و لا يكتفي فيه بإذن الولي خاصة؛ لعدم الاعتبار بعبارتهما و إن كانت بإذن الولي مقرونة.

و بالجملة الضابط في تحقق البيع و نحوه من العقود اللازمة هو العبارات المعتبرة دون الإذن خاصة،و لا كذلك العارية؛ فإن الضابط في تحققها مجرّد الإذن بها و لو خلا عن العبارة بالكلية كما مرّ إليه الإشارة، فحيث حصل ممن له الأهلية بنحو من المالكية أو الولاية تحقّقت بلا شبهة،فمناقشة البعض في الفرق واهية.

هذا إذا علم المستعير بإذن الولي،و إلّا لم يقبل قول الصبي في حقه إلّا أن تنضمّ إليه قرينة هي للظن المتاخم للعلم به مفيدة،كما إذا طالبها من الولي فجاء بها الصبي مثلاً و أخبر أنه أرسله بها،و نحو ذلك،كما يقبل قوله في الهدية و الإذن في دخول الدار بالقرينة.

و لا بُدّ مع إذن الولي لهما في إعارة مالهما من وجود المصلحة،بأن تكون يد المستعير أحفظ من يد الولي في ذلك الوقت،أو لانتفاع الصبي بالمستعير بما يزيد عن منفعة ماله،أو تكون العين ينفعها الاستعمال و يضرّها الإهمال،و نحو ذلك و للمستعير الانتفاع بالعين المعارة حيث يطلق له بما جرت به العادة نوعاً و قدراً و مكاناً و زماناً،و لا يجوز التعدي عن شيء من ذلك

ص:444

بعد ثبوته فيها؛ للأصل،و انصراف الإذن الذي هو الأصل في حلّ الانتفاع إلى ما تعارف فيها كالفرش في البساط،و التغطّي في اللحاف،و نحو ذلك، و هذا مع وحدة الوجه في الانتفاع المتعارف في العين المعارة واضح،و كذا مع التعدد و تعيين المعير وجهاً منها مع النهي عن غيره،فلا يجوز التعدي إليه مطلقاً،بلا خلاف،و كذا مع عدم النهي إذا كان المتعدّى إليه أضرّ،و أما إلى المساوي و الأقل ضرراً فقولان،و سيأتي تمام الكلام (1).

و لا يضمن التلف المستعير و لا النقصان لو اتّفق كلّ منهما بالانتفاع المأذون فيه؛ لاستناده إلى السبب المأذون فيه.

و قيل بضمان المتلف،كما عن التقي (2)؛ لعدم تناول الإذن للاستعمال المتلف عرفاً.

و لا ريب فيه مع عدم تحقق التناول،و أما مع التحقق فالأوّل أجود، و لعلّه محل الفرض كما يظهر من التعليل المتقدم،و لكنه لم يثبت إلّا بلفظ صريح،و في ثبوته بالإطلاق إشكال،لعدم الانصراف إلّا إلى غير المتلف إلّا مع القرينة المصرّحة من عرف أو عادة فلا يضمن،كما لو أذن له باستعماله باللفظ الصريح.

بل لا يضمن مطلقاً،و لو تلف بدون الاستعمال إلّا مع تفريط، أو عدوان،أو اشتراط للضمان مع التلف و لو بدونهما،بلا خلاف في شيء من ذلك إلّا من الإسكافي في الحيوان،فحكم على الإطلاق بالضمان (3).

ص:445


1- في ص:454.
2- انظر الكافي في الفقه:329.
3- كما حكاه عنه في المختلف:446.

و الأصل في عدم الضمان حيث لم يكن فيه شيء من المستثنيات بعد الإجماع الدالّ على أمانته،كما في المهذب و المسالك و غيرهما (1)الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،منها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة الصحاح،في أحدها:« ليس على مستعير عارية ضمان،و صاحب العارية و الوديعة مؤتمن» (2).

و في الثاني:« لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأموناً» (3).

و في الثالث:عن العارية يستعيرها الإنسان فتهلك أو تسرق،قال:

فقال:« إذا كان أميناً فلا غرم» (4).

و الخبر الوارد بخلافها في الحيوان (5)مع قصور سنده شاذّ و إن قال به الإسكافي،و التقييد بأحد المستثنيات محتمل،و بخصوص الصحيح المرتضوي:« قضى علي عليه السلام في رجل أعار جارية فهلكت من عنده و لم يبغها غائلة أن لا يغرمها المعار» (6)الخبر معارض.

ص:446


1- المهذب البارع 3:11،المسالك 1:317؛ و انظر المفاتيح 3:168.
2- التهذيب 7:798/182،الإستبصار 3:441/124،الوسائل 19:93 أبواب أحكام العارية ب 1 ح 6.
3- الكافي 5:5/239،التهذيب 7:801/182،الإستبصار 3:443/124،الوسائل 19:92 أبواب أحكام العارية ب 1 ح 3.
4- التهذيب 7:799/182،الإستبصار 3:442/124،الوسائل 19:93 أبواب أحكام العارية ب 1 ح 7.
5- الكافي 5:2/302،التهذيب 7:814/185،الإستبصار 3:445/125،الوسائل 19:94 أبواب أحكام العارية ب 1 ح 11.
6- التهذيب 7:800/182،الإستبصار 3:447/125،الوسائل 19:93 أبواب أحكام العارية ب 1 ح 9.

و في الضمان مع أحد الأوّلين الإجماع في الغنية و التنقيح (1)، و حديث على اليد (2)،و مفهوم النصوص المتقدمة المشترطة في انتفاء الغرامة عنه الأمانة،و هي مع أحدهما منتفية؛ لكونه خيانة بلا شبهة فيه.

و فيه مع الثالث الإجماع في الغنية و المسالك و غيرهما (3)،و المعتبرة المستفيضة منها الصحاح،في أحدها:« إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنها إلّا أن يكون قد اشترط عليه (4)» و نحوه الثاني (5).

و في الثالث:« جميع ما استعرت فاشترط عليك يلزمك،و الذهب و الفضة لازم لك و إن لم يشترط عليك» (6).

و قوله: إلّا أن تكون العين المعارة استثناء من قوله:لا يضمن، أي لو كانت ذهباً أو فضة فالضمان يلزم على أيّ حال و إن لم يشترط الضمان بل أطلق و لم يتعدّ فيهما و لم يفرّط،بلا خلاف فيهما في الجملة،بل عليه الإجماع في المسالك و الغنية (7)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،منها زيادة على ما مرّ الصحيح

ص:447


1- الغنية(الجوامع الفقهية):598،التنقيح الرائع 2:249.
2- عوالي اللئلئ 1:22/389،مسند أحمد 5:8،مستدرك الحاكم 2:47،سنن ابن ماجة 2:2400/802.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):598،المسالك 1:317؛ و انظر المفاتيح 3:168 و الحدائق 21:506.
4- الكافي 5:1/238،التهذيب 7:805/183،الإستبصار 3:449/126،الوسائل 19:91 أبواب أحكام العارية ب 1 ح 1.
5- المقنع:130،المستدرك 14:25 أبواب أحكام العارية ب 3 ح 1.
6- الكافي 5:3/238،التهذيب 7:806/183،الإستبصار 3:450/126،الوسائل 19:96 أبواب أحكام العارية ب 3 ح 2.
7- المسالك 1:317،الغنية(الجوامع الفقهية):598.

« لا تضمن العارية إلّا أن يكون اشترط فيها ضماناً،إلّا الدنانير فإنها مضمونة و إن لم يشترط فيها ضماناً» (1).

و الحسن كالصحيح:« ليس على صاحب العارية ضمان إلّا أن يشترط صاحبها،إلّا الدراهم فإنها مضمونة اشترط صاحبها أو لم يشترط» (2).

و الخبر:« العارية ليس على مستعيرها ضمان،إلّا ما كان من ذهب أو فضة فإنهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا» (3).

و إطلاقه كالعبارة و نحوها يقتضي انسحاب الضمان في مطلقهما و لو كانا مصوغين لا نقدين،و به أفتى جماعة (4).

خلافاً لآخرين (5)فخصّوه بالنقدين.و لعله أظهر؛ للأصل،و ظهور الحصر فيهما من الخبرين الأوّلين المعتضدين بإطلاق الأخبار المتقدمة النافية للضمان عن مطلق العارية.و لا يعارضهما الخبر الأخير و نحوه الصحيح المتقدم المتضمن لمطلق الذهب و الفضة؛ لضعفهما عن المقاومة لهما بحسب السند،و الاعتضاد بما مرّ؛ مضافاً إلى الأصل،و النصوص الدالّة على انتفاء الضمان عن اليد حيث كانت مؤتمنة بعنوان الكلية،فالإعراض عنهما أجدر.

ص:448


1- الكافي 5:2/238،التهذيب 7:804/183 و فيه عن ابن مسكان،الإستبصار 3:448/126،الوسائل 19:96 أبواب أحكام العارية ب 3 ح 1.
2- التهذيب 7:808/184،الوسائل 19:96 أبواب أحكام العارية ب 3 ح 3.
3- الفقيه 3:874/192،التهذيب 7:807/183،الوسائل 19:97 أبواب أحكام العارية ب 3 ح 4.
4- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 6:80،و الشهيد الثاني في الروضة 4:264،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 10:373.
5- منهم:فخر المحققين في الإيضاح 2:130،و السبزواري في الكفاية:135.

مع إمكان الجمع بينهما و بين الأوّلين بتقييدهما بهما،و إن أمكن العكس؛ لكون التعارض بينهما تعارض العموم من وجه،كما ذكره بعض الأصحاب فقال:وقع التعارض بين المستثنى منه في خبر الدنانير و الدراهم،و حاصله لا ضمان في غير الدراهم و الدنانير،و بين المستثنى في خبر الذهب و الفضة و النسبة بين الموضوعين عموم من وجه (1)يمكن تخصيص كلّ منهما بالآخر،فإن خصّص الأوّل بالثاني كان الحاصل:

لا ضمان في غير الدراهم و الدنانير إلّا أن يكون ذهباً أو فضة،و إن خصّص الثاني بالأوّل كان الحاصل:كلّ من الذهب و الفضة مضمونان إلّا أن يكون غير الدراهم و الدنانير (2).انتهى.

و حينئذٍ فالأمر المشترك بين الحكمين ثابت و هو حصول الضمان في الدنانير و الدراهم،فلا بُدّ من استثناء هذا الحكم من عموم النصوص الدالة على عدم الضمان في مطلق العارية و تبقى في غير النقدين عن المعارض سليمة،فإذاً المتجه عدم الضمان فيما عداهما من مطلق الذهب و الفضة.

ص:449


1- فمادّة التصادق هو من الذهب و الفضّة غير النقدين،فيدلّ الأوّل على عدم الضمان فيه و الثاني على الضمان،و مادة تفارق الأوّل عن الثاني هو نحو الثوب،و مادة تفارق الثاني عن الأوّل النقدان،و لا إشكال في مادة التفارق؛ لإمكان الجمع بين المتعارضين فيهما،فيعمل في المادة الأُولى بما دل على نفي الضمان فيها،و في الثانية بما دل على ثبوت الضمان فيها،و إنما الإشكال في مادة التصادق و هو الذهب و الفضة غير النقدين،فيمكن فيها العمل بما دل على نفي الضمان فيه،و يمكن العكس،و لكن الأوّل أظهر؛ لما ظهر في المتن من أوفقيته بالأصل و الأخبار الدالة على عدم الضمان في مطلق العارية و في مطلق الأمين،[و]لا يمكن ترجيح الثاني بعموم اليد؛ لأنه مخصص بإطلاقات تلك الأخبار،فلا يمكن العمل عليه بعمومه(منه رحمه اللّه).
2- الكفاية:135.

ثم إن ضمانهما يسقط باشتراط سقوطه،بلا خلاف؛ للصحيح:

« جميع ما استعرته فتوى فلا يلزمك تواه،إلّا الذهب و الفضة فإنهما يلزمان،إلّا أن يشترط أنه متى توى لم يلزمك تواه» (1)الخبر.

و لو استعار من الغاصب مع العلم بالغصب ضمن كلا من المنفعة و العين مع التلف مطلقاً،و لو لم تكن عاريتها عارية مضمونة.

و كذا لو كان جاهلاً،لكن استقرار الضمان هنا على الغاصب، إلّا إذا كانت مضمونة فيضمن العين خاصة.

و للمالك في المقامين إلزام أيّهما شاء بالعين التالفة و ما استوفاه من المنفعة،فإن ألزم المستعير كان له أن يرجع هو على المعير بما يغرم مع جهلة؛ لأنّه أذن في استيفائها بغير عوض عنها و عن العين لو تلفت.و لا كذلك مع علمه؛ لاستقرار الضمان عليه بسببه فليس له الرجوع بما غرمه.و إن ألزم الغاصب لم يرجع على المستعير،إلّا مع علمه أو كون العين مضمونة فيرجع عليه فيهما؛ لاستقرار الضمان عليه في الأوّل، و إقدامه في الثاني على الضمان مع صحة العارية فكذا عليه الضمان مع الفساد؛ للقاعدة الكلية أن كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده،لكن هذا لا يوجب إلّا ضمان العين دون المنفعة،فإنها ليست بمضمونة بالكلية و لو في الذهب و الفضة،بل المضمون فيهما هو العين خاصة.

و لا خلاف في شيء من ذلك فيما أجده إلّا من الماتن في الشرائع و الفاضل في القواعد (2)،فلم يجوّزا رجوع المالك إلى المستعير مع جهله؛

ص:450


1- الكافي 5:3/238،التهذيب 7:806/183،الإستبصار 3:450/126،الوسائل 19:96 أبواب العارية ب 3 ح 2.
2- الشرائع 2:172،القواعد 1:193.

لضعف مباشرته بغروره و السبب الغارّ أقوى.

و المشهور الأوّل؛ لما تقرّر في كلامهم من أن كل من ترتّبت يده على المغصوب فإن يده يد ضمان،عالماً كان أو جاهلاً،و لعله لعموم على اليد، و هو أقوى.

و في الموثق و المرسل:« إذا استعيرتْ عارية بغير إذن صاحبها فهلكت فالمستعير ضامن» (1).

و هما على إطلاقهما شاذّان إن نزّلا على مفروض المسألة،و إن حملا على ظاهرهما من كون المستعير هو الغاصب فلا كلام فيهما.

و من نادر و إطلاق العبارة هنا و في الشرائع في عدم رجوع المستعير على المعير بما غرم مع الجهل إذا كانت العارية مضمونة،فجوّزه هنا أيضاً؛ بناءً على أن استحقاق العين أوجب فساد العارية فلا تكون عليه مضمونة.

و يضعّف بأن غروره في الغصب لا مدخل له هنا في الضمان؛ لأنه ليس من حيث الغصب،بل من حيث كونها عارية مضمونة و دخوله على ذلك،فإذا تبيّن فسادها لحقها حكم الفاسد بالصحيح،كما سلف من القاعدة.

و اعلم أن ضابط العين المعارة هو كلّ ما يصحّ الانتفاع به مع بقائه كالعقارات،و الدواب،و الثياب،و الأقمشة،و الأمتعة،و الصفر، و الحليّ،و نحو ذلك،فإنه الذي تصحّ إعارته دون غيره مما لا يتمّ الانتفاع به إلّا بإتلاف عينه،كالأطعمة و الأشربة،فإنه لا تجوز إعارتها؛ لأن المنفعة المطلوبة لا تحصل إلّا بإتلافها،و الإباحة لم تقع على الإتلاف.

ص:451


1- الفقيه 3:874/192،التهذيب 7:807/183،الإستبصار 3:446/125،الوسائل 19:97 أبواب أحكام العارية ب 4 ح 1.

و كذا ما لا يجوز الانتفاع به شرعاً فإنه لا تصحّ إعارته،كأواني الذهب و الفضة للأكل و الشرب فيها،و كذا كلب الصيد إن أستعير للّهو و الطرب، و الجواري للاستمتاع؛ لاستلزام الأوّل الإعانة على الإثم المحرّمة بالكتاب و السنة،و الثاني مورد نصّ و إجماع كما يأتي في النكاح.

و لا خلاف في شيء من ذلك و لا إشكال إلّا في المقصود بقولهم:

لا تجوز إعارة ما لا يمكن الانتفاع به إلّا بإتلافه،فإنه غير واضح إن ظهر من المعير الرضا بإتلاف العين بقوله:أعرتكه،مع القرينة،فإن المعيار في جوازه هو رضاه به و قد حصل في محل الفرض،و إن هو حينئذٍ إلّا كالهبة و الإباحة و إن عبّر عنهما بلفظ العارية،و لا مدخل للّفظ الفاسد معناه في اللغة و العرف.

نعم،حيث لا يعلم الرضا بالإتلاف إلّا به اتّجه ما ذكروه؛ لاشتراط استفادته منه بدلالته عليه و لو بالالتزام،و دلالة لفظ العارية بمجرّده على الإتلاف فاسدة؛ لعدم استنادهما إلى عرف أو لغة؛ لأن وضع العارية فيهما بحكم الوضع و التبادر إنما هو لما يتم الانتفاع به مع بقاء عينه،و لعل هذا مراد الأصحاب.

و يستثنى من مورد المنع حيث يثبت المِنحة بالكسر،و هي الشاة المعارة للانتفاع بلبنها،و قد أجمعوا عليه كما في المسالك و التذكرة و غيرهما من كتب الجماعة (1)؛ و هو الحجة دون الرواية (2)،لضعفها.ثم

ص:452


1- المسالك 1:315،التذكرة 2:210،و انظر مجمع الفائدة 10:368،و مفاتيح الشرائع 3:167.
2- عوالي اللئلئ 3:241،مستدرك الوسائل 13:393 أبواب الدين و القرض ب 4 ح 4.

منهم من حمل على المجمع عليه،و منهم من عدّى الحكم إلى غير الشاة من الأنعام،و إلى غير اللبن من الصوف و الشعر.و الأوّل أظهر،و لعلّه مختار الأكثر؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن.

و يجب أن يقتصر المستعير في الانتفاع على ما يؤذن له منه،فلو عيّن له جهة لم يتجاوزها و لو إلى المساوي و الأدون عند جماعة (1)؛ عملاً بمقتضى التعيين،و اقتصاراً على المأذون.

خلافاً لآخرين (2)،فجوّزوا التخطّي إليهما،و ظاهر التذكرة (3)القائل به عدم الخلاف فيه كما حكي،فإن تمّ إجماعاً،و إلّا فلا ريب في ضعفه في المساوي؛ لضعف دليله،إذ ليس إلّا القياس،و هو باطل.

نعم،لا يبعد المصير إليه في الثاني؛ لما مرّ في الوديعة (4)،و ما يقال عليه من منع الأولوية لاختلاف الغرض في ذلك مرّ جوابه ثمة.

نعم،لو علم إرادة الخصوصيّة من التعيين توجّه المنع،كما لو نهاه عن غير المعيّن مطلقاً،بلا خلاف.

و حيث يتعيّن المعيّن فتعدّى إلى غيره ضمن العين و لزمه الأُجرة لمجموع ما فعل،من غير أن يسقط عنه ما قابل المأذون،على الأصح؛ لكونه تصرفاً بغير إذن المالك فيوجب الأُجرة،و القدر المأذون فيه لم يفعله

ص:453


1- منهم:المحقق في الشرائع 2:172،و الشهيد الثاني في الروضة 4:260،و المسالك 1:315،و السبزواري في الكفاية:135،و صاحب الحدائق 21:493.
2- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهيّة):598،و العلّامة في التحرير 1:269،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 10:364.
3- التذكرة 2:210.
4- راجع ص:415.

فلا معنى لإسقاط قدره.

نعم،لو كان المأذون فيه داخلاً في ضمن المنهي عنه كما لو أذن له في تحميل الدابة قدراً معيّناً فتجاوزه،أو في ركوبه بنفسه فأردف غيره تعيّن إسقاط قدر المأذون؛ لأنه بعض ما استوفى من المنفعة و إن ضمن الدابة أجمع لتعدّيه.

و لو اختلفا في التلف أو التفريط فالقول فيهما قول المستعير مع يمينه بلا خلاف في أصل القبول في الأوّل؛ لأنه أمين فيقبل قوله فيه كغيره،سواء ادّعاه بأمر ظاهر أو خفي.و كذا في الثاني،وفاقاً للطوسي و التقي و ابن حمزة و القاضي و الحلي (1)و عامة المتأخرين،بل في ظاهر الغنية (2)الإجماع عليه؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل،فإنه منكر فعليه اليمين مع عدم البينة.

خلافاً للمفيد و الديلمي (3)،فقول المالك.و لا وجه له.

و لو اختلفا في الرد فادّعاه المستعير فالقول قول المعير بلا خلاف فيما أعلم؛ لأصالة العدم،و قد قبضه لمصلحة نفسه فلا يقبل قوله فيه،بخلاف الودعي؛ لأن قبضه لمصلحة المالك و الإحسان إليه خاصّة،كما مرّ في الوديعة (4).و معنى عدم قبول قوله فيه الحكم بضمانه

ص:454


1- الطوسي في النهاية:438،التقي في الكافي في الفقه:329،ابن حمزة في الوسيلة:276،حكاه عن القاضي في المختلف:446،الحلي في السرائر 2:430.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):598.
3- المفيد في المقنعة:630،الديلمي في المراسم:194.
4- راجع ص:438.

المثل أو القيمة حيث يتعذر العين،لا الحكم بالعين مطلقاً؛ للزومه إيداعه الحبس مخلّداً.

و لو اختلفا في القيمة بعد اتفاقهما على التلف بالتفريط فقولان يستندان إلى ما مرّ في الوديعة (1) أشبههما ما مضى ثمّة من أن القول قول المستعير الغارم مع يمينه وفاقاً للحلّي و أكثر المتأخرين (2).

خلافاً لآخرين،كالشيخين و التقي و القاضي و ابني حمزة و زهرة في الغنية (3)،مدّعياً فيها هنا إجماع الإمامية،فإن تمّ،و إلّا كما هو الظاهر،بل كاد أن يكون على خلافه الإجماع الآن كان المصير إلى الأوّل متعيناً.

و اعلم أن اعتبار اليمين هاهنا بأقسامه هو المشهور،بل لا خلاف فيه فيما أعلم،و يأتي احتمال الخلاف فيه مما في الوديعة قد تقدم (4).

و لو استعار للانتفاع و رهن المستعار من غير إذن المالك بالرهن انتزع المالك العين لتسلّطه على ماله،مع عدم صدور شيء منه يوجب رفع سلطنته سوى الإعارة للانتفاع،و هي غير الإذن بالرهانة و رجع المرتهن بماله على الراهن حيث أُخذت منه العين،بل مطلقاً؛ لعدم الاستيثاق بما لمالكه الرجوع فيه متى شاء.

ص:455


1- راجع ص:437.
2- الحلي في السرائر 2:431؛ و انظر الشرائع 2:175،و جامع المقاصد 6:93،و المسالك 1:320.
3- المفيد في المقنعة:630،الطوسي في النهاية:438،التقي في الكافي:329،حكاه عن القاضي في المختلف:446،ابن حمزة في الوسيلة:276،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):598.
4- راجع ص:437.

هذا مضافاً إلى الخبرين (1)،أحدهما الموثق كالصحيح بل الصحيح كما قيل:في رجل استعار ثوباً ثم عمد عليه فرهنه،فجاء أهل المتاع إلى متاعهم،فقال:« يأخذون متاعهم» .

ص:456


1- الكافي 5:6/239،الفقيه 3:876/193،التهذيب 7:809/184،810،الوسائل 19:98 أبواب أحكام العارية ب 5 ح 1.

المجلد 10

اشارة

سرشناسه:طباطبائی کربلائی، علی بن محمدعلی، 1161 - 1231ق.

عنوان و نام پديدآور:ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل/ تالیف محمدعلی الطباطبایی؛ تحقیق موسسه آل البیت(ع) لاحیاءالتراث.

مشخصات نشر:قم: موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاءالثرات، 1418ق.-= 1376-

مشخصات ظاهری:16 ج.: نمونه.

فروست:موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

شابک: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری

يادداشت:عربی.

يادداشت:کتاب حاضر شرحی بر مختصرالنافع محقق حلی است.

يادداشت:ج.9 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت:ج. 11 - 13 (چاپ؟: 1421ق. = 1379).

يادداشت:ج. 15و 16 (چاپ؟: 1422ق. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:محقق حلی، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 7ق.

شناسه افزوده:محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

شناسه افزوده:موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاء الثرات

رده بندی کنگره:BP182/م3م30216 1376

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين

ص:5

ص:6

كتاب الإجارة

اشارة

كتاب الإجارة

في حقيقة الإجارة

و هي لغة:الأُجرة،و هي:كرى الأجير،لا مصدر آجر يوجر، فإنّه الإيجار.

و شرعاً: تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم.

و قيل:عقدٌ،ثمرته ذلك (1).و منشأ الخلاف تقدّم في البيع.

و كيف كان،هو أو التمليك بمنزلة الجنس يشمل سائر العقود،و خرج بتعلّقه بالمنفعة البيع و الصلح المتعلّق بالأعيان،و بالعوض الوصيّة بالمنفعة، و بالمعلوم إصداقها،إذ ليس في مقابلها عوض معلوم سوى البضع،و ليس بمعلوم.

و ينتقض في طرده بالصلح على المنفعة بعوض معلوم؛ فإنّه ليس إجارة بناءً على جعله أصلاً مستقلا،كما هو الأشهر الأقوى.

و الأصل فيه بعد إجماع المسلمين،كما في المهذب و ظاهر الغنية و غيرهما من كتب الجماعة- (2)الكتاب و السنة المتواترة الخاصيّة و العاميّة،

ص:7


1- العلّامة في القواعد 1:224،السبزواري في الكفاية:124.
2- المهذب 1:470،الغنية(الجوامع الفقهيّة):600؛ و انظر التذكرة 2:290،و المهذب البارع 3:19،و الحدائق 21:530.

قال سبحانه فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [1] (1)و قال: لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً [2] (2)و نحوهما آيات أُخر (3).

و أمّا السنّة فستتلى عليك جملة منها في تضاعيف المباحث الآتية.

و يشترط فيها بعد أهليّة المتعاقدين ما يدلّ على الإيجاب و القبول، كآجرتك،أو أكريتك،أو ملّكتك منفعتها سنة،فيقول:قبلت،أو استأجرت،أو نحوهما،بلا خلاف.

و أمّا اشتراط العربية و الماضوية و نحوهما من الأُمور المختلف في اعتبارها في العقود اللازمة يظهر الكلام فيه نفياً و إثباتاً من الرجوع إلى ما قدّمناه في البيع (4)،فإنّهما كسائر العقود اللازمة من باب واحد.

و حيث انعقدت بشرائطها المعتبرة تلزم من الطرفين الموجر و المستأجر،بلا خلاف،بل عليه الوفاق كما في المسالك و غيره (5)؛ لعموم الأمر بالوفاء،و صريح المستفيضة،منها الصحيحان و غيرهما:عن الرجل يتكارى من الرجل البيت أو السفينة سنة أو أكثر من ذلك أو أقل،فقال:

« الكراء لازم له إلى الوقت الذي تكارى إليه،و الخيار في أخذ الكرى إلى ربّها إن شاء أخذ و إن شاء ترك» (6).

و منها:رجل دفع ابنه إلى رجل و سلّمه منه سنة بأُجرة معلومة ليخيط

ص:8


1- الطلاق:6.
2- الكهف:77.
3- النساء:24،الممتحنة:10،القصص:26.
4- راجع ج 8:215.
5- المسالك 1:320؛ و انظر جامع المقاصد 7:83،و الكفاية:124.
6- الأوّل:الكافي 5:1/292،الفقيه 3:697/159،التهذيب 7:920/209،الوسائل 19:110 أبواب أحكام الإجارة ب 7 ح 1.الثاني:التهذيب 7:922/210،الوسائل 19:110 أبواب أحكام الإجارة ب 7 ح 1.

له،ثمّ جاء رجل فقال:سلّم ابنك منّي سنة بزيادة،هل له الخيار في ذلك؟و هل يجوز له أن يفسخ ما وافق عليه الأوّل أم لا؟فكتب عليه السلام:

« يجب عليه الوفاء للأوّل ما لم يعرض لابنه مرض أو ضعف» (1).

و تنفسخ بالتقايل بلا خلاف؛ لعموم أدلّة استحبابه،كما مضى في البيع و غيره،و سيأتي بعض النصوص الدالّة عليه،و كذا بكل واحد من الأسباب المقتضية له ممّا يأتي.

و لا تبطل بالبيع بلا خلاف في الظاهر،و عليه الإجماع في الغنية (2)؛ للأصل،و عدم المنافاة،فإنّ الإجارة تتعلق بالمنافع و البيع بالعين و إن تبعتها المنافع حيث يمكن.

و للنصوص المستفيضة،ففي الصحيح:رجل استأجر ضيعة من رجل،فباع الموجر تلك الضيعة بحضرة المستأجر و لم ينكر المستأجر البيع،و كان حاضراً له شاهداً،فمات المشتري و له ورثة،هل يرجع ذلك الشيء في ميراث الميت،أو يثبت في يد المستأجر إلى أن تنقضي إجارته؟ فكتب عليه السلام:« يثبت في يد المستأجر إلى أن تنقضي إجارته» (3)و قريب منه غيره (4).

و في الصحيح:« لا ينقض البيع الإجارة و لا السكنى،و لكن يبيعه على أن الّذي يشتريه لا يملك ما اشترى حتى تنقضي السكنى على ما شرط و الإجارة».قلت:فإن ردّ على المستأجر ماله و جميع ما لزمه من

ص:9


1- الفقيه 3:441/106،الوسائل 19:118 أبواب أحكام الإجارة ب 15 ح 1.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):601.
3- الفقيه 3:701/160،الوسائل 19:134 أبواب أحكام الإجارة ب 24 ح 1.
4- التهذيب 7:910/207،الوسائل 19:134 أبواب أحكام الإجارة ب 24 ح 2.

النفقة و العمارة فيما استأجره؟قال:« إن كان على طيبة النفس و رضا المستأجر بذلك لا بأس» (1).

و في الخبر:« له أن يبيع إذا اشترط على المشتري أن للمتقبّل من السنين ماله» (2).

و ظاهرهما توقف جواز البيع على الاشتراط المذكور فيهما،و به أفتى شيخ الصدوق،على ما حكاه عنه في الفقيه (3).

و لعلّ الوجه في النهي عن البيع بدونه وجوب الإخبار بعيب المبيع حيث كان وقت البيع،و قيل باستحبابه (4)،و عليه يصرف النهي إلى الإرشاد أو الكراهة.

و وجه العيب في المسألة واضح؛ للتعيب بنقص المنفعة المستوفاة بعقد الإجارة،فإن كان المشتري عالماً به صبر إلى انقضاء المدّة،و إلّا تخيّر بين فسخ العقد و إمضائه مجاناً.

و إطلاق العبارة كغيرها و صريح جماعة (5)عدم الفرق في الحكم بعدم البطلان به بين كونه من المستأجر و غيره،و لا خلاف و لا إشكال في الثاني، و كذلك الأوّل على قول قوي؛ لبعض ما مرّ،مع أنّه بين المتأخّرين أشهر.

ص:10


1- الفقيه 4:649/185،التهذيب 9:593/141،الإستبصار 4:399/104،الوسائل 19:135 أبواب أحكام الإجارة ب 24 ح 3.
2- الكافي 5:1/270،التهذيب 7:914/208،الوسائل 19:135 أبواب أحكام الإجارة ب 24 ح 4.
3- الفقيه 3:160.
4- كما قال به صاحب الحدائق 21:538.
5- منهم:ابن سعيد في الجامع للشرائع:292،و الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 4:329.

خلافاً لمن ندر (1).

و تظهر ثمرة الخلاف في استحقاق الموجر الأُجرة لباقي المدة، فيتوجه على المختار،و لا على غيره.

و كما لا تبطل به كذا لا تبطل بالعتق لعين ما مرّ من الدليل سوى الأحاديث.

و هل تبطل بالموت؟قال الشيخان (2):نعم و تبعهما القاضي و الديلمي و ابن حمزة و ابن زهرة مدّعياً في الغنية عليه إجماع الإماميّة (3)تبعاً لشيخ الطائفة في الخلاف و كذا في المبسوط (4)،حيث ادّعى فيه ذلك في الظاهر،لكن على التفصيل بين الموجر و المستأجر بالبطلان بموت الثاني دون الأوّل.و جعله الأصحاب قولاً ثالثاً في المسألة،و نسبه القاضي إلى أكثر الإماميّة (5).

و حجتهم عليه مطلقا أو في الجملة غير واضحة،عدا ما نسب إليهم و صرّح به في الغنية (6)من تعذّر استيفاء المنفعة في موت الأوّل و الأُجرة في موت الثاني،فالأوّل:لأن المستأجر استحقّ استيفاءها على ملك الموجر فبالموت ينتقل إلى الوارث و تحدث المنافع على ملكهم فلا يجوز استيفاء ما ليس بمملوك للموجر،و الثاني:لأنّه استحق من مال الموجر و بالموت

ص:11


1- انظر الإرشاد 1:425.
2- المفيد في المقنعة:640،الطوسي في الخلاف 3:491،و النهاية:444.
3- القاضي في المهذب 1:501،الديلمي في المراسم:196،ابن حمزة في الوسيلة:267،الغنية(الجوامع الفقهية):601.
4- الخلاف 3:491،المبسوط 3:224.
5- المهذب 1:501.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):601.

تنتقل التركة إلى الورثة،و أنه ربما كان غرض المالك تخصيص المستأجر لتفاوت الأغراض بتفاوت المستأجرين و قد تعذّر ذلك بالموت،فتبطل الإجارة.

و فيه بعد النقض بتزويج الأمة المنتقلة بموت مالكها إلى الورثة، و بنفس الإجارة،حيث لا تبطل بالبيع و العتق،كما مرّت إليه الإشارة (1)،مع اقتضاء هذه التعليلات بطلانها بهما أيضاً كما ادّعوه في المسألة أن دعوى انتقال كلّ من المنفعة و الأُجرة بالموت إلى الورثة فلا يستحقهما عليهم الطرف الآخر ممنوعة،كيف لا و هي مصادرة محضة،و شبهة جوابها واضح؛ فإنّ المنتقل إليهم في موت الموجر العين المسلوبة المنافع مدّة الإجارة،و في موت الآخر التركة مستثنى منها الأُجرة اللازمة بالإجارة السابقة،و إن هي حينئذٍ إلّا كالديون اللازمة في التركة بأحد موجباتها المتقدّمة على الموت.

فلم يبق ما يؤيّد به مذهب الجماعة إلّا حكاية الإجماعات المتقدّمة،و هي بعد معارضتها بأقوى منها كما سيأتي إليه الإشارة موهونة أوّلاً:بمصير عامة المتأخّرين و كثير من القدماء إلى الخلاف،و ثانياً:بتعارض أحدهما مع الآخر، فإنّ إجماع الخلاف و الغنية مدّعى على البطلان بالموت على الإطلاق، و إجماع المبسوط على عدمه كذلك و اختصاص البطلان بموت الثاني.

نعم،هما متّفقان على دعواه على البطلان بموته،لكن يقتصر في الجواب عنه حينئذٍ على الأوّلين،و إن اعتضد بدعوى الماتن في الشرائع عليه الشهرة (2)،كدعوى القاضي الأكثرية مع اختلافهما و تعارضهما في

ص:12


1- راجع ص:9.
2- الشرائع 2:179.

الإطلاق و عدمه،كحكاية الإجماعين المتقدّمين.

و قال المرتضى و الحلبي و الحلّي (1) لا تبطل مطلقا و هو أشبه و أشهر بين من تأخّر،بل عليه عامّتهم بحيث كاد أن يكون ذلك إجماعاً منهم،و به صرّح في المسالك (2)،و لعلّه كذلك،فيمكن أخذها حجة.

مضافاً إلى اعتضادها بالشهرة القديمة كما يظهر من السرائر في بحث المزارعة (3)،و إطلاق المستفيضة المتقدّمة بلزوم الإجارة إلى المدّة المضروبة و استصحاب الحالة السابقة السليمين عمّا يصلح للمعارضة،كما مرّ إليه الإشارة.

و في الخبر:عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين على أن تعطى الإجارة في كلّ سنة عند انقضائها،لا يقدّم لها شيء من الإجارة ما لم يمض الوقت،فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها،هل يجب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى الوقت أم تكون الإجارة منتقضة بموت المرأة؟فكتب عليه السلام:

« إن كان لها وقت مسمّى لم يبلغ فماتت فلورثتها تلك الإجارة،فإن لم تبلغ ذلك الوقت و بلغت ثلثه أو نصفه أو شيئاً منه فيعطى ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت إن شاء اللّه تعالى» (4).

و في آخر:رجل استأجر ضيعة من رجل،فباع الموجر تلك الضيعة التي آجرها بحضرة المستأجر و لم ينكر البيع و كان حاضراً شاهداً

ص:13


1- المرتضى في الناصريات(الجوامع الفقهية):224،الحلبي في الكافي:348،الحلّي في السرائر 2:460.
2- المسالك 1:321.
3- السرائر 2:449.
4- الكافي 5:2/270،التهذيب 7:912/207،الوسائل 19:136 أبواب أحكام الإجارة ب 25 ح 1.

عليه..،و قد مرّ (1).

و في الاستدلال بهما على عدم البطلان مع قطع النظر عن قصور سند الأول نظر إن لم يكن الأوّل على الدلالة على خلافه أظهر،مع اختصاصهما بموت الموجر و من في حكمه،فليس فيهما حجّة على المفصّل بينه و بين غيره.

ثمّ كلّ ذا إذا لم يشترط على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه،و إلّا بطلت بموته؛ عملاً بالشرط.كما تبطل عند جماعة (2)بموت الموجر حيث تكون العين المستأجرة موقوفة عليه و على من بعده من البطون فيؤجرها مدّة و يتّفق موته قبل انقضائها؛ لانتقال الحق إلى غيره،و ليس له التصرّف إلّا زمن استحقاقه،و لهذا لا يملك نقلها و لا إتلافها.

و الفرق بينه و بين غير الوقت تلقّى الطبقة الثانية العين الموقوفة عن الواقف دون الموجر،بخلاف الوارث فإنّه يتلقّى الملك فيه عن الميت،فتدبّر.

قالوا:نعم،لو كان ناظراً و آجرها لمصلحة البطون لم تبطل بموته.

لكن الصحّة حينئذٍ ليست من حيث إنّه موقوف عليه،بل من حيث إنّه ناظر.

و مثله الموصى له بمنفعتها مدة حياته فيؤجرها كذلك.

و كلّ ما تصحّ إعارته شرعاً من الأعيان المنتفع بها مع بقائها تصحّ إجارته بلا خلاف في الظاهر،و به صرّح في السرائر و الغنية (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل،و العمومات كتاباً و سنة.

دون ما ليس كذلك مطلقا،و لو في نحو المنحة،إجماعاً هنا،كما

ص:14


1- في ص:9.
2- منهم:الشيخ في الخلاف 3:552،و المحقّق الثاني في جامع المقاصد 7:85،و الشهيد الثاني في المسالك 1:321،و الروضة البهية 4:330.
3- السرائر 2:456،الغنية(الجوامع الفقهية):600.

عن التذكرة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى مخالفته الأصل؛ إذ ليس الإجارة في العرف و اللغة عبارة إلّا عمّا كانت العارية فيه حقيقة لكن مع العوض،و يفترقان بلزومه خاصّة.

و ثبوت المخالفة له في العارية في نحو المنحة بعد قيام الدليل عليه من الإجماع و الرواية غير موجب لإلحاق الإجارة بها فيها؛ إذ ليس إلّا قياساً فاسداً في الشريعة،مع كونه مع الفارق،بناءً على لزوم الإجارة و جواز العارية،فيغتفر فيها ما لا يغتفر في العقود اللازمة و إجارة المشاع جائزة مطلقا،استأجره من شريكه أو غيره، عندنا،كما في المسالك و الروضة (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل، و العمومات كتاباً و سنّة.

و لا مانع منه باعتبار عدم القسمة؛ لإمكان استيفاء المنفعة بموافقة الشريك،و لكن لا يسلم العين المشتركة إلّا بإذنه،و لو أبى رفع الأمر إلى الحاكم،كما إذا نازع الشريكان.

ثمّ إنّه إذا كان المستأجر عالماً بالحال،و إلّا فله الفسخ؛ دفعاً للضرر.

و العين المستأجرة أمانة لا يضمنها المستأجر،و لا ما ينقص منها،إلّا مع تعدٍّ أو تفريط بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الغنية (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،ففي الصحيح:عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت،فما عليه؟قال:« إن كان اشترط أن لا يركبها

ص:15


1- التذكرة 2:295.
2- المسالك 1:321،الروضة 4:331.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):601.

غيره فهو ضامن لها،و إن لم يسمّ فليس عليه شيء» (1).

و فيه في المتعدّي:أ رأيت لو عطب البغل أو نفق أ ليس كان يلزمني؟ قال:« نعم» قلت:فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر؟فقال:« عليك قيمة ما بين الصحّة و العيب يوم تردّه عليه» (2).

و في الخبر فيه أيضاً:« و إن عطب الحمار فهو ضامن» (3).

و في آخر:« إن كان جاز الشرط فهو ضامن،و إن دخل وادياً لم يوثقها فهو ضامن،و إن سقطت في بئر فهو له ضامن لأنّه لم يستوثق منها» (4).

هذا مضافاً إلى بعض النصوص المتقدّمة (5)في العارية المعلِّل عدم ضمانها بالأمانة التي هي بعينها في المقام موجودة،و نحوه النصوص المستفيضة (6)الواردة في عدم ضمان الأجير لما يتلف في يده إذا كان أميناً.

و كذلك الأجير إذا هلك،صغيراً كان أو كبيراً،حرّا أو عبداً؛ لبعض ما مرّ من التعليل،و عليه إجماع المسلمين كما في المفاتيح و غيره (7).

ص:16


1- الكافي 5:7/291،التهذيب 7:942/215،الوسائل 19:118 أبواب أحكام الإجارة ب 16 ح 1.
2- الكافي 5:6/290،التهذيب 7:943/215،الإستبصار 3:483/134،الوسائل 19:119 أبواب أحكام الإجارة ب 17 ح 1 فيه و في الكافي بتفاوت يسير.
3- الكافي 5:1/289،التهذيب 7:937/213،الوسائل 19:121 أبواب أحكام الإجارة ب 17 ح 2.
4- الكافي 5:3/289،الفقيه 3:709/162،التهذيب 7:939/214،الوسائل 19:121 أبواب أحكام الإجارة ب 17 ح 3.
5- راجع ج 9 ص 446.
6- انظر الوسائل 19:141 أبواب أحكام الإجارة ب 29،30،32.
7- المفاتيح 3:112؛ و انظر التذكرة 2:318.

ثمّ إن إطلاق العبارة و غيرها من عبائر جماعة و صريح آخرين (1)، و ربما نسب إلى الشهرة (2)عدم الفرق في الحكمين بين التلف في المدّة أو بعدها،و لا خلاف فيه في الحكم الثاني مطلقا،و كذا في الأوّل في الصورة الأُولى؛ و الوجه في الجميع واضح.

و أمّا ثبوته في الثانية فلأصالتي البراءة و استصحاب الحالة السابقة السليمتين عمّا يصلح للمعارضة،عدا توهّم استلزام انقضاء المدّة صيرورة العين أمانة شرعية تضمن لو أخلّ بردّها فوراً.

و يضعف بمنع وجوب الردّ،و إنّما يجب بعد المطالبة تمكينه منها و التخلية بينه و بينها كسائر الأمانات؛ للأصلين المتقدّمين.نعم،لو حبسه مع الطلب بعد انقضاء المدّة ضمن.

فخلاف الإسكافي و الطوسي (3)حيث أطلقا الضمان بعد المدّة مع الإخلال بالفوريّة،نظراً إلى أنّه غير مأذون فيه فيضمنها مطلقا،و يجب عليه مئونة الردّ ضعيف غايته.

و في جواز اشتراط الضمان حيث لم يثبت بأصل العقد،لعموم الوفاء بالشروط،أم العدم،لمنافاته لمقتضاه فيفسد قولان.و الثاني أشهر،و الأوّل أظهر،لما مرّ،مع ضعف المعارض،لمنع المنافاة على إطلاقه،بل هو حيث لم يكن هناك شرط.

و في الخبر:عن رجل استأجر سفينة من ملاّح،فحملها طعاماً

ص:17


1- منهم:المحقّق في الشرائع 2:180،و العلّامة في القواعد 1:234،و الشهيد في المسالك 1:321،و الروضة 4:331،و السبزواري في الكفاية:124.
2- كما في الحدائق 21:543.
3- نقله عن الإسكافي في المسالك 1:321،الطوسي في المبسوط 3:241.

و اشترط عليه إن نقص الطعام فعليه،فقال:« جائز» قلت:إنّه ربما زاد الطعام،قال:فقال:« يدّعي الملّاح أنّه زاد فيه شيئاً؟» قلت:لا،قال:

« لصاحب الطعام الزيادة،و عليه النقصان إذا كان قد شرط عليه ذلك» (1).

و على الثاني ففي فساد العقد بفساد الشرط أم لا قولان،الأشهر الأوّل.

شروطها خمسة

اشارة

و شروطها أي الإجارة خمسة بل ستة.

أحدها:

أن يكون المتعاقدان كاملين جائزي التصرّف

أن يكون المتعاقدان كاملين جائزي التصرّف بلا خلاف، بل في الغنية (2)عليه الإجماع؛ لعموم أدلّة الحجر على غيرهما،فلا تصحّ إجارة الصبي مطلقا،و إن كان مميّزاً و أذن له الولي،على الأقوى، و لا المجنون مطلقا،و لا المحجور عليه بدون إذن الولي أو مَن في حكمه، لا مطلقا.

أن تكون الأُجرة معلومة كيلاً أو وزناً

و ثانيها: أن تكون الأُجرة معلومة كيلاً أو وزناً أو عدّاً،إن كانت ممّا يعتبر بها في البيع،أو مشاهدة إن لم تكن كذلك.

و قيل: كما عن المبسوط و المرتضى (3)إنّه تكفي المشاهدة فيها عن اعتبارها بأحد الأُمور الثلاثة إن كانت ممّا يعتبر بها؛ لأصالة الصحّة،و انتفاء الغرر بالمشاهدة.

و الأصحّ الأوّل،وفاقاً للنهاية و الحلّي (4)و كافة المتأخّرين؛ لأنّ

ص:18


1- الكافي 5:4/244،التهذيب 7:949/217،الوسائل 19:150 أبواب أحكام الإجارة ب 30 ح 5.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):600.
3- المبسوط 3:223،حكاه عن المرتضى في المسالك 1:321.
4- النهاية:443،الحلّي في السرائر 2:459.

الإجارة كالمبايعة معاوضة لازمة مبنيّة على المغابنة،فلا بدّ فيها من انتفاء الغرر و الجهالة عن العوضين المنفيين في الشريعة.

و ما ربما يقال من اختصاص المنع عنهما بالبيع و لا دليل على التعدّي عدا القياس المحرّم (1)،غريب؛ لتوجه النظر إليه أوّلاً:بعدم الخلاف في المنع عنهما مطلقاً،بل هو مجمع عليه بين كافّة العلماء،و الشاهد عليه سند المخالف،حيث جعله ارتفاع الغرر لا اختصاص المنع عنه بالبيع؛ مضافاً إلى استنادهم عليه في جميع موارد الفقه،حتى إن القائل هو بنفسه أيضاً كذلك.

و ثانياً:بدعوى الإجماع على المنع عنهما و إفسادهما الإجارة المختلف (2)و شرح الشرائع للمفلح الصيمري.

و ثالثاً:بدعوى الغنية الإجماع على اشتراط المعلوميّة (3)،و المتبادر منها ما لم يكن فيه غرر و لا جهالة بالكلية.

و بالجملة لا شبهة في اشتراط عدمهما،و لا نزاع فيه بالمرّة،و إنما هو في ارتفاعهما بالمشاهدة،و هو أمر آخر.و الحق فيه مع الجماعة؛ لأنّ دعوى الارتفاع بها فاسدة بلا شبهة،و مع التنزّل فصحّتها غير معلومة، و الجهالة ممكنة كعدمها،و بالتردّد بينهما يشكّ في تحقّق شرط الصحّة فيشكّ لأجله في صحّة الإجارة،و الأصل فسادها بالضرورة،و العمومات بما دلّ على اشتراط المعلومية من الإجماع مخصّصة،فلا معنى لأصالة الصحّة.

ص:19


1- مجمع الفائدة و البرهان 10:26،الحدائق 21:548.
2- المختلف:460.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):600.

و اعلم أن مورد الخلاف إنّما هو فيما لو كان الأُجرة ممّا يكال أو يوزن أو يعدّ،و أمّا لو كانت ممّا يكفي في بيعها المشاهدة كالعقار و نحوها من الأمتعة كَفَتْ فيها قولاً واحداً.

و تملك الأُجرة بنفس العقد بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية و عن التذكرة (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى اقتضاء صحة المعاوضة انتقال كلّ من العوضين إلى الآخر.

قالوا:لكن لا يجب تسليمها إلّا بتسليم العين المستأجرة،أو العمل إن وقعت عليه الإجارة،و في شرح الإرشاد الإجماع عليه (2)،و خصّه في الكفاية بما إذا كان ذلك مقتضى العادة (3).

و لعلّ الوجه في العموم بعد الإجماع المتقدّم الأصل،مع احتمال الضرر على المستأجر بتعجيل الدفع،لاحتمال عدم إمكان استيفاء المنفعة بالموت و شبهه،و هو منفي،فللمستأجر التأخير إلى التسليم،إلّا أن يكون هناك عادة تقضي بالتعجيل فيجب كاشتراطه،لإقدامه فيهما على الضرر.

و فائدة الملكية مع عدم وجوب التسليم تبعيّة النماء متصلاً أو منفصلاً لها إن وقع العقد عليها بعينها.

و أمّا مع تسليمهما فيجب تسليمها معجّلة بعده مع الإطلاق و عدم تقييد العقد بتأجيلها أو اشتراط التعجيل بلا خلاف؛ لأنّ تسليم أحد العوضين يسلِّط على المطالبة بالآخر بمقتضى المعاوضة الموجبة للملك.

ص:20


1- الغنية(الجوامع الفقهية):600،التذكرة 2:291.
2- مجمع الفائدة و البرهان 10:16.
3- الكفاية:124.

مضافاً إلى استلزام عدمه الضرر على المالك،حيث يتساهل المستأجر بالتسليم و لم يمكن إلزامه عليه بمقتضى الفرض،و تعيين وقت دون آخر ترجيح من غير مرجح.

و للنصوص،منها الصحيح:في الحمّال و الأجير،قال:« لا يجفّ عرقه حتى تعطيه أُجرته» (1)و نحوه غيره (2).

و فيهما نوع إشعار بما مرّ من عدم وجوب تسليم الأُجرة قبل العمل.

ثمّ إنّه ليس في اشتراط التعجيل بعد استفادته من نفس العقد فائدة إلّا التأكيد،و تسلّط الموجر على الفسخ مع الإخلال به على قول،و في آخر اختصاص الفائدة بالأوّل،و الذبّ عن الثاني بمخالفته الأصل،و اندفاع الضرر المتوهّم منه السببية للتسلط برفع الأمر إلى الحاكم ليجبره على القيام بالشرط.

و نحوه الكلام في اشتراطه قبل الوجوب في التسلط على الفسخ مع الإخلال،و كذا في لزوم الوفاء به كما مرّ؛ لعموم الخبر بلزوم الإيفاء بالشرط (3).

و منه يظهر الوجه في أنّه يصحّ تأجيلها بالشرط نجوماً و أشهراً معيّنة،بأن يُجعل لكلّ منها شيء من الأُجرة لا يستحقّ الموجر مطالبته قبل مجيئه،و كذا إلى أجل واحد.و لا فرق بين الإجارة الواردة على عين معيّنة و الواردة على ما في الذمة.

ص:21


1- الكافي 5:2/289،التهذيب 7:929/211،الوسائل 19:106 أبواب أحكام الإجارة ب 4 ح 1.
2- الكافي 5:3/289،التهذيب 7:930/211،الوسائل 19:106 أبواب أحكام الإجارة ب 4 ح 2.
3- الفقيه 3:553/127،التهذيب 7:93/22،الوسائل 18:16 أبواب الخيار ب 6 ح 2.

بلا خلاف عندنا في شيء من ذلك،كما في المسالك و غيره (1)،و مرّ من الأخبار ما يتعلّق بالمقام في بحث عدم البطلان بالموت (2)،فتدبّر.

و في توقّف استحقاق المطالبة بالأُجرة بعد العمل على تسليم العين المعمول فيها مطلقا،كما عليه ثاني المحققين و ثاني الشهيدين (3)،أم العدم كذلك،كما عليه الفاضلان و غيرهما (4)،أم الفرق بين ما إذا كان العمل في ملك الأجير فالأوّل،أو ملك المستأجر فالثاني،كما حكى قولاً في الشرائع (5)،أقوال.خيرها أوسطها؛ لأدلّة وجوب التسليم المتقدّمة،سيّما إطلاق النصوص المصرّحة بالحكم في الأجير السليمة عمّا يصلح للمعارضة.

و لو أستأجر من يحمل له متاعاً مثلاً إلى موضع معين في وقت معين بأُجرة معينة فإن لم يفعل أي شرط عليه أنّه إن لم يفعل و لم يبلغه في ذلك الوقت نقص من أُجرته شيئاً معيّناً يتراضيان عليه صحّ كل من العقد و الشرط.

وفاقاً للإسكافي و النهاية و الخلاف و القاضي و الفاضلين و غيرهما (6)،

ص:22


1- المسالك 1:321؛ و انظر جامع المقاصد 7:110،و الحدائق 21:563.
2- راجع ص:13.
3- المحقّق الثاني في جامع المقاصد 7:111،الشهيد الثاني في الروضة 4:333،و المسالك 1:321.
4- المحقّق في الشرائع 2:181،العلّامة في القواعد 1:226،و التحرير 1:244؛ و انظر السرائر 2:456.
5- الشرائع 2:181.
6- نقله عن الإسكافي في المختلف:463،النهاية:448،الخلاف 3:509،القاضي في المهذّب 1:487،المحقّق في الشرائع 2:181،العلّامة في القواعد 1:225،و التحرير 1:245؛ و انظر التنقيح الرائع 2:263،و الكفاية:125.

و في المسالك و الروضة و شرح القواعد للمحقّق الثاني (1)أنّه مذهب الأكثر، و في شرح الشرائع للصيمري أنّه المشهور بين الأصحاب؛ للأصل، و العمومات بلزوم الوفاء بالعقود و الشروط.

و صريح الموثق:إنّي تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن،و اشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا و كذا لأنّها سوق أتخوّف أن يفوتني،فإن احتبست عن ذلك حططت من الكرى عن كل يوم احتبست كذا و كذا،و أنّه حبسني عن ذلك الوقت كذا و كذا يوماً، فقال عليه السلام:« هذا شرط جائز ما لم يحط بجميع كراه» (2).

خلافاً للحلّي (3)،فأبطل الشرط دون العقد؛ لعدم تعيين الأُجرة باختلافها على التقديرين،كما لو باعه بثمنين عليهما.

و هو حسن لولا النصّ المعتبر المنجبر قصور سنده أو ضعفه لو كان بالشهرة الظاهرة و المحكية،مع اعتضاده بظاهر الصحيح و إن لم يكن من مورد المسألة:عن الرجل يكتري الدابة فيقول:أكتريتها منك إلى مكان كذا و كذا فإن جاوزته فلك كذا و كذا زيادة،و سمّى ذلك؟قال:« لا بأس به كلّه» (4)فلا وجه لبطلان الشرط.

و قال جماعة ببطلانهما معاً هنا (5).و هو أضعف من سابقه جدّاً.

ص:23


1- المسالك 1:322،الروضة:334،جامع المقاصد 7:107.
2- الكافي 5:5/290،الفقيه 3:58/22،التهذيب 7:940/214،الوسائل 19:116 أبواب أحكام الإجارة ب 13 ح 2.
3- السرائر 2:469.
4- الكافي 5:2/289،التهذيب 7:938/214،الوسائل 19:111 أبواب أحكام الإجارة ب 8 ح 1.
5- منهم:العلّامة في المختلف:463،و فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد 2:248،و المحقّق الثاني في جامع المقاصد 7:107،و الشهيد الثاني في المسالك 1:322.

فإذاً القول الأوّل أقوى ما لم يحط بالأُجرة و يفسد مع الإحاطة؛ لمنافاته لمقتضى العقد،و لمفهوم الموثقة المزبورة،و يتبعه فساد العقد، فيثبت حينئذٍ أُجرة المثل،بلا خلاف إلّا من الإسكافي (1)،فأوجب المصالحة.و هو شاذّ.

و من الشهيد في اللمعة (2)،فنفى الأُجرة بالكلّية؛ التفاتاً منه إلى منع منافاة هذا الشرط لمقتضى العقد؛ لأنّ قضيّة كلّ إجارة المنع عن نقيضها، فيكون قد شرط قضيّة العقد،فلم تبطل الإجارة،غاية ما في الباب أنّه إذا أخلّ بالمشروط و هو النقل في اليوم المعيّن يكون البطلان منسوباً إلى الأجير حيث فوّت الزمان المعين و لم يفعل فيه ما شرط عليه،فلا يستحق شيئاً؛ لأنّه لم يفعل ما استوجر عليه،و لا يكون البطلان حاصلاً من جهة العقد،فلا وجه للحكم ببطلان الإجارة على هذا التقدير و إثبات اجرة المثل،بل اللازم عدم ثبوت شيء و إن نقل المتاع إلى المكان المعيّن لكن في غير الزمان؛ لأنّه فعل ما لم يؤمر به و لا استوجر عليه.

و يضعّف:بأن هذا إنما يتمّ إذا فرض كون مورد الإجارة هو الفعل في الزمن الأوّل و ما خرج عنه خارجاً عن الإجارة،و أمّا إذا كان موردها كلا القسمين فلا،و ظاهر الرواية و كلام الأصحاب هو الثاني،و لذا حكموا حتى هو نفسه بصحة الإجارة مع إثبات الأُجرة على التقديرين؛ نظراً إلى حصول المقتضي و هو الإجارة المعيّنة المشتملة على الأُجرة المعيّنة و إن

ص:24


1- كما نقله عنه في المختلف:463.
2- اللمعة(الروضة البهية 4):335.

تعدّدت و اختلفت بالترديد؛ لانحصارها و تعيّنها،و بطلانها على التقدير الآخر.

و لو فرض كون مورد الإجارة هو القسم الأوّل خاصّة و هو النقل في الزمن المعيّن لكان الحكم بالبطلان على تقدير فرض اجرة مع نقله في غيره أولى؛ لأنّه خلاف قضيّة الإجارة،كما ذكره،فإنّ مقتضاها أن لا يكون للموجر اجرة لو خالف ما استوجر عليه،كما في محل الفرض؛ لأنّه فيه ليس إلّا النقل في الزمن المعيّن،و قد خالفه بالنقل في غيره،فيكون اشتراط الأُجرة للمخالفة فاسداً؛ لمنافاته لمقتضى العقد،فيفسد بفساده،فكان أولى بثبوت اجرة المثل،و الحال أنّه و سائر الأصحاب حكموا بتلك الأُجرة الناقصة،و ليس ذلك إلّا من حيث فرض المسألة في كون مورد الإجارة كلا القسمين لا الأوّل خاصة.

و الذبّ عن هذا بجعل القسمين متعلّق الإجارة على تقدير ذكر الأُجرة و القسم الأوّل خاصّة على تقدير عدمه في القسم الثاني مع كونه خلاف الظاهر موجب لاختلاف الفرض.

و يمكن الفرق بين ذكر الأُجرة في القسمين و إسقاطها في القسم الثاني بكون تعيين الأُجرة على التقديرين قرينة جعلهما مورد الإجارة حيث أتى بلازمها و هو الأُجرة فيهما،و إسقاطها في التقدير الآخر قرينة عدم جعله مورداً من حيث نفي اللازم الدال على نفي الملزوم،و حينئذٍ فتنزيل شرط عدم الأُجرة على التقدير الآخر على شرط ما يقتضيه عقد الإجارة و الحكم بصحّتها كما حكم به أولى من جعله أجنبيّا مفسداً للعقد بتخلّله بين

ص:25

الإيجاب و القبول،كذا قيل (1).

و هو حسن لولا مخالفة إطلاق كلام الأصحاب و النص المتقدّم.

أن تكون المنفعة مملوكة للموجر أو لمن يوجر عنه

و ثالثها: أن تكون المنفعة مملوكة للموجر أو لمن يوجر عنه كالوكيل و الوصي و الولي و الحاكم،بلا خلاف،فلو آجر غير المالك وقفت على الإجازة،على الأشهر.و قيل:يبطل (2).و الأوّل أظهر؛ لعين ما قلناه في البيع،و عليه فيكون هذا الشرط معتبراً للّزوم دون الصحّة،بخلاف باقي الشرائط.

و لا فرق بين أن تكون مملوكة تبعاً للعين أو منفردة.

و لذا يجوز للمستأجر أن يوجر العين المستأجرة إجماعاً منّا، كما في ظاهر الغنية و عن صريح التذكرة (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى إطلاق النصوص المستفيضة المتقدّمة في بحث كراهة إجارة الأرض بأكثر ممّا استوجرت به في بحث المزارعة (4)،و يدلّ عليه صريح الصحيحة الآتية،فلا شبهة في المسألة.

إلّا أن يشترط الموجر عليه استيفاء المنفعة بنفسه فلا يصحّ له حينئذٍ أن يوجر،إجماعاً،كما في الغنية (5)؛ عملاً بمقتضى الشرط، و صريح الصحيحة المزبورة،إلّا أن يشترط المستأجر الأوّل على الثاني استيفاء المنفعة له بنفسه،فيصح أن يوجر أيضاً؛ لعدم منافاتها لشرط

ص:26


1- الروضة 4:338.
2- كما قال به ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):600،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 7:123.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):600،التذكرة 2:291.
4- راجع ج 9 ص 388.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):601.

الموجر الأوّل،فإنّ استيفاء المنفعة بنفسه أعمّ من استيفائها لنفسه،إلّا أن ينهاه عن نفس الإجارة من الغير بالشرط،فلا يصح كالأوّل و إن استوفى هو المنفعة.

و حيث جاز له الإجارة من غيره هل يتوقّف تسليم العين على إذن مالكها؟قيل (1)نعم؛ إذ لا يلزم من استحقاقه المنفعة و الإذن له في التسلّم جواز تسليمها للغير،فيضمن لو سلّمها بغير إذن.

و قيل:لا،بل يجوز تسليمها من غير ضمان؛ لأنّ القبض من ضرورات الإجارة للعين،و قد حكم الشارع بجوازها،و الإذن في الشيء إذن في لوازمه،و هو خيرة الشهيدين و غيرهما (2).

و هو الأصح؛ لصريح الصحيح:رجل استأجر دابّة فأعطاها غيره فنفقت،فقال:« إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن،و إن لم يسمّ فليس عليه شيء» (3).

و لا فرق في جواز إيجار المستأجر للعين بين أن تكون الإجارة الثانية أكثر من الأُولى أم لا،خلافاً للأكثر،فمنعوا من إجارة المسكن و الخان و الأجير بأكثر،إلّا أن يوجر بغير جنس الأُجرة،أو يحدث ما يقابل التفاوت.و قد مرّ تمام التحقيق في المزارعة في البحث المتقدّم إليه الإشارة بما لا مزيد عليه.

أن تكون المنفعة مقدّرة

و رابعها: أن تكون المنفعة مقدّرة إمّا في نفسها كخياطة

ص:27


1- حكاه الشهيد الثاني في الروضة 4:340.
2- اللمعة و الروضة 4:340،المسالك 1:323 و انظر التنقيح الرائع 2:266،و مفاتيح الشرائع 3:104.
3- الكافي 5:7/291،التهذيب 7:942/215،الوسائل 19:118 أبواب أحكام الإجارة ب 16 ح 1.

الثوب المعين و ركوب الدابة إلى موضع معيّن أو بالمدّة المعيّنة كسكنى الدار سنة،و خياطة الثوب شهراً مثلاً،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية (1)؛ لاستلزام عدم التقدير الغرر و الجهالة،و احتمال أن يؤول الأمر إلى المنازعة،و جميع ذلك ضرر منفي في الشريعة،فلا بد من حسم مادّته بتقدير المنفعة بما يتقدّر بها،فإن اتّحد كسكنى الدار و الإرضاع الغير المقدّرين إلّا بالزمان لزم التقدير به،و إن تعدّد تخيّر بين التقدير بأيّهما شاء،كالخياطة و ركوب الدابّة و نحوهما المقدّرين تارة بالزمان كفعلهما في شهر مثلاً،و أُخرى بإضافتهما إلى معيّن كما مرّ في العبارة،و الضابط هو العلم بالمنفعة على أحد الوجهين.

و لو قدّرت بالعمل و المدّة معاً كأن يخيط هذا الثوب في هذا اليوم مثلاً فالأكثر على البطلان إن قصد التطبيق،وفاقاً للطوسي و الحلّي (2)؛ لأنّه ربّما فرغ قبل انتهاء المدّة فيبقى بعضها مستحقّة بلا عمل،و ربما لا يفرغ فيها فيحتاج إلى مدّة أُخرى فيحصل جهالة المدّة و العمل،و هو غير جائز.

و تردّد الماتن في الشرائع (3)؛ لذلك،و لأنّ العقد قد وقع على العمل و المدّة ذكرت للتعجيل.و وافقه على الاحتمال الثاني الفاضل في المختلف كما حكي (4).و استشكله آخرون كالشرائع.

و لعلّه ليس في محلّه،بل الأوّل أجود،و علّة الصحّة خارجة عن محل الفرض،لوقوعه في وقوع العقد على التطابق دون العمل فقط.

ص:28


1- الغنية(الجوامع الفقهية):600.
2- الطوسي في المبسوط 3:221،الحلّي في السرائر 2:457.
3- الشرائع 2:182.
4- لم نعثر عليه في المختلف،و قد حكاه عنه في جامع المقاصد 7:62.نعم،احتمل الجواز في التحرير:165.

نعم،لو أرادا الظرفيّة المطلقة و أمكن وقوع الفعل فيها جاز بلا شبهة.

و يملك المستأجر المنفعة المعقود عليها بالعقد بلا خلاف؛ لما مرّ في تملّك الموجر الأُجرة (1).و لا فرق بينهما إلّا من حيث إنّ تسليم الأُجرة يتوقّف على تمام العمل أو دفع العين المستأجرة، و لا كذلك المنفعة؛ فإنّه يجب تسليمها مع المطالبة بتسليم العمل أو العين التي وقع عليها الإجارة.

و وقت تسليمها في المقدّر بالمدّة عند الفراغ من العقد مع إطلاقه، و ابتداء الزمان المشترط مع تقييده به،متصلاً كان أم منفصلاً،و تصحّ الإجارة فيه بقسميه،و كذا في الأوّل على الأشهر الأظهر.

خلافاً للطوسي في المبسوط و الخلاف في الأوّل (2)،فأبطلها به، و اشترط في صحتها فيه تعيين المدّة.

و له فيهما في القسم الثاني من الثاني،و تبعه فيه الحلبي (3)،فأبطلاها أيضاً.

و عمومات الأدلّة من الكتاب و السنّة،و فحوى النصوص الواردة في المتعة الدالّة جملة منها على الصحّة مع الإطلاق (4)،و أُخر منها عليها مع اشتراط الانفصال (5)و هي مع كثرتها منجبرة أو معتضدة بالشهرة ثمّة،كما سيأتي إليه الإشارة حجة عليهما.

نعم،ينبغي تقييد الصحّة في صورة الإطلاق بصورة دلالة العرف على

ص:29


1- راجع ص:20.
2- المبسوط 3:230،الخلاف 3:496.
3- الكافي في الفقه:349.
4- الوسائل 21:43 أبواب المتعة ب 18.
5- الوسائل 21:72 أبواب المتعة ب 35.

الاتّصال،و إلّا كانت باطلة؛ للجهالة.

و لا ينافيه إطلاق تلك النصوص و عبائر كثير من الجماعة الحاكمين بالصحّة في هذه الصورة،كالقاضي و الحلّي (1)؛ لوروده مورد الغالب،فإنّ عدم انصراف الإطلاق إلى الاتّصال كاد أن يلحق بالنادر و أيّ نادر،و لعلّه لذا أنّ الفاضل في الإرشاد و الماتن في الشرائع (2)ادّعيا انصراف الإطلاق مطلقا إلى ذلك.و لعلّه كذلك.

و في المقدّر بغير المدّة عند المطالبة.و قيل:عند الفراغ من العقد مطلقا كالسابق؛ لانصراف الإطلاق إلى التعجيل،و لم يثبت في مثله إلّا إذا كان ثمّة قرينة من عرف أو عادة،و لا كلام معها.

و لو مضت مدّة يمكن استيفاء المنفعة المعقود عليها بنفسه و كانت العين في يد المستأجر و المدة ما تعيّنت شرعاً للاستيفاء،إمّا بالتعيين أو ما في حكمه،كما إذا عيّنت المنفعة بالعمل فإنّ مدّتها هي الزمان الذي يسعها عادة استقرّت الأُجرة على المستأجر مطلقا و لو لم ينتفع بها،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى العمومات الحاكمة بلزومها بمجرّد العقد،و إنّما لم يجب تسليمها به بل بعد تسليم العين أو العمل لمصلحة المستأجر و ترتب الضرر عليه بتكليفه عليه قبله،و هو هنا قد أقدم على الضرر بتركه الانتفاع، و لا تقصير من جهة المؤجر.

و في الخبر القريب من الموثق:رجل استأجر من رجل أرضاً فقال:

ص:30


1- القاضي في المهذب 1:476،الحلّي في السرائر 2:461.
2- الإرشاد 1:422،الشرائع 2:183.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):600.

آجرنيها بكذا و كذا إن زرعتها،فإن لم أزرعها فأعطيتك،فلم يزرعها،قال:

« له أن يأخذ إن شاء تركه و إن شاء لم يتركه» (1).

و لا فرق في ثبوت الأُجرة عليه بالتسليم بين كون الإجارة صحيحة أو فاسدة،فإنّ كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفساده بمقتضى القاعدة الكلّيّة المتّفق عليها،لكن مع الفساد يلزم اجرة المثل عمّا فات من المنافع في يده.

و في حكم التسليم ما لو بذل العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدّة،أو مضت مدّة يمكنه الاستيفاء فتستقر الأُجرة هنا أيضاً، لكن قيل:لا بد فيه من تقييده بالصحيحة (2).

و إذا عيّن الموجر حين العقد جهة الانتفاع فيما يتعدّد فيه لم يتعدّها المستأجر بلا إشكال؛ عملاً بمقتضى العقد و الشرط اللازم الوفاء بهما.

و يضمن مع التعدّي لعموم:على اليد (3)،و خصوص ما مرّ من النصوص (4).

و لو تلفت العين المعيّن في العقد استيفاء المنفعة منها قبل القبض أو بعده بلا فصل أو امتنع الموجر من التسليم مدّة الإجارة بطلت الإجارة بلا خلاف في الأوّلين في الظاهر،و به صرّح في التنقيح (5)،

ص:31


1- الكافي 5:7/265،الفقيه 3:682/155،التهذيب 7:867/196،الوسائل 19:123 أبواب أحكام الإجارة ب 18 ح 1.
2- الحدائق 21:584.
3- عوالي اللآلي 1:106/224،سنن البيهقي 6:95،مسند أحمد 5:8،المستدرك 14:7 أبواب الوديعة ب 1 ح 12.
4- راجع ص:16.
5- التنقيح الرائع 2:271.

قيل (1):لفوات المتعلّق فيكون كتلف المبيع قبل قبضه،و استيفاء المنفعة هنا بتمامها قائم مقام القبض في المبيع،كما أن استيفاء بعضه كقبض بعضه.

و لو لا الاتفاق على هذا الحكم لأمكن المناقشة فيه على إطلاقه،بل مطلقا؛ لمخالفته الأصل الدالّ على لزوم الأُجرة،و انتقال المنفعة إلى ملك المستأجر بمجرّد العقد،فرجوع كلّ منهما إلى مالكهما الأوّل مخالف للأصل،و لا دليل عليه سوى القياس على البيع،و هو فاسد بعد اختصاص الدليل به.

نعم،لو كان التلف من قبل المؤجر أمكن ثبوت الحكم هنا؛ لتفويته المنفعة على مالكها،فيضمن.

لكن البطلان فيه أيضاً محل إشكال،و غاية الإتلاف الرجوع إلى تضمين المتلف اجرة المثل،لا المسمّى.

و في حكم تلف الجميع تلف البعض،إلّا أنّ البطلان هنا يختص بالتالف،و يتخيّر في الباقي بين الفسخ لتبعّض الصفقة،و إمساك الحصّة بقسطها من الأُجرة.

و طريق التقسيط في العين المتساوية الأجزاء ظاهر،و في غيرها:بأن تقوّم اجرة مثل جميع المدّة ثمّ تقوّم الأجزاء السابقة على التلف و ينسب إلى المجموع،فيؤخذ من المسمّى بتلك النسبة.

و على إشكال في الأخير:من أن التسليم شرط للاستحقاق بالاتفاق، فليس لأحد على الآخر شيء،و ينفسخ العقد بنفسه؛ لأنّه بمنزلة تلف

ص:32


1- التذكرة 2:319.

المبيع و العين قبل التسليم.

و من أنّ المنفعة مملوكة له و قد منعه عنها،و هي مضمونة كالأعيان، كما إذا غصب العين غاصب،فللمستأجر الخيار في الفسخ و الإلزام بالتسليم،و له اجرة المثل مع عدم الفسخ،و المسمّى معه،و به أفتى الماتن في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و الشهيدان في اللمعتين و المقداد في التنقيح (1)،و هو الوجه.

و اشتراط التسليم للاستحقاق مطلقا ممنوع،بل هو مختصّ بالمؤجر.

و عدم استحقاقه الأُجرة مع الامتناع عنه مسلّم،إلّا أنّه لا ينفي استحقاق المستأجر للمنفعة،بل له المطالبة بها أو ببدلها.و لا فرق فيه كالسابق بين الامتناع من تسليم الجميع أو البعض،فله الفسخ لتبعّض الصفقة.خلافاً للقاضي فحكم باللزوم (2).و هو ضعيف.

و ذكر جماعة من الأصحاب من غير خلاف أجده أن المستأجر لو منعه الظالم عن الانتفاع بالعين المستأجرة بعد القبض لها لم تبطل الإجارة؛ لاستقرار العقد بالقبض،و براءة الموجر و الحال أن العين موجودة،فيمكن تحصيل المنفعة منها و إنّما المانع عارض.

و كان الدَّرَك أي درك المنفعة على الظالم فيرجع المستأجر عليه بأُجرة مثل المنفعة الفائتة في يده.و لا فرق بين وقوع الغصب في ابتداء المدّة و خلالها.

و لو كان المنع قبل القبض لم تبطل أيضاً،إلّا أن للمستأجر الخيار بين

ص:33


1- الشرائع 2:186،الإرشاد 1:424،اللمعة(الروضة البهية 4):352،التنقيح الرائع 2:271.
2- المهذب 1:475.

الفسخ؛ لأنّ العين قبل القبض مضمونة على المؤجر،فللمستأجر الفسخ عند تعذّرها،و مطالبة الموجر بالمسمّى،لفوات المنفعة،و الرضا بالإجارة و انتظار زوال المانع،أو مطالبة المانع بأُجرة المثل.

قيل:بل يحتمل مطالبة المؤجر بها أيضاً؛ لكون العين مضمونة عليه حتى تقبض (1).و لا يسقط التخيير بزوال المانع في أثناء المدّة لأصالة البقاء.

و كثير من هذه الأحكام منظور فيه إن لم ينعقد الإجماع عليه،و لكن عدم ظهور الخلاف لعلّه كافٍ في إثباته،إلّا أن ظاهر العبارة مفهوماً البطلان مع المنع قبل القبض،إلّا أن وجهه لمخالفته الأصل غير واضح،مع أن الأكثر على خلافه.

و لو انهدم المسكن المستأجَر تخيّر المستأجِر في الفسخ و إن كان بعد استيفاء شيء من المنفعة،و لا يمنع من ذلك كون التصرّف مسقطاً للخيار؛ لأنّ المعتبر منه ما وقع في العوض المعيب الذي تعلّقت به المعاوضة،و هو هنا المنفعة،و هي تتجدّد شيئاً فشيئاً،و ما لم يستوفه منها لا يتحقّق فيه التصرّف المسقط.

و إطلاق العبارة يقتضي ثبوت الخيار مطلقاً و لو خرج المسكن بالانهدام عن إمكان الانتفاع به أصلاً،أو أمكن إعادته بحيث لا يفوت عليه شيء معتدّ به.

و الأوّل لا ينطبق على ما ذكروه من أن تلف العين يبطل الإجارة.

و للثاني وجه من حيث ثبوت الخيار بالانهدام فيستصحب،و به أفتى

ص:34


1- الروضة 4:352.

الشهيد الثاني (1)و المفلح الصيمري.

خلافاً لبعض المتأخّرين،فلم يثبت له الخيار،و حكم بلزوم العقد (2).و لعلّه للأصل،و انتفاء الضرر الموجب للفسخ مع التزام المالك بالإعادة بالنهج المتقدّم.

و هو أوجه،إلّا أن يثبت أنّ ثبوت الخيار بنفس الانهدام من حيث هو هو،فيتّجه حينئذٍ العمل بالاستصحاب.و لكنّه غير معلوم؛ لعدم وضوح دليله،إذ ليس إلّا نفي الضرر،و جوابه قد مرّ،أو الإجماع،و ضعفه أظهر، لمكان الخلاف،و عدم العلم به من وجه آخر.

و حيث لم يفسخ كان له إلزام المالك بإصلاحه توصّلاً إلى حقّه اللازم على المالك أداؤه بدفع ما يحصل به.

و يحتمل قويّاً العدم،وفاقاً للفاضل في الإرشاد (3)؛ للأصل،و عدم دليل صالح على الوجوب،إذ اللازم عليه إنّما هو تسليم العين المستأجرة و ما يتوقّف عليه الانتفاع من الأبواب و المفاتيح،و أمّا التعمير بعد الخراب فلا،إذ ليس متعلّق العقد بالكليّة.

و لا يسقط من مال الإجارة شيء لو كان الهدم بفعل المستأجر مطلقا،كان على جهة الانتفاع أو غيرها،ما لم يكن فيه من طرف الموجر تعدٍّ أو تفريط،و مع أحدهما يتقاصّان إذا كان ثمّة شرائط التقاصّ،و إلّا فعلى المالك الأُجرة للمستأجر،و عليه بدل التالف للمالك.

أن تكون المنفعة مباحة

و خامسها: أن تكون المنفعة مباحة في الشريعة فلو

ص:35


1- الروضة 4:353،المسالك 1:329.
2- مجمع الفائدة و البرهان 10:61.
3- الإرشاد 1:424.

آجره دابّةً أو مسكناً مثلاً ليحمل أو يحرز فيه الخمر المتّخذة للشرب،أو دكّاناً ليبيع فيه آلات محرّمة،أو أجيراً ليحمل مسكراً أو ليعلّمه الغناء و نحوه من الأُمور المحرّمة لم تنعقد الإجارة على الأظهر الأشهر،بل لا يكاد يوجد فيه من الأصحاب مخالف،و إن حكى الصحّة لكن بشرط أن يعمل غير ذلك قولاً في الشرائع (1)،و لم أظفر على قائله منّا.

نعم،حكاه في نهج الحقّ (2)عن أبي حنيفة مدّعياً على خلافه و عدم الجواز إجماع الإماميّة،و دعواه الإجماع على البطلان ظاهرة بقرينة المقابلة، و به صرّح في الغنية (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى استلزام الصحّة إمّا جواز استيفاء تلك المنفعة المحرّمة، و هو مع عدم وجود قائل به فاسد بالبديهة،أو تبديل تلك المنفعة بالمنفعة المحلّلة كما قاله أبو حنيفة،و هو أظهر فساداً من الأوّل،فإنّها غير ما وقع عليه العقد بلا شبهة،هذا.

مع ما في بعض المعتبرة المنجبرة بل المعتضدة بالشهرة،بل عدّت صحيحة (4):الرجل يؤاجر البيت فيباع فيه الخمر،قال:« حرام أُجرته» (5).

و حرمة الأُجرة لعلّها ظاهرة في بطلان الإجارة أوّلاً لفهم الطائفة، و ثانياً للاستقراء الموجب لذلك و لو على سبيل المظنّة؛ لغلبة ذكر حرمة

ص:36


1- الشرائع 2:186.
2- نهج الحق:508.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):600.
4- مجمع الفائدة و البرهان 10:55.
5- الكافي 5:8/227،التهذيب 6:1077/371،الإستبصار 3:179/55،الوسائل 17:174 أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 1.

الأُجرة في بيان بطلان المعاملة في مواضع كثيرة يحصل بملاحظتها ظنّ بانسحاب ذلك في نحو المسألة.

و أمّا الصحيح:رجل يؤاجر سفينته أو دابته ممّن يحمل فيها أو عليها الخمر و الخنازير،قال:« لا بأس» (1)فمع كونه مكاتبة محتملة للتقيّة عن رأي أبي حنيفة محمول على الجاهل بأنّ المستأجر يفعل فيها ذلك،أو على أنّ الحمل يجوز أن يكون للتخليل و نحوه.

ثمّ إنّ الخلاف لو كان فإنّما هو في البطلان،و أمّا التحريم فثابت قولاً واحداً فيما إذا اوجر ليعمل الحرام،و أمّا لو اوجر ممّن يعمل ذلك فجائز كذلك مع عدم العلم بالحال،و أمّا معه فإشكال،مضى وجهه في البيع (2).

و لكن الوجه هنا القطع بالمنع؛ لاستلزام الجواز الإعانة على الإثم المحرّمة كتاباً و سنّة،و اختصاص النصوص المجوّزة على تقدير سلامتها من الطعن بالبيع خاصّة،و لا وجه للتعدية غير القياس المحرّم في الشريعة.

و هنا شرط سادس لم يذكره الماتن صريحاً،لكنه أشار إليه بقوله:

و لا تصحّ إجارة العبد الآبق أو الجمل الشارد الذي لا يتمكن من تسليمه و تسلّمه،أو المغصوب الذي لا يملك الموجر التصرّف فيه، بلا خلاف؛ لعدم القدرة على التسليم في شيء من ذلك،مع كونها شرطاً بالإجماع،كما في الغنية و شرح الإرشاد للفاضل الأردبيلي (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى استلزام الصحّة مع عدمها الغرر و السفاهة المانعين عن

ص:37


1- الكافي 5:6/226،التهذيب 6:1078/372،الإستبصار 3:180/55،الوسائل 17:174 أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 2.
2- راجع ج 8 ص 144.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):600،مجمع الفائدة و البرهان 10:58.

صحّة المعاملة.

اللّهمّ إلّا أن تكون هناك ضميمة هي بالذات من الإجارة مقصودة، فتصحّ حينئذٍ كالبيع،و قد مضى التحقيق في وجهها ثمّة (1).

بل قيل بالصحّة معها في العبد مطلقا،و لو لم تكن بالذات مقصودة؛ إلحاقاً لها بالبيع،لا بالقياس،بل لدخولها في الحكم بالأولويّة،لاحتمالها من الغرر ما لا يحتمله (2).

و الوجه المنع؛ لقوّة دليله،و فقد النصّ المجوّز هنا،فيقتصر فيه على مورده و هو البيع خاصّة،و الأولويّة ممنوعة؛ لقيام الفارق،و هو احتمال استناد الصحة في البيع إلى إمكان الانتفاع بالآبق بالعتق و نحوه.و لا كذلك المسألة؛ لعدم إمكان الانتفاع بمثل ذلك و غيره بالكليّة،و به أفتى الفاضل في الإرشاد و شيخنا في المسالك و الروضة (3)،و إن تردّد فيه الماتن في الشرائع و الفاضل في التحرير و التذكرة (4).

و على الجواز هل يعتبر في الضميمة إمكان إفرادها بالإجارة أم بالبيع، أم يكفي كل واحد منهما في كل واحد منهما؟أوجه:من حصول المعنى و هو إفراد الضميمة بالمعاوضة في كلّ منهما،و من أنّ الظاهر ضميمة كل شيء إلى جنسه،و قوّى الشهيد كما حكي (5)الثاني.

ثمّ كلّ ذا إذا لم يقدر كلّ منهما على تسليم العين و تسلّمها.و لو آجره ممّن يقدر على تحصيله صحّ من غير ضميمة؛ للأصل،و العمومات،و فقد

ص:38


1- راجع ج 8 ص 261.
2- قال به الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 4):350.
3- الإرشاد 1:424،المسالك 1:329،الروضة 4:351.
4- الشرائع 2:186،التحرير 1:248،التذكرة 2:296.
5- حكاه الشهيد الثاني في المسالك 1:329،و الروضة 4:351.

الدليل المانع هنا.

و لا يضمن صاحب الحمّام الثياب و إن شاهدها عند النزع و قيل له:احفظها،و سكت إلّا أن يودع و يقبل فيفرّط في الحفظ، فيضمن حينئذٍ،بلا خلاف في شيء من ذلك بيننا،و عليه ادّعى في السرائر إجماعنا (1)؛ لأنّه مع الإيداع منه أمين فلا يضمن إلّا مع التفريط،و مع عدمه فالأصل براءة ذمّته من وجوب حفظ مال الغير مع عدم التزامه به.

مضافاً إلى النصوص،منها:« لا ضمان على صاحب الحمّام فيما ذهب من الثياب،لأنّه إنّما أخذ الجعل على الحمّام،و لم يأخذ على الثياب» (2)و نحوه بدون التعليل مروي عن قرب الإسناد (3).

و منها المرتضوي:« اتي بصاحب حمّام وضعت عنده الثياب فضاعت فلم يضمّنه،و قال:إنّما هو أمين» (4).

و يستفاد منه من حيث الحكم بأمانته على الإطلاق ضمانه مع التفريط و إن لم يودع.و فيه إشكال،و في السند قصور،فالرجوع إلى ما قدّمناه من الأصل لازم.

ص:39


1- في كتاب القضاء في باب النوادر منه(2:200)قال بعد نقل بعض ما سيأتي من الأخبار:هذا خبر صحيح؛ لأنّ الإجماع منعقد من أصحابنا على هذا إذا لم يستحفظه الثياب.فأمّا إذا أستحفظه و فرَّط في الحفاظ فعليه الضمان؛ لأنّه صار مودعاً،و كذلك إذا استأجره على حفظ الثياب و دخول الحمّام،فإنّه يجب عليه حفاظها،فإذا فرَّط في ذلك فإنّه يجب عليه الضمان،فأمّا إذا لم يستحفظه و لا استأجره على حفظها فلا ضمان عليه،كما ورد في الحديث.(منه رحمه اللّه).
2- التهذيب 6:869/314،الوسائل 19:140 أبواب أحكام الإجارة ب 28 ح 3.
3- قرب الإسناد:553/152،الوسائل 19:140 أبواب أحكام الإجارة ب 28 ح 2.
4- الكافي 5:8/242،الفقيه 3:716/163،التهذيب 7:954/218،الوسائل 19:139 أبواب أحكام الإجارة ب 28 ح 1.

و لو تنازعا في أصل الاستيجار فادّعاه أحدهما و أنكره الآخر و لا بيّنة فالقول قول المنكر مع يمينه بلا خلاف؛ لأصالة عدمها، و لا فرق بين كون المنكر المالك أم الآخر.

ثمّ إن كان النزاع قبل استيفاء شيء من المنافع رجع كلّ مال إلى صاحبه.و إن كان بعد استيفاء شيء منها أو الجميع الذي يزعم من يدّعي وقوع الإجارة أنّه متعلّق العقد و كان المنكر المالك،فإن أنكر مع ذلك الإذن في التصرّف و حلف استحقّ اجرة المثل،و إن زادت عن المسمّى بزعم الآخر.

و لو كان المتصرّف يزعم تعيينها في مال مخصوص و كان من جنس النقد الغالب لزم المالك قبضه عن اجرة المثل،و لا تسلّط له على إلزامه بأخذ النادر؛ للأصل،مع عدم الضرر،فإن ساواها أخذه،و إن نقص وجب على المتصرّف الإكمال،و إن زاد صار الباقي مجهول المالك؛ لزعم المتصرّف استحقاق المالك له و هو ينكر.

و إن كان مغايراً له و لم يرض المالك به وجب عليه الدفع من الغالب، و لا يجوز له إلزام المالك بأخذ النادر؛ لما يترتّب عليه من الضرر،و يبقى ذلك بأجمعه مجهولاً،و يضمن العين بإنكار الإذن،و لو اعترف به فلا ضمان.

و إن كان المنكر المتصرف و حلف وجب عليه اجرة المثل،فإن كانت أزيد من المسمّى بزعم المالك لم يكن له المطالبة به إن كان دَفَعَه؛ لاعترافه باستحقاق المالك له،و وجب عليه دفعه إن لم يكن دَفَعَه،و ليس للمالك قبضه؛ لاعترافه بأنّه لا يستحق أزيد من المسمّى.

و إن زاد المسمّى عن اجرة المثل كان للمنكر المطالبة بالزائد إن كان

ص:40

دَفَعَه،و سقط إن لم يكن،و العين ليست بمضمونه عليه هنا؛ لاعتراف المالك بكونها أمانة بالإجارة.

و لو اختلفا في ردّ العين المستأجرة فادّعاه المستأجر و لا بيّنة فالقول قول المالك مع يمينه بلا خلاف في الظاهر و لا إشكال؛ لأصالة العدم السليمة عن المعارض من نحو ما قيل في الوديعة من الإحسان المحض النافي للسبيل عليه بمطالبة البيّنة؛ لقبضه هنا لمصلحة نفسه، فلا إحسان منه يوجب قبول قوله فيه بلا بيّنة،مع مخالفته للأصل.

و كذا القول قول المالك مع يمينه لو كان الاختلاف في قدر الشيء المستأجَر بفتح الجيم،و هو العين المستأجَرة،بأن قال:آجرتك البيت بمائة،فقال:بل الدار أجمع بها،و لا بيّنة،على المشهور بين المتأخّرين،وفاقاً للحلّي (1)؛ لأصالة عدم وقوع الإجارة على ما زاد عمّا اتّفقا عليه.

و قيل:يتحالفان و تبطل الإجارة؛ لأنّ كلّاً منهما مدّعٍ و منكر (2).

و يضعف:بأنّ ضابطة التحالف عندهم أن لا يتّفقا على شيء،كما لو قال:آجرتك البيت الفلاني،فقال:بل الفلاني،و ليس المقام كذلك؛ لاتّفاقهما على وقوع الإجارة على البيت و على استحقاق الأُجرة المعيّنة، و إنّما الاختلاف في الزائد،فيقدّم قول منكره.

و كذا لو اختلفا في قدر الأُجرة بعد اتفاقهما على العين و المدّة،فادّعى المالك الزيادة و الآخر النقصان فالقول قول المستأجر مع يمينه وفاقاً لمن تقدّم؛ لما مرّ.

ص:41


1- السرائر 2:464.
2- جامع المقاصد 7:297.

خلافاً للخلاف و الغنية (1)،فالرجوع إلى القرعة،فمن خرج اسمه حلف و حكم له؛ للإجماع على أنّها لكلّ أمر مشكل.

و فيه نظر؛ إذ لا إشكال؛ لاتفاقهما على مطلق الإجارة،و إنّما اختلفا في قدر الأُجرة،و الموجر يدّعي الزيادة و ينكرها المستأجر،فيكون على المدّعى البيّنة،فإن عجز حلف المستأجر و برئ من تلك الزيادة.

و للإسكافي و المبسوط (2)،فالتحالف إن كان الاختلاف قبل مضيّ المدّة،و إلّا فالقول قول المستأجر،قال:و هذا هو الذي يقتضيه مذهبنا.

و للقاضي (3)،فالتحالف إن حلفا،و إلّا فقول أحدهما مع يمينه إن نكل صاحبه،و إن نكلا أو حلفا جميعاً انفسخ العقد في المستقبل و كان القول قول المالك مع يمينه في الماضي،فإن لم يحلف كان له اجرة المثل.

و مرجعهما إلى التحالف فيضعّف بما مرّ في المسألة السابقة،و مع ذلك هما كسابقهما شاذّان لم أرَ من المتأخّرين مفتياً بهما،و إن استوجه الفاضل في المختلف (4)القول بالتحالف بعد ردّه.

ثمّ ذا كلّه إذا لم يكن بيّنة،فلو كانت لأحدهما قيل (5):حكم له بها مطلقا.

و لو أقامها كلّ منهما ففي تقديم قول المدّعى؛ لأنّ القول قول المنكر فلا حكم لبيّنته،أو التحالف؛ لأنّ كلّاً منهما مدّعٍ باعتبار و منكر بآخر،أو

ص:42


1- الخلاف 3:521،الغنية(الجوامع الفقهية):601.
2- نقله عن الإسكافي في المختلف:462،المبسوط 3:266.
3- المهذب 1:474.
4- المختلف:462.
5- التنقيح الرائع 2:274.

القرعة؛ لحصول الإشكال مع البينة احتمالات،أوجهها الأوّل.

و كذا يقدّم قول المستأجر مع يمينه و عدم البينة لو ادّعى الموجر عليه التفريط فأنكره؛ للأصل،مضافاً إلى أمانته الموجبة لذلك بمقتضى النصوص المستفيضة.

و تثبت اجرة المثل في كلّ موضع تبطل فيه الإجارة مع استيفاء المنفعة أو بعضها مطلقا،زادت عن المسمّى أم نقصت عنه؛ لاقتضاء البطلان رجوع كلّ عوض إلى مالكه،و مع استيفاء المنفعة يمتنع ردّها فيرجع إلى بدلها،و هو اجرة المثل.

قيل (1):إلّا أن يكون البطلان باشتراط عدم الأُجرة،أو عدم ذكرها في العقد بالمرّة؛ لدخول الموجر على ذلك،و استحسنه في المسالك (2).

و هو كذلك في القسم الأوّل؛ للأصل،و رجوعه إلى العارية و إن عبّر عنها بلفظ الإجارة الظاهرة في عدم التبرّع و لزوم الأُجرة،فإنّ التصريح بعدمها بعده أقوى من الظهور المستفاد منها قبله،فالظاهر يدفع بالنص، سيّما مع اعتضاده بالأصل،فيرجع إلى العارية بناءً على عدم اشتراط لفظٍ فيها،و أنّه يكتفى فيها بما دلّ على التبرّع بالمنفعة،و قد تحقّق في فرض المسألة و يشكل في الثاني؛ لاندفاع الأصل بظهور لفظ الإجارة في لزوم الأُجرة و عدم التبرّع،و لا معارض له يصرفه عن ذلك الظهور من نصّ أو غيره،فإنّ عدم ذكر الأُجرة لا يدل على التبرّع بالمنفعة بإحدى الدلالات الثلاث؛ لاحتمال استناده إلى نحو النسيان و الغفلة،فالأخذ بالظاهر متعيّن إلى تحقّق الصارف عنه إلى العارية،كما تحقّق في الشق الأوّل.

ص:43


1- كما قال به الشهيد الأوّل على ما حكي عنه في المسالك 1:322.
2- المسالك 1:322.

و أصالة البراءة عن الأُجرة بعد ظهور لفظ الإجارة في لزومها و عدم التبرّع غير كافية،و اشتراط الصراحة بلزوم الأُجرة لا يلائم ما ذكروه من لزومها بمجرّد انتصاب الأجير للعمل بالأجر،كالسمسار و الدلّال،بل الحكم بلزومها ثمّة يوجب الحكم به هنا بطريق أولى،كما لا يخفى،فإذاً الحكم بلزوم اجرة المثل هنا أولى.

ثمّ إنّ كلّ ذا مع جهلهما بالفساد،و أمّا مع علمهما به فلا يستحق المؤجر شيئاً؛ لأن علمه به يصيّر دفعه المنفعة في حكم التبرّع و البذل من دون عوض و أُجرة،فيصير كالعاريّة.

و لا يجب على المستأجر دفع الأُجرة،فلو دفعها مع العلم بالفساد كان بمنزلة الهبة،له الرجوع فيها ما دامت العين باقية و المدفوع إليه غير رحم.

و لو اختصّ بالجهل كان له الرجوع مطلقا و لو كانت تالفة أو كان المدفوع إليه رحماً،فإنّ الدفع هنا ليس بمنزلة الهبة،بل في مقابلة العمل المتوهّم للجهل بالفساد لزوم المدفوع بسببه،و حيث ظهر الفساد و عدم السببية كان له الرجوع بما دفعه،و العمل لا يوجب شيئاً؛ لعلم صاحبه بالفساد و كونه به متبرّعاً.

و لو انعكس فاختصّ الموجر بالجهل استحقّ اجرة المثل،كما إذا شاركه الآخر في الجهل،و العين مضمونة في يد المستأجر مطلقا،كما نسب إلى المفهوم من كلمات الأصحاب (1)؛ و لعلّه لعموم الخبر بضمان ما

ص:44


1- مجمع الفائدة و البرهان 10:50.

أخذته اليد (1).

و ربما يستشكل فيه في صورة جهله بالفساد؛ لإناطة التكليف بالعلم و ارتفاعه مع الجهل.

و هو كما ترى،فإنّ التلف في اليد من جملة الأسباب لا يختلف فيه صورتا العلم و الجهل حين السبب،و التكليف بردّ البدل ليس حين الجهل، بل بعد العلم بالسبب.

نعم،ربّما يشكل الحكم في هذه الصورة بل مطلقا لو كان الموجر عالماً بالفساد؛ لكون ترتّب اليد على العين حينئذٍ بإذن المالك،فلا ينصرف إلى هذه الصورة إطلاق الخبر المتقدّم.

مضافاً إلى ما عرفت من رجوع الإجارة في هذه الصورة إلى العارية، و الحكم فيها عدم ضمان المستعير،كما تقدّم.

و لا كذلك لو كان جاهلاً به؛ لضمان المستأجر فيه و لو حصل الدفع فيه بالإذن أيضاً،فإنّه كعدمه؛ لابتنائه على توهم الصحّة فيكون كالإذن المشروط بها،فإذا ظهر الفساد لم يكن ثمّة إذن بالمرّة،و لعلّ مراد الأصحاب غير هذه الصورة.

و لو تعدّى بالدابّة بل مطلق العين المستأجرة فسار بها زيادة عن المسافة المشترطة في إجارتها ضمن قيمتها مع التلف،و الأرش مع النقص و لزمه في الزائد أُجرة المثل له،مضافاً إلى المسمّى مطلقا،و لو مع الأمرين،وفاقاً للمبسوط و المختلف و التنقيح (2)؛ للصحيح:«..عليك

ص:45


1- عوالي اللئلئ 2:10/345،المستدرك 14:7 أبواب الوديعة ب 1 ح 12،سنن البيهقي 6:95،مسند أحمد 5:8.
2- المبسوط 3:225،المختلف:468،التنقيح الرائع 2:274.

مثل كراء البغل ذاهباً من الكوفة إلى النيل،و مثل كراء البغل راكباً من النيل إلى بغداد،و مثل كراء البغل من بغداد إلى الكوفة توفّيه إيّاه»..فقلت:

أ رأيت لو عطب البغل أو نفق أ و ليس كان يلزمني؟قال:« نعم،قيمة البغل يوم خالفته» قلت:فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر،فقال:« عليك قيمة ما بين الصحيح و المعيب يوم تردّه» (1)الخبر،و هو طويل مشهور.

خلافاً للقاضي،فقال:يلزم مع التلف القيمة لا غير،و مع النقص أمّا الأُجرة أو قيمة الناقص (2).

و هو شاذّ محجوج بالصحيح المزبور،و أصالة عدم التداخل بناءً على أن كلّاً منهما يثبت بسبب،فالنقص بالجناية و الأُجرة باستيفاء المنفعة المملوكة،و ما ذكره هو فتوى أبي حنيفة،و قد خطّأه عليه السلام في صدر الصحيحة،فقال:« في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء ماءها و تمنع الأرض بركتها» .ثمّ إنّ ظاهرها كما ترى أنّ المعتبر في القيمة قيمة يوم التفريط و عليه الأكثر هنا؛ لها،و لأنّه يوم تعلّقه بذمّته،كما أنّ الغاصب يضمن القيمة يوم الغصب،إلّا أنّ الظاهر من قوله:« يوم تردّه» خلافه؛ مضافاً إلى عدم صراحة سابقه فيه.

و قد قدّمنا التحقيق في ضعف دلالتها عليه في كتاب البيع (3)،و لعلّه لذا قيل (4):إنّ الأقرب ضمان قيمتها يوم التلف؛ لأنّه يوم الانتقال إلى القيمة

ص:46


1- الكافي 5:6/290،التهذيب 7:943/215،الإستبصار 3:483/134،الوسائل 19:119 أبواب أحكام الإجارة ب 17 ح 1.
2- المهذب 1:485.
3- راجع ج 8 ص 253.
4- قالا به الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 4:356.

لا قبله و إن حكم بالضمان قبل التلف بسبب التفريط السابق عليه؛ لأنّ المفروض بقاء العين فلا تنتقل إلى القيمة.

و فيه مناقشةٌ ما ذكرت في بعض المباحث المذكورة ثمة.

و قيل (1):يضمن أعلى القيم من حين العدوان إلى حين التلف.

و هو أوفق بالأصل الدالّ على لزوم تحصيل البراءة اليقينية،مع كونه أحوط في الجملة.

و كيف كان،موضع الخلاف ما إذا كان الاختلاف بتفاوت القيمة،أمّا لو كان بسبب نقص في العين فلا شبهة في ضمان الناقص.

فإن اختلفا في قيمة الدابة أو أرش نقصها فالقول قول الغارم (2) وفاقاً للحلّي و أكثر المتأخّرين،كالفاضلين و الشهيدين و التنقيح و المفلح الصيمري و غيرهم (3)،بل لعلّه عليه عامّتهم؛ لأصالة عدم الزيادة؛ و لأنّه منكر فيكون القول قوله.

و في رواية عمل بها النهاية (4)أن القول قول المالك و هي الصحيحة المتقدّمة،فإنّ في آخرها:قلت:فمن يعرف ذلك؟قال:« أنت و هو،إمّا أن يحلف هو على القيمة فتلزمك،و إن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك،أو يأتي صاحب البغل بشهود أن قيمة البغل حين أكرى كذا و كذا فيلزمك» الحديث.

ص:47


1- كما قال به الشيخ في الخلاف 3:493،و المبسوط 3:225،و العلّامة في القواعد 1:234.
2- في« ح» و« ر» زيادة:مع يمينه.
3- الحلّي في السرائر 2:465،المحقّق في الشرائع 2:187،العلّامة في التحرير 1:255،الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 4:356،التنقيح 2:275 و انظر الكفاية:127.
4- النهاية:446.

و لو لا إطباق متأخّري الأصحاب على العمل بالأصل العام و إطراح الرواية لكان المصير إليها لصحتها في غاية القوة.لكن لا مندوحة عمّا ذكروه؛ لقوة الأصل بعملهم فيرجّح عليها و إن كانت خاصّة،لفقد التكافؤ.

و لمخالفتها الأصل اقتصر في النهاية على موردها و هي الدابة،و وافق الأصحاب فيما عداه من الأعيان المستأجرة.

و يستحب أن يقاطع من يستعمله على الأُجرة قبل العمل؛ للأمر به في المعتبرة المنزّل عليه بلا خلاف،فعن الصادق عليه السلام:« من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يستعملنّ أجيراً حتى يُعلمه ما أجره» (1).

و عن الرضا عليه السلام أنّه ضرب غلمانه حيث استعملوا رجلاً بغير مقاطعة،و قال:« إنّه ما من أحد يعمل لك شيئاً بغير مقاطعة ثمّ زدته لذلك الشيء ثلاثة أضعافه على أُجرته إلّا ظنّ أنك قد نقصته أُجرته،و إذا قاطعته ثمّ أعطيته أُجرته حمدك على الوفاء،فإن زدته حبّة عرف ذلك لك و رأى أنّك قد زدته» (2).

و يجب على المستأجر إيفاؤه أُجرته عند فراغه من العمل اللازم عليه؛ للنصوص المتقدّمة المتضمّن بعضها:« لا يجفّ عرقه حتى تعطيه أُجرته» (3)و غيره:« أعطهم أُجورهم قبل أن يجفّ عرقهم» (4).

ص:48


1- الكافي 5:4/289،التهذيب 7:931/211،الوسائل 19:105 أبواب أحكام الإجارة ب 3 ح 2.
2- الكافي 5:1/288،التهذيب 7:932/212،الوسائل 19:104 أبواب أحكام الإجارة ب 3 ح 1.
3- الكافي 5:2/289،التهذيب 7:929/211،الوسائل 19:106 أبواب أحكام الإجارة ب 4 ح 1.
4- الكافي 5:3/289،التهذيب 7:930/211،الوسائل 19:106 أبواب أحكام الإجارة ب 4 ح 2.

و ظاهرها الوجوب كما في العبارة.

خلافاً للّمعة و الروضة (1):فالاستحباب.و لا وجه له مع اعتبار النصوص،و اعتضادها بالقاعدة المتقدّم بيانها في تحقيق الأمانة الشرعية.

و لا يعمل الأجير الخاص و هو الذي يستأجر للعمل بنفسه مدّة معيّنة حقيقة أو حكماً،كما إذا استوجر لعمل معيّن أول زمانه اليوم المعيّن بحيث لا يتوانى فيه بعده لغير المستأجر إلّا بإذنه،بلا خلاف.

قيل (2):للموثق:عن الرجل يستأجر الرجل بأجرٍ معلوم فيجعله في ضيعته،فيعطيه رجل آخر دراهم و يقول:اشتر بها كذا و كذا،و ما ربحت بيني و بينك،فقال:« إذا أذن الذي استأجره فليس به بأس» (3).

و فيه نظر؛ لأعمّيّة الأجير فيه من الخاص،كالبأس المفهوم منه من التحريم،إلّا أن يخصّا بهما بمعونة الإجماع،لكن الحجة حينئذٍ هو دون نفس الرواية،فتأمّل.

و الأصل بعده انحصار المنفعة المستحقة للمستأجر فيه بالنسبة إلى الوقت الذي جرت عادته بالعمل فيه كالنهار،فلا يجوز التصرّف فيها بغير إذنه،أمّا غيره كالليل فيجوز العمل فيه لغيره إذا لم يؤدِّ إلى ضعف في العمل المستأجر عليه،بلا خلاف و لا إشكال؛ لعدم المنافاة.

و منه يظهر الوجه في جواز عمله لغيره في المعيّن عملاً لا ينافي حقّه،كإيقاع عقد في حال اشتغاله بحقّه،في أصحّ الوجهين.

ص:49


1- اللمعة(الروضة البهية 4):354.
2- قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:108،و صاحب الحدائق 21:560.
3- الكافي 5:1/287،التهذيب 7:935/213،الوسائل 19:112 أبواب أحكام الإجارة ب 9 ح 1.

و الآخر العدم؛ لاستلزامه التصرّف في ملك الغير.

و فيه نظر و إن جعله في المسالك و الروضة (1)وجهاً مقاوماً للأوّل، فإن ملك الغير ليس إلّا خصوص العمل المختص بالزمن المعيّن،و قد حصل من دون أن يدخل فيه التصرّف الآخر و يتخلل.

و احترز بالخاص عن المطلق،و هو الذي يستأجر لعمل مجرّد عن المباشرة مع تعيين المدّة،كتحصيل الخياطة يوماً،أو عن المدّة مع تعيين المباشرة،كأن يخيط له ثوباً بنفسه من غير تعرّضٍ إلى وقت،أو مجرّداً عنهما،كخياطة ثوب مجرّداً عن تعيين الزمان،فإنّه بأقسامه يجوز أن يعمل لغير المستأجر و يوجر نفسه من غيره استئجاراً لا ينافي الاستيجار الأوّل، بلا خلاف.

أمّا الاستيجار المنافي كأن يوجر نفسه مدّة حياته مع تعيين المباشرة فلا يجوز؛ للمنافاة بينه و بين عمل ما استوجر عليه للأوّل،و هو حينئذٍ في معنى الخاص بالإضافة إلى قدر المدّة للعمل الأوّل.

ثمّ الخاص مطلقا إن عمل لغيره في الوقت المختص فلا يخلو إمّا أن يكون بعقد إجارة،أو جعالة،أو تبرّعاً:

ففي الأوّل:قيل (2):يتخيّر المستأجر الأوّل بين فسخ عقد نفسه لفوات المنافع التي وقع عليها العقد أو بعضها،و بين إبقائه،فإن اختار الفسخ و كان ذلك قبل أن يعمل له الأجير شيئاً فلا شيء عليه للأجير،و إن كان بعده تبعّضت الإجارة و لزمه للأجير من المسمّى بالنسبة.

و إن بقي على الإجارة تخيّر في فسخ العقد الطارئ و إجازته؛ إذ

ص:50


1- المسالك 1:323،الروضة 4:344.
2- كما قال به الشهيد الثاني في المسالك 1:323،و الروضة 4:345.

المنفعة مملوكة له فالعاقد عليها فضولي.

فإن فسخه رجع إلى أُجرة المثل عن المدّة الفائتة؛ لأنّها قيمة العمل المستحق له بعقد الإجارة و قد أتلف عليه،و يتخيّر في الرجوع على الأجير؛ لمباشرته الإتلاف،أو المستأجر،لأنّه المستوفي.

و إن أجازه ثبت له المسمّى في الاستيجار الثاني،فإن كان قبل تسلّم الأجير للمسمّى فالمطالب به المستأجر؛ لأنّ الأجير هنا بمنزلة فضولي باع ملك غيره فأجاز المالك،فإنّ الفضولي لا يطالب بالثمن بل المشتري.

و إن كان بعد تسلّمه و كانت الأُجرة معيّنة في العقد فالمطالب بها مَن هي في يده.

و إن كانت مطلقة فإن أجاز القبض و التسلّم أيضاً فالمطالب الأجير، و إلّا المستأجر،ثم هو يرجع على الأجير بما تسلّم مع جهله،أو علمه و بقاء العين،بل مطلقا في وجهٍ قوي.

و إن كان عمله بجعالة تخيّر مع عدم فسخ إجارته بين إجازته فيأخذ المسمّى منه أو من الجاعل بالتقريب المتقدّم،و عدمها فيرجع بأُجرة المثل.

و إن عمل تبرّعاً و كان العمل ممّا له اجرة في العادة تخيّر بين مطالبة من شاء منهما بأُجرة المثل إن لم يفسخ عقد نفسه،و إلّا فلا شيء إذا كان قبل أن يعمل الأجير له شيئاً،و لو عمل عملاً فحكمه ما سبق في إجارته.

و في معناه عمله لنفسه.

و لو حاز شيئاً من المباحات بنيّة التملك ملكه،و كان حكم الزمان المصروف في ذلك ما مرّ.

ص:51

ص:52

كتاب الوكالة

اشارة

كتاب الوكالة و هي ثابتة بالكتاب و السنّة و إجماع المسلمين كافّة،كما في المهذّب و عن السرائر و التذكرة (1)،قال سبحانه فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَ لْيَتَلَطَّفْ [1] (2).و قال:أيضاً اِذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي [2] (3).و الآيات آت بمعناهما متظافرة،كما أنّ السنّة الخاصيّة و العاميّة به مستفيضة،بل متواترة سيأتي إلى جملة منها الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.

و الكلام فيه يستدعي فصولاً:

.

الأوّل في حقيقة الوكالة

الأوّل:الوكالة بفتح الواو و كسرها عبارة عن الإيجاب و القبول الدالّين على الاستنابة في التصرّف و عرّفها بعضهم بأنّها عقد يفيد نيابة الغير في شيء،للموجب أن يتولّاه بنفسه و بغيره؛ ليدخل في متعلّقه الأفعال و الأقوال.بخلاف الأوّل؛ لاختصاصه بالأفعال،لأنّها المتبادر من متعلّق التصرّف فيه.

و بتقييد الشيء العام للأمرين بما له أن يتولّاه يخرج الفاسد منهما، و بتقييده بغيره ما لا يجوز أن يتولّاه به،كالواجبات العينية و النذور و الايمان و نحوهما.

ص:53


1- المهذب البارع 3:29،السرائر 2:81،التذكرة 2:113.
2- الكهف:19.
3- يوسف:93.

و لكن ينتقض طرداً بالقراض و المزارعة و المساقاة،و لذا قيّده بعضهم بقوله:بالذات (1).

و كيف كان،يكفي في كل من الإيجاب و القبول هنا ما يدل عليهما و لو بالإشارة المفهمة في الأوّل،و الفعل الدالّ على الرضا في الثاني، بلا خلاف أجده،و به صرّح في المفاتيح و حكي عن التذكرة (2).

و لا يشترط في القبول الفورية،بل يجوز تراخيه عن الإيجاب و لو طالت المدّة،إجماعاً منا،كما عن التذكرة (3)،و حكاه في المسالك و الروضة (4)على جواز توكيل الغائب و القبول فيه متأخّر،و نحوه السرائر (5)،بل جعله إجماع المسلمين.

و يدلّ عليه بالخصوص أخبار معتبرة،كالصحيح:عن رجل أمر رجلاً أن يزوّجه امرأة بالمدينة و سمّاها له،و الذي أمره بالعراق،فخرج المأمور فزوّجها إيّاه (6)،الحديث،فتأمّل.

و الموثق:عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول:ابتع لي ثوباً،فيطلب له في السوق (7)،الخبر.

و الخبر:في رجل بعث إليه أبو الحسن الرضا عليه السلام بثلاثمائة دينار إلى رحيم امرأة كانت له و أمَره أن يطلّقها عنه و يمتّعها بهذا المال (8).

ص:54


1- كالشهيد الثاني في الروضة 4:367.
2- المفاتيح 3:189،و حكاه عن التذكرة في الحدائق 22:4.
3- التذكرة 2:114.
4- المسالك 1:332،الروضة 4:368.
5- السرائر 2:95.
6- الفقيه 3:1290/271،الوسائل 20:305 أبواب عقد النكاح ب 28 ح 1.
7- التهذيب 6:999/352،الوسائل 17:389 أبواب آداب التجارة ب 5 ح 2.
8- التهذيب 8:121/40،الإستبصار 3:992/279،الوسائل 14:523 أبواب المزار ب 70 ح 6.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات،و منهما يظهر عدم اشتراط عدم الردّ، وفاقاً لجماعة (1).

خلافاً للقواعد و التذكرة (2)،فاشترطه.و لا وجه له،إلّا أن يقال:بأن المقصود من الوكالة هو إباحة التصرّف بإذن المالك،و هو مشكوك فيه بعد الردّ،فلعلّ المالك لم يرض بتصرّفه بعده،و أصالة بقاء الإذن معارض بأصالة بقاء حرمة التصرّف.

و هو لا يتم إلّا مع علم الآذن بالردّ و حصول الشك في بقاء الإذن بعده،و الوجه فيه ما ذكره،دون ما إذا لم يعلم به،أو قطع ببقاء إذنه.

و لا حكم لوكالة المتبرّع بقبولها بعدم اشتراطه جعلاً أو اجرة على عمله الذي ليس له اجرة في العرف و العادة،كبرئه القلم،فلا يستحق اجرة مطلقا و لو نواها،لتبرّعه بالعمل لفظاً،مع أن الأصل عدمها.

و يحتمل العبارة معنى آخر،مبني على إرادة التوكيل من الوكالة،أي:

لا حكم لتوكيل المتبرّع بتوكيله بأن وكّل أحداً في التصرّف في مال غيره فضولياً.

و هو مع توقّفه على البناء المتقدّم المخالف للظاهر،لكون الوكالة وصفاً قائماً بالوكيل دون الموكّل لا ينطبق على القول بصحة الفضولي في الوكالة كما قال بها الماتن إلّا بتأويل الحكم في العبارة باللزوم دون الصحّة،و هو أيضاً خلاف الظاهر،لكن هذا المعنى أنسب بالمقام ممّا قلناه.

و من شرطها أن تقع منجّزة فلا تصحّ معلّقة على شرط متوقّع،

ص:55


1- الكفاية:128،الحدائق 22:32،مجمع الفائدة و البرهان 9:530.
2- القواعد 1:252،التذكرة 2:114.

كقدوم الحاج و لا صفة مترقّبة،كطلوع الشمس.

و يجوز تنجيزها و تأخير التصرّف إلى أمد بأن يقول:وكّلتك الآن في كذا و لكن لا تتصرّف إلّا بعد شهر مثلاً.

بلا خلاف في المقامين على الظاهر،و صرّح به المفلح الصيمري في شرح الشرائع،بل في المسالك و عن التذكرة الإجماع عليهما (1)؛ و هو الحجة فيهما.

مضافاً إلى الأصل و إطلاقات الأدلّة من الكتاب و السنّة في الثاني.مع اعتضاد الحكم فيه بأنّه بمعنى اشتراط أمرٍ سائغٍ زائدٍ على أصلها الجامع لشرائطها التي من جملتها التنجيز.و هو و إن كان في معنى التعليق،إلّا أنّه لا دليل على المنع عنه على الإطلاق؛ لاختصاص الإجماع المانع عنه بالنوع الأوّل،فلا يتعدّى إلى غيره؛ مضافاً إلى الإجماع على الصحّة فيه.

و في صحّة التصرّف حيث فسدت بالتعليق بعد حصول المعلّق عليه من أحد الأمرين بالإذن الضمني قولان:

من أنّ الفاسد بمثل ذلك إنّما هو العقد،أمّا الإذن الذي هو مجرّد إباحة تصرّف فلا،كما لو شرط في الوكالة عوضاً مجهولاً فقال:بع كذا على أن لك العشر من ثمنه،فتفسد الوكالة دون الإذن،و أن الوكالة أخصّ من مطلق الإذن،و عدم الأخصّ أعمّ من عدم الأعم.

و من أنّ الوكالة ليست أمراً زائداً على الإذن.و ما يزيد عنه من مثل الجعل أمر زائد عليهما؛ لصحتها بدونه.فلا يعقل فسادها المدّعى عليه الإجماع مع صحّته.و هو أوجه.

ص:56


1- المسالك 1:233،التذكرة 2:114.

إلّا أن يدّعى اختصاص الإجماع على الفساد بصورة تضمّنها الجعل، و يشهد له مصير ناقله الذي هو الفاضل في التذكرة فيها و في المختلف إلى القول بصحّة التصرّف بالإذن الضمني (1)،كما هو فرض المسألة،و احتمله في القواعد أيضاً (2)،كناقله الآخر في الروضة (3).

فإذا تحقّق عدم الإجماع على الفساد في المسألة تعيّن المصير فيها إلى الصحّة؛ أخذاً بأدلّتها من إطلاقات الكتاب و السنّة،لكنّها بعدُ لا يخلو عن شوب المناقشة،فالاحتياط فيها لازم البتّة.

سيّما إذا كانت التصرّفات تصرّفات ناقلة بنحو من العقود اللازمة؛ لمخالفتها الأصل،و اختصاص المخالف له الدالّ على اللزوم من نحو:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [1] (4)بمالك التصرّفات بالأصالة دون مالكها بالنيابة،و كفاية مثل هذا الإذن المشكوك في تأثيره في صرف أوامر الوفاء إلى مالكها بالأصالة غير معلوم في الحكم بالصحة و صرفها إليه البتة،فتأمّل.

و ليست الوكالة لازمة لأحدهما بلا خلاف،كما عن التذكرة (5)،و عليه الإجماع في ظاهر الغنية (6).فلكل منهما إبطالها في حضور الآخر و غيبته،لكن إن عزل الوكيل نفسه بطلت مطلقا.

و يأتي في صحة التصرّف بالإذن الضمني ما مضى من احتمالها مطلقا،و عدمها كذلك.

ص:57


1- التذكرة 2:114،المختلف:438.
2- القواعد 1:252.
3- الروضة 4:369.
4- المائدة:1.
5- التذكرة 2:132.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):597.

و ربّما فرّق هنا بين إعلام الموكّل بالعزل فالثاني،و إلّا فالأوّل.

و الثاني أشهر،بل ظاهر الغنية الإجماع عليه (1)،و الأوّل أوجه لولاه، و مال إليه في المسالك مع تردّده فيه ثمة،قال:لأنّ الإذن صحيح جامع للشرائط،بخلاف السابق،فإنّه معلّق.و في صحته ما قد عرفت،و من ثمّ جزم في القواعد (2)ببقاء صحته هنا،و جعل الصحة هناك احتمالاً (3).

و لا ينعزل الوكيل بعزل الموكّل ما لم يعلم العزل و إن أشهد بالعزل على الأصح الأشهر بين عامة من تأخّر،وفاقاً للخلاف و الإسكافي (4)؛ للمعتبرة الواردة عن أهل العصمة صلوات اللّه عليهم أجمعين،منها الصحيح في الفقيه:رجل وكّل آخر على وكالة في إمضاء أمر من الأُمور و أشهد له بذلك،فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر،فقال:اشهدوا أني قد عزلت فلاناً عن الوكالة،فقال:« إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكّل فيه قبل العزل عن الوكالة فإنّ الأمر واقع ماضٍ على إمضاء الوكيل،كره الموكّل أم رضي» قلت:فإنّ الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم بالعزل أو يبلغه أنّه قد عزله عن الوكالة فالأمر على ما أمضاه؟قال:« نعم» قلت:فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر،ثمّ ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشيء؟ قال:« نعم،إن الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماضٍ أبداً، و الوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة أو يشافه العزل عن الوكالة» (5).

ص:58


1- الغنية(الجوامع الفقهية):597.
2- القواعد 1:258.
3- المسالك 1:233.
4- الخلاف 3:642،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:436.
5- الفقيه 3:170/49،التهذيب 6:503/213،الوسائل 19:162 أبواب أحكام الوكالة ب 2 ح 1؛ بتفاوت يسير.

و الصحيح فيه:« من وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتى يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها» (1).

و الخبر القريب من الصحّة بتضمّن سنده جملة ممّن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنهم العصابة:رجل وكّل رجلاً بطلاق امرأته إذا حاضت و طهرت،و خرج الرجل فبدا له،فأشهد أنّه قد أبطل ما كان أمره به و أنّه قد بدا له في ذلك،قال:« فليُعلِم أهله و ليُعلِم الوكيل» (2).

و نحوه آخر (3)،و هو طويل تضمّن حكم الأمير عليه السلام بذلك مع الإشهاد و عدم الإعلام.

و قصور سندهما منجبر بالشهرة العظيمة المتأخّرة؛ مضافاً إلى الاعتضاد بالأخبار الأوّلة الصحيحة،فلا شبهة في المسألة.

خلافاً للفاضل في القواعد خاصة،فحكم بالعزل مطلقا (4).

و للنهاية و الحلّي و القاضي و الحلبي و ابني زهرة و حمزة (5)،فالتفصيل بين الإشهاد فالثاني،و إلّا فالأوّل،و عليه ادّعى في الغنية إجماع الإماميّة.

و غايته أنّه رواية صحيحة واحدة لا تقابل ما قدّمناه من النصوص

ص:59


1- الفقيه 3:166/47،التهذيب 6:502/213،الوسائل 19:161 أبواب أحكام الوكالة ب 1 ح 1.
2- الكافي 6:4/129،الفقيه 3:167/48،التهذيب 6:505/214،الإستبصار 3:988/278،الوسائل 19:164 أبواب أحكام الوكالة ب 3 ح 1.
3- الفقيه 3:168/48،التهذيب 6:506/214،الوسائل 19:163 أبواب أحكام الوكالة ب 2 ح 2.
4- القواعد 1:258.
5- النهاية:318،الحلّي في السرائر 2:93،القاضي حكاه عنه في المختلف:437،الحلبي في الكافي في الفقه:338،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):597،ابن حمزة في الوسيلة:283.

المستفيضة المعتضدة بالشهرة،فليس فيها حجّة،كسائر ما علّل به الأوّل من أنّ العزل رفع عقد لا يفتقر إلى رضاء صاحبه فلا يفتقر إلى علمه، كالطلاق و العتق.

و أن الوكالة من العقود الجائزة فللموكّل الفسخ و إن لم يعلم الوكيل، و إلّا كانت حينئذٍ لازمة.

فقد يضعّف الأوّل:بمنع المساواة بين العتق و المقام،فإنّ العتق فكّ ملك و ليس متعلّقاً بغير العاقد،و ليس كذلك العزل في الوكالة؛ لتعلّقه بثالثٍ.

و الثاني:بتسليم جواز الفسخ،لكن يحتمل أن يكون ترتّب أثره عليه مشروطاً بالإعلام المفقود في المقام.

قوله:و إلّا كانت لازمة.

قلنا:نعم في هذه الصورة،و هو لا ينافي جوازها من أصلها،فكم من عقود جائزة تصير لازمة بالعوارض الخارجية،كشروع العامل في العمل في الجعالة،فإنّها تكون لازمة للجاعل إلّا مع بذل مقابل ما عمل مع إعلامه،و نظائره في الشرع كثيرة،كحضور المسافر مسجد الجمعة، و شروع الإنسان في الحج المندوب.هذا.

مع كونه اجتهاداً في مقابلة النص الصحيح،فلا يعتبر.

و أمّا ما ربما يستدل بعده للمختار:من استلزام الانعزال بالعزل قبل الإعلام الضرر على الوكيل،فقد يتصرّف تصرّفات يتطرّق الضرر إليه ببطلانها،كما لو باع الجارية فيطؤها المشتري،و الطعام فيأكله،و أن النهي لا يتعلّق به حكم في حقّ المنهي إلّا بعد علمه كنواهي الشرع.

فضعيف غايته،فالأوّل:بانتقاضه بتصرّفاته بعد موت الموكّل مثلاً

ص:60

و لم يعلم،و لا خلاف في بطلانها،كما في شرح الإرشاد و غيره (1)،مع اندفاع الضرر بالرجوع إلى العوض.

و الثاني:بذلك،و بأنّ غاية الجهل إنّما هو رفع حكم النهي الذي هو الإثم و المؤاخذة،لا إثبات الصحّة في معاملة لم تصادف إذن المالك بالكليّة،و إن هي حينئذٍ إلّا كصلاة واقعة في حالة النسيان من غير طهارة، و معاملة على مال الغير بمظنّة أنّه ماله.

و يتفرّع على المختار أنّ تصرّفه قبل العلم بالعزل ماضٍ على الموكّل ليس له ردّه و لو أشهد عليه،فالأنسب تفريعه عليه بالفاء.

ثم المستفاد من هذه العبارة كسابقتها و غيرها ممّا اعتبر فيه العلم بالعزل عدم اعتبار الظن به،و هو كذلك إلّا في الظن المستفاد من إخبار الثقة؛ للصحيحة الاُولى من الأخبار المتقدّمة،و به صرّح جماعة (2)، و يمكن أن ينزّل عليه العبارة بحمل العلم فيها على ما يعمّ الظن القائم مقامه شرعاً.

و تبطل الوكالة حيث إنّها من العقود الجائزة بالموت و الجنون مطبقاً كان أو أدواراً و الإغماء قليلاً كان أو كثيراً،من كل منهما كان هذه الثلاثة،بلا خلاف في الظاهر،و به في الأوّل صرّح في الغنية (3)،و في الأخيرين بإطلاقهما في المسالك (4)،و في الثلاثة في الجملة محكي عن

ص:61


1- مجمع الفائدة و البرهان 9:540؛ و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):597.
2- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 4:370،و المحقّق الكركي في جامع المقاصد 8:279،و السبزواري في الكفاية:128.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):597.
4- المسالك 1:334.

التذكرة (1)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الاعتبار في الأوّل:من اختصاص الإذن بالوكيل،فلا يعمّ وارثه لو مات هو،و لو مات الموكّل انتقل ما وكّل فيه إن كان ماله إلى الورثة،فالمعتبر حينئذٍ إذنهم لا إذنه.و لو كان غير مال كعقد نكاح أو غيره لم يكن بعد الموت قابلاً له.

و في الأخيرين أيضاً:من إيجابهما فساد تصرّفات كلٍّ من الوكيل و الموكّل إذا حصلا فيهما فلأن يوجبا فساد تصرّف الوكيل أولى؛ إذ لو حصلا فيه منعاه من التصرّف لنفسه،فما ظنّك بتصرّفه لغيره،و لو حصلا في الموكّل منعاه عن استبداده بالتصرّف بنفسه،فكيف لا يمنعان تصرّف من هو في حكمه؟! و لو تصرّف و الحال هذه لم يصحّ؛ للأصل،و عدم مصادفته للإذن المصحّح له؛ لانقطاعه بأحد الثلاثة.هذا.

مضافاً إلى وقوع التصريح به في المرسل كالموثق:في رجل أرسل يخطب عليه امرأة و هو غائب،فأنكحوا الغائب و فرضوا الصداق،ثم جاء خبره بعدُ أنّه توفّي بعد ما سيق الصداق،فقال:« إن كان أملك بعد ما توفّي فليس لها صداق و لا ميراث،و إن كان أملك قبل أن يتوفّى فلها نصف الصداق و هي وارثة و عليها العدّة» (2).

قيل:و يجيء على جواز تصرّفه مع ردّه و مع بطلان الوكالة بتعليقها على شرطٍ جواز تصرّفه هنا بعد زوال المانع بالإذن العام (3).

ص:62


1- التذكرة 2:133.
2- الكافي 5:1/415،التهذيب 7:1489/367،الوسائل 20:305 أبواب عقد النكاح ب 28 ح 2.
3- مجمع الفائدة و البرهان 9:555.

و فيه نظر؛ لقوّة احتمال عدم الجواز هنا استصحاباً له إلى بعد زوال المانع،و لا كذلك ثمّة؛ لعدم وجود مثله هناك.

فالقول بالمنع هنا لا يخلو عن قوّة،و إن أُيّد الجواز مضافاً إلى ما مرّ في ذينك الموضعين بمؤيّدات قياسيّة،كدخول الصيد الغائب في ملك المحرم بعد زوال الإحرام،و أن من وكّل محِلّاً فصار محرِماً لم يحتج إلى تجديد الوكالة بعد تحلّله من الإحرام،و نحو ذلك.

و كذا تبطل ب تلف ما يتعلّق به يعني ما دلّ عليه لفظها مطابقة،كموت العبد الموكّل في بيعه،و المرأة الموكَّل بطلاقها،أو تضمناً، كتلف الدينار الموكَّل في الشراء به.و لا فرق بين أن ينصّ على الشراء بعينه،أو يطلق،بأن يقول:اشتر به؛ لاقتضائه دفعه ثمناً فلا يتناول بدله لو كان تلفه موجباً لضمانه.

و في حكم التلف انتقاله عن ملكه،كما لو أعتق العبد الموكَّل في بيعه،أو باع العبد الموكَّل في عتقه.

و الوجه في الجميع ظاهر،مع عدم الخلاف فيه،و به صرّح في الغنية في الملحق بالتلف (1)،و هو جارٍ فيه أيضاً بالأولويّة.

و كذا تبطل بالحجر على الموكّل فيما وكّل فيه بالسفه و الفلس؛ لأنّ منعه من مباشرة الفعل يقتضي منعه من التوكيل فيه.

و في حكم الحجر طروّ الرقّ على الموكّل،بأن كان حربياً فاسترق، و لو كان وكيلاً صار بمنزلة توكيل عبد الغير.

و لا تبطل بالنوم و إن تطاول؛ للأصل،و بقاء أهليّة التصرّف ما لم يؤدَّ

ص:63


1- الغنية(الجوامع الفقهية):597.

إلى الإغماء،فتبطل من جهته لا من جهة النوم.

و حيث فسدت الوكالة لم تبطل الأمانة،فلو تلفت العين الموكَّل فيها في يده بغير تفريط لم يضمن،و كذا لو كان وكيلاً في قبض حق فقبضه بعد الموت قبل العلم به و تلف في يده بغير تفريط،لكن يجب عليه المبادرة إلى إيصال العين إلى الوارث،فإن أخّر ضمن،كمطلق الأمانة الشرعيّة.

و لو باع الوكيل بثمن فأنكر الموكّل الإذن بذلك القدر،فالقول قول الموكّل مع يمينه بلا خلاف في الظاهر؛ للأصل،و رجوع الدعوى حينئذٍ إلى أصل الوكالة بذلك المقدار الذي ينكره المالك.

فلا يرد أن دعوى الموكّل حينئذٍ تستلزم جعل الوكيل خائناً؛ لتصرّفه على غير الوجه المأمور به،فيكون القول قوله،لأمانته،و الأصل عدم خيانته كما سيأتي (1).

فإنّه إنّما يتمّ لو كان تصرّفه بالوكالة و الخيانة المدّعاة في بعض متعلقاتها،كما لو ادّعى الموكّل عليه بعد تلف الثمن الذي باع به بمقتضى الوكالة تأخّر قبضه عن تقبيض المبيع،أو التعدّي فيه بوجه.و هنا ليس كذلك؛ لما عرفت من رجوع الدعوى إلى أصل الوكالة على الوجه الذي يدّعيه الوكيل،فيكون القول فيها قول المالك.

ثم لو حلف المالك بطل البيع؛ لبطلان التصرّف و تستعاد العين المبيعة ممّن هي في يده إن كانت موجودة،و مثلها إن كانت مفقودة،أو قيمتها إن لم يكن لها مثل بأن كانت قيميّة.

و كذا يستعاد مثلها أو قيمتها لو تعذّر استعادتها بغير تلف،

ص:64


1- في ص:80.

كتغلّب أو غيبة.

كلّ ذا على المشهور،بل لعلّه عليه عامّة المتأخّرين،وفاقاً للمبسوط (1).

خلافاً للنهاية،فقال:إنّ على الوكيل إتمام ما حلف عليه المالك (2).

و وجهه غير واضح.

و حمله في المختلف على صورة تعذّر استعادة العين من المشتري و مساواة القيمة لما يدّعيه المالك (3).و لا بأس به و إن بَعُد؛ صوناً لقوله عمّا يرد عليه من الفساد و عدم وضوح وجهه.

الثاني في ما تصحّ فيه الوكالة

الثاني: في بيان ما تصحّ فيه الوكالة،و هو كلّ فعل يتكامل فيه شروط ثلاثة:

أحدها:أن يكون مملوكاً للموكّل،بمعنى كون مباشرته له ممكنة بحسب العقل و الشرع،فلا يجوز الوكالة في الأُمور المستحيلة عقلاً و الممنوعة شرعاً،فلا تجوز في المعاصي،كالغصب و السرقة و القتل، و أحكامها تلزم المباشر.

و هل يعتبر الإمكان المزبور من حين الوكالة إلى وقت التصرّف؟ ظاهر المشهور ذلك،بل ظاهر المحكي عن التذكرة (4)إجماعنا عليه،و به صرّح المحقّق الثاني (5)فقال:الظاهر أن ذلك متّفق عليه عندنا.فلا يجوز طلاق زوجة سينكحها،و لا عتق عبد سيشتريه.

ص:65


1- المبسوط 2:389.
2- النهاية:407.
3- المختلف:439.
4- التذكرة 2:117.
5- جامع المقاصد 8:207.

قيل:لكن يشكل إطلاق القول بذلك؛ لتجويزهم في الظاهر الوكالة في الطلاق في طهر المواقعة و الحيض،و في تزويج امرأة و طلاقها و شراء عبد و عتقه (1).

قال في التذكرة:لو وكّله في شراء عبد و عتقه و في تزويج امرأة و طلاقها و استدانة دين و قضائه صحّ ذلك كلّه (2).انتهى.

و فيه نظر؛ لاحتمال الفرق بين ما وقع التوكيل فيه مستقلا كالأمثلة التي منعوا عن الصحّة فيها،و ما وقع التوكيل فيه تبعاً لما يجوز التوكيل فيه اتفاقاً كالأمثلة التي أوردها،فيبطل في الأوّل و يصحّ في الثاني،و يشير إليه جمعه في التذكرة بين الأمرين مردفاً كلّاً منهما بحكمه،و لو لا ما ذكرناه لكان متناقضاً.هذا.

و نظيره في الشرع كثير كالوقف،فإنّه لا يجوز على من سيوجد أصالة و يجوز عليه تبعاً اتفاقاً،فتأمّل.

و ثانيها:أن لا يتعلّق غرض الشارع فيه ب وقوعه من مباشر معيّن ك العتق،فإنّ غرضه فكّ الرقبة سواء أحدثه المالك أم غيره، و الطلاق،فإنّ غرضه منه رفع الزوجيّة كذلك،و مثله البيع و النكاح و غيرهما من العقود و الإيقاعات.

و لا يجوز فيما يتعلّق غرضه بإيقاعه من مباشر بعينه،و لا خلاف في شيء من ذلك في الظاهر.

و الوجه فيه أيضاً بقسميه واضح،و إنّما الخفاء في مرجع معرفة غرضه في ذلك و عدمه،فقيل:هو النقل (3).و هو كذلك؛ إذ لا قاعدة له

ص:66


1- مجمع الفائدة و البرهان 9:509.
2- التذكرة 2:117.
3- الروضة 4:372.

لا تنخرم،و قد علم تعلّق غرضه بجملة من العبادات؛ لأنّ الغرض منها امتثال المكلّف ما أُمر به و انقياده و تذلّله بفعل المأمور به،و لا يحصل ذلك بدون المباشرة،كالطهارة و الصلاة الواجبة في حال الحياة،فلا يستناب فيهما مطلقاً إلّا ما استثني منها من نحو الطواف الواجب بشرط ذكر في محله،و ركعتي الطواف،حيث يجوز استنابة الحي في الحج الواجب و المندوب،و أداء الزكاة.

و كالأيمان،و العهود،و القسمة بين الأزواج،و الشهادات إلّا على سبيل قيام الشهادة على الشهادة،و الظهار،و اللعان،و الجناية.

و في صحّة التوكيل بإثبات اليد على المباحات كالاصطياد و الاحتطاب و الاحتشاش قولان.

و في التوكيل في الإقرار إشكال،و الظاهر أنّ ذلك ليس بإقرار.

و ثالثها:أن يكون معلوماً،فلا تصحّ على المبهم و المجهول، بلا خلاف فيما أعلم،قيل:لئلّا يعظم الغرر (1).

و تصحّ الوكالة في الطلاق للغائب إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة،منهم الماتن في الشرائع (2)؛ و هو الحجّة مضافاً إلى النصوص الآتية.

و الحاضر على الأصحّ الأشهر بين عامّة من تأخّر،وفاقاً للمبسوط و الحلّي (3)،نافياً الخلاف فيه بين المسلمين،سواء وكّل أمره إلى الوكيل من غير عزم منه عليه،أو كان عازماً عليه و وكّله في الإتيان بالصيغة؛

ص:67


1- المفاتيح 2:284.
2- الشرائع 2:197.
3- المبسوط 2:362،الحلّي في السرائر 2:83.

للعمومات،و خصوص الصحيح الصريح في الأوّل:رجل يجعل أمر امرأته إلى رجل،فقال:اشهدوا أنّي قد جعلت أمر فلانة إلى فلان،فيطلّقها، أ يجوز ذلك؟قال:« نعم» (1).و نحوه الموثق (2).

و الخبر القريب منه الصريح في الثاني:رجل وكّل رجلاً بطلاق امرأته إذا حاضت و طهرت و خرج الرجل،فبدا له و أشهد أنّه قد أبطل ما كان أمره به و أنّه قد بدا له في ذلك،قال:« فليُعلِم أهله و ليعلم الوكيل» (3).

(و أظهر منه الخبر المتقدّم في أوّل الكتاب (4)المتضمّن لبعث أبي الحسن عليه السلام بثلاثمائة دينار إلى رجل أن يطلّق امرأته) (5).

و إطلاق الأوّلين بل عمومهما الناشئ من ترك الاستفصال يشمل صورتي الحضور و الغيبة.

خلافاً للطوسي و القاضي و التقي (6)،فمنعوا عنه في الحاضر؛ للخبر:

« لا تجوز الوكالة في الطلاق» (7)بحمله عليه؛ جمعاً بينه و بين ما مرّ و غيره، بحمله على الجواز في الغائب.

ص:68


1- الكافي 6:2/129،التهذيب 8:116/39،الإستبصار 3:987/278،الوسائل 22:88 أبواب مقدمات الطلاق ب 39 ح 1.
2- الكافي 6:1/129،التهذيب 8:115/38،الإستبصار 3:986/278،الوسائل 22:88 أبواب مقدمات الطلاق ب 39 ح 1.
3- الكافي 6:4/129،التهذيب 8:117/39،الإستبصار 3:988/278،الوسائل 22:89 أبواب مقدمات الطلاق ب 39 ح 3.
4- في ص:55.
5- ما بين القوسين ليست في النسخ الثلاثة المخطوطة.
6- الطوسي في النهاية:319،القاضي في المهذب 2:277،التقي في الكافي في الفقه:337.
7- الكافي 6:6/130،التهذيب 8:120/39،الإستبصار 3:991/279،الوسائل 22:90 أبواب مقدمات الطلاق ب 39 ح 5.

و هو بعيد؛ لعدم التعرّض في شيء من الأخبار لغيبة و لا حضور،و إن صرّح بعضها بالجواز في الغائب،فإنّ إثباته فيه لا ينفيه عمّا عداه.

مضافاً إلى قصور السند فيه و في سابقه من وجوه،فلا يقاومان شيئاً ممّا مرّ،مع مخالفة إطلاق الأوّل الإجماع،و إن حكي عن ابن سماعة القول به (1)،و ليس منّا.

و نحوه في الضعف بل و أمرّ الاستدلال له بعموم:« الطلاق بيد من أخذ بالساق» (2)فإنّ المراد به أن له التصرّف فيه،و هو أعمّ من أن يكون بالمباشرة أو النيابة،و الإجماع على جوازها مع الغيبة أوضح شاهد على عدم إرادة تعيّن المباشرة من الرواية.

قيل:و على قول الشيخ يتحقّق الغيبة بمفارقة مجلس الطلاق و إن كان في بلد التوكيل،كما ذكره الشهيد الثاني (3).

و فيه نظر،فإن كلامه و مستنده صريحان في اشتراط عدم الحضور في البلد،و عدم كفاية عدم حضور المجلس.

و يجب أن يقتصر الوكيل في تصرّفاته على ما عيّنه الموكّل أو ما يشهد العادة بالإذن مع اطّرادها،أو دلالة القرائن،كما لو أذن بالبيع بقدرٍ نسيئة فباع نقداً به أو بأزيد،إلّا أن يكون له غرض في التعيين و لو على الاحتمال،و لا يجوز التعدّي حينئذٍ إلّا أن يكون احتمالاً نادراً.

بلا خلاف في شيء من ذلك و لا إشكال،إلّا فيما حكموا به من صحّة المعاملة مع المخالفة حيث جازت له بدلالة القرائن أو اطّراد العادة مع

ص:69


1- حكاه عنه في الكافي 6:130 ذيل الحديث 6.
2- عوالي اللئلئ 1:137/234،سنن ابن ماجة 1:2081/672.
3- الروضة البهية 4:374.

ضمان العين لو عيّن لها محلّاً تباع فيه فعدل إلى آخر فباعها فيه؛ فإنّ صحّة المعاملة حينئذٍ مع الضمان ممّا لا يجتمعان؛ فإنّ المخالفة لو أثّرت في الضمان من حيث عدم الإذن لأثّرت في فساد المعاملة أيضاً،لاتحاد الحيثيّة،و الإذن المفهوم من العادة لو صحّحت المعاملة من حيث الإذن لأثّرت في نفي الضمان البتة،لاتّحاد الحيثيّة،كذا قيل.

و يمكن الذبّ عنه بأنّ الإذن المفهوم غايته الدلالة على صحّة المعاملة خاصّة دون نقل العين عن مواردها المعيّنة،و لا تلازم بينهما بالبديهة؛ فإنّ الإذن المفهوم ليس إلّا من حيث الأولويّة،و لا تحصل إلّا حين جريان المعاملة لا قبله؛ إذ منشأ الأولويّة ليس إلّا زيادة الثمن عمّا عيّنه،و هي قبل المعاملة غير حاصلة و حينئذٍ فتكون اليد عادية،عليها ضمان ما أخذته بمقتضى الرواية.

و بما ذكرنا يظهر عدم الفرق في الحكمين بين كون محل المعين سوقاً فعدل إلى سوق آخر،أو بلدة معيّنة عدل عنها إلى أُخرى،فالحكم بالضمان في الثاني دون الأوّل كما عن التذكرة (1)حجّته غير واضحة؛ لاشتراكهما في مقتضي الضمان و إن زاد سببه في الثاني دون الأوّل؛ لما فيه من تعريض المال للتلف بالسفر الذي هو مظنة الآفة غالباً و هذا الفرق لا يؤثّر في نفي الضمان عن الأوّل،بل فائدته تأكيد وجه الضمان في الثاني.

و ممّا ذكرنا يظهر وجه الدفع عمّا أُورد على التذكرة:من عدم الفرق بين المقامين اللذين فرّق بينهما بالكليّة (2)،فإنّ طريق الفرق كما عرفت واضحة،فلا وجه للإيراد بما ذكره،بل الذي ينبغي إيراده عليه هو ما قدّمنا

ص:70


1- التذكرة 2:125.
2- الحدائق 22:65.

إليه الإشارة.

و لو عمّم الوكالة صحّ إذا خصّها من وجهٍ،مالٍ أو غيره، بلا خلاف في الظاهر،و به صرّح في التنقيح (1).و كذا إذا لم يخصّه بوجهٍ، كما إذا وكّله في كلّ قليل و كثير ممّا له فعله على الأقوى،وفاقاً للنهاية و المفيد و الحلّي و القاضي و الديلمي (2)و عامّة المتأخّرين،عدا قليل منهم يأتي ذكره؛ لأنّ كلّ فعل من الأفعال التي تدخله النيابة يصحّ التوكيل فيه بالنصوصيّة و الاندراج تحت أشخاص معينة،فجاز أن يندرج تحت العموم؛ لتناوله الجزئيّات على السويّة.

خلافاً للخلاف و المبسوط (3)،و تبعه الماتن في الشرائع و فخر المحقّقين (4)كما حكي؛ لأنّ فيه غرراً عظيماً،لأنّه ربّما ألزمه بالعقود ما لا يمكنه الوفاء و ما يؤدّى إلى ذهاب ماله،كأن يزوّجه بأربع حرائر ثمّ يطلّقهن قبل الدخول،فيلزمه نصف مهورهن،ثمّ يزوّجه بأربع حرائر أُخر، و هكذا،أو يشتري له من الأرضين و العقارات و غيرها ما لا يحتاج إليه، و هو غرر عظيم فما يؤدّي إليه باطل.

و يندفع ذلك بالاتّفاق على إناطة تصرّفات الوكيل بالمصلحة،كان الموكّل فيه خاصّاً أم عامّاً من وجه أم مطلقاً،فيمضي تصرّفاته معها.

إلّا ما يقتضيه الإقرار بمالٍ أو ما يوجب حدّا أو تعزيزاً،فلا وكالة فيه،وفاقاً للأكثر،كالشيخين و التقي و ابني حمزة و زهرة و الفاضل المقداد

ص:71


1- التنقيح الرائع 2:289.
2- النهاية:317،المفيد في المقنعة:816،الحلّي في السرائر 2:89،القاضي حكاه عنه في المختلف:436،الديلمي في المراسم:201.
3- الخلاف 3:350،المبسوط 2:391.
4- الشرائع 2:196،فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد 2:341.

في التنقيح (1)،قال:إمّا لأنّه لا تدخله النيابة؛ لاختصاص حكمه بالمتكلم إذا أنبأ عن نفسه كما قال صلى الله عليه و آله:« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (2)و على غيرهم لا،أو لأنّه خلاف المصلحة المشترطة في تعميم الوكالة.

هذا كلّه إذا لم يصرّح له بالإقرار عنه،أمّا مع التصريح به فقال في الخلاف (3):يصحّ إقراره و يلزم الموكّل بالمقرّ به إذا كان معلوماً،و بتفسيره إذا كان مجهولاً؛ محتجّاً بعدم المانع منه،و الأصل جوازه،مضافاً إلى عموم:« المؤمنون عند شروطهم» (4)و هذا شرط أنّه يلتزم ما يقرّ به الوكيل.

و في الجميع نظر،سيّما الأصل؛ لعدم الدليل عليه،مع معارضته بأصالة البراءة.و كذا عموم لزوم الوفاء بالشرط؛ لاختصاصه على تقدير كون المقام منه بالشرط المذكور ضمن العقد اللازم بالإجماع،كما حكاه بعض الأصحاب.

مضافاً إلى استلزام عدم تخصيصه به إمّا حمله على الاستحباب أو طرحه،من حيث الإجماع على عدم بقائه على عمومه،و خروج أكثر أفراده الموهن للتمسك به،كما حقّق في محله.

و استشكله الفاضل في القواعد (5):من أنّه إخبار عن حقّ على الموكّل

ص:72


1- المفيد في المقنعة:816،الطوسي في النهاية:317،التقي في الكافي في الفقه:337،ابن حمزة في الوسيلة:282،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):597،التنقيح الرائع 2:290.
2- عوالي اللآلي 1:104/223،الوسائل 23:184 أبواب كتاب الإقرار ب 3 ح 2.
3- الخلاف 3:344.
4- عوالي اللآلي 1:84/218،الوسائل 18:16 أبواب الخيار ب 6 ح 1،2،صحيح البخاري 3:120 و في الجميع:المسلمون..
5- القواعد 1:254.

و لا يلزم الغير خبر الغير إلّا على وجه الشهادة،فهذا كما لو قال:رضيت بما يشهد به عليّ فلان،فإنّه لا يلزمه،و أنّ الوكالة في الإنشاء لا في الإخبار.

و من أنّه قول يلزم به الحق صدر بإذنه فأشبه الشراء و سائر الأقوال.

و هو في محلّه،فينبغي الرجوع إلى مقتضى الأصل،و هو براءة ذمّة الموكّل،مع اعتضاده بقوّة دليل منعه.

و منه يظهر الوجه في عدم إلزام الموكّل بما وكّل في الإقرار به بمجرّد التوكيل؛ للأصل،و عدم كونه إقراراً عرفاً.و قيل:نعم،و لعلّه ضعيف، فتأمّل جدّاً.

الثالث في الموكّل

الثالث: في الموكّل،و يشترط كونه مكلّفاً كاملاً بالبلوغ و العقل،فلا تصحّ وكالة الصبي و المجنون مطلقاً،بإذن الولي كان أم لا،بلا خلاف إلّا في المميّز البالغ عشراً،فيجوّز جماعة (1)توكّله و توكيله في نحو الصدقة و الوصيّة و الطلاق ممّا دلّت الروايات بجواز مثلها منه.و هو حسن إن صحّ الاعتماد عليها،و إلّا فلا.

جائز التصرّف فيما يوكّل فيه برفع الحجر عنه فيه،فلا تصحّ وكالة السفيه و المفلّس فيما حجر عليهما فيه،و تصحّ في غيره،بلا خلاف و لا إشكال في شيء من ذلك.

و لقد كان في ذكر هذا الشرط غنى عن الأوّل.

و كذا لا يؤكّل العبد القنّ أحداً فيما ليس له التصرّف فيه إلّا بإذن مولاه بلا خلاف؛ للحجر عليه في تصرّفاته إن قلنا بمالكيّته،و إلّا كما هو الأقوى فلا إشكال في الحكم من أصله؛ لظهور فساد توكيل الأجنبي

ص:73


1- منهم:المحقّق في الشرائع 2:197،و العلّامة في التحرير:233،و المحقّق الثاني في جامع المقاصد 8:195.

في مال غيره بغير إذنه.

و يصحّ له التوكيل في طلاق زوجته إن لم تكن أمة مولاه،على الأشهر الأقوى،بناءً على أنّ له المباشرة فيه.

خلافاً لجماعة،فمنعوا عنه أيضاً لزعمهم كون الطلاق بيد المولى مطلقاً.و هو ضعيف،كما يأتي في بحث الطلاق إن شاء اللّه.

ثم المراد بالإذن ما يعمّ الصريح و ما في حكمه،فلو كان مأذوناً في التجارة جاز أن يوكّل فيما جرت العادة فيه بالوكالة.

و كذا لا يجوز أن يوكّل الوكيل فيما وكّل فيه إلّا أن يؤذن له بالتوكيل صريحاً و لو بالتعميم ك« اصنع ما شئت» أو فحوًى كاتّساع متعلّقها بحيث تدل القرائن على الإذن له فيه،كالزراعة في أماكن متباعدة لا تقوم إلّا بمساعد،و مثله عجزه عن مباشرته و إن لم يكن متّسعاً مع علم الموكّل به،و كترفّع الوكيل عمّا وكّل فيه عادة،فإنّ توكّله حينئذٍ دالّ بفحواه على الإذن له فيه مع علم الموكّل بترفّعه عن مثله،و إلّا لم يجز؛ لأنّه مستفاد من القرائن و تنتفي مع جهل الموكّل بحاله.

و حيث أذن له في التوكيل فإن صرّح بكون وكيله وكيلاً عنه أو عن الموكّل لزمه حكم من وكّله،فينعزل في الأوّل بانعزاله؛ لأنّه فرعه و بعزل كلّ منهما له.و في الثاني لا ينعزل إلّا بعزل الموكّل،أو بما أبطل توكيله من جنون أو إغماء و نحوهما.

و إن أطلق ففي كونه وكيلاً عنه أو عن الموكّل أو تخيّر الوكيل في توكيله عن أيّهما شاء أوجه.

و كذا مع استفادته من الفحوى،إلّا أنّ كونه هنا وكيلاً عن الوكيل أقوى،فتأمّل جدّاً.

ص:74

و اعلم أن لفظة« يوكّل» في العبارة في المقامين ربّما قُرِئت بفتح الكاف،فمعناها حينئذٍ لا يجوز للإنسان أن يوكّل عبد غيره و لا وكيل غيره إلّا بإذنه،و هذا مع عدم مناسبته لسياق الكلام بناءً على وروده لبيان شرط الموكِّل لا الموكَّل غير تامّ الحكم فيه في المقام الثاني على إطلاقه؛ إذ لا مانع من توكيل وكيل الغير بدون إذنه إلّا أن يكون وكيلاً خاصّاً له بجُعل و نحوه.

و يجوز للأب و الجدّ له و وصيّهما أن يوكّلوا عمّن لهم الولاية عليهم، بلا خلاف فيه، و في أن للحاكم الشرعي أيضاً أن يوكِّل عن السفهاء و البُله و المجانين و الصبيان الذين لا وليّ لهم غيره،من يتولّى الحكومة عنهم،و يستوفي حقوقهم،و يبيع عنهم،و يشتري لهم،و عن التذكرة (1)بعد الحكم بذلك:لا نعلم فيه خلافاً،و ظاهره الإجماع عليه، كالمحقّق الأردبيلي رحمه الله في شرح الإرشاد (2)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و إطلاقات الأدلّة السليمة عن المعارض بالكليّة، فإنّ لكلّ منهم المباشرة بأنفسهم،فكذلك بغيرهم.

نعم،يشترط في الوصي أن لا يمنعه الموصي من التوكيل،و معه لا يجوز له التوكيل؛ لقوله سبحانه: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ [1] (3)الآية، و به صرّح في التذكرة (4).

و يكره لذوي المروّات و هم أهل الشرف و الرفعة و المروّة أن

ص:75


1- التذكرة 2:116.
2- مجمع الفائدة و البرهان 9:495.
3- البقرة:181.
4- التذكرة 2:116.

يتولّوا المنازعة بنفوسهم بل يستحب لهم التوكيل فيها،بلا خلاف في ظاهر الأصحاب،قالوا:لما يتضمّن من الامتهان و الوقوع فيما يكره،و رووا في كتبهم الاستدلالية أن علياً عليه السلام وكّل عقيلاً في خصومة و قال:« إنّ للخصومة قُحماً و إن الشيطان ليحضرها،و إنّي لأكره أن أحضرها» (1)و القُحم بالضم:المهلكة،و المراد أنّها تقحم بصاحبها إلى ما لا يريده.

و ظاهر التعليل يقتضي عموم الحكم لغير ذوي المروّات أيضاً،لكن قصور السند،و اختصاص المورد بسيد الأشراف،و مخالفة الكراهة للأصل، يقتضي الاختصاص بذوي المروّات.هذا.

و قد تأمّل بعض في الحكم فيهم أيضاً (2)؛ لتحاكم النبي صلى الله عليه و آله مع صاحب الناقة إلى رجل من قريش ثمّ إلى علي عليه السلام (3)،و تحاكم علي عليه السلام مع من رأى درع طلحة عنده فقال:إنّها درع طلحة أُخذت غلولاً يوم البصرة،فأنكره،فدعاه المنكر إلى شريح القاضي فحاكمه إليه (4)،و القضيّة مشهورة،و تحاكم علي بن الحسين عليهما السلام مع زوجته الشيبانية لمّا طلّقها و ادّعت عليه المهر (5)،و هم سلام اللّه عليهم سادات الأشراف فكيف تولّوا المنازعة مع كراهتها؟

ص:76


1- جامع المقاصد 8:191،المغني لابن قدامة 5:205.
2- الحدائق 22:57.
3- الفقيه 3:210/60،أمالي الصدوق:2/90»،الوسائل 27:274 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 18 ح 1.
4- الكافي 7:5/385،الفقيه 3:213/63،التهذيب 6:747/273،الوسائل 27:265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 6.
5- الكافي 7:5/435،التهذيب 8:1036/283،الوسائل 23:200 أبواب الأيمان ب 2 ح 1.

و هو حسن،إلّا أن احتمال الدواعي و الضرورات في مباشرتهم قائم.

و مع ذلك المقام مقام كراهة يتسامح في أدلّتها بما لا يتسامح في غيرها،فيكتفي فيها بمثل تلك الرواية،سيّما مع اعتضادها بالمقبولية عند الأصحاب كافّة،و لا يبعد لهذا انسحاب الكراهة في غير ذي المروّة؛ لمكان التعليل المذكورة في الرواية.

الرابع

الرابع: في الوكيل،و يشترط فيه كمال العقل بالبلوغ و رفع الحجر عنه بالجنون،فلا تصحّ وكالة الصبي و لا المجنون.

و في اقتصاره على هذا الشرط دون الآخر الذي في الموكِّل قد مرّ دلالة على جواز كون المحجور لغير نقص العقل في الجملة وكيلاً لغيره فيما حجر عليه فيه من التصرّف،كالمفلّس و السفيه مطلقا،و لو لم يأذن لهما الولي،و العبد لكن بإذن سيّده.

و يجوز أن تلي المرأة عقد النكاح لنفسها و لغيرها و كذا طلاق غيرها،بلا خلاف بيننا،بل عن ظاهر التذكرة (1)عليه إجماعنا؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل،و الإطلاقات كتاباً و سنّة.

أمّا طلاق نفسها فعن الطوسي و الحلّي (2):لا،و اختار الفاضل و غيره الجواز (3)؛ لأنّه فعل يدخله النيابة فتصحّ فيه الوكالة مطلقا؛ لإطلاق ما مرّ من الأدلّة،و لكن الأوّل أحوط في الجملة.

و المسلم يجوز أن يتوكّل للمسلم على المسلم و على الذمّي،و للذمّي على الذمّي بلا خلاف،بل عليه الإجماع في التنقيح

ص:77


1- التذكرة 2:116.
2- الطوسي في المبسوط 2:365،الحلّي في السرائر 2:87.
3- التحرير 1:234؛ و انظر المسالك 1:337.

و المهذّب البارع و شرح الشرائع للصيمري (1)،من دون كراهة كما يفهم من المحكي عن التذكرة (2)؛ للأصل،و العمومات كتاباً و سنّة.

و في جواز وكالته له أي المسلم للذمّي على المسلم تردّد ينشأ من أصالة الجواز،و أن له مطالبة المسلم بالحقوق لنفسه فللمسلم أولى،و من أنّ في ذلك سلطنة و سبيلاً على المسلم منفيّاً بالآية (3).

و إليه مصير أكثر القدماء،كالمفيد و النهاية و الخلاف و الحلبي و الديلمي و ابن زهرة (4)مدّعياً في الغنية عليه إجماع الإماميّة.

و إلى الأوّل مصير عامّة المتأخّرين،وفاقاً للحلّي و الطوسي في قوله الآخر (5)،بل عن التذكرة الإجماع عليه،لكن مع الكراهة (6).

و لعلّه أقرب؛ لاعتضاد إجماعه بالأصل،و العمومات،و الشهرة العظيمة المتأخّرة،فيترجح على إجماع الغنية.

و الذمّي يتوكّل على الذمّي للمسلم و الذمّي بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الكتب المتقدّمة،صريحاً في بعض و ظاهراً في آخر؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى أدلّة الجواز المتقدّمة.

و لا يجوز أن يتوكّل الذمّي على مسلم مطلقا،لمسلمٍ أو

ص:78


1- التنقيح 2:195،المهذب البارع 3:37.
2- التذكرة 2:117.
3- النساء:141.
4- المفيد في المقنعة:817،النهاية:317،الخلاف 3:350،الحلبي في الكافي في الفقه:338،الديلمي في المراسم:201،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):597.
5- الحلّي في السرائر 2:90،الطوسي في المبسوط 2:392.
6- التذكرة 2:117.

ذمّي،إجماعاً،كما في التذكرة و التنقيح و ظاهر المهذّب البارع و غيره (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى عموم الآية بنفي السبيل للكافر على المسلم.

و منه يظهر الوجه في التعدية إلى كلّ كافر،مضافاً إلى الأولويّة.و لعلّ اقتصار الأصحاب على الذمّي أمّا للتنبيه بالأدنى على الأعلى،أو لكون الوكالة بين المسلم و الذمّي هو الغالب في بلاد الإسلام،لندرة غيره فيها من أصناف الكفار.

ثم إن المستفاد من الماتن في الشرائع (2)و الصيمري في شرحه عليه، حيث نسبا المنع في الشقّ الأوّل إلى المشهور،نوع تردّد لهما فيه.

و لا وجه له،مع احتمال إرادتهما من الشهرة المعنى الأعمّ المرادف للإجماع،و يشهد له تردّد الأوّل بعد ذلك فيما تردّد فيه هنا،و هو ظاهر، بل لعلّه صريح في عدم التردّد في الأوّل.

ثم إنّ ظاهر الأصحاب اختصاص المنع بما إذا تضمّن الوكالة نوع قهر و سلطنة،من حيث تعبيرهم عن محل المنع ب« على» المتضمّنة لمعنى الضرر،و استدلالهم بآية نفي السلطنة،و مقتضى ذلك الجواز فيما لم يتضمّن ذلك،فلو وكّل لأن يوقع عقد المسلم أو يعطيه ديناً أو نحو ذلك جاز،و به صرّح من متأخّري المتأخّرين جماعة،كالمقدس الأردبيلي و صاحب الكفاية (3).و هو كذلك؛ لعموم أدلّة الجواز المتقدّمة.

إلّا أن ابن زهرة صار إلى المنع عن توكيله على تزويج المسلمة من

ص:79


1- التذكرة 2:117،التنقيح 2:294،المهذب البارع 3:38؛ و انظر جامع المقاصد 8:200.
2- الشرائع 2:199.
3- الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 9:506،الكفاية:130.

المسلم،و عن توكيل المسلم على تزويج المشركة من الكافر،مدّعياً عليه إجماع الإماميّة،قال:لأنّهما لا يملكان لأنفسهما ذلك (1).

و الوكيل أمين لا يضمن إلّا مع تعدٍّ أو تفريط بلا خلاف،بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية و صريح الروضة و المسالك و المحكي عن التذكرة (2)،و عن شرح القواعد أنّه يلوح من عباراتهم كونه ممّا عليه علماء الإسلام كافّة (3)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى عمومات النصوص المتقدّمة في الوديعة (4).

مع أنّه لو كلّف الضمان مطلقا لامتنع الناس من الدخول في الوكالة مع الحاجة إليها فيلحقهم الضرر بذلك،فناسب زوال الضمان عنهم بمقتضى الحكمة.

و إطلاق الأدلّة يقتضي عدم الفرق في الوكيل بين كونه بجُعل أو غيره،و به صرّح في التذكرة (5).

الخامس في الأحكام و هي مسائل

اشارة

الخامس:في الأحكام،و هي مسائل:

.

الاُولى لو أمره بالبيع حالّا فباع مؤجّلاً و لو بزيادة لم يصحّ

الاُولى:لو أمره الموكّل بالبيع حالّا فباع مؤجّلاً و لو بزيادة الثمن عن المثل أو ما عيّنه لم يصحّ أي لم يلزم و وقف على الإجازة لصيرورته بمخالفته الإذن فضوليّاً،و يأتي على القول ببطلانه عدم الصحّة من أصلها.

ص:80


1- الغنية(الجوامع الفقهية):597.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):597،الروضة 4:383،المسالك 2:341،التذكرة 2:130.
3- جامع المقاصد 8:261.
4- راجع ج 9 ص 423.
5- التذكرة 2:130.

و كذا لم يصحّ و وقف على الإجازة لو أمره ببيعه مؤجّلاً بثمن فباع بأقلّ منه عاجلاً و ينبغي تقييد الحكم فيهما بعدم اطّراد العادة أو دلالة القرائن بالإذن فيما خالف إليه،كما هو الغالب في المثالين،و أمّا معهما أو أحدهما فالوجه صحّة البيع،فإنّ المعتبر الإذن و هو في الفرض حاصل،و التلفّظ به غير مشترط بلا خلاف،و قد مرّ الاكتفاء بمثله.

و لذا قالوا: لو باع في الصورة الثانية بمثله أي بمثل الثمن الذي عيّن له أو أكثر منه صحّ و لزم؛ لأنّه قد زاده خيراً و به يحصل إذن الفحوى قطعاً.

إلّا أن يتعلّق بالأجل غرض و لو احتمالاً غير نادر،كأن يخاف على الثمن ذهابه في النفقة مع احتياجه إليه بعده.

و إنّما فرّق بين المقامين فحكم بعدم الصحّة في الأوّل بكلا قسميه، و بها في الأخير إلّا في صورة الاستثناء؛ لافتراقهما بمقتضى العادة،لعدم حكمها بالإذن في الأوّل و حكمها به في الثاني،فلذا اختلف الحكم فيهما.

و الضابط هو ما قدّمناه من وجوب اقتصار الوكيل على ما يأذن له الموكّل لفظاً،أو فحوًى مستفاداً من العادة المطّردة أو القرائن الدالّة.

و لو أمره بالبيع في موضع معيّن،كالسوق الفلاني أو البلدة الفلانية فباع في غيره بذلك الثمن المعيّن له،أو بالمثل مع الإطلاق،أو زائداً عليهما صحّ إذ الغرض من تعيين المحل في الغالب ليس إلّا تحصيل الثمن و قد حصل،و المحل ليس شيء يتعلّق به غرض في التعيين في الأغلب،و النادر كالعدم.

نعم،لو علم أو ظنّ غرض في تعيينه من جودة النقد أو كثرته أو

ص:81

حلّه أو صلاح أهله أو مودّة بين الموكّل و بينه فكما لا إذن؛ لعدم اطّراد العادة به في مثله.

و لا كذا لو أمره ببيعه من إنسان معيّن فباع من غيره فإنّه لم يلزم،بل يقف على الإجازة و لو باع بأزيد من المثل مع الإطلاق،أو المعيّن مع التعيين.

و الفرق بينه و بين سابقه عدم تعلّق غرض بالمحل لذاته في الأغلب كما مرّ،فإذا حصل المقصود منه في غيره جاز،بخلاف الأشخاص،فإنّه كثيراً ما يتعلّق غرض صحيح بمعاملة شخص إمّا لسهولته في المعاملة أو لتوقّيه الشبهة،أو نحو ذلك،فيطلب لذلك معاملته.

نعم،لو علم عدم تعلّق غرض له بتعيينه و أن المقصود منه حصول الثمن كيف ما اتّفق أمكن الصحّة هنا كسابقه،إلّا أن إطلاق العبارة و غيرها يقتضي انسحاب الفساد في هذه الصورة أيضاً.و باستفادة التعميم من العبائر صرّح في المسالك (1)،فإن كان إجماع،و إلّا فسؤال الفرق بينه و بين ما سبق متوجّه.

الثانية إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول المنكر مع يمينه

الثانية: في مسائل النزاع.

إذا اختلفا في الوكالة و لا بيّنة فالقول قول المنكر مع يمينه بلا خلاف؛ للأصل،و عموم الخبر:« البيّنة على المدّعى و اليمين على من أنكر» (2).

و لا فرق في المنكر بين كونه الوكيل أو الموكّل.

ص:82


1- المسالك 1:338.
2- الفقيه 3:52/20،الوسائل 27:234 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 3 ح 5 و فيهما:..و اليمين على المدعى عليه؛ و انظر عوالي اللآلي 1:172/244.

و تظهر فائدة إنكار الوكيل فيما لو كانت الوكالة مشروطة في عقدٍ لازمٍ لأمرٍ لا يتلافى حين النزاع،كما إذا اشترى داراً بشرط أن يوكّله البائع في بيع عبده،فيدّعي البائع حصول التوكيل المشروط بعد وفاة العبد ليستقرّ بيع الدار بحصول الشرط،و ينكره المشتري ليتزلزل له البيع و يتسلّط على فسخه،بناءً على أن الشروط الجائزة في العقد اللازم تجعله جائزاً،بمعنى أنّه لو لم يف الشارط بالشرط يتسلّط المشروط له على الفسخ،فالتسلّط على الفسخ فائدة إنكار الوكيل.

و لو اتّفقا عليها و لكن اختلفا في العزل أو في الإعلام أو في التفريط أو قيمة التالف بعد الاتّفاق عليه و لا بيّنة فالقول في جميع ذلك قول الوكيل بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الأولين في الغنية (1)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و عموم الرواية المتقدّمة،و خصوص بعض المعتبرة في الثاني:في امرأة وكّلت أخاها ليزوّجها،ثم عزلته بمحضر الشهود و ادّعت إعلامه بالعزل و أنكره الأخ،فأتيا الأمير عليه السلام،فطلب منها الشهود فأتت بالشهود الذين عزلته بمحضرهم،فشهدوا على العزل دون الإعلام،فلم يقبله عليه السلام و أمضى تزويج الأخ و أحلفه.و الرواية طويلة مرويّة في التهذيب في كتاب الوكالة (2).

و كذا لو اختلفا في التلف يقدّم فيه قول الوكيل،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في المسالك و شرح القواعد (3)؛ و هو الحجّة المخصّصة

ص:83


1- الغنية(الجوامع الفقهية):597.
2- التهذيب 6:506/214،الوسائل 19:163 أبواب أحكام الوكالة ب 2 ح 2.
3- المسالك 1:342،جامع المقاصد 8:318.

للأصل و عموم الرواية،مع أنّه أمين و قد يتعذّر عليه إقامة البينة فاقتنع بقوله.

و لا فرق في ذلك بين دعواه التلف بأمر ظاهر أو خفي،بلا خلاف في الظاهر،بل عليه الإجماع في ظاهر المسالك (1).

و لو اختلفا في الردّ فقولان،أحدهما:أن القول قول الموكّل مع يمينه للأصل،و عموم الرواية،ذهب إليه الحلّي و الماتن في الشرائع و الفاضل و ولده و الشهيدان في اللمعتين (2).

و الثاني: أن القول قول الوكيل ما لم يكن وكالته بجُعل و هو أشبه وفاقاً للمبسوط و القاضي و التنقيح (3)،بل في الشرائع و شرحه للصيمري نُسب إلى المشهور (4).

أمّا الأوّل:فلأنّه أمين و قد قبض المال لمصلحة المالك فكان محسناً محضاً كالودعي.

و أمّا الثاني:فلما مرّ من الأصل و عموم الخبر.

و أمّا ما ذكره في الروضة:من أنّه يضعّف الأوّل بأن الأمانة لا تستلزم القبول كما لا تستلزمه في الثاني مع اشتراكهما في الأمانة،و كذلك الإحسان،و السبيل المنفي مخصوص؛ فإن اليمين سبيل (5).

ص:84


1- المسالك 1:342.
2- الحلّي في السرائر 2:86،الشرائع 2:205،العلّامة في القواعد 1:261،و المختلف:438،و ولده في إيضاح الفوائد 2:361،اللمعة(الروضة البهية 4):386.
3- المبسوط 2:372،القاضي حكاه عنه في المختلف:438،التنقيح 2:296.
4- الشرائع 2:205.
5- الروضة 4:387.

فغير مفهوم؛ لاستفاضة النصوص باستلزام الأمانة القبول،و لذا تمسّك الأصحاب بها له في مواضع،حتى هو بنفسه في الكتاب المذكور في تقديم قوله في التلف هنا،فقال:لأنّه أمين و قد يتعذّر (1)،إلى آخر ما ذكرناه،و لم يأت بحجّة أُخرى غيره،و هو بعينه جارٍ هنا.

و لا ينافيه عدم استلزامها إيّاه في الثاني بالإجماع؛ فإنّ العام المخصّص حجّة في الباقي.

و به يظهر الجواب عمّا ضعّف به نفي السبيل عليه مع إحسانه:من توجّه اليمين عليه بلا خلاف،بل إجماعاً،كما ادّعاه في المسالك (2)؛ فإنّ ثبوت مثل هذا السبيل عليه بالإجماع لا ينافي عدم ثبوت غيره عليه للعموم إلّا على القول بكونه بعد التخصيص غير حجّة في الباقي،و هو مع أنّه خلاف التحقيق خلاف ما عليه كافّة المحقّقين،كما صرّح هو به في حاشية الكتاب المزبور في هذا المقام،هذا.

و قد ادّعى في المهذّب الإجماع على القبول،فقال:الاُمناء على ثلاثة أقسام:الأوّل:من يقبل قوله في الردّ إجماعاً،و ضابطه من قبض العين لنفع المالك،فهو محسن محض،فيقبل قوله في ردّها حذراً من مقابلة الإحسان بالإساءة،و استشكله العلّامة من حيث إنّ الأصل عدم الردّ،و هو نادر، و جزم في كتاب فتواه بموافقة الأصحاب (3).

و هو كما ترى شامل للمقام و إن نقل الخلاف فيه قبل هذه الدعوى، فإنّ خروج معلومي النسب و لو كانوا مائة غير قادح في انعقاد الإجماع عنده

ص:85


1- الروضة 4:388.
2- المسالك 1:342.
3- المهذب البارع 3:39.

و عند الأصحاب كافّة.

الثالثة إذا زوّجه مدّعياً وكالته فأنكرها الموكّل فالقول قول المنكر مع يمينه

الثالثة:إذا زوّجه امرأة مدّعياً وكالته على تزويجها،أو مطلقاً فأنكرها الموكّل فالقول قول المنكر مع يمينه و عدم بيّنة للمدّعي، بلا خلاف؛ للأصل،و عموم الخبر المتقدّم.

و على الوكيل مهرها كملاً،وفاقاً للنهاية و القاضي و قوّاه الحلّي (1)؛ لأنّ المهر يجب بالعقد كملاً و لا ينتصف إلّا بالطلاق المفقود في المقام،و قد فوّته الوكيل عليها بتقصيره في الإشهاد فيضمنه.

و روى في التهذيب في باب زيادات النكاح في الصحيح،عن أبي عبيدة:في رجل أمرَ رجلاً أن يزوّجه امرأة من أهل البصرة من بني تميم،فزوّجه امرأة من أهل الكوفة من بني تميم،قال:« خالف أمره،على المأمور نصف الصداق لأهل المرأة و لا عدّة عليها و لا ميراث بينهما» فقال له بعض من حضر:فإن أمر أن يزوّجه امرأة و لم يسمّ أرضاً و لا قبيلة ثمّ جحد الآمر أن يكون أمره بذلك بعد ما زوّجه،فقال:« إن كان للمأمور بيّنة أنّه كان أمره أن يزوّجه كان الصداق على الآمر لأهل المرأة،و إن لم تكن بيّنة كان الصداق على المأمور لأهل المرأة و لا ميراث بينهما و لا عدّة،و لها نصف الصداق إن كان فرض لها صداقاً،و إن لم يكن سمّى لها صداقاً فلا شيء» (2).

و هو صريح في أن عليه لها نصف مهرها و نحوه رواية أُخرى مرويّة في التهذيب أيضاً في كتاب الوكالة (3)،

ص:86


1- النهاية:319،القاضي نقله عنه في المختلف:437،الحلّي في السرائر 2:95.
2- التهذيب 7:1944/483،الوسائل 20:302 أبواب عقد النكاح ب 26 ح 1.
3- التهذيب 6:504/213،الوسائل 19:165 أبواب أحكام الوكالة ب 4 ح 1.

و زاد فيها التعليل بما ذكره بقوله: لأنّه ضيّع حقّها بترك الإشهاد.

و بهما أفتى الطوسي في المبسوط (1)و اختاره الحلّي (2)،و نسبه في المسالك وفاقاً للمحقّق الثاني إلى المشهور (3)،و في الروضة إلى الأكثر (4).

و هو أقوى؛ لانجبار مخالفتهما الأُصول و ضعف الثانية بالشهرة المحكيّة،بل المحقّقة في الجملة؛ لاتّفاق المشهور على ثبوت المهر في الجملة و إن اختلفوا في الكمال و النقيصة،فيحصل لهما الانجبار بالإضافة إلى مخالفة الأُصول البتّة.

و يكفي لانجبار الثانية بما فيها من الضعف و الجهالة موافقتها الأصل؛ لأصالة براءة ذمّة الوكيل عن الزيادة؛ مضافاً إلى الاعتضاد بالصحيحة، و الشهرة المحكية،و سلامتها كالصحيحة عمّا تصلح للمعارضة في إثبات الزيادة.

و العلل المتقدّمة مع أنّها اجتهادات في مقابلة النصوص المعتبرة مخدوشة بابتنائها أوّلاً:على صحّة العقد،و الموافق للأُصول فساده بالضرورة.

و ثانياً:على تقديرها مقتضاها لزوم المهر على من عقد له دون الوكيل،و سببيّة تقصيره للزومه عليه بمجرّده غير معلومة،مع عدم وجوب الإشهاد عليه أوّلاً في الشريعة،مع أنّه على تقدير تماميّته مقصور بصورة تقصيره و قد لا يحصل منه بأن أشهد ثم توفّي الشهود،و الحكم بالتمام جارٍ عندهم في هذه الصورة،فالدليل مقدوح بالأخصّية.

ص:87


1- المبسوط 2:386.
2- السرائر 2:95.
3- المسالك 1:343،المحقّق الثاني في جامع المقاصد 8:294.
4- الروضة 4:388.

و ما ذكرناه و إن كان جارياً في لزوم النصف أيضاً،بناءً على أن مقتضاه بطلان العقد في الظاهر فكما لا عقد فكذا لا مهر بالكليّة،إلّا أنّه خرجت بالنصوص المعتبرة المعتضدة بما قدّمناه من الشهرة العظيمة، و لولاها لكان المصير إلى ذلك متعيّناً،كما حكاه الفاضلان في الشرائع و المختلف (1)قولاً لكن لم يسمّيا له قائلاً معروفاً،و مالا إليه أيضاً كالمسالك و الروضة (2)و الصيمري في شرح الأوّل.و هو حسن لولا ما تقدّم.

ثم ما تضمّنه صدر الصحيحة قد حكي الفتوى به عن النهاية (3)إلّا أنّه أفتى بتمام المهر دون نصفه،و هو محجوج بها،فإنّها مع صحّتها في ردّها صريحة.

و كيف كان،يجب على الزوج المنكر للوكالة أن يطلّقها سرّاً إن أبى عن الجهار إن كان وكّل حقيقة،بلا خلاف،و به صرّحت الرواية الثانية،قال بعد التعليل المتقدّم:« حلّ لها أن تتزوّج و لا يحلّ للأوّل فيما بينه و بين اللّه تعالى إلّا أن يطلّقها،لأنّ اللّه تعالى يقول: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [1] (4)فإن لم يفعل فإنّه مأثوم فيما بينه و بين اللّه تعالى،و كان الحكم الظاهر حكم الإسلام،و قد أباح لها أن تتزوّج» .و ما تضمّنته من اختيارها في التزويج من الغير عليه كافّة الأصحاب؛ لما تقدّم من فساد العقد.

و إن النكتة في وجوب المهر نصفاً إنما هو تقصير الوكيل في حقّها.

ص:88


1- الشرائع 2:206،المختلف:437.
2- المسالك 1:343،الروضة 4:388.
3- النهاية:319.
4- البقرة:229.

لكن صرّح جماعة (1)باشتراطه بعدم تصديقها الوكيل على الوكالة،و إلّا فليس لها الخيار؛ لكونها باعترافها زوجة،و الحجّة فيه واضحة،و ليس في إطلاق الرواية بإثباتها الخيار لها منافاة لذلك،بناءً على ورودها مورد الغالب و هو عدم تصديقها للوكيل على الوكالة.

و لو امتنع من الطلاق حينئذٍ لم يجبر عليه؛ لانتفاء النكاح ظاهراً.

و حينئذٍ ففي تسلّطها على الفسخ،دفعاً للضرر،أو تسلّط الحاكم عليه،أو على الطلاق،أو بقائها كذلك حتى تطلق أو يموت،أوجه.

و لو أوقع الطلاق معلّقاً على شرطٍ،ك« إن كانت هذه زوجتي فهي طالق» صحّ و لم يكن إقراراً و لا تعليقاً مانعاً عن صحّته؛ لأنّه أمر يعلم حاله، لكن هذا إذا لم يكن الإنكار مستنداً إلى نسيان التوكيل،و إلّا فلا يصحّ، فتأمّل.

و كذا في نظائره كقول من يعلم أن اليوم الجمعة:إن كان اليوم الجمعة فقد بعتك كذا،أو غيره من العقود.

ص:89


1- منهم:العلّامة في التحرير:235،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 8:295،و ابن فهد في المهذّب البارع 3:41.

ص:90

كتاب الوقوف و الصدقات و الهبات

اشارة

كتاب الوقوف و الصدقات و الهبات

الوقف

اشارة

أمّا الوقف فهو تحبيس الأصل و إطلاق المنفعة كما في الحديث النبوي:« حَبِّس الأصل و سَبِّل الثمرة» (1).

و إنّما عدل عن التسبيل إلى الإطلاق لأظهريّته في المراد من التسبيل، و هو إباحتها للجهة الموقوف عليها بحيث يتصرّف فيها كيف شاء،كغيرها من الأملاك.

و المراد بتحبيس الأصل المنع من التصرّف فيه تصرّفاً ناقلاً لملكه، و هذا ليس تعريفاً بل ذكر شيء من خصائصه أو تعريف لفظي،و إلّا لانتقض بالسكنى و أُختيها و الحبس.

و في الدروس عرّفه بأنّه الصدقة الجارية (2)،تبعاً لما ورد في المعتبرة المستفيضة:« إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلّا من ثلاث» (3)و عدّها منها.

و في المهذّب و التنقيح و المسالك و غيرها من كتب الجماعة (4)أنّه قال العلماء:المراد بالصدقة الجارية الوقف.

و الأصل في مشروعيّته بعدها كغيرها من السنة الآتية الكتاب و إجماع

ص:91


1- عوالي اللئلئ 2:14/26،المستدرك 14:47 أبواب الوقوف و الصدقات ب 2 ح 1.
2- الدروس 2:263.
3- عوالي اللئلئ 1:10/97،ج 3:17/283،مسند أحمد 2:372.
4- المهذب البارع 3:48،التنقيح 2:299،المسالك 1:344؛ و انظر التذكرة 2:426،و عوالي اللئلئ 3:260.

الأُمّة كما في المهذّب (1)،قال سبحانه وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ [1] (2)وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ [2] (3)و قال جابر:لم يكن أحد من الصحابة ذو مقدرة إلّا وقف (4).

و لفظه الصريح الذي لا يفتقر في دلالته عليه إلى ضمّ قرينة وقفت بلا خلاف،كما في المسالك (5)،بل عليه الإجماع ظاهراً،و عن الحلّي و التحرير صريحاً (6).

و أما ما عداه يفتقر إلى القرينة الدالّة على التأبيد كاللفظ الدال عليه،أو على نفي البيع و الهبة و الإرث،فيصير بذلك صريحاً،بلا خلاف، سواء كان تصدّقت،أو حرّمت،أو أبّدت،أو حبست،أو سبّلت.

و لا يحكم بالوقف بشيء منها مجرّداً عن القرينة،وفاقاً للمبسوط و الحلّي و أكثر المتأخّرين (7)؛ لأصالة بقاء الملك على صاحبه،و عدم خروجه إلّا بوجه شرعي.و لا عرف شرعي هنا سوى صريح الوقف؛ لاشتراك البواقي بينه و بين غيره،و الموضوع للقدر المشترك لا دلالة له على شيء من الخصوصيات بشيء من الدلالات.

نعم،إذا انضمّت القرائن صار كالصريح في صحّة الوقف إذا قصد

ص:92


1- المهذب البارع 3:48،49.
2- الحج:77.
3- البقرة:272.
4- عوالي اللئلئ 3:5/261.
5- المسالك 1:344.
6- الحلّي في السرائر 3:155،التحرير 1:284.
7- المبسوط 3:291،الحلّي في السرائر 8:155؛ و انظر الإرشاد 1:451،و المهذَّب البارع 3:50،و الروضة 3:164.

المعاني دون الألفاظ الدالّة عليها خاصّة،و قد وقع كذلك أكثر وقوف أهل البيت عليهم السلام كما دلّت عليه المعتبرة،منها:« تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بدار له بالمدينة في بني زريق،فكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم ،هذا ما تصدّق به علي بن أبي طالب و هو حيّ سليم،تصدّق بداره التي في بني زريق لا تباع و لا توهب حتى يرثها اللّه الذي يرث السموات و الأرض.

(1).خلافاً للخلاف و الغنية و الكيدري و القواعد (2)في الأخيرين، فجعلوهما صريحاً كالأوّل؛ للنبوي المتقدّم المتضمّن لهما.و فيه نظر.

و للتذكرة،ففرّق في لفظة الصدقة بين إضافتها إلى جهة عامّة فصريحة،و إلى خاصة فتحتاج إلى قرينة (3).و وجهه غير واضح.

أمّا الثلاثة الأول فلا خلاف في عدم صراحتها،بل عليه الإجماع في المسالك (4).

هذا كلّه في الحكم عليه بالظاهر،و إلّا فلو نوى الوقف فيما يفتقر إلى القرينة وقع باطناً و دين بنيته لو ادّعاه أو ادّعى غيره،كما صرّح به جماعة من غير خلاف بينهم أجده.

و يظهر من العبارة و عبائر أكثر الجماعة،كما في المسالك و الروضة (5)و لعلّه من حيث اكتفائهم بذكر الإيجاب خاصة من دون ذكر القبول و القربة

ص:93


1- الفقيه 4:642/183،التهذيب 9:560/131،الإستبصار 4:380/98،الوسائل 19:187 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 6 ح 4.
2- الخلاف 3:537،الغنية(الجوامع الفقهية):602،حكاه عن الكيدري في إيضاح الفوائد 2:377،القواعد 1:266.
3- التذكرة 2:427.
4- المسالك 1:344.
5- المسالك 1:344،الروضة 3:164.

الكليّة عدم اشتراطهما.و الأصح اشتراطهما،وفاقاً للتنقيح فيهما (1)، و للتذكرة في الأوّل (2)،و للإرشاد و المفيد و القواعد و النهاية و الحلّي و الغنية (3)،مدّعياً هو كسابقه عليه إجماع الإماميّة،في الثاني؛ و هو الحجة فيه.

كإطباقهم على كونه من جملة العقود،المدّعى في المسالك و المحكي عن التذكرة (4)في الأوّل،بناءً على أن لزومه بدونه يخرجه عن قسم العقود و يدرجه في قسم الإيقاع،و هو ينافي ما ادّعى عليه ممّا تقدّم من الإجماع،هذا.

مضافاً إلى مخالفة الوقف للأصل،فيقتصر في لزومه على المتيقّن، و ليس إلّا القدر المجمع عليه،و هو ما تضمّن الأمرين.

و ما استدل به في الروضة (5)على عدم اشتراط القربة:من عدم قيام دليل صالح على اشتراطها و إن توقّف عليها الثواب.

فضعيف،كاستدلاله لمذهب الأكثر من عدم اشتراط القبول بأصالة عدم الاشتراط،و أنّه إزالة ملكٍ فيكفي فيه الإيجاب كالعتق:

أمّا الأوّل:فلما عرفت من مخالفته الأصل،و يكفي في عدم صحّته مع عدم القربة عدم قيام دليلٍ صالح عليها بدونها،فعدم دليل على الاشتراط غير قادح بعد الأصل الدالّ على الفساد،و أصالة عدم الاشتراط لا تعارضه

ص:94


1- التنقيح الرائع 2:301.
2- التذكرة 2:428.
3- الإرشاد 1:451،المفيد في المقنعة:655،القواعد 1:267،النهاية:596،الحلّي في السرائر 3:156،الغنية(الجوامع الفقهية):602.
4- المسالك 1:344،التذكرة 2:428.
5- الروضة 3:165.

إلّا بعد فرض قيام المقتضي للصحّة بعنوان العموم،و هو مفقود.

و منه يظهر الجواب عن دليله لمذهب الأكثر.

و أمّا الجواب عن الثاني:فبأن دعوى كفاية الإيجاب بمجرّده في إزالة الملك مطلقا ممنوعة،كيف لا و هي في المقام أوّل الكلام،و ثبوتها في العتق بالدليل لا يوجب ثبوتها هنا إلّا بالقياس المحرّم عندنا.

و أمّا القول بالتفصيل في القبول بين الوقف على من يمكن في حقه كشخص معين أو أشخاص معيّنين،فيشترط،لما ذكرنا،و بين الوقف على غيره ممن لا يمكن في حقه كالمسلمين،فلا يشترط،لانتقال الوقف فيه إلى اللّه سبحانه،و القبول فيه غير متصوّر،كما في الشرائع و المسالك و الروضة (1)،و تبعهما جماعة (2).

فضعيف؛ لما مرّ.و عدم تصوّر القبول منه سبحانه لا يوجب عدم اشتراط القبول من أصله،فقد يكون القابل الناظر أو الحاكم و منصوبه،كما صرّح به مشترطه على إطلاقه.

و بالجملة الموافق للأُصول اشتراطهما مطلقا؛ مضافاً إلى الإجماع المنقول في الثاني.

نعم،ربّما كان الأوفق بالأصل عدم اشتراط القربة إن قلنا باعتبار القبول؛ إذ بعد حصوله يكون عقداً يجب الوفاء به،و اشتراطها منفي حينئذٍ بأصالة عدمه،إلّا أن إجماع الغنية على اشتراطها حجة شرعيّة لا مسرح عنها و لا مندوحة،و يكون ما قدّمناه من الأُصول له معاضدة شاهدة،و إن لم تكن في مقابلة ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود حجّة مستقلة،بل هي به

ص:95


1- الشرائع 2:217،المسالك 1:345،الروضة 3:164.
2- منهم:السبزواري في الكفاية:139،و الفيض في المفاتيح 3:207.

مخصّصة،هذا.

و في المعتبرين،أحدهما الصحيح و الثاني الموثق:« لا صدقة و لا عتق إلّا ما أُريد به وجه اللّه تعالى» (1).

و المستفاد من تتبع الأخبار الكثيرة إطلاق الصدقة على الوقف كثيراً، حتى إنّه في كثير من وقوف الأئمّة و فاطمة عليهم السلام لم يذكر فيها لفظ الوقف بل اكتفى بلفظ الصدقة مقرونة بما يدلّ على إرادة الوقف منه،فيظهر منها غاية الظهور أن إطلاق الصدقة عليه بعنوان الحقيقة المشتركة.و لا ينافيه احتياجه في الدلالة عليه إلى القرينة؛ لكونها معيّنة لا صارفة.و به يفرق بين لفظ الوقف و الصدقة؛ لاشتراكها بين الوقف و الصدقة الخاصّة دون لفظ الوقف.

و حيث ظهر أنّ إطلاق الصدقة على الوقف حقيقة ظهر دخوله في لفظ الصدقة في ذينك الخبرين،فيدلاّن على اشتراطه بالقربة؛ لظهور أقربيّة نفي الصحّة من نفي الكمال بالإضافة إلى نفي الماهيّة حيث يكون إرادته متعذّرةً،فتأمّل هذا.

و لو سلّم مجازية إطلاق الصدقة عليه لكانت النصوص المزبورة دالّة أيضاً على اشتراط نيّة القربة،بناءً على أنّ الاستعارة و التشبيه يقتضيان الشركة في الأحكام إمّا جملة،أو المتبادر منها خاصّة،و لا ريب أنّ اشتراط القربة في صحّة الصدقة من أظهر أحكامها.و ربّما يؤيّده تأييداً في الجملة

ص:96


1- الصحيح:في الكافي 7:1/30،التهذيب 9:619/151،الوسائل 19:209 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 13 ح 2. و الموثق:في الكافي 7:2/30،التهذيب 9:620/151،الوسائل 19:210 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 13 ح 3.

اتباع الأئمّة عليهم السلام وقوفاتهم المأثورة بقولهم:« ابتغاء وجه اللّه سبحانه» (1).

و بالجملة لا ريب في اشتراط القربة و لا شبهة.

و اعلم أنّه لا يعتبر قبول البطن الثاني و لا رضاه،بلا خلاف أجده، و به صرّح جماعة (2)؛ لتماميّة الوقف قبله،فلا ينقطع؛ و لأنّ قبوله لا يتّصل بالإيجاب فلو اعتبر لم يقع له.

و يعتبر فيه أي في صحّته بعد تمام صيغته القبض من الموقوف عليه أو من في حكمه،بمعنى أنّ الانتقال مشروط به،و قبله يكون العقد صحيحاً في نفسه لكنّه ليس بناقلٍ،فيجوز للواقف الفسخ قبله، بلا خلاف،كما في المسالك و غيره (3)،بل عليه الإجماع فيه و في التنقيح و الغنية (4)؛ و هو الحجّة،كالأصل،و المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح الذي روته المشايخ الثلاثة:عن الرجل يوقف الضيعة ثم يبدو له أن يحدث في ذلك شيئاً؟فقال:« إن كان أوقفها لولده و لغيرهم ثم جعل لها قيّماً لم يكن له أن يرجع فيها،فإن كانوا صغاراً و قد شرط ولايتها لهم حتى يبلغوا فيحوزها لهم لم يكن له أن يرجع فيها،و إن كانوا كباراً و لم يسلّمها إليهم و لم يخاصموا حتى يحوزوها عنه فله أن يرجع فيها لأنّهم لا يحوزونها و قد بلغوا» (5).

ص:97


1- انظر الوسائل 19:199،202 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 10 ح 3،4.
2- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 3:167،و السبزواري في الكفاية:139،و صاحب الحدائق 22:133.
3- المسالك 1:353؛ و انظر الحدائق 22:143.
4- التنقيح 2:302،الغنية(الجوامع الفقهية):603.
5- الكافي 7:36/37،الفقيه 4:626/178،التهذيب 9:566/134،الإستبصار 4:392/102،الوسائل 19:180 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 4 ح 4.

و الصحيح:في الرجل يتصدّق على ولد له و قد أدركوا،فقال:« إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث،و إن تصدّق على من لم يدرك من ولده فهو جائز،لأنّ والده هو الذي يلي أمره» و قال:« لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى بها وجه اللّه عز و جل» (1)و نحوه غيره من المعتبرة (2).

و في المسالك (3)أنّ الأصحاب فهموا من الصدقة فيها الوقف،و لذا استدلوا بها على بطلانه بموت الواقف.و فيها حينئذٍ بشهادة السياق دلالة على ما مرّ من اشتراط القربة في الصحّة؛ لمفهوم قوله:« لا يرجع إذا ابتغى» و هو الرجوع مع عدم الشرط،و هو صريح في الاشتراط،إذ لولاه لما ساغ الرجوع مطلقا.

و منها المروي في إكمال الدين للصدوق،بسنده إلى محمّد بن جعفر الأسدي فيما ورد عليه عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام،قال:« و أمّا ما سألت من الوقف على ناحيتنا و ما يجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه،فكلّ ما لم يسلّم فصاحبه بالخيار،و كلّ ما سلّم فلا خيار لصاحبه احتاج إليه أو لم يحتج،افتقر إليه أو استغنى» إلى أن قال:« و أمّا ما سألت عن أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة و يسلّمها من قيّم يقوم بها و يعمرها و يؤدّي من دخلها خراجها و مئونتها و يجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا،فإن ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيّماً عليها،إنّما لا يجوز ذلك لغيره» (4).

ص:98


1- الكافي 7:7/31،التهذيب 9:569/135،الإستبصار 4:387/101،الوسائل 19:178 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 4 ح 1.
2- الفقيه 4:639/182،التهذيب 9:577/137،الإستبصار 4:390/102،الوسائل 19:180 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 4 ح 5.
3- المسالك 1:353.
4- إكمال الدين:49/520،الاحتجاج:479،الوسائل 19:181 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 4 ح 8.

ثم قد عرفت فتوى الأصحاب ببطلانه بموت الواقف و مستندهم، خلافاً للتقي (1)،فقال بالصحّة مع الإشهاد عليه قبل الموت و إن لم يقبض.

و هو شاذّ،كالمحكي عن ابن حمزة (2):من عدم اشتراط القبض حيث جعل النظارة لنفسه،و مع ذلك مستندهما غير واضح.

و هل موت الموقوف عليه كذلك،فيبطل بموته مطلقاً أم إذا لم يقبضه البطن الثاني أيضاً؟وجهان.أجودهما الأوّل؛ وقوفاً على ظواهر النصوص المتقدّمة،فإن الموقوف عليه المعتبر قبضه فيها إنّما هو البطن الأوّل،مع أن قبض البطن الثاني لا يؤثّر إلّا في صحّته بالإضافة إليه،و إلّا فهو بالإضافة إلى الأوّل باطل؛ لفقد شرطه فيه،و لا يتصور الصحّة بالإضافة إليه و إن قبض لوجهين:

أحدهما:أن صحّة الوقف ليس معناها إلّا صحّة ما جرى عليه الصيغة،و هو ليس إلّا الوقف عليهما دون الثاني خاصّة،فصحّته بالإضافة إليه خاصّة دون الأوّل غير ما جرى عليه العقد.

و ثانيهما:أنّ الصحّة بالإضافة إليه خاصّة معناها بطلانه بالإضافة إلى الأوّل،فوجوده بالنسبة إليه كعدمه،فيكون الوقف حينئذٍ على معدوم مع عدم تبعيّته لموجود،و مجرّد التبعيّة للذكر تأثيره في الصحّة غير معلوم،مع أنّ الأصل عدمها.

و اعلم أنّ العبارة ظاهرها اشتراط القبض في الصحّة،و ربما يعبّر بما يدلّ على اشتراطه في اللزوم،كما في الغنية و الشرائع و اللمعة (3)،إلّا أن في

ص:99


1- الكافي في الفقه:325.
2- الوسيلة:369.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):603،الشرائع 2:217،اللمعة(الروضة البهية 3):166.

المسالك (1):لا خلاف في الاشتراط في الصحة،و أوّل عبائر الكتب المزبورة إليها.و النصوص السابقة لا تدلّ إلّا على جواز الرجوع قبله،و هو لا ينافي الصحّة،لكن الحكم بها قبله مع عدم دليل عليها من إجماع أو روايةٍ مشكل،بل مقتضى الأصل الحكم بعدمها،فيكون شرطاً في الصحّة لا اللزوم.

مضافاً إلى الإجماع المنقول،و ظهور الصحيحة الثانية و ما في معناها في ذلك،حيث حكم فيها برجوعه بالموت ميراثاً،فتأمّل جدّاً.

و تظهر الفائدة في النماء المتخلّل بينه و بين العقد،فيحكم به للواقف على الأوّل،و للموقوف عليه على الثاني.

ثم قد صرّح الأصحاب بعدم اشتراط فوريّة القبض.و هو كذلك، و الصحيحة المتقدّمة فيه صريحة.

و اعلم أنّه لا خلاف في سقوط اعتباره في بقية الطبقات؛ لأنّهم يتلقّون الملك عن الأوّل و قد تحقّق الوقف و لزم بقبضه،فلو اشترط قبضهم لانقلب العقد اللازم إجماعاً،كما في المسالك و غيره (2)جائزاً.

ثم لو وقف على الفقراء أو الفقهاء فلا بدّ من نصب قيّم لقبض الوقف،و النصب إلى الحاكم.

قيل (3):و الأقرب جوازه للواقف مطلقا،سيّما مع فقد الحاكم و منصوبه،و ربما كان في الصحيحة الأُولى دلالة عليه؛ لقوله:« إن كان أوقفها لولده أو لغيرهم ثم جعل لها قيّماً لم يكن له أن يرجع» و نحوه

ص:100


1- المسالك 1:353.
2- المسالك 1:356؛ و انظر الحدائق 22:149.
3- كما في الدروس 2:267،و المسالك 1:356.

الرواية الأخيرة (1).

و لو كان الوقف على مصلحة عامّة كالقناطير،أو موضع عبادة كالمساجد قالوا: قَبضَه الناظر فيها أي في تلك المصلحة،فإن كان لها ناظر شرعي من قبله تولّى القبض؛ لما مرّ من الخبر،و إلّا فالحاكم، لما يأتي.

و أطلق بعضهم (2)في القبض في نحو المساجد و المقبرة بصلاة واحدة و دفن واحد فيها.

و قيّده آخر (3)بوقوع ذلك بإذن الواقف؛ ليتحقّق الإقباض الذي هو شرط صحّة القبض.

و قيّده ثالث (4)بوقوعهما بنيّة القبض أيضاً،فلو أوقعا لا بنيته كما لو أوقعا قبل العلم بالوقف،أو بعده قبل الإذن فيهما،أو بعدهما لا بقصد القبض،إمّا للذهول عنه،أو لغير ذلك لم يلزم.

قالوا:هذا إذا لم يقبضه الحاكم الشرعي أو منصوبة،و إلّا فالأقوى الاكتفاء به إذا وقع بإذن الواقف؛ لأنّه نائب المسلمين،و هو حسن.

و لو كان الوقف على طفل أو مجنون قبضه الولي لهما كالأب و الجدّ للأب بلا خلاف فيهما.

أو الوصي لأحدهما مع عدمهما،على الأقوى؛ لمفهوم التعليل في الصحيحة الثانية (5).

ص:101


1- المتقدّمة في ص:96.
2- كالمحقّق في الشرائع 2:217،و السبزواري في الكفاية:140.
3- اللمعة(الروضة البهية 3):166.
4- كصاحب الحدائق 22:151.
5- المتقدّمة في ص:97.

خلافاً للماتن في الشرائع و غيره (1)،فتردّدا فيه؛ لما ذكر،و لضعف يده و ولايته بالإضافة إلى غيره.

و يضعّف بما مرّ،و ضعف اليد و قوّتها لا أثر له في ذلك بعد ثبوت أصل الولاية.

و لو وقف عليه أي على الطفل و من في معناه الأب أو الجدّ له صحّ و لزم و لم يحتج إلى إقباضٍ من أحد،بلا خلاف؛ للصحيح الثاني المتقدّم و ما بعده،فإنّهما مع ما فيهما من التعليل المشار إليه في قوله: لأنّه مقبوض بيده نصّان في المقام كالصحيح الأوّل.

و إطلاقهما كالعبارة و كثير من عبائر الجماعة يقتضي الاكتفاء بقبضهما و إن تجرّد عن نية القبض عنهما،و احتمل بعضهم اعتبار ذلك (2).

قيل:و في معناه ما لو كان الموقوف تحت يد الموقوف عليه بوديعة أو عارية أو نحوهما؛ لصدق القبض (3).

و فيه نظر،سيّما إذا كان مجرّداً عن نيّته بعد الوقف،فإنّ ظواهر النصوص المتقدّمة اعتبار التسليم،و ليس بحاصل.

نعم،ربّما يومئ إليه الاكتفاء في بعضها بسبق قبض الولي الواقف له و كونه في يده قبله،فلا بأس به.

و لو كان القبض واقعاً بغير إذن الواقف،كالمقبوض بالغصب و الشراء الفاسد،ففي الاكتفاء به نظر،و لعلّ العدم هنا أظهر.

و النظر في هذا الكتاب إمّا في الشروط أو في اللواحق

ص:102


1- الشرائع 2:245؛ و انظر التحرير 1:285.
2- المسالك 1:354.
3- المسالك 1:354.
الشروط أربعة أقسام
اشارة

و الشروط زيادة على ما مرّ أربعة أقسام من حيث إن أركانه أربعة،كلّ قسم منها يتعلّق بأحدها.

الأوّل في الوقف

الأوّل:في ما يتعلّق ب الوقف و يشترط فيه التنجيز فلو علّقه على شرط متوقّع،أو صفة مترقّبة، أو جعل له الخيار في فسخه متى أراده من دون حاجة بطل،بلا خلاف فيه،و في الصحّة لو كان المعلّق عليه واقعاً و الواقف عالم بوقوعه،كقوله:

وقفت إن كان اليوم الجمعة،و كذا في غيره من العقود،و بعدم الخلاف صرّح جماعة (1)؛ و لعلّه كافٍ في الحجّية.

مضافاً إلى الأصل،و اختصاص النصوص مطلقا بحكم التبادر بغير مفروض المسألة،مع أن في المسالك الإجماع عليه (2).

و الدوام،و الإقباض من الموقوف عليه أو من في حكمه،بأن يسلّطه عليه و يرفع يده عنه،كما في الروضة (3).و الأولى أن القبض في كلّ شيء بحسبه،كما مرّ في كتاب التجارة (4).

و إخراجه عن نفسه،فلو كان وقفه إلى أمد معيّن كشهر أو سنة بطل عند الأكثر؛ لاشتراطهم التأبيد المشترط في صحّته عندهم،بل و غيرهم،حتى إن ابن زهرة ادّعى في الغنية عليه إجماع الإماميّة (5)؛ و هو الحجّة المخصِّصة لعموم الآية الآمرة بالوفاء بالعقود (6)إن قلنا باشتراط

ص:103


1- منهم العلّامة في التحرير 1:284،السبزواري في الكفاية:140،الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:207.
2- المسالك 1:353.
3- الروضة 3:171.
4- راجع ج 8:356.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
6- المائدة:1.

القبول فيه،كما هو الأظهر،و إلّا كما هو الأشهر بين الطائفة فهو حجّة أُخرى مستقلّة بعد الأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة؛ لاختصاص النصوص بحكم التبادر في بعض [و] النصّية في آخر،كما تضمّن وقوف الأئمّة عليهم السلام بالوقوف المؤبّدة،بل جعل الطوسي في كتابي الحديث (1)الروايات الأخيرة من أدلّة اشتراطه و حجّة مستقلّة مخصِّصة لعموم الآية.

و لكن فيه مناقشة،و إن أمكن تصحيحه بظهوره من تتبّعها جملة، لا أن يكون كلّ منها بنفسه حجّة.

و كيف كان،الإجماع المتقدّم المعتضد بفتاوي الجماعة ممّن حضرني كلامه كافٍ في الحجية.

و لا ينافيه فتوى الأكثر كما سيظهر بالصحّة فيما ليس بمؤبّد؛ لأعمّية وجهها من الوقف و غيره،بل الجمع بين كلماتهم هنا و سابقاً يعيّن إرادة الأخير خاصّة،و به صرّح الصيمري في شرح الشرائع،فقال في الوقف على من ينقرض بعد حكمه بالاشتراط من دون نقل خلاف فيه عن الجماعة:إن المشهور الصحّة و أنّه حبس.فما ذكره في المسالك و فخر الإسلام في الإيضاح (2):من أن اشتراطه محل منازعة و شبهة،لا يخلو عن مناقشة.

و حيث بطل وقفاً كان حبساً عند الأكثر،كما في عبارة الصيمري قد مرّ،و به صرّح غيره (3)،بل صرّح الأوّل بأن عليه عامّة المتأخّرين، مؤذناً بدعوى إجماعهم عليه،و ممّن حكي تصريحه به من القدماء الشيخان

ص:104


1- الاستبصار 4:99،التهذيب 9:132.
2- المسالك 1:355،إيضاح الفوائد 2:393.
3- انظر القواعد 1:267،و المسالك 1:355.

و الإسكافي و الديلمي و القاضي و ابن حمزة و الحلّي (1).

و حكاية الشهرة و مذهب هؤلاء الجماعة و إن كان في غير مورد المسألة و هو المسألة الآتية،إلّا أنّهما من باب واحد،من حيث اشتراكهما في عدم التأبيد المشترط في الصحّة،و إن كان فقده في الأُولى أقطع منه في الثانية،هذا.

مضافاً إلى جريان بعض أدلّتهم التي ذكروها للصحّة ثمّة هنا بالبديهة.

و ممّن صرّح بالصحّة حبساً في خصوص المسألة مضافاً إلى الماتن الشهيدان في الدروس و المسالك و الروضة (2).و لم أقف لهم هنا على مخالف من الجماعة عدا من سيأتي إليه الإشارة،و علّلاه بوجود المقتضي،و هو الصيغة الصالحة للحبس،لاشتراكه مع الوقف في المعنى، فيمكن إقامة كلّ منهما مقام الآخر،فإذا قرن الوقف بعدم التأبيد كان قرينة على الحبس،كما لو قرن الحبس بالتأبيد كان قرينة على الوقف.و الأجود الاستدلال عليه بالصحيحين،في أحدهما:روى بعض مواليك عن آبائك عليهم السلام:أن كلّ وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة،و كلّ وقف إلى غير وقت جهل مجهول فهو باطل مردود على الورثة،و أنت أعلم بقول آبائك عليهم السلام،فكتب عليه السلام:« هو عندي كذا» (3).

و في الثاني:عن الوقف الذي يصحّ ما هو؟فقد روي أن الوقف إذا

ص:105


1- المفيد في المقنعة:652،الطوسي في النهاية:595،حكاه عن الإسكافي في المختلف:490،الديلمي في المراسم:197،القاضي في المهذب 2:87،ابن حمزة في الوسيلة:370،الحلّي في السرائر 3:157.
2- الدروس 2:264،المسالك 1:355،الروضة 3:172.
3- الكافي 7:31/36،الفقيه 4:622/176،التهذيب 9:561/132،الإستبصار 4:383/99،الوسائل 19:192 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 7 ح 1.

كان غير موقّت فهو باطل مردود على الورثة،و إذا كان موقّتاً فهو صحيح ممضى،قال قوم:إن الموقّت هو الذي يذكر فيه أنّه وقف على فلان و عقبه،فإذا انقرضوا فهو للفقراء و المساكين إلى أن يرث اللّه تعالى الأرض و من عليها،قال:و قال آخرون:هذا موقّت إذا ذكر أنّه لفلان و عقبه ما بقوا،و لم يذكر في آخره للفقراء و المساكين إلى أن يرث اللّه الأرض و مَن عليها،و الذي غير موقّت أن يقول:هذا وقف،و لم يذكر أحداً،فما الذي يصحّ من ذلك؟و ما الذي يبطل؟فوقّع عليه السلام:« الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها» (1).

و هما و إن دلّا ظاهراً على الصحّة وقفاً إلّا أنّ حملهما على الصحّة حبساً متعيّن جدّاً؛ جمعاً بينهما و بين ما دلّ على كون التأبيد شرطاً،و رجوع مثل هذا الوقف بعد موت الموقوف عليه إرثاً،فإنّه من لوازم الحبس،كما يأتي إن شاء اللّه تعالى،هذا.

مع أن القول بالصحّة وقفاً نادر جدّاً غير معروف أصلاً.

و ذكر الطوسي رحمه الله بعد نقل الأوّل:أنّ المراد بالموقّت الذي حكم بصحّته فيه ليس هو الموقّت بالمدّة،بل هو الموقّت بالمعنى المذكور في الرواية الثانية،مستشهداً عليه بها (2).

و فيه مناقشة،فإنّ غاية ما يستفاد منها استعمال الموقّت في ذلك المعنى،و هو أعمّ من الحقيقة،و الأصل يقتضي مجازيّته بعد معلوميّة حقيقته في الموقّت بالمدّة،فلا يعدل عنه إليه إلّا بقرينة صارفة هي في

ص:106


1- التهذيب 9:562/132،الإستبصار 4:384/100،الوسائل 19:192 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 7 ح 2.
2- التهذيب 132/9 ذيل الحديث 561.

الرواية مفقودة.

ثم لو سلّم هذا الجواب لم يكن فيه فائدة إثبات البطلان في مفروض المسألة على ما يظهر من سياق كلامه بعد دلالة الرواية الثانية بعمومها كما ترى على الصحّة مطلقا و لو هنا،فالصحة أقوى و إن خرجت الاُولى على تقدير التسليم عن كونها مستنداً للرواية الثانية.

مضافاً إلى التعليل المتقدّم إليه الإشارة في كلام الشهيدين،و صرّح ثانيهما بعد ذكره:بأنّه إنّما يتمّ مع قصد الحبس،فلو قصد الوقف الحقيقي وجب القطع بالبطلان،لفقد الشرط (1).

و هو كذلك بناءً على المختار،و أما على مختاره من التردّد في اشتراطه فلا وجه للقطع به،و لعلّه على تقدير اشتراطه.

و لو جعله لمن ينقرض غالباً و لم يذكر المصرف بعده،و اقتصر على بطن أو بطون صحّ حبساً،وفاقاً لصريح ابن حمزة و الفاضل في الإرشاد و القواعد (2)،و ظاهر من تقدّم (3)،بناءً على اشتراطهم التأبيد، و بنسبته إليهم صرّح الصيمري،و إن كان ظاهر المختلف و جماعة نسبة الصحة وقفاً إليهم،حيث جعلوه قولاً مقابلاً للأوّل (4)،و حكوا فيه تبعاً للمبسوط و الخلاف (5)ثالثاً،و هو القول بالبطلان رأساً و لم يسمّوا له قائلاً.

و الأقوى الصحة؛ لما مرّ.دون ما ذكره الأكثر:من الأصل،و عدم

ص:107


1- المسالك 1:355.
2- ابن حمزة في الوسيلة:370،الإرشاد 1:452،القواعد 1:267.
3- في ص 103.
4- المختلف:492،و انظر المهذّب البارع 3:50،و الحدائق 22:136.
5- المبسوط 3:292،الخلاف 3:543.

شرطية تمليك الأخير في تمليك الأوّل،و إلّا لجاء الدور،و الخبر (1).

لضعف الأوّل:بالمعارضة بأصالة الفساد إن أُريد به أصالة الصحة.

و الثاني:بأنّا لا ندّعي كون تمليك الأخير شرطاً،و إنما الشرط بيان المصرف للأخير ليتحقّق معنى الوقف،و هو هنا غير حاصل،فلا يتم صحة الوقف.

و الثالث:بقصور السند،و ضعف الدلالة من وجوه عديدة.

نعم،الاستدلال بالأوّل حسن إن أُريد به العمومات الآمرة بالوفاء بالعقود و قلنا باشتراط الرضاء فيه و القبول.

و أمّا حجّة الثالث مع جهالته و ندرته فهي ضعيفة كقوله،فإنّ غايتها نفي الصحة وقفاً،و هو أعمّ من انتفائها مطلقاً،فقد يصحّ و يكون حبساً كما قلنا.

ثم إنّ هؤلاء الجماعة الذين جعلوا الأقوال في المسألة ثلاثة لم يذكروا إلّا حجّتين،إحداهما على البطلان مطلقاً،و الثانية على الصحة،و لم يذكروا حجّة ثالثة تدل على تميز أحد القولين الأوّلين عن الآخر،و هو أوضح شاهد على أن الأقوال في المسألة اثنان لا ثلاثة،و أن فتوى من حكم بصحة الوقف المراد بها إثبات الصحة في مقابلة من يدّعي البطلان بالمرّة لا أن المراد إثباتها من حيث الوقفية دون الحبسية.

و أمّا تعبيرهم بصحة الوقف ففيه نوع مسامحة،و لعلّها لندرة الثمرة في الفرق بين الصحة وقفاً و حبساً،و عدم ظهورها إلّا في نحو النذر و النية المصحّحة لمثل هذا الوقف إن كان متعلقها الحبس،و المفسدة له إن كان

ص:108


1- الكافي 7:5/48،الفقيه 4:632/180،التهذيب 9:603/144،الوسائل 19:198 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 10 ح 1.

الوقف،كما مرّ إليه الإشارة،هذا.

مع أنه صرّح أكثر القائلين بالصحة وقفاً على ما نسبه إليهم هؤلاء الجماعة بانتقاله بعد الانقراض إلى ورثة الواقف،و هو من لوازم الحبس، كما صرّح به في المسالك (1)،و ممن اختار القول بالرجوع إليهم بعده الطوسي و القاضي و الديلمي و ابن حمزة و الفاضل في أكثر كتبه و المسالك و الروضة و الصيمري و أكثر المتأخرين (2)،بل في المسالك عزاه إلى الأكثر بقول مطلق،و تبعهم الماتن في الشرائع (3)و هنا،فقال:

و يرجع الوقف بعد موت الموقوف عليه إلى ورثة الواقف طلقاً أي ملكاً إن مات قبل الموقوف عليه،و إلّا فإليه ثم إليهم،قالوا:لأنه لم يخرج عن ملكه بالكلية،و إنما تناول أشخاصاً فلا يتعدّى إلى غيرهم، و الظاهر أن الوقف على حسب ما يوقفه أهله،و إنما وقفوا هنا على من ذكر،فلا يتعدّى،و يبقى أصل الملك لهم كالحبس،أو هو عينه.

و للخبر:عن رجل أوقف غلّة له على قرابة من أبيه و قرابة من امّه، و أوصى لرجلٍ و لعقبه من تلك الغلّة ليس بينه و بينه قرابة بثلاثمائة درهم كلّ سنة،و يقسّم الباقي على قرابته من أبيه و أُمّه؟قال:«جائز للّذي أوصى له بذلك»..قلت:أ رأيت إن مات الذي اوصي له؟قال:«إن مات كانت

ص:109


1- المسالك 1:353.
2- الطوسي في الخلاف 3:543،القاضي في المهذب 2:91،الديلمي في المراسم:198،ابن حمزة في الوسيلة:370،العلّامة في المختلف:492،القواعد 1:267،و التحرير 1:285،و المسالك 1:353،و الروضة 3:169،و انظر إيضاح الفوائد 2:379،و الكفاية:140،و الحدائق 22:141.
3- الشرائع 2:216.

الثلاثمائة درهم لورثته يتوارثونها ما بقي أحد منهم،فإذا انقطع ورثته و لم يبق منهم أحد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميت تردّ إلى ما يخرج من الوقف» (1)الخبر.

و فيه قصور من حيث السند و الدلالة،و إن أمكن جبر الأوّل بالحسن ابن محبوب الذي في سنده،و الشهرة.

نعم،هو صالح للتأييد،كما صرّح به في الغنية:من أن على مذهبهم رواية (2)،و في الخلاف بأن عليه روايات (3).

مع احتمال أخذه دليلاً؛ لانجبار الإرسال بالشهرة،و بُعد احتمال عدم الدلالة،سيّما مع الكثرة،كما هو مصرَّح الثاني،مضافاً إلى كثرة النقلة.

و بمجموع ذلك يتعيّن المصير إلى هذا القول،مع لزوم القطع به على القول بكونه حبساً،و قد نفى الخلاف و الإشكال عنه في المسالك على تقديره (4).

و قيل: كما عن المفيد و الحلّي (5)أنه ينتقل إلى ورثة الموقوف عليه لأن الوقف خرج عن ملكه فلا يعود إليه؛ و لأن الموقوف عليه يملك الوقف فينتقل إلى ورثته.

و في الانتقال و الملك منع؛ لأنه في الحقيقة أو في المعنى حبس و إنما

ص:110


1- الكافي 7:29/35،التهذيب 9:565/133،الوسائل 19:190 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 6 ح 8.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
3- لم نعثر عليه فيه،راجع الخلاف 3:543.
4- المسالك 1:355.
5- المفيد في المقنعة:655،الحلي في السرائر 3:166.

ينتقل إليه في صورة التأبيد.

و في الغنية ينتقل في وجوه البرّ (1)؛ لانتقال الوقف عن الواقف و زواله عن ملكه.و ظاهره الحكم به لزوماً،إلّا أن المستفاد من كلامه أخيراً كونه مستحباً،فقال بعد أن ذكر ما أشار إليه الماتن بقوله و الأوّل مروي :و الأوّل أحوط.و أراد بالأوّل ما ذكره.

و في حكمه بكونه أحوط على إطلاقه نظر.

و العجب من المختلف (2)،حيث مال إليه معلّلاً له بانتقال الملك فلا يعود إليه من غير سبب؛ لجوابه عن التعليل بعد أن احتجّ به للقول الثاني بالمنع فكيف يستند إليه لهذا القول؟مع ما فيه زيادة على ما مرّ من كون الانتقال عن الوارث أعمّ من الانتقال إلى وجوه البرّ،فقد ينتقل إلى ورثة الموقوف عليه،بل لعلّه المعيّن على تقدير صحّته؛ لدخوله في ملك الموقوف عليه أوّلاً قطعاً فيشمله عموم أدلة الإرث جدّاً.

ثم على المختار من العود إلى الواقف أو ورثته هل المراد بهم ورثته حين انقراض الموقوف عليه كالولاء،أو الورثة عند موته و يسترسل فيه إلى أن يصادف الانقراض؟قولان.

و تظهر الفائدة فيما لو مات الواقف عن ولدين ثم مات أحدهما عن ولد قبل الانقراض،فعلى الأوّل يرجع إلى الولد الباقي خاصّة،و على الثاني يشترك هو و ابن أخيه بتلقّيه من أبيه كما لو كان حيّاً.

و اختار الشهيدان الأوّل (3)،و الفاضل المقداد (4)الثاني.و هو أقوى؛

ص:111


1- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
2- المختلف:493.
3- الشهيد الأول في الدروس 2:265،الشهيد الثاني في الروضة 3:169.
4- التنقيح الرائع 2:304.

لما مر من عدم الانتقال،و كونه باقياً على ملك الواقف فينتقل بالموت،و إن لم يجز التصرف فيه قبل الانقراض عملاً بمقتضى الوقف.

و اعلم أن هذا الوقف كسابقه يسمّى منقطع الآخر.

ثم إن ما ذكر مما يتفرّع على الشرط الأوّل من الشروط الثلاثة الأخيرة.

و أمّا ما يتفرّع على الثاني منها و سائر أحكامه فقد مرّ إليه الإشارة (1).

و أمّا ما يتفرع على الثالث و هو اشتراط إخراجه عن نفسه فهو أنه لو وقفه على نفسه بطل مطلقاً و إن عقّبه بما يصحّ الوقف عليه،بلا خلاف في الظاهر،و به صرّح في المسالك و غيره (2)،بل عليه الإجماع في التنقيح و عن الحلّي (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أن الوقف إزالة ملك و إدخاله على الموقوف عليه، إجماعاً،كما في التنقيح و غيره (4)،و الملك هنا متحقق لا يعقل إدخاله عليه و تجديده.

و لأنّه تمليك منفعة وحدها أو مع الرقبة،و لا يعقل شيء منهما بالإضافة إلى مالكهما.

و يؤيّده مضافاً إلى الصحيحين الآتيين الخبران،في أحدهما:رجل تصدّق بدار له و هو ساكن فيها،فقال الحسين (5)عليه السلام:«اخرج منها» (6).

ص:112


1- راجع ص:96.
2- المسالك 1:354؛ و انظر الروضة 3:171،و الحدائق 22:155.
3- التنقيح الرائع 2:305،الحلّي في السرائر 3:155.
4- التنقيح الرائع 2:310؛ و انظر الحدائق 22:158.
5- في المصادر:الحين اخرج منها.
6- التهذيب 9:582/138،الإستبصار 4:394/103،الوسائل 19:178 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 3 ح 4.

و في الثاني بعد أن سئل عليه السلام عن أكل الواقف عن الضيعة التي وقفها:

«ليس لك أن تأكل منها من الصدقة،فإن أنت أكلت منها لم ينفذ إن كان لك ورثة،فبع و تصدّق ببعض ثمنها في حياتك،فإن تصدّقت أمسك لنفسك ما يقوتك مثل ما صنع أمير المؤمنين عليه السلام» (1).

بل لا يبعد أخذه حجة،كما فعله من متأخّري المتأخّرين جماعة (2).

و ليس المخالف في المسألة إلّا بعض العامة (3).

و أمّا صحته بالإضافة إلى عقبه إن ذكره ففيها قولان،الأظهر العدم، و عليه الأكثر،و نسبه في المبسوط إلى مذهبنا (4)؛ للأصل،و عدم دليل على الصحة عدا عموم الأمر بالوفاء بالعقود و الشروط،و خصوص عموم الصحيح المتقدم:«الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» (5).

و لا يصلح شيء من ذلك للدلالة بعد فرض عروض البطلان للعقد في الجملة،فإن المأمور به ليس إلّا الوفاء بتمامه دون بعضه،فما وقع عليه العقد لا يجب الوفاء به إجماعاً،و العقد لا يكون متبعّضاً،فكيف يستدل بذلك لوجوبه؟بل هو فاسد جدّاً.

و كذلك الجواب عن عموم الصحيح،فإن الوفاء بالبعض غير ما وقفه الواقف.

ص:113


1- الكافي 7:33/37،الفقيه 4:623/177،التهذيب 9:554/129،الوسائل 19:176 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 3 ح 1.
2- منهم:السبزواري في الكفاية:140،و المجلسي في ملاذ الأخيار 14:396،و صاحب الحدائق 22:156.
3- كابن قدامة في المغني 6:215.
4- المبسوط 3:293.
5- راجع ص:105.

خلافاً للمبسوط و الخلاف،فالأوّل (1).و هو شاذّ،و مستنده ضعيف.

و عليه ففي انتقال المنفعة زمان الانقطاع إلى الفقراء و المساكين،أم إلى العقب الموقوف عليه وجهان للمبسوط (2)،و لا دليل على شيء منهما، مع سقوط أصلهما.

و يسمّى هذا الوقف بمنقطع الأوّل إن وقفه على نفسه ابتداءً،و منقطع الوسط إن وقفه أوّلاً على من يصحّ الوقف عليه ثم على نفسه ثم على غير ممن يصحّ الوقف عليه.

و في حكم الوقف على نفسه الوقف على من لا يصحّ الوقف عليه؛ لعدم قابليته للتمليك،كالمعدوم و الميت و المملوك.و المختار في الجميع بطلان ما بعد الانقطاع.

و لو وقف على نفسه و غيره جمعاً بالواو ففي صحة الوقف على الغير في النصف،أو الجميع،أو البطلان من أصله،أوجه.

و كذا فيما لو وقف على نفسه و الفقراء ففي صحة النصف،أو الثلاثة الأرباع،أو الجميع،أو البطلان من الأصل،أوجه،أوجهها في المقامين البطلان،لعين ما مرّ في توجيهه في السابق.

و وجه الصحة في الجملة عدم تحقق الانقطاع بالإضافة إلى تمام الوقف،و إنما تحقق بالإضافة إلى البعض،و هو مع وجود موقوف عليه آخر يصحّ عليه الوقف لا يتأتّى معه الانقطاع.و لا كذلك السابق؛ لحصول الانقطاع فيه بالوقف على نفسه مثلاً قطعاً ثم بعده على غيره،و هو فرق

ص:114


1- المبسوط 3:293،الخلاف 3:544.
2- المبسوط 3:294.

واضح،إلّا أن ما قدّمناه من دليل البطلان عام،و ليس له وجه الصحة بمعارض.

و يتفرع على هذا الشرط أيضاً عدم صحة الوقف إذا شرط قضاء ديونه أو إدرار مئونته منه،و به قطع الأصحاب،كما في المسالك (1)مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،و ربما دلّ عليه إطلاق الخبرين المتقدمين (2).

و لو شرط أكل أهله منه صحّ الشرط،كما فعل النبي صلى الله عليه و آله بوقفه، و كذلك فاطمة (3)عليها السلام،و لا يقدح كونهم واجبي النفقة،فتسقط نفقتهم إن اكتفوا به.

و لو وقف و شرط عوده إليه عند الحاجة إليه فقولان، أشبههما:البطلان رأساً،وفاقاً للمبسوط و الإسكافي و ابن حمزة و الحلي (4)مدّعياً عليه إجماع الإمامية.

قيل:لأنّه شرط ينافي عقد الوقف فيبطل؛ لتضمنه شرطاً فاسداً (5).

و يضعّف بمنع المنافاة،فإنّها حيث لا يقبل العقد هذا الشرط و هو عين المتنازع و فيه نظر؛ لمنافاته الدوام المشترط فيه بلا خلاف،كما مر (6)،و لظاهر الموثقين كالصحيحين،أحدهما:عن الرجل يتصدّق ببعض ماله في حياته في كلّ وجه من وجوه الخير و قال:إن احتجت إلى شيء من

ص:115


1- المسالك 1:354.
2- في ص:111.
3- انظر الوسائل 19:198 أبواب أحكام الوقف و الصدقات ب 10.
4- المبسوط 3:300،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:490،ابن حمزة في الوسيلة:370،الحلي في السرائر 3:156.
5- قال به في المختلف:490،و المسالك 1:354.
6- راجع:102.

المال فأنا أحقّ به،ترى ذلك له و قد جعله للّه تعالى يكون له في حياته، فإذا هلك الرجل يرجع ميراثاً أو يمضي صدقة؟قال:«يرجع ميراثاً إلى أهله» (1).

و في الثاني:«من أوقف أرضاً ثم قال:إن احتجت إليها فأنا أحقّ بها، ثم مات الرجل فإنّها ترجع إلى الميراث» (2).

مضافاً إلى التأيّد بما يستفاد من النصوص:من أن الوقف صدقة فلا يجوز الرجوع فيها بمقتضى كلمة الأصحاب و جملة من الأخبار (3)، و يشير إليه السؤال في الأوّل،حيث استبعد فيه الصحة و قد جعله للّه سبحانه،و هو ظاهر في منافاة الجعل له تعالى الرجوع فيه.

و القول الثاني للمفيد و النهاية و القاضي و الديلمي و السيد (4)مدّعياً عليه إجماع الإمامية،و ذهب إليه الماتن في الشرائع و الفاضل في المختلف و غيره و الشهيد الثاني في المسالك و غيره (5)،و نسبه كغيره إلى الأكثر؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقود و الشروط،و خصوص عموم الصحيح السابق:

«الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» (6).

ص:116


1- التهذيب 9:568/135،الوسائل 19:177 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 3 ح 3.
2- التهذيب 9:612/150.
3- انظر الوسائل 19:179،180 أبواب الوقوف و الصدقات ب 4 ح 2،5.
4- المفيد في المقنعة:652،النهاية:595،القاضي في المهذب 2:93،الديلمي في المراسم:197،السيد في الانتصار:226.
5- الشرائع 2:217،المختلف:490،و القواعد 1:267،و التحرير 1:285،الشهيد الثاني في المسالك 1:355،و الروضة 3:172.
6- المتقدم في ص:105.

و استدلّوا عليه أيضاً بالصحيحين المتقدمين،بناءً على فهمهم من لفظ يرجع ميراثاً الصحة؛ إذ البطلان ليس فيه رجوع حقيقة،بل الشيء الموقوف باقٍ على الملكيّة.

و فيه نظر؛ فإن إطلاق الرجوع ميراثاً و إرادة حقيقته غير ممكن هنا قطعاً،فإن المرجوع إليه إنما هو كونه ميراثاً حقيقةً،و هو شيء لم يكن في حال حياة الواقف أصلاً إلّا مجازاً،فإذا لم يمكن إرادة الحقيقة تعيّن المجاز،فيحمل الرجوع على ما يجتمع مع البطلان بقرينة السؤال في الأوّل،حيث سئل عن صحة هذا الوقف مع ما هو عليه من كونه صدقة، فلو لم يحمل الجواب على هذا لما طابق للسؤال و ما كان جواباً عنه،فلم يبق إلّا الأدلّة الأوّلة من الإجماع،و هو معارض بمثله من إجماع الحلّي المتقدم،و العمومات،و هي مخصّصة بظاهر الصحيحين و غيرهما مما قدّمناه.

إلّا أن الشهرة المحكية في كلام جماعة (1)،و الظاهرة من فتاوى الجماعة عاضدت أدلّة الصحّة و رجّحتها على الأدلّة الأوّلة،سيّما مع ما في بعضها كالصحيحين:من ضعف الدلالة،و عدم النصّية التي هي المناط في تخصيص الأدلّة القطعية من عمومات الكتاب و السنة،مع ظهور ثانيهما في اشتراط الموت في أصل الرجوع،و هو ظاهر في عدمه قبله،و هو عين مقتضى الصحة،فالقول بالصحة لا يخلو عن قوّة،مع أنّه أحوط في الجملة،و عليه فلا ريب في الرجوع مع الحاجة.

ص:117


1- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 3:172،و الفيض في مفاتيح الشرائع 3:211،و صاحب الحدائق 22:164.

و لو مات و لم يحتج فهل يرجع إلى ورثة الواقف فيكون حبساً،كما عن النهاية و القاضي (1)،أم لا يرجع و يكون وقفاً،كما عن الباقين؟ وجهان،للثاني عمومات الأمر بالوفاء بالعقود و الشروط،و للأوّل صريح الصحيحين،و هو أظهر.

و هل يعود بالاحتياج،أو يقف معه على اختياره؟وجهان،ظاهر العقد و الشرط الأوّل.

و المرجع في الحاجة إليه إلى العرف؛ لأنه المحكم فيما لم يرد الشرع بتعيينه.

و ذكر جماعة أن مستحق الزكاة محتاج (2).و في إطلاقه نظر.

و نحوه تفسيرها بقصور المال عن قوت يومه أو ليلة،و بسؤاله لغيره (3)،و ببُعده صرّح جماعة (4)،و لكنه ليس بذلك البعيد،و مع ذلك هو أحوط.

الثاني في الموقوف

الثاني:في ما يتعلق ب الموقوف.

و يشترط فيه أن يكون عيناً معلومة،فلا يصحّ وقف المنفعة و لا الدين و لا المبهم،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية (5)؛ و هو الحجة؛ مضافاً إلى الأصل و اختصاص الأدلّة كتاباً و سنة بما اجتمع فيه الشرائط الثلاثة بحكم الصراحة في بعض،و التبادر في آخر،و الشك في

ص:118


1- النهاية:596،القاضي في المهذب 2:93.
2- كما في المسالك 1:355،و جامع المقاصد 9:30.
3- كما في الدروس 2:267،و التنقيح 2:306.
4- منهم السبزواري في الكفاية:140.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):602.

دخول ما لا يجتمع فيه في الوقف،بناءً على أن المفهوم منه عرفاً و لغة و شرعاً هو تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة،فلا يشمل وقف نحو الثمرة و كذا الدين و المبهم؛ لأنّ مقتضاه وجود الموقوف في الخارج حين العقد يحكم عليه بذلك،و هما ليسا كذلك،فيكون وقفهما في الخارج من قبيل وقف المعدوم الغير الجائز إجماعاً،فلا يشملهما عمومات الأمر بالوفاء بالعقود في الكتاب و السنة؛ لأن وقف مثلهما ليس بوقف فكيف يؤمر بالوفاء به، و مجرّد تسميته وقفاً لا يدخله في حيّز الأمر بالوفاء به.

و أن يكون مملوكة إن أُريد بالمملوكية صلاحيتها له بالنظر إلى الواقف ليحترز به عن وقف نحو الخمر و الخنزير من المسلم فهو شرط الصحة بلا خلاف؛ لما مرّ من الأدلّة.

و إن أُريد به الملك الفعلي ليحترز به عن وقف ما لا يملك و إن صلح له فهو شرط اللزوم،على قولٍ ذهب إليه الماتن في الشرائع،و الفاضل في الإرشاد و القواعد و التحرير،و الشهيد الثاني في المسالك (1)؛ لأنّه عقد صدر من أهله صحيح العبارة في محلّه قابل للنقل و قد أجازه المالك،فيصحّ كغيره من العقود.

و قيل:هو كالأوّل شرط الصحة (2)،و احتمله الفاضل في التحرير (3)، و اختاره فخر الإسلام و شيخنا في الروضة (4)على تقدير اعتبار القربة.

ص:119


1- الإرشاد 1:451،452،القواعد 1:269،التحرير 1:289،المسالك 1:346.
2- الحدائق 22:178.
3- التحرير 1:289.
4- فخر الإسلام في إيضاح الفوائد 2:389،الروضة 3:176.

و لعلّه أظهر.لا لما قيل من أن عبارة الفضولي لا أثر لها،و تأثير الإجازة فيما عدا محل النص المختص بالبيع و النكاح غير معلوم (1)،لأن الوقف فكّ ملك في كثير من موارده و لا أثر لعبارة الغير فيه؛ لاندفاعه بأن اختصاص النص بالمورد غير قادح بعد شموله للغير بالأولوية،كما تقدّم إليه الإشارة غير مرّة.

بل لاشتراط الصحة هنا بما يزيد على نفس العقد،و هو القربة،و هي بملك الغير غير حاصلة،و نية المجيز لها حين الإجازة غير نافعة،إمّا لاشتراط المقارنة بالصيغة و هي في الفرض مفقودة،أو لأن تأثير نيته لها بعدها و إفادتها الصحة حينئذٍ غير معلومة،فالأصل بقاء الملكية إلى أن يعلم الناقل،و هو بما قرّرناه غير معلوم.

نعم،لو قلنا بعدم اشتراطها في الصحة كان الأوّل قويّاً غاية القوة، لكن فيه ما مرّ إليه الإشارة.

و توقف في الدروس و التذكرة (2).و لا وجه له.

و أن يكون العين ممّا يمكن أن ينتفع بها مع بقائها انتفاعاً محلّلاً بلا خلاف؛ للحجج السابقة،حتى الإجماع في الغنية (3)،و تزيد عليها بالإضافة إلى اشتراط كون المنفعة محلّلة ما تقدم من الأدلّة على اشتراط القربة في الصحة (4)،و لا تحصل في المنفعة المحرمة.

مضافاً إلى أن الوقف لأجلها إعانة على الإثم،محرمة بالكتاب

ص:120


1- الروضة 3:176.
2- الدروس 2:264،التذكرة 2:431.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):602.
4- راجع ص 93.

و الإجماع و السنة.

فلا يصحّ وقف ما لا ينتفع به إلّا مع ذهاب عينه،كالخبز و الطعام و الفاكهة و غيرها من الأُمور التي هي مع الانتفاع غير باقية،بل تكون بمجرّده و معه تالفة.

و لا وقفُ ما انتفاعاته محرمة،كآلات اللهو و هياكل العبادة المبتدعة.

قالوا:و لا يعتبر في الانتفاع به كونه في الحال،بل يكفي المتوقّع، كالعبد و الجَحْش الصغيرين و الزمِن الذي يرجى زوال زمانته،و لعلّه لإطلاق الأدلّة.

و هل يعتبر طول زمان المنفعة؟إطلاق العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة و نسبه إلى الأكثر في الروضة (1)يقتضي عدمه،فيصحّ وقف ريحان يسرع فساده.و احتمل فيها اعتباره؛ لقلّة المنفعة،و منافاتها التأبيد المطلوب من الوقف.

و فيه نظر؛ للإطلاقات،و عدم ثبوت مانعيّة القلّة،لعدم الدليل على اشتراط الكثرة.و منافاة التأبيد المشترط له غير واضحة إن أُريد به الدوام ما دامت العين باقية؛ لحصوله في الفرض بالضرورة و إن كان مدة الدوام يسيرة.و إن أُريد به الدوام إلى انقراض العالم فهو فاسد بالبديهة،و إلّا لما تحقق وقف بالإضافة إلى ما لا يحصل فيه مثل هذا الدوام،و هو مخالف للإجماع،بل الضرورة.

و أن يكون مما يصحّ إقباضها لأكثر ما مرّ من الأدلّة،و منه الإجماع في الغنية (2)؛ مضافاً إلى ما مرّ من اشتراط القبض في الصحة،و هو

ص:121


1- الروضة البهية 3:175.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):602.

لا يحصل في غير مورد الشرط،فلا يصحّ وقف الطير في الهواء، و لا السمك في ماء لا يمكن قبضه عادةً،و لا الآبق و المغصوب و نحوها.

و لو وقفه على من يتمكن من قبضه فالظاهر الصحة،وفاقاً للروضة (1)؛ لأن الإقباض المعتبر من المالك إنما هو الإذن في قبضه و تسليطه عليه،و المعتبر من الموقوف عليه تسلّمه،و هو ممكن.

و حيث اجتمعت في العين الشرائط المزبورة صحّ وقفها مشاعة كانت أو مشتركة مقسومة بلا خلاف يظهر بين الطائفة،و به صرّح في المسالك و غيره (2)،بل عليه الإجماع في الغنية (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى العمومات و الإطلاقات السليمة عما يصلح للمعارضة؛ لتحقق الغاية المقصودة من الوقف فيه،و هو تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة،و لإمكان قبضه،كما يجوز بيعه و غيره من العقود،هذا.

و المعتبرة بجواز صدقة العين المشاعة مستفيضة:

منها الصحاح،في أحدها:عن دارٍ لم تقسّم فيتصدّق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار؟فقال:«يجوز» قلت:أ رأيت إن كان هبة،قال:

«يجوز» (4).

و في الثاني:عن صدقة ما لم يقسّم و لم يقبض؟فقال:«جائزة،إنما أراد الناس النحل فأخطئوا» (5).

ص:122


1- الروضة البهية 3:175.
2- المسالك 1:346؛ و انظر الحدائق 22:179.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):602.
4- الكافي 7:24/34،التهذيب 9:564/133،الوسائل 19:194 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 9 ح 1.
5- الكافي 7:6/31،التهذيب 9:571/135،الوسائل 19:195 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 9 ح 2.

و في الثالث:إنّ أُمّي تصدّقت عليّ بنصيب لها في دارٍ،فقلت لها:إن القضاة لا يجيزون هذا،و لكن اكتبيه شراءً،فقالت:أصنع في ذلك ما بدا لك و كلّ ما ترى أنه يسوغ لك،فوثقت فأراد بعض الورثة أن يستحلفني أني قد نقدتها الثمن و لم أنقدها شيئاً،فما ترى؟قال:«احلف له» (1)فتأمّل.

و منها الموثقات في أحدها:عن صدقة ما لم يقبض و لم يقسم قال:

«تجوز» (2).

و منها:عن دارٍ لم تقسّم فيتصدّق بعض أهل الدار بنصيبه؟قال:

«يجوز» (3)الحديث،و نحوهما الثالث (4).

و الخبران:في الرجل يتصدّق بالصدقة المشتركة،قال:«جائز» (5).

و قد مرّ شيوع إطلاق الصدقة على الوقف بحيث يظهر كونه على الحقيقة (6)،و لعلّه لذا ذكرها الشيخ في التهذيب و غيره في غيره في كتاب الوقف،فتعمّه هذه الروايات بترك الاستفصال.

ص:123


1- الفقيه 4:643/183،التهذيب 9:580/138،الوسائل 19:196 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 9 ح 5.
2- التهذيب 9:583/139،الإستبصار 4:395/103،الوسائل 19:197 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 9 ح 6.
3- التهذيب 9:589/140،الوسائل 19:194 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 9 ح 1.
4- التهذيب 9:621/152،الوسائل 19:196 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 9 ح 3.
5- الأول:الكافي 7:26/34،الفقيه 4:638/182،التهذيب 9:576/137،الوسائل 19:196 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 9 ح 4.الثاني:التهذيب 9:586/139،الوسائل 19:196 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 9 ح 4.
6- راجع ص 95.

و احتجّ على المخالف في الغنية بقوله عليه السلام لعمر في سهام خبير:

«حبّس الأصل و سبّل الثمرة» (1)قال:و السهام كانت مشاعة؛ لأن النبي صلى الله عليه و آله ما قسّم خيبر و إنما عدّل السهام (2).

و حكي الخلاف هنا عن بعض العامة؛ بناءً على دعواه عدم إمكان قبضه (3).

و الأصل ممنوع؛ فإن المشاع يصحّ قبضه كالمقسوم،لأنه إن كان هو التخلية فإمكانه واضح،و إن كان النقل فيمكن وقوعه بإذن الواقف و الشريك معاً.

الثالث في الواقف

الثالث:في ما يتعلق ب الواقف.

و يشترط فيه البلوغ،و كمال العقل،و جواز التصرف برفع الحجر عنه في التصرفات الماليّة،بلا خلاف.

فلا يصحّ من المحجور عليه لصغرٍ أو جنون أو سفه أو فلس أو نحو ذلك،و عليه الإجماع في الغنية (4)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأدلّة الدالّة على الحجر من الكتاب و السنة (5).

و لكن في صحة وقف من بلغ عشراً تردّد و اختلاف، فبين من صحّحه،كالطوسي و الإسكافي و التقي (6)،و من أفسده،كالديلمي

ص:124


1- عوالي اللآلي 2:14/260،المستدرك 14:47 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 2 ح 1،و في سنن ابن ماجة 2:2397/801،و سنن النسائي 6:232 بتفاوت يسير.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
3- حكاه في المغني لابن قدامة 6:266،و انظر الخلاف 3:542.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):602.
5- النساء:6؛ و انظر الوسائل 18:409 أبواب أحكام الحجر ب 1.
6- الطوسي في النهاية:611،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:510،التقي في الكافي في الفقه:364.

و الحلّي و الفاضلين و الشهيدين (1)،و لعلّه عليه كافّة المتأخّرين،و ربما يستفاد من الغنية (2)الإجماع عليه حيث ادّعاه على اشتراط مالكيّة الواقف للتبرّع،و هو ليس بمالك له بالإجماع؛ لثبوت الحجر عليه به و بالكتاب و السنة،و هذه الأدلّة هي الوجه في أحد شقّي التردّد.

و وجه الثاني هو أن المروي في المستفيضة جواز صدقته منها الموثقان،في أحدهما:«يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل،و صدقته و وصيّته و إن لم يحتلم» (3).

و في الثاني:عن صدقة الغلام ما لم يحتلم؟قال:«نعم إذا وضعها في موضع الصدقة» (4).

و الخبر:«إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنّه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدّق على وجه معروف و حق فهو جائز» (5).

و إطلاق الصدقة أو عمومها يشمل الوقف أيضاً؛ لما مضى،مضافاً إلى عدم القائل بالفرق ظاهراً.

و الأولى المنع عن الصحة؛ لقوة الأدلّة المانعة في نفسها،مع

ص:125


1- الديلمي في المراسم:203،الحلي في السرائر 3:206،المحقق في الشرائع 2:213،العلّامة في القواعد 1:267،الشهيد الأوّل لم يذكره في اللمعة و لم يرجّح أحد القولين في الدروس 2:263،الشهيد الثاني في المسالك 1:346.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):602.
3- التهذيب 9:733/182،الوسائل 19:212 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 15 ح 2.
4- التهذيب 9:734/182،الوسائل 19:212 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 15 ح 3.
5- الكافي 7:1/28،التهذيب 9:729/181،الوسائل 19:211 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 15 ح 1؛ بتفاوت يسير.

اعتضادها في خصوص المسألة بالشهرة العظيمة،و استصحاب الحالة السابقة،و ضعف النصوص المزبورة عن المقاومة لها من وجوه عديدة:

منها مضافاً إلى الشذوذ و الندرة قصور أسانيدها عن الصحة.

مع كون الثالثة بحسب السند ضعيفة،و الأُوليين ليس فيهما التقييد بالعشر سنين بالمرّة،و تقييدهما بالرواية الثالثة فرع المكافأة،و هي لضعفها مفقودة.

مع تضمّن أُولاها صحة الطلاق،و هي ممنوعة،كما سيأتي في بحث الطلاق إليه الإشارة.

و شيء من هذه الأُمور المزبورة و إن لم يقدح في الحجيّة بعد كون الأسانيد معتبرة،إلّا أن أمثالها بل و أدون منها في مقام التراجيح معتبرة.

و لا يكافئها اعتضاد النصوص المزبورة بالنصوص الأُخر على جواز وصيته،كالموثق:عن وصية الغلام هل تجوز؟قال:«إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيته» (1).

و الخبر:«إذا بلغ الغلام عشر سنين و أوصى بثلث ماله في حقٍّ جازت وصيّته،و إذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله بشيء (2)في حقٍّ جازت وصيّته» (3).

لقصور الإسناد فيهما عن الصحة كالسابقة؛ مضافاً إلى ضعف الثانية و تضمّنها جواز وصيّة البالغ سبعاً،و لم يقل به أحد من الطائفة،و إن هي حينئذٍ إلّا كما دلّ من النصوص على جواز أمره في ماله مطلقاً،و وجوب

ص:126


1- التهذيب 9:730/182،الوسائل 19:363 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 7.
2- في المصادر:باليسير.
3- الكافي 7:4/29،الفقيه 4:503/145،التهذيب 9:732/182،الوسائل 19:361 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 2.

الفرائض و إقامة الحدود عليه كذلك إذا بلغ ثمان سنين،و اتحاد الجارية معه في الحكمين إذا بلغت سبع سنين (1).

قال في المسالك،و لنعم ما قال:و مثل هذه الأخبار الشاذّة المخالفة لأُصول المذهب،بل إجماع المسلمين،لا تصلح لتأسيس هذا الحكم (2)، و بنحوه صرّح الحلّي (3).

و يجوز أن يجعل الواقف النظر في الموقوف لنفسه و يشترطه في متن العقد على الأشبه الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر، و نفى عنه الخلاف في التنقيح و المسالك (4)،و ادّعى عليه الإجماع في المختلف (5)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل،و العمومات كتاباً و سنة.

خلافاً للحلّي (6)،فمنع عن صحة هذا الشرط و أفسد به الوقف.و هو شاذّ،و مستنده غير واضح.

و يجوز أن يجعله لغيره قولاً واحداً؛ لعين ما مرّ من الأدلّة؛ مضافاً إلى التوقيع المتقدم إليه الإشارة (7)،و فيه:«و أمّا ما سألت من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة يسلّمها من قيّمٍ يقوم بها و يعمرها و يؤدّي من دخلها خراجها و مئونتها و يجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا،فإنّ ذلك لمن جعله صاحب الضيعة،إنما لا يجوز ذلك لغيره» .

ص:127


1- منها ما أورده في الوسائل 19:212 أبواب الوقوف و الصدقات ب 15 ح 4.
2- المسالك 1:346.
3- السرائر 3:206.
4- التنقيح الرائع 2:307،المسالك 1:346.
5- المختلف:492.
6- السرائر 3:156.
7- راجع ص 97.

و نحوه أخبار أُخر،منها:الصحيح المتضمّن لصدقة مولاتنا فاطمة عليها السلام بحوائطها السبعة و أنها جعلت النظر فيها لعليّ عليه السلام ثم للحسن عليه السلام ثم للحسين عليه السلام ثم للأكبر من ولدها (1).

و منها:الخبر المتضمّن لصدقة علي عليه السلام،و فيه:يقوم على ذلك الحسن عليه السلام ثم بعده الحسين عليه السلام ثم من بعده إلى من يختاره الحسين عليه السلام و يثق به (2)الحديث ملخّصاً.

و منها:الخبر المتضمّن لصدقة الكاظم عليه السلام بأرضه،و قد جعل الولاية فيها للرضا عليه السلام و ابنه إبراهيم ثم من بعدهم (3)،على الترتيب المذكور فيه.

و إن أطلق العقد و لم يشترط النظارة لنفسه و لا لغيره فالنظر لأرباب الوقف الموقوف عليهم.

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين كون الموقوف عليهم عامّاً أو خاصّاً،و ذكر شيخنا الشهيد الثاني (4)و تبعه جماعة (5)أنه يبنى الحكم هنا على انتقال الملك،فإن جعلناه للواقف أو للموقوف عليه مطلقا فالنظر له، و إن جعلناه للموقوف عليه إن كان معيّناً و للّه سبحانه إن كان عامّاً فالنظر في الأوّل إلى الموقوف عليه،و للحاكم الشرعي في الثاني؛ لأنّه الناظر العام

ص:128


1- الكافي 7:5/48،الفقيه 4:632/180،التهذيب 9:603/144،الوسائل 19:198 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 10 ح 1.
2- الكافي 7:7/49،التهذيب 9:608/146،الوسائل 19:199 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 10 ح 3؛ بتفاوت.
3- الكافي 7:8/53،الفقيه 4:647/184،التهذيب 9:610/149،الوسائل 19:202 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 10 ح 4.
4- المسالك 1:347،الروضة البهية 3:177.
5- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:308،و الفيض في المفاتيح 3:213،و السبزواري في الكفاية:141،و صاحب الحدائق 22:184.

حيث لا يوجد الخاصّ.و هو حسن و يصير الواقف حيث لا يكون النظر إليه بعد العقد كالأجنبي.

و حيث اشترط النظر لنفسه فقد اختلف الأصحاب في اعتبار عدالته على قولين،بعد اتّفاقهم على اعتبارها في الغير إذا اشترط النظر له.و الأصل يقتضي العدم فيه و في الغير أيضاً،إلّا أن اتّفاقهم عليه في الثاني كما في كلام جماعة قد حكي (1)أوجب تخصيصه،مع اعتضاده ببعض النصوص المتضمنة لصدقة الأمير صلوات اللّه عليه حيث قال في آخره بعد ذكر الحسن و الحسين عليهما السلام:«فإن حدث بهما حدث فإن الآخر منهما ينظر في بني علي،فإن وجد منهم من يرضى بهديه و إسلامه و أمانته فإنه يجعله إليه إن شاء..و إن لم ير فيهم بعض الذي يريد فإنه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب يرضى به،فإن وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم و ذوو آرائهم فإنه يجعله إلى رجل يرضى به من بني هاشم» (2)بل قد استدل به بعض الأجلّة (3).

و لكن المناقشة فيه واضحة،بل العمدة هو الاتفاق المحكي،إلّا أن بعضاً حكى الخلاف فيه أيضاً فقال:خلافاً لبعضهم (4).و في التحرير:لو جعل النظر للأرشد عمل بذلك،و لو كان الأرشد فاسقاً فالأقرب عدم ضمّ عدل إليه (5).

قالوا:و يشترط فيه مضافاً إلى العدالة الاهتداء إلى التصرف،و أنه لو

ص:129


1- انظر الكفاية:141،و الحدائق 22:184.
2- راجع ص:127.
3- كصاحب الحدائق 22:184.
4- كالسبزواري في الكفاية:141.
5- التحرير 1:289.

عرض له الفسق انعزل،فإن عاد عادت إن كان مشروطاً من الواقف.

و لا يجب على المشروط له القبول،و لو قبل لم يجب عليه الاستمرار؛ للأصل،و أنه في معنى التوكيل.و حيث يبطل النظر يصير كما لو لم يشترط.

و وظيفة الناظر مع الإطلاق العمارة،و الإجارة،و تحصيل الغلّة و قسمتها على مستحقّها،و لو فوّض إليه بعضها لم يتعدّه.و لو جعله لاثنين و أطلق لم يستقلّ أحدهما بالتصرف.

و ليس للواقف عزل المشروط له النظارة في العقد،و له عزل المنصوب من قبله لو شرط النظر لنفسه فولّاه؛ لأنه وكيله.

و لو آجر الناظر مدّة فزادت الأُجرة فيها،أو ظهر طالب بالزيادة لم ينفسخ العقد؛ لأنه جرى بالغبطة في وقته،إلّا أن يكون في زمن خياره، فيتعيّن عليه الفسخ حينئذٍ.

ثم إن شرط له شيء عوضاً من عمله لزم،و ليس له غيره،و إلّا فله اجرة المثل عن عمله مع قصده الأُجرة به و قضاء العادة بعدم تبرّعه به.

قالوا:و لا يجوز لغير الناظر التصرف فيه إلّا بإذنه و لو كان مستحقاً و الناظر غير مستحق؛ عملاً بالشرط.

و هو كذلك،إلّا أنه يشكل ذلك في الأوقاف العامة على المسلمين؛ للزوم تفويت كثير من أغراض الواقف،إلّا أن يقال:إذن حكّام الشرع في مثل ذلك معلوم بالقرائن.

الرابع في الموقوف عليه

الرابع:في ما يتعلق ب الموقوف عليه.

و يشترط وجوده أو إمكانه مع تبعيّته لموجودٍ حين العقد و تعيينه بالشخص،أو الوصف المميّز،كالمسلم أو المؤمن أو العالم،

ص:130

و نحو ذلك.

و أن يكون ممن يملك بلا خلاف فيه و في اشتراط أن لا يكون الوقف عليه محرّماً.

فلو وقف على من سيوجد من المعدوم المحض،أو غير ممكن الوجود في العادة،كالميت و إن جعل تابعاً،أو غير المعيّن،كأحد هذين الرجلين،أو المشهدين،أو رجل من بني آدم،أو نحو ذلك،أو من لم يكن قابلاً للتملّك،كالحمل و العبد،بناءً على الأصح الأشهر من عدم تملّكه مطلقاً أو ما عدا فاضل الضريبة لم يصحّ و الوجه في الجميع بعد الوفاق الظاهر المصرح به في الغنية (1)استلزام الوقف انتقال المنفعة خاصّة أو مع العين،و ليس أحد ممن تقدم بقابل للانتقال إليه.

نعم،العبد على القول بتملّكه يصحّ الوقف عليه إذا قبل مولاه و إن كان محجوراً عليه.

و حيث لا يصحّ الوقف عليه لا يكون وقفاً على سيّده عندنا،كما في ظاهر المسالك و صريح الروضة (2)؛ لعدم القصد إليه في العقد،فلا وجه لصرفه إليه.

و يستثنى منه العبد المعدّ لخدمة الكعبة و المشهد و المسجد،و نحوها من المصالح العامة،و نحوه الدابة المعدّة لنحو ذلك أيضاً؛ لأنه كالوقف على تلك المصلحة.

و منه يظهر الوجه فيما استثنوه أيضاً بلا خلاف يعرف من صحة

ص:131


1- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
2- المسالك 1:348،الروضة البهية 3:179.

الوقف على المساجد و القناطر،فإنه في الحقيقة وقف على المسلمين بحسب القصد و إن جعل متعلّقه بحسب اللفظ غيرهم مما لا يكون قابلاً للمالكية؛ إذ هو مصروف إلى مصالحهم،و إنما أفاد تخصيصه بذلك تخصيصه ببعض المصالح،و هو لا ينافي الصحة،كما لا ينافيها في الوقف على المساجد الخبران:

أحدهما المرسل:عن الوقوف على المساجد،فقال:«لا يجوز،فإن المجوس وقفوا على بيوت النار» رواه في الفقيه (1).

و الثاني القريب منه في قصور السند،و دونه في الدلالة على المنع، رواه في التهذيب (2).

لضعف إسنادهما،و شذوذهما،و احتمال حمل المساجد فيهما على نحو البيع و الكنائس مما يستلزم الوقف عليه الإعانة على الإثم المحرمة بالكتاب و السنة.

و لا وجه لحملهما على الكراهة بعد اتفاق الأصحاب في الظاهر على الاستحباب.

مع احتمال«لا يجوز» فيهما الاستفهام الإنكاري،فيكون مفاده حينئذٍ الجواز،و يكون المقصود من ذكر التعليل بيان جوازه على المساجد بطريق أولى،و وجه الأولوية لا يخفى.

و لا يصحّ على الزناة و العصاة من حيث هم كذلك؛ لأنه إعانة على الإثم و العدوان فيكون معصية محرمة،أما لو وقف على شخصٍ متّصفٍ

ص:132


1- الفقيه 1:720/154،الوسائل 5:291 أبواب أحكام المساجد ب 66 ح 1.
2- التهذيب 9:611/150،الوسائل 5:292 أبواب أحكام المساجد ب 66 ح 2،و رواها في الفقيه 4:648/185،و علل الشرائع:1/319.

بذلك لا من حيث كون الوصف مناط الوقف صحّ،سواء أطلق أو قصد جهة محلّلة.

و لو وقف على موجود ممن يصحّ الوقف عليه و بعده على من يوجد مثله صحّ بلا خلاف؛ للأصل،و العمومات،و حصول الشرط من الوجود في الابتداء و التبعيّة للموجود في الانتهاء.

و الوقف على البرّ مع الإطلاق و عدم تعيين وجه منها في متن العقد يصرف إلى الفقراء و وجوه القرب كنفع طلبة العلم،و عمارة المساجد و المدارس و القناطر و المشاهد،و إعانة الحاج و الزائرين،و أكفان الموتى،و نحو ذلك.

و في جواز صرفه في مطلق نفع المسلمين و إن كانوا أغنياء وجه قوي،اختاره جماعة (1)مع عدم مخالفٍ لهم في ذلك أجده؛ لعدم وجوب تحرّي الأكمل،للأصل،و صدق الموقوف عليه.

و لا يصحّ وقف المسلم على البِيَع و الكنائس أي معابد اليهود و النصارى،بلا خلاف،و به صرّح في التنقيح (2)،و لا ريب فيه و إن قلنا بجواز الوقف عليهم.

و لا يرد أنّ ما تقدّم في توجيه صحّة الوقف على المساجد من أنه وقف على المسلمين في الحقيقة يستلزم صحته عليهما كما يصحّ عليهم، لأن الوقف على كنائسهم و شبهها وقف على مصالحهم.

للفرق،فإن الوقف على المساجد مصلحة للمسلمين و هي مع ذلك

ص:133


1- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:351،و السبزواري في الكفاية:142،و الفيض في مفاتيح الشرائع 3:211.
2- التنقيح الرائع 2:312.

طاعة و قربة فهي جهة من جهات المصالح المأذون فيها،بخلاف الكنائس، فإن الوقف عليها وقف على جهة خاصّة من مصالح أهل الذمة،لكنّها معصية،لأنّها إعانة لهم على الاجتماع إليها للعبادات المحرّمة و الكفر، بخلاف الموقوف عليهم أنفسهم،لعدم استلزامه المعصية بذاته،إذ نفعهم من حيث الحاجة و أنهم عباد اللّه سبحانه و من جملة بني آدم المكرمين و من يجوز أن يتولّد منهم المسلمون لا معصية فيه،و ما يترتب عليه من إعانتهم به على المحرّم كشرب الخمر و أكل لحم الخنزير و الذهاب إلى تلك الجهات المحرّمة ليس مقصوداً للواقف حتى لو فرض قصده له لحكم ببطلانه.

و مثله الوقوف عليهم لكونهم كفّاراً،فلا يصحّ،كما لا يصحّ الوقف على فَسَقة المسلمين من حيث هم فَسَقة.

و لو وقف على ذلك أي البيع و الكنائس الكافر الذي يعتقد صحة الوقف عليهما و يحصل منه بمعتقده التقرّب به إلى اللّه تعالى صحّ على الأصحّ،وفاقاً للمفيد و القاضي و الفاضل و المقداد (1)في الشرح (2)،إقراراً لهم على دينهم،مع أنه لا بدّ لهم من معبد،و أنه لم أقف فيه على مخالفٍ عدا الماتن هنا،فقال: و فيه وجه آخر هو العدم،كما صرّح به بعد أن سئل عنه،قال:لتعذّر نيّة القربة من الكافر،و هي شرط في صحة الوقف.

و فيه نظر؛ لمنع التعذر منه على الإطلاق؛ لاختصاصه بالمعطّلة

ص:134


1- في«ح»:و الفاضل المقداد.
2- المفيد في المقنعة:654،القاضي في المهذب 2:92،العلّامة في القواعد 1:268،المقداد في التنقيح الرائع 2:312.

و الدهريّة.

و ربما يحكى عن الأوّلين جواز وقف الكافر على نحو بيوت النيران (1).خلافاً للإسكافي (2)،و وافقه الفاضل و المقداد (3)،فصرّحوا بالمنع.

و لا يقف المسلم على الحربي مطلقا و لو كان له رحماً قريباً،وفاقاً للديلمي و القاضي (4)،بل نسبه في المسالك إلى المشهور (5)مؤذناً بعدم الخلاف فيه،و نحوه في عدم ظهور الخلاف فيه التنقيح (6).

و فيه نظر،فإن كلمة قدماء الأصحاب المختلفة المحكية في المسألة الآتية مطلقة في الكافر،إلّا كلام المبسوط (7)،فاختصّ بأهل الذمّة،و بهما اعترف في المسالك (8).

و لعلّ الوجه في تخصيص جملة من المتأخّرين (9)عبائرهم بأهل الذّمة أن الوقف إذا وجب الوفاء به حرم تغييره و نقله عن وجهه،و مال الحربي في للمسلمين،يصحّ أخذه و بيعه،و لا يجب دفعه إليه،لأنه غير مالك،كما صرّحوا به في الوصيّة،و هو ينافي صحته،و لا كذلك الذمّي.

ص:135


1- المقنعة:654،المهذب 2:92.
2- حكاه عنه في المختلف:496.
3- العلّامة في المختلف:496،المقداد في التنقيح 2:312.
4- الديلمي في المراسم:198،القاضي في المهذب 2:88.
5- المسالك 1:348.
6- التنقيح 2:312.
7- المبسوط 3:294.
8- المسالك 1:348.
9- منهم:الشهيد الأول في الدروس 2:275،و الشهيد الثاني في الروضة البهية 3:179،و السبزواري في الكفاية:143.

قيل:و فيه نظر،فإن تحريم تغييره من حيث الوقف لا ينافيه من حيثيّة أُخرى هي جواز التصرف في مال الحربي بأنواع التصرفات المستلزم لتغييره (1).

(و فيه مناقشة يظهر وجهها مما سنذكره في كتاب الوصية في بحث تشابه المسألة و مقتضاه و مقتضى غيره مما نذكره ثمة فساد الوقف في المسألة و لا يخلو عن قوة لكن المحكي عن مجمع البيان الإجماع على جواز أن يبر الرجل إلى من يشاء من أهل الحرب قرابة كان أو غير قرابة قال و إنما الخلاف في إعطائهم مال الزكاة و الفطرة و الكفارات فلم يجوزه أصحابنا و فيه خلاف بين الفقهاء و لا ريب أن الوقف عليهم من جملة البر و يمكن الذب عنه بتخصيصه بغير الوقف و نحوه مما يشترط فيه قابلية الموقوف عليه للتملك و هي هنا غير حاصلة قطعا أو احتمالا موجبا للشك في الشرط جدا و معه لا يمكن القطع بوجود المشروط أصلا فتأمل جدا و بالجملة فعدم الصحة فيهم أقوى) (و فيه نظر لابتناء الوجه على عدم مالكية الحربي فكيف يصح مع ذلك الوقف عليهم لأنه إما تمليك عين أو منفعة و ليس بمالك لهما بمقتضى الفرض

ص:136


1- المسالك 1:348.

و ما ذكر في الجواب مبني على تملكه و هو كما عرفت في محل المنع نعم ربما يتوجه النظر بمنع دعوى عدم مالكية أهل الحرب و الإجماع على كون مالهم فيئا للمسلمين لا يدل على صحة الدعوى فقد يكون ملكهم متزلزلا مراعى إلى استيلاء يد المسلم فإن تحقق خرج عن ملكهم و إلا فلا و حينئذ فلا مانع من تملكهم العين الموقوفة أو منفعتها بعقد الوقف و خروجها عن ملكهم باستيلاء يد الواقف أو غيره عليها من حيث كونها ملك أهل الحرب و أخذ الواقف لها بالاستيلاء من هذه الحيثية لا ينافي الصحة من حيث الوقفية لظهور ثمرة الصحة فيما لو نذر وقفا صحيحا في الشريعة و وقف عليهم فيبرأ في نذره و إن جاز له أخذ العين الموقوفة من حيث الحربية و هذا الوجه و إن صلح ردا لوجه التخصيص إلا أنه لا يستفاد منه دليل على صحة الوقف بل يتوقف على دليل على أي تقدير و هو مفقود لعدم عموم أو إطلاق ينفع و الأصل الفساد و على تقدير تسليم العموم كما هو الظاهر منهم حيث عللوه بوجود المانع و هو عدم المالكية لا عدم المقتضي كما قلنا فيشكل الحكم بالفساد إلا أن يقال باتفاقهم على اشتراط مالكية الموقوف عليه و هي هنا إما منتفية أو مشكوك فيها غير معلومة و الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط فيبقى أصالة الفساد بحالها باقية فالقول به مطلقا كما في العبارة في غاية القوة سيما مع دعوى الصيمري نفي الخلاف عنه في الأجانب منهم كالشيخ في الخلاف في الوصية و المسألتان متشابهتان بلا شبهة)

ص:137

و يقف المسلم على الذمّي و لو كان أجنبيّا للعمومات،مثل:

«الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» (1)«و:لكلّ كبدٍ حرّى أجر» (2)و قوله تعالى لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [1] (3)بالمودّة.

و في الجميع نظر؛ لاختصاص الأوّل بالوقوف الصحيحة المتضمنة لشرائط الصحة التي منها قصد القربة،و في إمكانها على الإطلاق مناقشة،إذ هي فرع الأمر بالوقف أو مطلق الصدقة و المبرّة عليهم،و لا أثر منه في الشريعة لا في كتاب و لا سنة،فكيف يقصد التقرّب إلى جنابه سبحانه بشيء لم يرد منه فيه أمر أو حثّ و ترغيب بنحو ممّا ورد في المستحبات الشرعية.

و به يظهر الجواب عن الدليلين الأخيرين،فإن غايتهما الدلالة على ثبوت الأجر و عدم النهي عن المودّة،و هما لا يستلزمان الأمر بالوقف أو المودّة حتى يتحقّق فيه قصد القربة المشترطة في الصحة.

مع معارضتهما بعموم دليل المنع و هو قوله سبحانه لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ [2] (4)هذا.

مع أني لم أجد لهذا القول عدا الماتن هنا و في الشرائع (5)قائلاً،و إن

ص:138


1- الكافي 7:34/37،الوسائل 19:175 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 2 ح 2.
2- مسند أحمد 2:222،و ج 4:175،سنن ابن ماجة 2:3686/1215،الجامع الصغير 2:5958/228.
3- الممتحنة:8.
4- المجادلة:22.
5- الشرائع 2:214.

عدّه كثير من أصحابنا قولاً (1)،و ذلك فإن كلمة الأصحاب المحكية في المسألة ليست في الجواز مطلقة،بل هي ما بين مخصِّص له بالأقارب،كما عن الشيخين و ابني حمزة و زهرة و الحلبي (2)،أو بالوالدين خاصّة،كما عن الحلّي (3).

فهذا القول ضعيف غايته،كالقول بالمنع مطلقا،كما عمّن تقدّم في المسألة السابقة (4)،لعدم دليل عليه سوى إطلاق الآية المانعة،و عدم إمكان القربة،و ليسا بحجّة.

فالأوّل:بلزوم تقييده بما سيأتي من الأدلّة،مع معارضته بعموم الآية الأُولى المجوّزة،المعتضدة بما سبقها من الرواية،مع أنه قال جماعة فيه (5):بأن الظاهر أن النهي عن الموادّة إنّما هو من حيث كونه محادّا للّه و رسوله،و إلّا لحرم اللطف و الإكرام،و هو فاسد؛ لإجماع الطبرسي المتقدم إليه الإشارة (6).

و الثاني:بمنعه على إطلاقه،بل هو متّجه فيما عدا الأقارب،حيث لم يرد الأمر بالمودّة إليهم و الترغيب في صلتهم،و أما هم فيتأتّى قصد القربة

ص:139


1- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح 2:313،و الفيض في المفاتيح 3:209،و صاحب الحدائق 22:192.
2- المفيد في المقنعة:653،الطوسي في المبسوط 3:294،ابن حمزة في الوسيلة:370،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603،الحلبي في الكافي:326.
3- السرائر 3:156.
4- الديلمي في المراسم:198،القاضي في المهذّب 2:88.
5- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:50،و الشهيد الثاني في المسالك 1:348،و الفيض في المفاتيح 3:209 و صاحب الحدائق 22:195.
6- راجع ص:135.

بالوقف عليهم،لورود الأمرين في حقّهم،سيّما الوالدين،فقد قال اللّه تعالى وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً [1] (1).مع أنه يستفاد من القائل بهذا و كذا الحلّي ورود الرواية بالجواز على ذي القرابة مطلقا (2)،كما عليه الشيخان و من تبعهما.

و هو أقوى؛ لما مضى،بل ظاهر الغنية عدم الخلاف فيه أصلاً، و ادّعى الإجماع عليه في الخلاف صريحاً.

و قصور سند الرواية مجبور بعمل هؤلاء العظماء من قدماء الطائفة، و كذا الدلالة،مع بُعد خطأ هؤلاء النقلة فيها البتة،هذا.

و كثير من النصوص الظاهرة في صحة الوقف على الأقارب شاملة للمسألة بإطلاقها أو عمومها،الناشئ من ترك الاستفصال عنهم بأنهم مسلمون أو كفرة،و هي و إن كان في صلوحها للحجية مناقشة،إلّا أنّها للتأييد و التقوية صالحة،بل يأتي على قاعدة بعض المشايخ صلوحها للحجّية و الدلالة.

و منه يظهر فساد القول الأخير،مع موافقة قائله في بعض كلماته الشيخين في التعدية إلى ما عدا الوالدين،و إن منع عنهما مرّتين،و لذا نسبه الأصحاب إلى اضطرابه في البين،و تردّده في اختياره أحد هذين القولين، هذا.

و مما ذكرناه من الأدلّة منعاً و جوازاً يظهر وجه التعدية للحكم إلى سائر معاندي الحق،و إن اختصّ كلام الجماعة بالكفرة،المتبادر منهم من ليس لهم من الإسلام حظّ بالمرّة.و بهذا التعميم صرّح في الغنية و التقي

ص:140


1- لقمان:15.
2- السرائر 3:160.

و المقداد في الشرح (1)،نافياً الأوّل بعده الخلاف،و هو لازم لكلّ من اشترط القربة.

و لو وقف المسلم على الفقراء أو العلماء،أو نحوهما مما يدل على وصف مع العموم لغة انصرف إلى ذي الوصف من فقراء المسلمين و علمائهم.

و لو كان الواقف المتلفظ بتلك اللفظة كافراً انصرف إلى ذي الوصف من فقراء نحلته و ملّته.

بلا خلاف أجده؛ عملاً بالعرف،و شهادة الحال و العادة،فيخصّص بها ما يقتضيه اللفظة من العموم لكل فردٍ فردٍ لغة،بناءً منهم على تقديم العرف عليها مطلقا.

و يأتي على مذهب من عكس،التعميم مطلقاً و لو إلى غير ذي الوصف من نحلته.

و هو مع مخالفته الإجماع هنا ظاهراً محجوج بما تقرّر في محله.

مضافاً إلى اختصاص الخلاف في تقديم أحدهما على الآخر بكلام الشارع لا نفس العرف؛ لتقدّم اصطلاحه على اللغة و الشرع إجماعاً.

مع أن إرادة ذي الوصف من نحلته ليست من حيث كونه حقيقة فيه دون غيره في عرف الواقف،بل من حيث شهادة الحال بإرادته خاصّة،و إن ذلك إلّا من قبيل إرادة بعض أفراد الحقيقة بمعونة القرينة و إن عمّت اللفظة في عرف المتكلم بل و غيره غير ذلك الفرد،فتدبّر.

و هذا يتمّ مع تحقّق دلالة العرف و شهادة الحال به،فلو انتفت أو

ص:141


1- الغنية(الجوامع الفقهية):603،التقي في الكافي:326،المقداد في التنقيح الرائع 2:313.

شكّ فيها وجب التعميم لجميع من يتّصف بوصف الموقوف عليهم؛ رجوعاً إلى حقيقة اللفظة التي هي الأصل،مع سلامتها عن المعارض أصلاً، إلّا أن ثبوتها لما كان ظاهراً أُطلق العبارة كغيرها الانصراف إلى ذي الوصف من نحلته.

و مقتضى هذه القاعدة انصراف الوقف إلى ذي الوصف من أهل مذهب الواقف لا مطلقا،فلو وقف إمامي على الفقراء انصرف إلى فقراء الإمامية دون سائر طوائف الإسلام الباطلة،و كذا في صورة العكس،و لعلّه مراد الأصحاب و إن كانت عبائرهم مطلقة،لكن سيأتي من الخلاف ما ربما ينافيه.

و حيث انصرف إلى المسلمين أو صرّح بالوقف عليهم احتيج إلى معرفتهم و بيان المراد منهم،و لذا قال: و المسلمون من صلّى إلى القبلة و فسّر في المشهور بمن اعتقد الصلاة إليها و إن لم يصلّ لا مستحلا.

خلافاً للمفيد (1)،فاعتبر فعليّة الصلاة إليها،بناءً منه على أن العمل جزء من الإسلام.

و لا فرق عندهم بين كون الواقف محقّاً أو غيره؛ تبعاً لعموم اللفظ.

خلافاً للحلّي (2)،فخصّهم بالمؤمنين إذا كان الواقف منهم؛ عملاً بشهادة الحال،كما لو وقف على الفقراء.

و يضعّف بأن تخصيص عامّ لا يقتضي تخصيص آخر،و منعِ شهادة الحال،و قيام الفرق بين الفقراء و المسلمين،فإن إرادة الوقف على جميع الفقراء على اختلاف آرائهم و تباين مقالاتهم و معتقداتهم بعيد،بخلاف

ص:142


1- المقنعة:654.
2- السرائر 3:160.

إرادة فِرَق المسلمين من إطلاقهم،فإنه أمر راجح شرعاً مطلوب عرفاً.

و في الجميع نظر؛ لمنع أن تخصيص عام لا يقتضي تخصيص آخر بعد اشتراكهما في الوجه المخصّص و هو شهادة الحال،و منعها لا وجه له، سيّما على إطلاقه.

و دعوى قيام الفرق بما ذكر غير واضحة؛ لجريان ما ذكره في الفقراء من بُعد انصراف الوقف من المسلم إلى جميعهم لاختلاف آرائهم في المسلمين أيضاً،لوجود الاختلاف في الآراء و التباين في المعتقدات فيهم أيضاً.

و دعوى رجحان الوقف على مخالفي الحق من سائر فِرَق المسلمين شرعاً و مطلوبيته عرفاً غير نافعة جدّاً بعد قيام المخصِّص،كما قدّمنا،مع أن جماعة كالتقي و ابن زهرة و الفاضل المقداد في التنقيح (1)أفسدوا الوقف من المحقّ على غيره،و قد مرّ أن ذلك لازم لكل من يشترط القربة في الصحة، فما ذكره الحلّي لا يخلو عن قوة.

هذا على تقدير صحة الوقف منه عليه،و إلّا كما اخترناه سابقاً من عدم الصحة تبعاً لهؤلاء الجماعة فينبغي القطع بمقالته؛ إذ الإطلاق و العموم ليسا بأبلغ من التصريح،و معه يفسد،فكذا معهما.

كما أن بيان انصراف الفقراء إلى المسلمين خاصّة حيث يكون الواقف مسلِماً إنما هو على تقدير صحة الوقف من المسلم على الكافر مطلقاً أو في الجملة،و على تقدير فساده بالكلية لم يحتج إلى هذا البيان؛ لفساد الوقف فيه بالإضافة إليه من أصله.

ص:143


1- التقي في الكافي:326،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603،التنقيح الرائع 2:313.

و على مذهب الأكثر استثنى جماعة منهم الغلاة و الخوارج و غيرهما من فِرَق الإسلام المحكوم بكفرهم شرعاً.و لا ريب فيه على ما اخترناه، و يأتي على غيره احتمال عدم الاستثناء،لصدق الاسم عرفاً،إلّا أن يكون هناك شاهد حال على الاستثناء فيستثنى.

و المؤمنون حيث يوقف عليهم الاثنا عشرية القائلون بإمامة الأئمة الاثني عشر سلام اللّه عليهم و هم الإمامية الآن،الذين لا يعتبر في صدق الإمامية عليهم اجتنابهم الكبائر اتفاقاً،كما حكاه في التنقيح و المسالك و الروضة (1)،و فيها عن الدروس (2)انسحاب الخلاف الآتي في المؤمنين فيهم.

و ليس كذلك بالإجماع،و إشعار أدلّة المعتبر للاجتناب عنها في الإيمان باختصاص اعتباره فيه دون الإمامي.

و كيف كان،ما اختاره الماتن من اشتراك المؤمن و الإمامي في عدم اعتبار الاجتناب عن الكبائر في حقيقتهما مختار الطوسي في التبيان (3)، قائلاً:إنه كذلك عندنا،و اختاره الديلمي و الحلّي (4)،و عليه كافّة المتأخّرين.

و قيل: كما عن النهاية و المفيد و القاضي و ابن حمزة (5)هم مجتنبو الكبائر منهم خاصّة فلا يشمل الوقف عليهم الفسقة.

ص:144


1- التنقيح 2:316،المسالك 1:349،الروضة 3:182.
2- الدروس 2:272.
3- التبيان 2:81.
4- الديلمي في المراسم:198،السرائر 3:161.
5- النهاية:597،المفيد في المقنعة:654،القاضي في المهذب 2:89،ابن حمزة في الوسيلة:371.

و منشأ الاختلاف هو الاختلاف بين النصوص،و الجمع بينها يقتضي المصير إلى الأوّل.

و الأولى الرجوع إلى عرف الواقف و شهادة حاله،حتى لو كان ممن يذهب إلى الثاني و ظهر من القرائن الأحوال إرادته مطلق الإمامي عمّ مجتنبي الكبائر و غيرهم،و إذا جهل عرفه و انتفت القرائن فالمذهب الأوّل،و إن كان الأحوط الثاني.

ثم كلّ ذا إذا كان الواقف منهم،و يشكل فيما لو كان من غيرهم،و إن كان إطلاق العبارة كغيرها من العبائر يقتضي عدم الفرق،لعدم معروفيّة الإيمان بهذا المعنى عنده فلم يتوجّه منه القصد له فكيف يحمل عليه.

و ليس الحكم فيه كالمسلمين في عموم اللفظ و الانصراف إلى كلّ ما دلّ عليه و إن خالف معتقد الواقف،كما مرّ على تقدير صحته؛ لأن الإيمان لغة هو مطلق التصديق،و ليس هنا بمراد إجماعاً،و اصطلاحاً يختلف بحسب اختلاف المصطلحين،و معناه المعتبر عند أكثر المسلمين هو التصديق القلبي بما جاء به النبي صلى الله عليه و آله،و يعبّر عنه بالإيمان بالمعنى العام،و الأوّل أي المرادف للإمامي الذي هو مورد العبارة بالخاص،فلو قيل بحمله عليه في محل الإشكال كان غير بعيد إذا لم يكن ثمّة شاهد حال،و إلّا كان متّبعاً بلا إشكال.

و لو وقف على الشيعة انصرف إلى من شائع عليّاً عليه السلام و قدّمه على غيره في الإمامة،و إن لم يوافق على إمامة باقي الأئمة عليهم السلام بعده.

فيدخل فيهم الإمامية و الجارودية من الزيدية،و الإسماعيلية غير الملاحدة منهم،و غيرهم من الفرق الآتية.

ص:145

و خصّ الجارودية من فِرَق الزيدية لأنه لا يقول منهم بإمامة علي عليه السلام دون غيره من المشايخ سواهم،فإن الصالحية منهم و السليمانية و البترية يقولون بإمامة الشيخين و إن اختلفوا في غيرهما.

و انصراف الشيعة إلى هاتين الطائفتين هو المشهور بين الأصحاب، محكيّ عن الشيخين و القاضي و الديلمي و ابن حمزة (1)؛ لعموم اللفظ.

خلافاً للحلّي و التذكرة (2)،فيتبع مذهب الواقف،فلو كان من الإمامية انصرف وقفه إليهم خاصة،و كذا لو كان من الجارودية انصرف وقفه إليهم، و هكذا لو كان من سائر الفرق الباقية ينصرف وقفه إلى أهل مذهبه؛ عملاً بشاهد الحال.و لا ريب فيه،بل و لعلّه لا كلام مع حصوله،و إلّا فاللازم دوران الأمر مدار اللفظ و عمومه.

و إطلاق العبارة و غيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين الوقف عليهم في الأزمنة القديمة أو نحو هذه الأزمنة الحادثة.

و هو في الأخير محلّ مناقشة؛ لصيرورة الشيعة في زماننا هذا و ما ضاهاه حقيقة في الاثني عشرية خاصّة،بل لا يكاد يخطر ببال أحد من أهله صدق الشيعة على غيرهم من الفرق الباقية،و لو بالمجاز دون الحقيقة،بل حيث ما يطلق فيه ينصرف إليهم دون غيرهم البتة،و يقابل بهم خاصّة أهل السنة،و هذا أوضح شاهدٍ و أفصح قرينة على انصراف الوقف على الشيعة في مثل هذا الزمان إلى الاثني عشرية كائناً الواقف من كان.

و بما ذكرنا تفطّن بعض من عاصرناه من علمائنا الأعيان،فاعترض

ص:146


1- المفيد في المقنعة:654،الطوسي في النهاية:598،القاضي في المهذب 2:89،الديلمي في المراسم:198،ابن حمزة في الوسيلة:371.
2- الحلي في السرائر 3:162،التذكرة 2:430.

الأصحاب بذلك (1).

و يمكن الاعتذار عنهم بأن مقصودهم متابعة اللفظ و عمومه حيث لا يكون ثمّة قرينة حال،و إلّا فلا ريب في وجوب اتّباعها حيث حصلت على كلّ حال،و ينبّه عليه ما مرّ من القاعدة في انصراف الوقف على الفقراء إلى فقراء نحلة الواقف (2).

و لو وقف على الزيدية انصرف إلى كل من يقول بإمامة زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام و من خرج من ولد فاطمة عليها السلام عالماً زاهداً شجاعاً داعياً إلى نفسه بالسيف،و لذا قالوا بإمامة زيد دون أبيه علي بن الحسين عليهما السلام،لعدم قيامه.

و لا فرق في ذلك بين كون الواقف إماميّاً أو غيره عند الشيخين (3).

و تبعهما الأكثر؛ بناءً منهم على صحة الوقف من الإمامي على أمثال هذه الطوائف.و يأتي على المختار و مذهب من تقدّم من علمائنا الأبرار فساد الوقف منه عليهم (4)،و به صرّح الحلّي هنا (5)،و هو لازم لمن يشترط القربة،كما قدّمناه.

و نحو هذا الكلام في الوقف على الفطحية و هم كلّ من قال ب -إمامة الأفطح عبد اللّه بن جعفر بن محمّد عليهما السلام،و سمّي بذلك لأنه قيل:كان أفطح الرأس (6).

ص:147


1- الحدائق 22:207.
2- راجع ص:140.
3- المفيد في المقنعة:655،الطوسي في النهاية:598.
4- راجع ص:4575.
5- السرائر 3:163.
6- انظر المقالات و الفرق:87.

و قال بعضهم:إنه كان أفطح الرجلين (1).و قيل:إنهم سمّوا فطحية لأنهم نسبوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له:عبد اللّه بن فطيح (2).

و على الإسماعيلية و هم كل من قال ب إمامة إسماعيل بن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام بعده،قيل:

و هم فِرَق.

و على الناووسية و هم كل من وقف في عداد الأئمة على جعفر بن محمّد عليهما السلام،و قالوا:إنه حيّ لن يموت حتى يظهر و يظهر أمره،و هو القائم المهدي.

و عن الملل و النحل:أنهم زعموا أن عليّاً عليه السلام مات و ستنشق الأرض عنه قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلاً (3).

قيل:نسبوا إلى رجل يقال له:ناووس (4).و قيل:إلى قرية يقال لها ذلك (5).

و على الواقفية و هم كل من وقف في الإمامة على موسى بن جعفر عليهما السلام و ينكر موته،و يدّعي أنه قائم الأئمة عليهم السلام، و سمّوا في بعض الأخبار بحمير الشيعة،و في آخر منها بالكلاب الممطورة (6).

و على الكيسانية و هم كل من قال بإمامة محمّد بن

ص:148


1- كما في الإرشاد للمفيد:286،و فرق الشيعة:78،و المقالات و الفرق:87.
2- حكاه المفيد في الإرشاد:286.
3- الملل و النحل:273.
4- المقالات و الفرق:80.
5- الملل و النحل:273.
6- رجال الكشّي 2:761.

الحنفية بعد الحسين عليه السلام و أنه حيّ غائب في جبل رضوى و ربما يجتمعون ليالي الجمعة في الجبل و يشتغلون بالعبادة على ما حكي،و هم أصحاب مختار بن أبي عبيدة المشهور،و يقال:إن لقبه كان كيسان (1)، و قيل:و منشأه أن أمير المؤمنين عليه السلام قال له:يا كيّس يا كيّس،و هو طفل قاعد في حجره (2).

و كذا لو وصفهم الواقف بنسبة إلى عالم كان لمن دان و قال بمقالته و مذهبه كالحنفية و المالكية و الشافعية و الحنبلية.

و هذه ضابطة كلّية في جميع هذه المسائل،لكن مع اتّفاق العرف أو الاصطلاح لا كلام في انصرافه إليه،و مع التعدّد يحمل على المتعارف عند الواقف،و بهذا يتخرّج الحكم و الخلاف في الجميع.

و لو نسبهم إلى أب كالأمثلة الآتية كان الوقف منصرفاً لمن انتسب إليه أي إلى ذلك الأب بالأبناء،دون البنات على الأشهر بين عامة من تأخّر.

خلافاً للمرتضى و ابن زهرة (3)،فألحقا المنتسبين إليه بالبنات بالمنتسبين إليه بالأبناء في انصراف الوقف إليهم أيضاً،و ادّعى الأخير هنا عليه إجماعنا.

و تمام التحقيق مع ذكر الخلاف في المضمار يطلب من كتاب الخمس (4).

ص:149


1- قال به في المقالات و الفرق:21.
2- انظر رجال الكشي 1:341.
3- المرتضى حكاه عنه في المختلف:498،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603.
4- راجع ج 5 ص 247.

و ذلك ك الوقف على الطائفة العلوية و الهاشميّة فينصرف الوقف إلى مَن وَلَده علي و هاشم بأبيه،أي من اتّصل إليهما بالأب و إن علا، دون الاُمّ على الأشهر،و يعمّ المنتسب إليهما بالأُمّ أيضاً على القول الآخر.

و يتساوى فيه أي في ذلك الوقف استحقاقاً و قدراً الذكور و الإناث من أولاد البنين،و البنات إن قلنا بانصراف الوقف إليهم، بلا خلاف،قيل:و لا إشكالٍ (1)،و إن وقع بلفظ الذكور كالهاشميين و العلويين؛ فإن اللفظ حينئذٍ يشمل الإناث تبعاً،كما تناولهنّ في جميع الخطابات الواقعة في التكليف في الكتاب و السنة،و لصدق إطلاقه على الإناث فيقال فلانة علوية أو هاشمية أو تميمية و نحوه.

و المناقشة فيهما على إطلاقهما واضحة،إلّا أن يتمّم الأوّل بالاستقراء،لكن في إفادته المظنّة التي يطمئنّ إليها مناقشة.

و كيف كان،الإجماع بنفسه حجّة واضحة قد كفتنا مئونة الاشتغال بطلب توجيهٍ لتصحيح هذه الأدلّة،أو الفحص عما سواها من الحجج الأُخر الشرعية.

و إذا وقف على قومه انصرف إلى أهل لغته في المشهور بين الأصحاب،و إن اختلفوا في الإطلاق،كما هنا و عن الديلمي (2)،أو التقييد بالذكور منهم خاصة دون الإناث،كما عن الشيخين و القاضي و ابني حمزة و زهرة العلوي (3).

ص:150


1- المسالك 1:350.
2- المراسم:198.
3- المفيد في المقنعة:655،الطوسي في النهاية:599،القاضي في المهذب 2:91،ابن حمزة في الوسيلة:371،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603.

و مستندهم في أصل الحكم غير واضح،عدا ما يستفاد من الحلّي و التنقيح (1):من أن به رواية،و ربما يفهم من الغنية أن عليه و على التقييد إجماع الإمامية.

خلافاً للحلبي (2)،فأوجب الرجوع إلى المعلوم من قصده مع إمكانه، و إلّا فإلى المعروف في ذلك الإطلاق عند قومه.و لا ريب فيه مع إمكانه، و إنما الإشكال مع عدمه.

و للحلّي (3)،فصرفه إلى الرجال من قبيلته ممن يطلق العرف بأنهم أهله و عشيرته،دون من سواهم؛ استناداً في التخصيص بالأهل و العشيرة إلى شهادة اللغة بذلك و العادة،و في تخصيصهم بالذكور بقوله سبحانه لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ [1] .. وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ [2] (4)و قول زهير:

و ما أدري و سوف إخال أدري أقوم أهل حصنٍ أم نساءٌ و لا ريب أنه أحوط إذا كان عشيرته من أهل لغته و لم يكن ثمّة شاهد حال يصرف الوقف إلى غيرهم؛ بناءً على ما سيأتي من عدم وجوب صرف الموقوف إلى جميع الموقوف عليهم،فلو صرف في عشيرته من أهل لغته عمل بالوقف قطعاً،لكونهم موقوفاً عليهم على جميع الأقوال.

و يشكل إذا كان عشيرته من غير أهل لغته،أو وجد شاهد حال يصرف الوقف إلى غيرهم مع عدم تعيّنهم.و الأولى فيه الرجوع إلى ما ذهب إليه المشهور؛ و وجهه بعد ما عرفت من الرواية،و إمكان فهم

ص:151


1- الحلي في السرائر 3:163،التنقيح 2:319.
2- الكافي في الفقه:327.
3- السرائر 3:164.
4- الحجرات:11.

الإجماع عليه من الغنية (1)في غاية الظهور،لانجبار قصورهما في محلّ الإشكال بفتوى المشهور،مع السلامة فيه عن قرائن الأحوال المرجّحة عليهما بمقتضى القواعد المقررة.

و إذا وقف على عشيرته انصرف إلى الخاص من قومه الذين هم الأدْنون و القريبون منه في نسبه كما عن الشيخين و الديلمي و القاضي و الحلّي (2)خلافاً للحلبي (3)،فكما مرّ.

و لا ريب فيه مع إمكانه،كما ظهر،و إنما الإشكال فيه مع العدم.

و الأقوى فيه الأوّل؛ للشهرة،مع ما في الغنية و عن الكيدري (4)من أن لهم عليه رواية،و قصور السند و احتمال عدم الدلالة مجبور في محلّ الإشكال بالشهرة و تعدّد نَقَلة الرواية،لبُعد خطائهم في الفهم بالبديهة.

و يرجع في الجيران إذا وقف عليهم إلى العرف لأنه المحكّم فيما لم يرد به من الشرع بيان،و لكن لم أقف له على قائل به عدا الماتن هنا و الفاضل في جملة من كتبه (5).و لا ريب فيه مع معلوميته و شهادة الحال بانصراف الوقف إليه،و لعلّه لا نزاع فيه أيضاً،بل هو مختص بصورة فقد الشاهد عليه.

و الأقوى فيه ما قيل من أنه هو من يلي داره أي دار الواقف إلى أربعين ذراعاً بالذراع الشرعي من كل جانبٍ،كما عن

ص:152


1- راجع ص:149.
2- المفيد في المقنعة:655،الطوسي في النهاية:599،الديلمي في المراسم:198،القاضي في المهذب 2:91،الحلي في السرائر 3:164.
3- الكافي في الفقه:327.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):603،و حكاه عن الكيدري في المختلف:494.
5- انظر القواعد 1:268،و التذكرة 2:439،و التحرير 1:288.

الشيخين و القاضي و الحلبي و الديلمي و الكيدري و ابني حمزة و زهرة و الحلّي (1)،و بالإجماع عليه صرّح في الغنية،و احتمل كونه الحجة للأخير في المسالك (2)؛ و هو الحجة الموافقة لمقتضى العرف و العادة في الجملة.

و قيل: هو مَنْ يلي داره إلى أربعين داراً،و هو مع جهالة قائله كما اعترف به جماعة (3)شاذّ مطرح كما هنا و في المهذب (4)،و ذكر جماعة (5)أن مستنده رواية عاميّة (6)،مع أنه ورد به من طرقنا روايات معتبرة:

منها الصحيح:«حدّ الجوار أربعون داراً من كلّ جانب:من بين يديه، و من خلفه،و عن يمينه،و عن شماله» (7)و نحوه خبران آخران (8).

إلّا أنها مع شذوذها موافقة لمذهب عائشة،و مع ذلك قاصرة الدلالة على الحكم في المسألة من رجوع الوقف إليهم،فإن غايتها الدلالة على

ص:153


1- المفيد في المقنعة:653،الطوسي في النهاية:599،القاضي في المهذب 2:91،الحلبي في الكافي:326،الديلمي في المراسم:198،و حكاه عن الكيدري في المختلف:494،ابن حمزة في الوسيلة:371،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603،الحلي في السرائر 3:163.
2- المسالك 1:350.
3- منهم:المحقق في الشرائع 2:215،و الشهيد الثاني في المسالك 1:350.
4- المهذب البارع 3:62.
5- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 2:386،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:320،المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:45.
6- جامع الصغير 1:570.
7- الكافي 2:2/669،الوسائل 12:132 أبواب أحكام العشرة ب 90 ح 1.
8- الأول:الكافي 2:1/666،الوسائل 12:125 أبواب أحكام العشرة ب 86 ح 1.الثاني:الكافي 2:1/669،الوسائل 12:132 أبواب أحكام العشرة ب 90 ح 2.

الإطلاق،و هو أعمّ من الحقيقة،مع أن قرائن المجاز من صحة السلب و عدم التبادر موجودة،و مع ذلك المجاز خير من الاشتراك بالضرورة.

ثم لو سلم الحقيقة فغايتها أنها حقيقة شرعية،و هي معتبرة في الألفاظ الواردة عن الشرع،دون الألفاظ المتداولة بين أهل العرف و اللغة؛ فإنّها تحمل على حقائقهم لا الشرعية.

و لم سلّم جواز حمل الألفاظ المتداولة بينهم على الشرعية على سبيل الحقيقة فغايته الجواز و ثبوت الحقيقة،دون الوجوب و طرح الحقيقة العرفية،بل لا بدّ من التوقّف إلى تحقق القرينة المعيّنة،كما عليه المدار في الألفاظ المشتركة.

نعم،لو علم بالقرائن الحالية أو المقالية إرادة الواقف خصوص هذه الحقيقة الشرعية تعيّن حمله عليه البتة،إلّا أنه خارج عن مفروض المسألة؛ لرجوع الأمر حينئذٍ إلى مقتضى القرينة،و هي حيث حصلت متّبعة و لو على غير الشرعية،أو شيء لم يقل به أحد من الطائفة في مفروض المسألة.

و لو وقف على مصلحة خاصّة من مصالح المسلمين كالمساجد و القناطر و شبه ذلك فبطلت و اندرس رسمها قيل:يصرف في وجوه البر كما عن الشيخ و باقي الجماعة (1)،من غير خلاف بينهم أجده،و صرّح به في السرائر (2)،بل ربما أشعر كلام المسالك و المهذب (3)حيث نسب تردّد الماتن هنا،المستفاد من نسبة الحكم إلى القيل المشعر بالتمريض،إلى الندرة بأن عليه إجماع الطائفة.

ص:154


1- انظر النهاية:600،و المقنعة:654،و الوسيلة:371،و المهذب 2:92.
2- السرائر 3:166.
3- المسالك 1:351،المهذب البارع 3:62.

قيل:لخروجه عن ملكه بالوقف فلا يعود إليه من غير دليل،و صرفه فيما ذكر أنسب بمراعاة غرضه الأصلي (1).

و فيه نوع نظر،إلّا أن اتّفاق ظاهر كلمة الأصحاب من غير خلاف يعرف حتى من الماتن لتصريحه بالحكم كما ذكره الأصحاب في الشرائع (2)،و عدم ظهور مخالفة منه هنا لهم سوى التردّد لعلّه كافٍ في الحكم،سيّما مع التأيّد بكثير من النصوص الواردة في نحو الوصية و النذر المعيّن الذي له مصارف مخصوصة:أنه يصرف مع تعذّرها في وجوه البرّ و سائر ما يحصل به القربة:

منها الخبر:عن إنسان أوصى بوصيّة فلم يحفظ الوصي إلّا باباً واحداً منها،فكيف يصنع في الباقي؟فوقّع عليه السلام:«الأبواب الباقية اجعلها في البر» (3).

و نحوه آخر طويل يتضمن:أنه أوصى رجل بتركته إلى رجل و أمره أن يحجّ بها عنه،قال الوصي:فنظرت فإذا هو شيء يسير لا يكفي للحج، فسألت الفقهاء من أهل الكوفة،فقالوا:تصدّق به عنه،فتصدّق به،ثم لقي بعد ذلك أبا عبد اللّه عليه السلام فسأله و أخبره بما فعل،فقال:«إن كان لا يبلغ أن يحج به من مكة فليس عليك ضمان،و إن كان يبلغ ما يحجّ به فأنت ضامن» (4).

ص:155


1- المسالك 1:351.
2- الشرائع 2:215.
3- الكافي 7:7/58،الفقيه 4:565/162،التهذيب 9:844/214،الوسائل 19:393 أبواب أحكام الوصايا ب 61 ح 1.
4- الكافي 7:1/21،الفقيه 4:534/154،التهذيب 9:896/228،الوسائل 19:349 أبواب أحكام الوصايا ب 37 ح 2.

و في جملة وافرة من الأخبار ما يدلّ على أن ما أوصى به للكعبة أو كان هدياً أو نذراً يباع إن كان جارية و نحوها،و إن كان دراهم يصرف في المنقطعين من زوّارها (1).

و في وجوب صرفه في الأقرب إلى تلك المصلحة فالأقرب فيصرف وقف المسجد في مسجد آخر و المدرسة إلى مثلها و هكذا،نظراً إلى تعلّق الغرض بذلك الصنف،أم يجوز الصرف في مطلق القُرَب احتمالان:

ظاهر إطلاقات الفتاوى الثاني،و عُلِّل باستواء القُرَب كلّها في عدم تناول عقد الواقف لها،و عدم قصده إليها بخصوصها،و مجرد المشابهة لا دخل لها في تعلّقه بها،فيبطل القيد و يبقى أصل الوقف من حيث القربة.

و فيه مناقشة،فلعلّ الحكم بتحرّي الأقرب فالأقرب ليس من حيث المشابهة،بل من حيث دخوله في نوع المصلحة الخاصّة و إن تميّزت عنه بالخصوصية،فإذا زالت بقي أفراد النوع الآخر الممكنة داخلة،فكأنّ الوقف تضمّن أشياء ثلاثة:القربة،و المسجدية مثلاً،و كونه المساجد الفلانية المشخّصة،و مع زوالها و بطلان رسمها ينبغي أن يراعَى القيدان الآخران، فإن الميسور لا يسقط بالمعسور،و ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه،كما في بعض المعتبرة (2)،فالاحتمال الأوّل لا يخلو عن قوّة،و بأولويّته صرّح جماعة (3).

ثم إن أصل الحكم على القول به لا ريب فيه فيما لو كان المذكور

ص:156


1- انظر الوسائل 13:247 أبواب مقدمات الطواف ب 22،و ج 19:392 أبواب أحكام الوصايا ب 60.
2- عوالي اللئلئ 4:205/58،207.
3- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:321،و الشهيد الثاني في المسالك 1:351،و الفيض في المفاتيح 3:211،و صاحب الحدائق 22:221.

بخصوصه من المصلحة الخاصّة مما لا يعلم بانقطاعه غالباً كما ذكرناه من الأمثلة.

و لو علم انقطاعها كذلك ففي انسحاب الحكم فيه،أو لحوقه بالوقف المنقطع الآخِر وجهان:من إطلاق الفتاوى هنا و ثمة.

و ربما يظهر من بعض الأجلّة (1)اختصاص الحكم هنا عند الطائفة بالصورة الأُولى خاصة و جريان حكم منقطع الآخر في الثانية.

و كيف كان،فالاحتياط لا يترك في أمثال المقام.

و إذا وقف على جماعة و اشترط إدخال من يوجد مع الموجود منهم صحّ بلا خلاف يظهر،و به صرّح بعض (2)،و في المسالك الاتفاق عليه (3)؛ و لعلّه لعموم الأمر بالوفاء بالعقود،و أن الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها،مع سلامتهما هنا عن المعارض،و اعتضادهما بالنصوص الآتية في جواز إدخال مَن يريد في الوقف على أولاده الأصاغر مع عدم الشرط أصلاً،فجوازه معه بطريق أولى،لكن يتوقف على القول بها،فلا يصحّ الاستدلال بل الاعتضاد بها مطلقا.

و لا كذلك لو اشترط إخراج من يريد منهم أو نقله عنهم إلى من سيوجد،فلا يصح الوقف بلا خلاف في الأوّل،بل عليه إجماعنا في المسالك و غيره (4)،و على المشهور في الثاني،كما حكي (5)،بل عليه الإجماع عن الطوسي (6).

ص:157


1- الشهيد الثاني في المسالك 1:351.
2- انظر المفاتيح 3:216.
3- المسالك 1:355.
4- المسالك 1:355؛ و انظر المفاتيح 3:215.
5- المسالك 1:355،المفاتيح 3:216.
6- انظر المبسوط 3:300.

خلافاً فيه للقواعد،فاستشكله (1)،و للتذكرة،فصحّحه مدّعياً عليه إجماع الطائفة (2)،و استقربها في الدروس (3)،بناءً على أنه في معنى النقل بالشرط،كما لو اعتبر صفة للموقوف عليه كالفقر،فإذا زالت انتقل عنه إلى غيره،و هو جائز بلا خلاف.

و فيه نظر؛ لمنع الإجماع بالوهن،لمصير الأكثر إلى الخلاف، و استشكال الناقل في الحكم،و المعارضة بأجود منه؛ و ضعف البناء و القياس بالوقف على الفقراء،فإن الوقف عليهم إنما هو وقف على الجهة كالوقف على المساجد،و مثله ينتقل إلى اللّه تعالى،و يشترك فيه كلّ من اتّصف بذلك العنوان حتى الواقف نفسه،فلا يحصل هنا نقل عن الموقوف عليه،لأنه ليس هنا موقوف عليه،و إنما تصير مراعى ببقاء الصفة المذكورة من الفقر و نحوه،فإذا زالت كانت في حكم موت الموقوف عليه،بخلاف المقام،فإنه بالوقف عليه يصير ملكاً له و نقله عنه بالاختيار منافٍ لتمليكه بالوقف.

و نحوه في الضعف قياسه بجواز الوقف على أولاده سنة ثم على أهل المسكنة؛ لوضوح الفرق بين المقام و بينه على تقدير تسليم صحّته،فإن مقتضى الوقف هنا لزوم بقائه ما وجدوا،كما هو مقتضى أصل الوقف، و شرط النقل منافٍ له،و لا كذلك الوقف على الأولاد سنة،لأنه إنما وقف عليهم مدّة معيّنة فلا ينافيه التعقيب بالوقف على أرباب المسكنة،كذا ذكره بعض الأجلة (4).

ص:158


1- القواعد 1:267.
2- التذكرة 2:435.
3- الدروس 2:271.
4- الحدائق 22:171.

و لا يخلو وجه الفرق عن مناقشة،فقد يقال:إن اشتراط النقل في حكم تعيين الوقف بمدّة،فكيف يمكن أن يقال:إن مقتضى الوقف هنا لزوم بقائه ما وجدوا؟و كونه مقتضى الوقف من أصله لا ينافي خلافه بعد اشتراطه،و ليس مثل هذا و سابقه لو تمّ قياساً،بل تنظيراً؛ لاستناد الحكم فيه إلى العمومات كتاباً و سنةً،و لو لا الإجماع المعتضد بالشهرة المحكية لكان القول بالصحة لا يخلو عن قوة،مع إمكان الجواب عن الإجماع بالمعارضة بالمثل،و وهنه بما مرّ مجبور بموافقة العمومات القطعية،فيرجّح بها على ذلك الإجماع،و إن ترجّح هو عليه بالشهرة.

و التحقيق أن يقال:إن هنا إجماعين متصادمين بحسب المرجّحات، فلا يمكن التمسّك بأحدهما،فينبغي الرجوع إلى حكم الأصل،و هو عدم الصحة،و إثباتها بالعمومات غير ممكن بعد فرض سقوطها كالشهرة المرجّحتين للإجماعين في البين كنفس الإجماعين؛ مضافاً إلى ما عرفت من وهن الإجماع الثاني،فإذاً المذهب مختار الأكثر،و إن كان الصحة في الجملة أحوط.

و لو أطلق الوقف و جرّده عن هذا الشرط و أقبض الموقوف من الموقوف عليه أو من في حكمه لم يصحّ إدخال غيرهم معهم مطلقا أولاداً كانوا أو أجانب بلا خلاف،كما في التنقيح (1)،إلّا من المفيد، كما فيه،فقال:لو حدث في الموقوف عليه حدث يمنع الشرع من معونته و الصدقة عليه و التقرب إلى اللّه تعالى بصلته جاز التغيير؛ فإن الوقف صدقة فلا يستحقه من لا يستحقها،فإذا حدث في الموقوف عليه كفر أو فسق

ص:159


1- التنقيح الرائع 2:322.

بحيث يستعان بذلك المال عليهما جاز حينئذٍ للواقف التغيير و الإدخال، و نفى عنه البُعد بعد نقله عنه،قال:و إن منعه الحلّي و غيره،ثم قال:و هذا مع حدوث المانع،أمّا لو كان حاصلاً حال الوقف فلا (1).

و في مختارهما نظر؛ فإن بناء عقد الوقف على اللزوم،و حدوث ذلك الحدث لا دليل فيه على جواز الإدخال و التغيير بسببه،و لا على منع من حدث فيه،فإن الوقف له حينئذٍ كسائر أمواله،فما يفعل فيها مع ذلك الحدث يفعل مثله في هذا الوقف.

و هل له مع الإطلاق و عدم الشرط ذلك أي الإدخال مع أصاغر ولده؟ لو وقف عليهم فيه خلاف بين الأصحاب.

و المروي في الخبرين الجواز في أحدهما:الرجل يجعل لوُلْدِه شيئاً و هم صغار،ثم يبدو له أن يجعل معهم غيرهم من ولده،قال:

«لا بأس» (2).

و في الثاني:عن الرجل يتصدّق على بعض وُلْده بطرف من ماله،ثم يبدو له بعد ذلك أن يدخل معه غيره من ولده؟قال:«لا بأس» (3).

و بهما أفتى في النهاية (4)و أطلق،و تبعه القاضي (5)بشرط عدم قصره عليهم ابتداءً.

ص:160


1- انظر التنقيح الرائع 2:322.
2- الكافي 7:9/31،التهذيب 9:572/135،الإستبصار 4:385/100،الوسائل 19:183 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 5 ح 3.
3- التهذيب 9:574/136،الاستبصار 4:388/101 بتفاوت يسير،الوسائل 19:183 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 5 ح 2.
4- النهاية:596.
5- المهذب 2:89.

و في سندهما قصور؛ لاشتمال الأوّل على محمّد بن إسماعيل عن الفضل،و فيه كلام مشهور،و الثاني على محمّد بن سهل،و لم يرد في حقّه قدح و لا مدح،إلّا ما قيل:إن له مسائل (1).

و كذا الدلالة،فإن الجعل في الأوّل غير صريح في وقف متحقّق أو صدقة متحققة،بحيث تكون بهم مختصّة،بل فيه احتمالات أُخر،منها:

إرادة أن يفعل.

و كذا في قوله في الثاني:يتصدّق،بصيغة الاستقبال،لكن روى الحميري بإسناده عن عليّ بن جعفر،عن أخيه عليه السلام،قال:سألته عن رجل تصدّق على ولده بصدقة ثم بدا له أن يدخل الغير فيه مع ولده،أ يصلح ذلك؟قال:«نعم،يصنع الوالد بمال ولده بما أحبّ،و الهبة من الولد بمنزلة الصدقة من غيره» (2).

و يمكن الذبّ عنه بعد الإغماض عن حال السند بدلالته على جواز إدخال الغير مطلقا و لو لم يكن ولداً،و هو مما لم يقل به أحد،فإن عبارات القائلين به مختصّة بجواز إدخال الولد.

و من هنا ينقدح ما في العبارة من المسامحة،حيث اقتضى سياقها جواز إدخال الغير مطلقاً.

و الأشهر الأظهر عدم الجواز مطلقا،إلّا أن يشترط،بل ربما أشعر بالإجماع عليه عبارة المختلف و المهذب و التنقيح و شرح القواعد (3)،حيث

ص:161


1- قال به الطوسي في الفهرست:620/147.
2- قرب الإسناد:1126/285،الوسائل 19:184 أبواب الوقوف و الصدقات ب 5 ح 5،مسائل علي بن جعفر:129/133؛ بتفاوت يسير.
3- المختلف:492،المهذب البارع 3:63،التنقيح الرائع 2:322،إيضاح الفوائد 2:384.

قالوا بعد نقل القول بالجواز عمّن مرّ:و أطلق باقي الأصحاب المنع؛ لما مرّ من أدلته،و للمعتبرة الدالّة على عدم جواز الرجوع في الصدقة إذا ابتغى بها وجه اللّه سبحانه،و فيها الصحيح و غيره (1)،و الإدخال نوع رجوع بلا شبهة، فيدخل في حيّز لفظ الرجوع المنساق في سياق النفي مع كونه نكرة، و خصوص الصحيح:عن الرجل يتصدّق على بعض ولده بطرف من ماله، ثم يبدو له بعد ذلك أن يدخل معه غيره من ولده،قال:«لا بأس بذلك» و عن الرجل يتصدّق ببعض ماله على بعض ولده و يبيّنه له،إله أن يدخل معهم من ولده غيرهم بعد أن أبانهم بصدقة؟فقال:«ليس له ذلك إلّا أن يشترط أنه من ولد فهو مثل من تصدّق عليه فذلك له» (2).

و الظاهر من الإبانة فيه الإقباض،دون ما فهمه الشهيد الثاني (3)من القصر على الموقوف عليه الذي شرطه القاضي (4)؛ لرجوع الاستثناء على فهمه منقطعاً،و هو خلاف الظاهر جدّاً.

و حينئذٍ يمكن حمل الروايات السابقة المجوّزة على صورة عدم القبض و الإبانة،حملاً للمطلق على المقيّد،و يشهد له نفس هذه الرواية، فإنه عليه السلام لما سئل مطلقا أجاب بالجواز كما في تلك الروايات،و لما قال:

يبيّنها لهم،قال:ليس له ذلك.

فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه؛ لوضوح وجه الجمع بين الأدلّة المانعة و الأخبار المجوّزة بهذه الصحيحة؛ مضافاً إلى ما عرفت من

ص:162


1- انظر الوسائل 19:204 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 11.
2- التهذيب 9:575/137،الإستبصار 4:389/101،الوسائل 19:183 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 5 ح 1.
3- المسالك 1:355.
4- راجع ص:159.

قصور الأخيرة سنداً و دلالة،مع قصورها أيضاً عن المكافأة للأوّلة؛ لاعتضادها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،كما يشعر به عبائر الجماعة المتقدم إلى ذكرهم الإشارة.

ثمّ إنّ الخلاف إنما هو في الإدخال أمّا النقل عنهم فغير جائز و كذا عن غيرهم،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في التنقيح (1)،و يشمله الإجماعات المستفيضة حكايةً في كلام جماعة (2)على كون الوقف من العقود اللازمة؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى عمومات الأمر بالوفاء كتاباً و سنة،ففي الصحيح و غيره:

«لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى بها وجه اللّه سبحانه» (3).

و في القريب منه:رجل تصدّق على ولده بصدقة،إله أن يرجع فيها؟ قال:«الصدقة للّه» (4).

و في القريب من الموثق:تصدّق عليّ أبي بدارٍ و قبضتها،ثم ولد [له (5)]بعد ذلك أولاد،فأراد أن يأخذها منّي فيتصدّق بها عليهم،فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك و أخبرته بالقصة،فقال:«لا تعطها إيّاه» قلت:إنه

ص:163


1- التنقيح الرائع 2:323.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:345،و الفيض في المفاتيح 3:207.
3- الصحيح:الكافي 7:7/31،التهذيب 9:569/135،الإستبصار 4:387/101،الوسائل 19:206 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 11 ح 7. و أورد غيره في الفقيه 4:639/182،التهذيب 9:577/137،الإستبصار 4:390/102،الوسائل 19:180 أبواب الوقوف و الصدقات ب 4 ح 5.
4- الكافي 7:5/31،التهذيب 9:570/135،الإستبصار 4:391/102،الوسائل 19:179 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 4 ح 2؛ بتفاوت يسير.
5- ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

إذا يخاصمني،قال:«فخاصمه و لا ترفع صوتك عليه» (1).

أمّا اللواحق فمسائل
اشارة

و أمّا اللواحق فمسائل:

الأُولى إذا وقف في سبيل اللّه انصرف إلى القُرَب

الأُولى:إذا وقف في سبيل اللّه انصرف إلى القُرَب،كالحج، و الجهاد،و العمرة،و بناء المساجد و القناطر،و نفع المحاويج،و غير ذلك،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في بحث الوصية من الغنية و السرائر الإجماع عليه (2)؛ لأن المراد بالسبيل الطريق إلى اللّه تعالى، أي إلى ثوابه و رضوانه،فيدخل فيه كلّ ما يوجب الثواب.

مضافاً إلى ما في تفسير علي بن إبراهيم في آية الزكاة عن العالم عليه السلام:

من أنه«قوم يخرجون إلى الجهاد و ليس عندهم ما ينفقون،أو قوم مؤمنون ليس لهم ما يحجّون به،أو في جميع سبيل الخير» (3)الخبر.

خلافاً للشيخ،فخصّه بالغزاة المطوّعة دون العسكر المقاتل على باب السلطان،و بالحج و العمرة،و قال:إنه يقسّم بينهم أثلاثاً (4).و لابن حمزة، فبالمجاهدين (5).و هما شاذّان.

و لا فرق فيه عند الأكثر بين أن يقتصر على سبيل اللّه،أو يضمّ إليه سبيل الثواب و سبيل الخير؛ لرجوع هذه المفاهيم الثلاثة إلى معنى واحد،

ص:164


1- الكافي 7:18/33،التهذيب 9:573/136،الإستبصار 4:386/100،الوسائل 19:179 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 4 ح 3.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):604،السرائر 3:187.
3- تفسير القمي 1:299،الوسائل 9:211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7؛ بتفاوت يسير.
4- الخلاف 3:545،المبسوط 3:294.
5- الوسيلة:371.

و هو سبيل اللّه بالمعنى العام،فلا يجب قسمة الفائدة أثلاثاً.

خلافاً لأحد قولي الشيخ،وفاقاً للشافعي،فأوجبها كذلك:ثلثه إلى الغزاة و الحج و العمرة و هو سبيل اللّه،و ثلثه إلى الفقراء و المساكين و يبدأ بأقاربه و هو سبيل الثواب،و ثلثه إلى خمسة أصناف من الذين ذكرهم اللّه في آية الصدقات،و هم:الفقراء،و المساكين،و ابن السبيل،و الغارمون، و الرقاب،و هو سبيل الخير (1).

و هو كسابقه شاذّ لا دليل عليه،و إن كان أحوط،إلّا أن يكون ثمّة قرينة حال فتتبّع.

الثانية إذا وقف على مواليه دخل الأعْلَوْن و الأدْنَون

الثانية:إذا وقف على مواليه دخل فيه الأعْلَوْن المعتقون له و الأدْنَون الذين أعتقهم،وفاقاً للمبسوط و الخلاف و الحلّي (2)،و به أفتى الماتن في الشرائع و الفاضل في الإرشاد (3)،و الشهيد في النكت عليه.

و لا ريب فيه مع القرينة الدالّة على دخولهم أجمع،كما لا ريب في دخول بعضهم بها دون الآخر،و في حكم القرينة تفسيره حيث انتفت فيرجع إلى ما يفسّره.

و إنّما الإشكال مع عدمهما،كأن وقف على مدلول هذه اللفظة،ينشأ من أنه هل يشترط في التثنية و الجمع اتّحاد معنى أفرادهما حتى يمتنع تثنية المشترك باعتبار معانيه و الحقيقة و المجاز و جمعهما،كما هو مذهب الأكثر على ما حكي عن الارتشاف (4)،أم لا،كما اختاره الشهيد الثاني في

ص:165


1- الشيخ في المبسوط 3:294،و انظر المغني لابن قدامة 6:237 238.
2- المبسوط 3:295،الخلاف 3:546،السرائر 3:167.
3- الشرائع 2:219،الإرشاد 1:454.
4- حكاه عنه في المسالك 1:359.

المسالك و ولده في المعالم (1)وفاقاً لابن مالك في التسهيل (2)؟ .و أن المشترك عند تجرّده عن القرينة الدالة على إرادة معانيه أو بعضها هل يبقى مجملاً،أو يحمل على الجميع مطلقاً،أو إذا كان جمعاً خاصّة؟ فيه أقوال للأُصوليين،أشهرها الأوّل.

و أن اشتراك المولى بين المعتِق و المعتَق هل هو لفظي،كما عليه الأكثر،و حكي التصريح به عن أهل اللغة (3)،أم معنوي،كما يظهر من التنقيح (4)؟ و حيث إن الأظهر عند الأحقر في جميع هذه الموارد هو مذهب الأكثر كما حقّق في محل أليق كان القول بالبطلان أصح،و به صرّح في المسالك (5)،و حكي عن المحقق الثاني،و الفاضل في التحرير و القواعد، و ولده في الإيضاح (6)؛ لجهالة الموقوف عليه على هذا التقدير،كما سيأتي.

و يضعّف القول بالصحة إن وجّهت فيه باختيار كون المولى مشتركاً معنوياً كما عن ظاهر الشيخ (7)بتصريح أهل اللغة بفساده،و حصول التباين بين الموليين بعدم جامعٍ لهما في البين.

ص:166


1- المسالك 1:359،معالم الأُصول:33.
2- حكاه عنه في المسالك 1:359.
3- حكاه عن أهل اللغة في المسالك 1:359،و انظر النهاية لابن الأثير 5:228.
4- التنقيح الرائع 2:325.
5- المسالك 1:359.
6- المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:109،التحرير 1:289،القواعد 1:272،إيضاح الفوائد 2:404.
7- حكاه عن المبسوط في التنقيح الرائع 2:325؛ و انظر المبسوط 3:295.

و كذا إن وجّهت فيه بما ذهب إليه الشيخ في الأُصول و اختاره كما حكي عنه و عن غيره (1)من جواز استعمال اللفظ المشترك في معنييه،و أنه ظاهر فيهما مع التجرّد عن القرينة الدالة على أحدهما،كما اختاره الشافعي (2)؛ فإن أصل الجواز و إن كان لا يخلو عن وجه قوي إلّا أن دعوى الظهور في الجميع مع التجرّد عن القرينة ليس بوجه،بل المتبادر من اللفظ المشترك كيفما يطلق بصيغة الجمع أو المفرد إرادة المعنى الواحد،و يحتاج المعنى الزائد إلى القرينة،فإن كانت،و إلّا انصرف إلى الواحد،فإن تعيّن بالقرينة،و إلّا كانت اللفظة مجملة كمفروض المسألة،و لذا تحصل في الموقوف عليه جهالة،فيفسد بها الوقف،لفقد التعيين المشترط في صحته،كما مضت إليه الإشارة.

و لابن حمزة قول آخر في المسألة (3)هو مع شذوذه غير واضح الدليل و الحجة،و إن كان الفاضل في المختلف استحسنه (4).

الثالثة إذا وقف على أولاده اشترك أولاده

الثالثة:إذا وقف على أولاده اختصّ في المشهور كما قيل (5)بالأولاد لصلبه دون أولاد أولاده؛ التفاتاً إلى تبادرهم خاصّة.إلّا أن يكون هناك قرينة تدلّ على دخولهم،كقوله:الأعلى فالأعلى،أو بطناً بعد بطن، أو يقف على أولاده و لا ولد له لصلبه،و نحو ذلك.

و قيل كما هو صريح المتن-:يشترك الجميع؛ نظراً إلى دعوى

ص:167


1- كما في إيضاح الفوائد 2:404،و السرائر 3:167؛ و انظر العدّة للشيخ:223 226.
2- حكاه عنه في المغني لابن قدامة 6:261،و المجموع 15:355.
3- الوسيلة:371.
4- المختلف:497.
5- الحدائق 22:248.

كونهم ولداً حقيقة (1).

و فيه:أنه لا يستلزم الدخول حيث يكون الأولاد لصلبه هم المتبادرين.

و إذا وقف على أولاد أولاده اشترك أولاد البنين و البنات الذكور منهم و الإناث بالسوية بلا خلاف أجده،و به صرّح بعض الأجلّة (2)،بل ادّعي على الدخول الإجماع في الغنية (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى صدق الأولاد على الذكور و الإناث حقيقة،عرفاً و لغة، فيصدق على أولادهم مطلقا أنهم أولاد أولاد،و إن لم يصدق على أولاد الأولاد أنّهم أولاد بطريق الحقيقة على المشهور بين الطائفة.

و أمّا اقتسامهم بالسوية فلاقتضاء الإطلاق ذلك مع اشتراكهم في سبب الاستحقاق و استوائهم فيه،مع عدم مرجّح لأحدهما على الآخر من عرف أو قرينة،كما هو مفروض المسألة.و لا ريب في هذا التعليل.

و كذا الأوّل إن كان المراد من أولاد الأولاد المحكوم بدخولهم هو أولادهم في الدرجة الأُولى بلا واسطة،أو أولاد أولاده الذكور منهم دون الإناث مطلقا؛ لكونهم أولاد أولاد حقيقة إجماعاً.

أما لو أرادوا أولاد أولاد الإناث من الدرجة الثانية و الثالثة و هكذا ففي شمول التعليل لهم مناقشة إن قلنا بالمشهور من أن أولاد البنات ليسوا بأولاد حقيقة؛ و ذلك فإن أولاد أولاد الواقف ليسوا بأولاد حقيقة لأولاده على هذا التقدير.

ص:168


1- المقنعة:653،الكافي في الفقه:326،النهاية:596،الروضة 3:184.
2- الحدائق 22:242.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):603.

ثم إنه كما يدخل الإناث في أولاد الواقف كذا يدخل الخناثى؛ لشمول اسم الولد لهم حقيقة مطلقا،حصرناهم في البنين و البنات أم جعلناهم طبيعة ثالثة.

و لا كذلك لو أوقف على أولاد البنين خاصة،أو البنات كذلك،فلا يدخل أولاد الخناثى؛ لعدم معلوميّة صدق الوصفين عليهم حقيقة،بل و معلوميّة عدم الصدق إن جعلوا طبيعة ثالثة.

و لو جمع بينهما كأن وقف على أولاد البنين و البنات ففي دخول أولادهم قولان للفاضل في القواعد و التحرير (1)،ينشئان من أنهم ليسوا بذكور و لا إناث،و من أنهم لا يخرجون عن الصنفين في نفس الأمر،و لهذا يستخرج أحدهما بالعلامات،و مع فقدها يورث نصف النصيبين.

و يضعّف بأنه لا كلام مع وجود العلامة،و لا دلالة لنصف النصيبين على حصرهم في الصنفين،بل يمكن دلالته على عدمه،و جاز كون الطبيعة الثالثة متوسطة النصيب كما أنها متوسطة الحقيقة.

الرابعة إذا وقف على الفقراء انصرف إلى فقراء البلد و من يحضره

الرابعة:إذا وقف على الفقراء انصرف نماء الوقف إلى فقراء البلد بلد الوقف و من يحضره منهم خاصة.

و كذا الوقف على كل قبيلة متبدّدة غير منحصرة ممن يكون الوقف عليهم وقفاً على الجهة المخصوصة لا على أشخاصها كالعلوية و الهاشمية و التميمية و نحوهم من الطوائف الغير المنحصرة،فمن حضر منهم بلد الوقف صرف النماء إليهم و لا يجب تتبّع من لم يحضره منهم،بلا خلاف في الظاهر؛ دفعاً لمشقة وجوب التتبّع.

ص:169


1- القواعد 1:271،التحرير 1:289.

مضافاً إلى الخبر المنجبر قصور سنده بالعمل،و فيه بعد أن سُئل عن ذلك:«إن الوقف لمن حضر البلد الذي هو فيه،و ليس لك أن تتبّع من كان غائباً» (1).

و ظاهره النهي عن التتبّع،و به أفتى في التنقيح (2)مقيّداً له بصورة وجود المستحق في البلد،كما هي مورد الخبر.

خلافاً للشهيدين (3)،فجوّزاه مطلقاً؛ و لعلّه للأصل،و عموم لفظ الوقف،و ضعف النص مع عدم جابرٍ له في محل الفرض،مع قوة احتمال عدم دلالة النهي فيه على الحرمة،بناءً على وروده مورد توهّم الوجوب، فلا يفيد سوى الرخصة في الترك،و هي أعم من الحرمة.

ثم ظاهره أيضاً كالعبارة و كثير من عبائر الجماعة (4)وجوب الصرف إلى جميع من في البلد،و هو أحوط،و إن كان في تعيّنه نظر؛ لضعف الخبر،و عدم العلم بالجابر،و لا موجب له آخر سوى عموم لفظ الوقف،و ليس بمراد بالاتّفاق،و الأصل يقتضي جواز الاكتفاء بالبعض، و عدم وجوب الاستيعاب،كما يقتضي عدم وجوب التسوية في القسمة على تقديره،بلا خلاف يظهر لي من الأصحاب،مع احتمال استلزام الاستيعاب المشقّة العظيمة في بعض الأحيان.

ص:170


1- الكافي 7:37/38،الفقيه 4:627/178،التهذيب 9:563/133،الوسائل 19:193 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 8 ح 1؛ بتفاوت.
2- التنقيح الرائع 2:328.
3- الشهيد الأول في الدروس 2:274،الشهيد الثاني في الروضة 3:187.
4- منهم:العلّامة في القواعد 1:271،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:328،و الشهيد الثاني في المسالك 1:361.

و إلى المختار مال جماعة من الأصحاب (1)،و إن اختلفوا في وجوب استيعاب الثلاثة،مراعاةً للجمع،أو جواز الاقتصار على الاثنين، بناءً على أنه أقلّ الجمع،أو الواحد،نظراً إلى أن الأشخاص مصارف الوقف لا مستحقّون،إذ لو حمل على الاستحقاق لوجب الاستيعاب و وجب التتبع مهما أمكن على أقوال،أقواها الأخير،وفاقاً للشهيد الثاني و غيره (2)،و إن كان الأوّل لو لم يجب أن يستوعب جميع من في البلد أحوط.

الخامسة لا يجوز إخراج الوقف عن شرطه

الخامسة:لا يجوز إخراج الوقف عن شرطه الذي شرط فيه مع جوازه شرعاً،بلا خلاف ظاهراً،و قاله في الغنية (3)صريحاً؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى لزوم الوفاء بالعقود و الشروط،و عموم الصحيح:«الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» (4)فيتبع ما شرطه الواقف من ترتيب الأعلى على الأدنى،أو اشتراكهما،أو تفضيل في المنافع،أو مساواة فيها،إلى غير ذلك.

و كذا لا يجوز بيعه و لا هبته،و لا غير ذلك من الأسباب الناقلة للعين،بلا خلاف فيه في الجملة،و بالإجماع كذلك صرّح جماعة، كالمرتضى و الحلّي و المسالك و غيرهم من الجماعة (5)؛ و هو الحجة فيما

ص:171


1- منهم:الشهيد الأول في الدروس 2:274،و الشهيد الثاني في المسالك 1:361،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:328،و السبزواري في الكفاية:142.
2- الشهيد الثاني في المسالك 1:361؛ و انظر جامع المقاصد 9:100.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
4- الفقيه 4:620/176،التهذيب 9:555/129،الوسائل 19:175 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 2 ح 1.
5- المرتضى في الانتصار:226،الحلي في السرائر 3:152،المسالك 1:344؛ و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):603.

عدا محل النزاع و المشاجرة،كسائر ما تقدّم من الأدلّة.

مع منافاته لحبس العين و تسبيل الثمرة،و خصوص بعض المعتبرة فيمن شرى وقفاً بجهالة:«لا يجوز شراء الوقف،و لا تدخل الغلّة في ملكك،ادفعها إلى من أُوقف عليه» قلت:لا أعرف لها ربّاً،قال:«تصدّق بغلّتها» (1).

مضافاً إلى التأيّد بالوقوف الواردة عن أهل العصمة سلام اللّه عليهم و قد تضمّنت النهي عن بيعها و شرائها و هبتها (2)،فلا شبهة في ذلك.

إلّا أن يقع خلف بين أربابه يؤدّي إلى فساده و خرابه،فيجوز بيعه حينئذٍ عند الشيخين و غيرهما (3)،بل في الغنية على الجواز إجماع الإماميّة (4)،و كذا في كلام المرتضى (5)،إلّا أنهما عبّرا عن السبب الموجب بغير ما في العبارة،و مع ذلك قد اختلفا بأنفسهما:

فجعله الأوّل صيرورته بحيث لا يجدي نفعاً،و خيف خرابه،و كانت بأربابه حاجة شديدة،و دعت إلى بيعه الضرورة.

و نحوه الثاني،إلّا أنه لم يذكر خوف خرابه،و جعل كلّاً من الأوّل و الثالث سبباً على حدة،لا جزء سبب كما يقتضيه عبارة الأوّل،إلّا أن يجعل الواو فيها بمعنى أو.

ص:172


1- الكافي 7:35/37،التهذيب 9:556/130،الإستبصار 4:377/97،الوسائل 19:185 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 6 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- انظر الوسائل 19:185 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 6.
3- المفيد في المقنعة:652،الطوسي في المبسوط 3:287؛ و انظر التنقيح الرائع 2:330،و المسالك 1:361،و كفاية الأحكام:142.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
5- الانتصار:226.

و كيف كان،فالحكم بالجواز في جميع ذلك على تردّد ينشأ من أن المقصود من الوقف استيفاء منفعته فإذا تعذّر جاز بيعه؛ تحصيلاً للغرض.

و أن الجمود على العين مع تعطيلها تضييع للمال و تعطيل لغرض الواقف.

و للصحيح:إن فلاناً ابتاع ضيعة فأوقفها و جعل لك في الوقف الخمس،و يسأل عن رأيك في بيع حصتك من الأرض أو يقوّم على نفسه بما اشتراها أو يدعها موقوفة؟فكتب عليه السلام:«أعلِم فلاناً أنّي آمره ببيع حقّي من الضيعة و إيصال ثمن ذلك إليّ،و إن ذلك رأيي إن شاء اللّه تعالى،أو يقوّمها على نفسه إن كان ذلك أوفق له» .و كتبت إليه:إن الرجل كتب إليّ أن بين من وقف بقيّة هذه الضيعة عليهم اختلافاً شديداً،فإنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده،فإن كان ترى أن نبيع هذا الوقف و ندفع إلى كل إنسان منهم ما كان وقف له من ذلك أمرته،فكتب بخطّه إليّ:«و أعلِمه أن رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن يبيع الوقف أمثل،فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس» (1).

و فحوى الخبر عن بيع الوقف إذا احتاج إليه الموقوف عليهم و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة؟قال:«نعم،إذا رضوا كلّهم و كان البيع خيراً لهم باعوا» (2).

ص:173


1- الكافي 7:30/36،الفقيه 4:628/178،التهذيب 9:557/130،الإستبصار 4:381/98،الوسائل 19:187،188 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 6 ح 5،6.
2- الكافي 7:29/35،الفقيه 4:630/179،التهذيب 9:565/133،الإستبصار 4:382/99،الوسائل 19:190 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 6 ح 8.

و من الأصل،و عمومات الأدلّة المانعة،و ضعف المجوّزة عن المعارضة لها،فالأوّل:بأن المقصود من الوقف استيفاء المنفعة من نفس العين الموقوفة،و دعوى اختصاصه بحال الاختيار دون الضرورة فيجوز بيعه فيها مصادرة.

و الثاني:بالشك في صلوحه لتخصيص أدلّة المنع،سيّما مع رجاء زوال الاختلاف بغير البيع،و أن أهل الطبقة الاُولى في الوقف المؤبّد لا اختصاص لهم بالوقف،بل نسبتهم إليه كنسبة سائر الطبقات المتأخّرة،فهو من قبيل المال المشترك الذي لا يجوز لأحدٍ من الشركاء التصرف فيه كملاً، و إنما يبيع حصّته المختصة به،و الموقوف عليه هنا ليس له حصّة في العين،و إنما له الانتفاع به مدّة حياته ثم ينتقل إلى غيره،كما هو مقتضى الوقف،فبيعهم له و اختصاصهم بثمنه منافٍ لغرض الواقف،و إن كان موافقاً له من وجه آخر على تقدير تسليمه.

اللّهم إلّا أن يجعل الثمن في وقف آخر يضاهي وقف الواقف،لكن ينافي هذا الدليل الاستدلال بالصحيح،لظهوره في دفع الثمن إليهم،فتأمّل.

و الثالث:بدلالة صدره على جواز بيع حصّته الموقوفة عليه عليه السلام، و ليس ثمّة شيء من الأسباب الموجبة للبيع و نحوه،و لم يقولوا به عدا الصدوق،حيث جوّز بيع الوقف إذا كان على قوم دون غيرهم مطلقا،و منع عن بيع الوقف المؤبّد كذلك (1)،فيخرج بعضه عن الحجّية،و هو و إن لم يقدح في أصلها،إلّا أن مثله معتبر في مقام التراجيح البتة،هذا.

مع قصور الدلالة بما ذكره خالي العلّامة طاب رمسه،فقال:و يخطر

ص:174


1- الفقيه 4:179.

بالبال إمكان حمل هذا الخبر على ما إذا لم يقبضهم الضيعة الموقوفة عليهم و لم يدفع إليهم،و حاصل السؤال أن الواقف يعلم أنه إذا دفعها إليهم يحصل منهم الاختلاف و يشتدّ،لحصول الاختلاف قبل الدفع بينهم في تلك الضيعة أو في أمر آخر،أ يدعها موقوفة و يدفعها إليهم،أو يرجع عن الوقف،لعدم لزومه بعدُ و يدفع إليهم ثمنها،أيّهما أفضل؟فكتب عليه السلام:

البيع أفضل؛ لمكان الاختلاف المؤدّي إلى تلف النفوس و الأموال،فظهر أن هذا الخبر ليس صريحاً في جواز بيع الوقف،كما فهمه القوم و اضطرّوا إلى العمل به مع مخالفته لأُصولهم،و القرينة:أن أوّل الخبر محمول عليه كما عرفته،و هذا الاحتمال و إن لم ندّعِ أظهريّته أو مساواته للآخر فليس ببعيدٍ بحيث تأبى عنه الفطرة السليمة في مقام التأويل (1).انتهى كلامه،عَلَتْ في فراديس الجنان أقدامه.

و لنعم ما قاله،بل ذكر بعض من عاصرته:أنه لا معنى للخبر غير ما ذكره،فإنه هو الذي ينطبق عليه سياقه،و يؤيّده زيادة على ما ذكره وقوع البيع في الخبر من الواقف،و هو ظاهر في بقاء الوقف في يده،و المدّعى في كلام الأصحاب أن البيع من الموقوف عليهم لحصول الاختلاف في الوقف،و الخبر لا صراحة فيه بحصول الاختلاف (2).انتهى.

و فيما ذكره من عدم معنىً للخبر غير ما قالاه نظر؛ لعدم صراحته في عدم القبض،بل و لا ظهوره فيه،و ترك الاستفصال في الجواب عن حصول القبض و عدمه يقتضي عدم الفرق بينهما في الحكم،بل ظاهر التعليل المذكور فيه هو اختصاص الحكم في الجواب بالأوّل،و إلّا لكان الأنسب

ص:175


1- ملاذ الأخيار 14:400.
2- انظر الحدائق 18:443.

التعليل بعدم القبض،و ليس في الصدر المتضمّن للرخصة في بيع حصّته عليه السلام من الضيعة دلالة على العكس،بناءً على احتمال أن يقال:إن عدم القبض في حقه عليه السلام الظاهر من الخبر لا يستلزم عدمه بالإضافة إلى الباقين،فلعلّه حصل بالإضافة إليهم دونه.

و الحاصل:أن علمه عليه السلام بعدم القبض في حقّه لا يستلزم العلم بعدمه في حقّهم،هذا.

مع أنه ربما يمكن أن يقال:إن غاية ما يستفاد من السؤال جعل الواقف شيئاً منها له عليه السلام،و هو أعمّ من وقفه عليه و عدمه،فلعلّ الرخصة في البيع لعدم الوقف عليه.

نعم،ربما ينافيه قول السائل فيما بعد:أو يدعها موقوفة،و لكن يمكن أن يراد به معناه اللغوي،أي متروكة بحاله،يعني لا يبيعه،فتأمّل.

و بالجملة ظهور الرواية فيما ذكره الأصحاب لا شك فيه و لا شبهة، و لذا أن الخال عليه الرحمة أطلق على ما ذكره لفظ الحمل،و لم ينكر الظهور بالمرّة،لكن في الاكتفاء بمثل هذا الظهور لتخصيص الأدلّة القاطعة مناقشة واضحة؛ لفقد الصراحة أو القوّة في الدلالة المشترطة في صحة تخصيص العمومات في هذه الرواية،مع احتمال الاكتفاء به بعد اعتضاده بفهم الطائفة،و اشتهار الحكم بينهم،مع الإجماعات المحكيّة (1).

و الرابع:بقصور السند بالجهالة،و الدلالة بأنّها فرع قبولهم الحكم بما في متن الرواية من جواز البيع مع رضاء الموقوف عليهم به جملة،و كونه أنفع لهم،و لم يقولوا به،بل لم يحك القول به إلّا عن شذوذ من الطائفة،

ص:176


1- راجع ص:171.

كالمفيد و غيره (1).

و الذبّ عن قصور السند و إن كان ممكناً بانجباره بوجود ابن محبوب فيه و قد أجمع على تصحيح رواياته،إلّا أن في بلوغ الرواية بذلك مرتبة الصحة مناقشة،سيّما و أن يخصّص بها الأدلّة المانعة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون لنا الآن إجماع الطائفة.

و لما ذكرناه من قوّة الأدلّة المانعة بالكلية ذهب الإسكافي و الحلّي و فخر الإسلام إلى القول بالمنع مطلقا (2)،و ادّعى الثاني عليه إجماع الإمامية.

و لا يخلو عن قوة،و إن كان القول بالجواز في مورد العبارة و الصحيحة المتقدمة غير بعيد؛ للشهرة العظيمة،و ما تقدّم من الإجماعات المحكية القوية الاحتمال للشمول لموردهما،و هي على إجماع الحلّي راجحة باشتهار محصّلها و لو في الجملة بين الطائفة.

لكن ينبغي صرف ثمنه إلى وقف آخر يضاهي وقف المالك؛ توصّلاً إلى غرضه أو ما يقرب منه مهما أمكن،فإن الميسور لا يسقط بالمعسور.

خلافاً للمحكي عن المفيد و المرتضى (3)،فجوّزا الدفع إلى الموجودين لينتفعوا به.

و هو في الوقف الغير المؤبّد غير بعيد،و عليه ينزل الصحيح المتقدم، و يشكل في غيره،فلا يترك ما قلناه فيه،بل في الأوّل أيضاً،لمنافاة الدفع

ص:177


1- المفيد في المقنعة:652؛ و انظر الانتصار:226.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:489،الحلي في السرائر 3:153،فخر الإسلام في إيضاح الفوائد 2:392.
3- المفيد في المقنعة:652،المرتضى في الانتصار:226.

إليهم ما مرّ من عدم انتقال الوقف الغير المؤبد عن ملك المالك و رجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إليه دون غيره.

و ربما يستثني أيضاً عن منع البيع صورتان أُخريان:

إحداهما:إذا حدث بالموقوف عليهم ما يمنع الشرع به من معونتهم و القربة إلى اللّه تعالى بصلتهم.

و في استثنائها نظر،و إن نزّلت على قصد الواقف معونتهم بصلاحهم و ديانتهم ثم يخرج أربابه من هذا الوصف إلى حدّ الكفر،فحينئذٍ يمكن خروجهم عن الاستحقاق؛ لأن الخروج عن صفة الاستحقاق لا يستلزم جواز البيع،مع إمكان أن يلحقه حكم الوقف على مصلحة بطل رسمها، فيصرف في وجوه البرّ،كما مرّ (1).

و الثانية:ما ذكره الشهيد الثاني و غيره (2)،و هو ما لو خرج الموقوف عن الانتفاع به فيما وقف عليه،كجذعٍ منكسر،و حصيرٍ خلق،و نحوهما، فيتولّى المتولّي الخاص بيعه،أو الحاكم مع عدمه،أو سائر عدول المؤمنين،و شراء ما ينتفع فيه.

و هو غير بعيد حيث لا ينتفع به فيه بوجه من الوجوه؛ لأنه إحسان محض و تحصيل لغرض الواقف بقدر الإمكان،و لا ريب أنه أولى من إلغائه،و الأمر بعدم بيعه حينئذٍ كاد أن يلحق بالعبث.

السادسة إطلاق الوقف يقتضي التسوية

السادسة:إطلاق الوقف على نحو الأولاد،أو الأخوة،أو الأعمام و الأخوال،أو مطلق ذي القرابة يقتضي التسوية بين ذكورهم و إناثهم في الحصّة،لا يفضل أحدهم على الآخر بشيء بالكلّية،على

ص:178


1- في ص:153.
2- الشهيد الثاني في المسالك 1:361؛ و انظر جامع المقاصد 9:116.

الأظهر الأشهر بين الطائفة؛ للإطلاق،و فقد المرجّح.

خلافاً للإسكافي (1)،فجعل للذكر مثل حظّ الأُنثيين؛ حملاً على الميراث.

و هو مع عدم وضوح مستنده سوى القياس شاذّ.

نعم،في الموثق:رجل أوصى بثلث ماله في أعمامه و أخواله،قال:

«لأعمامه الثلثان،و لأخواله الثلث» (2)رواه الشيخ في باب ميراث الأعمام و الأخوال،و كأنه فهم منه الوصية بالإرث،أو حمله عليها.و لكنه بعيد.

فإن فضّل الذكور على الإناث،أو بالعكس،أو بعضاً منهما على بعض لزم بلا خلاف؛ عملاً بلزوم العقد و الوفاء بالشرط.

و كذا لو قال:على كتاب اللّه تعالى و سنّة نبيه صلى الله عليه و آله في الميراث، فيتّبع،كما لو صرّح بالعكس.

السابعة إذا وقف على الفقراء و كان منهم جاز أن يشركهم

السابعة:إذا وقف على الفقراء أو الفقهاء،أو العلماء،أو نحوهم من ذوي الأوصاف الذين جعل الوقف لهم من حيث الوصف دون الشخص و كان الواقف منهم أي بصفتهم حال الوقف،أو اتّصف بها بعده جاز أن يشركهم فيه في المشهور بين الأصحاب،بل في الغنية و عن المبسوط (3)نفي الخلاف عنه؛ و هو الحجّة المؤيّدة بما ذكره جماعة (4):

من أن الوقف على مثل ذلك ليس وقفاً على الأشخاص المتّصفين بهذه الصفة،

ص:179


1- على ما نقله عنه في المختلف:493.
2- الكافي 7:3/45،الفقيه 4:535/154،التهذيب 9:845/214،الوسائل 19:393 أبواب أحكام الوصايا ب 62 ح 1.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):603،المبسوط 3:299.
4- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:27،و الشهيد الثاني في المسالك 1:354،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:214.

بل على الجهة المخصوصة،و لهذا لا يعتبر قبولهم و لا قبول بعضهم و لا قبضهم و إن أمكن،و لا ينتقل الملك إليهم،و إنما ينتقل إلى اللّه سبحانه،و لا يجب صرف النماء إلى جميعهم،و مثل هذا يسمّى وقفاً على الجهة؛ لأن الواقف ينظر فيه إلى جهة الفقر و المسكنة،و يقصد نفع موصوف بهذه الصفة،لا أشخاصاً معيّنة.

خلافاً للحلّي (1)،فلا يصحّ له المشاركة؛ بناءً منه على الإجماع على اشتراط أن يخرج الواقف نفسه،و لا يحصل مع الشركة.

و المناقشة فيه واضحة؛ لمنع الإجماع على الاشتراط كلّية بحيث يشمل مفروض المسألة،كيف لا و هو محل النزاع و المشاجرة،مع أن المشهور كما عرفت على جواز المشاركة،فليخصّ الاشتراط بالوقف على جماعة خاصّة أو عامة،و يكون المراد بالشرط في الوقف عليهم أن لا يقصد ابتداءً دخول نفسه معهم أو إدخاله،فلو لم يقصد ذلك صحّ الوقف بحصول ما شرط له،و لا ينافيه الدخول بعدُ و المشاركة،فإن الشرط إنما هو عدم قصد الدخول لا عدم الانتفاع من الوقف بالكلّية.

لكن مقتضى هذا تخصيص جواز المشاركة بصورة لم يحصل منه القصد إلى الدخول و المشاركة،و لو حصل بطل الوقف من أصله،إلّا أن عبائر الأصحاب على الجواز مطلقة.

نعم،حكي ذلك عن الشهيد في بعض فتاويه (2)،و استحسنه في المسالك (3)فلم يجوّز الانتفاع مع القصد المزبور،و لا مع القصد إلى المنع

ص:180


1- السرائر 3:155.
2- حكاه عنه في المسالك 1:354.
3- المسالك 1:354.

عن نفسه،و علّل الأوّل:باستلزامه الوقف على نفسه و عدم القصد إلى الجهة،و الثاني:بتخصيصه العام بالنية،و هو جائز،فيجب اتّباع ما شرطه.

و هو حسن لولا الفتاوى المطلقة المؤيّدة بإطلاق حكاية نفي الخلاف عنه في الكتب المتقدمة.

و للمختلف هنا تفصيل آخر،فرّق فيه بين الوقف على المصالح العامة كالمساجد و القناطر و شبهها فالأوّل،و الوقف على أرباب الصفة من نحو الفقر و المسكنة فلا يجوز المشاركة (1).

و لا وجه له يعتدّ به،سيّما في مقابلة حكاية نفي الخلاف المتقدمة، المعتضدة بالشهرة الظاهرة،و المحكية في كلام بعض الأجلّة (2)،فلا مسرح عن قولهم و لا مندوحة.

من اللواحق مسائل السكنى و العمرى

و من اللواحق:مسائل تتعلق ب السكنى و العمرى و الرقبى، و الثلاثة ثابتة بالإجماع و السنة المستفيضة الآتية.

و هي تفتقر إلى الإيجاب و القبول و القبض بلا خلاف أجده في شيء من هذه الثلاثة،بل على اعتبار الأخير الإجماع في ظاهر كلام جماعة (3)،بل صريح بعضهم (4).

فلا شبهة و لا خلاف إلّا في اشتراط القبول في السكنى المطلقة الغير المقيّدة بعمرٍ و لا مدّة،فقيل:يمكن القول بعدم اشتراط القبول فيها؛ لأنّها

ص:181


1- المختلف:491.
2- الحدائق 22:163.
3- منهم:الشهيد في المسالك 1:364،و السبزواري في الكفاية:143،و صاحب الحدائق 22:281.
4- كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3:219.

حينئذٍ بمعنى إباحة السكنى،لجواز الرجوع فيها متى شاء (1).

و يضعّف بصيرورتها بترك المدّة عقداً جائزاً،و هو لا يمنع من اشتراط القبول فيها كنظائرها.

مع أن ذلك لا يتمّ إلّا على القول بجوازها من أصلها،فلو قيل به بعد تحقّق مسمّى الإسكان و لزومه قبله كما عن صريح التذكرة (2)فلا شبهة في اعتبار القبول فيها؛ لأنها حينئذٍ من العقود اللازمة في الجملة،و إن طرأ عليها الجواز بعد انقضاء المسمّى.

و ربما يستفاد من العبارة كغيرها عدم اشتراطها بالقربة،و هو أحد القولين و أظهرهما و أشهرهما في المسألة؛ للأصل،و العمومات السليمة عما يصلح للمعارضة.

خلافاً للفاضل في القواعد،فاشترطها (3).

و لا وجه له،و لذا حمل على إرادته الاشتراط في حصول الثواب دون الصحة.

و فائدتهما التسليط على استيفاء المنفعة تبرّعاً مع بقاء الملك للمالك بلا خلافٍ فيه عندنا،كما في المسالك (4)،و هو الحجة.

مضافاً إلى أصالة بقاء الملك،و بعض المعتبرة،كالخبر:عن السكنى و العمرى،فقال:«إن الناس عند شروطهم إن كان شرط حياته،و إن كان شرط لعقبه فهو لعقبه كما شرط» يعني«حتى يفنوا،ثم يردّ إلى صاحب

ص:182


1- المسالك 1:364.
2- التذكرة 2:450.
3- القواعد 1:272.
4- المسالك 1:364.

الدار» (1).

و نحوه آخر:«و إن كان جعلها له و لعقبه من بعده حتى يفنى عقبه فليس لهم أن يبيعوه و لا يورثوا،ثم ترجع الدار إلى صاحبها الأوّل» (2).

و حكى الخلاف في المسالك عن بعض العامة،فجعلها على بعض الوجوه مفيدة فائدة الهبة،فينتقل ملك العين إلى الساكن (3).

و حكاه في التنقيح و الدروس عن ظاهر الشيخ في العمرى إذا جعلت له و لعقبه،فقال:لا يرجع إلى المالك حينئذٍ (4).

و هو شاذّ،و مستنده غير واضح،عدا ما في الدروس من رواية جابر (5)،و لم يذكر متنها،و لم يتّضح لي سندها،و مع ذلك محجوج بالأصل،و صريح المعتبرين المتقدمين.

و نحوهما في الإفادة لهذه الفائدة الرقبى المتقدم إليها الإشارة، و لا فرق بينها في هذه الثمرة،و إن اختلف بحسب اختلاف الإضافة،فإذا قرنت بالإسكان قيل:سكنى،كأن يقول:أسكنتك هذه الدار و لك سكناه، و بالعمر قيل:عمرى،كقولك:أعمرتك هذه الأرض عمرك أو عمري، و بالمدة قيل:رقبى،كأن يقول:أرقبتك هذا المتاع مدّة كذا،من الارتقاب

ص:183


1- الكافي 7:21/33،الفقيه 4:652/186،التهذيب 9:587/139،الإستبصار 4:396/103،الوسائل 19:218 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 2 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- الكافي 7:22/33،الفقيه 4:653/187،التهذيب 9:588/140،الإستبصار 4:397/104،الوسائل 19:220 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 3 ح 1.
3- المسالك 1:364.
4- التنقيح الرائع 2:333،الدروس 2:281.
5- عوالي اللئلئ 3:15/263،مستدرك الوسائل 14:66 أبواب السكنى و الحبيس ب 2 ح 4.

و هو الانتظار للأمد،أو من رقبة الملك،بمعنى إعطاء الرقبة للانتفاع بها.

كلّ ذا على المشهور،كما في المسالك و الكفاية (1)،فيكون بين العمرى و الرقبى تباين.

و في الغنية و عن الشيخ و القاضي و الحلّي (2)أنهما بمعنى واحد، فالأُولى من العمر،و الثانية من الرقوب،كأنّ كلّ واحد منهما يرتقب موت صاحبه،و ربما أشعر به العبارة،حيث اقتصر بذكر العمرى خاصّة دون الرقبى،فكأنه جعلهما بمعنى واحد،و إلّا لذكر الرقبى و لو بالإشارة.

و عن الشيخ و تالييه أنه قيل في الرقبى أن يقول:جعلت خدمة هذا العبد لك (3).

و عن الأكثر أيضاً أن بين السكنى و كل من العمرى و الرقبى عموماً من وجه؛ لاجتماعها مع كلّ منهما فيما لو قرن إباحة المنفعة بالسكنى و مشخّصات إحداهما،كالسكنى مدّة العمر في الأُولى،و مدّة معيّنة في الثانية،و افتراقها عن كلّ منهما باقتران الإباحة بالسكنى خاصّة،كما قدّمناه من المثال،و يفترقان عنها بتجرّد الإباحة عن الإسكان و تقييدها بالعمر أو المدّة،كما قدّمناه من المثال،و بجريانهما في غير المسكن من سائر الأعيان التي يصحّ وقفها،بخلاف السكنى،لاختصاصها به.

و عن التحرير تخصيص العمرى بما لا يشتمل عقدها على لفظ السكنى،كأن يقول:أعمرتكها مدّة عمرك،و الرقبى بما لا يشتمل عليه،بل

ص:184


1- المسالك 1:364،الكفاية:143.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):603،الشيخ في المبسوط 3:316،القاضي في المهذب 2:101،الحلي في السرائر 3:168.
3- انظر المبسوط 3:316،و المهذَّب 2:100،و السرائر 3:168.

على المدّة،كأن يقول:أرقبتكها مدّة كذا،فإن ذكر الإسكان فهي سكنى خاصّة مطلقا و إن قرنت بعمر أو مدّة،و حينئذٍ فبينهما بهذا الاعتبار تباين (1).

و الأمر في ذلك سهل؛ لكونها أُموراً اصطلاحيّة ليس فيها مشاحّة.

و تلزم السكنى بعد القبض لو عيّن المدّة فلا رجوع فيما دونها و إن مات المالك بلا خلاف أجده إلّا من الشيخ و الحلبي (2)، فلا تلزم هي كالعمرى إمّا مطلقاً كما عن الأوّل،أو مع عدم قصد القربة كما عن الثاني،و الأوّل أشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،بل صرّح جمع منهم كالمسالك و الصيمري و غيرهما (3)بجهالة القائلين بخلافه،و إنما أفصح عنهما الفاضل المقداد في الشرح (4).

و كيف كان،فهما بالإعراض عنهما أجدر،و المصير إلى ما عليه الأكثر أظهر؛ عملاً بعموم لزوم الوفاء بالعقود و الشروط المستفاد من الكتاب و السنة،عموماً و خصوصاً،و منه الخبران المتقدمات و غيرهما،كالصحيح:

عن رجل جعل داره سكنى لرجل إبّان حياته و لعقبه من بعده،قال:«هي له و لعقبه من بعده كما شرط» قلت:فإن احتاج إلى بيعها يبيعها؟قال:«نعم» قلت:فينقض بيعه الدار السكنى؟قال:«لا ينقض البيع السكنى» (5)الخبر.

ص:185


1- التحرير 1:290.
2- الشيخ في المبسوط 3:317،الحلبي في الكافي:363.
3- المسالك 1:364،و انظر الحدائق 22:281.
4- التنقيح الرائع 2:333.
5- الكافي 7:38/38،الفقيه 4:649/185،التهذيب 9:593/141،الإستبصار 4:399/104،الوسائل 19:135 أبواب أحكام الإجارة ب 24 ح 3؛ بتفاوت يسير.

و فيه دلالة من وجه آخر أظهر،كالموثق:عن رجل أسكن رجلاً داره في حياته،قال:«يجوز له،و ليس له أن يخرجه» قلت:فله و لعقبه؟قال:

«يجوز» (1)الحديث.

و كذا تلزم لو قال له: أسكنتك عمرك،لم تبطل بموت المالك و إنما تبطل بموت الساكن خاصّة عند الأكثر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ لعين ما مرّ.

خلافاً للإسكافي،فقال:إذا أراد ورثة المالك إخراج الساكن بعد موت المالك نظر إلى قيمة الدار فإن كانت تحيط بها ثلث الميت لم يكن لهم إخراجه،و إن كان ينقص عنها كان ذلك لهم (2).

و استند فيه إلى بعض النصوص (3)القاصرة السند بالجهالة أو الضعف،و المتن بالخلل،و مخالفة الأصل،و بعض النصوص المتقدمة كثاني الخبرين المتقدمين في صدر البحث (4)،بملاحظة صدره الذي تركنا ذكره من قوله:«إن جعل السكنى في حياته فهو كما شرط» فإن الظاهر رجوع الضمير إلى الساكن بقرينة ما ذكرناه من التّتمة،فقد حكم عليه السلام بلزوم الشرط من دون تفصيل بين موت المالك و عدمه،فإذاً المذهب الأوّل.

إلّا أن يكون الإسكان موصى به أو منجّزاً و كان في مرض موته،

ص:186


1- الكافي 7:24/34،الفقيه 4:651/186،التهذيب 9:589/140،الوسائل 19:219 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 2 ح 3.
2- حكاه عنه في المختلف:498.
3- هو خبر خالد بن نافع البجلي المروي في الكافي 7:39/38،الفقيه 4:650/186،التهذيب 9:594/142،الإستبصار 4:400/105،الوسائل 19:227 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 8 ح 1.
4- راجع ص:182.

فتعتبر المنفعة الخارجة من الثلث لا جميع الدار.

و لو قال: أسكنتك عمري،و إليه أشار بقوله: حياة المالك، لم تبطل بموت الساكن و انتقل ما كان له من الحق إلى ورثته بلا خلاف،كما في المسالك و غيره (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأُصول المتقدمة في الحكم الأوّل،و أنه حقّ كسائر الحقوق المنتقلة إلى الورثة بالاتّفاق بحسب الفتوى و الرواية في الحكم الثاني.

ثم إن هذه الأحكام في العبارة و إن اختصّت بالسكنى المختصّة بالدار و نحوه،إلّا أن مقتضى الأُصول المتقدمة انسحابها في كلّ رقبى و عمرى و إن كانت بغير متعلق السكنى متعلقة،كالمتاع و شبهه.

و اعلم أن مورد العبارة و الرواية مختصّ بجعل الغاية عمر المالك أو المعمَر،و يضاف إلى ذلك عقب المعمَر،كما في الثانية.

و هل يجوز التعليق بعمر غيرهما؟قال الشهيد:نعم (2)؛ للأصل، و عموم الأمر بالوفاء بالعقود،و أن المسلمين عند شروطهم،و لصدق اسم العمرى المدلول على شرعيّتها في بعض النصوص من غير تقييد بعمر أحدهما (3).

و يحتمل قوياً العدم؛ لاشتمال العقد على الجهالة من حيث عدم العلم بغاية وقت المنفعة المستحقّة،فلا يجدي التمسّك بالأصل و العمومين؛

ص:187


1- المسالك 1:365؛ و انظر الحدائق 22:283.
2- نقله عنه في المسالك 1:365.
3- دعائم الإسلام 2:1225/324،المستدرك 14:66 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 2 ح 2.

لاختصاصهما بما لا يشتمل عليها،و الإطلاق بحيث يشمل المقام ممنوع بعد قوّة احتمال انصرافه بحكم التبادر إلى العمرى المقيّدة بعمر أحدهما.

و لكن الأجود الأول؛ التفاتاً إلى عدم تعقّل الفرق بوجه،فيبعد،مع تضمّن بعض الأخبار السابقة الحاكمة باللزوم لما هو كالتعليل له من قوله:

«له شرطه» و أن«المؤمنين عند شروطهم» و يظهر منه غاية الظهور أن الحكم باللزوم إنما هو من حيث لزوم الوفاء بالشروط،و هو متحقّق في المفروض.

و إن أطلق السكنى و لم يعيّن المالك لها مدّة معلومة و لا عمراً أصلاً صحّ السكنى بلا خلاف،كما قيل (1)،و لكن لا يلزم،بل يتخيّر المالك في إخراجه مطلقا أي متى شاء،بلا خلاف؛ للمعتبرين، أحدهما الصحيح:عن رجل أسكن رجلاً داره و لم يوقّت،قال:«جائز و يخرجه إذا شاء» (2)و نحوه الثاني الموثق (3).

و ليس فيهما كالعبارة لزوم الإسكان و لو في الجملة كيوم و نحوه مما يسمّى إسكاناً في العرف و العادة،و لا عدمه،بل هما بالإضافة إليها مطلقان.

و في المسالك عن الأكثر عدمه (4)،و أنها من العقود الجائزة،فله الرجوع متى شاء و لو قبل الإسكان بالكلّية.

و يمكن أن ينزّل عليه العبارة،بل الرواية،بجعل متعلّق الإخراج هو

ص:188


1- الحدائق 22:286.
2- الكافي 7:25/34،التهذيب 9:590/140،الاستبصار 4:398/104 بتفاوت يسير،الوسائل 19:221 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 4 ح 1.
3- الكافي 7:24/34،الفقيه 4:651/186،التهذيب 9:589/140،الوسائل 19:222 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 4 ح 2.
4- المسالك 1:365.

الإسكان المتعلّق به العقد دون الدار.

خلافاً للتذكرة و المحقق الثاني (1)،فحكما به،و نفى عنه البعد في الكفاية (2)،و استدل لهم تارةً بالرواية،و قد عرفت ما فيها من المناقشة و ضعف الدلالة،و أُخرى بالعمومات الدالّة على لزوم الوفاء بالعقود و الشروط،و هو حسن إن لم يكن في الإسكان المطلق الغير المقيّد بمدّة جهالة،و إن كان كما هو الظاهر فسدت الحجّة؛ لاختصاصها بما لا يتضمّن الجهالة،كما مرّ إليه الإشارة.

و مقتضى ذلك و إن كان فساد السكنى بالكلّية،إلّا أن دعوى عدم الخلاف في الصحّة المؤيّدة باتّفاقهم عليها في الظاهر أوجبت الحكم بها، و لا يلزم منه إيجاب اللزوم مطلقا و لو في الجملة،فتأمّل.

ثم مقتضى هذه القاعدة فساد العمرى و كذا الرقبى لو خلتا عن ذكر العمر و المدّة،كما لو اقّتتا بعمر مجهول أو مدّة مجهولة،وفاقاً للدروس و المسالك في الأُولى (3).

خلافاً للثاني في الثانية،و التحرير فيهما (4)؛ لوجوه مدخولة.

و كيف كان لو مات المالك و الحال هذه يعني تكون السكنى غير لازمة كان المسكن ميراثاً لورثته أي المالك و بطلت السكنى بالمرّة،بلا خلاف في الظاهر و لا إشكال،فإن ذلك مقتضى العقود الجائزة، و أولى منه بالحكمين ما لو كانت السكنى أو العمرى أو الرقبى من أصلها

ص:189


1- التذكرة 2:450،المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:124.
2- الكفاية:143.
3- الدروس 2:281،المسالك 1:365.
4- التحرير 1:291.

فاسدة.

و إطلاق السكنى بأقسامها الثلاثة حيث تتعلّق بالمسكن يقتضي أن يُسكِن الساكن معه مَن جرت العادة أي عادة الساكن به أي بإسكانه معه كالولد و الزوجة و الخادم و الضيف و الدابّة إن كان في المسكن موضع معدّ لمثلها،و كذا وضع ما جرت العادة بوضعه فيها من الأمتعة و الغلّة بحسب حالها،بلا خلاف،إلّا من ظاهر النهاية و القاضي و ابن زهرة (1)،حيث اقتصروا على ذكر الولد و أهله،و لعلّ مرادهم منه التمثيل خاصّة،كما فهمه متأخّرو الأصحاب كافّة،و لذا لم ينقلوا عنهم الخلاف في جواز إسكان ما عدا من ذكروه.

و ليس له أن يسكن غيره ممن لم يحكم العرف بإسكانه معه،و لا الإجارة و غيرها من التصرفات الناقلة حتّى للمنفعة إلّا بإذن المالك على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم الاقتصار في ملك الغير على ما يقتضيه الإذن و الرخصة على المتيقن،و ليس إلّا إسكان من قدّمناه خاصّة،بل لولا العادة لكان اللازم عليه الإسكان بنفسه دون غيره،فإن ذلك مقتضى«أسكنتك» لغةً،لكن جاز التعدّي إلى من ذكر قضيّةً لها،مضافاً إلى الاتّفاق عليه فتوًى كما مضى.

خلافاً للحلّي (2)،فجوّز له إسكان من شاء و إجارته و نقله كيف شاء؛ محتجّاً بأنه ملّكه المنفعة بعقد لازم،فيجوز له التصرف فيها مطلقا،كما لو تملّكها بالإجارة،و كغيرها من أمواله.

ص:190


1- النهاية:601،القاضي في المهذب 2:102،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603.
2- السرائر 3:169.

و هو شاذّ،و مستنده كما ترى ضعيف.

و لو باع مالك الأصل المسكن لم تبطل السكنى إن وقّتت بأمدٍ أو عمر بلا خلاف؛ للصحيح:«لا ينقض البيع السكنى،و لكن يبيعه على أنّ الذي يشتريه لا يملك ما اشترى حتى ينقضي السكنى على ما شرط» (1).

و صريحه كالإسكافي و الشهيدين و غيرهما (2)،و ظاهر العبارة هنا و في الشرائع و غيره (3)صحّة البيع،و لعلّها مختار الأكثر،و هو أظهر؛ لصراحة الخبر المعتبر.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات الآمرة بالوفاء من الكتاب و السنّة السليمة هنا عما يصلح للمعارضة.

خلافاً للفاضل في الموقّتة بالعمر،فاستشكل في الصحّة فيها في المختلف و التذكرة و القواعد (4)،و قطع بعدمها في التحرير (5)؛ التفاتاً منه إلى أن الغرض المقصود من البيع هو المنفعة،و لذا لا يجوز بيع ما لا منفعة فيه،و زمان استحقاق المنفعة في العمرى مجهول،و قد منع الأصحاب من بيع المسكن الذي تعتدّ فيه المطلّقة بالأقراء،لجهالة وقت الانتفاع به،فهنا أولى،لإمكان استثناء الزوج مدّة يقطع بعدم زيادة المدّة عليها،بخلاف المتنازع.

ص:191


1- الكافي 7:38/38،الفقيه 4:649/185،التهذيب 9:593/141،الإستبصار 4:399/104،الوسائل 19:135 أبواب أحكام الإجارة ب 24 ح 3.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:499،الشهيد الأول في الدروس 2:282،الشهيد الثاني في المسالك 1:366؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:220.
3- الشرائع 2:225؛ و انظر التنقيح الرائع 2:336،و المسالك 1:366.
4- المختلف:499،التذكرة 1:451،القواعد 1:273.
5- التحرير 1:291.

و هو مع أنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر المعتضد بعمل الأكثر مضعّف بما لا يسع ذكره المقام.

و أما الأولويّة المدّعاة في بيع مسكن المطلّقة باستثناء قدر يقطع بانقضاء العدة قبله فمثله آتٍ في العمرى؛ نظراً إلى العمر الطبيعي الذي لا يعيش المُعمرَ بعده قطعاً أو عادةً،و من ثمّ يحكم بموت المفقود حينئذٍ، و يقسّم ماله،و تعتدّ زوجته عدّة الوفاة اتّفاقاً.

نعم،لو أُقّتت بعمر المُعمَر و عقبه على الإطلاق اتّجه ما ذكره،لكن عبارته بتحقّق الأولويّة مطلقة شاملة لما إذا أُقّتت السكنى بعمر المعمر أو بعض من عقبه خاصّة،فيتّجه حينئذٍ ما ذكرناه من المناقشة،هذا.

و يمكن أن يقال:إن الجهالة المانعة عن صحّة البيع إنما هي إذا كانت في نفس المبيع دون منفعته،و هي هنا لمعلوميّة المبيع منتفية،و فتوى الأصحاب بالمنع عن بيع دار المطلّقة المزبورة لا حجّة فيها على المنع في المسألة،إمّا لاختصاصها بالمنع ثمّة دون المسألة،أو لعدم بلوغها درجة الإجماع فلا تكون من أصلها معتبرة،و على هذا ينسحب القول بالصحّة في تلك المسألة.

فهذا القول ضعيف غايته،كالقول بالفرق بين بيعه على المعمَر فالأوّل،و غيره فالثاني؛ نظراً إلى استحقاق المعمَر المنفعة ابتداءً و استمراراً فتغتفر الجهالة.

فإن المعتبر من العلم بالمنفعة المطلوبة في البيع إن كان مما ينافيه هذا الفائت منها زمن العمر المجهول بطل مطلقاً،و إلّا صحّ كذلك؛ لاختلاف الاستحقاقين،و لا يبني أحدهما على الآخر.

نعم،ربما يتوجه ما ذكره العلّامة في العمرى المؤبّدة المقيّدة بعمر

ص:192

المعمَر و عقبه؛ لكون المبيع حينئذٍ مسلوب المنفعة فيُعدّ شراؤه سفاهة، فيبطل من هذه الجهة.

لكن يدفعه إطلاق الرواية،بل عمومها الناشئ من ترك الاستفصال كما يستفاد من صدرها.

و مع ذلك مقتضاه اختصاص البطلان بصورة لم يتصوّر فيها للعين منفعة مقصودة للعقلاء غير ما وقع عليه عقد العمرى،كالدور و شبهها.

و أمّا ما يتصوّر فيه تلك المنفعة كالعبد و الأمة فيحتمل فيهما الصحة؛ لعدم استلزام أعمارها فساد البيع من جهة سلب المنفعة،لوجود منفعة أُخرى غير المستحقّة،و هي عتقهما و نحوه،و أمثالها للعقلاء مقصودة.

ثم المشتري حيث صحّ البيع إن كان عالماً بالحال فلا خيار له و وجب عليه الصبر،و إلّا تخيّر بين الفسخ و الصبر،و هو إجماع،كما في التنقيح (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أن فوات المنفعة عيب مجوّز للفسخ،لكونه ضرراً منفياً اتّفاقاً فتوًى و روايةً.

و احترز بالشرطية في العبارة عن السكنى المطلقة،فإنها تبطل بالبيع لكونها كما عرفت من العقود الجائزة،إلّا إذا قلنا بلزومها في الجملة،فتبطل بالبيع إن كان بعد مضيّ زمان استيفاء مسمّى الإسكان خاصة،و نحوها العمرى و الرقبى حيث لم توقّتا بعمرٍ و لا مدّةٍ و قلنا بالصحة،و إلّا كانتا باطلتين من أصلهما.

و يجوز حبس نحو البعير و الفرس في سبيل اللّه تعالى لنقل الماء إلى المسجد و السقاية،و لمعونة الحاجّ و الزائرين و طلّاب العلم

ص:193


1- التنقيح الرائع 2:336.

و المتعبّدين.

و الغلام و الجارية في خدمة بيوت العبادة.

و يلزم كل ذلك ما دامت العين باقية بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و به صرّح الحلي في السرائر (1)؛ و هو الحجة،دون ما ذكره في الكفاية (2)من الصحيح:في رجل جعل لبعض قرابته غلّة داره و لم يوقّت وقتاً،فمات الرجل،فحضر ورثته ابن أبي ليلى و حضر قرابته الذي جعل له غلّة الدار،فقال ابن أبي ليلى:أرى أن أدعها على ما تركها صاحبها.فقال له محمّد بن مسلم الثقفي:أما إنّ عليّ ابن أبي طالب عليه السلام قد قضى في هذا المسجد بخلاف ما قضيت،فقال:

و ما علمك؟فقال:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:«قضى عليّ بن أبي طالب عليه السلام بردّ الحبيس و إنفاذ المواريث» الحديث (3)و نحوه الخبر في الدلالة على الأمر بردّ الحبيس و إنفاذ المواريث (4).

فإنهما كما ترى مع قصور سند الثاني،و اختصاص مورد الأوّل بالحبس على الإنسان قاصرا الدلالة على المطلوب،بل هما في الدلالة على خلافه و بطلان الحبس بموت الحابس واضحا الظهور،و لذا أن شيخنا في المسالك قال:حملهما الأصحاب على الحبس على الإنسان،و جعل

ص:194


1- السرائر 2:190.
2- الكفاية:143.
3- الكافي 7:27/34،الفقيه 4:635/181،التهذيب 9:591/140،معاني الأخبار:2/219،الوسائل 19:223 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 5 ح 1.
4- الكافي 7:28/35،الفقيه 4:636/182،التهذيب 9:592/141،معاني الأخبار:1/219،الوسائل 19:224 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 5 ح 2.

مستند لزومه في القُرَب هو نفس الاتّفاق على الظاهر عنده (1).

ثم إن الماتن و كثيراً من الأصحاب قد أهملوا ذكر كثير من أحكام الحبس،قيل:و الظاهر أن مورده مورد الوقف،فيصحّ في كلّ عين ينتفع بها مع بقاء عينها بالشرائط السابقة على الإنسان مطلقاً،و على القُرَب حيث يمكن الانتفاع بها فيها،كحبس الدابة لما تقدّم،و الكتب على المتفقّهين، و البيت على المساكين،و غير ذلك (2).

و أنه لا بدّ فيه بعد أهليّة التصرف من إيجاب و قبول كما في الوقف، و قصد القربة،كما عن السرائر و التحرير و المحقق الثاني (3)،و القبض كما عن التذكرة (4).

و أنه إن كان على إنسان فإن أطلق بطل بموت الحابس اتّفاقاً،و له الرجوع حينئذٍ متى شاء،كما في القواعد (5)،و إن عيّن مدّة لزم فيها أجمع، ثم يردّ إلى المالك،و الظاهر أنه لا خلاف فيه أيضاً،و إن كانت المدّة عمر أحدهما فكالمدة المعيّنة،كما في التحرير (6).

و في رواية:عن رجل مات و خلف امرأة و بنين و بنات و خلف لهم غلاماً أوقفه عليهم عشر سنين،ثم هو حرّ بعد العشر سنين،فهل يجوز لهؤلاء الورثة بيع هذا الغلام و هم مضطرّون؟فكتب:«لا يبيعوا إلى ميقات

ص:195


1- المسالك 1:366.
2- المسالك 1:367.
3- السرائر 3:170،التحرير 1:291،المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:127.
4- التذكرة 2:450.
5- القواعد 1:273.
6- التحرير 1:291.

شرطه إلّا أن يكونوا مضطرّين إلى ذلك فهو جائز لهم» (1).

و في اخرى:عن رجل جعل لذات محرم جاريته حياتها؟قال:«هي لها على النحو الذي قال» (2).

و أمّا الصدقة

فهي التطوّع أي التبرّع بتمليك العين من الغير بغير عوض دنيوي.

و النصوص في فضلها متواترة؛ مضافاً إلى الآيات المتكاثرة،قال سبحانه وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ [1] (3).و قال وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ [2] (4).و قال صلى الله عليه و آله:«الصّدقة تدفع ميتة السُّوء» (5).

و قال عليه السلام:«إن اللّه تعالى ليدفع بالصدقة الداء و الدُّبَيْلَة (6)و الحرق و الغرق و الهدم و الجنون،إلى أن عدّ سبعين باباً من السّوء» (7).

ص:196


1- الفقيه 4:634/181،التهذيب 9:581/138،الوسائل 19:221 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 3 ح 3.
2- التهذيب 9:597/143،الوسائل 19:225 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 6 ح 1.
3- البقرة:272.
4- المعارج:25.
5- الكافي 4:1/2،ثواب الأعمال:140 و فيه:تمنع،الوسائل 9:367 أبواب الصدقة ب 1 ح 2.
6- هي خُراجٌ و دمل كبير تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالباً و هي تصغير دُبْلَة.النهاية 2:99.في الحديث«إنّ اللّه ليدفعُ بالصدقة الداءَ و الدبَيْلة» هي مصغرة كجُهَيْنة:الطاعون و خراج و دمل يظهر في الجوف و يقتل صاحبه غالباً.مجمع البحرين 5:369.
7- الكافي 4:2/5،الوسائل 9:386 أبواب الصدقة ب 9 ح 1.

و قال مولانا الصادق عليه السلام:«المعروف شيء سوى الزكاة،فتقرّبوا إلى اللّه بالبرّ و صلة الرحم» (1).

و قال مولانا الباقر عليه السلام:«صنائع المعروف تدفع مصارع السوء» (2).

و يشترط فيها بعد أهليّة التصرّف من المصّدّق أُمور:

منها:ما يدلّ على الإيجاب و القبول و لو فعلاً،وفاقاً لبعض أصحابنا (3)،خلافاً لجماعة (4)،فاشترطوا فيهما ما يشترط في العقود اللازمة.و إطلاق النصوص بلزوم الصدقة بعد القبض و قصد القربة يدفعه.

و هي و إن شملت ما ليس فيه إيجاب و قبول بالمرّة،إلّا أن اعتبارهما و لو فعلاً لازم البتّة،فإن مع عدمهما لا يعلم كونه صدقة؛ مضافاً إلى عدم انصراف الإطلاقات بحكم التبادر إلى ما خلا عنهما البتة،هذا.

مضافاً إلى الاتّفاق في الظاهر على اعتبارهما في الجملة،و سيأتي عن المبسوط أن عليه إجماع الإمامية.

و منها:قصد القربة،بلا خلافٍ؛ لما مرّ في الوقف من المعتبرة المستفيضة الدالّة على أنه لا صدقة إلّا ما أُريد به وجه اللّه سبحانه (5)، و نحوها كثير من النصوص الآتية.

ص:197


1- الكافي 4:5/27،الفقيه 2:112/30،الوسائل 16:287 أبواب فعل المعروف ب 1 ح 7.
2- الكافي 4:1/28،الفقيه 2:114/30،الوسائل 16:287 أبواب فعل المعروف ب 1 ح 6.
3- مفاتيح الشرائع 1:231.
4- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 3:191،و انظر التحرير 1:291،و مفاتيح الشرائع 1:231.
5- راجع ص:95.

و منها:القبض،بلا خلاف أيضاً أجده،بل عليه في ظاهر المبسوط إجماع الإمامية (1)؛ لأصالة عدم اللزوم بل الصحة قبله،و اختصاص الإطلاقات الحاكمة بلزومها بحكم التبادر بالصدقة بعده؛ مضافاً إلى الصحيح و غيره المتقدّمين في الوقف:في الرجل يتصدّق على ولد له قد أدركوا، فقال:«إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث» (2)الحديث.

و لا حكم لها من لزوم أو صحة ما لو تقبض بإذن المالك بلا خلاف؛ للأصل،و ظهور الخبرين المشترطين للقبض في ذلك؛ و لأن القبض المترتّب عليه أثره هو المأذون فيه شرعاً،و المنهي عنه غير منظور إليه.

و تلزم بعد القبض و إن لم يعوّض عنها على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و عن الحلّي الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أن المقصود بها الأجر،و قد حصل كالمعوّض عنها.

و في المعتبرة المستفيضة:«إنما مثل الذي يتصدّق بالصدقة ثم يعود فيها مثل الذي يقيء ثم يعود في قيئه» (4).

و في معتبرة أُخر:«و لا ينبغي لمن أعطى للّه شيئاً أن يرجع فيه،و ما لم يعط للّه و في اللّه فإنه يرجع فيه» (5).

ص:198


1- المبسوط 3:314.
2- الكافي 7:7/31،التهذيب 9:569/135،الإستبصار 4:387/101،الوسائل 19:178 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 4 ح 1،و قد تقدّم في ص:4531.
3- السرائر 3:177.
4- انظر الوسائل 19:204،205 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 11 ح 2،4،5.
5- الكافي 7:3/30،4،التهذيب 9:624/152،625/153،الإستبصار 4:423/110،411/108،الوسائل 19:231،243 أبواب أحكام الهبات ب 3 ح 1،ب 10 ح 1.

خلافاً للمبسوط،فقال:إن صدقة التطوّع عندنا بمنزلة الهبة في جميع الأحكام،من شرطها الإيجاب و القبول،و لا تلزم إلّا بالقبض،و كلّ من له الرجوع في الهبة له الرجوع في الصدقة عليه (1).

و هو شاذّ،و مستنده غير واضح،سوى دعواه الإجماع في الظاهر على اتحادها مع الهبة في الأحكام،و هي بعد تسليمها غير ضائرة بعد ما مرّ من حصول العوض بقصد التقرّب،فيكون كالهبة المعوّض عنها لا يجوز الرجوع فيها.

و مفروضها محرّم على بني هاشم بلا خلاف إن كان زكاة،بل عليه إجماع العلماء كافة،و الصحاح و غيرها به مع ذلك مستفيضة:

ففي الصحيح:«إن الصدقة أوساخ أيدي الناس،و أن اللّه تعالى حرّم عليّ منها و من غيرها ما قد حرّمه» (2)الحديث.

و في آخر:«لا تحلّ الصدقة لولد العباس و لا نظرائهم من بني هاشم» (3).

و كذا غيرها من الصدقات الواجبة على إطلاق العبارة و غيرها من عبائر كثير من الجماعة (4)،بل نسبه في المسالك (5)إلى الشهرة؛ عملاً

ص:199


1- المبسوط 3:314.
2- الكافي 4:2/58،التهذيب 4:155/58،الإستبصار 2:106/35،الوسائل 9:268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 2.
3- التهذيب 4:158/59،الإستبصار 2:109/36،الوسائل 9:269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 3 و في الجميع:لنظرائهم.
4- منهم:العلّامة في الإرشاد 1:455،و المحقق في الشرائع 2:222،و الشهيد في اللمعة(الروضة 3):191.
5- المسالك 1:363.

بإطلاق تلك المستفيضة.

و الأصح وفاقاً لجماعة كالمسالك و غيره (1)الحلّية؛ لأصالة الإباحة، و اختصاص إطلاقات النصوص بحكم التعليل في بعضها بأنها أوساخ أيدي الناس،و التبادر في باقيها بالزكاة الواجبة.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا،فأمّا غير ذلك فليس به بأس،و لو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة،هذه المياه عامّتها صدقة» (2)و بمعنى ذيلها رواية أُخرى صحيحة (3).

و المتبادر من الواجبة هي الزكاة المفروضة؛ لكونها المعروفة الشائعة المنساق إليها اللفظ من دون قرينة،مع إشعار الرواية بها من حيث وصفها فيها بالواجبة على الناس،هذا.

مع أنه صرّح بالحصر فيها في خبرين،في أحدهما:عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي؟فقال:«هي الزكاة» قلت:فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟قال:«نعم» (4).

و نحوه الثاني:عن الصدقة المحرّمة عليهم ما هي؟فقال:«الزكاة المفروضة» (5).

ص:200


1- المسالك 1:363؛ و انظر التنقيح الرائع 2:339،و الكفاية:143،و الحدائق 22:271.
2- الكافي 4:3/59،التهذيب 4:166/62،الوسائل 9:272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 3.
3- التهذيب 4:165/61،الوسائل 9:272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 1.
4- الكافي 4:5/59،التهذيب 4:156/58،الاستبصار 2:107/35،المقنع:55،الوسائل 9:274 أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 5.
5- التهذيب 4:157/59،الإستبصار 2:108/35،الوسائل 9:274 أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 4.

(و يمكن أن ينزّل على المختار إطلاق العبارة و ما ضاهاها مما تضمّن لفظ المفروضة بحملها على الزكاة المالية) (1).

إلّا أن تكون صدقة أمثالهم من السادة،فتحلّ لهم مطلقا، إجماعاً؛ للمعتبرة المستفيضة:

منها الموثق:قلت له:صدقة بني هاشم بعضهم على بعضهم تحلّ لهم؟فقال:«نعم» (2).

أو تكون الصدقة عليهم مع الضرورة و البلوغ حدّا يحلّ لهم معه أكل الميتة،فتحلّ لهم بلا خلاف أجده؛ للموثق:«و الصدقة لا تحلّ لأحدٍ منهم إلّا أن لا يجد شيئاً و يكون ممن تحلّ له الميتة» (3).

و لا بأس لهم بالمندوبة بلا خلاف أجده؛ للأصل،و ما مرّ من النصوص المستفيضة.

و ربما يستثنى منهم النبي صلى الله عليه و آله و الأئمة المعصومون عليهم السلام في ذلك؛ صوناً لهم من النقص و تسلّط المتصدّق.

و يدفعه الصحاح المتقدمة المتضمنة لقولهم عليهم السلام:«لو حرمت الصدقة علينا لم يحلّ لنا أن نخرج إلى مكة،لأن كلّ ما بين مكة و المدينة فهو صدقة» .قيل:و يمكن الفرق بين الصدقة العامّة و الخاصة بهم،فتباح الاُولى دون الثانية (4).

ص:201


1- ما بين القوسين ليست في«ق» و«ت».
2- التهذيب 4:164/61،الوسائل 9:275 أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 6.
3- التهذيب 4:159/59،الإستبصار 2:111/36،الوسائل 9:276 أبواب المستحقين للزكاة ب 33 ح 1.
4- مفاتيح الشرائع 1:232.

و هو مع شذوذه لا وجه له عدا التعرّض في الصحاح لإباحة الأُولى دون الثانية،و ليس فيه حجة مع ظهور السياق في كون تخصيصها بالذكر للمثَل لا الحصر و الصدقة سرّاً أفضل منها جهراً ،قال سبحانه وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [1] (1).و عن مولانا الصادق عليه السلام:«الصدقة في السرّ و اللّه أفضل منها في العلانية» (2).

إلّا أن يتّهم في ترك المواساة فيظهرها دفعاً للتهمة،أو يقصد اقتداء الناس به تحريصاً على نفع الفقراء.

و قيل:هذا كله في المندوبة،أمّا الواجبة فإظهارها أفضل؛ لعدم تطرّق الرياء إليها كما يتطرّق إلى المندوبة،و لاستحباب حملها إلى الإمام المنافي للكتمان غالباً (3).

و في الحسن:«كلّ ما فرض اللّه تعالى عليك فإعلانه أفضل من إسراره،و كلّ ما كان تطوّعاً فإسراره أفضل من إعلانه،فلو أن رجلاً حمل زكاة ماله على عاتقه علانيةً كان ذلك حسناً جميلاً» (4).

و في الموثق في قوله تعالى وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [2] قال:«هي سوى الزكاة،إن الزكاة علانية غير سرّ» (5).

ص:202


1- البقرة:271.
2- الكافي 4:2/8،الفقيه 2:162/38،الوسائل 9:395 أبواب الصدقة ب 13 ح 3.
3- المسالك 1:364.
4- الكافي 3:16/501،التهذيب 4:297/104،الوسائل 9:309 أبواب المستحقين للزكاة ب 54 ح 1.
5- الكافي 3:17/502،التهذيب 4:298/104،الوسائل 9:310 أبواب المستحقين للزكاة ب 54 ح 2.

الهبة

و امّا الهبة فهي تمليك العين تبرّعاً مجرّداً عن قصد القربة أي من دون اشتراطها بهما و إلّا لانتقض بالهبة المعوّض عنها و المتقرب بها إلى اللّه تعالى فإنهما هبة أيضاً،إجماعاً،فتوًى و نصّاً.

و الدليل على عدم اشتراطها بالقربة بعد الوفاق و الأصل ظواهر كثير من المعتبرة:

منها الصحيح:«إنما الصدقة محدثة،إنما كان الناس على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ينحلون و يهبون،و لا ينبغي لمن أعطى للّه عزّ و جلّ شيئاً أن يرجع فيه» قال:«و ما لم يعط للّه و في اللّه فإنّه يرجع فيه،نحلة كانت أو هبة،حيزت أو لم تُحَزْ» (1)الحديث،و نحوه الموثق (2)و غيره (3).

و لذا صارت أعمّ من الصدقة؛ لاشتراطها بالقربة دونها.

كما أنها أعمّ من الهدية،لافتقارها إلى قيدٍ دونها،هو:أن تحمل من مكان إلى مكان الموهوب له إعظاماً له و توقيراً،و لهذا[لا (4)]يطلق لفظها على العقارات الممتنع نقلها.

ص:203


1- الكافي 7:3/30،التهذيب 9:624/152،الإستبصار 4:423/110،الوسائل 19:231 أبواب أحكام الهبات ب 3 ح 1.
2- الكافي 7:4/30،التهذيب 9:625/153،الوسائل 19:243 أبواب أحكام الهبات ب 10 ح 1.
3- الكافي 7:7/31،التهذيب 9:569/135،الوسائل 19:231 أبواب أحكام الهبات ب 3 ح 2.
4- أضفناها لاستقامة العبارة،كما في سائر الكتب الفقهية كالمسالك و المفاتيح و الحدائق،و الضمير راجع إلى الهدية.

و يعبّر عنها تارةً بها،و أُخرى بالنِّحلة و العطيّة،و يطلق كلّ منهما على مطلق الإعطاء المتبرّع به،فيشملان الوقف و الصدقة و الهبة و السكنى فهما أعمّ منها.

و لا بدّ فيها بعد أهليّة التصرف في الواهب،و قابلية الملك في الموهوب له من الإيجاب الدالّ على تمليك العين و لو من غير عوض، كوهبتك،و ملّكتك،و أعطيتك،و نحلتك،و أهديت إليك،و هذا لك مع نيتها،و نحو ذلك. و القبول الدالّ على الرضاء،كقبلت،و رضيت.

بلا خلاف و لا إشكال إن أُريد مطلق ما يدلّ عليهما و لو فعلاً.

و يشكل إذا أُريد ما يدلّ عليهما لفظاً؛ لصدق الهبة مع عدم اللفظ الدال عليهما حقيقة إن تحقّق ما يدل عليهما فعلاً،فتدخل في العمومات الدالة على جوازها أو لزومها و سائر أحكامها،إلّا أن ظاهر الأصحاب الاتّفاق على اعتبار العقد القولي،كما يظهر من الكفاية (1)،و صرّح به في المسالك،قال:فعلى هذا ما يقع بين الناس على وجه الهدية من غير لفظٍ يدلّ على إيجابها و قبولها لا يفيد الملك،بل مجرّد الإباحة،حتى لو كانت جارية لم يحلّ له الاستمتاع بها،لأن الإباحة لا تدخل في الاستمتاع (2).

و حينئذٍ لا إشكال في اعتبار اللفظ و سائر ما وقع عليه الاتفاق أو يحكى عليه إن كان،من العربية و الفورية،دون الماضوية،فإنه لا يشترط فيه هنا قولاً واحداً،كما حكاه بعض أصحابنا،قال:لجوازها على كثير من الوجوه (3).

ص:204


1- الكفاية:143.
2- المسالك 1:367.
3- مفاتيح الشرائع 3:201.

و دون الهدية؛ لعدم الاتّفاق على ذلك،فقد احتمل في الدروس وفاقاً لظاهر التذكرة و صريح التحرير (1)عدم اعتبار اللفظ فيها؛ لأن الهدايا كانت تحمل إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله من كسرى و قيصر و سائر الملوك فيقبلها و لا لفظ هناك،و استمرّ الحال من عهده إلى هذا الوقت في سائر الأصقاع،و لهذا كانوا يبعثون على أيدي الصبيان الذين لا يعتدّ بعباراتهم،قال:و مارية القبطية كانت من الهدايا.و استحسنه في المسالك (2).

و هو كذلك؛ لا لما مرّ من التعليل،فإنه كما قيل عليل؛ بل لما مرّ من لزوم الاقتصار فيما خالف العمومات على مورد الوفاق المقطوع به أو المحكي،و هما مفقودان في المقام،لوجود الخلاف،و استحسان الحاكي له القول بالعدم الذي حكاه عمن مرّ،و هو لا يجتمع مع الإجماع الذي حكاه لو عمّ المقام،و إلّا لما استحسن.

و لا بُدّ فيها من القبض أيضاً،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في المسالك و غيره (3)كما يأتي؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة:منها الموثق،و المرسل القريب منه بفضالة و أبان:عن النحل و الهبة ما لم يقبض حتى يموت صاحبها،قال:«هي بمنزلة الميراث،و إن كان لصبي في حجره و أشهد فهو جائز» (4).

ص:205


1- الدروس 2:291،التذكرة 2:415،التحرير 1:281.
2- المسالك 1:368.
3- المسالك 1:369؛ و انظر إيضاح الفوائد 2:412،و الحدائق 22:310.
4- الموثق في:التهذيب 9:648/157،الإستبصار 4:409/107،الوسائل 19:235 أبواب أحكام الهبات ب 5 ح 2.و المرسل في:التهذيب 9:637/155،الوسائل 19:232 أبواب أحكام الهبات ب 4 ح 1.

و قريب منها الخبر:«الهبة لا تكون هبة أبداً حتى يقبضها» (1).

و صريح الأولين و ظاهر الثالث كالعبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة أن القبض شرط الصحة،و به صرّح الحلبي (2)،و الأكثر كما حكاه الحلّي (3)،بل عن ظاهر الدروس و المحقق الثاني و صريح التذكرة و نهج الحق و فخر الإسلام (4)الإجماع عليه؛ و هو حجة أُخرى زيادة على الخبرين،المعتبر أحدهما في نفسه بما مرّ،مضافاً إلى اعتباره كالآخر بالشهرة المطلقة التي حكاها الحلّي،و المتأخّرة التي حكاها جماعة من الأجلة (5)،مع سلامتهما كالإجماع المحكي عما يصلح للمعارضة؛ لما ستعرف من الجواب عن الأخبار الآتية،و عدم قدح بخروج معلوم النسب على تقديره في حجيّة الإجماع مطلقا،محققة و محكية،كما عليه الأصحاب كافّة.

فإذاً لا مسرح عن هذا القول و لا مندوحة،سيّما مع تأيّده بأصالة بقاء الملك لمالكه إلى أن يتحقق الناقل،و ليس سوى الأمر بالوفاء بالعقود.

و ما قيل (6)من المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض،قسّمت أو لم تقسّم،و النحل لا يجوز حتى تقبض،

ص:206


1- التهذيب 9:654/159،الإستبصار 4:407/107،الوسائل 19:234 أبواب أحكام الهبات ب 4 ح 7.
2- الكافي في الفقه:322.
3- السرائر 3:173.
4- الدروس 2:286،المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:148،التذكرة 2:417،نهج الحق:510،فخر الإسلام في إيضاح الفوائد 2:412.
5- كصاحب الحدائق 22:309.
6- كما في المختلف:486،و المفاتيح 3:202.

و إنّما أراد الناس ذلك فأخطئوا» (1).

و الموثقان بأبان،المجمع على تصحيح رواياته و روايات الراوي عنه فيهما،و فيهما:«إذا تصدّق الرجل بصدقة أو هبة قبضها صاحبها أو لم يقبضها علمت أو لم تعلم فهي جائزة» (2).

و في الجميع نظر؛ لاندفاع الأوّل بالإجماع على خلافه إن أُريد به ظاهره من لزوم الوفاء بالعقد،كيف لا و لا خلاف في جواز الرجوع فيها قبل القبض مطلقا.

و إن أُريد به لزوم الوفاء بمقتضى العقد من لزوم أو جواز فلا يدل على المطلوب؛ لتوقّف الدلالة حينئذٍ على ثبوت المقتضى من خارج و أنه الصحة،و هو أوّل الدعوى.

و قصور النصوص أوّلاً:عن المكافأة لما مرّ من الأدلة المعتضدة بالأصل و الشهرة المحققة و المحكية.

و ثانياً:بحسب الدلالة بإجمال القابض هل هو الواهب،أو الموهوب له؟و هي لا تتمّ إلّا على التقدير الأخير دون الأول؛ إذ المراد منه على هذا التقدير جواز هبة ما لم يقبض،لا جوازها و إن لم تقبض،و إذا جاء الإجمال بطل الاستدلال.

مع تأيّد الاحتمال الأوّل و المراد منه ببيان جواز هبة ما لم يقسّم بعد

ص:207


1- التهذيب 9:641/156،الإستبصار 4:422/110،معاني الأخبار:38/392،الوسائل 19:233 أبواب أحكام الهبات ب 4 ح 4.
2- الأُولى:التهذيب 9:639/156،الإستبصار 4:420/110،الوسائل 19:232 أبواب أحكام الهبات ب 4 ح 2.الثانية:التهذيب 9:640/156،الإستبصار 4:421/110،الوسائل 19:232 أبواب أحكام الهبات ب 4 ح 3.

ذلك في الخبر الأوّل بقوله:«قسّمت أو لم تقسّم» ردّاً على العامة المانعين عن هبته (1).

و بقوّة احتمال ورودها مورد التقية؛ بناءً على ما يستفاد من تتبّع أخبار الهبة أن المراد بالجواز حيث يطلق فيها اللزوم دون الصحة،أ لا ترى إلى الخبرين،أحدهما الموثق كالصحيح:«تجوز الهبة لذوي القرابة و الذي يثاب من هبته،و يرجع في غير ذلك إن شاء» (2).

و هما كغيرهما كالصريحين بل صريحان في أن المراد من الجواز المطلق في الصدر من دون قرينة ما يقابل جواز الرجوع الذي ذكر في الذيل حقيقة،و على هذا يحتمل قويّاً أن يكون المراد من الجواز في هذه النصوص هو اللزوم،كما فهمه الشيخ في الاستبصار (3)،لا الصحة،كما فهمه جماعة (4)،و حينئذٍ فلم يقل بهذه النصوص أحد من الطائفة.

و يحتمل حملها على التقية،فإنّ ذلك مذهب بعض العامّة،كما يستفاد من الانتصار و الغنية (5)،و بذلك صرّح شيخنا في الاستبصار في الجواب عن النصوص المزبورة بناءً على فهمه اللزوم من الجواز فيها كما قدّمناه،قال بعد احتماله حملها على الاستحباب،و ذكره القدح في الصحيحة بتضمّنها الفرق بين الهبة و النحلة فيما تضمّنته و الحال أنه لا فرق

ص:208


1- كما في المغني و الشرح الكبير 6:284.
2- التهذيب 9:636/155،الإستبصار 4:414/108،الوسائل 19:237 أبواب أحكام الهبات ب 6 ح 1.
3- الإستبصار 4:110.
4- منهم:العلّامة في المختلف:486،و فخر المحققين في الإيضاح 2:412،و أُنظر الكفاية:143،و الحدائق 22:306.
5- الانتصار:223،الغنية(الجوامع الفقهية):603.

بينهما في ذلك اتّفاقاً فتوًى و رواية-:و يجوز أن يكون خرج مخرج التقية (1).

و هو في غاية الجودة،إلّا أن احتمالها في الصحيحة لا يخلو عن مناقشة؛ لإباء سياقها عنه إلّا بمشقّة و كلفة.

و كيف كان،فلا حجة في هذه الأدلة على من جعل القبض شرط الصحة و إن انتصر بها عليهم من المتأخّرين جماعة (2)،زاعمين لأجلها أن القبض شرط اللزوم دون الصحة،وفاقاً للمحكي عن ظاهر الشيخين و القاضي و ابن حمزة (3)،فإنّها كما عرفت لا دلالة فيها صريحة بل و لا ظاهرة،و مع ذلك لا معنى لجعله شرط اللزوم في مطلق الهبة بعد الاتفاق على عدم اللزوم بعد القبض إلّا في مواضع قليلة،و تخصيص ذلك بتلك المواضع النادرة دون الكثيرة بمعنى أنه لا يشترط القبض في الهبة، و لا ثمرة فيه و لا فائدة إلّا حيث تكون الهبة لازمة بعيد عن إطلاق عبائر الجماعة كافة كما حكاه بعض الأجلّة (4)باشتراط القبض في مطلق الهبة، و لعلّه لذا ادّعى في الدروس أن مراد الأصحاب بشرط اللزوم هنا شرط الصحة،و ذكر عن الشيخ القائل بأنه شرط اللزوم ما يعرب عن هذا التوجيه (5).

ص:209


1- الاستبصار 4:110.
2- منهم:العلّامة في المختلف:486،و الفيض في المفاتيح 3:202،و السبزواري في الكفاية:143.
3- المفيد في المقنعة:658،الطوسي في المبسوط 3:304،القاضي في المهذب 2:97،ابن حمزة في الوسيلة:378.
4- انظر الحدائق 22:309.
5- الدروس 2:286،الشيخ في المبسوط 3:304.

و مظهر ثمرة الخلاف النماء المتخلّل بين العقد و القبض،فإنه للواهب على المختار،و للمتّهب على غيره.

و ما لو مات الواهب قبل الإقباض،فإنها تبطل على الأول،و يتخيّر الوارث بين الإقباض و عدمه على الثاني.

و فطرة المملوك الموهوب قبل الهلال الغير المقبوض إلّا بعده،فإنها على الواهب على الأول،و على الموهوب له على الثاني.و نفقة الحيوان في المدّة المتخلّلة.

و يشترط إذن الواهب في القبض بلا خلاف أجده،بل عليه في نهج الحق و الدروس و المسالك (1)إجماع الإمامية؛ و هو الحجة،مضافاً إلى ما مرّ في بحث الصدقة (2).

هذا إذا لم يكن بيده مقبوضاً من قبل.

و لو وهبه ما بيده لم يفتقر إلى قبض جديد،و لا إذن فيه،و لا مضي زمان يمكن فيه قبضه على الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر.

قيل:لحصول القبض المشترط،فأغني عن قبض آخر و عن مضيّ زمان يسعه؛ إذ لا مدخل للزمان في ذلك مع كونه مقبوضاً،و إنّما كان معتبراً مع عدم القبض،لضرورة امتناع حصوله بدونه (3).

و فيه نظر؛ فإنّ دعوى حصول القبض المشترط أوّل البحث،لعدم عمومٍ يدلّ على كفاية مطلقه لا من إجماع و لا غيره؛ للخلاف،و ظهور النصوص المشترط له بحكم التبادر في القبض بعد العقد،فاللازم في غيره

ص:210


1- نهج الحق:510،الدروس 2:290،المسالك 1:369.
2- راجع ص:197.
3- الروضة البهية 3:193.

الرجوع إلى حكم الأصل الدالّ على عدم الصحّة أو اللزوم إلى أن يتحقّق القبض المتيقّن إيجابه لهما،و ليس إلّا المجمع عليه،و هو القبض الجديد، أو المأذون فيه ثانياً للهبة.

و لعلّه لهذا اعتبر بعض الأصحاب (1)ما أسقطه الأكثر،و هو أظهر إن لم يكن الإجماع من المتأخّرين على خلافه انعقد.

و من هنا يظهر وجه لما يحكى عن بعض الأصحاب في القبض بعد العقد،من اشتراط كونه بنيّة الهبة (2).فإن هذا هو المتيقّن فتوى و رواية، إلّا أن الأشهر هنا أيضاً الاكتفاء بمطلق القبض،و عليه عامّة من تأخّر كالسابق.

و ربما قيّده بعضهم بعدم التصريح بأن القبض لغير الهبة،و استحسن هذا التفصيل في الكفاية (3).

و هو كذلك إن وجد من العمومات أو المطلقات ما يدل على الاكتفاء بمطلق القبض،و أمّا مع عدمهما كما هو الظاهر لما ذكر فهو كسابقه، إلّا أن ينعقد الإجماع على خلافه،أو يظهر من قرائن الأحوال كون القبض للهبة دون غيرها.

و يحتمل قوياً المصير إلى مختار الأكثر؛ لما مرّ في الوقف (4)، و سيأتي في هذا البحث من الاكتفاء بقبض الولي الواهب مع سبقه على العقد،للنصوص الدالّة عليه،المعلّل بعضها له بحصول القبض من دون أن يذكر فيها ما مرّ من القيود،و هذا التعليل جارٍ في المفروض،و العلّة

ص:211


1- انظر الجامع للشرائع:365.
2- حكاه عنه في الكفاية:143.
3- الكفاية:143.
4- راجع ص:101.

المنصوصة يتعدّى بها إلى غير المورد،كما تقرّر في الأُصول.

و لو وهب الأب أو الجد له للولد الصغير الذي تولّيا عليه ما هو ملكهما و مقبوضهما قبل الهبة لزم بلا خلاف لأنه مقبوض بيد الوليّ فيكفي عن القبض الجديد،كما مرّ في الوقف؛ و للمعتبرين المتقدمين في اشتراط القبض،المتضمّنين لقوله عليه السلام:«و إن كان لصبي في حجره و أشهد فهو جائز» (1).

و إطلاقهما كالعبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة،و نسبه في المسالك و غيره إلى الشهرة (2)،كفاية مطلق القبض السابق و لو خلا حين العقد أو بعده عن نيّة القبض عن المتّهب له بالكلية.

خلافاً للعلّامة فاشترطها (3).و هو شاذّ،و مستنده اجتهاد في مقابلة النص المعتبر.نعم،لا يبعد اعتبار عدم القصد لغيره،كما في المسالك و غيره (4).

و لو وهباه ما ليس بيدهما كالمال الذي و رثاه و لم يقبضاه،أو اشترياه كذلك،أو آجراه لغيره افتقر إلى القبض عنه،بلا خلاف و لا إشكال.

أمّا الوديعة فلا يخرج بها عن يد المالك،فلا يحتاج إلى قبض جديد.

و في العارية وجهان،و في المسالك و الكفاية:الأقرب أنها خارجة

ص:212


1- راجع ص:204.
2- المسالك 1:370؛ و انظر الكفاية:143.
3- القواعد 1:274.
4- المسالك 1:370؛ و انظر الحدائق 22:317.

عن يده (1).

ثم مفهوم العبارة و غيرها من عبائر الجماعة (2)و صريح آخرين (3)اشتراط القبض الجديد أو نيته عن الهبة إذا كانت للولد الكبير،ذكراً كان أو أُنثى.و لا خلاف (4)إلّا من الإسكافي،فألحق الأُنثى مطلقا بالصغير ما دام في حجره بالنسبة إلى هبته (5).و هو شاذّ،و مستنده قياس.

و إذا وهب غير الولي للطفل فلا بدّ من القبض،و يتولّاه الولي أو الحاكم.و في الوصي تردّد،و لعلّ الأظهر(أن له الولاية أيضاً) (6).

و قيل بإلحاقه بالولي (7).و مستنده غير واضح.

و هبة المشاع مطلقا جائزة كالمقسوم بلا خلاف بيننا،بل عليه في الغنية و نهج الحق إجماعنا (8)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و الإطلاقات،و خصوص المعتبرين المتقدمين (9)، و الصحيح:عن دارٍ لم تقسم،فتصدّق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار؟

ص:213


1- المسالك 1:370،الكفاية:143.
2- منهم:المحقق في الشرائع 2:230،و العلّامة في الإرشاد 1:450،و الشهيد في اللمعة(الروضة البهيّة)3:193.
3- كالعلّامة في المختلف:488،و الشهيد الثاني في المسالك 1:370،و صاحب الحدائق 22:317.
4- في«ر» زيادة:في الأوّل،كذا و في الثاني.
5- على ما نقله عنه في المختلف:488.
6- بدل ما بين القوسين في«ت»:العدم.
7- كذا في النسخ،و لعلّ الأنسب:بغير الوليّ.انظر المبسوط 3:305 و المسالك 1:370.
8- الغنية(الجوامع الفقهية):603،نهج الحق:510.
9- في ص:205.

فقال:«يجوز» قلت:أ رأيت إن كان هبة؟قال:«يجوز» (1).

و قبضه كقبض البيع عندنا،كما في المسالك (2)،فيجري فيه القولان:

بالاكتفاء بالتخلية مطلقاً،أو التفصيل بها في غير المنقول،و بالنقل و ما في معناه فيه.

فإن قلنا بالأوّل فلا بحث على المشهور،و إن حكي اعتبار إذن الشريك هنا ايضاً عن الدروس (3).

و إلّا كما هو الأقوى فإن كان باقي الحصّة للواهب فإقباضه بتسليم الجميع إلى المتّهب إن أراد تحقّق القبض.

و إن كان لغيره توقّف تسليم الكل على إذن الشريك،فإن رضي به، و إلّا لم يجز للمتّهب إثبات اليد عليه بدونه،بل يوكّل الشريك في القبض إن أمكن،و إن تعاسرا رفع أمره إلى الحاكم لينصب أميناً لقبض الجميع، نصيب الهبة لها و الباقي أمانة للشريك حتى يتمّ عقد الهبة،وفاقاً للشهيدين (4).

خلافاً للمختلف،فاكتفى هنا في القبض بالتخلية و لو في المنقول؛ تنزيلاً لعدم القدرة الشرعيّة منزلة عدم القدرة الحسيّة في غير المنقول (5).

و يضعّف بمنع عدم القدرة الشرعيّة حيث يوجد الحاكم المُجبر،أمّا مع عدمه فلا بأس به،دفعاً للعسر و الضرر.

ثمّ لو قبض في محل النهي لكن بإذن الواهب فالأصح تحقّقه،إمّا

ص:214


1- الكافي 7:24/34،الوسائل 19:246 أبواب أحكام الهبات ب 12 ح 1.
2- المسالك 1:370.
3- الدروس 2:290.
4- الشهيد الأول في الدروس 2:290،الشهيد الثاني في المسالك 1:371.
5- المختلف:488.

لعدم اقتضاء النهي الفساد في نحو المقام،أو لتعلّقه بالخارج عن متعلّق الهبة،و هو قبض مال الشريك خاصّة.خلافاً للمسالك (1)،فلم يعتبر مثل هذا القبض لوجه غير واضح.

و لا يرجع في الهبة لأحد الوالدين بعد القبض و كذا في غيرهما من ذوي الرحم على الخلاف فيهم.

ظاهر العبارة هنا و صريحها في الشرائع كعبارة التحرير (2)الإجماع على المنع من الرجوع فيها إذا كانت لأحد الأبوين و اختصاصه بهما،و قال في المختلف:و إذا وهب الأب ولده الصغير أو الكبير و أقبضه لم يكن للأب الرجوع في الهبة إجماعاً،و لو كان لغير الولد من ذوي الأرحام فللشيخ فيه قولان (3).

و ظاهره الدلالة على عدم وقوع الخلاف إذا كانت الهبة من الأب للأولاد،و وقوعه إذا كانت من الأولاد لآبائهم.

و في الدروس قصر الإجماع بعدم الرجوع على هبة الأب ولده الصغير (4).و يفهم منه وقوع الخلاف في الكبير و في الآباء.

و مقتضى الجمع بين هذه الكلمات وقوع الإجماع على عدم جواز الرجوع إذا كانت لأحد الأبوين و إن علا،أو الأولاد و إن نزلوا،كما صرّح به الصيمري و الشهيد الثاني (5)،حاكياً عن المصنّف ما يدلّ عليه،و إن اختصّ عبارته بالإجماع في الوالدين،و حكي التصريح بالإجماع كذلك عن التذكرة

ص:215


1- المسالك 1:371.
2- الشرائع 2:230،التحرير 1:283.
3- المختلف:484.
4- الدروس 2:287.
5- المسالك 1:371.

و المهذّب و المحقق الثاني (1)،لكنه لم يصرّح بالإجماع،بل نفى الخلاف عنه بيننا،و به على مطلق ذي الرحم صرّح في الغنية (2)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و عموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقد من الكتاب و السنّة،و المعتبرة المستفيضة عموماً و خصوصاً،فمن الأوّل:المعتبرة الثلاث (3)،و منها الصحيح:إنما مثل الذي يرجع في هبته كالذي يرجع في قيئه.

و نحوها الخبر،بل هو بالدلالة على اللزوم أظهر:«أنت بالخيار في الهبة ما دامت في يدك،فإذا خرجت إلى صاحبها فليس لك أن ترجع فيها» (4).

و هي بعمومها تشمل الهبة للأبوين و الأولاد،كما هو إجماع، و لغيرهم من ذوي الرحم،كما هو الأظهر الأشهر،و عليه عامّة من تأخّر إلّا من شذّ و ندر (5)،وفاقاً للمفيد و أحد قولي الطوسي و للديلمي و القاضي و ابن زهرة (6)مدّعياً عليه كما عرفت إجماع الإماميّة.

و من الثاني:في مطلق ذي الرحم الصحاح،منها:«الهبة و النحلة

ص:216


1- التذكرة 2:418،المهذب البارع 3:71،المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:157.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
3- انظر الوسائل 19:241 أبواب أحكام الهبات ب 7 ح 5،وص 243 ب 10 ح 3،و ج 18:33 أبواب الخيار ب 19 ح 1.
4- التهذيب 9:653/158،الإستبصار 4:416/109،الوسائل 19:244 أبواب أحكام الهبات ب 10 ح 4.
5- و هو السبزواري في الكفاية:144.
6- المفيد في المقنعة:658،الطوسي في النهاية:602،الديلمي في المراسم:199،القاضي في المهذب 2:95،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603.

يرجع فيها صاحبها إن شاء،حيزت أو لم تُحَزْ،إلّا لذي رحم فإنه لا رجوع فيها» (1).

و منها:عن الرجل يهب الهبة،أ يرجع فيها إن شاء أم لا؟فقال:

«تجوز الهبة لذوي القرابة و الذي يثاب من هبته،و يرجع في غير ذلك إن شاء» (2)و نحوهما صحيح آخر (3).و المراد بالجواز فيه اللزوم بقرينة السؤال و السياق.

و منه:في هبة الوالد للولد خاصة الموثق و المرسل القريب منه المتقدمان في اشتراط القبض (4)،و نحوهما موثق آخر يأتي ذكره.

و منه في هبة الولد للاُمّ الموثق:عن رجل أعطى أمّه عطيّة فماتت و كانت قد قبضت الذي أعطاها و بانت به؟قال:«هو و الورثة فيها سواء» (5).

و لا قائل بالفرق.

خلافاً للانتصار،فجوّز الرجوع مطلقاً و لو كان المتّهب أباً أو أولاداً، مدّعياً عليه الإجماع (6).

و هو شاذّ،و لا عبرة بإجماعه بعد ظهور وهنه بمصير الأكثر إلى

ص:217


1- الكافي 7:7/31،التهذيب 9:643/156،الإستبصار 4:410/108،الوسائل 19:237 أبواب أحكام الهبات ب 6 ح 2.
2- التهذيب 9:636/155،الإستبصار 4:414/108،الوسائل 19:237 أبواب أحكام الهبات ب 6 ح 1.
3- التهذيب 9:650/158،الوسائل 19:242 أبواب كتاب الهبات ب 9 ذيل حديث 3.
4- راجع ص:204.
5- الكافي 7:16/32،التهذيب 9:631/154،الوسائل 19:235 أبواب أحكام الهبات ب 5 ح 3.
6- الانتصار:223.

خلافه،و معارضته بالإجماعات المستفيضة في ردّه،مع استفاضة المعتبرة المتقدمة عموماً و خصوصاً بخلافه،فقوله ضعيف غايته،و إن مال إليه في الكفاية لنصوص قاصرة السند و الدلالة عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة،و إن كانت في حدّ ذاتها معتبرة،منها الموثق:«أما الهبة و النحلة فإنه يرجع فيها حازها أو لم يحزها و إن كانت لذي قرابة» (1).

قال بعد أن ذكرها و ذكر الصحاح الخاصة المعارضة لها-:و يمكن الجمع بينهما بحمل الصحاح و ما في معناها على الكراهة الشديدة،و هو أولى من اطراح الأخبار الثلاثة المعتبرة (2).

و فيه:أن الجمع بذلك فرع المكافأة،و هي لاعتضاد الصّحاح بالأصل و الشهرة العظيمة،و الإجماعات المحكية البالغة حدّ الاستفاضة، و فقد هذه المرجّحات في الأخبار الثلاثة مع قصور أسانيدها مفقودة.

مع احتمالها الحمل على وجهٍ لا يستلزم اطراحها بالمرّة،بأن يقال:

قوله:«و إن كانت لذي قرابة» قيد لقوله:«أو لم يحزها» يعني أنه إذا لم يحزها فله الرجوع فيها مطلقاً و إن كانت لذي قرابة،و هو معنىً صحيح، و إن كان بالنظر إلى ظاهرها بعيداً،لكن مع احتماله و إن بَعُد لا يستلزم العمل بتلك الصحاح تركها بالمرّة كما ذكره،بل ارتكاب مثله مع ما هو عليه من البُعد أولى من حمل تلك الصحاح على الكراهة الشديدة كما ذكره.

و بما ذكرناه يظهر الجواب عما ذكره أخيراً بقوله:و مع قطع النظر عن الأخبار الثلاثة المذكورة قد وقع التعارض بين تلك الصحاح و صحيحة

ص:218


1- التهذيب 9:645/157،الإستبصار 4:404/106،الوسائل 19:238 أبواب أحكام الهبات ب 6 ح 3.
2- كفاية الأحكام:144.

زرارة (1)و ما في معناها مما يدل على جواز الرجوع مطلقاً،كموثقة عبيد بن زرارة (2)،و صحيحة جميل و الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع،و إلّا فليس له» (3).

و يمكن الجمع بوجهين:حمل المطلق على المقيّد،و ثانيهما:حمل أخبار المنع على الكراهة،و الترجيح للثاني،و يشهد له الأخبار الثلاثة المذكورة.إلى آخر ما ذكره.

فإن الجمع بما ذكره فرع قوّة ما قابل الصحاح من الأخبار،و هي لما عرفت مفقودة.

مع أنه على تقدير التكافُؤ و القوة فالجمع الأوّل من حمل المطلق على المقيّد،مع أوفقيّته بالأصل في المسألة أرجح من الحمل على الكراهة من وجوه عديدة،و قد قامت بإثباته الأدلّة القاطعة من الفتوى و الرواية،و لا كذلك الحمل على الكراهة،إذ لم يقم على إثباتها شيء من الأدلّة.

نعم،ربما يرتكب في موضع لم يبلغ المنع فيه درجة الحجّة لقصوره عن المقاومة للأدلّة المبيحة،أو بلغها و لكن عارضه ما يكافئه من الأدلّة المبيحة،فيرتكب حينئذٍ الحمل على الكراهة،لأصالة الإباحة،أو غيرها من الأُصول الشرعيّة،و ليس مفروض المسألة من شيء من الموضعين،لما

ص:219


1- الكافي 7:3/30،التهذيب 9:624/152،الإستبصار 4:423/110،الوسائل 19:231 أبواب أحكام الهبات ب 3 ح 1.
2- الكافي 7:4/30،التهذيب 9:625/153،الإستبصار 4:411/108،الوسائل 19:243 أبواب أحكام الهبات ب 10 ح 1.
3- الكافي 7:11/32،التهذيب 9:627/153،الإستبصار 4:412/108،الوسائل 19:241 أبواب أحكام الهبات ب 8 ح 1.

عرفت من فقد المكافأة،و توافق الأُصول الشرعيّة مع ما دلّ على عدم جواز الرجوع في الهبة بعد القبض لذي القرابة.

مع اعتضادها كالأخبار الدالّة عليه بما مرّ من عمومات المستفيضة الدالّة على عدم جواز الرجوع في الهبة بالكليّة،خرج منها و من الأُصول الهبة لغير ذوي القرابة بالإجماع المحكي في الغنية و المختلف و غيرهما من كتب الجماعة (1)،و بمفهوم الصّحاح المتقدمة،فتبقى فيهم على المنع دالّة، و العام المخصّص في الباقي حجّة على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة علمائنا الإماميّة.

و مما ذكرنا ظهر ضعف القول بجواز الرجوع في هبة غير العمودين من الآباء و الأولاد من ذوي القرابة،كما عن الإسكافي و الطوسي و الحلّي (2)،مع اضطرابٍ له في ذلك في المختلف عنه قد حكي (3).

و أمّا الصحيح و الموثق الدالّان على جواز رجوع الوالد في هبته لولده مطلقاً،كما في الأول:عن رجل كان له على رجل مال،فوهبه لولده،فذكر له الرجل المال الذي له عليه فقال له:ليس عليك فيه شيء في الدنيا و الآخرة،قلت:يطيب ذلك له و قد كان وهبه لولد له؟قال:«نعم يكون وهبه له ثم نزعه فجعله لهذا» (4).

ص:220


1- الغنية(الجوامع الفقهية):603،المختلف:485؛ و انظر السرائر 3:173،و كشف الرموز 2:58،و التذكرة 2:418،و قال في المفاتيح 3:204 بلا خلاف.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:485،الطوسي في الخلاف 3:567 و التهذيب 9:157،الحلي في السرائر 3:175.
3- المختلف:485.
4- التهذيب 9:649/157،الإستبصار 4:405/106،الوسائل 19:230 أبواب أحكام الهبات ب 2 ح 1.

أو إذا كان كبيراً خاصة،كما في الثاني:عن رجل وهب لابنه شيئاً، أ يصلح أن يرجع فيه؟قال:«نعم،إلّا أن يكون صغيراً» (1).

ففيهما بعد ما عرفت من عدم التكافؤ،سيّما مع قصور سند الثاني أن الحكم فيه بالرجوع في هبة الولد الكبير لعلّه إنما هو من حيث عدم القبض،بأن يكون الموهوب بالغاً و لم يقبض،و لهذا حكم بلزوم الهبة للصغير من حيث إن الأب قابض له كما مرّ.

و بنحوه يقال في الصحيح:من أنه يحتمل أن يكون الرجوع إنما هو من حيث كون الهبة غير صحيحة؛ إمّا لكونها هبة لما في الذمّة لغير من هو عليه،و هو فاسد في المشهور بين الطائفة،و إن اختار فيها الصحة جماعة (2)،لأدلّة منها:خصوص هذه الرواية،نظراً إلى ظهور دلالتها عليها بلا شبهة،كما يعرب عنه قوله عليه السلام:«ثم نزعه» .أو لأن من شرطها القبض و لم يحصل،فهي و إن انتقلت إليه بالعقد إلّا أنه انتقال متزلزل مراعى لزومه بالقبض.

و اعلم أن المراد بالرحم في هذا الباب و غيره كالرحم الذي يجب صلته و يحرم قطعه مطلق القريب المعروف بالنسب و إن بَعُدت لحمته و جاز نكاحه،و في المسالك أنه موضع نصّ و وفاق (3).

و قيل:إنه من يحرم نكاحه خاصّة.و هو شاذّ محجوج بما ذكره من الاتفاق على خلافه فتوًى و رواية؛ مضافاً إلى مخالفته العرف بلا شبهة.

ص:221


1- التهذيب 9:646/157،الإستبصار 4:402/106،الوسائل 19:235 أبواب أحكام الهبات ب 5 ح 1.
2- منهم:الشيخ في المبسوط 3:314،و الحلّي في السرائر 3:176،و العلّامة في المختلف 487،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:203.
3- المسالك 1:371.

و لو وهب أحد الزوجين الأجنبيّين الآخر شيئاً و أقبضه منه ففي الرجوع له فيه تردّد ينشأ من الأصل،و عموم الوفاء بالعقد، و المستفيضة المتقدمة المانعة عن الرجوع في مطلق الهبة،و خصوص الصحيح:«لا يرجع الرجل فيما يهبه لزوجته و لا المرأة فيما تهبه لزوجها، حيز أو لم يُحَز،لأن اللّه تعالى يقول وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً [1] (1)و قال فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [2] (2)و هذا يدخل فيه الصداق و الهبة» (3).

و من المعتبرة المستفيضة المتقدمة الحاكمة بجواز الرجوع في مطلق الهبة،و خصوص الصحاح المتقدمة المصرّحة بجواز الرجوع في الهبة لمطلق من ليس له قرابة،فيخصّ بها عموم الأدلّة السابقة المانعة،كما خصّصت بها فيمن عدا الزوجين من مطلق غير ذي قرابة،و يحمل بها الصحيحة الخاصة على الكراهة الشديدة،أو على الزوجين اللذين لهما قرابة.

و لا يمكن أن يخصّص بهذه إطلاقات تلك الصحاح؛ لفقد التكافؤ، لاعتضادها دون هذه بالكثرة،و الشهرة العظيمة،و الإجماع المحكي الذي سيأتي إليه الإشارة.

مع وهن هذه بتضمّنها اللزوم مطلقاً و لو لم تكن الهبة مقبوضة، و لم يقل به أحد من الطائفة،كما اعترف به جماعة (4).

ص:222


1- البقرة:229.
2- النساء:4.
3- الكافي 7:3/30،التهذيب 9:624/152،الإستبصار 4:423/110،الوسائل 19:239 أبواب أحكام الهبات ب 7 ح 1.
4- منهم:المحقق الكركي في جامع المقاصد 9:161،و الشهيد في المسالك 1:375،و صاحب الحدائق 22:333.

مع تضمّن صدرها الذي لم ننقله هنا جواز الرجوع في الهبة مطلقاً (1)،و عمومه يشمل ما لو كانت لذي قرابة،و فيه مخالفة للإجماعات المحكيّة.

مضافاً إلى الأدلّة المتقدمة،و هي و إن خصّصت بها إلّا أن التخصيص كما تقدّمه من الشذوذ عيب يوجب المرجوحية في مقام التعارض بين الأدلّة،و إن لم يخرج الرواية عن الحجّية في نفسها،هذا.

مع قوة احتمال معارضتها بخصوص الصحيح:عن رجل كانت له جارية،فآذته امرأته فيها فقال:هي عليك صدقة،فقال:«إن كان ذلك للّه تعالى،فليمضها،و إن لم يقل فله أن يرجع إن شاء فيها» (2).

و هو و إن ورد في الصدقة،إلّا أن الظاهر عدم الفرق بينها و بين الهبة من هذه الجهة،و لعله لهذا أن شيخنا في التهذيب رواه في كتاب الهبة و الصدقة.

فإذاً أشبهه الجواز مع الكراهة وفاقاً للطوسي و الحلّي و ابن زهرة العلوي (3)مدّعياً عليه إجماع الإمامية؛ و هو الحجة الزائدة على ما قدّمناه من الأدلّة،المؤيّدة بالشهرة المحكية في عبائر جماعة (4)،و بحكاية إجماع الانتصار المتقدّمة (5)،الدالة على جواز الرجوع في مطلق الهبة،و هو

ص:223


1- تقدّم في ص 202 الرقم(1).
2- الكافي 7:12/32،التهذيب 9:628/153،الوسائل 19:240 أبواب أحكام الهبات ب 7 ح 2.
3- الطوسي في المبسوط 3:309،الحلي في السرائر 3:173،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603.
4- منهم:صاحب الحدائق 22:332،و نسبه في المفاتيح 3:204 إلى الأكثر.
5- راجع ص:216.

و إن كان لما قدّمناه غير صالح للحجّية،إلّا أنه قابل هنا للاعتضاد و التقوية.

خلافاً لجماعة من المتأخّرين،كالفاضل في التذكرة و ولده في شرح القواعد و الشهيد الثاني (1)،و ربما مال إليه الأوّل في النكت على الإرشاد (2)، فاختاروا المنع.

و العجب من صاحب الكفاية،حيث اختار هذا القول للصحيحة المتقدّمة و جوّز الرجوع في الهبة لذي القرابة (3)،مع أن الصحاح المتقدمة أقوى من هذه بمراتب عديدة من حيث الكثرة،و الاعتضاد بالشهرة، و الإجماعات المحكية و لو في الجملة.

فلو كانت هذه الصحيحة مع ما هي عليه مما قدّمنا إليه الإشارة تصلح لتخصيص المعتبرة الثلاث المتقدمة و ما في معناها المبيحة للرجوع في مطلق الهبة كما ذكره فأولى أن تكون تلك الصحاح لصرفها عن ظاهرها بما قدّمناه صالحة.و إن كانت المعتبرة الثلاث أقوى منها لا يصلح صرفها بها إلى ما ذكرنا،فهي لأن تكون أقوى من هذه الصحيحة لا يصلح تخصيصها بها أولى بمراتب شتّى.

و ليت شعري ما الداعي له على هذا و ترجيح هذه الصحيحة على تلك المعتبرة المرجّحة عنده على تلك الصحاح و ما في معناها المستفيضة؟! مع اشتراكها مع تلك الصحاح في وجه المرجوحية،بل و أدون منها بمراتب عديدة،و احتمالها الحمل على الكراهة المرجّح عنده على حمل المطلق على المقيّد بعنوان الكلية في مواضع كثيرة و لو لم يوجد له فيها شاهد

ص:224


1- التذكرة 2:418،إيضاح الفوائد 2:417،الشهيد الثاني في المسالك 1:374.
2- حكاه عنه في الحدائق 22:333.
3- الكفاية:143.

و لا قرينة،فتأمّل.

و يجوز أن يرجع في هبة الأجنبي ما دامت العين الموهوبة باقية و لم يتصرف فيها بشيء بالكلّية ما لم يعوض عنها أو يقصد بها التقرّب إلى اللّه تعالى،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية و المختلف و التنقيح و غيرها من كتب الجماعة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة المتقدمة الدالة على جواز الرجوع فيها مطلقا،أو إذا كانت لغير ذوي القرابة خاصة (2).

و أمّا ما عارضها من النصوص المستفيضة الدالّة على حرمة الرجوع فيها مطلقا،و أنه كالراجع في قيئه (3)فمع قصور سند أكثرها محمولة على الكراهة،أو مقيّدة بالهبة لذوي القرابة،كما مرّت إليه الإشارة،أو الهبة التالفة،أو المعوض عنها،أو المتقرّب بها إلى اللّه تعالى،فإنه لا خلاف في لزوم هذه الثلاثة و حرمة الرجوع فيها بعد القبض و إن لم يتصرف فيها بالكلّية،بل عليه الإجماع في الغنية و التنقيح و المهذّب و عن التذكرة (4)، لكن الأخيرين نقلاه في الأُولى خاصة؛ و هو الحجة المخصّصة لتلك الصحاح.

مضافاً إلى أصالة براءة ذمّة الموهوب له عن عوضها في الاُولى،مع خصوص الصحيح فيها أيضاً:«إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع

ص:225


1- الغنية(الجوامع الفقهية):603،المختلف:485،التنقيح الرائع 2:345؛ و انظر السرائر 3:173،و كشف الرموز 2:58.
2- راجع ص:215.
3- المتقدمة في ص:215.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):603،التنقيح الرائع 2:345،المهذب البارع 4:75،التذكرة 2:418.

فيها،و إلّا فليس له» (1).

و خصوص الصحيحين في الثانية،في أحدهما:«إذا عوض صاحب الهبة فليس له أن يرجع» (2)و في الثاني:«تجوز الهبة لذوي القرابة و الذي يثاب،و يرجع في غير ذلك إن شاء» (3).

و إطلاقهما كصريح المعتبرة في الثالثة،منها الصحيح،و نحوه الموثق:

«لا ينبغي لمن أعطى للّه شيئاً أن يرجع فيه،و ما لم يعط للّه و في اللّه فإنه يرجع فيه،نحلة كانت أو هبة،حيزت أو لم تُحَز» (4).

و في الخبر:هل لأحدٍ أن يرجع في صدقته أو هبته؟قال:«أمّا ما تصدّق به للّه تعالى فلا» (5).الحديث.

و إطلاقات الإجماعات المحكيّة كالصحيحة في الأُولى تقتضي عدم الفرق في اللزوم بين كون التلف من المتّهب أو من اللّه تعالى،و كون التالف تمام الهبة أو بعضها،و بالأمرين صرّح جماعة من أصحابنا (6).

ص:226


1- الكافي 7:11/32،التهذيب 9:627/153،الإستبصار 4:412/108،الوسائل 19:241 أبواب أحكام الهبات ب 8 ح 1.
2- الكافي 7:19/33،التهذيب 9:632/154،الإستبصار 4:413/108،الوسائل 19:242 أبواب أحكام الهبات ب 9 ح 1.
3- التهذيب 9:636/155،الإستبصار 4:414/108،الوسائل 19:237 أبواب أحكام الهبات ب 6 ح 1.
4- الصحيح:الكافي 7:3/30،التهذيب 9:624/152،الإستبصار 4:423/110،الوسائل 19:231 أبواب أحكام الهبات ب 3 ح 1.الموثق:الكافي 7:4/30،التهذيب 9:625/153،الإستبصار 4:411/108،الوسائل 19:243 أبواب أحكام الهبات ب 10 ح 1.
5- التهذيب 9:645/157،الإستبصار 4:404/106،الوسائل 19:238 أبواب أحكام الهبات ب 6 ح 3.
6- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:158،و الشهيد الثاني في المسالك 1:371،و السبزواري في الكفاية:145.

لكن ينبغي أن يقيّد البعض بالذي يصدق مع تلفه على الهبة أنها غير قائمة بعينها،لا ما لا يصدق معه ذلك عليها،كسقوط ظفر أو نحوه من العبد الموهوب مثلاً،فإن معه لا يقال:إنه غير قائم بعينه،جدّاً.

و إطلاقات الإجماعات المزبورة كالصحيحين في الثانية تقتضي عدم الفرق في لزومها بالتعويض بين اشتراطه في العقد أو وقوعه بعده،بأن وقع العقد مطلقاً إلّا أنه بذل له العوض بعد ذلك و أعطاه.

لكنهم كما قيل صرّحوا بأنه لا يحصل التعويض بمجرّد البذل،بل لا بُدّ من قبول الواهب له،و كون البذل عوضاً عن الموهوب،قالوا:لأنه بمنزلة هبة جديدة و لا يجب عليه قبولها (1).

و مقتضاهما أيضاً عدم الفرق في العوض بين كونه قليلاً أو كثيراً،من بعض الموهوب أو غيره،و صرّح به في المسالك،قال:عملاً بالإطلاق، و التفاتاً إلى أنه بالقبض بعد العقد مملوك للمتّهب فيصحّ بذله عوضاً عن الجملة (2).

و يمكن أن يقال:إن المتبادر من المعاوضة هو كون أحد العوضين غير الآخر،و لو تمّ ما ذكره للزم أنه لو دفعه المتّهب بجميعه إلى الواهب بعد القبض لصدق المعاوضة،مع أنه لا يسمّى ذلك معاوضة عرفاً،و إنما يسمى ردّاً،و لا فرق بين دفع البعض و دفع الكل،فإن كان ما ذكره إجماعاً، و إلّا فإنّ للمناقشة فيه كما عرفت مجالاً.

و في جواز الرجوع للواهب في هبته للأجنبي بعد القبض مع التصرف منه فيها في غير الصور الثلاث المستثناة قولان،

ص:227


1- الحدائق 22:330.
2- المسالك 1:372.

أشبههما:الجواز مطلقاً،وفاقاً للإسكافي و الديلمي و الحلبي و ابن زهرة العلوي (1)مدّعياً عليه إجماع الإمامية؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى استصحاب الحالة السابقة،و هي:جواز الرجوع فيها الثابت بما تقدّم من الأدلّة.

و عموم النصوص المتقدمة الدالّة على جوازه في مطلقها،خرج منها ما مضى و بقي ما عداه فيه داخلاً.

و ثانيهما:القول بالمنع،إمّا مطلقاً،كما عن الشيخين و القاضي و الحلّي و أكثر المتأخّرين (2)،أو إذا كان التصرّف مُخرِجاً للهبة عن ملكه،أو مغيّراً لها عن صورتها،كقصارة الثوب و نجارة الخشب و نحوهما،أو وطئاً لها،و الجواز في غير ذلك،كركوب الدابة و السكنى و اللبس و نحوها من الاستعمالات،كما عن ابن حمزة و الدروس و جماعة من المتأخّرين (3)، و زاد الأوّل فقال:لا يقدح الرهن و الكتابة.و هو يشمل بإطلاقه ما لو عاد إلى ملك الواهب و عدمه.

و حجة هذا القول مطلقاً و مقيّداً غير واضحة؛ عدا روايات قاصرة أكثرها سنداً،و جميعها دلالةً.و وجوه هيّنة،و اعتبارات ضعيفة لا تصلح للحجّية،سيّما في مقابلة ما مرّ لما في العبارة من الأدلّة في الأوّل،

ص:228


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:486،الديلمي في المراسم:199،الحلبي في الكافي في الفقه:328،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603.
2- المفيد في المقنعة:658،الطوسي في النهاية:603،القاضي في المهذب 2:95،الحلّي في السرائر 3:173؛ و انظر كشف الرموز 2:58،و المختلف:486،و إيضاح الفوائد 2:415.
3- ابن حمزة في الوسيلة:379،الدروس 2:287؛ و انظر جامع المقاصد 9:160،و المسالك 1:373،و كفاية الأحكام:145.

و الصحيحة المتضمّنة لقوله عليه السلام:«إذا كانت الهبة قائمة بعينها» إلى آخرها، المتقدم إليها الإشارة (1)في الثاني.

و لا تخلو من شبهة،لا بحسب السند كما توهّم؛ لكونه من الصحيح على الصحيح،و على تقدير التنزّل فهو حسن كالصحيح،و مثله حجّة على الصحيح.

بل بحسب التكافؤ لما تقدّم من الأدلّة لما في العبارة؛ لكونها صحاحاً و معتبرة مستفيضة،معتضدة بالأصل و إجماع الغنية (2)اللذين كل منهما حجّة أخرى مستقلة،دون هذه الصحيحة،لوحدتها،و ندرة القائل بها بتمامها.

مع ما هي عليه من قصور الدلالة بإثبات جميع ما عليه هذه الجماعة، يظهر وجهه بالتدبّر فيما ذكره شيخنا في المسالك فقال في وجه الإشكال فيها:

و أمّا الدلالة فتظهر في صورة نقلها عن الملك مع قيام عينها بحالها، فإنّ إقامة النقل مقام تغيّر العين أو زوالها لا تخلو من تحكّم أو تكلّف،بل قد يدّعى قيام العين ببقاء الذات مع تغيّر كثير من الأوصاف فضلاً عن تغيّر يسير.و أيضاً:فأصحاب هذا القول ألحقوا الوطء مطلقاً بالتغيّر مع صدق بقاء العين بحالها معه،اللّهمّ إلّا أن يدّعى في الموطوءة عدم بقاء عينها عرفاً،و ليس بواضح،أو يخصّ بما لو صارت أم ولد،فإنها تنزّل منزلة التالفة من حيث امتناع نقلها من ملك الواطئ.

ثم قال:و على كل حال فتقييد تلك الأخبار الكثيرة الصحيحة الواضحة الدلالة بمثل هذا الخبر البعيد الدلالة في كثير من مدّعيات التفصيل

ص:229


1- راجع ص:224.
2- راجع ص:227.

لا يخلو من إشكال،إلّا أنه أقرب من القول المشهور باللزوم مطلقاً.

و الذي يظهر أن الاعتماد عليه أوجه حيث تظهر دلالته بصدق التغيّر؛ لأنه من أعلى درجات الحسن،بل قد عدّه الأصحاب من الصحيح في كثير من الكتب إلى أن قال-:و تبقى تلك الأخبار السابقة من كون الراجع في هبته كالراجع في قيئه (1)فإن له طريقاً صحيحاً و إن كانت أكثر طرقه ضعيفة و خبر إبراهيم بن عبد الحميد (2)كالشاهد له،فيكون في ذلك إعمال لجميع الأخبار،و هو خير من اطراح هذا الخبر المعتبر و الباقية (3).إلى آخر ما ذكره.

و هو حسن لولا إجماع الغنية (4)،الذي هو في حكم رواية صحيحة صريحة في خلاف ما دلّت عليه تلك الصحيحة،و مع ذلك بإجماع المرتضى المتقدم (5)معتضدة.

مع أن المصير إليها كما ذكره من الاقتصار فيها على ما تظهر دلالته بصدق التغيّر عرفاً خاصة لعله إحداث قول رابع قد منعت عنه الأدلّة القاطعة.

إلّا أن يذبّ عن إجماع الغنية بوهنه بمصير الأكثر إلى خلافه،و عما بعده بالمنع عن كون مثله إحداث قول ممنوع منه،بل هو حيث يكون ما عدا المحدَث مجمعاً عليه،و أنّى لكم بإثبات القطع بذلك.

ص:230


1- راجع ص:215.
2- التهذيب 9:653/158،الإستبصار 4:416/109،الوسائل 19:244 أبواب أحكام الهبات ب 10 ح 4.
3- المسالك 1:373.
4- المتقدم في ص:227.
5- في ص:216.

و كيف كان،فينبغي القطع بجواز الرجوع مع التصرف الذي لا يصدق معه على العين أنها غير قائمة بعينها،و أمّا فيما عداه فمحل إشكال،سيّما إذا صدق معه عليها أنها غير قائمة بعينها.

و الاحتياط فيه بل لعلّه اللازم عدم الرجوع،و لو احتيط به مطلقاً كان أولى،بل الاحتياط كذلك متعين جدّاً؛ لدعوى الخلاف على المنع مطلقاً إجماعنا و أخبارنا (1)،و ارتضاها الحلّي في السرائر (2)،و صرّح بالإجماع أيضاً بعض أصحابنا (3)،و نسبه في المبسوط أيضاً إلى روايات أصحابنا (4).

فالقول بالجواز مع ذلك سيّما مع الشهرة العظيمة المحققة و المحكية مشكل جدّاً.

كما أن اختيار هذا القول كذلك أيضاً؛ لكثرة أدلّة القول بالجواز:من الأصل،و الصحاح،و خصوص إجماع الغنية و عموم إجماع المرتضى.

مع الوهن في أخبار الخلاف و المبسوط؛ لعدم وجود شيء منها في كتب أخبارنا التي منها كتاباه،فدليل المنع القوي هو الإجماع المحكي، و هو معارض بمثله من الإجماع و الصحاح،فتبقى المسألة في قالب الشك، فينبغي الرجوع فيها إلى مقتضى الأصل الذي هو الجواز مطلقاً،كما قدّمناه، فتأمّل جدّاً.

ص:231


1- الخلاف 3:571.
2- السرائر 3:173.
3- انظر كشف الرموز 2:58.
4- المبسوط 3:309.

ص:232

كتاب السبق و الرماية

السبق

كتاب السبق هو بسكون الباء:المصدر،و المسابقة هي إجراء الخيل و شبهها في حَلْبة (1)السباق ليعلم الأجود منها و الأفرس من الرجال و المتسابقين.

و بتحريك الباء:العوض المجعول رهناً،و يسمّى الخَطَر و الندَب و الرمي.

الرماية

و الرماية هي:المفاضلة بالسهام ليعرف حذق الرامي و معرفته بمواقع الرمي.

و مستند شرعيّت هما بعد قوله عليه السلام المروي من طرق العامة و الخاصة بأسانيد معتبرة،تضمّنت الصحيح و غيره: لا سبق إلّا في نصلٍ أو خفّ أو حافرٍ (2) الكتاب،و السنة،و إجماع الأُمة المحكي بعنوان الاستفاضة في كتب الجماعة،كالتذكرة و المهذب و التنقيح و المسالك، و غيرها من كتبهم المعتبرة (3).

قال سبحانه وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ [1] (4).و في المرفوع لعبد اللّه بن المغيرة و قد أجمع على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة في تفسيره عن النبي صلى الله عليه و آله أنه

ص:233


1- الحَلْبَةُ وزان سَجْدَة:خيل تُجمع للسّباق من كلّ أوْبٍ و لا تخرجُ من واحد.المصباح المنير 1:146.
2- الوسائل 19:252 أبواب أحكام السبق و الرماية ب 3؛ و انظر سنن أبي داود 3:2574/29.
3- التذكرة 2:353،المهذب البارع 3:80،التنقيح الرائع 2:348،350،المسالك 1:378؛ و انظر التحرير 1:261.
4- الأنفال:60.

الرمي (1).

و قال عزّ ذكره حكايةً عن إخوة يوسف يا أَبانا إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا [1] (2).و هو ظاهر في شرعيّة السباق في الجملة،و الأصل بقاؤها و لو لهذه الأُمّة.

و السنة زيادة على ما مرّ بهما مستفيضة من طرق العامة و الخاصة، مروية في كتب أخبارنا الثلاثة في الجهاد و غيره،و هي و إن قصرت أسانيدها عن الصحّة،بل و عن الحجّية،إلّا أنها منجبرة بالاستفاضة،و بما قدّمناه من الأدلّة:

منها:«إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أجرى الخيل التي أضمرت من الحصباء» و في بعض النسخ الحفياء (3)«إلى مسجد بني زريق و سبقها من ثلاث نخلات،فأعطى السابق عَذقاً،و أعطى المصلّي (4)عذقاً،و أعطى الثالث عذقاً» (5).

و منها:«إنّه صلى الله عليه و آله أجرى الخيل و جعل سبقها أواقي من فضّة» (6).

و منها:«إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان،و تلعن صاحبه ما خلا الحافر

ص:234


1- الكافي 5:12/49،الوسائل 19:252 أبواب أحكام السبق و الرماية ب 2 ح 3.
2- يوسف:17.
3- حفياء:بالفتح ثم السكون و ياء و ألف ممدودة:موضع قرب المدينة،أجرى منه رسول اللّه صلى الله عليه و آله الخيل في السباق.معجم البلدان 2:276.
4- المُصَلّى في خيل الحَلْبة:هو الثاني،سُمّى به لأنّ رأسه يكون عند صلا الأوّل،و هو عن يمين الذَّنَب و شِماله.النهاية 3:50.
5- الكافي 5:5/48،الوسائل 19:254 أبواب أحكام السبق و الرماية ب 4 ح 1.
6- الكافي 5:7/49،الوسائل 19:255 أبواب أحكام السبق و الرماية ب 4 ح 2.

و الخفّ و الريش و النصل،فإنّه تحضره الملائكة،و قد سابق رسول اللّه صلى الله عليه و آله أُسامة بن زيد و أجرى الخيل» (1).

و قريب منه خبران آخران،إلّا أنه اقتصر في أحدهما بقوله عليه السلام:

«ليس شيء تحضره الملائكة إلّا الرهان و ملاعبة الرجل بأهله» (2).

و في الصحيح:إن مولانا الصادق عليه السلام كان يحضر الرمي و الرهانة (3).

و فائدتهما بعث النفس على الاستعداد للقتال و الهداية لممارسة النضال.

و يدخل تحت النصل السهام و الحراب جمع حربة،و هي:الآلة و السيف و ربما زيد النُّشّاب،مع أنه و الأوّل واحد كما عن الصحاح (4).

و لذا قيل في عطفه على الأوّل:إنه من قبيل عطف المرادف (5).

و عن ظاهر الشيخ أنه باعتبار اختلاف اللغات،فيقال للنصل:نُشّابة عند العجم،و سهم عند العرب،و أنه زاد المزاريق قال:و هي الردينيات و الرماح و السيوف (6).

و حصر النصل في الأُمور المزبورة هو المعروف في العرف و اللغة، فلا يدخل فيه الدبّوس و العصا و المرافق إذا جعل في رأسها حديدة،على

ص:235


1- الفقيه 4:136/42،الوسائل 19:251 أبواب أحكام السبق و الرماية ب 1 ح 6.
2- أحدهما في:الكافي 5:10/49،الوسائل 19:250 أبواب أحكام السبق و الرماية ب 1 ح 4. و الآخر في: التهذيب 6:785/284،الوسائل 19:253 أبواب أحكام السبق ب 3 ح 3.
3- الكافي 5:15/50،الوسائل 19:252 أبواب أحكام السبق و الرماية ب 2 ح 4.
4- الصحاح 1:224.
5- المسالك 1:381.
6- حكاه عنه في الحدائق 22:363،و انظر المبسوط 6:290.

إشكال فيه أشار إليه في الكفاية (1).

و يدخل تحت الخفّ الإبل بلا خلاف حتى من العامّة؛ لشمول اللفظة لها،مع مشاركتها الخيل في المعنى المطلوب منها حالة الحرب:من الانعطاف و سرعة الأقدام؛ و لأن العرب يقاتل عليها أشدّ القتال.

و كذلك الفيلة عندنا و عند أكثر العامّة،كما في المسالك،قال:

لدخولها تحت اسم الخف أيضاً و يقاتل عليها كالإبل.و ذهب بعضهم إلى المنع منها؛ لأنه لا يحصل بها الكرّ و الفرّ،فلا معنى للمسابقة عليها،قال:

و الخبر حجّتنا عليهم (2).

و فيه نظر؛ فإن غايته الإطلاق،و في انصرافه إليها مع ندرتها سيّما في بلاد صدوره نظر.و مقتضى الأُصول التي أسّسوها من غير خلاف يعرف بينهم فيها من مخالفة هذه المعاملة للأُصول،و أنه يقتصر في إباحتها على القدر المتيقن منها و المنقول،عدم جواز المسابقة عليها.

و لعلّ في ترك الماتن لها إشعاراً بذلك،إلّا أن يكون ذلك منه اقتصاراً على الغالب.

و كيف كان،فإن كان ما ذكره إجماعاً كما ادّعاه،و إلّا فللنظر فيه مجال،مع أن الأحوط ترك المسابقة عليها بلا إشكال.

و يدخل تحت الحافر الخيل بلا خلاف حتى من العامة،و عن الإسكافي و في المسالك الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى التيقّن

ص:236


1- الكفاية:137.
2- المسالك 1:381.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:484،المسالك 1:381.

بدخوله في إطلاق الرواية.

و كذا البغال و الحمير بلا خلاف عندنا،كما في المسالك، قال:لدخولها تحت الحافر،و صلاحيّتها للمسابقة عليها في الجملة، و خالف فيهما بعض العامّة،لأنهما لا يقاتل عليهما و لا يصلحان للكرّ و الفرّ،قال:و النص حجّة عليه (1).

و فيه ما مرّ من النظر بعد الالتفات إلى ما ذكروه في فائدة مشروعيّة السباق مما تقدم ذكره،و لا ريب أن الغالب في الحافر الذي يحارب عليه إنما هو الخيل،و لذا اقتصر عليه في النصوص المتقدمة.

و يشير إليه ما حكاه بعض الأجلّة (2)من أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يركب في الحرب بغلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله،فعوتب على ذلك،فقال:«إنّي لا أفرّ عمن أقبل و لا اتبع من أدبر،و البغلة تكفيني» (3).

فيشكل حمل النص على غيره،مع مخالفة السباق عليه الأصل المتقدم،و الصلاحية للمسابقة في الجملة غير مُجدٍ فائدة بعد عدم ظهور الدخول في إطلاق الرواية،فلم يبق إلّا نفي الخلاف الذي ادّعاه،فإن تمّ، و إلّا كما هو الظاهر،لأنه في المختلف و غيره (4)حكي الخلاف في المسابقة عليهما عن الإسكافي فالرجوع إلى الأصل المتقدم أولى.

و لا يصح المسابقة في غيرها أي غير الثلاثة المزبورة،بل يحرم مع العوض،بإجماعنا،كما في المهذب و التنقيح و المسالك و عن

ص:237


1- المسالك 1:381.
2- الحدائق 22:363.
3- بحار الأنوار 42:59.
4- المختلف:484؛ و انظر التذكرة 2:354.

التذكرة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أنه قمار منهي عنه في الشريعة،و خصوص الحصر المستفاد من الرواية المتضمنة للرخصة في الثلاثة (2)،و نحوها الخبر،بل هو في الدلالة على التحريم أظهر:«إن الملائكة تحضر الرهان في الخفّ و الحافر و الريش،و ما عدا ذلك قمار حرام» (3).

و قصور سنده كبعض ما تقدّمه منجبر بالعمل.

و في جوازها بدونه إشكال ينشأ من اختلاف الروايات في فتح الباء من لفظ السبق و سكونه،فإنه على الأوّل بمعنى العوض المبذول للعمل، و على الثاني بمعنى المصدر كما مرّ،و الأوّل هو المشهور،كما في المسالك (4)و غيره،و الموافق للأصل المعتمد عليه،و لذا اختاره الشهيد الثاني،مع تأيّده بأصالة جواز الفعل،فيجوز المسابقة بنحو الأقدام،و رمي الحجر و رفعه،و المصارعة،و الآلات التي لا تشتمل على نصل،و الطيور، و نحو ذلك بغير عوض.

و لكن الأشهر خلافه،بل ظاهر المهذب و المحقق الثاني و صريح المحكي عن التذكرة (5)أن عليه إجماع الإمامية في جميع الأُمور المذكورة.

فالمنع أظهر؛ لحجّية الإجماع المنقول،سيّما مع التعدّد،و الاعتضاد

ص:238


1- المهذب البارع 3:81 82،التنقيح الرائع 2:350،المسالك 1:381،التذكرة 2:354.
2- المتقدمة في ص:231.
3- التهذيب 6:785/284،الوسائل 19:253 أبواب السبق و الرماية ب 3 ح 3.
4- المسالك 1:378.
5- المهذب البارع 3:82،المحقق الثاني في جامع المقاصد 8:326،التذكرة 2:354.

بالشهرة،و بما دلّ على حرمة اللهو و اللعب (1)،لكون المسابقة في المذكورات منهما بلا تأمّل،و خصوص ما مرّ من المعتبرة (2)المنجبر قصور سندها بالشهرة،بل و عمل الكلّ و لو في الجملة،الدالّة على تنفّر الملائكة عند الرهان و لعنها صاحبه ما خلا الثلاثة،مع تصريح الرواية السابقة بأن ما عداها قمار محرّم.

و دعوى توقّف صدق القمار و الرهانة على بذل العوض غير معلوم الصحة،مع صدقهما سيّما الرهانة بدونه عرفاً و عادة.

و يحتمل قوياً أن يجعل جميع ذلك قرينة لصحة النسخة الثانية من سكون الباء من لفظ السبق في الرواية.و دلالتها على عدم الصحة بل و على الحرمة ظاهرة؛ لعدم إمكان إرادة نفي الماهيّة،فليحمل على أقرب المجازات،و هو إمّا نفي جميع أحكامها التي منها الصحة و المشروعية،أو نفيهما خاصّة،لأنه المتبادر من نفي الماهية بلا شبهة،سيّما مع الاعتضاد بما قدّمناه من الأدلة على الحرمة.

و بما ذكرناه يظهر الجواب عما أورده في الكفاية على الرواية،من أنها لا دلالة لها على الحرمة على النسختين،قال:بل يحتمل غيرها،فإنه على الفتح يحتمل أن لا لزوم،أو أن لا تملّك،أو لا فضل للسبق و العوض إلّا في هذه الثلاثة من بين الأفعال التي يسابق عليها،و على هذا لا دلالة لها على تحريم الفعل و الملاعبة مع العوض أيضاً في غير الثلاثة،بل لا يدل على تحريم العوض أيضاً.و على السكون يحتمل أن يكون معناها:

لا اعتداد بسبق في أمثال هذه الأُمور إلّا في الثلاثة،أو لا فضل لسبق إلّا في

ص:239


1- انظر الوسائل 17:أبواب ما يكتسب به الأبواب 35،100،104.
2- راجع ص:232.

الثلاثة،فلا تكون دالة على التحريم (1).انتهى كلامه.

و هو كما ترى المناقشة فيه بعد ما قدّمناه واضحة،فإنه لا ريب أن هذه الاحتمالات التي ذكرها بعيدة غير متبادرة،و لذا أن أحداً من الأصحاب لم يشر إلى جريان شيء منها في الرواية،بل أطبقوا على دلالتها على الحرمة،و إنما اختلفوا لاختلاف النسخة في متعلّقها،هل هو العوض خاصة،أو نفس الرهانة؟و أين هذا الإطباق من صحة ما ذكره؟بل ينبغي القطع بفساده،سيّما مع ما عرفت من الروايات بل الأدلة الأُخر الظاهرة في الحرمة،و أخبارهم عليهم السلام يكشف بعضها عن بعض.

و أمّا ما ربما يستدل لجواز المسابقة بالطيور و المصارعة من الأخبار الدالة عليه كالروايات الثلاث (2)النافية للبأس عن قبول شهادة اللاعب بالحمام إذا لم يُعرف بفسقٍ في الأُولى،مضافاً فيها إلى الخبرين المتقدمين (3)المرخّصين لها في الريش،و هو الطيور؛ و كالروايات المروية في الأمالي و غيره الدالّة على أمر النبي صلى الله عليه و آله الحسن و الحسين عليهما السلام بالمصارعة (4)في الثانية.

فضعيف غايته؛ لضعف الروايات المزبورة جملة سنداً في أنفسها، فكيف يمكن أن يحتجّ بها،سيّما في مقابلة ما قدّمنا من الأدلّة القويّة.

مضافاً إلى ضعفٍ في دلالتها،فإن اللعب بالحمام أعمّ من السباق

ص:240


1- الكفاية:136.
2- الفقيه 3:88/30،التهذيب 6:784/284،785،الوسائل 27:412،413 أبواب الشهادات ب 54 ح 1،2،3.
3- في ص:232.
4- أمالي الصدوق:361،و عنه في البحار 100:1/189،المستدرك 14:81 أبواب السبق و الرماية ب 4 ح 1.

عليه،فلعلّ نفي البأس عن قبول شهادته إنما هو إذا لم يسابق عليه.

و يمكن دخوله في الشرط من قوله:إذا لم يعرف بفسقٍ.و دعوى أن السبق عليه ليس بفسق مصادرة.

نعم،لها دلالة على جواز اللعب به،و هو أمر آخر،ظاهر المحكي عن الأصحاب فيه في بحث الشهادة جوازه.

و دعوى أن المراد من الريش هو الطيور ممنوعة؛ لاحتمال أن يراد به السهام المثبت ذلك فيها.و ليس في عطفه على النصل في أحد الخبرين دلالة على التباين بينهما بعد احتمال كون العطف فيه من باب عطف المرادف،أو الخاص على العام،مع تأيّده بإسقاط العطف و إبدال النصل بالريش في الخبر الثاني،مع التصريح فيه بحرمة الباقي.

و يفتقر انعقادها إلى صدورها من كاملين بالبلوغ و العقل خاليين عن الحجر؛ لأنها تقتضي تصرّفاً في المال و إيجاب و قبول بلا خلاف في الأوّل،و معه في الثاني كما قيل.

و ربما يستدل لاعتباره بعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود.

و هو غير مفهوم؛ فإن مقتضاه لزوم الوفاء بما كان عقداً،لا أن المسابقة منه فيعتبر فيه القبول.

إلّا أن يبنى الاستدلال على القول بلزومها.و بيانه حينئذٍ أنه لا وجه للزومها إلّا بعد اعتبار القبول فيها؛ إذ معه يلزم،لقوله تعالى أَوْفُوا [1] (1)إلى آخر ما مضى،لا مطلقاً.

و هذا البناء يظهر من الماتن في الشرائع و غيره (2)،حيث جعلا مورد

ص:241


1- المائدة:1.
2- الشرائع 2:237؛ و انظر المسالك 1:381.

الخلاف الآتي في اللزوم و عدمه هو اشتراط القبول و عدمه،مفرّعين على الأوّل القول باللزوم،و على الثاني الجواز.

لكنه خلاف ما يظهر من الماتن هنا،حيث حكم بلزوم القبول من دون تردّد ثم قال: و في لزومها تردّد و هو أظهر ظاهر في اشتراط القبول على أيّ تقدير،و أن التردّد إنما هو في لزومها و جوازها حتى مع اعتبار القبول فيها.

و هذا هو الذي يظهر من كلمات الجماعة كالمختلف و غيره (1)،حيث حكى القول باللزوم عن الحلّي،و الجواز عن المبسوط و الخلاف و اختاره، مستدلّاً للأوّل بما مرّ،مجيباً عنه بالقول بالموجب،فإن الوفاء بالعقد هو العمل بمقتضاه،فإنّ كان لازماً كان العمل بمقتضاه على سبيل اللزوم،و إن كان جائزاً كان الوفاء به و العمل بمقتضاه على سبيل الجواز.و أيضاً:ليس المراد مطلق العقود،و إلّا لوجب الوفاء بالعقود الجائزة،و هو باطل بالإجماع،فلم يبق إلّا العقود اللازمة و البحث وقع فيه.

و هو كما ترى ظاهر بل صريح في اتفاق القولين على كونها من العقود،و إنما اختلفا في كونها من اللازمة منها أو الجائزة.

و حينئذٍ فالأجود الاستدلال على اعتبار القبول أن يقال:إن الوجه فيه ظاهر على القول باللزوم،و كذا على القول بالجواز،بناءً على أن لزوم العوض المبذول بعد العمل للسابق على المسبوق لا يتأتّى إلّا على اعتبار قبوله،إذ لولاه لأمكنه الامتناع من بذله بعد العمل مدّعياً عدم رضاه بالإيجاب،و لعلّه خلاف الإجماع،بل العوض لازم عليه بعد العمل

ص:242


1- المختلف:484؛ و انظر جامع المقاصد 8:325،و المسالك 1:381.

كالجعالة بلا خلافٍ،و لا يتمّ ذلك إلّا بالقبول.

لكن هذا إنّما يجري لو كان السابق هو الموجب،و لو انعكس أمكن عدم الاحتياج إلى القبول كالجعالة،إلّا أنه يمكن التتميم بعدم القول بالفصل،فتأمّل هذا.

و أمّا تعيين أحد القولين باللزوم و الجواز فيتوقّف على بيان المراد من اللزوم،و هو غير منقّح في كلام الأصحاب.

و التحقيق أن يقال:إن أُريد به ما قلناه من لزوم بذل العوض بعد حصول السبق خاصة كان أشبهه اللزوم عملاً بما وقع عليه العقد و الشرط،و التفاتاً إلى استلزام الامتناع من بذله الحيف و الضرر على السابق الناشئ عن تغرير المسبوق له على تضييع العمل المحترم برضاه بالبذل على تقدير حصول السبق للسابق.

و إن أُريد به لزومها من أوّل الأمر بمعنى وجوب العمل ثم بذل العوض إن حصل السبق و عدم جواز الفسخ قبل التلبّس بالعمل و لا بعده فالأشبه الجواز؛ للأصل،و عدم مقتضٍ للّزوم عدا ما مرّ من الأمر بالوفاء بالعقد.

و في اقتضائه له نظر،لا لما مرّ عن المختلف،لضعفه:

فالأوّل:بمخالفته الظاهر،فإن مقتضى الوفاء بالشيء التزامه و العمل به مطلقاً،لا العمل بمقتضاه من لزوم أو جواز جدّاً،و لذا أن دَيْدن الأصحاب حتى هو إثبات لزوم العقود اللازمة بمثله،و لا وجه له لو صحّ ما ذكره،لاستلزامه الدور الواضح،كما لا يخفى على من تدبّره.

و الثاني:بأن خروج العقود الجائزة تخصيص للعام،فيبقى في الباقي حجّة.

ص:243

بل لأن معنى الأمر بالوفاء بالعقد هو العمل بما التزم به ابتداءً أو مآلاً، و نحن نقول به هنا،إلّا أنه لا يلزم منه وجوب الاستباق و عدم جواز الفسخ، لعدم الالتزام بهما في العقد،بل إنّما التزم فيه ببذل العوض بعد حصول السبق،إذ لا معنى لقوله:من سبق فله كذا،غير ذلك،و هو غير الالتزام بنفس العمل و العوض في بدء الأمر،بل حالها حينئذٍ كالجعالة بعينها،فلكلّ منهما فسخها ابتداءً و في الأثناء و لكن يجب على المسبوق منهما للسابق بذل العوض الذي عيّناه.

و يصحّ أن يكون السبَق بالفتح عيناً و ديناً حالّا و مؤجّلاً،بلا خلاف؛ للأصل،و العمومات.

و لو بذل السبَق غير المتسابقين جاز مطلقاً،إماماً كان أو غيره؛ للدليلين؛ مضافاً إلى ما في المسالك و غيره (1)من إجماع المسلمين عليه في الأوّل،و منّا و من أكثر العامّة في الثاني؛ و أنه بذل مال في طاعة و قربة مصلحةً للمسلمين فكان جائزاً،بل يثاب عليه مع نيّته،كما لو اشترى لهم خيلاً و سلاحاً و غيرهما مما فيه إعانتهم على الجهاد.

و قال المانع منهم عن بذل غير الإمام باختصاص النظر في الجهاد به فيختص البذل به.

و ضعفه ظاهر،سيّما في مقابلة ما مرّ من الدليل.

و كذا جاز لو بذله أحدهما بأن يقول لصاحبه:إن سبقتَ فلك عشرة،و إن سَبَقتُ أنا فلا شيء لي عليك.و هو جائز عندنا كما في المسالك (2).خلافاً لبعضهم،قال:لأنه قمار (3).و يندفع على تقدير

ص:244


1- المسالك 1:382؛ و انظر المفاتيح 3:118.
2- المسالك 1:382.
3- انظر المغني و الشرح الكبير لابني قدامة 11:131 136.

تسليمه بخروجه بالنص المتقدم (1).

أو بذل من بيت المال بلا خلاف؛ لأنه معدّ للمصالح،و هذا منها،لما فيه من البعث على التمرّن على العمل المترتّب عليه إقامة نظام الجهاد.

و لا يشترط المحلّل عندنا و هو الذي يدخل بين المتراهنين بالشرط في عقده،فيسابق معهما من غير عوض يبذله ليعتبر السابق منهما، ثم إن سَبَق أخذ العوض،و إن سُبِق لم يغرم،و هو بينهما كالأمين.

و إنما لم يشترط للأصل،و تناول ما دلّ على الجواز للعقد الخالي عنه.

مضافاً إلى الإجماع عليه هنا و في الشرائع و المسالك و المختلف (2)، لكنه كالمسالك خصّاه بصورة عدم بذل المتسابقين معاً البذل،و ظاهرهما الخلاف فيه،حيث حكيا الاشتراط به فيه عن الإسكافي.

و الظاهر أنه شاذّ،و لعلّه لذا ادّعى الماتن على خلافه الإجماع،و مع ذلك مستنده خبر عامي (3)ضعيف سنداً و دلالةً.و عدم اشتراطه في أصل السباق من خصائصنا.

خلافاً للشافعي (4)،فاشترطه مطلقاً،و به سمّاه محلّلاً؛ لتحريم العقد بدونه عنده.

و حيث شرط لزم،فيجري دابته بينهما أو إلى أحد الجانبين مع

ص:245


1- في ص:236.
2- الشرائع 2:237،المسالك 2:382،المختلف:484.
3- سنن أبي داود 3:2579/30.
4- انظر الأم 4:230.

الإطلاق،و إلى ما شرط مع التعيين،قيل:لأنهما بإخراج السبق متنافران، فيدخل بينهما لقطع تنافرهما (1). و يجوز جعل السبق للسابق منهما أو للمحلّل إن سبق بلا خلافٍ؛ لما مضى من الدليلين.

قيل:لا لأجنبي،و لا للمسبوق منهما و من المحلّل،و لا جعل القسط الأوفر للمتأخّر أو المصلّي و الأقل للسابق؛ لمنافاة ذلك كله للغرض الأقصى من شرعيّته،و هو الحثّ على السبق و التمرّن عليه (2).

و تفتقر المسابقة عند الأصحاب كافة،كما في ظاهر الكفاية (3) إلى شروط ذكر الماتن منها جملة،و أنهاها الفاضل إلى اثني عشر في التذكرة (4).

منها: تقدير المسافة التي يستبقان فيها،و تعيينها ابتداءً و انتهاءً؛ لئلّا يؤدّي إلى التنازع؛ و لاختلاف الأغراض في ذلك اختلافاً بيّناً،لأنّ من الخيل ما يكون سريعاً في أوّل عدوه دون آخره،فصاحبه يطلب قصر المسافة،و منها ما هو بالعكس،فينعكس الحكم.

و منها:تعيين الخَطَر بالخاء المعجمة و الطاء المهملة المفتوحتين،إن شرطاه،أو مطلقاً على القول باشتراطه في صحة أصل العقد،كما هو ظاهر اللمعة،و حكاه في الروضة عن كثير،و فيها أيضاً عن التذكرة أنه ليس بشرط و إنما يعتبر تعيينه لو شرط (5)،و اختاره.

و لا يخلو عن قوة؛ للأصل،و العمومات المتقدمة.

ص:246


1- الروضة البهية 4:426.
2- الروضة البهية 4:426.
3- الكفاية:137.
4- التذكرة 2:354.
5- اللمعة(الروضة البهية 4):424،و هو في التذكرة 2:355.

و منها: تعيين ما يسابق عليه من فرس و بعير و غيرهما إن قلنا به بالمشاهدة،فلا يكفي الإطلاق،و لا التعيين بالوصف،لاختلاف الغرض بذلك كثيراً.

و منها: تساوي ما به السبق في احتمال السبق بمعنى احتمال كون كل واحد يسبق صاحبه.فلو علم قصور أحدهما بطل؛ لانتفاء الفائدة حينئذٍ،لأن الغرض منه استعلام السابق.و لا يقدح رجحان سبق أحدهما إذا أمكن سبق الآخر؛ لحصول الغرض معه.

و منها:ما مرّ من جعل السبق لأحدهما أو المحلّل لا غير،فلو جعل له بطل.

و منها:تساوي الدابّتين في الجنس،فلا تجوز المسابقة بين الخيل و الإبل و نحوه إن قلنا به.

و منها:إرسالهما دفعةً،فلو أرسل أحدهما دابّته قبل الآخر ليعلم هل يدركه أم لا لم يصحّ.

و منها:أن يستبقا عليهما بالركوب،فلو شرط إرسالهما لتجريا بنفسهما لم يجز.

و منها:أن يجعلا المسافة بحيث يحتمل الفرسان قطعها و لا ينقطعان دونها.

و منها:أن يكون ما ورد عليه عُدّة للقتال،فلا يجوز السبق و الرمي في النساء.

و منها:العقد المشتمل على أركانه.

و منها:عدم تضمّنه شرطاً فاسداً.

هذه جملة ما عن التذكرة،و في استنباطها أجمع من الأدلّة نوع

ص:247

مناقشة،إلّا أن يكون إجماعاً،فيتّبع،لكن في تحقّقه نظر،كيف و لم أجد من ادّعاه،مع خلوّ عبارة الماتن ككثير عن ذكرها كاملة،بل اقتصروا على قليل منها،و معه كيف يمكن الاطّلاع بالإجماع من غير طريق الحكاية.

و لا ريب أن اعتبارها أحوط؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على حرمة القمار و الرهانة على المتيقّن إباحته من الفتوى و الرواية،و هذا هو العمدة في الحجّة لإثبات جملة منها التي لا يسبق الرهانة المستثناة من الحرمة في الروايات المتقدمة بدونها إلى الذهن بالمرّة.

و في اشتراط التساوي في الموقف تردّد ينشأ من الأصل، و العمومات،و حصول الغرض مع تعيين المبدأ و الغاية.

و من انتفاء معرفة جودة الفروس و فروسيّة الفارس مع عدم التساوي؛ لأن عدم السبق قد يكون مستنداً إليه،فيخلّ بمقصوده.و فيه منع و نظر.

فإذاً العدم أظهر،مع أنه أشهر،كما في شرح الشرائع للصيمري و المهذب (1).

و يتحقق السبْق بالسكون بتقدم الهادي أي العنق،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر؛ عملاً بالعرف.

خلافاً للإسكافي (2)،فاكتفى بالاُذن؛ لرواية قاصرة السند (3)،غير صريحة الدلالة،باحتمال الحمل على المثل أو المبالغة.

ثم ظاهر العبارة كما ضاهاها اعتبار التقدّم بجميعه،بل في الروضة (4)

ص:248


1- لم نعثر عليه في المهذب.
2- كما نقله عنه في المختلف:484.
3- لم نعثر عليه في كتب الأحاديث،و قد أورده العلّامة في المختلف:484.
4- الروضة 4:427.

عن عبارة كثير حصوله به و بالكتد معاً،و هو بفتح الفوقانيّة أشهر من كسرها كما فيها-:مجمع الكتفين بين أصل العنق و الظهر.و حكى فيها قولاً بكفاية التقدم ببعض العنق و استحسنه.و هو كذلك،حيث يساعده العرف و العادة.

ثم إن اتّفقا في طول العنق و قصره أو سبق الأقصر عنقاً ببعضه فواضح،و إلّا اعتبر سبق الطويل بأكثر من قدر الزائد،و لو سبق بأقلّ من قدر الزائد فالقصير هو السابق.

و اعلم أنه يطلق عندهم على السابق:المُجَلّي،و على الذي يحاذي رأسه صلوى السابق و هما العظمان النابتان عن يمين الذنب و شماله -:المُصلّي،و على الثالث:التالي،و على الرابع:البارع،و على الخامس:

المرتاح،و على السادس:الخطي،و على السابع:العاطف،و على الثامن:

المؤمّل بالبناء للفاعل،و على التاسع:اللطيم،بفتح أوّله و كسر تاليه،و على العاشر فصاعداً:الفِسْكِل،بكسر الفاء فسكون السين فكسر الكاف،أو بضمّهما كقُنْفُذ.

و هذه أسامي جرت عادتهم بتسميتهم بها عشرة من خيل الحَلْبَة، و هي وزان سجدة:الخيل تجمع للسباق،و فائدته تظهر فيما لو شرط للمُجَلّي مالاً و للمصلّي أقل منه،و هكذا إلى العاشر.

و تفتقر المراماة إلى شروط ستة:

منها: تقدير الرِّشق و هو بكسر الراء:عدد الرمي الذي يتّفقان عليه،كعشرين،و بالفتح مصدر بمعنى الرمي.

و اشتراطه هو المشهور،قيل:لأنه العمل المقصود المعقود عليه (1).

ص:249


1- قال به الشهيد في المسالك 1:383،و السبزواري في الكفاية:137.

خلافاً لبعضهم،فاشترط العلم به في المحاطّة دون المبادرة (1).

و تأمّل فيه في الكفاية (2)؛ لعدم توقّف معرفة الإصابة على تعيين الرشق، لجواز حصولها بدونه.

و منها:تقدير عدد الإصابة كخمس من عشرة،قيل:لأن الاستحقاق إنما يحصل بالإصابة،و بها تحصل معرفة جودة الرمية و معرفة الناضل من المنضول فلو عقدا على أن يكون الناضل منهما أكثرهما إصابة من غير بيان لم يصح،على المشهور،بل في الكفاية نسبه إليهم مشعراً باتّفاقهم،و إن تأمّل فيه بعد النسبة،معلّلاً بجواز حصول معرفة الإصابة بكونه أكثر إصابة في العدد المشترط أو غير ذلك (3).

و منها:تعيين صفتها من المارق،و الخامس بالمعجمة و المهملة،و الخازق بالمعجمتين،و الخاصل بالخاء المعجمة و الصاد المهملة،و الخاصر،و الخارم،و الحابي،و القارع،إلى غير ذلك من الأوصاف الكثيرة،حتى أنه ذكر لها بحسب أوصافها تسعة عشر اسماً في كتاب فقه اللغة (4).

و فسّر الأوّل:بالذي يخرج من الغرض نافذاً فيه واقعاً وراءه.

و الثاني:بالذي يثقب الغرض و يقف فيه.

و الثالث:بالذي خدشه و لم يثقبه.و قيل:بل يثقبه و لكن لم يثبت فيه (5).

ص:250


1- انظر إيضاح الفوائد 2:370.
2- الكفاية:137.
3- الكفاية:137.
4- فقه اللغة:199.
5- التذكرة 2:360.

و الرابع:بالذي أصابه و لم يؤثّر فيه،و يطلق على القارع و على الثاني و الثالث و على المصيب للغرض كيف كان.

و الخامس:بالذي أصاب أحد جانبي الغرض.

و السادس:بالذي يخرم حاشيته.

و السابع:بالواقع دونه ثم يحبو إليه،من حبو الصبي.قيل:و يقال على ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب إليه فأصابه،و هو المزدلف (1).

و الثامن:بالذي يصيبه بلا خدش.

و مقتضى اشتراطه تعيينها بطلان العقد بدونه.

و تأمّل فيه جماعة منهم الكفاية (2)،حاكياً فيها عن التذكرة أنه لا يشترط الإعلام بصفة الإصابة،و أنه إذا أُطلق حمل على مجرّدها؛ لأنه المتعارف و المطلق معنىً،فيحمل عليه المطلق لفظاً.نعم،إن شرطا نوعاً معيّناً تعيّن جدّاً.

و منها:تشخيص قدر المسافة التي يرميان فيها،و هي ما بين موقف الرامي و الهدف أو ما في معناه،إما بالمشاهدة،أو المساحة كمائة ذراع،قيل:لاختلاف الإصابة بالقرب و البعد (3).و في الكفاية:لا يبعد الاكتفاء بالعادة الغالبة بين الرماة في اعتبار الإصابة (4).

و منها:تعيين الغرض و هو ما يقصد إصابته من قرطاس أو جلد أو غيرهما؛ لاختلافه بالسعة و الضيق.

ص:251


1- الروضة البهية 4:429.
2- الكفاية:137.
3- الروضة البهية 4:430.
4- الكفاية:138.

و يشترط العلم بوضعه من الهدف،و هو ما يجعل فيه الغرض من تراب أو غيره؛ لاختلافه في الرفعة و الانحطاط الموجب لاختلاف الإصابة، و تأمّل في هذا الشرط أيضاً في الكفاية (1).

و منها:تعيين قدر السبق أي العوض المبذول للسابق؛ حذراً من لزوم الغرر.

و في اشتراط المبادرة و هي:اشتراط استحقاق العوض لمن بدر إلى إصابة عددٍ معيّنٍ من مقدار رشقٍ معيّن مع تساويهما في الرشق كخمسة من عشرين. و المحاطّة و هي:اشتراط استحقاقه لمن خلص له من الإصابة عدد معلوم بعد مقابلة إصابات أحدهما بإصابات الآخر و طرح ما اشتركا فيه.

تردّد ينشأ من الأصل،و انتفاء الدليل عليه؛ و من مخالفة حكم كل منهما لحكم الآخر،و مثلها موجب لبطلان العقد مع الإهمال و ترك التعيين، لتفاوت الأغراض؛ فإن من الرماة من يكثر إصابته في الابتداء و يقلّ في الانتهاء،و منهم من هو بالعكس،و هذا خيرة المبسوط و التذكرة و التنقيح و المسالك (2).

و لا ريب فيه مع انتفاء القرينة من العرف أو العادة على تعيين أحد الأمرين،و لعلّه فرض المسألة.

و أما معها فالأجود الأوّل؛ عملاً بالقرينة،فإنها في حكم التعيين، وفاقاً للمحكي عن الفاضل في أكثر كتبه و الروضتين (3).

ص:252


1- الكفاية:138.
2- المبسوط 6:296،التذكرة 2:362،التنقيح الرائع 2:357،المسالك 1:384.
3- كالتحرير 1:262،و التبصرة:103،و حكي عن أكثر كتب الفاضل في المهذّب البارع 3:86،اللمعة(الروضة البهية 4):431.

و عليه ففي حمل المطلق على المحاطّة كما هو الأشهر،أو المبادرة قولان،ينشئان:

من أن اشتراط السبق إنما يكون لإصابة معيّنة من أصل العدد المشترط في العقد،و ذلك يقتضي إكمال العدد كله؛ ليكون الإصابة المعيّنة منه.و المبادرة قد لا تفتقر إلى الإكمال،كما إذا اشترطا رشق عشرين و إصابة خمسة،فرمى كل واحد عشرة،فأصاب أحدهما خمسة و الآخر أربعة مثلاً،فقد نضله صاحب الخمسة و لا يجب عليه الإكمال.بخلاف ما لو شرطا المحاطّة،فإنهما يتحاطّان في المثال أربعة بأربعة،و يبقى لصاحب الخمسة واحد و يجب الإكمال؛ لاحتمال اختصاص كل واحد بإصابة خمسة فيما يبقى.

و من أن المبادرة هي المتبادر عند إطلاق السبق لمن أصاب عدداً معيّناً،و عدم وجوب الإكمال مشترك بينهما،فإنه قد لا يجب الإكمال في المحاطّة على بعض الوجوه،كما إذا انتفت فائدته للعلم باختصاص المصيب بالمشروط على كل تقدير،بأن رمى أحدهما في المثال خمسة عشر فأصابها،و رماها الآخر فأصاب خمسة فإذا تحاطّا خمسة بخمسة بقي للآخر عشرة،و غاية ما يتّفق مع الإكمال أن يخطئ صاحب العشرة الخمسة و يصيبها الآخر،فيبقى له فضل خمسة المشروط.

و الأقوى الرجوع إلى عادة المتناضلين،فإن كانت اتّبعت،و إلّا بطل العقد من أصله،و حينئذٍ فلا وجه للاختلاف،إلّا أن يوجّه بالاختلاف في فهم القرينة مع الإطلاق،فبين من حسّنها للدليل الأوّل فاختار مدلوله، و بين من عكس فاختار ما اختاره.

و لا يشترط تعيين السهم و لا القوس أي شخصهما،على

ص:253

المشهور،بل عن المحقق الثاني الإطباق عليه (1)،دون النوع،كالقوس العربي أو المنسوب إلى وضع خاص،فيشترط تعيينه؛ استناداً فيه إلى اختلاف الرمي باختلافه،و في الأوّل إلى عدم الفائدة في التعيين بعد تعيين النوع،و أدائه إلى التضيق بعروض مانع من المعين مُحْوِجٍ لإبداله،بل قيل:

إنه لو عيّنه لم يتعيّن و جاز الإبدال و فسد الشرط (2).و فيه نظر.

و عن جماعة (3)أنه لا يشترط تعيين السهم؛ لعدم الاختلاف الفاحش الموجب لاختلاف الرمي،بخلاف القوس،و أنه لو لم يعيّن نوعهما انصرف إلى الأغلب في العادة.

و لا يخلو عن قوة؛ لجريانه مجرى التقييد اللفظي،فإن اضطربت وجب التعيين،فإن لم يعيّن فسد العقد،للغرر.

و تجوز المناضلة على الإصابة للغرض مع الشرائط المتقدمة.

و كذا تجوز معها على التباعد بأن يرميا من موضع معيّن إلى آخر كذلك و يشترطا أن من بَعُد سهمه عن الآخر فله السبق،بلا خلاف فيه في الظاهر،بل قيل:كأنه مجمع عليه.و المستند فيه بعده الأصل، و عموم الأدلّة،مع سلامتهما هنا عن المعارض بالكلية.

و لو فضل أحدهما على الآخر في عدد الإصابة فقال:اطرح الفضل بكذا و كذا درهماً مثلاً لم تصح؛ لأنه منافٍ للغرض من النضال و مُفَوّتٍ له،أو مخالف لوضعه،فإن المقصود منه إبانة حذق الرامي أو ظهور اجتهاده،فلو طرح الفضل بعوض كان تركاً للمقصود به،فتبطل

ص:254


1- جامع المقاصد 8:355.
2- جامع المقاصد 8:355.
3- حكاه عنهم الشهيد في الروضة البهية 4:431.

المعاوضة و يردّ ما أخذه.

و لا خلاف فيه،كما في المسالك (1)،إلّا من ظاهر الماتن في الشرائع (2)،حيث نسب الحكم إلى القيل المشعر بالتوقف أو التمريض.

قيل:و وجهه أنه جعل على عمل محلّل،و منع كون المقصود بالنضال منحصراً فيما ذكر؛ لجواز أن يقصد به كسب المال،فإذا حصل بالسبق أمكن تحصيله بمقدّماته؛ مضافاً إلى أصالة الصحة،و عموم الأمر بالوفاء بالعقد و الشرط،و منافاته للمشروع غير معلومة (3).و هذا أوجه إن لم يكن الإجماع على خلافه انعقد.

ص:255


1- المسالك 1:386.
2- الشرائع 2:240.
3- المسالك 1:386.

ص:256

كتاب الوصايا و هو يستدعي فصولاً

اشارة

كتاب الوصايا و هي:جمع وصيّة من وصى يصي،أو أوصى يُوصي،أو وصّى يوصّي.و أصلها الوصل،سمّيت به لما فيها من و صلة التصرف في حال الحياة به بعد الوفاة.

و الأصل في شرعيّتها بعد إجماع المسلمين عليها كافّة،كما في المهذّب و غيره (1)الآيات المتكاثرة:

قال سبحانه كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ [1] (2)الآية.

و السنة بها مع ذلك متواترة من طرق الخاصة و العامة،يأتي إلى جملة منها الإشارة.

مضافاً إلى ما ورد في فضلها من المعتبرة المستفيضة بل المتواترة.

في جملة منها مستفيضة:أنها حقّ على كلّ مسلم (3).

و في اخرى كذلك:«من لم يحسن عند الموت وصيته كان نقصاً في مروءته و عقله» (4)كما في بعضها.

و في آخر:«ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلّا و وصيّته تحت رأسه» (5).

ص:257


1- المهذب البارع 3:95؛ و انظر التذكرة 2:452.
2- البقرة:180.
3- انظر الوسائل 19:257 أبواب أحكام الوصايا ب 1.
4- الكافي 7:1/2،الفقيه 4:482/138،التهذيب 9:711/174،الوسائل 19:260 أبواب أحكام الوصايا ب 3 ح 1.
5- المقنعة:666،الوسائل 19:258 أبواب أحكام الوصايا ب 1 ح 7.

و في ثالث:«من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية» (1).

و في رابع:«من أوصى و لم يَحِفْ و لم يضارّ كان كمن تصدّق به في حياته» (2).

و في خامس:«من أوصى بالثلث احتسب له من زكاته» (3).

و ظاهر الأخبار الأوّلة الوجوب،و حملت على تأكّد الفضيلة،أو الوصية بالأُمور الواجبة،كالحج و الخمس و الزكاة المفروضة.

و للحمل الأوّل شواهد من المعتبرة:

و هو أي الكتاب يستدعي فصولاً:

الأوّل في حقيقة الوصية

الأوّل:الوصية لغة:ما مرّ إليه الإشارة،و شرعاً: تمليك عين أو منفعة فالتمليك بمنزلة الجنس يشمل سائر التصرفات المملّكة من البيع و الوقف و الهبة،و في ذكر العين و المنفعة تنبيه على متعلق الوصية.

و يندرج في العين الموجود منها بالفعل،كالشجرة،و بالقوة،كالثمرة المتجدّدة،و في المنفعة المؤبّدة منها و الموقّتة و المطلقة.

و اقتصر على ما في العبارة جماعة منهم الماتن في الشرائع و غيره (4).

و لمّا كان منتقضاً في عكسه بالوصية إلى الغير بإنفاذ الوصية،و بالولاية على الأطفال و المجانين الذين تجوز له الوصية عليهم،زاد الماتن هنا و الشهيد في اللمعة (5) أو تسليط على تصرّفٍ بعد الوفاة

ص:258


1- المقنعة:666،الوسائل 19:259 أبواب أحكام الوصايا ب 1 ح 8.
2- الكافي 7:18/62،الفقيه 4:465/134،الوسائل 19:264 أبواب أحكام الوصايا ب 5 ح 2.
3- الكافي 7:4/58،الوسائل 19:260 أبواب أحكام الوصايا ب 2 ح 3.
4- الشرائع 2:243؛ و انظر التحرير 1:291.
5- اللمعة(الروضة البهية 5):11.

و يخرج بالقيد الهبة و غيرها من التصرفات المنجّزة في الحياة، المتعلّقة بالعين أو المنفعة،و الوكالة؛ لأنها تسليط على التصرّف في الحياة.

و ربما يذبّ عن النقض بجعل الوصية خارجة عن الوصاية قسيمة لها،فلا يحتاج إلى إدراجها فيها بهذه الزيادة،حتى إن الشهيد في الدروس عنون لكل من القسمين كتاباً على حدة (1).

و زاد في الكفاية زيادة أُخرى هي هذه:أو فكّ ملك بعد الوفاة (2)؛ هرباً ممّا يرد عليه من انتقاض عكسه أيضاً بالوصية بالعتق،فإنه فكّ ملكٍ، و التدبير،فإنه وصية به عند الأكثر،و الوصية بإبراء المديون و وقف المسجد،فإنه فكّ ملك،و الوصية بالمضاربة و المساقاة،فإنهما و إن أفادا ملك العامل الحصّة من الربح و الثمرة إن ظهر إلّا أن حقيقتهما ليست كذلك،و قد لا يحصل ربح و لا ثمرة فينتفي التمليك،كذا في المسالك و الروضة (3).

و عند الأحقر في زيادتها لما ذكره مناقشة،يظهر وجهها بملاحظة الزيادة بما في العبارة.

و كيف كان تفتقر الوصية إلى الإيجاب إجماعاً و القبول بلا خلاف أجده في ثبوته في الجملة،بل عليه الإجماع في الغنية (4)،و إطلاقه كالعبارة و نحوها من عبائر الجماعة يقتضي اشتراطه مطلقاً،و لو كانت الوصية لغير معيّن،أو في جهة عامة.

ص:259


1- الدروس 2:295،321.
2- الكفاية:145.
3- المسالك 1:386،الروضة البهية 5:11.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):604.

خلافاً لجماعة من المتأخّرين،كالمختلف و المسالك و غيرهما (1)فيهما،فلم يشترطوه هنا؛ لما مرّ في الوقف (2):من تعذّره من الجميع، و استلزام الاكتفاء به من البعض الترجيح من غير مرجّح.

و يضعّف بما مر ثمة:من عدم استلزام تعذّر القبول منهم عدم اعتبار أصله؛ لجواز قبول الناظر في تلك المصلحة أو حاكم الشريعة.

و هذا أوجه إن لم يكن الإجماع على خلافه،كما يستفاد من الروضة (3)،لكن يبقى الإشكال في الدليل على اشتراط القبول من أصله، و لم أقف عليه سوى الإجماع،و هو غير تامّ في محلّ النزاع،و إجماع الغنية غير ظاهر الشمول لهذه الصورة.

فينبغي الرجوع إلى الإطلاقات بنفوذ الوصية من الكتاب و السنة، و مقتضاها عدم اشتراطه بالكلّية،خرج منها الصورة المجمع عليها،و بقي الصورة المفروضة تحتها مندرجة.لكن التمسك بمثل هذه الإطلاقات الواردة في بيان سائر أحكام الوصية دون خصوص الحكم في المسألة لا يخلو عن مناقشة،سيّما مع وهنها بتقييدها بشرائط كثيرة و منها اشتراط القبول و لو في الجملة،و ظهور كلام هؤلاء الجماعة في عدم استنادهم فيما ذهبوا إليه من عدم الاشتراط في المسألة إليها بالكلّية،حيث اتّفقت كلماتهم على أخذهم الحجّة له ما مرّ من العلّة:من تعذر القبول في هذه الصورة لا غيره،و هو مشعر بل لعله ظاهر في أنه لولا هذه العلّة لما كان لهم عن القول بالاشتراط مطلقاً مسرح و لا مندوحة،و هذا يعرب عن قوّة الداعي

ص:260


1- المختلف:499،المسالك 1:386؛ و انظر الكفاية:145.
2- راجع ص:93.
3- الروضة البهية 5:20.

للاشتراط كلّيّةً إلّا أنه حجرتهم عن العمل به في المسألة العلّة المزبورة، و مثله يعدّ إجماعاً على الاشتراط مطلقاً،فيتّخذ عليه كذلك حجّة،و يذبّ عن العلّة بما مرّ إليه الإشارة.

مضافاً إلى الأُصول القطعية،كأصالة عدم الانتقال،و بقاء الموصى به على حالته السابقة من الملكية،و الحكم بانتقاله إلى الورثة.

و عليك برعاية هذا الأصل،فإنه ينفعك في كثير من المباحث الآتية.

و أمّا المقارنة بينهما فغير شرط بالإجماع،كما في المسالك و غيره (1)، و لا يدانيه شبهة،بل في صحة القبول قبل الموت قولان مستندان إلى وجوه مدخولة.و الأقرب القول بعدم الصحة؛ للأصل المتقدم إليه الإشارة.

و لا يمكن الاستدلال للصحة بعموم الأمر بالوفاء بالعقود؛ لأن الأمر به إنما هو من حين انعقاد العقد،و لزومه الذي هو مقتضى الأمر من حينه مخالف للإجماع على جواز رجوع الموصي و ردّ الموصى له الوصية قبل الموت.و به أفتى في المختلف تبعاً للغنية (2)،و ظاهر الروضة كونه الأشهر بين الطائفة (3).

خلافاً للمحكي عن الحلّي و الماتن و الفاضل في جملة من كتبه (4).

ثم في اقتصار الماتن على الإيجابين دلالة على عدم اعتبار شيء آخر فيها مما وقع فيه النزاع بين الأصحاب،كالقبض.و هو الأصح؛ للأصل، و عمومات الأمر بالوفاء بالعقد،و الصحيح:عن رجل اوصي له بوصية

ص:261


1- المسالك 1:386؛ و انظر الحدائق 22:390.
2- المختلف:499،الغنية(الجوامع الفقهية):604.
3- الروضة 5:14.
4- الحلي في السرائر 3:184،الماتن في الشرائع 2:243،الفاضل في التحرير 1:292،و القواعد 1:290،و الإرشاد 1:457.

فمات قبل أن يقبضها،و لم يترك عقباً،قال:«اطلب له وارثاً أو مولىً فادفعها إليه» قلت:فإن لم أعلم له وليّاً؟قال:«اجهد على أن تقدر له على وليّ،فإن لم تجد و علم اللّه تعالى منك الجدّ فتصدّق بها» (1).

و قيل:شرط (2)؛ قياساً على الوقف و الهبة.و هو ضعيف،و الأولويّة غير واضحة،فاتّخاذها حجَّة لا يخلو عن مناقشة،سيّما في مقابلة ما مرّ من الأدلّة.

و اعلم أن إيجابها هو كلّ لفظٍ دالّ على المعنى المطلوب منها، كأوصيت لفلان بكذا،أو افعلوا كذا بعد وفاتي،أو لفلان بعد وفاتي كذا.

و قبولها الرضا بما دلّ عليه الإيجاب و لو فعلاً،كالأخذ و التصرّف.

و تكفي في الإيجاب الإشارة و كذا الكتابة الدالّة على المقصود مع تعذّر اللفظ بخرس أو اعتقال لسان،إجماعاً؛ للنصوص.

منها الصحيح في التهذيب،المروي فيه و في الفقيه بطريق آخر موثق أيضاً:أن امامة بنت أبي العاص و أُمّها زينب بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله كانت تحت عليّ عليه السلام بعد فاطمة عليها السلام،فخلف عليها بعد عليّ عليه السلام المغيرة بن نوفل،فذكر أنها وجعت وجعاً شديداً حتى اعتقل لسانها،فجاءها الحسنان عليهما السلام و هي لا تستطيع الكلام،فجعلا يقولان لها و المغيرة كاره لذلك:«اعتقتِ فلاناً و أهله؟» فجعلَتْ تشير برأسها:نعم إلى أن قال -:فأجازا ذلك لها (3)و قريب منه في أصل المطلب المروي في الكافي (4).

ص:262


1- الكافي 7:3/13،الفقيه 4:542/156،التهذيب 9:905/231،الإستبصار 4:517/138،الوسائل 19:334 أبواب أحكام الوصايا ب 30 ح 2.
2- المبسوط 4:33.
3- الفقيه 4:506/146،التهذيب 9:935/241،الوسائل 19:373 أبواب أحكام الوصايا ب 49 ح 1.
4- الكافي 1:2/377،الوسائل 19:374 أبواب أحكام الوصايا ب 49 ح 3.

و عن قرب الإسناد،عن موسى بن جعفر عليهما السلام:عن رجل اعتقل لسانه عند الموت أو امرأة،فجعل أهاليهما يسأله:أعتقت فلاناً و فلاناً؟فيومئ برأسه أو تومئ برأسها في بعض:نعم،و في بعضٍ:

لا،و في الصدقة مثل ذلك،أ يجوز ذلك؟قال:«نعم هو جائز» (1).

و منها الخبر المروي في الفقيه و التهذيب،عن مولانا الباقر عليه السلام قال:

«دخلت على محمّد بن الحنفيّة و قد اعتقل لسانه،فأمرته بالوصيّة فلم يجب» قال:«فأمرت بالطست فجعل فيه الرمل فوضع،فقلت له:فخطّ بيدك» فقال:«فخطّ وصيّته بيده(إلى رجل) (2)و نسخته أنا في صحيفة» (3).

و لا تكفي الكتابة و كذا الإشارة ما لم تنضمّ إليها القرينة الحاليّة الدالّة على الإرادة كما في الرواية،بلا خلافٍ أجده،بل ادّعى عليه في السرائر إجماع الإماميّة (4)؛ لأنها أعمّ من قصد الوصيّة.

و ظاهر العبارة كفايتهما مع القرينة مطلقاً،و لو لم يكن حال ضرورة، و احتمله في التذكرة،قال:لأن الكتابة بمثابة كنايات الألفاظ و قد بيّنا جواز الوصيّة بالكناية الّتي ليست صريحة في دلالتها عليها مع القرينة،فإذا كتب و قال:نويت الوصية لفلان،أو اعترف الورثة بعد موته به وجب أن يصح (5).

ص:263


1- قرب الإسناد:1121/283،الوسائل 19:374 أبواب أحكام الوصايا ب 49 ح 2.
2- كذا في النسخ و التهذيب،و في باقي المصادر:في الرمل.
3- الفقيه 4:505/146،التهذيب 9:934/241،إكمال الدين 36،الوسائل 19:372 أبواب أحكام الوصايا ب 48 ح 1.
4- السرائر 2:176.
5- التذكرة 2:452.

و لا يخلو عن قوّة مع قطعيّة دلالة القرينة على إرادة الوصيّة؛ لصدق الوصيّة معها عرفاً و عادة.

مضافاً إلى التأيّد بكثير من النصوص المتقدم بعضها الناهية عن أن يبيت الإنسان إلّا و وصيّته تحت رأسه (1).

خلافاً للشهيدين،فخصّاهما بحال الضرورة (2).

قال ثانيهما:و لا تكفيان مع الاختيار و إن شوهد كاتباً أو علم خطّه أو عمل الورثة ببعضها إلى أن قال-:أو قال:إنه بخطّي و أنا عالم به،أو هذه وصيّتي فاشهدوا عليّ بها (3)،و نحو ذلك،بل لا بُدّ من تلفّظه به أو قراءته عليه و اعترافه بعد ذلك؛ لأن الشهادة مشروطة بالعلم و هو منفي هنا.خلافاً للإسكافي،حيث اكتفى به مع حفظ الشاهد له عنده.و الأقوى الاكتفاء بقراءة الشاهد له مع نفسه مع اعتراف الموصي بمعرفة ما فيه و أنه موصٍ به،و كذا القول في المقرّ (4).

و العجب من التذكرة (5)،حيث صرّح بمثل هذا مع احتماله بل و اختياره ما قدّمناه.

و لا يجب العمل بما يوجد بخطّ الميت و إن علم أنه خطّه مع التجرّد عن القرينة الدالّة على وصيّته بما فيه مطلقاً،و إن عمل ببعضه الورثة،على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر؛ لما مرّ من كونه أعمّ من قصد الوصيّة،مع ظهور الرواية الآتية فيه في الجملة،فلا يصرف

ص:264


1- راجع ص:254.
2- الدروس 2:295،الروضة البهية 5:18،19.
3- و ادّعى في هذا الإجماع على عدم الكفاية في السرائر(2:176).منه رحمه اللّه.
4- انظر الروضة 5:19.
5- التذكرة 2:452.

إليها إلّا مع القرينة.

و قيل كما عن النهاية (1):إنه إن عمل الورثة ببعضها لزمهم العمل بجميعها لمكاتبة إبراهيم بن محمّد الهمداني إلى أبي الحسن عليه السلام:

رجل[كتب كتاباً بخطّه و لم يقل لورثته:هذه وصيّتي،و لم يقل:إنّي قد أوصيت،إلّا أنه (2)]كتب كتاباً فيه ما أراد أن يوصي به،هل يجب على الورثة القيام بما في الكتاب بخطّه و لم يأمرهم بذلك؟فكتب عليه السلام:«إن كان له ولد ينفذون كلّ شيء يجدون في كتاب أبيهم في وجه البرّ و غيره» (3).

و هو ضعيف لمخالفته الأصل المتقدم المعتضد بالشهرة العظيمة، مع كونه كتابة؛ مضافاً إلى ما في سنده من القصور بالجهالة،و في متنه من عدم الصراحة.

و إن كان وجوه الذبّ عن جميع ذلك ممكنة.

فعن الأوّل:بأنه مخالفة العموم و الخصوص فينبغي التخصيص.

و الثاني:بالمنع عن ضرر الكتابة بالحجيّة،مع أنه على تقدير تسليمه إنما هو لاحتمال الورود مورد التقيّة،و هو غير ممكن في الرواية؛ لأن التفصيل فيها مخالف لما عليه العامّة،كما يستفاد من التذكرة (4).

و الثالث:باختصاص القصور بسندها في التهذيب؛ فإنها بسند حسن بل صحيح في الفقيه مرويّة.

ص:265


1- النهاية:621.
2- أضفنا ما بين المعقوفين من المصادر.
3- الفقيه 4:507/146،التهذيب 9:936/242،الوسائل 19:372 أبواب أحكام الوصايا ب 48 ح 2.
4- التذكرة 2:452.

و الرابع:باندفاعه بالزيادة التي ذكرها في التذكرة،حيث رواها هكذا:

فكتب:«إن كان له ولد ينفذون شيئاً منه وجب عليهم أن ينفذوا كلّ شيء يجدون في كتاب أبيهم» (1)إلى آخر الرواية،و هي حينئذٍ كما ترى ظاهرة، إلّا أنها محتملة لما أجاب به عنها في التذكرة (2)من الحمل على أنهم اعترفوا بصحّة هذا الخطّ فحينئذٍ يجب العمل بالجميع،و أمّا لو أنكروا و اقتصروا في الاعتراف بالصحّة على بعضه لم يجب عليهم العمل إلّا بما اعترفوا به.

و تحتمل أيضاً ككلام النهاية الحمل على أن عملهم بالبعض قرينة لاعترافهم بصحّة الباقي،فيجب عليهم العمل بها فيه أيضاً في الظاهر، بمعنى:أنهم يلزمون بذلك في ظاهر الحال و إن لم يكن عليهم فيما بينهم و بين اللّه تعالى شيء إذا لم يعلموا بصحّة الباقي.

لكن في هذا الحمل مخالفة للأصل أيضاً؛ فإن عملهم بالبعض غير الاعتراف بصحته حتّى يؤخذ دليلاً ظاهريّاً على صحّة الباقي؛ لاحتماله غير ذلك من التبرّعِ و نحوه.

و بالجملة:رفع اليد عن الأصل المقطوع به المعتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً بمجرّد هذه الرواية مع قصور سندها عن الصحّة،و كونها مكاتبة توجب المرجوحية و إن لم تخرجها الكتابة عن أصل الحجيّة،و ندرة القائل بها،مشكل بلا شبهة.

و لا تصحّ الوصية في معصية كمساعدة الظالم في ظلمة.

ص:266


1- التذكرة 2:452،الوسائل 19:372 أبواب أحكام الوصايا ب 48 ذيل حديث 2.
2- التذكرة 2:452.

و كذا وصيّة المسلم للبيع و الكنائس بلا خلافٍ أجده،و به صرّح في المفاتيح (1)،و هو ظاهر غيره (2)؛ و هو الحجّة في الحرمة و عدم الصحة.

مضافاً في الاُولى إلى أنها معاونة على الإثم محرّمة بالكتاب و غيره من الأدلّة.

و في الخبر:عن قول اللّه عزّ و جلّ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ [1] (3)الآية،فقال:«نسختها التي بعدها قوله تعالى فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً [2] (4)قال:«يعني الموصى إليه إن خاف جَنَفاً من الموصي في ثلثه فيما أوصى به إليه مما لا يرضى اللّه تعالى به من خلاف الحق،فلا إثم على الموصى إليه أن يبدّله إلى الحق و إلى ما يرضى اللّه به من سبيل الحق» (5).

و في السند جهالة،إلّا أن فيه ابن محبوب،و قد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

و يستفاد من تخصيص العبارة بطلان الوصية للبِيَع و الكنائس بالمسلم عدمه أو التردّد فيه إذا كانت من الكافر.خلافاً لظاهر إطلاق عبارته في الشرائع،حيث حكم ببطلان الوصية لهما مطلقاً (6)،مع أنه حكم في الوقف بصحته منه لهما (7).

ص:267


1- مفاتيح الشرائع 3:223.
2- انظر المسالك 1:390.
3- البقرة:181.
4- البقرة:182.
5- الكافي 7:2/21،التهذيب 9:747/186،تفسير العياشي 1:172/78،الوسائل 19:351 أبواب أحكام الوصايا ب 38 ح 1.
6- الشرائع 2:244.
7- الشرائع 2:214.

و ربما يجمع بين الحكمين بمعنى إقراره عليه لو ترافعوا إلينا،إجراءً لهم على أحكامهم،و هو معنى الصحّة ظاهراً،و إن كان باطلاً في نفسه، و مرجع هذا الجمع إلى القول بالبطلان.

و ربما وجّه بفقد شرط الصحة الذي هو عدم استلزام الوصية الإعانة المحرّمة؛ بناءً على أن الكافر مكلّف بالفروع التي منها نحو هذه الإعانة.

و هذا لإثبات التحريم في غاية الجودة،دون البطلان،فإنه محلّ مناقشة،إلّا أن يدّعى التلازم بين الأمرين في الوصيّة،كما هو ظاهر الجماعة و الرواية المتقدّمة.

الثاني في الموصي

الثاني:في الموصي.

و يعتبر فيه كمال العقل فلا تصحّ من المجنون مطلقاً،و لو كان أدواريّاً إذا كانت حال جنونه،إجماعاً؛ لحديث رفع القلم عن جماعة عُدّ منهم (1)،و عموم أدلّة الحجر عليه (2).

و لا من السفيه مطلقاً،كما عن ابن حمزة و أحد قولي الفاضل (3)؛ للأدلّة الأخيرة.

و في شمولها للحجر عليه في نحو مفروض المسألة مناقشة،و إن كان ظاهر الجماعة ذلك؛ لاختصاصها بحكم التبادر و غيره بالتصرفات الماليّة حال الحياة خاصّة.

فالأصح الجواز مطلقاً،وفاقاً للفاضل في قوله الثاني (4)؛ للأصل،

ص:268


1- الخصال:40/93،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
2- انظر الوسائل 18:409 أبواب أحكام الحجر ب 1.
3- ابن حمزة في الوسيلة:372،الفاضل في القواعد 1:292،و التحرير 1:293.
4- انظر التذكرة 2:460.

و العمومات السليمة عما يصلح للمعارضة،مع تأيّدها في الجملة بفحوى النصوص الآتية في صحّة وصية من بلغ عشراً في وجوه البرّ،و لعلّه لذا اختار الصحّة فيها جماعة،كالمفيد و الديلمي و الحلبي و ابن زهرة (1)مدّعيا عليه الإجماع في الغنية،و منعوها في غيرها؛ جمعاً بين الأدلّة.

و هو حسن إن صحّ شمول الأدلّة المانعة لنحو المسألة،و المناقشة فيه كما عرفت واضحة،إلّا أن يكون الشمول إجماعاً من الجماعة.

و يعتبر فيه أيضاً الحريّة بلا خلاف أجده؛ و الحجّة فيه بعده على المختار من عدم مالكيّته واضحة.و كذا على غيره؛ إمّا لعموم أدلّة الحجر عليه،كما ذكره بعض الأجلّة (2)،أو للمعتبرين،أحدهما الصحيح:

«في مكاتب قضى نصف ما عليه و أوصى بوصية فأجاز نصف الوصية،و في مكاتب قضى ثلث ما عليه و أوصى بوصية فأجاز ثلث الوصية» (3).

و ثانيهما المرسل كالموثق:في مكاتب أوصى بوصية قد قضى الذي كوتب عليه إلّا شيئاً يسيراً،فقال:«يجوز بحساب ما أُعتق منه» (4).

و بمضمونها من صحة الوصية من المكاتب المطلق بقدر ما أدّى من وجه الكتابة صرّح في التذكرة (5).و لا شبهة فيه؛ مضافاً إلى الأصل و العمومات السليمة عن المعارض.

ثم إن المنع إنما هو إذا مات على العبودية.

ص:269


1- المفيد في المقنعة:667،الديلمي في المراسم:203،الحلبي في الكافي في الفقه:364،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):604.
2- انظر الدروس 2:299،و الحدائق 22:408.
3- التهذيب 9:876/223،الوسائل 19:414 أبواب أحكام الوصايا ب 81 ح 1.
4- التهذيب 9:875/223،الوسائل 19:414 أبواب أحكام الوصايا ب 81 ح 2.
5- التذكرة 2:460.

و أما لو عتق و ملك ففي صحة وصيته حال الرقّية أم فسادها احتمالان.أجودهما الثاني،وفاقاً للتذكرة (1)؛ لأصالة عدم الصحة السابقة.

و وجّه الأوّل بأنه صحيح العبارة و قد أمكن تنفيذ وصيّته،و جعله في الدروس أحد قولي الفاضل (2)،و في التذكرة أظهر قولي الشافعية (3).

و في صحة وصية من بلغ بحسب السن عشراً و كان مميّزاً صارفاً إيّاها في البرّ و المعروف،كبناء المساجد و القناطر،و صدقة ذوي الأرحام تردّد ينشأ:من الأصل،و عموم أدلّة الحجر عليه من الكتاب و السنة.

و من العمومات،و قوّة احتمال اختصاص تلك الأدلّة بالحجر عليه في التصرفات حال الحياة خاصّة.

أو تخصيصها بخصوص المروي (4) من الجواز في الموثقات المستفيضة،و غيرها من الصحيح و غيره،المنجبر ضعفه كقصور الأوّلة عن الصحّة بالشهرة العظيمة المتقدّمة و المتأخّرة،كما اعترف بها الجماعة كافّة، بل ربما يستشعر من الدروس الإجماع عليه (5)،و به صرّح في الغنية (6)؛ و هو حجّة أُخرى مستقلة.

و لا يقدح إطلاق الجواز في بعضها من دون تقييد بالعشر،كالموثق

ص:270


1- التذكرة 2:460.
2- الدروس 2:299.
3- التذكرة 2:460.
4- انظر الوسائل 19:360 أبواب أحكام الوصايا ب/ 44.
5- الدروس 2:298.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):604.

«يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل و صدقته و وصيته و إن لم يحتلم» (1).

لوجوب تقييده به،كما أفصح عنه باقيها،كالموثقات،في أحدها:

«إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيّته» (2).

و في الثاني:عن وصية الغلام هل تجوز؟قال:«إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيته» (3)و نحوهما الثالث (4)،و غيرها.

و كذا لا يقدح تضمنه جواز الطلاق و الصدقة،مع أن الأظهر الأشهر عدمه؛ بناءً على أن خروج بعض الرواية عن الحجّية لا يوجب خروجها عنها جملة.

لكن الجواب بمثل هذا عن هذه الرواية لا يخلو عن مناقشة،إلّا أن غاية ذلك خروجها عنها جملة،و لا ضير؛ فإن في البواقي كفاية إن شاء اللّه تعالى.

و هي و إن كانت أيضاً محل مناقشة سنداً في بعض،و دلالة بنحو ما مرّ من التضمّن لما لا يقولون به في آخر،إلّا أن سلامة بعضها عن جميع ذلك،كالروايات المتقدمة،و اعتضادها بالشهرة العظيمة و حكاية الإجماع المتقدمة،مضافاً إلى الأصل و إطلاقات بل عمومات لزوم إنفاذ الوصية السليمة عما يصلح للمعارضة من أدلّة الحجر عليه كما مرّت إليه الإشارة -

ص:271


1- التهذيب 9:733/182،الوسائل 19:212 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 15 ح 2.
2- الكافي 7:3/28،الفقيه 4:501/145،الوسائل 19:362 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 3.
3- التهذيب 9:730/182،الوسائل 19:363 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 7.
4- الكافي 7:1/28،الفقيه 4:502/145،التهذيب 9:729/181،الوسائل 19:362 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 4.

كفتنا مئونة الاشتغال بتصحيح تلك الأخبار،و أوجبت علينا المصير إلى القول بالصحة.

خلافاً للحلّي (1).و هو شاذّ،و مستنده ضعيف كما مرّت إليه الإشارة، و إن ظهر من الماتن هنا تردّده فيها،كالشهيدين في المسالك و الروضتين (2)، و كذلك الفاضل في المختلف (3)،حيث جعل المنع أحوط.

و في كونه أحوط مطلقاً نظر،بل يختلف في حق الوارث الغير المحجور عليه،و الموصى له،فالاحتياط للأوّل الإنفاذ،و للثاني العدم كما ذكره.

ثم إن ظاهر إطلاق النصوص المتقدمة جوازها من ذي العشر مطلقاً و لو لم يكن مميّزاً،و قد اتّفق الأصحاب على اشتراط التمييز و وضع الوصية في محلّها كما يفعله العقلاء.و لا ريب فيه؛ للأخبار الباقية،كالموثق:في الغلام ابن عشر سنين يوصي،قال:«إذا أصاب موضع الوصية جازت» (4).

و في الصحيح:«إذا بلغ عشر سنين فأوصى بثلث ماله في حقٍّ جازت وصيّته،فإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله اليسير في حقّ جازت وصيته» (5).

و هذا بحسب الذيل شاذّ محجوج بإطلاق مفاهيم الأخبار السابقة، و إن كان ظاهر الفقيه العمل به كالنهاية (6)،لكنّه بدّل السبع بالثمانية.

ص:272


1- السرائر 3:206.
2- المسالك 1:392،اللمعة(الروضة البهية 5):22.
3- المختلف:510.
4- التهذيب 9:727/181،الوسائل 19:363 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 6.
5- الكافي 7:4/29،الفقيه 4:503/145،التهذيب 9:732/182،الوسائل 19:361 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 2.
6- الفقيه 4:145،النهاية:611.

و نحوه في الشذوذ و المحجوجية بمفاهيم الأخبار السابقة ما حكي عن الإسكافي (1):من جواز وصية الذكر إذا كان له ثماني سنين،و الجارية إذا كان لها سبع سنين،و كذا الرواية الدالة عليه (2)،مع أنها ضعيفة سنداً، مهجورة بين المسلمين كافّة؛ لظهورها في بلوغهما بتينك المدّتين،و لا قائل به حتى الإسكافي قطعاً،و لذا خصّ وصيّتهما خاصة من بين الأحكام التي دلّت عليها تلك الرواية بالذكر و الفتوى،و لم يفتِ بباقيها.

و نحوهما في ذلك الصحيح:«الغلام إذا حضره الموت فأوصى و لم يدرك جازت وصيته لذوي الأرحام و لم تجز للغرباء» (3).

فإنّي لم أجد به قائلاً،و إن كان ظاهر الفقيه الراوي له القول به، إلّا أنه لم ينسبه إليه أحد من أصحابنا كما نسبناه إليه في الرواية الأُولى،لكن حكاه في التذكرة قولاً (4)،و ظاهره أن القائل منّا،حيث استدل له بهذه الرواية الخاصّية دون غيرها.

و لو جرح نفسه بما فيه هلاكها عمداً ثم أوصى لم تقبل على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامة من تأخّر؛ للصحيح:«من قتل نفسه متعمّداً فهو في نار جهنّم خالداً فيها» قلت:أ رأيت إن كان أوصى بوصية ثم قتل نفسه متعمّداً من ساعته تنفذ وصيته؟قال:فقال:«إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثاً في نفسه من جراحة أو فعل لعلّه يموت أُجيزت وصيّته

ص:273


1- حكاه عنه في المختلف:510.
2- التهذيب 9:736/183،الوسائل 19:212 أبواب الوقوف و الصدقات ب 15 ح 4.
3- الكافي 7:2/28،الفقيه 4:504/146،التهذيب 9:728/181،الوسائل 19:360 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 1.
4- التذكرة 2:459.

في الثلث،و إن كان أوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو فعل لعلّه يموت لم تجز وصيته» (1).

خلافاً للحلّي،فصحّح وصيّته مع بقاء عقله (2)؛ عملاً بالأُصول القطعية من الكتاب و السنة.

و هو شاذّ،و الأُصول بما مرّ مخصّصة؛ لصحته،و صراحته،و اعتضاده بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّه لنا الآن إجماع في الحقيقة.و لولاها لأشكل المصير إليه؛ إما لعدم حجّية مثله من الآحاد كما اختاره،أو قصوره عن تخصيص نحو تلك العمومات،سيّما مع احتماله الحمل على صورة ذهاب عقله،و لا خلاف حينئذٍ في عدم العبرة بوصيته.

و إطلاق العبارة و إن شمل صورتي القتل عمداً و خطأً إلّا أنه يجب تقييده بالأوّل،كما ذكرنا؛ اقتصاراً فيما خالف الأُصول على مورد النص، مع أن في الروضة الإجماع عليه (3).

ثم إن المنع إنما هو حيث أوصى بعد الجرح.

و لو أوصى ثم جرح قبلت وصيّته مطلقاً،و لو كان عمداً،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في التذكرة (4)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأُصول القطعيّة السليمة هنا عن المعارض بالكلية،مع التصريح بالصحة في الرواية السابقة.

و في حكمها لو أوصى ثم جنّ،أو صار سفيهاً إن منعنا عن وصيته.

ص:274


1- الكافي 7:1/45،الفقيه 4:522/150،التهذيب 9:820/207،الوسائل 19:378 أبواب أحكام الوصايا ب 52 ح 1.
2- السرائر 3:197.
3- الروضة 4:23.
4- التذكرة 2:460.

و للموصي الرجوع في الوصية متى شاء في مرضٍ أو صحّة،بلا خلاف أجده،و به صرّح في المسالك و غيره (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و عدم ما يوجب اللزوم من عقد أو غيره و لو قبل قبل الموت،بناءً على المختار من عدم العبرة بالقبول قبله،و كذا على غيره إن لم يتحقق،و يشكل مع التحقق،لكن يندفع بالإجماع،و خصوص المعتبرة المستفيضة،المروية في الكتب الثلاثة:

منها الصحيحان،في أحدهما:«للرجل أن ينقض وصيّته فيزيد فيها و ينقص منها ما لم يمت» (2).

و في الثاني:«للرجل أن يرجع في ثلثه إن كان أوصى في صحة أو مرض» (3).

و الموثق:«لصاحب الوصية أن يرجع فيها و يحدث في وصيته ما دام حيّاً» (4).

و يتحقق الرجوع تارةً بالقول،كرجعت،أو نقضت،أو أبطلت،أو فسخت،أو هذا لوارثي،أو ميراثي،أو حرام على الموصى له،أو لا تفعلوا كذا،و نحو ذلك من الألفاظ الدالّة عليه.

و أُخرى بالفعل،كبيع العين الموصى بها و إن لم يُقبضها،أو رهنها مع

ص:275


1- المسالك 1:390؛ و أُنظر الحدائق 22:403.
2- الكافي 7:3/12،الفقيه 4:510/147،التهذيب 9:762/190،الوسائل 19:302 أبواب أحكام الوصايا ب 18 ح 1.
3- الكافي 7:3/22،الفقيه 3:248/72 و فيه عن أحدهما عليهما السلام،التهذيب 9:883/225،الوسائل 19:307 أبواب أحكام الوصايا ب 19 ح 1.
4- الكافي 7:2/12،الفقيه 4:508/147،التهذيب 9:761/190،الوسائل 19:303 أبواب أحكام الوصايا ب 18 ح 4.

الإقباض قطعاً،و بدونه على قول،أو هبتها كذلك،أو الوصية بها لغير من أوصى له أوّلاً،أو فعل ما يبطل الاسم.

و يدلّ على الرجوع مثل طحن الطعام،و عجن الدقيق،و غزل القطن، و نسج مغزولة،أو خلطه بالأجود،أو مطلقاً على اختلاف القولين،بحيث لا يتميّز.

قيل:و الأقوى أن مجرّد العرض على البيع و التوكيل فيه و إيجابه و إيجاب العقود الجائزة كافٍ في الفسخ؛ لدلالته عليه،لا تزويج العبد و الأمة،و إجارتهما،و ختانهما،و تعليمهما،و وطء الأمة بدون إحبالها (1).

و هو حسن حيث دلّت القرائن من عرف أو عادة أو نحوهما على الرجوع،و مع عدمها فينبغي الرجوع إلى أصالة عدم الرجوع.

و بالجملة:الضابط فيه كلّ ما يدل عليه،لفظاً كان أو فعلاً،مع القرينة أو مجرّداً.

و لو شك في الرجوع لضعف الدلالة و فقد القرينة فالرجوع إلى الأصالة المزبورة ضابطة.

و ما ذكره الأصحاب ممّا قدّمناه من الأمثلة لم يرد بشيء منها أثر و لا رواية،و إنما استندوا فيها إلى هاتين الضابطتين.

نعم،ورد في بعض ما ذكروه بعض المعتبرة:إنّ أبي أوصى بثلاث وصايا فبأيّهنّ آخذ؟قال:«خُذ بأُخراهنّ» قلت:فإنّها أقلّ،فقال:«و إن قلّ» (2).

ثم إن ما ذكروه من الحكم بالرجوع في تلك الأمثلة مختصّ بصورة

ص:276


1- الروضة 5:65.
2- التهذيب 9:765/190،الوسائل 19:305 أبواب أحكام الوصايا 18 ح 7.

كون العين متعلّق الوصية دون الكلّي،فلو أوصى به ثم تصرّف في أفراده لم يكن ذلك رجوعاً إلّا مع القرينة.قيل:و من الأصحاب من أطلق الحكم، و منهم من عكس،و هو بعيد (1).

الثالث في الموصى له

اشارة

الثالث:في الموصى له.

يشترط وجود الموصى له عند الوصية

و يشترط وجوده عند الوصية فلا تصحّ لمعدوم،و لا لمن ظُنّ بقاؤه أو وجوده وقت الوصية فبان ميّتاً في تلك الحالة،أو غير موجود بالمرّة،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و هو ظاهر المسالك و غيره (2)،بل عليه الإجماع في نهج الحق و التذكرة (3)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و اختصاص الأدلّة الدالّة على الصحة من الكتاب و السنة مع كونها كالأوّل مجملة بالوصية للموجود حينها بلا شبهة،مع أن الوصية كما عرفت تمليك عين أو منفعة،و المعدوم ليس له أهليّة التملّك و لا قابليته.

صحة الوصية للوارث و الحمل و الذمي

و تصحّ الوصية للوارث،كما تصح للأجنبي و إن لم تُجِزه الورثة، بإجماعنا المستفيض حكايةً في كلام جماعة،كالإنتصار و الغنية و نهج الحق و التذكرة و المسالك و الروضة و غيرها من كتب الجماعة (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الإطلاقات،و عموم قوله سبحانه كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ [1] (5)الآية.

ص:277


1- الكفاية:145.
2- المسالك 1:406؛ و انظر الكفاية:147،و الحدائق 22:515.
3- نهج الحق:517،التذكرة 2:460.
4- الانتصار:308،الغنية(الجوامع الفقهية):604،نهج الحق:516،التذكرة 2:466،المسالك 1:406،الروضة 5:55؛ و انظر فقه القرآن 2:299،و التحرير 1:299.
5- البقرة:180.

و نسخها لم يثبت عندنا.و ما ورد به في المروي عن تفسير العياشي (1)فمع عدم وضوح سنده معارض بأجود منه،كالموثق كالصحيح:

عن الوصية للوارث،فقال:«تجوز» ثمّ تلا الآية (2).

و مع ذلك الصحاح بالجواز مستفيضة كغيرها من المعتبرة (3).

و أما النصوص الواردة بخلافها (4)فمع قصور أسانيدها جملة،و عدم مكافأتها لما مضى محمولة على الوصية زيادةً على الثلث،كما في الفقيه (5)،أو التقية،كما ذكره شيخ الطائفة،قال:لأنه مذهب جميع من خالف الشيعة (6).

و يحتمل هذا الحمل الرواية المتقدمة الدالّة بنسخ الآية.

مع إمكان حملها على ظاهرها و يراد منها نسخ ظاهر الآية الذي هو الوجوب دون الإباحة،فإنّ كُتِبَ [1] فيها بمعنى فُرِضَ،و هو ظاهر في الوجوب لو لم يكن نصّاً،و لذا حملها الأصحاب على الفضيلة.

لكنه منافٍ لما ذكره شيخ الطائفة من الكراهة،حيث قال بعد نقل الموثقة المعارضة المتضمنة لقوله عليه السلام بعد أن سئل عن عطية الوالد لولده، فقال:«أمّا إذا كان صحيحاً فهو له يصنع به ما شاء،فأما في مرض

ص:278


1- تفسير العياشي 1:167/77،الوسائل 19:290 أبواب الوصايا ب 15 ح 15.
2- الكافي 7:5/10،الفقيه 4:493/144،التهذيب 9:793/199،الوسائل 19:287 أبواب أحكام الوصايا ب 15 ح 2.
3- الوسائل 19:287 أبواب أحكام الوصايا ب 15.
4- انظر الوسائل 19:289 290 أبواب أحكام الوصايا ب 15 الأحاديث 12،13،14،15.
5- الفقيه 4:144.
6- التهذيب 9:200.

فلا يصلح» (1)فهذا الخبر صريح في الكراهة دون الحظر،قال:و الوجه فيها أن في إعطاء المال لبعض الورثة إضراراً بالباقين و إيحاشاً لهم،فكره ذلك لأجله (2).

و هذا كما ترى ظاهر في فتواه بالكراهة،إلّا أن يكون ذلك منه لمجرّد الجمع بين الأخبار المختلفة.

و كيف كان لا شبهة في الجواز من أصله.

و تصحّ أيضاً للحمل بشرط وقوعه حيّاً بلا خلاف أجده، و يستفاد من ظاهر المختلف و صريح التذكرة (3)،بل ظاهره عدم الخلاف فيه بين العلماء كافّة.

و على أصل الحكم بالصحة مع الشرط الإجماع في التحرير و شرح القواعد للمحقق الثاني (4)؛ و هو العمدة في الحجة،مضافاً إلى التأيّد بإطلاقات الكتاب و السنة.

و يشترط في الصحة زيادةً على ما في العبارة العلم بوجوده حال الوصية،و يتحقّق بوضعه لدون ستة أشهر منذ حين الوصية،فيعلم بذلك كونه موجوداً حالتها،أو بأقصى مدّة الحمل فما دون إذا لم يكن هناك زوج و لا مولى.فلا تصحّ مع وجود أحدهما؛ لعدم العلم بوجوده عندها، و أصالة عدمه،لإمكان تجدّده بعدها.

ص:279


1- التهذيب 9:800/200،الإستبصار 4:481/127،الوسائل 19:300 أبواب أحكام الوصايا ب 17 ح 11.
2- انظر التهذيب 9:201.
3- المختلف:508،التذكرة 2:460.
4- التحرير 1:300،جامع المقاصد 10:42.

و قيام الاحتمال مع عدمهما بإمكان الشبهة و الزنا مندفع بندور الأوّل، و أصالة عدم إقدام المسلم على الثاني كغيره من المحرمات،و يشكل هذا لو كانت كافرة حيث تصحّ الوصية لحملها.

و ربما قيل على تقدير وجود الفراش باستحقاقه مع تولّده بين الغايتين الدنيا و العليا؛ عملاً بالعادة الغالبة من الوضع لأقصاهما أو ما قاربها (1)،و مرجعه إلى ترجيح الظاهر على الأصل.و هو خلاف الأصل.

و مع ذلك الظهور ممنوع إلّا على المختار في الأقصى من أنها تسعة دون عشرة و سنة،فإنه عليه يصحّ دعوى الظهور المستند إلى الغلبة، لتحققها في تلك المدة فما دونها.

و أمّا على القولين الآخرين فدعوى الظهور باطلة؛ لندرة الولادة إلى المدّتين،سيّما الثانية،فكيف يدّعى الظهور استناداً إلى الغلبة؟! و يتفرع على الشرط الأوّل أنه لو وضع ميّتاً بطلت الوصية،و لو مات بعد انفصاله حيّاً كانت لوارثه.

و في اعتبار قبوله هنا وجه قوي و إن لم نعتبره من ولي الحمل؛ لإمكانه منه دون الحمل.مع أنّ الأقوى اعتبار قبول الولي،وفاقاً للحلي (2)؛ للأصل الذي مضى (3)في اعتبار أصل القبول في صحة الوصية مطلقاً.

ثم إن اتّحد فهي له،و إن تعدّد قسّم الموصى به على العدد و إن اختلفوا بالذكورية و الأُنوثية.

و لا فرق بين أن تلدهما معاً في المدة المشترطة للعلم بوجودهما

ص:280


1- انظر الروضة 5:25.
2- السرائر 3:212.
3- راجع ص:258.

حال الوصية،أو على التعاقب،بأن تلد الأوّل في أقلّ من ستّة أشهر من حين الوصية و الثاني في أقلّ منها من حين الولادة،كما صرّح به في التذكرة،قال:و إن زاد ما بين الثاني و الوصية على ستة أشهر و كانت المرأة فراشاً؛ لأنهما حمل واحد إجماعاً (1).

و تصحّ أيضاً للذمّي الملتزم بشرائط الذمّة مطلقاً و لو كان من الموصي أجنبيّا غير ذي رحم،على الأقوى،وفاقاً للمفيد و الخلاف و الحلّي و الفاضلين و الشهيدين و غيرهما (2)،و اختاره في الغنية لكن في الأقارب خاصّة،مدّعياً عليه إجماع الإمامية (3)و عن ظاهر الخلاف أن على الصحة لهم مطلقاً إجماع العلماء كافة (4)؛ و هو الحجة،كإجماع الطبرسي المتقدّم في كتاب الوقف إليه الإشارة بجواز البرّ إلى الكفار مطلقاً (5)،و هو يشمل الوصية لأهل الذمة مطلقاً و لو كانوا أجانب،فتكون الحجة على العموم لهم،المؤيدة بإطلاقات الكتاب و السنة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة،منها الصحيحان:في رجل أوصى بماله في سبيل اللّه تعالى،قال:«أعطوا لمن أوصى له و إن كان يهوديّاً أو نصرانياً،إنّ اللّه تعالى يقول فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ [1] (6)» (7)الآية.

ص:281


1- التذكرة 2:461.
2- المفيد في المقنعة:671،الخلاف 2:98،الحلي في السرائر 3:197،المحقق في الشرائع 2:253،العلامة في التذكرة 2:464،الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 5:51؛ و انظر الحدائق 22:519،و الكفاية:147.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):604.
4- الخلاف 2:98.
5- راجع ص:135.
6- البقرة:181.
7- الكافي 7:1/14،2،الفقيه 4:514/148،التهذيب 9:804/201،808/203،الإستبصار 4:484/128،488/129،الوسائل 19:337 أبواب أحكام الوصايا ب 32 ح 1.

و أظهر منهما الصحيح:إن أُختي أوصت بوصية لقوم نصارى، و أردتُ أن أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا مسلمين،فقال:«أمض الوصية على ما أوصت به،قال اللّه تعالى فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ [1] » (1)و قريب منه الرابع (2).

و ما يجاب عن هذه النصوص أوّلاً:بأن غايتها الدلالة على لزوم إنفاذ الوصية،و هو غير المدّعى من كون الوصية لهم جائزة.

و ثانياً:بمعارضتها بالآيات الناهية عن المودّة إلى الكفّار (3)و منها الوصية لهم بلا شبهة،و في معناها غيرها من النصوص المروية في الكافي في باب النهي عن إطعام الكافر،و في غيره أيضاً،منها:«من أشبع مؤمناً وجبت له الجنة،و من أشبع كافراً كان حقّا على اللّه تعالى أن يملأ جوفه من الزقوم» (4).

فالمناقشة فيه واضحة؛ لاندفاع الأوّل:بأن المدّعى صحة الوصية لهم لا الجواز و عدمه؛ مضافاً إلى الإجماع في الظاهر على التلازم بين الأمرين.

و الثاني:بما مرّ في الوقف (5)،مع ضعف النصوص،و مخالفتها كالآيات للإجماع في الظاهر على جواز المبرّة إلى الكفار في حال الحياة،

ص:282


1- الكافي 7:2/16،التهذيب 9:806/202،الإستبصار 4:486/129،الوسائل 19:343 أبواب أحكام الوصايا ب 35 ح 1.
2- الوسائل 19:345 أبواب أحكام الوصايا ب 35 ح 6،نقله عن كتاب غياث سلطان الورى.
3- المجادلة:22،الممتحنة:1.
4- الكافي 2:1/200،الوسائل 24:273 أبواب آداب المائدة ب 19 ح 1.
5- راجع ص:138.

كما مرّ عن الطبرسي (1)و يظهر أيضاً من كلمات القوم في المسألة،هذا.

مع تأيّد الصحة و لو في الأقارب خاصّة بفحوى ما قدّمناه في الوقف من صحته عليهم؛ لاستلزام الصحة ثمة إيّاها هنا بطريق أولى،لاشتراطه بالقربة دون الوصية.

فلا ريب في الجواز في المسألة و إن حكي فيه أقوال أُخر أنهاها في التنقيح إلى سبعة (2)،لا دليل على شيء منها سوى القول بالمنع مطلقاً،فقد استدلّ له بما مضى،و الجواب ما قدّمناه.

عدم صحة الوصية للحربي و مملوك الغير و حكم الوصية لمكاتب الغير

و لا تصحّ للحربي على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامة من تأخّر،إلّا الشهيد الثاني (3)وفاقاً لبعض القدماء كالمفيد و الحلّي (4).

و حجّتنا بعد الإجماع في الأجانب المستفاد من المحكي عن ظاهر المبسوط حيث قال:و ممّن لا تصحّ له الوصية عندنا الكافر الذي لا رحم له من الميت (5)الآيات الناهية عن المودّة إليهم،السليمة في المقام عن المعارض بالكلية سوى إجماع الطبرسي المتقدّم الدالّ على جواز المبرّة لأهل الحرب،إلّا أنه مع عدم مكافأته لهذا الإجماع من حيث اعتضاده بالشهرة العظيمة دونه عام و هذا خاص فليقدّم.

و إطلاقات الكتاب و السنّة،و هي بما قدّمناه مخصّصة؛ لاعتضاده بالشهرة العظيمة و حكاية الإجماع المتقدمة دونها،مع كونها في الدلالة غير صريحة بل و لا ظاهرة،سيّما السنة؛ فإن احتمال الإجمال فيها بالإضافة إلى

ص:283


1- راجع ص:135.
2- التنقيح الرائع 2:370.
3- المسالك 1:407.
4- المفيد في المقنعة:671،الحلي في السرائر 3:186.
5- المبسوط 4:4.

ما نحن فيه قائم بلا شبهة،و لذا لم نتّخذها فيما مضى حجّة،بل جُعلت مؤيّدة.

مع إمكان الاستدلال للمنع بالأخبار السابقة من حيث عطفها اليهودي و النصراني ب«إن» الوصليّة الدالّة على أنهما أخفى الأفراد مع أنّ الحربي أخفى بلا شبهة،فكان ذكره أولى.

و لا يعارضه الاستدلال فيها للنفوذ بآية الوصية الشاملة للوصية لهم؛ لاختصاصها بالإجماع بالوصايا المحلّلة دون المحرّمة،و كون الوصية لهم من الاُولى دون الثانية محلّ ريبة لو لم نقل بكونها على العكس؛ لما مضى من الأدلة.

و أمّا ما يقال من شمول اليهودي و النصراني فيها للحربي لأعمّيتهما منه و شمولهما له حيث لا يلتزم بشرائط الذمّة.

فمنظور فيه؛ إذ لا عموم فيهما،لكونهما نكرتين في سياق الإثبات لا عموم فيهما لغةً،بل مطلقان ينصرفان بحكم التبادر إلى الملتزم منهما بشرائط الذمّة،و لذا يقابلان في إطلاق الفتاوى و النصوص بالحربي مع أنه أحد أقسامهما على بعض الوجوه،كما ذكره،و ليس ذلك إلّا لما ذكرناه:

من ظهور اللفظتين في الملتزم بالشرائط خاصّة،هذا.

مضافاً إلى الأصل المتقدم في اشتراط القبول:من عدم الانتقال و توقفه على الدليل.و هو مفقود في هذا المجال؛ لما عرفت،و لأن الوصية تمليك للعين أو المنفعة للموصى له،و صحتها هنا فرع قابلية الحربي للتمليك له،و هي غير معلومة،سيّما مع ما ذكروه:من أنّ أمواله فيء للمسلمين لهم أخذها بعد الاستيلاء عليها.

و بما ذكرنا استدل على المنع هنا و في الوقف له جماعة من

ص:284

أصحابنا (1)فقالوا:و لأن مال الحربي فيء للمسلمين،فلا يجب دفعه إليه؛ لأنه غير مالك،فلو جازت الوصية لهم لكان إمّا أن يجب على الوصي دفعه إليه و هو باطل،لما تقدّم،أو لا يجب و هو المطلوب،إذ لا معنى لبطلان الوصية إلّا عدم وجوب تسليمها إلى الموصى له.

و أما ما اعترضه به في المسالك بأن فيه منع استلزام عدم وجوب الدفع للوصية بطلانها،لأن معنى صحتها ثبوت الملك إذا قَبِله،فيصير حينئذٍ ملكاً من أملاكه يلزمه حكمه،و من حكمه جواز أخذ المسلم له، فإذا حكمنا بصحة وصيته و قبضه الوصي ثم استولى عليه من جهة أنه مال الحربي لم يكن منافياً لصحّة الوصية،و كذا لو منعه الوارث لذلك،و إن اعترفوا بصحة الوصية.و تظهر الفائدة في جواز استيلاء الوصي على الموصى به للحربي فيختصّ به دون الورثة،و كذا لو استولى عليه بعضهم دون بعض حيث لم يكن في أيديهم ابتداءً،و لو حكمنا بالبطلان لم يتأتّ هذا،بل يكون الموصى به من جملة التركة لا يختصّ بأحدٍ من الورثة (2).

فإنه عجيب،فإن بناء المستدل على ثبوت عدم ملكيّته،و عليه بنى الملازمة التي أنكرها.و حاصلها حينئذٍ أن عدم وجوب تسليمها إليه من جهة عدم المالكية كما فرض في صدر العبارة يستلزم بطلان الوصية؛ لأنّها كما عرفت تمليك عين أو منفعة،و حينئذٍ فكيف يمكنه دعوى صيرورة الموصى به من أملاكه يترتب عليه ما ذكره.

لكن الشأن في إثبات عدم الملكية.و إباحة ما في يده للمسلمين أعمّ

ص:285


1- انظر التذكرة 2:464،و الإيضاح 2:487،و الروضة 5:53،و مفاتيح الشرائع 3:209،و الحدائق 22:526.
2- المسالك 1:407.

منه،إلّا أن الشك في ثبوتها كافٍ بلا شبهة،لاستلزامه الشك في مثل كون الوصية له وصية،و معه لا يُوجد ما يدل على الصحة لا من إجماع و لا كتاب و لا سنة.

و لعلّه لما ذكرنا فهم الماتن كغيره من الجماعة من إطلاق عبائر المجوّزين للوصية للكفّار مطلقاً أو في الجملة خصوص أهل الذمة الذين لهم قابلية التملّك دون أهل الحرب،فيندفع عنه ما اعترضه به في التنقيح:

من عدم اختصاص الأقوال المشار إليها في كلامه بأهل الذمة،كما هو ظاهر العبارة،بل شمل كثير من إطلاق عبائر أربابها أهل الحرب أيضاً (1).

و لا تصح أيضاً لمملوك غير الموصي مطلقاً و لو كان مُدَبَّراً أو أُمّ ولد أو مكاتَباً مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدِّ شيئاً،إجماعاً في الجميع،كما في ظاهر المهذب و صريح التذكرة و التنقيح (2)،لكنه خصّه بالقنّ و أُمّ الولد، و حكى الخلاف في المُدبَّر و المكاتَب عن المفيد و الديلمي،حيث جوّزا الوصية لهما،خلافاً للمبسوط و ابن حمزة و الحلّي،فقالوا بالمنع،و جعله في الأوّل أشبه،كما هو المشهور بين المتأخّرين،و قوّى الجواز في الثاني وفاقاً للشهيدين (3).

و لم أقف على من نقل الخلاف عنهما في شيء من كتب أصحابنا.

نعم،في المختلف و المهذب (4)حكى الخلاف عن المبسوط و ابن حمزة في الوصية لعبد الوارث،حيث جوّزاه.

ص:286


1- التنقيح الرائع 2:371.
2- المهذب 3:102،التذكرة 2:461،التنقيح الرائع 2:372.
3- الشهيد الأوّل في الدورس 2:307،الشهيد الثاني في الروضة 5:26.
4- المختلف:511،المهذب 3:102.

و هذا الخلاف كسابقه لو صحّ النقل شاذّ،بل على فساد الأوّل ادّعي الإجماع في التذكرة (1)،إلّا ما اختاره الشهيدان من الجواز في المكاتَب،فقد مال إليه غيرهما (2).

و الأصحّ المنع مطلقاً؛ للإجماع الذي مضى،مضافاً إلى المختار من عدم مالكية العبد مطلقاً،كما قدّمنا،و بهذا استدل في التذكرة بعد أن نسب هذا القول إلى أصحابنا مشعراً بكونه لهم في ذلك مستنداً،فيستشعر منه الإجماع على عدم المالكية مطلقاً،كما في بحثه قد قدّمنا.

و لنا على المختار هنا الصحيح أيضاً:«في مكاتب كانت تحته امرأة حرّة فأوصت له عند موتها بوصيّة،فقال أهل الميراث:لا نجيز وصيتها إنه مكاتَب لم يعتق و لا يرث،فقضى أنه يرث بحساب ما أُعتق منه،و يجوز له من الوصية بحساب ما أُعتق منه،و قضى في مكاتَب أوصي له بوصية و قد قضى نصف ما عليه فأجاز نصف الوصية،و قضى في مكاتَب قضى ربع ما عليه فاُوصي له بوصية فأجاز ربع الوصية» (3)الحديث.

و وجوه الدلالة فيه واضحة،و منها تقريره عليه السلام لما فهمته الورثة من دون إشكال فيما فهموه عندهم و لا ريبة:من عدم صحة الوصية لمملوك لم يُعتق.

و السند في أعلى درجة من الصحة؛ لعدم اشتراك محمد بن قيس الراوي للقضايا،مع كون الراوي عنه عاصم بن حميد،و هما قرينتان

ص:287


1- التذكرة 2:463.
2- انظر جامع المقاصد 10:45.
3- الكافي 7:1/28،الفقيه 4:558/160،التهذيب 9:874/223،الوسائل 19:413 أبواب أحكام الوصايا ب 80 ح 1.

واضحتان على كونه البجلي الثقة،كما يظهر من كتب الرجال،و صرّح به جماعة (1)،و إبراهيم بن هاشم ثقة على الأقوى،وفاقاً لجماعة من أصحابنا (2).

فما ذكره الشهيد الثاني تبعاً للمحقق الثاني (3)كما حكي من ضعف الرواية بالاشتراك ضعيف غايته،فيضعف مختارهما و مستندهما من انقطاع سلطنة المولى عنه،و من ثمّ جاز اكتسابه،و قبول الوصية نوع منها؛ فإنه اجتهاد في مقابلة النص الصحيح في نفسه،المعتضد بالشهرة المحقّقة و المحكيّة في المختلف و غيره (4)،و بالإجماع المحكي في التذكرة (5)،مع تأيّد ما له بإطلاق الرواية:«لا وصية لمملوك» (6)و قصور السند كالدلالة مجبور بعمل الطائفة و فهمها منها ما يمكن معه أخذها حجة و إن كانت بحسب الظاهر مجملة.

و من الصحيحة يستفاد المستند في قوله: نعم لو أوصى لمُكاتَب الغير و قد تحرّر بعضه مضت الوصية في قدر نصيبه من الحريّة و كذا لو كان بعضه محرّراً من غير جهة الكتابة،و بالإجماع عليه بالخصوص صرّح في التذكرة (7).

ص:288


1- انظر رجال النجاشي:881/323،و رجال العلامة:150،و الحدائق 22:528.
2- انظر فلاح السائل للسيّد ابن طاوس:158،و مقدّمة كامل الزيارة:4،و مقدّمة تفسير القمي:4.
3- الشهيد الثاني في المسالك 1:408،المحقق الثاني في جامع المقاصد 10:45.
4- المختلف:513؛ و انظر الحدائق 22:527.
5- التذكرة 2:461.
6- التهذيب 9:852/216،الإستبصار 4:506/134،الوسائل 19:412 أبواب أحكام الوصايا ب 79 ح 3.
7- التذكرة 2:461،462.

و يأتي في الأول خلاف الشهيدين الذي مضى (1)،بل بطريق أولى.

و أما القول بالمنع عن الوصية للمكاتب مطلقاً و لو تحرّر بعضاً فضعيف جدّاً غير واضح المُستند أصلاً،و إن حكاه في التنقيح (2)عن الشيخ و ابن حمزة و الحلّي قولاً،مع كونه بنقل الخلاف عنهم متفرّداً.

صحة الوصية لعبد الموصي أم ولده

و تصحّ لعبد الموصي و مُدَبَّره و مكاتَبه مطلقاً و أُمّ ولده بلا خلاف في الظاهر،و صرّح به في التنقيح و المسالك (3)،بل صرّح بالإجماع في الجميع في المهذب و عن المحقق الثاني (4)،و حكى التصريح به في الأوّل عن فخر الدين (5)و الصيمري،و في الأخير الفاضل في التذكرة (6)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،منها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة في أُمّ الولد و غيرها ما ذكره في الكفاية (7)من الصحيحين،في أحدهما:رجل أوصى بثلث ماله لمواليه و لموالياته،الذكر و الأُنثى فيه سواء أو للذكر مثل حظّ الأُنثيين من الوصية؟فوقّع عليه السلام:«جائز للميت ما أوصى به على ما أوصى به إن شاء اللّه تعالى» (8).

و في الثاني:رجل أوصى لمواليه و موالي أبيه بثلث ماله فلم يبلغ

ص:289


1- راجع ص:283.
2- التنقيح الرائع 2:372.
3- التنقيح 2:372،المسالك 1:408.
4- المهذب 3:102،المحقق الثاني في جامع المقاصد 10:48.
5- إيضاح الفوائد 2:485.
6- التذكرة 2:463.
7- الكفاية:147.
8- الكافي 7:2/45،الفقيه 4:537/155،التهذيب 9:847/215،الوسائل 19:394 أبواب أحكام الوصايا ب 63 ح 1.

ذلك،قال:«المال لمواليه و سقط موالي أبيه» (1)و نحوهما غيرهما (2).

و في الاستدلال بها مناقشة؛ لاشتراك لفظ المولى بين العبد و غيره، فلعلّه المراد دون الأوّل،و لا قرينة ترجّح إرادته،بل لعلّ القرينة على خلافه واضحة،لظهورها في إعطاء الثلث للموصى له بأن يسلّم إليه،دون أن يُعتق منه بحسابه،كما ذكره هو تبعاً للأصحاب كافّة و منهم الماتن هنا حيث قال:

و يعتبر ما يوصى به لمملوكه بعد خروجه من الثلث،فإن كان بقدر قيمته أُعتق و كان الموصى به للورثة إن كان معيّناً و إن زاد اعطي العبد الزائد كائناً ما كان.

و إن نقص عن قيمته و لم تبلغ ضِعفه عتق منه بحسابه و سعى في الباقي بلا خلاف في الظاهر،مصرّح به في الكفاية و المسالك (3)، للمعتبرين:

في أحدهما:رجل أوصى لمملوك له بثلث ماله،قال:فقال:«يقوّم بقيمة عادلة ثم ينظر في ثلث ماله،فإن كان أقلّ من قيمة العبد بقدر ربع القيمة استسعى العبد في ربع قيمته،و إن كان أكثر من قيمة العبد أُعتق و دفع إليه ما فضل من الثلث بعد القيمة» (4).

و في الثاني المروي عن الفقه الرضوي:«و إن أوصى لمملوكه بثلث

ص:290


1- التهذيب 9:948/244،الوسائل 19:402 أبواب أحكام الوصايا ب 69 ح 2.
2- الفقيه 4:608/173،التهذيب 9:849/215،الوسائل 19:401 أبواب أحكام الوصايا ب 69 ح 1.
3- الكفاية:147،المسالك 1:408.
4- التهذيب 9:851/216،الإستبصار 4:505/134،الوسائل 19:412 أبواب أحكام الوصايا ب 79 ح 2.

ماله قُوّم المملوك قيمة عادلة،فإن كانت قيمته أكثر من الثلث استسعى في الفضلة» (1).

و بعينه أفتى والد الصدوق كما هو دأبه،و زاد بعده:ثم أُعتق،و إن كانت قيمته أقل من الثلث اعطي ما فضلت قيمته عليه ثم أُعتق (2).و لعلّ الزيادة سقطت من النسخة التي حكيت عنها الرواية.

و قصور سندهما لو كان مجبور بالعمل،مع أن الثاني في حكم القويّ على الأصحّ،و كذلك الأوّل،كما سيظهر.

و قصور الدلالة عن إفادة حكم جميع صور المسألة غير ضائر بعد قيام الإجماع المركّب على الظاهر.

و إطلاق الثاني في صورة زيادة القيمة يشمل صورتي بلوغها ضِعف الوصية و عدمه،و لا خلاف في الحكم في الثانية،كما تقدّمت إليه الإشارة.

و الأولى و إن كانت مختلفاً فيها،إلّا أن الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر تبعاً لوالد الصدوق و الخلاف و الحلبي و الحلي (3)أنها كالثانية،بل ادّعى عليه الثاني إجماع الفرقة،و هو حجة أُخرى بعد الرواية،بل أقوى منها بلا شبهة.

خلافاً للمفيد و النهاية و القاضي و ظاهر الديلمي (4)كما حكي،فأبطلوا فيها الوصية،و إلى قولهم أشار بقوله:

ص:291


1- فقه الرضا عليه السلام:299،المستدرك 14:99 أبواب أحكام الوصايا ب 10 ح 9؛ بتفاوت يسير.
2- كما نقله عنه في المختلف:505.
3- الخلاف 2:103،الحلبي في الكافي:365،الحلي في السرائر 3:198.
4- المفيد في المقنعة:676،النهاية:610،القاضي في المهذب 2:107،الديلمي في المراسم:204.

و قيل:إن كانت قيمته ضِعف الوصية بطلت و استندوا في ذلك إلى الرواية الأُولى،فإنها بالمفهوم دالّة على الدعوى،كما ذكره في نكت الإرشاد شيخنا،قال:لأنه حكم بالاستسعاء إذا كان الثلث بإزاء ثلاثة أرباع العبد،و بالعتق و إعطاء ما فضل إن فضل،و ذلك يستلزم العتق إن ساوى، و الاستسعاء إن زاد على ثلاثة أرباعه بطريق أولى،و عدم الاستسعاء إن نقص عن ثلاثة أرباعه،و ذلك يستلزم بطلان العتق؛ لأنّ الاستسعاء لازم لعتق بعض العبد في الأكثر،و انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم،فينتفي عتق ذلك البعض،و ظاهر انتفاء عتق الباقي لعدم احتمال المال له.

و في هذا المستند كما ترى ضعف لا من حيث السند، كما ذكره جماعة (1)؛ لانجبار ضعف الراوي أوّلاً:برواية الحسن بن محبوب عنه،و قد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

و ثانياً:بكونه المستند للأصحاب فيما ذكروه من الحكم في الصورة السابقة،فلا وجه للقدح فيه بمثل ذلك،و لا بضعف دلالة المفهوم إن أُريد من حيث المفهوميّة؛ فإنه مفهوم شرط حجة عند أكثر المحققين.

بل من حيث الدلالة من وجه آخر،و هو ما ذكره شيخنا في المسالك و غيره (2):من أن مفهومه أن الثلث إن لم يكن أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة لا يستسعي في ربع القيمة،لا أنه لا يستسعي مطلقاً،و هذا مفهوم صحيح لا يفيد مطلوبهم،فلا ينافي القول بأنه يستسعي فإن كان أقل بقدر الثلث يستسعي في الثلث،أو بقدر النصف يستسعي فيه،و هكذا.

ص:292


1- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح 2:374،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 10:48،و الفيض في مفاتيح الشرائع 3:228.
2- المسالك 1:408؛ و انظر الحدائق 22:534.

و أيضاً فلو كان المفهوم الذي زعموه صحيحاً لزم منه أنه متى لم يكن الثلث أقل من قيمته بقدر الربع لا يستسعي،بل تبطل الوصية،و هذا شامل لما لو كانت القيمة قدر الضعف و أقل من ذلك إلى أن يبلغ النقصان قدر ربع،فمن أين خصّوا البطلان بما لو كانت قدر الضعف؟ إلّا أن يقال بذلك حوالةً على ما إذا أعتقه و عليه دين،فإنه لا ينفذ العتق فيه إلّا إذا كانت قيمته ضِعف الدين.و هو بعيد.

ثم إن إطلاق العبارة و الخبرين بل عمومهما الناشئ من ترك الاستفصال يشمل صورتي الوصية له بالثلث المشاع أو المعيّن،كهذا الدار أو البستان،و نحو ذلك،و نسبه في التذكرة (1)إلى أصحابنا مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،و لو لا مصيره فيها إلى خلافهم من بطلان الوصية في الصورة المفروضة لكان حجة،بل لا يبعد،فإنه و إن خالف أوّلاً،إلّا أنه تردّد أخيراً معتذراً باتفاق كلمة الأصحاب على عدم الفرق.

و أظهر منه في تحقق الإجماع عبارة المهذّب،قال بعد نقل الخلاف عن الإسكافي و عنه في المختلف مفتياً و في القواعد مستشكلاً-:و باقي الأصحاب مطبِقون على الصحة من غير تفصيل،و اختاره فخر المحققين، و كذا العلّامة جزم بمتابعة الأصحاب في كتاب فتواه،و هو مذهب الشهيد، و ما أمتن تحقيق المختلف،لكن متابعة الأصحاب أمتن (2).

ثم أجاب عن استدلاله بما لا حاجة بنا إلى ذكره،بل ينبغي الحوالة فيهما إلى ما ذكره هو و غيره كالشهيدين و غيرهما (3)مما ينبئ عن قصوره،

ص:293


1- التذكرة 2:462.
2- المهذب البارع 3:105.
3- انظر المسالك 1:408،و جامع المقاصد 10:94،و الحدائق 22:532.

و على تقدير تماميته فاجتهاد في مقابلة الخبرين المعتضدين بعمل العلماء، المحتمل قويّاً كونه إجماعاً منقولاً،بل محقّقاً.

و لو أعتقه عند موته و ليس له غيره و عليه دين فإن كان قيمته بقدر الدين مرّتين صحّ العتق فيما يخصّه من الثلث بعد الدين،و استسعى في الخمسة الأسداس الباقية،ثلاثة منها للديّان و الباقي للورثة و إلّا بطل بلا خلاف و لا إشكال في الأوّل و أصل صحة العتق في الجملة؛ للأُصول السليمة فيه عن المعارض بالكلية.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،منها الصحاح،في أحدها و هو طويل:قلت له:رجل ترك عبداً لم يترك مالاً غيره و قيمة العبد ستمائة و دينه خمسمائة،فأعتقه عند الموت،كيف يصنع فيه؟قال:«يباع فيأخذ الغرماء خمسمائة و يأخذ الورثة مائة» إلى أن قال:قلت:و إن كان قيمة العبد ستمائة و دينه أربعمائة؟قال:«كذلك يباع العبد فيأخذ الغرماء أربعمائة، و يأخذ الورثة مائتين،و لا يكون للعبد شيء» قلت:فإن كان قيمة العبد ستمائة و دينه ثلاثمائة؟قال:فضحك،قال:«و من هنا أتى أصحابك جعلوا الأشياء شيئاً واحداً لم يعلموا السنة،إذا استوى مال الغرماء أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتّهم الرجل على وصيته،و أُجيزت الوصية على وجهها،فالآن يوقف هذا العبد فيكون نصفه للغرماء و يكون ثلثه للورثة و يكون له السدس» (1).

و في الثاني:رجل أعتق مملوكه عند موته و عليه دين،قال:«إن كان

ص:294


1- الكافي 7:1/26،التهذيب 9:854/217،الإستبصار 4:27/8،الوسائل 19:354 أبواب أحكام الوصايا ب 39 ح 5.

قيمة العبد مثل الذي عليه و مثله جاز عتقه و إلّا لم يجز» (1)و في الثالث:«إذا ملك المملوك سدسه استسعى و أُجيز» (2).

و منها الموثق:في رجل أعتق مملوكاً له و قد حضره الموت و أشهد له بذلك و قيمته ستمائة درهم،و عليه دين ثلاثمائة درهم و لم يترك شيئاً غيره،قال:«يعتق منه سدسه،لأنه إنما له ثلاثمائة،و له السدس من الجميع» (3).

و يستفاد من صريح الأوّل و ظاهر ما عدا الأخير مستند الحكم في الثاني،و حكي عن الشيخين و القاضي (4)،و مال إليه في الكفاية (5)،و لا يخلو عن قوة.

خلافاً للفاضل و الشهيد الثاني (6)،و نسبه إلى أكثر المتأخرين فكالأوّل؛ التفاتاً إلى الأُصول.

و هو حسن لو قصرت الروايات عن الصحة،أو لم يجوَّز تخصيص العمومات القطعية بالآحاد و لو كانت صحيحة،لكنه خلاف التحقيق، و الروايات كما ترى صحيحة عديدة،ما بين صريحة و ظاهرة،و رجحان

ص:295


1- الكافي 7:2/27،الفقيه 4:580/166،التهذيب 9:856/218،الإستبصار 4:24/7،الوسائل 19:356 أبواب أحكام الوصايا ب 39 ح 6.
2- التهذيب 9:689/169،الإستبصار 4:26/8،الوسائل 19:353 أبواب أحكام الوصايا ب 39 ح 1.
3- الكافي 7:3/27 بتفاوت يسير،التهذيب 9:690/169،الإستبصار 4:25/8،الوسائل 19:354 أبواب أحكام الوصايا ب 39 ح 4.
4- حكاه عنهم في التنقيح 2:376،و هو في المقنعة:677،و النهاية:610،و المهذَّب 2:108.
5- الكفاية:147.
6- الفاضل في المختلف:506،الشهيد الثاني في المسالك 1:409.

الأُصول بالشهرة فرع ثبوتها،و لم أتحقّقها و لا وقفت على من تصدّى لنقلها عداه في المسالك،بل إنما حكى الخلاف هنا جماعة (1)عن العلّامة خاصّة،و لم أقف على من تبعه غيره و بعض ممن سبقه (2)،فلا مسرح عن القول الأوّل و لا مندوحة.

و فيه أي في المقام وجه آخر بنفوذ العتق من الأصل و سقوط الدين من رأس للحلّي (3).

و هو ضعيف لما مرّ في ضعف ما سبقه،مع ابتنائه على خروج منجّزات المريض من الأصل،و سيأتي الكلام فيه فيما بعد (4).

و حيث قد عرفت مخالفة النصوص في المسألة للأُصول المقرّرة يجب الاقتصار فيها على مواردها الظاهرة،و هو العتق المنجّز لا الوصية،مع تأيّد تلك الأُصول فيها بالصحيح:في الرجل يقول:إن متّ فعبدي حرّ، و على الرجل دين،قال:«إن توفّي و عليه دين قد أحاط بثمن العبد بيع العبد،و إن لم يكن أحاط بثمن العبد استسعى في قضاء دين مولاه و هو حرّ إذا وفاه» (5).

و لعلّه لذا اقتصر في العبارة على بيان الحكم في الصورة الأُولى دون الثانية،مع أنه بهذا التفصيل صرّح في الشرائع (6).و هو قويّ،إلّا أن ظاهر

ص:296


1- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 10:205،و انظر المهذب البارع 3:108،و الحدائق 22:541.
2- انظر جامع المقاصد 10:205.
3- السرائر 3:199.
4- انظر ص:384.
5- الفقيه 3:240/70،التهذيب 9:857/218،الإستبصار 4:28/9،الوسائل 19:353 أبواب أحكام الوصايا ب 39 ح 3؛ بتفاوت يسير.
6- الشرائع 2:253.

عبائر الجماعة القائلين بما في العبارة عمومه للصورتين،و يعضده إطلاق الصحيحة الأخيرة من الصحاح المتقدّمة.

مع قوّة احتمال حمل قوله فيما عداها:أعتقهم عند الموت،على المعنى الأعم من الإعتاق المنجّز و المعلّق؛ إذ يصدق عليهما الإعتاق بوجهٍ، و إن كان المتبادر إلى الذهن الأوّل بقرينة إطلاق الوصية على الإعتاق المذكور في أواخر الصحيحة الأُولى مرّتين،و سياقها ظاهر غاية الظهور في اتّحاد حكم المنجّز مع الوصية،كما هو المشهور بين متأخّري الطائفة،لكنه يتوقّف على جعل هذه القرينة صارفة عن المعنى الحقيقي إلى المجازيّ الأعم من المنجّز و الوصية،و في تعيّنه إشكال،إذ كما يحتمل جعلها صارفة إلى المجاز الأعم كذا يمكن صرفها إلى المجاز الأخصّ،و هو الوصية خاصة.

و بهذا يظهر خروج تلك الصحيحة في المسألة الأُولى عن الحجيّة؛ لاحتمال ورودها في الوصية خاصّة و تصير بذلك نصّاً في مفروض المسألة.

و يمكن الذبّ عنه باتفاق الطائفة قديماً و حديثاً موافقاً و مخالفاً على عدم احتمالهم لهذا الاحتمال فيها و إن اختلفوا في فهم الحقيقي منها خاصّة، كما يفهم من الشهيد الثاني (1)،أو الأعمّ منه و من الوصية،كما هو ظاهر هؤلاء الجماعة،و هو الظاهر بعد ذلك،لضعف الأوّل بلا شبهة.

و كيف كان،يستفاد من الرواية التعدية إلى الوصية،فلا يخلو عن قوة.

مع أن ظواهر الصحاح على تقدير اختصاصها بالعتق المنجّز تشمل

ص:297


1- المسالك 1:408.

الوصية بالأولوية؛ فإن بطلان العتق المنجّز على تقدير قصور القيمة عن ضِعف الدين مع قوّة المنجّز لكونه تصرّفاً من المالك في ماله و الخلاف في نفوذه من الأصل و عدمه،يقتضي بطلانه في الأضعف و هو الوصية بطريق أولى.

و أما الصحيحة المعارضة فغايتها الإطلاق المحتمل للتقييد بالروايات السابقة،بأن تحمل على كون الدين نصف القيمة،بناءً على ما عرفت من عموم بعضها بل جميعها للحكم في الوصية.

مع احتماله الحمل على التقية؛ لأن الإطلاق مذهب العامة في تلك الأزمنة،كما يستفاد من سياق الصحيحة الأُولى،و إلى احتمال هذا الحمل أشار خالي العلّامة المجلسي طاب رمسه في حاشيته المنسوبة إليه على هذه الرواية.

و لو أوصى لأُمّ ولده صحّ بلا خلاف كما في التذكرة و المسالك و غيرهما من كتب الجماعة (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى النصوص الآتية.

و هل تعتق من الوصية؟ كما عن الحلّي و الفاضل في الإرشاد و التحرير و القواعد و نسبه في المهذب (2)إلى الشهرة؛ بناءً على أن الإرث مؤخّر عنها و عن الدين بنص الآية،فلا يحكم لولدها بشيء حتى يحكم لها بالوصية.

أو من نصيب الولد؟ كما عن النهاية و في المختلف و نكت

ص:298


1- التذكرة 2:463،المسالك 1:409؛ و انظر إيضاح الفوائد 2:488،و جامع المقاصد 10:54،مفاتيح الشرائع 3:229.
2- الحلي في السرائر 3:197،الإرشاد 1:458،التحرير 1:301،القواعد 1:293،المهذب 3:109.

الإرشاد و اللمعة (1)؛ بناءً على أن التركة تنتقل من حين الموت إلى الوارث و إن لم يستقرّ لهم إلّا بعد الأمرين،و أن نفوذ الوصية يتوقف على وصول التركة إلى الوارث و ملك الوارث لا يتوقف على شيء؛ و لما في كتاب العباس:من أنها تعتق من نصيب ولدها و يعطى لها الوصية،و نقلت هذه الرواية في ذيل الصحيحة الآتية.

قولان مشهوران.

و على الثاني فإن أُعتِقَت من نصيب الولد كان لها الوصية و ظاهر الماتن هنا و في الشرائع (2)في هذا البحث التردّد،و حكي عنه المصير إلى الثاني في نكت النهاية (3)،و إلى الأوّل في بحث الاستيلاد من الشرائع (4).

و هنا مذهبان آخران:أحدهما للإسكافي (5)،و هو التخيير بين الأمرين.و لا وجه له.

و الثاني:ما نسب في المختلف و التذكرة و نكت الإرشاد إلى الصدوق (6)،و حكاه في المهذب (7)مذهباً و لم يصرّح بقائله و هو ما في رواية صحيحة مروية في الكتب الثلاثة:عن رجل كانت له أُمّ ولدٍ و له منها غلام،فلمّا حضرته الوفاة أوصى لها بألفي درهم أو بأكثر،للورثة أن يسترقّوها؟قال:فقال:«لا،بل تعتق من الثلث و لها الوصية » و في

ص:299


1- النهاية:611،المختلف:507،اللمعة(الروضة البهية 5):27.
2- الشرائع 2:254.
3- نكت النهاية 3:151.
4- الشرائع 3:139.
5- نقله عنه في المختلف:506.
6- المختلف:506،التذكرة 2:463.
7- المهذب البارع 3:110.

كتاب العباس (1)؛ إلى آخر ما تقدّم.و بمعناها صحيح آخر (2)و غيره (3).

و ظاهر المتأخّرين الإعراض عنها،و لعلّه لمخالفتها الأُصول المتقدّمة المتّفقة على عتقها من غير الثلث و إن اختلفت في تعيينه،و اختلفوا في تأويلها،فبين من حملها على صورة عتقها في المرض قبل الموت ثم الوصية لها بعده،و بين من حملها على أن المراد من العتق من الثلث العتق من الوصية و تعطى ما فضل منها على تقدير الزيادة.

قال في التنقيح بعد نقلهما:ليس للفظ الرواية دلالة عليهما،إلّا أن يقال:إنما اضطررنا إلى التأويل لانعقاد الإجماع على عدم العمل بهما، لكنهما صحيحتان،فاضطررنا إلى حملهما على وجه سائغ (4).

و ظاهره كما ترى الإجماع على طرح الرواية،و حينئذٍ فلا بُدّ من المصير إلى أحد التأويلين.و لا ريب في رجحان الثاني؛ لدلالة مقابلتها برواية العباس التي هي في آخرها مذكورة على كون موردهما واحداً،و لا ريب في أنه في الثانية هي أُمّ الولد التي لم تعتق بالكلية،فليكن مورد الأُولى أيضاً تلك الجارية،و حينئذٍ يتعين إرادة الحمل الثاني،سيّما مع شيوع إطلاق الثلث على الوصية.

و لا ينافيه إطلاق الحكم فيما بعد بأن لها الوصية؛ لقوة احتمال أن يراد بها ما زاد بعد العتق من الوصية.

ص:300


1- الكافي 7:4/29،الفقيه 4:559/160،التهذيب 9:880/224،الوسائل 19:416 أبواب أحكام الوصايا ب 82 ح 4.
2- الكافي 7:1/29،الفقيه 4:560/160،التهذيب 9:877/224،قرب الإسناد:172،الوسائل 19:415 أبواب أحكام الوصايا ب 82 ح 1.
3- الكافي 7:3/29،التهذيب 9:879/224،الوسائل 19:416 أبواب أحكام الوصايا ب 82 ح 3.
4- التنقيح 2:379.

مع احتمال أن يكون المراد منه تأكيد الحكم الأوّل من انعتاقها من الثلث،و هذا إن لم نقل بكونها ظاهراً من الرواية فليس ببعيد كبُعد الحمل الأول بلا شبهة،فيمكن بملاحظة الإجماع و قرينة المقابلة أخذها للقول الأوّل حجّة،كما هو ظاهر المفاتيح و صريح الكفاية (1).

فإذاً القول الأوّل في غاية من القوة،مع اعتضاده بما مرّ عن المهذب من الشهرة المحكية (2).

و العجب من المسالك حيث جعلها للقول الثاني حجّة،قال بعد ذكره الحمل الأوّل و ما يقرب منه:و كلاهما بعيد،إلّا أن الحكم فيها بإعطائها الوصية كافٍ في المطلوب؛ إذ عتقها حينئذٍ من نصيب ولدها يستفاد من دليل صحيح و بقي ما نقل عن كتاب العباس شاهداً على المدّعى،و هذا أجود (3).

و هو كما ترى مندفع بما مضى.

مضافاً إلى أن اكتفاءه بالحكم فيها بإعطاء الوصية بضميمة الدليل الخارجي إنما يصحّ حيث لا تحتمل الرواية كون وجه صرف الوصية إليها انعتاقها تبرّعاً قبل الموت،و أما إذا احتملته و لو بعيداً كما اعترف به فلا يصحّ بلا شبهة.

و لعله لذا أن الفاضلين المتقدم إليهما الإشارة مع عكوفهما غالباً على تحقيقاته أعرضا عن تحقيقه في هذه الرواية،و جعلاها للأوّل حجّة،دون الثاني كما ذكره.

ص:301


1- المفاتيح 3:229،الكفاية:147.
2- المهذب البارع 3:109.
3- المسالك 1:409.

و أمّا شهادة رواية العباس فغير نافعة بعد ما عرفت من عدم قيام دليل على ما ذكره و لا حجّة.

إطلاق الوصية يقتضي التسوية

و إطلاق الوصية لجماعة يقتضي التسوية بينهم في النصيب منها،ذكوراً كانوا أم إناثاً أم مختلفين،ورثة كانوا أم غيرهم.

و لا إشكال في شيء من ذلك و لا خلاف،كما في المسالك و غيره (1)،إلّا في الوصية لأخواله و أعمامه فإن فيه رواية بالتفصيل (2) للأخوال الثلث،و للأعمام الثلثان كالميراث ذهب إليه الطوسي و القاضي (3)،و رواه عن مولانا الباقر عليه السلام الإسكافي (4)،و لعلّه لهذا نسب هذا القول إليه في المهذب و غيره (5).

و فيه مناقشة؛ فإن مجرّد الرواية أعم من الفتوى بلا شبهة.

و نسبه في المسالك (6)بعد الشيخ إلى جماعة،و لم أقف عليهم عدا القاضي،و لكنّه أعرف بالنسبة.

و كيف كان الأشبه التسوية وفاقاً للحلّي (7)و عامة متأخّري الطائفة،و ربما يستشعر من الفاضل في التذكرة أن عليه إجماع الإماميّة،فإنّه قال فيما إذا أوصى لأقاربه و كان له عمّان و خالان:إن الوصية عندنا و عند

ص:302


1- المسالك 1:409،الحدائق 22:545.
2- الكافي 7:3/45،الفقيه 4:535/154،التهذيب 9:845/214،الوسائل 19:393 أبواب أحكام الوصايا ب 62 ح 1.
3- الطوسي في النهاية:614،القاضي حكاه عنه في المختلف:508.
4- كما نقله عنه في المختلف:508.
5- المهذب البارع 3:111؛ جامع المقاصد 10:56.
6- المسالك 1:409.
7- السرائر 3:210.

أبي يوسف و محمد تكون أرباعاً،و كذا قال فيما إذا أوصى لهم و خلف عمّاً و عمّة و خالاً و خالة (1).و نحوه عبارة الماتن في الشرائع (2)حيث عزى الرواية إلى المهجورية.

و الحجة بعده استواء نسبة الوصية إليهم،مع انتفاء ما يدلّ على التفضيل في كلام الموصي،فلا فرق فيه بين الذكر و الأُنثى،و لا بين الأخوال و الأعمام و غيرهم.

و اختلافهم في استحقاق الإرث خارج بدليل من خارج،فلا يقاس عليه ما يقتضي التسوية بمجرّده.

و الرواية كما عرفت شاذّة فلا عبرة بها،و إن كانت صحيحة و في الكتب الثلاثة مروية؛ فإن الأصل المعتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة،مع ظهوره من عبارة الماتن و التذكرة أقوى منها بمراتب عديدة.

و أولى منها بالهجر و عدم الحجيّة ما ورد في بعض النصوص القاصرة سنداً بالضعف و المكاتبة:من قسمة الوصية بين أولاد الذكور و الإناث على كتاب اللّه سبحانه (3)،مع أنّها غير صريحة في الوصيّة،بل و لا ظاهرة،مع عدم نقل قائل بها من الطائفة،و تصريح المسالك و غيره بعدم الخلاف فيه، كما مرّ إليه الإشارة،فلتطرح كسابقتها،أو تُؤولا بما يؤول إلى الأصل:من كون الوصية لهم على كتاب اللّه تعالى،أو نحو ذلك من القرائن المعتبرة.

ص:303


1- التذكرة 2:475.
2- الشرائع 2:254.
3- الكافي 7:1/45،الفقيه 4:536/155،التهذيب 9:846/214،الوسائل 19:395 أبواب أحكام الوصايا ب 64 ح 2.

ثم إن كلّ ذا ما لم ينصّ الموصي على التفضيل و أمّا معه فيتبع كيف كان بلا خلاف،و لو كان المفضّل أُنثى أو خالاً و قلنا بمفضوليّته مع العم؛ اقتصاراً فيها على المتيقّن من النص و هو صورة الإطلاق،فيرجع في غيره إلى الأصل الدالّ على وجوب إنفاذ الوصيّة على وجهها من الكتاب و السنة،و ظواهر النصوص،منها الصحيح:رجل أوصى بثلث ماله لمواليه و لموالياته،الذكر و الأُنثى فيه سواء،أو للذكر مثل حظّ الأُنثيين من الوصية؟ فوقّع عليه السلام:«جائز للميت ما أوصى به على ما أوصى به» (1).

و ربما يستشعر من هذه الرواية صحة ما حكم به المشهور في المسألة السابقة،فتأمّل.

حد القرابة في الوصية للأقرباء

و إذا أوصى لقرابته و أطلق فهم المعروفون بنسبه مطلقاً،على الأشهر الأقوى،بل عليه كافّة متأخّري أصحابنا تبعاً للمبسوط و الخلاف و الحلّي و القاضي (2)،و عليه في نهج الحق إجماعنا (3)؛ عملاً بالعرف،فإنّه المحكّم فيما لم يرد به تقدير من الشرع.

و ربما يومئ إليه الصحيح:ما حدّ القرابة،يعطى من كان بينه و بينه قرابة،أو لها حدّ تنتهي إليه؟رأيك فدتك نفسي،فكتب عليه السلام:«إن لم يسمّ اعطي قرابته» (4).

ص:304


1- الكافي 7:2/45،الفقيه 4:537/155،التهذيب 9:847/215،الوسائل 19:394 أبواب أحكام الوصايا ب 63 ح 1.
2- المبسوط 4:40،الخلاف 2:96،الحلي في السرائر 3:211،القاضي في المهذب 2:114.
3- نهج الحق:517.
4- التهذيب 9:848/215،قرب الإسناد:1362/388،الوسائل 19:401 أبواب أحكام الوصايا ب 68 ح 1.

و قيل كما في الغنية و عن المفيد و النهاية (1):إنه لمن يتقرّب إليه بآخِرِ أبٍ و أُم له في الإسلام بمعنى الارتقاء بالقرابة من الأدنى إلى ما قبله و هكذا إلى أبعد جدٍّ و جدّةٍ له في الإسلام و فروعهما،و يحكم للجميع بالقرابة،و لا يرتقى بآباء الشرك و إن عرفوا بقرابته.

و حجته غير واضحة،و إن استدل له جماعة (2)برواية (3)ضعيفة هي مع ذلك بحسب الدلالة قاصرة من وجوه عديدة،و لذا رجع عنه الطوسي في الكتابين،مدّعياً في ثانيهما كالماتن في الشرائع (4)أنه غير مستند إلى حجة،و كفاه هذا جواباً عما ذكره في النهاية.

و هنا أقوال أُخر ما بين مخصّصٍ للقرابة بالوارث دون غيره، و مخصّصٍ لهم بالمحرم من ذوي الأرحام دون غيره كبني الأخوال و الأعمام،و حاصِرٍ لهم بالمتقربين إليه إلى الأب الرابع.

و القائل بها غير معروف عدا الأخير،فقد نسبه الأصحاب إلى الإسكافي (5)،و نسب كلّاً من الأوّلين في المبسوط إلى قوم (6)،و لعلّهم من العامّة،كما يشعر به آخر عبارته،و صرّح به الفاضل في نهج الحق (7)،فقد نسب الأوّل إلى مالك،و الثاني إلى أبي حنيفة.

ص:305


1- الغنية(الجوامع الفقهية):604،المفيد في المقنعة:675،النهاية:614.
2- إيضاح الفوائد 2:489،التنقيح 2:380،جامع المقاصد 10:58.
3- نقله في إيضاح الفوائد 2:489،و التنقيح الرائع 2:380،و المسالك 1:409،و لم نجده في مصادر الحديث الخاصة و العامة.
4- الشرائع 2:254.
5- المختلف:503،التنقيح 2:381،المهذّب 3:113،جامع المقاصد 10:58.
6- المبسوط 4:40.
7- نهج الحق:517.

و هي مع ذلك غير مستندة كسابقها إلى حجّة عدا الأخير،فقد استند فيه إلى التأسّي بالنبي صلى الله عليه و آله في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس.

و يضعّف بأن فعله عليه السلام ذلك بالخمس لا يدل على نفي القرابة مطلقا عمّا عداه،فإن ذلك معنى آخر للقربى،فلا يلزم ذلك في حق غيره حيث يطلق.

ثم على أيّ معنى حمل يعمّ الذكر و الأُنثى،و الفقير و الغني،و القريب و البعيد.

و لا فرق بين قوله:أوصيت لأقاربي و قرابتي،و لذي قرابتي و ذي رحمي؛ لاشتراك الجميع في المعنى.

قيل:و ينصرف الوصية إلى الوجود منهم مطلقا،اتّحد أو تعدّد، ذكروا في الوصية بصيغة الجمع أو المفرد (1).

و هو حسن إذا أُريد به الموجود في الخارج في مقابلة المعدوم من أصله،بمعنى أنه لا ينتظر في دفع الوصية إلى الأقارب وجود من يحتمله، بل يدفع إلى الموجود منهم حال الوصية دون المعدوم حالتها.و الوجه فيه ظاهر بعد ما عرفت من اشتراط الوجود في الموصى له (2).

و لو أوصى لأهل بيته دخل فيهم الآباء و إن علوا و الأولاد و إن سفلوا،بلا خلاف،حتى إن العلّامة رحمه الله في التذكرة فسّرهم بالقرابة فيدخل فيهم الأعمام و الأخوال و فروعهما،و حكاه عن تغلب (3).و هو الظاهر من الاستعمال في العرف،كما في المسالك (4)،و يعضده استلزام

ص:306


1- المسالك 1:410.
2- راجع ص:274.
3- التذكرة 2:477.
4- المسالك 1:410.

الاقتصار في التفسير بما في المتن خروج علي عليه السلام عن أهل البيت عليهم السلام، و هو خلاف الإجماع فتوى و رواية.

و هو قويّ حيث لا يمكن الرجوع إلى عرف بلد الموصي،و مع الإمكان كان متّبعاً و لو كان أخصّ مما في المتن،أو كان بالعكس بأن اختصّ بما الحق به في القول الآخر،و إن بَعُد.

و أمّا القول في الوصية ل لعشيرة و الجيران و السبيل و البرّ و الفقراء ف كما مرّ في الوقف عليهم،فليطلب تحقيقه من هناك.

إذا مات الموصى له قبل الموصي انتقل ما كان إلى ورثته

و إذا مات الموصى له قبل الموصي انتقل ما كان للموصى له من الوصية إلى ورثته دون ورثة الموصي ما لم يرجع الموصي فيها على الأشهر الأظهر.

للصحيح:«من أوصى لأحدٍ شاهداً أو غائباً فتوفّي الموصى له قبل الموصي فالوصية لوارث الذي اوصي له،إلّا أن يرجع في وصيته قبل موته» (1).

و كذلك إذا مات بعده قبل القبول؛ لفحواه،و للخبرين،أحدهما الحسن،بل الصحيح كما قيل (2):عن رجل اوصي له بوصية فمات قبل أن يقبضها،و لم يترك عقباً،فقال:«اطلب له وارثاً أو مولى نعمة فادفعها إليه» (3)الحديث.و قريب منه الثاني (4).

ص:307


1- الكافي 7:1/13،الفقيه 4:541/156 بتفاوت يسير،التهذيب 9:903/230،الإستبصار 4:515/137،الوسائل 19:333 أبواب أحكام الوصايا ب 30 ح 1.
2- الحدائق 22:557.
3- الكافي 7:3/13،الفقيه 4:542/156،التهذيب 9:905/231،الإستبصار 4:517/138،الوسائل 19:334 أبواب أحكام الوصايا ب 30 ح 2.
4- الكافي 7:2/13،الفقيه 4:540/156،التهذيب 9:904/231،الإستبصار 4:516/138،الوسائل 19:334 أبواب أحكام الوصايا ب 30 ح 3.

و ظاهر التذكرة (1)عدم الخلاف في هذه الصورة،حيث إنّه نقله في الصورة الأُولى و استدل للحكم فيها بثبوته هنا،و هو مشعر بل ظاهر في الاتفاق على ثبوت الحكم هنا،إلّا أنّ ظاهر المسالك و غيره (2)تحقق الخلاف فيها أيضاً.

و كيف كان،الأشهر الأقوى ثبوت الحكم فيهما؛ لصحة الرواية الأُولى بناءً على كون إبراهيم بن هاشم ثقة كمحمد بن قيس الراوي لها،بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه و كون مرويّة من قضايا الأمير عليه السلام،و قد تقدّم الإشارة إلى هذا التحقيق عن قريب (3)،فتوهّم المسالك (4)الاشتراك ثمة و هنا غير سديد،كتوهمه عدم جبر قصورها على تقديره بعمل العلماء،كما حُقّق في الأُصول مستقصى.

و ما أبعد ما بين هذا و بين ما يختلج بالبال وفاقاً لشيخنا في الذكرى (5)من حجية الشهرة بنفسها حيث لم نجد لها مستنداً و لا معارضاً أقوى،و بيّنت الوجه فيه في رسالة مفردة في الإجماع مستقصى،و على تقدير التنزّل فلا أقلّ من كونه جابراً.

و منه يظهر انجبار قصور الروايتين الأخيرتين على تقديره بها؛ مضافاً إلى انجبارهما كالأُولى بأظهر الاحتمالين الآتيين في الخبرين الآتي ذكرهما.

خلافاً للإسكافي (6)و الفاضل في جملة من كتبه (7)،فأبطلا الوصية

ص:308


1- التذكرة 2:453.
2- المسالك 1:410؛ و انظر الكفاية:148.
3- راجع ص:284.
4- المسالك 1:408.
5- الذكرى:5.
6- حكاه عنه في المختلف:513.
7- انظر المختلف:513،و التذكرة 2:453.

لوجه اعتباري غير معارض للنصّ الجليّ.

و للصحيح و الموثق:فمات الموصى له قبل الموصي،قال:«ليس بشيء» (1).

و هما مع ضعفهما عن المكافأة لما مضى،نظراً إلى تعدّده و اشتهاره بين علمائنا،كما سلّمه الفاضل (2)و كافّة أصحابنا،دونهما قاصرا الدلالة جدّاً،لأنهما كما يحتملان أن الوصية حينئذٍ لا يعتدّ بها بمعنى بطلانها كذا يحتمل إرادة أن الموت ليس بشيء ينقض الوصية،بل ربما كان الثاني أنسب بأُسلوب الكلام و تذكير الضمير المستتر في الفعل،و به يندفع التنافي بين الروايات،فيكون أولى.

و على تقدير التنزّل بتسليم تساوي الاحتمالين يكفي في الردّ إجمالهما.

ثم على تقدير ظهورهما في الاحتمال الأوّل بل و صراحتهما فيه يحتملان الحمل على التقية؛ لأنّه مذهب أكثر العامة و منهم أصحاب الرأي و هم أصحاب أبي حنيفة،كما حكاه في التذكرة (3)و تبعه في الحكاية بعض الأجلّة (4)،فما هذا شأنه كيف يعترض به الأخبار السابقة مع ما هي عليه من المرجحات القوية المذكورة سابقاً

ص:309


1- الصحيح:التهذيب 9:906/231،الإستبصار 4:518/138،الوسائل 19:335 أبواب أحكام الوصايا ب 30 ح 4. و الموثق:التهذيب 9:907/231،الإستبصار 4:519/138،الوسائل 19:335 أبواب أحكام الوصايا ب 30 ح 5.
2- التذكرة 2:453،المختلف:513.
3- التذكرة 2:453.
4- الحر العاملي في الوسائل 19:336.

و ربما يجمع بينهما بحمل هذين على صورة رجوع الموصي كما أفصحت عنه الصحيحة السابقة،ذكره في الكتابين شيخ الطائفة (1).

أو على دلالة القرينة بإرادة الموصي خصوص الموصى له،و بهذا الجمع أفتى جماعة (2).

و لعله غير بعيد،لا للجمع،لعدم شاهد عليه و لا قرينة،بل للزوم الاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ على عدم الانتقال إلى غير من اوصي له على القدر المتيقّن من النصوص المتقدمة،و ليس بحكم التبادر إلّا غير هذه الصورة الذي لم يقصد الموصي فيه خصوصية الموصى له.

و في الدروس (3)عن الماتن القول بالفرق بين صورتي موته في حياة الموصي فالبطلان،و بعد وفاته فالصحة (4).و قد ظهر لك ما فيه من المناقشة.

ثم إن كان موته قبل موت الموصي لم يدخل العين في ملكه،و إن كان بعده ففي دخوله وجهان مبنيان على أن القبول هل هو كاشف عن سبق الملك من حين الموت،أم ناقل له من حينه،أم الملك يحصل للموصى له متزلزلاً و يستقر بالقبول؟أوجه،بل و أقوال تأتي.

و تظهر الفائدة فيما لو كان الموصى به ينعتق على الموصى له الميت إذا ملكه.

و اعلم أن كل ذا إنما هو إذا خلف الموصى له وارثاً خاصاً.

ص:310


1- الاستبصار 4:138،التهذيب 9:231.
2- منهم صاحب المفاتيح 3:221،و انظر الحدائق 22:397.
3- الدروس 2:297،و انظر نكت النهاية 3:166.
4- في«ح» و«ت» زيادة:استناداً إلى وجه مبني على تضعيف الصحيحة السابقة و إطراحها بالكلية.

و لو لم يخلف وارثا كذلك رجعت الوصية إلى ورثة الموصي وفاقاً للمعظم كما في الدروس (1)،و للأكثر كما في التنقيح (2)،بل لعلّه عليه عامة المتأخّرين؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل المتقدم على القدر المتيقن من النص،و ليس إلّا الانتقال إلى الوارث الخاص؛ لأنه المتبادر.

خلافاً للحلي (3)،فألحق به الإمام،و هو شاذّ،كالحسن أو الصحيح:

عن رجل اوصي له بوصية فمات قبل أن يقبضها،و لم يترك عقباً؟قال:

«اطلب له وارثاً أو مولى نعمة فادفعها إليه» قلت:فإن لم أعلم له وليّاً؟قال:

«اجهد على أن تقدر له على وليٍّ،فإن لم تجد و علم اللّه تعالى منك الجدّ فتصدّق بها» (4).

و يحتمل الحمل على ما يرجع به إلى كل من القولين.

و إذا قال:أعطوا فلاناً كذا و لم يعيّن عليه مصرفاً دفع إليه يصنع به ما شاء بلا خلاف؛ لأن الوصية بمنزلة التمليك فتقتضي تسلّط الموصى له تسلّط المالك.و لا كذلك لو عيّن المصرف،فإنّه يتعيّن عليه؛ لما دلّ على وجوب إنفاذ الوصية على وجهها من الكتاب و السنة.

يستحب الوصية لذوي القرابة

و يستحب الوصية لذوي القرابة مطلقا وارثاً كان أو غيره بلا خلاف في الثاني بين العلماء،و كذا في الأوّل بيننا،كما في المسالك (5)، و قد مضى الكلام فيه مستقصى (6).

ص:311


1- الدروس 2:298.
2- التنقيح الرائع 2:382.
3- السرائر 3:216.
4- الكافي 7:3/13،الفقيه 4:542/156،التهذيب 9:905/231،الإستبصار 4:517/138،الوسائل 19:334 أبواب أحكام الوصايا ب 30 ح 2.
5- المسالك 1:411.
6- راجع ص:274.

و يستفاد من بعض المعتبرة تأكّده في الثاني ففيه:«من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرثه فقد ختم عمله بمعصية» (1).

و في الرضوي:«و يستحب أن يوصي الرجل لقرابته ممن لا يرث شيئاً من ماله قلّ أو كثر،و إن لم يفعل فقد ختم عمله بمعصية» (2).

الرابع:في الأوصياء

اشارة

.

اعتبار التكليف و الإسلام في الوصي

و يعتبر في الوصي التكليف بالبلوغ و العقل،فلا تصحّ إلى صبي بحيث يتصرف حال صباه مطلقاً،و لو كان إلى البالغ منضمّاً،و لا إلى مجنون كذلك.

و الإسلام فلا تصحّ الوصية إلى الكافر و إن كان رحماً،إلّا أن يوصي إليه مثله،كما يأتي.

و لا خلاف في شيء من ذلك،بل عليه الإجماع في الغنية (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأُصول القطعية في الأوّل،و ما سيأتي إليه الإشارة في الثاني.

في اعتبار العدالة تردّد

و في اعتبار العدالة تردّد ينشأ:

من أن الوصية استئمان،و الفاسق ليس أهلاً له،لوجوب التثبّت عند خبره.

و أنها تتضمن الركون إليه،و الفاسق ظالم منهي عن الركون إليه.

و أنها استنابة عن الغير فيشترط في النائب العدالة كوكيل الوكيل،بل

ص:312


1- الفقيه 4:466/134،التهذيب 9:708/174،الوسائل 19:418 أبواب أحكام الوصايا ب 83 ح 3،و رواه في تفسير العياشي 1:166/76،المستدرك 14:138 أبواب أحكام الوصايا ب 62 ح 2.
2- فقه الرضا(عليه السلام):298.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):604.

أولى،لأن تقصير وكيل الوكيل مجبور بنظر الوكيل و الموكّل و تفحّصهما عن مصلحتهما،بخلاف نائب الميت.و رضاه به غير عدل لا يقدح في ذلك؛ لأن مقتضاها إثبات الولاية بعد الموت،و حينئذٍ فترتفع أهليّته عن الإذن و الولاية،و يصير التصرف متعلقاً بحق غير المستنيب من طفل و مجنون و فقير و غيرهم،فيكون أولى باعتبار العدالة من وكيل الوكيل و وكيل الحاكم على مثل هذه المصالح.

و من أنها في معنى الوكالة،و وكالة الفاسق جائزة كاستيداعه بالإجماع.

أشبهه عند الماتن هنا،و الفاضل في المختلف،وفاقاً للحلي (1) أنها لا تعتبر خلافاً للأكثر،كالشيخين و القاضي و ابن حمزة و الديلمي و ابن زهرة العلوي (2)و أحد قولي الأوّلين،فاختاروا الأوّل،و ادّعى في الغنية عليه إجماع الإمامية.

و لا يخلو عن قوة؛ للإجماع المحكي المعتضد بالشهرة المحققة و المحكية في عبارات الأصحاب كافّة،المحتملة لكونها إجماعاً قبل خلاف الحلّي،و بما تقدم من الأدلّة الكثيرة.

مع ضعف الأدلة المقابلة لها بما عرفت من الفرق بين الوصية و بين الاستيداع و الوكالة؛ لتعلقهما بحق المودع و الموكّل و هو مسلّط على إتلاف

ص:313


1- المختلف:510،الحلي في السرائر 3:189.
2- المفيد في المقنعة:668،الطوسي في النهاية:605،و المبسوط 4:51،القاضي في المهذب 2:116،ابن حمزة في الوسيلة:373،الديلمي في المراسم:202،لم نعثر عليه في الغنية المطبوعة في ضمن الجوامع الفقهية(ص:604)و هو موجود في المطبوعة في سلسلة الينابيع الفقهية 12:180.

ماله فضلاً عن تسليط غير العدل عليه،و الموصي إنما سلّطه على حق الغير،لخروجه عن ملكه بالموت مطلقاً.

مع أنا نمنع أن مطلق المستودع و الوكيل لا يشترط فيهما العدالة، هذا.

مضافاً إلى التأيّد بظواهر كثير من النصوص الواردة بالنسبة إلى من مات و له أموال و ورثة صغار و لا وصي له (1)،حيث اشترطت عدالة المتولّي لذلك،و هي و إن كانت خارجة عما نحن فيه إلّا أن فيها إشعاراً بأن المتولّي لأمر الوصاية كذلك،و لا فرق بينهما إلّا كون الأوّل منصوباً من قبل الشارع و الثاني من قبل الميت،و إلّا فهما بالنسبة إلى ما يتصرفان فيه واحد، و حينئذٍ فكما تراعى العدالة فيه من حيث إن الناصب له الشرع كذا تراعى فيه من حيث إن الناصب الموصي فلا ينصب لذلك إلّا عدلاً.

و الفرق بأن للموصي التسلّط على ماله يدفعه إلى من يشاء و يسلّط عليه من يختاره،لتسلّط الناس على أموالهم،بخلاف الحاكم الشرعي المنوط تصرفه بالمصلحة دون ما فيه مفسدة يظهر ضعفه مما مرّ؛ فإن الموصي بعد الموت و انتقال التركة إلى الورثة و فيهم الصغير و فيها الوصايا إلى الجهات العامة و نحو ذلك من التصرّفات المحتاجة إلى الوثوق و الائتمان لا تعلّق له بذلك،فتصرفه فيما ذكر إنما هو تصرف في مال الغير،لا مال نفسه كما ذكر في الفرق.

و اعلم أن هذا الشرط إنما اعتبر ليحصل الوثوق بفعل الوصي و يقبل خبره به،كما يستفاد ذلك من دليله،لا في صحة الفعل في نفسه،فلو

ص:314


1- انظر الوسائل 19:421 أبواب أحكام الوصايا ب 88.

اوصي إلى من ظاهره العدالة و هو فاسق في نفسه ففعل مقتضى الوصية، فالظاهر نفوذ فعله و خروجه عن العهدة.

و يمكن كون ظاهر الفسق كذلك لو اوصي إليه فيما بينه و بينه و فعل مقتضاها،بل لو فعله كذلك لم يبعد الصحة،و إن حكم ظاهراً بعدم وقوعه و ضمانه ما ادّعى فعله.

و تظهر الفائدة لو فعل مقتضى الوصية باطّلاع عدلين أو باطّلاع الحاكم،نبّه بذلك في التذكرة و الروضة (1).

و هو حسن،إلّا أن ظاهر اشتراط العدالة في إطلاق العبارة كغيرها من عبائر الجماعة و منها عبارة الغنية المحكي فيها إجماع الإماميّة (2)ينافي ذلك كله،و يمكن تنزيله على أن المراد أنها شرط في صحة الاستنابة لا في صحة النيابة.

ثم إن هذا التردّد إنّما هو إذا أوصى إلى الفاسق ابتداءً.

أمّا لو أوصى إلى عدل ففسق بطلت وصيته إجماعاً إلّا من الحلّي (3)،كما في المهذب و شرح الشرائع للصيمري و عن المحقق الثاني في شرح القواعد (4).

و لا ريب فيه على المختار:من اشتراط العدالة ابتداءً،و كذا على غيره إن ظهر كون الباعث على نصبه عدالته،و إلّا فإشكال ينشأ:

من الأصل،و حرمة تبديل الوصية عن وجهها.و احتمال كونها

ص:315


1- التذكرة 2:511،الروضة 5:27.
2- راجع ص:310.
3- السرائر 3:190.
4- المهذب البارع 3:116،جامع المقاصد 11:276،و فيه:لا خلاف في ذلك عندنا.

الباعث على النصب غير كافٍ في الخروج عنهما.

و من شهادة الظاهر بهذا الاحتمال،و ظهور الإجماع على البطلان مطلقاً من الكتب المزبورة،بناءً على التصريح بلفظة الظاهر فيه،مع عدم قدح استثنائهم الحلّي في انعقاده،لمعلومية نسبه،مع أنه حكي عنه ما يدل على اختياره الأوّل و الإذعان به (1).

و إطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم الفرق في البطلان بين فسقه بعد وفاة الموصي أو في حياته،علم به أو جهل.

و ربما يستشكل فيه في الثاني مع العلم بفسقه و عدم عزله.

و هو في محله على القول بعدم اشتراط العدالة في الابتداء.

و هل تبطل الوصية بطروّ و الفسق من حينه،أم يتوقف على حكم الحاكم و عزله؟وجهان:ظاهر العبارة كغيرها الأوّل،و صريح الإرشاد و غيره (2)الثاني.

و تظهر الفائدة في تصرفه قبل أن يعزله الحاكم،فينفذ على الثاني دون الأوّل.

و هو الوجه حيث ما ظهر أن الباعث لوصايته هو العدالة؛ لفواته،مع كونه منزّلاً منزلة الشرط الذي يفوت المشروط بفواته.

و هل تعود الوصية بعوده عدلاً؟قيل:الأشهر لا (3).و لعلّه الأقوى؛ للأصل،و عدم ما يقتضي العود أصلاً.

اعتبار الحرية في الوصي

و يعتبر فيه أيضاً الحرّية ف لا يوصى إلى المملوك بلا خلاف

ص:316


1- السرائر 3:189،حكاه عنه في المختلف:510،و جامع المقاصد 11:274.
2- الإرشاد 1:463؛ و انظر القواعد 1:353.
3- كفاية الأحكام:150،و فيه:المشهور.

فيه في الجملة،بل عليه مطلقاً في صريح الغنية و ظاهر التذكرة إجماع الإمامية (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أدلّة الحجر عليه في أمر نفسه،فأولى أن يكون محجوراً عليه في حقّ غيره،و استلزامه التصرف في ملك الغير بغير إذنه،و هو ممنوع منه.

إلّا أن يوصى إليه بإذن المولى فتصحّ بلا خلاف منا؛ لزوال المانع.و حينئذٍ فليس للمولى الرجوع في الإذن بعد موت الموصي،و يصحّ قبله،كما إذا قبل الحرّ.

و لا فرق في محل المنع بين كون العبد قنّاً أو مُدَبّراً أو مكاتباً أو مبعّضاً،للموصي أو غيره،عند الشيخ و ابن حمزة و الحلّي و المختلف (2).

خلافاً للمفيد و الديلمي (3)،فجوّز الوصية إلى من عدا القنّ إمّا مطلقاً، كما يظهر من المختلف و الدروس (4)،أو إذا كان عبد نفسه،كما يستفاد من التنقيح و مال إليه،قال:لحرية المدبر حال المباشرة،و لزوم الكتابة، و تصرف المكاتب من غير حجر عليه (5).

و لا يخلو عن قوة؛ لعمومات الكتاب و السنة الناهية عن تغيير الوصية،و سلامتها في المفروض عما مرّ من الأدلّة المانعة،لما ذكر.

و تصحّ الوصية إلى الصبي إذا كان منضمّاً إلى كامل

ص:317


1- الغنية(الجوامع الفقهية):604،التذكرة 2:511.
2- الشيخ في المبسوط 4:51،ابن حمزة في الوسيلة:373،الحلي في السرائر 3:189،المختلف:511.
3- المفيد في المقنعة:668،الديلمي في المراسم:202.
4- المختلف:511،الدروس 2:322.
5- التنقيح الرائع 2:386.

لا منفرداً بلا خلاف؛ للخبر،بل قيل (1)الحسن:عن رجل أوصى إلى امرأة و شرك في الوصية معها صبيّاً؟قال:«يجوز ذلك و تمضي المرأة الوصية،و لا تنتظر بلوغ الصبي،فإذا بلغ الصبي فليس له أن لا يرضى إلّا ما كان من تبديل أو تغيير،فإنّ له أن يردّه إلى ما أوصى به الميت» (2).

و قريب منه الصحيح:رجل أوصى إلى ولده و فيهم كبار قد أدركوا و فيهم صغار،أ يجوز للكبار أن ينفذوا وصيته و يقضوا دينه لمن صحّ على الميت بشهود عدول قبل أن يدركوا الأوصياء الصغار؟فوقّع عليه السلام:«نعم، على الأكابر من الولد أن يقضوا دين أبيهم و لا يحبسوه بذلك» (3).

و يستفاد منهما سيّما الأوّل مضافاً إلى الاتفاق عليه في الظاهر أنه يجوز أن يتصرف الكامل حتى يبلغ الصبي مطلقاً،و لو لم يكن التصرف في الأمر الضروري ثم بعد بلوغه كاملاً جائز التصرف يشتركان في التصرف مجتمعين.

و أنه ليس له نقض ما أنفذه الكامل قبل بلوغه إلّا ما تضمّن من تغيير و تبديل.

نعم،لو شرط عدم تصرف الكامل إلى أن يبلغ الصبي تبع شرطه، و على غيره ينزّل إطلاق العبارة و الرواية،مع أنه المتبادر منه بلا شبهة.

و يدلّ على جواز تصرف الكامل قبل بلوغ الصغير مضافاً إلى ما مرّ أنه في تلك الحال حيث لم يشترط عدم تصرفه إلى البلوغ وصيّ منفرداً،

ص:318


1- قاله المجلسي في مرآة العقول 23:77،و ملاذ الأخيار 15:66.
2- الكافي 7:1/46،الفقيه 4:538/155،التهذيب 9:743/184،الإستبصار 4:522/140،الوسائل 19:375 أبواب أحكام الوصايا ب 50 ح 2.
3- الكافي 7:2/46،الفقيه 4:539/155،التهذيب 9:744/185،الوسائل 19:375 أبواب أحكام الوصايا ب 50 ح 1.

و إنما التشريك معه بعد البلوغ،كما لو قال:أنت وصيي و إذا حضر فلان فهو شريكك،و من ثمّ لم يكن للحاكم أن يداخله و لا أن يضمّ إليه آخر ليكون نائباً عن الصغير.و أما إذا بلغ الصغير فليس للكبير التفرّد،و إن كان ذلك غير مستفاد من الخبرين؛ لأنه الآن غير مستقلّ فيرجع فيه إلى القاعدة.

ثم إنّ قوله:لا منفرداً،يدل على المنع عن الوصية إليه مستقلا و إن شرط في تصرفه البلوغ،و كان ذلك في معنى الضمّ.

قيل:لأنه ليس من أهل الولاية،و لكن جاز ذلك مع الضميمة تبعاً للرواية،فلا يلزم مثله في الوصية إليه مستقلا؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على موردها،و أنه يغتفر في حال التبعية ما لا يغتفر في حال الاستقلال (1).

ثم لو مات أو بلغ فاسد العقل فهل للكامل الانفراد بالتصرف،عملاً باستصحاب الحكم السابق،أم لا،بل يداخله الحاكم،بناءً على أن الموصي إنما فوّض إليه الاستقلال إلى حين بلوغ الصبي فكأنّه جعله مستقلا إلى مدة مخصوصة؟ وجهان:اختار أوّلهما في الشرائع (2)،و تردّد بينهما في التذكرة و الدروس (3)،و لعلّه في محلّه،و إن كان الأظهر في النظر الثاني،لقوة دليله.

و ينبغي القطع به فيما إذا بلغ الصبي رشيداً ثم مات بعده و لو بلحظة؛ لانقطاع الاستصحاب الأوّل حينئذٍ بلا خلاف،و تبدّله باستصحاب عدم الاستقلال،فيتبع.

ص:319


1- المسالك 1:412.
2- الشرائع 2:256.
3- التذكرة 2:510،الدروس 2:324.

و لا تصحّ وصية المسلم إلى الكافر مطلقاً،بلا خلاف؛ لأنه ليس من أهل الولاية على المسلمين،و لا من أهل الأمانة.

و لكن تصحّ إليه من مثله إن لم نشترط العدالة.

و أما مع اشتراطها فهل تكفي عدالته في دينه،أم تبطل مطلقاً؟ وجهان:من أن الكفر أعظم من فسق المسلم،و من أن الغرض صيانة مال الطفل و أداء الأمانة،و هو يحصل بالعدل منهم.و هذا أجود،وفاقاً للتذكرة و الدروس و المسالك و الكفاية (1).

خلافاً للروضة،فقال:و الأقوى المنع بالنظر إلى مذهبنا،و لو أُريد صحتها عندهم و عدمه فلا غرض لنا في ذلك.و لو ترافعوا إلينا فإن رددناهم إلى مذهبهم،و إلّا فاللازم الحكم ببطلانها بناءً على اشتراط العدالة؛ إذ لا وثوق بعدالته في دينه،و لا ركون إلى أفعاله،لمخالفتها لكثير من أحكام الإسلام (2).

و فيه نظر؛ لحصول الوثوق وجداناً،و إنكاره مكابرة جدّاً.بل ربما يحصل الوثوق ببعض عدولهم أكثر مما يحصل ببعض عدول المسلمين، و سيّما المخالفين منهم.

و مخالفة أفعاله لكثير من أحكام الإسلام لا تنافي عدالته في دينه و ما هو المقصود منها من الوثوق و الاعتماد في صيانة مال الأطفال مثلاً.

ثم إن إطلاق العبارة يقتضي عموم الحكم لصورتي كون الوصية على أطفال المسلمين و ما في حكمهم أم غيرهم.و قيّده جماعة (3)بالثاني؛

ص:320


1- التذكرة 2:510،الدروس 2:322،المسالك 1:412،الكفاية:150.
2- الروضة 5:68.
3- لم نعثر عليهم.

و لعلّه لنفي السبيل عنه عليهم.و لا بأس به.

صحة الوصية إلى المرأة

و تصحّ الوصية إلى المرأة إذا اجتمعت فيها الشرائط المتقدمة، بإجماعنا المستفيض النقل في كلام الجماعة،كالإستبصار و الغنية و التذكرة و التنقيح و المسالك و الروضة (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الرواية المتقدمة (2).

و أما الخبر:«المرأة لا يوصى إليها لأن اللّه تعالى يقول وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ [1] (3)(4)فمع قصور سنده و شذوذه محمول على التقية، ففي الاستبصار أنه مذهب كثير من العامة (5)،مع احتماله الحمل على الكراهة،أو المرأة التي لم تجتمع فيها الشرائط المتقدمة،و ربما يومئ إليه ما في الذيل من العلة.

الوصية إلى اثنين

و لو أوصى إلى اثنين فصاعداً جاز،إجماعاً،فتوًى و نصّاً.

و حينئذٍ فإن أطلق،أو شرط الاجتماع في التصرف فليس لأحدهما الانفراد به،بل عليهما الاجتماع فيه،بمعنى صدوره عن رأيهما و نظرهما و إن باشره أحدهما،إجماعاً في الأخير،كما في التنقيح (6)،و على الأظهر في الأوّل،وفاقاً للصدوقين و الطوسي في أحد القولين و ابن حمزة

ص:321


1- الاستبصار 4:140،الغنية(الجوامع الفقهية):604،التذكرة 2:511،التنقيح 2:387،المسالك 1:412،الروضة 5:73.
2- في ص 314.
3- النساء:5.
4- الفقيه 4:585/168،التهذيب 9:953/245 الإستبصار 4:523/140،الوسائل 19:379 أبواب أحكام الوصايا ب 53 ح 1.
5- الاستبصار 4:140.
6- التنقيح الرائع 2:388.

و الحلبي و الحلّي و الشهيدين و كثير من المتأخّرين (1)،بل لعله عليه عامتهم؛ لظاهر الصحيح:رجل مات و أوصى إلى رجلين،أ يجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة و الآخر بالنصف؟فوقّع عليه السلام:«لا ينبغي لهما أن يخالفا الميت،و يعملان على حسب ما أمرهما إن شاء اللّه تعالى» (2).

و أظهر منه الرضوي:«و إذا أوصى رجل إلى رجلين فليس لهما أن ينفرد كلّ واحد منهما بنصف التركة،و عليهما إنفاذ الوصية على ما أوصى الميت» (3).

و قصور سنده كعدم صراحة الأوّل منجبر بالشهرة؛ مضافاً إلى اعتبار السند و بلوغه درجة الحجّية،و كذا الدلالة،و إن كان:«لا ينبغي» أعم من الحرمة أو ظاهراً في الكراهة،لقيام القرينة في الرواية على إرادة الحرمة، لأن مرجعها و محصّلها إلى النهي عن مخالفة الميت،و لا ريب أنّها محرمة، لتضمّنها التبديل المنهي عنه بالكتاب و السنة،هذا.

مع اعتضادهما زيادة على اعتبار السند و وضوح الدلالة بظهور الوصية إليهما في إرادة اجتماعهما عرفاً،و على تقدير التنزّل عنه فلا أقلّ من تردّدها بينه و بين جواز الانفراد،فيجب الأخذ بالمتيقن،و هو الأوّل،مع

ص:322


1- الصدوق في الفقيه 4:151،و حكاه عن والده في المختلف:512،الطوسي في المبسوط 4:54،و الخلاف 4:161،ابن حمزة في الوسيلة:373،الحلبي في الكافي في الفقه:366،الحلي في السرائر 3:190؛ الشهيد الأول في الدروس 2:324،الشهيد الثاني في المسالك 1:413؛ و انظر القواعد 1:354،و إيضاح الفوائد 2:631،و جامع المقاصد 11:290.
2- الكافي 7:1/46،الفقيه 4:523/151،التهذيب 9:745/185،الإستبصار 4:448/118،الوسائل 19:376 أبواب أحكام الوصايا ب 51 ح 1.
3- فقه الرضا(عليه السلام):299،المستدرك 14:127 أبواب أحكام الوصايا ب 43 ح 1.

اندفاع الثاني بالأصل.

خلافاً للنهاية و القاضي (1)،فجوّزا في ظاهر إطلاق عبارتهما الانفراد لهما،و استدل لهما بالموثق:إنّ رجلاً مات و أوصى إلى رجلين،فقال أحدهما لصاحبه:خذ نصف ما ترك و أعطني نصف ما ترك،فأبى عليه الآخر،فسألوا أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك،فقال:«ذاك له» (2).

و فيه مع قصوره سنداً و عدداً و اشتهاراً و اعتباراً عن المكافأة لما مرّ جدّاً كونه مجملاً؛ لبناء الاستدلال به على رجوع الإشارة إلى القسمة و الضمير المجرور إلى الطالب،مع أنه يحتمل رجوع الإشارة إلى الإباء و الضمير إلى المطلوب،بل لعلّ هذا أولى،كما في المختلف و غيره (3)؛ لقرب مرجع الإشارة.

و ما يعارض به في التنقيح و غيره (4)من أولوية العكس؛ لوضع «ذلك» باللام للإشارة إلى البعيد مدفوع بتوقّفه على وجود اللام مع الإشارة،و هي في نسخة الكافي و الفقيه مفقودة،فإنها على ما ذكرناه مروية.

نعم،في نسخة الشيخ موجودة،لكنّها بالنسبة إلى تلك النسخة مرجوحة،سيّما مع وحدتها و تعدّد تلك،مع كونها الأصل لها و هي منها مأخوذة،و على تقدير تكافؤ النسختين يبقى الإجمال بحاله،لعدم المرجّح لإحداهما في البين.

ص:323


1- النهاية:606،القاضي في المهذب 2:116.
2- الكافي 7:2/47،الفقيه 4:524/151،التهذيب 9:746/185،الإستبصار 4:449/118،الوسائل 19:377 أبواب أحكام الوصايا ب 51 ح 3.
3- المختلف:512؛ و انظر جامع المقاصد 11:291.
4- التنقيح الرائع 2:390؛ و انظر المسالك 1:413.

و لو تشاحّا و تعاسرا فأراد أحدهما نوعاً من التصرف و منعه الآخر لم يمض تصرفهما،إمّا مطلقاً،كما عن المبسوط و الحلبي (1)،أو في الجملة،كما عن جماعة (2)،بمعنى أنه لم يمض منه إلّا ما لا بُدّ منه و تدعو الحاجة إليه،و لا يمكن تأخيره إلى وقت الاتفاق كمئونة اليتيم و الرقيق،و الدواب،و إصلاح العقار،و مثلها شراء كفن الميت.

و زاد بعضهم قضاء ديونه (3)،و إنفاذ الوصية المعيّنة،و قبول الهبة عن الصغير مع خوف فوات النفع،و الخصومة عن الميت و له و عن الطفل و له مع الحاجة،و ردّ الوديعة المعيّنة و العين المغصوبة.

و عن الفاضل في القواعد الفرق بين صورتي الإطلاق فالثاني،و النهي عن الانفراد فالأوّل (4).

و فيه نظر.و الأصل يقتضي المصير إلى الأوّل،إلّا أن يستند في الاستثناء إلى الضرورة المبيحة لما حرم بدونها.و هو مع عدم خلوّه عن مناقشة يتمّ في مئونة اليتيم و ما بعده،دون ما زاده البعض من الأُمور المذكورة.

و للحاكم الشرعي جبرهما على الاجتماع من غير أن يستبدل بهما مع الإمكان؛ إذ لا ولاية له فيما فيه للميت وصي على الأشهر.

خلافاً للحلبي،فقال:يردّ الناظر الأمر إلى أعلمهما و أقواهما مع

ص:324


1- المبسوط 4:53،الحلبي في الكافي:366.
2- منهم:المحقق في الشرائع 2:256،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:388،و الشهيد الأول في الدروس 2:324.
3- انظر جامع المقاصد 11:292.
4- القواعد 1:354.

التشاح (1).

و استشكله الفاضل من حيث إنه تخصيص لأحدهما بالنظر و قد منعه الموصي (2).

قيل:و فيه نظر؛ إذ لا منافاة بين القولين،لأن ردّه إلى رأي الأعلم الأقوى منهما هو نفس الإجبار على الاجتماع،و فيه حسم لمادة الاختلاف (3).

فإن تعذّر عليه جمعهما جاز له الاستبدال بهما؛ تنزيلاً لهما بالتعذر منزلة عدمهما،لاشتراكهما في الغاية.

و في الروضة:كذا أطلق الأصحاب،و هو يتمّ مع عدم اشتراط عدالة الوصي،أما معه فلا؛ لأنهما بتعاسرهما يفسقان،لوجوب المبادرة إلى إخراج الوصية مع الإمكان،فيخرجان بالفسق عن الوصاية و يستبدل بهما الحاكم،فلا يتصور إجبارهما على هذا التقدير.و كذا لو لم نشترطها و كانا عدلين؛ لبطلانها بالفسق حينئذٍ على المشهور.نعم،لو لم نشترطها و لا كانا عدلين أمكن إجبارهما مع التشاحّ (4).

و يشكل ما ذكره من خروجهما بالتشاحّ عن العدالة فيما إذا كان تشاحّهما مستنداً إلى اعتقاد رجحان ما رأياه بحسب المصلحة لا التشهي و المعاندة.

لكن يرد حينئذٍ أن جواز جبر الحاكم لهما على الاجتماع حينئذٍ محل

ص:325


1- الكافي في الفقه:366.
2- المختلف:512.
3- التنقيح الرائع 2:389.
4- الروضة 5:74.

نظر.

فخلاصة الكلام أن اشتراط العدالة لا يتم مع التعاسر الذي كان للحاكم معه إجبارهما،إلّا أن يقال:إنه حينئذٍ يجوز جبر الحاكم لهما بما هو الأصلح عنده من نظره،و هذا لا ينافي عدالتهما.

و كيف كان،ينبغي التفصيل على القول باشتراط العدالة بأن التشاحّ إن كان لاختلاف النظر لم يلزم فسقهما،و إن كان يوجب الإخلال بالواجب مع إمكان الاجتماع يلزم فسقهما إن أصرّا على ذلك متى لم يثبت كون ذلك من الكبائر،و لعلّه مراد من أطلق ممن اشترطها من الأصحاب.

و لو التمسا القسمة حيث وجب عليهما الاجتماع لم يجز لأنه خلاف مقتضى الوصية من الاجتماع في التصرف.

و لو عجز أحدهما عن القيام بتمام ما يجب عليه من العمل بالوصية بمرض و نحوه ضمّ إليه أي إلى العاجز أمين من طرف الحاكم.

و لو عجز عن القيام به أصلاً بموت أو فسق أو جنون أو نحوها ضمّ إلى الآخر.

بلا خلاف في الأوّل إلّا من الدروس،حيث جعل الضم إلى الآخر دون العاجز (1)،كما هو الأشهر على ما في الكفاية (2).

و تظهر الثمرة في وجوب قيام ثلاثة على التصرف في الوصية الوصيين و أمين الحاكم على مذهبهم،و اثنين هما من عدا العاجز على مذهبه.

و ربما حمل كلامه على الثاني بإرادة العجز بالكلية لا في الجملة،و إلّا

ص:326


1- الدروس 2:324.
2- الكفاية:150.

لأشكل ما اختاره،بناءً على أن عجزه في الجملة لا يخرجه عن الوصاية؛ لجواز الوصية إلى العاجز كذلك ابتداءً إجماعاً،كما في التذكرة و شرح القواعد للمحقق الثاني (1)،فكذا في الاستدامة.

وفاقاً للقواعد و الإرشاد و التحرير و فخر الدين و الشهيدين و جماعة (2)في الثاني.

خلافاً للأكثر،كما في شرح الشرائع للصيمري و الكفاية (3)،فاختاروا استقلال الوصي الآخر من دون ضميمة أمين من حاكم الشريعة؛ مستندين فيه إلى أنه مع وجود الوصي لا ولاية للحاكم.

و يضعّف بأن الموصي لم يرض برأي أحدهما منفرداً،و الوصي إنما هما معاً لا أحدهما منفرداً،فلا بُدَّ من أن يضمّ إليه أميناً.

و عليه فهل للحاكم أن يفوّض جميع الولاية إلى الثاني منهما بدلاً عن الضميمة،تنزيلاً له مقامهما؟وجهان.

من أن النظر قد صار للحاكم فيولّي من يختاره.

و من أن الموصي لم يرض برأي الآخر على الانفراد،فليس للحاكم تفويض جميع الأمر إليه و إلّا لزم التبديل المنهي عنه في الشريعة.و هذا أجود.

بخلاف ما لو حصل لهما معاً العجز أصلاً فإن للحاكم أن ينصب و لو واحداً؛ للفرق بين المقامين بأن الثاني من الوصيين في المقام الأوّل

ص:327


1- التذكرة 2:511،جامع المقاصد 11:279،294.
2- القواعد 1:354،الإرشاد 1:463،التحرير 1:303،فخر المحققين في إيضاح الفوائد 2:632،الشهيد الأول في الدروس 2:324،الشهيد الثاني في الروضة 5:75،و المسالك 1:414؛ و انظر جامع المقاصد 11:295.
3- الكفاية:150.

منصوب من قبل الموصي و لم يرض برأيه منفرداً كما مضى،و هنا قد انقطع نظره بعجزهما و صار النظر إليه كملاً فله نصب من شاء و لو واحداً.

ثم إن كل ذا إنّما هو إذا أوصى إليهما مطلِقاً أو مشتَرِطاً عليهما اجتماعهما معاً.

أما لو شرط لهما الانفراد تصرف كلّ واحد منهما و إن انفرد عن الآخر،بلا خلاف و لا إشكال في الجواز؛ للأصل،و عدم المانع بمقتضى الشرط.و لكن في جواز الاجتماع حينئذٍ نظر:من مخالفته الشرط فلا يصح،و من اقتضاء الاتفاق على الاجتماع صدوره عن رأي كلّ واحد منهما،و شرط الانفراد اقتضى الرضا برأي كل واحد،و هو حاصل إن لم يكن هنا آكد.

و الظاهر أن شرط الانفراد رخصة لا تضييق،و هذا ظاهر العبارة و الروضة (1).و هو حسن حيث تقوم قرينة على كون اشتراط الانفراد رخصة لا عزيمة،و مع هذا لو حصل لهما في حال الاجتماع نظر مخالف له حالة الانفراد ينبغي القطع بالمنع؛ لجواز كون المصيب هو حالة الانفراد و لم يرض الموصي إلّا به.

و لو نهاهما عن الاجتماع اتبع قطعاً؛ عملاً بمقتضى الشرط الدالّ صريحاً على النهي عنه فيمتنع.

و يجوز لهما في هذه الحالة أن يقتسما المال بالتنصيف و التفاوت حيث لا يحصل بالقسمة ضرر و لا يكون الموصي منع عنها؛ لأن مرجع القسمة إلى تصرف كلّ منهما في البعض و هو جائز بدونها،ثم بعدها

ص:328


1- الروضة 5:75.

لكل منهما التصرف في قسمة الآخر و إن كانت في يد صاحبه،لأنه وصي في المجموع فلا تزيل القسمة ولايته فيه.

جواز تغيير الأوصياء للموصي و رد الوصي الوصية

و للموصي تغيير الأوصياء بلا خلاف؛ للأصل،و ما مرّ من المعتبرة في جواز الرجوع في الوصية (1)،الشاملة إطلاقاً في بعضٍ و فحوى في آخر لمفروض المسألة.

و للموصى إليه ردّ الوصية و عدم قبولها مطلقاً،و إن كان الموصي أباً أو كان الموصى إليه فيه منحصراً،بلا خلاف إلّا من الصدوق في المقامين كما حكي (2)،فلم يُجِز الردّ فيهما؛ استناداً في الأوّل إلى الخبر القاصر السند بسهل المتضمن لقوله عليه السلام:«ليس له أن يمتنع» (3)بعد أن سئل عن رجل دعاه والده إلى قبول وصيته،هل له أن يمتنع عن قبول وصية والده؟ و في الثاني إلى مفهوم الصحيح:في رجل يوصى إليه،فقال:«إذا بعث إليه من بلد فليس له ردّها،و إن كان في مصر يوجد فيه غيره فذلك إليه» (4).

و نحوه إطلاق الصحيح المقيّد به:في الرجل يوصي إلى الرجل بوصية فأبى غ أن يقبلها،فقال عليه السلام:«لا يخذله على هذه الحال» (5).

ص:329


1- راجع ص 271.
2- حكاه عنه في المختلف:512،و هو في الفقيه 4:145،و المقنع:164.
3- الكافي 7:6/7،الفقيه 4:498/145،التهذيب 9:819/206،الوسائل 19:322 أبواب أحكام الوصايا ب 24 ح 1.
4- الكافي 7:2/6،الفقيه 4:497/144،التهذيب 9:815/205،الوسائل 19:320 أبواب أحكام الوصايا ب 23 ح 2.
5- الكافي 7:5/6،الفقيه 4:499/145،التهذيب 9:818/206،الوسائل 19:321 أبواب أحكام الوصايا ب 23 ح 4؛ بتفاوت يسير.

و مال إليه في المختلف مؤيّدا الأوّل بأن امتناع الولد نوع عقوق، و الثاني بأن من لا يوجد غيره يتعين عليه؛ لأنه فرض كفاية،قال بعد ذلك:

و بالجملة فأصحابنا لم ينصّوا على ذلك،و لا بأس بقوله (1).

و هو كذلك إن لم ينعقد الإجماع على خلافه،و لا يمكن دعواه بإطلاق عبائر الأصحاب بجواز الردّ مطلقاً؛ لعدم تبادر المقامين منه جدّاً.

و منه يظهر الجواب عن إطلاقات النصوص بذلك أيضاً.

مضافاً إلى وجوب حمل المطلق على المقيد حيث تضمن شرائط الحجّية كما هنا.

و يصحّ ردّ الوصية مطلقاً و لو قبلها ما دام الموصي حيّاً إن بلغ الردّ إليه في الجملة،إجماعاً،كما عن المبسوط و الخلاف (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل،و صريح النصوص الآتية في الجملة.

و هل يكفي بلوغ الردّ،أو يشترط معه تمكّن الموصي من إقامة وصي غيره؟وجهان.ظاهر إطلاق العبارة و غيرها من عبائر الجماعة الأوّل.

و مقتضى النصوص الثاني؛ لظهورها في تعليق جواز الردّ على وجود الغير المتمكن من الإيصاء إليه،فلو لم يوجد أو وجد و لم يتمكّن من الإيصاء إليه لم يجز له الردّ.و هذا أجود.

و لو مات الموصي قبل بلوغه أي الردّ إليه لزمت الوصية فليس للموصى إليه ردّها إجماعاً إذا كان قبلها ثم ردّها،كما عن المبسوط و الخلاف و التذكرة و في المسالك و غيره (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى

ص:330


1- المختلف:513.
2- المبسوط 4:37،الخلاف 4:148.
3- المبسوط 4:36،الخلاف 4:148،التذكرة 2:512،المسالك 1:414؛ و انظر الحدائق 22:576.

فحاوي المعتبرة الآتية و غيرها من الأدلّة.

و على الأشهر الأقوى مطلقاً،بل عليه في ظاهر الدروس و صريح الغنية (1)إجماعنا،و نسبه في المختلف إلى الأصحاب كافّة (2).

و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،منها زيادة على ما مرّ الصحيحان،في أحدهما:«إن أوصى رجل إلى رجل و هو غائب فليس له أن يردّ وصيته،فإن أوصى إليه و هو في البلد فهو بالخيار إن شاء قبل و إن شاء لم يقبل» (3).

و في الثاني:«إذا أوصى الرجل إلى أخيه و هو غائب فليس له أن يردّ عليه وصيته،لأنه لو كان شاهداً فأبى أن يقبلها طلب غيره» (4).

و الرضوي:«إذا أوصى رجل إلى رجل و هو شاهد فله أن يمتنع من قبول الوصية،و إن كان الموصى إليه غائباً و مات الموصي من قبل أن يلتقي مع الموصى إليه فإن الوصية لازمة له» (5).

خلافاً للمختلف و التحرير (6)،و مال إليه في المسالك (7)،فجوّز الرد؛ للأصل المانع من إثبات حقٍّ على الموصى إليه على وجه قهري و تسليط الموصي على إثبات وصيته على من شاء.

ص:331


1- الدروس 2:325،الغنية(الجوامع الفقهية):604.
2- المختلف:499.
3- الكافي 7:1/6،الفقيه 4:496/144،التهذيب 9:814/205،الوسائل 19:319 أبواب أحكام الوصايا ب 23 ح 1.
4- الكافي 7:3/6،الفقيه 4:500/145،التهذيب 9:816/206،الوسائل 19:320 أبواب أحكام الوصايا ب 23 ح 3.
5- فقه الرضا(عليه السلام):298،المستدرك 14:110 أبواب أحكام الوصايا ب 22 ح 2.
6- المختلف:499،التحرير 1:292.
7- المسالك 1:414.

و لاستلزامه الحرج العظيم و الضرر الكثير في أكثر مواردها،و هما منفيان بالآية و الأخبار.

و لعدم صراحة النصوص في الدلالة على المطلوب؛ لاحتمالها الحمل على الاستحباب أو سبق القبول.

و في الجميع نظر؛ لاندفاع الأوّل:بقيام المخرج عنه الراجح عليه في حدّ ذاته،لكونه خاصّاً فليقدّم،مع اعتضاده بفتوى الأصحاب كافّة كما اعترف به الخصم،و بإجماع الغنية و غيرها.

و الثاني:بخروجه عن المتنازع إن أُريد بالحرج ما يزيد على ما لا بُدَّ منه في التكاليف،كما صرح به في التنقيح (1)،و مع ذلك يختصّ بموضع الحرج،و بالتزامه إن أُريد به ما لا بُدَّ منه فيها،لقيام الدليل المتقدم عليه، فإنه دليل و أيّ دليل.

و الثالث:بالمنع عنه أوّلاً،و بكفاية الظهور بعد تسليمه ثانياً.

و الحملان على تقدير جريانهما فيها لا وجه لارتكابهما بعد مخالفتهما الظاهر،و لا سيّما الثاني،إلّا ما يتوهم من الدليلين الأوّلين،و قد مرّ أن النصوص بالإضافة إليهما خاصة فلتقدم عليهما البتة.و على تقدير كونها عامّة و أن التعارض وقع بين العمومين فلا ريب أن عمومها أرجح على عموم الأوّلين؛ لاعتضادها بفتاوى الأصحاب و الإجماع المحكي في البين،فتأمّل.

و لو ظهر من الوصي المتّحد أو المتعدد خيانة أو فسق آخر انعزل بمجرّده أو بعزل الحاكم على اختلاف القولين المتقدمين و استبدل

ص:332


1- التنقيح الرائع 2:393.

به الحاكم أميناً مستقلا إن كان المعزول واحداً،أو منضماً إلى الباقي إن كان أكثر.

و إنما أعاد المسألة مع سبقها (1)لبيان جواز الاستبدال؛ إذ لم يتقدم له ذكر سابقاً.

عدم ضمان الوصي إلا مع التعدي أو التفريط

و الوصي أمين لا يضمن إلّا مع تعدٍّ أو تفريط بلا خلاف،كما في المسالك و غيره (2).

و ما يستفاد من الأخبار من إطلاق ضمانه محمول على ما إذا فرّط.

و أمّا ما ورد بضمانه بتبديله فمستفيض،و منه الصحيح:عن رجل أوصى إلى رجل و أمره أن يعتق عنه نسمة بستّمائة درهم من ثلثه،فانطلق الوصي و أعطى الستّمائة درهم رجلاً يحجّ بها عنه؟قال:فقال:«أرى أن يغرم الوصي من ماله ستّمائة درهم،و يجعل الستّمائة فيما أوصى به الميت من نسمة» (3).

و يجوز للوصي أن يستوفي دينه مما في يده من مال الموصي مطلقاً،و لو من دون بيّنة،عجز عنها أم لا،على الأقوى،وفاقاً للشهيدين و غيرهما (4)؛ لعموم أدلّة جواز المقاصّة لمن له دين على آخر (5).

و لأن الفرض كونه وصيّاً في إثبات الديون،فيقوم مقام الموصي في ذلك،و الغرض من البيّنة و الإثبات عند الحاكم جواز كذب المدّعى في

ص:333


1- في ص 312.
2- المسالك 1:415؛ و انظر الحدائق 22:581.
3- الكافي 7:3/22،الفقيه 4:533/154،التهذيب 9:887/226،الوسائل 19:348 أبواب أحكام الوصايا ب 37 ح 1.
4- الشهيدان في اللمعة(الروضة البهية 5):77؛ و انظر التنقيح الرائع 2:394.
5- انظر الوسائل 17:272 أبواب ما يكتسب به ب 83.

دعواه فنيطت بالبينة شرعاً،و علمه بدينه أقوى منها،بناءً على جواز خطائها دونه.

و لأنه بقضائه الدين محسن،و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ. [1]

خلافاً للنهاية و القاضي (1)،فلم يجوّزا ذلك إلّا مع البينة،و حجّتهم عليه غير واضحة سوى الأصل،و الموثق:إن رجلاً أوصى إليّ فسألته أن يشرك معي ذا قرابة له،ففعل،و ذكر الذي أوصى إليه لي أن له قِبَل الذي أشركه في الوصية خمسين و مائة درهم و عنده رهن بها جام فضة،فلما هلك الرجل أنشأ الوصي يدّعي أنه له قِبَله أكرار حنطة،قال:«إن أقام البينة،و إلّا فلا شيء له» قال:قلت:أ يحلّ له أن يأخذ مما في يده شيئاً؟ قال:«لا يحلّ له» قلت:أ رأيت لو أن رجلاً عدا عليه فأخذ ماله فقدر على أن يأخذ من ماله ما أخذ أ كان ذلك له؟قال:«إن هذا ليس مثل هذا» (2).

و يضعّف الأوّل بلزوم الخروج عنه بما مر.

و الثاني:أولاً:بعدم مقاومته لما تقدم،من حيث كثرته و اشتهاره دون الثاني.

و ثانياً:بالقول بموجبه من حيث فرضه في استيفاء أحد الوصيين على الاجتماع بدون إذن الآخر،و ذلك فإن أحد الوصيين كذلك بمنزلة الأجنبي ليس له الاستيفاء إلّا بإذن الآخر كباقي التصرفات،و ليس للآخر تمكينه منه بدون إثباته.و لا كذلك ما نحن فيه؛ لفرضه في الوصي المستقل،و قد نبّه عليه بقوله في آخر الخبر بعد أن سأله عن أخذ ماله قهراً:«إن هذا ليس مثل

ص:334


1- النهاية:608،القاضي في المهذب 2:118.
2- الكافي 7:1/57،الفقيه 4:613/174،التهذيب 9:910/232،الوسائل 19:428 أبواب أحكام الوصايا ب 93 ح 1؛ بتفاوت.

هذا» و المراد أن هذا إنما يجب أن يأخذ بإذن الآخر فليس له أن يمكّنه من الأخذ بمجرد دعواه،بخلاف من يأخذ من مال من أخذ ماله مقاصّةً،فإن له ذلك حيث لا يطّلع عليه أحد،و هو منتفٍ هنا،كذا قيل (1).

و يمكن أن يتنظّر فيه أولاً:بمخالفة هذا الفرق لإطلاق كلام أرباب القول الأوّل،بناءً على أن الظاهر أن مرادهم بالوصي و إن كان بلفظ المفرد الجنس الشامل له و للفرد الآخر،و إلّا لزم عدم جواز استيفاء أحد الوصيين دينه مع علم الآخر بثبوته على الموصي حال الاستيفاء،و لعله مخالف لظاهر مرامهم،و لا أظن القائل يلتزمه،مع أن عموم أدلّة الجواز شامل له و لمحل الفرض في الخبر.

و ثانياً:بعدم وضوح الفرق إلّا من حيث عدم جواز الأخذ بدون إذن الآخر؛ لعدم استقلاله بالإذن في التصرف.و هو يتمّ إذا كان الوجه في جواز الاستيفاء هو الوصية إليه و إذنه في التصرف،و ليس كذلك،لما عرفت من أدلته التي منها أدلّة جواز المقاصّة،و كونه محسناً،و بالجملة فوجوه الجواز عديدة،منها الأدلة المزبورة العامة لصورتي كون المستوفي وصيّاً و عدمه، و على هذا فيجوز الأخذ بدون إذن الآخر،لجوازه بدون إذن الموصي لو كان حيّاً فلأن يجوز بدون إذنه أولى.

نعم،عليه يتوقف المقاصّة على صورة العجز عن الإثبات بالبينة إن قلنا باشتراطه في مسألة المقاصّة،و إلّا كما هو الأشهر الأقوى ثمة فلا توقف عليها أصلاً.

و للحلّي و الماتن في الشرائع و الفاضل في المختلف (2)هنا قول

ص:335


1- قال به الشهيد في المسالك 1:415.
2- الحلي في السرائر 3:192،الشرائع 2:257،المختلف:511.

بالتفصيل بين صورتي العجز عن الإثبات فالأوّل،و عدمه فالثاني،و وجهه غير واضح غير الحوالة على مسألة المقاصّة إن قيل بهذا التفصيل فيها.

و ربما ينسب هذا القول إلى النهاية و القاضي (1)،مع أن المستفاد من عبارتهما المنقولة في المختلف و غيره (2)هو الثاني.

و العجب من الذي نسبه إليهما أنه استدل لهما بالموثق الذي مضى، مع أن ظاهره كما ترى المنع مع عدم إقامة البينة مطلقا،و لو كان عاجزاً عنها،هذا.

و يمكن توجيه القول الثاني باستلزام مقاصّته التصرف في المال المشترك بينه و بين الورثة من دون إذنهم أو إذن الحاكم مع عدم تقصيرهم في الأداء،و لا تشمله أدلّة المقاصّة،لانصرافها بحكم التبادر إلى صورة حياة المديون خاصّة،و ليس فيها المانع المتقدم إليه الإشارة.

و لعل هذا هو وجه الفرق المصرّح به في الرواية المتقدمة دون ما ذكره القائل المتقدم.

و على هذا الوجه لا فرق بين الوصي المتّحد و المتعدّد مطلقاً،إلّا أن يقال بالمنع عن جريان علّة المنع المذكورة في هذا الوجه في المتحد،بناءً على قيامه مقام الموصي مستقلا في أداء دينه،و لذا يجوز له أداؤه إذا كان لغيره بعد علمه بثبوته إلى حال الأداء اتفاقاً،فتأمّل جدّاً.

و يمكن توجيه مختار الماتن في الشرائع أمّا في محل المنع فبما مرّ:

من لزوم التصرف بدون الإذن الممنوع منه،و في محل الجواز بتخصيص وجه المنع بأدلّة نفي الضرر و لزوم العسر و الحرج.

ص:336


1- انظر الحدائق 22:583.
2- المختلف:511؛ و انظر النهاية 608،و المهذّب 2:118.

و هذا في الجملة أحوط،و إن كان القول الأوّل أظهر،لكن في الوصي المتحد و المتعدّد على الانفراد،دون الاجتماع؛ لقوة المنع فيه،كما ذكره القائل المتقدم،بناءً على انحصار دليل الجواز على ما ذكر هنا من التحقيق في الإذن بالوصية خاصّة،دون أدلّة نفي السبيل عن المحسن و جواز المقاصّة،و إن استدل باُولاهما القائل المزبور،و بها و بثانيتهما الحلّي، فإنهما بمحلٍّ من القصور،فالثاني:بما مرّ من اختصاصه بحكم التبادر بحال حياة المديون،فلا عموم فيها للمفروض،و الأوّل:بأنه لا يخصّص ما دلّ على المنع عن التصرف في المال المشترك.

و يجوز له أيضاً أن يُقوّم مال اليتيم على نفسه بثمن المثل فصاعداً إذا لم يكن غيره هناك للزيادة باذلاً،على الأقوى،وفاقاً للنهاية و القاضي و الفاضلين و الشهيدين و المفلح الصيمري و غيرهم من المتأخّرين (1)؛ للخبر المنجبر قصور سنده بعمل الأكثر،و فيه:هل للوصي أن يشتري من مال الميت إذا بيع فيمن زاد،يزيد و يأخذ لنفسه؟فقال:

«يجوز إذا اشترى صحيحاً» (2).

و علّلوه أيضاً بأنه بيع وقع من أهله في محلّه؛ لأنه جائز التصرف يصحّ أن يقبل الشراء و يتملّك العين،فينفذ،لانتفاء المانع المدّعى كما يأتي،و الأصل عدم غيره.

ص:337


1- النهاية:608،القاضي في المهذب 2:118،المحقق في الشرائع 2:257،العلّامة في المختلف:511،الشهيد الأول في الدروس 2:327،الشهيد الثاني في المسالك 1:415،و انظر التنقيح الرائع 2:395،و جامع المقاصد 11:287.
2- الكافي 7:10/59،الفقيه 4:566/162،التهذيب 9:950/245،الوسائل 19:423 أبواب أحكام الوصايا ب 89 ح 1.

خلافاً للحلّي و الخلاف (1)،فلم يجوّزاه؛ لوجوب التغاير بين الموجب و القابل،و هو مفقود في المقام،و قياسه على شراء الأب من مال ولده الصغير الجائز بإجماعنا حرام.

و لما روي من أن رجلاً أوصى إلى رجل ببيع فرس له،فاشتراه الوصي لنفسه،و استفتى عبد اللّه بن مسعود،فقال:ليس له ذلك (2).استدلّ بهذا دون الأوّل في الخلاف،قال بعده:و لا يعرف له أي لابن مسعود مخالف.

و فيهما نظر؛ لمنع الأوّل إن أُريد به التغاير الحقيقي،كيف لا و قد ادّعى الطوسي على كفاية التغاير الاعتباري في عقد النكاح إجماعنا (3)،و هو حاصل هنا،فيكون كافياً فيه بطريق أولى.

و القياس المزبور حرام لو لم يكن من باب اتحاد طريق المسألتين، و إلّا كما ادّعاه بعض الأصحاب (4)فلا.

و الرواية بعد تسليم سندها لا حجة فيها،حيث لم يحك فيها عن صاحب الشريعة،و دعوى الشيخ عدم مخالف لابن مسعود بعد تسليم كونها حجة لا تعارض الرواية المنجبرة بالشهرة العظيمة،و الدليل الآخر المتقدم إليه الإشارة،و هو و إن كان في صلوحه للحجّية مناقشة،إلّا أنه كاتحاد طريق المسألتين المتقدم ذكره صالح للتأييد و التقوية.

ص:338


1- الحلي في السرائر 3:193،الخلاف 3:346.
2- المجموع للنووي 14:124،المغني لابن قدامة 5:238 مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه.
3- الخلاف 4:288.
4- انظر التنقيح الرائع 2:395.

نعم،يؤيّد ما ذكراه الأخبار المانعة للوكيل عن الشراء لنفسه (1).لكن لا تصلح للحجّية؛ إما لعدم المصير إليها ثمة،كما ذهب إليه جماعة (2)؛ أو لاختصاصها بما ليس منه مفروض المسألة.

و يجوز له أيضاً أن يقترضه أي مال اليتيم،وفاقاً للنهاية و جماعة (3)،بل نسبه في الكفاية و غيره (4)إلى الشهرة؛ للنصوص المستفيضة،منها الصحيح:في رجل ولّى مال اليتيم أ يستقرض منه؟فقال:

«إن علي بن الحسين عليهما السلام قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره، فلا بأس بذلك» (5).

و نحوه بعينه خبران آخران (6)،لكن بدون تفريع نفي البأس.

و قصور سندهما منجبر بالشهرة الظاهرة و المحكية،مع اعتباره في أحدهما بابن محبوب المجمع على تصحيح رواياته.

و هذه النصوص كغيرها و إن كانت مطلقة،إلّا أنه ينبغي تقييدها بما إذا كان الوصي مليئاً كما ذكره الجماعة،و استفيد من نصوص أُخر معتبرة،منها القريب من الصحيح،بل الصحيح كما قيل (7):في رجل عنده مال اليتيم فقال:«إن كان محتاجاً ليس له مال فلا يمسّ ماله،و إن هو اتّجر

ص:339


1- الوسائل 17:391 أبواب آداب التجارة ب 6.
2- منهم:الشهيدان في اللمعة و الروضة(الروضة البهية 4):384،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 9:560،و صاحب الحدائق 22:98.
3- النهاية:361؛ و انظر المختلف:345،و المسالك 1:173.
4- الكفاية:89؛ و انظر المسالك 1:173.
5- الكافي 5:5/131،الوسائل 17:258 أبواب ما يكتسب به ب 76 ح 1.
6- الكافي 5:6/131،8/132،التهذيب 6:953/341،الوسائل 17:259 أبواب ما يكتسب به ب 76 ذيل الحديث 1.
7- الحدائق 18:328.

به فالربح لليتيم و هو ضامن» (1).

و الخبر:كان لي أخ هلك،فوصّى إلى أخٍ أكبر مني و أدخلني معه في الوصية،و ترك ابناً له صغيراً و له مال،أ فيضرب به أخي فما كان من فضل سلّمه لليتيم و ضمن له ماله؟فقال:«إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف فلا بأس به،و إن لم يكن له مال فلا يعرض لمال اليتيم» (2)و نحوه آخر (3).

و شرط بعضهم (4)الرهن عليه،و ليس في النصوص مع ورودها في مقام الحاجة دلالة عليه،لكن التحفّظ في مال اليتيم بقدر الإمكان طريق الاحتياط،قال اللّه تعالى وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [1] (5).و لذا إن الحلّي لم يجوّز الاقتراض من ماله على الإطلاق (6).و لكنه شاذّ،و بالنصوص المتقدمة مضعّف.

و فسّر الملاءة بعض (7)بأن يكون للمتصرف فيه مال بقدر مال الطفل فاضلاً عن المستثنيات في الدين و عن قوت يوم و ليلة له و لعياله الواجبي

ص:340


1- الكافي 5:3/131،التهذيب 6:955/341،الوسائل 17:257 أبواب ما يكتسب به ب 75 ح 3.
2- الكافي 5:1/131،التهذيب 6:957/342،الوسائل 17:257 أبواب ما يكتسب به ب 75 ح 1.
3- الكافي 5:4/131،التهذيب 6:954/341،الوسائل 17:258 أبواب ما يكتسب به ب 75 ح 4.
4- كالفيض الكاشاني في المفاتيح 3:136.
5- الأنعام:152.
6- السرائر 2:212.
7- كالشهيد الثاني في المسالك 1:50.

النفقة.

و آخر (1)بأن يكون المتصرف قادراً على أداء المال المأخوذ من ماله إذا تلف بحسب حاله.

و ليس في النصوص ما يدل على شيء منهما صريحاً،و الخبران الأخيران يحتملان الانطباق على كلّ منهما،لكن الثاني لعله أظهر و أوفق بالحفظ المعتبر في مال اليتيم،و أنسب بمدلول الآية الكريمة.

و الظاهر اعتبار الإشهاد،كما قيل (2)؛ حفظاً للحق عن التلف.

قال الشهيد الثاني:و إنما يصح له التقويم على نفسه مع كون البيع مصلحة للطفل؛ إذ لا يصحّ بيع ماله بدونها مطلقاً،و أمّا الاقتراض فشرطه عدم الإضرار بالطفل و إن لم يكن المصلحة موجودة (3).و استحسنه في الكفاية (4).

و لا يخلو في الثاني عن قوة؛ لإطلاق النصوص المتقدمة.

و اعلم أنه تختصّ ولاية الوصي بما عيّن له الموصي من التصرفات و الولايات عموماً كان ما عيّن له،كأنت وصيي في كلّ قليل أو كثير،أو في كلّ مالي فيه ولاية،و نحوه أو خصوصاً مطلقاً،بشيء معين كان مختصّاً،كأنت وصيّي فيما أوصيت به يوم الدفن،أو فيما ذكرته في وصيّتي و كان قد ذكر أشياء مخصوصة و نحو ذلك،أو بوقت،كأنت وصيّي إلى سنة،أو إلى أن يبلغ ابني فلان،و شبه ذلك،أو بالأحوال،كأن

ص:341


1- كصاحب المدارك 5:18.
2- قاله الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:395.
3- المسالك 1:173.
4- الكفاية:89.

يوصي إلى زوجته إلى أن تتزوج و غير ذلك.

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده؛ لعموم ما دلّ على تحريم تبديل الوصيّة.

و لو قال:أنت وصيّي و أطلق قيل:كان لغواً (1)،و عن المحقق الثاني أنه حكى عن الشارح الفاضل عدم الخلاف فيه (2)،و نسبه في الكفاية إلى كلام الأصحاب كافّة،قال:و لا يبعد كونه وصيّاً على الأطفال؛ لأنه المفهوم في المتعارف (3).

و هو حسن حيث ثبت،و إلّا فالأوّل أثبت.

و لو قال:أنت وصيّي على أولادي ففي انصراف الوصية إلى التصرف في مالهم بما فيه الغبطة،أو إلى حفظه خاصّة،أو عدم الصحة ما لم يبيّن ما فوّض إليه،أوجه ثلاثة،اختار أوّلها في الكفاية (4).

جواز أخذ الوصي أُجرة المثل

و يجوز أن يأخذ الوصي أُجرة المثل لعمله إن عيّنها له الموصي مطلقاً،بلا خلاف،كما في التنقيح (5)،و كذا الزيادة لو وافقت الثلث،و إلّا فتتوقّف على إجازة الورثة.

و كذا إن لم يعيّنها بشرط أن لا يكون بعمله متبرّعاً،وفاقاً للمحكي عن الشيخ و الفاضل و الشهيد (6)؛ لأنه عمل محترم غير متبرّع به فكان له

ص:342


1- قال به العلّامة في التذكرة 2:508،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 11:262.
2- جامع المقاصد 11:262؛ و انظر إيضاح الفوائد 2:623.
3- الكفاية:151.
4- الكفاية:151.
5- التنقيح الرائع 2:396.
6- الشيخ في النهاية:362،الفاضل في المختلف:345،الشهيد في الدروس 2:327.

اجرة مثله.

و للخبر،بل الصحيح كما قيل (1):عمّن تولّى مال اليتيم ما له أن يأكل منه؟فقال:«ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك» (2).

و عن مجمع البيان أنه الظاهر من روايات أصحابنا (3).

و قيل كما عن النهاية و الحلي (4):يأخذ قدر الكفاية لقوله سبحانه وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [1] (5)و هو ما لا إسراف فيه و لا تقتير.

و للمعتبرة المستفيضة،منها الصحيحان المفسّران للمعروف بالقوت (6).

و الموثقان في تفسيره أيضاً،في أحدهما:«فليأكل بقدر و لا يسرف» (7).

و في الثاني:«له أن يصيب من لبنها من غير نهك بضرع و لا فساد لنسل» (8).

ص:343


1- قال به صاحب الحدائق 18:337.
2- التهذيب 6:960/343،الوسائل 17:251 أبواب ما يكتسب به 72 ح 5.
3- مجمع البيان 2:10.
4- النهاية:361،الحلي في السرائر 2:211.
5- النساء:6.
6- الكافي 5:3/130،التهذيب 6:950/340،و ج 9:949/244،الوسائل 17:250 أبواب ما يكتسب به ب 72 ح 1.
7- الكافي 5:1/129،التهذيب 6:948/340،الوسائل 17:251 أبواب ما يكتسب به ب 72 ح 4.
8- الكافي 5:4/130،التهذيب 6:951/340،قرب الإسناد:47،الوسائل 17:250 أبواب ما يكتسب به ب 72 ح 2.

و الخبر المروي عن تفسير العياشي:«فليشرب من ألبانها غير مجهد للحلاب،و لا مضرّ بالولد» (1).

و يمكن إرجاع هذه الأدلّة إلى الأوّل،لكنّه فرع التكافؤ.

و الأحوط بل الأولى كما عن المبسوط و التبيان (2)أن له أقلّ الأمرين؛ جمعاً بين الأدلّة،و اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن من الفتوى و الرواية.

هذا مع الحاجة في الوصي و فقره.

و أمّا مع غناه فالأحوط بل اللازم كما عن الحلي (3)أن لا يأخذ شيئاً؛ للأصل،و نصّ الآية الكريمة مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ [1] (4)و الموثق:«من كان يلي شيئاً لليتامى و هو محتاج ليس له ما يقيمه..فليأكل بقدر و لا يسرف،و إن كانت ضيعتهم لا تشغله عما يعالج لنفسه فلا يرزأنّ من أموالهم شيئاً» (5).

خلافاً للمحكي عن الإسكافي و الطوسي (6)،فجوزّاه على كراهةٍ، و وافقهما العلّامة (7)؛ لقرينة العفة الظاهرة في الجواز مع الكراهة.

و في هذه القرينة مناقشة،فلا يصرف الأمر في الآية و الرواية عن

ص:344


1- تفسير العياشي 1:28/221،المستدرك 13:195 أبواب ما يكتسب به ب 60 ح 3.
2- المبسوط 2:136،لم نعثر عليه في التبيان،حكاه عنه في السرائر 2:211 و المختلف:345.
3- السرائر 2:211.
4- النساء:6.
5- تقدّم مصدره في ص 340 الهامش(7).
6- حكاه عن الإسكافي في المختلف:345،الطوسي في النهاية:362.
7- المختلف:345.

ظاهره بمثلها.

ثم ظاهر إطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم الفرق في جواز الأخذ بين كثرة المال و قلّته،و هو الموافق لإطلاق الآية و كثير من الروايات الواردة في المسألة،لكن في جملة منها اشتراط الكثرة.

ففي القريب من الصحيح الوارد في تفسير الآية:فقال:«ذاك الرجل يحبس نفسه عن المعيشة،فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم،فإن كان قليلاً فلا يأكل منه شيئاً» (1)و نحوه المروي عن تفسير العياشي (2).

و لا ريب أنه أحوط،كالمستفاد منهما و من خبرين آخرين مرويّين عن التفسير المزبور (3)من اشتراط صرف العمل كله في مال اليتيم دون نفسه،فلا يأخذ إن عمل لنفسه مطلقاً احتياطاً،بل وجوباً إذا حصل له بذلك غنى؛ لما مضى.

ثم إنّه على القول الثاني هل المراد بالكفاية ما يكفيه و عياله،أو يقتصر على نفسه خاصّة؟وجهان،و ربما يدّعى ظهور الأوّل من روايات المسألة.

و لا يخلو عن مناقشة،و لا ريب أن الثاني أحوط،و إن كان ما يدّعى لا يخلو عن وجه.

ص:345


1- الكافي 5:5/130،التهذيب 6:952/341،الوسائل 17:251 أبواب ما يكتسب به ب 72 ح 3.
2- تفسير العياشي 1:29/221،المستدرك 13:195 أبواب ما يكتسب به ب 60 ح 1.
3- تفسير العياشي 1:31/222،32،الوسائل 17:252،253 أبواب ما يكتسب به ب 72 ح 9،10.
حكم إيصاء الوصي إلى غيره

و إذا كان الوصي أذن له الموصي في الوصية فيما أوصى به إليه إلى الغير جاز له الإيصاء فيه إليه،بلا خلاف فيه و في العدم مع المنع،بل عليه الإجماع في كلام جماعة،كالصيمري و غيره (1)؛ و هو الحجة فيهما،مضافاً إلى الأُصول في الثاني،و الرواية الآتية فحوًى أو منطوقاً على ما فهمه الجماعة في الأوّل.

و لو أطلق ف لم يأذن و لم يمنع فقولان،أشبههما و أشهرهما بين المتأخّرين،بل لعلّه عليه عامّتهم أنه لا يصحّ وفاقاً للمفيد و التقي و ابن زهرة و الحلي (2)؛ اقتصاراً في التصرف في مال الغير الممنوع منه على مورد الإذن،و ليس إلّا التصرف للوصي الأوّل حال حياته.

خلافاً للإسكافي و النهاية و القاضي (3)،فجوّزوه كالأوّل؛ للصحيحة:

رجل كان وصي رجلٍ فمات و أوصى إلى رجل،هل يلزم الوصي وصية الرجل الذي كان هذا وصيّه؟فكتب عليه السلام:«يلزمه بحقّه إن كان له قبله حقّ إن شاء اللّه تعالى» (4)بناءً على أن المراد بالحق هنا حق الإيمان فكأنه قال:

يلزمه إن كان مؤمناً وفاؤه لحقّه بسبب الإيمان،فإنه يقتضي معونة المؤمن و قضاء حوائجه التي أهمّها إنفاذ وصيته.

و لأنّ الموصي أقامه مقام نفسه،فيثبت له من الولاية ما ثبت له.

ص:346


1- انظر التنقيح الرائع 2:397،و الروضة 5:66.
2- المفيد في المقنعة:675،التقي في الكافي في الفقه:366،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):604،الحلي في السرائر 3:191.
3- نقله عن الإسكافي في المختلف:511،النهاية:607،القاضي في المهذّب 2:117.
4- الفقيه 4:587/168،التهذيب 9:850/215،الوسائل 19:402 أبواب أحكام الوصايا ب 70 ح 1.

و لأن الاستنابة من جملة التصرفات المملوكة بالنص.

و يضعّف الأوّل بعد الإغماض عن كونه مكاتبة غير حجة،أو لأدلّة المنع غير مكافئة كونه مجملاً في الدلالة؛ لما ذكره الجماعة:من احتماله ما يضادّ الأوّل،بأن يراد بحقه الوصية إليه بأن يوصي،و ضمير حقّه راجع إلى الموصي الأوّل،و المعنى حينئذٍ:أن الوصية تلزم الوصي الثاني بحقّ الأوّل إن كان له أي للأوّل قبله أي قبل الوصي الأوّل حق،بأن يكون قد أوصى إليه و أذن له أن يوصي،فقد صار له قِبَله حق الوصية،فإذا أوصى بها لزمت الوصي الثاني،و مع تطرّق الاحتمال يسقط الاستدلال،إن لم يكن الثاني أرجح.

ثم إن هذا على ما فهموه من الرواية:من تعلّق وصية الوصي إلى الغير بما أوصى إليه الموصي الأوّل.و أمّا على ما يظهر منها بعد تعمّق النظر فيها من أن المراد بالسؤال أن الوصي أوصى إلى الغير فيما يتعلّق به و جعله وصيّاً لنفسه،فهل يدخل في هذه الوصية وصية الموصي الأول فيلزم الوصي الثاني العمل بها أيضاً،أم لا؟فكتب عليه السلام الجواب بما مضى فلا وجه أيضاً للاستدلال به؛ لكونه على هذا التقدير أيضاً مجملاً.

و مقتضاه حينئذٍ أنه إن كان للوصي الأول قِبَله أي قِبَل الوصي الثاني حقّ من جهة وصية الموصي الأوّل لزمه الوفاء به،و إلّا فلا،و يكون المراد بالحق حينئذٍ حق التوصية إلى الوصي الثاني،بأن صرّح له بالوصية، فيرجع حاصل الجواب إلى أن وصية الأوّل لا تدخل في إطلاق وصية الموصي الثاني إلّا أن يصرّح به،و هو كما ترى غير مورد النزاع.

و إطلاقه و إن شمله إلّا أنه لا عبرة به؛ بناءً على ظهور وروده لبيان حكم غيره،فيكون الخبر بالنسبة إلى مورد النزاع من جواز وصية الوصي

ص:347

إلى الغير فيما أوصى به إليه الموصي و عدمه مجملاً محتملاً لاختصاص الحكم فيه بالجواز مع الشرط بالموضع المتيقن المجمع عليه،و هو صورة الإذن فيها لا مطلقاً.

و يحتمل هنا احتمال آخر لا يتأتّى معه الاستدلال أيضاً كما سبق.

و يضعّف الثاني:بأن إقامته مقام نفسه إنما هي في فعله مباشرة بنفسه،كما هو الظاهر.

و الثالث:بمنع كون الاستنابة من جملة التصرفات؛ فإن رضاه بنظره مباشرة لا يقتضي رضاه بفعل غيره،لاختلاف الأنظار و الأغراض في ذلك.

من لا وصي له فالحاكم ولي تركته

و من لا وصي له فالحاكم ولي تركته بلا خلاف فيه و في أن المراد بالحاكم الإمام عليه السلام إن كان،و إلّا فالفقيه الجامع لشرائط الفتوى،و مع عدمه فالتولية لعدول المؤمنين،وفاقاً للطوسي و أكثر المتأخرين (1)؛ للمعتبرة المستفيضة المؤيّدة بأن فيه الإعانة على البرّ المأمور بها في الكتاب و السنة، و عموم قوله سبحانه وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [1] (2)و نحو ذلك من المؤيّدات القوية التي أعظمها الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلها إجماع في الحقيقة.

و خلاف الحلّي كتردّد الماتن في الشرائع (3)شاذّ غير ملتفت إليه.مع احتمال عبارة الأوّل ما يوافق الجماعة،بإرادته منها المنع عن ولايتهم إذا كان هناك حاكم الشريعة.

و يستثنى من محل المنع على تقديره ما يضطرّ إليه الأطفال و الدواب

ص:348


1- الطوسي في النهاية:608؛ و انظر الجامع للشرائع:492،و التنقيح الرائع 2:398،و اللمعة(الروضة البهية 5):78.
2- التوبة:71.
3- الحلي في السرائر 3:193،الشرائع 2:257.

من المئونة،و صيانة المال المشرف على التلف،فإن ذلك و نحوه واجب على المسلمين كفايةً فضلاً عن العدول منهم،كإطعام الجائعين المضطرين، و نحو ذلك.

و لو كان الحاكم بعيداً و أمكن المراجعة إليه و لو بعد مدة اقتصروا في التصرف على ما لا بُدَّ منه،و أخّروا ما يسع تأخيره.

الخامس في الموصى به و فيه أطراف

اشارة

الخامس:في الموصى به.

و فيه:أطراف

الأوّل في متعلق الوصية

الأوّل:في متعلق الوصية،و يعتبر فيه أن يكون له قابليّة الملك لكل من الموصي و الموصى له.

فلا تصحّ الوصية بالخمر الغير المحترمة المتّخذة لغير التخليل و لا بآلات اللهو و لا الخنزير،و لا كلب الهراش،و نحو ذلك،بلا خلاف أجده،بل الإجماع عليه في التذكرة (1)و على جواز الوصية بالكلاب الأربعة معلِّلاً الأخيرَ بأن فيه نفعاً مباحاً،و تقرّ اليد عليه،و الوصية تبرّع تصحّ في المال و غير المال من الحقوق،و أنه تصح هبته فتصح الوصية به كالمال.

و يستفاد منه جواز الوصية بكل ما فيه نفع محلّل مقصود و إن لم يجز بيعه كالفيل و نحوه،على القول بالمنع عن بيعه،و به صرح في التذكرة (2)في المثال و غيره.

و يجوز أن يوصي بالثلث من تركته فما نقص بدون إذن الورثة إجماعاً،لا زائداً كذلك،على الأشهر الأقوى،بل عليه إجماع

ص:349


1- التذكرة 2:483.
2- التذكرة 2:481.

العلماء،كما صرّح به في الغنية و التنقيح و التذكرة (1)؛ و هو الحجة.مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الخاصيّة و العاميّة (2)،و هي بالمعنى متواترة.

قالوا:خلافاً لوالد الصدوق (3)،فجوّز الوصية بالمال كله؛ للرضوي:

«فإن أوصى بماله كله فهو أعلم بما فعله،و يلزم الوصي إنفاذ وصيّته على ما أوصى به» (4).

و هو كمستنده شاذّ،و إن تأيّد بالإطلاقات،و بعض الروايات الضعيفة الأسانيد،منها:«الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح،إن أوصى به كلّه فهو جائز» (5).

و منها:أوصى رجل بتركته متاع و غير ذلك لأبي محمد عليه السلام،فكتبت إليه:جعلت فداك،رجل أوصى إليّ بجميع ما خلّف لك،و خلّف ابنتَيْ أُختٍ له،فرأيك في ذلك؟فكتب إليّ:« بع ما خلّف و ابعث به إليّ» فبعت و بعثت به إليه،فكتب إليّ:« قد وصل إليّ» (6)و نحوه خبران آخران (7).

ص:350


1- الغنية(الجوامع الفقهية):604،التنقيح الرائع 2:399،التذكرة 2:482.
2- الوسائل 19:أبواب أحكام الوصايا الأبواب 8،9،10؛ و انظر سنن الترمذي 3:2199/291،و سنن أبي داود 3:2864/112،و سنن الدارمي 2:407.
3- حكاه عنه في المختلف:510.
4- فقه الرضا(عليه السلام):298،المستدرك 14:96 أبواب أحكام الوصايا ب 9 ح 6 و فيه صدر الحديث.
5- الكافي 7:2/7،الفقيه 4:520/150،التهذيب 9:753/187،الإستبصار 4:459/121،الوسائل 19:298 أبواب أحكام الوصايا ب 17 ح 5.
6- التهذيب 9:785/195،الإستبصار 4:468/123،الوسائل 19:280 أبواب أحكام الوصايا ب 11 ح 16.
7- التهذيب 9:195،785/196،الإستبصار 4:468/123،الوسائل 19:281 أبواب أحكام الوصايا ب 11 ح 17،18.

لضعف الإطلاقات بالإجمال أوّلاً،و بعدم مكافأتها كالأخبار التالية و الرضوي لما مضى من الأدلّة ثانياً.

مع قصور الرواية الأُولى عن الدلالة على الحكم في المتنازع فيه جدّاً من وجوه شتّى:

منها:أن غايتها الجواز،و لا كلام فيه،إنما الكلام في اللزوم و عدمه.

و منها:احتمال أن يراد بالمال الثلث،كما صرّح به الصدوق في المقنع بعد أن روى فيه ما يقرب من هذه الرواية،قال بعد نقله:ماله هو الثلث؛ لأنه لا مال للميت أكثر من الثلث (1).

و منها:احتمال تقييدها بصورة فقد الوارث الخاصّ،كما هو أحد القولين،و إن منع عنه أيضاً في القول الآخر،و لعلّه الأظهر.

و نحو هذه الرواية في القصور دلالة الروايات الأخيرة لوجوه هي في الاستبصار و غيره (2)مذكورة،مع أنها معارضة بصريح أخبار أُخر معتبرة:

منها الصحيح:كان لمحمد بن حسن بن أبي خالد غلام لم يكن به بأس عارف يقال له:ميمون،فحضره الموت فأوصى إلى أبي الفضل العباس بن معروف بجميع ميراثه و تركته أن اجعله دراهم و ابعث بها إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام،و ترك أهلاً حاملاً و إخوة قد دخلوا في الإسلام و أُمّاً مجوسيّة،قال:ففعلت ما أوصى به و جمعت الدراهم و دفعتها إلى محمد ابن الحسن إلى أن قال-:فكتبت و[حصّلت (3)]الدراهم و أوصلتها إليه عليه السلام،فأمره أن يعزل منها الثلث يدفعها إليه و يردّ الباقي على وصيّه

ص:351


1- لم نعثر عليه في المقنع،حكاه عنه في المختلف:510.
2- الاستبصار 4:125؛ و انظر المختلف:510.
3- في النسخ:جعلت،و ما أثبتناه من المصادر.

يردّها على الورثة (1).و نحوه غيره (2)هذا.

و يحتمل عبارة المخالف كالرضوي لما يلتئم مع فتوى العلماء بأن يكون المراد أنه يجب على الوصي صرف المال الموصى به بجميعه على ما اوصي به،من حيث وجوب العمل بالوصية،و حرمة تبديلها بنصّ الكتاب و السنة،و إنما جاز تغييرها إذا علم أن فيها جوراً و لو بالوصية بزيادة عن الثلث،و هو بمجرد احتماله غير كافٍ،فلعلّ الزيادة عنه وقعت الوصية بها من دون حيف أصلاً،كأن وجبت عليه في ماله بأحد الأسباب الموجبة له، و الموصي أعلم به،و هذا غير جواز الوصية بالزيادة تبرّعاً.

و حاصله:أنه يجب على الوصي إنفاذ الوصية مطلقاً و لو زادت عن الثلث،لاحتمال وجوبها عليه في ماله،إلّا أن يعلم بكون الوصية تبرّعاً،فلا يمضي منها إلّا الثلث،كما عليه العلماء.

و هذا التوجيه إن لم نقل بكونه ظاهراً من عبارته فلا أقلّ من تساوي احتماله لما فهموه منها،فنسبتهم المخالفة إليه ليست في محلّها،و عليه نبّه في التذكرة (3)،فلا خلاف من أحدٍ يظهر هنا.

و كيف كان ف لو أوصى بزيادة عن الثلث صحّ في الثلث و بطل في الزائد بمعنى أنه لا يلزم فيه،بل يكون مراعى فإن أجاز الورثة بعد الوفاة صحّ،و إن أجاز بعض الورثة صحّ في حصته دون الباقي،بلا خلاف في شيء من ذلك،بل عليه إجماع العلماء في ظاهر

ص:352


1- التهذيب 9:790/198،الإستبصار 4:473/125،الوسائل 19:277 أبواب أحكام الوصايا ب 11 ح 7.
2- التهذيب 9:937/242،الإستبصار 4:474/126،الوسائل 19:277 أبواب أحكام الوصايا ب 11 ح 8.
3- التذكرة 2:481.

الغنية و صريح التذكرة (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى فحوى النصوص الآتية، و صريح غيرها من المعتبرة.

و لو أجازوا قبل الوفاة ففي لزومه قولان و المروي في المعتبرة اللزوم ففي الصحيحين:رجل أوصى بوصية و ورثته شهود فأجازوا ذلك،فلمّا مات الرجل نقضوا الوصية،هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به؟قال:

«ليس لهم ذلك،الوصية جائزة عليهم» (2)و نحوهما غيرهما (3).

و إليهما ذهب عامّة متأخّري أصحابنا تبعاً للإسكافي و الصدوق و ابن حمزة و الطوسي (4)مدّعياً عليه إجماع الإمامية كما حكي عنه في المختلف و الدروس و شرح القواعد للمحقق الثاني (5).

و لا ريب فيه؛ لصحة أكثر النصوص،و كثرتها،و صراحتها، و اشتهارها،و اعتضادها بالإجماع المنقول،و سلامتها عن المعارض من جهتها،بل و غيرها أيضاً كما سترى.

خلافاً للمفيد و الديلمي و الحلّي (6)،فاختاروا العدم؛ لأن الورثة

ص:353


1- الغنية(الجوامع الفقهية):604،التذكرة 2:481.
2- الكافي 7:1/12 و ذيله،الفقيه 4:512/147،513/148،التهذيب 9:775/193،776،الإستبصار 4:464/122،465،الوسائل 19:283 أبواب أحكام الوصايا ب 13 ح 1.
3- التهذيب 9:777/193،الإستبصار 4:466/122،الوسائل 19:284 أبواب أحكام الوصايا ب 13 ذيل الحديث 1.
4- حكاه عن الإسكافي في التنقيح الرائع 2:400،الصدوق في الفقيه 4:147،ابن حمزة في الوسيلة:375 و فيها نسب اللزوم إلى القيل،الطوسي في الخلاف 4:144،و النهاية:608.
5- المختلف:500،الدروس 2:301،جامع المقاصد 10:113.
6- المفيد في المقنعة:670،الديلمي في المراسم:203،الحلي في السرائر 3:185.

أسقطوا حقوقهم فيما لم يملكوه فلم يلزمهم،كالمرأة إذا أسقطت صداقها قبل التزويج،و الشفيع إذا أسقط حقه من الشفعة قبل البيع.

و لأنها حالة لا يصح فيها ردّهم للوصية بل يلزمهم إذا أجازوها بعده، فلا تصح فيها إجازتهم كما قبل الوصية.

و يضعّفان مضافاً إلى أنهما اجتهاد في مقابلة النص المعتبر بتعلّق حق الورثة بالمال و إلّا لم يمنع الموصي من التصرف فيه.

و بظهور الفرق بين الردّ و الإجازة،فإن الردّ إنما لا يعتبر حال حياة الموصي لأن استمرار الوصية يجري مجرى تجدّدها حالاً فحالاً،بخلاف الردّ بعد الموت و الإجازة حال الحياة.

قيل:و لا فرق بين وصية الصحيح و المريض في ذلك؛ لاشتراكهما في الحَجر بالنسبة إلى ما بعد الوفاة (1)،و إن افترقا في التصرف منجّزاً إن قلنا فيه بالفرق بينهما،و إلّا فلا فرق بينهما هنا أيضاً،و إن افترق الوصية و المنجز على هذا التقدير.

و يعتبر في المجيز جواز التصرف،فلا عبرة بإجازة الصبي و المجنون و السفيه.أمّا المفلّس فإن كانت إجازته حال الحياة نفذت؛ إذ لا ملك له حينئذٍ و إنما إجازته تنفيذ لتصرف الموصي عندنا.

و لو كانت بعد الموت ففي صحتها وجهان مبنيان على أن التركة هل تنتقل إلى الوارث بالموت و بالإجازة تنتقل عنه إلى الموصى له،أم تكون الإجازة كاشفة عن سبق ملكه من حين الموت؟فعلى الأوّل لا تنفذ؛ لتعلق حق الغرماء بالتركة قبل الإجازة،و على الثاني يحتمل الأمرين.

ص:354


1- قال به الشهيد الثاني في الروضة 5:36.

و هل الإجازة تنفيذ أو ابتداء عطية؟ظاهر أصحابنا الأوّل،بل ظاهر المسالك و التذكرة (1)الإجماع عليه،فلا يحتاج إلى إيجاب و قبول،و لا توجب ولاءً للمجيز إذا كان الوصية في عتق،و لا يعتبر في إجازة المريض خروجها من الثلث،و تنتفي هذه الأحكام على الثاني.

و يملك الموصى به بعد الموت لا قبله،بلا خلاف،كما في المسالك و عن المبسوط (2).

و هل يحصل الملك به قهراً كالإرث و إن كان متزلزلاً حتى يقبل،أم به و بالقبول معاً،أم القبول كاشف بالموت؟أقوال غير مستندة إلى حجة معتدّ بها،و الأُمور الاعتبارية متعارضة،لكن لعلّ الأخير أظهر،و عليه الأكثر،كما في المسالك و غيره (3)؛ لا لما علّلوه به،لما مرّ،بل لأن ذلك مقتضى العقد بناءً على أن مقتضى الإيجاب هو انتقال الملك عقيب الموت بلا فصل،و القبول إنما وقع على هذا الإيجاب،هذا.

مضافاً إلى ظواهر كثير من المعتبرة المستفيضة الدالّة على حصول الانتقال بمجرد الموت من دون توقّف على أمر آخر،و قد مضى شطر منها،و فيها الصحيح و غيره.

و هي و إن لم تتضمن اشتراط القبول إلّا أنها مقيّدة أو مخصّصة بما دلّ عليه،و العام المخصّص حجة في الباقي،و لا موجب لتخصيصها بالإضافة إلى ما نحن فيه حتى يرتكب.

و يتفرع على الخلاف فروع كثيرة هي في المطوّلات كالمسالك و غيره

ص:355


1- المسالك 1:393،التذكرة 2:481.
2- المسالك 1:386،المبسوط 4:28.
3- المسالك 1:387؛ و انظر المفاتيح 3:221.

مذكورة (1).

و تصحّ الوصية بالمضاربة بمال ولده الأصاغر على أن يكون الربح بينهما مطلقاً،وفاقاً للنهاية و القاضي و أكثر المتأخرين (2)،بل لعلّه عليه عامتهم؛ للمعتبرين،في أحدهما:دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال:

يا بني اقبض مال إخوتك الصغار و اعمل به،و خذ نصف الربح و أعطهم النصف،و ليس عليك ضمان إلى ان قال-:فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقصصت عليه قصّتي ثم قلت له:ما ترى؟فقال:«ليس عليك فيما بينك و بين اللّه عزّ و جلّ ضمان» (3).

و في الثاني:عن رجل أوصى إلى رجل بولده و بمال لهم،و أذن له عند الوصية أن يعمل بالمال،و أن يكون الربح بينه و بينهم،قال:«لا بأس به من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك و هو حي» (4).

و قصور سندهما بالجهالة مجبور بالشهرة العظيمة،مع وجود ابن أبي عمير في الأوّل و السند إليه صحيح،و هو ممن أجمع على تصحيح ما يصحّ عنهم،فلا يضر جهالة من بعده،و كذا جهالة راوي الثاني،فقد قيل في حقه:إنه لا بأس به (5)،و ربما قيل بحسنه (6)،بل قيل

ص:356


1- المسالك 1:387؛ و انظر الحدائق 22:389.
2- النهاية:608،القاضي في المهذب 2:118؛ و انظر المختلف:511،و التنقيح الرائع 2:403،و الدروس:249.
3- الكافي 7:16/61،الفقيه 4:591/169،التهذيب 9:919/236،الوسائل 19:427 أبواب أحكام الوصايا ب 92 ح 2.
4- الكافي 7:19/62،الفقيه 4:590/169،التهذيب 9:921/236،الوسائل 19:427 أبواب أحكام الوصايا ب 92 ح 1.
5- انظر رجال الكشي 2:623/629،و رجال العلّامة:2/168.
6- قال به المجلسي في مرآة العقول 23:101.

بوثاقته (1)،هذا.

مضافاً إلى تأيّدهما بإطلاقات الكتاب و السنة السليمة كما قيل (2)عمّا يصلح للمعارضة؛ فإن التكسّب بمال الصغير غير واجب على الوصي، و الحاصل من الربح زيادة فائدة،و التعرض للتلف غير قادح،لأن الواجب على العامل مراعاة الأمن و الحفظ و ما فيه مصلحة المال،و العمل به على هذا الوجه راجح عند العقلاء.

و لا يلزم مراعاة المدّة التي شرطها الموصي،بل يصح ما دام الوارث صغيراً،فإذا كمل كان له فسخ المضاربة؛ لأنها عقد مبني على الجواز، و تحديد الموصي لها بمدّة لا يرفع حكمها الثابت بالأصل،و إنما فائدته المنع عن التصرف فيما زاد عليها لا الالتزام بها فيها.

و لا يلزم من ذلك تبديل الوصية و تغييرها المنهي عنه شرعاً؛ لأن تبديلها هو العمل بخلاف مقتضاها،و ليس كذلك هنا،فإنه لما أوصى بعقد جائز فقد عرض العامل لفسخه في كل وقت يمكن،عملاً بمقتضاه، و لا يكون الفسخ تبديلاً للوصية بل عملاً بمقتضاها.

و مورد الخبرين و العبارة هو الأصاغر خاصة،و عن الأكثر الإطلاق المحتمل للكبار،و مستندهم عليه من النص غير واضح.

و إن كانت الصحة في الوصية بما لهم أيضاً غير بعيدة إن حصلت منهم الإجازة،لكن الصحة حينئذٍ ليست مستندة إلى الوصية،فإنها حينئذٍ كالفضولي مستند صحتها إلى الإجازة.

و بعيدة إن لم تحصل بسبب عدم اطّلاع الورثة؛ لاستلزام الصحة

ص:357


1- انظر الحدائق 22:432.
2- راجع مفتاح الكرامة 9:460.

حينئذٍ جواز تصرف العامل بمجرد الوصية و لو مع عدم اطّلاع الورثة،و هو يستلزم أُموراً مخالفة للأُصول المسلّمة التي منها حرمة التصرف في ملك الغير بغير إذنه،و عدم إلزام المالك بما تلف بفعل غيره حيث يقع،و كون الربح تابعاً للمال،لا يستحق منه العامل فيه شيئاً مع علمه أو زائداً على اجرة المثل.

و فائدة الصحة حيث ثبتت أن الوارث إذا لم يفسخ و عمل الموصى له في المال استحق الحصّة المعيّنة له عملاً بمقتضى الوصية و الإجازة،و ليس في هذا مخالفة للأُصول الشرعية،إذ ليس فيه تفويت على الوارث بوجه، و لا منع عن التصرف في ماله حتى يتوقّف على رضاه.

و به يندفع ما يورد على الصحة من تضمّنها الإضرار بالوارث على تقدير زيادة المدّة و قلّة الربح؛ لأنّ ذلك مستند إليه حيث لم يفسخ مع تمكّنه منه فالضرر على تقديره مستند إليه،نعم يتّجه ذلك في صورة عدم الإجازة.

فخلاف الحلي (1)المشترط في الصحة مطلقاً كون المال بقدر الثلث فما دون شاذّ.كمختار الفاضل المقداد في التنقيح (2):من أن المحاباة في الحصّة من الربح بالنسبة إلى أُجرة المثل محسوبة من الثلث.

و هما مع ذلك ردّ للنصّ المعتبر في الجملة،و لولاه لأمكن المصير إلى عدم الصحة فيما زاد على الثلث مطلقاً،لاستلزامها المخالفة لبعض الأُصول المتقدمة،و هو تبعية الربح لرأس المال،و عدم استحقاق العامل فيه شيئاً أو زائداً على الأُجرة،فتأمّل.

ص:358


1- السرائر 3:192.
2- التنقيح الرائع 2:403.

و لو أوصى بواجب و غيره أُخرج الواجب من الأصل إذا كان مالياً، كالدين و الحج و الباقي من الثلث بلا خلاف أجده،و به صرّح جماعة (1)،بل عليه الإجماع في الغنية (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى إطلاقات الكتاب و السنة بتقديم الدين على الإرث، الشاملة لصورتي الوصية به و عدمها.و مجرد الوصية به لا يوجب صرفه إلى الثلث ما لم يصرح به؛ لعدم التلازم.

و للصحيح:رجل توفّي و أوصى أن يحجّ عنه،قال:«إن كان صرورة فمن جميع المال،إنه بمنزلة الدين الواجب،و إن كان قد حجّ فمن ثلثه» (3)الحديث،و نحوه الموثق (4).و هو كما ترى صريح في عدم التلازم.

و التعليل في الذيل ظاهر في العموم لكل ما هو بمنزلة الدين،فيشمل جميع الواجبات المالية المحضة،كالدين و الزكاة و الكفارات و نذر المال، و المشوبة بالبدن كالحجّ.فما في الكفاية بعد نسبة العموم إلى الأصحاب كافة:من أن الحكم ثابت في الزكاة و الحج الواجبين خاصة،و الحجة في غيرهما غير واضحة (5)المناقشة فيه واضحة.

و إذا كان بدنيّاً كالصلاة و الصوم أُخرج من الثلث،بلا خلاف أجده إلّا من ظاهر إطلاق العبارة و نحوها؛ و حجّته غير واضحة،و يحتمل قويّاً اختصاصه بالواجب المالي خاصّة،و إنما لم يقيّد به اتّكالاً على الوضوح من الخارج.

ص:359


1- انظر التنقيح 2:404 و الحدائق 22:435.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):604.
3- الكافي 4:1/305،الوسائل 11:67 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 25 ح 4.
4- التهذيب 9:693/170،الوسائل 19:357 أبواب أحكام الوصايا ب 40 ح 1.
5- الكفاية:147.

و لعلّه لذا لم ينقل أحد خلافاً في المسألة إلّا المحقق الثاني (1)،فقد حكى القول بإخراجه أيضاً من الأصل كالمالي،لكن لم يصرّح بقائله، و يمكن إرادته الماتن و من حَذا حَذوه في التعبير،و لعلّه بعيد،لكن بعدم الخلاف صرّح بعض الأجلّة (2).

و الفرق بين المقامين واضح؛ فإن الواجب المالي و إن كان مشوباً بالبدن في بعض أفراده لما كان متعلّقاً بالمال حال الحياة وجب إخراجه بعد الموت من المال،و تخرج الأدلّة المتقدمة شاهدة على ذلك.و أمّا الواجب البدني فإنه لمّا كان متعلّقه في حال الحياة إنما هو البدن و بعد الموت مع عدم الوصية به يتعلّق الخطاب به بالولي،فمع عدمه و عدم الوصية لا دليل على وجوب الإخراج من الأصل.

و لو حصر الجميع أي جميع ما أوصى به من الواجب و غيره في الثلث بأن صرّح بإخراجه منه بدئ بالواجب و قُدِّم على غيره و إن تأخّرت الوصية به،سواء كان الواجب ماليّاً أم غيره،و بدئ بعده بالأوّل فالأوّل،كما يقتضيه إطلاق العبارة هنا و في كلام جماعة،بل لم أقف فيه على مخالف عدا الكفاية،فقال:و قطع بعضهم بتقديم البدنية على المتبرّع بها من ثلث الباقي الأوّل فالأوّل،و حجته غير واضحة (3).

و فيه نظر؛ لأولوية الواجب على غيره،مع حصول تيقّن براءة الوصي بصرفه فيه،و لا كذلك لو صرفه في غيره.

مضافاً إلى ظاهر التعليل في الصحيح:إن امرأة من أهلي ماتت

ص:360


1- جامع المقاصد 10:119.
2- الحدائق 22:435.
3- الكفاية:146.

و أوصت إليّ بثلث مالها،و أمرت أن يعتق عنها و يتصدق و يحج عنها، فنظرت فيه فلم يبلغ،فقال:«ابدأ بالحج فإنّه فريضة من فرائض اللّه عزّ و جلّ،و تجعل ما بقي طائفة في العتق،و طائفة في الصدقة» (1)الحديث.

و هو و إن اختصّ بالحجّ الذي هو من الواجبات المالية إلّا أن تعليل تقديمه بكونه من فرائض اللّه سبحانه عامّ يشمل جميع ما يوجد فيه هذه العلّة،و لا ريب أن الصلاة من أفضل فرائض اللّه سبحانه،فالحق ما ذكره الجماعة.

و لو أوصى بأشياء تطوّعاً،فإن رتب بينها بدئ بالأوّل حتى يستوفي الثلث و بطل في ما زاد عليه إن لم يجز الورثة،بلا خلاف في الأخير،و في الأوّل أيضاً إذا كانت الوصية بها في وقت واحد و لم يكن فيها عتق.و أمّا مع فقد الشرطين فكذلك على الأشهر الأظهر،كما في الكفاية و غيره (2).

قيل:لأنّ الوصية الصادرة أوّلاً نافذة؛ لصدورها من أهلها في محلها، بخلاف الصادرة بعد استيفاء الثلث (3).

و الأولى الاستدلال عليه بالخبر:في رجل أوصى عند موته و قال:

أعتق فلاناً و فلاناً و فلاناً حتى ذكر خمسة،فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم،قال:«ينظر إلى الذين سمّاهم و بدأ بعتقهم فيقوّمون،و ينظر إلى ثلثه فيعتق منه أوّل شيء ذكره،ثم الثاني،

ص:361


1- الكافي 7:14/19،الفقيه 4:543/156،التهذيب 9:869/221،الإستبصار 4:509/135،الوسائل 19:396 أبواب أحكام الوصايا ب 65 ح 1.
2- الكفاية:146؛ و انظر التنقيح الرائع 2:404،و الروضة 5:44.
3- الكفاية:146.

ثم الثالث،ثم الرابع،ثم الخامس،فإن عجز الثلث كان في الذي سمّي أخيراً لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك فلا يجوز له ذلك» (1).

و ضعفه منجبر بالشهرة،و برواية ابن محبوب عن موجبه و هو ممن قد أجمعت على تصحيح ما يصح عنه العصابة.

و مورده و إن كان مختصّاً بما لا نزاع فيه على الظاهر،إلّا أن التعليل ظاهر في العموم له و للمتنازع.

خلافاً للإسكافي و المبسوط (2)في صورة فقد الشرط الثاني خاصة، فقدّما العتق على غيره و إن ذكر بعده.

و يمكن أن يستدل لهما بكثير من المعتبرة كالصحيحين،في أحدهما:رجل أوصى بأكثر من الثلث و أعتق مماليكه في مرضه،فقال:«إن كان أكثر من الثلث ردّ الى الثلث و جاز العتق» (3)و قريب منه الثاني (4).

و الخبر:رجل أوصى عند موته بمال لذوي قرابته و أعتق مملوكاً له، و كان جميع ما أوصى به يزيد على الثلث،كيف يصنع في وصيته؟فقال:

«يبدأ بالعتق فينفذه» (5).

لكنّها مع ضعف بعضها ضعيفة الدلالة محتملة للعتق المنجّز خاصة،

ص:362


1- الكافي 7:15/19،الفقيه 4:545/157،التهذيب 9:788/197،الوسائل 19:398 أبواب أحكام الوصايا ب 66 ح 1.
2- حكاه عن الإسكافي في المسالك 1:394،المبسوط 4:48.
3- الكافي 7:1/16،التهذيب 9:859/219،الوسائل 19:400 أبواب أحكام الوصايا ب 67 ح 4.
4- الكافي 7:4/17،الفقيه 4:546/157،التهذيب 9:780/194،الإستبصار 4:454/120،الوسائل 19:399 أبواب أحكام الوصايا ب 67 ح 1.
5- الكافي 7:3/17،الفقيه 4:547/158،التهذيب 9:861/219،الإستبصار 4:510/135،الوسائل 19:400 أبواب أحكام الوصايا ب 67 ح 2.

بل ظاهرة فيه بلا شبهة،و لا خلاف في تقديمه على الوصية.

و لابن حمزة في صورة فقد الشرط الأوّل خاصة،فجعل الوصية الثانية في الزمان المتباعد رجوعاً عن الأُولى إلّا أن يسعهما الثلث (1).

و حجته غير واضحة.

نعم،في رواية ضعيفة:إن ابن أخي أوصى بثلاث وصايا فبأيّهنّ آخذ؟فقال:«خذ بأُخراهنّ» قلت:فإنّها أقلّ،فقال:«و إن قلّت» (2).

و فيها مضافاً إلى ما مرّ أنه عام لصورتي التباعد بين الزمانين و عدمه، و لم يقل بها في الثاني.مع احتمالها الحمل على كون المقصود الرجوع، كما تشعر الرواية به.

و المراد بالأوّل الذي يجب البدأة به ما يقدّمه الموصي في الذكر و لم يعقّبه بما ينافيه،سواء عطف عليه الثاني بثمّ أو الفاء أو الواو أو قطعه عنه، بأن قال:أعطوا فلاناً مائة،أعطوا فلاناً خمسين،كذا قالوا،و ربما يومئ إليه في الجملة الرواية المتقدمة سنداً للمشهور.

و إن جمع بينها و لم يرتّب،بأن ذكرها دفعةً فقال:أعطوا فلاناً و فلاناً و فلاناً مائة،أو رتّب باللفظ ثم نصّ على عدم التقديم أُخرجت من الثلث و وزّع النقص على الجميع،فيبطل من كلّ وصية بحسابها،بلا خلاف،و عليه يحمل إطلاق بعض ما مرّ من الصحاح بصرف طائفة من الوصية في العتق و أُخرى في الصدقة.

و لو أوصى بعتق مماليكه دخل في ذلك المنفرد و المشترك

ص:363


1- الوسيلة:375.
2- التهذيب 9:765/190،الوسائل 19:305 أبواب أحكام الوصايا ب 18 ح 7،و فيهما:إن أبي أوصى..

بلا خلاف أجده؛ للخبر:عن الرجل تحضره الوفاة و له مماليك لخاصّة نفسه،و له مماليك في شركة رجل آخر،فيوصي في وصيته:مماليكي أحرار،ما حال مماليكه الذين في الشركة؟فقال:«يقوّمون عليه إن كان ماله يحتمل ثم هم أحرار» (1).

و يستفاد منه أنه يقوّم عليه حصّة شريكه إن احتمله ثلثه،و إليه ذهب في النهاية و القاضي و المختلف (2).

خلافاً للحلّي (3)و المتأخّرين كافّة،كما ذكره بعض الأجلّة (4)، فاختاروا عدم السراية؛ لمخالفتها الأصل،مع فقد شرطها الذي هو يسار الموصى بموته؛ لزوال ملكه به عن ماله،و الرواية قاصرة السند غير صالحة للحجية.

قيل:و لعلّها ضعيفة الدلالة؛ لظهور السؤال فيها في العتق المنجّز، فإنه الذي يعبّر عنه بمماليكي أحرار في الأغلب.

و هو حسن لولا قوله:فيوصي في وصيته،فإنه ظاهر في الوصية دون المنجّز،و كما يجوز صرفه إلى الظهور الأوّل كذا يمكن العكس لو لم نقل بكونه الأظهر،إلّا أن تطبيق الرواية مع القواعد يقتضي المصير إلى الأوّل.

الثاني في الوصايا المبهمة

الثاني:في الوصايا المبهمة.

من أوصى بجزء من ماله و لم يكن ثمة قرينة من عرف أو عادة على تعيينه كان الموصى به هو العشر من أصل التركة لا من الثلث،

ص:364


1- الكافي 7:17/20،الفقيه 4:549/158،التهذيب 9:872/222،الوسائل 19:407 أبواب أحكام الوصايا ب 74 ح 2.
2- النهاية:616،القاضي في المهذب 2:107،المختلف:509.
3- السرائر 3:214.
4- انظر الحدائق 22:445.

إلّا أن يضيفه إليه،وفاقاً للصدوقين و الطوسي في كتابي الأخبار (1)،و اختاره الفاضل في المختلف و ولده و الشهيد في الدروس و اللمعة و المحقق الثاني (2)؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقن،و ليس إلّا العشر؛ للاتفاق عليه نصّاً و فتوى؛ و للنصوص المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر، مروية في الكتب الأربعة (3)،و عن غيرها من الكتب المشهورة كتفسير العياشي و معاني الأخبار و الفقه الرضوي (4)،و فيها الصحيح و غيره.

و في رواية أنه السبع و هي مستفيضة،و فيها الصحيح و غيره، مروية أيضاً في الكتب الأربعة (5)و عن غيرها من الكتب المشهورة كتفسير العياشي و إرشاد المفيد (6)،و إليها ذهب الأكثر،كالمفيد و النهاية و الإسكافي و الديلمي و القاضي و ابن زهرة (7)مدعياً عليه إجماع الإمامية.

ص:365


1- نقله عن الصدوقين في المختلف:501،الاستبصار 4:133،التهذيب 9:210.
2- المختلف:501،و ولده في إيضاح الفوائد 2:533،الدروس 2:312،اللمعة(الروضة البهية 5):33،جامع المقاصد 10:211.
3- الكافي 7:39،1/40،2،3،الفقيه 4:528/152،التهذيب 9:208،824/209،825،826،827،الإستبصار 4:131،494/132،496،497،الوسائل 19:380 383 أبواب أحكام الوصايا ب 54 الأحاديث 1،2،3،10.
4- تفسير العياشي 1:143،472/145،473،476،معاني الأخبار:1/217،2،الوسائل 19:381،382 أبواب أحكام الوصايا ب 54 الأحاديث 4،5،7،8،9،فقه الرضا(عليه السلام):299،المستدرك 14:130 أبواب أحكام الوصايا ب 46 ح 6.
5- لم نعثر عليها في الكافي،و هي في الفقيه 4:529/152،التهذيب 9:828/209،829،831،الإستبصار 4:132،498/133،499،501،الوسائل 19:384 أبواب أحكام الوصايا ب 54 الأحاديث 11،12،13.
6- تفسير العياشي 2:21/244،المستدرك 14:129 أبواب أحكام الوصايا ب 46 ح 4،إرشاد المفيد:118،الوسائل 19:382 أبواب أحكام الوصايا ب 54 ح 6.
7- المفيد في المقنعة:673،النهاية 613،حكاه عن الإسكافي في المختلف:501،الديلمي في المراسم:204،القاضي في جواهر الفقه(الجوامع الفقهية):503،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):604.

و المسألة محل شبهة؛ لاعتضاد الرواية الأُولى بالأصل و الكثرة،و لذا نسبها في الشرائع (1)إلى أشهر الروايتين؛ و الثانية بالشهرة العظيمة،و حكاية الإجماع المتقدمة.

فالأحوط الرجوع فيما زاد على العشر إلى الصلح حيث أمكن،و إلّا فالتوقّف،و إن كان المصير إلى مختار الأكثر لا يخلو عن قرب.

و أمّا ما في رواية أُخرى من أنه سبع الثلث (2) فمع ضعف سنده شاذّ غير معمول به،فليطرح،أو يحمل على صورة إضافة الجزء إلى الثلث دون أصل المال كما هو الفرض.

و لو أوصى بسهمٍ من ماله و لم يكن قرينة على تعيينه كان ثمناً على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر؛ للأصل،و المعتبرة،و فيها الصحيح و غيره (3).

خلافاً لوالد الصدوق (4)،فالسدس؛ للرضوي:«فإن أوصى بسهمٍ من ماله فهو سهم من ستّة أسهم،و كذلك إذا أوصى بشيء من ماله غير معلوم فهو واحد من ستة» (5).

و تبعه الطوسي في المبسوط و الخلاف و ابن زهرة (6)؛ للعامي:إن

ص:366


1- الشرائع 2:248.
2- الفقيه 4:529/152،التهذيب 9:831/209،الإستبصار 4:501/133،معاني الأخبار:3/218،الوسائل 19:384 أبواب أحكام الوصايا ب 54 ح 13.
3- الوسائل 19:385 أبواب أحكام الوصايا ب 55.
4- حكاه عنه في المختلف:501.
5- فقه الرضا(عليه السلام):299،المستدرك 14:131 أبواب أحكام الوصايا ب 47 ح 3،و الباب 48 ح 1.
6- المبسوط 4:8،الخلاف 2:91،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):604.

رجلاً أوصى لرجلٍ بسهم من المال،فأعطاه النّبي صلى الله عليه و آله السدس (1).و في ظاهر الغنية الإجماع عليه،قال:و قد روي عن إياس بن معاوية في السهم أنه قال:هو في اللغة السدس.

و هذه الأدلّة كما ترى مع مخالفتها الأصل لا تقاوم الأدلّة؛ لاعتضادها بالشهرة العظيمة المتقدمة و المتأخّرة.

و منه ينقدح وجه القدح في دعوى الإجماع المتقدمة،مع أنها في نقله غير صريحة.

و أما الرواية المفسِّرة له بالعشر (2)فمع ضعفها شاذّة لم أر عاملاً بها، و لا من نقله إلّا شيخنا في الروضة (3)،فأشار إليه بقيل،و لم أعرف قائله.

و لو كان أوصى بشيء من ماله كان سدساً بلا خلاف يظهر، و به صرّح بعضٍ (4)،بل في الغنية و المسالك و غيرهما (5)الإجماع عليه.

و الروايات هنا متّفقة،منها الرضويّة المتقدّمة،و نحوها غيرها من المعتبرة المرويّة في الكتب المشهورة (6).

و لو أوصى بوجوه فنسي الوصي وجهاً منها أو أكثر صرف المنسي في وجوه البرّ بلا خلاف يظهر إلّا من الحلّي تبعاً للطوسي في بعض فتاويه (7)،فأرجعاه إلى الوارث؛ لبطلانها بامتناع القيام بها.

ص:367


1- المغني لابن قدامة 6:477.
2- التهذيب 9:834/211،الإستبصار 4:504/134،الوسائل 19:387 أبواب الوصايا ب 55 ح 4.
3- الروضة 5:34.
4- كابن فهد في المهذب البارع 3:130.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):604،المسالك 1:399؛ و انظر التذكرة 2:496.
6- انظر الوسائل 19:388 أبواب الوصايا ب 56.
7- الحلي في السرائر 3:208،الطوسي في الرسائل العشر:297.

و الملازمة ممنوعة،مع كونه اجتهاداً في مقابلة بعض المعتبرة بالشهرة:عن إنسان أوصى بوصية فلم يحفظ الوصي إلّا باباً منها،كيف يصنع في الباقي؟فوقّع عليه السلام:«الأبواب الباقية اجعلها في البرّ» (1).

و معارضاً بما علّل به المشهور:من خروجه عنهم فلا يعود إليهم إلّا بدليل،و من وجوب العمل بالوصية و تحريم التبديل بالكتاب و السنّة فيصرف في مصرف مجهول المالك،و من أن صرفه في البرّ عمل بها بقدر الإمكان؛ لإرادته القربة فإذا فات الخصوص بقي العموم.

و هذه العلل كما ترى أقوى مما ذكره،و إن كان الأخيرة أخصّ من المدّعى؛ لعدم تماميّتها إلّا فيما إذا ظهر من الموصي قصد القربة لا مطلقاً، هذا.

مع تأيّدها كالرواية بما ورد في نظائر المسألة،و هي كثيرة،كما ورد في المنذور للكعبة من صرفه في زوّارها (2)،و فيمن أوصى أن يحجّ عنه بما لا يفي به أنه يصرف في البر و يتصدّق به (3)،و نحو ذلك.

و إلى هذا القول أشار بقوله: و قيل:يرجع ميراثاً و لا ريب في ضعفه.

و لو أوصى بسيفٍ و هو في جَفْنٍ بفتح الأوّل،و هو الغِمد بالكسر و عليه حِلْيَة دخل الجميع في الوصية على رواية (4)يجبر ضعفها الشهرة

ص:368


1- الكافي 7:7/58،الفقيه 4:565/162،التهذيب 9:844/214،الوسائل 19:393 أبواب أحكام الوصايا ب 61 ح 1.
2- التهذيب 9:843/214،الوسائل 19:392 أبواب أحكام الوصايا ب 60 ح 1.
3- الكافي 7:1/21،الفقيه 4:534/154،التهذيب 9:896/228،الوسائل 19:421 أبواب أحكام الوصايا ب 87 ح 1.
4- الكافي 7:1/44،الفقيه 4:561/161،التهذيب 9:837/211،الوسائل 19:389 أبواب أحكام الوصايا ب 57 ح 1،و ب 58 ح 2.

العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل في المهذب أن كل الأصحاب مطبقون على العمل بها (1)،و هو ظاهر في الإجماع عليه كما ترى،و قريب منه المحكي عن التحرير و التذكرة (2)؛ و هو حجة أُخرى جابرة لضعفها أيضاً.

مع أنّها صحيحة إلى الراوي،و الراوي عنه ابن أبي نصر المجمع على تصحيح رواياته،فتكون حجة بنفسها و لو لم تكن بالشهرة مجبورة،سيّما مع اعتضادها بموافقة العرف،لشمول اسمه لهما فيه و إن اختصّ بالنصل لغة.

و كذا لو أوصى بصندوق و فيه مال دخل المال أيضاً في الوصية فإنّ فيه أيضاً تلك الرواية المجبورة بما مرّ إليه الإشارة،حتى حكاية الإجماع،إلّا أن العرف لعلّه لا يساعده،فيشكل من هذه الجهة، و لكن لا مندوحة عن العمل بها إلّا أن يوجد قرينة على عدم الدخول، فتتّبع،و كذلك في السابق،وفاقاً للّمعة (3)،و الظاهر أن محل النزاع غيره.

و كذا قيل:لو أوصى بسفينة و فيها طعام؛ استناداً إلى فحوى رواية عقبة بن خالد عن مولانا الصادق عليه السلام،قال:سألته عن رجل قال:هذه السفينة لفلان،و لم يسمّ ما فيها،و فيها طعام،أ يعطيها الرجل و ما فيها؟ قال:«هي للّذي أوصى له بها إلّا أن يكون صاحبها متّهماً و ليس للورثة شيء» (4).

ص:369


1- المهذب البارع 3:134.و فيه:أكثر الأصحاب..
2- التحرير 1:299،التذكرة 2:497.
3- اللمعة(الروضة البهية 5):48.
4- الكافي 7:2/44،الفقيه 4:562/161،التهذيب 9:838/212،الوسائل 19:391 أبواب أحكام الوصايا ب 59 ح 1.

و القائل هو المشهور،كما في المهذب و غيره (1)،و إنما نسبه إلى القيل المشعر بالتمريض مع انجبار الرواية هنا أيضاً بالشهرة التفاتاً إلى عدم صراحة الدلالة،فإن غايتها الدلالة على أنها للموصى له،و مرجع الضمير السفينة دون ما فيها،و الرواية المنجبرة بالشهرة إنما تكون حجة حيث تكون دلالتها واضحة لا مطلقاً.

نعم،لها دلالة ضعيفة بحسب الفحوى؛ لوقوع قوله عليه السلام:هي له، جواباً عن جواز إعطاء ما فيها أم لا،فلو لم يجعل المرجع السفينة بما فيها لم يكن الجواب للسؤال مطابقاً.

و إنما قلنا:ضعيفة،من حيث احتمال أن يكون المراد بالجواب الظاهر في رجوع الضمير إلى السفينة خاصّة التنبيه على انحصار الموصى به فيها دون ما فيها،و به تحصل المطابقة أيضاً،فكأنه عليه السلام قال:لا يعطى ما فيها.

فالأصح عدم الدخول؛ للأصل،إلّا مع وجود قرينة عليه من عرف أو عادة.

و تحتمل الرواية على تقدير الدلالة الحمل على ذلك،و إليه ذهب الفاضل في المختلف و ولده في شرح القواعد (2)،لكنهم حكموا بذلك فيما سبق أيضاً،و لا ريب في حُسنه لولا ما قدّمناه من قوّة دليل خلافه.

و منه يظهر عدم التعدية إلى ما يشابه مفروض العبارة كالجراب و مظروفه و نحوه لو أوصى بهما،فلا يدخل سوى الظرف.

ص:370


1- المهذّب البارع 3:134؛ و انظر الكفاية:148،و المفاتيح 3:227.
2- المختلف:508،إيضاح الفوائد 2:535.

خلافاً للشيخين و التقي (1).

و لا فرق في الحكم حيث ثبت بين كون الموصي عدلاً أم غيره.

خلافاً للنهاية (2)،فاشترط العدالة.و لا وجه له كما صرّح به الجماعة، و الرواية الأخيرة و إن كانت به مشعرة إلّا أنها بما قدّمناه ضعيفة.

و لا بين كون الصندوق مقفولاً أم غيره.

خلافاً للمفيد و التقي (3)،فاشترطاه.و إطلاق النص حجة عليهما.

و لا يجوز للموصي الوصية ب إخراج الولد من الإرث و لو كان من أوصى بذلك الأب على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامة من تأخّر؛ لمخالفة مثل هذه الوصية للكتاب و السنة.

و في الحديث:«الحيف في الوصية من الكبائر» (4).

و في آخر:«ما أُبالي أضررت بورثتي أو سرقتهم ذلك المال» (5).

و في ثالث:«من عدل في وصيّته كان بمنزلة من تصدّق بها في حياته،و من جار في وصيته لقي اللّه تعالى يوم القيامة و هو عنه معرض» (6).

و ظاهر العبارة و صريح المحكي عن الأكثر في كلام جماعة (7)بطلان

ص:371


1- المفيد في المقنعة:674،الطوسي في النهاية:614،التقي في الكافي:235.
2- النهاية:614.
3- المفيد في المقنعة:674،التقي في الكافي:365.
4- الفقيه 4:471/136،علل الشرائع:3/567،قرب الإسناد:198/62،الوسائل 19:268 أبواب أحكام الوصايا ب 8 ح 3.
5- الفقيه 4:469/135،التهذيب 9:710/174،الوسائل 19:264 أبواب أحكام الوصايا ب 5 ح 1.
6- الكافي 7:6/58،الفقيه 4:470/135،علل الشرائع:5/567،قرب الإسناد:199/63،الوسائل 19:267 أبواب أحكام الوصايا ب 8 ح 2.
7- منهم:الشهيد في المسالك 1:400،و السبزواري في الكفاية:148،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:223.

الوصية من الأصل.

خلافاً للمختلف،فأجراها مجرى الوصية بجميع المال لمن عداه، فإن أجاز مضى في الكل،و إلّا ففي الثلث (1).

و فيه:أنه خلاف مدلول اللفظ و إن لزم رجوع الحصّة إلى باقي الورثة؛ لأن ذلك ليس بالوصية،بل لاستحقاقهم التركة حيث لا وارث غيرهم،و ربما كان ذاهلاً عن الوارث،بل غير عارف به،و إنما غرضه مجرّد الانتقام منه،فلا يوجد منه القصد إلى الوصية المعتبر في صحتها،مع أن في الصحيح:عن رجل كان له ابن يدعيه،فنفاه ثم أخرجه من الميراث و أنا وصيه،فكيف أصنع؟فقال عليه السلام:«لزمه الولد لإقراره بالمشهد، لا يدفعه الوصي عن شيء قد علمه» (2)فتأمّل.

فالأصح ما ذهب إليه الأكثر.

و اعلم أن فيه أي في المقام رواية تضمّنت أن رجلاً وقع ابنه على أُمّ ولد له فأخرجه من الميراث،فسأل وصيّه مولانا الكاظم عليه السلام عن ذلك،فقال:«أخرجه» (3).

و يظهر من الطوسي في كتابي الحديث و الصدوق العمل بها (4)،إمّا في الجملة كما في الكتابين حيث جعلها قضية في واقعة،أو مطلقاً بشرط وقوع الحدث الذي في الرواية من الوارث الموصى بإخراجه.

ص:372


1- المختلف:507.
2- الكافي 7:26/64،الفقيه 4:568/163،التهذيب 9:918/235،الإستبصار 4:520/139،الوسائل 19:424 أبواب أحكام الوصايا ب 90 ح 1.
3- الكافي 7:15/61،الفقيه 4:567/162،التهذيب 9:917/235،الإستبصار 4:521/139،الوسائل 19:424 أبواب أحكام الوصايا ب 90 ح 2.
4- الاستبصار 4:140،التهذيب 9:235،الفقيه 4:163.

و لكنها مطرحة بين المتأخّرين كافّة،و مع ذلك بحسب السند ضعيفة من وجوه عديدة،فلا يجوز العمل بها في مقابلة ما قدّمناه من الأدلّة.

و مقتضاها انسحاب الحكم بالبطلان في الوصية بإخراج مطلق الوارث و لو لم يكن الولد.

و تخصيصه به في العبارة إنما وقع في مقابلة مورد الرواية المطرحة، فإنّها كما عرفت به مختصة،مع كونه هو محل النزاع خاصّة نظراً إلى أنه يظهر من العاملين بها تخصيص الحكم بموردها،فلا يتعدّونها،فيكون الحكم بعدم النفوذ في الجملة أو مطلقاً فيما عداه مجمعاً عليه.

الطرف الثالث في أحكام الوصية و فيه مسائل
اشارة

الطرف الثالث:في أحكام الوصية.

و فيه مسائل:

الأُولى إذا أوصى بوصية ثم عقّبها بمضادّة لها عمل بالأخيرة

الأُولى:إذا أوصى بوصية ثم عقّبها بمضادّة لها بأن أوصى بعين مخصوصة لزيد ثم بها لعمرو،أو بمائة درهم مطلقاً لزيد ثم قال:المائة التي أوصيت بها لزيد قد أوصيت بها لعمرو عمل بالأخيرة لاقتضاء ذلك الرجوع في الوصية.

و لو لم تضادّها بأن أوصى لزيد بمائد ثم أوصى لعمرو بمائة،أو أوصى لزيد بدار ثم أوصى لعمرو بدار،و نحو ذلك عمل بالجميع إن وفى به الثلث. فإن قصر الثلث عنه بدئ بالأوّل فالأوّل حتى يستوفي الثلث لما مرّ سابقاً.

و لا خلاف في شيء من ذلك أيضاً،و بالإجماع صرّح في التنقيح في

ص:373

الجميع (1)،و في السرائر في الأخير (2).

الثانية تثبت الوصية بالمال بشهادة رجلين و بشهادة أربع نساء

الثانية:تثبت الوصية بالمال بشهادة رجلين مسلمين عدلين،و مع الضرورة تقبل شهادة رجلين من عدول أهل الذمة،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و به صرّح بعض الأجلّة (3)،بل عن ظاهر الغنية و فخر الدين (4)إجماعنا عليه،و به صرّح أيضاً المفلح الصيمري،و يدلُّ عليه أيضاً الآية و النصوص المستفيضة (5).

و هل يشترط في قبولها منهم السفر كما في الآية و أكثر المستفيضة، أم يجري ذلك مجرى الغالب؟الأصح الثاني،وفاقاً للأكثر،بل لم أقف على مخالفٍ إلّا نادراً (6).و ظاهر عبارة الماتن في الشرائع (7)في بحث الشهادات الإجماع عليه.

لا لما ذكروه:من إطلاق الصحيح:«إذا كان الرجل في بلد ليس فيه مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصية (8)لانصرافه بحكم التبادر و الغالب إلى صورة السفر خاصة.

بل لظاهر التعليل في الصحيح:هل تجوز شهادة أهل ملّة من غير

ص:374


1- التنقيح الرائع 2:415.
2- السرائر 3:195.
3- الحدائق 22:494.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):604،فخر الدين في إيضاح الفوائد 2:635.
5- المائدة:106؛ و انظر الوسائل 19:309 أبواب أحكام الوصايا ب 20.
6- و هو الإسكافي(حكاه عنه في المختلف:722)و الحلبي(في الكافي:235)و لعله ظاهر الشيخ في المبسوط(8:187)و ابن زهرة العلوي(الجوامع الفقهية:625)و ربما يستفاد من ظاهرهما إجماعنا عليه.منه رحمه الله.
7- الشرائع 4:126.
8- الكافي 7:3/4،التهذيب 9:725/180،الوسائل 19:310 أبواب أحكام الوصايا ب 20 ح 4.

أهل ملّتهم؟قال:«إذا لم يوجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم،إنه لا يصلح ذهاب حق أحدٍ» (1).

و هو كما ترى ظاهر في أن تجويز قبول شهادتهم إنما نشأ من مراعاة الحق عن الذهاب،و هذه العلّة موجودة في مطلق صور الضرورة و لو لم يكن هناك سفر بالكلية.

و لو لا هذه العلة لكان المصير إلى اشتراط السفر لا يخلو عن قوّة؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على عدم جواز قبول شهادتهم على مورد الكتاب و السنة،و ليس إلّا صورة السفر خاصة،لأنها ما بين مشترطة له و ما بين مطلقة،و قد عرفت أن الإطلاق ينصرف إلى هذه الصورة خاصّة.

و ليس مبنى هذا الاستدلال وقوع اشتراطه في الكتاب و السنة،حتى يجاب عنه بوروده مورد الغلبة فلا عبرة به،بل مبناه عدم دليل دالّ على جواز القبول مطلقاً،فيقتصر فيه على المتيقن منهما.

ثم إن الفاضل (2)أوجب تحليفهما بعد صلاة العصر بصورة الآية؛ لعدم ظهور المسقط بالكلّية،و مال إليه في المسالك و غيره (3)،و لا ريب أنه أحوط.

و ليس في ظاهر الكتاب و أكثر السنة اشتراط عدالة أهل الذمة،إلّا أنه قد دل عليه بعض النصوص:«فليُشهد على وصيته رجلين ذمّيين من أهل الكتاب مرضيّين عند أصحابهم» (4)و به صرّح من الأصحاب جملة (5).

ص:375


1- الكافي 7:2/4،التهذيب 9:724/180،الوسائل 19:310 أبواب أحكام الوصايا ب 20 ح 3.
2- قواعد الأحكام 1:355.
3- المسالك 1:404؛ و انظر التذكرة 2:521 و الكفاية 149.
4- الكافي 7:8/399،التهذيب 9:718/179،الوسائل 19:312 أبواب أحكام الوصايا ب 20 ح 7.
5- منهم:المحقق و الشهيد الثانيان في جامع المقاصد 11:306 و المسالك 1:404،و السبزواري في الكفاية:149.

و بشهادة أربع نساء و بشهادة الواحدة في الربع و الاثنين في النصف،و هكذا،بلا خلاف،بل عليه الوفاق في المسالك و غيره (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة منها:«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في وصية لم تشهدها إلّا امرأة أن تجوز شهادة المرأة في ربع الوصية إذا كانت مسلمة غير مريبة في دينها» (2).

و أمّا ما يوجد في الصحيح و غيره مما يخالف ذلك من عدم القبول فمحمول على التقية كما في التهذيبين (3).

ثم إن إطلاق النصوص كالعبارة و صريح المحكي عن الأكثر (4)عدم توقف قبول شهادتهنّ على اليمين مطلقاً.

خلافاً للمحكي عن التذكرة (5)،فقال بتوقّفه عليه كذلك،كما في شهادة الرجل الواحد.

و ردّ (6)بأن اليمين مع شهادة الواحد توجب ثبوت الجميع فلا يلزم مثله في البعض،و لو فرض انضمام اليمين إلى الاثنتين أو الثلاث ثبت الجميع،لقيامهما مقام الرجل،أمّا الواحدة فلا يثبت بها سوى الربع مطلقاً، انضمّت اليمين إليها أم لا.على أن في ثبوت الجميع بانضمام اليمين إلى الاثنتين أو الثلاث

ص:376


1- المسالك 1:404؛ و انظر إيضاح الفوائد 2:634.
2- التهذيب 9:723/180،الوسائل 19:317 أبواب أحكام الوصايا ب 22 ح 3.
3- الاستبصار 4:28،التهذيب 6:280.
4- نسبه في الحدائق 22:502 إلى المشهور.
5- حكاه عنه في المسالك 1:405 و هو في التذكرة 2:522.
6- المسالك 1:405.

إشكالاً أيضاً؛ لأن مقتضى النصوص إنّما هو النصف في الأوّل و الثلاثة الأرباع في الثاني بمجرد الشهادة،و وجود اليمين حيث لم يعتبرها الشارع هنا في حكم العدم،و قيام الاثنتين مقام الرجل في بعض الموارد لا يستلزم قياس ما نحن فيه عليه حتى أنه يخرج عن مقتضى ظواهر النصوص بذلك.

و هل يشترط في قبول شهادتهنّ هنا فقد الرجال؟قولان،أظهرهما الثاني،وفاقاً للمحكي عن الأكثر (1)؛ عملاً بإطلاق النصوص.

خلافاً للمحكي عن الإسكافي و الطوسي (2)،فاشترطاه.و هو ضعيف.

و في ثبوتها أي الوصية بالمال بشهادة شاهد و يمين تردّد قيل:ينشأ:

من أن قبول الشاهد و اليمين حكم شرعي فيقف على النص الشرعي، و ليس على صورة النزاع بعينه،و ثبوت ذلك بالنساء حتى بالواحدة إنما هو لورود النص بذلك،و التعدّي قياس مردود عندنا (3).

و من إطلاق النصوص بالقبول في الحقوق المالية كما هو المفروض، و لا يشترط النص بالخصوص.

و هذا أظهر،وفاقاً للأكثر،بل عليه في المهذب و المسالك و غيرهما (4)اتفاق الأصحاب.

ص:377


1- نسبه في الحدائق 22:503 إلى المشهور.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:712،الطوسي في النهاية:333.
3- المهذب البارع 3:140.
4- المهذب البارع 3:140،المسالك 1:404؛ و قال في الحدائق 22:503:لا خلاف فيه.

و استغرب هذا التردّد منه جماعة (1).و هو كذلك،كتردّده في الشرائع (2)في ثبوت الوصية بالولاية بهما بعد قطعه بالثبوت بهما في الوصية بالمال.

فإن النصوص المزبورة كالاتفاق المحكي في المسالك و غيره متفقة الدلالة على انحصار قبولهما في الحقوق المالية.

و ربما جعل منشؤه مما ذكر،و من أنها قد تتضمّن المال،كما إذا أراد أخذ الأُجرة أو الأكل بالمعروف بشرطه،و لما فيه من الإرفاق و التيسير فيكون مراداً للآية و الرواية (3).

و هو كما ترى،و لذا قطع بخلافه هنا فقال:

و أما الولاية فلا تثبت إلّا بشهادة رجلين مسلمين،و مقتضاه عدم ثبوتها بشهادة النساء مطلقاً،و نفى عنه الخلاف في المسالك و غيره (4)إذا كنّ منفردات؛ و هو الحجة فيه.

مضافاً إلى أنها ليست وصية بمال،بل هي تسلّط على تصرف فيه، و ليست مما يخفى على الرجال غالباً،و ذلك ضابط محل قبول شهادتهنّ منفردات فتوًى و روايةً.

الثالثة لو أشهد عبدين له على أن حمل المملوكة منه،ثم ورثهما غير الحمل فأُعتقا فشهدا للحمل بالبنوّة صح

الثالثة:لو أشهد الموصي عبدين له على أن حمل المملوكة له منه،ثم ورثهما غير الحمل فأُعتقا فشهدا للحمل بالبنوّة للموصي صح شهادتهما و حكم له برقّيتهما مطلقاً،و لو لم يوص بأن يشهدا.

ص:378


1- منهم ابن فهد الحلّي في المهذب 3:140؛ و انظر التنقيح الرائع 2:418 و المسالك 1:405.
2- الشرائع 2:251.
3- المسالك 1:405.
4- المسالك 1:405؛ و انظر الحدائق 22:503.

بلا خلاف مع الإيصاء،بل في المسالك (1)أن عليه أصحابنا؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الصحيح:في رجل مات و ترك جارية و مملوكين فورثهما أخ له فأعتق العبدين و ولدت الجارية غلاماً،فشهدا بعد العتق أن مولاهما كان أشهدهما أنه كان يقع على الجارية،و أن الحبل منه،قال:

«تجوز شهادتهما،و يردّان عبدين كما كانا» (2)و نحوه الموثق الآتي.

و كذلك مع عدم الإيصاء،على الأشهر الأقوى،بناءً على قبول شهادة العبد إذا كان عادلاً مطلقاً.

خلافاً للمحكي عن الطوسي (3)،فخصّ الحكم بصورة الإيصاء.

و لا وجه له أصلاً،سيّما مع إطلاق الخبرين،بل و عمومهما الشامل لها و لغيرها،مع أنه على تقدير اختصاصهما بها يحسن ذلك إن قلنا بردّ شهادة العبد مطلقاً،و لكنّه ضعيف جدّاً،كما عرفت،و ستقف عليه في بحث الشهادات إن شاء اللّه تعالى.

و مقتضى الصحيح كما ترى عودهما رقّاً.و هو الموافق للأصل جدّاً؛ لاستلزام قبول شهادتهما تبيّن وقوع العتق من غير مالكهما.

و لكن يكره له تملّكهما و يستحب له أن يعتقهما؛ لأنهما كانا سبباً في حرّيته بعد الرقّية فلا يكون سبباً في رقّيتهما بعد الحرية.

و للموثق:عن رجل كان في سفر و معه جارية له و غلامان مملوكان، فقال لهما:أنتما حرّان لوجه اللّه تعالى و اشهدا أن ما في بطن جاريتي هذه

ص:379


1- المسالك 1:405.
2- التهذيب 9:871/222،الإستبصار 4:511/136،الوسائل 19:404 أبواب أحكام الوصايا ب 71 ح 2.
3- حكاه عنه في المسالك 1:405،و هو في النهاية:612.

منّي،فولدت غلاماً فلمّا قدموا على الورثة أنكروا ذلك و استرقّوهم،ثم إن الغلامين عتقا بعد ذلك فشهدا بعد ما أُعتقا أن مولاهما الأوّل أشهدهما على أن ما في بطن جاريته منه،قال:«تجوز شهادتهما للغلام،و لا يسترقّهما الغلام الذي شهدا له،لأنهما أثبتا نسبه» (1).

و حكي (2)هنا قول بتحريم استرقاقهما؛ أخذاً بظاهر النهي في هذه الرواية.

و هو كما ترى؛ لعدم مقاومتهما للصحيح الصريح المعتضد بالأصل و فتوى الأكثر،مع إشعار التعليل فيها بالكراهة جدّاً.

الرابعة لا تقبل شهادة الوصي فيما هو وصيّ فيه

الرابعة:لا تقبل شهادة الوصي فيما هو وصيّ فيه و لا ما يجرّ به نفعا أو يستفيد منه ولاية،على المشهور،بل في المسالك (3)و غيره عدم الخلاف فيه إلّا من الإسكافي،حيث جوّز شهادة الوصي لليتيم في حجره و إن كان هو المخاصم للطفل و لم يكن بينه و بين المشهود عليه ما يرشد شهادته عليه،و مال إليه المقداد في شرح الكتاب (4)،و كذا الشهيدان (5)، إلّا أن الثاني منهما قال بعده:إلّا أن العمل على المشهور.

و هو حسن إن بلغ الشهرة الإجماع،كما هو الظاهر منه،و إلّا فمختار الإسكافي لعله أجود؛ لما ذكره من بُعد التهمة من العدل،حيث إنه ليس بمالك،و ربما لم يكن اجرة على عمله في كثير من الموارد.

ص:380


1- الكافي 7:16/20،الفقيه 4:544/157،التهذيب 9:870/222،الإستبصار 4:512/136،الوسائل 19:403 أبواب أحكام الوصايا ب 71 ح 1.
2- انظر الكفاية:149،و الحدائق 22:504.
3- المسالك 1:405.
4- التنقيح الرائع 2:419.
5- الشهيد الأول في الدروس 2:128،الشهيد الثاني في المسالك 1:405.

مضافاً إلى المكاتبة الصحيحة المروية في الفقيه في باب شهادة الوصي للميت و عليه بدين،و فيها:كتب إليه:أ يجوز للوصي أن يشهد لوارث الميت صغيراً أو كبيراً بحقٍّ له على الميت أو على غيره و هو القابض للوارث الصغير و ليس الكبير بقابض؟فوقّع عليه السلام:«نعم،و ينبغي للوصي أن يشهد بالحقّ و لا يكتم شهادته» (1)و ظاهر الصدوق العمل بها كما لا يخفى.

و تقبل شهادته للموصي في غير ذلك بلا خلاف،كما في صريح التنقيح و ظاهر غيره (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأُصول الدالة على قبول شهادة المتّصف بالعدالة،إلّا أن في تلك المكاتبة ما ظاهره ينافي ذلك،فإنه كتب إليه عليه السلام:

هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟فوقّع عليه السلام:«إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعى يمين» بناءً على أن يمين المدّعى مع العدل الواحد كافٍ في مثله فلا يحتاج إلى شهادته، فاعتبار اليمين معها كناية عن عدم قبولها.

و في هذه المكاتبة ما يدل على جواز شهادته على الميت،فإن فيها:

و كتب إليه:أو تقبل شهادة الوصي على الميت بدين مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع عليه السلام:«نعم،من بعد يمين» .و اعتبار اليمين هنا لا ينافي قبول شهادته؛ لكون الدعوى على الميت،فاعتبارها للاستظهار.

الخامسة إذا أوصى بعتق عبده أو أعتقه عند الوفاة و ليس له سواه انعتق ثلثه

الخامسة:إذا أوصى بعتق عبده أو أعتقه عند الوفاة و ليس له سواه

ص:381


1- الفقيه 3:147/43،الوسائل 27:371 أبواب الشهادات ب 28 ح 1.
2- التنقيح الرائع 2:419؛ و انظر الحدائق 22:508.

انعتق ثلثه و سعى في باقي قيمته للورثة،بلا خلاف فيه في صورة الوصية،و يبني في المنجّز على الخلاف الآتي في احتسابه من الثلث أو الأصل.

و لو أعتق ثلثه عند الوفاة و له مال غيره أُعتق الباقي من ثلثه أي ثلث المال،سرايةً عليه إن وفى به،و إن لم يف به أو لم يكن له مال سعى فيه للورثة.

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده إلّا في إعتاق الباقي من الثلث خاصَّة،فإنه يبنى على مذهب أكثر من تأخّر:من إخراج المنجّز من الثلث دون الأصل،و يأتي على غيره انعتاق الباقي منه دون خصوص الثلث كما هو واضح.

و لو أعتق مماليكه عند الوفاة،أو أوصى بعتقهم و لا مال له سواهم و لم يُجز الورثة أُعتق ثلثهم بالقرعة بتعديلهم أثلاثاً بالقسمة و عتق ما أخرجته القرعة،بلا خلاف أجده،و في الصحيح:«كان علي عليه السلام يسهم بينهم» (1).

و في الخبر:«إن أبي ترك ستّين مملوكاً و أعتق ثلثهم،فأقرعت بينهم و أخرجت عشرين فأعتقتهم» (2).

و لو استلزم ذلك عتق جزء من أحدهم سعى في باقيه.

و إنما لا يعتق ثلث كلّ واحد مع أن كل واحد منهم بمنزلة الموصى له و قد تقرّر أن الوصايا إذا وقعت دفعة قسط عليها الثلث بالنسبة لما ورد من فعل النبي صلى الله عليه و آله ذلك (3)؛ و لاستلزام عتق الكلّ الإضرار بالورثة.

ص:382


1- التهذيب 8:842/234،الوسائل 23:103 أبواب العتق ب 65 ح 1.
2- الفقيه 3:241/70،التهذيب 8:843/234،الوسائل 23:103 أبواب العتق ب 65 ح 2.
3- سنن البيهقي 6:272،المغني لابن قدامة 6:524.

و أمّا العتق من الثلث دون الأصل في المنجّز فمبني على ما عرفت من مذهب أكثر من تأخّر.

و لو رتّبهم في الإعتاق أو الوصية به أُعتق الأوّل فالأوّل حتى يستوفي الثلث و بطل الزائد بلا خلاف؛ للأصل المتقدم،و خصوص النص:في رجل أوصى عند موته:أعتق فلاناً و فلاناً و فلاناً و فلاناً و فلاناً، فنظرت في ثلثه فلم يبلغ أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم، قال:«ينظر إلى الذين سمّاهم و بدأ بعتقهم فيقوّمون،و ينظر إلى ثلثه فيعتق منه أوّل شيء،ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس،فإن عجز الثلث كان في الذي سمّي أخيراً،لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك فلا يجوز له ذلك» (1).

السادسة إذا أوصى بعتق رقبة أجزأ الذكر و الأُنثى،و الصغير و الكبير

السادسة:إذا أوصى بعتق رقبة و أطلق و لم يكن ثمة قرينة معينة أجزأ الذكر و الأُنثى،و الصغير و الكبير للإطلاق.

و في الخبر،بل الحسن على بعض النسخ،عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال:«إن فاطمة أُمّ ابنتي (2)أوصت أن أُعتق عنها رقبة،فأعتقت عنها امرأة» (3).

و لو قال:مؤمنة،لزم لحرمة تبديل الوصية.

فإن لم يجد أعتق من لا يعرف بنصب كما عن الشيخ (4)،بل ظاهر التنقيح و صريح غيره (5)عدم الخلاف فيه؛ لرواية علي بن أبي حمزة

ص:383


1- الكافي 7:15/19،الفقيه 4:545/157،التهذيب 9:867/221،الوسائل 19:398 أبواب أحكام الوصايا ب 66 ح 1.
2- في المصادرة:أُمّ ابني.
3- الكافي 7:5/17،الفقيه 4:550/158،التهذيب 9:865/220،الوسائل 19:404 أبواب أحكام الوصايا ب 72 ح 1.
4- النهاية:616.
5- التنقيح الرائع 2:420؛ و انظر الحدائق 22:511.

المنجبر ضعفه بالشهرة المحكية في الروضة و غيرها (1)كما حكي،و بدعوى الشيخ الإجماع على قبول روايته (2)،و برواية ابن أبي عمير عنه في هذه الرواية:عن رجل أوصى بثلاثين ديناراً يعتق بها رجل من أصحابنا،فلم يوجد بذلك،قال:«يشترى من الناس فيعتق» (3).

و هي و إن لم يكن فيها تقييد بعدم النصب إلّا أنه مستفاد من الخارج؛ لكفر الناصب،و عدم جواز عتق الكافر،مع ظهوره من روايته الأُخرى:عن رجل هلك فأوصى بعتق نسمة مسلمة بثلاثين ديناراً،فلم يوجد له بالذي سمّى لهم،قال:«ما أرى لهم أن يزيدوا على الذي سمّى» قلت:فإن لم يجدوا؟قال:«فيشترون من عرض الناس ما لم يكن ناصباً» (4).

خلافاً لجماعة (5)،فلم يجوّزوا ذلك،و قالوا بلزوم الصبر و توقّع المكنة؛ للأصل،و القاعدة.

و هو حسن لولا الرواية المتقدّمة،المنجبرة بالشهرة و عدم الخلاف المحكيين في المسألة.

ثم إن في التنقيح أنه قيل في تفسير الناصب وجوه:

الأول:أنه الخارجي الذي يقول في علي عليه السلام ما قال.

ص:384


1- الروضة 5:49؛ و انظر الحدائق 22:512.
2- عدّة الأُصول 1:381.
3- الكافي 7:9/18،الفقيه 4:553/159،التهذيب 9:863/220،الوسائل 19:405 أبواب أحكام الوصايا ب 73 ح 1.
4- الكافي 7:10/18،الفقيه 4:554/159،الوسائل 19:405 أبواب أحكام الوصايا ب 73 ح 2.
5- منهم:ابن إدريس في السرائر 3:213،و العلّامة في المختلف:509،و الشهيد الثاني في الروضة 5:49.

الثاني:أنه الذي ينسب إلى أحد المعصومين ما يثلم العدالة.

الثالث:من إذا سمع فضيلة لعلي عليه السلام أو لغيره من المعصومين أنكرها.

الرابع:من اعتقد فضيلة غير علي عليه السلام عليه.

الخامس:من سمع النص على علي عليه السلام من النبي صلى الله عليه و آله أو بلغه تواتراً أو بطريق يعتقد صحته فأنكره.

ثم قال:و الحق صدق النصب على الجميع.أمّا من يعتقد إمامة غيره عليه السلام للإجماع أو لمصلحة و لم يكن من أحد الأقسام فليس بناصب.

و المرتضى رحمه الله و ابن إدريس أطلقاه على غير الاثني عشرية (1).

و لو ظنّها أي الرقبة المؤمنة الموصى بعتقها مؤمنة فأعتقها ثم بانت بخلافه أجزأت بلا خلاف أجده.

قيل:لأنه متعبّد في ذلك بالظاهر لا بما في نفس الأمر،إذ لا يطّلع عليه إلّا اللّه سبحانه،فقد امتثل الأمر،و هو يقتضي الإجزاء (2).

و الأجود الاستدلال عليه بالصحيح:عن رجل أوصى بنسمة مؤمنة عارفة،فلمّا أعتقناه بان لنا أنه لغير رِشْدَة (3)،فقال:«قد أجزأت عنه،إنما مثل ذلك مثل رجل اشترى أُضحية على أنها سمينة فوجدها مهزولة فقد أجزأت عنه» (4).

ص:385


1- التنقيح الرائع 2:421.
2- المسالك 1:406.
3- هو لَرِشْدَة بكسر الراء و الفتح أي صحيح النسب،و لغَير رِشْدَة بخلافه.مجمع البحرين 3:51.
4- الكافي 7:17/62،الفقيه 4:604/172،التهذيب 9:920/236 و فيه صدر الحديث،الوسائل 19:431،432 أبواب أحكام الوصايا ب 95 ح 2،3.
السابعة إذا أوصى بعتق رقبة بثمن معيّن فإن لم يوجد توقّع

السابعة:إذا أوصى بعتق رقبة بثمن معيّن وجب شراؤها به فإن لم يوجد أو وجدت لكن بأزيد توقّع المكنة من الشراء به،و لم يجب بذل الزيادة،بل لا يجوز؛ لحرمة تبديل الوصية،و به صرّحت بعض الروايات المتقدمة في المسألة السابقة.

و إن وجد ها بأقلّ من ذلك الثمن أعتقها و دفع إليها الفاضل منه مع اليأس عن الرقبة الموصى بها،بلا خلاف؛ استناداً في العتق إلى أنه الأقرب إلى الوصية فيتّبع؛ للمعتبرة الدالّة على أن:«الميسور لا يسقط بالمعسور» (1).

و في دفع الفاضل إليها إلى أنه صرفٌ له في وجوه البرّ مع تعذّر العمل فيه بالوصية،و إن هو حينئذٍ إلّا كمسألة من كان وصياً في أُمور قد نسيها في عدم إمكان العمل بالوصية.

إلّا أن هذا الوجه لا يوجب الدفع إلى الرقبة،بل غايته الجواز،و هو أعم من الوجوب الذي هو ظاهر العبارة و غيرها من عبائر الجماعة،إلّا أن يقال:بأن الدفع إليها أقرب إلى الوصية،فتأمّل.

هذا،مضافاً إلى الموثّق في الأمرين:عن رجل أوصى أن يعتق عنه نسمة بخمسمائة درهم من ثلثه،فاشترى الوصي نسمة بأقلّ من خمسمائة درهم،و فضلت فضلة،فما ترى؟قال:«تدفع الفضلة إلى النسمة من قبل أن تعتق ثم تعتق عن الميت» (2).

و قصوره سنداً بسماعة،و دلالةً بأعميّته مما ذكره الجماعة من تقييد

ص:386


1- عوالي اللآلي 4:205/58.
2- الكافي 7:13/19،الفقيه 4:557/159،التهذيب 9:868/221،الوسائل 19:410 أبواب أحكام الوصايا ب 77 ح 1.

الحكم بفقد الرقبة الموصى بشرائها بالثمن المعيّن،نظراً إلى ترك الاستفصال عنه و عن الوجدان المفيد للعموم لهما غير قادح بعد الانجبار بالشهرة،و كون العام المخصّص في الباقي حجة.

مضافاً إلى موافقته للقاعدة في صورة اليأس،كما مرّ إليه الإشارة.

مع إمكان الذبّ عن الأوّل:بما قيل من وثاقة سماعة (1).

و عن الثاني:باقتضاء السؤال بناءً على أصالة حمل أفعال المسلم على الصحة وقوع شراء الرقبة في الصورة التي وقع تقييد الحكم بها في كلام الجماعة.

و مما ذكرنا يظهر وجه انسحاب الحكم في صورتي اليأس عن التمكّن من شراء الموصى بها و عدمه كما أطلقه الجماعة،إلّا أن الأحوط قصره على الصورة الأولى خاصّة،و يتوقع في غيرها المكنة.

الثامنة تصرفات المريض إذا كانت مشروطة بالوفاة فهي من الثلث

الثامنة:تصرفات المريض إذا كانت مشروطة بالوفاة و يعبّر عنها بالوصية فهي من الثلث خاصّة مع عدم إجازة الورثة،كما مرّ إليه و إلى دليله الإشارة.

و إن كانت منجّزة غير معلّقة عليها و كان فيها محاباة في المعاوضة:من البيع بأقل من ثمن المثل و الشراء بأزيد منه أو عطيّة محضة أو الوقف و العتق و الصدقة.

فقولان،أشبههما و أشهرهما بين المتأخّرين أنها تخرج من الثلث وفاقاً للإسكافي و الصدوق كما حكي (2)،و لعلّه قال به في غير الفقيه،لما يأتي من مصيره فيه إلى القول الآتي،و هو ظاهر الخلاف

ص:387


1- انظر رجال النجاشي:193.
2- حكاه عنهما في المختلف:514.

و صريح المبسوط على ما قيل (1)،و عبارته المحكية في السرائر لا تساعد ذلك،فإنّه قال:العتق في المرض المخوف يعتبر عند بعض أصحابنا في الأصل،و عند الباقين في الثلث،و هو مذهب المخالفين،ثم قال:فإذا ثبت ذلك فأعتق بعضاً نظرت (2).إلى آخر ما ذكره.

و هو كما ترى غير صريح في اختيار هذا القول،بل و لا ظاهر،بل ربما أشعر بالتردّد فيه.

للنصوص المستفيضة (3)،و هي ما بين ظاهرة و صريحة،و فيها الصحاح و الموثقات و غيرها،و قصورها سنداً في بعض و دلالةً في آخر منجبر بالشهرة المتأخّرة.

خلافاً للنهاية و المقنعة و القاضي،و الصدوق في الفقيه و الكليني في الكافي (4)فإنهما قالا:باب أن صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّاً،ثم ساقا الأحاديث الدالّة عليه خاصّة،و لم يذكرا فيه شيئاً من روايات القول الآخر، و جميع ذلك كالصريح في أن مذهبهما ذلك و الحلّي و المرتضى و ابن زهرة (5)،فأخرجوه من الأصل.

و هو المشهور بين القدماء ظاهراً،بل لعلّه لا شبهة فيه جدّاً،بل ادّعى

ص:388


1- في المختلف:514،و المهذب البارع 3:141.
2- السرائر 3:15،و هو في المبسوط 6:57.
3- الوسائل 19:أبواب أحكام الوصايا الباب 10 ح 2،7،8،و الباب 11 ح 4،6،11،و الباب 16 ح 2،و الباب 17 ح 13،14،16.
4- النهاية:618،المقنعة:671،لم نعثر عليه في المهذب انظر المهذب ج 1 ص 420 حكاه عن القاضي في المختلف:514،الفقيه 4:149،الكافي 7:7.
5- الحلي في السرائر 3:199،المرتضى في الانتصار:224،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603.

السيدان في بحث الهبة أن عليه إجماع الإمامية،و جعله في السرائر الأظهر في المذهب،مشعراً بالشهرة عليه لا أقلّ.

للنصوص المستفيضة الأُخر (1)التي فيها أيضاً الصحيح و الموثق و غيرهما،و هي أيضاً ما بين ظاهرة و صريحة.

و المسألة محل إشكال و ريبة؛ لاختلاف النصوص،و قبول جلّ منهما التأويل بما يؤول إلى الآخر،مع غموض المرجّحات،و تعارض الوجوه الاعتبارية من الطرفين.

إلّا أن الترجيح للأخبار الأخيرة؛ من حيث اعتضادها بالأُصول القطعية،و الشهرة القديمة المترجّحة على الشهرة المتأخّرة،حيث حصل بينهما معارضة كما في المسألة.

مضافاً إلى الإجماعات المحكية،و عدم قبول كثير منها التأويل بما يؤول إلى الأخبار الأوّلة.

و مخالفتها للعامّة؛ فإن القول بمضمون الأخبار الأوّلة مذهب فقهائهم كافّة،كما يستفاد من صريح الانتصار و المبسوط و السرائر و ظاهر الغنية و التذكرة (2)،فلتحمل تلك الأخبار على التقية،لذلك،مع اعتضاده بمصير الإسكافي (3)إليه كما عرفته غير مرّة.

أو يؤوّل ما يقبل منها التأويل إلى ما يؤول إلى الأخيرة بحملها على الوصية خاصة،كما يشعر به بعضها،كالخبرين،في أحدهما:«للرجل عند

ص:389


1- الوسائل 19:أبواب أحكام الوصايا الباب 11 ح 12،19،و الباب 17 الأحاديث 1،2،7،8،10.
2- الانتصار:224،المبسوط 6:57،السرائر 3:15،الغنية(الجوامع الفقهية):603،التذكرة 2:517.
3- راجع ص 385.

موته ثلث ماله،و إن لم يوص فليس للورثة إمضاؤه» (1).

و في الثاني:«إن أعتق رجل عند موته خادماً ثم أوصى بوصية أُخرى، أُلغيت الوصية و أُعتقت الخادم من ثلثه إلّا أن يفضل من الثلث ما يبلغ الوصية» (2).

و نحوهما بعض الصحاح المتقدمة في بحث من أعتق و عليه دين، حيث وقع إطلاق الإعتاق على الوصية به (3).

و قد مرّ ثمة أن احتمال جعل ذلك قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي للإعتاق و هو المنجّز إلى الأعمّ منه و من الوصية معارض باحتمال جعلها صارفة عنه إلى المجاز الأخصّ،و هو الوصية خاصة،و الأصل المتأيّد بظاهر هذين الخبرين المطلقين لما ظاهره المنجّز على خصوص الوصية يرجّح الثاني.

و به يذبّ عما عيّنّا ثمة به الاحتمال الأوّل من اتّفاق فهم الفقهاء على ذلك،مع أنه ليس بواضح،لعدم ظهوره إلّا من حيث استدلالهم لحكم المنجّز في تلك المسألة بهذه الرواية،و هو لا يوجب فهمهم المنجّز من تلك الرواية،فلعلّهم فهموا منها الوصية خاصّة و ألحقوا بها المنجّز من باب الإجماع المركب،فإنّ كل من قال بذلك الحكم في الوصية قال به في المنجّز،و إن كان لا عكس،لمصير الماتن إلى ثبوته في المنجّز دونها.

و حيث ثبت الحكم بالرواية فيها ثبت في المنجّز أيضاً اتفاقاً.

ص:390


1- التهذيب 9:939/242،الوسائل 19:273 أبواب أحكام الوصايا ب 10 ح 7.
2- الكافي 7:2/17،التهذيب 9:786/197،الوسائل 19:276 أبواب أحكام الوصايا ب 11 ح 6.
3- راجع ص 291.

و يعضد هذا الحمل فهم المشايخ كالكليني من لفظ«العند» خصوص الوصية،و لذا عنونوا الباب بها ثم ساقوا فيه من الأخبار ما يتضمن ذكر كون التصرف عند الموت الظاهر في المنجّز على الظاهر (1).

و يحتمل الحمل أيضاً على الاستحباب و الفضيلة،كما وقع التصريح به في بعض الأخبار الأخيرة،و إلى هذا القول مال من متأخّري المتأخّرين جماعة،كصاحب الكفاية و غيره (2).

و لقد كتبت في المسألة رسالة منفردة رجّحت فيها خلاف ما هنا، لغفلتي عن الشهرة القديمة و الإجماعين المتقدم إلى ذكرهما الإشارة،و عن كون الأخبار الأوّلة موافقة للعامّة،فشيّدتها زعماً منّي اعتضادها بالشهرة، و طرحت ما خالفها،و هو كما ترى.فالمصير إلى القول الثاني أقوى ثم أقوى.

ثم إن إطلاق المرض في العبارة و ما ضاهاها من عبائر جماعة (3)و صريح آخرين (4)عدم الفرق فيه بين المخوف منه و غيره؛ لإطلاق النصوص،بل عموم بعضها.

خلافاً للمحكي عن المبسوط (5)فخصّه بالأوّل،تمسّكاً بما زعمه من ظاهر بعضها،و لم نجد له دلالة.

ص:391


1- انظر الكافي 7:16.
2- الكفاية:151؛ و انظر الحدائق 22:599.
3- منهم:الشهيد الأوّل في اللمعة(الروضة)4:106،و ابن فهد في المهذب 3:141،و السبزواري في الكفاية:151.
4- منهم:العلّامة في المختلف:514،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:423،و الشهيد الثاني في المسالك 1:425.
5- المبسوط 6:57.

نعم،يضعف الإطلاقات عن الشمول للثاني؛ لوقوع التعبير فيها بالتصرفات عند الموت كما في بعض،أو وقت حضوره كما في آخر،و لا ريب في ظهورهما فيما ذكره،فلا يبعد المصير إلى ما اختاره،لا لما ذكر، بل لقصر الحكم المخالف للأُصول على المتيقن منها،و ليس بمقتضى الفرض إلّا الشقّ الأوّل.

و اعلم أن محل الخلاف في أصل المسألة إنما هو إذا مات المريض في مرضه ذلك،أمّا لو برئ منه حسب من الأصل مطلقاً و لو مات في مرض آخر،بلا خلاف،كما في التنقيح و المسالك و غيرهما (1)،و هذا مما يؤيّد به ما اخترناه هنا.

أمّا الإقرار للأجنبي بدين فإن كان متّهماً على الورثة مريداً الإضرار عليهم بالإقرار بذلك،و يظهر ذلك من القرائن الخارجة فهو من الثلث،و إلّا فمن الأصل و الإقرار للوارث بذلك من الثلث على التقديرين أي مع التهمة و عدمها.

استناداً في القسم الأوّل إلى الصحيح:عن امرأة استودعت رجلاً مالاً، فلمّا حضرها الموت قالت له:إن المال الذي أودعته إليك لفلانة،و ماتت المرأة و أتى أولياؤها الرجل فقالوا له:إنه كان لصاحبتنا مال و لا نراه إلّا عندك فاحلف لنا ما لنا قبلك شيء،أ يحلف لهم؟فقال:«إن كانت مأمونة فيحلف لهم،و إن كانت متّهمة فلا يحلف،و يضع الأمر على ما كان،فإنّما لها من مالها ثلثه» (2).

ص:392


1- التنقيح الرائع 2:422،المسالك 1:426؛ و انظر المفاتيح 3:225.
2- الكافي 7:3/42،الفقيه 4:595/170،التهذيب 9:661/160،الإستبصار 4:431/112،الوسائل 19:291 أبواب أحكام الوصايا ب 16 ح 2.

و في الثاني إلى الصحيح:عن رجل أقرّ لوارثٍ له و هو مريض بدين عليه،قال:«يجوز عليه إذا أقرّ به دون الثلث» (1).

و منهم من سوّى بين القسمين و هم الأكثرون،و إن اختلفوا من وجه آخر،فبين من حكم بنفوذ الإقرار من الأصل فيهما مطلقاً،و من فصّل بين صورتي التهمة فمن الثلث،و عدمها فمن الأصل.

و نسب الأوّل إلى الديلمي (2)،و عليه الحلّي (3)مدّعياً الإجماع عليه.

لعموم:« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (4).

و أنه بإقراره يريد إبراء ذمّته من حقٍّ عليه في حال الصحة،و لا يمكن التوصّل إليه إلّا به،فلو لم يقبل إقراره بقيت ذمّته مشغولة و بقي المقرّ له ممنوعاً من حقّه،و كلاهما مفسدة،فقبول قوله أوفق بمقتضى الحكمة الإلهية.

و فيهما نظر؛ لوجوب تخصيص الأوّل بما سيأتي،و ما مرّ من النص المعتبر.

و منع التعليل الآخر بأن الإقرار كما يحتمل القصد إلى الإبراء كذا يحتمل مجرّد حرمان الورثة مع عدم كون ذمّته بشيء مشغولة،كما يشير إليه الأخبار الآتية المصرّحة باشتراط نفي التهمة.

ص:393


1- الكافي 7:4/42،الفقيه 4:592/170،التهذيب 9:659/160،الإستبصار 4:429/112،الوسائل 19:292 أبواب أحكام الوصايا ب 16 ح 3.
2- انظر التنقيح الرائع 2:426.
3- السرائر 3:217.
4- عوالي اللئلئ 1:104/223،الوسائل 23:184 أبواب الإقرار ب 3 ح 2،المستدرك 16:31 أبواب الإقرار ب 2 ح 1.

و نسب الثاني إلى الشيخين و القاضي (1)،و اختاره الماتن في الشرائع (2)،و شيخنا في شرحه (3)،و سبطه في شرح الكتاب،كما حكاه عنه بعض الأصحاب (4)،و نسبه الشهيدان و غيرهما (5)إلى الأكثر.

و استندوا في الشقّ الأوّل إلى الصحيح المتقدم.

و في الشق الثاني إلى الصحيح:عن رجل أوصى لبعض ورثته أن له عليه ديناً،فقال:«إن كان الميت مرضيّاً فأعطه الذي أوصى له» (6)و نحوه الموثق (7).

و ليس في مفهومهما كما ترى جواز إخراج الإقرار من الثلث مع التهمة،و كذلك الصحيح المتقدم في الشقّ الأوّل،بل ظاهره عدم الإخراج مطلقاً؛ لقوله:«و إن كانت متّهمة فلا يحلف و يضع الأمر على ما كان» و وضع الحق على ما كان ظاهر في عدم نفوذ الإقرار من شيء مطلقاً.

و لا ينافيه التعليل بقوله:«فإنما لها من مالها ثلثه» لعدم تصريح فيه، بل و لا ظهور في النفوذ من الثلث.

ص:394


1- نسبه إليهم في الحدائق 22:614،و هو في المقنعة:662،و النهاية:618،و المهذَّب 1:419.
2- الشرائع 3:152.
3- المسالك 2:175.
4- حكاه عنه في الحدائق 22:614.
5- لم نعثر عليه في الدروس و اللمعة،الشهيد الثاني في المسالك 2:175؛ و انظر الكفاية:151.
6- الكافي 7:2/41،الفقيه 4:594/170،التهذيب 9:656/159،الإستبصار 4:426/111،الوسائل 19:291 أبواب أحكام الوصايا ب 16 ح 1.
7- التهذيب 9:657/160،الإستبصار 4:427/111،الوسائل 19:294 أبواب أحكام الوصايا ب 16 ح 8.

نعم،ربما كان فيه إشعار ما به،إلّا أنه لا يعترض به القول السابق مما هو في غاية الظهور في عدم النفوذ مطلقاً،فلم أفهم وجه حكمهم بنفوذه مع التهمة من الثلث.

إلّا أن يقال بانعقاد الإجماع على النفوذ من الثلث مطلقاً،لأجنبي كان الإقرار أو لوارثٍ،كان هناك تهمة أم لا،كما يستفاد من الأقوال المحكيّة في المسألة البالغة سبعة،كما في نكت الإرشاد و غيره (1)،و شيء منها لم يتضمّن الحكم بحرمان المقرّ له عن الحق المقرّ به مع التهمة مطلقاً،بل اتّفقت على إعطائه من الثلث،و إن اختلفت في الزيادة عليه على أقوال شتّى،هذا.

مع أن الصحيح المتقدم سنداً لمختار الماتن هنا في الشق الثاني مطلق في إخراج الإقرار للوارث إذا كان دون الثلث،فتأمّل.

و بالجملة العمدة في تتميم هذا القول هو الإجماع.

مع إمكان أن يقال أيضاً بأن الإقرار يتضمن الحكم بالإعطاء،فهو كالأمر به منجّزاً أو وصية لا بُدَّ من إخراجه من الثلث جدّاً.

و اعلم أن مختار الماتن هنا من متفرّداته،كما صرّح به جملة من أصحابنا (2).

التاسعة أرش الجراح و دية النفس تتعلّق بهما الديون و الوصايا

التاسعة:أرش الجراح و دية النفس تتعلّق بهما الديون و الوصايا فتخرجان منهما كسائر أموال الميت على الأظهر الأشهر،بل نفى عنه الخلاف في شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي و الكفاية (3)،و عن المحقق

ص:395


1- انظر التنقيح 2:426.
2- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:426.
3- مجمع الفائدة و البرهان 9:102،الكفاية:146.

الثاني و في السرائر و المهذب (1)الإجماع عليه،لكن في دية الخطأ خاصة؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:رجل أوصى لرجل بوصية من ماله ثلث أو ربع فقتل خطأً يعني الموصي،فقال:«تجاز لهذه الوصية من ميراثه و ديته» (2).

و فيه:«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى لرجل وصية مقطوعة غير مسمّاة من ماله ثلثاً أو ربعاً أو أقلّ من ذلك أو أكثر،ثم قتل بعد ذلك الموصي فَوُدِي،فقضى في وصيته أنها تنفذ من ماله و ديته كما أوصى» (3).

و فيه:عن رجل قتل و عليه دين و لم يترك مالاً فأخذ أهله الدية من قاتله،أ عليهم أن يقضوا الدين؟قال:«نعم» قال:قلت:و هو لم يترك شيئاً؟قال:قال:«إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا الدين عنه» (4).

و نحوه الخبر القريب من الصحيح (5)،بانجبار راويه و هو عبد الحميد بن سعيد برواية صفوان بن يحيى عنه.

و إطلاق هذين الأخيرين بل عمومهما الناشئ من ترك الاستفصال

ص:396


1- المحقق الثاني في جامع المقاصد 11:111،السرائر 2:50،المهذب البارع 4:352.
2- الكافي 7:21/63،الفقيه 4:588/168،التهذيب 9:822/207،الوسائل 19:285 أبواب أحكام الوصايا ب 14 ح 1.
3- التهذيب 9:823/207،الوسائل 19:286 أبواب أحكام الوصايا ب 14 ح 3.
4- الكافي 7:6/25،الفقيه 4:584/167،التهذيب 9:681/167،الوسائل 19:336 أبواب أحكام الوصايا ب 31 ح 1.
5- التهذيب 6:416/192،الوسائل 18:364 أبواب الدين و القرض ب 24 ح 1.

يقتضي عدم الفرق بين ديتي العمد و الخطأ،و هو ظاهر إطلاق العبارة و نحوها من عبائر الجماعة،و به صرّح آخرون (1)،و منهم الماتن هنا في كتاب الإرث (2)،و نسبه في المسالك (3)إلى المشهور،و هو المنصور؛ لما مرّ.

مضافاً إلى النص الصريح المروي في الفقيه في كتاب الفرائض في أواخر باب القود و مبلغ الدية،و فيه:فإن هو قتل عمداً و صالح أولياؤه قاتله على الدية فعلى مَن الدين،على أوليائه من الدية أو على المسلمين؟ فقال:«بل يؤدّوا دينه من ديته التي صالح عليها أولياؤه فإنه أحقّ بديته من غيره» (4).

و في الخبر:«إذا قبلت دية العمد فصارت مالاً فهي ميراث كسائر الأموال» (5).

خلافاً للحلّي،فخصّ الحكم بدية الخطأ؛ معلّلاً بأن العمد إنما يوجب القصاص،و هو حق للوارث،فإذا رضي بالدية كانت عوضاً عنه، فكانت أبعد عن استحقاق الميت من دية الخطأ (6).

و مال إليه في الكفاية حيث استشكل في الحكم في دية العمد؛ معتذراً بما مرّ،و كون الصحيحين الأوّلين غير شاملين لها،لاختصاص

ص:397


1- منهم:الشهيد في المسالك 2:313 و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:318.
2- المختصر النافع:265.
3- المسالك 2:313.
4- الفقيه 4:264/83،الوسائل 29:123 أبواب القصاص في النفس ب 59 ح 2؛ بتفاوت.
5- التهذيب 9:1347/377،الوسائل 26:41 أبواب موانع الإرث ب 14 ح 1.
6- السرائر 2:49.

أوّلهما بدية الخطأ،و كون الثاني قضية في واقعة فلا تعم (1).

و هو حسن لولا ما قدّمناه من الصحيح و القريب منه سنداً المطلقين، بل العامّين،و خصوص النص الصريح المنجبر ضعفه بالشهرة الظاهرة و المحكية،بل اتفاق الطائفة،كما اعترف هو و غيره بها،معتضدة بنصوص أُخر:

منها:عن رجل قتل و عليه دين و ليس له مال،فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله و عليه دين؟فقال:«إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل،فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل ضمنوا الدية للغرماء» (2).

و نحوه آخر،إلّا أنه قال فيه:«فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل فهو جائز،و إن أرادوا القود ليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدين للغرماء، و إلّا فلا» (3).

نعم،ربما يعضد ما ذكره من الاختصاص بدية الخطأ مفهوم القوي بالسكوني المجمع على تصحيح رواياته كما حكي (4):«من أوصى بثلثه ثم قتل خطأً فإن ثلث ديته داخل في وصيته» (5)فيقيد به إطلاق الصحيحين.

ص:398


1- الكفاية:146.
2- الفقيه 4:411/119،التهذيب 10:703/180،الوسائل 29:122 أبواب القصاص في النفس ب 59 ح 1.
3- التهذيب 6:861/312،الوسائل 18:365 أبواب الدين و القرض ب 24 ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- انظر عدة الأُصول 1:380.
5- الكافي 7:7/11،الفقيه 4:589/169،التهذيب 9:774/193،الوسائل 19:285 أبواب أحكام الوصايا ب 14 ح 2.

و يذبّ عن النص الصريح بضعفه بمحمد بن أسلم الجبلي و علي بن أبي حمزة البطائني.

لكن هذا إنما يتمّ لو لم تكن الشهرة الجابرة لسند الرواية الصريحة، و الموجبة لعدم مقاومة القوية لتلك النصوص المطلقة،و هي كما عرفت متحقّقة و محكية،معتضدة بنفي الخلاف عن إطلاق الحكم في كلام جماعة،فلا ريب و لا شبهة فيما ذكره الجماعة و كون رأي الحلّي ضعيفاً غايته،و لذا لم يشر إليه أحد في الكتب الاستدلالية.

و أضعف منه القول المحكي عن نادر مجهول بعدم الحكم في دية الخطأ أيضاً معلّلاً بتأخّر استحقاقها عن الحياة التي شرط الملك،و الدين كان متعلّقاً بالذمة حال الحياة و بالمال بعد الوفاة،و الميت لا يملك بعدها شيئاً (1).

و إن هو إلّا اجتهاد صرف في مقابلة النصوص المستفيضة المعتضدة بالإجماعات المحكية.

ص:399


1- حكاه في المفاتيح 3:318.

المجلد 11

اشارة

سرشناسه:طباطبائی کربلائی، علی بن محمدعلی، 1161 - 1231ق.

عنوان و نام پديدآور:ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل/ تالیف محمدعلی الطباطبایی؛ تحقیق موسسه آل البیت(ع) لاحیاءالتراث.

مشخصات نشر:قم: موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاءالثرات، 1418ق.-= 1376-

مشخصات ظاهری:16 ج.: نمونه.

فروست:موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

شابک: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری

يادداشت:عربی.

يادداشت:کتاب حاضر شرحی بر مختصرالنافع محقق حلی است.

يادداشت:ج.9 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت:ج. 11 - 13 (چاپ؟: 1421ق. = 1379).

يادداشت:ج. 15و 16 (چاپ؟: 1422ق. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:محقق حلی، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 7ق.

شناسه افزوده:محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

شناسه افزوده:موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاء الثرات

رده بندی کنگره:BP182/م3م30216 1376

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

بسم الله الرحمن الرحيم و به ثقتي و عليه توكّلي الحمد للّه ربّ العالمين،و صلّى اللّه على محمّدٍ و آله الطاهرين.

ص:5

ص:6

كتاب النكاح

اشارة

كتاب النكاح هو في اللغة:الوطء،على الأشهر كما نُقل (1)،بل عليه الإجماع في المختلف (2)(3)،و هو الظاهر من الجوهري (4)كغيره من أهلها (5)،إلّا أنّ المحكيّ عن الراغب استحالته (6).

و عن أبي القاسم الزجّاج:اشتراكه بينه و بين العقد (7).و هو الظاهر من غيره أيضاً (8).

و ربما قيل بمجازيّته فيهما؛ لأخذهما من الضمّ و الاختلاط

ص:7


1- نقله في كشف اللثام 2:6.
2- المختلف:523.
3- و عن الإيضاح 3:3.منه رحمه الله.
4- كما في الصحاح 1:413.
5- الفيروزآبادي في القاموس المحيط 1:263،الطريحي في مجمع البحرين 2:421.
6- راجع المفردات:505.
7- نقله عنه في المغرب 2:228.
8- تهذيب اللغة 4:103،المغرب 2:228.

و الغلبة (1).

و ردّ بعدم منافاة التجوّز باعتبار أصله الحقيقة فيهما،أو في أحدهما في عرف اللغة (2).

مضافاً إلى كون إطلاقه على الوطء باعتبار وجود أحد المعاني فيه، و هو لا ينافي الحقيقة.

و يتوجّه على الأول:أنّ عدم المنافاة فرع وجود الدليل على الدعوى، و ليس،فالأصل عدم النقل.

و على الثاني:أنّه يتوقّف صحّته على إرادة ما ذكر من حاقّ اللفظ و الخصوصيّة من الخارج،و ليس الكلام فيه،بل هو في استعماله في المركّب منهما،و هو غير الأصل،فيكون مجازاً.

و في الشرع:العقد خاصّة،على الأشهر كما حكي (3)،بل عن الشيخ و الحلّي و الإيضاح دعوى الإجماع عليه (4)،و هي الحجّة فيه،مع أصالة عدم النقل إن قلنا باتحاد اللغة معه،و غلبة استعماله في الشرع كذلك،حتى قيل:

إنّه لم يرد في القرآن بذلك إلّا قوله تعالى حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [1] (5)لاشتراط الوطء في المحلّل (6).و فيه نظر.

ص:8


1- قال به الفيومي في المصباح المنير:624.
2- كشف اللثام 2:6.
3- حكاه في كشف اللثام 2:6.
4- عدّة الأُصول 1:170،السرائر 2:524،الإيضاح 3:2،إلّا أنّه ليس في العدّة و الإيضاح دعوى الإجماع عليه.
5- البقرة:230.
6- حكاه في إيضاح الفوائد 3:3،جامع المقاصد 12:7،الحدائق 23:19،المسالك 1:430.

و هي (1)أمارة الحقيقة؛ لإيراثها التبادر،لا لصحّة النفي في مثل:«هذا سفاحٌ و ليس بنكاح» ؛ لاحتمال الاعتماد على القرينة كما فيه.

و قيل بالعكس؛ للأصل،بناءً على كونه لغةً كذلك (2).

و قيل بالاشتراك بينهما؛ للاستعمال و الأصل فيه الحقيقة و لقوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ [1] (3)لدخول الأمرين فيه (4).

و يضعّف الأول بعد تسليم الثبوت لغة كذلك-:بتخصيص الأصل بما مرّ.

و الثاني:بأعميّة الاستعمال،و عدم الدليل على إرادتهما معاً من الآية.

و تساويهما في الحكم على تقدير تسليمه غير ملازم لذلك.هذا على القول بجواز استعمال المشترك في معنييه،و إلّا فهو باطلٌ من أصله.

و أقسامه أي الكتاب ثلاثة و إنّما قلنا ذلك للزوم أن يلغو الظرف في قوله:«الأول:في الدائم» على تقدير رجوع الضمير إلى النكاح.

الأول في الدائم

اشارة

الأول:في النكاح الدائم.

و هو يستدعي فصولاً:

ص:9


1- أي الغلبة.
2- كما حكاه عنه في كشف اللثام 2:6.
3- النساء:22.
4- حكاه في كشف اللثام 2:6.
الأول في صيغة العقد،و أحكامه و آدابه
اشارة

الأول:

في صيغة العقد،و أحكامه و آدابه

الصيغة

أمّا الصيغة التي لا بُدّ هنا منها بإجماع علماء الإسلام ف هي:

الإيجاب و القبول و يشترط في الأول: النطق بأحد الألفاظ الثلاثة التي هي:

زوّجتك،و أنكحتك،و متّعتك و الاكتفاء بأحد الأوّلَين مجمعٌ عليه،كما في الروضة و عن التذكرة (1)و غيرهما (2)،و ورد بهما القرآن العزيز (3).

و بالثالث مختلفٌ فيه،فالأكثر و منهم الإسكافي و المرتضى و أبو الصلاح و ابن حمزة و الحلّي (4)كما حُكي (5)على المنع؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن،و التفاتاً إلى عدم ورود التعبير به في الدائم في شيء من الأخبار؛ لانحصار التعبير عنه فيها في الأوّلَين.

خلافاً للمتن و الشرائع و الإرشاد و النهاية (6)؛ لعدم النصّ على حصر لفظه في شيء،مع دلالته على المقصود،و كونهِ (7)من ألفاظ النكاح؛ لكونه

ص:10


1- الروضة 5:108،التذكرة 2:581.
2- انظر كشف اللثام 2:12،و التنقيح الرائع 3:7.
3- القصص:27 الأحزاب:37.
4- نقله عن الإسكافي في المختلف:533،المرتضى في الناصريات(الجوامع الفقهية):210،أبو الصلاح في الكافي:293،ابن حمزة في الوسيلة:291،الحلي في السرائر 2:550.
5- و عن ظاهر السيد في الطبريات(نقله عن كشف اللثام 2:12)الإجماع عليه.منه رحمه الله.
6- الشرائع 2:273،الإرشاد 2:6،النهاية:450.
7- أي لفظ المتعة.

حقيقةً في المنقطع منه و إن توقّف معه (1)على الأجل،كما لو عبّر بأحد الأولَين فيه و ميّزه به،فأصل اللفظ صالح للنوعين،فيكون حقيقةً في القدر المشترك بينهما،و يتميّزان بذكر الأجل و عدمه.

و حكمِ (2)جماعةٍ (3)تبعاً لروايةٍ بأنّه لو تزوّج متعةً و نسي ذكر الأجل انقلب دائماً (4)،و ذلك فرع صلاحيّة الصيغة له.

و في الجميع نظر؛ لعدم الاكتفاء في مثله بعدم النصّ على الحصر و مجرّد الدلالة على المقصود،و إلّا لاكتُفي بالإشارة المعربة عنه،و هو باطل إجماعاً.

و استلزام كونه حقيقةً في المنقطع مجازيّته في غيره مطلقاً (5)بمعونة أصالة عدم الاشتراك،فلا اشتراك معنويّاً.

و على تقدير كونه حقيقةً في القدر المشترك يستلزم مجازيّته في خصوص أحد الطرفين،و منه الدائم.

و دعوى إرادة الخصوصيّة من القرينة و هي عدم ذكر الأجل ممنوعة؛ لعدم الملازمة بينه و بين الدوام،كيف لا؟!و هو أوّل الكلام، فلا يكفي حينئذ؛ إذ لا يكفي ما يدلّ بالمجاز حذراً من عدم الانحصار.

و النقض بالأوّلين مدفوع بالوفاق،مع احتمال كون الاشتراك فيهما لفظيّاً،أو كونهما حقيقةً في الدائم مجازاً في المنقطع،فلا محذور.

هذا،بعد تسليم كونه (6)حقيقةً في القدر المشترك،و إلّا فالظاهر كونه

ص:11


1- أي مع المنقطع.
2- عطف على قوله:عدم النص.منه رحمه الله.
3- منهم الشيخ في النهاية:450،القاضي في المهذب 2:241،الحلبي في الكافي:298.
4- الوسائل 21:47 أبواب المتعة ب 20.
5- أي سواء كان الدائم أم القدر المشترك.منه رحمه الله.
6- أي لفظ المتعة.منه رحمه الله.

حقيقةً في المنقطع خاصّة؛ للتبادر،و صحّة السلب عن الدائم، و منع القول المحكيّ لضعف دليله و القبول هو اللفظ الدالّ صريحاً على الرضا بالإيجاب مطلقاً وافقه لفظاً أم خالفه مع الموافقة له معنىً،اقتصر على لفظه أم اتبع بالإيجاب عندنا.

خلافاً لبعض من خالفنا في الاقتصار (1).و هو ضعيف.

و هل يشترط وقوع تلك الألفاظ المعتبرة في الأمرين بلفظ الماضي؟الأحوط على بعض الوجوه،بل الأظهر الأشهر مطلقاً كما نُقل (2) نعم إمّا لأنّه صريحٌ في الإنشاء عرفاً عامّاً أو خاصّاً؛ لورود التعبير به شرعاً مجرّداً عن قرينة زائدة على قرينة التخاطب لا غير،فلا ينافيها (3)كونها للإخبار لغةً.

أو للاتّفاق على الوقوع به،فلا يعارَض بمثله ممّا هو بمعنى الإخبار؛ لبطلان القياس،و لزوم الاقتصار في المخالف على محلّ الوفاق.

خلافاً لمن سيأتي.

و لو أتى بلفظ الأمر قاصداً به الإنشاء المعتبر هنا،المعبّر عنه بالرضاء الباطني بالنكاح بالفعل كقوله أي الزوج و من في حكمه لها أو للولي و من في حكمه:زوِّجيني نفسك،أو زَوّجنيها،فقال:

زوّجتك،قيل:يصحّ القائل:الشيخ،و ابنا زهرة و حمزة،و الماتن في غير الكتاب (4).

ص:12


1- كالشافعي على ما حكاه عنه في المغني و الشرح الكبير 7:428.
2- نقله الشهيد الثاني في المسالك 1:442،و السبزواري في الكفاية:154.
3- أي الصراحة.
4- الشيخ في المبسوط 4:194،و الخلاف 4:291،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):609،ابن حمزة في الوسيلة:291،الماتن في الشرائع 2:273.

كما في قضيّة سهل الساعدي المشهورة،المرويّة بطرق من الخاصّة و العامّة،و فيها الصحيح:إنّ رجلاً سأل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله تزويج امرأة،فقال:زَوّجنِيها،فسأله عمّا يصدقها به إلى أن قال:

«زوّجتك بما معك من القرآن» (1).و ليس فيها في شيء من الطرق إعادة القبول،مع أنّ الأصل عدمها.

و الأقوى:المنع،وفاقاً للأكثر،و منهم:السرائر و الجامع و المختلف و ابن سعيد (2)و اللمعة و الروضة (3)؛ عملاً بأصالة الحرمة،و استضعافاً للرواية بعدم الصراحة و الظهور التامّ،الذي هو المناط لتخصيص مثلها (4).

و اختصاصها بالقبول مع وقوع التصريح فيها بالماضي في الإيجاب، و هو و إن كان يندفع بالإجماع،إلّا أنّه لا يرفع الوهن الحاصل فيها به، المعتبر مثله في التعارض،الموجب لمرجوحيّة المشتمل عليه.

و قصورها عن المقاومة للأصالة المزبورة؛ لاشتهار العمل بها بين الطائفة،و اعتضادها بالاحتياط المأمور به في الشريعة.

نعم،قد لا يجامعها الاحتياط،بل يخالفها فيما إذا وقع العقد بما في الرواية،و لا ريب أنّه خلاف الاحتياط الحكم حينئذٍ بعدم الزوجيّة؛ لاحتمالها بالبديهة.

ص:13


1- قال في المسالك 2:443 كما ورد في خبر سهل الساعدي المشهور بين العامة و الخاصة،و رواه كل منهما في الصحيح.إلّا أنّا لم نقف عليه بهذا المتن في مصادر حديثنا.نعم،ورد بتفاوتٍ في عوالي اللئلئ 2:8/263،المستدرك 14:313 أبواب عقد النكاح ب 1 ح 4.
2- كذا في النسخ،و لعلّه تكرار لسبق ذكر الجامع.
3- السرائر 2:574،الجامع للشرائع:437،المختلف:533،الروضة البهية 5:109.
4- أي مثل أصالة الحرمة.

و ممّا ذُكِرَ ظهر وجه تقييد الاحتياط في المتن ببعض الوجوه،و ينبغي مراعاته حينئذٍ أيضاً بعقد جديد بلفظ الماضي مع بقاء التراضي،و إجراء الطلاق مع العدم.

و لو أتى بلفظ المستقبل قاصداً به الإنشاء كقوله:أتَزوَّجُكِ و قالت:زَوَّجتُكَ نفسي قيل:يجوز القائل:العماني و الماتن في غير الكتاب (1)،و جماعة (2).

للروايات المستفيضة في تجويز مثله في عقد المتعة:

منها الموثّق:قال:«لا بُدّ أن يقول فيه هذه الشروط:أتَزَوَّجُكِ متعةً على كذا و كذا» الحديث (3).

و مثله الحسن:قال:«تقول:أتَزَوَّجُكِ متعةً على كتاب اللّه تعالى و سنّة نبيّه صلى الله عليه و آله» الخبر (4).

و مثلهما رواية أبان بن تغلب،المشار إليها بقوله: كما في خبر أبان عن مولانا الصادق عليه السلام في المتعة:«أتَزَوَّجُكِ متعةً..فإذا قالت:

نعم..فهي امرأتك (5) و كذا غيرها (6)المشترك معها في ضعف الإسناد،و الأوّلان و إن اعتبرا

ص:14


1- نقله عن العماني في الحدائق 23:163،الماتن في الشرائع 2:273.
2- منهم السبزواري في الكفاية:154،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:12،و صاحب الحدائق 23:164.
3- الكافي 5:2/455،التهذيب 7:1138/263،الوسائل 21:44 أبواب المتعة ب 18 ح 4.
4- الكافي 5:/455 4،التهذيب 7:/263 1137،الوسائل 21:43 أبواب المتعة ب 18 ح 2.
5- الكافي 5:3/455،التهذيب 7:1145/265،الإستبصار 3:551/150،الوسائل 21:43 أبواب المتعة ب 18 ح 1.
6- الكافي 5:5/455،الوسائل 21:44 أبواب المتعة ب 18 ح 3.

بحَسَبه إلّا أنّهما بالقطع،و عدم النسبة إلى إمام مشاركان لها فيه ايضاً، فلا يمكن الاستناد إليها في الجواز.

مضافاً إلى اختصاصها بالمتعة،و لا بُدّ من الدليل في التعدية إلى ما حكم به الجماعة،و فقده واضح بالبديهة.

فإذاً القول بالمنع في غاية القوّة؛ بالنظر إلى أصالة الحرمة،و عدم الدليل على الإباحة بهذه العبارة،وفاقاً للمختلف و ابني سعيد و حمزة و الشهيدين في اللمعة و الروضة (1).

نعم،مراعاة الاحتياط المتقدّم في الصورة المزبورة في سابق هذه المسألة محمودة في الشريعة.و القول بعدم الجواز في هذه المسألة أقوى منه في المسألة السابقة.

و لو قال مستفهمٌ للوليّ: زوَّجتَ بنتك من فلان؟فقال:نعم بقصد إعادة اللفظ تقديراً،و إقامة«نعم» مقامه للإنشاء لا بقصد جواب الاستفهام فقال الزوج:قَبِلتُ،صحّ عند المصنّف هنا،و في الشرائع على تردّد (2)،وفاقاً للشيخ و ابن حمزة،و العلّامة في الإرشاد قطعاً،و في القواعد مستشكلاً (3).

لأنّه يتضمّن السؤال و جارٍ مجراه اتّفاقاً،فكأنّه قال:زوَّجْتُها منه، و ربما يرشد إليه خبر أبان المتقدّم و غيره.

و التردّد و الاستشكال لضعف الرواية و اختصاصها بالمتعة،و التأمّل في

ص:15


1- المختلف:533،ابن سعيد في الجامع للشرائع:437،ابن حمزة في الوسيلة:291،الروضة البهية 5:109.
2- الشرائع 2:273.
3- الشيخ في المبسوط 4:193،ابن حمزة في الوسيلة:291،الإرشاد 2:6،القواعد 2:4.

أنّ حكمَ الصّريح في الشيء حكمهُ شرعاً.

مضافاً إلى أنّ مقتضى تضمّنه السؤال إفادته الإخبار الخالي عن الإنشاء،بناءً على تضمّن السؤال الاستخبار عن وقوع المسئول في الماضي،و مراعاة التطبيق بينه و بين الجواب يستلزم كونه إخباراً عن الوقوع،لا إنشاءً للتزويج،فلو صرّح به فيه لارتفع التطابق اللازم المراعاة، و من هنا يمكن أن يقال بعدم وقوع التزويج لو أبدل«نعم» بالصريح (1).

فالأقوى:المنع،تبعاً للأكثر كما في المسالك (2)؛ عملاً بالأصل الخالي عن المعارض.

و لا يشترط تقديم الإيجاب على القبول في المشهور،بل عليه الإجماع عن المبسوط و السرائر (3)؛ و هو الحجّة في تخصيص الأصل.

لا التعليل بأنّ العقد هو الإيجاب و القبول،و أنّ الترتيب كيف اتفق غير مخلٍّ بالمقصود.

و أنّه يزيد النكاح على غيره بأنّ الإيجاب من المرأة،و هي تستحيي غالباً من الابتداء به،فاغتُفِرَ هنا و إن خولف في غيره؛ لعدم الدليل على الاغتفار.

لعدم ما يدلّ على كفاية الاستحياء،مع أنّه أخصّ.

و كون الأوّل مصادرة،إلّا على تقدير عمومٍ دالٍّ على كفاية حصول المقصود باللفظين بأيّ وجهٍ اتفق،و فقده ظاهر.و لذا رجعوا إلى الأصل في كل ما اختُلِفَ في صحّته مع عدم قيام دليلٍ عليها،و على تقدير وجوده لزم أن يكون الأمر بالعكس،فتدبّر.

ص:16


1- أي زوَّجتُ.
2- المسالك 1:444.
3- المبسوط 4:194،السرائر 2:574.

ثم إنّه يعتبر حيثما قدّم القبول كونه بغير:قبلتُ و رضيتُ،ك:

نكحتُ و تزوّجتُ،و هو حينئذٍ بمعنى الإيجاب؛ و ذلك لعدم صدق المعنى بذلك.

و يجب إيقاع الركنين بالعربيّة و لا تجزي الترجمة عنهما أو أحدهما بمثل الفارسيّة مع القدرة على النطق على الأشهر الأظهر،بل اتّفاقاً منّا كما عن المبسوط و التذكرة (1).

لتوقيفيّة العقود،و لزوم تلقّيها من الشارع،و ليس ما وصل إلّا ما ذُكِر، مع الأصل و الاحتياط في الفروج.

و احتمالُ كون اقتصاره بذلك لكونه عرفه و اصطلاحه فلا يمنع عن جواز غيره،حسنٌ مع قيام دليلٍ على صحّته عموماً أو خصوصاً،و فقدهما ظاهر،فإجازة ابن حمزة ذلك ضعيفة،لكن مع استحباب العربيّة (2).

و تجزئ كما قطع به الأصحاب كما حكي (3) مع العذر كالمشقّة الكثيرة في التعلّم،أو فوات بعض الأغراض المقصودة كالأعجم و لا فرق في ذلك بين العجز عن الركنين أو أحدهما،و لكن تختصّ الرخصة في الأخير بالعاجز،و يُلزَم بالعربيّة غيره،و يصحّ حينئذٍ أيضاً كما في اختلاف الترجمتين،بشرط فهم كلّ منهما كلام الآخر،و لو بمترجمين عدلين،أو عدل واحد في وجهٍ قوي،و ذلك مع عدم حصول القطع بإخباره،و معه فلا ريب في كفايته.

و الأصل في المسألة بعد حكاية الإجماع فحوى اجتزاء الأخرس

ص:17


1- المبسوط 4:194،التذكرة 2:582.
2- ابن حمزة في الوسيلة:291.
3- الحاكي هو الفاضل الهندي في شرح القواعد(كشف اللثام 2:12).منه رحمه الله.

بالإشارة في الطلاق،مع لزوم الحرج في الاقتصار بالعربيّة و لو في الجملة، فلا وجه لإيجاب التوكيل،و لا سيّما في مقابلة الأصل بالمرّة (1).

و كذا تجزئ الإشارة المفهمة للآخر المراد للأخرس مطلقاً،موجِباً كان أو قابلاً أو هما معاً،أصليّاً كان أو طارئاً؛ لقطع الأصحاب به هنا أيضاً كما حكي (2)،و للضرورة،مع أصالة عدم لزوم التوكيل،مضافاً إلى عدم تعارفه،و التأيّد بالاكتفاء بها في الطلاق.

أمّا الأحكام،فمسائل
اشارة

و أمّا الأحكام،فمسائل أربع:

الاُولى لا حكم لعبارة الصبي

الاُولى:لا حكم لعبارة الصبي و الصبيّة مطلقاً (3) و لا المجنون و المجنونة كذلك و إن كان أدواريّاً،بشرط عدم الإفاقة حين العقد.

للأصل،مع عدم الدليل على اعتبارها،مضافاً إلى فقد القصد الباطني المشترط في الصحّة إجماعاً في بعض الصور.

و لا السكران مطلقاً،موجباً كان أو قابلاً،أجاز بعد الإفاقة أم لا،على أصحّ القولين و أشهرهما؛ لعين ما ذُكِر.

و ليس في صورة الإجازة من الفضولي فيلحق به لعموم أدلّة جوازه؛ لاختصاصه بالصحيح لا الفاسد من أصله.و على تقدير كونه منه يمنع الإلحاق بمنع العموم؛ لاختصاص المصحّح له بما ذكرنا،فلا يقيّد الأصل إلّا بدليل.

ص:18


1- و في الكفاية(155)نقل الاتّفاق ظاهراً على عدم وجوب التوكيل.منه عفي عنه و عن والديه.
2- الحاكي هو الفاضل الهندي في شرح القواعد(كشف اللثام 2:12).منه رحمه الله.
3- أي مميّزاً كان أم غيره،و خصّهما الولي في إجراء الصيغة أم لا،أجاز بعده أم لا.منه رحمه الله.

و لكن ورد في رواية صحيحة عمل بها الشيخ في النهاية و تبعه ابن البرّاج (1):أنّه إذا زوّجت السَّكرى نفسها،ثم أفاقت فرضيت، أو دخل بها فأفاقت و أقرّته،كان ماضياً (2) إلّا أنّها لمخالفتها الأُصول القطعيّة،المعتضدة في خصوص المقام بالشهرة العظيمة،لا يجوز التعويل عليها في مقابلتها و تخصيصها بها؛ مع أنّ المذكور فيها الإنكار بعد الإفاقة،الملازم لعدم الرضاء بالصحّة،نعم تضمّنت الإقامة معه بعده لمظنّة اللزوم،إلّا أنّها مع عدم معلوميّة كونها الرضاء المعتبر غير نافعة بعد الإنكار.

فلا يمكن الإلحاق بالفضولي من هذا الوجه أيضاً،فطرحها رأساً أو حملها على ما في المختلف (3)و غيره (4)و إن بَعُدَ متعيّن.

الثانية لا يشترط حضور شاهدين

الثانية:لا يشترط في صحّة العقد حضور شاهدين عدلين مطلقاً،دائماً كان أو منقطعاً،تحليلاً أو ملكاً؛ لعموم بعض النصوص (5)، مع الإجماع فيما عدا الأوّل.و لا ينافيه اختصاص الباقي أو التخصيص فيها بالأوّل؛ لوروده في مقام الردّ على جمهور الجمهور المعتبرين له فيه، فلا عبرة بمفهومه لو كان.

و هذا الحكم مشهور بين الأصحاب،بل كاد أن يكون إجماعاً،بل

ص:19


1- النهاية:468،ابن البراج في المهذب 2:196.
2- الفقيه 3:1230/259،التهذيب 7:1571/392،الوسائل 20:294 أبواب عقد النكاح ب 14 ح 1.
3- المختلف:538.
4- انظر السرائر 2:571.
5- التهذيب 7:1635/409،الوسائل 20:99 أبواب مقدمات النكاح ب 43 ح 6.

حكي صريحاً عن الانتصار و الناصريات و الخلاف و الغنية و السرائر و التذكرة (1)(2)،و النصوص به مستفيضة (3)،منها:الحسان بل الصحاح على الصحيح و الموثّقان.

ففي الحسن:في الرجل يتزوّج بغير بيّنة،قال:«لا بأس» (4).

خلافاً للحَسَن (5)،فاشترطه؛ للخبر:«التزويج الدائم لا يكون إلّا بوليّ و شاهدين» (6).

و هو مع ضعفه سنداً،و قصوره عن المقاومة لما تقدّم عدداً و اعتباراً محمولٌ على التقيّة،و يؤيّده كونه مكاتبة؛ مع إشعار متنه بذلك أيضاً، كتصريح غيره به،كالموثّق (7)و غيره (8).

نعم،يستحبّ ذلك؛ لدفع التهمة و تحقّق النسب و الميراث و القسم و النفقات،و به بعض المعتبرة (9).

و لا حضور وليّ مطلقاً إذا كانت الزوجة بالغةً رشيدةً،على

ص:20


1- حكاه عنهم في كشف اللثام 2:7،و هو في الانتصار:118،الناصريات(الجوامع الفقهية):210،الخلاف 4:261،الغنية(الجوامع الفقهية):610،السرائر 2:550،التذكرة 2:571.
2- و التنقيح(3:12)،و المسالك(1:431).منه رحمه الله.
3- الوسائل 20:97 أبواب مقدمات النكاح ب 43.
4- الكافي 5:3/387،الوسائل 20:98 أبواب مقدمات النكاح ب 43 ح 4.
5- و هو ابن أبي عقيل،على ما حكاه عنه في المختلف:535.
6- التهذيب 7:1101/255،الإستبصار 3:529/146،الوسائل 21:34 أبواب المتعة ب 11 ح 11.
7- التهذيب 6:774/281،الإستبصار 3:81/26،الوسائل 27:360 أبواب الشهادات ب 24 ح 35.
8- الوسائل 20:97 أبواب مقدمات النكاح ب 43.
9- الوسائل 20:97 أبواب مقدمات النكاح ب 43 الأحاديث 1،2،3،6،8.

الأصحّ الأشهر،كما يأتي.

الثالثة لو ادّعى زوجيّة امرأة،و ادّعت أُختها زوجيّته فالحكم لبيّنة الرجل

الثالثة:لو ادّعى رجل زوجيّة امرأة،و ادّعت أُختها زوجيّته : فمع عدم البيّنة منهما و الدخول بالمدّعية،الحكم له في قطع دعواها مع اليمين،و كذلك معه (1)على الأظهر؛ لترجيح الأصل على الظاهر.

و لها مع الردّ،فتحلف على الدعوى،و على نفي العلم بما ادّعى.

و كذا الحكم له مع اختصاص البيّنة به،فيحلف معها.و قيل بعدم لزومه (2).و هو مشكل.و لا فرق فيه بين الدخول و العدم،كما تقدّم.

و مع اختصاصها بها فالحكم لها مع الحلف على نفي العلم.

و معها لهما مطلقاً (3)، فالحكم لبيّنة الرجل قيل:لرجحانها على بيّنتها؛ لإنكارها فعله الذي لا يعلم إلّا من قبله، فلعلّه عقد على الاُولى قبل العقد عليها (4).

و فيه نظر،مضافاً إلى اختصاصه بصورة إطلاق البيّنتين،أمّا مع تأرّخهما بتاريخين متساويين فلا.

فالأصل في المسألة الخبر الذي ضعفه و لو من وجوه،بالشهرة بل و عدم الخلاف و الإجماع المحكيّ (5)قد انجبر-:في رجل ادّعى على امرأة أنّه تزوّجها بوليّ و شهود،و أنكرت المرأة ذلك،و أقامت أُخت هذه المرأة على هذا الرجل البينة أنّه تزوّجها بوليّ و شهود و لم توقّت وقتاً:«أنّ البيّنة

ص:21


1- أي مع الدخول.
2- الروضة 5:132.
3- أي سواء كانت البيِّنتان مطلقتين أو مؤرّختين بتأريخين متساويين.منه رحمه الله.
4- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:14.
5- المسالك 1:446.

بيّنة الزوج،و لا تقبل بيّنة المرأة؛ لأنّ الزوج قد استحقّ بضع هذه المرأة، و تريد أُختها فساد هذا النكاح،و لا تصدّق (1)و لا تقبل بيّنتها إلّا بوقت قبل وقتها أو دخول بها» (2).

و إشكال بعضهم فيه بأنّ الزوج منكر فلا وجه لتقديم بيّنته (3)؛ مدفوعٌ بصراحته بإنكار الاُولى زوجيّته،فاعتبار بيّنته بالإضافة إليها لكونه مدّعياً في مقابلها.

و أمّا التقديم فلعلّه للرجحان المتقدّم،مع أنّه لا يمكن الجمع بين قضيّتهما؛ للتنافي،كذا قيل (4).

و هو حسن،إلّا في وجه التقديم،و فيه النظر السابق.

نعم،يتوجّه عليه حينئذٍ:أنّ الإشكال في التقديم إنّما هو من حيث ارتكابه بلا مرجّح لا من حيث إنّه منكر فلا وجه لتقديم بيّنته،ففيه المخالفة للقاعدة من هذه الجهة؛ و لذا يستشكل في انسحاب الحكم في مثل البنت و الأُمّ:من التساوي،و الخروج عن النصّ،و هو الأقوى،لا لما ذكره.

نعم،الإشكال من تلك الجهة أيضاً متوجّه على إطلاق (5)عبائر الأصحاب،إلّا أن يُخَصَّ بما في النص.

و ظاهر إطلاقه كإطلاق كلام الأكثر الاكتفاء في التقديم بالبيّنة من

ص:22


1- ليست في«ص».
2- الكافي 5:26/562،التهذيب 7:1729/433،الوسائل 20:299 أبواب عقد النكاح ب 22 ح 1.
3- كما في المسالك 1:446.
4- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:14.
5- المشتمل لما إذا لم تكن المرأة الأُولى منكرة.منه رحمه الله.

دون يمين،و إلّا للزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.

و ربما قيل بعدمه و لزوم ضمّها إليها؛ جمعاً بينه و بين القاعدة، فيحلف الرجل؛ من حيث إنّ بيّنته إنّما هي لإثبات ما ادّعاه على المرأة الأُولى،و بينه و بين أُختها دعوى اخرى،و هو منكر بالنسبة إليها،فلا بُدّ من اليمين لقطع دعواها،و لا يضرّ إقامتها البيّنة؛ لإمكان سبق العقد على الاُولى (1).و هو أحوط،فتقدّم بيّنته معها.

إلّا أن يكون مع بيّنة المرأة المدّعية ترجيحٌ على بيّنة الرجل من دخول،أو سبق تاريخ فيحكم لها حينئذٍ مطلقاً،كما في ظاهر الخبر.

و ربما يشترط في المرجّح الأول حلفها على نفي العلم بما ادّعى؛ لاحتمال تقدّم العقد على الاُولى،و لتعارض البيّنتين في أنفسهما بالنظر إلى المرأتين و إن كانت مدّعية خاصّة،و الدخول غايته رفع مرجّح بيّنته،فيبقى التعارض إلى أن تحلف.و ليس في ذلك خروجٌ عن النصّ؛ إذ غايته ترجيح البيّنة،و هو لا ينافي إيجاب اليمين،و هو كالسابق و إن خالف ظاهر الخبر،إلّا أنّه أحوط.

و لو عقد على امرأة،و ادّعى آخر زوجيّتها،لم يلتفت إلى دعواه، إلّا مع البيّنة فتقبل دعواه حينئذٍ لا مطلقاً،بلا خلاف؛ للنصوص:

منها الحسن:إنّ أخي مات و تزوّجت امرأته،فجاء عمّي فادّعى أنّه كان تزوّجها سرّاً،فسألتها عن ذلك فأنكرت أشدّ الإنكار،فقالت:ما كان بيني و بينه شيء قطّ،فقال:«يلزمك إقرارها و يلزمه إنكارها» (2).

ص:23


1- انظر كشف اللثام 2:14.
2- الكافي 5:27/563،الفقيه 3:1452/303،الوسائل 20:299 أبواب عقد النكاح ب 23 ح 1.

و الخبر:عن رجل تزوّج امرأة في بلد من البلدان،فسألها:أ لك زوج؟فقالت:لا،فتزوَّجَها،ثم إنّ رجلاً أتاه فقال:هي امرأتي،فأنكرت المرأة ذلك،ما يلزم الزوج؟فقال:«هي امرأته،إلّا أن يقيم البيّنة» (1).

و أمّا الموثّق الناهي عن القرب منها إن كان المدّعى ثقة (2)،فشاذّ، فحمله على الاستحباب متعيّن.

ثم إنّ مقتضى الأصل كإطلاق العبارة و النصوص الماضية انقطاع الدعوى بعدم البيّنة مطلقاً و لو لم تحلف المرأة،و لا خلاف فيه بالإضافة إلى نفي الزوجيّة للمدّعي.

و أمّا بالإضافة إلى ما يترتّب عليه فكذلك؛ لما مرّ من الأصل و إطلاق النصّ.

خلافاً لجماعة،فأوجبوا اليمين عليها بالإضافة إلى هذا (3)؛ تمسّكاً بعموم:«اليمين على من أنكر» (4)فيخصّ به الأصل و إطلاق ما مرّ.

و فيه نظر؛ لعدم عمومٍ فيه يشمل ما نحن فيه؛ نظراً إلى أنّ المتبادر منه لزوم الحلف لقطع أصل الدعوى لا لوازمه،و العمدة في التعدية هو الإجماع،و ليس؛ لظهور إطلاق عبائر الأكثر فيما مرّ.و لكن الأحوط:

اليمين.

ثم ظاهر الحصر في العبارة:انحصار انقطاع الدعوى بالبيّنة، فلا يتحقّق بإقرار المرأة،و به صرّح جماعة (5)؛ و لعلّ الوجه فيه مع خلوّ

ص:24


1- التهذيب 7:1874/468،الوسائل 20:300 أبواب عقد النكاح ب 23 ح 3.
2- التهذيب 7:1845/461،الوسائل 20:300 أبواب عقد النكاح ب 23 ح 2.
3- منهم الشهيد الثاني في الروضة 5:124،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:14.
4- غوالي اللئلئ 2:10/258،ج 3:22/523.
5- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:14،و البحراني في الحدائق 23:188.

النصوص الماضية عنه الأصل،و أنّه إقرارٌ في حقّ الغير،فلا يسمع.

الرابعة لو كان لرجل عدّة بنات فزوّج واحدة و لم يُسَمِّها

الرابعة :يشترط تعيين الزوج و الزوجة بالاسم،أو الإشارة،أو الوصف القاطع للشركة،إجماعاً؛ للأصل،و لزوم الضرر و الغرر بعدمه، المنفيّين بالأدلّة القطعيّة،و للصحيح الآتي في الجملة.

و يتفرّع عليه ما لو كان لرجل عدّة بنات فزوّج واحدة منهنّ و لم يُسَمِّها و لا ميّزها بغيره،فإن لم يقصد معيّنة بطل النكاح مطلقاً (1)، كبطلانه بقصده مع عدم قصد الزوج،أو قَصْده الخلاف؛ لعدم التعيين في شيء من ذلك.

و إن قصدا معيّنة ثم اختلفا في المعقود عليها بعد الاتّفاق على صحّة العقد،المستلزم لورود الطرفين على واحدة بالنيّة المتّفق عليها بينهما فيبطل أيضاً مطلقاً عند الحلّي و المسالك و الروضة (2)؛ لعين ما ذكر في الصور السابقة.

و يصحّ على الأظهر،وفاقاً للأكثر كما في المسالك (3)،و منهم:النهاية و القاضي و الفاضلان و اللمعة (4)،و غيرهم (5).لكن بشرط يأتي ذكره، لا مطلقاً.

فالقول قول الأب،و عليه أن يسلّم إليه التي قصدها في العقد إن

ص:25


1- أعمّ من أن يكون الزوج قصد إحداهنّ أم لا.منه رحمه الله.
2- الحلي في السرائر 2:573،المسالك 1:446،الروضة 5:113.
3- المسالك 1:445.
4- النهاية:468،القاضي في المهذب 2:196،المحقق في الشرائع 2:275،العلاّمة في التحرير 2:5،و القواعد 2:4،و التذكرة 2:584،اللمعة(الروضة)5:113.
5- الكفاية:155.

كان الزوج رَآهُنّ هذا شرط للتقديم،لا وجوب التسليم،و هو المراد بما وعدناه.

و إن لم يكن رَآهُنّ فالعقد باطل كما في الصحيح (1)،و عليه العمل؛ لصحّة سنده،مع عمل الأكثر بمضمونه،فتُخصَّص به القاعدة؛ لمخالفته لها بدلالته على صحّة العقد مع عدم التسمية مع الرؤية،و عدمها مع العدم.و مقتضاها البطلان مطلقاً مع الرؤية و عدمها.

و لا يتصوّر الفارق بينهما إلّا ما قيل من ظهور رضاء الزوج بتعيين الأب،و تفويضه ذلك إليه مع الرؤية،و عدمه مع عدمها فيبطل (2).

و هو مشكل؛ لأعمّية الرؤية من التفويض المدّعى،كأعمّية عدمها من عدمه.

و دعوى ظهورها فيه كدعوى ظهور عدمها في عدمه ممنوعة.

فالاعتذار بالتعبّدية أولى من ارتكاب التوجيه في الفَرْق بمثل ذلك.

و للمخالفة المزبورة طَرَحَه (3)الحلّي رأساً (4)؛ بناءً على أصله لكونه من الآحاد.

و لا وجه لطرحه سوى ذلك،فمتابعة شيخنا في المسالك (5)له فيه لا وجه لها،مع عدم موافقته له على أصله.

ص:26


1- الكافي 5:1/412،الفقيه 3:1268/267،التهذيب 7:1574/393.
2- قال به المحقّق الثاني في جامع المقاصد 12:81.
3- أي الصحيح منه رحمه الله.
4- السرائر 2:573.
5- المسالك 1:446.
أمّا الآداب
اشارة

و أمّا الآداب.

فقسمان:

الأول آداب العقد

الأول:آداب العقد.

و هي أُمور:

منها:أنّه يُستحَبّ أن يتخيّر من النساء البكر للنصوص،منها:النبويّ:«تزوّجوا الأبكار،فإنّهنّ أطيبُ شيءٍ أفواهاً،و أدرُّ شيءٍ أخلافاً» بالفاء«و أحسنُ شيءٍ أخلاقاً،و أفْتَخُ (1)شيءٍ أرحاماً» (2).

و لأنّه أحرى بالموافقة و الائتلاف.

العفيفة فرجاً و غيره؛ للنصوص (3)،و حفظ النسب.

قيل:و لأنّ الإعراض عن الفاسقة ضربٌ من إنكار المنكر (4).و فيه نظر.

الكريمة الأصل الغير الناشئة هي و آباؤها و أُمّهاتها عن زناء و حيض و شبهه،البعيدة هي كوالدتها عن الألسن؛ للنصوص:

منها:النبويّ:«تخيّروا لنطفكم،و لا تضعوها في غير الأكفاء» (5).

ص:27


1- بالخاء المعجمة،أي:ألين و أنعم،كما عن السرائر 2:560.منه رحمه الله.
2- الكافي 5:1/334،التهذيب 7:1598/400،التوحيد:10/395،الوسائل 20:55 أبواب مقدمات النكاح ب 17 ح 1،2 بتفاوت.
3- الكافي 5:1/324،الفقيه 3:1167/246،التهذيب 7:1597/400،الوسائل 20:28 أبواب مقدمات النكاح ب 6 ح 2.
4- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:6.
5- سنن الدارقطني 3:198/299 إلّا أنّ فيه:لا تضعوها إلّا في الأكفاء.

و في آخر:«إيّاكم و خضراء الدِّمَن» قيل:و ما خضراء الدِّمَن؟قال:

«هي المرأة الحسناء في منبت السوء» (1).

و منها: أن يقصد السنّة و يراعي الأصل و العفّة،و لا يقصر على الجمال و المال و الثروة فربما حرمهما كما عن مولانا الصادق عليه السلام:«إذا تزوّج الرجل المرأة لجمالها أو مالها وُكِّل إلى ذلك،و إذا تزوّجها لدينها رزقه اللّه تعالى الجمال و المال» (2).

و منها:أن يصلّي مُريد التزويج قبل تعيين المرأة ركعتين و يحمد اللّه تعالى بعدهما و يسأل اللّه تعالى أن يرزقه من النساء أعفّهنّ فرجاً و أحفظهنّ له ما عليها نفساً و مالا و أوسعهنّ رزقاً،و أعظمهنّ بركة في نفسها و ولدها.

كما عن مولانا الصادق عليه السلام:«إذا همَّ بذلك فليصلّ ركعتين، و يحمد اللّه تعالى و يقول:اللّهمّ إنّي أُريد أن أتزوّج،فقدّر لي من النساء أعفّهنّ فرجاً،و أحفظهنّ لي في نفسها و في مالي،و أوسعهنّ رزقاً، و أعظمهنّ بركة،و قدّر لي منها ولداً طيّباً تجعله خَلَفاً صالحاً في حياتي و بعد موتي» (3).

و يستحبّ الإشهاد و الإعلان في العقد،و لا يجب كما مرّ قريباً (4).

و الخُطبة بضمّ الخاء أمام العقد ؛ للتأسّي،و أقلّها:الحمد للّه،

ص:28


1- معاني الأخبار:1/316،الوسائل 20:35 أبواب مقدمات النكاح ب 7 ح 7.
2- الكافي 5:3/333،الفقيه 3:1180/248،التهذيب 7:1609/403،الوسائل 20:49 أبواب مقدمات النكاح ب 14 ح 1.
3- الكافي 5:3/501،الفقيه 3:1187/249،التهذيب 7:1627/407،الوسائل 20:113 أبواب مقدمات النكاح ب 53 ح 1.
4- في ص:19.

كما في بعض الأخبار (1)،و أكملها الخطب المرويّة عنهم عليهم السلام،و هي كثيرة (2).

و إيقاعه ليلاً فعن مولانا الرضا عليه السلام:«من السنّة:التزويج بالليل؛ لأنّ اللّه تعالى جعل الليل سكناً،و النساء إنّما هنّ سكن» (3).

و يكره إيقاعه و القمر في برج العقرب ؛ لقول الصادق عليه السلام:

«مَن تزوّج و القمر في العقرب لم يرَ الحُسنى» (4).

و أن يتزوّج العقيم التي لم تلد،بل تستحبّ الولود،التي من شأنها ذلك بعدم يأسها و لا صغرها و لا عقمها.

قال عليه السلام:«تزوّجوا بكراً ولوداً،و لا تزوّجوا حسناء جميلة عاقراً، فإنّي أُباهي بكم الأُمم يوم القيامة حتى بالسقط يظلّ مُحْبَنِْطئاً (5)على باب الجنّة،فيقول اللّه عزّ و جلّ:أدخل الجنّة،فيقول:لا،حتى يدخل أبواي قبلي،فيقول اللّه تبارك و تعالى لمَلَكٍ من الملائكة:ائتني بأبويه،فيأمر بهما إلى الجنّة،فيقول:هذا بفضل رحمتي لك» (6).

ص:29


1- الكافي 5:2/368،التهذيب 7:1630/408،الوسائل 20:96 أبواب مقدمات النكاح ب 41 ح 2.
2- الوسائل 20:97 أبواب مقدمات النكاح ب 42،المستدرك 14:201 أبواب مقدمات النكاح ب 33.
3- الكافي 5:1/366،التهذيب 7:1675/418،الوسائل 20:91 أبواب مقدمات النكاح ب 37 ح 3.
4- الفقيه 3:1188/250،التهذيب 7:1628/407،المقنعة:514(بتفاوت يسير)،الوسائل 20:114 أبواب مقدمات النكاح ب 54 ح 1.
5- المُحْبَنْطِئ:الممتلئ غضباً،و قيل:المغضِّب المستبطئ للشيء،و قيل:هو الممتنع امتناع طلب لا امتناع إباء انظر لسان العرب 7:271،272.
6- الوسائل 20:54 أبواب مقدمات النكاح ب 16 ح 1،و 55 ب 17 ح 1 و 2.
القسم الثاني في آداب الخلوة

القسم الثاني في آداب الخلوة و الدخول بالمرأة و هي أيضاً أُمورٌ أشار إليها بقوله:

المستحبات من آداب الخلوة

يستحبّ صلاة ركعتين إذا أراد الدخول،و الدعاء بعدهما،بعد أن يمجّد اللّه تعالى،و يصلّي على النبيّ صلى الله عليه و آله،بقوله:«اللّهمّ ارزقني إلفها و ودّها و رضاها،و أرضني بها،و اجمع بيننا بأحسن اجتماع و آنس ائتلاف، فإنّك تحبّ الحلال و تكره الحرام» أو غيره من الدعاء.

و أن يأمرها بذلك عند الانتقال فتصلّي ركعتين بعد الطهارة، و تدعو اللّه تعالى بمعنى ما دعا.

كلّ ذلك للصحيح (1).

و أن يجعل يده على ناصيتها و هي:ما بين النزعتين من مقدم الرأس عند دخولها عليه،مستقبل القبلة و يكونا على طهر و يقول:

«اللهمّ على كتابك تزوّجتُها،و في أمانتك أخذتها،و بكلماتك استحللتُ فرجها،فإن قضيتَ لي في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سويّاً،و لا تجعله شرك الشيطان» كما في الخبر (2)،و قريبٌ منه الحسن (3)و غيره (4).

ص:30


1- الكافي 5:1/500،التهذيب 7:1636/409،الوسائل 20:115 أبواب مقدمات النكاح ب 55 ح 1.
2- الكافي 5:3/501،الفقيه 3:1187/249،التهذيب 7:1627/407،الوسائل 20:113 أبواب مقدمات النكاح ب 53 ح 1.
3- الكافي 5:2/500،الفقيه 3:1205/254،الوسائل 20:116 أبواب مقدمات النكاح ب 55 ح 2.
4- الكافي 5:4/501،الوسائل 20:116 أبواب مقدمات النكاح ب 55 ح 3.

و أن يكون الدخول ليلاً و قد تقدّم من الأخبار ما يدلّ عليه (1).

و في الخبر:«زفّوا عرائسكم ليلاً،و أطعموا ضحى» (2).

و يناسبه الحياء،فيستحبّ إضافة الستر المكاني و القولي إلى الستر الزماني؛ لإشعار النبويِّين بذلك (3).

و أن يسمّي عند الجماع و يتعوّذ باللّه من الشيطان؛ كما في المعتبر،بل الصحيح (4)على الصحيح.

و أفضلها ما في المرتضوي:«إذا جامع أحدكم فليقل:بسم اللّه و باللّه، اللّهمّ جنّبني الشيطان،و جنّب الشيطان ما رزقتني،قال:فإن قضى اللّه تعالى بينهما ولداً لا يضرّه الشيطان بشيء أبداً» (5).

و أن يسأل اللّه تعالى أن يرزقه ولداً ذَكَراً فعن مولانا الباقر عليه السلام:«إذا أردت الجماع فقل:اللهمّ ارزقني ولداً، و اجعله تقيّاً زكيّاً،ليس في خلقته زيادة و لا نقصان،و اجعل عاقبته إلى خير» (6).

المكروهات من الآداب

و يكره الجماع ليلة الخسوف و يوم الكسوف للصحيح:«يكره في الليلة التي ينكسف فيها القمر،و اليوم الذي

ص:31


1- راجع ص:29.
2- الكافي 2/366،الفقيه 3:1203/254،التهذيب 7:1676/418،الوسائل 20:91 أبواب مقدمات النكاح ب 37 ح 2.
3- الأول:سنن البيهقي 7:194،صحيح مسلم 2:123/1060،124.الثاني:سنن البيهقي 7:194.
4- الكافي 5:1/502،الوسائل 20:135 أبواب مقدمات النكاح ب 68 ح 1.
5- الكافي 5:3/503،الوسائل 20:136 أبواب مقدمات النكاح ب 68 ح 3.
6- التهذيب 7:1641/411،الوسائل 20:117 أبواب مقدمات النكاح ب 55 ح 5.

تنكسف فيه الشمس،و فيما بين غروب الشمس إلى مغيب الشفق،و من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس،و في الريح السوداء و الصفراء و الزلزلة، و لقد بات رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند بعض نسائه فانكسف القمر في تلك الليلة، فلم يكن منه فيها شيء،فقالت له زوجته:يا رسول اللّه بأبي أنت و أمّي كلّ هذا البغض،فقال:و يحك هذا الحادث من السماء،فكرهت أن أتلذّذ فأدخل في شيء،و قد عَيَّر اللّه تعالى قوماً،فقال عزّ و جلّ وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ [1] (1)و أيم اللّه لا يجامع [أحد (2)]في هذه الساعات التي وصفت فيرزق من جماعه ولداً و قد سمع بهذا الحديث فيرى ما يحبّ» (3).

و عند الزوال كما في وصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله لعليٍّ عليه السلام،معلّلاً فيها بأنّه:«إن قضي بينكما ولد في ذلك الوقت يكون أحول،و الشيطان يفرح بالحول في الإنسان» .إلّا زوال يوم الخميس كما فيها،فقال عليه السلام:«و إن جامعتها يوم الخميس عند زوال الشمس عند كبد السماء فقضي بينكما ولد،فإنّ الشيطان لا يقربه حتى يشيب و يكون قيماً (4)،يرزقه اللّه عزّ و جلّ السلامة في الدين و الدنيا» رواها الصدوق في الفقيه في نوادر النكاح (5).

ص:32


1- الطور:44.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر،لاستقامة المتن.
3- الفقيه 3:1207/255،التهذيب 7:1642/411،الوسائل 20:126 أبواب مقدمات النكاح ب 62 ح 2 بتفاوت يسير.
4- أي بأُمور الناس للّه.روضة المتقين 9:231.
5- الفقيه 3:1712/358،الوسائل 20:251 أبواب مقدمات النكاح ب 149 ح 1.

و عند الغروب حتى يذهب الشفق للصحيح المتقدّم.

و في المحاق و هو:الثلاثة أيّام من آخر الشهر؛ للخبر:«من أتى أهله في محاق الشهر فليسلّم لسقط الولد» (1).

و تتأكّد الكراهة في الليلة الأخيرة منه؛ للنهي عنه بخصوصه في بعض الأخبار (2).

و بعد الفجر حتى تطلع الشمس للصحيح المتقدّم (3).

و في أوّل ليلة من كلّ شهر،إلّا شهر رمضان،و في ليلة النصف منه و آخره،عطف على«أوّل» لا على المستثنى.

ففي الوصيّة:«يا عليّ،لا تجامع امرأتك في أوّل الشهر و وسطه و آخره؛ فإنّ الجنون و الجذام و الخبل يسرع إليها و إلى ولدها» (4).

و عن مولانا الصادق عليه السلام:«يكره للرجل أن يجامع في أوّل ليلة من الشهر و في وسطه و آخره؛ فإنّه من فعل ذلك خرج الولد مجنوناً،أ لا ترى أنّ المجنون أكثر ما يصرع في أوّل الشهر و وسطه و آخره؟!» (5).

و روى الصدوق عن علي عليه السلام أنّه قال:«يستحبّ للرجل أن يأتي

ص:33


1- الكافي 5:2/499،الفقيه 3:1206/254،التهذيب 7:1643/411،الوسائل 20:127 أبواب مقدمات النكاح ب 63 ح 1.
2- الوسائل 20:128 أبواب مقدمات النكاح ب 64.
3- في ص:32.
4- الفقيه 3:1712/358،أمالي الصدوق:1/454،علل الشرائع:5/514،الوسائل 20:129 أبواب مقدمات النكاح ب 64 ح 5.
5- علل الشرائع:4/514 و فيه:..عن أبيه جعفر،عن أبيه عليهم السلام،عيون الأخبار 1:35/225،الوسائل 20:129 أبواب مقدمات النكاح ب 64 ح 6 و فيه:..عن علي بن محمد العسكري،عن أبيه،عن آبائه عليهم السلام.

أهله أول ليلة من شهر رمضان؛ لقول اللّه عزّ و جلّ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ [1] (1)» (2). و في السفر إذا لم يكن معه ماءٌ للغسل للنهي عنه عن مولانا الكاظم عليه السلام في الموثّق (3)،مستثنياً منه خوفه على نفسه.

و عند الزلزلة،و الريح الصفراء و السوداء للصحيح المتقدّم (4).

و تعليل الكراهة في الخوف فيه مشعرٌ بها في كلّ آية،كما عن سلّار و ابن سعيد (5).

و مستقبل القبلة و مستدبرها للنهي عنه في الرواية (6).و لضعفها بجهالة راويها،مع معارضة الأصل لها حملت على الكراهة، فالقول بالحرمة كما عن بعض (7)فيه ما فيه.

و قيل:و خوفاً من فقر الولد (8).

و في السفينة للنهي عنه في الرواية (9).و قيل:إنّ النطفة لا تستقرّ فيها (10).

ص:34


1- البقرة:187.
2- الفقيه 3:1455/303،الوسائل 20:129 أبواب مقدمات النكاح ب 64 ح 4.
3- التهذيب 1:1269/405،الوسائل 3:390 أبواب التيمم ب 27 ح 1.
4- في ص:32.
5- سلّار في المراسم:151،ابن سعيد في الجامع للشرائع:453.
6- الفقيه 3:1210/255،التهذيب 7:1646/412،الوسائل 20:137 أبواب مقدمات النكاح ب 69 ح 1.
7- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:20.
8- حكاه الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:8.
9- الفقيه 3:1211/255،التهذيب 7:1646/412،الوسائل 20:138 أبواب مقدمات النكاح ب 69 ح 2.
10- حكاه الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:8.

و عارياً للنهي عنه فيها (1).

و عقيب الاحتلام قبل الغُسل أو الوضوء للنبوي:«يكره أن يغشى الرجل المرأة إن احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى،فإن فعل ذلك و خرج الولد مجنوناً فلا يلومنّ إلّا نفسه» (2).

و ليس فيها الاجتزاء بالوضوء عن الغسل في رفع الكراهة،كما هنا و في القواعد و اللمعة،و عن النهاية و المهذّب و الوسيلة (3).و دليله غير واضح؛ و لذا اقتصر الحلّي على الغُسل (4)،و هو أحوط.و قيّده ابن سعيد بتعذّر الغُسل (5).

و لا تكره معاودة الجماع بغير غُسل؛ للأصل،و فعل النبيّ صلى الله عليه و آله (6)؛ مع اختصاص الرواية و الفتوى بالاحتلام،و القياس حرام.

و لا ينافيه ما عن الرسالة الذهبية المنسوبة إلى مولانا الرضا عليه السلام:

«الجماع بعد الجماع من غير فصلٍ بينهما بغسلٍ يورث الولد الجنون» (7).

لاحتمال فتح الغين دون ضمّها،فغايته استحباب غَسل الفرج،و نفى عنه الخلاف في المبسوط،لكن مع ضمّ وضوء الصلاة (8).

ص:35


1- و قد تقدمت الإشارة إليها في ص 34 الهامش 6.
2- الفقيه 3:1212/256،التهذيب 7:1646/412،علل الشرائع:3/514،المحاسن:321،الوسائل 20:139 أبواب مقدمات النكاح ب 70 ح 1.
3- القواعد 2:2،اللمعة(الروضة البهية)5:94،النهاية:482،المهذب 2:222،الوسيلة:314.
4- السرائر 2:606.
5- الجامع للشرائع:453.
6- سنن البيهقي 7:191 192.
7- الرسالة الذهبية للرضا(عليه السلام):28 بتفاوت يسير،المستدرك 20:308 أبواب مقدمات النكاح ب 118 ح 19.
8- المبسوط 4:243.

و روى الوشّاء الوضوء عن الرضا عليه السلام (1)،كابن أبي نجران مرسلاً عن الصادق عليه السلام في الجارية يأتيها ثم يريد إتيان أُخرى (2).

هذا،و المسامحة في أدلّة الكراهة تقتضي الاكتفاء في الإلحاق بالاحتلام بمجرّد احتمال الضمّ،مضافاً إلى كونه الظاهر،فتأمل.

و يكره أيضاً الجماع،و عنده من ينظر إليه بحيث لا ينظر إلى عورته،و إلّا فيحرم.

قال صلى الله عليه و آله:«و الذي نفسي بيده،لو أنّ رجلاً غشي امرأته و في البيت [صبيٌّ]مستيقظ،يراهما و يسمع كلامهما و نَفَسَهما،ما أفلح أبداً،إن كان غلاماً كان زانياً،و إن كانت جارية كانت زانية» (3).

و عن مولانا الصادق عليه السلام قال:«لا يجامع الرجل امرأته و لا جاريته و في البيت صبيّ،فإنّ ذلك ممّا يورث الزناء» (4).

و إطلاقهما كإطلاق كلام أكثر الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين المميّز و غيره،مع ما عن بعض الكتب عن الصادق عليه السلام:«نهى أن توطأ المرأة،و الصبي في المهد ينظر إليهما» (5)فالتخصيص بالمميّز لا وجه له.

ص:36


1- كشف الغمة 2:302،الوسائل 1:385 أبواب الوضوء ب 13 ح 2.
2- التهذيب 7:1837/459،الوسائل 20:257 أبواب مقدمات النكاح ب 155 ح 1 و فيه:عن عثمان بن عيسى عمّن ذكره،و هو سهو،و في التهذيب:عن ابن أبي نجران عمَّن رواه..و أمّا عثمان بن عيسى فقد روى خبر آخر مرسلاً في التهذيب قبل هذه الرواية،و لعلّ هذا كان منشأً للسهو.
3- الكافي 5:2/500،الوسائل 20:133 أبواب مقدمات النكاح ب 67 ح 2 و ما بين المعقوفين من المصدر.
4- الكافي 5:1/499،التهذيب 7:1655/414،المحاسن:42/317،الوسائل 20:132 أبواب مقدمات النكاح ب 67 ح 1.
5- الجعفريات:96،المستدرك 14:228 أبواب مقدمات النكاح ب 51 ح 1.

نعم،عن النعمان بن عليّ بن جابر،عن الباقر عليه السلام:«إيّاك و الجماع حيث يراك صبيٌّ يحسن أن يصف حالك» قال:قلت:يا ابن رسول اللّه، كراهة الشنْعَة (1)؟قال:«لا،فإنّك إن رُزِقت ولداً كان شهرةً و علماً في الفسق و الفجور» (2).

فيمكن أن يراد بالتميّز ما تضمّنه الخبر،و لكن الإطلاق أولى.

و النظر إلى فرج المرأة مطلقاً؛ لإطلاق النهي عنه في وصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام (3).

و حال الجماع أشدّ كراهةً؛ لإيراثه العمى كما في الموثّق (4).

و إلى الباطن أقوى؛ لوروده في بعض الأخبار (5).

و ضعف الجميع،و التصريح بنفي البأس في الموثّق المزبور كغيره (6)المعتضد بالأصل،و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً في الحقيقة، كما صرّح به في الخلاف (7)أوجب الجواز،لكن مع الكراهة؛

ص:37


1- الشنْعَة:القباحة و الفضاعة مجمع البحرين 4:355.
2- طب الأئمة:133،الوسائل 20:134 أبواب مقدمات النكاح ب 67 ح 8،البحار 100:40/293؛ و في الجميع:النعمان بن يعلى،عن جابر.و لم نقف في معاجم الرجال المتوفرة لدينا على من يسمى بالنعمان بن يعلى،و لا بالنعمان بن علي بن جابر.
3- الفقيه 3:1712/358،أمالي الصدوق:1/454،علل الشرائع:5/514،الوسائل 20:121 أبواب مقدمات النكاح ب 59 ح 5.
4- التهذيب 7:1656/414،الوسائل 20:121 أبواب مقدمات النكاح ب 59 ح 3.
5- الخصال:637(ضمن حديث الأربعمائة)،الوسائل 20:124 أبواب مقدمات النكاح ب 60 ح 4.
6- انظر الوسائل 20:120 أبواب مقدمات النكاح ب 59.
7- الخلاف 4:249.

للمسامحة.فظهر ضعف قول ابن حمزة بالحرمة (1).

و الكلام عند الجماع بغير ذكر اللّه تعالى فعن مولانا الصادق عليه السلام:

«اتّقوا الكلام عند ملتقى الختانين،فإنّه يورث الخرس» (2).

و من الرجل مع كثرته آكد،ففي وصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله:«يا علي لا تتكلّم عند الجماع كثيراً؛ فإنّه إن قضي بينكما ولدٌ لا يؤمن أن يكون أخرس» (3).

و تعليل المنع بذلك كالتعليلات السابقة يشعر باختصاصه بصورة احتمال تكوّن الولد لا مطلقاً،فلا كراهة في الحامل و اليائسة،إلّا أنّ متابعة الأصحاب أولى؛ للمسامحة في أدلّة الكراهة.

مسائل
اشارة

مسائل سبع:

الاُولى يجوز النظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها و كفّيها

الاُولى:يجوز النظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها و كفّيها ظاهرهما و باطنهما،من رؤوس الأصابع إلى المعصم (4)،مرّةً أو مراراً،و إن لم يستأذنها؛ بالإجماع،و النصوص المستفيضة،كالحسن أو الصحيح:

«لا بأس بأن ينظر إلى وجهها و معاصمها إذا أراد أن يتزوّجها» (5).

و الصحيح:«لا بأس بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوّجها، ينظر إلى خلفها و إلى وجهها» (6).

ص:38


1- الوسيلة:314.
2- الكافي 5:7/498،التهذيب 7:1653/413،الوسائل 20:123 أبواب مقدمات النكاح ب 60 ح 1.
3- المتقدم ذكرها أعلاه الهامش(3).
4- كمنبَر،موضع السوار،أو اليد.القاموس 4:153.
5- الكافي 5:2/365،الوسائل 20:88 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 2.
6- الكافي 5:3/365،الوسائل 20:88 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 3.

و في الحسن:عن الرجل يريد أن يتزوّج[المرأة]أ ينظر إليها؟قال:

«نعم،إنّما يشتريها بأغلى الثمن» (1).

و نحوه الموثّق المرويّ في العلل:الرجل يريد أن يتزوّج المرأة، يجوز له أن ينظر إليها؟قال:«نعم،و ترقّق له الثياب؛[لأنّه]يريد أن يشتريها بأغلى الثمن» (2).

و يشترط العلم بصلاحيّتها:بخلوّها من البعل،و العدّة،و التحريم، و تجويز إجابتها،و مباشرة المريد بنفسه،فلا تجوز الاستنابة فيه و إن كان أعمى.و لا ينافيه إطلاق النصوص؛ حملاً له على المتبادر منه،و اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن.

و منه يظهر اشتراط الاستفادة بالنظر ما لا يعرف قبله،كما عن بعض الأصحاب (3)،فردّه بالإطلاق غير جيّد،إلّا إذا نسي ما استفاده،أو احتمل تغيّرها قبله.

و في اشتراط عدم الريبة و التلذّذ نظر،أقربه:العدم،إلّا مع خوف الفتنة قبل العقد،وفاقاً للتذكرة (4)؛ عملاً بالإطلاق،مع عدم الصارف.

و الرواية الآتية المشترطة له لضعفها متروكة،مع أنّها فيما (5)عدا مفروض (6)المسألة خاصّة.

ص:39


1- الكافي 5:1/365،الوسائل 20:87 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 1 و ما بين المعقوفين من المصدر.
2- علل الشرائع:1/500،الوسائل 20:90 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 11 و ما بين المعقوفين من المصدر.
3- كالشهيد الثاني في الروضة 5:98،و السبزواري في الكفاية:153.
4- التذكرة 2:573.
5- هو الشعر و المحاسن.منه رحمه الله.
6- هو الوجه و اليدان.منه رحمه الله.

و ليس في النصوص غير نفي البأس (1)،فلا وجه للاستحباب كما في اللمعة (2).و على تقدير تضمّنها الأمر أو ورود روايةٍ به،فدلالتها على الاستحباب غير واضحة؛ لورودها في مقام توهّم الحظر،و لا يفيد سوى الإباحة كما برهن في محلّه.و لكن لا بأس به؛ بناءً على المسامحة في أدلّة الندب و الكراهة.

و هذه النصوص مع كثرتها مختصّة بالرجل،و إلحاق المرأة به قياس،و الأولويّة ممنوعة،و العلّة المدّعاة مستنبطة،و المنصوصة بالرجل مختصّة،بل الحكمة تقتضي العدم؛ لاحتمال ابتلائها به و لا يمكنها التزويج بعدم رغبته فيها،فمراعاة الأصل لازمة.

ثم إنّ المشهور اختصاص الجواز بالموضعين.

و لكن في رواية مرسلة:عن الرجل ينظر إلى المرأة يريد تزويجها،فينظر إلى شعرها و محاسنها ،قال:«لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذّذاً» (3)و مثلها الموثّق في المحاسن خاصّة (4)،و الضعيفة بجهالة الراوي (5)في الشعر خاصّة (6).

و العمل بمضمونها متّجه،وفاقاً للمشايخ الثلاثة (7)،و لا سيّما

ص:40


1- الوسائل 20:87 أبواب مقدمات النكاح ب 36.
2- اللمعة(الروضة البهية)5:97.
3- الكافي 5:5/365،الوسائل 20:88 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 5.
4- التهذيب 7:1735/435،الوسائل 20:89 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 8.
5- هو الحكم بن مسكين.منه رحمه الله.
6- الفقيه 3:1239/260،التهذيب 7:1734/435،الوسائل 20:89 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 7.
7- المفيد في المقنعة:520،الصدوق في الفقيه 3:260،الطوسي في النهاية:484،و الخلاف 4:247.

القديمَين (1)،و جمع من الأصحاب (2)،لا لها؛ للضعف بالإرسال و غيره.

بل لعدم دليل على المنع يشمل المقام؛ لفقد الإجماع مع الخلاف، و انصراف المطلق من أدلّته إلى غيره،بناءً على عدم تبادره،فالأصل:

الإباحة،مضافاً إلى إشعار تعليله الوارد في الأخبار من خوف الوقوع في الفتنة (3)،و أنّه سهم من سهام إبليس (4)بعدم العموم لمثله.

و للموثّق المتقدّم و إن اختصّ بالمحاسن.

و إلحاق الشعر بها إمّا بناءً على عموم المحاسن؛ لتفسيرها بمواضع الزينة،أو ما خلا العورة،أو الشعر منها بالبديهة.و أمّا بعدم القائل بالفرق.

مضافاً إلى الصحيح فيه (5)المرويّ في الفقيه (6)،مع تأيّدهما بالضعيفين (7)،و إطلاق الحسن المتقدّم و الموثّق بعده (8)،مع عموم التعليل المنصوص المبيح للنظر في الموضعين،و اعتضادهما بخصوص ما دلّ على الوجه و الكفين (9)؛ بناءً على ندرة تحقّقهما و لا سيّما الأول بدون المحاسن و الشعر،و لزوم الاقتصار عليهما طرح البحث كالأخبار من أصله،إلّا في صورة نادرة لا يمكن حمل الإطلاق عليها.إلّا أنّ مراعاة

ص:41


1- لم نعثر عليه.
2- منهم الحلبي في الكافي:296،العلّامة في القواعد 2:2،الشهيد في الروضة 5:97.
3- الكافي 5:5/521،الوسائل 20:192 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 4.
4- التهذيب 7:1736/435،الوسائل 20:89 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 9.
5- أي الشعر.منه رحمه الله.
6- الفقيه 3:1239/260،الوسائل 20:89 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 7.
7- أي المرسلة و الضعيفة المتقدمتين أعلاه.
8- راجع ص 38 39.
9- الوسائل 20:200 أبواب مقدمات النكاح ب 109.

المشهور و الاحتياط أولى.

و كذا يجوز النظر إلى وجه أمة يريد شراءها و كفّيها، اتّفاقاً كما حكاه جماعة (1).

للمستفيضة المنجبر ضعفها بالشهرة،منها:عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها،قال:«لا بأس أن ينظر إلى محاسنها و يمسّها،ما لم ينظر إلى ما ينبغي النظر إليه» (2).

و فيه الدلالة على جوازه في الشعر و المحاسن،بل ما عدا العورة كما عن التذكرة (3)؛ له،و للحاجة،و تضمّن التعريض للبيع الإذن فيه.

و فيه نظر؛ لضعف الخبر،و عدم جابر له في محلّ البحث،مع طروّ الإجمال له بالاستثناء؛ بناءً على إجمال المستثنى،و احتماله ما عدا الوجه و الكفّين،و عدم تعيّنه للعورة،فتأمّل.

و تندفع الحاجة بالردّ بالعيب أو بالخيار.

و الإذن في ضمن التعريض غير معلوم،و لا كلام معه.

و لعلّه لذا اقتصر المفيد على الوجه و الشعر (4)،و الشيخ ظاهراً عليهما و على اليدين (5)،و هو المحكيّ عن ظاهر التحرير (6).

نعم،في المسالك دعوى الوفاق في الشعر و المحاسن (7)؛ و هو

ص:42


1- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:8،الشهيد الثاني في المسالك 1:435.
2- التهذيب 7:321/75،الوسائل 18:273 أبواب بيع الحيوان ب 20 ح 1.
3- التذكرة 2:573.
4- المقنعة:520.
5- راجع النهاية:484،المبسوط 2:129.
6- التحرير 2:3.
7- المسالك 1:435.

الحجّة فيهما،مع ما مرّ من جواز النظر إليهما في الزوجة (1)،فهنا بطريق أولى.

و الاقتصار عليهما مع الوجه و الكفّين أولى،و إن كان ما في التذكرة من إباحة النظر إلى ما عدا العورة ليس بذلك البعيد،لا لما مرّ؛ بل للأصل،مع انتفاء المُخرِج عنه؛ لفقد الإجماع،و انصراف إطلاق أخبار المنع (2)إلى ما عداهن،أو إليهنّ في غير محلّ البحث.

بل المستفاد من بعض الأخبار:الجواز مطلقاً (3)مع الكراهة:

منها:«لا أُحبّ للرجل أن يقلب جارية إلّا جارية يريد شراءها» (4).

و في آخر:إنّي اعترضت جواريَ المدينة،فأمذيت،فقال:«أمّا لمن تريد الشراء فلا بأس،و أمّا لمن لا تريد أن تشتري فإنّي أكرهه» (5).

و يؤيّد ما اختاره (6)في المقام:الخبر المرويّ في قرب الإسناد:«إنّ عليّاً عليه السلام كان إذا أراد أن يشتري الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها» (7).

و كذا يجوز النظر إلى أهل الذمّة و شعورهنّ،على الأشهر الأظهر؛ للأصل،مع فقد الصارف عنه من إجماع و غيره.

ص:43


1- في ص 40.
2- المتقدمة في ص 41.
3- حتى في صورة عدم الشراء.منه رحمه الله.
4- التهذيب 7:1030/236،الوسائل 18:274 أبواب بيع الحيوان ب 20 ح 3 و فيه بتفاوت يسير.
5- التهذيب 7:1029/236،الوسائل 18:273 أبواب بيع الحيوان ب 20 ح 2.
6- أي التذكرة.منه رحمه الله.
7- قرب الإسناد:344/103،الوسائل 18:274 أبواب بيع الحيوان ب 20 ح 4.

و خصوص الخبر،بل الصحيح أو القويّ:«لا حرمة لنساء أهل الذمّة أن ينظر إلى شعورهنّ و أيديهنّ» (1).

و مثله الآخر:«لا بأس بالنظر إلى أهل تِهَامة (2)و الأعراب و أهل البوادي من أهل الذمّة و العُلُوج (3)؛ لأنّهنّ لا ينتهين إذا نُهين» (4)و ضعفه كالأول لو كان منجبرٌ بالأصل و الشهرة.

خلافاً للحلّي و المختلف (5)؛ لإطلاق الآية قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ [1] (6).قلت:بل هي مجملة،و على تقدير الإطلاق فهو مقيّد بما تقدّم، و الحسن المتضمّن لأنّهنّ مماليك الإمام (7)،فَيَكنّ بمنزلة الإماء اللاتي يجوز النظر إليهنّ و إلى شعورهنّ مطلقاً في المشهور كما حكي (8)؛ للروايات المتقدّمة.و ضعفها بالشهرة المحكيّة مع أصالة الإباحة منجبر.

و لا يخفى عليك منافاة هذا التعليل المقتضي لجواز النظر إليهنّ على

ص:44


1- الكافي 5:1/524،الوسائل 20:205 أبواب مقدمات النكاح ب 112 ح 1.
2- تِهَامة:اسم لكلّ ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز.قيل:هي مشتقة من:تَهمَ الحرُّ،اشتدّ مع ركود الريح لشدة حرّها.و في المجمع:هي مشتقة من التهَم و هي الحرّ و سكون الريح؛ و هي أرض أولها ذات عِرْق من قِبَل نجد إلى مكّة و ما وراها بمرحلتين أو أكثر،و تأخذ إلى البحر مجمع البحرين 6:24.
3- العِلج:الرجل من كفّار العجم،و الأُنثى عِلْجة لسان العرب 2:326.
4- الكافي 5:1/524،الفقيه 3:1438/300،علل الشرائع:1/565 بتفاوت يسير،الوسائل 20:206 أبواب مقدمات النكاح ب 113 ح 1.
5- الحلي في السرائر 2:610،المختلف:534.
6- النور:30.
7- الكافي 5:11/358،التهذيب 7:1797/449،الوسائل 20:545 أبواب ما يحرم بالكفر ب 8 ح 1.
8- حكاه السبزواري في الكفاية:153.

العموم تقييدَه سابقاً بإرادة الشراء،و لا بُدّ في دفعها من تكلّف.

و كيف كان،فالأقوى الجواز مطلقاً ما لم يكن لتلذّذ و لا ريبة، و معهما فلا؛ حسماً لمادّة الفساد،و حذراً من وقوع النفس في التهلكة.

و يجوز أن ينظر الرجل و السيّد إلى جسد زوجته مطلقاً، و أمته الغير المزوّجة من الغير مطلقاً كالعكس باطناً و ظاهراً إجماعاً؛ للأصل،و فحوى جواز الجماع،و ما تقدّم من الأخبار النافية للبأس عن النظر إلى سَوءة الزوجة (1).

و المرسل كالصحيح:في الرجل ينظر إلى امرأته و هي عريانة،قال:

«لا بأس بذلك،و هل اللذّة إلّا ذاك» (2).

و إلى محارمه و هنّ هنا:اللاتي يحرم نكاحهنّ مؤبّداً،بنسب أو رضاع أو مصاهرة،فيما قطع به الأصحاب ما خلا العورة التي هنا هي الدبر و القبل.

و الحكم بذلك مع عدم التلذّذ و الريبة مشهور بين الأصحاب،بل قيل:مقطوع به بينهم (3)،مشعراً بدعوى الوفاق،بل صرّح به بعض الأصحاب (4).

و المستند فيه بعده الأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة،و الآية الكريمة وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ [1] الآية (5)،و الزينة تعمّ الظاهرة

ص:45


1- راجع ص 37.
2- الكافي 5:6/497،التهذيب 7:1652/413،الوسائل 20:120 أبواب مقدمات النكاح ب 59 ح 1.
3- نهاية المرام 1:55.
4- كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2:9.
5- النور:31.

و الباطنة،و منها:الذراعان و مستور الخمار كما في الصحيح (1).

و في صحيحة منصور دلالة على جواز تغسيل المحارم،كالزوجة دائمة كانت أو منقطعة مجرّدات،إلّا أن يلقي على عورتهنّ خرقة (2).

و الأخبار الدالّة على الأمر به من وراء الثياب (3)محمولٌ على الاستحباب عند جماعة من الأصحاب (4)،و يؤيّده ورود مثله في الزوجة (5)،مع كونه للاستحباب بالبديهة.

و إذا ثبت جواز النظر حال الموت فكذلك حال الحياة؛ لعدم الفارق، مع ما ورد من أنّ حرمة المؤمن ميّتاً كحرمته حيّاً (6).

و في الخبر القوي على القوي نفي البأس عن النظر إلى شعورهن (7).

و قيل بالمنع فيما عدا الوجه و الكفّين و القدمين؛ لكونهنّ عورة، خرجت الأُمور المتّفق عليها و بقي الباقي (8).

و فيه:منع كلّية الكبرى؛ لجواز النظر إليهنّ فيما عدا المتّفق عليه

ص:46


1- الكافي 5:1/520،الوسائل 20:200 أبواب مقدمات النكاح ب 109 ح 1.
2- الكافي 3:8/158،التهذيب 1:1418/439،الإستبصار 1:699/199،الوسائل 2:516 أبواب غسل الميت ب 20 ح 1.
3- الوسائل 2:516 أبواب غسل الميت ب 20.
4- منهم الشهيد في الذكرى:39،المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:360،السبزواري في الكفاية:6.
5- الفقيه 1:433/94،الوسائل 2:516 أبواب غسل الميت ب 20 ح 2.
6- التهذيب 1:1324/419،المقنع:11،الوسائل 3:219 أبواب غسل الميت ب 51 ح 1.
7- الفقيه 3:1461/304،الوسائل 20:193 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 7.
8- انظر إيضاح الفوائد 3:9،التنقيح الرائع 3:22.

أيضاً،كإباحة النظر إلى الأُمور المسلّمة،مع كونها بالإجماع من العورة، فلا تلازم بين العورة و حرمة النظر لجميع الأشخاص بالكلّية،بل تلازمها في الجملة.و لا ينافي ذلك صدق العورة عليها؛ لاحتمال كونه بالنظر إلى غير المحارم.

و ربما خُصّت الإباحة بالمحاسن خاصّة،و هي مواضع الزينة؛ جمعاً بين الآية المتقدّمة (1)،و الأُخرى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا [1] الآية (2).

و هو أحوط؛ لأخصّية الآية الأُولى عن تمام المدّعى،مع ما في الخبر المرويّ في تفسير عليّ بن إبراهيم في تفسير الزينة في الآية المزبورة:

«فهي الثياب و الكحل و الخاتم و خضاب الكفّ و السوار،و الزينة ثلاث:

زينة للناس،و زينة للمَحرَم،و زينة للزوج،فأمّا زينة الناس فقد ذكرناه، و أمّا زينة المَحرَم:فموضع القلادة فما فوقها و الدُّمْلُج (3)و ما دونه و الخلخال و ما أسفل منه،و أمّا زينة الزوج:فالجسد كلّه» (4)انتهى.

و فيه دلالة و لو بضميمة (5)على جواز النظر إلى الوجه و الكفّين من الأجنبيّة مطلقاً (6)كما هو أحد الأقوال في المسألة استناداً إليها،مع الأصل،و الآية وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ [2] (7).بناءً على تفسير الزينة الظاهرة بأُمور أربعة لا يمكن إرادة بعضها

ص:47


1- في ص 45.
2- النور:30.
3- الدُّمْلُج:المِعْضَد من الحُليِّ لسان العرب 2:276.
4- تفسير القمي 2:101،المستدرك 14:275 أبواب مقدمات النكاح ب 85 ح 3.
5- من الإجماع المركب.منه رحمه الله.
6- أي مرّة أو مراراً.منه رحمه الله.
7- النور:31.

كالثياب لعدم الدليل عليه،بل و قيام الدليل على خلافة من العموم المستفاد من لفظة: ما الموضوعة له،فلا وجه لتخصيصها بها،فتعيَّن إرادة البواقي:

أحدها:الكحل و الخاتم و الخضاب في الكفّ،كما قيل (1)؛ للخبر المتقدّم،و غيره بنقص الأخير،كرواية زرارة (2)،و ليس في سندها مَن يُتوقّف فيه،سوى قاسم بن عروة،و قد قيل بحسنه (3)،و نحوهما خبر آخر (4)،لكن بزيادة:«المَسَكة» (5)بدل:الكحل و الخضاب.

و ثانيها:الوجه و الكفّان،و ربما أشعر به الخبر المجوّز لرؤيتهما (6).

و ثالثها:الكفّ و الأصابع.

و ذَكَرَ الأوّلَين قولاً الطبرسيُّ في جامع الجوامع (7)،و روى الثالث عنهم عليهم السلام (8).

و الأخبار و إن ضعف سندها إلّا أنّ العرف المحكَّم في الألفاظ يؤيّدها.

ص:48


1- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:9.
2- الكافي 5:3/521،الوسائل 20:201 أبواب مقدمات النكاح ب 109 ح 3.
3- حكاه ابن داود عن الكشي في رجاله 1:153.
4- الكافي 5:4/521،الوسائل 20:201 أبواب مقدمات النكاح ب 109 ح 4.
5- المَسَكُ:أسورة من ذَبْلٍ أو عاج،و الذبْل:شيءٌ كالعاج مجمع البحرين 5:288.
6- الآتي في الهامش(2)من ص 49.
7- قال في الذريعة 5:48 لكن الصحيح:جوامع الجامع،و كذا ذكره في ص:248.
8- جامع الجوامع:314 315.

و على هذه التفاسير يثبت المطلوب.أمّا على الثاني فواضح،و كذا الأول و الثالث،لكن بعد ضمّ الإجماع،و يدلّ عليه مضافاً إلى المتقدّم الصحيح المرويّ في الكفاية عن قرب الإسناد،و فيه:عمّا تُظهِر المرأة من زينتها؟قال:«الوجه و الكفّان» (1).

و المرسل:ما يحلّ للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن مَحرَماً؟ قال:«الوجه و الكفّان و القدمان» (2).

و الإرسال غير قادح؛ لاعتضاده بالأصل،و فتوى جماعة به،كالكليني و الشيخ في النهاية و التبيان و كتابي الحديث و ظاهر المسالك و سبطه في الشرح (3)،و جماعة من متأخّري المتأخّرين (4)مطلقاً،و المحقّق الثاني كما حكي،و المصنّف في الشرائع و العلّامة في جملة من كتبه،و اللمعة و الروضة (5)في الجملة،و نسبه الصيمري في شرح الشرائع إلى الأكثر.

فلا يقدح فيه الاشتمال على القدمين،المجمع على عدم جواز النظر إليهما،و إن هو إلّا كالعامّ المخصَّص،مضافاً إلى عدم ذكر الشارح المزبور لهما،فيقوى احتمال الزيادة.

و الخبر الذي لا تبعد صحّته كما قيل (6)-:عن الرجل ما يصلح له

ص:49


1- الكفاية:153،و هو في قرب الإسناد:270/82،البحار 101:7/33.
2- الخصال:78/302،الوسائل 20:201 أبواب مقدمات النكاح ب 109 ح 2.
3- الكليني في الكافي 5:521،النهاية:484،التبيان 7:428،التهذيب و الاستبصار:لم نعثر عليه فيهما،المسالك 1:436،نهاية المرام 1:55.
4- منهم السبزواري في الكفاية:153،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:9،صاحب الحدائق 23:55.
5- المحقّق الثاني في جامع المقاصد 12:28،الشرائع 2:269،العلاّمة في القواعد 2:3،و التذكرة 2:573 و التحرير 2:3،الروضة 5:99.
6- قال به السبزواري في الكفاية:154.

أن ينظر إليه من المرأة التي لا تحلّ له؟قال:«الوجه و الكفّان و موضع السوار» (1).

و احتمال إرادة المَحرَم من المرأة في السؤال بعيد،مع دلالة حصر المحلَّل منها في الثلاثة على إرادة غيرها من الأجانب؛ للإجماع على عدم الحصر فيها،مع أنّ العموم الناشئ عن ترك الاستفصال كافٍ في الاستدلال.و لا تقدح في الحجّية زيادة السوار؛ لما تقدّم.

و ممّا ذُكِر ظهر وجه اندفاع المناقشات في هذه الأدلّة،سيّما مع اعتضادها بالشهرة في الجملة،الظاهرة و المحكيّة،و بحجّةٍ أُخرى في غاية القوّة بحيث كادت تُعدّ من الأدلّة القطعيّة و هي فحاوى كثير من الأخبار الواردة في أبواب النظر إلى النسوة،المتواترة معنىً،المتضمّنة لحكمه منعاً و جوازاً،سؤالاً و جواباً و بياناً؛ لدلالتها على الجواز من حيث كون محطّ الحكم فيها بطرفيه في كلّ من السؤال و الجواب و البيان هو خصوص الشعر و اليدين و الرأس و الذراعين و غيرهما،و بالجملة:ما عدا الوجه و الكفّين، مع أنّهما أولى بالسؤال عن حكمهما و بيانه بحسب النظر بشدّة الابتلاء به، و غلبته و سهولته،من حيث عدم احتياجه إلى كشف ساتر من خمار و مقنعة،دون الرأس و الشعر؛ لندرة الابتلاء بالنظر إليهما و عسره؛ للاحتياج إلى كشف الستور عنهما غالباً.

فالسكوت عن حكمهما (2)مطلقاً سؤالاً و بياناً كاشف عن وضوح حكمهما جوازاً لا عكساً،و إلّا لكان حكم النظر إليهما (3)منعاً أخفى من

ص:50


1- قرب الإسناد:890/227،البحار 101:11/34.
2- أي:الوجه و الكفّين.
3- أي الرأس و الشعر.

حكم النظر إلى الوجه و الكفّين كذلك (1)جدّاً،و هو مخالف للبديهة قطعاً؛ لاتّفاق المسلمين على ثبوت المنع في النظر إليهما مطلقاً،و خفاؤه في النظر إلى الوجه و الكفّين،بحيث ذهب الأكثر إلى حِلّه في الجملة أو مطلقاً.

و يدلّ على أوضحيّة حكم النظر منعاً منه كذلك في الوجه و الكفّين أيضاً:تجويزهم النظر إليهما لمريد التزويج المتمكّن منه،و اختلافهم في تجويزه إلى الشعر كما مضى (2)،و ليس هذا إلّا لما ذكرنا كما لا يخفى.

و لو لم يكن في المسألة دليل على الجواز غير فحاوى هذه الأخبار لكفانا؛ لحصول الظنّ القويّ القريب من القطع بكون الحكم فيها الجواز، فلا ينبغي أن يرتاب فيه،و إن كان الأحوط:الترك مهما أمكن،من باب التسامح في أدلّة السنن.

هذا،مضافاً إلى النصوص الواردة في كتاب الحجّ في باب:ما يجوز أن تلبسه المحرمة من الثياب،و هي كثيرة:

منها الصحيح:«مرّ أبو جعفر عليه السلام بامرأة متنقّبة و هي محرمة،فقال:

أحرمي و أسفري و أرخِ ثوبكِ من فوق رأسك،فإنّك إن تنقّبتِ لم يتغيّر لونك،فقال رجل:إلى أين ترخيه؟فقال:تغطّي عينيها» الحديث (3).

و الصحيح:«تسدل الثوب على وجهها» قلت:حدّ ذلك إلى أين؟ قال:«إلى طرف الأنف قدر ما تبصر» (4).

ص:51


1- أي منعاً.منه رحمه الله.
2- راجع ص 40.
3- الكافي 4:3/344،التهذيب 5:245/74،الوسائل 12:494 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 3.
4- الكافي 4:1/344،التهذيب 5:243/73،الوسائل 12:493 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 2.

و الخبر الضعيف بسهل الذي ضعفه سهل-:«مرّ أبو جعفر عليه السلام بامرأة محرمة قد استترت بمِرْوَحَة،فأماط المروحة بنفسه عن وجهها» (1).

و الأمر بالإرخاء في الأوّل و السدل في الثاني للرخصة؛ لعدم القائل بوجوب ستر قدر ما أُمر فيهما بستره قطعاً.

و هذه النصوص سيّما الأخير،و الأوّل من حيث التعليل ظاهرة في عدم تستّر تلك النسوة بشيء آخر غير ما تستّرن به من كجاوة (2)و نحوها، و هذا أيضاً ممّا يدلّ على ما قدّمناه من أشدّية حكم الشعر منعاً من حكم الوجه جدّاً كما لا يخفى.

و الاستدلال للجواز بإطباق الناس على خروج النسوة سافرات،غير موجّه،كالاستدلال للمنع باتفاقهم من منع خروجهنّ غير متستّرات.

لمخالفتهما الوجدان؛ لاختلاف الناس في الزمان،فبين من يجري على الأول،و من يحذو حذو الثاني.

و تزيد الحجّة على الثاني باحتمال استناده إلى الغيرة و الاحتجاب من الناظر بشهوة،الغير الحاصل إلّا به مطلقاً.

و يشاركه في الضعف باقي أدلّته،كعمومي لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ [1] (3)و يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ [2] (4)لتخصيصهما بما ظهر من الأدلّة؛ مع إجمال الثانية،مع عدم المبيّن لها،سوى الإجماع المنحصر بيانه

ص:52


1- الكافي 4:9/346،الفقيه 2:1010/219،قرب الإسناد 1300/363،الوسائل 12:494 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 4.
2- كجاوة:كلمة فارسية تعني:الهَوْدَج؛ و هو من مراكب النساء مقبّب و غير مقبّب لسان العرب 2:389.
3- النور:31.
4- النور:30.

في القدر المتّفق عليه،و لا كلام فيه.

و حديث (1)الخَثْعَمية (2)؛ إذ لا دلالة فيه عليه،لو لم يدلّ على الجواز.

و كذا غير ما ذكر من الأدلّة التي أجبنا عنها في رسالة مفردة في المسألة.

مضافاً إلى ندرة القول بالمنع مطلقاً؛ لعدم نقله إلّا عن التذكرة و فخر الدين (3)،و إن مال إليه بعض من تأخّر عنهما (4).

و قيل بالجواز مرّة و الحرمة ثانية (5)؛ لأخبار (6)أكثرها ضعيفة السند، قاصرة الدلالة كالمعتبر منها،و قد أوضحنا جميع ذلك في الرسالة،من أراد التحقيق فليرجع إليها.

نعم،هو أحوط،و أحوط منه الأول.

و تتّحد المرأة مع الرجل،فتُمنَع في محلّ المنع و لا في غيره إجماعاً؛ و يشير إليه المقطوع المرويّ في الكافي،الآمر لعائشة و حفصة بدخولهما البيت بعد دخول الأعمى عليهما (7).

و يستثنى من الحكم مطلقاً (8)إجماعاً:محلّ الضرورة،و القواعد من

ص:53


1- البحار 96:3/351،المستدرك 14:269 أبواب مقدمات النكاح ب 81 ح 7.
2- خَثْعَم:أبو قبيلة،و هو خثعَم بن أنمار من اليمن،و يقال:هم من معدّ،و صاروا باليمن.الصحاح 5:1909،مجمع البحرين 6:55.
3- التذكرة 2:573،فخر الدين في إيضاح الفوائد 3:6.
4- كالشهيد الثاني في الروضة 5:99.
5- قال به الشهيد في اللمعة(الروضة البهية)5:99.
6- الوسائل 20:190 أبواب مقدمات النكاح ب 104.
7- الكافي 5:2/534،الوسائل 20:232 أبواب مقدمات النكاح ب 129 ح 1.
8- أي في الرجل كان أو المرأة،في محلّ الوفاق أو الخلاف.منه رحمه الله.

النسوة،و الصغير غير المميّز،و الصغيرة،فيجوز النظر منهنّ مطلقاً،و إليهنّ كذلك،على الأقوى؛ للأصل،مع فقد الصارف،و اختصاص أدلّة المنع على تقدير ثبوتها بغيرهم بمقتضى التبادر.

مضافاً إلى الآيتين في القواعد (1)و الصغير (2)بالنسبة إلى المرأة،مع الصحاح في القواعد (3).

و في جواز نظر المميّز إلى المرأة إن لم يكن محلّ ثوران تشوّق و شهوة قولان،أحوطهما:المنع،فيمنعه الوليّ له عنه.

و في جواز نظر المرأة إلى الخصيّ المملوك لها و العكس خلافٌ بين الأصحاب،ينشأ من الأصل،و عموم وَ لا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ [1] (4)الشامل لمحلّ النزاع،كالمستفيضة (5)التي فيها الصحيح و الموثّق و غيرهما، المجوّزة لرؤية المملوك مالكته مطلقاً في بعض،و مخصّصاً بالشعر في آخر.و خروج غيره (6)منها لشبهة الإجماع غير قادح.

مضافاً إلى عموم اَلتّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ [2] (7)المفسّر بما يشمله.

و خصوص الصحيح:عن قناع الحرائر من الخصيان،قال:«كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن عليه السلام و لا يتقنّعن» قلت:فكانوا أحراراً؟

ص:54


1- النور:60.
2- النور:31.
3- الوسائل 20:202 أبواب مقدمات النكاح ب 110.
4- الأحزاب:55،و في«ح» أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ النور:31.
5- الوسائل 20:223 أبواب مقدمات النكاح ب 124.
6- أي الخصي.منه رحمه الله.
7- النور:31.

قال:«لا» قلت:فالأحرار تتقنّع منهم؟قال:«لا» (1).

و من (2)الاستصحاب،و ما قيل في الجواب عن الآية الاُولى من اختصاص ملك اليمين فيها بالإماء (3)؛ جمعاً بينه و بين الأمر بغضّ البصر و حفظ الفرج مطلقاً.

و لا يرد دخولهنّ في نسائهن؛ لاختصاصهنّ بالمسلمات،و عموم ملك اليمين للكافرات.

و للخبرين،في أحدهما:قال:قلت:يكون للرجل الخصيُّ يدخل على نسائه فيناولهنّ الوَضوء فيرى شعورهنّ،فقال:«لا» (4).

و في الآخر:عن أُمّ الولد هل يصلح لها أن ينظر إليها خصيُّ مولاها و هي تغتسل؟قال:«لا يحلّ ذلك» (5).

و هما أرجح من الصحيح السابق؛ لموافقته لما عليه سلاطين العامّة، كما صرّح به شيخ الطائفة (6)،فيترجّحان عليه و إن صحّ سنده لمقبولة عمر بن حنظلة (7).

ص:55


1- الكافي 5:3/532،الوسائل 20:225 أبواب مقدمات النكاح ب 125 ح 3،و في التهذيب 7:1926/480،و الاستبصار 3:903/252،و عيون الأخبار 2:44/17 صدر الحديث.
2- إشارة إلى المنشإ الآخر للخلاف.
3- انظر السرائر 2:610،مجمع البيان 4:138،التبيان 7:430.
4- الكافي 5:2/532،الفقيه 3:1434/300،التهذيب 7:1925/480،الإستبصار 3:902/252،الوسائل 20:226 أبواب مقدمات النكاح ب 125 ح 2.و الوضوء بفتح الواو اسم الماء الذي يُتَوضّأ به مجمع البحرين 1:440.
5- الكافي 5:1/532،الوسائل 20:225 أبواب مقدمات النكاح ب 125 ح 1.
6- التهذيب 7:480،الاستبصار 3:252.
7- الكافي 7:5/412،الفقيه 3:18/5،التهذيب 6:845/301،الاحتجاج:355،الوسائل 27:106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

و هذا هو الأشهر،بل عن الخلاف:عليه الإجماع (1)،و هو أحوط، و إن كان في تعيّنه نظر؛ للنظر في تخصيص ملك اليمين بالإماء من دون دليل،و مجرّد الجمع غير كافٍ بلا دليل،مع حصوله بتقييد الثانية بالأُولى بعد تسليم إطلاقها و وضوح دلالتها.

و مثله تخصيص نسائهنّ بالمسلمات،مضافاً إلى كونه خلاف المشهور.

و الخبران مع قصور إسنادهما خارجان عن محلّ البحث، فلا ينفعهما الجبر بالشهرة بالنسبة إليه،كمخالفتهما العامّة،مضافاً إلى معارضتها (2)بموافقة الكتاب في مقامين في المستفيضة.

و الشهرة في محلّ البحث من غير دليل غير كافية.

مضافاً إلى المرجّحات الأُخر،كصحّة السند،و الاستفاضة في معاضدها،و بها تترجّح عليهما.

و التساوي بعد تسليمه يوجب التساقط،فتعيّن المصير معه إلى الأصل.فالمصير إلى الجواز في غاية القوّة،لولا الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة،و إن أمكن الجواب عنه أيضاً،إلّا أنّ الأحوط و الأولى:

المشهور.

و مثله الكلام في نظر المملوك إلى مالكته،و الخصيّ إلى غير مالكته، إلّا أنّ المنع في الأول أقوى منه في السابق.

و ليس للرجل مطلقاً حتى الأعمى سماع صوت الأجنبيّة بتلذّذ أو خوف فتنة،إجماعاً،و بدونهما أيضاً،كما في القواعد و الشرائع،و عن

ص:56


1- الخلاف 4:249.
2- أي معارضة المخالفة.

التحرير و الإرشاد و التلخيص (1).

للحسن (2)و غيره (3):«النساء عِيٌّ (4)،فاستروا العورات بالبيوت، و العِيّ بالسكوت» .و هو معارَض بالأصل و مثله:«كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يسلّم على النساء و يرددن عليه،و كان أمير المؤمنين عليه السلام يسلّم على النساء،و كان يكره أن يسلّم على الشابة منهن،و يقول:أتخوّف أن يعجبني صوتها فيدخل عليّ أكثر ممّا طلبت من الأجر» (5).

و الأخبار المانعة عن ابتدائها بالسلام (6)قاصرةٌ بحسب الإسناد، فلا تعارض الحسن المزبور.

مع اعتضاده بما تواتر من سؤالهنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام بمحضر الناس،مع عدم منعهم لهن،بل و تقريرهنّ على ذلك.

و ما روي من خطبة سيّدة النساء بمحضر من جماعة من الصحابة في نهاية البلاغة و الفصاحة،و هي الآن موجودة مرويّة في الكتب المعروفة،ككشف الغمّة (7).

ص:57


1- القواعد 2:3،الشرائع 2:269،التحرير 2:3،الإرشاد 2:5،نقله عن التلخيص الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:9.
2- أمالي الطوسي:674،البحار 100:50/252.
3- الكافي 5:1/534،الوسائل 20:234 أبواب مقدمات النكاح ب 131 ح 1؛ بتفاوت يسير.
4- العِيّ:ضدّ البلاغة جمهرة اللغة 1:158.
5- الكافي 5:3/535،الفقيه 3:1436/300،الوسائل 20:234 أبواب مقدمات النكاح ب 131 ح 3.
6- الوسائل 20:234 أبواب مقدمات النكاح ب 131.
7- كشف الغمة 1:480.

مضافاً إلى لزوم المنع منه العسر و الحرج،المنفيّين عقلاً و نقلاً،كتاباً و سنّةً.

فالجواز أقوى،وفاقاً لمقطوع التذكرة (1)،و ظاهر جماعة كشيخنا في المسالك (2)و نُسب إلى جدّي العلّامة المجلسي طاب ثراه (3).

لكن الأحوط ترك ما زاد على خمس كلمات؛ لنهي النبيّ صلى الله عليه و آله، المرويّ في الفقيه في حديث المناهي،قال:«و نهى أن تتكلّم المرأة عند غير زوجها أو غير ذي محرم منها أكثر من خمس كلمات ممّا لا بدّ لها منه» (4).

و ضعف السند مع الاشتمال على كثير من النواهي المستعملة في الكراهة يوهن حمل النهي فيه على الحرمة.

مضافاً إلى مخالفته لما عليه الأُمّة من جواز سماع صوتهنّ مطلقاً و لو زائداً على المقدار المذكور مع الضرورة،فمنعها عمّا زاد معها مخالفٌ للبديهة.

و لعلّ جميع ذلك أمارة الكراهة،و أحوط منه الترك بالمرّة،إلّا أن تدعو إليه حاجة أو ضرورة.

الثانية في الوطء في الدُّبُر

الثانية في الوطء في الدُّبُر مطلقاً لزوجة كان أو أمة خلافٌ بين الأصحاب.

و فيه روايتان،أشهرهما بل المجمع عليه كما في التذكرة و عن

ص:58


1- التذكرة 2:573.
2- المسالك 1:438.
3- لم نعثر عليه.
4- الفقيه 4:1/2،الوسائل 20:211 أبواب مقدمات النكاح ب 117 ح 5.

الانتصار و الخلاف و الغنية و السرائر (1) الجواز على كراهية و هي مستفيضة من الطرفين،و فيها من طرقنا:الصحيح و كالصحيح و الموثّقان، و غيرها من الروايات.

ففي الأول:الرجل يأتي امرأته في دبرها،قال:«ذلك له» قال:قلت:

فأنت تفعل ذلك؟قال:«أنا لا أفعل» (2).

و في الثاني:عن رجل يأتي أهله من خلفها،قال:«هو أحد المأتيّين،فيه الغسل» (3).

و في الثالث،في أحدهما:عن الرجل يأتي المرأة في دبرها،قال:

«لا بأس به» (4).

و هي مع ذلك معتضدة بالأصل،و الإجماعات المنقولة،و المخالفة لما عليه جميع العامّة إلّا مالكاً (5)،و العمومات،منها نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ [1] (6)بناءً على كون الظرف بمعنى:من أين كما قيل- (7)فيعمّ المقام.

ص:59


1- التذكرة 2:576،الانتصار:125،الخلاف 4:336،الغنية(الجوامع الفقهية):612،السرائر 2:606.
2- الكافي 5:2/540،التهذيب 7:1663/415،الوسائل 20:145 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 1.
3- التهذيب 7:1658/414،الإستبصار 3:868/243،الوسائل 20:147 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 7.
4- التهذيب 7:1662/415،الوسائل 20:147 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 5.
5- كما نقله عنه في التفسير الكبير 6:76.
6- البقرة:223.
7- قال به المحقّق الثاني في جامع المقاصد 12:498،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:54.

و لا ينافيه الصحيح الدالّ على وروده ردّاً على اليهود القائلين:إنّ الرجل إذا أتى أهله من خلفها خرج ولده أحول (1)؛ لعدم المنافاة بينه و بين ثبوت الحكم على العموم،مع إشعار سياقه بكون المنع للتقيّة،فتأمّل.

مضافاً إلى أنّه استدلّ به للجواز في المضمار في بعض الأخبار المنجبر ضعفه بالشهرة بين الأخبار،و فيه:عن الرجل يأتي المرأة في دبرها،قال:«لا بأس إذا رضيت» قلت:فأين قول اللّه تعالى فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ [1] (2)؟فقال:«هذا في طلب الولد،فاطلبوا الولد من حيث أمركم،إنّ اللّه تعالى يقول نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ [2] » (3).و منه يظهر فساد الاستدلال للمنع بالآيتين،مع ضعفه من وجوه أُخر،فتأمّل.

و ربّما أُيّد الجواز بقوله سبحانه هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ [3] (4)فإنّهم كانوا يشتهون الأدبار.

و هو حسن؛ لأصالة البقاء،و إشعار بعض المعتبرة المنجبرة بالشهرة:

عن إتيان الرجل[المرأة]من خلفها،فقال:«أحلّتها آية من كتاب اللّه تعالى، قول لوط على نبيّنا و آله و عليه السلام هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ [4] و قد علم أنّهم لا يريدون الفرج» (5).

ص:60


1- التهذيب 7:1660/415،تفسير العياشي 1:333/111،الوسائل 20:141 أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 1.
2- البقرة:222.
3- التهذيب 7:1657/414،الوسائل 20:146 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 2.
4- هود:78.
5- التهذيب 7:1659/414،الوسائل 20:146 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 3؛ و ما بين المعقوفين من المصدر.

فالقول بالجواز قويّ مع الكراهة الشديدة؛ لإشعار الصحيح المتقدّم (1)،مع التصريح بها في المرفوع:عن إتيان النساء في أعجازهنّ، فقال:«ليس به بأس،و ما أحبّ أن تفعله» (2).

و عليها يحمل ما في الخبر:«محاشّ النساء على أُمّتي حرام» (3)و كذا الآخر الناهي عنه (4)؛ لضعفهما،و موافقتهما التقيّة لما عرفت.

و به يشعر بعض المعتبرة،كالموثّق:أخبرني من سأله عن الرجل يأتي المرأة في ذلك الموضع و في البيت جماعة فقال لي و رفع صوته:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:من كلّف مملوكه ما لا يطيق فليبعه» ثم نظر في وجوه أهل البيت،ثم أصغى إليّ و قال:«لا بأس به» (5).

فالقول بالتحريم كما عن القميين و ابن حمزة (6)و جماعة (7)ضعيف جدّاً.

الثالثة حكم العزل عن الحرّة بغير إذنها

الثالثة :اختلف الأصحاب في جواز العزل و إفراغ المني خارج الفرج بعد المجامعة عن الحرّة بغير إذنها و لو بالشرط حال العقد

ص:61


1- في ص 59.
2- التهذيب 7:1666/416،الوسائل 20:147 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 6.
3- التهذيب 7:1664/416،الوسائل 20:142 أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 2؛ المحاشّ:جمع محشّة،و هي الدبر،فكني بها عن الأدبار كما يكنى بالحَشُوش عن مواضع الغائط مجمع البحرين 4:134.
4- الفقيه 3:1430/299،الوسائل 20:143 أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 5.
5- التهذيب 7:1661/415،الوسائل 20:146 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 4 بتفاوت يسير.
6- الصدوق في الفقيه 3:299،ابن حمزة في الوسيلة:313.
7- منهم أبو الفتوح الرازي،و الراوندي في اللباب،و السيّد أبو المكارم صاحب البلابل القلاقل،نقله عنهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:54.

اختياراً،بعد اتّفاقهم عليه في الأُمة مطلقاً (1)،و الحرّة مع الإذن مطلقاً أو الاضطرار؛ للأصل،و فحوى الصحاح الآتية.

ف قيل: هو محرّم و هو المحكيّ عن المبسوط و الخلاف و ظاهر المقنعة (2)،مدّعياً الشيخ عليه الوفاق في الثاني كما قيل (3).

للنبويّين العاميّين،في أحدهما:«إنّه صلى الله عليه و آله نهى أن يعزل عن الحرّة إلّا بإذنها» (4)(5).و عدم حصول الحكمة في النكاح من الاستيلاد معه غالباً.

و ضعفه ظاهر؛ لوهن الإجماع بمصير المعظم إلى الخلاف،مع أنّه صحيحٌ لا يقاوم الصحاح.هذا،مع أنّ ظاهر عبارته المحكيّة في المختلف (6)في كتاب الديات أنّ دعوى الإجماع المزبور إنّما هو على استحباب تركه لا تحريمه (7).

ص:62


1- زوجة كانت أم ملك يمين أم محلّلة.منه رحمه الله.
2- المبسوط 4:267،الخلاف 4:359،المقنعة:516.
3- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:54.
4- دعائم الإسلام 2:777/212،المستدرك 14:233 أبواب مقدمات النكاح ب 57 ح 1.
5- و في الثاني ما أشار إليه صاحب الجواهر 29:111 عنه صلى الله عليه و آله من أنّه«الوأد الخفي» أي قتل الولد.سنن البيهقي 7:231.
6- المختلف:814 و 815.
7- فإنّه قال:العزل عن الحرّة لا يجوز إلّا برضاها،فمتى عزل بغير رضاها أثم و كان عليه عشر دية الجنين عشرة دنانير،و للشافعي فيه وجهان،أحدهما:أنّه محظور مثل ما قلنا،غير أنّه لا يوجب الدية،و المذهب أنّه مستحب و ليس بمحظور؛ دليلنا:إجماع الفرقة و أخبارهم و طريقة الاحتياط.(الخلاف 4:359)و هو كما ترى كالصريح في دعوى الإجماع على الاستحباب،و لا ينافيه الاستدلال بطريقة الاحتياط؛ لإمكان جعلها حجة على الاستحباب و الكراهة،التي إحدى الأدلّة على المسامحة في أدلّة السنن و الكراهة منه عفي عنه و عن والديه.

و قصور سند الأوّلين.

و عدم النصّ بالحكمة،مع عدم وجوب مراعاتها فيما عدا محلّ البحث إجماعاً.هذا،مع أنّه أخصّ من المدّعى؛ لعدم جريانه في اليائسة.

مضافاً إلى معارضة الجميع بما سيأتي مع عدم مكافأته له بالمرّة.

و على المنع مطلقاً حتى الكراهة،هل يجب به دية النطفة أعني: عشرة دنانير ؟قيل:نعم (1)؛ للصحيح الموجب لها على المفرغ،الغير المجامع، الموجب للعزل (2).و اختصاصه بغير المتنازع غير قادح بعد ظهور أنّ المنشأ هو التفويت المطلق،المشترك بينه و بين المتنازع.

و فيه نظر؛ لمنع الظهور أوّلاً،و منع العمل بمثله مع عدم النصّ أو الاعتبار القاطع عليه بعد تسليمه ثانياً،و ثبوت الفارق بين جناية الوالد و الأجنبي ثالثاً،فإن هو إلّا قياس مع الفارق.

مع معارضته على تقدير تسليمه بظواهر النصوص الآتية المجوّزة للعزل،المصرّحة:بأنّه ماؤه يضعه حيث يشاء،الدالّة لذلك على أنّه لا حقّ للمرأة على الرجل في مائه،فلا وجه لاستحقاقها الدية.

و بمثل هذا يجاب عن دعوى الخلاف على الوجوب الوفاق،فإنّ غايته أنّه خبر صحيح لا يعارض الصحاح كما مرّ،سيّما مع معارضته بما يظهر من الحلّي من شذوذ القول بالوجوب،حيث نسب الرواية الدالّة عليه بعد الإشارة إليها إلى الشذوذ (3)،الذي هو بالاتّفاق عبارة عن عدم القائل

ص:63


1- قال به الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:25.
2- الكافي 7:1/342،الفقيه 4:194/54،التهذيب 10:1107/285،الوسائل 29:312 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 1.
3- السرائر 3:418.

به أو ندرته.

فالأقوى:العدم،وفاقاً للمعظم،كالحلّي و الفاضل في المختلف و المحقّق الثاني كما حكي و شيخنا في المسالك و الروضة (1)و كثير ممّن تبعه (2).

و ربما يظهر من النهاية و المقنعة التردّد في الوجوب؛ حيث نسباه إلى الرواية (3)،اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن،سيّما على القول بالكراهة المشار إليه بقوله:

و قيل و هو الأكثر-:إنّه مكروه (4) غير محرّم؛ للأصل، و الموثّقين،و الصحاح المستفيضة:

منها:«ذاك» أي المني«إلى الرجل يصرفه حيث شاء» (5).

و منها:«لا بأس بالعزل عن المرأة الحرّة» (6).

و البأس المنفيّ فيه محمولٌ على الحرمة،جمعاً بين ما هنا و ما تقدّم من الأدلّة؛ بناءً على المسامحة في أدلّة الكراهة،سيّما مع فتوى الجماعة، و إيماءً إلى المرجوحيّة في الجملة في بعض المستفيضة،كالصحيح:عن العزل،فقال:«أمّا الأمة فلا بأس،و أمّا الحرّة فإنّي أكره ذلك،إلّا أن يشترط

ص:64


1- الحلي في السرائر 2:607،3:419،المختلف:815،المحقق الثاني في جامع المقاصد 12:503،المسالك 1:439،الروضة 5:102.
2- كالسبزواري في الكفاية:154،الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:288.
3- النهاية:779،المقنعة:763.
4- في المختصر المطبوع زيادة:و هو أشبه.
5- الكافي 5:3/504،الفقيه 3:1295/273،التهذيب 7:1669/417،الوسائل 20:149 أبواب مقدمات النكاح ب 75 ح 1.
6- الكافي 5:2/504،التهذيب 7:1668/417،الوسائل 20:150 أبواب مقدمات النكاح ب 75 ح 4.

عليها حين تزوّجها» (1).

و رخّص عليه السلام في هذا الخبر العزل في الإماء مضافاً إلى الخبر الآخر«لا بأس بالعزل في ستّة وجوه:المرأة إذا أيقنت أنّها لا تلد،و المرأة المسنّة،و المرأة السَّلِيطة (2)،و البذيّة،و المرأة التي لا ترضع ولدها،و الأمة» (3).

و كذا يكره لها العزل بدون إذنه.

و هل يحرم عليها لو قلنا به منه؟مقتضى الدليل الثاني أي الحكمة ذلك.و كذا القول في دية النطفة له،كذا قيل،و الأخبار خالية عنه.

الرابعة لا يدخل بالمرأة حتى يمضي لها تسع سنين

الرابعة: لا يجوز أن يدخل الرجل بالمرأة حتى يمضي لها تسع سنين هلالية إجماعاً؛ للنصوص المستفيضة:

منها الصحيح:«إذا تزوّج الرجل الجارية و هي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين» (4).

و بالتنبيه منه يستفاد حكم غير الزوج مع إطلاق البواقي.

و لو دخل بها الزوج قبل ذلك لم تحرم المرأة مؤبّداً على الأصحّ الأشهر،بل عليه عامّة من تقدّم و تأخّر،عدا من سيذكر،مع التأمّل في مخالفته كما سيظهر.

للأصل،و الاقتصار فيما خالفه على القدر المتيقّن المتّفق عليه من

ص:65


1- التهذيب 7:1671/417،الوسائل 20:151 أبواب مقدمات النكاح ب 76 ح 1.
2- السّلاَطَة:حدّة اللسان،يقال:رجل سَليط؟أي صخّاب بذي اللسان،و امرأة سليطة كذلك،مجمع البحرين 4:255.
3- الفقيه 3:1340/281،التهذيب 7:1972/491،الخصال:22/328،الوسائل 20:152 أبواب مقدمات النكاح ب 76 ح 4.
4- الكافي 5:2/398،الوسائل 20:101 أبواب مقدمات النكاح ب 45 ح 1.

النصّ الآتي،و إطلاقه بعد ضعفه،و عدم جابر له في محلّ البحث غير نافع.

خلافاً لظاهر النهاية (1)،حيث حكم بالتحريم بالدخول من دون تقييد بالإفضاء (2)،و حكي عن السرائر (3).

لإطلاق المرسل:«إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرّق بينهما و لم تحلّ له أبداً» (4)و فيه ما مرّ.

و نفي الخلاف عنه في الأخير كما حكي مع عدم صراحته في الإجماع موهونٌ بمصير الأكثر على الخلاف،حتى الشيخ؛ لرجوعه عن الإطلاق في النهاية إلى التقييد في الاستبصار،كما صرّح به في المهذّب (5).

و مع ذلك،حكمه بالإطلاق في النهاية أيضاً محلّ نظر،فقد قال في المختلف بعد نقله عنه-:و الظاهر أنّ مراده ذلك (6).مشيراً به إلى إناطة التحريم بالإفضاء.

هذا،و مصير الحلّي إلى الخلاف غير معلوم،فقد حكي عنه في التنقيح صريحاً موافقة الأصحاب (7)،و هو ظاهر جماعة،كالمختلف

ص:66


1- النهاية:453.
2- أفضى إلى امرأته:باشرها و جامعها،و أفضاها:جعل مسلكيها بالافتضاض واحداً،و قيل:جعل سبيل الحيض و الغائط واحداً فهي مُفْضَاة المصباح المنير:476.
3- السرائر 2:530.
4- الكافي 5:12/429،التهذيب 7:1292/311،الإستبصار 4:1111/295،الوسائل 20:494 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 34 ح 2.
5- المهذّب البارع 3:210 211،و هو في الاستبصار 4:294.
6- المختلف:525.
7- التنقيح الرائع 3:26.

و المهذّب و المسالك و مفاتيح الشرائع،حيث نسبوا الخلاف إلى ظاهر إطلاق النهاية خاصّة (1)،مع تصريح جماعة منهم بأنّ الباقين على التقييد بالإفضاء (2)،فلا إشكال،بل و لعلّه لا خلاف في المسألة،و الاحتياط واضح.

الخامسة لا يجوز للرجل ترك وطء المرأة أكثر من أربعة أشهر

الخامسة: لا يجوز للرجل الحاضر المتمكّن من الوطء ترك وطء المرأة المعقودة له بالدوام على الأصحّ مطلقاً أكثر من أربعة أشهر على المعروف من مذهب الأصحاب،و عليه الإجماع في المسالك (3).

للصحيح:عن الرجل يكون عنده المرأة الشابّة،فيمسك عنها الأشهر و السنة لا يقربها،ليس يريد الإضرار بها،يكون لهم مصيبة،يكون بذلك آثماً؟قال:«إذا تركها أربعة أشهر يكون آثماً» (4).

و بضميمة الإجماع يتمّ المطلوب،مضافاً إلى ما دلّ على كونها المدّة المضروبة في الإيلاء،و لا اختصاص لذلك ثمّة بالشابّة إجماعاً (5).

و يؤيّده ما قيل:إنّ عمر سألهنّ عما يصبرن فيه،فأخبرن بفناء صبرهنّ إذا مضت أربعة أشهر،فتأمّل،فتأمّلُ بعض المتأخّرين في التعميم إلى غير الشابة (6)،ليس في محلّه.

ص:67


1- المختلف:525،المهذب البارع 3:210،المسالك 1:439،المفاتيح 2:247.
2- كما في مفاتيح الشرائع 2:247،المهذب البارع 3:210،كشف الرموز 2:108.
3- المسالك 1:439.
4- الفقيه 3:1215/256،التهذيب 7:1647/412،الوسائل 20:140 أبواب مقدمات النكاح ب 71 ح 1.
5- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:54.
6- كصاحب الحدائق 23:90.
السادسة يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلاً

السادسة: يكره للمسافر أن يطرق أهله أي يدخل إليهم من سفره ليلاً مطلقاً،و قيّده بعضهم بعدم الإعلام بالحال،و إلّا لم يكره (1).

و النصّ مطلق،روى عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام أنّه قال:

«يكره للرجل إذا قدم من سفره أن يطرق أهله ليلاً حتى يصبح» (2).

و في تعلّق الحكم بمجموع الليل،أو اختصاصه بما بعد المبيت و غلق الأبواب،نظر،منشؤه دلالة كلام أهل اللغة على الأمرين،ففي الصحاح:

الأوّل (3)،و النهاية الأثيريّة:الثاني (4)،و الأول أوفق بمقتضى المسامحة في أدلّة السنن.

و ظاهر إطلاق النصّ و الفتاوى عدم الفرق في الأهل بين الزوجة و غيرها،و إن كان الحكم فيها آكد،و بباب النكاح أنسب.

السابعة إذا دخل بصبية لم تبلغ تسعاً فأفضاها

السابعة:إذا دخل الزوج بصبية لم تبلغ تسعاً فأفضاها بالوطء،بأن صيّر مسلك الحيض و البول واحداً كما هو الغالب المشهور في تفسيره فإنّه الإيصال،و قيل:أو مسلك الحيض و الغائط (5)،و الأصل في المطلق يقتضي المصير إلى الأول؛ بناءً على كونه الغالب،و لعلّ إلحاق الأخير به من باب فحوى الخطاب،و عموم تعليل بعض الأحكام المترتّبة عليه من التعطيل للأزواج له،و لا قائل بالفرق،فتأمّل جدّاً.

ص:68


1- كابن سعيد في الجامع للشرائع:453.
2- الكافي 5:4/499،التهذيب 7:1645/412،الوسائل 20:131 أبواب مقدمات النكاح ب 65 ح 1.
3- الصحاح 4:1515.
4- النهاية 3:121.
5- قال به الشهيد الثاني في الروضة 5:104،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:39.

حَرُمَ عليه مؤبّداً وطؤها مطلقاً (1)،بل مطلق الاستمتاع في قولٍ أحوط في المشهور بين الأصحاب،بل قيل:بلا خلاف (2)،و عن صريح الإيضاح (3)و ظاهر غيره (4)الإجماع عليه.

للمرسل المتقدّم (5)،المعتضد ضعفه هنا بالشهرة،و لا يقدح فيه عدم ذكر الإفضاء فيه بعد عمومه له،بل و ظهوره فيه؛ للغلبة.فالقول بالحِلّ كما عن النزهة (6)محلّ المناقشة.

و لكن لم تخرج من حباله بل زوجته على الأظهر،وفاقاً لجماعة،كما في الشرائع و الروضة و السرائر و الجامع (7).

للأصل،و ظاهر الخبرين،في أحدهما:رجل اقتضّ جارية فأفضاها، قال:«عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين» قال:«فإن أمسكها و لم يطلّقها فلا شيء عليه،إن شاء أمسك و إن شاء طلّق» (8).

و في الثاني و هو صحيح-:عن رجل تزوّج جارية بكراً لم تدرك، فلمّا دخل بها اقتضّها فأفضاها،قال:«إن كان دخل بها حين دخل بها و لها تسع سنين فلا شيء عليه،و إن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان أقلّ من

ص:69


1- أي قبلاً أو دبراً.منه رحمه الله.
2- قال به البحراني في الحدائق 23:91.
3- إيضاح الفوائد 3:76.
4- انظر التنقيح الرائع 3:26،السرائر 2:531.
5- في ص 66.
6- نزهة الناظر:96.
7- الشرائع 2:270،الروضة 5:104،السرائر 2:531،الجامع للشرائع:428.
8- الكافي 7:18/314،التهذيب 10:984/249،الإستبصار 4:1109/294،الوسائل 29:281 أبواب موجبات الضمان ب 44 ح 1؛ و اقتضّ الجارية:افترعها و أزال بكارتها،و الافتضاض بالفاء بمعناه مجمع البحرين 4:228.

ذلك بقليل حين دخل بها فاقتضّها فإنّه قد أفسدها و عطّلها على الأزواج، فعلى الإمام أن يغرمه ديتها،و إن أمسكها و لم يطلّقها حتى تموت فلا شيء عليه» (1).

و قيل بالخروج (2)؛ لظاهر المرسل المتقدّم (3).و يحتمل التفريق فيه:

الكناية عن الطلاق و الإرشاد إليه؛ خوفاً من الوقوع في المحرّم،فلا يعارض شيئاً ممّا قدّمناه.

و على المختار:تحرم الأُخت و الخامسة مع عدم الطلاق،أو الخروج عن العدّة إن قلنا بها.

و عليه الإنفاق عليها في الجملة إجماعاً؛ للصحيح:عن رجل تزوّج جارية فوقع بها فأفضاها،قال:«عليه الإجراء عليها ما دامت حيّة» (4).

و لإطلاقه يتّجه إطلاق القول بوجوبه حتى مع الطلاق و لو بائناً،بل و لو تزوّجت بغيره في وجه،و في آخر:العدم؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على الفرد المتبادر من المستند.

و لكن الاستصحاب يؤيّد الأول،فهو الأحوط لو لم يكن أولى، و أولى منه بالوجوب لو طلّقها الثاني بائناً أو رجعيّاً و تمّ عدّتها،و كذا لو تعذّر إنفاقه عليها لغيبة أو فقر.

قيل:و لا فرق في الحكم بين الدائم و المتمتّع بها (5).

ص:70


1- الفقيه 3:1294/272،الوسائل 20:103 أبواب مقدمات النكاح ب 45 ح 9.
2- قال به فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3:78.
3- في ص 66.
4- الفقيه 4:338/101،التهذيب 10:985/249،الإستبصار 4:1110/294،الوسائل 29:282 أبواب موجبات الضمان ب 44 ح 2،الإجراء أي النفقة و الكسوة و ما يلزمه.روضة المتقين 10:397.
5- كما قال به الشهيد الثاني في الروضة 5:105.

و فيه لو لم يكن عليه إجماع نظر؛ لمخالفته الأصل،فيقتصر على المتبادر من النصّ الدالّ عليه.و عموم التعليل بالإفساد و التعطيل عن الأزواج في الصحيح (1)مختصٌّ بمعلوله،و هو وجوب الدية،و لا كلام فيه.

و منه ينقدح قوّة القول باختصاص الحكم بالزوجة دون الأجنبيّة،بل هو أقوى؛ لعدم شمول النصّ لها بالمرّة،و لا أولويّة إلّا على تقدير كون الأحكام للعقوبة،و هي ممنوعة.و على تقديرها فلعلّه لا ينفع في الأجنبي؛ لزيادة إثمه و فحش فعله،كذا قيل (2)،فتأمّل.

و التحقيق أن يقال:إنّ العمدة في ثبوت الأحكام المخالفة للأصل هو الإجماع؛ لضعف الرواية،و هو فيما نحن فيه مفقود؛ للاختلاف،و الأولويّة لعلّها لا تجري فيما مستند أصله الإجماع،فتأمّل.مضافاً إلى اختصاصها بالزناء،فلا يعمّ الشبهة.

و لا ريب أنّ التعميم أحوط و أولى في التحريم،بل و الإنفاق،و إن قيل بعدم لزومه و لو مع القول بسابقه،كما عن الخلاف و السرائر في الزناء (3).

و في الأمة:الوجهان،و أولى بالتحريم،و يقوى الإشكال في الإنفاق لو أعتقها.

و لو أفضى الزوجة بعد التسع،ففي تحريمها الوجهان،أوجههما:

العدم؛ للصحيح المتقدّم (4)كسابقه.و أولى بالعدم:إفضاء الأجنبي

ص:71


1- المتقدم في ص 69.
2- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:39.
3- حكاه عنهما في كشف اللثام 2:39،و هو في الخلاف 5:257،و السرائر 2:605.
4- في ص 69.

كذلك (1).

و في تعدّي الحكم في الإفضاء بغير الوطء وجهان،أجودهما:

العدم؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن،و إن وجبت الدية في الجميع،و اللّه أعلم (2).

ص:72


1- أي بعد التسع.منه رحمه الله.
2- لم يتعرض الشارح رحمه الله.لهذه العبارة من المختصر:و لم يُفْضِها لم يحرم على الأصحّ؛ و لعلّه لم يكن موجوداً في النسخة الموجودة لديه،و اللّه أعلم.
الفصل الثاني في أولياء العقد
اشارة

الفصل الثاني:

في أولياء العقد المتصرّفين فيه بدون إذن الزوج أو الزوجة

لا ولاية في النكاح لغير الأب،و الجد للأب و إن علا،و الوصيّ،و المولى،و الحاكم

لا ولاية في النكاح لغير الأب،و الجد للأب و إن علا،و الوصيّ، و المولى،و الحاكم إجماعاً منّا فيما عدا الاُمّ و أبيها؛ للأصل،و النصوص الحاصرة لها في الأب خاصّة:

كالصحيح:«يستأمرها كلّ أحد ما عدا الأب» (1)و نحوه الموثّقان (2).

و لا مخصّص معتبراً لها فيما عدا المذكورين.

مضافاً إلى النصوص في نفي الولاية عن الأخ و العمّ بالخصوص:

كالضعيف بسهل الذي ضعفه سهل في المشهور،بل قيل بوثاقته (3)،فصحيح-:في رجل زوّج أُخته،قال:«يؤامرها،فإن سكتت فهو إقرارها،و إن أبت لم يُزوِّجها» (4)و نحوه الصحيح أو الحسن (5).

ص:73


1- الكافي 5:2/393،التهذيب 7:1537/380،الإستبصار 3:849/235،الوسائل 20:272 أبواب عقد النكاح ب 4 ح 3.
2- الأول في:الكافي 5:5/394،الوسائل 20:269 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 6.الثاني في:التهذيب 7:1533/379،الإستبصار 3:847/235،الوسائل 20:273 أبواب عقد النكاح ب 4 ح 5.
3- قال به الطوسي في رجاله:416.
4- الكافي 5:3/393،الفقيه 3:1196/251،التهذيب 7:1550/386،الإستبصار 3:856/239،الوسائل 20:268 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 3.
5- الكافي 5:1/396،التهذيب 7:1552/386،الإستبصار 3:859/240،الوسائل 20:280 أبواب عقد النكاح ب 7 ح 2.

و ما ربما يتوهّم منه ثبوت الولاية له كالخبرين (1)فمع ضعفه سنداً قاصرٌ دلالةً؛ لاحتمال إرادة أولويّة عدم مخالفته،مع احتماله الحمل على التقيّة،فتأمّل.

و الصحيح:في صبيّة زوّجها عمّها،فلمّا كبرت أبت التزويج، فكتب عليه السلام بخطّه:«لا تكره على ذلك،و الأمر أمرها» (2).

و على الأشهر الأظهر في الأُمّ و أبيها؛ للأصل،و النصوص المتقدّمة، بل عليه الإجماع في التذكرة (3)،و صرّح به بعض فضلاء الأصحاب أيضاً (4).

و الخبر:عن رجل زوّجته امّه و هو غائب،قال:«النكاح جائز،إن شاء المتزوّج قبل،و إن شاء ترك» الحديث (5).

و لعمومه الناشئ عن ترك الاستفصال من وقوع تزويجها حال البلوغ أو عدمه شاملٌ لمحلّ النزاع.

و إذا انتفى ولاية الأُمّ انتفى ولاية أبيها بطريق أولى،مضافاً إلى عدم القول بالفصل.

ص:74


1- الأول:التهذيب 7:1573/393،الوسائل 20:283 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 4.الثاني:التهذيب 7:1575/393،الإستبصار 3:860/240،الوسائل 20:283 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 6.
2- الكافي 5:7/393،التهذيب 7:1551/386،الإستبصار 3:857/239،الوسائل 20:276 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 2.
3- التذكرة 2:586.
4- كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2:15.
5- الكافي 5:2/401،التهذيب 7:1523/376،الوسائل 20:280 أبواب عقد النكاح ب 7 ح 3.

و قصور السند معتضد بالأصل،و الشهرة،و عموم النصوص المتقدّمة.

و مفهوم الصحيحين في تزويج الصبي للصبيّة-:«إن كان أبواهما اللّذان زوّجاهما فنعم جائز» (1).

و الخبر:عن الذي بيده عقدة النكاح،قال:«هو الأب،و الأخ، و الرجل يوصى إليه،و الذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها و يشتري، فأيّ هؤلاء عفا جاز» (2)فتأمّل.

و منه يظهر الجواب عمّا دلّ على ولاية الجدّ بقول مطلق،كالنصوص الدالّة على تقديمه على الأب (3)بعد التعارض،مضافاً إلى عدم تبادر جدّ الاُمّ منها،سيّما مع مراعاة سياقها،فتدبّر.

خلافاً للإسكافي (4)؛ لأمر النبيّ صلى الله عليه و آله نعيم بن نجاح بأن يستأمر أُمّ ابنته في أمرها (5)،و هو مع ضعفه ليس نصّاً في الولاية كالخبر:«إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر» (6).

أ لا ترى إلى الصحيح:«لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها،ليس لها مع الأب أمر» و قال:«يستأمرها كلّ أحد ما عدا الأب» (7).

ص:75


1- الأول:التهذيب 7:1543/382،الإستبصار 3:854/236،الوسائل 20:277 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 8.الثاني:التهذيب 7:1556/388،الوسائل 20:292 أبواب عقد النكاح ب 12 ح 1.
2- التهذيب 7:1573/393،الوسائل 20:283 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 4.
3- الوسائل 20:289 أبواب عقد النكاح ب 11.
4- كما حكاه عنه في المختلف:536.
5- مسند أحمد 2:97 و فيه:نعيم بن النحام.
6- التهذيب 7:1536/380،الإستبصار 3:848/235،الوسائل 20:284 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 3.
7- الكافي 5:2/393،التهذيب 7:1537/380،الإستبصار 3:849/235،الوسائل 20:273 أبواب عقد النكاح ب 4 ح 3.

و لبعض العامّة في جميع من ذكر و غيرهم من ذوي الأنساب،فأثبت الولاية لهم كما حكي (1).

و أمّا ولاية الأب و الجدّ ف ثابتة على الصغير و الصغيرة و لو ذهبت بكارتها بزناء أو غيره إجماعاً في الأول،و على الأشهر الأظهر في الثاني.خلافاً للعماني،فلم يذكره (2).

و المعتبرة المستفيضة المشتملة على الصحيح و الموثّق و غيره في ترجيح الجدّ على الأب مع التعارض (3)حجّة عليه،و لاعتضادها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً بل إجماع في الحقيقة كما في التذكرة و عن الناصريّات (4)،و عن السرائر:أنّه نفي الخلاف عنه (5)ترجّحت على النصوص الحاصرة للولاية في الأب خاصّة (6)،فتُخصَّص بها بالبديهة، سيّما مع قوّة احتمال إرادة الجدّ منه.

ثم إنّ الظاهر المتبادر من الجدّ في الأخبار ليس جدّ أُمّ الأب،و لذا عن التذكرة:إنّ جدّ أُمّ الأب لا ولاية له مع جدّ الأب،و مع انفراده نظر (7).

و لعلّ وجهه ما مرّ (8).

و تعميم الصغيرة للباكرة و الثيّبة مطلقاً (9)مستندٌ إلى ظاهر الأخبار

ص:76


1- انظر كشف اللثام 2:15.
2- كما حكاه عنه في المختلف:535.
3- الوسائل 20:289 أبواب عقد النكاح ب 11.
4- التذكرة 2:587،الناصريات(الجوامع الفقهية):211.
5- السرائر 2:561.
6- الوسائل 20:275 أبواب عقد النكاح ب 6.
7- التذكرة 2:587.
8- في ص 74.
9- أي بزناء أو غيره.منه رحمه الله.

المثبتة لولايتهما عليها و على الجارية (1)،الشاملتين بإطلاقهما الأمرين، و ليس فيما دلّ من الأخبار على نفيها عنهما في الثيّب (2)منافاةٌ لها،بعد تبادر البالغة المنكوحة بالعقد الصحيح منها،و لذا علّق النفي (3)عليها في بعض الأخبار (4).

لا يشترط في ولاية الجدّ بقاء الأب

و لا يشترط في ولاية الجدّ بقاء الأب على الأظهر الأشهر؛ لاستصحاب الولاية،و الصحيح:«إنّ الذي بيده عقدة النكاح وليّ أمرها» (5)بعد الإجماع على ثبوت الولاية له فيما عدا محلّ البحث.

و يؤيّده كونه أقوى من الأب؛ لتقديمه عليه بعد التعارض كما يأتي (6)،و أنّه له الولاية على الأب،و فوت الأضعف لا يؤثّر في فوت الأقوى.

و قيل و هو:الصدوق و الشيخ و التقي و سلّار و بنو جنيد و برّاج و زهرة و حمزة (7)-: يشترط عكس العامّة؛ لاشتراطهم في ولايته فقده.

و في المستند و هو رواية الفضل بن عبد الملك،عن مولانا

ص:77


1- الوسائل 20:275 أبواب عقد النكاح ب 6.
2- الوسائل 20:267 أبواب عقد النكاح ب 3.
3- أي نفي ولاية الأبوين.منه رحمه الله.
4- الكافي 5:5/392،الوسائل 20:269 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 4.
5- التهذيب 7:1570/392،الوسائل 20:282 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 2.
6- في ص 81.
7- الصدوق في الفقيه 3:251،و الهداية:68،الشيخ في الخلاف 4:265،و النهاية:466،التقي في الكافي:292،سلار في المراسم:148،و حكاه عن ابن الجنيد في المختلف:535،ابن البراج في المهذب 2:197،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):609،ابن حمزة في الوسيلة:299.

الصادق عليه السلام قال:«إنّ الجدّ إذا زوّج ابنة ابنه،و كان أبوها حيّاً،و كان الجدّ مرضيّاً،جاز» (1). ضعفٌ بحسب الدلالة،و إن كان مفهوم الشرط حجّة؛ لقوّة احتمال كون الوجه فيه التنبيه على الفرد الأخفى أعني عقد الجدّ مع وجود الأب ردّاً على العامّة،كما عرفت.

مضافاً إلى عدم مقاومته للصحيح المتقدّم،المعتضد بالشهرة، و الاستصحاب،و المؤيّدات.

و في تقييد الضعف بالدلالة تنبيهٌ على عدمه في السند؛ إذ ليس فيه سوى جعفر بن محمّد بن سماعة،و الحسن بن محمّد بن سماعة،و هما و إن كانا واقفيّين إلّا أنّهما ثقتان،كما نصّ عليه النجاشي و شيخنا العلّامة في الخلاصة (2)،فيعدّ موثّقاً و ليس بضعيف اصطلاحاً.

و لا خيار للصبيّة مع البلوغ لو زوّجها الولي قبله إجماعاً،حكاه جماعة (3)؛ للأصل،و الصحاح المستفيضة:

منها:عن الجارية الصغيرة يُزوّجها أبوها،إلها أمر إذا بلغت؟قال:

«لا» (4).

و منها:إذا بلغت الجارية فلم ترض فما حالها؟قال:«لا بأس إذا رضي أبوها أو وليّها» (5).

ص:78


1- الكافي 5:5/396،التهذيب 7:1564/391،الوسائل 20:290 أبواب عقد النكاح ب 11 ح 4.
2- رجال النجاشي:305/119،84/40،الخلاصة:209،212.
3- منهم الشيخ في الخلاف(4:266)و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية:609)منه رحمه الله.
4- الكافي 5:6/394،التهذيب 7:1540/381،الإستبصار 3:851/236،الوسائل 20:276 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 3.
5- التهذيب 7:1542/381،الإستبصار 3:853/236،الوسائل 20:277 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 7.

و منها:عن الصبيّة يُزوّجها أبوها،ثم يموت و هي صغيرة،ثم تكبر قبل أن يدخل بها زوجها،أ يجوز عليها التزويج،أم الأمر إليها؟قال:

«يجوز عليها تزويج أبيها» (1).

و لا يعارضها ما يخالفها مع شذوذه.

و في الصبي قولان،أظهرهما و أشهرهما أنّه كذلك لأصالة بقاء الصحّة،و الصحيح المرويّ في الكافي في باب تزويج الصبيان، المتضمّن ذيله لقوله عليه السلام:«و يجوز عليها تزويج الأب،و يجوز على الغلام،و المهر على الأب للجارية» (2).

و لا ينافيه صدره المثبت لهما الخيار بعد الإدراك مع تزويج الوليّ لهما لاحتمال الوليّ فيه المعنى العرفي أو العامّي،فيكون ردّاً عليهم،مع عدم القائل به لو حمل على الوليّ الشرعي،فتأمّل.

و يؤيّده إطلاق ما دلّ على توارثهما مع تزويج الوليّ لهما قبل الإدراك،المنافي ذلك لإلحاقه بالفضولي،ففي الصحيح:الصبي يتزوّج الصبية،يتوارثان؟قال:«إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم» الحديث (3)،فتأمّل.

خلافاً للشيخ (4)و جماعة (5)،فأثبتوا له الخيار بعد الإدراك؛ للخبر

ص:79


1- الكافي 5:9/394،الفقيه 3:1191/250،التهذيب 7:1541/381،الاستبصار 3:852/236،عيون الأخبار 2:44/17،الوسائل 20:275 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 1.
2- الكافي 5:4/401،الوسائل 26:219 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 1.
3- التهذيب 7:1556/388،الوسائل 20:292 أبواب عقد النكاح ب 12 ح 1.
4- النهاية:467.
5- منهم القاضي في المهذّب 2:197،ابن حمزة في الوسيلة:300،الحلّي في السرائر 2:568.

المُعدّ من الحسن،و هو طويل،في آخره:«إنّ الغلام إذا زوّجه أبوه و لم يدرك كان له الخيار إذا أدرك و بلغ خمس عشرة سنة،أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك» الحديث (1).

و هو مع ضعفه عند جمع (2)بجهالة الراوي (3)و إن عُدّ حسناً مشتملٌ على أحكام مخالفة للأصل و الإجماع،كاشتراط التجاوز عن التسع في ولاية الأب على الجارية،و ثبوت الخيار لها بعد الإدراك،و صحّة طلاق الصبي مع الدخول و عدمه بدونه.و لا قائل بها كذلك،فلا يعارَض بمثله الأدلّة المتقدّمة.

و أمّا ما في الصحيح:عن الصبي يتزوّج الصبيّة،قال:«إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز،و لكن لهما الخيار إذا أدركا،فإن رضيا بعد فإنّ المهر على الأب» الحديث (4).

فلا قائل به،و مثله لا يقبل التخصيص؛ للنصوصيّة،و ليس إلّا مثل:

أكرم زيداً و عمرواً،لا تكرم عمرواً.و لذا حمل على محامل أُخر غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلّة؛ تفادياً من الطرح بالكلّية.

و لو كان الجدّ و الأب زوّجاها من رجلين و اختلفا زماناً فالعقد للسابق منهما و إن كان أباً،عَلما بعقد الآخر أم جهلا،إجماعاً منّا كما عن السرائر و الغنية و في التذكرة (5).

ص:80


1- التهذيب 7:1544/382،الإستبصار 3:855/237،الوسائل 20:278 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 9.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:458،الفاضل الهندي 2:21.
3- هو يزيد الكناسي.منه رحمه الله.
4- التهذيب 7:1543/382،الإستبصار 3:854/236،الوسائل 20:277 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 8.
5- حكاه عن السرائر و الغنية في كشف اللثام 2:16،و هو في السرائر 2:561،الغنية(الجوامع الفقهية):609،التذكرة 2:594.

للصحيح:«إذا زوّج الأب و الجدّ كان التزويج للأوّل،فإن كانا جميعاً في حال واحدة فالجدّ أولى» (1).

و الموثّق:الجارية يريد أبوها أن يُزوّجها من رجل،و يريد جدّها أن يُزوّجها من رجل آخر،فقال:«الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّاً،إن لم يكن الأب زوّجها قبله» الحديث (2).

و فيه و في الصحيح:قلت:فإن هوى أبوها رجلاً و جدّها رجلاً، فقال:«الجدّ أولى بنكاحها» (3)دلالةٌ على تقديم اختيار الجدّ على الأب مع التشاحّ،و هو المشهور بين الأصحاب،بل عليه الإجماع في التذكرة و عن الانتصار و الخلاف و المبسوط و السرائر (4).

و إن اقترنا ثبت عقد الجدّ إجماعاً،كما في التذكرة و الروضة و عن الانتصار و الخلاف و المبسوط و السرائر و الغنية (5)؛ للنصوص المستفيضة الدالّة على أولويّته (6)،و خصوص الصحيح الأول.

و عُلّلا مع ما مرّ بأنّ ولاية الجدّ أقوى؛ لثبوت ولايته على الأب

ص:81


1- الكافي 5:4/395،الفقيه 3:1193/250،التهذيب 7:1562/390،الوسائل 20:289 أبواب عقد النكاح ب 11 ح 3.
2- الكافي 5:1/395،الفقيه 3:1192/250،التهذيب 7:1560/390،الوسائل 20:289 أبواب عقد النكاح ب 11 ح 2.
3- الكافي 5:2/395،التهذيب 7:1561/390،الوسائل 20:289 أبواب عقد النكاح ب 11 ح 1.
4- التذكرة 2:594،الانتصار:122،الخلاف 4:269،المبسوط 4:176،السرائر 2:561.
5- التذكرة 2:594،الروضة 5:149،الانتصار:121،الخلاف 4:269،المبسوط 4:176،السرائر 2:561،الغنية(الجوامع الفقهية):609.
6- الوسائل 20:289 أبواب عقد النكاح ب 11.

على تقدير نقصه بجنون و نحوه،بخلاف العكس.

و في صلوح مثل هذه القوّة مرجّحاً يستدلّ به على الترجيح تأمّل.

و في تعدّي الحكم إلى الجدّ مع جدّ الأب و هكذا صاعداً وجه؛ نظراً إلى العلّة،و الأقوى:العدم،وفاقاً للروضة؛ لخروجه عن مورد النص، و استوائهما في إطلاق الجدّ حقيقةً و الأب كذلك،أو مجازاً (1).فلا وجه للترجيح إلّا العلّة،و عرفت أنّها له غير صالحة.

و تثبت ولايتهما أي الجدّ و الأب على البالغ مع فساد عقله بسفه أو جنون مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى إجماعاً فيما إذا اتّصل الفساد بالصغر؛ لاستصحاب الولاية.

و في المتجدّد أيضاً على قول قوي،كما في التذكرة (2)،و ظاهره الإجماع عليه،و عن التحرير (3)،و هو ظاهر المتن كما يأتي؛ لذاتية ولايتهما،و إناطتها بإشفاقهما،و تضرّرهما بما يتضرّر به الولد.و مرجعه إلى أولويّة ولايتهما على ولاية الحاكم.

و قيل:بل وليّه الحاكم؛ لزوال ولايتهما،و لا دليل على عودها (4).

و مرجعه إلى أصالة بقاء انقطاع الولاية.

و يعارَض بمثله في ولاية الحاكم،فهما من جهة الأصل متساويان، و يترجّحان عليه بما ذكرناه.

و الأحوط:موافقة الحاكم لهما،و موافقتهما له.

ص:82


1- الروضة 5:150.
2- التذكرة 2:600.
3- التحرير 2:8.
4- قال به البحراني في الحدائق 23:236.

و حيث ثبتت الولاية عليه ف لا خيار له لو أفاق إجماعاً،كما في المسالك (1)؛ للأصل.

و الثيّب المنكوحة بالتزويج تزوّج نفسها باختيارها و لا ولاية عليها للأب و لا لغيره مطلقاً،إجماعاً منّا،كما في الانتصار و التذكرة (2)؛ للأصل،و العمومات،و الصحاح المستفيضة:

منها الصحيحان:«هي أملك بنفسها،تولّي أمرها من شاءت إذا كان كُفواً،بعد أن تكون قد نكحت رجلاً قبله» (3).

و منها الصحيح:«الثيّب أمرها إليها» (4).

فالقول بثبوت الولاية عليها كالبكر كما في ظاهر العماني (5)ضعيف،مع أنّه لا مستند له.

نعم،يستحبّ لها موافقة وليّها،كما سيأتي.

و يتفرّع عليه ما لو زوّجها أبوها أو جدّها من غير إذنها فإنّه وقف على المختار على إجازتها فهو فضولي.

و

البكر البالغة الرشيدة أمرها بيدها

أمّا البكر البالغة الرشيدة فأمرها بيدها إجماعاً إذا لم يكن لها الوليّان،أو كانا غير مستجمعين لشرائط الولاية،حكاه جماعة (6).

ص:83


1- المسالك 1:452.
2- الانتصار:119،التذكرة 2:586.
3- الأول:الفقيه 3:1195/251،الوسائل 20:268 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 2.الثاني:التهذيب 7:1545/384،الوسائل 20:271 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 12.
4- الكافي 5:8/394،قرب الإسناد:1292/361،الوسائل 20:274 أبواب عقد النكاح ب 5 ح 1.
5- نقله عنه في المختلف:540.
6- كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 12:123،و الشهيد الثاني في المسالك 1:452،و صاحب الحدائق 23:210.

و في المشهور مطلقاً (1) و لو كان أبوها حيّاً أو جدّها مطلقاً،دائماً كان التزويج أم متعةً،رضي به الأبوان أم كرها،بل عليه الإجماع في الانتصار و عن الناصريّات (2)،و بخصوص المتعة عن بعض الأصحاب (3).

للنصوص المستفيضة،الخاصّية و العاميّة،المنجبر قصور أسانيد بعضها بالشهرة العظيمة،و لا سيّما في المتعة،و هي ما بين عامّة لنوعي التزويج،و مختصّة بالمتعة،المستنبط منها حكم الدوام منه بالأولويّة.

فمن القسم الأول:الصحيح:«المرأة التي ملكت نفسها،غير السفيهة و لا المولّى عليها،أنّ تزويجها بغير وليٍّ جائز» (4).

و الاستثناء أمارة العموم اللغوي في المستثنى منه،كما حقّقناه في الأُصول،مضافاً إلى إفادته بنفسه العموم العرفي.

و القول-:بأنّ التقييد بعدم كونها مولّى عليها يمنع احتمال إرادة من لم يكن لها وليٌّ شرعي من المالكة نفسها،و احتمال كونها مولّى عليها في التزويج،فلا يشملها القيد (5)الموجب للحكم (6)فرع كون المراد من الولاية فيه:الولاية في التزويج،أو الأعمّ منه و من التصرّف في المال.

و هو مقطوع بفساده جزماً؛ لحزازة العبارة على هذا التقدير؛ إذ ليس الحاصل منه إلّا أنّ التي لا وليّ لها في التزويج و يجوز تزويجها بغير ولي

ص:84


1- و ادّعى في السرائر(2:561)أنّه مذهب أكثر الأصحاب.منه رحمه الله.
2- الانتصار:119،الناصريات(الجوامع الفقهية):210.
3- و هو الحلي في السرائر(2:562).منه رحمه الله.
4- الكافي 5:1/391،الفقيه 3:1197/251،التهذيب 7:1525/377،الإستبصار 3:837/232،الوسائل 20:267 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 1.
5- أي غير المولّى عليها.منه رحمه الله.
6- أي التزويج بغير إذن الأب.منه رحمه الله.

يجوز تزويجها بغير ولي؛ و منزّه عن مثله كلام الإمام،الذي هو إمام الكلام، فتأمّل جدّاً.

و منه الصحيح:«تُستأمر البكر و غيرها،و لا تُنكَح إلّا بأمرها» (1).

و النهي هنا مستلزم للاشتراط،بضميمة عدم القائل بالتحريم مع الصحّة،و بشهادة السياق المسوّي بين البكر و بين الثيّب،و بها تندفع الأجوبة الأُخر التي أُوردت على الخبر،كحمل النهي في حقّها على الفضيلة؛ و عدم دلالتها على الاستقلال،بناءً على أنّ غايتها اعتبار إذنها في الجملة،مضافاً إلى أنّ الأصل مع عدم دليل على الشركة كما ستقف عليه (2)كافٍ في إثبات الاستقلال،و أصالة بقاء الولاية منقطعة بثبوت الولاية للبالغة و لو في الجملة،و ليست عبارة تقبل الدخول و الخروج بالضرورة.

هذا،مضافاً إلى أنّ قوله عليه السلام في آخر الخبر:«و لا تُنكَح إلّا بأمرها» ظاهرٌ في استقلالها بالإذن؛ لمكان الحصر،و إرجاعه إلى غير البكر لا وجه له،سيّما مع كون أصل العنوان في كلامه عليه السلام إنّما هو البكر،و إنّما ذكر غيرها تبعاً لها كما لا يخفى،فتأمّل جدّاً.

و منه الصحيح:«الذي بيده عقدة النكاح هو وليّ أمرها» (3).

و المراد بوليّ الأمر هنا:وليّها في المال،كما يستفاد من المعتبرة (4)، مع أنّه على غيره يستلزم حزازة العبارة بنحو ما مرّ إليه الإشارة،و ليس الأب

ص:85


1- التهذيب 7:1535/380،الوسائل 20:271 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 10.
2- راجع ص 89.
3- التهذيب 7:1570/392،الوسائل 20:282 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 2.
4- الوسائل 21:315 أبواب المهور ب 52.

وليّ أمرها،بل هي الوليّ إجماعاً،فتكون عقدة النكاح بيدها.

و منه الخبر:«إذا كانت المرأة مالكة أمرها،تبيع و تشتري،و تعتق، و تشهد،و تعطي من مالها ما شاءت،فإنّ أمرها جائز،تزوج إن شاءت بغير إذن وليّها» الحديث (1).

و ظاهر الجُمَل كونها مفسِّرة،و لا داعي لجعلها خبراً ثانياً،مع أنّه على هذا التقدير يستلزم الحزازة المتقدّمة؛ إذ مقتضاها على ذلك:أنّه إذا كانت المرأة مالكة أمرها أي تتزوّج من شاءت فإنّ أمرها في التزويج جائز، فتأمّل.

مضافاً إلى لزوم إلغاء الجُمَل على هذا التقدير؛ لتوقّف مالكيّة أمرها عليها،فمقتضاها داخل في مالكيّة الأمر،فتكرارها لغو خالٍ عن الفائدة، فلا يمكن حمله على الثيّبة،فيقتضي حينئذٍ دوران ولاية التزويج مدار ولاية التصرّف في المال،كما فهمه الأصحاب،و أفصح عنه الخبر المتقدّم.

و حيث ظهر دلالتها على المراد بمالكه الأمر،و أنّه من حيث التصرّف في المال لا غير،ظهر بمعونته وجه دلالة الخبرين:

في أحدهما:«الجارية[البكر]التي لها أب لا تتزوّج إلّا بإذن أبيها» و قال:«إذا كانت مالكة لأمرها تزوّجت من شاءت» (2)و لا ينافيه صدره؛ لإطلاقه،فيجب حمله على الصغيرة،فهو كالعام المخصّص.

و في الثاني و هو موثّق-:«تتزوّج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة

ص:86


1- التهذيب 7:1530/378،الإستبصار 3:842/234،الوسائل 20:285 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 6.
2- الكافي 5:2/391،الوسائل 20:270 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 7 و ما بين المعقوفين من المصدر.

لأمرها،فإن شاءت جعلت وليّاً» (1).

و منه الخبر:«لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبيها» (2)و هو نصّ في المطلوب،و قصور السند بجهالة الراوي بما قدّمناه منجبر.

و منه العامّي:«الأيِّم أحقّ بنفسها من وليّها،و البكر تستأذن في نفسها،و إذنها صُماتُها» (3).

و الأحقّيّة و اعتبار الاستئذان مع ما قدّمناه من الدليل القاطع للشركة يدفع عنه المناقشة بعدم الدلالة على استقلال البكر البالغة.

و نحوه الآخر:إنّ جارية بكراً جاءت إليه صلى الله عليه و آله،فقالت:إنّ أبي زوّجني من ابن أخٍ له ليرفع خسيسته،و أنا له كارهة،فقال صلى الله عليه و آله:«أجيزي ما صنع أبوك» فقالت:لا رغبة لي فيما صنع أبي،قال:«فاذهبي فانكحي من شئت» فقالت:لا رغبة لي عمّا صنع أبي،و لكن أردت أن اعلم الناس أن ليس للآباء في أُمور بناتهم شيء» (4).

[و هو ترك الاستفصال لعموم البنات في كلام الجارية مع تقريره لها عام للثيب و البكر] و أمرها [فأمرها] بنكاحها من شاءت صريح في الاستقلال،و قصور السند فيه كغيره المضاهي له فيه منجبرٌ بالشهرة العظيمة و المؤيّدات القويّة التي ذكرناها مع غيرها من الأدلّة في رسالة مفردة في المسألة.

و من القسم الثاني:الأخبار الكثيرة المستفيضة جدّاً.

فمنها:الخبر بعد أن سُئل عليه السلام عن المتعة بالبكر مع أبويها قال

ص:87


1- الكافي 5:3/392،الوسائل 20:270 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 8.
2- التهذيب 7:1538/380،الإستبصار 3:850/236،الوسائل 20:285 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 4.
3- صحيح مسلم 2:66/1037،سنن النسائي 6:84،الموطّأ 2:4/524،و الأيّم:الذي لا زوج له من الرجال و النساء مجمع البحرين 6:15.
4- سنن البيهقي 7:118،بتفاوت.

«لا بأس،و لا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب» (1).

و لا تعارض بمثل الصحيح:«العذراء التي لها أب لا تتزوّج متعةً إلّا بإذن أبيها» (2).

لعدم مكافأته للمستفيضة عدداً و دلالة،و قبول الأصحاب لها فتوًى و عملاً،فيحمل النهي على الكراهة،كما يشعر به بعض تلك المستفيضة، مع وقوع التصريح بها في بعضها (3)،المشعر بل الظاهر في الكراهة الاصطلاحيّة،بضميمة تعليلها فيه بالعار على الأهل،لا النهي عنه في الشريعة.

هذا،مضافاً إلى دلالته بمفهوم القيد المعتبر عرفاً،فيعتبر شرعاً على عدم المنع عن التزويج دائماً،و هو مع أنّه لا يقول به الخصم نافعٌ أيضاً،و تمام الأدلّة في الرسالة.

و لذا قيل و هم المشهور كما عرفت-:إنّ لها الانفراد بالعقد مطلقاً دائماً كان أو منقطعاً و قيل و هو الحلبيان (4)-:أمر العقد مشترك بينها و بين الأب مطلقاً و الجدّ.

ص:88


1- التهذيب 7:1097/254،الإستبصار 3:525/145،الوسائل 21:33 أبواب المتعة ب 11 ح 6،القَشبِ:و هو من لا خير فيه من الرجال مجمع البحرين 2:143.
2- الفقيه 3:1394/293،التهذيب 7:1099/254،الإستبصار 3:527/145،الوسائل 21:35 أبواب المتعة ب 11 ح 12.
3- الكافي 5:1/462،التهذيب 7:1102/255،الإستبصار 3:530/146،الوسائل 21:34 أبواب المتعة ب 11 ح 10.
4- أبو الصلاح في الكافي:292،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):609.

للجمع بين ما تقدّم و ما يأتي من الأخبار.

و الموثّق:استشار عبد الرحمن الكاظم عليه السلام في تزويج ابنته لابن أخيه،فقال:«افعل،و يكون ذلك برضاها،فإنّ لها في نفسها نصيباً» و استشاره عليه السلام خالد بن داود في تزويج ابنته عليَّ بن جعفر،فقال:«افعل، و يكون ذلك برضاها،فإنّ لها في نفسها حظّا» (1).

و لو لا أنّ له فعلاً لاستحال أمره به،و لو لا ثبوت حقّها لم يعتبر إذنها.

مضافاً إلى دلالة لفظي الحظّ و النصيب بالمنطوق على ثبوت الولاية لها،و بالمفهوم على ثبوتها له؛ إذ لا قائل بغيره،فلا يمكن حملها على الصغيرة أو الثيّب؛ للاتّفاق على عدم المشاركة فيهما،فتعيّن المدّعى.

و في الجميع نظر؛ لعدم قبول بعض أخبار الطرفين المصرح باستقلال أحد الشخصين الجمع [للجمع] المزبور.

مضافاً إلى عدم الشاهد عليه،و كونه فرع التكافؤ و عدم المرجّح لأحد الطرفين.و كلاهما ممنوع؛ لفقد الشاهد.و الموثّق على تقدير تماميّته دليلٌ آخر لا شاهد.و وجود المرجّح من الصراحة،و الاعتضاد بالشهرة العظيمة،و الإجماعات المنقولة،و إطلاقات الكتاب و السنّة في تزويج النسوة و الاعتبار بعقودهن،و غير ذلك ممّا ذكر في الرسالة في الأخبار الأوّلة.

هذا،مضافاً إلى اقتضاء الجمع المصير إلى الشركة بينها و بين الأب خاصّة كما نقل قولاً سادساً في المسألة،و نسب إلى المفيد رحمه الله (2)-

ص:89


1- التهذيب 7:1534/379،الوسائل 20:284 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 2؛ بتفاوت يسير.
2- نسبه إليه في المسالك 1:449.

و ذلك لاختصاص ما دلّ على اعتبار إذن الولي بالأب خاصّة (1).

كذا اعترض عليه بعض الأصحاب (2).

و يمكن دفعه باستلزام دلالتها على ثبوت ولاية الأب دلالتها على ثبوت ولاية الجدّ بفحوى الخطاب؛ بناءً على أضعفيّة ولاية الأب،كما يستفاد من الأخبار المجمع عليها (3)،المرجّحة لاختيار الجدّ على اختيار الأب،و المقدِّمة لعقده على عقده مع المقارنة؛ مضافاً إلى أصالة بقاء الولاية،الخالية عن المعارض،بعد الجمع بين أخبار المسألة.

و منه يظهر ضعف القول السادس و دليله و إن قيل بمتانته نظراً إلى الجمع بين الأدلّة (4).

و الموثّق و إن كان حجّة إلّا أنّه لا يعارض الصحيح،فضلاً عن الصحاح،مع اعتضادها بظواهر غيرها و ما مرّ من المعاضدات،مع ضعف الدلالة على الوجه الأول؛ لحسن الأمر بتزويج الثيّب،و الحال أنّه ليس له معها فعل.

و كذا على الثاني؛ لدلالته بالمفهوم الضعيف،و على تقديره يحتمل الحظّ و النصيب الندبي لا الوجوبي،و لتأكّده مع الباكرة جعل مع الثيّب كالعدم.

و هذا القول و إن ضعف باعتبارٍ إلّا أنّ اعتباره أحوط فلا ينفرد أحدهما به بل يستأمر كلّ منهما الآخر.

ص:90


1- الوسائل 20:275 أبواب عقد النكاح ب 6.
2- المسالك 1:449،الحدائق 23:212.
3- الوسائل 20:289 أبواب عقد النكاح ب 11.
4- المسالك 1:452.

و قيل و هو الصدوق و الشيخ في النهاية (1)و جماعة (2)-:إنّ أمرها إلى الأب و الجدّ بالانفراد و ليس لها معه أمر للأصلين:بقاء الولاية و بقاء الحرمة،و الصحاح المستفيضة و غيرها.

ففي الصحيح:«لا تنكح ذوات الآباء من الأبكار إلّا بإذن آبائهنّ» (3).

و فيه أوّلاً:عدم الصراحة باحتمال الندب،أو الإخبار عن المتعارف، أو الحرمة في الصور الغالبة المستلزمة للمهالك العظيمة التي يجب حمل إطلاقه عليها.و ليس فيه إحداث قول سابع؛ لتخصيص المنع بها دون النادرة،فلو فرض عدم ترتّب المفاسد على التزويج بغير إذن الوليّ حلّ و صحّ،و الكلّ متّفقون عليه،كالآية (4)،و الأخبار الناهية عن إلقاء النفس في التهلكة (5)،المعتضدة بالاعتبار.

و مثل هذا الجواب جارٍ في غيره من الأخبار المانعة عن تزويجهنّ بغير الولي (6).

و ثانياً:باحتمال تبعيضيّة«من» المنافية للاستدلال؛ لاحتمال الحمل حينئذٍ على الصغيرة الباكرة.

و لزوم إلغاء القيد بالأبكار بناءً على ثبوت حكمه لغيره،كالثيّب

ص:91


1- الصدوق في الهداية:68،النهاية:465.
2- منهم:ابن أبي عقيل على ما حكاه عنه في المختلف:534،القاضي في المهذّب 2:193،صاحب الحدائق 23:211.
3- الكافي 5:1/393،الفقيه 3:1190/250،التهذيب 7:1531/379،الإستبصار 3:845/235،الوسائل 20:277 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 5.
4- البقرة:195.
5- الوسائل 16:203،220 أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما ب 24،27.
6- الوسائل 20:275 أبواب عقد النكاح ب 6.

الصغيرة مدفوعٌ بوروده مورد الغالب،فلا عبرة بمفهومه،كسائر المفاهيم التي هي حجّة.

مضافاً إلى ثبوت النقض بها،بل و بالبالغة الثيّبة إذا كانت مجنونة أو سفيهة،على تقدير البيانيّة أيضاً،فما هو الجواب عنه هنا فهو الجواب عنه هناك.

و في الصحيح:عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء،إلها مع أبيها أمر؟ قال:«ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب» (1).

و بمعناه أخبار كثيرة (2)،و لكن ليست صريحة في الحرمة،فضلاً عن الشرطية،فتحمل على ما قدّمناه من الاستحباب،أو الحرمة في الصورة المذكورة.

و مثل الجواب يجري في الصحيح:«لا تُستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها،ليس لها مع الأب أمر،و قد يستأمرها كلّ أحد ما عدا الأب» (3).

و يزيد الضعف فيه باحتمال الحمل على التقيّة كما قيل (4)أو حمل الجارية فيه على الصغيرة،و لا ينافيه الحكم باستئمار الأجانب لها عدا الأب بناءً على أنّها ليست محلّه؛ و ذلك للمنع من أنّها ليست محلّه مطلقاً،بل عدم كونها محلّه مخصوصٌ بحال الصغر،و ذلك لا ينافي استئمارها بمعنى

ص:92


1- الكافي 5:6/394،التهذيب 7:1540/381،الإستبصار 3:851/236،الوسائل 20:271 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 11.
2- الوسائل 14:267 أبواب عقد النكاح ب 3.
3- الكافي 5:2/393،التهذيب 7:1537/381،الإستبصار 3:849/235،الوسائل 20:273 أبواب عقد النكاح ب 4 ح 3؛ و فيها:و قال،بدل:و قد.
4- قال به في روضة المتقين 8:134.

الصبر إلى حين بلوغها.

و الحاصل:أنّ المراد أنّه يجب على كلّ أحد استئمار الصغيرة و لو بالصبر إلى بلوغ الرتبة،دون الأب،فلا يجب عليه هذا الاستئمار،بل يُزوّجها حين الصغر من دون صبر إلى البلوغ.

و في الصحيح:«لا ينقض النكاح غير الأب» (1).

و هو مع احتمال كون النقض فيه بمعنى المنع،فيحمل على الاستحباب محمولٌ على التقيّة كما قيل (2)أو على الصغيرة كما هو الأقرب و لا عموم فيه فضلاً عن الخصوص الشامل للبالغة،بل عمومه لا قائل به منّا؛ لارتفاع الولاية عن الثيّبة عندنا،خلافاً لمن خالفنا.

و مثله الكلام في الحسن في الجارية يُزوّجها أبوها بغير رضاء منها، قال:«ليس لها مع أبيها أمر،إذا أنكحها جاز نكاحه و إن كانت كارهة» (3)لاحتمال الجارية:الصغيرة،مع احتماله المحامل المتقدّمة.

و من العجب استدلال بعض الأصحاب (4)لهذا القول بالصحيح المانع من تزويج العذراء متعة (5)،الدالّ بمفهومه المعتبر كما تقدّم على جواز تزويجها بالدوام،و إن هو إلّا غفلة واضحة،مضافاً إلى ما عرفت من كونه

ص:93


1- الكافي 5:8/392،التهذيب 7:1532/379،الإستبصار 3:846/235،الوسائل 20:272 أبواب عقد النكاح ب 4 ح 1.
2- انظر روضة المتقين 8:134.
3- الكافي 5:4/393،التهذيب 7:1539/381،الوسائل 20:285 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 7.
4- الاستبصار 3:145.
5- الفقيه 3:1394/293،التهذيب 7:1099/254،الإستبصار 3:527/145،الوسائل 21:35 أبواب المتعة ب 11 ح 12.

من أوضح الأدلّة لاستقلال الباكرة البالغة بعد ثبوت أنّ النهي فيه عن المتعة للكراهة.

و تمام أدلّة هذا القول مع الأجوبة مذكورٌ في الرسالة،فعليك بالمراجعة.

و من الأصحاب من أذن لها في تزويج المتعة دون الدائم و هو شيخنا في التهذيبين،و ظاهر شيخنا في المقنعة (1)؛ عملاً بأخبار المتعة، و أخبار استقلال البالغة في الجملة (2)،و منع الدوام من حيث كونه أشدّ، و من الجمع بين تلك الأخبار بحملها على المتعة،و مقابلها ممّا دلّ على استقلال الأب خاصّة بحمله على الدوام.و ضعف الجميع ظاهر بالضرورة؛ لفساد الجمع بعدم الشاهد عليه بالمرّة،مع إباء أخبار المتعة عنه؛ لما عرفت من الأولوية؛ بناءً على ما في المتعة من الغضاضة و الشناعة الغير اللائقة بأرباب المروءة،و لذا كره أو نهي عنه في المعتبرة (3).و لا كذلك الدوام.

و منعها بأنّ الدائم لكثرة توابعه من النفقة و الميراث و غيرهما أهمّ من المتعة غير جيّد؛ لعدم مقاومة مثل ذلك للغضاضة و العار،مع جريان مثله في المتعة أيضاً مع الاشتراط على قول جماعة (4).

و بالجملة:الأولويّة واضحة،و إنكارها مكابرة.

ص:94


1- التهذيب 7:381،الإستبصار 3:236،المقنعة:510.
2- الوسائل 21:32 أبواب المتعة ب 11.
3- الوسائل 21:22 أبواب المتعة ب 5.
4- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:452،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 12:127،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:18.

و منهم من عكس فجوّز الدوام دون المتعة جمعاً،مضافاً إلى الصحيح المتقدّم (1)المانع عن تزويجهنّ متعةً،الدالّ بمفهومه المعتبر عرفاً و شرعاً على جوازه دائماً.

و هذا القول مع مجهوليّة قائله؛ إذ لم ينقله إلّا المصنّف،و قد سُئل عنه فلم يجبه ضعيفٌ بأخبار المتعة الصريحة،المنجبر قصور أسانيدها بالشهرة العظيمة و الإجماعات المنقولة،سيّما في خصوص جواز المتعة.

و لا يعارض شيئاً من ذلك الصحيح،مع ما عرفت من حمل النهي فيه على الكراهة.

و حيث ظهر لك مقدوحيّة أدلّة الأقوال الأربعة أو الخمسة،ظهر لك أنّ القول الأول أولى و إن كان الأحوط المصير إلى التشريك إن لم يكن في ارتكابه خلاف الاحتياط،و هو الهادي إلى مسلك النجاة.

و كلّ ذلك إذا أراد الوليّ تزويجها من كفو.

و أمّا لو عضلها الوليّ و منعها عن ذلك أو مطلقاً مع رغبتها فيه سقط اعتبار رضاه إجماعاً منّا،حكاه جماعة من أصحابنا (2)؛ و هو الحجّة فيه،مع الأدلّة القاطعة النافية للعسر و الحرج عن الملّة السهلة السمحة.

و منه يظهر أنّ في حكمه الغيبة المنقطعة،التي يحصل معها المشقّة العظيمة (3)،على ما حكي عن الخلاف (4)،و ارتضاه كثير من الأصحاب (5).

ص:95


1- في ص 88.
2- منهم الشيخ في الخلاف 4:279،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):609،و العلاّمة في القواعد 2:6،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:265.
3- و في نسخة:الشديدة.
4- الخلاف 4:278.
5- كالعلامة في التذكرة 2:601،و السبزواري في الكفاية:156،و البحراني في الحدائق 23:232.
لو زوّج الصغيرة غيرُ الأب و الجدّ،توقّف على رضاها عند البلوغ

و لو زوّج الصغيرة غيرُ الأب و الجدّ،توقّف على رضاها عند البلوغ إجماعاً؛ لعدم الولاية له،فيلحق بالفضولي.و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى (1).

و في الصحيح المقطوع:رجل مات و ترك أخوين و ابنة،و البنت صغيرة،فعمد أحد الأخوين الوصيّ فزوّج الابنة من ابنه،ثم مات أبو الابن المزوّج،فلمّا أن مات قال الآخر:أخي لم يزوّج ابنه،فزوّج الجارية من ابنه،فقيل للجارية:أيّ الزوجين أحبّ إليك،الأول أو الآخر؟قالت:

الآخر،ثم إنّ الأخ الثاني مات و للأخ الأول ابنٌ أكبر من الابن المزوّج،فقال للجارية:اختاري أيّهما أحبّ إليك،الزوج الأول أو الزوج الآخر،فقال:

«الرواية فيها أنّها للزوج الأخير؛ و ذلك أنّها قد كانت أدركت حين زوّجها، و ليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها» (2).

و هو كما ترى نصّ في الباب.

و كذا الحكم في الصغير لعموم الدليل،و عدم القائل بالفرق.

للمولى أن يزوِّج المملوكة له و كذا العبد

و للمولى أن يزوِّج المملوكة له،صغيرة كانت أو كبيرة،بكراً كانت أو ثيّباً،عاقلةً كانت أو مجنونةً،و لا خيرة لها،و كذا الكلام في العبد المملوك له؛ لأنّه المالك لمنافعهما.

إجماعاً،فتوًى و دليلاً،كتاباً و سنّةً،قال عزّ و جلّ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ [1] (3).و قال عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ [2] (4).

ص:96


1- في ص 119.
2- الكافي 5:3/397،التهذيب 7:1554/387،الوسائل 20:282 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 1.
3- النساء:25.
4- النحل:75.

و النصوص بهما مستفيضة،بل متواترة.

ففي الحسن:عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّدة،فقال:«ذلك إلى سيّده،إن شاء أجازه،و إن شاء فرّق بينهما» (1).

و النصوص المعتبرة بمعناه مستفيضة،يأتي ذكرها في تضاعيف الباب.

و في الخبرين:عن الأمة تتزوّج بغير إذن أهلها،قال:«يحرم ذلك عليها،و هو زناء» (2).

و ليس له الولاية على المبعّض بمعنى إجباره عليه،و إن كانت له عليه بمعنى عدم استقلاله به بدون إذنه،إجماعاً كما في التذكرة (3).

و للوليّ تزويج أمة المولّى عليه و عبده مطلقاً (4)،إذا كانت فيه مصلحة؛ لفحوى الخطاب،خلافاً لبعض العامّة (5).و لا يكون له فسخه بعد الكمال،كسائر تصرّفاته في أمواله.

لا ولاية للوصيّ في التزويج و كذا الحاكم

و لا يزوّج الوصيّ للأب أو الجدّ صغيري الموصي مطلقاً،على الأشهر كما في المسالك (6)،و هو الأظهر؛ لأصالتي عدم الولاية و عدم

ص:97


1- الكافي 5:3/478،الفقيه 3:1675/350،التهذيب 7:1432/351،الوسائل 21:114 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 24 ح 1.
2- الأول:الكافي 5:1/479،الوسائل 21:120 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 29 ح 2.الثاني:الكافي 5:2/479،الوسائل 21:120 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 29 ح 3.
3- التذكرة 2:590.
4- أي صبياً كان المولّى عليه أم بنتاً.منه رحمه الله.
5- المجموع 16:147.
6- المسالك 1:453.

انتقالها مع انقطاعها بموت الموصي،و النصوص الحاصرة لها في الأب خاصّة (1).

و مفهوم الصحيحين في تزويج الصبي للصبية-:«إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز» (2).

و خصوص الصحيح المتقدّم (3)،و إن قصر بالإرسال؛ لانجباره بالشهرة بين الأصحاب.

و قيل:نعم مطلقاً،كما في المختلف و عن المبسوط (4)؛ للصحاح:

في الذي بيده عقدة النكاح:«هو الأب و الأخ و الموصى إليه» (5)و زيد في جملة منها:«و الذي يجوز أمره في مال المرأة يبتاع و يشتري» .و لاشتمالها على الأخ،و عدم دلالتها على الجدّ،و ندرة القائل بإطلاقها،بل و عدمه؛ لتنزيل كلامه على القول الثالث في كلام بعض الأصحاب (6)،قصرت عن المقاومة لما قدّمنا من الأُصول المعتضدة بالشهرة المحكيّة و الصحاح المستفيضة بالعموميّة و الخصوصيّة،فيحمل الموصى إليه فيها على الجدّ أو الإمام،أو تحمل على استحباب إطاعتها له، كحملها عليه بالإضافة إلى الأخ.

ص:98


1- الوسائل 20:282 أبواب عقد النكاح ب 8.
2- الأول:التهذيب 7:1543/382،الإستبصار 3:854/236،الوسائل 20:277 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 8.الثاني التهذيب 7:1556/388،الوسائل 20:292 أبواب عقد النكاح ب 12 ح 1.
3- في ص 96.
4- المختلف:540،المبسوط 4:60.
5- الوسائل 20:282 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 3،4.
6- البحراني في الحدائق 23:244.

و التحقيق أن يقال:إنّ لكلّ من هذه الصحاح و الصحاح المتقدّمة وجه رجحان و مرجوحيّة،بقوة الدلالة،و مخالفة الشهرة،و الاشتمال على ما لا يقول بها الطائفة،في هذه؛ و بمقابل الأُمور المزبورة في السابقة، و حيث لا مرجّح فليتوقّف،و مقتضاه المصير إلى القول الأول؛ التفاتاً إلى الأُصول المتقدّمة.

و منه ينقدح وجه القدح في القول بالتفصيل:باختيار الأول مع إطلاق الوصيّة من دون تنصيص بالولاية في التزويج،و اختيار الثاني مع عدمه و التنصيص،كما عن الخلاف (1).

و يزيد القدح فيه بعدم الدليل عليه في البين،و استلزامه الخروج عن إطلاق أخبار الطرفين،و الجمع بينهما بذلك فرع وجود شاهد عليه،و عموم فَمَنْ بَدَّلَهُ [1] الآية (2)،مخصوص بمورده،و هو التوصية للوالدين و الأقربين لمن ترك خيراً؛ لاشتماله على الضمير الموجب له.

و بالجملة:لا ريب في ضعف هذا القول،كاستثناء صورة خاصّة من إطلاق المنع،أشار إليها بقوله: إلّا من بلغ فاسد العقل مع اعتبار المصلحة لضعف ما قيل (3)في توجيهه من الضرورة،مع عدم توقّع زوال العذر،و خوف المرض،أو الوقوع في الزناء،و لذا ثبت الولاية عليه للحاكم مع عدم ثبوتها له على الصغير؛ لاندفاع جميع ما ذكر بولاية الحاكم، كاندفاعه بولايته فيمن بلغ صحيح العقل ثم فسد.

ص:99


1- الخلاف 4:254.
2- البقرة:181.
3- انظر كشف اللثام 2:15.

نعم،ربما أمكن ذلك مع عدم إمكان الوصول إليه،و لكن لا يستلزم ذلك ثبوت الولاية للوصيّ على الإطلاق.

و كذا الحاكم أي الإمام العادل،أو منصوبة خصوصاً أو عموماً، و منه:الفقيه الجامع لشرائط الفتوى،فلا يزوّج الصغيرين مطلقاً (1)في المشهور،و البالغَين فاسدَي العقل مع وجود الجدّ و الأب إجماعاً؛ لما تقدّم من الأدلّة؛ لإطلاق المنع في الوصي.

و يزوّجهما مع فقدهما مع الغبطة إجماعاً؛ لأنّه وليّهما في المال فيتولّى نكاحهما.

و للصحيح:« اَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ [1] هو وليّ أمرها» (2)و لا قائل بالفرق.

و النبويّ:«السلطان وليّ من لا وليّ له» (3)و يلحق به نوّابه؛ لعموم أدلّة النيابة.

مضافاً إلى مسيس الحاجة إلى ولايته،و هو كالخبرين يتناول الصغيرين،فمنع ولايته عنهما في المشهور غير واضح،إلّا أن يكون إجماع،و فيه نظر.

و ظاهر تشبيه المتن الحاكم بالوصيّ بقولٍ مطلق حصرُ ولايته فيمن بلغ فاسد العقل،لا غير،و منه (4):البالغ رشيداً،و الفاسد عقله طارئاً، فلا ولاية له عليه أبداً،و هو و إن خالف المشهور في صورة وجود الأولين

ص:100


1- وجد الأب و الجدّ أم لا.منه رحمه الله.
2- التهذيب 7:1570/392،الوسائل 20:282 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 2.
3- سنن أبي داود 2:2083/229،سنن ابن ماجة 1:1879/605،سنن الدارمي 2:137.
4- أي و من الغير.

أو أحدهما،و الإجماع في صورة فقدهما،إلّا أنّه المختار في الصورة الأُولى كما تقدّم سابقاً (1).

يلحق بهذا الباب مسائل
اشارة

و يلحق بهذا الباب مسائل:

الأُولى الوكيل في النكاح لا يزوّجها من نفسه

الاُولى :لكلّ من الأب و الجدّ له كغيرهما من الأولياء و الوكلاء، إلّا من سيأتي على الأشهر الأظهر-تولّي طرفي العقد،و لا بُدَّ في الأب لأحد الطرفين أن يكون وكيلاً للآخر أو وليّه؛ لعموم أدلّتي الولاية و الوكالة، و كفاية المغايرة الاعتباريّة؛ لعدم الدليل على اعتبار الحقيقيّة،بل عن الخلاف الاتّفاق على عدمها عندنا (2).

إلّا الوكيل في النكاح عنها أو عن وليّها ف لا يزوّجها من نفسه مع تنصيصها أو من في حكمها بتعيين الزوج،إجماعاً.

و للصحيح:في امرأة ولّت أمرها رجلاً،فقالت:زوّجني فلاناً، فزوّجها من نفسه،و كرهته المرأة،فقالت:لا و لا كرامة،و ما أمري إلّا بيدي،و ما ولّيتك أمري إلّا حياءً من الكلام،قال:«تنزع منه و يوجّع رأسه» (3).

و كذا مع الإطلاق على الأشهر الأظهر؛ للأصل،و عدم انصرافه إليه، خلافاً للتذكرة (4).

و كذا مع العموم ك:زوّجني ممّن شئت على الأحوط،بل الأظهر؛

ص:101


1- في ص 82.
2- حكاه عنه في كشف اللثام 2:22.
3- الكافي 5:1/397،الفقيه 3:171/50،التهذيب 7:1565/391،الوسائل 20:287 أبواب عقد النكاح ب 10 ح 1 بتفاوت.
4- التذكرة 2:603.

لظهور العموم بالإضافة إلى غيره لا إليه،و لا أقلّ من الشكّ،فالمصير إلى مقتضى الأصل متعيّن،و نحوه الظنّ؛ لعدم دليل معتدّ به على اعتباره في مثله؛ لانحصار ما دلّ على حجّيته في غيره،و عدم اعتباره في أمثاله غير عزيز،و هو المطابق للأصل.فالقول بالجواز حينئذٍ مشكل.

مضافاً إلى عدم الفرق بينه و بين الإطلاق في الشمول و إن كان فيه أقوى،و القوّة غير فارقة بينهما بالنظر إلى أصل الشمول،الذي هو المناط في الإذن،فتأمّل.

و لو أذنت له في ذلك أي التزويج منه بالخصوص،أو الإطلاق و العموم المحفوفين بما يدلّ على دخوله قطعاً فالأشبه الأشهر كما عن الإسكافي و في الشرائع و القواعد و المختلف و التذكرة و اللمعة و الروضة و المسالك و شرح الكتاب لسبطه (1)و غيرهم (2) الجواز و لو لزم تولية طرفي العقد؛ للأصل المستفاد من عمومات التوكيل المتيقّنة، المعتضدة في المقام أيضاً بالشهرة.

و قيل:لا لرواية قاصرة السند و هي رواية عمّار بن موسى الساباطي الموثّقة:سأل أبا الحسن عليه السلام عن امرأة تكون في أهل بيت، فتكره أن يعلم بها أهلها،يحلّ لها أن توكّل رجلاً يريد أن يتزوّجها،تقول له:قد وكّلتك فاشهد على تزويجي؟قال:«لا» قال:قلت:و إن كانت أيّماً؟قال:«و إن كانت أيّماً» قلت:فإن وكّلت غيره بتزويجها منه،قال

ص:102


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:541،الشرائع 2:277،القواعد 2:7،المختلف:541،التذكرة 2:601،603،الروضة 5:122،المسالك 1:454،نهاية المرام 1:82.
2- كفخر المحققين في إيضاح الفوائد 3:26،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 12:146.

«نعم» (1).

فالقول بالمنع ضعيف،و لكنّ الأحوط مراعاتها؛ لاعتبار سندها، و ظهور دلالتها،و اعتضادها بأصالة بقاء الحرمة بحالها،و لو لا الشهرة لتعيّن المصير إليها.

و كيف كان،ينبغي تخصيص المنع بموردها؛ لانتفاء المانع في غيره من جهتها،فيجوز الوكالة من الطرفين لشخص واحد،فيتولّى طرفي العقد بنفسه؛ لعموم أدلّة التوكيل،و انتفاء المانع هنا من جهة غيرها؛ لكفاية المغايرة الاعتباريّة؛ لعدم دليل على اعتبار الحقيقيّة،مع الإجماع المحكيّ كما تقدّم (2)على عدم اعتبارها عندنا.

الثانية النكاح يقف على الإجازة

الثانية:النكاح الفضولي صحيح،و لكن يقف على الإجازة من وليّ العقد،فإن أجاز لزم،و إلّا بطل على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع عن المرتضى مطلقاً (3) في الحرّ و العبد و عن الحلّي في الأول خاصة (4)،و عن الخلاف في الثاني كذلك (5).

للنصوص المستفيضة،التي كادت تكون متواترة،يقف عليها المتتبّع لأخبار النكاح في غير مسألة.

منها:النبويّ المتقدّم في البكر التي زوّجها أبوها فأتته صلى الله عليه و آله تستعدي-:«أجيزي ما صنع أبوك» (6).

ص:103


1- التهذيب 7:1529/378،الإستبصار 3:841/233،الوسائل 20:288 أبواب عقد النكاح ب 10 ح 4.
2- في ص 101.
3- الناصريات(الجوامع الفقهية):211.
4- السرائر 2:564.
5- الخلاف 4:266.
6- في ص 87.

و الصحيح المتقدّم أيضاً في تزويج غير الأبوين الصغيرين،المصرّح بالصحّة و الوقوف على الإجازة (1).

و نحوه الخبر المتقدّم في أول الفصل في تزويج الاُمّ ولدها (2).

و الحسن:عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده،فقال:«ذاك إلى سيّده، إن شاء أجازه،و إن شاء فرّق بينهما»،قال:فقلت:أصلحك اللّه،إنّ الحكم ابن عيينة و إبراهيم النخعي و أصحابهما يقولون:إنّ أصل النكاح فاسد، فلا تحلّ إجازة السيّد له،فقال عليه السلام:«إنّه لم يعص اللّه تعالى،إنّما عصى سيّده،فإذا أجازه فهو له جائز» (3).

و الخبر المرويّ بعدّة طرق فيها الصحيح،و فيه:جاء رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السلام،فقال:إنّي كنت مملوكاً لقوم،و إنّي تزوّجت امرأة حرّة بغير إذن مولاي،ثم أعتقوني بعد ذلك،فأجدّد نكاحي إيّاها حين اعتقت؟ فقال له:«أ كانوا علموا أنّك تزوّجت امرأة و أنت مملوك لهم؟» فقال:نعم و سكتوا عنّي و لم يعيّروا عليّ،فقال:«سكوتهم عنك بعد علمهم إقرارهم، اثبت على نكاحك الأول» (4).

و من هذه الأخبار و إن اختصّ مواردها بالنكاح يستفاد جواز الفضولي في سائر العقود بفحوى الخطاب؛ للاتّفاق فتوًى و روايةً على شدّة أمر النكاح،و عدم جواز المسامحة فيه بما ربما يتسامح في غيره،فإذا جاز

ص:104


1- راجع ص 96.
2- في ص 74.
3- الكافي 5:3/478،الفقيه 3:1675/350،التهذيب 7:1432/351،الوسائل 21:114 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 24 ح 1.
4- الكافي 5:4/478،و في التهذيب 8:719/204،و الوسائل 21:117 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 26 ح 1،و فيه:يغيّروا بالغين المعجمة بدل:يعيّروا.

الفضولي في مثله جاز في غيره بطريق أولى،كما لا يخفى على أولي البصيرة و النهى.

خلافاً لأحد قولي الشيخ في الخلاف و المبسوط،فأفسد الفضولي هنا من أصله (1)،و لفخر الدين،فأطلق الفساد (2).

للأصل،و توقيفيّة العقود الناقلة،فلا تصحّ إلّا بدليل،و الأخبار الناطقة بفساد النكاح بغير إذن الوليّ أو المولى:

منها:الأخبار العاميّة النافية للولاية عن البكر البالغة،المرويّة عن أبي هريرة و عائشة (3).

و منها:الرواية الخاصّية الحاكمة بفساد تزويج الأمة بدون إذن سيّدها (4).

و في الجميع نظر؛ لتخصيص الأصل بما تقدّم،و معه لا يصلح دعوى عدم الدليل.

و الأخبار العاميّة المناقشة فيها واضحة؛ حيث إنّ راويها عائشة و أبو هريرة،اللذان هما أكذب البريّة؛ مع أنّه أنكرها المحقّقون من العامّة، كما في المسالك و التذكرة (5).

و الخاصّية مع ضعفها سنداً غير صريحة الدلالة،فيحتمل أنّ الفساد بدوام عدم الإذن الغير المنافي ذلك للصحّة مع الإذن في الجملة،و مع ذلك غير صالحة هي كما تقدّمها من الأدلّة للمعارضة لما مرّ من الأدلّة بالمرّة

ص:105


1- الخلاف 4:257،المبسوط 4:163.
2- إيضاح الفوائد 3:27.
3- سنن البيهقي 7:125،سنن الدارقطني 3:10/221 و فيهما:عن عائشة.
4- الوسائل 21:119 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 29.
5- المسالك 1:450،التذكرة 2:585.

من وجوهٍ عديدة.

و دعوى الشيخ الإجماع على الفساد في الخلاف موهونة بمصير معظم الأصحاب بل عداه كافّة،سوى فخر الدين إلى المخالفة له في المسألة.

و يكفي في الإجازة سكوت البكر عند عرضه عليها،إن كانت هي المعقود عليها،كما يكفي في الإذن ابتداءً،على الأشهر الأظهر،بل لم يُنقل فيه خلاف إلّا عن الحلّي (1)،و هو محجوج بالنصّ الجلي،كالصحيح:«في المرأة البكر إذنها صُماتها،الثيّب أمرها إليها» (2).

و نحوه:في الرجل يريد أن يُزوّج أخته،قال:«يؤامرها،فإن سكتت فهو إقرارها،و إن أبت فلا يزوّجها» (3)و نحوه الخبر (4).

و في النبويّ:«لا تُنكح الأيِّم حتى تُستأمر،و لا تُنكح البكر حتى تُستأذن،و أنّ سكوتها إذنها» (5).

و لعلّ الحكمة فيه:أنّها تستحيي من الجواب باللفظ في ذلك،فاكتفي منها بالسكوت.

و مقتضاها كالأصل و الصحيح الأوّل أنّه(يعتبر في)إجازة

ص:106


1- السرائر 2:574.
2- الكافي 5:8/394،قرب الإسناد:159 بتفاوت يسير،الوسائل 20:274 أبواب عقد النكاح ب 5 ح 1.
3- الكافي 5:4/393،الوسائل 20:273 أبواب عقد النكاح ب 4 ح 4.
4- الكافي 5:3/393،التهذيب 7:1550/386،الإستبصار 3:856/239،الوسائل 20:274 أبواب عقد النكاح ب 5 ح 2.
5- غوالي اللآلي 3:180/321،سنن ابن ماجة 1:1871/601 و فيه:و إذنها الصموت.

الثيّب و إذنها كغير الباكرة مطلقاً النطق به.

و لا ريب في ذلك مع حصول الثيبوبة بالوطء مطلقاً (1)،و أمّا مع حصولها بغيره من أسباب زوال البكارة فإشكال،و الأصحّ أنّه كالأوّل، لا لإطلاق النصّ في الثيّب؛ لعدم تبادر مثلها منه،بل للشكّ في صدق كلّ من البكارة و الثيبوبة عليها؛ لكونها غير متبادرة منهما عند الإطلاق، فلا يمكن دعوى دخولها في أحدهما،فيتعيّن المصير في مثلها إلى حكم الأصل،و هو يقتضي إلحاقها بالثيّب في اعتبار النطق بالإذن.

و منه يظهر حكم الموطوءة دبراً و إنْ لم تصدق عليها الثيّب؛ للشكّ في دخولها في البكر المطلق،فتلحق بالثيّب؛ للأصل.

و بالجملة:حيث كان الاكتفاء بالسكوت عن التصريح بالإذن مخالفاً للأُصول و لذا أنكره الحلّي رأساً يجب الاقتصار فيه على القدر المجمع عليه و المتيقّن دخوله في النصّ،و الرجوع في غيره إلى الإذن الصريح، و ليس ما ذكر منه.

ثم إنّ الاكتفاء بالسكوت حيث يكتفى به مشروط بالتجرّد عن القرينة المعربة عن عدم الرضاء،و أنّ محلّه إنّما هو صورة الشكّ في رضاها و عدمه،لا مطلقاً.هذا ما يقتضيه القواعد المرعية.

و لكن المستفاد من بعض المعتبرة الاكتفاء في الإجازة بالسكوت و لو في غير الباكرة،كالصحيح المتقدّم في الفضولي (2)،المتضمّن لصحّة عقد العبد بدون إذن مواليه بسكوتهم،و أنّ سكوتهم إقرارهم.

و نحوه خبر آخر قريب منه في عدم اعتبار النطق بالإجازة فيه:«أنّه

ص:107


1- أي صحيحاً كان الوطء أو شبهةً أو زناءً.منه رحمه الله.
2- راجع ص 104.

أتاه رجل بعبده،فقال:إنّ عبدي تزوّج بغير إذني،فقال عليّ عليه السلام لسيّده:

فرّق بينهما،فقال السيّد لعبده:يا عدوّ اللّه طلّق،فقال عليه السلام:كيف قلت له؟فقال:قلت له:طلّق،فقال عليّ عليه السلام للعبد:أمّا الآن فإن شئت فطلّق، و إن شئت فأمسك،فقال السيّد:يا أمير المؤمنين،أمرٌ كان بيدي فجعلته بيد غيري!!قال:ذلك لأنّك حيث قلت له:طلّق،أقررت بالنكاح» (1).

و حيث إنّهما لم يُرَ مفتياً بمضمونهما،يشكل التعويل على ظاهرهما في تخصيص الأصل المتيقّن،مع إمكان حملهما على وجود قرينة دالّة على الرضاء سوى السكوت و الأمر بالطلاق.

الثالثة لا تُنكح الأمة إلّا بإذن المولى

الثالثة:لا تُنكح الأمة إلّا بإذن المولى،رجلاً كان المولى أو امرأة دائماً كان النكاح أو متعةً،إجماعاً في الأول،و على الأشهر الأظهر في الثاني مطلقاً،بل عن الحلّي بلا خلاف (2)؛ لرجوع الشيخ المفتي بالرواية الآتية في النهاية (3)عنها في غيرها.

للأدلّة القطعيّة،كالعقل،و الكتاب (4)،و السنّة المستفيضة،بل المتواترة.

منها الصحيح:هل يجوز للرجل أن يتمتّع من المملوكة بإذن أهلها و له امرأة حرّة؟قال:«نعم،إذا كان بإذن أهلها» الحديث (5).

ص:108


1- التهذيب 7:1433/352،الوسائل 21:118 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 27 ح 1.
2- السرائر 2:565.
3- النهاية:490.
4- النحل:75.
5- التهذيب 7:1112/257،الإستبصار 3:533/146،الوسائل 21:41 أبواب المتعة ب 16 ح 1.

و نحوه آخر:في رجل تزوّج امرأة حرّة،فوجدها أمة دلّست نفسها له،قال:«إن كان الذي زوّجها إيّاه من غير مواليها فالنكاح باطل» (1)فتأمّل.

و الموثّق:الرجل يتزوّج الأمة بغير إذن أهلها،قال:«هو زناء،إنّ اللّه تعالى يقول فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ [1] (2)» (3). و خلاف الشيخ في النهاية،بمصيره إلى العمل بما في رواية سيف بن عميرة الصحيحة،المتضمّنة ل:أنّه يجوز نكاح أمة المرأة من غير إذنها متعةً ضعيف؛ لأنّها مع اضطرابها سنداً؛ لروايتها عن مولانا الصادق عليه السلام بلا واسطة تارة (4)،و بواسطة عليّ بن المغيرة تارة (5)،و داود بن فرقد اخرى (6)،مع عدم الوفاق على وثاقة الراوي،و اشتراك عليّ بن الحكم في سندها،و إن كان الظاهر الوثاقة و عدم الاشتراك،إلّا أنّ مثل ذلك لا يقاوم ما خلا عنه.

مضافاً إلى عدم توافق متنها المرويّ في الطرق الثلاثة،فذكر في الأخير:«يتزوّج» و لا قائل بعمومه إجماعاً،سيّما مع ظهور التزويج في

ص:109


1- الكافي 5:1/404،التهذيب 7:1426/349،الإستبصار 3:787/216،الوسائل 21:185 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 67 ح 1.
2- النساء:25.
3- التهذيب 7:1424/348،الاستبصار 3:794/219،تفسير العياشي 1:91/234،الوسائل 21:119 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 29 ح 1؛ بتفاوت يسير.
4- التهذيب 7:1116/258،الإستبصار 3:797/219،الوسائل 21:39 أبواب المتعة ب 14 ح 1.
5- التهذيب 7:1114/257،الوسائل 21:39 أبواب المتعة ب 14 ح 2.
6- التهذيب 7:1115/258،الإستبصار 3:896/219،الوسائل 21:39 أبواب المتعة ب 14 ح 3.

الدائم.و حمله على التمتّع بقرينة الطريقين الآخرين،حمل المطلق على المقيّد فرع استفادة نفي جواز الدوام منهما،و هو كما ترى،فتأمّل.

و في الآخرين:«يتمتّع» و هو يحتمل بالبيع و غيره،و يكون الغرض جوازه من دون استبراء في أمة المرأة دون الرجل،فيحتاج فيه إليه،أو إلى إخباره،و هو غير بعيد،و لا سيّما في مقام الجمع،و أولى من طرحها بناءً على شذوذها؛ لرجوع الشيخ كما مرّ (1)عن مضمونها.

و مع ذلك هي منافية للأصل المتيقّن بالأدلّة السابقة،من تحريم التصرّف في ملك الغير مطلقاً بدون إذنه.

الرابعة إذا زوّج الأبوان الصغيرين،صحّ

الرابعة:إذا زوّج الأبوان أي الأب و الجدّ الصغيرين،صحّ التزويج؛ لما مرّ (2) و توارثا قيل:بلا خلاف يعرف،حتى ممّن خيّر الصبيّ عند الإدراك؛ لتصريحه به مع ذلك (3).

و عن الماتن في النكت:أنّ الخيار عند البلوغ لا ينافي التوارث (4).

و وجهه:أنّه عقد صحيح شرعاً،يصيران به زوجة و زوجاً،فيثبت لهما التوارث؛ لإطلاق الأدلّة بتوارث المتزاوجين (5)،و الأصل بقاء الصحّة إلى طروّ المعارض،و هو اختيار الفسخ عند البلوغ،و هو هنا ممتنع.

و يدلّ عليه مع ذلك الصحيحان:في الصبي يزوّج الصبيّة،

ص:110


1- في ص 108.
2- في ص 76.
3- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:22.
4- نكت النهاية 2:315.
5- الوسائل 26:219 أبواب ميراث الأزواج ب 11.

يتوارثان؟قال:«إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم» (1).

و لا خيار لهما عند البلوغ كما مرّ (2).

و لو زوّجهما غير الأبوين مطلقاً (3)،كان فضوليّاً،و وقف على إجازتهما بعد الإدراك.

فلو ماتا أو مات أحدهما قبل الإجازة بطل العقد مطلقاً،أجاز الثاني أم لا. و لو بلغ أحدهما فأجاز لزم العقد من جهته من تحريم المصاهرة،فيحرم عليه إن كان زوجاً-:الأُخت،و الخامسة،و كلّ من الاُمّ و البنت،إلّا إذا فسخت،فلا حرمة،على إشكال في الأُمّ،من أنّ الفسخ كاشف عن الفساد،أو رافع له من حينه،و الأصحّ:الأوّل؛ فإنّ الإجازة إمّا جزء أو شرط،و أيّهما كان فلا يصحّ النكاح بدونها.مضافاً إلى عدم تبادر هذه الصورة ممّا دلّ على حرمة الأُمّ بمجرّد العقد على البنت.

و إنْ كان زوجة لم يحلّ لها نكاح غيره مطلقاً،إلّا إذا فسخ.

و هل لها حينئذٍ نكاح أبيه أو ابنه؟فيه الوجهان في إباحة الاُمّ بالفسخ.

كلّ هذا إذا كان المجيز حيّاً.

و أمّا إن أجاز ثم مات،عزل من تركته نصيب الآخر الباقي

ص:111


1- الأول:التهذيب 7:1543/382،الإستبصار 3:854/236،الوسائل 20:277 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 8.الثاني التهذيب:7:1556/388،الوسائل 20:292 أبواب عقد النكاح ب 12 ح 1.
2- في ص 78 79.
3- وليّاً كان لهما في المال أم لا.منه رحمه الله.

إلى أن يبلغ، فإذا بلغ و لم يجز بطل العقد، و إنْ أجاز أُحلف أنّه لم يجز للرغبة في استيراث التركة و أُعطي نصيبه منها.

و اعتبر الحلف رفعاً للتهمة في أكثر موارد المسألة،و أمّا الباقي المنتفية فيه ككون الباقي الزوج،و المهر بقدر الميراث أو أزيد فالأجود وفاقاً للروضة (1)عدم الحلف إن لم يتعلّق غرض بإثبات أعيان التركة بحيث يترجّح على ما ثبت عليه من الدين،أو يخاف امتناعه من أدائه،أو هربه،و نحو ذلك ممّا يوجب التهمة.

و مع ذلك فالموجود في الرواية:موت الزوج و إجازة الزوجة خاصّة، و أنّها تحلف باللّه تعالى ما دعاها إلى أخذ التركة سوى الرضاء بالتزويج.

فهي لما ذكرنا غير منافية،و لكن فتوى الأصحاب مطلقة في إثبات الحلف لأخذ التركة،فإن كان إجماع،و إلّا فالمسألة محلّ مناقشة.

و المستند في هذا التفصيل:صحيحة أبي عبيدة،قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عن غلام و جارية زوّجهما وليّان لهما و هما غير مدركين، فقال:«النكاح جائز،و أيّهما أدرك كان على الخيار،و إن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما و لا مهر،إلّا أن يكونا قد أدركا و رضيا» قلت:فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟قال:« يجوز ذلك عليه إن هو رضي» قلت:فإن كان الرجل أدرك قبل الجارية و رضي بالنكاح،ثم مات قبل أن تدرك الجارية، أ ترثه؟قال:« نعم،يعزل ميراثها منه حتى تدرك،فتحلف باللّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج،ثم يدفع إليها الميراث و نصف المهر» قلت:فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك؟قال:«يجوز عليها

ص:112


1- الروضة 5:148.

تزويج الأب،و يجوز على الغلام،و المهر على الأب للجارية» (1).

و المراد بالوليّين في الصدر بقرينة الذيل من عدا الأبوين،كالوصيّ الوليّ في المال،و نحوه.

و يستفاد منه بفحوى الخطاب حكم ما لو زوّج أحدَ الصغيرين الوليّ،أو كان أحدهما بالغاً رشيداً و زوّج الآخر الفضولي،فمات الأوّل، فإنّه يعزل للثاني نصيبه،و يحلف بعد بلوغه كذلك (2)،و إن مات بطل العقد؛ للزوم (3)العقد هنا من الطرف الآخر،فهو أقرب إلى الثبوت ممّا هو جائز من الطرفين كما في الصغيرين وفاقاً للقواعد و المسالك و الروضة (4)و غيرهم (5).

نعم،لو كانا كبيرين و زوّجهما الفضولي،ففي تعدية الحكم إليهما إشكال:

من مساواته للمنصوص في كونه فضوليّاً من الجانبين،و لا مدخل للصغر و الكبر في ذلك.

و من ثبوت الحكم في الصغيرين على خلاف الأصل،من حيث توقّف الإرث على الحلف،و ظهور التهمة في الإجازة،فيحكم فيما خرج عن المنصوص ببطلان العقد متى مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته

ص:113


1- الكافي 7:1/131،التهذيب 7:1555/388،الوسائل 26:219 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- أي على أنّه لم يحلف للرغبة في التركة.منه رحمه الله.
3- بيان لفحوى الخطاب.منه رحمه الله.
4- القواعد 2:7،المسالك 1:459،الروضة 5:145.
5- كفاية الأحكام:157،كشف اللثام 2:22.

و قبل إجازة الآخر.و هو أوجه،وفاقاً للقواعد (1)و جماعة (2).

و الأولويّة المدّعاة لتصحيح الأول للفقير غير مفهومة.

و في ثبوت المهر على الزوج إذا كان هو الباقي خاصّة بمجرّد الإجازة من دون الحلف،وجهان:

من أنّه حقّ مترتّب على ثبوت النكاح،و لم يثبت بدونهما (3).

و من أنّ الإجازة كالإقرار في حقّ نفسه بالنسبة إلى ما يتعلّق به، كالمهر؛ و إنّما يتوقّف الإرث على اليمين لقيام التهمة و عود النفع إليه محضاً،فيثبت ما يعود عليه دون ماله،و لا بُعدَ في تبعّض الحكم و إن تنافي الأصلان الموجبان لهذين الحكمين أي الزوجيّة و عدمها و له نظائر كثيرة في الشريعة،منها:ما لو اختلفا في تحقّق النكاح،فإنّ مدّعيه يحكم عليه بلوازم الزوجيّة دون المنكر،و لا يثبت النكاح ظاهراً،و إطلاق النصّ بتوقّف الإرث على حلفه لا ينافي ثبوت المهر عليه بدليل آخر.

و هذا هو الأقوى،و عليه ففي إرثه منه (4)إشكال:من توقّف الإرث على اليمين،و من أنّ الإقرار لا يوجب المؤاخذة إلّا بنصف المهر،فإنّ غاية ما يلزم:تحقّق الزوجيّة في طرفه،و هو لا يستلزم إلّا ثبوت نصف المهر، و لا دليل على الزائد.و هذا أوجه،وفاقاً لفخر الإسلام (5)و جماعة (6).

ص:114


1- القواعد 2:7.
2- منهم الشهيد الثاني في الروضة 5:146،و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3:29،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:23.
3- أي الإجازة و اليمين.منه رحمه الله.
4- أي المهر.منه رحمه الله.
5- راجع إيضاح الفوائد 3:29.
6- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:458،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:23.

ثم إن مات الباقي بعد الإجازة و قبل اليمين،ففي استحقاقه التركة إشكال:من تمام الزوجيّة،و من توقّف الإرث على اليمين.و هو الوجه، وفاقاً لفخر الإسلام (1)؛ لمنع تمام الزوجيّة،فإنّه بالإجازة الخالية عن التهمة.

و أمّا لو جنّ قبل الأمرين أو أحدهما،عزل نصيبه من العين إن أمكن،و إلّا فمن المثل أو القيمة إلى الإفاقة مطلقاً،أو مع عدم خوف الضرر على الوارث أو المال،فيدفع إليه معه (2)،و يضمن للمجنون إن أفاق و أجاز و حلف؛ لعدم معلوميّة استحقاقه الآن،و الأصل عدمه؛ مضافاً إلى انتفاء الضرر و الإضرار في الشريعة.

الخامسة إذا زوّجها الأخوان

الخامسة:إذا زوّجها الأخوان مطلقاً (3)أو أجنبيّان برجلين، فإن تبرّعا و لم يوكَّلا فالعقدان فضوليّان اختارت أيّهما شاءت و فسخت الآخر،أو فسختهما مطلقاً،اقترنا زماناً أو اختلفا،و لكن ينبغي لها اختيار من عقد عليه أكبر الأخوين مع تساوي المعقود عليهما في الرجحان،و إلّا فمن ترجّح و لو كان من عقد عليه الأصغر.

كلّ ذا إذا لم تَدْخل بأحدهما،و معه قبل الإجازة بلفظ و نحوه ثبت عقد من دخلت به و بطل الآخر؛ لأنّه أقوى الإجازات.

و إن اختصّ التبرّع بأحدهما كان العقد للوكيل مطلقاً،مع الاقتران أو الاختلاف،كان المتبرّع أو الوكيل الأخ الأكبر أم الأصغر أم غيرهما.

و إن كانا معاً وكيلين و سبق أحدهما بالنكاح فالعقد له مطلقاً على الأشهر الأظهر خلافاً للشيخ في بعض الصور كما سيظهر -

ص:115


1- إيضاح الفوائد 3:28 29.
2- أي مع خوف الضرر.منه رحمه الله.
3- أي سواء اتّحدا سنّاً أم تغايرا بالكبر و الصغر.منه رحمه الله.

و بطل المتأخّر مطلقاً،دخل بها من عقد عليه أم لا؛ لوقوع الأول صحيحاً؛ لاستجماعه الشرائط،و الثاني باطلاً؛ لوقوعه عليها و هي في عصمة الأول، و تسلَّم إليه مع عدم الدخول.

و لو دخلت بالأخير فهو زناء منهما إن علما بالحال،فلا مهر و لا لحوق ولد،و منها خاصّة إن علمت هي دونه،فينتفي الأول دون الثاني ف لحق به الولد و منه إن علم،فينعكس،فلها المهر و لا لحوق به.

و وطء شبهة إن جهلا،فيلحق به الولد و أُعيدت إلى الأوّل بعد انقضاء العدّة من الثاني،عدّة الطلاق لوطء الشبهة هنا،و في الصورة الثانية (1)للشبهة الموجبة للعدّة، و لها المهر هنا دونها للشبهة و هل المراد به المثل؟كما عن المبسوط و التحرير (2)و غيرهما (3)؛ بناءً على فساد العقد الموجب لفساد التسمية.

أو المسمّى؟كما عن محتمل التذكرة (4)؛ لإقدامهما بالرضاء به.

وجهان،أوجههما:الأول؛ لإناطة الرضاء بالصحّة لا مطلقاً.

نعم،في الحسن أو الصحيح:«إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قضى في امرأة أنكحها أخوها رجلاً،ثم أنكحتها أمّها رجلاً بعد ذلك،فدخل بها، فحبلت،فاحتقّا فيها،فأقام الأول الشهود،فألحقها بالأول،و جعل لها الصداقين جميعاً،و منع زوجها الذي حقّت له أن يدخل بها حتى تضع حملها،ثم ألحق الولد[بأبيه ]» (5).

ص:116


1- أي جهل الواطئ خاصّة.منه رحمه الله.
2- المبسوط 4:182،التحرير 2:8.
3- انظر كشف اللثام 2:24.
4- التذكرة 2:597.
5- الكافي 5:1/396،التهذيب 7:1552/386،الإستبصار 3:859/240،الوسائل 20:280 أبواب عقد النكاح ب 7 ح 2؛ بتفاوت،و بدل ما بين المعقوفين في«ص» و«ح»:به،و ما أثبتناه من المصدر.

و ظاهره:الثاني،بعد حمله على ثبوت وكالة العاقدين فيه،و لكن ليس نصّاً،و هو أحوط.

و إن اتّفقا زماناً باقترانهما في القبول بطلا معاً،إجماعاً فيما عدا الأخوين،و فيهما أيضاً على الأشهر الأظهر؛ لامتناع الحكم بصحّتهما؛ للتباين (1)،و بصحّة أحدهما دون الآخر؛ لأنّه ترجيح من غير مرجّح.

و قيل:العقد عقد الأكبر مطلقاً (2)،إلّا مع دخول من عقد عليه الأصغر،فيكون له حينئذ،إلّا مع سبق عقد الأكبر،كما عن النهاية و القاضي (3)؛ أو مع الاتّفاق زماناً خاصّة (4)،بشرط أن لا يدخل من عقد عليه الأصغر،كما عن التهذيبين و المختلف و ابن سعيد و ابن حمزة (5)، إلّا أنّه لم يذكر الشرط.

للخبر:عن جارية كان لها أخَوان،زوّجها الأكبر بالكوفة،و زوّجها الأصغر بأرض أُخرى،قال:«الأول بها أولى،إلّا أن يكون الأخير قد دخل بها،فهي امرأته،و نكاحه جائز» (6).

ص:117


1- في هامش الأصل زيادة:بعبارة أُخرى:لاستلزام الحكم بصحتهما الجمع بين المتباينين،و بأحدهما الترجيح من غير مرجّح.
2- اقترن العقدان أم اختلفا.منه رحمه الله.
3- النهاية:466،القاضي في المهذب 2:195.
4- فلو سبق الأصغر على الأكبر قدّم عقده على عقده و إن لم يكن دخول،بخلاف القول الأول،فإنّه يقدّم فيه الأكبر على الأصغر مطلقاً،حتى هنا.منه رحمه الله.
5- التهذيب 7:387،الاستبصار 3:240،المختلف:537،ابن سعيد في الجامع للشرائع:437،ابن حمزة في الوسيلة:300.
6- الكافي 5:2/396،التهذيب 7:1553/387،الإستبصار 3:858/239،الوسائل 20:281 أبواب عقد النكاح ب 7 ح 4.

و هو مع قصور سنده بجهالة الراوي و إن اعتضد برواية صفوان عنه لا دلالة فيه على شيء من القولين؛ لإطلاق تقديم عقد من دخل من دون اشتراط فيه لعدم سبق عقد الأكبر،كما في الأول (1)؛ و عدم تصريح فيه بالاقتران فضلاً عن اشتراطه لتقديم الأكبر،كما في الثاني،مضافاً إلى ظهوره بالغلبة في مورده في خلافه.

و مع ذلك كلّه،فمبنى الاستدلال فيه شيئان:

أحدهما:كون المراد من:«الأول» فيه:الأخ الأكبر،و لا نصّ بل و لا ظهور فيه عليه،فيحتمل كون المراد منه:السابق في العقد،و هو الأوفق بالأُصول،و إن خالفها مع ذلك بترجيح التالي عليه بمجرّد الدخول الغير الصالح هنا لذلك،و لكن مع ذلك أولى من إرادة الأخ الأكبر منه؛ لمخالفته لها حينئذٍ من وجهين.

و الثاني:كون الأخوين فيه وكيلين،و لا إشعار فيه بذلك،فيحتمل كونهما فضوليّين كما يقتضيه إطلاقه (2)،مع أنّ الأصل و ظاهر الحال يقتضي عدم التوكيل،و يصحّ حينئذٍ الحكم بتقديم من حصل في حقّه دخول؛ لكونه إجازةً لعقده كما مرّ (3).

و يرفع الإشكال في تقديم الأكبر أو السابق مع عدم الدخول حينئذٍ بالحمل على الاستحباب،بمعنى:أنّه يستحبّ لها تقديم عقد الأكبر أو السابق ما لم يكن دخول،و إلّا تعيّن تقديم الداخل؛ لتحقّق الإجازة به كما مرّ،فيزول معنى التخيير.

ص:118


1- أي القول الأول.منه رحمه الله.
2- أي الخبر.منه رحمه الله.
3- في ص 115.

و هذا أولى ما ينزّل عليه الرواية،و أوفق بأُصول المذهب.و بهذا التنزيل صرّح جماعة (1)،فسقط كلام الشيخ و من تبعه في القولين.

ثم إنّ جميع ما ذكر مع معلوميّة السبق و الاقتران،و أمّا مع جهلهما مطلقاً و لو كان طارئاً ففي إيقاف النكاح إلى الاستبانة كما عن المبسوط و التحرير (2)بناءً على أنّه إشكالٌ يرجى زواله،نظر؛ لاستلزامه الإضرار بالمرأة،المنفيّ بالأدلّة القطعيّة،فالأجود عدمه وفاقاً لجماعة (3).

و هل يصار حينئذٍ إلى القرعة؛ بناءً على أنّها لكلّ أمر مشكل،مع أمر من وقعت له بتجديد النكاح،و من لم تقع له بالطلاق؛ احتياطاً في الفروج؛ لعدم إفادة القرعة العلم بالزوجيّة،مع أصالة عدمها؟ أو إجبار كلّ منهما بالطلاق؛ لرفع الضرر عن المرأة،و هو إجبارٌ بحقّ،فلا ينافي صحّته؟ أو فسخ الحاكم النكاح بالنسبة إلى كلّ منهما؛ لما فيه من اندفاع الضرر،مع السلامة من ارتكاب الإجبار على الطلاق و القرعة التي لا مجال لها في الأُمور التي هي مناط الاحتياط التامّ و هي الأنكحة التي يترتّب عليها الأنساب و التوارث و المحرميّة؟ احتمالات،أقواها:الأول؛ لعموم أدلّته (4).و عزله عن المقام لكونه مناطاً للاحتياط التام،و لا مجال له فيه اجتهادٌ في مقابلة الدليل العامّ.

ص:119


1- منهم العلّامة في القواعد 2:8،الشهيد الأول في اللمعة(الروضة البهية 5):151،المحقق الثاني في جامع المقاصد 12:165.
2- المبسوط 4:180،التحرير 2:8.
3- منهم العلّامة في القواعد 2:8،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:25،و البحراني في الحدائق 23:303.
4- الوسائل 27:257 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 13.
السادسة لا ولاية للأُمّ

السادسة :تقدّم في أوّل الفصل أنّه: لا ولاية للأُمّ و أبيها على الولد مطلقاً فلو زوّجت الولد فأجاز صحّ مطلقاً،ذكراً كان أو أُنثى،وقع التزويج في الصغر أو الكبر؛ لكونه فضوليّاً،فيشمله عموم أدلّته.

و لو أنكر بطل العقد مطلقاً إجماعاً،و تبعه المهر كذلك (1)فيما لو كان المعقود عليه فضولاً أُنثى،و على الأشهر الأظهر فيما عداه أيضاً.

و قيل و هو الشيخ في النهاية: يلزمها أي الأُمّ المهر للمعقود عليها تماماً (2).

للخبر:عن رجل زوّجته امّه و هو غائب،قال:«النكاح جائز،إن شاء المتزوّج قبل،و إن شاء ترك،فإن ترك المتزوّج تزويجه فالمهر لازم لأُمّه» (3).

و ليس فيه مع ضعفه كما ترى دلالة عليه،بل يدلّ على خلافه؛ للتصريح فيه بأنّ المهر لازم لاُمّه،و هو غير لزومه عليها،فالمعنى حينئذٍ:

أنّه لا مهر عليها،بل لها استعادته مع الدفع،و الامتناع منه مع عدمه،فعلى أيّ تقديرٍ هو لها لا عليها.

و يفهم منه عدم لزومه لها مع الإجازة،بل عليها؛ و لعلّه لبذلها إيّاه لها من نفسها،فتكون كمن ضمنه عن الزوج لها.

و لا يحتاج حينئذٍ إلى حمله على ادّعاء الوكالة الموجب للمهر؛ لتضمّنه التغرير الموجب للضمان،مع عدم إشعار الخبر به.

مضافاً إلى التأمّل في صحّته،بناءً على أنّ البضع إنّما يضمن

ص:120


1- أي إجماعاً.منه رحمه الله.
2- النهاية:468.
3- الكافي 5:2/401،الوسائل 20:281 أبواب عقد النكاح ب 7 ح 3.

بالاستيفاء على بعض الوجوه لا مطلقاً،و العقد الموجب له لم يثبت فلم يثبت موجَبُه،و على تقدير ضمانه مطلقاً فالمثل لا المسمّى المتوقّف على صحّة العقد،و ضرر الغرر يندفع بالأول،إلّا أن يحمل المهر في العبارة عليه،و فيه تكلّف.

و قيل بلزوم المهر مع دعوى الوكالة منتصفاً؛ لوقوع الفرقة قبل الدخول (1).

و فيه:منع استلزامها التنصيف مطلقاً،بل الأصل يقتضي لزومه كَملاً، إلّا في الطلاق أو الموت على الاختلاف فيه،فينتصف فيهما،و لم يقعا، فلا وجه للقول بالانتصاف هنا،بل اللازم الجميع،كما هو ظاهر المتن و الشرائع و القواعد (2)،و هو الأقوى على تقدير صحّة دعوى أنّ ادّعاء الوكالة بمجرّده يوجب المهر،و إلّا فالبحث فيه ساقط من أصله كما ترى.

و ظاهر كلام المصنّف-: و يمكن حمله على دعوى الاُمّ الوكالة إرجاع الحمل إلى القول،و لا ضرورة إليه،بل قد لا يمكن،مع تصريح القائل بخلافه.و لعلّ المراد:حمل المستند أي الرواية و إن لم تساعده العبارة.

و يستحبّ للمرأة أن تستأذن أباها و جدّها مطلقاً بكراً كانت أو ثيّباً ؛ لما تقدّم من الأخبار المحمولة عليه (3)؛ إذ هو أقلّ مراتبها،و لأنّ الأب في الأغلب أخبرُ بمن هو من الرجال أنسب.

و لا فرق فيه بين البكر و الثيّب و إن كان في الأوّل آكد؛ للشبهة في نفي

ص:121


1- قال به الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 5):151 152.
2- الشرائع 2:280،القواعد 2:8.
3- في ص 92.

استقلالها دونها،مع أنّ العلّة في جانبها بعدم الاطّلاع على أحوال الرجال أقوى.

و أن توكِّل أو تستأذن أخاها إذا لم يكن لها أب و لا جدّ أو كانا و تعسّر استئذانهما بعضل أو غَيبة منقطعة أو طويلة؛ لعدّه في جملة مَن بيده عقدة النكاح فيما تقدّم من الأخبار (1)،مضافاً إلى جريان العلّة في الأبوين هنا أيضاً.

و أن تعوّل مع التعدّد على الأكبر،و أن تختار خيرته من الأزواج بشرط التساوي في الرجحان،أو رجحان رأي الأكبر،و إلّا فرأي من ترجّح كما مرّ (2).

ص:122


1- في ص 75.
2- في ص 115.
الفصل الثالث في أسباب التحريم
اشارة

الفصل الثالث:

في بيان أسباب التحريم و موجباته و هي ستة :

الأول النسب

الأول:النسب،و يحرم به على الذكر سبع نسوة مذكورات في الآية الشريفة (1):

الاُمّ و إن علت و هي كلّ امرأة ولدَته أو انتهى نسبه إليها من العلوّ بالولادة،لأب كانت أو لاُمّ.

و البنت و إن سفلت و تشمل السافلات:بنت البنت و بنت الابن، و ضابطهما من ينتهي إليه نسبه بالتولّد و لو بوسائط.

و الأُخت و بناتها و إن سفلن و هي كلّ امرأة ولدَها أبواه أو أحدهما،أو انتهى نسبها إليهما أو إلى أحدهما بالتولّد.

و العمّة و إن ارتفعت و هي كلّ أُنثى أُخت ذكر ولدَه بواسطة أو غيرها،من جهة الأب أو الأُمّ أو منهما (2).

و كذا الخالة تحرم و إن ارتفعت،و هي كلّ أُنثى هي أُخت أُنثى ولدَته بواسطة أو غيرها،و قد تكون من جهة الأب،كأُخت أُمّ الأب.

و المراد بالمرتفع فيهما:عمّة الأب و الأُمّ و خالتهما،و عمّة الجدّ و الجدّة و خالتهما،و هكذا،لا عمّة العمّة و خالة الخالة؛ فإنّهما قد لا تكونان محرّمتين،كما لو كانت العمّة القريبة عمّة للأُمّ خاصّة أي أُخت أبيه من

ص:123


1- النساء:23.
2- أي سواء كانت أُخت الذكر أُخته من جهة الأب فقط أو الأُم كذلك أو من جهتهما.منه رحمه الله.

امّه فإنّ عمّتها حينئذٍ تكون أُخت زوج جدّته أُمّ أبيه،و أُخت زوج الاُمّ لا تحرم،فأُخت زوج الجدّة أولى.

و كما لو كانت الخالة القريبة خالة لأب خاصّة أي أُخت امّه من أبيها فإنّ خالتها تكون أُخت امرأة الجدّ،و أُخت امرأة الأب لا تحرم،فأُخت امرأة الجدّ أولى.

و بنات الأخ لأب أو لاُمّ أو لهما و إن هبطن و ضابطها كلّ امرأة ولدَها أخوه مطلقاً،بواسطة أو بغيرها.

و حرمة المذكورات على قريبهنّ الذكر يستلزم العكس،و لذا اكتفي بتحريمهنّ عليه في الآية،فهي على الأمرين واضحة الدلالة.

ثم إنّها ليست ناهضة لإثبات تحريمهنّ جميعاً،إلّا على تقدير كون السافلات و المرتفعات يصدق عليهنّ حقيقةً ألفاظ المذكورات،أو جواز استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي و المجازي،و كلاهما خلاف التحقيق.

و على تقدير الثاني و صحّته نقول:مشروط بالقرينة،و إلّا فالحقيقة خاصّة،و ليس في الآية إيماء إليها و لا إشارة،فإذاً الحجّة التامّة هي إجماع الأُمّة.

و يجمعهنّ مع من حرمن عليه عبارةٌ مختصرة ذكرها العلّامة كبعض العامّة (1)و هي أنّه يحرم على الإنسان أُصوله،و فصوله،و فصول أول أُصوله،و أول فصل من كلّ أصل بعد أول الأُصول (2).

و يدخل في الأول:الآباء و الأُمّهات،و في الثاني:البنون و البنات، و في الثالث:الإخوة و الأخوات و أولادهم سافلين و سافلات،و في الرابع

ص:124


1- المجموع 16:215.
2- انظر التذكرة 2:613،و التحرير 2:8،و القواعد 2:9.

الأعمام و العمّات و الأخوال و الخالات دون أولادهم من بنين أو بنات.

و أخصر منها قولهم:يحرم على الإنسان كلّ قريب عدا أولاد العمومة و الخُؤولة.

و إنّما يثبت النسب بالوطء الصحيح بنكاح أو تحليل و لو عرضه التحريم بوقوعه في حيض و شبهه و بالوطء لشبهة،كأن يكون غير مستحقّ في الواقع،مع عدم العلم بالتحريم أو بمتعلّقه.و يختصّ النسب هنا بمن اختصّت به.

و أمّا الزناء فلا،إجماعاً،إلّا في التحريم المتعلّق بالنسب،فإنّ ظاهر أصحابنا ثبوته به،بل عليه الإجماع عن التذكرة و غيره (1)؛ و هو الحجّة.

دون صدق النسبة في العرف و اللغة؛ لعدم الاكتفاء بها بمجرّدها في الشريعة،مع استلزامها ثبوت الأحكام الباقية،كحلّ النظر،و الانعتاق بملك الفرع أو الأصل،و الشهادة على الأب إن قبلت منه على غيره،و القود به من الأب،و تحريم الحليلة،و غير ذلك من توابع النسب.

و قد استشكل فيه بعض؛ لذلك (2)،و لانتفاء النسب معه شرعاً (3)، و صرّح بعدمه بعض؛ للأخير (4)،و هو ظاهر جمع (5)،فلو كان ذلك الحجّة لما استشكل و صرّح بالعدم،و لعلّه الأقوى و إن كان الاحتياط فيما يتعلّق بالدماء و النكاح أولى للأصل (6)،مع الشكّ في المسبّب بالشكّ في شمول

ص:125


1- التذكرة 2:613 إيضاح الفوائد 3:42،جامع المقاصد 12:190.
2- أي:و قد استشكل في ثبوت التحريم بالزناء بعض؛ لصدق النسبة في العرف و اللغة..
3- كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2:26.
4- حكاه في المسالك 1:463 عن الشافعيّة.
5- انظر التحرير 2:8 و المفاتيح 2:234.
6- أي أصالة عدم ترتّب الأحكام.منه رحمه الله.

أدلّتها (1)لمثله.و لو احتيط في الجميع كان أولى.

و لو اجتمع السببان الأوّلان (2)مع انقطاع الفراش بنحو الطلاق،يثبت النسب لمن أمكن في حقّه دون غيره.

و مع الإمكان فيهما كما لو كان الولادة لستّة أشهر من وطء الثاني للشبهة،و لأقلّ من أقصى مدّة الحمل من وطء الأول للنكاح قيل بالقرعة، محكيّ عن المبسوط (3)،مشعراً بالإجماع.

و الأشهر الأظهر:إلحاقه بالثاني؛ لأصالة التأخّر،و رجحانه بالفراش الثابت؛ قيل:و للأخبار (4).و لم أقف عليها (5).

و الإجماع على تقدير تماميّة دعواه موهونٌ بمصير معظم الأصحاب إلى الخلاف.

و تمام الكلام في صور تعارض السببين يأتي إن شاء اللّه تعالى في أحكام الأولاد.

الثاني الرضاع
و شروطه أربعة

الثاني:الرضاع،و يحرم منه ما يحرم من النسب بإجماع الأُمّة، و النصوص المستفيضة.

ففي النبويّ:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (6).

و في الصحيح:عن امرأة أرضعت غلاماً مملوكاً لها من لبنها حتى فطمته،هل يحلّ لها بيعه؟قال:فقال:«لا،هو ابنها من الرضاع،و حرم

ص:126


1- أي أدلّة الأحكام الباقية.
2- أي الوطء بالنكاح و الوطء بالشبهة.منه رحمه الله.
3- حكاه عنه في كشف اللثام 2:26.
4- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:26.
5- وقف صاحب الجواهر على تلك الأخبار و استدل بها.راجع الجواهر 29:260.
6- الفقيه 3:1467/305،الوسائل 20:371 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 1.

عليها بيعه و أكل ثمنه» قال:«أ ليس قد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؟! » (1).و نحوه الحسن:«يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة» (2)،إلى غير ذلك من الأخبار (3).

و يستفاد من العبارة:أنّ كلّ موضع ثبتت فيه من جهة النسب المحرميّة ثبتت من جهة الرضاع بمثل تلك القرابة،فتصير المرضعة بمنزلة الأُمّ،و فحلها بمنزلة الأب،و على هذا القياس.

و هذه قاعدة كلّية من راعاها حقّ المراعاة ظهر عليه الحكم، و لا حاجة إلى استثناء شيء منها غير ما يأتي كما وقع في التذكرة (4)فإنّ المحارم كلّهنّ داخلات،و غيرهنّ خارجات.

و الآية (5)و إن اختصّت بالأُمّ و الأُخت و من لزمهما دون الفحل و توابعه، إلّا أنّ ذلك جاء من قِبَل الشريعة،فالمحرّمات من الرضاع أيضاً سبعة.

فالاُمّ من الرضاعة هي كلّ امرأة أرضعتك،أو رجع نسب من أرضعتك أو صاحب اللبن إليها،أو أرضعت من يرجع نسبك إليه من ذكر أو أُنثى و إن علا،كمرضعة أحد أبويك أو أجدادك أو جدّاتك.و أُختها خالتك من الرضاعة و أخوها خالك،و أبوها جدّك،كما أنّ ابن مرضعتك أخ،و بنتها أُخت،إلى آخر أحكام النسب.

ص:127


1- الكافي 5:16/446،الوسائل 20:405 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 17 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- الكافي 5:1/437،التهذيب 7:1222/291،الوسائل 20:371 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 2.
3- الوسائل 20:371 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1.
4- التذكرة 2:622.
5- النساء:23.

و البنت من الرضاعة:كلّ أُنثى رضعت من لبنك أو لبن من ولدْته،أو أرضعتها امرأة ولدْتها،و كذا بناتها من النسب و الرضاع.

و العمّات و الخالات:أخوات الفحل و المرضعة،و أخوات من ولدهما من النسب و الرضاع،و كذا كلّ امرأة أرضعتها واحدة من جدّاتك،أو أُرضعت بلبن واحد من أجدادك من النسب و الرضاع.

و بنات الأخ و بنات الأُخت بنات أولاد المرضعة و الفحل من الرضاع و النسب،و كذا كلّ أُنثى أرضعتها أُختك و بنت أخيك،و بنات كلّ ذكر أرضعته أُمّك أو أرتضع بلبن أبيك.

و كما يمنع الرضاع من النكاح سابقاً كذا يبطله لاحقاً،فلو تزوّج رضيعة فأرضعتها من يفسد نكاح الصغيرة بإرضاعها كأُمّه و أُخته،و زوجة الأب و الأخ إذا كان اللبن منهما فسد النكاح؛ للعمومات (1)،و خصوص النصوص المستفيضة،و سيأتي بعض منها.

و إنّما يحرم الرضاع بشروط أشار إليها بقوله: و شروطه أربعة:

الأوّل أن يكون اللبن عن نكاح

الأوّل:أن يكون اللبن عن نكاح أي وطء صحيح إجماعاً و إن كان شبهة،كما هو المشهور؛ للعمومات (2)،و إلحاقها بالعقد في النسب.

و تردّد فيه الحلّي (3)؛ و لعلّه للأصل،و منع العموم في الرضاع المطلق في الآية (4)و الأخبار (5)،المنصرف إلى غير الشبهة؛ لندرتها،و اختصاص الملحق لها بالنسب من الإجماع بغير محلّ الخلاف،و لا نصّ عامّاً يدلّ عليه (6).

ص:128


1- الوسائل 20:399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 10.
2- الوسائل 20:388 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6.
3- السرائر 2:552.
4- النساء:23.
5- الوسائل 20:371 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1.
6- أي الإلحاق.منه رحمه الله.

مضافاً إلى ما سيأتي من أدلّتهم لنفي النشر عن لبن الزناء من مفهوم الصحيح و غيره (1)،و مال إليه بعض المتأخّرين (2)؛ لذلك.

و لا يبعد جعل الشهرة العظيمة كاشتراكها مع المنكوحة بالمناكحة الصحيحة في أغلب الأحكام الشرعيّة قرينةً لإدخالها في إطلاق الأدلّة.

و يمكن نقض أدلّته بمثلها في جانب الحرمة،بمعارضة أصالة الإباحة بأصالة الحرمة السابقة على المناكحة.و منع العموم فيما دلّ على إباحة نكاح النسوة؛ لانصرافه إلى غير الشبهة؛ لندرتها.و بعد التعارض يرجع إلى الترجيح،و لا ريب أنّه من جهة الشهرة مع أصالة الحرمة،و بعد تسليم التساوي الموجب للتساقط تحتاج الإباحة إلى دلالة،فتأمّل جدّاً.

و سيأتي الجواب عن الصحيح و غيره (3).

و كيف كان،فالعمل على المشهور إن أمكن (4)،و إلّا فيحتاط بالطلاق و نحوه.

و على تقدير الأشهر،يختصّ النشر بمن اختصّت به،فلا نشر في الآخر؛ لإلحاقه بالزناء الغير الناشر.

و يعتبر مع صحّة النكاح صدور اللبن عن ذات حمل أو ولد بالنكاح المزبور، فلو درّ اللبن من الخالية منهما لم يعتبر و إن كانت منكوحة نكاحاً صحيحاً؛ للأصل،و عدم شمول أدلّة النشر لمثله،مع دعوى الإجماع صريحاً (5)و عدم الخلاف فيه ظاهراً.

ص:129


1- انظر ص 130.
2- نهاية المرام 1:100،الكفاية:158.
3- انظر ص 130.
4- كما إذا لم يكن العقد واقعاً.منه رحمه الله.
5- في التذكرة(2:615)،و السرائر(2:520)،و شرح القواعد للفاضل الهندي(كشف اللثام 2:27).منه رحمه الله.

و خصوص الموثّق:عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة،فأرضعت جارية و غلاماً بذلك اللبن،هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاعة؟ قال:

«لا» (1).و منه يظهر وجه عدم اعتبار الدرّ من دون نكاح،فإنّه بطريق أولى.

أو معه و لكن كان من زناء فإنّه لم ينشر حرمة،مع دعوى الإجماع هنا أيضاً (2)،بل لعلّه ظاهر.

و ربما استدلّ له بالصحيح:عن لبن الفحل،قال:«ما أرضعت امرأتك من لبنك و لبن ولدك وَلَدَ امرأة أُخرى فهو حرام» (3).

و فيه نظر؛ لاحتمال الورود مورد الغالب،مع عدم اشتراط كون المرضعة زوجة لصاحب اللبن،بل يكفي كونها مملوكة أو موطوءة شبهة أو متعة،مع عدم صدق:«امرأتك» المتبادر منها الزوجة الدائمة على المذكورات.فالعمدة هو الإجماع.

و في اشتراط الولادة،أم الاكتفاء بالحمل،قولان،أصحّهما و أشهرهما كما قيل (4)-:الأوّل،وفاقاً للتحرير و التذكرة و النهاية و حكي عن السرائر و الخلاف و الغنية مدّعين الإجماع عليه (5)؛ و هو الحجّة،مع الأصل،و فقد المخصِّص؛ لعدم انصراف الإطلاق إليه؛ للندرة،و خصوص

ص:130


1- الكافي 5:12/446،الفقيه 3:1484/308،الوسائل 20:398 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 9 ح 1.
2- كشف اللثام 2:27.
3- الكافي 5:1/440،التهذيب 7:1316/319،الإستبصار 3:719/199،الوسائل 20:389 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 4.
4- جامع المقاصد 12:204،و فيه التعبير بالأصحيّة فقط.
5- التحرير 2:9،التذكرة 2:617،النهاية:461،السرائر 2:520،الخلاف 5:108،الغنية(الجوامع الفقهية):609،حكاه عنهم في كشف اللثام 2:27.

الموثّق المتقدّم.

و نحوه الخبر:عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة،فأرضعت ذكراناً و أُناثاً،أ يحرم من ذلك ما يحرم من الرضاع؟فقال:

«لا» (1).خلافاً للقواعد و المسالك و ظاهر الروضة و المحكيّ عن المصنّف و موضع من المبسوط فالثاني (2)؛ للعموم،و هو ضعيف.

و لا يشترط البقاء على الحبالة،فلو طلّقها أو مات عنها و هي حامل أو مرضع،فأرضعت ولداً رضعةً ناشرةً للحرمة،نَشَرَ الحرمة كما لو كانت في حبالته،و إن تزوّجت بغيره مطلقاً،حملت منه أم لا،بقي اللبن بحاله أم زاد بعد انقطاع؛ للعموم،مع دعوى الإجماع عليه.

إلّا أن تلد منه و ترضع بلبنها المستمرّ إلى الولادة،فلا تنشر الحرمة في حقّ من خرجت من حبالته،و في التذكرة:الإجماع عليه من الكلّ (3).

و كذا لو حبلت منه و انقطع اللبن انقطاعاً بيّناً،ثم يعود من وقت يمكن أن يكون للثاني،فلا ينشر حرمةً في الأول،كما نُسِبَ إلى الأصحاب (4).و في نشره لها في الثاني الخلاف المتقدّم،و الأصحّ:

العدم،كما تقدّم.

و يعتبر في النشر حياة المرضعة وفاقاً،كما يظهر من التذكرة (5)و الصيمري،فلو ماتت في أثناء الرضاع فأكمل النصب ميتةً لم ينشر حرمة

ص:131


1- التهذيب 7:1339/325،الوسائل 20:399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 9 ح 2.
2- القواعد 2:9،المسالك 1:464،الروضة 5:156،و حكاه عن المصنّف في كشف اللثام 2:27،المبسوط 5:310.
3- التذكرة 2:616.
4- انظر المسالك 1:465،الكفاية:158.
5- التذكرة 2:615.

و إن تناوله إطلاق العبارة (1)و صَدَق عليه اسم الرضاع؛ حملاً له كإطلاق الأدلّة على الأفراد المعهودة المتعارفة و هو إرضاع الحيّة و دلالةِ الأدلّة اللفظيّة على الإرضاع بالاختيار،كقوله سبحانه وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ [1] (2)مع أصالة الإباحة.

الثاني الكميّة

الثاني:الكميّة معتبرة بإجماع الطائفة خلافاً للمحكيّ عن مالك و أبي حنيفة (3)فالرضعة الحاصلة بأقلّ المسمّى غير كافية.

و هي تعتبر على الأشهر الأظهر بأُمور ثلاثة:

إمّا ما أنبت اللحم و شدّ العظم و هو تقدير بالأثر المترتّب عليه، و لا خلاف في اعتباره بين الطائفة،بل صرّح بالإجماع عليه جماعة (4)؛ للنصوص المستفيضة:منها الصحيح:قلت:ما يحرم من الرضاع؟قال:

«ما أنبت اللحم و شدّ العظم» قلت:فيحرم عشر رضعات؟قال:«لا؛ لأنّه لا ينبت اللحم و لا يشدّ العظم» (5).

و المستفاد منه كغيره اعتبار الأمرين معاً،و هو ظاهر الأكثر.

و في اللمعة:الاكتفاء بأحدهما (6)؛ و لعلّه للصحيحين:«لا يحرم من الرضاع إلّا ما أنبت اللحم و الدم» (7).

ص:132


1- أي عبارة المتن.منه رحمه الله.
2- النساء:23.
3- حكاه عنهما في التذكرة 2:619.
4- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):609،و العلّامة في التذكرة 2:621.و صاحب الحدائق 23:330.
5- التهذيب 7:1298/313،الإستبصار 3:704/195،الوسائل 20:374 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 2؛ بتفاوت يسير.
6- اللمعة(الروضة البهية 5):156.
7- الأول في:الكافي 5:5/438،التهذيب 7:1294/312،الإستبصار 3:699/193،الوسائل 20:382 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 3 ح 1.الثاني في:الكافي 5:9/439،التهذيب 7:1296/313،الإستبصار 3:701/194،الوسائل 20:379 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 18.

و هو قويّ إن لم يتلازما،و إلّا فلا ثمرة للخلاف.

و المرجع فيهما بناءً على كونهما أصلين برأسهما إلى أهل الخبرة، و لا ريب في اشتراط عدالة المخبر.و في اشتراط التعدّد إشكال،و في عدمه احتمال قوي،إلّا أنّ الأشهر الأول (1).

ثم إنّ حصر التحريم بالرضاع في الأخبار في الأمرين،مع التعليل لعدم النشر بالعشر بعدمهما في الصحيح الأول،يعرب عن كونهما الأصل في ثبوت النشر،و كون الأمرين الآتيين علامتين لهما،كما هو أظهر الأقوال،محكيّ عن جدّي المجلسي،و اختاره الفاضل الهندي طاب ثراهما و هو ظاهر الإستبصار (2).

و قيل:إنّهما و الأمرين الآتيين كلّ منها أُصول (3).و قيل:الأصل هو العدد،و إنّما يعتبر الآخران عند عدم الانضباط بالعدد،كما عن المبسوط (4).و لا دليل عليهما.

أو رضاع يوم و ليلة بحيث يشرب كلّما أراد حتى يروي و يصدر، مطلقاً كما عن المشهور (5)أو بشرط عدم انضباط العدد كما عن

ص:133


1- و هو الأظهر.منه رحمه الله.
2- المجلسي في روضة المتقين 8:569،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:28،الاستبصار 3:194.
3- المسالك 1:466،467.
4- حكاه عنه في جامع المقاصد 12:214،و هو في المبسوط 5:292.
5- انظر ملاذ الأخيار 12:143،مرآة العقول 20:205.

المبسوط و التذكرة (1)كما تقدّم.

و تظهر الثمرة بنقصان العدد في اليوم و الليلة،كأن رضع فيهما سبعة أو ثمانية،فينشر على الأول،و لا على الثاني.

و يدفعه إطلاق المستند،و هو الموثّق:«لا يحرم الرضاع أقلّ من رضاع يوم و ليلة،أو خمس عشرة رضعة متوالية من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها» الحديث (2).

و لا يقدح قصور السند عن الصحّة،بعد اعتباره بالموثّقية،و الاعتضاد بعمل الطائفة و الإجماعات المنقولة.

ثم إنّه لا فرق بين اليوم الطويل و غيره؛ لانجباره بالليلة أبداً.

و في الاكتفاء بالملفّق منهما لو ابتدأ في أثناء أحدهما،إشكالٌ:من الشكّ في صدق الشرط،و من تحقّق المعنى،و لعلّ الأول أظهر؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن،فتأمّل جدّاً.

أو (3)خمس عشرة رضعة متوالية على الأصحّ،كما يأتي (4).

و لا حكم لما دون العشر رضعات،إجماعاً في الرضعة القاصرة، و على الأشهر الأظهر مطلقاً؛ للنصوص المتقدّمة و الآتية (5)،المعتضدة بعمل الطائفة.

خلافاً للإسكافي،فاكتفى بالرضعة الكاملة (6)؛ للعموم،و الصحيح

ص:134


1- حكاه عنهما في كشف اللثام 2:28،و هو في المبسوط 5:292،و التذكرة 2:620.
2- التهذيب 7:1304/315،الإستبصار 3:696/192،الوسائل 20:374 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 1.
3- عطف على قوله:ما أنبت اللحم و شدّ العظم،أو رضاع يوم و ليلة.
4- في ص 139.
5- المتقدمة في ص 132،و الآتية في ص 136.
6- حكاه عنه في المختلف:518.

المتضمّن للمكاتبة إلى أبي الحسن عليه السلام:يسأله عمّا يحرم من الرضاع؟ فكتب:«قليله و كثيرة حرام» (1).

و نحوه الخبر الذي رواته من العامّة (2).

و هو ضعيف؛ لتخصيص العموم بما تقدّم،و عدم مكافأة الصحيح له، فضلاً عن غيره،مع متروكيّة ظاهره؛ لصدق القليل على الرضعة الغير الكاملة،و لا يقول بها.

و لا يبعد حملهما على التقيّة من مذهب مالك و أبي حنيفة (3)،بل نسبه الشيخ إلى جميع العامّة (4)،و يؤيّده كون الأول مكاتبة،و رواة الثاني من العامّة،فلا يترك بمثلهما شيءٌ ممّا تقدّم من المستفيضة،المعتضدة بعمل الطائفة،كما لا يترك بما دلّ على اعتبار الحولين كالصحيحين و نحوهما (5)و السنة كالصحيح (6)لشذوذ الجميع،و احتمال الموافقة للعامّة،فتطرح،أو تؤوّل بما يؤول إلى الأول.

و على تقدير عدم الشذوذ و وجود القائل بها كما نسب إلى الصدوق في الفقيه (7)فهي للمستفيضة غير مكافئة؛ لاعتضادها بالشهرة،و مخالفة العامّة،و موافقة الكتاب في الجملة دونها،فلا وجه للتأمّل في المسألة

ص:135


1- التهذيب 7:1308/316،الإستبصار 3:711/196،الوسائل 20:377 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 10.
2- التهذيب 7:1309/317،الإستبصار 3:712/197،الوسائل 20:378 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 12.
3- حكاه عنهما في المغني لابن قدامة 9:193.
4- راجع الخلاف 5:96.
5- الوسائل 20:384 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 5.
6- الفقيه 3:1475/307،التهذيب 7:1315/318،الإستبصار 3:718/198،الوسائل 20:378 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 13.
7- الفقيه 3:307.

بمثلها،كما صدر عن صاحب الكفاية (1)،و إن هو إلّا غفلة واضحة.

و صحّة النسبة إلى الصدوق غير معلومة؛ لنقله المتضمّن للحولين و المتضمّن للسنة،و المعارضة بينهما واضحة،فلا يعلم منه المصير إلى أيّهما من دون قرينة،و غايته حينئذٍ التردّد،فلا يصحّ معه النسبة.

و في ثبوت النشر ب العشر روايتان،أشهرهما بين المتأخّرين أنّها لا تنشر ،و إليه ذهب الشيخ في كتابي الأخبار و النهاية و المبسوط و العلّامة في أكثر كتبه و المحقّق الثاني و المسالك و الروضة (2)،و غيرهم من سائر المتأخّرين (3)،و هو الأظهر؛ للأصل،و المعتبرة المستفيضة:

منها الموثّقة المتقدّمة في رضاع يوم و ليلة،و فيها زيادةً على العبارة المتقدّمة-:«و لو أنّ امرأة أرضعت غلاماً أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد،و أرضعتها امرأة أُخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات، لم يحرم نكاحها» (4).

و هي ناصّة على نفي النشر عن العشر،كالصحيح المتقدّم في الأمر الأول (5)،و الموثّقين:«عشر رضعات لا يحرّمن شيئاً» (6)مضافاً إلى

ص:136


1- الكفاية:159.
2- التهذيب 7:314،الإستبصار 3:195،النهاية:261،المبسوط 5:292،العلّامة في القواعد 2:10،و التحرير 2:9،و المختلف:518،المحقق الثاني في جامع المقاصد 12:217،المسالك 1:466،الروضة 5:160.
3- منهم المحقق في الشرائع 2:282 و السيوري في التنقيح 3:46 و الكاشاني في المفاتيح 2:237.
4- التهذيب 7:1304/315،الإستبصار 3:696/192،الوسائل 20:374 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 1 و فيه:و أرضعتهما،بدل:و أرضعتها.
5- في ص 132.
6- الأول في:التهذيب 7:1299/313،الإستبصار 3:705/195،الوسائل 20:374 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 3.الثاني في:التهذيب 7:1300/313،الإستبصار 3:706/195،الوسائل 20:375 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 4.

الصحيح الآتي.

خلافاً لأكثر المتقدّمين (1)؛ اقتصاراً في الخروج عن العموم المستفاد من الكتاب و السنّة على المتيقّن (2)؛ لضعف قول الإسكافي كما مرّ.

و التفاتاً إلى المستفيضة الدالّة على النشر باشتداد العظم و إنبات اللحم (3)؛ بناءً على حصولهما بالعشر؛ للصحيح:و ما الذي ينبت اللحم و الدم؟فقال:«كان يقال:عشر رضعات» (4)،و نحوه غيره (5).

و استناداً إلى الموثّق:في الغلام يرضع الرضعة و الثنتين،فقال:

«لا يحرم» فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات،قال:«إذا كانت متفرّقة فلا» (6)،و هو يدلّ بمفهومه على التحريم مع عدم التفريق.و نحوه غيره (7).

ص:137


1- كالمفيد في المقنعة:502،الديلمي في المراسم:149،القاضي في المهذّب 2:190،الحلبي في الكافي:285.
2- و هو ما عدا العشر.منه رحمه الله.
3- الوسائل 20:382 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 3.
4- الكافي 5:9/439،التهذيب 7:1296/313،الإستبصار 3:701/194،الوسائل 20:379 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 18.
5- الكافي 5:2/438،الوسائل 20:380 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 21.
6- الكافي 5:8/439،التهذيب 7:1302/314،الإستبصار 3:703/194،الوسائل 20:375 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 5.
7- الكافي 5:10/439،التهذيب 7:1297/313،الإستبصار 3:702/194،الوسائل 20:380 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 19؛ بتفاوتٍ في السند.

و يدلّ عليه أيضاً الخبر:«لا يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلّا المجبور» (1)قال:قلت:و ما المجبور؟قال:«أُمٌّ تربّي أو ظئرٌ (2)تستأجر أو أمةٌ تُشترى،ثم ترضع عشر رضعات تروي الصبي و ينام» (3).

و في الجميع نظر؛ لتخصيص العموم بما تقدّم،كتخصيصه بما عدا العشر المتيقّن.

و منعِ حصول الإنباتين بالعشر،و الصحيح غير دالّ عليه؛ لنسبته عليه السلام ذلك إلى القيل،المشعر بالتمريض.مع ما في آخره ممّا هو في قوّة التصريح بعدم النشر به،فإنّ السائل لمّا فهم منه عليه السلام عدم إرادته قال له:

يحرم عشر رضعات؟فقال:«دع هذا» و قال:«يحرم من النسب ما يحرم من الرضاع» .فلو كان حكم العشر حقّا لما نسبه عليه السلام إلى غيره،بل كان يحكم به من غير نسبة،و مع ذلك أعرض عنه ثانياً مجيباً بما لا دخل له بالمقام،ففيه أقوى دلالة بورود ما دلّ على النشر بالعشر مورد التقيّة،أو غيرها من المصالح الخفيّة.

هذا،مع معارضته للصحيح المتقدّم في الأمر الأول (4)،الناصّ بعدم

ص:138


1- قال الطريحي في مجمع البحرين 3:243(جبر):قال في شرح الشرائع:المَجْبُور وجدتها مضبوطة بخط الصدوق بالجيم و الباء في كتابه المقنع،فإنّه عندي بخطه.و قال في ج 3:257(حبر):و قد اضطربت النسخ في ذلك..
2- قال في مجمع البحرين 3:386:سمّيت المرضعة ظِئراً لأنّها تعطف على الرضيع.
3- التهذيب 7:1305/315،الإستبصار 3:709/196،الوسائل 20:377 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 11،بتفاوت.
4- في ص 132.

الإنبات بالعشر،و اختصاصه به مع زيادة عليه بنصفه (1).

و نحوه الموثّقان المتقدّمان (2)،المصرّحان بعدم النشر به،المستلزم لعدم الإنبات.

و الموثّق المتأخّر (3)كمضاهيه (4)و إن دلّ على النشر به بالمفهوم، إلّا أنّه لا يعارض ما دلّ على العدم سنداً و عدداً و دلالةً،مع احتمال كون الحكم فيه تقيةً.

و نحوه الجواب عن الخبر الأخير،مضافاً إلى ضعفه بمحمّد بن سنان على الأشهر و إن قيل بوثاقته (5)لعدم مقاومته ما خلا عن مثله،سيّما مع مخالفته الإجماع من وجهين (6)،و اضطرابه باختلاف ألفاظه؛ لروايته تارةً كما تقدّم،و تارةً بغيره،و أُخرى صحيحة بعبارة خالية عن العدد مرويّة في الفقيه (7)،الذي هو أضبط.

و لو رضع خمس عشرة رضعة نشر الحرمة إجماعاً،كما في المسالك و السرائر (8)،خلافاً لشاذّ منّا،فخمسة عشر يوماً متوالية بلياليها (9)؛ و النصوص المتقدّمة حجّة عليه،مضافاً إلى عدم دليل يدلّ عليه،مع مخالفته لعموم الكتاب و السنّة المستفيضة.

ص:139


1- أي و اختصاص الإنبات بالعشر مع زيادة على العشر بنصف العشر.
2- في ص 137.
3- المتقدم في ص 137.
4- المتقدم في ص 137.
5- قال به المفيد في الإرشاد:304.
6- الحصر و اعتبار النوم.منه رحمه الله.
7- الفقيه 3:1474/307،الوسائل 20:376 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 7.
8- المسالك 1:466،السرائر 2:551.
9- كما في الهداية:70 و حكاه في المختلف:518 عن المقنع.

و يعتبر في الرضعات العدديّة و الزمانيّة قيود ثلاثة:

كمال الرضعة التفاتاً إلى الأصل،و حملاً لإطلاق الرضاع في الآية (1)و الأخبار عليه؛ للتبادر،مع التصريح به في المعتبرة المنجبر قصور أسانيدها بعمل الطائفة:

كالمرسل كالموثّق لابن أبي عمير:«الرضاع الذي ينبت اللحم و الدم هو الذي يرضع حتى يتضلّع و يتملّى و ينهي نفسه» (2)،و نحوه آخر (3).

و بهما فسّر الكمال بعض الأصحاب (4)،و اعتمد الباقون فيه على العرف،و لعلّهما متقاربان،فلا عبرة بالناقصة مطلقاً،واحدة كانت أم متعدّدة،إلّا مع حصول الإنبات بها،فتعتبر من جهته.

و تحسب الرضعات المتخلّل بينها لفظ الثديين للتنفّس،أو الملاعبة،أو المنع من المرضعة مع المعاودة و حصول الكماليّة بها،رضعة واحدة إن لم يطل الفصل،و إلّا احتسب الجميع كالآحاد رضعة ناقصة، فلا تنشر حرمة.

و امتصاصها من الثدي لعين ما تقدّم،بل لا يحصل مسمّى الرضاع و الإرضاع و الارتضاع إلّا بذلك،و اعتباره مطلقاً (5)هو المعروف من مذهب الأصحاب.

ص:140


1- النساء:23.
2- الكافي 5:7/445،التهذيب 7:1306/316،الإستبصار 3:707/195،الوسائل 20:383 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 4 ح 2.
3- التهذيب 7:1307/316،الإستبصار 3:708/195،الوسائل 20:283 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 4 ح 1.
4- انظر الخلاف 5:100.
5- أي حتى في إنبات اللحم و اشتداد العظم.منه رحمه الله.

خلافاً للإسكافي (1)،فاكتفى بالوَجُور (2)؛ لأنّ الغاية المطلوبة إنّما هو إنبات اللحم و اشتداد العظم،كما هو ظاهر الفحاوى و صريح الخبر:«وَجُور الصبي اللبن بمنزلة الرضاع» (3).

و فيه:منع كون الغاية هو الإنبات من حيث هو هو خاصّة؛ لاحتمال كون الرضاع و المصّ من الثدي له مدخليّة في نشر الحرمة،كما أنّ للولادة أو الحمل مدخليّة بالإجماع و المعتبرة،و إنكاره مكابرة.و ليست العلّة بنفس الإنبات منصوصة،و غاية ما يستفاد من المعتبرة نشر الإنبات الحاصل من ارتضاع الثدي خاصّة.

نعم،ذلك يناسب القياس المستنبط العلّة،الذي هو حجّة عند الإسكافي،و فاسد بالضرورة من مذهب الشيعة.

و الخبر مع ضعفه بالإرسال محمولٌ على التقيّة؛ لنسبته في المسالك إلى جماعة من العامّة (4)،معارَض بصريح الصحيحة:«لا يحرم من الرضاع إلّا ما ارتضع من ثدي واحد سنة» (5).

و لا ينافيه التقييد بالسنة،إلّا بتقدير عدم احتمال جريان ما قيل من التوجيه و إن بَعُدَ من قراءة:«سنّه» بتشديد النون و الإضافة إلى ضمير راجع إلى الإرضاع،و المراد:الحولين.

ص:141


1- كما حكاه عنه في المختلف:518.
2- الوَجُور:الدواء يصبّ في الحلق المصباح المنير:648.
3- الفقيه 3:1485/308،الوسائل 20:394 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 7 ح 3.
4- المسالك 1:468.
5- الفقيه 3:1475/307،التهذيب 7:1315/318،الإستبصار 3:718/198،الوسائل 20:378 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 13.

و نحوه الكلام في الصحيحين (1)،و نحوهما (2):«لا يحرم من الرضاع الا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين» بجعل الحولين ظرفاً للرضاع لا المدّة المرعيّة،مع أنّ خروج بعض القيود بالدليل لا يوجب خروج الباقي.

و يعضد ما ذكرنا الحسنان،بل الصحيحان المرويّان في الكافي.

في أحدهما:«جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام،فقال:يا أمير المؤمنين،إنّ امرأتي حلبت من لبنها في مَكُّوك (3)فأسقته جاريتي،فقال:

أوجِعْ امرأتك،و عليك بجاريتك» (4).

و في الثاني:عن امرأة حلبت من لبنها فأسقت زوجها لتحرم عليه، قال:«أمسَكَها و أوجَع ظهرها» (5).

و هما بترك الاستفصال عامّان للرجل و الجارية الصغيرين دون الحولين.و لو نشر الوَجُور لخصّ بقاء الزوجيّة فيهما بما إذا وقع الوَجُور بعدهما،فتأمّل.

و أن لا يفصل بين الرضعات برضاع غير المرضعة و المأكول و المشروب في الزمانية خاصّة (6)،دون العدديّة،فيمنع فيها الفصل برضاع

ص:142


1- التهذيب 7:1310/317،الاستبصار 3:713/197،الفقيه 3:1476/307،الوسائل 20:386 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 5 ح 8.
2- الفقيه 3:1477/307،الوسائل 20:387 أبواب الرضاع ب 5 ح 10.
3- المَكُّوك:طاسٌ يشرب به،و في المحكم:أعلاه ضيّق و وسطه واسع تهذيب اللغة 9:468،لسان العرب 10:491.
4- الكافي 5:5/445،الوسائل 20:393 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 7 ح 1.
5- الكافي 5:4/443،الوسائل 20:394 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 7 ح 2.
6- بلا خلاف فيه أجده،و صرّح باعتبار عدم الفصل بالمأكول و المشروب أيضاً في الزمانية شيخنا في المسالك(1:468)و سبطه في شرح الكتاب(نهاية المرام 1:112)و غيرهما من الأصحاب من غير نقل خلاف،بل بعدمه صرّح في المفاتيح(2:237)فتأمّل منه عفي عنه و عن والديه.

غير المرضعة خاصّة.

كلّ ذلك للأصل،و التبادر،مع التصريح بعدم الفصل بالرضاع في العدديّة في الموثّقة المتقدّمة (1)في رضاع اليوم و الليلة،و إطلاقها يقتضي حصول الفصل بمسمّاه و لو قلّ.إلّا أنّ حمله على الفرد الأكمل للتبادر و السياق يقتضي العدم،وفاقاً للتذكرة (2)،و خلافاً للقواعد و المسالك و الروضة (3).

و هل يشترط في التوالي اتّحاد المرضعة أم يكفي اتّحاد الفحل؟ ظاهر الموثّقة و الصحاح المتقدّمة قريباً:الأول،و عليه الإجماع عن الغنية و الخلاف و التذكرة (4)،فلو ارتضع من امرأة خمساً كاملة مثلاً ثم ارتضع من الأُخرى،ثم أكمل منها أو من الأُولى أو ثالثة تمام العدد أو الزمان،لم ينشر الحرمة،خلافاً للعامّة.

الثالث أن يكون في الحولين

الثالث:أن يكون الرضاع الناشر مطلقاً (5)بتمامه في الحولين اللذين ابتداؤهما من انفصال تمام الولد إلى الجزء الأخير من الشهر الرابع و العشرين،إن ابتدأ في أول الهلال،و إلّا يحسب الثلاثة و العشرون هلاليّة، و يتمّ المنكسر من الشهر الخامس و العشرين،كما في سائر الآجال.

ص:143


1- في ص 134.
2- التذكرة 2:620.
3- القواعد 2:10،المسالك 1:468،الروضة البهية 5:163.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):609،الخلاف 5:100،التذكرة 2:62.
5- أي أيّ الأقسام الثلاثة كان.منه رحمه الله.

و يكفي في حصول الشرط تمام الجزء الأخير من الرضاع بتمام مثله من الحولين،فالمراد:عدم وقوع شيء من الرضاع بعد تمامهما،و اعتباره مقطوع به في كلام الأصحاب،مدّعى عليه الإجماع كما يأتي؛ للنصوص:

منها الخبر:«لإرضاع بعد فطام» قال:قلت:و ما الفطام؟قال:

«الحولين اللذين قال اللّه عزّ و جلّ» (1)(2).

و ضعفه بسهل على الأشهر سهل،بل صحيح على الأظهر عند بعض (3)،و مع ذلك بالإجماع معتضد.

و يستفاد منه حصول التحريم بالرضاع في الحولين مطلقاً و لو فطم قبلهما،و عدمه به بعدهما مطلقاً و لو لم يفطم؛ لتفسيره الفطام الذي لم ينشر معه الرضاع بمضيّ الحولين،فلا عبرة بما عداه إن حصل،كما لا عبرة بالرضاع بعده و لو لم يحصل الفطام اللغوي؛ لحصول الشرعي، الذي هو المعيار.

و الأمران مقطوع بهما في كلامهم بل عن الشهيد الإجماع على الثاني (4)عدا العماني في الأول (5)؛ لإطلاقه عدم الرضاع بعد الفطام، الشامل لمثل هذا الفطام (6)؛ تبعاً للأخبار:كالحسن:«لإرضاع بعد فطام» (7).

و الخبر المصحّح في كلام بعض (8):«الرضاع قبل الحولين قبل أن

ص:144


1- البقرة:233.
2- الكافي 5:3/443 بتفاوت يسير،التهذيب 7:1313/318،الإستبصار 3:716/198،الوسائل 20:385 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 5 ح 5.
3- كما في رجال الشيخ:416.
4- على ما حكاه عنه في الكفاية:159.
5- كما حكاه عنه في المختلف:519.
6- أي قبل الحولين.منه رحمه الله.
7- الكافي 5:1/443،الوسائل 20:385 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 5 ح 2.
8- نهاية المرام 1:112.

يفطم» (1).

و هو ضعيف؛ لحمل إطلاقهما على الخبر المتقدّم المفسّر لهما، فيحمل:«قبل أن يفطم» في الرواية الثانية على كونه تأكيداً لقبل الحولين، مفسّراً له،و لا مانع من حمل كلامه عليه،فلا خلاف.

و الإسكافي في الثاني (2)،فصرّح بالنشر بالرضاع بعدهما بلا فطام يفصلهما (3)؛ لإطلاق مفهوم نحو الحسن المتقدّم.

و خصوص الموثّق:«الرضاع بعد الحولين قبل أن يفطم يحرّم» (4).

و ضعف الأول ظاهر بعد ما تقدّم.

و الموثّق غير مكافئ له بوجه،مع حمله في كلام شيخ الطائفة على التقية (5)،مع احتماله لمحامل غير بعيدة منافية للدلالة،كتخصيص الحولين بولد المرضعة و الفطام بالمرتضع،أي الرضاع بعد حولي ولد المرضعة قبل أن يفطم المرتضع و يتمّ حولاه ينشر الحرمة،كما عليه مشهور الطائفة، و سيأتي إليه الإشارة (6).

و هو أي الرضاع قبل الحولين- يراعى في المرتضع بمعنى:

وقوعه قبل حولية،إجماعاً كما في القواعد و المسالك (7)،و عن جماعة عن

ص:145


1- الكافي 5:2/443،التهذيب 7:1312/318،الوسائل 20:385 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 5 ح 4.
2- كما نقله عنه في المختلف:519.
3- أي الحولين و الرضاع.منه رحمه الله.
4- الفقيه 3:1469/306،التهذيب 7:1314/318،الإستبصار 3:717/198،الوسائل 20:386 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 5 ح 7.
5- التهذيب 7:318.
6- في ص 146.
7- القواعد 2:10،المسالك 1:469.

الخلاف و الغنية (1)؛ للنصوص المتقدّمة.

دون ولد المرضعة فينشر الحرمة و لو وقع الرضاع قبل حولي المرتضع بعد حولية على الأصحّ الأشهر،وفاقاً للحلّي و الفاضلين و الشهيدين (2)،و كثير من المتأخّرين (3)،بل عليه الإجماع عن بعض (4).

لعموم الأدلّة على نشر الرضاع للحرمة من الكتاب و السنّة،الشاملة لمثل المسألة،المؤيّدة بأصالة بقاء الحرمة السابقة على المناكحة،و لا قاطع مخرج عنها من الأدلّة؛ للشكّ في دخول مثلها في النصوص المتقدّمة لو لم يدّع عدمه للتبادر و السياق كما وقع في كلام جماعة (5).

و على تقدير تسليم الظهور بالعموم لو كان فهو غير كافٍ في تخصيص عموم الأدلّة القطعيّة؛ إذ المناط فيه قوة الدلالة،بل قطعيّتها،كما يشعر بها كلام جماعة،و هي في النصوص منتفية بالضرورة،فتخصيصها به جرأة عظيمة.

نعم،في الموثّق الموقوف إلى ابن بكير:سأله ابن فضّال في المسجد،فقال:ما تقولون في امرأة أرضعت غلاماً سنتين،ثم أرضعت صبيّة لها أقلّ من سنتين حتى تمّت السنتان،أ يفسد ذلك بينهما؟فقال

ص:146


1- الخلاف 5:100،الغنية(الجوامع الفقهية):609.
2- الحلّي في السرائر 2:519،المحقق في الشرائع 2:283،العلّامة في القواعد 2:10،الشهيدان في اللمعة و الروضة 5:163.
3- كفخر المحققين في الإيضاح 3:48،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:50،السبزواري في الكفاية:159.
4- راجع السرائر 2:519.
5- منهم المحقق و الشهيد الثانيان في جامع المقاصد 12:222،و المسالك 1:469.

لا يفسد ذلك بينهما؛ لأنّه لإرضاع بعد فطام،و إنّما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

«لإرضاع بعد فطام» أي أنّه إذا تمّ للغلام سنتان أو الجارية فقد خرج من حدّ اللبن،و لا يفسد بينه و بين مَن شرب من لبنه (1).

و هو و إن كان نصّاً،إلّا أنّ مرجعه إلى اجتهاد ابن بكير المردود بما قدّمناه،و معارضتِه بتفسير الكليني و الصدوق:ل«لإرضاع بعد فطام» بما يوافق المشهور (2)،و ترجيحهما على مثله ظاهر.

فظهر ضعف اعتباره في ولد المرضعة أيضاً،كما عن جماعة،منهم:

ابن زهرة (3).و دعواه الإجماع عليه بمصير معظم الأصحاب على خلافه موهونة،مع معارضتها بحكاية الإجماع على خلافه،المتقدّمة،المعتضدة بالشهرة.

الرابع أن يكون اللبن لفحل واحد

الرابع:أن يكون اللبن الناشر لفحل واحد و لاعتبار هذا الشرط وجهان:

أحدهما و هو المناسب للمقام و سائر الشروط المتقدّمة-:اعتباره لثبوت أصل التحريم بين الرضيع و المرضع و صاحب اللبن،و لا خلاف فيه بيننا،بل عليه الإجماع منّا في التذكرة (4)؛ و عليه دلّت الموثّقة (5)في رضاع اليوم و الليلة.

فلو ارتضع من امرأة بعض العدد من لبن فحل،و منها بعينها تمامه

ص:147


1- التهذيب 7:1311/317،الإستبصار 3:714/197،الوسائل 20:385 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 5 ح 6.
2- الكليني في الكافي 5:444،الصدوق في الفقيه 3:306.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):609.
4- التذكرة 2:621.
5- المتقدمة في ص 134.

من لبن فحل آخر بعد تزويجها منه و مفارقتها الأول،لم ينشر حرمة أصلاً، فتحلّ له المرضعة و صاحبا اللبن إن كان أُنثى.و يفرض المثال لو استقلّ الولد بالمأكول أو اللبن المَوجُور في فيه و لو منها على ما تقدّم في المدّة المتخلّلة بين الرضاعين،بحيث لا يفصل بينهما برضاع أجنبيّة.و لا قَدْحَ بمثله (1)في حصول التحريم بالرضعات كما مرّ.

و الثاني و هو المقصود من العبارة و المتداول في كلام الطائفة،الذي صار محلّ النزاع و المشاجرة بين الخاصّة و العامّة-:اعتباره لحرمة أحد المرتضعين على الآخر،بعد حصولها لأحدهما مع المرضعة و صاحب لبنه.

فيحرم الصبيّان أحدهما على الآخر كحرمتهما على المرضعة و الفحل إذا كانا يرتضعان بلبن فحل واحد بلا كلام و لو اختلف المرضعتان.

و لا يحرم أحدهما على الآخر على الأشهر الأظهر،بل عليه الإجماع في التذكرة و عن الحلّي (2)و ظاهر غيرهما (3) لو رضع كلّ واحد من لبن فحل غير فحل الآخر و إن اتّحدت المرضعة فيكفي الاُخوة من جهة الأُبوّة،و لا يكفي من جهة الأُمومة.

للمعتبرة،كالصحيح:عن الرجل يرضع من امرأة و هو غلام،أ يحلّ له أن يتزوّج أُختها لأُمّها من الرضاعة؟فقال:«إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحلّ،و إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس» (4).

ص:148


1- أي بمثل استقلال الولد.
2- التذكرة 2:621،الحلي في السرائر 2:553.
3- انظر جامع المقاصد 12:223 و المسالك 1:469.
4- الكافي 5:11/443،التهذيب 7:1323/321،الإستبصار 3:726/201،الوسائل 20:389 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 3.

و الموثّق:عن غلام رضع من امرأة،أ يحلّ له أن يتزوّج أُختها لأبيها من الرضاعة؟فقال:«لا،قد رضعا جميعاً من لبن فحل واحد» قال:قلت:

فيتزوّج أُختها لأُمّها من الرضاعة؟قال:«لا بأس بذلك،إنّ أُختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام،فاختلف الفحلان، فلا بأس» (1).

و هما مع اعتبار سندهما يستلزمان المدّعى (2)و صريحان فيه،و مع ذلك معتضدان بالشهرة العظيمة و الإجماعات المنقولة و المخالفة للعامّة،كما يظهر من الحلّي و المسالك و التذكرة (3)،و بما دلّ (4)على اعتبار اتّحاد الفحل بالمعنى الأول (5)؛ بناءً على دلالته على عدم حصول البنوّة من جهة الأُمومة خاصّة،فعدم حصول الاُخوّة من جهتها بطريق أولى.و لا بُعدَ في جعله دليلاً،كما يوجد في كلام جماعة.و نحوه ما دلّ على عدم اعتبار ما خلا عن نكاح.

و بالصحيح بل هو دليل آخر برأسه على الصحيح-:عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً [1] (6)فقال:«إنّ اللّه تعالى خلق آدم من الماء العذب،و خلق زوجته من سنخه، فبرأها من أسفل أضلاعه،فجرى بذلك الضلع سبب و نسب،ثم زوّجها

ص:149


1- الكافي 5:10/442،التهذيب 7:1321/320،الإستبصار 3:724/200،الوسائل 20:388 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 2.
2- من حرمة أحد المرتضعين على الآخر.منه رحمه الله.
3- الحلّي في السرائر 2:553،المسالك 1:469،التذكرة 2:621.
4- كالموثقة المتقدمة في ص 134.
5- أي اعتباره لثبوت أصل التحريم بين الرضيع و المرضع و صاحب اللبن.
6- الفرقان:54.

إيّاه،فجرى بسبب ذلك بينهما صِهر،و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ نَسَباً وَ صِهْراً [1] فالنسب يا أخا بني عجل ما كان بسبب الرجال،و الصهر ما كان من سبب النساء» قال:قلت له:أ رأيت قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؟» فسِّر لي ذلك،فقال:«كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها وَلَد امرأة أُخرى من جارية أو غلام فذلك الرضاع الذي قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله،و كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحداً بعد واحد من جارية أو غلام،فإنّ ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب،و إنّما هو من سبب ناحية الصهر رضاعٌ و لا يحرّم شيئاً،و ليس هو سبب رضاع من ناحية لبن الفحولة فيحرّم» (1).

و هو كما ترى ظاهرٌ في المختار،بناءً على كون الظاهر كون:

«واحداً بعد واحد» مفعولاً ل:«أرضعت» و:«من غلام أو جارية»،بياناً لهما،و لا يحتمل الحاليّة عن الفحلين؛ لأمرين:

أحدهما:أنّه لا يستفاد منه حينئذٍ شيء زائد عمّا استفيد قبله،فيكون تأكيداً،و ما ذكرناه تأسيس،فهو أولى.

و ثانيهما:استلزام ذلك إمّا تقدير المفعول،و هو خلاف الأصل،أو جعله مدخول الجار،و هو خلاف الظاهر،أو جعله (2)زائداً،و هو كالأول (3)،فتعيّن ما ذكرناه.

ص:150


1- الكافي 5:9/442،و أورد ذيله في الوسائل 20:388 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- أي:الجار.
3- أي خلاف الأصل.منه رحمه الله.

و لا ينافيه وقوعه تفسيراً للرضاع المحرّم؛ بناءً على تصريحه بعدم النشر مع تعدّد الفحل،الظاهر في عدمه مطلقاً،حتى بين الرضيع و المرضع و صاحب اللبن؛ لاحتمال كونه تفسيراً للرضاع المحرّم كلّياً تحريماً عامّاً، حتى لأحد الرضيعين على الآخر،لا أصل التحريم و لو كان جزئياً حتى ينافي ذلك.

فيكون المراد:أنّ الرضاع الذي قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله أي الذي يحرم تحريم النسب من الجانبين مطلقاً،حتى بين المرتضعين هو الرضاع الذي يتّحد مع الفحل،و أمّا إذا تعدّد فلا يحرم ذلك التحريم العام،و إن حرم الجزئي بين الرضيع و المرضع و صاحب اللبن بقدر ما وجد فيه من علّة التحريم،أعني:ما يستفاد من الصدر و الذيل،و هو الشباهة بالنسب، الناشئة من جهة الفحل خاصّة دون المرضعة؛ لبعدها عنها،و قربها من الشباهة بالمصاهرة.

ثم على تقدير تسليم ما ذكر من الاحتمال (1)،فهو يدلّ على المختار أيضاً؛ بفحوى الخطاب الذي تقدّمت إليه الإشارة (2)،و عموم التعليل في الذيل لما ذكر لما نحن فيه؛ لصدق كون الاُخوّة إنّما هي من ناحية المصاهرة لا النسبيّة،التي جُعلت مناطاً لنشر الرضاع للحرمة.

و بهذه الأدلّة يخصَّص عموم الكتاب و السنّة إن كان دلالتها على الشمول لمثل المقام واضحة.

فخلاف الطبرسي (3)ضعيف،و ليس عليه دلالة في الخبر:قال مولانا

ص:151


1- من كون المراد إثبات اتّحاد الفحل بالمعنى الأول.منه رحمه الله.
2- في ص 149.
3- كما في مجمع البيان 2:28.

الرضا عليه السلام:«ما يقول أصحابك في الرضاع؟» قال:قلت:كانوا يقولون:

اللبن للفحل،حتى جاءتهم الرواية عنك:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فرجعوا إلى قولك،قال:فقال لي:«و ذلك أنّ أمير المؤمنين سألني عنها،فقال:اشرح لي:اللبن للفحل،و أنا أكره الكلام،فقال لي:كما أنت حتى أسألك عنها،ما قلتَ في رجل كانت له أُمّهات أولاد شتّى،فأرضعت واحدة منهن بلبنها غلاماً غريباً،أ ليس كلّ شيء من ولد ذلك الرجل من أُمّهات الأولاد الشتّى محرّم على ذلك الغلام؟» قال:«قلت:بلى» فقال لي أبو الحسن عليه السلام«ما بال الرضاع يحرّم من قبل الفحل و لا يحرّم من قبل الأُمّهات؟!و إنّما حرّم اللّه تعالى من قبل الأُمّهات و إن كان لبن الفحل أيضاً يحرّم» (1).

إذا هو مع قصور سنده بجهالة الراوي لا يستفاد منه سوى تحريم أولاد المرضعة نسباً على المرتضع،و ليس من محلّ البحث في شيء، و على تقدير كونه منه فحمله على التقيّة كما صرّح به جماعة (2)متعيّن.

فالعجب كلّ العجب ممّن جعل الحمل منعكساً،فحمل ما تقدّم على التقيّة (3).و لو احتيط كان أجود.

و يستحب للمسترضع المختار أن يتخيّر للرضاع:المسلمة فيكره الكافرة مطلقاً،حتى الكتابيّة.

لفحوى الحسنة:«إنّ اليهوديّة و النصرانيّة و المجوسيّة أحبّ إليّ من

ص:152


1- الكافي 5:7/441،التهذيب 7:1322/320،الإستبصار 3:725/200،الوسائل 20:391 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 9؛ بتفاوت يسير.
2- منهم المجلسي في ملاذ الأخيار 12:163 و صاحب الوسائل 20:391.
3- كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:236.

ولد الزناء» (1).

و لما علم من المعتبرة كالتجربة أنّ الرضاع يؤثّر في الطباع و الحال،ففي الموثّق:«انظروا مَن ترضع أولادكم،فإنّ الولد يشبّ عليه» (2).

الوضيئة ؛ لما تقدّم،و الصحيح:«عليكم بالوضّاء من الظؤورة، فإنّ اللبن يعدي» (3).

و نحوه القوي:«استرضع لولدك بلبن الحِسان،و إيّاك و القباح،فإنّ اللبن قد يعدي» (4).

العفيفة الكريمة الأصل؛ لما ذكر من استحباب اختيارهما في النكاح (5)،فكذا هنا.

للمرويّ في قرب الإسناد:«إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول:تخيّروا للرضاع كما تخيّرون للنكاح،فإنّ الرضاع يغيّر الطباع» (6).

العاقلة ؛ للحسن أو الصحيح:«لا تسترضعوا الحمقاء،فإنّ اللبن يعدي،و إنّ الغلام ينزع إلى اللبن» يعني إلى الظئر«في الرعونة و الحمق» (7)

ص:153


1- الكافي 6:5/43،التهذيب 8:371/109،الإستبصار 3:1147/322،الوسائل 21:464 أبواب أحكام الأولاد ب 76 ح 2؛ بتفاوت.
2- الكافي 6:10/44،الوسائل 21:466 أبواب أحكام الأولاد ب 78 ح 1.
3- الكافي 6:13/44،الفقيه 3:1479/307،التهذيب 8:377/110،الوسائل 21:468 أبواب أحكام الأولاد ب 79 ح 2.
4- الكافي 6:12/44،التهذيب 8:376/110،الوسائل 21:468 أبواب أحكام الأولاد ب 79 ح 1.
5- الوسائل 20:47 أبواب مقدمات النكاح ب 13.
6- قرب الإسناد:312/93،الوسائل 21:468 أبواب أحكام الأولاد ب 78 ح 6.
7- الكافي 6:8/43،الفقيه 3:1481/307،التهذيب 8:375/110،الوسائل 21:467 أبواب أحكام الأولاد ب 78 ح 2،الرعونة:الحمق.الصحاح 5:2124.

و نحوه غيره،كالمرويّ في العلل مثله (1)،بزيادة:«العمشاء» (2).

و لو اضطرّ إلى إحداهنّ و لو كانت الكافرة،استرضع الذميّةّ و انتفت حينئذٍ الكراهة؛ للمعتبرة،منها:الحسن المتقدّم،و الموثّق:هل يصلح للرجل أن ترضع له اليهوديّة و النصرانية و المشركة؟قال:

«لا بأس» (3).

و لكن لا يسترضع المجوسيّة،بل استرضع الكتابيّة؛ للحسنة:عن مظاءرة المجوسيّة،فقال:«لا،و لكن أهل الكتاب» (4)و نحوها الصحيحان الآتيان.

و يمنعها مع الاسترضاع من شرب الخمر و لحم الخنزير للصحيح:«لا يسترضع الصبي المجوسيّة،و يسترضع اليهوديّة و النصرانية،و لا يشربن الخمر،و يمنعن من ذلك» (5)،و نحوه الموثّق (6)و غيره (7).

ص:154


1- لم نعثر عليه في العلل و هو مروي في عيون الأخبار 2:67/33،الوسائل 21:467 أبواب أحكام الأولاد ب 78 ح 4.
2- العَمَش في العين:ضعف الرؤية مع سيلان دمعها في أكثر أوقاتها مجمع البحرين 4:143.
3- الكافي 6:4/43،التهذيب 8:373/109،الوسائل 21:465 أبواب أحكام الأولاد ب 76 ح 5.
4- الكافي 6:2/42،التهذيب 8:372/109،الوسائل 21:464 أبواب أحكام الأولاد ب 76 ح 3 بتفاوت يسير.
5- الكافي 6:14/44،بتفاوت يسير،التهذيب 8:374/110،الوسائل 21:464 أبواب أحكام الأولاد ب 76 ح 1.
6- الكافي 6:4/43،التهذيب 8:373/109،الوسائل 21:465 أبواب أحكام الأولاد ب 76 ح 5.
7- قرب الإسناد:275،1097،الوسائل 21:465 أبواب أحكام الأولاد ب 76 ح 7.

ثمّ ليس في هذه الأخبار أكثر من جواز استرضاع الكافرة،و لا ينافي ذلك الكراهة الثابتة بما قدّمناه من الأدلّة،فالتأمّل فيها لإطلاق نفي البأس عن استرضاع ما عدا المجوسيّة غير جيّد.

و يكره تمكينها من حَمْل الولد إلى منزلها للصحيح:عن رجل دفع ولده إلى ضئرٍ يهوديّة أو مجوسيّة،ترضعه في بيتها،أو ترضعه في بيته؟قال:«ترضعه لك اليهوديّة و النصرانيّة، و تمنعها من شرب الخمر و ما لا يحلّ،مثل:لحم الخنزير،و لا يذهبن بولدك إلى بيوتهن،و الزانية لا ترضع ولدك،فإنّه لا يحلّ لك،و المجوسيّة لا ترضع ولدك إلّا أن تضطرّ إليها» (1).

و منه يظهر أنّه يكره استرضاع المجوسيّة أشدّ كراهية، إلّا عند الضرورة،بل ظاهره كغيره التحريم،و لو لا الأصل المعتضد باتّفاقهم لكان متعيّناً.

و نحوه استرضاع مَن لبنها عن زناء بل مرّ في الحسن (2)أشدّيّته من الأول.

و لكن في رواية مرويّة بعدّة طرق معتبرة:أنّه إذا أحلّها مولاها طاب لبنها و زال بذلك كراهة استرضاعها،كالحسن:في المرأة تكون لها الخادمة قد فجرت تحتاج إلى لبنها،قال:«مرها فلتحلّلها يطيب اللبن» (3).

ص:155


1- الفقيه 3:1482/308،التهذيب 8:401/116،الوسائل 21:465 أبواب أحكام الأولاد ب 76 ح 6.
2- راجع ص 153.
3- الكافي 6:7/43،التهذيب 8:370/109،الوسائل 21:463 أبواب أحكام الأولاد ب 75 ح 3.

و قد نسبها المصنّف في الشرائع إلى الشذوذ (1)،و علّل في الشرح بإعراض الأصحاب عنها؛ لمنافاتها القاعدة؛ لأنّ إحلال ما مضى من الزناء لا يرفع إثمه و لا يدفع حكمه،فكيف يطيب لبنه؟!و اعترضه بأنّه استبعاد محض في مقابلة النصوص الكثيرة الخالية عن المعارض (2).

و هو حسن،إلّا أنّ دعواه إعراض الأصحاب عنها المشعرة بالإجماع تلحقها بالشواذّ و إن خلت عن المعارض،فيجب طرحها،أو حملها على ما إذا كانت الأمة قد تزوّجت بدون إذن مولاها،فإنّ الأولى له إجازة العقد ليطيب اللبن،كما فعله بعض الأصحاب (3).و هو و إن بَعُد غايته إلّا أنّه أولى من طرحها.

مسائل

و هنا مسائل ثلاث:

الأُولى إذا أُكملت الشرائط صارت المرضعة أُماً و صاحب اللبن أباً و أُختها خالة و بنتها أختا

الأُولى:إذا أُكملت الشرائط المعتبرة في تحريم الرضاع صارت المرضعة أُمّا للرضيع و صاحب اللبن أباً له،و آباؤهما مطلقاً (4)أجداداً و جدّات.

و كذا أُختها كأُخت الوالدات للفحل و لها خالة و إخوتها كإخوة الوالدات لهما أخوالاً،و إخوة صاحب اللبن و أخواته كإخوة آبائه و آبائها و أخواتهما أعماماً و عمّات.

و بنتها و ابنها كابن الفحل و ابنته أُختاً و إخوة.

فيحرم الرضيع و فروعه خاصّة على الجميع مطلقاً و لو انتسبوا إلى

ص:156


1- الشرائع 2:284.
2- المسالك 1:470.
3- انظر كشف اللثام 2:28.
4- أي من نسبٍ أو رضاع.منه رحمه الله.

المرضعة و بعلها بالرضاع،بشرط اتّحاد فحلهم و فحلهما، و يأتي على قول الطبرسي التحريم مطلقاً (1)فالأعمام و العمّات،كالأخوال و الخالات مثلاً للأبوين الرضاعيين،يحرمون على الرضيع و لو انتسبوا إليهما من غير نسب،مع الشرط المتقدّم أو مطلقاً.

خلافاً للقواعد و المحقّق الثاني،فنفيا التحريم في المنتسبات إليهما بالرضاع مطلقاً (2)؛ لعدم اتّحاد الفحل بين الرضيع و النسوة المزبورات (3).

و فيه نظر؛ إذ اشتراط اتّحاد الفحل إنّما هو في حصول البنوّة و الأُخوّة لا مطلقاً،كما دلّت عليه الروايات المتقدّمة (4)،المعتبرة،الصريحة في حرمة الخالة الرضاعيّة للمرضعة من طرف الفحل؛ معلّلاً بحصول اتّحاده لها و للخالة.

و لو كان المراد من الاتّحاد ما ذكراه لما كان للتعليل كالحكم بسببه وجه؛ لعدم اتّحاد فحلي الرضيع و الخالة الرضاعيّة،و إن هي إلّا غفلة واضحة تردّها الأخبار المزبورة،كإطلاقات كلام الأصحاب،بل صريحهم في المسألة.

و كما يحرم عليهم مطلقاً كذا يحرم الجميع،و منهم: أولاد صاحب اللبن مطلقاً ولادةً و رضاعاً على المرتضع و فروعه.

و كذا أولاد المرضِعة ولادةً إجماعاً لا رضاعاً على الأشهر الأظهر،إلّا على قول الطبرسي الذي مرّ،فيحرم عليه أولادها مطلقاً.

ص:157


1- كما في مجمع البيان 2:28.
2- أي مع الشرط و عدمه.منه رحمه الله.
3- القواعد 2:13،جامع المقاصد 12:258.
4- في ص 148 149.
الثانية لا ينكح أب المرتضع في أولاد صاحب اللبن

الثانية :المستفاد من النصوص المعتبرة بعد أن ضُمّ إليها أصالة الإباحة أنّه لا يحرم من الرضاع إلّا ما يحرم من جهة النسب،و ليس المحرّم من جهته إلّا من صدق عليه عنوانات النسوة السبع المذكورات في الآية (1)،كالاُمومة و البنتيّة و الأُختيّة و نحوها.

لا أُمّ الأخ و الأُخت،و لا أُمّ ولد الولد،و لا جدّة الولد،و لا أُخت الولد،فلا يحرمن في الرضاع إذا كنّ أجنبيّات و إن حرمن في النسب تارةً و بالمصاهرة اخرى؛ لعدم صدق العنوانات في الآية عليهنّ حينئذ،فهنّ عن القاعدة خارجات،لا داخلات يحتاج إلى استثنائهن،كما عن التذكرة (2).

و نحو هذه الصور ما لو أرضعت زوجتك ولد ولدها ذكراً كان الولد أو أُنثى فإنّ هذا الرضيع يصير ولدك بالرضاع بعد أن كان ولد ولدك بالنسب،فتصير زوجتك المرضعة جدّة ولدك،و جدّة الولد محرّمة عليك للنسب أو المصاهرة،و لكن هنا لا تحرم الزوجة؛ لأنّ تحريم جدّة الولد ليس منحصراً في النسب،و لا من حيث إنّها جدّة.

و كذا لو أرضعت ولد ولدها من غيرك،فإنّ الرضيع يصير ولدك بالرضاع و إن لم يكن له إليك انتساب قبله،و تصير زوجتك جدّة ولدك، و لا تحرم بذلك كما قرّرنا.

و ممّا ذُكِر ينقدح وجه القدح في المحكيّ عن شذوذٍ من الأصحاب من القول بالنشر في نحو هذه الصور (3)؛ بناءً على حرمة المذكورات بالنسب في بعض الفروض،فيشملهنّ عموم:«يحرم من الرضاع ما يحرم

ص:158


1- النساء:23.
2- التذكرة 2:614.
3- كما في كفاية الأحكام:161.

من النسب» (1).

إذا المراد بالمحرّمات من النسب النسوة السبع المعدودات في الآية، و ليست النسوة المفروضات في الصور نظراء إحداهن؛ لعدم صدق عنوانهنّ عليهنّ،و حرمتهنّ بالنسب في بعض الفروض ليس إلّا لصدق الأُمومة و البنتية مثلاً عليهنّ،فيدور التحريم مدار صدق العنوانات المزبورة عليهنّ،المفقود فيهنّ في الصور المزبورة.

مضافاً إلى استلزام ما ذُكِر حرمة أُخت الرضاعيّة على أخيه؛ لحرمتها بالنسب في الجملة.و لا ريب في فساده بالبديهة؛ لدلالة المعتبرة (2)و اتّفاق الطائفة على عدم حرمتها من النسب عليه،فعدمها من الرضاع أولى؛ مضافاً إلى ورود النصّ بالعدم فيه أيضاً (3).

و ربما يتوهّم الاستدلال لهذا القول بالتعليل لتحريم أولاد المرضعة على أبي المرتضع ب:« أنّ ولدها صارت بمنزلة ولدك» الآتي في بعض الصحاح (4)في هذه المسألة.قيل:و هو يعطي التعميم،و يوجب تحريم من تصير بمنزلة محرم (5).

و هو مع معارضته بالمعتبرة المتقدّمة (6)،الحاصرة للمحرّمات الرضاعيّة في نظائر السبع المعدودات في الآية فيه:أنّه ليس المستفاد من التعليل إلّا كون منزلة الولديّة ضارّة،و ليس فيه ما يوجب التخطّي إلى تحريم من هو بمنزلة الأخ و الولد مثلاً إلّا بطريق القياس المستنبط العلّة،

ص:159


1- الوسائل 20:371 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1.
2- راجع الوسائل 20:368 أبواب ما يحرم بالنسب ب 6.
3- راجع الوسائل 20:368 أبواب ما يحرم بالنسب ب 6.
4- انظر ص 160.
5- قال به المحقق الداماد في ضوابط الرضاع(كلمات المحققين):13.
6- في ص 126 127.

التي ليس فيها حجّة.

و لذا أنّ أكثر الأصحاب كالفاضلين و الشهيدين (1)،و غيرهم (2)، و المحكيّ عن الشيخ في كتبه و ابن حمزة و الحلّي (3)خصّوا التعليل بمورده بعد أن عملوا به،فقالوا:

لا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادةً و رضاعاً و أولاد المرضعة ولادةً لا رضاعاً؛ لأنّهم صاروا في حكم ولده للصحيح في الأول:عن امرأة أرضعت لي صبيّاً،هل يحلّ لي أن أتزوّج ابنة زوجها؟فقال لي:«ما أجود ما سألت،من هنا يؤتى أن يقول الناس:حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل،هذا لبن الفحل لا غير» فقلت له:الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعته لي،هي ابنة غيرها،فقال:

«لو كنّ عشراً متفرّقات ما حلّ لك شيء منهن» (4).

و الصحيحين في الثاني،في أحدهما:امرأة أرضعت بعض ولدي، هل يجوز لي أن أتزوّج بعض ولدها؟فكتب:«لا يجوز ذلك؛ لأنّ ولدها صارت بمنزلة ولدك» (5).

ص:160


1- المحقق في الشرائع 2:285،العلّامة في التحرير 2:10،الشهيدان في اللمعة و الروضة 5:169.
2- انظر المفاتيح 3:236 و الكفاية:160.
3- حكاه عن الشيخ في التنقيح الرائع 3:51،ابن حمزة في الوسيلة:302،الحلّي في السرائر 2:554.
4- الكافي 5:8/441،التهذيب 7:1320/320،الإستبصار 3:723/199،الوسائل 20:391 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 10.
5- الأول في:الفقيه 3:1470/306،التهذيب 7:1324/321،الإستبصار 3:727/201،الوسائل 20:404 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 16 ح 1.الثاني في:الكافي 5:18/447،الفقيه 3:1471/306،الوسائل 20:404 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 16 ح 2.

و مع ذلك ردّه جمع من الأصحاب كالشيخ في المبسوط و القاضي (1)تمسّكاً بأصالة الإباحة،و عملاً بالقاعدة المتقدّمة.

و هو قوي،لولا هذه الأخبار الصحيحة،المعتضدة بالشهرة العظيمة و مراعاة الاحتياط المطلوبة في الشريعة،سيّما في أمثال المسألة.و تعارض أصالة الإباحة بأصالة الحرمة السابقة.

و القاعدة المتقدّمة النافية للحرمة عن أمثال هذه المسألة إنّما هو بضميمة أصالة الإباحة،و إلّا فلا يثبت من المعتبرة سوى حرمة ما يحرم من النسب في الرضاع،و هو لا ينافي ثبوتها به في غيره (2).

فليس بين هذه الصحاح و تلك المعتبرة معارضة.نعم،تعارض أصالة الإباحة،و مراعاتها في مقابلة الصحاح المعتضدة بالشهرة غير خالصة عن شوب المناقشة.و كيف كان،الاحتياط لا يترك في المسألة.

و يتفرّع على الخلاف في هذه المسألة ما لو أرضعت ولد إنسان جدّته لاُمّه،سواء كان بلبن جدّه أو غيره،أو أرضعته إحدى نسوة جدّه بلبن جدّه الرضاع المعتبر،فإنّ أُمّ الرضيع تحرم على زوجها أبي المرتضع على القول بالتحريم؛ لأنّها من جملة أولاد المرضعة على التقدير الأول،و من جملة أولاد صاحب اللبن على التقدير الثاني.

ثم من القاعدة يعلم أيضاً عدم حرمة المرضعة على أبي المرتضع؛ إذا

ص:161


1- المبسوط 5:305،القاضي في المهذّب 2:191.
2- أي لا ينافي ثبوت الحرمة بالرضاع في غير ما يحرم من النسب.

لا مقتضي له،فإنّ أُمّ الولد من النسب ليست حراماً،فالأولى أن لا تحرم من الرضاع.

و كذا لا تحرم على أخي المرتضع؛ لأنّ أُمّ الأخ من النسب إنّما حرمت على الأخ لكونها أُمّا أو منكوحة الأب،و انتفاء هذين المانعين هنا ظاهر.

و هل تنكح أولاده أي أولاد أبي المرتضع الذين لم يرتضعوا من لبن الفحل في أولاد هذا الفحل مطلقاً،نسباً و رضاعاً،و أولاد المرضعة نسباً،إذا لم يرتضعوا من لبنها أصلاً؟ قال الشيخ في النهاية و الخلاف:لا يجوز (1)؛ لدلالة تعليل التحريم على أبي المرتضع في المسألة السابقة بأنّهنّ بمنزلة ولده عليه (2).و لأنّ أُخت الأخ من النسب محرّم،فكذا من الرضاع.

و يضعّف الأول:بمنع وجود العلّة هنا؛ لأنّ كونهنّ بمنزلة أولاد أبي المرتضع غير موجود هنا،و إن وجد ما يجري مجراها،و هو أنّها أُخت الأخ.

و الثاني:بأنّ أُخت الأخ من حيث كونها أُختاً للأخ لا تحرم على الأخ،و إنّما تحرم من حيث كونها أُختاً له؛ لأنّ الإنسان لو كان له أخ من أبيه و أُخت من امّه جاز لأخيه المذكور نكاح أُخته؛ إذ لا نسب بينهما يحرّم،و إنّما تحرم أُخت الأخ إذا كانت أُختاً لمن يحرم من الأب أو من الاُمّ.

و هو حسن،إلّا أنّه في الأول كلام،فإنّه متى ثبت كون أولاد صاحب

ص:162


1- النهاية:462،الخلاف 5:93.
2- راجع ص 160.

اللبن بمنزلة أولاد أبي المرتضع صاروا بمنزلة الإخوة لأولاده،إلّا أن تمنع الملازمة بين الأمرين،و لا بُدَّ من التأمّل؛ مع أنّ كونهم بمنزلة الولد يقتضي أن يثبت لهم جميع الأحكام الثابتة للولد من حيث الولديّة؛ لعدم تخصيص في المنزلة،و من جملة أحكام الولد:تحريم أولاد الأب عليه.

و الوجه:الجواز عند الأكثر،و منهم:الحلّي و القاضي و الفاضلان و الشهيدان (1)،و هو الأظهر؛ للأصل المستفاد من عمومات الحلّ،و إنّما المحرّم طارٍ لا بدّ من ثبوته،فحيث لم يثبت لم تحرم.

مضافاً إلى القاعدة السابقة من أنّه لا يحرم من الرضاع إلّا ما يحرم من النسب،و ليس أُخت الأخ منه بحرام كما عرفت،فعدمه هنا أولى.

مضافاً إلى الموثّق:في رجل تزوج أُخت أخيه من الرضاعة،فقال:

«ما أُحبّ أن أتزوّج أُخت أخي من الرضاعة» (2).

و هو ظاهر في الكراهة؛ لعدم تأدية الحرمة بمثل هذه العبارة،مع ورودها في أُخت الأخ النسبيّة (3)،و المراد بها بالإضافة إليها الكراهة بإجماع الطائفة،و الراوي للخبرين واحد،و قصور السند لو كان منجبر بالشهرة بين الأصحاب.

و بذلك يُخَصّ عموم المنزلة المتقدّمة،و يقال:إنّ المراد كونهنّ بمنزلة أولاده في خصوص الحرمة عليه،لا انتشارها إلى الإخوة.

بل لا يبعد الإبقاء على العموم و الحمل على الكراهة مطلقاً؛ لهذه

ص:163


1- الحلّي في السرائر 2:557،القاضي في المهذّب 2:191،المحقق في الشرائع 2:285،العلّامة في القواعد 2:11،الشهيدان في اللمعة و الروضة 5:171.
2- الكافي 5:2/444،الوسائل 20:368 أبواب ما يحرم بالنسب ب 6 ح 2.
3- التهذيب 7:1893/472،الوسائل 20:369 أبواب ما يحرم بالنسب ب 6 ح 4.

الموثّقة الظاهرة فيها في بعض أفراد عموم المنزلة،و لا يبعد الحمل عليها في الباقي؛ لاتّحاد العبارة.

فظهر نوع من التأمّل في الحرمة في المسألة السابقة،و لكن الاحتياط لا يترك هنا و ثمّة،و إن كان الأظهر الجواز هنا و في تزويج أبي المرتضع بأُمّ المرضعة نسباً فضلاً أن يكون رضاعاً،فإنّ غايتها أن تنزل منزلة أُمّ الزوجة، و هي لا تحرم إلّا بالمصاهرة،و عن المبسوط التصريح به (1)،و وافقه ابن حمزة (2)و أكثر المتأخّرين (3).

خلافاً للحلّي،فحرّم (4)؛ لزعمه أنّه من التحريم بالنسب؛ نظراً إلى الأُمومة،و وافقه في المختلف (5)؛ لما تقدّم من التعليل لتحريم أُخت الولد الرضاعيّة بأنّها في منزلة الولد،و لا ريب أنّها تحرم بالمصاهرة،فدلّ على إفادة الرضاع الحرمة بالمصاهرة.

و فيه نظر (6)،و الأولى الاقتصار في الحرمة على ما تضمّنته الرواية المعلّلة (7).

و نحوه الكلام في تزويج الفحل في أخوات المرتضع،فلا بأس به على الأشهر الأظهر؛ تمسّكاً بالأصل و القاعدة.و تحريم أولاده على

ص:164


1- المبسوط 5:305.
2- الوسيلة:302.
3- منهم العلّامة في التحرير 2:5،و القواعد 2:12،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 12:243،و السبزواري في الكفاية:161.
4- السرائر 2:555.
5- المختلف:520.
6- لاحتمال كون المصاهرة المحرّمة المصاهرة الخاصة التي تضمّنها التعليل لا مطلقاً.منه رحمه الله.
7- المتقدمة في ص 160.

أبي المرتضع بناءً على كونهم بمنزلة أولاده لا يستلزم العكس،و هو أنّ أولاد أبي المرتضع بمنزلة أولاد الفحل،فظهر ضعف القول بالمنع هنا و مستندِه،و إن حكي عن الخلاف و النهاية و الحلّي (1).

و بالجملة:فهذه المسائل الثلاث،الأظهر فيها الجواز،وفاقاً للأشهر بين الأصحاب،بل لا يبعد في الأُولى أيضاً و إن كان الاحتياط فيها لازماً.

و أمّا ما عدا هذه المسائل الأربع،فلا خلاف يعتدّ به بين الأصحاب في لزوم الاقتصار فيها على القاعدة،و عدم الحكم بالحرمة إلّا بصدق نحو الأُمومة و البنتيّة و الأُختيّة،و نحو ذلك من العنوانات المذكورة في الآية (2).

و أمّا عموم المنزلة الذي تقدّم إليه الإشارة (3)فلم نقف على ما يدلّ عليه بشيء من الكتاب و السنّة،بل هي مع الأصل في ردّه واضحة الدلالة،و قد مرّ الموهم له مع جوابه في صدر المسألة (4).

الثالثة لو تزوّج رضيعة،فأرضعتها امرأته حرمتا

الثالثة :لا خلاف في أنّه كما يمنع الرضاع[النكاح (5)]سابقاً كذلك يبطله لاحقاً؛ للعمومات،و خصوص المعتبرة المستفيضة الآتية (6)، و فيهما الدلالة مضافاً إلى اتّفاق الطائفة على تعلّق المصاهرة بالرضاع كتعلّقها بالنسب،بمعنى:أنّ كلّ من حرم من جهة النسب في المصاهرة حرم من جهة الرضاع أيضاً،فكما تحرم بها أُمّ الزوجة النسبية و ابن الزوج النسبي،كذا يحرم بها نظيرهما من جهة الرضاع.

ص:165


1- الخلاف 4:302،النهاية:462،الحلّي في السرائر 2:555.
2- النساء:23.
3- في ص 159.
4- راجع ص 159.
5- ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء المعنى.
6- في ص 171.

و أمّا ما ذكروه من المصاهرة التي لا يتعدّى إليها التحريم بالرضاع، فهي المصاهرة الحاصلة بالرضاع نظير المصاهرة الحاصلة بالنكاح،كما إذا حصل بجعل مرضعة الولد بمنزلة الزوجة لأبي المرتضع،و أُمّها بمنزلة أُمّ الزوجة،و أُختها بمنزلة أُختها،و هكذا،فمثلها لا يتعدّى إليه التحريم.

بخلاف المصاهرة في الأول،فإنّها ليست ناشئة عن الرضاع،بل عن النكاح الصحيح،و إنّما الناشئ عن الرضاع هو البنوّة مثلاً،فلمّا تحقّقت لزم حكم الناشئ عن النكاح،و هو كون منكوحته حليلة الابن،و هكذا.

و الضابط:تنزيل المنتسب بالرضاع منزلة المنتسب بالنسب،فيلحقه أحكامه.و لا يتعدّى الحكم إلى ما يناسبها،بل يراعى نفس الوصف الموجب للتحريم.

إذا تمهّد هذا فاعلم:أنّه لو تزوّج رضيعة،فأرضعتها امرأته بلبنه حرمتا عليه مؤبّداً مطلقاً.و كذا لو أرضعتها بلبن غيره،كانت في حبالته كما إذا استمرّ لبن الأول إلى أن تزوّجت به أم لا إن كان دخل بالمرضِعة على الأشهر الأظهر فيهما من تحريم الاُمّ بمجرّد العقد على البنت،كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

و على القول الآخر يختصّ التحريم بالرضيعة؛ لكونها إمّا بنته كما في الأول أو بنت الزوجة المدخول بها،كما في الثاني.

قيل (1):و في بعض المعتبرة دلالة عليه،كالحسن:في رجل تزوّج جارية صغيرة،فأرضعتها امرأته و أُمّ ولده،قال:«تحرم عليه» (2)و نحوه في

ص:166


1- انظر الكفاية:162.
2- الكافي 5:6/445،الوسائل 20:399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 10 ح 2.

آخر (1)كالموثّق (2)،إلّا أنّ فيهما بدل«تحرم عليه» :«فسد نكاحه» .و فيه نظر.

و كيف كان،فلا ريب في دلالتها على الحرمة في الجملة.

و إلّا يكن دخل بها حرمت المرضعة حَسْبُ فلا تحرم الرضيعة؛ لأنّها ربيبة لم يدخل بأُمّها،بل و لا الأُمّ أيضاً على القول الآخر، من اعتبار الدخول بالبنت في حرمة الأُمّ.و لكنّه ضعيف.

و كيف كان،ينفسخ نكاح الجميع مطلقاً هنا و في الصورتين السابقتين،أمّا فيهما فواضح؛ لحرمة كلتيهما جمعاً و انفراداً،و أمّا هنا فلامتناع الجمع بينهما،فكالعقدين المتقارنين زماناً،فيبطلان؛ لعدم إمكان الترجيح،فيجدّد نكاح الرضيعة لو أراد.و لا خلاف في الظاهر بينهم في ذلك،و عليه الإجماع في الإيضاح (3).

و يشكل بأنّ أصالة بقاء صحّة نكاح الصغيرة يقتضي ترجيحها، و المانع إنّما طرأ في نكاح المرضعة،و فساده بطروّ المانع بالنسبة إليها لا يستلزم فساد ما خلا عنه،و قياسهما على العقدين المتقارنين قياسٌ مع الفارق،فتأمّل جدّاً.

و ربما احتمل القرعة مطلقاً (4)،فمن أخرجتها القرعة صحّ نكاحها و فسد نكاح الأُخرى.

و ما قيل في توجيه الفسخ مطلقاً من امتناع الاجتماع بين الاُمّ و البنت

ص:167


1- الكافي 5:4/444،الوسائل 20:399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 10 ح 1.
2- التهذيب 7:1231/293،الوسائل 20:399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 10 ح 1.
3- إيضاح الفوائد 3:51.
4- أي حتى في الصورتين السابقتين.منه رحمه الله.

في النكاح (1)لا يساعد عليه؛ إذ ذلك لا يقتضي إلّا تحريم أحدهما،و هو و إن جهل و لا يمكن الترجيح إلّا بمرجّح إلّا أنّه يستخرج بالقرعة،فتكون هي المرجّحة.

و يدفعها المعتبرة المتقدّمة،الدالّة على الحرمة و فساد النكاح و لو في الجملة،من دون أمر فيها بالقرعة.

مضافاً إلى أنّ الرضاع فاسخ للنكاح من حينه،لا كاشف عن فساد العقد من أصله،و معه يثبت لكلّ من النكاحين حكمه،من تحريم الربيبة و أُمّ الزوجة مطلقاً،سبقا أم لحقا،فإذا حصل الرضاع حرم الجمع بينهما و الانفراد بأحدهما؛ لكونها إمّا بنت زوجة صحّ زوجيّتها،أو أُمّ زوجة صحّت زوجيّتها،و يثبت الحرمة على كلّ تقدير.

نعم،لو كان الرضاع كاشفاً عن الفساد أمكن احتمال القرعة.و لكنّه ضعيف.

و لو كان له زوجتان كبيرتان فأرضعتها أي الزوجة الصغيرة - واحدة من الكبيرتين حرمتا أي الرضيعة و المرضعة بالتفصيل المتقدّم،و لا كلام فيه،بل عليه الإجماع في الإيضاح (2).

و إنّما الإشكال فيما لو أرضعتها الكبيرة الأُخرى بعد حصول التحريم بإرضاع الاُولى، ف فيه قولان،أشبههما عند المصنّف هنا صريحاً و في الشرائع ظاهراً (3)،و الحلّي و أكثر المتأخّرين كما

ص:168


1- انظر الكفاية:162.
2- إيضاح الفوائد 3:52.
3- الشرائع 2:286.

حكي (1) أنّها تحرم أيضاً لصيرورتها أُمّ من كانت زوجته،فيصدق عليها أُمّ الزوجة؛ بناءً على عدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق.

و فيه ضعف؛ لضعف المبنيّ عليه؛ للتوقّف فيه أوّلاً.

و عدم صدق الزوجة بعد الفسخ لغة و عرفاً كما إذا طلّقت،ثانياً.

و عدم وجود لفظ الزوجة في الأدلّة المحرِّمة لاُمّ الزوجة،و إنّما الموجود فيها لفظ النساء و نحوه ممّا هو جامد لا اشتقاق فيه،ثالثاً.

فلا مخرج قطعيّاً عمّا دلّ على أصالة الإباحة و استصحاب الحلّية السابقة.

مضافاً إلى اعتضادها بالرواية:«حرمت عليه الجارية و امرأته التي أرضعتها أولاً،أمّا الأخيرة لم تحرم عليه؛ لأنّها أرضعت ابنته» (2)و فيها تخطئة ابن شبرمة في فتواه بالخلاف.

و ليس في سندها من يتوقّف فيه،عدا صالح بن أبي حمّاد،و هو و إن ضعف في المشهور،إلّا أنّ القرائن على مدحه كثيرة.و توهّم الإرسال فيها ضعيف.

فإذاً القول بالحلّ أقوى،وفاقاً لظاهر الكليني و الشيخ و الإسكافي و السيّد في شرح الكتاب (3)،و جماعة من الأصحاب (4).

ص:169


1- انظر المسالك 1:475 و مرآة العقول 20:222 و الحدائق 23:421.
2- الكافي 5:13/446،التهذيب 7:1232/293،الوسائل 20:402 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 14 ح 1؛ بتفاوت يسير.
3- الكليني في الكافي 5:446،الشيخ في النهاية:456،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:521،السيّد صاحب المدارك في نهاية المرام 1:129.
4- منهم المجلسي في مرآة العقول 20:222،و صاحب الحدائق 23:421.

و لو تزوّج رضيعتين،فأرضعتهما امرأته بلبنه حرمن كلّهن مطلقاً،اجتمعتا في الارتضاع أم تعاقبتا،دخل بالمرضعة أم لا؛ لانتسابهما بالبنوّة إليه،و صيرورة المرضِعة أُمّ زوجةٍ تحرم مطلقاً،على الأظهر الأشهر كما مرّ،و يأتي عدم حرمتها على القول الآخر،و كذا لو أرضعتهما بلبن الغير.

إن كان دخل بالمرضعة و اجتمع الرضعتان،بلا كلام؛ لصيرورتهما بنتي الزوجة المدخول بها،و صيرورتها أُمّهما،فتحرم على ما مرّ،و لا على القول الآخر.

و إلّا يكن دخل بها حرمت المرضعة خاصّة دونهما؛ لما مرّ.

و لو دخل بها،و تعاقب الرضعتان،حرمن كلّهنّ أيضاً على اختيار المصنّف سابقاً،و يقتضيه إطلاق عبارته هنا أيضاً،و يأتي على المختار حرمة المرضعة و الرضيعة السابقة،و بقاء الثانية على أصالة الإباحة.

السبب الثالث في المصاهرة و النظر في الوطء و النظر و اللمس
اشارة

السبب الثالث:في المصاهرة.

و هي:علاقة تحدث بين الزوجين و أقرباء كلّ منهما بسبب النكاح، توجب الحرمة.

و يلحق بالنكاح [بالنظر في النكاح] : النظر في الوطء و النظر و اللمس على وجه مخصوص.

هذا هو المعنى المعروف من معناها لغة و عرفاً،فلا يحتاج إلى إضافة وطء الأمة و الشبهة و الزناء و نحوه إليها و إن أوجب حرمةً على بعض الوجوه؛ إذ ذاك ليس من حيث المصاهرة،بل من جهة ذلك الوطء،و إن جرت العادة بإلحاقه بها في بابها.

ص:170

و الكلام هنا يقع في مقامين:

أمّا الأول ففيه أحكام
من وطئ امرأة بالعقد أو الملك،حرمت عليه أُمّ الموطوءة و بناتها

أمّا الأول:ف في العقد و الوطء.

من وطئ امرأة بالعقد مطلقاً (1) أو الملك،حرمت عليه أُمّ الموطوءة و إن علت من الطرفين و بناتها و إن سفلن مطلقاً سواء كنّ قبل الوطء أو وجدن بعده كنّ في حجره و حضانته أم لا،و التقييد في الآية (2)خرج مخرج الغلبة،و صرّح بالتعميم و عدم اعتباره بعض المعتبرة (3).

حرمت الموطوءة على أبي الواطئ و أولاده

و حرمت الموطوءة كالمعقود عليها على أبي الواطئ و إن علا، و أولاده و إن نزلوا كلّ ذلك بالكتاب،و السنّة،و الإجماع من المسلمين كافّة،حكاه جماعة (4)،و هو العمدة في إثبات أكثر الأحكام المتقدّمة؛ لقصور الأوّلَين عن إفادتها طرّاً؛ لعدم اشتمالهما المرتفعين و المرتفعات و السافلين و السافلات،مع أنّ السنّة في ملك اليمين مختلفة.

ففي الخبر:رجل كانت له جارية،فوطئها،فباعها أو ماتت،ثم وجد ابنتها،أ يطؤها؟قال:«نعم،إنّما حرّم اللّه تعالى هذا من الحرائر،فأمّا الإماء

ص:171


1- دائماً كان أم متعة.منه رحمه الله.
2- المراد بها قوله تعالى: وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ النساء:23.
3- انظر الوسائل 20:458،459 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 18 الأحاديث 3،4،6.
4- منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد 12:283،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:130.

فلا بأس» (1).

و نحوه خبران آخران (2)،مشتركان له في ضعف السند،و الشذوذ، و مخالفة القرآن الكريم.و خصوص المعتبرة المستفيضة،كالصحيح:عن رجل كانت له جارية،فأُعتقت و تزوّجت،فولدت،أ يصلح لمولاها الأول أن يتزوّج ابنتها؟قال:«لا،هي عليه حرام،و هي ابنته،و الحرّة و المملوكة في هذا سواء» (3)و نحوه الموثّقات (4).

و بالجملة:الإجماع كفانا مئونة الاشتغال بالاستدلال لهذه الأحكام في المجال.

و لو تجرّد العقد على البنت عن الوطء،حرمت أُمّها عليه عيناً فلا يجدي فراقها لاستحلال الاُم جدّاً على الأصحّ الأشهر،بل كاد أن

ص:172


1- التهذيب 7:1181/278،الإستبصار 3:584/161،الوسائل 20:469 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 16 و فيه بتفاوت.
2- الأول في:التهذيب 7:1184/279،الإستبصار 3:587/161،الوسائل 20:469 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 15.الثاني في:التهذيب 7:1182/278،الإستبصار 3:585/161،الوسائل 20:469 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 16.
3- التهذيب 7:1176/277،الإستبصار 3:579/160،الوسائل 20:367 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ذ.ح 6.
4- الاُولى في:التهذيب 7:1177/277،الإستبصار 3:580/160،الوسائل 20:468 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 12.الثانية في:التهذيب 7:1178/277،الإستبصار 3:581/160،الوسائل 20:468 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 13.الثالثة في:التهذيب 7:1179/278،الإستبصار 3:582/160،الوسائل 20:467 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 6.

يكون إجماعاً كما في الروضة (1)،بل إجماع في الحقيقة كما عن الناصريّات و الغنية (2)،و صرّحت به الصحيحة الآتية (3).

لعموم الآية الكريمة (4)،المستفاد من إضافة الجمع إلى الضمير من دون تقدّم معهودة،و تعيّن تعلّق الاستثناء بالجملة الأخيرة؛ لأصالة بقاء الاُولى على الحقيقة.

و هي و إن كانت محلّ مناقشة في نحو الآية لبعض علماء الطائفة (5)لعدم الدليل عليها بالكلّية.و دعوى الإجماع عليها مع وقوع النزاع في أمثال الآية ممنوعة،كيف لا؟!و هي فيها محلّ نزاع و مشاجرة،فمقتضى الأصل الرجوع فيها إلى القاعدة،بأن ترجع القيود إلى الجملة الأوّلة،إذا كان إطلاق الحكم أو عمومه فيها منافياً لنحو أصالة البراءة،لا لأصالة الحقيقة في الرجوع إليها كما عن الشافعيّة (6)بل لأصالة البراءة،و الشكّ في [التخصيص باحتمال الرجوع إلى الأوّلة] @(الاختصاص بالأخيرة) (7).

@ و ينعكس الحكم بعكس القضيّة،فترجع القيود إلى الأخيرة خاصّة، و تبقى الأوّلة على عمومها،لا لأصالة الرجوع إليها كما عن أبي حنيفة (8)بل لموافقتها أصالة البراءة،كما هو مفروض القضيّة،و احتمال الرجوع إليها في التخصيص غير كافٍ بالبديهة.

ص:173


1- الروضة 5:177.
2- الناصريات(الجوامع الفقهية):209،الغنية(الجوامع الفقهية):609.
3- في ص 177.
4- النساء:23.
5- انظر الحدائق 23:449.
6- الإبهاج في شرح المنهاج 2:153.
7- بدل ما بين القوسين في حاشية الأصل:التخصيص باحتمال الرجوع إلى الأوّلة.
8- أُصول السرخسي 2:44.

و هو و إن كان في غاية القوّة.إلّا أنّه غير آتٍ في هذه الآية؛ لتعيّن الرجوع فيها إلى الأخيرة؛ من جهة كون:«من» مع الأُولى بيانيّة،و مع الثانية ابتدائيّة،و المشترك لا يستعمل في معنييه معاً،كما صرّح به من أرباب الأُصول جماعة (1).

مع أنّ الخبرين إذا اختلفا لم يتّحد نعتهما،و صرّح به أيضاً طائفة، كالزّجاج (2)و غيره (3)من أهل العربية،مع نقلهم ذلك عن النحاة كافّة.

مضافاً إلى دلالة المعتبرة هنا على الرجوع إلى الأخيرة،و ظاهرها كونه قاعدة كلّية جارية في مضاهيات الآية.

فروى العيّاشي في تفسيره عن أبي حمزة،عن مولانا الباقر عليه السلام:أنّه سأله عن رجل تزوّج امرأة و طلّقها قبل أن يدخل بها،أ تحلّ له ابنتها؟قال:

فقال:«قد قضى في هذا أمير المؤمنين عليه السلام،لا بأس به،إنّ اللّه تعالى يقول وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ [1] (4)و لكنّه لو تزوّج الابنة ثم طلّقها قبل أن يدخل بها لم تحلّ له أُمّها» قال:قلت:أ ليس هما سواء؟ قال:فقال:«لا،ليس هذه مثل هذه،إنّ اللّه تعالى يقول: وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ [2] (5)لم يستثن في هذه كما اشترط في تلك،هذه هنا مبهمة،ليس فيها شرط،و تلك فيها شرط» (6).

ص:174


1- منهم العلّامة الحلّي في مبادئ الوصول إلى علم الأُصول:76،و صاحب المعالم:38.
2- معاني القرآن و إعرابه 2:34.
3- انظر الجامع لأحكام القرآن 5:107.
4- النساء:23.
5- النساء:23.
6- تفسير العياشي 1:74/230،الوسائل 20:465 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 7.

و ناهيك هذه الرواية المعتضدة بالشهرة العظيمة في إثبات القاعدة الكلّية،فضلاً عن خصوص المسألة.و نحوها في إثبات المسألة و الإشعار بثبوت القاعدة الكلّية غيرها من المعتبرة:

كالموثّق:عن رجل تزوّج امرأة،ثم طلّقها قبل أن يدخل بها،فقال:

«تحلّ له ابنتها،و لا تحلّ له أُمّها» (1)و نحوه غيره (2).

و أظهر منهما الخبر الآخر:«إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول:الربائب عليكم حرام مع الأُمّهات اللّاتي قد دخلتم بهن،في الحجور و غير الحجور سواء، و الأُمّهات مبهمات،دخل بالبنات أم لم يدخل،فحرّموا و أبهموا ما أبهم اللّه تعالى» (3).

و قصور الأسانيد مع اعتبار بعضها منجبرٌ بالشهرة العظيمة و الإجماع المحكيّ في المسألة (4)؛ مع إشعار بعض الصحاح الآتية (5)بل و دلالته باشتهار الحكم بين الشيعة و افتخارهم به؛ لصدوره عن مولاهم أمير المؤمنين عليه السلام في هذه القضيّة،و بورود خلافه مورد التقيّة،فلا شبهة في المسألة.

خلافاً للعماني،فجعل البنت للاُمّ متساوية في اشتراط الدخول بها

ص:175


1- التهذيب 7:1167/273،الإستبصار 3:571/157،الوسائل 20:459 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 18 ج 5.
2- التهذيب 7:1166/273،الإستبصار 3:570/157،الوسائل 20:459 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 18 ح 4.
3- التهذيب 7:1165/273،الإستبصار 3:569/156،الوسائل 20:458 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 18 ح 3،و أورد ذيله في ص:463 ب 20 ح 2.
4- مرت إليه الإشارة في ص 172.
5- في ص 177.

للحرمة العينيّة (1).

استناداً إلى أصالة الإباحة،المردودة بما قدّمناه من الأدلّة.

و التفاتاً إلى الآية الشريفة؛ بناءً على قول الشافعيّة من تعيّن الرجوع إلى مجموع الجمل السابقة و اللاحقة (2).و المناقشة فيه بعد ما تقدّم،سيّما في مثل هذه الآية واضحة.

و تمسّكاً بالصحاح:

منها:قال:قلت له:رجل تزوّج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها، تحلّ له أُمّها؟قال:«و ما الذي يحرم عليه منها و لم يدخل بها» (3)؟! و هو مقطوع لا يصلح الاستناد إليه.

و منها:قال:«الاُمّ و الابنة سواء إذا لم يدخل بها» يعني:إذا تزوّج المرأة،ثم طلّقها قبل أن يدخل بها،فإنّه إن شاء تزوّج أُمّها،و إن شاء تزوّج ابنتها (4).

و لا دلالة فيه إلّا بمعونة التفسير المذكور؛ لاحتمال أن يكون المعنى فيه:أنّه إذا تزوّج الاُمّ و لم يدخل بها فالاُمّ و البنت سواء في أصل الإباحة، فإن شاء دخل بالأُمّ،و إن شاء فارقها و تزوّج البنت؛ و يؤيّده إفراد الضمير الراجع إلى الأُمّ في ظاهر السياق.

ص:176


1- نقله عن العماني في المختلف:522.
2- راجع ص 173.
3- التهذيب 7:1170/275،الإستبصار 3:574/158،الوسائل 20:464 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 5.
4- الكافي 5:1/421،التهذيب 7:1168/273،الاستبصار 3:572/157،نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:239/99 و فيه:«الاُمّ و الإبنة سواء إذا لم يدخل بها،فإنّه إن شاء تزوّج ابنتها و إن شاء أُمّها»،الوسائل 20:463 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 3.

أو أن يكون المعنى:إذا تزوّج الأُمّ أو البنت و لم يدخل بهما فهما سواء في التحريم جمعاً لا عيناً.

نعم،الاحتمالان منتفيان بالتفسير [في التفسير] المذكور،إلّا أنّه من الإمام غير معلوم؛ لاحتمال كونه من الراوي،و يؤيّده نقل بعض المشايخ له عن بعض الأُصول عارياً من التفسير المزبور (1).

نعم،رواه في الفقيه كذلك،لكن بتبديل العبارة المفسّرة بقوله بعد «سواء»:«إذا لم يدخل بأحدهما حلّت له الأُخرى» (2)،و يحتمل قريباً كونه منه.

و منه يظهر اضطراب متنه؛ لروايته تارةً من التفسير خالية،و أُخرى بالعبارة الاُولى مفسّرة،و أُخرى بالثانية.

مع أنّ الأصل فيه جميل و حمّاد،و هما يرويان تارةً عن مولانا الصادق عليه السلام بلا واسطة،و أُخرى بواسطة الحلبي عنه،و ثالثةً بواسطة بعض الأصحاب عن أحدهما عليهما السلام،و ما هذا شأنه لا يجوز التعويل عليه.

و الصحيح لمنصور بن حازم:قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام،فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوّج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها،أ يتزوّج بأُمّها؟ فقال عليه السلام:«قد فعله رجل منّا فلم نر به بأساً» فقلت:جعلت فداك، ما يفخر الشيعة إلّا بقضاء عليّ عليه السلام في هذه الشمخيّة (3)التي أفتى بها ابن

ص:177


1- الوسائل 20:464،أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 6.
2- الفقيه 3:1247/262،الوسائل 20:464 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 6.
3- في نسخة من التهذيب:السجية،و في المطبوع:السمجية.و قد ورد في هامش الوسائل المحظوظ ما نصّه:السجية:الخلق و الطبيعة.و الشمخصية:أي المسألة العالية،تدبّر.و ورد أيضاً:الشمخية:نقل أنّه بخط الشيخ.و في القاموس المحيط(1:262):شمخ بن فَزارَة بطن،و صحّف الجوهري(الصحاح 1:325)فذكره بالجيم،فلعلّها قضية في امرأة من تلك القبيلة.منه قدس سره.راجع الوسائل 20:462.قال العلّامة المجلسي قدس سره في ملاذ الأخيار(12:77):و قال الوالد العلّامة نوّر اللّه ضريحه:كذا في الكافي و الاستبصار بالخاء المعجمة؛ و إنّما صارت موسومة بالشمخية:إمّا بالنسبة إلى عبد اللّه بن مسعود بنسبته إلى الجد،فإنه ابن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ؛ أو لتكبّر ابن مسعود فيها عن متابعة أمير المؤمنين عليه السلام،يقال:شمخ بأنفه أي تكبّر و ارتفع،و التقية ظاهرة من الخبر.انتهى.و يحتمل أن يكون التسمية بالشمخية لافتخار الشيعة بها من قضاياه عليه السلام.

مسعود:أنّه لا بأس بذلك،ثم أتى عليّاً عليه السلام،فقال له عليّ عليه السلام:«من أين أخدتها»؟فقال:من قول اللّه عزّ و جلّ وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ [1] (1)قال عليّ عليه السلام:«إنّ هذه مستثناة،و هذه مرسلة:و أُمّهات نسائكم فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:«أما تسمع ما يروي هذا عن عليّ عليه السلام؟! » فلمّا قمت ندمت و قلت:أيّ شيء صنعت؟!يقول هو:«قد فعله رجل منّا فلم نر به بأساً» و أقول أنا:قضى عليّ عليه السلام،و لقيته بعد ذلك فقلت:جعلت فداك،مسألة الرجل إنّما كان الذي كنت تقول،كان زلّة منّي،فما تقول؟ فقال:«يا شيخ،تخبرني:أنّ عليّاً عليه السلام قضى فيها،و تسألني:فما تقول فيها؟! » (2).و هو بالدلالة على الخلاف أشبه؛ فإنّ عدوله عليه السلام عن الجواب الصريح بالجواز إلى قوله:«قد فعله رجل منّا فلم نر به بأساً» مشعرٌ بعدم الرضاء به واقعاً.

و لعلّ عدم رؤيتهم البأس كان لنوع من التقيّة عن رأي ابن مسعود،

ص:178


1- النساء:23.
2- الكافي 5:4/422،التهذيب 7:1169/274،الإستبصار 3:573/157،الوسائل 20:462 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 1؛ بتفاوت.

كما صرّحت به الرواية.

و يؤيّده نقل الراوي قضيّة عليّ عليه السلام و دعواه مع ذلك افتخار الشيعة بها،مع عدم تكذيبه عليه السلام له،بل و تقريره له بذلك و رضائه به،كما يظهر من ذيل الرواية.

فنظم هذه الرواية في أدلّة المشهور أولى.

و منها ينقدح وجه حمل الخبرين السابقين لو تمّ دلالتهما على التقيّة عن رأي ابن مسعود،و حكاه في التذكرة عن مجاهد و أنس بن مالك و بشر المريسي و داود الأصفهاني (1).

و تحرم بنتها أي المعقود عليها من دون وطء عليه جمعاً بينهما لا عيناً إجماعاً، فلو فارق الاُمّ حلّت البنت ؛ و قد ظهر مستنده من الكتاب و السنّة المستفيضة في المسألة المتقدّمة.

لا تحرم مملوكة الابن على الأب بالملك و تحرم بالوطء و كذا مملوكة الأب

و لا تحرم مملوكة الابن على الأب ب مجرّد الملك بالإجماع؛ للأصل و النصوص المستفيضة،بل المتواترة الآتي بعضها.

و تحرم بالوطء إجماعاً؛ لعموم وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ [1] (2)و النصوص،كالخبر:«إذا أتى الجارية و هي حلال،فلا تحلّ بذلك الجارية أبداً لابنه و لا لأبيه» الحديث (3).

بل مقتضى الصحاح الآتية التحريم بمجرّد المباشرة (4)،فثبوته بالوطء أولى.

ص:179


1- التذكرة 2:630 و فيه:..و مالك بن أنس و..
2- النساء:23.
3- الكافي 5:7/419،الوسائل 20:418 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 3 ح 5؛ بتفاوت.
4- في ص 202 203.

و كذلك مملوكة الأب إجماعاً؛ لعين ما تقدّم من الأدلّة.

و لا يجوز لأحدهما أن يطأ مملوكة الآخر ما لم يكن عقدٌ أو تحليل إجماعاً؛ لقبح التصرّف في ملك الغير،و لفحوى النصوص الآتية قريباً.

نعم،يجوز أن يقوّم الأب مملوكة ابنه الصغير و ابنته الصغيرة على نفسه بقيمة عادلة ثم يطؤها بلا خلاف في الظاهر.

للنصوص،منها الصحيح:في الرجل يكون لبعض ولده جارية، و ولده صغار،هل يصلح أن يطأها؟فقال:«يقوّمها قيمة عدل،ثم يأخذها، و يكون لولده عليه ثمنها» (1).

و إطلاقه كغيره يقتضي عدم الفرق في وجود مصلحة أم لا،كما ذهب إليه جماعة (2)،خلافاً لآخرين،فاشترطوها (3).و الأوّل أقوى؛ تمسّكاً بالإطلاق.

نعم،يشترط عدم المفسدة إجماعاً.

و في تعدية الحكم إلى الجدّ إشكال:من اختصاص النصوص بالأب، و من اتّحاد المعنى،و هو أقوى؛ لاشتراكهما في أغلب الأحكام،بل يستفاد في بعض المواضع أولويّته عليه.

و من توابع هذا الفصل تحريم أُخت الزوجة جمعاً لا عيناً و كذا بنت أُخت الزوجة و بنت أخيها

و من توابع هذا الفصل:تحريم أُخت الزوجة لأب،أم لاُمّ،أم لهما جمعاً لا عيناً بإجماع علماء الإسلام كافّة،و صريح الآية وَ أَنْ [1]

ص:180


1- الكافي 5:2/471،التهذيب 7:1163/271،الإستبصار 3:563/154،الوسائل 21:140 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 40 ح 1.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:478،صاحب الحدائق 23:463 و حكاه في ملاذ الأخيار 12:71 عن والده.
3- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:37.

تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ [1] (1)و النصوص المستفيضة،المصرّحة بعدم الفرق بين الدائم و المنقطع و الوطء بملك اليمين.

ففي الصحيح أو الحسن:في رجل طلّق امرأته أو اختلعت أو بانت، إله أن يتزوّج بأُختها؟قال:فقال:«إذا برئت عصمتها و لم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أُختها» قال:و سُئل عن رجل كانت عنده اختان مملوكتان،فوطئ إحداهما ثم وطئ الأُخرى،قال:«إذا وطئ الأُخرى فقد حرمت عليه الاُولى حتى تموت الأُخرى» الحديث (2).

و في الصحيح:الرجل يتزوّج المرأة متعة إلى أجل مسمّى،فينقضي الأجل بينهما،هل له أن ينكح أُختها قبل أن تنقضي عدّتها؟فكتب:

«لا يحلّ له أن يتزوّجها حتى تنقضي عدّتها» (3).

و كذا تحرم جمعاً لا عيناً بنت أُخت الزوجة و بنت أخيها و إن نزلتا، فإن أذنت إحداهما أي الخالة أو العمّة- صحّ على الأصحّ الأشهر،بل المجمع عليه،كما عن الانتصار و الناصريّات و الخلاف و الغنية و في الروضة و التذكرة و نهج الحق للعلّامة رحمه الله- (4)،و حكاه الشهيد رحمه الله - (5)

ص:181


1- النساء:23.
2- التهذيب 7:1206/286،الإستبصار 3:619/169،الوسائل 22:270 أبواب العدد ب 48 ح 2،و أورد ذيله في الكافي 5:7/432،التهذيب 7:1217/290،الوسائل 20:485 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 29 ح 9؛ بتفاوت.
3- الكافي 5:5/431،التهذيب 7:1209/287،الإستبصار 3:622/170،الوسائل 20:480 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 27 ح 1.
4- الانتصار:116،لم نعثر عليه في الناصريات و لكن حكاه عنه في كشف اللثام 2:35 و هو موجود في جوابات المسائل الموصليّة الثانية(رسائل الشريف المرتضى 1):238،الخلاف 4:296،لم نعثر عليه في الغنية و لكنه حكاه عنه أيضاً في كشف اللثام 2:35،الروضة 5:181،التذكرة 2:638،نهج الحق:522.
5- لم نعثر عليه و لا على الحاكي عنه.

و غيره (1)أيضاً.

للنصوص المستفيضة،مضافاً إلى الآية في طرف الجواز مع الإذن.

ففي الموثّقين:«لا يتزوّج على الخالة و العمّة ابنة الأخ و ابنة الأُخت بغير إذنهما» (2).

و في الصحيح المرويّ في نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى:«لا تنكح الجارية على عمّتها و لا على خالتها إلّا بإذن العمّة و الخالة،و لا بأس أن تنكح العمّة و الخالة على بنت أخيها و بنت أُختها» (3).

و المرويّ في علل الصدوق رحمه الله-:«إنّما نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن تزويج المرأة على عمّتها و خالتها؛ إجلالاً للعمّة و الخالة،فإذا أذنت في ذلك فلا بأس» (4).

و نحوها خبران يأتيان قريباً.

و هي كالصحاح الآتية حجّة على القديمَين المجوِّزين له مطلقاً (5).

و حجّتهما.من الأصل،و عموم الآية وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ [1] (6)

ص:182


1- انظر التنقيح الرائع 3:59،المهذب البارع 3:251،كشف اللثام 2:35.
2- الأول:رواه في الاستبصار 3:641/177؛ و أمّا الثاني:فلم نعثر عليه بهذا النص،و ما وجدناه هكذا:«لا تزوّج ابنة الأخ و لا ابنة الأخت على العمّة و لا على الخالة إلّا بإذنهما» الحديث.انظر الكافي 5:1/424،الفقيه 3:1238/260 بتفاوت يسير،الوسائل 20:487 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 1.
3- نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:257/105،الوسائل 20:490 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 13.
4- علل الشرائع:1/499،الوسائل 20:489 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 10.
5- كما حكاه عنهما في المختلف:527.
6- النساء:24.

مخصّصة بها.

و على المقنع المحرِّم (1)كذلك.و حجّته من الصحاح المطلقة للتحريم إمّا مقيّدة بها،أو محمولة على التقيّة؛ لكونه مجمعاً عليه بين علماء الإسلام كافّة عدا الإماميّة.

و في اختصاص الحكم بتحريم الجمع بينهما بالزوجيّة،فلا يحرم الجمع بالوطء بملك اليمين؛ أو العموم له.وجهان الأشهر:الأول؛ للأصل،و العمومات،و اختصاص المانعة عن الجمع بالأول.

و منه يظهر وجه عدم اعتبار استئذان العمّة و الخالة الحرّتين في إدخال البنتين المملوكتين عليهما بالملك.

و دعوى الأولويّة هنا ممنوعة؛ بناءً على عدم استحقاقهما الاستمتاع.

و أولى من ذلك عدم اعتبار استئذانهما في صورة العكس،فتأمّل.

و لا كذا لو أدخل العمّة أو الخالة على بنت الأخ أو الأُخت فيحلّ الجمع هنا مطلقاً و إن كرهتهما البنتان،على الأظهر الأشهر،بل عن التذكرة الإجماع عليه (2)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل و عموم الكتاب.

و للخبرين مضافاً إلى ما تقدّم في أحدهما:«لا تزوّج ابنة الأُخت على خالتها إلّا بإذنها،و تزوّج الخالة على ابنة الأُخت بغير إذنها» (3).

و في الثاني:عن امرأة تزوّج على عمّتها و خالتها،قال:«لا بأس» و قال:«تزوّج العمّة و الخالة على ابنة الأخ و ابنة الأُخت،و لا تزوّج بنت الأخ

ص:183


1- المقنع:110.
2- التذكرة 2:638.
3- التهذيب 7:1365/332،الإستبصار 3:642/177،الوسائل 20:488 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 6.

و الأُخت على العمّة و الخالة إلّا برضاء منهما،فمن فعل فنكاحه باطل» (1).

و قصور السند منجبر بالأصل و موافقة الكتاب و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً.

خلافاً للمحكيّ عن المقنع،فأطلق المنع هنا أيضاً (2).

و هو ضعيف جدّاً،و يدفعه صريحاً مضافاً إلى ما تقدّم الصحيح:

«لأتزوّج المرأة على خالتها،و تزوّج الخالة على ابنة أُختها» (3)و لا قائل بالفرق.

و نحوه الصحيح المرويّ عن نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى:

«لا تنكح ابنة الأُخت على خالتها،و تنكح الخالة على ابنة أُختها،و لا تنكح ابنة الأخ على عمّتها،و تنكح العمّة على ابنة أخيها» (4).

و لا فرق في الجواز بين علم الداخلة بكون المدخول عليها بنت أخ أو أُخت،أم لا،وفاقاً للأكثر؛ للأصل،و إطلاق النصوص.

و عن العلّامة:اشتراط العلم (5).

و مستنده غير واضح،و النصوص باعتبار إذنهما مختصّة بالصورة الأُولى.

ص:184


1- التهذيب 7:1368/333،الإستبصار 3:645/177،الوسائل 20:487 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 3.
2- كما حكاه عنه في المختلف:528 و هو في المقنع:110.
3- الفقيه 3:1237/260،نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:260/106،الوسائل 20:489 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 9.
4- نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:256/105،الوسائل 20:490 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 12.
5- القواعد 2:17.

و لو كان عنده العمّة أو الخالة،فبادر بالعقد على بنت الأخ أو الأُخت بدون إذنهما كان العقد باطلاً إذا لم يأذنا إجماعاً،و كذا مع الإذن عند المصنّف و غيره (1).

إمّا للنهي عنه،المقتضي للفساد.و فيه منع.

أو للحكم بالبطلان في الخبر المتقدّم.

و هو مع الضعف يحتمل البطلان بدوام عدم الإذن كما هو الغالب، فيحمل إطلاق الخبر عليه،و لا ينافي الصحّة بطروّه،و قد ورد الحكم بالبطلان في تزويج العبد بدون إذن السيّد،مع التصريح بالصحّة مع الإذن.

أو لاحتياج الحكم بصحّة مثل هذا العقد المنهيّ عنه إلى دليل،من خصوص أو عموم،و ليس؛ إذ لا نصّ و لا إجماع.

و فيه منع؛ لوجود العموم من الأمر بالوفاء بالعقود (2)،التي هذا منها.

و توهّم التناقض بين الأمر بالوفاء به و النهي عنه،مدفوعٌ بتغاير المحلّ فيهما،فهو في الأول استمرار العقد،و في الثاني إيقاعه،و لا تلازم بينهما، مضافاً إلى كثرة نظائره في الشريعة،كالنهي عن العقد الذي يترتّب عليه المفاسد،مع الإجماع على الصحّة و لزوم الوفاء به بعد الوقوع.

نعم،ربما يستدلّ عليه بأنّه في عقده عاصٍ للّه سبحانه فيفسد عقده؛ لما ورد في بعض المعتبرة كالصحيح أو الحسن (3)و نحوه (4)في تزويج

ص:185


1- المصنف هنا و في الشرائع 2:288،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:143.
2- المائدة:1.
3- الكافي 5:3/478،الفقيه 3:1675/350،التهذيب 7:1432/351،الوسائل 21:114 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 24 ح 1.
4- الكافي 5:2/478،الفقيه 3:1349/283،التهذيب 7:1431/351،الوسائل 21:115 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 24 ح 2.

العبد بدون إذن سيّده،حيث حكم بصحّته بعد رضاء السيّد؛ معلّلاً بعدم معصيته للّه سبحانه،و فيه دلالة على الفساد حيث يقع في معصية اللّه سبحانه.

و المراد بالمعصية:عدم امتثال ما تعلّق به النهي عنه بخصوصه أو عمومه،لا ما يلازمها،كتزويج العبد بدون إذن السيّد،فإنّه لم يقع عنه النهي بخصوصه،إلّا أنّه يلازم عصيان الأمر بامتثاله له عقلاً،فليس في نكاحه معصية اللّه سبحانه بالمعنى المتقدّم،نعم،يلازم المعصية،التي هي الخروج عن الأمر بالإطاعة،و لم يجعل عليه السلام مثل هذه المعصية مناطاً لفساد التزويج،بل الأوّل،و ما نحن فيه منه؛ لحصول المعصية بنفس العقد؛ للنهي عنه بخصوصه،فيفسد لحصول مناطه.

و قال عليه السلام في بعضها بعد التعليل المتقدّم:«إنّ ذلك» أي تزويج العبد بلا إذن«ليس كإتيان ما حرّم اللّه عليه من نكاح في عدّة و أشباهه» و لا ريب أنّ ما نحن فيه منها في تعلّق النهي بنفسها،و حصول المعصية بعدم امتثاله فيها،التي هي مناط الفساد.

و من هنا يظهر فساد ما قيل:تتخيّر العمّة و الخالة بين الفسخ لعقد نفسهما و الإمضاء له و لعقد البنتين أو إمضاء عقد أنفسهما خاصّة و فسخ عقدها أي البنت خاصّة (1).

مضافاً إلى ضعف دليله؛ لمنافاة تخيّرهما في فسخ عقد نفسهما للأصل اللازم الاتّباع.و رفع الجمع المنهي عنه بلا رضا يحصل بفساد الطارئ في نفسه أو فسخهما له.

ص:186


1- قال به الشيخان في المقنعة:505 و النهاية:459،و سلّار في المراسم:150.

و أضعف منه القول بفساد الطارئ و تزلزل الأول (1)؛ لاستلزام فساده عدم الوجه في تزلزله؛ إذ المقتضي له و ثبوت الفسخ لهما هو الجمع المرتفع بفساد الثاني.و ربما قيل بتزلزله و لزوم الأوّل (2)؛ للأصل فيه، و إلحاق الأول (3)بالفضولي.

و بما قرّرنا يظهر الجواب عنه.

و مراعاة الاحتياط في أمثال المقام أولى؛ لإمكان تطرّق القدح إلى ما قدّمناه في وجه الاستدلال بالمعتبرة (4)من توجيه المعصية بعدم امتثال النهي؛ لوجود مثلها في العبد،لورود النهي عن تزويجه بخصوصه في الصحيح،فكيف يقال:إنّه ما عصى اللّه تعالى؟! فظهر أنّ المراد من المعصية غير ما ذكر،و الظاهر أنّ المراد بها هنا:

مخالفة الإذن في نفس العقد من حيث هو هو،فيصحّ إطلاق عدم معصية العبد للّه سبحانه في تزويجه بدون إذن سيّده؛ لكونه بنفسه مأذوناً فيه له منه تعالى و لغيره،غاية الأمر توقّفه على إذن السيّد،و حيث لم يتحقّق يصدق عليه أنّه عصاه،أي خالف إذنه.

و حينئذٍ تكون تلك المعتبرة بالدلالة على الصحّة هنا أقرب،من حيث مشابهته لتزويج العبد في عدم مخالفته (5)لإذنه سبحانه؛ إذ تزويج ابنة الأخ مثلاً مأذون فيه من حيث إنّه تزويج،كما أنّ تزويج العبد من حيث إنّه تزويج مأذون فيه منه سبحانه،و لكن المانع و هو اعتبار إذن السيّد

ص:187


1- انظر السرائر 2:545.
2- قال به الشهيد الثاني في المسالك 1:480.
3- أي الثاني.منه رحمه اللّه.
4- راجع ص 185.
5- أي التزويج.منه رحمه الله.

و المرأة طارٍ،و ذلك لا ينافي حصول الإذن في نفس التزويج من حيث هو منه سبحانه.

و لا كذلك تزويج المرأة في العدّة؛ لعدم الإذن منه فيه بنفسه بالمرّة، فالمراد ب:«أشباهه» ما لم يأذن اللّه في أصله.

و حينئذ،فالزوج هنا ليس بعاصٍ له تعالى،و إنّما خالف إذن الزوجة، فهو عاصٍ لها من حيث عدم وقوع التزويج بإذنها،و الرجل مأمور بإطاعتها في ذلك،و قد جعل عليه السلام عدم معصية اللّه تعالى بالمعنى المزبور مع انتفاء المانع وجهاً للحكم بالصحّة،و قد حصلا هنا،فيصحّ.هذا،مضافاً إلى عموم الأمر بالوفاء بالعقود.

فالقول الأخير في غاية القوّة،و لكن مراعاة الاحتياط أولى بالنكاح مرّة أُخرى بعد الرضاء من الطرفين،و الطلاق إن لم ترض به البنتان؛ احتياطاً في الفروج،و إن لم يمكن فالعمل على الأخير؛ لقوّة أدلّته.

في تحريم المصاهرة بوطء الشبهة تردّد

و في تحريم المصاهرة بوطء الشبهة تردّد،أشبهه:أنّه لا تحرم وفاقاً للحلّي (1)؛ للأصل،و العمومات من الآيات و الروايات،و اختصاص المحرّم منهما بالنكاح الصحيح.

خلافاً للأكثر،بل عن المبسوط:عدم الخلاف فيه (2)،و في التذكرة:

الإجماع عليه،و فيه:عن ابن المنذر نسبته إلى علماء الأمصار،و عدّ منهم أصحاب النصّ،و هم الإماميّة (3).

و هو الأظهر؛ إذ الإجماع المحكيّ في حكم الخبر الصحيح،و هو

ص:188


1- السرائر 2:535.
2- المبسوط 4:208.
3- التذكرة 2:631.

حجّة،سيّما مع اعتضاده بفتوى الأكثر،بل و دعوى عدم الخلاف،و مشاركة الشبهة للصحيح في أغلب الأحكام المورثة للمظنّة القويّة.

و الأصل معارَض بمثلها في جانب الحرمة،و العمومات مخصّصة بذلك.

و ربما يستدلّ للمختار أيضاً بعموم قوله سبحانه وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ [1] (1)بناءً على كون النكاح حقيقة لغويّة في الوطء،على الأشهر الأظهر،كما مرّ،فيستصحب إلى ثبوت الناقل،و لم يثبت إلّا في المتشرّعة؛ لاختصاص ما تقدّم من الإجماعات المنقولة في صدر الكتاب (2)بها،فالأصل يقتضي حمله في الآية على الوطء،فتأمّل.

ثم لو قلنا بحصول النشر بالزناء وجب القطع بحصوله هنا؛ لكونه بطريق أولى.

الزناء لا تحرم الزانية لا الزوجة

أمّا الزناء فلا تحرم الزانية على الزاني بها و غيره بعد التوبة إجماعاً،و قبلها أيضاً مع كراهة على الأشهر الأظهر،بل عليه الإجماع عن الخلاف و المبسوط في خصوص الحلّ على الزاني بها،و نسب توقّفه على التوبة إلى أحمد و قتادة (3).

للأصل،و عموم الكتاب و السنّة،و التعليل بأنّه لا يحرّم الحرام الحلال في الصحاح المستفيضة و غيرها (4)و خصوص المستفيضة،منها الخبران

ص:189


1- النساء:22.
2- راجع ص 7.
3- الخلاف 4:300،المبسوط 4:202.
4- الوسائل 20:423 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6.

أحدهما:الصحيح:«أيّما رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوّجها حلالاً،قال:«أوّله سفاح و آخره نكاح،فمثله كمثل النخلة،أصاب الرجل من ثمرها حراماً،ثم اشتراها بعد،فكانت له حلالاً» (1).

و الصحيح المروي في قرب الإسناد:عن المرأة الفاجرة يتزوّجها الرجل المسلم،قال:«نعم،و ما يمنعه؟!و لكن إذا فعل فليحصن بابه» (2).

و الخبران،في أحدهما:«نساء أهل المدينة فواسق» قلت:فأتزوّج منهن؟قال:«نعم» (3).

و في الآخر:عن الرجل يتزوّج الفاجرة متعة،قال:«نعم،لا بأس، و إن كان التزويج الآخر فليحصن بابه» (4).

و في آخر:عن رجل أعجبته امرأة،فسأل عنها،فإذا الثناء (5)عليها بشيء من الفجور،فقال:«لا بأس بأن يتزوّجها و يحصنها» (6).

ص:190


1- الكافي 5:2/356،التهذيب 7:1345/327،الوسائل 20:434 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 11 ح 3؛ بتفاوت يسير.
2- قرب الإسناد:609/166،الوسائل 20:438 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 12 ح 6.
3- التهذيب 7:1091/252،الإستبصار 3:517/143،الوسائل 20:437 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 12 ح 3؛ و في الجميع:نساء أهل المدينة،قال:فواسق..
4- التهذيب 7:1090/253،الإستبصار 3:516/143،الوسائل 20:437 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 12 ح 4.
5- قال المجلسي رحمه الله في ملاذ الأخيار 12:183:الثناء و الثنية وصف بمدح أو ذم،أو هو خاص بالمدح،كذا في القاموس(4:311).أقول:و على الثاني يكون على التهكّم،أو المراد في أثناء الثناء.و في بعض النسخ«الثناء» بتقديم النون على الثاء،و ذكر اللغويون قاطبة أنّه مثل الثناء،إلّا أنّه في الخير و الشر جميعاً.انتهى.
6- التهذيب 7:1363/331،الإستبصار 3:616/168،الوسائل 20:436 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 12 ح 2.

و قصور الأسانيد منجبر بالشهرة.خلافاً للحلبي،فمنع منه مطلقاً (1)؛ لظاهر حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [1] (2).و رُدّ بالنسخ بقوله وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ [2] (3)تارةً،و بالحمل على الكراهة أُخرى (4)،و هو أقوى؛ للإجماع على عدم حرمة تزويج الزاني مع تحريمه في الآية،فهو قرينة على إرادته تعالى منه الكراهة،و وحدة السياق توجب جريانها في الزانية؛ مع أنّ المستفاد من المعتبرة ورود الآية في المشهورات بالزناء لا مطلق الزانية.

ففي الصحيح:عن قول اللّه عزّ و جلّ اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [3] (5)فقال:«كنّ نسوة مشهورات بالزناء و رجال مشهورون بالزناء قد عرفوا بذلك،و الناس اليوم بتلك المنزلة،فمن أُقيم عليه حدّ زناء أو شهر به لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتى يعرف منه التوبة» (6).

و نحوه خبران آخران (7)،إلّا أنّ في أحدهما بدل:«لم ينبغ»

ص:191


1- انظر الكافي في الفقه:286.
2- النور:3.
3- النور:32.
4- لم نعثر عليه و لكن حكاه في المفاتيح 2:254،و كشف اللثام 2:38.
5- النور:3.
6- الكافي 5:3/354،الوسائل 20:439 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 13 ح 2؛ بتفاوت.
7- الأول في:الكافي 5:1/354،الفقيه 3:1217/256،التهذيب 7:1625/406،الوسائل 20:439 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 13 ح 2.الثاني في:الكافي 5:3/355،الوسائل 20:439 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 13 ح 3.

«لا تزوّجوه» و لذا قيل باختصاص التحريم بالمشهورات (1).

و هو ضعيف؛ لشهادة هذه الأخبار بالكراهة من وجهين:لفظة:

«لم ينبغ» الظاهرة فيها،و التصريح فيها،و التصريح فيها باتّحاد حكم الزانية و الزاني؛ مع أنّه فيه الكراهة بالإجماع،فكذا فيها.

و نحوها في هذه القرينة الصحيح:«لا تتزوّج المرأة المعلنة بالزناء، و لا يزوّج الرجل المعلن بالزناء،إلّا أن يعرف منهما التوبة» (2).

و لذا صحّ الحمل على الكراهة في الصحيح:عن المرأة الحسناء الفاجرة،هل تحلّ للرجل أن يتمتّع منها؟فقال:«إذا كانت مشهورة بالزناء فلا يتمتّع منها و لا ينكحها» (3).

و الصحيح المضمر:عن رجل فجر بامرأة،ثم أراد بَعدُ أن يتزوّجها، فقال:«إذا تابت حلّ له نكاحها» قلت:كيف يعرف توبتها؟قال:«يدعوها إلى ما كانا عليه من الحرام،فإذا امتنعت و استغفرت ربّها عرف توبتها» (4)و نحو الموثّق (5).

و بمضمونهما أفتى الشيخان (6).

ص:192


1- المفاتيح 2:255.
2- الفقيه 3:1216/356،التهذيب 7:1347/327،الإستبصار 3:613/168،الوسائل 20:438 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 13 ح 1.
3- الكافي 5:6/454،التهذيب 7:1087/252،الإستبصار 3:513/142،الوسائل 21:28 أبواب المتعة ب 8 ح 4؛ بتفاوت.
4- الفقيه 3:1257/264،التهذيب 7:1348/327،الإستبصار 3:614/168،الوسائل 20:435 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 11 ح 7.
5- التهذيب 7:1346/327،الوسائل 20:434 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 11 ح 4.
6- المفيد في المقنعة:504،الطوسي في النهاية:458.

و لا ريب أنّ مراعاة التوبة مطلقاً أحوط،و إن كان القول بإطلاق الجواز مع الكراهة الشديدة في المشهورات أظهر،إلّا أنّه يجب تحصينهنّ قطعاً،و في بعض الأخبار المتقدّمة دلالة عليه،و فيها الصحيح (1).

و كذا لا تحرم الزوجة الزانية و إن أصرّت على الأشبه وفاقاً للمشهور؛ للأصل،و النصوص،منها ما مرّ (2).

و منها الموثّق:«لا بأس أن يمسك الرجل امرأته إن رآها تزني إذا كانت تزني و إن لم يقم عليها الحدّ فليس عليه من إثمها شيء» (3).

خلافاً للمفيد و الديلمي،فتحرم مع الإصرار؛ لفوات فائدة التناسل معه؛ لاختلاط النسب (4).

و رُدّ بأنّ النسب لاحقٌ بالفراش،و الزاني لا نسب له،و لا حرمة لمائه (5).

و هو حسن،مع أنّه لو تمّ لوجب اطّراد الحكم في مطلق الزناء من دون تخصيص بالإصرار.

و على القولين،فالزوجيّة باقية إجماعاً،كما عن المبسوط (6).

و هل ينشر حرمة المصاهرة فتحرم المزني بها على أبي الزاني و أولاده،و أُمّها و ابنتها عيناً و أُختها جمعاً؟

ص:193


1- راجع ص 189.
2- في ص 189 190.
3- التهذيب 7:1362/331،الوسائل 20:436 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 12 ح 1.
4- المفيد في المقنعة:504،الديلمي في المراسم:149.
5- جامع المقاصد 12:316.
6- المبسوط 4:202.

قيل:نعم هو الشيخ و القاضي و ابن زهرة و ابن حمزة (1).

لصدق أُمّ النساء و الربائب على أُمّها و ابنتها؛ لصدق الإضافة بأدنى الملابسة.

و فيه:أنّ غايته صحّة الاستعمال،و هو أعمّ من الحقيقة،و العبرة بها لا بمطلقه.

و للصحاح المستفيضة:

كالصحيح:في رجل كان بينه و بين امرأة فجور،هل يتزوّج ابنتها؟ قال:«إن كان قبلة أو شبهها فليتزوّج ابنتها،و إن كان جماع فلا يتزوّج ابنتها،و ليتزوّج هي» (2).

و الصحيح:عن الرجل يفجر بالمرأة،يتزوّج ابنتها؟قال:«لا،و لكن إن كانت عنده امرأة ثم فجر بأمّها لم تحرم عليه التي عنده» (3).

و الصحيح:عن رجل باشر امرأة و قبّل،غير أنّه لم يفض إليها،ثم تزوّج ابنتها،فقال:«إذا لم يكن أفضى إلى الأُمّ فلا بأس،و إن كان أفضى إليها فلا يتزوّج ابنتها» (4).

ص:194


1- الشيخ في المبسوط 4:202،القاضي في المهذّب 2:183،و حكاه عن ابن زهرة في المختلف:522،ابن حمزة في الوسيلة:293.
2- الكافي 5:5/416،التهذيب 7:1357/330،الإستبصار 3:608/167،الوسائل 20:424 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 3؛ بتفاوت.
3- التهذيب 7:1352/329 و فيه:ثم فجر بابنتها أو أُختها،الاستبصار 3:603/165 و فيه:ثم فجر بأُمّها أو أُختها،الوسائل 20:430 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 7 و فيه:ثم فجر بابنتها أو أُختها.
4- الكافي 5:2/415،التهذيب 7:1356/330،الإستبصار 3:607/166،الوسائل 20:424 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 2.

و نحوها الصحيحان (1)،لكن في الأُمّ و البنت الرضاعيّين للمزني بها.

و ليست نصّاً في الحرمة،فيحتمل الكراهة،أو الحمل على التقيّة؛ لكونه المشهور بين العامّة كما يفهم من التذكرة (2)و منهم:أصحاب أبي حنيفة، المشتهر رأيه في الأزمنة السابقة.

و بالأخير يجاب عمّا هو صريح في التحريم،كالصحيح (3).

و الخبر،و فيه محمّد بن الفضيل المشترك بين الثقة و غيره،و فيه مع ذلك الاشتمال على ما ظاهر أكثر الأصحاب الاتّفاق على خلافه؛ و نحوه في قصور السند رواية أُخرى لعليّ بن جعفر.

و في الأوّل:«إذا فجر الرجل بالمرأة لم يحلّ له ابنتها» (4).

و في الثاني:عن رجل زنى بامرأة،هل يحل لابنه أن يتزوجها؟قال:

«لا» (5).

و نحوه الكلام في الحسن الآمر بالتفريق (6)،مع ما فيه من تكذيبه عليه السلام

ص:195


1- الأول في:الكافي 5:8/416،التهذيب 7:1360/331،الإستبصار 3:611/167،الوسائل 20:427 أبواب ما يحرم المصاهرة ب 7 ح 1.الثاني في:الكافي 5:/416ذ ح 8،التهذيب 7:1361/331،الإستبصار 3:612/167،الوسائل 20:427 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 7 ح 2.
2- التذكرة 2:633.
3- التهذيب 7:1194/282،الإستبصار 3:593/163،الوسائل 20:430 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 9 ح 1.
4- التهذيب 7:1353/329،الإستبصار 3:604/166،الوسائل 20:430 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 8.
5- التهذيب 7:1195/282،الاستبصار 3:594/163،قرب الإسناد:108،الوسائل 20:431 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 9 ح 2.
6- الكافي 5:9/416،الوسائل 20:424 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 5.

مَن ادّعى عدم الزناء بل مجرّد التقبيل.

و بالأول أيضاً يجاب عن الحسن:عن رجل اشترى جارية و لم يمسّها،فأمرت امرأته ابنه و هو ابن عشرين سنة أن يقع عليها، فوقع عليها،فما ترى فيه؟فقال:«أثم الغلام،و أثمت امّه،و لا أرى للأب إذا قربها الابن أن يقع عليها» (1).

مع معارضته كالخبر:في الرجل يكون له الجارية،فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجدّ،أو الرجل يزني بالمرأة،فهل يحلّ لابنه أن يتزوّجها؟قال:«لا،إنّما ذلك إذا تزوّجها الرجل فوطئها ثم زنى بها ابنه لم يضرّه؛ لأنّ الحرام لا يفسد الحلال؛ و كذلك الجارية» (2)بما سيأتي.

و بالجملة:تخصيص ما سيأتي من الأدلّة بمثل هذه الأخبار لعلّه لا يخلو عن مناقشة،و صحّة دعوى الشهرة على ذلك غير معلومة.

كلّ ذلك إن كان الزناء سابقاً على العقد و لا ينشر إذا كان لاحقاً للعقد و الدخول إجماعاً؛ للأصل،و اختصاص المحرّم على تقديره بالسبق،و للنصوص المستفيضة،منها:بعض الصحاح المتقدّمة (3).

و الصحيح:في رجل تزوّج جارية،فدخل بها،ثم ابتلي ففجر بأمّها،

ص:196


1- الكافي 5:4/418،الوسائل 20:419 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 2 و فيهما:و هو ابن عشر سنين..
2- الكافي 5:9/420،التهذيب 7:1196/282،الإستبصار 3:597/164،الوسائل 20:420 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 3؛ بتفاوت.
3- راجع ص 194.

أ تحرم عليه امرأته؟قال:«لا؛ لأنّه لا يحرّم الحلال الحرام» (1).

و الصحيح:في رجل زنى بأمّ امرأته أو بنتها أو أُختها،فقال:

«لا يحرّم ذلك عليه امرأته» ثم قال:«ما حرّم حرامٌ قط حلالاً» (2).

و الحسن:الرجل يصيب من أُخت امرأته حراماً،أ يحرّم ذلك عليه امرأته؟فقال:«إنّ الحرام لا يفسد الحلال،[و الحلال]يصلح به الحرام» (3).

و نحوها أخبار كثيرة،متضمّنة للحكم مع التعليل المذكور (4)، و مقتضاه كإطلاق أكثرها عدم الفرق بين الدخول بالزوجة و عدمه،كما هو الأشهر الأظهر.

خلافاً للإسكافي،فخصّ عدم النشر بالأوّل (5)؛ لظاهر الخبر:«إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحلّ له ابنتها؛ و إن كان قد تزوّج ابنتها قبل ذلك و لم يدخل بها فقد بطل تزويجه،و إن هو تزوّج ابنتها و دخل بها ثم فجر بأُمّها بعد ما دخل بابنتها فليس يفسد فجوره بأُمّها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها،و هو قوله:لا يفسد الحرام الحلال إذا كان هكذا» (6).

و هو ضعيف؛ لشذوذه،و قد ادّعى جماعة من الأصحاب الإجماع

ص:197


1- الكافي 5:3/415،التهذيب 7:1358/330،الإستبصار 3:609/167،الوسائل 20:428 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 2؛ بتفاوتٍ يسير.
2- الكافي 5:4/416،التهذيب 7:1359/330،الإستبصار 3:610/167،الوسائل 20:428 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 3.
3- الفقيه 3:1255/263،الوسائل 20:429 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 5؛ و ما بين المعقوفين من المصدر.
4- الوسائل 20:428 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8.
5- كما حكاه عنه في المختلف:524.
6- التهذيب 7:1353/329،الإستبصار 3:604/166،الوسائل 20:430 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 8.

على خلافه (1)،و هو الأصحّ.

بل و لا يبعد أن يكون الوجه:أنّه لا ينشر مطلقاً،حتى إذا كان سابقاً،وفاقاً لشيخنا المفيد و المرتضى و الصدوق في المقنع و الشيخ في التبيان في خصوص تحريم أُمّ المزني بها و ابنتها و سلّار و العلّامة في الإرشاد (2).

بل ظاهر التذكرة:كون القول به مشهوراً بين الأصحاب،فإنّه نسب الأول إلى البعض،و هذا إلى جماعة (3).

و عن صريح المرتضى في الطبريّات:الإجماع عليه (4)،و هو ظاهر السرائر في حرمة الأُمّ و البنت و إن خصّ موردها؛ لكون العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل.و أمّا في حرمة المزني بها على أبي الزاني و ابنه، فظاهره كونه مذهب الأكثر،و أنّ المخالف هو الشيخ في كتبه [و ان خص موردها لكون العبره بعموم اللفظ لا خصوص المحل] (5).و في التذكرة:نَسبَته العامّة إلى عليّ عليه السلام و ابن عبّاس (6).

و يدلّ عليه مضافاً الى التعليل بأنّ الحرام لا يحرّم الحلال في الصحاح المستفيضة و غيرها المتقدّمة (7)العمومات من الكتاب و السنّة، و استصحاب حلّية العقد السابقة،و خصوص المعتبرة المستفيضة،منها

ص:198


1- منهم الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:241.
2- المفيد في المقنعة:504،المرتضى في الناصريات(الجوامع الفقهية):209،المقنع:108،التبيان 3:160،سلّار في المراسم:149،الإرشاد 2:21.
3- التذكرة 2:631.
4- لم نعثر عليه في الطبريات،و لكن ظاهر الناصريات(الجوامع الفقهية):209 دعوى الإجماع عليه.
5- السرائر 2:523 524.
6- التذكرة 2:632.
7- في ص 189.

الصحاح المستفيضة.

في أحدها:رجل فجر بامرأة،يتزوّج بابنتها؟قال:«نعم يا سعيد،إنّ الحرام لا يفسد الحلال» (1).

و في الثاني:عن رجل يفجر بالمرأة[و هي]جارية قوم آخرين،ثم اشترى ابنتها،أ يحلّ له ذلك؟قال:«لا يحرّم الحرام الحلال» و رجل فجر بامرأة حراماً،أ يتزوّج ابنتها؟قال:«لا يحرّم الحرام الحلال» (2).

و في الثالث:عن امرأة أمرت ابنها أن يقع على جارية لأبيه،فوقع، فقال:«أثمت و أثم ابنها،و قد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة فقلت له:أمسكها،فإنّ الحلال لا يفسده الحرام» (3).

و في الرابع:رجل فجر بامرأة،أ تحلّ له ابنتها؟قال:«نعم» (4).

و نحوها الصحيح إلى ابن أبي عمير،عن هشام بن عيسى (5).

ص:199


1- التهذيب 7:1354/329،الإستبصار 3:605/166،الوسائل 20:425 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 6.
2- التهذيب 7:1889/471،الوسائل 20:427 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 12؛ و ما بين المعقوفين من المصدر.
3- الكافي 5:8/419،التهذيب 7:1197/283،الإستبصار 3:598/164،الوسائل 20:420 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 4.
4- التهذيب 7:1350/328،الإستبصار 3:601/165،الوسائل 20:426 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 10.
5- لن نعثر عليها بهذا السند،بل لم نَرَ في معاجم الرجال راوياً قد روى عنه ابن أبي عمير بهذا الاسم.نعم،وجدناها مروية في نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:220/93،المستدرك 14:381 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 1 عن النضر و أحمد بن محمد و عبد الكريم جميعاً،عن محمد بن أبي حمزة،عن سعيد بن يسار..

و منها:الموثّقان (1)،في أحدهما:عن رجل تزوّج امرأة سفاحاً،هل تحلّ له ابنتها؟قال:«نعم،إنّ الحرام لا يحرّم الحلال» .و منها:الأخبار المنجبر قصور أسانيدها بالأُصول،و العمومات، و فتوى معظم الأخيار،و مخالفة ما عليه أكثر الفجّار.

في أحدها:عن الرجل يأتي المرأة حراماً،أ يتزوّجها؟قال:«نعم، و أُمّها و ابنتها» (2).

و الجواب عنها تارةً بحمل الفجور و الإتيان فيها على نحو القبلة و اللمس دون الدخول (3).و أُخرى بحمل المسئول على حلّيتهنّ على زوجات له قبل الدخول بأمّهاتهنّ مثلاً (4).

مدفوعٌ أوّلاً:بمخالفتهما الظاهر،و لا سيّما الأول،و قد وقع مثله في أكثر الأخبار المتقدّمة و فهموا منه الدخول؛ مع منافاة الثاني لأكثرها المتضمّن للفظ التزويج،الظاهر في المستقبل.

و ثانياً:بمنافاتهما التعليل المصرّح به فيها،مع تأيّده بالحصر المستفاد من بعض الأخبار،كرواية زرارة الضعيفة بموسى بن بكر على الأشهر،

ص:200


1- الأول في:التهذيب 7:1351/328،الإستبصار 3:602/165،الوسائل 20:426 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 11.الثاني في:قرب الإسناد:328/97،الوسائل 20:426 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ذح 11.
2- التهذيب 7:1343/326،الإستبصار 3:600/165،الوسائل 20:425 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 7.
3- التهذيب 7:329،الاستبصار 3:166،المختلف:523.
4- التهذيب 7:328،الاستبصار 3:165.

و الحسنة عند بعض (1)قال:قال أبو جعفر عليه السلام:«إن زنى رجل بامرأة أبيه،أو جارية أبيه،فإنّ ذلك لا يحرّمها على زوجها،و لا يحرّم الجارية على سيّدها،إنّما يحرم ذلك منه إذا أتى الجارية و هي حلال،فلا تحلّ بذلك الجارية أبداً لابنه و لا لأبيه،و إذا تزوّج رجل امرأة تزويجاً حلالاً فلا تحلّ تلك المرأة لأبيه و لا لابنه» (2)و الضعف لو كان لانجبر بما تقدّم.

و بالجملة:العدول عن ظواهر هذه الأخبار المعتضدة بالأصل، و العمومات من الكتاب و السنّة،و عمل أكثر القدماء الذين هم أساطين العلماء،و الإجماع المنقول،و مخالفة العامّة بمثل ظواهر الأخبار المتقدّمة مشكل.

مع أنّ تلك الأخبار صحاحها غير ناصٍ على التحريم،و الناصّة منها ليست بصحاح،عدا واحد منها (3)،و لا يكافئ ما قدّمناه من الصحاح و غيرها.

و دعوى الانجبار بالشهرة في الضعاف مدفوعةٌ بما عرفت من أنّ الشهرة عن القدماء في الخلاف،و الشهرة المتأخّرة على تقديرها لا تعارضها.

مع أنّ عمدة من نسب إليه القول الأول هو الشيخ في النهاية و الخلاف (4)،و قد صرّح ابن إدريس برجوعه عنه في التبيان (5).

ص:201


1- انظر ضوابط الرضاع للمحقق الداماد(كلمات المحققين):52.
2- الكافي 5:7/419،التهذيب 7:1189/281،الإستبصار 3:565/155،الوسائل 20:419 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 1؛ بتفاوتٍ يسير.
3- تقدمت الإشارة إليه في ص 195.
4- النهاية:452،الخلاف 4:306.
5- انظر السرائر 2:523.

هذا،و العمل على القول الأوّل؛ احتياطاً في الفروج.

لو زنى بالعمّة و الخالة حرمت عليه بناتهما

و على المختار يستثني منه ما لو زنى بالعمّة و الخالة له،فإنّه حرمت عليه بناتهما في المشهور بين الأصحاب،بل عليه الإجماع في التذكرة و عن المرتضى (1)؛ و هو الحجّة.

لا الخبران،أحدهما:الحسن:عن رجل نال من خالته في شبابه،ثم ارتدع،أ يتزوّج ابنتها؟فقال:«لا» فقال:إنّه لم يكن أفضى إليها شيئاً،إنّما كان شيءٌ دون شيء،فقال:«لا يصدّق،و لا كرامة» (2)و نحوه الموثّق (3).

لاختصاصه بالخالة،و ما في متنه من الرداءة؛ لتصريح السائل بعدم المواقعة،و ردّه عليه السلام بأنّه:«لا يصدّق و لا كرامة» و مثله غير لائق بالأئمّة عليهم السلام.و لعلّه لذا توقّف فيه في المختلف العلّامة تبعاً للحلّي (4)؛ و لكن استناده إلى عموم أدلّة الإباحة.

اللمس و النظر

و أمّا اللمس و النظر بشهوة بما لا يجوز لغير المالك لمسه و النظر إليه،فقد اختلف الأصحاب فيه: فمنهم من ينشر به الحرمة على أبي اللامس و الناظر و ولده كالشيخ و القاضي و ابن حمزة (5)و جماعة (6)،

ص:202


1- التذكرة 2:633،المرتضى في الانتصار:108.
2- الكافي 5:10/417،الوسائل 20:432 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 10 ح 1؛ بتفاوت يسير.
3- التهذيب 7:1291/311،الوسائل 20:432 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 10 ح 2.
4- المختلف:524،الحلّي في السرائر 2:529.
5- الشيخ في النهاية:451 496،القاضي في المهذّب 2:182 و 246،ابن حمزة في الوسيلة:293.
6- منهم العلّامة في المختلف:524،الشهيد الثاني في الروضة 5:184،صاحب الحدائق 23:510.

و نسبه في التذكرة إلى الشهرة (1)؛ استناداً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح:عن الرجل تكون له الجارية،فيقبّلها،هل تحلّ لولده؟فقال:«بشهوة؟» قلت:نعم،فقال:«ما ترك شيئاً إذا قبّلها بشهوة» ثم قال ابتداءً منه:«إن جرّدها فنظر إليها بشهوة حرمت على ابنه و أبيه» قلت:

إذا نظر إلى جسدها،فقال:«إذا نظر إلى فرجها و جسدها بشهوة حرمت عليه» (2).

و الصحيح:في الرجل تكون عنده الجارية،يجرّدها و ينظر إلى جسدها نظر شهوة،و نظر منها إلى ما يحرم على غيره،هل تحلّ لأبيه؟و إن فعل ذلك أبوه فهل تحلّ لابنه؟قال:«إذا نظر إليها نظر شهوة و نظر منها إلى ما يحرم على غيره لم تحلّ لابنه،و إن فعل ذلك الابن لم تحلّ لأبيه» (3).

و بهما يقيّد إطلاق المعتبرة،كالصحيح:عن أدنى ما إذا ما فعله الرجل بالمرأة لم تحلّ لأبيه و لا لابنه،قال:«الحدّ في ذلك المباشرة ظاهرة أو باطنة ما يشبه مسّ الفرجين» (4)و نحوه الصحيح الآتي

ص:203


1- التذكرة 2:633.
2- الكافي 5:2/418،التهذيب 7:1192/281،عيون الأخبار 2:44/17،الوسائل 20:417 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 3 ح 1.
3- الفقيه 3:1235/260،التهذيب 8:758/212،الإستبصار 3:769/212،الوسائل 20:418 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 3 ح 6؛ بتفاوت.
4- ما وجدناه في التهذيب 7:1877/468،الوسائل 20:421 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 6 مرويٌّ عن الصفار،عن محمد بن عيسى،عن يونس،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،و في الاستبصار 3:770/212 عن الصفار،عن محمد ابن عيسى،عن يونس،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،فتأمّل.

و الموثّقان (1)و الخبر (2).مضافاً إلى ظهور إطلاقاتها في القيد؛ للغلبة.

و بهذه الأخبار يخصّص عموم أدلّة القول الثالث.

و منهم من خصّ التحريم بمنظورة الأب دون الابن،كالمفيد و سلّار و الشهيد في اللمعة (3)؛ و لا دليل عليه،بل الأخبار المتقدّمة حجّة عليه.

و ليس في الصحيح:«إذا جرّد الرجل الجارية و وضع يده عليها فلا تحلّ لابنه» (4)دلالة على الاختصاص،إلّا بالمفهوم الضعيف في نفسه أوّلاً،و غير صالح لمقاومة صريح الأخبار المتقدّمة ثانياً،فالقول به ضعيف جدّاً.

و الوجه عند المصنّف و الفاضل في القواعد تبعاً للحلّي (5) الكراهة في ذلك كلّه للأصل،و عموم الكتاب و السنّة،و خصوص

ص:204


1- الأول في:التهذيب 8:740/208،الإستبصار 3:766/211،الوسائل 21:195 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 77 ح 2.الثاني في:التهذيب 8:741/209،الإستبصار 3:768/212،الوسائل 21:195 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 77 ح 3.
2- التهذيب 8:742/209،الإستبصار 3:767/212،الوسائل 21:196 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 77 ح 4.
3- المفيد في المقنعة:502،543،سلّار في المراسم:149،اللمعة(الروضة البهية 5):183.
4- الكافي 5:5/419،التهذيب 7:1193/282،الوسائل 20:418 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 3 ح 4.
5- القواعد 2:14،الحلّي في السرائر 2:528.

الموثّقة:عن الرجل يقبّل الجارية و يباشرها من غير جماع داخل أو خارج، أ تحلّ لابنه أو لأبيه؟قال:«لا بأس» (1).

و الحسنة:عن رجل تكون له جارية،فيضع أبوه يده عليها من شهوة،أو ينظر منها إلى محرّم من شهوة،فكره أن يمسّها ابنه (2).

و في الجميع نظر؛ لتخصيص الأصل كالعمومات و الموثّقة على بُعدٍ فيها بما تقدّم (3)؛ مضافاً إلى عدم مكافأتها كالحسنة مع عدم ظهور الكراهة فيها في الاصطلاحيّة لما تقدّم من النصوص المستفيضة، المعتضدة بالشهرة العظيمة،التي هي أقوى المرجّحات المنصوصة و العقليّة.

و على المختار لا يتعدّى التحريم إلى أُمّ الملموسة و المنظورة و لا بنيتهما من دون فرق بين المملوكة و أُمّ الزوجة،على المشهور بين الطائفة،حكاه جماعة (4).

لعموم أدلّة الإباحة،و صريح الآية في الثانية (5)،و اختصاص الأدلّة بما عدا المسألة.

مضافاً إلى الصحيح في الثانية:عن رجل باشر[امرأة]و قبّل،غير أنّه لم يفض إليها،ثم تزوّج ابنتها،قال:«إن لم يكن أفضى إلى الأُمّ

ص:205


1- التهذيب 8:741/209،الإستبصار 3:768/212،الوسائل 21:195 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 77 ح 3.
2- الكافي 5:4/418،الوسائل 20:417 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 3 ح 2.
3- أي إذا لم يكن بشهوة.منه رحمه اللّه.
4- منهم صاحب الحدائق 23:512.
5- النساء:23.

فلا بأس» (1).

و بفحواه يستدلّ للجواز إذا باشر أُمّ المملوكة.

خلافاً للخلاف،مدّعياً فيه الوفاق،فحرّم الاُمّ و البنت و إن علت و سفلت (2)؛ لذلك،و للاحتياط،و أخبار فيها الصحيح و غيره (3)محمولة على الكراهة جمعاً؛ مع اختصاص ما عدا النبويّين (4)منها بحرمة ابنة الزوجة خاصّة كما عن الإسكافي (5)،و الاحتياط ليس بدليل كدعوى الوفاق،بعد مصير المعظم إلى الخلاف.

يلحق بهذا الفصل مسائل

و يلحق بهذا الفصل مسائل سبع:

الاُولى لو ملك أُختين،فوطئ واحدة حرمت الأُخرى

الاُولى:لو ملك أُختين،فوطئ واحدة منهما حرمت عليه وطء الأُخرى بالكتاب،و السنّة،و الإجماع،إلى أن يخرج الاُولى عن ملكه،ببيع،أو هبة،أو نحوهما من نواقل الملك،فإذا أخرج حلّت

ص:206


1- الكافي 5:2/415،التهذيب 7:1356/330،الإستبصار 3:607/166،الوسائل 20:424 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 2؛ بدل ما بين المعقوفين في«ص» و«ح»:امرأته،و ما أثبتناه من المصدر.
2- الخلاف 4:308.
3- انظر الوسائل 20:460 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 19.
4- الأول في:غوالي اللئلئ 3:222/333،المستدرك 14:399 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 18 ح 8.الثاني في:عوالي اللئلئ 3:223/333،المستدرك 14:401 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 6.
5- على ما نقله عنه في المختلف:525.

إجماعاً؛ للنصوص:

منها الصحيح:«إذا كانت عند الرجل الأُختان المملوكتان،فنكح إحداهما،ثم بدا له في الثانية فنكحها،فليس ينبغي له أن ينكح الأُخرى حتى يخرج الاُولى من ملكه،يهبها أو يبيعها،و إن وهبها لولده جاز» (1).

و الموثّق:«لا يقربها حتى تخرج تلك عن ملكه» (2).

و هل يكفي مطلق العقد الناقل للملك؟أم يشترط لزومه،فلا يكفي البيع بخيارٍ و الهبة التي يجوز الرجوع فيها؟وجهان:من إطلاق النصّ اشتراط الخروج الحاصل بمطلقه،و من أنّها مع تسلّطه على فسخه بحكم المملوكة.

و ضعّف بأنّ غاية التحريم إذا علّقت على مطلق الخروج لم يشترط معها أمرٌ آخر؛ لئلّا يلزم جعل ما جعله الشارع غايةً ليس بغاية.و قدرته على ردّها إلى ملكه لا تصلح للمنع؛ لأنّه بعد الإخراج اللازم متمكّنٌ منه دائماً على بعض الوجوه بالشراء و الاتّهاب و غيرها من العقود (3).

و هو حسن إن علم جعل مطلق الخروج غايةً[للتحريم (4)]و هو محلّ

ص:207


1- التهذيب 7:1212/288،الإستبصار 3:625/171،الوسائل 20:482 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 29 ح 1؛ بتفاوتٍ يسير.
2- التهذيب 7:1213/288،الإستبصار 3:626/172،الوسائل 20:482 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 29 ح 2.
3- جامع المقاصد 12:351 و الروضة 5:188.
4- بدل ما بين المعقوفين في الأصل:للحلّ،و الظاهر ما أثبتناه.

تأمّل؛ بناءً على تبادر اللازم منه،فيقتصر في غيره على أصالة بقاء الحرمة؛ مع أنّ الشكّ في الدخول كافٍ في عدم الجسارة في تخصيص الأصالة المزبورة.

هذا،مع ما في النقض باللازم من النظر؛ إذ قدرته على ردّها إلى الملك فيه ليس بنفسه،دون الجائز؛ لقدرته بنفسه عليه،فجعلهما واحداً ضعيفٌ جدّاً.و الاحتياط في مراعاة اللزوم.

و في الاكتفاء بفعل ما يقتضي تحريمها عليه كالتزويج و الرهن و الكتابة وجهان،منشؤهما:حصول الغرض و هو تحريم الوطء،و انتفاء النقل الذي هو مورد النصّ،و هو الأحوط لو لم يكن أقوى.

و لا فرق في تحريم الثانية بين وطء الاُولى في القبل و الدبر.

و في مقدّماته من اللمس و القبلة و النظر بشهوة نظر:من قيامها مقام الوطء كما سلف و من عدم صدق الوطء بها،و الأول أحوط،و إن كان الثاني أقوى.

و لو وطئ الثانية أثِم إجماعاً و لم تحرم عليه الاُولى وفقاً للطوسي في المبسوط و الحلّي و اللمعة (1)،و أكثر المتأخّرين كما في المسالك (2)؛ لأنّ الحرام لا يحرّم الحلال،و التحريم إنّما تعلّق بوطء الثانية، فيستصحب؛ و لأصالة الإباحة.و على هذا،فمتى أخرج إحداهما عن ملكه

ص:208


1- المبسوط 4:207،الحلّي في السرائر 2:538،اللمعة(الروضة البهية 5):190.
2- المسالك 1:483.

حلّت الأُخرى،سواء أخرجها للعود إليها أم لا،و إن لم يخرج إحداهما فالثانية محرّمة دون الاُولى.

و لكن اضطربت الرواية في المسألة،بعد اتّفاقها على تحريم الاُولى مع العلم بتحريم الثانية،و تحليلها بإخراج الثانية من ملكه لا بنيّة العود إلى الأُولى.

ففي بعضها:تحرم عليه الاُولى حتى تخرج الثانية عن ملكه لا للعود إلى الأُولى.

ففي الصحيحين:عن رجل عنده مملوكتان،فوطئ إحداهما، ثم وطئ الأُخرى،قال:«إذا وطئ الأُخرى فقد حرمت عليه الاُولى حتى تموت الأُخرى» قلت:أ رأيت إن باعها،أ تحلّ له الاُولى؟قال:

«إن كان باعها لحاجة و لا يخطر على باله منها شيء فلا أرى بذلك بأساً،و إن كان يبيعها ليرجع إلى الاُولى فلا،و لا كرامة» (1)،و نحوهما غيرهما (2).

و في رواية اُخرى:إن كان جاهلاً لم تحرم الاُولى و إن كان عالماً حَرُمَتا معاً

ص:209


1- الأول في:الفقيه 3:1/284،الوسائل 20:485 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 29 ح 9؛ بتفاوت.الثاني في:الكافي 5:7/432،التهذيب 7:1217/290،الوسائل 20:485 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 29 ح 9؛ بتفاوت.
2- الكافي 5:6/431،التهذيب 7:1216/290،الوسائل 20:485 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 29 ح 5؛ و ما بين المعقوفين من المصدر.

هي صحيحة عليّ بن رئاب،عن الحلبي،عن مولانا الصادق عليه السلام:

قال:قلت له:الرجل يشتري الأُختين،فيطأ إحداهما،ثم يطأ الأُخرى، قال:«إذا وطئ الأُخرى بجهالة لم تحرم عليه الاُولى،و إن وطئ الأخيرة [و هو]يعلم أنّها تحرم عليه حرمتا جميعاً» (1)و نحوها الموثّق (2).

و وجه الاضطراب فيها واضح؛ و ذلك لأنّ ظاهر الأخبار الأوّلة، تحريم الأُولى خاصّة إلى موت الثانية،أو إخراجها عن الملك لا للعود إلى الأوّلة،فإن حملت على صورة وقوع الوطء بجهالة،حصل المنافاة بينها و بين الأخيرين صريحاً؛ للتصريح فيهما بعدم حرمة الأولة في هذه الصورة، و إن حملت على صورة وقوع الوطء مع العلم بالحرمة،وقع التنافي بينهما أيضاً؛ إذ المستفاد من الأوّلة:تحريم الأُولى خاصّة،و منهما:تحريمهما معاً.

و يمكن الجمع،بحمل الأوّلة على الصورة الثانية،و حكمه عليه السلام بتحريم الاُولى لا يقتضي حلّ الثانية،و ربما كان الوجه في تخصيصها بالذكر وضوح حرمة الثانية بالنظر إلى أصالة الحرمة،و أمّا الاُولى فلمّا كان وطؤها مباحاً احتيج إلى ذكر حكمها بعد وطء الثانية،و هو الحرمة إلى خروجها عن الملك لا بنيّة العود إلى الأُولى.

و المسألة مشكلة،لكن تحريم الاُولى مع العلم بحرمة الثانية إلى خروجها عن الملك لا بنيّة العود إلى الاُولى ليس محلّ ريبة؛ لدلالة

ص:210


1- الكافي 5:14/433،الفقيه 3:1353/284،التهذيب 7:1219/290،الوسائل 20:483 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 29 ح 5؛ و ما بين المعقوفين من المصدر.
2- التهذيب 7:1220/291،الوسائل 20:484 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 29 ح 6.

الأخبار بأسرها على ذلك.

و إنّما الريبة في حلّ الاُولى في صورة الجهل بحرمة الثانية،و تحريم الثانية في صورة العلم مع بقائهما على الملكيّة،و لا يبعد المصير إليه؛ لما مرّ،وفاقاً لجماعة،منهم:شيخنا في الروضة،و حكي عن ابن حمزة (1).

و محصّله:أنّه متى وطئ الثانية عالماً بالحرمة حَرُمَتا عليه معاً،إلى موت الأخيرة،أو خروجها عن الملك لا لغرض العود إلى الأُولى،فإن اتّفق إخراجها لا لذلك حلّت له الاُولى،و إن أخرجها للرجوع إليها فالتحريم باق.و إن وطئ الثانية جاهلاً بالتحريم لم تحرم عليه الاُولى،بقيت الثانية في ملكه أم لا.و بالأخبار المزبورة تخصّ الأدلّة المتقدّمة؛ لصحّتها،و وضوح الجمع بينهما و هنا أقوال منتشرة غير واضحة الأدلّة.

نعم،في الموثّق:في رجل كانت عنده اختان،فوطئ إحداهما،ثم أراد أن يطأ الأُخرى،قال:«يخرجها من ملكه» قلت:إلى من؟قال:«إلى بعض أهله» قلت:فإن جهل ذلك حتى وطئها؟قال:«حرمتا عليه كلتاهما» (2).

و هو ظاهر المنافاة للخبرين الأخيرين؛ للتصريح فيهما بحلّ الاُولى في صورة الجهل،و حرمتهما معاً مع العلم،و تصريحه بحرمتها فيها؛ و لذا أنّ الشيخ في النهاية حكم بحرمتها فيها أيضاً (3)،مشترطاً في حلّها إخراج

ص:211


1- الروضة 5:190،ابن حمزة في الوسيلة:294.
2- التهذيب 7:1220/291،الوسائل 20:484 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 29 ح 6.
3- النهاية:455.

الثانية عن الملك مطلقاً (1).

و هو مشكل،كيف لا؟!و لم يبق حينئذٍ فرق بين صورتي العلم و الجهل في حرمة الأُولى،إلّا مع إخراج الثانية عن الملك،و الحال أنّه صرّح في الخبرين بالفرق:بحلّ الاُولى مع الجهل و حرمتهما مع العلم.

و الجمع بينهما و بين الموثّق غير ممكن؛ إذ غايته حمل حلّ الاُولى في صورة الجهل في الخبرين بصورة إخراج الثانية عن الملك،و حرمتها فيها في الموثّق بخلاف الصورة.و نحوه جارٍ في صورة العلم،فإنّه تحلّ الاُولى فيها أيضاً بالشرط المذكور،و تحرم بعدمه،فالفرق على هذا في الخبرين غير واضح.

نعم،لو لم تحلّ الاُولى في صورة العلم بالشرط المتقدّم أمكن الفرق،و لا يقول به،فتدبّر.

فلا بُدّ من اطراح أحد الطرفين له،إمّا الخبرين،و هو مشكل؛ لكونهما بالتعدّد و صحّة أحدهما أقوى من الموثّق.و إمّا هو كما هو متعيّن فلا وجه للحكم بحرمة الاُولى.

و أمّا الموثّق الآخر:عن رجل كانت عنده جاريتان أُختان،فوطئ إحداهما،ثم بدا له في الأُخرى،قال:«يعتزل هذه و يطأ الأُخرى» قال:

قلت:فإنّه تنبعث نفسه إلى الأُولى،قال:«لا يقربها حتى تخرج تلك عن ملكه» (2).

ففيه إشكال؛ لتضمّنه الفرق بين الاُولى و الثانية بالاكتفاء بالاعتزال

ص:212


1- أي و لو بنيّة العود.منه رحمه الله.
2- التهذيب 7:1213/288،الإستبصار 3:626/172،الوسائل 20:482 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 29 ح 2.

لحل الثانية دون الأُولى.إلّا أن يحمل الاعتزال على الإخراج عن الملك، و لكنّه حينئذٍ لا يقاوم ما قدّمناه من الأخبار،فتدبّر.

الثانية يكره أن يعقد الحرّ على الأمة

الثانية:يكره أن يعقد الحرّ على الأمة مطلقاً،على الأشهر بين الطائفة كما في الشرائع و اللمعة (1)،بل عليه الإجماع في الغنية (2)،و هو الأظهر في المسألة.

لعموم الكتاب و السنّة،ك فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ [1] (3)و لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ [2] (4)و قد صرّح الطوسي و الطبرسي في تفسيرهما بدلالتها على الجواز مع الطَّول و السعة،و حملا الآية الآتية على التنزيه (5)، و هو يرجع إلى الكراهة.

و الصحيح:يتمتّع الرجل بالأمة بإذن أهلها؟قال:«نعم،إنّ اللّه تعالى يقول فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ [3] » (6).و الآخر:عن الرجل يتمتّع بأمة رجل بإذنه،قال:«نعم» (7)و لا قائل بالفرق.

و بالكراهة ظاهر المعتبرة المنجبر قصور أسانيدها بالعمومات و الشهرة مع أنّ فيها المرسل كالموثّق:«لا ينبغي أن يتزوّج الرجل الحرّ

ص:213


1- الشرائع 2:291،اللمعة(الروضة البهية 5):195.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):611.
3- النساء:25.
4- البقرة:221.
5- الطوسي في التبيان 2:218،الطبرسي في مجمع البيان 1:318.
6- التهذيب 7:1110/257،الاستبصار 3:531/146،تفسير العياشي 1:89/234،الوسائل 21:40 أبواب المتعة ب 15 ح 3.
7- التهذيب 7:1111/257،الإستبصار 3:532/146،الوسائل 21:40 أبواب المتعة ب 15 ح 4.

المملوكة اليوم،إنّما كان ذلك حيث قال اللّه عزّ و جلّ وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً [1] (1)و الطَّول:المهر،و مهر الحرّة اليوم مثل مهر الأمة أو أقلّ» (2).

و يؤيّده النهي عن تزويجها على الحرّة في الصحاح و غيرها الآتية (3)؛ لإشعارها بالجواز في غير موردها من وجهين:

أحدهما:تخصيص النهي بتزويجها على الحرّة،فلو عمّ النهي لخلا التقييد ب:«على الحرّة» عن الفائدة.

و الثاني:دلالتها على جواز تزويجها و لو في الجملة،و هو ينصرف إلى العموم حيث لا صارف له عنه،و ما نحن فيه منه كما ستعرف.

و قيل:يحرم،إلّا أن يعدم الطَّول و هو:القدرة على المهر كما فهم من المرسلة.و زيد:و على النفقة و لو بالقوّة (4)؛ و لا دليل عليه، إلّا ظاهر إطلاق الطَّول،و لكنّ الرواية المعتبرة فسّرته بذلك.

و يخشى العنت و هو:مشقّة الترك،و فُسِّر بالزناء و خوف الوقوع فيه.و الظاهر أنّ خوف المشقّة الشديدة و الضرر العظيم بتركه كذلك؛ للحرج و الضرر المنفيّين،و أصالة عدم النقل،فتأمّل.

و هذا القول محكيّ عن الخلاف و المبسوط و القاضي و الإسكافي

ص:214


1- النساء:25.
2- الكافي 5:7/360،التهذيب 7:1372/334،الوسائل 20:508 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 45 ح 5.
3- في ص 218.
4- المبسوط 4:214،جامع المقاصد 12:371،المسالك 1:484،الحدائق 23:559.

و العماني (1)؛ لظاهر مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ [1] الآية (2)، لتعليق الجواز فيها على الشرطين.

و فيه نظر،أمّا أوّلاً:فلاحتمال كون الشرط مبنيّاً على الغالب، فلا يكون المفهوم معتبراً.

و أمّا ثانياً:فلاحتمال كون المشروط رجحان النكاح لا الجواز، و بتقديره فظواهر المعتبرة المتقدّمة تخصّه بالخالي عن المرجوحيّة،و المفاد حينئذٍ نفي الجواز المزبور عند فقد أحد الشرطين،و لا ينافي ثبوت الجواز المصاحب للمرجوحيّة عند ذلك.

و بتقدير التنزّل،فغايته الظهور الضعيف دون النصّيّة،التي هي المناط في صرف العمومات و الإطلاقات القطعيّة عن ظواهرها.

و دعوى ورودها في بيان الحلّ و الحرمة (3)محلّ مناقشة،مع أنّ المستفاد من رواية خصال الآتية (4)كون تحريمها من جهة السنّة لا من جهة الكتاب،كما يفهم من سياقها،حيث ذكر المحرّمات بكلّ منهما على حدة، و جعل المقام من الأُمور المحرّمة بالسنّة.

و بالجملة:ليست الآية ناصّة على التحريم،فلا يجسر في تخصيص الأُصول القطعيّة بمثلها،مع ما في المعتبرة من الظهور التامّ في الكراهة، و لأجلها يحمل النهي المطلق في بعض الأخبار عليها،كالرواية:عن الرجل

ص:215


1- الخلاف 4:313،المبسوط 4:214،و حكاه عن القاضي و الإسكافي و العماني في المختلف:565.
2- النساء:25.
3- المسالك 1:484.
4- في ص 215.

يتزوّج الأمة؟قال:«لا،إلّا أن يضطرّ إلى ذلك» (1)مع قصور سنده من دون جابر؛ للشهرة على خلافه.

و أمّا الأخبار النافية للبأس عنه مع الاضطرار،كالصحيح:عن الرجل يتزوّج المملوكة؟قال:«إذا اضطرّ إليها فلا بأس» (2)فليس المستفاد منها إلّا ثبوت البأس عند عدمه،و هو أعمّ من الحرمة.و دعوى إرادتها منه يحتاج إلى دلالة واضحة،هي في المقام مفقودة.

نعم،لو ظهرت الحرمة من الآية أمكن حمله عليها،جمعاً بين الأدلّة،إلّا أنّك قد عرفت ما فيه من المناقشة،مع أنّها كيف كانت ليست بنفسها أدلّة،فالاستدلال بها للحرمة مجازفة.

و ليس حمل المعتبرة المتقدّمة على التقيّة بأولى من حمل الأخيرة عليها؛ لوجود القولين في العامّة.

و ليس في كلام العماني-:و قد ذهب قوم من العامّة إلى الجواز (3)دلالة على اتّفاقهم كافّة،بل ربما أشعر بالعدم،فتأمّل.

هذا،و لكنّ الاحتياط في مثل المقام لازم لا يترك؛ للتصريح بالحرمة لكن من جهة السنّة في المرويّ في الخصال،بسنده عن إبراهيم بن عبد الرحمن،عن مولانا الكاظم عليه السلام (4).و لضعفه بجهالة الراوي من دون جابر؛ لاشتهار خلافه لا يجوز الاعتماد عليه.

ص:216


1- الكافي 5:6/360،الوسائل 20:507 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 45 ح 1.
2- التهذيب 7:1686/421،الوسائل 21:346 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 8 ح 1.
3- حكاه عنه في المختلف:565.
4- الخصال:10/532.

و نحوه الجواب عن المرويّ في تفسير العيّاشي،عن البزنطي:قال:

سألت الرضا عليه السلام:يتمتّع بالأمة بدون إذن أهلها؟قال:«إنّ اللّه تعالى يقول فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ [1] (1)» (2).و قال محمّد بن صدقة البصري:سألته عن المتعة،أ ليس هذا بمنزلة الإماء؟قال:«نعم،أما تقرأ قول اللّه عزّ و جل وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ [2] إلى قوله وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ [3] ؟!فكما لا يسع الرجل أن يتزوّج الأمة و هو يستطيع أن يتزوّج الحرّة،فكذلك لا يسع الرجل أن يتمتّع بالأمة و هو يستطيع أن يتزوّج بالحرّة» (3).

و محمّد بن صدقة غال.

و القول بأنّ اشتهار الحرمة بين متقدّمي الطائفة أوضح قرينة على صحّة الرواية.لا يخلو عن مناقشة؛ إذ هو حيث لا تعارضه الشهرة المتأخّرة،و أمّا مع المعارضة بها فلا،مضافاً إلى الشكّ في الشهرة.

و لكنّ الإنصاف أنّ القول بالحرمة لا يخلو عن قوّة؛ لاستفاضة نقل الشهرة بين قدماء الطائفة،و هي أقوى من الشهرة المتأخّرة؛ مع تأيّده بأصالة الحرمة السابقة،و الظهور المستفاد من الآية في الجملة.

ثم إنّ ظاهر إطلاق عبائر الأصحاب و الآية و صريح المسالك (4)و الخبر الأخير عدم الفرق في المنع على القول به بين الدائم و المنقطع.

خلافاً لبعض المتأخّرين،فخصّه بالدائم (5)؛ لتبادره من التزويج في الأخبار المانعة.

ص:217


1- النساء:25.
2- تفسير العياشي 1:89/234.
3- تفسير العياشي 1:90/234.
4- المسالك 1:484.
5- انظر ملاذ الأخيار 12:190.

و فيه:أنّ الأدلّة على المنع غير منحصرة فيها؛ إذ منها الخبر المتقدّم، الصريح،المنجبر ضعفه بإطلاق الفتاوي.

و ليس في الصحيح الدالّ على جواز متعة المملوكة بإذن أهلها لمن عنده حرّة بإذنها (1)،كالصحيح الدالّ على جواز تحليل الزوجة جاريتها لزوجها (2)،دلالةٌ على اختصاص المنع بالدائم و جواز التمتّع مطلقاً،كيف لا؟!و ظاهر الأوّل المنع منه بدون الإذن.

مع أنّ في الصحيح:عن الرجل يتزوّج الأمة على الحرّة متعةً؟قال:

«لا» (3)فتأمّل.

هذا،مع أنّهم صرّحوا بجوازه كالدائم بالإذن،بل حكي عليه الإجماع كما يأتي (4)،فلا خلاف في مضمون الخبرين،و لا دخل لهما في محلّ النزاع (5).

ثم على المنع،ففي بطلان العقد،و الصحّة مع حصول الإثم،قولان، و حكي الأول عن ظاهر الأكثر (6)،و الثاني عن المفيد و جماعة (7)،و هو

ص:218


1- الكافي 5:3/463،التهذيب 7:1112/257،الاستبصار 3:533/146،نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:202/88،الوسائل 21:41 أبواب المتعة ب 16 ح 1.
2- الفقيه 3:1376/289،الوسائل 21:128 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 32 ح 1.
3- التهذيب 7:1113/257،الإستبصار 3:534/146،الوسائل 21:41 أبواب المتعة ب 16 ح 3.
4- في ص 220.
5- و هو تزويج الأمة متعة ابتداءً من دون أن يكون على حرّة.منه رحمه اللّه.
6- قال في الحدائق 23:560 بعد نقل القول بصحة العقد و حصول الإثم عن المفيد و ابن البراج-:و ظاهر الباقين البطلان.
7- حكاه في المسالك 1:484،انظر المقنعة:506 و المهذب 2:215.

الأوفق بالأُصول.

و أمّا التحليل فلا يتعدّى الحكم إليه؛ لعدم انصراف إطلاق الأدلّة إليه، مع أنّه في حكم ملك اليمين.

الثالثة لا يجوز للعبد أن يتزوّج أكثر من الحرّتين،أو حرّة و أمتين،أو أربع إماء

الثالثة:لا يجوز للعبد أن يتزوّج دائماً أكثر من الحرّتين،أو حرّة و أمتين،أو أربع إماء بإجماعنا،كما حكاه جماعة من أصحابنا (1)، و استفاض به أخبارنا.

ففي الصحيح:عن المملوك يتزوج أربع حرائر؟قال:«لا يتزوّج إلّا حرّتين إن شاء،أو أربع إماء» (2)،و نحوه غيره (3).

و عليه يحمل إطلاق المعتبرة كالصحيحين (4)و الموثّق (5)بأنّه:

لا يجمع المملوك من النساء أكثر من امرأتين؛ مع أنّ المتبادر منهما الحرّتان.و يحتمل الحمل على التقيّة؛ بناءً على مصير بعضهم إلى أنّه

ص:219


1- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):610،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 12:382،و الشهيد الثاني في الروضة 5:206،و السبزواري في الكفاية:166.
2- الكافي 5:1/476،التهذيب 7:1242/296،الإستبصار 3:775/213،الوسائل 20:525 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 8 ح 1.
3- الكافي 5:2/477،التهذيب 7:1239/296،الوسائل 20:526 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 8 ح 2.
4- الأول في:التهذيب 8:751/211،الإستبصار 3:773/213،الوسائل 21:111 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 22 ح 5.الثاني في:التهذيب 7:1240/296،الوسائل 20:526 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 8 ح 4.
5- التهذيب 8:752/211،الوسائل 21:112 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 22 ح 6.

لا يتجاوز الاثنتين مطلقاً (1).

الرابعة لا يجوز نكاح الأمة على الحرّة إلّا بإذنها

الرابعة:لا يجوز نكاح الأمة على الحرّة إلّا بإذنها بإجماعنا، حكاه جماعة من أصحابنا،كالمبسوط و السرائر و الغنية و الروضة (2)، و غيرهم (3).

و الاخبار به مستفيضة،كالحسن بل الصحيح-:«تزوّج الحرّة على الأمة،و لا تزوّج الأمة على الحرّة،و من تزوّج أمة على حرّة فنكاحه باطل» (4).

و لا فرق فيه بين الدائم و المنقطع؛ للصحيح (5)،و فحوى المانع عن التمتّع بها مع القدرة على الحرّة كما مرّ (6).

و ليس في إطلاقها الدلالة على المنع عن التزويج بها مطلقاً و لو مع الإذن؛ لانصرافه إلى الغالب،و ليس فيه الإذن،فيقتصر في تخصيص الأُصول و العمومات القطعيّة على الإباحة على القدر المتيقّن من الإطلاق.

مضافاً إلى التصريح بالجواز مع الإذن في التمتّع في الصحيح

ص:220


1- حكاه عن أحمد و عطاء و الحسن و غيرهم في المغني 7:437،و به قال الشافعي في الأُم 5:41.
2- المبسوط 4:214،السرائر 2:545،لم نعثر عليه في الغنية،الروضة 5:192.
3- انظر التذكرة 2:641.
4- الكافي 5:2/359،التهذيب 7:1408/344،الوسائل 20:509 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 46 ح 1.
5- الكافي 5:3/463،التهذيب 7:1113/257،الاستبصار 3:534/146،نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:202/88،الوسائل 22:41 أبواب المتعة ب 16 ح 1.
6- في ص 212.

المتقدّم (1)،و لا قائل بالفرق،مع إشعار المرويّ في تفسير العيّاشي (2)باتّحاده مع الدائم.

و لذا قطع الأصحاب بالجواز حينئذ،بل في التبيان و السرائر و التذكرة و المسالك الإجماع على صحّة العقد مع الإذن (3)،و هو ظاهر في الإجماع على الحلّ،فتأمّل.فلا وجه لتعميم المنع،كما يوجد في كلام بعض المتأخّرين (4).

و لو بادر فعقد عليها من دون إذن الحرّة كان العقد باطلاً أذنت بعد ذلك أم لا،على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع في المبسوط و ظاهر التبيان و السرائر (5)؛ و هو الحجّة فيه،لا الأخبار الحاكمة به كالحسن المتقدّم لعدم العموم فيها،و إنّما غايتها الإطلاق المنصرف إلى ما عرفت من الغالب،و هو عدم الإذن،و لا ريب في بطلانه حينئذ،نعم،هي صالحة للتأييد.

و يتقوّى البطلان على القول بالمنع عن نكاحه الأمة مطلقاً بناءً على ما تقدّم تحقيقه في نكاح ابنتي الأخ و الأخت على العمّة و الخالة من أنّ كلّ ما فيه معصية اللّه سبحانه بمعنى:عدم الرخصة فيه منه تعالى فهو باطل (6)،كما استفيد من الأخبار المشار إليها ثمّة (7).و ما نحن فيه منه؛ بناءً على عدم الرخصة فيه؛ لاشتراطها في الآية و الأخبار بما لا وجود له في

ص:221


1- في ص 216.
2- تقدّم في ص 215.
3- التبيان 3:170،السرائر 2:546،التذكرة 2:641،المسالك 1:485.
4- انظر الحدائق 23:570.
5- المبسوط 4:215،التبيان 3:170،السرائر 2:546.
6- راجع ص 185.
7- راجع ص 185.

محلّ الفرض.

و قيل:كان للحرّة الخيرة بين إجازته أي عقد الأمة و فسخه نسب إلى الشيخين و ابن البرّاج و سلّار و ابن حمزة (1)،و اختاره الشهيدان في المسالك و اللمعة (2).إلحاقاً له بالفضولي؛ لعموم بعض أدلّته،و ليس مثله قياساً.

إلّا أنّه يضعّف بما قدّمناه من الأدلّة،و لولاها لكان القول به في غاية الجودة،كما اخترناه في نكاح ابنتي الأخ و الأُخت على العمّة و الخالة.

و في رواية سماعة عن مولانا الصادق عليه السلام:في رجل تزوّج أمة على حرّة،فقال:«إن شاءت الحرّة أن تقيم مع الأمة أقامت،و إن شاءت ذهبت إلى أهلها» (3)و مقتضاها:أنّ الحرّة لها أن تفسخ عقد نفسها دون عقد الأمة ضدّ القول الثاني.

و أجاب عنها الماتن:بأنّ في الرواية ضعف و ليس كذلك؛ إذ ليس في سندها من يتوقّف فيه،إلّا سماعة،و هو موثّق،بل قيل بوثاقته (4)،و مع ذلك روى عنه الحسن بن محبوب بوساطة يحيى اللَّحّام الثقة،كما عن النجاشي و الخلاصة (5)و هو ممّن حكى الكشّي على صحّة رواياتهم إجماع العصابة (6)،فالسند في غاية الاعتبار

ص:222


1- المفيد في المقنعة:506،الطوسي في النهاية:459 ابن البرّاج في المهذب 2:188،الديلمي في المراسم:150،ابن حمزة في الوسيلة:294.
2- المسالك 1:485،اللمعة(الروضة البهية 5):192.
3- الكافي 5:4/359،التهذيب 7:1412/345،الوسائل 20:511 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 47 ح 3.
4- انظر رجال النجاشي:517/193.
5- النجاشي:1202/445،الخلاصة:182.
6- رجال الكشي 2:1050/830.

و القوّة.

و الأولى الجواب عنها بعدم معارضتها لما تقدّم من الأدلّة،و منها الأخبار المتقدّمة؛ لدلالتها على البطلان و لو في الجملة،إذ ظاهر الموثّقة إطلاق صحّة نكاح الأمة.

هذا،مع مخالفته الأُصول المقتضية لبقاء لزوم عقد الحرّة و حرمة وطء الأمة قبل العقد عليها،و ما هذا شأنه لا يمكن الاعتماد إليه،و إن نسب إلى المتقدّم ذكرهم في بيان القيل.

كلّ ذا إذا تزوّج الأمة على الحرّة.

و لو انعكس الفرض ف أدخل الحرّة على الأمة جاز و لزم،مع علم الحرّة بأنّ تحته أمة؛ إجماعاً و نصوصاً (1).

و لكن للحرّة الخيار في فسخ عقد نفسها و إمضائه إن لم تعلم بذلك؛ إجماعاً،و للخبر الآتي.

دون عقد الأمة،على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع في الخلاف (2)،و عدم الخلاف في السرائر (3)؛ لأصالة بقاء اللزوم،و اندفاع الضرر بتخيّرها في فسخ عقد نفسها.

و للخبر:عن رجل كانت عنده امرأة وليدة،فتزوّج حرّة و لم يُعلمها أنّ له امرأة وليدة،فقال:«إن شاءت الحرّة أقامت،و إن شاءت لم تقم» الحديث (4)؛ لإشعاره باختصاص اختيارها بين الإقامة و عدمها بالنسبة إلى

ص:223


1- الوسائل 20:509 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 46.
2- الخلاف 4:318.
3- السرائر 2:546.
4- التهذيب 7:1413/345،الوسائل 20:511 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 47 ح 1.

عقد نفسها لا مطلقاً.

فظهر ضعف القول المحكيّ عن التبيان بتخيّرها في فسخ عقد الأمة أيضاً (1).

و ضعف الخبر لو كان بالشهرة و الأصل منجبر،مع أنّه بطريق موثّق عن سماعة في البحار مرويّ (2).

و لو جمع بينهما في العقد كأن زوّجه رجل ابنته و أمته في عقد واحد،أو يزوّجه ابنته و أمة غيره بالوكالة كذلك،أو بالعكس،أو يزوّجهما منه بها كذلك صحّ عقد الحرّة و الأمة إذا علمت بها و رضيت، و مع عدمهما اختصّ الصحّة بعقد الحرّة دون الأمة و ظاهر العبارة البطلان مطلقاً،وفاقاً لجماعة من الأعيان (3).

للصحيح:عن رجل تزوّج امرأة حرّة و أمتين مملوكتين في عقد واحد،قال:«أمّا الحرة فنكاحها جائز،و إن كان سمّى لها مهراً فهو لها؛ و أمّا المملوكتان فنكاحهما في عقد مع الحرّة باطل،يفرّق بينهما» (4).

و للنظر فيه مجال؛ لاحتمال الورود مورد الغالب،الذي لا يتحقّق فيه إذن.و لعلّه لذا اختار شيخنا في المسالك إلحاق عقد الأمة بالفضولي و جعله أقوى (5)،مع تصريحه بالخبر،إلّا أنّه لم يُجب عنه،فلعلّه ناظر إلى

ص:224


1- حكاه عنه في كشف اللثام 2:42 و هو في التبيان 3:170.
2- بحار الأنوار 100:28/343.
3- منهم الشيخ في النهاية:459،القاضي في المهذب 2:188،الحلّي في السرائر 2:547.
4- الفقيه 3:1264/266،التهذيب 7:1414/345،الوسائل 20:512 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 48 ح 1.
5- المسالك 1:485.

ما قلناه.

و زاد في المختلف فألحق عقد الحرّة بالفضولي أيضاً؛ معلّلاً بأنّ العقد واحد،و هو متزلزل،و لا أولويّة (1).و ليس في النصّ حجّة عليه؛ لأنّ غاية ما يستفاد منه صحّة عقد الحرّة،و ذلك لا ينافي التزلزل.لكن الإنصاف تبادر اللزوم منه.

و لا ريب في البطلان على القول بالمنع مطلقاً؛ لما قدّمناه من عدم الرخصة الموجب للبطلان (2).

الخامسة لا يحلّ العقد على ذات البعل

الخامسة:لا يحلّ العقد على ذات البعل إجماعاً.

لاستلزام تحريم التعريض بالخطبة في العدّة الرجعيّة كما يأتي تحريمه بطريق أولى.

و لقوله تعالى: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ [1] (3)ففي الحديث:«هنّ ذوات الأزواج» (4).

إلّا بعد مفارقته و انقضاء العدّة إن كانت ذات عدّة،رجعيّة كانت،أو بائنة،أو عدّة وفاة؛ بالإجماع و النصوص.

و لكن لا تحرم به مؤبداً مع الجهل و عدم الدخول إجماعاً؛ للأصل السالم عن المعارض،عدا ما سيأتي من إطلاق بعض الأخبار الآتية (5)المقيّد بما عداهما إجماعاً،و التفاتاً إلى عدم التحريم معهما بالعقد

ص:225


1- المختلف:529.
2- راجع ص 220.
3- النساء:24.
4- تفسير العياشي 1:81/232،الوسائل 21:151 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 45 ح 9.
5- في ص 225.

في العدّة المستلزم لعدمه معهما هنا؛ بناءً على اتّحاد طريق المسألتين:

و أمّا مع عدم أحدهما فإشكال،و المحكيّ عن الأكثر العدم هنا أيضاً؛ للأصل،و اختصاص المحرّم بذات العدّة،فلا يتعدّى إليه.

و فيه:استلزامه الثبوت هنا بطريق أولى؛ لأنّ علاقة الزوجيّة من علاقة الاعتداد أقوى.

و الاستشكال فيه بتوقّف الأولويّة على ثبوت علّيّة الزوجيّة،و هي غير ثابتة؛ لاحتمال اختصاص المعتدّة بمزيد علّة اقتضت الحرمة (1).مدفوعٌ بمخالفة الاحتمال للظاهر،مع جريانه في كلّ أولويّة.

هذا،مضافاً إلى إطلاق المعتبرة المستفيضة،كالموثّق:«التي تتزوّج و لها زوج،يفرّق بينهما ثم لا يتعاودان» (2).

و الرضوي:«و من تزوّج امرأة لها زوج،دخل بها أو لم يدخل بها، أو زنى بها،لم تحلّ له أبداً» (3).

و هما و إن عمّا صورتي الجهل و العلم،إلّا أنّهما مقيّدان بالثاني؛ للإجماع،و ما تقدّم،و ظاهر الصحيح:من تزوّج امرأة و لها زوج و هو لا يعلم،فطلّقها الأول أو مات عنها،ثم علم الآخر،أ يراجعها؟قال:

«لا،حتى ينقضي عدّتها» (4).

و نحوه المرفوع:«إنّ الرجل إذا تزوّج امرأة و علم أنّ لها زوجاً،فرّق

ص:226


1- نهاية المرام 1:167.
2- التهذيب 7:1271/305،الوسائل 20:446 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 16 ح 1.
3- فقه الرضا عليه السلام:243،المستدرك 14:393،أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 16 ح 1.
4- التهذيب 7:1915/477،الإستبصار 3:684/188،الوسائل 20:446 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 16 ح 3؛ بتفاوت يسير.

بينهما و لم تحلّ له أبداً» (1)بناءً على ظهور كون قوله عليه السلام:«و علم» إلى آخره،جزء الشرط،المستلزم فقده عدم التحريم.

و هما و إن عمّا بحسب المفهوم في الحلّ مع الجهل صورتي الدخول و عدمه،إلّا أنّه خصّ منه الأول؛ للموثق:في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها،فتزوّجت،ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلّقها،قال:«تعتدّ منهما جميعاً ثلاثة أشهر عدّة واحدة،و ليس للآخر أن يتزوّجها أبداً» (2).

و نحوه خبر آخر،بزيادة قوله:«و لها المهر بما استحلّ من فرجها» (3).

و أمّا مع عدمهما و هو صورة العلم و الدخول فلا خلاف في التحريم المؤبّد،و إليه أشار بقوله:

نعم،لو زنى بها حرمت،و كذا لو زنى بها في العدّة الرجعيّة خلاف يعرف،كما صرّح به جماعة (4)،بل عليه الإجماع منّا في الانتصار و الغنية،و عن الحلّي و فخر المحقّقين (5).

للرضوي الصريح فيه كما مرّ،و في موضع آخر منه أيضاً:«و من زنى بذات بعل،محصناً كان أو غير محصن،ثم طلّقها زوجها أو مات عنها،

ص:227


1- الكافي 5:11/429،التهذيب 7:1270/305،الوسائل 20:446 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 16 ح 10.
2- التهذيب 7:1279/308،الإستبصار 3:682/188،الوسائل 20:446 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 16 ح 2.
3- الفقيه 3:1698/355،التهذيب 7:1961/488،الإستبصار 3:688/190،الوسائل 20:447 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 16 ح 6.
4- منهم الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:244 و صاحب الحدائق 23:580.
5- الانتصار:107 لم نعثر عليه في الغنية،الحلّي في السرائر 2:525،راجع إيضاح الفوائد 3:71.

و أراد الذي زنى بها أن يتزوجها،لم تحلّ له أبداً» (1).

و عن بعض متأخري الأصحاب أنّه قال:روي:أنّ من زنى بامرأة لها بعل أو في عدّة رجعية،حرمت عليه و لم تحلّ له أبداً (2).

و هو ينادي بوجود الرواية فيه بخصوصه،كما هو ظاهر الانتصار (3)و جماعة من الأصحاب (4).

هذا،مضافاً إلى جريان ما تقدّم من الأدلّة هنا،بل بطريق أولى، فلا وجه لتردّد بعض من تأخّر تبعاً للماتن في الشرائع (5)في المسألة (6).

و لا يلحق به الزناء بذات العدّة البائنة و عدّة الوفاة،و لا بذات البعل:

الموطوءة بشبهة،و لا الموطوءة بالملك؛ للأصل في غير موضع الوفاق،مع عدم الصارف عنه في المذكورات؛ لاختصاصه بغيرهن (7).

و فيه نظر؛ لجريان بعض ما تقدّم هنا،كالأولويّة الواضحة الدلالة في ذات العِدد المزبورة (8)؛ بناءً على ما يأتي من حصول التحريم بالعقد عليها فيها.

ص:228


1- فقه الرضا عليه السلام:278،المستدرك 14:387 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 11 ح 8.
2- لم نعثر عليه.
3- الانتصار:107.
4- جامع المقاصد 12:314،السبزواري في الكفاية:166.
5- الشرائع 2:292.
6- كالعلّامة في القواعد 2:15.
7- و إلى ما ذكرنا يشير كلام الفاضل في التحرير(2:14)فإنّه قال:و لو زنى بذات عدّة بائنة ذو عدّة وفاة،فالوجه أنّه لا تحرم عليه؛ عملاً بالأصل.و ليس لأصحابنا في ذلك نصّ،و على ما قلناه من التنبيه يحتمل التحريم مع العلم؛ لأنّا قد بيّنا ثبوته مع العقد،فمع التجرّد عنه أولى،و هو الأقرب،انتهى.و هو كما ترى نصٌّ فيما ذكرنا،و مع ذلك فقد اختاره أيضاً.منه رحمه الله.
8- أي الوفاة و البائن و وطء الشبهة.منه رحمه اللّه.
السادسة من تزوّج امرأة في عدّتها فالعقد فاسد

السادسة:من تزوّج امرأة دائماً أو منقطعاً في عدّتها بائنة كانت أو رجعيّة،أو عدّة وفاة،أو عدّة شبهة،فيما قطع به الأصحاب؛ لإطلاق الأدلّة جاهلاً بالعدّة،أو التحريم،أو بهما معاً؛ للصحيح الآتي و غيره (1). فالعقد فاسد بالضرورة،و صرّحت به بعض الأخبار الآتية.

و لكن لا تحرم عليه إلّا فيما لو دخل بها قبلاً كان أو دبراً، في العدّة أم خارجها؛ لإطلاق الأخبار كالنصوص،و ربما اشترط في الدخول وقوعه في العدّة،و هو ضعيف في الجملة،فإنّها حينئذٍ حرمت عليه مؤبّداً إجماعاً فيهما.

للمعتبرة،منها الصحيح:«إذا تزوّج الرجل المرأة في عدّتها و دخل بها،لم تحلّ له أبداً،عالماً كان أو جاهلاً،و إن لم يدخل بها حلّت للجاهل و لم تحلّ للآخر» (2).

و الصحيح:عن الرجل يتزوّج المرأة في عدّتها بجهالة،أ هي ممّا لا تحلّ له أبداً؟فقال:«لا،أمّا إذا كان بجهالة فليتزوّجها بعد ما تنقضي عدّتها،و قد يُعذَر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك» فقلت:بأيّ الجهالتين أعذر:بجهالته أنّ ذلك محرّم عليه؟أم بجهالته أنّها في عدّة؟ فقال:«إحدى الجهالتين أهون من الأُخرى،الجهالة بأنّ اللّه تعالى حرّم ذلك عليه،و ذلك أنّه لا يقدر على الاحتياط معها» فقلت:فهو في الأُخرى معذور؟قال:«نعم،إذا انقضت عدّتها فهو معذور في أن يتزوّجها» فقلت:

فإن كان أحدهما متعمّداً و الآخر بجهالة؟فقال:«الذي تعمّد لا يحلّ له أن

ص:229


1- انظر الوسائل 20:449 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 17.
2- الكافي 5:2/426،التهذيب 7:1276/307،الإستبصار 3:679/187،الوسائل 20:450 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 17 ح 2.

يرجع إلى صاحبه أبداً» (1).

و إطلاقه الحلّ مع الجهالة مقيّدٌ بعدم الدخول،كما استفيد من سابقه.

و لحق به الولد مع الإمكان بلا إشكال؛ لأنّه وطء شبهة يلحق به النسب،مع إمكان كونه منه بأن تأتي به لأقلّ الحمل فما زاد إلى أقصاه من حين الوطء.

و به صرّح في الخبر:في المرأة تتزوّج في عدّتها،قال:«يفرّق بينهما،و تعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً،فإن جاءت بولد لستّة أشهر أو أكثر فهو للأخير،و إن جاءت بولد لأقلّ من ستّة أشهر فهو للأول» (2).

و لها المهر إن جهلت بوطء الشبهة الموجب له.

و للخبرين (3)،أحدهما الموثّق:عن رجل تزوّج امرأة في عدّتها، قال:«يفرّق بينهما،فإن كان دخل بها فلها المهر بما استحلّ من فرجها، و يفرّق بينهما،و لا تحلّ له أبداً،و إن لم يكن دخل بها فلا شيء لها من مهرها» .و هو كفتوى الأصحاب صريحٌ في اشتراط الدخول في استحقاق المهر،و في رواية:عدم الاشتراط و استحقاقها النصف (4)،و هو شاذّ لا يُعبَأ به.

ص:230


1- الكافي 5:3/427،التهذيب 7:1274/306،الإستبصار 3:676/186،الوسائل 20:450 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 17 ح 4.
2- الفقيه 3:1441/301،التهذيب 7:1283/309،الوسائل 20:454 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 17 ح 14.
3- الأوّل في:الكافي 5:6/427،التهذيب 7:1281/308،الوسائل 20:452 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 17 ح 7.الثاني في:الكافي 5:9/428،الوسائل 20:452 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 17 ح 8.
4- نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:267/108،الوسائل 20:456 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 17 ح 21.

و هل المراد به المسمّى،أم المثل؟ قولان،أقواهما:الثاني؛ لتوقّف الأول على صحّة العقد المنفيّة هنا، فتعيّن المثل؛ لأنّه عوض البضع.و ربما كان في الموثّق المتقدّم إشعارٌ بالأول،فتأمّل.

و يجب عليها أن تُتِمّ العدّة للأول،و تستأنف عدّة أُخرى للثاني في قول مشهور،بل عليه الوفاق كما عن بعض الأصحاب (1).

لتعدّد السبب،المقتضي لتعدّد المسبّب.

و للمعتبرة المستفيضة،منها الموثّق:المرأة الحبلى يتوفّى عنها زوجها،فتضع و تتزوّج قبل أن تعتدّ أربعة أشهر و عشراً،فقال:«إن كان الذي يتزوّجها دخل بها فُرّق بينهما،و لم تحلّ له أبداً،و اعتدّت بما بقي عليها من عدّة الأول،و استقبلت عدّة اخرى من الآخر ثلاثة قروء،و إن لم يكن دخل بها،فرّق بينهما،و أتمّت ما بقي من عدّتها،و هو خاطب من الخطّاب» (2).

و نحوه الموثّق الآخر (3)،و الحسن (4)،و ما يقرب من الصحيح المرويّ في كتاب عليّ بن جعفر (5).

ص:231


1- قال صاحب المدارك في نهاية المرام 1:171 بعد نسبة هذا القول إلى الأكثر:و قيل:يجزئ عدة واحدة..و لم نعرف قائله.
2- الكافي 5:5/427،التهذيب 7:1277/307،الإستبصار 3:680/187،الوسائل 20:450 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 17 ح 2.
3- الكافي 5:8/428،الوسائل 20:452 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 17 ح 9.
4- الكافي 5:4/427،التهذيب 7:1273/306،الإستبصار 3:675/186،الوسائل 20:451 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 17 ح 6.
5- قرب الإسناد:986/249،الوسائل 20:456 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 17 ح 20.

و قيل: و هو الإسكافي كما حكي (1) تجزئ عدّة واحدة منهما.

للمعتبرة،منها الصحيح:في امرأة تزوّجت قبل أن تنقضي عدّتها، قال:«يفرّق بينهما،و تعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً» (2).

و حملها على عدم الدخول بها بعيدٌ عن سياقها،كحملها على صورة الدخول و العلم؛ بناءً على أنّه لا عدّة للزناء.و يمكن الحمل على الوحدة في المقدار،لا الاكتفاء بالواحدة.

و لو لا الشهرة المرجّحة لحُمِلَت الأخبار المتقدّمة على التقيّة؛ للخبرين:

في أحدهما:قال زرارة:و ذلك أنّ الناس قالوا:تعتدّ عدّتين،من كلّ واحد عدّة،فأبى ذلك أبو جعفر عليه السلام و قال:«تعتدّ ثلاثة قروء و تحلّ للرجال» (3).

و في الثاني:في امرأة نعي إليها زوجها،فتزوّجت،ثم قدم الزوج الأول فطلّقها،و طلّقها الآخر،قال:فقال:إبراهيم النخعي:عليها أن تعتدّ عدّتين،فحملها زرارة إلى أبي جعفر عليه السلام،فقال:«عليها عدّة واحدة» (4).

و لكنّهما ضعيفان؛ لوجود موسى بن بكر في الأول،و الإرسال مع القطع في الثاني.

ص:232


1- حكاه عنه في المختلف:619،و المهذب البارع 3:285.
2- التهذيب 7:1278/308،الإستبصار 3:681/188،الوسائل 20:453 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 17 ح 11.
3- الكافي 6:1/150،الفقيه 3:1701/356،التهذيب 7:1963/489،الوسائل 20:448 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 16 ح 7؛ بتفاوت يسير.
4- الكافي 6:2/151،الوسائل 22:254 أبواب العدد ب 38 ح 2.

و لا ريب أنّ الأول أحوط،بل ربما حُمِلَ الأخبار الأخيرة على التقيّة.

و لو كان في تزويجها عالماً بالأمرين معاً حرمت عليه ب مجرّد العقد و لو خلا عن الدخول إجماعاً و نصوصاً،منها:

الصحيحان المتقدّمان (1)و غيرهما (2).

و لا يلحق به الولد؛ إذ لا حرمة لمائه.

و ليس لها مهر مع علمها مطلقاً (3)،و إلّا فلها المثل مع الدخول؛ لما مرّ.

و في إلحاق مدّة الاستبراء بالعدّة،فتحرم بوطئها فيها،وجهان، أجودهما:العدم؛ للأصل،و عدم تبادرها من العدّة المطلقة في الأخبار.

و كذا الوجهان في العقد عليها مع الوفاة المجهولة ظاهراً للمرأة خاصّة قبل العدّة،مع وقوعه بعد الوفاة في نفس الأمر،أو الدخول مع الجهل.

قيل:و الأقوى عدم التحريم؛ لانتفاء المقتضي له و هو كونها معتدّة، أو مزوّجة سواء كانت المدّة المتخلّلة بين الوفاة و العدّة بقدرها،أم أزيد، أم أنقص،و سواء وقع العقد أو الدخول في المدّة الزائدة عنها،أم لا؛ لأنّ العدّة إنّما تكون بعد العلم بالوفاة أو ما في معناه،و إن طال الزمان (4).

و فيه مناقشة؛ لأنّه لو تزوّجها بعد هذا الزمان في زمان العدّة لاقتضى التحريم البتّة،ففيه أولى؛ لأنّه أقرب إلى زمان الزوجيّة.

و المناقشة في هذه الأولويّة كما في سابقتها ممنوعة،فالتحريم لا يخلو عن قوّة،مع أنّه أحوط البتّة.

ص:233


1- في ص 227 228.
2- انظر الوسائل 20:449 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 17.
3- أي دخل بها أم لم يدخل.منه رحمه الله.
4- قال به الشهيد الثاني في الروضة البهية 5:199.

و لو تزوّج حال كونه مُحرِماً بفرض أو نفل،بحجّ أو عمرة، بعد إفساده أو قبله،له أو لغيره عالماً بالحرمة حرمت المعقود عليها أبداً مطلقاً و إن لم يدخل بها،إجماعاً كما في المسالك،و عن الانتصار و الخلاف و الغنية و المنتهى و التذكرة (1).

لإطلاق الخبرين (2)أحدهما موثّق-:«إنّ المحرم إذا تزوّج و هو محرم فرّق بينهما،ثم لا يتعاودان أبداً» و خصوص المفصّل الآتي،المقيَّد به إطلاقهما.

و لو كان جاهلاً بها فسد العقد،إجماعاً؛ للصحاح المستفيضة:

في أحدها:عن محرم تزوّج،قال:«نكاحه باطل» (3).

و في آخر:«ليس للمحرم أن يتزوّج[و لا يزوِّج]،فإن تزوّج أو زوّج مُحلّاً فتزويجه باطل» (4).

و لكن لم تحرم عليه مطلقاً و لو دخل بها،على الأشهر

ص:234


1- المسالك 1:487،الانتصار:97،الخلاف 2:317،الغنية(الجوامع الفقهية):575،المنتهي 2:808،التذكرة 1:342.
2- الأول في:الكافي 4:3/372،التهذيب 5:1133/329،الوسائل 12:439 أبواب تروك الإحرام ب 15 ح 1.الثاني في:التهذيب 5:1132/329،الوسائل 12:440 أبواب تروك الإحرام ب 15 ح 2.
3- التهذيب 5:1129/328،الإستبصار 2:648/193،الوسائل 12:437 أبواب تروك الإحرام ب 14 ح 3.
4- الفقيه 2:1096/230،التهذيب 5:1128/328،الإستبصار 2:647/193،الوسائل 12:436 أبواب تروك الإحرام ب 14 ح 1؛ و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

الأظهر،بل عليه الإجماع في التذكرة و المنتهى (1).

للأصل،و مفهوم الخبر:«و المحرم إذا تزوّج و هو يعلم أنّه حرام عليه لا تحلّ له أبداً» (2).

و ليس في سنده سوى المثنّى،و قد روى عنه ابن أبي نصر،و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه،فلا ضير في اشتراكه.

مضافاً إلى اعتضاده بالأصل،و الشهرة،و الإجماعات المنقولة، و نحوها من الرواية المرويّة عن الحسين بن سعيد في كتابه.

خلافاً للمحكيّ عن المقنع و سلّار،فحكما بالتحريم هنا أيضاً مطلقاً (3)؛ لإطلاق الخبرين المتقدّمين،و هما مع قصور سنديهما مقيّدان بالخبرين المفصّلين.

و للخلاف و الكافي و الغنية و السرائر و الوسيلة و الإيضاح،فحرّموها مع الدخول هنا (4)لا مطلقاً (5)؛ و مستنده غير واضح،سوى الإلحاق بذات العدّة،و هو قياس لا نقول به؛ و دعوى الإجماع عليه في الخلاف بمصير الأكثر،و دعوى الإجماع على الخلاف موهونة.

ثم المعتبر في العقد المحرِّم صحّته لولا الإحرام،فلا عبرة بالفاسد؛ للأصل،و انصراف إطلاق الأدلّة إلى الأول.

ص:235


1- التذكرة 1:343،المنتهى 2:809.
2- الكافي 5:1/426،التهذيب 7:1272/305،الإستبصار 3:674/185،الوسائل 20:491 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 31 ح 1.
3- المقنع:109،سلّار في المراسم:149.
4- أي في صورة الجهل.منه رحمه الله.
5- الخلاف 2:317،الكافي في الفقه:286،الغنية(الجوامع الفقهية):575،السرائر 1:547،الوسيلة:293،الإيضاح 3:73.

خلافاً للمحكيّ عن التحرير،فاعتبره مع اعتقاد صحّته (1)؛ و مستنده غير واضح.

و لو انعكس فرض المسألة،فتزوّج المُحلّ المحرمة،فالأصل الإباحة،و لا معارض لها من الأدلّة،و هو المشهور بين الطائفة.

و ربما حكي القول بالحرمة عن الخلاف،مدّعياً فيه الوفاق؛ مستدلّاً به،و بالاحتياط،و الأخبار (2).و لم نقف عليها،و دعوى الوفاق غير واضحة،و الاحتياط ليس بحجّة.

و لا تحرم الزوجة بوطئها في الإحرام مطلقاً إجماعاً؛ للأصل، و لا معارض؛ مع أنّ الحرام لا يُفسِد الحلال كما في المستفيضة (3).

السابعة من لاط بغلام فأوقبه حرمت عليه أُمّ الغلام و بنته و أخته

السابعة:من لاط بغلام أو رجل فأوقبه و لو بإدخال بعض الحشفة؛ لصدق الإيقاب عليه،مع تأمّل في انصرافه إليه،إلّا أنّ الاتّفاق في الظاهر واقع عليه حرمت عليه أُمّ الغلام و الرجل و إن علت و بنته و إن نزلت،من ذكر و أُنثى،من النسب اتّفاقاً،و من الرضاع على الأقوى.

و مستند تحريم العاليات و السافلات هو الاتّفاق كما في المسالك (4)، مضافاً إلى الاستقراء.

و أُخته دون بناتها اتّفاقاً؛ لعدم صدق الاسم عليها.

و أصل الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب،مدّعى عليه الإجماع في كلام جماعة منهم،كالإنتصار و الخلاف و الغنية و التذكرة و المسالك و شرح

ص:236


1- التحرير 2:14.
2- الخلاف 4:322.
3- انظر الوسائل 20:428،430 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8،9.
4- المسالك 1:487.

الكتاب للسيّد (1)و غيرهم (2).

و عليه دلّت المعتبرة.

ففي المرسل كالصحيح:في الرجل يعبث بالغلام،قال:«إذا أوقب حرمت عليه أُخته و ابنته» (3).

و نحوه المرسل كالحسن،بل الصحيح (4)،و الضعيف المنجبر بالعمل في الأُخت خاصّة (5).

و في الموثّق في رجل لعب بغلام،هل تحلّ له امّه؟قال:«إن كان ثقب فلا» (6).

و ليس في سنده سوى الحسن بن فضّال،و هو موثّق،و إبراهيم بن عمر،و هو ثقة على الأظهر،و تضعيف ابن الغضائري له (7)ضعيفٌ معارَضٌ بتوثيق النجاشي له (8)،المقدّم عليه عند التعارض،مع أنّه روى هنا حمّاد ابن عيسى،و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه فلا وجه لتضعيف الخبر.

و هذه الأخبار كما ترى نصٌّ في بلوغ الواطئ؛ للفظ:«الرجل»

ص:237


1- الانتصار:107،الخلاف 4:308،لم نعثر عليه في الغنية،التذكرة 2:633،المسالك 1:487،نهاية المرام 1:173.
2- انظر مفاتيح الشرائع 2:242،و الحدائق 23:442.
3- التهذيب 7:1286/310،الوسائل 20:445 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 15 ح 6.
4- الكافي 5:2/417،الوسائل 20:444 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 15 ح 1.
5- الكافي 5:1/417،الوسائل 20:445 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 15 ح 4.
6- التهذيب 7:1287/310،الوسائل 20:445 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 15 ح 7.
7- رجال العلّامة:15/6.
8- النجاشي:26/20.

مضافاً إلى أنّه الأغلب فيه و المتبادر،كتبادر حياة المفعول و غلبتها،فيقتصر في الخروج عن الأصل المقتضي للإباحة على القدر المتبادر منها،فلا وجه لإلحاق الواطئ الصغير و الموطوء الميّت بالبالغ و الحي.نعم،الأحوط ذلك.

قيل (1):و إنّما تحرم المذكورات مع سبق الوطء على العقد عليهن، فلو انعكس لم تحرم؛ للأصل،و عموم:«إنّ الحرام لا يحرّم الحلال» (2)فيحمل إطلاق الأخبار عليه،مع تبادره منه دون غيره.

نعم،في المرسل كالحسن،بل كالصحيح على الصحيح:في رجل يأتي أخا امرأته،فقال:«إذا أوقبه حرمت عليه» (3).

لكنّه لا يعارض الأصل المتّفق عليه،فليحمل بما يؤول إليه.

لكن عن ابن سعيد في الجامع:انفساخ نكاح المرأة بالإيقاب (4).

و هو ظاهر في عموم التحريم،كإطلاق المتن،و المقنعة (5)،و جماعة (6)، و صريح النهاية،قال:و من فجر بغلام فأوقب،حرم عليه العقد على امّه و أُخته و بنته على جميع الأحوال (7).

و عن الإسكافي:التصريح بالتحريم هنا بعد العقد قبل الوطء.

ص:238


1- قال به الشهيد الثاني في الروضة 5:203.
2- المتقدم في ص 236.
3- الكافي 5:4/418،الوسائل 20:444 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 15 ح 2.
4- الجامع للشرائع:428.
5- المقنعة:501.
6- منهم العلّامة في القواعد 2:15،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 12:317،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:87.
7- النهاية:453.

فالمسألة محلّ إشكال؛ لظاهر الخبر المعتبر سنداً،المعتضد بإطلاق الأخبار المتقدّمة جدّاً؛ للتأمّل في عدم تبادر المقام منه،و يتوجّه حينئذٍ تخصيص الأصل و العموم بهما،مع تخصيصهما بهما في الجملة إجماعاً، فالاحتياط فيه لازم.

و على عدم التحريم،قيل:الظاهر عدم الفرق بين مفارقة من سبق عقدها بعد الفعل و عدمه،فيجوز له تجديد نكاحها بعده،مع احتمال عدمه؛ لصدق سبق الفعل بالنسبة إلى العقد الجديد (1).انتهى.

و الاحتمال قوي،يساعده الإطلاقات المخصَّص بها الأصل و العموم المتقدّم،فوجه الظهور غير واضح،إلّا ما ربما يتوهّم من عدم تبادر مثله من الإطلاق،و فيه نظر.

ثم إنّه لا يحرم على المفعول بسببه شيءٌ عندنا؛ للأصل،و العموم المتقدّم (2)،و ظهور عدم شمول النصوص له.

و حكى الشيخ عن بعض الأصحاب تعدّي التحريم إليه أيضاً (3)؛ و لعلّه لاحتمال الضمير لكلّ من الفاعل و المفعول،و لذا كان التجنّب أحوط،و إن كان في تعيّنه نظر؛ لضعف الاحتمال،و دعوى الإجماع على العدم في صريح التذكرة و ظاهر الروضة (4).

ص:239


1- قال به الشهيد الثاني في الروضة 5:203.
2- أي عموم قولهم:«إنّ الحرام لا يحرّم الحلال» منه رحمه الله.
3- لم نعثر عليه،نعم حكى السيّد صاحب المدارك عن بعض الأصحاب في نهاية المرام 1:173.
4- التذكرة 2:633،الروضة 5:204.
السبب الرابع استيفاء العدد

السبب الرابع من أسباب التحريم استيفاء العدد عَدَد الزوجات،و عَدَد الطلاق.

أمّا الأول:ف إذا استكمل الحرّ أربعاً: من النسوة بالغبطة أي الدوام،من قولهم:أغبَطَتْ عليه الحمّى،أي دامت،و أغبَطَت السماء:إذا دام مطرها- حرم عليه ما زاد عليهن،إجماعاً من المسلمين كافّة،كما حكاه جماعة (1).

للنصوص المستفيضة،بل المتواترة الآتي بعضها.ففي الصحيح:

«لا يجمع ماءه في خمس» (2).

و في الحسن:في رجل تزوّج خمساً في عقد واحد،قال:«يخلّي سبيل أيّهنّ شاء،و يمسك الأربع» (3).

و في العيون فيما كتبه مولانا الرضا عليه السلام إلى المأمون-:«لا يجوز الجمع بين أكثر من أربع حرائر» (4)،و روى في الخصال عن الأعمش،عن مولانا الصادق عليه السلام مثله (5)،و روى في تحف العقول مرسلاً (6).

و في المرويّ في تفسير العيّاشي،عن منصور بن حازم،عنه عليه السلام

ص:240


1- منهم العلّامة في التذكرة 2:638،و الشهيد الثاني في المسالك 1:488،و صاحب الحدائق 23:617.
2- الكافي 5:1/429،التهذيب 7:1233/294،الوسائل 20:518 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 2 ح 1.
3- الكافي 5:5/430،الفقيه 3:1260/265،التهذيب 7:1237/295،الوسائل 20:522 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 4 ح 1؛ بتفاوت يسير.
4- عيون الأخبار 2:1/120،الوسائل 20:518 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 2 ح 3.
5- الخصال:9/603.
6- تحف العقول:314.

«لا يحلّ لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر» (1)، و نحوه مرسلاً في مجمع البيان (2).

مضافاً إلى الآية الكريمة (3)؛ بناءً على كون الواو فيها بمعنى:«أو» هنا؛ بإجماع الأُمّة،و هو القرينة على استفادة تحريم ما زاد على الأربع منها،و إلّا ففي دلالتها على المنع بنفسها مناقشة.

هذا في الحرائر.

و أمّا غيرهن ف يحرم عليه من الإماء ما زاد على اثنتين مطلقاً،كنّ معهما حرائر أم لا،بإجماعنا،حكاه جماعة من أصحابنا (4).

للصحيح:عن رجل له امرأة نصرانيّة،له أن يتزوّج عليها يهوديّة؟ فقال:«إنّ أهل الكتاب مماليك للإمام،و ذلك موسّع منّا عليكم خاصّة، فلا بأس أن يتزوّج» قلت:فإنّه يتزوّج عليها أمة،قال:«لا يصلح أن يتزوّج ثلاث إماء» الخبر (5).

و في دلالته على التحريم نظرٌ لولا الإجماع.

و تُحسَبان من الأربع،فتحلّ له معهما حرّتان خاصّة،أو ثلاث مع

ص:241


1- تفسير العياشي 1:218،الوسائل 20:519 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 2 ح 4.
2- مجمع البيان 2:6،الوسائل 20:518 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 1 ح 3.
3- النساء:3.
4- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):610،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:246،و البحراني في الحدائق 23:619.
5- الكافي 5:11/358،التهذيب 7:1797/449،الوسائل 20:أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 2 ح 2 بتفاوت.

إحداهما دونهما،و ظاهرهم الإجماع عليه؛ و لعلّه لإطلاق المانع عن الزائد على الأربع من الكتاب و السنّة.و تقييدها في بعضها بالحرائر مع وروده مورد الغالب إنّما هو بالإضافة إلى ملك اليمين لا مطلقاً.

و إذا استكمل العبد حرّتين،أو أربعاً من الإماء خاصّة،أو حرّة و أمتين حرم عليه ما زاد على ذلك مطلقاً (1)؛ بإجماعنا و أخبارنا كما مرّ.

قيل:و المُعتَق بعضه كالحرّ في حقّ الإماء فلا يتجاوز اثنتين و كالعبد في حقّ الحرائر فلا يتجاوز حرّتين كما أنّ المُعتَق بعضها كالحرّة في حقّ العبد فلا ينكح أكثر من اثنتين و كالأمة في حقّ الحرّ، فلا يتجاوزهما (2).

و لعلّ ذلك تغليباً للحرمة،كما يستفاد من بعض المعتبرة:«ما اجتمع الحلال و الحرام إلّا و قد غلب الحرام الحلال» (3)فتأمّل.

و لكلّ منهما أن يضيف إلى ذلك تزويج النسوة و وطأهنّ بالعقد المنقطع و ملك اليمين ما شاء إجماعاً و نصّاً،كتاباً (4)و سنّة (5)،في الثاني.إلّا أنّه في العبد مبنيّ على القول بتملّكه،أو جواز تحليل السيّد له إماءه؛ و في المعتبرة دلالة على جواز وطئه لإماء سيّده بإذنه.

ففي الصحيح:عن المملوك كم تحلّ له من النساء؟فقال:«لا تحلّ له

ص:242


1- أي من الإماء و الحرائر.منه رحمه الله.
2- قال به الشهيد الثاني في الروضة 5:206.
3- غوالي اللئلئ 3:17/466،سنن البيهقي 7:169.
4- النساء:24.
5- الوسائل 20:527 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 9.

إلّا اثنتان،و يتسرّى (1)ما شاء إذا أذن له مولاه» (2).

و نحوه في الخبرين (3)،في أحدهما:«لا بأس أن يأذن له مولاه، فيتسرّى من ماله إن كان له مال جاريةً أو جواري يطأهن،و رقيقه له حلال» .و سنده معتبر؛ لوجود صفوان فيه،فلا يضرّ جهالة راويه.

و على الأظهر الأشهر في الأوّل،بل عليه الإجماع عن الانتصار و الطبريّات و السرائر (4)،و في التذكرة:إنّه قول كلّ من أباح نكاح التمتّع (5)؛ و النصوص به مع ذلك و عموم الآية (6)مستفيضة.

ففي الصحيح:عن المتعة أ هي من الأربع؟فقال:

«لا» (7).و في آخرَين:«هي بمنزلة الإماء» (8)كما في أحدهما.

ص:243


1- قال ابن منظور في لسان العرب(4:358):و قال بعضهم:استسرَّ الرجل جاريته بمعنى تسرّاها،أي اتخذها سُرِّيَّة.و السرِّيَّة:الأمة التي بَوَّأتَها بيتاً،و هي فُعْلِيَّة،منسوبة إلى السرّ،و هو الجماع و الإخفاء.
2- التهذيب 8:749/211،الإستبصار 3:771/213،الوسائل 20:528 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 9 ح 4.
3- الأول في:التهذيب 8:755/211،الإستبصار 3:778/214،الوسائل 21:112 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 22 ح 8؛ بتفاوت يسير.الثاني في:الكافي 5:2/477،الوسائل 20:527 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 9 ح 1؛ بتفاوت يسير.
4- الانتصار:125،السرائر 2:539.
5- التذكرة 2:639.
6- النساء:24.
7- الكافي 5:2/451،التهذيب 7:1117/258،الاستبصار 3:535/147،قرب الإسناد:21،الوسائل 21:18 أبواب المتعة ب 4 ح 1.
8- الكافي 5:1/451،الوسائل 21:19 أبواب المتعة ب 4 ح 6؛ بتفاوت يسير.

و في الثاني:ما يحلّ من المتعة؟قال:«كم شئت» (1).

و في الخبر:عن المتعة أ هي من الأربع؟قال:«لا،و لا من السبعين» (2)و في آخر:«تزوّج منهنّ ألفاً،فإنّهنّ مستأجرات» (3).

و علّل في بعضها ب:«أنّها لا تطلّق و لا ترث» (4).

و ضعف هذه الأخبار غير قادح بعد الانجبار بما مرّ،فيقيّد به إطلاق الأدلّة المانعة عن الزيادة عن الأربع،مع عدم تبادر الانقطاع منها.

و ربما نسب إلى ابن حمزة المنع عنها هنا أيضاً (5)،تمسّكاً بالإطلاق المزبور.و قد عرفت ضعفه.

و المعتبرة،كالصحيح:«هي من الأربع» (6)و الموثّق:«هي أحد الأربعة» (7).

و هما مع قصورهما عن المقاومة لما مرّ من وجوه عديدة محمولان على الاستحباب،أو الاتّقاء على الشيعة،ليتأتّى لهم الاحتيال

ص:244


1- الكافي 5:3/451،التهذيب 7:118/358،الإستبصار 3:536/147،الوسائل 21:18 أبواب المتعة ب 4 ح 3.
2- الكافي 5:/451 4،الفقيه 3:/294 1395،التهذيب 7:/258 1119،الإستبصار 3:/147 537،الوسائل 21:19 أبواب المتعة ب 4 ح 7.
3- الكافي 5:7/452،التهذيب 7:1120/258،الإستبصار 3:538/147،الوسائل 21:18 أبواب المتعة ب 4 ح 2.
4- الكافي 5:5/451،الوسائل 21:18 أبواب المتعة ب 4 ح 4.
5- الوسيلة:295.
6- قرب الإسناد:1313/366،الوسائل 21:21 أبواب المتعة ب 4 ح 13.
7- التهذيب 7:1122/259،الإستبصار 3:540/147،الوسائل 21:20 أبواب المتعة ب 4 ح 10.

بالاقتصار على الأربع على التفصّي عن شنعة العامّة،و لو زيد عليها لما أمكن هذه الحيلة.

و لعلّه المراد من الاحتياط في الصحيح:«اجعلوهنّ من الأربع،فقال له صفوان بن يحيى:على الاحتياط؟قال:نعم» (1).

فالقول بذلك في غاية الضعف،و مع ذلك عبارة القائل به غير صريحة في المنع،فلا احتياط يعتدّ به في المسألة كما توهّم.

و إذا طلّق واحدة من الأربع حرم عليه ما زاد غبطةً و دواماً حتى تخرج المطلّقة من العدّة الرجعيّة،بلا خلاف،و صرّح به في التذكرة (2)؛ لكونها بحكم الزوجة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة:

منها الصحيح:«إذا جمع الرجل أربعاً فطلّق إحداهنّ فلا يتزوّج الخامسة حتى تنقضي عدّة المرأة التي طلّق» و قال:«لا يجمع ماءه في خمس» (3).

و باقيها مشتركة في قصور السند المنجبر بالعمل.

أو تكون المطلّقة بائنة فيتزوّج و إن لم تنقض عدّتها إن كانت ذات عدّة كالمختلعة مثلاً على الأشهر.

لخروجها مع البينونة عن عصمة النكاح،فصارت كالأجنبيّة.

مع استفاضة الروايات بجواز نكاح الأُخت مع بينونة الأُخت الأُخرى

ص:245


1- التهذيب 7:1124/259،الإستبصار 3:542/148،الوسائل 21:20 أبواب المتعة ب 4 ح 9.
2- التذكرة 2:639.
3- الكافي 5:1/429،التهذيب 7:1233/294،الوسائل 20:518 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 2 ح 1.

قبل انقضاء عدّتها (1)،فالخامسة أولى.

و فيهما نظر.

لكن المستفاد من التذكرة عدم القول بالفرق بين المسألتين (2)،و به صرّح بعض الأصحاب (3).

و فيه منع؛ لإطلاق المفيد في المقنعة المنع هنا (4)،مع تصريحه باختصاصه بالعدّة الرجعيّة ثمّة (5)،فلا يصحّ دعوى عدم الخلاف مع مصيره إليه،و ظاهر النصوص في المقامين إطلاقاً هنا و تقييداً ثمّة معه،فقوله لا يخلو عن قوّة.

و يمكن الاستدلال للمشهور بأصالة الجواز،مع عدم ما ينافيها،سوى الأخبار المانعة عن الجمع بين ما زاد على الأربع،و ليست البائنة منها؛ لصيرورتها أجنبيّة،فلا يصدق الجمع.

و إطلاق المستفيضة و إن منع عن الخامسة في العدّة البائنة،إلّا أنّ ما عدا الصحيح المتقدّم منها قاصرُ السند،من دون جابر له فيه،سيّما مع اشتهار خلافة.

و الصحيح و إن أُطلق فيه أيضاً،إلّا أنّ إردافه بجملة:«لا يجمع ماءه في خمس» كالتعليل للحكم المتقدّم،المشعر باختصاصه بالعدّة الرجعيّة؛ إذ هي التي يتصوّر فيها مقتضاه دون البائنة،و لكن بعْدُ لا يخلو عن شبهة

ص:246


1- الوسائل 22:270 أبواب العدد ب 48.
2- التذكرة 2:639.
3- كالمحقق في الشرائع 2:293،و السبزواري في الكفاية:166،و صاحب الحدائق 23:627.
4- المقنعة:536،إلّا أنّه لم يطلق المنع بل فصّل كغيره بين الرجعية و غيرها.
5- أي في الجمع بين الأُختين(المقنعة:536).منه رحمه الله.

قويّة؛ و لعلّه لأجلها حكم بالكراهة الشديدة جماعة (1).

فالاجتناب مهما أمكن أولى،سيّما مع اعتبار بعض تلك الأخبار، الذي لا يحتاج معه إلى جابر،كالمرويّ في الفقيه (2)عن الحسن بن محبوب و هو ثقة،و ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه عن سعد بن أبي خلف و هو ثقة عن سنان بن ظريف و هو ممدوح كما ذكره جماعة (3)فالحديث حسن،و على تقدير الجهالة فرواية الحسن لها جابرة.

و نحو المروي (4)بطريق فيه سهل الثقة عند بعض (5)،و ضعفه سهل عند جمع (6).

فيقوى الإشكال في المسألة غاية القوّة،إلّا أن يقيّد إطلاق المعتبرة بإشعار الصحيحة المتقدّمة (7)باختصاص الحكم بالعدّة الرجعيّة؛ بناءً على أنّ أخبارهم عليهم السلام يكشف بعضها عن بعض.

و كيف كان،فالتجنّب مهما أمكن أحوط و أولى.

و في صدر هذه الرواية (8)تصريح بالجواز في البائن مع عدم العدّة،

ص:247


1- منهم الشهيد في اللمعة و الروضة 5:210،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:43،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:247.
2- الفقيه 3:1262/265،الوسائل 20:521 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 3 ح 6.
3- رجال الكشي 2:710،نقد الرجال:163،رجال ابن داود:106.
4- الكافي 5:3/430،التهذيب 7:1235/294،نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:323/126،الوسائل 20:519 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 3 ح 1.
5- كالشيخ في رجاله:416.
6- منهم الشيخ في الفهرست:80،النجاشي في رجاله:185.
7- في ص 243.
8- أي:المروية في الفقيه.

كغير المدخول بها،و ليس محلّ خلاف.

و كذا لو طلّق امرأة و أراد نكاح أُختها ليس له ذلك حتى تخرج المطلّقة من العدّة،أو تكون طلقتها بائنة مطلقاً (1)هنا؛ إجماعاً منّا،كما في كلام جماعة من أصحابنا (2).

و به استفاض نصوصنا،كالصحيحين:في رجل طلّق امرأته أو اختلعت عنه أو بارأت،أ يجوز أن يتزوّج بأُختها؟قال:فقال:«إذا برئت عصمتها،و لم يكن له عليها رجعة،فله أن يخطب أُختها» (3).

و نحوه المرويّ في كتاب الحسين بن سعيد في الصحيح (4).

و بها يقيّد ما أُطلق فيها المنع بحيث يشمل ذات العدّة البائنة كالخبرين:عن رجل طلّق امرأته،أ يتزوّج أُختها؟قال:«لا،حتى تنقضي عدّتها» (5).

ص:248


1- كانت ذات عدّة أم لا.منه رحمه الله.
2- منهم ابن فهد في المهذب البارع 3:290،البحراني في الحدائق 23:629،العلّامة في المختلف:526.
3- الأول في:الكافي 5:7/432،التهذيب 7:1206/286،الإستبصار 3:619/169،الوسائل 22:270 أبواب العدد ب 48 ح 2.الثاني في:الكافي 6:9/144،التهذيب 8:477/137،الوسائل 22:270 أبواب العدد ب 48 ح 1.
4- نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:311/122،الوسائل 22:271 أبواب العدد ب 48 ح 5.
5- الأول في:الكافي 5:9/432،التهذيب 7:1210/287،الإستبصار 3:623/171،الوسائل 22:270 أبواب العدد ب 48 ح 3.الثاني في:الكافي 5:8/432،التهذيب 7:1208/286،الإستبصار 3:621/170،الوسائل 20:481 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 28 ح 2.

مضافاً إلى قصور سندهما.

و لإطلاقهما قيل بالكراهة في العدّة البائنة. (1)و لو لا المسامحة في أدلّة الكراهة لكان محلّ مناقشة.

ثم إنّ فتوى الأكثر إلحاق عدّة المتعة بالعدّة البائنة؛ لفحوى الصحاح المتقدّمة،مضافاً إلى تعليل الجواز فيها في بعضها بانقطاع العصمة الحاصل هنا.

خلافاً للمقنع،فألحقها بالرجعيّة (2)؛ لروايات قاصرة الأسناد،عدا واحد منها صحيح،و فيه:قرأت في كتاب رجل إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام:

جُعِلتُ فداك،الرجل يتزوّج المرأة متعةً إلى أجل مسمّى،فينقضي الأجل بينهما،هل يحلّ له أن ينكح أُختها قبل أن تنقضي عدّتها؟فكتب:«لا يحلّ له أن يتزوّجها حتى تنقضي عدّتها» (3).

و هو مع عدم مكافأته لما تقدّم يتطرّق إليه القدح بعدم القطع بكون الحكم عنه عليه السلام؛ إذ غايته وجدانه في الكتاب عنه عليه السلام،و ليس كلّما يوجد في الكتب يكون صحيحاً،كما صرّح به الشيخ (4)،فتأمّل.و الاحتياط لا يترك.

ص:249


1- قال به الشهيد الثاني في المسالك 1:488.
2- المقنع:114.
3- الكافي 5:5/431،الفقيه 3:1404/295،التهذيب 7:1209/287،الإستبصار 3:622/170،الوسائل 20:480 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 27 ح 1؛ بتفاوت يسير.
4- انظر الاستبصار 3:171.

و لو تزوّجهما أي الأُختين في ال عقد الواحد أو المتعدّد مع التقارن بطل من أصله على الأشهر؛ لاستصحاب الحرمة،و للنهي عنه من حيث تضمّنه الجمع بينهما المقتضي للفساد هنا إجماعاً،و استحالة الترجيح.

مضافاً إلى فقد المقتضي لصحّة المتّحد؛ إذا ليس إلّا الأمر بالوفاء، و لا يمكن توجّهه إليه إجماعاً؛ لاشتماله على الفاسد بالاتّفاق،و ليس إلّا شيئاً واحداً و إن تعدّد متعلّقه،و هو لا يوجب تعدّده (1)ليتوجّه توجّه الأمر بالوفاء إلى أحدهما دون الآخر،و الوفاء به بالإضافة إلى بعض متعلّقه ليس وفاءً به بنفسه،و الذي توجّه إليه الأمر بالوفاء الذي هو المقتضي للصحّة هو الثاني لا الأوّل.

و ظهر بذلك ضعف ما قيل به من الصحّة في الجملة، ف يتخيّر إحداهما و يخلّي سبيل الأُخرى،كما عن النهاية و الإسكافي و القاضي (2)؛ الرواية به مقطوعة أي مرسلة في التهذيب و الكافي (3).

نعم،مرويّة في الفقيه في الصحيح:في رجل تزوّج أُختين في عقد واحد،قال:«هو بالخيار،يمسك أيّتهما شاء،و يخلّي سبيل الأُخرى» (4).

ص:250


1- أي العقد.منه رحمه الله.
2- النهاية:454،و نقله عن الإسكافي في المختلف:526،القاضي في المهذب 2:184.
3- الكافي 5:3/431،التهذيب 7:1203/285،الوسائل 20:478 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 25 ح 2.
4- الفقيه 3:1260/265،الوسائل 20:478 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 25 ح 1؛ بتفاوت يسير.

إلّا أنّها مع مخالفتها الأُصول المعتضدة بالشهرة غير واضحة الدلالة؛ لإمكان إرادة الإمساك بعقد جديد.

و يقوّيه ورود مثله في العقد عليهما مرتّباً في الصحيح (1)،مع ورود النصّ الصحيح ببطلان المتأخّر (2)،المعمول به عند الأكثر بل عليه الوفاق في شرح الكتاب للسيّد (3)،و الإجماع في التذكرة (4)و منهم أكثر القائلين هنا،و الموافق للأُصول القطعيّة،و هو قرينة واضحة على إرادة ما ذكر منه؛ لبعد شذوذه و فساده من أصله.

فيتقوّى بهذا احتمال إرادة مثله في الصحيح هنا،مع احتمالهما (5)التقيّة بمصير الإسكافي إليهما؛ بناءً على غلبة توافق رأيه لرأي العامّة و إن نسب الأول هنا إليهم كافّة في التذكرة (6)لاحتمال وجود قائل بذلك منهم في سابق الزمان،و إن اتّفقت آراؤهم في هذه الأزمان.

و لو كان معه ثلاث نسوة دائمات فتزوّج اثنتين في عقد،فإن سبق بأحدهما صحّ دون عقد اللاحقة اتّفاقاً.

و إن قرن بينهما بطلا على الأظهر الأشهر بين الطائفة،كما عن

ص:251


1- الكافي 5:2/431،التهذيب 7:1205/285،الاستبصار 3:618/169،نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:316/124،الوسائل 20:479 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 26 ح 2.
2- الكافي 5:4/431،الفقيه 3:1258/264،التهذيب 7:1204/285،الإستبصار 3:617/169،الوسائل 20:478 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 26 ح 1.
3- نهاية المرام 1:182.
4- التذكرة 2:635.
5- أي الصحيح هنا و ثمّة.منه رحمه الله.
6- التذكرة 2:635.

السرائر و الإرشاد و التحرير (1)؛ للأُصول المتقدّمة،السليمة عن المعارض هنا؛ لما ستعرف.

و قيل هو النهاية و المهذّب و الجامع و الوسيلة (2): يتخيّر أيّتهما شاء.

و لا شاهد له سوى القياس بما في رواية جميل الحسنة، المتضمّنة ل:أنّه لو تزوّج خمساً في عقد،يتخيّر أربعاً،و يخلّي باقيهن (3) لكن الظاهر عدم القول بالفرق بين المسألتين،و به صرّح بعض شرّاح الشرائع (4).

لكن يردّ بضعف الدلالة بما مرّ،و باحتمال عدم وقوع التزويج حال الإسلام،و لا كلام في التخيير فيه.

نعم،في الشرائع نسبه إلى الرواية،و لم نقف عليها،و مع ذلك صرّح بضعفها (5)،فلا حجّة فيها،مع معارضتها ببعض المعتبرة:عن رجل كنّ له ثلاث نسوة،فيتزوّج عليهنّ امرأتين في عقد واحد،فدخل بواحدة منهما، ثم مات،قال:«إن كان دخل بالتي بدأ باسمها و ذكرها عند عقدة النكاح فإنّ نكاحه جائز،و عليها العدّة،و لها الميراث،و إن كان دخل بالمرأة التي سُمّيَتْ و ذُكِرَت بعد ذكر المرأة الأُولى فإنّ نكاحه باطل،و لا ميراث لها،

ص:252


1- السرائر 2:539،الإرشاد 2:26،التحرير 2:15.
2- النهاية:455،المهذب 2:184،الجامع للشرائع:430،الوسيلة:294.
3- الكافي 5:5/430،التهذيب 7:1237/295،الوسائل 20:522 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 4 ح 1.
4- كالشهيد الثاني في المسالك 1:488.
5- الشرائع 2:293.

و عليها العدّة» (1).

و هو ظاهر في بطلان العقد مع الدخول بالمتأخّر ذكرها،فمع العدم أولى.إلّا أنّه لا قائل به مع قصور سنده عن الصحّة؛ لوجود عنبسة في السند،و إن جبر ضعفه برواية ابن أبي عمير عنه،لكن مع ذلك لا تبلغ درجة الصحّة.

و لا يترك الاحتياط هنا و في السابق بالعقد مجدّداً على المختارة،أو الاختيار ثم الطلاق و إعطاء مهر المختارة،إن بدا له في نكاحهما.

ثم المتبادر من إطلاق النصوص و كلام الأصحاب في المقامين اختصاص الحكم نفياً و إثباتاً بالجاهل بحرمة الجمع،دون العالم، و وجهه واضح؛ لعدم القصد المعتبر،مع العلم بالفساد،فتأمّل.

و إذا استكملت الحرّة طلقات ثلاثاً يتخلّلها رجعتان بأيّ أنواع الطلاق كان حرمت على زوجها حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً محلّلاً مطلقاً و لو كانت تحت عبد بالكتاب (2)،و السنّة (3)،و الإجماع.

و إذا استكملت الأمة طلقتين حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره كذلك و لو كانت تحت حرّ لأنّ الاعتبار في عدد الطلقات بالزوجة؛ بإجماعنا المستفيض نقله في كلام جماعة من أصحابنا (4)،و قد استفاض به أخبارنا

ص:253


1- الكافي 5:4/430،الفقيه 3:1263/266،التهذيب 7:1236/295،الوسائل 20:523 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 5 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- البقرة:229،230.
3- الوسائل 22:118 أبواب أقسام الطلاق ب 4.
4- منهم العلّامة في التذكرة 2:643،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:246،و البحراني في الحدائق 23:633.

منها الصحاح المستفيضة:«طلاق المرأة إذا كانت عند مملوك ثلاث تطليقات،و إن كانت مملوكة تحت حرّ تطليقتان» (1).

خلافاً للعامّة،فعكسوا القضيّة،فجعلوا الاعتبار في عددها بالزوج (2).

و المطلّقة تسعاً للعدّة ينكحها بينها رجلان،بأن طُلِّقت بالشرائط، ثم ارتُجِعَت في العدّة فوطئِت،ثم طُلِّقت كذلك،ثم ارتُجِعت فوُطِئت،ثم طُلِّقت فنكحت زوجاً غيره بعد انقضاء العدّة فوطِئت،ثم طُلِّقت فتزوّجها الأول بعد انقضاء العدّة،ثم طُلِّقت كذلك حتى استكملت تسعاً تحرم على المطلِّق أبداً إجماعاً منّا خلافاً للعامّة و النصوص به مستفيضة:

كالموثّق في تعداد المحرّمات بالأبد-:قال:«و الذي يطلِّق الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ثلاث مرّات،و تزوّج ثلاث مرّات، لا تحلّ له أبداً» (3).

و إطلاقه كغيره و إن شمل المطلّقة ثلاثاً بالسنّة بالمعنى الأخصّ، و هي التي تزوّجها المطلِّق بعد انقضاء العدّة،إلّا أنّه مقيّد بالإجماع كما حكاه جماعة (4)و مفهومِ القيد المعتبر في المرويّ في الخصال في تعداد المحرّمات بالسنّة،قال:«و تزويج الرجل امرأة قد طلّقها للعدّة تسع تطليقات» (5).

ص:254


1- انظر الوسائل 22:159 و 161 أبواب أقسام الطلاق و أحكامه ب 24،25.
2- انظر بداية المجتهد 2:62،المغني لابن قدامة 8:444،المجموع 17:278.
3- الكافي 5:1/426،التهذيب 7:1272/305،الإستبصار 3:674/185،الوسائل 22:120 أبواب أقسام الطلاق و أحكامه ب 4 ح 4.
4- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:94،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:39،و صاحب الحدائق 23:634.
5- الخصال:10/532،الوسائل 20:409 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 1 ح 1.

و مفهومِ الشرط في الرضوي،حيث قال:«و أمّا طلاق العدّة:فهو أن يطلّق الرجل امرأته على طهر من غير جماع،ثم يراجعها من يوم أو غد أو متى ما يريد من قبل أن تستوفي قرءها،و أدنى المراجعة أن يقبّلها،أو ينكر الطلاق،فيكون إنكار الطلاق مراجعة،فإذا أراد أن يطلّقها ثانيةً لم يجز ذلك إلّا بعد الدخول بها،و إذا أراد طلاقها تربّص بها حتى تحيض و تطهر،فيطلّقها،فإذا أراد راجعها،فإن طلّقها الثالثة فقد بانت منه ساعة طلّقها،فلا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره،فإذا انقضت عدّتها منه، فتزوّجها رجل آخر،و طلّقها أو مات عنها،فإذا أراد الأول أن يتزوّجها فعل،فإن طلّقها ثلاثاً،واحدة بعد واحدة على ما وصفناه لك فقد بانت منه (1)،و لا تحلّ له [حتى تنكح زوجا غيره و إذا طلقها أو مات عنها فأراد الأول أن يتزوجها فعل فإن طلقها ثلاث تطليقات على ما وصفت واحدة بعد واحدة فقد بانت منه و لا تحل له] بعد تسع تطليقات أبداً.و اعلم أنّ كلّ من طلّق تسع تطليقات على ما وصفت لم تحلّ له أبداً» (2).

مضافاً إلى دلالته بوجه آخر،و هو ذكر السنّة فيه أيضاً،مع عدم الإشارة فيها إلى تحريم التسع للمطلقّة بها بالأبد،بل خصّ بالعدّة.

و يدلّ عليه أيضاً صريحاً خصوص المعتبرين بوجود ابن أبي عمير و عبد اللّه بن مغيرة اللذين هما ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهما من الرواية في سندهما،فلا يضرّ ضعف الراوي لو كان.

ففي أحدهما:عن رجل طلّق امرأته،ثم لم يراجعها حتى حاضت ثلاث حيض،ثم تزوّجها،ثم طلّقها،فتركها حتى حاضت ثلاث حيض،

ص:255


1- هنا زيادة في الأصل لم توجد في المصدر،و لعلّها تكرار،و هي:و لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره،و إذا طلقها أو مات عنها فأراد الأوّل أن يتزوّجها فعل،فإن طلّقها ثلاث تطليقات على ما و صفته واحدة بعد واحدة فقد بانت منه..
2- فقه الرضا عليه السلام:242،المستدرك 15:320 أبواب أقسام الطلاق و أحكامه ب 2 ح 3؛ بتفاوت.

ثم تزوّجها،ثم طلّقها،فتركها حتى حاضت ثلاث حيض من غير أن يراجعها يعني:يمسّها قال:«له أن يتزوّجها أبداً ما لم يراجع و يمسّ» (1).

و لفظ التأبيد صريح في العموم لما لو طُلِّقت كذلك طلقات عديدة و لو تجاوزت التسع،و أنّها لا تحرم بذلك إلى حصول الأمرين من الرجوع و الوقاع.

و ليس نصّاً في مختار ابن بكير (2)،فيطرح؛ لقبوله التقييد بحصول التحليل بعد كلّ ثلاث،و مقتضاه حينئذٍ:أنّه يتزوّجها أبداً بعد حصول المحلِّل،لا مطلقاً.

و أصرح منهما الموثّق عن مولانا الصادق عليه السلام:«فإن فعل هذا بها» مشيراً إلى المطلّقة بالسنّة«مائة مرّة هدم ما قبله،و حلّت بلا زوج» (3).

و خروج الذيل عن الحجّية بالإجماع و المعتبرة غير ملازم لخروج الجميع عنها،فقد يكون من إلحاق ابن بكير الذي في سنده به و كلامه؛ لاجتهاده.و يؤيّده تصريحه بعدم سماعه عدم اعتبار المحلّل من أحد،كما في الموثّق (4)

ص:256


1- الأول في:الكافي 6:1/77 بتفاوت،التهذيب 8:87/29،الإستبصار 3:962/270،الوسائل 22:115 أبواب أقسام الطلاق و أحكامه ب 3 ح 13.الثاني في:الكافي 6:2/77،الوسائل 22:115 أبواب أقسام الطلاق و أحكامه ب 3 ح 13.
2- و هو العدم بمحض انقضاء العدّة بدون محلّل.مرآة العقول 21:130.
3- التهذيب 8:107/35،الإستبصار 3:982/276،الوسائل 22:116 أبواب أقسام الطلاق ب 3 ح 16.
4- الكافي 6:3/77،التهذيب 8:88/30،الإستبصار 3:963/271،الوسائل 22:114 أبواب أقسام الطلاق ب 3 ح 11.

و يعضد حقّيّة الصدر تصريح ابن بكير به،مع أنّه لم يردّه ابن سماعة و غيره ممّن وقع فيه (1)برأيه في عدم اعتبار المحلّل في طلاق السنّة في ذلك،و إنّما اقتصروا في الردّ على رأيه الفاسد.

هذا،مضافاً إلى دلالة الأخبار كفتوى الأخيار على الفرق بين العدّة و السنّة،و لا يُتصور إجماعاً إلّا بأمرين لا يمكن المصير إلى أحدهما:من عدم احتياج الثلاث من الثانية إلى المحلّل دونها من الأُولى؛ للإجماع كالأخبار باحتياجهما إليه،فانحصر الفارق في حصول التحريم بالتسع في الأولى دون الثانية.

و يؤيّده إطلاق الأخبار الدالّة على هدم التزويج للطلاق (2)كائناً ما كان (3)،سنّيةً أم عدّيةً،خرجت منه الثانية على التسع،بقيت الاُولى.

نعم،في بعض المعتبرة تصريح بالتحريم المؤبّد بالتسع في السنّة، كالصحيح:«إذا طلّق الرجل المرأة،فتزوّجت،ثم طلّقها زوجها الأول،ثم طلّقها،فتزوّجت رجلاً،ثم طلّقها،فتزوّجها الأول،ثم طلّقها هكذا ثلاثاً، لم تحلّ له أبداً» (4).

لكنّه شاذّ غير معارض لما تقدّم،فاستشكال بعض متأخّري الأصحاب في اختصاص تأبّد التحريم بالتسع الطلقات العدّية؛ بناءً على عدم الدليل عليه (5)،لا وجه له،و الصحيح المتقدّم قد اعترف بشذوذه،

ص:257


1- أي في سند الموثق الثاني.
2- انظر الوسائل 22:125 أبواب أقسام الطلاق ب 6.
3- واحداً أم متعدّداً.منه رحمه اللّه.
4- الكافي 5:7/428،التهذيب 7:1290/311،الوسائل 20:529 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 11 ح 2؛ بتفاوت يسير.
5- كالشهيد الثاني في المسالك 1:488.

فلا يصلح وجهاً للاستشكال.

ثم إنّ إطلاق العدّة على التسع المرتّبة مجاز؛ لأنّ الثالثة من كلّ ثلاث ليست للعدّة،فإطلاقه عليها إمّا إطلاق لاسم الأكثر على الأقلّ،أو باعتبار المجاورة.

قيل:و حيث كانت النصوص و الفتاوي مطلقة في اعتبار التسع للعدّة في التحريم المؤبّد،كان أعمّ من كونها متوالية و متفرّقة،فلو اتّفق في كلّ ثلاث واحدة للعدّة اعتبر فيه إكمال التسع كذلك (1).انتهى.

و للنظر فيه مجال:

أمّا في الأول:فلتعليق التحريم المؤبّد فيه على وقوعها بحيث يحتاج كلّ ثلاث منها إلى محلّل،أ لا ترى إلى الموثّق المصرّح ب:أنّ«الذي يطلّق الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ثلاث مرات و يزوّج ثلاث مرات،لا تحلّ له أبداً» (2)!؟و لا شيء من الطلقات الثلاث العدّيّات المتفرّق كلّ منها في ثلاث يحتاج إلى محلّل.

و قد اعترف به (3)في توجيهه احتمال اغتفار الثالثة من كلّ ثلاث وقع فيها عدّية واحدة،ب:أنّه المعتبر عند التوالي،و أنّ الثالثة لم يتحقّق اعتبار كونها للعدّة،و إنّما استفيد من النصّ التحريم بالستّ الواقعة لها، فيستصحب الحكم مع عدم التوالي (4).

فبعد الاعتراف بكون المستفاد من النصّ:التحريم بالستّ الواقعة لها

ص:258


1- قال به الشهيد الثاني في الروضة 5:213.
2- تقدّم ذكره في ص 252.
3- أي باختصاص النص.منه رحمه الله.
4- الروضة البهية 5:216.

المنحصرة هي في التوالي،كيف يمكن دعوى شموله للتسع المتفرّقة؟! و اعترف به أيضاً في توجيه احتمال عدم الاغتفار،الذي قوّاه بثبوته مع التوالي على خلاف الأصل،و إذا لم يحصل اعتبرت الحقيقة،خصوصاً مع كون طلقة العدّة هي الأُولى خاصّة،فإنّ علاقتي المجاز منتفيتان عن الثالثة؛ إذ لا مجاورة للعدّيّة و لا أكثريّة لها،بخلاف ما لو كانت العدّيّة هي الثانية،فإنّ علاقة المجاورة موجودة (1).

أقول:و لا ريب أنّ ثبوت الاغتفار مع التوالي إنّما هو من النصّ،و لو صحّ إطلاقه كما ادّعاه لثبت في غيره.

و أمّا في الثاني:فلتصريح عليّ بن إبراهيم في المحكي عنه بعين ما في الرضوي (2)،مصرّحاً في آخره ب:أنّ هذه هي التي لا تحلّ لزوجها الأول أبداً (3)،الظاهر في الحصر الحقيقي،و المجازي خلاف الأصل.

و نحوه الصدوق في الفقيه (4)،بل ظاهرهما كالرضوي اشتراط الترتيب في تأبّد التحريم؛ لتصريحه كالفقيه بأنّه الطلاقات التسع،التي كلّ ثلاث منها لا بُدّ أن يكون كلّ واحد منها واحداً بعد واحد،المتبادر منه ذلك.

و بالجملة:فالحكم بالتحريم بالتسع المتفرّقة محلّ إشكال إن لم يكن إجماع،و على تقديره يقتصر على مورده؛ وقوفاً عليه في الخروج عن مقتضى الأصل.

ص:259


1- الروضة البهية 5:217.
2- المتقدم في ص 252.
3- حكاه عنه في الحدائق 23:640،و هو في تفسيره 1:79.
4- الفقيه 3:322 323.

و الظاهر عدمه في الأمة طرّاً،حتى لو طُلِّقت للعدّة تسعاً يتخلّلها أربعة رجال،كما يستفاد من المتعرّضين لحكمها هنا،حيث احتملوا العدم فيها مطلقاً،و لو ثبت الإجماع لم يحتمل كما لا يحتمل (1)في الحرّة، فالاقتصار فيها على الأصل أقوى.

و يشكل الحكم بتأبّد التحريم مع التفريق مطلقاً أيضاً مضافاً الى ما تقدّم بأنّ طلاق العدّة حينئذٍ (2)لا يتحقّق إلّا بالرجعة بعده و الوطء،فإذا توقّف التحريم على تحقّق التسع كذلك لزم تحريمها بعد الدخول في الخامسة و العشرين إن كان العدّية هي الاُولى من كلّ ثلاث،أو السادسة و العشرين إن كان الثانية منها،بغير طلاق.و هو بعيد.

و لو توقّف على طلاق آخر بعده و لم يكن ثالثاً كما في الأول لزم جعل ما ليس بمحرّم محرّماً،و الحكم بالتحريم بدون طلاق موقوف على التحليل،و كلاهما بعيد.

و ذلك أمارة لزوم الاقتصار على مورد النصّ،إلّا أنّ الاحتياط سبيله واضح.

السبب الخامس اللعان

السبب الخامس من أسباب التحريم: اللعان و يثبت به التحريم المؤبّد بالنصّ (3)و الإجماع،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى الكلام في تحقيق حكمها و شرائطها.

و كذا يحرم بالأبد لو قذف الزوج امرأته الصمّاء أو الخرساء بما يوجب اللعان لولا الآفة.برميها بالزناء،مع دعوى المشاهدة و عدم

ص:260


1- العدم مطلقاً.منه رحمه اللّه.
2- أي اعتبار التسع طلقات الحقيقية.منه رحمه اللّه.
3- الوسائل 22:407 أبواب اللعان ب 1.

البيّنة،فلا حرمة مع عدمهما،و إن حُدَّ مع انتفاء الأول دون الثاني.

و لو لا الإجماع المحكيّ على القيد (1)لكان إطلاق التحريم متّجهاً؛ تبعاً لإطلاق النصوص،كالصحيح:عن رجل قذف امرأته بالزناء و هي خرساء صمّاء لا تسمع ما قال،فقال:«إن كان لها بيّنة تشهد لها عند الإمام جُلِدَ الحدّ،و فُرِّق بينه و بينها،و لا تحلّ له أبداً؛ و إن لم يكن لها بيّنة فهي حرام عليه ما قام معها،و لا إثم عليها منه» (2).

و مقتضاه ككلام جماعة (3)تعلّق الحكم بالمتّصفة بالأمرين،إلّا أنّ في بعض النسخ الاكتفاء بأحدهما،كما في المتن و عن الأكثر (4)،بل عليه الإجماع عن الغنية و السرائر (5)،و هو الحجّة فيه دون النسخة؛ لضعفها أولاً بناءً على أنّ الراوي لها رواها في موضع آخر كالأُولى و معارضتها لها ثانياً.

نعم،يؤيّده الاكتفاء بالأخير في الخبرين أحدهما الحسن-:في رجل قذف امرأته و هي خرساء،قال:«يُفرَّق بينهما،و لا تحلّ له أبداً» (6).

و يُدفَع أخصّية المورد بعدم القائل بالفرق،و لا ينافيه استشكال

ص:261


1- الحدائق 23:641،المفاتيح 2:245.
2- الكافي 6:18/166،الفقيه 4:112/36،التهذيب 7:1288/310،الوسائل 22:427 أبواب اللعان ب 8 ح 2؛ بتفاوت يسير.
3- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:489،و السبزواري في الكفاية:166،و البحراني في الحدائق 23:641.
4- انظر الروضة 5:225.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):615،السرائر 2:698.
6- الأول في:الكافي 6:9/164،التهذيب 8:673/193،الوسائل 22:427 أبواب اللعان ب 8 ح 1.الثاني في:الكافي 6:20/167،التهذيب 8:676/193،الوسائل 22:428 أبواب اللعان ب 8 ح 4.

التحرير في التحريم بالأول خاصّة،مع فتواه به في الثاني،سيّما مع استقرابه فيه أيضاً التحريم (1).

و في إلحاق نفي الولد هنا على وجه يثبت به اللعان لولا الآفة بالقذف وجهان،أوجههما:العدم؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد الوفاق و النصّ.

و ليس في الإجماع المحكيّ عن الشيخ على نفي اللعان في الخرساء و الصمّاء (2)دلالة عليه؛ لاختصاصه بالقذف،و مع ذلك فلا تلازم بين السقوط و ثبوت التحريم،فتأمّل.

و إطلاق (3)النصّ كفتوى الأصحاب و صريح البعض (4)عدم الفرق في ثبوت الحكم بين المدخول بها و غيرها،و عليه فمتى حرمت قبل الدخول فالأجود ثبوت جميع المهر؛ لثبوته بالعقد،فيستصحب.و تنصّفه في بعض الموارد لا يوجب التعدية إلى هنا.

و ألحق الصدوق في الفقيه بذلك قذف المرأة زوجها الأصمّ،فحكم بتحريمها عليه مؤبّداً (5).

للمرسل كالصحيح لكون المرسِل ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه،كما حكاه الكشي (6)-:في امرأة قذفت زوجها الأصمّ،قال:«يُفرَّق بينها و بينه،و لا تحلّ له أبداً» (7).

ص:262


1- التحرير 2:15.
2- كما في الخلاف 5:13.
3- كذا في«ص» و«ح»،و لعل الأنسب:و مقتضى إطلاق..
4- كالشهيد الثاني في المسالك 1:489،و السبزواري في الكفاية:166،و صاحب الحدائق 23:643.
5- الفقيه 4:36.
6- رجال الكشي 2:830.
7- الكافي 6:19/166،التهذيب 8:674/193،الوسائل 22:428 أبواب اللعان ب 8 ح 3.

إلّا أنّ الأصل المعتضد بالشهرة العظيمة بين الأصحاب،التي كادت تكون إجماعاً أوجب المصير إلى طرحه.

مضافاً إلى أنّ الموجب لاعتبار السند هو إجماع العصابة المحكيّ، و فيه وهن بالنظر إلى المقام؛ لمصير المعظم إلى الخلاف،إلّا أنّ العمل به أحوط،و فيه تأييد لثبوت الحكم بقذف الزوجة الصمّاء بطريق أولى.

السبب السادس الكفر
اشارة

السبب السادس:الكفر و لا يجوز للمسلم أن ينكح غير الكتابيّة ابتداءً و استدامةً مطلقاً إجماعاً منّا؛ بالكتاب (1)و السنّة (2).

و في جواز نكاح الكتابية ابتداءً أقوالٌ منتشرة:

ما بين محرِّم مطلقاً،كما عن المرتضى و الحلّي و أحد قولي الشيخين (3).

و مجوّز له كذلك،كما عن الصدوقين و العماني (4).

و مفصّل تارةً بالدوام فالأول،و متعة و ملك يمين فالثاني،كما عن أبي الصلاح و سلّار (5)و أكثر المتأخّرين (6).

و أُخرى بالاختيار فالتحريم،و الاضطرار فالجواز إمّا في العقدين،

ص:263


1- البقرة:221.
2- الوسائل 20:533 أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه ب 1.
3- المرتضى في الانتصار:117،الحلي في السرائر 2:541،المفيد في المقنعة:500،الطوسي في التهذيب 7:296،و الاستبصار 3:178.
4- الصدوق في المقنع:102،و حكاه عن والده و العماني في المختلف:530.
5- أبي الصلاح في الكافي:299،سلّار في المراسم:148.
6- كالمحقق في الشرائع 2:294،و الشهيد الثاني في المسالك 1:489،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:249.

و أمّا ملك اليمين فالجواز مطلقاً،كما عن الإسكافي (1).

و إمّا في الدوام خاصّة،و أمّا المتعة فالجواز مطلقاً،كما عن النهاية و ابن حمزة و القاضي (2).

و لكن المشهور منها قولان :الأول،و الثالث و هو أشهرهما و مختار المصنّف؛ لقوله أظهرهما:أنّه لا يجوز غبطةً أي دواماً مطلقاً، حتى في المجوسيّة و يجوز متعةً و بالملك في اليهودية و النصرانية خاصّة مطلقاً (3)في الجانبين (4).

أمّا الأول (5):فللإجماع عليه عن المرتضى و الغنية صريحاً،و سلّار و التبيان و مجمع البيان و السرائر ظاهراً (6).

و استلزام الزوجيّة المودّة بنصّ الآية (7)و شهادة العادة،و هي منهي عنها في الشريعة.

و خصوص الآيات المانعة عن التمسّك بعِصَم الكوافر (8)و نكاح المشركات (9)،الشاملتين للمقام بالعموم،و تفسير أهل الخصوص صلوات اللّه عليهم.

ص:264


1- على ما نقله عنه في المختلف:530.
2- النهاية:457،ابن حمزة في الوسيلة:290،القاضي في المهذب 2:241.
3- اي اختياراً و اضطراراً.منه رحمه اللّه.
4- أي المنع و الجواز.منه رحمه اللّه.
5- أي منع الدوام مطلقاً.منه رحمه اللّه.
6- المرتضى في الانتصار:117،الغنية(الجوامع الفقهية):612،سلّار في المراسم:148،التبيان 9:585،مجمع البيان 5:274،السرائر 2:541.
7- الروم:21.
8- الممتحنة:10.
9- البقرة:221.

ففي الصحيح:عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [1] (1)فقال:«هذه منسوخة بقوله وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [2] (2).

و نحوه في تحقّق النَّسخ الخبر المرويّ في تفسير العيّاشي (3).

و في الخبر المعتبر بوجود من اجتمعت العصابة في سنده:«لا ينبغي نكاح أهل الكتاب» قلت:جعلت فداك،و أين تحريمه؟قال:«قوله وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» [3] (4).

و نحوه المرويّ في نوادر الراوندي في تفسير هذه الآية:«إنّ من كانت عنده كافرة على غير ملّة الإسلام،و هو على ملّة الإسلام،فيعرض عليها الإسلام،فإن قبلت فهي امرأته،و إلّا فهي بريئة منه،فنهى اللّه تعالى أن يمسك بعصمهم» (5).

و في الموثّق:«ما تقول يا أبا محمّد في رجل تزوّج نصرانيّة على مسلمة؟» قلت:جعلت فداك،و ما قولي بين يديك؟!قال:«لتقولنّ،فإن ذلك تعلم به قولي» قلت:لا يجوز تزويج النصرانيّة على المسلمة و لا غير المسلمة،قال:«لِمَ»؟قلت:لقول اللّه تعالى وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ [4]

ص:265


1- المائدة:5.
2- الكافي 5:8/358،التهذيب 7:1245/298،الإستبصار 3:649/179،الوسائل 20:533 أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه ب 1 ح 1.
3- تفسير العياشي 1:38/296،المستدرك 14:433 أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه ب 1 ح 1.
4- الكافي 5:7/358،التهذيب 7:1244/297،الإستبصار 3:648/178،الوسائل 20:534 أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه ب 1 ح 4.
5- لم نعثر عليه في نوادر الراوندي،و لكن رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره 2:363،الوسائل 20:542 أبواب ما يحرم بالكفر ب 5 ح 7.

حَتّى يُؤْمِنَّ [1] قال:«فما تقول في هذه الآية وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ؟ [2] » فقلت:قوله وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ [3] نسخت هذه الآية،فتبسّم ثم سكت (1).

مضافاً إلى السنّة المستفيضة عن أهل العصمة صلوات اللّه عليهم (2)، المخالفة لجميع العامّة،المشتهرة بين قدماء الشيعة كما يستفاد من الخلاف و المبسوط (3)و كذا متأخّريهم،كما استفاض نقله في كلام جماعة (4).

المؤيّدة بالأخبار الناهية عن نكاح الأمة على الحرّة (5)أو مطلقاً؛ إمّا بناءً على أنّهنّ بمنزلتها كما يستفاد من المعتبرة (6)أو بناءً على شمول تلك الأخبار للمسلمة،فيتعدّى المنع إليهنّ بالأولويّة.

المعتضدة بظاهر مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ [4] (7)المفسّرة في المرويّ في نوادر الراوندي:قال:«قال عليّ عليه السلام:لا يجوز للمسلم التزويج بالأمة اليهوديّة و لا النصرانيّة؛ لأنّ اللّه تعالى قال مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ [5] » الحديث (8).

ص:266


1- الكافي 5:6/357،التهذيب 7:1243/297،الإستبصار 3:647/178،الوسائل 20:534 أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه ب 1 ح 3.
2- الوسائل 20:533 أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه ب 1.
3- الخلاف 4:311،المبسوط 4:209.
4- منهم العلّامة في التذكرة 2:645،و الفاضل المقداد في التنقيح 3:97،و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3:22.
5- الوسائل 20:509 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 46.
6- الكافي 5:1/451،الوسائل 20:529 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 10 ح 2.
7- النساء:25.
8- نوادر الراوندي:48،بحار الأنوار 100:20/380.

المؤكّدة بظاهر الآية لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ [1] (1)لأعميّة الاستواء منه من بعض الوجوه و من جميع الوجوه، و لا يصحّ نفي العامّ إلّا بنفي جميع جزئيّاته،فإذا انتفى التساوي في جميع الأحكام التي من جملتها المناكحة لزم اندراجها تحت التحريم.

فلا مخلص عن حمل ما ظاهره الجواز مطلقاً،أو في الجملة على الاتّقاء،أو التقيّة.

مضافاً إلى قصور أسانيد أكثرها عن الصحّة،و متونها عن وضوح الدلالة،زيادة على ما يأتي من احتمال الحمل على المتعة.

و الصحيح منها غير صالح للمكافأة لما تقدّم من الأدلة،مع تصريحه عليه السلام فيه ب:أنّ عليه في نكاحهنّ غضاضة (2)،أي:ذلّة و منقصة.

مع احتماله كالباقي الحمل على المتعة؛ لعدم صراحتها في الغبطة.و هو أوضح طريق في الجمع بين الأدلّة،دون الحمل على الكراهة،أو الجواز مع الضرورة،مع اندفاعها بالعقد عليهنّ متعةً غالباً.

أمّا الثاني (3):فالمستند فيه بعد الإجماع المصرّح به في الخلاف و التبيان و مجمع البيان و الغنية (4)،و خصوص إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [2] (5)السنّة المستفيضة.

ص:267


1- الحشر:20.
2- الكافي 5:1/356،الفقيه 3:1222/257،التهذيب 7:1248/298،الوسائل 20:536 أبواب ما يحرم بالكفر ب 2 ح 1.
3- أي جواز المتعة.منه رحمه اللّه.
4- الخلاف 4:312،التبيان 3:446،مجمع البيان 2:162،الغنية(الجوامع الفقهية):612.
5- المائدة:5.

ففي الموثّق:عن الرجل يتمتّع من اليهوديّة و النصرانيّة،قال:«لا أرى بذلك بأساً» الخبر (1).

و نحوه المرسل كالموثّق (2)،و الخبر الصحيح (3)في قول،و إن ضعف في المشهور؛ لأنّه بالشهرة العظيمة المدّعى عليه الإجماع مجبور.

و لا يعارضها ما وقع فيه التصريح بالمنع فيها (4)أيضاً؛ لعدم المكافأة،فليطرح،أو يحمل على الكراهة،و يفصح عنها الخبر:أ يتمتّع من اليهوديّة و النصرانيّة؟فقال:«يتمتّع من الحرّة المؤمنة أحبّ إليّ» (5).

و له ظهور في الجواز أيضاً،و به كالباقي يخصّ أدلّة المنع،مع أنّ المتبادر من النكاح و التزويج في أكثرها الدوام،دون التمتّع و ملك اليمين.

و أمّا الثالث (6):فبعد الإجماع عليه في التبيان و مجمع البيان (7)، فعموم فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [1] (8)من دون معارض،و فحوى

ص:268


1- التهذيب 7:1105/256،الإستبصار 3:520/144،الوسائل 21:37 أبواب المتعة ب 13 ح 1.
2- التهذيب 7:1103/256،الإستبصار 3:518/144،الوسائل 21:37 أبواب المتعة ب 13 ح 2.
3- التهذيب 7:1104/256،الإستبصار 3:519/144،الوسائل 21:37 أبواب المتعة ب 13 ح 3.
4- الفقيه 3:1389/293،الوسائل 21:38 أبواب المتعة ب 13 ح 7.
5- الفقيه 3:1390/293،التهذيب 7:1109/256،الإستبصار 3:524/145،الوسائل 21:38 أبواب المتعة ب 13 ح 6.
6- و هو الجواز بملك اليمين.منه رحمه اللّه.
7- التبيان 3:446،مجمع البيان 2:162.
8- النساء:25.

أخبار جواز التمتّع و وطء المجوسيّة بملك اليمين،كما يأتي.

و ممّا ذكر ظهر الجواب عن دليل الجواز مطلقاً،آيةً و روايةً.

و ما يقال من عدم ثبوت النسخ بالخبر الواحد،فلم يقم عليه دليل صالح،و الإجماع عليه غير معلوم،و معه يحمل آية الحلّ (1)على التمتّع؛ جمعاً بين الأدلّة،و هو من باب حمل العموم على الخصوص، فيكون تخصيصاً في تخصيص (2)،و هو شائع يجب المصير إليه بعد قيام الدليل عليه،و هو ما قدّمناه.

و في جواز الأمرين (3)ب المجوسيّة قولان،أشبههما: عند المصنّف تبعاً للنهاية (4) الجواز على كراهة شديدة؛ لخبرين قاصري السند:

في أحدهما:«لا بأس بالرجل أن يتمتّع بالمجوسيّة» (5).

و في الثاني:عن نكاح اليهوديّة و النصرانيّة،فقال:«لا بأس» فقلت:

المجوسيّة؟فقال:«لا بأس» يعني متعة (6).

و الأقوى المنع عن العقد مطلقاً؛ لما تقدّم من الأدلّة المطلقة من

ص:269


1- المائدة:5.
2- التخصيص الثاني هو تخصيص ما دلّ على منع نكاح المشركات بآية حلّ نكاح المحصنات من الذمّيات،و الأول تخصيص هذه الآية بالمتمتّعات منهنّ دون الدائمات؛ للروايات منه عفي عنه و والديه.
3- أي التمتع و ملك اليمين.منه رحمه اللّه.
4- النهاية:457.
5- التهذيب 7:1107/256،الإستبصار 3:522/144،الوسائل 21:38 أبواب المتعة ب 13 ح 5.
6- التهذيب 7:1106/256،الإستبصار 3:521/144،الوسائل 21:38 أبواب المتعة ب 13 ح 4.

الكتاب و السنّة،الخالية عمّا يخصّصها هنا من الأدلّة؛ لضعف الخبرين،مع انتفاء جابر لهما في البين.

مضافاً إلى معارضتهما المعتبرة،أحدها الصحيح كالصريح في المنع عن مطلق العقد-:عن الرجل المسلم يتزوّج المجوسيّة،قال:«لا،و لكن إذا كان له أمة مجوسيّة فلا بأس أن يطأها،و يعزل عنها،و لا يطلب ولدها» (1).

و أصرح منه الآخر:عن الرجل يتمتّع باليهوديّة و النصرانيّة،قال:

«لا أرى بذلك بأساً» قلت:فالمجوسيّة؟قال:«أمّا المجوسيّة فلا» (2).

و قريب منهما إطلاق الرضوي:«و لا يجوز تزويج المجوسيّة» (3).

هذا مضافاً إلى دعوى التبيان كالسرائر فيه (4)الإجماع (5).

و في هذه الأخبار دلالة على مغايرة المجوس لأهل الكتاب،و عدم إرادتهم منهم عند الإطلاق،كما هو المشهور بين الأصحاب،فلا يشملهم أدلّة إباحة التمتّع بهم.

لو ارتدّ أحد الزوجين قبل الدخول وقع الفسخ في الحال

و لو ارتدّ أحد الزوجين أو هما دفعةً عن الإسلام قبل الدخول بالزوجة وقع الفسخ في الحال مطلقاً،فطريّاً كان الارتداد أم ملّياً،

ص:270


1- الكافي 5:3/357،الفقيه 3:1223/258،التهذيب 8:757/212،الوسائل 20:543 أبواب ما يحرم بالكفر ب 6 ح 1.
2- التهذيب 7:1105/256،الإستبصار 3:520/144،الوسائل 21:37 أبواب المتعة ب 13 ح 1.
3- فقه الرضا عليه السلام:235،المستدرك 14:434 أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه ب 1 ح 4.
4- أي إطلاق المنع.منه رحمه اللّه.
5- التبيان 2:218،السرائر 2:542.

بالإجماع من أهل العلم كافّة في الأول (1)،و منّا في الثاني (2)،حكاهما في التذكرة (3).

لإطلاق بعض ما تقدّم من الأدلّة في المنع عن نكاح الكتابيّة (4).

و المعتبرة في المرتدّ الفطري (5)،الشاملة لصورتي الدخول و عدمه، كما يأتي.

و الخبر:في الملّي«المرتدّ تعزل عنه امرأته،و لا تؤكل ذبيحته، و يستتاب ثلاثة أيّام،فإن تاب و إلّا قتل» (6).

و هي كما ترى خاصّة بارتداد الرجل خاصّة،إلّا أنّ ارتداد المرأة ملحق به؛ للإجماع المركّب.

و يجب على الزوج نصف المهر إن كان الارتداد من الزوج؛ لمجيء الفسخ من جهته،فأشبه الطلاق.ثمّ إن كانت التسمية صحيحةً فنصف المسمّى،و إلّا فنصف المثل،و مع عدم التسمية بالمرّة فالمتعة.

و قيل:يجب جميع المهر؛ لوجوبه بالعقد،و لم يثبت تشطيره إلّا بالطلاق و نحوه إن قيل به فيه،فلا يتعدّى إلى غيره،و لا يخصّص الأصل القطعي بالقياس به (7).و هو أقوى.

ص:271


1- أي ارتداد أحد الزوجين.منه رحمه اللّه.
2- أي ارتدادهما.منه رحمه اللّه.
3- التذكرة 2:647.
4- راجع ص 262 263.
5- انظر الوسائل 28:323 أبواب حد المرتد ب 1 ح 2،3.
6- الكافي 7:17/258،الفقيه 3:334/89،التهذيب 10:546/138،الإستبصار 4:961/254،الوسائل 28:328 أبواب حد المرتد ب 3 ح 5؛ بتفاوت.
7- جامع المقاصد 12:410،المسالك 1:490.

و لو كان الارتداد منها فلا مهر لها؛ لمجيء الفسخ من قبلها،كذا عُلِّل (1)،و فيه إيماء إلى مسلّميّته بينهم.

و لعلّه للخبر:في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها،قال:«يُفرَّق بينهما،و لا صداق لها؛ لأنّ الحدث كان من قبلها» (2)و قصور السند (3)منجبر بالعمل بالتعليل،فتأمّل.

و يدلّ عليه أيضاً فحوى ما سيأتي من المعتبرة الدالّة على سقوط مهر النصرانيّة بإسلامها (4)،المستلزم للسقوط هنا بطريق أولى.

و لو كان الارتداد بعد الدخول،وقف انفساخ النكاح على انقضاء العدّة عدّة الطلاق،إن كان الارتداد من الزوجة مطلقاً،أو من الزوج من غير فطرة،فإن رجع المرتدّ قبل انقضائها،و إلّا انفسخ.

و ظاهر الأصحاب الاتّفاق على الحكم و مقدار العدّة؛ بل صرّح به جماعة (5)؛ و هو الحجّة فيه،دون النصوص؛ لعدم استفادة شيء منهما منها.

بل ربما دلّ بعض المعتبرة على البينونة بمجرّد الردّة،من دون توقّف على انقضاء العدّة،كالحسن:«إذا ارتدّ الرجل عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلّقة ثلاثاً،و تعتدّ منه كما تعتدّ المطلّقة،فإن رجع إلى الإسلام و تاب قبل التزويج فهو خاطب من الخطّاب،و لا عدّة عليها منه،و تعتدّ منه

ص:272


1- الروضة البهية 5:229،جامع المقاصد 12:410.
2- التهذيب 10:126/36،الوسائل 28:78 أبواب حد الزنا ب 7 ح 8.
3- ببنان.منه رحمه اللّه.
4- في ص 272.
5- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:490،و السبزواري في الكفاية:167،و صاحب الحدائق 24:27.

لغيره،و إن مات أو قتل قبل العدّة اعتدّت منه عدّة المتوفّى عنها زوجها، و هي ترثه في العدّة،و لا يرثها إن ماتت و هو مرتدّ عن الإسلام» (1).

و لكنّه شاذّ محتمل للتقيّة؛ لحكاية ذلك عن بعض العامّة (2).

و يمكن الاستدلال عليه بفحوى المعتبرة الدالّة على اعتبار انقضاء العدّة في البينونة المحضة في إسلام أحد الوثنيّين (3)؛ لأضعفيّة الكفر الارتدادي عن الأصلي؛ لبقاء حرمة الإسلام فيه دونه،فثبوت الحكم في الأقوى ملازم لثبوته في الأضعف بطريق أولى،فتأمّل.فلا ريب في الأحكام المذكورة.

إلّا أن يكون المرتدّ هو الزوج و كان مولوداً على الفطرة، فإنّه لا يقبل عوده،و تعتدّ زوجته عدّة الوفاة إجماعاً،و للمعتبرة:

منها الموثّق:«كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام و جحد [محمداً صلى الله عليه و آله]نبوّته و كذّبه فإنّ دمه مباح لكلّ من سمع ذلك منه،و امرأته بائنة منه يوم ارتدّ،فلا تقربه،و يقسّم ماله على ورثته،و تعتدّ امرأته عدّة المتوفّى عنها زوجها،و على الإمام أن يقتله و لا يستتيبه» (4).

و لا يسقط من المهر هنا و في السابق شيء؛ لاستقراره بالدخول المستمرّ بالأصل السالم عن المعارض.

ص:273


1- الكافي 7:4/153،التهذيب 9:1333/373،الوسائل:26:27 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 5.
2- كابن قدامة في المغني و الشرح الكبير 7:565.
3- الوسائل 20:546 أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه ب 9.
4- الكافي 7:11/257،الفقيه 3:333/89،التهذيب 10:541/136،الإستبصار 4:957/253،الوسائل 28:324 أبواب حد المرتد ب 1 ح 3؛ و ما بين المعقوفين من المصدر.
إذا أسلم زوج الكتابيّة فهو على نكاحه و لو أسلمت زوجته دونه انفسخ

و إذا أسلم زوج الكتابيّة دونها فهو على نكاحه،سواء كان قبل الدخول أو بعده دائماً كان التزويج أو منقطعاً،كتابيّاً كان الزوج أو وثنيّاً، جوّزنا نكاحها للمسلم ابتداءً أم لا،إجماعاً.

للخبرين الآتيين فيمن أسلم عن خمس،الدالّين على بقاء نكاح الأربع،و انفساخ الزائد خاصّة.

و لإطلاق الصحيحين:عن رجل هاجر و ترك امرأته في المشركين، ثم لحقت بعد ذلك،أ يمسكها بالنكاح الأول؟قال:«بل يمسكها و هي امرأته» (1)،و ينبغي تقييدهما بالكتابيّة؛ للمعتبرة الآتية (2).

و لو أسلمت زوجته أي الكافر دونه،انفسخ النكاح في الحال،إن كان الإسلام قبل الدخول لعدم العدّة،و امتناع كون الكافر زوجاً للمسلمة.

و لا مهر لها؛ لمجيء الفرقة من قبلها،و للصحيح:في نصراني تزوّج نصرانيّة،فأسلمت قبل أن يدخل بها،قال:«قد انقطعت عصمتها،و لا مهر لها،و لا عدّة عليها منه» (3).

و الخبر المثبت للمهر (4)مع قصور سنده،و عدم مكافأته لما تقدّم

ص:274


1- أحدهما في:الكافي 5:2/435،الوسائل 20:541 أبواب ما يحرم بالكفر ب 5 ح 1. و الآخر في:الكافي 5:/435 1،التهذيب 7:/300 1253،الإستبصار 3:/181 657،الوسائل 20:540 أبواب ما يحرم بالكفر ب 5 ح 1؛ بتفاوت.
2- في ص 275.
3- الكافي 5:4/436،الوسائل 20:547 أبواب ما يحرم بالكفر ب 9 ح 6.
4- الكافي 5:6/436،التهذيب 8:315/92،الوسائل 20:548 أبواب ما يحرم بالكفر ب 9 ح 7.

شاذّ لا تعويل عليه.و بفحواه يستدلّ لحكم الوثني.

و وقف الفسخ على انقضاء العدّة عدّة الطلاق كما ذكروه من حين الإسلام إن كان بعده أي الدخول،فإن انقضت و لم يسلم تبيّن بينونتها منه حين الإسلام كما ذكروه،و إن أسلم قبل انقضائها تبيّن بقاء النكاح.

و جميع ذلك موضع وفاق في الوثني؛ مدلول عليه في الخبرين، الآتي أحدهما في الوثنيّين المسلم أحدهما (1).

و في الثاني:عن رجل مجوسي أو مشرك من غير أهل الكتاب،كانت تحته امرأة،فأسلم أو أسلمت،قال:«ينظر بذلك انقضاء عدّتها،فإن هو أسلم أو أسلمت قبل أن تنقضي عدّتها فهما على نكاحهما الأول،و إن هو لم يسلم حتى تنقضي العدّة فقد بانت منه» (2).

و مشهور بين الأصحاب في الكتابي،بل في الخلاف:الوفاق على انفساخ النكاح بخروجها من العدّة (3).

و يدلّ عليه عموم وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [1] (4).و الصحيح:عن الرجل يكون له الزوجة النصرانيّة فتسلم،هل يحلّ لها أن تقيم معه؟قال:«إذا أسلمت لم تحلّ له» قلت:جعلت فداك،فإنّ

ص:275


1- انظر ص 276.
2- الكافي 5:3/435،التهذيب 7:1258/301،الإستبصار 3:662/182،الوسائل 20:546 أبواب ما يحرم بالكفر ب 9 ح 3؛ بتفاوت.
3- الخلاف 4:325.
4- النساء:141.

الزوج أسلم بعد ذلك،أ يكونان على النكاح؟قال:«لا،يتزوّج بجديد» (1).

و الصحيح:«إذا أسلمت امرأة و زوجها على غير الإسلام فرِّق بينهما» (2).

و المراد بإطلاق التفريق فيه كعدم الحلّ في الأول هما بعد انقضاء العدّة؛ إجماعاً.

و للخبر المعتبر (3):«إنّ امرأة مجوسيّة أسلمت قبل زوجها،فقال له عليّ عليه السلام:أسلم،فقال:لا،ففرّق بينهما،ثم قال:إن أسلمْتَ قبل انقضاء عدّتها فهي امرأتك،و إن انقضت عدّتها قبل أن تسلم ثم أسلَمْتَ فأنت خاطب من الخطّاب» (4).

و قيل هو الشيخ في النهاية و التهذيبين (5)-:لم ينفسخ النكاح بانقضاء العدّة مطلقاً،بل إن كان الزوج ذمّيا قائماً، بشرائط الذمّة،كان نكاحه صحيحاً باقياً بحاله و لكن لا يمكَّن من الدخول عليها ليلاً،و لا من الخلوة بها نهاراً و لا من إخراجها إلى دار الحرب.

لأخبار قاصرة الأسانيد،ضعيفة التكافؤ للمعارض،أجودها المرسل كالصحيح:«إنّ أهل الكتاب و جميع من له ذمّة،إذا أسلم أحد الزوجين

ص:276


1- التهذيب 7:1255/300،الاستبصار 3:659/181،قرب الإسناد:1335/378،الوسائل 20:542 أبواب ما يحرم بالكفر ب 5 ح 5؛ بتفاوت يسير.
2- الكافي 5:2/435،الوسائل 20:547 أبواب ما يحرم بالكفر ب 9 ح 4.
3- بوجود من أجمعت العصابة في سنده الجابر الضعفة لو كان،مع أنّه قيل(جامع المقاصد 12:408)بصحته.منه رحمه اللّه.
4- التهذيب 7:1257/301،الإستبصار 3:661/182،الوسائل 20:546 أبواب ما يحرم بالكفر ب 9 ح 2 و فيه:فقال علي عليه السلام:لا يفرّق بينهما.
5- النهاية:457،الاستبصار 3:183،التهذيب 7:302.

فهما على نكاحهما،و ليس له أن يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها، و لا يبيت معها،و لكنه يأتيها بالنهار» (1).

مع احتمال بعضها الحمل على عدم البينونة في العدّة لا مطلقاً، فلا ينافيها ثبوتها بعدها.

و مع ذلك فظاهر الشيخ الرجوع عنها في الخلاف؛ لدعواه فيه على خلافها الوفاق (2).

فلا عبرة بها و إن كانت أخصّ من المعارض،و ليس كلّ خاصّ يقدّم على العام،و مع ذلك فبعض ما تقدّم خاصّ أيضاً (3)،كالصحيح (4)في انفساخ النكاح بالإسلام قبل الدخول.

و دعوى اختصاص هذا القول بصورة الدخول،فلا مدخل للصحيح في المتنازع (5).

مدفوعة بتصريح المسالك بعمومه لصورتي الدخول و عدمه (6)،كما يفصح عنه إطلاق عبارته (7)و عموم دليله.

فلا وجه لتردّد بعض من تأخّر (8)،و مصير آخر إليه (9).

ص:277


1- الكافي 5:9/358،التهذيب 7:1259/302،الإستبصار 3:663/183،الوسائل 20:541 أبواب ما يحرم بالكفر ب 5 ح 2.
2- الخلاف 4:326.
3- لتصريحه بذمّية الزوج.منه رحمه اللّه.
4- المتقدم في ص 272.
5- البحراني في الحدائق 24:37.
6- المسالك 1:490.
7- أي القائل.منه رحمه اللّه.
8- المختلف:532.
9- التنقيح الرائع 3:102.

و لو أسلما معاً ثبت النكاح؛ لانتفاء المقتضي للفسخ.

و للخبرين،في أحدهما:النصراني يتزوّج النصرانيّة على ثلاثين دَنّاً (1)من خمر و ثلاثين خنزيراً،ثم أسلما بعد ذلك،و لم يكن دخل بها،قال:

«ينظر كَم قيمة الخمر و كَم قيمة الخنازير،فيرسل بها إليها،ثم يدخل عليها،و هما على نكاحهما الأول» (2).

و لو أسلم أحد الزوجين الوثنيّين معاً،المنسوبين إلى عبادة الوثن و هو الصنم و كذا من بحكمهما من الكفّار غير الكتابيّين و كان الإسلام قبل الدخول،بطل النكاح مطلقاً؛ لأنّ المسلم إن كان هو الزوج استحال بقاؤه على نكاح الكافرة غير الكتابيّة؛ لتحريمه ابتداءً و استدامةً إجماعاً.و إن كان الزوجة فأظهر؛ إذ لا سبيل للكافر عليها.

و يجب نصف المهر أو الجميع لما تقدّم من عدم ثبوت التشطير إلّا بالطلاق بإسلام الزوج،دون إسلامها،فيسقط؛ لما مرّ (3).

و بعد الدخول يقف الفسخ على انقضاء العدّة بإسلام أيّهما اتّفق فإن انقضت و لم يسلم الآخر تبيّن انفساخه من حين الإسلام،و إن

ص:278


1- الدَّنّ:ما عظم من الرواقيد،و هو كهيئة الحُبّ،إلّا أنّه أطول،مستوي الصنعة في أسفله كهيئة قَوْنَس البيضة،و الجمع الدِّنان،و هي الحِباب؛ و قيل الدَّنُّ أصغر من الحُبّ،له عُسْعُس فلا يقعد إلّا أن يُحفَر له لسان العرب 13:159.
2- الأول في:الكافي 5:9/437،الفقيه 3:1383/291،التهذيب 7:1448/356،الوسائل 21:243 أبواب المهور ب 3 ح 2؛ بتفاوت يسير.الثاني في:الكافي 5:5/436 بتفاوت في السند،التهذيب 7:1447/355،الوسائل 21:243 أبواب المهور ب 3 ح 1.
3- من التعليل بمجيء الفسخ من قبلها،في ص 272.

أسلم فيها استمرّ النكاح.

كلّ ذلك بلا خلاف،بل حكي عليه الإجماع (1).

للخبرين في الثاني (2)،تقدّم أحدهما في إسلام زوجة الوثني و توقّف الفسخ فيه على انقضاء العدّة (3).

و ثانيهما المرسل كالصحيح:«و أمّا المشركون مثل:مشركي العرب و غيرهم فهم على نكاحهم إلى انقضاء العدّة،فإن أسلمت المرأة،ثم أسلم الرجل قبل انقضاء عدّتها،فهي امرأته،فإن لم يسلم إلّا بعد انقضاء العدّة فقد بانت منه،و لا سبيل له عليها،و كذلك جميع من لا ذمّة له» الخبر (4).

و لو أسلم الذمّي و عنده أكثر من أربع فما دون تخير أربع

و لو أسلم الوثني و من في حكمه،أو الذمّي و عنده أربع فما دون كتابيّات مطلقاً أو وثنيّات أسلمن معه لم يتخيّر للأصل،و انتفاء المقتضي له من حرمة الجمع.

و لو كان عنده أكثر من أربع نسوة مذكورات تخيّر أربعاً منهنّ من دون تجديد عقد،بشرط جواز نكاحهنّ في شريعة الإسلام،و فارق سائرهنّ من دون طلاق،إن كان حرّا و هنّ حرائر،و إلّا اختار ما عُيِّن له سابقاً من حرّتين و أمتين،أو أمة و ثلاث حرائر.و العبد يختار حرّتين،أو أربع إماء،أو حرّة و أمتين،ثم تتخيّر الحرّة في فسخ عقد الأمة و إجازته إن

ص:279


1- كما حكاه في التذكرة 2:652.
2- أي صورة بعد الدخول.منه رحمه اللّه.
3- راجع ص 273.
4- الكافي 5:9/358،التهذيب 7:1259/302،الإستبصار 3:663/183،الوسائل 20:547،أبواب ما يحرم بالكفر ب 9 ح 5.

قلنا به،و إلّا بطل عقد الأمة خاصّة كما مرّ (1).

قيل:و لو شرطنا في نكاح الأمة الشرطين (2)توجّه انفساخ نكاحها هنا إذا جامعت حرّة تحصل حاجته منها؛ لقدرته عليها،المنافية لنكاح الأمة (3).

و فيه منع؛ لأنّ المحكيّ عن المبسوط و التذكرة:الإجماع على اختصاص المنع بصورة الابتداء دون الاستدامة (4).و هو الأوفق بظواهر الأدلّة؛ لعدم تبادر الاستدامة من الأدلّة المانعة،فيرجع فيها إلى أصالة الإباحة.

و على المنع مطلقاً (5)،لو تعدّدت الحرائر اعتبر رضاهنّ جُمَع،ما لم يزدن على أربع،فيعتبر رضاء من يختارهنّ من النصاب.

و لا فرق في التخيير بين من ترتّب عقدهنّ و اقترن،و لا بين اختيار الأوائل و الأواخر،و لا بين من دخل بهنّ و غيرهنّ.

و لو أسلم معه أربع و بقي أربع،فالأقوى بقاء التخيير؛ لإطلاق النصّ.

و فيه نظر.

و قيل بتعيّن المسلمات؛ لشرف الإسلام (6).و هو أحوط.

و حكي على أصل الحكم الإجماع عن ظاهر المبسوط و التذكرة (7)؛ و هو المستند فيه كالخبر:في مجوسيّ أسلم و له سبع نسوة و أسلمن معه،

ص:280


1- في ص 218.
2- المذكورين في ص 213.
3- قال به الشهيد الثاني في الروضة 5:233.
4- المبسوط 4:220،التذكرة 2:652.
5- أي استدامةً و ابتداءً.منه رحمه اللّه.
6- قال به صاحب الحدائق 24:40.
7- المبسوط 4:230،التذكرة 2:652.

كيف يصنع؟قال:«يمسك أربعاً و يطلق ثلاثاً» (1).

و ضعف الدلالة مع الأخصّية غير قادح في الحجّيّة بعد انجبارهما بفتوى الطائفة،كعدم القدح فيها ب«يطلق ثلاثاً» نظراً إلى مخالفته المتّفق عليه بينهم من حصول الفسخ بالاختيار خاصّة بلا طلاق؛ لاحتماله الإطلاق دون التطليق،و معه ينتفي المناقشة كانتفائها مع عدمه؛ بناءً على أنّ خروج بعض الحديث عن الحجيّة لا ينافيها بالإضافة إلى الباقي.

و نحوه النبوي (2)،بل و أظهر منه،من حيث عمومه للمسلمات و غيرهن،بل ظهوره في الأخيرة خاصّة.

و المستند في القيود المتقدّمة عموم ما تقدّم فيها من الأدلّة،و إن احتمل بعضها نوعاً من المناقشة،لكن كفانا مئونة الاشتغال بدفعها إجماع الطائفة،كما عن ظاهر المبسوط و التذكرة (3).

و روى عمّار في الموثّق عن مولانا أبي عبد اللّه عليه السلام:أنّ إباق العبد بمنزلة الارتداد،فإن رجع و الزوجة في العدّة فهو أحقّ بها،و إن خرجت من العدّة فلا سبيل له عليها (4)و ليس في هذه الرواية ضعف بالمعنى المصطلح؛ لوثاقة عمّار و إن كان فطحيّاً،مضافاً إلى أنّ قبله مَن أجمع العصابة على تصحيح

ص:281


1- الكافي 5:7/436،التهذيب 7:1238/295،الوسائل 20:524 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 6 ح 1.
2- غوالي اللئلئ 1:123/228،المستدرك 14:428 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 4 ح 3؛ و انظر مسند أحمد 2:83.
3- المبسوط 4:230،التذكرة 2:652.
4- الفقيه 3:1372/288،التهذيب 8:731/207،الوسائل 21:192 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 73 ح 1.

ما يصحّ عنه،و لعلّه لذا عمل به جماعة،كالصدوق و الشيخ في النهاية (1)، و ابن حمزة،إلّا أنّه خصّ الحكم بتزويج العبد أمة غير سيّده (2)،و الرواية مطلقة.

خلافاً للأكثر،بل كاد أن يكون إجماعاً،و هو الأظهر؛ للأصل،و ظاهر عموم ما دلّ على اعتبار الطلاق في تحقّق الفراق.و لاعتضادهما بالشهرة لا تقاومهما الموثّقة المزبورة،و إن كانت بحسب السند معتبرة،مع إمكان تطرّق القدح إليه من جهته،من حيث ابتناء اعتباره بالأمرين على حصول المظنّة منهما بصدق الرواية،و مع اشتهار الخلاف ترتفع المظنّة.

أمّا من الأول:فلأنّ الظنّ الحاصل من توثيقه أضعف هنا من الظنّ الحاصل من شهرة خلافه.

و أمّا من الثاني:فلابتناء حصول المظنّة منه على الإجماع (3)،و هو منفيّ مع شهرة الخلاف.

فإذاً الأجود:بقاء الزوجيّة إلى وقوع البينونة بطلاقٍ و نحوه من الأُمور المسلّمة.

مسائل سبع
اشارة

هنا مسائل سبع:

الاُولى فيها فروع
التساوي في الإسلام شرط في صحّة العقد

الاُولى:التساوي بين الزوجين،المعبّر عنه بالكفاءة في الإسلام بالمعنى العام،و هو الإقرار بالشهادتين من دون إنكار ما يلحق منكره بالكفّار شرط في صحّة العقد فلا يجوز للمسلمة التزويج بالكافر مطلقاً،نصّاً (4)و إجماعاً،

ص:282


1- الصدوق في الفقيه 3:288،الشيخ في النهاية:479.
2- الوسيلة:307.
3- أي إجماع العصابة.منه رحمه اللّه.
4- انظر الوسائل 20:549 أبواب ما يحرم بالكفر ب 10.

و لا للمسلم التزويج بالوثنيّة مطلقاً (1)،و الكتابيّة دائماً ابتداءً،على الأصحّ كما مرّ (2)؛ و يجوز له تزويجها متعةً و بملك اليمين و استدامةً مطلقاً،إجماعاً في الأخير،و على الأقرب في الأوّلَين.

و هل يشترط التساوي في الإيمان الخاصّ؟المراد منه:الإقرار بالأئمّة الاثني عشر بالشرط المتقدّم (3).

فيه أقوال،ثالثها:اختصاصه بالزوج دون الزوجة،و هو المشهور بين الطائفة،بل حكي على الأول الإجماعات المستفيضة عن الخلاف و المبسوط و السرائر و سلّار و الغنية (4)؛ و هي الحجّة فيه،كالنصوص المستفيضة:

منها الصحيح:«تزوّجوا في الشكّاك و لا تزوّجوهم؛ لأنّ المرأة تأخذ من أدب زوجها،و يقرّها على دينه» (5).

و في معناه المعتبرة (6)المنجبر قصور أسانيدها بالشهرة و الإجماعات المستفيضة.

و الدلالة واضحة؛ لاستلزام المنع من تزويج الشكّاك منع التزويج من غيرهم من المعتقدين لخلاف ما عليه الفرقة المحقّة بالأولويّة المؤكّدة بالعلة

ص:283


1- أي ابتداءً و استدامةً،دائماً و منقطعاً.منه رحمه اللّه.
2- و هو عدم إنكار ضروريّ المُلِحق له بالكفار.منه رحمه اللّه.
3- في ص 262.
4- الخلاف 4:271،المبسوط 4:178،السرائر 2:557،سلّار في المراسم:148،الغنية(الجوامع الفقهية):609.
5- الكافي 5:5/349،الفقيه 3:1226/258،التهذيب 7:1266/304،الاستبصار 3:670/184،علل الشرائع:1/502،الوسائل 20:555 أبواب ما يحرم بالكفر ب 11 ح 2.
6- انظر الوسائل 20:554 أبواب ما يحرم بالكفر ب 11.

المذكورة،و هي الوجه في دلالة الصحيح:«و لا يتزوّج المستضعف مؤمنة» (1).

و منها:المستفيضة المشترطة للدين المرضيّ في الأمر بالمناكحة (2)، الظاهر في الإباحة،دون الندبيّة،حتى يقال:غاية الشرطيّة انتفاؤها بانتفاء الشرط،لا الإباحة.

و ليس في إدراج الخلق مع الدين في بعضها كالصحيح:«إذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوّجوه، إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسادٌ كَبِيرٌ» [1] (3)قرينةٌ على الندبيّة بالإضافة إلى الدين،بناءً على اتحاد سياق العبارة مع الإجماع عليها بالنسبة إليه؛ لتوقّفه على كون المراد منه السجيّة و الطبيعة،و ليس بمتعيّن؛ لاستعماله في الملّة كما عن أهل اللغة (4)، فيحتمل إرادتها منه هنا،فلا قرينة فيه بالمرّة.

و منها المرسل كالموثّق بل الموثّق؛ لإرساله عن غير واحد،الملحق مثله عند جماعة بالمسند (5)،مع كون المرسِل من المجمع على تصحيح رواياته-:«إنّ العارفة لا توضع إلّا عند العارف» (6).

و منها المعتبر بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده:إنّ لامرأتي أُختا عارفة على رأينا،و ليس على رأينا بالبصرة إلّا قليل،فأزوّجها ممّن لا يرى رأيها؟قال:«لا،و لا نعمة،إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول

ص:284


1- الكافي 5:8/349،التهذيب 7:1261/302،الإستبصار 3:665/183،الوسائل 20:557 أبواب ما يحرم بالكفر ب 11 ح 6.
2- انظر الوسائل 20:76 أبواب مقدمات النكاح ب 28.
3- الكافي 5:3/347،التهذيب 7:1584/396،الوسائل 20:77 أبواب مقدمات النكاح ب 28 ح 2.
4- انظر القاموس المحيط 3:236،و مجمع البحرين 5:156.
5- منهم البحراني في الحدائق 24:59،السبزواري في الكفاية:168.
6- الكافي 5:11/350،الوسائل 20:550 أبواب ما يحرم بالكفر ب 10 ح 5.

فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [1] (1)» (2).و ما يقال:بأنّ قصاراها الدلالة على النهي (3)الغير الملازم للفساد المترتّب عليه الشرطيّة.

مدفوعٌ بالإجماع على التلازم هنا؛ بناءً على عدم القول بالتحريم المجرّد عن الفساد،بل كلّ من حرّم أفسد،و كلّ من أحلّ صحّح.

هذا،مضافاً إلى إشعار التعليل في ذيل الأخير بالكفريّة؛ من حيث إطلاق الكفر عليهم،المستلزم إمّا لكفرهم حقيقةً كما عليه جماعة (4)أو اشتراكهم مع المتّصف به في الأحكام،التي منها حرمة النكاح و فساده،إن قلنا بالمجازيّة كما عليه جمهور الطائفة،و استفيد من النصوص الآتية لوجوب الحمل على أقرب المجازات إذا تعذّر الحقيقة.

و من هنا ينقدح وجه الاستدلال بالنصوص المطلقة عليهم الكفر (5)، و هي كادت تكون متواترة.

و هذه الأخبار عدا ما ابتني فيه وجه الدلالة على إطلاق الكفر عليهم مشتركة في اختصاص المنع فيها بتزويج المخالف بالمؤمنة،بل صرّح بعضها بتزويج المؤمن بالشكّاك (6)،و أشعر تعليل المنع في بعضها بأخذ المرأة من أدب زوجها (7)،بالجواز هنا؛ لمطلوبيّته فيه قطعاً،و قريب منه

ص:285


1- الممتحنة:10.
2- الكافي 5:6/349،الوسائل 20:550 أبواب ما يحرم بالكفر ب 10 ح 4.
3- انظر نهاية المرام 1:202.
4- منهم البحراني في الحدائق 24:54،61.
5- انظر الوسائل 20:533 أبواب ما يحرم بالكفر ب 1.
6- الوسائل 20:554 أبواب ما يحرم بالكفر ب 11.
7- الكافي 5:5/349،الفقيه 3:1226/258،التهذيب 7:1266/304،الاستبصار 3:670/184،علل الشرائع:1/502،الوسائل 20:555 أبواب ما يحرم بالكفر ب 11 ح 2.

إشعار تخصيص المنع بالزوج؛ فتدبّر.

مع أنّ النصوص بجواز تزويجه بالبله منهنّ و المستضعفات مستفيضة.

ففي الصحيح:«عليك بالبله من النساء اللاتي لا تنصب، و المستضعفات» (1).

و الصحيح:«ما يمنعك من البله من النساء؟!قلت:و ما البله؟قال:

«هنّ المستضعفات اللاتي لا ينصبن و لا يعرفن ما أنتم عليه» (2)،و نحوهما الموثّقان (3)و غيرهما (4).

و لا خلاف في مواردها بين الطائفة،و كذلك ما عداه على الأشهر الأظهر،بل عليه الإجماع عن التذكرة (5)،و صرّح بعدم الخلاف بعض الأجلّة (6)؛ و هو الحجّة فيه بعد ما تقدّم (7)،و عموم النصوص الآتية المصرّحة ب:أنّ بالإسلام تحلّ المناكحة.

ص:286


1- التهذيب 7:1268/304،الإستبصار 3:672/185،الوسائل 20:559 أبواب ما يحرم بالكفر ب 11 ح 10.
2- الكافي 5:7/349،التهذيب 7:1269/305،الإستبصار 3:673/185،الوسائل 20:556 أبواب ما يحرم بالكفر ب 11 ح 3؛ بتفاوت في السند.
3- أحدهما في:الكافي 5:/349 9،الفقيه 3:/258 1227،الوسائل 20:557 أبواب ما يحرم بالكفر ب 11 ح 7،8.الآخر في:الكافي 5:/350 12،الوسائل 20:557 أبواب ما يحرم بالكفر ب 11 ح 9.
4- انظر الوسائل 20:554 أبواب ما يحرم بالكفر ب 11.
5- التذكرة 2:605.
6- كصاحب الحدائق 24:52.
7- من الإشعارات.منه رحمه اللّه.

خلافاً لسلّار،فمنع عمّا عدا البله و المستضعفات (1)،بل ظاهره الإجماع عليه.و لا ريب في ضعفه جدّاً.

و بهذه الأدلّة يقيّد ما أطلق فيه عليهم الكفر.

و الأظهر عند المصنّف تبعاً للمفيد و ابن سعيد (2)أنّه لا يشترط الإيمان في الزوج أيضاً لكنّه يستحبّ مطلقاً و يتأكّد الاستحباب في المؤمنة أمّا الاستحباب فلشبهة أدلّة المنع؛ و أمّا الجواز فللأصل،و العمومات،و خصوص النصوص المستفيضة:

منها الصحيح:عن جمهور الناس،فقال:«هم اليوم أهل هدنة،تُردّ ضالّتهم،و تؤدّى أماناتهم،و تُحقَن دماؤهم،و تجوز مناكحتهم و موارثتهم» (3).

و منها الحسن:«الإسلام:ما عليه المناكح و المواريث و حقن الدماء» (4).

و الخبران،في أحدهما:«الإسلام:شهادة أن لا إله إلّا اللّه،و التصديق برسول اللّه صلى الله عليه و آله،و به حقنت الدماء،و عليه جرت المناكحة و المواريث، و على ظاهره عامّة الناس» (5)و نحوه الثاني (6).

و ليس فيها كما ترى مع قصور أسانيد أكثرها صريحٌ بجواز تزويج المؤمنة بالمخالف،و غايتها العموم القابل للتخصيص بالعكس؛ لتصريح

ص:287


1- انظر المراسم:148.
2- المفيد في المقنعة:512،ابن سعيد في الجامع للشرائع:439.
3- الفقيه 3:1448/302،الوسائل 20:561 أبواب ما يحرم بالكفر ب 12 ح 1.
4- الكافي 2:3/26.
5- الكافي 2:1/25.
6- الكافي 2:5/26.

الأخبار المتقدّمة بالمنع من الأول،فتعارض الأخبار تعارض العموم و الخصوص،و اللازم حمل الأول على الثاني.

نعم،في الصحيح:بِمَ يكون الرجل مسلماً تحلّ مناكحته و موارثته؟ و بِمَ يحرم دمه؟فقال:«يحرم دمه بالإسلام إذا أظهر،و تحلّ مناكحته و موارثته» (1).

و هو غير قابل للتخصيص من هذا الوجه،إلّا أنّ«الإسلام» فيه و في الحسن السابق يحتمل المعنى الأخصّ،المرادف للإيمان بالمعنى المصطلح.

و يحتملان كباقي الروايات الضرورة من تقيّة و غيره،كما أشعر بها الصحيح السابق.

أو أنّ المراد ب:«جواز مناكحتهم» مناكحة بعضهم في بعض.

و مع جريان هذه الاحتمالات فيها،كيف يمكن صرف ظواهر المستفيضة المتقدّمة،المعتضدة بالشهرة العظيمة،و الإجماعات المنقولة، و قوّة الدلالة من وجوه عديدة،الناشئ بعضها عن التعليلات الواردة فيها، الموافقة للاعتبارات العقليّة؟! و حيث إنّ المصنّف اكتفى بالإسلام،الذي هو الإقرار بالشهادتين، و ربما كان يتوهّم شموله لمطلق من صدر عنه الإقرار بهما،أراد إخراج من أجمع على كفره و إن صدر عنه ذلك،فقال: نعم،لا يصحّ نكاح الناصب و لا الناصبة لعداوة أهل البيت عليهم السلام لكفرهم إجماعاً؛ لإنكارهم الضروريّ من الدين،فيشملهما عموم أدلّة المنع من مناكحة الكفّار.

ص:288


1- التهذيب 7:1265/303،الإستبصار 3:669/184،الوسائل 20:554 أبواب ما يحرم بالكفر ب 10 ح 17.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،كالصحيح:«لا يتزوّج المؤمن الناصبة المعروفة بذلك» (1)و نحوه الصحيح في منع المؤمنة عن التزويج بالناصب (2).

و لا يشترط تمكّن الزوج من النفقة

و لا يشترط في صحّة النكاح تمكّن الزوج من المهر بالفعل بإجماعنا حكاه جماعة من أصحابنا (3)و كذا من النفقة فعلاً أو قوّةً على الأشهر الأظهر،و إليه ذهب الفاضلان و الشهيدان و ابن حمزة و ابن البرّاج و الإسكافي و الفاضل الصيمري و الهندي (4)،و كافّة المتأخّرين.

للأصل،و عموم الكتاب و السنّة،و خصوص الآية الكريمة إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ [1] (5).و النصوص المستفيضة الآمرة لذوي الحاجة بالمناكحة:

منها الصحيح:«جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه و آله،فشكا إليه الحاجة،فقال:

تزوّج،فتزوّج فوُسِّع عليه» (6).

و عُلِّل في بعضها بأنّ:«الرزق مع النساء و العيال» (7).

ص:289


1- الكافي 5:3/348،التهذيب 7:1260/302،الإستبصار 3:664/183،الوسائل 20:549 أبواب ما يحرم بالكفر ب 10 ح 1.
2- التهذيب 7:1261/302،الإستبصار 3:665/183،الوسائل 20:550 أبواب ما يحرم بالكفر ب 10 ح 3.
3- منهم العلّامة في المختلف:576،و الشهيد الثاني في المسالك 1:497،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:254.
4- العلّامة في المختلف:576،المحقق في الشرائع 2:299،الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 5:237،ابن حمزة في الوسيلة:290،ابن البراج في المهذّب 2:179،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:576،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:20.
5- النور:32.
6- الكافي 5:2/330،الوسائل 20:43 أبواب مقدمات النكاح ب 11 ح 1.
7- الكافي 5:4/330،الوسائل 20:44 أبواب مقدمات النكاح ب 11 ح 4.

و في الخبرين:«من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء باللّه الظنّ» (1).

و في المرسل:في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً [1] (2)قال:«يتزوّجوا حتى يغنيهم اللّه من فضله» (3).

مضافاً إلى عموم أكثر الأخبار المتقدّمة،المكتفية بالإيمان خاصّة في الكفاءة،مع ورود بعضها في بيانها.

و الأخبار الآمرة بالتزويج بالفقراء و ذوي المسكنة:

منها الصحيح الطويل،المتضمّن لأمر النبيّ صلى الله عليه و آله زيادَ بن لبيد تزويج ابنته الذَّلفاء (4)من جويبر،و كان رجلاً قصيراً،دميماً، محتاجاً،عارياً،و كان من قباح السودان،فضمّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله لحال غربته و عُريه،و كان يجري عليه طعامه صاعاً من تمر بالصاع الأول،و كساه شَمْلَتين (5)(6).و منها الرضوي:«إن خطب إليك رجل رضيت دينه و خلقه فزوّجه و لا يمنعك فقره و فاقته،قال اللّه تعالى وَ إِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِنْ [2]

ص:290


1- أحدهما في:الكافي 5:1/330،الفقيه 3:1153/243،الوسائل 20:42 أبواب مقدمات النكاح ب 10 ح 1. و الآخر في:الكافي 5:5/330،الفقيه 3:1153/243،الوسائل 20:42 أبواب مقدمات النكاح ب 10 ح 2.
2- النور:33.
3- الكافي 5:7/331،الوسائل 20:43 أبواب مقدمات النكاح ب 11 ح 2.
4- الذَّلفُ بالتحريك:صِغر الأنف و استواء الأرنبة الصحاح 4:1362.
5- الشَّمْلَةُ:كساءٌ صغير يؤتزر به المصباح المنير:323.
6- الكافي 5:1/339،الوسائل 20:67 أبواب مقدمات النكاح ب 25 ح 1.

سَعَتِهِ [1] (1)و قال إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ [2] » (2).و يؤيّده ما في المعتبرة الآتية من تعليل تزويج النبيّ صلى الله عليه و آله ابنة عمّه من مقداد بن الأسود باتّضاع النكاح (3)،فافهم.

و استلزام التزامه العسر و الحرج المنفيّين بالإجماع و الكتاب و السنّة، مضافاً إلى الإجماع المحكيّ في كلام جماعة (4)على الصحّة مع علم المرأة المنافي لذلك (5).

خلافاً للمقنعة و المبسوط و الخلاف و ابن زهرة و التذكرة (6)،و ظاهره كالشيخ في الكتابين و سلّار (7)كونه الأشهر،بل ظاهر الشيخ و سلّار و الغنية الإجماع عليه.

للمرسل:«الكفو:أن يكون عفيفاً و عنده يسار» (8).

و للخبر:إنّ معاوية خطب فاطمة بنت قيس،فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله:«إنّه صُعلوك (9)لا مال له» (10).

ص:291


1- النساء:130.
2- فقه الرضا عليه السلام:237،المستدرك 14:188 أبواب مقدّمات النكاح ب 24 ح 3.
3- انظر الوسائل 20:69 71 أبواب مقدّمات النكاح ب 26 الأحاديث 1،2،5.
4- منهم العلّامة في المختلف:576،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:20.
5- أي الاشتراط المطلق.منه رحمة اللّه.
6- المقنعة:512،المبسوط 4:178،الخلاف 4:271،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):611،التذكرة 2:604.
7- سلّار في المراسم:154.
8- الكافي 5:1/347،الفقيه 3:1186/249،الوسائل 20:78 أبواب مقدمات النكاح ب 28 ح 4.
9- الصعلوك:الفقير الذي لا مال له.مجمع البحرين 5:279.
10- صحيح مسلم 2:36/1114،سنن البيهقي 7:135؛ بتفاوت.

و لأنّ الإعسار مضرّ بها جدّاً.

و لعدّه نقصاً عرفاً؛ لتفاضل الناس في اليسار تفاضلهم في النسب.

و لأنّ بالنفقة قوام النكاح و دوام الازدواج.

و في الجميع نظر؛ لقصور الخبرين سنداً:بالإرسال في الأول، و العاميّة في الثاني؛ و دلالةً:باشتمال الأول على المستحبّ إجماعاً،و الثاني بعدم التصريح بالاشتراط.

و ضعف الوجوه الاعتباريّة،مع أخصّية الأُولى عن المدّعى الشامل لصورة الرضاء،و عدم الدليل على الكلّية (1)في الثاني.

و مع ذلك،فهي اجتهادات صرفة في مقابلة ما قدّمناه من الأدلّة القويّة،بل القطعيّة.

و دعوى الشهرة كالإجماع مع عدم الصراحة في الثاني (2)معارضةٌ بمثلهما.

و على المختار،فهل للجاهلة بالفقر المعقود عليها الخيار بعد العلم؟ وجهان،من لزوم التضرّر ببقائها معه كذلك المنفي آيةً و روايةً.

و من أنّ النكاح عقد لازم،و الأصل البقاء؛ و لقوله تعالى وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ [1] (3)و هو عامّ،و الضرر يندفع بالإجبار على الطلاق.و هو الأجود،وفاقاً لجماعة،منهم:شيخنا في الروضة (4)،بل قيل:إنّه الأشهر (5).

ص:292


1- و هو أنّ كلّ ما يعدّ نقصاً عرفاً مانعٌ من التزويج.منه رحمه اللّه.
2- أي الدعوى الثانية.منه رحمه اللّه.
3- البقرة:280.
4- الروضة 5:238،كشف اللثام 2:20،الكفاية:168.
5- كما قال به الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:254.

خلافاً للحلّي و ابن سعيد و العلّامة في المختلف (1)؛ و ربما نزّل عليه القول بالاشتراط المطلق،و ظاهر جماعة الإجماع على أنّه المراد منه، كالعلّامة في المختلف و التذكرة و الشيخ المفلح الصيمري في شرح الشرائع (2).

فيقوى المصير إلى الاشتراط حينئذ؛ لما تقدّم من الشهرة المحكيّة في التذكرة،و الإجماعات في كتابي الشيخ و كلام سلّار و ابن زهرة،بعد التنزيل المزبور.

إلّا أنّ اشتهار إطلاق العدم بين المتأخّرين مضافاً إلى دعوى الشهرة على عدم الاشتراط بهذا المعنى أيضاً بخصوصه ربما أوهن الإجماعات المنقولة عليه كالشهرة المحكيّة في التذكرة.

مضافاً إلى وهن آخر فيهما،من حيث عدم إرادة ظاهرهما،بل ظاهر جماعة بقاؤهما على ظاهرهما،و إرادة الاشتراط المطلق منهما (3)؛ و لذا عُدَّ قولاً في المسألة في مقابلة الاشتراط بالمعنى المنزّل عليه،فلا اعتماد حينئذٍ عليهما جدّاً،و دليله معارَض بأقوى منه كما عرفت.

و لا تتخيّر الزوجة لو تجدّد العجز من الزوج عن الإنفاق عليها في فسخ العقد إن دخلت عليه و هو معسر،إجماعاً؛ لإدخالها الضرر على نفسها.

ص:293


1- الحلّي في السرائر 2:557،ابن سعيد في الجامع للشرائع:439،المختلف:576.
2- المختلف:576،التذكرة 2:604.
3- راجع ص 289.

و كذا لو تزوّجت به و هو غني،على الأشهر الأظهر؛ تمسّكاً بالأصل، و ظاهر الخبر:«إنّ امرأة استعدت على زوجها أنّه لا ينفق عليها،و كان زوجها معسراً،فأبى أمير المؤمنين عليه السلام أن يحبسه،و قال:إنّ مع العسر يسرا» (1)و لو كان لها الفسخ لفرّقها به.

و احتمال اختصاصه برضائها بالإعسار ثم الاستعداء مدفوعٌ بالأصل، و ظاهر العموم الناشئ عن ترك الاستفصال،المؤيّد بعموم التعليل فيه.

و ضعف السند بالشهرة مجبور.

خلافاً للإسكافي،فخيّرها (2)؛ لقوله سبحانه فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [1] (3)و الإمساك بدون النفقة إمساكٌ بغير معروف.و فيه منع، و لو سلّم لم يثبت التسلّط على الفسخ.

و للضرورة.و تندفع بالإجبار بالطلاق،مع أعمّيتها من المدّعى؛ لاشتمالها صورة الليّ عن الإنفاق مع الغناء،و لا قائل بالفسخ هنا.

و للصحيحين،في أحدهما:«من كانت عنده امرأة،فلم يكسها ما يواري عورتها و يطعمها ما يقيم صلبها،كان حقّا على الإمام أن يفرّق بينهما» (4).

و في الثاني:«إن أنفق عليها ما يقيم على ظهرها مع كسوة،و إلّا فرّق بينهما» (5).

ص:294


1- التهذيب 6:837/299،الوسائل 18:418 أبواب كتاب الحجر ب 7 ح 2.
2- كما نقله عنه في المختلف:582.
3- البقرة:229.
4- الفقيه 3:1330/279،الوسائل 21:509 أبواب النفقات ب 1 ح 2.
5- الفقيه 3:1331/279،التهذيب 7:1853/462،الوسائل 21:509 أبواب النفقات ب 1 ح 1؛ بتفاوت يسير.

و ليس فيهما الدلالة على تسلّطها على الفسخ بخصوصه قبل التفريق، بل ظاهرهما العدم،و توقّف التفريق على مفرّق دونها (1)،إمّا الحاكم كما في الأول أو مطلقاً كما في الثاني و لا يقول به؛ مع احتمال التفريق فيهما للطلاق،أو حبس الزوجة عنه إلى الإنفاق.

و يؤيّد الأول صحيحة ابن أبي عمير و جميل،اللذين حكي إجماع العصابة على تصحيح رواياتهما (2)،و فيها:روى عنبسة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:«إذا كساها ما يواري عورتها و يطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه،و إلّا طلّقها» (3).

و ربما حكي القول باختيار الفسخ للحاكم عن بعض (4)،و صار إليه بعض (5)؛ عملاً بظاهر الأول،و حملاً للثاني عليه؛ لصحّة السند.

و لكنّهما قاصران عن المكافأة لما مرّ؛ للشهرة،و الاعتضاد بالأصل و الآية؛ و مع ذلك فلا قائل بعمومهما الشامل لتجدّد الإعسار مع الرضاء به و عدمه،و لعدم التجدّد العام لصورتي سبق الفقر و الغناء و الرضاء بالفقر إن كان و عدم الرضاء،و ليس محلّ النزاع إلّا الثاني (6)،و أمّا البواقي فلا قائل بثبوت الفسخ لها أو للحاكم.

و ارتكاب التخصيص إلى أن يبقى المتنازع فيه مبنيٌّ على جوازه إلى

ص:295


1- أي الزوجة.منه رحمه اللّه.
2- انظر رجال الكشي 2:830.
3- الكافي 5:8/512،التهذيب 6:816/294،الإستبصار 3:146/44،الوسائل 21:510 أبواب النفقات ب 1 ح 4.
4- راجع إيضاح الفوائد 3:24.
5- كشف اللثام 2:20.
6- أي تجدّد الإعسار مع عدم الرضاء به.

هذا الحدّ،و هو قول مرغوب عنه،خلاف التحقيق.

و ظاهر إطلاق العبارة كغيرها انفرد المسألة عن سابقتها،و ربما بُني الخلاف فيها على المختار ثمّة،و ادّعي عدم الخلاف فيها و الاتّفاق على الخيار لها على غيره،فإن كان إجماع و إلّا فلا تلازم؛ لاحتمال الشرطيّة للابتداء دون الاستدامة،كسائر العيوب الموجبة للفسخ ابتداءً،و الساقط حكمها مع التجدّد،كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

يجوز نكاح الحرّة بالعبد،و الهاشميّة بغير الهاشمي،و العربية بالعجميّ،و بالعكس

و يجوز نكاح الحرّة بالعبد،و الهاشميّة بغير الهاشمي،و العربية بالعجميّ،و بالعكس اتّفاقاً،إلّا من الإسكافي،فاعتبر فيمن يحرم عليهم الصدقة ألّا يتزوّج فيهم إلّا منهم (1)؛ لرواية (2)قاصرة السند،ضعيفة الدلالة، بل هي على خلافه واضحة المقالة،و مع ذلك معارضة للنصوص الكثيرة العامّة و الخاصّة.

ففي الصحيح:«إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله زوّج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير بن عبد المطّلب» ثم قال:«إنّما زوّجها المقداد لتّتضع المناكح، و ليتأسّوا برسول اللّه صلى الله عليه و آله،و ليعلموا أنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم،و كان الزبير أخا عبد اللّه و أبي طالب لأبيهما و أُمّهما» (3).

و إذا خطب المؤمن القادر على النفقة وجب على من بيده عقدة

ص:296


1- حكاه عنه في التنقيح الرائع 3:109،المختلف:576.
2- الكافي 5:5/345،و أورد صدرها في الوسائل 20:70 أبواب مقدمات النكاح ب 26 ح 3.
3- الكافي 5:2/344،الوسائل 20:70 أبواب مقدمات النكاح ب 26 ح 2،و لكنه مرسل،لأنّه مروي عن هشام بن سالم،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،و لعلّ المراد ما ذكره في نهاية المرام 1:206 من أنه رواه الكليني في الصحيح،عن هشام ابن سالم،عن رجل..أي أنّه صحيح في نفسه مع قطع النظر عن الإرسال.

النكاح إجابته و إن كان أخفض نسباً،و إن منعه الوليّ كان عاصياً في ظاهر الأصحاب.

عملاً بظاهر الأمر بالتزويج ممّن ارتُضي دينه و خلقه في النصوص، كالصحيح:«إذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوّجوه، إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسادٌ كَبِيرٌ» [1] (1).

و هو أعمّ من المدّعى؛ إذ ليس فيه التقييد بالقدرة على النفقة.و لعلّ المستند فيه ما قيل من أنّ الصبر على الفقر ضرر عظيم في الجملة،فينبغي جبره بعدم وجوب إجابته (2).

و هو حسن لولا المعارضة بالفتنة و الفساد الكبير المترتّب على ترك مطلق التزويج،كما أفصح عنه التعليل في الخبر.

نعم،روى الحلّي في سرائره أنّه:«إذا خطب المؤمن إلى غيره بنته، و كان عنده يسار بقدر نفقتها،و كان ممّن ترضى فعاله و أمانته،و لا يكون مرتكباً لشيء يدخل[به]في جملة الفسّاق،و إن كان حقيراً في نسبه،قليلاً في ماله،فلا يزوّجه إيّاها،كان عاصياً للّه سبحانه،مخالفاً لسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله» (3).

و إرساله غير قادح،بعد انجباره بموافقة الفتاوي له،و يقيَّد به ما تقدّمه،و به يتقوى دلالة الأمر على الوجوب في النصوص المتقدّمة،مع اعتضاده بالتعليل المصرّح به فيها،و بفتوى الأصحاب الذين على فهمهم

ص:297


1- الكافي 5:3/347،التهذيب 7:1584/396،الوسائل 20:77 أبواب مقدمات النكاح ب 28 ح 2.
2- قال به الشهيد الثاني في الروضة 5:239.
3- السرائر 2:558،ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

المدار في جميع الأبواب.

فلا وجه لتأمّل بعض من تأخّر في أصل الحكم،و لا لتقييده و حصر المعصية بالترك تبعاً للحلّي (1)فيما إذا لم يزوّجه لما هو عليه من الفقر، و الأنفة منه لذلك،و اعتقاده أنّ ذلك ليس بكفء في الشرع.و أمّا إن ردّه و لم يزوّجه لا لذلك،بل لأمر آخر أو غرض غير ذلك من مصالح دنياه، فلا حرج عليه،و لا يكون عاصياً (2).

و إن هو إلّا تقييد للنصّ من غير دليل،كتقييد بعض الأصحاب ذلك بعدم قصد العدول إلى الأعلى مع وجوده بالفعل أو القوّة (3).

نعم،إنّما يكون عاصياً مع الامتناع إذا لم يكن هناك طالب آخر مكافئ و إن كان أدون منه،و إلّا جاز العدول إليه،و كان وجوب الإجابة حينئذٍ تخييريّاً.

و يدخل فيمن بيده عقدة النكاح كما قدّمناه المخطوبة الثيّبة،أو البكر البالغة الرشيدة على المختار،أو التي ليس لها أب،فيجب عليها الإجابة على الأصحّ،و إن اختصّ الأخبار بالوليّ،تبعاً للتعليل العامّ الشامل للمقام.فلا وجه للتردّد و احتمال اختصاص الحكم بالأب.

و هل يعتبر في وجوب الإجابة بلوغ المرأة،أم يجب الإجابة على الولي و إن كانت صغيرة؟وجهان،من إطلاق الأمر؛ و انتفاء الحاجة،و هو الأصحّ؛ للأصل،و عدم تبادر المقام من إطلاق النصوص.و التعليل مع ذلك غير معلوم الشمول.

ص:298


1- السرائر 2:558.
2- المختلف:576.
3- كالشهيد الثاني في المسالك 1:498.
يكره أن تتزوّج المؤمنة الفاسق و تتأكّد في شارب الخمر

و يكره أن تتزوّج المؤمنة الفاسق مطلقاً؛ لأنّ المرأة تأخذ من أدب زوجها،و مفهوم النصوص المتقدّمة:تزويج من ارتُضي خلقه و دينه (1)،فتأمّل.

بل ربما قيل بالمنع (2)؛ لظاهر أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ [1] (3).و فيه نظر.

و تتأكّد الكراهة في تزويج شارب الخمر للنصوص، منها:«من زوّج كريمته من شارب الخمر فقد قطع رحمها» (4).

و لا خلاف في شيء من ذلك.

و أن تتزوّج المؤمنة بالمخالف عند المصنّف،و يحرم كما مرّ.

و لا بأس بالمستضعف و المستضعفة و من لا يُعرَف بعناد على كراهة غير مؤكّدة و بالغة حدّ تلك الكراهة.

كلّ ذلك للنصوص المتقدّمة في اعتبار الإيمان في الكفاءة (5).

الثانية:إذا انتسب إلى قبيلة،فبان من غيرها ينفسخ النكاح

الثانية:إذا انتسب الزوج إلى قبيلة،فبان من غيرها ف هل العقد باطل من أصله مطلقاً،كما عن الإسكافي و الطوسي في النهاية و ابن حمزة (6)؟أم لا كذلك،كما عن المبسوط و الأكثر (7)؟أم الأول إذا بان أدنى

ص:299


1- راجع ص 295.
2- كما قاله به البحراني في الحدائق 24:83.
3- السجدة:18.
4- الكافي 5:1/347،التهذيب 7:1590/398،الوسائل 20:79 أبواب مقدّمات النكاح ب 29 ح 1.
5- راجع ص 281.
6- حكاه عن الإسكافي في التنقيح الرائع 3:111،و المختلف:555،النهاية:489،ابن حمزة في الوسيلة:311.
7- المبسوط 4:188؛ و انظر القواعد 2:7،و المسالك 1:498.

من القبيلة التي انتسب إليها بحيث لا يلائم شرفها شرفه؟أقوال.

و ما في رواية الحلبي الصحيحة-:في رجل يتزوّج المرأة،فيقول لها:أنا من بني فلان،فلا يكون كذلك من أنّه ينفسخ النكاح (1) كما حكاه المصنّف و في نسخ التهذيب:«تفسخ» أو:«تردّ» يساعد الأول.

لكن الأصل،و العمومات الآمرة بالوفاء،و خصوص العمومات المستفادة من مفاهيم الأخبار الحاصرة لردّ النكاح فيما عدا المقام كالصحيح:

«إنّما يردّ النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العَفَل» (2)يساعد الثاني.

مضافاً الى الشهرة المحكيّة (3)،و فحوى الأخبار المتقدّمة الآمرة بالتزويج من المرضيّ خلقه و دينه (4)،الموجبة له،الشاملة لما لو كان من أدنى القبائل،فإذا وجب التزويج منه مع عدم الدخول تحت شيء من العمومات الآمرة بالوفاء،وجب معه بطريق أولى.

فلا يعارض الروايةُ شيئاً من ذلك،مع كونها مقطوعة،و نُسخها مختلفة،أشهرها لا يلائم القول بإطلاق البطلان؛ لظهوره في ثبوت الخيار، لا البطلان المطلق كما ادّعاه هؤلاء الأخيار.

و مع ذلك،محتملة للتقيّة،كما يظهر من المبسوط،حيث نسب القول بذلك إلى بعض العامّة،و يؤيّده مصير الإسكافي إليه.

و يضعّفها رجوع من هو العمدة في المصير إليها و هو الشيخ في

ص:300


1- التهذيب 7:1724/432،الوسائل 21:235 أبواب العيوب و التدليس ب 16 ح 1.
2- التهذيب 7:1693/424،الإستبصار 3:880/246،الوسائل 21:210 أبواب العيوب و التدليس ب 1 ح 10.
3- كما في الحدائق 24:88.
4- راجع ص 295.

النهاية عنها في المبسوط فينبغي طرحها،أو حملها على صورة اشتراط ذلك في ضمن العقد؛ إذ لا ريب في ثبوت الفسخ حينئذ؛ بناءً على استلزام انتفاء الشرط انتفاء المشروط،و قد صرّح بذلك جماعة (1)،و حكي عن فخر المحقّقين (2).

و هذا أجود من حملها على ظهوره من أدنى القبائل التي انتمى إليها؛ لعدم الدليل عليه،بل قيام الدليل على خلافه،و لا يترك الاحتياط على حال.

و على القول بالرواية،ينبغي الاقتصار عليها،فلا يتعدّى إلى الزوج إذا انتسبت الزوجة إلى قبيلة ليست منها،و لا إلى الانتساب إلى الصنعة و غيرها ممّا خرج عن مورد الرواية؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن،و التفاتاً إلى بطلان القياس.

خلافاً للإسكافي (3)؛ و لعلّه بناءً على أصله من حجّيته،إلّا أنّه محكيّ عن ابن حمزة (4)،و مستنده غير واضح.

الثالثة إذا تزوّج امرأة،ثم علم أنها كانت زنت فليس له الفسخ،و لا الرجوع بالمهر

الثالثة:إذا تزوّج امرأة،ثم علم أنها كانت زنت قبل العقد فليس له الفسخ،و لا الرجوع على الوليّ بالمهر اختاره المتأخّرون،كما في المسالك (5)؛ للأصل فيهما،و النصوص الحاصرة عيوب الردّ فيما عدا الزناء

ص:301


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:498،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:21.
2- إيضاح الفوائد 3:192.
3- على ما حكاه عنه في المختلف:555.
4- حكاه عنه في المختلف:555،و هو في الوسيلة:311.
5- المسالك 1:527.

كالصحيح:«إنّما يردّ النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العَفَل» (1).

و خصوص المعتبر:عن المحدود و المحدودة،هل يردّ من النكاح؟ قال:

«لا» (2).و ليس في سنده سوى سهل الثقة عند جمع (3)،و ضعفه سهل عند الآخرين (4)،و معتضد بالشهرة،مع أنّه مرويّ صحيحاً عن كتاب الحسين بن سعيد (5).

خلافاً للمقنع في الأوّل (6)،فأوجب الفسخ و نفى الصداق (7).

للخبرين،أحدهما الموثّق:عن رجل تزوّج امرأة،فلم يدخل بها، فزنت،قال:«يفرّق،و تحدّ الحدّ» (8).

و ليس في سند الآخر سوى السكوني،و هو ثقة عند بعض (9)،قال

ص:302


1- المتقدم في ص 298.
2- الكافي 5:9/407،التهذيب 7:1697/424،الإستبصار 3:878/245،الوسائل 21:217 أبواب العيوب و التدليس ب 5 ح 2.
3- رجال الطوسي:416،الوسائل 30:389.
4- رجال النجاشي:490/185،الفهرست:329/80،رجال ابن داود:229/249،رجال المجلسي:224.
5- البحار 100:22/365.
6- و هو عدم ثبوت الخيار.منه رحمه اللّه.
7- المقنع:109.
8- الفقيه 3:1254/263،التهذيب 7:1969/490،الوسائل 21:218 أبواب العيوب و التدليس ب 6 ح 2؛ و فيها:«..قال:يفرّق بينهما و تحدّ الحد و لا صداق لها».
9- انظر عدة الأُصول:380.

«يفرّق بينهما،و لا صداق لها؛ لأنّ الحدث كان من قبلها» (1).

و لكنّهما لا تقاومان ما مرّ سنداً،و عدداً،و اعتباراً،و اعتضاداً بالأصل و الشهرة،مع قصورهما عن المدّعى.إلّا أن يستدلّ بهما عليه بالفحوى، مع أنّ ظاهر الثاني التقييد بقبل الدخول،الظاهر في اللزوم بعده،و عبارته المنقولة في ثبوت الفسخ مطلقة،و مع ذلك ظاهرهما لزوم التفريق المنافي لما مرّ من النصوص المعتبرة بجواز إمساك الزوجة المصرّة بالزناء (2).

و وافقه المفيد (3)و جماعة (4)في المحدودة خاصّة.

و تردّه صريحاً المعتبرة المتقدّمة،مع عدم الدليل عليه بالمرّة،سوى ما قيل من اشتماله على العار فكان موجباً للفسخ (5).و هو مع جريانه في غير المحدودة مطلقاً،أو في الجملة،كما إذا كانت بالزناء مشهورة مضعّفٌ بارتفاع العار بالطلاق.

و للشيخ و الحلّي في الثاني (6)،فجوّزا الرجوع بالمهر على الولي مطلقاً (7)،كما عن ظاهر الأول،و يستفاد من الخبر القاصر السند بالاشتراك، الذي أشار إليه المصنّف بقوله: و في رواية:«لها الصداق بما استحلّ من

ص:303


1- الكافي 5:45/566،الفقيه 3:1253/263،التهذيب 7:1968/490،علل الشرائع:1/502،الوسائل 21:218 أبواب العيوب و التدليس ب 6 ح 3.
2- راجع ص 189 190.
3- المقنعة:504.
4- منهم المحقق في الشرائع 2:292،و العلّامة في القواعد 2:15،و الشهيد الثاني في الروضة 5:202.
5- قال به صاحب الحدائق 24:367.
6- و هو عدم الرجوع بالمهر على الولي.منه رحمه اللّه.
7- الشيخ في النهاية:486،الحلّي في السرائر 2:613.

فرجها» و يرجع به على الوليّ«و إن شاء تركها» (1) نعم رواها الكليني (2)و حسين بن سعيد في كتابه (3)صحيحاً.

إلّا أنّه ينبغي تقييده وفاقاً للثاني بعلم الولي بالزناء؛ للصحيح:عن المرأة تلد من الزناء،و لا يعلم بذلك أحد إلّا وليّها،أ يصحّ له أن يزوّجها و يسكت على ذلك إذا كان قد رأى منها توبةً و معروفاً؟فقال:«إن لم يذكر ذلك لزوجها،ثم علم بذلك،فشاء أن يأخذ صداقها من وليّها بما دلّس عليه،كان له ذلك على وليّها،و كان الصداق الذي أخذت لها،لا سبيل له عليها فيه بما استحلّ من فرجها،و إن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس» (4).

و التقييد مستفاد من تعليق الحكم فيه على التدليس،المشعر بالتعليل.

مضافاً إلى إطلاق الصحيح النافي للضمان عن الولي مع جهله بالعيب-:في رجل ولّته امرأة أمرها،أو ذات قرابة،أو جارة له،لا يعرف دخيلة أمرها،فوجدها قد دلّست عيباً هو بها،قال:«يؤخذ المهر منها، و لا يكون على الذي زوّجها شيء» (5).

و في المعتبر:«في امرأة زوّجها وليّها و هي برصاء،أنّ لها المهر بما استحلّ من فرجها،و أنّ المهر على الذي زوّجها؛ و إنّما صار المهر عليه لأنّه دلّسها،و لو أنّ رجلاً تزوّج امرأة،و زوّجها رجل لا يعرف دخيلة أمرها،

ص:304


1- التهذيب 7:1698/425،الوسائل 21:219 أبواب العيوب و التدليس 6 ح 4.
2- الكافي 5:4/355.
3- البحار 100:23/365.
4- الكافي 5:15/408،الوسائل 21:217 أبواب العيوب و التدليس ب 6 ح 1؛ بتفاوت يسير.
5- الكافي 5:10/407،الفقيه 3:171/50،الوسائل 21:212 أبواب العيوب و التدليس ب 2 ح 4.

لم يكن عليه شيء،و كان المهر يأخذه منها» (1).

و يستفاد منهما الرجوع إليها مع جهل الولي،و هو حسن؛ لصحّة الأول،و اعتبار الثاني؛ إذ ليس فيه إلّا سهل،إلّا أنّه ينبغي التقييد بما قبل الدخول؛ لئلّا يخلو البضع المحترم عن العوض.

و لا بأس بالمصير إلى هذه الأخبار،وفاقاً لجماعة من المتأخّرين (2)؛ لوضوح سندها،و اعتضادها بعموم ما دلّ على الرجوع إلى الولي مع علمه بالعيب.

و لكن الكبرى استشكله شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد تبعاً للعلّامة في المختلف (3)بأنّ التضمين إنّما هو باعتبار تدليس العيب على الزوج،فإذا كان عيباً كان له الفسخ،و إن لم يكن فلا.

و كلّية الكبرى ممنوعة،و صريح الشيخ في التهذيبين عدم استلزام أخذ الصداق من الولي جواز الردّ (4).

فالقول بعدم الفسخ و ثبوت الرجوع بالمهر على المدلِّس متعيّن.

الرابعة لا يجوز التعريض بالخِطبة

الرابعة:لا يجوز التعريض بالخِطبة بالكسر،و هو الإتيان بلفظ يحتمل الرغبة في النكاح و غيرها مع ظهور إرادتها،ك:ربّ راغب فيكِ و حريص عليكِ؛ أو:أنّي راغب فيكِ؛ أو:أنت عليّ كريمة،أو عزيزة؛

ص:305


1- الكافي 5:9/407،التهذيب 7:1697/424،الاستبصار 3:878/245،مستطرفات السرائر:53/36،الوسائل 21:212 أبواب العيوب و التدليس ب 2 ح 2؛ بتفاوت يسير.
2- منهم البحراني في الحدائق 24:375.
3- المختلف:553.
4- الاستبصار 3:246،التهذيب 7:425.

أو:إنّ اللّه تعالى لسائقٌ إليك خيراً،أو رزقاً؛ أو نحو ذلك لذات البعل؛ إجماعاً كما في الروضة (1)،و لما فيه من الفساد.

و لذات العدّة الرجعيّة إجماعاً في الظاهر؛ لأنّها في حكم الزّوجة.

إلّا من الزوج خاصّة،فيجوز له التعريض كالتصريح.

و يجوز التعريض له و لغيره في عدّةٍ غيرها كالعدّة البائنة.

مطلقاً في الأخير،حرمت مؤبّداً على الزوج أم لا،على الأشهر الأظهر؛ لما يأتي (2).

خلافاً للمحكيّ عن الشيخ من التردّد في نحو المختلعة (3)،من ذلك (4)،و من أنّها بعدُ في قيد عصمة الزوجيّة؛ لجواز رجوع الزوج و لو في الجملة.

و هو حسن لو قام دليل على الكلّية في دليل المنع،و هو مفقود، و توهّم الإجماع ممنوع.

و مقيّداً بعدم التحريم عليه مؤبّداً في الأول إجماعاً،فلا يجوز له التعريض فيه.

و يجوز كالتصريح في غيره إجماعاً،فيما إذا حلّت له بعد العدّة من دون احتياج إلى محلِّل،و إن توقّف الحلّ على الرجوع في البذل.

و على الأظهر الأشهر فيما لو احتاج الحلّ إلى المحلِّل أيضاً،و لكن في التعريض خاصّة؛ للأصل،و فقد المانع الذي هو الإجماع مع عموم

ص:306


1- الروضة 5:239.
2- من الأصل و إطلاق دليل الجواز.منه رحمه الله.
3- المبسوط 4:217.
4- أي من الأصل و إطلاق دليل الجواز.

الأدلّة للجواز من الكتاب و السنّة.

قال اللّه سبحانه وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً [1] (1).و في المعتبرة المستفيضة:هو التعريض للخطبة (2)،فتأمّل.

خلافاً لبعض المتأخّرين،فحرّمه حينئذٍ (3)كالتصريح (4)؛ لامتناع نكاحه لها قبل المحلِّل.

و فيه منع؛ لعدم الدليل على التلازم الكلّي.

و يحرم التصريح بها و هو الإتيان بلفظ لا يحتمل إلّا النكاح،ك:

أُريد أن أتزوّجك بعد عدّتك،و نحوه- في الحالين أي في كلّ من العدّة الرجعيّة و البائنة بأنواعه مطلقاً في غير الزوج،و مقيّداً فيه بحصول الحرمة مطلقاً (5)أو في الجملة بالبينونة،فيحرم عليه التصريح بالخِطبة في هاتين الصورتين خاصّة،كالتعريض في الأُولى (6)منهما.و يجوز له فيما عداهما،كالرجعيّة و البائنة التي عنده على تطليقتين أو تطليقة.

و الضابط في جميع ما ذكر:أنّ التصريح بالخِطبة للمعتدّة حرام مطلقاً،إلّا من الزوج في العدّة التي يجوز له نكاحها بعدها،بحيث لا تكون محرّمة.

ص:307


1- البقرة:235.
2- الوسائل 20:497 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 37.
3- أي ما إذا توقف الحلّ على المحلِّل.منه رحمه اللّه.
4- كالشهيدين في اللمعة و الروضة البهية 5:239،240.
5- أي أبداً.منه رحمه اللّه.
6- و هو الحرمة مطلقاً،أي مؤبّداً.منه رحمه اللّه.

و التعريض جائز من كلّ من يجوز له تزويجها بعد العدّة،و من الزوج و إن لم يجز له تزويجها حينئذ ما لم تكن محرّمة عليه مؤبّداً.

و كلّ من حرمت عليه المرأة مؤبّداً تحرم عليه الخطبة لنفسه تصريحاً و تلويحاً.

و اعلم إنّ الإجابة تابعة للخِطبة حلّاً و حرمة،كذا قالوا؛ و لعلّه لما فيه من الإعانة على الإثم.و لو صرّح بها في محل المنع لم يحرم نكاحها إجماعاً في الظاهر؛ للأصل.

الخامسة إذا خطب فأجابته كره لغيره خطبتها

الخامسة:إذا خطب فأجابته هي أو وكيلها أو وليّها كره لغيره خطبتها إجماعاً؛ لما يأتي.و لقصوره عن إثبات التحريم حمل عليها و لذا لا يحرم على أصحّ القولين؛ للأصل.

خلافاً للشيخ و الشهيد في اللمعة،فيحرم (1)؛ للنبوي:«لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه» (2)فإنّ النهي ظاهر فيه.

و هو حسن لو صحّ السند،و ليس كذلك،و لا جابر،و مع ذلك لا قائل بعمومه أو إطلاقه.

و لما فيه من إيذاء المؤمن و إثارة الشحناء المحرَّم،فيحرم ما كان وسيلة إليه.

و هو أخصّ من المدّعى،و لا بأس بالتحريم حيث حصلا،وفاقاً لبعض متأخّري الأصحاب (3)،و النصّ صالح للحمل عليه.

ص:308


1- الشيخ في المبسوط 4:218،اللمعة(الروضة البهية 5):241.
2- سنن البيهقي 7:179.
3- كالشهيد الثاني في الروضة 5:241.

و لو رُدّ لم يحرم إجماعاً.

و لو انتفى الأمران (1)،فظاهر إطلاق النصّ التحريم أيضاً،لكن لم نقف على قائل به،و بالكراهة هنا صرّح بعض الأصحاب (2)،و لا بأس بها؛ للمسامحة من إطلاق الرواية،و إن كانت بحسب السند قاصرة.

هذا كلّه في الخاطب المسلم.

أمّا الذمّي إذا خطب الذميّة،لم تحرم خطبة المسلم لها قطعاً؛ للأصل، و عدم دخوله في النهي؛ بناءً على اختصاص مورده بخطبة الأخ المسلم.

و حيث يحرم،فلو خالف و خطب و عقد صحّ و إن فعل محرّماً؛ إذ لا منافاة بين حرمة الخطبة و صحّة العقد،و لو قلنا باقتضاء النهي الفساد في المعاملات.

السادسة نكاح الشِّغار باطل

السادسة:نكاح الشِّغار حرام و باطل بالنصّ و الإجماع و هو كما في النصّ: أن تتزوّج امرأتان برجلين،على أن يكون مهر كلّ واحدة نكاح الأُخرى (3) و هو بكسر الشين و الغين المعجمتين من الشغر،بمعنى:الرفع؛ لرفع المهر فيه،أو خلّوه عنه،أو كأنّه شرط أن لا يرفع رجل ابنته حتى يرفع هو رجل الأُخرى.

و لعلّ المنع فيه إمّا من جهة تعليق عقد[على عقد (4)]على وجه الدور،أو شرط عقد في عقد،أو تشريك البضع بين كونه مهراً للزوجة

ص:309


1- أي الإجابة و الرد.منه رحمه اللّه.
2- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:114،و السبزواري في الكفاية:169،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:257.
3- الكافي 5:2/361،التهذيب 7:1445/355،معاني الأخبار:1/274،الوسائل 20:303 أبواب عقد النكاح ب 27 ح 2.
4- ما بين المعقوفين أضفناه من«ح» لاستقامة العبارة.

و ملكاً للزوج.

قيل:و لو خلا المهر من أحد الجانبين بطل خاصّة.و لو شرط كلّ منهما تزوّج الأُخرى بمهر معلوم صحّ العقدان و بطل المسمّى؛ لأنّه شرط معه تزويج،و هو غير لازم،و النكاح لا يقبل الخيار،فيثبت مهر المثل.

و كذا لو زوّجه بمهر و شرط أن يزوّجه و لم يذكر مهراً (1).

و ظاهره صحّة العقد مع فساد الشرط،فإن كان إجماع و إلّا ففيها معه نظر،كيف لا؟!و انتفاء الشرط يقتضي انتفاء المشروط.

و في الشرائع التردّد فيما مرّ (2)؛ و لعلّه لما ذكر،أو للتأمّل في إطلاق الحكم بفساد الشرط؛ للزوم الوفاء به مع الإمكان؛ لكونه سائغاً،فإفساد المسمّى و الرجوع إلى المهر مطلقاً لا وجه له.

و هو متّجه في المقامين،و لكن في الأول إذا كان الشرط شرطاً في أصل التزويج دون ما إذا كان شرطاً في المهر إذ غايته حينئذ انتفاؤه الغير الملازم لفساد العقد؛ لعدم ركنيّته فيه بالإجماع فيصحّ العقد و يثبت مهر المثل.

السابعة يكره العقد على القابلة المربيّة و بنتها

السابعة:يكره العقد على القابلة المربيّة و بنتها : للنهي عنه في الخبرين،في أحدهما:«لا يتزوّج المرأة التي قبلته و لا ابنتها» (3).

و لقصور سندهما و مخالفتهما الأصل و العمومات حُمِلا على الكراهة في المشهور بين الطائفة.

ص:310


1- قال به الشهيد الثاني في الروضة 5:244.
2- الشرائع 2:301.
3- التهذيب 7:1822/455،الإستبصار 3:638/176،الوسائل 20:502 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 39 ح 8.

مضافاً إلى معارضتهما للصحيح النافي للتحريم عنه مطلقاً،و فيه:

«سبحان اللّه ما حرّم اللّه من ذلك» (1).

و الموثِّق الآتي النافي لمطلق البأس الشامل له عن غير المربيّة، و الصريح في الكراهة فيها.

فالقول بالتحريم كما عن المقنع (2)ضعيف جدّاً.

و ظاهر الخبرين الكراهة مطلقاً،و لكن خصّهما الشيخ (3)و المصنّف و جماعة (4)بالمربّية؛ للموثّق:عن القابلة تقبل الرجل،إله أن يتزوّجها؟ قال:«إن كانت قبلت المرّة و المرّتين و الثالث فلا بأس،و إن كانت قبلته و ربّته و كفلته فإنّي أنهى نفسي عنها و ولدي» (5)،و في رواية أُخرى:

«و صديقي» (6)و هو صريح في الكراهة،كما مرّت إليه الإشارة.

و أن يزوّج ابنه بنت زوجته إذا ولدتها بعد مفارقته لها : للنهي عنه في الصحيح؛ معلّلاً بأنّ أباه لها بمنزلة الأب (7)،و مقتضاه تعدية الحكم إلى ابنة مطلق المنكوحة،و عكس فرض العبارة كتزويج ابنته من ابن المنكوحة،فلا يقدح فيها أخصّية مورد الرواية؛ إذ العبرة بعموم

ص:311


1- التهذيب 7:1821/455،الإستبصار 3:637/176،الوسائل 20:502 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 39 ح 6؛ بتفاوت يسير.
2- المقنع:109.
3- كما في النهاية:460.
4- اللمعة و الروضة 5:242،التنقيح الرائع 3:115.
5- التهذيب 7:1824/455،الإستبصار 3:640/176،الوسائل 20:502 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 39 ح 7.
6- التهذيب 7:1825/456،الاستبصار 3:/176ذيل حديث 640،الوسائل 20:502 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 39 ذيل حديث 7.
7- التهذيب 7:1812/453،الإستبصار 3:635/175،الوسائل 20:474 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 23 ح 5.

العلّة لا خصوص المورد بالضرورة.

و إنّما حمل النهي على الكراهة للأصل،و العمومات،و خصوص الصحيح:عن الرجل يطلّق امرأته،ثم خلف عليها رجل بعده،ثم ولدت للآخر،هل يحلّ ولدها من الآخر لولد الأول من غيرها؟قال:«نعم» قال:

و سألته عن رجل أعتق سريّته،ثم خلف عليها رجل بعده،هل يحلّ ولدها لولد الذي أعتقها؟قال:«نعم» (1).

أمّا لو ولدتها قبل تزويجه فلا كراهة؛ لعدم النهي،و انتفاء العلّة، و للخبر:عن الرجل يتزوّج المرأة و يزوّج ابنه ابنتها،فقال:«إن كانت لابنه لها قبل أن يتزوّج بها فلا بأس» (2).

و أن يتزوّج بمن كانت ضَرَّة لاُمّه مع غير أبيه للصحيح:«ما أُحبّ للرجل المسلم أن يتزوّج ضَرَّة كانت لاُمّه مع غير أبيه» (3).

و هو شامل لما إذا كان تزوّج ذلك الغير قبل أبيه و بعده،فلا وجه لتخصيص الكراهة بالأول،كما في الشرائع (4)،فتدبّر.

و تكره الزانية قبل أن تتوب مطلقاً،على الأشهر الأظهر كما مرّ مع الخلاف فيها فيما سبق (5).

ص:312


1- الكافي 5:1/399،التهذيب 7:1808/451،الإستبصار 3:630/173،الوسائل 20:473 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 23 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- الكافي 5:4/400،الفقيه 3:1291/272،التهذيب 7:1811/452،الإستبصار 3:634/174،الوسائل 20:474 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 23 ح 4.
3- الفقيه 3:1229/259،التهذيب 7:1895/472،الوسائل 20:504 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 42 ح 1،و الضرَائر جمع ضرَّة:هنّ زوجات الرجل لأنّ كلّ واحدة تضرّ بالأُخرى بالغيرة و القسم مجمع البحرين 3:374.
4- الشرائع 2:301.
5- راجع ص 189.

القسم الثاني في النكاح المنقطع

اشارة

القسم الثاني في النكاح المنقطع و هو نكاح المتعة،و لا خلاف بين المسلمين كافّة في ثبوت شرعيّته في الجملة،و نطقت به الآية الكريمة (1)و السنّة المتواترة من طرق الخاصّة و العامّة، و على بقائها إلى يوم القيامة إجماع أهل العصمة عليهم السلام و شيعتهم الإماميّة، و أخبارهم بذلك متواترة،كما ستقف عليها في تضاعيف المباحث الآتية.

و النظر في أركانه و أحكامه

أركانه أربعة
اشارة

و أركانه أربعة :

الأول الصيغة

الأول:الصيغة،و هو أي النكاح المنقطع- ينعقد بإحدى الألفاظ الثلاثة :أنكحتك،و زوّجتك،و متّعتك،بلا خلاف،كما حكاه جماعة (2).و ينبغي الاقتصار عليها خاصّة في المشهور بين الطائفة، فلا ينعقد بالتمليك و الهبة و الإجارة و البيع و الإباحة؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على المتيقّن.

و قال علم الهدى رضى الله عنه-: ينعقد في التمتّع ب الإماء بلفظ الإباحة و التحليل (3) و لم يثبت،فهو ضعيف كضعف المحكيّ عنه في الطبريّات من جواز العقد بالإجارة (4)؛ لعدم ثبوته،مع مخالفته الأصل المتيقّن.

ص:313


1- النساء:24.
2- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:118،و الشهيد الثاني في المسالك 1:500،و صاحب الحدائق 24:122.
3- انظر الناصريات(الجوامع الفقهية):210.
4- حكاه عنه في كشف اللثام 2:54.

و يعتبر فيها جميع ما اعتبر في صيغة الدوام،عدا كون الإيجاب و القبول بصيغة الماضي،فيجوز الاستقبال مع قصد الإنشاء هنا،وفاقاً لجماعة (1)؛ للمستفيضة:

منها الصحيح:قال:«تقول:أتزوّجك متعةً على كتاب اللّه تعالى و سنّة نبيّه صلى الله عليه و آله» الحديث (2).

و باقي الروايات (3)و إن قصر أسانيدها إلّا أنّها اعتضدت به و بالكثرة البالغة حدّ الاستفاضة،المورثة للمظنّة القويّة،إلّا أنّ في بلوغها حدّ المعارضة للأصل المعتضد بالشهرة نوع مناقشة.

فإذاً الأحوط الاقتصار على ما اعتبروه من الماضويّة في كلّ من طرفي الصيغة.

الثاني الزوجة

الثاني:الزوجة المتمتّع بها، و يشترط كونها مسلمة أو كتابيّة فلا يجوز بالوثنيّة و المجوسيّة،و يجوز بالكتابيّة مطلقاً،على أصحّ الأقوال المتقدّمة.

و يتفرّع على اشتراط الإسلام:أنّه لا يصحّ التمتّع بالمشركة و الناصبيّة لكفرهما.

و نحو الأخير:الخارجيّة،بل هي من أعظم أقسامها.

أمّا المستضعفة و المخالفة غير الناصبيّة،فيجوز للمؤمن التمتّع بهما؛

ص:314


1- منهم ابن أبي عقيل كما حكاه عنه في المختلف:561،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:54،و السبزواري في الكفاية:170.
2- الكافي 5:4/455،التهذيب 7:1137/263،الوسائل 21:43 أبواب المتعة ب 18 ح 2.
3- الوسائل 21:43 أبواب المتعة ب 18.

لفحوى ما سبق من جواز تزويجهما بالدوام (1)،فبالانقطاع أولى.

و لكن يستحبّ اختيار المؤمنة العارفة؛ للخبرين:

في أحدهما:«تمتّع من المرأة المؤمنة أحبّ إليّ» (2).

و في الثاني:«نعم،إذا كانت عارفة» (3).

و المرسل الناهي من التمتّع بها (4)محمول على ما إذا كانت يلحقها العار و الذلّ بذلك.

و اختيار العفيفة للخبر:عن المتعة،فقال لي:«حلال،و لا تزوّج إلّا عفيفة،إنّ اللّه تعالى يقول وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ [1] (5)و لا تضع فرجك حيث لا تأمن على درهمك» (6).

و النهي فيه للكراهة؛ لفحوى ما مرّ من جواز العقد دائماً بالزانية و لو كانت مشهورة (7).

مضافاً إلى الخبرين المرخّصين للتمتّع منها،ففي أحدهما:عن الرجل يتزوّج الفاجرة متعة،قال:«لا بأس،و إن كان التزويج الآخر

ص:315


1- راجع ص 284.
2- الفقيه 3:1390/293،التهذيب 7:1109/256،الإستبصار 3:524/145،الوسائل 21:26 أبواب المتعة ب 7 ح 3؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 5:5/454،التهذيب 7:1088/252،الوسائل 21:25 أبواب المتعة ب 7 ح 1.
4- التهذيب 7:1089/253،الإستبصار 3:515/143،الوسائل 21:26 أبواب المتعة ب 7 ح 4.
5- المؤمنون:5.
6- الكافي 5:2/453،التهذيب 7:1086/252،الإستبصار 3:512/142،الوسائل 21:24 أبواب المتعة ب 6 ح 2.
7- راجع ص 189 190.

فليحصن بابه» (1).

و في الثاني:نساء أهل المدينة،[قال:]«فواسق» قلت:فأتزوّج منهنّ؟قال:«نعم» (2)فتأمّل.

و يستحبّ أن يسألها بل غيرها عن حالها هل هي ذات بعل و عفيفة أم لا مع التهمة بالبعل و عدم العفة.

للموثّق:عن المتعة،فقال:«إنّ المتعة اليوم ليس كما كانت قبل اليوم،إنّهنّ كنّ يومئذٍ يؤمَنّ» بفتح الميم على الظاهر«و اليوم لا يؤمَنّ، فاسألوا عنهنّ» (3).

و ليس السؤال شرطاً في الجواز إجماعاً،بل و لا واجباً؛ للأصل، و حمل تصرّف المسلم على الصحّة،و النصوص المستفيضة الحاكمة بكون المرأة في نفسها مصدّقة و لو مع التهمة:

منها:ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد،فأقول لها:هل لك زوج؟فتقول:لا،فأتزوّجها؟قال:«نعم،هي المصدّقة على نفسها» (4).

و اشتراك الراوي مجبور برواية فضالة عنه.

و منها:«ليس هذا عليك،إنّما عليك أن تصدّقها في نفسها» (5).

ص:316


1- التهذيب 7:1090/253،الإستبصار 3:516/143،الوسائل 21:29 أبواب المتعة ب 9 ح 1.
2- التهذيب 7:1091/253،الإستبصار 3:517/143،الوسائل 21:29 أبواب المتعة ب 9 ح 2.و ما بين المعقوفين أضفناه من«ر» و المصدر لاستقامة المتن.
3- الكافي 5:1/453،الفقيه 3:1386/292،التهذيب 7:1084/251،الوسائل 21:23 أبواب المتعة ب 6 ح 1.
4- الكافي 5:2/462،التهذيب 7:1526/377،الوسائل 21:30 أبواب المتعة ب 10 ح 1.
5- رسالة المتعة(مصنّفات الشيخ المفيد 6):14،المستدرك 14:458 أبواب المتعة ب 9 ح 1.

بل ربما يستفاد من بعضها كراهة السؤال عنها،ففي الخبر:إنّي تزوّجت امرأة متعة،فوقع في نفسي أنّ لها زوجاً،ففتّشت عن ذلك، فوجدت لها زوجاً،قال:«و لِمَ فتّشت؟! » (1).و في آخر:«إنّ فلاناً تزوّج امرأة متعة،فقيل:إنّ لها زوجاً،فسألها، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:«و لِمَ سألها؟!» (2)،و نحوهما غيرهما (3).

و يحتمل الجمع،بحمل هذه الأخبار على كراهة السؤال بعد وقوع التزويج،و ما سبق على استحبابه مع التهمة قبله.

و يكره التمتّع بالزانية كما سبق و ليس شرطاً و لا حراماً؛ لما مرّ.

خلافاً للصدوق،فمنع منه مطلقاً (4)،و لابن البرّاج،إلّا إذا منعها من الفجور (5)؛ لأخبار (6)،طريق الجمع بينها و بين غيرها الحمل على الكراهة، وفاقاً للأشهر بين الطائفة.

بل ربما قال المانع من الدوام بالجواز هنا؛ للموثّق المجوّز للتمتّع بالمعروفة بالفجور،و فيه:«لو رفعت راية ما كان عليه في تزويجها شيء، إنّما يخرجها من حرام إلى حلال» (7).

أقول:و نحوه المرويّ عن كشف الغمّة (8)،و غيره (9)،متضمّناً

ص:317


1- التهذيب 7:1092/253،الوسائل 21:31 أبواب المتعة ب 10 ح 3.
2- التهذيب 7:1093/253،الوسائل 21:31 أبواب المتعة ب 10 ح 4.
3- انظر التهذيب 7:1094/253،الوسائل 21:32 أبواب المتعة ب 10 ح 5.
4- انظر المقنع:113.
5- المهذب 2:241.
6- انظر الوسائل 21:27 أبواب المتعة ب 8.
7- التهذيب 7:1949/485،الوسائل 21:29 أبواب المتعة ب 9 ح 3.
8- كشف الغمة 2:423،الوسائل 21:29 أبواب المتعة باب 9 ج 4.
9- لم نعثر على خبر آخر غيرهما مشتمل على التعليل المذكور.

للتعليل المزبور،و يستفاد منه الجواز في الدائم،لكن مع تحقّق مضمونه.

و أن يستمتع ببكر مطلقاً،كان لها أب أم ليس لها أب للصحيح:في الرجل يتزوّج البكر متعة،قال:«يُكرَه؛ للعيب على أهلها» (1).

و الأحوط اعتبار الإذن من الأب؛ للصحيحين،في أحدهما:«العذراء التي لها أب لا تتزوّج متعةً إلّا بإذن أبيها» (2).

و ليس في سنده في الفقيه عدا أبان الثقة عند جمع (3)،الموثّق عند آخرين (4)،و عدّه صحيحاً بناءً على الأول.

و في الثاني:«البكر لا تتزوّج متعة إلّا بإذن أبيها» (5).

و النهي فيهما للكراهة،لا الحرمة،على الأظهر الأشهر بين الطائفة؛ تمسّكاً في الجواز بعموم الأدلّة القطعيّة من الكتاب (6)و السنّة العامّة [للعيب على أهلها و الأحوط اعتبار الإذن من الأب للصحيحين في أحدهما العذراء التي لها أب لا تتزوج متعة] و الخاصّة،كالصحيحة المتقدّمة و الآتية،و نحوهما الخبر المعتبر المنجبر جهالة راويه بالشهرة،و وجود من أجمعت العصابة في سنده-:عن الجارية يتمتّع منها الرجل؟قال:«نعم،إلّا أن تكون صبيّة تخدع» الخبر (7).

ص:318


1- الكافي 5:1/462،الفقيه 3:1393/293،التهذيب 7:1102/255،الإستبصار 3:530/146،الوسائل 21:34 أبواب المتعة ب 11 ح 10.
2- الفقيه 3:1394/293،التهذيب 7:1099/254،الإستبصار 3:527/145،الوسائل 21:35 أبواب المتعة ب 11 ح 12.
3- و هو أبان بن عثمان الأحمر البجلي الراوي عن أبي مريم(راجع معجم الرجال 1:157)فقد وثّقه العلّامة في الخلاصة:21،و التفريشي في نقد الرجال:5.
4- رجال ابن داود:30.
5- قرب الإسناد:1294/362،الوسائل 21:33 أبواب المتعة ب 11 ح 5.
6- النساء:24.
7- الفقيه 3:1392/293،التهذيب 7:1100/255،الإستبصار 3:528/145،الوسائل 21:36 أبواب المتعة ب 12 ح 4.

و خصوص المعتبرة المستفيضة،كالصحيح في الظاهر:عن التمتّع من البكر إذا كانت بين أبويها،قال:«لا بأس،ما لم يقتضّ ما هناك لتعفف بذلك» (1).

و الخبر المنجبر ضعفه بما مرّ من الشهرة:عن التمتّع من الأبكار اللواتي بين الأبوين،فقال:«لا بأس،و لا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب» (2).

و نحوه غيره،كالمرسل:«لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبويها» (3).

و الخبر:جارية بكر بين أبويها،تدعوني إلى نفسها سرّاً من أبويها، أ فأفعل ذلك؟قال:«نعم،و اتّق موضع الفرج» الخبر (4).

و مضى تمام التحقيق في المسألة في البحث عن الولاية (5).

فإن فعل فلا يقتضّها لما مرّ و ليس محرّماً جدّاً؛ للأصل، و ظاهر الصحيح:«لا بأس بأن يتمتّع بالبكر ما لم يفض إليها؛ كراهة العيب على أهلها» (6).

مضافاً إلى إطلاق النصوص بالجواز،المعتضد بعمل الأصحاب.

ص:319


1- التهذيب 7:1098/254،الإستبصار 3:526/145،الوسائل 21:34 أبواب المتعة ب 11 ح 9؛ بتفاوت.
2- التهذيب 7:1097/254،الإستبصار 3:525/145،الوسائل 21:33 أبواب المتعة ب 11 ح 6؛ و الأقشاب جمع قَشِب،و هو من لا خير فيه من الرجال مجمع البحرين 2:143.
3- التهذيب 7:1095/254،الوسائل 21:34 أبواب المتعة ب 11 ح 8.
4- التهذيب 7:1096/254،الوسائل 21:33 أبواب المتعة ب 11 ح 7.
5- راجع ص 84.
6- الكافي 5:2/462،الوسائل 21:32 أبواب المتعة ب 11 ح 1.

خلافاً للنهاية،فحرّم ذلك إذا كان العقد عليها بدون إذن الأب (1)؛ عملاً بظاهر النهي.

و هو جيّد لو استلزم الفساد،و إلّا فهو أحوط.

و لا حصر في عددهنّ فله التمتّع بما شاء منهن،كما مضى (2).

و يحرم أن يتمتّع أمة على حرّة مطلقاً،متمتّع بها أو مزوجة دائماً كما قيل (3)إجماعاً و نصوصاً،كما مرّ (4).

إلّا بإذنها فيصحّ على الصحيح؛ للصحيح:هل للرجل أن يتمتّع من المملوكة بإذن أهلها و له امرأة حرّة؟قال:«نعم،إذا رضيت الحرّة» قلت:فإن أذنت الحرّة يتمتّع منها؟قال:«نعم» (5)بل مرّ عدم الخلاف فيه (6).

و حكي هنا قول بالمنع مطلقاً (7).و هو ضعيف جدّاً.

و أن يُدخِلَ على المرأة بنت أخيها أو أُختها ما لم تأذن كما هو مقطوع به في كلامهم؛ و عُلِّل بإطلاق النصوص (8)،و فيه ضعف.

نعم،في بعض ما مرّ منها التعليل بالإجلال (9)،الظاهر في العموم في

ص:320


1- النهاية:490.
2- راجع ص 240.
3- كما قال به الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 5):192.
4- راجع ص 218.
5- الكافي 5:3/463،التهذيب 7:1112/257،الإستبصار 3:533/146،الوسائل 21:41 أبواب المتعة ب 16 ح 1.
6- راجع ص 218.
7- التنقيح الرائع 3:80.
8- راجع ص 181.
9- في ص 182.

الداخلة (1)و المدخول عليها.

الثالث المهر و ذكره شرط

الثالث:المهر،و ذكره في ضمن العقد شرط في الصحّة؛ بالإجماع،و المستفيضة:

منها الصحيح:عن المتعة،فقال:«هو مهر معلوم إلى أجل معلوم» (2).

و أصرح منه الآخر:«لا يكون متعة إلّا بأمرين:بأجل مسمّى،و مهر مسمّى» (3)،و نحوه في الصراحة غيره (4).

فيبطل العقد بالإخلال به مطلقاً،عمداً كان أو سهواً.

بخلاف الدائم،فليس ركناً فيه إجماعاً،و هو الفارق،مع النصوص الموجّهة بأنّ الغرض الأصلي من الدوام التناسل،و من المنقطع قضاء الشهوة و الاستمتاع (5)،فنكاحُه شديد الشباهة بالمعاوضات،و لذا سمّيت متعة و مستأجرة،و مهرها في الغالب اجرة.

و يشترط فيه الملكيّة و العلم بالمقدار إجماعاً،و يكفي فيه المشاهدة حتى فيما لا يكتفى بها فيه من المعاوضات الصرفة بشرط الحضور،و مع الغيبة فلا بُدَّ من الوصف بما يرفع الجهالة،و ظاهرهم القطع بذلك،و إن تردّد فيه بعض الأجلة (6).

ص:321


1- بالإضافة إلى المتمتع بها و الدائمة.منه رحمه الله.
2- التهذيب 7:1135/262،الوسائل 21:42 أبواب المتعة ب 17 ح 3.
3- الكافي 5:1/455،التهذيب 7:1133/262،الوسائل 21:42 أبواب المتعة ب 17 ح 1؛ بتفاوت يسير.
4- الكافي 5:2/455،التهذيب 7:1138/263،الوسائل 21:44 أبواب المتعة ب 18 ح 4.
5- انظر الوسائل 21:72 أبواب المتعة ب 36.
6- نهاية المرام 1:231 و الحدائق 24:157.

و يتقدّر بالتراضي بكلّ ما يقع عليه ممّا يتموّل و لو بكفّ من بُرّ على الأشهر الأظهر؛ للأصل،و الإطلاقات،و خصوص النصوص الدالّة عليه بالعموم و الخصوص.

و هي في الأول مستفيضة،ففي الصحاح (1):«المهر ما تراضى عليه الناس» و زيد في بعضها:«من قليل أو كثير» .و كذلك في الثاني،منها الصحيح:كم المهر يعني في المتعة؟ قال:«ما تراضيا عليه إلى ما شاءا من الأجل» (2).

و الحسن:عن أدنى ما يتزوّج به الرجل متعة،قال:«كفّين من بُرّ» (3).

و في المعتبرة المنجبر قصور أسانيدها بما مرّ مع الشهرة التقدير بكفّ من بُرّ كما في بعضها (4)،أو دقيق أو سويق أو تمر،كما في غيره (5).

خلافاً للمحكيّ عن الصدوق،فالدرهم فما زاد (6)؛ للصحيح:«أنّه يجزي فيه الدرهم فما فوقه» (7).

و ليس نصّاً فيه،بل و لا ظاهراً؛ إذ الحكم بإجزاء الدرهم غير منافٍ

ص:322


1- الوسائل 21:239 أبواب المهور ب 1.
2- الكافي 5:1/457،التهذيب 7:1127/260،الإستبصار 3:547/149،الوسائل 21:49 أبواب المتعة ب 21 ح 3.
3- الفقيه 3:1398/294،التهذيب 7:1136/263،المقنع:114،الوسائل 21:44 أبواب المتعة ب 18 ح 5.
4- الكافي 5:2/457،التهذيب 7:1125/260،الوسائل 21:49 أبواب المتعة ب 21 ح 2.
5- الكافي 5:4/457،الوسائل 21:50 أبواب المتعة ب 21 ح 5.
6- المقنع:113.
7- الكافي 5:3/457،التهذيب 7:1126/260،الوسائل 21:48 أبواب المتعة ب 21 ح 1.

لإجزاء الأقلّ،إلّا بالمفهوم المردود عند الكلّ،الغير المكافئ لشيء ممّا مرّ، فضلاً عن الجميع.

و لو لم يدخل بها و وهبها ما بقي من المدّة المضروبة كملاً فلها النصف من المسمّى،فتأخذه منه مع عدم الأداء و يرجع الزوج بالنصف لو كان دفع المهر إليها،فيما قطع به الأصحاب،بل عن الحلّي و المحقّق الشيخ عليّ عليه الإجماع (1)؛ و هو الحجّة فيه،و الموثّق:

«و إن خلّاها قبل أن يدخل بها ردّت المرأة على الرجل نصف الصداق» (2).

و لمخالفة الحكم للأصل يجب الاقتصار فيه على محلّ الوفاق و المتبادر من النصّ،فلا ردّ مطلقاً و لو مقسّطاً في هبة البعض و إبقاء الباقي.

و من هنا يظهر جواز هبة المدّة مطلقاً (3)،و هي بمعنى إبراء الذمّة، فلا يحتاج إلى القبول ظاهراً؛ و النصوص فيه بعد ما مرّ من الإجماع و النصّ مستفيضة.

ففي الصحيح عن رجل تمتّع بامرأة،ثم وهب لها أيّامها قبل أن يفضي إليها،أو وهب لها أيّامها بعد ما أفضى إليها،هل له أن يرجع فيما وهب لها من ذلك؟فوقّع عليه السلام:«لا يرجع» (4).

فلا وجه للشكّ في الجواز من حيث التجدّد شيئاً فشيئاً،و أنّ الثابت في الذمّة حال البراءة ليس هو الحقّ المتجدّد (5)؛ لأنّه اجتهاد في مقابلة الأدلّة القويّة.و مع ذلك فربما اقتضته الحكمة الربّانية،فإنّه لا يقع هنا

ص:323


1- الحلّي في السرائر 2:622،الشيخ علي في جامع المقاصد 13:23.
2- التهذيب 7:1130/261،الوسائل 21:63 أبواب المتعة ب 30 ح 1.
3- أي قبل الدخول و بعده.و منه رحمه الله.
4- الفقيه 3:1391/293،الوسائل 21:63 أبواب المتعة ب 29 ح 1.
5- انظر المسالك 1:502.

طلاق بالوفاق،فربما أُريد قبل انقضاء الأجل الفراق،فلولا صحّة الهبة لما وقع بوجه،و هو حرج عظيم،كما لا يخفى على البصير المداقّ.

ثم ما مرّ إذا لم يدخل.

و أمّا إذا دخل بها استقرّ المهر في ذمّته كملاً،بشرط الوفاء بكمال المدّة،أو هبته لها؛ للأصل،و الوفاق.

و أمّا مع فقد الشرطين،كما لو أخلّت بشيء من المدّة من دون هبة اختياراً قاصّها من المهر بنسبة ما أخلّت به من المدّة،بأن يبسط المهر على جميعها،و يسقط منه بحسابه،حتى لو أخلّت بها أجمع سقط عنه المهر.و يتصوّر ذلك بالإخلال بها قبل الدخول.

و لا فرق في الحكم المذكور بينه و بين بعده؛ للإجماع عليه في الظاهر مطلقاً،و إطلاق النصوص،كالصحيح أو الحسن:أتزوّج المرأة شهراً أو شهرين،فتريد منّي المهر كملاً و أتخوّف أن تخلفني،فقال:«يجوز أن تحبس ما قدرت عليه،فإن هي أخلفتك فخذ منها بقدر ما تخلفك فيه» (1).

و في آخر مثله كذلك،و فيه:«خذ منها بقدر ما تخلفك،إن كان نصف شهر فالنصف،و إن كان ثلثاً فالثلث» (2).

و يستثنى منه أيّام الطمث؛ للموثّق:«ينظر ما قطعت من الشرط، فيحبس عنها من مهرها بمقدار ما لم تف له،ما خلا أيّام الطمث فإنّها لها، [فلا يكون له]إلّا ما أحلّ له فرجها» (3).

ص:324


1- الكافي 5:1/460 و فيه:لا يجوز،الوسائل 21:61 أبواب المتعة ب 27 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- الكافي 5:3/461،التهذيب 7:1128/260،الوسائل 21:61 أبواب المتعة ب 27 ح 2.
3- الكافي 5:4/461،الوسائل 21:61 أبواب المتعة ب 27 ح 3؛ بتفاوت يسير،و ما بين المعقوفين أضفناه من الكافي.

و في إلحاق ما عداه من الأعذار كالمرض،و الخوف من ظالم وجهان،أوجههما:العدم؛ تمسّكاً بالأصل،و التفاتاً إلى اختصاص النصّ بالحيض،من دون إشعارٍ فضلاً عن ظهور بالعموم.

و تعليل الإلحاق بالمشاركة في المعنى لعدم القطع به،و لا الدليل عليه سوى الاستنباط قياسٌ باطل بلا التباس.

و يستفاد من النصّ الأول و الثالث و غيرهما (1)جواز تأخير المهر، و عدم وجوب المبادرة بدفعه بعد العقد؛ و هو الأوفق بمقتضى الأصل.

خلافاً لجماعة كما عن المفيد و المرتضى و المهذب (2)فأوجبوا المبادرة؛ و لعلّه لوجود:«لا يجوز» بدل:«يجوز» في أكثر نسخ الرواية الأُولى (3)،المؤيّدة بتفريع جملة:«فإن هي أخلفتك فخذ منها» على السابق؛ إذ لا معنى للأخذ منها بعد حبس المهر عنها.

و هو أحوط،إلّا أنّ في تعيّنه نظراً؛ لظهور الموثّق المزبور بجواز الحبس،المعتضد بالأصل و الشباهيّة بالإجارة الجائز فيها ذلك،و هو بحسب السند أولى منه،مع اختلاف نسخة،فتأمّل.

و لو بان فساد العقد إمّا بظهور زوج،أو عدّة،أو كونها محرّمة عليه جمعاً أو عيناً،أو غير ذلك من المفسدات فلا مهر لها إن لم يدخل بها مطلقاً،إجماعاً؛ للأصل.

و لو دخل فلها ما أخذت منه،و تمنع ما بقي مطلقاً فيهما،قليلاً كانا أو كثيراً،كانا بقدر ما مضى من المدّة و ما بقي منها أم لا،لكن بشرط

ص:325


1- الفقيه 3:1397/294،الوسائل 21:62 أبواب المتعة ب 27 ح 4.
2- المفيد في المقنعة:509،المرتضى في الانتصار:111،المهذب 2:241.
3- انظر الكافي 5:1/460.

جهلها بالفساد لا مطلقاً على الأصحّ،وفاقاً للمحكيّ عن المقنعة و النهاية و المهذّب (1).

للحسن بل الصحيح على الصحيح-:«إذا بقي عليه شيء من المهر،و علم أنّ لها زوجاً،فما أخذته فلها بما استحلّ من فرجها،و يحبس عنها ما بقي عنده» (2).

و إطلاقه كإطلاق كلام الجماعة محمولٌ على الشرط المتقدّم؛ للأدلّة القطعيّة على عدم المهر للزانية.

مضافاً إلى خصوص الرواية:الرجل يتزوّج المرأة متعةً بمهر إلى أجل معلوم،و أعطاها بعض مهرها و أخّرته بالباقي،ثم دخل بها،و علم بعد دخوله بها قبل أن يوفيها باقي مهرها أنّها زوّجته نفسها و لها زوج مقيم معها،أ يجوز له حبس باقي مهرها أم لا؟فكتب:«لا يعطيها شيئاً؛ لأنّها عصت اللّه عزّ و جلّ» (3).

فلا إشكال في العمل بالخبر مع صحّته من جهة عمومه لصورتي الجهل و عدمه،كيف لا؟!و العامّ بعد التخصيص حجّة في الباقي،مع احتمال وروده على ظاهر الصحّة في فعل كلّ مسلم و مسلمة،فيخصّ به بالنظر إلى مورده عموم ما سيأتي من القاعدة:من ثبوت مهر المثل بفساد المناكحة و وطء الشبهة،و يعمل بها فيما عداه،كما إذا أخذت الجميع،أو لم تأخذ شيئاً مطلقاً.

ص:326


1- المقنعة:519،النهاية:491،المهذب 2:242.
2- الكافي 5:2/461،التهذيب 7:1129/261،الوسائل 21:62 أبواب المتعة ب 28 ح 1.
3- الكافي 5:5/461،الوسائل 21:62 أبواب المتعة ب 28 ح 2.

و هنا أقوال أُخر:

منها:أنّ الوجه أنّها تستوفيه جميعاً مع جهالتها مطلقاً، انقضت المدّة بكمالها أم لا،أخذت منه شيئاً أم لا.و هو ضعيف جدّاً،كيف لا؟!و لزوم المسمّى إنّما هو بالعقد الصحيح لا مطلقاً،و مجرّد التراضي غير مقتضٍ له أصلاً.و على تقدير الاقتضاء، فلا ريب في اشتراط الرضاء،و توقّفه على انقضاء المدّة كملاً لا مطلقاً، فلا وجه للإطلاق قطعاً.

و أمّا أنّه يستعاد منها مع الأخذ،و لا تُعطي شيئاً مع العدم مع علمها فلا ريب فيه قطعاً؛ لما مضى.

و منها:ما اختاره المصنّف هنا بقوله: و لو قيل بمهر المثل مع الدخول و جهلها و عدم المهر مع الدخول و العلم منها مطلقاً (1) كان حسناً أمّا الثاني فلما مضى.

و أمّا الأول فلأنّه الأصل في كلّ عقد فاسد و وطء شبهة قطعاً.

و الحُسن في محلّه فيما عدا مورد النصّ المتقدّم؛ لخلوّه عن المعارض،و أمّا فيه فلا؛ لتعيّن تخصيص الأصل به،مع اعتبار سنده، و وضوح دلالته،و عمل جماعة به (2).و حمله على كون المقبوض بقدر المثل ليوافق الأصل كما في الروضة- (3)ليس بأولى من تخصيصه به،بل هو أولى؛ لأخصّيته بالإضافة إليه،فلا يضرّه الإطلاق قطعاً،و التعارض

ص:327


1- أي لا المثل و لا المسمّى.منه رحمه الله.
2- راجع ص 323.
3- الروضة البهية 5:288.

بينهما تعارض العموم و الخصوص مطلقاً،فيتعيّن المصير إلى التخصيص، لا إلى الحمل المتقدّم،مع عدم الداعي إليه.

ثم إن قلنا بالمثل مطلقاً،أو حيث أوجبناه،فهل المراد به مهر المثل لتلك المدّة،أو مهر المثل للنكاح الدائم؟قولان:

من أنّ عوض بضع الموطوءة شبهةً هو الثاني جدّاً،و لذا لو وُطِئت هذه المنكوحة بالعقد الفاسد بدونه شبهةً لزمه ذلك قطعاً،و العقد الفاسد كالعدم جدّاً.

و من أنّ الشبهة إنّما هي للعقد المخصوص،فيجب مهر المثل به.

و ضعفه يظهر بما قرّرنا،فإذاً الثاني أقوى.

و لو قيل بلزوم أقلّ الأمرين تمسّكاً بأصالة البراءة عن الزائد لم يكن بعيداً؛ التفاتاً إلى عدم دليل على ثبوت مهر المثل للدائم للموطوءة شبهة مطلقاً،حتى في المقام؛ إذ ليس إلّا الإجماع،و ليس؛ للخلاف،أو عدم خلوّ البضع عن العوض،و هو يحصل بأقلّ الأمرين جدّاً، فلا مخصّص لأصالة البراءة هنا،فتأمّل.

و هنا قول رابع في أصل المسألة،نافٍ للمهر مطلقاً مع علمها كما في الأقوال السابقة موجبٌ مع جهلها للأقلّ من المثل أو المسمّى؛ لموافقة الأصل المتقدّم (1)مع أقلّية المثل عن المسمّى،و إقدامها بالأقلّ مع العكس (2).

و يضعّف بوقوعه على وجه مخصوص و هو كونها زوجة لا مطلقاً،فلا يلزم الإقدام و الرضاء بالمسمّى على غيره قطعاً.

ص:328


1- و هو كون المثل عوض البضع حيث تبيّن فساد العقد.منه رحمه الله.
2- أي كون المسمّى أقلّ من المثل.منه رحمه الله.
الرابع الأجل و هو شرط في العقد

الرابع:الأجل،و هو أي ذكره- شرط في صحّة العقد بالإجماع و النصوص،و قد مرّت في المهر (1).

و لا تقدير له شرعاً،بل يتقدّر بتراضيهما عليه كائناً ما كان كاليوم و السنة و الشهر و الشهرين.

و إطلاق النصّ و كلام الأصحاب و به صرّح جماعة (2)يقتضي عدم الفرق في الزمان الطويل بين صورتي العلم بإمكان البقاء إلى الغاية و عدمه، و عُلِّل بعدم المانع؛ لأنّ الموت قبله غير قادح (3).و لم ينقَل فيه خلاف، و ظاهرهم الإجماع عليه،و لولاه لأُشكِل و احتاج إلى تأمّل.

و في الزمان القصير بين صورتي إمكان الجماع فيه و عدمه؛ لعدم انحصار الغاية فيه.

خلافاً للمحكيّ عن ابن حمزة،فقدّرة هنا بما بين طلوع الشمس و نصف النهار (4)؛ و لا دليل عليه،و لعلّه أراد المَثَل.

و لا بُدَّ من تعيينه بأن يكون محروساً من الزيادة و النقصان كغيره؛ دفعاً للغرر و الضرر،و التفاتاً إلى الصحيح:الرجل يتزوّج متعةً سنةً و أقلّ و أكثر،قال:«إذا كان شيء معلوم إلى أجل معلوم» (5).

و في اعتبار اتصال المدّة المضروبة بالعقد،أو جواز الانفصال،قولان.

ص:329


1- الوسائل 21:42 أبواب المتعة ب 17.
2- منهم الشهيدان في اللمعة و الروضة 5:285،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:239،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:55،و صاحب الحدائق 24:138.
3- المسالك 1:503.
4- الوسيلة:310.
5- الكافي 5:2/459،التهذيب 7:1147/266،الإستبصار 3:553/151،الوسائل 21:58 أبواب المتعة ب 25 ح 1؛ بتفاوت يسير.

قيل:أحوطهما الأول؛ لأنّ الوظائف الشرعيّة إنّما تثبت بالتوقيف، و لم ينقل تجويزه كذلك،و إنّما المنقول في النصوص بحكم التبادر صورة الاتّصال،فيجب القول بنفي ما عداه إلى ثبوت دليل الجواز (1)؛ تمسّكاً بأصالة الحرمة.

و قيل بالثاني (2)؛ لوجود المقتضي،و هو العقد المشتمل على الأجل المضبوط،فيلزم الوفاء به؛ لعموم الأمر به (3)،و هو كافٍ في ثبوت التوقيف،كيف لا؟!و اشتراط التوقيف بعنوان الخصوص غير لازم،و لذا يتمسّك به فيما لم يرد بشرعيّته دليل بالخصوص.

و هذا أجود،وفاقاً للمحكيّ عن الحلّي و الماتن في النكت و صرّح به في الشرائع و المسالك و القواعد (4)،و عن إطلاق الأكثر (5).

و هو ظاهر الخبر:الرجل يلقى المرأة فيقول لها:زوّجيني نفسك شهراً،و لا يسمّي الشهر بعينه،ثم يمضي فيلقاها بعد سنين،فقال:«له شهره إن كان سمّاه،و إن لم يكن سمّاه فلا سبيل له عليها» (6)فإنّ الظاهر كون الشهر المسمّى بعد سنين.

و قصور السند معتضد بما مرّ من القاعدة،و فتوى الجماعة،و الشهرة المحكيّة في كلام جماعة (7).

ص:330


1- قال به صاحب المدارك في نهاية المرام 1:240.
2- كما قال به الفاضل الهندي 2:56.
3- المائدة:1.
4- الحلّي في السرائر 2:623،النهاية و نكتها 2:379،الشرائع 2:305،المسالك 1:503،القواعد 2:26.
5- حكاه الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:56.
6- الكافي 5:4/466،الفقيه 3:1410/297،التهذيب 7:1150/267،الوسائل 21:72 أبواب المتعة ب 35 ح 1.
7- منهم المجلسي في مرآة العقول 20:255،و صاحب الحدائق 24:148.

و الاحتياط مشترك بين القولين،فلا يترك مراعاته على حال.

و على المختار،ففي جواز العقد عليها في المدّة المتخلّلة بين العقد و مبدأ المدّة المشروطة،أم العدم،قولان:

أجودهما:الأول،إذا وفت المدّة المتخلّلة بالأجل المعقود عليه ثانياً، و العدّة بالنسبة إليه؛ للأصل،و منع صدق ذات البعل عليها في هذه المدّة.

و على تقديره،فاندراجها في إطلاق النصوص المانعة عن العقد على ذات البعل غير معلوم؛ بناءً على اختصاصه بحكم التبادر بغير محلّ الفرض، و هو ذات البعل بالفعل،و هو كافٍ في عدم الخروج عن الأصل،و الاحتياط سبيله واضح.

ثم كلّ ذا مع تعيين المبدأ،و مع الإطلاق ينصرف إلى الاتّصال على الأصحّ الأشهر؛ لقضاء العرف به.

خلافاً للحلّي (1)؛ للجهالة (2)، و ترتفع بما مرّ و للخبر الذي مرّ، و هو لا يدلّ إلّا على البطلان مع عدم التسمية لكونه بعد سنين،و نحن نقول به.

و لا يصحّ ذكر المرّة و المرّات مجرّدة عن زمان مقدّر لهما،على الأشهر الأظهر؛ لفقد التعيين في الأجل المشترط بما مرّ؛ بناءً على وقوعهما في الزمن الطويل و القصير.

خلافاً للشيخ في النهاية و التهذيب،فيصحّ و ينقلب دائماً (3)؛ للخبر:

أتزوّج المرأة متعة مرّة مبهمة؟فقال:«ذلك أشدّ عليك،ترثها و ترثك،

ص:331


1- السرائر 2:623.
2- أي في الأجل.منه رحمه الله.
3- النهاية:491،التهذيب 7:267.

و لا يجوز لك أن تطلّقها إلّا على طُهر و شاهدين» (1).

و فيه مع ضعف السند و عدم المكافأة لما مرّ بوجه ما سيأتي في انقلاب العقد المجرّد عن الأجل دائماً.

و فيه رواية بالجواز بل روايات و فيها ضعف و قصور من حيث السند،أجودها الموثّق:هل يجوز أن يتمتّع الرجل من المرأة ساعة و ساعتين؟فقال:«الساعة و الساعتين لا يوقف على حدّهما،و لكن العَرْد و العَرْدين،و اليوم و اليومين،و الليلة،و أشباه ذلك» (2).

و سنده و إن اعتبر إلّا أنّه شاذّ،و العامل به غير معروف،غير مكافئ لما مرّ؛ لصحّة السند،و الكثرة،و الاعتضاد بما هو الأشهر،و مع ذلك فظاهره المنع عن نحو الساعة و الساعتين،و لا قائل به،مع إمكان تحديدهما و تعيينهما.

و حمله على اشتراطهما بهذه العبارة أي الساعتين و الساعة فيصحّ المنع؛ للجهالة،كما تصدّى له بعض الأجلّة (3).

محلّ مناقشة،يظهر وجهها بالتعليل فيه بعدم الوقوف على حدّ، و لم يعلَّل بما مرّ (4)،و لو صحّ كان التعليل به أولى.مضافاً إلى تجويزه اليوم و اليومين،و هي بعين العبارة المتقدّمة.

ص:332


1- التهذيب 7:1151/267،الإستبصار 3:556/152،الوسائل 21:48 أبواب المتعة ب 20 ح 3.
2- الكافي 5:3/459،التهذيب 7:1148/266،الإستبصار 3:554/151،الوسائل 21:58 أبواب المتعة ب 25 ح 2.و المراد بالعَرد:المرّة الواحدة من المواقعة.مجمع البحرين 3:101.
3- الوسائل 21:58.
4- أي الجهالة.منه رحمه الله.

فظهر أنّ الوجه في المنع ما عُلِّل فيه،دون ما مرّ من الجهالة.

و بالجملة:فالإعراض عنه لازم.

و يمكن حمله على صورة ذكرهما مع تقدير الزمان الظرف لهما، و الأجل للعقد،زاد عليهما أم لا،و لا كلام فيه؛ لعموم:«المؤمنون عند شروطهم» (1)فلا يجوز له الزيادة عن العدد المشروط بغير إذنها،و لا يتعيّن عليه فعله؛ إذ الوطء غير واجب.

و لا تخرج عن الزوجيّة إلّا بانقضاء الأجل،فيجوز له الاستمتاع منها بعد استيفاء العدد المشترط بغير الوطء إن زاد الأجل على العدد.

و في جواز الوطء بها حينئذٍ مع الإذن قولان،أجودهما:الأول،وفاقاً للأشهر؛ للأصل،و فقد الدليل المحرِّم هنا،و صريح الموثّق أو الحسن:

رجل تزوّج بجارية عاتق (2)على أن لا يقتضّها،ثم أذنت له بعد ذلك، قال:«إذا أذنت له فلا بأس» (3)؛ فتدبّر.

أمّا الأحكام فمسائل
اشارة

أمّا الأحكام فمسائل سبع:

الأُولى الإخلال بذكر المهر مع ذكر الأجل يبطل العقد

الاُولى:الإخلال بذكر المهر مع ذكر الأجل المشترطين في صحّة العقد يبطل العقد بالنصّ و الإجماع،كما في المختلف و المسالك (4)، فلا ينقلب دائماً هنا إجماعاً.

و أمّا لو عكس ف ذكر المهر من دون الأجل ففيه أقوال،

ص:333


1- غوالي اللئلئ 1:84/218.
2- أي الجارية أول ما أدركت و التي لم تتزوّج.منه رحمه الله.
3- الفقيه 3:1413/297،الوسائل 21:33 أبواب المتعة ب 11 ح 3.
4- المختلف:559،المسالك 1:505.

أشهرها:أنّه يقلبه دائماً لصلاحيّة العقد لكلّ منهما،و إنّما يتمحّض للمتعة بذكر الأجل،و للدوام بعدمه،فمع انتفاء الأول يثبت الثاني؛ لأنّ الأصل في العقد الصحّة.

و للنصوص،منها الموثّق:«إن سمّى الأجل فهو متعة،و إن لم يسمّ الأجل فهو نكاح باتّ (1)» (2).و قيل:لا؛ لأنّ المتعة شرطها الأجل إجماعاً،و المشروط عدمٌ عند عدم شرطه،و للصحيح (3)و غيره (4):«لا يكون متعة إلّا بأمرين:بأجل مسمّى و مهر مسمّى»،و أنّ الدوام لم يقصد،و العقود تابعة للقصود، و صلاحيّة الإيجاب لهما لا توجب حمل المشترك على أحد المعنيين مع إرادة المعنى الآخر المباين له (5).

هذا،مع التأمّل في صلاحيّة مطلق الإيجاب لهما،و إنّما هي في خصوص لفظ النكاح و التزويج دون التمتّع؛ لما مضى في عقد الدوام (6).

و هذا هو الأقوى،سيّما إذا وقع العقد بلفظ التمتّع و كان ترك الأجل

ص:334


1- قال في مرآة العقول(20:239):قوله عليه السلام:«باتّ» قال العلّامة رحمه الله:أي دائم بحسب الواقع كما فهمه الأصحاب،أو يحكم عليه ظاهراً كما في سائر الأقارير و لا يقع واقعاً،لأنّ ما قصده لم يقع و ما وقع لم يقصد.
2- الكافي 5:1/456،التهذيب 7:1134/262،الوسائل 21:47 أبواب المتعة ب 20 ح 1.
3- الكافي 5:1/455،التهذيب 7:1133/262،الوسائل 21:42 أبواب المتعة ب 17 ح 1.
4- المتعة(مصنفات المفيد 6):47،المستدرك 14:460 أبواب المتعة ب 13 ح 1.
5- قال به الشهيد الثاني في الروضة 5:287.
6- راجع ص 10.

نسياناً،وفاقاً للعلّامة و والده و ولده و الروضة و سبطه (1)و جماعة (2).

و الرواية مع اختلاف نسخها ففي بعضها بدل باتّ:«بان» (3)و هذه صريحة في البطلان ليس فيها تصريح بأنّهما أرادا المتعة و أخلّا بالأجل، بل مضمونها:أنّ النكاح مع الأجل متعة،و بدونه دوام،و لا نزاع فيه.

نعم،في رواية قاصرة السند:إنّي أستحيي ذكر شرط الأيّام،قال:

«هو أضرّ عليك»،قلت:و كيف؟قال:«إنّك إن لم تشترط كان تزويج مقام،و لزمتك النفقة في العدّة،و كانت وارثة،لم تقدر على أن تطلّقها إلّا طلاق السنّة» (4).

و ذكر شيخنا الشهيد في النكت عدم قابليّتها للتأويل.

و ليس كذلك؛ لإمكان أن يكون المراد:إثبات الأضرّية بالإضافة إلى ظاهر الشريعة،بمعنى:أنّ المرأة لو ادّعت الدوام،و أثبتت ذكر الألفاظ بدون الأجل،أُخذ الرجل في ظاهر الشرع بأحكام الدائمة،من النفقة و الكسوة و سائر أحكام الدائمة.و لا يلازم ذلك ثبوت الزوجيّة الدائمة بمجرّد الألفاظ المجرّدة عن بيان المدّة فيما بينه و بين اللّه تعالى،حتى يجوز له التمتّع منها في نفس الأمر.

مع احتمال أن يكون المراد من الاستحياء من ذكر الأجل:الحياء من التمتّع بها و إيجابه العدول إلى الدوام،فكأنّه قال:أتزوّج دائماً لا متعة؛

ص:335


1- العلّامة و والده في المختلف:559،و ولده في إيضاح الفوائد 3:128،الروضة البهية 5:287،و نهاية المرام 1:244.
2- منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 13:26،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:55،و صاحب الحدائق 24:142.
3- لم نعثر عليها في مصادر الحديث.نعم أشار إليها في ملاذ الأخيار 12:54.
4- الكافي 5:3/455،التهذيب 7:1145/265،الإستبصار 3:551/150،الوسائل 21:47 أبواب المتعة ب 20 ح 2.

لحيائي منها.

و مع احتمال جميع ذلك،كيف يُجسَر في تخصيص الأدلّة القطعيّة بها (1)؟!سيّما في صورة النسيان؛ للزوم الانقلاب دواماً فيها التكاليف الشاقّة المخالفة للأُصول بمجرّد النسيان،و لم يُعهَد في الشريعة ثبوت التكاليف بمجرّده؛ مع أنّه مخالف للأدلّة العقليّة.

و أمّا القول:بأنّ العقد إن وقع بلفظ التزويج أو النكاح انقلب دائماً، أو بلفظ التمتّع بطل كما عن الحلّي (2)و لعلّه نظر إلى ما قدّمناه في منع صلاحيّة عقد المتعة مطلقاً للدوام.

أو بأنّ ترك الأجل إن كان جهلاً منهما أو أحدهما أو نسياناً كذلك (3)بطل،و إن كان عمداً بالدوام انقلب،كما حُكي قولاً (4).

فقد ظهر ضعفه ممّا ذكرناه،مع عدم وضوح الدليل على الثاني.

فالقول بالبطلان مطلقاً مع قصد التمتّع الذي هو موضع النزاع أوجه،و لكن الاحتياط لا يُترَك،فيعقد للدوام ثانياً إن أرادها،و إلّا فليطلّقها و يعطي نصف المهر،أو تعفو عنه.

الثانية لا حكم للشروط قبل العقد

الثانية:لا حكم للشروط إذا كانت قبل العقد مطلقاً سائغةً كانت أم لا إجماعاً؛ للنصوص المستفيضة:

منها الموثّق:«ما كان من شرطٍ قبل النكاح هدمه النكاح،و ما كان بعد النكاح فهو جائز» (5).

ص:336


1- أي بالرواية.منه رحمه الله.
2- السرائر 2:620.
3- أي منهما أو من أحدهما.منه رحمه الله.
4- حكاه في الروضة البهية 5:287.
5- الكافي 5:1/456،التهذيب 7:1134/262،الوسائل 21:46 أبواب المتعة ب 19 ح 2.

و نحوه الآخر:«إنّما الشرط بعد النكاح» (1).

و بها يُخَصّ عموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط (2).

مضافاً إلى الإجماع على عدم لزوم الوفاء بما يشترط لا في عقد و أنّه بمنزلة الوعد كما حكاه بعض الأصحاب (3)و مقتضاه عدم لزوم الوفاء بالشروط المتأخّرة كالسابقة،و ظاهرهم الاتّفاق عليه بخصوصه،و به يُخَصّ العموم المتقدّم،و تُصرَف النصوص عن ظواهرها،بحمل النكاح اللازم ما يشترط بعده فيها على أحد طرفي العقد،كما يشعر به بعضها،و فيه:«إن اشترطت على المرأة شروط المتعة فرضيت بها و أوجبت عليها التزويج فاردد عليها شرطك الأول بعد النكاح،فإن أجازته جاز،و إن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من الشروط قبل النكاح» (4).

و أظهر منه الرضوي بل صريح فيه و فيه:«و كلّ شرط قبل النكاح فاسد،و إنّما ينعقد الأمر بالقول الثاني،فإذا قالت في الثاني:نعم،دفع إليها المهر أو ما حضر[منه]» الخبر (5)،و نحوه المرويّ في البحار من خبر المفضّل الوارد في الغَيبة (6).

و تدلّ حينئذٍ على أنّها تلزم لو كانت سائغة و ذكرت فيه أي متن العقد و عليه الإجماع أيضاً كما حكي (7).

ص:337


1- الكافي 5:4/456،الوسائل 21:47 أبواب المتعة ب 19 ح 4.
2- غوالي اللئلئ 1:84/218.
3- كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2:56.
4- الكافي 5:3/456،التهذيب 7:1139/263،الوسائل 21:45 أبواب المتعة ب 19 ح 1.
5- فقه الرضا(عليه السلام):232،المستدرك 14:461 أبواب المتعة ب 14 ح 2،بدل ما بين المعقوفين في النسخ:ما حضرته،و ما أثبتناه من المصدر.
6- البحار 53:26 32،المستدرك 14:474 أبواب المتعة ب 32 ح 1.
7- حكاه صاحب المدارك في نهاية المرام 1:246،و السبزواري في الكفاية:171.

و الأشهر الأظهر الاكتفاء بذكرها فيه في اللزوم؛ لكونها من جملة العقد المأمور بالوفاء به،و الإعادة منفيّة بالأصل.

خلافاً للنهاية،فأوجبها (1)؛ لظواهر ما مرّ من المستفيضة.

و في صحّة النسبة مناقشة؛ لظهور سياق عبارته فيها فيما حملنا عليه المستفيضة.

و على تقديرها،فليس في المستفيضة بعد الإبقاء على ظواهرها دلالة على اعتبار الإعادة،و إنّما ظاهرها الاكتفاء بالشروط اللاحقة و إن لم يقع فيها إعادة بعدم ذكرها في العقد بالمرّة،و لم يقل بلزوم الوفاء بمثلها أحد،حتى هو في النهاية؛ لاعتباره فيها ذكر الشروط في العقد البتّة،و إنّما أوجب ذكرها بعد العقد ثانية،و لم يكتف بذكرها خاصّة،و هذا قرينة واضحة على عدم مخالفته للمشهور في المسألة،و به صرّح بعض الأجلة (2).

الثالثة يجوز اشتراط إتيانها ليلاً أو نهاراً

الثالثة:يجوز له و لها اشتراط إتيانها ليلاً أو نهاراً أو وقتاً دون آخر،أو تمتّعاً دون آخر،إجماعاً في الظاهر.

للأصل،و يلزم؛ لعموم الأمر بالوفاء بالشرط،مع كونه من جملة العقد اللازم الوفاء،فلا يتعدّاه.

و للصحيح:عن امرأة زوّجت نفسها من رجل على أن يلتمس منها ما شاء إلّا الدخول،فقال عليه السلام:«لا بأس،ليس له إلّا ما شرط» (3). و هو

ص:338


1- النهاية:493.
2- قال في نهاية المرام 1:247:و الظاهر أن ذلك مراد الشيخ في النهاية حيث اعتبر فيها وقوع الشرط بعد العقد،فلا يتحقق الخلاف في المسألة.و هكذا قال في كشف اللثام 2:56.
3- الكافي 5:9/467،التهذيب 7:1160/270،الوسائل 21:72 أبواب المتعة ب 36 ح 1؛ بتفاوت.

نصّ في جواز اشتراط أن لا يطأها في الفرج مضافاً إلى ما مرّ.

و هل يجوز إتيانها في الوقت المستثنى مع الرضا؟ قيل:لا (1)؛ التفاتاً إلى لزوم الوفاء بالشرط مطلقاً حتى هنا.

و الأجود:نعم،وفاقاً لجماعة من أصحابنا (2)؛ لصريح الموثّق:تزوّج بجارية على أن لا يقتضّها،ثم أذنت له بعد ذلك،فقال:«إذا أذنت له فلا بأس» (3).

و لعلّ الوجه فيه (4)ما قيل:إنّ العقد مسوّغ للوطء مطلقاً،و الامتناع منه لَحقّ الزوجة إذا اشترطت عليه ذلك،فإذا رضيت جاز (5).

و به يظهر الجواب عن توجيه المنع مطلقاً؛ و لذا اختار المصنّف الجواز بقوله: و لو رضيت به أي الوطء بعد العقد جاز و لعلّه الأشهر بين الأصحاب.

و يجوز العزل عنها هنا و لو من دون إذنها إجماعاً؛ للأصل،و فحوى ما دلّ على جوازه في الدائم (6)كما اخترناه فهنا أولى، و لأنّ الغرض الأصلي هنا الاستمتاع دون النسل بخلاف الدوام،و للصحيح لكنّه مقطوع-:«الماء ماء الرجل يضعه حيث شاء،إلّا أنّه إن جاء بولد

ص:339


1- في المختلف(564).منه رحمه الله.
2- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:248،و السبزواري في الكفاية:171،و صاحب الحدائق 24:154.
3- الفقيه 3:1413/297،الوسائل 21:33 أبواب المتعة ب 11 ح 3.
4- أي في تصريح الموثق بالجواز.منه رحمه الله.
5- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:56.
6- انظر الوسائل 20:149 أبواب مقدمات النكاح ب 75.

لم ينكره» الخبر (1).

و لكن الأحوط الاشتراط؛ لوروده في النصّ في بيان شروط المتعة المذكورة ضمن العقد،و فيه:«يقول لها:زوّجيني نفسك متعة على كتاب اللّه تعالى و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله نكاحاً غير سفاح،على أن لا أرثك و لا ترثيني،و لا أطلب ولدك،إلى أجل مسمّى،فإن بدا لي زدتك و زدتيني» (2).

و الصحيح نصّ في أنّه يلحق به الولد و إن عزل و نحوه الصحيح:عن الرجل يتزوّج المرأة متعة و يشترط ألّا يطلب ولدها،فتأتي بعد ذلك بولد فينكر الولد،فشدّد في ذلك و قال:«يجحد! و كيف يجحد؟!» عظاماً لذلك،الخبر (3).

و يعضده عموم ما دلّ على لحوق الولد به،كالصحيح:أ رأيت إن حبلت؟قال:«هو ولد» (4)و كذا في كلّ وطء صحيح،فإنّ المني سبّاق، و الولد للفراش،و ظاهرهم الوفاق عليه بشرط الإمكان.

و لكن لو نفاه انتفى و لم يحتج إلى لعان هنا مطلقاً و لو لم يعزل بالإجماع كما حكي (5)،بخلاف الدوام،فيحتاج النفي فيه إلى

ص:340


1- الكافي 5:2/464،التهذيب 7:1155/269،الإستبصار 3:558/152،الوسائل 21:70 أبواب المتعة ب 33 ح 5.
2- الفقيه 3:1398/294،التهذيب 7:1136/263،الوسائل 21:44 أبواب المتعة ب 18 ح 5.
3- التهذيب 7:1157/269،الإستبصار 3:560/153،الوسائل 21:69 أبواب المتعة ب 33 ح 2.
4- الكافي 5:1/464،التهذيب 7:1154/269،الإستبصار 3:557/152،الوسائل 21:69 أبواب المتعة ب 33 ح 1.
5- حكاه الشهيد الثاني في المسالك 1:505.

لعان،و ليس له النفي إلّا مع العلم بالانتفاء و إن عزل أو اتهمها أو ظنّ الانتفاء.

و المستند في عدم احتياج النفي إلى لعان مضافاً إلى الإجماع المتقدّم ما سيأتي من النصوص في نفي اللعان فيها مطلقاً؛ إذ مقتضاه انتفاء الولد مطلقاً،و إلّا لانسدّ باب نفيه،و لزم كونه أقوى من ولد الزوجة الدائمة،و هو معلوم البطلان.

الرابعة لا يقع بالمتعة طلاق إجماعاً

الرابعة:لا يقع بالمتعة طلاق إجماعاً ،حكاه جماعة (1)،بل تبين بهبة المدّة للمستفيضة المتقدّمة أو بانقضائها؛ للصحيحين:

في أحدهما:في المتعة تبين بغير طلاق؟قال:«نعم» (2).

و في الثاني:«فإذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق» (3).

و لا لعان على الأظهر الأشهر في القذف؛ للصحيحين:

في أحدهما:«لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتّع بها» (4).

و في الثاني:«لا يلاعن الحرُّ الأمة،و لا الذميّة،و لا التي يتمتّع بها» (5).

مضافاً إلى الإجماع عليه في الغنية (6).

ص:341


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:505،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:249،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:57.
2- الكافي 5:2/459،التهذيب 7:1147/266،الإستبصار 3:553/151،الوسائل 21:58 أبواب المتعة ب 25 ح 1؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 5:6/451،الوسائل 21:77 أبواب المتعة ب 43 ح 2.
4- الكافي 6:17/166،التهذيب 7:1892/472،الوسائل 22:430 أبواب اللعان ب 10 ح 1.
5- الفقيه 3:1667/347،التهذيب 8:653/188،الإستبصار 3:1332/373،الوسائل 22:430 أبواب اللعان ب 10 ح 2.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):611.

خلافاً للمفيد و المرتضى،فأثبتاه فيها (1)؛ لعموم الآية (2)،و النصوص المستفيضة في وقوعها في مطلق الزوجة (3).

و فيه أولاً:منع صدق الزوجة عليها حقيقةً؛ لاختصاصها بحكم التبادر بالدائمة جدّاً.

و على تقديره،فالتخصيص بالصحيحين الصريحين المعتضدين بالشهرة العظيمة لازمٌ جدّاً.

و إطلاق الخبرين بل العموم يشمل اللعان لنفي الولد،و عليه حكي الإجماع كما مرّ.

خلافاً للمحكيّ عن ابن سعيد في الجامع،فأثبته هنا أيضاً (4).و هو ضعيف جدّاً.

و يقع الظهار بها على الأشهر الأظهر،و على تردّد من الماتن هنا دون بحثه،فحكم بالوقوع ثمّة بدونه.

لعموم الآية (5)المستفاد من إضافة الجمع و هو النساء الشاملة لنحو المتعة بالحقيقة بالضرورة،و ليس نحو الزوجة المتبادر منها الدائمة.

مضافاً إلى فحوى النصوص المعتبرة المعتضدة بالشهرة،المخالفة للعامّة في وقوع الظهار بالأمة المملوكة للمظاهر (6).

ص:342


1- المفيد في العزّية على ما حكاه عنه في كشف الرموز 2:156 و في جامع المقاصد 13:35؛ و المرتضى في الانتصار:115.
2- المؤمنون:5.
3- انظر الوسائل 22:407 أبواب اللعان ب 1.
4- الجامع للشرائع:452.
5- المجادلة:3.
6- انظر الوسائل 22:321 أبواب الظهار ب 11.

و بجميع ذلك تُخَصّ أصالة الإباحة و البقاء على الحلّية.

و تندفع الوجوه الاعتباريّة،مثل:أنّ المظاهِر يُلزَم بالفئة أو الطلاق، و ليس في المتعة،و الإلزام بالفئة خاصّة بعيدٌ بالضرورة،و إقامة الهبة للمدّة مقام الطلاق يحتاج إلى دلالة معتمدة،و ليس إلّا القياس الباطل عند الإماميّة،و أنّ المتمتَّع بها لا حقّ لها في الوطء،فلا يقع منها المرافعة.

بناءً (1)على أنّ الإلزام بالأُمور المزبورة لا يوجب التخصيص في الأدلّة؛ لجواز اختصاصها بمن يمكن معه أحدها (2)،و هو الزوجة الدائمة؛ مع أنّ مثل ذلك جارٍ في نحو الأمة،و قد عرفت أنّ الجواز فيها صريح ما مرّ من المعتبرة،فليس ذلك إلّا اجتهاد محض في مقابلة الأدلّة.

فالقول بالمنع كما عن الإسكافي و الصدوق و الحلّي (3)ضعيف جدّاً.

و أمّا المرسل المشبّه للظهار بالطلاق (4)،فمع ضعفه و قصور سنده، غير مكافئ لما مرّ،مع التأمّل في وضوح دلالته،فلعلّ المراد:أنّ الظهار حيث يقع مثل الطلاق في الشرائط،لا أنّه مثله في الوقوع و عدمه، فتأمّل.

الخامسة لا يثبت بالمتعة ميراث

الخامسة:لا يثبت بالمتعة ميراث بينهما مطلقاً،اشترط الثبوت

ص:343


1- علّة الاندفاع.منه رحمه الله.
2- أي الأُمور.منه رحمه الله.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:599،الصدوق في الهداية:71،الحلّي في السرائر 2:624.
4- الكافي 6:5/154،الفقيه 3:1639/340،التهذيب 8:44/13،الإستبصار 3:935/261،الوسائل 22:307 أبواب كتاب الظهار ب 2 ح 3.

أو العدم أم لا،كما عن الحلبي و الحلّي و العلّامة في أحد قوليه و ولده و المحقّق الشيخ عليّ (1)،و نُسِبَ إلى أكثر المتأخّرين (2).

للأصل،و لأنّ الإرث حكم شرعيّ يتوقّف ثبوته على توظيف الشارع،و لم يثبت،بل الثابت خلافه،ففي الخبر المعتبر بوجود المجمع (3)على تصحيح رواياته،و من (4)لا يروي إلّا عن ثقة في سنده -:«من حدودها يعني المتعة إلّا ترثك و لا ترثها» (5)و بمعناه أخبار كثيرة:

منها الحسن:«ليس بينهما ميراث،اشترطا أو لم يشترطا» (6).

و منها المرسل كالحسن المرويّ عن كتاب الحسين بن سعيد أو ابن بكير في حديث في المتعة،قال:«فإن حدث به حدث لم يكن لها ميراث» (7).

و منها الرضوي:«و الوجه الثاني:نكاح بغير شهود و لا ميراث،و هو نكاح المتعة بشروطها» إلى آخره (8).

و بالجملة:الأخبار النافية للإرث عن المتعة كثيرة (9)،بل قيل

ص:344


1- الحلبي في الكافي:298،الحلّي في السرائر 2:624،العلّامة في المختلف:561،و ولده في إيضاح الفوائد 3:132،المحقق في جامع المقاصد 13:37.
2- نهاية المرام 1:252،مرآة العقول 20:240،الحدائق 24:176.
3- هو حمّاد بن عثمان.منه رحمه الله.
4- جعفر بن بشير.منه رحمه الله.
5- التهذيب 7:1143/265،الإستبصار 3:549/150،الوسائل 21:68 أبواب المتعة ب 32 ح 8.
6- التهذيب 7:1142/264،الإستبصار 3:548/149،الوسائل 21:67 أبواب المتعة ب 32 ح 7؛ بتفاوت يسير.
7- الكافي 5:5/466،الوسائل 21:67 أبواب المتعة ب 32 ح 3.
8- فقه الرضا(عليه السلام):232،المستدرك 14:461 أبواب المتعة ب 14 ح 2.
9- الوسائل 21:66 أبواب المتعة ب 32.

متواترة،إلّا أنّ دلالتها على العموم لصورة اشتراط الميراث غير واضحة، حتى الحسن الأول المتقدّم؛ لاحتمال كون متعلّق الاشتراط هو النفي لا الإثبات المؤيَّد إرادته بتعارف اشتراطه دونه في نكاح الانقطاع في الزمن السابق،كما يفصح عنه المستفيضة المتضمّنة لعدّ اشتراطه في شروط المتعة المذكورة في متن العبارة المنعقد بها عقد المتعة (1)،و قد صرّح بذلك بعض الأجلّة (2)و إن كان (3)من دون ملاحظة ما ذكر بعيداً عن سياق عبارة الرواية،و لكن لا محيص عن بعد وجود الأدلّة الآتية على ثبوت التوارث بالاشتراط البتّة،و بها يُخَصّ الأصل و القاعدة المتقدّمتان.

نعم،ما مرّ معها صريح في ردّ القول بالعكس (4)و أنّها كالدائم،كما عن القاضي (5)و غيره (6)؛ و مستنده من عموم آيات التوريث و أخباره بعد تسليمه بما مرّ مخصَّص.

و منه يظهر الجواب عمّا قال به المرتضى من أنّه يثبت التوريث لهما ما لم يشترطا السقوط (7) مستنداً إلى الجمع بين ما مرّ من أدلّة إطلاق الثبوت و العدم.

و هو مع عدم موافقته للأصل الذي صار إليه غير ممكن المصير إليه،لكون التعارض بين المثبِت على تقدير عمومه و النافي تعارض

ص:345


1- الوسائل 21:43 أبواب المتعة باب 18.
2- كصاحب الحدائق 24:180.
3- أي الاحتمال المزبور.منه رحمه الله.
4- و هو التوارث مطلقاً.منه رحمه الله.
5- المهذب 2:240.
6- انظر المهذّب البارع 3:320.
7- الانتصار:114.

العموم و الخصوص المطلق،و مقتضى الأصل المسلّم عنده أيضاً حمل الأول على الثاني،و هو يوجب نفي التوارث هنا مطلقاً،خرج منه ما إذا اشترط كما يأتي فيبقى الباقي.

و قوله يلازم اطراح الأخبار النافية للموارثة،أو تخصيصها بصورة اشتراط انتفائها من دون مخصِّص،و كلاهما كما ترى،و جعله (1):

«المؤمنون عند شروطهم» حَسَنٌ حيث يستفاد منه الثبوت مع عدم الاشتراط،و ليس كذلك.

فانحصر الأمر في اطراح الروايات،و التمسّك بذيل الآيات، و تخصيصها بما مرّ (2)في صورة اشتراط الانتفاء،و هو لا يلائم طريقتنا، و لذا لَزِمَنا المصيرُ إلى ما قدّمناه.

نعم،في الموثّق:في الرجل يتزوّج المرأة متعة«إنّهما يتوارثان إذا لم يشترطا» (3).

و لا يمكنه الاستناد إليه على أصله،و كذا على غيره (4)؛ لعدم مكافأته لما مرّ من الأخبار الكثيرة،المعتضدة بالشهرة التي كادت تكون إجماعاً، و لما سيأتي من الصحيحين المصرّحين بخلافه من عدم الثبوت إلّا مع الاشتراط.

نعم،ربما أشعرت المستفيضة بذكر اشتراط نفي الميراث في صيغة

ص:346


1- أي و جعل المخصِّص.
2- من:«المؤمنون عند شروطهم».منه رحمه الله.
3- الكافي 5:1/465،التهذيب 7:1144/265،الإستبصار 3:550/150،الوسائل 21:66 أبواب المتعة ب 32 ح 2.
4- من حجيّة أخبار الآحاد.منه رحمه الله.

عقد المتعة (1)بالتوارث بدون الذكر،و إلّا لَلَغا عن الفائدة،لكنّها قاصرة السند،و مع ذلك كالموثّقة غير واضحة المكافأة للنصوص السابقة؛ مع احتمال الذكر فيها لتأكيد ما يستفاد من العقد؛ تنبيهاً للنسوة بنفي التوارث الثابت في الدوام في المتعة؛ لئلّا يغتررن بثبوته فيها فيتمتّعن،و لذا أنّ بعض تلك النصوص كالرضوي و غيره (2)صرّح بنفي التوارث هنا على الإطلاق و مع ذلك اشترط فيهما الانتفاء،مع أنّهما كغيرهما اشترط فيهما ما لو لا الاشتراط كان كصورة الاشتراط،كاشتراط العزل و نحوه،كالعدّة،فافهم.

و بالجملة:القول بإطلاق التوارث ضعيف جدّاً.

نعم،لو شرطا الميراث بينهما لزم و يتوارثان.

لعموم:«المؤمنون عند شروطهم» (3).

و للصحيحين،في أحدهما:«إن اشترطا الميراث فهما على شرطهما» (4).

و نحوه في الثاني بزيادة التعبير عن المفهوم بالمنطوق (5)،و نحوه الصحيح الآخر المرويّ في قرب الإسناد (6)؛ و بهما يُخَصّ كلّ من عمومي التوارث و عدمه.

ص:347


1- انظر الوسائل 21:43 أبواب المتعة ب 18.
2- المتقدم ذكرها في ص 342.
3- غوالي اللئلئ 1:84/218.
4- التهذيب 7:1141/264،الإستبصار 3:547/149،الوسائل 21:67 أبواب المتعة ب 32 ح 5.
5- الكافي 5:2/465،التهذيب 7:1140/264،الإستبصار 3:546/149،الوسائل 21:66 أبواب المتعة ب 32 ح 1.
6- قرب الإسناد:1295/362،الوسائل 21:66 أبواب المتعة ب 32 ح 1.

و إليه ذهب كثير من الأصحاب (1)،حتى كاد أن يكون مشهوراً بينهم، و صرّح به الماتن في الشرائع (2)،و به يضعّف إسناد الشهرة إلى القول الأول،فلا وجه لترجيح أدلّته بها على أدلّة هذا القول،و على تقدير صحّته (3)ففي ترجيح الظنّ الحاصل منه على الحاصل من فتوى المعظم مع قوّة أدلّتهم،و رجحانه في حدّ ذاته على أدلّة القول الأول تأمّلٌ واضح.

فإذاً القول بهذا الأخير أقرب.

و ليس في الخبر الأول (4)للقول بنفي التوارث مطلقاً دلالةٌ عليه من حيث ظهوره في كون النفي حدّا من حدود العقد،المستلزم كون اشتراطه الثبوت معه اشتراطاً لما ينافي مقتضي العقد فيبطل لاحتمال أنّ المراد مقتضاه ذلك من دون اشتراط الخلاف،و أمّا معه فلا.و حاصله:أنّ ذلك مقتضى العقد بنفسه من دون شرط نفي التوارث،و ذلك لا ينافي ثبوته بالاشتراط،مع قيام الدليل عليه.

هذا،و ربما يقال:إنّ المستفاد من الخبر:عدم اقتضاء العقد الإرث، لا اقتضاؤه العدم.و فيه نظر.

ثم إنّ شَرَطاه لهما فعلى ما شرطاه؛ أو لأحدهما خاصّة احتمل كونه كذلك؛ عملاً بالشرط،و بإطلاق الصحيحين سيّما الأخير و بطلانه؛ لمخالفته لمقتضاه؛ لأنّ الزوجيّة إن اقتضت الإرث و انتفت موانعه ثبت من الجانبين

ص:348


1- كالشيخ في النهاية:492،و الشهيدين في اللمعة و الروضة البهية 5:296.
2- الشرائع 2:307.
3- أي صحة إسناد الشهرة إلى القول الأول.
4- المتقدم في ص 342.

و إلّا انتفى منهما.

و الأوّل أقوى،و التوجيه في الثاني استبعادٌ محض،مدفوعٌ بوجود النظير،كإرث مسلم من الكافر دون العكس،و ولد الملاعن المقرّ به بعده منه دون العكس؛ مع أنّ ذلك مبنيّ على كون الإرث ناشئاً من الزوجيّة، و فيه منع؛ لاحتمال مجيئه من الاشتراط خاصّة.

السادسة إذا انقضى أجلها فالعدّة حيضتان

السادسة:إذا انقضى أجلها أو وهب،و كانت مدخولاً بها غير يائسة،وجب عليها العدّة منه لغيره دونه،حرّة كانت أو أمة،إجماعاً.

و قد اختلف في مقدارها بعد الاتّفاق ظاهراً على اتّحادها فيهما هنا على أقوال أربعة:

منها:ما أشار إليه بقوله: فالعدّة من انقضاء الأجل أو هبته دون الوفاة حيضتان كاملتان على الأشهر كما هنا،و حكاها (1)جماعة (2).

لأصالة بقاء الحرمة،و النصوص المستفيضة:

منها:الصحيح:«و إذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق،و يعطيها الشيء اليسير،و عدّتها حيضتان،و إن كانت لا تحيض فخمسة و أربعون يوماً» (3).

و نحوه الصحيح المرويّ في البحار عن كتاب الحسين بن سعيد، و فيه:«فلا تحلّ لغيرك حتى تنقضي عدّتها،و عدّتها حيضتان» (4).

ص:349


1- أي الشهرة.منه رحمه الله.
2- منهم الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:350،و قال الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:57.عليه الشيخ و من بعده.
3- الكافي 5:6/451،الوسائل 21:19 أبواب المتعة ب 4 ح 8.
4- البحار 100:20/315.

و به صرّح في المرويّ في تفسير العيّاشي (1).

و منها الصحيح:«و عدّة المطلّقة ثلاثة أشهر،و الأمة المطلّقة عليها نصف ما على الحرّة،و كذلك المتمتّعة عليها ما على الأمة» (2).

دلّ بعمومه على اتّحاد عدّتها مع عدّه الأمة،و هي فيها حيضتان؛ للنصوص المعتبرة:

منها الصحيحان:«عدّة الأمة و أجلها حيضتان» (3).

و ربما يناقش في دلالة الخبر على اتّحاد عدّتيهما في الحيضة؛ لظهوره بحسب السياق في الأشهُر (4).

و هو ضعيف جدّاً؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المحلّ قطعاً، و يعضد العموم ما ورد في النصوص المعتبرة من أنّهنّ بمنزلة الإماء (5)، و عموم المنزلة لُغويّة يشمل الحكم في هذه الصورة و غيرها.

خلافاً للعماني،فحيضة (6)؛ للمستفيضة الأُخر:

منها الصحيحان،أحدهما مرويّ عن قرب الإسناد:«عدّة المتعة

ص:350


1- تفسير العياشي 1:86/233،الوسائل 21:56 أبواب المتعة ب 23 ح 6.
2- الفقيه 3:1408/296،التهذيب 8:545/157،الإستبصار 3:1252/350،الوسائل 22:275 أبواب العدد ب 52 ح 2.
3- ورد أحدهما في:الكافي 6:1/169،الوسائل 22:256 أبواب العدد ب 40 ح 2؛ بتفاوت يسير. و الآخر في:الكافي 6:4/170،الوسائل 22:256 أبواب العدد ب 40 ح 3؛ بتفاوت يسير.
4- نهاية المرام 1:256.
5- الوسائل 21:18 أبواب المتعة ب 4.
6- كما حكاه عنه في المختلف:562.

حيضة» (1)كما فيه،و في الثاني كذلك بزيادة:«إن كانت تحيض» (2).

و منها الخبر:«عدّتها خمسة و أربعون يوماً،أو حيضة مستقيمة» (3).

و منها المرويّ في الاحتجاج عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام،مشيراً إلى عدّتها:ب:«أنّ أقلّ العدّة حيضة و طهرة تامّة» (4).

و منها المرويّ في البحار من خبر المفضّل الوارد في الغَيبة،و فيه في ذكر الشرائط:«و عليك الاستبراء خمسة و أربعون يوماً أو حيضاً واحداً» (5)و نحوه المقطوع (6).

و هي و إن استفاضت إلّا أنّ ما عدا الصحيحين منها قاصرة الأسانيد، ضعيفة التكافؤ كالصحيحين لما مرّ؛ لاعتضاده بالشهرة و الأصل،و أوفقيّته بما سيأتي من القولين،فإطراحها أو التأويل بما تؤول إليه لازمٌ في البين.

و للمقنع،فحيضة و نصف (7)؛ للصحيح:«و إذا انقضت أيّامها و هي حيّ فحيضة و نصف مثل ما يجب على الأمة» (8).

و الجواب السابق ثمّة جارٍ هنا بطريق أولى،مع أنّ مقتضاه كون ذلك عدّة الأمة،و قد عرفت النصوص الصحيحة و المعتبرة المعتضدة بالشهرة

ص:351


1- قرب الإسناد:1293/361،الوسائل 21:53 أبواب المتعة ب 22 ح 6.
2- الكافي 5:1/458،التهذيب 8:573/165،الوسائل 21:51 أبواب المتعة ب 22 ح 1.
3- التهذيب 7:1143/265،الإستبصار 3:549/150،الوسائل 21:52 أبواب المتعة ب 22 ح 4.
4- الاحتجاج:488،489،الوسائل 21:53 أبواب المتعة ب 22 ح 7.
5- البحار 53:30.
6- الكافي 5:3/458،الوسائل 21:52 أبواب المتعة ب 22 ح 3.
7- المقنع:114.
8- الفقيه 3:1407/296،الوسائل 21:52 أبواب المتعة ب 22 ح 5.

و غيرها المصرّحة بالحيضتين فيها،و ليس يقاوم واحداً منها فضلاً عن الجميع.و هذا القول مّما لا يُرتاب في فساده جدّاً.

و للمفيد و الحلّي و المختلف،فقرءان (1)أي طُهران للصحيح في الأمة:«طلاقها تطليقتان،و عدّتها قرءان» (2)مع ما مرّ من الصحيح المشبِّه للمتعة بها في العدّة،و سيأتي في اعتداد الدائمة المطلّقة بالأقراء أنّ المراد منها:الأطهار.

و فيه أولاً:أنّ القرء أعمّ لغةً من الطهر و الحيض،و مشترك لفظاً بينهما،و إرادة الأول منه ثمّة غير ملازم لإرادته هنا.

و ثانياً:إفصاح ما قدّمناه من الصحاح و غيرها عن إرادة الثاني هنا، و إلّا لوقوع التعارض،و الأصل العدم،و على تقديره فلا ريب أنّ الرجحان معها جدّاً؛ لوجوه لا تخفى.

و ربما استُدلّ لهذا القول بأخبار الحيضة الواحدة بوجهِ ظاهر الفساد (3).

فإذاً المصير إلى القول الأوّل أقوى.

و إن كانت ممّن تحيض عادةً و لكن لم تحض لآفة ف عدّتها حرّة كانت أو أمة- خمسة و أربعون يوماً إجماعاً نصّاً و فتوى.

و لو مات عنها و هي حرّة حائل ففي مقدار العدّة فيها روايتان،أشبههما و أشهرهما كما حكاه جماعة من أصحابنا (4)أنّها

ص:352


1- المفيد في المقنعة:536،الحلّي في السرائر 2:625،المختلف:562.
2- الكافي 6:1/167،التهذيب 8:466/134،الإستبصار 3:1192/335،الوسائل 22:256 أبواب العدد ب 40 ح 1.
3- انظر الوسائل 21:51 أبواب المتعة ب 22.
4- منهم الشهيد في المسالك 1:507،و السبزواري في الكفاية:171،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:57.

أربعة أشهر و عشرة أيّام مطلقاً،سواء كانت مدخولاً بها أم لا؛ لعدم الفرق بينهما إجماعاً.

للأصل،و الصحيحين:في أحدهما:ما عدّة المتعة إذا مات الذي يتمتّع بها؟قال:«أربعة أشهر و عشراً» (1).

و في الثاني:عن المرأة يتزوّجها الرجل متعة ثم يتوفّى عنها،أ هَل عليها العدّة؟قال:«تعتدّ أربعة أشهر و عشراً» (2).

و أُيّدا بعموم الآية وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً [1] الآية (3).

و ليس فيها دلالة؛ بناءً على عدم صدق الزوجة عليها أولاً،و إنّما هي مستأجرة.و عدم العموم فيها؛ بناءً على عدم إفادة الجمع المنكَّر إيّاه ثانياً.

خلافاً للمفيد و المرتضى و العماني و سلّار،فشهران و خمسة أيّام (4).

بناءً على أنّها عدّة الأمة،فتثبت هنا بالإضافة إلى الصحيح المتقدّم (5)المسوّي بينهما.

و للمرسل:عن رجل تزوّج امرأة متعة،ثم مات عنها،ما عدّتها؟ قال:«خمسة و ستون يوماً» (6).

ص:353


1- الفقيه 3:1408/296،التهذيب 8:545/157،الإستبصار 3:1252/350،الوسائل 22:275 أبواب العدد ب 52 ح 2.
2- الفقيه 3:1407/296،التهذيب 8:544/157،الإستبصار 3:1251/350،الوسائل 22:275 أبواب العدد ب 52 ح 1.
3- البقرة:234.
4- المفيد في المقنعة:536،المرتضى في الانتصار:114،و حكاه عن العماني في المختلف:562،سلّار في المراسم:165.
5- في ص 347.
6- التهذيب 8:547/158،الإستبصار 3:1254/351،الوسائل 22:276 أبواب العدد ب 52 ح 4.

و في الجميع نظر؛ لمنع إطلاق كون ذلك عدّة الأمة،بل مختصّ بغير ذات الولد؛ مع احتمال المنع مطلقاً،و إن كان الأشهر الثبوت كذلك (1).

و منع التسوية بينهما هنا على تقدير الثبوت في الأمة مطلقاً،إمّا لظهور سياق الصحيح في التسوية في عدّة الطلاق خاصّة،بل صريح فيه؛ للتصريح فيه بالتسوية بينهما و بين الدائمة في عدّة الوفاة،و أنّه أربعة أشهر و عشراً مطلقاً.

أو لزوم التخصيص بالصحيحين،و إطلاق الأخبار الكثيرة ب:أنّ الأمة على النصف من الحرّة (2)،الشامل للمقام.

و الخبر لضعفه،و إرساله،و عدم مكافأته لما مرّ غير صالح للاستناد إليه،و لذا حمله الشيخ (3)و جماعة (4)على الأمة المتمتّع بها،بناءً على أنّ ذلك عدّتها،إمّا مطلقاً،كما عن المشهور بين متقدّمي الأصحاب (5).أو مقيّداً بغير ذات الولد،كما عن الشيخ (6)و كثير من الأصحاب (7)،حتى ادّعى بعضهم بل جمع عليه الشهرة المتأخّرة (8)،بل و المتقدّمة.

و لا بأس به؛ جمعاً بين المستفيضة المثبتة لذلك (9)فيها مطلقاً،

ص:354


1- أي مطلقاً.منه رحمه الله.
2- انظر الوسائل 22:أبواب العدد ب 40 ح 3،و الباب 42 منها ح 10،و الباب 47 منها ح 2.
3- التهذيب 8:158 و الاستبصار 3:203.
4- كالشهيدين في اللمعة و الروضة البهية 5:303،304،و السبزواري في الكفاية:171.
5- المفاتيح 2:348.
6- كما في التهذيب 8:158،و الاستبصار 3:203.
7- حكاه عنهم في الحدائق 25:510.
8- الحدائق 25:510.
9- أي شهران و خمسة أيام.منه رحمه الله.

كالصحيح:«الأمة إذا توفّي عنها زوجها فعدّتها شهران و خمسة أيّام» (1).

و المثبتة لعدّة الدائمة فيها كذلك (2)كالصحيح:«إنّ الأمة و الحرّة كلتيهما إذا مات عنها زوجها سواء في العدّة،إلّا أنّ الحرّة تحدّ،و الأمة لا تحدّ» (3).

لشهادة الصحيحين بذلك (4):

في أحدهما:عن الأمة إذا طلّقت،ما عدّتها؟قال:«حيضتان أو شهران»[قلت:]فإن توفّي عنها زوجها؟فقال:«إنّ عليّاً عليه السلام قال في أُمّهات الأولاد:لا يتزوّجن حتى يعتددن أربعة أشهر و عشراً،و هنّ إماء» (5).

و في الثاني:عن رجل كانت له أُمّ ولد،فزوّجها من رجل،فأولدها غلاماً،ثم إنّ الرجل مات فرجعت إلى سيّدها،إله أن يطأها؟قال:«تعتدّ من الزوج أربعة أشهر و عشراً» الحديث (6).

و لكن ليس فيهما التقييد بذلك حتى يقيّد بهما إطلاق الأخيرة،و لذا رجّح القول بمضمونها جماعة (7)؛ حملاً للأوّلة على التقيّة و إن اشتهرت بين

ص:355


1- التهذيب 8:536/154،الإستبصار 3:1239/347،الوسائل 22:261 أبواب العدد ب 42 ح 9.
2- أي مطلقاً.منه رحمه الله.
3- الكافي 6:1/170،التهذيب 8:529/153،الإستبصار 3:1241/347،الوسائل 22:259 أبواب العدد ب 42 ح 2.
4- أي الجمع المزبور.منه رحمه الله.
5- الكافي 6:2/170،التهذيب 8:530/153،الإستبصار 3:1243/348،الوسائل 22:259 أبواب العدد ب 42 ح 1؛ و ما بين المعقوفين من المصادر.
6- الكافي 6:10/172،التهذيب 8:531/153،الإستبصار 3:1244/348،الوسائل 22:259 أبواب العدد ب 42 ح 3.
7- منهم الحلّي في السرائر 2:625،و العلّامة في المختلف:563.

متقدّمي الطائفة.

و هو و إن كان محلّ مناقشة،إلّا أنّ أصالة بقاء الحرمة و التأيّد بظاهر إطلاق الآية (1)و الاحتياط في الفروج يقتضي المصير إلى ما ذكروه البتّة، سيّما في أُمّهات الأولاد،بل للقطع بذلك فيهنّ مجال بالضرورة؛ لاشتهار الحكم فيهنّ بين متأخّري الأصحاب قطعاً.

مع إشعار الصحيح الأول من الصحيحين بل ظهوره في اختصاصه بهنّ،من حيث وقوع السؤال عن مطلق الأمة المتوفّى عنها زوجها، و تخصيص الجواب بالحكم المذكور بهنّ،و لو عمّ الحكم لَما كان له مع لزوم مراعاة مطابقة السؤال للجواب وجه،سوى ما ذكرنا البتّة،فتدبّر.

فدلالته على التفصيل واضحة،و سلسلة السند صحيحة،معتضدة بالشهرة المتأخّرة صريحاً و المتقدّمة في الجملة،كاعتضادها بالأُصول المسلّمة،و ظاهر الآية كذلك.فالقول بالتفصيل غير بعيد جدّاً.

و يأتي تمام التحقيق في بحث العِدد إن شاء اللّه تعالى.

و إذا كانت حاملاً فأبعد الأجلين من [المدة المضروبة في الطلاق و] انقضاء الأجل (2)من الأربعة أشهر و عشراً أو النصف منه على الاختلاف،و منها إلى وضع الحمل؛ بالإجماع في الظاهر،و عموم الآية وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [1] (3)المؤيَّد بأصالة بقاء الحرمة و عمل الطائفة،فيُخَصّ بها أو يقيَّد إطلاق الآية الأُولى (4)في صورة (5)؛ و يُعكَس في أُخرى (6).

ص:356


1- البقرة:234.
2- إن كانت متعة مطلقاً.منه رحمه الله.
3- الطلاق:4.
4- البقرة:234.
5- و هي ما إذا كان الوضع أبعد الأجلين.منه رحمه الله.
6- و هي ما إذا كان المدة أبعد من وضع الحمل.منه رحمه الله.
السابعة لا يصحّ تجديد العقد قبل انقضاء الأجل

السابعة:لا يصحّ تجديد العقد عليها مطلقاً دائماً أو منقطعاً - قبل انقضاء الأجل على الأشهر الأظهر،كما عن الطوسي و القاضي و الحلّي (1).

لمفهوم الصحيح:«لا بأس بأن تزيدك و تزيدها إذا انقضى الأجل فيما بينكما» (2).

و صريح الخبر:يتزوّج المرأة متعة،فيتزوّجها على شهر،ثم إنّها تقع في قلبه فيحبّ أن يكون شرطه أكثر من شهر،فهل يجوز أن يزيدها في أجرها و يزداد في الأيّام قبل أن تنقضي أيّامه التي شرط عليها؟فقال:

«لا يجوز شرطان في شرط»،قلت:فكيف يصنع؟قال:«يتصدّق عليها بما بقي من الأيّام،ثم يستأنف شرطاً جديداً» (3).

خلافاً لصريح ابن حمزة (4)و ظاهر العماني و المختلف (5)،فجوّزاه (6)قبل الأجل.

للأصل السالم عن معارضة شغلها بعقد غيره.

و كونها مشغولة بعقده لا يمنع من العقد عليها مدّة أُخرى،كما لو كانت مشغولة بعدّته.

و الأصل يجب الخروج عنه بما مرّ.

ص:357


1- الطوسي في النهاية:492،القاضي في المهذب 2:243،الحلّي في السرائر 2:625.
2- الكافي 5:1/458،التهذيب 7:1152/268،الوسائل 21:54 أبواب المتعة ب 23 ح 2.
3- الكافي 5:2/458،التهذيب 7:1153/268،الوسائل 21:57 أبواب المتعة ب 24 ح 1.
4- الوسيلة:310.
5- المختلف:564،و حكاه فيه عن العماني.
6- كذا و لعلّ الأنسب:فجوّزوه.

و الثاني اجتهاد في مقابلته،و هو غير جائز،إلّا على تقدير عدم حجّية المفهوم و عدم جابر للخبر،و هما في محلّ المنع.

و ليس في الخبرين منافاة للقول بجواز العقد منفصلاً؛ لاحتمال كون المنع فيهما من حيث الجمع لا مطلقاً،و ربّما أفصح عنه التعليل في الأخير، فالقدح بهما عليه ليس في محلّه ظاهراً.

و مقتضاهما أنّه لو أراد العقد عليها مطلقاً وهبها المدّة و استأنف العقد و لا عدّة عليها منه.

و عليه دلّت النصوص الأُخر،كالصحيحين:«فإذا مضت تلك الأيّام كان طلاقها في شرطها و لا عدّة لها عليك» (1).

و نحوهما المرسل لمن أجمع على تصحيح ما يصحّ عنه:«إنّ الرجل إذا تزوّج المرأة متعة كان عليها عدّة لغيره،فإذا أراد هو أن يتزوّجها لم يكن عليها منه عدّة،يتزوّجها إذا شاء» (2).

و ظاهرهم الإجماع عليه،و هو مقتضى الأصل مع انتفاء المانع.

ص:358


1- الأول في:الكافي 5:5/455،الوسائل 21:44 أبواب المتعة ب 18 ح 3.الثاني في:التهذيب 7:1151/267،الإستبصار 3:556/152،الوسائل 21:48 أبواب المتعة ب 20 ح 3.
2- الكافي 5:3/459،الوسائل 21:54 أبواب المتعة ب 23 ح 3.

القسم الثالث في نكاح الإماء و النظر إمّا في العقد،و إمّا في الملك

اشارة

القسم الثالث في بيان نكاح الإماء و العبيد و النظر فيه: إمّا في العقد،و إمّا في الملك.

النظر في العقد
ليس للعبد و لا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحاً ما لم يأذن المولى

أمّا العقد:فليس للعبد و لا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحاً ما لم يأذن المولى إجماعاً؛ للنصوص المستفيضة الآتية،مع أنّهما ملك له،فلا يتصرّفان في ملكه بغير إذنه؛ لقبحه.

و لو بادر أحدهما فعقد لنفسه بدون إذنه ففي وقوفه على الإجازة و صحّته معها،و عدمها مع العدم قولان،و وقوفه على الإجازة أشبه و أشهر؛ لما مضى في الدوام من الإجماع عن الانتصار مطلقاً (1)، و الخلاف هنا (2)،و النصوص المستفيضة:

منها الصحيح:عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده،فقال:«ذلك إلى سيّده،إن شاء أجازه،و إن شاء فرّق بينهما» (3).

و منها الصحيح:إنّي كنت مملوكاً لقوم،و إنّي تزوّجت امرأة حرّة بغير إذن مواليّ،ثم أعتقوني بعد ذلك،أ فأُجدّد نكاحي إيّاها حين اعتقت؟فقال له:«أ كانوا علموا أنّك تزوّجت امرأة و أنت مملوك لهم؟» فقال:نعم، و سكتوا عنّي و لم يعيّروا عليّ،قال:«فسكوتهم عنك بعد علمهم إقرارٌ

ص:359


1- في ص 103.
2- الخلاف 4:266.
3- الكافي 5:3/478،التهذيب 7:1432/351،الوسائل 21:114 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 24 ح 1.

منهم،اثبت على نكاحك الأول» (1).

و على هذا تكون الإجازة كاشفة عن الصحّة من حين إيقاع الصيغة كغيره من العقود الفضوليّة.

خلافاً للنهاية،فهي كصيغة مستأنفة (2)؛ و ربما أُوِّل بما يؤول إلى الأول (3)،فلا مخالفة.

و لجماعة،فحكموا بالبطلان:

إمّا مطلقاً (4)؛ بناءً على بطلان عقد الفضولي،إمّا مطلقاً،أو النكاح منه خاصّة،أو بطلان هذا خاصّة.

نظراً إلى أنّه منهيّ عنه؛ لقبح التصرّف في ملك الغير،و للنصوص (5)، فيكون فاسداً.

و لما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله:«أيّما مملوك تزوّج بغير إذن مولاه فنكاحه باطل» (6).

و كلّية الكبرى و السند ممنوعان؛ مع أنّهما لما مضى غير مكافئين، فتُخَصّ به الاُولى،و يُرفع اليد عن الثاني،أو يؤوّل إلى البطلان في صورة دوام عدم الإذن أو النهي عنه ابتداءً.

ص:360


1- الكافي 5:4/478،التهذيب 8:719/204،الوسائل 21:117 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 26 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- النهاية:476.
3- المسالك 1:508.
4- منهم الشيخ في المبسوط 4:163،و فخر المحققين في الإيضاح 3:27.
5- الوسائل 21:113 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 23.
6- انظر سنن البيهقي 7:127،مسند أحمد 3:377،سنن ابن ماجة 1:630؛ بتفاوت.

و إمّا (1)في الأمة خاصّة،كما عن ابن حمزة،فخصّ الإجازة بعقد العبد دون الأمة (2)؛ عملاً بظواهر النصوص المتقدّمة المثبتة للإجازة فيه خاصّة،و رجوعاً في غيره (3)إلى النهي المفيد للبطلان.

و الثاني ممنوع،و النصوص و إن اختصّ أكثرها به،إلّا أنّ الصحيح الأول منها ظاهره العموم لها،إمّا لإطلاق لفظ المملوك فيه الصالح لهما،أو لما في ذيله من تعليل الحكم بالصحّة مع الإجازة ردّاً لجمع من العامّة الحاكمين بالبطلان بالمرّة (4)ب:«إنّه لم يعص اللّه،بل عصى سيّده» و هو آتٍ هنا.

نعم،في الخبر:«إن كان الذي يزوّجها إيّاه من غير مواليها فالنكاح فاسد» (5).

و هو مع عدم وضوح سنده غير صريح في الدلالة على البطلان و لو مع الإجازة،فيحتمل الاختصاص بصورة عدمها.و لا ينافيه الحكم بالفساد ابتداءً على الإطلاق،أ لا ترى إلى الصحيح الحاكم بفساد تزويج المكاتب بدون إذن سيّده بقوله:«و نكاحه فاسد مردود» و مع ذلك حكم بالصحّة مع الإجازة،فقال بعد ذلك بعد أن قيل له:فإنّ سيّده علم بنكاحه و لم يقل شيئاً،قال:«إذا صمت حين يعلم ذلك فقد أقرّ» إلى آخره (6)،

ص:361


1- عطف على قوله:مطلقاً،بعد قوله:حكموا بالبطلان.منه رحمه الله.
2- الوسيلة:303.
3- و هو الأمة.منه رحمه الله.
4- منهم ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 7:410.
5- الكافي 5:1/404،التهذيب 7:1426/349،الإستبصار 3:787/216،الوسائل 21:185 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 67 ح 1.
6- الكافي 5:6/478،الفقيه 3:271/76،التهذيب 8:978/269،الوسائل 21:117 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 26 ح 2.

فتأمّل.

هذا،مضافاً إلى إجماعي الانتصار و الخلاف كما مضى (1).

فإذاً القول بالتفصيل ضعيف جدّاً.

و يستفاد من الأخير كالصحيح الثاني (2)و غيرهما (3)الاكتفاء في الإجازة بالسكوت،كما عن الإسكافي (4)،و صرّح به جماعة (5)،و لا بأس به،إلّا أنّ مراعاة الألفاظ الصريحة فيها أولى.

و لو أذن المولى ابتداءً أو أخيراً يثبت في ذمّة مولى العبد المهر و النفقة على الأشهر الأظهر.

للخبر المعتبر دلالةً و سنداً؛ لأنّ فيه من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه-:في رجل يزوّج مملوكاً له امرأة حرّة على مائة درهم،ثم إنّه باعه قبل أن يدخل عليها،فقال:«يعطيها سيّده من ثمنه نصف ما فرض لها؛ إنّما هو بمنزلة دين استدانه بإذن سيّده» (6).

و عدم القول بالفرق بين النفقة و المهر،و الإذن السابق و اللاحق، و التعليل العامّ لهما يوجبان العموم،سيّما الأخير؛ لظهوره في أنّ الإذن صار

ص:362


1- في ص 357.
2- المتقدّم في ص 357.
3- التهذيب 7:1406/343،الوسائل 21:118 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 26 ح 3.
4- حكاه عنه في المختلف:569.
5- منهم العلّامة في المختلف:569،و السبزواري في الكفاية:172،و صاحب الحدائق 24:205.
6- الفقيه 3:1375/289،التهذيب 8:745/210،الوسائل 21:336 أبواب المهور ب 60 ح 1؛ بتفاوت يسير.

منشأ لتعلّق دين العبد مطلقاً بذمّة المولى،و هو حاصل هنا.

قيل:و قريب منه آخر:عن رجل تزوّج عبده بغير إذنه،فدخل بها، ثم اطّلع على ذلك مولاه،قال:«ذلك إلى مولاه،إن شاء فرّق بينهما،و إن شاء أجاز نكاحهما،فإن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها،إلّا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقاً كثيراً» الخبر (1)؛ لظهوره في تعلّق الصداق بذمّة المولى؛ إذ لولاه لما كان لاشتراط عدم الزيادة و الكثرة وجه (2).و فيه نظر ظاهر،فتأمّل.

و عُلِّل الحكم أيضاً ب:أنّ الإذن في النكاح إذنٌ في توابعه و لوازمه (3)، كما لو أذن له في الإحرام بالحجّ،فإنّه يكون إذناً في توابعه من الأفعال و إن لم يذكر،و حيث كان المهر و النفقة لازمين للنكاح،و العبد لا يملك شيئاً، و كسبه من جملة أموال المولى،كان الإذن فيه موجباً لالتزام ذلك،من غير أن يتقيّد بنوع خاصّ من ماله،كباقي ديونه فيتخيّر بين بذله من ماله و من كسب العبد إن وفى به،و إلّا وجب عليه الإكمال.

خلافاً لأحد قولي الشيخ،فعلّقه بكسب العبد (4).

و عن العلّامة احتمال تعلّقه برقبته (5).

و هما ضعيفان كضعف عللهما؛ مع أنّهما اجتهاد في مقابلة الخبر

ص:363


1- الكافي 5:2/478،الفقيه 3:1349/283،التهذيب 7:1431/351،الوسائل 21:115 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 24 ح 2.
2- انظر الحدائق 24:206 207.
3- جامع المقاصد 13:61.
4- المبسوط 4:167.
5- القواعد 2:27.

المنجبر قصوره بالشهرة بين الأصحاب،مع اعتباره في نفسه؛ لما مرّ.

و يعضده الموثّق:عن رجل أذن لغلامه في امرأة حرّة فتزوّجها،ثم إنّ العبد أبق من مواليه،فجاءت امرأة العبد تطلب نفقتها من مولى العبد، فقال:«ليس لها على مولى العبد نفقة و قد بانت عصمتها؛ لأنّ إباق العبد طلاق امرأته» الخبر (1).

بناءً على أنّ قوله عليه السلام:«و قد بانت» إلى آخره،في حكم التعليل لنفي النفقة عن المولى،المشعر بثبوتها مع عدم حصول مقتضاه،مع إشعاره من وجه آخر،و هو ظهوره في شيوع مطالبة الموالي بنفقة زوجات العبيد، فتدبّر.

و يثبت لمولى الأمة المهر لأنّها و منافعها له،و لا خلاف فيه.

و لو تزوّج عبد بأمة غير مولاه و لم يأذنا أو إذنا معاً فوطئها جاهلين بالفساد و حصل ولد فالولد لهما بينهما نصفين؛ لأنّه نماء ملكهما،و لا مزيّة لأحدهما على الآخر،و النسب لاحق بهما،بخلاف باقي الحيوانات،فإنّ النسب غير معتبر،و النموّ و التبعيّة فيه لاحق بالأُمّ خاصّة؛ كذا فُرِّق.و فيه خفاء.

و هذا الحكم مشهور بين الأصحاب.

خلافاً للمحكيّ عن الحلبي،فألحقه بمولى الاُمّ (2)؛ قياساً بالحيوانات.و فيه نظر؛ لمخالفته الأصل،و عدم دليل على الترجيح، و القياس بمجرّده غير كاف.

ص:364


1- الفقيه 3:1372/288،التهذيب 8:731/207،الوسائل 21:192 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 73 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- الكافي في الفقه:296.

و لو أذن أحدهما كان للآخر الذي لم يأذن في ظاهر الأصحاب، بل في المسالك ظاهرهم الاتّفاق عليه (1)؛ و هو الحجّة فيه لو تمّ.دون النصّ المدّعى؛ لعدم الوقوف عليه.و لا التعليل بأنّ الآذِن قد أقدم على فوات الولد منه فإنّ المأذون قد يتزوّج مَن ليس برقّ فينعقد الولد حرّا، بخلاف مَن لم يأذن،فيكون الولد له خاصّة ؛ لما في الفَرق من الإشكال فيما لو انحصر إذن الآذِن في وطء المملوكة،فإنّه لم يضيّع الولد حينئذ.

و يشكل الحكم فيما لو اشترك أحد الزوجين بين اثنين،فأذِنَ مولى المختصّ و أحدُ الشريكين دون الآخر،أو تعدّد مولى كلّ منهما،فإنّه خارج عن موضع النصّ المدّعى و الفتوى،فيحتمل كونه كذلك،فيُخَصّ الولد بمن لم يأذن،اتّحد أم تعدّد؛ و اشتراكه بين الجميع على الأصل حيث لا نصّ،و هو أقوى هنا قطعاً،بل لا بأس به فيما مضى؛ لعدم القطع بالنصّ و الإجماع.

و دعوى ظهور الوفاق مع عدم الجزم عليها غير صالحة للخروج عن مقتضى الأصل المتيقّن،إلّا أنّ الاحتياط لا يترك؛ فإنّ المسألة محلّ إشكال،و لذا تردّد بعض متأخّري الأصحاب في هذا المجال (2).

و ولد المملوكين رقّ لمولاهما لما مضى.

و لو كانا لاثنين ف قد عرفت أنّ الولد بينهما بالسويّة لكن لا مطلقاً،بل ما دام لم يشترط أحدهما الانفراد بالولد أو بأكثره؛ إذ

ص:365


1- المسالك 1:512.
2- كصاحب المدارك في نهاية المرام 1:265،و السبزواري في الكفاية:172،و صاحب الحدائق 24:241.

لو اشترطه صحّ و لزم؛ لعموم:«المؤمنون عند شروطهم» (1)مع عدم منافاته النكاح.

و إذا كان أحد الأبوين الزوج أو الزوجة حرّا فالولد حرّ مطلقاً (2)على الأشهر الأظهر،بل كاد أن يكون إجماعاً،مع كونه من السرائر ظاهراً (3).

للنصوص المستفيضة:

منها الصحيح:عن رجل تزوّج بأمة فجاءت بولد،قال:«يلحق الولد بأبيه» قلت:فعبدٌ تزوّج حرّة؟قال:«يلحق الولد باُمّه» (4).

و الصحيح:في العبد تكون تحته الحرّة،قال:«ولده أحرار،فإن أُعتق المملوك لحق بأبيه» (5).

و المرسل كالصحيح:عن الرجل الحرّ يتزوّج بأمة قوم،الولد مماليك أو أحرار؟قال:«إذا كان أحد أبويه حرّا فالولد أحرار» (6).

و النصوص به كادت تبلغ التواتر (7)،و مع ذلك فسند بعضها معتبر، و الباقي بالشهرة منجبر،و الجميع معتضد بالأُصول منها:النافي لتكاليف العبيد و ثبوت الحجر و العمومات الدالّة على صحّة المعاملات و وجوب

ص:366


1- غوالي اللئلئ 1:84/218.
2- أي في العقد و التحليل.منه رحمه الله.
3- السرائر 2:595.
4- الفقيه 3:1382/291،الوسائل 21:121 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 30 ح 2.
5- الكافي 5:6/493،الوسائل 21:121 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 30 ح 3.
6- الكافي 5:7/493،التهذيب 7:1376/336،الإستبصار 3:733/203،الوسائل 21:122 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 30 ح 5.
7- انظر الوسائل 21:121 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 30.

الوفاء بها،و الدالّة على جواز العقد على أربع حرائر و أنّه نماء الحرّ في الجملة (1)،و حقّ الحريّة مقدّم؛ لأنّها أقوى،و لذا بُني العتق على التغليب و السراية.

و مقتضى إطلاق المرسل كالصحيح و غيره مع عموم الأُصول عدم الفرق بين ولد المعقودة و المحلَّلة،مضافاً إلى خصوص المعتبرة في الثاني (2)،و سيأتي الكلام فيه في باب التحليل.

خلافاً للمحكيّ عن الإسكافي فيما إذا كان الزوج خاصّة حرّا أو مطلقاً (3)،على اختلاف الحكايتين.

للمستفيضة الأُخر،منها الخبران:

في أحدهما:«لو أنّ رجلاً دبّر جارية،ثم يزوّجها من رجل، فوطئها،كانت جاريته و ولده منه مدبّرين،كما لو أنّ رجلاً أتى قوماً فتزوّج إليهم مملوكتهم كان ما أولد لهم مماليك» (4).

و في الثاني:أمة كان مولاها يقع عليها،ثم بدا له فزوّجها،ما منزلة ولدها؟قال:«منزلتها،إلّا أن يشترط زوجها» (5).

ص:367


1- الوسائل 20:517 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 1.
2- انظر الوسائل 21:135 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 37.
3- حكاه عنه في المختلف:568.
4- التهذيب 7:1378/336،الإستبصار 3:735/203،الوسائل 21:123 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 30 ح 10؛ بتفاوت.
5- التهذيب 8:763/214،الإستبصار 3:736/203،الوسائل 21:124 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 30 ح 12.

و هما قاصران سنداً،فلا يعارضان ما مرّ جدّاً.

نعم،في الصحيحين (1)ما يوافقهما،إلّا أنّهما كالأول ليسا نصّين في حريّة الزوج،و إنّما غايتهما الإطلاق،فليُحمَل على العبد و إن بَعُدَ جمعاً،و الأولى حملهما على التقيّة كما فعله جماعة (2)،فقد صرّح الشيخ في الاستبصار بأنّ ذلك مذهب بعض العامّة (3)،و يؤيّده مصير الإسكافي إليه،مع انفراده به كما تقدّم غير مرّة.

و بالجملة:كثرة النصوص الأُوَل و اعتضادها بالشهرة العظيمة و حكاية الإجماع المتقدّمة و الأُصول المقرّرة توجب المصير إلى حذف الروايتين،أو تأويلهما و إن صحّ سندهما إلى ما يؤول إليها.

و لا ينبغي أن يستراب في المسألة بمجرّدهما كما وقع لبعض أصحابنا (4)بل الأجود الحكم صريحاً بلحوق الولد بالحرّ من الأبوين إلّا أن يشترط المولى على الحرّ رقّيّته فيجوز و يصير رقّاً على قول مشهور بين الأصحاب،ضعيف المأخذ؛ لأنّه رواية (5)متزلزلة بحسب السند،فتارة مسندة و أُخرى مقطوعة مرويّة،و مع ذلك ففيه أبو سعيد

ص:368


1- الأول في:التهذيب 8:756/212،الإستبصار 3:737/204،الوسائل 1:124 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 30 ح 11.الثاني في:الفقيه 3:231/68،التهذيب 8:809/225،الوسائل 21:124 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 30 ح 13.
2- منهم صاحب الحدائق 24:212.
3- الاستبصار 3:203.
4- كالسبزواري في الكفاية:172،و صاحب الحدائق 24:212.
5- التهذيب 7:1378/336،الإستبصار 3:735/203،الوسائل 21:123 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 30 ح 10.

المكاري،و هو ضعيف البتّة،و مع ذلك فليس فيها دلالة؛ إذ غايتها الدلالة على أنّ ولد الحرّ مملوك لمولى المملوكة من دون تصريح فيها بالشرط و لا إشارة،و إنّما حملوها على ما إذا شرط المولى الرقّية؛ مضافاً إلى ما مرّ فيها من المناقشة (1).

و مثل هذه الرواية لا تصلح مؤسِّسة لهذا الحكم المخالف للأصل؛ فإنّ الولد إذا كان مع الإطلاق ينعقد حرّا فلا تأثير في رقّيّته للشرط؛ لأنّه ليس ملكاً لأبيه حتى يؤثّر شرطه فيه،كما لا يصحّ اشتراط رقّيّة مَن وُلِدَ حرّا، سيّما مع ورود الأخبار الكثيرة المتقدّمة (2)الحاكمة بحريّة مَن أحد أبويه حرّ،من دون استفصال عن وقوع اشتراط الرقّية أم لا بالمرّة؛ مع ورودها في مقام جواب السؤال،و ذلك كما قُرِّر في الأُصول يقتضي العموم في المقال.

مع أنّ في بعضها:«ليس يسترقّ الولد إذا كان أحد أبويه حرّا» الخبر (3)،و ليس في سنده سوى الحكم بن مسكين،و قد روى عنه ابن أبي نصر،و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

و لعلّه لذا تردّد المصنّف في الشرائع كاللمعة ظاهراً (4)،و هنا صريحاً.

ثم على تقدير اشتراط رقّيّته في العقد أو التحليل،و قلنا بعدم صحّة الشرط،هل يحكم بفساد العقد لعدم وقوع التراضي بدون الشرط الفاسد،

ص:369


1- من عدم الدلالة على حرّية الزوج.منه رحمه الله.
2- في ص 364.
3- الكافي 5:4/492،الوسائل 21:123 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 30 ح 8.
4- الشرائع 2:309،اللمعة(الروضة البهية 5):313.

كما في غيره من العقود المشتملة على الشروط الفاسدة أم يصحّ و يبطل الشرط خاصّة؟ يُحتمَل الأول؛ لأنّ العقد يتبع القصد،و لم يحصل إلّا بالشرط، و لم يحصل.

و الثاني؛ لأنّ عقد النكاح كثيراً ما يصحّ بدون الشرط الفاسد و إن لم يصحّ غيره من العقود.

و في الأول قوّة،و صحّته في بعض الموارد لدليلٍ خارج لا يقتضي عمومها في جميع الموارد.

و أولى بعدم الصحّة لو كان تحليلاً؛ لتردّده بين العقد و الإذن كما سيأتي،و لا يلزم من ثبوت الحكم في العقد ثبوته في الإذن المجرّد،بل يبقى على الأصل.

و على هذا،لو دخل مع فساد الشرط،و حكمنا بفساد العقد،كان زانياً مع علمه بالفساد،و انعقد الولد رقّاً كنظائره.نعم،لو جهل الفساد كان حرّا؛ للشبهة.

و إن قلنا بصحّة الشرط لزم العقد به و لم يسقط بالإسقاط بعد العقد؛ لأنّ ذلك (1)مقتضى الوفاء به (2)،مع احتماله (3)؛ تغليباً للحرّية،و كما لو أسقط حقّ التحجير و نحوه،و لا يخلو عن قوّة.

لو تزوّج الحرّ أمة من غير إذن مالكها،فإن وطئها قبل الإجازة عالماً فهو زانٍ

و لو تزوّج الحرّ أمة من غير إذن مالكها،فإن وطئها قبل الإجازة عالماً بالحرمة و لا شبهة فهو زانٍ بالضرورة؛ و عليه دلّت المعتبرة:عن

ص:370


1- أي عدم السقوط.منه رحمه الله.
2- أي الشرط.منه رحمه الله.
3- أي السقوط.منه رحمه الله.

الأمة تتزوّج بغير إذن مواليها؟قال:«يحرم ذلك عليها،و هو زناء» (1)فتأمّل.

و الولد رقّ للمولى مطلقاً،جهلت الأمة أم لا؛ لأنّه نماء ملكه فيتبعه.

و للصحيح:في رجل أقرّ على نفسه أنّه غصب جارية،فولدت الجارية من الغاصب،قال:«تُرَدّ الجارية و الولد على المغصوب إذا أقرّ بذلك الغاصب أو كانت عليه بيّنة» (2).

مضافاً إلى فحوى النصوص الدالّة عليه في صورة جهله بأنّها أمة الغير،كما يأتي.

و عليه الحدّ بموجب الزناء،كما أنّ عليها ذلك لو علمت بالحرمة من دون شبهة.

و كذا عليه المهر اتّفاقاً في الظاهر إن كانت جاهلة بالحكم أو موضوعه،و على إطلاق العبارة و ظاهر جماعة مطلقاً و لو كانت عالمة (3)؛ لأنّه عوض البضع،و لا مدخل للعلم و الجهل.

و ربما استُدِلّ (4)عليه بفحوى الصحيح:قلت:أ رأيت إن أحلّ له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فاقتضّها؟قال:«لا ينبغي له ذلك» قلت:فإن فعل أ يكون زانياً؟قال:«لا،و يكون خائناً،و يغرم لصاحبها عُشْر قيمتها إن

ص:371


1- الكافي 5:2/479،الوسائل 21:120 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 29 ح 3.
2- التهذيب 7:1936/482،الوسائل 21:177 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 61 ح 1.
3- انظر المسالك 1:509،نهاية المرام 1:269.
4- نهاية المرام 1:269.

كانت بكراً،و إن لم تكن فنصف عُشْر قيمتها» (1).

فإنّ ثبوت العوض هنا يقتضي ثبوته في الزناء المحض بطريق أولى، و هو حسن لو كان نصّاً في زناء الأمة،و ليس فيه على ذلك دلالة.و فيه نظر.

و الأجود الاستدلال عليه بفحوى الصحيح الآخر الآتي (2)في الأمة المدلّسة نفسه بدعوى الحرّية،لتصريحه ب:أنّ عليه لمواليها العُشْر و نصف العُشْر.

و لكن الأولويّة لا تقتضي أزيد من ثبوت نصف العُشْر مع الثيبوبة و العُشْر مع البكارة،و هو غير ثبوت مهر المثل أو المسمّى،فليس فيهما دلالة عليهما،كالتعليل السابق؛ لعدم الدليل على الكلّية (3)فيه،مع ما على العدم من أصالة البراءة القطعيّة،و لذا اختاره جماعة (4).

و ربما علّله بعضهم بأنّها حينئذٍ بغيّ،و لا مهر لبغيّ (5)؛ و ظاهر لفظ المهر كاللام المفيدة للملكيّة أو الاختصاص أو الاستحقاق المنفيّ جميع ذلك عن الأمة قرينة واضحة على اختصاص النصّ المتضمّن لذلك (6)بالحرّة.

و الأجود القول بمضمون الصحيحين و الحكم بالعُشْر مع البكارة

ص:372


1- الكافي 5:1/468،الفقيه 3:1377/289،التهذيب 7:1064/244،الوسائل 21:132 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 35 ح 1.
2- في ص 373.
3- أي كلّ عوض بضع لا بُدّ له من مهر.منه رحمه الله.
4- منهم المحقق في الشرائع 2:310 و فخر المحققين في الإيضاح 3:141؛ و السيوري في التنقيح 3:140.
5- انظر جامع المقاصد 13:75 و نهاية المرام 1:269.
6- أي ل:«أنّه لا مهر لبغيّ» سنن البيهقي 6:6.منه رحمه الله.

و نصفه مع عدمها،لا مهر المثل أو المسمّى،تبعاً للمحكيّ عن بن حمزة (1)؛ لصحّتهما،و عدم تعقّل الفرق بين المقام و موردهما؛ مع ما فيه من استلزام الثبوت فيه الثبوت هنا بطريق أولى.

و يسقط الحدّ عنه لو كان جاهلاً بالحكم أو الموضوع؛ للشبهة الدارئة.و لا تُحَدّ الأمة لو كانت كذلك؛ لذلك.

دون المهر فيثبت مع جهلها اتّفاقاً في الظاهر،و به صرّح بعضهم (2).

و هل هو المسمّى،أو المثل،أو العُشْر و نصف العُشْر؟أقوال.

و الأول ضعيف جدّاً،و الثاني قويّ لولا النصوص المثبتة للثالث و إن اختصّت بمدّعية الحرّية و الجارية المحلَّلة؛ لعدم تعقّل الفرق بالضرورة.

و كذا يثبت المهر مع علمها في المشهور ظاهراً؛ و ربما قيل بالعدم هنا (3)كما تقدّم،و الكلام كما سبق.

و يلحقه الولد إجماعاً في الظاهر؛ عملاً بإطلاق النصوص الماضية (4)بلحوق الولد الحرّ من الأبوين،مضافاً إلى الأُصول المتقدّمة ثمة (5)،و النصوص الآتية (6)الحاكمة بحرّية الولد في تزويج الحرّ الأمة المدّعية للحرّية إن قلنا بها،و يشكل إن لم نقل بها؛ للنصوص الأُخر (7)،مع

ص:373


1- الوسيلة:303.
2- كالسبزواري في الكفاية:172.
3- الشرائع 2:310.
4- في ص 364.
5- في ص 365.
6- في ص 375.
7- الآتية في ص 374.

عدم تعقّل الفرق،فتأمّل.

و لكن عليه قيمته يوم سقط حيّاً للمولى؛ لأنّه نماء ملكه، و للنصّ الآتي (1)في المسألة الآتية.

هذا كلّه مع عدم إجازة المولى العقد،أو معها و قلنا بأنّها مصحّحة للعقد من حينها.

أمّا لو قلنا بأنّها كاشفة عن الصحّة من حين العقد كما هو الأصحّ الأشهر فيلحق به الولد مطلقاً و يسقط عنه الحدّ و إن كان قد وطئ محرّماً في صورة العلم فيلزم التعزير و يلزمه المهر المسمّى.

و كذا يسقط عنه الحدّ،و لزمه المهر،و لحق به الولد مع قيمته يوم سقط حيّاً، لو ادّعت الحرّية فتزوّجها على ذلك مع جهله بالحال؛ إمّا لدعواها الحرّية الأصلية بانياً على الظاهر،أو لحصول المظنّة بصدقها و توهّم جواز التعويل على مجرّدها مع علمه بكونها مملوكة فيما مضى.

و لا ريب في سقوط الحدّ عنه و كذا عنها إن كانت جاهلة؛ للشبهة الدارئة.

و أمّا لزوم المهر فهو ظاهر إطلاق الأصحاب،بل ادّعى بعضهم إجماع المسلمين (2)،و صرّح بالإجماع ابن المفلح الصيمري،و لم يفرّقوا بين كونها عالمة أو جاهلة.

و اختلفوا في تقديره على أقوال:

أحدها:المسمّى،كما عن الأكثر (3)،و هو ظاهر المتن.

ص:374


1- في ص 377.
2- الإيضاح 3:142.
3- المسالك 1:510،الكفاية:172.

و ثانيها:المثل،كما عن المبسوط (1)،و هو الأقوى لولا النصّ بالعُشْر و نصف العُشْر.

و ثالثها:القول بمضمونه،و هو مختار جماعة (2)،وفاقاً للمقنع و النهاية و القاضي و ابن حمزة (3).

ففي الصحيح:في رجل تزوّج امرأة فوجدها أمة دلّست نفسها،قال:

«إن كان الذي زوّجها إيّاه من غير مواليها فالنكاح فاسد» قلت:كيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟قال:«إن وجد ممّا أعطاها شيئاً فليأخذه،و إن لم يجد شيئاً فلا شيء له عليها،و إن كان زوّجها إيّاه وليّ لها ارتجع على وليّها بما أخذته منه،و لمواليها عُشْر قيمتها إن كانت بكراً،و إن كانت غير بكر فنصف عُشْر قيمتها،بما استحلّ من فرجها» قلت:فإن جاءت منه بولد؟قال:«أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن الوليّ» (4)و نحوه الصحيح السابق (5)،إلّا أنّه في الجارية المحلَّلة.

و هو الأجود؛ لصحّة الرواية،و خلوّها عن المعارض،و إليها أشار بقوله:

و في رواية:يلزمه بالوطء عُشْر القيمة إن كانت بكراً،و نصف

ص:375


1- حكاه عنه في الإيضاح 3:142.
2- منهم الشهيد في المسالك 1:510،و السبزواري في الكفاية:172،و صاحب الحدائق 24:222.
3- المقنع:104،النهاية:477،القاضي في المهذب 2:217،ابن حمزة في الوسيلة:303.
4- الكافي 5:1/404،التهذيب 7:1426/349،الإستبصار 3:787/216،الوسائل 21:185 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 67 ح 1؛ بتفاوت.
5- راجع ص 369.

العُشْر إن كانت ثيّباً و حملها على ما إذا طابق أحد الأمرين (1)المثل بعيد جدّاً،لا داعي إليه قطعاً سوى القاعدة،و الرواية بالإضافة إليها خاصّة،ينبغي العمل عليها و تخصيصها بها البتّة.

و ظاهر التشبيه في العبارة:حرّية الولد تبعاً لأبيه كما في المسألة السابقة،لكنّه في الشرائع وافق الصدوق في المقنع و الشيخ في النهاية (2)و جماعة (3)، بل حُكي عليه الشهرة (4)فحكم برقّيّة الولد (5)؛ للمعتبرة المستفيضة:

منها الصحيح:في رجل ظنّ أهله أنّه قد مات أو قُتِل،فنكحت امرأته و تزوّجت سريّته،فولدت كلّ واحدة منهما من زوجها،ثم جاء الزوج الأول و جاء مولى السريّة،فقضى في ذلك أن يأخذ الأول امرأته فهو أحقّ بها،و يأخذ السيّد سريّته و ولدها،إلّا أن يأخذ رضاءً من الثمن ثمن الولد (6).

و منها الموثّق:«قضى عليّ عليه السلام في امرأة أتت قوماً فخبّرتهم أنّها حرّة،فتزوّجها أحدهم و أصدقها صداق الحرّة،ثم جاء سيّدها،فقال:تردّ إليه،و ولدها عبيد» (7).

ص:376


1- أي العشر و نصف العشر.منه رحمه الله.
2- المقنع:104،النهاية:477.
3- منهم العلّامة في القواعد 2:28؛ و السبزواري في الكفاية:172.
4- الحدائق 24:224.
5- الشرائع 2:310.
6- التهذيب 7:1430/350،الإستبصار 3:791/218،الوسائل 21:188 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 67 ح 6،بتفاوت يسير.
7- التهذيب 7:1425/349،الإستبصار 3:786/216،الوسائل 21:187 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 67 ح 4.

و نحوه الموثّق:«قضى عليّ عليه السلام في وليدة باعها ابن سيّدها و أبوه غائب،فاشتراها رجل،فولدت منه غلاماً،ثم قدم سيّدها الأول،فخاصم سيدها الآخر فقال:هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني،فقال:خذ وليدتك و ابنها» الحديث (1)،و غير ذلك ممّا سيأتي.

لكنّها معارضة بما مضى من الأُصول و إطلاق بعض النصوص في تبعيّة الولد للحرّ من الأبوين أباً كان أو امّاً،و خصوص الصحيح المتقدّم في تقدير المهر بالعُشر و نصف العُشر،و المعتبرين:

أحدهما الموثّق:عن مملوكة قوم أتت غير قبيلتها،فأخبرتهم أنّها حرّة،فتزوّجها رجل منهم،فولدت له،قال:«ولده مملوكون،إلّا أن يقيم لهم البيّنة أنّها شهد لها شاهدان أنّها حرة،فلا يملك ولده و يكونون أحراراً» (2).

و نحوه الثاني المرويّ حسناً (3)تارةً و ضعيفاً (4)اخرى.

و فيهما كما ترى تصريح بالحرّية مع قيام البيّنة عليها حين المناكحة،و هما و إن دلّا على الرقّية مع عدمها لكنّهما ليسا نصّين في تحقّق الشبهة حينئذ،فيحتملان كباقي الروايات المتقدّمة الحمل على صورة

ص:377


1- الكافي 5:12/211،الفقيه 3:615/140،التهذيب 7:1960/488،الإستبصار 3:739/205،الوسائل 21:203 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 1؛ بتفاوت.
2- الكافي 5:2/405،التهذيب 7:1427/349،الإستبصار 3:788/217،الوسائل 21:186 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 67 ح 2.
3- التهذيب 7:1428/350،الإستبصار 3:789/217،الوسائل 21:187 أبواب نكاح البعيد و الإماء ب 67 ح 3.
4- الكافي 5:3/405،الوسائل 21:187 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 67 ح 3.

عدمها.

و منه يظهر فساد الاستدلال بهما للقول الأول،فلا بأس بالمصير إلى الحرّية وفاقاً لجماعة (1)،منهم ظاهر الماتن هنا.إلّا أنّ المسألة بعد لا تخلو عن ريبة،لكن الذي يقتضيه الجمع بين الروايات هو حرّية الولد مع قيام البيّنة على حرّية الأمة و صحّة دعواها،و رقّيته مع عدمها،و بذلك صرّح الشيخ في النهاية و ابن البرّاج و ابن حمزة (2)،و به صرّحت الروايتان الأخيرتان،و يجمع بهما بين إطلاق كلّ من الروايات الحاكمة بالحرّية و الرقّية على الإطلاق.

و مرجع هذا القول إلى رقّية الولد لو تزوّج بمجرّد دعواها كما هو فرض المسألة،و لذا نسب إلى الشيخ و الجماعة القول به على الإطلاق (3)بناءً على فرض المسألة؛ إذ التزويج بدعواها مع البيّنة على صدقها خارج عن فرض المسألة.

و كيف كان،فلا خلاف في الظاهر بل عليه الوفاق في المسالك (4)،و الإجماع في شرح ابن المفلح أنّه لو أولدها أولاداً وجب عليه فكّهم بالقيمة يوم سقوطهم حيّاً،و وجب على مولى الجارية قبول القيمة و دفع الولد بها.

للصحيح:في رجل تزوّج جارية رجل على أنّها حرّة،ثم جاء رجل

ص:378


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:510،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:274،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:61.
2- النهاية:477،ابن البراج في المهذب 2:217،ابن حمزة في الوسيلة:303.
3- نسبه إليهم في المسالك 1:510.
4- المسالك 1:510.

فأقام البيّنة على أنّها جاريته،قال:«يأخذها و يأخذ قيمة ولدها» (1).

و في الصحيح السابق (2)دلالة بجواز الفكّ بالقيمة،و نحوه الموثّق الآتي.

و لا تظهر ثمرة الخلاف في ذلك،بل فيما لو لم يدفع القيمة لفقر و غيره،فعلى القول بالحرّية تبقى ديناً في ذمّته و الولد حرّ،و على القول الآخر تتوقّف الحرّية على دفع القيمة.

و لو عجز عن القيمة استسعى في قيمتهم وجوباً،بلا خلاف بين القائلين بالرقّية كما قيل (3)،و كذا عند بعض ما قال بالحرّية.

لموثّقة سماعة:عن مملوكة أتت قوماً و زعمت أنّها حرّة،فتزوّجها رجل منهم و أولدها ولداً،ثم إنّ مولاها أتاهم فأقام البيّنة أنّها مملوكة، و أقرّت الجارية بذلك،فقال:«تدفع إلى مولاها هي و ولدها،و على مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير إليه» قلت:فإن لم يكن لأبيه مال يأخذ ابنه؟قال:«يستسعى أبوه في ثمنه حتى يوفيه و يأخذ ولده» قلت:

فإن أبى الأب أن يسعى في ثمن ابنه؟قال«فعلى الإمام أن يفتديه و لا يُملك ولدٌ حرّ» (4).

و العمل بها متّجه على القول بالرقّية،و مشكل على القول الآخر؛

ص:379


1- الفقيه 3:1246/262،الوسائل 21:188 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 67 ح 8.
2- المتقدم في ص 376.
3- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:61.
4- التهذيب 7:1429/350،الإستبصار 3:790/217،الوسائل 21:187 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 67 ح 5؛ بتفاوت يسير.

لتضمّنها ما لا يوافقه،بل و على الأول أيضاً؛ لمعارضتها لإطلاق الآية وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ [1] (1)مع أصالة براءة الذمّة.إلّا أنّ التقييد متّجه على القول الأول؛ لاعتبار سند الرواية بالموثّقيّة و عمل جماعة (2)،مضافاً إلى الشهرة المحكيّة.و الحمل على الاستحباب بعيد، غير مطابق للأُصول المرعيّة.

و يستفاد منها فيما لو أبى الأب عن الاستسعاء ما قيل من أنّه يفتديهم الإمام كما عن النهاية و ابن حمزة (3).

و أجاب عنها المصنّف تبعاً لجماعة (4)بأنّه في المستند ضعف بسماعة.

و ليس كذلك،بل هو موثّق على المشهور،و قيل:ثقة (5)،فالعمل بها متّجه؛ مع أنّ ضعفها كما يمنع من العمل بها هنا،كذا يمنع من العمل بها في وجوب الاستسعاء؛ إذ لا دليل عليه سواها لا من إجماع و لا سنّة غيرها، فالحكم هناك قطعاً و التردّد هنا مع اتّحاد المستند لا وجه له جدّاً.

و ليس فيها الدلالة على ما يفكّ به الإمام هل هو من سهام الرقاب؟ كما عن الشيخ و ابن حمزة (6)،أو من بيت المال؟كما اختاره العلّامة (7)،

ص:380


1- البقرة:280.
2- منهم الشيخ في النهاية:477،و القاضي في المهذّب 2:216،و ابن برّاج في الوسيلة:303،و العلّامة في القواعد 2:28.
3- النهاية:477،ابن حمزة في الوسيلة:303.
4- منهم الشهيد في المسالك 1:511،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:275،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:61.
5- رجال النجاشي:193.
6- الشيخ في النهاية:477،ابن حمزة في الوسيلة:303.
7- المختلف:566.

و لكنّه أوفق بالأُصول المقرّرة على تقدير القول بحرّية الولد؛ لكونه معدّاً لمصالح المسلمين،و المقام منها.

و الأول أوفق على القول بالرقّية،كما هو مختار القائل،لكنّه يتوقّف إمّا على عدم اعتبار كون العبد تحت الشدّة أو وجودها،أو عدم وجود المستحقّ أصلاً،و أمّا على القول باعتباره مع ترفّه الولد و وجود المستحقّ فمشكل قطعاً.و لا بأس بالمصير إلى الثاني حينئذٍ إن لم يكن إحداث قول.

لو تزوّجت الحرّة عبداً مع العلم فلا مهر لها

و لو تزوّجت الحرّة عبداً مع العلم منها بالرقّية و الحرمة مع عدم الإذن و الإجازة فلا مهر لها مع عدم الدخول قطعاً،و كذا معه؛ إذ لا مهر لبغيّ،و للخبر«أيّما امرأة حرّة زوّجت نفسها عبداً بغير إذن مواليه فقد أباحت فرجها و لا صداق لها» (1).

و ولدها رقّ لمولى العبد؛ إذ لا نسب مع الزناء.

و في ثبوت الحدّ وجهان.

و مع الجهل منها بالأمرين أو بأحدهما يكون الولد حرّا تبعاً لأشرف الأبوين،مع عدم المانع من جهة الجهل كما مضى.

و لا يلزمها قيمة الولد للأصل،و اختصاص المثبت من النصّ و الفتوى بصورة العكس.

و يلزم العبد مع الدخول في مقابل البضع المحترم مهرها المثل دون المسمّى إن لم يكن مأذوناً من المولى؛ لفساد العقد فيتبع به إذا أُعتق و مع الإجازة فالمسمّى قطعاً هنا،و في السابق أيضاً.

ص:381


1- الكافي 5:7/479،الفقيه 3:1356/285،التهذيب 7:1435/352،الوسائل 21:115 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 24 ح 3.

و في سقوط الحدّ إن أوجبناه فيه و لحوق الولد معها،وجهان،مبنيان على أنّها هل هي كاشفة عن الصحة؟كما هو الأشهر الأظهر،أم ناقلة من حينها؟ و الحكم بحريّة الولد هنا هو المشهور بين الأصحاب.

خلافاً للمحكيّ عن المفيد،فحكم بالرقّية مطلقاً (1)و لو هنا (2)؛ للخبر:في رجل دبّر غلاماً له،فأبِق الغلام،فمضى إلى قوم فتزوّج منهم و لم يعلمهم أنه عبد،فوُلد له أولاد و كسب مالاً و مات مولاه الذي دبّره، فجاء ورثة الميّت الذي دبّر العبد فطالبوا العبد فما ترى؟فقال:«العبد و ولده لورثة الميّت» قلت:أ ليس قد دبّر العبد؟قال:«إنّه لمّا أبَق هدم تدبيره و رجع رقّاً» (3).

و في سنده جهالة،فليس فيه حجّة،مضافاً إلى معارضته لما مرّ من إطلاق المستفيضة الدالّة على تبعيّة الولد للحرّية في أب كانت أم أُمّ (4)بالضرورة،المعتضدة بالشهرة هنا و ثمّة،المؤيّدة بفحوى المعتبرة الدالّة على حرّية الولد في صورة عكس المسألة (5)،فتأمّل.

و مع ذلك،فليس نصّاً في حرّية الزوجة،فيحتمل الحمل على تزويجه بالأمة،و يكون تخصيص الأولاد فيه بمولى العبد دون مولى الأمة مبنيّاً على ما مضى من اختصاصهم بمن لم يأذن و حرمان الآذن (6)،فتأمّل.

ص:382


1- المقنعة:507.
2- أي في صورة جهل الحرّة.منه رحمه الله.
3- التهذيب 7:1437/353،الوسائل 21:119 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 28 ح 1.
4- راجع ص 364.
5- انظر الوسائل 21:121 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 30.
6- راجع ص 362.
لو تسافح المملوكان فلا مهر

و لو تسافح المملوكان فلا مهر للأصل،و انتفاء المخرج عنه هنا؛ لاختصاصه بغيره،و انتفاء ما يوجب التعدية.

و الولد رقّ لمولى الأمة اتّفاقاً هنا كما حكي (1)؛ لأنّه نماؤها مع انتفاء النسب عن الزاني،مضافاً إلى إطلاق المستفيضة المتقدّمة (2)الناصّة بالحكم في تزويج الأمة المدّعية للحرّية أو فحواها إن اختصّت بتزويجها من الحرّ كما هو المتبادر منها،لكن الاستناد إليها هنا يتوقّف عليه ثمّة.

و كذا الحكم لو زنى بها أي بالأمة المملوكة للغير- الحرّ من دون إشكال.إلّا في نفي المهر،فقد قيل بثبوت العُقر (3)هنا (4)؛ لفحوى الصحيح المتقدّم في إثبات العُشر أو نصفه على مَن وطئ المحلّلة له في وجوه الاستمتاعات دون الوطء (5)؛ إذ ثبوت أحد الأمرين ثمّة مستلزم لثبوته هنا بطريق أولى.

و فيه ما مرّ من الإشكال من عدم التصريح فيه بعلم الأمة بالحرمة (6)، فلعلّ العُقْر للجهالة.

و الأجود الاستدلال عليه بفحوى ما مرّ من الصحيح الصريح في ثبوت العُقْر على متزوّج الأمة المدّعية للحرّية (7)،الظاهر في جهل الزوج و علم

ص:383


1- قال صاحب المدارك في نهاية المرام 1:277:أمّا أنّ الوَلد رقّ لمولى الأمة فمقطوع به في كلام الأصحاب و ظاهرهم أنه لا خلاف فيه.
2- راجع ص 374.
3- العُقر:و هو دية فرج المرأة إذا غصبت على نفسها،ثم كثر ذلك حتى استعمل في المهر مجمع البحرين 3:410.
4- قال به صاحب المدارك في نهاية المرام 1:278.
5- راجع ص 369.
6- انظر ص 369.
7- راجع ص 373.

الأمة،و ثبوت المهر ثمّة يستلزم ثبوته هنا بطريق أولى كما لا يخفى، فالأحوط إعطاء العُقْر أو استرضاء مولى الأمة بصلح و نحوه.

لو اشترى الحرّ نصيب أحد الشريكين من زوجته بطل عقده

و لو اشترى الحرّ المتزوّج بأمة بين شريكين بإذنهما نصيب أحد الشريكين من زوجته بطل عقده لامتناع عقد الإنسان على أمته لنفسه مطلقاً ابتداءً و استدامةً،الملازم لبطلان العقد بالإضافة إلى حصّته المنتقلة إليه بالشراء،و يلزمه البطلان بالإضافة إلى الجميع؛ لعدم تبعّض العقد،و انتفاء الكلّ بانتفاء الجزء.

و للموثّق:عن رجلين بينهما أمة،فزوّجاها من رجل،ثم إنّ الرجل اشترى بعض السهمين،قال:«حرمت عليه باشترائه إيّاها؛ و ذلك أنّ بيعها طلاقها،إلّا أن يشتريها جميعاً» (1).

و مع بطلان العقد رأساً يحرم الوطء مطلقاً جدّاً؛ لاستلزامه التصرّف في ملك الغير بدون إذنه،و هو محرّم قطعاً.

و لو حصل الإذن بأن أمضى الشريك الآخر المالك العقد لم يحلّ على الأشهر الأظهر أيضاً؛ لأنّ العقد إن كان بطل بالشراء كما هو الظاهر فكيف يصير بالرضاء صحيحاً؟!و إن لم يبطل فلا وجه لاعتبار رضاه؛ لوقوعه أولاً به و لم يتجدّد له ملك فلا يقف على إجازته،و مع ذلك يعضده إطلاق النصّ السابق.

فخلاف الطوسي و القاضي هنا حيث حكما بالحلّ مع الإمضاء (2)ضعيف جدّاً،لا وجه له أصلاً،و لذا حُمِل عبارتهما على ما يؤول إلى

ص:384


1- الفقيه 3:1355/285،الوسائل 21:153 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 46 ح 2.
2- الطوسي في النهاية:480،القاضي في المهذب 2:219.

المختار (1)تفادياً من فتواهما بما لا وجه له رأساً،و هو حسن و إن كان بالإضافة إلى عبارتهما بعيداً.

كلّ ذا إذا وقع الرضاء بالوطء بإمضاء العقد السابق.

و أمّا مع وقوعه بالتحليل المتجدّد فقولان،أشهرهما كما حكي (2)التسوية بينه و بين ما مضى في المنع.

للموثّق السابق،الحاصر لوجه الحلّ بعد بطلان العقد المحكوم به فيه في شرائها جميعاً.

و لأصالة عصمة الفروج،إلّا مع ثبوت الحلّ بوجه شرعي،و ليس إلّا الانفراد بأحد أمرين:العقد أو [و] الملك،لا الملفق منهما؛ إمّا (3)لظهور الآية إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ [1] (4)في منع الجمع،أو لاحتمالها له و لمنع الخلوّ؛ إذ مع الأول الآية ناصّة في التحريم هنا،و على الثاني و إن لم تكن ناصّة و لا ظاهرة إلّا أنّها ليست ناهضة لتخصيص أصالة الحرمة؛ لاحتمال إرادة المنع من الجمع بالضرورة،و ليست ظاهرة في إرادة المنع من الخلوّ ليصحّ التخصيص.

فأصالة الحرمة باقية بحالها،سليمة عمّا يصلح للمعارضة؛ إذ ليس إلّا الآية،و قد عرفت ما فيها من المناقشة؛ أو استصحاب الحلّية السابقة،و هي منقطعة بالشراء بإجماع الطائفة،و إلّا لما احتيج إلى إمضاء أو تحليل بالمرّة.

فالقول بالتسوية و المنع مطلقاً متّجه لولا ورود رواية مرويّة في الكتب الثلاثة صحيحة صريحة في الإباحة بالتحليل:عن جارية بين رجلين

ص:385


1- انظر النهاية و نكتها 2:350.
2- نسبه إلى المشهور في ملاذ الأخيار 13:398،و إلى الأكثر في المسالك 1:512 و نهاية المرام 1:280.
3- علّة لنفي الملفّق.منه رحمه الله.
4- المؤمنون:6.

دبّراها،ثم أحلّ أحدهما فرجها لشريكه،قال:«هي له حلال» (1).

و هي و إن اختصّ موردها بغير المقام،إلّا أنّ في ذيلها تعليل الحكم بما ظاهره العموم له،مع أنّ الظاهر عدم القائل بالفرق بينهما.

و ليس فيها ضعف كما ذكره المصنّف و جماعة (2)؛ إذ ليس في سندها غير الحسن بن محبوب،و هو ثقة مجمع على تصحيح رواياته،عن عليّ بن رئاب،عن محمّد بن قيس،و كلاهما ثقتان.

نعم،رواها الشيخ في أول كتاب النكاح عن محمّد بن مسلم (3)، بطريق فيه عليّ بن الحسن بن فضّال،و ليس فيه ضعف،بل هو موثّق، و لكن المصنّف دأبه عدّ مثله ضعيفاً كما مرّ مراراً،فليس في شيء من طرقها ضعف بالمعنى المصطلح.

فالقول بمضمونها متّجه جدّاً،يُخَصّ بها ما تقدّم من الأصل و الإطلاق ظاهراً،وفاقاً للحلّي (4)و جماعة،منهم:شيخنا الشهيد في اللمعة (5).

إلّا أنّ اعتضادهما بالشهرة يوجب عدم مكافأة النصّ لهما، فالاحتياط:المنع،و إن كان في تعيّنه نظر؛ نظراً إلى ظهور أنّ الباعث

ص:386


1- الكافي 5:3/482،الفقيه 3:1380/290،التهذيب 8:717/203،الوسائل 21:142 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 41 ح 1.
2- منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز 2:165،و الفاضل المقداد في التنقيح 3:144،و ابن فهد في المهذب 3:336.
3- التهذيب 8:1067/245،الوسائل 21:142 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 41 ح 1.
4- السرائر 2:603.
5- اللمعة(الروضة البهية 5):321.

للمشهور توهّمهم ضعف الرواية،كما يفصح عنهم عباراتهم المشعرة بأنّه مع الصحة يصار إليه و أنّ المانع إنّما هو الضعف،فتأمّل.

و عُلِّل الجواز مضافاً إلى الرواية بأنّها قبل التحليل محرّمة،و إنّما حلّت به،فالسبب واحد (1).

و فيه:أنّه حينئذٍ يكون تمام السبب لا السبب التامّ في الإباحة؛ ضرورة أنّ التحليل مختصّ بحصّة الشريك لا بالجميع،و تحقّق المسبَّب عند تمام السبب لا يوجب كون الجزء الأخير سبباً تامّاً.اللهم إلّا أن يريد من اتّحاد السبب الاتّحاد بحسب الملكيّة و إن اختلف جهتاها،من حيث إنّ إحداهما ناشئة من الملكيّة الحقيقيّة،و الأُخرى من التحليل و الإباحة التي بمنزلتها لأنّها تمليك منفعة،فيكون حلّ جميعها بالملك،فهو أحد الأمرين المعتبر في إباحة الوطء انفراد أحدهما كما مضى.لكنّه متوقّف على عدم كون التحليل عقداً،و ما مضى في وجه الاستدلال بأصالة الحرمة مبنيّ على خلافه،و سيأتي الكلام فيه في بحثه إن شاء اللّه تعالى.

و كذا يحرم عليه وطؤها لو كان بعضها أي الأمة المملوك نصفها لزوجها أو غيره- حرّا لأنّ الجزء لا يستباح بملك البعض و لا بالعقد الدائم اتّفاقاً؛ لتبعّض السبب،و لا بالمنقطع؛ لذلك،و لا بالتحليل؛ لأنّ المرأة ليس لها تحليل نفسها إجماعاً،و إنّما يقع من المولى خاصّة.

و للصحيح الصريح في ذلك،و قد مضى صدره،و فيه بعد ذلك -:«و أيّهما مات قبل صاحبه فقد صار نصفها حرّا من قبل الذي مات و نصفها

ص:387


1- انظر الروضة 5:323.

مدبّراً» قلت:أ رأيت الثاني منهما أن يمسّها،إله ذلك؟قال:«لا،إلّا أن يثبت عتقها و يتزوّجها برضاء منها متى ما أراد» قلت له:أ ليس صار نصفها حرّا و قد ملكت نصف رقبتها و النصف الآخر للباقي منهما؟قال:«بلى» قلت:فإن هي جعلت مولاها في حلّ من فرجها؟قال:«لا يجوز ذلك له» قلت:لِمَ لا يجوز لها ذلك؟و كيف أجزت للّذي له نصفها حين أحلّ فرجها لشريكه فيها؟قال:«لأنّ الحرّة لا تهب فرجها و لا تعيره و لا تحلّه، و لكن لها من نفسها يوم و للّذي دبرها يوم،فإن أحبّ أن يتزوّجها متعة بشيء في ذلك اليوم الذي تملك فيه نفسها فليتمتّع منها بشيء قلّ أو كثر» (1).

و لو هايأها مولاها،ففي جواز العقد منه عليها متعةً في زمانها تردّدٌ ينشأ من صريح ما مضى من الصحيح،و من لزوم تبعيض السبب، فإنّها لم تخرج بالمهاياة عن كون المولى مالكاً للبعض،على أنّ منافع البضع لا يتعلّق بها المهايأة،و إلّا يحلّ لها المتعة بغيره في أيّامها،و هو باطل اتّفاقاً،كما حكي في كلام المسالك و سبطه (2)؛ و منشأه واضح.

و لكن ذلك اجتهاد في مقابلة النصّ الصحيح الصريح.

فالقول بالجواز متعيّن،وفاقاً للطوسي و القاضي (3)و جماعة (4).

ص:388


1- الكافي 5:3/482،الوسائل 21:142 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 41 ح 1؛ بتفاوتٍ يسير.
2- المسالك 1:513،و سبطه في نهاية المرام 1:283.
3- الطوسي في النهاية:494،القاضي في المهذب 2:219.
4- منهم السبزواري في الكفاية:172،و صاحب الحدائق 24:246،و مال إليه في نهاية المرام 1:283.

فقول المصنّف: أشبهه المنع في حيّز المنع و إن كان أشهر لابتنائه على ضعف الخبر،و لا وجه له كما مرّ،و لكن الاحتياط لا يترك على حال.

و مقتضى الأصل المتقدّم،كالاتّفاق المحكيّ،و اختصاص النصّ بجواز التمتّع في أيّامها بالمولى خاصّة:اختصاص الجواز به،و إجراء المنع في غيره من دون تردّد؛ لانتفاء مقتضيه،فلا وجه لإطلاق التردّد في جواز العقد عليها،حتى ما إذا كان العاقد غير المولى كما هو ظاهر العبارة،إلّا أن تُخصّ به.

يستحبّ لمن زوّج عبده أمته أن يعطيها شيئاً

و يستحبّ على الأشهر لمن زوّج عبده أمته أن يعطيها شيئاً من ماله أو مال العبد،ليكون بصورة المهر؛ جبراً لقلبها،و رفعاً لمنزلة العبد عندها.

و للصحيحين:عن الرجل كيف ينكح عبده أمته؟قال:«يجزئه أن يقول:قد أنكحتك فلانة،و يعطيها شيئاً من قبله أو من مولاه،و لا بُدّ من طعام أو درهم أو نحو ذلك» (1).

خلافاً للشيخين و الحلبي و القاضي و ابن حمزة،فأوجبوا الإعطاء (2)؛ عملاً بظاهر الأمر،و لئلاّ يلزم خلوّ النكاح عن المهر في العقد و الدخول

ص:389


1- الأول في:الفقيه 3:1354/284،الوسائل 21:146 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 43 ح 1.الثاني في:الكافي 5:1/479،التهذيب 7:1415/345،الوسائل 21:146 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 43 ح 2؛ بتفاوت يسير.
2- المفيد في المقنعة:507،الطوسي في النهاية:478،الحلبي في الكافي:297،القاضي في المهذب 2:218،ابن حمزة في الوسيلة:306.

معاً.

و ضُعّف بأنّ المهر يستحقّه المولى؛ إذ هو عوض البضع المملوك له، و لا يُعقل استحقاقه شيئاً على نفسه و إن كان الدفع من العبد على ما تضمّنته الرواية؛ لأنّ ما بيده ملك للمولى (1).

و يمكن تطرّق القدح إليه أولاً:بابتنائه على كون ذلك مهراً،و من المحتمل بل الظاهر المعترف به جماعة (2)،و منهم المضعّف كونه عطيّة محضة مندوباً إليها؛ جبراً لقلب الأمة،و رفعاً للعبد عندها منزلةً،فيكون الأمر به تعبّداً محضاً يلزم المصير إليه بعد ورود النصّ المعتبر به جدّاً.

و ثانياً:بابتنائه على عدم مالكيّة المملوك،و هو محلّ كلام،و إن كان أقوى.

و ثالثاً:بكونه اجتهاداً صرفاً في مقابلة النصّ،فتأمّل.

و كيف كان،فلا ريب أنّه أحوط.

ثم المستفاد من النصّ أنّه يكفي في تزويج عبده لأمته مجرّد اللفظ الدالّ على الإذن فيه،و لا يشترط قبول العبد و لا المولى لفظاً.

و لا يقدح تسميته فيه كغيره نكاحاً،و هو يتوقّف على العقد.

و إيجابُه إعطاءَ شيء و هو ينافي الإباحة،كالصحيح الصريح في منع تحليل السيّد لعبده أمته (3).

لأنّ قوله:«يجزئه» ظاهر في الاكتفاء بالإيجاب،و أظهر منه الصحيح

ص:390


1- الروضة 5:317.
2- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 3:146،و المجلسي في ملاذ الأخيار 12:209،و صاحب الحدائق 24:239.
3- التهذيب 7:1062/243،الإستبصار 3:495/137،الوسائل 21:130 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 33 ح 2.

عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [1] (1)قال:«هو أن يأمر الرجل عبده و تحته أمته،فيقول له:اعتزل امرأتك و لا تقربها،ثم يحبسها عنه حتى تحيض،ثم يمسّها،فإذا حاضت بعد مسّه إيّاها ردّها عليه بغير نكاح» (2).

و نحوه الموثّق:في المملوك يكون لمولاه أو مولاته أمة،فيريد أن يجمع بينهما،أ ينكحه نكاحاً أو يجزئه أن يقول:قد أنكحتك فلاناً و يعطي من قبله شيئا[أ]و من قبل العبد؟قال:«نعم،و لو مدّ،و قد رأيته يعطي الدراهم» (3).

و الإعطاء إمّا على التعبّد أو الاستحباب.

هذا،مضافاً إلى أنّ رفعه بيد المولى،و النكاح الحقيقي ليس كذلك؛ إذ رفعه بيد الزوج.

و أنّ العبد ليس له أهليّة الملك،فلا وجه لقبوله،و المولى بيده الإيجاب،و الجهتان (4)ملكه،فلا ثمرة لتعليقه ملكاً بملك،نعم،يعتبر رضاه بالفعل،و هو يحصل بالإباحة الحاصلة بالإيجاب المدلول عليه بالرواية.

و الصحيح محمول على التقيّة،كما يأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.

لكن الاحتياط بل اللازم عدم العدول في الإيجاب عمّا في النصّ

ص:391


1- النساء:24.
2- الكافي 5:2/481،التهذيب 7:1417/346،الوسائل 21:149 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 45 ح 1.
3- الكافي 5:2/480،التهذيب 7:1416/346،الوسائل 21:146 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 43 ح 3،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
4- أي الإيجاب و القبول.منه رحمه اللّه.

من لفظ«أنكحتك» وفاقاً للعلّامة (1)،و خلافاً للحلبي،فاكتفى بكلّ ما يدلّ على الإباحة (2).

و قيل:يعتبر القبول من العبد؛ إمّا لأنّه عقد،أو لأنّ الإباحة منحصرة في العقد أو التمليك،و كلاهما يتوقّف على القبول (3).

و ربما قيل:يعتبر قبول المولى؛ لأنّه الوليّ،كما يعتبر منه الإيجاب (4).

و اعتبارهما أولى و أحوط؛ لاشتهار كون ذلك عقداً بين أصحابنا، و اعتضدته الأُصول المرعيّة في الفروج و إن خالفتها ظواهر النصوص السابقة.

و لو مات المولى كان للورثة الخيار في الإجازة و الفسخ

و لو مات المولى المزوِّج أحدهما من الآخر كان للورثة الخيار في الإجازة و الفسخ لانتقالهما إليهم،فيكون أمرهما بيدهم كالمورِّث، و لثبوت ذلك لكلّ من يتلقّى الملك و إن لم يكن وارثاً،فالوارث أولى.

و لا خيار للأمة و لا للعبد قطعاً؛ لفقد المقتضي،مع أنّه لا خلاف فيه كالسابق.

و في الصحيح:في رجل زوّج أُمّ ولد له عبداً له،ثم مات السيّد، قال:«لا خيار لها على العبد،هي مملوكة للورثة» (5).

الطوارئ ثلاثة
اشارة

ثم الكلام في الطوارئ و مفسدات نكاح المماليك،و هي

ص:392


1- لم نعثر عليه.
2- السرائر 2:600.
3- قال به فخر المحققين في الإيضاح 3:146.
4- انظر النهاية و نكتها 2:346.
5- التهذيب 8:728/206،الوسائل 21:192 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 72 ح 1؛ بتفاوت يسير.

ثلاثة:العتق،و البيع،و الطلاق:

العتق

أمّا العتق:فإذا أُعتقت الأمة التي قد زوّجها مولاها قبل العتق كملاً تخيّرت في فسخ نكاحها مطلقاً كان العتق قبل الدخول أم بعده إذا كانت تحت عبد،إجماعاً من المسلمين كما حكاه جماعة (1)، و النصوص به من الطرفين مستفيضة:

منها الصحيح:عن المملوكة تكون تحت العبد ثم تُعتَق،فقال:

«تخيّر،فإن شاءت قامت على زوجها،و إن شاءت فارقته» (2).

و كذا لها الفسخ إن كان زوجها حرّا على الأظهر الأشهر، سيّما إذا كانت مكرهة و استمرّ.

لإطلاق الخبر بل الصحيح كما اشتهر-:«أيّما امرأة أُعتقت فأمرها بيدها،إن شاءت أقامت معه،و إن شاءت فارقته» (3).

و خصوص المعتبرة،منها المرسل كالموثّق:في رجل حرّ نكح أمة مملوكة،ثم اعتقت قبل أن يطلّقها،قال:«هي أملك ببضعها» (4).

و في معناه خبران آخران (5)قصور سندهما كالأول إن كان منجبر

ص:393


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:513،و انظر جامع المقاصد 13:101،و نهاية المرام 1:284.
2- الفقيه 3:1686/352،التهذيب 7:1402/343،الوسائل 21:163 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 52 ح 7.
3- التهذيب 7:1394/341،الوسائل 21:163 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 52 ح 8.
4- التهذيب 7:1399/342،الوسائل 21:164 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 52 ح 11.
5- الأول في:التهذيب 7:1400/342،الوسائل 21:164 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 52 ح 12.الثاني في:التهذيب 7:1401/342،الوسائل 21:164 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 52 ح 13.

بعمل الأعيان،مع عدم معارض لها في المقام،عدا الأصل،الذي يجب الخروج عنه بهذه الأخبار في المضمار.

فما في الشرائع و عن المبسوط و الخلاف من نفي الخيار (1)ضعيف جدّاً.

و ظاهر إطلاق الأخبار كأصالة بقاء الخيار عدم الفوريّة،إلّا أنّها متّفق عليها بين الجماعة كما حكاه طائفة (2)؛ و هو الحجّة فيه إن تمّ، لا ما قيل من الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن (3)،كيف؟!و فوريّة الخيار على خلاف الأصل،و أصالة بقاء الزوجيّة و لزوم المناكحة بالعتق منقطعة،فينعكس الأصل و يصير مقتضياً لبقاء الخيار و عدم الفوريّة.

و ربما استُدِلّ (4)عليها ببعض الروايات العاميّة (5)،من حيث اشتمالها على تعليق الخيار على العتق بالفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة.

و المناقشة فيه مع ضعفه واضحة،لكن لا خروج عمّا عليه الأصحاب.

ص:394


1- الشرائع 2:311،المبسوط 4:258،الخلاف 4:354،و قد حكاه عنهما في التنقيح 3:147.
2- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:286،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:62،و صاحب الحدائق 24:250.
3- قال به الشهيد الثاني في المسالك 1:513،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:286.
4- التنقيح الرائع 3:149،جامع المقاصد 13:102.
5- سنن البيهقي 7:221،222.

و لو أخّرت الفسخ لجهلها بالعتق أو الخيار،فالظاهر عدم سقوطه كما قطع به الأصحاب؛ للأصل.

و في الجهل بالفوريّة وجهان،و لعلّ الأقرب عدم السقوط؛ لما مرّ.

و كذا لو نسيت أحدها.

و الظاهر أنّه يُقبَل دعواها الجهل أو النسيان مع اليمين بشرط الإمكان في حقّها؛ لأنّ ذلك لا يعرف إلّا من قبلها،و أصالة الجهل مستصحبة جدّاً، فتأمّل.

و لو أُعتق بعض الأمة فلا خيار؛ لتعلّق الحكم في النصّ بحكم التبادر على كمال العتق،فيقتصر فيما خالف الأصل على مورده.

و لو كانت صغيرة أو مجنونة ثبت لها الخيار عند الكمال،و ليس للمولى هنا تولّي الاختيار.و للزوج الوطء قبله؛ لبقاء الزوجيّة ما لم تفسخ،و كذا القول قبل اختيارها و هي كاملة،حيث لا ينافي الفوريّة، كما لو لم تعلم بالعتق.

و استثنى جماعة (1)تبعاً للعلّامة (2)صورة واحدة،و هي ما إذا كانت لشخص جارية قيمتها ثلث ماله،و هو يملك ثلثاً آخر،فزوّجها بثلث آخر، ثم أعتقها في مرض الموت قبل الدخول،فإنّه حينئذٍ لا يثبت لها خيار؛ لأنّ الفسخ من جانب الزوجة قبل الدخول مسقط للمهر،فإذا سقط انحصرت التركة فيها و في الثلث الآخر،فلم ينفذ العتق في جميعها،بل يبطل فيما زاد على ثلث التركة،و حينئذٍ يبطل خيارها؛ لأنّ الخيار إنّما هو مع عتقها كملاً

ص:395


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:514،و استحسنه في نهاية المرام 1:287 و الكفاية:173.
2- القواعد 2:28.

كما مضى،فيكون ثبوته مؤدّياً إلى عدم ثبوته،و هو دور،فتعيّن الحكم بانتفاء الخيار حينئذ.

و هو حسن إن أوصى بالعتق أو نجّزه و قلنا إنّ المنجّزات كالوصايا تحسب من الثلث،كما هو الأشهر.

و ما ربما يستفاد من ظاهر العلّامة من اشتراط وقوع التزويج في المرض كالعتق في الاستثناء غير ظاهر الوجه أصلاً كما لا يخفى،و بعدم الفرق بينه و بين الوقوع في الصحّة صرّح جماعة من أصحابنا (1).

و لا خيرة للعبد إذا أُعتق للأصل،و اختصاص النصّ المثبت لها بالأمة المعتقة،دون العكس.

و قياسه على الأول مع فساده عندنا غير صحيح هنا؛ لثبوت الفارق بثبوت تخلّص العبد بالطلاق،دون الأمة،فليس لها دفع الضرر و التخلّص منه إلّا بالفسخ و الفراق،فتأمّل.

فالقول المحكيّ عن الإسكافي بثبوت الخيار له مطلقاً قياساً على الأمة (2)ضعيف جدّاً،كضعف المحكيّ عن ابن حمزة من الموافقة له في صورة وقوع التزويج من العبد على الكراهة (3)،و ربما أشعر باختياره عبارة العلّامة (4)،و لعلّه لا يخلو عن قوّة بشرط استمرار الكراهة إلى حال الاختيار،و لعلّه مراد ابن حمزة و العلّامة.

و كذا لا خيار لزوجته مطلقاً و إن كانت حرّة لما

ص:396


1- كالمحقّق و الشهيد الثانيين في جامع المقاصد 13:103 و المسالك 1:514،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:63.
2- حكاه عنه في المختلف:569.
3- الوسيلة:305 306.
4- المختلف:569.

مضى.

و للصحيح:قلت:فللحرّة الخيار عليه إذا أُعتق؟قال:«[لا]قد رضيت به و هو مملوك،فهو على نكاحه الأول» (1).

و لأنّها قد رضيته عبداً فبأن ترضاه حرّا أولى،و به وقع التصريح في بعض أخبارنا:في رجل زوّج أُمّ ولد له من عبد،فأُعتق العبد بعد ما دخل بها،يكون لها الخيار؟قال:«لا،قد تزوّجته عبداً و رضيت به،فهو حين صار حرّا أحقّ أن ترضى به» (2).

و كما تتخيّر الأمة بعتقها فيما مضى كذا تتخيّر الأمة لو كانا أي هي و زوجها- لمالك واحد أو مالكين مطلقاً بالتشريك كان أم لا- فأُعتقا معاً،مقارناً كان عتقهما أم لا،بشرط عدم ما ينافي الفوريّة قطعاً، أو أُعتقت هي خاصّة دونه،بلا خلاف فيهما.

مضافاً إلى الصحيح في الثاني:عن الرجل ينكح عبده أمته ثم أعتقها، تخيّر فيه أم لا؟قال:«نعم،تخيّر فيه إذا أُعتقت» (3)و ما مضى من الإطلاقات أو العموم فيهما.

و لا ريب في الحكم في الأول (4)مطلقاً على المختار.و الصحيح الدالّ بانقطاع نكاح المملوكين لمعتقهما بالعتق (5)،شاذٌّ نادر.

ص:397


1- الكافي 5:1/487،التهذيب 8:726/206،الوسائل 21:165 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 54 ح 1؛ و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- التهذيب 7:1405/343،الوسائل 21:166 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 54 ح 2.
3- الكافي 5:3/486،التهذيب 7:1404/343،الوسائل 21:161 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 52 ح 1.
4- و هو صورة عتقهما معاً.منه رحمه اللّه.
5- و قد تقدمت مصادره في الهامش(1)أعلاه.

و يشكل على القول باختصاص الخيرة لها بصورة ما إذا كانت تحت عبد لا مطلقاً،فيما إذا أُعتقا معاً متقارنين أو أُعتق العبد أولاً؛ لاستلزام ثبوت الخيار لها هنا ثبوته للأمة و هي تحت حرّ،و هو خلاف ما مضى،فالجمع بين الحكمين ثمّة و هنا كما فعله الماتن في الشرائع،و حكي عن الفاضل في التحرير (1)غريب جدّاً.

و اعلم أنّه من الأُصول المسلّمة:أنّه لا يجوز تزويج الرجل بأمته بمهر مطلقاً،إلّا في صورة واحدة،و هي أن يتزوّجها،و يجعل العتق منه لمجموعها صداقها فيقول:قد تزوّجتك و أعتقتك،و جعلت مهرك عتقك.

و المستند في الاستثناء:إجماع أصحابنا،و به استفاض أخبارنا (2)،بل ربما ادُّعي تواترها (3)؛ و بهما يظهر الجواب عمّا قيل:إنّه كيف يتزوّج جاريته،و كيف يتحقّق الإيجاب و القبول و هي مملوكة (4)؟! و ما قيل من أنّ المهر يجب أن يكون متحقّقاً قبل العقد،و ليس كذلك مع تقديم التزويج كما هو المشهور،و أنّه يلوح منه الدور،فإنّ العقد لا يتحقّق إلّا بالمهر الذي هو العتق،و العتق لا يتحقّق إلّا بعد العقد (5).

مندفع بمنع اعتبار تقديمه،بل يكفي مقارنته للعقد،و هو هنا كذلك؛ و بمنع توقّف العقد على المهر و إن استلزمه،و إذا جاز العقد على الأمة و هي صالحة لأنّ تكون مهراً لغيرها جاز جعلها أو فكّ ملكها مهراً

ص:398


1- الشرائع 2:311،التحرير 2:24.
2- الوسائل 21:96 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 11.
3- جامع المقاصد 13:118.
4- النهاية و نكتها 2:393.
5- النهاية و نكتها 2:393.

لنفسها؛ مع أنّ ذلك كلّه في مقابلة النصّ الصحيح،فلا يسمع،و حيث اختصّ بنا أنكره مخالفونا،و جعلوه من خصائص نبيّنا سلام اللّه عليه.

و يشترط في صحة هذا التزويج على الأشهر تقديم لفظ التزويج في العقد على العتق كما عبرنا في المثال.

لئلّا تعتق،فلا تصلح لجعل عتقها مهراً.

و لأنّها بالعتق لو قُدّم تملك أمرها،فلا يصحّ تزويجها بدون رضاها.

و للخبرين،أحدهما الصحيح:عن رجل قال لأمته:أعتقتك و جعلت مهرك عتقك،فقال:«عتقت و هي بالخيار،إن شاءت تزوّجته،و إن شاءت فلا،فإن تزوّجته فليعطها شيئاً،فإن قال:قد تزوّجتك و جعلت مهرك عتقك،فإنّ النكاح واقع بينهما و لا يعطيها شيئاً» (1)،و هو مرويّ في قرب الإسناد كذلك،إلّا أنّه بدل.النكاح واقع:«كان النكاح واجباً» (2).

و في الجميع نظر،أمّا فيما عدا الخبر فبعدم لزوم العتق و مالكيّة الأمر إلّا بعد انقضاء تمام الصيغة المشتملة على الأمرين،و بعده كما يلزم العتق و مالكيّة الأمر كذا يلزم الموجب لهما و هو النكاح؛ لمساواتهما في الاندراج تحت الصيغة التي يترتّب على تمامها لزوم الأول.

و أمّا فيه فلاحتمال استناد المنع فيه إلى عدم التصريح بلفظ التزويج المعتبر التصريح به عند الكلّ كما قيل (3)لا تقديم العتق،و هو غير المتنازع؛ مع معارضتهما لما سيأتي من الأخبار.

ص:399


1- التهذيب 8:709/201،710،الإستبصار 3:759/210،760،الوسائل 21:98،99 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 12 ح 1،2.
2- قرب الإسناد:993/251.
3- انظر روضة المتقين 8:246 و الوسائل 21:99.

و قيل: هو الشيخان (1)- يشترط تقديم العتق على التزويج، فيقول:أعتقتك و تزوّجتك و جعلت صداقك عتقك؛ استناداً إلى بطلان تزويج المولى بأمته.

و يضعّف بما مرّ في الجواب عمّا عدا الخبر في القول الأشهر،و بأنّه يستلزم عدم جواز جعل العتق مهراً؛ لأنّه لو حكم بوقوعه بأول الصيغة امتنع اعتباره في التزويج المتأخّر؛ مع أنّ ذيل الصحيحة المتقدّم صريح في الجواز.

فإذاً الأظهر جواز الأمرين وفاقاً لأكثر المتأخّرين؛ أمّا البدأة بالتزويج فللصحيح المتقدّم؛ و أمّا العكس فللعمومات،و ظواهر المعتبرة المستفيضة، منها الحسن:«إذا قال الرجل لأمته:أعتقتك و أتزوجك و جُعِل صداقك عتقك،فهو جائز» (2)و نحوه الحسن الآخر (3)و الموثّق (4)و الخبر (5).

و لو احتيط بالأشهر كان أجود؛ لقوّة الشبهة فيه؛ لاعتضاد خلاف الاحتمال المتقدّم في الصحيح المبنيّ عليه الاستدلال للمشهور بفهمهم، و إن لم يكن له في نفسه ظهور،إلّا بمعونة المفهوم في الذيل،المضعَّف اعتباره فيه باحتمال تعلّقه بخصوص التزويج؛ بناءً على الاحتمال المتقدّم،

ص:400


1- المفيد في المقنعة:549،الطوسي في الخلاف 4:268.
2- الكافي 5:3/476،الوسائل 21:96 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 11 ح 1؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 5:1/475،الوسائل 21:97 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 11 ح 3.
4- التهذيب 8:707/201،الإستبصار 3:757/209،الوسائل 21:97 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 11 ح 6.
5- الكافي 5:2/476،التهذيب 8:715/202،الإستبصار 3:764/211،الوسائل 21:97 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 11 ح 4.

الموجب لظهور السياق منطوقاً و مفهوماً في الحكم لخصوص التزويج نفياً و إثباتاً.

و في وجوب قبول الأمة بعد تمام الصيغة أم العدم،قولان،ناشئان من اشتمال الصيغة على عقد النكاح المركّب شرعاً من الإيجاب و القبول، و لا يمنع منه كونها حال الصيغة رقيقة؛ لأنّها بمنزلة الحرّة حيث تصير حرّة بتمامه،فرقّيّتها غير مستقرّة،و لو لا ذلك امتنع تزويجها.

و من أنّ مستند شرعيّة هذه الصيغة هو النقل المستفيض عنهم عليهم السلام، و ليس في شيء منه ما يدلّ على اعتبار القبول،و لو وقع لنُقِل؛ لأنّه ممّا يعمّ به البلوى.و أنّ حِلَّ الوطء مملوك له،فهو بمنزلة التزويج،فإذا أعتقها على هذا الوجه كان في معنى استثناء بقاء الحلّ من مقتضيات العتق.و أنّ القبول إنّما يعتبر من الزوج لا من المرأة،و إنّما وظيفتها الإيجاب و لم يقع منها.

و هذا أشهر و أقوى،لا لما ذكر لتطرّق الوهن إلى جملتها،كتطرّقه إلى الوجه للقول الذي مضى بل لما مضى من الصحيح الصريح في نفي مشيّتها و اختيارها عن الزوجيّة (1)،و لزومها بما ذكر في ذيلها من الصيغة، سيّما على النسخة الأخيرة.و لو شرط القبول في الصحّة لانتفت بانتفائه، فلم يكن النكاح بمجرّد تلك الصيغة واجباً و لازماً،و هو خلاف نصّه.

نعم،الأحوط ذلك؛ لأصالة بقاء أحكام الأمتية،و عدم ترتّب أحكام الزوجيّة،و ظاهر الموثّقة:عن رجل له[زوجة و]سريّة،يبدو له أن يعتق سريّته و يتزوّجها،قال:«إن شاء شرط عليها أنّ عتقها صداقها،فإنّ ذلك

ص:401


1- راجع ص 396.

حلال،أو يشترط عليها إن شاء قسم لها،و إن شاء لم يقسم،و إن شاء فضّل الحرّة،فإن رضيت بذلك فلا بأس» (1)فتأمّل.

ثم إنّ ظاهر إطلاق أكثر النصوص و الفتاوي الاكتفاء في العتق الممهورة به بذكره في الصيغة بغير لفظ الإعتاق،كقوله:جعلت عتقك صداقك؛ و ربما استدلّ له بالصحيح (2).فإن قال:قد تزوّجتك و جعلت مهرك هذا الثوب،فإنّها تملكه بتمام العقد،من غير احتياج إلى صيغة تمليك،فكذا إذا جعل مهراً،فإنّها تملك نفسها،و لا حاجة للعتق إلى صيغة أُخرى.و قولهم:تملك نفسها،مجاز،من حيث حصول غاية الملك،فلا يرد عليه:أنّ الملك إضافة فلا بُدَّ فيها من تغاير المضافين بالذات.

خلافاً للمحكيّ عن ظاهر المفيد و الحلبي،فاعتبرا لفظ الإعتاق و نحوه من الألفاظ الصريحة في العتق (3)؛ لعدم وقوعه إلّا بها.و هو أحوط.

و ربما كان فيما قدّمناه من المعتبرة لتجويز تقديم لفظ العتق على التزويج (4)عليه دلالة؛ إذ مفهوم ما مضى من الحسن اشتراط ذكر لفظ الإعتاق في جواز الصيغة و نفوذ حكمها،مضافاً إلى ظهور كثير من أخبار الباب فيه.

ففي الموثّق:«أيّما رجل شاء أن يعتق جاريته و يتزوّجها و يجعل

ص:402


1- الكافي 5:5/476،الوسائل 21:101 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 14 ح 1؛ و ما بين المعقوفين من المصدر.
2- المتقدم في ص 396.
3- حكاه عنهما في التنقيح 3:151،و جامع المقاصد 13:121.
4- راجع ص 397 398.

صداقها عتقها فعل» (1).

و في الخبر:«إن شاء الرجل أعتق وليدته و جعل عتقها مهرها» (2).

و بهذه الظواهر مضافاً إلى الأصل يقيّد إطلاق ما مرّ من النصوص، مع احتمال الاتّكال فيها و الحوالة إلى الظهور،و هو أحوط لو لم يكن أقوى.

و حيث كان الحكم في هذه الصورة مخالفاً للأُصول المقرّرة،وجب الاقتصار فيها على القدر المتيقّن و المتبادر من النصوص الواردة فيها،و ليس إلّا عتق الجميع،فالتعدّي إلى عتق البعض للإطلاق ضعيف جدّاً.

و أُمّ الولد للمولى رقّ إجماعاً؛ للأصل،و انتفاء ما يوجب العتق عليه أو على الولد و لكن إن كان ولدها باقياً تشبّثت بذيل الحرّية في الجملة.

و لو مات الولد في حياة أبيه جاز بيعها لعودها إلى الرقّية المحضة.

و تنعتق بموت المولى من نصيب ولدها :من نفسها إن وفى بها، أو منها و من غيرها من التركة إن كان مع عدم الوفاء؛ لانعتاق المملوك له منها عليه كلّاً أو بعضها؛ لعموم ما دلّ على انعتاق الوالدين على الولد إذا ملكهما (3).و أمّا انعتاق المتخلّف الزائد عن نصيبه منها من نصيبه من

ص:403


1- التهذيب 8:706/201،الإستبصار 3:756/209،الوسائل 21:97 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 11 ح 5.
2- التهذيب 8:708/201،الوسائل 21:98 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 11 ح 7؛ بتفاوت يسير.
3- الوسائل 23:18 أبواب العتق ب 7.

التركة فلعموم النصوص بانعتاقها من نصيب ولدها (1)،الشامل لنصيبه منها و من أصل التركة.

و لو عجز النصيب له منها و من أصل التركة عن فكّها كملاً سعت هي خاصّة في الأشهر في فكّ المتخلّف منها.

و لا يلزم الولد شراؤه و فكّه من ماله من غير التركة،خلافاً للمبسوط،فأوجبه (2).

و لا السعي في فكّه مع عدم المال على الأشبه الأشهر هنا و في السابق،خلافاً لابن حمزة هنا،فأوجب السعي (3).

و مستندهما غير واضح كما صرّح به جماعة (4)،مع مخالفتهما للأصل،و لظواهر النصوص الحاكمة بانعتاقها عليه من نصيبه،المشعرة باختصاص ذلك بالنصيب،و إلّا لعبّر بانعتاقها عليه من ماله،فتدبّر.

مضافاً إلى صريح الخبر:«و إن كانت بين شركاء فقد عُتِقت من نصيب ولدها،و تستسعى في بقيّة ثمنها» (5).

نعم،ذكر ابن المفلح بعد نسبة الأخير إليهما-:الرواية يونس بن يعقوب (6).و لم أقف عليها،و لا على ما يحتمل الدلالة عليه،سوى الخبر

ص:404


1- انظر الوسائل 23:175 أبواب الاستيلاد ب 6.
2- المبسوط 6:185.
3- الوسيلة:343.
4- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:293،و السبزواري في الكفاية:173،و صاحب الحدائق 24:269.
5- الكافي 6:6/193،التهذيب 8:863/239،الوسائل 23:173 أبواب الاستيلاد ب 5 ح 3.
6- و كذا قد استدل بها السيوري في تنقيح الرائع 3:155،و الظاهر أنّ المراد منها ما ذكره الصدوق في الفقيه 3:28/261،و الشيخ في التهذيب 7:1939/482،و لا يخلو عن وجه.

المشار إليه؛ بناءً على احتمال تبديل التاء الاُولى في:«تستسعى» بالياء، لكنّه مضبوط كما ذكرنا من دون تبديل.

و تمام الكلام يأتي في بحث الاستيلاد إن شاء اللّه تعالى؛ و إنّما ذكر ذلك هنا ليتفرّع عليه بعض ما سيجيء (1)،فإنّه من مسائل النكاح.

و تباع مع وجود الولد في ثَمن رقبتها إذا لم يكن غيرها بلا خلاف عندنا مع وفاة المولى،بل مطلقاً على الأظهر الأشهر بين أصحابنا.

لإطلاق الخبر:عن أُمّ الولد تباع في الدين؟قال:«نعم في ثَمن رقبتها» (2)و قصور السند بالشهرة انجبر.

و للصحيح:«أيّما رجل اشترى جارية،فأولدها،ثم لم يؤدّ ثمنها، و لم يدع من المال ما يؤدّى عنه،أُخذ ولدها منها و بيعت و أُدّي ثمنها» قلت:فيُبَعن فيما سوى ذلك من دين؟قال:

«لا» (3).و في شموله لحياة المولى إشكال؛ لظهور قوله فيه:«و لم يدع من المال ما يؤدّى عنه» في البيع بعد الموت،فلا يتمّ الاستدلال به على الجواز مطلقاً،و لذا قيل:إنّ القول بالمنع هنا لا يخلو عن قوّة و إن كان في غاية الندرة (4).

و ربما يمكن أن يوجّه بمنع انحصار وجه البيع و الأداء عنه في

ص:405


1- من قوله:و لو اشترى الأمة نسيئة،إلى آخره.منه رحمه اللّه.
2- الكافي 6:2/192،التهذيب 8:859/238،الوسائل 18:278 أبواب بيع الحيوان ب 24 ح 2.
3- الكافي 6:5/193،التهذيب 8:862/238،الوسائل 18:278 أبواب بيع الحيوان ب 24 ح 1.
4- نهاية المرام 1:294.

الموت؛ إذ غايته الدلالة على عدم مباشرته لهما،و السبب فيه أعمّ منه، فلعلّه الغيبة أو الممانعة و الليّ عن أداء المال بالمرّة،فيتولّاهما (1)حاكم الشرع البتّة؛ و ربما يؤيّد العموم سؤال الراوي عمّا سوى الثمن من الديون، و لم يسأل عنه في حال حياة السيّد و أنّه هل تباع فيها كحال الموت أم لا،و هو مشعر بفهمه العموم من الكلام،بحيث يشمل حال الموت و الحياة، فتأمّل.

و يأتي تمام التحقيق فيه في بحثه بعون اللّه و توفيقه.

و لو اشترى الأمة نسيئة،فأعتقها و تزوجها،و جعل عتقها مهرها، فحملت،ثم مات و لم يترك ما يقوم بثمنها،فالأشبه الأشهر سيّما بين المتأخّرين أنّ العتق لا يبطل و كذا التزويج؛ لوقوعهما من أهلهما في محلّهما.

و لا يرقّ الولد لنشوئه بين حرّين،فيتبعهما إجماعاً.

و قيل: هو الإسكافي و الطوسي و القاضي (2)-: تباع في ثمنها، و يكون حملها كهيئتها في الرقيّة.

لرواية هشام بن سالم الصحيحة،المرويّة في الكافي و موضع من التهذيب عنه عن مولانا الصادق عليه السلام (3)،و في موضع آخر منه عنه،عن أبي بصير عنه عليه السلام (4)،فهي مضطربة عند مشهور الطائفة،و فيها:عن رجل

ص:406


1- أي البيع و الأداء.منه رحمه اللّه.
2- حكاه عن الإسكافي في التنقيح 3:156،الطوسي في النهاية:498،القاضي في المهذب 2:248.
3- الكافي 6:1/193،التهذيب 8:838/231،الوسائل 23:50 أبواب العتق ب 25 ح 1.
4- التهذيب 8:714/202،الوسائل 21:191 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 71 ح 1.

باع جارية بكراً إلى سنة،فلمّا قبضها المشتري أعتقها من الغد،و تزوّجها، و جعل مهرها عتقها،ثم مات بعد ذلك بشهر،فقال عليه السلام:«إن كان للّذي اشتراها إلى سنة مال،أو عقدة (1)تحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها،كان عتقها و نكاحها جائزاً،و إن لم يملك ما يحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها كان عتقه و نكاحه باطلاً؛ لأنّه أعتق ما لا يملك،و أرى أنّها رقّ لمولاها الأول» قيل له:فإن كان علقت من الذي أعتقها و تزوّجها، ما حال الذي في بطنها؟قال:«الذي في بطنها مع أُمّه كهيئتها» .و هي و إن صحّت سندها إلّا أنّ باضطرابها و مخالفتها الأُصول القطعيّة المجمع عليها،المعتضدة بالشهرة هنا لا يجسر في تخصيصها بها،و قد ورد في رواياتنا:أنّهم عليهم السلام أمرونا بعرض ما يرد علينا من أخبارهم بسائر أحكامهم،ثم قبول ما وافقها و طرح ما خالفها (2)،و الأمر هنا كذلك جدّاً، و لذا تفادياً من طرحها تأوّلها جماعة من أصحابنا (3)بتأويلات بعيدة جمعاً بينها و بين الأُصول المرعيّة لكن لا يلائم شيء منها الرواية،و لذا أنّ المصنّف تبعاً للحلّي (4)أطرحها رأساً،و تبعهما جماعة (5).

البيع

و أمّا البيع:فإذا بيعت الأمة ذات البعل حرّا كان أو عبداً،كانا لمالك أو مالكين،بالتشريك بينهما أو الانفراد تخيّر المشتري واحداً

ص:407


1- العقدة بالضم الضيعة و العقار.القاموس المحيط 1:327.
2- الوسائل 27:106 أبواب صفات القاضي ب 9.
3- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:515،و السبزواري في الكفاية:173،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:64.
4- السرائر 2:639،و 3:14.
5- منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز 2:169،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:297.

كان أم متعدّداً في الإجازة إجازة النكاح السابق و الفسخ مطلقاً كان البيع قبل الدخول أم بعده إجماعاً،حكاه جماعة (1)،و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

منها الصحيح:عن رجل يزوّج أمته من رجل حرّ أو عبد لقوم آخرين،إله أن ينزعها منه؟قال:«لا،إلّا أن يبيعها،فإن باعها فشاء الذي اشتراها أن يفرّق بينهما فرّق بينهما» (2).

تخيّراً على الفور بلا خلاف في الظاهر،و ظاهرهم الإجماع عليه؛ للخبر:«إذا بيعت الأمة و لها زوج،فالذي اشتراها بالخيار،فإن شاء فرّق بينهما،و إن شاء تركها معه،فإن هو تركها معه فليس له أن يفرّق بينهما بعد التراضي» (3)،فتأمّل.

و يؤيّده ما مرّ مراراً من النصوص في:أنّ سكوت الموالي بعد بلوغ تزويج العبد إليهم إجازة له (4)،فافهم.

إلّا مع الجهل بالخيار،فله ذلك بعد العلم على الفور بلا خلاف؛ للأصل،و عدم تبادر مثله من النصّ.

و في إلحاق الجهل بالفوريّة به،وجهان و قولان،مقتضى الأصل (5):

الأول،و إطلاق النصّ مع ما قيل من لزوم الاقتصار فيما خالف الأصل

ص:408


1- منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد 13:140،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:297،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:65.
2- التهذيب 7:1388/339،الإستبصار 3:745/206،الوسائل 21:181 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 64 ح 5.
3- الفقيه 3:1682/351،الوسائل 21:156 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 48 ح 1.
4- راجع ص 104.
5- أي أصالة بقاء الخيار.منه رحمه اللّه.

على المتيقّن (1)-:الثاني،إلّا أنّ ثاني الوجهين له مضى ما فيه من أنّ الأصل الذي قدّمناه أخصّ منه.نعم،التمسّك بإطلاق النصّ حسن إن حصل الجابر له هنا،فتأمّل جدّاً.

و كذا لو بيع العبد و تحته أمة فللمشتري الخيار في فسخ النكاح و إبقائه،بلا خلاف كما حكي (2)؛ للصحيح:«طلاق الأمة بيعها أو بيع زوجها» (3).

و اختلفوا في ثبوت الحكم كذا لك لو كانت تحته حرّة، فالحلّي (4)و جماعة (5)إلى العدم؛ للأصل،و اختصاص المثبت للحكم بغير محلّ الفرض،مع حرمة القياس.

و قيل كما عن الطوسي و القاضي و ابن حمزة و العلّامة (6)،بل حكى الشهرة عليه جماعة (7)بثبوت الحكم كذلك لو كان تحته حرّة؛ لرواية فيها ضعف منجبر بالشهرة:«إذا تزوّج المملوك حرّة فللمولى أن يفرّق بينهما،فإن زوّجه المولى حرّة فله أن يفرّق بينهما» (8)،و ليس

ص:409


1- قال به السبزواري في الكفاية:174،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:65.
2- حكاه في الكفاية:174،و الحدائق 24:277.
3- الكافي 5:4/483،التهذيب 7:1382/337،الإستبصار 3:752/208،الوسائل 21:154 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 47 ح 1.
4- السرائر 2:598.
5- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:161،و الشهيد الثاني في المسالك 1:517،و سبطه في نهاية المرام 1:300.
6- حكاه عنهم في الإيضاح 3:160،و هو في النهاية:477،و المهذّب 2:219،و الوسيلة:306،و المختلف:567.
7- منهم ابن فهد الحلّي في المهذب البارع 3:349،و السبزواري في الكفاية:174،و صاحب الحدائق 24:278،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:65.
8- التهذيب 7:1387/339،الوسائل 21:181 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 64 ح 4.

التفريق بغير البيع إجماعاً،فانحصر في البيع.

و الأجود الاستدلال عليه بالتعليل في الخبرين:

في أحدهما المعتبر بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده،فلا يضرّه اشتراك راويه-:عن رجل اشترى جارية يطؤها فبلغه أنّ لها زوجاً،قال:«يطؤها،إنّ بيعها طلاقها؛ و ذلك أنّهما لا يقدران على شيء من أمرهما إذا بيعا» (1).

و في الثاني:عن امرأة حرّة تكون تحت المملوك فتشتريه،هل يبطل نكاحه؟قال:«نعم؛ لأنّه عبد مملوك لا يقدر على شيء» (2).

مضافاً إلى إطلاق بعض الأخبار المنجبر قصور سنده بالاشتهار -:«و إن بيع العبد،فإن شاء مولاه الذي اشتراه أن يصنع مثل الذي صنع صاحب الجارية فذلك[له]،و إن سلّم فليس له أن يفرّق بينهما بعد ما سلّم» (3).

و يؤيّد الإطلاق و يقرّبه إلى المطلوب تشبيه مشتري العبد بمشتري الجارية،و أنّ له أن يصنع بنكاح العبد مطلقاً ما لمشتري الأمة مطلقاً أن يصنع بنكاحها ما شاء،و لا خلاف في ثبوت الحكم فيها لو كانت تحت حرّ،فينبغي إجراء الحكم هنا كذلك،و الاحتياط لا يترك.

ثم إنّ ظاهر الحكم بالخيار للمشتري في العبد و الأمة إذا كان الآخر رقّاً يقتضي اختصاص الخيار بالمشتري،فليس لمولى الآخر اعتراض مع

ص:410


1- الكافي 5:1/483،الوسائل 21:154 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 47 ح 2.
2- الكافي 5:4/485،التهذيب 8:724/205،الوسائل 21:158 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 49 ح 2.
3- الفقيه 3:1682/351،الوسائل 21:156 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 48 ح 1؛ و ما بين المعقوفين من المصدر.

إجازة المشتري،و هو أحد القولين في المسألة و أشهرهما و أظهرهما؛ للأصل،و انتفاء المخرج عنه؛ لاختصاصه بالمشتري،و الإلحاق قياس لا نقول به.

خلافاً للطوسي و القاضي و المختلف (1).و هو ضعيف.

و لو كانا أي المملوكان المزوّج أحدهما من الآخر- لمالك واحد فباعهما لاثنين بالتشريك أو الانفراد فلكلّ منهما الخيار بلا خلاف؛ للإطلاق.فإن اتّفقا على الإبقاء لزم،و لو فسخا أو أحدُهما انفسخ؛ و وجهه واضح.

و كذا لو باع المالك الواحد لهما أحدهما لم يثبت العقد ،بل متزلزل ما لم يرض بالنكاح كلّ واحد منهما أمّا المشتري فواضح؛ لإطلاق النصوص (2).

و أمّا البائع فعُلِّل (3)بإطلاقها بأنّ البيع طلاق؛ إذ معناه:ثبوت التسلّط على فسخ العقد المتناول لهما.

و باشتراكهما في المعنى المقتضي لجواز الفسخ فإنّ المشتري كما يتضرّر بتزويج مملوكه لغير مملوكه كذلك البائع،و حينئذٍ يتوقّف عقدهما على رضاء المتبايعين معاً.

و ربما يضعّف الأول بمنع كون البيع طلاقاً بالمعنى المتقدّم مطلقاً،بل ظاهر النصوص اختصاصه بالإضافة إلى المشتري،أ لا ترى إلى الحسن (4)

ص:411


1- الطوسي في النهاية:479،القاضي في المهذب 2:218،المختلف:568.
2- الوسائل 21:154 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 47.
3- انظر المسالك 1:517.
4- الكافي 5:3/483،التهذيب 8:700/199،الإستبصار 3:751/208،الوسائل 21:154 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 47 ح 4.

المفرّع قوله عليه السلام:«فإن شاء المشتري فرّق بينهما،و إن شاء تركهما على نكاحهما» على قوله:«من اشترى مملوكة لها زوج فإنّ بيعها طلاقها»؟! و الثاني:بأنّه استنباط من غير نصّ،و هو قياس لا نقول به.

و يمكن المناقشة في الأول:بأنّ التفريع لا يوجب التخصيص،فقد يكون أحد آثار المفرّع عليه،فافهم.

و الأجود الاستدلال على ذلك في مفروض (1)العبارة بأصالة بقاء الخيار للبائع؛ إذ هو قبل بيع أحدهما كان له فسخ نكاحهما من دون طلاق إجماعاً و نصّاً كما يأتي (2)فكذا بعده؛ للأصل،فعدم ثبوت الخيار يحتاج إلى دليل؛ لمخالفته الأصل هنا.

نعم،لو كان مالك الآخر الذي لم يُبَع غير البائع اتّجه القول بمنع الخيار؛ لمخالفته الأصل،فيحتاج ثبوته إلى دليل.

فظهر الفرق بين المقامين،و هو ظاهر المتن و حكي عن جماعة (3)؛ و لعلّ وجهه ما ذكرنا إن لم يكن الاستناد إلى إطلاق النص،و إلّا فالوجه عدم الفرق و ثبوت الخيار في المقامين؛ التفاتاً إلى تخصيص الأصل المتقدّم به.

و كيف كان،فالقول بثبوت الخيار للبائع المالك للآخر الذي لم يُبَع مشهورٌ و متوجّه قطعاً،بل القول بإطلاق الثبوت غير بعيد جدّاً.

و لو حصل منهما أولاد كانوا لمواليّ الأبوين على الأشهر الأظهر.

خلافاً للقاضي،فلمولى الأمّ خاصّة (4).و هو ضعيف.

ص:412


1- و هو كون مالك الذي لم يُبَع هو البائع.منه رحمه اللّه.
2- في ص 417.
3- حكاه عنهم السبزواري في الكفاية:174.
4- المهذب 2:218.

و يملك المولى للأمة المهر لها بالعقد لمقابلته للبضع المملوك له. فإن دخل الزوج استقرّ،و لا يسقط لو باع بعده مطلقاً أجاز المشتري أم لا لاستقراره به في الحرّة و الأمة لحصول مقصود المعاوضة،حتى لو طلّق الزوج و الحال هذه لم يسقط منه شيء بلا خلاف، فعدم السقوط بالبيع أولى،و لا خلاف فيه كالسابق على الظاهر.

و الوجه واضح في النكاح الدائم،و يشكل في المنقطع؛ لتوزّع المهر على البضع،و توقّف استحقاقها أو المولى منه على استيفاء القدر المقابل له،و مقتضاه كونه بإزاء البضع شيئاً فشيئاً،فاستحقاق المولى تمام المهر لا وجه له مطلقاً مع عدم استيفاء البضع بفسخ المشتري أو معه بعدمه و إمضائه،بل ينبغي أن لا يكون له إلّا ما قابل البضع المستوفى في ملكه، و أمّا الباقي فينبغي أن لا يستحقّه أحد أصلاً على الأول (1)،أو يأخذه المشتري خاصّة على الثاني (2).و لعلّ مرادهم الدائم،فتأمّل.

أمّا لو باع قبل الدخول،سقط المهر إن لم يجز المشتري؛ لأنّه بمنزلة الفسخ و قد جاء من قبل المستحقّ له و هو المولى فلا شيء له منه قطعاً،قبض منه شيئاً أم لا.و يستردّه منه الزوج على الأول في المشهور بين الأصحاب.

خلافاً للمحكيّ عن المبسوط،حيث أطلق أنّه إن قبض المهر كان له النصف و ردّ النصف (3)؛ لأنّ البيع طلاق كما في النصوص (4)،و هو موجب

ص:413


1- أي مع فسخ المشتري.منه رحمه اللّه.
2- أي عدم فسخه و إمضائه.منه رحمه اللّه.
3- المبسوط 4:198.
4- الوسائل 21:154 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 47.

للتنصيف قبل الدخول.

و ربما يضعف بمجازيّة إطلاق الطلاق على البيع،و هو أعمّ من الحقيقة،و الأصل المجازيّة؛ لضعف الاشتراك،فإطلاقه عليه استعارة أو تشبيه يقتضيان الشركة مع المستعار منه أو المشبّه به فيما هو المتبادر من أحكامهما،و ليس التنصيف بمتبادر منها في سياق النصوص جدّاً،بل الظاهر من سياقها ثبوت أصل التفريق و تزلزل النكاح به،و لذا فرّع عليه في بعضها ثبوت الخيار للمشتري،فتأمّل جدّاً.

مع أنّه لا قائل بكونه كالطلاق في أحكامه،بل مجمع على فساده؛ لاتّفاقهم على عدم اشتراطه بشرائطه و تعلّق باقي أحكامه به،فعموم المنزلة لو سلّم هنا لكان موهوناً بخروج الأكثر،المانع عن العمل به على الأصحّ الأشهر.

و إن أجاز المشتري كان المهر له في الأشهر بين متأخّري الأصحاب؛ لأنّ الإجازة كالعقد المستأنف؛ لانقطاع العقد الأول بالبيع؛ لأنّه طلاق كما مرّ.

و فيه ما مرّ؛ مع أنّ ظاهر النصوص صحّة الأول بالإجازة،مضافاً إلى أنّ اللازم من هذا تنصيف المهر بالبيع كالطلاق كما عن المبسوط (1)لا سقوط الجميع عن البائع و ثبوته للمشتري خاصّة.

و عُلِّل أيضاً بانتقال البضع إلى المشتري و تعذّر تسليمه على البائع، فانتفى العوض من قبله،و إذا انتفى العوض من قبله وجب أن يسقط استحقاقه له،و يصير للثاني مع الإجازة؛ لصيرورة العوض حقّا له (2).

ص:414


1- المبسوط 4:198.
2- انظر جامع المقاصد 13:146.

و يضعّف بأنّ انتفاء العوض إنّما يتحقّق بفسخ المشتري،و معه لا ريب في سقوطه و نفي استحقاقه عنه؛ لمجيء الفرقة من قبله.و أمّا مع عدمه و إمضائه و تسليمه للمعوّض بالفعل فلا.

قيل:و يحتمل قويّاً القول بكون المهر للأول مع إجازة الثاني؛ لدخوله في ملكه بالعقد،و الإجازة تقرير له،و ليست عقداً مستأنفاً؛ و يؤيّده الأصل و اتّفاق الأصحاب ظاهراً و قد حكاه جماعة على أنّ الأمة المزوّجة إذا أُعتقت قبل الدخول فأجازت العقد يكون المهر للسيّد،و الحكم في إجازة الأمة بعد العتق أو إجازة المشتري واحد.و ربما فُرِّق بينهما بأن البيع معاوضة يقتضي تمليك المنافع تبعاً للعين،فتصير منافع البضع مملوكة للمشتري.بخلاف العتق،فإنّه لا يقتضي تمليكاً،و إنّما هو فك ملك، ففي الأمة المعتقة تكون المنافع كالمستثناة للسيّد،و في البيع ينتقل إلى المشتري.و في الفرق نظر يعلم ممّا قرّرناه (1).

و في المسألة أقوال أُخر ضعيفة،و الاحتياط لا يترك فيها البتّة.

الطلاق

و أمّا الطلاق:فإذا كانت زوجة العبد التي تزوّجها بإذن سيّده ابتداءً أو استدامةً حرّة أو أمة لغير مولاه،فالطلاق بيده،و ليس لمولاه إجباره عليه على الأشهر الأظهر.

للنبوي العامّ:«الطلاق بيد من أخذ بالساق» (2).

و للمعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:عن الرجل يأذن لعبده أن يتزوّج الحرّة أو أمة قوم،الطلاق إلى السيد أو إلى العبد؟قال:«الطلاق إلى

ص:415


1- قال به صاحب المدارك في نهاية المرام 1:303.
2- سنن البيهقي 7:360؛ و انظر درر اللئلئ 2:2،المستدرك 15:306 أبواب مقدمات الطلاق ب 25 ح 3.

العبد» (1).

و نحوه الصحيحان المرويّان عن كتاب عليّ بن جعفر (2).

و نحوها الموثّقات الثلاث (3)و غيرها (4)،المعتضدة بالشهرة العظيمة و صراحة الدلالة.

و ليست مخالفةً للكتاب عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ [1] (5)فقد ورد في بعض الأخبار أنّه في طلاق العبد أمة مولاه التي زوّجها إيّاه، ففيه:عن العبد هل يجوز طلاقه؟فقال:«إن كانت أمتك فلا؛ إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ [2] ،و إن كانت أمة قوم آخرين أو حرّة جاز طلاقه» (6).

و ليس في سنده سوى المفضّل بن صالح،و قد روى عنه ابن فضّال المجمع على تصحيح رواياته،فيُجبر به مضافاً إلى الشهرة ضعفه،و هو مع ذلك ظاهر في المدّعى،بل صريح فيه،بعد ضمّ الإجماع إليه؛ بناءً على دلالته على جواز طلاق العبد،و هو ملازم لعدم جوازه من المولى؛ لعدم القول بالتشريك بينهما؛ إذ الأقوال في المسألة ثلاثة:

أحدهما [أحدها] :ما مرّ،و هو المشتهر بين الطائفة.

و الثاني:عدم اختياره أصلاً،و ثبوته للمولى خاصّة،كما عن

ص:416


1- الكافي 6:3/168،الوسائل 22:99 أبواب مقدمات الطلاق ب 43 ح 3.
2- مسائل علي بن جعفر:196 417/197،419،الوسائل 21:157 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 48 ح 2.
3- انظر الوسائل 22:98 أبواب مقدمات الطلاق ب 43.
4- انظر الوسائل 22:98 أبواب مقدمات الطلاق ب 43.
5- النحل:75.
6- الكافي 6:2/168،التهذيب 7:1423/348،الإستبصار 3:785/216،الوسائل 22:99 أبواب مقدمات الطلاق ب 43 ح 2.

الإسكافي و العماني (1).

للصحاح المستفيضة،منها:«المملوك لا يجوز طلاقه و لا نكاحه إلّا بإذن سيّده» قلت:فإنّ السيّد كان زوّجه،بيد مَن الطلاق؟قال:«بيد السيّد ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ [1] (2).و ليست ناصّة في المطلوب،بل غايتها العموم المحتمل لأن يراد منه طلاقه لأمة مولاه،و لا خلاف فيه كما سيأتي،بخلاف ما مرّ،فإنّها ناصّة بالتفصيل.و مقتضى الأُصول المسلّمة بناءً على حصول التكافؤ بينهما؛ لاعتضاد الأولة بالكثرة و الشهرة العظيمة الجمع بينهما بالتخصيص،و صحّة السند مشترك بينهما و إن تُوهِّم عدم وجود صحيح في الأولة (3)،و مع ذلك فالشهرة العظيمة لا يقاومها شيء من المرجّحات المنصوصة و الاعتباريّة، إلّا على الندرة،فلا يعارضها ظاهر الآية؛ مع ما عرفت ممّا ورد في تفسيرها من الرواية المعتبرة الصريحة في المراد منها.

و ليس في المرويّ في تفسير العيّاشي بسنده فيه عن الحسين بن زيد،أنّ عليّ بن جعفر بن محمّد بن عليّ عليهم السلام قال:كان علي بن أبي طالب عليه السلام يقول:« ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً [2] الآية،يقول:للعبد لا طلاق و لا نكاح، ذلك إلى سيّده،و الناس يروون خلاف ذلك إذا أذن السيّد لعبده،لا يرون له أنّ يفرّق بينهما» (4).

ص:417


1- حكاه عنهما في المختلف:569،و التنقيح الرائع 3:164.
2- الفقيه 3:1673/350،التهذيب 7:1419/347،الإستبصار 3:780/214،الوسائل 22:101 أبواب مقدمات الطلاق ب 45 ح 1.
3- انظر المسالك 1:518.
4- تفسير العياشي 2:54/266 و فيه:عن الحسين بن زيد بن علي،عن جعفر بن محمّد،عن أبيه عليهم السلام،قال..،المستدرك 15:15 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 17 ح 3،و فيه:عن الحسين بن زيد بن علي،عن جعفر بن محمد عليهما السلام،قال..

دلالة على شمول الآية لطلاق العبد زوجته التي ليست أمة مولاه،بل هو مطلق يحتمل التقييد بغيره،كما أفصح عنه الخبر المتقدّم،و معه لا دلالة على كون اختيار الطلاق إلى العبد مطلقاً مذهب العامّة؛ لاحتمال اختصاصه بالصورة المتّفق عليها بيننا،و هي التي استند عليه السلام فيها إلى الآية المخصَّصة بها فيما قدّمناه من الخبر.و أخبارهم عليهم السلام يكشف بعضها عن بعض، فتأمّل.

و على التسليم،فلا يعارض الشهرة المخالفة للتقيّة إن تمّت إذ لم يذكرها أحد،سوى نادر من الأجلّة (1)؛ لتوهّمه إيّاها من الرواية المتقدّمة بناءً على رجحان الموافقة للشهرة عليها؛ لثبوت اعتبارها بالنصّ و الاعتبار،دون مخالفة التقيّة؛ لاختصاص المثبت لاعتبارها في الأول، و بعد تعارض معتبرهما منه و التساقط يبقى الاعتبار المثبت لها سليماً عن المعارض.و تمام التحقيق موكول إلى محلّه.

و مع ذلك،ما عدا الصحيح المتقدّم منها غير واضحة الدلالة؛ إذ قصاراها الحكم بتوقّف طلاق العبد على إذن السيّد،لا أنّ طلاقه بيده،و ربما جمع بين الأخبار بذلك،فقيل بوجوب استئذان العبد مولاه في الطلاق (2).

و هو مع أنّه يأباه بعض النصوص إحداث قول،و لعلّه أحوط.

فإذاً القول بذلك ضعيف كضعف الثالث المحكيّ عن الحلبي،من الموافقة للمشهور في إثبات الطلاق للعبد،و المخالفة لهم في عدم تجويز

ص:418


1- انظر الحدائق 24:294.
2- قال به السبزواري في الكفاية:174.

إجبار السيّد له فيه؛ حيث جوّز ذلك مستنداً إلى لزوم الإطاعة (1).

و الكلّية ممنوعة،و إلّا لانتقضت بطلاق الولد لو أمره أحد أبويه، و لم يقل به أحد،و مع ذلك تردّه النصوص المتقدّمة،سيّما الخبر بل الحسن كما قيل (2)-:«إنّ علياً عليه السلام أتاه رجل بعبده،فقال:إنّ عبدي تزوّج بغير إذني،فقال عليّ عليه السلام لسيّده:فرّق بينهما،فقال السيّد لعبده:يا عدوّ اللّه طلّق،فقال عليّ عليه السلام:كيف قلت له؟قال:قلت:طلّق،فقال عليّ عليه السلام للعبد:الآن فإن شئت فطلّق،و إن شئت فأمسك» الخبر (3).

أ لا ترى إلى إثباته عليه السلام المشيّة له في الطلاق بعد أمر السيّد له بذلك؟! و لو صحّ الإجبار و وجب كما ادّعاه لكان اللّازم إيجاب الطلاق عليه، لا تخييره فيه.

و لو كانت زوجة العبد أمة لمولاه المزوّج إيّاها منه كان التفريق إلى المولى إجماعاً حكاه جماعة (4)للنصوص المستفيضة مضافاً إلى ما مر.

منها الصحيح:عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [1] (5)قال:«هو أن يأمر الرجل عبده و تحته أمته،فيقول:

اعتزل امرأتك و لا تقربها،ثم يحبسها عنه حتى تحيض،ثم يمسّها،فإذا

ص:419


1- حكاه عنه في المختلف:569،و هو في الكافي:297.
2- قال به العلّامة في المختلف:569.
3- التهذيب 7:1433/352،الوسائل 21:118 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 27 ح 1؛ بتفاوت يسير.
4- منهم صاحب المدارك في نهارية المرام 1:307،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:310،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:66.
5- النساء:24.

حاضت بعد مسّه إيّاها ردّها عليه بغير نكاح» (1).

و الحسين:«إذا زوّج الرجل عبده أمته ثم اشتهاها،قال له:اعتزلها، فإذا طمثت وطِئها،ثم يردّها عليه إن شاء» (2).

و يستفاد منها سيّما الخبرين المذكورين و كذا من الأصحاب حتى القائلين بكون تزويجه نكاحاً أنّه لا يشترط في الفراق لفظ الطلاق بل يكفي فيه كلّ ما دلّ عليه من الأمر بالاعتزال و الافتراق.

و هو على ما اخترناه فيما مضى من أنّ تزويج السيّد عبده أمته ليس عقداً،بل هو إمّا إباحة محضة يكتفى فيها بكلّ لفظ دلّ عليها،كما عن الحلّي (3)؛ أو لا بدّ فيها من صيغة مضى إليها الإشارة في النصوص المتقدّمة (4)،كما اختاره العلّامة (5)و جماعة (6)واضح؛ لارتفاع الإباحة بكلّ لفظ دالّ على الرجوع عنها.

و أمّا على القول بكونه عقداً،فلأنّ مقتضى النصوص كون رفع هذا العقد بيد المولى،فلا يقدح في ارتفاعه بغير الطلاق،كما يرتفع النكاح بالفسخ و نحوه في مواضع كثيرة.

و لو أتى بلفظ الطلاق انفسخ النكاح؛ لدلالته على إرادة التفريق

ص:420


1- الكافي 5:2/481،التهذيب 7:1417/346،الوسائل 21:149 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 45 ح 1.
2- الكافي 5:1/481،الوسائل 21:149 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 45 ح 2.
3- السرائر 2:600.
4- راجع ص 388.
5- لم نعثر عليه كما أشرنا إليه في ص 389.
6- منهم المحقق و الشهيد الثانيان في جامع المقاصد 13:87 و المسالك 1:519،و صاحب الحدائق 24:295.

بينهما،لكنّه لا يعدّ طلاقاً شرعيّاً،و لا يلحقه أحكامه ظاهراً مطلقاً على المختار.

و قيل:إنّ الفسخ الواقع من المولى طلاق مطلقاً،و يعدّ من الطلقات (1).

و قيل:إنّه كذلك إن وقع بلفظ الطلاق،فيبطل باختلال شيء من شرائطه لا مطلقاً (2).

و هما مع مخالفتهما الأصل،سيّما الأول لا دليل عليهما يعتدّ به، لكن في الروضة:و لو أوقع لفظ الطلاق مع كون السابق عقداً فظاهر الأصحاب لحوق أحكامه و اشتراطه بشرائطه؛ عملاً بالعموم (3).

و ظاهره الإجماع،لكنّه ينافيه احتماله العدم فيما بعد؛ معلّلاً بأنّه إباحة و إن وقع بعقد.و الاحتياط سبيله واضح.

النظر الثاني في الملك و هو نوعان
اشارة

النظر الثاني في جواز استباحة الرجل بضع المرأة ب [الملك (4)].و هو نوعان :

الأول ملك الرقبة

الأول:ملك الرقبة و هو موضع وفاق؛ مدلول عليه بالكتاب (5)و السنّة المتواترة من طرق الخاصّة و العامّة.

ص:421


1- انظر التنقيح الرائع 3:167 و المسالك 1:519.
2- انظر التنقيح الرائع 3:167 و المسالك 1:519.
3- الروضة البهية 5:334.
4- بدل ما بين المعقوفين في«ص»:ب ملك الرقبة،و في«ح»: بملك الرقبة،و ما أثبتناه من المطبوع هو الأنسب.
5- النساء:25.

و لا حصر في عددهنّ ب النكاح به بالإجماع و النصوص،و قد مرّ شطر منها دليلاً لعدم انحصار المتعة في عدد؛ معلّلاً بأنّهنّ بمنزلة الإماء (1)،فله نكاح ما شاء من النسوة به.

و في تخصيص الاستباحة به بالرجل إشارةٌ إلى عدمها للمرأة؛ للإجماع و النصّ المستفيض.

ففي الصحيح:«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة مكّنت من نفسها عبداً لها أن يباع بصغر منها،و يحرم على كلّ مسلم أن يبيعها عبداً مدركاً بعد ذلك» (2).

و روى أيضاً بزيادة:«أنّها تضرب مائة سوط،و يضرب العبد خمسين جلدة» (3).

و إذا زوّج أمته من عبده أو غيره حرمت وجوه الاستمتاع منها عليه:وطئاً و لمساً و نظراً إليها بشهوة مطلقاً،و بدونها فيما عدا الوجه و الكفّين ما دامت في العقد أو العدّة،كما أطلقه جماعة منهم العلّامة (4)و ربما ادّعى عليه بعض المتأخّرين الإجماع (5).

و النصوص في حرمة الوطء مستفيضة.

ص:422


1- راجع ص 244.
2- الفقيه 3:1373/289،الوسائل 21:160 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 51 ح 1.
3- الكافي 5:1/493،التهذيب 8:727/206.
4- القواعد 2:30.
5- انظر كشف اللثام 2:66.

ففي الخبرين:«عشر لا يحلّ نكاحهنّ و لا غشيانهن» إلى أن قال:

«و أمتك و لها زوج» (1).

و ربما استفيد من سياقهما اتّحادها في الحكم مع المحرّمات المعدودات اللواتي هنّ أجنبيات،و جارٍ فيهنّ الأحكام (2)المذكورات في العبارة.

و عُلِّل أيضاً بأنّ الاستمتاع بالمرأة الواحدة لا يكون مملوكاً بتمامه لرجلين معاً،و قد ملكه الزوج (3).و فيه نظر.

و الإجماع على الإطلاق إن تمّ كان هو الحجّة،و الظاهر التماميّة بالإضافة إلى الأولين (4)،و للنظر إلى العورة مطلقاً (5)،و إلى ما عدا الوجه و الكفّين إذا كان بشهوة.

مضافاً إلى بعض المعتبرة في الأول مطلقاً و في الثاني في الجملة، المرويّة في قرب الإسناد:«إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظر إلى عورتها، و العورة ما بين الركبة و السرّة» (6).

ص:423


1- الأول في:التهذيب 8:696/198،الوسائل 21:106 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 19 ح 2.الثاني في:الفقيه 3:1360/286،التهذيب 8:695/198،الخصال:27/438،الوسائل 21:106 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 19 ح 1.
2- من حرمة الوطء و اللمس و النظر إليهنّ بشهوة.منه رحمه الله.
3- كشف اللثام 2:66.
4- و هما الوطء و اللمس.منه رحمه الله.
5- بشهوة كان أم لا.منه رحمه الله.
6- قرب الإسناد:345/103،الوسائل 21:148 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 44 ح 7.

و لكن يستفاد منه جواز النظر إلى ما عدا العورة بالمعنى المفسّرة به فيه مطلقاً (1)،مضافاً إلى أصالتي الإباحة و بقاء حلّية النظر السابقة.

و المستفاد من تخصيص العبارة التحريم بالوطء و اللمس و النظر بشهوة:

2 إباحة النظر إلى جميع جسدها حتى العورة بغير شهوة.

ففي تماميّة الإجماع مناقشة،إلّا أنّ الشهرة متيقّنة،و تكون هي الجابرة للمعتبرة المتقدّمة،مضافاً إلى التأيّد بحكاية الإجماع اللازم الحجّية؛ لعدم القدح بخروج المعلوم النسب النادر بالضرورة،فيخصّ بها الأصلان المتقدّمان.

هذا،مضافاً إلى الصحيح:عن الرجل يزوّج مملوكته عبده،أ تقوم كما كانت تقوم فتراه منكشفاً أو يراها على تلك الحال؟فكره ذلك،و قال:

«قد منعني أبي أن أُزوّج بعض غلماني أمتي لذلك» (2).

و الموثّق:في الرجل يزوّج جاريته،هل ينبغي له أن ترى عورته؟ قال:

«لا» (3).و لكنّهما ليسا نصّاً في المطلوب.

و العمدة هو ما قدّمناه،و لكن في ثبوت الحكم فيما عدا ما ذكرناه و هو النظر إلى ما عدا العورة و ما في معناها بغير شهوة إشكال،و الإجماع

ص:424


1- أي بشهوة كان أم لا.منه رحمه الله.
2- الكافي 5:3/480،التهذيب 8:698/199،الوسائل 21:147 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 44 ح 1؛ بتفاوت يسير.
3- التهذيب 8:736/208،الوسائل 21:148 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 44 ح 4.

المحكيّ موهون هنا قطعاً؛ لمصير جماعة إلى العدم (1)،و الأصلان المشار إليهما يقتضيانه.إلّا أنّ الأحوط الاجتناب جدّاً.

قيل:و في معنى الأمة المزوّجة:المحلَّل وطؤها للغير،و لو حُلّل منها ما دون الوطء ففي تحريمها بذلك على المالك نظر (2).و مقتضى الأصلين العدم.

ثم إنّ غاية التحريم في المقامين خروجها من النكاح و العدّة،سواء كانت بائنة أم رجعيّة.

و ليس للمولى انتزاعها منه إذا لم يكن عبده مطلقاً،بلا خلاف في الظاهر،و حكي صريحاً؛ للنصوص المستفيضة:

منها الصحيح:عن رجل يزوّج أمته من حرّ أو عبد لقوم آخرين،إله أن ينزعها؟قال:«لا،إلّا أن يبيعها» الخبر (3).

و الصحيح:«و إن كان زوّجها حرّا فإن طلاقها صفقتها» (4).

و الموثّق:في الرجل يزوّج أمته من حرّ،قال:«ليس له أن ينزعها» (5).

ص:425


1- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:310،و انظر الكفاية:174.
2- قال به صاحب المدارك في نهاية المرام 1:310.
3- التهذيب 7:1388/339،الإستبصار 3:745/206،الوسائل 21:181 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 64 ح 5.
4- التهذيب 7:1392/340،الإستبصار 3:749/207،الوسائل 21:182 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 64 ح 8.
5- التهذيب 7:1380/337،الوسائل 21:180 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 64 ح 1.

و ما ورد بخلافها من المستفيضة (1)فمع شذوذها و عدم صراحة دلالتها محمولة على الانتزاع بالبيع لا الطلاق،و ما وقع فيه منها التصريح به محمول عليه؛ لشيوع التعبير به عنه في كثير من النصوص الماضية (2)في بيع الأمة و أنّه طلاقها.

و لو باعها تخيّر المشتري للإطلاقات دونه للأصل،و قد مضى مفصّلاً (3).

و لا يحلّ لأحد الشريكين وطء الأمة المشتركة بينهما، إلّا بتحليل أحدهما للآخر على الأصح،كما مضى.

و يجوز ابتياع ذوات الأزواج اللواتي هنّ من أهل الحرب و الكفّار الغير القائمين بشرائط الذمّة و أبنائهم من أزواجهنّ و آبائهنّ، و غيرهم من أهل الضلال السابين لهم بلا خلاف؛ لأنّهنّ كآبائهنّ و أزواجهنّ فيءٌ للمسلمين يجوز التوصّل إلى أخذهم بكلّ وجه من ابتياع أو غيره و مع حصوله يدخلون في ملك المستولي عليهم،و يترتّب عليه أحكامه،التي من جملتها:حلّ الوطء المقصود بالمقام؛ و النصوص به مستفيضة.

ففي الخبر:عن رجل يشتري من رجل من أهل الشرك ابنته فيتّخذها أي للوطء قال:«لا بأس» (4).

ص:426


1- انظر الوسائل 21:181،182 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 64 ح 3،6،و الوسائل 22:101 أبواب مقدمات الطلاق ب 44 ح 3.
2- راجع ص 407.
3- ما بين القوسين ليس في«ص».
4- التهذيب 8:705/200،الإستبصار 3:281/83،الوسائل 21:190 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 69 ح 2؛ بتفاوت يسير.

و في آخر:عن الرجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتّخذها، قال:«لا بأس» (1).

و إطلاقه يشمل الشراء منهم و من غيرهم من أهل الضلال السابين لهم.

مضافاً إلى النصّ:عن سبي الأكراد إذا حاربوا[و]من حارب من المشركين،هل يحلّ نكاحهم و شراؤهم؟قال:«نعم» (2).

إلى غير ذلك من النصوص الصريحة في إذنهم عليهم السلام لنا في ذلك و إن كان الجميع أو البعض لهم عليهم السلام (3).

و لو ملك الأمة بأحد الوجوه المملّكة لها،وجب عليه الاستبراء مع عدم العلم بعدم الوطء المحترم مطلقاً،كان عالماً به أم لا،إلّا في صور مضى أكثرها في بحث البيع،بقي منها:ما لو ملكها فأعتقها فظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف بل عليه الوفاق في المسالك (4)أنّه بذلك حلّ للمعتق وطؤها بالعقد و التزويج بعده و إن لم يستبرئ للنصوص المستفيضة،منها الصحيح:في رجل يشتري الجارية فيعتقها ثم يتزوّجها،هل يقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها؟قال:«يستبرئ رحمها بحيضة» قلت:فإن وقع عليها؟قال:«لا بأس» (5).

ص:427


1- التهذيب 8:702/200،الإستبصار 3:280/83،الوسائل 21:189 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 69 ح 1.
2- التهذيب 6:292/161،الوسائل 15:129 أبواب جهاد العدو و ما يناسبه ب 50 ح 1.
3- الوسائل 9:543 أبواب الأنفال ب 4.
4- المسالك 1:522.
5- التهذيب 8:612/175،الإستبصار 3:1295/361،الوسائل 21:103 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 16 ح 1.

و إطلاقها كالعبارة و كلام أكثر الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين العلم بالوطء المحترم لها و عدمه،و قيّده جماعة منهم العلّامة (1)بما عدا الأول،موجبين للاستبراء فيه؛ تمسّكاً بوجود المقتضي حينئذ.بخلاف ما لو جهل الحال،فإنّ الأصل عدم الوطء،إلّا ما دلّ الدليل على وجوب الاستبراء فيه و لو مع الجهل،و ذلك في المملوكة،فيبقى غيرها على الأصل.

و هو حسن إن تمّ المقتضي بالتنصيص به،و ليس،و إنّما هو مستنبط، و مع ذلك لا بأس به احتياطاً،و تمسّكاً بأصالة الوجوب و استصحابه،مع عدم المقتضي لتخصيصها،سوى إطلاق النصوص،و شمولها لمثل الصورة غير معلوم.

مضافاً إلى أنّ الاستنباط هنا ليس ناشئاً عن محض الاعتبار،بل مستفاد من تتبّع الأخبار،و لذا اشتهر بين الأخيار عدم اختصاص وجوب الاستبراء بمورد الأخبار الدالّة عليه،و هو الشراء.

ثم مقتضى إطلاق النصوص هنا عموم الحكم لصورتي دخوله بها و عدمه،مضافاً إلى الصحيح في الأول:عن رجل يعتق سريّته،أ يصلح له أن يتزوّجها بغير عدّة؟قال:«نعم» قلت:فغيره؟قال:«لا،حتى تعتدّ ثلاثة أشهر» (2).

و يستفاد من الصحيح السابق و غيره (3)أفضليّة الاستبراء مطلقاً،و عليه

ص:428


1- القواعد 2:31.
2- الكافي 5:4/476،التهذيب 8:610/174 بسند آخر،الوسائل 21:99 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 13 ح 1.
3- الوسائل 21:103 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 16.

فتوى الأصحاب.

و لكن لا تحلّ لغيره لو زوّجها منه حتى تعتدّ كالحرّة للمعتبرة المستفيضة،منها الصحيحان،مضى أحدهما،و في الثاني عن رجل أعتق سريّته،له أن يتزوّجها بغير عدّة؟قال:«نعم»،قلت:فغيره؟ قال:«لا،حتى تعتدّ ثلاثة أشهر» (1).

و إطلاقهما كالعبارة يقتضي عدم الفرق بين العلم بوطء المولى لها أم لا.و لا ريب في الأول قطعاً،و نحوه صورة الجهل به أيضاً.

و يشكل في الثالثة،و هي العلم بعدم وطئه لها بالمرّة،و قد حكم جماعة بأن ليس لها عدّة؛ لعدم المقتضي،و إن هو حينئذٍ إلّا كالمولى، و ليس في الصحيحين عموم لها؛ لإطلاقهما و انصرافه إلى ما عداها.

و هو حسن مع العلم بعدم وطء المولى لها،و كذا مَن انتقلت منه إليه أصلاً.و يشكل فيما عداه،و هو العلم بوطء الثاني لها مع عدم الاستبراء أو احتماله؛ لما تقدّم من المقتضي له،الثابت بتتبّع الأخبار،الموجب له هنا في المولى،ففي الغير بطريق أولى (2).إلّا أنّ مقتضى ذلك ثبوت الاستبراء،و هو غير العدّة قطعاً،و كيف كان فالعمل بإطلاق العبارة و الصحيحين أولى.

و يملك الأب مطلقاً (3) موطوءة ابنه كذلك (4) و إن حرم عليه

ص:429


1- التهذيب 8:611/175،الوسائل 21:99 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 13 ذيل حديث 1.
2- منشأ الأولوية إطلاق ما سبق من الأخبار بعدم الاستبراء على المولى و الأخبار هنا بثبوت العدّة على غيرها مطلقاً.منه رحمه الله.
3- سببيّاً كان أم رضاعيا.منه رحمه الله.
4- أي مطلقاً.منه رحمه الله.

وطؤها،و كذا الكلام في الابن إجماعاً و نصّاً،و الكلام فيه و في أمثاله قد مضى (1)

النوع الثاني ملك المنفعة

النوع الثاني من نوعي جواز النكاح بالملك:النكاح ب ملك المنفعة بتحليل الأمة دون الهبة و العارية،و لا ريب فيه؛ لإجماع الطائفة، و الصحاح المستفيضة و نحوها من المعتبرة التي كادت تكون متواترة،بل صرّح بذلك جماعة (2).

ففي الصحيح:في الرجل يحلّ لأخيه فرج جاريته و هي تخرج في حوائجه قال:«لا بأس» (3).

و القول بالمنع المحكيّ في المبسوط (4)شاذّ،و مستنده ضعيف؛ بناءً على أنّ مثله عقد أو تمليك،فليس من ارتكبه مرتكباً عدواناً.و على تقدير خروجه عنهما فآية فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ [1] (5)بما قدّمناه من الأدلّة مخصَّصة.

و الصحيح:عن الرجل يحلّ فرج جاريته؟قال:«لا أُحبّ ذلك» (6)ظاهرٌ في الكراهة،و على تقدير الظهور أو الصراحة في الحرمة محمولٌ على التقيّة بالضرورة.

ص:430


1- في بحث المصاهرة.منه رحمه الله.
2- منهم الحلّي في السرائر 2:627،و المحقق الكركي في جامع المقاصد 13:178،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:314.
3- الفقيه 3:1378/290،التهذيب 7:1074/248،الإستبصار 3:503/140،الوسائل 21:135 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 37 ح 1؛ بتفاوت.
4- المبسوط 4:246.
5- المؤمنون:7.
6- التهذيب 7:1059/243،الإستبصار 3:492/137،الوسائل 21:126 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 31 ح 7.

و بالجملة:ليست المسألة محلّ شبهة،و لكنّها مشروطة بشرائط:كون التحليل من المالك،و لمن يجوز له التزويج بها،و قد تقدّمت شرائطه،التي من جملتها:كونه مؤمناً في المؤمنة،و مسلماً في المسلمة،و كونها كتابيّة لو كانت كافرة،و غير ذلك من أحكام النسب و المصاهرة و غيرهما.

و لا خلاف في اعتبار صيغته لعدم حلّ الفروج بمجرّد التراضي إجماعاً،و تمسّكاً بالأصل،و فحوى ما دلّ على المنع من العارية (1)،مع إفصاحها عنه لفظاً،فالمنع مع عدمه أولى.

و هي قسمان:وفاقيّة كما حكاه جماعة (2)و خلافيّة،فالأول أن يقول:أحللت وطأها،أو جعلتك في حِلّ من وطئها و ذلك لتضمّنها النصوص (3)بالخصوص،فيخصَّص بها الأُصول قطعاً،و لا مخصِّص لها فيما عداه و لذا لم يتعدّهما الشيخ (4) و أتباعه (5)،و المرتضى و العلّامة في أحد قوليه (6)،و أكثر الأصحاب كما حكاه جماعة منهم (7).

و لكن اتّسع آخرون بجوازه بلفظ الإباحة و هو الثاني، كما في الشرائع و عن المبسوط و السرائر (8)،و اختاره من المتأخّرين

ص:431


1- انظر الوسائل 21:131 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 34.
2- منهم الشهيد في المسالك 1:522،و الروضة 5:334،و السبزواري في الكفاية:175،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:67.
3- الوسائل 21:أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 31،و الإماء ب 31،و الباب 37 ح 5،6.
4- النهاية:494.
5- كابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):612.
6- المرتضى في الانتصار:118،العلّامة في الإرشاد 2:14.
7- منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد 13:182 183،و الشهيد الثاني في المسالك 1:523،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:67.
8- الشرائع 2:316،المبسوط 3:57،السرائر 2:633.

جماعة (1)؛ للتساوي مع الأول في المعنى،فيكون كالمرادف الذي يجوز إقامته مقام رديفه.

و رُدّ بمنع المرادفة أولاً.ثم بمنع الاكتفاء بالمرادف مطلقاً ثانياً؛ فإنّ كثيراً من أحكام النكاح توقيفيّة،و فيه شائبة العبادة،و الاحتياط فيه مهم (2).

و هو في محلّه بالنظر إلى كيفيّة الاستدلال،و ليس لو غُيِّرت بما ذكره بعض الأفاضل و لنِعمَ ما ذكر-:إنّ الوجه فيه عموم الأخبار؛ لتضمّنها التحليل،و هو أعمّ من أن يكون بلفظه أو مرادفه؛ إذ كلاهما تحليل (3).

و يعضده الخبر المعتبر،المجبور قصور سنده بجهالة راويه بوجود المجمع على تصحيح رواياته فيه،و فيه:قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام:

«يا محمّد،خذ هذه الجارية تخدمك و تصيب منها،فإذا خرجت فاردُدها إلينا» (4).

و لقائل أن يقول:إنّ التحليل و إن كان مطلقاً إلّا أنّ الخروج بمجرّده بالإضافة إلى بعض أفراده مع شهرة خلافه مشكل جدّاً،و مع ذلك ربما دلّ ما سيأتي من النصّ في المنع عن التحليل بالعارية على إرادة المعنى الأخصّ منه هنا،حيث إنّه بعد المنع عنها قال:«لكن لا بأس أن يحلّ الرجل جاريته لأخيه» (5)فلولا أنّ المراد منه ما (6)مرّ لكان العارية منه

ص:432


1- منهم العلّامة في القواعد 2:31،و صاحب الحدائق 24:316.
2- الروضة 5:335.
3- كشف اللثام 2:67.
4- التهذيب 7:1055/242،الإستبصار 3:488/136،الوسائل 21:126 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 31 ح 6.
5- الكافي 5:16/47،التهذيب 7:1063/244،الوسائل 21:131 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 34 ح 1.
6- أي المعنى الأخصّ.منه رحمه الله.

بالمعنى الأعمّ،فهي قسم منه بهذا المعنى،و قد جُعِلت في الخبر قسيماً له، فتدبّر.

و أمّا الخبر،فمع قصور سنده ضعيف الدلالة؛ لاحتمال إرادة الخدمة و نحوها ممّا ليس متعلّقاً للتحليل المعنيّ هنا من متعلّق الإصابة،دون حلّ الوطء و اللمس و القبلة و النظر بشهوة.و على تقدير تسليم الدلالة،فليس لسنده جابر بالمرّة بحيث يعارض الأُصول المعتضدة بالشهرة،و الاعتبار في الجملة غير كافٍ في تخصيصها.

فالقول بالمنع أقوى،و على غيره (1)قيل:كفى:أذنتُ،و سوّغتُ، و ملّكتُ،و وهبتُ،و نحوها (2).

و منع الجميع فيه إيذان بالإجماع،و هو محكيّ صريحاً عن الانتصار و في كشف الحقّ و نهج الصدق (3) لفظ العارية للخبر المعتبر إذ ليس في سنده سوى قاسم بن عروة،و قد حسّنه جماعة،و جهالته المشهورة مجبورة بالشهرة العظيمة و رواية ابن أبي عمير عنه،و هو ممّن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة-:عن عارية الفرج،فقال:«حرام» ثم مكث قليلاً و قال:«لكن لا بأس بأن يحلّ الرجل جاريته لأخيه» (4).

و لكن في معتبر آخر بالسبب (5)الذي مرّ:عن عارية الفرج،فقال

ص:433


1- و هو الاكتفاء بالإباحة.منه رحمه الله.
2- قال به الشهيد الثاني في الروضة 5:335.
3- الانتصار:118،نهج الحق و كشف الصدق:522.
4- تقدّمت مصادره في ص 429.
5- و هو وجود من وقع إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه في سنده منه رحمه الله.

«لا بأس به» (1).

و لكن لا يقاوم ما قابلة بوجه و إن تساويا في السند؛ لاعتضاد الأول بالأصل و الإجماع المحكيّ بل القطعي و الشهرة العظيمة،فمخالفة الحلّي (2)ضعيفة شاذّة.

و هل هو أي التحليل- إباحة محضة و تمليك منفعة؟كما عليه مشهور الطائفة، أو عقد متعة؟كما قال به علم الهدى (3) قولان،أصحّهما:الأول؛ لانحصار العقد في الدائم و المتعة،و كلاهما منتفيان.

لتوقّف رفع الأول على الطلاق في غير الفسخ بأُمور محصورة ليس هذا منها،و لزوم المهر فيه بالدخول،و غير ذلك من لوازمه،و انتفاء اللازم يدلّ على انتفاء الملزوم،مضافاً إلى مسلّميّته عند الخصم.

و توقّف الثاني و هو كونه عقد متعة على المهر و الأجل المنتفيين هنا أيضاً بالأصل و تسليم الخصم على الظاهر.خلافاً للمحكيّ عن المبسوط في الثاني،فاعتبره (4)،و لا ريب في ضعفه.

و لأنّ عقد النكاح لازم،و لا شيء من التحليل كذلك.

و إذا انتفى كونه عقداً ثبت الملك؛ لانحصار حلّ النكاح فيهما بمقتضى القولين،فيصرف ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [1] عمّا هو ظاهر فيه بالتبادر و هو ملك الرقبة إلى ما يعمّه و ملك المنفعة؛ هرباً ممّا هو أشدّ

ص:434


1- التهذيب 7:1069/246،الإستبصار 3:498/138،الوسائل 21:135 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 37 ح 2.
2- السرائر 2:633.
3- الانتصار:118.
4- حكاه عنه في كشف اللثام 2:68،و هو في المبسوط 4:246.

محذوراً،أو يبقى على ظاهره،و يُخَصّ عموم فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ [1] بما عدا التحليل،و هو شائع،بل و أظهر من الأول إن لم يكن مخالفاً للإجماع؛ بناءً على المختار من رجحانه على المجاز حيث تعارضا،و به صرّح بعض متأخّري الأصحاب (1).فسقط حجّة المرتضى،و تعيّن المصير إلى ما عليه باقي أصحابنا.

و على القولين،لا بُدّ من القبول؛ لتوقّف الملك عليه،كذا قيل (2)، و ظاهرهم الوفاق عليه،و النصوص خالية من اعتباره.

و مع ذلك،ذكر المفلح الصيمري عن إطلاق الأكثر:عدم اعتباره، و حكى عن الحلّي ما يدلّ على تفرّع ذلك (3)على كلام المرتضى.فالوجه العدم،و مراعاة الاحتياط أولى.

و قيل:إنّ الفائدة بين القولين تظهر فيما لو أباح أمته لعبده،فإن قلنا:

إنّه عقد أو تمليك و أنّ العبد يملك،حلّت،و إلّا فلا.و فيه نظر؛ لأنّ الملك فيه ليس على حدّه الملك المحض،بحيث لا يكون العبد أهلاً له،بل المراد به الاستحقاق،كما يقال:يملك زيد إحضار مجلس الحكم، و نحوه،و مثله يستوي فيه الحرّ و العبد،فصحّة التحليل في حقّه على القول (4)متّجهة إن جوّزناه في حقّه (5).

و قيل (6):مُظهرها اعتبار إذن الحرّة أو العمّة و الخالة إذا كانتا عنده

ص:435


1- مبادئ الأُصول للعلّامة الحلّي:83.
2- انظر الروضة 5:336.
3- أي وجوب القبول.منه رحمه الله.
4- بأن العبد لا يملك.منه رحمه الله.
5- حكاه في الروضة 5:336 337.
6- انظر المهذب البارع 3:355 356.

على قول المرتضى،و لا على غيره،و عدم جواز نظر السيّد إليها و لمسها و تقبيلها بشهوة و غير شهوة على الأول،دون الثاني.

و الأخير ينافي ما حكيناه عن بعض الأصحاب فيما مضى قريباً من اتّحاد الأمة المزوّجة و المحلّلة في حرمة الأُمور المزبورة على مولاهما (1).

و في تحليل أمته لمملوكه أو مملوك غيره بإذنه تردّد ينشأ:

من الصحيح:عن المملوك يحلّ له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحلّ له مولاه؟قال:«لا تحلّ له» (2).

و من المعتبر كالصحيح بوجود ابن أبي عمير في سنده،فلا يقدح جهالة راويه-:لمولاي في يدي مال،فسألته أن يحلّ لي ما أشتري من الجواري؟فقال:إن كان يحلّ لي أن أُحلّ فهو لك حلال،فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك،فقال:«إن أحلّ لك جارية بعينها فهي لك حلال» الخبر (3).

و يعضده الصحيح:عن قوله تعالى وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [1] (4)«هو أن يأمر الرجل عبده و تحته أمته،فيقول له:

اعتزل امرأتك و لا تقربها،ثم يحبسها عنه حتى تحيض،ثم يمسكها،فإذا حاضت بعد مسّه إيّاها ردّها عليه بغير نكاح» (5)و ظاهره كما ترى كونه

ص:436


1- راجع ص 422.
2- التهذيب 7:1062/243،الإستبصار 3:495/137،الوسائل 21:130 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 33 ح 2.
3- التهذيب 7:1040/238،الإستبصار 3:496/138،الوسائل 21:130 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 33 ح 1.
4- النساء:24.
5- الكافي 5:2/481،التهذيب 7:1417/346،الوسائل 21:149 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 45 ح 1؛ بتفاوت يسير.

عقداً كما ذهب إليه المرتضى (1)،فتأمّل.

و المعتبرة المستفيضة الدالّة على جواز تسرّي العبد الجواري بإذن مولاه،كالصحيح:«لا بأس أن يأذن الرجل لمملوكه أن يشتري من ماله إن كان له جارية أو جواري يطؤهنّ و رقيقه له حلال» الحديث (2)،و في معناه غيره (3).

و لا يخفى عليك قوّة هذه الأدلّة،و عدم معارضة الصحيح المتقدّم لها بالمرّة،مع ظهور حمله على التقيّة؛ لاتّفاق العامّة على المنع من التحليل مطلقاً،و يعضده كون الراوي وزير الخليفة،و المرويّ عنه ممّن اشتدّت في زمانه التقيّة.

و لذا يكون مساواته أي العبد للأجنبي في جواز تحليل المولى أمته له أشبه وفاقاً للحلّي (4)و جماعة (5).و خلافاً للشيخ (6) و آخرين (7)،و هو ضعيف جدّاً.و إن كان الاقتصار في تزويج المولى عبده أمته على نحو قوله:أنكحتك لفلانة،و إعطائها شيئاً من قبله،أولى

ص:437


1- انظر الانتصار:118.
2- التهذيب 8:755/211،الإستبصار 3:778/214،الوسائل 21:112 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 22 ح 8.
3- التهذيب 8:747/210،الإستبصار 3:776/213،الوسائل 21:110 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 22 ح 1.
4- السرائر 2:633.
5- منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 13:189،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:68،و صاحب الحدائق 24:321.
6- النهاية:494.
7- كالعلّامة في المختلف:571،و فخر المحققين في الإيضاح 3:167،و الفاضل المقداد في التنقيح 3:175.

و أحوط.

و لو ملك بعض الأمة التي هي في البعض الآخر حرّة فأحلّت نفسها له لم يصحّ ؛ لعدم تبعّض البضع،و للصحيح و قد مضى (1).

و في تحليل الشريك حصّته منها لشريكه تردّد مضى وجهه (2)، و أنّ الوجه الجواز،خلافاً للمصنّف تبعاً للأكثر فاستوجه المنع و هو أحوط.

و حيث كان الانتفاع بأمة الغير بدون إذنه محرّماً مطلقاً قطعاً، وجب الاقتصار فيه على ما يتناوله اللفظ المتضمّن له عرفاً،فلا يستبيح إلّا ما يتناوله اللفظ كذلك (3) فلو أحلّ له بعض مقدّمات الوطء ك التقبيل و النظر اقتصر عليه و لم يحلّ له الوطء و لا الآخر.

و كذا لو أحلّ اللمس وجب الاقتصار عليه.

و كذا لو أحلّه بعضها في عضو مخصوص اختصّ به.

و لكن لو أحلّ له الوطء حلّ له ما دونه من المقدّمات؛ لشهادة الحال،و لعدم انفكاكه عنها غالباً و لا موقع له بدونها،و لأنّ تحليل الأقوى يدلّ على الأضعف بطريق أولى؛ بخلاف المساوي و العكس.

هذا،مضافاً إلى النصوص المعتبرة المستفيضة:

منها الصحيح:«ليس له إلّا ما أحلّ له منها،و لو أحلّ له قبلة منها لم يحلّ له سوى ذلك» (4).

ص:438


1- راجع ص 385.
2- راجع ص 383.
3- أي عرفاً.منه رحمه الله.
4- الكافي 5:1/468،الفقيه 3:1377/289،التهذيب 7:1064/244،الوسائل 21:132 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 35 ح 1.

و الصحيح:في الرجل يقول لامرأته:أحلّي لي جاريتك فإنّي أكره أن تراني منكشفاً،فتحلّها له،فقال: لا يحلّ له منها إلّا ذلك،و ليس له أن يمسّها و لا أن يطأها» ثم قال:«لا تحلّ له إلّا الذي قالت له» (1).

و الخبر:«إذا أحلّ الرجل من جاريته قبلة لم يحلّ له غيرها،و إن أحلّ له منها دون الفرج لم يحلّ له غيره،و إن أحلّ له الفرج حلّ له جميعها» (2).

و لو أحلّ القبلة فهل يدخل فيه اللمس بشهوة؟نظر،من الأولويّة المتقدّمة في الجملة،و من أن اللازم دخول لمس ما استلزمته القبلة لا مطلقاً،فلا يدخل إلّا ما يتوقّف عليه خاصّة،و هو أحوط لو لم يكن أقوى.

و لو أحلّ الخدمة منها لم يتعرّض للوطء و لا يستبيحه بذلك و كذا لا يستبيح الخدمة بتحليل المولى له الوطء بها خاصّة؛ لعدم التلازم بين الأمرين في المقامين.

و ولد المحلّلة من العبد إن جوّزنا التحليل له رقّ إجماعاً،و من الحرّ حرّ مع اشتراط الحرّية كذلك،و مع العدم رقّ مع اشتراط الرقّية إن قلنا بصحّته،و إلّا فهو كالإطلاق،و فيه الخلاف،و الأصحّ الأشهر و اختاره المرتضى و الحلّي (3)أنّه كالأول؛ لعموم أكثر النصوص و ظواهر الأُصول الماضية في ولد الأمة المزوّجة (4).

ص:439


1- الكافي 5:7/469،التهذيب 7:1065/245،الوسائل 21:133 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 35 ح 4؛ بتفاوت يسير.
2- الكافي 5:15/470،التهذيب 7:1066/245،الوسائل 21:134 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 36 ح 1.
3- المرتضى في مسألة تخطئة العامل بخبر الواحد(رسائل الشريف المرتضى 3):271،الحلّي في السرائر 2:628.
4- تعرّض إليهما في ص 364.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة المستفيضة هنا.

ففي الصحيحين:الرجل يحلّ لأخيه جاريته،قال:«لا بأس به» قال:

قلت:فإنّها جاءت بولد،قال:«ليضمّ إليه ولده و تردّ الجارية إلى صاحبها» قلت:إنّه لم يأذن له في ذلك،قال:«إنّه قد أذن،و هو لا يأمن أن يكون ذلك» (1).

و الحسن بل الصحيح-:الرجل يحلّ جاريته لأخيه،أو حرّة حلّلت جاريتها لأخيها،قال:«يحلّ له من ذلك ما أُحلّ له» قلت:فجاءت بولد؟قال:«يلحق بالحرّ من أبويه» (2).

و الخبر:عن الرجل يقول لأخيه:جاريتي لك حلال،قال:«قد حلّت له» قلت:فإنّها ولدت،قال:«الولد له و الأُمّ للمولى» الحديث (3).

و هي مع استفاضتها و اعتبار سند أكثرها،و اعتضادها بالشهرة العظيمة و الإطلاقات مع الأُصول المتقدّمة،و فتوى من لا يرى العمل إلّا بالأخبار المتواترة أو المحفوفة بالقرائن القطعيّة،كالحلّي و نحوه واضحة الدلالة

ص:440


1- الكافي 5:6/469،الفقيه 3:1379/290،التهذيب 7:1073/247،الإستبصار 3:502/139،الوسائل 21:136 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 37 ذيل ح 4. و الآخر في:الكافي 5:5/469،الوسائل 21:136 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 37 ح 4.
2- التهذيب 7:1071/247،الإستبصار 3:500/139،الوسائل 21:137 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 37 ح 7.
3- التهذيب 7:1072/247،الإستبصار 3:501/139،الوسائل 21:137 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 37 ح 6.

خلافاً للفقيه و الطوسي (1)و جماعة (2)،فقالوا بالرقّية إلّا مع الفكّ بالقيمة؛ للصحيح:الرجل يحلّ لأخيه فرج جاريته،قال:«هو له حلال» قلت:فإن جاءت بولد منه؟قال:«هو لمولى الجارية،إلّا أن يكون اشترط على مولى الجارية حين أحلّها إن جاءت بولد فهو حرّ» (3).

و نحوه خبران آخران (4)قاصرا السند،هما كالصحيح ضعيفا التكافؤ،فلا يعترض بمثلها الأخبار المتقدّمة المعتضدة بالأُمور المزبورة، و كذا لا تؤول إليها بما في الفقيه و إن تبعه جماعة من حملها على الحرّية بعد أداء القيمة،و إن هو إلّا تقييد لها من غير مقيّد صالح له،فيجب طرحه، أو تأويله إلى ما يؤول إليها،سيّما مع إباء التعليل في بعضها كالصحيح الأولين عن قبول هذا القيد.

فإن شرط الأب في العقد الحرّية،فلا سبيل لمولى الجارية على الأب من جهة القيمة بإجماع الطائفة.

و إن لم يشترط ذلك ففي إلزامه قيمة الولد روايتان،أشبههما

ص:441


1- الفقيه 3:290،الطوسي في النهاية:494.
2- كالمحقق في الشرائع 2:317،و الشهيد الثاني في الروضة 5:339،و السبزواري في الكفاية:176.
3- التهذيب 7:1068/246،الإستبصار 3:497/138،الوسائل 21:135 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 37 ح 1؛ بتفاوت يسير.
4- الأول في:التهذيب 7:1069/246،الإستبصار 3:498/138،الوسائل 21:135 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 37 ح 2.الثاني في:التهذيب 7:1075/248،الإستبصار 3:504/140،الوسائل 21:137 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 37 ح 5.

و أشهرهما: أنّها لا تلزم كما عرفت من المستفيضة الواردة في مقام الحاجة (1)،الخالية عن ذكر القيمة بالمرّة،مع اشتمال الصحيحين منها على التعليل الذي هو كالصريح في عدم لزومها،و قد عرفت عدم مقاومة شيء ممّا عارضها لها بالمرّة،و لكن العمل به أحوط.

و مقتضى العبارة هنا ظاهراً و في الشرائع صريحاً عدم الخلاف في حرّية الولد هنا (2)،و انحصاره في لزوم القيمة (3).و ليس كذلك؛ لاتّفاق القائلين بالحرّية بعدم لزوم القيمة،و اختصاص القول به بالقائل بالرقّية.

و لا بأس بأن يطأ الأمة و في البيت غيره للصحيح:في الرجل ينكح الجارية من جواريه و في البيت من يرى ذلك و يسمع،قال:

«لا بأس» (4).

و ربما قيل بالكراهة هنا في الجملة أو مطلقاً (5).و لا بأس به؛ للمسامحة،و للخبر:«لا يجامع الرجل امرأته و لا جاريته و في البيت صبي» (6)و هو و إن قصر بقصور السند عن المكافأة لما مرّ،إلّا أنّه أوفق بالحياء،فليحمل ذلك على نفي الحرمة.

و لا بأس أيضاً أن ينام بين أمتين للخبر فعلاً:كان أبو الحسن عليه السلام ينام بين جاريتين (7).

ص:442


1- المتقدمة في ص 437.
2- أي في التحليل.منه رحمه الله.
3- الشرائع 2:317.
4- التهذيب 8:735/208،الوسائل 21:194 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 75 ح 1.
5- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:69.
6- الكافي 5:1/499،التهذيب 7:1655/414،الوسائل 20:132 أبواب مقدمات النكاح ب 67 ح 1.
7- التهذيب 7:1838/459،الوسائل 21:201 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 84 ح 3؛ بتفاوت يسير.

و نحوه آخر قولاً:«لا بأس أن ينام الرجل بين أمتين و الحرّتين» (1).

و يكره كلّ من الأمرين في الحرائر أمّا الأول:فلما مضى و غيره.

و أمّا الثاني:فقد عُلِّل بتضمّنه الامتهان الغير اللائق بالحرائر (2).

و هو كما ترى،مضافاً إلى ما مرّ من الخبر الظاهر في عدم البأس.

و العمدة في الكراهة:فتوى الأصحاب،مع المسامحة في أدلّة السنن،كما مرّ غير مرّة.

و يكره وطء الأمة الفاجرة الزانية؛ لما فيه من العار،و خوف اختلاط الأنساب.

و في الخبر:عن الخبيثة يتزوّجها الرجل؟قال:«لا» و قال:«إن كان له أمة فإن شاء وطئها و لا يتّخذها أُمّ ولد» (3).

و يكره وطء مَن ولدت من الزناء للحسن:عن الرجل يكون له الخادم ولد زناء،عليه جناح أن يطأها؟قال:«لا،و إن تنزّه عن ذلك فهو أحبّ» (4).

و يأتي على مختار الحلّي من كفرها الحرمة (5)،و قد حكيت عنه صريحاً (6)؛ و النصّ حجّة عليه،كالصحيح:ولد الزناء ينكح؟قال:«نعم،

ص:443


1- الكافي 5:16/560،التهذيب 7:1953/486،الوسائل 21:200 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 84 ح 1.
2- انظر المسالك 1:524.
3- الكافي 5:4/353،التهذيب 8:733/207،الوسائل 21:176 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 60 ح 1.
4- الكافي 5:5/353،الوسائل 21:176 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 60 ح 3.
5- السرائر 2:526.
6- حكاه عنه في كشف اللثام 2:68.

و لا يطلب ولدها» (1).

يلحق بالنكاح النظر في أُمور خمسة

اشارة

و يلحق بالنكاح النظر في أُمور خمسة:

الأول في العيوب و البحث في أقسامها و أحكامها
اشارة

الأول:في العيوب المجوّزة للفسخ لأحد الزوجين إذا حصل منها في الآخر.

و البحث يقع في أقسامها و أحكامها : أمّا الأول:فهي على قسمين:مشترك بينهما،و مختصّ بأحدهما.

و يعرف كلّ منهما بالكلام فيها،فنقول:

أقسام العيوب

عيوب الرجل المسلّطة لزوجته على فسخ نكاحه أربعة :الأول: الجنون المطبق مطلقاً،أو الأدواري الذي لا يعقل معه أوقات الصلاة إجماعاً،كما يظهر من جماعة (2).

و كذا الذي يعقلها معه مطلقاً،كان قبل العقد أو تجدّد بعده مطلقاً.

على الأشهر الأظهر في الأول،بل كاد أن يكون إجماعاً،بل صرّح به بعض الأجلّة (3).

خلافاً لابن حمزة،فأطلق اشتراط عدم التعقّل (4)؛ للمرسل:«إن بلغ بالجنون مبلغاً لا يعرف أوقات الصلاة فرّق بينهما،و إن عرف أوقات الصلاة

ص:444


1- الكافي 5:3/353،الوسائل 20:441 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 14 ح 1.
2- منهم الشيخ في الخلاف 2:182،و الفاضل المقداد في التنقيح 3:178،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 13:219.
3- انظر المهذب البارع 3:365،نهاية المرام 1:336.
4- الوسيلة:311.

فلتصبر المرأة،فقد ابتُليت» (1).و ضعف سنده يمنع من العمل به،مع معارضته بالخبر الآتي،المعتضد بالشهرة و مفهوم الرضوي،و بهما يخُصّ المرسل و الأصل لو تمسّك به.

و على قولٍ في الأخير (2).خلافاً لأكثر القدماء،و هو الأصحّ؛ للرضوي:«إذا تزوّج رجل،فأصابه بعد ذلك جنون،فبلغ منه مبلغاً حتى لا يعرف أوقات الصلاة،فرّق بينهما،فإن عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة،فقد ابتُليت» (3).

و قصور السند منجبر بالشهرة،مع اعتباره و حجّيته في نفسه،مضافاً إلى موافقته الأصل،فلا يعارض شيئاً ممّا ذكر إطلاقُ الخبر أو عمومه:عن المرأة يكون لها زوج و قد أُصيب في عقله بعد ما تزوّجها أو عرض له جنون،فقال:

«لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت» (4)؛ لقصور سنده أولاً،مع عدم الجابر له في المقام جدّاً؛ و ضعف دلالته ثانياً،فليقيّد أو يخصّص،فسقط حجّة القول الأول.

و يظهر من بعض المتأخّرين المناقشة في أصل الحكم؛ لعدم ما يدلّ عليه ممّا يعتمد عليه؛ لضعف الأخبار،و أخصّية أكثرها عن المدّعى؛ لاختصاصه بالمتجدّد (5).

و يجبر الأول الشهرة،بل و الإجماع في الجملة،و الثاني عدم القول بالفرق بين الطائفة،مع إطلاق المرسلة المنجبر قصورها في أصل الحكم

ص:445


1- الفقيه 3:1629/338،الوسائل 21:226 أبواب العيوب و التدليس ب 12 ح 3؛ بتفاوت يسير.
2- قاله في المختلف:554.
3- فقه الرضا عليه السلام:237،المستدرك 15:53 أبواب العيوب و التدليس ب 11 ح 1.
4- الفقيه 3:1628/338،التهذيب 7:1708/428،الوسائل 21:225 أبواب العيوب و التدليس ب 12 ح 1.
5- انظر الحدائق 24:338.

بالشهرة،و فحوى ما دلّ على أنّه عيب في المرأة من النصوص المستفيضة (1)؛ بناءً على أنّ الرجل له التخلّص بالطلاق لو وجد فيها، فثبوت الخيار له مع ذلك ملازم لثبوته لها لو وجد فيه بطريق أولى؛ لعدم إمكان تخلّصها بدونه أصلاً.

و توقّفه (2)على ثبوت التعليل في الأصل ليستحقّ الأولويّة،و ليس بثابت؛ المناقشة فيه واضحة؛ إذ المستند في اعتباره فهم العرف لا ثبوت التعليل،كيف لا؟!و قد دلّ آية حرمة التأفيف (3)على حرمة الأقوى من أنواع الأذى،و مسلّم الدلالة عند العلماء؛ مع أنّه لا إشعار فيها بالتعليل فضلاً عن الظهور،و هو هنا ثابت،فمتابعته واجب.

و يومئ إلى ما ذكرنا من استناد حجّية الفحوى إلى فهم العرف لا إلى ثبوت التعليل تقسيم العلماء القياس الحجّة إلى:الأولوية،و المنصوص العلّة؛ فلو توقّف حجّية الأول على ثبوت العلّة لكان من الثاني،فلا وجه للتقسيم و جعل قسم الشيء قسيمه،فتأمّل جدّاً.

و بالجملة:لا ريب في فساد ما ذكر قطعاً.

و الثاني: الخِصاء بكسر الخاء مع المدّ،و هو:سلّ الأُنثيين و إخراجهما و إن أمكن الوطء،على الأظهر الأشهر بين الأصحاب؛ للمعتبرة المستفيضة:

منها الصحيح:عن خصيّ دلّس نفسه لامرأة دخل بها فوجدته خصيّاً،قال:«يفرّق بينهما،و يوجّع ظهره،و يكون لها المهر بدخوله

ص:446


1- الوسائل 21:207 أبواب العيوب و التدليس ب 1.
2- أي الفحوى المشار إليه.
3- الإسراء:23.

عليها» (1)،و نحوه الموثّقان (2).

خلافاً للمبسوط و الخلاف؛ محتجّاً بأنّه يولج و يبالغ أكثر من الفحل و إن لم ينزل،و عدم الإنزال ليس بعيب (3).

و هو اجتهاد صرف في مقابلة النصّ المعتضد بالشهرة،مع حجّيته في نفسه،فيخصّ به الأصل لو تمسّك به،و يقتصر فيه بمورده،و هو سبق العيب العقد؛ لظاهر لفظ التدليس فيه،و هو أصحّ الأقوال.

و ربما قيل بإطلاق ثبوت الخيار و لو تجدّد بعد الدخول (4).

و ربما فُصِّل،فاُثبت في المتجدّد قبله،و نُفي في المتجدّد بعده (5).

و لا يساعدهما النصوص،مع معارضتهما بالأصل السالم عن المعارض.

و في حكم الخصاء:الوِجاء،بالكسر و المدّ،و هو:رضّ الأُنثيين،بل قيل:إنّه من أفراده،و حكي عن بعض أهل اللغة (6).و هو حسن إن تمّ

ص:447


1- التهذيب 7:1722/432،الوسائل 21:227 أبواب العيوب و التدليس ب 13 ح 3.
2- ورد أحدهما في:الكافي 5:3/410،التهذيب 7:1720/432،الوسائل 21:226 أبواب العيوب و التدليس ب 13 ح 1. و الآخر في:الكافي 5:6/411،نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:164/76،الوسائل 21:227 أبواب العيوب و التدليس ب 13 ح 2.
3- المبسوط 4:250،الخلاف 4:348.
4- قاله في المهذب 2:235.
5- الحلّي في السرائر 2:612.
6- الكفاية:176.

القول (1)،و إلّا فللنظر فيه مجال،و الاقتصار على الأصل لازم.

و الثالث: العنن و هو على ما عرّفه الأصحاب كما حكي -:مرض يعجز معه عن الإيلاج؛ لضعف الذكر عن الانتشار.من دون تقييد بعدم إرادة النساء،و ربما يوجد في كلام بعض أهل اللغة (2)اعتباره.

و ثبوت الفسخ به في الجملة محلّ وفاق بين الطائفة،حكاه جماعة (3)؛ للمعتبرة المستفيضة:

منها الصحيح:«العنّين يتربّص به سنة،ثم إن شاءت امرأته تزوّجت، و إن شاءت أقامت» (4).

و الصحيح:عن امرأة ابتلى زوجها،فلم يقدر على الجماع،أ تفارقه؟ قال:«نعم،إن شاءت» (5)و نحوه بعينه غيره (6).

و مقتضاهما كغيرهما من حيث العموم الناشئ عن ترك الاستفصال تعليق الحكم على غير القادر على الجماع مطلقاً،أراد النساء أم لا،فيكون هو المراد بالعنّين المطلق في الصحيح الأول و غيره حقيقةً كان فيه كما هو ظاهر الأصحاب،أو مجازاً إن اعتبرنا القيد الماضي فيه و ذلك لأنّ أخبارهم عليهم السلام يكشف بعضها عن بعض.

ص:448


1- بأنه من أفراد الخصاء.منه رحمه الله.
2- كالقاموس(4:251)و المصباح المنير(433).منه رحمه الله.
3- منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 13:229،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:327،و صاحب الحدائق 24:343.
4- التهذيب 7:1716/431،الإستبصار 3:891/249،الوسائل 21:231 أبواب العيوب و التدليس ب 14 ح 5.
5- الكافي 5:5/411،الوسائل 21:229 أبواب العيوب و التدليس ب 14 ح 1.
6- التهذيب 7:1717/431،الإستبصار 3:892/249،الوسائل 21:231 أبواب العيوب و التدليس ب 14 ح 6.

ثم المستفاد ممّا مضى من النصوص و غيرها:إطلاق الخيار،الشامل لصور تقدّم العيب قبل العقد و تجدّده بعده،كان قبل الدخول أو بعده، و على الاُولى الإجماع،و على الثانية و الثالثة الشهرة بين الطائفة،و يأتي تمام التحقيق في المسألة السادسة.

و الرابع: الجَبّ ،و هو:قطع الذكر كلّاً،أو بعضاً لا يبقى معه قدر الحشفة،و لو بقي فلا خيار إجماعاً.و ثبوت الخيار به مشهور بين الأصحاب،بل كاد أن يكون إجماعاً،و عن المبسوط و الخلاف نفي الخلاف عنه (1)؛ و هو الحجّة فيه.

مضافاً إلى فحوى ما دلّ على ثبوته بالخصاء و العنن،فإنّه أقوى عيباً منهما؛ لقدرة الخصي على الجماع في الجملة،و إمكان برء العنن،بخلاف المجبوب الذي لم يبق له ما يمكنه الوطء،فثبوت الخيار فيهما ملازم له فيه بطريق أولى.

و يعضده عموم ما مرّ من الصحيح و غيره:عن امرأة ابتلى زوجها، فلم يقدر على الجماع،أ تفارقه؟قال:«نعم،إن شاءت» (2).

فتردّد الماتن في الشرائع (3)لا وجه له،و النصّ بالخصوص غير لازم،و الأصل بما مضى مخصَّص.

و حيث كان من المتمسَّك به في إثبات الحكم هنا عموم الصحيح و غيره،وجب القول بثبوت الخيار على الإطلاق،سبق العيب العقد أو تأخّر

ص:449


1- حكاه عنهما كشف اللثام 2:70.
2- المتقدم في ص 445.
3- الشرائع 2:319.

عنه،لحق الوطء أو تقدّمه،كما عن الطوسي و القاضي (1)و جماعة (2)، و لعلّه الأشهر،بل حكي عن الأول الإجماع عليه صريحاً (3)،و إن حكي عنه في موضع آخر ما أشعر بانعقاد الإجماع على اختصاصه بالأول (4)؛ لعدم معارضة الظاهر الصريح.

و ربما قيل باختصاصه بالأول (5)؛ تمسّكاً بالأصل،و عدم المخرج عنه؛ لفقد الإجماع بالتعارض (6)،و انتفاء الفحوى فيما عداه؛ لاختصاص الخيار في الخصاء بسبقه العقد كما مرّ (7).

و يضعّف بثبوت المخرج؛ لكون الإجماع على العموم أقوى كما مضى،و عدم انحصار الفحوى في الخصاء؛ لثبوته في العنن الثابت به الخيار مع التجدّد بعد العقد،مع عدم انحصار المخرج فيما ذكر بعد إطلاق النصّ الدافع لذلك (8)،و للقول باختصاصه بغير المتجدّد بعد الوطء (9)؛ المستند إلى ثبوت الحكم هنا بفحوى ثبوته في العنن،المقتضي للاشتراك معه في عدم الخيار بعد الوطء كاشتراكه معه في ثبوته قبله؛ المضعّف بضعف المستند؛ إذ غايته إثبات الشركة في الثبوت لا العدم،فلا ينافي ثبوت الخيار

ص:450


1- الطوسي في المبسوط 4:263،القاضي في المهذب 2:233.
2- الإيضاح 3:175،التنقيح 3:180،المهذب البارع 3:368،مفاتيح الشرائع 3:306،كشف اللثام 2:70.
3- حكاه عنه في الإيضاح 3:175،و هو في المبسوط 4:264.
4- حكاه عنه في المسالك 1:525،و هو في المبسوط 4:252.
5- انظر كشف اللثام 2:70.
6- أي بتعارض الإجماعين في كلامي الشيخ.منه رحمه الله.
7- في ص 444.
8- أي هذا القول.منه رحمه الله.
9- انظر السرائر 2:612،الشرائع 2:319،المختلف:554.

في الفرع (1)بالنصّ في محلٍّ ينتفي فيه في الأصل (2)،و هو ما بعد الوطء.

و بالجملة:القول الأول أجود،و إن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي أن يترك؛ لاحتمال حصول الشكّ في النصّ بعدم تبادر محلّ الفرض منه، و الإجماع بما مضى (3)،و إن كان بالإضافة إلى ما قابلة أقوى؛ بناءً على ضعف هذه القوّة الزائدة عن تخصيص الأصالة القطعيّة.

و كيف كان،فاتّحاده مع العنن ممّا لا ينبغي أن يستراب فيه،و يبقى الكلام في زيادته عليه،و الاحتياط لازم في مثله.

ثم إنّ حصر العيوب في الأربعة هو الأشهر بين الطائفة؛ للأصل، و الخبر المعتبر بوجود جمع مجمع على تصحيح رواياتهم في سنده كصفوان و أبان فلا يضرّ جهالة راويه،و فيه:«و الرجل لا يردّ من عيب» (4).

خلافاً للقاضي،فردّ بالجذام و البرص و العمى (5)،و للإسكافي،فردّ بها و بالعرج و الزناء (6).

و وافقهما شيخنا الشهيد الثاني في الأولين (7)؛ لعموم الصحيح:«إنّما يردّ النكاح من البرص و الجنون و الجذام و العفل» (8)فإنّه عامّ في الرجل

ص:451


1- و هو الجبّ.منه رحمه الله.
2- و هو العنن.منه رحمه الله.
3- من التعارض.منه رحمه الله.
4- الكافي 5:4/410،الفقيه 3:1707/357،التهذيب 7:1714/430،الإستبصار 3:896/250،الوسائل 21:229 أبواب العيوب و التدليس ب 14 ح 2.
5- المهذب 2:231.
6- حكاه عنه في المختلف:552.
7- المسالك 1:524.
8- الكافي 5:6/406،الفقيه 3:1299/273،التهذيب 7:1701/426،الإستبصار 3:886/247،الوسائل 21:209 أبواب العيوب و التدليس ب 1 ح 6.

و المرأة إلّا ما أخرجه الدليل.

و لأدائه إلى الضرر المنفيّ،فإنّه من الأمراض المعدّية باتّفاق الأطبّاء، و قد روي أنّه صلى الله عليه و آله و سلم قال:«فرّ من المجذوم فرارك من الأسد» (1)فلا بُدّ من طريق إلى التخلّص،و لا طريق للمرأة إلّا الخيار.

و النصّ و الفتوى الدالّان على كونهما عيباً في المرأة مع وجود وسيلة الرجل إلى الفرقة بالطلاق قد يقتضيه في الرجل بطريق أولى.

و في الجميع نظر؛ لمنع العموم في الصحيح؛ لاختصاصه بحكم التبادر و السياق بعيوب المرأة،فلا تعدية.

و منع حصر طريق التخلّص في الخيار،فقد يمكن بإجبار الحاكم بالطلاق،أو انتزاعها منه إلى حصول العلاج.و فيه مع ذلك استلزامه طرد الحكم في كلّ مرض معدّ،و لا أراه يلتزمه،مع مخالفته الإجماع.

و الأولويّة جيّدة،لولا الرواية المعتبرة في نفسها،المنجبرة هنا بالشهرة،و عدم القول بعمومها غير قادح في حجّيتها،كيف لا؟!و العامّ المخصَّص و لو بإجماع العلماء حجّة في الباقي حيث يبقى الأكثر كما هنا عند أصحابنا.

فالقول الأول لذلك،مع اعتضاده بالأصل المقطوع به أقوى.

و أمّا ما عدا الأمرين،فحجّة القائلين بالفسخ فيه غير واضح في البين، إلّا على القول بثبوت الخيار به في المرأة؛ للأولويّة المتقدّمة،و لكن يأتي فيها ما في سابقتها،و مع ذلك يتوقّف استناد القائلين إليها على قولهم بذلك.

ص:452


1- الفقيه 4:824/258،الوسائل 12:49 أبواب أحكام العشرة ب 28 ح 2.

هذا،مع ما في الأولويّة هنا من المناقشة الواضحة.

نعم،وردت الأخبار المستفيضة بالأمر بالتفريق بين الرجل و المرأة بزناه بعد العقد.

ففي الصحيح:عن رجل تزوّج بامرأة،فلم يدخل بها فزنى، ما عليه؟قال:«عليه الحدّ،و يحلق رأسه،و يفرّق بينه و بين أهله» (1).

و هي مع عدم ظهورها في الخيار و إنّما ظاهرها لزوم التفريق و لا قائل به معارضة بالأصل،و الصحيح:عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله،أ يرجم؟قال:«لا» قلت:يفرّق بينهما إذا زنى قبل أن يدخل بها؟ قال:«لا» (2)و هما معتضدان بعمل الأصحاب،فلا يعارضهما شيء ممّا مضى.

و أمّا عيوب المرأة فهي سبعة وفاقيّة و خلافيّة.

فمن الأول: الجنون و هو:فساد العقل المستقرّ الغير المستند إلى السهو السريع الزوال أو الإغماء العارض مع غلبة المِرّة؛ لعدم صدق الإطلاق (3)مع الاستناد إلى أحد الأمرين عرفاً،و على تقديره فليس بمتبادر من إطلاق النصوص جدّاً،فلا يُخصّ الأصل باحتمال إرادة نحوه منها قطعاً.

و الجُذام بضمّ الجيم،و هو:مرض يظهر معه يبس الأعضاء و تناثر اللحم،بشرط التحقّق بظهوره على البدن،أو شهادة عدلين،أو

ص:453


1- الفقيه 3:1251/262،التهذيب 7:1966/489،قرب الإسناد:975/247،الوسائل 21:236 أبواب العيوب و التدليس ب 17 ح 2؛ بتفاوت يسير.
2- الكافي 7:8/179،الفقيه 4:77/29،الوسائل 21:236 أبواب العيوب و التدليس ب 17 ح 1.
3- أي إطلاق الجنون.منه رحمه الله.

تصادقهما عليه.لا مجرّد ظهور أماراته،من تعجّر (1)الوجه و إحمراره أو اسوداده،و استدارة العين و كمودتها إلى حمرة،و ضيق النفس،و بحّة الصوت،و نتن العرق،و تساقط الشعر.فإنّها قد تعرض من غيره، فلا يُخصّ بها الأصل المقطوع به.

نعم،مجموع هذه العلامات قد يفيد أهل الخبرة به حصوله،و العمدة على تحقّقه كيف كان.

و البرص و هو:البياض أو السواد الظاهران على صفحة البدن لغلبة البلغم أو السوداء،و يعتبر منه المتحقّق دون المشتبه بالبَهَق (2)و غيره؛ لما مرّ.

و القرن بسكون الراء و فتحها،قيل:هو عظم كالسنّ في الفرج يمنع الوطء،و لو كان لحماً فهو العَفَل (3)بالتحريك و في اتّحادهما أو تغايرهما خلاف بين اللغويين و الفقهاء،و أكثر الفريقين على الاتّحاد،و هو المرويّ في الخبرين:

أحدهما الصحيح:«المرأة تردّ من أربعة أشياء:من البرص، و الجذام،و الجنون،و القرن و هو العفل،ما لم يقع،فإذا وقع عليها فلا» (4)و نحوه الثاني (5).

ص:454


1- تعجّر بطنه أي تعكّن،و العُكنة:الطيّ الذي في البطن من السمن.راجع الصحاح 2:737 و 5:2165.
2- البَهَق:بياض يعتري الجلد يخالف لونه،ليس من البرص.الصحاح 4:1453.
3- قال به الشهيد الثاني في الروضة 5:390.
4- الكافي 5:16/409،الفقيه 3:1296/273،التهذيب 7:1703/427،الإستبصار 3:889/248،الوسائل 21:207 أبواب العيوب و التدليس ب 1 ح 1.
5- الكافي 5:12/407،التهذيب 7:1702/427،الإستبصار 3:888/248،الوسائل 21:215 أبواب العيوب و التدليس ب 3 ح 2.

و يشهد له المعتبرة المكتفية بأحدهما عن الآخر،و هي مستفيضة في الاكتفاء بالعفل عن القرن.

منها الصحيحان:«يردّ النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العفل» (1).

و ممّا اكتفي فيه بالقرن عنه الصحيح:عن رجل تزوج امرأة فوجد بها قرناً،قال:«هذه لا تحبل،و لا يقدر زوجها على مجامعتها،يردّها إلى أهلها صاغرة و لا مهر لها» قلت:فإن كان دخل بها؟قال:«إن علم بها قبل أن يجامعها ثم جامعها فقد رضي،و إن لم يعلم بها إلّا بعد ما جامعها فإن شاء أمسكها،و إن شاء سرّحها إلى أهلها،و لها ما أخذت منه بما استحلّ من فرجها» (2).

و الرضوي:«و إن تزوّج بامرأة فوجدها قرناء أو مجنونة إذا كان بها ظاهراً كان له أن يردّها على أهلها بغير طلاق» (3)و نحوه غيره (4).

و يستفاد من الصحيح السابق عليهما بمقتضى تعليل الردّ بعدم إمكان الوطء،أو عسره كما يظهر من ذيله دوران الحكم مدارهما حيث تحقّقا، في قرن أو عفل أو رتق،فلا ثمرة للاتّحاد و التغاير في الباب،و به صرّح بعض الأصحاب (5).

ص:455


1- تقدم أحدهما في ص:448،و الآخر في:التهذيب 7:1693/424،الإستبصار 3:880/246،الوسائل 21:210 أبواب العيوب و التدليس ب 1 ح 10.
2- الكافي 5:18/409،التهذيب 7:1704/427،الإستبصار 3:890/249،الوسائل 21:208 أبواب العيوب و التدليس ب 1 ح 4،بتفاوت يسير ينشأ ظاهراً من الخلط بين هذه الرواية و رواية حسن بن صالح.
3- فقه الرضا(عليه السلام):237،المستدرك 15:46 أبواب العيوب و التدليس ب 1 ح 8.
4- المقنع:103،المستدرك 15:46 أبواب العيوب و التدليس ب 1 ح 9.
5- نهاية المرام 1:331.

ثم المستفاد منه أيضاً كغيره (1)صريحاً مضافاً إلى إطلاق النصوص ثبوت الخيار بعسر الوطء أيضاً من دون اشتراط عدم الإمكان،و إليه مال جماعة (2)،تبعاً للماتن في الشرائع (3).

خلافاً للأكثر،بل لم ينقل فيه خلاف،و ربما احتمل كونه إجماعاً (4)، فإن صحّ و علمناه من غير جهة النقل أمكن المصير إليه،و إلّا فالمصير إلى الأول أولى؛ إمّا لعدم حجّية عدم ظهور الخلاف أصلاً،أو لأنّه لا يستفاد منه مع الحجّية سوى المظنّة المعارضة بمضاهيها،الحاصل من الأخبار المعتبرة المعمول بها عند جميع الطائفة،و هي أقوى قطعاً،فيُخصّ به الأصل، و يطرح المعارض (5).

هذا،مع ظهور الخلاف لنا من الماتن و جماعة من أصحابنا.

و كيف كان،فلا ريب أنّ مراعاتهم أحوط و أولى.

و الإفضاء و قد مضى تفسيره و الاختلاف فيه (6).

و النصوص بثبوت الخيار بهذه العيوب الخمسة مستفيضة،و قد مرّ ما يتعلّق بالأربعة الأُوَل،بقي المتعلّق بالأخير؛ و يدلّ عليه الصحيح:في الرجل تزوّج امرأة من وليّها،فوجد بها عيباً بعد ما دخل بها،قال:فقال:«إذا دلّست العفلاء نفسها و البرصاء و المجنونة و المفضاة و من كان بها زمانة

ص:456


1- الوسائل 21:214 أبواب العيوب و التدليس ب 3.
2- نهاية المرام 1:332،الكفاية:176،الحدائق 24:362.
3- الشرائع 2:320.
4- الكفاية:176،المسالك 1:526.
5- و هو الظن الحاصل من عدم ظهور الخلاف.منه رحمه الله.
6- راجع ص 68.

ظاهرة فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق» (1).

و صريحه كالخبرين المتقدّمين في الاكتفاء بالقرن عن العفل في التعبير جواز الفسخ و لو علم بالعيوب بعد الدخول،مع أنّه لا خلاف فيه يعتدّ به،و به صرّح بعض (2)،و استفيد من إطلاق النصوص الأُخر و الفتاوى.

نعم،ربما أشعر بعضها باختصاص الجواز بقبل الدخول،كالصحيح الدالّ على اتّحاد القرن و العفل،و قريب منه خبران آخران:

أحدهما:في الرجل إذا تزوّج المرأة فوجد بها قرناً و هو العفل أو بياضاً أو جذاماً«أنّه يردّها ما لم يدخل بها» (3)و نحوه الثاني (4).

و لكن ظاهرهما مع قصور السند العلم بالعيب قبل الدخول،و لا كلام فيه.

و الصحيح لا يعارض ما مرّ،مع احتمال حمل إطلاقه على صورة العلم بالعيب قبل الدخول.

ثم مقتضى الأصل و انتفاء المخرج عنه بالإضافة إلى حدوث هذه العيوب و ما سيأتي بعد العقد أو الدخول اختصاص الخيار بما عداهما، مع عدم الخلاف في نفيه في الثاني كما حكي (5)،و إن حكي عن المبسوط

ص:457


1- الكافي 5:14/408،التهذيب 7:1699/425،الإستبصار 3:885/247،الوسائل 21:211 أبواب العيوب و التدليس ب 2 ح 1.
2- كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:307.
3- الكافي 5:12/407،التهذيب 7:1702/427،الإستبصار 3:888/248،الوسائل 21:215 أبواب العيوب و التدليس ب 3 ح 2.
4- الكافي 5:16/409،الفقيه 3:1296/273،التهذيب 7:1703/427،الإستبصار 3:889/248،الوسائل 21:207 أبواب العيوب و التدليس ب 1 ح 1.
5- قاله في الحدائق 24:369.

و ظاهر الخلاف طرد الحكم فيه و في الأول (1)؛ تبعاً لإطلاق النصوص.

و لكن الأشهر خلافه؛ تمسّكاً بما مضى،و استضعافاً له باختصاصه بحكم التبادر و الفرض في أكثرها بغير محلّ البحث،و لا كلام فيه.

و من الثاني (2): العمى و الإقعاد و ثبوت الخيار و لو بعد الدخول بتقدّمهما العقد مشهور بين الأصحاب،بل عليه الإجماع عن المرتضى و ابن زهرة في الأول (3)؛ و هو الحجّة فيه،كالصحيح:الرجل يتزوّج المرأة،فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء،قال:«تردّ على وليّها، و يكون له المهر على وليّها،و إن كان بها زمانة لا يراها الرجل أُجيز شهادة النساء عليها» (4).

و الموثّق:«تردّ البرصاء و العمياء و العرجاء» (5).

و يستفاد منه (6)و من الصحيح المتقدّم في الإفضاء الحكم في الثاني؛ لتضمّنهما الفسخ بالزمانة الظاهرة،و هو منها و إن كانت مطلق العاهة،كما عن بعض أهل اللغة (7).

ص:458


1- حكاه عنهما في المسالك 1:528،و هو في المبسوط 4:252،الخلاف 4:349.
2- أي العيوب الخلافية.منه رحمه الله.
3- المرتضى في الناصريات(الجوامع الفقهية):212،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):611.
4- التهذيب 7:1694/424،الإستبصار 3:884/246،الوسائل 21:213 أبواب العيوب و التدليس ب 2 ح 6،و في الجمع:و يكون لها المهر..
5- التهذيب 7:1696/424،الإستبصار 3:883/246،الوسائل 21:210 أبواب العيوب و التدليس ب 1 ح 12.
6- أي من هذا الصحيح،لا الموثق.
7- القاموس 4:233،مجمع البحرين 6:260.

هذا،مضافاً إلى فحوى الخبرين هنا،لاستلزام الفسخ بالعرج الذي دلّا عليه،و هو أشهر و أقوى كما يأتي إيّاه هنا بطريق أولى كما لا يخفى.

و يُخصّ بالنصوص هنا و في الإفضاء الأصل و مفهوما الحصر و العدد فيما مرّ من المعتبرة.

فخلاف الشيخ في الخلاف و المبسوط (1)في الأول (2)ضعيف جدّاً، كخلاف غيره كما حكي (3)في الثاني (4).

و في ثبوت الخيار ب الرتق بالتحريك،و هو كما حكي عن أهل اللغة (5)و به صرّح العلّامة في القواعد (6)و جماعة (7):التحام الفرج بحيث لم يكن للذكر فيه مدخل.و عرّفه في التحرير:باللحم النابت في الفرج المانع عن الوطء (8)،فيرادف حينئذٍ العفل- تردّد ينشأ:

من الأصل و مفهومي الحصر و العدد فيما مرّ من الأخبار،مع عدم النصّ فيه.

و من تعليل الردّ بالقرن بمنعه الوطء في الصحيح و غيره كما مضى (9)الظاهر في دوران الحكم مداره حيث ما تحقّق و فحوى ما دلّ على

ص:459


1- الخلاف 4:346،المبسوط 4:249.
2- أي العمى.منه رحمه الله.
3- حكاه في المختلف عن الحلّي:553،و هو في السرائر 2:613.
4- أي الإقعاد.منه رحمه الله.
5- قاله الجوهري في الصحاح 4:1480،حكاه عنه في الكفاية:177.
6- القواعد 2:33.
7- جامع المقاصد 13:244،المسالك 1:527،نهاية المرام 1:333،التنقيح 3:181،الكفاية:177،الحدائق 24:366.
8- التحرير 2:28.
9- راجع ص 452.

الحكم في القرن و العفل مع إمكان الوطء معهما،فثبوت الحكم هنا بطريق أولى.هذا إن قلنا بتغايره لهما،و إلّا فهو داخل في مستندهما.

و هذا هو الأقوى كما حكي عن أكثر أصحابنا (1)،و ادّعى الإجماع عليه جماعة (2)،و اختاره المصنّف هنا و في الشرائع (3)بقوله: أشبهه:

ثبوته عيباً؛ لأنّه يمنع الوطء فيعمّه التعليل المثبت للحكم في القرن و العفل،و بأدلّته يُخصّ ما مضى من أدلّة المنع.

و يمنع دعوى عدم النصّ إن أراد ما يعمّ ذلك،و يجاب بعدم لزوم النصّ بالخصوص إن أراده منه،بل يكتفى بكلّ ما دلّ خصوصاً أو عموماً.

و لا تُرَدّ المرأة و لا الرجل بالعور مطلقاً (4)،بلا خلاف في الظاهر؛ للأصل،و مفهومي الحصر و العدد الماضيين،و خصوص الصحيح:

في الرجل يتزوّج إلى قوم و إذا امرأته عوراء و لم يبيّنوا له،قال:«لا تردّ» (5)مع عدم المعارض.

و لا بالزناء مطلقاً و لو حُدَّت فيه خلافاً للإسكافي،فردّ به مطلقاً،في الرجل و المرأة،سبق العقد أم لحق،حصل معه الحد أم لا (6).

ص:460


1- انظر كشف اللثام 2:72.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):611،جامع المقاصد 13:244،نهاية المرام 1:334.
3- الشرائع 2:320.
4- سبق العقد أم لحقه.منه رحمه الله.
5- الكافي 5:6/406،الفقيه 3:1299/273،التهذيب 7:1701/426،الإستبصار 3:886/247،الوسائل 21:209 أبواب العيوب و التدليس ب 1 ح 6.
6- حكاه عنه في المختلف:553.

و للصدوق،فردّ به في المرأة خاصّة مع لحوق العقد مطلقاً (1).

و لأكثر القدماء في المحدودة خاصّة (2).

و قد مضى الكلام فيه في بحث الكفّارة،و أنّ الأصحّ مختار الماتن و أكثر المتأخّرين.

و لا بالعَرَج على الأشبه وفاقاً للمقنع و ظاهر المبسوط و الخلاف و القاضي (3)؛ لما مضى.

خلافاً للأكثر،بل عن الغنية الإجماع عليه (4)،و هو الأظهر؛ للمعتبرين اللذين مضيا في الإقعاد و العمى (5)،و ليس فيهما التقييد بالبيّن إن أُريد به ما يزيد على مفهوم العرج كما عن الحلّي و المختلف و التحرير (6)و لا البلوغ حدّ الإقعاد كما في الشرائع و القواعد و الإرشاد (7)فلا وجه لهما.

و ليس في عدّ الزمانة عيباً في الصحيحين (8)ما يوجب التقييد بالأخير، فالأقوى عدّ مطلق العرج عيباً بعد تحقّقه؛ تمسّكاً بظاهر المعتبرين،و يُخصّ بهما ما مضى من أدلّة المنع في البين.

ص:461


1- المقنع:109.
2- انظر الوسيلة:311،و الغنية(الجوامع الفقهية):611،و المهذَّب 2:231،و المبسوط 4:239.
3- المقنع:104،المبسوط 4:249،الخلاف 4:346،القاضي في المهذب 2:231.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):611.
5- راجع ص 455.
6- الحلّي في السرائر 2:613،المختلف:553،التحرير 2:29.
7- الشرائع 2:320،القواعد 2:33،الإرشاد 2:28.
8- المتقدمين في ص 453 455.
أمّا الأحكام فمسائل سبع
اشارة

و أمّا الأحكام المتعلّقة بالعيوب فمسائل سبع

الاُولى لا يفسخ النكاح بالعيب المتجدّد بعد الدخول :

الاُولى:لا يفسخ النكاح بالعيب المتجدّد بعد الدخول مطلقاً، في امرأة كان أو رجل.

و في العيب المتجدّد بعد العقد تردّد،عدا العنن فلا تردّد له فيه كما يأتي.

و قيل:تفسخ المرأة بجنون الرجل المستغرق لأوقات الصلاة و إن (1)تجدّد بعد العقد مطلقاً،و مضى تفصيل الكلام في ذلك ذيل كلّ عيب، و يظهر منه أنّ إطلاق العبارة ليس في محلّه،بل الأجود ما قدّمناه.

الثانية الخيار على الفور

الثانية:الخيار على الفور بلا خلاف،بل عليه الإجماع كما حكاه جماعة (2)؛ و هو الحجّة فيه،لا الاقتصار في الخروج عن أصالة اللزوم على القدر المتيقّن؛ لانعكاس الأصل بثبوت الخيار و اقتضائه بقاءه، مع اعتضاده بإطلاق النصوص،نعم في بعضها ما يدلّ على السقوط بالدخول (3)،و لكنّه غير الفوريّة،فتدبّر.

و كيف كان،فلو أخّر مَن إليه الفسخ مختاراً مع علمه بها،بطل خياره،سواء الرجل و المرأة.

و لو جهل الخيار أو الفوريّة،فالأقوى أنّه عذر؛ للأصل،و الإطلاقات، مع انتفاء المخصِّص لهما؛ بناءً على اختصاص الإجماع الذي هو العمدة

ص:462


1- القائل هو الشيخ في المبسوط 4:252،و الخلاف 4:349،و القاضي في المهذب 2:235.
2- جامع المقاصد 13:249،المسالك 1:528،الروضة 5:392،نهاية المرام 1:338،الكفاية:177،مفاتيح الشرائع 2:309،كشف اللثام 2:72،الحدائق 24:372.
3- الوسائل 21:أبواب العيوب و التدليس ب 1 ح 14،و ب 3 ح 2.

في التخصيص بغيره،فيختار بعد العلم على الفور.

و كذا لو نسيهما،أو مُنِع منه بالقبض على فيه،أو التهديد على وجهٍ يعدّ إكراهاً،فالخيار بحاله إلى زوال المانع؛ ثم يعتبر الفوريّة حينئذ.

الثالثة الفسخ فيه ليس طلاقاً

الثالثة:الفسخ فيه أي العيب بأنواعه ليس طلاقاً شرعيّاً إجماعاً و نصّاً؛ لوقوع التصريح به في الصحيح (1)و غيره (2)،فلا يعتبر فيه ما يعتبر في الطلاق،و لا يعدّ في الثلاث و لا يطّرد معه تنصيف المهر و إن ثبت في بعض موارده كما يأتي.

الرابعة لا يفتقر الفسخ بالعيوب إلى الحاكم

الرابعة:لا يفتقر الفسخ بالعيوب الثابتة عندهما في أيّهما كانت - إلى الحاكم على الأظهر الأشهر،بل كاد أن يكون إجماعاً؛ للأصل، و إطلاق النصوص،مع انتفاء المخرج عنهما.

خلافاً للإسكافي و الطوسي (3)؛ و هو شاذّ.

و لكن يفتقر إليه في العنن لضرب الأجل و تعيينه، لا فسخها (4)بعده،بل تستقلّ به حينئذ.

الخامسة إذا فسخ الزوج قبل الدخول فلا مهر

الخامسة:إذا فسخ الزوج قبل الدخول فلا مهر عليه للزوجة إجماعاً؛ للأصل،و النصوص:

منها الصحيح:«و إن لم يكن دخل بها فلا عدّة لها و لا مهر لها» (5)، و نحوه الصحيح الآتي.

ص:463


1- الوسائل 21:211 أبواب العيوب و التدليس ب 2 ح 1.
2- الوسائل 21:212 أبواب العيوب و التدليس ب 2 ح 2.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:557،الطوسي في المبسوط 4:253.
4- أي المرأة.منه رحمه الله.
5- الكافي 5:14/408،التهذيب 7:1699/425،الإستبصار 3:885/247،الوسائل 21:211 أبواب العيوب و التدليس ب 2 ح 1.

و في الخبر:«و لو أنّ رجلاً تزوّج امرأة،أو زوّجها رجل لا يعرف دخيلة أمرها،لم يكن عليه شيء،و كان المهر يأخذه منها» (1).

و أمّا لو فسخ بعده،فلها المسمّى على الأشهر الأظهر؛ لإطلاق النصوص:

منها الصحيح:في رجل تزوّج امرأة من وليّها،فوجد بها عيباً بعد ما دخل بها،قال:فقال:«إذا دلّست العفلاء و البرصاء و المجنونة و المفضاة و من كان بها زمانة ظاهرة فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق،و يأخذ الزوج المهر من وليّها الذي كان دلّسها،فإن لم يكن وليّها علم بشيء من ذلك فلا شيء عليه و تردّ إلى أهلها» قال:«و إن أصاب الزوج شيئاً ممّا أخذت منه فهو له،و إن لم يصب شيئاً فلا شيء له» الخبر (2).

و الصحيح:«من زوّج امرأة فيها عيب دلّسته فلم يبيّن ذلك لزوجها، فإنّه يكون لها الصداق بما استحلّ من فرجها،و يكون الذي ساق الرجل إليها على الذي زوّجها» (3)و نحوهما غيرهما (4).

خلافاً للشيخ،فخصّه بالفسخ بالمتجدّد بعد الدخول،و حكم بالمثل في المتجدّد قبله مطلقاً (5).و هو شاذّ،و مستنده ضعيف و اجتهاد في مقابلة

ص:464


1- الكافي 5:9/407،التهذيب 7:1697/424،الإستبصار 3:878/245،الوسائل 21:212 أبواب العيوب و التدليس ب 2 ح 2؛ بتفاوت يسير.
2- تقدمت مصادره في الهامش(5)من الصفحة السابقة.
3- التهذيب 7:1723/432،الوسائل 21:214 أبواب العيوب و التدليس ب 2 ح 7؛ بتفاوت يسير.
4- الفقيه 3:1299/273،التهذيب 7:1701/426،الإستبصار 3:884/246،الوسائل 21:213 أبواب العيوب و التدليس ب 2 ح 5.
5- المبسوط 4:253.

النصوص.

و يستفاد منها أنّه يرجع به أي المهر الزوج على المدلِّس و به أفتى جماعة (1)مطلقاً،وليّاً كان أم غيره،حتى لو كان المدلِّس هو المرأة رجع به عليها أيضاً.

و يدلّ على الأخير بالخصوص الصحيح:في رجل ولّته امرأة أمرها أو ذات قرابة أو جار لها لا يعلم دخيلة أمرها،فوجدها قد دلّست عيباً هو بها،قال:«يؤخذ المهر منها،و لا يكون على الذي زوّجها شيء» (2)و قريب منه الخبر الذي مرّ قريباً.

و يستفاد منهما الرجوع بالمهر إليها مطلقاً من دون استثناء شيء مطلقاً،و به صرّح جماعة (3)،و هو أقوى.

خلافاً للمحكيّ عن الأكثر،فاستثنوا منه شيئاً،أمّا مهر أمثالها كما عن الإسكافي (4)،أو أقلّ ما يتموّل كما عن الأكثر (5)؛ لئلّا يخلو البضع عن العوض،و هو الأحوط و إن كان في تعيينه نظر.

و عليه،فالأصل و لزوم الاقتصار في مخالفة النصوص الحاكمة بالرجوع إلى الجميع على القدر الذي يندفع به الضرر يقتضي المصير إلى

ص:465


1- منهم المحقق في الشرائع 2:321،و السبزواري في الكفاية:177،و صاحب الحدائق 24:377.
2- الكافي 5:10/407،الفقيه 3:171/50،الوسائل 21:212 أبواب العيوب و التدليس ب 2 ح 4.
3- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:529،و سبطه في نهاية المرام 1:341،و صاحب الحدائق 24:378.
4- فقد حكاه عنه في المختلف:557.
5- جامع المقاصد 13:258،نهاية المرام 1:341.

ما قدّره الأكثر،و تعليل الاستثناء يقتضي المصير إلى ما قدّره الإسكافي، و هو الأحوط.

ثم إنّ إطلاق إثبات المهر لها و الحكم بالرجوع به إلى المدلِّس يقتضي ثبوته حيث لا مدلِّس،و هو كذلك؛ و ربما دلّت عليه النصوص المتقدّمة الحاكمة بأنّ لها المهر بما استحلّ من فرجها (1)،و هي كالمنصوص العلّة في الحكم كما لا يخفى،و مقتضاها ثبوت المسمّى لا المثل ظاهراً.

و إذا فسخت الزوجة قبل الدخول بها فلا مهر لها بلا خلاف؛ لمجيء الفسخ من قبلها إلّا في العَنَن فلها ذلك على الأشهر الأقوى كما يأتي.

و لو كان الفسخ بعده أي الدخول- فلها المسمّى إجماعاً؛ لاستقراره بالدخول،و لا صارف عنه إلّا الفسخ،و هو غير معلوم الصلوح لذلك.

و لو فسخت الزوجة النكاح بالخصاء فالأشهر الأقوى أنّه يثبت لها المهر كملاً مع الخلوة بها و الدخول؛ لما مضى من النصوص فيه (2)،و إطلاقها كإطلاق العبارة يقتضي ثبوت الجميع بمجرّد الخلوة و إن لم يدخل بها.

و في الرضوي:«و إن تزوّجها خصي و قد دلّس نفسه لها و هي لا تعلم فرّق بينهما،و يوجّع ظهره كما دلّس نفسه،و عليه نصف الصداق،و لا عدّة عليها منه» (3)و إطلاقه يقتضي التنصيف مطلقاً.

ص:466


1- راجع ص 461.
2- راجع ص 443 444.
3- فقه الرضا(عليه السلام):237،المستدرك 15:53 أبواب العيوب و التدليس ب 12 ح 2.

و ربما يجمع بينهما بحمل الأول على صورة الدخول،و الثاني على العدم.و هو حسن؛ للصحيح المفصِّل المرويّ عن قرب الإسناد:عن خصيّ دلّس نفسه لامرأة،ما عليه؟قال:«يوجع ظهره و يفرّق بينهما و عليه المهر كاملاً إن دخل بها،و إن لم يدخل بها فعليه نصف المهر» (1).

لكن القول به غير معروف؛ لأنّهم ما بين مصرّح بثبوت الجميع بالخلوة مطلقاً كما عن الشيخ (2)و أكثر الأصحاب (3)و مثبت للنصف خاصّة كذلك كما عن الصدوقين (4)عملاً بإطلاق الرضوي المتقدّم، و نافٍ للحكم من أصله كما عن الحلّي (5)للأصل.فالقول به مشكل.

و ينبغي القطع بثبوت الجميع بالدخول؛ لاستقراره به،مع عدم الخلاف فيه في الظاهر،و النصف مع عدمه إن خلا بها؛ للوفاق من العاملين بالنصوص عليه حينئذ،و يبقى الشكّ في النصف الآخر،و الاحتياط فيه لا يترك.

و قد ظهر من النصوص الدلالة على أنّه يعزَّر ؛ لمكان التدليس.

السادسة لو ادّعت عنَنَه فأنكر،فالقول قوله مع يمينه

السادسة:لو ادّعت عنَنَه أو غيره فأنكر،فالقول قوله مع يمينه للأُصول السليمة عن المعارض،فإن حلف استقرّ النكاح،و إن نكل

ص:467


1- قرب الإسناد:982/248،الوسائل 21:228 أبواب العيوب و التدليس ب 13 ح 5.
2- النهاية:488.
3- انظر نهاية المرام 1:343.
4- حكاه عنهما العلّامة في المختلف:556.و لكن الموجود في المقنع:104:فُرّق بينهما و تأخذ منه صداقها.
5- السرائر 2:617.

عنه و عن ردّه إليها ثبت العيب لو حُكِم به،و إلّا رُدَّت اليمين على المرأة، فإن حلفت ثبت العيب.و ليس لها ذلك إلّا مع العلم به بممارستها له،على وجه يحصل لها ذلك بتعاضد القرائن الموجبة له.

و أمّا اختباره (1)بجلوسه في الماء البارد،فإن استرخى ذكره فهو عنّين،و إن تشنّج فليس به كما عن ابني بابويه و ابن حمزة (2)،و ذكره الأطبّاء،و به رواية مرسلة في الفقيه (3)و الرضوي (4)فلم يعتبره المتأخّرون؛ زعماً منهم عدم النصّ لذلك،و ليس كذلك.

و في المرسل:أنّه يختبر بإطعامه السمك الطريّ ثلاثة أيّام،ثم يقال له:بُل على الرماد،فإن ثقب بوله الرماد فليس بعنّين،و إن لم يثقب بوله الرماد فهو عنّين (5).و ظاهر الفقيه العمل به؛ لروايته له فيه.

و مع ثبوته أي العنن- يثبت لها الخيار فيما إذا سبق العقد إجماعاً.

و كذا لو كان متجدّداً بعده:

مطلقاً على قول المفيد (6)و جماعة (7)؛ لإطلاق النصوص.

و مقيّداً بقبليّة الدخول،كما عن الأكثر (8)،بل عن ابن زهرة عليه

ص:468


1- أي العنن.منه رحمه الله.
2- الصدوق في المقنع:107،و حكاه عن والده في المختلف:556،ابن حمزة في الوسيلة:311.
3- الفقيه 3:1705/357،الوسائل 21:234 أبواب العيوب و التدليس ب 15 ح 4.
4- فقه الرضا(عليه السلام):237،المستدرك 15:56 أبواب العيوب و التدليس ب 14 ح 1.
5- الفقيه 3:1706/357،الوسائل 21:234 أبواب العيوب و التدليس ب 15 ح 5.
6- المقنعة:520.
7- انظر المقنع:105،و التنقيح الرائع 3:195.
8- حكاه عنهم في نهاية المرام 1:344،و في الحدائق 24:384.

الإجماع (1)،و هو الأظهر؛ للأصل،و اختصاص النصوص بحكم التبادر بغير محلّ الفرض،و الخبرين:

أحدهما الموثّق:«إذا تزوّج الرجل امرأة،فوقع عليها مرّة ثم أعرض عنها،فليس لها الخيار،فلتصبر فقد ابتُليت،و ليس لأُمّهات الأولاد و لا للإماء ما لم يمسّها من الدهر إلّا مرّة واحدة خيار» (2).

و نحوه الثاني (3)،و ضعفه كقصور الأول منجبر بالأصل و الشهرة و الإجماع المحكي،فلا وجه للتوقّف في المسألة.

ثم مقتضى الأصل،و اختصاص العنّين المطلق في الأخبار بحكم التبادر بالعاجز عن النساء مطلقاً،توقُف الخيار على ما إذا عجز عن وطئها قبلاً و دبراً،و عن وطء غيرها و هو الأشهر بين أصحابنا؛ و ينصّ عليه الخبر:في العنّين«إذا علم أنّه عنّين لا يأتي النساء فرّق بينهما» (4)و نحوه آخر (5)،و قصور السندين بالشهرة قد انجبر،مضافاً إلى ما مرّ.

خلافاً للمحكيّ عن المفيد،فلم يشترط العجز عن غيرها،و اكتفى بالعجز عنها (6)؛ لظاهر الصحيح:«إذا ذكرت أنّها عذراء فعلى الإمام أن

ص:469


1- الغنية(الجوامع الفقهية):611.
2- التهذيب 7:1715/430،الإستبصار 3:897/250،الوسائل 21:231 أبواب العيوب و التدليس ب 14 ح 8.
3- الكافي 5:10/412،الفقيه 3:1709/358،التهذيب 7:1712/430،الإستبصار 3:895/250،الوسائل 21:230 أبواب العيوب و التدليس ب 14 ح 4.
4- الكافي 5:4/410،الفقيه 3:1707/357،التهذيب 7:1714/430،الإستبصار 3:896/250،الوسائل 21:229 أبواب العيوب و التدليس ب 14 ح 2.
5- قرب الإسناد:983/249،الوسائل 21:232 أبواب العيوب و التدليس ب 14 ح 13.
6- المقنعة:520.

يؤجّله سنة،فإن وصل إليها،و إلّا فرّق بينهما» (1)إذ مقتضاه الاكتفاء في الفسخ بعجزه عن وطئها و إن لم يعلم عجزه عن وطء غيرها،و فيه نظر.

و لو ادّعى الوطء قبلاً أو دبراً منها أو من غيرها فأنكرت ذلك فالقول قوله مع يمينه مطلقاً كان الدعوى قبل ثبوت العُنَّة،أو بعده على الأشهر.

و هو الأظهر في الأول؛ لرجوع الدعوى إلى إنكار العُنَّة،و للصحيح:

«إذا تزوّج الرجل المرأة التي قد تزوّجت زوجاً غيره،فزعمت أنّه لم يقربها منذ دخل بها،فإنّ القول في ذلك قول الرجل،و عليه أن يحلف باللّه لقد جامعها؛ لأنّها المدّعية» قال:«فإن تزوّجها و هي بكر،فزعمت أنّه لم يصل إليها،فإنّ مثل هذا يعرف النساء،فلينظر إليها من يوثق به منهن،فإذا ذكرت أنّها عذراء فعلى الإمام أن يؤجّله[سنة]،فإن وصل إليها،و إلّا فرّق بينهما،و أُعطيت نصف الصداق،و لا عدّة عليها» (2).

و الرضوي:«و إذا ادّعت أنّه لا يجامعها عنّيناً كان أو غير عنّين فيقول الرجل:إنّه قد جامعها،فعليه اليمين،و عليها البيّنة؛ لأنّها المدّعية» (3).

و مشكل في الثاني؛ لكونه فيه مدّعياً زوال ما ثبت،فلا يلائم قبول قوله،و عُلِّل بأحد أمرين:

إمّا لعدم معلوميّة الفعل إلّا من قَبله،فيقبل قوله فيه،كدعوى المرأة

ص:470


1- الكافي 5:7/411،التهذيب 7:1709/429،الإستبصار 3:899/251،الوسائل 21:233 أبواب العيوب و التدليس ب 15 ح 1،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- الكافي 5:7/411،التهذيب 7:1709/429،الإستبصار 3:899/251،الوسائل 21:233 أبواب العيوب و التدليس ب 15 ح 1،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- فقه الرضا(عليه السلام):237،المستدرك 15:56 أبواب العيوب و التدليس ب 14 ح 1.

انقضاء عدّتها بالأقراء.

و إمّا لعدم ثبوت العُنَّة قبل مضيّ السنة،و إنّما الثابت العجز الذي يمكن معه العُنَّة و عدمها،و لذا يؤجّل سنة،لينظر أ يقدر على الوطء أم لا،فإن قدر فلا عُنَّة،و إلّا ثبت فيرجع دعواه إلى إنكارها،فيصير كالأول (1).

و هو حسن إن تمّ كلّية الكبرى بإجماعٍ و نحوه في الأول،و صحّ دعوى كون التأجيل سنة لأجل إثبات العُنَّة.و لا بُدّ من التأمّل فيهما،سيّما الأخير.

و ربما احتجّ (2)له أيضاً بإطلاق الصحيح،و التبادر مع التعليل فيه يقتضيان اختصاص الحكم بالأول.

ثم إنّ مقتضاه اختصاص الحكم بالثيّبة،و لزوم العمل بشهادة النساء في الباكرة،و هو ينافي إطلاق الأكثر،كالعبارة و عبارة الرضوي المتقدّمة.

و ينبغي العمل عليه فيما لو ادّعى وطء قبلها و لا فيما عداه،بل ينبغي حينئذٍ قبول قوله مع اليمين؛ لموافقته الأصل،و عدم الوطء في القبل على تقدير ثبوت البكارة لا يستلزم العنن؛ لإمكان وطئه الدبر أو قبل غيرها، و معه لا عُنَّة على الأشهر الأقوى كما مضى (3).

و بهذا (4)صرّح بعض الأصحاب (5)،و هو حسن لولا الرضوي المطلق المعتضد بعمل الأصحاب،فلا يعارضه ذيل الصحيح.

ص:471


1- كذا فهمه صاحب الحدائق(24:389 400)من كلام المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد 13:261،264.
2- انظر المختلف:555،التنقيح الرائع 3:195.
3- راجع ص 466.
4- أي باختصاص الحكم بالثيّب أو الباكر التي لم يدّع وطء قبلها.منه رحمه الله.
5- انظر الكفاية:177.

نعم،عليه جماعة من قدماء الأصحاب،لكن في البكر خاصّة (1).

و حكموا في الثيّب مع دعواه الوطء في قبلها بحشو الخَلُوق (2)في قبلها،ثم أمره بوطئها،فإن خرج على ذكره صدق،و إلّا فلا؛ للإجماع المحكيّ في الخلاف (3).و هو موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف.

و الخبرين،أحدهما المرسل:عن رجل تدّعي عليه امرأته أنّه عنّين، و ينكر الرجل،قال:«تحشوها القابلة بالخَلُوق و لا يعلم الرجل،و يدخل عليها الرجل،فإن خرج و على ذكره الخَلُوق صدق و كذبت،و إلّا صدقت و كذب» (4)و نحوه الثاني (5).

و هما مع قصور سندهما زيادة على الإرسال في الأول ضعيفا الدلالة؛ لظهورهما في الحكم مع عدم ثبوت العُنَّة،و الجماعة كما حكي عنهم خصّوه ببعد الثبوت،و ظاهر الحكاية موافقة الجماعة للأكثر في تقديم قول الرجل مع اليمين مع عدم ثبوت العُنَّة؛ و مع ذلك فليسا كالإجماع المتقدّم يعارضان المعتبرين اللذين مضيا،فتأمّل جدّاً.

السابعة إن صبرت مع العنن فلا بحث

السابعة:إن صبرت الزوجة مع العنن بعد ثبوته بإحدى الطرق السابقة من دون مرافعة إلى الحاكم فلا بحث في لزوم العقد؛

ص:472


1- منهم الصدوق في المقنع:104.
2- الخَلُوق:طيب مركب يتخذ من الزعفران و غيره من أنواع الطيب و الغالب عليه الصفرة أو الحمرة.مجمع البحرين 5:157.
3- الخلاف 4:357.
4- الكافي 5:8/411،الفقيه 3:1704/357،التهذيب 7:1710/429،الإستبصار 3:900/251،الوسائل 21:233 أبواب العيوب و التدليس ب 15 ح 2.
5- الكافي 5:11/412،التهذيب 7:1713/430،الإستبصار 3:901/251،الوسائل 21:234 أبواب العيوب و التدليس ب 15 ح 3.

لفوريّة المرافعة،كما صرّح به الشيخ (1)و جماعة (2).

و إن لم تصبر،بل رفعت أمرها إلى الحاكم،أجّلها سنة ابتداؤها من حين الترافع بلا خلاف؛ للمرويّ في قرب الإسناد عن عليّ عليه السلام:

«أنّه كان يقضي في العنّين أنّه يؤجّل سنة من يوم مرافعة المرأة» (3).

فإن عجز عنها مطلقاً و عن غيرها كذلك فلها الفسخ و نصف المهر على الأشهر الأظهر مطلقاً؛ للصحيح المتقدّم (4)،و فيه التأجيل و تنصيف المهر،و نحوه في الأول الآخر:«العنّين يتربّص به سنة،ثم إن شاءت امرأته تزوّجت،و إن شاءت أقامت» (5)مضافاً إلى الإجماعات المحكيّة في كلام جماعة (6)فيه (7).

خلافاً للإسكافي في الموضعين،فنفى التأجيل و أجاز الفسخ من دونه إذا سبق العنن العقد (8)؛ للخبرين:

في أحدهما:«إذا علم أنّه عنّين لا يأتي النساء فرّق بينهما» (9).

ص:473


1- المبسوط 4:264.
2- منهم القاضي في المهذب 2:236،و الشهيد الثاني في المسالك 1:530،العلّامة في التحرير 2:29،نهاية المرام 1:349.
3- قرب الإسناد:357/105،الوسائل 21:232 أبواب العيوب و التدليس ب 14 ح 12.
4- في ص 467.
5- التهذيب 7:1716/431،الإستبصار 3:891/249،الوسائل 21:231 أبواب العيوب و التدليس ب 14 ح 5.
6- انظر جامع المقاصد 13:266،و المسالك 1:530.
7- أي في الأول.منه رحمه الله.
8- حكاه عنه في المختلف:555.
9- الكافي 5:4/410،الفقيه 3:1707/357،التهذيب 7:1714/430،الإستبصار 3:896/250،الوسائل 21:229 أبواب العيوب و التدليس ب 14 ح 2.

و في الثاني:عن امرأة ابتلى زوجها فلا يقدر على الجماع،تفارقه؟ قال:«نعم،إن شاءت» (1).

و ليس فيهما مع قصور السند و عدم التكافؤ لما مرّ مخالفة له،إلّا من جهة الإطلاق،و اللازم حمله عليه؛ لوجوب حمل المطلق على المقيّد.مع أنّه ليس فيهما التفصيل الذي ذكر،بل الثاني ظاهر في التجدّد،المحتاج إلى التأجيل بلا خلاف.

و أوجب المهر كملاً إذا خلا بها و إن لم يدخل بها (2)؛ عملاً على أصله الغير الأصيل كما سيأتي،مع معارضته بخصوص ما مرّ من الصحيح المنصّف له،و نحوه الرضوي:«عليها أن تصبر حتى يعالج نفسه سنة،فإن صلح فهي امرأته على النكاح الأول،و إن لم يصلح فرّق بينهما و لها نصف الصداق و لا عدّة عليها منه،فإن رضيت لا يفرّق بينهما،و ليس لها خيار بعد ذلك» (3).

نعم،في المرويّ في قرب الإسناد:عن عنّين دلّس نفسه لامرأة، ما حاله؟قال:«عليه المهر و يفرّق بينهما إذا علم أنه لا يأتي النساء» (4)و هو مع قصور السند،و عدم المقاومة لما مرّ ليس فيه التقييد بالخلوة كما ذكر.

ص:474


1- الكافي 5:5/411،الوسائل 21:229 أبواب العيوب و التدليس ب 14 ح 1.
2- حكاه عنه أيضاً في المختلف:555.
3- فقه الرضا(عليه السلام):237،المستدرك 15:55 أبواب العيوب و التدليس ب 13 ح 4؛ بتفاوت يسير.
4- قرب الإسناد:983/249،الوسائل 21:232 أبواب العيوب و التدليس ب 14 ح 13.
تتمّة
اشارة

تتمّة مشتملة على أحكام التدليس و يتحقّق بأحد أمرين:

إمّا السكوت عن العيب مع العلم به.

أو دعوى صفة كمال من الزوجة أو من بحكمها للمتزوّج أو من بحكمه مع عدمها.

و المراد به هنا الثاني.و من فروعه:

ما

لو تزوّج على أنّها حرّة فبانت أمة فله الفسخ

لو تزوّج امرأة على أنّها حرّة أي شرط ذلك في متن العقد فبانت كلّاً أو بعضاً أمة صحّ العقد على الأشهر الأظهر،بل عن السرائر الإجماع عليه (1)؛ للأصل،و عموم الأمر بالوفاء بالعقد (2).

خلافاً للمبسوط و الخلاف،فأبطل (3)؛ و مستنده غير واضح،سوى لزوم الوفاء بالشرط،و يندفع بمنع العموم،و اختصاصه بغير المستحقّ،و إلّا فله الإسقاط؛ لكونه من حقوقه،فله رفع اليد عنه.

و ربما بُني البطلان على بطلان نكاح الأمة بغير إذن المولى (4).

و هو بعد تسليم المبنيّ عليه يقتضي اختصاصه بصورة عدم إذن المولى،و المفروض أعمّ منه.و مع ذلك،البطلان حينئذٍ ليس باعتبار التدليس،بل باعتبار عدم إذن المولى،و ليس ممّا نحن فيه.

ص:475


1- السرائر 2:614.
2- المائدة:1.
3- المبسوط 4:254،الخلاف 4:352.
4- المسالك 1:530.

و على الأول: فله الفسخ و إن دخل بها؛ عملاً بمقتضى الشرط، و له الإمضاء أيضاً؛ بناءً على صحّة العقد كما مضى.لكن إذا كان الزوج ممّن يجوز له نكاح الأمة،و وقع بإذن مواليها أو مباشرته،و إلّا بطل في الأول على القول به،و وقع موقوفاً على إجازته في الثاني على الأقوى كما مضى.

و لو لم يشترط الحرّية في متن العقد،بل تزوّجها على أنّها حرّة، و أخبرته بها قبله أو أخبره مخبر،ففي إلحاقه بما لو شرط نظر:

من ظهور التدليس الموجب للخيار.

و عدم الاعتبار بما تقدّم العقد من الشروط كما مضى في النصوص (1)،مع الأصل و عموم الأمر بالوفاء بالعقود.

و هذا أقوى،وفاقاً للمبسوط و المسالك (2)؛ لقوّة أدلّته،و منع كلّية (3)دليل خلافه.

خلافاً لظاهر عبارة المتن و الأكثر.

و ربما احتجّ (4)للحكم في الصورتين بالصحيح:في رجل تزوّج امرأة حرّة،فوجدها أمة قد دلّست نفسها،قال:«إن كان الذي زوّجها إيّاه من غير مواليها فالنكاح فاسد» قلت:فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال:«إن وجد ممّا أعطاها شيئاً فليأخذه،و إن لم يجد شيئاً فلا شيء له عليها،و إن كان زوّجها إيّاه وليّ لها ارتجع على وليّها بما أخذت منه،

ص:476


1- راجع ص 334.
2- المبسوط 4:254،المسالك 1:531.
3- و هي أنّ كلّ تدليس يوجب الخيار.منه رحمه الله.
4- انظر الكفاية:178،كشف اللثام 2:74 75.

و لمواليها عُشر قيمتها إن كانت بكراً،و إن كانت غير بكر فنصف عُشر قيمتها،بما استحلّ من فرجها» (1)و ليس فيه دلالة،كما صرّح به جماعة (2).

و لا مهر لها مطلقاً مع الفسخ لو لم يدخل بلا خلاف في الظاهر؛ و عُلِّل بمجيئه بشيء هو من قبلها (3).

و لو فسخ بعد ما دخل بها و كان التزويج بإذن المولى فلها المهر المسمّى على الأشبه الأشهر؛ لاستقراره بالدخول.

و قيل بالمثل (4)،و يدفعه كون الفسخ رفعاً للنكاح من حينه لا من أصله.

و يرجع به أي المهر حيث غرمه على المدلِّس بلا خلاف في الظاهر،و إن كان هو المرأة،إلّا أنّه إنّما يرجع عليها على تقدير عتقها و يسارها.

و في لزوم استثناء أقلّ ما يتموّل كما هو الأشهر أو مهر المثل كما عن الإسكافي أو العدم مطلقاً كما هو الأظهر خلافٌ قد مضى (5).

و لو كان المدلِّس مولاها،اعتبر عدم تلفّظه بما يقتضي العتق،و إلّا حكم بحريّتها ظاهراً،و صحّ العقد،و كان المهر لها مع رضاها سابقاً أو إجازتها لاحقاً.

ص:477


1- الكافي 5:1/404،التهذيب 7:1426/349،الإستبصار 3:787/216،الوسائل 21:185 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 67 ح 1.
2- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:352،و صاحب الحدائق 24:395.
3- راجع جامع المقاصد 13:260،كشف اللثام 2:74.
4- حكاه في الإيضاح 3:183،و كشف اللثام 2:74 عن ابن الجنيد.
5- في ص 462.

و قيل كما عن الصدوق و النهاية (1)و غيرهما (2):إنّ لمولاها العُشر إن لم يكن مدلِّساً للصحيح المتقدّم،و لا يخلو عن قوّة هنا و فيما إذا تزوّجها بغير إذن مولاها كما مضى.

هذا،إذا لم تكن عالمة بالتحريم،و إلّا جاء فيه الخلاف أيضاً في مهر البغيّ إذا كان مملوكاً،و الأصحّ عدم الفرق كما مضى (3).

و كذا تفسخ الحرّة لو بان زوجها الذي تزوّجته على أنّه حرّ سواء كان بالشرط في متن العقد أو قبله؛ لإطلاق الصحيح الآتي،بل عمومه- مملوكاً تزوّج بإذن مولاه.

و لا مهر لها لو فسخت قبل الدخول بها قطعاً؛ لمجيء الفسخ من قبلها.

و لها المهر المسمّى لو فسخت بعده على المولى لو تزوّج بإذنه،و إلّا فعليه،يتبع به بعد العتق.

و لا خلاف في شيء من ذلك؛ و هو الحجّة فيها،كالصحيح:عن امرأة حرّة تزوّجت مملوكاً على أنّه حرّ،فعلمت بعد أنّه مملوك،قال:«هي أملك بنفسها،إن شاءت أقرّت معه،و إن شاءت فلا،فإن كان دخل بها فلها الصداق،و إن لم يكن دخل بها فليس لها شيء،و إن هو دخل بها بعد ما علمت أنّه مملوك و أقرّت ذلك فهو أملك بها» (4).

و في الصحيح:«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة حرّة دلّس لها عبدٌ

ص:478


1- الصدوق في المقنع:104،النهاية:477.
2- انظر الحدائق 24:397،نهاية المرام 1:352.
3- راجع ص 369.
4- الكافي 5:2/410،الفقيه 3:1369/287،التهذيب 7:1707/428،الوسائل 21:224 أبواب العيوب و التدليس ب 11 ح 1.

فنكحها و لم تعلم إلّا أنّه حرّ،قال:يفرّق بينهما إن شاءت المرأة» (1).

و لو اشترط كونها بنت مَهِيرة فبانت بنت أمة،فله الفسخ

و لو تزوّج امرأة و اشترط عليها أو على وليّها كونها بنت مَهِيرة بفتح الميم و كسر الهاء،فَعِيلة بمعنى:مفعولة،أي بنت حرّة تنكح بمهر و إن كانت معتقة في أظهر الوجهين،خلاف الأمة،فإنّها قد توطأ بالملك- فبانت بنت أمة،فله الفسخ إجماعاً في الظاهر،و صرّح به بعض الأصحاب أيضاً (2)؛ عملاً بمقتضى الشرط إن فسخ،و التفاتاً إلى لزوم الوفاء بالعقد إن لم يفسخ،و أنّ الشرط حقّ من حقوقه فله رفع اليد عنه.

و تقييد الحكم بالشرط هنا مشهور بين متأخّري الأصحاب؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن.

خلافاً لأكثر متقدّميهم كالنهاية و المهذّب و السرائر و الوسيلة (3)و غيرهم (4)فأطلقوا كالسابق،و لا دليل عليه.

و لا مهر لها لو فسخ قبل الدخول بها على الزوج إجماعاً، و كذا على الوليّ إن زوّجها على الأشهر الأظهر؛ للأصل،مع انتفاء المقتضي له.

خلافاً للشيخ في النهاية،فأثبت عليه (5)المهر (6)؛ و علّله الأصحاب بالرواية،و لم نقف عليها إلّا في المسألة الثانية،فإن أُريدت هي منها فلا وجه للتعدية،و هل هو إلّا قياس فاسد عند الإماميّة،بل و عند العامّة

ص:479


1- الكافي 5:1/410،الوسائل 21:224 أبواب العيوب و التدليس ب 11 ح 2.
2- انظر الغنية(الجوامع الفقهية):611.
3- النهاية:458،المهذب 2:237،السرائر 2:614،الوسيلة:311.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):611.
5- أي على الوليّ.
6- النهاية:485.

هنا؛ لكونه مع الفارق بالضرورة.و إن أُريد غيرها فهي مرسلة غير صالحة لتخصيص الأصل البتة،سيّما مع مخالفتها الشهرة العظيمة.

و يثبت المسمّى لو فسخ بعد ما دخل بها؛ للأصل،مع استقراره بالدخول.و يرجع الزوج به على من دلّسها،أباً كان أم غيره،حتى لو كانت هي المدلِّسة،فلا شيء لها على الأقوى،و يأتي فيه القولان اللذان مضيا (1).و لا خلاف في شيء من ذلك.

و لو تزوّج بنت المَهِيرة،فأُدخلت عليه بنت الأمة حرم عليه وطؤها بعد معرفتها،و لزمه ردّها لأنّها ليست زوجته و لها مع جهلها المهر مع الوطء بها بإجماع الطائفة في الجملة للشبهة و المعتبرة المستفيضة:

منها الصحيح:عن الرجل يخطب إلى الرجل ابنته من مَهِيرة،فأتاه بغيرها،قال:«تردّ إليه التي سمّيت له بمهر آخر من عند أبيها،و المهر الأول للّتي دخل بها» (2).

و نحوه الموثّق (3)،و الصحيح المرويّ كذلك (4)عن نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى (5)،و مرسلاً عن المقنع (6)،و المرسل المرويّ عن ابن

ص:480


1- في ص 474.
2- الكافي 5:5/406،التهذيب 7:1691/423،الوسائل 21:220 أبواب العيوب و التدليس ب 8 ح 1.
3- الكافي 5:4/406،التهذيب 7:1692/423،الوسائل 21:221 أبواب العيوب و التدليس ب 8 ح 2.
4- أي صحيحاً.منه رحمه الله.
5- نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:177/80،الوسائل 21:221 أبواب العيوب و التدليس ب 8 ح 3.
6- المقنع:105،الوسائل 21:221 أبواب العيوب و التدليس ب 8 ح 2.

شهرآشوب في كتاب المناقب (1).

و مقتضاها لزوم المسمّى في عقد الأُولى للثانية،و عليه نصّ الطوسي و القاضي (2).

خلافاً للأكثر،فالمثل؛ عملاً بالقاعدة الكلّية في كلّ وطء للشبهة، و يمكن حمل المعتبرة على كون المسمّى مهر المثل لابنة الأمة،جمعاً بين الأدلّة.

و كيف كان يرجع الزوج به أي المهر الذي غرمه للثانية على من ساقها إليه لأنّه غرّه و أضرّه فعليه الغرامة و له زوجته و عليه دون الأب على الأشهر الأقوى مهرها المسمّى؛ لتعلّقه بالعقد بذمّته، فعليه تحصيل البراءة منه.

خلافاً للقاضي و الطوسي،فأبرأ ذمّته بتسليمه المسمّى إلى الثانية، و ألزما الأب به للأُولى (3)؛ عملاً بظواهر المعتبرة المتقدّمة،و يمكن إرجاعها إلى القاعدة.

ثم لا اختصاص لما مضى هنا به،بل جارٍ في كلّ موضع ادخل على الزوج غير زوجته بمقتضى القواعد الشرعيّة.

لو تزوّج اثنان فاُدخِل امرأة كلّ منهما على الآخر كان لكلّ موطوءة مهر المثل على الواطئ

و لو تزوّج اثنان امرأتين فاُدخِل امرأة كلّ منهما على الآخر،كان لكلّ موطوءة مع جهلها بالحكم أو الحال مهر المثل على الواطئ؛

ص:481


1- مناقب ابن شهرآشوب 2:376،بحار الأنوار 100:3/361،المستدرك 15:50 أبواب العيوب و التدليس ب 7 ح 1.
2- الطوسي في النهاية:485،القاضي في المهذب 2:238.
3- القاضي في المهذب 2:238،الطوسي في النهاية:485.

للشبهة الموجبة لذلك حيثما حصلت،و يرجع به على الغارّ لو كان هناك، حتى لو كانت هي الغارّ رجع به إليها،و لا مهر لها مطلقاً هنا قطعاً و اتّفاقاً حتى من مثبتي المثل أو أقلّ ما يتموّل فيما سبق (1)و ذلك لأنّها هنا بغيّ لا تستحقّ شيئاً أصلاً.

و عليها أي الموطوءة العدّة،و تعاد كلّ من المرأتين إلى زوجها،و عليه مهرها الأصلي المسمّى في متن العقد.

و لو مات أحد الزوجين ورثه الآخر،سواء كانت المرأة في عدّة الشبهة أم لا.بلا خلاف في شيء من ذلك؛ للأُصول،و الصحيح:في أُختين أُهديتا لأخوين،فأُدخلت امرأة هذا على هذا،و امرأة هذا على هذا،قال:«لكلّ واحدة منهما الصداق بالغشيان،و إن كان وليّهما تعمّد ذلك أغرم الصداق، و لا يقرب واحد منهما امرأته حتى تنقضي العدّة،فإذا انقضى العدّة صارت كلّ امرأة منهما إلى زوجها بالنكاح الأول» قيل له:فإن ماتتا قبل انقضاء العدّة؟قال:«يرجع الرجل بنصف الصداق على ورثتهما و يرثانهما الرجلان» قيل:فإن مات الزوجان و هما في العدّة؟قال:«ترثانهما،و لهما نصف المهر،و عليهما العدّة بعد ما تفرغان من العدّة الأُولى،تعتدّان عدّة المتوفّى عنها زوجها» (2).

ص:482


1- راجع ص 462.
2- الكافي 5:11/407،الفقيه 3:1269/267،التهذيب 7:1730/434،المقنع:105،الوسائل 20:513 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 49 ح 2؛ بتفاوت يسير.

و لا بأس باشتماله على تنصيف المهر بالموت؛ إمّا للقول به كما يأتي (1)،أو لعدم خروج الخبر عن الحجّية بمثله بعد سلامة باقية عن مثله على الأشهر الأقوى،كما حُقّق في الأُصول مستقصى.

و يعضده في الجملة الصحيح:عن رجلين نكحا امرأتين،فأتى هذا بامرأة هذا،و هذا بامرأة هذا،قال:«تعتدّ هذه من هذا،و هذه من هذا،ثم ترجع كلّ واحدة إلى زوجها» (2).

لو تزوّجها بكراً فوجدها ثيّباً فلا ردّ

و لو تزوّجها ظانّاً كونها بكراً أو مخبراً به،أو مشترطاً إيّاه فوجدها ثيّباً مع عدم العلم بسبقها العقد و احتمال التجدّد فلا ردّ قطعاً،و وفاقاً للأصل،و ظاهر الصحيح:في الرجل يتزوّج المرأة على أنّها بكر فيجدها ثيّباً،أ يجوز له أن يقيم عليها؟قال:فقال:«قد تفتق البكر من المركب و من النزوة» (3)فتأمّل جدّاً.

و لو تزوّجها مشترطاً بكارتها،فوجدها ثيّباً قبل العقد بإقرارها،أو البيّنة،أو القرائن المفيدة للقطع به،فالأصحّ وفاقاً لأكثر المتأخّرين أنّ له الفسخ؛ عملاً بمقتضى الشرط اللازم الوفاء به.

خلافاً للمحكيّ عن الأكثر،فلا فسخ (4)؛ للأصل.و يندفع بما مرّ.

ثم إنّ فسخ قبل الدخول فلا مهر لها؛ لما مرّ،و بعده يجب المسمّى،

ص:483


1- في أحكام المهر.
2- التهذيب 7:1724/432،الوسائل 21:222 أبواب العيوب و التدليس ب 9 ح 2.
3- الكافي 5:1/413،التهذيب 7:1705/428،الوسائل 21:223 أبواب العيوب و التدليس ب 10 ح 1.
4- كشف اللثام 2:75.

و يرجع به على المدلِّس،و هو العاقد كذلك العالم بحالها،و إلّا فعليها إن دلّست،من دون استثناء شيء،أو استثناء مهر المثل،أو أقلّ ما يتموّل، كما قيل في نظائره (1).

و حيث لم يفسخ إمّا لعدمه،أو لاختياره البقاء ففي ثبوت نقص المهر،أو العدم،قولان،الأشهر الأظهر:الأول و ذلك لما في رواية صحيحة:أنّها ينقص مهرها (2) و عن القاضي و الحلبي:الثاني (3)؛ للأصل.و يجب الخروج عنه بما مرّ.

و على الأول،ففي تقديره خلاف بين الأصحاب:

فبين مطلِق«شيئاً» و لم يعيِّن؛ تبعاً لإطلاق النصّ،كما عن الطوسي (4).

و مقدِّر له،إمّا بالسدس؛ بناءً على أنّ«الشيء» سدس في الوصيّة به، كما عن الراوندي (5).

أو بنسبة ما بين مهر البكر و الثيّب،لا مجموع تفاوت ما بينهما؛ لئلّا يسقط جميع المسمّى في بعض المفروض،كما عن الحلّي (6)و جماعة (7).

ص:484


1- راجع ص 426.
2- الكافي 5:2/413،التهذيب 7:1472/363،الوسائل 21:223 أبواب العيوب و التدليس ب 10 ح 2.
3- القاضي في المهذب 2:213،الحلبي في الكافي:296.
4- النهاية:475.
5- حكاه عن كتابه«شرح مشكل النهاية» في جامع المقاصد 13:304.
6- حكاه عنه في المختلف:546.
7- منهم المحقق في الشرائع 2:322،و العلّامة في التحرير 2:30،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:75.

أو بما يعيّنه الحاكم،كما نسب إلى الماتن (1)،و استقربه من المتأخّرين جماعة (2).

و لعلّ الثالث أقرب،فتدبّر.

و أمّا الثاني،فغلّطه الماتن في الشرائع (3)،و هو في محلّه؛ لأنّه قياس على ما لا يطّرد،مع أنّ الشيء من كلام الشيخ رحمه الله قطعاً للإبهام،تبعاً للرواية المتضمّنة للنقص المطلق.

ص:485


1- نسبه إليه في المهذب البارع 3:380،و هو في نكت النهاية 2:362.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك:532،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 13:305،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:358.
3- الشرائع 2:322.

المجلد 12

اشارة

سرشناسه:طباطبائی کربلائی، علی بن محمدعلی، 1161 - 1231ق.

عنوان و نام پديدآور:ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل/ تالیف محمدعلی الطباطبایی؛ تحقیق موسسه آل البیت(ع) لاحیاءالتراث.

مشخصات نشر:قم: موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاءالثرات، 1418ق.-= 1376-

مشخصات ظاهری:16 ج.: نمونه.

فروست:موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

شابک: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری

يادداشت:عربی.

يادداشت:کتاب حاضر شرحی بر مختصرالنافع محقق حلی است.

يادداشت:ج.9 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت:ج. 11 - 13 (چاپ؟: 1421ق. = 1379).

يادداشت:ج. 15و 16 (چاپ؟: 1422ق. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:محقق حلی، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 7ق.

شناسه افزوده:محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

شناسه افزوده:موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاء الثرات

رده بندی کنگره:BP182/م3م30216 1376

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

تتمة كتاب النكاح

النظر الثاني في المهور

اشارة

النظر الثاني في المهور و فيه أطراف

الأول فيه فروع
كلّ ما يملكه المسلم يكون مهراً

الأول :فيما يصحّ الإمهار به.

فنقول: كلّ ما صحّ أن يملكه المسلم و إن قلّ بعد أن يكون متموّلاً جاز أن يكون مهراً،عيناً مشخّصاً كان،أو ديناً في الذمّة أو منفعة منفعة العقار،أو الحيوان،أو العبيد،أو الأجير،أجنبيّا كان أو زوجاً،بلا خلاف،إلّا فيما يأتي كتعليم الصنعة و السورة أو علم غير واجب،أو شيء من الحكم و الآداب،أو شعر،أو غيرها من الأعمال المحلّلة المقصودة.

و يستوي فيه أي التعليم الزوج و الأجنبي بلا خلاف في الأخير مطلقاً،و في الأول إذا لم يكن مراداً منه بنفسه مقدّراً بمدّة معيّنة،بل علّق بذمّته،أعمّ من أن يأتيه بنفسه أو بغيره،فيصحّ هنا قطعاً و وفاقاً،و قد

ص:5

حكاه جماعة (1).

أمّا لو جعلت الزوجة المهر استئجار الزوج لأن يعلّم أو يعمل هو بنفسه لها أو لوليّها مدّة معيّنة،كشهر أو شهرين أو سنة ف في الصحّة قولان،أشبههما و أشهرهما:الصحّة و الجواز للأصل،و عموم الآية لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ [1] (2)،و المعتبرة المستفيضة ب:أنّ المهر ما تراضيا عليه،منها الصحاح:« الصداق ما تراضيا عليه من قليل أو كثير» (3).

خلافاً للنهاية،فأبطله (4)؛ للصحيح:عن الرجل يتزوّج المرأة و شرط لأبيها إجارة شهرين،فقال:« إنّ موسى عليه السلام علم أنّه سيتمّ له شرطه،فكيف لهذا بأن يعلم بأنّه سيبقى حتى يفي؟!و قد كان الرجل على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتزوّج المرأة على السورة،و على الدرهم،و على القبضة من الحنطة» (5).

و ليس نصّاً في البطلان،فيحتمل الكراهة،مع عدم مكافأته لما مرّ، و أداء العمل به إلى فساد الإصداق بنحو تعليم سورة أو إجارة غيره؛ للاشتراك في العلّة المنصوصة فيه،مع أنّه تضمّن جواز جعل الأول مهراً، مع الإجماع عليه،و دلالة المعتبرة عليه

ص:6


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:534،نهاية المرام 1:362،انظر جامع المقاصد 13:334،الشرائع 2:272.
2- النساء:24.
3- الوسائل 21:239 أبواب المهور ب 1.
4- النهاية:469.
5- الكافي 5:1/414،التهذيب 7:1483/366،الوسائل 21:280 أبواب المهور ب 22 ح 1؛ بتفاوت يسير.

كالصحيح المتضمّن لتزويج النبيّ صلى الله عليه و آله امرأة من رجل على أن يعلّمها ما يحسن من القرآن (1).

و نحوه المعتبر بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده -:عن رجل تزوّج امرأة على أن يعلّمها سورة من كتاب اللّه عزّ و جلّ،فقال:

« لا أُحبّ أن يدخل بها حتى يعلّمها السورة» (2).

و بالجملة:فمثل هذه الرواية كيف يعارض ما مرّ من الأدلّة؟!مع اعتضادها بالأصل،و عموم الآية الكريمة،و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة،فقد رجع عنه الشيخ في المبسوط و الخلاف مدّعياً فيه على جواز جعل الإجارة مهراً على الإطلاق الوفاق (3).

لا تقدير للمهر في القلّة و لا في الكثرة و لا بد من تعيينه

و لا تقدير للمهر في القلّة ما لم يقصر عن التقويم كحبّة حنطة بإجماع الطائفة،و عموم الآية،و المعتبرة المستفيضة المتقدّمة،و خصوص الرواية السابقة المنبئة عن تزويج المرأة في زمنه صلى الله عليه و آله بالقبضة من الحنطة.

و لا في الكثرة على الأشبه،بل يتقدّر بالتراضي بينهما،و هو الأشهر بين الطائفة،بل كاد أن يكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة،و ربما أشعر بحكايته عبارة العلّامة (4)،و حكي صريحاً عن بعض الأجلّة (5).

ص:7


1- الكافي 5:5/380،التهذيب 7:1444/354،الوسائل 21:242 أبواب المهور ب 2 ح 1.
2- الكافي 5:4/380،التهذيب 7:1487/367،الوسائل 21:254 أبواب المهور ب 7 ح 2.
3- المبسوط 4:273،الخلاف 4:366.
4- في المختلف(541).منه رحمه الله.
5- انظر التنقيح الرائع 3:208 209.

للأصل،و ما مضى من الأدلّة،و خصوص الآية الشريفة وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً [1] (1)،و هو المال العظيم،و في القاموس:القِنطار بالكسر:

وزن أربعين أُوقيّة من ذهب أو فضة،أو ألف[و مائتا]دينار،أو ألف و مائتا أُوقيّة،أو سبعون ألف دينار،أو ثمانون ألف درهم،أو مائة رطل من ذهب أو فضّة،أو ملء مسْك ثور ذهباً أو فضّة (2).

و الصحيح:« لو أنّ رجلاً تزوّج امرأة و جعل مهرها عشرين ألفاً و لأبيها عشرة آلاف،كان المهر جائزاً،و الذي جعله لأبيها فاسداً» (3).

و حكى الشيخ في المبسوط:أنّ الحسن بن عليّ عليهما السلام أصدق امرأة مائة جارية مع كلّ جارية ألف درهم،و أن عمر أصدق بنت أمير المؤمنين عليه السلام أربعين ألف درهم،و ذكر أنّ جماعة من الصحابة و التابعين أصدقوا نحو ذلك (4).

و منع المرتضى رضى الله عنه الزيادة على مهر السنّة (5)،و هو خمسمائة درهم كما في النصوص المستفيضة (6)؛ محتجّاً بإجماع الفرقة،و به رواية ضعيفة لا تصلح للحجّية (7)،سيّما في مقابلة ما مضى من الأدلّة.و الإجماع بمصير الأكثر بل الجميع إلى الخلاف موهون،و مع ذلك معارض بمثله،

ص:8


1- النساء:20.
2- القاموس 2:127،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- الكافي 5:1/384،التهذيب 7:1465/361،الإستبصار 3:811/224،الوسائل 21:263 أبواب المهور ب 9 ح 1.
4- المبسوط 4:272.
5- الانتصار:124.
6- الوسائل 21:244 أبواب المهور ب 4.
7- التهذيب 7:1464/361،الإستبصار 3:810/224،الوسائل 21:261 أبواب المهور ب 8 ح 14.

بل و أقوى كما لا يخفى،و جميع التفاسير للقنطار ترد عليه،و الخبر الصحيح حجّة بيّنة،مضافاً إلى عموم الآيات و المعتبرة المستفيضة.و دفعه على أصله (1)من عدم صيغة تخصّه كما في المسالك (2)غريب؛ لاختصاصه كما صرّح به بما عدا الشرع،و إلّا فقد صرّح بخلافه و وجود صيغة تخصّه فيه (3).

و بالجملة:فهو ضعيف جدّاً.

نعم،يستحبّ الاقتصار عليه؛ لذلك،و لإصداق النبيّ صلى الله عليه و آله به لأزواجه جُمع (4).

و لو احتيط مع إرادة الزيادة بجعل الصداق السنّة و ما زاد نحلة كان حسناً؛ تأسّياً بمولانا الجواد عليه السلام،حيث فعل ذلك بابنة المأمون،قال:

« و بذلت لها من الصداق ما بذله رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأزواجه،و هو اثنتا عشرة أُوقيّة و نَشّ،على تمام الخمسمائة،و قد نحلتها من مالي مائة ألف» (5).

و لا بُدّ من تعيينه إذا ذُكِر من متن العقد؛ ليخرج عن الجهالة الموجبة للغرر و الضرر المنهيّ عنهما في الشريعة.

و يتحقّق بالوصف المعيِّن له و لو في الجملة،و لا يعتبر فيه استقصاء الأوصاف المعتبرة في السَّلم.

أو بالإشارة ك:هذا الثوب،و هذه الدابّة،مثلاً.

ص:9


1- أي المرتضى.منه رحمه الله.
2- المسالك 1:535.
3- الذريعة إلى أُصول الشريعة 1:239.
4- انظر الوسائل 21:244 أبواب المهور ب 4.
5- مكارم الأخلاق:205،البحار 100:22/271،المستدرك 15:63 أبواب المهور ب 4 ح 4،بتفاوت يسير.

و تكفي فيه المشاهدة عن اعتبار كيله أو وزنه أو عدّه، كقطعة من ذهب مشاهدة لا يعلم وزنها،و قبّة من طعام لا يعلم كيلها؛ لارتفاع معظم الغرر بذلك،و اغتفار الباقي في النكاح؛ لأنّه ليس معاوضة محضة بحيث ينافيه ما زاد منه،كما قطع به الأصحاب.و عضده الأصل، و عموم الكتاب و السنّة المتقدّمة،سيّما الصحيح المتقدّم،المتضمّن لتزويجه صلى الله عليه و آله المرأة من الرجل بما يحسن من القرآن مع جهالته قطعاً (1)، و المتضمّن لإمهار النسوة في زمانه صلى الله عليه و آله بقبضة من حنطة مع جهالتها (2)؛ مضافاً إلى فحوى النصوص الدالّة بالاكتفاء بمثلها في عقد المتعة (3)مع اشتراطه في صحّته إجماعاً،فالاكتفاء بها هنا أولى؛ لعدم الاشتراط فيه قطعاً،فتأمّل جدّاً.

و يشكل الحكم لو تلف قبل التسليم أو بعده و قد طلّقها قبل الدخول ليرجع بنصفه.

و في الرجوع إلى الصلح مطلقاً،أو تضمينه مهر المثل في الأول، قولان.

الأشهر الأظهر:الأول.

و ضُعِّف الثاني بأنّ ضمان المهر عندنا ضمان يد،لا ضمان معاوضة، و من ثم كان التلف قبل القبض يوجب الرجوع إلى القيمة.نعم،هو مذهب بعض العامّة (4).

و يدفعه أيضاً أصالة البراءة لو علم زيادته عن المسمّى،

ص:10


1- راجع ص 6.
2- راجع ص 6.
3- انظر الوسائل 21:أبواب المتعة ب 21 ح 2،5.
4- انظر المسالك 1:536،نهاية المرام 1:367.

و الاستصحاب لو علم نقصه عنه،فتأمّل.

و حيث قد عرفت اشتراط صحّة المهر بالتعيين و لو في الجملة، تعيّن فساده مع عدمه بالمرّة و الرجوع إلى مهر المثل،بلا خلاف فيه كما حكي (1)،و مقتضاه اطّراد الحكم فيما لو تزوّجها على خادم و الحال أنّه لم يعيّن أصلاً،و عليه فتوى جماعة من المتأخّرين (2).

عملاً بالأصل.و لا دليل على كلّيته سوى الإجماع و ليس في محلّ النزاع و النهي عن الغرر المخصَّص في المقام بالإجماع،و بالدليل الذي مرّ،و مقتضاه الاكتفاء بما تراضيا عليه كائناً ما كان،خرج عنه ما لم يعيَّن أصلاً بالاتّفاق،و بقي الباقي.

و استضعافاً لأدلّة الخلاف.و سيأتي الجواب عنه.

و الأصحّ وفاقاً لأكثر القدماء،كالمبسوط و الخلاف و الغنية و المهذّب و الجامع (3)،و بعض من تأخّر،كالعلّامة في الإرشاد (4)ما اختاره الماتن هنا بقوله:

فلها الوسط،و كذا لو قال:دار،أو:بيت للأصل،و ضعف دليل الخلاف،و خصوص المعتبرة:

منها الخبر المعتبر بوجود ابن أبي عمير في سنده،فلا يضرّه ضعف

ص:11


1- المسالك 1:536،و قد حكاه عنه في الحدائق 24:438.
2- كفخر المحققين في الإيضاح 3:195،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:210،و الشهيد الثاني في المسالك 1:536،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:368.
3- المبسوط 4:290،الخلاف 4:191،الغنية(الجوامع الفقهية):610،المهذب 2:206،الجامع للشرائع:441.
4- الإرشاد 2:15.

راويه-:رجل تزوّج امرأة على خادم،قال:فقال لي:« وسط من الخدم»، قال:قلت:على بيت؟قال:« وسط من البيوت» (1)،و نحوه خبر آخر (2).

و المرسل كالصحيح على الأشهر الصحيح في الدار خاصّة (3).

و هي مع اعتبار سند أكثرها معتضدة بالشهرة القديمة المدّعى عليها الإجماع كما عن الخلاف (4)،المؤيّدة بما مرّ من الأدلّة،فلا وجه للقدح فيها من حيث السند.

كما لا وجه له فيها من حيث المتن باعتبار جهالة الوسط من حيث تعدّد أفراده؛ بناءً على ما عرفت من المنع عن إطلاق ضررها،مع استفاضة النصوص المعاضدة بعموم الكتاب بعدمه؛ مع أنّ هذه الجهالة قريبة من الجهالة بمقدار الصبرة المشاهدة،بل نحوها،مع اتّفاقهم على عدم ضررها.

و الأحوط المصير إلى ما ذكروه إن لم يُعقَد بمثل ذلك بأن يعيّن القيمة،و الرجوع إلى الصلح معه إن لم يحصل التراضي إلّا به.

و لو قال: أتزوّجك على السنّة مكتفياً به كان المهر خمسمائة درهم قطعاً لو قصداها عالمين بها،و مطلقاً على الأشهر الأظهر.

للخبر المعتبر بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده، فلا يضرّ جهالة راويه،مع اعتضاده بالشهرة العظيمة التي كادت تكون

ص:12


1- الكافي 5:7/381،التهذيب 7:1485/366،الوسائل 21:283 أبواب المهور ب 25 ح 2؛ بتفاوت يسير.
2- الكافي 5:8/381،الوسائل 21:283 أبواب المهور ب 25 ح 1.
3- التهذيب 7:1520/375،الوسائل 21:284 أبواب المهور ب 25 ح 3.
4- الخلاف 4:371.

إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة كما في الروضة (1)و عن غيره من الأجلّة (2)،و فيه:قلت له:رجل يتزوّج امرأة و لم يسمّ لها مهراً،و كان في الكلام:

أتزوّجك على كتاب اللّه و سنّه نبيّه صلى الله عليه و آله،فمات عنها أو أراد أن يدخل بها، فمالها من المهر؟قال:« مهر السنّة» قال:قلت:يقولون أهلها:مهور نسائها؟قال:فقال:« هو مهر السنّة» و كلّما قلت له شيئاً،قال:« مهر السنّة» (3).

و بهما يندفع الإشكال مع جهل الزوجين أو أحدهما بما جرت به السنّة منه،أو مع علمهما و عدم قصدهما إيّاه،و بقبوله الغرر في الجملة كما تقرّر و مرّ،فلا وجه لتوقّف بعض من تأخّر (4).

ثم مقتضى الحكم و المستند:ثبوت المهر بالعقد،كالمعيّن بالذكر فيه لا بالدخول كمهر السنّة الثابت به للمفوّضة على بعض الوجوه؛ و يدلّ عليه إثباته بالموت قبل الدخول،كما يظهر من الرواية.

و لو تزوّجها و سمّى لها مهراً معيّناً و لأبيها أو غيره واسطة أو أجنبيّ شيئاً خارجاً عنه،بحيث يكون المجموع في مقابلة البضع،لا عطيّة في البعض أو جعالة فيه؛ للّزوم في الثاني دون الأول قطعاً فيهما،و يعتبر فيه أيضاً الذكر بالتسمية خاصّة لا الاشتراط،و حينئذٍ لزم مهرها و سقط ما سمّى له إجماعاً كما عن الخلاف في الأول (5)،و الغنية

ص:13


1- الروضة 4:346.
2- انظر الحدائق 24:442،و هو في جامع المقاصد 13:344.
3- التهذيب 7:1470/363،الإستبصار 3:816/225،الوسائل 21:270 أبواب المهور ب 13 ح 1.
4- كالشهيد الثاني في المسالك 1:536،542.
5- الخلاف 4:387 388.

في الثاني (1).

و للصحيح:« لو أنّ رجلاً تزوّج امرأة و جعل مهرها عشرين ألفاً، و جعل لأبيها عشرة آلاف،كان المهر جائزاً،و الذي جعله لأبيها فاسداً» (2).

و يعضد السقوط:أنّ الساقط ليس من أركان النكاح و لا من العوض المعتبر فيه،فكان لغواً لا دليل على لزومه،سوى ذكره في العقد،و هو غير صالح له.

و نسبة الخلاف إلى الإسكافي هنا (3)بناءً على حكمه بالاحتياط بالوفاء بالمجعول للمجعول له ليس في محلّه؛ لظهور الاحتياط في الاستحباب،مع احتمال إرادته الجعالة بالمعنى المعروف،و ليس من محلّ الفرض في شيء؛ لتصويره في لزوم المجعول للمجعول له بمجرّد العقد لا بغيره،و الاحتمال ينافيه.

ثم إنّ إطلاق النصّ و الفتاوي يقتضي عدم الفرق بين أن يتسبّب تسمية الشيء للأب لتقليل المهر بزعمها لزومه بذكره في العقد،أم لا.و ربما يستشكل في الأول،و هو حسن،لولا النصّ الصحيح المعتضد بما مرّ.

و لو جُعِل المسمّى للأب جزءاً من المهر كأن أمهرها شيئاً،و شرط أن يعطي أباها منه شيئاً لزم الشرط لو كان على اختيار من دون شائبة إكراه و إجبار،وفاقاً للإسكافي و الإرشاد و الشهيد في النكت و شارح الكتاب (4)،

ص:14


1- الغنية(الجوامع الفقهية):610.
2- الكافي 5:1/384،التهذيب 7:1465/361،الإستبصار 3:811/224،الوسائل 21:263 أبواب المهور ب 9 ح 1.
3- حكاه عنه في التنقيح الرائع 3:211.
4- حكاه عن الإسكافي في التنقيح الرائع 3:211،انظر الإرشاد 2:15،حكاه عن الشهيد في جامع المقاصد 13:397،شارح الكتاب في نهاية المرام 1:369.

فإنّه شرط سائغ في عقد لازم،فيلزم؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد (1)و بالشرط (2)مع خروجه عن النصّ.

و يعضده النبويّ (3)و المرتضويّ (4):« أحقّ الشروط ما نكحت به الفروج» .خلافاً للأكثر،فيصحّ المهر و يفسد الشرط خاصّة أيضاً كالسابق، و لا دليل عليه،و على تقديره معارَضٌ بما مرّ.

و على المختار:ارتجع بنصف المجموع بالطلاق،حتى نصف مأخوذ الأب.

و لو عقد الذمّيان أو غيرهما من الكفّار و إنّما خصّ بهما تبعاً للنصّ- على ما لا يملك في شرعنا،ك خمر أو خنزير،صحّ العقد و المهر بلا خلاف؛ لأنّهما يملكانه في شرعهما.

و لو أسلما أو أحدهما قبل القبض،فلها على الأشهر الأظهر القيمة عند مستحلّيه؛ لخروجه عن ملك المسلم عيناً كان أو مضموناً لأنّ المسمّى لم يفسد.و لهذا،لو كان قد أقبضها إيّاه قبل الإسلام برئ،و إنّما تعذّر الحكم به لمانع الإسلام،فوجب المصير إلى قيمته؛ لأنّها أقرب شيء إليه،كما لو جرى العقد على عين و تعذّر

ص:15


1- المائدة:1.
2- التهذيب 7:1503/371،الإستبصار 3:835/232،الوسائل 21:276 أبواب المهور ب 20 ح 4.
3- مسند أحمد 4:144،سنن أبي داود 2:2139/244،سنن الترمذي 2:1137/298،سنن البيهقي 7:248؛ بتفاوت يسير.
4- الفقيه 3:1201/252،الوسائل 21:267 أبواب المهور ب 11 ح 7؛ بتفاوت يسير.

تسليمها،و مثله:ما لو جعلا ثمناً لمبيع،أو عوضاً لصلح،أو غيرهما.

هذا،مضافاً إلى النصّ:النصراني يتزوّج النصرانيّة على ثلاثين دَنّاً من خمر و ثلاثين خنزيراً،ثم أسلما بعد ذلك و لم يكن دخل بها،قال:« ينظر كم قيمة الخمر و كم قيمة الخنزير،فيرسل بها إليها،ثم يدخل عليها و هما على نكاحهما الأول» (1).

و قيل (2):يجب مهر المثل؛ تنزيلاً لتعذّر تسليم العين منزلة الفساد.

و فيه:منع كما مرّ.

و لأنّ وجوب القيمة فرع وجوب دفع العين مع الإمكان،و هو هنا ممكن،و إنّما عرض عدم صلاحيّته للتملّك لهما.

و يضعّف بأنّ التعذّر الشرعي منزَّل منزلة الحسّي أو أقوى،هذا و مهر المثل قد يكون أزيد من المسمّى،فهي تعترف بعدم استحقاق الزائد،أو أنقص،فيعترف هو باستحقاق الزائد،و حيث لم يقع المسمّى فاسداً فكيف يرجع إلى غيره بعد استقراره؟! و ربما يستدلّ له بالخبر:« إذا أسلما حرم عليه أن يدفع إليها شيئاً من ذلك» أي الخمر و الخنزير الممهورة بهما« و لكن يعطيها صداقاً» (3).

و ليس نصّاً في المطلوب،فيحتمل القيمة،و على تقديره فلا يعارض ما مرّ،مع ضعف سنده و عدم مجبوريّته.

ص:16


1- الفقيه 3:1383/291،الوسائل 21:243 أبواب المهور ب 3 ح 2؛ بتفاوت يسير.و الدَّنّ:كهيئة الحُبّ إلّا أنّه أطول منه و أوسع رأساً،و الجمع دِنان.المصباح المنير:201.
2- انظر الروضة البهية 5:343.
3- الكافي 5:5/436،و ورد في التهذيب 7:1447/355،و الوسائل 21:243 أبواب المهور ب 3 ح 1؛ بتفاوت.

و لو كان الإسلام بعد قبض بعضه،سقط بقدر المقبوض،و وجب قيمة الباقي.و على الثاني (1):يجب بنسبته من مهر المثل.

و في ذكر المضمون في العبارة ردّ على بعض العامّة،حيث فرّق بينهما،و حكم في العين أنّها لا تستحقّ غيره،دون المضمون،فإنّها تستحقّ معه مهر المثل (2).و هو مقطوع بفساده.

لا يجوز عقد المسلم على الخمر

و لا يجوز عقد المسلم على الخمر و نحوها ممّا لا يملك إجماعاً، و لو عقد عليها فسد المهر إجماعاً و صحّ العقد على الأصحّ الأشهر،كما عن الإسكافي و الطوسي و الحلّي و ابن زهرة العلوي و ابن حمزة و العلّامة و ابن المفلح الصيمري و الشهيد (3)و أكثر المتأخّرين (4)،بل نفى عنه الخلاف في الغنية إلّا عن مالك و بعض الأصحاب (5).

لدخوله في عموم ما دلّ على وجوب الوفاء به (6).

و لا مخرج عنه سوى اشتراطه بالتراضي المفقود هنا؛ بناءً على وقوعه على الباطل المستلزم لعدمه بدونه.

و فيه:أنّ الشرط حصوله،و قد وُجِد،فثبت الصحّة المشروطة به،

ص:17


1- أي القول.منه رحمه الله.
2- الشرح الكبير 7:591.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:541،الطوسي في المبسوط 4:272،الحلّي في السرائر 2:577،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):610،ابن حمزة في الوسيلة:296،العلّامة في التحرير 2:31،و القواعد 2:37،الشهيد في المسالك 1:534.
4- التنقيح الرائع 3:213،جامع المقاصد 13:373،كشف اللثام 2:80.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):610.
6- المائدة:1.

و بطلان المتعلّق غير ملازم لبطلانه (1)أوّلاً،فقد يكون الرضاء بالتزويج باقياً بعد المعرفة ببطلان المرضيّ به،و على تقديره فاللّازم منه ارتفاع الرضاء من حين المعرفة بالبطلان و عدمُ البقاء،و ليس شرطاً في الصحّة،بل الوجود،و قد حصل.

و دعوى استلزام بطلان المرضيّ به بطلان أصل الرضاء و عدم حصوله (2)،فاسدةٌ بالضرورة.

هذا،و يدلّ عليه فحوى ما دلّ على صحّة العقد المشتمل على الشروط الفاسدة (3)؛ لدلالتها على توقّف حصول الرضاء عليها،و انتفائه حين العقد عند انتفائها،فالصحّة فيه مستلزم لثبوتها هنا بطريق أولى كما لا يخفى؛ لعدم التصريح فيه بعدم الرضاء مع انتفاء المرضيّ به جدّاً.

و ممّا ذكر ظهر ضعف القول بالبطلان و دليله كما يأتي،و لكن الاحتياط لا يترك.

و على المختار،فهل لها مع الدخول بها مهر المثل مطلقاً كان للمسمّى قيمة أم لا؟كما في الشرائع و الإرشاد و التحرير و التلخيص و التبصرة و عن السرائر و الجامع و الوسيلة و موضع من الخلاف (4).

أو القيمة كذلك (5)،و لكن يقدّر ما لا قيمة له ذا قيمة،كالحرّ عبداً؟

ص:18


1- أي الرضاء.منه رحمه الله.
2- انظر نهاية المرام 1:371،المهذب البارع 3:390.
3- انظر الوسائل 21:275 أبواب المهور ب 20.
4- الشرائع 2:324،الإرشاد 2:14،التحرير 2:31،التلخيص(الينابيع الفقهية 38):479،التبصرة:141،السرائر 2:577،الجامع للشرائع:441،الوسيلة:296،الخلاف 4:363.
5- أي مطلقاً.منه رحمه الله.

كما عن المبسوط (1).

أو فيما له قيمة كالخمر،و أمّا ما لا قيمة له فالأول (2)؟كما عن بعض الأصحاب (3).

أقوال،أشهرها و أظهرها:الأول؛ لبطلان المسمّى بعدم الصلاحيّة للصداق بالضرورة،فيخلو العقد عنه،فتلحق بمفوّضة البضع،و لها مع الدخول مهر المثل؛ لأنّه عوض البضع حيث لا تسمية.

و لها المتعة لو طُلِّقت قبله،على قول حكاه في الروضة (4).

و أطلق العلّامة في جملة من كتبه ثبوت المثل و لو قبل الدخول (5)؛ و وُجِّه بوقوع العقد بالعوض فلا تفويض،و حيث تعذّر انتقل إلى البدل، و هو المثل (6).

و يضعّف بأنّ هذا العوض كالعدم،مع أنّ المثل إنّما يثبت بدليّته عن الوطء لا عن المهر الفاسد.

و أمّا احتجاج الثاني بأنّ قيمة المسمّى أقرب إليه عند التعذّر،و أنّهما عقدا على شخص باعتبار ماليّته،فمع تعذّره يجب المصير إلى الماليّة.

فضعيف؛ لأنّ الانتقال إلى القيمة فرع صحّة العقد على ذي القيمة؛ لأنّ القيمة لم يقع التراضي عليها،و تقدير الماليّة هنا ممتنع شرعاً،فيجب أن تُلغى كما الغي التعيين.

ص:19


1- المبسوط 4:290.
2- أي مهر المثل.منه رحمه الله.
3- كالشهيد الثاني في المسالك 1:535،و السبزواري في الكفاية:179.
4- الروضة 5:347.
5- انظر التحرير 2:31،و القواعد 2:36.
6- انظر المهذب البارع 3:390.

و لا ثمرة بعد الدخول مع توافق المثل و القيمة،و مع التخالف يرجع إلى الاحتياط.و لو قيل بالرجوع إلى الأقلّ كان وجهاً إن لم يكن إحداث قول؛ تمسّكاً بالأصل،مع عدم الدليل على الزائد؛ لفقد النصّ،و انتفاء الإجماع في محلّ النزاع.لكن اشتغال الذمّة بالمهر قطعاً يقتضي المصير إلى مراعاة الأكثر؛ تحصيلاً للبراءة القطعيّة،و كيف كان فهو أحوط.

و يأتي على القول بالقيمة مطلقاً أو في الجملة لزوم النصف مع الطلاق قبل الدخول،و يدفعه الأصل،لكن اللازم منه ثبوت المتعة،فليس مثله بحجّة.و لو قيل بأقلّ الأمرين كان وجهاً،فتأمّل جدّاً.

و قيل كما عن الشيخين و القاضي و التقي (1)-: يبطل العقد من أصله؛ استناداً إلى ما أجبنا عنه،و التفاتاً إلى أنّه عقد معاوضة،فيفسد بفساد العوض،و هو إعادة للمدّعى يدفعه الإجماع على عدم كونه كعقود المعاوضات المحضة المقصود بها مجرّد المعاوضة؛ و لذا صحّ مع عدم ذكر المهر في متنه،بل مع اشتراط عدمه فيه.

ثم إنّ هذا إذا علماه خمراً مثلاً.

و أمّا إذا عقدا عليه ظانّين حلّيته،صحّ العقد قولاً واحداً،كما يظهر منهم،و فيه تأييد لما قلناه؛ لاتّحاد طريق المسألتين.

و في ثبوت المثل مطلقاً،أو مع الدخول،أو عدمه و لزوم مثل الخمر من الخلّ،أو القيمة مطلقاً،أقوال،و الأشهر:الأول،كما مضى.

ص:20


1- المفيد في المقنعة:508،الطوسي في النهاية:469،القاضي في المهذب 2:200،التقي في الكافي في الفقه:293.
الطرف الثاني التفويض
اشارة

الطرف الثاني في التفويض و هو لغةً:ردّ الأمر إلى الغير ثم الإهمال.

و شرعاً:ردّ أمر المهر أو البضع إلى أحد الزوجين أو ثالث،أو إهمال ذكره في العقد.فهو قسمان:

الأول:ما أشار إليه الماتن بقوله:

لا يشترط في الصحّة ذكر المهر

و لا يشترط في الصحّة ذكر المهر،فلو عقد و أغفله،أو شرط أن لا مهر لها في الحال أو مطلقاً فالعقد صحيح بلا خلاف،بل إجماعاً،حكاه جماعة (1).

و يسمّى بتفويض البضع،و المرأة مفوّضة البضع،بكسر الواو و فتحها.

أمّا لو صرّح بنفيه في الحال و المآل على وجه يشمل ما بعد الدخول فسد العقد على الأشهر؛ لمنافاته مقتضاه،و هو وجوب المهر في الجملة.

و فيه منافاة لما ذكروه كما يأتي من عدم فساد العقد بفساد الشرط المخالف لمقتضى العقد،الملازم لعدم فساده بفساده هنا بطريق أولى؛ لعدم كونه بصورة الشرط قطعاً،فتأمّل جدّاً.

ص:21


1- منهم العلّامة في المختلف:544،و الشهيد الثاني في المسالك 1:541،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:83.

نعم،في المستفيضة منها الصحيحان (1)-:« لا تحلّ الهبة إلّا لرسول اللّه صلى الله عليه و آله،و أمّا غيره فلا يصلح له نكاح إلّا بمهر» و ربما دلّ نفي الصلاح على الفساد.

و أظهر منه الخبر:في امرأة وهبت نفسها لرجل من المسلمين،قال:

« إن عوّضها كان مستقيماً» (2)،فتأمّل.

و فيه قول بالصحّة؛ قياساً له بالنفي المطلق (3).

و ليس في محلّه؛ لوجود الفارق،و هو قبول المقيس عليه التخصيص دون المقيس.

و آخر بفساد التفويض دون العقد،فيجب مهر المثل،كما لو شرط في المهر ما يفسده؛ تمسّكاً بلزوم الوفاء بالعقد (4).

و هو الأوفق بالأُصول إن أُريد بثبوت المثل الثبوت بالدخول لولا ما مرّ من المستفيضة،إلّا أنّ المحكيّ عن القائل به الثبوت بنفس العقد (5)، و لا ريب في ضعفه إن تمّ.

و بالجملة:المسألة محلّ إشكال.

و المستند في أصل الحكم بعد الإجماع المتقدّم الآية الكريمة لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [1] (6).و المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:عن رجل تزوّج امرأة،فدخل

ص:22


1- الكافي 5:2/384،3،الوسائل 20:265 أبواب عقد النكاح ب 2 ح 2،4.
2- الكافي 5:5/385،الوسائل 20:266 أبواب عقد النكاح ب 2 ح 5.
3- انظر نهاية المرام 1:375.
4- المبسوط 4:294.
5- انظر جامع المقاصد 13:417.
6- البقرة:236.

بها و لم يفرض لها مهراً،ثم طلّقها،فقال:« لها مثل مهور نسائها» (1).

ثمّ من أحكامه عندنا:عدم وجوب شيء لها متعةً كان،أو مهر مثل بمجرّد العقد؛ للأصل.

خلافاً لبعض الشافعيّة،فأوجب الثاني (2).

فلو مات أحدهما قبل الدخول و الطلاق و الفرض فلا شيء لها بلا خلاف في الظاهر،و قد حكي (3)؛ لما مرّ،مضافاً إلى الصحيح:في المتوفّى عنها زوجها قبل الدخول:« إن كان فرض لها زوجها مهراً فلها.

.و إن لم يكن فرض مهراً فلا مهر» (4)و نحوه غيره (5).

و لو طلّق المفوّضة فلها المتعة خاصّة إن كان الطلاق قبل الفرض و الدخول خاصّة؛ بالإجماع،و نصّ الآية السابقة، و المستفيضة:منها الحسن:في رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها،قال:

« عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئاً،و إن لم يكن فرض فليمتّعها على نحو ممّا يتمتّع مثلها من النساء» (6)و نحوه خبران آخران (7).

ص:23


1- التهذيب 7:1468/362،الإستبصار 3:814/225،الوسائل 21:268 أبواب المهور ب 12 ح 1.
2- انظر الاُم 5:159.
3- انظر الروضة 5:353.
4- التهذيب 8:505/146،الإستبصار 3:1215/341،الوسائل 21:332 أبواب المهور ب 58 ح 22.
5- التهذيب 8:506/146،507،الإستبصار 3:1216/341،1217،الوسائل 21:332 أبواب المهور ب 58 ذيل حديث 22.
6- الكافي 6:3/106،التهذيب 8:493/142،الوسائل 21:314 أبواب المهور ب 51 ح 2؛ بتفاوت يسير.
7- الأول في:الكافي 6:1/106،التهذيب 8:494/142،الوسائل 21:313 أبواب المهور ب 51 ح 1.الثاني في:الكافي 6:3/83،الوسائل 21:314 أبواب المهور ب 51 ح 3.

و الرضوي:« كلّ من طلّق امرأته من قبل أن يدخل بها فلا عدّة عليها منه،فإن كان سمّى لها صداقاً فلها نصف الصداق،و إن لم يكن سمّى لها صداقاً يمتّعها بشيء قليل أو كثير على قدر يساره» (1).

و إن كان الطلاق بعد الفرض و قبل الدخول فنصفه؛ لقوله تعالى فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ [1] (2)مضافاً إلى الحسنة.

و لو لم يطلّق أو طلّق بعد الدخول فجميعه بعد الاتّفاق عليه، بلا خلاف إلّا في الأول و هو ما لو لم يطلّق لأنّ الحقّ فيه لهما،زاد عن مهر المثل أم لا،ساواه أم قصر،و ربما كان في الآية عليه دلالة كالصحيح السابق في المتوفّى عنها زوجها.

و مع الاختلاف في الفرض،قيل (3):للحاكم فرضه بمهر المثل،كما يعيّن النفقة للزوجة على الغائب،و من جرى مجراه.و يحتمل قويّاً إبقاء الحال إلى حصول أحد الأُمور (4)الموجبة للقدر أو المسقطة للحقّ؛ لأنّ ذلك لازم للتفويض الذي قد قدما عليه.

ثم إنّ في ثبوت المتعة بغير الطلاق من أقسام البينونة أقوال،ثالثها المحكيّ عن المبسوط (5)-:الثبوت بما يقع من قبله أو قبلهما،دون ما كان من قبلها خاصّة.

و الأقوى:العدم مطلقاً،وفاقاً للأكثر؛ تمسّكاً بالأصل،و التفاتاً إلى

ص:24


1- فقه الرضا عليه السلام:242،المستدرك 15:89 أبواب المهور ب 33 ح 5.
2- البقرة:237.
3- انظر الروضة 5:349.
4- كالدخول الموجب لمهر المثل و الطلاق قبله الموجب للمتعة و الموت و نحوه المسقط للحق.منه رحمه الله.
5- المبسوط 4:320.

اختصاص الآية و الحسنة بالطلاق،و التعدية قياس.

نعم،تستحبّ؛ خروجاً عن الشبهة،و التفاتاً إلى فحوى ما دلّ على رجحانها لكلّ مطلّقة و إن لم تكن مفوّضة،كالصحيح:عن رجل تزوّج امرأة،فدخل بها و لم يفرض لها مهراً،ثم طلّقها،فقال:« لها مثل مهور نسائها و يمتّعها» (1).

و لإضماره مع عدم صراحته في الوجوب حُمِل على الاستحباب، معتضداً بالأصل،و ظاهر الخبر:في الرجل يطلّق امرأته،أ يمتّعها؟قال:

« نعم،أما يحبّ أن يكون من المحسنين؟!أما يحبّ أن يكون من المتّقين؟! » (2).و بهما يُصرَف ما ظاهره الوجوب،كالصحيح:« متعة النساء واجبة، دخل بها أو لم يدخل،و يمتّع قبل أن يطلّق» (3).

و الصحيح و الموثّق:في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [1] (4)،قال:« متاعها بعد ما تنقضي عدّتها، على الموسع قدره و على المقتر قدره» و في ذيلها:« أنّ الحسن بن عليّ لم يطلّق امرأة إلّا متّعها» (5).

ص:25


1- التهذيب 7:1468/362،الإستبصار 3:814/225،الوسائل 21:268 أبواب المهور ب 12 ح 1.
2- الكافي 6:1/104،التهذيب 8:487/140،تفسير العياشي 1:396/124،الوسائل 21:306 أبواب المهور ب 48 ح 5.
3- الفقيه 3:1588/328،الوسائل 21:312 أبواب المهور ب 50 ح 1.
4- البقرة:241.
5- الصحيح في:الكافي 6:3/105،التهذيب 8:484/139،الوسائل 21:312 أبواب المهور ب 50 ح 2.الموثق في:الكافي 6:4/105،التهذيب 8:485/139،الوسائل 21:312 أبواب المهور ب 50 ح 3.

و قريب من الصحيح:« إنّ متعة المطلّقة فريضة» (1).

و يمكن حمله على المفوّضة،و صرف المطلّقة إلى المعهودة المذكورة في الآية،و لذا أطلق على الوجوب الفريضة.

و ربما احتمل الوجوب في المسالك في كلّ مطلّقة (2)؛ عملاً بظواهر هذه المعتبرة المخصّص بها الأصل؛ و الرواية المتقدّمة مع قصور سندهما غير صريحة في الاستحباب.

و هو حسن إن وجد به قائل،و لم أجده،بل المحتمِل مصرِّح بأنّ المذهب الاستحباب (3)،فهو متعيّن،مع أنّ الرواية ليست بقاصرة،بل حسنة أو صحيحة؛ لأنّ حسنها بإبراهيم،و لا ريب في ظهورها في الاستحباب،مع اعتضادها بكثير من المعتبرة الواردة في المقام،الدالّة على اشتراط المتعة بعدم الفرض (4)؛ مضافاً إلى الأخبار الكثيرة الدالّة على ثبوت نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول و جميعه بعده (5)،من دون ذكر للمتعة بالمرّة،مع ورود أكثرها في مقام الحاجة،فلا وجه للقول بالوجوب بالمرّة.

هذا،مع عدم صراحة لفظ الوجوب في الصحيح المتقدّم في المعنى المصطلح،فيحتمل الاستحباب،و على تقدير الصراحة يحتمل المتعة فيها ما يعمّ مهر المثل و المتعة بالمعنى المتعارف.و أمّا باقي الروايات فليس

ص:26


1- التهذيب 8:490/141،الوسائل 21:306 أبواب المهور ب 48 ح 2.
2- المسالك 1:543.
3- انظر المسالك 1:543.
4- انظر الوسائل 21:307،308 أبواب المهور ب 48 الأحاديث 7،8،10،12.
5- الوسائل 21:313،319 أبواب المهور ب 51،54.

صريحةً في الوجوب و لا ظاهرة.

و أُلحق بالمفوّضة من فُرِض لها مهر فاسد،فإنّه في قوّة التفويض، و من فسخت في المهر قبل الدخول بوجه مجوّز (1).

و لا بأس به إن أُريد الاستحباب،و إلّا فالوجوب مشكل.

و يجب بعده أي الدخول و قبل الفرض لها مهر المثل إجماعاً؛ للمستفيضة،منها الصحيح المتقدّم (2)،و نحوه الموثّقان:

في رجل تزوّج امرأة و لم يفرض لها صداقاً،قال:« لا شيء لها من الصداق،فإن كان دخل بها فلها مهر نسائها» (3).

و إطلاقها كالعبارة و صريح بعض الأجلّة (4)ثبوت المثل مطلقاً و لو زاد على السنّة.

خلافاً للأكثر فيه،فيردّ إليها،بل عن فخر المحقّقين و ابن زهرة عليه الإجماع (5)،و هو ظاهر المحكيّ عن المبسوط (6)؛ و هو الحجّة فيه كالموثق:عن رجل تزوّج امرأة فوهم أن يسمّي صداقها حتى دخل بها، قال:« السنّة،و السنّة خمسمائة درهم» (7).

ص:27


1- الروضة 5:349.
2- في ص 25.
3- الكافي 5:10/381،التهذيب 7:1466/362،1467،الإستبصار 3:812/225،813،الوسائل 21:269 أبواب المهور ب 12 ح 3،2.
4- كصاحب المدارك في نهاية المرام 1:377.
5- حكاه عن فخر الدين في نهاية المرام 1:377،و هو في الإيضاح 3:217،و الغنية(الجوامع الفقهية):610.
6- المبسوط 4:297.
7- التهذيب 7:1469/362،الإستبصار 3:815/225،الوسائل 21:270 أبواب المهور ب 13 ح 2.

و ما ربما يقال على الأول بوجود الخلاف فلا حجّة فيه،و على الثاني بقصور السند أولاً،و ضعف الدلالة ثانياً،فإنّ النسيان غير التفويض (1).

مدفوع بعدم القدح في الحجّية بخروج معلوم النسب،بل و مجهوله على الأصحّ.و عدم القصور؛ لعدم اشتراك الراوي كما توهّم،و وثاقة باقي سلسلة السند و إن فسد المذهب.و الدلالة تامّة؛ إذ التفويض أعمّ من النسيان و عدمه كما فرضوه،و ساعده إطلاق النصوص.

نعم،ربما يتوجّه إليها القدح بأعمّيتها من المدّعى؛ لأنّه ثبوت السنّة مع زيادة مهر المثل عنها،و إلّا فهو الثابت دونها،ساواها أم نقص عنها.

و ربما يجبر بالتقييد بالإجماع و الجمع بين الروايات.

و ربما احتُمِل (2)العمل بالإطلاق هنا (3)؛ التفاتاً إلى موافقة المستفيضة للعامّة.

و هو مع مخالفته الإجماع الصريح مقدوح بأولويّة موافقة الأصحاب من الموافقة للتقيّة،فيترجّح جانب الرجحان دون المرجوحيّة.

و ربما يُستَدلّ للأصحاب في ردّ الزائد إلى السنّة بما مرّ من الخبر المثبت للسنّة فيمن تزوّج على السنّة مكتفياً به عن ذكر المهر بالمرّة (4).

و ليس بمعتمد؛ لظهوره في ثبوتها بمجرّد العقد دون الدخول،و ليس من حكم المفوّضة،و لذا فرضه الأصحاب مسألة على حدة،فليس الاستدلال به إلّا غفلة واضحة.

ص:28


1- نهاية المرام 1:377.
2- حكاه في المختلف عن بعض علمائنا:549.
3- أي في السنّة.منه رحمه الله.
4- راجع ص 12،و هو في التهذيب 7:1470/363،الإستبصار 3:816/225،الوسائل 21:270 أبواب المهور ب 13 ح 1.
يعتبر في مهر المثل حالها في الشرف و الجمال

و يعتبر في مهر المثل حالها في الشرف و الجمال و العقل، و الأدب،و البكارة،و صراحة النسب،و اليسار،و حسن التدبير،و كثرة العشائر،و عادة نسائها،و أمثال ذلك.

و المعتبر في أقاربها من الطرفين على الأشهر الأقوى،بل ظاهر المبسوط أنّ عليه الإجماع (1)؛ و هو الحجّة فيه،مع العموم المستفاد من إضافة النساء إليها في النصوص (2).

خلافاً للمهذّب و الجامع (3)،فخصّهنّ بالعصبات مع الإمكان،و إلّا فأطلق؛ لعدم اعتبار الاُمّ و من انتسب إليها في الفخر.و فيه نظر.

و يعتبر في الأقارب أن يكونوا من أهل بلدها أو بلد لا يخالف عادتها عادة بلدها على الأقوى؛ لاختلاف البلدان في العادات.

و يعتبر حاله خاصّة في المتعة بنصّ الآية (4)و الشهرة العظيمة،بل عليه الإجماع عن الغنية (5)،و هو ظاهر المستفيضة (6)،فالقول باعتبار حالها أيضاً ضعيف جدّاً.

ثم إنّ الأصل يقتضي المصير في متعة المتمتّع إلى العرف،و لا ريب في اقتضائه (7)انقسامها بالنظر إليه إلى ثلاثة:متعة يسار،و توسّط،و إعسار.

و به المرسل في الفقيه:أنّ« الغني يمتّع بدار أو خادم،و الوسط

ص:29


1- المبسوط 4:299.
2- انظر الوسائل 21:268 أبواب المهور ب 12.
3- المهذب 2:211،الجامع للشرائع:440.
4- البقرة:236.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):610.
6- انظر الوسائل 21:305 أبواب المهور ب 48.
7- أي العرف.منه رحمه الله.

بثوب،و الفقير بدرهم أو خاتم» (1).

و نحوه الرضوي« فالموسع يمتّع بخادم أو دابّة،و الوسط بثوب، و الفقير بدرهم و خاتم،كما قال اللّه تعالى وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ [1] » (2).و عليه الشهرة،بل الإجماع المحكيّ عن ابن زهرة (3)،و لا ينافيه الآية و المعتبرة؛ لدخول الواسطة بين الأمرين،و لذا أنّ الرضويّ مع استناده إلى الآية اشتمل على ذكر الثلاثة.

و عيّن الأصحاب لكلّ مرتبة ما يليق بها في العرف و العادة:

فالغني يمتّع بالدابّة؛ للرضوي،و هي الفرس،و المعتبر منه ما يقع عليه اسمها صغيرة كانت أم كبيرة،بِرذَوناً (4)كانت أم عتيقاً (5)،قاربت قيمته الثوب و العشرة الدنانير أم لا.و في الخبر المرويّ عن قرب الإسناد:« إنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام كان يمتّع بالراحلة» (6).

و رواه العيّاشي أيضاً بزيادة:يعني حملها الذي عليها (7).و ظاهره أنّ المتعة هو الحمل،إلّا أنّه يحتمل كونها من الراوي لا الإمام عليه السلام.

ص:30


1- الفقيه 3:1582/327،الوسائل 21:310 أبواب المهور ب 49 ح 3؛ بتفاوت يسير.
2- فقه الرضا عليه السلام:242،المستدرك 15:90 أبواب المهور ب 34 ح 5.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):610.
4- البِرذَون:التركي من الخيل،و خلافها العِراب.المغرب 1:36.
5- العِتاق من الخيل:النجائب.مجمع البحرين 5:210.
6- قرب الإسناد:637/174،الوسائل 21:310 أبواب المهور ب 49 ح 5.
7- تفسير العياشي 1:400/124.

أو بالثوب المرتفع عادةً،ناسبت قيمته قسيميه أم لا. أو عشرة دنانير فأزيد و هي المثاقيل الشرعية؛ و لم أجد عليها مستنداً سوى إطلاق النصّ،مع أنّ في المرسل السابق:« الدار و الخادم» و في المعتبرة منها الموثّقان (1)-:« العبد و الأمة» و ليس المذكور منها، و لعلّه للتمثيل.

و يمتّع الفقير بالخاتم ذهباً كان أو فضة معتدّاً به عادةً، و الدرهم كما في المرسل.

و في الصحيح:ما أدنى ذلك المتاع إذا كان معسراً؟قال:« الخمار و شبهه» (2).

و الموثّق:« المعسر (3)بالحنطة و الزبيب و الثوب و الدراهم» (4).

و اختلاف هذه المعتبرة منزل على العرف و العادة،أو التمثيل.

و يمتّع المتوسّط بينهما بما بينهما كخمسة دنانير، و الثوب المتوسّط،و نحو ذلك.

و بالجملة:المرجع في الأحوال الثلاثة إلى العرف بحسب زمانه و مكانه و شأنه.

و لو تزوّج بمهر مجهول،و لكن جعل الحكم و التعيين لأحدهما في تقدير المهر المذكور صحّ العقد و التفويض بإجماع

ص:31


1- الكافي 6:3/105،4،التهذيب 8:484/139،485،الوسائل 21:308 أبواب المهور ب 49 ح 1.
2- الكافي 6:5/105،التهذيب 8:486/140،تفسير العياشي 1:428/129،الوسائل 21:309 أبواب المهور ب 49 ح 2.
3- في جميع المصادر:المقتر.
4- تقدّمت مصادره في الهامش(1)أعلاه.

الطائفة.خلافاً للعامّة،فجعلوا المهر الواقع على هذا الوجه من قبيل المهر الفاسد،و أوجبوا به مهر المثل.

و هذا هو القسم الثاني من قسمي التفويض،و يسمّى ب:مفوّضة المهر؛ و النصوص بذلك مستفيضة.

ففي الصحيح:في رجل تزوّج امرأة على حكمها أو على حكمه، فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها،قال:« لها المتعة و الميراث و لا مهر لها» قلت:فإن طلّقها و قد تزوّجها على حكمها؟قال:« إذا طلّقها و قد تزوّجها على حكمها لم يتجاوز بحكمها عليه خمسمائة درهم» (1).

و ظاهره كغيره (2)كالعبارة و غيرها (3)هو التفويض إلى أحدهما، و أمّا غيره فلا،و صريح جماعة:اختصاص الحكم بالتفويض إلى أحدهما؛ لمخالفته الأصل قطعاً (4).و في جواز ما عداه كالتفويض إلى غيرهما،أو إليهما معاً وجهان:من الأصل و عدم النصّ،و أنّه كالنائب عنهما فلا بأس به لو رضياه.و الوقوف مع النصّ طريق اليقين.

و يحكم الزوج المفوّض إليه المهر بما شاء و إن قلّ و إن عكس الأمر و حكمت المرأة و فوّض إليها لم يجز لها أن تتجاوز مهر السنّة إجماعاً و نصّاً فيهما.

ص:32


1- الكافي 5:2/379،الفقيه 3:1249/262،التهذيب 7:1481/365،الإستبصار 3:830/230،الوسائل 21:279 أبواب المهور ب 21 ح 2؛ بتفاوت يسير.
2- الفقيه 3:1250/262،الوسائل 21:279 أبواب المهور ب 21 ح 3.
3- هو الشهيد في اللمعة(الروضة 5):350.
4- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:379،و السبزواري في الكفاية:181،و صاحب الحدائق 24:491.

ففي الخبر:عن رجل تزوّج امرأة على حكمها،قال:« لا يتجاوز بحكمها مهر نساء آل محمّد عليهم السلام،اثنتي عشرة أُوقيّة و نشّ،و هو وزن خمسمائة درهم من الفضّة» قلت:أ رأيت إن تزوّجها على حكمه و رضيت و حكّمته؟قال:« ما حكم من شيء فهو جائز،قليلاً كان أو كثيراً» قال:

قلت:كيف لم تُجز حكمها عليه و أجزت حكمه عليها؟قال:فقال:« لأنّه حكّمها فلم يكن لها أن تجوز ما سنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله و تزوّج عليه نساءه، فرددتها إلى السنّة،و لأنّها هي حكّمته و جعلت الأمر في المهر إليه و رضيت بحكمه في ذلك فعليها أن تقبل حكمه قليلاً كان أو كثيراً» (1).

و ليس في سنده سوى الحسن بن زرارة،و وصفه كاسمه على الأصحّ وفاقاً لجماعة (2)،مع أنّ في السند:الحسن بن محبوب،و هو ممّن حكي إجماع العصابة على تصحيح رواياتهم (3)،فالسند معتبر غاية الاعتبار،مع اعتضاده بالشهرة بين الأخيار،و هي إجماع كما حكاه جماعة (4)،فلا وجه للتأمّل في المسألة،مع أنّ الدليل غير منحصر فيه؛ لدلالة الأصل و الإطلاقات على الأول،و خصوص ما مضى من الصحيح على الثاني.

نعم،ربما يشكل الحكم في الأول؛ لظاهر الصحيح:عن الرجل يفوَّض إليه صداق امرأته فينقص عن صداق نسائها،قال:« يلحق بمهر

ص:33


1- الكافي 5:1/379،التهذيب 7:1480/365،الاستبصار 3:829/230،علل الشرائع:1/513،الوسائل 21:278 أبواب المهور ب 21 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- ملاذ الأخيار 12:247،الحدائق 24:489.
3- انظر رجال الكشي 2:830.
4- منهم الشيخ في الخلاف 4:381،المجلسي في مرآة العقول 20:106،و صاحب الحدائق 24:491.

نسائها» (1).

لكنّه شاذّ لا عامل به،مع عدم مقاومته لما مرّ،فليُحمَل على الندب، أو ما حمله الشيخ عليه،من التفويض إليه على أن يجعله مثل مهر نسائها (2).

ثم لو طلّق قبل الدخول الزم الحاكم بالحكم،و لها نصف ما يحكم به؛ لأنّ ذلك هو الفرض الذي ينتصف بالطلاق (3)،سواء وقع الحكم قبل الطلاق أم بعده.و كذا لو طلّقها بعد الدخول،لزم الحاكم الفرض و استقرّ في ذمّة الزوج،و لا خلاف في شيء من ذلك.

و لو مات الحاكم منهما قبل الدخول و قبل الحكم،فالمرويّ في الصحيح المشار إليه (4):أنّ لها المتعة دون المهر،و هو الأشهر الأظهر،كما عن النهاية و ابن البرّاج و ابن حمزة و المقنع و العلّامة و ولده، و الشهيد الأول في النكت و ظاهر اللمعة،و الثاني في المسالك و الروضة (5)، و جماعة (6).

و ما استُضعِف به دلالة الخبر ب:ظهور أنّ النشر على ترتيب اللفّ، فيكون الحكم بالمتعة فيما إذا مات المحكوم عليه خاصّة.و اختصاصِ

ص:34


1- التهذيب 7:1482/366،الإستبصار 3:831/230،الوسائل 21:279 أبواب المهور ب 21 ح 4.
2- قاله في التهذيب 7:366.
3- بدله في الأصل:به الطلاق،و الظاهر ما أثبتناه.
4- في ص 32.
5- النهاية:472،القاضي في المهذب 2:206،ابن حمزة في الوسيلة:296،المقنع:108،العلّامة في المختلف:545،و ولده في إيضاح الفوائد 3:220،اللمعة(الروضة البهية 5):351،المسالك 1:544،الروضة 5:351.
6- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:381،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:85،و صاحب الحدائق 24:493.

الجواب فيه بموت الزوج؛ إذ مع موتها ليس لها ميراث،و لا يتمّ المقايسة بإيجاب المتعة لها و الميراث له (1).

مندفع،فالأول:بفقد الوجه لثبوت المتعة بموت المحكوم خاصّة مع بقاء الحاكم مع أنّه انعقد النكاح بحكمه،فله الحكم مع بقائه كما يأتي، و لا أثر لموت المحكوم عليه،كيف؟!و قد نصّ في الخبر بعد ما ذكر على أنّ له الحكم مع الطلاق القاطع لعلاقة الزوجيّة بخلاف الموت،فثبوت الحكم له هنا ثابت بالأولويّة،فلا بدّ من الحمل على موت الحاكم،جمعاً بين طرفيه،و بينه و بين الأُصول.

و الثاني:بعدم الفارق بين الموتين.

و يؤيّد المذهب:أنّ مهر المثل لا يجب إلّا مع الدخول و لم يحصل، و لا مسمّى،و لا يجوز إخلاء النكاح عن مهر،فيجب المتعة؛ إذ لا رابع.

و عن الطوسي في الخلاف و الإسكافي و الحلّي:أنّه لا شيء لها أصلاً؛ لاشتراط المثل بالدخول،و المتعة بالطلاق،و لا شيء منهما هنا؛ مضافاً إلى الأصل (2).

و الصحيح حجّة على مَن عدا الحلّي،و مختاره متوجّه على مختاره، أو ثبوت عدم دلالة الصحيح و ظهوره.

و في القواعد و المختلف:يثبت لها مهر المثل (3)؛ لأنّه قيمة المعوَّض حيث لم يتعيّن غيره؛ و لأنّ المهر مذكور،غايته أنّه مجهول،فإذا تعذّرت معرفته وجب الرجوع إلى مهر المثل.

ص:35


1- حكاه في كشف اللثام 2:85.
2- الخلاف 4:378،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:545،الحلي في السرائر 2:593.
3- القواعد 2:41،المختلف:545،و فيه الحكم بالمتعة دون مهر المثل.

و هو مع أنّه غير مسموع في مقابلة النصّ الصحيح مُجاب، فالأول:بعدم تحقّق الدخول الموجب للعوض.و الثاني:بأنّه عين الدعوى،فكيف يجعل دليلاً (1)؟! و لا فرق مع موت الحاكم بين موت المحكوم عليه معه و عدمه؛ عملاً بإطلاق النصّ،مع عدم القائل بالفرق.

و لو مات المحكوم عليه وحده فللحاكم الحكم،بلا خلاف أجده؛ لإطلاق النصّ بثبوت الحكم له،مع عدم اشتراط حضور المحكوم عنده، و التفويض إليه قد لزم بالعقد بالضرورة فلا يبطل بموت المحكوم عليه البتّة؛ و لأصالة بقائه،و النصّ لا يعارضه.

و أمّا الصحيح:في رجل تزوّج امرأة بحكمها ثم مات قبل أن تحكم، قال:« ليس لها صداق،و هي ترث» (2).

فمع قطع النظر عمّا يلحق سنده من النظر،شاذّ لا يمكن التعويل عليه و لا العمل،سيّما في مقابلة ما مرّ.

و لو مات الحاكم قبل الحكم و بعد الدخول،ثبت مهر المثل؛ لأنّه الأصل حيث لم يمكن المهر،و به صرّح المفلح الصيمري من غير نقل خلاف (3)،و لم يتعرّض له الباقون.

و لو مات المحكوم حينئذ،الزم الحاكم بالحكم،فإن كانت المرأة لا تتجاوز السنّة،و إلّا فللزوج الحكم بما شاء؛ لما مضى (4).

ص:36


1- نهاية المرام 1:382.
2- الفقيه 3:1250/262،الوسائل 21:279 أبواب المهور ب 21 ح 3.
3- تلخيص الخلاف 2:360.
4- في ص 32.
الطرف الثالث في الأحكام
اشارة

الطرف الثالث في الأحكام المتعلّقة بالمهر و هي عشرة

الأول تملك المرأة المهر بالعقد

الأول:تملك المرأة المهر جميعه بالعقد و إن لم يستقرّ التملّك إلّا بعد الدخول،على الأظهر الأشهر،بل عن الحلّي:نفي الخلاف عنه (1).

لعموم وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ [1] (2).و الموثّق:في رجل ساق إلى زوجته غنماً و رقيقاً،فولدت عندها، و طلّقها قبل أن يدخل،فقال:« إن كنّ حملن عنده فله نصفها و نصف ولدها،و إن كنّ حملن عندها فلا شيء له من الأولاد» (3).

و لأنّه عوض البضع المملوك بالعقد.

و للنصوص الآتية في استحقاق المتوفّى عنها زوجها قبل الدخول جميع المهر (4)،و هي مستفيضة،لكنّها معارضة بمثلها.

خلافاً للإسكافي،فتملك نصفه به و النصف الآخر بالدخول (5)؛

ص:37


1- السرائر 2:585.
2- النساء:4.
3- الكافي 6:/107 ذيل حديث 4،التهذيب 7:1491/368،الوسائل 21:293 أبواب المهور ب 34 ح 1؛ بتفاوت يسير.
4- في ص 40.
5- حكاه عنه في المختلف:543.

للموثّق (1)و غيره (2):« لا يوجب المهر إلّا الوقاع في الفرج» .و حُمِل (3)على الاستقرار جمعاً و غلبةً في الاستعمال إن تمّ الدلالة، و إلّا فالوجوب أعمّ من التملّك،و لا دلالة للعامّ على الخاصّ،و على تقدير الصراحة فلا شيء منهما تقاوم ما مرّ من الأدلّة.

و بالأخير يجاب عن الصحيح:عن رجل تزوّج امرأة على بستان له معروف و له غلّة كثيرة،ثم مكث سنين لم يدخل بها ثم طلّقها،قال:« ينظر إلى ما صار إليه من غلّة البستان من يوم تزوّجها فيعطيها نصفه،و يعطيها نصف البستان،إلّا أن تعفو فتقبل منه و يصطلحا على شيء ترضى منه،فإنّه أقرب للتقوى» (4).

و مع ذلك،فقد أُجيب عنه بجواز كون الغلّة من زرعٍ يزرعه الزوج، و أن يكون البستان هو الصداق دون أشجاره.و على التقديرين،فليست الغلّة من نماء المهر،فتختصّ بالرجل،و الأمر بدفع النصف منها إليها محمول على الاستحباب،كما يرشد إليه قوله:« فإنّه أقرب للتقوى» و لعلّه عوض عن اجرة الأرض (5).

و لا بأس به؛ تفادياً عن الطرح.

و على المختار،لها التصرّف قبل القبض؛ للأصل،و لعموم ما دلّ

ص:38


1- التهذيب 7:1859/464،الإستبصار 3:817/226،الوسائل 21:320 أبواب المهور ب 54 ح 6.
2- الكافي 6:5/109،الوسائل 21:321 أبواب المهور ب 55 ح 1.
3- المختلف:547،المهذب البارع 3:396،المسالك 1:553.
4- الفقيه 3:1292/272،الوسائل 21:290 أبواب المهور ب 30 ح 1.
5- كشف اللثام 2:86.

على تسلّط الملّاك على أموالهم (1).

خلافاً للخلاف (2)؛ لعدم الدليل عليه،لعدم النصّ،و اختصاص الإجماع بما بعد القبض؛ و للنهي عن بيع ما لم يُقبَض (3).

و ضعفه ظاهر؛ لوجود الدليل،و لا أقلّ من الأصل كما قيل (4)، و اختصاص النهي بمن اشترى ثم باع؛ مع أنّه أخصّ من المدّعى.

و ينتصف بالطلاق بالنّص و الوفاق،و الأول متواتر (5)،معتضد بنصّ الكتاب وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ [1] (6). و يستقرّ الجميع بأحد أُمور أربعة:

بالدخول،و هو الوطء قبلاً أو دبراً إجماعاً،كما في الروضة (7)و كلام جماعة (8)،و النصوص به مستفيضة،مرّ بعضها.

و في الصحيح:« إذا أدخله وجب الغسل و المهر» (9)و نحوه في عدّة من المعتبرة (10).

ص:39


1- عوالي اللئلئ 1:99/222.
2- الخلاف 4:370.
3- انظر الوسائل 18:65 أبواب أحكام العقود ب 16.
4- نهاية المرام 1:385.
5- الوسائل 21:313 أبواب المهور ب 51.
6- البقرة:237.
7- الروضة 5:353،كشف اللثام 1:86.
8- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:226،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:86،و السبزواري في الكفاية:181.
9- الكافي 6:6/109،الوسائل 21:319 أبواب المهور ب 54 ح 1.
10- الوسائل 21:319 أبواب المهور ب 54.

و بردّة الزوج عن فطرة،على الأشهر الأقوى؛ لثبوته بالعقد،فوجب الحكم باستمراره إلى ظهور المسقط،و ليس.و إلحاقه بالطلاق قياس باطل بالاتّفاق.

و بموت الزوج على الأشهر،بل عليه الإجماع عن الناصريّات (1)؛ للأصل،و مفهوم الكتاب (2)،و عموم وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ [1] (3).و المستفيضة،منها الصحيح:في المتوفّى عنها زوجها إذا لم يدخل بها:« إن كان فرض لها مهراً فلها مهرها الذي فرض لها،و لها الميراث» الخبر (4)،و نحوه الصحيح الآخر (5)،و الموثّقان (6)،و غيرهما (7).

خلافاً للمحكيّ عن صريح المقنع،فكالطلاق (8)،و هو ظاهر الكافي و الفقيه (9)،بل حكى عليه بعض المتأخّرين الشهرة بين قدماء الطائفة (10)،

ص:40


1- الناصريات(الجوامع الفقهية):212.
2- البقرة:237.
3- النساء:4.
4- التهذيب 8:505/146،الإستبصار 3:1215/341،الوسائل 21:332 أبواب المهور ب 58 ح 22.
5- التهذيب 8:503/145،الإستبصار 3:1213/340،الوسائل 21:332 أبواب المهور ب 58 ح 21.
6- أحدهما في:التهذيب 8:502/145،الإستبصار 3:1212/340،الوسائل 21:331 أبواب المهور ب 58 ح 20. و الآخر في:التهذيب 8:508/146،الإستبصار 3:1218/341،الوسائل 21:333 أبواب المهور ب 58 ح 24.
7- انظر الوسائل 21:326 أبواب المهور ب 58.
8- المقنع:105.
9- الكافي 6:118،الفقيه 3:326.
10- هو السبزواري في الكفاية:183.

و اختاره من المتأخّرين جماعة (1)؛ و عليه تدلّ المستفيضة الأُخر التي كادت تبلغ التواتر،بل لا يبعد أن تكون متواترة،و أكثرها معتبرة الأسانيد.

ففي الصحيح:في الرجل يموت و تحته امرأته لم يدخل بها،قال:

« لها نصف المهر» الخبر (2).

و الصحيح:« إن لم يكن دخل بها و قد فرض لها مهراً،فلها نصف ما فرض لها،و لها الميراث» (3).

و الصحيح:عن المرأة تموت قبل أن يدخل بها،أو يموت الزوج قبل أن يدخل بها،قال:« أيّهما مات فللمرأة نصف ما فرض لها» (4).

و ذكرها كملاً لا يناسب هذا المختصر.

فالقول بها لا يخلو عن قوّة؛ لأنّ المظنّة الحاصلة من هذه الكثرة أقوى من الحاصلة من الشهرة،سيّما مع اعتضادها بالشهرة بين القدماء و لو كانت محكيّة،و مخالفتها التقيّة كما صرّح به جماعة (5)،فيُخَصّ بها الأصل، و يُصَرف النصوص السابقة عن ظواهرها بالحمل على النصف؛ لأنّه مهرها و لو بَعُدَ في بعضها،و منه يظهر وجه رجحان لهذه النصوص و مرجوحيّة

ص:41


1- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:389،العلّامة المجلسي في مرآة العقول 21:203،و صاحب الحدائق 24:557.
2- الكافي 6:1/118،التهذيب 8:499/144،الإستبصار 3:1207/339،الوسائل 21:326 أبواب المهور ب 58 ح 1.
3- الكافي 6:4/118،التهذيب 8:501/144،الوسائل 21:328 أبواب المهور ب 58 ح 6.
4- الكافي 6:5/119،التهذيب 8:509/146،الإستبصار 3:1219/341،الوسائل 21:328 أبواب المهور ب 58 ح 7.
5- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:389،و العلّامة المجلسي في مرآة العقول 21:203،و صاحب الحدائق 24:557.

لتلك؛ لصراحة هذه دون الأوّلة.

و أمّا العموم،فبعد تسليمه فشموله لمثل المقام محلّ نظر،مع أنّه كالمفهوم نقول بهما،إلّا أنّ الخطاب فيهما للأحياء لا مطلقاً.

لكن المسألة بَعدُ محلّ إشكال،و الاحتياط فيها مطلوب على كلّ حال.

و بموت الزوجة على الأشهر أيضاً؛ لما عدا المستفيضة من الأدلّة المتقدّمة (1).

و فيها مضافاً إلى ما مرّ استفاضة المعتبرة بالتنصيف هنا من دون معارض أصلاً:

منها:الصحيح المتقدّم (2)،و الموثّق:عن رجل تزوّج امرأة و لم يدخل بها،فقال:« إن هلكت أو هلك أو طلّقها فلها نصف المهر،و عليها العدّة كاملة،و لها الميراث» (3).

و نحوه آخر:في امرأة توفّيت قبل أن يدخل بها زوجها،ما لها من المهر؟و كيف ميراثها؟فقال:« إذا كان قد مهرها صداقها فلها نصف المهر و هو يرثها،و إن لم يكن فرض لها صداقها فهي ترثه و لا صداق لها» (4)إلى غير ذلك من الأخبار (5).

ص:42


1- راجع ص 40.
2- آنفا في ص 41.
3- الكافي 6:2/118،التهذيب 8:500/144،الإستبصار 3:1208/339،الوسائل 21:327 أبواب المهور ب 58 ح 3.
4- التهذيب 8:510/147،الإستبصار 3:1220/341،الوسائل 21:328 أبواب المهور ب 58 ح 8؛ بتفاوت يسير.
5- انظر الوسائل 21:326 أبواب المهور ب 58.

و العمل بها متعيّن؛ لخلوّها عن المعارض،مع اعتضادها بما مرّ، و عمل جماعة من الأصحاب بها،كالطوسي و القاضي و الكيدري (1)و جماعة من المتأخّرين (2).

و لا يسقط شيء من المهر عاجلاً كان أم آجلاً معه أي الدخول لو لم تقبض على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع عن ظاهر الانتصار (3)؛ للأصل،و العمومات،و خصوص المعتبرة المستفيضة:

منها الصحيح:الرجل يتزوّج المرأة على الصداق المعلوم،فيدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً،فقال:« يقدّم إليها ما قلّ أو كثر،إلّا أن يكون له وفاء من عرض إن حدث به حدث ادّي عنه،فلا بأس» (4).

و الموثّق:عن الرجل يتزوّج المرأة فلا يكون عنده ما يعطيها فيدخل بها،قال:« لا بأس،إنّما هو دين عليه لها» (5)و نحوه الموثّق الآخر (6)، و المرسل كالصحيح (7)،و غيرهما (8).

ص:43


1- الطوسي في النهاية:471،القاضي في المهذب 2:204،و حكاه عن قطب الدين في المختلف:544.
2- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:391،و السبزواري في الكفاية:183،و صاحب الحدائق 24:553.
3- حكاه عنه في كشف اللثام 2:86،و هو في الانتصار:122.
4- الكافي 5:2/413،التهذيب 7:1455/358،الإستبصار 3:801/221،الوسائل 21:255 أبواب المهور ب 8 ح 1.
5- الكافي 5:4/414،التهذيب 7:1456/358،الإستبصار 3:802/221،الوسائل 21:256 أبواب المهور ب 8 ح 2.
6- الكافي 5:1/413،التهذيب 7:1454/358،الإستبصار 3:800/221،الوسائل 21:259 أبواب المهور ب 8 ح 10.
7- الكافي 5:3/413،التهذيب 7:1453/357،الإستبصار 3:798/220،الوسائل 21:259 أبواب المهور ب 8 ح 9.
8- انظر الوسائل 21:255 أبواب المهور ب 8.

خلافاً للحلبي كما حكي،فأسقط بالدخول،سواء قبضت منه شيئاً أم لا،طالت مدّتها أم قصرت،طالبت به أم لم تطالب (1)؛ للصحاح المستفيضة (2)،و أُوّلت بتأويلات (3)غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلّة:

منها:حملها على ما إذا لم يكن قد سمّى مهراً معيّناً،و ساق إليها شيئاً،و دخل و لم تعترض،فيكون ذلك مهرها،كما يأتي.

و منها:حملها على قبول قول الزوج في براءته من المهر لو تنازعا.

و في المختلف جعل منشأ الحكم العادة بتقديم المهر كما كانت في السالف،قال:و العادة الآن بخلاف ذلك،فإن فرض أن كانت العادة في بعض الأزمان و الأصقاع كالعادة القديمة كان الحكم ما تقدّم،و إلّا كان القول قولها (4).

قيل:و يخطر بالبال أن يحمل سقوط مطلق الصداق على سقوط العاجل منه،حملاً للمطلق على المقيّد؛ يدلّ عليه ما في بعضها:« إذا دخل بها فقد هدم العاجل» (5)،فإنّهم كانوا يومئذٍ يجعلون بعضه عاجلاً و بعضه آجلاً،كما يستفاد من بعض الاخبار (6)،و كان معنى العاجل:ما كان دخوله مشروطاً على إعطائه إيّاها،فإذا دخل بها قبل الإعطاء فكأنّ المرأة أسقطت حقّها العاجل و رضيت بتركه،و لا سيّما إذا كان قد أخذت بعضه،و أمّا

ص:44


1- حكاه عنه في المختلف:548،و راجع الكافي في الفقه:294.
2- انظر الوسائل 21:255 أبواب المهور ب 8.
3- انظر التهذيب 7:360.
4- المختلف:543.
5- الكافي 5:2/383،التهذيب 7:1461/359،الإستبصار 3:807/222،الوسائل 21:256 أبواب المهور ب 8 ح 4.
6- انظر الوسائل 21:264 أبواب المهور ب 10.

الآجل فلا يسقط إلّا بالأداء (1).

و فيه نظر؛ لاشتراط التكافؤ في الحمل،و ليس؛ لصحّة المطلق، و قصور المقيّد بحسب السند؛ مع احتماله التقيّة كما صرّح به جماعة (2).

و مع ذلك،الخروج بمثل ذلك عن المستفيضة الأوّلة المعتضدة بالأصل،و العمومات،و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة جرأة عظيمة،مع كونه إحداث قول ثالث في المسألة البتّة.و مع ذلك،فلا يقبله بعض المستفيضة المسقطة،كما يظهر من التدبّر فيه و الملاحظة.

و بالجملة:الأخبار المذكورة و إن صحّ أسانيدها شاذّة لا يتأتّى المصير إليها.

و لا يستقرّ المهر بجميعه بمجرّد الخلوة بالمرأة و إرخاء الستر على وجه ينتفي معه المانع مطلقاً على الأظهر الأشهر للأصل،و قوله تعالى وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [1] (3)،فإنّ المراد بالمسّ هنا:الجماع؛ للإجماع على أنّ مطلق المسّ غير موجب للجميع،فينتفي إرادته،و هو منحصر في الأمرين إجماعاً؛ و النصوص المعتبرة به مستفيضة:

منها:الموثّقات المستفيضة المصرّحة ب:أنّه لا يوجب المهر إلّا الوقاع في الفرج،أصرحها الموثّق:عن رجل تزوّج امرأة،فأغلق باباً

ص:45


1- مفاتيح الشرائع 2:280.
2- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:393،و المحدّث المجلسي في ملاذ الأخيار 12:238،و صاحب الحدائق 24:503.
3- البقرة:237.

و أرخى ستراً و لمس و قبّل،ثم طلّقها،أ يوجب عليه الصداق؟قال:

« لا يوجب الصداق إلّا الوقاع في الفرج» (1).

و منها الصحيح:عن رجل تزوّج جارية لم تدرك لا يجامع مثلها،أو تزوّج رتقاء،فأُدخلت عليه،فطلّقها ساعة أُدخلت عليه،فقال:« هاتان ينظر إليهنّ من يوثق به من النساء،فإن كنّ كما دخلن عليه فإنّ لها نصف الصداق الذي فرض لها» الخبر (2).

و يؤيّدها المعتبرة في العنن،الدالّة على أنّه ينظر سنة،فإن وقع بها، و إلّا فسخت نكاحه و لها نصف المهر (3)،مع تحقق الخلوة في السنة و غيرها من المقدّمات.

خلافاً للصدوق،فأوجب بها مطلقاً (4)؛ للنصوص المستفيضة و كلّها قاصرة الأسانيد أجودها الموثّق:عن المهر متى يجب؟قال:« إذا أُرخيت الستور و أُجيف الباب» و قال:« إنّي تزوّجت امرأة في حياة أبي عليّ بن الحسين عليهما السلام،و إنّ نفسي تاقت إليها،فنهاني أبي فقال:لا تفعل يا بنيّ، لا تأتها في هذه الساعة،و إنّي أبيت إلّا أن أفعل،فلمّا دخلت عليها قذفت إليها بكساء كان عليّ و كرهتها،و ذهبت لأخرج،فقامت مولاة لها فأرخت الستر و أجافت الباب،فقلت:مه،قد وجب الذي تريدين» (5).

ص:46


1- الكافي 6:5/109،الوسائل 21:321 أبواب المهور ب 55 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- الكافي 6:5/107،التهذيب 7:1866/465،الإستبصار 3:824/227،الوسائل 21:325 أبواب المهور ب 57 ح 1.
3- الكافي 5:7/411،التهذيب 7:1709/429،الإستبصار 3:899/251،الوسائل 21:233 أبواب العيوب و التدليس ب 15 ح 1.
4- انظر المقنع:109.
5- التهذيب 7:1867/465،الإستبصار 3:825/228،الوسائل 21:323 أبواب المهور ب 55 ح 6؛ بتفاوت يسير.

و هو مع قصور سنده،و مخالفته لأُصول المذهب معارض بمثله، الصريح في إيجاب أبيه عليه عليهما السلام في تلك القضيّة نصف المهر،و فيه:

« فلمّا رجعت إلى أبي و أخبرته كيف كان،فقال:إنّه ليس عليك إلّا النصف» يعني نصف المهر (1).

و مع ذلك فليس كالمتقدّمة عليه تعارض ما مرّ،سيّما مع احتمال الجميع الحمل على التقيّة،فروى العامّة عن عمر أنّه قال:من أرخى ستراً أو أغلق باباً فقد وجب عليه المهر (2)،و قد ذهب إليه أبو حنيفة (3)و كثير من العامّة (4)؛ لهذه الرواية.

و لجماعة من القدماء،فأوجبوا بها ظاهراً لا باطناً (5)؛ جمعاً بين النصوص،يعنون:إذا كانا متّهمين،يعني:يريد الرجل أن يدفع المهر عن نفسه،و المرأة تدفع العدّة عن نفسها،و لكن إذا علمت أنّه لم يمسّها فليس لها فيما بينها و بين اللّه تعالى إلّا النصف.

و ليس بشيء؛ لأنّه فرع التكافؤ و الشاهِد عليه،و ليسا؛ مع أنّ الموثّق المتقدّم لا يجري فيه التهمة الموجبة للعمل بالظاهر.

و للإسكافي قول آخر بإلحاق مقدّمات الوطء كإنزال الماء بغير

ص:47


1- الكافي 5:2/366،التهذيب 7:1868/466،الإستبصار 3:826/228،الوسائل 21:323 أبواب المهور ب 55 ح 7.
2- انظر الموطّأ 2:12/528 بتفاوت.
3- حكاه في بدائع الصنائع 2:289.
4- كابن قدامة في المغني 8:63،المحلّى لابن حزم 9:485،مغني المحتاج 3:225.
5- منهم الشيخ في النهاية:471،و القاضي في المهذّب 2:204،و حكاه في المختلف عن قطب الدين الكيدري:543.

جماع،و لمس العورة،و النظر إليها،و القبلة بشهوة به (1)؛ و ربما يستدلّ له بإطلاق المسّ في الآية (2).

و ليس في محلّه؛ للإجماع حتى منه على عدم اعتبار مطلقه في الاستقرار،و على تقدير التماميّة فلا يعارض شيئاً من الأدلّة الماضية،سيّما الموثّقة المتقدّمة (3)،النافية لما اعتبره صريحاً.

و بالجملة:فهو شاذّ لا وجه له بالمرّة.

الثاني قيل إذا لم يسمّ لها مهراً،و قدّم شيئاً قبل الدخول،كان ذلك مهرها

الثاني:قيل كما عن المقنعة و النهاية و المراسم و الجامع و الغنية و السرائر (4)،و حكى عليه الشهرة جماعة (5)،و في الأخيرين الإجماع-:إنّه إذا تزوّجها و لم يسمّ لها مهراً،و قدّم إليها شيئاً قبل الدخول، كان ذلك مهرها،ما لم يشترط قبل الدخول أنّ المهر غيره بكونه بعض المهر أو مبايناً له.

و حجّتهم عليه مع مخالفته الأُصول المقرّرة،و إطلاق المعتبرة المصرّحة بثبوت مهر المثل للمفوِّضة بعد المواقعة (6)غير واضحة،سوى حكاية الإجماع السابقة،المعتضدة بالشهرة العظيمة،و إطلاق النصوص المتقدّمة بسقوط المهر بعد المواقعة (7)،خرج عنها غير المرأة المزبورة

ص:48


1- كما حكاه عنه في المختلف:543.
2- البقرة:237.
3- في ص 45.
4- المقنعة:509،النهاية:470،المراسم:152،الجامع:441،الغنية(الجوامع الفقهية):610،السرائر 2:581.
5- منهم ابن فهد في المهذّب البارع 3:402،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:394،و السبزواري في الكفاية:181.
6- الوسائل 21:268 أبواب المهور ب 12.
7- راجع ص 44.

بالأدلّة،و بقيت هي فيها مندرجة،فيُخَصّ بذلك ما تقدّم من الأدلّة؛ مع إمكان التأمّل في شمول إطلاق المعتبرة السابقة لمثل هذه الصورة.

و توقّف فيه جماعة،مختلفين في حكمها:

فبين من جمد على الأُصول و أثبت مهر المثل،كما في المعتبرة (1).

و بين من فصّل بالعادة،و حكم بالسقوط بدفع الشيء قبل الدخول إن استقرّت على تقديم المهر عليه على ما في سابق الزمان،و عدمه إن استقرّت على العدم كما استقرّت عليه الآن (2).

كلّ ذا إذا لم يتّفقا على فرضه (3)مهراً،و إلّا فلا شيء لها قولاً واحداً جدّاً.

الثالث إذا طلّق قبل الدخول رجع بالنصف

الثالث:إذا طلّق الزوجة قبل الدخول و كان قد سمّى لها مهراً،برئ ذمّته من نصف المسمّى إن كان ديناً،و رجع بالنصف و استقرّ ملكه عليه،قلنا بتملّكها الجميع بالعقد أم النصف خاصّة،إجماعاً و نصّاً كما مضى إن كان عيناً دفعه إليها و طالبت مطلقاً بالنصف إن لم يكن أقبضها.

و لا يستعيد منها الزوج ما تجدّد من النماء بين العقد و الطلاق، متّصلاً كان كالسمن (4) على الأصحّ الأشهر.

خلافاً للمبسوط،فيستعيده هنا (5).

ص:49


1- المسالك 1:546،نهاية المرام 1:395،الكفاية:181.
2- المختلف:543،انظر كشف اللثام 2:85.
3- أي المدفوع إليها.منه رحمه الله.
4- في المختصر المطبوع:كاللبن.
5- المبسوط 4:278.

و يدفعه مضافاً إلى ظاهر الآية فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ [1] (1)بناءً على مغايرة العين الزائدة للمفروضة خصوص بعض المعتبرة:في الرجل يتزوّج المرأة على وصيف،فكبر عندها،و يريد أن يطلّقها قبل أن يدخل بها،قال:« عليها نصف قيمته يوم دفعه إليها،لا ينظر إلى زيادة أو نقصان» (2).

و قصور السند لو كان منجبر بالشهرة بين الأعيان.

أو منفصلاً،كالولد كلّ ذا بناءً على ما مرّ من تملّكها الجميع بنفس العقد،و بخصوصه الموثق المتقدّم ثمّة (3)،و لا يعارضه الصحيح المتقدّم (4)أيضاً؛ لما عرفت.

و في الخبر السابق تأييد لما ذكرنا،فتأمّل جدّاً.

فتوقّف بعض من تأخّر (5)ليس في محلّه قطعاً.

ثم إنّ ذا إذا وجده باقياً.

و إن وجده تالفاً،أو منتقلاً عن ملكها،فله نصف مثله إن كان مثليّا؛ أو قيمته على الأظهر،أو نصف قيمة المهر على الأشهر إن كان قيميّاً.

ثم إن اتّفقت القيمة،و إلّا فله الأقلّ من حين العقد إلى حين التسليم؛ لحدوث الزيادة في ملكها،فلا سبيل له عليها لو اختصّ النقص بحين

ص:50


1- البقرة:237.
2- الكافي 6:13/108،التهذيب 7:1494/369،الوسائل 21:293 أبواب المهور ب 34 ح 2.
3- في ص 37.
4- في ص 38.
5- هو المحقّق السبزواري في الكفاية:182.

العقد؛ و لضمانه الناقص منه قبل القبض،فلا يضمّنها ما هو من ضمانة لو انعكس (1).

و إن وجده معيباً،رجع في نصف العين مع الأرش على الأظهر.

خلافاً للأشهر،فيتخيّر الزوج بين الرجوع بنصف القيمة،و بين أخذ نصف العين من غير أرش.

و فيه قول آخر (2)مشارك له في الضعف،بل و أمرّ.

و لو نقصت القيمة للسوق،فله نصف العين خاصّة،كصورة الزيادة و هي باقية.

و لو زادت زيادة متّصلة عيناً كانت أو صفة تخيّرت بين دفع نصف العين الزائدة،و نصف قيمتها مجرّدة عن الزيادة،على أظهر الأقوال و أشهرها في المسألة.

و لو اختارت الأول،وجب على الزوج القبول في أظهر الوجهين.

و كذا لو تغيّرت في يدها بما أوجب زيادة القيمة،كصياغة الفضّة و خياطة الثوب،و يجبر على العين لو بذلتها في الأول؛ لقبول الفضّة ما يريده منها،دون الثوب،إلّا أن يكون مفصّلاً على ذلك الوجه قبل دفعه إليها،من دون تصرّفها فيه بما لا يتأتّى معه حصول مقصودة.

و لو كان النماء موجوداً حال العقد،رجع بنصفه أيضاً كالحمل مع دخوله في المهر بالشرط أو التبع مطلقاً،حصل الوضع بعد

ص:51


1- أي اختصّ النقص بحين التسليم.منه رحمه الله.
2- انظر المسالك 1:547.

الطلاق أم قبله،على الأصح؛ لإطلاق الموثّق برجوعه (1)إلى نصف الأولاد بعد حمل الأُمّهات بها عنده (2).

خلافاً لبعضهم،فخصّه بالأول على الثاني خاصّة دون الأول (3).

و لآخر،فخصّه به عليهما (4).

و جعله بعضهم احتمالاً (5).

و لهم على ذلك وجوه اعتباريّة لا تنهض حجّة في مقابلة الرواية.

و لو كان المهر تعليم صنعة،أو علم مثلاً و طلّقها قبل الدخول بعد أن علّمها إيّاهما كملاً رجع عليها بنصف أُجرته المثليّة؛ لتعذّر الرجوع بعين ما فرض،فيكون كالتالف في يدها.

و لو كان قبل التعليم،رجعت هي عليه في نصف الأُجرة في تعليم الصنعة قطعاً؛ لعدم إمكان تعليمها نصفها؛ لعدم وقوفه على حدّ،و هو الواجب لها بالطلاق خاصّة قطعاً.

و كذا في تعليم السورة أيضاً إن استلزم المحرّم شرعاً،و إلّا فعليه تعليم نصفها؛ لإمكان استيفاء عين الحقّ،مع عدم المانع منه حينئذٍ أصلاً.

و لو أبرأته من جميع الصداق المسمّى لها رجع عليها بنصفه لو طلّقها قبل الدخول،و كذا لو وهبته إيّاه مطلقاً،قبضته أم لا،إجماعاً في الأخير كما عن المبسوط و الخلاف (6).

ص:52


1- في الأصل:برجوعها،و الظاهر ما أثبتناه.
2- الكافي 6:4/106،الوسائل 21:293 أبواب المهور ب 34 ح 1.
3- راجع المسالك 1:548.
4- راجع المسالك 1:548.
5- انظر القواعد 2:42.
6- المبسوط 4:308،الخلاف 4:391.

و على الأظهر الأشهر فيهما،بل كاد أن يكون إجماعاً؛ لأنّها حين الإبراء كانت مالكة لجميع المهر ملكاً تامّاً،و ما يرجع إليه بالطلاق ملك جديد،و لهذا كان نماؤه لها،فإذا طلّقها رجع عليها بنصفه،كما لو صادفها قد أتلفته،فإنّ تصرّفها فيه بالإبراء بمنزلة الإتلاف،فيرجع بنصفه.

خلافاً للمبسوط و الجواهر و القواعد،فاحتملوا العدم (1)في صورة الإبراء؛ لأنّها لم تأخذ منه مالاً؛ و لا نقلت إليه الصداق،لأنّ الإبراء إسقاطٌ لا تمليك؛ و لا أتلفت عليه،كما لو رجع الشاهدان بدين شهدا عليه في ذمّة زيد لعمرو بعد حكم الحاكم عليه و قبل الاستيفاء،و كان قد أبرأ المشهود عليه،فإنّه لا يرجع على الشاهدين بشيء.و لو كان الإبراء إتلافاً على من في ذمّته لغرما له (2).

و رُدّ بوضوح الفرق،فإنّ حقّ المهر ثابت حال الإبراء في ذمّة الزوج ظاهراً و باطناً،فإسقاط الحقّ بعد ثبوته متحقّق،بخلاف مسألة الشاهد،فإنّ الحقّ لم يكن ثابتاً كذلك،فلم يصادف البراءة حقّا يسقط بالإبراء (3).

و فيه مع ذلك-:أنّه اجتهاد في مقابلة النصّ المعتبر.

ففي الموثّق:عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها،ثم جعلته من صداقها في حلّ،أ يجوز له أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً؟قال:« نعم، إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه،و إن خلّاها قبل أن يدخل بها ردّت المرأة على الزوج نصف الصداق» (4).

ص:53


1- أي عدم الرجوع.منه رحمه الله.
2- استظهره من المبسوط و الجواهر في كشف اللثام 2:91؛ و هو في المبسوط 4:308،و جواهر الفقه:177،و القواعد 2:43.
3- المسالك 1:548.
4- التهذيب 7:1513/374،الوسائل 21:301 أبواب المهور ب 41 ح 2.

و في الصحيح:عن رجل تزوّج امرأة على ألف درهم،فبعث بها إليها،فردّتها عليه و قالت:أنا فيك أرغب منّي في هذه الألف،هي لك، فقبلها منها،ثم طلّقها قبل أن يدخل بها،قال:« لا شيء لها،و تردّ عليه خمسمائة درهم» (1).

و نحوه الموثّق (2)و الخبر (3)،بزيادة قوله:« الباقية؛ لأنّها إنّما كانت لها خمسمائة فوهبتها له،و هِبتها إيّاها له و لغيره سواء» .و فيهما الدلالة على الحكم في صورة الهبة؛ و ربما استدلّ بهما له في صورة الإبراء (4)،و يحتاج إلى النظر؛ لأنّهما في الأُولى أظهر.

و لو وهبته النصف مشاعاً،ثم طلّقها قبل الدخول،فله الباقي؛ صرفاً للهبة إلى حقّها منه،كما لو وهبته لغيره فإنّهما سواء،كما في الصحيح المتقدّم.

و فيه قول بالرجوع بنصفه و قيمة الربع (5)؛ بناءً على شيوع نصفيهما في تمام العين،و شيوع النصف الموهوب أيضاً،فتتعلّق الهبة بنصفي النصيبين،فالنصف الباقي بمنزلة التالف نصفه،و بقي نصفه.

و عن المبسوط:احتمال الرجوع بنصف الباقي خاصّة (6)؛ لأنّه لمّا تعلّقت الهبة بالنصف المشاع فقد تعلّقت بنصفي النصيبين،فإنّما ملك من نصيبها النصف و هو الربع و استعجل نصف نصيب نفسه،و إنّما بقي له

ص:54


1- التهذيب 7:1511/374،الوسائل 21:301 أبواب المهور ب 41 ح 1.
2- الكافي 6:9/107،التهذيب 7:1492/368،الوسائل 21:294 أبواب المهور ب 35 ح 1.
3- الكافي 6:9/107،التهذيب 7:1492/368،الوسائل 21:294 أبواب المهور ب 35 ح 1.
4- انظر نهاية المرام 1:399.
5- حكاه في التنقيح الرائع 3:239،و المسالك 1:551.
6- حكاه عنه في كشف اللثام 2:91،و انظر المبسوط 4:308.

النصف الآخر من نصيبه،و هو الربع.

الرابع لو أمهرها مدبّرة ثمّ طلّق صارت بينهما نصفين

الرابع:لو أمهرها أمة مدبّرة أو عبداً كذلك،و اقتصر عليها تبعاً للرواية ثمّ طلّق قبل الدخول صارت بينهما نصفين فيتناوبان في خدمتها،فيوم له و يوم لها،بلا خلاف في ذلك.

و لكن في بطلان التدبير،فتملك الزوجة رقبتها و لو بعد موت السيّد؛ أو العدم،فحرّة بعد السبب (1)،و إنّما ينصرف الإمهار إلى الخدمة خاصّة؛ قولان.

فعن النهاية و المهذّب:الثاني (2)لتوقّف البطلان على صريح الرجوع.

و فيه نظر.

و للخبر:عن رجل تزوّج امرأة على جارية له مدبّرة قد عرفتها المرأة و تقدّمت على ذلك،و طلّقها قبل أن يدخل بها؟قال:فقال:« للمرأة نصف خدمة المدبّرة،يكون للمرأة يوم في الخدمة،و يكون لسيّدها الذي دبّرها يوم في الخدمة» قيل له:إن ماتت المدبّرة قبل المرأة و السيّد،لمن يكون الميراث؟قال:« يكون نصف ما تركته للمرأة،و النصف الآخر لسيّدها الذي دبّرها» (3).

و ليس مع قصور السند نصّاً،و لا خلاف فيما تضمّنه من الأحكام.

نعم،ربما أشعر بعض عباراته ك:تقدّمت على ذلك،و ماتت المدبّرة به.

ص:55


1- و هو موت السيد.منه رحمه اللّه.
2- النهاية:473،المهذب 2:209.
3- الكافي 5:3/380،التهذيب 7:1486/367،الوسائل 21:282 أبواب المهور ب 23 ح 1.

و في الاستناد إلى مثله نظر،سيّما في مقابلة ما دلّ على أنّ التدبير وصيّة يبطل بنحو هذا التصرّف،كما هو الأشهر.

و لذا قيل كما عن الحلّي (1)،و تبعه الأكثر،بل عليه كافّة المتأخّرين-:إنّه يبطل التدبير بجعلها مهراً،و هو أشبه لما مرّ.

نعم،يتّجه الأول على القول بعدم تملّكها بالعقد جميع المهر، و إنّما لها منه النصف.مع احتمال الثاني حينئذٍ أيضاً؛ بناءً على وجود العقد الدالّ على الرجوع،كما لو وهب الموصى به قبل الإقباض، فتأمّل.

الخامس لو أعطاها عوض المهر متاعاً أو عبداً آبقاً و شيئاً،ثم طلّق رجع بنصف المسمّى

الخامس:لو أعطاها عوض المهر المسمّى متاعاً أو عبداً آبقاً و شيئاً،ثم طلّق قبل الدخول رجع بنصف مثل المسمّى أو قيمته دون نصف نفس المسمّى و العوض أمّا الأول:فلانتقاله إليه بالمعارضة الجديدة،فيكون بها كالعين التالفة أو الموهوبة له أو لغيره بمعاوضة أو غير معاوضة.

و أمّا الثاني:فلأنّ المستحقّ بالطلاق نصف المفروض،و العوض غيره،فليس له الرجوع في نصفه،أو إجباره عليه.

و للصحيح:عن رجل تزوّج امرأة بألف درهم،فأعطاها عبداً له آبقاً و برداً حبرة بألف درهم التي أصدقها،قال:« إذا رضيت بالعبد و كانت قد عرفته فلا بأس إذا هي قبضت الثوب و رضيت بالعبد» قلت:فإن طلّقها قبل

ص:56


1- السرائر 2:588.

أن يدخل بها؟قال:« لا مهر لها،و تردّ عليه خمسمائة درهم،و يكون العبد لها» (1).

السادس إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع فسد الشرط

السادس:إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع و لا يخلّ بمقصود النكاح و إن كان عرضاً مقصوداً في الجملة فسد الشرط اتّفاقاً، حكاه جماعة (2)؛ و هو الحجّة فيه كالحسنة:« من اشترط شرطاً سوى كتاب اللّه تعالى فلا يجوز ذلك له و لا عليه» (3)،مضافاً إلى النصوص الآتية.

لا ما قيل من مخالفته المشروع،و استلزام وجوب الوفاء به حرمة ما أباحه الشرع أو ندب إليه مثلاً (4).

لمنعها،بعد دلالة الشريعة بلزوم الوفاء بمطلق الشروط (5)،فتكون المخالفة أيضاً شرعيّة،فلا بأس بها بعد قيام الدلالة عليها.

دون العقد و المهر فيصحّان بلا خلاف يوجد هنا،و به صرّح جماعة من أصحابنا (6)،و يظهر من المبسوط أيضاً (7)؛ لنسبته صحّة المهر المستلزمة لصحّة العقد بطريق أولى إلينا،و لا ينافيه تصريحه في الكتاب المذكور بفساد العقد بشرطٍ ينافي المقصود منه (8)؛ لمغايرة مفروض كلامه

ص:57


1- الكافي 5:6/380،التهذيب 7:1484/366،الوسائل 21:282 أبواب المهور ب 24 ح 1.
2- كشف اللثام 2:81.
3- التهذيب 7:1508/373،الإستبصار 3:836/232،الوسائل 21:297 أبواب المهور ب 38 ح 2.
4- قال به الشهيد في الروضة 5:362.
5- عوالي اللئلئ 1:84/218.
6- انظر المسالك 1:549،كشف اللثام 2:81.
7- المبسوط 4:303.
8- المبسوط 4:303 304.

ما فرضناه هنا و ادّعى هو الوفاق فيه جدّاً،و إلّا لكان التناقض منه ظاهراً كما لا يخفى،فتوهّم الخلاف في المقام فاسد كما ترى،فالإجماع المحكيّ بل القطعي هو الحجّة في صحّتهما.

كما لو شرطت أن لا يتزوّج أو لا يتسرّى،و كذا لو شرطت تسليم المهر في أجل فإن تأخّر عنه فلا عقد مضافاً إلى المعتبرة في المثالين:

منها الصحيح:في رجل تزوّج امرأة،و شرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة،أو هجرها،أو اتّخذ عليها سريّة،فهي طالق،فقضى في ذلك أنّ:

« شرط اللّه تعالى قبل شرطكم،فإن شاء وفى بما شرط،و إن شاء أمسك و اتّخذها عليها و نكح» (1)و نحوه غيره من المعتبرة (2).

و منها الصحيح:« في رجل تزوّج المرأة إلى أجل مسمّى،فإن جاء بصداقها إلى أجل مسمّى فهي امرأته،و إن لم يجيء بالصداق فليس له عليها سبيل،شرطوا بينهم حيث أنكحوا،فقضى أنّ بيد الرجل بضع امرأته، و أحبط شرطهم» (3).

و بهما مع الإجماع المركّب يُخَصّ القاعدة الحاكمة بفساد المشروط بفساد شرطه في المفروض (4)إن تمّت.

ص:58


1- التهذيب 7:1500/370،الإستبصار 3:832/231،الوسائل 21:296 أبواب المهور ب 38 ح 1.
2- التهذيب 7:1508/373،الإستبصار 3:836/232،الوسائل 21:297 أبواب المهور ب 38 ح 2.
3- الكافي 5:1/402،التهذيب 7:1498/370،الوسائل 21:265 أبواب المهور ب 10 ح 2 بتفاوت يسير.
4- و هو فساد الشرط الغير المنافي لمقتضى العقد.منه رحمه اللّه.

مضافاً إلى النصوص الأُخر الموافقة لما مرّ في نحو مورده، كالصحيح:« قضى عليّ عليه السلام في رجل تزوّج امرأة و أصدقها و اشترطت أنّ بيدها الجماع و الطلاق،قال:خالفت السنّة،و ولّت الحقّ مَن ليس بأهله» قال:« فقضى أنّ على الرجل النفقة،و بيده الجماع و الطلاق،و ذلك هو السنّة» (1).

و بإزاء هذه الأخبار أخبارٌ أُخر شاذّة قاصرة الأسانيد،و مع ذلك فهي مختلفة ما بين مصرّح بفساد النكاح،كالخبر:في رجل جعل أمر امرأته بيدها؟قال:فقال:« ولّى الأمر من ليس بأهله،خالف السنّة،و لم يجز النكاح» (2).

و مصحّح للشرط و ملزم للوفاء به،كالموثّق:فيمن تزوّج امرأة،ثم طلّقها فبانت منه،فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلّا أن يجعل للّه عليه أن لا يطلّقها و لا يتزوّج عليها،فأعطاها ذلك،ثم بدا له في التزويج بعد ذلك، كيف يصنع؟قال:« بئس ما صنع،و ما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل و النهار،قل له:فليف للمرأة بشرطها،فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال:المؤمنون عند شروطهم» (3).

و حمل الأخيرة في الكتابين تارةً على الندب،و أُخرى على النذر و ينافيهما الاستشهاد بما دلّ على لزوم الوفاء بالشرط من حيث إنّه شرط و ثالثةً على التقيّة؛ لكونه مذهب العامّة (4)،و هو المعيّن،كما يستفاد من

ص:59


1- التهذيب 7:1497/369،الوسائل 21:289 أبواب المهور ب 29 ح 1.
2- الكافي 6:4/137،التهذيب 8:301/88،الإستبصار 3:1113/313،الوسائل 22:93 أبواب مقدمات الطلاق ب 41 ح 5.
3- التهذيب 7:1503/371،الإستبصار 3:835/232،الوسائل 21:276 أبواب المهور ب 20 ح 4؛ بتفاوت يسير.
4- التهذيب 7:371،الاستبصار 3:232.

المعتبرة.

و في المسألة وجهٌ بفساد المهر خاصّة؛ لأنّ الشرط كالعوض المضاف إلى الصداق،فهو في حكم المال،و الرجوع إلى قيمته متعذّر؛ للجهالة، فيجهل الصداق،فيرجع إلى مهر المثل،إلّا أن يزيد المسمّى و الشرط لها، أو ينقص و الشرط عليها،فيجب المسمّى.

أمّا لو شرطت أن لا يقتضّها أو لا يطأها صحّ كلّ من العقد و الشرط مطلقاً،وفاقاً للنهاية و الإرشاد و المسالك (1)؛ تمسّكاً بعمومي ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقد و الشرط،و التفاتاً إلى خصوص المعتبرة الناصّة في المتعة،و المطلقة فيها و في الدائمة.

فالأول:الصحيح:رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوّجه نفسها متعة، فقالت:أُزوّجك نفسي على أن تلتمس منّي ما شئت من نظر و التماس، و تنال منّي ما ينال الرجل من أهله،إلّا أنّك لا تدخل فرجك في فرجي و تلذّذ بما شئت،فإنّي أخاف الفضيحة،قال:« لا بأس،ليس له إلّا ما اشترط» (2).

و الثاني:الموثّق:رجل تزوّج بجارية عاتق على أن لا يقتضّها،ثم أذنت له بعد ذلك،قال:« إذا أذنت له فلا بأس» (3).

و نحوه خبر آخر (4)،في سنده ابن فضّال،المجمع على تصحيح

ص:60


1- النهاية:474،الإرشاد 2:17،المسالك 1:550.
2- الكافي 5:9/467،التهذيب 7:1160/270،الوسائل 21:72 أبواب المتعة ب 36 ح 1؛ و ليس في الجميع لفظة:« متعة».
3- الفقيه 3:1413/297،التهذيب 7:1496/369،الوسائل 21:295 أبواب المهور ب 36 ح 2.
4- التهذيب 7:1510/374،الوسائل 21:298 أبواب المهور ب 39 ح 2.

رواياته،فلا يضرّ ضعف راويه.

و الأول منهما صريح في أنّه لو أذنت له في الوطء جاز و هو الأشهر.

و ربما قيل بالمنع أو استُشكِل فيه؛ لعدم حلّ الفرج بالإذن،بل بالعقد،و لم يثمر الحلّ هنا؛ لمكان الشرط (1).

و فيه مع أنّه اجتهاد في مقابلة النصّ-:أنّ السبب في الحلّ:العقد المتقدّم لا مجرّد الإذن،غاية الأمر أنّ الشرط مانع من عمل السبب عمله، و بالإذن يرتفع المانع.

و منهم من خصّ الجواز في كلّ من العقد و الشرط بالمتعة التفاتاً إلى منافاة الشرط مقتضى العقد؛ بناءً على أنّ من أهمّ مقتضياته حصول التناسل الموقوف على الوطء؛ مع منافاته للسنّة،كما يرشد إليه فحوى الصحيح السابق (2)،الدالّ على مخالفة اشتراط جعل أمر الجماع بيد الزوجة لها،فمخالفة اشتراط عدمه بالمرّة لها بطريق أولى،و معها يفسد، و فساده ملازم لفساد مشروطه بمقتضى القاعدة،خرج عنها الشرط في المسألة السابقة بالإجماع و النصّ المختصَّين بها،بقي ما نحن فيه داخلاً فيها،و لا مخرج له عنها سوى العمومين،و ليس يجريان هنا بعد فساد الشرط كما لا يخفى؛ لاستلزام العمل بهما الوفاء به،و لا يجوز؛ لإطلاق الحسن المتقدّم (3)بعدمه.

و أمّا الخبران،فليس فيهما سوى الإطلاق الغير المنصرف إلى المقام؛

ص:61


1- راجع القواعد 2:38،و الإيضاح 3:208.
2- في ص 59.
3- في ص 57.

لعدم تبادره منهما،و غلبة موردهما في المتعة،مع ظهور الثاني منهما فيها، فليس اللازم منهما سوى الجواز فيها،و نحن نقول به،فهذا القول أقوى، وفاقاً لكثير من الأصحاب (1).

و هنا قولان آخران:فساد الشرط و صحّة العقد إمّا مطلقاً في الدائم و المنقطع كما عن الحلّي (2)و جماعة (3)أو في الأول خاصّة و صحّتهما في الثاني،كما عن ابن حمزة (4).

و ربما نُسِب إلى العلّامة في المختلف القول بفسادهما مطلقاً (5).

و ضعف الجميع يظهر ممّا قدّمناه سيّما الأول و الأخير لو كان لاتّفاق النصوص المعتبرة بدفعهما.

السابع لو شرط أن لا يخرجها من بلدها لزم

السابع:لو شرط أن لا يخرجها من بلدها،لزم على الأصحّ الأشهر.

لأنّه شرط لا يخالف المشروع،فإنّ خصوصيّات الوطن أمر مطلوب للعقلاء بواسطة النشوء و الأهل و الأُنس و غيرها،فجاز شرطه توصّلاً إلى الغرض المباح.

و للصحيح:في الرجل يتزوّج امرأة،و يشترط لها أن لا يخرجها من بلدها،قال:« يفي لهذا بذلك» أو قال:« يلزمه ذلك» (6).

ص:62


1- كالشيخ في المبسوط 4:304،و العلّامة في المختلف:545،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:245.و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:404.
2- حكاه عنه في المختلف:545،و هو في السرائر 2:589.
3- منهم القاضي في المهذب 2:206،و الشهيد الثاني في الروضة 5:362.
4- حكاه عنه في المختلف:545،و هو في الوسيلة:297.
5- المختلف:545.
6- الكافي 5:2/402،التهذيب 7:1506/372،الوسائل 21:299 أبواب المهور ب 40 ح 1.

و الصحيح لابن أبي عمير:قال:قلت لجميل بن درّاج:رجل تزوّج امرأة،و شرط لها المقام بها في أهلها أو بلد معلوم فقال:قد روى أصحابنا عنهم عليهم السلام:« أنّ ذلك لها،و أنّه لا يخرجها إذا شرط ذلك لها» (1).

و لعموم:« المؤمنون عند شروطهم» .خلافاً للحلّي (2)و جماعة (3)،فأبطلوا الشرط و صحّحوا العقد؛ لأنّ الاستمتاع بالزوجة في الأزمنة و الأمكنة حقّ الزوج بأصل الشرع،و كذا السلطنة له عليها،فإذا شرط ما يخالفه كان باطلاً،و حملوا الرواية على الاستحباب.

و يشكل أولاً:بورود مثل ذلك في سائر الشروط السائغة،التي ليست بمقتضى العقد،كتأجيل المهر،فإنّ استحقاقها المطالبة به في كلّ زمان و مكان ثابتٌ بأصل الشرع أيضاً،فالتزام عدم ذلك في مدّة الأجل يكون مخالفاً.و كذا القول في كلّ تأجيل و نحوه من الشروط السائغة.و الحقّ:أنّ مثل ذلك لا يمنع،خصوصاً مع ورود النصّ الصحيح بجوازه بخصوصه، مع اعتضاده بما دلّ على الجواز بعمومه.

و ثانياً:باستلزام فساد الشرط على تقدير تسليمه فساد المشروط بمقتضى القاعدة،و لا مخرج عنها هنا كما في نظائرها،و عموم الأمر بالوفاء بالعقود مضى الجواب عنه،فمقتضاه فساد العقد أيضاً،و لو قيس بمحلّ الوفاق كان باطلاً.

ص:63


1- التهذيب 7:1509/373،الوسائل 21:300 أبواب المهور ب 40 ح 3.
2- السرائر 2:590.
3- منهم الشيخ في الخلاف 4:388،و فخر المحققين في الإيضاح 3:209،و المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد 13:398.

و أمّا حمل الأمر المستفاد من الخبر الذي بمعناه على الاستحباب، فلا ريب أنّه خلاف الحقيقة،فلا يصار إليه،مع إمكان الحمل عليها،و هو ممكن.

فالقول بالجواز أوجه في مسألة النصّ المشهور.

و أمّا المنزل،فكذلك في أظهر الوجهين؛ لعموم الأدلّة،و اتّحاد طريق المسألتين؛ مع التصريح فيه في ثاني الصحيحين المتقدّمين،الظاهر في اشتهار ذلك و مقبوليّته في زمان الصادقين عليهم السلام.

فالقول بالمنع (1)معتذراً بالوقوف فيما خالف الأصل على موضع النصّ ليس في محلّه؛ لمنع مخالفة الأصل أولاً كما مضى بيانه مفصّلاً،ثم الجواب بعد تسليمها بوجوده في النصّ أيضاً.

و متى حكمنا بصحّته صحّ إسقاطه إجماعاً،حكاه فخر المحقّقين (2).

و قيل بالمنع؛ لأنّه حقّ يتجدّد في كلّ آن،فلا يعقل إسقاطه ما لم يوجد حكمه،و إن وجد سببه (3).

و هو مع أنّه استبعاد محض،و منقوض بوجود النظير،كهبة المدّة للمتمتّع بها غير مسموع في مقابلة الإجماع المحكيّ.

و لو تزوّجها بمائة،و لكن شرط لها بقاء استحقاقها ال مائة المزبورة إن خرجت معه إلى بلاده و انتقاص خمسين منها إن لم تخرج معه إليها، فإن أخرجها إلى بلده، و كان بلد الشرك،فلا شرط له عليها،و لم تجب إطاعته عليها في

ص:64


1- جامع المقاصد 13:399.
2- إيضاح الفوائد 3:209.
3- قال به الشهيد الثاني في الروضة 5:366.

الخروج إليه؛ حذراً من لزوم الضرر عليها في دينها غالباً،مع لزوم الهجرة عن بلاد الشرك جزماً.

و لزمته المائة التي عقدها عليها،و لا ينقص منها شيء لفقد شرطه الذي هو الامتناع المستند إلى شهوة نفسها؛ فإنّ الامتناع هنا شرعيّ لا استناد له إليها قطعاً،فيكون الأصل بقاء مهرها المضروب لها.

و إن أرادها إلى بلاد الإسلام،فله الشرط الذي اشترط،فإن طاوعته لزمته المائة،و إلّا فالخمسون؛ لوجود سبب النقص،و هو امتناعها بنفسها.

و هذا الحكم مشهور بين الأصحاب؛ عملاً بعموم لزوم الوفاء بالشروط من حيث عدم منافاته الشرع كما مرّ.

و التفاتاً إلى خصوص الحسن،بل الصحيح:عن رجل تزوّج امرأة على مائة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده،فإن لم تخرج معه فمهرها خمسون ديناراً،أ رأيت إن لم تخرج معه إلى بلاده؟قال:فقال:« إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك،و لها مائة دينار التي أصدقها إيّاها،و إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد المسلمين و دار الإسلام فله ما اشترط عليها،و المسلمون عند شروطهم،و ليس له أن يخرج بها إلى بلاده حتى يؤدّي إليها صداقها،أو ترضى من ذلك بما رضيت،و هو جائز له» (1).

و ليس فيه مخالفة للأُصول،التي منها:لزوم تعيين المهر،و قد تضمّن جهالته بالتردّد بين الزائد و الناقص.

ص:65


1- الكافي 5:9/404،التهذيب 7:1507/373،قرب الإسناد:1191/303،الوسائل 21:299 أبواب المهور ب 40 ح 2؛ بتفاوت يسير.

و منها:عدم استحقاقها الزائد بإخلالها بالشرط الذي هو الخروج معه إلى بلاده و قد تضمّن استحقاقها إيّاه لو أراد إخراجها إلى بلده،الذي هو بلد الشرك.

بناءً على ما قرّرنا من تعلّق الشرط بخصوص النقص،و وقوع العقد في الأصل على الزائد،فلا جهالة فيه من حيث التردّد أصلاً،و إنّما اللّازم من الشرط سقوط النصف منه على تقدير الامتناع من الخروج معه إلى بلده.

و كان استحقاقها الزائد حينئذٍ في محلّه في الصورة المفروض فيها ذلك؛ بناءً على عدم وجود ما يوجب النقص،و هو الامتناع من الخروج معه و إن حصل؛ لكونه بموافقته الشرع كعدمه،فكأنّها لم تمتنع،فلها المهر المضروب لها.

و أمّا إطلاق الحكم فيه بلزوم تسليم جميع المائة لو أراد خروجها إلى بلده،فمقيّد بصورة إرادة الخروج بها قبل الدخول مع امتناعها منه قبل التسليم؛ جمعاً بينه و بين ما دلّ على عدم الوجوب بعده إن امتنعت من التسليم قبل الاستيفاء،و مطلقاً إن لم تمتنع،كما يأتي.

فاندفع عنه ما يوجب التردّد في العمل به كما في الشرائع (1)أو ردّه،كما ارتضاه جماعة (2).

الثامن لو اختلف في أصل المهر فالقول قول الزوج بيمينه

الثامن:لو اختلف الزوجان في أصل المهر بأن ادّعته المرأة و أنكره الزوج، فالقول قول الزوج بيمينه إن كان الاختلاف قبل

ص:66


1- الشرائع 2:329.
2- منهم الشيخ في النهاية:475،و ابن حمزة في الوسيلة:297،و الشهيد الثاني في الروضة 5:363.

الدخول،بلا خلاف و لا إشكال؛ لأنّه منكر لما تدّعيه،و العقد بمجرّده لا يقتضي اشتغال ذمّة الزوج بالصداق؛ لاحتمال تجرّده عن ذكر المهر أو تسميته ما لم يثبت في ذمّة الزوج.

و كذا لو كان بعد الدخول على الأشهر،و هو الأظهر قطعاً مع ثبوت انتفاء التفويض باتّفاقهما عليه،أو البيّنة،أو ما في معناها؛ لجواز كون المسمّى ديناً في ذمّة الزوج،أو عيناً في يدها،فلا يكون العقد المشتمل على التسمية بمجرّده مقتضياً لاشتغال ذمّة الزوج بشيء من المهر.

و ظاهراً مع احتماله (1)أيضاً؛ لأصالة البراءة المرجّحة على أصالة عدم التسمية،مع أنّ فرض التساوي لا يوجب الحكم باشتغال الذمّة إلّا مع رجحان الأصالة الأخيرة،و ليس فليس.

و لو اتّفقا على التفويض،ترتّب عليه حكمه من ثبوت مهر المثل مع الدخول،و المتعة مع الطلاق قبله،من غير إشكال.

و لو ادّعى أحد الزوجين التفويض و الآخر التسمية،فالأظهر أنّ القول قول مدّعي التفويض؛ لأصالة عدم التسمية.لكن ليس للمرأة المطالبة بزيادةٍ على ما تدّعيه من مهر المثل أو التسمية.

و لو ثبت تسميته قدر معيّن إمّا بإقراره،أو البيّنة،أو الشياع،أو ما في معناه ممّا يفيد العلم ثم ادّعى تسليمه و لا بيّنة،كان القول قول الزوجة مع يمينها،على الأشهر الأظهر؛ لأنّه مدّعي التسليم و هي منكرة،فيقدّم قولها فيه.

و في المسألة أقوال منتشرة،أجودها ما سطرناه تبعاً لبعض الأجلّة (2).

ص:67


1- اي التفويض.
2- نهاية المرام 1:410.

و لو اختلفا في المقدار،فالمشهور بغير خلاف بل في المسالك دعوى الوفاق عليه (1)أنّ القول قول منكر الزيادة مطلقاً؛ للأصل، و الصحيح:في رجل تزوّج امرأة،فلم يدخل بها،فادّعت أنّ صداقها مائة دينار،و ادّعى الزوج أنّ صداقها خمسون ديناراً،و ليس لها بيّنة على ذلك، قال:« القول قول الزوج مع يمينه» (2).

خلافاً للقواعد،فقال:و ليس بعيداً من الصواب تقديم من يدّعي مهر المثل،فإن ادّعى النقصان و ادّعت الزيادة،تحالفا و ردّا إليه.و لو ادّعيا الزيادة المختلفة،احتمل تقديم قوله؛ لأنّه أكثر من مهر المثل.و لو ادّعيا النقصان،احتمل تقديم قولها و مهر المثل (3).

و فيه خروج عن النصّ الصحيح،المعتضد بالأصل،و الشهرة، و الإجماع المحكيّ.

و كذا لو خلا بها فادّعت المواقعة و أنكرها الزوج،كان القول قوله بيمينه،على الأشهر الأظهر؛ عملاً بالأصل.

و قيل بالعكس؛ ترجيحاً لظاهر الحال (4).و عليه نزّل ظواهر ما مرّ من الأخبار في استقرار المهر بالخلوة (5)،و هو كما ترى،و التحقيق فيه قد مضى.

التاسع يضمن الأب مهر ولده الصغير

التاسع:يضمن الأب مهر زوجة ولده الصغير الذي زوّجها

ص:68


1- المسالك 1:559.
2- الكافي 5:3/386،التهذيب 7:1476/364،الوسائل 21:274 أبواب المهور ب 18 ح 1.
3- القواعد 2:44.
4- قال به الشهيد الثاني في الروضة 5:378.
5- راجع ص 46.

منه إن لم يكن له أي للولد مال وقت العقد أو كان و لكن ضمن الأب عنه.

و لو كان له مال و لم يكن ضمن كان واجباً على الولد اتّفاقاً منّا،كما عن الخلاف و المبسوط و السرائر و التذكرة (1)،و المعتبرة به مستفيضة:

منها الصحيح:عن رجل كان له ولد،فزوّج منهم اثنين و فرض الصداق،ثم مات،من أين يحسب الصداق،من جملة المال؟أو من حصّتهما؟قال:« من المال،إنّما هو بمنزلة الدين» (2).

و هو كصحيحين آخرين (3)و إن شمل بحسب الإطلاق ضمان الأب للمهر في كلّ من صورتي يسار الولد و إعساره،إلّا أنّه مقيّد بالثاني؛ بالإجماع،و المعتبرة الأُخر:

منها الموثّق:عن الرجل يزوّج ابنه و هو صغير،قال:« إذا كان لابنه مال فعليه المهر،و إن لم يكن للابن مال فالأب ضامن للمهر،ضمن أو لم يضمن» (4).

و الخبر:فيمن زوّج ابنه الصغير،على من الصداق؟قال:« على الأب إن كان ضمنه لهم،فإن لم يكن ضمنه فهو على الغلام،إلّا أن لا يكون

ص:69


1- الخلاف 4:373،المبسوط 4:292،السرائر 2:569،التذكرة 2:608.
2- الكافي 5:3/400،التهذيب 7:1557/389،الوسائل 21:288 أبواب المهور ب 28 ح 3.
3- التهذيب 9:687/169،و 7:1493/368،الوسائل 21:288 أبواب المهور ب 28 ذيل ح 3.
4- الكافي 5:2/400،التهذيب 7:1558/389،الوسائل 21:287 أبواب المهور ب 28 ح 1.

للغلام مال فهو ضامن له و إن لم يكن ضمن» (1).

و نحوه الصحيحان،المرويّ أحدهما عن كتاب عليّ بن جعفر (2)، و الثاني عن كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى (3).

و يستفاد منها ما قدّمناه من ضمانه لمهر الولد مع يساره أيضاً إذا ضمنه،مع أنّي لا أعرف فيه خلافاً هنا.

و إطلاق النصّ و الفتوى يشملان ضمان الأب المهر مع إعسار الولد مطلقاً و لو تبرّأ عن ضمانه.

خلافاً للقواعد و التذكرة،فاستثنى منه صورة التبرّي (4)،و اختاره بعض المتأخّرين (5)؛ تمسّكاً بعموم:« المؤمنون عند شروطهم» .و فيه:أنّ ارتكاب التقييد فيه به ليس بأولى من العكس؛ لكون التعارض بينهما تعارض العمومين من وجه.بل العكس أولى؛ لاعتضاد الإطلاق هنا بفتوى الفقهاء،فيترجّع على العموم المزبور.لكن في شمول مثل هذا الإطلاق لنحو محلّ الفرض إشكال؛ لعدم التبادر منه،و انصرافه إلى غيره.

ثم مع ضمانه صريحاً،لو أدّى فهل يرجع به على الطفل؟الأصحّ:

لا.

ص:70


1- الكافي 5:1/400،التهذيب 7:1559/389،الوسائل 21:287 أبواب المهور ب 28 ح 2.
2- مسائل علي بن جعفر:418/197،الوسائل 21:288 أبواب المهور ب 28 ح 4.
3- نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:349/135،الوسائل 21:289 أبواب المهور ب 28 ح 5.
4- القواعد 2:43،التذكرة 2:609.
5- هو صاحب المدارك في نهاية المراد 1:412.

و كذا لو أدّى تبرّعاً عن الموسر كالأجنبي.

و لو دفعه عنه،ثم بلغ الصبي،فطلّق قبل الدخول،استعاد الولد النصف دون الوالد،بلا خلاف كما حكي (1)؛ و هو الحجّة فيه لو تمّ،لا ما قيل من أنّ ذلك يجري مجرى الهبة له (2)،فإنّه مجرّد دعوى خالية عن الدليل.

و كذا لو أدّى عن الكبير تبرّعاً.

و ربما يستدلّ للحكم بإطلاق النصوص الحاكمة بتنصيف المهر بالطلاق و عوده إلى الزوج (3)،و في شموله للمقام نوع كلام.

و دفعه (4)بالإجماع على شموله له بالنظر إلى التنصيف،فيشمل العود أيضاً بقرينة السياق بعد تحقّق هذا الإجماع.

مدفوعٌ بتوقّف صحّته على انعقاد الإجماع على الشمول المذكور، و ليس بمعلوم،فيحتمل انعقاده على أصل التنصيف لا على استفادته من الإطلاق.

و أصالة عدم الانتقال إلى الأب بعد خروج النصف عن ملك الزوجة بالطلاق بالوفاق لو تمسّك بها لا توجب انتقاله إلى الولد إلّا بعد خلوّها عن المعارض،و ليس،فإنّها معارضة بمثلها،و هو أصالة عدم الانتقال إلى الولد،فترجيح أحدهما لا بدّ له من مرجّح،و ليس،فللتوقّف فيه وجه، كما صرّح به في الشرائع (5)،و تبعه قوم كما حكي (6).

ص:71


1- مفاتيح الشرائع 2:281.
2- قاله الشهيد الثاني في الروضة البهية 5:374،و صاحب المفاتيح 2:281.
3- قال صاحب الحدائق 24:576.
4- أي الكلام.
5- الشرائع 2:333.
6- انظر مفاتيح الشرائع 2:281.

و لو لم يكن دفعه قبل الطلاق،قيل:يبرأ ذمّة الأب عن النصف، و لزمه النصف للزوجة (1).

و قيل:بل يلزمه الكلّ مع إعسار الزوج،فيدفع النصف الآخر إليه؛ لأنّه ليس بهبة حينئذٍ ليحتاج إلى القبض (2).

العاشر للمرأة أن تمنع حتى تقبض مهرها

العاشر:للمرأة أن تمنع من تسليم نفسها إلى الزوج قبل الدخول بها حتى تقبض مهرها إن كان حالّا،عيناً كان أم منفعة،متعيّناً كان أم في الذمّة،موسراً كان الزوج أم معسراً.

إجماعاً فيما عدا الأخير،حكاه جماعة،منهم:شيخنا في المسالك و الروضة (3)؛ و هو الحجّة فيه،دون مفهوم بعض المعتبرة:

كالموثّق:عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها،ثم جعلته في حلّ من صداقها يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً؟قال:« نعم،إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه» (4).

إذ اللازم منه بعد تسليم دلالته عدم جواز الدخول مع عدم إعطاء شيء،و ذلك مع مخالفة عمومه الإجماع غير ملازم لجواز امتناعها من التسليم معه،فقد لا يجوز لها مع حرمة دخول الزوج بها قبل الإعطاء، فتأمّل.

و على الأشهر في الأخير أيضاً،بل عن الغنية الإجماع ظاهراً (5)؛ بناءً على أنّ النكاح في معنى المعاوضة و إن لم تكن محضة،و من حكمها:أنّ

ص:72


1- قال به العلّامة في القواعد 2:44.
2- مفاتيح الشرائع 2:281.
3- المسالك 2:540،الروضة البهية 5:372.
4- التهذيب 7:1513/374،الوسائل 21:301 أبواب المهور ب 41 ح 2.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):610.

لكلّ من المتعاوضين الامتناع من التسليم إلى أن يسلّم إليه الآخر مطلقاً، و غاية الإعسار المنع من المطالبة،و هو لا يقتضي وجوب التسليم إليه قبل قبض العوض،فالقول بأنّ ليس لها الامتناع حينئذٍ لمنع مطالبته كما عن الحلّي (1)ضعيف،كذا قالوه.

و هو جيّد إن تمّ ما ادّعوه من الدليل على أنّ لها الامتناع،و هو كون النكاح في معنى المعاوضة،لكنّه محلّ تأمّل،كيف لا؟!و لم يقم عليه بحيث يشمل المقام دليل،بل على تقديم قيام الدلالة عليه ربما منع ممّا ادّعوه من حكمها.

فإذاً المصير إلى ما قاله الحلّي لا يخلو عن قوّة،وفاقاً لجماعة (2)؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل المدلول عليه بالأدلّة القطعيّة الدالّة على وجوب إطاعة الزوج على الزوجة على القدر المتّفق عليه،و هو ما قدّمناه.

لكن الظاهر انعقاد الإجماع هنا حتى من الحلّي؛ لاعتذاره في المخالفة بما ينبئ عن الموافقة لهم في الأصل المتقدّم من أنّها معاوضة يترتّب عليها الحكم السالف،و أنّ الداعي له عليها هو ما ذكره من الدلالة المردودة بما ذكره الجماعة،فالمصير إلى ما ذكروه أقوى.

و احترزنا بالحالّ عمّا لو كان مؤجّلاً،فإنّ تمكينها لا يتوقّف على قبضه إجماعاً كما حكاه جماعة (3)إذ لا يجب لها حينئذٍ شيء،فيبقى وجوب حقّه عليها بغير معارض.

و لو أقدمت على فعل المحرّم و امتنعت به أو بعذر شرعي كالمرض

ص:73


1- السرائر 2:591.
2- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:414،و صاحب الكفاية:180.
3- المهذب البارع 3:416،انظر الكفاية:180.

و نحوه عن التسليم إلى أن حلّ الأجل،ففي جواز امتناعها إلى أن تقبضه تنزيلاً له منزلة الحالّ ابتداءً و عدمه بناءً على وجوب تمكينها قبل الحلول فيستصحب؛ و لأنّها لمّا رضيت بالتأجيل بنت أمرها على أن لا حقّ لها في الامتناع،فلا يثبت بعد ذلك لانتفاء المقتضي وجهان،أجودهما:

الثاني،سيّما على المختار من لزوم الاقتصار فيما خالف الأصل المتقدّم على ما انعقد عليه الإجماع،و ليس المقام منه؛ لتحقّق الخلاف.

و لو كان بعضه حالّا و بعضها مؤجّلاً،كان لكلّ واحد منهما حكم مماثله.

ثم على المشهور،إنّما يجب على الزوج تسليم المهر إذا كانت مهيّاة للاستمتاع،فلو كانت ممنوعة بعذر و إن كان شرعيّاً كالإحرام لم يلزم؛ لأنّ الواجب التسليم من الجانبين،فإذا تعذّر من أحدهما لم يجب من الآخر.

نعم،لو كانت صغيرة يحرم وطؤها،فالأقوى تبعاً لجماعة من أصحابنا (1)،سيّما على ما اخترنا وجوب دفع مهرها إذا طلبه الوليّ؛ لأنّه حقّ ثابت حالّ،طلبه من له حقّ الطلب،فيجب دفعه كغيره من الحقوق.

و عدم قبض العوض الآخر غير مانع؛ أمّا على المختار فواضح؛ و أمّا على غيره فلمجيئه من قبل الزوج حيث عقد عليها كذلك موجباً على نفسه عوضاً حالاً،و رضي بتأخير قبض العوض إلى محلّه،و هذا بخلاف النفقة؛ لأنّ سبب وجوبها التمكين التامّ دون العقد.و وجه عدم الوجوب قد علم ممّا سلف مع جوابه.

ص:74


1- منهم الشهيد الثاني في الروضة 5:371،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:414،و السبزواري في كفاية الأحكام:180.

و هل لها ذلك أي الامتناع- بعد الدخول بها؟ قولان،أشبههما و أشهرهما بل عن السرائر و الغنية الإجماع عليه (1)-: أنّه ليس لها ذلك لاستقرار المهر بالوطء،و قد حصل تسليمها نفسها برضاها،فانحصر حقّها في المطالبة دون الامتناع.

و لأنّ النكاح معاوضة،و متى سلّم أحد المتعاوضين العوض الذي من قبله باختياره لم يكن له بعد ذلك حبسه ليتسلّم العوض الآخر.

و لأنّ منعها قبل الدخول ثابت بالإجماع،و لا دليل عليه بعده،فينتفي بالأصل السالف،فإنّ التسليم حقّ عليها،و المهر حقّ عليه،و الأصل عدم تعلّق أحدهما بالآخر،فيتمسّك به إلى أن يثبت الناقل.

خلافاً للمفيد و المبسوط،فلها الامتناع (2)؛ لأنّ المقصود بعقد النكاح منافع البضع،فيكون المهر في مقابلها،و يكون تعلّق الوطء الأوّل به كتعلّق غيره.

و هو قويّ؛ للاستصحاب الذي لا يعارضه شيء ممّا ذكره الأصحاب.إلّا أنّ الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ربما أشكلت المصير إليه،سيّما مع دعوى الحلّي و العلوي على خلافه الإجماع كما حكي؛ فهو الحجّة فيه،مع الشهرة العظيمة الدافعة للقول المزبور،و للقول بتخصيص عدم جواز الامتناع بما إذا سلّمت نفسها اختياراً،و أمّا لو دخل بها مكرهاً فحقّ الامتناع بحاله؛ لأنّه قبض فاسد،فلا يترتّب عليه أثر الصحيح،كما عن ابن حمزة (3).

ص:75


1- السرائر 2:591،الغنية(الجوامع الفقهية):610.
2- المفيد في المقنعة:510،المبسوط 4:313.
3- الوسيلة:299.

النظر الثالث في القَسم و النشوز و الشقاق

اشارة

النظر الثالث في القَسم و النشوز و الشقاق

أمّا القَسم
اشارة

أمّا القَسم و هو بفتح القاف،مصدر:قسمت الشيء،و المراد به:

قسمة الليالي بين الأزواج.أمّا بالكسر فهو:الحظّ و النصيب.

و لا ريب و لا خلاف في وجوبه في الجملة؛ لما فيه من العدل بينهنّ، و تحصينهنّ،و المعاشرة بالمعروف المأمور بها في الآية (1).

قيل:و للتأسّي (2).و فيه نظر؛ لمنع وجوبه أوّلاً،ثم على تقدير تسليمه منعه هنا؛ لعدم وجوبه عليه في المشهور بين الخاصّة و العامّة، و لا يجب التأسّي إلّا فيما يفعله صلى الله عليه و آله وجوباً،أو ما لم يعلم عدم وجوبه.

و فيما مرّ كفاية لإثبات الوجوب؛ مضافاً إلى النصوص المستفيضة:

منها:« من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة و شقّه (3)مائل،أو ساقط» (4).

و هل يجب بنفس العقد و التمكين،

للزوجة الواحدة ليلة و للاثنتين ليلتان،و للثلاث ثلاث

ف يجب للزوجة الواحدة ليلة من أربع و للاثنتين ليلتان،و للثلاث ثلاث،و الفاضل من تمام

ص:76


1- النساء:19.
2- انظر الروضة البهية 5:411،و الحدائق 24:588.
3- الشقّ:من كلّ شيء نصفه القاموس المحيط 3:258.
4- عقاب الأعمال:331،الوسائل 21:341 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 3 ح 1؛ و انظر عوالي اللئلئ 1:90/272،المستدرك 15:109 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 12 ح 1؛ بتفاوت،و رواه البيهقي في سننه 7:297 بتفاوت.

الأربع ليالي يضعه حيث يشاء في الزوجات كما في المعتبرة (1)، و عليه الإجماع عن الخلاف و الغنية (2)أو غيرهنّ، و لو كُنّ أربعاً فلكلّ واحدة ليلة أم يتوقّف على الشروع في القسمة،فلا تجب إلّا للمتعدّدة خاصّة إلى أن ينقضي الدور فحلّ تركه؟قولان.

قيل:يبنيان على أنّ القسمة هل هي حقّ لهما ابتداءً؟أو للزوج خاصّة؟و المشهور:الأول؛ لاشتراك ثمرته و هي الاستئناس،و للصحيح (3)و غيره (4):في الرجل يكون عنده امرأتان إحداهما أحبّ إليه من الأُخرى، قال:« له أن يأتيها ثلاث ليال و للأُخرى ليلة،فإن شاء أن يتزوّج أربع نسوة كان لكلّ امرأة ليلة،فلذلك كان له أن يفضّل بعضهنّ على بعض ما لم يكنّ أربعاً» .و المحقّق و الشهيد الثاني (5)على الثاني؛ لأنّه المتيقّن،و الأصل براءة الذمّة؛ و لأنّ حقّ الاستمتاع ليس للزوجات،و من ثمّة لم يجب على الزوج بذله إذا طلبته،و الجماع لا يجب إلّا في كلّ أربعة أشهر،و إنّما وجبت القسمة للمتعدّدة مع الشروع مراعاةً للعدل،و لظاهر فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [1] (6)؛ دلّت على أنّ الواحدة كالأمة -

ص:77


1- الوسائل 21:337 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 1.
2- الخلاف 4:413،الغنية(الجوامع الفقهية):610.
3- الفقيه 3:1283/270،الوسائل 21:338 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 1 ح 3.
4- التهذيب 7:1679/419،الاستبصار 3:866/242،علل الشرائع:1/503،الوسائل 21:337 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 1 ح 2.
5- المحقق في الشرائع 2:335،الشهيد الثاني في الروضة 5:411.
6- النساء:3.

لا حقّ لها في القسمة المعتبر فيها العدل،فلو وجبت لها ليلة من الأربع لساوت غيرها،و كلّ من قال بعدم الوجوب للواحدة قال بعدمه للأزيد أيضاً،إلّا مع الابتداء بواحدة فيجب التسوية (1).انتهى.

و في كلّ من البناء و دعوى تلازم القول بنفي الوجوب للواحدة و نفيه للأزيد نظر:

أمّا الأول:فلتصريح العلّامة في التحرير باشتراك الحقّ بينهما مع اختياره القول الثاني (2)،و نحوه الماتن في الشرائع و الشهيد الثاني في الروضة (3)،و ليس في مختارَيهم مناقضة،فقد يكون مرادهم من شركة الزوجة في القسمة استحقاقها لها بعد الشروع فيها لا مطلقاً.

و أمّا الثاني:فلتصريح ابن حمزة باشتراط وجوب القسمة بزيادة الزوجة على واحدة (4)،الظاهر في وجوبها للمتعدّدة دون الواحدة،و حكي أيضاً عن ظاهر جماعة،كالمقنعة و النهاية و المهذّب و الجامع (5).

فليس في الآية دلالة على نفي الوجوب للمتعدّدة.

و أصالة البراءة و غيرها ممّا ذكر لنفيه فيها أيضاً مدفوعة بإطلاق الصحيح و غيره بأنّ« لكلّ امرأة ليلة» الشامل لصورتي الشروع في القسمة و عدمه.و التقييد بالأُولى يحتاج إلى دليل،و ليس.

فالقول بوجوب القسمة للمتعدّدة غير بعيد.

ص:78


1- قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:291.
2- التحرير 2:40.
3- الشرائع 2:335،الروضة 5:404،411.
4- الوسيلة:312.
5- المقنعة:517،النهاية:483،المهذب 2:225،الجامع للشرائع:456،حكاه عنهم في كشف اللثام 2:94.

لكن يمكن المناقشة في الإطلاق باختصاصه بحكم التبادر و السياق،بل و الغلبة بما قُيِّد به من الصورة الأُولى دون الثانية، فلا يخصَّص بمثله أصالة البراءة.

و أمّا إطلاق الأمر بالقسمة في بعض المعتبرة (1)،فمع ما فيه من المناقشة المزبورة،قرائن الاستحباب فيه موجودة.

فالقول بمقالة الجماعة المتأخّرة في غاية القوّة.

كلّ ذا في المتعدّدة.

و أمّا الزوجة الواحدة،فينبغي القطع بعدم استحقاقها القسمة بالمرّة؛ لأصالة البراءة السالمة عن المعارض و لو نحو الإطلاقات السابقة،و دعوى.

الإجماع المركّب قد عرفت أنّها ممنوعة،مضافاً إلى ظاهر الآية السابقة.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة:وجوب القسمة للواحدة و المتعدّدة مطلقاً شرع فيها أم لا،و اختصاصه بالمتعدّدة مطلقاً، و عدمه إلّا مع الشروع فيها.

ثم إن تعدّدن،ابتدأ بالقرعة،فإن كانتا اثنتين،و إلّا افتقر إلى قرعة أُخرى للثانية،و هكذا؛ لئلّا يرجّح بغير مرجّح.

و قيل:يتخيّر (2).قيل:و على قول الشيخ يتخيّر من غير قرعة (3).

و لعلّه لأنّه حقّه،فله التخيير في وضعه في أيّهنّ شاء.و لكنّه في المبسوط صرّح بلزوم القرعة (4).

و لا تجوز الزيادة في القسمة على ليلة بدون رضاهن،و هو أحد

ص:79


1- انظر الوسائل 21:339 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 2 ح 4.
2- المسالك 1:563،كفاية الأحكام:186.
3- انظر الروضة البهية 5:411.
4- المبسوط 4:326.

القولين و أشهرهما في المسألة؛ لأنّه الأصل المحقّق المعلوم من النصوص (1)و لئلاّ يلحق بعضهنّ ضرر بذلك،فقد يعرض ما يقطعه عن القسم للمتأخّرة.

و الآخر:جوازها مطلقاً (2)؛ للأصل.و يدفع بما مرّ.

و ربما قيل به مقيّداً بالضرر،كما لو كنّ في أماكن متباعدة يشقّ عليه الكون كلّ ليلة مع واحدة،و حينئذٍ يتقيّد بما يندفع به الضرر،و يتوقّف ما زاد على رضاهن (3).

و هو حسن إن لم يمكن دفع الضرر بنحو آخر،كرفع التباعد، و تقريب أماكنهن؛ و يشكل مع الإمكان.

لا يجوز الإخلال إلّا مع العذر أو الإذن

و لا يجوز الإخلال بالمبيت الواجب إلّا مع العذر كنشوزها إلى أن ترجع إلى الطاعة،و السفر مطلقاً أو الإذن منهنّ أو من بعضهنّ فيما يختصّ الإذن به.

الواجب المضاجعة بالليل

و الواجب في البيتوتة هو المضاجعة خاصّة،و هي:أن ينام معها قريباً منها عادةً،معطياً لها وجهه دائماً أو أكثريّاً،بحيث لا يعدّ هاجراً، و إن لم يتلاصق الجسمان.

و لا يعتبر فيها حصولها في جميع الليل،بل يكفي فيه ما يتحقّق معه المعاشرة بالمعروف.

و لا يجب فيها المواقعة لأنّها لا تجب إلّا في كلّ أربعة أشهر،كما مضى إليه الإشارة (4)؛ و بعدم وجوبها فيها صرّحت معتبرة إبراهيم الكرخي الآتية.

ص:80


1- انظر الوسائل 21:343 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 5 ح 2 و 3.
2- مع رضاهنّ أم لا.منه رحمه اللّه.
3- قاله الشهيد الثاني في الروضة 5:411.
4- في ص 77.

و لا خلاف في شيء من ذلك.

و يختصّ الوجوب بالليل على الأشهر الأظهر،فلا يجب النهار؛ تمسّكاً بالأصل،و ظواهر المعتبرة المصرّحة بالليلة (1)،الظاهرة في اختصاص الواجب بها؛ مع أنّ النهار وقت التردّد و الانتشار في الحوائج، قال اللّه تعالى وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً [1] (2)،فلا تجب القسمة فيه.

خلافاً للمحكيّ عن الإسكافي،فأوجب القيلولة في صبيحة تلك الليلة عند صاحبتها (3).

و للمبسوط،فأوجب الكون مع صاحبة الليلة نهاراً (4)،و وافقه في التحرير،لكنّه جعل النهار تابعاً للّيلة الماضية (5).

و لا دليل على شيء من ذلك،مع مخالفته لما قدّمناه من الأدلّة.

نعم،يمكن الاستدلال للمبسوط بالأخبار الآتية الدالّة على أنّ للحرّة يومين و للأمة يوم (6)،و الدالّة على تخصيص البكر و الثيّب بالأيّام (7)؛ بناءً على كون اليوم اسماً لمجموع الليلة و النهار.

لكنّها مع معارضتها بما مرّ معارضة بالمعتبرة الأُخر في المقامين، المصرّحة بدل اليوم بالليلة،فلا بدّ من التجوّز في أحد الطرفين،إمّا بأن

ص:81


1- الوسائل 21:أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 1،5،9.
2- النبإ:11.
3- حكاه عنه في المختلف:580.
4- المبسوط 4:327.
5- التحرير 2:40.
6- انظر الوسائل 20:509 510 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 46 الأحاديث 2،3،4.
7- الوسائل 21:339 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 2.

يراد من اليوم الليلة خاصّة تسميةً للجزء باسم كلّه،أو يراد من الليلة مجموع اليوم المشتمل على النهار تسميةً للكلّ باسم جزئه.و الترجيح للأول؛ لكثرة الأخبار الدالّة على الليلة،المعتضدة بما قدّمناه من الأدلّة؛ و مع ذلك فهي بحسب الأسانيد معتبرة،دون الأخبار المعارضة؛ لقصور سند ما يتعلّق بالقسم الأول طرّاً.

فالمصير إلى ما هو المشهور متعيّن جدّاً،و لكن الاحتياط معه،سيّما مع ما فيه من العدالة و حسن الإنصاف المرغب إليهما شرعاً.

و أمّا ما في رواية إبراهيم الكرخي الصحيحة إليه، المتضمّن لمن أجمع على تصحيح رواياته العصابة،فلا تضرّ الجهالة من أنّه: « إنّما عليه أن يكون عندها في ليلتها،و يظلّ عندها في صبيحتها و ليس عليه أن يجامعها إذا لم يرد ذلك» (1).

فليس فيه دلالة على شيء من الأقوال المتقدّمة حتى الأول؛ لتصريحه بالقيلولة الغير الملازم للكون معها في صبيحة الليلة بالمرّة، فالاستدلال له به لا وجه له بالمرّة؛ و مع ذلك فلا تقاوم شيئاً ممّا قدّمناه من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة،فحمله على الاستحباب متعيّن.

ثمّ ليس المراد من البيتوتة معها في الليلة القيام معها في جميعها،بل ما يعتاد منها،و هو بعد قضاء الوطر من الصلاة في المسجد،و مجالسة الضيف،و نحو ذلك؛ حملاً للإطلاق على المتعارف،مع عدم منافاته للمعاشرة بالمعروف المأمور بها في الآية.

نعم،ليس له الدخول في تلك الليلة على الضرّة إلّا للضرورة فيما

ص:82


1- الكافي 5:34/564،الفقيه 3:1282/270،التهذيب 7:1689/422،الوسائل 21:342 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 5 ح 1.

قطع به الأصحاب؛ لمنافاته المعاشرة المزبورة،و من الضرورة:عيادتها إذا كانت مريضة،و قيّده في المبسوط بثقل المرض و إلّا لم يجز،فإن مكث وجب قضاء زمانه ما لم يقصر بحيث لا يعدّ إقامة عرفاً،فيأثم خاصّة (1).

ثم إطلاق النصّ و الفتاوي بوجوب الليلة وارد مورد الغلبة،و هي ما يكون معاشه نهاراً،فلو انعكس كالوقّاد،و الحارس،و البزّار فعماد قسمته النهار خاصّة بلا خلاف؛ جمعاً بين الحقّين،و دفعاً للضرر،و التفاتاً إلى قوله تعالى جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً [1] (2)،فتأمّل.

و لو كان مسافراً معه زوجاته،فعماد القسمة في حقّه وقت النزول، قليلاً كان أم كثيراً،ليلاً أم نهاراً؛ لبعض ما مرّ.

إذا اجتمع مع الحرّة أمة بالعقد فللحرّة ليلتان،و للأمة ليلة

و إذا اجتمع مع الزوجة الحرّة أمة بالعقد الدائم حيث جوّزناه فللحرّة ليلتان،و للأمة ليلة على الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل عليه الإجماع عن الخلاف (3)و غيره (4)،و النصوص به مستفيضة.

ففي الصحيح:« إذا كانت تحته أمة مملوكة،فتزوّج عليها حرّة،قسم للحرّة مثلي ما يقسم للملوكة» (5)و نحوه الموثّق (6)و غيره (7).

ص:83


1- المبسوط 4:327 328.
2- الفرقان:62.
3- الخلاف 4:412.
4- انظر الغنية(الجوامع الفقهية):610،و إيضاح الفوائد 3:248،و مفاتيح الشرائع 2:292.
5- التهذيب 7:1686/421،الوسائل 21:346 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 8 ح 1.
6- التهذيب 7:1684/421،الوسائل 21:346 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 8 ح 2.
7- نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:294/117،الوسائل 21:347 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 8 ح 4.

و خلاف المفيد حيث نفى القسمة للأمة (1)مع خلّوه عن المستند، شاذٌّ لا يلتفت إليه،سيّما في مقابلة ما مرّ من الأدلّة.

ثم إنّ التثليث و إن كان يتحقّق بتنصيف الليلة للأمة و تتميمها للحرّة فلهما ليلة و نصف من أربع ليال،و ليلتان و نصف له يضعها حيث يشاء إلّا أنّ المشهور تخصيصه بتثليث الليالي،فللأمة ليلة،و ضِعفها للحرّة، و يكون ذلك من ثمان؛ جمعاً بين حقّهما و حقّ الزوج،فيكون الذي له منها خمس يضعها حيث يشاء،و لهما ثلاث،و أكثر النصوص و إن خلت عن ذلك إلّا أنّ الباقي مصرّح به.

ففي القويّ:« فإن تزوّج الحرّة على الأمة فللحرّة يومان و للأمة يوم» (2)و نحوه خبران آخران (3).

و في الموثّق:« للحرّة ليلتان،و للأمة ليلة» (4)و نحوه غيره (5).

مضافاً إلى الإجماع عليه عن الخلاف و غيره.

و التأيّد بما ذكره جماعة من أنّ في تنصيف الليلة تنغيصاً (6)للعيش

ص:84


1- المقنعة:518.
2- الكافي 5:9/360،الوسائل 20:509 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 46 ح 3.
3- أحدهما في:الكافي 5:3/359،الوسائل 20:509 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 46 ح 2. و الآخر في:التهذيب 7:1409/344،الوسائل 20:510 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 46 ح 4.
4- الفقيه 3:1284/270،التهذيب 7:1685/421،الوسائل 21:346 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 8 ح 3.
5- دعائم الإسلام 2:924/245،المستدرك 15:104 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 6 ح 1.
6- نَغَّصَ اللّه عليه العيش تنغيصاً،أي كدّره الصحاح 3:1059.

و دفعاً للاستئناس،و أنّ أجزاء الليل يعسر ضبطها غالباً،فلا يكون مناطاً للأحكام الشرعيّة (1).

فتنظّر بعض الأصحاب فيما ذكروه من التثليث بحسب الليالي (2)بناءً على أنّ الأصل في دور القسمة أربع ليال،فالعدول إلى جعله من ثمان،كما هو اللازم عليه بمجرّد عدم صحّة القسمة،من دون ليلة كاملة،مشكل، سيّما مع إمكانها بالعوارضات الخارجة ليس في محلّه.

ثمّ إنّ إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي جواز الجمع بين ليلتي الحرّة و التفريق بينهما.و لكن أوجب بعض الثاني مع عدم رضائها بالأول،ليقع لها من كلّ أربع واحدة (3)؛ و لعلّه ناظر إلى ثبوت الحقّ لها في كلّ أربع ليال واحدة،و لا يسقط ذلك باجتماعها مع الأمّة،و ليس في الإطلاقات ما ينافيه بوجهٍ بالمرّة.

و هو حسن،لكنّه على إطلاقه مشكل؛ لتوقّف ثبوت الحقّ المزبور على المشهور من ثبوت القسمة أول مرّة و لو لم يكن هناك زوجات متعدّدة،و أمّا على غيره فلا،إلّا مع التعدّد و الشروع في القسمة الموجبين لثبوت الحقّ المزبور لها،و هو اجتماعها مع الحرّة،و ليس اجتماعها مع الأمة بعد الشروع في القسمة لهما منه قطعاً،كيف لا؟!و ثبوته لها إلى هذا الحدّ يحتاج إلى دليل،و ليس؛ لعدم النصّ و الإجماع؛ لإطلاقهما بحقّها (4)من دون تصريح بالتفريق أو الجمع،و هو يقتضي جواز كلّ من الأمرين.

ص:85


1- انظر نهاية المرام 1:421،و الحدائق 24:600،و كشف اللثام 2:96.
2- كالشهيد الثاني في المسالك 1:564.
3- حكاه في نهاية المرام 1:421.
4- أي الحرّة.منه رحمه اللّه.

هذا،مع أنّ إطلاق الحكم بوجوب التفريق لتحصيل الحقّ ليس في محلّه،فقد يحصل مع الجمع،كما إذا شرع في قسمتها في الليلة الرابعة من ليالي القسمة ثم تلاها بالليلة الخامسة،فيحصل حينئذٍ من كلّ أربع واحدة.

و الكتابيّة الحرّة كالأمة المسلمة،فللحرّة المسلمة ليلتان و لها ليلة،بلا خلاف يُعبأ به بين الطائفة،بل عن الخلاف الإجماع (1)؛ و يدلّ عليه بعده عموم:أنّها بمنزلة الإماء،المستفاد من المعتبرة (2)،و خصوص الخبر المنجبر قصور سنده بالشهرة مع أنّه عدّ مثله في الصحيح جماعة (3)-:« للمسلمة الثلثان،و للأمة و النصرانيّة الثلث» (4).

فتوقّف بعض من تأخّر (5)ليس في محلّه.

و الكتابيّة الأمة لها ربع القسمة؛ لئلّا تساوي الأمة المسلمة،و للأصل مع عدم المخرج عنه،سوى إطلاق الخبر المتقدّم بالتنصيف للنصرانيّة، و ليس فيه حجّة لتخصيص الأصالة المزبورة؛ بناءً على أنّ المتبادر منها بحكم سياق العبارة،حيث جعلت في مقابلة الأمة كونها حرّة.

و من هنا يظهر دليل آخر للحكم في المسألة السابقة؛ بناءً على مخالفة وجوب القسمة لأصالة البراءة،فيكتفى في الخروج عنها بالإضافة إلى الكتابيّة الحرّة على ما هو المتيقّن من الأدلّة،و ليس إلّا كونها كالأمة؛ إذ

ص:86


1- الخلاف 4:411.
2- الكافي 5:11/358،الوسائل 20:545 أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه ب 8 ح 1.
3- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:422.
4- الكافي 5:5/359،نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:300/118،الوسائل 20:544 أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه ب 7 ح 3.
5- كالشهيد الثاني في المسالك 1:564.

مساواتها للحرّة المسلمة لا دليل عليها،سوى إطلاق الأدلّة بأنّ للحرّة من أربع ليال ليلة،و ليس ينصرف إلى مثلها بالضرورة.

و من هنا ينقدح الوجه فيما قاله الماتن من أنّه لا قسمة للموطوءة بالملك مضافاً إلى الإجماع عليه.و في حكمها الموطوءة بالعقد المنقطع و التحليل؛ لعين ما مرّ من الأدلّة.

تختصّ البكر عند الدخول بثلاث ليال إلى سبع

و تختصّ البكر عند حدثان عرسها و الدخول عليها استحباباً لا وجوباً للأصل،مع انتفاء الصارف عنه من النصّ و كلام أكثر الأصحاب، من حيث عدم تضمّنهما ما يدلّ على الوجوب،سوى الأمر في بعض النصوص (1)،و لوروده في مقام جواب السؤال عن جواز التفضل لا دلالة له على الوجوب؛ لوروده في مقام توهّم الحظر- بثلاث ليال إلى سبع وفاقاً للشيخ في كتابي الأخبار (2).

جمعاً بين الأخبار المختلفة المصرحة بالأول،كالصحيح (3)و غيره (4):

« إذا تزوّج الرجل بكراً و عنده ثيّب فله أن يفضّل البكر ثلاثة أيّام» .و بالثاني،كالصحيح (5)و غيره (6):الرجل يكون عنده المرأة يتزوّج

ص:87


1- انظر الوسائل 21:340 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 2 ح 8.
2- الاستبصار 3:241،التهذيب 7:420.
3- التهذيب 7:1681/420،الإستبصار 3:865/242،الوسائل 21:340 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 2 ح 6.
4- التهذيب 7:1679/419،الإستبصار 3:866/242،الوسائل 21:340 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 2 ح 7.
5- الفقيه 3:1281/269،الوسائل 21:339 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 2 ح 1.
6- التهذيب 7:1682/420،الإستبصار 3:864/241،الوسائل 21:340 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 2 ح 5.

أُخرى،إله أن يفضّلها؟قال:« نعم،إن كانت بكراً فسبع،و إن كانت ثيّباً فثلاثة أيّام» .و صريح الشيخ في الكتابين أفضليّة الأول.

خلافاً للأكثر،فالثاني،و هو أظهر؛ لرجحان أخباره بالشهرة العظيمة، بل و إجماع الطائفة كما حكاه عن خلافه بعض الأجلّة (1).و من هنا يظهر عدم الخلاف في جواز التخصيص بالسبع،و حكى عليه الإجماع جماعة (2).

و هل هو على سبيل الاستحقاق خاصّة،فلا يقضي منها شيئاً لغيرها، كما هو ظاهر إطلاق النصّ و الفتوى؟أم لا تستحقّ منها سوى الثلاث،و أمّا البواقي فلا،بل غاية الأمر جواز تقديمها،و معه فيقضيها للباقيات؟قولان.

و لم يُنقَل الأخير إلّا عن الإسكافي (3)؛ و لا دليل عليه سوى ما قيل عنه من الجمع بين الروايات (4)،و هو جيّد مع وضوح الشاهد عليه،و ليس، فليس؛ مع أنّه قريب ممّا ذكرته العامّة و ما أوردوا فيه من الرواية.

كلّ ذا في البكر.

و أمّا الثيّب المضاهية لها في حدثان العرس فتختصّ عنده بثلاث بلا خلاف في أكثر النصوص و الفتاوي.

و ربما يوجد في بعض الأخبار و الفتاوي (5)التفضيل بالسبع،ففي العلل:إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله تزوّج زينب بنت جحش،فأولم و أطعم الناس

ص:88


1- حكاه عنه في كشف اللثام 1:97،و هو في الخلاف 4:414.
2- منهم الشيخ في الخلاف 4:414،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):610،و الشهيد الثاني في المسالك 1:565،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:97.
3- المسالك 1:565،مفاتيح الشرائع 2:292.
4- المسالك 1:565،مفاتيح الشرائع 2:292.
5- حكاه في كشف اللثام 2:97 عن الخلاف.

إلى أنّ قال: و لبث سبعة أيّام بلياليهنّ عند زينب،ثم تحوّل إلى بيت أُمّ سلمة،و كان ليلتها و صبيحة يومها من رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم (1).

و هو مع قصور سنده،و شذوذه،و عدم مكافأته لما مرّ.من الأخبار يحتمل الحمل على اختصاصه به صلوات اللّه عليه و آله.

و عن الخلاف:أنّ للثيّب حقّ التخصيص بثلاثة خاصّة لها،أو بسبعة يقضيها للباقيات؛ مدّعياً عليه الإجماع و هو موهون بمصير الكلّ إلى الخلاف و الأخبار (2)،و لم نجدها،و ما تقدّم ليس منها كما لا يخفى.

نعم،في النبويّ كما حكي-:قال لأُمّ سلمة حين بنى بها:« ما بك على أهلك من هوان،إن شئتِ سَبَّعتُ عندك و سَبَّعتُ عندهن،و إن شئتِ ثلّثتُ عندك و دُرتُ» (3).

و ليس فيه مع قصور سنده،و عدم مكافأته لما مرّ حجّة؛ لاحتمال الاختصاص به صلى الله عليه و آله.

ثم المتبادر من إطلاق النصّ و الفتوى توالي الليالي و حرّية المرأتين، إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق على الشمول للأمة،و لكن اختلفوا في المساواة في التقدير أو التنصيف لها كما هو القاعدة المطّردة على قولين،و الأشهر:الأول،و الأظهر:الثاني،وفاقاً للتحرير (4)؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على المتيقّن،و ليس إلّا المجمع عليه،و هو ما ذكروا؛ التفاتاً

ص:89


1- علل الشرائع /64 3،الوسائل 21:339 أبواب القسم و النشوز و الشقاق باب 2 ج 2.
2- حكاه عنه في كشف اللثام 2:97،و هو في الخلاف 4:413.
3- الموطّأ 2:14/529،سنن البيهقي 7:300.
4- التحرير 2:41.

إلى ثبوته في أكثر الموارد،و الظنّ يلحق الشيء بالأعمّ الأغلب.

و لا فرق في الثيّب بين الزائل بكارتها بالجماع و غيره،لا لشمول الإطلاق لهما،لانصرافه إلى الأُولى منهما قطعاً؛ بل للأصل،و عدم المخرج عنه،سوى إطلاق أخبار البكر الغير الصالح للشمول للثانية بمقتضى عدم تبادرها منه،كما لا تتبادر من الإطلاق الأول لندرتها،و لو لا الإجماع على ثبوت الثلاث لها مع فحوى ثبوته للأُولى لأمكن انتفاؤه عنها أيضاً؛ لما مضى.

يستحبّ التسوية بين الزوجات في الإنفاق،و إطلاق الوجه،و الجماع

و يستحبّ التسوية بين الزوجات في الإنفاق،و إطلاق الوجه، و الجماع استحباباً مؤكّداً؛ لما فيه من رعاية العدل و تمام الإنصاف.

و ليس بواجب بلا خلاف في الظاهر؛ للأصل،و قوله تعالى وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ [1] (1)،و مثل هذا مَيلٌ و ليس كلّ المَيل.و في الخبر:« يعني في المودّة» و قوله سبحانه فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً [2] (2)،« في النفقة» (3)و فيه قصور بحسب السند.

و للصحيح:عن الرجل يكون له امرأتان يريد أن يؤثر إحداهما بالكسوة و العطيّة،أ يصلح ذلك؟قال:« لا بأس،و أجهد في العدل» (4).

ص:90


1- النساء:129.
2- النساء:3.
3- الكافي 5:1/362،التهذيب 7:1683/420،تفسير القمي 1:155،الوسائل 21:345 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 7 ح 1؛ بتفاوت يسير.
4- التهذيب 7:1687/422،الإستبصار 3:861/241،الوسائل 21:341 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 3 ح 1.

و النهي عن التفضيل في الحرائر في الخبر (1)إمّا محمول على التفضيل في الواجب،أو الكراهة.

و أن يكون في صبيحة كلّ ليلة عند صاحبتها لما مرّ من الخبر المعتبر (2).و الأحوط الكون عندها في نهار الليلة؛ للشبهة الناشئة عمّا ذكرناه من الأدلّة و مخالفة العلّامة (3).

النشوز

و أمّا النشوز واصلة الارتفاع فهو هنا بل و ربما مطلق عليه في اللغة أيضاً-: ارتفاع أحد الزوجين و خروجه عن طاعة صاحبه فيما يجب له عليه؛ لأنّه بالخروج يتعالى عما أوجب اللّه تعالى عليه من الطاعة.

فمتى ظهر من المرأة أمارة العصيان بتقطيبها في وجهه و الضجر و السأم بحوائجه التي يجب عليها فعلها من مقدّمات الاستمتاع،بأن تمتنع أو تتثاقل إذا دعاها إليه،لا مطلق حوائجه؛ إذ لا يجب عليها قضاء حاجته التي لا تتعلّق بالاستمتاع.أو تغيّر عادتها في أدبها معه قولاً كأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كان بلين،أو غير مُقبِلة بوجهها بعد أن كانت تُقبل أو فعلاً،كأن يجد إعراضاً أو عبوساً بعد لطف و طلاقة و نحو ذلك.

وعظها أوّلا بلا هجر و لا ضرب،فلعلّها تبدي عذراً أو تتوب عمّا جرى منها من غير عذر.

و الوعظ كأن يقول:اتّقي اللّه تعالى في الحقّ الواجب لي عليك

ص:91


1- التهذيب 7:1688/422،الإستبصار 3:862/241،الوسائل 21:341 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 3 ح 2.
2- راجع ص 82.
3- راجع ص 81.

و احذري العقوبة.و يبيّن لها ما يترتّب على ذلك من عذاب اللّه تعالى في الآخرة،و سقوط النفقة و القسم في الدنيا.

فإن لم ينجع،هجرها في المضجِع بكسر الجيم، و صورته كما في القواعد و عن الصدوقين (1): أن يولّيها ظهره في الفراش و نسبه في المبسوط إلى رواية أصحابنا (2)،و رواه في مجمع البيان عن مولانا الباقر عليه السلام (3)،و صرّح به في الرضوي:« و الهجران:هو أن يحوّل إليها ظهره في المضجِع» (4).

خلافاً للمحكيّ عن المبسوط و السرائر،فأن يعتزل فراشها (5).

و للمفيد (6)و جماعة (7)،فخيّروا بينهما.و هو أقوى؛ لاندراجهما في الهجر عرفاً،فله الإتيان بأيّهما.إلّا أنّ الأول أحوط و أولى.

و لعليّ بن إبراهيم في تفسيره،فيسبّها (8).و لا دليل عليه أصلاً.

فإن لم ينجع،ضرَبَها،مقتصراً في الضرب على ما يؤمّل معه طاعتها فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به،و إلّا تدرّج إلى الأقوى فالأقوى ما لم يكن مدمياً و لا مبرِّحاً أي شديداً كثيراً.

ص:92


1- القواعد 2:48،الصدوق في المقنع:118،و حكاه عن والده في المختلف:596.
2- المبسوط 4:338.
3- مجمع البيان 2:44.
4- فقه الرضا عليه السلام:245.
5- المبسوط 4:338،السرائر 2:729.
6- المقنعة:518.
7- منهم يحيى بن سعيد في الجامع:478،و العلّامة في التحرير 2:42،و المحقق الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:301.
8- تفسير القمي 1:137.

و تفسير الضرب مشهور بين الأصحاب.إلّا أنّه روى في المجمع عن مولانا الباقر عليه السلام:« أنّه الضرب بالسواك» (1)و به صرّح في الرضوي:

« و الضرب بالسواك و نحوه ضرباً رقيقاً» (2)و هو أحوط و إن كان الأول أقوى؛ عملاً بظاهر اللفظ في الآية،المعتضد بعمل أصحابنا،المؤيّد بالاعتبار جدّاً.

و الأصل في المسألة:قوله سبحانه وَ اللاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ [1] (3).و هل الأُمور الثلاثة على التخيير؟أو الجمع؟أو الترتيب بالتدرّج من الأخفّ إلى الأثقل كمراتب النهي عن المنكر؟و على التقادير،هل هي مع تحقّق النشوز؟أو ظهور أماراته قبل وقوعه؟أو معهما،بمعنى:أنّ الوعظ و الهجر مع الثاني،و الضرب مع الأول؟أقوال.

أقواها:الثالث في المقامين،و هو الترتيب بين الأُمور الثلاثة مع اختصاص أوّلَيها مرتّباً بينهما بظهور أمارة النشوز،و ثالثها بتحقّق النشوز،وفاقاً للمبسوط و للماتن في الشرائع و العلّامة في القواعد (4).

عملاً في جواز الأمرين الأولين مع ظهور أمارة النشوز بظاهر الآية، حيث عُلِّقا فيها على خوف النشوز الملازم لظهور أماراته.و حمله على العلم مجازٌ لا يصار إليه إلّا مع القرينة المفقودة في المقام،و استعماله فيه في بعض المواضع غير صالح للقرينة بالبديهة.

ص:93


1- مجمع البيان 2:44.
2- فقه الرضا عليه السلام:245.
3- النساء:34.
4- المبسوط 4:337،الشرائع 2:338،القواعد 2:48.

و في الترتيب بينهما بتقديم الوعظ و تأخير الهجر عنه بما ورد في الصحاح من الأمر بالبدأة بما بدأ اللّه تعالى (1)،و معه لا يمكن الجمع؛ إذ مع الوعظ إمّا تنجع و تطيع،فليس له عليها بعد ذلك سبيل بنصّ ذيل الآية و الإجماع و الاعتبار؛ و إمّا أن لا ينجع،فيجوز حينئذٍ الهجر،و هو عين الترتيب المتقدّم.

و في عدم الضرب إلّا مع تحقّق النشوز الإجماع (2)المحكيّ عن المبسوط و الخلاف (3)؛ و عُلِّل أيضاً بعدم جواز العقوبة إلّا على فعل محرّم، و ليس بدون تحقّق النشوز (4).و بهما و لا سيّما الأول يصرف الآية الظاهرة في ترتّب الضرب على ظهور أمارة النشوز عن ظاهرها.

و لا دليل يعتدّ به على شيء ممّا تقدّم من الأقوال،و الأصحّ ما قلناه، وفاقاً لمن ذكرنا.

لكن المحكيّ عنهم جواز الضرب ابتداءً بتحقّق النشوز من دون سبق الوعظ و الهجر (5)؛ و وُجِّه بدلالة ظاهر الآية على التخيير بينه و بينهما،أو الجمع من غير تقييد (6).و فيه نظر،و الأحوط مراعاة الترتيب هنا أيضاً.

و هنا قول آخر اختاره بعض الأفاضل تبعاً للتحرير (7)،و هو ما قاله

ص:94


1- التهذيب 1:252/97،الإستبصار 1:224/73،الوسائل 1:450 أبواب الوضوء ب 35 ح 1.
2- كذا في الأصل،و في« ح»:بالإجماع،و لعلّه الأنسب.
3- حكاه عنهما في كشف اللثام 2:100،و هو في المبسوط 4:337،الخلاف 4:416.
4- قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:100.
5- حكاه عنهم الشهيد في المسالك 1:571.
6- المسالك 1:571.
7- التحرير 2:42،و اختاره صاحب المدارك في نهاية المرام 1:426 427،مفاتيح الشرائع 2:301.

بعض العلماء في تفسير الآية وَ اللاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ [1] ،فإن نشزن فاهجروهنّ في المضاجع،فإن أصررن فاضربوهن (1).و هو أحوط و أولى،و إن كان ما قدّمناه أقوى.

و لو كان النشوز منه أي الزوج بأن يتعدّى عليها بمنع بعض حقوقها الواجبة عليه،من نفقة و قسمة،أو إساءة خلق معها،أو أذيّة و ضرب لها بغير سبب فلها المطالبة بحقوقها التي أخلّ بها.

و لها وعظه،لا هجره و ضربه،فإن أصرّ على الامتناع رفعت أمرها إلى الحاكم.

و لو امتنع من الإنفاق،جاز للحاكم الإنفاق عليها من ماله و لو ببيع شيء من عقاره إذا توقّف الأمر عليه.

و لو لم يمنعها شيئاً من حقوقها الواجبة،و لا يؤذيها بضرب و لا بسبّ،و لكنّه يكره صحبتها لمرض أو كبر،فلا يدعوها إلى فراشه،أو يهمّ بطلاقها،فلا شيء عليه.

و لو تركت حينئذٍ بعض ما يجب لها عليه أو كلّه استمالةً له،جاز لها،و له القبول للأصل،و الكتاب،و السنّة،و الإجماع.

قال اللّه تعالى وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً [2] (2).و في الحسن في تفسيرها-:« هي المرأة التي تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها:إنّي أُريد أن أُطلّقك،فتقول له:لا تفعل،إنّي أكره أن يشمت بي،و لكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت،و ما كان سوى ذلك من شيء فهو لك،فدعني على حالي،فهو قوله فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ [3]

ص:95


1- قاله الشيخ أبو الفتوح الرازي في روح الجنان 1:761.
2- النساء:128.

يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً [1] و هو هذا الصلح» (1)و نحوه أخبار مستفيضة (2).

و ليس فيها كالآية المفسَّرة بها دلالة على عموم الحكم من جواز الصلح ببذل حقّها لما لو أخلّ الزوج ببعض حقوقها الواجبة أو كلّها؛ لظهور سياقها فيما قدّمناه (3).

نعم،جاز له القبول هنا لو بذلته بطيب نفسها لا مطلقاً؛ للأصل، و فقد الصارف عنه،و هذا هو ظاهر العبارة و الأكثر.

و ربما مُنِع من جوازه هنا؛ لما قدّمناه من اختصاص الآية و النصّ بالأول،و لقبح تركها الحقّ من دون عوض،بناءً على لزومه عليه من دونه (4).

و فيهما نظر؛ إذ اختصاص الكتاب و السنّة بما ذُكِر لا يوجب المنع عن جريان الحكم الذي فيه في غيره بعد قضاء الأصل به (5).

و القبح ممنوع حيث يرجى حصول الحقوق الواجبة التي أخلّ بها بالبذل،فتكون هي العوض الحاصل بالبذل،و لزومه عليه غير ملازم للزوم صدورها عنه حتى ينتفي العوض حين البذل.ثم على تقديره، يصحّ منع القبح أيضاً،كيف لا؟!و يجوز لها إبراء ذمّة زوجها عن حقوقها بعضاً أو كلّاً ابتداءً مطلقاً جدّاً.

و بالجملة:لا وجه لتعليل المنع من الجواز بنحو هذا بعد طيبة نفسها في بذلها.

ص:96


1- الكافي 6:/145 2،التهذيب 8:/103 348،تفسير العياشي 1:/279 284،الوسائل 21:349 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 11 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- الوسائل 21:349 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 11.
3- و هو بذلها لأجل كراهته لها مع عدم إخلال بشيء من حقها.منه رحمه اللّه.
4- نهاية المرام 1:429.
5- أي الجريان.منه رحمه اللّه.

و منه يظهر الجواز فيما لو بذلته بطيبة نفسها بعد إكراهها عليه،و إن أطلق الأصحاب المنع حينئذ،و يمكن حمل إطلاقهم على ما لو لم تطب نفسها بالبذل كما هو الغالب؛ مع أنّ فرض طيبة النفس حينئذٍ (1)لا يجامع الإكراه،فتأمّل جدّاً.

أمّا الشقاق فهو أن يكره كلّ منهما صاحبه

و أمّا الشقاق:فهو أن يكره كلّ منهما صاحبه سمّي به لكون كلّ منهما في شقّ غير شقّ الآخر.

فإذا خُشي الاستمرار على الشقاق.

و إنّما قُدر الاستمرار في الآية (2)مع خلّوها عنه لما قيل من أنّ ظهور النشوز منهما موجب لحصول الشقاق،فالمراد حينئذٍ:خوف استمراره (3).

و فيه نظر؛ لتوقفه على كون مطلق الكراهة بينهما شقاقاً،و ليس؛ لاحتمال أن يكون تمام الكراهة بينهما،فيكون المراد:أنّه إذا حصلت كراهة كلّ منهما لصاحبه،و خفتم حصول الشقاق بينهما،فابعثوا؛ مع أنّه (4)هو المتبادر منه (5)عند الإطلاق،و الأولى من الإضمار على تقدير مجازيّته.

نعم،على هذا التقدير يتردّد الأمر بين المجاز المزبور (6)و بين التجوّز

ص:97


1- أي مع الإكراه.منه رحمه اللّه.
2- النساء:35.
3- انظر المسالك 1:572،و الحدائق 24:626.
4- أي تمام الكراهة.منه رحمة اللّه.
5- أي من لفظ الشقاق.منه رحمه اللّه.
6- أي التجوّز في لفظ الشقاق.منه رحمه اللّه.

في الخشية بحملها على العلم و المعرفة و إبقاء الشقاق على حقيقته،التي هي مطلق الكراهة.

و كيف كان،مع خشية ذلك بعث وجوباً،وفاقاً للسرائر (1)؛ عملاً بظاهر الأمر.

خلافاً للتحرير،فاستحباباً (2)؛ للأصل،و التأمّل في دلالة الأمر على الوجوب؛ لكونه في الأُمور الدنيويّة.

و فيه نظر؛ لمنع كلّية السند (3)،سيّما فيما إذا توقّف الإصلاح عليه.

و المخاطب بالبعث كلّ منهما وفاقاً للصدوقين (4)؛ التفاتاً إلى ظواهر النصوص المستفيضة الدالّة على استئمار الحكمين الزوجين و اشتراطهما عليهما قبول ما يحكمان به.

ففي الموثق:أ رأيت إن استأذن الحكمان فقالا للرجل و المرأة:أ ليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح و التفريق (5)؟و لو كان البعث من غيرهما لما كان لذلك وجه.

مضافاً إلى صريح الرضوي:« يختار الرجل رجلاً،و تختار المرأة رجلاً،و يجتمعان على فرقة» (6).

ص:98


1- السرائر 2:730.
2- التحرير 2:42.
3- و هو أنّ كلّ أمر يكون في الأُمور الدينية.منه رحمه اللّه.
4- الصدوق في المقنع:118،و حكاه عن والده في المختلف:596.
5- الكافي 6:4/146،التهذيب 8:351/104،مستطرفات السرائر:23/83،الوسائل 21:353 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 13 ح 1.
6- فقه الرضا عليه السلام:245،المستدرك 15:105 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 8 ح 1.

خلافاً للماتن في الشرائع و الفاضل في القواعد،بل الأكثر كما في المسالك،فالحاكم (1).

عملاً بظاهر الآية؛ بناءً على اختلاف ضميري المخاطب و الزوجين بالحضور و الغيبة فيها،و على الأول كان اللازم المساواة في الحضور و أن يقال:فابعثوا حكماً من أهلكما.

و للمرسل المحكيّ عن تفسير عليّ بن إبراهيم:« أتى عليّ بن أبي طالب عليه السلام رجل و امرأة على هذه الحال،فبعث حكماً من أهله و حكماً من أهلها» (2)و نحوه عن مجمع البيان (3).

و هو أظهر إن صحّت الشهرة،و إلّا فالأول؛ لضعف المرسلَين،و عدم مكافأتهما لما مرّ.و احتمال الالتفات في الآية و مثله شائع،و تخرج النصوص شاهدة عليه.

و لمن شذّ،فأهلهما (4).

و فيه بعد اندفاعه بما مضى ظهور الآية في خلافه قطعاً، فلا يلتفت إليه،و إن أشعر بعض الأخبار (5)به.

و يجب أن يكون المبعوث حَكَماً من أهله و أهلها،وفاقاً للسرائر (6)؛ عملاً بظاهر الآية،و ليس على حملها على الإرشاد أو الغالب

ص:99


1- الشرائع 2:339،القواعد 2:48،المسالك 1:572.
2- تفسير القمي 1:138،المستدرك 15:108 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 11 ح 2.
3- مجمع البيان 2:44.
4- انظر كشف اللثام 2:101.
5- انظر الوسائل 21:354 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 13 ح 6.
6- السرائر 2:730.

دلالة و لا قرينة.و على تقديرها،فجواز البعث من غير الأهل و مضيّ أحكام المبعوث منه عليهما يحتاج إلى دلالة،و هي مفقودة،فيجب الاقتصار فيما خالف الأصل على مورد الآية.

فالقول بجواز الحَكَم من غير الأهل كما يأتي هنا،و في الشرائع و عن المبسوط و الوسيلة (1)ضعيف.

و لو امتنع الزوجان،بَعَثهما الحاكم و لا دليل عليه سوى الجمع بين الروايات المتضمنة لبعثه و بعثهما كما مضى،بحمل الأولة على صورة الامتناع،و الثانية على العدم.و لا شاهد عليه.

و ربما عُلِّل الحكم هنا (2)بأنّ للحاكم الولاية العامّة،فله البعث.

و الأولى إجباره إيّاهما عليه حينئذ،وفاقاً للإسكافي،إلّا أنّه لم يقيّده بصورة الامتناع،بل قال:يأمرهما الحاكم بالبعث (3)،و أطلق.

و يجوز أن يكونا أي الحكمان- أجنبيّين إمّا مطلقاً كما هو ظاهر المتن،وفاقاً منه لمن مضى أو مقيّداً بعدم الأهل،كما هو الأقوى.

لكن مع ذلك،ليس لهما حكم المبعوث من أهلهما من إمضاء ما حكما عليهما؛ لمخالفته الأصل،فيقتصر فيه على مورد النصّ،و يكون حكمهما حينئذٍ الاقتصار على ما أذن به الزوجان و فيه وكّلا.

و ليس لهما من التحكيم الذي هو حكم الحكمين كما يأتي شيء جدّاً.

ص:100


1- الشرائع 2:339،المبسوط 4:340،الوسيلة:333.
2- أي مع الامتناع.منه رحمه الله.
3- حكاه عنه في المختلف:597.

و في حكم فقد الأهل توقّف الإصلاح على الأجنبيّين.

و بَعثهما تحكيمٌ لا توكيل على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع عن ظاهر المبسوط و صريح السرائر و فقه القرآن (1)؛ لظاهر الآية المشتملة على لفظ الحَكَم و نسبة الإصلاح إليهما،و للنصوص الظاهرة في أنّ لهما الإصلاح بما يريانه من غير استئذان،و أنّ ليس لهما التفريق إلّا بالإذن.

ففي الرضوي:« إن اجتمعا إلى إصلاح لم يحتج إلى مراجعة،و إن اجتمعا على الفرقة فلا بدّ لهما أن يستأمرا الزوج و الزوجة» (2)و قريب منه المعتبرة الأُخر الدالّة على اعتبار استئمارهما في الفراق لا مطلقاً (3).

خلافاً لمن شذّ،فتوكيل (4)؛ التفاتاً إلى بلوغ الزوجين و رشدهما، فلا ولاية لغيرهما عليهما؛ مع عدم اشتراط الفقه فيهما إجماعاً،فلا حكم لهما؛ إذ لا حكم لغير الفقيه اتّفاقاً.

و ليس في شيء ممّا ذكر حجّة في مقابلة ما مضى من الأدلّة كما ترى؛ مع أنّ المحكي عن القائل به الرجوع عنه معلّلاً بما ذكرنا (5)، فلا خلاف فيما ذكرنا.

فيصلحان أي الحكمان- إن اتّفقا من غير معاودة إلى الباعث مطلقاً (6)،و يمضي عليهما ما حكما،من غير خلاف يظهر حتى من

ص:101


1- المبسوط 4:340،السرائر 2:730،فقه القرآن 2:193.
2- فقه الرضا عليه السلام:245.
3- انظر الوسائل 21:أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 11،12،13.
4- قال به ابن البرّاج على ما نقله هو عن كتابه(الكامل في الفقه)في المهذب 2:266.
5- المهذب 2:266.
6- أي حاكماً كان أو غيرهما.منه رحمه اللّه.

القائل بالتوكيل؛ و لعلّه لرجوعه عنه،و إلّا فيأتي عليه لزوم الاستئذان و لو ابتداءً على جهة العموم.

و لا يفرّقان إلّا مع إذن الزوج في الطلاق و المرأة في البذل في المشهور،بل قيل:بلا خلاف (1).

للأصل،مع اختصاص الأدلّة من الكتاب و السنّة بغير الطلاق.

و النبويّ:« الطلاق بيد من أخذ بالساق» (2).

و المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:« ليس للحكمين أن يفرّقا حتى يستأمرا» (3)و نحوه الحسن (4)،و الرضوي المتقدّم،و غيره (5).

و لو اختلف الحَكَمان،لم يمض لهما عليهما حكم بلا إشكال؛ للأصل،و اختصاص الأدلّة باتّفاقهما،مع استحالة الترجيح من غير مرجّح،و هو واضح و الحمد للّه.

ص:102


1- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:101.
2- سنن ابن ماجة 1:2081/672 بتفاوت يسير.
3- الفقيه 3:1626/337،الوسائل 21:348 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 10 ح 1.
4- الكافي 6:2/146،التهذيب 8:350/103،الوسائل 21:348 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 10 ح 1.
5- انظر الوسائل 21:352 أبواب القسم و النشوز و الشقاق ب 12 ح 1،و الباب 13 ح 2،3.

النظر الرابع في حكم الأولاد

اشارة

النظر الرابع في حكم الأولاد

ولد الزوجة الدائمة يُلحَق به مع الدخول

ولد الزوجة الدائمة التامّ خلقةً يُلحَق به أي الزوج الذي يمكن التولّد منه عادةً و لو احتمالاً- مع شروط ثلاثة:

أحدها: الدخول منه بها دخولاً يمكن فيه ذلك و لو احتمالاً بعيداً،قبلاً كان أم دبراً،إجماعاً،و في غيره إشكال،و إن حكي الإطلاق عن الأصحاب و احتمل الإجماع (1).

مع أنّ المحكيّ عن السرائر و التحرير عدم العبرة بالوطء دبراً (2)، و استوجهه من المتأخّرين جماعة (3).و هو حسن،إلّا مع الإمناء و احتمال السبق و عدم الشعور به،لا مطلقاً.

و ثانيها: مضيّ ستّة أشهر هلاليّة أو عدديّة من حين الوطء فلا عبرة بالأقلّ في الولد الكامل،إجماعاً من المسلمين كافّة؛ لنصّ الآية وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [1] (4)،مع قوله وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ [2] (5)،و هو أقل مدّة الحمل؛ للإجماع على عدم كونه أقصاه؛ و للنصوص الآتية.

ص:103


1- انظر الروضة البهيّة 5:432.
2- السرائر 2:658،التحرير 1:45.
3- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:432،انظر كفاية الأحكام:190.
4- الأحقاف:15.
5- لقمان:14.

و في غير الكامل ممّا تسقطه المرأة يرجع في إلحاقه بالزوج حيث يحتاج إليه ليجب عليه التكفين،و مئونة التجهيز،و نحو ذلك من الأحكام الغير المترتّبة على حياته إلى المعتاد لمثله من الأيّام و الأشهر و إن نقصت عن الستّة الأشهر،فإن أمكن عادة كونه منه لحقه حكمه و إن علم عادةً انتفاؤه عنه لغيبته عنه (1)مدّة تزيد عن تخلّقه عادةً انتفى عنه.

و ثالثها: وضعه لمدّة الحمل أو أقلّ منها،إجماعاً من المسلمين كافّة و هي تسعة أشهر في الأشهر،كما عن النهاية و المقنعة و الإسكافي و الديلمي و القاضي و المرتضى في أحد قوليه (2)و غيرهم (3)،بل ظاهر الإسكافي و الطوسي في المبسوط و الخلاف إجماعنا عليه (4)،و هو الأصحّ؛ للمعتبرة المستفيضة بعد الإجماعات المنقولة المترجّحة على معارضها الآتي و لو صحّ بالكثرة و الشهرة:

منها الخبر:عن غاية الحمل بالولد في بطن امّه،كم هو؟فإنّ الناس يقولون:ربّما بقي في بطنها سنتين،فقال:« كذبوا،أقصى الحمل تسعة أشهر،لا يزيد لحظة،و لو زاد ساعة لقتل امّه قبل أن يخرج» (5).

ص:104


1- كذا،و لعلّ الأنسب:عنها.
2- النهاية:505،المقنعة:539،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:579،الديلمي في المراسم:155،القاضي في المهذّب 2:341،المرتضى في رسالة الموصليات الثانية(رسائل الشريف المرتضى 1):192.
3- انظر الشرائع 2:34،و المسالك 1:574،و كشف اللثام 1:103.
4- حكاه عن الإسكافي في المختلف:579،المبسوط 5:204،الخلاف 5:88،المبسوط 8:305.
5- الكافي 6:3/52،التهذيب 8:578/166،الوسائل 21 380 أبواب أحكام الأولاد 17 ح 3.

و في آخر:« يعيش الولد لستّة أشهر،و لسبعة أشهر،و لتسعة أشهر، و لا يعيش لثمانية أشهر» (1).

و قصور سندهما كما يأتي منجبر بالشهرة.

و الدلالة في الأوّل صريحة،و في الثاني ظاهرة من حيث مفهوم العدد،الذي هو حجّة.

و ليس في الأوّل من حيث تضمّنه قتل الولد امّه بزيادة مكثه على التسعة أشهر بساعة ما ينافي حجيّته،إلّا دعوى الوجدان بعدم ذلك و البقاء إلى العشر بل و أزيد إلى سنة،و هي ممنوعة،فقد يكون وضع الحمل إلى ذينك الأجلين ابتداء الحمل فيه من التسعة،و يكون حبس الطمث قبله لريبة،كفساد الطمث،كما يستفاد من المعتبرة (2)و صرّح به المفيد في المقنعة (3)و جماعة (4).و ليس الوضع إلى ذينك الأجلين مع انسداد باب الاحتمال المتقدّم ظاهراً لنا بالوجدان و إنكاره مكابرة بالعيان.

و منه يظهر ضعف ما قيل من أنّ الأقصى عشرة كما عن المبسوط (5)،و اختاره المصنّف أيضاً بقوله: و هو حسن مع عدم الدليل من الأخبار عليه،و انتقاض تعليله المتقدّم لو صحّ بوجدان الوضع

ص:105


1- الكافي 6:2/52،التهذيب 8:398/115،الوسائل 21:380 أبواب أحكام الأولاد ب 17 ح 2.
2- الكافي 6:5/102،الوسائل 22:224 أبواب العدد ب 25 ح 5.
3- المقنعة:539.
4- منهم الحلبي في الكافي في الفقه:314،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):616،و العلّامة في المختلف:579.
5- حكاه عنه الفاضل المقداد في التنقيح 3:263،و كذا الشهيد الثاني في المسالك 1:574،و لكنه لم نعثر عليه في المبسوط.

إلى السنة كما حكاه في المسالك و سبطه في الشرح (1)و وقع في زماننا أيضاً،فقصره عليه دونه ليس في محلّه،و لا وجه لاختياره على الخصوص بالمرّة.

و يدلّ على المختار أيضاً مضافاً إلى ما سيأتي من الأخبار المعتبر المحتمل للصحّة،المروي في الكافي،في باب مبدأ النشوء،و فيه:

« و للرحم ثلاثة أقفال:قفل في أعلاها ممّا يلي أعلى الصرة من الجانب الأيمن،و القفل الآخر وسطها،و القفل الآخر أسفل من الرحم،فيوضع بعد تسعة أيّام في القفل الأعلى فيمكث فيه ثلاثة أشهر،فعند ذلك يصيب المرأة خبث النفس و التهوّع،ثم ينزل إلى القفل الأوسط فيمكث فيه ثلاثة أشهر» إلى أن قال:« ثم ينزل الى القفل الأسفل فيمكث فيه ثلاثة أشهر، فذلك تسعة أشهر،ثم تطلق المرأة» الحديث (2).

إلّا أنّ ظاهره زيادة تسعة أيّام على تسعة أشهر،لكن يمكن إدراجها في التسعة أشهر بضرب من التأويل،بحمل قوله في القفل الأوّل:« فيمكث ثلاثة أشهر» على ثلاثة أشهر التي التسعة الأيام منها؛ و الشاهد عليه ذيل الرواية و باقي المعتبرة الماضية و الآتية،مع أنّ إبقاءه على ظاهره مخالف للإجماع بالضرورة،فهو أقوى شاهد على صحّة الحمل الذي ذكرناه.

و منه يظهر فساد حمل ما ضاهاه على الغالب،مع ما في الخبر الأوّل ممّا هو ظاهر في نفيه من أنّ لو زاد ساعة لقتل امّه،و لا ريب أنّ الغالب ليس منحصراً في التسعة الحقيقيّة التي لا يزاد عليها و لو بساعة.

و بالجملة:أبواب المناقشات في أدلّة المشهور بما ذكرناه مسدودة،

ص:106


1- المسالك 1:574،و سبطه في نهاية المرام 1:434.
2- الكافي 6:5/15.

و الأقوال المقابلة له ضعيفة،حتى ما قيل من أن أقصاه سنة كما عن الانتصار و الجامع و المفيد في إعلام (1)الورى (2)،و اختاره من المتأخرين جماعة (3)؛ و لا دليل عليه سوى الإجماع المحكيّ عن الأوّل، و النصوص المتوهّم منها ذلك:

منها الصحيح:« إذا طلّق الرجل امرأته فادّعت حبلاً،انتظر تسعة أشهر،فإن ولدت،و إلّا اعتدّت ثلاثة أشهر،ثم قد بانت منه» (4).

و الخبر:« إنّما الحمل تسعة أشهر» قال:قلت فتتزوّج؟قال:« تحتاط ثلاثة أشهر» قال:قلت:فإنّها ارتابت بعد ثلاثة أشهر،قال:« ليس عليها ريبة،تزوّج» (5)و نحو غيره (6).

و في الجميع نظر،أمّا الأوّل:فلمعارضته لأكثر منه و أشهر،مع احتماله الإجماع على النفي عن الأزيد لا أنّه الأقصى،ردّاً على العامّة القائلين بالزيادة إلى سنتين،كما أفصح عنه الخبر الذي مرّ (7)،و حكايته عنهم بين الأصحاب قد اشتهر.

ص:107


1- كذا في النسخ،و لعلّ الصحيح:الإعلام،كما ذكره النجاشي في رجاله:400،و صاحب الذريعة 2:237.
2- الانتصار:154،الجامع للشرائع:461،الإعلام(مصنفات المفيد 9):41.
3- المسالك 1:574،نهاية المرام 1:433،كفاية الأحكام:191،مفاتيح الشرائع 2:359.
4- الكافي 6:1/101،الفقيه 3:1599/330،التهذيب 8:444/129،الوسائل 22:223 أبواب العدد ب 25 ح 1.
5- الكافي 6:2/101،التهذيب 8:445/129،الوسائل 22:224 أبواب العدد ب 25 ح 4.
6- الكافي 6:2/101،التهذيب 8:445/129،الوسائل 22:223 أبواب العدد ب 25 ح 2.
7- في ص 104.

و أمّا الثاني:فهو بالدلالة على المختار أوضح و أظهر،و لا سيّما الخبر الأوّل؛ لنصّ الجميع على أنّ الثلاثة أشهر للريبة،و به صرّح من الأصحاب جماعة،كالحلبي و ابني شهرآشوب و زهرة (1).

نعم،في المرسل:« أدنى ما تحمل المرأة لستة أشهر،و أكثر ما تحمل لسنة» (2).

و قريب منه مرسل آخر:في قول اللّه عزّ و جلّ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَ ما تَزْدادُ [1] (3)قال:« الغيض:كلّ حمل دون تسعة أشهر،و ما تزداد:كلّ شيء يزداد على تسعة أشهر،فكلّما رأت المرأة الدم الخالص في حملها فإنّها تزداد بعدد الأيّام التي رأت في حملها من الدم» (4).

و نحو الأول في الصراحة في الجملة،المرفوع المرويّ عن نوادر المعجزات للقطب الراوندي،عن سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام:أنّها ولدت الحسين عليه السلام عند تمام سنة من حملها به.

و هذه الروايات مع قصور أسانيدها بالإرسال لا تعارض شيئاً ممّا قدّمناه من الأخبار المعتضدة بالإجماعات المحكيّة و الاشتهار العظيم بين الأخيار؛ مضافاً إلى اختلاف نسخة الرواية الاُولى في لفظة« السنة» فيوجد في بعضها:« سنتين» بدلها،و هو موجب لوهن الاستدلال بها،و احتمالها به

ص:108


1- الحلبي في الكافي:314،ابن شهرآشوب لم نظفر على كتاب له في الفقه،و لم نعثر عليه في المناقب،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):616.
2- الفقيه 3:1600/330،الوسائل 21:384 أبواب أحكام الأولاد ب 17 ح 15.
3- الرعد:8.
4- الكافي 6:2/12،تفسير العياشي 2:204،الوسائل 21:381 أبواب أحكام الأولاد ب 17 ح 6.

الحمل على التقيّة جدّاً،فلا دليل يعتدّ به لهذا القول؛ مع إشعار قول المصنّف: و هو متروك بانعقاد الإجماع على خلافه.

و كيف كان ف يتفرّع على الخلاف في المسألة:ما لو اعتزلها، أو غاب عنها عشرة أشهر،فولدت بعدها،لم يلحق به على الأظهر، و كذا على القول بالعشر،و يلحق به على القول الآخر.

و مظهر ثمرة الخلاف بين القولين الأولين ما لو ولدته لعشر،فيلحق به على القول به،و لا على الأظهر.

و لو أنكر الزوج الدخول بها بعد احتماله،و ادّعته الزوجة فالقول قوله مع يمينه لإنكاره،مضافاً إلى الأصل،فتأمّل.

و لو اعترف به أي الدخول ثم أنكر الولد،لم ينتف عنه إلّا باللعان إجماعاً؛ للأصل،و عموم:« الولد للفراش،و للعاهر الحجر» (1).

لو اتّهمها بالفجور،أو شاهد زناها،لم يجز له نفيه و لم ينتف الا باللعان

و لو اتّهمها بالفجور،أو شاهد زناها،لم يجز له نفيه مع احتمال اللحوق به و لحق به إجماعاً؛ لما مضى و لو نفاه لم ينتف عنه إلّا باللعان بلا خلاف.و لا فرق في ذلك بين كون الولد يشبه الزاني و عدمه؛ عملاً بالعموم.

و لو وُطِئَت الزوجة شبهة،و أمكن تولّد الولد من الزوج و ذلك الواطئ،أُقرع بينهما؛ لأنّها فراش لهما،سواء وقع الوطئان في طهر واحد أو في طهرين و لو انتفى عن أحدهما بالآخر من غير قرعة.

و كذا يلحق به الولد و لا ينتفي عنه إلّا باللعان لو اختلفا في مدّة الولادة فادّعى ولادته لدون ستّة أشهر،أو لأزيد من أقصى الحمل؛ تغليباً

ص:109


1- الكافي 7:1/163،التهذيب 9:1242/346،الإستبصار 4:693/185،الوسائل 26:274 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 1.

للفراش،و التفاتاً إلى أصالة عدم زيادة المدّة و تأخّر الدخول في الثاني.أمّا الأوّل فالأصل معه،فيحتمل قبول قوله،وفاقاً لجماعة (1)؛ عملاً بالأصل، و التفاتاً إلى أنّ مآله إلى النزاع في الدخول،فإنّه إذا قال:لم تنقض ستّة أشهر من حين الوطء،كان معناه:عدم وطئه لها منذ ستّة أشهر،و وقوعه فيما دونها.

و ربما فسّر بعضهم النزاع في المدّة الذي يترتّب عليه الحكم المزبور في العبارة بالمعنى الثاني خاصّة (2)ليوافق الأصل،و ليس ببعيد إن تحقّق في ذلك خلاف،إلّا أنّ كلام الأصحاب مطلق،لكن في الاكتفاء بمثله في الخروج عن مقتضى الأصل إشكال،إلّا أن يعتضد بعموم:« الولد للفراش» و لا ينتقض بصورة وقوع النزاع في الدخول؛ لعدم الفراش فيها بدون ثبوته، بخلاف المقام؛ لثبوته بثبوته باتّفاقهما عليه.

هذا،مع إمكان المناقشة في الأصل الذي ادّعي كونه مع الزوج،كيف لا؟!و هو معارض بأصالة عدم موجب للحمل لها غير دخوله،و بعد التعارض لا بدّ من المصير إلى الترجيح،و هو معها؛ للعموم المتقدّم، و لا ينقض بالصورة المتقدّم ذكرها؛ لانتفاء المرجّح المزبور فيها كما مضى، فهذا أقوى.

و حيث قدّمنا قولها،فالمتّجه عند جماعة منهم:شيخنا الشهيد في اللمعة (3)توجّه اليمين عليها؛ و ربما ظهر من كلام بعض الأصحاب كما

ص:110


1- منهم الشهيد الثاني في الروضة البهية 5:437،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:436،و صاحب الحدائق 25:16.
2- حكاه الشهيد الثاني في الروضة البهية 5:437.
3- اللمعة(الروضة البهية 5):436.

حكي (1)عدمه،و لا بأس به؛ نظراً إلى الأصل و انتفاء المخرج عنه؛ بناءً على أنّ تقديم قولها ليس لإنكارها حتى يتوجّه اليمين عليها،بل لتغليب جانب الفراش المستدلّ عليه بالعموم المتقدّم،و ليس فيه اعتبار اليمين، و لكن الأحوط اعتباره.

و لو زنى بامرأة،فأحبلها،لم يجز إلحاقه

و لو زنى بامرأة،فأحبلها،لم يجز إلحاقه بنفسه و إن تزوّج بها بعد ذلك.

و كذا لو أحبل أمة غيره زناءً ثم ملكها أو بعضها،و ألحقنا الولد به مع الشرط أو مطلقاً.

إجماعاً في المقامين على الظاهر،و التفاتاً إلى عدم ثبوت النسب بالزناء،و عدم اقتضاء الفراش إلحاق ما حكم بانتفائه عنه قطعاً.

و للصحيحين،في أحدهما:في رجل فجر بامرأة،ثم تزوّجها بعد الحمل،فجاءت بولد و هو أشبه خلق اللّه تعالى به،فكتب بخطّه و خاتمه:

« الولد لغَيّة لا يورث» (2).

و في الثاني:« أيّما رجل وقع على وليدة قوم حراماً ثم اشتراها فادّعى ولدها،فإنّه لا يورث منه شيء (3)فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:

الولد للفراش و للعاهر الحجر» (4).

ص:111


1- حكاه في نهاية المرام 1:436.
2- الكافي 7:4/164،الفقيه 4:738/231،التهذيب 8:637/182،الإستبصار 4:685/182،الوسائل 21:498 أبواب أحكام الأولاد ب 101 ح 1؛ بتفاوت يسير.
3- كذا في الأصل و الكافي،و في غيره من المصادر لا يوجد،و لعلّ الأنسب:شيئاً.
4- الكافي 7:1/163،التهذيب 8:734/207،الوسائل 21:193 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 74 ح 1.
لو طلّق زوجته فاعتدّت و تزوّجت و أتت بولد لدون ستّة أشهر فهو للأوّل

و لو طلّق زوجته المدخول بها فاعتدّت و تزوّجت أو وُطئت لشبهة و أتت بولد فإن لم يمكن لحوقه بالثاني،و أمكن لحوقه بالأوّل، كما لو ولدته لدون ستّة أشهر من وطء الثاني،و لتمامها من غير أن يتجاوز أقصى الحمل من وطء الأوّل فهو للأوّل و تبيّن بطلان نكاح الثاني؛ لوقوعه في العدّة،و حرمت عليه مؤبداً؛ لوطئه لها فيها.

و لو انعكس الأمر،بأن ولدته لأزيد من أكثر الحمل من وطء الأوّل، و لأقل الحمل إلى الأقصى من وطء الثاني،لحق الثاني.

و إن لم يمكن لحوقه بأحدهما،بأن ولدته لأزيد من أكثر الحمل من وطء الأوّل،و لدون ستّة أشهر من وطء الثاني،انتفى عنهما قطعاً.

و إن أمكن إلحاقه بهما،كما لو كان ولادتها لستّة أشهر من وطء الثاني،و لسبعة فصاعداً إلى أقصى الحمل من وطء الأوّل فهو للأخير وفاقاً للنهاية (1)و جماعة (2)؛ لأصالة التأخّر،و المعتبرة المستفيضة:

منها الصحيح:في المرأة تزوّج في عدّتها،قال:« يفرّق بينهما، و تعتدّ عدّة واحدة منهما،فإن جاءت بولد لستّة أشهر أو أكثر« فهو للأخير، و إن جاءت بولد في أقلّ من ستة أشهر فهو للأوّل» (3).

و الصحيح:« إذا كان للرجل منكم الجارية يطؤها فيعتقها فاعتدّت و نكحت،فإن وضعت لخمسة أشهر فإنّه من مولاها الذي أعتقها،و إن

ص:112


1- النهاية:505.
2- منهم المحقق في الشرائع 2:341،و الشهيد الثاني في المسالك 1:575،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:438.
3- الفقيه 3:1441/301،التهذيب 8:584/168،الوسائل 21:383 أبواب أحكام الأولاد ب 17 ح 13.

وضعت بعد ما تزوّجت لستّة أشهر فإنّه لزوجها الأخير» (1)،و في معناهما خبران آخران (2).

خلافاً للمبسوط،فالقرعة (3)،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه.

و هو موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف كما حكي؛ و مع ذا فغايته أنّه خبر واحد صحيح،و لا يعارض المستفيض الذي فيه الصحيحان؛ و مع ذلك معتضد بالأصل المتقدّم ذكره.

و التعليل بثبوت الفراش لهما حين الوطء و إمكان الكون منهما مع غلبة الولادة للأقصى،في مقابل النصّ المستفيض المعتضد بالشهرة، عليل.

و لو لم تتزوّج و لم توطأ لشبهة بعد الطلاق،و مع ذلك ولدت فهو للأوّل،ما لم يتجاوز أقصى الحمل و لم ينقص عن أدناه، بلا خلاف؛ لأنّها بعد فراشه،و لم يلحقها فراش آخر يشاركه.

و كذا الحكم في الأمة لو باعها سيّدها بعد الوطء في جميع الصور المفروضة.لكن على تقدير ولادتها لدون ستّة أشهر من وطء الثاني و الحكم بلحوق الولد للبائع،يتبيّن فساد البيع؛ لأنّها أُمّ ولد.

و ولد الموطوءة بالملك يلحق بالمولى

و ولد الموطوءة بالملك يلحق بالمولى الواطئ لها إذا أتت به لستّة

ص:113


1- الكافي 5:1/491،التهذيب 8:586/168،الوسائل 21:380 أبواب أحكام الأولاد ب 17 ح 1.
2- أحدهما في:التهذيب 8:581/167،الوسائل 21:383 أبواب أحكام الأولاد ب 17 ح 11. و الآخر في:التهذيب 8:583/167،الوسائل 21:383 أبواب أحكام الأولاد ب 17 ح 12.
3- المبسوط 5:205.

أشهر فصاعداً إلى الأقصى،اتّفاقاً فتوًى و نصّاً.

ففي الصحيح:الجارية تكون للرجل يُطيف بها (1)،و هي تخرج في حوائجه فتعلق،قال:« يتّهمها الرجل أو يتّهمها أهله؟» قلت:أمّا ظاهرة فلا،قال:« إذن لزمه الولد» (2).

و فيه:كتبت إليه في هذا العصر:رجل وقع على جارية ثم شكّ في ولده،فكتب:« إن كان فيه مشابهة منه فهو ولده» (3)و نحوهما غيرهما (4).

و حينئذٍ يلزمه الإقرار به إذا لم يُعلم انتفاؤه عنه،و لم يكن هناك أمارة يغلب معها الظنّ بخلافه عند المصنّف و غيره كما يأتي.

لكن لو نفاه انتفى ظاهراً إجماعاً،كما في الإيضاح و الروضة و المسالك (5)و غيره (6)؛ و هو الحجّة فيه،لا الأصل كما قيل (7)؛ لاقتضاء الفراش الثابت هنا بالنصّ خلافه.

و ربما عُلّل بأنّ ذلك لا يعرف إلّا من قبله،فلو لم ينتف بنفيه - و الحال أنّه لا يثبت بينهما لعان كما يأتي في بحثه فينتفي به لزم كون ولد الأمة أقوى من ولد الحرّة؛ لانتفائه باللعان دونه (8).

ص:114


1- أطاف به:ألَمَّ به و قارَبَه القاموس المحيط 3:175.
2- الكافي 5:1/489،التهذيب 8:633/181،الإستبصار 3:1311/366،الوسائل 21:169 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 56 ح 2؛ بتفاوت يسير.
3- التهذيب 8:632/181،الإستبصار 3:1314/367،الوسائل 21:168 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 55 ح 5.
4- التهذيب 8:631/180،الإستبصار 3:1313/367،الوسائل 21:168 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 55 ح 4.
5- إيضاح الفوائد 3:261،إلّا أنّه لم نعثر على إجماع فيه،الروضة 5:438،المسالك 1:577.
6- انظر كشف اللثام 2:104.
7- انظر كشف اللثام 2:104.
8- نهاية المرام 1:439،الحدائق 25:20.

و لو اعترف به بعد النفي الحقَ به لعموم:« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1)و فحوى ما دلّ على ثبوت الحكم في ولد الملاعنة (2).

و مقتضى الأمرين أنّه يترتّب عليه من أحكام النسب ما عليه،دون ما له.فإن أُريد بإطلاق العبارة ذا،و إلّا فلا يصلحان لإثبات ما يستفاد من إطلاقها من تمام المدّعى،فإن كان إجماع،و إلّا فهو محلّ إشكال جدّاً.

و في حكمه أي ولد الأمة- ولد المتعة في الأحكام المذكورة من اللحوق به و لزوم الاعتراف به مع عدم العلم بانتفائه عنه، و انتفائه ظاهراً إذا نفاه من غير لعان،و اللحوق به بالاعتراف به بعد الإنكار.

و لا إشكال فيما عدا الثاني و لا خلاف؛ لعموم:« الولد للفراش» مضافاً إلى الإجماع و خصوص المعتبرة في الأوّل،و ما قدّمناه من عموم:

« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» و الفحوى المتقدّمة في الثالث.

و أمّا الثاني:فعليه الإجماع في المسالك و موضع من الروضة (3)؛ و هو الحجّة فيه.و لا ينافيه دعوى الشهرة مع ذكر خلاف المرتضى في موضع آخر منها (4)؛ لإمكان أن يراد من الشهرة المعنى الأعم الشامل للمجمع عليه بالمعنى المصطلح،و ذكر الخلاف لا ينافيه؛ لمعلوميّة نسب المخالف.

نعم،ربما نافاه دعوى الوفاق في ولد الأمة قبله (5).

ص:115


1- عوالي اللئلئ 1:104/223،الوسائل 23:184 أبواب كتاب الإقرار ب 3 ح 2.
2- الكافي 7:3/160،التهذيب 9:1219/339،الوسائل 26:262 أبواب ميراث الملاعنة ب 2 ح 1.
3- المسالك 1:505،الروضة 5:296.
4- الروضة 5:438،439.
5- الروضة 5:438.

و يمكن دفعه بإرادته من الوفاق:اتفاق الكلّ الذي لم يقع فيه خلاف من أحد،و ذلك لا ينافي أن يراد من الشهرة:الإجماع بالمعنى المصطلح.

و بالجملة:فالأصل في حكاية الإجماع:الحجّية،إلى ظهور ما ينافيها،و ليس،فهي الحجّة،مضافاً إلى الإجماعات المحكيّة في ولد الأمة (1)،النافعة في المسألة،بعد ملاحظة عموم المعتبرة الدالّة على انّ المتعة بمنزلة الأمة (2).

هذا،مضافاً إلى الإجماع القطعيّ بعد ثبوت انتفاء اللعان في المتعة، كما يستفاد من المعتبرة،منها الصحيح:« لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتّع بها» (3)و نحوه الآخر (4)بزيادة:« الأمة و الذمّية» الشاهدة على اتّحاد المتعة معهما من حيث السياق بأقوى شهادة.

و لا يعارضها من الأدلّة سوى إطلاق الآية (5)و غيرها بجريان اللعان في الزوجة،و ليست شاملة للمتعة؛ لمجازيّتها بالإضافة إلى إطلاق الزوجة أو لكونها من الأفراد الغير المتبادرة،بل النادرة،الغير المنصرف إليها إطلاقها بالضرورة.

و لعلّ النكتة في الإجماع على انتفاء الولد فيها بعد ثبوت انتفاء اللعان

ص:116


1- المتقدّمة في ص 114.
2- انظر الوسائل 21:79 أبواب المتعة ب 46 ح 1.
3- الكافي 6:/166 17،التهذيب 8:/189 659،الوسائل 22:430 أبواب اللعان ب 10 ح 1.
4- الفقيه 3:1667/347،التهذيب 8:653/188،الإستبصار 3:1332/373،الوسائل 22:430 أبواب اللعان ب 10 ح 2.
5- النور:6.

عنها:ما تقدّم (1)في التعليل عليه في ولد الأمة من استلزام عدم الانتفاء كونه أقوى من ولد[الحرّة (2)]و ذلك فاسد البتّة.

و كلّ من أقرّ بولد ثم نفاه لم يُقبل نفيه إجماعاً؛ للأصل و المعتبرة المستفيضة،منها الصحاح،في أحدها:« إذا أقرّ الرجل بولد ثم نفاه لزمه» (3)و نحوه الآخران (4)،و روايات أُخر (5).

و لو وطئها المولى وطئاً يمكن لحوق الولد به و أجنبيّ آخر معه فجوراً لا شبهةً يمكن اللحوق في حقّه أيضاً حكم به للمولى مع عدم الأمارة التي يغلب معها الظنّ بالعدم إجماعاً حكاه جماعة (6)لعموم حكم الفراش المستفيض في المعتبرة (7)،و خصوص معتبرة أُخر:

كالصحيح:عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد،لمن يكون الولد؟قال:« للذي يكون عنده؛ لقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم:الولد للفراش و للعاهر الحجر» (8).

ص:117


1- راجع ص 114.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ:الأمة،إلّا أنه قد أُشير في هامش الأصل إلى نسخة بدل:الحرّة،و على كل ما أثبتناه هو الأنسب.
3- التهذيب 9:/346 1244،الوسائل 26:271 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 6 ح 2.
4- أحدهما في:الكافي 7:1/163،الفقيه 4:737/231،التهذيب 9:1242/346،الوسائل 26:270 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 6 ح 1. و الآخر في:التهذيب 9:1243/346،الوسائل 26:271 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 6 ذيل الحديث 1.
5- انظر الوسائل 26:271 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 6 ح 3،4.
6- المسالك 1:577،نهاية المرام 1:442،انظر الحدائق 25:30.
7- الوسائل 21:173 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 58.
8- الكافي 5:3/491،التهذيب 8:589/169،الإستبصار 3:1317/368،الوسائل 21:174 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 58 ح 4.

و الموثّق:عن رجل له جارية،فوثب عليها ابن له ففجر بها،قال:قد كان رجل عنده جارية و له زوجة،فأمرت ولدها أن يثب على جارية أبيه، ففجر بها،فسُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن ذلك،فقال:« لا يحرّم ذلك على أبيه،إلّا أنّه لا ينبغي له أن يأتيها حتى يستبرئها للولد،فإن وقع بينهما ولد فالولد للأب إذا كانا جامعاها في يوم واحد و شهر واحد» (1).

فإن حصل فيه أمارة يغلب معها الظنّ أنّه ليس منه،لم يجز له إلحاقه به و لا نفيه عنه، بل يستحبّ له أن يوصي له بشيء و لا يورثه ميراث الأولاد وفاقاً للنهاية و ابن البرّاج و ابن حمزة (2)و جماعة (3)،بل ربّما ادّعى عليه الأكثريّة جماعة (4).

قالوا:للمستفيضة:

منها الصحيح:« إنّ رجلاً من الأنصار أتى أبي فقال:إنّي ابتليت بأمر عظيم،إنّ لي جارية كنت أطؤها،فوطئتها يوماً فخرجت في حاجة لي بعد ما اغتسلت منها،و نسيت نفقة لي فرجعت إلى المنزل لآخذها فوجدت غلامي على بطنها،فعددت لها من يومي ذلك تسعة أشهر فولدت جارية، قال:فقال له أبي عليه السلام:لا ينبغي لك أن تقربها و لا تبيعها،و لكن أنفق عليها من مالك ما دمت حيّاً،ثم أوص عند موتك أن ينفق عليها من مالك حتى

ص:118


1- التهذيب 8:627/179،الإستبصار 3:1306/364،الوسائل 21:167 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 55 ح 3.
2- النهاية:506،ابن البراج في المهذّب 2:340،ابن حمزة في الوسيلة:317.
3- منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع:461،و المحدث المجلسي في ملاذ الأخبار 13:350.
4- منهم الشهيد في المسالك 1:577،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:364.

يجعل اللّه تعالى لها مخرجاً» (1)،و نحوه بعينه الخبر (2).

و في آخر:في رجل كان يطأ جارية له،و أنّه كان يبعثها في حوائجه، و أنّها حبلت،و أنّه بلغه عنها فساد،فقال أبو عبد اللّه عليه السلام« أذن أمسك الولد و لا يبيعه و لا (3)يجعل له نصيباً في داره قال:فقيل له الرجل يطأ جارية له و أنّه لم يكن يبعثها في حوائجه،و أنّه اتّهمها و حبلت،فقال:« إذا هي ولدت أمسك الولد و لا يبيعه و يجعل له نصيباً في داره و ماله،و ليس هذه مثل تلك» (4).

و في آخر عن رجل كانت له جارية يطؤها و هي تخرج،فحبلت، فخشي أن لا يكون منه،كيف يصنع؟أ يبيع الجارية و الولد؟قال:« يبيع الجارية و لا يبيع الولد و لا يورثه من ميراثه شيئاً» (5).

و في الجميع نظر،أمّا إجمالاً:فلقصورها مع قصور سند أكثرها عن إفادة المدّعى،و هو ترتّب الحكم المذكور في العبارة على مظنّة انتفائه عنه؛ لظهورها في الترتّب على مجرّد التهمة بالزناء أو خشية انتفاء الولد عنه و إن لم تبلغ المظنّة،بل كانت في أدنى درجة الوهم،و لم يقولوا بذلك،فما

ص:119


1- الكافي 5:1/488،الفقيه 4:734/230،التهذيب 8:628/179،الإستبصار 3:1307/364،الوسائل 21:166 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 55 ح 1.
2- الكافي 5:2/488،التهذيب 8:629/180،الإستبصار 3:1308/365،الوسائل 21:167 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 55 ح 2.
3- في جميع المصادر لا توجد:لا.
4- الكافي 5:2/489،الفقيه 4:736/231،التهذيب 8:635/182،الإستبصار 3:1310/365،الوسائل 21:169 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 56 ح 3؛ بتفاوت يسير.
5- الكافي 5:3/489،التهذيب 8:630/180،الإستبصار 3:1309/365،الوسائل 21:170 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 56 ح 4.

دلّت عليه لم يقولوا به،و ما قالوا به لم تدلّ عليه.

و بمثله يجاب عمّا تقدّم من مفهوم الصحيحين (1)النافي للّحوق بالتهمة.

فتكون حينئذٍ مخالفة للإجماع و المعتبرة المستفيضة العامّة و الخاصّة، المصرّحة باللحوق و لو مع تحقق الزناء مشاهدة (2).

و أمّا مفصّلاً:فلإجمال الروايتين الأوّلتين؛ بناءً على إجمال مرجع الضمير فيهما،و احتماله الجارية المولودة و أُمّها،و لا يتمّ الاستدلال بهما إلّا بتقدير تعيين المرجع في الأُولى دون الثانية،و لا معيِّن صريحاً،فيحتمل الثانية،و معه فينعكس الدلالة،و قد صرّح بهما (3)في الاستبصار شيخ الطائفة (4).

و أمّا الروايتان الأخيرتان فلمنعهما عن أن يجعل له نصيباً في الدار كما في الأُولى،و عن إيراثه من الميراث شيئاً الشامل للقليل و الكثير،بوصيّة أو غيرها كما في الثانية،و هو ضدّ ما حكموا به من استحباب الإيصاء له بشيء.

نعم،الاُولى تضمّنت ذلك في صورة خاصّة لم يخصّوه بها،بل عمّموه لها و لما نفته الرواية عنه من الصورة الأُخرى التي تضمّنتها صدرها.

و بالجملة:الاستدلال بأمثال هذه الروايات ليس في محلّه كما لا يخفى.

ص:120


1- راجع ص 114.
2- انظر الوسائل 21:173 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 58.
3- أي بالاحتمال و الدلالة.منه رحمه الله.
4- الاستبصار 3:365.

نعم،ربما يتوهّم الاستدلال عليه بمفهوم الصحيح المتقدّم في صدر البحث،الدالّ على اشتراط مشابهة الولد له في اللحوق به (1).

و نحوه الخبر:عن ابن عمّ له كانت له جارية تخدمه و كان يطؤها، فدخل يوماً منزله فأصاب معها رجلاً تحدّثه،فاستراب بها فهدّد الجارية، فأقرّت أنّ الرجل فجر بها،ثم إنّها حبلت بولد،فكتب:« إنّ كان الولد لك أو فيه مشابهة منك فلا تبعهما،فإنّ ذلك لا يحلّ لك،و إن كان الابن ليس منك و لا فيه مشابهة منك فبعه و بع امّه» (2).

و فساد التوهّم أوضح من أن يخفى؛ لظهور الأول و صراحة الثاني في انتفاء الولد مع التهمة بمجرّد عدم الشباهة،و فيه مضافاً إلى المناقشات السابقة المخالفة للإجماع من وجه آخر،و هو اشتراط الشباهة في اللحوق،و لم يعتبره أحد بالمرّة،و مع ذلك في ردّه المعتبرة صريحة.

ففي الخبر:« إنّ رجلاً أتى بامرأته إلى عمر فقال:إنّ امرأتي هذه سوداء و أنا أسود،و إنّها ولدت غلاماً أبيض،فقال لمن بحضرته:ما ترون؟ فقالوا:نرى أن ترجمها:فإنّها سوداء و زوجها أسود،و ولدها أبيض» قال:

«فجاء أمير المؤمنين عليه السلام و قد وُجِّه بها لتُرجَم فقال:ما حالكما؟فحدّثاه، فقال للأسود:أ تتّهم امرأتك؟فقال:لا،قال:فأتيتها و هي طامث؟قال:قد قالت لي في ليلة من الليالي:إنّي طامث،فظننت أنّها تتّقي البرد،فوقعت عليها،فقال للمرأة:هل أتاك و أنت طامث؟قالت:نعم،سله قد حرّجت عليه و أبيت،قال:فانطلقا فإنّه ابنكما؛ إنّما غلب الدم النطفة فابيضّ،و لو

ص:121


1- راجع ص 114.
2- التهذيب 8:631/180،الإستبصار 3:1313/367،الوسائل 21:168 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 55 ح 4.

قد تحرّك اسودّ،فلمّا أيفع اسودّ» (1)و نحوه خبران آخران (2).

و لا يبعد حمل الخبرين الأوّلين على التقيّة،كما يظهر من الرواية الأُولى؛ و مع ذلك فليس فيهما شيء من الأحكام التي ذكروها،بل فيهما مخالفة لما ذكروه من عدم جواز النفي عنه؛ لظهورهما فيه مع عدم الشباهة.

و لعلّه لما ذكرنا تردّد الماتن في الشرائع و تبعه الفاضل (3)،و لكن الأوجه عدم التردّد،بل المصير إلى ثبوت الفراش لها مطلقاً،تبعاً لجماعة (4)؛ أخذاً بالنصوص الصحيحة العامّة و الخاصّة الواضحة الدلالة.

و لو وطئها البائع و المشتري فأتت بولد يمكن لحوقه بهما فالولد للمشتري بلا خلاف هنا في الظاهر؛ للصحيحين:

في أحدهما:عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها،قال:« بئس ما صنع،يستغفر اللّه تعالى و لا يعود» قلت:فإنّه باعها من آخر و لم يستبرئ رحمها،ثم باعها الثاني من رجل آخر فوقع عليها و لم يستبرئ رحمها،فاستبان حملها عند الثالث،فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:« الولد للفراش و للعاهر الحجر» (5).

ص:122


1- الكافي 5:46/566،الوسائل 21:504 أبواب أحكام الأولاد ب 105 ح 2.أيفع الغلام:شبّ.المصباح المنير:681.
2- أحدهما في:الكافي 5:23/561،الوسائل 21:503 أبواب أحكام الأولاد ب 105 ح 1. و الآخر في:الجعفريات(قرب الإسناد):268،المستدرك 15:196 أبواب أحكام الأولاد ب 76 ح 1.
3- الشرائع 2:342،الفاضل في التحرير 2:45.
4- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:577،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:103،و السبزواري في الكفاية:191.
5- الكافي 5:2/491،الفقيه 3:1358/285،التهذيب 8:587/168،الإستبصار 3:1315/367،الوسائل 21:173 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 58 ح 2.

و نحوه الثاني،إلّا أنّ فيه:« الولد للّذي عنده الجارية،و ليصبر؛ لقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله:الولد للفراش و للعاهر الحجر» (1)و نحوه بعينه الرضوي (2).

و يستفاد منها ثبوت الفراش للأمة،و هو مؤيّد للمختار في المسألة السابقة.

و هذه الأخبار و إن أطلقت الحكم باللحوق بالثاني إلّا أنّ اللازم أن يستثني منه ما إذا كان يقصر الزمان زمان مدّة الحمل- عن ستّة أشهر من وطئه فيلحق بالسابق إن لم يقصر و لم يتجاوز أقصى الحمل.و إن قصر فيه أيضاً أو تجاوز،انتفى عنه أيضاً بلا خلاف؛ عملاً بما دلّ على اعتبار الزمان (3)،المجمع عليه بين الأعيان؛ مع أنّ ظاهر الأسئلة في هذه المعتبرة إمكان اللحوق بالكلّ،فتأمّل جدّاً.

و لو وطئها المشتركون فعلوا حراماً قطعاً،و لو حبلت حينئذٍ فولدت و تداعوه فقال كلّ منهم:هو ولدي أُقرع بينهم،و أُلحق بمن يخرج اسمه للصحاح المستفيضة:

منها:« إذا وطئ رجلان أو ثلاثةُ جاريةً في طهر واحد فولدت و ادّعوه جميعاً،أقرع الوالي بينهم،فمن خرج كان الولد ولده،و يردّ الولد على صاحب الجارية» (4).

ص:123


1- التهذيب 8:588/169،الإستبصار 3:1316/368،الوسائل 21:173 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 58 ح 3.
2- فقه الرضا عليه السلام:262.
3- انظر الوسائل 21:380 أبواب أحكام الأولاد ب 17.
4- الفقيه 3:176/52،التهذيب 8:590/169،الإستبصار 3:1318/368،الوسائل 21:171 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 57 ح 1.

و منها:« قضى عليّ عليه السلام في ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد، و ذلك في الجاهليّة قبل أن يظهر الإسلام،فأقرع بينهم،فجعل الولد لمن قرع،و جعل عليه ثلثي الدية للآخرين،فضحك رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى بدت نواجذه،قال:ما أعلم فيها شيئاً إلّا ما قضى عليّ عليه السلام» (1)و نحوهما غيرهما من الصّحاح و غيرها (2).

و يغرم الملحق به حصص الباقين من قيمته أي الولد يوم سقط حيّاً للصحيحين المتقدّمين،و عليه يحمل تضمين النصيب كما في الحسن بل الصحيح (3)و يحتمل الحمل على الأعمّ الشامل للنصيب منه و من الاُمّ.

و أمّا ارتكاب التخصيص فيه بتخصيص النصيب بنصيب الاُمّ لئلّا ينافي القاعدة من حيث إنّ كلّاً منهم بدعواه الولد معترف بعدم استحقاقه القيمة من نصيبه منه فحسن،لولا الصحيح الأول المعرب عن المراد بالنصيب فيه،أو المثبت للحكم المخالف للقاعدة،المعتضد مع الصحّة بإجماع الطائفة.

و يغرم أيضاً قيمة امّه لصيرورتها بالقرعة بظاهر الشريعة أُمّ ولده،و للرضوي:« و لو أنّ رجلين اشتريا جارية و واقعاها جميعاً فأتت بولد،لكان الحكم فيه أن يقرع بينهما،فمن أصابته القرعة الحق به الولد،

ص:124


1- التهذيب 8:591/169،الإستبصار 3:1319/368،الوسائل 21:171 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 57 ح 2.
2- انظر الوسائل 21:171 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 57،و ج 27:257 أبواب كيفية الحكم ب 13.
3- الكافي 5:2/491،الفقيه 3:183/54،التهذيب 8:592/170،الإستبصار 3:1320/369،الوسائل 21:172 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 57 ح 4.

و يغرم نصف قيمة الجارية لصاحبه،و على كلّ واحد منهما نصف الحدّ» (1).

و يظهر ممّا مرّ الحكم فيما لو لم يتداعوه أيضاً،و أنّه ليس لهم التداعي إلّا بالقرعة،فمن خرجت باسمه صحّت له الدعوى،و إلّا فلا.

لا يجوز نفي الولد لمكان العزل

و لا يجوز نفي الولد لمكان العزل (2) عن امّه مطلقاً،دائمة كانت الأُمّ أو متعة أو أمة،حصل العلم بعدم سبق المني فرجها أم لا.قيل:لإطلاق النصّ و الفتوى بلحوق الولد لفراش الواطئ؛ لصدقه مع العزل،و يمكن سبق الماء قبله (3).

و هو حسن مع الإمكان،و يستشكل مع العدم،و هو في محلّه؛ لعدم تبادر مثله من الإطلاق،و قد مرّ الإشارة إليه في أوّل النظر (4).

و الموطؤة بالشبهة يلحق ولدها بالواطئ بالشروط الثلاثة المتقدّمة،و عدم الزوج الحاضر الداخل بها بحيث يمكن إلحاقه به.

و المولى بحكم الزوج،لكن لو انتفى عن المولى و لحق الواطئ أُغرم قيمة الولد يوم سقط حيّاً لمولاها كما في الأخبار (5)لأنّه نماء مملوكته،فجمع بين الحقّين:حقّ تبعيّة الولد،و حق المولى مطلقاً من منفعة أمته التي فاتته بسبب تصرّف الغير فيها.

و المستند في أصل الحكم بعد الإجماع-:المعتبرة التي مضى بعضها،و منها الصحيح:قلت:فإن تزوّج امرأة ثم تزوّج أُمّها و هو لا يعلم

ص:125


1- فقه الرضا عليه السلام:262.
2- في المطبوع زيادة:و لا مع التهمة بالزناء.
3- قال به الشهيد الثاني في الروضة البهية 5:439 440.
4- راجع ص 103.
5- الوسائل 21:185 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 67.

أنّها أُمّها؟قال:« قد وضع اللّه تعالى عنه بجهالته بذلك» ثم قال:« فإذا علم أنّها أُمّها فلا يقربها و لا يقرب الابنة حتى تنقضي عدّة الاُمّ منه،فإذا انقضت عدّة الاُمّ جاز له نكاح الابنة» قلت:فإن جاءت الاُمّ بولد؟قال:« هو ولده، و يكون ابنه و أخا امرأته» (1)إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة (2).

و أمّا مع حضور الزوج المتقدّم و إمكان اللحوق بهما،فهو للأخير؛ لما مرّ (3).

و لو تزوّج امرأة لظنّه خلوّها من الزوج و المولى فبانت محصنة ذات زوج أو مولى رُدَّت على الأول بعد الاعتداد من الثاني و لا رجوع عليها بمهر أو نفقة إن اشتركت معه في الظنّ.

و الأولاد للواطي الثاني مع الشرائط شرائط الإلحاق،من الولادة بعد مضيّ أقلّ المدّة إلى الأقصى،و عدم التجاوز عنها.

و ينبغي تقييد الحكم باعتقاد الزوج جواز التعويل على ذلك الظنّ ليصير الوطء شبهة،فلو كان الظنّ ممّا لا يجوز التعويل عليه و علم بذلك، فإنّ الوطء يكون زناءً و ينتفي الولد عن الواطئ قطعاً،و عن الموطوءة أيضاً إذا اشتركت معه في العلم بعدم جواز التعويل على مثل الظنّ،و إلّا فليلحق بها،كما يلحق بالواطي أيضاً إن اختصّ باعتقاد جواز التعويل.

و المستند في الأحكام المذكورة بعد عدم الخلاف في الظاهر النصوص في أكثرها.

ص:126


1- الكافي 5:/431 4،الفقيه 3:/264 1258،التهذيب 7:1204/285،الإستبصار 3:617/169،الوسائل 20:478 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 26 ح 1.
2- الوسائل 20:478 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 26،و راجع الحديث 6 من الباب 8،و كذا الباب 24.
3- في ص 112.

ففي الخبر:« إذا نعي الرجل إلى أهله،أو خبّروها أنّه طلّقها، فاعتدّت،ثم تزوّجت،فجاء زوجها الأول بعد،فإنّ الأول أحقّ بها من هذا الآخر،دخل بها الأول أو لم يدخل،و لها المهر من الأخير بما استحلّ من فرجها» (1).

يلحق بذلك أحكام الولادة،و سننها
اشارة

و يلحق بذلك أي بحكم الأولاد- أحكام الولادة،و سننها المراد بها الآداب العامّة للواجب و المندوب:

فالأول:

استبداد النساء بالمرأة

استبداد النساء و انفرادهنّ بالمرأة للإعانة لها عند المخاص وجوباً كفائيّاً،بلا خلاف فيه و في عدم جواز الرجال من عدا الزوج مطلقاً إلّا مع عدمهنّ فجاز إعانتهم،بل وجب؛ للضرورة.

و ربما يناقش في عدم جواز الرجال مطلقاً،و يقيّد بما يستلزم اطّلاعه على العورة،أمّا ما لا يستلزمه من مساعدتها فتحريمه على الرجال غير واضح (2).

و هو حسن إن أُريد من العورة ما يعمّ صوتها أو لم يعدّ منها،أمّا مع جعله منها و عدم إرادته منها فيشكل،بل و ربما يستشكل مع الأول (3)؛ لاستحيائها عن الصياح،فربما أضرّ بها و بالولد،و ربما تسبّب لهلاكها أو هلاكه.

و يرشد إليه ما أُطبق عليه من قبول شهادة النساء منفردات،فتأمّل.

و كيف كان لا بأس بالزوج مطلقاً و إن وجدن أي

ص:127


1- الكافي 6:1/149،الفقيه 3:1698/355،التهذيب 7:1961/488،الإستبصار 3:688/190،الوسائل 22:252 أبواب العدد ب 37 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- انظر الروضة 5:441.
3- و هو إرادة الصوت من العورة.منه رحمه الله.

النسوة و يتعيّن لو فقدت إن حصلت به المساعدة،و إلّا تعيّن الرجال المحارم،فإن تعذّروا فغيرهم.

و قدّم في القواعد الرجال الأقارب غير المحارم على الأجانب (1).

و مستنده غير واضح،بل قيل:لا أصل له في قواعد الشرع (2).

و الثاني:ما أشار إليه بقوله:

يستحبّ غُسل المولود و الأذان في اذنه اليمنى،و الإقامة في اليسرى و تحنيكه بتربة الحسين ع

و يستحبّ غُسل المولود بضمّ الغين،كما فهمه الأصحاب،حيث ذكروه في بحث الأغسال،و هو الظاهر من الأخبار (3)؛ لذلك (4).

و ربما احتُمل الفتح (5).و لا ريب في ضعفه.

و على الأول،ففي اعتبار الترتيب فيه وجهان.

ثم المتبادر من النصّ و كلام الأصحاب و المعمول عليه بين الناس:

كون وقته حين الولادة.

و أمّا الاستحباب فهو الأشهر الأظهر.

و قيل بالوجوب (6)؛ تمسّكاً بظاهر اللفظ في النصّ (7).و هو ضعيف، كما مضى تحقيقه في كتاب الطهارة (8).

و الأذان في اذنه اليمنى،و الإقامة في اليسرى

ص:128


1- القواعد 2:49.
2- قاله الشهيد الثاني في الروضة 5:441.
3- انظر الوسائل 3:303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3،وص 337 ب 27 منها.
4- أي لذكره فيها في بحث الأغسال.منه رحمه الله.
5- انظر كشف اللثام 2:102.
6- الوسيلة:54.
7- التهذيب 1:270/104،الوسائل 3:303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.
8- راجع ج 1:498.

قيل:و ليكن ذلك قبل قطع سرّته (1).و ربما أشعر بعدم الاستحباب بعده.

و فيه نظر؛ لإطلاق أكثر النصوص (2)ككلام أكثر الأصحاب،و التقييد و إن وقع في بعضها (3)،إلّا أنّه ليس بالإضافة إلى الأذان و الإقامة خاصّة،بل مع دواءٍ وُصِف فيه،ثم ذكر الأمر بهما بعده؛ لأن لا يفزع أبداً و لا تصيبه أُمّ الصبيان (4).

و التقييد بالنسبة إلى جميع ذلك لا ينافي إطلاق استحبابهما منفرداً، حتى بعد قطع السرّة أيضاً،لا لما ذكر؛ بل لأمر آخر غيره،بل ربّما يستفاد من بعض الأخبار:أنّهم عليهم السلام أذّنوا و أقاموا في الأُذنين حين الولادة بعد قطع السرّة (5).

قيل:و قد ورد (6)فعلهما في السابع أيضاً،و قد ورد (7):أنّ القابلة أو من يليه يقيم في يمناه الصلاة فلا يصيبه لمم و لا تابعة أبداً (8).

و تحنيكه بتربة الحسين عليه السلام،و بماء الفرات و هو النهر المعروف؛ للنصوص (9).

ص:129


1- قاله الشهيد الثاني في الروضة 5:441.
2- الوسائل 21:405،407 أبواب أحكام الأولاد ب 35،36.
3- الوسائل 21:405 أبواب أحكام الأولاد ب 35.
4- أُمّ الصبيان:ريح تعرض لهم مجمع البحرين 1:260.
5- الوسائل 21:407 410 أبواب أحكام الأولاد ب 36 الأحاديث 4،5،7،10،15.
6- مكارم الأخلاق 1:1686/487.
7- الكافي 6:2/23،الوسائل 21:406 أبواب أحكام الأولاد ب 35 ح 3.
8- قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:102.
9- الوسائل 21:407 أبواب أحكام الأولاد ب 36.

قالوا:و المراد بالتحنيك:إدخال ذلك إلى حنكه،و هو أعلى داخل الفم.

قيل:و يكفي دلك بكلّ من الحنكين؛ للعموم،و إن كان المتبادر دلك الأعلى،و لذا اقتصر عليه جماعة من العامّة و الخاصّة (1).

و مع عدمه أي ماء الفرات- بماء فرات ،أي عذب.

و الأولى التحنيك بماء السماء مع تعذّر ماء الفرات،كما في النصّ (2).

و ما ذكروه من مطلق الماء الفرات بعد تعذّر ماء الفرات لم نقف لهم على نصّ،و لا بأس بمتابعتهم حيث يتعذّر ماء السماء فيحنّك به مسامحةً في أدلّة السنن.

قيل:و يمكن فهمه من بعض نصوص ماء الفرات؛ بناءً على احتمال إضافة العامّ إلى الخاصّ (3).و فيه نظر.

و إن لم يوجد الماء الفرات و لا غيره إلّا ماء ملح،خلط بالعسل أو التمر لورود الأمر بالتحنيك بكلّ منهما.

ففي الخبر:« حنّكوا أولادكم بالتمر،هكذا فعل النبيّ صلى الله عليه و آله بالحسن و الحسين عليهما السلام» (4).

و أمّا العسل فمحكيّ عن الرضوي (5)،مع أنّ فيه شفاء من كلّ داء.

ص:130


1- قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:102.
2- الكافي 6:4/24،التهذيب 7:1740/436،مكارم الأخلاق:1695/489،الوسائل 21:407 أبواب أحكام الأولاد ب 36 ح 3.
3- انظر كشف اللثام 2:102.
4- الكافي 6:5/24،التهذيب 5:1741/436،مكارم الأخلاق:229،الخصال:10/610،الوسائل 21:407 أبواب أحكام الأولاد ب 36 ح 1؛ بتفاوت يسير.
5- فقه الرضا عليه السلام:239،المستدرك 15:138 أبواب أحكام الأولاد ب 27 ح 1.

لكن شيء من ذلك لا يفيد استحباب التخليط بالماء المالح،إلّا أنّ الخطب سهل؛ حيث إنّ المقام مقام الاستحباب.

يستحب تسمية الأسماء المستحسنة

و تسمية الأسماء المستحسنة في الشريعة؛ ففي الخبر:« أول ما يبرّ الرجل ولده أن يسمّيه باسمٍ حسن،فليحسن أحدكم اسم ولده» (1).

و في آخر:« استحسنوا أسماءكم،فإنّكم تدعون بها يوم القيامة:قم يا فلان بن فلانة إلى نورك» (2).

و في ثالث:« أصدق الأسماء ما يسمّى بالعبوديّة للّه سبحانه،و أفضلها أسماء الأنبياء» (3).

و في رابع:« لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمّد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد اللّه أو فاطمة من النساء» (4).

و جعل الفاضلان أفضل الأسماء ما تضمّن العبوديّة للّه،و يليها في الفضل أسماء الأنبياء عليهم السلام (5).و لم نقف على مستنده،بل الموجود في بعض ما مرّ أفضليّة أسماء الأنبياء.و بمضمونه عبّر الشهيد رحمه الله في اللمعة (6).

ص:131


1- الكافي 6:3/18،التهذيب 7:1745/437،الوسائل 21:388 أبواب أحكام الأولاد ب 22 ح 1.
2- الكافي 6:10/19،الوسائل 21:389 أبواب أحكام الأولاد ب 22 ح 2،و فيهما:يا فلان بن فلان.
3- الكافي 6:1/18،التهذيب 7:1747/438،الوسائل 21:391 أبواب أحكام الأولاد ب 23 ح 1؛ بتفاوت يسير.
4- الكافي 6:8/19،التهذيب 8:1748/438،الوسائل 21:396 أبواب أحكام الأولاد ب 26 ح 1.
5- المحقق في الشرائع 2:343،العلّامة في التحرير 2:42.
6- اللمعة(الروضة البهية 5):443.

و الحلّي صرّح بأنّ الأفضل أسماء النبيّ صلى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام،و بعد ذلك العبوديّة للّه تعالى دون خلقه (1).

و أن يكنّيه مخافة النبز،كما في الخبر (2).

و يكره أن يكنّي محمّداً بأبي القاسم للنصّ:« نهى عن أربع كنى:

عن أبي عيسى،و عن أبي الحكم،و عن أبي المالك،و عن أبي القاسم إذا كان الاسم محمّداً» (3).

و أن يسمّي حَكَماً أو حكيماً أو خالداً أو حارثاً أو مالكاً أو ضراراً للخبرين فيما عدا الأخير (4)،و للمرويّ في الخصال فيه،و فيه:« إنّ شرّ الأسماء:ضرار و مرار و حرب و ظالم» (5)مع أنّه اسم الشيطان كما قيل (6).

يستحبّ حلق رأسه يوم السابع و التصدق بوزن شعره و ثقب أذنه و ختانه

و يستحبّ حلق رأسه يوم السابع من يوم ولد،و لو في آخر جزء من النهار؛ للنصوص (7)،و هي كثيرة،و إطلاقها كعبارات الأصحاب يشمل الذكر و الأُنثى؛ مع تأيّده بالمرويّ في العلل:« إنّ العلّة في الحلق

ص:132


1- السرائر 2:646.
2- الكافي 6:11/19،التهذيب 7:1750/438،الوسائل 21:397 أبواب أحكام الأولاد ب 27 ح 1.
3- الكافي 6:15/21،التهذيب 7:1752/439،الخصال:117/250،الوسائل 21:400 أبواب أحكام الأولاد ب 29 ح 2.
4- أحدهما في:الكافي 6:14/20،التهذيب 7:1751/439،الوسائل 21:398 أبواب أحكام الأولاد ب 28 ح 1. و الآخر في:الكافي 6:16/21،التهذيب 7:1753/439،الوسائل 21:398 أبواب أحكام الأولاد ب 28 ح 2.
5- الخصال:118/250،الوسائل 21:399 أبواب أحكام الأولاد ب 28 ح 5،و فيهما:مرّة،بدل:مرار.
6- حكاه في المسالك 1:578.
7- الوسائل 21:420 أبواب أحكام الأولاد ب 44.

التطهير من شعر الرحم» (1).

و في قرب الإسناد في الصحيح:عن العقيقة عن الغلام و الجارية، قال:« سواء،كبش بكبش،و يحلق رأسه،و يتصدّق بوزن شعره ذهباً أو ورقاً،فإن لم يجد رفع الشعر و عرف وزنه،فإذا أيسر تصدّق به» (2).

قالوا:و ينبغي أن يكون مقدّماً على العقيقة قيل (3):لظاهر الحسن:عن العقيقة و الحلق و التسمية بأيّها نبدأ؟فقال:« يصنع ذلك كلّه في ساعة واحدة،يحلق و يذبح و يسمّى» الخبر (4).و فيه نظر.

نعم،في الروضة (5):قال إسحاق بن عمّار للصادق عليه السلام:بأيّها نبدأ؟ قال:« تحلق رأسه،و تعقّ عنه،و تصدّق بوزن شعره فضّة،يكون ذلك في مكان واحد» (6).

و يستفاد منه كغيره التصدّق بوزن شعره ذهباً أو فضّة ثم إنّ ظاهر بعض النصوص عدم استحباب الحلق بمضيّ السابع، ففي الصحيح:عن مولود لم يحلق رأسه يوم السابع،فقال:« إذا مضى سبعة أيّام فليس عليه حلق» (7).

و يكره القنازع للمستفيضة،و هو أن يحلق من الرأس موضعاً

ص:133


1- علل الشرائع:1/505،الوسائل 21:425 أبواب أحكام الأولاد ب 44 ح 21.
2- قرب الإسناد:1170/297،الوسائل 21:411 أبواب أحكام الأولاد ب 36 ح 16،كذا في الأصل،و في المصدر:كبش كبش.
3- هو صاحب المدارك في نهاية المرام 1:450.
4- الكافي 6:4/33،الوسائل /21 420 أبواب أحكام الأولاد ب 44 ح 2.
5- الروضة 5:446.
6- الكافي 6:2/27،التهذيب 7:1767/442،الوسائل 21:422 أبواب أحكام الأولاد ب 44 ح 9.
7- الكافي 6:1/38،الفقيه 3:1533/316،التهذيب 7:1786/446،الوسائل 21:444 أبواب أحكام الأولاد ب 60 ح 1.

و يترك موضعاً في أيّ جانب كان،روي ذلك عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام (1).

و في خبر آخر عن مولانا الصادق عليه السلام:إنّه كره القنزع في رؤوس الصبيان،و ذكر أنّ القنزع:أن يحلق الرأس إلّا قليلاً وسط الرأس يسمّى القنزعة (2).

و يستحبّ ثقب اذنيه بإجماعنا،و به استفاض أخبارنا،ففي الصحيح:« ثقب اذن الغلام من السنّة» (3)و نحوه غيره (4).

و إطلاق أكثرها يقتضي الاكتفاء بالأُذن الواحدة،لكن في بعض المعتبرة الأمر بثقب الأُذنين،كما ورد في الخبرين الواردين في ثقب اذني الحسنين عليهما السلام (5)،فلعلّه آكد،أو يحمل المطلق على المقيّد،و الأول أنسب بمقام الاستحباب.

و يستفاد من أحد الخبرين في كيفيّة ثقب اذنيهما:ثقب الاُذن اليمنى في شحمتها،و اليسرى في أعلاها.

و كيف كان،فأخبارنا بأصل الاستحباب في الجملة مستفيضة،و سند

ص:134


1- الكافي 6:1/40،التهذيب 7:1790/447،الوسائل 21:450 أبواب أحكام الأولاد ب 66 ح 1.
2- الكافي 6:2/40،الوسائل 21:450 أبواب أحكام الأولاد ب 66 ح 3؛ و فيهما:القزع و القزعة،بدل:القنزع و القنزعة.
3- الكافي 6:5/36،الوسائل 21:433 أبواب أحكام الأولاد ب 51 ح 3.
4- الكافي 6:1/34،الوسائل 21:433 أبواب أحكام الأولاد ب 51 ح 1.
5- أحدهما في:الكافي 6:6/33،التهذيب 7:1776/444،الوسائل 21:432 أبواب أحكام الأولاد ب 51 ح 2. و الآخر في:الفقيه 3:1534/316،الوسائل 21:433 أبواب أحكام الأولاد ب 51 ح 4.

بعضها معتبر،و الباقي منجبر بإجماع الطائفة،كما حكاه جماعة (1).

خلافاً لبعض العامّة،فاختار الحرمة؛ لاشتماله على أذية لم يرد فيها رخصة (2).

و المناقشة فيه بعد ما عرفت من أخبارنا المرخّصة واضحة؛ مع إطباق الناس عليه عصراً بعد عصر من غير نكير و مضايقة.

و يستحبّ أيضاً ختانه فيه أي اليوم السابع بلا خلاف؛ للمستفيضة (3)، و لو أخّره عنه جاز في الجملة إجماعاً؛ للصحيح:

عن ختان الصبيّ لسبعة أيّام،هو من السنّة أو يؤخّر،فأيّهما أفضل؟قال:

« لسبعة أيّام من السنّة،و إن أُخّر فلا بأس» (4).

و في الصحيح:« السنّة» أي في الختان« يوم السابع،فلا تخالفوا السنن إن شاء اللّه تعالى» (5).

و لو بلغ غير مختون وجب عليه بنفسه الاختتان بإجماع علماء الإسلام،كما حكاه جماعة من الأعيان (6).

و في وجوبه على الوليّ قبل البلوغ،قولان،أشهرهما و أظهرهما

ص:135


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:578،و السبزواري في الكفاية:192،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:102.
2- حاشية ردّ المختار لابن عابدين 6:741.
3- الوسائل 21:433 أبواب أحكام الأولاد ب 52.
4- الكافي 6:7/36،التهذيب 7:1780/445،الوسائل 21:438 أبواب أحكام الأولاد ب 54 ح 1.
5- الكافي 6:3/35،الفقيه 3:1529/314،الوسائل 21:433 أبواب أحكام الأولاد ب 52 ح 1.
6- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:578،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:453،و صاحب الحدائق 25:49.

العدم؛ للأصل،و إطلاق الصحيح المتقدّم بجواز التأخير عن السابع.

خلافاً للتحرير،فيجب (1).و هو شاذّ،و مستنده غير واضح.

و أمّا الصحيح السابق الناهي عن التأخير عن السابع،فمع أنّه معارض بالصحيح الأول المعتضد بالأصل و الشهرة و الصراحة،مخالف للإجماع لو حمل على ظاهره بالضرورة،فليحمل على تأكّد السابع البتّة.

و يدخل فيمن بلغ غير مختون:الكافر إذا أسلم،بلا خلاف في الظاهر،و إن طعن في السنّ؛ للخبر:« إذا أسلم الكافر اختتن و لو بلغ ثمانين سنة» (2).

و يستحب خفض الجواري و العقيقة

و خفض الجواري و ختانهنّ مستحبّ شرعاً بلا خلاف؛ و هو الحجّة،مع المسامحة في أدلّة السنن،دون النصوص؛ لتصريحها بأنّه ليس من السنّة،ففي الصحيح:« ختان الغلام من السنّة،و خفض الجارية ليس من السنّة» (3).

و هو و إن احتمل نفي الوجوب،إلّا أنّ بعضها ظاهر في نفي السنّة بالمعنى المصطلح،ففي الخبر:« خفض النساء مكرمة ليست من السنّة، و لا شيئاً واجباً،و أيّ شيء أفضل من المكرمة؟!» (4)إلّا أنّ ذيله مشعر بالاستحباب في الجملة.و كيف كان،لا ريب في الاستحباب؛ لما مضى.

و أن يُعَقّ عنه أيضاً بِذَكَر إن كان ذَكَراً،و إلّا فأُنثى؛ للخبر (5).

ص:136


1- التحرير 1:43.
2- الكافي 6:10/37،التهذيب 7:1781/445،الوسائل 21:440 أبواب أحكام الأولاد ب 55 ح 1؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 6:2/37،الوسائل 21:441 أبواب أحكام الأولاد ب 56 ح 2.
4- الكافي 6:3/37،الوسائل 21:441 أبواب أحكام الأولاد ب 56 ح 3.
5- الكافي 6:4/27،التهذيب 7:1769/442،الوسائل 21:423 أبواب أحكام الأولاد ب 44 ح 11.

و ليس المماثلة واجبة إجماعاً كما حكي (1)،و للنصوص المستفيضة، منها الصحيح:« العقيقة في الغلام و الجارية سواء» (2)فتأمّل.

و لا خلاف في رجحانه في الجملة،و النصوص به مستفيضة كاستفاضتها في توقيتها باليوم السابع فضلاً (3)،و إنّما الخلاف في الوجوب، و الأظهر الأشهر:العدم،بل كاد أن يكون إجماعاً،بل حكي صريحاً في الخلاف (4)؛ و هو الحجّة فيه بعد الأصل،مع فقد المعارض؛ إذ ليس إلّا الأوامر في النصوص (5)،و هي مع قصور أسانيدها متضمّنة لكثير من الأوامر المستحبّة الموهنة لدلالة الأوامر المزبورة على الوجوب.

و أمّا النصوص المتضمّنة لإطلاق ألفاظ الوجوب عليها (6)،فمع تضمّن أكثرها ما ذُكِر مع قصور السند،يزيد ضعف الاستناد عليها على ما تقدّم بضعف دلالة الوجوب على المعنى المصطلح،فلعلّ المراد به مطلق الثبوت المجامع للاستحباب.

و يقوى إرادته هنا بالشهرة و بالصحيح:« كلّ امرئ مرتهن يوم القيامة بعقيقة،و العقيقة أوجب من الأُضحيّة» (7)و الحال إنّ الأُضحيّة مستحبّة عند أكثر علمائنا،بل ربما ادّعي عليه الاتّفاق (8)،فتأمّل.

ص:137


1- انظر الخلاف 6:69.
2- الكافي 6:2/26،الوسائل 21:417 أبواب أحكام الأولاد ب 42 ح 1.
3- الوسائل 21:412 أبواب أحكام الأولاد ب 38.
4- الخلاف 6:70.
5- الوسائل 21:422 423 أبواب أحكام الأولاد ب 44 الأحاديث 7،8،11،12.
6- الوسائل 21:413 أبواب أحكام الأولاد ب 38 ح 3،4،5.
7- الكافي 6:3/25،الفقيه 3:1513/312،التهذيب 7:1763/441،الوسائل 21:412 أبواب أحكام الأولاد ب 38 ح 1؛ و في الجميع:بعقيقته.
8- كما في الحدائق 25:59.

و كيف كان،فخلاف المرتضى و الإسكافي الموجبين لها (1)ضعيف جدّاً،و الإجماع الذي ادّعاه الأول مع وهنه باشتهار خلافه معارض بإجماع الشيخ،الذي منه أقوى كما لا يخفى.

و أمّا الاستدلال (2)على الاستحباب بالموثّقين الدالّين على إجزاء الأُضحيّة عن العقيقة إذا لم يُعَقّ عنه (3)،فليس في محلّه؛ لاحتمال التداخل و إجزاء المستحبّ عن الواجب،كما وُجِد نظيره في كثير من الأحكام الشرعيّة،مثل:

ما قاله الصدوق من إجزاء غسل الجمعة عن غسل الجنابة للصائم الناسي لها (4)،مع استحباب الأول عنده،كما يظهر من كلامه في الفقيه (5)، و اعترف به المستدلّ هنا في جملة تحقيقاته ثمّة،حيث زيّف نسبة القول بالوجوب إليه هناك (6).

و ما قال به جماعة من إجزاء الغسل المستحبّ عن الأغسال الواجبة و إن لم يكن نواها (7)،و وردت به النصوص (8)أيضاً كالأول.

ص:138


1- المرتضى في الانتصار:191،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:577.
2- الحدائق 25:60.
3- أحدهما في:الكافي 6:3/39،التهذيب 7:1789/447،الوسائل 21:449 أبواب أحكام الأولاد ب 65 ح 1. و الآخر في:الفقيه 3:1517/312،الوسائل 21:449 أبواب أحكام الأولاد ب 65 ح 2.
4- الفقيه 2:74.
5- الفقيه 1:62.
6- انظر الحدائق 4:223.
7- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:16،و صاحب المدارك 2:173،و الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:55.
8- انظر الوسائل 2:261 أبواب الجنابة ب 43.

و ما قاله أكثر الأصحاب من إجزاء صلاة الجمعة في زمان الغيبة عن الظهر،مع استحبابها و وجوب الثاني عندهم.و لا ينافي ذلك تسميتهم الأول بالواجب المخيّر،فإنّما هي مجاز بلا خلاف بينهم.

نعم،هما صالحان للتأييد،سيّما و إذا لم يقل بهما الموجبون،فتأمّل.

و لا تجزئ الصدقة بثمنها مطلقاً؛ للأصل،مع خروجه عن مسمّاها،و للخبرين:

أحدهما الحسن:ولد لأبي جعفر عليه السلام غلامان،فأمر زيد بن عليّ أن يشتري له جزورين،فاشترى له واحدة و عسرت عليه الأُخرى،فقال لأبي جعفر عليه السلام:قد عسرت عليّ الأُخرى،فيصدّق بثمنها؟فقال:

« لا،اطلبها حتى تقدر عليها،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يحبّ إهراق الدماء و إطعام الطعام» (1).

و يستفاد منه أنّه لو عجز عنها توقّع المكنة و إطلاقه يشمل استحبابها و عدم سقوط استحبابه و لو إلى ما بعد البلوغ.

مضافاً إلى خصوص بعض الأخبار:فقال عمر بن يزيد لمولانا الصادق عليه السلام:إنّي و اللّه ما أدري كان أبي عقّ عنّي أم لا،فأمره فعقّ عن نفسه و هو شيخ،و قال:« كلّ امرئ مرتهن بعقيقته،و العقيقة أوجب من الأُضحيّة» (2).

ص:139


1- الكافي 6:8/25،الوسائل 21:415 أبواب أحكام الأولاد ب 40 ح 2؛ بتفاوت يسير. و الآخر في:الكافي 6:6/25،التهذيب 7:1764/441،الوسائل 21:415 أبواب أحكام الأولاد ب 40 ح 2.
2- الكافي 6:3/25،الفقيه 3:1513/312،التهذيب 7:1763/441،الوسائل 21:414 أبواب أحكام الأولاد ب 39 ح 1؛ بتفاوت يسير.

و في المضمر:« إذا ضُحّي عنه أو قد ضحّى الولد عن نفسه أجزأه عن عقيقته» (1).

و أمّا الخبر:« إذا جازت سبعة أيّام فلا عقيقة له» (2)فمحمول على انتفاء الفضل الزماني دون الفعلي جمعاً.

يستحبّ في العقيقة شروط الأُضحيّة

و يستحبّ فيها شروط الأُضحيّة من كونها سليمة من العيوب سمينة؛ للخبر:« يذبح عنه كبش،فإن لم يوجد كبش أجزأه ما يجزئ في الأُضحيّة،و إلّا فحَمَل أعظم ما يكون من حُملان السنة» (3).

و أمّا النصوص بأنّها ليست كالأُضحيّة و فيها الصحيح و غيره من المعتبرة (4)فمحمولة على حال الضرورة،أو نفي الوجوب و الشرطيّة، كما في الأُضحيّة،فليست لما مضى بمنافية.فمناقشة بعض الأجلّة في استحباب الشروط هنا كما في الأُضحيّة للأخبار المذكورة (5)، واهية.

و أن يخصّ القابلة بالرجل و الورك ،كما في النصوص (6)،و في بعضها:« تعطى الربع» (7)قيل:هو يوافق الرجل و الورك غالباً (8)،و في

ص:140


1- الكافي 6:3/39،التهذيب 7:1789/447،الوسائل 21:449 أبواب أحكام الأولاد ب 65 ح 1.
2- الكافي 6:2/38،التهذيب 7:1787/446،الوسائل 21:445 أبواب أحكام الأولاد ب 60 ح 2.
3- الفقيه 3:1517/312،الوسائل 21:416 أبواب أحكام الأولاد ب 41 ح 1.الحَمَل:ولد الضائنة في السنة الأُولى،و الجمع:حُملان.المصباح المنير:152.
4- الوسائل 21:425 أبواب أحكام الأولاد ب 45.
5- انظر الحدائق 25:63.
6- الوسائل 21:420 أبواب أحكام الأولاد ب 44.
7- الفقيه 3:1522/313،الوسائل 21:424 أبواب أحكام الأولاد ب 44 ح 15.
8- قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:102.

آخر:« الثلث» (1)و الجمع بتفاوت مراتب الفضل ممكن،و إن كان الأخذ بما اشتهر بين الأصحاب و هو الأول أجود.

و لو كانت القابلة ذمّية لا تأكل ذبيحة المسلم أعطيت ثمن الربع للموثّق:« و إن كانت القابلة يهوديّة لا تأكل من ذبيحة المسلمين، أُعطيت قيمة ربع الكبش» (2)و خُصّت اليهوديّة بالذكر لأكل النصارى و كذا المجوس ذبائحنا.

و لو لم تكن ثمّة قابلة،تصدّقت به أي بالربع- الأُمّ إلى من شاءت من فقير أو غني؛ لعموم الموثّق:« و إن لم تكن قابلة فلأُمّه تعطيها من شاءت» (3).

و إذا لم يَعِقّ الوالد عنه استحبّ للولد أن يعقّ عن نفسه إذا بلغ و إن شاب،بلا خلاف؛ لمفهوم الموثّقين:

في أحدهما:« و إن لم يعقّ عنه حتى ضحّى فقد أجزأته الأُضحيّة» (4)و نحوه الثاني (5)،فتأمّل.

و الأجود الاستدلال عليه بفحوى الصحيح الدالّ على استحبابها للولد مع الشكّ في عقيقة الوالد عنه،و فيه:ما أدري كان أبي عقّ عنّي أم لا،

ص:141


1- الكافي 6:2/32،التهذيب 7:1775/444،الوسائل 21:428 أبواب أحكام الأولاد ب 47 ح 1.
2- الكافي 6:9/28،التهذيب 7:1771/443،الوسائل 21:421 أبواب أحكام الأولاد ب 44 ح 4.
3- الفقيه 3:1522/313،الوسائل 21:424 أبواب أحكام الأولاد ب 44 ح 15.
4- الفقيه 3:/312 1517،الوسائل 21:449 أبواب أحكام الأولاد ب 65 ح 2.
5- الكافي 6:3/39،التهذيب 7:1789/447،الوسائل 21:449 أبواب أحكام الأولاد ب 65 ح 1.

فأمرني فعققت عن نفسي و أنا شيخ كبير (1)،مضافاً إلى النصوص الدالّة بأنّ المرء مرتهن بعقيقته (2).

و لو مات الصبيّ ذكراً كان أو أُنثى في اليوم السابع قبل الزوال،سقط استحبابها و لو مات بعد الزوال لم يسقط الاستحباب بلا خلاف في الظاهر؛ للصحيح:عن مولود يولد فيموت يوم السابع،هل يعقَّ عنه؟فقال:« إن مات قبل الظهر لم يعقَّ عنه،و إن مات بعد الظهر عقَّ عنه» (3).

و يكره بل حكي قول بعدم الجواز (4)- أن يأكل منها الوالدان بل و من في عيالهما،و الكراهة في الأُمّ أشدّ؛ للنصوص:

منها:« لا يأكل هو و لا أحد من عياله من العقيقة» (5).

و في الرضوي:« و لا يأكل منه الأبوان» (6).

و في ذيل الأول ما يدلّ على جواز أكل من عدا الاُمّ و شدّة كراهته فيها،و نحوه في الأول (7)نصوص كثيرة:

منها الخبر:« إذا ولد لك غلام أو جارية فعقَّ عنه يوم السابع شاة أو

ص:142


1- الكافي 6:3/25،الفقيه 3:1515/312،التهذيب 7:1763/441،الوسائل 21:414 أبواب أحكام الأولاد ب 39 ح 1.
2- الوسائل 21:412 أبواب أحكام الأولاد ب 38.
3- الكافي 6:1/39،الفقيه 3:1525/314،التهذيب 7:1788/447،الوسائل 21:445 أبواب أحكام الأولاد ب 61 ح 1.
4- نقله الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:102.
5- الكافي 6:2/32،التهذيب 7:1775/444،الوسائل 21:428 أبواب أحكام الأولاد ب 47 ح 1.
6- فقه الرضا عليه السلام:239،المستدرك 15:147 أبواب أحكام الأولاد ب 34 ح 1.
7- أي في جواز أكل من عدا الاُمّ.

جزوراً،و كل منها و أطعم» (1).

و في آخر في عقيقة الرسول صلى الله عليه و آله عن الحسنين عليهما السلام قال:« و عقّ عنهما شاةً شاة،و بعثوا برجل إلى القابلة،و نظروا ما غيره فأكلوا منه» (2)و قريب منهما آخر (3).و بهما مع الأصل،و ضعف النصوص المانعة يدفع القول بالحرمة.

و نحوه في الثاني (4)الحسن:« لا تطعم الاُمّ منها شيئاً» (5).

و المرسل:« لا تأكل المرأة من عقيقة ولدها» (6).

و في الرضويّ« و لا يأكل منها الأبوان،و إن أكلت منه الاُمّ فلا ترضعه» (7)و يستفاد منه كراهة الإرضاع مع أكلها منها،و به صرّح الصدوق في الفقيه (8)،و لا بأس بها و إن لم يذكره غيره.

و أن يُكسَر شيء من عظامها،بل يفصل مفاصل (9) بلا خلاف؛ للنصوص:

منها:« و لا تكسر العظم» (10).

ص:143


1- الكافي 6:7/28،الوسائل 21:422 أبواب أحكام الأولاد ب 44 ح 7.
2- الكافي 6:5/33،الوسائل 21:431 أبواب أحكام الأولاد ب 50 ح 4.
3- الكافي 6:7/28،الوسائل 21:422 أبواب أحكام الأولاد ب 44 ح 7.
4- أي في شدّة كراهة الأكل في الأُمّ.
5- الكافي 6:3/32،الوسائل 21:428 أبواب أحكام الأولاد ب 47 ح 2.
6- الكافي 6:1/32،الوسائل 21:429 أبواب أحكام الأولاد ب 47 ح 3.
7- فقه الرضا عليه السلام:239،المستدرك 15:147 أبواب أحكام الأولاد ب 34 ح 1.
8- الفقيه 3:313.
9- في المطبوع زيادة:الأعضاء.
10- الكافي 6:11/29،التهذيب 7:1772/443،الوسائل 21:421 أبواب أحكام الأولاد ب 44 ح 5.

و منها:« و اقطع العقيقة جداول،و ادع عليها رهطاً من المسلمين» (1).

و ليس بمحظور إجماعاً؛ للأصل،و ضعف النصوص المانعة، و صريح الموثّق بالجواز:عن العقيقة إذا ذبحت،هل يكسر عظمها؟قال:

« نعم» (2).

ثم إنّ ما اشتهر في أمثال زماننا بين الناس من استحباب دفن العظام، بل و لفّها في خرقة،فلم نقف في النصوص على كثرتها و كذا أقوال الفقهاء على ما يدلّ عليه،و لا بأس به ما لم يقصد الشرعيّة،و معه فيمكن التحريم و الإباحة؛ بناءً على احتمال دخوله في المعتبرة الدالّة على:أنّ من بلغه شيء من الثواب،إلى آخره (3)؛ و لكن المتّجه حينئذٍ الاستحباب،لكنّه مشكل،و اللّه العالم.

من التوابع الرضاع و الحضانة
اشارة

و من التوابع:

الرضاع بكسر الراء و فتحها،مصدر:رضع،كسمع و ضرب، كالرضاعة بالكسر و الفتح أيضاً،و هو امتصاص الثدي.

و الحضانة بالفتح،و هي ولاية عن الطفل و المجنون لفائدة تربيته و ما يتعلّق بها من مصلحته:من حفظه،و جعله في سريره و رفعه،و كَحله، و دهنه،و تنظيفه،و غسل خرقه و ثيابه،و نحوه.

الرضاع

و لا ريب و لا خلاف في أنّ أفضل ما يرضع به الولد لبن

ص:144


1- الكافي 6:1/27،التهذيب 7:1766/442،الوسائل 21:422 أبواب أحكام الأولاد ب 44 ح 8.الجُدول جمع جدل،بالكسر و الفتح،و هو العضو.النهاية 1:248.
2- الفقيه 3:1524/314،الوسائل 21:424 أبواب أحكام الأولاد ب 44 ح 17.
3- الوسائل 1:80 أبواب مقدمة العبادات ب 18.

امّه لأوفقيّته بمزاجه،و أنسبيّته بطبيعته لتغذيته منه في بطن امّه،و للنّص:

« ما من لبن رضع به الصبيّ أعظم بركة عليه من لبن أُمّه» (1).

و المعروف من مذهب الأصحاب بل كاد أن يكون إجماعاً بينهم أنّه لا تُجبَر الأُمّ الحرّة و كذا الأمة مملوكة الغير على إرضاع ولدها إلّا إذا لم يكن للولد مرضعة أُخرى سواها،أو كانت و لم يمكن؛ لعدم وجود الأب،أو إعساره و عدم تمكّنه منه،مع عدم مال للولد يمكن به إرضاعه من غيرها،فيجب عليها بلا خلاف،كوجوب إنفاقها عليه في هاتين الصورتين.

و أمّا عدم الوجوب في غيرهما فللأصل،و الخبر:« لا تُجبَر الحرّة على إرضاع الولد،و تُجبَر أُمّ الولد» (2).

مع التأيد بظاهر عموم لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها [1] (3)الشامل لمثل الإضرار بها فيه بالإجبار على إرضاعه.

و ظاهر قوله سبحانه فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [2] (4).و قوله وَ إِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى [3] (5).و في الاستدلال بهما نظر.

و بما مرّ يُصرَف ظاهر الطلب المطلق المنصرف إلى الوجوب في الظاهر على الأشهر الأظهر المستفاد من قوله سبحانه: وَ الْوالِداتُ [4]

ص:145


1- الكافي 6:1/40،الفقيه 3:1465/305،التهذيب 8:365/108،الوسائل 21:452 أبواب أحكام الأولاد ب 68 ح 2.
2- الكافي 6:4/40،الفقيه 3:1486/308،التهذيب 8:362/107،الوسائل 21:452 أبواب أحكام الأولاد ب 68 ح 1.
3- البقرة:233.
4- الطلاق:6.
5- الطلاق:6.

يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ [1] الآية (1)إلى الاستحباب؛ جمعاً بين الأدلّة.

و يمكن الجمع،بحمله إمّا على الصورتين الأُوليين،أو على أُمّ ولد المولى؛ و ذلك لعدم الخلاف في أنّه يجبر الأمة مولاها على إرضاع ولدها،بل مطلقاً؛ لما مضى من صريح الخبر،و لأنّها بجميع منافعها ملك له،فتُجبَر.

و بالجملة:لا إشكال في أصل الحكم مع استثناء الصورتين الماضيتين،و إنّما الإشكال في استثناء صورة ثالثة،و هي وجوب إرضاعها اللِّبَأ،و هو أوّل اللبن،فقيل:نعم،كما في القواعد و اللمعة؛ لأنّ الولد لا يعيش بدونه (2).

خلافاً للأكثر،فالعدم؛ لمخالفة التعليل الوجدان.

و هو أظهر،إلّا مع ثبوت الضرر،فيجب بلا إشكال و لا نظر.و يتقدّر المدّة حينئذٍ بمقدار اندفاعه،و ربما قُيّد بثلاثة أيّام (3)،و المحكيّ عن أهل اللغة أنّه أوّل الحلبة (4).

و عليه ففي لزوم الأجر قولان،و به صرّح الأكثر،و هو أظهر؛ لإطلاق فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [2] و لا قائل بالفرق بين المطلّقات و غيرهن؛ مع التأيّد بما قيل من أنّه في الحقيقة عوض عن اللبن، فيكون كمن عنده طعام اضطرّ إليه ذو نفس محترمة (5).

ص:146


1- البقرة:233.
2- القواعد 2:51،اللمعة(الروضة البهية 5):452.
3- حكاه في الروضة 5:452.
4- انظر نهاية المرام 1:460.
5- قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:105.

و قيل:لا؛ لأنّها كالعبادة الواجبة،لا يجوز أن يؤخذ عليها اجرة (1).

و المناقشة فيه واضحة،مع أنّه اجتهاد صرف في مقابلة إطلاق الآية المعتضدة بالشهرة.

و للحرّة المستأجرة للإرضاع بنفسها،أو بغيرها،أو على الإطلاق و لو أرضعته من الغير على الأشهر كما في المسالك (2)،و على إشكال لو تبادر من الإطلاق الإرضاع بنفسها و إلّا فحسن الأُجرة المضروبة على الأب الحيّ الموسر مطلقاً و إن كانت الحرّة امّاً و اختارت إرضاعه بعد استئجارها لذلك.

و كذا لو أرضعته خادمتها المملوكة لها،بلا إشكال و لا خلاف؛ لأنّها من جملة نفقته الواجبة له عليه،و لقوله تعالى وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ [1] الآية (3)،فتأمّل.

و هل يجوز استئجار الاُمّ لذلك و هي في حبالته؟ المشهور:نعم؛ للأصل،و العمومات،و لقوله تعالى فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ [2] الآية (4).

خلافاً للشيخ في موضع من المبسوط (5)،فقوّى المنع؛ لأنّه مالك للاستمتاع بها في كلّ وقت إلّا ما استثني من أوقات العبادات،فلا تقدر هي على إيفاء المانع المستأجرة.

و أمّا الآية فمسوقة للمطلّقات،و لا نزاع فيهن.

ص:147


1- قال به الفاضل المقداد في التنقيح 3:267.
2- المسالك 1:580.
3- البقرة:233.
4- الطلاق:6.
5- المبسوط 6:36 37.

و فيه نظر؛ لمجيء المانع من قبله،فإذا أسقطه سقط،و لمّا استأجرها فقد أسقط حقّه من الاستمتاع في الأوقات التي لا يمكنه مع الإرضاع،و هو أولى بالصحّة من أجير أذن له المؤجر في الإجارة من غيره في مدّة إجارته، كذا قيل (1).

و إنّما يتمّ إذا كان الأب هو المستأجر،و لا أظنّ الشيخ يمنع حينئذ، و أمّا إذا كان غيره فلا يجري فيه الجواب،فقوله لا يخلو عن قوّة،إلّا أنّ المحكيّ عنه هو الصورة الأُولى (2)،و هو عن مثله غريب.

و لو كان الأب ميّتاً أو معسراً فمن مال الرضيع بلا خلاف و لا إشكال في الأول؛ للنصوص:

منها المرسل كالصحيح:« إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قضى في رجل توفّى و ترك صبيّاً فاسترضع له:أنّ أجر رضاع الصبيّ ممّا يرث من أبيه و أُمّه» (3).

و قريب منه الصحيح:في رجل مات و ترك امرأته و معها منه ولد، فألقته على خادم لها فأرضعته،ثم جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصيّ، فقال:« لها أجر مثلها،و ليس للوصيّ أن يخرجه من حجرها حتى يدرك و يدفع إليه ماله» (4).

و ربما ظهر من إطلاق العبارة وجوب الأُجرة على الأب و لو مع إعساره.

و استشكله جماعة؛ للأصل،مع عدم كون الولد حينئذٍ ممّن يجب

ص:148


1- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:105.
2- انظر الحدائق 25:74.
3- الكافي 6:5/41،التهذيب 7:1792/447،الوسائل 21:456 أبواب أحكام الأولاد ب 71 ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- الكافي 6:7/41،التهذيب 8:356/106،الوسائل 21:456 أبواب أحكام الأولاد ب 71 ح 1.

عليه إنفاقه عليه (1).

و هو في محلّه،إلّا أنّ إطلاق الآيتين الموجبتين للأُجرة عليه ربما ينافي ذلك.

و كيف كان،فلا ريب أنّه أحوط إن أمكن باقتراض و نحوه،و إلّا فلا ريب في سقوطه،بل و لعلّه لا خلاف فيه حينئذ.

و نهاية مدّة الرضاع في الأصل حولان كاملان بلا خلاف؛ بنصّ الآية (2)و الرواية (3).

و يجوز الاقتصار على أحد و عشرين شهراً عندنا (4)،كما حكاه جماعة من أصحابنا (5)؛ لظاهر حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [1] (6)فإنّ الغالب في الحمل تسعة أشهر؛ و للنصوص:

أحدها الموثّق:« الرضاع أحد و عشرون شهراً،فما نقص فهو جور على الصبيّ» (7).

و الثاني الخبر:« الفرض في الرضاع أحد و عشرون شهراً،فما نقص عن أحد و عشرين شهراً فقد نقص الموضع،فإن أراد أن يتمّ الرضاعة له

ص:149


1- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:462،و صاحب الحدائق 25:74.
2- البقرة:233.
3- الكافي 5:3/443،التهذيب 7:1313/318،الإستبصار 3:716/198،الوسائل 20:385 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 5 ح 5.
4- في حاشية« ص»:خ ل:باتّفاقنا.
5- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:580،و السبزواري في الكفاية:193،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:105.
6- الأحقاف:15.
7- الفقيه 3:1463/305،الوسائل 21:455 أبواب أحكام الأولاد ب 70 ح 5.

فحولين كاملين» (1).

و نحوهما الثالث المرويّ هو و الأول في الفقيه (2)،مع احتمال صحّة الأخير.

و مقتضاها أنّه لا يجوز أقلّ من ذلك،و هو المشهور بين الأصحاب،بل كاد أن يكون إجماعاً،بل حكي صريحاً (3)؛ و هو حجّة أُخرى في المسألة بعد هذه النصوص المعتبرة،المنجبر قصور أسانيدها على تقديره بالإجماع،و لا أقلّ من الشهرة العظيمة.

فمناقشة بعض الأجلّة في المسألة (4)و تجويزه النقص عن المدّة المزبورة أيضاً من غير ضرورة؛ للأصل،و ظاهر الآية فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَ تَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما [1] (5)واهية؛ لتخصيصهما بما مرّ من الأدلّة،مع إجمال الثانية،فتأمّل.

و بنحو ذلك يجاب عن الصحيح:« ليس للمرأة أن تأخذ في رضاع ولدها أكثر من حولين كاملين،فإن أرادا الفصال قبل ذلك عن تراضٍ منهما فحسن» (6).

و يجوز الزيادة عن الحولين بشهر أو شهرين لظاهر الصحيحين،الماضي أحدهما الآن،و أظهر منه الثاني:عن الصبيّ،هل يرضع أكثر من سنتين؟فقال:« عامين» قلت:فإن زاد على سنتين،هل

ص:150


1- التهذيب 8:358/106،الوسائل 21:454 أبواب أحكام الأولاد ب 70 ح 2.
2- لم نعثر عليه في الفقيه.
3- انظر كشف اللثام 2:105.
4- كصاحب المدارك في نهاية المرام 1:463.
5- البقرة:233.
6- التهذيب 8:355/105،الوسائل 21:454 أبواب أحكام الأولاد ب 70 ح 1.

على أبويه من ذلك شيء؟قال:

« لا» (1).و لكن ليس فيهما التقييد بالشهرين،بل إطلاقهما يشمل الزائد،و هو مقتضى الأصل،و إليه مال جماعة (2).

و لكن المشهور أنّه لا يجوز أكثر من المدّة المزبورة؛ و مستنده غير واضح،إلّا ما يقال من أنّ به رواية (3).و في الاعتماد على مثلها في تقييد ما مرّ من الأدلّة مناقشة،و إن كان ربما يتوهّم كونها مرسلة مجبوراً ضعفها بالشهرة،و أنّ مثلها ترجّح على الأدلّة الماضية؛ و ذلك لأنّ الرجحان بعد وضوح الدلالة،و ليس؛ إذ يحتمل التوهّم،لكن مراعاة الاحتياط مطلوبة بالبديهة.

و لا يلزم الوالد اجرة ما زاد على الحولين من رضاع الولد،مع عدم الضرورة إليه قطعاً و وفاقاً،فتوًى و نصّاً،و منه الصحيح الماضي قريباً (4):« ليس للمرأة أن تأخذ في رضاع ولدها» إلى آخره،و نحوهما الخبران (5)،أحدهما الصحيح أيضاً.

و ربما يستفاد من إطلاق هذه النصوص كالعبارة و كلام الجماعة عموم الحكم لصورة الضرورة.

و تأمَّل فيه جماعة؛ بناءً على أنّ ذلك للولد بمنزلة النفقة الضروريّة،

ص:151


1- الفقيه 3:1464/305،الوسائل 21:454 أبواب أحكام الأولاد ب 70 ح 4.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:580،و السبزواري في الكفاية:193،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:106.
3- السرائر 2:648.
4- في ص 150.
5- الكافي 6:3/103،تفسير العياشي 1:385/121،الوسائل 21:454 أبواب أحكام الأولاد ب 70 ح 3. و الآخر في:الفقيه 3:1594/329،الوسائل 21:455 أبواب أحكام الأولاد ب 70 ح 7.

فيجب على والده الأُجرة (1).

و فيه:أنّه اجتهاد في مقابلة إطلاق النصوص المعتبرة،المعتضدة بالأصل و الشهرة،بل و الاتّفاق،كما يظهر من عبارة بعض الأجلّة (2).

لكن ربما يجاب عن النصوص و عبارات الأصحاب بالورود مورد الغالب (3).و ربما لا يخلو عن مناقشة،إلّا أنّ الأحوط مراعاة الأُجرة.

و الأُمّ أحقّ بإرضاعه إذا تبرّعت أو قنعت بما تطلب غيرها إجماعاً،حكاه جماعة (4)؛ قيل (5):لظاهر الآية فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [1] (6).و الأجود الاستدلال عليه بالرواية:« المطلّقة الحبلى ينفق عليها حتى تضع حملها،و هي أحقّ بولدها أن ترضعه بما تقبله امرأة أُخرى؛ يقول اللّه عزّ و جلّ لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ [2] (7)لا يضارّ الصبي و لا يضار به في رضاعه» الحديث (8)؛ مع التأيّد بالإشفاق و موافقة اللبن،كما يشعر بها ذيلها.

و ربما ظهر منها أنّها لو طلبت زيادة عمّا تقنع غيرها،فللأب

ص:152


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:581،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:464،و صاحب الحدائق 25:82 83.
2- في المسالك(1:581)منه رحمه الله.
3- انظر الحدائق 25:82.
4- انظر الحدائق 25:75.
5- قال به الشهيد الثاني في المسالك 1:581،انظر مفاتيح الشرائع 2:370.
6- الطلاق:6.
7- البقرة:233.
8- الفقيه 3:1594/329،الوسائل 21:455 أبواب أحكام الأولاد ب 70 ح 7؛ بتفاوت.

نزعه منها و استرضاع غيرها مطلقاً و إن لم تطالب أزيد من اجرة المثل،كما هو الأظهر الأشهر بين الأصحاب؛ لذلك،و لإطلاق قوله سبحانه وَ إِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى [1] (1)و الخبرين:

في أحدهما و يستفاد منه الحكم الأول أيضاً-:« إذا طلّق الرجل المرأة و هي حبلى أنفق عليها حتى تضع حملها،فإذا وضعته أعطاها أجرها،و لا يضارّها إلّا أن يجد من هو أرخص منها،فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحقّ بابنها حتى تفطمه» (2).

و في الثاني:« فإن قالت المرأة لزوجها الذي طلّقها:أنا أرضع ابني بما تجد من يرضعه،فهي أحقّ به» (3).

و قيل:بل هي أحقّ مطلقاً إذا لم تطلب أكثر من اجرة المثل (4).

و لا ريب في ضعفه،فإن هو إلّا اجتهاد في مقابلة النصوص المعتبرة بالشهرة،و الموافقة لإطلاق ظاهر الآية،السالمة عمّا يصلح للمعارضة من الأدلّة؛ مضافاً إلى أصالة عدم الأحقّية إلّا ما ساعدت بإخراجه الأدلّة.

الحضانة

و أمّا الحضانة:

فالأُم أحقّ بالولد و تربيته مدّة الرضاع مطلقاً،ذكراً كان أُم أُنثى أم غيرهما،إجماعاً فتوًى و نصّاً (5)فيما إذا أرضعته،و إلّا فقولان:

من الأصل،و ظاهر النصوص،أظهرها الموثّق:« فإن وجد الأب من

ص:153


1- الطلاق:6.
2- الكافي 6:2/45،التهذيب 8:360/106،الوسائل 21:471 أبواب أحكام الأولاد ب 81 ح 2؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 6:1/44،التهذيب 8:353/105،الإستبصار 3:1140/320،الوسائل 21:471 أبواب أحكام الأولاد ب 81 ح 3.
4- انظر السرائر 2:650 651.
5- الكافي 6:3/103،الوسائل 21:472 أبواب أحكام الأولاد ب 81 ح 5.

يرضعه بأربعة دراهم،و قالت الاُمّ:لا أرضعه إلّا بخمسة دراهم،فإنّ له أن ينتزعه منها» (1).

و قريب منه ما مضى قُبَيل المقام من النصوص؛ لدلالتها بالمفهوم على عدم أحقّيتها مع عدم رضاها بإرضاعه.و ليست في الظهور كالأول؛ لاحتمالها سلب الأحقيّة من جهة الإرضاع الغير الملازم لسلبها من جهة الحضانة.

و من أنّ كلّاً من الحضانة و الرضاعة حقّان متغايران،فلا يلزم من سقوط أحدهما سقوط الآخر.

و هو جيّد إن قام دليل على استحقاقها الحضانة على الإطلاق، و ليس،إلّا ما سيأتي من أحقّيتها بالولد على الإطلاق (2)،و هو مع قصور سنده معارض بما دلّ على أحقّية الأب كذلك (3)،و ليس بعد التعارض سوى التساقط إن لم نقل برجحان الأخير،و معه فلا دلالة على إطلاق أحقّيتها بالحضانة.

فإذاً الأول أقوى؛ للأصل،مع النصوص الماضية،التي هي حجّة أُخرى في ردّ ما ذكر للثاني من الحجّة،و إلى ما صرنا إليه صار جماعة (4)؛ لما ذكر من الأدلّة،مضافاً إلى استلزام بقاء حقّ الحضانة مع انتفاء حقّ

ص:154


1- الكافي 6:4/45،الفقيه 3:1302/274،التهذيب 8:352/104،الإستبصار 3:1138/320،الوسائل 21:470 أبواب أحكام الأولاد ب 81 ح 1.
2- انظر ص 156.
3- الكافي 6:1/44،التهذيب 8:353/105،الإستبصار 3:1140/320،الوسائل 21:471 أبواب أحكام الأولاد ب 81 ح 3.
4- منهم المحقّق في الشرائع 2:345،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:466،و صاحب الحدائق 25:87.

الرضاعة العسر و الحرج و الضرر بتردّد المرضعة إلى الأُمّ في كلّ وقت يحتاج إلى الإرضاع،و هما منفيّان آيةً و رواية.

هذا،و أمّا القول باشتراك الحضانة بين الأبوين كما عن المهذّب مدّعياً عليه الإجماع (1)فضعيفٌ و إن دلّ عليه صدر الموثّق السابق:« ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسويّة» لوهن الإجماع بمصير الأكثر بل الكلّ إلى الخلاف،و معارضة صدر الرواية بذيلها،و قد مضى،و فيه تصريح بجواز اختصاص الأب بالحضانة مع عدم إقدام الأُمّ على الرضاعة؛ مضافاً إلى ضعف الدلالة،و عدم وضوح المراد بالسويّة،فقد يراد بها:

التسوية من جهة أنّ على الأُمّ الرضاعة و على الأب الأُجرة،كما ذكره بعض الأجلّة (2).

ثم حضانة الأُمّ حيثما ثبتت لها مشروطة بما إذا كانت حرّة مسلمة عاقلة غير مزوّجة،بلا خلاف في الأربعة.

فلا حضانة للأمة؛ لفحوى النصوص النافية للحضانة عن الأب العبد ما دام العبوديّة،ففي الصحيح:« أيّما امرأة حرّة تزوّجت عبداً فولدت منه أولاداً فهي أحقّ بولدها منه و هم أحرار،فإذا أُعتق الرجل فهو أحقّ بولده منها؛ لموضع الأب» (3)مع أنّ منافعها مملوكة لسيّدها،فهي مشغولة بخدمته عن الحضانة؛ و لأنّ الحضانة ولاية،و الأمة ليس لها أهليّة.

و لا للكافرة إذا كان الولد مسلماً؛ لأنّ الحضانة ولاية،و لا ولاية لها على المسلم،فتأمّل.

ص:155


1- المهذب البارع 3:426.
2- انظر التنقيح الرائع 3:273.
3- الفقيه 3:1304/275،الوسائل 21:459 أبواب أحكام الأولاد ب 73 ح 1.

و لا للمجنونة؛ لاحتياجها إلى الحضانة،فكيف يعقل حضانتها لغيرها؟! و في إلحاق المرض المزمن الذي لا يرجى زواله كالسلّ و الفالج بحيث تشغل بالألم عن كفالته و تدبير أمره،وجهان،و نحوه المرض المعدِّي.و إطلاق الأدلّة مع أصالة بقاء الولاية إذا كانت الأمراض حادثة بعدها يقتضي الإلحاق،و الضرر مندفع بالاستنابة،إلّا أنّ في شمول الإطلاق لمثلها نوع مناقشة.

و لا للمزوّجة؛ لإجماع الطائفة كما في الروضة (1)و للخبرين، أحدهما:عن الرجل يطلّق امرأته و بينهما ولد،أيّهما أحقّ بالولد؟قال:

« المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج» (2)و نحوه الثاني (3).

و لو طلّقت بائناً أو رجعيّاً انقضت عدّتها،ففي عود ولايتها وجهان، بل قولان،و الأصل يقتضي الثاني،كما عن الحلّي (4)،و الخبران العاميّان يقتضيان الأول (5).

و زيد هنا شرطان آخران (6)لا دليل عليهما.

و لا اختصاص للشروط بالأُمّ،فإنّ الأب شريك لها فيها حيث ثبتت

ص:156


1- الروضة البهية 5:463.
2- الكافي 6:3/45،الفقيه 3:1303/275،التهذيب 8:354/105،الإستبصار 3:1139/320،الوسائل 21:471 أبواب أحكام الأولاد ب 81 ح 4.
3- درر اللئالي 1:457،المستدرك 15:164 أبواب أحكام الأولاد ب 58 ح 5.
4- السرائر 2:651.
5- أحدهما في:سنن أبي داود 2:2276/283،سنن البيهقي 8:4. و الآخر في:مسند أحمد 2:203.
6- انظر نهاية المرام 1:469.

له الحضانة إجماعاً،إلّا الشرط الرابع،فلا ينافيها في حقّه تزويجه بامرأة اخرى.

و إذا فصل الولد عن الرضاع فالحرّة أحقّ بالبنت إلى سبع سنين من حين الولادة،على الأشهر الأظهر،بل عليه الإجماع عن السرائر و الغنية (1)؛ و هو الحجة فيه،مضافاً إلى إطلاق المعتبرة:

منها الصحيح:« المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين،إلّا أن تشاء المرأة» (2).

و نحوه الخبر المرويّ في مستطرفات السرائر:رجل تزوّج امرأة فولدت منه ثم فارقها،متى يجب له أن يأخذ ولده؟فكتب:« إذا صار له سبع سنين فإن أخذه فله،و إن تركه فله» (3).

و قيل كما عن المقنعة و المراسم و المهذّب (4)-:أنّها أحقّ بها إلى تسع سنين و مستنده غير واضح،إلّا بعض الوجوه الاعتباريّة التي لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعيّة.

و الأب أحقّ بالابن بعد الفطام،على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع عن الغنية (5)؛ و هو الحجّة فيه كإطلاق بعض المعتبرة،مثل الموثّقة السابقة (6):« إذا فطم فالأب أحقّ به من الاُمّ» و هي و إن شملت الأُنثى، إلّا أنّها خُصَّت بالذكَر جمعاً بينها و بين ما مرّ ممّا أُطلق فيه السبع بحمله على

ص:157


1- السرائر 2:653،الغنية(الجوامع الفقهية):616.
2- الفقيه 3:1305/275،الوسائل 21:472 أبواب أحكام الأولاد ب 81 ح 6.
3- مستطرفات السرائر:2/65،الوسائل 21:472 أبواب أحكام الأولاد ب 81 ح 7.
4- المقنعة:531،المراسم:164،المهذب 2:352.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):616.
6- في ص 153.

الأُنثى جمعاً أيضاً.

و مستند الجمع هو الإجماع المحكيّ في المقامين،مع التأيّد بما ذكروه من المناسبة،فإنّ الذَّكَر أولى بالزوج من الزوجة،كأولويّتها منه بالأُنثى في الحضانة.و لولاهما (1)لكان القول بالتفصيل و إن اشتهر مشكلاً،و كان القول بإطلاق السبع مطلقاً متّجهاً.

و هنا قولان آخران:

أحدهما:إطلاق الحضانة للأُمّ ما لم تتزوّج،كما عن المقنع (2)؛ للخبرين اللذين مضيا في الشرائط،و فيهما:« المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج» (3).

و قصور سندهما مع عدم جابر لهما هنا مضافاً إلى عدم مكافأتهما لما مضى من النصّ و الفتوى الذي عليه الإجماع قد ادُّعي يمنع من العمل بهما؛ مع معارضتهما بما دلّ على أولويّة الأب بالحضانة مطلقاً (4)،و فيه ما هو بحسب السند أقوى.

و ثانيهما:كالأول منهما (5)بالإضافة إلى البنت،و أولويّتها بالصبيّ إلى السبع،كما عن الإسكافي و الخلاف مدّعياً عليه فيه الوفاق و الأخبار (6).

و الأول موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف،مع معارضته بما هو أقوى عدداً و اعتباراً (7).و الثاني لم نقف عليه.

ص:158


1- أي الإجماع المحكيّ و المؤيّد المزبور.منه رحمه الله.
2- حكاه عنه في المختلف:577.
3- راجع ص 156.
4- المتقدم في ص 153.
5- و هو أنّها أحقّ بالبنت ما لم تتزوّج.منه رحمه الله.
6- حكاه عن الإسكافي في المختلف:577،الخلاف 5:131.
7- من حيث الاعتضاد بالشهرة.منه رحمه الله.

فإذاً القول الأول من الأقوال في أصل المسألة أظهر و أقوى،كما مضى.

و لو مات الأب،فالأُمّ أحقّ به أي الولد مطلقاً،ذكراً كان أو أُنثى - من الوصيّ للأب أو الجدّ له أو غيره مطلقاً،انقطعت حضانتها عنه قبل موت الأب أم لا،إلى أن يبلغا؛ لأنّها أشفق و أرفق،وأُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه تعالى.

و للمرسل كالصحيح على الصحيح:عن رجل مات و ترك امرأة و معها منه ولد،فألقته على خادم لها فأرضعته،ثم جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصيّ،فقال:« لها أجر مثلها،و ليس للوصيّ أن يخرجه من حجرها حتى يدرك و يدفع إليه ماله» (1).

و قريب منه فحوى الموثّق:« فإذا مات الأب فالأُمّ أحقّ به من العصبة» (2).

و إطلاقهما كالعبارة و الآية الشريفة يقتضي إطلاق الأحقيّة و لو كانت مزوّجة،و به صرّح جماعة،و منهم العلّامة (3)،و الخبران بالسقوط في المزوّجة (4)ظاهران في حياة الأب جدّاً،و الاشتغال بحقوق الزوج غير كافٍ للإسقاط قطعاً.

و لو كان الأب مملوكاً أو كافراً،كانت الأُمّ الحرّة المسلمة أحقّ

ص:159


1- التهذيب 8:356/106،الوسائل 21:456 أبواب أحكام الأولاد ب 71 ذيل الحديث 2.
2- الكافي 6:4/45،الفقيه 3:1302/274،التهذيب 8:352/104،الإستبصار 3:1138/320،الوسائل 21:407 أبواب أحكام الأولاد ب 81 ح 1.
3- انظر القواعد 2:51.
4- المتقدمان في ص 156.

به حضانةً و لو تزوّجت أو لم يكن لها ولاية مع حرّية الأب و إسلامه؛ لانتفاء الأهليّة عنهما،و لمنطوق الخبرين في الأول و فحواهما في الثاني:

في أحدهما الصحيح:« أيّما امرأة حرّة تزوّجت عبداً فولدت منه أولاداً،فهي أحقّ بولدها منه و هم أحرار،فإذا أُعتق الرجل فهو أحقّ بولده منها؛ لموضع الأب» (1).

و في الثاني:« ليس للعبد أن يأخذ منها ولدها و إن تزوّجت حتى يعتق،هي أحقّ بولدها منه ما دام مملوكاً،فإذا أُعتق فهو أحقّ بهم منها» (2).

و يستفاد منهما أيضاً أنّه لو أُعتق الأب فالحضانة له و ينبغي تقييدهما بما إذا كانت له الحضانة بأن كان العتق بعد الفطام في الذكر و بعد السبع في الأُنثى؛ و الوجه ظاهر.

فإنّ فُقِد الأبوان،فقيل:إنّ الحضانة لأب الأب؛ لأنّه أب في الجملة، فيكون أولى من غيره من الأقارب،و لأنّه أولى بالمال فيكون أولى بالحضانة؛ و بهذا جزم في القواعد،فقدّم الجدّ للأب على غيره من الأقارب.

و يشكل بأنّ ذلك (3)لو كان موجباً لتقديمه لاقتضى تقديم أُمّ الأُمّ عليه؛ لأنّها بمنزلة الأُمّ،و هي مقدّمة على الأب على ما فُصِّل.و ولاية المال لا مدخل لها في الحضانة،و إلّا لكان الأب أولى من الاُمّ،و كذا الجدّ له،

ص:160


1- الفقيه 3:1304/275،الوسائل 21:459 أبواب أحكام الأولاد ب 73 ح 1.
2- الكافي 6:5/45،التهذيب 8:361/107،الإستبصار 3:1142/321،الوسائل 21:459 أبواب أحكام الأولاد 73 ح 2.
3- أي كونه أباً في الجملة.منه رحمه الله.

و ليس كذلك إجماعاً،و النصوص خالية من غير الأبوين من الأقارب،و إنما استفيد حكمهم من آية اولي الأرحام (1)،و هي لا تدلّ على تقديمه على غيره من درجته،و بهذا جزم في المختلف،و هو أجود (2).

فإن فُقِد أبو الأب،أو لم نرجّحه،فللأقارب منهم إلى الولد فالأقرب منهم،على الأظهر الأشهر؛ لآية اولي الأرحام،فالجدّة لاُمّ كانت أم لأب و إن علت أولى من العمّة و الخالة،كما أنّهما أولى من بنات العمومة و الخؤولة،و كذلك الجدّة الدنيا و الخالة و العمّة أولى من العليا منهن،و كذا ذكور كلّ مرتبة.

ثم إن اتّحد الأقرب،فالحضانة مختصّة به،و إن تعدّد أُقرع بينهم؛ لما في اشتراكها من الإضرار بالولد.

و لو اجتمع ذكر و أُنثى،ففي تقديم الأُنثى قولٌ في التحرير مأخذه تقديم الاُمّ على الأب،و كون الأُنثى أوفق لتربية الولد و أقوم بمصالحه، سيّما الصغير و الأُنثى (3).

و إطلاق الدليل المستفاد من الآية يقتضي التسوية بينهما،كما يقتضي التسوية بين كثير النصيب و قليله،و من يمتّ بالأبوين و بالأُمّ خاصّة؛ لاشتراك الجميع في الإرث.

و قيل:أنّ الأُخت من الأبوين أو الأب أولى من الأُخت للأُمّ،و كذا أُمّ الأب أولى من أُمّ الأُمّ،و الجدّة أولى من الأخوات،و العمّة أولى من الخالة؛ نظراً إلى زيادة القرب،أو كثرة النصيب (4).

ص:161


1- الأنفال:75،الأحزاب:5.
2- الروضة 5:459.
3- التحرير 2:44.
4- انظر الروضة 5:462.

و فيه نظر بيّن؛ لأنّ المستند و هو الآية مشترك،و مجرّد ما ذكر لا يصلح دليلاً.

و قيل:لا حضانة لغير الأبوين؛ اقتصاراً على موضع النصّ (1).و عموم الآية يدفعه،و المناقشة فيه لا وجه لها بالمرّة.

ثم إذا بلغ الولد رشيداً سقطت الحضانة عنه بلا خلاف؛ لأنّها ولاية، و البالغ الرشيد لا ولاية عليه لأحد،سواء في ذلك الذكر و الأُنثى،البكر و الثيّب؛ لكن قيل:يستحبّ له أن لا يفارق امّه خصوصاً الأُنثى إلى أن تتزوّج (2).

و اعلم أنّه لا شبهة في كون الحضانة حقّا لمن ذكر،و لكن هل تجب عليه مع ذلك،أم له إسقاط حقّه منها؟ الأصل يقتضي ذلك،و هو الذي صرّح به الشهيد رحمه الله في قواعده، فقال:لو امتنعت الاُمّ من الحضانة صار الأب أولى به،و لو امتنعا معاً فالظاهر إجبار الأب (3).

و نُقِل عن بعض الأصحاب وجوبها (4).

و هو حسن،حيث يستلزم تركها تضييع الولد،إلّا أنّ حضانته حينئذٍ تجب كفايةً كغيره من المضطرّين؛ و في اختصاص الوجوب بذي الحقّ نظر.و ليس في الأخبار ما يدلّ على غير ثبوت أصل الاستحقاق،و هو لا يستلزم الوجوب.

ص:162


1- انظر الروضة 5:464.
2- الروضة 5:464.
3- القواعد و الفوائد 1:396.
4- انظر الروضة 5:464.

النظر الخامس في النفقات

اشارة

النظر الخامس في النفقات و أسبابها الموجبة لها ثلاثة:الزوجيّة،و القرابة،و الملك بإجماع الأُمّة كما حكاه جماعة (1).

و الأصل في الأول بعد ما مرّ الكتاب و السنّة المستفيضان:

قال عزّ من قائل لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللّهُ [1] (2).و قال وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [2] (3).و قال اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ [3] (4).و في الصحيح في تفسير الآية الاُولى-:« إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة و إلّا فرّق بينهما» (5)و المعتبرة من الصحيح و غيره بمعناه مستفيضة (6).

ص:163


1- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:472،و صاحب الحدائق 25:97.
2- الطلاق:7.
3- النساء:19.
4- النساء:34.
5- الفقيه 3:1331/279،الوسائل 21:509 أبواب النفقات ب 1 ح 1.
6- الوسائل 21:509 أبواب النفقات ب 1.
أمّا الزوجة،فيشترط في وجوب نفقتها العقد الدائم و التمكين

أمّا الزوجة،فيشترط في وجوب نفقتها شرطان :

العقد الدائم بلا خلاف،بل إجماعاً كما حكاه جماعة (1)، فلا نفقة لمستمتع بها لما مرّ من الأصل،و المعتبرة الدالّة على أنّها مستأجرة،و لا خلاف في عدم استحقاق الأجير النفقة،ففي الخبر:« تزوّج منهنّ ألفاً،فإنّهنّ مستأجرات» (2).

و التمكين الكامل المعرّف في الشرائع (3)و غيره (4)بالتخلية بينها و بينه بحيث لا يختصّ موضعاً و لا زماناً،و الظاهر تحقّقه ببذلها نفسها في كلّ زمان و مكان يريد فيه الاستمتاع و حلّ له مع عدم مانع شرعي له أو لها، فلا يحتاج إلى اللفظ الدالّ عليه من قبلها.خلافاً للتحرير،فأوجب (5).

و لا دليل عليه،إلّا إذا توقّف معرفته عليه.

و اشتراط هذا الشرط مشهور بين الأصحاب،بل كاد أن يكون إجماعاً؛ مع أنّا لم نقف على مخالف فيه صريحاً،بل و لا ظاهراً،إلّا ما ربما يستفاد من تردّد المصنّف في الشرائع و استشكال الفاضل في القواعد (6)، و هو بمجرّده لا يوجب المخالفة مع تصريح الأول بأنّ اعتباره هو الأظهر بين الأصحاب بكلمة الجمع المعرّف،المفيد للعموم،الظاهر في الإجماع؛

ص:164


1- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:474،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:107،و انظر الحدائق 25:98.
2- الكافي 5:7/452،التهذيب 7:1120/258،الإستبصار 3:538/147،الوسائل 21:18 أبواب المتعة ب 4 ح 2.
3- الشرائع 2:347.
4- انظر الروضة 5:465،مفاتيح الشرائع 2:295.
5- التحرير 2:45.
6- الشرائع 2:347،القواعد 2:52.

و نحوه شيخنا الشهيد في المسالك (1).

و أظهر من كلامه ثمّة كلامه في الروضة،فاختار المصير إلى اعتباره بعد المناقشة في دليله،معتذراً بعدم ظهور مخالف فيه،و جعله وسيلة لاختياره (2).

و هو ينادي بإجماعيّته،فإنّ دأبه عدم جعل الشهرة بل و لا عدم ظهور الخلاف بمجرّده دليلاً و إن وجد له من الأخبار الغير الصحيحة شاهداً،فحكمه بتحتم المصير إليه لأجله قرينةٌ واضحة على بلوغه حدّ الإجماع و درجته.

و هو الحجّة فيه بعد الأصل المؤيّد بل المعتضد بظاهر الأمر بالمعاشرة بالمعروف،الظاهر في اختصاص الأمر بالإنفاق بما يقتضيه العادة،و ليس من مقتضياته الوجوب إلّا بعد التمكين،كما هو المشاهد من أهلها،فإنّهم ينكحون و يتزوّجون من دون إنفاق،إلى الزفاف،مع عدم اختلاف من الزوجات و أهلهنّ فيه مع الأزواج المستمرّين على ذلك و لا نفاق،و ربما يتّخذ ذلك من المسلمين إجماعاً و يجعل مثله وفاقاً،بل و ربما يلحق بالضرورة قطعاً.و قد جعل الأصحاب هذا من فروع التمكين، و مع ثبوت حكمه فيه يثبت في غيره من الفروع جدّاً؛ لعدم القائل بالفرق أصلاً،فتأمّل جدّاً.

و ممّا يؤيّد اعتباره أيضاً بل و لا يبعد جعله دليلاً ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله:أنّه تزوّج و دخل بعد سنين و لم ينفق (3).

ص:165


1- المسالك 1:585.
2- الروضة 5:467 468.
3- المغني لابن قدامة 9:283،مغني المحتاج 3:435،انظر سنن النسائي 6:131.

و أمّا ما ربما يصير منشأً للتردّد و الإشكال في هذا المجال من إطلاق النصوص بالإنفاق من دون تقييد بالتمكين،فيمكن الجواب عنه أولاً بما مضى من الإجماع المحكيّ في الظاهر بل المقطوع به جدّاً و غيره.

و ثانياً بعدم عموم فيه يشمل المتنازع جدّاً؛ لعدم تبادره من الإطلاق ظاهراً،و غايته الإجمال.و لعلّه إلى ما ذكر نظر بعض الأبدال فادّعى عدم النصّ الظاهر في العموم في هذا المجال (1).

و بالجملة:فالقول بعدم اعتباره لو كان و لزوم النفقة بمجرّد العقد لا ريب في ضعفه.

و كيف كان فلا خلاف في أنّه لا نفقة لناشزة خارجة عن طاعة الزوج،و لو بالخروج من بيته بلا إذن،و منع لمس بلا عذر.

أمّا على اعتبار التمكين فواضح.

و أمّا على غيره فلأنّ النشوز مانع،و هو إجماع حكاه جماعة (2)، فيعود الخلاف المتوهّم أو الإشكال الواقع حينئذٍ إلى أنّ التمكين هل هو شرط،أو النشوز مانع؟و يختلف الأصل في وجوب الإنفاق فيهما،فيكون العدم في الأول و إن لم يكن نشوزٌ إلى التمكين،و الثبوت في الثاني إلى المانع الذي هو النشوز.

و يتفرّع عليهما فروع،منها:ما مرّ.

و منها:ما إذا اختلفا في التمكين و في وجوب النفقة الماضية،فعلى المشهور:القول قوله؛ عملاً بالأصل فيهما،و على الاحتمال:قولها؛ لأصالة

ص:166


1- نهاية المرام 1:474.
2- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3:267،و الشهيد الثاني في الروضة 5:467؛ و انظر كشف اللثام 2:111.

بقاء ما وجب،كما يقدّم قولها لو اختلفا في دفعها مع اتّفاقهما على الوجوب.

و منها:الإنفاق على الصغيرة التي لم تبلغ سنّاً يجوز الاستمتاع بها بالجماع،فلا يجب على المشهور في أشهر القولين؛ لفقد الشرط،و هو التمكين من الاستمتاع.

خلافاً للحلّي،فيجب (1)؛ لعموم وجوبها على الزوجة،فتخصيصه بالكبيرة الممكّنة يحتاج إلى دليل.

و هو حسن إن قلنا بعدم اشتراط التمكين،و إلّا كما اختاره فلا؛ لعدم الشرط.

إلّا أن يقول باختصاص اشتراطه بصورة إمكان حصوله،و ليس الصورة المفروضة منها:

لكنّه ربما يطالب بدليل العموم،فقد يمنع بما مرّ من فقد عموم و عدم انصراف الإطلاق إليها،فينحصر الموجب للإنفاق في الوفاق، و ليس،كيف؟!و قد اشتهر الخلاف.و هو أظهر و إن كان مختاره أحوط.

و لو انعكس الفرض،بأن كانت كبيرة ممكّنة و الزوج صغيراً،وجبت النفقة على الأشهر؛ لوجود المقتضي،و عدم المانع؛ لأنّ الصغر لا يصلح مانعاً،كما في نفقة الأقارب،فإنّها تجب على الصغير و الكبير.

خلافاً للشيخ (2)رحمه الله و جماعة (3)؛ محتجّاً بأصالة البراءة.

ص:167


1- السرائر 2:655.
2- الخلاف 5:113،المبسوط 6:13.
3- منهم ابن البرّاج في المهذب 2:347،و ابن سعيد في الجامع:489،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:475.

قيل:و هي مندفعة بما دلّ على نفقة الزوجة الممكّنة أو مطلقاً (1).

و المناقشة فيه بعد ما ذكرناه واضحة،بل و أعلامها هنا لائحة؛ لكون الدالّة عليها خطابات و تكاليف لا يمكن صرفها إلى الصغير،و صرفها إلى الوليّ مدفوع بالأصل،مع استلزامه إمّا حصرها فيه،أو استعمالها في متغايرين،فتأمّل.

فما ذكره الشيخ رحمه الله أجود،و إن كان ما ذكروه أحوط،إلّا إذا كان ذلك دون غيره معاشرة بالمعروف،فيتعيّن،فتأمّل.

و لو امتنعت عن الاستمتاع بها لعذر شرعيّ أو عقليّ ثابت بينهما بإقراره أو بيّنتها لا تسقط النفقة بلا خلاف؛ للأصل،و إطلاق النصوص،و الأمر بالمعاشرة بالمعروف،مع عدم صلاحيّة العذر للمنع؛ إذ لشرعيّته ليس بنشوز.

و هو كالمرض الغير المجامع لما تمتنع عنه.

و الحيض إذا أراد وطأها قبلاً،و كذا دبراً إن منعنا عنه في الحيض أو مطلقاً.

و نحوهما فعل الواجب المضيّق أو الموسّع إجماعاً و لو في الأخير إذا فعلته في آخر أوقاته.

و مطلقاً على الأشهر؛ لأصالتي عدم النشوز و تسلّط الزوج عليها هنا.

و تندفعان بإطلاق الأدلّة الموجبة عليها إطاعته،فيترجّح على إطلاق أدلّة الواجب هنا،كيف لا؟!و قد أجمعوا على ترجيح المضيّق على الموسّع إذا تعارضا،و عليه نهض الاعتبار شاهداً.

ص:168


1- الروضة 5:466.

فإذاً القول باعتبار الضيق و تحقّق النشوز بدونه كما عن الشيخ و العلّامة (1)أقوى جدّاً،و مقتضى ذلك عدم الفرق بالصلاة و غيرها،إلّا أنّه ادّعي الإجماع على عدم اعتبار الضيق في الأول (2)؛ و هو الحجّة فيه، لا ما قيل من الفروق (3).

أمّا الفعل المندوب فإن كان ممّا يتوقّف على إذن الزوج كالصوم و الحجّ- فإن فعلته بدون إذنه،فسد و لا تسقط النفقة؛ لأنّه بمجرّده غير مانع،إلّا إذا فرض منعها منه فيسقط؛ لذلك،لا لأجل التلبّس به،وفاقاً للأشهر.

خلافاً للشيخ،فأطلق السقوط بالتلبّس (4)؛ و مستنده غير واضح، إلّا ما ربما يتوهّم من تضمّن فعله في نحو الصوم القصد إلى منعه عن الاستمتاع (5).

و فيه نظر،فقد يكون ذلك في موضع تقطع بعدم إرادته الاستمتاع؛ مع أنّ حصول النشوز بمجرّد القصد غير معلوم،و الأصل العدم.

و إن كان ممّا لا يتوقّف عليه جاز لها فعله بغير إذنه،و ليس له منعها منه،إلّا أن يطلب منها الاستمتاع في ذلك الوقت،فيجب إطاعته عليها؛ لعدم معارضة المندوب للواجب.

و لو استمرّت و الحال هذه،قيل: سقطت نفقتها لتحقّق

ص:169


1- الشيخ في المبسوط 6:15،العلّامة في القواعد 2:54.
2- انظر نهاية المرام 1:477.
3- انظر المسالك 1:586.
4- المبسوط 6:14.
5- انظر نهاية المرام 1:477.

النشوز (1).

و قيل:بطل؛ للنهي عنه (2).و هو كذلك إن قلنا باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضدّ الخاصّ،بل ربما يمكن القول بالبطلان مطلقاً؛ لا لذلك، بل لعدم اجتماع مقتضي الصحّة مع الأمر بإطاعة الزوج المضيّق.و للفقير تحقيق في المقام بيّنته في شرح المفاتيح.

و تستحقّ الزوجة النفقة مطلقاً و لو كانت ذمّية،أو أمة أرسلها إليه مولاها ليلاً و نهاراً؛ لعموم الأدلّة.

بخلاف ما إذا لم يرسل إلّا في أحد الزمانين،فلا تستحقّ؛ لعدم التمكين التامّ المشترط في الاستحقاق؛ لأنّها لكونها أمة ليست أهلاً للاستقلال في التمكين؛ لملك المولى منافعها،إلّا ما ملكه منها الزوج، و هو الاستمتاع،فلا عبرة إلّا بتمكين المولى.

بخلاف ما إذا منع الأب أو غيره الحرّة البالغة عن زوجها،فإنّه لا عبرة به،و لا تسقط نفقتها إذا كانت ممكّنة؛ لأنّها مالكة لنفسها،فهي مستقلّة بالتمكين.

و يؤكّد ذلك أنّه لا نفقة للأمة إلّا من مال المولى،فإن أراد إسقاطها عن نفسه لزمه التسليم الكامل،فإذا لم يفعل لزمته النفقة.بخلاف الحرّة، فربما تنفق على نفسها من مالها.

و جواز منع المولى للأمة نهاراً لما تقدّم من حقّ الخدمة له لا يستلزم أن يكون التمكين التامّ بالنسبة إليها هو التمكين ليلاً ليلزم به النفقة،فإنّ الإجماع منعقد على أنّه لا نفقة لها بانتفاء التمكين التامّ،مع

ص:170


1- المبسوط 6:14،المفاتيح 2:296.
2- الحدائق 25:106.

تفسيره بالتمكين كلّ حين في كلّ مكان.

و لكن قد يقال:إنّما انعقد الإجماع على سقوط النفقة بالنشوز، و لا نشوز هنا؛ لوجوب إطاعة المولى،كما لا نشوز بالامتناع للحيض و نحوه.

و يدفع بأصالة البراءة،إلّا فيما أجمع فيه على الوجوب،و لا إجماع هنا،بخلاف الحائض و نحوها.

و كذا تستحقّها الزوجة المطلّقة الرجعيّة ما دامت هي في عدّتها إجماعاً،حكاه جماعة (1)؛ و للنصوص الآتية،مضافاً إلى الاستصحاب و بقاء حبس الزوج و سلطنته،و هما كعبارات الأصحاب مطلقان.

و ربما استثني آلة التنظيف؛ لأنّها لفائدة الاستمتاع،و قد انتفت بالطلاق (2).

و يدفعه بعد الإطلاقات ظاهر لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً [1] (3)المفسّر في المعتبرة بتزيّن الزوجة رجاء الرجعة.

ففي الموثّق:في المطلّقة:« تعتدّ في بيتها،و تظهر له زينتها،لعلّ اللّه يحدث أمراً» (4).

ص:171


1- نهاية المرام 1:478،و السبزواري في الكفاية:195،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:112،الحدائق 25:108 109.
2- مفاتيح الشرائع 2:296.
3- الطلاق:1.
4- الكافي 6:10/91،التهذيب 8:451/131،الوسائل 22:217 أبواب العدد ب 21 ح 1؛ بتفاوت يسير.

و في الخبر:« المطلّقة تشوّفت (1)لزوجها ما كان له عليها رجعة، و لا يستأذن عليها» (2)و المراد:تتزيّن بحيث يشتاق إليها.

و في آخر:« المطلّقة تكتحل،و تختضب،و تلبس ما شاءت من الثياب؛ لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً [1] لعلّها أن تقع في نفسه فيراجعها» (3)فتأمّل.

ثم إنّه لا تسقط نفقة المعتدّة إلّا بمسقطات نفقة الزوجيّة،و تستمرّ إلى انقضاء العدّة.

و لو ظهر حملٌ بعد الطلاق بالمرأة،فعليه الإنفاق عليها إلى الوضع و لو تجاوز العدّة؛ لما سيذكر.

و لو بان فقدُ الحمل بعد الإنفاق،ففي ارتجاع المدفوع إليها تردّد أظهره العدم؛ للأصل.إلّا إذا دلّست عليه الحمل،فيرتجع؛ للغرور.

و في التقييد بالرجعيّة إظهار اختصاص وجوب الإنفاق بها دون البائن،و المتوفّى عنها زوجها فإنّه لا يجب الإنفاق عليهما مع عدم الحمل،إجماعاً،حكاه جماعة (4)؛ و هو الحجّة في المقامين،كالمعتبرة المستفيضة في الأوّل:

منها الصحيح:« إذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة،

ص:172


1- في الأصل ما يقرأ:تشوق،و ما أثبتناه من المصدر هو الأنسب،فقد ورد في لسان العرب 9:185:تشوّفت المرأة أي تزيّنت و أظهرت زينتها.
2- الكافي 6:7/91،الوسائل 22:218 أبواب العدد ب 21 ح 4.
3- الكافي 6:14/92،التهذيب 8:454/131،الإستبصار 3:1255/351،الوسائل 22:217 أبواب العدد ب 21 ح 2.
4- منهم الشيخ في الخلاف 5:119،و الشهيد الثاني في المسالك 1:587،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:112.

فقد بانت منه ساعة طلّقها،و ملكت نفسها،و لا سبيل له عليها،و تعتدّ حيث شاءت،و لا نفقة لها» (1).

و الصحيح:عن المطلّقة ثلاثاً،إلها النفقة و السكنى؟فقال:« أ حبلى هي؟» قلت:لا،قال:

« لا» (2).و نحوهما الموثّقان (3)و غيرهما (4)،و في بعضها:« إنّما ذلك للتي لزوجها عليها رجعة» .و أمّا الصحيح المثبت للنفقة للمطلّقة ثلاثاً (5)،فمحمول على الحامل أو الاستحباب.

و عليهما يحمل المرويّ عن قرب الإسناد:عن المطلّقة،إلها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدّتها؟قال:« نعم» (6)مع احتماله التقييد بالرجعيّة،بخلاف الصحيحة؛ لتصريحها بالبائنة.

و في حصر النفقة في الرواية السابقة للرجعيّة دلالة واضحة على سلبها عن المتوفّى عنها زوجها،مضافاً إلى فحوى النصوص النافية لها في

ص:173


1- الكافي 6:5/90،التهذيب 8:458/132،الوسائل 21:519 أبواب النفقات ب 8 ح 1.
2- التهذيب 8:462/133،الإستبصار 3:1191/334،الوسائل 21:521 أبواب النفقات ب 8 ح 7.
3- أحدهما في:الكافي 6:5/104،الوسائل 21:520 أبواب النفقات ب 8 ح 3. و الآخر في:الكافي 6:2/104،التهذيب 8:460/133،الإستبصار 3:1189/334،الوسائل 21:520 أبواب النفقات ب 8 ح 5.
4- الوسائل 21:519 أبواب النفقات ب 8 ح 2،4،6.
5- التهذيب 8:461/133،الإستبصار 3:1190/334،الوسائل 21:521 أبواب النفقات ب 8 ح 8.
6- قرب الإسناد:1002/254،الوسائل 21:522 أبواب النفقات ب 8 ح 11.

حقّه عنها مع حملها (1)،فانتفاؤها عنها مع عدمه بطريق أولى.

هذا،مضافاً إلى الصحيح:عن المتوفّى عنها زوجها،إلها نفقة؟قال:

« لا،ينفق عليها من مالها» (2).

و أمّا الصحيح:« المتوفّى عنها زوجها ينفق عليها من ماله» (3)فمع شذوذه إن حُمِل على ظاهره و عدم مكافأته لما مرّ،فمحمول على خلاف ظاهره بإرجاع الضمير المضاف إليه المال إلى الولد لا إلى الزوج، و لذا جعله الشيخ رحمه الله دليلاً فيما سيأتي (4).

و بالجملة:لا ريب و لا خلاف في الصورتين إلّا أن تكون كلّ منهما حاملاً،فيثبت نفقتها في الأُولى و هي المطلّقة ب الطلاق البائن- على الزوج خاصّة دون الولد مطلقاً (5)؛ للإجماع المحكيّ في كلام جماعة (6)،و إطلاق الآية وَ إِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [1] (7)الشامل للرجعيّة و البائنة.

مضافاً إلى إطلاق النصوص المستفيضة،منها الصحيح:في الرجل يطلّق امرأته و هي حبلى،قال:« أجلها أن تضع حملها،و عليه نفقتها

ص:174


1- الوسائل 21:522 أبواب النفقات ب 9.
2- التهذيب 8:527/152،الإستبصار 3:1234/346،الوسائل 21:523 أبواب النفقات ب 9 ح 6.
3- الكافي 6:4/120،التهذيب 8:525/151،الإستبصار 3:1232/345،الوسائل 21:523 أبواب النفقات ب 9 ح 4.
4- انظر ص 176.
5- كان له مال أم لا.منه رحمه الله.
6- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:587،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:112،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:479.
7- الطلاق:6.

حتى تضع حملها» (1).

و غاية ما يستفاد منها:الإنفاق عليها الأعمّ من كونه لها أو لولدها، و ليس في شيء منها تعيين أحدهما،و لذا اختلف فيه كلام أصحابنا،فبين معيِّن للأول،كما عن ابن حمزة (2)و جماعة (3)،و معيِّن للثاني،كما عن المبسوط (4)و آخرين (5)؛ و استند الجانبان إلى اعتبارات هيّنة ربما أشكل التمسّك بها في إثبات الأحكام الشرعيّة،لكن بعضها المتعلّق بالثاني قويّة معتضدة بالشهرة المحكيّة،فالمصير إليه لا يخلو عن قوّة.

و يتفرّع عليه فروع جليلة:

منها:ما إذا تزوّج الحرّ أمة مشترطاً مولاها في الولد الرقّية و قلنا بجواز هذا الشرط في الشريعة،أو تزوّج العبد إيّاها أو أمة مشترطاً في الولد الانفراد بالرقّية،فلا نفقة فيهما على الزوج على الأشهر؛ لأنّه (6)ملك لغيره في الأول،و لأنّ العبد لا تجب عليه نفقة أقاربه في الثاني.و على غيره (7)تجب؛ لفقد المانع،و تكون في الثاني في ذمّة المولى أو كسب العبد.

و منها:ما لو لم ينفق عليها حتى مضت المدّة أو بعضها،فلا يجب القضاء على الأشهر،و يجب على القول الآخر.

ص:175


1- الكافي 6:4/103،التهذيب 8:464/134،الوسائل 21:518 أبواب النفقات ب 7 ح 1.
2- الوسيلة:328.
3- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):616،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:479.
4- المبسوط 6:28.
5- منهم القاضي في المهذب 2:348،و العلّامة في المختلف:613.
6- أي الولد.منه رحمه الله.
7- أي الأشهر.منه رحمه الله.

و منها:ما لو أتلفها متلف بعد القبض من دون تفريط،فتسقط النفقة على الثاني دون الأول،و كذا لو ارتدّت بعد الطلاق.

و يثبت النفقة في الوفاة في (1)نصيب الحمل على إحدى الروايتين المعمول عليهما،عمل بها الصدوق و الشيخ (2)و جماعة (3)، و فيها:« المرأة المتوفّى عنها زوجها ينفق عليها من نصيب ولدها» (4).

و في سنده اشتراك،ففي وصفها بالصحّة مناقشة،و لذا مع مخالفتها الأصل أعرض عنها المتأخّرون،بل حكى عليه الشهرة المطلقة (5)جماعة (6)؛ و يشهد لهم المعتبرة المستفيضة،و منها الصحيح:قال في الحبلى المتوفّى عنها زوجها:« إنّها لا نفقة لها» (7).

و ربما جمع بينها و بين السابقة،بحمل هذه على النفي عن مال الميّت المجامع للثبوت في نصيب الولد.

و هو حسن مع التكافؤ،و ليس؛ لكثرة الأخيرة،و اعتضادها بالشهرة العظيمة الوجدانيّة و المحكيّة حكاية بالغة حدّ الاستفاضة؛ مع أنّ بعضها

ص:176


1- كذا في الأصل،و لعل الأنسب:مِن،كما في المطبوع.
2- الصدوق في الفقيه 3:330،الشيخ في النهاية:537.
3- منهم ابن حمزة في الوسيلة:329،و ابن البراج في المهذّب 2:319،و الحلبي في الكافي:313.
4- الكافي 6:10/115،الفقيه 3:1595/330،التهذيب 8:526/152،الإستبصار 3:1233/345،الوسائل 21:524 أبواب النفقات ب 10 ح 1؛ بتفاوت يسير.
5- أي بين القدماء و المتأخرين.منه رحمه اللّه.
6- منهم المحقق في الشرائع 2:349،و العلّامة في القواعد 2:55،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:280.
7- الكافي 6:3/114،التهذيب 8:522/151،الإستبصار 3:1229/345،الوسائل 21:522 أبواب النفقات ب 9 ح 1.

ربما لا يقبله،و هو الصحيح المتقدّم (1)،و فيه:« ينفق عليها من مالها» للتصريح فيه بالإنفاق عليها من مالها الغير المجامع للإنفاق عليها من نصيب ولدها،إلّا أنّه ليس فيه كونها حبلى،فيحتمل حملها على كونها حائلاً.

و كيف كان،فمذهب المتأخّرين أقوى.

و أمّا ما في الخبر من أنّ:« نفقة الحامل المتوفّى عنها زوجها من جميع المال حتى تضع» (2)فمع ضعفه و شذوذه و عدم مكافأته لما مرّ، يحتمل الحمل على ما ينطبق على القولين،و ربما يحمل على الاستحباب، و لا بأس به مع عدم المانع،كوجود صغير في الورثة و نحوه.

و في المسألة قولان آخران مفصّلان،تارةً بتوجّه الإنفاق من نصيب الوالد،إن قلنا بكونه له،و لا،إن قلنا بالعدم،ذكره في المختلف (3).

و أُخرى كما عن بعض متأخّري المتأخّرين (4)بتوجّهه مع إعسار الاُمّ، و لا،مع يسارها؛ و مستنده الجمع بين الأخبار،و ربما ساعده الاعتبار، إلّا أنّه لا شاهد عليه من الآثار،مع كونه خارقاً للمتّفق عليه بين الأخيار.

و نفقة الإنسان على نفسه مقدّمة على نفقة الزوجة و نفقتها مقدّمة على نفقة الأقارب الواجبي النفقة و تُقضى نفقتها لو فاتت دون نفقتهم،بلا خلاف في شيء من ذلك،بل حكى جماعة الإجماع عليه (5)؛ و هو الحجّة فيه مع النصّ الآتي في الأول (6)،مع تأمّل

ص:177


1- في ص 173.
2- الفقيه 3:1596/330،التهذيب 8:528/152،الإستبصار 3:1235/346،الوسائل 21:524 أبواب النفقات ب 10 ح 2.
3- المختلف:613.
4- قاله المجلسي في مرآة العقول 21:195.
5- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:483.
6- و هو الإنفاق على نفسه.منه رحمه الله.

يظهر وجهه.

و علّلوا الثاني:بأنّ وجوب النفقة فيه على وجه المعاوضة في مقابل الاستمتاع،بخلاف نفقة القريب،فإنّها إنّما وجبت للمواساة و دفع الخَلّة، و ما كان وجوبه على وجه المعاوضة أقوى ممّا وجب على وجه المواساة، و لهذا لم تسقط نفقة الزوجة بغناها و لا بإعساره و لا بمضيّ الزمان،بخلاف نفقة القريب.

و الثالث:بأنّ نفقة الزوجة في مقابلة الاستمتاع كما مرّ،فكانت كالعوض اللازم في المعاوضة،فلا تحصل منه البراءة إلّا بإيصالها إلى المستحقّ.بخلاف نفقة الأقارب؛ لما عرفت من أنّ وجوبها إنّما هو للمواساة و رفع الخَلّة،فلا يستقرّ في الذمّة،و لا يجب قضاؤها،كما لو أخلّ بقضاء حاجة المحتاج الواجب الإعانة.

و في النبويّ:إنّ رجلاً جاء إليه صلى الله عليه و آله فقال:معي دينار،فقال:« أنفقه على نفسك» فقال:معي آخر،فقال:« أنفقه على ولدك» فقال:معي آخر، فقال:« أنفقه على أهلك» (1).

و فيه دلالة على تقديم نفقة الولد على نفقة الزوجة،لكن بعد تسليم صحّته يحتمل الحمل على غير النفقة الواجبة؛ مع أنّ الرجل كان موسراً، كما يظهر من الكلمات المذكورة فيه أخيراً،و التقدّم المفروض في كلمة الأصحاب إنّما هو في شأن المعسر خاصّة لا مطلقاً.

هذا،و بعد تسليم ظهور دلالته صريحاً،فهو غير مكافئ لما قدّمناه من الدليل بل الأدلّة جدّاً.

ص:178


1- سنن البيهقي 7:466.
أمّا القرابة فالنفقة على الأبوين و الأولاد لازمة

و أمّا القرابة:فالنفقة على الأبوين و الأولاد لازمة بالشروط الآتية بإجماع الأُمّة،حكاه جماعة (1)،و النصوص بها مستفيضة،بل كادت تكون متواترة.

ففي الصحيح:مَن الذي أُجبر على نفقته؟قال:« الوالدان و الولد و الزوجة و الوارث الفقير» (2)و ليس في باقي النصوص مع صحّة كثير منها و اعتبار باقيها ذكر الأخير،و يأتي الكلام فيه (3).

و في دخول مَن علا من الآباء و الأُمّهات في الآباء تردّد من الأصل و الشكّ في صدق الإطلاق عليه،و من الإطلاق عليه كثيراً و إطباق الفقهاء عليه هنا ظاهراً،فإنّه لم يناقش فيه أحد سوى الماتن هنا و في الشرائع (4)مع تصريحه بمختارهم أخيراً و نحوه غيره ممّن شاركه في تردّده (5).

هذا،مع إشعار بعض العبارات بالإجماع عليه ظاهراً (6)،و كفى هو حجّة؛ و لذا قال: أشبهه اللزوم هذا،و في الخبر:في الزكاة:« يُعطى منها الأخ و الأُخت و العمّ و العمّة و الخال و الخالة،و لا يعطى الجدّ و الجدّة» (7)و قد استفاض النصوص و انعقد

ص:179


1- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:484،و المحقّق الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:378.
2- الفقيه 3:209/59،الوسائل 21:511 أبواب النفقات ب 1 ح 9؛ و فيهما:و الوارث الصغير.
3- في ص 180.
4- الشرائع 2:352.
5- انظر نهاية المرام 1:485.
6- كالمسالك 1:593،و الكفاية:196.
7- الكافي 3:6/552،التهذيب 4:151/56،الوسائل 9:241 أبواب المستحقين للزكاة ب 13 ح 3.

الإجماع على حرمتها على واجبي النفقة،فالمنع عن إعطاء الجدّ و الجدّة ليس إلّا لكونهما من واجبي النفقة،ففي الصحيح:« خمسة لا يُعطَون من الزكاة شيئاً:الأب و الأُمّ و الولد و المملوك و المرأة؛ و ذلك أنّهم عياله لازمون له» (1).

و سند الخبر و إن قصر إلّا أنّه بالشهرة من جميع الوجوه منجبر.

فالقول بمقالة الأصحاب أقوى و أظهر.

و يستفاد منه بمعونة ما ذكر،مضافاً إلى الأصل و ظواهر النصوص السابقة الواردة في بيان واجبي النفقة،الظاهرة لذلك في الحصر في المذكورين فيها أنّه لا يجب النفقة على غيرهم من الأقارب مضافاً إلى الإجماع عليه في الظاهر،و استفاضة النصوص بجواز إعطاء الزكاة للأقارب (2)،المنافي لوجوب الإنفاق عليهم كما مرّ.

بل يستحبّ بلا خلاف؛ لصلة الرحم.

و يتأكّد في الوارث لأنّه أقرب،و لقوله سبحانه وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ [1] (3)و النبويّ:« لا صدقة و ذو رحم محتاج» (4)و للصحيح المتقدّم (5)،و ظاهره الوجوب كالمرتضوي:« اتي بيتيم،فقال:خذوا بنفقته أقرب الناس منه في العشيرة كما يأكل ميراثه» (6).

ص:180


1- الكافي 3:5/552،التهذيب 4:150/56،الإستبصار 2:101/33،الوسائل 9:240 أبواب المستحقين للزكاة ب 13 ح 1.
2- الوسائل 9:245 أبواب المستحقين للزكاة ب 15.
3- البقرة:233.
4- الفقيه 2:166/38،الوسائل 9:412 أبواب الصدقة ب 20 ح 4.
5- في ص 178.
6- الكافي 4:2/13،التهذيب 6:814/293،الإستبصار 3:147/44،الوسائل 21:526 أبواب النفقات ب 11 ح 4.

و عن الشيخ في الخلاف احتماله للآية و الخبر الأول (1)،لكنّه قوّى المشهور و قال:إنّه الذي يقتضيه مذهبنا (2).و ظاهره الإجماع عليه،و حكي صريحاً عنه في المبسوط (3)؛ و هو الحجّة فيه،مضافاً إلى ما مرّ من الأصل و النصوص الحاصرة لواجبي النفقة في أُولئك الخمسة المذكورين في الصحيحة المتقدّمة،أو الثلاثة المنضمّ إليها باقي الخمسة لغيرها من الأدلّة، و ليس شيء ممّا ذكر بمكافئ لها البتّة.

فاحتمال الوجوب فاسد بالبديهة و إن صار إليه بعض متأخّري الطائفة (4)؛ جموداً على ظاهر الصحيحة،و ليت شعري كيف ألغى القواعد الممهّدة و الأُصول المقرّرة من لزوم مراعاة التكافؤ بين الأدلّة،و أنّه لا ينفع مع عدمه صحّة السند و لا وضوح الدلالة؟!مع أنّها باعترافه شاذّة لا قائل بها بالمرّة،و قد ورد النصوص المعتبرة بطرح مثلها،و تلقّاها بالقبول هو و سائر علماء الطائفة،و هي ليست من الشواذّ الخلافيّة،بل من الشواذّ الوفاقيّة،حيث أطبق الأصحاب بالفتوى على خلافها من دون تزلزل و لا ريبة.

و يشترط في الوجوب أي وجوب الإنفاق على القرابة دون الإنفاق على الزوجة- الفقر في المنفق عليه و عدم شيء يتقوّت به،أو عدم وفاء ماله بقوته،و اشتراطه كاشتراط اليسار في المنفق موضع وفاق،كما يظهر من كلام الجماعة،و به صرّح بعض الأجلّة (5)؛ و هو

ص:181


1- حكاه عنه في الإيضاح 3:283.
2- الخلاف 5:128.
3- المبسوط 6:35.
4- انظر نهاية المرام 1:485.
5- انظر كشف اللثام 2:115.

الحجّة فيه بعد الأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة؛ لعدم انصراف إطلاق أدلّة الوجوب إلى الصورتين بالضرورة.

قالوا:و المراد باليسار:هو أن يفضل عن قوته و قوت زوجته و خادمها ليوم و ليلة شيء.و في حكم القوت ما يحتاج إليه من الكسوة في ذلك الفضل،و غيرها.

و لو فضل عن قوته أو قوت زوجته شيء،ففي وجوب الإنفاق،أو جواز التزويج المانع عنه،وجهان،بل قولان،و الأشهر:الثاني،و لا ريب فيه إن اضطرّ إليه.

و في اشتراط العجز عن الاكتساب في المنفق عليه قولان، أشهرهما:ذلك؛ لأنّه معونة على سدّ الخَلّة،و المكتسب قادر،فهو كالغني،و لذا يمنع من الزكاة و الكفّارة المشروطة بالفقر،و حصول الحاجة بالفعل لا يوجب الاستحقاق.نعم،يعتبر لياقة الكسب بحاله.

و لا يشترط نقصان الخلقة بنحو الزمانة،و لا الحكم بنحو الصغر و الجنون،على الأشهر الأقوى،بل عن الخلاف:أنّه ادّعى في الظاهر عليه إجماعنا (1)؛ و هو الحجة فيه بعد إطلاق النصوص.و خلاف المبسوط باعتبارهما (2)شاذّ.

و لو بلغ الصغير حدّا يمكن أن يتعلّم حرفة أو يحمل على الاكتساب، قيل:للولي حمله عليه و الإنفاق عليه من كسبه،لكن لو هرب و ترك الاكتساب في بعض الأيّام فعلى الأب الإنفاق عليه،بخلاف المكلّف (3).

ص:182


1- حكاه عنه في كشف اللثام 2:115،و هو في الخلاف 5:124 125.
2- المبسوط 6:33.
3- قاله الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:379.

و لا يشترط عدالته و لا إسلامه،بل يجب و إن كان فاسقاً؛ للعموم.

قيل:يجب تقييد الكافر بكونه محقون الدم،فلو كان حربيّا لم يجب؛ لجواز إتلافه،فترك الإنفاق عليه لا يزيد عليه (1).و المستند في أصل عدم اشتراط الأمرين هو اتّفاقهم عليه ظاهراً،مع نقل بعضهم الإجماع صريحاً (2)،و إلّا فإثباته بالعموم في نحو الكافر مشكل جدّاً،كيف لا؟!و هو معارض بعموم النهي عن الموادّة إلى من نصب مع اللّه سبحانه المحادّة (3)،و مقتضى تعارض العمومين التساقط،و معه يرجع إلى الأصل النافي للوجوب،لكن اعتضاد العموم هنا بالعمل مع عدم خلاف فيه يظهر،بل و دعوى بعضهم بل جماعة الإجماع عليه كما مرّ أوجب ترجيحه و تخصيص ما خالفه.

و أمّا الحرّية،فهي شرط بالإجماع؛ للأصل،و فقد ما يدلّ على وجوب الإنفاق على القريب المملوك للغير؛ لعدم انصراف الإطلاقات إليه.و على تقديره،فمعارض فيه بما دلّ (4)على وجوب إنفاقه على غيره (5)،و ليس بعد التعارض سوى التساقط الموجب لتخليص الأصل عن المعارض.

و على تقدير عدم التساقط،فلا ريب أنّ الرجحان مع الأخير؛ إذ وجوب الإنفاق عليه على من يستوفي منافعه في عوضه أولى ممّن لا يستوفي،و يكون الإنفاق منه عليه لرفع حاجته و سدّ خلّته.

ص:183


1- قال به الشهيد الثاني في الروضة 5:474.
2- القائل هو الشهيد الثاني في الروضة 5:474.
3- المجادلة:22.
4- انظر الوسائل 21:528 أبواب النفقات ب 13.
5- و هو المولى.منه رحمه الله.

نعم،لو امتنع المولى عن الإنفاق عليه،أو كان معسراً،أمكن وجوبه على القريب؛ عملاً بالعموم.

و قيل (1):لا تجب مطلقاً،بل يُلزَم ببيعه أو الإنفاق عليه،كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.و هو حسن.

و لا تقدير للنفقة الواجبة بل يجب بذل الكفاية من الطعام و الكسوة و المسكن لإطلاق الأدلّة اللازم في مثله الرجوع إلى العرف و العادة،مع ما في الآية الكريمة وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً [1] (2)و نحوه بعض المعتبرة (3)من الإشارة إلى الرجوع إليها بالضرورة،مضافاً إلى عدم الخلاف فيه هنا (4)بين الطائفة،بل و صرّح بالإجماع عليه جماعة (5)؛ و هو الحجّة فيه،مضافاً إلى ما تقدّم من الأدلّة.

و مقتضاها انسحاب الحكم في نفقة الزوجة،و هو الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل ربما أشعر عبارة الحلّي بالإجماع عليه (6).

خلافاً للخلاف،فقدّر الطعام بمدّ مطلقاً،مدّعياً فيه الوفاق (7).

و هو موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف،مع معارضته بالإجماع المتقدّم،الراجح عليه هنا بلا ارتياب،فهو ضعيف.

و أضعف منه المحكيّ عنه في المبسوط من التفصيل:بمدّين

ص:184


1- حكاه في الروضة البهية 5:474،و هو في التحرير 2:50.
2- لقمان:15.
3- الوسائل 21:509 أبواب النفقات ب 1.
4- أي نفقة الأقارب.منه رحمه الله.
5- انظر السرائر 2:655،و الحدائق 25:120.
6- السرائر 2:655.
7- الخلاف 5:112.

للموسر،و مدّ و نصف للمتوسّط،و مدّ للمعسر (1)و ذلك لعدم الدليل عليه بالمرّة.

ثم إنّ المعتبر من المسكن:الإمتاع،اتّفاقاً.

و من المئونة:التمليك في صبيحة كل يوم لا أزيد،اتّفاقاً،بشرط بقائها ممكّنة إلى آخره،فلو نشزت في الأثناء استحقّت بالنسبة.

و في الكسوة قولان،أشهرهما و أجودهما:أنّها كالأول؛ للأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة؛ لضعف دليل الملحق بالثاني،و هو الآية الكريمة عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ [1] (2)المعطوف فيها الكسوة على الرزق،المقتضي ذلك اشتراكها معه في الأحكام له،التي منها التمليك إجماعاً.

و وجه الضعف:اقتضاء العطف المشاركة في الحكم المثبت للمعطوف عليه في العبارة،لا الأحكام الخارجة عنها الثابتة له بغيرها من الأدلّة،و غاية ما يستفاد من الآية للمعطوف عليه:الوجوب،الأعمّ من التمليك و الإمتاع،و تعيّن الأول فيه من الخارج غير ملازم لتعيّنه في المعطوف بالبديهة،و لا دليل على كون التعيين مراداً من لفظ الآية،و إنّما غايته القيام بإثباته في الجملة،لا إثبات إرادته من نفس العبارة.

و أمّا الاستدلال بالنبويّ:« و لهنّ عليكم رزقهنّ و كسوتهنّ بالمعروف» (3)فمجاب بضعف السند،و بما مضى إن جُعل العطف فيها مستنداً،و بعدم كون اللام حقيقةً في الملكيّة خاصّة إن جُعل المستند إفادتها

ص:185


1- المبسوط 6:6.
2- البقرة:233.
3- تحف العقول:24،الوسائل 21:517 أبواب النفقات ب 6 ح 2؛ بتفاوت يسير.

الملكيّة،بل نقول:لها معانٍ أُخر كثيرة لا تلازم الملكيّة،تتوقّف إرادة كلّ منها على قرينة هي في المقام مفقودة،و مجرّد ثبوت الملكيّة في الرزق غير ملازم لثبوتها في الكسوة،إلّا على تقدير قيام الدلالة على إرادتها بالنسبة إليه من اللام المذكورة في الرواية،و هو محلّ مناقشة،كيف لا؟!و ليست إلّا الإجماع الذي حكاه جماعة (1)،و لا يستفاد منها سوى ثبوت الملكيّة له في الجملة المجامع لثبوتها له من غير الرواية.

و على المختار:ليس لها بيعها،و لا التصرّف فيها بغير اللبس من أنواع التصرّفات الخارجة عن العادة،و لا لبسها زيادةً على المعتاد كيفيّةً و كمّيةً،فإن فعلت فأبلَتها قبل المدّة التي تبلى فيها عادةً لم يجب عليه إبدالها؛ و كذا لو أبقتها زيادةً على المدّة.و له إبدالها بغيرها مطلقاً، و تحصيلها بالاستئجار و الإعارة و غيرهما من الوجوه التي هي للمنافع مبيحة.

و لو طلّقها،أو ماتت،أو مات،أو نشزت،استحقّ ما يجده منها مطلقاً.

و أمّا ما تحتاج إليه من الفرش و الآلات فهو في حكم الكسوة.

و نفقة الولد على الأب مع وجوده و يساره دون الاُمّ و إن شاركته في الوصفين إجماعاً،حكاه جماعةً (2)؛ لظاهر قوله سبحانه فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ [1] الآية (3)،مع ضميمة عدم القائل بالفرق،و استصحاب

ص:186


1- راجع التنقيح 3:288،و نهاية المرام 1:487،و الكفاية:195،و الحدائق 25:124.
2- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1:487،و السبزواري في الكفاية:197،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:116.
3- الطلاق:6.

الحالة السابقة،و عموم رواية هند المشهورة:« خذي ما يكفيك و ولدك» (1)المستفاد من ترك الاستفصال في مقام جواب السؤال،و هو مفيدٌ له عند الجماعة.

و مع عدمه أو فقره،فعلى أب الأب و إن علا بمائة درجة مرتّباً الأقرب فالأقرب،بالإجماع كما حكاه جماعة (2)؛ و هو الحجّة فيه،دون التعليل بصدق الأب؛ لمنع كونه على سبيل الحقيقة،التي هي المعتبرة مع عدم القرينة على ما عداها من المعاني المجازيّة.

و بعد التسليم،فغايتها الدلالة على الشركة،لا الترتيب الذي اعتبره الجماعة،و مع ذلك فهذه العلّة جارية في الآباء من جهة الأُمّ بالضرورة.

هذا،و ربما يناقش في حكاية الإجماع المتقدّمة بعبارة المبسوط، المعربة عن تقديم أُمّ الأب على أب الأب البعيد عنها بدرجة (3)،المشعرة بل الظاهرة بكون ذلك مذهب الطائفة،و خلافه ممّا ذكره الجماعة مذهب العامّة،فالمسألة مشكلة.

و يمكن دفعه (4)برجحان حكاية الإجماع المزبورة بالشهرة العظيمة و الاستفاضة في الحكاية و الصراحة،فلا يعارضها إشعار العبارة المتقدّمة بالإجماع بخلافه بالضرورة.

هذا،مع إمكان التأيّد بالعلّة المتقدّمة بدفع ما يرد عليها من المناقشات السابقة،فالأُولى:بالإجماع على إرادة الآباء و إن علوا من الأب

ص:187


1- سنن النسائي 8:246،سنن ابن ماجة 2:2293/769،سنن الدارمي 2:159.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:593،و صاحب المدارك في نهاية المرام 1:488،انظر الحدائق 25:132.
3- المبسوط 6:32.
4- أي الإشكال.منه رحمه الله.

هنا بالبديهة،مضافاً إلى ما قدّمناه من الرواية،على سبيل المجاز كانت الإرادة أو الحقيقة،فإنّ المناقشة على التقديرين مندفعة،فتأمّل.

و الثانية:بانقطاع الشركة و تعيّن الترتيب بإجماع الطائفة،مع ما للاعتبار عليه من الشهادة،و إمكان التأيّد بآية اولي الأرحام (1)،المستدلّ بها لأولويّة القرب في مواضع عديدة في كلام الجماعة.

و الثالثة:ببعض ما اندفع به الاُولى و الثانية،و هو هنا إجماع الطائفة على عدم مشاركة آباء الاُمّ مع آباء الأب في المسألة و إن تساووا في الدرجة.

لكن مآل اندفاعها إلى الإجماع.و كيف كان،فهو العمدة في الحجّية،لا العلّة بنفسها،و إن شاركته فيها بعد الضمائم المزبورة.

و مع عدمهم تجب النفقة على الأُمّ خاصة،إلّا مع فقدها أو إعسارها، و تكون حينئذٍ على آبائها و أُمّهاتها بالسويّة إن اشتركوا في الدرجة،و إلّا قدّم الأقرب فالأقرب إلى المنفق عليه؛ بالإجماع المستفاد من تتبّع كلمات الجماعة،مع التأيّد بالاعتبار و الآية السابقة.

و لم يتعرّض الماتن هنا و لا في الشرائع لحكم الآباء و الأُمّهات من قبل أُمّ الأب،إلّا أنّ المحكيّ عن الشيخ و سائر الجماعة:أنّ أُمّ الأب بمنزلة أُمّ الأُمّ،و آباءها و أُمّهاتها بمنزلة آبائها و أُمّهاتها،فيتشاركون مع التساوي في الدرجة بالسويّة،و يختصّ الأقرب من الطرفين إلى المحتاج بوجوب الإنفاق عليه (2).

كلّ ذا في الأُصول خاصّة.

ص:188


1- الأنفال:75.
2- حكاه عنهم في كفاية الأحكام:197،انظر نهاية المرام 1:488.

و أمّا الفروع،فلو وُجِدوا بشرائط الإنفاق دون الأُصول:فإن اتّحد تعيّن،و إن تعدّد في درجة واحدة وجب عليهم بالسويّة،و إن اختلفت درجاتهم وجب على الأقرب فالأقرب.

و لا فرق في ذلك كلّه بين الذكر و الأُنثى على الأشهر الأظهر.

خلافاً لشاذّ،فعلى حسب الميراث (1).و لآخر،فيختصّ بالذكر (2).

و ضعفهما ظاهر لمن تدبّر.

و لو اجتمع العمودان الأُصول و الفروع فمع وحدة الدرجة فهم شركاء في الإنفاق بالسويّة،كما في الأب و الابن،و مع اختلافهما وجب على الأقرب،كما في الأب و ابن الابن،فالأب متعيّن بلا شبهة.

و لو كان الفرع أُنثى،أو كان الأصل هي الأُمّ،ففيه احتمالات،و الذي استظهره جماعة استواء الابن و البنت،و كذا الاُمّ مع الولد مطلقاً (3).

ثم لو كان الأقرب معسراً،فأنفق الأبعد،ثم أيسر الأقرب،تعلّق به الوجوب حينئذ،و لا يرجع الأبعد عليه بما أنفق؛ للأصل.

و لو كان له ولدان و لم يقدر إلّا على نفقة أحدهما و له أب،وجب على الأب نفقة الآخر.و لو تشاحّا في اختيار أحدهما،استخرج بالقرعة.

كلّ ذا حكم المنفق.

و أمّا المنفق عليه،فمع التعدّد إن كانوا من جهة واحدة كالآباء و الأجداد وجب الإنفاق على الجميع مع السعة،و إلّا فالأقرب إليه فالأقرب.و لا فرق في كلّ مرتبة بين الذكر و الأُنثى،و لا بين المتقرّب بالأب

ص:189


1- انظر القواعد 2:58.
2- الروضة البهية 5:48.
3- منهم العلّامة في التحرير 2:50،و الشهيد الثاني في المسالك 1:595،و المحقق الكاشاني في المفاتيح 2:380.

من الأب و الأُمّ،و المتقرّب بالأُمّ كذلك.

و إن كانوا من الجهتين اعتبرت المراتب،فإن تساوت عدّة الدرجات فيهما اشتركوا،و إلّا اختصّ الأقرب.

و لو لم يسع ماله مَن في درجة واحدة لقلّته و كثرتهم،ففي الاقتسام و القرعة وجهان،أقواهما الثاني،وفاقاً لجماعة (1)؛ لمنافاة التشريك الغرض.و ربما احتُمِل ترجيح الأحوج لصغر أو مرض بدون القرعة (2)،و لا بأس به.

و لا تقضى نفقة الأقارب لو فاتت لما مضى في مسألة قضاء نفقة الزوجة (3)،و لا خلاف فيه،إلّا أنّه ذكر الجماعة وجوب القضاء فيما لو استدانه القريب بأمر الحاكم،لغيبة المنفق أو امتناعه،فإنّه يستقر الدين في ذمّته كسائر ديونه،و لذا وجب عليه قضاؤه.

أمّا المملوك فنفقته واجبة على مولاه

و أمّا المملوك:فنفقته واجبة على مولاه ذكراً أو أُنثى أو غيرهما و كذا الأمة بإجماع الأُمّة على ما حكاه بعض الأجلّة (4)،مضافاً إلى السنّة التي مضى بعضها في نفقة القرابة (5).و لا فرق فيهما بين الصغير و الكبير و القنّ و أُمّ الولد و المدبّر و المكاتب؛ لإطلاق النصّ و الفتوى،إلّا أنّ الأخير نفقته في كسبه إن وفى به،و إلّا أتمّه المولى،من دون فرق فيه بين كونه مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدّ شيئاً.

ص:190


1- كالعلّامة في القواعد 2:58،و الشهيد الثاني في الروضة 5:479،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:117.
2- مفاتيح الشرائع 2:381.
3- راجع ص 177.
4- انظر نهاية المرام 1:489،كشف اللثام 2:117،الحدائق 25:139.
5- راجع ص 179.

ثم إن اتّحد المالك،و إلّا وزّعت النفقة عليهم بحسب الشركة قطعاً.

و حيث إنّه لا تقدير في الشريعة لجنس النفقة و كيفيّتها،وجب أن يرجع في قدر النفقة من الجهات المذكورة إلى عادة مماليك أمثال المولى من أهل بلده،بحسب شرفه وضعته و إعساره و يساره.

و لا يكفي ساتر العورة في اللباس ببلادنا،و إن اكتفي به في بلاد المماليك.

و لا فرق بين كون نفقة السيّد على نفسه دون الغالب في نفقة المملوك عادةً تقتيراً أو بخلاً أو رياضةً،و فوقه،فليس للمولى الاقتصار بالعبد على وجه نفقة نفسه في الأول (1).

و لا عبرة في الكمّية بالغالب في نفقة المملوك،بل تجب الكفاية لو قلّ الغالب عنها،كما لا يجب الزائد لو زاد عنها.

فإذاً المعتبر فيه (2)الكيفيّة خاصّة،دون المقدار و الكميّة.

فإذاً في إطلاق الحكم بالرجوع في القدر المتبادر منه الكميّة إلى العادة كما في العبارة نوع مناقشة،إلّا أن يخصّ القدر بما يخصّ الجنس و الكيفيّة خاصّة.

و عن المبسوط:اعتبار غالب قوت البلد و كسوته (3).و لعلّ المؤدّى واحد.

و يستحبّ أن يطعمه ممّا يأكله و يُلبِسه ممّا يلبسه؛ للنبويّ:« إخوانكم و خَوَلكم جعلهم اللّه تعالى تحت أيديكم،فمن كان أخوه تحت يده

ص:191


1- و هو كونه دون الغالب.منه رحمه الله.
2- أي الغالب.منه رحمه الله.
3- المبسوط 6:44.

فليطعمه ممّا يأكل و يُلبِسه ممّا يلبس» (1).

و في آخر:« إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه و قد كفاه حرّه و عمله فليقعده فليأكل معه،و إلّا فليناوله أكلةً من طعام» (2).

و نحوه آخر،و فيه بدل:« فليناوله»:إلى آخره،« فليروِّغ له اللقمة و اللقمتين» (3)و الترويغ:أن يروّيه من الدَّسم،كما عن المبسوط (4).

و المستفاد منهما استحباب المؤاكلة مع العبيد،و النصوص به مستفيضة (5).

و يجوز مخارجة المملوك على شيء أي ضرب خراج معلوم عليه يؤدّيه كلّ يوم أو مدّة ممّا يكتسبه فما فضل يكون له،فإن كفاه الفاضل لنفقته و إلّا أتمّه المولى و الأصل في جواز المخارجة بعد الإجماع الذي حكاه بعض الأجلّة (6)المعتبرة:

منها الصحيح:عن رجل أراد أن يعتق مملوكاً له و قد كان يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كلّ سنة و رضي بذلك المولى،فأصاب المملوك في تجارته مالاً سوى ما كان يعطي مولاه من الضريبة،فقال:« إذا أدّى إلى سيّده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك» (7).

ص:192


1- صحيح مسلم 3:40/1283.و الخَوَل:العبيد و الإماء و غيرهم من الحاشية.لسان العرب 11:224.
2- مسند أحمد 1:388،سنن أبي داود 3:3846/365،صحيح البخاري 7:106،سنن الدارمي 2:107.
3- سنن البيهقي 8:8 بتفاوت.
4- المبسوط 6:45.
5- الوسائل 23:30 أبواب العتق ب 14،المستدرك 15:456 أبواب العتق ب 13.
6- و هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:117.
7- الكافي 6:1/190،الفقيه 3:261/74،التهذيب 8:807/224،المقنع:161،الوسائل 18:255 أبواب بيع الحيوان ب 9 ح 1؛ بتفاوت يسير.

و في هذه الصحيحة دلالة على تملّكه فاضل الضريبة،و لذا قطع به جماعة (1)،منهم:المصنّف في بحث التجارة (2).

و في جواز إجبار السيّد عبده على المخارجة،قولان،ثانيهما:نعم، ما لم يتجاوز مجهوده،كما عن التحرير (3)،و هو أقوى؛ عملاً بعموم ما دلّ على لزوم إطاعة المملوك لسيّده (4)،خرج عنه ما دون المجهود بالضرورة، كيف لا؟!و لا عسر و لا حرج في الملّة السهلة السمحة،و يبقى الباقي مندرجاً في عموم الأدلّة.

و اعلم أنّ للسيّد الاستخدام فيما يقدر عليه المملوك،و لا يخرج عن وسعه عادةً،و الملازمة عليه،إلّا في أوقات اعتيد فيها الاستراحة.

و أمّا الأفعال الشديدة الشاقّة التي لا يمكن عليها المداومة في العادة، فله الأمر بها في بعض الأزمنة،و على المملوك بذل الوسع مهما أمكنه.

و ليس له تكليفه الخدمة ليلاً و نهاراً معاً؛ لأنّها فوق الوسع و الطاقة، بل إذا عمل في أحدهما أراحه في الآخر،و يريحه في الصيف وقت القيلولة.

و بالجملة:فالمتّبع العادة الغالبة.

و تجب النفقة على البهائم المملوكة مأكولة اللحم كانت أم غيرها،منتفعاً بها أم لا،بلا خلاف أعرفه بين أصحابنا.

و لا تقدير لها،بل عليه منها ما احتاجت إليه قطعاً من العلف و السقي حيث يفتقر إليهما،و المكان المناسب من مراح و إصطبل يليق بحالها

ص:193


1- منهم العلّامة في التحرير 2:50،و السبزواري في الكفاية:198،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:117.
2- المختصر النافع 1:132.
3- التحرير 2:50.
4- انظر الوسائل 21:113 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 23.

و منها دود القزّ،فيأثم بالتقصير في إيصاله قدر كفايته،و وضعه في مكان يقصر عن صلاحيّته له بحسب الزمان و ما يحتاج إليه البهيمة مطلقاً أيّ حيوان كان من الآلات حيث يستعملها،أو الجلّ لدفع البرد و غيره حيث يحتاج إليه.

و في النبويّ:« اطّلعت ليلة اسري بي،فرأيت امرأة تعذّب،فسألت عنها،فقيل:إنّها ربطت هرّة و لم تطعمها و لم تسقها و لم تدعها تأكل من حشاش الأرض حتى ماتت،فعذّبها اللّه تعالى بذلك» قال:« و اطّلعت على الجنّة،فرأيت امرأة زانية،فسألت عنها،فقيل:إنّها مرّت بكلب يلهث من العطش فأرسلت إزارها في بئر فعصرته في حلقه حتى رُوي،فغفر اللّه سبحانه لها» (1).

ثم إنّه يجبر على الإنفاق عليها،إلّا أن تجتزئ بالرعي،و ترد الماء بنفسها،فيجتزئ به مع إمكانه،و إلّا فإن امتنع مالكها اجبر على الإنفاق عليها،أو بيعها،أو ذبحها إن كانت مقصودة بالذبح للّحم أو الجلد، و إلّا اجبر على البيع أو الإنفاق؛ صوناً لها عن التلف.

فإن أصرّ،ناب الحاكم عنه في ذلك على ما يراه،ببيع شيء من ماله في الإنفاق،أو بيعها عليه،و إنّما يتخيّر مع إمكان الأفراد،و إلّا تعيّن الممكن منها.

ثم إن كان لها ولد،وفّر عليه من لبنها ما يكفيه وجوباً،و حلب ما يفضل عنه خاصّة،فإنّ ذلك نفقته،إلّا أن يقوم بكفايته من غير اللبن حيث يكتفي به.

و الحمد للّه.

ص:194


1- المبسوط 6:47،و أورد صدره في البحار 62:64،65.

كتاب الطلاق

اشارة

كتاب الطلاق و هو إزالة قيد النكاح بغير عوض،بصيغة« طالق» و ما في معناه حيث قلنا به مع الشرائط المعتبرة.

و النظر في أركانه،و أقسامه،و لواحقه.

الأركان

الركن الأوّل في المطلِّق

الركن الأوّل في بيان المطلِّق،و يعتبر فيه البلوغ و العقل و الاختيار و القصد إليه،بلا خلاف،بل إجماعاً فيما عدا الأوّل،و فيه في الجملة، و النّصوص بها مع ذلك مستفيضة سيأتي إليها الإشارة.

فلا اعتبار بطلاق الصبي الغير المميّز إجماعاً،و فيه أيضاً على الأشهر،بل عليه كافّة من تأخّر،و هو الأظهر؛ للأصل،و أدلّة الحجر عموماً في الأكثر،أو فحوًى في الجميع إن ادّعي اختصاصها بالمال؛ إذ المنع عن التصرّف في المال و لا سيّما قليله ملازم للمنع عنه في الطلاق بطريق أولى،كيف لا و لتعلّقه بأمر الفروج أمره أشدّ من أمر المال بمراتب شتّى جدّاً،وفاقاً،نصّاً و فتوى،هذا.

مضافاً إلى إطلاق خصوص المعتبرة المستفيضة،منها القريب سنده من الصحة:« ليس طلاق الصبي بشيء» (1)و نحوه (2)المنجبر قصور سنده

ص:195


1- الكافي 6:2/124،الوسائل 22:77 أبواب مقدمات الطلاق ب 32 ح 1.
2- الكافي 6:3/124،الوسائل 22:77 أبواب مقدمات الطلاق ب 32 ح 4.

بالشهرة.

و منها:« كل طلاق جائز إلّا طلاق المعتوه،أو الصبي،أو مُبَرسَم،أو مجنون،أو مكره» (1).

و منها المروي عن قرب الإسناد:« لا يجوز طلاق الغلام حتّى يحتلم» (2)هذا.

مع أنّ في الصحيح:عن الصبي يتزوّج الصبيّة؟قال:« إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز،و لكن لهما الخيار إذا أدركا» (3).

و قد حمل الشيخ و غيره (4)الخيار فيه على الطلاق،فيدل حينئذٍ على اشتراطه بالإدراك الدالّ بمفهومه على العدم بعدمه.

و لكن ورد فيمن بلغ بحسب السن عشراً رواية المراد بها الجنس لتعدّدها بالجواز عمل بها النهاية (5)،و تبعه عليه جماعة كالقاضي و ابن حمزة (6)،أحدها الموثق:« يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين» (7)و نحوه المرسل كالصحيح (8).

ص:196


1- الكافي 6:6/126،الوسائل 22:77 أبواب مقدمات الطلاق ب 32 ح 3.البرسام:علّة يهذي فيها صاحبها و هو المُبَرسَم.القاموس 4:79.
2- قرب الإسناد:352/104،الوسائل 22:79 أبواب مقدمات الطلاق ب 32 ح 8.
3- التهذيب 7:1543/382،الإستبصار 3:854/236،الوسائل 20:277 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 8.
4- قاله في التهذيب 7:382،انظر الوسائل 20:278.
5- النهاية:518.
6- القاضي في المهذّب 2:288،ابن حمزة في الوسيلة:323.
7- التهذيب 8:254/75،الإستبصار 3:1072/302،الوسائل 22:78 أبواب مقدمات الطلاق ب 32 ح 6.
8- الكافي 6:5/124،الوسائل 22:77 أبواب مقدمات الطلاق ب 32 ح 2؛ بتفاوت.

و هي و إن لم يكن فيها ضعف بالمعنى المصطلح،إلّا أنّها قاصرة عن المقاومة لما مرّ من حيث الاستفاضة،و الاعتضاد بالأصل و العمومات و الشهرة العظيمة و الأولوية المتقدمة،فحمل تلك على هذه بالتقييد المناقشة فيه واضحة.

مع بُعد جريانه في بعضها ممّا جعل فيه غاية الجواز إلى الاحتلام؛ لكونه كالصريح في المنع عن طلاق ذي العشر لعدم كونه الغاية.

فالقول بهذه الرواية ضعيف البتّة،كالجواز المطلق في ذي التميز، كما عن الإسكافي و جماعة (1)،و إن وردت[به (2)]روايات بحسب الأسانيد معتبرة،كالموثقين:« يجوز طلاق الصبي إذا كان قد عقل،و وصيته و صدقته و إن لم يحتلم» (3)و نحوهما الرضوي:« إذا طلق للسنة فطلاقه جائز» (4).

لتطرّق النظر إليها بما مضى،مع لزوم تقييدها بالخبرين المقيّدين إن عملنا بهما،كتقييدهما بها.

و لو طلّق عنه الولي لم يقع مطلقاً،أبويه كان أم الحاكم؛ للأصل، و عموم:« الطلاق بيد من أخذ بالساق» (5)كما في المستفيضة.

مضافاً إلى الإجماع المحكي في كلام جماعة (6).

ص:197


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:589،و الصدوق في الفقيه 3:325،و حكاه عن علي بن بابويه في المختلف:589.
2- في الأصل:بها،و الأنسب ما أثبتناه.
3- الكافي 6:4/124،التهذيب 8:257/76،الإستبصار 3:1075/303،الوسائل 22:78 أبواب مقدمات الطلاق ب 32 ح 5؛ بتفاوت يسير.
4- فقه الرضا عليه السلام:243،المستدرك 15:305 أبواب مقدمات الطلاق ب 24 ح 3.
5- عوالي اللئلئ 1:137/234،سنن ابن ماجة 1:2081/672.
6- منهم الشيخ في الخلاف 4:442،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:8،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:118.

و خصوص المعتبرة المستدل بها في الأوّلين بالمنطوق،و في الثالث بالأولوية،منها الصحيح و غيره:هل يجوز طلاق الأب؟قال:

« لا» (1).و الفرق بينه و بين المجنون حيث قلنا بجواز طلاقه عنه:ترقّب مدّة يمكن زوال المنع فيها و اندفاع الضرر به فيها،دون المجنون،كما لا يخفى.

مضافاً إلى استفاضة النصوص المخرجة عن الأصل فيه،دون الصبي، و لا مخرج عنه فيه منها قطعاً،و هي كافية في الفرق،و يخرج ما ذكرناه من الاعتبار شاهداً قطعاً.

إلّا أن يكون بلغ فاسد العقل فساداً لا يمكنه معه القصد إلى الطلاق أصلاً،فيجوز طلاق الولي عنه حينئذٍ مطلقاً،مطبقاً كان أو أدواريّاً لا يفيق حال الطلاق أبداً،على الأظهر الأشهر،بل في الإيضاح (2)الإجماع عليه،و هو الحجّة فيه،كالمستفيضة.

منها الصحيحان،في أحدهما:عن الأحمق الذاهب العقل أ يجوز طلاق وليّه عنه؟قال:« و لمَ لا يطلّق هو؟» قلت:لا يؤمن إن طلّق هو أن يقول غداً:لم أُطلّق،أو لا يحسن أن يطلّق،قال:« ما أرى وليّه إلّا بمنزلة السلطان» (3).

و نحوه الثاني (4)مبدلاً فيه السلطان بالإمام

ص:198


1- الكافي 5:1/400،الوسائل 22:80 أبواب مقدمات الطلاق ب 33 ح 1. و غيره في:الكافي 7:3/132،الوسائل 22:80 أبواب مقدمات الطلاق ب 33 ح 2.
2- إيضاح الفوائد 3:292.
3- الكافي 6:1/125،التهذيب 8:253/75،الإستبصار 3:1071/302،الوسائل 22:84 أبواب مقدمات الطلاق ب 35 ح 1؛ بتفاوت يسير.
4- الكافي 6:2/125،الفقيه 3:1578/326،الوسائل 22:81 أبواب مقدمات الطلاق ب 34 ح 1.

و إجمال المنزلة فيهما مبيَّن بسياقهما المعرب من حيث وجوب المطابقة بين السؤال و الجواب عن إرادة جواز الطلاق منها؛ و بالمعتبرة، منها:في طلاق المعتوه،قال:« يطلّق عنه وليّه فإنّي أراه بمنزلة الإمام» (1).

و قريب منه آخر:« المعتوه الذي لا يحسن أن يطلّق يطلّق عنه وليه» (2).

و قصور سندهما منجبر بالشهرة،مع احتمال الأوّل الصحة،كما عليه من المحقّقين جماعة (3).

خلافاً للخلاف (4)،مدّعياً على المنع الوفاق،و تبعه الحلي (5)؛ لعموم المستفيض.

و يخص بما مرّ،و الإجماع مع معارضته بأقوى منه موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف،و على تقدير صحته و خلوّه فغايته أنّه خبر صحيح، و لكنه واحد لا يعارض المستفيضة المتعدّد صحاحها،و المنجبر بالشهرة باقيها.

ثم ظاهر الحصر في العبارة انحصار جواز طلاق الولي في اتصال الجنون بالصغر،و هو مخالف للإجماع،و لإطلاق النصوص إن أُريد بالولي:المطلق،و للأخير خاصّة إن أُريد به من عدا الحاكم،كما هو الظاهر.

و لعلّه مبني على ما مضى (6)في بحث النكاح من انقطاع ولايته في

ص:199


1- الكافي 6:7/126،الوسائل 22:84 أبواب مقدمات الطلاق ب 35 ح 3.
2- الكافي 6:5/125،الوسائل 22:84 أبواب مقدمات الطلاق ب 35 ح 2.
3- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:2،و السبزواري في الكفاية:198،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:313.
4- الخلاف 4:442.
5- السرائر 2:673.
6- راجع ص 4892.

غير هذه الصورة.

لكنه معارض بمثله في جانب الحاكم،كما عرفت ثمة،مع اعتضاده بإطلاق أخبار المسألة،بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال فيها،بل ربما كان أظهر أفرادها غير المفروض في العبارة،و لعلّه لذا أطلق الجواز جماعة (1)،و إن صرّح بما في العبارة شيخنا في الروضة (2).

ثمّ ليس في النصوص كالعبارة اشتراط الغبطة،لكنه مشهور بين الطائفة،فإن تمّ إجماع،و إلا فطريق المناقشة فيه غير منسدّة،كيف لا؟!و غاية ما يستفاد من الأدلة مراعاة عدم الضرر لا الغبطة،و أحدهما غير الآخر بالضرورة.

و لا يصح طلاق المجنون مطلقاً،عدا الأدواري حال إفاقته.

و لا السكران البالغ حدّا يصير نحو المجنون الذي لا ينتظم أُموره،و لا يتوجّه إلى أفعاله قصده،و في معناه المغمى عليه و النائم.

لانتفاء القصد المشترط في الصحة بالإجماع و المعتبرة الآتية (3).

و النصوص به مع ذلك مستفيضة مضى منها في الأوّل (4)،مضافاً إلى الصحيح فيه و في الثاني:عن طلاق السكران و عتقه؟فقال:« لا يجوز» و عن طلاق المعتوه؟قال:« و ما هو؟» قلت:الأحمق الذاهب العقل،قال:

« لا يجوز» (5).

و منها في الثاني المستفيضة،منها الصحيح:عن طلاق السكران؟

ص:200


1- منهم الشيخ في النهاية:509،و العلّامة في المختلف:582،و التبصرة:146.
2- الروضة البهية 6:18.
3- في ص 203،204.
4- راجع ص 196.
5- التهذيب 8:245/73،الوسائل 22:82 أبواب مقدمات الطلاق ب 34 ح 5.

فقال:« لا يجوز،و لا كرامة» (1).

و أمّا ما ورد في شواذّ الأخبار (2):من جواز طلاق المعتوه،فمحمول و إن صحّ سنده على الأدواري حال إفاقته،أو طلاق الولي عنه،فإنّه طلاقه،أو الناقص العقل الغير البالغ حدّ الجنون؛ لكونه أعم منهما،كما يستفاد من أخبار هذا الباب،بل و ربما كان حقيقة في المحمول عليه خاصّة،كما حكاه عن جماعة من أهل اللغة بعض الأصحاب (3).

و لا المكره عليه لفقد الاختيار المشترط في الصحة هنا و في سائر تصرفاته، عدا ما استثني بإجماع الأُمّة،كما حكاه بعض الأجلّة (4).

و النصوص المستفيضة،منها الصحيح:عن طلاق المكره و عتقه؟ فقال:« ليس طلاقه بطلاق،و لا عتقه بعتق» الخبر (5).

و يتحقق الإكراه بتوعّده بما يكون مضرّاً به في نفسه،أو من يجري مجراه من إخوانه،ففي الصحيح:أمرّ بالعشّار و معي مال فيستحلفني،فإن حلفت تركني،و إن لم أحلف فتّشني،فقال:« احلف له» قلت:فإنّه يستحلفني بالطلاق،فقال:« احلف له» فقلت:فإنّ المال لا يكون لي، قال:« فعن مال أخيك» الخبر (6).

ص:201


1- الكافي 6:1/126،الوسائل 22:85 أبواب مقدمات الطلاق ب 36 ح 1.
2- الفقيه 3:1577/326،التهذيب 8:252/75،الإستبصار 3:1070/302،الوسائل 22:83 أبواب مقدمات الطلاق ب 34 ح 8.
3- حكاه عنهم في الحدائق 25:158،و هو في تهذيب اللغة 1:139،و المصباح المنير:392،و القاموس المحيط 4:289.
4- نهاية المرام 2:11.
5- الكافي 6:2/127،الوسائل 22:86 أبواب مقدمات الطلاق ب 37 ح 1.
6- الكافي 6:5/128،الوسائل 22:45 أبواب مقدمات الطلاق ب 18 ح 5.

و يناط الضرر بحسب حاله مع قدرة المتوعّد على فعل ما توعّد به، و العلم أو الظن بفعله به مع عدم فعله المأمور به.

و لا فرق بين كون المتوعَّد به قتلاً،أو جرحاً،أو أخذ مال و إن قلّ، أو شتماً،أو ضرباً،أو حبساً.

و يستوي في الأولين جميع الناس،أمّا الأربعة فتختلف باختلاف الناس ضعةً و رفعةً،فقراً و غنى،فربما يؤثّر قليلها في الوجيه و الفقير اللذين ينقصهما ذلك،و قد يحتمل بعض الناس شيئاً لا يؤثّر في قدره و فقره، و الضابط فيه حصول الضرر عرفاً بوقوع المتوعَّد به.

و ربما يشرك الثالث مع الأوّلين في استواء الناس فيهما.

و لا وجه له بعد مشاهدة اختلاف الناس فيه،و عدم صدق الإكراه في بعض صوره في العرف المنوط به،إلّا ما ربما يتوهّم من إطلاق النصوص هنا بحصول الإكراه بالخوف على المال على الإطلاق،و لكن المتبادر منه ما ذكرناه.

و لو خيّره بين الطلاق أو غيره من أفعاله المنوطة صحتها باختياره، و رفعِ مال غير مستحق فهو إكراه،بلا خلاف،و ربما كان في الموثق (1)المتضمّن لإفساده عليه السلام الطلاق الذي خيّر الراوي فيه بينه و بين منع زوجته الأُخرى عنه ففعله دلالة عليه،فإنّ منع الزوجة غير مستحق عليه،و هذا بخلاف ما لو خيّر بينه و بين ما يستحقّه المخيِّر من مال و غيره و إن حتم أحدهما الغير المعيَّن عليه،فإنّه لا إكراه فيه بلا خلاف.

و في بعض النصوص دلالة عليه،كالخبر:إنّ امرأة عارفة أحدث

ص:202


1- الكافي 6:3/127،الوسائل 22:87 أبواب مقدمات الطلاق ب 38 ح 1.

زوجها،فهرب في البلاد،فتبع الزوج بعض أهل المرأة،فقال:إمّا طلّقت، و إمّا رددتك،فطلّقها،و مضى الرجل على وجهه،فما ترى للمرأة؟فكتب بخطّه:« تزوّجي يرحمك اللّه تعالى» (1)فتدبّر.

كما لا إكراه على طلاق معيّنة فطلّق غيرها،أو على طلقة فطلّق أزيد، أو على طلاق المعيّنة ففعله مرّة قاصداً إليه،بلا إشكال و لا اختلاف في الأوّل،و معهما في الآخرين،و إن كان الأقوى في الأخير ما ذكرناه؛ لحصول القصد و اللفظ المشترطين في الصحة،مع عدم المانع عنها سوى إطلاق النصوص بمنع الإكراه الغير المنصرف إلى مثل هذا؛ لانصرافه إلى ما لا يتضمّن القصد إلى الطلاق أصلاً.

و لا يبعد انسحابه في الأوّل إن تعدّد الطلقات في العبارة؛ لاختصاص الأخبار بالواحدة فيخلو عنه الطلقات الزائدة.

و لو أكرهه على طلاق إحدى الزوجتين مريداً بها المتشخّصة في الخارج فالأقوى أنّه إكراه؛ لعدم تحقق مقتضى أمره المشار إليه بدون إحداهما،بخلاف ما لو أكرهه على ذلك من دون إرادة المتشخّصة،كأن يقول:قل:إحداهما،طالق،فالأقوى عدم الإكراه في طلاق إحداهما المعيّنة؛ لعدم الإكراه عليه،و اندفاعه بما لم يأت به.

و لا المغضب مع ارتفاع القصد المشترط في صحة الطلاق،بل مطلق التصرفات،بالوفاق،كما حكاه جماعة (2)،و ساعده الاعتبار.

مع استفاضة النصوص به في المضمار،منها:« لإطلاق إلّا ما أُريد به

ص:203


1- الكافي 6:9/81،الوسائل 22:57 أبواب مقدمات الطلاق ب 26 ح 4.
2- منهم الشهيد في المسالك 2:4،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:12،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:119.

الطلاق» (1).

و منها:« لا يقع الطلاق بإكراه،و لا إجبار،و لا على سُكر،و لا على غضب» (2).

و منها الرضوي:« و لا يقع إلّا على طهر من غير جماع،بشاهد عدلين،مريداً للطلاق» (3).

و نحو المغضب:الساهي،و النائم،و الغالط،و الهازل،و العجمي، و نحوه الملقَّن بالصيغة مع عدم معرفة المعنى.

الركن الثاني في المطلّقة

الركن الثاني في بيان المطلّقة و من يصح طلاقها في الشريعة.

و يشترط فيها الزوجية بالفعل،فلا يقع بالأمة،و لا الأجنبيّة و لو علقه بعقد المناكحة،بإجماع الطائفة،حكاه جماعة (4)؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقن جوازه من السنة النبويّة و ما جعله الشارع سبباً للبينونة، و ليس إلّا الطلاق في الزوجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،منها الصحيح:« لا طلاق إلّا بعد نكاح،و لا عتق إلّا بعد ملك» (5)و نحوه أخبار أُخر (6).

ص:204


1- الكافي 6:1/62،الوسائل 22:30 أبواب مقدمات الطلاق ب 11 ح 3.
2- الفقيه 3:321.
3- فقه الرضا عليه السلام:241،المستدرك 15:289 أبواب مقدمات الطلاق ب 10 ح 5.
4- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:6،و صاحب المفاتيح 2:312،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:120.
5- الفقيه 3:1558/321،الوسائل 22:31 أبواب مقدمات الطلاق ب 12 ح 1.
6- الوسائل 22:31 أبواب مقدمات الطلاق ب 12.

و ليس المراد بالنكاح فيها الوطء؛ إمّا لما مضى (1)من كونه حقيقة في العقد خاصة في الشريعة؛ أو لعدم تمامية الحصر على تقدير إرادة الوطء بإجماع الأُمّة؛ أو لظهور القرينة من بعض المعتبرة،كالموثق:« لا يكون طلاق حتى يملك عقد النكاح» (2).

و الدوام فلا يقع بمتمتّع بها،و لا المحلّلة،بلا خلاف؛ لما مضى هنا من الأصل،و النصوص الحاصرة للطلاق في النكاح المتبادر منه الدوام، مع عدمه بمعنييه في الأخيرة.

مضافاً إلى خصوص النصوص في الأُولى،منها الصحيح:و تبين بغير طلاق؟قال:« نعم» (3).

و الخبر:كيف يتزوج المتعة؟قال:« يقول:يا أمة اللّه أتزوّجك كذا و كذا يوماً،فإذا مضت تلك الأيّام كان طلاقها في شرطها» (4).

و الطهارة من دم الحيض و النفاس إذا كانت مدخولاً بها و حائلاً و زوجها معها حاضر فلا يجوز من دونها،بإجماع العلماء، حكاه بعض أصحابنا (5)،و لو طلّق و الحال هذه فسد بإجماعنا للأصل، و الصحاح المستفيضة التي كادت أن تكون هي مع غيرها من المعتبرة بحسب المعنى متواترة،كما صرّح به بعض الأجلّة (6).

ص:205


1- راجع ص 4828.
2- الكافي 6:2/63،الوسائل 22:33 أبواب مقدمات الطلاق ب 12 ح 5.
3- الكافي 5:2/459،التهذيب 7:1147/266،الإستبصار 3:553/151،الوسائل 21:58 أبواب المتعة ب 25 ح 1.
4- الكافي 5:5/455،الوسائل 21:44 أبواب المتعة ب 18 ح 3.
5- انظر المسالك 2:6،نهاية المرام 2:15.
6- نهاية المرام 2:22.

ففي الصحيح:الرجل يطلّق امرأته و هي حائض،قال:« الطلاق على غير السنّة باطل» (1).

و فيه:« إذا طلّق الرجل في دم نفاس،أو طلّقها بعد ما يمسّها فليس طلاقه إيّاها بطلاق» (2).

و فيه:كيف طلاق السنّة؟قال:« يطلّقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها،بشاهدين عدلين،كما قال اللّه تعالى في كتابه،فإن خالف ذلك ردّ إلى كتاب اللّه تعالى» (3).

و إطلاق هذه النصوص كغيرها و إن شملت المدخول بها و غيرها ممن لم يدخل بها أو غاب عنها زوجها و الحبلى،إلّا أنها قيّدت بمن عداها؛ لأخبار أُخر يأتي ذكر ما يتعلق منها بالثانية.

و أمّا المتعلّق بالأولى و الأخيرة فالمستفيضة،منها الصحيح:« خمس يطلّقهنّ أزواجهنّ متى شاؤوا:الحامل المستبين حملها،و الجارية التي لم تحض،و المرأة التي قعدت عن المحيض،و الغائب عنها زوجها،و التي لم يدخل بها» (4)و نحوه الصحيحان المروي أحدهما في الكافي (5)،و الآخر في الخصال (6)،و غيرهما (7).

ص:206


1- الكافي 6:58/3،التهذيب 8:144/47،الوسائل 22:20 أبواب مقدمات الطلاق ب 8 ح 3.
2- الكافي 6:11/60،التهذيب 8:147/47،الوسائل 22:20 أبواب مقدمات الطلاق ب 8 ح 5.
3- الكافي 6:6/67،التهذيب 8:152/49،الوسائل 22:26 أبواب مقدمات الطلاق ب 10 ح 4.
4- التهذيب 8:230/70،الوسائل 22:55 أبواب مقدمات الطلاق ب 25 ح 4.
5- الكافي 6:2/79،الوسائل 22:55 أبواب مقدمات الطلاق ب 25 ح 3.
6- الخصال:81/303،الوسائل 22:55 أبواب مقدمات الطلاق ب 25 ح 5.
7- الفقيه 3:1615/334،الوسائل 22:54 أبواب مقدمات الطلاق ب 25 ح 1.

و منه يظهر الوجه في أنه لو كان المطلِّق حيث الطلاق غائباً صحّ طلاقه و لو صادف الحيض أو طهر المواقعة،مضافاً إلى الإجماع عليه في الجملة.

ثم إنّ إطلاق هذه الأخبار في استثناء الغائب و إن شمل الغائب العالم بحال زوجته،إلّا أنّ ظاهرهم الاتفاق على التقييد بالجاهل بها،و لعلّه للأصل،و عدم تبادر العالم من إطلاق النص،و كيف كان فلا خلاف في التقييد.

و لكن في تعيين قدر الغيبة المجوِّزة للطلاق المصحِّحة له و إن ظهر مصادفته الحيض اختلاف بين الأصحاب و اضطراب في أخبار الباب،فبين مطلِق للجواز من دون تقدير للمدّة بقدر،كما عن المفيد و والد الصدوق و العماني و الديلمي و الحلبي (1)؛ التفاتاً إلى عموم المستفيضة الماضية و نحوها من المعتبرة،كالصحيح:عن رجل يطلّق امرأته و هو غائب؟قال:« يجوز طلاقه على كلّ حال،و تعتدّ امرأته من يوم طلّقها» (2).

و الخبر:في الرجل يطلّق امرأته و هو غائب فيعلم أنه يوم طلّقها كانت طامثاً،قال:« يجوز» (3).

و الرضوي:« و اعلم أن خمساً يطلقَّن على كل حال،و لا يحتاج ينتظر طهرهنّ:الحامل،و الغائب عنها زوجها،و التي لم يدخل بها،و التي لم تبلغ

ص:207


1- المفيد في المقنعة:526،و حكاه عن والد الصدوق و العماني في المختلف:587،الديلمي في المراسم:161،الحلبي في الكافي:306.
2- الكافي 6:7/80،الوسائل 22:56 أبواب مقدمات الطلاق ب 26 ح 1.
3- التهذيب 8:201/62،الإستبصار 3:1040/294،الوسائل 22:57 أبواب مقدمات الطلاق ب 26 ح 6.

المحيض،و التي قد يئست من المحيض» (1).

و مقدِّرٍ لها بشهرٍ،كما عن النهاية و ابن حمزة (2)؛ لبعض المعتبرة المقيَّد به إطلاق المستفيضة،ففي الخبرين (3)،أحدهما الموثق:« الغائب إذا أراد أن يطلّقها تركها شهراً» .و قصور السند،و قلّة العدد،و المعارضة بما يأتي من الثلاثة أشهر الذي لراوي هذين الخبرين يمنع عن المكافأة لما مرّ.

و مقدِّرٍ لها بثلاثة أشهر،كما في المختلف و عن الإسكافي (4)؛ للصحيح:« الرجل إذا خرج من منزله إلى السفر فليس له أن يطلّق حتى يمضي ثلاثة أشهر» (5)و نحوه غيره (6).

و لأنها كالمسترابة في الجهالة.

و مقدِّرٍ لأدناها بالأول،و أوسطها بالثاني،و أقصاها بالخمسة أو الستة أشهر (7)؛ جمعاً بين ما مرّ و بين الموثق:الغائب الذي يطلّق كم غيبته؟قال:

« خمسة أشهر أو ستة أشهر» قلت:حدّ دون ذا،قال:« ثلاثة أشهر» (8).

ص:208


1- فقه الرضا عليه السلام:244،المستدرك 15:298 أبواب مقدمات الطلاق ب 19 ح 2.
2- النهاية:512،ابن حمزة في الوسيلة:320.
3- الموثق:الكافي 6:2/80،التهذيب 8:202/62،الإستبصار 3:1041/295،الوسائل 22:56 أبواب مقدمات الطلاق ب 26 ح 3. و الخبر:الكافي 6:8/81،الوسائل 22:57 أبواب مقدمات الطلاق ب 26 ح 5.
4- حكاه العلّامة عن ابن الجنيد في المختلف و اختاره أيضاً:587.
5- التهذيب 8:203/62،الوسائل 22:58 أبواب مقدّمات الطلاق ب 26 ح 7.
6- و لعلّه هو الموثق الآتي تحت رقم 8.
7- هو الصدوق في الفقيه 3:325.
8- الفقيه 3:1573/325،التهذيب 8:204/62،الإستبصار 3:1043/295،الوسائل 22:58 أبواب مقدمات الطلاق ب 26 ح 8؛ بتفاوت.

و في هذا الجمع نظر،بل الجمع بالاستحباب أظهر؛ لشدّة الاختلاف فيما مرّ مع كون الجميع لراوٍ واحد،و يشير إليه الخبر الأخير؛ للتخيير أوّلاً بين العددين في الصدر،ثم التحديد بالثلاثة أشهر بعد سؤال الراوي.

و بالجملة:الظاهر بُعد ما مرّ من الجميع.

كالجمع المحكي عن أكثر من تأخّر (1)تبعاً للحلي و الطوسي (2)ممن تقدّم،و محصّله: التقدير بمدّة يعلم انتقالها فيها من طهر إلى آخر بحسب عادتها،و تحمل اختلاف النصوص على اختلاف عادات النساء في الحيض،فذو العادة شهراً مدّة طلاقها التقدير الأوّل،و ذو الثلاثة:

الثاني،و ذو الخمسة أو الستّة:الثالث.

و لا شاهد عليه سوى الشهرة المتأخّرة،و ليست بنفسها حجّة،مع استلزامه حمل أخبار الثلاثة و كذا الخمسة أو الستة على الفروض النادرة مع ورودها بعنوان القاعدة الكلّية.

و الذي يقتضيه التدبّر في النصوص قوّة القول الأول؛ لاستفاضتها،بل و عن العماني (3)دعوى تواترها،مع صحة أكثرها،و وضوح دلالتها على العموم،سيّما بملاحظة سياقها الذي كاد أن يلحقها بالخصوص.

و قصورِ الأخبار المقيِّدة سنداً في بعض،و دلالةً في آخر،و عدداً في الجميع،مع اختلافها في نفسها،و وضوح قرائن الاستحباب منها زيادةً على الاختلاف،فحملها على الاستحباب ليس بذلك البعيد؛ لرجحانه هنا لما مضى على التقييد.

ص:209


1- حكاه عنهم الشهيد في المسالك 2:6 و كذا صاحب الحدائق 25:187.
2- الحلي في السرائر 2:690،الشيخ في النهاية:517.
3- كما حكاه عنه في المختلف:587.

إلّا أنّ الأحوط المصير إلى اعتبار الثلاثة أشهر؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن استفادته من النص المعتبر،و ليس إلّا هذه المدّة؛ لما في الرواية الدالّة عليها من الصحة.

و على اعتبار المدّة فلا خلاف في الصحة لو طلّق مع استمرار الاشتباه،أو تبيّن الوقوع في حالة الحيض،أو طهر غير المواقعة؛ لاجتماع الشرائط النفس الأمرية في الصورة الأخيرة،و اتفاق النصوص و الفتاوي بالاغتفار في الثانية،و عدم مانعية الاشتباه بعد مراعاة المدّة المعتبرة التي هي الشرط خاصّة في الصحة في مفروض المسألة في الأُولى.

كما لا خلاف في البطلان لو طلّق قبلها مع تبيّن الوقوع في الحيض، أو طهر المواقعة؛ لفقد الشروط هنا قطعاً.

و إنّما الخلاف في مقامين:الأوّل:الصحة في الشقّ الأوّل مع تبيّن الوقوع في طهر المواقعة،فالأظهر الأشهر الصحة،كما في صورة السابقة؛ لحصول المدّة المشترطة،و الأولوية المستفادة من الحكم في الصورة الثانية؛ لاستلزام ثبوت الصحة فيها مع تضمّنها فقد الشرطين:الطهر، و طهر غير المواقعة ثبوتها هنا بطريق أولى،من حيث تضمّنه فقد الشرط الثاني خاصّة.

و قيل (1)بالبطلان؛ لفقد الشرط النفس الأمري،و كون اشتراط المدّة هنا مراعى بعدم ظهوره.

و فيه نظر؛ لمنع اشتراط الأوّل هنا،و منع التقييد الثاني،و إن هو إلّا تقييد للأدلّة من غير دلالة.

ص:210


1- رسالة طلاق الغائب(رسائل المحقق الكركي 2):212.

الثاني:البطلان في الشقّ الثاني مع تبيّن الوقوع في الطهر غير طهر المواقعة،ففيه وجهان:البطلان؛ من حيث فقد المدّة المشترطة في الصحة في المقام،و الصحة؛ لحصول الشرائط النفس الأمرية.

و هي غير بعيدة بالنظر إلى الجاهل باشتراط المدّة أو الوقوع قبلها، نظراً إلى الأولوية المستفادة من صحة مثل هذا الطلاق في الحاضر،فثبوتها في الغائب بطريق أولى؛ لأضعفيّة حكمه عن الأوّل قطعاً،نصاً و فتوى، فيكون اعتبار المدّة و اشتراطها في الصحة حينئذٍ مراعى،فتأمّل جدّاً.

و لا كذلك العالم بالاشتراط و الوقوع قبل المدّة،فإنّ البطلان فيه متوجّه جدّاً؛ لعدم إمكان القصد منه إليه حينئذٍ أصلاً.

و لو خرج إلى السفر في طهر لم يقربها فيه صحّ طلاقها من غير تربّص و انتظار للمدة المعتبرة و لو اتفق وقوعه في الحيض جهلاً منه بذلك،بلا إشكال على القول بعدم اعتبارها،و كذا على اعتبارها مع تبيّن الوقوع في الطهر؛ للأولوية الماضية المقيّدة بها إطلاق المعتبرة باعتبار المدّة.

و معه على القول الثاني مع تبيّن الوقوع في الحيض؛ لإطلاق كل من النصوص المشترطة للطهر من الحيض و المعتبرة للمدّة.

فإطلاق الحكم بالصحة و لو في هذه الصورة في العبارة،تبعاً لجماعة كالقاضي و الشيخ في النهاية (1)محل تردّد و مناقشة،و لا وجه له بالمرّة سوى ما في المسالك (2)من حصول شرط الصحة من الاستبراء بالانتقال من طهر إلى آخر،و أن الحيض بعد ذلك إنما هو مانع من صحة

ص:211


1- القاضي في المهذب 2:286،النهاية:512.
2- المسالك 2:7.

الطلاق،و لا يشترط في الحكم بصحة الفعل العلم بانتفاء موانعه،بل يكفي عدم العلم بوجودها.

و فيه نظر؛ لاستلزامه أوّلاً تقييد إطلاق ما دل على اعتبار المدّة من غير وجه يظهر،و ابتنائه ثانياً على انحصار الشرط في الاستبراء،و كون العلم بالحيض مانعاً،لا كون فقده شرطاً،و هو خلاف النصوص الماضية المعربة عن اشتراط الطلاق بفقد الحيض في نفس الأمر،لا بعدم العلم به، و أحدهما غير الآخر.

و المحبوس عن زوجته كالغائب فيطلّق مع الجهل بحالها مطلقاً، أو بعد المدّة المعتبرة،شهراً أو ثلاثة،على اختلاف الأقوال المتقدّمة و لو صادف الحيض أو طهر المواقعة على الأظهر الأشهر،بل عليه كافّة من تأخّر إلّا بعض من ندر.

للصحيح:عن رجل تزوّج امرأة سرّاً من أهلها،و هي في منزل أهلها،و قد أراد أن يطلّقها،و ليس يصل إليها ليعلم طمثها إذا طمثت، و لا يعلم بطهرها إذا طهرت؟قال:فقال:« هذا مثل الغائب عن أهله يطلّقها بالأهلّة و الشهور» قلت:أ رأيت إن كان يصل إليها الأحيان،و الأحيان لا يصل إليها فيعلم حالها،كيف يطلّقها؟فقال:« إذا مضى له شهر لا يصل إليها فيه فيطلّقها إذا نظر إلى غرّة الشهر الآخر بشهود» الخبر (1).

خلافاً للحلي (2)،فكالحاضر؛ للأصل،و طعناً في الخبر بأنّه من الآحاد.و هو خروج عن طريقة السداد.

ص:212


1- الكافي 6:1/86،الفقيه 3:1614/333،التهذيب 8:229/69،الوسائل 22:60 أبواب مقدمات الطلاق ب 28 ح 1.
2- السرائر 2:686.

و حمل الرواية على العلم بمصادفة الطلاق لطهر غير المواقعة كما ارتكبه بعض الأجلّة (1)يأباه التشبيه بالغائب بالضرورة،و لا داعي إليه عدا عدم حجية الآحاد،و فيه ما مرّ.

أو عدمِ المقاومة لما دلّ على اشتراط الخلوّ من الحيض و الوقوع في الطهر غير المواقعة من حيث استفاضته و اعتضاده بالأصل دون هذا الخبر.

و فيه نظر،فإنّ الشهرة العظيمة أرجح من الأمرين؛ مضافاً إلى جواز تخصيص قطعي السند بمثله و لو من دونها،على الأقوى،فتخصيص مثل هذه المستفيضة بمثل هذه الرواية الصحيحة المعتضدة بالشهرة العظيمة أولى ثم أولى.

و في حكم الحاضر الغائب المطّلع،بلا خلاف،كما تقدّم مع وجهه.

و يشترط رابع،و هو أن يطلّقها في طهر لم يجامعها فيه بإجماعنا،حكاه جماعة من أصحابنا (2)،و به استفاض أخبارنا،بل و ربما احتمل تواترها (3)،و قد مضى شطر منها (4)،و نحوها غيرها،ففي الصحيح:

« المرأة إذا حاضت و طهرت من حيضها أشهد رجلين عدلين قبل أن يجامعها على تطليقه» الحديث (5).

و يسقط اعتباره في الصغيرة التي لم تبلغ تسعاً و اليائسة التي

ص:213


1- و هو الفاضل المقداد في التنقيح 3:300.
2- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 2:22،و السبزواري في الكفاية:199،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:123.
3- نهاية المرام 2:22.
4- راجع ص 206.
5- التهذيب 8:85/28،الإستبصار 3:960/270،الوسائل 22:112 أبواب أقسام الطلاق ب 3 ح 7.

قعدت عن المحيض و الحامل المستبين حملها،إجماعاً،حكاه جماعة (1)؛ للنصوص المستفيضة الماضية،القائلة:إنّ خمساً يطلّقن على كل حال؟و عدّ منها الثلاثة (2).

و منها يظهر السقوط في الغائب عنها زوجها أيضاً؛ لعدّها منها،و إن أهملت العبارة ذكرها،و لعلّه غفلة،أو مصير إلى القول بالبطلان الذي مضى (3)في طلاق الغائب بعد المدّة مع تبيّن الوقوع في طهر المواقعة،أو من حيث اختياره اعتبار العلم بالانتقال من طهر إلى آخر،كما عليه أكثر من تأخّر،و الظاهر أنّه الوجه في الإهمال.

ثم إنّ تفسير الصغيرة بغير البالغة صريح النهاية (4)،و ظاهر الجماعة و بعض المعتبرة،كالصحيح المعبِّر عنها بالتي لم تبلغ المحيض (5)،و عليه يحمل إطلاق المستفيضة المعبِّرة عنها بالتي لم تحض (6)،التي هي أعمّ من الصغيرة و البالغة التي لم تحض مثلها عادةً،بل ربما كانت ظاهرة في الأُولى خاصّة،كما يكشف عنه التتبّع في أخبارهم عليهم السلام،و لا سيّما الواردة في العدّة.

ففي بعض المعتبرة الذي ليس في سنده سوى سهل الثقة عند جماعة (7)،و لا بأس بضعفه على المشهور بين الطائفة-:« ثلاث يتزوّجن

ص:214


1- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 2:23،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:123،و صاحب الحدائق 25:178.
2- راجع ص 206.
3- راجع ص 210.
4- النهاية:516.
5- الخصال:81/303،الوسائل 22:55 أبواب مقدمات الطلاق ب 25 ح 5.
6- الوسائل 22:54 أبواب مقدمات الطلاق ب 25.
7- رجال الشيخ:416،و الوسائل 30:389.

على كل حال:التي لم تحض و مثلها لا تحيض» قال:قلت:و ما حدّها؟ قال:« إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين» الحديث (1).

و تحديدها بذلك كاشف عن عدم اختصاصها بالمورد.

خلافاً لبعض الأجلّة (2)،فاستوجه العمل بإطلاق المستفيضة.

و لا ريب في ضعفه،بل المقطوع به إلحاق البالغة بالمسترابة و لو لم تحض مثلها عادة.

و أمّا المسترابة بالحمل،و هي التي في سنّ من تحيض و لا تحيض،سواء كان لعارضٍ من رضاع أو مرض،أو خلقيّاً فإن أخّرت الحيضة لذلك مع كونه خلاف عادتها صبرت ثلاثة أشهر من حين المواقعة عنها ثم يطلّقها.

و لا يقع طلاقها قبله بالإجماع المحكي في كلام جماعة (3)، و المعتبرة،منها الصحيح:عن المسترابة كيف تطلّق؟قال:« تطلّق بالشهور،و أقلّ الشهور ثلاثة» (4).

و أظهر منه المرسل:عن المرأة تستراب بها و مثلها لا تحمل و لا تحيض و قد واقعها زوجها،كيف يطلّقها إذا أراد طلاقها؟قال:

« ليمسك عنها ثلاثة ثم ليطلّقها» (5)و قريب منه الخبر (6).و قصور سندهما

ص:215


1- الكافي 6:4/85،التهذيب 8:222/67،الإستبصار 3:1202/337،الوسائل 22:179 أبواب العدد ب 2 ح 4.
2- انظر نهاية المرام 2:23.
3- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:123،انظر نهاية المرام 2:24،الكفاية:199،ملاذ الأخيار 13:139.
4- التهذيب 8:225/68،الوسائل 22:189 أبواب العدد ب 4 ح 17.
5- الكافي 6:1/97،التهذيب 8:228/69،الوسائل 22:91 أبواب مقدمات الطلاق ب 40 ح 1.
6- الكافي 6:1/97،الوسائل 22:61 أبواب مقدمات الطلاق ب 28 ح 2.

بالعمل منجبر.

و وجه التقييد بكون التأخير خلاف عادتها تفصّياً من احتمال من يكون ذلك عادتها،فإنّ حكم هذه غير الاُولى،بل يجب الصبر بها إلى أن تحيض و لو زاد عن ثلاثة أشهر؛ تمسّكاً بعموم ما دلّ على اعتبار الطهر غير المواقعة،و التفاتاً إلى عدم تبادرها من إطلاق المسترابة في هذه المعتبرة، مع كونها من الأفراد النادرة الغير الصالحة لأن يحمل عليها الإطلاق البتة، و بما ذكرنا صرح بعض الأجلّة (1).

و في اشتراط تعيين المطلّقة إن تعدّدت الزوجة،لفظاً أو نيّة تردّد ينشأ:

من أصالة بقاء النكاح،فلا يزول إلّا بسبب محقّق السببيّة،و أنّ الطلاق أمر معيّن فلا بد له من محلٍّ معيّن،و حيث لا محل فلا طلاق،و أنّ الأحكام من قبيل الأعراض فلا بد لها من محلٍّ تقوم به،و أنّ توابع الطلاق من العدّة و غيرها لا بد لها من محلٍّ معيّن.

و من أصالة عدم الاشتراط.و تعارض بالأُولى.

و من عموم مشروعية الطلاق،و محل المبهم جاز أن يكون مبهماً.

و هما ممنوعان.

و من أنّ إحداهما زوجة،و كل زوجة يصحّ طلاقها.و كلّية الكبرى ممنوعة،و لا دليل عليها سوى العموم المدّعى،و فيه بعد المنع المتقدّم أنّه ليس بنفسه دليلاً آخر قطعاً.

فإذاً القول الأوّل هو الأقوى و الأشهر بين أصحابنا المتأخّرين منهم

ص:216


1- الحدائق 25:413.

و القدماء،كما حكاه بعض الأجلّاء (1)،بل ادّعى عليه في الانتصار إجماعنا (2)،و يشهد له بعض المعتبرة الآتية في أوّل الركن الرابع،و هو الشهادة (3).

خلافاً للمبسوط و الفاضلين و الشهيد (4)في أحد قوليهم.

و عليه فهل الصيغة المبهمة هي بنفسها مؤثّرة في البينونة في الحال، أم لها صلاحية التأثير عند التعيين؟قولان.و يتفرّع على الخلاف حرمة الزوجات جُمَع إلى تعيين الواحدة،و تكون العدّة من حين الطلاق على الأوّل،و لا على الثاني.

و يتفرّع على هذا القول فروع كثيرة قد كفانا ضعفه مئونة الاشتغال بذكرها.

الركن الثالث في الصيغة

الركن الثالث في الصيغة القاطعة لعلاقة الزوجية مطلقاً أو في الجملة،و هي قسمان:صريحة و كناية.

و الأولى:هي ما لا يتوقّف فهم إنشاء الطلاق به على نيّة،أي على قرينة دالّة على إرادة الطلاق من العبارة.

و تقابلها الثانية:و هي المحتاجة إلى النية و القرينة الكاشفة عن إرادته

ص:217


1- و هو صاحب الحدائق 25:181.
2- الانتصار:139.
3- يأتي في ص 235.
4- المبسوط 5:78،المحقق في الشرائع 3:15،العلّامة في القواعد 2:61،الشهيد في شرح الإرشاد حكاه عنه في الروضة 6:28.

من الصيغة،و إلّا القصد إلى الطلاق مطلقاً لازم بالضرورة.

و ظاهر أصحابنا عدم الوقوع بالثانية بأقسامها عدا ما وقع فيه الخلاف، و يأتي إليه الإشارة.

و المشهور بينهم وجوب أن يقتصر على الاُولى،و هي أن يقول:أنتِ،أو هذه،أو فلانة و يذكر اسمها،أو ما يفيد التعيين أو زوجتي مثلاً طالق فلا يكفي أنتِ طلاق،و إن صحّ إطلاق المصدر على اسم الفاعل و قصده فصار بمعنى طالق تحصيلاً لموضع النص و الاتفاق و استصحاباً للزوجيّة،و لأنّ المصادر إنّما تستعمل في غير موضوعها مجازاً،و إن كان في اسم الفاعل شهيراً،و هو غير كافٍ في استعمالها في مثل الطلاق من الأُمور التوقيفيّة و إن انضمّ إليها القرينة المعربة عن النية؛ لعدم كفايته بمجرّده عند الطائفة إلّا في:أنتِ مُطلّقة،مع الضميمة المزبورة،فقد جوّز الوقوع بها شيخ الطائفة (1)في أحد قوليه.

و لا وجه له بعد الاعتراف بالمنع فيما مرّ،و أنتِ الطالق،أو من المطلّقات،مع وجود تلك الضميمة،و لذا اشتهر بين الطائفة عدم الوقوع بهذه الصيغة أيضاً؛ لأنّها ليست فيه صريحة،و لأنّها إخبار،و نقلها إلى الإنشاء على خلاف الأصل،فيقتصر فيه على موضع الوفاق،و هو صيغ العقود،و اطّراده في الطلاق قياس،و النص فيه دلّ على« طالق» و لم يدلّ على غيره،بل ربما دلّ على نفيه،كما ستقف عليه من حيث الحصر فيه في الخبر و غيره،فيقتصر عليه.

و منه يظهر وجه القدح فيما احتجّ الشيخ من كون صيغة الماضي في

ص:218


1- الخلاف 4:461.

غير الطلاق منقولة إلى الإنشاء.

و أنّه لا يقع ب نحو أنت خلية و برية و غيرهما من الكنايات،كالبتّة،و البتلة،و حرام،و بائن،و اعتدّي،و إن ضمّ إليها قرينة دالّة على النية،بلا خلاف بيننا فيما عدا الأخير،بل ادّعى إجماعنا عليه جماعة (1)،و أخبارنا به عموماً و خصوصاً مستفيضة،فمن الأوّل المعتبرة الآتية.

و من الثاني المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:عن رجل قال لامرأته:أنتِ منّي خلية،أو برية،أو بتّة،أو بائن،أو حرام؟فقال:« ليس بشيء» (2)و نحوه الحسن (3)و غيره (4).

خلافاً للعامة،فحكموا بالوقوع بمطلق الكناية مع النية (5).

و كذا لا يقع لو قال للزوجة: اعتدّي على الأشهر الأظهر،بل كاد أن يكون إجماعاً،بل حكاه في الانتصار (6)صريحاً؛ لما مرّ،و منه الحصر في الخبر المروي في المختلف عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في كتابه الجامع،عن محمّد بن سماعة،عن محمّد بن مسلم،

ص:219


1- منهم الشيخ في الخلاف 4:465،و الشهيد الثاني في المسالك 2:11،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:123.
2- الكافي 6:3/136،الفقيه 3:1702/356،الوسائل 22:37 أبواب مقدمات الطلاق ب 15 ح 1.
3- الكافي 6:1/69،التهذيب 8:108/36،الإستبصار 3:983/277،الوسائل 22:39 أبواب مقدمات الطلاق ب 15 ح 3.
4- انظر الوسائل 22:38،39 أبواب مقدمات الطلاق ب 15 ح 4،5.
5- كما في بداية المجتهد 2:76،المغني لابن قدامة 8:275.
6- الانتصار:129.

عن مولانا الباقر عليه السلام:في رجل قال لامرأته:أنتِ حرام،أو بائنة،أو بتّة، أو خليّة،أو بريّة،فقال:« هذا ليس بشيء،إنّما الطلاق أن يقول لها من قبل عدّتها[بعد ما تطهر من محيضها]قبل أن يجامعها:أنتِ طالق،و يشهد على ذلك رجلين عدلين» (1).

و الأصل في الحصر العموم،و جعله هنا إضافياً بالنسبة إلى المذكورات في الخبر غير معقول بعد ما تقرّر في الأُصول من أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المحل،و تلقّاه أيضاً الفحول بالقبول.

و لا داعي إليه سوى الصحيحين (2)،المماثل أحدهما للخبر في المتن و الحصر لكن بزيادة قوله:« اعتدّي» بعد قوله:« أنت طالق» و نحوها الآخر لكن مقتصراً على الحصر و ما بعده.

و ليسا مكافئين لما مرّ من حيث اعتضاده بالأصل و عمل الأكثر،مع احتمال الثاني التقية،مع عدم صراحتهما بوقوع الطلاق بالصيغة،فيحتملان الوقوع من حيث الدلالة على وقوع الطلاق قبلها،و تكون هي إخباراً عنه، لا إنشاءً لإيقاعه حينها،و عليه حملهما الشيخ و جماعة (3)،و هي و إن بَعد بالإضافة إلى سياقهما،إلّا أنه لا بأس به للجمع.

ص:220


1- المختلف:585،الوسائل 22:41 أبواب مقدمات الطلاق ب 16 ح 3،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- الأول في:الكافي 6:1/69،التهذيب 8:108/36،الإستبصار 3:983/277،الوسائل 22:41 أبواب مقدمات الطلاق ب 16 ح 3.الثاني في:الكافي 6:2/69،التهذيب 8:109/37،الإستبصار 3:984/277،الوسائل 22:42 أبواب مقدمات الطلاق ب 16 ح 4.
3- الشيخ في التهذيب 8:37؛ المجلسي في ملاذ الأخيار 13:83،و مرآة العقول 21:117،و صاحب الحدائق 25:201.

و ربما يستأنس به بملاحظة بعض المعتبرة،كالصحيح لراويهما أيضاً:« الطلاق للعدّة أن يطلّق الرجل امرأته عند كل طهر،يرسل إليها:أن اعتدّي،فإنّ فلاناً قد طلّقك» الخبر (1).

و نحوه الموثق:« يرسل إليها،فيقول الرسول:اعتدّي فإنّ فلاناً قد فارقك» قال ابن سماعة و هو في سند الرواية-:و إنّما معنى قول الرسول:

اعتدّي فإنّ فلاناً قد فارقك،يعني:الطلاق،إنّه لا يكون فرقة إلّا بطلاق (2).

أقول:لعلّ تفسيره بذلك لما روى عنه في الكافي،قال:و قال الحسن:و ليس الطلاق إلّا كما روى بكير بن أعين،أن يقول لها،و هي طاهر من غير جماع:أنتِ طالق،و يشهد شاهدين عدلين،و كل ما سوى ذلك فهو ملغى (3).

و هو مؤيّد لما قدّمناه من الخبر المتضمن للحصر فيما عليه الأكثر.

فخلاف الإسكافي و بعض من تأخر (4)في عدم تجويز الوقوع ب:

« اعتدّي» شاذّ،ضعيف،لا يلتفت إليه،و في مصير الإسكافي تأييد للحمل على التقية،كما مرّ.

و يقع الطلاق لو قال أحد له: هل طلّقت فلانة؟فقال:

نعم قاصداً به الإنشاء،وفاقاً للنهاية و القاضي و ابن حمزة و الفاضلين هنا و في الشرائع و الإرشاد (5).

ص:221


1- الكافي 6:3/70،الوسائل 22:42 أبواب مقدمات الطلاق ب 16 ح 5.
2- الكافي 6:4/70،الوسائل 22:41 أبواب مقدمات الطلاق ب 16 ح 2.
3- الكافي 6:70 ذيل الحديث 4،الوسائل 22:41 أبواب مقدمات الطلاق ب 16 ح 1.
4- حكاه عن الإسكافي في المختلف:585؛ و المسالك 2:13،و نهاية المرام 2:29.
5- النهاية:511،القاضي في المهذب 2:278،ابن حمزة في الوسيلة:324،الشرائع 3:17،الإرشاد 2:43.

للخبر:في الرجل يقال له:أطلقت امرأتك؟فيقول:نعم،قال:« قد طلّقها حينئذ» (1).

و لتضمنه السؤال:فتكون في قوّة:طلّقتُ فلانة،و هو ممّا يقع به الطلاق.

و في الخبر قصور بالجهالة و الضعف في المشهور،مع عدم صراحته في المطلوب فيحتمل الحكم عليه بالطلاق حينئذٍ من حيث الإخبار به اللازم منه الإقرار،و لا كلام فيه إلّا مع العلم بعدمه،و يكون المراد من:

« طلّقها حينئذٍ» إيجاده السبب الموجب للحكم به عليه و هو إقراره،لا وقوع الطلاق من حينه.

و في الثاني منع الوقوع بالأصل أوّلاً،ثم بعد تسليمه منع الوقوع بما في قوّته ثانياً،هذا.

مضافاً إلى عدم مكافأة الجميع لما مرّ من الأصل و الحصر الذي عليه ثمّة و هنا عمل الأكثر،بل عليه الإجماع في الانتصار (2).

و به يجاب عن الموثق القريب من الخبر الأوّل،بل قيل:لعله بحسب الدلالة أيضاً منه أظهر:في رجل طلّق امرأته ثلاثاً،فأراد رجل أن يتزوّجها، كيف يصنع؟قال:« يأتيه فيقول:قد طلّقتَ فلانة؟فإذا قال:نعم،تركها ثلاثة أشهر،ثم خطبها إلى نفسها» (3).

وجه الأظهرية عدم احتمال« نعم» فيه الإخبار؛ نظراً إلى خبرة الراوي

ص:222


1- التهذيب 8:111/38،الوسائل 22:42 أبواب مقدمات الطلاق ب 16 ح 6.
2- الانتصار:129.
3- التهذيب 8:194/59،الإستبصار 3:1036/293،الوسائل 22:76 أبواب مقدمات الطلاق ب 31 ح 1.

بالوقوع قبله،فينحصر في الإنشاء.

و فيه نظر؛ إذ الظاهر من حال القائل:نعم،الإخبار،و لا ينافيه علم السائل بالوقوع في السابق،فليس فيه دلالة على الوقوع باللفظة،و على تقديرها تصير الرواية شاذّة؛ لما عرفت من ظهور إرادة الإخبار من اللفظة، لا الإنشاء كما فهمه بعض الأجلّة (1)حيث استدل بها،مع أنّها شاذّة من وجه آخر يأتي إليه الإشارة في المسألة الآتية،و لعله لذا ترك الأصحاب الاستدلال به و بأمثاله من المعتبرة المستفيضة التي أكثرها موثقة،و إلّا فكان الأولى الاستدلال بها في المسألة.

نعم يبقى الكلام في وجه الحكمة في أمر السائل بعد اعترافه بوقوع الطلاق منه بالسؤال عن طلاقه،و لا بدّ من التأمّل.

و قد تلخّص من جميع ما مرّ انحصار صيغة الطلاق في:أنتِ أو هذه و نحوهما طالق،و عليه فتوى الأكثر،و عمل كافّة من تأخّر،و ادّعى عليه الإجماع في الانتصار (2).

و منه يظهر اشتراط العربية،كما هو الأشهر بين الطائفة؛ لعين ما مرّ من الأدلّة.

خلافاً للنهاية و جماعة (3)؛ لرواية ضعيفة (4)راويها من أكذب البرية، و مع ذلك فهي غير صريحة،محتملة للحمل على الضرورة،و عليه في الظاهر اتفاق الطائفة.

ص:223


1- انظر الحدائق 25:210.
2- الانتصار:129.
3- النهاية:511؛ و انظر الوسيلة:324،و المهذَّب 2:275،و المسالك 2:11.
4- التهذيب 8:112/38،الوسائل 22:43 أبواب مقدمات الطلاق ب 17 ح 1.

و يشترط تجريده عن الشرط و هو ما أمكن وقوعه و عدمه، كقدوم المسافر،و دخولها الدار و الصفة و هو ما قطع بحصوله عادةً، كطلوع الشمس و زوالها.

و الأصل في المسألة بعد ما مرّ من الأصل،و الحصر في المعتبرة الإجماعات المحكيّة في كلام جماعة،كالإنتصار و السرائر و بعض شروح الكتاب و الروضة (1).

و يستثنى من الشرط ما كان معلوم الوقوع حالة الصيغة،كما لو قال:

أنتِ طالق إن كان الطلاق يقع بك،و هو يعلم وقوعه،و لا بأس به؛ لأنه حينئذٍ غير معلَّق،و إن كان الأحوط تركه؟خوفاً من مخالفة ما مرّ من الحصر،فتأمّل.

و لو فسّر الطلقة باثنين أو ثلاث كأن قال:أنتِ طالق طلقتين،أو ثلاثاً صحّت واحدة و بطل الزائد المعبّر عنه ب التفسير على الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل ربما أشعر بالإجماع عليه عبارة الناصرية (2)،و صرّح به في نهج الحق شيخنا العلّامة (3)،و هو الحجّة فيه المخصِّصة لما مرّ من الأدلّة.

مضافاً إلى وجود المقتضي،و هو الصيغة المشتملة على شرائط الصحة عدا اشتماله على الزائد،و هو غير صالح للمانعية،إلّا على تقدير ثبوت اشتراط قصد قيد الوحدة في صحة الطلقة الواحدة،و ليس بثابت من الأدلّة،كيف لا؟!و قُصاراها الدلالة على عدم وقوع الطلقات المتعدّدة في مجلس واحد بالصيغة مطلقاً،واحدة كانت أم متعدّدة،و هو غير ملازم

ص:224


1- الانتصار:127،السرائر 2:678،التنقيح الرائع 3:308،الروضة 6:16.
2- الناصرية(الجوامع الفقهية):213.
3- نهج الحق:529.

لاعتبار قيد الوحدة في النية،و أنه يتوقّف عليه الصحة،هذا.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة بالشهرة العظيمة، ففي الصحيح:عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد و هي طاهر؟ قال:« هي واحدة» (1)و نحوه باقي المستفيضة (2).

وجه الدلالة عمومها لكل من الطلقات الثلاث،المرسلة و المفصّلة، الناشئ عن ترك الاستفصال فيها،مع احتمال السؤالات فيها الأمرين البتة؛ لكونها مطرحاً بين الخاصة و العامة،و لذا حصل التردّد في حكمها لأصحاب الأئمة،كحصوله لعلماء الطائفة.

فحملها على خصوص الأخيرة (3)بدعوى تبادرها من العبارة ليس في محله،كيف لا؟!و اتفقت الخاصة و العامة على فهم الأوّلة أيضاً من العبارة، و لذا استدل بعض أصحابنا (4)القائل بالقول الثاني بالأخبار الآتية المشابهة أكثرها لهذه المعتبرة في تأدية الثلاث المرسلة بتلك العبارة،و لم يُجب عنها الأصحاب بتلك المناقشة،بل ردّوها بمناقشات أُخر يأتي إليها الإشارة.

و كلّ ذا أمارة واضحة و شهادة بيّنة على اتفاقهم على فهم الثلاث المرسلة من تلك العبارة،فالمناقشة المزبورة فاسدة البتة،كيف لا؟!و لا قرينة لنا على وضوح الدلالة أوضح و أصحّ من فهم علماء الطائفة،بل هو أقوى القرائن المعتبرة المتمسك بها في تعيين الدلالة بالضرورة،و وجهه ما ذكرناه من كون الثلاث المرسلة ممّا وقع التشاجر في حكمها بين الخاصة و العامة،و كثر الأسئلة فيها و الأجوبة،و بالجملة لا يخفى ما ذكرناه على ذي

ص:225


1- الكافي 6:1/70،الوسائل 22:61 أبواب مقدمات الطلاق ب 29 ح 2.
2- الوسائل 22:61 أبواب مقدمات الطلاق ب 29.
3- كما في الحدائق 25:239،و الكفاية:200.
4- منهم السيد في الانتصار:136،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:34.

فطنة و درية.

ثمّ لو فرضنا فقد هذه الروايات أو ثبوت عدم دلالتها لكفانا في الحكم بوقوع الواحدة من الثلاث المرسلة حكايات الإجماع المتقدّمة،فإنّها في حكم الصحيح الصريح،المعتضد بالشهرة العظيمة،و لا يقاومها شيء من الأخبار الآتية و لو كانت صريحة،و كذا الأُصول المتقدمة،مع ما ستعرفه في الأدلة من أنها ما بين ضعيف و قاصر الدلالة،هذا.

مع ما يظهر من تلك المستفيضة بعد ضمّ بعضها إلى بعض إرادة الثلاث المرسلة من تلك العبارة،أ لا ترى إلى الخبر:عن رجل طلّق ثلاثاً في مقعد واحد؟قال:فقال:« أمّا أنا فأراه قد لزمه،و أمّا أبي فكان يرى ذلك واحدة» (1)قد اتّقى عليه السلام فيه من العامة و حكم بلزوم الثلاث بتلك العبارة.

و يظهر من بعض المعتبرة الواردة عنه عليه السلام أنّ الذي كان يتّقي فيه العامة إنّما هو الثلاث المرسلة خاصة،ففي الخبر:« أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول:إذا طلّق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثاً في كلمة واحدة فقد بانت منه،و لا ميراث بينهما،و لا رجعة،و لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره،و إن قال:هي طالق،هي طالق،هي طالق،فقد بانت منه بالأُولى، و هو خاطب من الخطّاب» الخبر (2).

و هو صريح في أنّ اتّقاءه عليه السلام إنّما هو في المرسلة خاصة،و أنّها التي

ص:226


1- التهذيب 8:174/53،الإستبصار 3:1013/286،الوسائل 22:65 أبواب مقدمات الطلاق ب 29 ح 14.
2- التهذيب 8:175/53،الإستبصار 3:1014/286،الوسائل 22:66 أبواب مقدمات الطلاق ب 29 ح 15.

عليها العامّة في تلك الأزمنة من الحكم بالبينونة،و إلّا لما كان التفصيل بين الصورتين إذا قالوا بعدمه في الثانية أيضاً،و اتحادهما في الحكم بالبينونة موافقاً للتقية،مع أنّ حملها عليها متّفق عليه بين الطائفة.

و بمعونة ذلك يظهر أنّ حكم أبيه عليه السلام بصحة الواحدة في الرواية السابقة إنّما هو في الثلاث المرسلة التي اتّقى فيها عليه السلام عن العامة،كما يظهر من هذه الرواية،و لا يضر قصور سندهما؛ لانجبارهما بالشهرة العظيمة،هذا.

و في الخبر عن مولانا الصادق عليه السلام في حديث قال فيه:فقلت:

فرجل قال لامرأته:أنتِ طالق ثلاثاً،فقال:« تردّ إلى كتاب اللّه تعالى و سنة نبيه صلى الله عليه و آله» (1).

و هو صريح في المرسلة،و مع ذلك لم يحكم عليه السلام بالبطلان،بل أوجب الردّ إلى السنّة،و المراد به الردّ إلى الواحدة لا البطلان،كما يفصح عنه بعض المعتبرة،ففي الصحيح عن مولانا الصادق عليه السلام في حديث قال:

قلت:فطلّقها ثلاثاً في مقعد،قال:« تردّ إلى السنّة،فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة» (2)و نحوه بعينه رواية أُخرى (3).

و في معناهما الصحيح:« طلّق عبد اللّه بن عمر امرأته ثلاثاً،فجعلها رسول اللّه صلى الله عليه و آله واحدة،فردّها إلى الكتاب و السنّة» (4).

ص:227


1- الكافي 1:6/348،الوسائل 22:62 أبواب مقدمات الطلاق ب 29 ح 5.
2- الكافي 6:5/125،الوسائل 22:62 أبواب مقدمات الطلاق ب 29 ح 4.
3- التهذيب 8:173/58،الإستبصار 3:1012/286،الوسائل 22:65 أبواب مقدمات الطلاق ب 29 ح 13.
4- التهذيب 8:180/55،الإستبصار 3:1019/288،الوسائل 22:67 أبواب مقدمات الطلاق ب 29 ح 18.

و هي صريحة الدلالة في أنّ المراد بالردّ إلى السنّة هو إمضاء الواحدة و إبطال الطلقات الزائدة،و بمعونتها يظهر أنّ المراد بالردّ إلى السنّة في الثلاث المرسلة في تلك الرواية إنّما هو الردّ إلى الواحدة،لا البطلان بالمرّة،فتأمّل.

هذا مع أنّه يظهر بما قدّمناه من الأخبار و غيرها شيوع استعمال تلك العبارة في المستفيضة في الثلاث المرسلة في زمن الأئمة عليهم السلام،و معه يتقوّى دلالة العموم الناشئ عن ترك الاستفصال على الحكم في المسألة، كيف لا؟!و شيوع الاستعمال الذي لا أقلّ منه يقوّي الاحتمال،و معه يلزم الاستفصال،فتركه مع ذلك أوضح شاهد على العموم في المقال.

و بجميع ما قدّمناه يندفع حذافير الإشكال الذي أورده بعض الأبدال (1)في هذا المجال.

و منه يظهر ضعف ما قيل من أنّه يبطل الطلاق رأساً و لا يقع منه شيء و لو واحداً،كما عن الانتصار و سلّار و العماني و ابن حمزة (2).

مع أنّ عبارة الأوّل في ذلك غير ظاهرة،بل المستفاد منها إنما هو الردّ على العامّة في الحكم بوقوع المتعدّدة،و أمّا الواحدة فليس فيها على نفيها دلالة،بل و لا إشارة،بل ربما أشعر سياقها بقبول الواحدة،مع تصريحه في مسألة فساد الطلقات الثلاث المتعاقبة من دون تخلّل رجعة بصحة الواحدة،بل ربما أشعر عبارته بكونه مجمعاً عليه بين الإمامية،بل

ص:228


1- و لعلّه هو الشهيد الأول في غاية المراد 3:227.
2- الانتصار:134،سلّار في المراسم:161،و حكاه عن العماني في المختلف:586،ابن حمزة في الوسيلة:322.

و ربما كانت العبارة في ذلك ظاهرة.

و كيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول؛ لما مرّ،و ضعف حججهم،فإنّ منها الأصل،و يدفع بما مرّ.

و منها:أنّ المقصود و هو الواحدة المقيّدة[لا (1)]بقيد الوحدة غير واقع،و الصالح للوقوع غير مقصود؛ لأنّه غير مريد للواحدة المقيّدة بقيد الوحدة.

و هو مع أنّه اجتهاد في مقابلة النص غير مسموع مندفع بما مرّ من عدم الدليل على اعتبار قيد الوحدة في النية،بل غايته الدلالة على كون ما زاد عليها بدعة،و هو غير ملازم لاعتبار قيد الوحدة في النية،و هي حاصلة من الثلاث المرسلة،غاية الأمر أنّ الزائد عليها غير واقعة،و يحتمل أن تكون ضميمته مؤكّدة.

و منها:الأخبار،ففي الصحيح:« من طلّق ثلاثاً في مجلس واحد فليس بشيء،من خالف كتاب اللّه تعالى ردّ إلى كتاب اللّه» (2).

و المكاتبة روى أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يطلّق امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة على طهر بغير جماع بشاهدين:« أنّه يلزم تطليقة واحدة» فوقّع بخطّه:« أخطأوا على أبي عبد اللّه عليه السلام،لا يلزمه الطلاق، و يردّ إلى كتاب اللّه تعالى و السنّة (3).

ص:229


1- ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى،راجع لمزيد التوضيح نهاية المرام 2:33،و الحدائق 25:239.
2- التهذيب 8:177/54،الإستبصار 3:1016/287،الوسائل 22:63 أبواب مقدمات الطلاق ب 29 ح 8.
3- التهذيب 8:182/56،الإستبصار 3:1021/289،الوسائل 22:67 أبواب مقدمات الطلاق ب 29 ح 19.

و فيهما نظر،أمّا أوّلاً:فلعدم مقاومتها لما مرّ.

و ثانياً:ضعف الدلالة في الأوّل؛ لاحتماله نفي الثلاث لا الواحدة،بل في الردّ إلى كتاب اللّه(و السنّة) (1)كما في ذيله إشعار بل دلالة على وقوعه بمعونة ما مرّ.

و قصور سند الثاني من وجوه،مع دلالة صدره على اشتهار الحكم بوقوع الواحدة في أصحاب زمانه.

و لا ينافيه الحكم منه بتخطئته؛ لاحتمال المصلحة فيه من حيث كونه مكاتبة،و هي غير منحصرة في التقية،بل محتملة لها و لغيرها من المصالح العامة،هذا.

مع أنّ بعض الأجلّة حمل الطلاق في كلامه عليه السلام على الثلاث لا الواحدة،و يؤيّده ما فيه من الردّ إلى الكتاب و السنّة بملاحظة ما قدّمناه من تفسيره بالردّ إلى الواحدة.

و لا ينافيه الحكم بالتخطئة بعد احتمال كونه لمصلحة خفية غير نفي الواحدة،المؤيّد بكون الرواية مكاتبة.

و الذي يسهّل الخطب في ارتكاب أمثال هذه التوجيهات و إن كانت بعيدة قوّة ما قدّمناه من الأدلّة،و بُعد خطاء اتفاق أصحاب الأئمة عليهم السلام على وقوع الواحدة،على ما تشهد به نفس الرواية.

و لقد تكلّف بعض المعاصرين (2)لنصرة هذا القول بأخبار هي ما بين قاصرة السند،و غير واضحة الدلالة،مع كون أكثرها شاذّة كما اعترف به جماعة (3).

ص:230


1- كذا في الأصل،و لكنه غير موجود في ذيل الخبر الأوّل.
2- و هو صاحب الحدائق 25:240.
3- منهم الشيخ في التهذيب 8:56،و انظر المختلف:587.

فمنها:المروي عن كتاب الخرائج عن هارون بن خارجة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قلت:إنّي ابتليت،فطلّقت أهلي ثلاثاً في دفعة، فسألت أصحابنا،فقالوا:ليس بشيء،و إنّ المرأة قالت:لا أرضى حتى تسأل أبا عبد اللّه عليه السلام فقال:« ارجع إلى أهلك فليس عليك شيء» (1).

و هو مع عدم وضوح سنده غير واضح دلالته؛ لاحتمال تعلّق نفي الشيئية في كلام الإمام و أصحابه إلى الطلقات المتعدّدة،و دفعِ الابتلاء الملازم بتقدير صحتها خاصّة،كما توهّم راوي الرواية،لا إلى الواحدة،بل ربما أشعر الرواية بوقوع الواحدة؛ لما أفصحت عنه الرواية السابقة من حال أصحاب الأئمة،و لما في لفظة الرجوع في كلام المعصوم عليه السلام التي تضمّنتها هذه الرواية،فأين الدلالة على بطلان الواحدة في الثلاث المرسلة كما هو ظاهر هذه الرواية؟! و منها:الأخبار القائلة بأنّ المطلّقات ثلاثاً ذوات أزواج،و الناهية لذلك عنهنّ،منها الصحيح:« إيّاكم و المطلّقات ثلاثاً،فإنّهنّ ذوات أزواج» (2).

و ضعفه أوضح من أن يخفى؛ لأنّها شاذّة لو حملت على الثلاث المرتّبة،كما ادّعى هذا الفاضل (3)و غيره ظهورها من عبارة:« طلّق ثلاثاً» في تلك المستفيضة؛ إذ لا قائل بها من الطائفة؛ لإجماعهم على وقوع الواحدة بالثلاث المرتّبة،كما ادّعاه جماعة (4)،و صرّحت به المعتبرة.

ص:231


1- الخرائج و الجرائح 2:49/642،الوسائل 22:71 أبواب مقدمات الطلاق ب 29 ح 29.
2- التهذيب 8:184/56،الإستبصار 3:1023/289،الوسائل 22:68 أبواب مقدمات الطلاق ب 29 ح 21.
3- الحدائق 25:239 240.
4- منهم المرتضى في الناصريات(الجوامع الفقهية):213،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:316.

و كذا لو حملت على الثلاث المرسلة،بناءً على وجوب حمل الإطلاقات على الفروض الشائعة،و هي في هذه الروايات صدور الثلاث عن العامّة لا أصحابنا الإمامية،فإنّ وقوعها منهم إن أمكن نادر بالبديهة، و حينئذٍ تكون هذه الطلقات صحيحة إلزاماً لهم بمعتقدهم،كما تفصح عنه الأخبار الآتية،و عليه إجماع الإجماعية،كما حكاه جماعة (1)،هذا.

مع أنّ المستفاد من بعض المعتبرة كون النهي عن تزويجهنّ احتياطاً لا ناشئاً من فساد الواحدة،ففي الصحيح:رجل من مواليك يقرؤك السلام و قد أراد أن يتزوّج امرأة قد وافقته و أعجبه بعض شأنها،و قد كان لها زوج فطلّقها ثلاثاً على غير السنّة،فكره أن يقدم على تزويجها حتى يستأمرك فتكون أنت تأمره،فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:« هو الفرج،و أمر الفرج شديد، و منه يكون الولد،و نحن نحتاط فلا يتزوّجها» (2).

و لعلّ وجه الاحتياط هو ما ذكره جماعة منهم شيخ الطائفة (3)عدم مبالاة العامة في وقوع الطلقات و المرأة غير طاهرة،و عليه حمل الأخبار السابقة مستشهداً ببعض المعتبرة الذي شهادته عليه واضحة.

فالاستدلال بأمثال هذه الأخبار مع ما هي عليه من الشذوذ و الندرة كيفما حملت غفلة واضحة.

و نحوه الاستدلال بما مضى من المعتبرة المستفيضة في وقوع الطلاق

ص:232


1- كالشهيد الثاني في المسالك 2:16،و الفيض في المفاتيح 2:316،و صاحب الحدائق 25:243.
2- الكافي 5:2/423،التهذيب 7:1885/470،الإستبصار 3:1037/293،الوسائل 20:258 أبواب مقدمات النكاح ب 157 ح 1.
3- الاستبصار 3:293،انظر ملاذ الأخيار 12:477.

ب« نعم» في جواب السؤال عنه (1)،و بالجملة لا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و لو كان المطلِّق مخالفاً يعتقد الثلاث أو عدم اشتراط شيء ممّا مرّ في الطلاق فطلّق لزمه معتَقَده،و جاز لنا مناكحة مطلّقاته كذلك، بلا خلاف فيه يظهر بيننا،بل ادّعى عليه جماعة (2)اتفاقنا،و به عموماً و خصوصاً استفاض نصوصنا،فمن الأوّل:الموثق:عن الأحكام؟قال:

« يجوز على أهل كل ذي دين بما يستحلّون» (3).

و الموثق:« خذوا منهم ما يأخذون منكم في سنّتهم و قضائهم و أحكامهم» الخبر (4).

و من الثاني:المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح في المطلّق ثلاثاً:« إن كان ممّن لا يتولّانا و لا يقول بقولنا فاختلعها منه،فإنّه إنّما نوى الفراق بعينه» (5).

و الخبر:عن المطلّقة على غير السنّة أ يتزوّجها الرجل؟فقال:

« ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم،و تزوّجوهنّ،فلا بأس بذلك» (6).

ص:233


1- راجع ص 222.
2- منهم الشهيد في المسالك 2:16،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:34،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:316،و صاحب الحدائق 25:243.
3- التهذيب 9:1155/322،الإستبصار 4:554/148،الوسائل 26:319 أبواب ميراث المجوس ب 3 ح 1.
4- التهذيب 9:1153/321،الإستبصار 4:552/147،الوسائل 26:158 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 4 ح 2.
5- التهذيب 8:186/57،الإستبصار 3:1027/291،الوسائل 22:72 أبواب مقدمات الطلاق ب 30 ح 1.
6- التهذيب 8:190/58،الإستبصار 3:1031/292،الوسائل 22:73 أبواب مقدمات الطلاق ب 30 ح 5.

و مقتضى التعليلين كعموم الثاني اطّراد الحكم فيما ألحقناه بالمتن، مضافاً إلى الاتفاق عليه،و شمول الموثقين السابقين له.

و أمّا الأخبار المعارضة الناهية عن تزوج المطلّقات ثلاثاً لأنّهنّ ذوات أزواج فقد عرفت الجواب عنها.

ثم إنّ إطلاق النص و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في المطلّقة كذلك بين المخالفة و المؤمنة،و هو كذلك.

و احتمال الفرق و تخصيص الحكم بالأُولى كما يوجد في بعض العبارات (1)؛ جمعاً بين النصوص ضعيف،لا يلتفت إليه.

الركن الرابع في الإشهاد

الركن الرابع في الإشهاد،و لا بدّ في صحة الطلاق من شاهدين يسمعانه بإجماعنا،حكاه جماعة من أصحابنا (2)،و به استفاض أخبارنا،ففي الصحيح:« طلاق السنّة:يطلّقها تطليقة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين» (3).

و فيه:« و إن طلّقها في استقبال عدّتها طاهراً من غير جماع،و لم يشهد على ذلك رجلين عدلين،فليس طلاقه إيّاها بطلاق» (4).

ص:234


1- انظر الحدائق 25:244.
2- منهم الشيخ في الخلاف 4:454،و الشهيد الثاني في المسالك 2:18،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:316.
3- الكافي 6:1/64،التهذيب 8:82/25،الوسائل 22:104 أبواب أقسام الطلاق ب 1 ح 2.
4- الكافي 6:11/60،التهذيب 8:147/47،الوسائل 22:26 أبواب مقدمات الطلاق ب 10 ح 3.

و لا يشترط استدعاؤهما إلى السماع بل يكفي سماعهما على الإطلاق،بلا خلاف؛ لأنّه حكم الشهادة،و للمعتبرة،منها الصحيح:عن رجل كانت له امرأة طهرت من حيضها،فجاء إلى جماعة،فقال:فلانة طالق،أ يقع عليها الطلاق،و لم يقل:أشهدوا؟قال:« نعم» (1)و نحوه آخر (2).

و مقتضاهما الاكتفاء في الإشهاد بتعريف المطلّقة لهما،و لو بالاسم خاصة،أو الإشارة؛ لترك الاستفصال فيهما عن حال الجماعة،و أنّ علمهم بالمطلّقة هل هو بشخصها و عينها أم باسمها خاصة؟بل ربما كانا ظاهرين في الصورة الأخيرة،هذا.

مع إطلاقات المستفيضة المكتفية بشهادة الشاهدين للصيغة خاصة، من دون مراعاة للزائد عليها بالمرّة،و هي و إن اقتضت صحّة الطلاق مطلقاً، و لو من دون علمهما بالمطلّقة،و لو بالاسم أو الإشارة بالمرة،إلّا أنّ اللازم مراعاة المعرفة في الجملة بنحو من الاسم أو الإشارة؛ تحقيقاً لفائدة الشهادة،و التفاتاً إلى بعض المعتبرة:

كالخبر:إنّي تزوّجت نسوة لم أسأل عن أسمائهنّ،ثم أُريد طلاق إحداهنّ و تزويج امرأة أُخرى،فكتب عليه السلام:« انظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهنّ فتقول:اشهدوا أنّ فلانة التي لها علامة كذا و كذا هي طالق، ثم تزوّج الأُخرى إذا انقضت العدّة» (3).

ص:235


1- الكافي 6:3/72،التهذيب 8:154/49،الوسائل 22:50 أبواب مقدمات الطلاق ب 21 ح 1.
2- الكافي 6:4/72،التهذيب 8:155/49،الوسائل 22:50 أبواب مقدمات الطلاق ب 21 ح 2.
3- الكافي 5:31/563،التهذيب 7:1954/486،الوسائل 20:520 أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 3 ح 3.

و به صرّح شيخنا في النهاية (1)،و لعلّ هذا أيضاً مراد بعض متأخّري الطائفة (2)من اعتباره في صحة الإشهاد علم الشاهدين بالمطلِّق و المطلَّقة، و لو أراد العلم بهما من جميع الوجوه لكان بعيداً غاية البُعد،بل فاسداً بالضرورة؛ لاستلزامه تقييد الأدلّة من غير دلالة،مع استلزام مراعاته الحرج المنفي عنه آيةً و روايةً،و مخالفته الطريقة المستمرة بين الطائفة.

مع اندفاعه بخصوص الصحيحين،في أحدهما:عن رجل تزوّج أربع نسوة في عقدة واحدة،أو قال:في مجلس واحد،و مهورهنّ مختلفة؟قال:« جائز له و لهنّ» قلت:أ رأيت إن خرج إلى بعض البلدان فطلّق واحدة من الأربع و أشهد على طلاقها قوماً من أهل تلك البلاد،و هم لا يعرفون المرأة،ثم تزوّج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدّة المطلّقة،ثم مات بعد ما دخل بها،كيف يقسّم ميراثه؟قال:« إن كان له ولد فإنّ للمرأة التي تزوّجها أخيراً من تلك البلاد ربع ثمن ما ترك» الخبر (3)،و نحوه الآخر (4).

و ربما أشعر بذلك عموم أخبار صحة طلاق الغائب؛ لكون الغالب في شهوده عدم المعرفة بالمطلَّقة،و سيّما إذا كان الغيبة إلى البلاد البعيدة.

و بالجملة:الظاهر من الأدلّة كفاية المعرفة بنحو من الاسم أو الإشارة، من دون لزوم مبالغة تامّة في المعرفة.

ص:236


1- النهاية:509.
2- كالسبزواري في الكفاية:201.
3- الكافي 7:1/131،التهذيب 8:319/93،الوسائل 26:217 أبواب ميراث الأزواج ب 9 ح 1.
4- التهذيب 9:1062/296،الوسائل 26:218 أبواب ميراث الأزواج ب 9 ذيل الحديث 1.

ثمّ إنّ ظاهر العبارة كالجماعة لزوم اجتماعهما معاً لسماع الصيغة، و أنّه لا يقع الطلاق مع التفرقة،و هو مقتضى الأصل،و الوقوف على المتبادر من إطلاق الأدلّة،و خصوص الصحيح عن رجل طلّق امرأته على طهر من غير جماع،و أشهد اليوم رجلاً،ثم مكث خمسة أيّام،ثم أشهد آخر؟ فقال:« إنّما أُمِرَ أن يشهدا جميعاً» (1).

و نحوه الصحيح الآخر (2)،إلّا أنّ في صدره ما ربما ينافي ذيله،لكنّه محمول على الأداء خاصة.

و يعتبر فيهما العدالة بإجماع الطائفة،كما في الانتصار (3)،و هو ظاهر الآية (4)،و النصوص المستفيضة،منها الصحيح:أنّ الطلاق الذي أمر اللّه تعالى به في كتابه و سنّة نبيه صلى الله عليه و آله أن إذا حاضت المرأة و طهرت من حيضها،أشهد رجلين عدلين قبل أن يجامعها على تطليقه (5).

و الحسن:« و إن طلّقها للعدة بغير شاهدي عدل فليس طلاقه بطلاق» (6).

و مقتضى هذه الأدلّة كالنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة،الواردة في البيّنة أنّ العدالة شيء زائد على ظاهر الإسلام

ص:237


1- الكافي 6:1/71،التهذيب 8:157/50،الإستبصار 3:1005/285،الوسائل 22:49 أبواب مقدمات الطلاق ب 20 ح 1.
2- التهذيب 8:158/50،الإستبصار 3:1006/285،الوسائل 22:49 أبواب مقدمات الطلاق ب 20 ح 2.
3- الانتصار:127.
4- الطلاق:2.
5- التهذيب 8:85/28،الإستبصار 3:960/270،الوسائل 22:112 أبواب أقسام الطلاق ب 3 ح 7.
6- الكافي 6:17/61،الوسائل 22:26 أبواب مقدمات الطلاق ب 10 ح 2.

بالبديهة،و هو إمّا حُسن الظاهر،كما هو الأظهر.أو الملكة،كما عليه أكثر متأخّري الطائفة (1).و على القولين فلا يكتفى بظاهر الإسلام بالضرورة.

و منه يظهر ضعف ما يحكى عن بعض الأصحاب كالنهاية و الراوندي و جماعة (2)من القول بأنّه يكتفي بالإسلام في الشهادة، كضعف حججهم من الأخبار القاصرة السند،الضعيفة الدلالة،القابلة لتأويلات قريبة تجمع بها مع الأدلّة السابقة.

و ربما استدل لهم هنا بإطلاق أخبار الشهادة،و هو مقيّد بما مرّ من الأدلّة،و بالمعتبرين،أحدهما الصحيح:« كل من ولد على الفطرة و عرف بصلاح في نفسه جازت شهادته» (3).

و ثانيهما الحَسَن:« من ولد على الفطرة أُجيزت شهادته،بعد أن يعرف منه خيراً» (4).

و لأجلهما اختار هذا القول من المتأخرين بعض الأجلّة فقال:بأنّ الخير نكرة تفيد الإطلاق،فيتحقق بالصلاة و الصوم،و إن خالف في الاعتقاد الصحيح،قال:و في تصدير الخبر باشتراط العدالة ثم الاكتفاء بما ذكر تنبيه على أنّ العدالة هي الإسلام (5).

ص:238


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:19،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:351،و صاحب المعالم:230،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:41.
2- النهاية:510،الراوندي في فقه القرآن 2:165؛ و انظر المقنعة:725،و المهذّب 2:556.
3- الفقيه 3:83/28،التهذيب 6:783/284،الإستبصار 3:37/14،الوسائل 27:393 أبواب الشهادات ب 41 ح 5.
4- الكافي 6:6/67،التهذيب 8:152/49،الوسائل 22:26 أبواب مقدمات الطلاق ب 10 ح 4،بتفاوت يسير.
5- حكاه السبزواري في الكفاية:201 عن المسالك،و هو في المسالك 2:19.

و فيه نظر،أمّا أوّلاً:فلأنّ القول المزبور الذي صار إليه ظاهره الاكتفاء بظاهر الإسلام من دون اشتراط أن يعرف منه الخبر،بل يكتفى بشهادة المسلم الغير المعروف منه ذلك أصلاً،و صريح الخبرين اشتراطه.

و ثانياً:أنّ ظاهرهما الاكتفاء بالإسلام بالمعنى الأعمّ،لا اشتراط المرادف للخاص،و لعلّه لم يقل به النهاية و من تبعه من الجماعة،و إن أوهمت عبارته ذلك في المسألة،إلّا أنّ عبارته في بحث الشهادة (1)صريحة في اعتبار الإيمان البتّة،مع تصريحه في التهذيب (2)بكفر الفرَق المخالفة للإمامية،فكيف يستدل له بأمثال المعتبرة.

و ثالثاً:أنّ المتبادر من الخير و الصلاح في الخبرين ما يعم الاعتقاد و زائداً عليه بالبديهة،و ليس المراد منهما مصداقهما و لو في الجملة،كما أفصح عنه عبارته المتقدّمة،كيف لا؟!و هو مخالف للإجماع و الضرورة؛ لاشتمالهما على ذلك التقدير على قبول شهادة الفاسق البتّة؛ إذ ليس من فاسق إلّا و يوجد فيه خير ما،أو صلاح من جهة و لو في الجملة،و لم يقل بذلك أحد،حتى هذا القائل و النهاية و غيره من الجماعة؛ لاتفاقهم على اشتراط عدم ظهور الفسق البتّة،و دلّت عليه مع ذلك النصوص المستفيضة، و مثل ذلك أوضح شاهد و أفصح قرينة على إرادة معنى خاصّ من الخير و الصلاح،و ليس بعد انتفاء إرادة مطلقهما إلّا ما عليه الجماعة من الإيمان و حسن الظاهر،أو الملكة،هذا.

مع أنّ المعتبرة مستفيضة،بل كادت تكون متواترة،بأنّه ليس في المخالف خير أصلاً و صلاح بالمرّة،و إن اشتغلوا بالعبادات الموظّفة و راعوا

ص:239


1- النهاية:325.
2- التهذيب 1:335.

الأُمور اللازمة،فقد ورد عن أهل العصمة سلام اللّه عليهم أنّهم ليسوا إلّا كالجدر المنصوبة،و أنّ عباداتهم بأسرها فاسدة (1).

و حينئذٍ فأيّ خيريّةٍ في أعمالٍ قد قام الدليل على بطلانها،و كونها في الظاهر بصورة العبادة لا يجدي نفعاً؛ لأنّ خيريّة الخير و شرّيّة الشر إنّما هو باعتبار ما يترتّب على كلّ منهما من النفع و الضرر،كما ينادي به النبوي:

« لا خير بخير بعده النار،و لا شر بشرٍّ بعده الجنّة» (2)هذا.

مع ما في بعض المعتبرة (3)من ردّ شهادة بعض الفرق المخالفة،كما حكاه بعض الأجلّة.

مضافاً إلى وقوع التصريح باشتراط الإيمان في بعض المعتبرة،ففي العيون عن مولانا الرضا عليه السلام:« قال علي عليه السلام في قوله تعالى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ [1] (4)من ترضون دينه،و أمانته،و صلاحه،و عفّته، و تحصيله،و تمييزه،فما كلّ صالح مميّز،و لا كل محصل مميّز» (5).

و بالجملة:القول بقبول شهادة المخالف الذي عرف منه خير ما أو صلاح في الجملة فاسد بالبديهة،كالاكتفاء بظاهر الإيمان خاصّة،من دون اعتبار حسن الظاهر و لا الملكة،بل اللازم مراعاة الإيمان مع حسن الظاهر خاصّة،و إن كان اعتبار الملكة أحوط البتّة،إلّا أنّ الأدلّة ظاهرة في الأوّل،

ص:240


1- انظر الوسائل 1:118 أبواب مقدمة العبادات ب 29.
2- الروضة من الكافي 8:24،الفقيه 4:279،تحف العقول:65،بحار الأنوار 74:288.
3- الوسائل 27:377،أبواب الشهادات ب 32،انظر المستدرك 17:433 أبواب الشهادات ب 26.
4- البقرة:282.
5- تفسير الإمام العسكري عليه السلام:375/672،الوسائل 27:399 أبواب الشهادات ب 41 ح 23.

و بإثبات الثاني غير ناهضة.

و لو طلّق و لم يشهد العدلين على إنشاء الطلاق ثم أشهد هما بعد ذلك كان الطلاق الأوّل لغواً لعدم اشتماله على شرط الصحة، و صحّ الثاني إن اشتمل على شرائطها،و إلّا فلا،لعموم الأدلّة،و عليه يحمل إطلاق العبارة المشعرة بالصحة في الشهادة الثانية.

و كذا إطلاق الصحيح:عن رجل طلّق و لم يشهد،ثم أشهد بعد ذلك بأيّام،فمتى تعتدّ؟قال:« من اليوم الذي أشهد فيه على الطلاق» (1).

و لا تقبل شهادة النساء هنا مطلقاً،لا منفردات و لا منضمّات، بلا خلاف؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النصوص،الظاهرة بعضها،و الصريح باقيها في الذكور.

مضافاً إلى خصوص المستفيضة،منها الصحيح:فيمن طلّق على طهر من غير جماع بشاهد و امرأتين،فقال:« لا يجوز شهادة النساء في الطلاق» الخبر (2).

ص:241


1- التهذيب 8:159/50،الوسائل 22:28 أبواب مقدمات الطلاق ب 10 ح 10.
2- الكافي 6:6/67،التهذيب 8:152/49،الوسائل 22:26 أبواب مقدمات الطلاق ب 10 ح 4.

النظر الثاني في أقسامه

اشارة

النظر الثاني في أقسامه و ينقسم إلى قسمين بدعة محرّمة و سنّة جائزة و لو بعنوان الوجوب أو الكراهة أو الاستحباب أو الإباحة.

الأول البدعة

فالبدعة على ما ذكره الأصحاب ثلاثة:

أحدها: طلاق الحائض مع الدخول و حضور الزوج أو غيبته دون المدّة المشترطة على تقدير اعتبارها،مع عدم حملها.

و ثانيها:طلاقها في طهرٍ قد قربها فيه مع عدم الغيبة،أو مطلقاً مع ثبوت الوقوع فيه،على الخلاف الذي مضى (1).

و ثالثها: الثلاث المرسلة مع اعتقاد وقوعها.

و كلّه أي البدعي بأقسامه لا يقع إلّا الأخير خاصّة فواحدة، كما سبق إليه و إلى مستند بدعية الجميع الإشارة (2).

و تقييد الثلاث بالمرسلة يفيد عدم بدعية المرتّبة و لو لم يتخلّلها رجعة،كما أنّ الحصر في الثلاثة يفيد عدم بدعية الطلقات الأُخر الفاسدة، كالواقع بغير إشهاد،أو معه من دون الصيغة المعتبرة.

و كلّ ذلك محل مناقشة إن أُريد بالبدعية:الباطلة،و لا إن كان ذا مجرّد اصطلاح،كيف لا؟!و ليس فيه مشاحّة،إلّا أنّه على هذا ليس القسمة

ص:242


1- راجع ص 210.
2- في ص 205،213،224.

حاصرة.

الثاني طلاق السنّة

و طلاق السنّة قسمان:

الأوّل:و هو المراد به هنا ما قابل البدعة،و يقال له:طلاق السنّة بالمعنى الأعم.

و الثاني:ما هو أخصّ منه،و هو أن يطلّق على الشرائط ثم يتركها حتى تخرج من العدّة الرجعية،لا البائنة،كما يستفاد من النصوص المستفيضة،منها الصحيح:« طلاق السنّة:يطلّقها تطليقة على طهر من غير جماعٍ بشهادة شاهدين،ثم يدعها حتى تمضي أقراؤها،فإذا مضت أقراؤها فقد بانت منه،و هو خاطب من الخطّاب،إن شاءت نكحته،و إن شاءت فلا» الخبر (1)،و نحوه غيره (2).

و ليس فيها كما ترى ما ذكره جماعة (3):من اعتبار التزويج بها ثانياً بعد الخروج من العدّة،بل غايتها الدلالة على اعتباره خاصّة.و ليس فيها الشمول للبائنة.

و كيف كان يقال لهذا القسم:طلاق السنّة بالمعنى الأخصّ.

و الأوّل على أقسام ثلاثة:بائن،و رجعي،و للعدّة،فالبائن:

ما لا يصحّ معه الرجعة بلا عقد.

إمّا لعدم العدّة بالمرّة و هو أقسام ثلاثة:

أحدها: اليائسة عن المحيض و مثلها لا تحيض على الأظهر

ص:243


1- الكافي 6:1/64،التهذيب 8:82/25،الوسائل 22:104 أبواب أقسام الطلاق ب 1 ح 2.
2- الوسائل 22:103 أبواب أقسام الطلاق ب 1.
3- انظر التنقيح 3:317،و المسالك 2:20.

الأشهر بين الطائفة،كما سيأتي إليه الإشارة.

و ثانيها: من لم يدخل بها مطلقاً.

و ثالثها الصغيرة و لو دخل بها،بلا خلاف في الأُولى، و على الأشهر في الثانية مع الدخول بها بين أصحابنا،و سيأتي إليه الإشارة أيضاً.

و إمّا لعدم إمكان الرجوع في العدّة ابتداءً و إن أمكن في الجملة و هو اثنان:طلاق المختلعة و المباراة ما لم ترجعا في البذل المعتبر فيهما.

أو مطلقاً و هو في المطلّقة ثلاثاً بينها رجعتان أو عقدتان، أو رجعة و عقد.

و الرجعي هو ما يصح معه الرجعة في العدّة و لو لم يرجع و يكون فيما عدا الأقسام الستّة المتقدّمة في البائن.

و على هذا و ما تقدّم فيه يكون طلاق المختلعة تارة من القسم الأوّل، و هو مع الشرط المتقدّم فيه،و أُخرى من هذا القسم مع عدمه.

و طلاق العدّة على ما فسّره بعض الأجلّة (1)وفاقاً لجماعة، كالعلّامة في التحرير و القواعد و الماتن في الشرائع (2)أن يطلّق على الشرائط،ثم يراجعها قبل خروجها من عدّتها و يواقعها،ثم يطلّقها في غير طهر المواقعة،ثم يراجعها و يواقعها،ثم يطلّقها في طهر آخر.

و هو المستفاد من المعتبرة،ففي الصحيح:« إذا أراد الرجل منكم أن يطلّق امرأته طلاق العدّة فلينتظر بها حتى تحيض و تخرج من حيضها،ثم

ص:244


1- انظر الحدائق 25:269.
2- التحرير 2:54،القواعد 2:64،الشرائع 3:24.

يطلّقها تطليقة من غير جماع و يشهد شاهدين عدلين،و يراجعها من يومه ذلك إن أحبّ أو بعد ذلك بأيّام قبل أن تحيض،و يشهد على رجعتها، و يواقعها حتى تحيض،فإذا حاضت و خرجت من حيضها طلّقها تطليقة أُخرى من غير جماع،و يشهد على ذلك،ثم يراجعها أيضاً متى شاء قبل أن تحيض،و يشهد على رجعتها و يواقعها،و تكون معه إلى أن تحيض الحيضة الثالثة،فإذا خرجت من حيضتها الثالثة طلّقها التطليقة الثالثة بغير جماع،و يشهد على ذلك،فإذا فعل ذلك فقد بانت منه،و لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره» الخبر (1)،و نحوه غيره (2)ممّا وقفت عليه.

و المستفاد من قوله في تفسيره: ما يرجع فيه و يواقع ثم يطلّق هو أنّ المعتبر فيه أن يطلّق ثانياً بعد الرجوع و المواقعة خاصّة.

و عن بعضهم (3)عدم اعتبار الطلاق ثانياً و الاقتصار على الرجعة.

و عن النهاية و جماعة (4)أنّ الطلاق الواقع بعد المراجعة و المواقعة يوصف بكونه عِدّيّاً و إن لم يقع بعده رجوع و وقاع،لكن الطلاق الثالث لا يوصف بكونه عِدّيّاً إلّا إذا وقع بعد الرجوع و الوقاع،قيل:و في بعض الروايات دلالة عليه (5).

و ظاهر القولين الأوّلين اتصاف الطلاقين الأوّلين بالعِدّي دون الثالث؛

ص:245


1- الكافي 6:2/65،التهذيب 8:83/26،الوسائل 22:108 أبواب أقسام الطلاق ب 2 ح 1.
2- الكافي 6:4/66،التهذيب 8:84/27،الإستبصار 3:959/268،الوسائل 22:109 أبواب أقسام الطلاق ب 2 ح 2.
3- حكاه عن العلّامة في القواعد في نهاية المرام 2:47،و هو في القواعد 2:64.
4- الحاكي هو صاحب المدارك في نهاية المرام 2:47.
5- نهاية المرام 2:47.

لحصول شرطه عليهما فيهما من المراجعة و المواقعة معاً،كما في القول الأوّل،أو الأوّل خاصة،كما في الثاني،و لا كذلك الطلاق الثالث؛ لفقد الشرط فيه على القولين،و ينعكس الأمر على القول الثالث،فيتّصف الأخير ان بالعِدّي دون الأوّل؛ لوقوعهما بعد المراجعة و المواقعة،دونه؛ لعدمهما قبله.

ثم إنّ إطلاق العِدّي عليه من حيث الرجوع في العدّة.

و جعله في العبارة قسيماً للأوّلين يعطي المغايرة بينه و بينهما بالضرورة،مع أنّه أخصّ من الأخير قطعاً،فإنّه من جملة أفراده،بل أظهرها جدّاً؛ لمكان الرجوع في العدّة،فلو جعله قسمين ثم قسّم الرجعي إليه و إلى غيره كان أجود.

نعم جعله قسيماً لهما متّجه على ما ذكرنا في تفسير العِدّي؛ لتوقّفه عليه على الطلقة الثالثة المتعقّبة عن الرجعتين،و هي بائنة بالضرورة، فيرجع الأمر إلى تركّب العِدّي من البائن و الرجعي،و لا ريب أنّ المركّب منهما مخالف لأحدهما،و لعلّه لهذا جعله قسيماً في الشرائع و التحرير (1)أيضاً كما هنا.

و به اندفع الاعتراض الذي أورده في المسالك (2)على الماتن،و هو الذي أشرنا إليه هنا،مع إمكان اندفاعه عنه هنا أيضاً و إن لم يفسَّر العِدّي بما ذكرنا،بناءً على مخالفة تفسير العِدّي كلّاً من تفسيري البائن و الرجعي؛ لامتيازه باشتراط الرجعة عن الأوّل،و باشتراط الطلقة بعدها و بعد المواقعة عن الثاني،بناءً على عدم اعتبار المواقعة و الطلقة الثانية في تفسيره؛

ص:246


1- الشرائع 3:23،التحرير 2:54.
2- المسالك 2:20.

للاكتفاء فيه بمجرّد الرجعة،و هو ظاهر في عدم اعتبار شيء آخر وراءها، فاعتباره ينافيه جدّاً.

و كيف كان فهذه أي المطلّقة للعدّة خاصّة تحرم في الطلقة التاسعة تحريماً مؤبّداً إذا كانت حرّة.

و ما عداها من أقسام الطلاق الصحيح و هو ما إذا رجع فيها و تجرّد عن الوطء،أو بعدها بعقدٍ جديدٍ و إن وطِئ تحرم المطلّقة في كل ثالثة للحرّة،و في كل ثانية للأمة حتى تنكح زوجاً غيره كحرمتها كذلك لو طلّقت للعدّة.

فالفارق بين الطلاق للعدّة و غيرها حصول التحريم المؤبّد بالتاسعة في الأوّل خاصّة،دون الثاني،فلا تحرم فيه أبداً و لو ارتفع إلى مائة بعد حصول المحلّل بعد كل ثلاثة،كما تقدّمت إليه الإشارة مع الأدلّة فيه و في المسألة السابقة،و هي الحرمة بالتاسعة في العِدّية في السبب الرابع بعد الثالث في المصاهرة.

مسائل خمس
اشارة

و هنا مسائل خمس

الاُولى لا يهدم استيفاء العدّة

الاُولى:لا يهدم استيفاء العدّة و انقضاؤها،و عدم رجوع الزوج فيها في كلّ مرّة تحريم الثالثة حتى تنكح زوجاً غيره،و كذا لو استوفت العدة في إحدى الطلقات خاصّة،بإجماع الطائفة،كما حكاه جماعة (1)،بل ربما ادّعى عليه بعض الأجلة الإجماع عليه من العلماء كافة (2).

ص:247


1- التنقيح الرائع 3:320،المهذب 2:465،و فيه،لم يختلف أحد من أصحابنا..،الكفاية:202،و فيه هو المعروف من مذهب الأصحاب،مرآة العقول 21:131،و فيه لم يقل به أحد من أصحابنا.
2- راجع المسالك 2:21.

و الأصل فيه بعد الإجماع عموم الكتاب و السنّة،منها الصحيح:

في امرأة طلّقها زوجها ثلاثاً قبل أن يدخل بها،قال:« لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره» (1).

مضافاً إلى خصوص الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،منها الصحيح:في رجل طلّق امرأته،ثم تركها حتى انقضت عدّتها،ثم تزوّجها،ثم طلّقها من غير أن يدخل بها،حتى فعل ذلك ثلاثاً،قال:

« لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره» (2).

خلافاً لابن بكير؛ استناداً إلى رواية أسندها إلى زرارة:قال:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:« الطلاق الذي يحبّه اللّه تعالى،و الذي يطلّق الفقيه، و هو العدل بين المرأة و الرجل:أن يطلّقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين و إرادة من القلب،ثم يتركها حتى تمضي ثلاثة قروء،فإذا رأت الدم في أوّل قطرة من الثالث،و هو آخر القرء لأنّ الأقراء هو الأطهار فقد بانت منه،و هي أملك بنفسها،فإن شاءت تزوّجته و حلّت له،فإن فعل هذا بها مائة مرّة هدم ما قبله و حلّت بلا زوج» الحديث (3).

و نحوه روايات أُخر (4)هي كهذه الرواية قاصرة الأسانيد،ظاهرة الدلالة على عدم صحة الإسناد في هذه الرواية إلى زرارة؛ لتضمّنها أنّه قال

ص:248


1- التهذيب 8:213/65،الإستبصار 3:1049/297،الوسائل 22:111 أبواب أقسام الطلاق ب 3 ح 3.
2- التهذيب 8:214/65،الإستبصار 3:1050/297،الوسائل 22:111 أبواب أقسام الطلاق ب 3 ح 4.
3- التهذيب 8:107/35،الإستبصار 3:982/276،الوسائل 22:116 أبواب أقسام الطلاق ب 3 ح 16.
4- الوسائل 22:114 أبواب أقسام الطلاق ب 3 ح 11،12.

حين ما سئل عنه:هذا ممّا رزق اللّه تعالى من الرأي.

و ليس مثل ذلك قدحاً فيه،و منافياً لدعوى إجماع العصابة على صحة ما صحّ عنه من الرواية،كما ذكره جماعة (1)؛ لاحتمال رؤيته المصلحة في ذلك لتشييد ما رآه و صحّحه بأدلّة هي مستند عنده،و حجة شرعيّة،بعد أن رأى أنّ قدماء الرواة و أصحابه في تلك الأزمنة لا يقبلون منه ذلك بالمرّة؛ لنسبة ذلك إلى رأيه،فالتجأ إلى اختراع تلك النسبة إلى زرارة إعلاءً لما هو المذهب عنده و الحجّة،و يكون ذلك عنده كذباً لمصلحة،و لعلّ مثل ذلك عنده لا ينافي العدالة.

و كيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول،و إن ذهب إليه في الفقيه (2)،تبعاً للرضوي (3)،و أخباره تنادي بضعفه في الأزمنة السابقة؛ لدلالتها كما مضى على وقوع أصحاب القائل فيه في فتواه بالهدم باستيفاء العدّة.

الثانية يصح طلاق الحامل

الثانية:يصح طلاق الحامل المستبين حملها مطلقاً،مرّة، إجماعاً،حكاه جماعة (4)؛ للأدلّة الآتية منطوقاً و فحوى،و صاعداً أيضاً مطلقاً،و لو كان للسنّة بالمعنى الآتي كما يصح للعدّة بالمعنى المقابل له و غيره على الأشبه الأشهر في المقامين،بل عليه الإجماع في الشرائع و القواعد و الإيضاح (5)و شرح الأوّل للصيمري في الأخير في الجملة.

ص:249


1- من القائلين بالقدح الشهيد الثاني في المسالك 2:21،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:51،انظر ملاذ الأخيار 13:79.
2- الفقيه 3:320.
3- فقه الرضا عليه السلام:241،المستدرك 15:315 أبواب أقسام الطلاق ب 1 ح 2.
4- منهم ابن فهد في المهذب 3:467،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:321،و الشهيد الثاني في المسالك 2:21،و السبزواري في الكفاية:202.
5- الشرائع 3:24،القواعد 2:65،إيضاح الفوائد 3:318.

و هو الحجة فيه،كعموم الكتاب و السنّة،و خصوص الموثقات الثلاث في المقامين،في إحداها:عن رجل طلّق امرأته و هي حامل،ثم راجعها،ثم طلّقها،ثم راجعها،ثم طلّقها الثالثة في يوم واحد،تبين منه؟ قال:« نعم» (1).

و هي كما ترى مطلقة بل عامة شاملة لطلاقي العدّة و السنّة.

مضافاً إلى خصوص الخبرين في العدّة،في أحدهما عن طلاق الحبلى؟قال:« يطلّقها واحدة للعدّة بالشهور و الشهود» قلت:فله أن يراجعها؟قال:« نعم،و هي امرأته» قلت:فإن راجعها و مسّها،ثم أراد أن يطلّقها تطليقة أُخرى؟قال:« لا يطلّقها حتى يمضي لها بعد ما مسّها شهر» قلت:فإن طلّقها ثانية و أشهد،ثم راجعها و أشهد على رجعتها،و مسّها،ثم طلّقها التطليقة الثالثة،و أشهد على طلاقها لكل غرّة (2)شهر،هل تبين منه كما تبين المطلّقة على العدّة التي لا تحلّ لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره؟ قال:« نعم» الخبر (3).

و في الثاني:في الرجل يكون له المرأة الحامل،و هو يريد أن يطلّقها،قال:« يطلّقها،فإذا أراد الطلاق بعينه يطلّقها بشهادة الشهود،فإن بدا له في يومه أو من بعد ذلك أن يراجعها و يريد الرجعة بعينه فليراجع و ليواقع،ثم يبدو له فيطلّق أيضاً،ثم يبدو له فيراجع كما راجع أوّلاً،ثم يبدو له فيطلّق،فهي التي لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره،إذا كان راجعها

ص:250


1- الوسائل 22:147،148 أبواب أقسام الطلاق ب 20،الأحاديث 6،8،10.
2- في المصادر:عدّة.
3- الكافي 6:12/82،التهذيب 8:240/72،الإستبصار 3:1062/300،الوسائل 22:148 أبواب أقسام الطلاق ب 20 ح 11.

يريد المواقعة و الإمساك و يواقع» (1).

و المناقشة بقصور سند هذه الأخبار سيّما الأخيرين،مدفوعة بالاعتضاد و الانجبار بالشهرة العظيمة،و الموافقة لعموم الكتاب و السنّة،مع ما في الأخيرين من الاعتضاد بالإجماعات المحكية.

خلافاً للصدوقين و بعض متأخّري الطائفة (2)،فمنعوا عن الزيادة على الواحدة في المقامين مطلقاً؛ لعموم الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة، الظاهرة في أنّ طلاقها واحد،مع تصريح بعضها بالنهي عن الزيادة على الإطلاق إلى الخروج عن العدّة التي هي هنا وضع الحمل،إمّا مطلقاً،كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة،أو بشرط عدم مضيّ الأشهر الثلاثة،و إلّا فهو العدّة خاصة،كما عن الصدوقين (3)القائلين بالمنع مطلقا في هذه المسألة.

و منه يظهر ما في نسبة القول بتقييد المنع بقبل الأشهر،و الجواز بعدها و لو قبل الوضع إليهما،فإنّ التقييد في كلامهما إنما هو لبيان محلّ جواز الرجعة،لا لتحديد محل الرخصة في الطلقة الزائدة بعد الرجعة.

و كيف كان فمن النصوص الأوّلة:الصحيح:« طلاق الحامل واحدة، فإذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه» (4)و نحوه غيره (5).

ص:251


1- التهذيب 8:241/72،الإستبصار 3:1063/300،الوسائل 22:148 أبواب أقسام الطلاق ب 20 ح 9،بتفاوت يسير.
2- الصدوق في المقنع:116،و حكاه عن والده في المختلف:588؛ و انظر نهاية المرام 2:54.
3- حكاه عنهما في المختلف:588،و الصدوق في المقنع:116.
4- الكافي 6:5/81،التهذيب 8:234/70 بتفاوت يسير،الإستبصار 3:1056/298،الوسائل 22:145 أبواب أقسام الطلاق ب 20 ح 1.
5- التهذيب 8:236/71،الإستبصار 3:1058/298،الوسائل 22:146 أبواب أقسام الطلاق ب 20 ح 2.

و من الثانية:الخبران،أحدهما:« في الرجل يطلّق امرأته و هي حبلى،قال:« يطلّقها» قلت:فيراجعها؟قال:« نعم يراجعها» قلت:فإن بدا له بعد ما راجعها أن يطلّقها،قال:« لا حتى تضع» (1).

و ثانيهما الرضوي:« و أمّا طلاق الحامل فهو واحد،و أجلها أن تضع ما في بطنها،و هو أقرب الأجلين،فإذا وضعت أو أسقطت يوم طلّقها،أو بعده متى كان،فقد بانت منه و حلّت للأزواج،فإن مضى بها ثلاثة أشهر من قبل أن تضع فقد بانت منه و لا تحل للأزواج حتى تضع،فإن راجعها من قبل أن تضع ما في بطنها،أو يمضي ثلاثة أشهر ثم أراد طلاقها فليس له ذلك حتى تضع ما في بطنها و تطهر ثم يطلّقها» (2).

و فيها نظر؛ لعدم المقاومة لما مرّ،فلتحمل على الفضيلة،أو على الوحدة الصنفية،يعني:طلاقها صنف واحد،و هو ما عدا السنّة بالمعنى الأخصّ المتقدّم المستفاد من الأخبار،و هو و إن تعدّد صنفاً أيضاً من حيث شموله للعدّة بالمعنى المتقدّم و غيرها،إلّا أنّهما يجمعهما شيء واحد و هو كونهما للرجعة،و لعلّه لهذا قسّم الطلاق في الأخبار إلى قسمين خاصة:

السنّي و العدّي،فتأمّل.

و للنهاية و جماعة (3)في الأوّل بالمعنى الآتي،فمنعوا عنه،و جوّزوا العدّة المقابلة له خاصة؛ جمعاً بين النصوص الماضية،بحمل ما دلّ على الوحدة على السنّة بالمعنى المتقدّم خاصة،و تقييد ما دلّ على الزيادة

ص:252


1- الفقيه 3:1601/331،التهذيب 8:238/71،الإستبصار 3:1060/299،الوسائل 22:147 أبواب أقسام الطلاق ب 20 ح 7.
2- فقه الرضا عليه السلام:244،المستدرك 15:350 أبواب أقسام الطلاق ب 9 ح 1.
3- النهاية:517؛ و انظر الوسيلة:322،و المهذّب 2:285.

بالعدّية خاصة؛ للخبرين الماضيين (1)ذيل الموثقات؛ لتصريحهما بالعدّة.

و فيه نظر؛ لعدم استفادة التقييد من الأوّل؛ لأنّ غايته فرض الثبوت في المورد،و هو لا يلازم النفي عما عداه.

و الثاني و إن ظهر منه التقييد من حيث الأمر،إلّا أنّه مقطوع، و المنسوب إليه الحكم مجهول،فلا يصلح للتقييد للمعتبرة،مع ما هي عليه من المرجحات الكثيرة،المنصوصة و الاعتبارية،الموجبة لرجحانها على هذه الرواية،و لو كانت صحيحة السند واضحة الدلالة.

و أمّا المناقشة في هذا القول بعدم معلومية المراد من السنّة،هل هو الأعم،أو الأخصّ؟مع أنّ إرادة كل منهما هنا فاسدة:

أمّا الأوّل:فبتصريح الموثق الأوّل (2)بجواز التعدد الذي ليس بعدّي، و هو السنّي بهذا المعنى،مع أنّ العدي يتمشّى بهذا المعنى،و حمله على ما عدا العدي بعيد،و خلاف الظاهر،و خلاف ما يقتضيه الجمع.

و أمّا الثاني:فلشمول النصوص المجوّزة له و لغيره،مع عدم تحققه بهذا المعنى هنا إلّا بعد انقضاء العدّة،و هو وضع الحمل،و بعده لا تكون حاملاً،و الكلام في طلاقها.

و لا يمكن تمييزه بالنية،بمعنى أنّه إذا نوى أن يطلّقها و هي حامل فلا يراجعها إلى أن تضع،ثم يتزوّجها،فيصير حينئذٍ منهيّاً عنها.

لأنّ النية لا تؤثّر بنفسها في تحقق العدي و السنّي،بل يتوقّفان على شرط متأخّر عنها،و هو إمّا الرجعة في العدّة و الوطء،أو الصبر إلى انقضاء العدّة و تجديد العقد،و حينئذٍ لا تكون حاملاً،فلا يظهر النهي عن طلاق

ص:253


1- راجع ص 250.
2- راجع ص 249.

الحامل كذلك.

إلّا أن يقال:إنّ تحريم نكاحها بعد الوضع يكون كاشفاً عن جعل الطلاق السابق سنّياً،فيلحقه حينئذٍ النهي.

و هذا أيضاً في غاية البُعد؛ لأنّ خبري النهي إنّما دلّا عليه و هي حامل.

فمدفوعة بحذافيرها،بأنّ المراد بالسنّة هو الثاني،لا بالمعنى الذي يتعقّبه المناقشة،بل بالمعنى الذي يظهر من عبارة النهاية (1)بوجوه سياقية و اعتبارات خارجية،و صرّح به في باب أنّ المواقعة بعد الرجعة شرط لمريد الطلاق للعدّة،و هو أن يطلّقها بعد الرجوع من غير وقاع،و يقابله طلاق العدّة،و هو ما يكون بعد الرجعة و المواقعة،و بإرادته هنا ذلك صرّح جماعة (2).

و عليه اندفعت المناقشات السابقة،إلّا النقض بالموثقة الأوّلة،من حيث توهّم التصريح فيها بجواز الطلاق لغير العدّة.

و يدفعه فساد التوهّم؛ لعدم التصريح فيها إلّا بوقوع الطلقات في يوم واحد،و هو غير ملازم لعدم المواقعة بعد كلّ رجعة،إلّا على تقدير اشتراط طهر غير طهر المواقعة،و هو مع مخالفته لإجماع الطائفة مدفوع بالنصوص المستفيضة المتقدّمة.

و حينئذٍ فلا مانع من وقوع الطلقات الثلاث للعدّة بوقوع المواقعة بعد كلّ رجعة،و لا استحالة في وقوعه في يوم أو ليلة حتى يدّعى لأجلها

ص:254


1- النهاية:517.
2- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 2:55،انظر المختلف:588،و الحدائق 25:291.

الصراحة.

نعم هو خلاف الظاهر،لكنّه غير الصراحة،و لا بأس بارتكابه إذا اقتضاه الجمع بين الأدلّة.

و أمّا ما يقال عليه أيضاً:من عدم التمامية؛ لدلالة بعض الروايات باشتراط طلاق العدة ثانياً بوقوعه بعد شهرٍ من حين المواقعة،و هو لا يلائم إطلاق القول بجوازها.

فمدفوع بأنّه كذلك لولا الموثقة المتقدّمة،المصرّحة بجواز وقوع الطلقات الثلاث في يوم واحد،و هي مع أوضحيتها سنداً من الرواية السابقة مصرِّحة بعدم اعتبار تلك المدّة،فليحمل اعتبارها فيها على الفضيلة،و الموثقة و إن لم تصرّح بكون الطلاق للعدّة،إلّا أنّه مقتضى الجمع بين الأدلّة،فتكون كالنص في العدّة.

و بالجملة:المناقشة في هذا الجمع بأمثال ما ذكر غير واضحة، و الأولى الجواب عنه بما قدّمناه من المناقشة.

و مع ذلك فقول النهاية ليس بذلك البعيد؛ لابتناء ما قدّمناه من المناقشة على عدم ظهور المقيِّد للموثقات المجوّزة؛ لضعف الخبرين عن الدلالة و المقاومة لها،إلّا أنّ هنا رواية معتبرة لراوي تلك الموثقات بعينه، ظاهرة الدلالة في ذلك،سيأتي إليها الإشارة في المسألة الآتية في الطلقات الثلاث في الطهر الواحد مع الرجعة من دون مواقعة،فقوله لا يخلو عن قوّة،و الاحتياط لا يترك البتّة.

و للإسكافي (1)في الثاني،فمنع عنه إلّا بعد شهرٍ؛ لما مضى من الخبر (2).

ص:255


1- حكاه عنه في المختلف:588.
2- في ص 250.

و هو مجاب بما مرّ،و حمله على الاستحباب أو شدّة الكراهة بدون الشهر أظهر،كما عليه كافّة من تأخّر.

الثالثة يصح أن يطلّق ثانية في الطهر الذي طلّق فيه و راجع فيه و لم يطأ

الثالثة:يصح أن يطلّق ثانية في الطهر الذي طلّق فيه و راجع فيه و لم يطأ و كذا في غير ذلك الطهر،على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر؛ لعموم الكتاب و السنّة بجواز طلاق الزوجة التي منها هذه المطلّقة؛ لحصول الزوجية بمجرّد الرجعة و لو من دون مواقعة،بإجماع الطائفة؛ مضافاً إلى الأدلّة الآتية.

و للموثق في الأوّل:رجل طلّق امرأته،ثم راجعها بشهود،ثم طلّقها، ثم بدا له فيراجعها بشهود،تبين منه؟قال:« نعم» قلت:كل ذلك في طهر واحد،قال:« تبين منه» قلت:فإنّه فعل ذلك بامرأة حامل أتبين منه؟قال:

« ليس هذا مثل هذا» (1).

و هو بالفحوى يدل على الثاني أيضاً؛ مضافاً إلى المعتبرة فيه بالخصوص،منها الصحيحان في أحدهما:عن رجل طلّق امرأته،و أشهد على الرجعة،و لم يجامع،ثم طلّق في طهر آخر على السنة،أ تثبت التطليقة الثانية من غير جماع؟قال:« نعم،إذا هو أشهد على الرجعة و لم يجامع كانت التطليقة الثانية ثابتة» (2)و نحوه الثاني (3)و الحسن (4).

ص:256


1- التهذيب 8:317/92،الإستبصار 3:1000/282،الوسائل 22:144 أبواب أقسام الطلاق ب 19 ح 5.
2- التهذيب 8:139/45،الإستبصار 3:997/281،الوسائل 22:143 أبواب أقسام الطلاق ب 19 ح 1.
3- التهذيب 8:140/45،الإستبصار 3:998/281،الوسائل 22:143 أبواب أقسام الطلاق ب 19 ح 2.
4- التهذيب 8:141/45،الإستبصار 3:999/281،الوسائل 22:144 أبواب أقسام الطلاق ب 19 ح 4.

خلافاً للعماني (1)،فاشترط في الطلاق بعد المراجعة:الوقاع؛ للمستفيضة،ففي الصحيح:في الرجل يطلّق امرأته إله أن يراجع؟قال:

« لا يطلِّقَن التطليقة الأُخرى حتى يمسّها» (2).

و فيه:« كلّ طلاق لا يكون على السنّة،أو على العدّة فليس بشيء» (3).

وجه الدلالة عدم دخول الطلاق في العدّة من دون وقاع في شيء من الأمرين؛ لتفسيرهما فيه بما قدّمناه.

و في الموثق:عن رجل يطلّق امرأته في طهر من غير جماع،ثم راجعها من يومه ذلك،ثم يطلّقها،أتبين منه بثلاث طلقات في طهر واحد؟ فقال:« خالف السنّة» قلت:فليس ينبغي له إذا هو راجعها أن يطلّقها إلّا في طهر آخر،قال:« نعم» قلت:حتى يجامع؟قال:« نعم» (4).

و في الخبر:« لا يقع الطلاق الثاني حتى يراجع،و يجامع» (5).

و في آخر:« المراجعة هي الجماع،و إلّا فإنّما هي واحدة» (6).

وجه الدلالة يظهر من ذيل الرواية المعرب عن أن المراد من

ص:257


1- نقله عنه في المختلف:592.
2- الكافي 6:2/73،التهذيب 8:134/44،الإستبصار 3:993/280،الوسائل 22:141 أبواب أقسام الطلاق ب 17 ح 2،بتفاوت يسير.
3- الكافي 6:2/65،التهذيب 8:83/26،الوسائل 22:103 أبواب أقسام الطلاق ب 1 ح 1.
4- الكافي 6:4/74،الوسائل 22:141 أبواب أقسام الطلاق ب 17 ح 3.
5- التهذيب 8:143/46،الإستبصار 3:1004/284،الوسائل 22:142 أبواب أقسام الطلاق ب 17 ح 5.
6- الكافي 6:1/73،التهذيب 8:135/44،الإستبصار 3:994/280،الوسائل 22:140 أبواب أقسام الطلاق ب 17 ح 1.

المراجعة التي حصرت في المجامعة المراجعة الخاصة التي يتعقّبها التطليقة الثانية،لا مطلق المراجعة،حتى يرد على نفيه المناقشة بمخالفة الإجماع و الأدلّة.

و كيف كان:فالجواب عنها أجمع بالقصور عن المقاومة لما مرّ،من حيث اعتضاده بعمومي الكتاب و السنّة،و الشهرة العظيمة،مع صراحة الدلالة،و ليس شيء منها في المستفيضة و لا ما يقابلها عدا الاستفاضة خاصّة،و ليست تقاوم شيئاً من المرجّحات المذكورة البتة،فلتحمل على الاستحباب و الأفضلية،و ربما أومأت إليه الموثقة المتقدّمة.

و لا ينافيه الأخبار المصرّحة بعدم الوقوع،أو أنّه ليس بشيءٍ؛ لقصور سند بعضها،و قبوله مع الباقي حمل المنفي وقوعه و شيئيّته على الفرد الكامل،كما في:« لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد» (1).

و أمّا الجواب عن الأخبار الناهية بأنّ غايتها ثبوت الحرمة،لا البطلان الذي هو مفروض المسألة؛ لأنّ المنهي عنه ليس بعبادة.ليس في محلّه؛ لعدم القائل بالفرق بين الحكمين،فمن قال بالحرمة أثبت البطلان،و من قال بعدمه قال بنفي الحرمة.

و ربما أُجيب عنها بمحامل أُخر يجمع بينها و بين ما مضى،منها:

ما فعله الشيخ (2)،فحمل هذه على العِدِّى؛ للخبر:« الذي يطلّق،ثم يراجع،ثم يطلّق فلا يكون بين الطلاق و الطلاق جماع،فتلك تحلّ له قبل أن تتزوّج غيره،و الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره،هي التي تجامع

ص:258


1- التهذيب 1:244/92،الوسائل 5:194 أبواب أحكام المساجد ب 2 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- انظر التهذيب 8:46،الاستبصار 3:282.

فيما بين الطلاق و الطلاق» (1).

و في الحسن:عن الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره؟ فقال:« أُخبرك بما صنعت أنا بامرأة كانت عندي» فذكر أنّه طلّقها للعدّة ثلاثاً مع المواقعة في كلّ رجعة (2).

و فيهما مع قصور سندهما،سيّما الأوّل مخالفة لما اتفقوا عليه.

و منها:ما فعله بعض الأصحاب (3)،فحمل هذه على ما إذا كان غرضه من الرجعة الطلاق لحصول البينونة،و تلك على ما إذا كان الغرض أن تكون في حبالته،ثم بدا له أن يطلّقها.

قيل:و له شواهد من النصوص (4).

و فيه مع مخالفته الإجماع نظر،فإنّ من النصوص المانعة الصحيح،و هو طويل،و فيه:« فإن طلّقها على طهر،ثم راجعها،فانتظر بها الطهر من غير مواقعة فحاضت و طهرت،ثم طلّقها قبل أن يدنسها بمواقعة بعد الرجعة لم يكن طلاقه لها طلاقاً،لأنّه طلّقها التطليقة الثانية في طهر الاُولى،و لا ينقضي الطهر إلّا بمواقعة بعد الرجعة» الخبر (5).

و هو كما ترى صريح في العموم للصورتين من حيث عموم التعليل، و هو منافٍ للتعليل الذي بنى عليه المنع في الجمع،و لا ينافي الحمل على

ص:259


1- التهذيب 8:142/46،الإستبصار 3:1003/284،الوسائل 22:144 أبواب أقسام الطلاق ب 19 ح 3.
2- الكافي 6:1/75،التهذيب 8:125/41،تفسير العياشي 1:370/118،الوسائل 22:119 أبواب أقسام الطلاق ب 4 ح 3؛ بتفاوت يسير.
3- كالفيض الكاشاني في المفاتيح 2:320.
4- انظر الحدائق 25:306.
5- الكافي 6:4/66،التهذيب 8:84/27،الإستبصار 3:959/268،الوسائل 22:109 أبواب أقسام الطلاق ب 2 ح 2؛ بتفاوت يسير.

الاستحباب،فتدبّر.

و بالجملة:الأصح الوقوع في المقامين لكن لا يقع للعدّة لاشتراطها بالمواقعة،بإجماع الطائفة،و المعتبرة.

الرابعة لو طلّق غائباً ثم حضر و دخل بها ثم ادّعى الطلاق لم تقبل دعواه

الرابعة:لو طلّق حال كونه غائباً بائناً أو رجعيّاً ثم حضر و دخل بها بعد البينونة ثم ادّعى الطلاق لم تقبل دعواه فيما يتعلّق بحق الزوجة خاصّة،دون حقّه؛ لأنّ:« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1).

و لا بيّنته التي أقامها بنفسه،دون غيره،فتقبل في الثاني لو ورّخت بما ينافي فعله،و يحكم عليه بالفرقة في مفروض المسألة،و هو الدخول بعد البينونة،و إلّا فيعدّ فعله رجعة.

و يتفرّع على عدم قبول قوله و بيّنته أنّه لو أولدها لحق به و الأصل في المسألة رواية في سندها جهالة،إلّا أنّها مجبورة بعمل الجماعة من غير خلاف بينهم أجده،مع ما في المجهول و هو إسماعيل ابن مرّار من قوة:عن رجل طلّق امرأته و هو غائب،و أشهد على طلاقها، ثم قدم فقام (2)مع المرأة أشهراً و لم يُعلِمها بطلاقها،ثم إنّ المرأة ادّعت الحبل،فقال الرجل:قد طلّقتك و أشهدت على طلاقك،قال:« يلزمه الولد،و لا يقبل قوله» (3).

و ليس فيها عدم قبول البيّنة،لكنّه مأخوذ من الإطلاق،و القاعدة، و هي:أنّها بفعله مكذوبة.

ص:260


1- عوالي اللئلئ 1:104/223،الوسائل 23:184 أبواب الإقرار ب 3 ح 2.
2- كذا و في المصدر:فأقام،و لعلّه الأنسب.
3- الكافي 6:5/80،الوسائل 22:138 أبواب أقسام الطلاق ب 15 ح 4.

و هو حسن إن لم يُظهر لفعله تأويلاً كنسيان أو جهالة،و إلّا فلا وجه له بالمرّة،مع عموم ما دلّ على لزوم قبول البيّنة.

الخامسة إذا طلّق الغائب و أراد العقد على أُختها،أو على خامسة تربّص تسعة أشهر

الخامسة:إذا طلّق الغائب زوجته و أراد العقد على أُختها،أو على خامسة و احتمل حمل المطلّقة تربّص تسعة أشهر من حين الطلاق،على المفهوم من العبارة هنا و كلام جماعة (1)،و به صرّح بعض الأجلة (2).

إلّا أنّ التعليل هنا و في كلام جماعة (3)بكونه احتياطاً عن احتمال الحمل ربما أشعر بكون مبدأ التسعة من حين المواقعة،و قد صرّح بإفادة التعليل ذلك بعض الأجلة (4).

إلّا أنّ الأحوط الأوّل؛ عملاً بظاهر الصحيحة التي هي المستند لإثبات الحكم في المسألة:في رجل له أربع نسوة،طلّق واحدة منهنّ و هو غائب عنهنّ،متى يجوز له أن يتزوّج؟قال:« بعد تسعة أشهر،و فيها أجلان:

فساد الحيض،و فساد الحمل» (5)إلّا أنّ التعليل ربما أشعر بالثاني.

و يكون الحكم في المسترابة بالحمل خاصة،و لذا قيّد به العبارة،تبعاً للجماعة،و التفاتاً فيما عداها إلى عموم المستفيضة القائلة:إنّ عدّتها ثلاثة أقراء أو أشهر ثلاثة.

مضافاً إلى خصوص الصحيحة:« إذا طلّق الرجل امرأته و هو غائب

ص:261


1- منهم الحلّي في السرائر:692،و العلّامة في المختلف:589،و السبزواري في الكفاية:202.
2- انظر نهاية المرام 2:60.
3- منهم العلّامة في المختلف:589،انظر المسالك 2:25،و الحدائق 25:311.
4- و هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:129.
5- الكافي 6:6/80،الوسائل 22:269 أبواب العدد ب 47 ح 1.

فليشهد عند ذلك،فإذا مضى ثلاثة أقراء فقد انقضى عدّتها» (1).

و هي و إن كانت مطلقة،إلّا أنّها كما عداها من المستفيضة محمولة على غير المسترابة بالحَبَل؛ جمعاً بينها و بين الصحيحة المتقدّمة،إمّا لظهورها فيها،كما يستشعر به من التعليل في ذيلها،أو لحمل إطلاقها عليها؛ جمعاً بين الإطلاقين،التفاتاً إلى النصوص المفصّلة في البين، كالموثق (2)و غيره (3).

و من هنا ينقدح الوجه في تعميم الماتن الحكم لما عدا مورد الرواية، و هو التزويج بالأُخت،و أنّه كالتزويج بالخامسة؛ لظهور أنّ العلّة في الأمر بالصبر إلى انقضاء التسعة إنّما هو الاسترابة بالحبل،كما أفصح عنها التعليل في الرواية،و ظهرت من النصوص المفصّلة،فلا يضرّ اختصاص المورد بالتزويج بالخامسة،فعدم الفرق أقوى،وفاقاً لأكثر أصحابنا.

خلافاً للحلي (4)،فخصّ الحكم بالمورد؛ لوجوه بما ذكرناه مدفوعة.

ثم هنا قول باعتبار السنة دون التسعة لقواعد العلّامة (5)،إمّا لكونها أقصى مدّة الحمل،أو للأمر بها في أخبار المسترابة.

و فيهما نظر،مع كونهما اجتهاداً في مقابلة صريح النص المعتبر، الذي عليه عمل أكثر الأصحاب قد استقر.

ص:262


1- الكافي 6:5/111،التهذيب 8:561/162،الإستبصار 3:1264/353،الوسائل 22:225 أبواب العدد ب 26 ح 1.
2- الكافي 6:2/101،التهذيب 8:445/129،الوسائل 22:223 أبواب العدد ب 25 ح 2.
3- الكافي 6:4/102،التهذيب 8:447/129،الوسائل 22:224 أبواب العدد ب 25 ح 4.
4- السرائر 2:692.
5- القواعد 2:65.

النظر الثالث في اللواحق

اشارة

النظر الثالث في اللواحق و فيه مقاصد أربعة:

الأوّل يكره الطلاق للمريض

الأوّل:يكره الطلاق للمريض على الأشهر،بل كاد أن يكون إجماعاً بين من تأخّر؛ للنهي عنه في المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:

« ليس للمريض أن يطلّق،و له أن يتزوّج» (1).

و حملت على الكراهة؛ للجمع بينها و بين ما دلّ على الوقوع من المعتبرة الأُخر المستفيضة الآتية.

و فيه نظر،فإنّ الوقوع لا ينافي الحرمة في نحو المسألة من حيث إنّها ليست بعبادة.

نعم في الصحيح:عن الرجل يحضره الموت فيطلّق امرأته،هل يجوز طلاقها؟قال:« نعم،و إن مات ورثته،و إن ماتت لم يرثها» (2)و هو كما ترى ظاهر في الجواز،إلّا أنّ القائل حمله على أنّ المراد به الوقوع لا نفي التحريم،لكنّه بعيد،و هو مع الشهرة العظيمة و أصالة الإباحة لعلّه كافٍ في نفي الحرمة،إلّا أنّ الأحوط المصير إليها،وفاقاً للمقنعة (3).

ص:263


1- الكافي 6:12/123،التهذيب 8:261/77،الإستبصار 3:1080/304،الوسائل 22:149 أبواب أقسام الطلاق ب 21 ح 1.
2- الكافي 6:11/123،التهذيب 8:268/79،الإستبصار 3:1081/304،الوسائل 22:151 أبواب أقسام الطلاق ب 22 ح 2.
3- المقنعة:831.

و لكن يقع لو طلّق و الحال هذه،إجماعاً،حتى من القائل بها؛ لما مرّ،و يأتي إليه الإشارة من المستفيضة.

و يرث زوجته في العدّة الرجعية إجماعاً،كما حكاه جماعة (1)، و هو الحجة فيه،كعموم المستفيضة:

ففي الصحيح:« أيّما امرأة طلّقت،ثم تُوفّي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدّتها و لم تحرم عليه،فإنّها ترثه،و تعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها،و إن توفّيت و هي في عدّتها و لم تحرم عليه،فإنّه يرثها» الخبر (2).

و فيه:« إذا طلّق الرجل امرأته توارثا ما كانت في العدّة،فإذا طلّقها التطليقة الثالثة فليس له عليها رجعة،و لا ميراث بينهما» (3).

و في الموثق:عن الرجل يطلّق المرأة؟قال:« ترثه و يرثها ما دام له عليها رجعة» (4).

و في الخبر:في رجل طلّق امرأته،ثم توفّي عنها و هي في عدّتها:

« إنّها ترثه،و تعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها،و إن توفّيت و هي في عدّتها فإنّه يرثها» الحديث (5).

ص:264


1- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:323،و الشهيد الثاني في المسالك 2:25،و السبزواري في الكفاية:202.
2- الكافي 6:6/121،التهذيب 8:269/79،الإستبصار 3:1087/305،الوسائل 22:250 أبواب العدد ب 36 ح 3.
3- الفقيه 4:723/228،الوسائل 26:225 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 10.
4- الكافي 7:2/134،التهذيب 9:1368/383،الإستبصار 3:1095/308،الوسائل 26:223 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 4.
5- التهذيب 8:270/79،الإستبصار 3:1088/306،الوسائل 22:251 أبواب العدد ب 36 ح 7.

و هي كما ترى عامة،سيّما الأوّل و الأخير.

و لا ينافيها ما تقدّم من الصحيح النافي إرثه منها مطلقاً،و إن كان نصّاً في المريض؛ لاحتماله الحمل على الطلاق البائن،و لا ينافيه الحكم فيه باستيراث الزوجة فيه؛ لما ستقف عليه من اتفاق النص و الفتوى بذلك.

أو على نفي الاستيراث بعد انقضاء العدّة،صرّح به شيخ الطائفة (1).

و لا بأس به كالسابق؛ جمعاً بين الأدلّة،و لو لم يكن عليه شاهد و لا قرينة،بل و مع فرض الصراحة لا تضرّنا الرواية؛ لكونها على هذا التقدير شاذّة لا يترك لأجلها عموم المعتبرة المتقدّمة،المعتضدة بالشهرة العظيمة،و الإجماعات المحكية،و أصالة بقاء عصمة الزوجية الموجبة لتوارث الزوجين أحدهما من الآخر بالبديهة.

ثم إنّ ظاهر العبارة كعموم المعتبرة المستفيضة المتقدّمة،عدا الأخيرة اختصاص الحكم بإرثه منها بكونها في العدّة الرجعية،و هو الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل عليه الإجماع عن الخلاف (2)،و أشعر به أيضاً عبارة بعض الأجلّة (3).

خلافاً للنهاية و جماعة (4)،فأثبتوا الإرث له في العدّة البائنة كالرجعية؛ لعموم الرواية الأخيرة من المستفيضة.

و تخصّ بما تقدّمها من المعتبرة.

ص:265


1- التهذيب 8:79،الاستبصار 3:304.
2- الخلاف 4:484.
3- الكفاية:202.
4- النهاية:509،و المهذَّب 2:289،الوسيلة:324.

و لعموم خصوص الخبرين،في أحدهما:عن رجل طلّق امرأته آخر طلاقها؟قال:« نعم،يتوارثان في العدّة» (1).

و في الثاني:« المطلّقة ثلاثاً ترث و تورث،ما دامت في عدّتها» (2).

و هما مع قصور السند و النهوض لمقاومة ما مرّ ليسا نصّين في المريض،و إطلاقهما مخالف للإجماع،و إخراجهما عن المخالفة بالتقييد بالمريض يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة.

و مع ذلك ليسا نصّين في طلاق البينونة؛ لاحتمال آخر الطلاق في الأوّل:الآخر المتحقق منه في الخارج،و يجامع أوّل الطلقات و الثاني، و لا ينحصر في الثالث،فيقبل الحمل على الأوّلين.

و المطلّقة ثلاثاً في الثاني:المطلّقة كذلك مرسلة،و قد مرّ أنّها تقع واحدة،فيرجع عدّة الطلاقين في الروايتين إلى الرجعية،فتلائمان بذلك المعتبرة المتقدّمة،و بالجملة لا وجه لهذا القول بالمرّة.

و ترثه هي أي الزوجة في العدّة و بعدها و لو كان الطلاق بائناً لكن إلى سنة خاصة،فلا ترث بعدها و لو لحظة،بلا خلاف في ذلك، بل ادّعى عليه الإجماع جماعة (3).

و الأصل فيه المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:عن رجل طلّق

ص:266


1- التهذيب 8:272/80،الإستبصار 3:1091/307،الوسائل 22:155 أبواب أقسام الطلاق ب 22 ح 12.
2- التهذيب 8:320/94،الإستبصار 3:1026/290،الوسائل 22:156 أبواب أقسام الطلاق ب 22 ح 13.
3- منهم الشيخ في الخلاف 4:484،و ابن إدريس في السرائر 2:674،و الشهيد الثاني في الروضة 6:48،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:129.

امرأته و هو مريض؟قال:« ترثه في مرضه ما بينه و بين سنة إن مات في مرضه ذلك» الخبر،و في آخره:« و إن مات بعد ما يمضي سنة لم يكن لها ميراث» (1).

و الموثق:رجل طلّق امرأته و هو مريض تطليقة،و قد كان طلّقها قبل ذلك تطليقتين،قال:« فإنّها ترثه إذا كان في مرضه» قال:قلت:و ما حدّ المرض؟قال:« لا يزال مريضاً حتى يموت،و إن طال ذلك إلى سنة» (2).

و هما كغيرهما و إن عمّا صورتي تزويج المرأة بعد العدّة بغيره و عدمه،إلّا أنّه ينبغي تقييدهما ب ما إذا لم تتزوّج فلو تزوّجت حرمت الميراث؛ للإجماع،و المعتبرة،منها المرسل كالصحيح:في رجل طلّق امرأته و هو مريض،قال:« إن مات في مرضه و لم تتزوّج ورثته،و إن كانت تزوّجت فقد رضيت بالذي صنع،لا ميراث لها» (3)و نحوه غيره (4).

و هذه النصوص متّفقة الدلالة كفتوى الجماعة على تقييد الحكم بقيد آخر،و هو المشار إليه في العبارة بقوله: أو يبرأ من مرضه ذلك فلو برئ منه و مات بمرض غيره قبل مضيّ السنة حرمت الميراث و لو لم تتزوّج بغيره.

ص:267


1- الفقيه 3:1688/353،التهذيب 8:271/79،الإستبصار 3:1089/306،الوسائل 22:154 أبواب أقسام الطلاق ب 22 ح 11.
2- الكافي 3:6/122،التهذيب 8:265/78،الإستبصار 3:1085/305،الوسائل 22:153 أبواب أقسام الطلاق ب 22 ح 8.
3- الكافي 3:3/121،التهذيب 8:263/77،الإستبصار 3:1083/305،الوسائل 22:153 أبواب أقسام الطلاق ب 22 ح 6.
4- الكافي 3:2/121،الفقيه 3:1690/353،التهذيب 8:262/77،الإستبصار 3:1082/304،الوسائل 22:152 أبواب أقسام الطلاق ب 22 ح 5.

ثم إنّ إطلاق النصوص كالعبارة يقتضي عموم الحكم مع الشرطين لصورتي الطلاق بقصد الإضرار و عدمه،و هو الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل ربما أشعر عبارة الخلاف و المبسوط (1)بإجماعهم عليه،و هو الحجة فيه؛ مضافاً إلى إطلاق الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة.

خلافاً للفقيه و الاستبصار و المختلف و جماعة (2)،فخصّوه بالأُولى؛ حملاً للإطلاق عليها؛ نظراً إلى الغلبة،و التفاتاً إلى خصوص الموثقة:عن رجل طلّق امرأته و هو مريض،قال:« ترثه ما دامت في عدّتها،و إن طلّقها في حال إضرار فهي ترثه إلى سنة،فإن زاد على السنة يوم واحد لم ترثه» (3).

و لا يخلو عن قوّة،و تعضده الرواية:« لا ترث المختلعة و المبارئة و المستأمرة في طلاقها من الزوج شيئاً،إذا كان ذلك منهنّ في مرض الزوج،و إن مات في مرضه؛ لأنّ العصمة قد انقطعت منهنّ و منه» (4)فتأمّل.

إلّا أنّ الخروج عن الإطلاقات المعتضدة بالشهرة و حكاية الإجماع المتقدّمة مشكل،سيّما مع احتمال العموم في أكثر النصوص؛ لترك الاستفصال المفيد له عند الفحول،و ليس كالمطلق يقبل الحمل على الغالب،فالاحتياط لا يترك مع الإمكان،و إلّا فالعمل على المشهور.

ص:268


1- الخلاف 4:486،المبسوط 5:69.
2- الفقيه 3:354،الاستبصار 3:306،المختلف:583؛ مفاتيح الشرائع 3:305،الوسائل 22:151،الحدائق 25:119.
3- الكافي 6:9/122،الفقيه 3:1694/354،التهذيب 8:267/78،الإستبصار 3:1090/307،الوسائل 22:152 أبواب أقسام الطلاق ب 22 ح 4.
4- التهذيب 8:335/100،الإستبصار 3:1096/308،الوسائل 22:290 أبواب الخلع و المباراة ب 5 ح 4.
المقصد الثاني في المحلِّل و يعتبر فيه البلوغ

المقصد الثاني في المحلِّل و يعتبر فيه البلوغ فلا تحليل بالصغير،إجماعاً منّا،كما حكاه جماعة (1)،و كذا المقارب للبلوغ المعبَّر عنه بالمراهق،على الأظهر الأشهر، بل عليه كافّة من تأخّر إلّا من ندر (2)للأصل،و صريح الخبر (3)،و ضعفه بالشهرة منجبر،و بظواهر أخبار العُسَيلة (4)معتضد.

خلافاً للإسكافي و أحد قولي الطوسي (5)؛ لإطلاق الزوج في الآية (6).

و يضعّف بعدم التبادر أوّلاً،و ظهور:« فإن طلّقها» في الذيل في غيره ثانياً،و بتقييده بما مرّ من الخبر ثالثاً.

و الوطء فلا تحليل بمجرّد العقد،إجماعاً من العلماء إلّا سعيد ابن المسيّب (7)للأصل،و النبوي المشهور من الجانبين:« لا،حتى تذوقي عُسَيلته و يذوق عُسَيلتك» (8)و هي:لذّة الجماع،أو الإنزال،و ليسا بدون

ص:269


1- منهم الشهيد الثاني في الروضة 6:46،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:246،انظر كشف اللثام 2:133.
2- انظر المسالك 2:27،و نهاية المرام 2:66.
3- الكافي 6:6/76،التهذيب 8:100/33،الإستبصار 3:975/274،الوسائل 22:130 أبواب أقسام الطلاق ب 8 ح 1.
4- الوسائل 22:129 أبواب أقسام الطلاق ب 7.
5- حكاه عن الإسكافي في المختلف:593،الطوسي في المبسوط 5:110.
6- البقرة:230.
7- حكاه عنه في الخلاف 4:502،و المبسوط 5:109.
8- سنن البيهقي 7:374،عوالي اللئلئ 2:403/144،المستدرك 15:328 أبواب أقسام الطلاق ب 7 ح 5.

الدخول قطعاً.

و يشترط أن يكون في القبل لظاهر الخبر،و لأنّه المعهود.

و أن يكون موجباً للغسل،و حدّه غيبوبة الحشفة؛ لأنّ ذلك مناط أحكام الوطء،و ظاهرهم الاتفاق على الاكتفاء به،و هو الحجة فيه إن تمّ، و إلّا فهو محلّ نظر؛ للأصل،و ظاهر الخبر المشترط لذوق العُسَيلة،الغير الحاصلة بمجرّد غيبوبة الحشفة ظاهراً إن فسّرت بلذّة الجماع،و قطعاً إن فسّرت بالإنزال؛ لعدم حصوله بذلك غالباً.

و أن يكون بالعقد الصحيح فلا عبرة بالوطء المجرّد عنه مطلقا، حراماً كان أو شبهةً،أو المشتمل على الفاسد منه؛ لأنّه كالعدم.

و الأصل فيه بعد الإجماع الأصل،و ظاهر قوله عزّ و جلّ:

زَوْجاً [1] الغير الصادق على مثل ذلك.

و منه يظهر عدم التحليل بالوطء بالملك،أو التحليل،إمّا لعدم العقد، أو لعدم صدق الزوج على الواطئ بهما.

مضافاً إلى الخبرين في الأوّل،في أحدهما:عن رجل زوّج عبده أمته،ثم طلّقها تطليقتين،أ يراجعها إن أراد مولاها؟قال:« لا» قلت:

أ فرأيت أن وطأها مولاها،أ يحلّ للعبد أن يراجعها؟قال:« لا،حتى تزوّج زوجاً غيره،و يدخل بها،فيكون نكاحاً مثل نكاح الأوّل» الخبر (1)،و نحوه الثاني (2).

ص:270


1- التهذيب 8:298/87،الإستبصار 3:1110/312،الوسائل 22:166 أبواب أقسام الطلاق ب 27 ح 2.
2- التهذيب 8:286/84،الإستبصار 3:1099/309،الوسائل 22:165 أبواب أقسام الطلاق ب 27 ح 1.

و حيث إنّ الزوج حقيقة في الدائم دون المتمتّع،أو يتبادر منه خاصة دونه،انقدح وجه تقييد العقد ب الدائم مضافاً إلى إشعار ذيل الآية بذلك.

مع أنّه نصّ المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً،ثم تمتّع منها رجل آخر،هل تحلّ للأوّل؟قال:« لا» (1)و نحوه الموثق (2)و غيره (3)،و فيهما زيادة على ما مرّ:« حتى تدخل فيما خرجت منه» .و من الزيادة يظهر عدم التحليل بالتحليل و ملك اليمين.

ثمّ إنّ إطلاق النص و الفتوى يشملان العبد أيضاً؛ مضافاً إلى خصوص بعض الأخبار:عن رجل طلّق امرأته طلاقاً لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره،فتزوّجها عبد،ثم طلّقها،هل يهدم الطلاق؟قال:« نعم؛ لقول اللّه عزّ و جلّ في كتابه حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [1] (4)و هو أحد الأزواج» (5).

و حينئذٍ يسهّل الخطب في تحصيل المحلّل إن خيف عدم طلاقه، أو إبطاؤه به،فيحتال بتزويجها من العبد،ثم نقله إلى ملكها،فإنّه

ص:271


1- الكافي 5:1/425،الوسائل 22:131 أبواب أقسام الطلاق ب 9 ح 2.
2- التهذيب 8:102/33،الإستبصار 3:977/274،الوسائل 22:131 أبواب أقسام الطلاق ب 9 ح 3.
3- الوسائل 22:131 أبواب أقسام الطلاق ب 9 ح 1،5.
4- البقرة:230.
5- الكافي 5:3/425،تفسير العياشي 1:375/119،الوسائل 22:133 أبواب أقسام الطلاق ب 12 ح 1.

كطلاقها.

و هل يهدم المحلِّل بشرائطه ما دون الثلاث فيكون معه كالعدم،أم لا،بل يحتسب من الثلاث،فإن (1)كان واحداً كانت عنده على ثنتين،و إن كان اثنين كانت عنده على واحدة فيه روايتان،أشهرهما:أنّه يهدم بل ربما أشعر كثير من العبارات بالإجماع عليه.

ففي الموثق:عن رجل طلّق امرأته حتى بانت منه،و انقضت عدّتها، ثم تزوّجت زوجاً آخر،فطلّقها أيضاً،ثم تزوّجت زوجها الأوّل،أ يهدم ذلك الطلاق الأوّل؟قال:« نعم» (2)و نحوه خبران آخران (3).

و في رابع:رجل طلّق امرأته تطليقة واحدة فتبين منه،ثم تزوّجها آخر،فطلّقها على السنّة،ثم تزوّجها الأوّل،على كم هي عنده؟قال:« على غير شيء» ثم قال:« يا رفاعة:كيف إذا طلّقها ثلاثاً ثم تزوّجها ثانية استقبل الطلاق،و إن طلّقها واحدة كانت على ثنتين؟! » (4).و قصور هذه النصوص بالشهرة مجبور.

و مع ذلك مطابق لمقتضى الأصل،و لزوم الاقتصار في الثلاث المحرِّم

ص:272


1- بدله في الأصل:بأن،و الظاهر ما أثبتناه.
2- الكافي 6:3/77،التهذيب 8:88/30،الإستبصار 3:963/271،الوسائل 22:125 أبواب أقسام الطلاق ب 6 ح 1.
3- الأول في:نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:283/113،الوسائل 22:128 أبواب أقسام الطلاق ب 6 ح 13.الثاني في:التهذيب 8:106/34،الإستبصار 3:981/275،الوسائل 22:125 أبواب أقسام الطلاق ب 6 ح 3.
4- التهذيب 8:92/31،الإستبصار 3:967/272،الوسائل 22:126 أبواب أقسام الطلاق ب 6 ح 4.

على المتيقّن المتبادر من النص الدالّ عليه،و هو:الثلاث التي لم يتخلّلها المحلِّل.

و مع ذلك مخالف لما عليه أكثر العامة،كما حكاه بعض الأجلّة (1)، و إن حكي الهدم عن أبي حنيفة و جماعة (2)؛ لرجحان الكثرة على القلّة،مع التأيّد بصريح بعض المعتبرة (3)بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده من حيث الدلالة على كون الهدم مذهب علي عليه السلام،و عدمه مذهب عمر.

و أمّا ما دلّ على كون الثاني مذهب علي عليه السلام (4)،فغير ظاهر المنافاة؛ لضعف السند أوّلاً،و احتمال التقية في النسبة ثانياً،و ليس فيه أنّ مذهب عمر:الهدم.

و أمّا الرواية الثانية فهي الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

منها الصحيح:عن رجل طلّق امرأته تطليقة واحدة،ثم تركها حتى مضت عدّتها،فتزوّجت زوجاً غيره،ثم مات الرجل،أو طلّقها،فراجعها زوجها الأوّل؟قال:« هي عنده على تطليقتين» (5).

ص:273


1- انظر الخلاف 4:488.
2- حكاه عنهم في الخلاف 4:489.
3- التهذيب 8:106/34،الإستبصار 3:981/275،الوسائل 22:125 أبواب أقسام الطلاق ب 6 ح 3.
4- التهذيب 8:96/32،الإستبصار 3:971/273،الوسائل 22:127 أبواب أقسام الطلاق ب 6 ح 10.
5- الكافي 5:5/426،التهذيب 8:93/31،الإستبصار 3:968/273،الوسائل 22:126 أبواب أقسام الطلاق ب 6 ح 6.

إلّا أنّها متروكة،كما هو الظاهر من جماعة (1)،و صرّح به بعض الأجلّة (2)،و مع ذلك فلا يعرف بها قائل من الطائفة،و إن نسب إلى قيل، و كلّ ذلك أمارة الشذوذ،و رجحان الأخبار الأوّلة.

و لو ادّعت أنّها تزوّجت المحلِّل و أنّه دخل بها و طلّق،فالمروي (3) صحيحاً: القبول إذا كانت ثقة إلّا أنّ المشهور القبول مع الإمكان مطلقاً،و حمل الرواية على الاستحباب؛ تمسّكاً بعموم المعتبرة المجوِّزة للتزويج بمن لا يعلم حالها، معللة بأنّها:« هي المصدَّقة على نفسها» كما في بعضٍ (4)،و:« إنّما عليك أن تصدِّقها في نفسها» كما في آخر (5).

المؤيّد بأنّها أخبرت عن أمرٍ ممكنٍ متعلّقٍ بها من غير منازع، و المستفاد من كلمة الأصحاب و كذا الأخبار القبول مطلقاً في نحو ذلك، ففي الخبر:عشرة كانوا جلوساً،و في وسطهم كيس فيه ألف درهم،فسأل بعضهم بعضاً:أ لكم هذا الكيس؟فقالوا كلّهم:لا،و قال واحد منهم:هو

ص:274


1- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:328،و الشهيد الثاني في المسالك 2:28،و المجلسي في مرآة العقول 21:130.
2- المفاتيح 2:246.
3- التهذيب 8:104/34،الإستبصار 3:979/275،الوسائل 22:133 أبواب أقسام الطلاق ب 10 ح 1.
4- الكافي 5:2/462،التهذيب 7:1526/377،الوسائل 20:أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 5.
5- رسالة المتعة(مصنفات الشيخ المفيد 6):37/14،المستدرك 14:458 أبواب المتعة ب 9 ح 1.

لي،فلمن هو؟قال:« هو للذي ادّعاه» (1).

مع أنّ عدم القبول ربما أوجب العسر و الحرج المنفيين آيةً و روايةً.

و إلى هذا التعليل يشير بعض الأخبار:« أ رأيت لو سألها البيّنة كان تجد من يشهد أن ليس لها زوج» (2).

و ربما يؤيّده النهي عن السؤال بعد التزويج بلا سؤال مع التهمة في كثير من النصوص (3).

و من هنا ينقدح عموم الحكم و انسحابه في كلّ امرأة كانت مزوّجة، و أُخبرت بموته و فراقه و انقضاء العدّة في وقت محتمل.

و لا فرق بين أن تعيّن الزوج و عدمه،و لا بين استعلامه و عدمه،و إن كان طريق الورع غير خفي بسؤال المعلوم،و التوقف مع ظنّ كذبها.

قيل:و المراد بالثقة من تسكن النفس إلى خبرها،و إن لم تكن متّصفة بالعدالة المعتبرة في الشهادة (4).

ص:275


1- الكافي 7:5/422،التهذيب 6:810/292،الوسائل 27:273 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 17 ح 1.
2- التهذيب 7:1094/253،الوسائل 21:32 أبواب المتعة ب 10 ح 5.
3- الوسائل 20:301 أبواب عقد النكاح ب 25،و ج 21:30 أبواب المتعة ب 10.
4- نهاية المرام 2:70.
المقصد الثالث في الرجعة

المقصد الثالث في الرجعة بالكسر و الفتح،و الثاني أفصح،و هي لغةً:المرّة من الرجوع،و شرعاً:ردّ المرأة إلى النكاح السابق من غير طلاق بائن في العدّة،و فسّرت به أيضاً في القاموس و الصحاح (1).

و الأصل في شرعيتها الكتاب (2)،و السنّة (3)،و إجماع العلماء،حكاه جماعة من أصحابنا (4).

و تصح بكل ما دل على قصد الرجوع في النكاح،بلا خلاف بين العلماء إذا كان نطقاً،كقوله:راجعت و رجعت،و ارتجعت،متّصلاً بضميرها،فيقول:راجعتكِ،و ارتَجعتكِ،و رجعتكِ.

و هذه الثلاثة صريحة غير محتاجة في بيان نية الرجعة إلى ضميمة، و لو مثل إليّ،أو إلى نكاحي،بلا خلافٍ،إلّا أنّه ينبغي إضافتهما و استحب،كما قيل (5)،و بها تصير أصرح.

و في معناها رددتكِ،و أمسكتكِ؛ لورودهما في القرآن في قوله تعالى وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ [1] (6)، فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ [2] (7)

ص:276


1- القاموس 3:29،الصحاح 3:1216،1217.
2- البقرة:228 230.
3- الوسائل 22:108 أبواب أقسام الطلاق ب 2.
4- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:29،و السبزواري في الكفاية:203،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:321.
5- قاله الشهيد الثاني في الروضة 6:49.
6- البقرة:228.
7- البقرة:229.

،فلا يحتاج إلى نية الرجعة،أي قرينة معربة عنها،كما هو الشأن في الألفاظ الغير الصريحة.

و قيل:يفتقر إليها فيهما؛ لاحتمالهما غيرها،كالإمساك باليد،أو في البيت،و نحوه (1).و هو حسن.

و بينا إذا كان فعلاً،كالوطء و القُبلة و اللمس بشهوة مع قصد الرجعة،فلا عبرة بها سهواً و غفلةً،أو مع قصد عدم الرجعة،أو لا معه مع عدم قصد الرجعة،فإنّ ذلك لا يفيد الرجوع،و إن فعل حراماً في غير الأوّل؛ لانفساح النكاح بالطلاق،و إن كان رجعيّاً،و لو لا ذلك لم تبن بانقضاء العدّة،إلّا أنّه لا حدّ عليه،و إن استحق التعزير،إلّا مع الجهل بالتحريم.

و الأصل في حصول الرجعة بها بعد الإجماع،و الاندراج في العمومات،فإنّ المعتبر معنى الرجعة لا لفظها ما ورد في معتبر الأخبار، الصحيح إلى المجمع على تصحيح رواياته،الغير الضائر قصور السند بعده،مع انجباره بعمل الكلّ،و فيه:« من غشي امرأته بعد انقضاء العدّة جلد الحدّ،و إن غشيها قبل انقضاء العدّة كان غشيانه إيّاها رجعة» (2).

و إطلاقه و إن شمل الخالي عن قصد الرجعة،إلّا أنّ اللازم التقييد به؛ جمعاً بينه و بين ما دلّ على اعتباره من العقل و النقل.

نعم لا يبعد أخذه دليلاً على كون الأصل في الفعل الرجعة،كالألفاظ الصريحة،فلا يسمع دعوى عدمها إلّا مع البيّنة،فيرجع التقييد على هذا

ص:277


1- انظر نهاية المرام 2:71.
2- الفقيه 4:38/18،التهذيب 10:74/25،الوسائل 28:131 أبواب حد الزنا ب 29 ح 1.

إلى التقييد بعدم ظهور عدم قصد الرجعة،لا ظهور قصدها.

خلافاً للروضة،فقيّده بقصد الرجوع،لا بعدم قصد غيره (1).و هو حسن لولا إطلاق النص المعتبر.

و لو أنكر الطلاق كان رجعة بلا خلاف،بل عليه الوفاق في المسالك (2)؛ للصحيح:« إن كان أنكر الطلاق قبل انقضاء العدّة فإنّ إنكار الطلاق رجعة لها،و إن كان إنكار الطلاق بعد انقضاء العدّة فإنّ على الإمام أن يفرِّق بينهما بعد شهادة الشهود» (3)و نحوه الرضوي (4).

و لدلالته على ارتفاعه في الأزمنة الثلاثة،و دلالة الرجعة على رفعه في غير الماضي،فيكون أقوى.

و لا يقدح فيه كون الرجعة من توابع الطلاق،فينتفي حيث ينتفي المتبوع؛ لأنّ غايتها التزام ثبوت النكاح،و الإنكار يدل عليه،فيحصل المطلوب منها،و إن أنكر سبب شرعيتها.

ثم إنّ إطلاق النص و الفتوى يقتضي حصول الرجعة به مطلقاً،و لو مع ظهور أنّ الباعث عليه عدم التفطّن إلى وقوع المنكَر،و لو ذكره لم يرجع.

و هو مشكل؛ للقطع بعدم قصد الرجعة حينئذٍ،و هو معتبر إجماعاً، و تنزيلهما على ذلك بعيد؛ لبعد شمولهما لمثل ذلك،و غايتهما حينئذٍ إثبات أصالة الرجعة في الإنكار،كما في الألفاظ الصريحة،إلّا مع وجود الصارف عنها،كما فيها أيضاً،و لا كذلك الإنكار في غير الطلاق ممّا يجوز الرجوع،

ص:278


1- الروضة 6:50.
2- المسالك 2:30.
3- الكافي 6:1/74،التهذيب 8:129/42،الوسائل 22:136 أبواب أقسام الطلاق ب 14 ح 1.
4- فقه الرضا عليه السلام:242،المستدرك 15:331 أبواب أقسام الطلاق ب 12 ح 1.

فلا يحكم به فيه بمجرّده؛ لأعمّيته عنه،و احتماله ما ذكرنا من عدم التفطّن، إلى آخره.

و لا يجب في صحة الرجعة الإشهاد بلا خلاف،بل عليه إجماعنا في عبائر جماعة (1)،و هو الحجة فيه،كفحوى المعتبرة (2)بعدمه في النكاح،فهنا أولى؛ مضافاً إلى خصوص الآتية بل يستحب للمستفيضة،ففي الصحيح:« إنّ الطلاق لا يكون بغير شُهود،و إنّ الرجعة بغير شهود رجعة،و لكن ليشهد بعد فهو أفضل» (3).

و فيه:في الذي يراجع و لم يشهد،قال:« يشهد أحبّ إليَّ،و لا أرى بالذي صنع بأساً» (4).

و فيه:« إنّما جعل الشهود لمكان الميراث» (5).

و في الرضوي:« و إنّما تكره الرجعة بغير شهود من جهة الحدود و المواريث و السلطان» (6).

و رجعة الأخرس بالإشارة المفهمة،كسائر تصرّفاته،على المشهور بين الطائفة.

خلافاً للصدوقين (7)،فبإلقاء القناع عنها،عملاً بضدّ ما هو أمارة

ص:279


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:30،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:131،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:321.
2- انظر الوسائل 22:134 أبواب أقسام الطلاق ب 13.
3- الكافي 6:3/73،التهذيب 8:128/42،الوسائل 22:134 أبواب أقسام الطلاق ب 13 ح 3.
4- الكافي 6:1/72،التهذيب 8:126/42،الوسائل 22:134 أبواب أقسام الطلاق ب 13 ح 2؛ باختلاف يسير.
5- الكافي 6:5/73،الوسائل 22:134 أبواب أقسام الطلاق ب 13 ح 1.
6- فقه الرضا عليه السلام:243،المستدرك 15:330 أبواب أقسام الطلاق ب 11 ح 1.
7- الصدوق في المقنع:119،و حكاه عن والده في المختلف:591.

طلاقها،و هو وضعه عليها،كما في الخبر (1).

و هو شاذّ،و مستنده مزيّف.

و في قول الماتن: و في رواية:يأخذ القناع عنها،إشارة إلى وجود الرواية بصريحها فيه،و لم نقف عليها.

و لو ادّعت المطلّقة انقضاء العدّة في الزمان الممكن و يختلف أقلّه باختلاف أنواع العدّة.

فهو من المعتدّة بالأقراء ستّة و عشرون يوماً و لحظتان في الحرّة، و ثلاثة عشر يوماً و لحظتان في الأمة،و قد يتفق نادراً انقضاؤها في الحرّة بثلاثة و عشرين يوماً و ثلاث لحظات،و في الأمة بعشرة و ثلاث (2)،بأن يطلّقها بعد الوضع و قبل رؤية دم النفاس بلحظة،ثم تراه لحظة،ثم تطهر عشرة،ثم تحيض ثلاثة،ثم تطهر عشرة،ثم ترى الحيض لحظة،و النفاس معدود بحيضة،و منه يعلم حكم الأمة.

و من المعتدّة بالوضع تامّاً ستة أشهر و لحظتين من وقت النكاح، لحظة للوطء،و لحظة للولادة.

و سقطاً مصوّراً مائة و عشرون يوماً و لحظتان.

و مضغةً ثمانون يوماً و لحظتان.

و علقةً أربعون كذلك،كما في المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:

« تصل النطفة إلى الرحم فتردّد فيه أربعين يوماً،ثم تصير علقةً أربعين يوماً،ثم تصير مضغةً أربعين يوماً» الحديث (3).

ص:280


1- فقه الرضا عليه السلام:248،المستدرك 15:297 أبواب مقدمات الطلاق ب 17 ح 1.
2- في« ح» زيادة:لحظات.
3- الكافي 6:4/13.

و نحوه الموثق (1)و غيره (2)،بزيادة:« فإذا كمل أربعة أشهر بعث اللّه تعالى ملكين خلّاقين» الخبر،و في معناها النبوي (3).

و قيل في الثلاثة بالرجوع إلى الإمكان عادةً (4).

و لا ثمرة إلّا مع ظهور المخالفة،و هي غير معلومة،و على تقدير تحققها فالأظهر العمل بالمعتبرة.

و كيف كان لو ادّعت الانقضاء كذلك و لا منازع لها قبل دعواها من دون يمين،بلا خلاف يظهر فيه،و في دعوى الانقضاء بالأشهر؛ للصحيحين (5):« الحيض و العدّة إلى النساء» و زيد في أحدهما:« إذا ادّعت صدّقت» .و إطلاقهما ككلام أكثر الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين دعوى المعتاد و غيره.

خلافاً للّمعة في الثاني،فلا يقبل إلّا بشهادة أربع من النساء المطّلعات على أمرها؛ مسنداً ذلك إلى ظاهر الروايات (6).

و لم نقف عليها إلّا على رواية (7)هي مع قصور سندها غير

ص:281


1- الكافي 6:3/13.
2- الكافي 6:6/16.
3- سنن البيهقي 10:266.
4- قاله في المسالك 2:31.
5- الأول في:التهذيب 1:1243/398،الإستبصار 1:510/148،الوسائل 2:358 أبواب الحيض ب 47 ح 2.الثاني في:الكافي 6:1/101،التهذيب 8:575/165،الإستبصار 3:1276/356،الوسائل 2:358 أبواب الحيض ب 47 ح 1.
6- اللمعة(الروضة البهية 6):56.
7- الفقيه 1:207/55،التهذيب 1:1242/398،الإستبصار 1:511/148،الوسائل 2:358 أبواب الحيض ب 47 ح 3.

صريحة في المدّعى،و لا ريب أنّ العمل بها أحوط،سيّما مع التهمة.

و كذا الحكم لو كان لها منازع فيقبل قولها في انقضاء العدة بالحيض و الوضع،لكن مع اليمين،بلا خلاف.

و أمّا بالأشهر فقد قطع جماعة من الأصحاب منهم الماتن في الشرائع (1)بعدم قبول قولها،و تقديم قول الزوج المنكر؛ لرجوع النزاع إلى الاختلاف في وقت الطلاق،و الأصل عدم تقدّمه.

و منه يظهر الوجه في تقديم قولها مع اليمين هنا،لو انعكس الفرض فادّعت البقاء لطلب النفقة مثلاً،و لا ريب فيه،و يساعده إطلاق النص.

و يشكل في أصل الفرض؛ لما ذكر من الإطلاق الذي هو بالنظر إلى الأصل المتقدم كالخاص بالإضافة إلى العام،فالوجه تقديمه عليه،لا العكس.

مع أنّه لو تعيّن لا نسحب الحكم هنا و هو تقديم قول الزوج في الصورتين الأُوليين،و هما دعوى الانقضاء بالحيض أو بالوضع أيضاً،فإنّ الأصل عدم الانقضاء،و العمل بالإطلاق فيهما و تركه هنا لا أعرف وجهه أصلاً.

و بالجملة فإن عمل بالأصل عمل به في المقامين،و إن عمل بإطلاق الصحيحين فليكن كذلك،فالتفكيك لا وجه له في البين.

اللّهم إلّا أن يقال بأنّ النزاع هنا حقيقة ليس في العدّة ليقبل قولها، و إن توجّه إليها في الظاهر،بل هو في زمان وقوع الطلاق،و ليس مثله داخلاً في الإطلاق،فتدبّر.

فظهر أنّ المراد بالأصل هنا ليس أصالة عدم الانقضاء،بل المراد به أصالة عدم تقدّم الطلاق،فلا وجه للنقض أصلاً.

ص:282


1- الشرائع 3:31،المسالك 2:31،نهاية المرام 2:74.
المقصد الرابع في العِدد و النظر في فصول
اشارة

المقصد الرابع في العِدد جمع عدّة،و عرفت بأنّها اسم لمدّة معلومة يتربّص فيه المرأة لمعرفة براءة رحمها،أو للتعبّد،أو للتفجّع على الزوج،و شرّعت صيانةً للأنساب،و تحصيناً لها عن الاختلاف.

و النظر هنا في فصول

الأوّل لا عدّة على من لم يدخل بها

الأوّل:لا عدّة على من لم يدخل بها إجماعاً من العلماء،كما حكاه أصحابنا (1)،و هو نص الآية ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها [1] (2).و النصوص به مع ذلك مستفيضة،منها الصحيح:« إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فليس عليها عدّة،تزوّج من ساعتها،و تبينها تطليقة واحدة» (3).

عدا المتوفّى عنها زوجها فعليها العدّة مطلقاً؛ لما يأتي (4).

و نعني بالدخول الوطء قُبُلاً أو دُبُراً وطئاً موجباً للغسل، بلا خلافٍ يعرف،بل ظاهرهم الإجماع عليه؛ لإطلاق النصوص بإيجاب الدخول المهر و العدّة،منها الصحيح:« إذا أدخله وجب المهر و الغسل و العدّة» (5).

ص:283


1- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 2:76،و صاحب الحدائق 25:391.
2- الأحزاب:49.
3- الكافي 6:3/83،التهذيب 8:211/64،الإستبصار 3:1047/296،الوسائل 22:176 أبواب العدد ب 1 ح 4.
4- راجع في ص 307.
5- الكافي 6:6/109،الوسائل 21:319 أبواب المهور ب 54 ح 1.

و لو لا الوفاق لأمكن المناقشة بعدم تبادر مثل الدخول في الدُّبُر من الإطلاق.

و نحوه المناقشة في تعميم الداخل للكبير و الصغير الذي لم يبلغ سنّاً يمكن التولّد منه.

لكن المحكي عن جماعة (1)ذلك،و هو أحوط،كإلحاق دخول المني المحترم مع ظهور الحمل بالوطء،فتعتدّ بالوضع،و لكن لا عدّة قبل الظهور؛ لعدم الموجب له من دخول أو حبل.

و لا تجب بالخلوة من دون مواقعة،على الأشهر الأظهر بين الطائفة؛ للنصوص الماضية،المعتضدة بالأصل و الشهرة.

خلافاً للإسكافي (2)،فأوجب،و له بعض المعتبرة (3)المحتمل للتقية،و قد مضى الكلام في باب المهر (4)مستقصى،فلا وجه للإعادة.

و لا بوطء الخصيّ على رواية صحيحة:عن خصيٍّ تزوّج امرأة على ألف درهم،ثم طلّقها بعد ما دخل بها؟قال:« لها الألف الذي أخذت منه، و لا عدّة عليها» (5)لكنّها مع مخالفتها إطلاق النصوص المتقدّمة،القائلة:

إنّ بالدخول يجب المهر و الغسل و العدّة مطرحة عند الأصحاب،معارضة بصحيحة أُخرى أقوى منها بالاحتياط و الفتوى:عن خصيّ تزوّج امرأة و هي تعلم أنّه خصيّ؟فقال:« جائز» فقيل:فإنّه مكث معها ما شاء اللّه تعالى،ثم

ص:284


1- منهم السيد المرتضى في الانتصار:146،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):616،و الشهيد الثاني في المسالك 2:35.
2- على ما نقله عنه في المختلف:619.
3- الكافي 6:7/109،الوسائل 21:321 أبواب المهور ب 55 ح 2.
4- راجع ص 47،48.
5- التهذيب 7:1517/375،الوسائل 21:303 أبواب المهور ب 44 ح 1.

طلّقها،هل عليها عدّة؟قال:« نعم،أ ليس قد لذّ بها و لذّت منه» الحديث (1).

و الجمع بينهما بحمل هذه على الاستحباب كما فعله شاذّ من متأخري المتأخرين (2)شاذّ لا يلتفت إليه.

و لا بمباشرة المجبوب،و هو المقطوع الذكر،على الأشهر الأظهر؛ للأصل،مع عدم اندراجه تحت الإطلاق الذي مرّ.

خلافاً للمبسوط،فأوجب؛ لإمكان المساحقة (3).

و فيه:أنّه غير كافٍ؛ فإنّ المناط هو الدخول،لا ما ذكر؛ لعدم الدليل عليه.

نعم لو ظهر بها حمل لحقه الولد،و اعتدّت منه بوضعه،كما مرّ.

و نحوه الكلام في الممسوح الذي لم يبق له شيء،و لا يتصور منه دخول،إلّا أنّه يزيد عليه بعدم إلحاق الولد به و العدّة مع ظهور الحبل،كما عن أكثر الأصحاب (4).

خلافاً للمحكي عن بعضهم (5)،فحكمه حكم المجبوب،و هو بعيد، فتأمّل.

الثاني في المستقيمة الحيض

الثاني:في المستقيمة الحيض التي يأتيها حيضها في كل شهر مرّة على عادة النساء،و في معناها من كانت تعتاد الحيض فيما دون الثلاثة أشهر.

ص:285


1- الكافي 6:1/151،الوسائل 22:255 أبواب العدد ب 39 ح 1.
2- المفاتيح 2:343.
3- المبسوط 5:238.
4- انظر المسالك 2:35.
5- حكاه عنه في المسالك 2:35،و هو في المبسوط 5:238.

و قيل:إنّها التي تكون لها فيه عادة مضبوطة وقتاً،سواء انضبط عدداً أم لا (1).و ردّ بأنّ معتادة الحيض فيما زاد على ثلاثة أشهر لا تعتدّ بالأقراء، و إن كانت لها عادة وقتاً و عدداً (2).

و كيف كان هي تعتدّ من الطلاق،و الفسخ،و وطء الشبهة، بل الزناء وفاقاً لجماعة من أصحابنا (3)؛ لاشتراك المناط،و هو خوف اختلاط الأنساب.

و للنصوص،منها:قلت له:الرجل يفجر بالمرأة،ثم يبدو في تزويجها،هل تحلّ له ذلك؟قال:« نعم،إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدّتها باستبراء رحمها من ماء الفجور،فله أن يتزوّجها» الخبر (4).

و نحوه المروي في تحف العقول عن مولانا الجواد عليه السلام،أنّه سئل عن رجل نكح امرأة على زناء،أ يحلّ له أن يتزوّجها؟فقال:« يدعها حتى يستبرئها من نطفته و نطفة غيره؛ إذ لا يؤمن منها أن يكون قد أحدثت مع غيره حدثاً كما أحدثت معه،ثم يتزوّج بها إذا أراد» (5)فتأمّل.

خلافاً للمحكي عن الأكثر (6)،فلا يجب فيه؛ للأصل،و عدم حرمة للزناء.

ص:286


1- قاله الشهيد الثاني في الروضة 6:58.
2- كما في الكفاية:204.
3- منهم المحقق الكاشاني في المفاتيح 2:344،و صاحب الحدائق 25:397،و العلّامة في التحرير على ما حكاه عنه في المفاتيح.
4- الكافي 6:4/356،التهذيب 7:1346/327،الوسائل 22:265 أبواب العدد ب 44 ح 1.
5- تحف العقول:338،الوسائل 22:265 أبواب العدد ب 44 ح 2.
6- حكاه عنهم في مفاتيح الشرائع 2:344.

بثلاثة أطهار على الأظهر الأشهر بل لم نقف فيه على مخالف صريحاً،بل ظاهر الاستبصار و الحلّي و الطبرسي و جماعة و صريح الانتصار (1)الإجماع عليه،و هو الحجة فيه،كالنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة،و أكثرها صحاح و معتبرة،ففي الصحيحين:« القرء ما بين الحيضتين» (2).

و في الحسن:« الأقراء هي الأطهار» (3).

و في عدّة من المعتبرة،كالصحاح و الموثقة:« أنّه أملك برجعتها ما لم تقع في الدم من الحيضة الثالثة» (4).

و بإزاء هذه الأخبار نصوص كثيرة (5)،و حملها الأصحاب على التقية، و المفيد (6)على ما إذا طلّقها في آخر طهرها،و حمل الأوّلة على ما إذا طلّقها في أوّله.

و الأوّل أولى؛ للصحيح:رجل طلّق امرأته على طهر من غير جماع

ص:287


1- الاستبصار 3:328،الحلي في السرائر 2:691،الطبرسي في مجمع البيان 4:364؛ و انظر المسالك 2:36،و الكفاية:204،و المفاتيح 2:344،و الانتصار:149.
2- الأول في:الكافي 6:2/89،التهذيب 8:423/122،الإستبصار 3:1173/330،الوسائل 22:201 أبواب العدد ب 14 ح 1.الثاني في:الكافي 6:3/89،التهذيب 8:424/123،الاستبصار 3:1174/330،تفسير العياشي 1:350/114،الوسائل 22:201 أبواب العدد ب 14 ح 2.
3- الكافي 6:4/89،تفسير العياشي 1:539/115،الوسائل 22:201 أبواب العدد ب 14 ح 3.
4- انظر الوسائل 22:204 أبواب العدد ب 15.
5- الوسائل 22:207 أبواب العدد ب 15 الأحاديث 12،13،14.
6- حكاه عنه في التهذيب 8:127.

بشهادة عدلين،فقال:« إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدّتها، و حلّت للأزواج» قلت له:أصلحك اللّه تعالى،إنّ أهل العراق يروون عن علي عليه السلام يقول:هو أملك برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة،فقال:

« كذبوا» (1).

ثم إنّ اعتداد المطلّقة بالأقراء الثلاثة إنّما هو إذا كانت حرّة مطلقاً و إن كانت تحت عبد و أمّا إذا كانت أمة فعدّتها قرءان،و لو كانت تحت حرّ،بالنص و الإجماع،كما يأتي (2).

و تحتسب بالطهر الذي طلّقها فيه قرءاً واحداً و لو حاضت بعد الطلاق بلحظة لصدق الطهر على تلك اللحظة،و لا خلاف فيه.

و لو لم تطهر لحظة بعد الطلاق،بل اتصل خروج الدم بانتهاء الصيغة لم تحسب الطهر الذي طلّقت فيه قرء؛ لأنّ العبرة به بعد الطلاق لا حينه.

و تبين برؤية الدم الثالث قطعاً في ذات العادة الوقتية،و مطلقاً ظاهراً بناءً على الأشهر الأظهر من تحيّض النسوة مطلقاً،ذوات عادات كنّ أو مبتدءات أو مضطربات بمجرّد الرؤية.

خلافاً للماتن في الشرائع (3)،فخصّ الحكم بذات العادة المزبورة، بناءً على أصله.

و يدلّ على أصل الحكم في الجملة مع عدم الخلاف فيه بين الطائفة -

ص:288


1- الكافي 6:1/86،التهذيب 8:426/123،الإستبصار 3:1163/327،الوسائل 22:203 أبواب العدد ب 15 ح 1.
2- يأتي في ص 318.
3- الشرائع 3:34.

ما مضى من المعتبرة من أنّ:« الأقراء هي الأطهار» و بالدخول في الحيضة الثالثة مع تقدّم الطهر الحيضة الأُولى و لو لحظة يتحقق الأطهار الثلاثة.

مضافاً إلى صريح النصوص الأخيرة،القائلة:« إنّه أملك برجعتها ما لم تقع في الحيضة الثالثة» . و بما ذكرنا يظهر أنّ أقلّ ما تنقضي عدّتها ستّة و عشرون يوماً و لحظتان كما قدّمناه (1)؛ لاحتمال أن تطلّق و قد بقي من الطهر لحظة،ثم تنقضي أقلّ الحيض ثلاثة،ثم أقلّ الطهر عشرة،ثم تحيض و تطهر كذلك، ثم تطعن في الحيض لحظة و ليست هذه اللحظة الأخيرة جزءاً من العدّة،بل هي دالّة على الخروج عنها؛ لتصريح الآية و المعتبرة بأنّ العدّة هي بالإظهار خاصّة،من دون ضميمة حيضة،و لا تنافيهما المعتبرة المشترطة في البينونة الدخول في الحيضة الثالثة؛ لظهور أنّ الاشتراط من باب المقدّمة،و هذا هو الأشهر.

خلافاً للشيخ (2)،فجعله جزءاً؛ لأنّ الحكم بانقضاء العدّة إنّما يتحقق برؤية الدم من الحيضة الثالثة.

و هو أعم من المدّعى،فقد يكون توقف الحكم بالانقضاء على ذلك من باب المقدّمة،لا أنّه جزء من العدّة.

و يتفرع على القولين عدم جواز الرجعة أو التزويج بالغير في تلك اللحظة على الأوّل،دون الثاني.

الثالث في المسترابة

الثالث:في المسترابة بالحمل و هي التي لا تحيض و في سنّها من تحيض،و عدّتها إن كانت حرّة ثلاثة أشهر هلالية،إن طلّقت

ص:289


1- راجع ص 279.
2- المبسوط 5:236،الخلاف 5:56.

عند الهلال،و إلّا أكملت المنكسر خاصّة بثلاثين بعد الهلالين،على الأشهر الأظهر.

و الأصل في المسألة بعد الآية (1)و الإجماع المحكي في كلام جماعة (2)المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:« لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلّا بإذن زوجها،حتى تنقضي عدتها ثلاثة قروء،أو ثلاثة أشهر إن لم تحض» (3)مضافاً إلى النصوص الآتية.

و إطلاقها كالعبارة و صريح جماعة (4)يقتضي عدم الفرق في عدم الحيض بين أن يكون خلقيّاً،أو لعارض من حمل أو رضاع أو مرض.

خلافاً للقاضي و المفلح الصيمري (5)،فخصّا الحكم بما عدا الأخيرين،و قالا:إنّ عدّتها فيهما بالأقراء،و يظهر من الثاني تخصيص محلّ البحث بالأوّل.

و إطلاق النصوص،كأكثر الفتاوي،و صريح بعضها حجّة عليه، و لا حجّة له سوى إطلاق الأدلّة باعتداد المطلّقات بالأقراء،و هو مع الشك في شموله لمثل ما نحن فيه مقيّد بما هنا من الإطلاقات.

مضافاً إلى صريح الموثق،بل الصحيح:عن رجل طلّق امرأته بعد ما ولدت،و طهرت،و هي امرأة لا ترى دماً ما دامت ترضع،ما عدّتها؟قال

ص:290


1- الطلاق:4.
2- منهم الشيخ في الخلاف 5:58،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:345،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:137.
3- الكافي 6:1/89،التهذيب 8:402/116،الإستبصار 3:1184/333،الوسائل 22:198 أبواب العدد ب 12 ح 1.
4- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:37،و السبزواري في الكفاية:204،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:345.
5- القاضي في المهذب 2:320،الصيمري في تلخيص الخلاف 3:90.

« ثلاثة أشهر» (1).

و هذه تراعي الشهور و الحيض،فتعتدّ بأسبقهما إلى الطلاق، فتعتدّ بالأشهر إن مرّت بها بعد الطلاق بلا فاصلة خالية من الحيض،كما أنّها تعتدّ بالأقراء إن مرّت بها كذلك،أمّا لو مرّت بها الأشهر البيض بعد أن رأت الحيض و لو مرّة بعد الطلاق اعتدّت بالأقراء.

و الأصل في ذلك بعد الاتفاق المستفاد من كلام جماعة (2)المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:« أمران أيّهما سبق بانت به المطلّقة المسترابة تستريب الحيض،إن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت منه، و إن مرّت ثلاث حَيض ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض» (3)و نحوه الموثّق (4)و غيره (5).

و إطلاقها و إن أوهم الاكتفاء بالثّلاثة الأشهر البيض مطلقا،و لو كانت بعد حيضة أو حيضتين،إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق إلّا من شذّ ممّن تأخّر (6)على التقييد بالأشهر المتّصلة بالطلاق؛ للنصوص الآتية، المصرِّحة بأنّها لو رأت في الثلاثة المتّصلة بحين الطلاق تعتدّ بالثلاثة الأشهر بعد الصبر تسعة أشهر،أو ستّة،لتعلم أنّها ليست من ذوات الأقراء،فاكتفاء

ص:291


1- الكافي 6:7/99،الوسائل 22:185 أبواب العدد ب 4 ح 6.
2- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 2:84،و السبزواري في الكفاية:204،و صاحب الحدائق 25:422.
3- الكافي 6:1/98،التهذيب 8:409/118،و فيهما:بانت به،و لعلّه هو الأنسب،الإستبصار 3:1154/324،الوسائل 22:185 أبواب العدد ب 4 ح 5.
4- الكافي 6:9/100،التهذيب 8:408/118،الإستبصار 3:1153/324،الوسائل 22:184 أبواب العدد ب 4 ح 3.
5- الخصال:51/47،الوسائل 22:188 أبواب العدد ب 4 ح 13.
6- المسالك 2:38،انظر الحدائق 25:422.

الشاذّ المتقدّم إليه الإشارة بالثلاثة الأشهر البيض المطلقة،و لو بعد حيضتين أو حيضة،ضعيف البتّة.

نعم على ما ذكرناه ربما يستشكل الحكم بلزوم اختلاف العدّة باختلاف وقت الطلاق الواقع بمجرّد الاختيار مع كون المرأة من ذوات العادة المستقرّة في الحيض،فلو كان عادتها أن تحيض في كل أربعة أشهر مثلاً مرّة فإنّه على تقدير طلاقها في أوّل الطهر أو ما قاربه بحيث يبقى له منه ثلاثة أشهر بعد الطلاق تنقضي عدّتها بالأشهر،كما تقرّر.

لكن لو فرض طلاقها في وقت لا يبقى من الطهر ثلاثة أشهر تامّة كان اللازم من ذلك اعتدادها بالأقراء،فربما صارت عدّتها سنة و أكثر،على تقدير وقوع الطلاق في وقت لا يتم بعده ثلاثة أشهر بيضاء،و الاجتزاء بالثلاثة على تقدير سلامتها.

و يمكن الذبّ عنه بأنّ غايته الاختلاف في العدّة على ذلك التقدير، و لا ضير فيه بعد تحقّق النظير،أ لا ترى إلى المطلّقة في آخر طُهرها بحيث يبقى بعده منه لحظة عدّتها أقلّ من المطلّقة في ابتدائه،و بالجملة هذا الاستبعاد مع اندفاعه بما مرّ من النظير غير ملتفت إليه بعد قيام الدليل عليه.

و بالجملة:إذا مضت بها بعد الطلاق بلا فاصلة الأشهر الثلاثة خالية عن الحيضة فقد انقضت العدّة.

أمّا لو رأت في الشهر الثالث حيضة أو حيضتين و تأخّر الثانية أو الثالثة إلى أن انقضت الأشهر انتظرت تمام الأقراء؛ لأنّها قد استرابت بالحيض غالباً،فإن تمّت الأقراء قبل أقصى الحمل انقضت عدّتها،و إلّا صبرت تسعة أشهر على أشهر القولين و أظهرهما لاحتمال الحمل غالباً،فإن وضعت ولداً،أو اجتمعت الأقراء الثلاثة

ص:292

فذاك هو المطلوب في انقضاء العدّة.

ثمّ إن لم يتفق أحد الأمرين اعتدّت حينئذٍ بالأشهُر و ليست الأشهر التسعة المتقدّمة من العدّة،بل إنّما اعتبرت لتعلم أنّها ليست من ذوات الأقراء.

و الأصل في المسألة بعد التأيّد بالشهرة العظيمة بعض المعتبرة المنجبرة بها،و بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سندها،فلا تضرّ جهالة راويها:« إن كانت شابّة مستقيمة الطمث فلم تطمث في ثلاثة أشهر إلّا حيضة،ثم ارتفع طمثها،فلم تدر ما رفعها،فإنّها تتربّص تسعة أشهر من يوم طلّقها،ثم تعتدّ بعد ذلك ثلاثة أشهر،ثم تتزوّج إن شاءت» (1).

و في رواية عمّار الموثقة (2) تصبر سنة ثم تعتدّ بثلاثة أشهر أفتى بها الشيخ في النهاية (3)،لكن مقيّداً لها بصورة تأخّر الحيضة الثالثة.

و لا دليل عليه،مع عدم مقاومة الرواية للرواية المتقدّمة من اعتضادها بالشهرة العظيمة،و غيرها من المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:« إذا طلّق الرجل امرأته،فادّعت حبلاً انتظر تسعة أشهر،فإن ولدت،و إلّا اعتدّت بثلاثة،ثم قد بانت منه» (4).

و الموثق:المرأة الشابّة تحيض مثلها يطلّقها زوجها،و يرتفع حيضها، كم عدّتها؟قال:« ثلاثة أشهر» قلت:فإنّها ادّعت الحَبل بعد التسعة أشهر،

ص:293


1- التهذيب 8:411/119،الإستبصار 3:1149/323،الوسائل 22:199 أبواب العدد ب 13 ح 2.
2- التهذيب 8:410/119،الإستبصار 3:1148/322،الوسائل 22:199 أبواب العدد ب 13 ح 1.
3- النهاية:533.
4- الكافي 6:1/101،الفقيه 3:1599/330،التهذيب 8:444/129،الوسائل 22:223 أبواب العدد ب 25 ح 1.

قال:« إنّما الحَبل تسعة أشهر» قلت:تتزوّج؟قال:« تحتاط بثلاثة أشهر» قلت:فإنّها ادّعت بعد ثلاثة أشهر،قال:« لا ريبة عليها،تزوّجت إن شاءت» (1)و نحوهما غيرهما (2).

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين استرابتها بالحبل و عدمه في وجوب التربّص تسعة أو سنة،ثم الاعتداد بعدها،حتى لو كان زوجها غائباً عنها،أو حاضراً و لم يقر بها مدّة مديدة فحكمها كذلك،و إن كان ظاهر الحكمة يقتضي اختصاصه بالمسترابة،كما تعرب عنها المعتبرة الأخيرة،لكن ليس فيها كالتعليل في العبارة ما يوجب تقييد الحكم بالمسترابة،كما توهّمه بعض من عاصرناه في هذه الأزمنة (3).

نعم عن الشهيد في بعض تحقيقاته الاكتفاء بالتسعة لزوجة الغائب؛ محتجّاً بحصول مسمّى العدّة،و هو الأشهر البيض الثلاثة المندرجة في الأشهر التسعة (4).

و هو مصادرة غير مسموعة،سيّما في مقابلة إطلاق الفتاوي و الرواية.

و هذه العدّة أطول عدّة تفرض،و الضابط:أنّ المعتدّة المذكورة إن مضى بها ثلاثة أقراء قبل ثلاثة أشهر انقضت عدّتها بها،و إن مضى عليها ثلاثة أشهر لم تر فيها دم حيضٍ أصلاً انقضت عدّتها بها و إن كان لها عادة مستقيمة فيما زاد عليها،بأن كانت ترى الدم في كل أربعة أشهر مرّة،أو

ص:294


1- الكافي 6:2/101،التهذيب 8:445/129،الوسائل 22:223 أبواب العدد ب 25 ح 2.
2- الكافي 6:4/102،التهذيب 8:447/129،الوسائل 22:224 أبواب العدد ب 25 ح 4.
3- هو صاحب الحدائق 25:424.
4- حكاه عنه الشهيد الثاني في الروضة 6:61.

ما زاد عليها و ما نقص،بحيث يزيد عن ثلاثة و لو بلحظة.

و متى رأت في الثلاثة دماً و لو قبل انقضائها بلحظة فحكمها ما فصّل سابقاً من انتظار أقرب الأمرين من تمام الأقراء و وضع الولد،فإن انتفيا اعتدّت بعد تسعة أشهر بثلاثة أشهر،إلّا أن يتمّ لها ثلاثة أقراء قبلها،و لو مبنيّة على ما سَبَق.

و لا فرق في ظاهر إطلاق النص و الفتوى بين أن يتجدّد لها دم آخر في الثلاثة أو قبلها،و عدمه.

خلافاً للمفلح الصيمري في الأوّل،فأبطل العدّة بها،و عيّن اعتدادها بالأقراء،قال:لأنّا بيّنّا أنّها من ذوات الأقراء،فيلزمها الاعتداد بها (1).

و عليه فهل يجب عليها ثلاثة أقراء غير الأقراء المتخلّلة بين الطلاق و غاية التربّص؟وجهان:

فعن المبسوط (2):الأوّل؛ مُعلّلاً بأنّ مدّة التربّص ليست من العدّة، فلا عبرة بها.

و عن الشهيد (3):الثاني،و قوّاه المفلح الصيمري،قال:لأنّها لمّا رأت الدم بعد انقطاعه ثبت أنّها من ذوات الأقراء،و عدّتهنّ ثلاثة أقراء من حين الطلاق،لا أزيد من ذلك (4).و هو حَسَن.

ثم قال:أمّا لو رأت دم الثالث قبل مضيّ مدّة التربّص و لو بيوم انقضت عدّتها،إجماعاً.

ص:295


1- انظر تلخيص الخلاف 3:90،91.
2- المبسوط 5:237.
3- حكاه عنه في تلخيص الخلاف 3:91.
4- تلخيص الخلاف 3:91.

أقول:و يدلُّ عليه الصحيح المفسِّر للأخذ بأسبق الأمرين:« ثم إنّه إن مرّت بها ثلاثة أشهر إلّا يوماً فحاضت،ثم مرّت بها ثلاثة أشهر إلّا يوماً فحاضت،فهذه تعتدّ بالحيض على هذا الوجه،و لا تعتدّ بالشهور،فإن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض لم تحض فيها بانت» (1)و نحوه غيره (2).

و لا عدّة على الصغيرة و هي التي لم تبلغ التسع سنين عند الجماعة،و قد مضى إليه الإشارة (3).

و لا اليائسة التي لم تحض و مثلها لا تحيض،مع عدم الدخول، إجماعاً،و كذا معه أيضاً على الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل ربما كان مجمعاً عليه بين متأخّريهم،كما تنادي به عبارة التهذيبين (4)؛ للأصل، و المعتبرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة،منها الصحيح:عن التي قد يئست من المحيض و التي لا تحيض مثلها،قال:« ليس عليها عدّة» (5).

و هي مع استفاضتها،و اعتبار سند أكثرها،و انجبار باقيها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة معتضدة بأصالة البراءة،و المخالفة للتقية،و فقد الحكمة الموجبة للعدّة.

خلافاً للسيدين (6)؛ لظاهر الآية (7).

ص:296


1- الكافي 6:1/98،الفقيه 3:1609/332،التهذيب 8:409/118،الإستبصار 3:1154/324،الوسائل 22:185 أبواب العدد ب 4 ح 5.
2- التهذيب 8:226/68،الخصال:51/47،الوسائل 22:188 أبواب العدد ب 4 ح 12،13.
3- راجع ص 213.
4- الاستبصار 3:338،التهذيب 8:138.
5- التهذيب 8:218/66،الوسائل 22:177 أبواب العدد ب 2 ح 1.
6- المرتضى في الانتصار:146،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):616.
7- الطلاق:4.

و هي غير واضحة الدلالة،بل ربما كانت بالخلاف واضحة المقالة، سيّما بملاحظة بعض المعتبرة (1)،و عبارة الكافي و الطوسي (2)المصرِّحة برجوع الريبة إلى حال النسوة،أمّا بالنظر إلى الحيض و عدمه،كما يستفاد من[الثاني (3)]أو اليأس و عدمه،كما يستفاد من[الأول (4)]فانهدم مبنى الاستدلال بها من رجوع الريبة إلى حكم عدّة اليائسة،مع ما فيه من مناقشة أُخرى واضحة.

و أضعف منه الاستدلال بالرواية:« عدّة التي لم تبلغ الحيض ثلاثة أشهر،و التي قد قعدت من الحيض ثلاثة» (5)إذ مع ضعفها،و قطعها غير صريحة الدلالة،فتحتمل كبعض المعتبرة الآخر الحمل على المسترابة،و مع ذلك فهي موافقة لما عليه العامة العمياء،كما حكاه جماعة (6)،فلا اعتداد بمثلها و لو صريحة.

و في حدّ اليأس عن المحيض روايتان بل روايات، باختلافها اختلف الأصحاب،إلّا أنّ أشهرهما أنّه خمسون سنة ففي الصحيح أو ما يقرب منه:« حدّ التي قد يئست من المحيض

ص:297


1- الكافي 6:8/100،التهذيب 8:407/118،الإستبصار 3:1183/332،الوسائل 22:186 أبواب العدد ب 4 ح 7.
2- الكافي 6:86،الطوسي في التهذيب 8:68.
3- بدل ما بين المعقوفين في الأصل:الأوّل،و الظاهر ما أثبتناه.
4- في الأصل:الثاني،و الظاهر ما أثبتناه.
5- الكافي 6:/85 ذيل الحديث 5،التهذيب 8:223/67،الإستبصار 3:1205/338،الوسائل 22:179 أبواب العدد ب 2 ح 6.
6- منهم الشيخ في الخلاف 5:53،و صاحب الوسائل 22:180،و صاحب الحدائق 25:438.

خمسون سنة» (1).

و نحوه خبران (2)،في سندهما سهل،مع ما في الثاني منهما من الإرسال،إلّا أنّ الأوّل سهل،أو ثقة،كما عليه من المحققين جماعة (3)، و الثاني غير قادح بعد كون الراوي ممّن أجمعت على تصحيح رواياته العصابة، مع انجبار الجميع،أو اعتضاده بالشهرة المحكية في العبارة و كلام جماعة (4).

خلافاً لأحد قولي الماتن في الشرائع (5)،فستّون؛ للموثق (6).

و فيه قصور عن المقاومة لما مرّ،سيّما مع ندرة القول به على إطلاقه.

و لآخرين (7)،بل ادّعى عليه الشهرة المتأخّرة جماعة (8)،فالتفصيل

ص:298


1- الكافي 3:4/107،التهذيب 1:1237/397،الوسائل 2:335 أبواب الحيض ب 31 ح 1.
2- أحدهما في:الكافي 3:2/107،التهذيب 1:1235/397،الوسائل 2:335 أبواب الحيض ب 31 ح 3. و الآخر في:الكافي 6:4/85،التهذيب 8:478/137،الإستبصار 3:1202/337،الوسائل 2:336 أبواب الحيض ب 31 ح 6.
3- منهم الشيخ في الرجال في أصحاب الهادي عليه السلام:416،و صاحب الوسائل 30:389،و حكاه أيضاً عن بعض مشايخه المعاصرين،انظر الوجيزة:224.
4- منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:286،و الشهيد في المسالك 1:9،و المجلسي في مرآة العقول 21:145.
5- الشرائع 1:29.
6- التهذيب 7:1881/469،الوسائل 22:183 أبواب العدد ب 3 ح 5.
7- منهم الصدوق في الفقيه 1:51،و الشيخ في المبسوط 1:42،و صاحب الوسائل 22:181،و صاحب الحدائق 3:172.
8- منهم السبزواري في الذخيرة:62،الحواشي على شرح اللمعة:52،و صاحب الحدائق 3:171.

بين القرشية فالثاني و ألحق بها النبطية جماعة (1)؛ للرواية (2)و هي مرسلة و غيرها،أو غيرهما فالأوّل؛ جمعاً،و للمرسل كالصحيح:« إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة،إلّا أن تكون امرأة من قريش» (3)(4).و ردّ بقصور السند أوّلاً.و ليس كذلك.

و عدم الصراحة ثانياً.و فيه منع لو أُريد من حيث عدم التصريح بالستّين؛ لعدم القائل بالفرق.و تسليم إن أُريد من حيث عدم الحكم صريحاً بالحيضة،إلّا أنّ الظهور قائم،و هو كافٍ،فالقول به لا يخلو من قوّة.

مع اعتضاده بالعمومات الدالّة على تحيّض المرأة بمجرّد رؤية الدم، خرج منها ما زاد عن الخمسين فيما عدا القرشية أو النبطية أيضاً،و بالمعتبرة المتقدّمة،و بقيت هي أو هما في العمومات مندرجة.

و لا يردّ ذلك بعموم المعتبرة المتقدّمة بالخمسين الشاملة للقرشية أيضاً،فإن خصّصت العمومات بها فيمن عداها خصّصت بها فيها أيضاً.

لمنع العموم،و إنّما غايته الإطلاق المنصرف إلى الأفراد المتكثّرة الشائعة،دون النادرة،و لا ريب أنّ القرشيّة من الثانية،سيّما في أزمنة صدور المعتبرة.

و بالجملة:هذا القول قويّ غاية القوّة.

و غير بعيدٍ إلحاق النبطية؛ لعين ما عرفت في القرشية من العمومات،

ص:299


1- منهم العلّامة في المختلف:610،و الشهيد في الدروس 1:97.
2- المقنعة:532،الوسائل 2:337 أبواب الحيض ب 31 ح 9.
3- الكافي 3:3/107،التهذيب 1:1236/397،الوسائل 2:335 أبواب الحيض ب 31 ح 2.
4- نهاية المرام 2:93.

مع عدم انصراف إطلاقات المعتبرة إلى مثلها؛ لكونها من الأفراد النادرة.

نعم ربما ينافيه الحصر في الرواية الأخيرة.و يمكن الذبّ عنه بالورود مورد الغلبة.

و لو رأت المطلّقة الحيض مرّة ثم بلغت سنّ اليأس أكملت العدّة بشهرين بلا خلاف أجده،بل حكي صريحاً (1)؛ لصريح الخبر:في امرأة طلّقت و قد بلغت في السنّ،فحاضت حيضة واحدة،ثم ارتفع حيضها،قال:« تعتدّ بالحيضة و شهرين مستقبلين،فإنّها قد يئست من الحيض» (2).

و لا يضرّ قصور السند؛ للانجبار بالفتوى،مع تصريح جماعة بحسنه (3)،بل و صحّته (4).

و لو رأت حيضتين ثم بلغت اليأس ففي وجوب اعتدادها بشهر،أم لا،وجهان،أحوطهما:الأوّل،و أقواهما الثاني؛ للأصل،و عموم ما دلّ على نفي العدّة عن اليائسة،خرج عنه مورد الرواية المنجبرة بالشهرة، و يبقى المفروضة فيه مندرجة.

و لو كانت المطلّقة ذات عادة مستقيمة إلّا أنّها لا تحيض إلّا في خمسة أشهر أو في ستّة اعتدّت بالأشهر للصحيح:في التي تحيض في كل ثلاثة أشهر مرّة،أو في ستّة أشهر،أو في سبعة أشهر..« أن عدّتها

ص:300


1- المفاتيح 2:347.
2- الكافي 6:11/100،التهذيب 8:416/121،الإستبصار 3:1156/325،الوسائل 22:191 أبواب العدد ب 6 ح 1،و في الجميع:طعنت،بدل:بلغت.
3- منهم المجلسي في ملاذ الأخيار 13:241.
4- روضة المتقين 9:109.

ثلاثة أشهر» (1).

و إطلاقه كالعبارة و إن اقتضى الاكتفاء بالأشهر الثلاثة مطلقاً،و لو تخلّلها حيضة،إلّا أنّه يجب تقييده بما مضى (2)من المعتبرة،المشترطة في الاعتداد بالأشهر خلوّها عن الحيض و لو مرّة.

و عليها يحمل إطلاق معتبرة أُخر،كالصحيح:في المرأة يطلّقها زوجها،و هي تحيض كل ثلاثة أشهر حيضة،فقال:« إذا انقضت ثلاثة أشهر انقضت عدّتها،يحسب لها كل شهر حيضة» (3).

و في حكم المفروضة في العبارة من لا تحيض إلّا في سنتين،أو سنة،أو غيرهما،و يجمعه ما يزيد على الأشهر الثلاثة،و الفرض في العبارة على المثل و الإشارة،دون الحصر في الخمسة أو الستّة؛ لعموم الصحيحة، و غيرها من المعتبرة،كالحسن:عن التي لا تحيض إلّا في ثلاث سنين،أو أربع سنين،قال:« تعتدّ ثلاثة أشهر» (4).

لكن بإزاء هذه الصحيحة معتبرة أُخر دالّة على لزوم اعتداد من هي موردها بعادتها السابقة،و لو نقصت عن الأشهر الثلاثة (5).و لم أرَ عاملاً بها إلّا الشيخ في كتاب الحديث (6).

ص:301


1- الكافي 6:5/99،التهذيب 8:412/119،الإستبصار 3:1150/323،الوسائل 22:183 أبواب العدد ب 4 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- راجع ص 290.
3- الكافي 6:6/99،التهذيب 8:413/120،الإستبصار 3:1151/323،الوسائل 22:184 أبواب العدد ب 4 ح 2.
4- الفقيه 3:1607/332،التهذيب 8:417/121،الإستبصار 3:1162/326،الوسائل 22:187 أبواب العدد ب 4 ح 11.
5- انظر الوسائل 22:189 أبواب العدد ب 4 الأحاديث 14،15،19.
6- الاستبصار 3:327.

قيل (1):و هي مطرحة عند الأصحاب،فالعمل بها مشكل،و الجمع بحمل هذه على الغالب من التحيّض في كل شهر مرّة ممكن،فتكون عليه دالّة على الأشهر الثلاثة،كما في الرواية السابقة.

ثم إنّ ذكر حكم هذه في العبارة مع اندراجها في المسترابة المتقدّم حكمها في صدر الفصل وجهه غير واضح،إلّا بتخصيص السابقة باليائسة عن المحيض إلّا أنّ في سنّها من تحيض،دون هذه فإنّها غير يائسة،بل ذات عادة مستقيمة،لكن على خلاف العادة؛ لتحيّضها في كل أشهر مرّة.

الرابع في الحامل

الرابع:في الحامل،و عدّتها في الطلاق و ما في معناه كالفسخ و الوطء بشبهة،أو مطلقاً على قول بالوضع للحمل بتمامه،بشرط كونه من المطلّق و لو بعد الطلاق بلحظة بالكتاب (2)،و الإجماع،و السنّة المستفيضة التي كادت تكون متواترة،و أكثرها صحاح و معتبرة،ففي الصحيح:في الرجل يطلّق امرأته و هي حبلى،قال:« أجلها أن تضع حملها» (3).

و فيه:« فإن وضعت قبل أن يراجعها فقد بانت منه،و هو خاطب من الخطّاب» (4).

و إطلاقها،كالآية الكريمة،و صريح الجماعة يقتضي الاكتفاء بالوضع مطلقاً و لو لم يكن تاماً لكن مع تحقق كون -ه حملاً و مبدأً

ص:302


1- انظر الحدائق 25:416.
2- الطلاق:4.
3- الكافي 6:4/103،التهذيب 8:464/134،الوسائل 21:518 أبواب النفقات ب 7 ح 1.
4- التهذيب 8:236/71،الإستبصار 3:1058/298،الوسائل 22:146 أبواب أقسام الطلاق ب 20 ح 2.

لنشوء الآدمي قطعاً،و لا يكفي فيه مجرّد كونه نطفة،إجماعاً،كما صرّح به بعض (1).

و ينصّ على الإطلاق مضافاً إلى الإجماع الصحيح:« كل شيء وضعته يستبين أنّه حمل،تمّ أو لم يتمّ،فقد انقضت عدّتها،و إن كان مضغة» (2).

ثم إنّ ظاهر العبارة كالأدلّة انحصار العدّة في الوضع خاصة،مضى لها قبله أشهر ثلاثة أم لا،و هو الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل لعلّه المجمع عليه في أمثال هذه الأزمنة،و قد صرّح به بعض الأجلّة (3).

خلافاً للصدوق و ابن حمزة (4)في الأول،فجعلاه العدّة،لكن صرّحا بأن ليس لها التزويج إلّا بعد الوضع؛ للخبر:« طلاق الحامل واحدة، و عدّتها أقرب الأجلين» (5).

و في سنده اشتراك،و في دلالته نظر،فقد يكون المراد بأقرب الأجلين هو الوضع خاصّة،بمعنى:أنّه هو العدّة،و إن كان أقرب من الأطهار أو الأشهر،و يرجع المعنى حينئذٍ إلى أنّ عدّتها قد يكون بأقرب الأجلين،و هو:ما إذا كان هو الوضع،بخلاف عدة الوفاة،فإنّه لا يكون إلّا بأبعد الأجلين.

ص:303


1- كالشهيد الثاني في المسالك 2:41.
2- الكافي 6:9/82،الفقيه 3:1598/330،التهذيب 8:443/128،الوسائل 22:197 أبواب العدد ب 11 ح 1.
3- و هو الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:341.
4- الصدوق في الفقيه 3:329،ابن حمزة في الوسيلة:325.
5- الكافي 6:2/81،التهذيب 8:232/70،الإستبصار 3:1054/298،الوسائل 22:194 أبواب العدد ب 9 ح 3.

و هو وجه حسن في الجمع،بل لعلّ في بعض المعتبرة إشعاراً به، كالصحيحين:« و أجلها أن تضع حملها،و هو أقرب الأجلين» (1)فإنّهما مع تصريحهما بأنّ الأجل هو الوضع،المشعر بالحصر صرّحا بأنّه أقرب الأجلين،و لا وجه له إلّا ما ذكرناه،فتدبّر.

نعم في الرضوي (2)دلالة على هذا القول،و لعلّه يأبى عن قبول نحو هذا التأويل،إلّا أن قصوره عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة كفانا مئونة الاشتغال بتأويله،و لا حاجة لنا إليه بالمرّة.

و لو طلّقها فادّعت الحبل تربّص بها أقصى مدّة الحمل إجماعاً،و النصوص به مستفيضة،منها الصحيح:« إذا طلّق الرجل امرأته، فادّعت أنّها حبلى انتظر تسعة أشهر،فإن ولدت،و إلّا اعتدّت بثلاثة أشهر، ثم قد بانت منه» (3).

و ظاهره كجماعة،منهم الشيخ في النهاية (4)وجوب التربّص سنة، و لا ريب فيه على القول بكونها أقصى المدّة،و أمّا على القول بأنّها التسعة كما هو الأظهر،و مختار هؤلاء الجماعة فكذلك؛ لظاهر الرواية،فيرجع الأمر حينئذٍ إلى وجوب التربّص بعد الأقصى بأشهر ثلاثة.

ص:304


1- الكافي 6:6/82،8،التهذيب 8:441/128،الوسائل 22:193،195 أبواب العدد ب 9 ح 2،6.
2- فقه الرضا عليه السلام:244،المستدرك 15:350 أبواب العدد ب 9 ح 1.
3- الكافي 6:1/101،الفقيه 3:1599/330،التهذيب 8:444/129،الوسائل 22:223 أبواب العدد ب 25 ح 1.
4- النهاية:534.

خلافاً للحلّي و آخرين (1)،فجعلوه حينئذٍ أحوط؛ للمستفيضة،منها الحسن في المرتابة بالحبل أنّ:« عدّتها تسعة أشهر» قلت:فإنّها ارتابت بعد تسعة أشهر،قال:« إنّما الحمل تسعة أشهر» قلت:فتزوَّج؟قال:« تحتاط بثلاثة أشهر» الخبر (2)،و نحوه غيره (3).

و فيه نظر،فإنّها مع قصور السند ليس فيها سوى الأمر بالتربّص أقصى الحمل،و الأمر بالاحتياط بعده بثلاثة أشهر،و هو غير الاستحباب بالمعنى المصطلح،إلّا على تقدير ثبوت كون الاحتياط يراد به الاستحباب حيثما يطلق،و فيه نظر،فلا وجه لصرف الأمر بالاعتداد بالثلاثة الأشهر بعد الأقصى في الصحيح الذي مضى إلى الاستحباب،مع كونه كالأمر بالاحتياط في الحسن و غيره حقيقة في الوجوب،هذا.

مضافاً إلى اعتضاده بفحوى ما دلّ على وجوب التربّص بذلك في المسترابة،ففي المسألة من حيث إنّها فيها مدّعية أولى،فإذاً مختار الأوّلين أظهر و أقوى.

ثمّ ليس في الصحيح المتقدّم دلالة على كون أقصى الحمل هو السنة، بل هو ظاهر في التسعة،كما صرّحت به تلك المستفيضة،فإذاً الاستدلال به على السنة فاسد البتّة.

و لو وضعت توأماً بانت به كما عن النهاية و القاضي و ابن

ص:305


1- الحلي في السرائر 2:743؛ و الشهيد في المسالك 2:41،و والد المجلسي في روضة المتقين 9:108،و هو في ملاذ الأخيار 13:255.
2- الكافي 6:4/102،التهذيب 8:447/129،الوسائل 22:224 أبواب العدد ب 25 ح 4.
3- الكافي 6:2/101،التهذيب 8:445/129،الوسائل 22:223 أبواب العدد ب 25 ح 2.

حمزة (1)؛ للخبر:عن رجل طلّق امرأته و هي حبلى،و كان في بطنها اثنان، فوضعت واحداً و بقي واحد؟قال:« تبين بالأوّل،و لا تحلّ للأزواج حتى تضع ما في بطنها» (2).

و في سنده قصور و جهالة،مع مخالفته لإطلاق الآية (3)،و المعتبرة المصرّحة بأنّ العدّة وضع الحمل (4)،و لا يكون إلّا بوضع التوأمين فما زاد لو كان.

اللّهمّ إلّا أن يدّعى انجبار الرواية بفتوى هؤلاء الجماعة.

و هو محلّ ريبة،كيف لا؟!و الأشهر بين الطائفة بل ربما ادّعى عليه الشيخ في الخلاف إجماع العلماء إلّا من عكرمة (5)هو عدم الانقضاء إلّا بوضع الحمل أجمع،و لعلّه لهذا كان الحكم عند المصنف على تردّد و ليس في محلّه،بل الظاهر هو القول الآخر؛ لقوة أدلّته؛ مضافاً إلى الأصل،سيّما مع وهن القول الأوّل برجوع الشيخ الذي هو عمدة القائلين به عنه إلى الثاني،مع دعواه إجماع الكلّ عليه إلّا من ندر.

و كيف كان لم يجز لها أن تنكح زوجاً غيره إلى أن تضع الأخير بلا خلاف،بل عليه الإجماع قد حكي (6)،و به نص ما مرّ من الخبر؛ مضافاً إلى الأصل.

ص:306


1- النهاية:534،القاضي في المهذب 2:286،ابن حمزة في الوسيلة:322.
2- الكافي 6:10/82،التهذيب 8:243/73،الوسائل 22:196 أبواب العدد ب 10 ح 1.
3- الطلاق:4.
4- الوسائل 22:193 أبواب العدد ب 9.
5- الخلاف 5:60.
6- حكاه في المسالك 2:41،و هو في المبسوط 5:241،و الخلاف 5:60.

و ثمرة الاختلاف فيما مرّ حينئذٍ جواز الرجعة و وجوب النفقة،فيثبتان على المختار،و ينتفيان على غيره.

و لو طلّقها طلاقاً رجعيّاً ثم مات عنها استأنفت عدّة الوفاة أربعة أشهر و عشراً من حين الوفاة،بلا خلاف؛ لأنّها بحكم الزوجة،و النصوص به مع ذلك مستفيضة،منها الصحيح:« أيّما امرأة طلّقت،ثم توفّي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدّتها و لم تحرم عليه،فإنّها ترثه،ثم تعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها» (1).

و يستفاد من مفهوم القيد بعدم التحريم عليه بناءً على أنّ الظاهر مغايرة المعطوف للمعطوف عليه،و أنّ العطف التفسيري خلاف الأصل أنّه لو كان طلّقها بائناً اقتصرت على إتمام عدّة الطلاق مضافاً إلى الأصل،و عدم الداعي إلى استئناف عدّة الوفاة للبينونة المطلقة، مع أنّه لا خلاف فيه.

ثم مقتضى الأصل،و اختصاص النصوص بحكم التبادر و الغلبة بغير عدّة المسترابة،اعتدادها بالأشهر الثلاثة بعد الصبر تسعة أشهر أو سنة، و لا إشكال فيه إذا بقي من المدّة ما يزيد على عدة الوفاة أو يساويها.

و يشكل في الناقص،كما إذا صبرت التسعة أو السنة ثم مات عنها؛ لما يظهر ممّا قدّمناه من أنّها بحكم الزوجة،و بعض المعتبرة من وجوب الحداد (2)و من (3)استئنافها عدّة الوفاة حينئذٍ،فتزيد على الثلاثة أشهر

ص:307


1- الكافي 6:6/121،التهذيب 8:269/79،الإستبصار 3:1087/305،الوسائل 22:250 أبواب العدد ب 36 ح 3.
2- الوسائل 22:233 أبواب العدد ب 29.
3- ليست في« ح».

أربعين يوماً ليتمّ لها عدّة الوفاة،و مرجع هذا إلى لزوم مراعاتها في هذه الصورة أبعد الأجلين مما بقي من العدّة و من عدة الوفاة.

و قيل فيه وجوه أُخر،و الأصح ما قلناه.

الخامس في عدّة الوفاة

الخامس:في عدّة الوفاة،تعتدّ الحرّة المنكوحة بالعقد الصحيح بأربعة أشهر و عشرة أيّام إذا كانت حائلاً بالكتاب،و السنّة،و الإجماع، قال اللّه سبحانه وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً [1] (1).و الصحاح بها مستفيضة،كغيرها من المعتبرة التي كادت تكون متواترة،بل متواترة،و سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

و إطلاقها كالآية الشريفة و صريح الإجماع عموم الحكم لكل امرأة صغيرةً كانت أو كبيرةً،دخل بها أو لم يدخل بها،بالغاً كان الزوج أو غيره.

مضافاً إلى صريح المستفيضة في غير المدخول بها،منها الصحيح:

في المتوفّى عنها زوجها إذا لم يدخل بها:« إن كان فرض لها مهراً فلها مهرها الذي فرض لها،و لها الميراث،و عدّتها أربعة أشهر و عشراً كعدّة التي دخل بها،و إن لم يكن فرض لها مهراً فلا مهر لها،و عليها العدّة،و لها الميراث» (2).

و أمّا الموثق:عن المتوفّى عنها زوجها من قبل أن يدخل بها؟قال

ص:308


1- البقرة:234.
2- التهذيب 8:505/146،الإستبصار 3:1215/341،الوسائل 21:332 أبواب المهور ب 58 ح 22.

« لا عدّة عليها» (1).

فمع قصوره سنداً و مكافأةً لما مرّ قطعاً،محتمل للتقية عن جماعة من العامّة،الذين لم يظهر قولهم بذلك في هذه الأزمنة أصلاً،كما صرّح به بعض أصحابنا (2)،و شهد به بعض أخبارنا،كالموثق:عن رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها،أ عليها عدّة؟قال:« لا» قلت له:المتوفّى عنها زوجها قبل أن يدخل بها،أ عليها عدّة؟قال:« أمسك عن هذا» (3)فتدبّر.

و لا فرق أيضاً بين الدائمة و المتمتّع بها،على الأشهر الأقوى،كما مضى.

خلافاً للمفيد و المرتضى (4)،فكالأمة.و هو ضعيف جدّاً.

و يعتبر مدّة العدّة بالهلال ما أمكن،فإن مات الزوج في خلال الشهر الهلالي و كان الباقي أكثر من عشرة أيّام أُكمل ثلاثين يوماً و يضاف إليه ثلاثة أشهر بالأهلّة و عشرة أيّام،فإذا انتهت إلى الوقت الذي مات فيه الزوج يوم مات فقد انتهت العدّة،و إن كان الباقي عشرة أيّام،أو أقلّ منها،ضمّ إليها أربعة أشهر هلالية،و تمام العشرة في الثاني.

و في عدّ المنكسر ثلاثين أو الاكتفاء بإتمام ما فات خلاف،الأحوط الأوّل.

ص:309


1- التهذيب 8:497/144،الإستبصار 3:1210/339،الوسائل 22:248 أبواب العدد ب 35 ح 4.
2- الوسائل 22:249،ملاذ الأخيار 13:282.
3- التهذيب 8:498/144،الإستبصار 3:1211/339،الوسائل 22:248 أبواب العدد ب 35 ح 5.
4- المفيد في المقنعة:536،المرتضى حكاه عنه في المسالك 1:508.

و إطلاق الآية (1)و المستفيضة المتقدّمة و إن شمل المتوفّى عنها مطلقا،إلّا أنّ الإجماع منعقد باعتدادها بأبعد الأجلين من المدّة المزبورة و مدّة وضع الحمل إن كانت حاملاً مضافاً إلى النصوص المستفيضة،و فيها الصحيح و غيره.

خلافاً للعامة،فجعلوا عدّتها الوضع كالطلاق (2).

و هو مع مخالفته الآية (3)هنا،السليمة عن معارضة الآية الأُخرى في اعتداد الحامل بالوضع مطلقا،من حيث ظهورها في المطلّقات جدّاً أخبارنا بردّه منصوصة،ففي الصحيح عن المرأة الحُبلى المتوفّى عنها زوجها تضع و تزوّج قبل أن يخلو أربعة أشهر و عشراً؟قال:« إن كان زوجها الذي تزوّجها دخل بها فُرّق بينهما،و اعتدّت ما بقي من عدّتها الاُولى، و عدّة اخرى عن الأخير،و إن لم يكن دخل بها فرّق بينهما،و اعتدّت ما بقي من عدّتها،و هو خاطب من الخطّاب» (4)و نحوه غيره (5).

و يلزمها الحداد ما دامت هي في العدّة،بالنص و الإجماع،ففي المستفيضة و فيها الصحاح-:« المتوفّى عنها زوجها تعتدّ من يوم يأتيها الخبر؛ لأنّها تحدّ» (6).

ص:310


1- الطلاق:4.
2- انظر بداية المجتهد 2:96،و المغني لابن قدامة 9:153،و المحلّى لابن حزم 10:263.
3- البقرة:234.
4- الكافي 6:7/114،الوسائل 22:241 أبواب العدد ب 31 ح 6.
5- الوسائل 22:239 أبواب العدد ب 31.
6- الكافي 6:3/112،التهذيب 8:567/163،الإستبصار 3:1270/355،الوسائل 22:229 أبواب العدد ب 28 ح 3.

و في الموثق:عن المتوفّى عنها زوجها؟فقال:« لا تكتحل للزينة، و لا تطيِّب،و لا تلبس ثوباً مصبوغاً،و لا تبيت عن بيتها،و تقضي الحقوق، و تمتشط بغسلة (1)،و تحجّ و إن كانت في عدّتها» (2)و نحوه غيره (3)في النهي عن الاكتحال للزينة،و التطيّب،و لبس الثوب المصبوغ.

و هو كما يستفاد منها ترك الزينة للعدول فيها عن الأمر بالحداد إلى النهي عن الأُمور المزبورة،الملازمة للزينة غالباً في العرف و العادة.

و أوضح منها الخبر:« المتوفّى عنها زوجها ليس لها أن تطيِّب، و لا تزيِّن،إلّا أن تنقضي عدّتها أربعة أشهر و عشرة أيّام» (4)للعدول فيه عن الأمر بالحداد إلى النهي عن الزينة،هذا.

مع تفسيره بتركها في كلام جماعة من أهل اللغة (5)،فاللازم عليها ترك ما يعدّ زينة عرفاً من الثياب،و الادهان،و الكحل،و الحِنّاء،و الطيب، و غير ذلك.

و يختلف ذلك باختلاف العادات،فلو فرض عدم عدّ استعمال الأُمور المزبورة في بعض العادات زينة كان محلّلاً؛ تمسّكاً بالأصل،و التفاتاً إلى انصراف إطلاق النهي عن استعمالها في الروايات إلى العادة الجارية في

ص:311


1- الغِسلة:ما تجعله المرأة في شعرها عند الامتشاط.القاموس 4:25،مجمع البحرين 5:434.
2- الكافي 6:4/116،التهذيب 8:551/159،الوسائل 22:233 أبواب العدد ب 29 ح 2.
3- الوسائل 22:233 أبواب العدد ب 29.
4- الكافي 6:12/117،الوسائل 22:234 أبواب العدد ب 29 ح 4.
5- انظر لسان العرب 3:143،المصباح المنير:124،مجمع البحرين 3:35.

الأعصار الماضية من عدّ مثلها زينة.

و منه يظهر الوجه في عدم لزوم ترك التنظيف،و دخول الحمّام، و تسريح الشعر،و السواك،و قلم الأظفار،و السكنى في المساكن العالية، و استعمال الفرش الفاخرة،و غير ذلك ممّا لا يعدّ مثله في العرف و العادة زينة.

قالوا:و لا فرق في الحكم بين الصغيرة و الكبيرة،و المسلمة و الذميّة، و المجنونة،و ظاهرهم الاتّفاق عليه،و هو الحجّة فيه إن تمّ،دُون النصوص؛ لانصرافها إلى ما عدا الاُولى و الأخيرة،من حيث تضمّنها توجّه التكليف إلى نفس المرأة،لا وليّها،كما قالوه فيهما،مع أنّ تكليفه بذلك مدفوع بالأصل،مع أنّ المحكي عن الحلّي (1)العدم في الأُولى بعين ما مضى،و هو جارٍ في الأخيرة أيضاً.

ثمّ إنّ غاية ما يستفاد من الأدلّة إجماعاً و روايةً كون الحداد واجباً على حدةٍ،لا شرطاً في العدّة،فلو أخلّت به و لو عمداً إلى أن انقضت العدّة حلّت للأزواج،و لكن تكون آثمة خاصّة،و هو أصحّ القولين في المسألة.

خلافاً لنادر (2)في العمد،فأبطل به العدّة أيضاً.و هو لمخالفته الأصل و إطلاق الأدلّة ضعيف البتّة.

ثمّ إنّ الحكم مختصّ بالمتوفّى عنها خاصّة دون أقاربها، و المطلّقة مطلقا،رجعيّاً أو بائناً،بلا خلافٍ،بل عليه الإجماع في الانتصار (3)؛ للأصل،و المعتبرة:« المطلّقة تكتحل،و تختضب،و تطيِّب،

ص:312


1- السرائر 2:739.
2- انظر المسالك 2:45.
3- الانتصار:154.

و تلبس ما شاءت من الثياب؛ لأنّ اللّه تعالى يقول لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً [1] (1)» (2).و أمّا الخبر:« المطلّقة تحدّ كما تحدّ المتوفّى عنها زوجها،لا تكتحل، و لا تطيِّب،و لا تختضب،و لا تتمشّط» (3)فضعيف سنداً،غير مكافئ لما مرّ جدّاً،سيّما مع موافقته لمذهب أكثر العامّة و منهم أبو حنيفة- (4)في البائنة.

و أمّا حمله على البائنة فيستحب،كما فعله الشيخ في التهذيبين (5)فلا وجه له أصلاً.

و لا حداد على الأمة مطلقا،على الأظهر الأشهر بين الطّائفة، و منهم الشيخ في النهاية (6)؛ للأصل،و الصحيح:« إنّ الحرّة و الأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدّة،إلّا أنّ الحرّة تحدّ،و الأمة لا تحدّ» (7).

خلافاً للطوسي و الحلّي (8)،فتحدّ أيضاً؛ لإطلاق النبوي المرسل (9).

ص:313


1- الطلاق:1.
2- الكافي 6:14/92،التهذيب 8:454/131،الوسائل 22:217 أبواب العدد ب 21 ح 2.
3- التهذيب 8:555/160،الإستبصار 3:1256/351،الوسائل 22:218 أبواب العدد ب 21 ح 5.
4- حكاه عنه في بداية المجتهد 2:123.
5- الاستبصار 3:352،التهذيب 8:160.
6- النهاية:537.
7- الكافي 6:1/170،التهذيب 8:529/153،الإستبصار 3:1241/347،الوسائل 22:259 أبواب العدد ب 42 ح 2.
8- الطوسي في المبسوط 5:265،الحلي في السرائر 2:745.
9- انظر سنن ابن ماجة 1:2086/674،سنن البيهقي 7:437،المستدرك 15:362 أبواب العدد ب 25 ح 9،عوالي اللئلئ 2:400/143.

و هو مع قصور السند،و عدم المكافأة لما مرّ،سيّما الخبر مقيّد به [لإطلاق النبوي و المرسل و هو مع قصور السند و عدم المكافأة لما مر سيما الخبر مقيد به؛] لإطلاقه،بل و منصرف إلى الحرّة؛ لكونها المتبادرة الغالبة،فلا معارضة بين الخبرين بالمرّة.

السّادس في المفقود

السّادس:في المفقود،لا خيار لزوجته إن عرف خبره حياته أو موته،بل عليها الصبر في الأوّل إلى مجيئه أو تحقّق فوته،و على الحاكم الإنفاق عليها من ماله إن أمكن الوصول إليه،و إلّا طالبه بالنفقة بالإرسال إليه أو إلى من يجبره عليه،و من بيت المال إن تعذّر الأمران مع عدم متبرّع.

و عليها عدّة الوفاة في الثاني،و حلّت للأزواج بعدها،و حلّ لكلّ من شاركها في العلم بالوفاة،أو اختصّ عنها بالجهل بها و بحالها أيضاً مع تعويله في الخلوّ عن الزوج بدعواها نكاحها.

أو جهل خبره و لكن كان له وليّ أو متبرّع ينفق عليها فلا خيار لها هنا أيضاً،بلا خلاف هنا و فيما مضى؛ للأُصول المعتمدة؛ مضافاً إلى النصوص الآتية.

ثمّ إن فقد الأمران فجهل خبره،و لم يوجد من ينفق عليها،فإن صبرت فلا بحث،و إن أبت فمقتضى الأُصول وجوب الصبر عليها إلى ثبوت الوفاة،إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الاتفاق على أنّها إن لم تصبر و رفعت أمرها إلى الحاكم جاز لها و أجّلها أربع سنين من حين الرفع،على الأظهر الأشهر بين الأصحاب؛ لأكثر أخبار الباب (1).

و ما يستفاد منه التحديد من حين الفحص و لو قبل الرفع (2)فلا يعارضه بوجه أصلاً،مع عدم إبائه عن الانطباق عليه.

ص:314


1- الوسائل 20:506 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 44.
2- الكافي 6:3/148،الوسائل 22:158 أبواب أقسام الطلاق ب 23 ح 5.

و كيف كان يجب الفحص في تلك المدّة،كما يستفاد من أكثر المعتبرة (1)،لا بعدها،كما ربما يتوهّم من بعضها (2) فإن وجده كان له حكمه و إلّا بأن فقده و لم يعلم حاله أمرها بعدّة الوفاة ثم أباحها للنكاح قيل:بلا خلاف (3)؛ للموثق:عن المفقود؟فقال:« إن علمت بأنّه في أرض فهي منتظرة له أبداً حتى يأتيها موته أو يأتيها طلاقه،و إن لم تعلم اين هو من الأرض كلّها أو لم يأتها منه كتاب و لا خبر فإنّها تأتي الإمام فيأمرها أن تنتظر أربع سنين،فيطلب في الأرض،فإن لم يوجد له أثر حتى تمضي أربع سنين أمَرَها أن تعتدّ أربعة أشهر و عشراً ثم تحلّ للرجال،فإن قدم زوجها بعد ما تنقضي عدّتها فليس عليها رجعة،و إن قدم و هي في عدّتها أربعة أشهر و عشراً فهو أملك برجعتها» (4).

و ظاهره كالعبارة و الشيخين و القاضي و الحلّي كما حكي (5)الاكتفاء في الاعتداد بالأمر به،و لو من دون طلاق.

خلافاً لجماعة من المتأخّرين (6)،تبعاً للصدوق و الإسكافي (7)،

ص:315


1- الوسائل 22:156 أبواب أقسام الطلاق ب 23.
2- الكافي 6:1/147،الوسائل 22:158 أبواب أقسام الطلاق ب 23 ح 4.
3- انظر الحدائق 25:484.
4- الكافي 6:4/148،التهذيب 7:1923/479،الوسائل 20:506 أبواب ما يحرم بالمصاهرة و نحوها ب 44 ح 4.
5- المفيد في المقنعة:537،الطوسي في المبسوط 5:278،القاضي في المهذب 2:338،الحلي في السرائر 2:736،و حكاه عنهم في المهذّب البارع 3:495.
6- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 3:348،و الشهيد الثاني في الروضة 6:65،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:140.
7- الصدوق في المقنع:119،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:592.

فأوجبوه؛ لصريح المعتبرة،منها الصحيح:عن المفقود،كيف يصنع بامرأته؟فقال:« ما سكتت عنه و صبرت يخلّى عنها،فإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجّلها أربع سنين،ثم يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه فيسأل عنه،فإن خبّر عنه بحياة صبرت،و إن لم يخبر عنه بشيء حتى تمضي الأربع سنين دعا وليّ الزوج المفقود،فقيل له:هل للمفقود مال؟فإن كان له مال أنفق عليها حتى يعلم حياته من موته،و إن لم يكن له مال قيل للولي:أنفق عليها،فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوّج ما أنفق عليها،و إن لم ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلّق تطليقة في استقبال العدّة و هي طاهر،فيصير طلاق الولي (1)طلاق الزوج،فإن جاء زوجها من قبل أن تنقضي عدّتها من يوم طلّقها الولي فبدا له أن يراجعها فهي امرأته،و هي عنده على تطليقتين،و إن انقضت العدّة قبل أن يجيء أو يراجع فقد حلّت للأزواج،فلا سبيل له عليها» (2)و نحو الصحيح (3)،و ما يقرب منه (4).

و هو الأصحّ،و عليها تحمل الموثقة؛ لعدم صراحتها في عدم الطلاق،فتقبل ذلك،كقبول هذه الروايات حمل العدّة فيها على عدّة الوفاة،كما صرّح بها في الموثقة؛ لعدم التصريح فيها بعدّة المطلّقة،و لذا اتفق الكلّ على اعتبار عدّة الوفاة.

و قصور الموثق سنداً و عدداً عن المقاومة للمعتبرة منجبر بالشهرة

ص:316


1- في الأصل:الوالي،و ما أثبتناه من المصدر،و هو الأنسب.
2- الكافي 6:2/147،الفقيه 3:1696/354،التهذيب 7:1922/479،الوسائل 22:156 أبواب أقسام الطلاق ب 23 ح 1.
3- الكافي 6:1/147،الوسائل 22:158 أبواب أقسام الطلاق ب 23 ح 4.
4- الكافي 6:3/148،الوسائل 22:158 أبواب أقسام الطلاق ب 23 ح 5.

العظيمة،بل وفاق الطائفة،كما حكاه بعض الأجلّة (1)،فمخالفة من ندر (2)في العدّة و اعتباره عدّة الطلاق دون الوفاة فاسدة البتة.

قيل:و تظهر الثمرة في المدّة و الحداد و النفقة (3)،فيجب الأخير على عدّة الطلاق دون الوفاة،بعكس الثاني،كما قيل (4).

و فيه نظر؛ لتصريح بعض من صرّح بعدّة الوفاة هنا بعدم لزوم الحداد (5)؛ للأصل،و اختص ما دلّ على لزومه بحكم التبادر بصورة تيقّن الموت لا مطلقاً،و هو الأظهر.

و انتفاء النفقة على تقدير الثاني حسن مع استمرار الجهل أو تحقق الموت،أمّا مع تحقق البقاء و حضوره قبل انقضاء العدّة ففيه إشكال:من كونها عدّة بينونة،فلا نفقة،و من كونها في حباله و لا نشوز منها النفقة، و هو الأولى،وفاقاً لبعض أصحابنا (6).

و كيف كان فإن جاء في العدّة فهو أملك بها و إن حكم بكونها عدّة وفاة بائنة،بلا خلاف؛ للأصل،و صريح ما مضى من المعتبرة.

و يستفاد منها أنّه لا يصير أحقّ بها إلّا مع الرجعة،فلو لم يرجع بانت منه،و وجهه أنّ ذلك لازم حكم الطلاق الصحيح.

ثم المستفاد منها أيضاً أنّها إن خرجت من العدّة و تزوّجت

ص:317


1- هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:141.
2- فمن المتقدمين الصدوق في المقنع:119،و ابن حمزة في الوسيلة:324،و من المتأخرين فخر المحققين في الإيضاح 3:354،و ابن فهد في المهذّب البارع 3:497.
3- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:46.
4- انظر كشف اللثام 2:141.
5- التنقيح الرائع 3:348.
6- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:348.

فلا سبيل له عليها؛ مضافاً إلى الإجماع عليه،كما حكاه جماعة من أصحابنا (1).

و أمّا إن خرجت منها و لم تتزوّج فقولان،أظهرهما و أشهرهما: أنّه لا سبيل له عليها هنا أيضاً؛ للحكم ببينونتها شرعاً، فالسبيل حينئذٍ مخالف للأصل جدّاً،مع دلالة النصوص الماضية عليه صريحاً.

و القول الثاني للطوسي في النهاية (2)،مدّعياً هو كالماتن في الشرائع (3)أنّ به رواية.

و لم نقف عليها،و قد صرّح به جماعة (4)،فهو ضعيف،كضعف ما علّل به:من بطلان طنّ وفاته فبطل ما يترتّب عليه،أوّلاً:بأنّه يتّجه لو لم يوجب طلاقها بعد البحث،أمّا معه كما مضى فلا.

و ثانياً:بإمكان المناقشة فيه على تقدير عدم إيجابه و الاكتفاء بأمر الشارع بالاعتداد،فإنّه قائم مقام الطلاق،و لذا صحّ لها النكاح،و انتفى سبيله عنها بعده،بلا خلاف،هذا.

مع أنّه اجتهاد صرف في مقابلة النص،سيّما الموثّق؛ لتصريحه بالحكم المزبور مع ظهوره في الاكتفاء المذكور.

و من هنا يظهر وجه القدح في القول بالتفصيل بأنّها إن بانت بالطلاق

ص:318


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:46،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:141،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:351.
2- النهاية:538.
3- الشرائع 3:39.
4- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:46،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:107،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:351،و صاحب الحدائق 25:493.

فالأوّل،و إن بانت بأمر الحاكم فالثاني (1).

السابع في عدّة الإماء و الاستبراء

السابع:في عدّة الإماء و الاستبراء هو لغةً:طلب البراءة، و شرعاً:التربّص بالمرأة مدّة بسبب ملك اليمين حدوثاً أو زوالاً؛ لبراءة الرحم،أو تعبّداً،هذا هو الأصل،و إلّا فقد يجب الاستبراء بغير ذلك،كأن وطئ أمة غيره شبهة.

و خصّ بهذا الاسم لأنّ التربّص مقدّر بما يدل على البراءة من غير تكرير و تعدّد فيه،بخلاف التربّص الواجب بسبب النكاح،فإنّه مأخوذ من العدد؛ لما يقع فيه من تعدّد الأقراء و الشهور،فخصّ باسم العدّة،و حكمه مضى في بحث التجارة.

بقي حكم العدّة،فنقول: عدّة الأمة في الطلاق و نحوه مع الدخول بنكاح أو شبهة،هذا القيد مستدرك،كيف لا؟!و لا عدّة على من لم يدخل بها مطلقاً،كما مضى (2).

و كيف كان عدّتها قرءان بالنص،و إجماع علماء الإسلام إلّا داود،فجعل عدّتها ثلاثة أقراء (3).و هو مسبوق بالإجماع و ملحوق به.

مضافاً إلى أنّها تكون على النصف ممّا عليه الحرّة في الأحكام، و القرء لا يتبعّض،و إنّما يظهر نصفه إذا ظهر كلّه بعود الدم.

و في النبوي:« يطلّق العبد تطليقتين،و تعتدّ الأمة بقرءين» (4)و نحوه الباقري المروي صحيحاً (5).

ص:319


1- قال به في المختلف:593.
2- في ص 282.
3- انظر بداية المجتهد 2:93.
4- سنن الترمذي 2:1193/327،سنن الدارقطني 4:104/38،107.
5- الكافي 6:1/167،التهذيب 8:466/134،الإستبصار 3:1192/335،الوسائل 22:256 أبواب العدد ب 40 ح 1.

و هما أي القرءان طهران،على الأشهر بين الأصحاب؛ لتفسير القرء بقول مطلق بما بين الحيضتين في الصحاح المستفيضة المتقدّم إليها الإشارة في عدّة الحرّة،و عليه يكون المراد بالقرءين في الخبرين:

الطهرين.

خلافاً للإسكافي و العماني على احتمال،فحيضتان (1)؛ لصريح الصحيحين و غيرهما:« طلاق الأمة تطليقتان،و عدّتها حيضتان» (2).

و حملت الحيضة الثانية على الدخول فيها،و لا بأس به،جمعاً بين الأدلّة،و إن كان المصير إلى هذا القول لولا الشهرة العظيمة بخلافه في غاية القوّة؛ لعدم معارض لتلك المعتبرة الصريحة صريحاً،إلّا ظواهر تلك المستفيضة المطلقة،القابلة للتقييد بالحرّة،و جعل الألف و اللام فيها إشارة إلى أقرائها المذكورة في الآية،و هذا الجمع أقوى ممّا ذكر بالبديهة، و الاحتياط العمل به البتّة.

كل ذا إذا كانت ذات عادة مستقيمة.

و أمّا لو كانت مسترابة بالحيض،فلا تحيض و هي في سنّ من تحيض ف -عدّتها خمسة و أربعون يوماً إن طلّقت في أثناء الشهر،أو في أوّله و كان الشهر تامّاً،و أمّا إذا فقد الأمران كأن طلّقت في الأوّل و نقص الشهر فأربعة و أربعون يوماً؛ نظراً إلى قاعدة التنصيف المستفادة من العمومات،و خصوص الصحيح هنا:« عدّة الأمة حيضتان، و إذا لم تكن تحيض فنصف عدّة الحرّة» (3).

ص:320


1- نقله عنهما في التنقيح الرائع 3:351،و نقله عن الإسكافي في المختلف:619.
2- الوسائل 22:256 أبواب العدد ب 40 الأحاديث 1،2،5.
3- الكافي 6:4/170،الوسائل 22:256 أبواب العدد ب 40 ح 3.

و الصحيح:« أجلها شهر و نصف» (1)و نحوهما غيرهما من المعتبرة (2).

و يحتمل قويّاً حمل إطلاق بعض الفتاوي كالعبارة و غيرها على ذلك، بورودها مورد الغالب،و هو:وقوع الطلاق في أواسط الشهر،أو أوّله مع غلبة تماميّته.

و نحوه الكلام فيما أُطلق فيه العدد في العبارة من المعتبرة،كالموثق:

« عدّة الأمة التي لا تحيض خمسة و أربعون يوماً» (3)مع قصوره عن المقاومة لما مرّ سنداً و عدداً،و لكنّه أحوط.

و أمّا الصحيح:عن الأمة إذا طلّقت ما عدّتها؟قال:« حيضتان،أو شهران» (4)فشاذّ لا عمل عليه،يمكن حمله على ما حمل عليه صدره، و لعلّه بمعونة الإجماع هنا قرينة واضحة على صحة الحمل في الصدر من إرادة الدخول في الحيضة الثانية،فيتقوّى القول المشهور في المسألة السابقة.

و لا ينافي الإجماع هنا احتياط الإسكافي بالشهرين (5)،كما حكي؛ لظهور الاحتياط في الاستحباب الغير المنافي لما عليه الأصحاب،و على تقدير المنافاة فلا قدح عليه أيضاً؛ لمعلومية نسبه.

و لو كانت مسترابة بالحمل كان عليها الصبر بأشهر تسعة،وفاقاً

ص:321


1- الكافي 6:1/169،الوسائل 22:256 أبواب العدد ب 40 ح 2.
2- الوسائل 22:256 أبواب العدد ب 40.
3- الفقيه 3:1680/351،الوسائل 22:258 أبواب العدد ب 40 ح 7.
4- الكافي 6:2/170،التهذيب 8:530/153،الإستبصار 3:1243/348،الوسائل 22:259 أبواب العدد ب 42 ح 1.
5- كما حكاه عنه في المختلف:619.

لشيخنا العلّامة و بعض الأجلّة (1)؛ التفاتاً إلى ظواهر النصوص الآمرة به في الحرّة (2)،التي هي كالصريحة في أنّ الصبر في تلك المدّة لاستعلام البراءة، و لا يتفاوت فيه الحرّة و الأمة.

لكن ظاهرها أنّ الصبر تلك المدّة ليس للعدّة،بل إنّما هو لمعرفة البراءة،و أمّا العدّة فهي الأشهر الثلاثة التي بعدها،و بمقتضى ذلك يجب عليها الصبر هنا بعد التسعة بشهر و نصف البتة،إلّا أنّي لم أقف على مفتٍ بذلك،بل هم ما بين مفتٍ بتسعة،و مصرّحٍ بعدم وجوبها و الاكتفاء بأشهر ثلاثة (3)؛ التفاتاً إلى ظهور الحمل في هذه المدّة،و اختصاص الآمرة بالزيادة بالحرّة.

و المناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.

و أمّا لو كانت حاملاً فعدّتها كالحرّة بوضع الحمل،وفاقاً لجماعة (4)، بل حكي عليه الإجماع (5)؛ لعموم الآية وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [1] (6)و لا يتفاوت الحكم في جميع ذلك باختلاف الأزواج بالحرّية و الرقّية،بل يعمّ الصورتين.

و تحت عبدٍ كانت أو تحت حرٍّ بلا خلاف؛ لعموم الأدلّة، و مقتضاها أيضاً عموم الحكم لكلّ أمةٍ،قنّاً كانت أو مدبّرة أو مكاتبة أو أُمّ

ص:322


1- العلّامة في المختلف:619.
2- الوسائل 22:223 أبواب العدد ب 25.
3- حكاه عن ابن الجنيد في المختلف:619،و اختاره في التنقيح 3:352.
4- منهم العلّامة في القواعد 2:73،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:352،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:142.
5- كما في نهاية المرام 2:108.
6- الطلاق:4.

ولد زوّجها مولاها فطلّقها الزوج.

و أمّا المبعّضة فليست داخلة في عموم الأدلة؛ لعدم التبادر،و كونها من الأفراد النادرة،فتعتدّ عدّة الحرّة،لا لدخولها في أدلّتها؛ لعين ما مرّ من المناقشة،بل للاقتصار فيما خالف أصالة بقاء أحكام الزوجية التي منها حرمة النكاح من الغير على المتيقّن من العدّة،و هي:عدّة الحرّة بلا خلاف؛ مضافاً إلى إشعار بعض العبارات بالإجماع عليه (1).

و لو أُعتقت الأمة ثم طلّقت لزمها عدّة الحرة إجماعاً؛ لأنّها حينئذٍ حرّة.

و كذا لو طلّقها رجعيا ثم أُعتقت في أثناء العدّة أكملت عدّة الحرّة،و لو طلّقها بائناً أتمّت عدّة الأمة بلا خلاف بين الطائفة في المقامين؛ للصحيحين (2)المطلقين في العدّتين،لكن يجمعهما بعد الوفاق المفصّل،المعتبر سنداً بالعمل،و وجود المجمع على تصحيح روايته فيه،فلا يضرّ جهالة راويه:في أمةٍ تحت حرٍّ طلّقها على طهر بغير جماع تطليقة،ثم اعتقت بعد ما طلّقها بثلاثين يوماً و لم تنقض عدّتها، قال:« إذا أُعتقت قبل أن تنقضي عدّتها اعتدّت عدّة الحرّة من اليوم الذي طلّقها،و له عليها الرجعة قبل انقضاء العدّة،فإن طلّقها تطليقتين واحدة بعد واحدة،ثم اعتقت قبل انقضاء عدّتها،فلا رجعة له عليها،و عدّتها عدّة الأمة» (3).

ص:323


1- المسالك 2:48.
2- الأوّل في:التهذيب 8:469/135،الإستبصار 3:1195/335،الوسائل 22:273 أبواب العدد ب 50 ح 3.الثاني في:التهذيب 8:470/135،الإستبصار 3:1196/335،الوسائل 22:273 أبواب العدد ب 50 ح 4.
3- التهذيب 8:471/135،الوسائل 22:273 أبواب العدد ب 50 ح 2.

و هو و إن لم يدل على عموم الحكم في البائنة مطلقاً صريحاً،إلّا أنّه ربما يستشعر من صدره بل و ذيله اشتراط جواز الرجعة في ثبوت عدّة الحرة،و دورانه مداره،مع عدم القائل بالفصل في أنواع المطلقة البائنة.

و وجِّه التفصيل زيادةً على الرواية بأنّها في الأوّل في حكم الزوجة، و قد اعتقت،فيلزمها عدّة الحرّة،و في الثاني في حكم الأجنبية،فلا يقدح عتقها في العدّة في الحكم عليها بعدّة البائنة.

و عدّة الذمّية التي ليست بأمة كالحرّة المسلمة في كلّ من الطلاق و الوفاة،على الأشبه الأشهر بين الطائفة،بل ادّعى عليه الوفاق بعض الأجلة (1)،و هو الحجّة؛ مضافاً إلى عموم الكتاب و السنّة.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة في العدّة الأخيرة،منها الصحيح:عن النصرانية مات عنها زوجها،و هو نصراني،ما عدّتها؟قال:« عدّة الحرّة المسلمة أربعة أشهر و عشراً» (2).

و نحوه الموثق (3)،إلّا أنّه صريح في أنّ عدّتها في الطلاق عدّة الإماء، معلِّلا بأنّهنّ مماليك الإمام،و لأجل هذا التعليل لا يمكن حمله على كون النصرانية المسئول عنها أمة لا مطلقا.

و هذا التعليل مستفيض في النصوص،لأجله تنهض بالدلالة على المستفادة من هذه الموثقة من أنّ عدّتها في الطلاق عدّة الأمة،مع تأيّده بمفهوم الخبرين،أحدهما الصحيح:في أُمّ ولد لنصراني أسلمت،

ص:324


1- الحدائق 25:507.
2- الكافي 6:3/175،التهذيب 8:311/91،الوسائل 22:267 أبواب العدد ب 45 ح 2.
3- الكافي 6:1/174،التهذيب 7:1918/478،الوسائل 22:266 أبواب العدد ب 45 ح 1.

أ يتزوّجها المسلم؟قال:« نعم،و عدّتها من النصراني إذا أسلمت عدّة الحرّة المطلّقة ثلاثة أشهر،أو ثلاثة قروء» الخبر (1).

و أظهر منه الثاني:« عدّة العِلجة (2)إذا أسلمت عدّة المطلّقة إذا أرادت أن تتزوّج غيره» (3).

إلّا أنّ فيه قطعاً و جهالةً،و في الصحيح و ما تقدّمه من الموثقة و التعليل المأثور في المستفيضة قصوراً عن المقاومة لما مرّ من عموم الكتاب و السنّة،المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة،كما حكاه بعض الأجلّة،و مع ذلك مؤيّدة بأصالة بقاء حرمة الزوجية.

مضافاً إلى ندرة القائل بما في الموثّقة،بل لم نقف عليه بالمرّة،و قد صرّح بذلك جماعة (4)،و نصّ بعضهم بأنّها مطرحة (5)،و ما هذا شأنه لا سبيل للعمل به البتّة.

و تعتدّ الأمة غير ذات الولد من مولاها من الوفاة وفاة الزوج بشهرين و خمسة أيّام عند أكثر القدماء و المتأخّرين،بل لعلّه عليه عامتهم،إلّا من ندر من متأخّريهم (6)؛ لقاعدة التنصيف ممّا عليه الحرّة.

ص:325


1- الكافي 6:4/176،التهذيب 8:312/91،الوسائل 22:268 أبواب العدد ب 46 ح 1.
2- العِلج:الرجل من كفّار العجم و غيرهم.النهاية لابن الأثير 3:286،المصباح المنير:425 مجمع البحرين 2:319.
3- الكافي 6:2/175،الوسائل 22:268 أبواب العدد ب 46 ح 2.
4- منهم المحقق في الشرائع 3:41،و الشهيد الثاني في المسالك 2:48،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:143.
5- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:352.
6- الجامع لابن سعيد:471،انظر زبدة البيان للمحقق الأردبيلي:598.

و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة بنفسها في بعض، و بالشهرة العظيمة في آخر،ففي الصحيح:« الأمة إذا توفّي عنها زوجها فعدّتها شهران و خمسة أيام» (1).

خلافاً للصدوق و الحلّي و ظاهر الكليني (2)،فكالحرّة؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،إلّا أنّ بعضها مختصّ بذات الولد من المولى،و سيأتي إليه الإشارة (3).

و في الصحيح:« كلّ النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرّةً كانت، أو أمة،أو على أي وجهٍ كان النكاح منه متعة،أو تزويجاً،أو ملك يمين فالعدّة أربعة أشهر و عشراً» الخبر (4).

و فيه:« إنّ الحرّة و الأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة،إلّا أنّ الحرّة تحدّ،و الأمة لا تحدّ» (5).

و في القوي:« عدّة المملوكة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر و عشرة أيّام» (6).

ص:326


1- التهذيب 8:536/154،الإستبصار 3:1239/347،الوسائل 22:261 أبواب العدد ب 42 ح 9.
2- الصدوق في المقنع:121،الحلي في السرائر 2:735،الكليني في الكافي 6:170.
3- في ص 327.
4- الفقيه 3:1408/296،التهذيب 8:545/157،الإستبصار 3:1252/350،الوسائل 22:275 أبواب العدد ب 52 ح 2.
5- الكافي 6:1/170،التهذيب 8:529/153،الإستبصار 3:1241/347،الوسائل 22:259 أبواب العدد ب 42 ح 2.
6- التهذيب 8:532/153،الإستبصار 3:1242/347،الوسائل 22:260 أبواب العدد ب 42 ح 5.

و حملت هذه الروايات في المشهور بين المتأخّرين بذات الولد من المولى،و الأخبار المتقدمة بغيرها؛ جمعاً،و التفاتاً إلى الصحيحين الآتيين (1)،الصريحين في اعتداد ذات الولد بعدّة الحرّة.

و فيه نظر؛ لأنّه فرع التكافؤ،و ليس؛ لمخالفة الأخبار الأوّلة لظاهر إطلاق الكتاب و موافقتها للتقية،كما حكاه خالي العلّامة (2)طاب ثراه.

و مع ذلك فإنّ بعض الروايات الأخيرة كالصريح في العموم لغير ذات الولد.

و مع ذلك فإنّ هذه الأخبار معتضدة بإطلاق كثير من المعتبرة باعتداد الزوجة على الإطلاق أربعة أشهر و عشراً (3)،الشاملة للحرّة و الأمة،و بما مضى من اعتداد المتعة في الوفاة بعدّة الحرّة (4)،الظاهر في الدلالة على الحكم في المسألة بضميمة صحيحة زرارة أنّ على المتعة ما على الأمة (5).

و مؤيّدة بما مضى في المسألة السابقة (6)من المعتبرة الصريحة في أنّ عدّة الذميّة في الوفاة كعدّة الحرّة،مع تصريح بعضها بالحكم في الأمة، و أنّها كذلك أيضاً،و بأنّ الذمّية أمة للإمام عليه السلام،كما صرّحت به المعتبرة الأُخر،فترجع دلالتها بمعونة التعليل إلى أنّ كلّ أمة حكمها في عدّة الوفاة كالذمّية التي هي أمة.

ص:327


1- في ص 327،328.
2- ملاذ الأخيار 13:298.
3- الوسائل 22:235 أبواب العدد ب 30.
4- راجع ص 308.
5- الفقيه 3:1408/296،التهذيب 8:545/157،الإستبصار 3:1252/350،الوسائل 22:275 أبواب العدد ب 52 ح 2.
6- راجع ص 323.

و ليس في الروايات الأوّلة من المرجّحات سوى الشهرة العظيمة في خلاف هذا القول،و لعلّها بمجرّدها غير مكافئة لما في هذه الروايات من المرجّحات المذكورة،المورثة للظنّ القويّ غاية القوّة،و مع ذلك فالاحتياط بمراعاتها البتّة،بل لا يجوز العدول عنه؛ تمسّكاً بأصالة الحرمة.

و أمّا الاستشهاد بالصحيحين على التفصيل فليس في محلّه؛ إذ غايتها إثبات الحكم في ذات الولد،و هو غير ملازم لنفيه عمّا عداها،إلّا بنوعٍ من التوجيه المتمشّى في أحدهما خاصة،قد قرّرناه في بحث عدّة المتعة، و لكنّه معارض بما في ذيله المنافي له،المشعر بالعموم،كما يأتي.

كلّ ذا إذا كانت حائلاً.

و لو كانت حاملاً اعتدّت مع ذلك و هو العدد:شهران و خمسة أيّام بالوضع بأن تجعل العدّة أبعدهما،إجماعاً،حكاه جماعة (1)؛ جمعاً بين عمومي الآية وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [1] (2)مع عدم مخصّصٍ لها صريحاً،و ما قدّمناه من المعتبرة باعتبار المدّة،بحملها على الحائل أو الحامل التي تضع في أقلّ من المدّة،و حمل الآية على غيرها.

كلّ ذا في الأمة غير ذات الولد من المولى.

و أمّا أُمّ الولد منه فتعتدّ من وفاة الزوج مطلقا،كانت ذات ولد منه أم لا،إجماعاً كالحرّة على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر؛ لعموم الأدلّة المتقدّمة من الكتاب و السنّة السليمة عن

ص:328


1- منهم الشهيد في المسالك 2:49،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:112،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:349.
2- الطلاق:4.

معارضة الأخبار المتقدّمة باعتدادها بالنصف ممّا على الحرّة؛ لاختصاصها بحكم التبادر و الغلبة بغير ذات الولد البتة.

مضافاً إلى الصحيحين،في أحدهما:عن رجل كانت له أُمّ ولد، فزوّجها من رجل،فأولدها غلاماً،ثم إنّ الرجل مات فرجعت إلى سيّدها، إله أن يطأها؟قال:« تعتدّ من الزوج أربعة أشهر و عشراً،ثم يطؤها بالملك من غير نكاح» (1).

و في الثاني:« إنّ علياً عليه السلام قال في أُمّهات الأولاد:لا يتزوّجن حتى يعتددن أربعة أشهر و عشراً،و هنّ إماء» (2).

و هما مع صحتهما و صراحتهما في المطلوب و اعتضادهما بالأُصول و العمومات معتضدان بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً، و مع ذلك سليمان عمّا يصلح للمعارضة؛ لما مرّ إليه الإشارة،و ليس فيهما إشارة إلى التقييد بذات الولد المستلزم للنفي عمّا عداها.

نعم في الثاني ربما كان فيه دلالة عليه،من حيث وقوع السؤال في صدرها عن عدّة مطلق الأمة،و اختصاص الجواب المتضمّن لعدّة الحرّة بأُمّ الولد المشعر بذلك.

و فيه نظر؛ إذ هو حيث لا يمكن استفادة حكم مطلق الأمة منه، و ليس إلّا مع فقد قوله في الذيل:« و هنّ إماء» المشعر بالعموم،و ورود الحكم على مطلق الأمة،و كأنّه عليه السلام أراد بيان حكم مطلق الأمة بقضيّة

ص:329


1- الكافي 6:3/171،التهذيب 8:531/153،الإستبصار 3:1244/348،الوسائل 22:259 أبواب العدد ب 42 ح 2.
2- الكافي 6:2/170،التهذيب 8:530/153،الإستبصار 3:1243/348،الوسائل 22:259 أبواب العدد ب 42 ح 1.

علي عليه السلام في أُمّهات الولد،لكن لمّا كان ربما يتوهّم منه الاختصاص بهنّ ذكر عليه السلام أنّ حكمه عليهنّ كان في حال كونهنّ إماءً و لسن بحرائر،و هذه الحالة بعينها موجودة في فاقدة الولد.

و كيف كان فاعتداد ذات الولد بعدّة الحرّة ليس محلّ شبهة،و إن حكي عن أكثر القدماء المخالفة (1)،و الاعتداد بنصف ما على الحرّة،إلّا أنّها ضعيفة البتّة.

ثمّ ظاهر العبارة عدم اعتداد أُمّ الولد من المولى من موته بتلك المدّة، بل اعتدادها من موت الزوج خاصّة،و حكي عن الحلّي (2)صريحاً،مع حكمه بأنّ عليها الاستبراء خاصة،و نفى عنه البأس في المختلف (3)،و جزم به في موضع من التحرير (4)شيخنا العلّامة؛ للأصل،و اختصاص العدّة بالزوجة.

و فيه نظر؛ للمنع عنهما بعد ورود المعتبرة باعتداد الأمة من موت المولى عدّة الحرّة،منها الصحيح السابق في أُمّهات الأولاد:« لا يتزوّجن حتى يعتددن أربعة أشهر و عشراً» (5).

و هو نصّ في أُمّ الولد،و عام لموت الموالي و الأزواج،و لعلّه ظاهر في الأوّل،و يؤيّده الصحيح المتقدّم (6)،المعمِّم للحكم في كل زوجة و موطوءة و لو بالملك.

ص:330


1- حكاه عنهم الشهيد في المسالك 2:49.
2- السرائر 2:735.
3- المختلف:611.
4- التحرير 2:75.
5- المتقدم في ص 328.
6- في ص 325.

و الصحيح:يكون الرجل تحته السرية فيعتقها،فقال:« لا يصلح لها أن تنكح حتى تنقضي ثلاثة أشهر،و إن توفّي عنها مولاها فعدّتها أربعة أشهر و عشراً» (1).

و الموثق:عن الأمة يموت سيّدها؟فقال:« تعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها» (2).

و في الخبر،بل الحسن:في الأمة إذا غشيها سيّدها،ثم أعتقها« فإنّ عدّتها ثلاث حيض،فإن مات عنها فأربعة أشهر و عشراً (3)» (4).و في الاستدلال بهذه الرواية مع قصور سندها و كذا بالصحيحة الثانية كما وقع عن جماعة (5)نظر؛ لظهورهما في الاعتداد بعدّة الحرّة بعد أن صارت معتقة،و ليستا حينئذٍ من محلّ البحث في شيء،بل لموردهما حكم على حدة،يأتي إليه الإشارة.

فانحصر الأدلّة في الصحيحين الأوّلين و الموثقة،و هي كافية في الحجّة،سيّما مع اعتضادها بالشهرة،كما يظهر من بعض الأجلّة (6)،

ص:331


1- الكافي 6:3/171،التهذيب 8:540/156،الإستبصار 3:1250/349،الوسائل 22:262 أبواب العدد ب 43 ح 1.
2- الكافي 6:2/171،التهذيب 8:539/155،الإستبصار 3:1249/349،الوسائل 22:260 أبواب العدد ب 42 ح 4.
3- كذا،و في الكافي و الوسائل:و عشر،و لعلّه الأنسب.
4- الكافي 6:1/171،التهذيب 8:538/155،الإستبصار 3:1248/349،الوسائل 22:263 أبواب العدد ب 43 ح 5.
5- منهم الشيخ في التهذيب 8:153،و الشهيد الثاني في المسالك 2:49،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:113،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:143.
6- كالشهيد الثاني في المسالك 2:49.

و حكي عن الطوسي و الحلبي و ابن حمزة و موضع من التحرير و شيخنا الشهيد في اللمعة (1)،و اختاره من المتأخّرين عنهم جماعة (2)،مدّعين كون تلك المعتبرة عن المعارض سليمة.

و ليس كذلك؛ فإنّ الرواية الأخيرة ظاهرة في اشتراط الغشيان ثم الإعتاق في الاعتداد بالمدّة المزبورة،و لازمه عدمه بعدم الإعتاق،و حيث لا قائل بعد ثبوت العدم بعدّة اخرى سوى الاستبراء استقرّ دلالتها بعدم الاعتداد مطلقا مع عدم الإعتاق،كما هو مفروض البحث،و سند الرواية ليس بذلك الضعيف،بل ربما يعدّ من الحسن،و مع ذلك معتضد بالأصل المتيقّن،و عمومات ما دلّ على أنّ على الأمة الاستبراء خاصّة،من دون تفصيل بين موت مواليهنّ و عدمه،و مؤيّد بموافقة فتوى من لا يرى العمل بأخبار الآحاد،فالقول به لا يخلو عن قوّة.

إلّا أنّ الشهرة في جانب الأخبار السابقة ربما غلبت المرجّحات المزبورة،مع الاعتضاد بأصالة بقاء الحرمة،فهو الأقوى في المسألة.

إلّا أنّ منشأ القوّة إنّما هو الشهرة،فلندر مدارها،و إنّما هو ذات الولد خاصّة،و أمّا غيرها كالأمة المحضة الغير المتشبثة بذيل الحرّية فإنّ المشهور أنّ عليها الاستبراء خاصّة؛ عملاً بما قدّمناه من الأدلّة.

خلافاً للطوسي (3)،فساوى بينهما في العدّة؛ عملاً بإطلاق تلك المعتبرة.

ص:332


1- الطوسي في النهاية:536،الحلبي في الكافي:313،ابن حمزة في الوسيلة:328،التحرير 2:96،اللمعة(الروضة البهية 6):70.
2- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:354،و الشهيد الثاني في الروضة 6:70،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:143.
3- انظر الاستبصار 3:347،و التهذيب 8:155.

و هي مع عدم الشهرة غير مكافئة لأصالة البراءة،و العمومات السابقة، مع مفهوم الرواية المتقدّمة،المعتضد جميع ذلك هنا بالشهرة العظيمة فيخصّ بها عموم الصحيحة و الموثقة،و يجعل المراد منها أُمّهات الأولاد خاصّة.

و مفهوم الرواية السابقة و إن عمّت أُمّهات الأولاد،إلّا أنّها مخصّصة بغيرهنّ بعموم الصحيحة المتقدّمة فيهنّ،الشاملة لذوات الأزواج و غيرهنّ، فتأمّل.

و لعلّ هذا هو وجه الحكمة في عدم موافقة أحدٍ من الطائفة للشيخ في المسألة،و لا عجب فيه،كما ذكره بعض الأجلّة (1).

ثم كلّ ذا إذا لم تكن حين وفاته مزوّجة،و إلّا فلا عدّة عليها من وفاته،بإجماع الطائفة،كما حكاه جماعة (2)؛ للأصل،و اختصاص المثبتة من المعتبرة بحكم التبادر بغيرها بالضرورة.

ثم ظاهر اشتراط الغشيان في الرواية السابقة أنّه لا عدّة عليها مع عدمه،و نحوها المعتبر،بل الصحيح:في المدبّرة إذا مات مولاها:« إنّ عدّتها أربعة أشهر و عشراً (3)من يوم يموت سيّدها،إذا كان سيّدها يطؤها» الخبر (4).

و هو و إن كان مورده المدبّرة،إلّا أنّه بالفحوى يدل على الحكم في

ص:333


1- و هو الشهيد الثاني في المسالك 2:49.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:49،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:143،و صاحب الحدائق 25:514.
3- كذا،و في الكافي و الوسائل،و عشرٌ،و لعلّه الأنسب.
4- الكافي 6:8/172،التهذيب 8:542/156،الإستبصار 3:1247/349،الوسائل 22:264 أبواب العدد ب 43 ح 7.

المسألة،فإنّها مع حرّيتها إذا كانت لا تعتدّ بالأربعة أشهر و عشراً،فالأولى أن لا تعتدّ بها مع رقّيتها جدّاً،و هو ظاهر الفتاوي أيضاً؛ لاختصاصها بالمدخول بها دون غيرها،و بهما يقيّد إطلاق ما مضى من المعتبرة،مع أنّها المتبادرة منهما خاصّة،لكن هذا في العدّة عن وفاة المولى،و أمّا الزوج فالحكم عامّ للمدخول و غيرها قطعاً؛ لإطلاق النص و الفتوى،مع عدم معارض لهما أصلاً.

و يتفرع على ما ذكرناه من اعتداد الأمة ذات الولد من وفاة الزوج بعدّة الحرّة،و غيرها بعدّة الأمة أنّه لو طلّقها أي ذات الولد الزوج طلاقاً رجعيّاً،ثم مات و هي في العدّة استأنفت عدّة الحرّة لأنّها بمنزلة الزوجة،و يدلُّ عليه إطلاق أكثر المعتبرة بإثبات هذا الحكم في الحرّة المطلّقة المتوفّى عنها زوجها في عدّتها الرجعية.

و لازم ذلك أنّها لو لم تكن ذات ولد استأنفت عدّة الأمة للوفاة و أنّها لو طلّقت بائنة استمرّت على عدّتها السابقة؛ لعين ما ذكرناه في الحرّة المتوفّى عنها زوجها في العدّة البائنة من الأصل و غيره،سوى الرواية؛ لظهور اختصاصها بحكم السياق بالحرّة دون الأمة،و لكن فيما عداها كفاية،مع إمكان الاستدلال لها بفحواها،كما لا يخفى (1)،فتأمّل جدّاً.

و لو مات زوج الأمة غير ذات الولد ثم أعتقت في العدّة أتمّت عدة الحرّة تغليباً لجانب الحرّية و استصحاباً للحرمة السابقة،

ص:334


1- فإنّ الحرّة مع الاتفاق على وجوب عدّة الوفاة عليها و لو في الجملة إذا لم تجب عليها إذا توفي عنها زوجها في العدّة البائنة فلان لا تجب على الأمة التي اختلف في أصل وجوب هذه العدّة عليها أولى.(منه قدس سره).

و التفاتاً إلى عموم الأدلّة من الكتاب و السنّة باعتداد مطلق الزوجة حرّة كانت أو أمة بأربعة أشهر و عشراً،خرجت منه الأمة المحضة الغير المعتقة بالمرّة بأخبارها الماضية المختصّة على تقدير تسليمها بها من حيث التبادر جدّاً.

مضافاً إلى خصوص بعض النصوص هنا،كالصحيح:في أمة طلّقت ثم اعتقت قبل أن تنقضي عدّتها،فقال:« تعتدّ بثلاث حيض،فإن مات عنها زوجها،ثم اعتقت قبل أن تنقضي عدّتها،فإنّ عدّتها أربعة أشهر و عشراً» (1)و نحوه غيره (2).

و لو وطئ المولى أمته ثم أعتقها في حياته اعتدّت بثلاثة قروء إن كانت غير مسترابة،و تعتدّ هي بالأشهر الثلاثة على الأظهر الأشهر بين الطائفة؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:في المدبّرة إذا مات مولاها:« إنّ عدّتها أربعة أشهر و عشراً من يوم يموت سيّدها،إذا كان سيّدها يطؤها» قيل له:فالرجل يعتق مملوكته قبل موته بساعة أو بيوم ثم يموت،فقال:« هذه تعتدّ بثلاث حيض أو ثلاثة قروء من يوم أعتقها سيّدها» (3)و بمعناه الخبران الآخران في اعتبار الاعتداد بالأقراء (4).

و في الصحيحين و غيرهما:« لا يصلح للسرية المعتقة أن تنكح حتى

ص:335


1- الفقيه 3:1685/352،الوسائل 22:272 أبواب العدد ب 50» ح 1.
2- الوسائل 22:272 أبواب العدد ب 50.
3- الكافي 6:8/172،التهذيب 8:542/156،الإستبصار 3:1247/349،الوسائل 22:264 أبواب العدد ب 43 ح 7.
4- الكافي 6:7/172،التهذيب 8:541/156،الإستبصار 3:1246/348،الوسائل 22:264 أبواب العدد ب 43 ح 6.

تنقضي عدّتها ثلاثة أشهر» (1).

خلافاً للحلّي (2)،فأوجب الاستبراء خاصّة؛ لما مضى من الأدلّة قريباً.

و هي مخصَّصة بهذه النصوص التي هي مع صحة أكثرها،و اعتبار باقيها معتضدة بالشهرة،و مؤيّدة بأصالة بقاء الحرمة،و لذا لم يوافقه أحد من الطائفة،فخلافه ضعيف،كضعف خلافه فيما يستفاد من الصحيحة الاُولى:من اعتداد المدبّرة الموطوءة من وفاة المولى بأربعة أشهر و عشراً، و هي مع صحة سندها،و اعتضادها بالشهرة المحكية،و تأيّدها بالأصالة المتقدّمة معتضدة بإطلاق كثير من المعتبرة،منها الصحيح:الرجل يكون تحته السرية فيعتقها،فقال:« لا يصلح لها أن تنكح حتى تنقضي عدّتها ثلاثة أشهر،و إن توفّي عنها مولاها فعدّتها أربعة أشهر و عشراً» (3).

و قيّده و غيره أكثر الأصحاب تبعاً للشيخ (4)بالتدبير.

و فيه نظر؛ لأنّه كالنص في العتق المنجّز.

و أصرح منه المرسل كالصحيح،إلّا أنّ فيه قطعاً:في رجل أعتق أُمّ ولده،ثم توفّي عنها قبل أن تنقضي عدّتها،قال:« تعتدّ بأربعة أشهر و عشراً،و إن كانت حبلى اعتدّت بأبعد الأجلين» (5)فتأمّل.

ص:336


1- انظر الوسائل 22:262 أبواب العدد ب 43 ح 1،8.
2- السرائر 2:744.
3- الكافي 6:3/171،التهذيب 8:540/156،الإستبصار 3:1250/349،الوسائل 22:262 أبواب العدد ب 43 ح 1.
4- الشيخ في الاستبصار 3:349،و النهاية:536،و تبعه ابن حمزة في الوسيلة:329،و الحلي في السرائر 2:744،و المحقق في الشرائع 3:41،و العلّامة في القواعد 2:73.
5- الكافي 6:6/172،الوسائل 22:264 أبواب العدد ب 43 ح 9.

و العمل بهما أحوط،سيّما مع تأيّدهما بإطلاق الخبرين،بل ظاهرهما،في أحدهما:في الأمة إذا غشيها سيّدها ثم أعتقها:« فإنّ عدّتها ثلاث حيض،فإن مات عنها فأربعة أشهر و عشراً» (1).

و في الثاني:عن رجل أعتق وليدته عند الموت؟فقال:« عدّتها عدّة الحرّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر و عشراً» (2).

و لكن في تعيّن المصير إليهما نظر؛ لعدم مكافأتهما لما مرّ من الصحيح،المصرح بعدم الاعتداد بعدّة الوفاة مع تنجّز الإعتاق،المعتضد بفتوى أكثر الأصحاب،و إطلاق ما مرّ من النصوص من اعتداد الأمة المطلقة بالإعتاق بالأقراء أو الأشهر من دون تفصيل بين موت المولى و عدمه.

مضافاً إلى قصور الأخبار الأخيرة بالقطع في الأوّل،و الضعف على الأشهر في الثاني،و بلا خلاف في الثالث؛ مع ورود خبرين منها في أُمّ الولد،المحتمل قولهم بذلك فيها؛ و مخالفتها الاعتبار،من حيث إنّ الإعتاق كالطلاق البائن،و من حكمه كما مرّ عدم استئناف عدّة الوفاة لو تحقّق في عدّته.

إلّا أنّ المسألة بعد لا تخلو عن ريبة؛ لكثرة الروايات المقابلة للصحيحة،و بلوغها حدّ الاستفاضة،و هي مع ذلك ما بين صريحة و ظاهرة،و معتبر أسناد بعضها،مع اعتضادها أجمع بأصالة بقاء الحرمة، و فتوى جماعة كإطلاق عبارة الحلبي و ظاهر عبارة ابن حمزة (3)و يظهر من

ص:337


1- الكافي 6:1/171،التهذيب 8:538/155،الإستبصار 3:1248/349،الوسائل 22:263 أبواب العدد ب 43 ح 5.
2- الكافي 6:7/172،التهذيب 8:541/156،الإستبصار 3:1246/348،الوسائل 22:264 أبواب العدد ب 43 ح 6.
3- الحلبي في الكافي:313،ابن حمزة في الوسيلة:329.

المختلف (1)الميل إليها أو التردّد،فالاحتياط فيها لازم البتّة.

و لو كانت زوجة الحرّ أَمةً فابتاعها كلّاً أو بعضاً بطل نكاحه بلا خلاف،بل قيل:إجماعاً (2)؛ لصيرورتها بالشراء مملوكة،فيبطل النكاح رأساً؛ لأنّ التفصيل في الآية (3)قاطع للشركة جدّاً.

و الأجود الاستدلال عليه بالموثق،مع ضميمة عدم القول بالفصل:

عن رجلين بينهما أمة،فزوّجاها من رجل،ثم إنّ الرجل اشترى بعض السهمين؟فقال:« حرمت عليه» (4).

مضافاً إلى الاستئناس لذلك بالإجماع،و المعتبرة المستفيضة (5)ببطلان نكاح الحرّة إذا اشترت زوجها المملوك أو انتقل إليها مطلقا،مع ما في بعضها من التعليل الذي يناسب التعميم و الشمول لما نحن فيه،و هو الصحيح:عن امرأة حرّة تكون تحت المملوك،فتشتريه،هل يبطل نكاحه؟قال:« نعم؛ لأنّه عبد مملوك لا يقدر على شيء» (6).

و له وطؤها مع شرائها كلّاً من غير استبراء إجماعاً؛ لعموم الأدلّة بحلّ وطء المملوك الشاملة لمفروض المسألة؛ مضافاً إلى استصحاب الإباحة السابقة.

ص:338


1- المختلف:616.
2- نهاية المرام 2:115.
3- النساء:25،المؤمنون:6.
4- الكافي 5:6/484،الفقيه 3:1355/285،التهذيب 8:699/199،الوسائل 21:153 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 46 ح 1.
5- الوسائل 21:157 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 29.
6- الكافي 5:4/485،التهذيب 8:724/205،الوسائل 21:158 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 49 ح 2.

و منه يظهر عدم لزوم الاستبراء مع أصالة البراءة عن أصله،إلّا ما قام الدليل على إثباته فيه،و ليس ما نحن فيه منه؛ لاختصاص المثبت له بغيره، مع انتفاء حكمة أصل مشروعيّته من عدم اختلاط المياه و اضطراب الأنساب فيه،كيف لا؟!و الماء لواحدٍ،فلا اختلاط و لا اضطراب.

مضافاً إلى التأيّد بالنصوص المثبتة للحكم في نظير المسألة،و هو:

جواز تزويج الرجل بجاريته المعتقة من قبله من غير عدّة،منها الصحيح:

الرجل يعتق سرّيته،أ يصلح له أن ينكحها بغير عدّة؟قال:« نعم» قلت:

فغيره؟قال:« لا،حتى تعتدّ ثلاثة أشهر» (1)و نحوه غيره من المعتبرة (2)، فلا إشكال بحمد اللّه تعالى في المسألة.

و أمّا مع شرائها بعضاً فليس له وطؤها جدّاً؛ لما مضى (3)،إلّا مع تحليل الشريك إذا كان غيرها،على قول قد مضى في بحث النكاح (4)، خلافاً لأكثر أصحابنا.

و أمّا إذا كانت هي الشريك فلا يحلّ وطؤها بتحليلها إجماعاً،نصاً و فتوى.

تتمّة

تتمّة النفقة واجبة للرجعيّة في زمن العدّة،و كذا السكنى و الكسوة بالشرائط المعتبرة،و كذا للبائنة إذا كانت ذات حمل،أمّا بدونه فلا،و البحث في

ص:339


1- الكافي 5:4/476،الوسائل 22:263 أبواب العدد ب 43 ح 4.
2- الوسائل 22:262 أبواب العدد ب 43.
3- راجع ص 5155.
4- راجع ص 5156،5157.

جميع ذلك قد مضى.

و يتفرع عليه في الجملة أنّه لا يجوز لمن طلّق زوجته طلاقاً رجعيّاً أن يخرج الزوجة من بيته الذي طلّقت فيه،إذا كان مسكن أمثالها،و إن لم يكن مسكنها الأوّل،فإن كان دون حقّها فلها طلب المناسب و الخروج إليه،أو فوقه فله ذلك؛ اقتصاراً في المنع على المتيقّن المتبادر من الإطلاق،و يحتمل العموم فليس لهما ذلك في المقامين،و هو أحوط.

و لا فرق بين منزل الحضريّة و البدويّة،البرّية و البحريّة.

و الأصل فيه مضافاً إلى ما مرّ من وجوب الإسكان الكتاب، و السنّة،و الإجماع من علماء الإسلام،لكن دلالة الثاني على الحرمة قاصرة،إلّا أنّها بمعونة طرفيه متمّمة.

فلا ريب في الحرمة إلّا أن تأتي بفاحشة مبيِّنة،بنصّ الأدلّة الثلاثة.

و هو على ما يتبادر منه عند الإطلاق في العرف و العادة،و صرّح به جماعة (1) ما يجب به الحدّ فينبغي الاقتصار في الخروج عن المنع المتيقّن على القدر المقطوع به المسلّم.

مضافاً إلى المرسل في الفقيه:عن قول اللّه عزّ و جلّ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [1] (2)قال:

« إلّا أن تزني،فتخرج،و يقام عليها الحدّ» (3).

ص:340


1- منهم المفيد في المقنعة:533،و الطوسي في النهاية:534،و القاضي في المهذّب 2:318.
2- الطلاق:1.
3- الفقيه 3:1565/322،الوسائل 22:220 أبواب العدد ب 23 ح 3.

و قصور السند بالأصل المتقدّم مجبور،و ضعف الدلالة على العموم في مطلق ما يوجب الحدّ كما هو المطلوب متمَّم بالإجماع المركّب.

و قيل و هم الأكثر،بل في الروضة أنّه المشهور (1)،و عن الخلاف الإجماع عليه (2):إنّ أدناه أن تؤذي أهله بقول أو فعل؛ لعمومه لغةً لذلك،و هو مقدّم على العرف.مضافاً إلى المرسلين المفسِّرين للآية بذلك (3).

و في الأوّل منع،من حيث التقديم،مع أنّه على تقديره مخالف للإجماع من حيث شموله لفواحش أُخر،كترك الصلاة،و الصوم،و نحو ذلك،ممّا لا قائل بجواز الإخراج به.

و في الثاني قصور السند المانع عن العمل،سيّما مع معارضتهما بالمرسل المتقدّم،المعتضد بالأصل المتيقّن،إلّا أنّ الشهرة و الإجماع المتقدّم لعلّهما يجبران جميع ذلك،فلا بُعد في المصير إليه،و إن كان الأحوط الأوّل.

و كما لا يجوز له إخراجها لا يجوز لها أن تخرج هي بنفسها من دارها التي طلّقت فيها؛ لعين ما مضى من الأدلّة الثلاثة،بزيادة ظهور دلالة السنّة على الحرمة،من حيث تضمّنها الأوامر باعتداد المطلّقة في بيتها،التي هي في الوجوب و حرمة الترك ظاهرة،و هي مستفيضة:

ص:341


1- الروضة 6:77.
2- الخلاف 5:70.
3- أحدهما في:الكافي 6:1/97،التهذيب 8:455/131،الوسائل 22:220 أبواب العدد ب 23 ح 1. و الآخر في:الكافي 6:2/97،التهذيب 8:456/131،الوسائل 22:220 أبواب العدد ب 23 ح 2.

ففي موثّقات ثلاثة:عن المطلّقة أين تعتدّ؟قال:« في بيتها» (1)و زيد في أكثرها:« لا تخرج،و إن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل، و لا تخرج نهاراً،و ليس لها أن تحجّ حتى تنقضي عدّتها» .و إطلاقها كالآية،و غيرها من المعتبرة،و ظاهر العبارة،و صريح جماعة (2)،بل ادّعى عليه الشهرة جماعة (3)عموم الحرمة لكل من صورتي الإذن من الزوج بالخروج و عدمه.

خلافاً للحلبي و جماعة (4)،فقيّدوها بالصورة الثانية،بل ظاهر عبارة الفضل المحكيّة في الكافي الإجماع عليه في الأزمنة السابقة،بل و ادّعى أنّها المفهومة من عبارة الآية في اللغة،قال:و إنّما الخروج و الإخراج أن تخرج مراغمة،أو يخرجها زوجها مراغمة،و على أنّها لا تريد العود إلى بيتها و إمساكها؛ لأنّ المستعمل في اللغة هذا الذي وصفناه،و هذا الذي نهى اللّه تعالى عنه (5).

و هو غير بعيد،و المعتبرة شاهدة به،ففي الصحيح (6)،و نحوه

ص:342


1- انظر الوسائل 22:213 أبواب العدد ب 18 ح 3،4،وص 215 ب 19 ح 1.
2- منهم الشهيد الثاني في الروضة 6:74،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:120،و صاحب الحدائق 25:525.
3- منهم المجلسي في ملاذ الأخيار 13:257،و صاحب الحدائق 25:525،انظر آيات الأحكام للفاضل الجواد 4:30،و الكفاية للفاضل الخراساني:208 و فيهما هذا القول منسوب إلى أكثر الأصحاب.
4- الحلبي في الكافي:312؛ و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):616،و التحرير 2:75.
5- الكافي 6:95،96.
6- الكافي 6:1/89،التهذيب 8:402/116،الإستبصار 3:1184/333،الوسائل 22:212 أبواب العدد ب 18 ح 1.

المقطوع (1):« لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلّا بإذن زوجها حتى تنقضي عدّتها» الخبر.

و في الموثق:« المطلّقة تحجّ في عدّتها إن طابت نفس زوجها» (2)و لا قائل بالفرق.

و به يقيّد ما أُطلق فيه الإذن بالخروج إلى الحجّ و أداء الحقوق، كالصحيح المقطوع:« المطلّقة تحجّ،و تشهد الحقوق» (3).

و يحتمل الحمل على الواجب،فلها الخروج إليه،كالاستمرار به لو كانت قبل الطلاق خارجة له،بخلاف غيره،فيجب عليها العود إلى منزله، كما لو طلّقت و هي في غير مسكن.

و لا يتفاوت الحكم على هذا بين حالتي قبل الطلاق و بعده،و لعلّ الحكمة في التعرض للنهي عن الخروج و الإخراج في هذه الصورة احتمال توهّم انقطاع أحكام الزوجية،التي منها النهي عن الأمرين بعد الطلاق، فلا يجعل مثل هذا التعرض دليلاً أو شاهداً للأوّل،و لكنّه أحوط.

و عليه فلو كانت في سفر مباح أو مندوب ففي وجوب العود إن أمكن إدراكها جزءاً من العدّة،أو مطلقاً،أو تتخيّر بينه و بين الاعتداد في السفر، أوجه:

من إطلاق النهي عن الخروج من بيتها،فيجب عليها تحصيل الكون به.

ص:343


1- الكافي 6:11/91،الوسائل 22:214 أبواب العدد ب 18 ح 7.
2- الكافي 6:12/91،التهذيب 8:452/131،الإستبصار 3:1187/333،الوسائل 22:219 أبواب العدد ب 22 ح 2.
3- الكافي 6:13/92،التهذيب 8:453/131،الإستبصار 3:1186/333،الوسائل 22:219 أبواب العدد ب 22 ح 1.

و من عدم صدق النهي هنا؛ لأنّها غير مُستوطنة،و للمشقّة،و انتفاء الفائدة حيث لا تدرك جزءاً من العدّة.

و هذا أقوى؛ لاختصاص النهي المطلق في النص و الفتوى بحكم الوضع أو التبادر بغير محل الفرض جدّاً.

كلّ ذلك مع إمكان الرجوع،و عدم الضرورة إلى عدمه،و لا يجب العود معها قطعاً؛ لمكان الضرورة المبيحة لعدمه على تقدير وجوبه و للخروج أيضاً.

فإن اضطرّت خرجت إجماعاً،لكن بعد انتصاف الليل، و عادت قبل الفجر وجوباً،على الأشهر،بل لم أقف على مخالف إلّا من بعض من ندر ممّن تأخّر (1).

و الأصل فيه الموثّق الذي مرّ (2)،و لا قدح فيه من حيث الموثّقيّة و الإضمار،كما هو المقرّر،مع أنّه على تقديره فهو بالشهرة العظيمة منجبر،فهو أظهر إن ارتفع به و بغيره الضرر،و إلّا بأن كان الدفع بالغير منحصراً جاز قولاً واحداً.

و لا يلزم ذلك أي المنع عن كلّ من الخروج و الإخراج في الطلاق البائن مطلقاً،حائلاً كانت المطلّقة أو حاملاً.

و لا المتوفّى عنها زوجها مطلقاً كذلك بل تبيت كلّ منهما و تعتدّ حيث شاءت بلا خلاف في الظاهر في المقامين،بل عليه الإجماع في كلام جماعة (3)،و هو الحجة فيه.

ص:344


1- انظر المسالك 2:50،و كفاية الأحكام:208.
2- في ص 340.
3- منهم الشيخ في الخلاف 5:70 71،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):616،و الفاضل المقداد و في التنقيح الرائع 3:357 و انظر نهاية المرام 2:120،و مرآة العقول 21:154.

مضافاً إلى الأصل السالم عن معارضة ما دلّ على المنع؛ لاختصاص الآية (1)بحكم ما في آخرها من العلّة بالرجعيّة،و على تقدير الإطلاق يلزم تقييده كإطلاق الروايات في المطلّقة بها؛ للمعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:« إذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة بانت منه ساعة طلّقها،و ملكت نفسها،و لا سبيل له عليها،و تعتدّ حيث شاءت،و لا نفقة لها» (2)و نحوه غيره (3).

و لا معارض لها من النصوص صريحاً،سوى الإطلاقات المقيّدة بها و بالإجماع جدّاً.

و في الصحيح:عن امرأة توفّي عنها زوجها أين تعتدّ،في بيت زوجها،أو حيث شاءت؟قال:« حيث شاءت» الخبر (4)،و نحوه غيره (5).

و لا معارض لها من إطلاقات الآية و الأخبار أصلاً.

نعم في كثير من المعتبرة النهي عن بيتوتتها عن بيتها (6)،و لم أر عاملاً بها،لأنّهم ما بين مصرّحٍ بحملها على الاستحباب،و رادٍّ لها من أصلها.

و ربما يوجد في المتأخّرين عامل بها،مدّعياً عدم التعارض بينها

ص:345


1- الطلاق:1.
2- الكافي 6:5/90،التهذيب 8:458/132،الوسائل 22:216 أبواب العدد ب 20 ح 1.
3- الوسائل 21:519 أبواب النفقات ب 8.
4- الكافي 6:2/115،التهذيب 8:558/191،الإستبصار 3:1258/352،الوسائل 21:523 أبواب النفقات ب 9 ح 5.
5- الوسائل 21:522 أبواب النفقات ب 9.
6- انظر الوسائل 22:241 أبواب العدد ب 32.

و بين ما تقدّمها؛ لتضمّنه التخيير و الرخصة في الاعتداد بالعدّة أينما شاءت، و ليس فيها التعرض للنهي عن البيتوتة عن مكان العدّة،و قد تضمّنته هذه المعتبرة،فالعمل بها غير ملازم لترك ما قابلها،بل فيه جمع بينهما (1).

و هو أحوط،و إن كان في تعيّنه نظر،من حيث عدم القائل بها،بل و ظهور اتفاقهم على ردّها،و ما هذا شأنه يلحق بالنادر الذي يجب ردّه أو تأويله.

ثم إنّ المطلّقة بائناً و إن جاز إخراجها و لو حاملاً،إلّا أنّه في الأخيرة ليس على إطلاقه جدّاً،بل ينبغي تقييده بما إذا أخرجها إلى مسكن آخر، لا مطلقاً،فإنّ لها النفقة و السكنى،كتاباً و سنّة و إجماعاً،فالفرق بينها و بين المطلّقة رجعيّة حينئذٍ هو عدم جواز إخراجها مطلقاً،و لو إلى مسكن آخر، دون هذه،فيجوز إخراجها إليه،فتأمّل جدّاً.

و تعتدّ المطلّقة من حين الطلاق مطلقاً حاضراً كان المطلِّق أو غائباً إجماعاً في الأوّل،و على الأظهر الأشهر في الثاني؛ للصحاح المستفيضة،و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:في الغائب إذا طلّق امرأته:« أنّها تعتدّ من اليوم الذي طلّقها» (2).

و إطلاقه كغيره إمّا ظاهر فيما إذا عرفت الوقت الذي طلّقت فيه بالبيّنة الشرعية أو القرائن القطعية.

أو مقيّد به؛ للصحاح المصرِّحة بذلك،المعتضدة بفتوى الطائفة، منها الصحيح:عن المطلّقة يطلّقها[زوجها]فلم تعلم إلّا بعد سنة؟قال

ص:346


1- المفاتيح 2:354،مرآة العقول 21:197.
2- الكافي 6:2/110،التهذيب 8:560/191،الإستبصار 3:1263/353،الوسائل 22:226 أبواب العدد ب 26 ح 3.

« إن جاء شاهدا عدلٍ فلا تعتدّ،و إلّا فلتعتدّ من يوم يبلغها» (1).

و إطلاقه كالصحيحين الآخرين (2)يقتضي الاعتداد من يوم البلوغ مطلقاً،و لو حصل القطع بتقدّم الطلاق عليه يوماً أو أزيد.

و ربما يقيّد بصورة احتمال وقوع الطلاق فيه لقرب المسافة و نحوه، و أمّا مع انتفائه و تيقّن سبق الطلاق يوم البلوغ فتعتدّ بالمتيقّن سبقه و تتمّه بالملتحق به،و يكون المراد حينئذٍ من الاعتداد يوم البلوغ البناء عليه و لو باحتساب ما سبقه جزءاً من العدّة،و ليس المراد جعله ابتداءها.

و هو غير بعيد،إلّا أنّ المصير إلى الإطلاق أحوط،وفاقاً لظاهر الماتن في الشرائع (3).

و خلاف الحلبي (4)هنا بالمصير إلى لزوم الاعتداد من حين البلوغ كالوفاة بعد الثبوت شاذّ،و مستنده من أنّ العدّة عبادة فتفتقر إلى نيّة مع ما فيه من المنع،فيه اطراح للصحاح.

و تعتدّ الزوجة في الوفاة من حينه مع الحضور،و من حين يبلغها الخبر مع الغيبة،على الأظهر الأشهر بين الطائفة؛ للمعتبرة المستفيضة،منها الصحاح،أحدها:في الرجل يموت و تحته امرأة و هو

ص:347


1- الكافي 6:4/111،التهذيب 8:564/162،الإستبصار 3:1267/354،الوسائل 22:228 أبواب العدد ب 27 ح 3 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- أحدهما في:الكافي 6:1/112،التهذيب 8:568/163،الإستبصار 3:1271/355،الوسائل 22:228 أبواب العدد ب 28 ح 1. و الآخر في:الكافي 6:2/112،الوسائل 22:228 أبواب العدد ب 28 ح 2.
3- الشرائع 3:46.
4- الكافي في الفقه:313.

غائب،قال:« تعتدّ من يوم يبلغها وفاته» (1).

خلافاً للإسكافي (2)،فجعلها كالأُولى في الاعتداد من حين الوقوع بعد الثبوت،و لا قبله،بل من حين البلوغ؛ للخبرين،أحدهما الصحيح:

امرأة بلغها نعي زوجها بعد سنة،فقال:« إن كانت حبلى فأجلها أن تضع حملها،و إن كانت ليست بحبلى فقد مضت عدّتها إذا قامت له البيّنة أنّه مات في يوم كذا و كذا،و إن لم يكن لها بيّنة فلتعتدّ من يوم سمعت» (3).

و نحوه الثاني (4)،إلّا أنّه قاصر السند،و هو كالأوّل ضعيف المكافأة للمستفيضة المتقدّمة،من حيث الاعتضاد بالاستفاضة،و الشهرة العظيمة، و الاحتياط؛ لأصالة بقاء الحرمة،فليطرحا،أو يؤوّلا،أو يحملا على التقية، كما فعله بعض الأجلّة (5).

و حملها على الرخصة كما في المسالك (6)و ارتضاه جماعة (7)فرع المكافأة،و منافٍ للزوم العمل بالأخبار الراجحة و طرح المرجوحة.

و بالجملة:لا ريب في شذوذ هذا القول و ضعفه،كمختار التهذيب (8)المفصِّل بما في الصحيح:المرأة يموت زوجها،أو يطلّقها و هو غائب،

ص:348


1- الكافي 6:1/112،الوسائل 22:228 أبواب العدد ب 28 ح 1.
2- حكاه عنه في المختلف:614.
3- التهذيب 8:571/164،الإستبصار 3:1274/355،الوسائل 22:231 أبواب العدد ب 28 ح 10.
4- التهذيب 8:570/164،الإستبصار 3:1273/355،الوسائل 22:231 أبواب العدد ب 28 ح 9.
5- الوسائل 22:231،الحدائق 25:542.
6- المسالك 2:56.
7- منهم السبزواري في الكفاية:208،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:352.
8- التهذيب 8:165.

قال:« إن كان مسيرة أيّام فمن يوم يموت زوجها تعتدّ،و إن كان من بعد فمن يوم يأتيها الخبر؛ لأنّها لا بدّ أن تحدّ له» (1)لعين ما مضى،بل بطريق أولى.

ثمّ لا فرق في الزوجة بين الحرّة و الأمة في ظاهر العبارة،كأكثر النصوص و الفتاوي،و لا يعارضها التعليل في بعضها بلزوم الحداد عليها و هو مختصّ بالحرّة جدّاً؛ لغلبة أخصّيّة علل الشرع عن معلولاتها، فلا يجسر مع ذلك على تقييد أكثر النصوص و الفتاوي بها،فجمود الروضة (2)على العلّة و نفي العدّة عن الأمة،و جعلها كالمطلّقة،لعلّه ضعيف جدّاً،و لذا لم يمل إليه في المسالك (3)أصلاً.

و لا فرق أيضاً في الخبر الذي تعتدّ من يومه بين صدوره ممن يقبل قوله و يثبت الحكم بإخباره،أم لا،في ظاهر إطلاق أكثر النصوص و الفتاوي،بل صرّح به جماعة من أصحابنا (4).

لكن ربما ينافيهما بعض النصوص،كالخبر:« إن مات عنها» يعني:

و هو غائب« فقامت البيّنة على موته،فعدّتها من يوم يأتيها الخبر أربعة أشهر و عشراً» الحديث (5).

ص:349


1- التهذيب 8:572/165،الإستبصار 3:1275/356،الوسائل 22:232 أبواب العدد ب 28 ح 12.
2- الروضة 6:84.
3- المسالك 2:56.
4- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:358،و الشهيد الثاني في المسالك 2:56،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:352.
5- الكافي 6:6/112،التهذيب 8:566/163،الإستبصار 3:1269/354،الوسائل 22:233 أبواب العدد ب 29 ح 1.

إلّا أنّه ضعيف السند،قاصر عن المقاومة لما مرّ،فإذاً ما قالوه أظهر، لكن ليس لها بعد انقضاء العدّة بعد الخبر التزويج من دون ثبوتٍ شرعيّ، فلو تزوّجت فسد في الظاهر،و صح في الباطن مع الجهل بالتحريم إن تبيّن بعد ذلك موته و انقضاء عدّتها قبل العقد.

و أمّا مع العلم به فقيل:يجب القطع بالفساد؛ لانتفاء القصد إلى العقد الصحيح (1).

و فيه نظر؛ لعدم الملازمة هنا بين الحرمة و الفساد،فلا يلزم من العلم بها انتفاء القصد إلى ضدّه المستلزم له،فإلحاق هذه الصورة بالأُولى متّجه جدّاً؛ لعموم الأمر بالوفاء،مع عدم مانعٍ أصلاً،و به صرّح جماعة من أصحابنا (2).

ص:350


1- قاله صاحب المدارك في نهاية المرام 2:124.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:56،و السبزواري في الكفاية:208،و الحدائق 25:545.

كتاب الخلع و المبارأة

اشارة

كتاب الخلع الخُلع بالضمّ من الخَلع بالفتح،و هو النزع،كأنّ كلّاً منهما ينزع لباس الآخر هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ،وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ [1] (1). و المبارأة بالهمزة،و قد تقلب ألفاً،و هي المفارقة.

و كل منهما طلاق بعوض لازم لجهة الزوج،و يشترط فيهما ما يشترط في الطلاق،و زيادة شرط فيهما هو:رضاها بالبذل،و آخر في الخلع، و هو:كراهتها له،و آخرين في المبارأة هما:كراهة كل منهما لصاحبه، و عدم زيادة العوض على المهر،و لا خلاف في شيء من ذلك؛ للمعتبرة المستفيضة،إلّا ما يأتي في كون الخلع طلاقاً،و سيأتي إلى جميع ذلك مفصّلاً الإشارة.

و شرعيّتهما ثابتة بالكتاب،و الإجماع،و السنّة المستفيضة الآتية، قال اللّه سبحانه فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [2] (2).و ظاهره الوقوع عند الحاكم،و لعلّه لهذا حكي عن الإسكافي (3)اشتراطه،و له مضافاً إليه بعض النصوص بالخصوص:« و لا يكون ذلك إلّا عند سلطان» (4).

ص:351


1- البقرة:187.
2- البقرة:229.
3- نقله عنه في المختلف:595.
4- التهذيب 8:331/98،الإستبصار 3:1131/318،الوسائل 22:286 أبواب الخلع و المباراة ب 3 ح 10.

و الأشهر خلافه،بل في التنقيح (1)الإجماع عليه؛ للأصل،و قصور الآية عن إفادة الاشتراط،مع احتمال ورودها مورد الغالب،و الرواية ضعيفة السند،و إن انجبرت بوجود المجمع على تصحيح ما يصح عنه من الرواية في سندها؛ لقصورها عن المقاومة للأصل المعتضد بالشهرة العظيمة،و حكاية الإجماع المزبورة،و إطلاقات الأخبار المستفيضة،فإذاً ما اختاروه أقوى،و إن كان الاحتياط ما ذكره جدّاً.

و و كيف كان الكلام في الكتاب يقع في العقد، و الشرائط،و اللواحق و لمّا كان كل منهما من العقود المفيدة لإبانة الزوجة بفدية مخصوصة لزم فيهما مراعاة الصيغة الصريحة،كسائر العقود اللازمة.

الخلع

العقد

و قد ذكر الأصحاب،و حكاه عنهم جماعة (2)أنّ صيغة الخلع الصريحة أن يقول الزوج: خلعتك أو خالعتك،أو أنت أو فلانة مختلعة على كذا و لا ريب في الأوّلتين،إلّا أنّ في الأخيرتين لجماعة (3)مناقشة لا جدوى في التعرّض لها بعد الاتفاق عليهما هنا.

و استظهر جماعة (4)وقوعه ب:أنتِ طالق على كذا،من دون لفظ الخلع أصلاً،بل ادّعى جماعة منهم (5)ظاهر الاتفاق عليه،و هو الحجّة فيه، مع أنّا لم نقف فيه على مخالفٍ،و لولاه لكان محلّ نظر،فإنّ مقتضى الأصل و الاقتصار على المتيقّن من النص العدم؛ نظراً إلى أنّ المتبادر منه

ص:352


1- التنقيح الرائع 3:360.
2- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 2:127،و السبزواري في الكفاية:209.
3- الشرائع 3:17،التنقيح الرائع 3:303،المهذب 3:452،كفاية الأحكام:200.
4- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 2:127،و السبزواري في الكفاية:209،و صاحب الحدائق 25:557.
5- انظر المبسوط 4:344،و المفاتيح 2:323.

المتيقّن هو الوقوع بلفظه دون غيره،فالحكم بأحكامه التي من جملتها عدم الرجعة و البينونة بمجرّده مشكل؛ و الالتفات في إثباته إلى أنّه و إن تجرّد عن لفظ الخلع لكنّه عقد معاوضة،فيلزم؛ لعموم الأمر بمطلقه،غير جيّد مع الحكم بجواز رجوع المرآة في البذل.

نعم يمكن الاستدلال عليه بالصحيح:« إذا قالت المرآة لزوجها جملة:لا أُطيع لك أمراً،مفسّراً أو غير مفسّر،حلّ له أن يأخذ منها،و ليس له عليها رجعة» (1).

و هو كما ترى ظاهر في ترتّب الحكم بالبينونة على مجرّد البذل مع الكراهة،أعمّ من وقوعها بلفظ الخلع أو الطلاق.

و هو و إن أمكن دعوى ظهوره في الأوّل بملاحظة ما عداه من النصوص،إلّا أنّ فتوى الأصحاب مع حكاية جماعة (2)الإجماع عليه، و ظهور صدقه بعد التتبّع أوضح شاهد على العموم.

مضافاً إلى إشعار بعض النصوص (3)به أيضاً،فلا إشكال فيه بحمد اللّه تعالى،و إن كان الأحوط الإتيان بلفظ الخلع أيضاً.

قالوا:و لا بدّ من قبول المرأة عقيبه بلا فصل معتدّ به،أو تقدّم سؤالها قبله كذلك.

و لا ريب أنّه أحوط،و إن كان في استفادته كملاً من النصوص نظر، فإنّ غايتها الدلالة على اعتبار قبولها إمّا مطلقاً،كما يقتضيه إطلاق بعضها،

ص:353


1- الكافي 6:6/141،الفقيه 3:1633/339،التهذيب 8:328/97،الإستبصار 3:1127/316،الوسائل 22:279 أبواب الخلع و المباراة ب 1 ح 1.
2- راجع ص 351.
3- انظر الوسائل 22:279 أبواب الخلع و المباراة ب 1.

أو إذا كان مقدّماً،كما يقتضيه أكثرها،و أمّا لزوم المعاقبة من دون فصل معتدّ به فلم يظهر منها.

نعم لو تحقّق فصل بعيد بعد أن سألت،بحيث يحتمل رجوعها، أمكن اشتراط عدمه هنا،لا مطلقاً،و لكنّه غير ما يظهر من عبائرهم، و العمل على ما ذكروه.

و هل يقع الخلع بكلّ من الألفاظ المذكورة بمجرّده من دون إتباع بالطلاق؟ قال المرتضى علم الهدى و أكثر أصحابنا بل ادّعى عليه في الناصريات (1)إجماعنا-: نعم و الحجة بعده النصوص المستفيضة،منها الصحاح الصراح،في أحدها:عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين عدلين على طهر من غير جماع،هل تبين منه بذلك،أو هي امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟فقال:« تبين منه» إلى أن قال:

فقلت:إنّه قد روي لنا أنّها لا تبين منه حتى يتبعها بطلاق،قال:« ليس ذلك إذا خَلَعَ» (2)بفتح الثلاثة،كما ضبطه بعض مشايخنا (3)،و يكون« إذا» حينئذٍ شرطيّة.

و لعلّ المراد أنّه ليس الحكم الذي ذكره السائل من عدم البينونة إلّا بالاتباع بالطلاق في صورة ما إذا خلع،بل يختصّ ذلك بغيرها كالمباراة؛ لاشتراطه فيها،كما عليه أكثر أصحابنا،و سيأتي الكلام فيه (4)إن شاء اللّه تعالى.

ص:354


1- الناصريات(الجوامع الفقهية):214.
2- الكافي 6:7/143،التهذيب 8:332/98،الإستبصار 3:1132/318،الوسائل 22:286 أبواب الخلع و المباراة ب 3 ح 9.
3- انظر المسالك 2:59.
4- في ص 368.

و أمّا إذا خلع فلا يشترط،بل يحصل البينونة بمجرده،و لذا سأل الراوي بعد ذلك:فقلت:تبين منه؟قال:« نعم» .و هذه النسخة أجود النسخ من قراءة الخلع بسكون اللام و ضمّ العين، أو خلعاً بفتحها،ليكون خبر ليس؛ لما فيها من الدلالة حينئذٍ على اشتراط الخلع بعدم الاتباع بالطلاق،و لا قائل به،بل مثله خلع،بل و أحسنه، إجماعاً،بل و لو تجرّد عن لفظ الخلع و اكتفى بلفظ الطلاق لكان خلعاً أيضاً بلا خلاف،بل قيل:إجماعاً (1)،كما مضى،مع ما في الاُولى من النسختين من حزازة بحسب العربية.

و كيف كان فالرواية كغيرها من المعتبرة الكثيرة في المطلوب صريحة،و بالشهرة العظيمة و الأعدليّة و الكثرة و حكاية الإجماع المزبورة معتضدة،بها تكون غالبة على بعض الروايات،و إن كان معتبراً بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده فلا يضرّ ضعفه،و فيه:« المختلعة يتبعها بالطلاق ما دامت في العدة» (2).

و هي مع ذلك متضمنة لما لا يقول به أحد من الطائفة؛ لاتفاقهم في الظاهر على اعتبار وقوع الطلاق بعد تلك الصيغة بلا فاصلة،و ما هذا شأنه يجب طرحه،و لم يبق لها من المرجّحات عدا المخالفة للعامة،و هي أحد المرجّحات المنصوصة،و ما قدّمناه أكثرها،كيف لا؟!و كما أمرونا بالأخذ بما خالفهم أمرونا بالأخذ بالأعدل و المشتهر،و يترجّحان على السابق عدداً و اعتباراً و لو كان كلّ عن الآخر منفرداً،فضلاً أن يكون مع الآخر مجتمعاً،مع ما هما عليه هنا من كثرة العدد،و الاعتضاد بالإجماع المحكي.

ص:355


1- في ص 351.
2- التهذيب 8:329/97،الإستبصار 3:1129/317،الوسائل 22:285 أبواب الخلع و المباراة ب 3 ح 5.

فخلاف الشيخ (1)العامل به ضعيف،و إن اعتضد بفتوى جماعة من قدماء الرواة (2)،لكنّهم فاسدوا المذهب،معارض فتواهم بفتوى أجلّ الرواة القدماء،و هو جميل،كما في الكافي محكي (3).

و قول المصنف: و قال الشيخ:لا يقع حتى يتبع بالطلاق من دون ردٍّ له و لسابقه مشعر بالتردّد،و نحوه الشرائع و القواعد (4)،و ليس في محلّه،و إن كان أحوط؛ للأصل.

و لو تجرّد كان طلاقاً عند المرتضى (5) و عليه أكثر أصحابنا المتأخّرين و القدماء،و هو أظهر؛ للصحاح المستفيضة،منها:« خلعها طلاقها» (6).

و منها:« إذا قالت المرأة لزوجها ذلك حلّ له ما أخذ منها،و كانت عنده على تطليقتين» (7).

و منها:« و كانت تطليقة بغير طلاق يتبعها» (8).

ص:356


1- التهذيب 8:97،الإستبصار 3:317.
2- حكاه في الكافي 6:9/141،عن جعفر بن سماعة،و في التهذيب 8:97 عن جعفر بن سماعة و الحسن بن سماعة و علي بن رباط و ابن حذيفة،و هكذا في الاستبصار 3:317.
3- الكافي 6:9/141.
4- الشرائع 3:49،القواعد 2:77.
5- الناصريات(الجوامع الفقهية):214.
6- الفقيه 3:1631/338،الوسائل 22:285 أبواب الخلع و المباراة ب 3 ح 4.
7- الكافي 6:1/139،التهذيب 8:322/95،الإستبصار 3:1121/315،الوسائل 22:284 أبواب الخلع و المباراة ب 3 ح 2.
8- الكافي 6:3/140،التهذيب 8:324/95،الإستبصار 3:1123/315،الوسائل 22:284 أبواب الخلع و المباراة ب 3 ح 3.

و منها:« الخلع و المباراة تطليقة بائن،و هو خاطب من الخطّاب» (1).

و فسخاً عند الشيخ (2)،لو قال بوقوعه مجرّداً لوجوه مدخولة:

هي مع ذلك اجتهاد صرف في مقابلة النصوص المعتبرة التي هي مع ذلك مستفيضة،و بالشهرة العظيمة معتضدة.

و مظهر الثمرة عدّه من الطلقات الثلاث المحرّمة،فيعدّ منها على الأوّل و لا على الثاني،و صرّح بهذا بعض الصحاح المتقدّمة.

و ما صحّ أن يكون مهراً صحّ أن يكون فدية في الخلع إجماعاً؛ للآية (3)و النصوص (4)،إطلاقاً و عموماً.

و يستفاد منها من جهة أنّه لا تقدير فيه أي في المجعول فدية في طرفي النقصان و الزيادة بعد أن يكون متموّلاً بل يجوز أن يأخذ منها ما تبذله برضاها و لو كان زائداً ممّا وصل إليها منه مضافاً إلى الأصل،و الإجماع،و النص الصحيح في المبارأة:« يؤخذ منها دون الصداق،و المختلعة يؤخذ منها ما شئت،و ما تراضيا عليه من صداق قلّ أو كثر،و إنّما صارت المبارئة يؤخذ منها دون المهر،و المختلعة يؤخذ منها ما شاء؛ لأنّ المختلعة تعتدي في الكلام» (5)و نحوه غيره من المعتبرة (6).

ص:357


1- الكافي 6:7/141،الوسائل 22:289 أبواب الخلع و المباراة ب 5 ح 2.
2- الخلاف 4:422 424.
3- البقرة:229.
4- الوسائل 22:287 أبواب الخلع و المباراة ب 4.
5- الكافي 6:2/142،التهذيب 8:340/101،الوسائل 22:287 أبواب الخلع و المباراة ب 4 ح 1.
6- الوسائل 22:287 أبواب الخلع و المباراة ب 4.

و حيث إنّ الخلع معاوضة لا بدّ فيه من تعيين الفدية وصفاً يحصل به التعيين،سواء كانت عيناً شخصيّة أو كلّية أو إشارة كهذا الثوب،و هذا العبد،و هذه الصبرة من الحنطة مثلاً،بلا خلافٍ في الظاهر؛ دفعاً للغرر،و اقتصاراً في الخلع المخالف للأصل على القدر المتيقّن بالإجماع و النصّ،و ليس فيه سوى ما يقع عليه التراضي،و لا يكون في الأغلب إلّا مع التعيين بأحد الأمرين.

و إطلاق العبارة كغيرها يقتضي أنّه لا يعتبر في الوصف كونه رافعاً للجهالة،بل يكفي عنه ما يحصل به التعيين،و على هذا فلو بذلت ما لها في ذمّته من المهر جاز و إن لم يعلما قدره؛ لتعيّنه في نفسه،و إن لم يكن معلوماً لهما.

و اعتبر الماتن في الشرائع (1)في الغائب ذكر جنسه و وصفه و قدره، مع أنّه اكتفى في الحاضر بالمشاهدة،و إن لم يكن معلوم القدر.

و هو أحوط،و إن كان في وجه الفرق نظر.

و يتفرّع على هذا الشرط فساد الخلع لو وقع على ألف غير معيّن بأحد ما مرّ،و هو إجماع مع عدم قصدهما أو أحدهما إلى معيّن،و محتمل على قول معه أيضاً.

خلافاً للأكثر،فيصح حينئذٍ،و علّل بأنّ المقصود أن يكون العوض معلوماً عند المتعاقدين،فإذا توافقا على شيء بالنيّة كان كما لو توافقا بالنظر.

ص:358


1- الشرائع 3:50.

و هو أظهر؛ لعموم النص بصحّة الخلع مع التراضي بالفدية،و ما نحن فيه من أفرادها الّتي يقع عليها التراضي بالنيّة،إلّا أنّ الأحوط:الأوّل.

و

الشرائط

أمّا الشرائط:فيعتبر في الخالع البلوغ،و كمال العقل،و الاختيار، و القصد فلا خلع لفاقد أحد الأوصاف إجماعاً،حتى من القائل بكونه فسخاً؛ لعموم الأدلّة على عدم الاعتبار بالعقود و الإيقاعات الصادرة من فاقد الأوصاف المزبورة،و يزيد عليها على المختار:من أنّها طلاق،في الدلالة على اعتبار الأوصاف في الخالع ما دلّ على اعتبارها في الطلاق.

و يستفاد منه شرطه في المختلعة إذا كان خلعها مع الدخول بها،و هو: الطهر الذي لم يجامعها فيه،إذا كان زوجها حاضراً،و كان مثلها تحيض مع أنّه إجماع أيضاً؛ لعموم النصوص المستفيضة،منها الصحيح:« لا طلاق،و لا خلع،و لا مباراة،إلّا على طهر من غير جماع» (1).

و الصحيح:عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشاهدين على طهر من غير جماع،هل تبين منه؟فقال:« إذا كان ذلك على ما ذكرت فنعم» (2).

و من الشرائط في المختلعة أن تكون الكراهة منها خاصة صريحاً بإجماع الطائفة،و الصحاح المستفيضة،منها الصحيح:« المختلعة لا يحلّ خلعها حتى تقول لزوجها:و اللّه لا أبرّ لك قسماً،و لا أطيع لك أمراً،و لا أغتسل لك من جنابة،و لأُوطئنّ فراشك،و لأُوذننّ عليك بغير

ص:359


1- الكافي 6:10/143،الوسائل 22:291 أبواب الخلع و المباراة ب 6 ح 3.
2- الكافي 6:7/143،الوسائل 22:286 أبواب الخلع و المباراة ب 3 ح 9.

إذنك،و قد كان الناس يرخّصون فيما دون هذا،و إذا قالت المرأة ذلك لزوجها حلّ له ما أخذ منها،و كانت عنده على تطليقتين باقيتين،و كان الخلع تطليقة» قال:« و يكون الكلام من عندها» (1)يعني من غير أن تعلّم.

و يستفاد منه كغيره عدم الاكتفاء بكراهتها،بل لا بدّ من الوصُول إلى هذا الحدّ الذي فيها،و هو تعدّيها في الكلام بما يدل على خوف وقوعها مع عدم الطلاق في الحرام،و هو ظاهر الآية لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ [1] (2)1.و بمضمونها أفتى الشيخ (3)و غيره (4)،حتى قال الحلّي في السرائر:إنّ إجماع أصحابنا منعقد على أنّه لا يجوز الخلع إلّا بعد أن يسمع منها ما لا يحلّ ذكره،من قولها:لا أغتسل لك من جنابة،و لا أُقيم لك حدّا، و لأُوطئنّ فراشك من تكرهه،أو يعلم ذلك منها فعلاً (5).و نحوه في الخلاف.و هو أحوط،بل أولى و أظهر.

خلافاً لإطلاق العبارة و الأكثر،فالكراهة المطلقة.

و لا وجه له؛ لما عرفت من النصوص التي هي في خلافه ظاهرة،بل ربما دلّ بعضها على أنّ الاكتفاء بأقلّ من ذلك قول العامّة،و ربما أشعر أكثرها على اعتبار عبارات مخصوصة و ألفاظ فيها مرسومة،إلّا أنّ إطلاق الآية و إجماع الطائفة مع اختلاف تلك الألفاظ المرسومة قرينة واضحة على

ص:360


1- الكافي 6:1/139،التهذيب 8:322/95،الوسائل 22:284 أبواب الخلع و المباراة ب 3 ح 2.
2- البقرة:229.
3- النهاية:529،الخلاف 4:422.
4- انظر الجامع للشرائع:475،و الوسيلة:331،و الكافي في الفقه:307.
5- السرائر 2:724.

استحباب ما هي عليها من الهيئة،و أنّها على الفضيلة.

مضافاً إلى صريح بعض المعتبرة،كالصحيح:« إذا قالت المرأة جملة:

لا أُطيع لك أمراً،مفسّراً أو غير مفسّر حلّ له ما أخذ منها» (1)و نحوه غيره (2).

و بالجملة:المستفاد من النصوص جملةً هو اعتبار تعديتها في الكلام خاصّة تعديةً يوهم وقوعها في الأُمور المحرّمة لولا البينونة،و أمّا أنّ ذلك بعبارة مخصوصة فلا البتة،فاعتبارها كما وجدناه في عبارة بعض من عاصرناه (3)فاسد بالضرورة.

و يتفرّع على هذا الشرط فساد الخلع مع عدمه مطلقاً،و لو أتبع بالطلاق جدّاً،فإنّه حينئذٍ يكون رجعيّاً لا بائناً.

و لا يجب الخلع لو قالت:لأُدخلن عليك من تكرهه على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامة من تأخّر؛ للأصل السالم عن المعارض.

خلافاً للشيخ و جماعة (4)،فيجب لو قالت ذلك،أو خيف عليها الوقوع في المعصية؛ لكون ذلك منها منكراً و دفعها واجب،و لا يتم إلّا بالخلع.

و فيه منع،مع عدم انحصاره فيه،و إمكانه بالفراق المطلق،فلا يجب

ص:361


1- الكافي 6:6/141،الفقيه 3:1633/339،التهذيب 8:328/97،الإستبصار 3:1127/316،الوسائل 22:279 أبواب الخلع و المباراة ب 1 ح 1.
2- التهذيب 8:327/96،الإستبصار 3:1126/316،الوسائل 22:279 أبواب الخلع و المباراة ب 1 ح 2.
3- انظر الحدائق 25:598،599.
4- الشيخ في النهاية:529،و الخلاف 4:421،الحلبي في الكافي:307،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):614،ابن حمزة في الوسيلة:331.

بل يستحب في المشهور،و مستنده من النصوص غير واضح؛ لأنّ غايتها الدلالة على الإباحة،لا الاستحباب و الفضيلة.

نعم هو متوجّه من حيث المسامحة في أدلّة الكراهة،و الاكتفاء في الحكم بها بمجرّد الخروج عن الشبهة.

و ربما قيل (1)باستحباب مطلق الفرقة،لا الخلع خاصّة.

و قيل (2)بنفي الاستحبابين،و الاقتصار على الإباحة؛ اقتصاراً على النصوص؛ لعدم تجويزه المسامحة في دليل الكراهة كسائر الأحكام الشرعية.

و يصحّ خلع الحامل مع رؤيتها الدم و لو قيل:إنّها تحيض لصحة طلاقها معه إجماعاً،كما مضى (3)،و هو طلاق أيضاً،كما في المستفيضة المتقدّمة (4)،فيصح معه جزماً.

و قيل (5)بالعدم؛ لعموم ما تقدّم في اشتراط الوقوع في الطهر (6).

و فيه منع؛ لعدم تبادر المقام منه للندرة،مع ظهور سياقه في اتحادها مع المطلّقة،و لذا ذكرت معها في الحكم في المسألة،فقال:« لا طلاق، و لا خلع،و لا مباراة،إلّا على طهر من غير جماع» (7)و الأوّل هو الأظهر، و مختار الأكثر،بل عليه عامّة من تأخّر.

و يعتبر في العقد حضور شاهدين عدلين إجماعاً؛ لأنّه كما مضى

ص:362


1- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:66.
2- كما في نهاية المرام 2:137.
3- راجع ص 249.
4- في ص 355.
5- لم نعثر عليه و لعله مجهول القائل كما أشار إليه في نهاية المرام 2:137.
6- راجع ص 358.
7- راجع ص 358.

طلاق،و من حكمه ذلك،و أمّا على القول بأنّه فسخ فللمعتبرة،منها الصحيح المتقدّم في اعتبار الطهر (1).

و يعتبر أيضاً تجريده عن الشرط و ما في معناه،إجماعاً؛ لاعتباره في الطلاق فليعتبر هنا أيضاً إن قلنا بكونه طلاقاً،و كذا إن قلنا بالعدم،لا لذلك،بل للأصل،و لزوم الاقتصار على المستفاد من النص، و ليس إلّا الخلع المنجّز.

و لا بأس بشرط يقتضيه العقد،كما لو شرط الرجوع إن رجعت و وجهه ظاهر،مع أنّه لا خلاف فيه.

أمّا اللواحق فمسائل
اشارة

و أمّا اللواحق فمسائل أربع:

الاُولى لو خالعها و الأخلاق ملتئمة لم يصحّ

الاُولى:لو خالعها و الأخلاق ملتئمة لم يصحّ الخلع المفيد للبينونة بالضرورة؛ لفقد شرطه الذي هو كراهة الزوجة بالإجماع و المستفيضة المتقدّمة (2)؛ مضافاً إلى الإجماع عليه في خصوص المسألة.

و يتفرع عليه أنّه لم يملك الفدية لاشتراطه بصحة الخلع المتوقفة على كراهة المرأة التي هي كما عرفت منتفية؛ مضافاً إلى الإجماع عليه،مع إطلاق الآية (3)و المستفيضة (4)بعدم حلّ أخذها منها إلّا بعد الكراهة.

و في وقوع الطلاق رجعيا حينئذٍ لو اتبع الخلع،أو اكتفي به عن

ص:363


1- راجع ص 358.
2- راجع ص 358.
3- البقرة:229.
4- الوسائل 22:279،282 أبواب الخلع و المباراة ب 1،2.

الخلع أم لا،وجهان،ظاهر الماتن في الشرائع و الفاضل في القواعد و جماعة (1):نعم.

و هو حسن إن عرف المطلّق فساد البذل و عدم لزومه بطلاقه،و إلّا فهو مشكل؛ لانتفاء النص،مع اقتضاء الأصل و القاعدة ذلك،من حيث عدم تحقق القصد إلى الطلاق المجرّد عن البذل،و إنّما المقصود الطلاق المعلّق عليه المشروط به المستلزم فساده لفساده،بخلاف الصورة المستحسنة،من حيث انتفاء هذه الشبهة فيه من حيث المعرفة،فإنّه بها قاصد إلى الطلاق المنجّز البتّة؛ لعلمه بعدم حلّ الفدية بالمرّة.

إلّا أن يقال في الصورة الأُولى:بكون البذل الفاسد سبباً لوقوع الطلاق المجرّد و داعياً إليه،و هو غير ملازم لكونه شرطاً فيه يفسد بفساده.

و هذا أقوى.

ثمّ من النظر في المسألة ينقدح كون الطلاق بالعوض من أقسام الخلع،و أنّه يشترط فيه كراهة الزوجة ليحصل به حلّ الفدية و البينونة كالمختلعة.

فما في المسالك و الروضة (2)من عدم الاشتراط بها فيه،و صحة البذل و حصول البينونة بدونها غير جيّد؛ لما فيه من المنافاة لما دلّ على اشتراط حلّ البذل بالكراهة من الكتاب و الإجماع و السنّة.

و مع ذلك فإفادته البينونة مخالفة للأُصول الممهّدة،فإنّ الأصل في الطلاق بنفسه عدمها،بل الرجعة،و الخروج عنها يحتاج إلى دلالة،و هي مع كراهة الزوجة ثابتة؛ لما عرفت من إجماع الطائفة،لا النصوص؛

ص:364


1- الشرائع 3:55،القواعد 2:77؛ و انظر الجامع للشرائع:476،و الروضة 6:100.
2- المسالك 2:67،انظر الروضة 6:100.

لاختصاصها بالمخالعة دون الطلاق بفدية،و أمّا مع عدمها فلا؛ لعدم الإجماع و النص هنا بطريق أولى؛ لظهور فتاوي أصحابنا و النصوص في خلافه جدّاً،بحيث يظنّ إجماعهم عليه ظاهراً،مع أنّه صرّح بعض الأجلّة (1)بعدم الموافقة له أصلاً.

الثانية لا رجعة للخالع

الثانية: إذا صحّ العقد مع الفدية كان بائناً إجماعاً،ف لا رجعة للخالع مطلقاً،طلاقاً كان الخلع أو فسخاً،بلا خلاف؛ للمعتبرة المستفيضة المتقدم بعضها (2)،و سيأتي بعض آخر أيضاً (3).

نعم لو رجعت في البذل رجع إن شاء بلا خلاف؛ للمعتبرة، منها الصحيح:« إن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها و تكون امرأته فعلت» (4).

و الموثق:« المختلعة إن رجعت في شيء من الصلح يقول:لأرجعنّ في بضعك» (5).

و ظاهره جواز رجوعها مطلقاً،كما هو الأشهر الأقوى.

خلافاً لابن حمزة (6)،فاشترط في جوازه الاشتراط أو الرضاء؛ لأنّه عقد معاوضة فيعتبر في فسخه رضاهما،و نفى عنه البأس في المختلف (7).

و هو اجتهاد في مقابلة النص.

نعم المعتبر إمكان رجوعه في صحة رجوعها،و إن لم يعتبر رضاه؛

ص:365


1- و هو صاحب المدارك في نهاية المرام 2:139.
2- في ص 352.
3- في ص 365.
4- الكافي 6:7/143،التهذيب 8:332/98،الإستبصار 3:1132/318،الوسائل 22:286 أبواب الخلع و المباراة ب 3 ح 9.
5- التهذيب 8:337/100،الوسائل 22:293 أبواب الخلع و المباراة ب 7 ح 3.
6- الوسيلة:332.
7- المختلف:595.

لأنّ ظاهر الرواية تلازم الحكمين،و لا دليل على رجوعها مطلقاً،مع مخالفته الأصل جدّاً،مع أنّه في الجملة إجماع ظاهراً،و لذا قال:

و يشترط رجوعها في العدّة،ثم لا رجوع لكن إطلاق العبارة يقتضي جواز الرجوع في العدّة البائنة،و هو مشكل؛ لما عرفت من الدلالة على اعتبار إمكان الرجوع مطلقاً،مع أنّه المشهور بين الطائفة،كما في الروضة (1).

و على هذا فلو كانت المطلّقة بائنة أو رجعيّة و كانت عدّتها منقضية لم يجز لها الرجوع البتّة؛ لعدم إمكان رجوعه في البضع.

و لو رجعت مع الإمكان إلّا أنّها ما أعلمت الزوج حتى انقضت العدة فالأقرب وفاقاً لجماعة (2)عدم الصحة؛ قصراً للرجعة المخالفة للأصل على مورد النص،و ليس محل الفرض.

ثم إنّه حيث ترجع المرأة في البذل تصير العدّة رجعيّة،سواء رجع أم لا،لكن في ترتّب أحكام العدّة الرجعية عليها مطلقاً،كوجوب النفقة و الإسكان و غير ذلك وجهان.

و العدّة بائنة قبل رجوعها إجماعاً،فيصح له التزويج بأخت المختلعة و الرابعة.

مضافاً إلى الأصل،و صريح الصحيح في الأوّل خاصّة:عن رجل اختلعت منه امرأته،أ يحلّ له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدّة المختلعة؟قال:« نعم،قد برئت عصمتها،و ليس له عليها رجعة» (3)

ص:366


1- الروضة 6:106.
2- منهم المحقق السبزواري في الكفاية:210،و ابن حمزة في الوسيلة:332،على ما فهم من عبارته الشهيد في غاية المراد 3:260.
3- الكافي 6:9/144،التهذيب 8:477/137،الوسائل 22:300 أبواب الخلع و المباراة ب 12 ح 1.

و التعليل ظاهر في انسحاب الحكم في البائنة مع عدم القول بالفرق.

و متى تزوّج بها امتنع رجوعها؛ لاشتراط إمكان رجوعه كما عرفت، و ليس بممكن هنا إجماعاً،إلّا إذا طلّقها بائناً في العدّة،فيجوز له الرجوع حينئذٍ؛ لزوال المانع.

الثالثة لو أراد مراجعتها و لم ترجع

الثالثة:لو أراد مراجعتها و لم ترجع هي في البذل افتقر تزويجها إلى عقد جديد في العدّة كان أو بعدها بلا خلاف؛ للمعتبرة،منها الصحيح:« كانت بائناً بذلك،و كان خاطباً من الخطّاب» (1).

الرابعة لا توارث بين المختلعين و لو مات أحدهما في العدّة

الرابعة:لا توارث بين المختلعين و لو مات أحدهما في العدّة بلا خلاف؛ للأصل،و عدم المقتضي له لانقطاع العصمة بينهما الموجبة لذلك.

مضافاً إلى صريح الخبر،و فيه:« و أمّا الخلع و المباراة فإنّه يلزمها» إلى أن قال:« و لا ميراث بينهما في العدّة» (2).

و نحوه الموثق في المبارأة:« المبارئة تبين من ساعتها من غير طلاق، و لا ميراث بينهما؛ لأنّ العصمة بينهما قد بانت من ساعة كان ذلك منها و من الزوج» (3)و نحوه الحسن الآتي (4)،و التعليل موجب للتعدية.

ص:367


1- الكافي 6:3/140،التهذيب 8:324/95،الإستبصار 3:1123/315،الوسائل 22:284 أبواب الخلع و المباراة ب 3 ح 3.
2- التهذيب 8:334/99،الوسائل 22:291 أبواب الخلع و المباراة ب 6 ح 4.
3- التهذيب 8:345/102،الإستبصار 3:1136/319،الوسائل 22:296 أبواب الخلع و المباراة ب 9 ح 3،و في الجميع:لأن العصمة فيما..
4- في ص 368.

المبارأة

المبارأة و أصلها المفارقة،قال الجوهري:تقول:بارئت شريكي إذا فارقته، و بارأ الرجل امرأته (1).

و هي طلاق بعوض مترتّب على كراهة كلّ من الزوجين صاحبه،كما يأتي.

و الكلام في صيغتها كما في الخلع من الافتقار إلى استدعاء المرأة مع الكراهة،أو القبول كذلك،و اللفظ الدال عليه من قبل الزوج،و هو أن يقول:بارأتك بالهمزة على كذا فأنتِ طالق.

و لو قال بدلاً من بارأتك:فاسختكِ،أو أبنتكِ،أو غيره من الألفاظ متبعاً لها بالطلاق صحّ؛ إذ المقتضي للفرقة التلفّظ به لا بها،بل لو تجرّد عنها و قال:أنتِ طالق على كذا صحّ،و كان مباراة؛ إذ هي كما عرفت عبارة عن الطلاق بعوض مع منافاة بين الزوجين،و ليس الطلاق بالعوض إيقاعاً خارجاً عن الخلع و المباراة،بل هو إمّا خلع أو مبارأة،فإن قصد به الخلع و جمع شروطه وقع خلعاً،كوقوعه مباراة لو قصدها مع اجتماع شرائطها، و يجوز انصرافه إلى أحدهما مع اجتماع شرائطهما،و لو جمع شروط أحدهما انصرف إليه،و لو انتفت شروط كل منهما وقع باطلاً أو رجعيا؛ لما مضى (2)من انحصار الطلاق البائن بالعوض في الأمرين.

ص:368


1- انظر الصحاح 1:36.
2- في ص 363.

خلافاً لمن شذّ و قد مر (1)فاستوجه الصحة مع البينونة حيث لم يقصد به أحدهما؛ لعموم الأدلّة الدالّة على جواز الطلاق مطلقاً،و عدم وجود ما ينافي ذلك في خصوص البائن.

و قد مر (2)وجه ضعفه من اتفاق الطائفة و استفاضة المعتبرة بفساد البذل مع عدم كراهة المرأة،و فساده بذلك كما هو الفرض هنا إمّا مستلزم لفساد الطلاق المترتّب عليه أيضاً،كما قيل (3)،أو موجب لعدم البينونة و إن صحّ الطلاق؛ لخروجه عن الأمرين المنحصر فيهما الطلاق البائن بالبذل بمقتضى المستفيضة،كما قاله الأكثر،و عموم الأدلّة لا يستفاد منه سوى الصحة دون البينونة،اللهم إلّا أن يقول بمجرّد الصحة دون البينونة،لكن فيه منافاة لما قدّمنا عنه.

و كيف كان هي أي المبارأة تمتاز عن الخلع بأنّها تترتّب صحتها على كراهة الزوجين كل منهما صاحبه بلا خلاف، بل عليه الإجماع كما حكاه جماعة (4)،و به ظاهر بعض المعتبرة،المنجبر قصور سنده مع حجّيته في نفسه بالشهرة،كاعتضاد الدلالة بها،فلا ضير إن لم تكن صريحة،و هو الموثق:عن المبارأة كيف هي؟قال:« يكون للمرأة على زوجها شيء من صداقها أو من غيره،و يكون قد أعطاها بعضه، و يكره كلّ واحد منهما صاحبه،فتقول المرأة:ما أخذت منك فهو لي،

ص:369


1- في ص 364.
2- في ص 363.
3- انظر نهاية المرام 2:142.
4- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):614،و انظر نهاية المرام 2:142،و الكفاية:211،و الحدائق 25:623.

و ما بقي عليك فهو لك،و أبارئك،فيقول لها الرجل:فإن رجعت فيما تركت فأنا أحقّ ببضعك» (1).

و يستفاد منه كغيره اعتبار صدور القول المذكور من الزوج،و هو أحوط،و إن لم يذكره من الأصحاب أحد،و لذا حمله على الاستحباب،أو إرادة بيان التنبيه للمرأة على عدم جواز ارتجاعها البذل إلّا مع إمكان رجوع الزوج في البضع،متّجه.

و يشترط إتباعها بالطلاق على قول الأكثر بل لم نقف فيه على مخالف صريحاً،و بالإجماع صرّح جماعة (2)،و هو الحجة فيه خاصّة، لا النصوص،فإنّها في عدم الاشتراط ظاهرة،بل صريحة،كالحسن (3):

« المبارئة تبين من ساعتها من غير طلاق،و لا ميراث بينهما؛ لأنّ العصمة منهما قد بانت ساعة كان ذلك منها و من الزوج» (4).

لكنّها شاذّة،و الظاهرة منها لعدم الصراحة للتأويل بالحمل على المبارأة الشرعية المستجمعة للشرائط التي منها الإتباع بالطلاق قابلة، و الصريحة عن المقاومة للأصل و الإجماعات المحكية المستفيضة بحسب

ص:370


1- الكافي 6:1/142،التهذيب 8:342/101،الوسائل 22:294 أبواب الخلع و المباراة ب 8 ح 3.
2- منهم الشيخ في المبسوط 4:373،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):614،و المحقق في الشرائع 3:58،و العلّامة في القواعد 2:83،و الشهيد الثاني في المسالك 2:74.
3- كذا،و لا يخفى أنّه رحمه اللّه قد عبّر عنه آنفاً في ص 366 بالموثق.
4- التهذيب 8:345/102،الإستبصار 3:1136/319،الوسائل 22:296 أبواب الخلع و المباراة ب 9 ح 3.

السند قاصرة،فليس عمّا ذكره الأصحاب مندوحة،و إن لم يوجد لما ذكروه من الأخبار شاهد و لا قرينة،كما اعترف به جماعة (1).

و الذي يختلج بالفكر الكليل و الفهم العليل إمكان الاستناد لما ذكروه إلى الصحيح:عن المرأة تباري زوجها أو تنخلع (2)منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع،هل تبين منه بذلك،أو هي امرأته ما لم يتبعها بالطلاق؟فقال:« تبين منه» إلى أن قال:قلت:إنّه قد روي أنّها لا تبين حتى يتبعها بالطلاق،قال:« ليس ذلك إذا خلع» الخبر (3).

لما مرّ (4)من ظهور« إذا» في الشرطية،و« خلع» في فعلها،فعلى هذا يفهم منه أنّ عدم اشتراط الإتباع بالطلاق المشار إليه بذلك مخصوص بالخلع،و يلزم منه ثبوته في المبارأة المسئول عنها أيضاً،و إلّا لما كان لتخصيص النفي بالخلع وجه أصلاً.

نعم ربما نافاه الحكم بالبينونة من دون الإتباع فيها في صدر الرواية، و لكن يمكن تخصيصه بالخلع خاصّة،بمعنى عدم توجّه الحكم المزبور إلى المبارأة لضرب من المصلحة،و لا بُعد في ارتكاب مثل ذلك بعد قيام القرينة في ذيل الرواية؛ مضافاً إلى إجماع الطائفة،فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

ص:371


1- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 2:143،و السبزواري في الكفاية:211،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:323،و صاحب الحدائق 25:625.
2- كذا في الأصل،و في المصدر:تختلع،و لعله الأنسب.
3- الكافي 6:7/143،التهذيب 8:332/98،الإستبصار 3:1132/318،الوسائل 22:286 أبواب الخلع و المباراة ب 3 ح 9.
4- في ص 353.

و الشرائط المعتبرة في كلّ من الخالع و المختلعة مشترطة هنا بالإجماع،و المعتبرة الدالّة على أنّ المبارأة طلقة بائنة (1)،فيعتبر فيها و في المباري ما يعتبر في المطلِّق و المطلَّقة كما في الخلع.

مضافاً إلى صريح الصحيح:« لا طلاق و لا خلع،و لا مباراة، و لا خيار،إلّا على طهر من غير جماع» (2).

و في آخر ما يدل على أنّه يعتبر في المبارأة حضور شاهدين (3)،إلى غير ذلك من الأخبار.

و كذا يثبت أحكام الخلع هنا،إلّا ما وقع عليه الاستثناء.

و منها:أنّها طلقة بائنة لا رجوع للزوج إلّا أن ترجع الزوجة في البذل و لا رجوع لها فيه إلّا مع إمكان رجوعه في البضع.

فإذا خرجت من العدّة فلا رجوع لها لما مضى هنا و في الخلع أيضاً (4).

قيل:إلّا أنّ الأولى هنا اشتراط الرجوع في البضع لو رجعت؛ للموثق المتقدّم (5)؛ مضافاً إلى الصحيح:« المبارأة أن تقول المرأة لزوجها:لك ما عليك،و اتركني،فيتركها،إلّا أنّه يقول لها:فإن ارتجعت في شيء منه

ص:372


1- التهذيب 8:334/99،الوسائل 22:291 أبواب الخلع و المباراة ب 6 ح 4.
2- الكافي 6:10/143،الوسائل 22:291 أبواب الخلع و المباراة ب 6 ح 3.
3- الوسائل 22:290 أبواب الخلع و المباراة ب 6.
4- راجع ص 364.
5- في ص 368.

فأنا أملك ببضعك» (1)و لا معارض لهما في البين (2).انتهى.

و ليس فيهما سوى اشتراط الزوج رجوعه في البضع لو رجعت في البذل،و هو غير اشتراطها الرجوع في البذل،فلا يكون فيهما حجّة على المشهور المجوّزين لرجوعها من دون اشتراطها الرجوع مطلقاً،و إن لم يرض الزوج،بل ظاهرهما جواز رجوعها مطلقاً،و لو مع عدم شرطها و رضاءٍ من الزوج أصلاً،فإذاً ما هو الأشهر أقوى،فتأمّل.

ثم إنّ إطلاق العبارة باعتبار شروط المختلعة في المبارئة حسن على طريقة الأصحاب،حيث لم يشترطوا فيها في المختلعة عدا مجرّد الكراهة و إن لم تكن شديدة،و مشكل على ما قدّمناه من اعتبار الشدّة،بل ينبغي استثناؤها هنا و الاكتفاء بمجرّد الكراهة؛ للأصل،و الإطلاق،و خصوص الصحيح:« المبارئة يؤخذ منها دون الصداق،و المختلعة يؤخذ منها ما شاء؛ لأنّ المختلعة تعتدي في الكلام،و تتكلّم بما لا يحلّ لها» (3).

و يجوز أن يفاديها بقدر ما وصل إليها منه من تمام المهر فما دون على الأشهر الأظهر؛ للأصل،و الصحيح:« لا يجوز أن يأخذ منها إلّا المهر فما دونه» (4).

ص:373


1- الكافي 6:5/143،الوسائل 22:294 أبواب الخلع و المباراة ب 8 ح 1.
2- انظر نهاية المرام 2:146.
3- الكافي 6:2/142،التهذيب 8:340/101،الوسائل 22:287 أبواب الخلع و المباراة ب 4 ح 1.
4- الكافي 6:5/143،التهذيب 8:339/100،الوسائل 22:287 أبواب الخلع و المباراة ب 4 ح 2.

و ليس في سنده اشتراك كما ظنّ (1)،و على تقديره بالأصل و الشهرة منجبر،و مترجّح بذلك على الصحيح المتقدّم قريباً،و إن عمل به الصدوقان و العماني كما حكي (2)،مع أنّه حسن في المشهور،فلا يعارض الضعيف المنجبر بما مرّ،مع ظهور احتمال كونه من الصحيح.

و أمّا القدح فيه بالقطع فليس على ما ينبغي؛ لاستناده إلى أبي جعفر عليه السلام في الكافي،و هو أضبط من التهذيب الذي قطع فيه (3).

و كيف كان هما نصّ في أنّه لا يحلّ له ما زاد عنه مع أنّه أيضاً إجماعي،و هو أحد الفوارق بين المقام و الخلع.

ص:374


1- نهاية المرام 2:147.
2- الصدوق في المقنع:117،و حكاه عن والده و عن العماني في المختلف:595.
3- لا يخفى عدم وجود قطع في التهذيب الذي يكون بأيدينا،فلاحظ.

كتاب الظهار

اشارة

كتاب الظهار و هو فِعال من الظهر،اختصّ به الاشتقاق لأنّه محلّ الركوب في المركوب،و المرأة مركوب الزوج،و المراد به هنا تشبيه المكلّف من يملك نكاحها بظهر محرّمة عليه أبداً بنسب أو رضاع أو مصاهرة أيضاً،و هو محرّم،و إن تترتّب عليه الأحكام؛ لقوله سبحانه وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً [1] (1).لكن قيل:إنّه لا عقاب فيه؛ لتعقّبه بالعفو (2).

و يضعّف بأنّه وصف مطلق،فلا يتعيّن كونه عن هذا الذنب المعيّن، لكن المستفاد من بعض المعتبرة (3)تعلّقه به،إلّا أنّه بالنظر إلى المظاهر الذي نزلت الآية في شأنه.

الظهار و صيغته

اشارة

و ينعقد بقوله:أنت عليّ كظهر أمّي قاصداً إليه،إجماعاً، و النصوص به مستفيضة (4)،لكنّها متّفقة بذكر هذه العبارة التي لم تختلف فيها حروف الصلة،لكن ظاهر الأصحاب الاتفاق على الانعقاد و إن اختلفت حروف الصلة بأن بدّلت« أنتِ» بهذه،أو زوجتي،أو فلانة، و« علي» بمنّي،أو عندي،أو معي،بل صرّح بالإجماع بعضهم (5)،و هو

ص:375


1- المجادلة:2.
2- القائل هو الفاضل المقداد في كنز العرفان 2:290.
3- انظر الوسائل 22:303 أبواب الظهار ب 1.
4- الوسائل 22:303 أبواب الظهار ب 1 و ب 2 ح 2 و ب 4 ح 2 و 3.
5- كالشيخ في المبسوط 5:149.

الحجة فيه،مع إمكان التمسّك بإطلاق الآية.

و به يصحّ ما عن الأكثر (1)من الانعقاد و لو مع حذف الصلة،كأن يقول:أنتِ كظهر أمّي.

خلافاً للتحرير (2)،فاستشكل فيه؛ لعدم الصراحة،و احتمال إرادة التحريم على غيره.

و ردّ بالبُعد،و كفاية الظهور (3).

و هو حسن إن قام دلالة على الكفاية،و إلّا فأصالة الإباحة تنافيها،بل تحوج إلى الصراحة كما في الطلاق،و لا ريب أنّ ما ذكروه أحوط.

و كذا يقع لو شبّهها بظهر امرأة ذي رحم مطلقاً نسباً كان أو رضاعاً على الأشهر الأقوى،بل ربما أشعر عبارة الطوسي و المهذّب (4)بالإجماع عليه منّا،و هو الحجّة.

مضافاً إلى الصحيحين،في أحدهما:عن الظهار؟فقال:« هو عن كل ذي محرم أُمّ،أو أُخت،أو عمّة،أو خالة،و لا يكون الظهار في يمين» قلت:فكيف؟قال:« يقول الرجل لامرأته و هي طاهرة في غير جماع:

أنتِ عليّ حرام مثل ظهر أُمّي أو أُختي،و هو يريد بذلك الظهار» (5).

و في الثاني:الرجل يقول لامرأته:أنتِ عليّ كظهر عمّته أو خالته،

ص:376


1- حكاه عن الأكثر في نهاية المرام 2:151.
2- التحرير 2:61.
3- نهاية المرام 2:151.
4- الطوسي في المبسوط 5:149،المهذب 2:298.
5- الكافي 6:3/153،الفقيه 3:1640/340،التهذيب 8:26/9،الوسائل 22:309 أبواب الظهار ب 4 ح 1.

قال:« هو الظهار» (1).

و عموم الأوّل يشمل المحرّمات الأبديّة و لو بالمصاهرة،و به أفتى في المختلف (2)،و وافقه جماعة (3)،و لا يخلو عن قوّة.

خلافاً للحلّي (4)فيمن عدا الأُمّ النسبي مطلقاً،فنفاه؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد الكتاب و ما أجمع عليه الأصحاب.

و هو حسن على أصله،مدفوع على غيره؛ لمكان الصحيحين.

نعم في الصحيح:يقول الرجل لامرأته:أنتِ عليّ كظهر أختي،أو عمّتي،أو خالتي،فقال:« إنّما ذكر اللّه تعالى الأُمّهات،و إنّ هذا لحرام» (5).

و ردّ بأنّه لا دلالة فيه على نفيه،مع أنّه أجاب بالتحريم.

و فيه نظر؛ فإنّ ظهوره فيما ذكره لا يمكن أن ينكر،نعم ما ذكره محتمل،فليست الدلالة صريحة،و معه قصرت الرواية عن المقاومة للخبرين مع تعدّدهما،و اعتضادهما بالفتوى،و بالإجماع الذي مضى.

و وافقه غيره (6)،لكن عمّم الاُمّ للرضاعيّة،إمّا لصدق الاُمّ عليها حقيقة،أو لحديث:« يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (7)و فيهما

ص:377


1- الكافي 6:10/155،التهذيب 9:28/8،الوسائل 22:310 أبواب الظهار ب 4 ح 2.
2- المختلف:598.
3- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 3:370،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:153،و السبزواري في الكفاية:211،و صاحب الحدائق 25:637.
4- السرائر 2:709.
5- الكافي 6:18/157،التهذيب 8:30/10،الوسائل 22:310 أبواب الظهار ب 4 ح 3.
6- انظر المسالك 2:74.
7- الكافي 5:2/437،التهذيب 7:1223/291،الوسائل 20:371 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 3.

نظر،سيّما الأوّل.

و وافقه القاضي (1)في تخصيص الاُمّ بالنسبية،كما حكي،إلّا أنّه عدّى الحكم إلى من عدا الأُمّ النسبية من ذوات الأرحام نسباً؛ تمسّكاً في التخصيص،بالنسب إلى ما مرّ من الأصل،و في التعميم إلى من عدا الاُمّ بالصحيحين،زاعماً عدم عمومٍ فيهما يوجب التعدية إلى المحرّمات رضاعاً؛ لتبادر المحرم النسبي من ذي محرم و عمّة و أُخت.

و فيه نظر؛ لعدم الحكم للتبادر مع العموم اللغوي و ما في حكمه، فهو ضعيف،كموافقة الأكثر له في عدم التعدية إلى المحرّمات بالمصاهرة؛ لعموم كل ذي محرم لها؛ مضافاً إلى الاشتراك في العلّة،و هي كونه منكراً و زوراً،كذا ذكره شيخنا العلّامة (2)،و لعلّه لا يخلو عن مناقشة.

و لو شبّهها بكلّها،كأنتِ مثل أُمّي،أو بغير الظهر من أعضائها، كما لو قال أنتِ كشعر أُمّي أو يدها أو شبّه عضواً منها بكلّها،كأن يقول:يدكِ كأُمّي،أو بأحد أعضائها لم يقع على الأصحّ،وفاقاً للأكثر، بل في الانتصار (3)الإجماع عليه؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على محلّ الوفاق و النصّ المعتبر.

مضافاً إلى النظر إلى الاشتقاق،و ظهور الصحيح المتقدّم في الحصر في التشبيه بالظهر،حيث سئل عن الظهار و أنّه كيف هو؟فأجاب بأنتِ حرام مثل ظهر أُمّي (4).

ص:378


1- المهذّب 2:299.
2- المختلف:598.
3- الانتصار:142.
4- راجع ص 374.

و قيل (1):يقع لاعتبارات قياسية غير مسموعة في نحو المسألة، نعم للمصير إلى الوقوع في الثاني خاصّة وجه ب سبب رواية سدير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قلت له:الرجل يقول لامرأته:أنتِ عليّ كشعر أُمّي،أو كبطنها،أو كرجلها قال:« ما عنى؟إن أراد به الظهار فهو الظهار» (2)و نحوها اخرى (3).

لكن فيها كالثانية ضعف و مع ذلك موافقة للعامة،كما في الانتصار (4)،فلا يخرج بهما عن الأصل،سيّما مع اعتضاده بالشهرة و الإجماع المتقدّم،و يعارض به الإجماع المدّعى في الخلاف (5)على الوقوع في الثاني لو تمسك به،مع أنّه موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف.

لكن الأحوط ذلك،بل الوقوع مطلقاً،سيّما لو شبّهها بكلّها؛ لاحتمال الوقوع فيه بالفحوى،و إن كان لا يخلو عن نظر جدّاً.

و يشترط أن يسمع نطقه شاهدا عدل

و يشترط فيه ما يشترط في الطلاق،فيعتبر أن يسمع نطقه شاهدا عدل بلا خلاف،بل في الانتصار و عن الحلي (6)عليه الإجماع، و هو الحجة،كالمعتبرة المستفيضة العامة و الخاصة،فمن الأوّل:الصحيح المتقدّم:« لا يكون الظهار إلّا على موضع الطلاق» (7)و نحوه غيره (8).

ص:379


1- قاله الشيخ في الخلاف 4:530.
2- التهذيب 8:29/10،الوسائل 22:317 أبواب الظهار ب 9 ح 2.
3- الكافي 6:36/161،الوسائل 22:316 أبواب الظهار ب 9 ح 1.
4- الانتصار:142.
5- الخلاف 4:530.
6- الانتصار:141،السرائر 2:710.
7- الكافي 6:5/154،التهذيب 8:44/13،الإستبصار 3:935/261،الوسائل 22:307 أبواب الظهار ب 2 ح 3.
8- الفقيه 3:1639/340،الوسائل 22:307 أبواب الظهار ب 2 ح 3.

و من الثانية:الصحيح و غيره:« لا يكون ظهار إلّا على طهر بغير جماع،بشهادة شاهدين مسلمين» (1).

و ظاهره الاكتفاء في الشهود بالإسلام،إلّا أنّ ظاهر الأوّل و صريح الأصحاب اعتبار العدالة كاعتبارها في شهود الطلاق،و عليه يحمل إطلاق الثاني؛ مضافاً إلى الاستقراء الكاشف عن اعتبارها في الشهود مطلقاً، فلا وجه لنظر بعض من تأخّر (2)فيما ذكر.

و في صحته مع التعليق على الشرط كأن يقول:أنت كظهر أمّي إن فعلت كذا،غير قاصد للزجر أو البعث؛ فإنّه مع القصد إليهما يمين لم يقع بإجماعنا،فتوًى و نصّاً،كما يأتي (3) روايتان باختلافهما اختلف الأصحاب.

إلّا أنّ أشهرهما كما هنا و في المسالك (4)بين متأخّري أصحابنا:

الصحة بعد تحقق الشرط،و اختاره من المتقدّمين الصدوق و الطوسي و جماعة (5).

و هو مع ذلك صحيح السند،متكثّر العدد،ففي الصحيح:« الظهار على ضربين،أحدهما الكفّارة فيه قبل المواقعة،و الآخر بعدها،و الذي يكفّر قبل الشروع فهو الذي يقول:أنت عليّ كظهر أمّي،و لا يقول:إن

ص:380


1- الفقيه 3:1657/345،التهذيب 8:33/10،الإستبصار 3:923/258،الوسائل 22:308 أبواب الظهار ب 2 ح 4.
2- الشهيد في المسالك 2:76.
3- في ص 381.
4- المسالك 2:76.
5- الصدوق في المقنع:107،118،الطوسي في النهاية:525،و المبسوط 5:150،و الخلاف 4:536؛ و انظر الوسيلة:334.

فعلت بك كذا و كذا،و الذي يكفّر بعد المواقعة هو الذي يقول:أنتِ عليّ كظهر أمّي إن قربتك» (1).

و نحوه صحيحان آخران (2)،معتضدان كالأوّل بإطلاق الآية (3)و النصوص.

و ثانيهما:عدم الصحّة،اختاره المرتضى في الانتصار (4)مدّعياً عليه الإجماع،و نسب الأوّل إلى باقي الفقهاء،و اختاره ابن زهرة و الحلّي و جماعة (5)،و من المتأخّرين منهم الماتن في الشرائع و المقداد في التنقيح (6).

و هو الأقوى؛ للأصل،و ضعف إطلاق الآية و النصّ؛ إذ لا يقال للمظاهر بشرط:إنّه مظاهر،و على تقديره فليس بمتبادر،و يؤيّده ملاحظة شأن نزول الآية.

و للإجماع المحكي،و المعتبرة المستفيضة بالعموم و الخصوص، فمن الأول:الصحيح المتقدم:« لا يكون الظهار إلّا على موضع الطلاق»

ص:381


1- الكافي 6:32/160،التهذيب 8:40/12،الإستبصار 3:930/260،الوسائل 22:332 أبواب الظهار ب 16 ح 1.
2- أحدهما في:التهذيب 8:39/12،الإستبصار 3:929/259،الوسائل 22:334 أبواب الظهار ب 16 ح 7. و الآخر في:التهذيب 8:41/13،الإستبصار 3:931/260،الوسائل 22:334 أبواب الظهار ب 16 ح 8.
3- المجادلة:2.
4- الانتصار:141.
5- ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):613،الحلي في السرائر 2:709؛ و انظر المهذّب 2:298،و الكافي في الفقه:303،و المراسم:160.
6- الشرائع 3:61،التنقيح الرائع 3:371.

و نحوه غيره (1)،و لا طلاق بشرط إجماعاً.

و من الثاني:الخبران،المعتبر أحدهما بوجود جملة من المجمع على تصحيح رواياته في سنده،فلا يضر إرساله:قال:قلت لأبي الحسن عليه السلام:

إنّي قلت لامرأتي:أنتِ كظهر أمّي إن خرجتِ من باب الحجرة،فخرجت، فقال:« ليس عليك شيء» الخبر (2).

و الثاني (3)و إن ضعف،إلّا أنّه كالأوّل لو كان كذلك بالشهرة العظيمة بين القدماء كما يفهم من الحلّي،بل و المتأخّرين أيضاً كما يفهم من الشرائع،و الإجماع المتقدّم،و مخالفة العامة العمياء،معتضد.

مضافاً إلى الأصل القطعي الذي لا مخرج عنه سوى الصحاح المتقدّمة،و حملها على التقية لما عرفت من كلام المرتضى متعيّن.

و دعوى اعتضادها بالشهرة المتأخّرة،و إطلاقات الكتاب و السنّة بما عرفت مدفوعة،هذا.

مع أنّ الإطلاقات لو كانت تنهض هنا حجة للزم الصحة بالتعليق على الصفة و المدّة،و لم يقل به أكثرهم،و إن خالفهم المبسوط (4)،فتأمّل هذا.

و لا ريب أنّ ما ذكروه أحوط،و إن كان ما قدّمناه أقوى و أظهر.

و لا يقع في يمين أي إذا جعل جزاءً على فعل أو ترك قصداً للزجر أو البعث،و هو الفارق بينه و بين الشرط،فإنّ المقصود منه مجرّد

ص:382


1- راجع ص 377.
2- الكافي 6:4/154،الفقيه 3:1650/344،التهذيب 8:43/13،الإستبصار 3:934/261،الوسائل 22:332 أبواب الظهار ب 16 ح 3.
3- الكافي 6:24/158،التهذيب 8:42/13،الإستبصار 3:933/260،الوسائل 22:333 أبواب الظهار ب 16 ح 4.
4- انظر المبسوط 5:156.

التعليق لا أحد الأمرين.و ربما يفرق أيضاً بعدم تعلّق اليمين بفعل غير المكلف قطّ،بخلاف الشرط،فقد يتعلّق.

و الأصل في عدم الوقوع بعد الأصل الإجماع المستفيض النقل (1)، و المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:« لا يكون في يمين» (2).

و علّل أيضاً بالنهي عن اليمين بغير اللّه سبحانه (3).

و فيه نظر،فإنّ تعلّق النهي بمثله لا يستلزم الفساد،كيف لا؟!و الظهار من أصله منهي عنه إجماعاً،و مع ذلك فهو في الجملة صحيح اتفاقاً.

و كذا لا يقع إذا قصد به إضرار الزوجة،وفاقاً للنهاية و العلّامة و جماعة (4)،بل ادّعى عليه الشهرة في الكفاية (5).

و لا يخلو عن قوّة؛ للأصل،و بعض المعتبرة،المنجبر قصور سنده بالجهالة بأنّ فيه من أجمعت على تصحيح ما يصح عنه العصابة،و فيه:

« لا يكون ظهار في يمين،و لا في إضرار،و لا غضب» (6).

خلافاً لظاهر المفيد و الإسكافي و الحلّي (7)،فأطلقوا الوقوع و لم

ص:383


1- منهم المرتضى في الانتصار:141،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:163،و صاحب الحدائق 25:649.
2- الكافي 6:3/153،الوسائل 22:314 أبواب الظهار ب 6 ح 8.
3- الحدائق 25:650.
4- النهاية:526،العلّامة في القواعد 2:85،و التحرير 2:61؛ و انظر الوسيلة:334،و المهذب 2:300،و التنقيح 3:372.
5- الكفاية:212.
6- الفقيه 3:1657/345،التهذيب 8:33/10،الإستبصار 3:923/258،الوسائل 22:315 أبواب الظهار ب 7 ح 2.
7- المفيد في المقنعة:523،و الإسكافي لم نعثر على الحاكي عنه،الحلي في السرائر 2:707.

يقيّدوا؛ للعموم.

و هو أوجه،إلّا أن تصح الشهرة،فتعضد به الرواية،و تصلح للعموم مخصِّصة،و إلّا فمجرّد اعتبار السند مع عدم الصحة غير معلوم الصلاحية لتخصيص مثل عموم الآية،و السنّة المقطوع بها،المخصّص بهما الأصالة المتمسك بها في المسألة.و لا ريب أنّ الوقوع أحوط إن لم يكن أقرب.

و كذا لا يقع في حال غضب مطلقا،و إن لم يرتفع معه القصد أصلاً و لا سكر بلا خلاف في الظاهر فيهما،و هو حجة فيهما، كالأدلّة القاطعة في الثاني،و الصحيح في الأوّل:« الظهار لا يقع على غضب» (1)مضافاً إلى المعتبر المتقدّم،و بذلك يخصّ العموم.

يعتبر في المظاهر البلوغ،و كمال العقل،و الاختيار،و القصد

و يعتبر في المظاهر البلوغ،و كمال العقل،و الاختيار،و القصد بلا خلاف في الأربعة؛ لعموم الأدلّة،و خصوص ما دلّ على أنّ الظهار كالطلاق،لا يقع إلّا حيثما يقع (2)،و قد مرّ ما دلّ على اعتبارها في الطلاق (3).

مضافاً إلى خصوص المستفيضة في الرابع،ففي الصحيح في بيان الظهار:« يقول الرجل لامرأته و هي طاهر في غير جماع:أنتِ عليَّ حرام مثل ظهر أُمّي أو أُختي،و هو يريد بذلك الظهار» (4)و نحوه في الموثّق (5)

ص:384


1- الكافي 6:25/158،التهذيب 8:31/10،الوسائل 22:315 أبواب الظهار ب 7 ح 1.
2- راجع ص:5579.
3- في ص:5414.
4- الكافي 6:3/153،الفقيه 3:1640/340،التهذيب 8:26/9،الإستبصار 3:924/258،الوسائل 22:307 أبواب الظهار ب 2 ح 2.
5- الكافي 6:5/154،الفقيه 3:1639/340،التهذيب 8:44/13،الإستبصار 3:935/261،الوسائل 22:309 أبواب الظهار ب 3 ح 2.

و غيره (1).

فلا إشكال في شيء من ذلك،إلّا على القول بجواز طلاق المراهق، فالمتّجه عليه صحة الظهار أيضاً،إلّا أنّه لا خلاف في العدم هنا،و لعلّه لكون مورده آيةً و روايةً إنّما هو المكلّف،و لذا وصف بالمنكر و الزور (2)، و وجب لأجلهما الكفّارة،و ليس شيء منهما جارياً في الصبي أصلاً.

ثمّ في اقتصار الماتن كغيره في الشرائط هنا على الأربعة إشعار بل دلالة على عدم اعتبار الحريّة و الإسلام،و صحته من العبد و الكافر،و هو إجماع في الأوّل؛ للعموم،و مع ذلك منصوص في الصحيح و غيره:عن المملوك أ عليه ظهار؟قال:« نصف ما على الحرّ من الصوم،و ليس عليه كفّارة صدقة و لا عتق» (3).

و مذهب الأكثر في الثاني؛ للعمومات،مع انتفاء المانع؛ إذ ليس عبادة يمتنع وقوعها منه.

خلافاً للشيخ (4)،فاستقرب المنع؛ لأنّه لا يقرّ بالشرع،و الظهار حكم شرعي؛ و لأنّه لا يصحّ منه الكفّارة؛ لاشتراط نيّة القربة فيها فيمتنع منه الفئة،و هي من لوازم وقوعه.

و يضعّف بأنّه من قبيل الأسباب،و هي لا تتوقّف على اعتقادها.

و التمكن من التكفير متحقّق بتقديمه الإسلام؛ لأنّه قادر عليه،و لو لم يقدر على العبادات لامتنع تكليفه بها عندنا،و إنّما تقع منه باطلة لفقد شرط مقدور.

ص:385


1- الوسائل 22:307 أبواب الظهار ب 2.
2- المجادلة:2.
3- الكافي 6:13/156،الفقيه 3:1661/346،التهذيب 8:79/24،الوسائل 22:323 أبواب الظهار ب 12 ح 1.
4- المبسوط 5:145،الخلاف 4:526.

مضافاً إلى اختصاص ما ذكر بصورة استمرار كفره،أمّا لو أسلم بعد الظهار فليس ذلك بجارٍ فيه.

في المظاهرة طهر لم يجامعها فيه و الدخول

و يعتبر في المظاهرة وقوعه في طهر لم يجامعها فيه إذا كان زوجها حاضراً أو في حكمه و مثلها تحيض بلا خلاف،بل عليه الإجماع في كلام جماعة (1)،و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و المعتبرة المتقدّمة (2)،المنزِّلة للظهار منزلة الطلاق المعتبر فيه ذلك اتفاقاً،فتوًى و نصّاً.

و خصوص الصحيح:عن الظهار؟فقال:« يقول الرجل لامرأته و هي طاهر في غير جماع:أنتِ عليَّ حرام مثل ظهر أمّي» الخبر،و قد مرّ (3)، و نحوه آخر (4).

و في اشتراط الدخول بها تردّد من العمومات كتاباً و سنّةً، المقتضية للعدم.

و من أنّ المروي في الصحيحين الاشتراط ففي أحدهما:في المرأة التي لم يدخل بها زوجها.قال:« لا يقع عليها إيلاء و لا ظهار» (5).

و في الثاني:عن مملك ظاهر من امرأته؟قال:« لا يلزمه شيء، و لا يكون ظهار و لا إيلاء حتى يدخل بها» (6).

ص:386


1- منهم الشهيد في المسالك 2:78،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:157،و الفيض في المفاتيح 2:328.
2- في ص 379.
3- راجع ص 382.
4- الكافي 6:/153ذيل الحديث 1،تفسير القمي 2:354،الوسائل 22:307 أبواب الظهار ب 2 ح 1.
5- التهذيب 8:65/21،الوسائل 22:316 أبواب الظهار ب 8 ح 2.
6- الكافي 6:21/158،الفقيه 3:1638/340،التهذيب 8:66/21،الوسائل 22:316 أبواب الظهار ب 8 ح 1.

و بهما يخصّ العموم القطعي إن جوّزنا تخصيصه بمثلهما،و إلّا فالعدم أقوى،كما هو مختار الحلّي و المرتضى (1)؛ لأنّ ذلك أصلهما،إلّا أنّ الأوّل أقوى وفاقاً لأكثر أصحابنا هنا و في الأصل أيضاً،و قد حقّق الكلام في تحقيقه في الأُصول مستقصى،و أنّه يجوز العمل به مطلقاً،و إن لم يشتهر المخصّص بين أصحابنا،و مع اشتهار العمل به كما هنا يجوز العمل به بطريق أولى،بل لا محيص عنه جدّاً،كيف لا؟!و عدمه حينئذٍ مستلزم لعدم جواز تخصيص عموم الكتاب و نحوه بشيء من الآحاد أصلاً إلّا ما أجمع عليه أو حفّت به القرائن القطعية،و الاقتصار عليه كاد أن يلحق بالفساد جدّاً،فإذاً مختار الأكثر هنا أقوى ثم أقوى.

و أمّا ما ربما يتوهّم هنا:من التأييد للخلاف بما مضى من المعتبرة المنزِّلة للظهار منزلة الطلاق،و لا يشترط فيه ذلك اتفاقاً و نصّاً،فينبغي أن يكون الظهار كذلك أيضاً.

فوهنه أظهر من أن يخفى،فإنّ مقتضاها ليس إلّا أنّ الظهار لا يقع إلّا حيثما يقع الطلاق،و ليس فيه دلالة على أنّه حيثما يقع الطلاق يقع الظهار، و هو ظاهر،كما لا يخفى.

و في وقوعه بالمتمتع بها قولان مضى ذكرهما في بحث التمتع (2)،و أنّ أشبههما و أشهرهما الوقوع و كذا القولان في وقوعه ب الموطوءة بالملك و أشهرهما بين المتأخّرين أنّه كالأوّل،و هو أظهر؛ للعمومات،و خصوص المعتبرة

ص:387


1- الحلّي في السرائر 2:710،المرتضى في المسائل الموصليّات(رسائل الشريف المرتضى 1):241.
2- راجع ص 5119.

المستفيضة منها الصحيح:في رجل كان له عشر جوار،فظاهر منهنّ كلّهنّ جميعاً بكلام واحد،فقال:« عليه عشر كفّارات» (1).

و الموثق،بل الصحيح:عن الرجل يظاهر من جاريته؟فقال:« الحرّة و الأمة في هذا سواء» (2)و نحوه الحسن كالصحيح (3).

و قريب منها الصحيح:عن الظهار على الحرّة و الأمة؟قال:« نعم» (4).

خلافاً لجماعة من القدماء (5)،فاختاروا العدم؛ للأصل.و يضعّف بما مرّ.

و لأنّ المفهوم من النساء الزوجة.و فيه منع.

و لورود السبب فيها.و فيه أنّه لا يخصِّص.

و للخبر فيمن ظاهر عن أمته،قال:« يأتيها،و ليس عليه شيء» (6)و فيه قصور سنداً عن المكافأة لما مرّ جدّاً و إن اعتبر بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده،فلا يضرّ جهالة رواية مضافاً إلى قصوره عن ذلك عدداً،و مخالفةً للعمومات و الشهرة العظيمة و إن كانت متأخّرة،مع

ص:388


1- الكافي 6:16/157،التهذيب 8:67/21،الإستبصار 3:943/263،الوسائل 22:326 أبواب الظهار ب 14 ح 1.
2- الكافي 6:11/156،الفقيه 3:1660/346،التهذيب 8:76/24،الإستبصار 3:945/264،الوسائل 22:321 أبواب الظهار ب 11 ح 1.
3- التهذيب 8:77/24،الإستبصار 3:946/264،الوسائل 22:322 أبواب الظهار ب 11 ح 4.
4- الكافي 6:12/156،التهذيب 8:53/17،الإستبصار 3:947/264،الوسائل 22:321 أبواب الظهار ب 11 ح 2.
5- منهم المفيد في المقنعة،و الحلبي في الكافي:304،و الديلمي في المراسم:160،و القاضي في المهذّب 2:298،و الحلّي في السرائر 2:709.
6- الفقيه 3:1652/345،التهذيب 8:32/10،الوسائل 22:314 أبواب الظهار ب 6 ح 9.

احتماله للتقية.

و لأنّ الظهار كان في الجاهلية طلاقاً،و هو لا يقع بها.و فيه أنّ فعل الجاهلية لا حجّة فيه،مع أنّه قد نقل أنّهم كانوا يظاهرون من الأمة أيضاً.

و لو استدلّوا بعموم المعتبرة القائلة:إنّه كالطلاق،كان أجود،إلّا أنّه مخصَّص أو مؤوَّل بما مرّ؛ لكونه في الرجحان أظهر.

و في اكتفائه بقوله: و المروي:أنّها كالحرّة سيّما بعد الحكم بالوقوع صريحاً في السابق نوع إشعار بالتردّد،و ليس في محلّه.

مسائل

اشارة

و هنا مسائل سبع:

الأُولى الكفّارة تجب بالعود

الاُولى:الكفّارة تجب بالعود لا بمجرّد الظهار،بالكتاب، و السنّة،و إجماع العلماء،كما حكاه بعض أصحابنا (1).

و هو إرادة الوطء على الأظهر الأشهر؛ للآية (2)،فإنّ الظاهر في معنى العود فيها إرادة استباحة الوطء الذي حرّمه الظهار،كما صرّح به المرتضى و جماعة،حكاه عنهم بعض الأجلّة (3).

و للصحيحين،في أحدهما:عن الظهار،متى يقع على صاحبه فيه الكفّارة؟فقال:« إذا أراد أن يواقع امرأته» قلت:فإن طلّقها قبل أن يواقعها، أ عليه كفّارة؟قال:« لا،سقطت الكفّارة» (4).

ص:389


1- انظر نهاية المرام 2:161،و الحدائق 25:670.
2- المجادلة:3.
3- المرتضى في الناصريات(الجوامع الفقهية):215،و العلّامة في القواعد 2:86،و السيوري في التنقيح 3:374،و القاضي في المهذّب 3:532،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:161،و حكاه عنهم في كشف اللثام 2:165.
4- الكافي 6:10/155،الفقيه 3:1647/343،التهذيب 8:28/9،الوسائل 22:318 أبواب الظهار ب 10 ح 4.

و في الثاني:عن الرجل يظاهر من امرأته،ثم يريد أن يتمّ على طلاقها،قال:« ليس عليه كفّارة» قلت:فإن أراد أن يمسّها؟قال:« لا يمسّها حتى يكفّر» قلت:فإن فعل عليه شيء؟قال:« أي و اللّه إنّه لآثم ظالم» قلت:عليه كفّارة غير الاُولى؟قال:« نعم،يعتق أيضاً رقبة» (1).

خلافاً للإسكافي فيما إذا قام على إمساكها بعد الظهار بالعقد الأوّل زماناً و إن قلّ،فأوجب به الكفّارة و إن لم يرد الوطء،قال:لأنّ العود إنّما هو المخالفة،و هي متحقّقة بذلك (2).

و أُجيب بأنّ بقاءها في عصمته لا ينافي تحريمها عليه،و إنّما ينافيه إرادة الاستمتاع أو نفسه،و الثاني غير مراد بإجماعنا،و لقوله تعالى مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا [1] (3)فيتعيّن الأول (4)،هذا.

و في الحسن و غيره تفسير العود بغير ما عليه الأصحاب من إرادة الوطء،كما عليه المشهور،أو المخالفة،كما عليه الإسكافي،و هو أنّ قوله تعالى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا [2] « يعني به ما قال الرجل الأوّل لامرأته:

أنتِ عليَّ كظهر أُمّي،فمن قالها بعد ما عفا اللّه تعالى و غفر للرجل الأوّل فإنّ عليه فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [3] الآية» (5).

إلّا أنّه يستفاد من بعض الروايات ما قدّمناه،كالمرسل:في رجل ظاهر،قال:« سقطت عنه الكفّارة إذا طلّق قبل أن يعاود المجامعة»

ص:390


1- التهذيب 8:56/18،الإستبصار 3:949/265،الوسائل 22:320 أبواب الظهار ب 10 ح 8.
2- حكاه عنه في المختلف:600.
3- المجادلة:3،4.
4- المسالك 2:79.
5- الكافي 6:1/152،الوسائل 22:304 أبواب الظهار ب 1 ح 2،و الآية في المجادلة:3.

الخبر (1)،فتأمّل.

و كيف كان لا مخالفة فيه للمشهور من حيث الثمرة الثابتة بالصحيحين.

و يستفاد من صريحهما مضافاً إلى الأصل ما هو الأشهر الأقرب:أنّه لا استقرار لوجوبها بمجرّد الإرادة بحيث تلزمه مع انتفائها،بل وجوبها شرطي بمعنى تحريم الوطء حتى يكفّر.

خلافاً للتحرير،فقال بالاستقرار؛ لترتّبه في الآية على العود بمجرّده، بناءً على التفسير المشهور (2).

و أُجيب بأنّ المفهوم منه إنّما هو توقّف التماسّ عليها،مع أنّها مقيّدة بقبليّة التماسّ التي هي من الأُمور المتضايفة التي لا تتحقّق إلّا بالمتضايفين (3).

ثمّ في إضافة الإرادة في العبارة إلى الوطء خاصّة إشارة بل دلالة على عدم ترتّب الكفّارة بإرادة مقدّماته من اللمس و القبلة،و هو أصحّ القولين و أشهرهما في المسألة،بل عن الحلّي (4)نفي الخلاف عنه،بناءً على الأصل،و تفسير المسيس هنا بل مطلقاً بالوطء خاصّة في المعتبرة،منها الخبران المفسِّران للعود بما قدّمناه،فإنّ فيهما:« فإنّ عليه فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا [1] يعني:مجامعتها» (5).

ص:391


1- الكافي 6:28/159،الوسائل 22:319 أبواب الظهار ب 10 ح 6.
2- التحرير 2:62.
3- انظر المفاتيح 2:329.
4- السرائر 2:711.
5- الكافي 6:1/152،تفسير القمي 2:353،الوسائل 22:304،305 أبواب الظهار ب 1 ح 2،و ذيله.

و منها الصحيح الأوّل (1)من الصحيحين المشترط في وجوب الكفّارة إرادة المواقعة،التي هي الجماع بالضرورة،الدالّ بمفهومه على عدم الكفّارة عند عدمها،هذا.

مع استفاضة المعتبرة بترتّب الكفّارة على المواقعة الظاهرة في الحصر،و لا يبعد كونها متواترة،هذا،مع أنّ المتبادر منه عرفاً و عادةً ذلك البتّة.

و منه يظهر ضعف القول بترتّب الكفّارة على مطلق المسيس،و لو كان نحو قبلة،كما عن المبسوط و الخلاف (2)،و حجّته من عموم المسيس لغةً لذلك.

و أمّا الاستناد له إلى تنزيلها منزلة المحرّمة مؤبّداً فهو مصادرة،مع استلزامه حرمة النظر بلذّة،و ليس في الآية دلالة عليها بوجه،مع عدم مصير المخالف إليه أيضاً.

و اعلم أنّه إنّما يحرم الوطء عليه بالظهار،و لا عليها،إلّا إذا تضمّن الإعانة على الإثم،فيحرم لذلك لا للظهار،فلو تشبّهت عليه على وجه لا تحرم عليه،أو استدخلته و هو نائم مثلاً لم يحرم عليها؛ لثبوت الحلّ لها قبله،و الأصل بقاؤه.

الثانية لو طلّقها و راجع في العدّة لم تحلّ

الثانية:لو طلّقها و راجع في العدّة لم تحلّ مجامعتها حتى يكفّر إجماعاً،حكاه جماعة (3)؛لإطلاق الآية (4)،و صريح بعض المعتبرة

ص:392


1- المتقدم في ص 387.
2- المبسوط 5:155،الخلاف 4:539.
3- منهم الشهيد في المسالك 2:80،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:163،و السبزواري في الكفاية:212،و المجلسي في مرآة العقول 21:263،و صاحب الحدائق 25:681.
4- المجادلة:3.

الآتية،و ما ينافيه بإطلاقه ممّا يأتي محمول على الصورة الثانية بما مرّ و المعتبرة المفصِّلة.

و أمّا لو طلّقها بائناً أو رجعيّاً و قد خرجت من العدّة فاستأنف النكاح فإنّه فيه روايتان،أشهرهما و أظهرهما أنّه لا كفّارة عليه.

ففي الصحيح:عن رجل ظاهر من امرأته،ثم طلّقها قبل أن يواقعها، فبانت منه،أ عليه كفارة؟قال:

« لا» (1).و فيه كالخبر،بل الحسن-:عن رجل ظاهر من امرأته،ثم طلّقها تطليقة؟فقال:« إذا هو طلّقها تطلقة فقد بطل الظهار،و هدم الطلاق الظهار» قيل له:فله أن يراجعها؟قال:« نعم،هي امرأته،فإن راجعها وجب عليه ما يجب على المظاهر من قبل أن يتماسّا» قلت:فإن تركها حتى يخلو أجلها و تملك نفسها،ثم تزوّجها بعد ذلك هل يلزمه الظهار من قبل أن يمسّها؟قال:« لا،قد بانت منه،و ملكت نفسها» (2).

و عليهما يحمل إطلاق الصحيحين في المظاهر إذا طلّق سقطت عنه الكفّارة (3).

و الرواية الأُخرى الحسنة:عن رجل ظاهر من امرأته،ثم طلّقها بعد ذلك بشهر أو شهرين،فتزوّجت،ثم طلّقها الذي تزوّجها،فراجعها الأوّل، هل عليه الكفّارة للظهار الأوّل؟قال:« نعم» الخبر (4).

ص:393


1- الكافي 6:35/161،الوسائل 22:318 أبواب الظهار ب 10 ح 3.
2- الكافي 6:34/161،الفقيه 3:1643/342،التهذيب 8:51/16،الوسائل 22:318 أبواب الظهار ب 10 ح 2.
3- راجع ص 387،388.
4- التهذيب 8:52/17،الوسائل 22:320 أبواب الظهار ب 10 ح 9.

و قد عمل به الديلمي و الحلبي (1)،و فيه قصور سنداً و عدداً عن المقاومة لما مرّ جدّاً،و مع ذلك محتمل للتقية،و بها أجاب عنه الشيخ، قائلاً:إنّه مذهب جماعة من العامّة (2).

و الأجود حمله على الاستحباب،كما ذكره جماعة (3)،أو على صورة إرادته الفرار بالطلاق من الكفّارة؛ للخبر:« إن كان إنّما طلّقها لإسقاط الكفّارة عنه ثم راجعها فالكفّارة لازمة له أبداً إذا عاود المجامعة،و إن كان طلّقها و هو لا ينوي شيئاً من ذلك فلا بأس،و لا كفّارة عليه» (4).

إلّا أنّه مع قصور سنده بالإرسال،و ضعفه عن المقاومة لما مرّ شاذّ،لا يلتفت إليه،و مع ذلك فإطلاق نفي الكفّارة فيه بعد الرجوع مع عدم قصد الفرار مخالف للإجماع بالضرورة،إلّا أنّه يمكن تقييده بصورة تحقّق البينونة.

الثالثة لو ظاهر من أربع بلفظ واحد لزمه أربع كفّارات

الثالثة:لو ظاهر من أربع نسوة بلفظ واحد و كلمة واحدة، فقال:أنتنّ عليّ كظهر أُمّي لزمه أربع كفّارات على الأظهر الأشهر بين الطائفة؛ لإطلاق الآية (5)و السنّة،و خصوص المعتبرة،أصرحها الصحيح:

في رجل كان له عشر جوارٍ فظاهر منهنّ كلّهنّ جميعاً بكلام واحدة،فقال:

« عليه عشر كفّارات» (6).

ص:394


1- الديلمي في المراسم:160،الحلبي في الكافي:304.
2- التهذيب 8:17.
3- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:376،و الشهيد الثاني في المسالك 2:81،و السبزواري في الكفاية:212.
4- الكافي 6:28/159،الوسائل 22:319 أبواب الظهار ب 10 ح 6.
5- المجادلة:3،4.
6- الكافي 6:16/157،التهذيب 8:67/21،الإستبصار 3:943/263،الوسائل 22:321 أبواب الظهار ب 11 ح 3.

و في رواية موثّقة (1)أنّ عليه كفّارة واحدة عمل بها الإسكافي (2)،و لقصورها سنداً و عدداً عن المقاومة لما مرّ جدّاً حملها الشيخ على الوحدة الجنسيّة (3)،و لا بأس به و إن بعد؛ جمعاً بين الأدلّة.

و كذا البحث لو كرّر ظهار المرأة الواحدة يلزمه بكلّ مرّة كفّارة على حدةٍ؛ لبعض ما مرّ،و للمستفيضة،منها الصحاح،في أحدها:

عن رجل ظاهر من امرأته خمس مرّات أو أكثر؟قال:« قال عليّ عليه السلام:عليه مكان كلّ مرّة كفّارة» (4)و نحوه الباقي (5).

و إطلاقها كالعبارة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين تراخي أحدهما عن الآخر أو تواليهما،بقصد التأكيد أم لا،تعدّد المشبّه بها كالأُمّ و الأُخت أم لا،تخلّل التكفير بينهما أم لا،اختلف المجلس أم تعدّد،و هو الأظهر الأشهر بين الطائفة.

خلافاً للطوسي في المتواليين مع قصد التأكيد،فواحدة مطلقاً (6).

و للإسكافي فيما إذا اتّحد المشبّه بها مع عدم تخلّل التكفير مطلقاً (7).

و لغيرهما فيما إذا اتّحد المجلس،فكذلك مطلقاً (8).

ص:395


1- الفقيه 3:1655/345،التهذيب 8:68/21،الإستبصار 3:944/263،الوسائل 22:327 أبواب الظهار ب 14 ح 3.
2- كما حكاه عنه في المختلف:602.
3- الاستبصار 3:264،التهذيب 8:22.
4- الكافي 6:12/156،التهذيب 8:53/17،الإستبصار 3:938/262،الوسائل 22:324 أبواب الظهار ب 13 ح 1.
5- الوسائل 22:324 أبواب الظهار ب 13.
6- المبسوط 5:152.
7- نقله عنه في المختلف:601.
8- لم نعثر عليه،و لعلّ القائل من العامة كما أشار إليه في المسالك 2:82،راجع المغني لابن قدامة 8:624.

و لم أقف لهم على حجّة سوى عدم الخلاف الذي ادّعاه الأوّل، و الصحيح الذي احتجّ به للثالث:في رجل ظاهر عن امرأته أربع مرّات في مجلس واحد،قال:« عليه كفّارة واحدة» (1).

و هو كالأوّل قاصر عن المكافأة لما مرّ،فليطرحا،أو يؤوّلا إلى ما يؤولا به إلى الأوّل،هذا.

و في الأوّل وهن؛ لمصير الأكثر إلى خلافه،و في سند الثاني ركاكة و اشتراك عند جماعة (2)،و قد حمله الشيخ (3)على ما حمل عليه الرواية السابقة من إرادة الوحدة الجنسية،لا الشخصيّة.

الرابعة يحرم الوطء قبل التكفير

الرابعة:يحرم الوطء قبل التكفير اتفاقاً،فتوًى و نصّاً،كتاباً و سنّةً.

فلو وطئ عامداً لزمه كفّارتان إحداهما للظهار،و الأُخرى للمواقعة،بلا خلاف بين الطائفة،إلّا من الإسكافي (4)،فلا تجب بالمرّة الأُولى أصلاً،و أمّا الثانية فكذلك إلّا مع القدرة على العتق و الصيام،و أمّا الإطعام فلا تجب في الثانية أيضاً.و لم نقف له على شاهد.

نعم في الصحيح و غيره:قلت:إن واقع قبل أن يكفّر؟قال:

« يستغفر اللّه تعالى و يمسك حتى يكفّر» (5).

ص:396


1- التهذيب 8:73/23،الإستبصار 3:942/263،الوسائل 22:326 أبواب الظهار ب 13 ح 6.
2- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 2:168،و انظر الكفاية:213.
3- الاستبصار 3:263،التهذيب 8:23.
4- حكاه عنه في المختلف:602.
5- الصحيح:الكافي 6:14/156،الفقيه 3:1645/343،التهذيب 8:59/18،الإستبصار 3:952/265،الوسائل 22:328 أبواب الظهار ب 15 ح 2. و غيره:الكافي 6:31/160،الفقيه 3:1644/342،الوسائل 22:328 أبواب الظهار ب 15 ح 3.

و هما مع قصور سند الثاني ليسا نصّين في المطلوب،بل و لا ظاهرين،و على تقدير الظهور فليس فيهما التفصيل المذكور،فإذاً هما شاذّان.

و مع ذلك معارضان بالمعتبرة المستفيضة،المعتضدة بالشهرة العظيمة،منها الصحيحان،في أحدهما:« لا يمسّها حتى يكفّر» قلت:فإن فعل فعليه شيء؟قال:« إي و اللّه،إنّه لآثم ظالم» قلت:عليه كفّارة غير الاُولى؟قال:« نعم،يعتق أيضاً رقبة» (1).

و في الثاني:« إذا واقع المرّة الثانية قبل أن يكفّر فعليه كفّارة أُخرى، ليس في هذا اختلاف» (2).

و نحوهما الثالث (3)،و هو و إن قصر سنده بجهالة الراوي،إلّا أنّ فيه المجمع على تصحيح رواياته،مع انجباره بالشهرة،و مفهوم الصحيح:

« ليس له أن يواقعها حتى يكفّر،فإن جهل و فعل فإنّما عليه كفّارة واحدة» (4).

ص:397


1- التهذيب 8:56/18،الإستبصار 3:949/265،الوسائل 22:329 أبواب الظهار ب 15 ح 4.
2- الكافي 6:17/157،التهذيب 8:58/18،الإستبصار 3:951/265،الوسائل 22:328 أبواب الظهار ب 15 ح 1.
3- التهذيب 8:57/18،الإستبصار 3:937/262،الوسائل 22:329 أبواب الظهار ب 15 ح 5.
4- التهذيب 8:37/11،الإستبصار 3:927/259،الوسائل 22:331 أبواب الظهار ب 15 ح 8.

و صريحه كجماعة (1)و ظاهر العبارة اغتفار التعدّد في الجاهل،و يدلُّ عليه الأصل أيضاً،مع انتفاء المانع؛ لاختصاص المعتبرة المتقدّمة بحكم السياق في بعض و التبادر في آخر بالعامد.

و منه يظهر وجه انسحاب الحكم في الناسي،و إن اختصّ الصحيح بالجاهل؛ مضافاً إلى الاعتبار،و الإجماع المركّب،مع احتمال التعدّي منه إليه بالفحوى،فتأمّل جدّاً،هذا.

و في تفريع الماتن تعدد الكفّارة على الحرمة مناقشة؛ لعدم التلازم بينها و بين الكفّارة،فالأجود إبدال الفاء بالواو.

و لو كرّر الوطء لزمه لكلّ وطء كفّارة مطلقاً،كفّر عن الأوّل أم لا،على الأشهر الأقوى؛ لإطلاق ما مضى.

خلافاً لابن حمزة في الثاني،فاكتفى فيه بالواحدة (2).و النص حجّة عليه.

الخامسة إذا أطلق الظهار حرمت مجامعتها حتى يكفّر

الخامسة:إذا أطلق الظهار حرمت مجامعتها حتى،يكفّر إجماعاً؛ لما مضى.

و لو علّقه بشرط من غير وجه يمين لم تحرم حتى يحصل الشرط فتحرم حينئذٍ إن قلنا به،و تجب الكفّارة لو أراد الوطء ثانياً،وفاقاً للأكثر؛ للأصل،و صريح ما دلّ على تحقق التحريم به،و هو الصحيح:

« الظهار ضربان:أحدهما الكفّارة فيه قبل المواقعة،و الآخر بعدها،فالذي يكفّر قبل المواقعة هو الذي يقول:أنتِ عليَّ كظهر أمّي،و لا يقول:إن فعلت بك كذا و كذا،و الذي يكفّر بعد المواقعة هو الذي يقول:أنتِ عليّ

ص:398


1- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 2:169،و السبزواري في الكفاية:212،و الفيض في المفاتيح 2:330.
2- الوسيلة:335.

كظهر أُمّي إن قربتك» (1).

و قال بعض الأصحاب و هو الشيخ في النهاية (2):و الضرب الثاني لا تجب فيه الكفّارة إلّا بعد أن يفعل ما شرط أنّه لا يفعل أو يواقع ها، و هو بعيد إذ لا وجه له،مع مخالفته ما مرّ؛ لعدم ترتّب الظهار عليه.

و يقرب إذا كان الوطء هو الشرط كما في الصحيح المتقدّم، و لكن حمل عبارته عليه تحكّم.

ثم إن كان هو الوطء تحقّق بالنزع،فتحرم المعاودة قبلها،و لا تجب قبله،و إن طالت مدّته،على أصحّ القولين؛ حملاً على المتعارف.

خلافاً للشيخ (3)،فأوجبها بأوّل آن من صدق الوطء،بناءً على أنّ الاستمرار وطء ثانٍ.و يضعّف بما مرّ.

السادسة إذا عجز عن الكفّارة يحرم وطؤها حتى يكفّر

السادسة:إذا عجز عن الكفّارة و خصالها الثلاث و أبدالها إن قلنا بها سوى الاستغفار قيل: و هو مذهب الأكثر،و قد صرّح به جماعة (4) يحرم وطؤها حتى يكفّر أخذاً بظاهر الكتاب و السنّة،و التفاتاً إلى صريح الصحيح:« كلّ من عجز عن الكفّارة التي تجب عليه من عتق، أو صوم،أو صدقة،في يمين،أو نذر،أو قتل،أو غير ذلك ممّا يجب على صاحبه فيه الكفّارة،فإنّ الاستغفار له كفّارة ما خلا يمين الظهار،فإنّه إذا لم يجد ما يكفّر به حرمت عليه أن يجامعها،و فرّق بينهما،إلّا أن ترضى المرأة أن يكون معها و لا يجامعها» (5).

ص:399


1- الكافي 6:32/160،التهذيب 8:40/12،الإستبصار 3:930/260،الوسائل 22:332 أبواب الظهار ب 16 ح 1.
2- النهاية:525.
3- النهاية:525.
4- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 2:171،و المجلسي في ملاذ الأخيار 13:39.
5- الكافي 7:5/461،التهذيب 8:50/16،الإستبصار 4:195/56،الوسائل 22:367 أبواب الكفارات ب 6 ح 1.

و قيل: كما عن الحلّي (1) يجتزئ بالاستغفار،و هو أشبه و تبعهما الفاضل في المختلف (2)،تمسكاً بأصالة البراءة،و أنّ إيجاب الكفّارة مع العجز عنها تكليف بغير مقدور،فيكون مدفوعاً.

و الموثّق،بل الصحيح:« إنّ الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفّارة فليستغفر ربه،و لينوِ أن لا يعود قبل أن يواقع،ثم ليواقع،و قد أجزأ ذلك عنه من الكفّارة،فإذا وجد السبيل إلى ما يكفّر به يوماً من الأيّام فليكفّر» (3).

و في الجميع نظر؛ لانقطاع الأوّل بأدلّة الظهار المثبتة لما يضادّه، فالأصل يقتضي بقاءه.

و اندفاع الثاني بعدم التكليف بالكفّارة نفسها ابتداءً،بل هو بعد إرادة الوقاع،و مع عدمها لا تكليف بها أصلاً،كما مضى.

اللّهم إلّا أن يقال:بتعلّق التكليف بها إذا أتى زمان يجب على المظاهر فيه المواقعة،و الأمر بها يستلزم الأمر بالكفّارة و لو من باب المتقدّمة،فلو لم يجتزأ بالاستغفار مكانها لزم ما تقدّم من الملازمة،و هو التكليف بغير المقدور البتّة.

لكن فيه:منع التكليف بالمواقعة في هذه الصورة،من حيث كونها بفقد الكفّارة غير مقدورة،و على تقدير التنزّل عن ظهور المنع نقول:

لا أقلّ من احتماله.

ص:400


1- السرائر 2:713.
2- المختلف:602.
3- الكافي 7:6/461،التهذيب 8:1190/320،الإستبصار 4:196/56،الوسائل 22:368 أبواب الكفارات ب 6 ح 4.

و عدم القدرة على الكفّارة كما يمكن صيرورته قرينةً للاجتزاء بالاستغفار،كذا يمكن خروجه شاهداً على عدم التكليف بذي المقدّمة، و حينئذٍ ترجيح الأوّل على الثاني موقوف على دلالة هي في المقام مفقودة،هذا.

مع عدم جريان ذلك في التي لم يجب على المظاهر وطؤها،كالأمة، و المتمتع بها،على القول بوقوع مظاهرتهما،كما هو مذهب الخصم، و الأشهر الأقوى كما مضى (1)،و الدليل أخصّ من المدّعى.

و أمّا الخبر ف مع قصور سنده؛ لعدم معلوميّة صحته معارض بالصحيح المتقدّم،و هو أقوى منه بمراتب؛ لظهور صحته،نظراً إلى ثبوت عدم اشتراك رواية بين الثقة و من ينظر في وثاقته،مع اعتضاده بظاهر ما مرّ من الكتاب و السنّة،و فتوى الأكثر التي هي أقوى المرجّحات،كما مرّ غير مرّة و تقرّر،فإذاً هو أظهر و مع ذلك فهو أحوط.

السابعة مدّة التربّص ثلاثة أشهر من حين المرافعة

السابعة: إن لم يرد الوقاع و صبرت المظاهرة عليه فلم ترافعه إلى الحاكم فلا اعتراض لأحدٍ في ذلك؛ لأنّ الحقّ لها،فجاز إسقاطها له جزماً، مضافاً إلى الأصل.و كذا لو لم تكن ذات حقٍ،كالموطوءة بالملك و المتمتّع بها،و إن طالبتاه جدّاً.

و أمّا إذا كانت ذات حقّ و لم تصبر،فرافعته إلى الحاكم،خيّره بين العود و التكفير و بين الطلاق،فإنّ أبى عنهما كان مدّة التربّص التي ينظر فيها لينظر في أمره ثلاثة أشهر من حين المرافعة،و عند انقضائها مع عدم اختياره أحد الأمرين يحبس و يضيّق عليه في المطعم و المشرب، بأن يمنع عمّا زاد على سدّ الرمق حتى يفيء أو يطلّق و يختار أحد

ص:401


1- في ص 385.

الأمرين،و لا يجبر على أحدهما،بل يخيّر بينهما.

و لا خلاف في شيء من ذلك،بل ظاهر جماعة (1)الإجماع عليه، و هو الحجّة فيه،دون الموثق:عن رجل ظاهر عن امرأته؟قال:« إن أتاها فعليه عتق رقبة،أو صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكيناً،و إلّا ترك ثلاثة أشهر،فإن فاء،و إلّا أُوقف حتى يُسأل:أ لك حاجة في امرأتك أو تطلّقها؟فإن فاء فليس عليه شيء،و هي امرأته،و إن طلّقها واحدة فهو أملك برجعتها» (2).

لقصوره عن إفادة المدّعى بتمامه؛ مضافاً إلى قصور سنده،فلا يصلح حجّةً للكلّ،مع تضمّنه بكثير ممّا لم يقل به أحد،و تطرّق الإشكال إلى العمل بإطلاقه،من حيث شموله لغير ذات حقّ،و لصاحبته مع عدم فوت شيء من حقوقها،كما إذا رافعته عقيب الظهار بلا فصل بحيث لا يفوت لها الواجب من الوطء بعد المدّة المضروبة،فإنّ سائر الحقوق غير منافٍ للظهار.

لكنّه كما مرّ مدفوع بالوفاق،و عكوف الكلّ على العمل عليه، و لعلّ مستندهم في الحبس و التضييق عليه في المطعم و المشرب الخبران المتضمّنان لذلك في المُؤلي،كما يأتي (3)،مع عدم تعقّل الفرق بينه و بين المظاهر،مضافاً إلى شهادة الاعتبار،فتأمّل جدّاً.

و الحمد للّه أوّلاً و آخراً.

ص:402


1- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 2:172،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:331،و السبزواري في الكفاية:213،و المجلسي في ملاذ الأخيار 13:57.
2- التهذيب 8:11/6،الإستبصار 3:914/255،الوسائل 22:337 أبواب الظهار ب 18 ح 1.
3- في ص 410.

كتاب الإيلاء

اشارة

كتاب الإيلاء و هو مصدر آلى يُؤلي إذا حلف مطلقاً،كذا لغةً.

و أمّا شرعاً:فهو الحلف على ترك وطء الزوجة الدائمة المدخول بها، قُبُلاً أو مطلقاً،أبداً أو مطلقاً من غير تقييد بزمان،أو به مع زيادته على أربعة أشهر،للإضرار بها،فهو جزئي من جزئيات الإيلاء الكلّي،أُطلق عليه.

و الحلف فيه كالجنس يشمل الإيلاء الشرعي و غيره،و المراد الحلف باللّه سبحانه،كما سيأتي (1).

و تقييده بترك وطء الزوجة يخرج اليمين على غيره،كترك المضاجعة و التقبيل و نحوهما،فإنّه لا يلحقه أحكام الإيلاء المختصّة به،بل يترتّب عليه حكم مطلق اليمين.

و إطلاق الزوجة يشمل الحرّة،و الأمة المسلمة،و الكافرة؛ لعموم الأدلّة.

و خرج بها الحلف على ترك وطء الأمة الموطوءة بالملك.

و بتقييدها بالدائمة:المتمتّع بها،فإنّ الحلف على ترك وطئها لا يعدّ إيلاءً،بل يميناً مطلقاً،على الأشهر الأقوى،كما سيأتي (2)،فيتبع الأولى في الدين و الدنيا،فإن تساويا انعقد يميناً يلزمه حكمه.

ص:403


1- في ص 403.
2- في ص 407.

و كذا الحلف على ترك وطء الدائمة مدّة لا تزيد على أربعة أشهر.

و زدنا في التعريف قيد الدخول بها؛ لما هو المشهور بين أصحابنا من اشتراطه من غير نقل خلاف فيه،و يأتي الكلام فيه مع دليله (1).

و قيد:القُبل أو مطلقاً،احتراز عمّا لو حلف على ترك وطئها دُبراً؛ فإنّه لا ينعقد إيلاءً،بل يميناً مطلقاً،و يلحقه حكمه،و لا يحصل به الفئة أيضاً؛ لأنّ الجماع على هذا الوجه لا حقّ للزوجة فيه،بل هو إحسان إليها لا إضرار،هذا.

مع ما في الإيلاء و أحكامه من المخالفة للأصل،فيقتصر فيه على محلّ الوفاق و النص،و ليس إلّا الحلف على ترك الوطء مطلقاً أو قبلاً؛ لعدم تبادر غيره منه جدّاً.

و اعلم أنّ كل موضع لا ينعقد إيلاء مع اجتماع شرائط اليمين يكون يميناً.

و الفرق بينه و بين الإيلاء مع اشتراكهما في الحلف و الكفّارة الخاصّة جواز مخالفة اليمين في الإيلاء،بل وجوبها على وجه و لو تخييراً مع الكفّارة،دون اليمين المطلقة.

و عدم اشتراط انعقاده مع تعلّقه بالمباح بأولويّته ديناً أو دنيا أو تساوي طرفيه،بخلاف مطلق اليمين،فيشترط فيها ذلك.

و اشتراطه بالإضرار بالزوجة،كما علم من تعريفه،و سيأتي دليله (2)، بخلاف مطلق اليمين،فلا يشترط فيها ذلك.

و اشتراطه بدوام عقد الزوجة،كما مضت إليه الإشارة،و سنعيده مع

ص:404


1- في ص 5603.
2- في ص 5601.

الأدلّة (1)،بخلاف اليمين المطلقة.

و انحلال اليمين على ترك وطئها بالوطء دُبُراً مع الكفّارة دون الإيلاء، إلى غير ذلك من الأحكام المختصّة بالإيلاء،المذكورة في بابه.

و الأصل فيه الكتاب،قال اللّه سبحانه لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [1] (2).مضافاً إلى الإجماع،و السنّة المستفيضة،و سيأتي إلى بعضها الإشارة.

الصيغة

و لا ينعقد إلّا باسم اللّه سبحانه المختصّ به،أو الغالب فيه، كاليمين المطلقة؛ لعموم أدلّتها،و خصوص المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:« الإيلاء أن يقول:و اللّه لا أُجامعكِ كذا و كذا» الخبر (3)،و نحوه غيره (4).

مضافاً إلى عدم الخلاف فيه،و أصالة البراءة عن أحكامه التي منها الكفّارة بالمخالفة.

و يتفرع عليه أنّه لو حلف على ترك وطئها بالطلاق أو العتاق لم يصحّ بلا خلاف بيننا،و وافقنا عليه كثير ممّن خالفنا (5)،و قال بعضهم (6):لا يختص به،بل لو قال:إن وطئتكِ فعبدي حرّ،أو قال

ص:405


1- في ص 407.
2- البقرة:226،227.
3- الكافي 6:2/130،الفقيه 3:1634/339،التهذيب 8:1/2،الإستبصار 3:904/252،الوسائل 22:347 أبواب الإيلاء ب 8 ح 1.
4- الكافي 6:9/132،التهذيب 8:4/3،الإستبصار 3:905/253،الوسائل 22:349 أبواب الإيلاء ب 9 ج 1.
5- انظر المغني 8:505،و زاد المعاد 4:92،و بداية المجتهد 2:101.
6- حكاه عن مالك في بداية المجتهد 2:101.

صدقة،أو حلائلي محرّمات،كان مؤلياً،فيلزمه مع الوطء كفّارة الإيلاء أو الوفاء بالملتزم.

و مثله ما لو قال:إن أصبتكِ فعليّ كذا،بل أولى بعدم الوقوع؛ لأنّه كناية لا يقع به عندنا و إن ذكر اسم اللّه تعالى.

و لا ينعقد إلّا في إضرار بلا خلاف؛ للخبرين،أحدهما الصحيح:« إن تركها من غير مغاضبة أو يمين فليس بمؤل» (1).

و ثانيهما الخبر،بل القوى:« ليس في الإصلاح إيلاء» (2)و يتمّ بعدم القول بالفصل.و ضعف السند بالشهرة منجبر.

و بهما يخصّ عموم الأدلّة،مع عدم انصراف أكثرها إلى هذه الصورة.

فلو حلف للصلاح لم ينعقد،كما لو حلف لاستضرارها بالوطء أو لصلاح اللبن.

و لا ينعقد أيضاً حتى يكون مطلقاً غير مقيد بزمان أو مقيّداً به مع كونه أزيد من أربعة أشهر للأصل،و توقّف أحكامه من الإيقاف للفئة أو الطلاق عليه؛ مضافاً إلى الإجماع عليه في كلام جماعة (3).

و به صريح بعض المعتبرة،و ليس في سنده سوى القاسم بن عروة، و قد حسّنه بعض الأجلّة (4)،بل ربما قيل بوثاقته (5)،و هو مع ذلك معتضد بعمل الطائفة،و قد جعله فخر المحققين مذهب الإمامية و الشافعية و مالك

ص:406


1- الكافي 6:12/133،الوسائل 22:341 أبواب الإيلاء ب 1 ح 2.
2- الكافي 6:6/132،التهذيب 8:18/7،الوسائل 22:344 أبواب الإيلاء ب 4 ح 1.
3- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 2:178،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:168،و انظر الكفاية:213،و ملاذ الأخيار 13:18.
4- راجع مجمع الفائدة 2:255،و 3:205،و 12:62.
5- المسائل الصاغانية(مصنّفات المفيد 3):71،72.

و أبي حنيفة (1)،و فيه:رجل آلى أن لا يقرب امرأته ثلاثة أشهر،قال:فقال:

« لا يكون إيلاء حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر» (2).

ما يعتبر في المؤلي و الزوجة

و يعتبر في المؤلي البلوغ،و كمال العقل،و الاختيار،و القصد إلى مدلول اللفظ،فلا يقع من الصبي،و المجنون،و المكره،و الساهي، و النائم،و العابث به،و نحوهم ممّن لا يقصد الإيلاء،و لا خلاف في شيء من ذلك؛ لكونه من اليمين المعتبر فيها ذلك،كما يأتي.

و يعتبر في المرأة الزوجية فلا يقع بالأجنبيّة،و الموطؤة بالملك؛ للأصل،و اختصاص الكتاب و السنّة بما عدا الأجنبيّة،بل الثانية أيضاً؛ لمنافاة الإيلاء،بهما أحكامه المرتسمة فيهما من لزوم الفئة أو الطلاق الغير الجاري في شيء منهما قطعاً،و في القريب من الصحة،بل قرّبها فيه جماعة (3):« لا يقع الإيلاء إلّا على امرأة قد دخل بها زوجها» (4).

و منه يستفاد اعتبار الدخول بها أيضاً،و نحوه في اشتراطه معتبرة أُخر مستفيضة (5)،فيها الصحيح و غيره،معتضدة بعمل الطائفة كافّة، كما يعطيه كلام جماعة (6).

ص:407


1- إيضاح الفوائد 3:423.
2- التهذيب 8:12/6،الإستبصار 3:907/253،الوسائل 22:345 أبواب الإيلاء ب 5 ح 2.
3- منهم الشيخ محمّد تقي المجلسي في روضة المتقين 9:150،فإنّه قال:في القوي كالصحيح..
4- الكافي 6:1/133،التهذيب 8:16/7،الوسائل 22:345 أبواب الإيلاء ب 6 ح 1.
5- انظر الوسائل 22:345 أبواب الإيلاء ب 6،و كذا ص 316 أبواب الظهار ب 8.
6- منهم الشهيد الثاني في الروضة 6:146،و المحقق الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:333،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:167.

و في وقوعه بالمتمتّع بها قولان من عموم الآية و السنّة،و من الأصل،و اختصاصهما بحكم التبادر و السياق المتضمن للإجبار على الفئة أو الطلاق بغيرها.

و مع ذلك: المروي في خصوص الصحيح (1) أنّه لا يقع و هذا أشهر و أقوى.

خلافاً للقاضي (2)،فيقع؛ لما مرّ من العموم.و يضعّف بما مرّ.

و أمّا ما يجاب عن السياق بضعفه من حيث عدم ثبوت تخصيص العام بالضمير المتعقّب له الراجع إلى بعض أفراده.

مدفوع بثبوت ذلك،كما تقرّر في محلّه،و مع التنزّل فلا أقلّ من التوقف فيه،فإنّ ضعف القول بعدم التخصيص و لزوم ارتكاب التجوّز في الضمير ممّا لا يدانيه شوب الشك و الريبة،و حينئذٍ فلا بدّ من الرجوع إلى حكم الأصل،و هو ما قدّمناه بلا شبهة،و حيث لم يقع انعقد يميناً إن اجتمع شرائطها،كما مضى.

و اعلم أنّه حيثما وقع الإيلاء فإن صبرت فلا بحث و إن مضت المدّة فصاعداً؛ لأنّ الحقّ لها بعد مضيّها،فلها إسقاطه،و لا حقّ لها قبله،بل هو له،فله تركه،و ليس لأحد حتى الزوجة مطالبته.

مضافاً إلى الأصل،و الصحيح في المقامين،و فيه:« إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته فليس لها قول،و لا حقّ في الأربعة أشهر،و لا إثم عليه في

ص:408


1- التهذيب 8:22/8.
2- في هامش الأصل:للتقي،خ ل.انظر الكافي في الفقه:302،و الموجود في المهذّب خلاف ما نسب إليه،قال فيه(2:302):و إذا كانت المرأة متمتعاً بها لم يقع بها إيلاء.

كفّه عنها في الأربعة أشهر،فإن مضت الأربعة أشهر قبل أن يمسّها فسكتت و رضيت فهو في حلّ و سعة،فإن رفعت أمرها إلى الحاكم قيل له:إمّا أن تفيء،و إمّا أن تطلّق» الخبر (1).

و له وطؤها في المدّة و بعدها،بلا خلاف فيه و في ثبوت الكفّارة في الأوّل،بل حكى الإجماع عليه جماعة (2)،و هو الحجة فيه،كعموم الأدلّة المثبتة لها في الحنث لكل يمين.

و منه ينقدح الوجه في ثبوتها في الثاني أيضاً،كما هو الأشهر،بل عن الخلاف (3)عليه الإجماع،و هو الأظهر؛ لذلك.

مضافاً إلى الخبر الذي قصور سنده بقاسم بن عروة،و متنه بما على خلافه الأكثر،بالشهرة منجبر،و فيه:عن رجل آلى من امرأته فمرّت به أربعة أشهر،قال:« يوقف،فإن عزم الطلاق بانت منه،و عليها عدّة المطلقة،و إلّا كفّر يمينه،و أمسكها» (4).

خلافاً للشيخ (5)،فلا كفّارة.

و هو مع مخالفته ما مرّ غير واضح المستند.

و ربما وجّه بأنّ المحلوف عليه إذا كان تركه أرجح لم يجب الكفّارة بالحنث (6).

ص:409


1- الكافي 6:4/131،الوسائل 22:342 أبواب الإيلاء ب 2 ح 1.
2- منهم الشيخ في الخلاف 4:520،و المحقق في الشرائع 3:87،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:180،و المجلسي في ملاذ الأخيار 13:21.
3- الخلاف 4:520.
4- الفقيه 3:1637/340،التهذيب 8:21/8،الاستبصار 3:910/254،تفسير العياشي 1:345/113،الوسائل 22:355 أبواب الإيلاء ب 12 ح 3.
5- المبسوط 5:135.
6- نهاية المرام 2:181.

و يضعّف بأنّ يمين الإيلاء يخالف غيره من الأيمان في هذا المعنى، و من ثم انعقد ابتداءً و إن كان تركه أرجح،أو كان واجباً،كما لو آلى في وقت يجب فيه الوطء.

و إذا لم يطأها رافعته إلى الشرع أنظره الحاكم أربعة أشهر من حين الإيلاء؛ للمعتبرة المستفيضة (1) فإن فاء بعد الإنظار فلا بحث،و إن أصرّ على الامتناع ثم رافعته بعد المدّة خيّره الحاكم بين الفئة و الطلاق بلا خلاف؛ للمعتبرة المستفيضة،المتقدّمة بعضها (2).

و نحوه غيره من الصحيح،و غيره القريب منه صحّة،قال:« الإيلاء أن يقول الرجل لامرأته:و اللّه لأغيظنّكِ،و لأسوءنّكِ،ثم يهجرها، و لا يجامعها حتى تمضي أربعة أشهر،فإذا مضت أربعة أشهر فقد وقع الإيلاء،و ينبغي للإمام أن يجبره على أن يفيء،أو يطلّق» (3).

و ظاهرها كالعبارة و صريح الجماعة عدم جواز الإجبار على أحد الأمرين على التعيين،و ينبغي تقييده بما إذا حصل أحد الأمرين على التعيين بتخيّر الحاكم له،و إلّا فلو امتنع من أحدهما كالفئة مثلاً أمكن إجباره على الطلاق؛ للصحيح:« يتربّص بها أربعة أشهر،ثم يؤخذ،فيوقف بعد الأربعة أشهر،فإن فاء و هو أن يصالح أهله فإنّ اللّه غفور رحيم،و إن لم يفيء جبر على أن يطلّق» (4).

ص:410


1- الوسائل 22:347 أبواب الإيلاء ب 8.
2- راجع ص 408.
3- الصحيح في:الكافي:7/132،الوسائل 22:350 أبواب الإيلاء ب 9 ح 3. و الآخر في:التهذيب 8:24/8،الإستبصار 3:911/254،الوسائل 22:350 أبواب الإيلاء ب 9 ح 4.
4- الكافي 6:9/132،التهذيب 8:4/3،الإستبصار 3:906/253،الوسائل 22:349 أبواب الإيلاء ب 9 ح 1.

و ما يقال من أنّ الإجبار عليه مستلزم للإكراه المنافي مدفوع بأنّه إجبار بحقّ،مع ورود ذلك في الإجبار على أحدهما،فتأمّل.

ثم الفئة تتحقق في القادر على الوطء به و لو بمسمّاه،بأن يغيب الحشفة و إن لم ينزل،و في العاجز عنه بإظهار العزم عليه في أوّل أوقات الإمكان.

فإن امتنع عن الأمرين حبسه الحاكم و ضيّق عليه في المطعم و المشرب حتى يكفّر و يفيء،أو يطلّق بلا خلاف فيه إلّا في الكفّارة؛ لوقوع الخلاف فيها،كما مضت إليه الإشارة (1)،و مستندهم هنا الأخبار،و منها:« كان أمير المؤمنين عليه السلام يجعل له حظيرة من قصب، و يجعله فيها،و يمنعه من الطعام و الشارب حتى يطلّق» (2)و المراد من منعه عنهما المنع عن تمامهما.

و الآخر:« إذا أبى المؤلي أن يطلّق جعل له حظيرة من قصب،و أعطاه ربع قوته حتّى يطلّق» (3).

و قصور سندهما بالعمل مجبور؛ مضافاً إلى الاعتبار الشاهد بصحتهما.

و في الخبر في المؤلي:« إمّا أن يفيء،أو يطلّق،فإن فعل،و إلّا ضربت عنقه» (4)و هو مع ضعف السند بالإرسال شاذّ مخالف للإجماع.

ص:411


1- راجع ص 408.
2- الكافي 6:10/133،التهذيب 8:13/6،الإستبصار 3:920/257،الوسائل 22:353 أبواب الإيلاء ب 11 ح 1.
3- الكافي 6:13/133،التهذيب 8:15/6،الإستبصار 3:921/257،الوسائل 22:354 أبواب الإيلاء ب 11 ح 3.
4- الكافي 6:11/133،التهذيب 8:14/6،الإستبصار 3:922/257،الوسائل 22:353 أبواب الإيلاء ب 11 ح 2.

و إذا طلّق وقع رجعيّاً حيث لا سبب للبينونة و عليها العدّة (1) [من يوم طلاقها] إجماعاً فيها،نصّاً و فتوى،و وفاقاً للأكثر في الأوّل؛ للعمومات،و خصوص المعتبرة،منها الصحيحان:« هو أحق برجعتها ما لم تمض الثلاثة الأقراء» (2).

و في غيرهما:« فإن عزم الطلاق فهي واحدة،و هو أملك برجعتها» (3).

و قيل (4):يقع بائناً مطلقا؛ للصحيح (5)و غيره (6).و هو شاذّ،و مستنده لعدم مكافأته لما مرّ مطروح،أو مؤوّل بحصول سبب البينونة،ككونها عنده على طلقة واحدة،أو حمل البينونة فيهما على مجرّد الفرقة و إن لم تكن قاطعة لعلاقة الزوجيّة،ذكره بعض الأجلّة (7)،و لا بأس به كالأوّل؛ جمعاً بين الأدلّة.

و ربما يشهد للأوّل ما رواه في الكافي في الصحيح:عن منصور بن حازم قال:« إنّ المؤلي يجبر على أن يطلّق تطليقة بائنةً و عن غير منصور

ص:412


1- في المطبوع زيادة:من يوم طلّقها.
2- أحدهما في:الكافي 6:1/130،التهذيب 8:3/3،الإستبصار 3:915/255،الوسائل 22:351 أبواب الإيلاء ب 10 ح 1. و الآخر في:الكافي 6:4/131،الوسائل 22:342 أبواب الإيلاء ب 2 ح 1.
3- الكافي 6:8/132،التهذيب 8:8/5،الإستبصار 3:916/256،الوسائل 22:351 أبواب الإيلاء ب 10 ح 2.
4- حكاه في المسالك 2:104،و نهاية المرام 2:181،و لم نعثر على القائل بعينه،كما اعترف به صاحب الجواهر 33:314.
5- الكافي 6:5/131،التهذيب 8:5/3،الإستبصار 3:918/256،الوسائل 22:352 أبواب الإيلاء ب 1 ح 3.
6- الوسائل 22:351 أبواب الإيلاء ب 10.
7- نهاية المرام 2:182.

«أنّه يطلّق تطليقة يملك الرجعة» فقال له بعض أصحابه:إنّ هذا منتقض، فقال:لا،التي تشكو فتقول:يجبرني،و يضرّني،و يمنعني من الزوج، يجبر على أن يطلّقها تطليقة بائنة،و التي تسكت،و لا تشكو شيئاً،إن شاء يطلّقها تطليقة يملك الرجعة (1).فتأمّل.

و لو اختلفا،ف ادّعى المؤلي الفئة و أنكرت هي فالقول قوله مع يمينه بلا خلاف أجده،و لعلّه الحجّة،و إن خالف القاعدة المتقرّرة،و لعلّ وجه المخالفة تعذّر البيّنة،و خصوص بعض المعتبرة، كالموثّق:عن المرأة تزعم أنّ زوجها لا يمسّها،و يزعم أنّه يمسّها؟قال:

« يحلف و يترك» (2).

و هل يشترط في ضرب المدّة المرافعة فلا تحسب إلّا من حينها؟ قال الشيخ (3) و أكثر الأصحاب: نعم لأنّه حكم شرعي يتوقّف على حكم الحاكم،و لأصالة عدم التسلّط على الزوج بحبسٍ و غيره قبل تحقق السبب،و لأنّه حقّها فيتوقّف على مطالبتها.

و الأصحّ أنّه من حين الإيلاء،وفاقاً للقديمين و المختلف و جماعة (4)؛ لظاهر الآية (5)،حيث رتّب التربّص عليه من غير تعرّض للمرافعة.

و كذا الروايات فإنّها مطلقة غير مقيّدة بالمراجعة،ففي

ص:413


1- الكافي 6:5/131،الوسائل 22:352 أبواب الإيلاء ب 10 ح 3.
2- التهذيب 8:25/8،الوسائل 22:356 أبواب الإيلاء ب 13 ح 1.
3- المبسوط 5:137.
4- المختلف:605 و قد حكاه فيه عن العماني و ابن الجنيد؛ الإيضاح 3:432،نهاية المرام 2:183،مفاتيح الشرائع 2:334.
5- البقرة:226.

الصحيح:« و الإيلاء أن يقول:و اللّه لا أُجامعكِ كذا و كذا،و اللّه لأغيظنّكِ، ثم يغاضبها،فإنّها تربّص به أربعة أشهر،ثم يؤخذ بعد الأربعة أشهر فيوقف» الخبر (1).

و فيه:« إذا آلى الرجل أن لا يقارب امرأته،و لا يمسّها،و لا يجامع رأسه و رأسها،فهو في سعة ما لم تمض الأربعة أشهر،فإذا مضت الأربعة أشهر وقف» الحديث (2).

و نحوهما غيرهما من الصحيح و غيره (3).

و لا يعارضها ما ذكر من الأدلّة؛ إذ نمنع احتياج المدّة إلى الضرب،بل هو مقتضى الحكم الثابت بالنص،و لا دليل على توقّفه على المرافعة.

و الأصالة المذكورة بالإيلاء المقتضي للتسلّط بالنصّ و الإجماع منقطعة.

و توقّف الحقّ على المطالبة لا يقتضي ضرب المدّة من حين المرافعة،بل بعد انقضائها من حين الإيلاء يثبت لها الحقّ،فإذا طالبته وجب الوفاء به لها من حين المطالبة،لا الصبر به إلى انقضاء المدّة من حين المرافعة.

و على المختار فلو لم ترافعه حتى انقضت المدّة أمره بأحد الأمرين منجّزاً.

ص:414


1- الكافي 6:2/130،الفقيه 3:1634/339،التهذيب 8:1/2،الإستبصار 3:904/252،الوسائل 22:347 أبواب الإيلاء ب 8 ح 1،بتفاوت يسير.
2- الكافي 6:1/130،التهذيب 8:3/3،الاستبصار 3:915/255،تفسير العياشي 1:342/113،الوسائل 22:351 أبواب الإيلاء ب 10 ح 1.
3- الوسائل 22:351 أبواب الإيلاء ب 10.

لنتبع ذلك بذكر الكفّارات و فيه مقصدان

اشارة

و لنتبع ذلك: أي بحث الإيلاء و الظهار بذكر الكفّارات من حيث تضمّنهما الكفّارة،و لذا اكتفى عن بيان كفّارتهما بذكر مطلق الكفّارات؛ لتضمّنها لها.

و فيه مقصدان:

المقصد

الأوّل في حصرها
اشارة

الأوّل في حصرها و بيان أقسامها و تنقسم إلى مرتّبة،و مخيّرة،و ما يجتمع فيه الأمران،و كفّارة الجمع فأقسامها أربعة.

المرتّبة

ف الأوّل و هو المرتّبة:كفّارة الظهار،و هي عتق رقبة،فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين،فإن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً و الأصل فيها بعد الإجماع المستفيض الحكاية في كلام جماعة (1)نص الآية،فقال سبحانه وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [1] إلى أن قال فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً [2] (2).مضافاً إلى الاستئناس له ببعض المعتبرة و إن لم تكن صريحة،ففي الموثق:« جاء رجل إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال:يا رسول اللّه،ظاهرتُ من امرأتي،فقال:اذهب فأعتق رقبة،فقال:ليس عندي،فقال:فاذهب فصم

ص:415


1- منهم العلّامة في القواعد 2:144،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:185،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:241.
2- المجادلة:3،4.

شهرين متتابعين،قال:لا أقوى،قال:فاذهب فأطعم ستّين مسكيناً،قال:

ليس عندي» الخبر (1).

و في المرسل كالصحيح على الصحيح:في رجل صام من كفّارة الظهار،ثم وجد نسمة،قال:« يعتقها،و لا يعتدّ بالصوم» (2)و لا قائل بالفرق،فتأمّل.

و أمّا ما يستفاد من المعتبرة المستفيضة (3)و فيها الصحاح و الموثّقة من كونها مخيّرة،فشاذّ،لا عمل عليه إن حملت على ظاهرها؛ لمخالفتها الكتاب و السنّة،و إجماع الأصحاب،و ما مرّ من روايات الباب،و الاعتبار؛ فإنّ شغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية،و هي بمراعاة الترتيب حاصلة و بدونها مشكوكة،و لا ينقض اليقين بالشك أبداً،كما في المعتبرة المستفيضة (4)،فلتطرح،أو تؤوّل إلى ما يؤول إلى الأوّل،كأن يحمل على أنّ المراد بها بيان ماهية الخصال الثلاث خاصّة،لا كونها مخيّرة.

و مثلها في الخصال الثلاث و ترتيبها كفّارة قتل الخطأ على الأشهر الأقوى،بل عن المبسوط نفي الخلاف عنه (5)،و كذا في المسالك في كتاب الديات (6)؛ لقوله تعالى وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [1]

ص:416


1- الكافي 6:9/155،الفقيه 3:1649/344،التهذيب 8:48/15،الوسائل 22:360 أبواب الكفارات ب 1 ح 2.
2- التهذيب 8:54/17،الإستبصار 3:958/268،الوسائل 22:366 أبواب الكفارات ب 5 ح 2.
3- الوسائل 22:359 أبواب الكفارات ب 1.
4- انظر الوسائل 1:245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.
5- المبسوط 5:155.
6- المسالك 2:511.

إلى قوله فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ [1] (1).قيل (2):و في معناه النصوص المستفيضة،منها الصحيح:« إذا قتل خطأً أدّى ديته إلى أوليائه،ثم أعتق رقبة،و إن لم يجد فصيام شهرين متتابعين،فإن لم يستطع أطعم ستّين مسكيناً» (3).

خلافاً للمفيد و الديلمي (4)،فجعلاها مخيّرة.و لم أقف على مستندهما،و على تقديره فلم يبلغ قوّة المعارضة لما قدّمناه جدّاً؛ لوجوه شتّى.

و مثلهما كفّارة الجماع في الاعتكاف الواجب عند الصدوق و جماعة (5)؛ للصحيح:عن المعتكف يجامع أهله؟قال:« إذا فعل فعليه ما على المظاهر» (6)و نحوه الصحيح الآخر (7).

خلافاً للأكثر،فالتخيير بين الخصال الثلاث؛ للموثقين:عن معتكف واقع أهله:« هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان» (8)و زيد في

ص:417


1- النساء:92.
2- قاله في المفاتيح 1:261.
3- التهذيب 8:1196/322،الوسائل 22:374 أبواب الكفّارات ب 10 ح 1.
4- المفيد في المقنعة:570،الديلمي في المراسم:187.
5- الصدوق في الفقيه 2:122؛ و انظر المختلف:254،التنقيح الرائع 1:408،مفاتيح الشرائع 1:261.
6- الكافي 4:1/179،الفقيه 2:532/122،التهذيب 4:887/291،الإستبصار 2:424/13،الوسائل 10:546 أبواب الاعتكاف ب 6 ح 1.
7- الكافي 4:1/177،الفقيه 2:524/121،التهذيب 4:887/289،الإستبصار 2:422/130،الوسائل 10:548 أبواب الاعتكاف ب 6 ح 6.
8- الكافي 4:2/179،الفقيه 2:534/123،التهذيب 4:886/291،الإستبصار 2:423/130،الوسائل 10:547 أبواب الاعتكاف ب 6 ح 2.

ثانيهما:« متعمّداً،عتق رقبة،أو صوم شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكيناً» (1).

و الجمع بينهما بحمل كلّ منهما على الآخر ممكن،إلّا أنّ الشهرة التي هي أقوى المرجّحات النصّية و الاعتبارية ترجّح الثاني،و لكن الاحتياط يقتضي المصير إلى الأوّل.

و مثلها كفّارة من حلف بالبراءة،على قولٍ يأتي ذكره (2).

و مثلها في الترتيب خاصّة دون الخصال الثلاث المتقدّمة كفّارة من أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان بعد الزوال فإنّها إطعام عشرة مساكين،فإن لم يجد صام ثلاثة أيام على الأشهر الأظهر،بل عليه الإجماع في الانتصار (3)؛ لصريح الخبر الذي قصور سنده للجهالة بالشهرة، و التضمّن لمن أجمع على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة،منجبر،و فيه:« إن كان أتى أهله» يعني القاضي لرمضان« قبل الزوال فلا شيء عليه إلّا يوماً مكان يوم،و إن كان أتى أهله بعد الزوال فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين،فإن لم يقدر صام يوماً مكان يوم،و صام ثلاثة أيّام كفّارة لما صنع» (4).

و يمكن الاستدلال عليه أيضاً بالصحيح في القاضي لرمضان:« إن كان

ص:418


1- التهذيب 4:888/292،الإستبصار 2:425/130،الوسائل 10:547 أبواب الاعتكاف ب 6 ح 5.
2- في ص 427.
3- الانتصار:68.
4- الكافي 4:5/122،الفقيه 2:430/96،التهذيب 4:844/278،الاستبصار 2:391/120،المقنع:63،الوسائل 10:347 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 1.

وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شيء عليه،و يصوم يوماً بدل يوم،و إن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم و أطعم عشرة مساكين،فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة لذلك» (1).

لما ذكره الشيخ:من أنّه إذا كان وقت الصلاتين عند زوال الشمس إلّا أنّ الظهر قبل العصر جاز أن يعبّر عمّا قبل الزوال بأنّه قبل العصر؛ لقرب ما بين الوقتين،و يعبّر عمّا بعد العصر بأنّه بعد الزوال؛ لمثل ذلك (2).

أقول:و يخرج الشهرة بل الإجماع و المعتبرة السابقة شاهداً لما ذكره.

خلافاً للحلبي (3)،فخيّر بينهما،و كذا ابن زهرة (4)،مدّعياً عليه إجماعنا.

و للقاضي (5)،فجعلها كفّارة يمين.

و هما مع مخالفتهما لما مضى لم نقف على مستندهما.

و للعماني (6)،فأسقطها؛ للموثّق عن القاضي لرمضان،المفطر بعد ما زالت الشمس،قال:« قد أساء،و ليس عليه شيء إلّا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه» (7).

ص:419


1- التهذيب 4:845/279،الإستبصار 2:392/120،الوسائل 10:347 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 2.
2- الاستبصار 2:121.
3- الكافي في الفقه:184.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):571.
5- المهذّب 1:203.
6- حكاه عنه في المختلف:247.
7- التهذيب 4:747/280،الإستبصار 2:394/121،الوسائل 10:348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 4.

و هو و إن اعتبر سنداً،و اعتضد بالأصل جدّاً،إلّا أنّه غير مكافئ لما مرّ قطعاً؛ لوجوه شتّى،منها:موافقته للعامة العمياء،كما صرّح به في المنتهي (1)،مدّعياً على خلافه إجماعنا من عدا العماني.

و للصدوقين (2)،فجعلاها كفّارة شهر رمضان؛ للموثّق:عن رجل قضى من شهر رمضان،فأتى النساء؟قال:« عليه من الكفّارة ما على الذي أصاب في رمضان؛ لأنّ ذلك اليوم عند اللّه تعالى من أيّام رمضان» (3).

و فيه مضافاً إلى ما مرّ في سابقه المخالفة للأصل،و عدم التقييد فيه بما قبل الزوال،بل ظاهر التعليل العموم له جدّاً،و لم أرَ بذلك قولاً حتى منهما،فليطرح،أو يحمل على الاستحباب.

و هنا أقوال أُخر شاذّة،تبلغ هي مع ما مرّ ثمانية،على ما حكاه بعض الأجلّة (4).

المخيّرة

و المخيّرة:كفّارة من أفطر في شهر رمضان مع وجوب صومه عليه بما يوجبها و هي:عتق رقبة،أو صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكيناً مطلقاً،على الأشهر،بل في الانتصار و الغنية (5)عليه الإجماع،و هو الأظهر؛ للأصل،و الصحيح:عن رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر،قال:« يعتق نسمة» أو يصوم

ص:420


1- المنتهي 2:605.
2- حكاه عنهما في المختلف:246،و هو في المقنع:63.
3- التهذيب 4:846/279،الإستبصار 2:393/121،الوسائل 10:348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3.
4- انظر المفاتيح 1:263،و التنقيح 3:392.
5- الانتصار:69،الغنية(الجوامع الفقهية):571.

شهرين متتابعين،أو يطعم ستّين مسكيناً» (1).

خلافاً للعماني (2)،فجعلها مرتّبة كالظهار،و وافقه الشيخ (3)في أحد قوليه،لكن في الإفطار بالجماع خاصّة؛ لخبر الأعرابي (4)المشهور.

و هو مع ضعف سنده ليس نصّاً في الترتيب،بل و لا ظاهراً،مع أنّه روي بسند آخر بعبارة أُخرى قد بدئ فيها بالتصدق،و في آخره:قال الراوي:فلمّا رجعنا قال أصحابنا:إنّه بدأ بالعتق،قال:« أعتق،أو صم،أو تصدّق» (5)و هذا أيضاً يدل على التخيير،هذا.

و لو دلّ على الترتيب لنزّلناه على الاستحباب جمعاً،و يحتمل التقية؛ لكونه مذهب أبي حنيفة و أصحابه و الشافعي،كما في الانتصار (6).

و للصدوق (7)في الإفطار بالمحرّم،فجعله من القسم الرابع؛ للخبر:

« متى جامع الرجل حراماً،أو أفطر على حرام في شهر رمضان،فعليه ثلاث كفّارات:عتق رقبة،و صيام شهرين متتابعين،و إطعام ستّين مسكيناً، و قضاء ذلك اليوم،و إن كان نكح حلالاً،أو أفطر على حلال،فعليه كفّارة

ص:421


1- الكافي 4:1/101،الفقيه 2:308/72،التهذيب 4:594/205،الإستبصار 2:310/95،الوسائل 10:44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 1.
2- حكاه عنه في المختلف:225.
3- الخلاف 2:186.
4- الفقيه 2:309/72،معاني الأخبار:1/336،الوسائل 10:46 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 5.
5- الكافي 4:2/102،التهذيب 4:595/206،الإستبصار 2:245/8،الوسائل 10:45 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 2.
6- الانتصار:70.
7- الفقيه 2:74.

واحدة» (1).

و عليه تحمل الأخبار المعارضة،الحاكم بعضها بالتخيير،كما مرّ (2)، و آخر بالجمع،كالموثّق:عن رجل أتى أهله في شهر رمضان؟قال:« عليه عتق رقبة،و إطعام ستّين مسكيناً،و صيام شهرين متتابعين،و قضاء ذلك اليوم،و أنّى له بمثل ذلك اليوم» (3).

لكن في سند الأوّل جهالة،و في الثاني كالأوّل قصور عن المكافأة لما مرّ،مع اعتضاده بالأصل و الشهرة العظيمة.

و غاية ما قيل في سند الرواية المفصّلة من القوّة و الصحّة،كما عن التحرير (4)،بعد تسليمه لا يوجب حصول المكافأة،بل غايته كونها رواية صحيحة،و هي لا تكافئ الرواية الضعيفة المعتضدة بالشهرة خاصّة،فضلاً عن الصحيحة المتعيّنة (5)الصحة،المعتضدة بأصالة البراءة،فإذاً الأشهر أظهر،فليحمل الرواية كالموثقة على الفضيلة؛ جمعاً بين الأدلّة،و لكن الاحتياط فيما دلّت عليه البتّة،فلا يترك مهما أمكن.

و مثلها في الخصال و التخيير كفّارة من أفطر يوماً منذوراً على التعيين من غير عذر،على الأشهر الأظهر،بل عليه الإجماع في الانتصار (6)؛ لعموم ما سيأتي.

ص:422


1- الفقيه 3:1128/238،التهذيب 4:605/209،الاستبصار 2:316/97،عيون الأخبار 1:88/244،الوسائل 10:53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.
2- في ص 419.
3- التهذيب 4:604/208،الإستبصار 2:315/97،الوسائل 10:54 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 2.
4- حكاه عنه في نهاية المرام 2:190.
5- في الأصل:المتعيّن،و الظاهر ما أثبتناه.
6- الانتصار:68.

لكن لا يمكن أن يكون مستنداً للماتن هنا،كيف لا؟!و معه قد جعل الكفّارة في مطلق النذر غير المقام صغيرة،بل الظاهر استناده فيه إلى خصوص بعض المعتبرة،منها المكاتبة الصحيحة:رجل نذر أن يصوم فوقع ذلك اليوم على أهله،ما عليه من الكفارة؟فكتب:« يصوم يوماً بدل يوم،و تحرير رقبة مؤمنة» (1).

لكنها مع كونها مكاتبة معارضة بمثلها لراويها في الناذر صوم كلّ يوم سبت:« إن كنت أفطرت فيه من غير علّة فتصدّق بعدد كل يوم لسبعة مساكين» الخبر (2).

و مع ذلك قاصرة عن إفادة تمام الخصال،و ظاهرها تعيّن الرقبة،فإذاً المستند حقيقةً عموم ما سيأتي من الأدلّة،و إن كان يمكن الجواب عن المناقشات المزبورة في الرواية:

أمّا عن كونها مكاتبة:فلا بأس بها هنا؛ لمكان الشهرة،و لأنّ منشأ القدح بها خوف الفتوى بطريق العامّة،و هو غير جارٍ في المسألة؛ لعدم إيجابهم هذه الكفّارة،كما في الانتصار (3)،مع أنّ فتواهم و رواياتهم تفيد أنّها صغيرة.

و أمّا عن المعارضة بالمثل:فبعدم معارضته لها مع شذوذه؛ لعدم القائل بمضمونه من التصدّق لكلّ يوم لسبعة.

ص:423


1- الكافي 7:12/456،التهذيب 8:1135/305،الوسائل 22:392 أبواب الكفارات ب 23 ب 2.
2- الكافي 7:10/456،التهذيب 8:1134/305،الإستبصار 2:408/125،الوسائل 10:379 أبواب بقية الصوم الواجب ب 7 ح 4.
3- الانتصار:69.

نعم عن الصدوق روايته له مبدّلاً للسبعة بالعشرة (1)،لكن على هذا لما عرفت يحتمل الحمل على التقية،سيّما مع كونه مكاتبة،مع تأيّد الاُولى بمكاتبة أُخرى:رجل نذر أن يصوم يوماً للّه فوقع في ذلك اليوم على أهله،ما عليه من الكفّارة؟فأجابه:« يصوم يوماً بدل يوم،و تحرير رقبة مؤمنة» (2).

و أمّا عن المناقشة في الدلالة:فبعدم القول بالفرق بين الطائفة،فإنّ كلّ من أوجب العتق خيّر بينه و بين الخصلتين الباقيتين،لكن على هذا لا وجه لجعلها دليلاً على كون الكفّارة كبيرة لا صغيرة،بل يحتمل العكس؛ لتضمّنها لعتق الرقبة أيضاً،كما سيأتي إليه الإشارة.

و حينئذٍ فلم يبق مستند للحكم في هذه الصورة سوى ما سيأتي من عموم الأدلّة،فلا وجه لجزم الماتن به فيها بالمرّة،إلّا أن يدّعى عدم جزمه و إرجاع التردّد إليها أيضاً،لكن مع ذلك إفراده إيّاها عن كفّارة مطلق النذر عداها بالتردّد لا يخلو عن نظر،و كيف كان الحكم فيها كما مرّ؛ لما سيأتي.

و مثلها في الأمرين كفّارة خلف العهد على التردّد الناشئ:

من الخبرين،في أحدهما:« من جعل عليه عهد اللّه تعالى و ميثاقه في أمرٍ للّه طاعة فحنث فعليه عتق رقبة،أو صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكيناً» (3)و بدّل في الثاني (4)ب:« أو يتصدّق» المطلق المحمول على الأوّل.

ص:424


1- الفقيه 3:1095/232.
2- التهذيب 4:865/286،الإستبصار 2:406/125،الوسائل 10:378 أبواب بقية الصوم الواجب ب 7 ح 3.
3- التهذيب 8:1170/315،الإستبصار 4:187/54،الوسائل 22:395 أبواب الكفارات ب 24 ح 2.
4- التهذيب 8:1148/309،الإستبصار 4:189/55،الوسائل 22:395 أبواب الكفارات ب 24 ح 1.

و من الأصل،و قصور سند الخبرين بجهالة بعض رواتهما،فيلزم الاقتصار على القدر المتيقّن،و هو كفّارة اليمين.

و الأصحّ الأوّل،وفاقاً للأكثر،بل في الغنية (1)الإجماع عليه،و هو الحجّة الجابرة كالشهرة للجهالة،و يصحّ الخبران من هذه الجهة، و يكونان كالجهة موجبين للخروج عن الأصالة المتقدّمة،فالتردّد ضعيف.

و أضعف منه الحكم بالثاني،كما عن الماتن في الشرائع في كتاب النذر و العهود (2)،و العلّامة في جملة من كتبه (3)،و يؤيّدهما أدلّة كفّارة النذر الآتية؛ لأنّ العهد في معناه،كالعكس،كما سيأتي عن الجماعة إليه الإشارة.

و أمّا كفّارة خلف النذر ففيه أقوال كثيرة،و لكن قولان منها مشهوران،أشهرهما:أنّها ككفّارة الإفطار في شهر رمضان،بل عليه في الانتصار و الغنية (4)الإجماع،و هو الأظهر؛ لأنّ النذر كالعهد في المعنى،كما ذكره عن الجماعة بعض أصحابنا (5)،و كفّارته كذلك،كما مضى،فتأتي أدلّته هنا.

مضافاً إلى خصوص الإجماعين،و بعض الروايات المنجبر قصور سنده بهما،و بالشهرة العظيمة،و المخالفة للعامة،كما سيأتي إليه الإشارة في البين،مع أنّه صحيح عند جماعة (6)،و حسن عند آخرين (7)،و فيه:من

ص:425


1- الغنية(الجوامع الفقهية):571.
2- الشرائع 3:193.
3- انظر القواعد 2:144،و الإرشاد 2:96.
4- الانتصار:162،الغنية(الجوامع الفقهية):562.
5- نهاية المرام 2:193.
6- منهم العلّامة في المختلف:669،و فخر المحقّقين في الإيضاح 4:78،و السيوري في التنقيح 3:555.
7- روضة المتقين 8:31،ملاذ الأخيار 14:89،و انظر المسالك 2:87.

جعل للّه أن لا يركب محرّماً فركبه،قال:و لا أعلم إلّا قال:« فليعتق رقبة، أو ليصم شهرين متتابعين،أو ليطعم ستّين مسكيناً» (1).

و أشبههما عند الماتن هنا و الفاضل في التحرير و جماعة (2)وفاقاً للصدوق (3) أنّها كفّارة صغيرة أي كفّارة يمين؛ لما مرّ في العهد؛ و للخبرين،أحدهما الصحيح:« فإن قلت:للّه عليّ فكفارة يمين» (4)و الخبر:« كفّارة النذر كفارة اليمين» (5).

و في الجميع نظر؛ لاندفاع الأوّل بما مرّ،و قصور الخبرين و إن صحّ سند الأوّل عن المقاومة لما مرّ من الإجماعين و الخبر المنجبر بعمل الأكثر،مضافاً إلى اشتمال سند الثاني لعدّة من الضعفاء،و موافقته صدراً و ذيلاً لما روته العامّة العمياء،كما حكاه خالي العلّامة المجلسي (6)طاب ثراه و لأجل ذلك حمله و ما في معناه على التقيّة.

و ربما حمله جماعة (7)تبعاً لشيخ الطائفة (8)على صورة العجز عن

ص:426


1- التهذيب 8:1165/314،الإستبصار 4:188/54،الوسائل 22:394 أبواب الكفارات ب 23 ح 7.
2- منهم السبزواري في الكفاية:214،و المحدّث الكاشاني في المفاتيح 1:262،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:232.
3- الفقيه 3:230.
4- الكافي 7:9/456،الفقيه 3:1087/230،التهذيب 8:1136/306،الإستبصار 4:193/55،الوسائل 22:392 أبواب الكفارات ب 23 ح 1.
5- الكافي 7:13/457،التهذيب 8:1141/307،الوسائل 22:393 أبواب الكفارات ب 23 ح 4.
6- لم نعثر عليه.
7- منهم القاضي في المهذب 2:421،و صاحب الوسائل 22:394.
8- التهذيب 8:306،الاستبصار 4:56.

الكبيرة؛ للصحيح:« كلّ من عجز عن نذره فكفّارته كفّارة يمين» (1).

و ليس فيه دلالة،بل ظاهره شاذّ لا عمل عليه بالمرّة.

نعم ظاهر الانتصار (2)،بل صريحه الإجماع عليه،لكنّه معارض بإطلاق إجماع الغنية (3)،و إطلاق سائر الأدلّة المتقدّمة،المعتضدة بالشهرة، الموهنة له هنا البتّة،فالقول به ضعيف.

كالمحكي عن موصليّات السيّد (4)من الجمع بين الأخبار بحمل ما مرّ على نذر الصوم،و ما هنا على نذر غيره؛ للمناسبة.

و هي لعدم الشاهد غير قابلة للتقييد و الجمع بين الأدلّة،و إن ارتضاه في الإرشاد (5)شيخنا العلّامة.

و أضعف من الجميع جعلها ككفّارة قتل الخطأ،كما عن المفيد و الديلمي (6)؛ إذ لا وجه له أصلاً،و إن كان أحوط جدّاً.

ما فيه الأمران

و أمّا ما فيه الأمران التخيير و الترتيب ف كفّارة اليمين، و هي:عتق رقبة،أو إطعام عشرة مساكين،أو كسوتهم،فإن لم يجد شيئاً من ذلك صام ثلاثة أيّام متتابعات بإجماع علماء الإسلام،حكاه بعض الأعلام (7)؛ لنصّ القرآن الكريم بذلك،قال عزّ من قائل: لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ [1]

ص:427


1- الكافي 7:17/457،التهذيب 8:1137/306،الإستبصار 4:192/55،الوسائل 22:393 أبواب الكفارات ب 23 ح 5.
2- الانتصار:162.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):572.
4- الموصليات(رسائل المرتضى 1):246.
5- الإرشاد 2:97.
6- المفيد في المقنعة:569،الديلمي في المراسم:187.
7- الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:241.

عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ [1] (1).و النصوص به مع ذلك مستفيضة،منها الصحيح:في كفّارة اليمين:

« يطعم عشرة مساكين،لكل مسكين مدُّ من حنطة،أو مدّ من دقيق و حَفنة، أو كسوتهم لكل إنسان ثوبان،أو عتق رقبة،و هو في ذلك بالخيار،أيّ الثلاثة صنع،فإن لم يقدر على واحد من الثلاثة فالصيام عليه ثلاثة أيّام» (2).

و مثلها كفّارة خدش المرأة وجهها حتى أدمت،و نتفها شعر رأسها في المصائب،على المشهور،كما يأتي (3).

كفّارة الجمع

و أمّا كفّارة الجمع بين خصالها الثلاث الآتية ف لقتل المؤمن عمداً عدواناً،و هي:عتق رقبة،و صيام شهرين متتابعين،و إطعام ستّين مسكيناً بالإجماع،و المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:سئل:

المؤمن يقتل المؤمن متعمّداً،إله توبة؟فقال:« إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له،و إن كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا فإن توبته أن يقاد منه،و إن لم يكن علم به أحد انطلق إلى أولياء المقتول،فأقرّ عندهم بقتل صاحبهم، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية،و أعتق نسمة،و صام شهرين متتابعين،و أطعم ستّين مسكيناً» (4).

و مثلها كفّارة من أفطر على محرّم في شهر رمضان،على قول تقدّم

ص:428


1- المائدة:89.
2- الكافي 7:1/451،التهذيب 8:1091/295،الإستبصار 4:174/51،الوسائل 22:375 أبواب الكفارات ب 12 ح 1.
3- في ص 437.
4- الكافي 7:2/276،الفقيه 4:208/69،التهذيب 10:659/165،الوسائل 29:30 أبواب القصاص في النفس ب 9 ح 1.

ذكره.خلافاً للأكثر،فالتخيير،و مرّ أنّه أظهر (1).

و يلحق بالمقام

مسائل ثلاث
اشارة

مسائل ثلاث

الاُولى قيل من حلف بالبراءة لزمه كفارة ظهار

الاُولى:قيل كما عن الشيخين و جماعة من القدماء (2): من حلف بالبراءة من اللّه تعالى و رسوله و الأئمّة الميامين من آله سلام اللّه عليهم،على الاجتماع أو الانفراد لزمته كفّارة ظهار فإن عجز فكفّارة يمين،إمّا بمجرّده،كما عن الطوسي و القاضي (3)،بل في الغنية الإجماع عليه و على أصل الوجوب (4)،أو بعد الحنث،كما عن المفيد و الديلمي (5)، و وافقهم ابن حمزة (6)في أصل الكفّارة،إلّا أنّه جعلها كفّارة نذر.

و لم أقف لهم على نص في ثبوتها رأساً،فضلاً عمّا يدل على أنّها مرتّبة أو مخيّرة،و مع ذلك لا دليل عليه من الأُصول،و لا الإجماع المقطوع به؛ لشدّة الاختلاف،و لا المحكي سوى ما تقدّم،و هو مع وهنه بالاختلاف الشديد،و مصير أكثر المتأخّرين (7)إلى العدم معارَض بمثله من الشيخ في الخلاف (8)،فإنّه ادّعى إجماع الإمامية و أخبارهم على العدم -

ص:429


1- راجع ص 421.
2- المقنعة:558،النهاية:570؛ و انظر المهذّب 2:421،و الغنية(الجوامع الفقهية):617.
3- النهاية:570،المهذب 2:421.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):617.
5- المقنعة:558،المراسم:185.
6- الوسيلة:353.
7- منهم المحقّق في الشرائع 3:181،و العلّامة في القواعد 2:144،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:242.
8- الخلاف 6:112.

و منه يظهر رجوع الشيخ في الكتاب،بل و ادّعى الحلّي رجوعه في المبسوط أيضاً (1).

و مع تعارضهما لا بدّ من المصير إلى حكم الأصل،و هو النفي مطلقاً، مع تأيّده بخلوّ الأخبار عنها بل و دلالة المستفيضة منها على عدم انعقاد اليمين بغير اللّه تعالى،و لعلّها المراد من الأخبار التي ادّعاها الشيخ رحمه الله و إلّا فلم نقف على ما سواها ممّا يدل على النفي صريحاً،بل و لا ظاهراً، إلّا أنّها تدفع القول الثاني،و هو ترتّبها على الحنث،لا مطلقاً فالمصير إلى العدم مطلقا أقوى،وفاقاً للحلّي و أكثر متأخّري أصحابنا.

و هنا قولان آخران:أحدهما للصدوق (2)،فأوجب الكفّارة،لكن غير ما مرّ،بل الصيام ثلاثة أيّام،و التصدق على عشرة مساكين.و لم نقف على مستنده.

و ثانيهما لشيخنا في التحرير و المختلف (3)،و تبعه من المتأخّرين بعض الأجلّة (4)،و هو:التكفير بإطعام عشرة مساكين،لكلّ مسكين مدّ، و يستغفر اللّه تعالى؛ للصحيح (5).

لكنّه مكاتبة،و مع ذلك فهو شاذّ،كما صرّح به بعض الأجلّة (6)، و لكنّه أحوط،و أحوط منه المصير إلى الأوّل،هذا.

ص:430


1- السرائر 3:39،و هو في المبسوط 6:194.
2- المقنع:136.
3- التحرير 2:109،المختلف:649.
4- و هو صاحب المدارك في نهاية المرام 2:195.
5- الكافي 7:7/461،الفقيه 3:1127/237،التهذيب 8:1108/299،الوسائل 22:390 أبواب الكفارات ب 20 ح 1.
6- نكت النهاية 3:65.

و لا خلاف في تحريمه،بل و يحتمل الكفر في بعض صوره و ادّعي على ذلك الإجماع (1)،و يدلُّ عليه بعض المعتبرة،كالمرسل كالصحيح على الصحيح:سمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله رجلاً يقول:أنا بريء من دين محمّد صلى الله عليه و آله،فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله:« ويلك إذا برئت من دين محمّد صلى الله عليه و آله فعلى دين من تكون»؟قال:فما كلّمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى مات (2).فتأمّل.

و أصرح منه آخر:« لا تحلف بالبراءة منّا،فإنّه من حلف بالبراءة صادقاً أو كاذباً فقد بريء منّا» (3).

و من وطئ المرأة في الحيض عامداً لزمه دينار في أوّله، و نصف في وسطه،و ربع في آخره على قول مشهور بين متقدّمي الأصحاب،مستفيض نقل الإجماع عليه في كلام جماعة (4)،و لهم صريح بعض المعتبرة (5)،بل ظواهر كثير منها بعد حمل مطلقها على مقيّدها،و هو أحوط لو لم يكن أقوى.

خلافاً لكثير من متأخّري أصحابنا (6)،فالاستحباب،و البحث هنا في

ص:431


1- الإيضاح 4:81.
2- الكافي 7:1/438،الفقيه 3:1107/234،التهذيب 8:1041/284،الوسائل 23:212 أبواب الأيمان ب 7 ح 1.
3- الكافي 7:2/438،الفقيه 3:1114/236،التهذيب 8:1042/284،الوسائل 23:213 أبواب الأيمان ب 7 ح 2.
4- منهم السيّد المرتضى في الانتصار:33،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):550،و انظر الخلاف 1:225.
5- الوسائل 22:391 أبواب الكفارات ب 22.
6- منهم المحقق في المعتبر 1:232،و العلّامة في المختلف:35،و السبزواري في الكفاية:215.

بحث أحكام الحيض قد مضى مستقصى.

و من تزوّج امرأة في عدّتها فارقها،و كفّر بخمسة أصواع (1) وجوباً،وفاقاً لظاهر الشيخين،و صريح ابن حمزة و العلّامة في المختلف و القواعد،و ولده في شرحه،و هو ظاهره في التحرير،و ظاهر الشهيد في الدروس (2)،و غيرهم (3)؛ للمعتبرة،منها المرسل كالصحيح على الصحيح:

في الرجل يتزوّج المرأة و لها زوج فقال:« إذا لم ترفع إلى الإمام فعليه أن يتصدّق بخمسة أصوع دقيقاً» (4).

و منها الخبر:عن امرأة تزوّجها رجل فوجد لها زوجاً؟قال:« عليه الحدّ،و عليها الرجم؛ لأنّه قد تقدّم بعلم،و تقدّمت هي بعلم،و كفّارته إن لم يقدّم إلى الإمام أن يتصدّق بخمسة أصوع دقيقاً» (5).

و ليس في سنده كالأوّل اشتراك كما ظنّ (6)،نعم في بعض رواته جهالة،إلّا أنّ فيه قوّة،كما قرّر في محلّه،و صرّح به بعض (7)وفاقاً لجماعة،و مع ذلك منجبرة هي كالإرسال في الأوّل،و الاشتراك فيهما لو كان بفتوى الجماعة.

ص:432


1- في« ح» و المطبوع زيادة:من دقيق.
2- المقنعة:572،النهاية:572،ابن حمزة في الوسيلة:354،المختلف:665،القواعد 2:144،إيضاح الفوائد 4:83،التحرير 2:109،الدروس 2:178.
3- انظر المهذّب 2:423.
4- الفقيه 3:1440/301،التهذيب 7:1934/481،الوسائل 22:404 أبواب الكفارات ب 36 ح 1.
5- الكافي 7:3/193،التهذيب 10:62/21،الإستبصار 4:781/209،الوسائل 28:127 أبواب حد الزنا ب 27 ح 5،بتفاوت.
6- المسالك 2:88.
7- روضة المتقين 10:15.

و ليس فيهما قصور بحسب الدلالة؛ للفظة« على» الظاهرة في الوجوب،بل الصريحة فيه في الأوّل،و ظاهر الجملة الخبرية الراجعة إلى الإنشاء المفيد له في الثاني.

و عمومهما من حيث ترك الاستفصال يشمل ذات البعل و المعتدّة بالعدّة الرجعيّة،و التعدية إلى المعتدّة بالعدّة البائنة ناشئة من عدم القائل بالفرق بين الطائفة،و قد صرّح به بعض الأجلّة (1).

و من جميع ذلك يظهر الوجه في عدم الفرق بين الجاهل و العالم، و لا ينافيه التعليل في الرواية الثانية المشعر باختصاص الحكم فيها بالثاني، و نحوه لفظ التكفير فيها،فإنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه.

فاندفع بما مرّ وجوه القدح في الروايتين و لزوم الرجوع إلى حكم الأصل،فإنّه يجب الخروج عنه بعدهما،و إن ذهب إليه الحلّي (2)،و تبعه كثير من متأخّري أصحابنا (3).

نعم ربما يتطرّق إليهما القدح بدلالتهما على اختصاص التكفير بصورة عدم الرفع إلى الإمام،و عدمه معه،و لا قائل به،و دفع ذلك بصرف الشرط عن ظاهره بمعونة الإجماع و إن أمكن،إلّا أنّه ليس بأولى من صرف ما ظاهره الوجوب فيهما إلى الاستحباب،لكن لا بدّ من الأوّل هنا أيضاً، ففيه مجازان،دون الأوّل ففيه مجاز واحد،و هو أولى من ارتكابهما قطعاً.

لكن الأصل،و الشهرة المتأخّرة المقطوع بها،و خلوّ أخبار التزويج

ص:433


1- الإيضاح 4:83،المهذّب 3:563.
2- السرائر 3:77.
3- منهم المحقّق في الشرائع 3:68،و الشهيد في الروضة 3:18،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:196.

في العدّة عنها،مع كون راوي بعضها بعينه المعتبرة ربما يؤيّد المصير إلى الثاني،فالإنصاف عدم خلوّ الوجوب عن الإشكال،و لذا توقّف فيه في اللمعة (1)،و هو في محلّه،إلّا أنّ المصير إليه أحوط.

و الدقيق في ظاهر النصّ و الفتوى مطلق،و ربما خصّ بنوع يجوز إخراجه كفّارةً،و هو دقيق الشعير و الحنطة،و لا دليل عليه سوى التبادر، و الغلبة،و لزوم تفريغ الذمّة عمّا اشتغلت به البتّة،و لا بأس به.

و في جواز القيمة أم لا قولان،و عن المرتضى التكفير بخمسة دراهم،و ادّعى عليه في الانتصار الإجماع (2)،و حمل على القيمة،و لا دليل عليها من أصلها فضلاً أن يكون دراهم خمسة،فالأجود الاقتصار على الدقيق،و إن كان الأحوط المصير إلى القيمة مع الضرورة.

و من نام عن صلاة عشاء الآخرة حتى جاوز وقتها،و هو نصف الليل قضاها و أصبح صائماً كما في المرسل كالموثق (3)،بل الصحيح عند جماعة (4)؛ لعدم ثبوت الوقف في رواية،مع تصريح جماعة كالخلاصة و النجاشي (5)بتوثيقه على الإطلاق،فتأمّل،و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه،كما صرّح به الكشي (6)،فلا يضرّ الإرسال بعده،و لذا عدّ كالموثق،بل و مع ذلك معتضد بصريح فتوى

ص:434


1- اللمعة(الروضة البهية 3):17.
2- الانتصار:166.
3- الكافي 3:11/295،الوسائل 4:216 أبواب المواقيت ب 29 ح 8.
4- منهم صاحب الحدائق 6:187.
5- رجال العلّامة:109،النجاشي:215.
6- رجال الكشي 2:830.

جماعة من القدماء (1)،و ظاهر باقيهم؛ لأمرهم به الظاهر في الوجوب،بل عدّه في الانتصار (2)ممّا انفردت به الإمامية،و نحوه ابن زهرة (3)،و هو حجة أُخرى مستقلّة،و يجب الخروج بها و بالرواية عن أصالة البراءة،فلا إشكال في المسألة.

خلافاً لأكثر المتأخّرين (4)تبعاً للحلّي (5)،فالاستحباب؛ تمسكاً بالأصالة المزبورة،و طعناً في الإجماع بعدم المعلوميّة،فإنّ غاية الأصحاب الأمر به،و ليس نصّاً في الوجوب،و في الرواية بأنّها مقطوعة.

و الأجوبة عن جميع ذلك بملاحظة ما مرّ واضحة،فالقول بالوجوب لا يخلو عن قوّة.

و منه مع ما مرّ في المسائل السابقة يظهر ضعف القول ب الاستحباب في الكلّ و إن كان في البعض أشبه لما مرّ.

ثم لا فرق بين النائم كذلك عمداً أو سهواً؛ لإطلاق النصّ و الفتوى.

و لا يلحق ناسي غير العشاء بناسيها قطعاً.و في إلحاق السكران بالنائم قول ضعيف،و كذا المتعمّد لتركها و الناسي لها من غير نوم؛ للأصل، و اختصاص النصّ بغيرهما،و إن أمكن إلحاق الأوّل به للفحوى،لكنّه هنا بملاحظة نظائره ضعيف جدّاً.

ص:435


1- كالشيخ في النهاية:572،و القاضي في المهذّب 2:423،و الديلمي في المراسم:187.
2- الانتصار:165.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):571.
4- منهم العلّامة في القواعد 2:144،و ابن فهد في المهذّب البارع 3:564،و الشهيد في الروضة 3:19.
5- السرائر 3:76.

و لو أفطر ذلك اليوم ففي وجوب الكفّارة من حيث تعيّنه على القول بوجوبه،أولا بناءً على الأصل،و أنّه كفّارة و لا كفّارة في تركها،وجهان، أجودهما:الثاني.

و لو سافر فيه لضرورة أو غيرها مطلقاً أفطره و لا قضاء؛ للأصل،و قيل بوجوبه (1).و لا أعرف مستنده.

نعم يجب ترك السفر في غير الضرورة؛ تحصيلاً للواجب،و لكن مخالفته غير ملازم لوجوب القضاء جدّاً.

و كذا لو مرض،أو حاضت المرأة،أو وافق العيد أو أيّام التشريق، بل احتمال سقوطه هنا أظهر و أولى.

و لو صادف يوماً متعيّناً تداخلا،و إن كان من أصله خلاف الأصل؛ لموافقته له هنا،فاحتمال القضاء ضعيف جدّاً.

الثانية في جزّ المرأة شعر رأسها في المصاب كفّارة شهر رمضان

الثانية:في جزّ المرأة شعر رأسها في المصاب كفّارة شهر رمضان مخيّرة،وفاقاً للشيخ و جماعة (2)؛ للخبر:« إذا خدشت المرأة وجهها،أو جزّت شعرها،أو نتفته،ففي جزّ الشعر عتق رقبة،أو صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكيناً» (3)و في سندها ضعف.

و قيل كما عن الديلمي و الحلّي (4):إنّها كفّارة ظهار مرتّبة بل ادّعى الثاني كالمرتضى في الانتصار (5)الإجماع عليه،لكن

ص:436


1- قال به الشهيد الثاني في الروضة 3:19.
2- الشيخ في النهاية:573؛ و المرتضى في الانتصار:166،و الديلمي في المراسم:187،و القاضي في المهذّب 2:424،و ابن حمزة في الوسيلة:353.
3- التهذيب 8:1207/325،الوسائل 22:402 أبواب الكفارات ب 31 ح 1.
4- المراسم:187،السرائر 3:78.
5- الانتصار:166.

عبارة الأخير ذيلها ظاهرة في التخيير و إن حكم في صدرها بأنّها كفّارة ظهار،و نحوه كلام الشيخ،كما حكاه في التحرير (1)،لكن الصدر أصرح، فليحمل الذيل كالرواية بمعونة فتوى الجماعة على بيان الجنس على التفصيل لا كونها مخيّرة،كما ذكره بعض الأجلّة (2).

فتكون الرواية حينئذٍ حجّة في المسألة؛ لانجبار ضعفها بالشهرة العظيمة،و حكاية الإجماعين المتقدّمة.

مع أنّها بنفسها حجة مستقلّة،مؤيّدة بظاهر العبارة كغيرها،المشعرة بل الدالّة على عدم الخلاف في أصل وجوب هذه الكفّارة،بل لم نقف على منكره،و لا على من نسب القول به إلى أحدٍ،عدا الماتن في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و القواعد (3)،و قد اعترف جماعة كالشهيد في النكت (4)بعدم الظفر بقائله.

و هو ضعيف و إن صار إليه من المتأخّرين جماعة (5)؛ للأصل، و قصور سند الرواية.لضعف الأصل بما مرّ،و اعتبار السند بعمل الأكثر،بل الكلّ،كما مرّ،مع عدم انحصار الحجّة فيها؛ لما مرّ من الإجماعين اللذين هما كما عرفت حجّة مستقلّة برأسها،مع عدم ما يوجب وهنهما هنا أصلاً، مع تأيّدهما بدعوى ابن زهرة في الغنية (6)الإجماع على وجوب الصوم هنا،

ص:437


1- التحرير 2:109،و هو في النهاية:573.
2- كالفاضل المقداد في التنقيح 3:399.
3- الشرائع 3:68،الإرشاد 2:97،القواعد 2:144.
4- غاية المراد 3:464.
5- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:82،و الشهيد الثاني في الروضة 3:15،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:242.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):571.

فتحاشي هؤلاء عن العمل بهما مع اعترافهم بحجيّة الإجماع المنقول غريب،سيّما مع اعتضاده بعدم الخلاف أو شذوذه،و تأيّده بالرواية و لو في الجملة،بل مطلقاً،كما مرّت إليه الإشارة،فالقول بالوجوب في غاية القوّة.

و ليس في الرواية ككلام المرتضى التقييد بالمصاب،و إن كان ظاهر السياق في الأوّل،و الغلبة التي توجب صرف المطلقات المخالفة للأصل عن الأفراد النادرة فيهما،يوجب المصير إلى التقييد.

و إن كان العموم نظراً إلى إطلاق عبارة المرتضى البعيد حمله على التقييد أحوط،مع احتمال الأولوية،و إن كانت هنا ضعيفة؛ لأنّ في جزّ الشعر في المصيبة إشعاراً بعدم الرضا بقضاء اللّه سبحانه.

و لا فرق في المصاب إن اشترطناه بين القريب و البعيد؛ للإطلاق.

و هل يفرق بين كلّ الشعر و بعضه؟ظاهر إطلاق الرواية العدم، و استقر به في الدروس (1)،قال:لصدق جزّ الشعر و شعرها عرفاً بالبعض.

و هو أحوط،بل لعلّه أقرب؛ لكون جزّ الكل نادراً،فيبعد أن يحمل النص عليه.

و في إلحاق الحلق و الإحراق بالجزّ إشكال،و الأصل يقتضي العدم، لكن الإلحاق غير بعيدٍ،وفاقاً للدروس (2)؛ للأولوية،فتأمّل.

و في نتفه و هو قلعه،بخلاف الجزّ فإنّه قرضه في المصاب كفّارة يمين،و كذا في خدش ها وجهها و كذا في شقّ الرجل ثوبه لموت ولده أو زوجته على الأظهر الأشهر،بل لم ينقل الخلاف فيه أحد ممّن تقدّم و تأخّر،بل صرّح شيخنا

ص:438


1- الدروس 2:178.
2- الدروس 2:178.

في الروضة و غيره (1)بعدم الخلاف في المسألة.

نعم بعض من ندر ممّن تأخّر (2)نسب القول بالاستحباب إلى الحلّي.

و هو ضعيف؛ فإنّه و إن صرّح به في أوّل كلامه منزّلاً للرواية الآتية عليه بعد تسليمها،إلّا أنّه استدرك ذلك فقال:إلّا أنّ أصحابنا مجمعون عليها في تصانيفهم و فتاويهم،فصار الإجماع هو الحجة بها،و بهذا افتي (3)،انتهى.

و هو كما ترى صريح في الموافقة للأصحاب في القول بالإيجاب مدّعياً عليه الإجماع،كالمرتضى في الانتصار (4)،و هو الحجة في المضمار.

مضافاً إلى بعض المعتبرة بالانجبار،و فيه:« إذا شقّ زوج على امرأته،أو والد على ولده فكفّارته كفّارة حنث يمين،و لا صلاة لهما حتى يكفّرا،أو يتوبا من ذلك،و إذا خدشت المرأة وجههاً،أو جزّت شعرها،أو نتفت ففي جزّ الشعر» إلى أن قال:« و في الخدش إذا دميت،و في النتف كفّارة حنث يمين،و لا شيء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار و التوبة» (5).

فلا إشكال في المسألة،و إن استشكلها،بل ربما مال إلى الاستحباب بعض متأخّري متأخّري الطائفة (6)؛ للأصل،و قصور سند الرواية.و ضعفهما ظاهر بعد ما عرفت.

و الرواية كعبارة الانتصار (7)هنا في الخدش مطلقة غير مقيّدة

ص:439


1- الروضة 3:16؛ و انظر التنقيح 3:566.
2- الدروس 2:178.
3- السرائر 3:78.
4- الانتصار:166.
5- التهذيب 8:1207/325،الوسائل 22:402 أبواب الكفارات ب 31 ح 1.
6- انظر نهاية المرام 2:198.
7- الانتصار:166.

بالمصاب،فالأمر فيه كما مضى.

و فيهما تقييد الخدش بالإدماء،خلافاً لإطلاق العبارة و غيرها،و هو أحوط،و إن كان الأوّل أقوى،وفاقاً لجماعة من أصحابنا (1).

و المعتبر منه مسمّاه،فلا يشترط استيعاب الوجه،و لا شقّ جميع الجلد،و لا يلحق به خدش غير الوجه و إن ادمي،و لا لطمه مجرّداً؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النص و الفتوى،نعم في الأخير الاستغفار، كما في ذيل الرواية المتقدّمة.

و يعتبر في الثوب مسمّاه عرفاً،قيل:و لا فرق فيه بين الملبوس و غيره،و لا بين شقّه ملبوساً و منزوعاً،و لا بين استيعابه بالشقّ و عدمه (2)؛ للإطلاق.

و لعلّ في شموله للآخرين من الشقّين الأوّلين نوع تأمّل،و إن كان الأحوط بل الأولى التعميم.

و لا فرق بين الولد للصلب و ولد الولد و إن نزل،ذكراً و أُنثى لذكر.

و في ولد الأُنثى قولان،أجودهما:عدم اللحوق؛ للأصل،و عدم صدق الولد عليه حقيقة،أو كونه غير متبادر منه عند الإطلاق،و هو و إن جرى في ولد الذكر أيضاً،إلّا أنّ التعميم بالإضافة إليه لعلّه مستفاد من الاستقراء،فتأمّل جدّاً.

و لا ريب أنّ الأحوط التعميم مطلقاً،بل لا يبعد الحكم به للفحوى.

ثمّ المتبادر من الزوجة في النصّ و الفتوى هو الزوجة الدائمة قطعاً، فيرجع في المتمتّع بها إلى الأصل جدّاً.

ص:440


1- منهم الشهيد في الروضة 3:17،و الفيض في المفاتيح 1:262،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:242.
2- قاله الشهيد الثاني في الروضة 3:17.

خلافاً لجماعة من أصحابنا (1)،فألحقوها بالأُولى.فإن كان إجماع، و إلّا فيأتي فيه ما مضى؛ مضافاً إلى احتمال كون الصدق عليها مجازاً،بل هو الظاهر من الأُصول،كما مرّ مراراً،إلّا أن يستدل عليه بالفحوى.

و منه يظهر الوجه في عدم إلحاق الأمة الموطوءة بالملك بها مطلقاً، و إن كانت سُرِّيّةً أو أمّ ولد،بل بطريق أولى،إلّا أن يتمسّك في الإلحاق بالفحوى،لكن المنع هنا هو المفتي به قولاً واحداً.

ثمّ مقتضى الأصل المستفاد من الأدلّة القاطعة حرمة شقّ الثوب مطلقاً و لو على الأب و الأخ؛ لما فيه من إضاعة المال المحترم المحرّمة جدّاً.

خلافاً لجماعة (2)،فأجازوه فيهما؛ لما ينقل من شقّ بعض الأنبياء و الأئمة عليهم السلام فيهما (3)،و الأحوط تركه جدّاً.

ثم لا كفّارة في شقّ المرأة على الميت مطلقاً،زوجاً كان أو ولداً،و إن حرم،قولاً واحداً؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النصّ و الفتوى، مع حرمة القياس عندنا.

الثالثة من نذر صوم يوم فعجز عنه تصدّق بإطعام مسكينٍ مدّين من طعام

الثالثة:من نذر صوم يوم معيّن فعجز عنه تصدّق بإطعام مسكينٍ مدّين من طعام وفاقاً للشيخ في النهاية (4)؛ للخبر:في رجل يجعل عليه صياماً في نذر و لا يقوى،قال:« يعطي من يصوم عنه كل يوم مدّين» (5).

ص:441


1- منهم العلّامة في التحرير 2:109،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:400،و الشهيد الثاني في الروضة 3:16.
2- منهم الشيخ في النهاية:573،و الحلّي في السرائر 3:78،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:400.
3- انظر الوسائل 3:273 275 أبواب الدفن ب 84 الأحاديث 3 9،و كذا الوسائل 22:402 أبواب الكفارات ب 31.
4- النهاية:571.
5- الكافي 7:15/457،الفقيه 3:1111/235،التهذيب 8:1138/306،الوسائل 23:312 أبواب النذر و العهد ب 12 ح 1.

و في سنده جهالة،و في المتن شذوذ بحسب الدلالة،و مع ذلك مخالف للقواعد المقرّرة من عدم لزوم النذر مع العجز المستلزم لعدم الكفّارة.

و منه يظهر الجواب عن رواية أُخرى في المسألة:عن رجل نذر صياماً:فثقل عليه الصوم؟قال:« تصدّق عن كل يوم بمدٍّ من حنطة» (1).

و يأتي فيها أيضاً ما في السابقة من الضعف و الشذوذ،و لو من غير تلك الجهة.

و نحوهما في الشذوذ ما مرّ من الصحيح،أنّ« من عجز عن نذر نذره فعليه كفّارة يمين» (2)مع أنّ الأصحاب حملوه على خلاف ظاهره كما عرفت،فإذاً الأقوى عدم وجوب هذه الكفّارة،بل هي مستحبّة،وفاقاً لجماعة (3).

و على تقدير الوجوب فإن عجز عنها أيضاً تصدّق بما استطاع فإنّ الميسور لا يسقط بالمعسور فإن عجز أصلاً استغفر اللّه تعالى،و لم أقف على مستنده،مع كون الإفطار عن عجز مرخّص، و لا معنى للزوم الاستغفار حينئذٍ،فهو غريب.

و أغرب منه ما يوجد في بعض الحواشي المنسوبة إلى المحقّق الشيخ علي من الأمر به ثلاثاً،و لعلّ لهم مستنداً في ذلك لم نظفر به،و كيف كان فالاستحباب لا بأس به.

ص:442


1- الفقيه 3:1105/234،الوسائل 23:312 أبواب النذر و العهد ب 12 ح 2.
2- راجع ص 425.
3- منهم ابن فهد في المهذب البارع 3:570،و الفاضل المقداد في التنقيح 3:401،و الشهيد الثاني في المسالك 2:89.
المقصد الثاني في خصال الكفّارة
اشارة

المقصد الثاني في بيان خصال الكفّارة و أحكامها.

و هي كثيرة،إلّا أنّ المهم الذي يجب التعرض لذكره في المقام هو الخصال الأربع المشهورة العتق،و الإطعام،و الكسوة،و الصيام فنقول:

العتق

أمّا العتق:فيتعيّن على الواجد في المرتّبة دون المخيّرة و يتحقّق ذلك الوجدان المعلّق عليه بالأصل و مفهوم الآية (1) بملك الرقبة مع عدم الاحتياج إليها لضرورة كالخدمة أو الثمن كذلك مع إمكان الابتياع لصدق الوجدان بذلك لغةً و عرفاً،بخلاف حال الضرورة، أمّا لانتفاء الصدق فيها،أو لاستثنائها معها في الدين الذي هو حق الناس المستلزم للاستثناء هنا بطريق أولى.

و لا بدّ من كونها مؤمنة أو مسلمة إذا كانت كفّارة عن القتل مطلقا،و لو كان عمداً،إجماعاً،كما حكاه جماعة (2)مستفيضاً،و هو الحجّة فيه،مع الاحتياط اللازم المراعاة في نحو المقام.

مضافاً إلى الآية الكريمة (3)،و إن وردت في الخطأ خاصّة،إلّا أنّهم حملوا عليه العمد من غير خلاف،بل حكي عليه الإجماع (4)؛ لاتحاد جنس السبب،مع احتمال الأولوية.

ص:443


1- النساء:92.
2- منهم المحقق في الشرائع 3:69،و العلّامة في التحرير 2:110،و الشهيد الثاني في المسالك 2:89.
3- النساء:92.
4- كما في نهاية المرام 2:200.

و إطلاق النصوص،منها الصحيحان،و المرسل كالصحيح على الصحيح؛ لكون الإرسال بالرجال الظاهر وجود ثقة فيهم و لو واحداً في ظاهر الحال،و في اثنين منها:« كلّ العتق يجوز له المولود إلّا في كفّارة القتل،فإنّ اللّه تعالى قال فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [1] (1)يعني بذلك:مقرّة قد بلغت الحَنث» (2)فتأمّل.

و في الثالث،و هو صحيح:« لا يجوز في القتل إلّا رجل،و يجوز في الظهار و كفّارة اليمين صبي» (3).

و الأكثر على اشتراط الإسلام في سائر الكفّارات أيضاً،بل في الانتصار و كشف الصدق (4)للفاضل الإجماع عليه؛ حملاً للمطلق على المقيّد و إن لم يتّحد السبب.و فيه نظر.

و للخبر:أ يجوز للمسلم أن يعتق مملوكاً مشركاً؟قال:

« لا» (5)و أُجيب (6)بضعف السند،و القصور عن تمام المدّعى،و المعارضة بالمثل، و فيه:« إنّ عليّاً عليه السلام أعتق عبداً له نصرانيّاً،ثم أسلم حين أعتقه» (7).

ص:444


1- النساء:92.
2- الكافي 7:15/462،التهذيب 8:1187/320،نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:139/67،تفسير العياشي 1:219/263،الوسائل 22:370 أبواب الكفارات ب 7 ح 6.و الحَنث:الإثم و الذنب،و بلغ الغلام الحنث أي المعصية و الطاعة.الصحاح 1:280.
3- الفقيه 3:1121/237،نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:127/62،الوسائل 22:370 أبواب الكفارات ب 7 ح 4.
4- الانتصار:169،كشف الصدق:لم نعثر عليه.
5- الفقيه 3:310/85،التهذيب 8:782/218،الإستبصار 4:1/2،الوسائل 23:35 أبواب العتق ب 17 ح 5.
6- انظر المسالك 2:89.
7- الكافي 6:1/182،التهذيب 8:783/219،الإستبصار 4:2/2،الوسائل 23:34 أبواب العتق ب 17 ح 2.

و لقوله سبحانه وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ [1] (1).و أُجيب (2)بمنع صدق الإنفاق على التكفير؛ مضافاً إلى خروجه عن محلّ النزاع بملاحظة ما ذكره فيه أهل التفسير (3).

و في الجميع نظر؛ لأنّ ضعف الأوّل بالشهرة منجبر،كانجبار قصور الدلالة بها،و بعدم القائل بالفرق فيمن تقدّم و تأخّر.

و منه يظهر ضعف المعارضة بتلك الرواية؛ لقصورها و لو كانت صحيحة،مع أنّها ضعيفة بالبديهة عن المقاومة له و هو بهذه المثابة.

و أمّا الجواب عن الآية فمدفوع بقسميه بأنّ فيها نوع تعليق للحكم على الوصف المشعر بالعليّة،و الظاهر أنّها الخباثة من حيث هي هي مطلقا، كانت لرداءة المال و قلّته أو لفساد العقيدة،بل ربما كانت الخباثة من هذه الجهة أولى بالعليّة في نحو المسألة،المعتبر فيها قصد القربة بالإجماع و المعتبرة،و أيّ قربة في عتق رقبة محادّة لجنابة سبحانه؟!فإنّه موادّة صرفة منعت عنها الآية الشريفة (4)،إلّا أنّها في المشرك خاصّة؛ لتصريح الآية الأُخرى (5)بالجواز في أهل الذمّة،المؤيّدة هنا بفعل عليّ عليه السلام،كما تضمّنته الرواية.

لكن يمكن الذبّ عن الاختصاص بعدم القائل بالفرق،فإنّ كل من منع عن المشرك منع عن غيره أيضاً.

و المعارضة بالمثل هنا و إن أمكن،إلّا أنّ دفعها ممكن هنا جدّاً بعد

ص:445


1- البقرة:267.
2- كما في المسالك 2:89.
3- مجمع البيان 1:381،الصافي 1:257،الكشّاف 1:314.
4- المجادلة:22،الممتحنة:1.
5- الممتحنة:7.

اشتهار الأخذ بالآية الأُولى،و هذا من أقوى المرجّحات نصّاً و اعتباراً،هذا.

و يدلُّ على اعتبار الإسلام في كفّارة الظهار صريحاً الصحيح الوارد فيه،و فيه:« و الرقبة يجزئ عنه صبي ممّن ولد في الإسلام» (1)و لو لا اعتباره لكان التقييد بمن ولد في الإسلام لغواً،و لا قائل بالفرق جدّاً.

مضافاً إلى الخبر المعتبر الوارد في كفّارة الإفطار في رمضان،و فيه:

« من أفطر يوماً من شهر رمضان فعليه عتق رقبة مؤمنة» (2).

و المعتبرين المتقدّمين في كفّارة المفطر يوماً نذره على التعيين من غير عذر،و فيهما:« و تحرير رقبة مؤمنة» (3).

فإذاً القول بالاشتراط أقوى؛ مضافاً إلى التأيّد بلزوم تحصيل البراءة اليقينيّة في نحو المسألة،و بما في الانتصار من أنّ في جعل الكافر حرّا تسليطاً له على مكاره أهل الدين و الإيمان،قال:و ذلك لا يجوز (4).

خلافاً للخلاف و المبسوط و الإسكافي (5)،فلا يشترط؛ للأصل و الإطلاق.و يندفعان بما مر.

كما يندفع به ما مرّ من النصوص في صدر البحث (6)،و إن استدل بها؛ لخروجها عن محلّه،فإنّ غايتها إجزاء المولود فيما عدا القتل،و هو

ص:446


1- الكافي 6:22/158،التهذيب 8:49/15،الوسائل 22:369 أبواب الكفارات ب 7 ح 1.
2- التهذيب 4:600/207،الإستبصار 2:311/96،الوسائل 10:49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 11.
3- راجع ص 421،422.
4- الانتصار:169.
5- الخلاف 4:543،المبسوط 6:212،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:667.
6- راجع ص 443.

غير إجزاء عتق الكافر،فقد يكون المراد به المتولّد من المسلِميَن،أو أحدهما،و هو مجزٍ فيما عدا القتل قولاً واحداً في الظاهر؛ لتلك النصوص، و مطلقا على الأشهر.

خلافاً للإسكافي (1)فيه،فالبالغ؛ لظاهرها،و يظهر من جماعة الميل إليه (2).

و لا ريب أنّه أحوط،بل و لا يبعد كونه أقرب؛ للاحتياط،و اعتبار سند النصوص و استفاضتها،ففي الخبر زيادة على ما مرّ في قول اللّه عزّ و جلّ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [1] (3)قال:« يعني مقرّة» (4)المؤيد بظاهر الكتاب؛ فإنّ المؤمن حقيقة فيمن صدر عنه الإيمان بنفسه،لا من حكم بإيمانه للتبعيّة،فالمصير إليه لا بدّ له من القرينة،و هي في المقام مفقودة، سوى الشهرة،و لعلّها بمجرّدها لذلك غير كافية.

و لم نقف للمشهور على دلالة سوى ما في الخلاف من إطلاق الإيمان عليه؛ لأنّه محكوم بإيمانه (5).

و هو كما ترى،فإنّ أقلّ ما فيه أنّ غايته الاستعمال،و هو أعمّ من الحقيقة جدّاً،مع أنّه اجتهاد في مقابلة النصّ المعتبر،فلا عبرة به أصلا.

نعم في الخبر:الرجل يجب عليه عتق رقبة مؤمنة فلا يجد،كيف

ص:447


1- على ما نقله عنه في المختلف:667.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:89،و السبزواري في الكفاية:215،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:201.
3- النساء:92.
4- نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:126/62،الوسائل 22:371 أبواب الكفارات ب 7 ح 10.
5- الخلاف 4:544.

يصنع؟فقال:« عليكم بالأطفال فأعتقوهم،فإن خرجت مؤمنة فذاك،و إلّا فليس عليكم شيء» (1).

و في سنده ضعف،و في الدلالة قصور؛ لاختصاصه بحال الضرورة، و مع ذلك قاصر عن المقاومة لما مرّ،لكن لجبر جميع ذلك بالشهرة وجه؛ مضافاً إلى عدم القائل بالفرق بين حالتي الاختيار و الضرورة،و ليس في الرواية نفي الجواز في غيرها،و الأحوط ما ذكرناه.

ثم من النهي عن إنفاق الخبيث يظهر اشتراط الإيمان بالمعنى الأخصّ هنا،و قوّاه في القواعد (2)،و ولده في شرحه حاكياً ذلك عن الحلّي و علم الهدى (3)،و خطّأه في الحكاية الفاضل الصيمري مدّعياً الإجماع على عدم الاشتراط،و أنّ فتواهما باعتبار الإيمان إنّما هو لكفر المخالف عندهما بالكفر المقابل للإسلام،مؤيّداً ذلك بشهادة سياق عبارتهما به.

و هو حسن،إلّا أنّ لفخر الإسلام كالفاضل المقداد (4)المشارك له في الحكاية الاعتراض باستفادتها من الدليل الذي أثبتا به اشتراط الإيمان و لو بالمعنى الذي عندهما،و هو النهي عن إنفاق الخبيث و الاحتياط، و لا ريب في جريانه هنا و لو قالا بإسلامه؛ لخبثه إجماعاً،و تحقق الاحتياط بحصول الشبهة فيه من الخلاف أو الأدلّة و الأمارات جدّاً،فلا اعتراض له عليهما أصلاً،و لذا صار اعتباره قويّاً و إن كان خلاف ما عليه أكثر أصحابنا، إلّا أن يتمّ ما ادّعي من الإجماع.

ص:448


1- الفقيه 3:348/93،الوسائل 22:369 أبواب الكفارات ب 7 ح 3.
2- القواعد 2:145.
3- إيضاح الفوائد 4:85،و هو في السرائر 3:73،و انظر الانتصار:169.
4- التنقيح الرائع 3:401.

نعم في الصحيح:الرقبة تعتق من المستضعفين؟قال:« نعم» (1)لكنه غير صريح في المستضعف من العامة،فيحتمل كونه من الشيعة خاصّة، و لا في كونها في الكفّارة،فيحتمل العتق المطلق.

و كيف كان فلا ريب أنّ ما ذكرناه أحوط،إن لم يكن أقوى.

و ممّا ذكر يظهر عدم إجزاء عتق المسبيّ من أطفال الكفّار،و إن انفرد به السابي المسلم عن أبويه،وفاقاً للتحرير (2)،و في المسالك أنّه المشهور (3)،خلافاً للشهيد و جماعة (4)،بناءً على حكمهم بإسلامه بالتبعية، كحكمهم بإسلام ولد الزناء بها.

و فيه بعد تسليمه أنّه لا يلازم جواز التكفير؛ لاعتبار الإيمان فيه حقيقةً لا تبعاً،كما مضى،خرج عنه صبيّ المسلم بما مرّ،و يبقى الباقي.

مضافاً إلى الصحيح المتقدّم في الظهار (5)،المعتَبر في عتق الولد الولادة في الإسلام،و هي غير حاصلة في أولاد الكفّار.

كلّ ذا فيما عدا الحمل،و أمّا فيه فلا يجوز مطلقا قولاً واحداً؛ لعدم إطلاق المولود و الصبي عليه جدّاً،فيقتصر فيما خالف الأصل على المتيقن.

و يعتبر أن تكون سليمة من العيوب التي تعتق بها و هي

ص:449


1- الكافي 6:3/182،التهذيب 8:781/218،الوسائل 23:33 أبواب العتق ب 17 ح 1.
2- التحرير 2:110.
3- المسالك 2:90.
4- الدروس 2:182؛ و انظر المبسوط 2:23،و 6:212،حكاه عنهما في المسالك 2:90.
5- راجع ص 445.

العمى،و الإقعاد و الجذام،و التنكيل الصادر من المولى،بلا خلاف،و به صرّح في المبسوط و الخلاف (1)في العمى.

و لا شبهة فيه؛ لانعتاقه بمجرّد حصول هذه الأسباب،على المشهور، فلا يتصوّر إيقاع العتق عليه ثانياً.

و للخبر،بل الموثق:« لا يجزئ الأعمى في الرقبة،و يجزئ ما كان منه مثل الأقطع،و الأشلّ،و الأعرج،و الأعور،و لا يجزئ المقعد» (2)و نحوه آخر (3)في سنده وهب بن وهب.و يلحق الباقي بعدم القائل بالفرق.

و يستفاد منهما و من العبارة كغيرها ظاهراً عدم اشتراط السلامة من غيرها من العيوب،فيجزئ الأعور،و الأعرج،و الأقرع،و الخصيّ، و الأصمّ،و مقطوع إحدى الأُذنين و اليدين،و لو مع إحدى الرجلين، و المريض و إن مات في مرضه،و هو المشهور،بل في المبسوط و الخلاف (4)في الأعور عليه الإجماع صريحاً،و في المسالك (5)كالأوّل في المجموع ظاهراً،إلّا أنّ الشيخ في الكتاب المزبور نفي الخلاف عن المنع أوّلاً،و لذا عدّ منه الاختلاف المزبور غريباً (6)،و ليس في محلّه؛ لتصريحه أخيراً بأنّ نفي الخلاف الذي ادّعاه سابقاً إنّما هو بين الناس

ص:450


1- المبسوط 6:212،الخلاف 4:551.
2- التهذيب 8:1186/319،الوسائل 22:397 أبواب الكفارات ب 27 ح 2.
3- الكافي 6:11/196،الفقيه 3:311/85،التهذيب 8:832/230،قرب الإسناد:579/158،المقنع:162،الوسائل 22:397 أبواب الكفارات ب 27 ح 1.
4- المبسوط 6:212،الخلاف 4:551.
5- المسالك 2:90.
6- نهاية المرام 2:202.

لا عندنا.

و كيف كان فالجواز مطلقا هو المذهب؛ لما مرّ من الإطلاق.

خلافاً للإسكافي (1)في الناقص في الخلقة (2)ببطلان الجارحة إذا لم تكن في البدن سواها،كالخصي و الأصمّ و الأخرس،دون الأشلّ من يد واحدة،و الأقطع منها.و هو شاذّ،و مستنده غير واضح،هذا.

و في المسالك الإجماع على الجواز إن لم تنقص ماليّته و لا تخلّ باكتسابه،كقطع بعض أنامله،و نقصان إصبع من أصابعه،و نحو ذلك (3).

و هل يجزئ المدبّر؟قال الشيخ في النهاية:لا (4) للصحيح:

في رجل جعل لعبده العتق إن حدث به حدث،و على الرجل تحرير رقبة في كفّارة يمين أو ظهار،أ يجزئ عنه أن يعتق عبده ذلك في تلك الرقبة الواجبة عليه؟قال:« لا» (5)و نحوه الموثق،إلّا أنّ فيه بدل أ يجزئ عنه« أ له أن يعتق عبده» الخبر (6).

و قال في غيرها و هو المبسوط (7)،و ربما أشعرت العبارة بجميع كتبه،و هو ظاهر في الرجوع عن المنع إلى القول بالجواز،و هو أشبه و أشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر؛ للإطلاق،مع عدم المانع

ص:451


1- كما نقله عنه في المختلف:670.
2- في الأصل زيادة:و،و الأنسب ما أثبتناه من المصدر.
3- المسالك 2:90.
4- النهاية:569.
5- التهذيب 8:81/25،الوسائل 22:373 أبواب الكفارات ب 9 ح 2.
6- الفقيه 3:252/72،التهذيب 8:967/265،الوسائل 23:131 أبواب التدبير ب 12 ح 1.
7- المبسوط 6:213.

صريحاً؛ لاحتمال الخبرين المتقدمين الإعتاق عنه بعد الموت،و لا خلاف حينئذٍ؛ للصحيح:عن رجل جعل لعبده العتق إن حدث لسيّده حدث الموت،فمات السيّد و عليه تحرير رقبة واجبة في كفّارة،أ يجزئ عن الميت عتق العبد الذي كان السيّد جعل له العتق بعد موته في تحرير الرقبة التي كانت على الميت؟قال:« لا» (1)هذا.

مع استفاضة المعتبرة بكون التدبير وصيّة يجوز التصرف فيها بنحو البيع و العتق،ففي الصحيحين« هو مملوكه،إن شاء باعه،و إن شاء أمسكه حتى يموت،فإذا مات السيد فحرٌّ من ثلثه» (2)و هما نصّ في المطلوب.

و في الانتصار الإجماع على جواز بيعه (3)،و عليه يدل الخبران أيضاً و كثير من المعتبرة،و بفحوى ذلك يستدل على جواز الإعتاق بالأولوية، كيف لا؟!و هو إحسان محض،بخلاف البيع.

كلّ ذا مع عدم نقض التدبير أوّلاً،و أمّا بعده فله الإعتاق قولاً واحداً.

و من بعض ما مرّ ينقدح الوجه فيما عليه الأكثر من إلحاق المكاتب المشروط قبل الإيفاء،و المطلق الذي لم يؤدّ شيئاً،بالمدبّر.

خلافاً للخلاف (4)فجعل المنع أظهر.و مستنده بعدُ لم يظهر،سوى

ص:452


1- الكافي 6:3/194،التهذيب 8:737/231،الوسائل 22:372 أبواب الكفارات ب 9 ح 1.
2- الأول في:الكافي 6:9/185،التهذيب 8:943/259،الإستبصار 4:90/27،الوسائل 23:115 أبواب التدبير ب 1 ح 1. و الآخر في:الكافي 6:7/184،التهذيب 8:942/259،الإستبصار 4:102/30،الوسائل 23:126 أبواب التدبير ب 8 ح 3.
3- الانتصار:172.
4- الخلاف 4:544.

ما ذكر له الماتن في الشرائع (1)من نقصان الرقّ.و ضعفه أظهر من أن يسطر،فالأوّل أظهر.

أمّا المطلق المؤدّي لوجه الكتابة و لو بعضاً فلا يجوز قولاً واحداً.

و كذا يجزئ الآبق ما لم يعلم موته وفاقاً للنهاية (2)،و تبعه الأكثر،بل عن الحلّي الإجماع عليه (3)؛ للصحيح:عن رجل أبق منه مملوكه،يجوز له أن يعتقه في كفّارة الظهار؟قال:« لا بأس به ما لم يعرف منه موتاً» (4).

و في الاستدلال به نظر؛ لوجود:« ما علم أنّه حيّ مرزوق» بدل « ما لم يعرف» في لفظ آخر مروي في الكافي (5)،و هو أضبط،إلّا أن يرجّح الأوّل بالشهرة و ما ذكره الحلّي تبعاً للشيخ من أنّه يدل على ذلك أخبار أصحابنا المتواترة.مع أنّه بنفسه حجّة مستقلّة.

و يمكن الاستدلال عليه بأصالة البقاء،و لذا يجري عليه و على أمثاله أحكام الأحياء،و هو و إن أمكن فيه المناقشة بالمعارضة بأصالة بقاء شغل الذمّة،لكنّها بالإضافة إلى الأصالة الاُولى مرجوحة من حيث اعتضاد تلك بالشهرة،مع أنّها مجمع عليها و لو في الجملة.

خلافاً للخلاف (6)،فقيّد الجواز بالعلم بالحياة.و حجّته من الأصل

ص:453


1- الشرائع 3:71.
2- النهاية:569.
3- السرائر 2:718.
4- الكافي 6:3/199،الفقيه 3:314/86،التهذيب 8:890/247،الوسائل 23:83 أبواب العتق ب 48 ح 1.
5- لم نعثر على هذا اللفظ الآخر في الكافي،نعم قد أُشير في هامش الوسائل إلى أنّه يوجد في هامش المخطوط:في نسخة:« ما علم أنّه حيّ مرزوق».
6- الخلاف 4:547.

و الصحيحة بتقدير النسخة الثانية بما ذكرناه مردودة.

و لثالث،ففصّل بين صورتي الظن بالبقاء فالأوّل،و الشك فيه فالثاني،اختاره الفاضل المقداد في التنقيح (1)،تبعاً لشيخنا في المختلف (2).

و يأتي فيه ما مرّ في طرف الشك و زيادة في طرف الظن؛ إذ لا دليل على اعتباره في نحو المقام من الموضوعات،فلا وجه لتخصيص أدلّة المنع و الجواز مع عمومها للصورتين.

و كذا أُمّ الولد مطلقا،مات ولدها أم لا،إجماعاً في الأوّل، و بلا خلاف إلّا من الإسكافي (3)في الثاني؛ للخبر:« أُمّ الولد تجزئ في الظهار» (4)و لا قائل بالفصل.

و لبقاء الملك و إن امتنع البيع على بعض الوجوه،و هو غير ملازم لانتفائه رأساً،و لذا صحّ بيعها في وجه إجماعاً،و عتقها تبرّعاً كذلك،كما حكي (5).

و كذا ولد الزناء بعد بلوغه و إسلامه،وفاقاً للأكثر،بل إجماعاً،كما عن الشيخ في المختلف (6)،و هو الحجّة فيه.

مضافاً إلى الخبر:« لا بأس أن يعتق ولد الزناء» (7)و هو عام في

ص:454


1- التنقيح 3:404.
2- المختلف:604.
3- حكاه عنه في التنقيح 3:404.
4- الفقيه 3:1662/346،الوسائل 22:369 أبواب الكفارات ب 7 ح 2 و فيه:الولد يجزئ..
5- انظر المسالك 2:91.
6- المختلف:669،و انظر الخلاف 4:552.
7- الكافي 6:2/182،الفقيه 3:315/86،التهذيب 8:780/218،الوسائل 23:32 أبواب العتق ب 16 ح 1.

الكفّارات و غيرها.

خلافاً للإسكافي و السيّد (1)؛ للإجماع.و هو موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف،و معارض بالإجماع المتقدّم الذي هو أرجح منه بلا ارتياب.

و للنهي عن إنفاق الخبيث.و هو حسن إن سلّم الخباثة،لكنّها بعد الإسلام محلّ مناقشة.

الصيام

و أمّا الصيام:فيتعيّن مع العجز عن الرقبة و لو أدناها في المرتّبة و يتحقق بفقد ما مرّ من أسباب القدرة،و منه الاحتياج إلى الثمن للنفقة و الكسوة له و لعياله الواجبي النفقة،و وفاء دينه و إن لم يطالب به.

و هل المعتبر في النفقة الكفاية على الدوام،بأن يملك ما يحصل من نمائه ما يقوم بكفايته في كلّ سنة،أو قوت السنة،أو اليوم و الليلة فاضلاً عمّا يحتاج إليه في الوقت الحاضر من الكسوة و الأمتعة؟أوجه.

و استوجه الأخير جماعة (2)،وفاقاً للدروس (3)،و لعلّه لصدق الوجدان لغةً.

و يعارض بعدم الصدق عرفاً و عادةً،و هو الأرجح حيثما حصل بينهما معارضة،مع التأيّد بأصالة البراءة،و الأولوية المستفادة من نفي الزكاة التي هي أعظم الفرائض بعد الصلاة عن مثله بالإجماع و الأدلّة.

مع منافاة الوجوب حينئذٍ للملّة السهلة السمحة،و استلزامه العسر و الحرج في الشريعة المحمّديّة،على المتصدّع بها ألف صلاة و سلام

ص:455


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:670،السيد في الانتصار:166.
2- منهم الشهيد في المسالك 2:96،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:205،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:266.
3- الدروس 2:180.

و تحيّة،فالقول بذلك بعيد غايته،كالقول الأوّل.

فإذاً الأوسط أوجه،و إن كان الأخير أحوط؛ للاتفاق في الظاهر على صحة العتق من المتكلّف العادم إلّا في بعض الوجوه المستلزم للنهي عنه، المفسد له لكونه عبادة،و مثّل (1)بما إذا كان له دين طولب به،و هو حسن إن وجد نهي عن العتق من الخارج،و إلّا فالمطالبة بمجرّدها و إن أُمر بها غير صالحة للنهي عنه؛ لما تقرّر من أنّ الأمر بالشيء لا يستلزم النهي عن ضدّه، و الممثِّل معترف به.

و لا تباع ثياب البدن و لا المسكن في الكفّارة إذا كان كل منهما قدر الكفاية اللائقة بحاله و كذا لا تباع الخادم إذا كان كذلك،بلا خلاف أجده،و هو الحجّة فيه،مع بعض ما مرّ.

مضافاً إلى الأولوية المستفادة من استثنائها في الدين بلا خلاف،فإنّ ثبوته فيه مع كونه حقّ الناس الذي هو أعظم من حقّ اللّه سبحانه مستلزم لثبوته في حقه تعالى كما هنا بطريق أولى،كما هو واضح لا يخفى.

مضافاً إلى التأيّد بالصحيح:عن الرجل له دار أو خادم أو عبد،يقبل الزكاة؟قال:« نعم،إنّ الدار و الخادم ليسا بمال» (2)فتدبّر.

و يلزم الحرّ في كفّارة قتل الخطاء و الظهار بعد العجز عن العتق صوم شهرين متتابعين بلا خلاف،بل عليه الإجماع كما في كلام جماعة (3)،و هو الحجّة؛ مضافاً إلى صريح الكتاب و السنّة.

ص:456


1- انظر المسالك 2:96.
2- الكافي 3:7/561،الفقيه 2:56/17،التهذيب 4:133/51،الوسائل 9:235 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 2.
3- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:96،و السبزواري في الكفاية:216،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:246.

ثم إن ابتدأ في الصوم من الهلال اعتبر الشهر الهلالي و إن نقص، بلا خلاف؛ لأنّه المراد شرعاً،بل و عرفاً عند الإطلاق،إلّا أن يمنع مانع من حمله عليه.

و إن شرع فيه في الأثناء أتمّ العدد ثلاثين يوماً؛ لعدم إمكان حمله على الهلالي،فلو وجب عليه شهران و شرع في الأثناء احتسب الثاني بالهلال،و أكمل الأوّل من الثالث ثلاثين يوماً.

و قيل:بل يكمله منه بقدر ما فات من أوّله؛ لإمكان اعتبار الهلال فيه (1).

و قيل:مع انكسار الأوّل ينكسر الجميع،و يبطل اعتبار الأهلّة؛ لأنّ الثاني لا يدخل حتى يكمل الأوّل (2).و هو أحوط،و إن كان الأوّل أشهر، و الثاني أظهر؛ لظواهر النصوص.

و مظهر الثمرة ما لو صام من آخر رجب يوماً و هو ناقص،ثم أتبعه بشعبان و هو كذلك،فيقضي تسعة و عشرين على الأوّل،و ناقصاً منه بواحد على الثاني،و ينتفي التتابع على الثالث في محلّ الفرض؛ لكون الذي صامه ثلاثين،و هو نصف ما عليه،و في غيره بأن لم يكن بعد الشهرين رمضان صحّ التتابع إن صام بعد العدد يوماً،و لكن يصوم معه ثلاثين،و ذلك واضح.

و أمّا المملوك فالأشهر الأظهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر أنّ عليه صوم شهر التفاتاً إلى الأصل،و قاعدة التنصيف الثابتة بالاستقراء،و استناداً إلى المعتبرة في الظهار،مع عدم القائل بالفرق،منها

ص:457


1- المبسوط 5:173.
2- حكاه في المختلف:616 عن بعض الشافعية.

الصحيح:« الحرّ و المملوك سواء،غير أنّ على المملوك نصف ما على الحرّ من الكفّارة،و ليس عليه صدقة و لا عتق،إنّما عليه صيام شهر» (1).

و نحوه بعينه خبران آخران (2)،إلّا أنّ في سند أحدهما محمّد بن حمران،و في الآخر سهل بن زياد،و الأوّل و إن اشترك بين الثقة و الضعيف، إلّا أنّ الراوي عنه في سند الفقيه ابن أبي عمير،و الثاني و إن ضعف على المشهور،إلّا أنّه سهل،مع أنّه عند جمع من المحققين ثقة (3).

و مع ذلك قصورهما بالشهرة و ما قدّمناه من الأصلين منجبر،فيخصّ بهما مع الصحيح المتقدّم عموم الكتاب لو كان،مع أنّه محلّ نظر عند جمع من الأعيان (4)،و هو ظاهر لا يحتاج إلى بيان.

و من هنا يظهر ضعف المحكي عن الحلبي و ابن زهرة و الحلّي (5)من اتحاده مع الحرّ،و حجّتهم.

ثم إنّ التتابع هنا ليس المراد منه معناه المفهوم منه لغةً و عرفاً فإذا صام الحرّ شهراً و من الثاني شيئاً و لو يوماً أتمّ إجماعاً منّا،حكاه جماعة

ص:458


1- الكافي 6:10/155،الفقيه 3:1647/343،التهذيب 8:28/9،الوسائل 22:323 أبواب كتاب الظهار ب 12 ح 2.
2- أحدهما في:الكافي 6:13/156،الفقيه 3:1661/346،التهذيب 8:79/24،الوسائل 22:323 أبواب كتاب الظهار ب 12 ح 1. و الآخر في:الكافي 6:15/156،الوسائل 22:324 أبواب كتاب الظهار ب 12 ح 3.
3- كالشيخ في رجاله:416؛ و انظر الوسائل 30:389.
4- منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 2:207،و صاحب الكفاية:216.
5- الحلبي في الكافي:304،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):613،الحلي في السرائر 3:74.

من أصحابنا (1)،للصحاح،منها:« التتابع أن يصوم شهراً و يصوم من الآخر أيّاماً أو شيئاً منه،فإن عرض له شيء يفطر منه أفطر،ثم قضى ما بقي عليه، و إن صام شهراً ثم عرض له شيء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئاً فلم يتابع فليُعِد الصوم كلّه» الخبر (2).

و الأكثر على جواز التفريق بعد ذلك اختياراً من دون إثم؛ للأصل، و ظاهر الصحيح المعرب عن كون التتابع المأمور به هو ذلك.

خلافاً للمفيد و الحلّي و ابن زهرة في الغنية و المرتضى في الانتصار (3)،مدّعيين عليه الإجماع،و حكي عن الحلبي (4)،فيأثم،و لعلّهم نظروا إلى اشتراط عروض الشيء في الرخصة في الإفطار في الصحيح المزبور،الكاشف عن كون المراد من التتابع المعرَّف فيه بصوم شهر و يوم من الثاني:التتابع المجزئ،و هو غير ملازم لجواز التفريق بعده،و إلّا لما كان لاشتراط العروض في رخصة الإفطار وجه.

و أظهر منه الموثّق كالصحيح:الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أ يفرّق بين الأيّام؟فقال:« إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس،فإن كان أقلّ من شهر أو شهراً فعليه أن يعيد

ص:459


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:96،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:247،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:266.
2- الكافي 4:2/138،التهذيب 4:856/283،الوسائل 10:373 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 9.
3- المفيد في المقنعة:569،الحلّي في السرائر 3:76،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):572،المرتضى في الانتصار:167.
4- الكافي في الفقه:189.

الصيام» (1).

و يمكن الجواب بأنّ الظاهر من العارضة فيهما ما لم يبلغ حدّ الضرورة المرخّصة لترك الواجب،و إلّا فلا فرق بين صورتي الإفطار قبل التتابع بالمعنى المتقدّم و بعده معها،إجماعاً و نصّاً،و الحال أنّهما فرّقا بينهما.

فعلى هذا يجب حمل البأس المستفاد من مفهومهما على الكراهة، أو استحباب المتابعة،مع أنّ البأس المفهوم في الثانية أعمّ من الحرمة، فيرجع في مثله إلى أصالة البراءة النافية لها،فما عليه الأكثر أقوى لولا ما مرّ من الإجماعين المتقدّمين المعتضدين بفتاوى كثير من القدماء.

و كيف كان الاحتياط لا يخفى،سيّما لمن لا يرى العمل بأخبار الآحاد؛ لظهور الآية (2)في الأمر بالمتابعة العرفية الظاهر في الوجوب،و لا معارض سوى الإجماع على إجزاء التتابع بالمعنى المتقدّم،و هو غير ملازم للرخصة في ترك المتابعة المأمور بها في الآية،و لعلّ ذلك هو المنشأ لفتوى الحلّي بالوجوب (3)،و هو حسن على أصله الغير الحسن.

و في تحقّق التتابع بخمسة عشر يوماً في الشهر الواحد كفرض العبد و الناذر قولان،أشهرهما ذلك؛ لخبرين وردا في الأخير،ففي أحدهما:في رجل جعل على نفسه صوم شهر فصام خمسة عشر يوماً ثم عرض له أمر، فقال:« جائز له أن يقضي ما بقي عليه،و إن كان أقلّ من خمسة عشر يوماً

ص:460


1- الكافي 4:3/138،التهذيب 4:855/282،الوسائل 10:373 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 5.
2- النساء:92،المجادلة:4.
3- السرائر 3:76.

لم يجزه حتى يصوم شهراً تامّاً» (1)و نحوه الثاني (2).

و قصور السند بموسى بن بكر بالشهرة منجبر،مع أنّه قيل بحسنه (3)، و روى عنه في الأوّل فضالة،و قد حكي على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة (4)،و منشأ التعدية إلى فرض العبد عدم القول بالفرق.

و ربما قيل بالمنع؛ للأصل،و ضعف الروايتين (5).و يجابان بما مرّ، فإذاً ما عليه الأكثر أظهر،و إن كان العدم أحوط.

و يستفاد من هذه المعتبرة أنّه لو أفطر قبل ذلك و لو بعد تمام الشهر الأوّل،و اليوم الرابع عشر في الفرض الأخير أعاد و لا خلاف فيه على الظاهر،المصرّح به في السرائر (6)،و في الغنية و الخلاف و التحرير عليه الإجماع (7)،و عن المنتهي أنّه قول علماء الإسلام (8)،و لا شبهة يعتريه؛ لعدم الامتثال،مضافاً إلى الإجماع و ما مرّ من الأخبار الواضحة المنار.

و في حكمه الأخذ في الصيام في الزمان الذي لا يحصل معه التتابع

ص:461


1- التهذيب 4:864/285،الوسائل 10:376 أبواب بقية الصوم الواجب ب 5 ذيل حديث 1.
2- الكافي 4:6/139،الفقيه 2:436/97،التهذيب 4:863/285،الوسائل 10:376 أبواب بقية الصوم الواجب ب 5 ح 1.
3- انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال:347،و فيه:فيما ذكر شهادة واضحة على وثاقته و جلالته.
4- رجال الكشي 2:830.
5- انظر المدارك 6:252.
6- انظر السرائر 3:76،فإنّه لم يصرّح فيه بنفي الخلاف.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):572،الخلاف 4:553،التحرير 2:112.
8- المنتهى 2:621.

و لو كان صائماً بعده،بلا خلاف،و للصحيح:في رجل صام في ظهارٍ شعبان ثم أدركه شهر رمضان،قال:« يصوم شهر رمضان و يستأنف الصوم، فإن صام في الظهار فزاد في النصف يوماً قضى بقيته» (1).

و لا فرق في الإفطار بين المستند إلى الاختيار و المأمور به من جهة الشرع بسبب،كالعيد،و أيّام التشريق،فلا يجوز له أن يبتدئ زماناً لا يسلم فيه.

إلّا إذا كان عدم السلامة لعذرٍ،كالحيض،و النفاس،و الإغماء، و المرض،و الجنون فيجزئ حينئذٍ،بلا خلاف؛ للصحاح،منها:عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين،فصام شهراً و مرض؟قال:« يبني عليه، اللّه حبسه» قلت:امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين،فصامت فأفطرت أيّام حيضها؟قال:« تقضيها» قلت:فإنّها تقضيها ثم يئست من المحيض؟ قال:« لا تعيدها،قد أجزأها ذلك» (2).

و في رواية:« هذا ممّا غلب اللّه تعالى عليه،و ليس على ما غلب اللّه تعالى عليه شيء» (3).

و يستفاد من التعليلين انسحاب الحكم فيما عدا المذكورات من الأعذار التي لم يعلم عروضها في الأثناء،كالسفر الضروري.

و إنّما اعتبرنا عدم العلم بالعروض؛ لأنّه معه يكون في ترك التتابع

ص:462


1- الكافي 4:5/139،الفقيه 3:437/97،التهذيب 4:857/283،الوسائل 10:375 أبواب بقية الصوم الواجب ب 4 ح 1.
2- التهذيب 4:859/284،الإستبصار 2:402/124،الوسائل 10:374 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 10.
3- التهذيب 4:858/284،الإستبصار 2:401/124،الوسائل 10:374 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 12.

كالمختار؛ لتمكّنه من الإتيان في زمان يحصل فيه.

و ليس ذلك شرطاً في الحيض؛ للزومه في الطبيعة عادة،و الصبر إلى سنّ اليأس تعزير بالواجب و إضرار بالمكلّف،نعم يمكن اعتباره فيه فيما إذا اعتادته فيما زاد على شهرين،مع احتمال العدم؛ لإطلاق النصوص كالعبارات بعدم الضرر في عروضه،إلّا أنّ في شموله لمحل الفرض إشكالاً؛ لندرته المانع عن حمل الإطلاق عليه،فتدبّر.

و منه يظهر الوجه في اعتبار ما مرّ في النفاس،فلا يجوز للمرأة الابتداء في زمان تقطع بعدم السلامة فيه،بل احتماله هنا أقوى؛ لعدم الإطلاق المتقدّم فيه و إن أطلقت العبارات،مع احتمال أن يراد منها صورة ما إذا ابتدأت بالصوم في زمان لا تعلم بحدوثه فيه و إن احتمل؛ لعدم ضرره؛ لأصالة التأخّر و العدم.

ثمّ إنّ الأصحّ وجوب المبادرة بعد زوال العذر؛ وقوفاً فيما خالف الأصل الدال على لزوم التتابع على محلّ العذر.

خلافاً للدروس،فلا يجب الفور (1).و هو ضعيف.

و المراد بالوجوب هنا هو الشرطي،بمعنى توقّف التتابع عليه،و إلّا فالشرعي لا دليل عليه،عدا ما ربما يقال من أنّ الإخلال به ملازم لفساد العبادة المنهي عنه في الآية.

و فيه نظر،فإنّ العبادة هي الصوم،لا تتابعه،و الإخلال مفسد له دون الصوم،فتدبّر.

الإطعام

و أمّا الإطعام:فيتعيّن في المرتّبة مع العجز عن الصيام بالمرض

ص:463


1- الدروس 1:277.

المانع منه،و ما حصل به مشقّة شديدة و إن رجا برءه،و ما خاف به عن زيادته،و نحو ذلك،لا السفر إلّا مع تعذّر الإقامة،و حيث انتقل الفرض إليه يتخيّر فيه بين التسليم إلى المستحق،و بين أن يطعمه،بلا خلاف أجده.

و على الأوّل:ففي مقدار ما يجب إطعام العدد به أقوال، أظهرها و أشهرها سيّما بين المتأخّرين أنّه يعطى لكلّ واحد مدّ اقتصاراً فيما خالف الأصل على أقلّ ما يتحقّق به الامتثال،و هو ذلك غالباً.

و هو و إن تحقق بالأقلّ،إلّا أنّه مندفع بالإجماع؛ مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (1)المماثل لها في الاستفاضة،لكن أكثرها مروي في كفّارة اليمين،و يتعدّى الحكم منه إلى كفّارة رمضان و قتل الخطأ بالإجماع.

مضافاً إلى الصحيح في الأوّل:« عليه خمسة عشر صاعاً،لكلّ مسكين مدّ» (2)و نحوه غيره،كحديث الأعرابي المشهور المروي فيه (3).

و الصحيح في الثاني:« فإن لم يستطع أطعم ستّين مسكيناً مدّاً مدّاً» (4).

و من الأخبار الأوّلة الصحيح:« يطعم عشرة مساكين،لكلّ مسكين مدّ» (5).

ص:464


1- الوسائل 10:44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.و ج 22:380 أبواب الكفارات ب 14.
2- التهذيب 4:599/207،الإستبصار 2:312/96،الوسائل 10:48 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 10.
3- الفقيه 2:309/72،المقنع:61،معاني الأخبار:336،الوسائل 10:46 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 5.
4- التهذيب 8:1196/332،الوسائل 22:374 أبواب الكفارات ب 10 ح 1.
5- الكافي 7:1/451،التهذيب 8:1091/295،الإستبصار 4:174/51،الوسائل 22:375 أبواب الكفارات ب 12 ح 1.

و الصحيح:عمّن قال:و اللّه،ثم لم يفِ؟فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:

« كفّارته إطعام عشرة مساكين مدّاً مدّاً» (1)و نحوهما صحيحان آخران (2)، مرويان هما كالأوّلين و باقي المعتبرة المستفيضة في الكافي و غيره.

مضافاً إلى روايات ثلاث،مروية في تفسير العيّاشي،كما حكي منها:« يجزئ لكلّ إنسان مدّ» (3).

و لا معارض لهذه الأخبار،مع كثرتها،و استفاضة كلّ من الصحيح و المعتبرة منها،مع اعتضادها بالأُصول و الشهرة العظيمة،فيجب المصير إليها البتّة.

خلافاً للخلاف (4)،فمدّان؛ للإجماع،و الاحتياط.

و هما ممنوعان في مقابلة ما مرّ،و لا شاهد له من الأخبار سوى الصحيح الوارد في الظهار (5)،و حمله على الاستحباب متعيّن.

و احتمال العمل به مع تخصيصه بمورده كما وقع لبعض المتأخّرين- (6)مع كونه خرقاً للإجماع ضعيف،كضعف حمله على صورة الاختيار و ما مرّ على صورة الاضطرار جمعاً؛ لعدم الشاهد عليه،و إن حكي القول بذلك عن النهاية و المبسوط (7)،و تبعه ابن حمزة (8)،و إليه أشار

ص:465


1- الكافي 7:8/453،الفقيه 3:1082/229،الوسائل 22:376 أبواب الكفارات ب 12 ح 4.
2- الكافي 7:451،الوسائل 22:375 أبواب الكفارات ب 12 ح 2،5.
3- تفسير العياشي 1:167/336،الوسائل 22:382 أبواب الكفارات ب 14 ح 7.
4- الخلاف 4:560.
5- التهذيب 8:75/23،الوسائل 22:382 أبواب الكفارات ب 14 ح 6.
6- كصاحب الكفاية:216.
7- النهاية:569،المبسوط 5:177 و 1:271.
8- الوسيلة:353.

بقوله: و قيل:مدّان مع القدرة و واحد مع الضرورة.

نعم يستحبّ أن يزيد على المدّ حفنةً لمئونة نحو طحنه و خبزه إن توقف على ذلك،كما في الصحيح (1)و غيره المروي عن تفسير العيّاشي (2).

و أوجبه الإسكافي (3)؛ لظاهرهما.و يندفع بالأصل،و صدق الامتثال، و ما مرّ من الأخبار؛ لخلوّها عنه مع ورودها في مقام الحاجة.

و على الثاني:قُدّر في المشهور بالإشباع و لو مرّةً،كأن يطعموا ضحى أو عشيّة؛ للأصل،و صدق الامتثال،و فحوى ما مرّ من الأخبار،و خصوص الصحيح:« يشبعهم مرّة واحدة» (4).

خلافاً للمفيد و الديلمي و القاضي (5)فقدّروه بإشباع يوم،و هو ظاهر في المرّتين،و به صرّح الإسكافي (6).و لا دليل عليه.

و اعلم أنّه لا خلاف في أنّه لا يجوز إعطاؤه لما دون العدد لتعلّق الأمر بذلك،فكما لا يحصل الامتثال في الدفع إلى غير المساكين كذا لا يحصل بالدفع إلى ما دون الستّين.

و لا يجوز التكرار في الكفّارة الواحدة مع التمكّن لتبادر الغير؛ إذ لا يسمّى المسكين الواحد المُطعَم ستّين مرّة ستّين مسكيناً،و هو واضح،

ص:466


1- الكافي 7:9/453،التهذيب 8:1099/297،نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:122/61،الوسائل 22:381 أبواب الكفارات ب 14 ح 4.
2- تفسير العياشي 1:174/338،الوسائل 22:383 أبواب الكفارات ب 14 ح 10.
3- حكاه عنه في المختلف:666.
4- الكافي 7:14/454،التهذيب 8:1095/296،الإستبصار 4:178/52،الوسائل 22:381 أبواب الكفارات ب 14 ح 5.
5- المفيد في المقنعة:568،الديلمي في المراسم:186،القاضي في المهذّب 2:415.
6- حكاه عنه في المختلف:666.

و لا خلاف فيه بيننا،و به صريح بعض المعتبرة من أخبارنا كالموثّق:عن إطعام عشرة مساكين،أو إطعام ستّين مسكيناً،أ يجمع ذلك لإنسان واحد يعطاه؟قال:« لا،و لكن يعطى إنساناً إنساناً كما قال اللّه تعالى» (1)و قريب منه الخبر الآتي مفهوماً.

و هل يجوز مع العذر لفقد العدد في البلد،مع تعذّر الإيصال إليه من غيره؟قولان،أظهرهما و أشهرهما ذلك،بل لم نقف على مخالف هنا،و به اعترف جماعة من أصحابنا (2)؛ للخبر،بل القوي:« إن لم يوجد في الكفّارة إلّا الرجل و الرجلين فيكرّر عليهم حتى يستكمل العشرة، يعطيهم اليوم ثم يعطيهم غداً» (3).

و قصور السند منجبر بالشهرة العظيمة.

و احتمال التقية بوروده موافقاً لمذهب أبي حنيفة،مع كون الراوي من قضاة العامة مدفوع بأنّ مذهبه الإطلاق،و فيه اشتراط الحكم بالضرورة.و كون الراوي من قضاتهم محلّ مناقشة لجماعة،و ادّعوا كونه من الإماميّة (4)،فاللازم أن يقيّد به الأُصول،و الرواية السابقة،بحملها على حالة التمكّن دون الضرورة،مع كونها من الأفراد النادرة فلا تحمل عليها

ص:467


1- التهذيب 8:1103/298،الاستبصار 4:185/53،تفسير العياشي 1:166/336،الوسائل 22:386 أبواب الكفارات ب 16 ح 2.
2- منهم الشيخ في الخلاف 4:559،و الشهيد الثاني في المسالك 2:98،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:248.
3- الكافي 7:10/453،التهذيب 8:1102/298،الوسائل 22:386 أبواب الكفارات ب 16 ح 1.
4- كالمولى محمد تقي المجلسي في روضة المتقين 14:59،و السيّد بحر العلوم في رجاله 2:121.

إطلاق الرواية.

فاندفع بذلك حجج من ظن وجوب المصير إلى التمكّن من العدد.

و احترز بالواحدة عن المتعدّدة؛ لجواز التكرار فيها بقدرها،و به صرّح في الدروس (1)،و لعلّه لا خلاف فيه.

و الواجب في الجنس أن يطعم ما يغلب على قوته وفاقاً للمبسوط و جماعة (2)؛ حملاً للإطلاق عليه.

خلافاً للخلاف (3)،فكلّ ما يسمّى طعاماً،مدّعياً عليه الوفاق.

و لا بأس به؛ لموافقته للّغة المترجّح هنا على العرف و العادة؛ لحكاية الإجماع المزبورة،مع أنّه لم يثبت منه الحكم بكون إطلاق الطعام على غير الغالب بعنوان المجازية دون الحقيقة،و الإجماع المزبور هو المستند في التعميم،حتى في كفّارة اليمين.

خلافاً للحلّي (4)فيها خاصّة،فأوجب فيها الإطعام من أوسط ما يطعم به الأهل؛ تمسّكاً بظاهر الآية مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ [1] (5).و هو محمول على الاستحباب؛ لما مرّ من الإجماع المحكي في الباب،المعتضد بالشهرة بين الأصحاب،مع احتماله الورود مورد الغالب، فلا تعارض بينه و بين الإطلاق.

و استقرب في المختلف إيجاب الحنطة،و الشعير،و الدقيق،

ص:468


1- الدروس 2:187.
2- المبسوط 5:177؛ و انظر الوسيلة:353،و المسالك 2:98،و المفاتيح 1:271.
3- الخلاف 4:563.
4- السرائر 3:70.
5- المائدة:89.

و الخبز (1).و جزم الشهيدان بإجزاء التمر و الزبيب (2).و الأولى الاقتصار على إطعام المدّ من الحنطة و الدقيق،كما في الصحيح و غيره (3).

و يستحب أن يضمّ إليه إداماً و لا يجب،وفاقاً للأكثر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر؛ للأصل،و صدق الامتثال بدونه،و خلوّ أخبار المدّ و المدّين عنه،و لصريح الصحيح:« و إن شئت جعلت لهم أُدُماً» (4).

خلافاً للمفيد و الديلمي كما حكي (5)،فيجب؛ للخبرين،أحدهما الصحيح:عن أوسط ما تطعمون أهليكم،فقال:« ما تقوتون به من عيالكم من أوسط ذلك» قلت:و ما أوسط ذلك؟فقال:« الخلّ و الزيت و التمر و الزبيب» الحديث (6)،و نحوه الخبر (7).

لكنّه مع قصور السند قاصر هو كالأوّل عن إفادة الوجوب صريحاً،و مع ذلك مفسِّران للأوسط المأمور به بالإدام الخاص،المشعر بل الظاهر في عدم إجزاء غيره،و لم يقولا به؛ مضافاً الى عدم مكافأتهما لما مرّ،و ظهور الأمر فيهما في الاستحباب؛ لما ظهر.

و المراد بالإدام ما جرت العادة بأكله مع الخبز،مائعاً كان كالزيت

ص:469


1- المختلف:669.
2- الأول في الدروس 2:186،و الثاني في المسالك 2:98.
3- الوسائل 22:376 أبواب الكفارات ب 12 ح 1،4.
4- الكافي 7:7/453،التهذيب 8:1098/297،الإستبصار 4:183/53،الوسائل 22:381 أبواب الكفارات ب 14 ح 3.
5- حكاه عنهما في الدروس 2:186،و هو في المقنعة:568،و المراسم:186.
6- الكافي 7:14/454،التهذيب 8:1095/296،الإستبصار 4:178/52،الوسائل 22:381 أبواب الكفارات ب 14 ح 5.
7- الكافي 7:5/452،التهذيب 8:1097/296،الإستبصار 4:179/52،الوسائل 22:380 أبواب الكفارات ب 14 ح 2.

و الدبس،أو جامداً كالجبن و اللحم،و هو بحسب الجنس مختلف نفاسةً و رداءةً و أعلاه اللحم و أوسطه الخلّ و الزيت و أدناه الملح للصحيح:« و الأُدُم أدناه ملح،و أوسطه الخلّ و الزيت،و أرفعه اللحم» (1).

و في الخبر:« و الوسط الخلّ و الزيت،و أرفعه الخبز و اللحم» (2).

و اعلم أنّه لا يجزئ إطعام الصغار إذا كانوا منفردين بعدد الستّين،بلا خلاف أجده إلّا من بعض المتأخّرين،فقال بالإجزاء؛ للإطلاق (3).و هو كما ترى؛ لعدم انصرافه إليهم عند الإطلاق.

نعم ربما يستفاد من بعض المعتبرة الآتية الإجزاء فيما عدا كفّارة اليمين،لكنّها مع قصور أسانيدها غير صريحة في الانفراد،فيحتمل الانضمام.

و قد حكم الماتن تبعاً للشيخ في النهاية (4)بأنّه يجوز إطعامهم إذا كانوا منضمّين مع الكبار،و احتسابهم من العدد بلا زيادة، لكنّهم لم يفرقوا بين كفّارة اليمين و غيرها،و نفى عنه في المبسوط و الخلاف (5)الخلاف،و هو الحجّة فيه إن تمّ،لا الصحيح:أ يعطي الصغار و الكبار سواء،و الرجال و النساء،أو يفضّل الكبار على الصغار،و الرجال على النساء؟فقال:« كلّهم سواء» (6)لأنّه ظاهر في صورة التسليم

ص:470


1- الكافي 7:7/453،التهذيب 8:1098/297،الإستبصار 4:183/53،الوسائل 22:381 أبواب الكفارات ب 14 ح 3.
2- الكافي 7:5/452،التهذيب 8:1097/296،الإستبصار 4:179/52،الوسائل 22:380 أبواب الكفارات ب 14 ح 2.
3- انظر المفاتيح 1:270.
4- النهاية:569.
5- المبسوط 5:178،الخلاف 4:564.
6- التهذيب 8:1101/297،و فيه:أ يطعم الصغار..،الإستبصار 4:181/53،الوسائل 22:387 أبواب الكفارات ب 17 ح 3.

لا الإشباع،و لا خلاف فيه كما في المسالك (1)،و هو ظاهر غيره (2).

نعم في الصحيح:« يكون في البيت من يأكل أكثر من المدّ،و منهم من يأكل أقلّ من المدّ،فبيّن ذلك بقوله تعالى مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ [1] » (3)و هو ظاهر فيما ذكروه و إن ردّ بأنّ الاختلاف في الأكل يتحقق في الكبار أيضاً- (4)لكفاية الإطلاق،مع كون الاختلاف بالصغر و الكبر من أظهر الأفراد.

لكن في الموثق:« لا يجوز إطعام الصغير في كفّارة اليمين،و لكن صغيرين بكبير» (5)و هو مطلق لصورتي الانفراد و الاجتماع،بل أظهر في الثاني جدّاً،و أظهر منه القوي الآتي،إلّا أنّهم حملوه على الاُولى،فقالوا:

و لو انفردوا احتسب الاثنين بواحد جمعاً بينه و بين الصحيح المتقدّم الظاهر في الثاني.

و هو حسن،إلّا أنّ العمل بإطلاق الموثق أحوط و أولى،فيعدّ الصغيران بكبير مطلقاً و لو مجتمعاً،وفاقاً لابن حمزة (6)،و هو ظاهر إطلاق الإسكافي و الصدوق (7)في المقنع،لكن في كفّارة اليمين خاصّة،و ظاهرهما جواز إطعام الصغار فيما عداها،و أنّهم كالرجال؛ لمفهوم الموثقة المزبورة

ص:471


1- المسالك 2:98.
2- انظر المفاتيح 1:270.
3- الكافي 7:7/453،التهذيب 8:1098/297،الإستبصار 4:183/53،الوسائل 22:381 أبواب الكفارات ب 14 ح 3.
4- كما في المسالك 2:98.
5- الكافي 7:12/454،التهذيب 8:1100/297،الإستبصار 4:182/53،الوسائل 22:387 أبواب الكفارات ب 17 ح 1،و في الجميع:لا يجزئ.
6- الوسيلة:353.
7- حكاه عن الإسكافي في المختلف:668،الصدوق في المقنع:136.

و غيرها من المعتبرة،كالقوي:« من أطعم في كفّارة اليمين صغاراً و كباراً،فليزوّد الصغير بقدر ما أكل الكبير» (1)فتدبّر،لكن الأحوط الإطلاق.

و من جميع ما مرّ يظهر اشتهار جواز إطعام الصغير في الكفّارة و لو في الجملة،بل مرّ عن المبسوط و الخلاف نفي الخلاف عنه.

خلافاً للمفيد (2)،فمنع عن إطعامهم مطلقاً،منفردين كانوا أو مجتمعين،عدّ واحد منهم باثنين أم لا.

و هو شاذّ،و إن كان أحوط،و لكن ليس بذلك اللازم،بل هو ما قدّمناه من عدّ اثنين منهم بكبير في كلّ من صورتي الانفراد و الاجتماع، سيّما في كفّارة اليمين،و إن كان المصير إلى ما عليه الأكثر غير بعيد.

مسائل
اشارة

مسائل:

الأُولى كسوة الفقير ثوبان مع القدرة

الاُولى: مرّ أنّ كفّارة اليمين مخيّرة ابتداءً بين أُمور ثلاثة:العتق، و الإطعام،و الكسوة،و مرّ ما يتعلق بالأوّلين.

و أمّا الثالث:ف كسوة الفقير ثوبان مع القدرة و واحد مع الضرورة،وفاقاً للشيخ و القاضي و الحلبي (3)،و اختاره الفاضل في القواعد و ولده في شرحه (4)؛ جمعاً بين النصوص المطلقة في الأمرين.

و لا شاهد له،بل ظاهر نصوص التعدّد يدفعه،فلا بُدّ من المصير إمّا

ص:472


1- التهذيب 8:1113/300،الوسائل 22:387 أبواب الكفارات ب 17 ح 2.
2- المقنعة:568.
3- الشيخ في النهاية:570،القاضي في المهذّب 2:415،الحلبي في الكافي:227.
4- القواعد 2:148،الإيضاح 4:107.

إلى الأوّل،كما عن المفيد و الديلمي و الصدوق (1)،و في المعتبرة دلالة عليه،منها الصحيح:« أو كسوتهم،لكلّ إنسان منهم ثوبان» (2)و نحوه الخبران:« و الكسوة ثوبان» (3)لكنّهما ضعيفان،إلّا أنّ في أحدهما المجمع على تصحيح رواياته.

و إمّا إلى الثاني كما عن الحلّي و والد الصدوق (4)،و اختاره المحقّق و أكثر من تأخّر عنه،كالفاضل في قوله الثاني،و الشهيدين و الفاضل المقداد في شرح الكتاب؛ كالسيّد فيه،و المفلح الصيمري و كثير من المتأخّرين (5)؛ للأصل،و الإطلاق.

و ما في رواية صحيحة،بل روايات مستفيضة:من أنّه يجزئ الثوب الواحد منها الصحيحان،في أحدهما:قلت:كسوتهم؟ قال:« ثوب واحد» (6)و في الثاني:قلنا:فمن وجد الكسوة؟قال:« ثوب

ص:473


1- المفيد في المقنعة:568،الديلمي في المراسم:186،الصدوق في المقنع:137.
2- تفسير العياشي 1:174/338،الوسائل 22:383 أبواب الكفارات ب 14 ح 10.
3- أحدهما في:تفسير العياشي 1:173/338،الوسائل 22:382 أبواب الكفارات ب 14 ح 9. و الآخر في:الكافي 7:5/452،التهذيب 8:1097/296،الإستبصار 4:179/52،الوسائل 22:380 أبواب الكفارات ب 14 ح 2.
4- الحلّي في السرائر 3:70،و حكاه عن والد الصدوق في المختلف:666.
5- المحقق في الشرائع 3:77،و الفاضل في المختلف:666،و الشهيدان في اللمعة و الروضة 3:29،و الفاضل المقداد في التنقيح 3:411،و السيد صاحب المدارك في نهاية المرام 2:215،و السبزواري في الكفاية:217.
6- الكافي 7:14/454،التهذيب 8:1095/296،الإستبصار 4:178/52،الوسائل 22:38 أبواب الكفارات ب 14 ح 5.

يواري عورته» (1).

و نحوه الخبر (2)المحتمل للصحة؛ لوجود مَعمر بن يحيى،بدل:ابن عثمان في بعض النسخ،و مع ذلك في سنده كالثاني المجمع على تصحيح رواياته،كابن أبي نصر و ابن محبوب.

و لا اشتراك في راوي الصحيحين كما ظنّ (3)،مع وجود القرينة على الثقة في أحدهما،و المجمع على تصحيح رواياته في الثاني،فإذاً الأسانيد في غاية الاعتماد،معتضدة بما مرّ،مع الشهرة المتأخّرة، و لذا كان هذا القول هو الأشبه و إن كان الأوّل أحوط.

و احتاط الإسكافي (4)بدرع و خمار للمرأة،و ثوب واحد ممّا يجزئ فيه الصلاة للرجل؛ حملاً على عرف الشرع في الصلاة،و جمعاً بين النصوص.و لا شاهد له.

و الأجود الجمع بحمل الأوّلة على الفضيلة،أو ما إذا لم يحصل بالواحد ستر العورة،و لذا قيّد بالستر في أكثر ما مرّ من المعتبرة،بخلاف الأخبار الأوّلة،و هذا أولى.

فيكون المعيار في الكسوة ما يحصل به ستر العورة مع صدق الكسوة

ص:474


1- الكافي 7:4/452،التهذيب 8:1093/295،الإستبصار 4:176/51،الوسائل 22:380 أبواب الكفارات ب 14 ح 1.
2- الكافي 7:6/453،التهذيب 8:1094/295،الاستبصار 4:177/51،نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:123/61،الوسائل 22:384 أبواب الكفارات ب 15 ح 2.
3- راجع المسالك 2:99.
4- حكاه عنه في المختلف:666.

عرفاً و عادةً،كالجبّة،و القميص،و السراويل،دون الخفّ و القلنسوة.

بلا خلاف و لا إشكال في شيء من ذلك،إلّا في الأخير،ففيه إشكال و قول بالعدم،كما عن المبسوط (1)؛ لعدم صدق الكسوة عليه عرفاً،و هو متّجه،إلّا مع إعطاء قميص أو جبّة معه؛ لصدق الكسوة حينئذٍ جزماً.

و من هنا يظهر الحكم في نحو الإزار و الرداء و إن جزم بهما كالأوّل الشهيدان و غيرهما (2).

و ظاهر الأصحاب هنا جواز إعطاء الكسوة للصغار مطلقاً،و النصوص خالية عن ذكر ذلك،بل المتبادر منها كالآية الكبار،لكن اتفاق الفتاوى على العموم هنا كافٍ في الخروج عن العهدة.

و يستحب الجديد،بلا خلاف،خاماً كان أو مقصوراً،و يجزئ غيره إذا لم يكن منخرقاً و لا منسحقاً،و هما لا يجزئان؛ للأصل،و عدم انصراف الإطلاق إليهما.

و جنسه ما اعتيد لبسه،كالقطن،و الكتّان،و الصوف و الحرير الممتزج و المحض للنساء و الصغار دون الخناثى و الكبار،و الفرو و الجلد المعتادين،و القنَّب (3)و الشعر إن اعتيد لبسهما.

و كفّارة الإيلاء مثل كفّارة اليمين بلا خلاف؛ تمسّكاً بالإطلاق؛ لأنّه يمين خاصّ فيترتّب عليه أحكامه.

ص:475


1- المبسوط 6:212.
2- الأول في:الدروس 2:188،الثاني في:الروضة 3:29؛ و انظر التنقيح الرائع 3:411.
3- نبات يؤخذ لحاؤه ثمّ يفتّل حبالا.المصباح المنير:517،مجمع البحرين 2:150.
الثانية من عجز عن العتق فدخل في الصيام ثمّ تمكّن من العتق لم يلزمه العود

الثانية:من عجز عن العتق فدخل في الصيام ثمّ تمكّن من العتق لم يلزمه العود مطلقا و إن كان أفضل على الأشهر الأقوى؛ للصحيح المروي في التهذيب بسندين صحيحين،أكثر رواة أحدهما المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه،و فيه:« و إن صام و أصاب مالاً فليمض الذي ابتدأ فيه» (1).

خلافاً للإسكافي (2)فيما إذا لم يتجاوز النصف،فأوجب العتق؛ للمرسل كالصحيح:في رجل صام شهراً من كفّارة الظهار،ثمّ وجد نسمة، قال:« يعتقها،و لا يعتدّ بالصوم» (3).

و لقصوره عن المقاومة لما مرّ سنداً و عدداً و اشتهاراً حمله الأصحاب على الاستحباب،و لا ريب فيه،مع اعتضاده في جانب نفي الوجوب بصدق الفاقد عند الشروع،و سقوط الأعلى،و تحقّق البدليّة،فيستصحب.

و هو و إن أمكن فيه المعارضة باستصحاب شغل الذمّة،إلّا أنّ اعتضاد الأوّل بالشهرة يقتضي المصير إليه البتّة.

و منه يظهر الوجه في انسحاب الحكم إلى الأخذ في الإطعام للعجز عن الصيام القادر عليه بعد ذلك؛ مضافاً إلى عدم الخلاف فيه،و فقد المعارض للأصل من جهة النص،و إن خلا عنه من أصله.

ص:476


1- الكافي 6:12/156،الفقيه 3:1648/343،التهذيب 8:53/17 و 1193/322،الاستبصار 3:957/267،الوسائل 22:364 أبواب الكفارات ب 4 ح 1.
2- حكاه عنه في المسالك 2:100.
3- التهذيب 8:54/17،الإستبصار 3:958/268،الوسائل 22:366 أبواب الكفارات ب 5 ح 2.

ثم إنّه يتحقق الشروع بصوم جزء من اليوم في الصوم و لو لحظةً، و بتسليم مدّ أو أخذ في أكل الطعام في الإطعام؛ لإطلاق الدليل.

الثالثة كلّ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين

الثالثة:كلّ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين في نذر أو كفّارة مطلقاً،مرتّبةً كانت أو مخيّرةً،كما يقتضيه عموم العبارة فعجز عنهما صام ثمانية عشر يوماً،فإن لم يقدر تصدّق عن كل يوم بمدٍّ من الطعام،فإن لم يستطع استغفر اللّه سبحانه كما عن الشيخ و جماعة (1)،بل ادّعى في المسالك (2)الشهرة في كلّ من الأحكام الثلاثة،و لم نقف على ما يدل عليها من آية،أو أصل،أو رواية.

و الأجود التفصيل بين الظهار و رمضان و النذر،فيرتضى الحكم الأوّل في الأوّلين،لكن بعد العجز عن الخصال الثلاث،وفاقاً للنهاية و القاضي و ابن حمزة (3)في الأوّل،و للمفيد و المرتضى و الحلّي (4)في الثاني؛ للموثق في الأوّل:عن رجل ظاهر من امرأته،فلم يجد ما يعتق،و لا ما يتصدّق، و لا يقوى على الصيام؟قال:« يصوم ثمانية عشر يوماً» (5).

و للخبر المنجبر ضعفه بالشهرة في الثاني أيضاً:عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين،فلم يقدر على الصيام،و لم يقدر على العتق،

ص:477


1- الشيخ في النهاية:570؛ و انظر القواعد 2:149،و اللمعة و الروضة 3:30،و كشف اللثام 2:250.
2- المسالك 2:102.
3- النهاية:527،القاضي في المهذّب 2:300،ابن حمزة في الوسيلة:354.
4- المفيد في المقنعة:346،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):55،الحلّي في السرائر 1:413.
5- التهذيب 8:74/23،الوسائل 22:372 أبواب الكفارات ب 8 ح 1.

و لم يقدر على الصدقة،قال:« فليصم ثمانية عشر يوماً عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام» (1)على إشكال فيه دون الأوّل؛ لخلوصه عن المعارض دون هذا؛ لما يأتي.

خلافاً للمفيد و الإسكافي (2)في الأوّل،فلم يجعلا له بعد الخصال بدلاً؛ تمسّكاً بالأصل.و يندفع بما مرّ.

و للصدوقين (3)فيه أيضاً،فجعلا البدل التصدّق بما يطيق.و لا شاهد لهما سوى التمسك بما يأتي من النص أو القاعدة،و لكن الأوّل قياس، و الثاني حسن لولا ما مرّ من الموثّقة المعتضدة بالشهرة.

و لهما و لجماعة من المتأخّرين (4)في الثاني،فجعلوا البدل هو التصدّق بما يطيق؛ للصحيحين:في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذرٍ،قال:« يعتق نسمة،أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستّين مسكيناً،فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق» (5).

و هو ظاهر الكليني؛ لاقتصاره بنقل أحدهما،و التهذيبين (6)؛ للفتوى بهما صريحاً،مع ذكره رواية الثمانية عشر بلفظة« روي» في الاستبصار،

ص:478


1- التهذيب 4:944/312،الإستبصار 2:314/97،الوسائل 10:381 أبواب بقية الصوم الواجب ب 9 ح 1.
2- المفيد في المقنعة:524،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:602.
3- الصدوق في الهداية:71،و نقله عن والده في المختلف:602.
4- الصدوق في المقنع:61،و حكاه عن والده في المختلف:226؛ و انظر نهاية المرام 2:218،و مجمع الفائدة و البرهان 5:75،و الذخيرة:535.
5- الكافي 4:1/101،الفقيه 2:308/72،التهذيب 4:594/205 و 984/321،الاستبصار 2:310/95،الوسائل 10:44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 1.
6- الاستبصار 2:96،التهذيب 4:205،207.

و لفظة« قيل» في التهذيب،المشعرتين بالتمريض.

و لا يخلو عن قوة؛ لذلك،و لموافقة قاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور في الجملة (1)،بملاحظة أنّ الواجب عليه أحد الأُمور الثلاثة التي منها التصدّق و الإطعام،فإذا اختاره و لم يمكنه التمام اجتزأ بالممكن منه؛ للقاعدة.

و للدروس تبعاً للفاضل في المختلف (2)فيه أيضاً،فخيّرا بين الأمرين؛ جمعاً،و التفاتاً إلى ثبوت التخيير بين نوعيهما في المبدل فكذا في البدل.

و للثاني في قوله الآخر مطلقاً،فأوجب الإتيان بالممكن من الصوم و الصدقة إن تجاوز الثمانية عشر؛ لعموم:« إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» (3)حتى لو أمكن الشهران متفرّقين وجب مقدّماً على الثمانية عشر (4).

و هو حسن فيما عدا مورد ما مرّ من النص المعتبر،و هو النذر الذي هو القسم الثالث،و منه يظهر دفع الحكم الأوّل فيه،و الرواية المتقدمة بالثمانية عشر مشعرة بحكم السياق صدراً و ذيلاً باختصاص الحكم بصيامها بصورة العجز عن الخصال الثلاث التي هي في الكفّارة خاصّة،فهذا القسم

ص:479


1- هذا القيد تنبيه على أنّ القاعدة لا تدلّ على وجوب المصير إلى الصدقة،بل غايتها الدلالة على جواز التصدّق بما يطيق،لا تعيّنه،فلو صام ما يطيق لأجزأ بمقتضاها،فموافقة هذا القول للقاعدة إنما هي موافقة في الجملة.منه عفي عنه.
2- الدروس 1:277،المختلف:226.
3- عوالي اللئلئ 4:206/58.
4- قاله في التحرير 1:80.

خارج عن موردها البتّة،فيذبّ عن هذا الحكم فيه.

كما يذبّ عن الحكمين الأخيرين فيه و في صوم رمضان و في كفّارة الظهار؛ لعدم الدليل عليهما فيها،مع تصريح بعض المعتبرة (1)المعتضدة بالشهرة،كما مرّت إليه الإشارة- (2)بنفي الثالث في الثالث،و إن عورض بالموثق؛ لضعفه بما مرّ (3).

و عن أوّلهما فيما عداها أيضاً؛ لما مرّ،و يرتضى ثانيهما فيه؛ للمعتبر الذي مرّ في بحث الظهار،النافي له فيها من دون معارض له هنا.

مضافاً إلى الاتفاق عليه في الظاهر،و الموثق في كفّارة اليمين:قلت:

فإن عجز عن ذلك؟قال:« فليستغفر اللّه عزّ و جلّ،و لا يعود» (4).

و المعتبرة منه مرّة واحدة بالنيّة عن الكفّارة،مضافاً إلى اللفظ الدالّ على الندم على ما فعل،و العزم على عدم العود إن كان عن ذنب.

و في وجوب الكفّارة مع تجدّد القدرة وجهان،و في الموثّق في المظاهر أنّه يستغفر و يطأ،فإذا وجد الكفّارة كفّر (5).

و عمل به الشيخ في التهذيبين.

ثمّ في وجوب التتابع في الثمانية عشر حيث قلنا بوجوبه قولان، و الأحوط ذلك؛ لخبر:« الميسور لا يسقط بالمعسور» (6)و إن كان النص

ص:480


1- 397،398.
2- 397،398.
3- 397،398.
4- الكافي 7:11/453،التهذيب 8:1104/298،الإستبصار 4:180/52،الوسائل 22:376 أبواب الكفارات ب 12 ح 6.
5- الكافي 7:6/461،التهذيب 8:1190/320،الإستبصار 4:196/56،الوسائل 22:368 أبواب الكفارات ب 6 ح 4.
6- عوالي اللئلئ 4:205/58.

الدال عليه مطلقاً.

و هل المراد بالأيّام التي يتصدّق عنها بمدٍّ بعد العجز عن الصيام ثمانية عشر هي أو الستّون؟وجهان،و الأحوط الثاني،و إن كان الأصل يقتضي الأوّل.

الرابعة يشترط في المكفِّر البلوغ،و كمال العقل

الرابعة:يشترط في المكفِّر البلوغ،و كمال العقل لارتفاع التكليف عن فاقدهما،المقتضي لعدم توجّه الخطاب إليه.

و الإيمان لأنّ التكفير عبادة و من شرطها الإيمان إجماعاً في المقدّمتين،حكاه بعض الأجلّة (1)،و هو الحجّة فيهما؛ مضافاً إلى النصوص الكثيرة المتضمّنة لبطلان عبادة المخالف في الأخيرة.

و نيّة القربة في جميع الخصال،و لو كان إطعاماً أو كسوةً، بلا خلاف؛ لأنّها عبادة،فيشملها عموم الأدلّة على اعتبارها فيها،و مضى الوجوه المفسَّرة بها القربة في مباحث الوضوء،و منها قصد الامتثال و موافقة الأمر.

و من هنا ينقدح دليل آخر لاعتبار الإسلام في المكفِّر،بناءً على عدم تأتّي نيّة القربة بالمعنى المزبور من الكافر،كيف لا؟!و هو لا يعتقد بموجِب الكفّارة،و لا يكون الخصال مكفّرةً له مأموراً بها لذلك؛ لكونه إمّا منكراً له سبحانه كالدهريّة،و بعض عبّاد الأصنام،أو جاحداً للنبي صلى الله عليه و آله المبيّن لذلك الأمر به عنه سبحانه،فإذا صام بعد الظهار مثلاً لا يمكنه قصد الامتثال بذلك،و العزم على أنّ الصيام كفّارة لما وقع منه،فإنّه لا يعتقد

ص:481


1- نهاية المرام 2:219.

تحقّق الحرمة بالموجِب فضلاً عن كون الصيام مكفِّراً لها،بل يجعلها حراماً و بدعةً بقصد التشريع في شرعه.

و لعلّ هذا هو السرّ و الحكمة في حكم الأصحاب بفساد عبادة الكفّار؛ لعدم تحقّق قصد القربة بهذا المعنى منهم،و العجب من شيخنا في المسالك،حيث اعترضهم في ذلك،و جوّز صدور نيّة القربة بهذا المعنى عنهم (1)،فياللّه:كيف يقصد الكافر بما يأتي به من هيئة صلاتنا أنّه عبادة مقرّبة إلى جنابه سبحانه مع اعتقاده كون مثل ذلك بدعة و ضلالة؟فإتيانه بذلك على تقديره يكون على طريق الاستهزاء و السخرية،و ما أرى مثل هذه الدعوى عن نحو هذا الفاضل إلّا غفلة واضحة.

نعم قد تحصل له نيّة القربة في بعض الخصال إذا كانت عنده و في شرعه مقرّبة،و لكن مثل هذه القربة غير كافية،بل لا بدّ من نيّة القربة التي هي القصد إلى امتثال أمر الكفّارة،و لذا أنّ أحدنا لو صام ندباً من دون نيّة التكفير لم يجز عنه إجماعاً،فتأمّل.

و التعيين للسبب الذي يكفّر عنه،سواء تعدّدت الكفّارة في ذمّته أم لا،و سواء تغاير الجنس أم لا،كما يقتضيه الإطلاق،و صرّح به في الدروس (2)،و أطلق في اللمعة (3)كالعبارة،و وجهه أنّ الكفّارة اسم مشترك بين أفراد مختلفة،و المأمور به إنّما يتخصّص بمميّزاته عن غيره ممّا يشاركه.

ص:482


1- المسالك 2:93.
2- الدروس 2:184.
3- اللمعة(الروضة البهية 3):24.

قيل:و يشكل بأنّه مع اتحادها في ذمّته لا اشتراك،فتجزئ نيّته عمّا في ذمّته من الكفّارة؛ لأنّ غيره ليس مأموراً به،بل و لا يتصوّر وقوعه منه في تلك الحالة شرعاً،فلا وجه للاحتراز عنه،كالقصر و التمام في غير موضع التخيير (1)،انتهى.

و ربما يتأمّل فيه،و إن كان الحكم المترتّب عليه غير بعيد؛ للإجماع في الخلاف (2)على عدم الاعتبار في المتعدّد مع اتحاد جنس السبب، المستلزم له هنا بطريق أولى،بل ظاهره في المبسوط (3)عدم اعتبار التعيين مطلقاً عندنا،لكنّه مخالف لما اختاره في الأوّل كالأكثر من الاعتبار فيما عدا محلّ الإجماع،و العدم فيه،و هو الأقوى.

فلو تعدّد ما في ذمّته مع اتحاد نوع سببه،كإفطار يومين من شهر رمضان،و خلف نذرين،كان حكمة كالمتحّد؛ للإجماع المتقدّم ذكره.

و لو اختلف أسبابه توجّه ذلك ليحصل التمييز و إن اتّفق مقدار الكفّارة (4).

و في المسألة أقوال أُخر،و الأصحّ ما قدّمناه.

و عليه لو أطلق برئت ذمّته من واحدة لا بعينها،فيتعيّن في الباقي الإطلاق،سواء كان بعتق أم غيره،من الخصال المخيّرة أو المرتّبة على

ص:483


1- قال به الشهيد الثاني في الروضة 3:25.
2- الخلاف 4:549.
3- المبسوط 6:209.
4- خلافاً للعلّامة في المختلف(667)في المتّفق فلم يعتبر التعيين فيه.منه رحمه اللّه.

تقدير العجز.

و لو شك في نوع ما في ذمّته أجزأه الإطلاق عن الكفّارة على القولين، كما يجزئه العتق عمّا في ذمته لو شك بين كفّارة و نذر،و لا يجزئ ذلك في الأوّل،فإنّه لا بدّ فيه من نيّة التكفير،كما لا يجزئ العتق مطلقاً بدون قصد ما في الذمّة؛ لاحتماله التطوّع،بل و ظهوره فيه،و لا بنيّة الوجوب؛ لأنّه قد يكون في كفّارة،فلا بد من نيّة التكفير.

ص:484

كتاب اللعان

اشارة

كتاب اللعان هو لغةً:المباهلة المطلقة،أو فعال من اللعن،أو جمع له،و هو الطرد و الإبعاد من الخير،و الاسم اللعنة.

و شرعاً:المباهلة بين الزوجين بكلمة مخصوصة في إزالة حدّ،أو نفي ولد عند الحاكم.

و الأصل فيه بعد الإجماع الكتاب،و السنّة،قال اللّه سبحانه وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ. وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ. وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ. وَ الْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ [1] (1).و أمّا السنّة فمستفيضة،سيأتي إليها الإشارة.

و النظر فيه في أُمور أربعة.

الأوّل السبب

اشارة

الأوّل:السبب،و هو أمران،

الأوّل قذف الزوجة بالزناء

الأوّل:قذف الزوجة المحصنة، أي:رميها بالزناء و لو دبراً،على الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل عليه

ص:485


1- النور:6 9.

الإجماع في الانتصار و الغنية (1)،و هو الحجّة فيه بعد عموم الآية،و مع ذلك النصوص به مستفيضة.

خلافاً للصدوق في المقنع (2)،فحصر السبب في الثاني؛ للخبرين، أحدهما الموثّق:« لا يكون إلّا في نفي الولد» (3).

و هو شاذّ،و مستنده سنداً و عدداً قاصر عن المكافأة لما مرّ جدّاً،مع تضمّن ذيل أحدهما ما هو صريح في المختار.

و عليه لا يكون إلّا مع دعوى المشاهدة،و عدم البيّنة على الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل في الانتصار على الأوّل الإجماع (4)،و في الغنية على الثاني (5)،و هو الحجّة فيهما.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة في الأوّل،منها الصحيح:« إذا قذف الرجل امرأته فإنّه لا يلاعنها حتّى يقول:رأيت بين رجليها رجلاً يزني بها» (6)و مثله آخران (7).

و في رواية:« إذا قال:إنّه لم يره،قيل له:أقم البيّنة،و إلّا كان بمنزلة

ص:486


1- الانتصار:144،الغنية(الجوامع الفقهية):615.
2- المقنع:120.
3- الكافي 6:16/166،التهذيب 8:645/185،الإستبصار 3:1323/371،الوسائل 22:429 أبواب اللعان ب 9 ح 1.
4- الانتصار:144.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):615.
6- الكافي 6:6/163،التهذيب 8:650/187،الإستبصار 3:1327/327،الوسائل 22:417 أبواب اللعان ب 4 ح 4.
7- أحدهما في:الكافي 6:15/166،التهذيب 8:648/186،الإستبصار 3:1326/372،الوسائل 22:416 أبواب اللعان ب 4 ح 2. و الثاني في:الكافي 6:21/167،التهذيب 8:647/186،الإستبصار 3:1325/327،الوسائل 22:416 أبواب اللعان ب 4 ح 3.

غيره» (1)جلد الحدّ.

و الأصل المؤيّد بمفهوم الآية وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ [1] (2)في الثاني.

خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني (3)في الأوّل،فلم يعتبر المشاهدة،بل اكتفى عنها بما إذا حصل له العلم بالقرائن.و الأصل و النصوص حجّة عليه.

و للخلاف و المختلف (4)في الثاني،فلم يعتبرا العجز عن البينة؛ للأصل؛ و ضعف مفهوم الوصف،و لعلّه بني على الغالب،أو الواقع.

و هو كما ترى،فإنّ الأصل هنا يقتضي المختار؛ لكون اللعان وظيفة شرعية،نظراً إلى إسقاطه الحدّ من الطرفين،المخالف للأُصول،فكيف يدّعى الأصل على خلافه،و هو عدم الاشتراط،و حينئذٍ فما قدّمناه من الأصل كافٍ في الإثبات،و لم نحتج إلى المفهوم،مع أنّه صالح للتأييد إن لم يكن دليلاً.

نعم النصوص مطلقة،إلّا أنّ في شمولها لصورة القدرة على البيّنة نظراً؛ لغلبة عدمها،كما ادّعاه الخصم في مفهوم الآية،حيث لم يعتبره؛ للورود مورد الغلبة،و هذه الدعوى لا تجامع الاستدلال للعموم بالإطلاقات.

و من هنا انقدح وجه التعجب عن العلّامة،حيث استند للعموم بإطلاق النصوص،و أجاب عن المفهوم بعدم العموم؛ للغلبة،و ليت شعري

ص:487


1- الكافي 7:6/403،الفقيه 3:1670/348،التهذيب 8:670/192،المحاسن:11/302،الوسائل 22:417،418 أبواب اللعان ب 4 ح 5،6.
2- النور:6.
3- المسالك 2:110.
4- الخلاف 5:8،المختلف:608.

كيف غفل عن أنّ قدح الغلبة في المفهوم الذي هو لغةً للعموم ملازم للقدح في الإطلاق الذي ليس له فيها بطريق أولى؟! .و بالجملة:الظاهر ورود إطلاق النصوص مورد الغالب،و هو عدم القدرة على البيّنة،و يشير إليه حكمها بالحدّ بمجرّد النكول الغير المجامع للبيّنة،فيبقى اللعان المخالف للأُصول في محلّ النزاع خالياً عن الدليل، فالواجب فيه الاقتصار على القدر الثابت منه بالدليل،هذا.

مع أنّ في التمسك بمثل هذا الإطلاق نظراً؛ لوروده لبيان حكم آخر، و من شرائط رجوعه إلى العموم عدم ذلك،كما قرر في محلّه.

و أمّا الرواية العامية فغير واضحة الدلالة على العموم؛ مضافاً إلى قصور سندها،و معارضتها بمثلها.

و ممّا قدّمناه من الأصل يظهر الوجه في الحكم بأنّه لا يثبت اللعان لو قذفها في عدّة بائنة لاختصاص الأدلّة من الإجماع و الكتاب و السنّة بالزوجة و من بحكمها،و ليست أحدهما بالضرورة و يثبت لو قذفها في عدّة رجعية لكونها حينئذ زوجة؛ للإجماع،و ثبوت أكثر أحكام الزوجة بالفعل لها بالاستقراء،مضافاً إلى خصوص الإجماع هنا في الغنية (1).

الثاني إنكار من وُلد على فراشه

الثاني:إنكار من وُلد على فراشه ممّن يلحق به مطلقاً شرعاً، لولا لعانه،كأن يولد لستّة أشهر فصاعداً من وطئه من زوجة موطوءة بالعقد الدائم،ما لم يتجاوز أقصى الحمل،و كذا لو أنكره بعد فراقها ما لم تتزوّج،أو بعد أن تزوّجت و ولدت لأقلّ من ستّة أشهر منذ دخل الثاني،

ص:488


1- الغنية(الجوامع الفقهية):615.

فإذا ولد بدون الشرائط انتفي بغير لعان،و النفي المحتاج إليه إنّما هو بالولادة معها،و لا يجوز له النفي به إلّا مع العلم بانتفائه عنه؛ لأنّ الولد للفراش،و مع عدمه يجب إلحاقه بنفسه،كما أنّه يجب نفيه عنه مع العلم به،و لا خلاف في شيء من ذلك.

الثاني في الشرائط

اشارة

الثاني:في الشرائط لصحة اللعان

يعتبر في الملاعن البلوغ،و العقل

و يعتبر في الملاعن البلوغ، و العقل فلا عبرة بلعان الصبي،و المجنون،إجماعاً؛ لعدم العبرة بكلامهما،مع رفع القلم عنهما،مضافاً إلى الأصل المتقدّم و اختصاص الأدلّة سياقاً بالمكلّفين.

و في اعتبار الإسلام فيه و في الملاعنة،فلا يصحّ لعان الكافر و الكافرة قولان،أشبههما و أشهرهما: الجواز لعموم الأدلّة المعتبرة الآتية المصرّحة بجواز لعان الذمّية و النصرانية،الدالّة على الحكم في المسألة؛ لعدم القائل بالفرق بين الملاعن و الملاعنة،فإنّ كلّ من اعتبر الإسلام في الأوّل اعتبر في الثانية أيضاً،و من نفاه فيه نفاه فيها جدّاً،و هي و إن عورضت بأخبار أُخر مانعة عنه في الذمّيين،لكنّها قاصرة عن المقاومة لتلك،كما سيأتي إليه الإشارة.

و ممّن حكي عنه اعتباره الإسلام فيهما الإسكافي مطلقاً (1)،و الحلّي إذا كان للقذف خاصة (2)،و مستندهما إن كان ما تقدّم من الروايات،كما يظهر من الماتن في الشرائع و غيره (3)،ففيه ما تقدّم،و إن كان ما قيل (4)من

ص:489


1- حكاه عنه في المختلف:606.
2- السرائر 2:697.
3- الشرائع 3:96؛ و انظر التنقيح 3:418.
4- قاله الشهيد الثاني في الروضة 6:188.

أنّه شهادات،كما يظهر من قوله سبحانه فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ [1] (1)و هما ليسا من أهلها،فمع عدم إفادته القول الثاني بتمامه بل مناقضتة له و لو في الجملة،قد منع منه بجواز كونه أيماناً؛ لافتقاره إلى ذكر اسم اللّه تعالى، و اليمين يستوي فيه العدل و الفاسق،و الحرّ و العبد،و المسلم و الكافر، و الذكر و الأُنثى؛ و للخبر:« مكان كلّ شاهد يمين» (2).

و فيه:أنّه ملازم لكون الاستثناء في الآية منقطعاً؛ إذ ليس المراد بالشهداء المستثنى منهم الحلفاء،بل الشهود بالمعنى المتعارف جدّاً.

مع ما سيأتي في لعان المملوكة من بعض الروايات المانع عنه،معلِّلاً بقوله تعالى وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً [2] (3)و فيه إيماء بل ظهور إلى أنّ اللعان شهادة،فيعارض به ما مرّ من الخبر.

و الأجود الجواب عنه بما قدّمناه من المعتبرة،مع ما ذيلّناها به من الضميمة،مضافاً إلى معارضة ما ذكر بوقوعه من الفاسق بإجماع الطائفة،مع أنّ شهادته غير مسموعة.

و كذا الأشبه الأشهر،بل ادّعى عدم الخلاف فيه جمع ممن تأخّر (4)،عدم اشتراط الحرّية في الملاعن،فيصحّ لعان المملوك مطلقاً،و لو كان تحته حرّة؛ لما مرّ،مضافاً إلى خصوص الصحاح،في أحدها:عن عبد قذف امرأته،قال:« يتلاعنان كما يتلاعن الأحرار» (5).

و في الثاني:عن الحرّ،بينه و بين المملوكة لعان؟فقال:« نعم،و بين

ص:490


1- النور:6.
2- علل الشرائع:1/545،الوسائل 22:418 أبواب اللعان ب 4 ح 6.
3- النور:4.
4- كالشهيد الثاني في المسالك 2:115،و سبطه في نهاية المرام 2:225.
5- الكافي 6:14/165،التهذيب 8:651/188،الإستبصار 3:1330/373،الوسائل 22:419 أبواب اللعان ب 5 ح 3.

المملوك و الحرّة،و بين العبد و الأمة» (1)و نحوهما الثالث (2).

خلافاً للمفيد و الديلمي،فاشترطاها مطلقاً (3)،و للحلّي،ففصّل بما مضى (4)و حجتهم مع الجواب كما تقدّم؛ مضافاً إلى الصحاح المتقدّمة الخالية هنا عمّا يصلح للمعارضة.

و العجب عن شيخنا في المسالك و سبطه في شرح الكتاب حيث ادّعيا عدم الخلاف هنا (5)،مع ما عرفت من خلاف العظماء،و قد حكاه عنهم جماعة من الأجلّاء،كالفاضل المقداد في شرح الكتاب (6)،و المفلح الصيمري في شرح الشرائع،و غيرهما (7).

و يعتبر

يعتبر في الملاعنة،البلوغ،و العقل و السلامة من الصمم،و الخرس و العقد الدائم

في الملاعنة،البلوغ،و العقل لما مرّ في الملاعن و السلامة من الصمم،و الخرس،و لو قذفها مع أحدهما بما يوجب اللعان من رميها بالزناء،مع دعوى المشاهدة،و عدم البيّنة حرمت عليه مؤبّداً من دون لعان،بلا خلاف و لا إشكال في قذفها مع الأمرين، أو الثاني،و كذا الأول على الأقوى،بل عليه الإجماع في كلام جماعة من أصحابنا (8)،و التحقيق في جميع ذلك قد مضى (9).

ص:491


1- الكافي 6:7/164،التهذيب 8:652/188،الإستبصار 3:1330/373،الوسائل 22:419 أبواب اللعان ب 5 ح 2.
2- الكافي 6:6/165،التهذيب 8:650/187،الإستبصار 3:1329/373،الوسائل 22:419 أبواب اللعان ب 5 ح 1.
3- المقنعة:542،المراسم:164.
4- السرائر 2:697.
5- راجع ص 488.
6- التنقيح 3:419.
7- المختلف:605.
8- منهم السيد في الانتصار:144،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):615،و الشهيد الثاني في المسالك 2:115.
9- في ص 5051،5052.

و أن يكون عقدها دائماً فلا يجوز لعان المتمتع بها مطلقاً،على الأشهر الأقوى،بل عليه الإجماع في نفي الولد،كما في كلام جماعة (1)، بل مطلقاً،كما في الغنية (2).

خلافاً للمفيد و المرتضى في القذف خاصة (3)،و تمام التحقيق مضى في بحث المتعة (4).

و في اعتبار الدخول بها في لعانها و لو دبراً قولان،و المرويُّ في المستقيضة أنّه لا يقع قبله مطلقاً،ففي الموثّق:« لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بأهله» (5).

و الخبر:« لا يلاعن إلّا بعد الدخول» (6).

و نحوهما آخر مروي بسندين (7)في أحدهما جعفر بن بشير و أبان، الملحقان للسند بالصحيح،أو ما يقرب منه،فقد قيل في الأوّل:يروي عن الثقات،و يروون عنه (8)،و في الثاني:إنّه ممن أجمعت العصابة على

ص:492


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:115،و السبزواري في الكفاية:218،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:339.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):615.
3- المقنعة:542.
4- راجع ص 5119.
5- الكافي 6:1/162،التهذيب 8:671/192،الوسائل 22:412 أبواب اللعان ب 2 ح 2.
6- الكافي 6:2/162،الوسائل 22:413 أبواب اللعان ب 2 ح 5.
7- أحدهما في:التهذيب 8:692/197،الوسائل 22:414 أبواب اللعان ب 2 ح 8. و الآخر في:الفقيه 3:1663/346،التهذيب 8:646/185،الإستبصار 3:1324/371،الوسائل 22:413 أبواب اللعان ب 2 ح 6.
8- انظر رجال النجاشي:119.

تصحيح ما يصح عنه (1).

و مع ذلك هما كالأوّلين منجبران بحسب السند بفتوى الأكثر،بل عليه في الخلاف و الغنية الإجماع (2)،و هو حجة أخرى،بعد المعتبرة.

مضافاً إلى الأصل المتقدم ذكره غير مرّة،الخالي هو كالإجماع و المعتبرة عمّا يصلح للمعارضة؛ فإنّ عموم الآية و السنّة يحتمل قريباً الانصراف بحسب السياق و الغلبة إلى المدخول بها خاصة،ثم على تقديره و عدم قرب الاحتمال فيه،فلا أقلّ من جوازه و مساواته لغيره،فيجب التخصيص فيه بالمستفيضة المعتضدة بالشهرة،و حكاية الإجماعين المزبورة،فهذا القول قوي غاية القوة.

خلافاً لشيخنا العلّامة في القواعد،فلم يعتبره مطلقاً (3)،تبعاً للمحكي عن المفيد.

و مستند مع الجواب يظهر ممّا تقدم؛ مضافاً إلى الإجماع على انتفاء الولد مع عدم الدخول بمجرد النفي،من دون احتياج إلى لعان،بناءً على أنّ القول قول الزوج مع اليمين حينئذ،فلا يتم القول بإطلاق عدم الاشتراط.

و ربما أنكر هذا القول جماعة،مستبعدين ذلك عن قائله إن وجد (4)، و هو كما ترى؛ لأنّه صريح القواعد،حيث جعله فيه مقابلاً للقول بالتفصيل،و محكي عن المفيد في شرح الشرائع للمفلح الصيمري،و نقل

ص:493


1- راجع اختيار معرفة الرجال 2:673.
2- الخلاف 5:49،الغنية(الجوامع الفقهية):615.
3- القواعد 2:92.
4- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:115،و الفاضل المقداد في التنقيح 3:420.

حكايته قولاً عن الحلّي (1)،و أمّا الاستبعاد فهو في محلّه لما عرفت.

و قال ثالث و هو الحلّي (2) بثبوته أي اللعان بدون الدخول بالقذف،دون نفي الولد و تبعه كثير من المتأخرين (3)؛ للعمومات، و قصور سند الروايات،أو عدم حجّيتها؛ لكونها أخبار آحاد.

و الكلّ ممنوع،مع عدم انحصار الحجّة فيها؛ لوجود الإجماعين المحكيين اللذين هما في حكم خبرين صحيحين كادا أن يكفياننا الاشتغال بالاستدلال بالروايات في البين.

و العجب من الحلّي؛ حيث جعل قوله جامعاً بين القولين الأوّلين، و الأدلّة من الطرفين،مع تصريح جماعة منهم بالإطلاق (4)،كبعض الروايات،و هو الخبر الأخير،فإنّ فيه:« لا يكون ملاعناً حتى يدخل[بها ]يضرب حدّا،و هي امرأته،و يكون قاذفاً» (5).

و صرّح بما ذكرناه جماعة (6)،بل قال شيخنا الشهيد في النكت بعد حكاية الجمع عنه:و لنعم ما قال،و فيه نظر؛ لأنّ انتفاء اللعان هنا أي في نفي الولد مع عدم الدخول مقطوع به؛ لإجماعهم على انتفاء الولد عند عدم شرائط اللحوق،فالخلاف في الحقيقة،إنّما هو في الرمي بالزناء (7).

ص:494


1- نهاية المرام 2:227.
2- السرائر 2:698.
3- منهم العلّامة في المختلف:607،و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3:444،و السبزواري في الكفاية:218.
4- منهم الشيخ في النهاية:522،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):615،و القاضي في المهذّب 2:309.
5- المتقدم في ص 490.
6- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3:444،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:420.
7- غاية المراد 3:304.

لكن فيه ما قدّمناه،من وجود القول بعدم الاشتراط في نفي الولد أيضاً.

و يثبت اللعان بين الحرّ و زوجته المملوكة و الكافرة، على الأشهر بين الطائفة،و هو الأظهر؛ لعموم الكتاب و السنّة،مضافاً إلى الصّحاح المتقدّمة (1)المصرِّحة بعدم اعتبار الحرّية في الملاعن بالجارية في المسألة؛ لعدم القائل بالفرق في اعتبارها بينه و بين الملاعنة؛ إذ كلّ من لم يعتبرها فيه لم يعتبرها فيها.

و مع ذلك الصحاح به مستفيضة منها:عن الحرّ بينه و بين المملوكة لعان؟قال:« نعم» (2).

و منها:«بين الحرّ و الأمة و المسلم و الذمّية لعان» (3).

و منها:عن الحرّ تكون تحته المملوكة يقذفها زوجها؟قال:

« يلاعنها» (4).و المملوكة في بعض هذه الأخبار و إن كانت تشمل الموطوءة بالملك،إلّا أنّها خارجة بالإجماع،و مفهوم الصحيح:عن الحرّ،يلاعن المملوكة؟قال:« نعم،إذا كان مولاها الذي زوّجها إياه» (5)فتأمّل.

و فيه رواية بالمنع بل فيهما روايات،منها الصحيح:« لا يلاعن

ص:495


1- راجع ص 488.
2- الكافي 6:7/164،التهذيب 8:652/188،الإستبصار 3:1331/373،الوسائل 22:419 أبواب اللعان ب 5 ح 2.
3- التهذيب:655/189،الإستبصار 3:1334/374،الوسائل 22:420 أبواب اللعان ب 5 ح 6.
4- التهذيب 8:657/189،الإستبصار 3:1336/374،الوسائل 22:421 أبواب اللعان ب 5 ح 10.
5- الفقيه 3:1666/347،التهذيب 8:654/188،الإستبصار 3:1333/373،الوسائل 22:420 أبواب اللعان ب 5 ح 5.

الحرّ الأمة،و لا الذمّية،و لا التي يتمتع بها» (1).

و الخبران،في أحدهما:عن رجل مسلم تحته يهودية،أو نصرانية، أو أمة،فأولدها و قذفها،هل عليه لعان؟قال:

« لا» (2).و في الثاني:« ليس بين خمسة نساء و بين أزواجهنّ ملاعنة:اليهوديّة تكون تحت المسلم فيقذفها،و النصرانية،و الأمة تكون تحت الحرّ فيقذفها،و الحرّة تكون تحت العبد فيقذفها،و المجلود في الفرية» (3).

و اختارها المفيد و الديلمي (4).و هو ضعيف؛ لاحتمال الصحيح منها، كالخبر الأوّل؛ لإطلاقهما الحملَ على الموطوءة بالملك،و إن بعد؛ للصحيح المفصِّل،و قد تقدّم.

مضافاً إلى قصور الثاني كالثالث بجهالة الراوي،مع عدم جابر في السند و لا غيره.

مضافاً إلى تطرق الوهن إليهما و إلى الصحيح باحتمال التقية،كما ذكره شيخ الطائفة (5)،و يشير إليه في الجملة بعض المعتبرة،كالمرسل:

قلت له:مملوك كانت تحته حرّة،فقذفها،فقال:« ما يقول فيها أهل الكوفة؟» قلت:يقولون يجلد،قال« لا،و لكن يلاعنها كما يلاعن الحرّة» (6)

ص:496


1- الفقيه 3:1667/347،التهذيب 8:653/188،الإستبصار 3:1332/373،الوسائل 22:420 أبواب اللعان ب 5 ح 4.
2- التهذيب 8:658/189،الإستبصار 3:1337/374،الوسائل 22:421 أبواب اللعان ب 5 ب 11.
3- التهذيب 8:693/197،الاستبصار 3:1338/375،الخصال:83/304،الوسائل 22:422 أبواب اللعان ب 5 ح 12.
4- المقنعة:542،المراسم:164.
5- التهذيب 8:189.
6- التهذيب 8:656/189،الإستبصار 3:1335/374،الوسائل 22:421 أبواب اللعان ب 5 ح 9.

فتأمّل.لكنّه بعيد في الصحيحة.و مع ذلك جميعها قاصرة عن المكافأة لما مرّ من وجوه عديدة،فهذا القول ضعيف غايته.

و أضعف منه التفصيل بين لعن القذف فالثاني،و نفي الولد فالأوّل كما عن الحلّي (1)،و إليه أشار بقوله: و قول ثالث بالفرق و هو عكس ما تقدّم منه من الفرق.

و لا مستند له سوى الأصل،و اختصاص أدلّة الكتاب و السنّة بصورة ما إذا حصل بالقذف حدّ يسقطه اللعان،و لا حدّ على قاذف المملوكة الذمّية،بل التعزير،و لم تفد الأدلة إسقاط اللعان له،فيجب فيه المصير إلى الأصل.

و هو حسن لولا ما قدّمناه من صريح المستفيضة،فتكون هي المثبتة لإسقاط اللعان في المسألة.

ثمّ لا يمكن الجمع بهذا القول بين الأخبار المختلفة كما عن فخر المحقّقين (2)،بحمل الأوّلة على صورة اللعان لنفي الولد،و الثانية على الصورة الأُخرى؛ لفقد الشاهد عليه مع إباء بعض الأخبار الأوّلة عنه؛ للتصريح فيه باللعان في صورة القذف.

و العجب من شيخنا العلّامة في المختلف (3)،حيث طعن على الحلّي بالأخذ بهذه الرواية سنداً للتفصيل،مع أنّه ليس فيها عليه دلالة؛ مضافاً إلى أنّها من الآحاد،و أيّ آحاد؟!حيث إنّه من الضعاف منها.

بل الظاهر اعتماده على ما قدّمناه من الأُصول المعتمدة كما حكى عنه

ص:497


1- السرائر 2:697.
2- إيضاح الفوائد 3:445.
3- المختلف:606.

الجماعة (1)،و هو في غاية القوة على أصله،بل و على أصلنا أيضاً لولا تلك المعتبرة المستفيضة المعتضدة بالشهرة.

و يصّح لعان الحامل في القذف مطلقاً،و في نفي الولد بشرط تحقق الحمل على الأشهر الأقوى لكن لا يقام عليها الحدّ اللازم بالنكول،أو الإقرار حتى تضع للعمومات،و خصوص الصحيح المرويّ مستفيضاً:عن رجل لاعن امرأته و هي حبلى قد استبان حملها و أنكر ما في بطنها،فلمّا ولدت ادّعاه و أقرّ به و زعم أنّه منه،قال:« يردّ عليه ولده،و يرثه،و لا يجلد؛ لأنّ اللعان قد مضى» (2).

خلافاً للمفيد و الديلمي و الحلبي (3)فلا تلاعن حتى تضع؛ للخبر:

« يلاعن على كل حال،إلّا أن تكون حاملاً» (4).

و لضعف سنده و قصوره عن المقاومة لما مرّ يطرح،أو يؤوّل بعدم إقامة الحدّ،و لا خلاف فيه؛ للموثّق:« إذا كانت المرأة حبلى لم ترجم» (5).

و ربما حمل عليه عبارة المخالف،أو على تخصيصها بنفي الولد مع

ص:498


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:115،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:421.
2- الكافي 6:13/165،التهذيب 8:660/190،الإستبصار 3:1339/375،الوسائل 22:425 أبواب اللعان ب 6 ح 4.
3- المفيد في المقنعة:542،الديلمي في المراسم:164،الحلبي في الكافي:310.
4- التهذيب 8:661/190،الإستبصار 3:1340/375،الوسائل 22:434 أبواب اللعان ب 13 ح 3.
5- التهذيب 8:662/190،الإستبصار 3:1341/376،الوسائل 22:433 أبواب اللعان ب 13 ح 2.

الاشتباه في الحمل.و لا بأس به.

الثالث الكيفية

اشارة

الثالث في الكيفية و الكلام الذي يتحقق به اللعان.

و هو أن يشهد الرجل أوّلاً أربعاً باللّه إنّه لمن الصادقين فيما رماها به متلفظاً بما رمى به،فيقول:أشهد باللّه إنّي لمن الصادقين فيما رميتها به من الزناء،و إن نفى الولد زاد:و إنّ هذا الولد من زناء و ليس منّي، كذا عبّر في التحرير (1)،و زاد:أنّه لو اقتصر على أحدهما لم يجز.

و يشكل فيما لو كان اللعان لنفي الولد خاصة من غير قذف،فإنّه لا يلزم استناده إلى الزناء؛ لجواز الشبهة،فينبغي حينئذ أن يكتفي بقوله:إنّه لمن الصادقين في نفي الولد المعيّن.

ثمّ يقول بعد شهادته أربعاً كذلك: إنّ لعنة اللّه عليه مبدلاً لضمير الغائب بياء المتكلم، إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزناء أو نفي الولد،كما ذكر في الشهادات.

ثمّ تشهد المرأة بعد فراغه من الشهادة و اللعنة أربعاً إنّه لمن الكاذبين فيما رماها به من الزناء.

ثمّ تقول:إنّ غضب اللّه عليها،إن كان من الصادقين فيه، مقتصراً على ذلك في كلّ من القذف و نفي الولد،و لا يحتاج إلى انضمام أمر آخر،كما في الزوج إن نفى الولد.

و الأصل في ذلك بعد الإجماع و صريح الكتاب السنّة و فيها الصحيح (2).

ص:499


1- التحرير 2:67.
2- الوسائل 22:407 أبواب اللعان ب 1.

و حيث إنّ اللعان وظيفة شرعية كالعبادة لا مجال للعقل فيه بالمرّة كان

الواجب فيه النطق بالشهادة و أن يبدأ الرجل

الواجب فيه الاقتصار على ما ورد به الكتاب و السنّة،و هو النطق بالشهادة على الوجه المذكور فيهما،فلو أبدلها بمعناها، كأحلف،أو أُقسم،أو شهدت،أو أبدل الجلالة بغيرها من أسمائه سبحانه، أو أبدل اللعن و الغضب و الصدق و الكذب بمرادفها،أو حذف لام التأكيد، أو علّقه على غير مِن،كقوله:إنّي لصادق،و نحو ذلك من التعبيرات لم يصحّ.

و أن يبدأ الرجل بالتلفظ ثمّ المرأة على الترتيب المذكور،فلو تقدّمت المرأة لم يصحّ؛ لما مر،مضافاً إلى أنّ لعانها لإسقاط الحدّ الذي وجب عليها بلعان زوجها.

و أن يعيّنها و يميّزها عن غيرها تمييزاً يمنع المشاركة،إمّا بالذكر لاسمها،أو برفع نسبها بما يميّزها،أو يصفها بما يميّزها عن غيرها،أو بالإشارة إليها إن كانت حاضرة.

و أن يكون الإيراد لجميع ما ذكر باللفظ العربي الصحيح مع القدرة و إلّا فيجتزأ بمقدورهما منه،فإن تعذّر تلفّظهما أصلاً أجزأ غيرها من اللغات من غير ترجيح،و ظاهرهم الاتّفاق على إجزاء الأمرين مع العجز،و لعلّه الحجّة،و إلّا فالأصل يقتضي المصير حينئذ إلى انتفاء اللعان، و لزوم الحدّ.

و تجب البدأة من الرجل بالشهادة،ثمّ الختم باللعن كما ذكر،و كذا المرأة،إلّا أنّها تبدل اللعن بالغضب.

كما يجب الترتيب المذكور،تجب الموالاة بين كلماتها،فلو تراخي بما يعدّ فصلاً،أو تكلّم في خلاله بطل.

و أن يكون كلّ منهما قائماً عند إيراد الشهادة و اللعن،على الأظهر

ص:500

الأشهر،كما في التنقيح و الروضة (1)؛ للمعتبرين (2)أحدهما الصحيح.

خلافاً للصدوق (3)،فأوجب قيام كلّ عند تلفظه و إن جلس الآخر؛ للخبر (4)،و تبعه الطوسي و الحلّي و الماتن في الشرائع (5).

ما يستحب فيه

و يستحب أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة و يقيمهما مستقبلين، بحذائه كما في الصحيح (6).

و أن يقف الرجل عن يمينه،و المرأة عن شماله كما في آخر (7).

و أن يحضر من يسمع اللعان و لو أربعة عدد شهود الزناء من أعيان البلد و صلحائه؛ لأنّه أعظم للأمر،و للتأسّي،فقد حضر اللعان الواقع في حضرة النبي صلى الله عليه و آله جماعة من الصحابة.

و وعظ الرجل بعد الشهادة قبل اللعن،و كذا المرأة قبل ذكر الغضب و يخوّفهما اللّه،فيقول لهما:إنّ عذاب الآخرة أشدّ من عذاب الدنيا،و يقرأ عليهما إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً [1] (8)إلى آخر الآية.و أنّ اللعن و الغضب للنفس توجبان ذلك لو كانا

ص:501


1- التنقيح الرائع 3:423،الروضة 6:205.
2- الأول:الكافي 6:4/163،الوسائل 22:407 أبواب اللعان ب 1 ح 1،الثاني:الكافي 6:10/165،الوسائل 22:409 أبواب اللعان ب 1 ح 4.
3- المقنع:120.
4- الفقيه 3:1665/347،الوسائل 22:408 أبواب اللعان ب 1 ح 3.
5- الطوسي في المبسوط 5:198،الحلّي في السرائر 2:699،الشرائع 3:98.
6- الكافي 6:10/165،الوسائل 22:409 أبواب اللعان ب 1 ح 4.
7- الكافي 6:11/165،التهذيب 8:667/191،الوسائل 22:409 أبواب اللعان ب 1 ح 5.
8- آل عمران:77.

كاذبين،كلّ ذلك للتأسّي،و للصحيح (1)المتضمّن لكيفيّة اللعان الواقع بمحضر منه صلى الله عليه و آله.

ثمّ مقتضى الأصل و اختصاص أدلّة اللعان كتاباً و سنّةً بحكم السياق أو التبادر بوقوعه بين يدي الإمام:اشتراطه،و عليه الأكثر،و ألحقوا به النائب الخاصّ و العامّ.

خلافاً للمبسوط،فعند ما يتراضى به الزوجان (2)،و هو ظاهر الماتن في الشرائع (3)،و مال إليه بعض المتأخّرين (4)؛ لعموم الأدلّة،و المناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.

الرابع:في الأحكام

اشارة

الرابع:في الأحكام،و هي أربعة.

الأول يتعلّق بالقذف وجوب الحدّ على الزوج و بلعانه سقوطه عنه

الأول:يتعلّق بالقذف وجوب الحدّ على الزوج كالأجنبي و بلعانه سقوطه عنه و به يفترق عن الأجنبي و ثبوت الرجم على المرأة مطلقاً،سواء لها إن اعترفت بالزناء أو نكلت لأنّ لعانه حجّة شرعية و مع لعانها يترتب سقوطه أي الحدّ عنها و انتفاء الولد عن الرجل دونها إن كان اللعان لنفيه،لا مطلقا، و تحريمها عليه مؤبّداً مطلقاً.

و الأصل في ذلك بعد الكتاب في الجملة،و الإجماع المحكي في

ص:502


1- الكافي 6:4/163،الفقيه 3:1671/349،التهذيب 8:644/184،الإستبصار 3:1322/370،الوسائل 22:408 أبواب اللعان ب 1 ح 1.
2- المبسوط 5:223.
3- الشرائع 3:98.
4- كالشهيد الثاني في الروضة 6:200.

كلام جماعة- (1)المعتبرة منها الصحيح:عن رجل يقذف امرأته؟قال:

« يلاعنها،ثمّ يفرّق بينهما،و لا تحلّ له أبداً» (2)و سيأتي إلى بعض آخر منها الإشارة.

و لو نكل الزوج عن اللعان أو اعترف بالكذب حدّ للقذف إن كان اللعان له،لا مطلقاً،و لم ينتف عنه الولد مطلقاً،بلا خلاف؛ لإيجاب القذف الحدّ،و الفراش لحوق النسب،و لا ينتفيان إلّا باللعان،و قد أبى عنه في المقام.

مضافاً إلى الخبرين،أحدهما الصحيح في الملاعن:« إن أكذب نفسه قبل اللعان ردّت إليه امرأته،و ضرب الحدّ» (3)و نحوه الثاني (4).

الثاني:لو اعترف بالولد في أثناء اللعان،لحق به و توارثا

الثاني:لو اعترف بالولد في أثناء اللعان،لحق به و توارثا لأصالة بقاء حكم الفراش،مع عدم المسقط له.

و منه يظهر الوجه في انسحاب الحكم إلى صورة النكول عن إكمال 2 اللعان.

و عليه أي على الأب الحدّ إن كان اللعان لإسقاطه،و أمّا لو كان لنفي الولد مجرّداً عن القذف بتجويزه الشبهة،فلا حدّ بلا خلاف

ص:503


1- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):615،و السبزواري في الكفاية:218،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:340.
2- الكافي 6:6/163،التهذيب 8:650/187 الوسائل 22:415 أبواب اللعان ب 3 ح 2.
3- الكافي 7:3/160،التهذيب 9:1219/339،الوسائل 26:262 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 2 ح 1.
4- الكافي 7:6/212،التهذيب 8:668/191،الوسائل 22:414 أبواب اللعان ب 3 ح 1.

و لا إشكال،و على ذلك يحمل إطلاق الصحيحين (1)،في أحدهما:عن رجل لاعن امرأته،فحلف أربع شهاداتٍ باللّه،ثمّ نكل الخامسة،قال:« إن نكل عن الخامسة فهي امرأته و جلد،و إن نكلت المرأة عن ذلك إذا كان اليمين عليها فعليها مثل ذلك» . و لو كان الاعتراف بعد اللعان منهما لا يعود الحلّ؛ للحكم بالتّحريم شرعاً،و اعترافه لا يصلح لإزالته،و للمعتبرة،منها الصحيح:عن الملاعنة التي يرميها زوجها،و ينتفي من ولدها،و يلاعنها و يفارقها،ثمّ يقول بعد ذلك:الولد ولدي،و يكذّب نفسه،فقال:« أمّا المرأة فلا ترجع إليه أبداً،و أمّا الولد فأنا أردّه إليه و لا أدع ولده،و ليس له ميراث،و يرث الابن الأب،و لا يرث الأب الابن،و يكون ميراثه لأخواله،فإن لم يدّعه أبوه فإنّ أخواله يرثونه،و لا يرثهم،و إن دعاه أحد ابن الزّانية جلد الحدّ» (2).

و يستفاد منه ما ذكره المصنّف من أنّه بالاعتراف بعده لحق به الولد و ورثه الولد،و لا يرثه الأب،و لا من يتقرّب به،و ترثه الاُمّ،و من يتقرّب بها و علّل الحكم بإرث الولد أباه دون العكس؛ بأنّ اعترافه إقرار في حقّ نفسه بإرثه منه،و دعوى ولادته قد انتفت باللعان شرعاً،فيثبت إقراره على نفسه،و لا يثبت دعواه على غيره،و لذا لا يرث الابن أقرباء الأب،و لا يرثونه،إلّا مع تصديقهم على نسبه في قولٍ؛ لأنّ الإقرار

ص:504


1- الأول في:الكافي 6:12/165،قرب الإسناد:1012/256،الوسائل 22:415 أبواب اللعان ب 3 ح 3. و الثاني في:الكافي 7:3/160،التهذيب 9:1219/339،الوسائل 26:262 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 2 ح 1.
2- الكافي 6:6/163،التهذيب 8:650/187،الإستبصار 3:1344/376،الوسائل 22:423 أبواب اللعان ب 6 ح 1.

لا يتعدّى المقر،و تمام الكلام في ذلك يأتي في كتاب الفرائض إن شاء اللّه تعالى.

و في سقوط الحدّ هنا روايتان،أشهرهما و أظهرهما السقوط و هو الصحيحان،في أحدهما:في رجل لاعن امرأته و هي حبلى،ثم ادّعى ولدها بعد ما ولدت،و زعم أنّه منه،قال:« يردّ إليه الولد،و لا يجلد؛ لأنّه قد مضى التّلاعن» (1)و نحوه الثاني (2).

و الرواية الثانية لمحمّد بن الفضيل،المشترك بين الضعيف و الثقة:

عن رجل لاعن امرأته،و انتفى من ولدها،ثمّ أكذب نفسه:« جلد الحدّ، و ردّ عليه ابنه و لا ترجع عليه امرأته» (3).

و إليها ذهب المفيد و العمّاني و الفاضل في القواعد و ولده في شرحه (4)؛ لوجوه اعتباريّة مدفوعة هي كالرواية؛ مع قصور سندها بما قدّمناه من الصحيحين الصريحين المعلّلين المعتضدين بالشهرة المحكيّة في العبارة،و الاستصحاب،و إطلاق الأدلّة الدالّة على درء الحدّ عنه بالملاعنة.

مضافاً إلى مفهوم الصحيحين الآخرين،في أحدهما:« فإذا أقرّ على نفسه قبل الملاعنة جلد حدّا،و هي امرأته» (5).

ص:505


1- الكافي 6:8/164،الفقيه 3:1668/348،التهذيب 8:672/192،الوسائل 22:424 أبواب اللعان ب 6 ح 2.
2- الكافي 6:13/165،الفقيه 4:755/237،التهذيب 8:660/190،الإستبصار 3:1339/375،الوسائل 22:425 أبواب اللعان ب 6 ح 6.
3- التهذيب 8:681/194،الإستبصار 3:1342/376،الوسائل 22:426 أبواب اللعان ب 6 ح 6.
4- المفيد في المقنعة:542،و حكاه عن العماني في إيضاح الفوائد 3:453،القواعد 2:94،الإيضاح 3:453.
5- الكافي 6:6/163،التهذيب 8:650/187،الوسائل 22:415 أبواب اللعان ب 3 ح 2.

و في الثاني:« إن نكل في الخامسة فهي امرأته و جلد الحد» (1)و نحوهما غيرهما (2).

و فيهما زيادةً على المفهوم،الدّلالة من وجه آخر،و هو التعرّض للأحكام المترتّبة على التكذيب من دون تعرّض لذكر الحدّ أصلاً،مع كون المقام فيهما مقام الحاجة جدّاً.

و نحوهما في الدّلالة من هذا الوجه غيرهما،و منه الرواية لراوي الثانية،فلا شبهة في المسألة أصلاً،و على تقديرها تدرأ الحدّ بها اتّفاقاً نصّاً و فتوى.

نعم في الانتصار الإجماع على ثبوت الحدّ (3)،الّا أنّه لا يكافئ ما قدّمناه من الأدلّة؛ مع أنّ غايته حصول الشّبهة،و تقدّم إلى حالها الإشارة.

و لو اعترفت تقلّل المرأة بالزناء بعد اللعان،لم يثبت الحدّ بمجرّده إجماعاً إلّا أن تقرّ أربعاً فيجب عند الأكثر على تردّد من الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في القواعد (4)،ينشأ:من عموم ما دلّ على ثبوت الحدّ بذلك.

و من الأُصول المتقدّمة مع النصوص؛ لمكان التعليل فيها بمضي اللعان،الظّاهر في العموم لغير موردهما،مع خلوّها عن التّعارض هنا،و بها يخرج عن العموم الأوّل لو كان،مع عدم انصرافه إلى نحو المقام من تعقّب الإقرار للّعان.

ص:506


1- الكافي 6:12/165،التهذيب 8:665/191،قرب الإسناد:1012/256،الوسائل 22:415 أبواب اللعان ب 3 ح 3.
2- الوسائل 22:414 أبواب اللعان ب 3.
3- الانتصار:145.
4- الشرائع 3:101،القواعد 2:94.

و هذه الشبهة و إن كانت ممكنة السريان في العمومات الدالّة على سقوط الحدّ باللعان؛ من حيث إنّ المتبادر منها عدم التعقب له بالاستمرار، و كونها مستمرّة على الإنكار،إلّا أنّ موجَب ذلك فقد العمومين المستلزم هو مع الأصل عدم الحدّ في البين.

و على تقدير ثبوت العموم من الطرفين بنحو يشمل المقام،فاللازم فيه الرجوع إلى الأصل؛ لفقد المرجّح لأحدهما عدا الشهرة في الأوّل،و هي معارضة بمفهوم التعليل في النصوص في الثاني،الذي هو بنفسه حجّة مستقلة دون الشهرة؛ إذ غايتها كونها مرجّحة،فهذا القول في غاية القوّة، و لو لم يكن كذلك فلا أقلّ من الشبهة،و هي كما عرفت للحدّ دارئة؛ و لذا اختار هذا القول فخر المحقّقين (1).

الثالث لو طلق فادّعت الحمل منه و أنكر

الثالث:لو طلق الرجل امرأته فادّعت الحمل منه و أنكر فإن كان بعد اتفاقهما على الدخول،لحق به الولد،و لم ينتف إلّا باللعان إجماعاً،و إن كان بعد الاتفاق على العدم انتفي بغير لعان.

و إن كان بعد الاختلاف فيه،فادّعته الزوجة و أنكره الزوج فإن أقامت بيّنة على أنّه أرخى عليها الستر،لاعنها و بانت منه،و عليه المهر كملاً وفاقاً للنهاية، (2)عملاً بالرواية الصحيحة و هي رواية علي بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السلام (3)،و التفاتاً إلى ظاهر الحال الناشئ من خلوة الشابّ بها،مع ظهور حملها،و أصالة الصحة في فعلها؛ لإسلامها.

ص:507


1- إيضاح الفوائد 3:454.
2- النهاية:523.
3- الكافي 6:12/165،التهذيب 8:677/193،قرب الإسناد:1003/254،مسائل علي بن جعفر:132/134،الوسائل 22:412 أبواب اللعان ب 2 ح 1.

خلافاً لأكثر من تأخّر،وفاقاً للحلّي (1)،فصاروا إلى مقتضى الأُصول، و هو توجه اليمين إلى الزوج،و انتفاء الولد عنه بها،و لزوم نصف المهر لها.

و الرواية و إن صحّ سندها؛ إلّا أنّها مخالفة للأُصول الثابتة بالأخبار الصحيحة في كلّ من مسألتي اشتراط اللعان بالدخول الذي هو حقيقة في الوطء خاصة،دون الخلوة،و عدمِ لزوم تمام المهر بها،كما في بحثه قد مضى (2).فحملها لذلك على التقية متوجه جدّاً،سيّما بملاحظة كونها عن مولانا الكاظم عليه السلام؛ لاشتدادها في زمانه،فمع جميع ذلك،كيف ينفع صحة الرواية؟! .و من هنا يفضي العجب من شيخنا في المسالك و العلّامة في المختلف (3)،حيث إنّهما بعد تزييفهما القول بمضمون الرواية،استشكلا ردّها بصحة سندها،و ليت شعري،أ فلا يرون إلى أنّ الأخبار الدالة على خلاف مضمونها صحيحة أيضاً،و مع ذلك عديدة،بل مستفيضة،معتضدة بسائر ما قدّمناه من الأدلّة.

و أمّا الوجه الاعتباري بعد تسليمه فغير صالح لتخصيص الأصل، كما هو الشأن في مواضع عديدة،مع أنّه اجتهاد في مقابلة النصوص المعتبرة و غيرها من الأدلّة،فهذا القول قوي غاية القوّة.

و قال في النهاية (4) بعد ذلك و إن لم تقم بيّنة،لزمه نصف

ص:508


1- السرائر 2:702؛ و انظر المسالك 2:113،و التنقيح الرائع 3:426.
2- راجع ص 45.
3- المسالك 2:113،المختلف:607.
4- النهاية:523.

المهر،و ضربت مائة سوط و لإشكال في الأوّل؛ لما مضى،مضافاً إلى مفهوم الرواية.

و لكن في إيجاب الحدّ الذي ذكره إشكال للأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة؛ لعدم دلالة الرواية عليه؛ و فساد ما علّل به من اعترافها بالوطء و الحبل،و عدم ثبوت السبب المحلّل الذي ادّعته؛ لعدم استلزام ذلك كونه عن زناء،و لا يلزم من انتفاء السبب الخاص انتفاء غيره من الأسباب.

مع أنّ انتفاء الخاص غير معلوم أيضاً،فإنّ عدم البيّنة غير ملازم له، بل مجامع لحصوله في نفس الأمر.

و على تقدير تسليم جميع ذلك لا وجه لإطلاق ثبوت الحدّ بمجرّد الاعتراف،بل لا بدّ من اشتراط الإقرار أربعاً.

الرابع إذا قذفها فماتت قبل اللعان فله الميراث و عليه الحدّ للوارث

الرابع:إذا قذفها فماتت قبل صدور اللعان منهما فله الميراث لبقاء الزوجية الموجبة له و عليه الحدّ للوارث بسبب القذف الغير المصادف للمسقط،و إليه ذهب الأكثر (1)،وفاقاً للحلّي (2)،و هو أظهر.

و في جواز اللعان حينئذ لإسقاط الحدّ قولان؛ للمنع كما عليه شارح الكتاب كالسيّد تبعاً للفاضل المقداد- (3)أنّه وظيفة شرعية موقوفة على النقل،و لم ينقل صحته عن الزوج بعد موت الزوجة.

ص:509


1- كالمحقق في الشرائع 3:101،و العلّامة في القواعد 2:94،و الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 6):214.
2- السرائر 2:703.
3- السيد في نهاية المرام 2:239،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:427.

و للجواز كما عليه الأكثر كالماتن في الشرائع و الفاضل و ولده في القواعد و شرحه و الشهيدين في اللمعتين- (1)أنّه إمّا أيمان أو شهادات، و كلاهما لا يتوقف على حياة المشهود عليه و المحلوف لأجله،و لعموم الآية،و قد تقدّم أنّ لعانه يسقط عنه الحدّ و يوجبه عليها،و لعانهما يوجب أحكاماً أربعة،فإذا انتفى الثاني بموتها بقي الأوّل خاصة فيسقط،و لعلّه أظهر.

كلّ ذا إذا ماتت قبل لعانه.

و أمّا لو ماتت بعده،فينبغي القطع بسقوط الحدّ عنه به،للأصل.

و في رواية أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:« إن قام رجل من أهلها مقامها فلاعنه فلا ميراث له،و إن أبى أحد من أوليائها أن يقوم مقامها،أخذ الميراث» (2).

و نحوها رواية أخرى (3).و عمل بهما القاضي و ابن حمزة تبعاً للشيخ في النهاية (4).

و ضعفهما لإرسال الاُولى و تزيّد رواة الثانية- (5)يمنع عن العمل بهما.

ص:510


1- الشرائع 3:101،القواعد 2:94،إيضاح الفوائد 3:455،اللمعة و الروضة البهية 6:214.
2- التهذيب 8:664/190،الوسائل 22:435 أبواب اللعان ب 15 ح 1.
3- الفقيه 3:1669/348،التهذيب 8:679/194،الوسائل 22:435 أبواب اللعان ب 15 ح 2.
4- المهذب 2:310،الوسيلة:337،النهاية:523.
5- قد وقع في طريقها:أبو الجوزاء و حسين بن علوان و عمرو بن خالد،و كلّهم من الزيدية،الاستبصار 1:196/65،المسالك 2:121.

مضافاً إلى مخالفتهما الأصل؛ من حيث إنّ اللعان شرّع بين الزوجين، فلا يتعدّى إلى غيرهما،و إنّ لعان الوارث متعذّر؛ لأنّه إن أُريد مجرّد حضوره فليس بلعان حقيقي،و إن أُريد إيقاع الصيغ المعهودة من الزوجة فبعيد؛ لتعذّر القطع من الوارث على نفي فعل غيره غالباً،و إيقاعه على نفي العلم تغيير للصورة المنقولة شرعاً؛ و لأنّ الإرث قد استقرّ بالموت، فلا وجه لإسقاط اللعان المتجدد له.

و لذا قيل:لا يسقط الإرث بهذا اللعان و إن جوّزناه لإسقاط الحدّ، لاستقراره بالموت فلا يرفعه اللعان المتجدّد.

و الحمد للّه رب العالمين

ص:511

المجلد 13

اشارة

سرشناسه:طباطبائی کربلائی، علی بن محمدعلی، 1161 - 1231ق.

عنوان و نام پديدآور:ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل/ تالیف محمدعلی الطباطبایی؛ تحقیق موسسه آل البیت(ع) لاحیاءالتراث.

مشخصات نشر:قم: موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاءالثرات، 1418ق.-= 1376-

مشخصات ظاهری:16 ج.: نمونه.

فروست:موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

شابک: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری

يادداشت:عربی.

يادداشت:کتاب حاضر شرحی بر مختصرالنافع محقق حلی است.

يادداشت:ج.9 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت:ج. 11 - 13 (چاپ؟: 1421ق. = 1379).

يادداشت:ج. 15و 16 (چاپ؟: 1422ق. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:محقق حلی، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 7ق.

شناسه افزوده:محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

شناسه افزوده:موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاء الثرات

رده بندی کنگره:BP182/م3م30216 1376

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

كتاب العتق

اشارة

كتاب العتق و هو لغة:الخلوص،و منه سمّي البيت عتيقاً لخلوصه من أيدي الجبابرة.

و شرعاً:خلوص المملوك الآدمي أو بعضه من الرّق.و بالنسبة إلى عتق المباشرة المقصود بالذات من الكتاب:تخلّص المملوك الآدمي أو بعضه من الرّق منجّزاً بصيغة مخصوصة.

و فضله متّفق عليه بين المسلمين كافّة كما حكاه جماعة (1).و الأصل فيه بعده الكتاب،و السنّة المستفيضة بل المتواترة الخاصيّة و العاميّة.

قال سبحانه و تعالى وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ [1] (2).

قيل:و قال المفسّرون:أنعم اللّه عليه بالإسلام و أنعمت عليه بالعتق (3).

ص:5


1- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:122،و السبزواري في الكفاية:219،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:182.
2- الأحزاب:37.
3- قاله الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:430.

و في النبويّ المستفيض من الطرفين،و لو بعبارات مختلفة:« من أعتق مسلماً أعتق اللّه بكلّ عضو منه عضواً من النار» (1)و زيد في بعضها:

« فإن كان أُنثى أعتق اللّه العزيز الجبّار بكلّ عضوين منها عضواً من النار» (2).

و النظر في هذا الكتاب في أمرين:

الأوّل: في بيان متعلق الرقّ و من يجوز استرقاقه.

و الثاني:في أسباب الإزالة إزالة الرقّ.

الرقّ

اشارة

أمّا الرقّ:فيختصّ بأهل الحرب من أصناف الكفّار دون أهل الذمّة الملتزمين بشرائطها و أما لو أخلّوا بشرائطها جاز تملّكهم بلا خلاف،بل قيل إجماعاً (3)،و لعلّه كذلك فتوًى و نصّاً مستفيضاً.

و المراد بأهل الحرب:من يجوز قتالهم إلى أن يسلموا.و بأهل الذمّة:

اليهود و النصارى العاملون بشرائطها المعهودة المذكورة في كتاب الجهاد، و لو أخلّوا بها صاروا أهل حرب و جاز تملّكهم اتفاقاً.

و لا فرق في جواز استرقاق الحربي بين أن ينصبوا الحرب للمسلمين،أو يكونوا تحت حكم الإسلام و قهره،كالقاطنين تحت حكم المسلمين من عبدة الأوثان و النيران و الغلاة و غيرهم.

و يتحقق دخولهم في الرقّ بمجرد الاستيلاء عليهم،سواء وقع بالقِتال أو على وجه السرقة و الاختلاس،سواء كان المستولي مسلماً أو كافراً.

ص:6


1- الكافي 6:2/180،التهذيب 8:769/216،مسند أحمد 4:344 و 5:29،صحيح البخاري 8:2/216 بتفاوت يسير.
2- الكافي 6:3/180،الفقيه 3:219/66،التهذيب 8:770/216،ثواب الأعمال:138،الوسائل 23:13 أبواب العتق ب 3 ح 1.
3- قاله في مفاتيح الشرائع 3:37.

و يجوز شراؤهم من الغنيمة و إن كان للإمام عليه السلام فيها حق؛ لإذنهم لشيعتهم في ذلك،كما تضمّنته الأخبار المستفيضة (1).

و عن القواعد و التذكرة التصريح بأنّه لا يجب إخراج حصّة غير الإمام من الغنيمة (2)؛ و لعلّ وجهه ظاهر ترخيصهم لشيعتهم من غير اشتراط إخراج الحصة المزبورة،فتأمّل.

من أقرّ على نفسه بالرقّية مختاراً في صحّة من رأيه حكم برقّيته

و من أقرّ على نفسه بالرقّية حال كونه مختاراً و هو في صحّة من رأيه ببلوغه و عقله حكم برقّيته مع عدم العلم من الخارج بحريّته، بلا خلاف أجده؛ لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (3)؛ و خصوص الصحيح:« الناس كلّهم أحرار إلّا من أقرّ على نفسه بالعبودية و هو مُدرك من عبد أو أمة» الحديث (4).

و إذا بيع في الأسواق ثمّ ادّعى الحرّية لم تقبل منه دعواه إلّا ببيّنة بلا خلاف؛ لأنّ ظاهر اليد و التصرف يقتضي الرقيّة،حملاً لأفعال المسلمين على الصحّة؛ و الصحيحين:

في أحدهما:عن شراء جارية من السوق تقول:إنّها حرة،فقال:

« اشترها إلّا أن يكون لها بيّنة» (5).

و في الثاني:عن مملوك ادّعى أنّه حرّ و لم يأت ببيّنة على ذلك،

ص:7


1- انظر الوسائل 9:543 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4.
2- القواعد 1:62،التذكرة 1:255.
3- الوسائل 23:184 أبواب الإقرار ب 3 ح 2.
4- الكافي 6:5/195،الفقيه 3:302/84،التهذيب 8:845/235،الوسائل 23:54 أبواب العتق ب 29 ح 1.
5- الكافي 5:13/211،الفقيه 3:613/140،التهذيب 7:318/74،الوسائل 18:250 أبواب بيع الحيوان ب 5 ح 2.

أشتريه؟قال:« نعم» (1).

لا يملك الرجل و لا المرأة أحد الأبوين و لا الأولاد

و لا يملك الرجل و لا المرأة أحد الأبوين و إن علوا،و لا الأولاد و إن سفلوا.و كذا لا يملك الرجل خاصة (2) دون المرأة ذوات الرحم من النساء (3)كالخالة و العمّة و الأُخت و بنتها و بنت الأخ،و ينعتق جميع هؤلاء بالملك بمجرّده،بلا خلاف بل عليه الإجماع في عبارة جماعة (4)؛ و هو الحجة مضافاً إلى النصوص المستفيضة،منها الصحاح المستفيضة:

في أحدها:عمّا يملك الرجل من ذوي قرابته،فقال:« لا يملك والديه و لا أُخته و لا ابنه و ابنة أُخته و لا عمّته و لا خالته،و يملك ما سوى ذلك من الرجال من ذوي قرابته،و لا يملك امّه من الرضاعة» (5).

و في الثاني:« إذا ملك الرجل والديه أو أُخته أو عمّته أو خالته عتقوا عليه.و يملك ابن أخيه و عمّه و خاله،و يملك أخاه و غيره من ذوي قرابته من الرجال» (6).و نحوه الصحيح الآتي و غيره (7).

ص:8


1- الفقيه 3:614/140،التهذيب 7:317/74،الوسائل 18:250 أبواب بيع الحيوان ب 5 ح 1.
2- كلمة« خاصّة» ليست في المختصر المطبوع.
3- في« ر» و« ح» زيادة:المحرمات.
4- منهم:السبزواري في الكفاية:222،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:192،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:40.
5- الكافي 6:7/178،التهذيب 8:867/240،الإستبصار 4:43/14،الوسائل 23:19 أبواب العتق ب 7 ح 4.
6- الكافي 6:1/177،2،التهذيب 8:868/240،869،الإستبصار 4:44/15،45،الوسائل 23:18،19 أبواب العتق ب 7 ح 1،2.
7- انظر الوسائل 23:18 أبواب العتق ب 7.

و منها:عن المرأة،ما تملك من قرابتها؟قال:« كلّ أحد إلّا خمسة:

أبوها،و أُمّها،و ابنها،و ابنتها،و زوجها» (1)يعني بالزوج ما دام كونه زوجاً، و إلّا فهي تملكه.كما أنّه يملكها إجماعاً فتوًى و رواية إلّا أنّ الزوجيّة تنفسخ بالملك لتنافيهما؛ لأنّ المالك إن كان هو الزوجة حرّم عليها وطء مملوكها، و إن كان الزوج استباحها بالملك.

و المراد بالملك المنفي في العبارة و بعض النصوص المتقدّمة، المستقر منه،و إلّا فأصل الملك يتحقّق في الجميع،و من ثمّ ترتّب عليه العتق المشروط بالملك فتوًى و رواية.

و يومئ إلى المراد ذيل العبارة،و باقي النصوص كالصحيحة الثانية، و الرابعة:« إذا ملك الرجل والديه أو أُخته أو عمّته أو خالته أو بنت أُخته، و ذكر أهل هذه الآية من النساء،عتقوا جميعاً.و يملك عمّه و ابن أخيه و ابن أُخته و الخال،و لا يملك امّه من الرضاعة،و لا أُخته و لا عمّته و لا خالته،إذا ما ملكهنّ عتقن» و قال:« ما يحرم من النساء ذات رحم قد يحرمن من الرضاع» و قال:« يملك الذكور ما عدا والديه أو ولده،و لا يملك من النساء ذات رحم محرم» قلت:يجري في الرضاع مثل ذلك؟قال:« نعم» (2).

و يستفاد منها كما تقدّمها أنّه يملك غيرهم أي المذكورين من الرجال و النساء مضافاً إلى عدم الخلاف فيه و في أنّه على كراهية و أنّه يتأكّد الكراهيّة فيمن يرثه للنصوص

ص:9


1- الكافي 6:3/177،التهذيب 8:873/242،الإستبصار 4:49/16،الوسائل 23:24 أبواب العتق ب 9 ح 1.
2- الفقيه 3:221/66،التهذيب 8:877/243،الإستبصار 4:53/17،الوسائل 18:247 أبواب بيع الحيوان ب 4 ح 1.

منها الموثّق:في رجل يملك ذا رحمه،هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده؟قال:« لا يصلح له بيعه،و لا يتّخذه عبداً و هو مولاه و أخوه في الدين،و أيّهما مات ورثه صاحبه إلّا أن يكون أقرب منه» (1).

و الخبر:« لا يملك الرجل أخاه من النسب،و يملك ابن أخيه» (2).

و إنّما حملت على الكراهة جمعاً مع قصورها سنداً،و إشعار الرواية الأُولى و ما ضاهاها بالكراهة جدّاً.

و هل ينعتق عليه بالرضاع من ينعتق عليه بالنسب فيه روايتان

و هل ينعتق عليه بالرضاع من ينعتق عليه بالنسب؟فيه روايتان:

أشهرهما أنّه ينعتق و هي الصحاح المتقدّمة،و نحوها غيرها.

كالصحيح:عن امرأة ترضع غلاماً لها من مملوكة حتّى تفطمه،هل لها أن تبيعه؟فقال:« لا،هو ابنها من الرضاعة،حرّم عليها بيعه و أكل ثمنه» ثمّ قال:« أ ليس قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؟ » (3).و الصحيح:عن المرأة ترضع عبدها،أ تتّخذه عبداً؟قال:« تعتقه و هي كارهة» (4).

و نحوهما غيرهما المروي عن المقنع و كتاب عليّ بن جعفر عليه السلام (5).

ص:10


1- الفقيه 3:287/80،الوسائل 23:29 أبواب العتق ب 13 ح 5.
2- التهذيب 8:871/241،الإستبصار 4:47/15،الوسائل 23:20 أبواب العتق ب 7 ح 6.
3- الكافي 5:16/446،التهذيب 7:1342/326،الوسائل 20:405 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 17 ح 1.
4- الكافي 6:6/178،التهذيب 8:866/240،الإستبصار 4:42/14،الوسائل 23:22 أبواب العتق ب 8 ح 2.
5- المقنع:160،مسائل علي بن جعفر:25/111،الوسائل 20:406 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 17 ح 2،4.

و الرواية الثانية أخبار عديدة منها الصحيح:في بيع الاُمّ من الرضاعة، قال:« لا بأس بذلك إذا احتاج» (1).

و الخبران:في أحدهما:« إذا اشترى الرجل أباه أو أخاه فملكه فهو حرّ إلّا ما كان من قبل الرضاع» (2)و قريب منه الثاني (3).

و هي مع قصور سند أكثرها غير مكافئة لما مضى من وجوه شتّى، فلتطرح أو تؤوّل إلى ما يؤول إلى الأوّل بالحمل إمّا على ما ذكره جماعة كالشيخ في الكتابين و غيره (4)،أو على التقيّة كما يستفاد من عبارة الخلاف المحكيّة حيث نسب مضامينها إلى جميع فقهاء العامّة (5).

و اعلم أنّه ظهر من قوله:لا يملك الرجل خاصّة،ما أشار إليه بقوله:

و لا ينعتق على المرأة سوى العمودين يعني الآباء و الأُمّهات و إن علوا، و الأولاد و إن سفلوا.فلا وجه لإعادته.

إذا ملك أحد الزوجين صاحبه بطل العقد بينهما،و ثبت الملك

و إذا ملك أحد الزوجين صاحبه بطل العقد بينهما،و ثبت الملك كما مضى هنا قريباً،و في كتاب النكاح مفصّلاً.

أمّا إزالة الرق فأسبابها أربعة

اشارة

و أمّا إزالة الرق فأسبابها الموجبة لها و لو في الجملة أربعة:

الملك،و المباشرة،و السراية،و العوارض و هذه الأسباب منها تامة في العتق،كالإعتاق بالصيغة،و شراء

ص:11


1- التهذيب 8:886/245،الاستبصار 4:62/19.
2- التهذيب 8:885/245،الاستبصار 4:61/19.
3- التهذيب 8:881/244،الإستبصار 4:57/18،الوسائل 18:244 أبواب بيع الحيوان ب 4 ح 4.
4- الاستبصار 4:19،التهذيب 8:245؛ و انظر كشف اللثام 2:192.
5- الخلاف 6:367.

القريب،و التنكيل،و الجذام و الإقعاء.و منها ما يتوقف على أمر آخر، كالاستيلاد لتوقّفه على موت المولى و أُمور أُخر،و الكتابة لتوقّفها على أداء المال،و التدبير لتوقفه على موت المولى و نفوذه من ثلث ماله،و موت المورّث لتوقّفه على دفع القيمة إلى مالكه،و غيره ممّا يفصّل إن شاء اللّه تعالى.

و اعلم أنّه قد سلف بيان الإزالة بالسبب الأوّل و هو الملك بقي الكلام في بيانها بالثلاثة الباقية،فنقول:

المباشرة
اشارة

أما الإزالة ب المباشرة فالعتق و الكتابة و التدبير و الاستيلاد و سيأتي بيان الثلاثة الأخيرة إن شاء اللّه [تعالى] في كتاب على حدة.

العتق
صيغة العتق

و أمّا العتق فعبارته الصريحة فيه المتحقّق بها التحرير كأنت أو هذا أو فلان حرّ،بلا خلاف بل عليه الإجماع في عبارة جماعة (1).

و صراحته فيه واضحة؛ قال سبحانه وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [1] (2). و في وقوعه ب لفظ العتق كأعتقتك مثلاً تردّد و اختلاف، منشؤه الشّك في كونه مرادفاً للتحرير فيدلّ عليه صريحاً،أو كنايةً عنه فلا يقع به.و الأصحّ القطع بوقوعه به؛ لدلاته عليه صريحاً لغةً و عرفاً و شرعاً،بل استعماله فيه أكثر من التحرير جدّاً،و قد اتّفق الأصحاب على صحّته في قول السيّد لأمته:أعتقتكِ و تزوّجتك.

ص:12


1- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:123،و السبزواري في الكفاية:219،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:185.
2- النساء:92.

و لا اعتبار بغير ذلك من الكنايات كقوله فككت رقبتك،أو أنت سائبة و إن قصد بها العتق بلا خلافٍ يظهر بل عليه الإجماع في المسالك و غيره (1)؛ و هو الحجّة فيه،مضافاً إلى أصالة بقاء الرقّ إلى أن يثبت خلافه،و ليس بثابت،إذ لا عموم من نحو أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [1] و غيره.

و بعض الإطلاقات باللزوم على تقدير وجوده غير معلوم الشمول لمحل الفرض؛ لانصرافه إلى صُورة وقوع العتق بصريح لفظه،مع وروده لبيان حكم آخر.فتدبّر.

و من هنا يظهر بطريق أولى أنّه لا تكفي الإشارة و لا الكتابة مع القدرة على النطق بالصريح.و لا خلاف فيه أيضاً،و ادّعى الإجماع عليه بعض الأصحاب صريحاً (2).

و يستفاد من العبارة مفهوماً كفايتهما مع العجز.و لعلّه لا خلاف فيها أيضاً.

و يدلّ عليه مضافاً إلى فحوى ما دلّ عليها في سائر العقود و الإيقاعات كالطلاق و الوصيّة و نحوهما،خصوص بعض النصوص،كالصحيح المتقدّم في كتاب الوصيّة في نظير المسألة (3).

و في الصحيح:عن رجل قال لرجل يا فلان،اكتب إلى امرأتي بطلاقها و إلى عبدي بعتقه،يكون ذلك طلاقاً أو عتقاً؟فقال:« لا يكون ذلك طلاقاً و لا عتقاً حتّى ينطق به لسانه أو يخطّ بيده،و هو يريد الطلاق أو

ص:13


1- المسالك 2:123؛ و انظر الكفاية:219،و كشف اللثام 2:185.
2- السبزواري في الكفاية:219.
3- الفقيه 4:506/146،التهذيب 9:935/241،الوسائل 19:373 أبواب أحكام الوصايا ب 49 ح 1.

العتق و يكون ذلك منه بالأهلّة و الشهور و يكون غائباً من أهله» (1).

و فيه دلالة على الاكتفاء في العتق بالكتابة مع الغيبة و لم أرَ عاملاً به فلا تصلح لإثباته،مع معارضته بخصوص الصحيح الظاهر وروده في الغائب:رجل كتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه[ثم بَدا لَه (2)]فمحاه،قال:

« ليس ذلك بطلاق و لا عتاق حتى يتكلّم به» (3)فتأمل.

و لا يصح جعله يميناً على المشهور فيه و في أنه لا بدّ من تجريده عن شرط متوقع أو صفة مترقبة (4) بل في التنقيح و عن المختلف الإجماع عليه (5)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أصالة بقاء الرق السليمة عما يصلح للمعارضة.

خلافاً للمحكي عن ظاهر الإسكافي و القاضي (6)،فجوّزا التعليق عليهما و الرجوع فيه قبل حصولهما كالتدبير،تبعاً للعامة العمياء (7).

و لا مستند لهما ظاهراً عدا رواية إسحاق بن عمّار الآتية في المسألة السابعة من المسائل الملحقة بالنذر (8).

ص:14


1- الكافي 6:1/64،الفقيه 3:1572/325،التهذيب 8:114/38،الوسائل 22:37 أبواب مقدمات النكاح و شرائطه ب 14 ح 3،في الوسائل و الكافي و التهذيب:و الشهود،بدل:و الشهور.
2- أضفناه من المصدر.
3- الكافي 6:2/64،التهذيب 8:113/38،الوسائل 22:36 أبواب مقدمات النكاح و شرائطه ب 14 ح 2.
4- كلمة:مترقبة:ليست في متن المختصر المطبوع.
5- التنقيح 3:434،المختلف:637.
6- حكاه عن الإسكافي في المختلف:637،القاضي في المهذب 2:365.
7- مغني المحتاج 4:509.
8- في ص 243.

و يحتمل حملها على التقية زيادةً على ما يرد عليها من المخالفة للقاعدة كما سيظهر ثمة.

و قد تقدّم بيان الفرق بين الشرط و الصفة،و أن المراد بالأول ما جاز وقوعه في الحال و عدمه كمجيء زيد،و بالثاني ما لا يحتمل وقوعه في الحال و تيقّن وقوعه عادةً كطلوع الشمس.

و الفرق بينهما و بين اليمين مع اشتراكهما في التعليق قصد الزجر به عن فعل أو البعث عليه في الأخير دونهما.

و يجوز أن يشترط مع العتق شيء سائغ مطلقاً مالاً كان أو خدمةً، بلا خلاف يظهر،بل عليه في شرح الكتاب للسيّد الإجماع عليه (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى عمومات النصوص المعتبرة بلزوم الوفاء بالشروط السليمة عن المعارض بالكلية،لكونه عتقاً مع شرط لا عتقاً بشرط،كما هو مفروض العبارة،فتأمّل.

مضافاً إلى خصوص الصحاح في أحدها:الرجل يقول لعبده:أُعتقك على أن أُزوّجك ابنتي،فإن تزوّجت عليها أو تسرّيت فعليك مائة دينار، فأعتقه على ذلك فيتزوّج أو يتسرّى،قال:« عليه مائة دينار» (2).

و في الثاني:رجل أعتق جاريته و شرط عليها أن تخدمه عشر سنين، فأبَقَتْ،ثمّ مات الرجل فوجدها ورثته،أ لَهم أن يستخدموها؟قال:

« لا» (3).

ص:15


1- نهاية المرام 2:251.
2- الكافي 6:4/179،التهذيب 8:796/222،الوسائل 23:27 أبواب العتق ب 12 ح 4.
3- الكافي 6:2/179،الفقيه 3:235/69،التهذيب 8:797/222،الوسائل 23:26 أبواب العتق ب 11 ح 1،و في المصادر:خمس سنين،بدل عشر سنين.

و في الثالث:قال:غلامي حرّ و عليه عُمالة كذا و كذا،قال:« هو حرّ و عليه العُمالة» (1).

و ظاهرها عدا الثاني لزوم الوفاء بالشرط و عدم توقّفه على قبول المملوك.

خلافاً للمحكي في التنقيح (2)عن بعضهم في الأوّل،فحكم بالاستحباب،و هو ضعيف.

و للتحرير و القواعد في الثاني (3)،فاشترط فيهما القبول،إمّا مطلقاً كما في الأوّل،أو إذا كان المشروط مالاً لا خدمةً كما في الثاني،و اختاره فخر الإسلام (4)؛ استناداً في صورة عدم الاشتراط إلى الأصل،و زاد عليه في الكفاية (5)الاستناد إلى الصحيحة الثالثة،و في صورة الاشتراط إلى الصحيح بزعمه:عن رجل قال لمملوكه:أنت حرّ و لي مالك،قال:« لا يبتدئ بالحرّية قبل المال،فيقول له:لي مالك و أنت حرّ برضا المملوك،فالمال للسيّد» (6)و في الصحّة التي زعمها مناقشة.

قيل:و لا بأس بالمصير إلى هذا القول؛ اقتصاراً في الحكم بإلزام العبد شيئاً لسيّده بدون رضاه على موضع اليقين (7).

ص:16


1- التهذيب 8:857/237،الوسائل 23:25 أبواب العتق ب 10 ح 2.
2- التنقيح 3:434.
3- التحرير 2:79،القواعد 2:98.
4- إيضاح الفوائد 3:478.
5- الكفاية:220.
6- الكافي 6:5/191،الفقيه 3:344/92،التهذيب 8:806/224،الإستبصار 4:33/11،الوسائل 23:48 أبواب العتق ب 24 ح 5؛ بتفاوت.
7- نهاية المرام 2:253.

و فيه نظر؛ فإنّه إن أُريد باليقين معناه الأخصّ كان حصوله في الشقّ الآخر و هو اشتراط الخدمة محلّ نظر،لمكان الخلاف و عدم استفادة شيء لعدم الاشتراط فيه من الصحيحة الأخيرة سوى المظنّة.و إن أُريد به معناه الأعمّ الشامل لها صحّ؛ نظراً إلى حصولها فيه من إطلاق هذه الصحيحة،إلّا أنّها حاصلة من إطلاق الصحيحة الاُولى في الشقّ المقابل المشروط فيه المال،كما هو محلّ البحث.

و بالجملة:فإن كان الظنّ الحاصل من الإطلاق كافياً في هذا الحكم المخالف للأصل في غير مورد البحث فليكن كافياً فيه،و إلّا فلا يكون كافياً مطلقاً،و الفرق تحكّم،و اليقين بمعناه الأخصّ لمكان الخلاف غير متحقق.

و لو شرط إعادته في الرقّ إن خالف الشرط ف في صحّة العتق و الشرط قولان اختار أولهما الطوسي و القاضي (1)؛ عملاً بالشرط، و خصوص الموثّق:عن الرجل يعتق مملوكه و يزوّجه ابنته،و يشترط عليه إن هو أغارها أن يردّه في الرقّ،قال:« له شرطه» (2).

و ردّ الأوّل:بأنّ مقتضاه عود من ثبت حريّته رقّاً،و هو غير جائز و لا معهود شرعاً.و لا يرد مثله في المكاتب المشروط؛ لأنّه لم يخرج عن مطلق الرقيّة،فإنّ معنى قول السيّد:فإن عجزت فأنت ردّ في الرق،الرقّ المحض الذي ليس بكتابة،لا مطلق الرقّ،لأنه لم يثبت بالكتابة،و عدم الأخص أعمّ من عدم الأعمّ.

و الثاني:بشذوذه و قصور سنده،و منافاته لأُصول المذهب،فيجب

ص:17


1- الطوسي في النهاية:542،القاضي في المهذب 2:359.
2- الكافي 6:3/179،التهذيب 8:795/222،الوسائل 23:27 أبواب العتق ب 12 ح 3.

اطراحه.و بهذا أجاب عنه الماتن في النكت (1)،و اختار فيه القول بفساد الأمرين،كالفاضل في المختلف (2).

و عن الحلّي و فخر الدين (3)القول بصحّة العتق دون الشرط؛ استناداً في فساده إلى ما مرّ،و في صحّة العتق إلى بنائه على التغليب.و ردّ بأنّه لا يدلّ على صحته من دون القصد.

و ربما يستفاد من قوله:

و المروي اللزوم الميل إلى الأوّل،و يتوجّه عليه ما أجاب به عنه في النكت من الشذوذ و نحوه.

يشترط في المعتِق جواز التصرف و الاختيار،و القصد

و يشترط في المولى المعتِق جواز التصرف بالبلوغ و كمال العقل و الاختيار،و القصد إلى العتق فلا يقع من الصبي،و لا المجنون المطبق و لا غيره في غير وقت كماله،و لا السفيه،و لا المكره،و لا الناسي، و لا الغافل،و لا السكران،بلا خلاف في شيء من ذلك حتى الصبي إذا لم يبلغ عشراً و لا شبهة؛ لعموم أدلّة الحجر في بعض،و المعتبرة المستفيضة فيه و في غيره.

منها الصحيحان،في أحدهما:عن عتق المكره فقال:« عتقه ليس بعتق» (4).

و في الثاني:« إن المُدلَّه ليس عتقه عتقاً» (5).

ص:18


1- نكت النهاية 3:10.
2- المختلف:625.
3- الحلّي في السرائر 3:11،فخر الدين في إيضاح الفوائد 3:479.
4- الكافي 6:1/191،التهذيب 8:775/217،الوسائل 23:41 أبواب العتق ب 19 ح 1.
5- الكافي 6:3/191،الوسائل 23:42 أبواب العتق ب 20 ح 1.التدلية:ذهاب العقل من الهوى.الصحاح 6:2231.

و منها الخبران أحدهما الموثّق:« لا يجوز عتق السكران» (1).

و القربة بأن يقصد بعتقه التقرب إلى جنابه سبحانه،أي الطاعة له أو طلب الثواب من عنده على حدّ ما يعتبر في سائر العبادات،بلا خلاف؛ للمعتبرة و فيها الصحيح و غيره (2):« لا عتق إلّا ما أُريد به وجه اللّه تبارك و تعالى» . و في عتق الصبي إذا بلغ عشراً عاقلاً رواية بالجواز قال الماتن:إنّها حسنة و لا وجه له؛ فإنّ في سنده موسى بن بكر،و مع ذلك مرسلة في بعض طرقها،و مقطوعة إلى زرارة في آخر (3).

و يمكن أن يكون مراده بالحسن غير المعنى المعروف كما يستفاد منه مكرّراً.و لعلّ وجه الحسن بهذا المعنى تأيّدها بما ورد في أمثال المسألة من نحو الوصيّة و الصدقة و نحوهما،من النصوص المعتبرة و سيما الطلاق،فإنّ الدالّ منها على جوازه منه يدلّ على جواز العتق منه أيضاً بالأولوية.

و هو حسن إن صرنا إلى تلك النصوص،و إلّا كما قدمنا في تلك المباحث فلا تأييد و لا أولويّة.

فإذاً الأصحّ المنع،وفاقاً للأكثر (4).

ص:19


1- الكافي 6:4/191،التهذيب 8:777/217،الوسائل 23:43 أبواب العتق ب 21 ح 2.
2- انظر الوسائل 23:14 أبواب العتق ب 4.
3- الكافي 7:1/28،الفقيه 4:502/145،التهذيب 8:898/248،و 9:729/181،الوسائل 23:91 أبواب العتق ب 56 ح 1.
4- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:125،و السبزواري في الكفاية:219،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:183.

خلافاً للشيخ و جماعة (1)؛ للرواية المزبورة،و قد عرفت ما فيها من المناقشة.

و لا يصحّ عتق السكران لما مرّ.و في اعتباره القصد سابقاً كان له غنى عن ذكره هذا ثانياً.

و في وقوعه و صحّته من الكافر تردّد و اختلاف ينشأ:من إطلاق الأدلّة أو عمومها،و أنّ العتق إزالة ملك،و ملك الكافر أضعف من ملك المسلم،فهو أولى بقبوله الزوال.و لا ينافيه اشتراطه بنيّة القربة؛ لأنّ ظاهر الأخبار المعتبرة له أنّ المراد منها إرادة وجه اللّه سبحانه سواء حصل الثواب له أم لا،و هذا القدر يمكن ممّن يقرّ باللّه.

و من أنّه عبادة تتوقّف على القربة،و أنّ المعتبر ترتّب أثرها من الثواب لا مطلق طلبها،كما ينبّه عليه حكمهم ببطلان صلاته و صومه،لتعذّر القربة منه،فإنّ القدر المتعذّر منه هو هذا المعنى لا ما ادّعوه أوّلاً.و أنّ العتق شرعاً ملزوم للولاء و لا يثبت ولاء الكافر على المسلم؛ لأنّه سبيل منفيّ عنه،و انتفاء اللازم يستلزم انتفاء الملزوم.

و في الأدلة من الجانبين نظر.و المصير إلى التفصيل بين الكافر المقرّ باللّه تعالى و المعتقد حصول التقرب إليه بالعتق فالأوّل،و بين المنكر له أو الغير المعتقد حصول التقرّب به إليه فالثاني،كما وقع لجماعة من المتأخرين (2)أظهر،إن كان هناك عموم أو إطلاق ينفع.

ص:20


1- الشيخ في النهاية:546؛ و انظر المهذب 2:362،و كشف الرموز 2:287،و مفاتيح الشرائع 3:232.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:125،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:436،و السبزواري في الكفاية:219.

استناداً في الأوّل إلى وجود المقتضي و هو العتق الجامع للشرائط التي منها إرادة وجه اللّه تعالى؛ فإنّ الكافر إذا كان مقرّاً به عزّ و جلّ و اعتقد شرعيّة العتق عنده أمكن وقوع ذلك منه،و قد عرفت أنّه لا يلزم من اشتراطه بالإرادة المذكورة حصول المراد،فإنّه أمر خارج عن الشرط المعتبر.و كونه عبادة مطلقاً ممنوع،بل هو عبادة خاصّة يغلب فيها فكّ الملك،فلا يمنع من الكافر مطلقاً.

و في الثاني بقسميه إلى عدم تصور تحقق الشرط منه فيهما،فيفسد عتقه من هذا الوجه.

يشترط في المعتَق أن يكون مملوكاً حال العتق مسلما

و يشترط في العبد المعتَق أن يكون مملوكاً حال العتق (1) لمولاه المعتق له مسلماً،و لا يصحّ عتقه لو كان كافراً بلا خلاف في الأول؛ للمعتبرة و فيها الصحيح و غيره (2)« لا عتق إلّا في ملك» .و على الأشهر الأظهر في الثاني،بل عليه الإجماع في الانتصار و نهج الحق (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل و عدم ما يدلّ على لزوم عتق كلّ عبد.

و خصوص بعض النصوص:أ يجوز[للمسلم]أن يعتق مملوكاً مشركاً؟قال:

« لا» (4).و قصور سنده كاختصاصه بالمشرك مجبور بالشهرة و عدم القائل

ص:21


1- كلمة:حال العتق:ليست في نسخة الأصل و في«ح».و هي موجودة في المختصر المطبوع و في نسخة«ر».
2- الوسائل 23:15 أبواب العتق ب 5.
3- الانتصار:169،لم نعثر عليه في نهج الحق.
4- الفقيه 3:310/85،التهذيب 8:782/218،الإستبصار 4:1/2،الوسائل 23:35 أبواب العتق ب 17 ح 5.أضفنا ما بين المعقوفين من المصادر.

بالفرق بين الطائفة.

مع أنّ في عتق الكافر إعانة على الإثم محرّمة،كما صرّح به من القدماء جماعة (1)،فكيف يحصل معها قصد القربة المشترطة في الصحة لو لم نقل بعدم حصوله بالمرة و لو لم يكن فيه الإعانة المزبورة؟ و ما أبعد ما بين هذا و بين ما يدّعيه من المتأخرين جماعة (2)من إمكان قصد القربة بأن رجا بعتقه إسلامه،فما اختاروه من الصحة في هذه الصورة تبعاً للمبسوط و الخلاف (3)ضعيف غايته.

و الرواية المصحّحة له (4)مع كونها ضعيفة غير مجبورة،قضيّة في واقعة فلم تكن عامّة،و مع ذلك أخصّ من المدّعى،و هو شيء قد ضعّفوا به دلالة الرواية السابقة،فكيف يمكنهم الاعتماد عليها و جعلها حجّة مع اشتمالها عليه و مخالفتها الأدلّة المتقدّمة التي هي أقوى منها في الحجيّة بمراتب عديدة؟ و يكره عتقه لو كان مخالفاً في المذهب؛ للخبر:« ما أغنى اللّه تعالى عن عتق أحدكم،تعتقون اليوم يكون عليكم غداً،لا يجوز لكم أن تعتقوا إلّا عارفاً» (5).

ص:22


1- منهم المرتضى في الانتصار:169،حكاه عن أبي علي في المختلف:621؛ و انظر الكافي في الفقه:318،و الوسيلة:341،و السرائر 3:4،و المراسم:191.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:126،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:258،و السبزواري في الكفاية:219.
3- المبسوط 6:70،الخلاف 6:370.
4- الكافي 6:1/182،التهذيب 8:783/219،الإستبصار 4:2/2،الوسائل 23:34 أبواب العتق ب 17 ح 2.
5- الكافي 6:9/196،الوسائل:34 أبواب العتق ب 17 ح 3؛ و فيهما:و يكون علينا بدل عليكم.

و لقصور سنده حمل على الكراهة،مع أنّها وجه الجمع بينه بين الرواية الآتية.

و لو نذر عتق أحدهما أي الكافر أو المخالف صحّ في الثاني؛ لصحيحة عليّ بن راشد قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:إنّ امرأة من أهلنا اعتلّ لها صبيّ،فقالت:اللّهم إن كشفت عنه ففلانة حرّة،و الجارية ليست بعارفة،فأيّهما أفضل جعلت فداك-:تعتقها أو تصرف ثمنها في وجوه البرّ؟فقال:« لا يجوز إلّا عتقها» (1).

و غير العارفة أعمّ من المستضعفة و المخالفة،بل ربما كانت ظاهرة في الأخيرة.

و كذا في الأوّل عند الشيخ في النهاية و تبعه الماتن هنا و الشهيد في اللمعة (2)؛ و لا وجه له سوى الجمع بين الروايتين المتعارضين في المسألة السابقة.و هو حسن إن وُجد له شاهد أو أمارة،و لا وجود لهما،كما صرّح به جماعة (3).

نعم،ربما يمكن الاستدلال عليه بالرواية السابقة المصححة لنذر عتق الجارية الغير العارفة،لكنّها كما عرفت غير ظاهرة الشمول للمستضعفة، فكيف تكون شاملة للكافرة؟مع أن عتق الكافر إذا كان حراماً كان نذره نذراً في معصية،و هو محرم إجماعاً فتوًى و روايةً.

و لو شرط المولى على المعتَق الخدمة زماناً معيناً صحّ إجماعاً؛

ص:23


1- التهذيب 8:823/228،الوسائل 23:99 أبواب العتق ب 63 ح 1.
2- النهاية:544،اللمعة(الروضة البهية 6):261.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:126،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:256،و المجلسي في ملاذ الأخيار 13:433.

للصحاح المتقدّمة (1)صريحاً في بعض،و فحوى في الباقي.

و في صحّته مع عدم تعيين المدة بل تعليق الخدمة على مدّة حياته قولان.

و لو أبق و مات المولى فوجد بعد المدة أو فيها فهل للورثة استخدامه في تلك المدة إن كانت بعينها باقية و مطالبة اجرة مثلها إن كانت منقضية؟ المروي في بعض الصحاح المتقدمة: لا (2) عمل به الإسكافي و النهاية و من تبعه (3).

و ليست الرواية في مطلوبهم صريحة؛ لاحتمالها الاختصاص بصورة انقضاء المدة،أو كون المشروط له الخدمة نفس المولى خاصة.و نفي استحقاق الخدمة لا يستلزم نفي استحقاق الأُجرة.

فمع ذلك لا يمكن تخصيص القاعدة المقتضية لجواز مطالبته بالخدمة مع بقاء المدة،و عدم اختصاص المشروط له بالميّت خاصة، و جواز مطالبة الأُجرة مع عدم الأمرين.و لذا اختار المتأخرون كافّة خلاف هؤلاء الجماعة و عيّنوا المصير إلى مقتضى القاعدة،و هو في غاية الجودة.

و إذا طلب المملوك من مولاه البيع أي بيعه لم يجب إجابته للأصل و فقد المعارض،نعم يمكن القول باستحبابها مع إيمانه و عدم ما يقتضي خلافه.

يكره التفريق بين الولد و أُمّه

و يكره التفريق بين الولد و أُمّه،و قيل:يحرم مرّ مستند القولين في

ص:24


1- في ص 15.
2- في« ط» و« ر» زيادة:يستخدم مطلقاً.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:625،النهاية:542،و تبعه القاضي في المهذّب 2:359.

كتاب البيع فلا نعيده (1).

و إذا أتى على المملوك المؤمن عند مولاه سبع سنين استحبّ عتقه للمرسل:« من كان مؤمناً فقد عتق بعد سبع سنين،أعتقه صاحبه أم لم يعتقه،و لا تحلّ خدمة من كان مؤمناً بعد سبع سنين» (2).

و هو محمول على الاستحباب؛ للإجماع على أنه لا ينعتق بنفسه كما في المسالك (3).و التمسك به مع ذلك للاستحباب بناءً على المسامحة في أدلّته.

و كذا لو ضرب مملوكه ما هو حدّ استحب له أن يعتقه،كما ذكره الشيخ و جماعة (4).و لا بأس به و إن لم يوجد له دلالة بناءً على المسامحة المزبورة.

مسائل سبع

مسائل سبع

الاُولى لو نذر تحرير أوّل مملوك يملكه فملك جماعةً تخيّر في عتق أحدهم

الاُولى: لو نذر تحرير أوّل مملوك يملكه فملك جماعةً تخيّر في عتق أحدهم مع بقائه و قدرته و إلّا فالقرعة،على قول الماتن هنا و الشهيد في النكت تبعاً للإسكافي (5)،و ظاهر الطوسي في كتابي الحديث (6)؛ للخبر:

عن رجل قال:أوّل مملوك أملكه فهو حرّ،فأصاب ستّة،قال:« إنّما كانت

ص:25


1- راجع ج 9 ص 85.
2- الكافي 6:12/196،التهذيب 8:831/230،الوسائل 23:59 أبواب العتق ب 33 ح 1.
3- المسالك 2:127.
4- الشيخ في النهاية:573؛ و انظر اللمعة(الروضة البهية 3):20،و كشف اللثام 2:242.
5- حكاه عن النكت في كشف اللثام 2:186،و عن الإسكافي في المختلف:625.
6- الاستبصار 4:6،التهذيب 8:226.

نيّته على واحدة،فليتخيّر أيّهم شاء» (1).

و ضعف سنده يمنع من العمل به.

و قيل:يقرع بينهم مطلقاً،و هو الأظهر،وفاقاً للأكثر و منهم:

الصدوق و الطوسي في النهاية و القاضي (2)؛ للمعتبرين:أحدهما:

الصحيح (3)،و الثاني القريب منه:في رجل قال:أوّل مملوك أملكه فهو حرّ،فورث سبعة جميعاً،قال:« يقرع بينهم،و يعتق الذي يخرج سهمه» (4).

و قال ثالث:لا يلزمه عتقه و هو الحلّي (5)؛ لأمر اعتباري مع ضعفه غير معارض لما مرّ من النصّ الجليّ.و نحوه القول بلزوم عتق الكل (6).

ثم كلّ ذا إذا ملك جماعة و لو ملك واحداً وجب عتقه،سواء ملك بعده آخر أم لا،على الأشهر الأقوى؛ إذ الأوّليّة عرفيّة تتحقق بعدم سبق الغير،و لا تتوقّف على تحقّق شيء بعده.

الثانية:

الثانية لو نذر عتق أوّل ما تلده الجارية فولدت توأمين عتقا

لو نذر عتق أوّل ما تلده الجارية فولدت توأمين أي ولدين في بطن،واحدهما:توأم على وزن فوعل عتقا معاً بلا خلاف فيه في الجملة؛ للمرفوع:قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل نكح وليدة

ص:26


1- الفقيه 3:345/92،التهذيب 8:812/226،الإستبصار 4:17/5،الوسائل 23:93 كتاب العتق ب 57 ح 3.
2- الصدوق في المقنع:157،النهاية:543،القاضي في المهذب 2:360.
3- التهذيب 8:810/225،الإستبصار 4:16/5،الوسائل 23:93 كتاب العتق ب 57 ح 2.
4- التهذيب 8:811/225،المقنع:157،الوسائل 23:92 كتاب العتق ب 57 ح 1.
5- السرائر 3:12.
6- احتمله العلّامة في القواعد 2:98،و حكاه الشهيد في الروضة 6:294.

رجل أعتق ربّها أوّل ولد تلده،فولدت توأماً،فقال:« أُعتق كلاهما» (1).

و إطلاقه بل عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال يشمل صورتي ولادتهما معاً أو متعاقباً،بل لعلّه بمقتضى الغلبة ظاهر في الأخيرة جدّاً، و لذا أطلق الحكم في العبارة تبعاً للنهاية و القاضي و جماعة (2).و خصّه الآخرون تبعاً للحلّي (3)بالأُولى خاصّة؛ تضعيفاً للرواية،أو حملاً لها عليها خاصّة،أو كون المنذور حملها دون أوّل ما تلده.

و ذكر جماعة (4):أنّ الأوّل أكثر،و به يمكن جبر الخبر.مضافاً إلى إمكان توفيقهما مع الأصل على تقدير ترجيح العرف على اللغة؛ إذ يصدق على مجموع التوأمين أنّهما أوّل ما ولدته و لو ولدتهما على التعاقب عرفاً، و إن لم يصدق ذلك لغةً.

قالوا:و الفرق بين هذه المسألة و المسألة السابقة:أنّ ما موصولة فتعمّ،بخلاف لفظة مملوك في المسألة السابقة،فإنّه نكرة في سياق الإثبات.و لو كان المنذور في الأُولى أوّل ما يملكه و في الثانية أوّل مولد تلده انعكس الحكم.

و فيه نظر؛ للحوق الحكم بالمضاف دون المضاف إليه و هو نكرة على الإطلاق،مع أن النص في المسألة متضمن للسؤال عن عتق أول ولد تلده،

ص:27


1- الكافي 6:7/195،التهذيب 8:834/231،الوسائل 23:57 أبواب العتق ب 31 ح 1.
2- النهاية:544،القاضي في المهذب 2:360؛ و انظر المسالك 2:127،و الكفاية:220،و كشف اللثام 2:186.
3- السرائر 3:13؛ و انظر القواعد 2:98،و نهاية المرام 2:265،و كشف اللثام 2:186.
4- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:127،و السبزواري في الكفاية:220.

و هو بعينه كالمسألة الأُولى.

الثالثة لو أعتق بعض مماليكه فقيل له:هل أعتقت مماليكك؟فقال:نعم،لم ينعتق

الثالثة: لو أعتق بعض مماليكه فقيل له:هل أعتقت مماليكك؟ فقال:نعم،لم ينعتق عليه في نفس الأمر إلّا من سبق عتقه لأنّ قوله نعم في جواب السؤال لا يكفي في حصول العتق.

و للموثق:عن رجل قال لثلاثة مماليك له:أنتم أحرار،و كان له أربعة،فقال له رجل من الناس:أعتقت مماليكك؟قال:نعم،أ يجب العتق للأربعة حين أجملهم أو هو للثلاثة الذين أعتق؟فقال:« إنّما يجب العتق لمن أعتق» (1).

و إطلاقه كالعبارة و عبائر أكثر الجماعة (2)و إن دلّ على شمول الحكم للظاهر،إلّا أنّه ينبغي تقييده بما قدّمناه من الواقع و نفس الأمر،و إلّا ففي الظاهر يجب الحكم عليه بعتق الجميع،لأنّ قوله نعم عقيب الاستفهام عن عتق عبيدة الذي هو جمع مضاف مفيد للعموم،فيفيد الإقرار بعتق جميع عبيده.

و اعتبر الفاضل في القواعد الكثرة في المعتق (3)؛ لتطابق لفظ الإقرار.

و يضعّف:بأن ذلك لا يجري على اعتبار نفس الأمر و لا الظاهر؛ لأنّا إن اعتبرنا الأوّل لم يحكم عليه إلّا بعتق من سبق عتقه خاصّة،واحداً كان أو متعدداً كما أطلقوه،و إن اعتبرنا الثاني حكمنا بعتق الجميع،كما يفيده العموم المستفاد من الجمع المضاف.

ص:28


1- الفقيه 3:230/68،التهذيب 8:813/226،الوسائل 23:94 أبواب العتق ب 58 ح 1.
2- كالتنقيح الرائع 3:443،و الروضة البهية 6:280،و نهاية المرام 2:266،و كشف اللثام 2:186.
3- القواعد 2:98.

الرابعة:

الرابعة لو نذر عتق أمته إن وطئها فخرجت عن ملكه،انحلّت اليمين

لو نذر عتق أمته إن وطئها فخرجت عن ملكه،انحلّت اليمين و إن عادت إليه بملك مستأنف وفاقاً للصدوق و الطوسي و القاضي (1)و كثير من المتأخرين،بل عامّتهم كما يظهر من المسالك (2).

للصحيح:عن رجل تكون له الأمة فيقول:يوم يأتيها فهي حرّة،ثم يبيعها من رجل ثمّ يشتريها بعد ذلك،قال:« لا بأس أن يأتيها،قد خرجت عن ملكه» (3).

و ليس فيه ذكر النذر بل مجرّد التعليق،لكن حمله الأصحاب عليه لإجماعهم على منع العتق المعلّق على شرط.و خلاف الحلّي في المقام شاذ (4)،و الصحيح حجّة عليه.

مضافاً إلى أنّ الوطء شرط النذر و هو يستتبع الملك،فإذا خرجت عن ملكه فقد انحلّ النذر؛ لزوال الشرط الذي باعتباره يتحقق النذر،فإذا عاد الملك لم يعد النذر بعد زواله.و في التعليل المذكور في الصحيح تنبيه عليه.

ثم إنّ ذا إذا أطلق الوطء،أمّا لو عمّمه و لو بالنيّة بحيث يشمل الوطء متى ملكها كقوله متى وطئت و شبهه،فلا كلام في عدم الحلّ كما في التنقيح و غيره (5).

ص:29


1- الصدوق في المقنع:157،الطوسي في النهاية:544،القاضي في المهذب 2:360.
2- المسالك 2:128.
3- الفقيه 3:229/68،التهذيب 8:814/226،الوسائل 23:94 أبواب العتق ب 59 ح 1.
4- السرائر 3:12.
5- التنقيح الرائع 3:444؛ و انظر المسالك 2:128،و كشف اللثام 2:187.

و في التعليل إيماء إلى تعدّى الحكم إلى غير الأمة،و إلى التعليق بغير الوطء.و تردّد فيه في المسالك (1)؛ لذلك،و لأنّ الخروج عن الملك لا مدخل له في انحلال النذر،لأنّ غايته أن تصير أجنبية منه،و النذر يصحّ تعلّقه بها كنذر عتقها إن ملكها و هي في ملك غيره ابتداءً.

و في هذا الوجه نظر؛ إذ مع مخالفته ظاهر النص الظاهر باعترافه في الشمول لمحل الفرض،يدفعه ما قدّمناه من التعليل في ردّ الحلّي.فتأمل.

الخامسة:

الخامسة لو نذر عتق كلّ عبد قديم في ملكه أعتق من كان له في ملكه ستة أشهر فصاعداً

لو نذر عتق كلّ عبد قديم في ملكه أعتق من كان له في ملكه ستة أشهر فصاعداً للمرسل (2)المنجبر بعمل الأكثر بل الإجماع،كما عن فخر الإسلام (3).و لا ينافيه عدم تعرّض جماعة من القدماء للعمل به كالإسكافي و الصدوق و الديلمي؛ لمعلومية نسبهم،مع أنّ عدم الفتوى لا يستلزم عدم الرضا،فالأقوى عدم خروج الإجماع المنقول عن الحجية بمثل ذلك،فهو أيضاً حجّة أُخرى معتضدة هي كالمرسلة بالشهرة المحقّقة،و المستفيضة الحكاية،و عمل من لا يرى العمل بالأخبار الغير المتواترة،و لا غير المحفوفة بالقرائن القطعية كالحلّي (4)و من ضاربه.

فإذاً:هذه الرواية في أعلى درجات الحجيّة،و فيها:رجل قال عند موته:كلّ مملوك قديم فهو حرّ لوجه اللّه تعالى،قال:« إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول في كتابه حَتّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [1] (5)فما كان من مماليكه

ص:30


1- المسالك 2:128.
2- الكافي 6:6/195،الفقيه 3:351/93،التهذيب 8:835/231،الوسائل 23:56 أبواب العتق ب 30 ح 1.
3- إيضاح الفوائد 3:483.
4- السرائر 3:13.
5- يس:39.

أتى له ستة أشهر فهو قديم حرّ» .و هي كما ترى عامّة لكل مملوك ذكراً كان أو أُنثى،فاختصاص العبارة و غيرها من عبائر الجماعة بالأول إن كان للمَثَل،و إلّا فلا وجه له أصلاً مع عموم المستند لهما نصّاً و تعليلاً.

و منه يظهر انسحاب الحكم إلى ما شابه محل البحث،كنذر الصدقة بالمال القديم و الإقرار به،و إبراء كل غريم قديم.و تردّد فيه جماعة (1)لذلك،و لمخالفة هذا الحكم الأصل،مع ضعف المستند و قصر الإجماع على مورده.

ثم إنّ كلّ ذا إذا مضى على بعض مماليكه المدّة المزبورة.أمّا لو لم تمض بل قصر ملك جميعهم عنها،ففي عتق أوّلهم تملّكاً اتّحد أم تعدّد، أو بطلان النذر وجهان.و على الصحّة لو اتّفق ملك الجميع دفعةً ففي انعتاق الجميع،أو البطلان لفقد الوصف،الوجهان.و الأقوى الرجوع فيما لم يساعده الإجماع و النص إلى العرف إن حصل،و إلّا فيبطل النذر.

السادسة: مال العبد المعتق لمولاه مطلقاً و إن علم به و لم يشترطه وفاقاً للحلّي و غيره (2)،بناءً على أنّه لا يملك و ماله لمولاه، و أنّ لفظ العتق لا يتضمّن غير فكّ الرقّ دون إباحة المال.و هو حسن لولا ما سيأتي من الأخبار.

و قيل كما عن الصدوق و الشيخ و التقي و الإسكافي (3):إنّه إن لم

ص:31


1- منهم العلّامة في القواعد 2:98،الشهيد الأول في الدروس 2:205،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:187.
2- الحلّي في السرائر 3:11؛ و انظر المسالك 2:129،و الكفاية:220،و كشف اللثام 2:187.
3- الصدوق في المقنع:157،الشيخ في النهاية:543،التقي في الكافي:318،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:624.

يعلم المولى به اي بالمال فهو له،و إن علم و لم يستثنه فهو للعبد و نسبه في الدروس إلى كافّة القدماء (1)،و في شرح الكتاب للسيّد إلى الأكثر (2)،و بنى الخلاف فيه على ما مرّ في البيع من الخلاف في مالكيته و عدمها،و بنى القول الثاني على الأوّل.

و فيه نظر:أوّلاً:بما عرفت ثمّة من الإجماعات المحكية على عدم المالكية الظاهرة في مصير هؤلاء الأجلّة القائلين بهذا القول إليه.

و ثانياً:بعدم انطباقه بهذا التفصيل على القول بالمالكية إن قالوا به؛ لأنّه على تقديره يكون المال للعبد مطلقاً،و لو كان السيّد لم يعلم به أو علم به و استثناه،فلا ريب في ضعف هذا البناء و فساده.

و الظاهر أنّ مستندهم على التفصيل إنّما هو المعتبرة،منها الصحيح:

عن رجل أعتق عبداً له و للعبد مال،لمن المال؟فقال:« إن كان يعلم أنّ له مالاً تبعه ماله،و إلّا فهو له» (3).

و نحوه الموثّقان (4)القريبان منه في الصحّة بابن بكير و أبان،اللذين أجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما العصابة،و ربما قال بوثاقتهما جماعة (5)،فالمصير إليها لا يخلو عن قوّة سيما بعد اعتضادها بالشهرة

ص:32


1- الدروس 2:206.
2- نهاية المرام 2:269.
3- الكافي 6:4/190،التهذيب 8:803/223،الإستبصار 4:30/10،الوسائل 23:48 أبواب العتق ب 24 ح 4.
4- الكافي 6:2/190،الفقيه 3:237/69،238/70،التهذيب 8:804/223،805،الإستبصار 4:31/10،32/11،الوسائل 23:47،49 أبواب العتق ب 24 ح 1،6.
5- انظر الفهرست:106،و كامل الزيارة:4،و رجال الكشي 2:705/673،و مرآة العقول 21:316.

المحقّقة و المحكيّة،فيخصّص بها كلّ من قاعدتي المالكية و عدمها.

و لكن مع ذلك،المسألة لا تخلو عن ريبة؛ لاحتمالها ككلام القائلين بها الحمل على صورة حصول عادة مقتضية لكون علم السيد أمارة على الإباحة،و به يندفع منافاتها للقول بعدم المالكية و ما دلّ عليه من الأدلّة،و يظهر أنّ دفعه إلى العبد مع العلم بطريق الإباحة،لا من حيث كونه مالكاً.

و يؤيّده ورود نحو هذا التفصيل في الصحيح (1)الوارد في بيعه و أنّ ماله للمشتري لا له لو علم به؛ إذ لو كان الوجه في الدفع هنا مع العلم الملكيّة لَما صحّ دفعه معه إلى المشتري في صورة البيع،بل كان الدفع إليه أولى البتة.

و ممّا يضعف التمسك بظواهر إطلاقات هذه الأخبار ورود النصوص من الصحيح و غيره (2)في البيع بردّ ما تضمّنته هذه من التفصيل،و إن كان من الصحيح،و إطلاق كون المال للمولى على أيّ تقدير.

و قد عرفت ثمة أنّ العلم بتلك النصوص دون الصحيح المقابل لها أظهر و أشهر بين الطائفة.فيحتمل كون نصوص المسألة مثله في المتروكية، و لو لا شهرة العمل بها في المسألة لكان طرحها أو تأويلها بما قدّمناه هنا و في البيع متعيّناً.

ثم إنّ إطلاق الماتن هنا بكون مال العبد لمولاه كحكمه به في البيع ممّا لا يلائم ما اختاره ثمّة من مالكيّته في الجملة،بل كان عليه في المقامين تخصيصه بما لا يملكه لا إطلاقه.

ص:33


1- الفقيه 3:236/69،الوسائل 23:48 أبواب العتق ب 24 ح 3.
2- الوسائل 18:252 أبواب بيع الحيوان ب 7 الأحاديث 1،4،5.

السابعة:

السابعة إذا أعتق ثلث عبيده استخرج الثلث بالقرعة

إذا أعتق ثلث عبيده و لم يعيّن أو عيّن و جهل استخرج الثلث بالقرعة بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في صريح التنقيح و ظاهر الكفاية (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى عموم ما دلّ على اعتبار القرعة في كل أمر فيه جهالة (2)،و منه مفروض المسألة.

و يعضده ما مرّ في نظيرها في كتاب الوصيّة (3).و مرّ فيه وجه المنع عن عتق ثلث كلّ واحد منهم من ورود الرواية بالتجزية و استلزامه الإضرار بالورثة،و موردها مفروض العبارة و هو عتق الثلث فيجيزون ثلثة.

فحينئذ يقرع بكتابة أسماء العبيد،فإن أُخرج على الحريّة كفت الواحدة،و إلّا أُخرج رقعتان.و يجوز كتابة الحريّة في رقعة و الرقّية في رقعتين و يخرج على أسمائهم.

و في المسألة وجه ثالث استوجهه في المختلف (4)و عيّنه،و هو:أن يكتب ستة رقاع بأسماء الستة،و يخرج على أسمائهم واحدة واحدة على الحريّة و الرقّية إلى أن يستوفي المطلوب،أو يكتب في اثنتين حرية،و في أربع رقية،ثم يخرج على واحد واحد إلى أن يستوفيه.

و هذا الوجه أعدل؛ لأنّ جمع الاثنين على حكم واحد يمنع من افتراقهما في الحرية و الرقية و من الممكن خروج أحدهما دون الآخر بالضرورة.

ص:34


1- التنقيح الرائع 3:477،الكفاية:220.
2- الفقيه 3:174/52،التهذيب 6:593/240،الوسائل 27:259 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 13 ح 11.
3- راجع ج 10:382.
4- المختلف:627.

لكنّ المشهور بين القدماء ما سبق كما في الكفاية (1)،لوروده في الرواية.و يمكن تنزيلها على هذا الوجه،و يجمع بينهما بأن يكون أقرع صلّى اللّه عليه و آله أوّلاً في استخراج صورة الجمع من الصور الممكنة،ثم أقرع على الوجه المذكور في الرواية.و هذا أحوط بلا شبهة.

ثمّ إن تساووا عدداً و قيمةً أو اختلفوا مع إمكان التعديل أثلاثاً فلا خفاء في المسألة.و إن اختلفت القيمة و لم يمكن التعديل عدداً أو قيمةً بل أحدهما خاصّة،كما إذا كانوا ستّة قيمة أحدهم ألف،و قيمة اثنين ألف، و قيمة ثلاث ألف.فإن اعتبرت القيمة كانت أثلاثاً و لكن اختلف العدد،و إن اعتبر العدد كان أثلاثاً لكن اختلفت القيمة،ففي ترجيح اعتبارها أو العدد وجهان.

و لعلّ أظهرهما الأوّل وفاقاً للأكثر على ما يظهر،و منهم الشيخ قائلاً إنّه أصح عندنا (2).و هو ظاهر في الإجماع عليه كما ترى؛ و لعلّه الحجّة، دون ما يقال من أنّ المقصود الذاتي من العبد الماليّة،لعدم المعلومية في نحو المسألة و إن صلح للتقوية.

و احتمل في المختلف (3)الثاني موافقةً للرواية؛ بناءً على استبعاد استواء الستّة التي هي موردها قيمةً،و التفاتاً إلى إضافة الثلث إلى العبيد لا إلى القيمة،فتقديرها على خلاف القاعدة.

و يضعفّان:بعدم مسموعيتهما في مقابلة الإجماع المحكي على الظاهر المعتضد بما مرّ مع فتوى الأكثر،مع عدم معلوميّة ثبوت الحكم

ص:35


1- الكفاية:220.
2- المبسوط 6:67.
3- المختلف:627.

بمثل هذا الاستبعاد،و اندفاع الأخير بأنّا لا نقدّر القيمة،بل نقول:إنّ إضافة الثلث إلى العبيد باعتبار الماليّة،فيكون كالقرينة على ترجيح القيمة.لكن في ثبوت هذه الدعوى مناقشة يعسر معها جعلها حجّة و إن أمكن جعلها مؤيدة.

العتق بالسراية

و أمّا العتق ب السراية و هو انعتاق باقي المملوك إذا أُعتق بعضه بشرائط خاصّة.

فمن أعتق شقصاً بكسر الشين أي جزءاً من عبده أو أمته و إن قلّ الجزء منه عتق عليه كلّه أجمع و إن لم يملك سواه،على الأظهر الأشهر،بل ظاهر العبارة و كثير من الأصحاب (1)عدم الخلاف فيه،و في الروضة:ربما كان إجماعاً،لكن فيها و في المسالك نسب القول بعدم السراية إلى جمال الدين بن طاوس خاصّة (2).

و لا ريب أنّه الأوفق بالأصل،و ظاهر كثير من النصوص المتضمّنة للصحيح و غيره (3)،إلا أنّ ظاهر اتّفاق الأصحاب الذي كاد أن يلحق بالإجماع بل و ربما يقطع بتحققه بعد معلوميّة نسب السيد و عدم حصول قدح فيه بخروجه،يخصّص الأصل و يوجب طرح ما بعده أو تأويله بما لا ينافي السراية،سيّما بعد اعتضاده بروايتين (4)هما حجّة أُخرى مستقلّة،

ص:36


1- منهم:الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 6:261،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:271،و السبزواري في الكفاية:221.
2- الروضة 6:262،المسالك 2:131.
3- الوسائل 23:100 أبواب العتق ب 64 ح 3،7،وص 156 أبواب المكاتبة ب 12 ح 1.
4- التهذيب 8:824/228،825،الإستبصار 4:18/6،19،الوسائل 23:99،100 أبواب العتق ب 64 ح 1،2.

بانجبارهما بالشهرة العظيمة و إن لم تبلغ درجة الإجماع،مع أنّ الفرض خلافه،مع أن إحداهما موثقة:إنّ رجلاً أعتق بعض غلامه،فقال عليّ عليه السلام:« هو حرّ،ليس للّه فيه شريك» .فميل صاحب الكفاية إلى موافقة السّيد ضعيف غايته (1).

و لو كان له أي للمعتق شريك في العبد الذي أعتق شقصه قوّم عليه نصيبه أي الشريك إن كان المولى المعتق موسراً و ذلك كما ذكر الشهيدان و غيرهما (2)بأن يملك زيادةً عما يستثني في الدين،من داره و خادمه و دابته و ثيابه اللائقة بحاله كميّةً و كيفيّةً،و قوت يوم له و لعياله،ما يسع قيمة نصيب الشريك،فيدفع إليه و يعتق،بلا خلاف فيه لو قصد بالعتق الإضرار على الشريك،إلّا من المحكي عن الحلبي،فأطلق وجوب السعي على العبد (3)كما يأتي.

و كذا لو لم يقصده عند الأكثر (4).خلافاً للشيخ،فأوجب السعي على العبد في الفكّ حينئذ (5)،كما سيذكره و للإسكافي (6)فخيّر الشريك بينه و بين إلزام المعتق قيمة نصيبه.و لا شاهد له.

و سعى العبد في فكّ باقيه إن كان المولى المعتق معسراً بلا خلاف إن لم يقصد الإضرار،بل قصد القربة خاصّة،و كذا إن قصده عند

ص:37


1- الكفاية:221.
2- الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 6:263؛ و انظر كشف اللثام 2:188.
3- الكافي في الفقه:317.
4- القواعد 2:99،المهذب البارع 4:60،اللمعة(الروضة البهية 6):263،نهاية المرام 2:272،كشف اللثام 2:188.
5- النهاية:542.
6- كما حكاه في المختلف:622.

الأكثر و منهم المفيد و الديلمي و الصدوق (1)،و المرتضى مدّعياً عليه و على ما مرّ إجماع الإمامية (2)؛ و هو الحجّة فيهما،مضافاً إلى الصحيحين.

في أحدهما:« من كان شريكاً في عبد أو أمة قليلاً كان أو كثيراً فأعتق حصّته و له سعة،فليشتره من صاحبه فيعتقه كلّه،و إن لم يكن له سعة من المال نظر قيمته يوم أعتق منه ما أعتق،و يسعى العبد في حساب ما بقي» (3).

و في الثاني:في جارية كانت بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه قال:

« إن كان موسراً كُلّف أن يضمن،و إن كان معسراً اخدمت بالحصص» (4).

و يذبّ عما يرد على ذيله من المناقشة بحمل الإخدام على السعاية، أو تقييده بصورة عجز الجارية عنها لا مطلقاً.

و نحوه المرسل كالصحيح (5).

و بها مضافاً إلى الإجماع المتقدم يجمع بين الأخبار المطلقة الدالّة بعضها على السراية عليه مطلقاً كالصحيح:عن المملوك يكون بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه،قال:« إنّ ذلك فساد على أصحابه،فلا يستطيعون بيعه و لا مؤاجرته» قال:« يقوم قيمة فيجعل على الذي أعتقه عقوبة،و إنّما

ص:38


1- المفيد في المقنعة:550،الديلمي في المراسم:191،الصدوق في المقنع:156.
2- الانتصار:169.
3- الكافي 6:3/183،التهذيب 8:791/221،الإستبصار 4:13/4،الوسائل 23:36 أبواب العتق ب 18 ح 3.
4- الفقيه 3:222/67،التهذيب 8:785/219،الإستبصار 4:7/3،الوسائل 23:38 أبواب العتق ب 18 ح 7.
5- التهذيب 8:793/221،الإستبصار 4:9/3،الوسائل 23:40 أبواب العتق ب 18 ح 11.

جعل ذلك لما أفسده» (1).

و الموثّق بعثمان:عن مملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه،قال:

« يقوم قيمة و يضمن الذي أعتقه،لأنّه أفسده على صاحبه» (2).

و الخبر:عن قوم ورثوا عبداً جميعاً فأعتق بعضهم نصيبه منه،كيف يصنع بالذي أعتق نصيبه منه،هل يؤخذ بما بقي؟قال:« يؤخذ بما بقي» (3).

و الدالّ بعضها على عدم السراية عليه كذلك،كالخبرين أحدهما الموثّق:رجل أعتق شركة له في غلام مملوك،عليه شيء؟قال:

« لا» (4).و في آخر:عن مملوك بين أُناس فأعتق بعضهم نصيبه،قال:« يقوم قيمة ثمّ يستسعى فيما بقي،ليس للباقي أن يستخدمه،و لا يأخذ منه الضريبة» (5).

بحمل الأوّلة على صورة اليسار و الثانية على صورة الإعسار،مع احتمال الأوّلين منها الحمل على نفي الإثم دون نفي السراية.

و الجمع بينهما بالحمل على القول الآتي و إن كان ممكناً إلا أنّ هذا

ص:39


1- التهذيب 8:790/220،الإستبصار 4:11/4،الوسائل 23:39 أبواب العتق ب 18 ح 9.
2- الكافي 6:5/183،التهذيب 8:789/220،الإستبصار 4:8/3،الوسائل 23:37 أبواب العتق ب 18 ح 5.
3- الكافي 6:6/183،التهذيب 8:784/219،الإستبصار 4:6/3،الوسائل 23:38 أبواب العتق ب 18 ح 6.
4- التهذيب 8:786/219،الإستبصار 4:3/2،الوسائل 23:38 أبواب العتق ب 18 ح 8.
5- التهذيب 8:792/221،الإستبصار 4:5/2،الوسائل 23:39 أبواب العتق ب 18 ح 10.

أقرب و أرجح جدّاً؛ للشهرة و حكاية الإجماع المتقدمة (1)،و تعدّد ما دلّ عليه من النصوص المعتبرة.

و كيف كان،لا محيص من الجمع بين هذه الأخبار المطلقة بأحد الأمرين؛ لعدم ظهور قائل بإطلاق شيء منها في البين،إلّا ما يحكى في الكفاية (2)عن الحلبي من الفتوى بمضمون الرواية الأخيرة،من إطلاق الحكم على العبد بالسعاية.و وجوه القدح فيها ظاهرة؛ و لعلّه لذا لم يحك عن أحد من الأصحاب المصير إليه بالكليّة.

و قيل كما عن الشيخ في صريح النهاية و القاضي (3):إنّه إن قصد بعتقه الإضرار على الشريك فكّه إن كان موسراً،و بطل العتق إن كان معسراً،و إن قصد القربة خاصّة لم يلزمه فكّه و إن استحب و سعى العبد في حصّة شريكه فإن امتنع العبد عن السعاية،أو لم يكن له عليها قدرة استقرّ ملك الشريك على حصته للصحيح:رجل ورث غلاماً و له فيه شركاء،فأعتق لوجه اللّه تعالى نصيبه،فقال:« إذا أعتق نصيبه مضارة و هو موسر ضمن للورثة،و إذا أعتق لوجه اللّه تعالى كان الغلام قد أُعتق من حصّة من أعتق،و يستعملونه على قدر ما أُعتق منه له و لهم،فإن كان نصفه عمل لهم يوماً و له يوم.و إن أعتق الشريك مضاراً و هو معسر فلا عتق له،لأنّه أراد أن يفسد على القوم، و يرجع القوم على حصّتهم» (4).

ص:40


1- في ص 37.
2- الكفاية:221.
3- النهاية:542،القاضي في المهذب 2:358.
4- الفقيه 3:227/68،التهذيب 8:794/221،الإستبصار 4:12/4،الوسائل 23:40 أبواب العتق ب 18 ح 12.

و به جمع بين الأخبار المطلقة المتقدمة:بحمل ما دلّ منها على السراية على ما إذا قصد الإضرار،و ما دلّ منها على عدمها على ما إذا قصد القربة خاصّة.

و هو و إن أمكن كما تقدّم إلّا أن الجمع بما مرّ أظهر؛ لقلّة التقييد فيما دلّ على الإطلاق على السراية على هذا،دون ما ذكره،لزيادة تقييد فيه بقصد الإضرار،و الأصل عدمه،مضافاً إلى ما مرّ من وجوه الترجيح الأُخر.

مضافاً إلى قصور الصحيح المفصّل بما ذكر عن إفادة جميع ما حرّره؛ لإشعار ذيله باختصاص بطلان العتق في صورته بحصص الشركاء خاصّة، لا بطلانه بالكليّة كما ذكره و دلّ عليه قوله عليه السلام« و لا عتق له» قبله،و عدم دلالته على وجوب السعي على العبد في صورته و انعتاقه بسعايته،لدلالته على بقاء رقّية نصيب الشريك و حصّته.

و تقييده بأحد ما مرّ في بعض الأخبار المفصّلة بغير ما اختاره، المتضمّنة لما يرد عليه نحو هذه المناقشة فرع وجود دلالة عليه،أو قرينة و ليست موجودة.و لا كذلك ثمّة؛ لوجودها عليه بلا شبهة،للإجماع على أنه حيث صحّ عتق المعتق في نصيبه،و لم يسر عليه في نصيب شريكه، يجب على العبد السعاية إن أمكنه،و إلّا فيستخدم بقدر الحصة.و لا إجماع في هذه الصحيحة لو حمل الحكم فيها في هذه الصورة على إطلاقه،بل يختصّ بما إذا قيّد بصورة إعسار المعتق خاصّة،مع أنّ سياقها و صريح القائل بها يدفع التقييد بها،و يثبتان الحكم مطلقاً.

اللهم إلّا أن يبدّل الإجماع بالصحيح:عن رجلين كان بينهما عبد فأعتق أحدهما نصيبه،قال:« إن كان مضاراً كلّف أن يعتقه كلّه،و إلّا

ص:41

استسعى العبد في النصف» (1).

و يذبّ عن إطلاق صدره الشامل لما إذا كان معسراً بتقييده بما إذا كان موسراً؛ للصحيح الماضي.

و العجب من الشيخ (2)حيث حمل الأخبار المفصّلة على التفصيل الذي ذكره،بحمل صدرها الدالّ على السراية مع السعة بصورة قصد الإضرار،و تقييد ذيلها الدالّ على السعاية بصورة قصد القربة خاصّة،مع أنه كما ترى يوجب التفكيك:بين موردهما،و الحال حصول ما يقرب من القطع بوحدة الموردين بحكم السياق جدّاً.

و بالجملة ما ذكره الأكثر أظهر،و ضعف هذا القول أظهر من أن يذكر، سيّما مع ما يرد عليه في الحكم بصحة العتق مع نيّة الإضرار و اليسار من الإشكال،لمنافاته الإخلاص،و إن ذبّ عنه جماعة منهم الفاضل في المختلف (3)،بحمل نيّة الإضرار على ما لا ينافي القربة،و هو ما لو كانت تابعة للقربة،و كون القربة بالذات مقصودة،لا صورتي العكس و تجرّدها عن القربة،لفساد العتق فيهما بلا شبهة.

ثم إنه على المختار في وقت الانعتاق خلاف:فبين من جعله وقت العتق كالحلّي (4)،و من جعله وقت أداء القيمة كالأكثر،كما يستفاد من عباراتهم المحكية في المختلف (5)،و من جعله وقت العتق لكن مراعى

ص:42


1- الكافي 6:2/182،الفقيه 3:226/67،التهذيب 8:788/220،الإستبصار 4:10/4،الوسائل 23:36 أبواب العتق ب 18 ح 2.
2- التهذيب 8:220.
3- المختلف:623،و انظر و نهاية المرام 2:275.
4- السرائر 3:5.
5- المختلف:627.

بالأداء إن حصل تبيّن الانعتاق حينه،و إلّا فلا عتق في نصيب الشريك (1).

و خير هذه الأقوال أوسطها؛ استصحاباً لعدم العتق السابق إلى حين الأداء،و التفاتاً إلى الإجماع عليه المستفاد من ظاهر المرتضى (2)،و أوّل الصحيحين المتقدم سنداً للأكثر فيما سبق (3)المتضمّن لقوله عليه السلام:فليشتره من صاحبه فيعتقه كلّه،لعطف الإعتاق فيه على الشراء بالفاء المقتضي لتعقّبه عن الأداء،و هو ينافي العتق سابقاً،هذا.

مضافاً إلى التأيّد بما قيل:من أن للأداء مدخلاً في العليّة،و لهذا لا ينعتق مع الإعسار،و أنه لو انعتق بالإعتاق لزم الإضرار بالشريك بتقدير هرب المعتق و تلف ماله (4).

و يتفرّع على الخلاف فروع جليلة ذكرها الأصحاب في كتبهم المبسوطة.

و ظاهر الصحيحة كما ترى اعتبار الشراء حقيقة،إلّا أنّ في المسالك أنّ المراد به أداء القيمة لا حقيقتها إجماعاً (5).

و في دعواه الإجماع عليه مع تعبير كثير من الأصحاب (6)بعين ما في الرواية من دون قرينة صارفة مناقشة،لكنّه أعرف بمراد الجماعة.

ثم ظاهرها أيضاً اعتبار الإعتاق ثانياً بعد الشراء،و نحوها في هذا عبائر كثير من القدماء،كالنهاية و القاضي و الصدوق (7).و لكن ظاهر

ص:43


1- كما في المبسوط 6:52.
2- الانتصار:169.
3- في ص 37.
4- قال به الشهيد الثاني في المسالك 2:132.
5- المسالك 2:132.
6- منهم:السبزواري في الكفاية:221،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:188.
7- النهاية:542،القاضي في المهذب 2:358،الصدوق في المقنع:156.

متأخّري الأصحاب (1)عدم الخلاف في حصول الانعتاق قهراً بمجرد أداء القيمة،و هو الظاهر من عبائر كثير من القدماء كالمفيد و الحلّي و المرتضى (2)،بل ظاهره الإجماع عليه (3)،كما يستفاد من عبارته التي ادّعى فيها في أصل المسألة إجماعنا،فينبغي صرف الإعتاق في الرواية و كلام هؤلاء الجماعة إلى الانعتاق.و لو احتيط بالظاهر لكان أحوط.

و إذا أعتق المولى أمته الحامل برقّ تحرّر الحمل مطلقاً و لو استثنى رقّه،لرواية السكوني :في رجل أعتق أمته و هي حبلى، فاستثنى ما في بطنها،قال:« الأمة حرّة و ما في بطنها حرّ،لأنّ ما في بطنها منها» (4).

و أفتى بها في النهاية،و تبعه القاضي و ابن حمزة (5)،و حكى في المختلف و غيره عن ظاهر الإسكافي (6).

و فيه مع ضعف السند به و بالنوفلي،و الموافقة للعامّة كما في المسالك و المختلف و غيرهما من كتب الجماعة (7)،و ربما يؤيده مصير الإسكافي إليه و كون الراوي من قضاة العامة إشكال منشؤه عدم القصد إلى عتقه سيما مع استثنائه،مع عدم كونه جزءاً من أمته على الأشهر الأظهر،

ص:44


1- كالشهيد الثاني في المسالك 2:132،و السبزواري في الكفاية:222،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:188.
2- المفيد في المقنعة:550،الحلي في السرائر 3:6،المرتضى في الانتصار:169.
3- الفقيه 3:309/85،التهذيب 8:851/236،الوسائل 23:106 أبواب العتق ب 69 ح 1.
4- النهاية:545،القاضي في المهذب 2:361،ابن حمزة في الوسيلة:342.
5- المختلف:627؛ و انظر التنقيح الرائع 3:454.
6- المسالك 2:134،المختلف:628؛ و انظر إيضاح الفوائد 3:500.
7- المختلف:627.

كما في كتاب البيع قد مرّ (1)،فكيف يسري عتقه إليه مع أنّ الأصل عدمها، و أدلّتها لا تشمل مفروض المسألة،لاختصاصها بسراية العتق في الأشقاص لا الأشخاص،و لذا اختار الحلّي (2)و عامة المتأخرين خلافه.

و هو في غاية القوّة،سيّما مع اعتضاده بما يأتي من المعتبرة الواردة في نظير المسألة من تدبير الأمة الحامل الدالّة على عدم السراية إلى ولدها:

إمّا مطلقاً كما في بعضها (3)،أو بشرط عدم علم المولى بما في بطنها كما في آخر منها (4)،فلا وجه لما يستفاد من العبارة هنا و في الشرائع من التردّد في المسألة (5)،سيّما مع الاعتراف بضعف السند و المخالفة للقاعدة.

العتق بالعوارض

و أما العتق ب العوارض التي تعرض المملوك ف يحصل بأُمور:منها العمى،و الجذام،و تنكيل المولى لعبده بقطعه أنفه أو لسانه أو اذنيه أو شفتيه أو نحو ذلك،بلا خلاف في الأوّلين،بل في ظاهر المسالك و الروضة و غيرهما الإجماع عليهما (6)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المستفيضة في الأوّل.منها الصحيح:« إذا عمي المملوك فقد عتق» (7).

ص:45


1- راجع ج 9 ص 50.
2- الحلّي في السرائر 3:17.
3- الكافي 6:5/184،التهذيب 8:947/260،الإستبصار 4:109/31،الوسائل 23:122 أبواب التدبير ب 5 ح 2.
4- التهذيب 8:964/260،الإستبصار 4:108/31،الوسائل 23:123 أبواب التدبير ب 5 ح 3.
5- الشرائع 3:112.
6- المسالك 2:136،الروضة 6:277؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:41.
7- الكافي 6:4/189،الفقيه 3:305/84،التهذيب 8:799/222،الوسائل 23:44 أبواب العتق ب 23 ح 1.

و الخبر المنجبر ضعفه أو قصوره كما عدا الصحيحة من المستفيضة بالعمل،في الثاني.

و فيه:« إذا جذم المملوك فلا رقّ عليه» (1).

و ألحق به البرص ابن حمزة (2)،و الحجة عليه مع مخالفته الأصل غير واضحة.

و على الأظهر الأشهر في الثالث؛ للنصوص المستفيضة:

منها:الصحيح المروي في الفقيه،عن أبي بصير بطريق حسن و صحيح،و لا اشتراك فيه على الأشهر الصحيح:« قضى أمير المؤمنين عليه السلام فيمن نكل بمملوكه أنه حرّ لا سبيل له عليه،سائبة» الحديث (3).

و منها:المرسل فيه أيضاً:في امرأة قطعت ثدي وليدتها أنّها حرة لا سبيل لمولاتها عليها» (4).

و نحوهما خبران آخران (5)منجبران كالثالث (6)بالشهرة العظيمة التي لا مخالف لها عدا الحلّي (7)،و تبعه الماتن في الشرائع (8)لكن على تردّد.

و لا وجه له عدا الأصل و ضعف المستند،و يندفعان بما مرّ على

ص:46


1- الكافي 6:2/189،الفقيه 3:304/84،الوسائل 23:45 أبواب العتق ب 23 ح 2.
2- الوسيلة:340.
3- الكافي 7:9/172،الفقيه 3:306/85،التهذيب 8:802/223،المقنع:160،الوسائل 23:43 أبواب العتق ب 22 ح 2.
4- الفقيه 3:307/85،الوسائل 23:44 أبواب العتق ب 22 ح 3.
5- و هما عامّيان.راجع سنن ابن ماجة 2:2679/894 و 2680.
6- الكافي 6:1/189،التهذيب 8:801/223،الوسائل 23:43 أبواب العتق ب 22 ح 1.
7- السرائر 3:8 9.
8- الشرائع 3:114.

طريقة الماتن و الأكثر.لكن يشكل دفعهما على طريقة الحلّي؛ لكونه من الآحاد الغير المعمول عليها عنده،و إن انجبر بعمل الأكثر.لكن ضعف هذه الطريقة أوضح من أن يذكر.

و ألحق الأصحاب بالعوارض الثلاثة،في حصول العتق بها قهراً الإقعاد و الزمانة.و في نسبة ذلك إلى الأصحاب إيذان بعدم وقوفه على دليله من نصّ أو غيره سوى الإجماع المستفاد عن صريح الخلاف (1)،و من ظاهر عبارته كغيره؛ و لعلّه كاف في الحجية،سيّما مع اعتضاده بدعوى ظاهر المسالك عدم الخلاف فيه،حيث قال بعد ذلك الحكم فيه:لكن لا يظهر فيه مخالف،حق ابن إدريس وافق عليه،لشبهة أنّه إجماع (2).

هذا مع ما في المختلف عن الإسكافي أنه قال:و في حديث أهل البيت:إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال:« إذا عمي المملوك أو جذم فلا رقّ عليه» .و عن أمير المؤمنين عليه السلام:« إذا أصابه زمانة في جوارحه و بدنه،و من نكل بمملوكه فهو حرّ لا سبيل عليه،سائبة» (3).

و هو كما ترى ظاهر الدلالة على وجود رواية فيه،لكنّها مرسلة إلّا أنها لا تقصر عن المراسيل السابقة،فتكون حجّة بعد الانجبار بالشهرة العظيمة.

و بالجملة فمتى حصل أحد هذه الأسباب فيه أي في المملوك انعتق قهراً على مولاه،كما مضى.

و كذا ينعتق عليه قهراً لو أسلم العبد في دار الحرب سابقاً على مولاه و خرج إلينا قبله،إجماعاً كما في صريح المختلف و ظاهر غيره (4)؛

ص:47


1- الخلاف 2:651.
2- المسالك 2:136.
3- المختلف:625.
4- المختلف:329 330؛ و انظر المبسوط 2:27،و المسالك 1:154.

و هو الحجة.

مضافاً إلى الخبر:« أيّما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حرّ،و أيّما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد» (1).

و كذا إذا لم يخرج،كما في المختلف عن ظاهر المبسوط (2)،و في المسالك و التنقيح عن صريح الحلّي (3).

و لكن في النسخة الموجودة عندي من المختلف نسب إليه خلافه، و هو البقاء على الرقّية كما هو المشهور بين الطائفة،و استند لهم ككثير من الأصحاب (4)بالاستصحاب و ظاهر الرواية السابقة،و للمبسوط بآية نفي السبيل (5)،و أجابوا عنها بما لا يخلو عن مناقشة كاستنادهم بالرواية.

و تحقيق الكلام في المسألة يطلب من كتاب الجهاد،فإنّه محلّه.

و كذا لو كان العبد وارثاً لقريبه و الحال أنّه لا وارث له غيره دفعت قيمته إلى مولاه و عتق قهراً بلا خلاف،بل عليه في ظاهر الكفاية و غيره الإجماع عليه (6)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة و فيها الصحيح و غيره (7)،يأتي إليها و إلى ما يتعلّق بالمسألة الإشارة في كتاب المواريث،فإنّه محله.

ص:48


1- التهذيب 6:264/152،الوسائل 15:117 أبواب جهاد العدو و ما يناسبه ب 44 ح 1.
2- المختلف:330.
3- المسالك 2:136،التنقيح الرائع 3:456.
4- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:589 590،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 7:468.
5- النساء:141.
6- الكفاية:222؛ و انظر المسالك 2:314،و مفاتيح الشرائع 3:313.
7- انظر الوسائل 26:49 أبواب موانع الإرث ب 20.

كتاب التدبير و المكاتبة و الاستيلاد

اشارة

كتاب التدبير و المكاتبة و الاستيلاد

التدبير

صيغة التدبير

أما التدبير و هو تعليق العتق على الوفاة،إمّا مطلقاً كما في مفاتيح الشرائع و غيره (1)،أو وفاة المولى خاصّة كما عليه الحلّي (2)،أو وفاة المخدوم و الزوج أيضاً كما عليه الأكثر (3)،و سيظهر في آخر هذا البحث أنّه أظهر.

و كيف كان فلفظة الصريح:أنت حرّ بعد وفاتي و إذا متّ فأنت حرّ أو عتيق أو معتق أو نحو ذلك.

و في المسالك و غيره (4):أنّ المعتبر في هذا الإيقاع التلفّظ به بلفظ صريح في معناه،فلا يقع بالكناية عندنا و إن قصد.

و فيه إشعار بل ظهور بالاتّفاق،مع أنّهما حكيا في وقوعه بأنت مدبّر

ص:49


1- مفاتيح الشرائع 3:237؛ و انظر الشرائع 3:117.
2- السرائر 3:30.
3- كالعلّامة في القواعد 2:109،و ولده في الإيضاح 3:542،و الشهيد الثاني في الروضة 6:311.
4- المسالك 2:137؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:237.

أو دبّرتك،مقتصراً عليه أقوالاً ثلاثة،ثالثها القول بكونهما كناية يقع بهما التدبير مع النية،و نسب إلى الإسكافي و القاضي (1).إلّا أن يقال بعدم القدح في الإجماع بخروج معلوم النسب عندنا،فتأمّل جدّاً.

و في مقابل هذا القول قولان آخران،أحدهما الحكم بتحقّق العتق بهما كما عن المبسوط و الفاضل (2)،و اختاره جمع كثير (3).قالوا:لأنّ التدبير ظاهر في معناه،مشهور عند كلّ أحد،كالبيع و أمثاله،حتى أنّ التدبير كان معروفاً في الجاهلية،و قرّره صاحب الشريعة.

و لا يخلو عن قوّة إن كانت دعوى الظهور لغةً أو عرفاً صحيحة،و إلّا فالقول الثاني و هو المنع عن الوقوع بهما مطلقاً أقوى؛ لاستصحاب بقاء الرقّ اللازم سابقاً،و نسب إلى الخلاف و الماتن (4).

ثم إنّه كما يقع مطلقاً كذا يجوز مقيّداً كقوله:إذا متّ في سفري هذا، أو مرضي هذا،أو سنتي هذه،أو قتلت أو نحو ذلك،على قول مشهور في الظاهر،مصرّح بشهرته في الكفاية (5).

قيل:خلافاً للمبسوط (6).

و في الخبر:رجل قال:إن حدث بي حدث في مرضي هذا فغلامي فلان حرّ قال:« يردّ من وصيّته ما يشاء،و يجيز ما يشاء» (7).

ص:50


1- نسبه الى الإسكافي في المختلف:634،القاضي في المهذب 2:366.
2- المبسوط 6:167،الفاضل في القواعد 2:109.
3- منهم:فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3:543،و الشهيد الثاني في المسالك 2:138،و السبزواري في الكفاية:223.
4- الخلاف 6:409،الماتن في الشرائع 3:117.
5- الكفاية:223.
6- المبسوط 6:167.
7- التهذيب 9:766/191،الوسائل 19:305 أبواب أحكام الوصايا ب 18 ح 8.

أمّا تعليقه على شرط أو صفة فالمشهور عدم جوازه،خلافاً للإسكافي (1).

يعتبر فيه النية و البلوغ و العقل

و لا بدّ فيه من القصد و النية بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في صريح الانتصار و ظاهر غيره (2)،فلا يقع من الساهي و لا الغافل و لا النائم.

و لا حكم لعبارة الصبي مطلقاً و لا المجنون كذلك و لا السكران و لا المحرج بالحاء المهملة،و هو الملجأ إلى التدبير الذي لا قصد له بلا خلاف إلّا في الصبي المميّز ذي الشعر فجوّز،و قد مرّ مع الجواب عنه (3).و الوجه الجميع واضح.

و في اشتراط القربة تردّد و اختلاف:فبين معتبر لها،كالمرتضى و الحلّي و الفاضل في ظاهر المختلف (4)،و ادّعى عليه الأوّل إجماع الإمامية.

و بين نافٍ لها،كالشيخ و الشهيدين،و تبعهم من متأخري المتأخرين جماعة (5)مستندين إلى الأصل.

و لا ندري ما يعنون به،فإن عنوا به أصالة الصحة مع قطع النظر عن إطلاق الأدلّة،فالمناقشة فيه واضحة؛ لعدم أصل لهذا الأصل،بل الأدلّة على خلافه و هو أصالة الفساد قائمة.و إن عنوا به الإطلاق فحسن إن وجد

ص:51


1- حكاه عنه في كشف اللثام 2:199.
2- الانتصار:171؛ و انظر المبسوط 6:167.
3- راجع ص 19.
4- المرتضى في الانتصار:171،الحلّي في السرائر 3:30،المختلف:639.
5- الشيخ في الخلاف 6:412،الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 6:318،و تبعهم السبزواري في الكفاية:223،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:201،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:237.

منه ما يجدي فائدة،و ليس؛ إذ ليس هنا سوى إطلاقات الأخبار الواردة في بيان حكم غير محل المسألة،فتكون بالإضافة إليه مجملة،كما برهن في محلّه و مرّ غير مرّة.فلا جدوى لمثل هذا الإطلاق و لا فائدة.

فإذاً القول الأول لا يخلو عن قوّة،سيّما مع حكاية الإجماع المتقدمة التي هي بنفسها حجّة مستقلّة.مضافاً إلى ما يستفاد من تضاعيف الأخبار من كونه عتقاً حقيقياً،فيشمله عموم ما دلّ على أنّه لا عتق إلّا ما أُريد به وجه اللّه سبحانه.

و في الصحيح:« إن كان على مولى العبد دين،فدبّره فراراً من الدين فلا تدبير له.و إن كان في صحة و سلامة» أي من الدَّيْن كما فهمه جماعة (1)« فلا سبيل للديّان» أي الديّان الذي حصلوا بعد التدبير« عليه،و يمضي تدبيره» (2).

و بنى خالي العلّامة رحمه الله في حاشيته المنسوبة إليه على هذه الرواية فساد التدبير مع قصد الفرار على اشتراط القربة الغير الحاصلة معه.

فتكون الرواية شاهدة على اشتراطها،و إن لم تبلغ درجة الحجيّة بحسب الدلالة،لعدم خلوّ البناء عن مناقشة.

و يتفرّع عليهما تدبير الكافر لعبده مطلقاً،و تدبير العبد الكافر، فيصحّان على القول الثاني دون الأوّل.

و على الفساد في الفرع الأول ادّعى المرتضى الإجماع (3)،مضافاً إلى

ص:52


1- منهم:العلّامة في المختلف:636،و الشهيد الثاني في المسالك 2:141،و انظر نهاية المرام 2:292.
2- التهذيب 8:950/261،الإستبصار 4:91/28،الوسائل 23:127 أبواب التدبير ب 9 ح 1.
3- الانتصار:172.

الإجماع المتقدم.

و اعلم أنّ المعروف من مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف،كما صرّح به في الكفاية (1):أن المدبّر باق على ملك المولى،فله التصرف فيه بالاستخدام و البيع و نحوهما.و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة معتضدة بالأصل،مع عدم تضمّن التدبير ما يدلّ على خروجه عن الرقّية،لأنّه عِدة بالحريّة بعد الوفاة،لا تنجيز لها حال الحياة.

منها الصحيح:« هو مملوكه،إن شاء باعه و إن شاء أعتقه و إن شاء أمسك حتى يموت،فإذا مات السيد فهو حرّ من ثلثه» (2).

و الخبر:في المدبّر و المدبّرة يباعان،يبيعهما صاحبهما في حياته فإذا مات فقد عتقا،لأنّ التدبير عدة و ليس بشيء واجب.فإذا مات كان المدبّر من ثلثه الذي يترك،و فرجها حلال لمولاها الذي دبّرها،و للمشتري الذي اشتراها حلال،لشرائه قبل موته (3).

و منها:المعتبرة في جواز بيعه إذا احتاج إلى ثمنه:أحدهما الصحيح:

عن رجل دبّر مملوكاً له ثم احتاج إلى ثمنه فقال:« هو مملوكه،إن شاء باعه و إن شاء أعتقه و إن شاء أمسكه حتى يموت،فإذا مات السيد فهو حرّ من ثلثه» (4).

ص:53


1- الكفاية:223.
2- الكافي 6:9/185،التهذيب 8:943/259،الإستبصار 4:90/27،الوسائل 23:115 أبواب التدبير ب 1 ح 1.
3- الكافي 6:10/185،التهذيب 8:944/260،الوسائل 23:116 أبواب التدبير ب 1 ح 2.
4- الكافي 6:9/185،التهذيب 8:943/259،الإستبصار 4:90/27،الوسائل 23:132 أبواب التدبير ب 13 ح 1.

و نحوه الموثق و غيره (1).

و المعارض الدالّ على المنع (2)محمول على الاستحباب.

و يستفاد من إطلاق الصحيح الأوّل،و صريح الخبر الذي بعده أنّه إن كانت أمة كان لمولاها وطؤها.

و يدلّ عليه أيضاً صريح الموثّق كالصحيح بفضالة و أبان،بل ربما عدّ من الصحيح:عن الرجل يعتق جاريته عن دبر،أ يطؤها إن شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها حياته؟فقال:« نعم أيّ ذلك شاء فعل» (3).

و لو حملت هذه المدبّرة من مولاها لم يبطل تدبيرها بل اجتمع لعتقها سببان:التدبير و الاستيلاد.

و تعتق بوفاته من الثلث بالأوّل،لسبقه،فإن لم يف الثلث ضمّ إليه الثاني.

و لو حملت من غيره بعد التدبير حملاً يدخل في ملك المولى فالولد مدبّر كهيئتها بلا خلاف أجده.و النصوص به مع ذلك مستفيضة.

منها:الصحيح:« أولاده منها كهيئتها،فأمّا إذا مات الذي دبّر أُمّهم فهم أحرار» (4)الحديث.

ص:54


1- الموثق:التهذيب 8:958/262،الإستبصار 4:94/28،الوسائل 23:117 أبواب التدبير ب 1 ح 7.و انظر الكافي 6:1/183،الفقيه 3:247/71،التهذيب 8:938/258،الإستبصار 4:89/27،الوسائل 23:116 أبواب التدبير ب 1 ح 3.
2- الفقيه 3:245/71،التهذيب 8:959/263،الإستبصار 4:95/28،الوسائل 23:117 أبواب التدبير ب 1 ح 6.
3- التهذيب 8:961/263،الإستبصار 4:97/29،الوسائل 23:119 أبواب التدبير ب 3 ح 1.
4- التهذيب 8:941/259،الإستبصار 4:101/29،الوسائل 23:122 أبواب التدبير ب 5 ح 1.

و إطلاق بعضها كالعبارة هنا و في الشرائع و غيرهما من كتب الجماعة (1)يقتضي عدم الفرق في الأولاد بين الملحقين بها شرعاً كالمتولّدين منها بعقد أو شبهة،أو غيرهم كالمتولّدين منها من زنا.

و لا خلاف في الأوّل و لا إشكال.

و استشكل جماعة في الثاني (2).و لعلّه في محلّه؛ للأصل،و عدم المخرج عنه سوى الإطلاق المتقدم،و هو لا ينصرف بحكم الغالب و الأصل في أفعال المسلمين إلى محل الفرض.

فالأحوط عدم الاكتفاء في تدبيرهم بتدبير أُمّهم،بل يدبّرون تدبيراً آخر.و الأحوط التزامه أيضاً مهما أمكن.

و لو رجع المولى في تدبيرها جاز بلا خلاف؛ لما يأتي،مضافاً إلى خصوص الصحيح:قلت:أ يجوز للّذي دبّر أُمّهم أن يردّ في تدبيره إذا احتاج؟قال:« نعم» قلت:أ رأيت إن ماتت أُمّهم بعد ما مات الزوج و بقي أولادها من الزوج الحرّ،أ يجوز لسيّدها أن يبيع أولادها و يرجع عليهم في التدبير؟قال:« لا،إنّما كان له أن يرجع في تدبير أُمّهم إذا احتاج و رضيت هي بذلك» (3).

و هو كما ترى صريح في أنه لم يصحّ رجوعه في تدبير الأولاد الذين دبّروا بتدبيرهم أُمّهم،مطلقاً لا في تدبير أُمّهم و لا منفرداً.و عليه

ص:55


1- الشرائع 3:118؛ و انظر الروضة 6:322،و المفاتيح 3:238.
2- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 6:323،و السبزواري في الكفاية:223،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:200.
3- الكافي 6:6/184،التهذيب 8:941/259،الإستبصار 4:101/29،الوسائل 23:125 أبواب التدبير ب 7 ح 1.

الشيخ و القاضي و ابن حمزة (1)،و نسبه إلى الأكثر على الإطلاق في الكفاية (2)،و عن الخلاف أنّ عليه إجماع الفرقة (3)؛ و هو حجّة أُخرى مستقلّة بعد الرواية.

و فيه قول آخر بالصحة للحلّي و جماعة (4)،و نسب إلى أكثر متأخّري الطائفة (5)؛ للعمومات الدالّة على أنّ التدبير وصيّة،و أنّها يجوز فيه الرجعة،و للأولويّة المستفادة من جواز الرجوع في تدبير الأُم،لأنّ تدبيرهم فرع تدبيرها،فلا يزيد على أصله.

و هو ضعيف للزوم العدول عن العموم بالتخصيص بالنصّ الصحيح الصريح المعتضد بالشهرة المطلقة المحكية،و حكاية الإجماع المتقدّمة،و ضعف الأولويّة،بوضوح الفرق بما ذكره جماعة منهم الفاضل المقداد في شرح الكتاب،و الشهيد الثاني (6):من أنّ تدبير الأصل إنّما هو بفعل المالك،فجاز له الرجوع،بخلاف تدبير الولد،فإنّه بالسراية فلا اختيار فيه له.

و المسألة لا تخلو عن شبهة؛ لإمكان الذبّ عن الجوابين:

فعن الأوّل بأنّ لزوم التخصيص إنّما هو بعد التكافؤ المفقود في الصحيح،لتضمّنه ما لا يقول به المشهور من رقية ولد الزوج الحرّ،و توقّف

ص:56


1- الشيخ في النهاية:553،القاضي في المهذب 2:367،ابن حمزة في الوسيلة:346.
2- الكفاية:223.
3- الخلاف 2:670.
4- الحلّي في السرائر 3:33؛ و العلّامة في المختلف:636،و ولده في الإيضاح 3:548.
5- نسبه إليهم السبزواري في الكفاية:223.
6- التنقيح الرائع 3:459،الشهيد الثاني في المسالك 2:129.

الرجوع في تدبير الاُمّ على رضاها و الاحتياج.

و الذبّ عن الأوّل بتقييده بصورة اشتراط رقيّة الولد،و عن الثاني بالحمل على الاستحباب،و لا يدفع الوهن الموجب لعدم التكافؤ،مع عدم تمامية الذبّ عن الأولّ بما مرّ على الأصحّ من عدم إفادة الاشتراط الرقّية، كما مرّ في النكاح.

و لا يجبر هذا الوهن الشهرة المحكيّة؛ لكونها بالشهرة المتأخرة معارضة.و لا حكاية الإجماع المتقدمة؛ لأنها بشهرة الخلاف بين متأخّري الطائفة،و عدم ظهور قائل بالمنع عن الرجوع سوى الناقل له،و بعض من تبعه ممن تقدّم إليه الإشارة موهونة،مضافاً إلى نسبة الحلّي جواز الرجوع إلى مقتضى مذهب الإماميّة.

و عن الثاني بأنّ غايته على تقدير تسليمه نفي الألويّة،و هو لا يستلزم انتفاء الحجّة على جواز الرجعة بالكليّة؛ فإنّ العمومات كما عرفت بعد بحالها باقية،فتأمّل.

و بالجملة فالاحتياط لازم في المسألة و إن كان القول الأوّل لا يخلو عن قوّة.

و لو أولد العبد المدبّر من مملوكه ولداً يملكهم مولاه كان أولاده مدبّرين كهيئته بلا خلاف ظاهر؛ للصحيح:في رجل دبّر مملوكاً له تاجراً موسراً،فاشترى المدبّر جارية فمات قبل سيّده،فقال:« أرى أنّ جميع ما ترك المدبّر من مال أو متاع فهو للّذي دبّره و أرى أنّ أُم ولده للذي دبّره،و أرى أنّ ولدها مدبّرون كهيئة أبيهم» (1).

ص:57


1- الكافي 6:8/185،الفقيه 3:254/73،التهذيب 8:948/260،الوسائل 23:124 أبواب التدبير ب 6 ح 1.

و يستفاد منه و من الصحيحة المتقدمة في عدم جواز الرجوع في تدبير أولاد الأمة المدبّرة أنه لو مات الأب أو الأُم قبل المولى لم يبطل تدبير الأولاد مضافاً إلى الأصل،و عدم ثبوت بطلان تدبيرهم بموتها.

و بطلان تدبيرهما بموتهما إنّما هو لفوات متعلّق التدبير بالنسبة إليهما،و هو غير حاصل في تدبيرهم.و لا ملازمة بين تدبيرهما و تدبيرهم أيضاً،سيّما على القول بجواز الرجوع في تدبيرهما دونهم.

و عتقوا بعد موت المولى من ثلثه.و لو قصر الثلث عن قيمتهم سعوا فيما بقي منهم لأنّه من لوازم التدبير،كما سيأتي.

و للحسن:عن جارية أعتقت عن دبرٍ من سيّدها،قال:« فما ولدت فهم بمنزلتها و هم من ثلثه،فإن كانوا أفضل من الثلث استسعوا في النقصان» الحديث (1).

و لو دبّر الأمة الحبلى بمملوك له لم يسر التدبير إلى ولدها مطلقاً علم حين تدبيرها بحبلها أم لا،على الأشهر الأقوى.و نسبه في موضع من المبسوط إلى روايات أصحابنا (2)،و في آخر منه إلينا (3)، مشعراً بأنّ عليه إجماعنا،و كذا الحلّي نسبه إلى مقتضى مذهبنا (4).

و يدلّ عليه بعد الإجماع الظاهر النقل من مجموع هذه النسب الموثّق بعثمان،المجمع على تصحيح رواياته،كما مرّ في غير مكان:عن

ص:58


1- التهذيب 8:951/261،الإستبصار 4:106/31،الوسائل 23:123 أبواب التدبير ب 5 ح 4.
2- المبسوط 6:176.
3- المبسوط 6:178.
4- السرائر 3:32.

امرأة دبّرت جارية لها فولدت الجارية جارية نفيسة،فلم تدر المرأة المولود مدبّر أو غير مدبّر؟فقال لي:« متى كان الحمل بالمدبّر،قبل أن دبّرت أو بعد ما دبّرت؟» فقلت:لست أدري،و لكن أجِبْني فيهما.فقال:« إن كانت المرأة دبّرت و بها حبل،و لم تذكر ما في بطنها،فالجارية مدبّرة،و الولد رقّ.و إن كان إنّما حدث الحمل بعد التدبير،فالولد مدبّر في تدبير أُمّه» (1).

مضافاً إلى الأصل،و عدم المخرج عنه سوى تدبير الاُمّ،و لا دلالة فيه على تدبير الولد بوجه من الدلالات الثلاث،لتغاير الأمة و حملها،و عدم كونه جزءاً منها لغة و عرفاً،و لذا لا يتبعها في البيع و نحوه على الأشهر الأقوى.

مضافاً إلى الاتّفاق هنا و لو في الجملة على عدم الجزئية قطعاً،كيف و رقيّته مع عدم العلم به حين التدبير مجمع عليها بيننا،و إن حكى في المبسوط (2)المخالفة لنا عن العامّة العمياء،حيث حكموا بالدخول مطلقاً.

و لكن في رواية حسنة عمل بها الإسكافي،و الشيخ في النهاية (3)و تبعه القاضي و ابن حمزة (4).و ربما نسبها في مفاتيح الشرائع إلى الأكثر (5)و هو خطاً بلا شبهة-:أنّه إن علم بحبلها فما في بطنها بمنزلتها و إن كان لا يعلم فما في بطنها رقّ (6).

ص:59


1- الكافي 6:5/184،الفقيه 3:246/71،التهذيب 8:947/260،الإستبصار 4:109/31،الوسائل 23:122 أبواب التدبير ب 5 ح 2.
2- المبسوط 6:176.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:635،النهاية:552.
4- القاضي في المهذب 2:367،ابن حمزة في الوسيلة:364.
5- مفاتيح الشرائع 3:238.
6- الكافي 6:4/184،الفقيه 3:247/71،التهذيب 8:946/260،الإستبصار 4:108/31،الوسائل 23:123 أبواب التدبير ب 5 ح 3.

و هي مع قصورها عن المقاومة لما مضى من الموثق،من حيث السند على الأقوى،و اعتباره دون هذه بالشهرة المتحققة،و المحكية في كلام جماعة كالمسالك و الكفاية (1)،و الإجماع الظاهر من مجموع النسب المتقدمة،و الأصل القطعي المتقدم إليه الإشارة،مع زيادة بُعد فيه عن طريقة العامّة،دون هذه الحسنة،فتقييده مع ما هو عليه من القوّة و الاعتبار بما مضى بها مع ما هي عليه من عدم التكافؤ له جدّاً ضعيف قطعاً، سيما مع بعده عن سياقه،و إمكان الجمع بينهما بحمل هذه الحسنة فيما دلّت عليه من السراية في صورة العلم،على ما إذا كانت هناك قرينة على إرادة تدبير الحمل من عرف أو عادة.

و هو قريب لولاه لزم خلوّ الحكم بالسراية بمجرد العلم عن السبب و الحكمة،و كونه تعبداً محضاً،و لعلّه بعيد جدّاً.

فهذا القول ضعيف غايته.كالمحكي في المسالك و الكفاية،و غيرهما من كتب الجماعة (2)،من القول بإطلاق السراية،مع أنّهم لم يشيروا إلى قائله،و لعلّه العامّة كما صرّح به في المبسوط و الخلاف (3)و تقدّم إليه الإشارة.و القاضي،كما يستفاد من عبارته المحكيّة في المختلف (4)،لكن فيه قبل الحكاية نسبه إلى متابعة الشيخ في النهاية.و لعلّه قول آخر له،و إلّا لتنافت النسبة مع صريح عبارته المحكية.

يعتبر في المدبِّر جواز التصرّف و الاختيار و القصد

و يعتبر في المولى المدبِّر جواز التصرّف برفع الحجر عنه

ص:60


1- المسالك 2:139،الكفاية:223.
2- المسالك 2:139،الكفاية:223؛ و انظر المفاتيح 3:238.
3- المبسوط 6:176،الخلاف 6:416.
4- المختلف:635.

ببلوغه و عقله و رشده و مالكيّته و الاختيار و القصد إلى إيقاعه،بلا خلاف فتوًى و نصاً.و لقد كان فيما ذكره سابقاً من قوله:و لا بدّ فيه من النيّة،إلى قوله:و في اشتراط القربة (1)،غنى عن ذكر هذه الشروط جملة،فلا وجه للإعادة مرّة ثانية.

نعم،يمكن تخيّله لذكر الشرط الأوّل و هو إخراج العبد و السفيه؛ لعدم خروجهما بما ذكر سابقاً.و لكن يبقى ذكر الأخيرين خالياً عن الوجه أصلاً،بعد معلوميتهما ممّا ذكر سابقاً.فتأمّل جدّاً.

و في صحّته أي التدبير من الكافر تردّد و اختلاف،فبين مصحّح مطلقاً،كالشيخ و جماعة (2)،و مانع كذلك،كالحلّي و غيره (3)، و مفصّل بين الكافر المقرّ باللّه،المعتقد حصول التقرّب به فالأوّل،و غيره فالثاني،كالفاضل المقداد في التنقيح،و غيره (4).و لعلّه أقرب إن كان عموم أو إطلاق يتّبع،على صحّة التدبير بقول مطلق،كما مرّ في العتق (5).

و يظهر ممّا ذكر ثمّة وجه التردّد في المسألة،لكون التدبير ضرباً من العتق،يشترط فيه القربة على الأصح،كما مرّ إليه الإشارة،فلا فرق بينهما من هذه الجهة التي يبنى عليها التردّد هنا و ثمّة.

نعم،يتحقّق الفرق بينهما بزيادة وجه احتمال الصحّة هنا قوّةً، باحتمال كونه وصيّة لا عتقاً،فلا يشترط فيه القربة كما عليه جماعة،و يأتي

ص:61


1- راجع ص 51.
2- الشيخ في المبسوط 6:182،و المحقق في الشرائع 3:119،و العلّامة في المختلف:639،و الشهيد الثاني في المسالك 2:139.
3- الحلّي في السرائر 3:30؛ و انظر الانتصار:172.
4- التنقيح الرائع 3:460؛ و انظر الروضة 2:243.
5- راجع ص 20.

على مختارهم عدم التردّد هنا،و لزوم اختيارهم الصحّة مطلقاً.

التدبير وصيّة يرجع فيه المولى متى شاء

و التدبير المتبرّع به وصيّة يرجع فيه المولى متى شاء إجماعاً مستفيض النقل في كلام جماعة كالمرتضى،و الحلّي،و الفاضلين:المقداد و العلّامة (1)،و غيرهم من الجماعة (2)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح:« هو بمنزلة الوصيّة يرجع فيما شاء منها» (3).

و في الموثّق:عن المدبّر،أ هو من الثلث؟قال:« نعم،و للموصي أن يرجع فيه وصيّته أوصى في صحّة أو مرض» (4).

و ظاهره كصريح العبارة أنّه وصيّة حقيقة.

و التحقيق:أنّه بمنزلتها لا عينها،كما في صريح الخبر الأوّل،و في الشرائع،و كلمة الأكثر (5)،لرجحان الصحيح على الموثّق.سيّما مع صراحة الدلالة و اعتضاده بغيره من النصوص،و فتوى الأكثر،و أنّه لو كان وصيّة محضة لافتقر في عتقه بعد الموت إلى صيغة،و الحال أنّه صرّح من الأصحاب جماعة من دون ذكر خلاف بعدم الافتقار إليها (6).و هو الظاهر

ص:62


1- المرتضى في الانتصار:172،الحلّي في السرائر 3:32،المقداد في التنقيح الرائع 3:460،العلّامة في المختلف:635.
2- كالفيض الكاشاني في المفاتيح 3:237،و السبزواري في الكفاية:223.
3- الكافي 6:2/183،التهذيب 8:939/258،الإستبصار 4:103/30،الوسائل 23:118 أبواب التدبير ب 2 ح 1.
4- الكافي 6:3/184،التهذيب 8:940/258،الإستبصار 4:104/30،الوسائل 23:118 أبواب التدبير ب 2 ح 2.
5- الشرائع 3:120؛ و انظر الخلاف 2:668،و القواعد 2:111،و المسالك 2:140.
6- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:140،و انظر كشف اللثام 2:201.

من تتبّع الأخبار جملة.

و لكن أرى ثمرة الخلاف هينة؛ لعدم ظهورها إلّا في النذر و ما شاكله، فيتحقّق الامتثال بالتدبير لو التزم وصيّة على ما في العبارة و الموثّقة، و لا على المختار،بل لا بدّ من وصيّة أُخرى حقيقة.

و هنا قول آخر هو أنّه عتق معلّق كما عن الحلّي (1)؛ و تشهد له النصوص،و مرّ إلى تقويته الإشارة.و لا ينافيه كونه بمنزلة الوصيّة يجوز الرجوع فيه؛ لاحتمال أن يكون ذلك من خصائص العتق المعلّق.

و بالجملة:الأقوال في المسألة ثلاثة:أحدها:أنّه وصية كما في العبارة.و ثانيها:عتق معلّق.و ثالثها:إيقاع مستقلّ،لكنّه بمنزلة الوصيّة في الأحكام من نفوذه من الثلث،و جواز الرجوع فيه،و عليه كما عرفت أكثر الطائفة.

و كيف كان فلو رجع قولاً كأن قال:رجعت،أو أبطلت أو نقضت أو نحو ذلك صحّ قطعاً و كذا لو رجع بالفعل كالبيع و الهبة و الوقف و الوصيّة و إن لم يقبض و لم يقبل في الجميع صحّ أيضاً،إن صرّح بقصد الرجوع به،أو يكون متعلّقه الرقيّة.

و لا خلاف في شيء من ذلك،و في بقاء التدبير مع الفعل لو صرّح بكون متعلقه المنفعة،صرّح بذلك الفاضل المقداد في شرح الكتاب (2).

أما لو باعه أو وهبه من دون تصريح بأحد الأمرين ف في بطلان (3)التدبير بهما قولان أحدهما (4) أنّه يبطل به التدبير،و هو

ص:63


1- السرائر 3:30.
2- التنقيح الرائع 3:460.
3- في« ح» و« ر»:ففي صحّتهما و بطلان التدبير بهما.
4- في« ح» و« ر»:إنّه يصحّ و يبطل التدبير.

الأشبه وفاقاً للمرتضى في الناصريّة و الانتصار مدّعياً فيه إجماع الإماميّة (1).

و هو الظاهر من عبارة الإسكافي المحكيّة في المختلف (2)،و تبعهما الحلّي و كثير من المتأخرين،بل أكثرهم كالفاضلين و الشهيدين و غيرهما (3)، و حكي عن المبسوط،و موضع من الخلاف مدّعياً عليه الإجماع (4)؛ لأنّه وصيّة أو بمنزلتها يجوز الرجوع فيه كما مضى،و البيع و ما في معناه يتضمّن الرجوع جدّاً،و لذا أبطلوا بهما الوصيّة،هذا.

مضافاً إلى الإجماع المتقدّم،المعتضد بما في المختلف عن الحلّي من جعل ذلك من مقتضيات أُصول مذهبنا (5).

و مع ذلك المعتبرة مستفيضة بجواز بيعه:إمّا مطلقاً كما في بعضها (6)، أو بشرط الحاجة كما في كثير منها (7)،و فيها الصحيح و غيره.و قد مرّ ذكرها في بيان كون المدبّر رقّاً.و نحوها غيرها.

و مبنى الاستدلال بها على حمل البيع فيها على الصحيح المنصرف إلى الرقيّة،دون الخدمة،و كونه أعمّ من تقدّم الرجوع و عدمه.

ص:64


1- الناصرية(الجوامع الفقهية):216،الانتصار:172.
2- المختلف:637.
3- الحلّي في السرائر 3:31،المحقق في الشرائع 3:120،العلّامة في المختلف:637،الشهيد الأول في اللمعة(الروضة البهية 6):337،الشهيد الثاني في المسالك 2:140؛ و انظر الكفاية:223،و المفاتيح 3:237.
4- المبسوط 6:171،الخلاف 2:668.
5- المختلف:635.
6- الكافي 6:9/185،التهذيب 8:943/259،الإستبصار 4:90/27،الوسائل 23:115 أبواب التدبير ب 1 ح 1.
7- انظر الوسائل 23:115 أبواب التدبير ب 1.

و القول الآخر للمفيد و النهاية و القاضي و الحلبي (1)،و نسبه في التنقيح إلى الأكثر (2).و هو أنّه لا يبطل و يمضي البيع و يجوز في خدمته دون رقبته.و يتخيّر المشتري مع عدم المعرفة و كذا الهبة للخبرين.

في أحدهما:« إن أراد بيعها باع خدمتها حياته» (3).

و في الثاني:« باع رسول اللّه صلى الله عليه و آله خدمة المدبّر و لم يبع رقبته» (4).

و للجمع بن ما دلّ على جواز البيع كالأخبار المتقدمة،و ما دلّ على المنع عنه كالصحيح:« ليس له أن يبيعه إلّا أن يشاء العبد أن يبيعه قدر حياته» (5)الخبر.

بحمل الأوّل على الجواز بعد النقض،أو كون المراد به بيع الخدمة، لا الرقبة.و الثاني على المنع قبل النقض.

و في الجميع نظر؛ لقصور الخبرين سنداً بقاسم بن محمد و صاحبه في الأوّل،و السكوني و رفيقه في الثاني.و دلالةً:فالأوّل بعدم النهي عن بيع الرقبة و إنّما غايته تجويز بيع المنفعة.و كذلك الثاني؛ فإنّ بيعه الخدمة غايته الجواز،و عدم بيعه الرقبة أعمّ من المنع عنه و عدمه،فلا دلالة فيه على

ص:65


1- المفيد في المقنعة:551،النهاية:552،القاضي في المهذب 2:366،الحلبي في الكافي:319.
2- التنقيح الرائع 3:460.
3- التهذيب 8:963/264،الإستبصار 4:99/29،الوسائل 23:120 أبواب التدبير ب 3 ح 3.
4- التهذيب 8:945/260،الإستبصار 4:100/29،الوسائل 23:120 أبواب التدبير ب 3 ح 4.
5- الفقيه 3:250/72،التهذيب 8:962/263،الإستبصار 4:98/29،الوسائل 23:120 أبواب التدبير ب 3 ح 2.

ممنوعيّته.

و نحوهما في القصور سنداً و الضعف دلالة الموثّق:عن الرجل يعتق جاريته عن دبر،أ يطؤها إن شاء،أو ينكحها،أو يبيع خدمتها حياته؟ قال:« أيّ ذلك شاء فعل» (1).

هذا مضافاً إلى قصورهما مقاومة لما مرّ من وجوه شتّى؛ لاعتضاده بالكثرة و الصحة و الإجماعات المحكيّة.و بهذا يجاب عن الجميع.

مضافاً إلى شذوذ المعارض و إن صحّ بحسب السند؛ للدلالة على توقّف بيع الخدمة على مشيّة العبد،و لم يقل به أحد من الطائفة،فكيف يمكن أن يعترض به إطلاق الأخبار السابقة فتقيّد به،أو تصرف عن ظاهرها،و لا ريب في فساده و لا شبهة.

سيما مع احتمال وروده كالخبرين المتقدّمين على تقدير تسليم دلالتهما على المنع و التمامية على التقية عن جماعة من العامّة منهم أبو حنيفة و من تبعه،فإنّهم قالوا بالمنع عن بيع الرقبة كما في الانتصار (2).

و يشهد له كون راوي أحدهما السكوني الذي هو من قضاة العامّة.

هذا مع ما في بيع المنفعة من الإشكال؛ فإنّ متعلق البيع الأعيان لا المنافع،مع جهالتها فلا يمكن بيعها من هذه الجهة أيضاً.

فلا بدّ من طرح ما دلّ على جواز بيعها،أو حمله على الصلح كما عن الحلّي (3)،أو الإجارة مدّة معيّنة،فإذا انقضت آجره اخرى،و هكذا،كما

ص:66


1- التهذيب 8:961/263،الإستبصار 4:97/29،الوسائل 23:119 أبواب التدبير ب 3 ح 1.
2- الانتصار:172؛ و انظر بداية المجتهد 2:390.
3- السرائر 3:32.

ذكره الفاضل في المختلف،و جمع فيه بين الأخبار المجوّزة للبيع و المانعة عنه بحمل الأوّلة على التدبير المتطوّع به كما هو الفرض،و الثانية على الواجب (1).

و فيه بُعد عن سياق الأخبار،و إن كان حقاً محكياً عليه الإجماع في الانتصار (2).

و للصدوق و العماني قول آخر (3)في المسألة هو:جواز بيع خدمته دون رقبته،إلّا بشرط العتق على المشتري.و زاد الأوّل عند موته أي المدبّر.

و له الصحيح:في الرجل يعتق غلامه و جاريته عن دبر منه،ثم يحتاج إلى ثمنه قال:« لا،إلّا أن يشترط على الذي يبيعه إياه أن يعتقه عند موته» (4).

و الجواب عنه كالجواب عما سبق،من القصور عن المقاومة لأدلّة المختار،فليطرح أو يحمل على الاستحباب.

و أمّا الخبر:« لا يباع المدبّر إلّا من نفسه» (5)فمع ضعفه بوهب شاذّ غير معلوم القائل لا منّا،و لا من المخالف،إلّا ما يحكى في الانتصار من نسبته إلى الأوزاعي (6)،إلّا أنه زاد بعد قوله:من نفسه:« أو من رجل يجعل

ص:67


1- المختلف:635.
2- الانتصار:172.
3- الصدوق في المقنع:157،حكاه عن العماني في المختلف:634.
4- الفقيه 3:245/71،التهذيب 8:959/263،الإستبصار 4:95/28،الوسائل 23:117 أبواب التدبير ب 1 ح 6.
5- التهذيب 8:955/262،الإستبصار 4:105/30،الوسائل 23:121 أبواب التدبير ب 4 ح 2.
6- الانتصار:172.

عتقه و ولاه لمن اشتراه ما دام الأوّل حيّاً،فإذا مات الأوّل» إلى آخر ما ذكر.

و المدبّر رقّ بلا خلاف فيه فتوًى و رواية تقدّم إلى ذكرهما الإشارة و يتحرّر بموت المولى من ثلثه لأنّه وصيّة متبرّع بها أو بمنزلتها كما مضى،فيكون بحكمها.مضافاً إلى خصوص المعتبرة المستفيضة المتقدّم إليها الإشارة في تضاعيف المباحث السالفة.و بها يصحّ الحكم على القول بكونه عتقاً معلّقاً لا وصيّة.

فإن لم يف بها الثلث عتق منه بقدره.فإن كانوا جماعة عتق منهم من يحتمله،و بدئ بالأوّل فالأوّل،و لو جهل الترتيب استخرج بالقرعة.

هذا إذا كان معلّقاً بموت المولى متبرعاً به.فلو علّقه بموت غيره و قلنا بصحته،و مات في حياة المولى و صحته،أو مطلقاً على القول بكون المنجّزات من الأصل مطلقاً،لم يعتبر من الثلث؛ إذ لا وجه له،فإنّه كتعجيل العتق في حال الحياة.

و الأخبار المطلقة كالعبارة و عبائر أكثر الجماعة (1)في كونه من الثلث محمولة على الغالب من كونه معلقاً بموت المولى.مع أنه قد وقع التصريح به في بعضها.

و لو مات المعلّق على وفاته بعد موت المولى خاصّة،أو في مرضه أيضاً إن قلنا بخروج منجّزات المريض من ثلثه،فهو من الثلث كالمعلّق على وفاة المولى.

و لو كان واجباً بنذر و شبهه حال الصحة أو مطلقاً فهو من الأصل مطلقاً،كان النذر بصيغة:للّه عليّ عتق عبدي بعد وفاتي،و نحوه،أو

ص:68


1- كابن حمزة في الوسيلة:345،و العلّامة في القواعد 2:111،و الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 6):326.

بصيغة:للّه عليّ أن أُدبّر عبدي.كما عن التحرير (1).و نسبه في الدروس إلى ظاهر الأصحاب (2)مشعراً بدعوى الإجماع عليه،و بانعقاده صرّح في الانتصار (3)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى أن الغرض من مثل هذا النذر التزام الحرّية بعد الوفاة، لا مجرّد الصيغة كما ذكره شيخنا في المسالك و الروضة (4)تبعاً لبعض العامة (5).و على التقديرين لا يخرج بالنذر عن ملكه،فيجوز له استخدامه و وطؤه إن كان جارية.

نعم،لا يجوز نقله عن ملكه إجماعاً كما في الانتصار (6)و غيره؛ لاستلزامه الحنث في نذره.فلو فعل صحّ؛ للعموم مع عدم المخرج عنه سوى النهي الغير المستلزم للفساد في المعاملات.نعم يأثم و تلزم الكفّارة مع العلم،لا مع النسيان على الظاهر،لعدم الحنث.و في الجاهل وجهان.

و الدين و ما في معناه من الوصايا الواجبة أو المتقدمة عليه لفظاً و العطايا المنجزة مطلقاً مقدّم على التدبير المتبرّع به،في الخروج من أصل التركة مطلقاً سواء كان سابقاً على التدبير أو متأخراً عنه فإن استوعب الدين التركة بطل التدبير على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخر.و ربّما أشعر العبارة بالإجماع عليه؛ و لعلّه الحجة.

مضافاً إلى كونه وصيّة متبرعاً بها،و مقتضاها ذلك إجماعاً،و عموم

ص:69


1- التحرير 2:83.
2- الدروس 2:232.
3- الانتصار:173.
4- المسالك 2:141،الروضة 6:331.
5- انظر بداية المجتهد 2:390.
6- الانتصار:173.

خصوص الخبر المنجبر ضعفه بعمل الأكثر،و تضمّن سنده قبل الضعيف ابن أبي نصر المجمع على تصحيح رواياته،و فيه:إنّ أبي هلك و ترك جاريتين قد دبّرهما و أنا ممن أشهد لهما و عليه دين كثير،فما رأيك؟ فقال:« قضاء دينه خير له إن شاء اللّه» (1).

و لكن فيه رواية بل روايتان صحيحتان (2) بالتفصيل بين سبق الدين على التدبير فالأوّل،و تأخره عنه فلا سبيل للديّان عليه.و قد عمل بها الشيخ في النهاية،و تبعه القاضي (3).

و لكنها متروكة غير مكافئة لما قدّمناه من الأدلة من وجوه عديدة [مضافاً إلى ظهورهما في اشتراط قصد الفرار في الحكم في الشقّ الأوّل، و هو دالّ بمفهومه على صحّة التدبير مع عدم هذا القصد،و لم يقل به أحد.

فتأمّل (4)].مضافاً إلى ضعف الدلالة على أنّ منشأ الحكم بتقدم التدبير إنّما هو تقدّمه على الدين،بل هي مجملة محتملة له،و لكون السبب عدم قصد الفرار.بل لعلّ هذا أظهر منها؛ نظراً إلى سياقها،فإنّ متنها هكذا:« إن كان على مولى العبد دين فدبّره فراراً من الدين فلا تدبير له،و إن كان دبّره في

ص:70


1- التهذيب 8:953/262،الوسائل 23:128 أبواب التدبير ب 9 ح 3.
2- الأُولى في:التهذيب 8:950/261،الإستبصار 4:91/28،الوسائل 23:127 أبواب التدبير ب 9 ح 1.الثانية في:الفقيه 3:253/72،التهذيب 8:949/261،الوسائل 23:128 أبواب التدبير ب 9 ح 2.
3- النهاية:553،حكاه عن القاضي في المختلف:636،و لكن التفصيل المذكور لا يستفاد من المهذب 2:368.
4- ما بين المعقوفين ليس في نسخة الأصل.

صحة و سلامة فلا سبيل للديّان عليه،و يمضي تدبيره» .و هو كما ترى ظاهر في كون متعلّق الصحة و السلامة هو نيّة الفرار، لا الدين كما فهمه الجماعة.و على هذا فهي أعم من المدّعى؛ لشمول الحكم بنفي السبيل في صورته صورتي تقدّم الدين و تأخره.

فلا حجة على التفصيل المزبور في مثل هذه الرواية المجملة المحتملة لما ذكر و لوجه آخر،و هو كون متعلّق الصحّة و السلامة المرض، لما مرّ.

و بتعيّنه صرّح بعض الأصحاب (1)؛ و لعلّه لتبادره من اللفظين حيث يطلقان،و هو غير بعيد،لكنه مخالف السياق.و على ما ذكره لعلّ الوجه فيه أنّه في الصحة يأمل قضاء دينه بغيره مما يحصل بعد،بخلافه في المرض.

يبطل التدبير بإباق المدبّر

و يبطل التدبير بإباق المدبّر مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى من مولاه.

و لو ولد له في حال إباقه أولاد من أمة لسيّده أو غيره حيث يلحق به الولد،أو حرّة عالمة بتحريم نكاحه كان أولاده أرقّاء مثله بلا خلاف ظاهر،كما في التنقيح و المسالك،و غيرهما من كتب الأصحاب (2)،بل عن صريح الشيخ،و ظاهر الحلّي الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الخبرين المنجبر قصور سندهما بعمل الطائفة،في أحدهما:رجل دبّر غلاماً له،فأبق الغلام،فمضى إلى قوم فتزوّج منهم و لم يعلمهم أنّه عبد،فولد له و كسب مالاً و مات مولاه الذي دبّره،فجاء ورثة الميّت الذي دبّر العبد،فطالبوا العبد،فما ترى؟فقال:« العبد رقّ،و ولده

ص:71


1- كالفيض الكاشاني في المفاتيح 3:239.
2- التنقيح الرائع 3:463،المسالك 2:141؛ و انظر الكفاية:224.
3- الشيخ في الخلاف 6:413،الحلّي في السرائر 3:33.

رقّ لورثة الميت» قلت:أ ليس قد دبّر العبد؟فذكر:« أنّه لمّا أبق هدم تدبيره و رجع رقّاً» (1).

و نحوه الثاني لكن في الجارية (2).

و في قوله:حال إباقه احتراز عمّا ولدته قبله،فإنّه يحكم ببقاء تدبيرهم؛ للأصل و اختصاص الفتوى و النصّ بالأولاد حال الإباق،و به صرّح جماعة (3)من دون ذكر خلاف.

و هل يبطل تدبيرهم بإباقهم أنفسهم؟وجهان أجودهما العدم؛ تمسكاً بالأصل المعتضد بكون تدبيرهم بالسراية و حكم الشرع،و ليس حكمها حكم المباشرة.و لذا يجوز الرجوع في تدبير آبائهم دونهم،كما تقدّم إليه الإشارة.

و لا يلحق بالإباق الارتداد؛ للأصل،و عدم حجية القياس.نعم،إن التحق بدار الحرب بطل؛ لأنّه إباق.و إبطال الإسكافي إيّاه بأحد الأمرين (4)شاذّ.

و لو جعل خدمة عبده لغيره ثم قال:هو حرّ بعد وفاة المخدوم، صحّ على الأصح الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخر،وفاقاً للإسكافي و النهاية و القاضي و ابن حمزة (5).

ص:72


1- التهذيب 8:966/265،الإستبصار 4:112/33،الوسائل 23:130 أبواب التدبير ب 10 ح 2.
2- الكافي 6:4/200،الفقيه 3:324/87،التهذيب 8:964/264،الاستبصار 4:110/32،المقنع:162،الوسائل 23:129 أبواب التدبير ب 10 ح 1.
3- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:463،و السبزواري في الكفاية:224،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:200.
4- كما حكاه عنه في المختلف:637.
5- حكاه عن الإسكافي في المختلف:636،النهاية:553،القاضي في المهذب 2:373،ابن حمزة في الوسيلة:345.

و المستند الرواية الصحيحة:عن الرجل يكون له الخادم فيقول:

هو أو هي لفلان يخدمه ما عاش،فإذا مات فهي حرّة.فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ست سنين،ثم تجدها ورثته،أ لهم أن يستخدموها بعد ما أبقت؟فقال:« لا،إذا مات الرجل فقد عتقت» (1).

خلافاً للحلّي خاصّة (2)،فخصّه بوفاة المولى.قال:عملاً بالمتيقن، و ادّعى أنّه شرعاً كذلك،و لبطلانه بالإباق.

و في الجميع نظر؛ لاندفاع الاقتصار بالنصّ الصحيح المعتضد بعمل الأصحاب.و الثاني مصادرة.و الملازمة بين إباقه من المالك و من المخدوم ممنوعة،مع إمكان الفرق،بمقابلته نعمة السيّد بالكفران فقوبل بنقيضه، كقاتل العمد في الإرث،بخلاف الأجنبي.

نعم،ربّما يمكن التأمّل في دلالة الرواية؛ لعدم صراحتها في تعليق التدبير على موت المخدوم إلّا على تقدير تعيّن رجوع الضمير في عاش، و العهد في الرجل،إلى المولى المخدوم،و ليس بمتعيّن،لاحتمال العكس.

و يمكن الذبّ عنه بمخالفته الظاهر؛ بناءً على أقربية المخدوم إلى الضمير و العهد بحسب الذكر.و لعلّه لذا فهم الأصحاب ذلك كافّة حتى الحلّي،حيث اعترف بالدلالة،و إنّما أجاب عن الرواية بأنّها من الآحاد.

مضافاً إلى صراحته في عدم بطلان التدبير بإباقه،و هو لا ينطبق إلّا على الاحتمال الأوّل،لمخالفته على الثاني الإجماع.

و احتمال الذبّ عن هذه المخالفة بتخصيص التدبير بما إذا أوجب

ص:73


1- التهذيب 8:965/264،الاستبصار 4:111/32،المقنع:158،الوسائل 23:130 أبواب التدبير ب 11 ح 1.
2- السرائر 3:33.

بنذر و شبهه،مخالف للظاهر بلا شبهة،مع استلزامه حمل الرواية على الفرد النادر بلا شبهة.

و بالجملة:الظاهر تماميّة الدلالة و إن كان يظهر من التنقيح فيها المناقشة بما مرّ إليه الإشارة (1).

و يظهر من الرواية أنّه لو أبق المدبّر في المسألة لم يبطل تدبيره و صار حرّا بالوفاة،و لا سبيل لأحد عليه،مع أنّه لا خلاف فيه أيضاً.

و المشهور كما في اللمعة (2)إلحاق الزوج بالمخدوم،فلو علّق التدبير بوفاته صحّ.و به صرّح الفاضلان (3).

و يظهر من الشهيدين و غيرهما (4)عدم وجود رواية به،و أنّه هو لأجل المناسبة للمخدوم الذي هو مورد الرواية.و يظهر من الماتن في الشرائع (5)وجود رواية به،و صرّح بها في الكفاية فقال:و يدلّ عليه صحيحة محمد بن مسلم (6).

و نحوه في المفاتيح (7)،قال بعد الحكم باللحوق-:ففي الخبر:في رجل زوّج أمته من رجل حرّ،ثم قال:إذا مات زوجك فأنت حرّ،فمات الزوج فقال:« إذا مات فهي حرّة،تعتدّ منه عدّة الحرة» (8).

ص:74


1- التنقيح الرائع 3:465.
2- اللمعة(الروضة البهية 6):311.
3- المحقق في الشرائع 3:117،العلّامة في القواعد 2:109.
4- الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 6:314؛ و انظر التنقيح الرائع 3:466.
5- الشرائع 3:117.
6- الكفاية:222.
7- مفاتيح الشرائع 3:237.
8- التهذيب 7:1407/344،الوسائل 23:131 أبواب التدبير ب 11 ح 2.

أقول:و روى هذا الخبر في التهذيب في باب السراري و ملك الأيمان،في بحث أنه لا يجوز للمملوك أن يعقد على أكثر من حرّتين أو أربع إماء (1).و ليس في سنده سوى محمد بن حكيم المشترك بين الحسن و الضعيف،المجبور بالشهرة المحكية،و رواية الحسن بن محبوب عنه مع كونه ممن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

و الصحيحة المحكية في الكفاية لو وجدناها لكانت حجة أُخرى مستقلة أقوى من هذه الرواية،و إن كانت لنا الآن كالرواية المرسلة التي هي حجّة أيضاً بعد الانجبار بالشهرة.فلا شبهة في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

أما المكاتبة فهي تستدعي بيان أركانها و أحكامها

اشارة

و أما المكاتبة و اشتقاقها من الكتب و هو الجمع،لانضمام بعض النجوم إلى بعض،و منه:كتبت الحروف.و هو مبني على الغالب أو الأصل من وضعها بآجال متعدّدة،و إلّا فهو ليس بمعتبر عندنا و إن اشترطنا الأجل كما في الروضة (2).

فهي تستدعي بيان أركانها و أحكامها.

الأركان أربعة
اشارة

و الأركان أربعة:العقد،و المالك،و المكاتب،و العوض

الركن الأول صيغة المكاتبة

أمّا الأوّل فصيغته أن يقول السيد:كاتبتك على أن تؤدّي إليّ كذا في وقت كذا؛ فإذا أديت فأنت حرّ،فيقبل العبد.كما عن الخلاف و الحلّي (3).

و عن المبسوط (4)إنّه لا حاجة إلى قوله:فإذا أدّيت،لأنه غاية الكتابة

ص:75


1- التهذيب 8:760/213،الوسائل 21:183 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 65 ح 1.
2- الروضة 6:338.
3- الخلاف 6:391،الحلّي في السرائر 3:26.
4- المبسوط 6:74،حكاه عنه في التنقيح 3:467.

فهي دالّة عليه،كما لا يجب ذكر غاية البيع و الإجارة.نعم لا بدّ من قصد ذلك.

و يضعّف:بأنّ الكتابة لا يعرفها إلّا العلماء،فلا يحكم عليه بمجرد لفظها من دون العتق بالأداء.و لا شك أن الأوّل أحوط و أولى.

و هل هي عتق معلّق على مال،كما عن بعض الفقهاء (1)؟أو بيع العبد من نفسه،كما عن التقي و الحلّي (2)؟أو عقد مستقلّ،كما في المختلف و غيره (3)؟أقوال.

أجودها الأخير.و لعلّه الأشهر؛ لضعف الأوّل بمفارقتها العتق في التنجيز و القربة،لاعتبارهما فيه دونها.

و الثاني بمفارقتها البيع في أُمور:احتياجها إلى الأجل عند الأكثر (4)دونه.و امتداد خيار العقد بخلافه؛ لعدم امتداد خيار الشرط فيه.و جواز اشتراط البائع الخيار لنفسه في العقد دون المكاتب.و أنّ البيع انتقال عين مملوكة من مالك إلى آخر،فلا بدّ فيه من تحقق إضافة الملك بين المبيع و المشتري،و هي فرع التغاير المفقود في الكتابة.

ثمّ هل هو لازم من الطرفين مطلقاً،كما عليه الفاضلان و غيرهما (5)؟ أم في المطلق خاصّة،و جائز في المشروط من جهة العبد دون السيّد،كما

ص:76


1- انظر المغني لابن قدامة 12:338،و التنقيح الرائع 3:466.
2- التقي في الكافي:318،الحلّي في السرائر 3:26.
3- المختلف:641؛ و انظر إيضاح الفوائد 3:574.
4- كالشيخ في المبسوط 6:73،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:467،و الشهيد الثاني في الروضة 6:343.
5- المحقق في الشرائع 3:125،العلّامة في القواعد 2:114؛ و انظر إيضاح الفوائد 3:575،و الروضة البهيّة 6:351.

عن الخلاف و المبسوط و الحلّي (1)؟أم جائز من الطرفين في المشروط، لازم من جهة السيّد جائز من جهة المكاتب في المطلق،كما عن ابن حمزة (2)؟أقوال.

أجودها الأوّل؛ لعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود،بناءً على كون الكتابة عقداً إجماعاً.

و لا معارض له سوى ما يحكى عن الشيخ (3)من الدليل على الجواز من جهة العبد في المشروط،من الإجماع على أنّ المكاتب المشروط متى عجز كان لمولاه ردّه في الرق،و له تعجيز نفسه.و هو المراد من الجواز من جهته،لا أن [أنه] له الفسخ كالعامل في القراض.

و هو كما ترى؛ فإنّا نمنع أنّ له التعجيز،بل يجب عليه السعي و الأداء،و لو امتنع اجبر؛ لاقتضاء عقد الكتابة وجوب الأداء و الفرض إمكانه،فيجبر عليه كباقي الواجبات.

نعم،لو عصى و عجز نفسه بحيث لا يقدر على الأداء كان لمولاه ردّه في الرقّ.و لعلّه مراد الشيخ من الجواز؛ إذ هذا المعنى لا ريب فيه،إلّا أنّه لا يستلزم الجواز المطلق المستلزم لجواز تعجيز نفسه،كما هو المتنازع.

و اعلم أن الكتابة مستحبة مع الديانة و إمكان التكسب،و تتأكد بسؤال [العبد] المملوك بلا خلاف أعرفه؛ للأمر بها في الآية الكريمة و السنّة المطهّرة.

قال اللّه سبحانه وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [1]

ص:77


1- الخلاف 6:393،المبسوط 6:91،الحلّي في السرائر 3:29.
2- الوسيلة:345.
3- الخلاف 6:394.

فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً [1] (1).و في الموثّق:عن العبد يكاتبه مولاه،و هو يعلم أنه لا يملك قليلاً و لا كثيراً،قال:« يكاتبه و لو كان يسأل الناس،و لا يمنعه المكاتبة من أجل أن ليس له مال،فإنّ اللّه تعالى يرزق العباد بعضهم من بعض،و المؤمن معان» (2).

و أقلّ مراتب الأمر الاستحباب حيث لا يمكن حمله على الوجوب، كما هنا،للإجماع منّا عليه و من أكثر العامة (3)،المحكيّ في كلام جماعة (4).

و تفسير الخير في الآية بالأمرين في العبارة مرويّ في الرواية الصحيحة،قال:« إن علمتم لهم ديناً و مالاً» (5).

و نحوها اخرى (6)إلّا أنه أُبدل الدين فيها بالشهادتين خاصّة،و لعلّه للتقية أو إحالة إلى الظهور،كما ورد نظيره في التشهد في الصلاة و غيره.

و لكن فسّر في أُخريين بالمال خاصّة (7).و مقتضاهما استحباب الكتابة معه مطلقاً و لو لم يكن مؤمناً أو مسلماً،و مرجعه إلى جواز مكاتبة العبد الكافر.

ص:78


1- النور:33.
2- الكافي 6:11/187،الفقيه 3:268/76،التهذيب 8:995/272،الوسائل 23:139 أبواب المكاتبة ب 2 ح 1.
3- انظر المغني لابن قدامة 12:339.
4- منهم:الشيخ في الخلاف 6:379،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:205.
5- الكافي 6:10/187،التهذيب 8:984/270،الوسائل 23:137 أبواب المكاتبة ب 1 ح 1.
6- الفقيه 3:278/78،الوسائل 23:138 أبواب المكاتبة ب 1 ح 5.
7- الكافي 6:7/186،9/187،التهذيب 8:975/268،الوسائل 23:137،138 أبواب المكاتبة ب 1 ح 2،3.

و هو خلاف التحقيق كما سيظهر،بل استحبابه خلاف مذهب الأكثر كما في المسالك (1)،بل الأصحاب كافّة كما في الروضة حيث قال:أمّا مع عدمهما أي الديانة و إمكان التكسب أو أحدهما فلا يستحب في ظاهر الأصحاب (2).

هذا مضافاً إلى أن الصحيحين الأولين مثبتان للوصف الآخر،و المثبت مقدّم.على قوّة احتمال ورود الأخيرتين للتقية كما يظهر من الانتصار (3)؛ حيث جعل مضمونهما مذهب فقهاء العامّة،و يظهر منه أنّ الخير في الآية هو الدين خاصّة.

و مقتضاه أنّه يستحب الكتابة مع تديّنه و التماسه مطلقاً و لو كان عن المال و كسبه عاجزاً و يشهد له الموثّق المتقدم.

و لا يعارضه الصحيح السابق؛ إذ ليس فيه إلّا تفسير الخير في الآية بالأمرين،و غايته أنّ الأمر بالكتابة في الآية إنّما هو مع الأمرين خاصّة،و هو لا ينافي ثبوت الأمر بها مع الديانة خاصّة أيضاً في الموثّقة.

نعم،يمكن المناقشة في دلالة الأمر فيها على الاستحباب باحتمال وروده مورد توهّم الحظر،فلا تفيد سوى الإباحة على الأصح،كما قرّر في محلّه.مع أنّه ليس فيها قيد الالتماس كما في العبارة.

و كيف كان،فيستفاد منها الإباحة في هذه الصورة و عليها أكثر الطائفة (4).و عن المبسوط القول بالكراهة (5)،و لا وجه له.

ص:79


1- المسالك 2:144،148.
2- الروضة البهية 6:341.
3- الانتصار:174.
4- كالمحقق في الشرائع 3:124،و العلّامة في القواعد 2:115،و الشهيد الثاني في الروضة 6:342.
5- المبسوط 6:73.

ثمّ إنّه لا يتوهّم التنافي في العبارة،حيث جعل الأمرين شرطاً في استحباب الكتابة أوّلاً،و اكتفى فيه بالديانة أخيراً؛ لإمكان فرقه بينهما بجعله اشتراطهما مع عدم السؤال،و الاكتفاء بأحدهما معه.و لعلّ الفرق ظاهر من العبارة.

و هي قسمان ف إنه إن اقتصر على العقد من دون اشتراط العود في الرقّ مع العجز عن أداء تمام مال الكتابة فهي مطلقة،و إن اشترط عوده رقّاً مع العجز فهي مشروطة و لا خلاف فيهما بين الأصحاب كافّة،بل عليه الإجماع في ظاهر كلمة جملة منهم (1)و صريح الانتصار (2)،و النصوص به مع ذلك بالغة حدّ الاستفاضة،منها الصحاح:

في أحدهما:« إن المكاتب إذا أدّى شيئاً أُعتق بقدر ما أدّى،إلّا أن يشترط مواليه إن هو عجز فهو مردود في الرقّ» (3).

خلافاً للعامّة في الأوّل (4).

و يشتركان في أكثر الأحكام و يفترقان في أنّ المكاتب مع الإطلاق يتحرّر منه بقدر ما أدّى من مال الكتابة و في المشروطة لا ينعتق منه شيء حتّى يؤدّي جميع المال.

و للمولى الخيار في فسخ الكتابة فله أن يردّ ه رقّاً مع العجز

ص:80


1- كالشيخ في الخلاف 6:391،و السبزواري في الكفاية:224،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:241.
2- الانتصار:174.
3- الكافي 6:6/186،التهذيب 8:970/266،الوسائل 23:141 أبواب المكاتبة ب 4 ح 2.
4- انظر بداية المجتهد 2:379.

و لو عن بعض المال.

و لا فرق في الخيار مع العجز بين القسمين،لكنّ الأوّل ينعتق منه بقدر ما أدّى و يعود الباقي رقّاً بعد الفسخ،و الثاني يرجع جميعه في الرقّ و لو أدّى أكثر مال الكتابة.

و حدّه أي علامة العجز و سببه الدالّ عليه أن يؤخّر النجم أي المال عن محلّه و وقته على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخر،وفاقاً للمحكي عن المفيد و الإسكافي و الشيخ في أحد قوليه و الحلّي (1)؛ لأنّه إخلال بالشرط،و قضيّته قدرة المولى على الفسخ.

و للصحاح،في أحدها:ما حدّ العجز؟فقال:« إنّ قضاتنا يقولون:إنّ عجز المكاتب أن يؤخر النجم إلى النجم الآخر حتى يحول عليه الحول» قلت:فما تقول أنت؟فقال:« لا و لا كرامة،ليس له أن يؤخر نجماً عن أجله إذا كان ذلك في شرطه» (2).

و مرجع الإشارة بحكم الوضع هو العجز،لا عدم تأخير النجم عن الأجل.فاندفع ما يرد عليه من قصور الدلالة،باحتمال الإشارة الرجوع إلى الأخير،فيخرج عمّا نحن فيه؛ إذ على هذا لا نزاع في فسخ كتابته.

و في ثانيهما:عن مكاتبة أدّت ثلثي مكاتبتها و قد شرط عليها إن عجزت فهي تردّ في رقّ،و نحن في حلّ مما أخذنا منها و قد اجتمع عليها نجمان.قال:« تردّ و تطيب لهم ما أخذوا» و قال:« ليس لها أن تؤخر النجم

ص:81


1- المفيد في المقنعة:551،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:639،الشيخ في الاستبصار 4:35،الحلّي في السرائر 3:27.
2- الكافي 6:1/185،التهذيب 8:968/265،الإستبصار 4:113/33،الوسائل 23:145 أبواب المكاتبة ب 5 ح 1.

بعد حدّه شهراً واحداً إلّا بإذنهم» (1).

و ما يقال من أنّ الروايتين ليستا نصّين في المطلوب؛ إذ عدم جواز التأخير غير دالّ على جواز الفسخ.

مدفوع بظهور الدلالة في الأوّل بقرينة السياق و الإنكار على من اعتبر أمراً زائداً عليه،فيصير قرينة للدلالة في الثاني،فإنّ أخبارهم عليهم السلام يكشف بعضها عن بعض.

و في رواية موثّقة عمل بها النهاية و بعض من تبعه (2)حدّه أن يؤخر نجماً إلى نجم فيجب على المولى الصبر إلى النجم الثاني (3).

و هي قاصرة عن المقاومة لما مرّ سنداً و دلالة من وجوه شتّى،بل ربما دلّ سياقها على الاستحباب جدّاً،مع أنّها محتملة للتقية كما صرّح به جماعة (4)و أفصحت عنه الصحيحة السابقة.

مضافاً إلى أنّها مطلقة في الحكم شاملة لصورتي العلم بعجزه عند حلول النجم الثاني و عدمه،و من قال بها لم يقل بهذا الإطلاق جدّاً بل قيّده بالصورة الثانية،معتذراً بعدم الفائدة في التأخير إلى النجم الثاني في الصورة الاُولى،فلا يجب على المولى.

و يضعّف الاعتذار بأنّ المعتبر في مثل هذا الظن الغالب،لتعذّر العلم الحقيقي،و يمكن وقوع خلاف الظن ببذل متبرّع أو مُزكٍّ أو غيرهما.

ص:82


1- الكافي 6:8/187،التهذيب 8:971/266،الإستبصار 4:114/34،الوسائل 23:146 أبواب المكاتبة ب 5 ح 2.
2- النهاية:549،و تبعه ابن البراج في المهذب 2:376.
3- التهذيب 8:972/266،الإستبصار 4:115/34،الوسائل 23:144 أبواب المكاتبة ب 4 ح 15.
4- منهم:الشيخ في الاستبصار 4:35،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:300.

فهذا القول في غاية السقوط.كالقول بلزوم التأخير على المولى إلى ثلاثة أنجم،كما عن الصدوق (1)و إن دلّ عليه خبران (2)،لضعفهما سنداً و مقاومة لما مضى،فليحملا على الاستحباب كسابقهما.

و اعلم أنّ قول الماتن: و كذا لو علم منه العجز لا يستقيم جعله مقابلاً لما اختاره في حدّ العجز من أنه تأخير النجم عن محلّه؛ لأنّ العلم بالعجز إن كان قبل حلول النجم لم يتسلط السيد على الفسخ،كما صرّح به الشهيدان و غيرهما (3)من غير خلاف يعرف،بل صرّح ثانيهما بالإجماع عليه.و إن كان بعد الحلول فهو بعينه تأخير النجم إلى النجم،كما نقلناه عن العاملين بالموثّقة،فكيف يمكن للماتن أن يقول به و يختاره؟ و يستحب للمولى الصبر عليه إن عجز بلا خلاف؛ لما فيه من الإعانة على التخلّص من الرق و إنظار المعسر بالدين،لأنّه عليه بمنزلته؛ و للأمر بإنظاره سنة و سنتين و ثلاثاً (4)المحمول على الاستحباب كما عرفت جمعاً.

و كلّ ما يشترط المولى في العقد على المكاتب من نحو عدم تأخير النجم عن الوقت لازم عليه؛ لأنّه جزء من العقد فيشمله عموم

ص:83


1- المقنع:158.
2- الأوّل في:الفقيه 3:279/78،الوسائل 23:143 أبواب المكاتبة ب 4 ح 10.الثاني في:الفقيه 3:257/73،التهذيب 8:973/267،الاستبصار 4:116/34،المقنع:160،الوسائل 23:144 أبواب المكاتبة ب 4 ح 16.
3- الشهيد الأول في اللمعة(الروضة البهية 6):351،و الدروس 2:245،الشهيد الثاني في المسالك 2:146؛ و انظر المهذب البارع 4:92،و نهاية المرام 2:300.
4- الوسائل 23:144 أبواب المكاتبة ب 4 ح 15،16.

ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود؛ مضافاً إلى لزوم الوفاء بالشروط،المستفاد من عموم كثير من النصوص،و خصوص الأخبار الواردة في المكاتب المشروط،فإنّها صريحة الدلالة على أنّ المؤمنين عند الشروط.

و للخبر:عن المكاتب قال:« يجوز عليه ما شرطت عليه» (1).

ما لم يخالف المشروع كأن يشترط عليه ترك التكسب فيبطل الشرط،و يتبعه بطلان العقد كما هو شأن العقود المشروطة بشيء فاسد من الشروط.

الركن الثاني المالك

و أمّا الثاني،فبيانه:أنه يعتبر في المالك جواز التصرف برفع الحجر عنه بالبلوغ و العقل و الاختيار كما مرّ في نظائر البحث.

و في اعتبار الإسلام فيه تردّد ينشأ من أنّ الكتابة هل هي عتق بعوض؟فيشترط فيه الإسلام،أو معاملة مستقلّة بين السيّد و العبد على عوض معلوم؟فلا يشترط كسائر المعاملات.

أشبهه عند الماتن و الأكثر (2)،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر،بل صرّح بعض بجهالة القائل بالاعتبار (3) أنّه لا يعتبر لضعف القول بأنّه عتق.

مضافاً إلى وقوع العتق من الكافر مطلقاً،أو إذا كان مقرّاً باللّه تعالى، فلا يتمّ الدليل إلّا على القول بعدم صحّة العتق من الكافر مطلقاً،و لو كان باللّه تعالى مقرّاً.و هو ضعيف كما مضى.

ص:84


1- الكافي 6:5/186،الوسائل 23:142 أبواب المكاتبة ب 4 ح 4.
2- كالعلّامة في القواعد 2:118،و السبزواري في الكفاية:224،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:208.
3- نهاية المرام 2:302.

و ظاهر الجماعة الاتّفاق على عدم الاعتبار،مع ثبوت ضعف دليل هذا القول،لعموم ما دلّ على صحة هذه المعاملة.فإن صحّ إجماعاً،و إلّا ففي العموم مناقشة إن أُريد به عموم أدلّة مشروعية المكاتبة من الكتاب و السنة؛ لاختصاص الخطاب في الأوّل بالمسلمين الذين هم المخاطبون بالآية،بقرينة أنّ متعلّقه من يعلم الديانة خيراً لا مطلقاً،و الكافر لا يعلمها بالمعنى المراد في الآية أي الإيمان خيراً بل يزعمه شرّاً،فلا يمكن أن يتوجّه هذا الخطاب إليه جدّاً.

و التعدية إلى الكفار لا بدّ فيها من دلالة،و هي في المقام مفقودة؛ لعدم نصّ كما هو ظاهر و سيأتي إليه الإشارة،و لا إجماع في محل النزاع بلا شبهة.

و عدم عموم في الثاني،بل و لا إطلاق سوى الموثّقة المتقدمة (1)، و المتبادر منها كون المولى مؤمناً لا مطلقاً.مضافاً إلى ظهور قوله عليه السلام:

« و المؤمن معان» في كون العبد مؤمناً،و لا يكون عبداً للكافر غالباً، فلا تحمل الرواية على ما هو فرد نادر جدّاً.

مع أنّه لا تصحّ مكاتبة الكافر له عند جماعة؛ لوجوب إخراج المسلم عن ملك الكافر فوراً،و المكاتبة لا تقتضي الإخراج خروجاً تامّاً،و لا ترفع السلطنة خصوصاً في المشروطة،فلا يمكن أن يحمل عليه إطلاق الرواية من هذه الجهة أيضاً.

و كذا إن أُريد به عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [1] ،أمّا على القول بكون الكتابة عقداً جائزاً مطلقاً أو في الجملة فظاهر؛ لعدم دخولها من أصلها

ص:85


1- في ص 78.

حينئذٍ فيه أصلاً.و كذا على المختار من كونه لازماً؛ لما مضى في عموم الآية السابقة من اختصاص الخطاب بالمسلم،و عدم موجب للتعدية لا من إجماع و لا سنّة.

و ثبوتها إلى الكافر في كثير من المعاملات بأحد الأمرين لا يوجب ثبوتها مع انتفائهما في المسألة.و القياس حرام في الشريعة.

فالقول بالاعتبار لو لم يكن على عدمه إجماع لعلّه لا يخلو عن قوّة و لو قلنا بأنّ الكتابة معاملة مستقلّة؛ لعدم المقتضي لصحّتها كليّة حتّى في المسألة،لما عرفت من ضعف المقتضيات المزبورة،و لم أقف من دونها على دلالة فتأمّل.

مع أنّ الأصل على الفساد أقوى حجّة،سيّما إذا كان العبد مسلماً؛ لما مضى.و كذا إذا كان كافراً على القول بعدم صحّة مكاتبة العبد الكافر كما هو الأقوى،و سيأتي أنّ المرتضى ادّعى عليه إجماعنا عليه مطلقاً من دون تقييد بكون المولى مسلماً (1).

و من هنا ينقدح وجه آخر في الجواب عن العمومات و لو سلّمت؛ فإنّ الإجماع المزبور ينفي جواز مكاتبة الكافر لمثله،كما أنّ ما مرّ في كلام جماعة ينفي جواز مكاتبته لضدّه.فبهما تخصّص العمومات المزبورة، و لا فرد آخر للمسألة تشمله فيكون ثمرة النزاع و المشاجرة.

و أمّا الثالث،فبيانه:

الركن الثالث المكاتب

أنّه يعتبر في المملوك التكليف فلا يصّح مكاتبة الصبي و لا المجنون،بلا خلافٍ أجده حتّى من المسالك و الروضة (2)و إن ناقش في دليل الحكم المنقول عن جماعة بعض المناقشة،لكنّه نسبها

ص:86


1- الانتصار:75.
2- المسالك 2:148،الروضة 6:345.

في الثاني كالشهيد في الدروس (1)إلى الخيال المشعر بل الظاهر في تمريضه،و حكى في الأوّل بعدها الإجماع عن بعض،و جعله الحجّة من دون تزلزل و لا ريبة.

فلا مجال للمناقشة في الحكم في المسألة،سيّما مع حكاية الإجماع المزبور و إن لم نعرف ناقله الأصلي مع احتمال كونه الشهيد في شرح الإرشاد،كما حكاه عنه صريحاً السيّد في شرح الكتاب،و جعل هو أيضاً الحكم مقطوعاً به بين الأصحاب (2).

و استدلّ عليه أيضاً بعد الإجماع بوجوب الاقتصار في هذه المعاملة المخالفة للأصل على مورد النص و الوفاق،و ليس إلّا كتابة المكلّف.و به استدلّ على ما سيأتي من اعتبار الإسلام في العبد.

و هو حسن لو انحصر المخرج عنه في عموم أدلّة مشروعيّة المكاتبة، و ليس بمنحصر،لوجود عموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود،الشامل لمحل الشبهة و المناقشة في المسألة،و هو ما إذا حصل القبول من المولى أو نحوه كالأب و الجد ممّن له الولاية عليهما،لصدق العقد على مثله جدّاً، هذا.

و العجب منه رحمه الله أنّه استدل لعدم اعتبار الإسلام في السيّد بالعموم،و ما احتمل الاعتبار لما ذكره هنا من لزوم الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقّن من النص و الفتوى،مع أنّه لا يكاد يظهر فرق بين المقامين بوجه أصلاً،إذ كما أنّه ليس مكاتبة غير المكلّف متيقّناً من الأمرين و لا موردهما،كذا ليس مكاتبة المولى الكافر متيقّناً من أحدهما

ص:87


1- الدروس 2:242.
2- نهاية المرام 2:302.

و لا موردهما،كما مضى بيانه مشروحاً.

و كما أن عموم الوفاء بالعقود يشمل مكاتبة المولى الكافر على تقدير تسليمه،كذا يشمل على اليقين مكاتبة غير المكلف في الفرض المذكور سابقاً.

فهذا الاستدلال ضعيف،كالاستدلال بأنهما ليس لهما أهليّة القبول و الابتغاء؛ لما ذكره في المسالك و الروضة (1).

و في جواز كتابة العبد الكافر تردّد يظهر من جماعة (2)أنّ وجهه الاختلاف في تفسير الخير في الآية هل هو المال و الديانة؟أو الأوّل دون الثاني؟أو بالعكس؟فيصح على الثاني دون الباقي.

و هذا منهم ظاهر في فهمهم من مفهوم الآية المنع عن الكتابة مع عدم الخير،لا عدم الأمر بها مع عدمه،كما فهمه الشهيد الثاني،و اعترض لأجله توجيه المنع بتفسير الخير بالأوّل و الثالث،فقال:و لمانع أن يمنع من دلالة الآية على المنع على جميع التقادير؛ لأنّ الشرط المذكور إنّما وقع للأمر بها الدالّ على الوجوب أو الاستحباب،لا لمطلق الإذن فيها،و لا يلزم من توقف الأمر بها على شرط توقّف إباحتها عليه.و الدليل على تسويغ عقد المكاتبة غير منحصر في الآية.انتهى (3).

و لعلّ وجه فهم الجماعة لما ذكروه تبادره،لا ما ذكره.

و كيف كان الأظهر المنع وفاقاً للأكثر كالمبسوط و الانتصار (4)

ص:88


1- المسالك 2:148،الروضة 6:345.
2- منهم:فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3:593،و الشهيد الثاني في المسالك 2:148،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:473.
3- انظر المسالك 2:148.
4- المبسوط 6:130،الانتصار:174.

مدّعياً عليه الإجماع المعتضد بعدم نقل خلاف فيه عن أحد من القدماء، و إنّما المخالف الفاضل في المختلف،و الشهيدان في الروضتين (1)،مع أنّ الأول قال في أكثر كتبه كالقواعد و التحرير و الإرشاد (2)بالأوّل؛ و ناهيك هذه الحجة المعتضدة بعدم خلاف ظاهر بين قدماء الطائفة.

مضافاً إلى ما مرّ في العتق من وجوه أُخر غير اعتبار قصد القربة.

الركن الرابع العوض

و أمّا الرابع،فبيانه:أنه يعتبر في العوض أُمور:

منها كونه ديناً فلا يجوز أن يكون عيناً بلا خلاف أجده؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى ما في كلام جماعة (3)من أنها إن كانت ما بيد العبد فلا معاوضة،لأنّها للسيّد.و إن كانت لغيره فهي كجعل ثمن البيع من غير المشتري،و هو غير جائز،لأنّ المعاوضة إنّما تتحقق مع ملك باذل كلّ من العوضين ما وقع بذله.و هذا بخلاف الدين؛ فإنّ المكاتب يخرج عن محض الرقية و يصير قابلاً للملك بالكسب المتجدد،فيجوز جعله عوضاً.

و هذا التوجيه لا يتمشّى في الصورة الأُولى إلّا على المختار من عدم مالكية العبد؛ لصحة التعليل بأنّها للسيد على هذا التقدير.و أمّا على غيره من مالكية العبد مطلقاً أو على بعض الوجوه فغير صحيح؛ لأنّها للعبد، و غاية ما يكون ثبوت الحجر عليه في التصرف فيه،و هو بالإذن بالكتابة عليه مرفوع عنه.

ص:89


1- المختلف:639،اللمعة و الروضة البهية 6:352 353.
2- القواعد 2:119،التحرير 2:84،الإرشاد 2:76.
3- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:470،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:205.

فلا وجه للمنع عن صحة الكتابة على العين في هذه الصورة،فعدمه فيها على هذا القول لا يخلو عن قوة إن لم ينعقد على المنع إجماع الطائفة، و لكن لعلّه ظاهر الانعقاد،كما يستفاد من تتبّع كلماتهم في المسألة.

نعم،استوجه عدم المنع على هذا القول السيد في شرح الكتاب، و لكن الظاهر أنّه مسبوق بعدم الخلاف بل الإجماع،فلا يقدح خروجه، سيما مع كونه معلوم النسب،و هذا أيضاً من أعظم الشواهد على المختار من عدم مالكية العبد على الإطلاق.

و منها:كونه مؤجّلاً فلا يصح حالّا لفظاً أو حكماً عند الأكثر، وفاقاً للشيخ و ابن حمزة (1)؛ تبعاً للسلف،فإنّهم ما كانوا يكاتبون إلّا على العوض المؤجل،فيكون ذلك منهم إجماعاً أو كالإجماع.

و التفاتاً إلى عجزه عن الأداء في الحال؛ لأنّ ما في يده للسيّد، و ما ليس في يده متوقع الحصول،فلا بد من ضرب الأجل،لئلّا يتطرق الجهالة الموجبة للغرر المنهي عنه في الشريعة.

و في الجميع نظر؛ لاندفاع الأوّل على تقدير تسليمه بعدم ثبوت المنع به عما عدا المؤجّل،إذ غايته الاتّفاق على ثبوت المؤجل،و هو أعم من فساد الحال.

و بالجملة:الإجماع النافع في المقام ما وقع على فساد الحالّ،لا على صحّة المؤجل؛ مع إمكان ورود مكاتبتهم مورد الغالب من عجز المكاتب عن الأداء في الحال،و هو لا يستلزم اتفاقهم على فساد الفرد النادر مع التحقق.

ص:90


1- المبسوط 6:73،الوسيلة:344.

و الثاني بمنع الجهالة؛ لإمكان حصول المال في كلّ وقت يتعقّب العقد و لو بالاقتراض و نحوه.

فما عن الخلاف و الحلّي (1)من عدم اشتراط هذا الشرط لا يخلو عن قوّة،للأصل و العمومات،سيّما على القول بكونها بيعاً أو عتقاً بعوض.

و مال إليه الشهيدان في نكت الإرشاد و المسالك و الروضة (2).

و ينبغي القطع به فيما لو كان بعضه حرّا،فكاتبه على قدره فما دون حالّا.

و حيث يعتبر أو يراد يشترط ضبطه كأجل النسية بما لا يحتمل النقصان و الزيادة،و لا يشترط زيادته عن أجل عندنا،كما في الدروس و المسالك و الروضة (3)؛ لحصول الغرض.

و منها:كونه معلوم القدر و الصفة بلا خلاف أجده؛ لاستلزام عدم المعلومية الغرر المنهي عنه في الشريعة.و يعتبر ضبطه كالنسية،و إن كان عرضاً فكالسلف،و يمتنع فيما يمتنع فيه.

و منها:كونه مما يصحّ تملكه للمولى بلا خلاف فيه أيضاً،فلو كاتب المسلم عبده الذمي على ما لا يملكه كخمر و خنزير بطل؛ لعدم دخوله في ملكه.

و إنّما عدل إلى التعبير بالمولى عن التعبير بالمسلم،ليدلّ على صحّة مكاتبة الكافر على ما يملكه و إن كان لا يملكه المسلم كما هي مذهبه.

و عليه فلو كانا ذميّين و أوقعا المكاتبة على الخمر و الخنزير،فإن

ص:91


1- الخلاف 6:383،السرائر 3:30.
2- المسالك 2:145،الروضة 6:348.
3- الدروس 2:243،المسالك 2:145،الروضة 6:349.

أسلما بعد التقابض لم يكن عليه شيء للمولى أصلاً.

و إن كان قبله فهل له عليه قيمة العوض؟أم قيمة نفسه؟أم تبطل الكتابة من أصلها؟أقوال:أجودها الأوّل،كما عليه الشيخ (1)و الأكثر؛ استناداً في صحة المكاتبة إلى الأصل،و عدم ظهور المخرج عنه؛ و في لزوم قيمة العوض إلى أنّ الواجب بالعقد عينه،و مع تعذره شرعاً ينتقل إلى قيمته.

و يندرج في عموم ما يملكه المولى الأعيان و المنافع حتى منفعة المكاتب مدّة معيّنة،و به صرّح جماعة (2)،و لا خلاف فيه أجده.

و في الخبر المروي في الفقيه في هذا الكتاب:عن رجل قال:غلامي حرّ و عليه عمالة كذا و كذا سنة،فقال:« هو حرّ و عليه العمالة» (3)الحديث، فتأمّل.

و لا حدّ لأكثره بلا خلاف؛ للإطلاقات المؤيّدة بظاهر كثير من النصوص لكن ظاهر الأصحاب الاتّفاق على أنه يكره أن يتجاوز قيمته وقت الكتابة.

و حجّتهم غير واضحة،مع أنّ في المرسل لأبان:رجل ملك مملوكاً فسأل صاحبه المكاتبة،إله أن لا يكاتبه إلّا على الغلاء؟قال:« نعم» (4).

ص:92


1- المبسوط 6:128.
2- منهم:صاحب المدارك في نهاية المرام 2:305،و السبزواري في الكفاية:224.
3- التهذيب 8:857/237،الوسائل 23:25 أبواب العتق ب 10 ح 2.
4- الفقيه 3:296/76،التهذيب 8:994/272،الوسائل 23:161 أبواب المكاتبة ب 18 ح 1.

لكن لا بأس بمتابعتهم،فإنّ المقام مقام الكراهة.

و لو دفع ما عليه قبل حلول الأجل فالمولى بالخيار بين قبوله و الامتناع منه بلا خلاف،بل عليه في التنقيح الإجماع (1)إلّا من الإسكافي (2)،فأوجب عليه القبول في بعض الصور.

و يدفعه بعد الأصل و منافاته لمقتضى العقد و الشرط صريح الخبر:

إنّ مكاتباً أتى علياً عليه السلام و قال:إنّ سيدي كاتبني و شرط عليّ نجوماً في كل سنة،فجئته بالمال كلّه ضربة،فسألته أن يأخذه كلّه ضربة فيجيز عتقي، فأبى عليّ،فدعاه علي عليه السلام فقال:صدق،فقال له:« ما لك لا تأخذ المال و تمضي عتقه؟» فقال:ما آخذ إلّا النجوم التي شرطت،و أتعرّض من ذلك إلى ميراثه،فقال علي عليه السلام:« أنت أحقّ بشرطك» (3).

و لم أقف للمخالف على دليل نعم،في الصحيح:في مكاتب ينقد نصف مكاتبة و يبقى عليه النصف،فيدعو مواليه،فيقول:خذوا ما بقي ضربة واحدة،فقال:« يأخذون ما بقي و يعتق» . (4).و لكن لم يقل بإطلاقه إلّا بعض العامة (5)،فيحتمل الحمل على التقية أو الاستحباب،أو مجرّد الرخصة كما يفصح عنه الرواية السابقة.

و اعلم أنه يجوز الدفع من سهم الرقاب إلى المكاتب مطلقاً

ص:93


1- التنقيح الرائع 3:475.
2- كما نقله عنه في المختلف:645.
3- التهذيب 8:998/273،الإستبصار 4:119/35،الوسائل 23:160 أبواب المكاتبة ب 17 ح 2.
4- الفقيه 3:272/76،التهذيب 8:989/271،الوسائل 23:160 أبواب المكاتبة ب 17 ح 1.
5- المغني لابن قدامة 12:359.

إجماعاً فتوًى و نصاً،كتاباً و سنّة،بل قالوا: لو عجز المطلق عن الأداء فكّه الإمام عليه السلام من سهم الرقاب وجوباً لكن لم أقف لهم على حجّة أصلاً.

نعم،في الخبر المرسل:عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدّى بعضها،قال:« يؤدّى عنه من مال الصدقة،فإنّ اللّه تعالى يقول في كتابه وَ فِي الرِّقابِ [1] » (1).و هو بعد الإغماض عن سنده غير واضح الدلالة على ما ذكروه من الوجوب من وجوه،و لذا يظهر من الكفاية التردّد فيه (2)،تبعاً للسيّد في شرح الكتاب (3)،و لعلّه في محله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه.

أما الأحكام فمسائل ثلاث
اشارة

و أمّا الأحكام المتعلّقة بالمقام فمسائل ثلاث

الأُولى إذا مات المشروط بطلت الكتابة

الأُولى: إذا مات المكاتب المشروط و لم يؤدّ المال جميعاً بطلت الكتابة و كان ماله و أولاده من أمته لمولاه مطلقاً خلّف ما فيه وفاء بمال الكتابة،أم لا،على الأشهر الأقوى؛ استصحاباً للعبودية،فإنّ المشروط لا ينعتق إلّا بأداء مجموع ما عليه،لا بأداء بعضه،و لا بالقدرة على الأداء،و المفروض أنّه لم يؤدّ ما شرط عليه،فيكون مات عبداً يرث أمواله و أولاده المولى؛ و مع ذلك الصحاح به مستفيضة جدّاً،سيأتي إلى جملة منها الإشارة إن شاء اللّه تعالى.

ص:94


1- الفقيه 3:258/74،التهذيب 8:1002/275،الوسائل 23:166 أبواب المكاتبة ب 21 ح 1.و الآية في التوبة:60.
2- الكفاية:225.
3- نهاية المرام 2:306.

خلافاً للخلاف (1)،ففصّل بين صورتي الإطلاق،و وافق القوم في الثانية،و حكم في الأُولى بوجوب وفاء ما عليه من وجه الكتابة،و كون الباقي إن كان للورثة.

و هو مع مخالفته الأدلّة المتقدمة شاذّ،غير واضح الحجة،لم أر من يوافقه من الطائفة سوى الصدوق،حيث أطلق الحكم بوجوب إيفاء ما بقي عليه من كتابته من تركته على ابنه من جاريته،و أنّه يرث ما بقي،و لم يفصّل بين المشروط و المطلق (2).لكن ربما يشعر سياق عبارته بإرادته الثاني،فيوافق الإسكافي في قوله الآتي (3).

و إن مات المطلق و لم يؤدّ شيئاً فكذلك كان ماله و أولاده التابعون له في الكتابة للمولى،بلا خلاف أجده،بل نسبه في الدروس إلى ظاهر الأصحاب كافّة (4).لكن احتمل فيه بعد النسبة أن يرث قريبه ما فضل من مال الكتابة،لأنّه كالدين،و استوجهه السيد في شرح الكتاب (5).و هو ضعيف و إن كان يناسب الرواية الآتية سنداً للإسكافي.

و إن كان قد أدّى شيئاً تحرّر منه بقدره،و كان للمولى من تركته بنسبة ما بقي من رقيّته،و لورثته بنسبة الحرّية و لم يكن عليهم شيء من مال الكتابة إن كانوا أحراراً في الأصل للأصل.

و إلّا يكونوا أحراراً في الأصل بأن كانوا أولاداً له من أمته بعد الكتابة تحرّر منهم بقدر ما تحرّر منه و أُلزموا في نصيبهم بما بقي من

ص:95


1- الخلاف 6:394.
2- المقنع:159.
3- في ص 97.
4- الدروس 2:246.
5- نهاية المرام 2:307.

مال الكتابة فإذا أدوه تحرّروا،و لو لم يكن لهم مال سعوا فيما بقي منهم للنصوص،منها الصحيحان:

في أحدهما:عن رجل كاتب عبداً له عليّ ألف درهم،و لم يشترط عليه حين كاتبه إن هو عجز عن مكاتبته فهو ردّ في الرق.و إنّ المكاتب أدّى إلى مولاه خمسمائة درهم،ثم مات المكاتب،و ترك مالاً و ترك ابناً له مدركاً.قال:« نصف ما تركه المكاتب من شيء فإنّه لمولاه الذي كاتبه، و النصف الباقي لابن المكاتب؛ لأنّ المكاتب مات و نصفه حرّ،و نصفه عبد للذي كاتبه،فابن المكاتب كهيئة أبيه:نصفه حرّ،و نصفه عبد للذي كاتب أباه،فإن أدّى إلى الذي كاتب أباه ما بقي على أبيه فهو حرّ،لا سبيل لأحد من الناس عليه» (1).

و في الثاني:« قضى أمير المؤمنين عليه السلام في مكاتب توفّي و له مال، قال:يقسّم ماله على قدر ما أُعتق منه لورثته،و ما لا يعتق منه يحتسب لأربابه الذين كاتبوه،هو مالهم» (2).

و منها الخبر القريب من الصحيح،بتضمّن سنده ابن ابي عمير و جميل:عن المكاتب يموت و له ولد،فقال:« إن كان قد اشترط عليه فولده مماليك،و إن لم يكن يشترط عليه شيء يسعى ولده في مكاتبة أبيهم، و عتقوا إذا أدّوا» (3).

ص:96


1- الكافي 6:3/186،التهذيب 8:969/266،الإستبصار 4:123/37،الوسائل 23:149 أبواب المكاتبة ب 7 ح 1.
2- التهذيب 8:999/274،الإستبصار 4:124/37،الوسائل 23:162 أبواب المكاتبة ب 19 ح 1.
3- الفقيه 3:274/77،التهذيب 8:993/272،الإستبصار 4:127/38،الوسائل 23:151 أبواب المكاتبة ب 7 ح 4.

و هذا مضافاً إلى صحيحين آخرين آمرين على الابن بالأداء (1)، لكنّهما دالّان على مذهب الإسكافي هو الحجة في إلزامهم بأداء ما بقي من مال الكتابة،دون الأولين،إذ ليس فيهما الإشارة إلى ذلك.

نعم،في الأوّل:إنّ الوارث إذا أدّى إلى الذي كاتب أباه ما بقي على أبيه صار حرّا.و هو غير إلزامهم بذلك.

و ما تضمّنته العبارة كالصحيحين من قسمة المال بين المولى و الأولاد بقدر نسبة الحرّية و الرقّية،و خروج مال الكتابة من نصيب الورثة، دون أصل التركة هو الأظهر الأشهر بين الطائفة.

و لكن في رواية بل روايات صحيحة مستفيضة عمل بها الإسكافي (2):إنّ الورثة يؤدّون ما بقي من مال الكتابة من أصل التركة و ما فضل منها بعد الأداء لهم من دون أن تقسم التركة بينهم و بين المولى.

ففي الصحيح:مكاتب يموت و قد أدّى من بعض كتابته،و له ابن من جاريته،قال:« إن اشترط عليه إن عجز فهو مملوك،رجع ابنه مملوكاً و الجارية،و إن لم يكن اشترط عليه أدّى ابنه ما بقي من الكتابة و ورث ما بقي» (3).

ص:97


1- الأول في:الفقيه 3:267/76،التهذيب 8:988/271،الوسائل 23:150 أبواب المكاتبة ب 7 ح 3.الثاني في:التهذيب 8:990/271،الإستبصار 4:130/39،الوسائل 23:162 أبواب المكاتبة ب 19 ح 2.
2- نقله عنه في المختلف:640.
3- الفقيه 3:273/77،التهذيب 8:991/227،الإستبصار 4:125/37،الوسائل 23:163 أبواب المكاتبة ب 19 ح 3.

و هذه الروايات و إن كانت مع صحّتها مستفيضة إلّا أن ذينك الصحيحين أقرب إلى الترجيح؛ لاعتضادهما بالشهرة العظيمة،و الأُصول الظاهرة التي لأجلها أفتى الحلّي بما عليه الأكثر،فقال:و الذي ينبغي تحصيله في ذلك أن نقول:يرث السيد بمقدار ما فيه من العبودية،و ابنه أو وارثه بقدر ما تحرّر منه،و يؤخذ بقيّة مال الكتابة من نصيب وارث المكاتب إذا صار إليه نصيبه،لأنّ الدين الذي هو مال الكتابة يخرج من نصيب الوارث للأجزاء الحرّة،دون جميع ما خلّفه و تركه الميت،لأنّ الأجزاء الباقية على العبودية لا تملك شيئاً،لأنه مال سيّده دونه،و إنّما الدين يتعلق بما فيه الحرية و نصيبها دون جميع التركة (1).انتهى.

و لا ريب أن مجرد الاستفاضة لا يكافئ شيئاً من المرجّحات المزبورة سيّما الشهرة،فلتطرح المستفيضة،أو يجمع بينهما و بين الأوّلين بما ذكره الشيخ في الكتابين (2).

و المكاتب المطلق إذا أوصى أو أُوصي له صحّ الوصيّة منه و له في نصيب الحرّية و بطل في الزائد إجماعاً؛ للصحيحين (3).

و لو لم يتحرر منه شيء أو كان مشروطاً لم تصحّ الوصية منه إجماعاً؛ للصحيح و غيره،و لا له مطلقاً على الأشهر الأقوى؛ للصحيح.

هذا إذا كان الموصى غير المولى،أمّا هو فتصحّ وصيّته مطلقاً،و يعتق

ص:98


1- السرائر 3:27.
2- الاستبصار 4:38،التهذيب 8:274.
3- الأول في:الفقيه 3:251/72،المقنع:158،الوسائل 23:165 أبواب المكاتبة ب 20 ح 1.الثاني في:التهذيب 8:1000/275،الوسائل 23:165 أبواب المكاتبة ب 20 ح 2.

منه بقدر الوصية.و قد مضى في كتابها تمام التحقيق في المسألة و شقوقها.

و كذا لو وجب عليه حدّ أُقيم عليه من حدّ الأحرار بنسبة ما فيه من الحرّية،و من حدّ العبد بنسبة ما فيه من الرقّية ثم إن قسّمت الأسواط على صحّة،و إلّا قبض بنسبة الجزء.

و إن لم يتحرّر منه شيء أو كان مشروطاً،حدّ حدّ العبد،و إن كان قد خرج منهم من وجه،لأنّه لم يصرّحواً محضاً،و الحدّ مبني على التخفيف، فرجّح فيه جانب الأقل.

و في الصحيح:« المكاتب يجلد الحدّ بقدر ما أُعتق منه» (1).

و تمام الكلام في المقام موكول إلى كتاب الحدود.

و لو زنى المولى بمكاتبته المطلقة سقط عنه من الحدّ بقدر نصيبه منها و حدّ بما تحرّر لأنّه وطء محرّم بمن قد صارت أجنبية فيجب الحد.

و لا يجب كماله؛ لما له فيها من الملك الموجب لانتفاء الحدّ و إن كان متزلزلاً،فيجب بالنسبة.

و لصريح بعض المعتبرة:عن رجل كانت أمة له،فقالت الأمة:

ما أديت من مكاتبتي فأنا به حرّة على حساب ذلك؟فقال لها:نعم.فأدّت بعض مكاتبتها،و جامعها مولاها هنا بعد ذلك.فقال:« إن استكرهها بعد ذلك ضرب من الحدّ بقدر ما أدّت من مكاتبتها،و درئ عنه من الحدّ بقدر ما بقي لها من مكاتبتها.و إن كانت تابعته كانت شريكة له في الحد،ضربت مثل ما يضرب» (2).

ص:99


1- التهذيب 8:1005/276،الوسائل 23:167 أبواب المكاتبة ب 22 ح 1.
2- الكافي 6:4/186،التهذيب 8:977/268،الإستبصار 4:121/36،الوسائل 23:151 أبواب المكاتبة ب 8 ح 1.

و لو كانت مشروطة أو لم يؤدّ شيئاً فلا حدّ.لكن يعزّر،لتحريم وطئه لها مطلقاً،كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

الثانية:

الثانية ليس للمكاتب التصرف في ماله بهبة،و لا عتق،و لا إقراض

ليس للمكاتب التصرف في ماله:بهبة،و لا عتق، و لا إقراض و لا بيع،بلا خلاف فيه في الجملة؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل و المعتبرة:

منها الصحيح:في رجل كاتب على نفسه و ماله،و له أمة،و قد شرط عليه ألّا يتزوّج،فأعتق الأمة و تزوّجها،قال:« لا يصلح له أن يحدث في ماله إلّا الأكلة من الطعام،و نكاحه فاسد مردود» قيل:فإنّ سيده علم بنكاحه و لم يقل شيئاً،قال:« إذا صمت حين يعلم فقد أقرّ» قيل:فإنّ المكاتب عتق،أ فترى أن يجدّد النكاح أو يمضي على النكاح الأول؟قال:

« يمضي على نكاحه» (1).

و نحوه في الجملة المعتبران الآتيان.

و إطلاقه كالعبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في المكاتب بين نوعيه،و به صرّح في الروضة (2).و لا في التصرفات بين كونها منافية للاكتساب أم غير منافية.

خلافاً للمعتبرين في الأوّل،فقيّداه بالمشروط:

أحدهما الصحيح:« المكاتب لا يجوز له عتق و لا هبة و لا تزويج حتى يؤدّي ما عليه إن كان مولاه شرط عليه إن هو عجز فهو ردّ في الرق، و لكن يبيع و يشتري،فإن وقع عليه دين في تجارة كان على مولاه أن

ص:100


1- الكافي 6:12/188،الفقيه 3:271/76،التهذيب 8:978/269،الوسائل 23:147 أبواب المكاتبة ب 6 ح 1.
2- الروضة 6:363.

يقضي دينه،لأنّه عبده» (1).

و نحوه الثاني القريب من الصحيح (2)؛ لانجبار ضعف بعض رواته برواية ابن محبوب عنه،و هو كالضعيف ممّن حكي على تصحيح ما يصحّ عنهم إجماع العصابة.و زيد فيه بعد الثلاثة:و لا حج و لا شهادة.

و هما شاذّان،كالصحيح:في المكاتب يشترط عليه مولاه ألّا يتزوج إلّا بإذن منه حتى يؤدّي مكاتبته،قال:« ينبغي له ألّا يتزوج إلّا بإذن منه فإنّ له شرطه» (3)من حيث دلالته بمفهوم التعليل على أنّه لولا الشرط لجاز نكاحه.

و يمكن الذبّ عن شذوذ المعتبرين بصرف الشرط فيهما إلى عدم جواز التصرفات بالكلية إلى حين أداء جميع وجه الكتابة،لا إلى أصل المنع عنها الشامل له و لو في الجملة.

و لا ريب فيهما حينئذ؛ فإنّ الذي يمنع من التصرّفات بالكلية إلى أداء جميع مال الكتابة إنما هو المشروط خاصّة.و أمّا المطلق فلا يمنع عن التصرفات كذلك؛ لجوازها في حقّه و لو على بعض الوجوه،كما إذا أدّى بعض المكاتبة،فإنّه تصح تصرفاته بنسبة الحرّية كما مضى إليه الإشارة.

و بالجملة:الشرط ليس شرطاً لأصل المنع فيرد الشذوذ،بل شرط لكليّته إلى الأداء.

و لجماعة في الثاني،فقيّدوا التصرفات الممنوعة بما ينافي الاكتساب

ص:101


1- التهذيب 8:1001/275،الوسائل 23:148 أبواب المكاتبة ب 6 ح 3.
2- الكافي 6:2/186،التهذيب 8:976/268،الوسائل 23:147 أبواب المكاتبة ب 6 ح 2.
3- الكافي 6:9/187،الوسائل 23:148 أبواب المكاتبة ب 6 ح 5.

خاصّة،و منهم الشهيد الثاني في المسالك و الروضة (1)،حيث قيّد الهبة بما لا يستلزم عوضاً زائداً عن الموهوب،قال:و إلّا فلا منع،للغبطة،و في صحّة العوض المساوي وجه،إذ لا ضرر حينئذٍ،كالبيع بثمن المثل و الشراء به،و العتق بما فيه ضرر،قال:و له قبول هبة من ينعتق عليه مع عدم الضرر،بأن يكون مكتسباً قدر مؤنته فصاعداً،و الإقراض بعدم الغبطة، قال:فلو كانت في طريق خطر يكون الإقراض أغبط من بقاء المال،أو خاف تلفه قبل دفعه إلى المولى،أو بيعه أو نحو ذلك،فالمتجه الصحّة.

و البيع،بنحو البيع نسية بغير رهن و لا ضمين موسراً و محاباة أو بغبن،قال:

لا مطلق البيع،فإنّ له التصرف بالبيع و الشراء و غيرهما من أنواع التكسب التي لا خطر فيها و لا تبرّع.

ثم إنّه رحمه الله بعد التقييدات قال مشيراً إلى الأصحاب:و لكنّهم أطلقوا المنع فيما ذكر (2).

و هو كما ترى مشعر بالوفاق على الإطلاق.فإن تمّ،و إلّا كما هو الظاهر،و إلّا لما خالفهم هو و لا غيره ممن تقدّم عليه و تأخّر عنه فالأجود التقييد بما ذكره،لأنّ المكاتب و إن كان عبداً لا يجوز له التصرف بحال اتّفاقاً فتوًى و نصّاً،و منه الصحيح المتقدم المعلِّل للزوم أداء دينه على سيّده بأنّه عبدة (3).إلّا أن جوازه له حيث لم يوجد فيه قيود المنع،و يجمعه ما لم يناف الاكتساب مستند إلى إذن المولى الناشئ من كتابته له،بناءً على أن مقتضاها حصول العتق بالأداء،و لا يمكن في الأغلب سيّما على المختار

ص:102


1- المسالك 2:151،الروضة 6:363.
2- الروضة 6:364.
3- راجع ص 100.

من عدم مالكيته إلّا بالتكسب،فقد أذن له فيه بالالتزام،و هو عامّ يشمل التصرفات المذكورة إذا لم تناف الاكتساب،فتأمل.

مع أنّ فيه جمعاً بين عموم الصحيح الأوّل،المانع له عن التصرفات غير المستثنى منه الشاملة للبيع و الشراء،و إطلاق الصحيح الثاني بجواز إهماله.بحمل الأول على محل القيد و الثاني على غير محلّه.

و يمكن تنزيل إطلاق العبائر على هذا التفصيل بأن يقال:قولهم بعد المنع: إلّا بإذن المولى يدلّ على اختصاص المنع بصورة عدم الإذن و ارتفاعه في محله،و هو يعمّ الصريح و الضمني الشامل لما لا يتحقّق فيه قيد المنع،فلا خلاف.

و اعلم أن السند في الجواز مع الإذن بعد الأصل و الإجماع على الظاهر أولويّة ثبوته للقنّ معه.

و حيث يعتق بإذنه فالولاء له إن عتق،و إلّا فللمولى.

و لو اشترى من ينعتق عليه لم يعتق عليه في الحال،فإن عتق تبعه، و إلّا استرقّهما المولى.

و لو مات العتيق في زمن الكتابة وقف ميراثه توقّعاً لعتق المكاتب.

و حيث لا يأذن المولى فيما لا غبطة فيه،و لم يبطله حتى عتق المكاتب نفذ؛ لزوال المانع كالفضولي،بل هو بالنفوذ أولى،و ربما دلّ عليه الصحيح الأوّل،و لا قائل بالفصل.

و قيل (1):يبطل من أصله؛ لوقوعه على خير الوجه المشروع.و هو كما ترى؛ فإنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد على الأشهر الأقوى.

ص:103


1- قاله في إيضاح الفوائد 3:611.

و كما أنّه ليس للمكاتب التصرف في ماله بنحو ما مرّ،كذا ليس للمولى التصرف في ماله بغير الاستيفاء مطلقاً،مشروطاً كان أو مطلقاً،بلا خلاف ظاهراً.

قيل:لخروجه بالكتابة عن محض الرقّية (1)،و انقطاع سلطنة المولى عنه،و لذا امتنع من المولى بيعه و عتقه قبل فسخ الكتابة،و جاز له معاملة المولى بالبيع و الشراء إجماعاً.

و ليس المراد بجواز التصرف بالاستيفاء جواز أخذه من المكاتب قهراً لأجل الاستيفاء مطلقاً؛ لأنّ المكاتب كالمديون في تخيّره في جهة الوفاء، و تعيين الدين في أعيان ما بيده موكول إليه.بل المراد جواز ذلك في الجملة،و هو ما إذا كان مشروطاً و حلّ النجم فلم يؤدّه،و كان بيده مال بقدره.و أما لو زاد فالتعيين موكول إليه أو إلى الحاكم حيث يمتنع عنه،كما في كلّ ممتنع.

و لا يحلّ له أي للمولى وطء أمته المكاتبة و لو برضاها مطلقاً لا بالملك و لا بالعقد إجماعاً؛ لخروجها بالمكاتبة عن محض الرقّية المسوّغ لوطئها بملك اليمين،و عدم صيرورتها حرّة يستباح بضعها بالعقد،لأنّ المكاتب على مرتبة بين الرقّ و العتق.

هذا مضافاً إلى[أنّ]بعض المعتبرة المتقدم في زنا المولى بمكاتبته المطلقة،الصريح في حرمة الوطء بالأول،و إطلاق المعتبرين المتقدّمين (2)،الدالّين على أنّه لا يجوز للمكاتب عتق و لا هبة و لا نكاح، ربما دلّ على المنع عن نكاحه و لو من المولى.

ص:104


1- قاله السبزواري في الكفاية:225.
2- في ص 100.

و المكاتب فيهما و إن كان بلفظ التذكير إلّا أن الظاهر منه إرادة الجنس الشامل للمؤنث،بناءً على اشتراكها مع المذكر في المنع عن الأُمور المزبورة في الخبرين عند الأصحاب،فتأمل.

و لو وطئها مكرها لها لزمه مهرها بلا خلاف ظاهر؛ للقوي:

في مكاتبة يطؤها مولاها فتحمل،قال:« يردّ عليها مهر مثلها،و تسعى في قيمتها،فإن عجزت فهي من أمّهات الأولاد» (1).

و إطلاقه بل عمومه يشمل صورتي الإكراه و عدمه،و به صرّح الشهيدان (2)،قال ثانيهما:لأنها لم تستقلّ بملكه ليسقط ببغيها.

و منه يظهر الوجه في تقييد العبارة لزوم المهر بالإكراه،و جوابه، مضافاً إلى عموم الخبر المخصّص لحديث:« لا مهر لبغيّ» (3)على تقدير شموله لمحلّ الفرض.

و في تكرّر المهر بتكرّر الوطء أوجه:ثالثها ذلك،مع تخلّل الأداء بين الوطأين.و رابعها ذلك مع العلم بتعدّد الوطء،و عدمه مع الشبهة المستمرّة.

و يضعّفهما و القول بالتكرّر على الإطلاق عموم القويّ السابق،بل ظاهره الناشئ من ظهور السؤال في تكرّر الوطء،حيث عبّر في الأخبار عنه ب:« يطأ» المفيد للتجدّد و الاستمرار،و ظاهر الجواب ليس إلّا ثبوت المهر الواحد.

ص:105


1- الكافي 6:16/188،الفقيه 3:350/93،التهذيب 8:981/269،الإستبصار 4:122/36،الوسائل 23:158 أبواب المكاتبة ب 14 ح 2.
2- الأول في الدروس 2:250،و الثاني في الروضة 6:366.
3- صحيح البخاري 7:79،سنن الترمذي 3:/575 1276،السنن الكبرى للبيهقي 6:6،و فيها(نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم عن ثمن الكلب و مهر البغي..).

و لا يجوز لها أن تتزوّج إلّا بإذنه بلا خلاف؛ لإطلاق المعتبرين المتقدمين بناءً على التوجيه المتقدم.

مضافاً إلى استصحاب عدم الجواز قبل الكتابة،و عدم المخرج عنه سوى عقدها،و لا يتضمّن سوى الإذن في الاكتساب و ليس منه التزويج.

و على تقديره فيمنع عنه من وجه آخر و هو تعقّبه الضرر بالحمل،المستلزم لاحتمال الفوت بالطلق.و الكسب المرخّص فيه ليس سوى الذي لم يتعقّبه الضرر غالباً بالإجماع،و لذا يمنع عن نحو البيع نسيئة و القراض.

و لو أذن لها في التزويج صحّ و ملكت المهر.

و الفرق بين تزويجها من غير المولى و تزويجها منه حيث اتّفقوا على الصحّة في الأول،و عدمها في الثاني أنّ الملك له غير تام،لتشبثّها بالحرّية،و العقد كذلك غير تامّ،لعدم استقلالها،و البضع لا يتبعّض.أمّا الغير فلمّا كان الحق منحصراً فيهما،و زوّجته نفسها بإذن المولى فقد أباحت نفسها بوجه واحد.

و لو حملت بعد الكتابة كان حكم ولدها حكمها في رقّه برقّها و انعتاقه بعتقها؛ لأنه كسبها فيتبع حرّيتها و رقيّتها كسائر اكتسابها.

و ليس المراد سراية الكتابة إلى أولادها كالتدبير،كما صرّح به جماعة من أصحابنا (1)،و دلّ عليه ما مضى من الأخبار المستفيضة في ميراث المكاتب،الصريحة في تبعيّة الأولاد له في الانعتاق و الرقّية؛ و هي الحجّة في المسألة.

مضافاً إلى الإجماع الظاهر،و الحسن:« المكاتبة ما ولدت في

ص:106


1- منهم:فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3:627،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:314،و السبزواري في الكفاية:225.

مكاتبتها فهم بمنزلتها،إن ماتت فعليهم ما بقي عليها إن شاؤوا،فإذا أدوا عتقوا» (1).

و الحكم فيه و في العبارة و إن اختص بولد الأمة انّ ولد العبد كذلك؛ لباقي الأدلّة.

ثم إنّ هذا إذا لم يكونوا أي الأولاد أحراراً و إلّا لم يتبعوا أبويها في الرقّ حيث يعودان فيه قطعاً.

الثالثة:

الثالثة يجب على المولى إعانته من الزكاة

يجب على المولى إعانته مشروطاً كان أو مطلقاً من الزكاة إن وجبت عليه. و لو لم تكن واجبة عليه استحبّ له إعانته تبرّعاً وفاقاً للخلاف و كثير من المتأخرين (2)،و ادّعى فيه على ذلك إجماع الفرقة و أخبارهم؛ و هو الحجة في الوجوب،و التخصيص بالمولى، مضافاً إلى ظاهر الآية فيهما (3)،الناشئ عن كون الأمر حقيقة في الوجوب و لا ينافيه استعمال الأمر بالكتابة قبله في الاستحباب و ظهور السياق في اختصاص الضمير المتعلّق به الأمر بالمولى،فلا يعمّ من عداه.

و في تخصيص المال بالزكاة و إن كانت الآية فيه مطلقة،و تخصيص الآية بصورة وجوبها و الاستحباب في غيرها تبرّعاً.

لكن في الخبر:عن قول اللّه عزّ و جلّ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ [1] (4)قال:« تضع عنه من نجومه التي لم تكن تريد أن تنقصه و لا تزيد فوق ما في نفسك» فقلت:كم؟فقال

ص:107


1- التهذيب 8:951/261،الإستبصار 4:106/31،الوسائل 23:123 أبواب التدبير ب 5 ح 4.
2- الخلاف 6:397؛ و انظر الدروس 2:247،و الروضة 6:357.
3- النور:33.
4- النور:33.

« وضع أبو جعفر عليه السلام عن مملوك ألفاً من ستّة آلاف» (1).

و هو كما ترى مناف لما مرّ من حيث تفسيره المؤتى بوضع بعض النجوم.لكنه ضعيف بابن سنان في المشهور،و مع ذلك كاد أن يلحق بالشواذّ،لعدم مفتٍ بمضمونه بالخصوص،فإنّ الأصحاب ما بين مفتٍ بما مرّ،و حاكمٍ بالوجوب على المولى،جاعلاً متعلّق الوجوب هو الحطّ عن مال الكتابة مع إتيانه شيئاً يستعين به على الأداء،وجبت على المولى الزكاة أم لا،كما عن المبسوط و جماعة (2).و مخصّصٍ للحكم بغير المشروط العاجز عن توفية ثمنه،مفصّلاً بين وجوب الزكاة على المولى،فتجب عليه الإعانة منها و عدمه،فعلى الأمام أن يفكّه من سهم الرقاب كما عليه الحلّي (3).و نافٍ للوجوب من أصله،حاكمٍ باستحباب الإعانة للسيد بدفعه إلى مكاتبته شيئاً من ماله من سهم الرقاب،كما عن ابن حمزة و القاضي (4).

و هذه الأقوال كما ترى ليس فيها ما يوافق مضمون الرواية عدا ما في المبسوط؛ لتفسيره الإيتاء بالحطّ عن بعض النجوم كما فيها،لكن زاد:

و يؤتيه شيئاً يستعين به على الأداء.فتخالفا من هذه الجهة،فلا يمكن المصير إليها بعد كونها بهذه المثابة لم يعلم قائل بمضمونها أصلاً.

نعم،عن الإسكافي إنّه قال بعد ذكر الآية:و يحتمل أن يكون ذلك أمراً بأن يدفع إلى المكاتب من سهم الرقاب من الصدقات إن عجزوا،

ص:108


1- الكافي 6:17/189،الفقيه 3:256/73،التهذيب 8:982/270،الوسائل 23:153 أبواب المكاتبة ب 9 ح 2.
2- المبسوط 6:93؛ و انظر الكفاية:225.
3- السرائر 3:29.
4- الوسيلة:345،المهذّب 2:377.

و يحتمل أن يكون ندباً للسيد أن يضع عنه جزءاً من مكاتبته (1).و احتماله الأخير موافق للرواية إن حملت على الاستحباب.

الاستيلاد

و أما الاستيلاد للإماء بملك اليمين،المترتب عليه أحكام خاصة،منها:بطلان كلّ تصرّف فيها ناقل للملك عنه إلى غيره،غير مستلزم للعتق،أو مستلزم للنقل كالرهن.و منها:عتقها بموت المولى قبلها مع خلوّ ذمته عن ثمن رقبتها،أو وفاء التركة و حياة الولد،و غير ذلك.

فهو يتحقق بعلوق أمته منه أي حملها منه في ملكه بما يكون مبدأ نشوء آدمي و لو مضغة،لا بعلوق الزوجة الأمة،و لا الموطوءة لشبهة و إن ولدته حرّا أو ملكهما بعد،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،بل عن ظاهر المبسوط (2)الإجماع عليه في بعض الصور مع أحد الأمرين؛ و هو الحجّة في الجملة.

مضافاً إلى الأصل مطلقاً،المعتضد بالخبر المنجبر قصوره بعمل الأكثر:في رجل يتزوّج الأمة و يولدها ثم يملكها و لم تلد عنده بعد،قال:

« هي أمته،إن شاء باعها،ما لم يحدث بعد ذلك حمل،و إن شاء أعتق» (3).

خلافاً للشيخ و ابن حمزة (4)،فأثبتا بذلك الاستيلاد؛ نظراً إلى إطلاق النصوص الدالّة على حكمه بناءً على الوضع اللغوي.

و يضعّف أولاً:بعدم عموم في الإطلاق،لانصرافه بحكم التبادر إلى

ص:109


1- نقله عنه في المختلف:641.
2- المبسوط 6:185.
3- التهذيب 7:1940/482،الوسائل 23:172 أبواب الاستيلاد ب 4 ح 1؛ بتفاوت يسير.
4- الخلاف 6:426،المبسوط 6:186،الوسيلة:308.

التي علقت به في الملك لا في الأمرين.

و ثانياً،بعد تسليمه:بلزوم تقييده بما مرّ من الخبر المعتبر و لو بالعرض.

و لا بالنطفة،وفاقاً للأكثر (1)؛ للأصل،و عدم تسميتها ولداً في العرف.و هو و إن جرى في نحو المضغة على تقدير تسليمه لكنه ملحق بالولد بالإجماع.

خلافاً للنهاية (2)،فألحقها به أيضاً؛ نظراً منه إلى بناء الاستيلاد على التغليب،و لذا يقيّد بالعلقة و المضغة.و النطفة بعد استقرارها و استعدادها للصورة الإنسانية يشبه العلقة في الجملة.و هو كما ترى.

ثم إنّ إطلاق العبارة و غيرها من عبائر الجماعة كالنصوص،و به صرّح من الأصحاب جملة (3):أنه لا يشترط الوطء بل يكفي مطلق العلوق منه، و لا حلّ الوطء.

و لا ريب فيه مع عروض التحريم كالصوم و الحيض.و أمّا مع أصليّته بتزويجه الأمة من الغير مع العلم بالتحريم،أو بالرضاع،إذا قلنا بعدم العتق عند ملكها،فقد قطع الشهيد الثاني بالعدم (4)؛ لتوجه الحدّ إليه،فلا يلحق به النسب الذي هو مناط الاستيلاد.و مال إليه في الدروس (5)،خلافاً

ص:110


1- كالعلّامة في القواعد 2:128،و الشهيد الثاني في المسالك 2:161،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:218.
2- النهاية:546.
3- منهم الشهيد الثاني في الروضة 6:370.
4- الروضة 6:370.
5- الدروس 2:221.

للمحكي فيه عن المبسوط (1)،فجعله كالأوّل.

و يشترط مع ذلك الحكم بحريّة الولد،فلا يحصل بوطء المكاتب أمته قبل الحكم بعتقه،فلو عجز استرقّ المولى الجميع.

نعم،لو عتق صارت أُمّ ولد،و ليس له بيعها قبل عجزه و عتقه؛ لتشبثها بالحرّية.

و لا بوطء العبد أمته التي ملّكه إيّاها مولاه،لو قلنا بملكه و هي مملوكة للأصل السالم عن المعارض،فيجوز استخدامها،و وطؤها بالملك،و تزويجها و لو بغير رضاها،و إجارتها،و عتقها،بلا خلاف، و يستفاد من النصوص.

لكن لا يجوز بيعها ما دام ولدها حيّاً إلّا في ثمن رقبتها إذا كان ديناً على المولى،و لا جهة له لقضائه غيرها ميتاً كان مولاها أم حيّاً، بلا خلاف في كلّ من المنع و الجواز إلّا من المرتضى (2)في الأخير،فمنعه على الإطلاق.و يدفعه بعد الإجماع في الظاهر الخبران:

أحدهما الصحيح:« أيّما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤدّ ثمنها و لم يدع من المال ما يؤدّي عنه،أُخذ ولدها منها و بيعت فأدّي عنها» قلت:

فيبعن فيما سوى ذلك من دين؟قال:

« لا» (3).و ثانيهما:الخبر المنجبر ضعفه بعمل الأكثر:عن أُم الولد تباع في الدين؟قال:« نعم في ثمن رقبتها» (4).

ص:111


1- المبسوط 6:190.
2- الانتصار:175.
3- الكافي 6:5/193،الفقيه 3:6/83،الوسائل 23:170 أبواب الاستيلاد ب 2 ح 1.
4- الكافي 6:2/192،الوسائل 18:278 أبواب بيع الحيوان ب 24 ح 2.

و من ابن حمزة فيه أيضاً (1)،فخصّه بصورة موت المولى خاصّة؛ أخذاً بالأصل،و اختصاص ظاهر الصحيح لهذه الصورة،فلا يشمل صورة الحياة؛ و ضعف الخبر.

و يدفعه انجبار الخبر بالعمل،فيخصّص الأصل.و لا محذور حينئذ في اختصاص الصحيح بصورة الوفاة،مع احتماله عدم الاختصاص و شموله لصورة الحياة،كما فهمه شيخنا الشهيد الثاني (2)و أكثر الأصحاب (3)،و بيّنا الوجه فيه في كتاب النكاح في تزويج الإماء.

و مقتضى الأصل و كلام الأصحاب،كصريح الصحيح و ظاهر الخبر:

اختصاص الجواز بصورة كون الدين ثمن رقبتها.

و ألحق بعضهم (4)مواضع أُخر:كبيعها إذا مات قريبها،لتعتق و ترث.

و على من تنعتق عليه.و إذا جنت على غير مولاها ليدفع ثمنها أو رقبتها في الجناية.و إذا كان علوقها بعد الارتهان أو بعد الإفلاس.و إذا عجز عن نفقتها.و إذا مات و لم يخلف سواها و عليه دين مستغرق.و في كفنه إذا لم يخلف سواها.و إذا أسلمت قبل مولاها الكافر.و إذا كان ولدها غير وارث.

و منهم (5)من زاد:ما لو جنت على مولاها أو قتلته خطأً.و منهم من زاد غير ذلك.

و في كثير من هذه الصور نظر.

ص:112


1- الوسيلة:343.
2- الروضة 3:257.
3- منهم:العلّامة في القواعد 2:128،و الشهيد الأوّل في الدروس 2:222،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:219.
4- انظر الروضة 3:258،و الكفاية:226.
5- انظر الروضة 3:260.

و من الصحيح في الأول:عن أُم الولد فقال:« أمة تباع و تورث» (1).

و حمل على موت الولد؛ لعدم معارضته للإجماع الظاهر و للمحكي في الانتصار (2)،و خصوص النصوص المتقدمة.و عليه فيكون المراد منه الردّ على العامة (3)المانعين عن بيعها على الإطلاق.

و يظهر منه بناءً على هذا الحمل أنه لو مات الولد جاز بيعها مضافاً إلى الاتفاق،و النصوص المستفيضة:

منها الصحيح:« و إن مات ولدها قبل أن يعتقها فهي أمة إن شاؤوا أعتقوا،و إن شاؤوا استرقّوا» (4).

و الموثّق:عن رجل اشترى جارية فولدت منه ولداً فمات،قال:« إن شاء أن تبيعها باعها» (5).

ثمّ إنّ ذا إذا لم يخلف ولدها ولداً.و لو خلّفه ففي كون حكمه حكمه فلا يجوز بيعها أم لا وجهان،بل قيل:قولان (6).أظهرهما الثاني؛ لعموم المستفيضة برجوعها إلى محض الرقيّة بموت الولد،بناءً على أنّ المتبادر منه عند الإطلاق إنّما هو الولد للصلب.و به يجاب عن دليل الأوّل،من عموم ما دلّ على المنع عن بيع أُمّ الولد،بناءً على كونه ولداً حقيقة.

ص:113


1- الكافي 6:1/191،الفقيه 3:294/82،التهذيب 8:858/237،الإستبصار 4:34/11،الوسائل 18:279 أبواب بيع الحيوان ب 24 ح 3.
2- الانتصار:175.
3- انظر بداية المجتهد 2:393.
4- الفقيه 3:300/83،التهذيب 8:864/239،الوسائل 23:175 أبواب الاستيلاد ب 6 ح 2؛ بتفاوت.
5- الوسائل 23:176 أبواب الاستيلاد ب 6 ذيل حديث 4.
6- انظر الكفاية:226.

قيل:و هو متّجه لو كان وارثاً لجدّه؛ لانعتاقها عليه،دون ما إذا لم يكن وارثاً،لانتفاء الملك المقتضي للعتق.

و ربّما جعل هذا التفصيل قولاً في محل النزاع.و هو حسن إن أُريد انعتاقها عليه من قدر نصيبه منها،لكنّه غير محل النزاع.و محلّ نظر إن أُريد إلحاقه بالولد مطلقاً حتى في عدم جواز البيع و أنّه لو كان له نصيب من التركة غيرها انعتق عليه منه أيضاً كالولد؛ فإنّه مخالف للأصل و لو في الولد،إلّا أنّ الحكم فيه خرج عنه بالإجماع و إطلاق ما سيأتي من النص، فيبقى غيره مندرجاً تحت الأصل.

و تتحرّر بموت المولى من نصيب ولدها من التركة لا منها خاصّة،إجماعاً فيه و في عدم انعتاقها من أصل التركة؛ للمعتبرة المستفيضة.

منها الصحيح:« إن كان لها ولد و ترك مالاً جعلت في نصيب ولدها» (1).

و المرسل كالصحيح على الأشهر الصحيح:« إن كان لها ولد قوّمت على ولدها من نصيبه» (2)و نحوهما الصحيح و غيره (3)مما يأتي.

و لو لم يخلف المولى الميت تركة سواها و كان له وارث سواه عتقت من نصيب ولدها و سعت فيما بقي من قيمتها.و لا اعتبار بملك ولدها من غير الإرث؛ لأنّ عتقها عليه قهري فلا يسري عليه على

ص:114


1- الكافي 6:3/192،الفقيه 3:300/83،التهذيب 8:860/238،الإستبصار 4:37/12،الوسائل 23:175 أبواب الاستيلاد ب 6 ح 1.
2- الكافي 6:4/192،التهذيب 8:861/238،الإستبصار 4:38/12،الوسائل 23:173 أبواب الاستيلاد ب 5 ج 2.
3- التهذيب 8:764/214،الوسائل 23:176 أبواب الاستيلاد ب 6 ح 4.

الأشهر الأقوى،للأصل المعتضد بظاهر ما مرّ من النصوص من حيث الحكم فيها بالعتق من النصيب على الإطلاق،المشعر بل الظاهر في عدم انعتاقها عليه من ماله على الإطلاق،بل هو من[خصوص (1)]ما وصل إليه من النصيب،و إلّا لعبّر بماله دون نصيبه.

مضافاً إلى صريح المقطوع:« و إذا كانت بين شركاء فقد عتقت من نصيب ولدها،و تستسعى في بقية ثمنها» (2).

خلافاً للمبسوط و الإسكافي (3)،فحكما بالسراية عليه؛ للنبوي« من ملك ذا رحم فهو حرّ» (4).

و قصوره سنداً،و مكافاةً لما مرّ من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع حقيقة يمنع من العمل به جدّاً.

و إن أيّده ما في رواية موثّقة عمل بها في النهاية (5)من أنها تقوّم على ولدها إن مات المولى و عليه دين و كان الولد موسراً و أنه ان كان صغيراً انتظر بلوغه (6).

لقصورها كالرواية السابقة عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة،و هي مع ذلك مهجورة العمل عند غير النهاية،بل و عنده أيضاً،حيث رجع عنه في

ص:115


1- في الأصل:حصول.
2- الكافي 6:6/193،التهذيب 8:863/239،الإستبصار 4:39/13،الوسائل 23:173 أبواب الاستيلاد ب 5 ح 3.
3- المبسوط 6:185،و نقله عن الإسكافي في المختلف:647.
4- عوالي اللئلئ 3:23/439،المستدرك 15:456 كتاب العتق ب 12 ح 1.
5- النهاية:547.
6- التهذيب 8:865/239،الإستبصار 4:41/14،الوسائل 23:176 أبواب الاستيلاد ب 6 ذيل حديث 4.

باقي كتبه،مع أنّه لم يعمل بإطلاقها في النهاية،لعموم الدين فيها لثمن الرقبة و غيرها،و في النهاية قيّده بالأوّل خاصّة.

و العجب من السيد في شرح الكتاب و صاحب الكفاية (1)؛ حيث جعلا هذه الرواية حجّة للشيخ في قوله السابق،و لم يذكرا قوله في النهاية.

و كأنّهما زعما أنّ مورد القولين مسألة واحدة.و ليسا كما زعما؛ لوضوح الفرق بين مورديهما كما ترى،و إن تشابها.

و لذا إنّ شيخنا في الدروس كالمختلف (2)ذكرا لهما عنوانين،و بحثا عن كلّ منهما على حدة،مستدلَّين لكل منهما بحجة مستقلة،و جعلا هذه الرواية حجّة لما في النهاية،و استندا لما في المبسوط إلى الرواية السابقة.

ثم ظاهر هذه الأقوال الإطباق على عدم السراية على الولد مع إعساره.خلافاً للمحكي عن ابن حمزة،فقال بوجوب الاستسعاء عليه حينئذٍ (3)؛ و حجّته مع منافاته الأصل غير واضحة،عدا المقطوعة السابقة إن قرئت فيستسعى بالياء،و لكنها بالتاء في النسخة المصححة مضبوطة.

نعم،ذكر الصيمري أن به رواية يونس بن يعقوب.و لم أقف عليها عدا المقطوعة،و هي و إن كانت له إلّا أنها واضحة الدلالة على المختار،بناءً على النسخة المصحّحة.

و في رواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام،في وليدة نصرانيّة أسلمت و ولدت من مولاها غلاماً و مات فأُعتقت و تزوّجت نصرانياً و تنصرت فولدت،فقال عليه السلام:« ولدها لابنها من سيّدها،و تحبس حتى

ص:116


1- نهاية المرام 2:320،الكفاية:226.
2- الدروس 2:222،223،المختلف:647.
3- الوسيلة:343.

تضع و تقتل» (1) و هي و إن رويت في التهذيب في آخر باب السراري و ملك الأيمان موثقاً بابن فضال،بل ذكر السيّد في شرح الكتاب كونها فيه مرويّة صحيحاً و لم أقف عليها كذلك،إلّا أنّها مخالفة للأُصول القطعية من حيث تضمّنها استرقاق ولدها الحر المتولد من نصراني محرم،و قتل المرأة المرتدّة خصوصاً عن ملّة.

و لذا إنّ الشيخ في النهاية (2) أعرض عن العمل بها و قال:إنّه يفعل بها أي بالمرأة التي تضمنتها الرواية ما يفعل ب المرأة المرتدة من استتابتها،و حبسها دائماً مع إبائها عن التوبة،و ضربها أوقات الصلاة.

و بالجملة الرواية شاذّة لم يعمل بها أحد من الطائفة،مخالفة للأُصول القطعية،مع أنّها قضيّة في واقعة،محتملة إناطتها بمصلحة لم تكن لنا ظاهرة.

و الحمد للّه سبحانه.

ص:117


1- التهذيب 8:761/213،الإستبصار 4:968/255،الوسائل 23:179 أبواب الاستيلاد ب 8 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- النهاية:500.

ص:118

كتاب الإقرار

اشارة

كتاب الإقرار و النظر فيه في أمرين الأركان و اللواحق.

الأركان أربعة

اشارة

و الأركان أربعة

الأول صيغة الإقرار

الأول: اللفظ الصريح في الإقرار.

و هو ما يتضمّن إخبار الإنسان بحق لازم له و لو كان مثل نعم، في جواب:لي عليك كذا،كما يأتي.

و الحقّ يعمّ نحو العين و المنفعة،و استحقاق الخيار و الشفعة.و خرج باللازم للمخبر الإخبار عمّا ليس له بلازم،فإنّه شهادة الإقرار.

و الأصل في شرعيّته،و لزوم ما يترتب عليه من حكمه بعد الإجماع المحقق على الظاهر،المستفيض النقل في كلام جماعة (1)النصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة،كما صرّح به جماعة (2).

منها:النبوي العام:« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (3).

و«قولوا الحق و لو على أنفسكم» (4).

ص:119


1- منهم:الشيخ في المبسوط 3:3،و ابن إدريس في السرائر 2:498،و العلّامة في التذكرة 2:144،و الفاضل المقداد في التنقيح 3:485.
2- منهم السبزواري في الكفاية:230.
3- عوالي اللئلئ 1:104/223،الوسائل 23:184 أبواب الإقرار ب 3 ح 2.
4- كنز الفوائد 2:31.مع اختلاف في اللفظ.

و بمعناه قوله سبحانه كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ [1] (1)و قريب منها آيات أُخر (2).

و لا يختص لفظاً بل يكفي فيه كلّ لفظ يفيد الإخبار بأيّ لغة كان، بلا خلاف،بل عن التذكرة عليه الإجماع (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى اشتراك الجميع في التعبير عما في الضمير المعبّر عنه بالإقرار عرفاً.

و المعتبر فيه الدلالة العرفية دون اللغوية،فتقدّم عليها حيث حصل بينهما معارضة؛ لأنّ الظاهر من حال المقرّ تكلّمه بحسب عرفه إلّا أن يكون عارفاً باللغة،و وجدت قرينة على إرادته معناها دون عرفه،فتكون حينئذ عليه مقدمة،و لكنه غير مفروض المسألة.

و يتفرّع على هذا الأصل أحكام كثيرة منها:ما إذا قال:إن شهد لك عليّ فلان فهو صادق،فالأقرب وفاقاً لأكثر المتأخرين كما في المسالك و الكفاية (4)أنه ليس إقراراً،بناءً على أنّ المفهوم منه عرفاً أنّ هذه الشهادة ممتنعة الوقوع من الشخص المذكور،لامتناع الكذب عليه بحسب اعتقاد المتكلم،فالغرض أن ذلك لا يصدر عنه.

و نحو هذا كثير في المحاورات العرفية،سيّما العوام و من لا معرفة له بمعاني الألفاظ اللغوية،فيقال:إن شهد فلان أني لست من أبي،أو واجب القتل فهو صادق.

خلافاً للمبسوط و جماعة (5)،فجعلوه إقراراً؛ لحجّة معلومة الجواب

ص:120


1- النساء:135.
2- آل عمران:81،الأعراف:172،التوبة:102.
3- التذكرة 2:144.
4- المسالك 2:162،الكفاية:230.
5- المبسوط 3:22؛ و انظر الجامع للشرائع:360،و الشرائع 3:110،و القواعد 1:276.

مما تقدّم إليه الإشارة،فلا تخصِّص الأصل المقطوع به الدالّ على براءة الذمة.

و حيث إنّ العرف المرجوع إليه خاصّة على المختار ليس بمنضبط،بل يختلف باختلاف المواضع و الأحوال،وجب أن يجعل النظر إلى القرائن و الخصوصيّات الواقعة في كلّ مقام هو الضابط و المعيار.

فلو كان اللفظ صريحاً في التصديق،لكن انضمّ إليه قرائن تصرفه إلى الاستهزاء بالتكذيب،كطريقة أداء اللفظ،و تحريك الرأس الدالّ على الإنكار،كما إذا ادّعى عليه أحد أنّه أقرضه مالاً،فقال:صدقت،على سبيل الاستهزاء،أو قال:لي عليك ألف،فقال:بل أُلوف،لم يكن إقراراً.

و حكي التصريح بذلك عن التذكرة (1)،و تبعه جماعة (2).

و لو قال:لك عليّ كذا إن شهد به فلان،أو إن شئتُ،أو إن شئتَ، أو إن قدم زيد،أو إن رضي فلان،أو نحو ذلك مما يدلّ على التعليق و عدم التنجيز لا يكون إقراراً،بلا خلاف بل عليه في الأول الاتّفاق في المسالك (3)؛ و هو الحجة فيه.

مضافاً إلى الأصل،و أنّ وقوع المعلّق مشروط بوجود المعلّق عليه، و هو مناف لمقتضى الخبر اللازم في الإقرار في الجميع.

ثم الألفاظ التي يقع بها الإقرار صريحاً على أنواع:

منها:ما يفيد الإقرار بالدين كذلك،ك« في ذمّتي» .و منها:ما يفيده ظاهراً،ك« عليّ» .

ص:121


1- التذكرة 2:144.
2- انظر جامع المقاصد 9:196،197،و الكفاية:230.
3- المسالك 2:162،163.

و منها:ما يفيد الإقرار بالعين صريحاً،ك« في يدي كذا».و منها:

ما يفيده ظاهراً،ك« عندي» .و منها:ما هو صالح لهما.

و تظهر الفائدة فيما لو ادّعى خلاف مدلول اللفظ،فإنّه لا يقبل، صريحاً كان أو ظاهراً،و يقبل في الإقرار المجمل ما يحتمله حقيقة.

و تقوم الإشارة المفهمة مقامه فيكتفي بها عنه مطلقاً.قيل:

لأنّ المقصود التعبير عمّا في الضمير و يحصل بها (1).

و عن بعض المتأخرين اشتراط التعذر في الاكتفاء (2)؛ و لعلّه للشك في تسمية مثلها إقراراً و إن عبّرت عما في الضمير،و مناط الحكم في الأدلة هو دون التعبير،و لا تلازم بينهما،فلا يخصّص بها الأصل.

و هذا التوجيه إن أفاد المنع عنها مطلقاً،إلّا أنّ الاكتفاء بها حالة الضرورة،مستنداً إلى الإجماع،و الأولوية الناشئة من ثبوت الاكتفاء بها حالتها في العقود سيّما التزويج القابلة للتوكيل،فلو لم يوجب التوكيل فيها مع الضرورة و اكتفى فيها بالإشارة معها،لزم الاكتفاء بها في المقام الغير القابل للتوكيل على المختار بطريق أولى،لاندفاع الحاجة بالتوكيل و إن لم يجب ثمة،دون الإقرار،لانحصار وجه اندفاعها فيه في الإشارة.

و لو قال:لي عليك كذا،فقال:نعم أو أجل،فهو إقرار بلا خلاف فيهما و لا إشكال إذا كان المقرّ عارفاً بترادف اللفظين؛ لكونهما كلمة تصديق إذا كان قول عليك خبراً،أو إثبات إذا كان استفهاماً.

و يشكل في الأخير على المختار من تقديم العرف على اللغة،إذا

ص:122


1- راجع مفتاح الكرامة 9:213.
2- راجع مفتاح الكرامة 9:213.

لم يكن عارفاً بالترادف و كون أجل بمعنى نعم،كما يتفق لكثير من أهل هذه الأزمنة.

و نحو اللفظتين:صدقت،أو بررت،أو قلت حقاً أو صدقاً،أو بلى في جواب من قال:لي عليك كذا،مخبراً،بلا إشكال حتى في الأخير، بناءً فيه على المختار من جعل العرف هو المعيار؛ لفهمه منه التصديق،و إن وضع في اللغة لإبطال النفي فلا يجب بها الإثبات.

و كذا لو قال:أ ليس لي عليك كذا؟فقال:بلى كان إقراراً؛ لأنها بمقتضى الوضع المتقدم يتضمن نفي النفي الذي هو إقرار،و هو و إن اختصّ باللغة كما مرّ إليه الإشارة،إلّا أنّ العرف وافقها في هذه الصورة.

و على التنزّل فمخالفته لها فيها غير معلومة،فيؤخذ بها عملاً بالاستصحاب السالم فيها عن المعارض بالكلية.

و لو قال بعد القول المذكور: نعم،قال الشيخ (1)رحمه الله -:لا يكون إقراراً لوضعها في اللغة لتقرير ما سبق من السؤال،فإذا كان نفياً اقتضت تقرير النفي،فيكون في المثال إنكاراً.

و فيه عند الماتن تردّد ينشأ من ذلك،و من استعمالها بعد النفي بمعنى بلى عرفاً استعمالاً شائعاً،فليتقدّم على مفادها لغة كما مضى، مضافاً إلى ما حكي عن جماعة (2)من التصريح بورودها لغةً كذلك.

و اختار هذا الشهيد في الدروس (3)،و السيد في شرح الكتاب.

ص:123


1- المبسوط 3:2.
2- مغني اللبيب 1:453 و انظر الدروس 3:122،و جامع المقاصد 9:194،195.
3- الدروس 3:122.

و لا ريب فيه إن ثبت كون استعمال العرف بعنوان الحقيقة.و لكنه محل مناقشة؛ إذ مجرد الاستعمال و لو كان شائعاً لا يقتضيها بلا شبهة،فإنّه أعم من الحقيقة،سيّما إذا وجد للفظه معنى حقيقي آخر لغة.

و منه يظهر الجواب عما ذكره الجماعة من ورودها بنهج الاستعمال الشائع العرفي في اللغة.

ثم على تقدير تسليم ثبوت الحقيقة بذلك لم يثبت الإقرار بها أيضاً؛ لاحتمال الاشتراك.و دفعه غير ممكن إلّا على تقدير ثبوت كون هذه الحقيقة غالبة على الحقيقة الأُخرى اللغوية تكون في جنبها مهجورة.و هو محلّ مناقشة،كيف لا؟و نحن في عويل في ثبوت أصل الحقيقة،فكيف يتأتّى لنا دعوى ثبوت الغلبة التي هي المناط في ثبوت الإقرار بها؛ إذ لولاها لكان اللفظة من قبيل الألفاظ المشتركة التي لا تحمل على أحد معانيها إلّا بقرينة صارفة.

و بالجملة،فهذا القول ضعيف غايته،كما في التنقيح (1)من التفصيل بين كون المقرّ عارفاً باللغة فالأوّل،و إلّا فالثاني،لعدم وضوح وجه له و لا حجّة.فإذاً المصير إلى قول الشيخ لا يخلو عن قوّة؛ عملاً بأصالتي براءة الذمة،و بقاء الحقيقة اللغوية.

و لو قال بعد قول لي عليك كذا: أنا مقِرّ،لم يلزمه الإقرار به؛ لعدم مذكورية المقرّ به،فيجوز تقديره بما يطابق الدعوى و غيره،و لا دلالة للعام على الخاص،فيرجع حينئذ إلى الأصل إلّا أن يقول به [أي (2)]بدعواك فيلزمه،لأصالة عود الضمير إلى الكلام.

ص:124


1- التنقيح الرائع 3:487.
2- في« الأصل» و« ر»:أو.

خلافاً للدروس (1)،فلم يجعله إقراراً أيضاً؛ إذ غايته الإقرار بالدعوى،و هو أعمّ من الإقرار بها للمدّعي و لغيره.

و يضعف بتبادر الأوّل فيؤخذ به.بل لا يبعد حصول الإقرار بالأول أيضاً،وفاقاً لمحتمل الفاضل المقداد (2)و السيّد في شرحهما على الكتاب؛ لأنّ وقوعه عقيب الدعوى يقتضي صرفه إليها،عملاً بالقرينة،و التفاتاً إلى قوله سبحانه أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا [1] (3).و أنّه لو جاز تعلّقه بغير الدعوى لزم حمله على الهذر،فإنّ من ادّعي عليه بدين،فقال:أنا مقرّ بكون السماء فوقنا و الأرض تحتنا،عدّ هذراً،و دفعه عن كلام العاقل مقصود شرعاً.

و بالجملة،فالمرجع في حصول الإقرار إلى فهم المعنى من اللفظ عرفاً،و ربما اختلف باختلاف حال المتكلم و كونه من أهل التورية و عدمه.

و لو قال بعد القول المتقدم: بعنيه أو هبنيه فهو إقرار بعدم ملك المقرّ،لأنه طلب شراءه أو اتّهابه.

و هل يكون إقراراً للمخاطب بالملكية؟فيه وجهان:أجودهما نعم؛ عملاً بالظاهر المتبادر الناشئ من أنّ الأغلب في البائع و الواهب كونه هو المالك دون الوكيل،فإنّه نادر.و به يظهر ضعف وجه احتمال العدم.

و كيف كان،فهو إقرار له باليد قولاً واحداً.فإن ادّعاه و لم يوجد له منازع حكم له به.

و لو قال:اشترِ مني أو اتّهب،فقال:نعم،كان إقراراً،و يجري فيه

ص:125


1- الدروس 3:122.
2- التنقيح الرائع 3:488.
3- آل عمران:81.

الوجهان في كونه إقراراً بالملك أم مطلق اليد.

و لو قال:لي عليك كذا،فقال:اتّزن أو انتقد أو شدّ هميانك، لم يكن شيئاً و لا يعدّ إقراراً.

و كذا لو قال:اتّزنها أو انتقدها و نحوهما من الألفاظ المستعملة في التهكم و الاستهزاء.و الوجه فيه واضح،كما مضى.

أمّا لو قال:أجّلتني بها أو قضيتكها،فقد أقرّ و انقلب مدّعياً على ما قطع به الأصحاب كما في شرح السيد و الكفاية (1)،بل فيهما عن ظاهر التذكرة (2)أنّ عليه إجماع العلماء كافّة؛ لدلالته التزاماً على ثبوتها في ذمّته، و ادّعاء التأجيل أو القبض يحتاج إلى بيّنة.

الثاني المقر

الثاني:المقر و لا بدّ من كونه حرّا مختاراً جائز التصرف بلا خلاف،بل عليه الإجماع عن التذكرة (3)؛ و هو الحجّة في الجميع مضافاً إلى الأصل، و حديث رفع القلم في الأوّل،و ما دلّ على عدم مالكية العبد و محجوريته في الثاني في الجملة،و الاعتبار و الاستقراء في الباقي،بل في الجميع.

فلا يقبل إقرار الصبي بمال و لا عقوبة و إن بلغ عشراً إن لم نجز وصيته و وقفه و صدقته،و إلّا قبل إقراره بها،لأنّ من ملك تصرّفاً في شيء ملكه ملك الإقرار به أيضاً،بلا خلاف فيه ظاهراً.

و لا إقرار المجنون إلّا من ذوي الدور وقت الوثوق بعقله.

و لا إقرار العبد بمال و لا حدّ و لا جناية و لو أوجبت قصاصاً

ص:126


1- الكفاية:230.
2- انظر التذكرة 2:144.
3- التذكرة 2:145،146.

إلّا مع تصديق المولى له في المال،فيقبل و تدفع العين المقرّ بها إلى المقرّ له إذا كانت موجودة.

و إذا كانت تالفة،أو لم يصدّقه المولى،أو كانت مستندة إلى جناية أو إتلاف مال فالظاهر تعلّقها بذمته يتبع به بعد عتقه؛ لعموم نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم،خرج منه نفوذه حال عبوديّته،لأنّ إقراره فيها إقرار في حق غيره،و بقي مندرجاً فيه نفوذه حال حرّيته،لخلوّه عن المانع المذكور في حال عبوديّته.

و الفرق بينه و بين المحجور عليه لسفه،حيث نفذ إقراره بعد العتق و لم يقع لاغياً بخلاف السفيه:أنّ المملوك كامل في نفسه معتبر القول؛ لبلوغه و رشده،فيدخل تحت العموم،و إنّما منع من نفوذ إقراره حق السيد،فإذا زال المانع عمل السبب عمله،بخلاف السفيه فإنّ عبارته في المال مسلوبة في الشرع بالأصل،لقصوره كالصبي و المجنون،فلا ينفذ في ثاني الحال كما لا ينفذ إقرارهما بعد الكمال.

و لو كان مأذوناً في التجارة،فأقرّ بما يتعلّق بها،فالمشهور نفوذه مطلقاً مما في يده،و الزائد يتبع به بعد عتقه.

خلافاً للتذكرة و المسالك (1)،فاستشكلا النفوذ بما يرجع حاصله إلى منع استلزام الإذن في التجارة الإذن فيما يتعلق بها من نحو الاستدانة.

و فصّل في الكفاية (2)بين ما كان من لوازمها عرفاً فالأول،لثبوت التلازم بينهما فيه،و ما ليس من لوازمها و إن تعلّق بها فلا يقبل،لفقد التلازم هنا.

ص:127


1- التذكرة 2:147،المسالك 2:174.
2- الكفاية:231.

و لا إقرار السكران مطلقاً و لو اختار السبب المحرم على الأشهر.

خلافاً للإسكافي (1)،حيث ألزمه بإقراره إن شرب المسكر باختياره.

و لا المكره فيما اكره على الإقرار به إلّا مع ظهور أمارات اختياره،كأن يكره على أمر فيقرّ بأزيد منه.

و لا السفيه إلّا إذا أقرّ بغير المال،كجناية توجب القصاص،و نكاح و طلاق،فيقبل؛ للعموم.

و لو اجتمعا قُبِل في غير المال،كالسرقة بالنسبة إلى القطع،و لا يلزم بعد زوال حجره ما بطل قبله كما مرّ.

و كذا يقبل إقرار المفلس في غير المال مطلقاً،بل فيه أيضاً إذا كان ديناً على قول،فيؤخذ من ماله إذا فضل عن حقّ غرمائه،و إلّا انتظر يساره.

و في اقتصار الماتن على الشرائط المزبورة دلالة على عدم اشتراط العدالة،كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة.خلافاً للمحكي عن الشيخ رحمه الله، فاعتبرها (2).و لا وجه له.

الثالث في المقرّ له

الثالث:في المقرّ له و يشترط فيه أهلية التملك بلا خلاف؛ إذ مع عدمه يلغو الإقرار فلا عبرة به،فلو أقرّ لدار أو جدار و نحوهما بطل.

و يقبل إقراره لو أقرّ لحمل بلا خلاف و لا إشكال إذا بيّن سبباً يفيد الحمل الملك،كوصيّة أو إرث يمكن في حقه؛ لجواز الوصية له و إرثه،و إن كان استقرار ملكه [له] مشروطاً بسقوطه حال حياته؛ لأنّ ذلك لا يمنع من صحّته في الحال في الجملة.

ص:128


1- حكاه عنه في المختلف:441.
2- المبسوط 3:3.

و كذا إذا بيّن سبباً لا يفيده الملك،كالجناية عليه و المعاملة معه،على الأظهر الأشهر كما في المسالك (1)،وفاقاً للمبسوط (2)؛ للعموم،مع ضعف ما سيذكر من المخصّص.

خلافاً للإسكافي و القاضي (3)،فلا يقبل؛ لأن الكلام كالجملة الواحدة و لا يتم إلّا بآخره و قد نافى أوّله،فلا عبرة به،كالإقرار المعلّق على الشرط.

و فيه نظر؛ لمنع كون الكلام هنا كالجملة الواحدة لا يتمّ إلّا بآخره،إذ هو حيث يكون الآخر من متمماته كالشرط و الصفة،لا مما لا يتعلّق به بل ينافيه،كما نحن فيه.

و من ثمّ أجمعوا على بطلان المعلّق على الشرط دون المعقب بالمنافي.و الفرق بينهما أنّ الشرط المعلق عليه مناف للإخبار بالاستحقاق في الزمن الماضي،فلم يتحقق ماهية الإقرار،بخلافه مع المنافي المتعقب؛ فإنّه إخبار تامّ و إنما تعقّبه ما يبطله فلا يسمع،فتأمل.

و كذا لو لم يبيّن سبباً،بل بطريق أولى على المختار.و أما على غيره فكذلك؛ أخذاً بالعموم و تنزيلاً للإقرار على الاحتمال المصحّح له و إن بعد و لا خلاف فيه هنا،بل في ظاهر التنقيح الإجماع عليه (4).

نعم،فيه عن المبسوط (5)أنّه نقل عن بعض الحكم بالبطلان.و هو مع جهالة قائله ضعيف.

و اعلم أن ملك الحمل المقرّ به مشروط بسقوطه حياً و لو مات بعده؛

ص:129


1- المسالك 2:176.
2- المبسوط 3:14.
3- نقله عن الإسكافي في التنقيح 3:489،القاضي في المهذّب 1:409.
4- التنقيح 3:489.
5- المبسوط 3:14.

إذ ينتقل حينئذٍ إلى وارثه.فلو سقط ميتاً لم يملكه و رجع إلى بقية ورثة مورث الحمل إن كان السبب المبين هو الإرث،و إلى ورثة الموصي إن كان الوصية.

و يبطل الإقرار مع عدم إمكان البيان بموت المقرّ على قول،و يصح على آخر أظهر و أشهر (1).و عليه فيكون المقرّ به مالاً مجهول المالك.

و كذا يقبل لو أقرّ لعبد بلا خلاف كما في شرح الكتاب للسيد؛ و هو الحجة،مضافاً إلى عموم نفوذ إقرار العقلاء السليم هنا عن المخصّص.أمّا على مالكيته فظاهر،و أمّا على غيره المختار فكذلك، لجواز نسبة المال إليه مجازاً،فإنه شائع. و يكون المقرّ للمولى كسائر ما في يده.

و هنا شرط آخر و هو:أن لا يكذب المقرّ له المقرّ،فلو كذّبه لم يسلم إليه،بل يحفظه الحاكم أو يبقيه في يد المقرّ أمانة بشرط عدالته أو مطلقاً.

و إنّما لم يذكره الماتن نظراً منه إلى أنّه ليس شرطاً في نفوذ أصل الإقرار، بل شرط لتملّك المقرّ له المقرّ به.

الرابع في المُقَرّ به

الرابع:في المُقَرّ به و هو إمّا مال،أو نسب،أو حق كالقصاص و خيار الشفعة.و ينعقد الإقرار بكل واحد بلا خلاف؛ للعموم و عدم مانع.

و لا يعتبر في المال أن يكون معلوماً؛ إذ ربما كان على ذمّة المقرّ ما لم يعلم قدره،فدعت الحاجة إلى إقراره ليتوصّل إلى براءة ذمته بالصلح أو الإبراء.

ص:130


1- في« ح»:أظهر بل و أشهر.

فلو قال:له عليّ مال،قبل و إن امتنع عن البيان حبس و ضيق عليه حتى يبيّن إلّا أن يدّعي النسيان.

و يقبل تفسيره المال بما يملك و يتموّل و إن قلّ بلا خلاف،بل عليه و على أصل قبول الإقرار الإجماع في التذكرة (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أصالة براءة الذمة عن الزائد السليمة عن المعارض، لصدق المال على القليل كصدقه على الكثير.

و هل يندرج فيه غير المتموّل،كحبّة من حنطة فيقبل تفسيره به أم لا؟قولان:

من أنّه مملوك شرعاً،و إن لم يكن له قيمة عادة،و الحقيقة الشرعية مقدّمة على العرفية،و أنه يحرم أخذه بغير إذن مالكه و يجب ردّه.

و من أنّ الملك لا يستلزم إطلاق اسم المال شرعاً،و على تقدير الاستلزام فالعرف يأباه،و هو مقدّم كما تقدّم،مع أن طريقة الإقرار تقتضي ثبوته في الذّمة،و لا يثبت فيها ما لا يتموّل و لا قيمة له،بلا خلاف أجده، و به صرّح جماعة (2).

و هذا أجود و عليه الأكثر.و حكي في الدروس (3)الأوّل عن الفاضل، و لعلّه قال به في التذكرة،كما يظهر من المسالك و الكفاية (4).

و لو قال:له عليّ شيء،وجب تفسيره بما يثبت في الذّمة دون ما لا يتموّل كحبّ من حنطة،على الأشهر هنا أيضاً.

ص:131


1- التذكرة 2:144.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:165،و الروضة 6:388،و السبزواري في الكفاية:231.
3- الدروس 3:137.
4- المسالك 2:165،الكفاية:231.

خلافاً للتذكرة و الروضة (1)،فجوّزا له التفسير به،لكن الثاني خصّه بالشيء دون المال،و لم يفرّق الأول بينهما في هذا،و إن افترقا في غيره، و هو أعميّة الشيء من المال،لاختصاصه بما يعدّ مالاً دون غيره كحق الشفعة و نحوه،و شمول الشيء لهما،و مقتضاه جواز تفسيره بردّ السلام و العيادة و تسمية العاطس،لتسميتها شيئاً.

و لكن الأشهر كما في الروضة (2)خلافه.و هو الأصح؛ لأنّه خلاف المتعارف،و بُعدها عن الفهم في معرض الإقرار،و مرجعه إلى أنّه خلاف المتفاهم عرفاً،فلا يشملها الشيء و إن عمّ لغة،لوجوب تقديمه عليها كما تقدّم،مع أنّها تسقط بالفوات فلا تثبت في الذمة،و طريقة الإقرار بعليّ تقتضي الثبوت فيها،هذا.و لم أر قائلاً بالأوّل صريحاً بل و لا ظاهراً و إن احتمل في الكتابين المتقدمين (3).

و لو قال: عليّ ألفٌ و درهم اُلزم بالدرهم و رجع في تفسير الألف لإجماله إليه و لا خلاف فيه و في قبول تفسيره بما شاء،حتى لَو فسّرها بحبّات من حنطة قبل،و صرّح به جماعة أوّلهم الفاضل في التذكرة (4).

و لو قال:مائة و عشرون درهما أو ألف و ثلاثة دراهم،أو ما شاكلها من الأعداد المتعاطفة،المتخالفة في التميز المتعقّب لها بحسب الإفراد و الجمع و الجر و النصب فالكل دراهم في المشهور بين

ص:132


1- التذكرة 2:151،الروضة 6:389.
2- الروضة البهية 6:389.
3- التذكرة 2:152،الروضة 6:389.
4- التذكرة 2:154؛ و انظر الدروس 3:137،و الكفاية:231.

الأصحاب سيّما المتأخرين (1)،وفاقاً للشيخ و الحلّي (2)؛ لتطابق اللغة و العرف على أن المفسّر إذا وقع بين المبهمين أو المبهمات عاد إلى الجميع،حتى لو قال المتكلم:له مائة درهم و عشرون درهماً عدّ مستهجناً.

قال اللّه تعالى إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً [1] (3)و في الخبر:« إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم توفّي و هو ابن ثلاث و ستين سنة» (4).و نحوهما ورد في الشعر.

خلافاً للفاضل في المختلف (5)،فجعل المائة و الألف في المثالين مبهمين،يرجع في تفسيرهما إليه.قال:لأنّ المميّزين ليسا مميّزين لعددين،و كما يحتمل أن يكون مميّزاً للجميع يحتمل أن يكون مميّزاً للأخير،فلا يثبت في الذمّة بمجرد الاحتمال.

و يظهر من التعليل عدم اختصاص ما ذكره بالمثالين،بل جارٍ فيما يجري فيه التعليل.و قد حكى التصريح بهذا التعميم في المسالك عن بعض الأصحاب (6)،و يظهر من المقدس الأردبيلي الميل إليه في شرح الإرشاد (7)؛ لما مرّ من التعليل.

و هو عليل بعد ما مرّ من تطابق العرف و اللغة على فهم رجوع التميز

ص:133


1- منهم العلّامة في التذكرة 2:154،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:490،و الشهيد الثاني في المسالك 2:168.
2- المبسوط 3:7،السرائر 2:501.
3- سورة ص:23.
4- كشف الغمة 1:16،البحار 22:1/503.
5- المختلف:440.
6- المسالك 2:167.
7- مجمع الفائدة و البرهان 9:444.

إلى الجميع،بحيث لو عقّب كلّ عدد بمميّز لحكما فيه بالاستهجان.

و اعلم أنّ لفظة كذا كناية عن الشيء على الأشهر الأقوى بناءً على استعماله مكانه عرفاً،فيقبل تفسيره بما يقبل به تفسير الشيء.و عليه الحلي (1).

خلافاً للخلاف،فجعله كناية عن العدد (2)،و حكى في التنقيح على إجماع الأدباء (3).

و يتفرّع على الخلاف في الجملة ما أشار إليه بقوله:

فلو قال:عليّ كذا درهم بالحركات الثلاث أو الوقف فالإقرار بواحد مطلقاً على المختار؛ لاشتراكه بين الواحد فما زاد وضعاً فتحمل على الأقلّ،لأنّه المتقين إذا لم يفسّره بأزيد.

فمع الرفع يكون الدرهم بدلاً،و التقدير:شيء درهم.و مع النصب يكون مميّزاً له.

و مع الجر تقدّر الإضافة بيانية كحبّ الحصيد،و التقدير:شيء هو درهم.

قيل:و يشكل بأنّ ذلك و إن صحّ إلّا أنّه يمكن تقدير ما هو أقلّ منه بجعل الشيء جزءاً من الدرهم أُضيف إليه،فيلزم جزء يرجع في تفسيره إليه؛ لأنّه المتيقن،و لأصالة البراءة من الزائد،و من ثمّ حُمل الرفع و النصب على الدراهم مع احتمالهما أزيد منه (4).و استوجهه السيد في الشرح.و هو

ص:134


1- السرائر 2:503.
2- الخلاف 3:365.
3- التنقيح الرائع 3:490.
4- قاله الشهيد الثاني في الروضة 6:393.

كذلك،اختاره الفاضل في التذكرة (1).

و أمّا مع التوقيف فيحتمل الرفع و الجر لو أُعرب لا النصب؛ لوجوب إثبات الألف فيه وقفاً،فيُحمل على مدلول ما احتمله من الرفع و الجر.

فعلى ما اختاره الماتن و الأكثر من لزوم الدرهم مطلقاً و لو حالة الجر، يشترك الإعرابان في احتمال الدرهم فيحمل عليه.

و على قول التذكرة يلزمه جزء درهم خاصّة؛ لأنّه باحتماله حصل الشك فيما زاد على الجزء،فيحمل على المتيقّن،و هو ما دلّت عليه الإضافة.

و قال الشيخ في المبسوط و الخلاف (2):إنّه يلزمه عشرون درهماً، لأنه أقلّ عدد مفرد ينصب مميّزه،و مع الجرّ مائة درهم،لأنّه أقل عدد يكون مميّزه مجروراً.و وافقه هنا و فيما يأتي الفاضل في المختلف و الإرشاد (3)في الجملة،و حكاه في التذكرة (4)عن أبي حنيفة،و هو بناءً على الأصل المتقدم.

و قال أيضاً: لو قال:كذا كذا درهماً بالنصب لم يقبل تفسيره بأقلّ من أحد عشر لأنه أقل عدد مركّب مع غيره ينتصب بعده مميزه؛ إذ فوقه اثنا عشر إلى تسعة عشر،فيحمل على المتيقن.

و لو قال كذا و كذا درهماً لم يقبل في تفسيره ب أقلّ من أحد و عشرين درهماً؛ لأنه أقلّ عددين عطف أحدهما على الآخر

ص:135


1- التذكرة 2:153.
2- المبسوط 3:13،الخلاف 3:365.
3- المختلف:440،الإرشاد 1:410.
4- التذكرة 2:153.

و انتصب المميز بعدهما،إذ فوقه اثنان و عشرون إلى تسعة و تسعين، فيحمل على الأقل.

و يستفاد من تخصيص الماتن في الذكر خلاف الشيخ بالمثالين اختصاص خلافه بهما.و ليس كذلك؛ لما عرفت من خلافه السابق،مضافاً إلى تعليله المثبت لما ذكره من الحكم فيما عداهما مما يشابههما.

و كيف كان ف الأقرب الرجوع في تفسيره أي كذا مطلقاً إلى المقرّ لأنّ هذه الألفاظ لم توضع لهذه المعاني لغةً و لا اصطلاحاً، كما صرّح به جماعة من أصحابنا (1).

و مناسباتها على الوجه المذكور لا توجب اشتغال الذمة بمقتضاها،مع أصالة البراءة و احتمالها لغيرها على الوجه الذي بيّن.

و لا فرق في ذلك بين كون المقرّ من أهل العربية و غيرهم؛ لاستعمالها على الوجه المناسب للعربية في غير ما ادّعوه استعمالاً شهيراً.

خلافاً للفاضل في المختلف و الإرشاد و التذكرة و المقداد (2)في شرح الكتاب،ففرّقا بين كون المقرّ من أهل اللسان فما اختاره الشيخ،و غيره فمذهب الأكثر.و هو ضعيف.

[ و لا يقبل تفسيره مطلقاً في غير حالة الجر بأقلّ من درهم بناءً على أنّه المتيقن (3)]. و لو أقرّ بشيء مؤجلاً كأن قال:له عليّ ألف مؤجلةً إلى سنة

ص:136


1- منهم:ابن إدريس في السرائر 2:503،و العلّامة في التذكرة 2:153،و الشهيد الثاني في المسالك 2:167.
2- المختلف:440،الإرشاد 1:410،التذكرة 2:153،التنقيح الرائع 3:492.
3- ما بين المعقوفين ليست في نسخة الأصل و« ر».

فأنكر الغريم الأجل لزمه الشيء قطعاً و كان حالّا إجماعاً إن فصل وصف التأجيل عن الكلام المتقدم و لو بسكوت طويل.و كذا لو وصله به على إطلاق العبارة و صريح المحكي عن الشيخ و[الإسكافي و الحلّي (1)]؛ لزيادة دعوى الأجل على أصل الإقرار فلا تسمع،كما لو أقرّ بالمال ثم ادّعى قضاءه.

خلافاً للأول في قوله الآخر المحكي في كلام جمع من الأصحاب (2)،و[للقاضي (3)]،و تبعه كثير من المتأخرين (4)؛ لأنّ الكلام الصادر منه جملة واحدة لا يتم إلّا بآخره،و إنّما يحكم عليه بعد كماله،كما لو عقّبه باستثناء أو وصف أو شرط،و أنّه لولا قبول ذلك منه لأدّى إلى انسداد باب الإقرار بالحق المؤجل،و إذا كان على الإنسان دين مؤجل و أراد التخلص فإن لم يسمع منه لزم الإضرار به،و ربما كان الأجل طويلاً بحيث إذا علم عدم قبوله منه لا يقرّ بأصل الحق خوفاً من إلزامه حالّا و الإضرار، فيؤدّي تركه إلى الإضرار بصاحب الحق،و هذا غير موافق للحكمة الإلهية.

و للصحيح:« كان أمير المؤمنين عليه السلام لا يأخذ بأول الكلام دون آخره» (5).

ص:137


1- قد نسب هذا القول في جميع النسخ إلى القاضي،و القول الآخر إلى الإسكافي و الحلبي،و الظاهر هو سهو كما يظهر من مراجعة الكتب الفقهية.راجع الخلاف 3:377 و المختلف:441 و السرائر 2:513 و المهذب 1:414.
2- منهم:العلّامة في المختلف:441،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:492،و السبزواري في الكفاية:231؛ و انظر المبسوط 3:35.
3- راجع الهامش(1).
4- منهم:العلّامة في التذكرة 2:167،و الشهيد الثاني في المسالك 2:179،و السبزواري في الكفاية:231.
5- التهذيب 6:853/310،الوسائل 18:158 أبواب آداب القاضي ب 4 ح 3.

هذا مضافاً إلى التأيّد بأصالة عدم إلزام المقرّ بالمال حالّا.

و على الأول يلزم الغريم اليمين لكونه منكراً،فيتوجه عليه كما يتوجه البينة على المقرّ عليه أيضاً،لكونه مدعياً و إنّما يلزمه حالّا بعد عجزه عن إقامتها جدّاً.

اللواحق ثلاثة

اشارة

و اللواحق ثلاثة

الأوّل في الاستثناء

الأوّل:في بيان أحكام الاستثناء المقبول المتعقّب للإقرار.

و من شرطه مطلقاً عدم استيعابه المستثنى منه و الاتصال العادي بينهما.و المراد به ما جرت به العادة،فيغتفر التنفس بينهما و السعال و نحوهما مما لا يعدّ معه الاستثناء منفصلاً عرفاً.

و لا خلاف في شيء من ذلك بين العلماء إلّا من الحلّي في الأخير، حيث يحكى عنه تجويزه الاستثناء إلى شهر (1).

قيل:و لم يثبت ذلك عنه.و ربّما حمل كلامه على أنّ المراد أنّه لو أخير به في تلك المدة قبل منه.و هو بعيد و لكنّه أقرب من حمل كلامه على ظاهره.

و لا يشترط فيهما الاتّحاد في الجنس بأن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه،بل يصحّ أن يكون من غير جنسه،و يعبّر عنه بالمنقطع.

و الحكم ثابت بإجماع النحاة و أهل اللغة كما في التنقيح (2)،و هو

ص:138


1- لم نعثر عليه عن الحلّي،نعم حكاه القاضي عضد في شرح المختصر:258 عن ابن عباس.
2- التنقيح الرائع 3:494.

الأشهر بين الأُصوليين و الفقهاء،و اختاره الماتن هنا و تردّد فيه في الشرائع (1)؛ و وجهه غير واضح مع ندرة القائل بالاشتراط حتّى إنّ بعض الأصحاب (2)أنكره و قال:إنّه غير موجود في كتب الأُصول،بل صرّح القاضي (3)في شرح المختصر بأنّه لا يعرف خلافاً في صحّته لغةً و وروده في كلام العرب و القرآن.

أقول:و منه قوله سبحانه لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً. [1]

إِلاّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً [2] (4)و لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ [3] (5)و فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ [4] (6).و اختلفوا في كونه حقيقةً أو مجازاً.و المحققون على الثاني؛ لعدم التبادر.و هو الأصحّ.فلو قال:له ألف إلّا درهماً فالجميع دراهم على المختار،و مبهم على غيره يرجع في تفسيره إليه؛ لأنّ الاستثناء المتّصل حقيقة أيضاً،فيكون الاستثناء مشتركاً بينه و بين المنقطع اشتراكاً لفظياً كما عن بعض،أو معنوياً كما عن آخر.نقلهما في المسالك (7).

قال:و في المسألة قول ثالث نادر:إنّه غير جائز لا حقيقةً و لا مجازاً.

و هو الذي تردّد فيه المصنف.و هو كما ترى ظاهر في وجود القول

ص:139


1- الشرائع 3:149.
2- الظاهر هو صاحب المدارك في نهاية المرام على ما نقله في مفتاح الكرامة 9:300،و كتاب الإقرار من نهاية المرام غير موجود.
3- القاضي عضد في شرحه على مختصر ابن الحاجب 1:251.
4- الواقعة:25 26.
5- النساء:29.
6- الكهف:50.
7- المسالك 2:171.

بالاشتراط،و أنه ليس الأمر كما ذكره البعض المتقدم من عدم وجوده.

و أظهر من ذلك كلام الفاضل المقداد في شرح الكتاب حيث قال بعد دعواه الإجماع المتقدم-:و اختلف فيه الأُصوليون و الفقهاء فشرطه أي الاتحاد في الجنس بعض،و منع اشتراطه آخرون،و اختاره المصنف (1).

انتهى.

مع أنّه حكاه في التذكرة (2)عن جماعة من العامة،كزفر و أحمد بن حنبل و أبي حنيفة،لكنه خصّ المنع بما عدا المكيل و الموزون.و نقل التفتازاني في شرح الشرح المصير إليه في الجملة عن الآمدي.و بالجملة لا ريب في وجود هذا القول و إن شذّ و ضعف.

و لا يشترط أيضاً نقصان المستثنى [عن الباقي (3)] من المستثنى منه بل يكفي في صحة الاستثناء أن يبقى بعده بقية قلّت أو كثرت،وفاقاً للمحققين من الأُصوليين و الأكثر،كما في المسالك (4)و شرح الكتاب للسيد،قال فيه:و ذهب شاذّ منهم إلى أنه يجب أن يكون الباقي من المستثنى منه أكثر من النصف.

و يدفعه قوله تعالى إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ [1] (5)و من هنا بيانية،لأن الغاوين كلهم متبعون،فاستثنى الغاوين و هم أكثر من غيرهم،بدليل قوله عزّ و جلّ وَ ما أَكْثَرُ النّاسِ وَ لَوْ [2]

ص:140


1- التنقيح الرائع 3:494.
2- التذكرة 2:164.
3- ما بين المعقوفين ليست في نسخة الأصل.
4- المسالك 2:171.
5- الحجر:42.

حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [1] (1)فإنّه يدلّ على أن الأكثر ليس بمؤمن،و كلّ من ليس بمؤمن غاوٍ،فينتج أن الأكثر غاوٍ.

و في كلّ من دعوى شذوذ هذا القول،و الاستدلال على ردّه نظر:

فالأوّل بأنّه مذهب جماعة من المحققين من النحاة و الأُصوليين،بل في التنقيح (2):إنّه مذهب أكثر النحاة و جماعة من الأُصوليين.

و الثاني بتوقفه على أنّ المراد من العباد هو الناس فقط،و هو في حيّز المنع سيما مع إفادة اللفظ العموم اللغوي،فيشمل الملائكة و غيرهم من عباد اللّه تعالى.

و المستثنى منه (3)على هذا التقدير أكثر من المستثنى قطعاً.و لا ينافيه نفي الإيمان عن أكثر الناس في الآية الأخيرة؛ إذ نفيه عن أكثرهم لا يستلزم النفي عن أكثر العباد.

هذا مع أن سند هذا القول قوي متين،و تمام التحقيق في الأُصول.

و المستفاد من التنقيح (4)أنّ القول الأوّل هو الحق عند الفقهاء،مؤذناً بدعوى إجماعهم عليه.و لعلّه كذلك؛ إذ لم أقف في هذا الكتاب على مخالف منهم،بل ظاهرهم الإطباق على ما في المتن.

و عليه فلو قال:له عليّ عشرة إلّا ستة لزمه أربعة و يلزم المستثنى منه كملاً على القول الأخر؛ لبطلان الاستثناء على تقديره،و إن هو إلّا نحو قول القائل:له عليّ عشرة إلّا عشرة،و قد اتّفقوا فيه على لزوم العشرة

ص:141


1- يوسف:103.
2- التنقيح الرائع 3:494.
3- في المطبوع و« ر»:و ما بقي من المستثنى منه..
4- التنقيح 3:494.

كاملة،لبطلان الاستثناء بالاستيعاب.

و لو قال بدل إلّا في المثال: ينقصه ستة لم يقبل بل يلزم بالعشرة؛ لأنّه رجوع عن الإقرار بها فلا يكون مسموعاً.

و الفرق بينه و بين الاستثناء وقوع الاتّفاق كما في شرح الكتاب للسيد، بل الإجماع كما في التنقيح (1)على قبوله؛ لوقوعه في فصيح الكلام، بخلاف غيره من الألفاظ المتضمنة للرجوع عن الإقرار.كذا قيل (2).

و الأظهر في بيان وجه الفرق أنّ الاستثناء مع المستثنى منه يعدّ جملة واحدة،يكون الاستثناء كجزء منها،لا يمكن فصله عنها،و لا كذلك ينقص في المثال،لكونه جملة أُخرى منفصلة عما سبقها،فيكون كالمنافي لها فلا يسمع.

نعم،لو أبدلها بالوصف فقال:عشرة ناقصة،ثم فسّر الناقص بالستة قبل؛ لكونه كالاستثناء مما لا يتمّ إلّا بسابقه جدّاً،بخلاف بدله لإمكان فصله عنه و تماميّته بدونه،بخلافهما.

و لذا لا خلاف في ناقصة،بل عليه الإجماع في شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي رحمه الله (3).دون ينقص فلم يقبلوه،من غير خلاف أجده إلّا من السيد في شرح الكتاب حيث قال:و يحتمل قويّاً القبول مع الاتصال؛ لأنّ الكلام إنّما يتمّ بآخره،و لأنّه لو قال:ناقصة،لم يلزمه غيرها،و هذه في معناها.و هو كما ترى؛ لظهور ضعفه مما قدّمناه.

و لو قال:له عليّ عشرة إلّا خمسة إلّا ثلاثة لزمه ثمانية بناءً على

ص:142


1- التنقيح الرائع 3:493.
2- انظر التنقيح الرائع 3:493.
3- مجمع الفائدة و البرهان 9:462.

مقدّمات:

إحداها ما مرّ من عدم اشتراط نقصان المستثنى عن المستثنى منه.

و الثانية:كون الاستثناء من الإثبات نفياً،كما هو إجماع محقق ظاهراً،و محكيّ في كلام جمع صريحاً (1).و منه إثباتاً،كما هو أصحّ القولين للأُصوليين؛ لكلمة التوحيد.خلافاً لبعضهم (2)؛ لوجه غير واضح مطّرد في الأوّل أيضاً،مع كونه مسلّماً.

و الثالثة:لزوم رجوع كلّ استثناء إلى متلوّه.و لا خلاف فيه؛ و ذلك لقربه،و استلزام عوده إلى البعيد ترجيحه على الأقرب من غير سبب، و عوده إليهما يوجب التناقض،إذ المستثنى و المستثنى منه متخالفان نفياً و إثباتاً،كما مضى.

و حيث ثبت هذه المقدمات ثبت لك صحة الحكم بلزوم الثمانية في المثال؛ لأنّ الاستثناء الأوّل ينفي من العشرة المثبتة خمسة،و الثاني يثبت من الخمسة المنقية ثلاثة،فتضم إلى الخمسة الباقية من العشرة،فيلزمه ثمانية.

و لو زاد في المثال:إلّا واحداً لزمه سبعة؛ لاستلزام الاستثناء نفيه عن الثلاثة المثبتة،فيبقى اثنان،و ينضّمان إلى الخمسة الباقية فيلزمه سبعة.

و قس على هذا ما يرد عليك من سائر الأمثلة.

و مثله ما لو قال:له عشرة إلّا تسعة إلّا ثمانية إلّا سبعة إلّا ستة إلّا خمسة إلّا أربعة إلّا ثلاثة إلّا اثنين إلّا واحداً،فيلزمه خمسة.

ص:143


1- منهم:الفاصل المقداد في التنقيح الرائع 3:494 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:295،و الشهيد الثاني في المسالك 2:171،و الروضة 6:410.
2- نُسب إلى أبي حنيفة في التذكرة 2:163.

و الضابط:أن تسقط المستثنى الأوّل من المستثنى منه،و تجبر الباقي منه بما ثبت بالاستثناء الثاني،و تسقط ما نفاه الاستثناء الثالث من مجموع ما ثبت،و تجبر الباقي منه بالرابع و هكذا.أو تجمع[الأعداد] (1)المثبتة على حدة و المنفية كذلك،و تسقط جملة المنفي من جملة المثبت.فهو في المثال الأوّل ثلاثة عشر،و المنفي فيه ستة إذا أسقطته من الأوّل بقي سبعة.

و من المثال الثاني ثلاثون،و المنفي منه خمسة و عشرون،و الباقي بعد الإسقاط خمسة.

ثم إنّ كلّ ذا إذا لم يتعدّد الاستثناء بعاطف،و لم يكن مساوياً للأوّل، و لا أزيد منه،و إلّا رجع الجميع إلى المستثنى منه الأوّل.

أمّا مع العطف فللزوم اشتراك المتعاطفين في الحكم فيهما كالجملة الواحدة.و لا فرق فيه بين تكرّر حرف العطف و عدمه،و لا بين زيادة الثاني عن الأوّل،و مساواته له،و نقصانه عنه.

و أمّا مع زيادة الثاني عن الأول أو مساواته فلاستلزام عوده إلى الأقرب الاستغراق،و هو باطل.فيصان كلامه عن الهذر مهما أمكن بعودهما جميعاً إلى المستثنى منه.

و حينئذ ف لو قال:له عليّ عشرة إلّا ثلاثة إلّا ثلاثة كان إقراراً بأربعة.

و اعلم أنّه لا يلزم من عود الجميع إليه صحّته كلّاً،بل يراعى بعدم استلزام العود الاستغراق:فإن لم يستغرق المستثنى منه كما في المثال صحّ، و إلّا لغا ما يلزم منه الاستغراق خاصّة،لأنّه هو الذي أوجب الفساد.

ص:144


1- في نسخة الأصل:الأفراد.

فلو قال:له عشرة إلّا خمسة إلّا خمسة،لغا الثانية خاصّة،و كان إقراراً بخمسة.و كذا مع العطف،سواء كان الثاني مساوياً للأوّل كما ذكر، أم أزيد،كَلَه عشرة،إلّا ثلاثة و إلّا سبعة،أو أنقص،كما لو قدّم السبعة على الثلاثة.

و لو قال:له عليّ درهم و درهم إلّا درهماً لزمه درهمان وفاقاً للخلاف (1)،و المختلف و القواعد و التذكرة و جماعة (2)؛ بناءً على اختصاص الاستثناء المتعقب للجمل المتعاطفة بالرجوع إلى الأخيرة،كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة،إذ يلزم حينئذ بطلان الاستثناء،للاستغراق.

خلافاً للشيخ في قوله الآخر،و تبعه الحلّي (3)؛ بناءً منهما على رجوع الاستثناء إلى الجمل جميعاً.و هو ضعيف جدّاً كما بيّن في الأُصول مستقصى.

ثم إنّ بناء الخلاف في المسألة على تلك المسألة الأُصولية مشهور بين الطائفة،و منهم الشيخ و الحلّي،و الماتن في الشرائع (4).

خلافاً للفاضل في كتبه المذكورة،و السيد في شرح الكتاب و غيرهما (5)،فلم يصحّحوا البناء و قالوا بلزوم الدرهمين مطلقاً و لو قلنا برجوع الاستثناء إلى الجميع؛ إذ هو حيث يصحّ و يمكن،و ليس منه الفرض،لاستلزام الرجوع فيه إلى الجميع التناقض،لورود الإقرار على

ص:145


1- الموجود في الخلاف 3:364 خلاف ما نسب إليه و أنه يلزم درهم واحد.
2- المختلف:440،القواعد 1:284،التذكرة 2:165؛ و انظر كشف الرموز 2:318،و التنقيح الرائع 3:496.
3- المبسوط 3:10،السرائر 2:502.
4- الشرائع 3:151.
5- إيضاح الفوائد 2:454.

الدرهم بلفظ يفيد الخصوصيّة،فلم يصح إخراج أحدهما بعد أن نصّ على ثبوته،كما لو قال:جاء زيد و عمرو إلّا زيداً.و لا كذلك درهمان إلّا درهماً؛ لجواز التجوّز في المستثنى منه،فلا يكون تناقضاً.

و يضعّف بصحة التجوّز في كلّ من الدرهمين عن نصفه أيضاً،كما في:له درهم إلّا نصفه،فيمكن أن يكون استثنى من كلّ درهم نصفه.

و نصفا درهمٍ تمامه،فارتفع النصوصية الموجبة للتناقض.

و قياس المفروض على المثال المذكور قياس مع الفارق؛ لعدم احتمال التجوز فيه عن الشخصين ببعضهما بالاستثناء.

و ما أبعد ما بين هذا و بين القول بصحة الاستثناء،و لزوم درهم مطلقاً و لو قلنا باختصاصه بالعود إلى الأخيرة؛ نظراً إلى أنّ الاختصاص إنّما هو حيث يمكن.و أمّا مع عدم الإمكان كما في الفرض للاستغراق فيجب عوده إلى الجميع،كما يجب عوده إلى المستثنى منه لو كان مستغرقاً للاستثناء؛ لأنّ إلغاء الاستثناء و مخالفة قوله أشدّ مخالفة للأصل من عوده إلى الجميع،فيجب صونه عن الهذرية (1).

و لعلّه لا يخلو عن وجه،سيما مع أنّ الأصل براءة الذمة.

و لو قال:له عليّ عشرة إلّا ثوباً قبل و سقط من العشرة قيمة الثوب بناءً على ما مرّ من قبول الاستثناء المنقطع و لو كان مجازاً، فإنّه يجب قبوله بعد قيام القرينة عليه،و هي هنا عدم إمكان إرادة المتصل الذي هو الحقيقة (2).

و إذا قبل رجع إليه في تفسير القيمة و قبل منه كلّ ما فسّره

ص:146


1- جامع المقاصد 9:306.
2- في المطبوع و« ر» و« ت» زيادة:مع أنه ربما قيل بكون هذا الاستثناء متّصلاً.

ما لم تستغرق العشرة و أمّا مع استغراقها ففي بطلان الاستثناء فيؤخذ بتمام العشرة،لأصالة الحقيقة السليمة عن معارضة الاستثناء،لاستغراقه لها بتفسيره،فيكون كما لو ذكر ابتداءً استثناءً مستغرقاً،أو بطلان التفسير خاصّة،لأنّ الاستغراق إنّما نشأ منه فيطالب بتفسير آخر ليصحّ (1)،قولان، احتملهما في القواعد (2).و اختار أوّلهما في الروضة (3)،و ثانيهما الفاضل في الإرشاد (4)،و السيد في شرح الكتاب.و في تعليله السابق نظر،إلّا أنّه أوفق بأصالتي براءة الذمة و بقاء صحة الاستثناء السابقة.

و اعلم أنّه يتصور وقوع الإقرار على الوجه المذكور في المثال بأن يكون للمقرّ له على المقرّ عشرة،فيدفع إليه الثوب قضاءً و لا يحاسبه عليه، فيسقط قيمته من العشرة التي في ذمته.

الثاني في تعقيب الإقرار بما ينافيه

الثاني:في تعقيب الإقرار بما ينافيه اعلم أنه لو قال:هذا مشيراً إلى شيء معيّن مملوك له بظاهر اليد لفلان ثم أضرب عنه فقال: بل لفلان،فهو أي المقرّ به للأوّل التفاتا إلى مقتضى إقراره للأوّل و يغرم قيمته للثاني لأنّه حال بينه و بين الشيء المقرّ به بإقراره الأوّل فيغرم؛ للحيلولة الموجبة للغرم،فكان كما لو أتلف عليه مالاً.إلّا أن يصدّقه المقرّ له الأوّل في أنّها للمقرّ له الثاني، فيدفع إليه من غير غرم للأوّل؛ لتصديقه الموجب لإقراره بانتفائه عن نفسه.

و لو قال:له عليّ مال من ثمن خمر أو خنزير أو ما شاكلهما مما

ص:147


1- في المطبوع:ليصحّ الأصل.
2- القواعد 1:284.
3- الروضة 6:417.
4- الإرشاد 1:415.

لا يصحّ تملّكه شرعاً لزمه للمال إذا فصل بين الإقرار و رافعه بسكوت أو كلام أجنبيّ،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في التذكرة (1).

و كذا إذا لم يفصل مطلقاً في ظاهر إطلاق العبارة،و غيرها من عبائر الجماعة،بل ادّعى عليه الإجماع منّا و من أكثر العامة بعض الأجلّة،و لكنه قوّى ما سيأتي من التفصيل بعد أن حكاه عن بعض العامّة.و هو ينافي دعواه المزبورة،مع أنّ في الروضة أفتى بما قوّاه،فقال بعد تعليل الحكم بنحو ما في العبارة بقوله:لتعقيبه الإقرار بما يقتضي سقوطه؛ لعدم صلاحية الخمر و ما بعدها مبيعاً يستحقّ به الثمن في شرع الإسلام -: نعم،لو قال المقرّ:كان ذلك من ثمن خمر أو خنزير فظننته لازماً لي،و أمكن الجهل بذلك في حقه،توجّهت دعواه،و كان له تحليف المقرّ له على نفيه إن ادّعى العلم بالاستحقاق.و لو قال:لا أعلم الحال حلف على عدم العلم بالفساد.و لو لم يمكن الجهل بذلك في حق المقرّ لم يلتفت إلى دعواه (2).

و يظهر من المقدس الأردبيلي رحمه الله الميل إليه،قال:لأنّ الإقرار مبني على اليقين،فكلّما لم يتيقّن لم يلزم بشيء،و لا يخرج عنه بالظن و غيره،و يسمع فيه الاحتمال،و إن كان نادراً.و لا شك أنّه محتمل اعتقاده بلزوم الثمن بمتابعة هذه الأشياء؛ لاعتقاده صحة ذلك مطلقاً أو إذا كان الشراء من الكافر،أو لزوم ذلك إذا كان في زمان الكفر و نحو ذلك.

و بالجملة مع إمكان الاحتمال لا يلزم معه شيء،و لا يصير الكلام لغواً محضاً و متناقضاً بحسب اعتقاده.و يشكل الحكم باللزوم بمجرّد ما تقدّم؛ للأصل

ص:148


1- التذكرة 2:166.
2- الروضة 6:419.

و القاعدة (1).

و هو كما ترى في غاية القوّة إن لم ينعقد الإجماع على خلافه كما هو الظاهر.

و لو قال ابتعت بخيار و أنكر البائع الخيار قبل الإقرار في البيع دون الخيار و كذا لو قال:له عليّ عشرة من ثمن مبيع لم أقبضه،الزم بالعشرة،و لم يلتفت إلى دعواه عدم قبض المبيع،كما هنا و في الشرائع و الإرشاد و اللمعة (2).و نسب الأخير في المسالك و الكفاية إلى الشهرة (3).

قيل (4):للتنافي بين قوله عليّ و ما في معناه،و كونه مع الخيار و عدم قبض المبيع؛ لأنّ مقتضى الأوّل ثبوت الثمن في الذمّة و وجوب أدائه إليه في جميع الأحوال،و مقتضى الثاني عدم استقراره فيها،لجواز الفسخ، و تلف المبيع قبل القبض،و عدم وجوب أدائه إليه مطلقاً،بل مع تسليم المبيع.

خلافاً للمسالك و الروضة و سبطه في شرح الكتاب،و تبعهما الفاضل الأردبيلي رحمه الله في شرح الإرشاد،و صاحب الكفاية (5)،و حكاه في الأوّلين و التذكرة عن الشيخ (6)،و في المختلف عنه في المبسوط و الخلاف و عن القاضي (7)و اختاره فيه.

ص:149


1- مجمع الفائدة و البرهان 9:459.
2- الشرائع 3:155،الإرشاد 1:413،اللمعة(الروضة البهية 6):418.
3- المسالك 2:179،الكفاية:231.
4- كما في الروضة 6:418.
5- المسالك 2:179،الروضة 6:418،مجمع الفائدة و البرهان 9:461،الكفاية:231.
6- المسالك 2:179،الروضة 6:418،التذكرة 2:166.
7- المختلف:440،و انظر المبسوط 3:34،و الخلاف 3:375،المهذّب 1:414.

و لعلّه لا يخلو عن قوّة؛ للأصل و كون الكلام جملة واحدة لا يتمّ إلّا بآخره.و إنما يحكم بإلغاء الضميمة إذا كانت رافعة لأوّل الكلام و مناقضة له،كما في المسألة السابقة مطلقاً أو في بعض صورها.و ليس المقام من هذا القبيل؛ لأنّ ثبوت الخيار و عدم القبض لا ينافي الابتياع و إن كانا قد يؤولان إلى رفع الإقرار به على بعض الوجوه،كما إذا فسخ البيع أو تلف المبيع قبل القبض،فإنّ ذلك بمجرّده لا يوجب إلغاء دعوى الأمرين.إنّما المقتضي لإلغاء الضميمة مناقضتها لصريح أوّل الكلام،و هي كما عرفت مفقودة في المقام.

هذا مضافاً إلى التأيّد بأنّ للإنسان أن يخبر بما في ذمّته،و قد يبتاع شيئاً بخيار أو لم يقبضه،فيخبر بالواقع،فلو الزم بغير ما أقرّ به كان ذريعةً إلى سدّ باب الإقرار،و هو منافٍ للحكمة الإلهيّة.

الثالث في الإقرار بالنسب

الثالث:في الإقرار بالنسب و هو مقبول كالإقرار بالمال، بلا خلاف بين العلماء،و ادّعى عليه إجماعهم كافّةً السيّد في شرح الكتاب و صاحب الكفاية (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى عموم« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» في الجملة،و المعتبرة المستفيضة في الولد خاصّة،و فيها الصحاح و غيرها،مضى إلى بعضها الإشارة في كتاب النكاح في بحث حكم الأولاد،و منها زيادةً عليه الخبران:

أحدهما القوي المرتضوي:« إذا أقرّ الرجل بالولد ساعة لم ينتف منه أبداً» (2).

و ثانيهما المرسل:عن رجل ادّعى ولد امرأة لا يعرف له أب،ثم

ص:150


1- الكفاية:232.
2- التهذيب 8:639/183،الوسائل 26:271 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 6 ح 4.

انتفى من ذلك،قال:« ليس له ذلك» (1).

و يعضدها فحوى النصوص الواردة في اللعان الدالّة على لحوق الولد بالملاعن بدعواه إيّاه بعد انتفائه عنه باللعان.

و اعلم أنّه يشترط في المقرّ هنا ما اشترط فيه سابقاً من البلوغ و العقل و رفع الحجر و في الإقرار بالولد الصغير أو الكبير مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى إمكان البنوّة للمقر،فلو أقرّ ببنوّة من هو أسنّ منه أو مساويه أو أصغر بحيث لا يمكن تولّده منه عادةً لم ينفذ.و كذا لو كان بين المقرّ و بين أُمّ الولد مسافة لا يمكن الوصول إليها في مثل عمر الولد،أو علم عدم وصول المقرّ إليها.

و جهالة نسب -ه مطلقاً صغيراً كان أو كبيراً.و لا وجه لتخصيص الصغير بهذا الشرط و غيره المتقدّم و الآتي.

فلو أقرّ ببنوّة من انتسب إلى غيره شرعاً لم يعتدّ بإقراره؛ لأنّ النسب المحكوم به شرعاً لا ينتقل.و إن صدّقه الولد و من انتسب إليه شرعاً لم يلتفت إليه.

و لو أقرّ ببنوّة المنفي نسبه عن أبيه باللعان ففي قبوله وجهان:من أنه أقرّ بنسب لا منازع له فيه،و من بقاء شبهة النسب.و لذا لو استلحقه الملاعن بعد ذلك ورثه الولد.

و عدم المنازع له في نسب المقرّ به.فلو أقرّ ببنوّة من استلحقه غيره ممن يمكن اللحاق به لم ينفذ؛ فإنّ الولد حينئذٍ لا يلحق بأحد المتنازعين إلّا ببينّة أو قرعة.

ص:151


1- التهذيب 8:582/167،الوسائل 26:271 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 6 ح 3.

و لا خلاف في شيء من ذلك،بل لعلّه مجمع عليه،و يساعده الاعتبار.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة المتقدمة في البحث المتقدم من النكاح في مسألة وطء الشركاء الأمة المشتركة مع تداعيهم جميعاً ولدها في الأخير،ففيها:إنّهم يقرع بينهم،فمن خرج كان الولد ولده (1).

و الخبر في الأوّل:في المرأة يغيب عنها زوجها فتجيء بولد:« إنّه لا يلحق الولد بالرجل إذا كانت غيبته معروفة،و لا تصدّق أنّه قدم فأحبلها» (2).

و بهذه الأدلّة تقيّد الأخبار المتقدّمة و غيرها بلحوق الولد بالمقرّ به مطلقاً،مع بُعد شمول إطلاقها للإقرار بالولد مع عدم هذه الشرائط جدّاً، كبعد شموله لغير الولد للصلب،لانصرافه بحكم التبادر إلى الولد للصلب، فينبغي الرجوع في غيره إلى الأصل الدالّ على عدم ثبوت النسب بالإقرار.

فلو أقرّ ببنوّة ولد ولده فنازلاً اعتبر التصديق كغيره من الأقارب.نصّ عليه الشهيدان و غيرهما (3).لكن يثبت بالإقرار ما يتعلّق بالمال و النسب من جهة المقرّ،كوجوب الإنفاق و حرمة التزويج؛ لعموم إقرار العقلاء.

ثم إنّ إطلاق العبارة و غيرها من عبائر الجماعة (4)يقتضي عدم الفرق

ص:152


1- انظر الوسائل 27:257 أبواب كيفية الحكم ب 13.
2- الكافي 5:1/490،التهذيب 8:579/167،الوسائل 21:497 أبواب أحكام الأولاد ب 100 ح 1.
3- الشهيد الأول في الدروس 3:150،الشهيد الثاني في الروضة 6:424؛ و انظر جامع المقاصد 9:354.
4- انظر النهاية:684،و المبسوط 3:38،و الوسيلة:225،و الجامع للشرائع:343،و الإرشاد 1:411،و التذكرة 2:173.

في المقرّ بالولد بين كونه أباً أو امّاً.و هو أحد القولين في المسألة.و لكن أصحّهما عند الشهيدين (1)و غيرهما (2)الفرق،و اختصاص ذلك بإقرار الأب،أمّا الأُمّ فيعتبر التصديق لها؛ لاختصاص النصوص المتقدمة بالرجل فلا يتناول المرأة.

و اتّحاد طريقهما ممنوع؛ لإمكان إقامتها البينة على الولادة دونه،و لأنّ ثبوت نسب غير معلوم على خلاف الأصل،فيقتصر فيه على القدر المتيقن من النص و الفتوى.

لكن في الصحيحين:عن المرأة تسبى من أرضها و معها الولد الصغير فتقول:هو ابني،و الرجل يسبى،فيلقى أخاه فيقول:أخي،و يتعارفان و ليس لهما على ذلك بينة إلّا قولهما،فقال:«ما يقول مَن قبلكم؟» قلت:

لا يورثونهم؛ لأنّهم لم يكن لهم على ذلك بيّنة،إنّما كانت ولادة في الشرك،فقال:«سبحان اللّه،إذا جاءت بابنها أو بنتها معها و لم تزل مقرّة، و إذا عرف أخاه و كان ذلك في صحّة من عقلهما و لم يزالا مقرَّين،ورث بعضهم من بعض» (3).

و لا يبعد المصير إليهما في موردهما،و هو كون الاُم و الأخ مسبيّين بل مطلقاً،كما يستفاد من قوله:«سبحان اللّه» الذي هو في حكم التعليل جدّاً.

هذا بالإضافة إلى النسب المطلق،و أمّا بالإضافة إلى ما يتعلّق بالمال و النسب من جهتها فيثبته الإقرار قولاً واحداً؛ للعموم الذي مضى.

ص:153


1- الأوّل في الدروس 3:150،و الثاني في الروضة 6:424.
2- انظر الكفاية:232.
3- الكافي 7:1/165،الفقيه 4:733/230،التهذيب 9:1247/347،الإستبصار 4:698/186،الوسائل 26:278 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 9 ح 1.

و لا يشترط في الصغير المقرّ به التصديق منه للمقرّ بلا خلاف،بل عليه الإجماع في كثير من العبارات (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى إطلاق الأخبار المتقدمة و لعدم الأهلية منه لذلك،لسلب العبرة عن أقواله في الشرع.

و لا يتوقف نفوذ الإقرار به على بلوغه إجماعاً،كما حكاه بعض أصحابنا (2).

و لو بلغ فأنكر لم يقبل إنكاره،بلا خلاف بين علمائنا فيه أيضاً؛ للحكم بثبوته حال صغره،فلا يرتفع إلّا بما عدّه الشارع رافعاً،و لم يثبت كون الإنكار كذلك جدّاً.

و اعلم أنّه ألحق الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم بالصغير المجنون مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى،و الميت كذلك و إن كان بالغاً عاقلاً و لم يكن ولداً فقالوا:لا يعتبر تصديقهما،بل يثبت نسبهما بالنسبة إلى المقرّ بمجرد إقراره؛ لأنّ التصديق إنّما يعتبر مع إمكانه و هو ممتنع منهما.

و الظاهر أنّه مجمع عليه بينهم،و قد صرّح به في المجنون بعض الأصحاب (3).و يظهر من الروضة دعواه في الميت حيث قال بعد أن استشكل حكمه كبيراً مما تقدّم،و من إطلاق اشتراط تصديق البالغ العاقل في لحوقه،و أنّ تأخير الاستلحاق إلى الموت يوشك أن يكون خوفاً من إنكاره إلّا أنّ فتوى الأصحاب على القبول،قال:و لا يقدح فيه التهمة باستيثاق مال الناقص و إرث الميت (4).

ص:154


1- انظر جامع المقاصد 9:349،و المسالك 2:180،و مفاتيح الشرائع 2:377.
2- كالسبزواري في الكفاية:232.
3- جامع المقاصد 9:349.
4- الروضة 6:423.

و هو كذلك؛ للإطلاق،مع عدم ظهور مخالف فيه من الأصحاب، و إنما ردّ بذلك بعض العامة (1).

و لا بدّ في الولد الكبير إذا لم يكن ميتاً و لا مجنوناً من التصديق للمقرّ في دعواه،فلو لم يصدّقه لم ينسب إليه،وفاقاً للإسكافي و المبسوط و الحلّي (2)،و أكثر الأصحاب (3)،بل في المختلف (4)عن الأوّل:

أنه لا يعلم فيه خلافاً؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أصالة عدم الانتساب،و أنّه إقرار في حق الغير فلا ينفذ.

خلافاً لظاهر إطلاق النهاية (5)،فلم يعتبر فيه التصديق كالصغير.

و حجته غير معلومة،و إن احتجّ له في المختلف بأمر موهوم (6).

نعم،ربما دلّت عليه إطلاقات الأخبار المتقدمة،إلّا أن عدم تبادر الكبير من إطلاق الولد فيها يقتضي تخصيصها بالصغير.

ثم إنّ مقتضى كلامهم أنّه إذا ثبت النسب بين المقرّ و الصغير ثبت نسبه مثل الفراش،فيكون أب المقرّ جدّاً،و أُمّه جدّةً،و إخوته و أخواته أعماماً و عمّات،و ولده إخوةً و أخوات.

نبّه على ذلك المقدس الأردبيلي رحمه الله،و حكى عن التذكرة ماله على ذلك دلالة،فقال:قال فيها:إذا أقرّ بالولد و حصلت الشرائط ثبت النسب

ص:155


1- و هو أبو حنيفة،حكاه عنه ابن قدامة في المغني 5:334.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:441،المبسوط 3:38،السرائر 3:308.
3- منهم:فخر المحققين في إيضاح الفوائد 2:464،و الشهيد الأوّل في اللمعة(الروضة البهية 6):423،و الشهيد الثاني في المسالك 2:180.
4- المختلف:441.
5- النهاية:684.
6- المختلف:441.

بينه و بين الولد،و كذا بين الولد و كلّ من ثبت بينه و بين الولد المشهور (1).

و بذلك صرّح جماعة (2).

و كذا يعتبر التصديق في غيره من الأنساب بلا خلاف ظاهر، و صرّح به في الكفاية (3)و السيّد في شرح الكتاب؛ و هو الحجة،مضافاً إلى ما مرّ من الأدلة،و أنّه في الحقيقة إلحاق بغير المقرّ؛ فإنّه إذا قال:هذا أخي،كان معناه أنّه ابن أبي و أُمّي،و كذا باقي الأنساب.

و ظاهر العبارة كغيرها عدم اعتبار ما عدا التصديق.خلافاً للتذكرة و المسالك (4)و السيّد في الشرح،فاشترطوا موت الملحق به حتى إنّه ما دام حيّاً لم يكن لغيره الإلحاق به و إن كان مجنوناً.

و زاد الثاني اشتراط أن لا يكون الملحق به قد نفى المقر به،قال:إذا نفاه ثم استلحقه وارثه بعد موته ففي لحوقه وجهان:من سبق الحكم ببطلان هذا النسب.و في إلحاقه به بعد الموت إلحاق عارٍ بنسبه،و شرط الوارث أن يفعل ما فيه خطّ المورث لا ما يتضرّر به.و من أنّ المورث لو استلحقه بعد ما نفاه باللعان و غيره لحق به و إن لم يرثه عندنا.و هذا أقوى.

و للقاصر في فهم المراد بالمشروط بهذين الشرطين عجز؛ فإنّه إن كان ثبوت النسب بين المتصادقين بحيث يتوارثان،و يتعدّى توارثهما إلى غيره فللاشتراط وجه،إلّا انهم كما يأتي لا يقولون به،بل صرّحوا بأنّ غاية هذا الإقرار بعد التصادق ثبوت التوارث بين المتصادقين خاصّة،و أنّه

ص:156


1- مجمع الفائدة 9:448،و هو في التذكرة 2:170.
2- منهم السبزواري في الكفاية:232.
3- الكفاية:232.
4- التذكرة 2:172،المسالك 2:180.

لا يتعدّى التوارث إلى غيرهما إلّا أن يقرن الدعوى بالبيّنة.

و إن كان ثبوت النسب بينهما خاصّة،بحيث يتوارثان من دون تعدية كما هو الظاهر من حكمهم المذكور بعدم تعدّي التوارث عنهما إلى غيرهما من الأقارب فلا وجه للاشتراط،و لا لما مرّ في توجيه اشتراط الشرط الثاني من أنّ شرط الوارث أن لا يفعل ما يضرّ بالمورث؛ و ذلك فإنّ المشروط بهذا المعنى يحصل بمجرد الإقرار و التصديق الذي هو بمنزلته، و ليس فيهما ما يوجب الضرر على المورّث،لعدم استيراث المقرّ به من إرثه و لا من إرث أقاربه،و إنّما يرث المقرّ بعد وفاته إذا لم يكن له وارث غيره.

و كيف كان إذا تصادقا أي المقرّ و المقرّ به توارثا بينهما حيث لا وارث لهما،بلا خلاف كما في كثير من العبارات (1)؛ و هو الحجة، مضافاً إلى النصوص الكثيرة:

منها زيادةً على الصحيحين للمتقدمين في ثبوت نسب الصغير بإقرار الأُمّ من دون تصديق (2)-:الصحيح المروي عن الكافي و التهذيب:

عن رجلين جيء بهما من أرض الشرك،فقال أحدهما لصاحبه:أنت أخي،فعرفا بذلك،ثم أُعتقا و مكثا يعرفان بالإخاء،ثم إنّ أحدهما مات، قال:«الميراث للأخ يصدقان» (3).

مع أنّ الحق لهما فلا يعدوهما.

ص:157


1- انظر جامع المقاصد 9:355،و اللمعة(الروضة البهية 6):426،و الكفاية:232.
2- راجع ص 152.
3- الكافي 7:2/166،التهذيب 9:1248/347،الإستبصار 4:699/186،الوسائل 26:279 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 9 ح 2.

و لا يتعدّى التوارث إلى غير المتصادقين بلا خلاف أيضاً؛ لأنّ النسب هنا لم يثبت بالبيّنة و إنّما ثبت بالإقرار،و حكمه لا يتعدّى إلى غير المقرّ بلا خلاف،للأصل.

و إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الإقرار بالولد الكبير الذي يعتبر تصديقه و غيره من الأنساب.و عليه يتفاوت الإقرار بالولد بالنسبة إلى الصغير و الكبير؛ لثبوت النسب الموجب للتوارث على الإطلاق بالإقرار في الأوّل و عدم ثبوته كذلك و لو مع التصادق في الثاني.

خلافاً لظاهر عبارة الماتن في الشرائع،فدلت على أنّ قصر الحكم على المتصادقين إنّما هو في غير الولد للصلب (1).

و صرّح بذلك في المسالك من دون إشكال و لا حكاية خلاف،فقال بعد نقل العبارة الدالّة على الحكم-:هذا من جملة ما افترق فيه الإقرار بالولد من غيره؛ فإنّ الإقرار بالولد مع التصديق بدونه يثبت به النسب و يتعدّى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما بشرطه.و أمّا الإقرار بغير الولد للصلب و إن كان ولد ولد،فيختصّ حكمه مع التصديق بالمتصادقين؛ لما تقرّر أنّ ذلك إقرار بنسب الغير،فلا يتعدّى المقرّ.و لو لم يحصل تصديق افتقر إلى البينة (2).

و يظهر من سبطه في شرح الكتاب التردّد في ذلك،و احتماله ما يستفاد من إطلاق العبارة من عدم تعدّي التوارث إلى غير المتصادقين، من دون فرق بين الولد الكبير و غيره من الأنساب؛ لأصالة عدم التعدّي إلى غيرهما.قال:و ليس في المسألة نصّ يرجع إليه في هذا الحكم.لكن الذي

ص:158


1- الشرائع 3:157.
2- المسالك 2:180.

يقتضيه الأصل عدم التعدي إلى غير المتصادقين،فيقتصر فيه على موضع الوفاق.

و هو كما ترى في غاية الجودة.اللّهم إلّا أن يقال:قد انعقد على ما ذكر جدّه الإجماع.و هو غير واضح.

و ربما يظهر منه أيضاً التردّد في الفرق في الروضة حيث قال:

و مقتضى قولهم غير التولد أنّ التصادق في التولد يتعدّى.مضافاً إلى ما سبق من الحكم بثبوت النسب في إلحاق الصغير مطلقاً،و الكبير مع التصادق.

و الفرق بينه و بين غيره من الأنساب مع اشتراكهما في اعتبار التصادق غير بيّن (1).

و لو كان للمقرّ ورثة مشهورون في نسبه لم يقبل إقراره حينئذ مطلقاً. و لو تصادقا قالوا:لأنّ ذلك إقرار في حق الغير،بناءً على أنّ الإرث ثابت شرعاً للورثة المعروفين بنسبهما،فإقراره بوارث آخر و تصديقه له يقتضي منعهم عن جميع المال أو بعضه،فلا يسمع.

و مقتضى هذا التعليل كإطلاق العبارة،و غيرها من عبائر أكثر الطائفة كما حكاه جماعة (2)عدم الفرق في الحكم بين الإقرار بالولد مطلقاً، و غيره.

خلافاً لظاهر المحكي عن النهاية (3)؛ حيث خصّ الحكم بغير الإقرار

ص:159


1- الروضة 6:426.
2- منهم:العلّامة في القواعد 1:288،و الشهيد الثاني في المسالك 2:180،و السبزواري في الكفاية:232.
3- النهاية:685.

بالولد.

و الأجود الأوّل؛ اقتصاراً في الحكم بالتوارث المخالف للأصل على مورد القطع،و هو ما إذا لم يكن للمتصادقين ورثه؛ فإنّه الذي يثبت فيه الحكم بالتوارث بالإجماع.و لولاه لكان الأوفق بالأصل الحكم بعدم التوارث فيه أيضاً.

لكن يشكل ذلك في الإقرار بالولد الصغير؛ لظهور إطلاق النصوص الواردة في الإقرار به في ثبوت نسبه بذلك،و هو مستلزم للحكم بالتوارث بينه و بين من أقرّ به مطلقاً كان لهما ورثة أم لا،بل و ربّما استلزم تعدّي التوارث إلى غيرهما.

و لعلّه غير محل النزاع،و إنّما هو الولد الكبير الذي يتوقف ثبوت نسبه بالإقرار على التصادق.بل لا يبعد أن يقال بخروجه أيضاً عن محل النزاع،و أنّ المراد من إطلاقات العبائر الإقرار بغير الولد من الأنساب؛ و ذلك لتصريحهم بثبوت نسبه بالتصادق،و هو مستلزم لثبوت التوارث على الإطلاق،فلا خلاف بينها و بين ما عن النهاية.

نعم،يبقى التأمّل حينئذٍ في وجه إلحاقه بالولد الصغير في الحكم المذكور؛ لاختصاص النصوص الدالّة عليه به،فلا يتعدّى الحكم إلى غيره، لمخالفته الأصل كما مرّ،فإن كان إجماع و إلّا ففي التعدية نظر.

و إذا أقرّ الوارث المحكوم بكونه وارثاً ظاهراً بآخر و كان أولى منه في الميراث،كما إذا أقرّ الأخ بولد للميّت دفع إليه ما في يده من المال وجوباً؛ لاعترافه بكونه أولى منه بالإرث.

و إن كان المقرّ به غير أولى،بل مشاركاً له في الميراث،كما

ص:160

إذا أقرّ الابن بابن آخر للميت دفع إليه نصيبه (1)من الأصل أي من أصل التركة،و هو في المثال النصف.و لا خلاف في عدم ثبوت نسبه بذلك؛ لما مرّ و يأتي.

و إن أقرّا بثالث شاركهما في التركة،و يثبت نسبه إن كان المقرّان عدلين،كما يأتي.

و لو أقرّ بالثالث أحدهما و أنكر الآخر أخذ المنكر نصف التركة، و المقرّ ثلثها،و الآخر السدس على المشهور؛ لأنه الفاضل من نصيب المقرّ باعترافه.

و قيل:إنّ النصف يقسم بين المقرّ و الثالث بالسوية،لاعتراف المقرّ بأنّه كلّما حصل له شيء كان للثالث مثله؛ لمساواته له باعترافه،و أنّ المنكر غصبهما بعض حقهما،فيكون الموجود لهما و الذاهب عليهما.اختاره في الكفاية،و السيّد في الشرح تبعاً لجدّه في المسالك (2).و لا يخلو عن قوة.

و لو أقرّ باثنين دفعةً فتناكرا لم يلتفت إلى تناكرهما لأنّ استحقاقهما الإرث ثبت في حالة واحدة بسبب واحد،فلم يكن أحدهما أولى من الآخر.و لا كذلك ما إذا أقرّ بأحدهما ثمّ أقرّ بآخر؛ فإنّ الثاني ثبت له النصف أوّلاً باعتراف الأوّل،فلا يستحق الثالث فيه شيئاً ما لم يقرّ به الثاني،أو تقوم له بدعواه بيّنة.

و من التفصيل الذي ذكرناه يظهر ما في العبارة من المسامحة،إلّا أن ينزل إطلاقها بحكم التبادر إلى الصورة الأُولى خاصّة.

و لو أقر الوارث ظاهراً كالعم مثلاً بأولى منه في الإرث الذي

ص:161


1- في«ر» و في المختصر المطبوع:بنسبة نصيبه.
2- الكفاية:232،المسالك 2:180.

بيده كالأخ،نفذ إقراره بالإضافة إلى المال؛ لأنّه أقرّ في حق نفسه.

ثم لو أقرّ بعد ذلك بمن هو أولى منه و من المقرّ له كالولد فإن صدّقه المقرّ له الأوّل دفع جميع التركة إلى المقرّ له الثاني و هو الولد؛ لاعترافهما بكونه أولى منهما. و إن أكذبه أي أكذب الأخ العم في كون المقرّ به ثانياً ولد الميت لم يدفع إليه؛ لاستحقاقه المال باعتراف ذي اليد له و هو العم،و لم تعلم أولوية الثاني إلّا بإقراره، و هو حينئذٍ خارج،فلا يقبل إقراره في حق الأخ،لأنّه إقرار في حق الغير.

نعم ضمن العم المقرّ للولد ما كان نصيبه من المال إن دفعه إلى الأخ؛ لإتلافه له بإقراره،مع مباشرته لدفع المال.و كذا يضمن لو لم يباشر الدفع إذا أقرّ بانحصار الإرث فيه؛ لأنّه بإقراره بالولد بعد ذلك يكون رجوعاً عن إقراره الأوّل،فلا يسمع،و يغرم للولد،للحيلولة بينه و بين التركة بإقراره الأوّل،كما لو أقرّ بمال لواحد ثم أقرّ به لآخر.

و لا فرق في الحكم بضمانه حينئذٍ بين حكم الحاكم عليه بالدفع إلى الأخ و عدمه؛ لأنّه مع اعترافه بإرثه مفوّت بدون الحكم.

نعم،يتّجه الفرق بينهما في صورة الدفع بالحكم:بالضمان مع الدفع بدون إذن الحاكم،و الحكم بعدمه مع إذنه،لعدم اختياره في الدفع.

و أمّا مع عدم الأمرين من الدفع و الإقرار بانحصار الإرث فيه فيشكل الحكم بالضمان؛ لأنّ إقراره بكون المقرّ له الأوّل أخاً لا يستلزم كونه وارثاً، بل هو أعمّ منه جدّاً،فليس فيه تفويت للمال عليه أصلاً.

و لو أقرّ الوارث المتقدم بمساوٍ له في الإرث كعمّ آخر للميت في المثال فشاركه بعد تصديقه،ثم أقرّ بمن هو أولى منه في ذلك كالولد و الأخ و نحوهما، فإن صدّقه أي الأوّل المساوي و هو العم

ص:162

دفعا ما معهما إلى الأوّل؛ لما مضى.

و إن أنكر المساوي للأولى استحق ما أخذه من نصيبه من التركة و غرم المقرّ للمقرّ له الثاني الذي أولى منهما بزعمه و إقراره ما كان في يده اي المنكر مع أحد الأمرين المتقدمين من الدفع أو الإقرار بانحصار الإرث في المنكر.و يشكل الحكم بدونهما،كما مضى.

و لو أقر ل لمرأة الميّتة التي يرثها المقرّ ظاهراً بزوج دفع المقرّ إليه مما في يده بنسبة نصيبه أي الزوج،و هي النصف إن كان المقرّ به غير الولد،و الربع إن كان هو الولد.

و قد أطلق الحكم كذلك الماتن هنا و في الشرائع،و الفاضل في الإرشاد،و الشهيد في اللمعة (1).و هو إنما يستقيم إن قلنا أنّ الموجود في يد المقرّ من التركة بينه و بين المقرّ له بمقتضى الشركة كما هو الظاهر،و قد تقدّم إليه الإشارة.

أمّا على القول المشهور من أنّ الواجب على المقرّ أن يدفع الفاضل مما في يده عن نصيبه خاصة،فيجب على المقرّ له هنا دفع الفاضل خاصّة إن تحقق،مطلقاً،بلغ أحد المقدارين،كما إذا كان المقرَّ به الأخ أو الولد، أولا،كما لو كان المقرّ به الأبوين أو أحدهما،و كان معهما بنت،فإن نصيبهما على تقدير فقد الزوج الخمسان،و على تقدير وجوده السدسان.

و التفاوت بينهما الذي يجب عليهما دفعه إليه لا يبلغ ربع ما في يديهما.

و إن لم يتحقق فاضل كما إذا كان المقر الأبوين أو أحدهما،و كان للزوجة ولد ذكر فإنّه لا يجب عليه دفع شيء أصلاً و الحال هذه؛ إذ ليس

ص:163


1- الشرائع 3:159،الإرشاد 1:412،اللمعة(الروضة البهية 6):429.

حينئذٍ في يد المقرّ شيء يلزمه دفعه بإقراره،فإنّ الأبوين لم يتغيّر نصيبهما في الصورة المذكورة بوجود الزوج و عدمه.

و نبّه على هذا الإشكال جماعة،كالشهيد في المسالك و الروضة، و سبطه في شرح الكتاب،و تبعهما في الكفاية (1)،قالوا:و لو نزلنا حصّة المقرّ به على الإشاعة صحّت المسألة على إطلاقها من دون تقييد.

و لو أقرّ لها ب زوج آخر لم يقبل إلّا أن يكذّب نفسه في إقراره الأوّل،بلا خلاف في القبول مع التكذيب،بمعنى غرمه للثاني معه ما أقرّ به للأوّل،لا قبوله في حق الزوج الأوّل؛ لما يأتي.و لذا فرّع على الاستثناء المثبت للقبول خصوص ما ذكرناه بقوله.

فيغرم له إن أنكر الأوّل لاعترافه بالتكذيب بتفويته حق الثاني من التركة بإقراره فيغرم له.

و لا في عدمه في حق الزوج الأوّل مطلقاً:مع التكذيب و عدمه، فلا يزيل الإرث الذي ثبت له شرعاً؛ لكونه حينئذٍ خارجاً،فلا يكون إقراره في حقه مسموعاً.

و في قبوله في حق الثاني،مع عدم التكذيب بمعنى غرمه له مع عدمه،أم العدم،قولان:أشهرهما الثاني،كما في المسالك و الروضة (2) و شرح الكتاب للسيّد؛ لأنّ الإقرار بزوج ثان إقرار بأمر ممتنع شرعاً، فلا يترتب عليه أثر.

خلافاً للمحكي في الشرح عن المحقق الثاني،و تبعه فيه كجدّه

ص:164


1- المسالك 2:182،الروضة 6:430،الكفاية:232.
2- المسالك 2:182،الروضة 6:432.

الشهيد الثاني (1)؛ لأصالة صحة إقرار العقلاء على أنفسهم،مع إمكان كونه هو الزوج و أنّه ظنّه الأوّل فأقرّ به،ثم تبيّن خلافه.و إلغاء الإقرار في حقّ المقرّ مع إمكان صحّته مناف للقواعد الشرعية.

نعم،لو أظهر لكلامه تأويلاً ممكناً في حقه كتزويجه إيّاها في عدّة الأوّل،فظنّ أنّه يرثها زوجان فالوجه القبول.

و فيه مناقشة سيّما مع مخالفته لأصالة البراءة عن الغرامة المعتضدة بالشهرة؛ و لعلّه لذا تردّد فيه شيخنا في الدروس (2).و لعلّه في محله.

و كذا الحكم في الإقرار ب الزوجات للميّت،فإذا أقرّ بواحدة فالربع إن كان المقر غير الولد،و الثمن إن كان هو.

هذا على المختار أو التنزيل المتقدم في الإقرار بالزوج،و أمّا على غيرهما فيتمّ الحكم في إقرار الولد خاصة،و أمّا غيره فيدفع إليها الفاضل في يده عن نصيبه على تقديرها.و لو كان بيده أكثر من نصيبها اقتصر على دفع نصيبها.

فالحاصل أنّ غير الولد يدفع أقلّ الأمرين من نصيب الزوجة و ما زاد عن نصيبه على تقديرها إن كان معه زيادة.

فأحد الأبوين مع الذكر لا يدفع شيئاً،و مع الأُنثى يدفع الأقل.و الأخ يدفع الربع،و الولد الثمن.فإن أقر بأُخرى،و صدّقته الزوجة المقرّ لها أوّلاً اقتسما الربع أو الثمن أو ما حصل،و إن أكذبتها غرم المقرّ لها نصيبها،و هو نصف ما غرم للأُولى إن كان باشر تسليمها كما مضى،و إلّا فلا.و هكذا لو أقرّ بثالثة و رابعة،فيغرم للثالثة مع تكذيب الأُوليين ثلث ما لزمه دفعه،

ص:165


1- جامع المقاصد 9:366،الروضة 6:432.
2- الدروس 3:153.

و للرابعة مع تكذيب الثلاث ربعه.

و إذا أقرّ بخامسة كان كالإقرار بزوج ثانٍ يغرم لها مع تكذيب نفسه أو مطلقاً على ما مضى.بل هنا أولى؛ لإمكان الخامسة الوارثة في المريض إذا تزوّج بعد الطلاق و انقضاء العدة،و دخل و مات في سنته،كما مرّ في كتاب الطلاق.و يمكن فيه استرسال الإقرار،فلا يقف عند حدّ إذا مات في سنته مريضاً.

و لو أقرّ اثنان من الورثة بوارث مساوٍ لهما في الإرث،فإن كانا ممن يقبل شهادتهما صحّ النسب الموجب للإرث و قاسم الورثة و لو كانوا غير المقرّين.

و لو كان المقرّ له أولى بالإرث منهما كما لو أقرّ الأخوان العدلان بولد اختصّ بالميراث دونهما.

و لو لم يكونا ممن يقبل شهادتهما،بأن كانا غير مرضيّين لم يثبت النسب و دفعا إليه أي إلى المقرّ له مما في أيديهما بنسبة نصيبه من التركة إن كان،و إلّا فلا؛ إلزاماً لهما بمقتضى إقرارهما.

و لا خلاف في شيء من ذلك فتوًى و نصّاً،ففي الخبر:«إن أقرّ بعض الورثة بأخ إنّما يلزمه في حصّته.و من أقر لأخيه فهو شريك في المال، و لا يثبت نسبه،فإن أقرّ اثنان فكذلك إلّا أن يكونا عدلين،فيلحق نسبه، و يضرب في الميراث معهم» (1).

ص:166


1- الفقيه 3:500/117،التهذيب 6:442/198،قرب الإسناد:171/52،الوسائل 19:325،326 أبواب أحكام الوصايا ب 26 ح 5،6.

كتاب الأيمان

اشارة

كتاب الأيمان الأيمان جمع يمين،و هو لغةً تطلق تارةً على الجارحة المخصوصة، و أُخرى على القدرة و القوّة،و شرعاً:الحلف باللّه تعالى،أو أسمائه الخاصّة لتحقيق ما يُمكن فيه المخالفة إمكاناً عقلياً،فلا ينعقد على الواجب،أو الممتنع بالذات.

و هي على أقسام:يمين انعقاد،و هي الحلف على المستقبل فعلاً أو تركاً مع القصد إليه.و هو المقصود من هذا الكتاب.

و يمين لغوٍ،و لها تفسيران:أحدهما:الحلف لا مع القصد على ماضٍ،أو آتٍ.و ثانيهما:أن يسبق اللسان إلى اليمين من غير قصد أنّه يمين.

و في الموثق في تفسيره:«هو قول الرجل:لا و اللّه،و بلى و اللّه، و لا يعقد على شيء» (1).

و يمين غَموس و هي على ما ذكره الأكثر (2)الحلف على أحد

ص:167


1- الكافي 7:1/443،الوسائل 23:238 أبواب الأيمان ب 17 ح 1.
2- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:502،و الشهيد الثاني في المسالك 2:202،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:44.

الأمرين مع تعمّد الكذب.و سمّي به لأنّها تغمس الحالف في الإثم أو النار.

و لا خلاف في حرمتها،و النصوص بها مستفيضة،في بعضها أنّها من الكبائر (1).

و في المستفيض منها و فيه الصحيح و غيره-:«أنّها تذر الديار بلاقع» (2).

و في بعضها:«اليمين الغموس ينتظر بها أربعين ليلةً» (3).

و في آخر:«أنها تنغل الرحم،يعني انقطاع النسل» (4).

و لا كفارة فيها سوى الاستغفار كما يأتي.

و يمين حلف على الحال،أو الماضي مع الصدق.و لا خلاف في جوازها،و جواز الأولين،و عدم المؤاخذة في الثانية؛ لقوله سبحانه:

لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ [1] (5)و كراهة هذه و تأكّدها مع إكثارها؛ للكتاب و السنة،قال سبحانه:

وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ [2] (6)

ص:168


1- الوسائل 23:215 أبواب الأيمان ب 9.
2- الوسائل 23:202 أبواب الأيمان ب 4.البلاقع جمع بَلْقَع و بَلْقَعَة،و هي الأرض القفر التي لا شيء بها،يريد أن الحالف بها يفتقر و يذهب ما في بيته من الرزق.النهاية 1:153.
3- الكافي 7:7/436،المحاسن:130/119،الوسائل 23:205 أبواب الأيمان ب 4 ح 9.
4- الكافي 7:9/436،عقاب الأعمال:226،الوسائل 23:202 أبواب الأيمان ب 4 ح 1.النَّغَل بالتحريك-:الفساد.النهاية 5:88.
5- المائدة:89.
6- القلم:10.

و في الصحيح:«اجتمع الحواريون إلى عيسى على نبينا و آله و عليه السلام،فقالوا:يا معلّم الخير،أرشدنا،فقال لهم:إنّ موسى نبي اللّه أمركم أن لا تحلفوا باللّه كاذبين،و أنا آمركم أن لا تحلفوا باللّه كاذبين و لا صادقين» (1).

و نحوه الموثق (2)،بترك الحكاية،و زيادة التعليل بقوله:«فإنّه عز و جل يقول: لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ [1] (3)و في القوي:«من أجلّ اللّه تعالى أن يحلف به أعطاه اللّه تعالى خيراً مما ذهب منه» (4).

و يستفاد منه استحباب ترك الحلف على إثبات المال مطلقاً و إن ذهب منه به،و كان ما كان.

و يعضده غيره مما دلّ على ترك عليّ بن الحسين عليه السلام الحلف على نفي أربعمائة دينار عن نفسه،و غرامته لذلك إيّاها لزوجته المدّعية لها عليه،معللاً بالإجلال (5).

لكن في المرسل:«إذا ادّعي عليك مال،و لم يكن له عليك،فأراد أن يحلفك،فإن بلغ مقدار ثلاثين درهماً فأعطه و لا تحلف،و إن كان أكثر من

ص:169


1- الكافي 7:3/434،الوسائل 23:197 أبواب الأيمان ب 1 ح 2.
2- الكافي 7:1/434،التهذيب 8:1033/282،الوسائل 23:198 أبواب الأيمان ب 1 ح 5.
3- البقرة:224.
4- الكافي 7:2/434،الفقيه 3:1096/233،التهذيب 8:1034/282،الوسائل 23:198 أبواب الأيمان ب 1 ح 3.
5- الكافي 7:5/435،التهذيب 8:1036/283،الوسائل 23:200 أبواب الأيمان ب 2 ح 1.

ذلك فاحلف و لا تعطه» (1).

و الجمع بين الأخبار يقتضي الكراهة مطلقاً مع تأكّدها في ثلاثين درهماً فما دون.

و يستثنى من الكراهة ما وقع لحاجة كتأكيد كلام،أو تعظيم أمر؛ لورودهما في النصوص.و كلّ ما ورد يرجع إلى هذين.لكن عن الأكثر عدم الاستثناء (2).

و الأصل في شرعيّتها بالمعنى المقصود هنا بعد ما مرّ من قوله سبحانه: وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ [1] الآية (3):الإجماع المستفيض النقل في كلام جماعة (4)،و النصوص المستفيضة التي يأتي إليها الإشارة في تضاعيف المباحث الآتية.

و النظر في هذا الكتاب يقع في أُمور ثلاثة

الأوّل في بيان ما به تنعقد

الأوّل: في بيان ما به تنعقد اليمين بحيث يحنث بالمخالفة، و يجب بها عليه الكفارة.

و اعلم أنه لا تنعقد إلّا باللّه تعالى،أي بذاته المقدسة من غير اعتبار اسم من أسمائه سبحانه،كقوله:و الّذي خلق الحبة و برأ النسمة، و الذي نفسي بيده،و نحو ذلك.

أو ب اسم من أسمائه الخاصة كقوله:و اللّه،و الرحمن،

ص:170


1- الكافي 7:6/435،التهذيب 8:1037/283،الوسائل 23:201 أبواب الأيمان ب 3 ح 1.
2- حكاه عن الأكثر في المفاتيح 2:45.
3- المائدة:89.
4- منهم:ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):617،و الشهيد الثاني في المسالك 2:187،و سبطه في نهاية المرام 2:324،و الكاشاني في المفاتيح 2:5.

و نحوهما.

أو ما ينصرف إطلاقه إليه كالخالق،و البارئ و الربّ دون ما لا ينصرف إطلاقه إليه كالموجود و الحي و السميع و البصير،فلا ينعقد به و إن نوى به الحلف؛ لأنّه بسبب اشتراكه بين الخالق و المخلوق إطلاقاً واحداً ليس له حرمة.

و لا خلاف في شيء من ذلك إلّا من الإسكافي (1)،و هو شاذّ كما يأتي.

بل على عدم الانعقاد بغيره تعالى الإجماع في صريح كلام الغنية، و السيّد و الفاضل المقداد في شرحي الكتاب (2).و نسبه في الكفاية إلى مذهب الأصحاب (3)،و هو ظاهر فيه،ككلامي الشيخين في المقنعة و النهاية (4).و فيهما الدلالة أيضاً على تحقّقه على انعقادها بكلّ ما يدلّ على الذات المقدسة.

و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل،و النصوص المستفيضة،منها الصحيحان.

في أحدهما:«إنّ للّه أن يقسم من خلقه بما شاء،و ليس لخلقه أن يقسموا إلّا به» (5).

ص:171


1- نقله عنه في المختلف:649.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):617،نهاية المرام 2:326،التنقيح الرائع 3:503.
3- الكفاية:226.
4- المقنعة:554،النهاية:555.
5- الكافي 7:1/449،التهذيب 8:1009/277،الوسائل 23:259 أبواب الأيمان ب 30 ح 3.

و في الثاني (1)،و في بعض الأخبار:«لا أرى أن يحلف الرجل إلّا باللّه تعالى» (2).

و ربّما علّل المنع أيضاً زيادةً على ذلك بأنّ القسم بشيء يستلزم تعظيماً له،و لمّا لم يكن مستحقاً للتعظيم المطلق و بالذات سوى اللّه تعالى لم يجز القسم إلّا به.

و خلاف الإسكافي في المضمار بتجويزه الانعقاد بحق النبي صلى الله عليه و آله شاذّ؛ و لذا مع معلوميّة نسبه استفيض حكاية الإجماع على خلافه،فلا عبرة به.

كما لا عبرة بما احتمله السيّد في الشرح من اختصاص الحلف بلفظ الجلالة؛ للأخبار المتقدمة و نحوها المعلّقة للحكم بالجواز و الانعقاد به،بناءً على أنّ المتبادر من ذلك وقوع اليمين بهذه اللفظة المخصوصة (3).

لمخالفتها الإجماع في الظاهر و المحكي في كلام الشيخين،و منع التبادر بعد ملاحظة سياق تلك الأخبار الشاهد بأنّ المراد بهذه اللفظة ذاته المقدسة لا خصوصيتها.مع أنّ في الصحيحة الأُولى وقع التعبير إلّا به، لا إلّا باللّه،و عليه ينتفى خصوصيّة اللفظ جدّاً.

و يشهد له أيضاً ما سيأتي في الصحيح الدالّ على انعقاد اليمين بعمر اللّه،و بيا هناه يا هناه،من التعليل في الأوّل بقوله:فإنّما ذلك باللّه عزّ و جلّ،و في الثاني بقوله:فإنّما ذلك طلب الاسم.و ليس المراد باللّه فيه

ص:172


1- الكافي 7:2/449،الفقيه 3:1085/230،التهذيب 8:1010/278،الوسائل 23:260 أبواب الأيمان ب 30 ح 4.
2- الكافي 7:3/450،التهذيب 8:1011/278،الوسائل 23:261 أبواب الأيمان ب 30 ح 5.
3- نهاية المرام 2:328.

ما ذكره من الخصوصية قطعاً،بل ما ذكرناه من مطلق الذات المقدسة.

و حينئذٍ فيدلّ التعليل على انعقاد اليمين بكل ما دلّ عليها و لو كان غير لفظ جلالة.فلا وجه لما احتمله،و لذا لم يحتمله أحد من أصحابنا،بل أطبقوا على عدم الفرق بين هذه اللفظة و غيرها من أسمائه المقدسة.

و اعلم أنّ الحروف التي يقسم بها عند أهل اللسان الباء،و الواو، و التاء.قيل (1):و يجوز حذفها على الأصحّ،كأن يقول:اللّهِ بالجر لأفعلنّ كذا،مع قصد اليمين،لوروده في اللغة و الحديث،و منه قول النبي صلى الله عليه و آله لِرُكَانَة:«اللّهِ تعالى ما أردتَ إلّا واحدة» (2).

و كذا يجوز الإتيان بهاء التنبيه بعد الواو كوها اللّه تعالى،و عند حذفها مع قطع الهمزة الجلالة و وصلها،و مع إثبات الألف و حذفها.

و في الجميع تردّد؛ لذلك،و لعدم استمرار العادة بالحلف كذلك، و عدم المعرفة به إلّا من خواصّ الناس،مضافاً إلى الأصل السليم عما يصلح للمعارضة سوى ما مرّ من الورود في الحديث و اللغة و في الاستناد إليهما مناقشة،سيما مع عدم معلومية سند الرواية.

و أولى منه بالتردد ما لو لحن بآخر الاسم،أو نصبه،أو حذف ألف الجلالة مع نيته الحلف.

و لا تنعقد لو قال:أُقسم أو أحلف حتى يقول باللّه فتنعقد، بلا خلاف في كلا الحكمين،بل على الأوّل الإجماع عن الخلاف (3)،و على الثاني الإجماع في شرح الكتاب (4)؛ و هو الحجة فيه،مضافاً إلى أنّه إنشاء

ص:173


1- مفاتيح الشرائع 2:39.
2- سنن البيهقي 7:342،سنن ابن ماجة 1:2051/661.
3- الخلاف 6:124.
4- نهاية المرام 2:328.

يمين شرعاً و لغةً و عرفاً.مع أنّ الفعلين مقدّران حيث يحذفان،فذكرهما أولى.

و أمّا عدم الانعقاد مع الاقتصار عليهما عن لفظ الجلالة،فلعدم معلومية المقسم به هل هو اللّه سبحانه أم من لا ينعقد به.

مضافاً إلى الأصل،و عدم صدق القسم المعتبر بهما،[و القوي:«إذا قال الرجل:أقسمت و حلفت فليس بشيء حتى يقول:أقسمت باللّه أو حلفت باللّه» (1)(2)]. و لو قال:لعمر اللّه،كان يميناً بغير خلاف ظاهر مصرّح به في التنقيح و الكفاية و الشرح للسيّد (3)،بل عن الخلاف الإجماع عليه (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحيح المروي في الفقيه:«و أمّا قول الرجل:يا هناه يا هناه،فإنّما ذلك طلب الاسم و لا أرى به بأساً،و أما لعمر اللّه و أيم اللّه، فإنما هو باللّه» (5).

و هو بفتح العين مرفوع على الابتداء و الخبر محذوف،و المعنى لعمر اللّه قسمي.و هو بمعنى الحياة و البقاء،و هو قريب من العمر بالضم، لكنه لم يستعمل في القسم إلّا مفتوحاً.

ص:174


1- الفقيه 3:1102/234،التهذيب 8:1119/301،الوسائل 23:234 أبواب الأيمان ب 15 ح 3.
2- الاستدلال بهذه الرواية غير موجود في نسخة الأصل.
3- التنقيح الرائع 3:505،الكفاية:226،نهاية المرام 2:328.
4- الخلاف 6:125.
5- الكافي 7:2/449،الفقيه 3:1085/230،التهذيب 8:1010/278،الوسائل 23:260 أبواب الأيمان ب 30 ح 4.

و هو بهذا المعنى محتمل للمعاني المانعة من انعقاد اليمين،كالقدرة و العلم و غيرهما من الصفات المشتركة،لكنه لما استعمل في اليمين عرفاً و شرعاً حكموا بانعقاده به.

و يستفاد من الصحيح انعقادها بايم اللّه،كما هو المشهور إلّا أنّه بدّل ب«لاهاه» في نسخة الكافي،و ب«لاها اللّه» في نسخة التهذيب.

و لا كذا لو قال:و حقّ اللّه تعالى فإنّه لا ينعقد مطلقاً،وفاقاً للخلاف،و الحلّي،و الفاضلين (1)؛ للأصل،و اشتراك الحق بين أُمور كثيرة لا ينعقد بها اليمين،كالعبادات التي أُمر بها،لإطلاقه عليها في الخبر:ما حقّ اللّه على عباده؟قال:«أن لا يشركوا به شيئاً و يعبدوه و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة» (2).

و كالقرآن؛ لإطلاقه عليه فيه،قال تعالى: وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ [1] (3)خلافاً للمبسوط فقال (4):ينعقد مطلقاً؛ لأنّ الحقّ إذا أُضيف إلى اللّه تعالى كان وصفاً كسائر صفات ذاته من العظمة و العزّة و نحوهما.و قوّاه في الدروس (5)إذا قصد به اللّه الحق،و المستحق للآلهية،دون ما إذا قصد به المعاني الأولة.

و يضعّف الأوّل بأنّها المفهوم من حقه عند الإطلاق و التجرد عن القرينة،و هي عن الوصف بعيدة غايته.

ص:175


1- الخلاف 2:555،الحلّي في السرائر 3:37،المحقق في الشرائع 3:170،العلّامة في التحرير 2:97.
2- مجمع الزوائد 1:50.
3- الحاقة:51.
4- المبسوط 6:197.
5- الدروس 2:162.

و الثاني في محل الانعقاد بأنّ الحق بالمعنى الذي ذكر فيه غير مفهوم من اللفظ،و مجرد القصد إليه غير كاف في الانعقاد إذا لم ينضمّ إليه ما ينعقد به.

و للمختلف و التنقيح (1)تفصيل آخر،و هو الرجوع إلى عرف الحالف، فإن قصد به الحلف باللّه تعالى انعقد يميناً،و إلّا فلا.

و يمكن إرجاعه إلى سابقه،فيرد عليه ما ورد فيه.

و لا ينعقد الحلف بالطلاق،و العتاق،و الظهار،و لا بالحرم و الكعبة، و لا بالمصحف و نحو ذلك من الأُمور المعظمة،على الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل عليه الإجماع في الانتصار في الثلاثة الأُول (2)،و دلّ عليه الإجماعات المستفيضة المتقدمة فيها،و في الثلاثة الأخيرة.

خلافاً للإسكافي،فجوّز اليمين بها (3).و هو محجوج بما قدمناه من الأدلة سيما الأصل،و النصوص المستفيضة.

مضافاً إلى الصحيح،و غيره في الأوّلين:إنّي حلفت بالطلاق و العتاق و النذور،فقال:«إنّ هذا من خطوات الشيطان» (4).

هذا مع أنّ مخالفته للقوم غير معلومة كما يستفاد من التنقيح؛ حيث قال بعد نقل مذهبه-:فإن أراد بذلك ما يوجب الكفارة بمخالفته فهو باطل؛ لما تقدم.و إن أراد غير ذلك فالظاهر جوازه على كراهية شديدة (5).

و تنعقد لو قال:حلفت بربّ المصحف قطعاً لأنّه حلف به تعالى.

ص:176


1- المختلف:655،التنقيح 3:506.
2- الانتصار:157.
3- نقله عنه في المختلف:649.
4- التهذيب 8:1058/287،الوسائل 23:231 أبواب الأيمان ب 14 ح 4.
5- التنقيح 3:506.

و لو قال:هو يهودي أو نصراني أو حربي أو نحو ذلك إنْ فعل كذا مثلاً أو حلف بالبراءة من اللّه تعالى أو رسوله صلى الله عليه و آله أو الأئمة عليهم السلام لم يكن يميناً لما مضى من عدم انعقاد الحلف بغير اللّه تعالى.و لا خلاف في تحريمه،و مضى الكلام فيه و في سائر ما يتعلق به من أحكام الكفارة في بحثها.

و الاستثناء بالمشيئة للّه تعالى في اليمين بأن يتبعها بقوله:

إن شاء اللّه تعالى،جائز إجماعاً فتوًى و نصّاً مستفيضاً.

و يمنعها الانعقاد إذا اتصلت بها بما جرت العادة و لو انفصلت بتنفس أو سعال أو نحوهما إجماعاً،لو لم يكن متعلقها فعل الواجب أو المندوب،أو ترك الحرام و المكروه،و به صرّح في التنقيح (1)؛ و هو الحجة مضافاً إلى الخبرين:

أحدهما النبوي:«من حلف على يمين فقال:إن شاء اللّه، لم يحنث» (2).

و ثانيهما القوي بالسكوني:«من استثنى في يمين فلا حنث عليه و لا كفارة» (3).

و مطلقاً على الأقوى،وفاقاً لأكثر أصحابنا (4)؛ لإطلاق الخبرين المعتبر أحدهما في نفسه،المنجبرين بفتوى الأكثر بل الكل،سوى النادر،و هو

ص:177


1- التنقيح 3:507.
2- سنن الترمذي 3:1570/43،1571.
3- الكافي 8:5/448،التهذيب 8:1031/282،الوسائل 23:256 أبواب الأيمان ب 28 ح 1.
4- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:188،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:221،و السبزواري في الكفاية:227.

الفاضل في القواعد (1)،حيث قصر الحكم بعدم الانعقاد على المجمع عليه، دون غيره،و هو ما إذا كان المتعلق أحد الأُمور المذكورة،لأنّ غيرها لا يعلم فيه حصول الشرط و هو تعلّق المشيئة به بخلافها،للعلم بحصول الشرط فيها،نظراً إلى الأمر بها وجوباً أو ندباً.

و هو مع كونه اجتهاداً في مقابلة النص غير مسموع محل نظر و تأمّل،وفاقاً للكفاية (2)؛ لمنع العلم بتعلق المشيئة بها على الإطلاق فقد لا يشاؤها في حق هذا الحالف،لعارض لا يعلم به.هذا.

و ربما يظهر من شيخنا في الدروس مخالفة هذا القول للإجماع، حيث نسبه إلى الندور (3).

ثم إنّ إطلاق الخبرين و العبارة و غيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين قصد التعليق بالمشيئة أو التبرك،و به صرّح شيخنا في الروضة (4).خلافاً لسبطه في الشرح (5)،فقال بالفرق،و اختصاص الحكم بعدم الانعقاد بالأوّل،و أوجب في الثاني الرجوع إلى قواعد اللغة؛ نظراً إلى ضعف سند المستند في هذا الحكم.

و يرد عليه ما مرّ من الانجبار بالعمل.

و لو تراخي الاستثناء عن ذلك الحلف من غير عذر من نحو سعال لزمت اليمين و سقط الاستثناء و لغا،بلا خلاف بيننا فتوًى.

و الرواية الآتية المخالفة لذلك شاذّة مؤوّلة أو متروكة جدّاً.

ص:178


1- القواعد 2:130.
2- الكفاية:227.
3- الدروس 2:165.
4- الروضة 3:53.
5- نهاية المرام 2:331.

و هل يعتبر في الاستثناء حيث يعتبر التلفظ به،أم يكفي فيه النية؟ قولان.المشهور كما في التنقيح و غيره،و منهم المبسوط و الحلّي (1)الأوّل؛ أخذاً بالعمومات الدالّة على انعقاد اليمين و ترتّب أحكامها من الحنث و الكفارة عليها،و اقتصاراً فيما خالفها مما دلّ على عدم انعقادها بتعليقها على المشيئة على المتيقن منه بحكم التبادر و غيره،و هو التعليق باللفظ دون النية.

خلافاً للفاضل في المختلف،فاكتفى بالنية (2)؛ لأن المعتبر في الأيمان إنما هو النية و الضمير،فإذا استثناه كذلك لم ينو شمول اليمين لما استثناه، فلا يندرج في الحلف،و نزّل عليه الرواية المشار إليها في المتن بقوله:

و فيه رواية صحيحة ب جواز الاستثناء إلى أربعين يوماً (3) بحملها على ما إذا استثنى بالنية،و أظهره قبل تلك المدة.و هو لا يخلو عن وجه.

لكن يضعف التنزيل بأنّ مثل هذا الاستثناء عند القائل به لا يتقيد بالمدة المزبورة.و كون التقدير بها وارداً للمبالغة محلّ مناقشة؛ لأنّ الاستثناء بها إذا وقفت اليمين دائماً يكون التقييد بالدوام أو بما زاد على الأربعين أبلغ و أولى؛ و لعلّه لهذا لم يجب الماتن عن الرواية هنا و في الشرائع (4)إلّا بقوله: و هي متروكة مخالفة للإجماع،إذ لم نر عاملاً بها.

ص:179


1- التنقيح 3:506،المبسوط 6:200،السرائر 3:41.
2- المختلف:655.
3- الفقيه 3:1081/229،التهذيب 8:1029/281،الوسائل 23:258 أبواب الأيمان ب 29 ح 6.
4- الشرائع 3:170.

الثاني في الحالف

الثاني:في بيان الحالف و اعلم أنّه يعتبر فيه التكليف بالبلوغ و العقل و الاختيار و القصد إلى مدلول اليمين،بلا خلاف في شيء من ذلك،بل على الأخير الإجماع في ظاهر الغنية و الدروس و غيرهما (1)؛ و هو الحجة فيه بعد الآية الكريمة: لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ [1] (2)فإن مقتضى المقابلة أن اللغو من الأيمان ما وقع بغير قصد و نية، مضافاً إلى وقوع التصريح به في بعض المعتبرة الواردة في تفسيرها،و قد مرّ في صدر الكتاب إليه الإشارة (3).

و السند في اعتبار ما عداه بعد عدم الخلاف فيه الظاهر،بل الإجماع المقطوع به حديثا رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ و المجنون حتى يفيق (4)،و رفع عن أُمتي تسعة،و عدّ منها ما استكرهوا عليه (5)،مضافاً إلى الخبرين الآتيين.

وي تفرع على ذلك أنه لو حلف صبي أو مجنون أو بالغ عاقل من غير نيّة كانت يمينهم لغواً و لو كان اللفظ صريحاً نبّه بهذا على خلاف بعض العامة،حيث حكم بانعقاد اليمين بالقسم الصريح،و إن لم يقصد،و أنّه إنّما يتوقف على القصد ما ليس بصريح

ص:180


1- الغنية(الجوامع الفقهية):617،الدروس 2:163؛ و انظر القواعد 2:222.
2- المائدة:89.
3- راجع ص 166،الرقم(1).
4- الخصال:233/175،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
5- الفقيه 1:132/36،الخصال:9/417،الوسائل 8:249 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.

كالكناية (1).

ذكر الماتن في الشرائع قبول قوله في دعوى عدم القصد إلى اليمين و لو من اللفظ الصريح (2).و ارتضاه غيره؛ معلّلاً بأن القصد من الأُمور الباطنة التي لا يطلّع عليها غيره،فوجب الرجوع إليه.و بجريان العادة كثيراً بإجراء ألفاظ اليمين من غير قصد.بخلاف الطلاق و نحوه فإنّه لا يصدّق؛ لتعلق حقّ الآدمي به،و عدم اعتياد عدم القصد فيه،فدعواه عدمه خلاف الظاهر (3).و هو حسن.

و لو فرض اقتران اليمين بما يدل على قصده ففي قبول دعواه و عدمه وجهان:من مخالفته الظاهر،و من عموم العلّة الأُولى.و لعلّ هذا أوجه، إلّا أن يكون المقارن ما يدل على قصده قطعاً.

و لا يمين منعقدة توجب الحنث و الكفارة للسكران و لا المكره و لا الغضبان،إلّا أن يكون لأحدهم قصد إلى اليمين الصادرة عنه فتنعقد معه بلا اشكال فيه،و في العدم مع العدم؛ لما تقدّم،مضافاً إلى صريح الخبرين:«لا يمين في غضب،و لا في قطيعة رحم،و لا في جبر،و لا في إكراه» (4).

و فسر فيهما الجبر بما كان من جهة السلطان،و الإكراه بما كان من الزوجة و الأُمّ و الأب.

و تصحّ اليمين من الكافر مطلقاً،وفاقاً للأكثر و منهم الشيخ في

ص:181


1- بداية المجتهد 1:416.
2- الشرائع 3:170.
3- المسالك 2:190.
4- الكافي 7:16/442 و 17،الوسائل 23:235 أبواب الأيمان ب 16 ح 1،و ذيله.

المبسوط (1)،بل الخلاف أيضاً كما يأتي.قيل:لإطلاق الكتاب و السنة و الصحيحين.

في أحدهما:عن أهل الملل يستحلفون،قال:«لا تحلفوهم إلّا باللّه عزّ و جلّ» (2).

و في الثاني:«لا تحلفوا اليهودي،و لا النصراني،و لا المجوسي إلّا باللّه تعالى» (3).

و في الجميع نظر؛ لعدم إطلاق يشمل مفروض المسألة،لاختصاصه في الكتاب و بعض السنة بمقتضى قاعدة خطاب المشافهة بحاضري مجلسه،و المتيقن منهم المسلمون خاصة،و التعدية إلى غيرهم و منهم الكفار مطلقاً تحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة،إذ ليست إلّا الإجماع، و هو مفقود في محل النزاع.

و أما إطلاقات باقي السنة فغير نافعة أيضاً؛ لورودها لبيان حكم آخر غير حكم المسألة،و لا اعتداد بمثلها فيها كما مرّ غير مرّة.

و أما الصحيحان فليسا من مفروض المسألة،لكونه اليمين على المستقبل الموجب مخالفتها للحنث و الكفارة،و لا كذلك موردهما،لتعلّقه باستحلافهم في مقام الدعوى،و هو غير الحلف الذي قدّمنا.

نعم،يمكن الاستدلال بهما بالفحوى؛ فإنّ انعقاد حلفهم في الدعاوي المتضمّنة للفروج و الأموال يستلزم انعقاده هنا بطريق أولى،هذا.

ص:182


1- المبسوط 6:194.
2- الكافي 7:1/450،التهذيب 8:1016/279،الإستبصار 4:134/40،الوسائل 23:266 أبواب الأيمان ب 32 ح 3.
3- الكافي 7:5/451،التهذيب 8:1014/278،الإستبصار 4:132/39،الوسائل 23:266 أبواب الأيمان ب 32 ح 2.

مع إمكان أن يكون الاستناد إليهما دفعاً لما سيذكر لعدم الانعقاد:من عدم معرفته باللّه تعالى،بناءً على أن صحّة التعليل تقتضي عدم الانعقاد مطلقاً و لو في الدعاوي،و الحال أن الصحيحين قد دلّا على الانعقاد فيها، فدلّا على فساد التعليل جدّاً.

و ذكر الشيخ في الخلاف أنه لا تصحّ (1) لما مضى؛ و للأصل السليم عن المعارض،بناءً على ما قدّمناه من عدم إطلاق أو عموم يدل على الانعقاد هنا؛ و لحديث:«الإسلام يجبّ ما قبله» (2).

و يضعّف الأولان بما مضى.و الثالث بأنّ الجبّ هو قطع ما ثبت وجوبه كالصلاة الواجبة عليهم و نحوها،و هو غير منعه عن الثبوت في حال الكفر،فلعلّ اليمين تنعقد عليهم حال كفرهم،بحيث توجب مخالفتها عليهم الحنث و الكفارة،و إسلامهم بعدُ يجبّ ما وَجَب عليهم قبله بالمخالفة من الكفارة،هذا.

و يضعف الأوّل زائداً على ما مرّ بأنه أخصّ من المدّعى؛ لاختصاصه بمن لا معرفة له باللّه تعالى دون من يعرفه،فلا بُدّ من التفصيل بينهما بالانعقاد في الثاني دون الأوّل،كما في المختلف و التنقيح و المسالك و شرح الكتاب للسيّد،و عليه كثير ممن تبعهما (3).

و هو قوي جدّاً؛ للأصل،و اختصاص الصحيحين المجوزين اللذين هما الأصل في الجواز بالثاني،و ضعف الإطلاقات بما مضى،مع ضعفها

ص:183


1- الخلاف 6:116.
2- عوالي اللئلئ 2:145/54.
3- المختلف:651،التنقيح 3:509،المسالك 2:190،نهاية المرام 2:334،و انظر كشف اللثام 2:222،و الكفاية:227،و مفاتيح الشرائع 2:42.

في الشمول لغير المقرّ بأن مواردها الحلف باللّه،و حلف المنكر له به لا يعدّ حلفاً جدّاً،بل يكون في حلفه به على معتقده لاغياً،هذا.

و يظهر من الخلاف التردد فيما ذكره أولاً،و الرجوع إلى ما عليه الأكثر؛ للعمومات.و فيها ما مرّ من المناقشات.

و كيف كان،يحصل من رجوعه الاتفاق على الجواز في الجملة، و هو حجة أُخرى له مستقلة،إلّا أن المحكي عن الحلّي المخالفة،و المصير إلى القول الثاني (1).و لعلّه لا عبرة به؛ لمعلومية نسبه مع حصول ما يقرب من القطع بالإجماع من اتفاق غيره.

و فائدة الصحة بقاء اليمين لو أسلم في المطلقة أو قبل خروج وقت الموقتة،و في العقاب على متعلّقها لو مات على كفره و لمّا يفعله.

لا في تدارك الكفارة لو سبق الحنث الإسلام؛ لأنّها تسقط عنه به بلا خلاف يظهر إلّا من السيّد في الشرح (2)،فتأمل فيه.و لا وجه له بعد دلالة الخبر المتقدم المعتضد بالعمل.

مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه في المهذب (3)،و فحوى ما دلّ عليه الإجماع من سقوط قضاء نحو الصلاة،فسقوط الكفارة التي هي أدنى منها أولى.

و لا تنعقد انعقاداً تاماً يمين الولد مع الوالد إلّا بإذنه.و لو بادر إليها قبله كان للوالد حلّها إن لم يكن يمينه في فعل واجب أو ترك محرم.و كذا الزوجة مع زوجها و المملوك مع مولاه بلا خلاف في

ص:184


1- السرائر 3:48.
2- نهاية المرام 2:334.
3- المهذّب البارع 4:129.

شيء من ذلك في الجملة،بل عليه الإجماع في الغنية (1)؛ للمعتبرين:

أحدهما الصحيح:«لا يمين لولد مع والده،و لا للمرأة مع زوجها، و لا المملوك مع سيّده» (2).

و مقتضاها كصدر العبارة هنا و في الشرائع (3)عدم الصحة بدون الإذن؛ لأنه أقرب المجازات إلى نفي الماهية حيث يكون إرادته على الحقيقة ممتنعة.

مضافاً إلى شهادة السياق في الصحيح بذلك،حيث زيد فيه:«و لا نذر في معصية،و لا يمين في قطيعة رحم» فإنّ النفي فيهما راجع إلى الصحة إجماعاً،فليكن النفي المتقدم عليهما كذلك أيضاً.

و به أفتى الفاضل في الإرشاد،و شيخنا في المسالك،و جملة من تبعه (4).لذلك،و لأن اليمين إيقاع فلا يقع موقوفاً.

خلافاً لذيل العبارة هنا و في الشرائع و الدروس (5)،فجعلوا اليمين بدونه صحيحة و النهي عنها مانعاً،و نسبه في المسالك و المفاتيح (6)إلى

ص:185


1- الغنية(الجوامع الفقهية):617.
2- الكافي 7:6/440،الفقيه 3:1070/227،التهذيب 8:1050/285،الوسائل 23:217 أبواب الأيمان ب 10 ح 2. و الخبر الآخر:الكافي 7:1/439،التهذيب 8:1049/285،الوسائل 23:216 أبواب الأيمان ب 10 ح 1.
3- الشرائع 3:172.
4- الإرشاد 2:84،المسالك 2:190؛ و انظر كشف اللثام 2:222،و الكفاية:225،و المفاتيح 2:41.
5- الشرائع 3:172،الدروس 2:166،قال فيه:لا إشكال في التوقف على إذن الأب و إن علا.
6- المسالك 2:190،المفاتيح 2:41.

المشهور،و احتجّ له كالتنقيح (1)بالعمومات الدالّة على وجوب الوفاء باليمين.

و يضعف:باختصاصها إجماعاً بالأيمان الصحيحة،و كون اليمين في المسألة منها أوّل الكلام،و دعواه مصادرة.و على تقدير تسليمها نخصّصها بالمعتبرين الظاهرين في نفي الصحة مفهوماً و سياقاً.

و طرحهما و الاقتصار في التخصيص على المتيقن منه بالإجماع،و هو صورة المنع لا عدم الإذن،لا وجه له أصلاً إلّا على تقدير عدم العمل بالأخبار الآحاد،أو عدم تخصيص العمومات القطعية بها،أو قصور الخبرين بضعف ثانيهما،و وجود إبراهيم بن هاشم في سند أوّلهما، و لم يصرّح بتوثيقه بل حسن،و ليس بحجة.

و يضعف الجميع:بحجية الآحاد المعتبرة الإسناد،و جواز تخصيص القطعيات بها،كما برهن في محلّهما،و وثاقة إبراهيم على الرأي الصحيح، مع أنّ الخبر الذي هو حسن به مروي في الفقيه في الصحيح.

و بالجملة فلا ريب في ضعف هذا القول،و إن كان للأكثر.

و نحوه في الضعف استثناء اليمين على فعل الواجب و ترك المحرم كما هنا،و في الشرائع و الإرشاد (2)؛ لإطلاق النص و عدم دليل على إخراج هذا الفرد.و تعيّن الفعل عليه وجوداً و عدماً لا يقتضي ترتّب آثار انعقاد الحلف عليه حتى ترتب الكفارة على الحنث.

و بما ذكرنا صرّح السيّد في شرحه،و صاحب الكفاية (3).و يمكن أن

ص:186


1- التنقيح الرائع 3:510.
2- الشرائع 3:172،الإرشاد 2:85.
3- نهاية المرام 2:335،الكفاية:227.

يوجه كلام الجماعة بما لا ينافي ما ذكرناه بأن يراد من الإحلال جواز الأمر بترك ما حلف على فعله،أو فعل ما حلف على تركه.و نفي جواز الإحلال بهذا المعنى لا ينافي عدم انعقاد اليمين أصلاً.

و ربما يشير إلى إرادة هذا المعنى عبارة الدروس الموافقة للعبارة في الاستثناء،حيث قال في كتاب النذر و العهد:و للزوج حلّ نذر الزوجة فيما عدا فعل الواجب و ترك المحرم حتى في الجزاء عليهما،و كذا السيد لعبده، و الوالد لولده على الظاهر.فتدبر (1).

ثمّ إنّ مقتضى الأصل الدالّ على لزوم الوفاء باليمين،و اختصاص النص و الفتاوى بعدم الصحة و التوقف على الإذن،بالوالد عدم التعدية إلى الوالدة.

و في شمول الحكم للجدّ إشكال:من عدم تبادره من إطلاق الوالد، و من إطلاقه عليه كثيراً،و اشتراكهما في الأحكام غالباً.و الأحوط الأوّل،و إن كان الثاني لعلّه لا يخلو عن قرب.و جزم به شيخنا في الدروس (2).

و أما الزوجة فينبغي القطع باختصاص الحكم فيها بالدائم،دون المتعة؛ لعدم تبادرها منها عند الإطلاق،مضافاً إلى قوة احتمال كون صدقها عليها على سبيل المجاز دون الحقيقة.

الثالث في متعلق اليمين

الثالث:في بيان متعلق اليمين و اعلم أنّه لا يمين إلّا مع العلم بما يحلف عليه من صوم أو صلاة أو صدقة أو نحو ذلك.و تقييد المعلوم بذلك قد صرّح به الفاضل

ص:187


1- الدروس 2:149.
2- الدروس 2:166.

المقداد و السيّد في شرحي الكتاب (1).قال الثاني بعده:و لا يمكن أن يكون المراد به العلم بوقوع ما يحلف عليه؛ لأنّ المستقبل لا يعلم وقوعه.

و لم يذكر الماتن في الشرائع و لا غيره هذا الشرط في هذا الباب، و إنّما يعتبرونه في اليمين المتوجهة إلى المنكر أو المدّعى مع الشاهد، و لا ريب في اعتباره هناك،كما يأتي إن شاء اللّه سبحانه.

و لا يجب ب اليمين الغَموس المتقدم تعريفه كفارة سوى الاستغفار و إن كانت محرمة،بلا خلاف أجده،بل عليه في صريح الخلاف،و ظاهر المسالك إجماع الإمامية (2)؛ للأصل.

و المرسل:«الأيمان ثلاث:يمين ليس فيها كفارة،و يمين فيها كفارة، و يمين غموس توجب النار.فاليمين التي ليست فيها كفارة:الرجل يحلف على باب برّ أن لا يفعله،فكفارته أن يفعله.و اليمين التي تجب فيها الكفارة:الرجل يحلف على باب معصية أن لا يفعله،فيفعله،فيجب عليه الكفارة.و اليمين الغَموس التي توجب النار:الرجل يحلف على حقّ امرئ مسلم على حبس ماله» (3).

و يستفاد منه و من مرسل آخر (4)،و المحكي عن أهل اللغة (5)تعريف الغموس بالأخص مما مرّ عن الأكثر (6).

و تنعقد اليمين لو حلف على فعل واجب أو مندوب أو على

ص:188


1- التنقيح الرائع 3:511،نهاية المرام 2:336.
2- الخلاف 6:115،المسالك 2:191.
3- الكافي 7:1/438،الوسائل 23:214 أبواب الأيمان ب 9 ح 1.
4- عقاب الأعمال:9/271،الوسائل 23:215 أبواب الأيمان ب 9 ح 4.
5- حكاه عنهم في نهاية المرام 2:336.
6- راجع ص 166.

ترك محرم أو مكروه.و لا تنعقد لو حلف على ترك واجب أو مندوب أو فعل محرم أو مكروه بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و به صرّح جماعة،و النصوص به مع ذلك مستفيضة،منها الصحاح المستفيضة.

في أحدها:«كلّ يمين حلف عليها ألّا يفعلها مما له فيه منفعة في الدنيا و الآخرة فلا كفارة عليه،و إنّما الكفارة في أن يحلف الرجل:و اللّه لا أزني،و اللّه لا أشرب الخمر و لا أسرق،و اللّه لا أخون،و أشباه هذه،أو لا أعصي،ثم فعل فعليه الكفارة» (1).

و في الثاني:«ليس كل يمين فيها الكفارة،أمّا ما كان منها مما أوجب اللّه تعالى عليك أن تفعله،فحلفت أن لا تفعله،فليس عليك فيه الكفارة، و أمّا ما لم يكن مما أوجب اللّه تعالى عليك أن لا تفعله،فحلفت أن لا تفعله،فإنّ عليك فيه الكفارة» (2).

و في الثالث و الرابع:عن الرجل يحلف على اليمين،فيرى أنّ تركها أفضل،و إن لم يتركها خشي أن يأثم،أ يتركها؟قال:«أما سمعت قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله:إذا رأيت خيراً من يمينك فدعها» (3).

و في الخبرين:«لا يجوز يمين في تحليل حرام،و لا تحريم حلال، و لا قطيعة رحم» (4).

ص:189


1- الكافي 7:8/447،الوسائل 23:248 أبواب الأيمان ب 23 ح 3.
2- الكافي 7:2/445،التهذيب 8:1076/291،الإستبصار 4:146/42،الوسائل 23:249 أبواب الأيمان ب 24 ح 1.
3- الكافي 7:3/444،5،التهذيب 8:1045/284،الوسائل 23:240،241 أبواب الأيمان ب 18 ح 1،و ذيل حديث 3.
4- الكافي 7:2/439،3،التهذيب 8:1046/285،1047،الوسائل 23:219 أبواب الأيمان ب 11 ح 6،7.

و في الموثق:«لا يمين في معصية» (1).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي لا يبقى معها و مع فتوى الأصحاب بها شبهة و لا ريبة.

إلّا أنّه استشكل في الكفاية فيما لو كان متعلقها راجحاً ديناً و مرجوحاً دنيا أو بالعكس (2)،قال:لتعارض عموم الأخبار.و ظاهر الأصحاب الانعقاد هيهنا.و يشكل،نظراً إلى قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيحة زرارة:«كلّ ما كان لك فيه منفعة في أمر دين أو دنيا فلا حنث عليك» (3).

و موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«كلّ يمين حلفت عليها لك فيها منفعة في أمر دين أو دنيا،فلا شيء عليك فيهما،و إنّما تقع عليك الكفارة فيما حلفت عليه فيما للّه معصية أن لا تفعله ثم تفعله» (4).

و فيما ذكره نظر،بل المصير إلى ما نقله عن الأصحاب مشعراً بدعوى الإجماع عليه أظهر؛ لرجحان العموم الدالّ عليه بعملهم،مع اعتضاده بعمومات الكتاب و السنة بلزوم كل يمين.

و الخبران المستشكل بهما في الحكم غير ظاهري الشمول لمحل الفرض من تعارض الرجحان من جهة و المرجوحية من اخرى،بل ظاهرهما المتبادر منهما عند الإطلاق هو المرجوحية من جهة لا يعارضها رجحان من اخرى،كما لا يخفى،مع أنّ نحو هذا المتعلق يكون كالمباح المتساوي الطرفين،و الحكم فيه الانعقاد عند الأصحاب كما يأتي،و إن

ص:190


1- الكافي 7:7/440،الوسائل 23:220 أبواب الأيمان ب 11 ح 9.
2- الكفاية:227.
3- الكافي 7:8/447،التهذيب 8:1075/291،الوسائل 23:248 أبواب الأيمان ب 23 ح 3؛ بتفاوت.
4- الكافي 7:1/445،الوسائل 23:248 أبواب الأيمان ب 23 ح 2.

تأمل فيه أيضاً،و لكنّه ضعيف جدّاً.

و لو حلف على فعل مباح أو تركه و كان الأولى له مخالفته في دينه أو دنياه،فليأت ما هو خير له،و لا إثم عليه و لا كفارة بلا خلاف،بل عليه الإجماع في كثير من العبارات (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،منها الصحيحان الأخيران من الصحاح المستفيضة،المتقدمة في المسألة السابقة.

و نحوهما أخبار أُخر،و فيها المرسل كالموثق:«من حلف على يمين فرأى ما هو خير منها،فليأت الذي هو خير،و له حسنة» (2).

و في بعضها:«إنما ذلك من خطوات الشيطان» (3).

و يستفاد منها مضافاً إلى الاتفاق في الظاهر المحكي في بعض العبارات أنّ الأولوية متبوعة و لو طرأت بعد اليمين،فلو كان البرّ أولى في الابتداء ثم صارت المخالفة أولى اتّبع و لا كفارة.

و في عود اليمين بعود الأولوية بعد انحلالها وجهان،أجودهما العدم،للأصل.و كذا لو لم تنعقد ابتداءً للمرجوحية،بل عدم العود هنا أولى،و لذا قطع في الروضة به،و تردّد فيه في السابق (4).

و إذا تساوى فعل تعلّقت به اليمين و تركه ديناً و دنيا بحيث لا يترجح أحدهما على الآخر أصلاً وجب العمل بمقتضى اليمين بغير

ص:191


1- انظر الدروس 2:167،و المسالك 2:191،و الروضة 3:54 55.
2- الكافي 7:4/444،الوسائل 23:241 أبواب الأيمان ب 18 ح 4.
3- الكافي 7:1/443،التهذيب 8:1043/284،الوسائل 23:240 أبواب الأيمان ب 18 ح 2.
4- الروضة 3:55 56.

خلاف ظاهر مصرّح به في الدروس و الروضة (1)،بل عليه الإجماع في ظاهر المسالك و صريح الغنية (2).

و به اعترف في الكفاية و خالي العلّامة المجلسي طاب رمسه،لكنهما استشكلا فيه كالمفاتيح (3)،فقال الأوّل:نظراً إلى رواية زرارة (4)،و رواية حمران (5)،و رواية عبد اللّه بن سنان (6)،و رواية أبي الربيع الشامي (7)، و ما رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح قال:«كلّ يمين لا يراد بها وجه اللّه تعالى فليس بشيء،في طلاق و غيره» (8).

و ليس في محلّه؛ للإجماعات المنقولة المعتضدة بإطلاقات الكتاب و السنة بلزوم كلّ يمين،و عدم ظهور الخلاف فيه من معتبري الطائفة عدا الشهيد في اللمعة (9)،لكنه شاذّ.

و لضعف الروايات ما عدا الصحيحة،و معارضتها بمفاهيم الأخبار السابقة الدالة على عدم انعقاد الحلف على المباح إذا كان في المخالفة

ص:192


1- الدروس 2:166،الروضة 3:55.
2- المسالك 2:191،الغنية(الجوامع الفقهية):617.
3- الكفاية:228،ملاذ الأخيار 14:39،المفاتيح 2:38.
4- الكافي 7:5/446،التهذيب 8:1078/291،الإستبصار 4:144/42،الوسائل 23:250 أبواب الأيمان ب 24 ح 3.
5- الكافي 7:3/446،التهذيب 8:1077/291،الإستبصار 4:143/42،الوسائل 23:250 أبواب الأيمان ب 24 ح 2.
6- الكافي 7:2/439،التهذيب 8:1046/285،الوسائل 23:219 أبواب الأيمان ب 11 ح 7.
7- الكافي 7:3/439،التهذيب 8:1047/285،الوسائل 23:219 أبواب الأيمان ب 11 ح 6.
8- التهذيب 8:1062/288،الوسائل 23:231 أبواب الأيمان ب 14 ح 5.
9- اللمعة(الروضة 3):54.

أولوية،و مفهومها الانعقاد مع عدم أولوية المخالفة مطلقاً.

و نحوها عموم الصحاح و غيرها من المعتبرة:«و ما لم يكن عليك واجباً أن تفعله،فحلفت أن لا تفعله،ثم فعلته،فعليك الكفارة» (1).

و هذه الأخبار بالترجيح أولى؛ لوجوه شتّى مضى ذكرها،فليطرح المخالفة لها،أو تؤوّل بتخصيص موردها بما مخالفته أولى و إن كان بعيداً، أو تحمل على النذر،لإطلاق اليمين عليه في كثير من النصوص،كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى (2).و بعض من تلك الروايات و إن لم يقبل هذا الحمل إلّا أن الأمر فيه سهل،لضعفه،فلا عبرة به و لا عناية لنا في تصحيحه.

و تلخَّص مما ذكرنا انعقاد اليمين في كل متعلق إلّا ما يكون مرجوحاً ديناً و دنيا،أو في أحدهما خاصّة من دون رجحان في المقابل له.

و لو حلف لزوجته أن لا يتزوج عليها أو بعدها،دائماً أو منقطعاً أو لا يتسرّى لم تنعقد يمينه للصحيح في الحالف لها بمثل ذلك،قال:

«ليس عليك فيما حلفت عليه شيء» (3) و كذا لو حلفت هي أن لا تتزوّج بعده للصحيح الآخر:عن امرأة حلفت لزوجها بالعتاق و الهدي إن هو مات أن لا تتزوج بعده أبداً،ثم بدا لها أن تتزوج،قال:«تبيع مملوكها،إنّي أخاف عليها الشيطان،و ليس عليها في الحق شيء،فإن شاءت أن تهدي هدياً فعلت» 1فتأمّل.

ص:193


1- الوسائل 23:249 كتاب الأيمان ب 24.
2- في ص 203.
3- الكافي 7:18/442،التهذيب 8:1054/286،الوسائل 23:236 كتاب الأيمان ب 16 ح 2،بتفاوت يسير.

و كذا لو حلفت أن لا تخرج معه للصحيح أيضاً:عن امرأة حلفت بعتق رقبتها أو بالمشي إلى بيت اللّه تعالى أن لا تخرج إلى زوجها أبداً،و هو ببلد غير الأرض التي هي بها،فلم يرسل إليها نفقة،و احتاجت حاجة شديدة و لم تقدر على نفقة،فقال:«فإنّها و إن كانت غَضْبى فإنّها حلفت حيث حلفت و هي تنوي أن لا تخرج إليه طائعةً و هي تستطيع ذلك،و لو علمت أنّ ذلك لا ينبغي لها لم تحلف،فلتخرج من المدينة إلى زوجها، و ليس عليها شيء في يمينها،فإنّ هذا أبرّ» (1).

و لا خلاف في شيء من هذه الثلاثة،و به في الأوّل صرّح في الكفاية (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الصحاح المتقدمة،و أن اليمين على كلّ منها يمين على مرجوح أو معصية.

نعم،لو عرض رجحان للمحلوف عليه ديناً أو دنيا بالأُمور الخارجة كانت اليمين منعقدة.و به صرّح في الخلاف في التسرّي،كما حكاه عنه جماعة و ارتضوه و منهم صاحب الكفاية،إلّا أنّه خصّه بما إذا لم تعارض الرجحان و المرجوحية،و استشكل فيه بناءً على قاعدته السابقة (3)،و قد ظهر لك ما فيها من المناقشة.

و اعلم أنه لا تنعقد اليمين لو قال لغيره:و اللّه أو:أسألك باللّه،أو:أُقسم عليك،أو نحو ذلك لتفعلنّ كذا و تسمّى بيمين المناشدة و لا تلزم أحدهما بلا خلاف ظاهر،بل عليه إجماعنا كما في الشرح للسيد (4)؛ و هو الحجة.

ص:194


1- التهذيب 8:1070/290،الوسائل 23:283 أبواب الأيمان ب 45،ح 2.
2- الكفاية:228.
3- الخلاف 6:187،الكفاية:228.
4- نهاية المرام 2:338.

مضافاً إلى الأصل و عدم ثبوت موجب اللزوم في حقهما:أما المقسم عليه فلأنّه لم يوجد منه لفظ و لا قصد.و أمّا القائل فلأنّ اللفظ ليس صريحاً في القسم؛ لأنّه عقد اليمين لغيره لا لنفسه،و للنصوص.

ففي الصحيح:عن الرجل يقسم على الرجل في الطعام يأكل معه، فلم يأكل،هل عليه في ذلك كفارة؟قال:

«لا» (1).و في الموثق:عن الرجل يقسم على أخيه،قال:«ليس عليه شيء، إنما أراد الكرامة» (2).

و قريب منهما خبر آخر (3).

و أمّا الحسن:«إذا أقسم الرجل على أخيه[فلم (4)]يبرّ قسمه فعلى المقسم كفارة يمين» (5)فشاذّ غير مكافئ لما مرّ،محمول على التقية أو الاستحباب.

و يستحب للمقسم عليه إبرار المقسم؛ للنبوي الآمر بسبع عدّ منها (6).

و الأمر فيه للاستحباب قطعاً؛ للسياق مع قصور السند،و اتفاق الأصحاب.

و كذا لا تنعقد لو حلف لغريمه على الإقامة بالبلد و خشي مع

ص:195


1- التهذيب 8:1057/287،الإستبصار 4:138/40،الوسائل 23:279 أبواب الأيمان ب 42 ح 3.
2- الكافي 7:12/462،التهذيب 8:1089/294،الإستبصار 4:139/41 الوسائل 23:279 أبواب الأيمان ب 42 ح 1.
3- الكافي 7:6/446،التهذيب 8:1079/292،الوسائل 23:279 أبواب الأيمان ب 42 ح 2.
4- في النسخ:فيما،و ما أثبتناه من المصادر.
5- التهذيب 8:1080/292،الإستبصار 4:141/41،الوسائل 23:280 أبواب الأيمان ب 42 ح 4.
6- الخصال:2/340،الوسائل 4:415 أبواب لباس المصلّي ب 30 ح 8.

الإقامة الضرر لفحوى النصوص المتقدمة الدالة على جواز المخالفة لو كان فيها أولوية،فجوازها مع خوف الضرر أولى.

و للخبر:في الرجل عليه دين،فيحلفه غريمه بالأيمان المغلظة أن لا يخرج عن البلد،قال:«لا يخرج حتى يعلمه» قلت:إن أعلمه لم يدعه، قال:«إن كان عليه ضرر أو على عياله فليخرج و لا شيء عليه» (1).

و كذا لا تنعقد لو حلف ليضربنّ عبده ف إنّ العفو أفضل و لا إثم عليه و لا كفارة لذلك.

و للخبر:سافرت مع أبي جعفر عليه السلام إلى مكة،فأمر غلامه بشيء فخالفه إلى غيره،فقال عليه السلام:«و اللّه لأضربنك يا غلام» فلم أره ضربه، فقلت:جعلت فداك إنّك حلفت لتضربن غلامك فلم أرَك ضربته،فقال:

«أ ليس اللّه تعالى يقول: وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [1] » (2). و لو حلف على ممكن في وقت معين فتجدّد العجز فيه انحلّت اليمين و لو حلف عليه مطلقاً أو مقيداً فتجدّد العجز ثم القدرة قبل خروجه، وجب في الوقت الممكن،و لو لم يتجدّد قدرة فكالأوّل.و لا خلاف في شيء من ذلك و لا إشكال.

و لو حلف على تخليص المؤمن أو ماله أو دفع أذيّة عنه أو عن نفسه جاز و لم يأثم و لو كان كاذباً بلا خلاف؛ لحسن الكذب

ص:196


1- الكافي 7:10/462،التهذيب 8:1071/290،الوسائل 23:277 أبواب الأيمان ب 40 ح 1.
2- الكافي 7:4/460،التهذيب 8:1073/290،الوسائل 23:275 أبواب الأيمان ب 38 ح 1،و الآية في سورة البقرة:237.

النافع.و قد يجب إذا انحصر طريق التخلّص فيه،و كذلك الحلف عليه؛ للنصوص المستفيضة.

ففي الصحيح:«ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم في سعة» (1).

و في آخر:عن رجل يخاف على ماله من السلطان،فيحلف لينجو به منه،قال:«لا جناح عليه» و عن رجل يحلف على مال أخيه كما يحلف على ماله؟قال:«نعم» (2).

و في القوي:«احلف كاذباً و نجّ أخاك من القتل» (3).

و إطلاقها كالعبارة يقتضي عدم الفرق في الجواز مع خوف الضرر على النفس أو المال بين الكثير منه و القليل.و هو كذلك إلّا أنه يأتي كراهة الحلف على المال القليل.

و قد ذكر الأصحاب أنه إن أحسن التورية و هي إرادة شيء و إظهار غيره ورّى و النصوص المتقدمة خالية عن ذلك كما ترى،و لذا تنظّر في وجوبه جماعة من أصحابنا (4).و هو في محلّه،و إن كان الأحوط ارتكابها مهما أمكن،فراراً من العمومات الناهية عن اليمين الكاذبة، و التورية و إن لم تخرجها عن الكذب إلّا أنّها قريبة من الصدق،و لذا تنفع

ص:197


1- الكافي 7:15/442،التهذيب 8:1052/286،الوسائل 23:224 أبواب الأيمان ب 12 ح 2.
2- الكافي 7:4/440،التهذيب 8:1048/285،الوسائل 23:224 أبواب الأيمان ب 12 ح 1.
3- التهذيب 8:1111/300،الوسائل 23:225 أبواب الأيمان ب 12 ح 4.
4- منهم:صاحب المدارك في نهاية المرام 2:341،و السبزواري في الكفاية:228.

في المحق دون المبطل.

و من هذا أي جواز الحلف للضرورة لو وُهب له مال و كُتب له ابتياع و قبض ثمن،فنازعه الوارث على تسليم الثمن،فحلف لو طلبه منه و لا إثم عليه و يورّي بما يخرجه عن الكذب لما مرّ.

و لخصوص الصحيح:إنّ أُمي تصدّقت عليّ بنصيب لها في دار، فقلت لها:إن القضاة لا يجيزون هذا،و لكن اكتبيه شراء،فقال:أصنع في ذلك ما بدا لك و كلّ ما ترى أنه يسوغ لك،فوثقت،فأراد بعض الورثة أن يستحلفني أني قد نقدتها الثمن و لم أنقدها شيئاً،فما ترى؟قال:«احلف له» (1).

و كذا لو حلف أنّ مماليكه أحرار،و قصد التخلّص من ظالم لم يأثم و لم يتحرروا؛ لما مرّ.

و الخبر المعتبر بصفوان:مررت بالعاشر،فسألني فقلت:هم أحرار كلّهم،فدخلت المدينة فقدمت على أبي الحسن عليه السلام،فأخبرته بقولي للعاشر،فقال:«ليس عليك شيء» (2).

و في الصحيح:عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق و غير ذلك، فحلف،قال:«لا جناح عليه» (3).

و يكره الحلف على المال القليل و إن كان صادقاً بل يكره

ص:198


1- الفقيه 3:1073/228،التهذيب 8:1056/287،الوسائل 23:281 أبواب الأيمان ب 43 ح 1.
2- الفقيه 3:301/84،التهذيب 8:815/227،الوسائل 23:95 كتاب العتق ب 60 ح 1.
3- الكافي 7:4/440،التهذيب 8:1048/285،الوسائل 23:224 أبواب الأيمان ب 12 ح 1.

الحلف عليه و على سائر الأُمور الدنيوية مطلقاً و إن كان في القليل أشد كراهة.و قد مضى الكلام فيه و تفسير القليل بثلاثين درهماً في صدر الكتاب (1).

مسألتان

اشارة

مسألتان:

الاُولى لو حلف على ترك شرب لبن العنز و أكل لحمها

الاُولى: لو حلف على ترك شرب لبن العنز و أكل لحمها اعتبر في انعقاده رجحان جانب اليمين أو تساوي طرفيها ديناً أو دنيا،و لو كان محتاجاً إلى الأكل لم ينعقد،و لو تجدّدت الحاجة انحلّت.و مثله لو كان الأكل راجحاً كالهدي و الأُضحية.

و حيث انعقدت لا يتعدّى التحريم إلى الأولاد لحماً و لا لبناً،على الأقوى،وفاقاً للحلّي (2)و عامة المتأخرين؛ لعدم تناول اللفظ لها مطلقاً.

لكن روى في التهذيب عن عيسى بن عطية فيمن حلف لا يشرب من لبن عنز له و لا يأكل من لحمها:أنه يحرم عليه لبن أولادها و لحومهم،لأنهم منها (3)و في سند هذه الرواية ضعف من وجوه شتّى،و في متنها مخالفة للقاعدة جدّاً،فلا عمل عليها و إن قال بها الإسكافي و الشيخ في النهاية و بعض من تبعه (4)و قيّدها بعدم الحاجة إلى ترك ما حلف

ص:199


1- راجع ص 168.
2- السرائر 3:46.
3- التهذيب 8:1082/292.و رواه أيضاً في الكافي 7:2/460،الوسائل 23:274 أبواب الأيمان ب 37 ح 1.و عبارة الجميع:«لا تشرب من لبنها،و لا تأكل من لحمها،فإنّها منها».
4- حكاه عن الإسكافي في المختلف:650،النهاية:561،و انظر المهذّب 2:403.

عليه،فقال: إن شرب من لبنها أو لبن ولدها لحاجة لم يكن عليه شيء من حنث أو كفارة.

و هذا التقييد حسن لما مرّ من أن من حلف على شيء فرأى غيره خيراً فليأت به.إلّا أنّ العمل بالرواية ضعيف غايته.

الثانية في رجل أعجبته جارية عمته،فخاف الإثم،فحلف بالأيمان أن لا يمسها أبداً،فورث الجارية

الثانية:روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل أعجبته جارية عمته،فخاف الإثم،فحلف بالأيمان أن لا يمسها أبداً،فورث الجارية،أ عليه جناح أن يطأها؟فقال:«إنّما حلف على الحرام،و لعلّ اللّه رحمه،فورثه إيّاها لما علم من عفّته (1) و في سندها ضعف،إلّا أنه ذكر جماعة من الأصحاب (2)أنه يستقيم المصير إليها؛ إذ الظاهر أن الحلف إنّما وقع على الوطء المحرم لا مطلقاً.

و لو قصد التعميم روعي حال الرجحان و عدمه،و بني على ما مرّ من الأُصول.و الحمد للّه.

ص:200


1- التهذيب 8:1118/301،الوسائل 23:287 أبواب الأيمان ب 49 ح 1.
2- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح 3:516،و ابن فهد في المهذّب البارع 4:130،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:344.

كتاب النذر و العهود

اشارة

كتاب النذر و العهود هو في اللغة:الوعد بخير أو شرّ.و شرعاً على ما في المهذب و الدروس (1)و غيرهما:التزام الكامل المسلم المختار القاصد غير المحجور عليه،بفعل أو ترك،بقول اللّه عزّ و جلّ،ناوياً القربة.

و الأصل في مشروعيّته و لزوم الوفاء بعد إجماع الأُمة المتحقق المستفيض النقل في كلام جماعة (2)الآيات الكريمة.

قال سبحانه وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ [1] (3)وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ [2] (4).و السنّة المطهّرة به مع ذلك مستفيضة.

منها: زيادة على ما يأتي إليه الإشارة النبويّ صلى الله عليه و آله:«من نذر أن يطيع اللّه تعالى فليطعه،و من نذر أن يعصي اللّه تعالى فلا يعصه» (5).

ص:201


1- المهذب البارع 4:133،الدروس 2:149.
2- منهم:الشيخ في الخلاف 6:192،و ابن فهد في المهذب البارع 4:133،و الشهيد الثاني في المسالك 2:204،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:5.
3- الحج:29.
4- النحل:91.
5- عوالي اللئلئ 3:1/448،المستدرك 16:92 أبواب النذر و العهد ب 12 ح 2.

و النظر في هذا الكتاب يقع في أُمور أربعة

الأوّل في الناذر

الأوّل:في الناذر و اعلم أنّه يعتبر فيه التكليف بالبلوغ و العقل و الاختيار و الإسلام،و القصد إلى مدلول الصيغة.

فلا ينعقد نذر الصبيّ و المجنون مطلقاً إلّا في ذوي الأدوار حال إفاقته مع الوثوق بعقله،و لا المكره،و لا غير القاصد كالعابث أو اللاعب بصيغته، و لا الكافر مطلقاً،لتعذّر القربة منه على وجهها و إن استحبّ له الوفاء به لو أسلم،للنبوي المتضمن لقوله صلى الله عليه و آله:«أوف بنذرك» بعد أن سأله عمر:كنت نذرت اعتكاف ليلة في الجاهلية (1).و لضعفه حمل على الاستحباب.

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده إلّا في اعتبار الإسلام،فقد تأمّل فيه السيّد في الشرح،و تبعه في الكفاية (2)،قال بعد نسبة الاعتبار إلى الشهرة و ذكر تعليلهم المتقدم إليه الإشارة-:و فيه منع واضح،فإنّ إرادة التقرب ممكنة من الكافر المقرّ باللّه تعالى.

و لا يخلو عن قوة إن لم يكن انعقد الإجماع على خلافه كما هو الظاهر،إذ لم أر مخالفاً سواهما.و الاحتياط لا يخفى.

و يشترط في صحة نذر المرأة إذن الزوج.و كذا في نذر المملوك إذن المالك،بلا خلاف في الأخير (3)؛ لعموم أدلة الحجر عليه

ص:202


1- سنن أبي داود 3:3325/242.
2- نهاية المرام 2:347،الكفاية:228.
3- في«ح» و«ر» زيادة:بل عليه الإجماع في صريح المدارك مضافاً إلى عموم..انظر المدارك 7:94.

من الكتاب و السنة،مضافاً إلى ما يأتي.

و المرويّ في الوسائل عن قرب الإسناد:«إنّ علياً عليه السلام كان يقول:

ليس على المملوك نذر إلّا أن يأذن له سيّده» (1).

و تردّد فيه في الكفاية (2).و لا وجه له.

و على المشهور بين الأصحاب سيّما المتأخرين كما قيل (3)في الأوّل؛ استناداً إلى خصوص الصحيح:«ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق،و لا صدقة،و لا تدبير،و لا هبة،و لا نذر في مالها،إلّا أن يأذن زوجها،إلّا في حجّ،أو زكاة،أو برّ والديها،أو صلة رحمها» (4).فتأمل.

مضافاً إلى المعتبرين المتقدّمين في اليمين (5)،بناءً على شيوع إطلاقها على النذر في النصوص المستفيضة:

منها:ما وقع الإطلاق فيه في كلام الأئمّة عليهم السلام كالمعتبرين، أحدهما:الموثق بعثمان عن سماعة:«لا يمين في معصية،إنّما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل للّه عليه في الشكر،إن هو عافاه من مرضه،أو عافاه من أمر يخافه،أو ردّ عليه ماله،أو ردّه من سفره أو رزقه رزقاً،قال:للّه عليَّ كذا و كذا شكراً،فهذا الواجب على صاحبه أن يفي به» (6).

ص:203


1- قرب الإسناد:376/109،الوسائل 23:316 أبواب النذر و العهد ب 15 ح 2.
2- الكفاية:228.
3- المسالك 2:204.
4- الفقيه 3:1315/277،التهذيب 7:1851/462،الوسائل 23:315 أبواب النذر و العهد ب 15 ح 1.
5- راجع ص 184.
6- التهذيب 8:1154/311،الإستبصار 4:158/46،الوسائل 23:318 أبواب النذر و العهد ب 17 ح 4.

و الثاني:الخبر و ليس في سنده سوى السندي بن محمد و فيه:

جعلت على نفسي مشياً إلى بيت اللّه تعالى،فقال:«كفِّر عن يمينك،فإنّما جعلت على نفسك يميناً،فما جعلته للّه تعالى ففِ به» (1).

و منها:ما وقع الإطلاق فيه في كلام الرواة مع تقرير الأئمّة عليهم السلام لهم عليه،و هو مستفيض.

منها:الخبر:إنّ لي جارية ليس لها منّي مكان و هي تحتمل الثمن، إلّا أنّي كنت حلفت فيها بيمين،فقلت:للّه عليّ أن لا أبيعها أبداً،و لي إلى ثمنها حاجة مع تخفيف المئونة،فقال:« فِ للّه تعالى بقولك» (2).

و نحوه آخر (3).

و في الثالث:عن الرجل يحلف بالنذر،و نيّته في يمينه التي حلف عليها درهم أو أقلّ،قال:«إذا لم يجعله للّه فليس بشيء» (4).

و في الرابع:إنّي كنت أتزوّج المتعة،فكرهتها و تشأمت بها،فأعطيت اللّه تعالى عهداً بين الركن و المقام و جعلت عليّ في ذلك نذراً أو صياماً أن لا أتزوّجها،ثمّ إن ذلك شقّ عليّ و ندمت على يميني و لم يكن بيدي من القوّة ما أتزوّج به في العلانية،فقال:«عاهدت اللّه أن لا تطيعه؟!و اللّه لئن

ص:204


1- الكافي 7:18/458،التهذيب 8:1140/307،الإستبصار 4:191/55،الوسائل 23:308 أبواب النذر و العهد ب 8 ح 4.
2- التهذيب 8:1149/310،الإستبصار 4:157/46،الوسائل 23:320 أبواب النذر و العهد ب 17 ح 11.
3- التهذيب 8:1116/301،الإستبصار 4:148/43،الوسائل 23:241 أبواب الأيمان ب 18 ح 5.
4- الكافي 7:22/458،التهذيب 8:1142/307،الوسائل 23:294 أبواب النذر و العهد ب 1 ح 4.

لم تطعه لتعصينّه» (1).

هذا،مضافاً إلى النصوص المتقدمة في اليمين الدالّة على اشتراطها بالقربة (2)،و منها الصحيحان (3).

و لا يمكن حمل اليمين فيها على ما قابل النذر؛ للإجماع ظاهراً و محكياً كما مضى على عدم اشتراطه بالقربة،فتكون محمولاً على النذر المشروط بها اتّفاقاً فتوًى و روايةً،كما سيأتي إليه الإشارة،جمعاً بين الأدلّة.

و حيث ثبت إطلاق اليمين على النذر فإمّا أن يكون على سبيل الحقيقة،أو المجاز و الاستعارة.و على التقديرين فدلالة المعتبرين على المقصود واضحة؛ لكون النذر على الأوّل من جملة أفراد الحقيقة المنفية، و على الثاني مشاركاً لها في أحكامها الشرعية،و منها انتفاؤها عند عدم إذن الثلاثة.

هذا،مضافاً إلى التأيّد بالاستقراء و التتّبع التامّ الكاشف عن اشتراك النذر و اليمين في كثير من الأحكام،و لذا يقال:إنّه نفسها في المعنى.

و بالجملة:بملاحظة جميع ما ذكرنا يظهر الظنّ المعتمد عليه بصحة ما عليه الأكثر.

و يستفاد منه مشاركة الولد للزوجة و المملوك في توقف نذره على

ص:205


1- الكافي 5:7/450،التهذيب 7:1083/251،الإستبصار 3:510/142،الوسائل 21:16 أبواب المتعة ب 3 ح 1.
2- راجع ص 191.
3- الكافي 7:12/441،13،التهذيب 8:1160/312،الإستبصار 4:160/47،الوسائل 23:230 أبواب الأيمان ب 14 ح 1،2.

إذن والده،كما صرّح به العلامة في جملة من كتبه (1)،و الشهيد في الدروس (2).فلا وجه لاقتصار العبارة و نحوها من عبائر الجماعة على ذكر الأوّلين خاصة.

كما لا وجه لاقتصار السيد في شرح الكتاب على المملوك (3)؛ لتطرّق القدح إلى ما زعمه من انحصار ما دلّ على إطلاق النذر على اليمين في بعض ما مرّ من الأخبار،و ضعفه،و قصور دلالته بأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة بعدم الحصر،لاستفاضة النصّ كما مرّ،و فيه ما هو معتبر السند بالصحّة و الموثّقية،مع احتمال الضعيف منها الانجبار بالشهرة التي اعترف بها،و أنّ مبنى الاستدلال ليس دعوى ثبوت كون الإطلاق بعنوان الحقيقة خاصّةً ليرد ما ذكره،بل إمّا هي على القول بها،أو ما قدّمنا إليه الإشارة من كونه مجازاً أو استعارةً يقتضي الشركة مع الحقيقة فيما ثبت لها من الأحكام الشرعية،و منها عدم الصحة عند عدم إذن أحد من الثلاثة.

فلو بادر أحدهما و كذا الولد بإيقاع النذر من دون إذن كان للزوج و المالك و الوالد فسخه و إبطاله ما لم يكن على فعل واجب أو ترك محرّم و الكلام على ما يستفاد من هذه العبارة من بطلان النذر لا مانعية النهي عنه مطلقاً حتى في فعل الواجب و ترك المحرّم و فروعات المسألة كما مرّ في اليمين،لاتّحاد المأخذ (4).

ص:206


1- كالإرشاد 2:90 و حكاه عن التلخيص للعلّامة في كشف اللثام 2:232.
2- الدروس 2:149.
3- نهاية المرام 2:348.
4- راجع ص 183.

و لا ينعقد النذر في سكر يرفع القصد إلى المدلول و لا في غضب كذلك أي رافع للقصد؛ لما مرّ من اعتباره،و للخبر المعتبر المنجبر قصور سنده باشتراك راويه برواية صفوان بن يحيى عنه.

و فيه:جعلت فداك،إنّي جعلت للّه عليّ أن لا أقبل من بني عمي إلى أن قال: فقال:«إن كنت جعلت ذلك شكراً فَفِ به،و إن كنت إنّما قلت ذلك من غضب فلا شيء عليك» (1).

الثاني في الصيغة

الثاني:في الصيغة و هي قد تكون برّاً،و هو إمّا أن يكون شكراً على حدوث النعمة كقوله:إن رزقت ولداً فلله عليّ كذا،أو استدفاعاً للبلية كقوله:

إن أبرأ اللّه تعالى المريض فللّه تعالى عليّ كذا و يسمّى هذا [هذان] نذر [نذرا] مجازاة.

و قد تكون [يكون] زجراً،كقوله:إن فعلت كذا من المحرّمات،أو إن لم أفعل كذا من الطاعات،فلله عليّ كذا.أو تبرّعاً كقوله:للّه عليّ كذا من دون تعليق على شرط،و هذا من أقسام نذر البرّ أيضاً.

و لا ريب و لا خلاف بين العلماء كافةً بل ادّعى إجماعهم جماعة (2) في انعقاده و لزوم الوفاء به مع التعليق على الشرط و استجماعه الشرائط المعتبرة،و عمومات الكتاب و السنّة و خصوصاتها على ذلك متفقة.

و إنّما الريبة في انعقاد التبرّع ففيه قولان بين الطائفة

ص:207


1- التهذيب 8:1178/316،الإستبصار 4:162/47،الوسائل 23:324 أبواب النذر و العهد ب 23 ح 1.
2- منهم:السيد المرتضى في الانتصار:163،و قال المجلسي في ملاذ الأخيار 14:83،و السبزواري في الكفاية:228:لا أعرف خلافاً.

كالعامّة أشبههما و أشهرهما بيننا سيّما المتأخرين،بل عن الخلاف الإجماع عليه (1): الانعقاد عكس هؤلاء المردة؛ للإجماع المزبور، المعتضد بالشهرة العظيمة و إطلاقات الكتاب و السنة،بناءً على أنّ النذر المذكور فيهما حقيقة في الأعمّ من المتبرّع و غيره إمّا مطلقاً أو في العرف خاصةً،لوجود خواصّها فيه أيضاً بلا شبهة،فيرجع إليه مطلقاً و لو خالفته اللغة،لرحجانه عليها حيث حصل بينهما معارضة،كما حقّق في محله،مع أنّ مخالفتها له في المسألة محلّ مناقشة،كما سيأتي إليه الإشارة.

هذا،مع أنّ النصوص الدالّة على أحكام النذر غير مرتّبة كلّها لها على لفظه،بل جملة منها رتّبها على صيغة«للّه عليّ» و نحوها من دون ذكر للفظ النذر بالمرّة.

ففي الصحيح:«من جعل للّه عليه أن لا يركب محرّماً سمّاه فركب، فليعتق رقبةً،أو ليصم شهرين،أو ليطعم ستّين مسكيناً» (2).

و نحوه الخبر في العهد:«من جعل عليه عهداً للّه تعالى و ميثاقه في أمر للّه[فيه]طاعة فحنث،فعليه عتق أو صيام» (3)الحديث.

و في الصحيح:«إن قلت:للّه عليّ،فكفارة يمين» (4).

ص:208


1- الخلاف 6:192.
2- التهذيب 8:1165/314،الإستبصار 4:188/54،الوسائل 23:322 أبواب النذر و العهد ب 19 ح 1؛ بتفاوت يسير.
3- التهذيب 8:1170/315،الإستبصار 4:187/54،الوسائل 23:326 أبواب النذر و العهد ب 25 ح 2.
4- الكافي 7:9/456،الفقيه 3:1087/230،التهذيب 8:1136/306،الإستبصار 4:193/55،الوسائل 22:392 أبواب الكفارات ب 23 ح 1 و ج 23:297 أبواب النذر و العهد ب 2 ح 5.

و فيه:«فما جعلته للّه تعالى فَفِ به» (1).

و فيه:«ليس من شيء هو للّه طاعة يجعله الرجل عليه،إلّا ينبغي له أن يفي» (2)الحديث.

و في الموثق:رجل جعل على نفسه للّه عتق رقبة،فأعتق أشلّ إلى أن قال: قال:«فعليه ما اشترط و سمّى» (3).

و نحوها الخبران المتقدّمان في نذر عدم بيع الجارية (4).

و هذه النصوص و إن احتملت التقييد بصورة التعليق إلّا أنّه فرع وجود الدليل و ليس،كما يأتي.

و دعوى ورودها مورد الغالب و هو المعلّق دون المطلق مردودة، كدعوى ورودها لبيان حكم آخر غير الصيغة؛ فإنّ الدعويان لا تجريان إلّا في نحو المطلقات،و ليس منها الأخبار المزبورة،فإنّها ما بين عامّة لغةً و عامة بترك الاستفصال،لإفادته إيّاه على الأشهر الأقوى،هذا.

و يعضده ما مرّ من النصوص المطلقة لليمين على النذر،المقتضية لذلك اشتراكه معها في الأحكام،و منها لزومها مطلقاً،فليكن النذر كذلك أيضاً.و لو لا تخيّل كون هذا الحكم من الأفراد النادرة غير المنساقة إلى الذهن عند إطلاق أحكام اليمين،لكانت هذه النصوص حجة أُخرى مستقلّة في المسألة،كما كانت كذلك في المسألة السابقة،مع أنّ الظاهر فساد

ص:209


1- الكافي 7:18/458،التهذيب 8:1140/307،الإستبصار 4:191/55،الوسائل 22:392 أبواب الكفارات ب 23 ح 3.
2- التهذيب 8:1159/312،الوسائل 23:318 أبواب النذر و العهد ب 17 ح 6.
3- الكافي 7:16/463،التهذيب 8:1145/308،الوسائل 23:45 كتاب العتق ب 23 ح 3.
4- في ص 203.

التخيّل،فأخذها حجةً أولى من جعلها معاضدة.

فإذاً هذا القول في غاية القوة.

خلافاً للمرتضى و ابن زهرة (1)،فأبطلاه؛ للأصل.و يندفع بما مرّ.

و الإجماع.و يعارض بالمثل الذي هو أرجح بالشهرة،مع ظهور وهنه بعدم وجود مفتٍ بما ذكره سوى ابن زهرة،فكيف يكون دعوى مثل هذا الإجماع مسموعة؟! و ما نقل عن ثعلب من أنّ النذر عند العرب وعد بشرط (2)،و الشرع نزل بلسانهم و الأول عدم النقل.و يعارض بما نقل عنهم من أنّه وعد بغير شرط أيضاً.و لو سلّم فقد المعارض من اللغة و اتّفاق أهلها على ما ذكره، يعارض بالعرف المتقدّم عليها،كما مرّ إليه الإشارة.

نعم،ربّما يستأنس له ببعض المعتبرة كالصحيح:«إذا قال الرجل:

عليّ المشي إلى بيت اللّه تعالى و هو محرم بحجّة،أو عليّ هدي كذا و كذا، فليس بشيء حتى يقول:للّه عليّ المشي إلى بيته،أو يقول:للّه عليّ هدي كذا و كذا إن لم أفعله كذا و كذا» (3).

و الموثق:عن رجل جعل عليه أيماناً أن يمشي إلى الكعبة،أو صدقة،أو نذراً،أو هدياً إن كلّم هو أباه،أو أخاه،أو ذا رحم،أو قطع قرابة،أو مأثماً يقيم عليه،أو أمرا لا يصلح له فعله،فقال:«لا يمين في معصية،إنّما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل للّه عليه

ص:210


1- المرتضى في الانتصار:163،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):617.
2- نقله عنه في الخلاف 6:191.
3- الكافي 7:1/454،التهذيب 8:1124/303،الوسائل 23:293.أبواب النذر و العهد ب 1 ح 1.

في الشكر،إن هو عافاه اللّه تعالى في مرضه،أو عافاه من أمر يخافه،أو ردّ عليه ماله،أو ردّه من سفره،أو رزقه رزقاً قال:للّه عليّ كذا و كذا شكراً،فهذا الواجب على صاحبه ينبغي له أن يفي به» (1).

و يمكن الذبّ عنهما بأنّ المقصود منهما بيان لزوم ذكر اللّه تعالى في النذر و عدم تعلّقه بالمحرّم،لا لزوم التعليق كما يتوهم،فلا عبرة بمفهومهما،و إن هما حينئذ إلّا كالمطلق المنساق لبيان حكم آخر غير محلّ الفرض.

هذا مع احتمال ورود التعليق فيهما مورد الغالب،فإنّ الغالب في النذر ذلك لا المطلق.مضافاً إلى ما يقال في الصحيح من أنّ الظاهر أنّ الشرط فيه متعلّق بالجملة الثانية خاصة (2)،و عليه فليس أيضاً له على ما ذكر دلالة،بل فيه على القول المختار شهادة و أي شهادة.

و بالجملة:فهذا القول ضعيف غايته،كالتوقف الظاهر من الفاضل في الإرشاد،و الشهيد في الدروس،و السيد في الشرح،و صاحب الكفاية (3)، لكنّهما قرّبا الأوّل.

و يشترط في صحّته النطق بلفظ الجلالة و القصد إلى معناه المعبّر عنه عندهم بالقربة فلو قال:عليّ كذا من غير أن يقصد القربة لم يلزم بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في كلام جماعة (4)؛ و هو

ص:211


1- التهذيب 8:1154/311،الإستبصار 4:158/46،الوسائل 23:318 أبواب النذر و العهد ب 17 ح 4.
2- نهاية المرام 2:349.
3- الإرشاد 2:96،الدروس 2:149،نهاية المرام 2:49،الكفاية:229.
4- منهم الشهيد في الروضة 3:39 و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:232 و قال الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:30 و السبزواري في الكفاية 229:بلا خلاف.

الحجّة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة.

منها زيادة على المعتبرين المتقدّمين حجّةً للسيّد في المسألة السابقة القريب من الصحيح:«ليس النذر بشيء حتى يسمّى شيئاً للّه» (1).

و نحوهما الخبر المنجبر ضعف راويه بدعوى الشيخ الإجماع على العمل بروايته (2)،و فيه:«ليس بشيء حتى يسمّي النذر،فيقول:عليّ صوم للّه» الخبر (3).

و مقتضى العبارة كالمحكي عن الأكثر في الشرح للسيد و الكفاية (4)اعتبار خصوص لفظ الجلالة،و نسباه إلى مقتضى النصوص المزبورة.

و فيه مناقشة:فإنّ المراد من اللّه فيها بحكم سياقها و التأمّل الصادق فيها،إنّما هو ذاته المقدسة لا خصوص هذه اللفظة،و لعلّه لذا إنّ شيخنا في الدروس اكتفى بأحد أسمائه الخاصة (5).و هو في غاية القوة،كاحتمال انعقاد النذر بإبدال لفظ الجلالة بمرادفه من الألفاظ الغير العربية،و إن استشكلاه في الكتابين المتقدم إلى ذكرهما الإشارة،إلّا أنّ ظاهر الانتصار اعتبار خصوص اللفظة مدّعياً عليه إجماع الإمامية (6).

ثم إنّ المستفاد من النصوص أنّه يكفي في القربة ذكر لفظ الجلالة مع

ص:212


1- الكافي 7:2/455،التهذيب 8:1125/303،الوسائل 23:293.أبواب النذر و العهد ب 1 ح 2.
2- عدّة الأُصول 1:381.
3- الكافي 7:3/455،التهذيب 8:1126/303،الوسائل 23:294 أبواب النذر و العهد ب 1 ح 3.
4- نهاية المرام 2:350،الكفاية:229.
5- الدروس 2:149.
6- الانتصار:161.

النيّة من غير اشتراط جعل القربة غايةً بعد الصيغة،فلا يحتاج بعدها إلى قوله:قربة إلى اللّه،و نحوه.و به صرّح الشهيدان و غيرهما (1).خلافاً لنادر (2)،فاشترطه.و وجهه مع ندرته غير واضح.

و لو اعتقد أنّه إن كان كذا فللّه تعالى عليّ كذا،و لم يتلفّظ بالجلالة بل نواه في ضميره خاصة ف في انعقاده قولان،أشبههما و أشهرهما بين المتأخرين وفاقاً للإسكافي و الحلّي (3) أنّه لا ينعقد للأصل،و أنّه في الأصل وعد بشرط أو بدونه،و الوعد لفظيّ و الأصل عدم النقل،مضافاً إلى أنّه المتبادر من النذر في العرف.

و على تقدير التنزّل و تسليم عدم ثبوت اعتبار اللفظ فيه نقول:لا أقلّ من الشك في كونه بمجرد النية نذراً حقيقياً أُمرنا بالوفاء به شرعاً،و معه لا يمكن الخروج من الأصل القطعي السليم بحسب الظاهر عمّا يصلح للمعارضة،كما سيأتي إليه الإشارة،سيّما مع اعتضاده بظواهر النصوص المتقدّمة الدالّة على اعتبار التلفظ بالجلالة.و إنّما لم نتخذها حجّةً لاحتمال كون المراد بها اشتراط قصد القربة خاصةً لا اشتراط الصيغة،و يظهر ذلك من سياقها بلا شبهة.و إنّما ذكر التلفّظ و التسميّة تبعاً للنذور الغالبة حيث إنّها ملفوظة لا منويّة.

و لعلّه لهذا لم يستدلّ بها شيخنا في الروضة مع أنّه استدلّ بها في المسالك (4)،و تبعه عليه من بعده جماعة،منهم سبطه في الشرح و صاحب

ص:213


1- الشهيد الأوّل في الدروس 2:150،الشهيد الثاني في المسالك 2:205؛ و الروضة 3:40 و انظر الكفاية:229.
2- حكاه في المسالك 2:205 عن بعض.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:660،الحلي في السرائر 3:58.
4- الروضة 3:44،المسالك 2:205.

الكفاية (1).

و القول الآخر للشيخين و القاضي و ابن حمزة (2).

و استدلّ لهم في الروضة بالأصل (3)،و لا أصل له.و بعموم الأدلّة، و هو فرع صدق النذر على المتنازع بعنوان الحقيقة،و قد ظهر لك ما فيه من المناقشة.

و بقوله صلى الله عليه و آله:«إنّما الأعمال بالنيّات،و إنّما لكل امرئ ما نوى» (4)و إنّما للحصر،و الباء للسببيّة،فدلّ على حصر السبيبة فيها.

و هو فرع كون المسبّب هو وجوب الأعمال بها لا صحّتها أو كمالها، و لم يثبت،بل الظاهر العكس،كما يستفاد من استدلال العلماء على احتياج الأعمال صحّةً أو كمالاً إلى النيّة بالقول المزبور،و لم يستدلّ أحد به لوجوبها بها.

و لذا إنّ بعض من وافق على هذا القول ردّ هذا الدليل فقال بعد التنظر فيه-:إذ لا كلام في اعتبار النيّة،و إنّما الكلام في الاكتفاء بها (5).

و بأنّ اللفظ في العقود إنّما اعتبر ليكون دالّا على الإعلام بما في الضمير،و العقد هنا مع اللّه تعالى العالم بالسرائر (6).

ص:214


1- نهاية المرام 2:350،الكفاية:229.
2- المفيد في المقنعة:563،الطوسي في النهاية:562،القاضي في المهذّب 2:409،ابن حمزة في الوسيلة:350.
3- الروضة 3:44.
4- عوالي اللئالئ 1:2/380،و وردت في الوسائل 1:48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 7،10 بتفاوت يسير.
5- المفاتيح 2:30.
6- انظر الروضة 3:45.

و هو حسن إن وجد ما يدلّ على لزوم الوفاء بمطلق العقد بحيث يشمل مثل هذا و ليس،إذ ليس هنا سوى ما يدلّ على لزوم الوفاء بالنذر، و المتيقّن منه كما عرفت ليس إلّا النذر الملفوظ لا المنويّ،فاعتبار اللفظ ليس للإعلام بما في الضمير،بل لقصر الحكم المخالف للأصل على المتيقّن عن الدليل.

و بالجملة،فهذا القول ضعيف،كالتوقّف الظاهر من المختلف و المهذّب و الدروس و الروضة (1) و إن كان الإتيان به أفضل حذراً عن شبهة الخلاف،و التفاتاً إلى أنّ المنذور لا بدّ أن يكون طاعةً كما سيجيء بيانه قريباً،و فعلها حسن مطلقاً.

و صيغة العهد ان يقول:عاهدت اللّه تعالى أنّه متى كان كذا فعليّ كذا و مقتضى هذه العبارة كعبارته في الشرائع- (2)عدم وقوعه إلّا مشروطاً.

و الأقوى وقوعه مطلقاً أيضاً،وفاقاً للمحكيّ عن الفاضل في جملة من كتبه (3)(4)؛ لإطلاق الكتاب و السنّة بلزوم الوفاء به،بناءً على صدقه على المتبرّع به حقيقةً عرفاً و لغةً.

قال سبحانه أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [1] (5)و قال تعالى وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ [2] الآية (6).

ص:215


1- المختلف:660،المهذّب البارع 4:136،الدروس 2:150،الروضة 3:45.
2- الشرائع 3:193.
3- كالقواعد 2:144.
4- في«ح» و«ر» زيادة:و الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه الإجماع(الخلاف 6:192).
5- البقرة:40.
6- الرعد:25.

و في الخبر:عن رجل عاهد اللّه تعالى في غير معصية،[ما عليه]إن لم يف بعهده؟قال:«يعتق رقبة،أو يتصدّق بصدقة،أو يصوم شهرين متتابعين» (1).

و في آخر:«من جعل عليه عهداً للّه تعالى و ميثاقه في أمر للّه طاعة فحنث،فعليه عتق رقبة،أو صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكيناً» (2).

و ينعقد نطقاً إجماعاً و في انعقاده اعتقاداً قولان:أشبههما و أشهرهما أنه لا ينعقد كالنذر.و الخلاف هنا كالخلاف فيه،و المختار المختار،و الدليل الدليل.

و يشترط فيه القصد إلى المدلول كالنذر لاتحاد الدليل.

الثالث في متعلق النذر

الثالث:في متعلق النذر أي الملتزم بصيغته.

و ضابطه مطلقاً،مشروطاً كان أم تبرعاً ما كان طاعة للّه تعالى مأموراً بها وجوباً أو استحباباً.فلا ينعقد نذر المحرّم و المكروه مطلقاً إجماعاً،كما في الروضة (3)؛ لقولهم عليهم السلام:«لا نذر في معصية» (4).

و كذا المباح مطلقاً تساوى طرفاه أم ترجّح ديناً أو دنياً،في ظاهر إطلاق العبارة هنا،و في الشرائع و الإرشاد و غيرهما من كتب الأصحاب (5).

ص:216


1- التهذيب 8:1148/309،الإستبصار 4:189/55،الوسائل 22:395 أبواب الكفارات ب 24 ح 1.
2- التهذيب 8:1170/315،الإستبصار 4:187/54،الوسائل 22:395 أبواب الكفارات ب 24 ح 2.
3- في«ح» و«ر» زيادة:الانتصار.انظر الروضة 3:42،و الانتصار:162.
4- الوسائل 23:317 أبواب النذر و العهد ب 17.
5- الشرائع 3:186،الإرشاد 2:91؛ و انظر المفاتيح 2:6.

و في المسالك عزاه إلى المشهور (1).بل في ظاهر المختلف في مسألة نذر صوم أوّل يوم من رمضان الإجماع عليه،حيث قال بعد اختيار جوازه ردّاً على المبسوط و الحلّي-:للإجماع منّا على أنّ النذر إنّما ينعقد إذا كان طاعةً بأن يكون واجباً أو مندوباً،إلى آخر ما ذكره (2).

و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص المتقدّمة الدالة على اشتراط القربة، و لا تحصل إلّا فيما إذا كان متعلّق النذر طاعة.

خلافاً للدروس،فحكم بانعقاده مطلقاً إذا لم يكن مرجوحاً (3)؛ للخبرين المتقدّمين (4):في الجارية حلف فيها بيمين فقال:للّه عليّ أن لا أبيعها،فقال:«فِ للّه بقولك» .و فيهما قصور من حيث السند،فلا عمل عليهما سيّما في مقابلة تلك النصوص المعتبرة المعتضدة بالشهرة.

مع احتمالهما الضعف في الدلالة؛ لعدم الصراحة باحتمال اختصاصهما بصورة رجحان ترك بيع الجارية بحيث يحصل معه نية القربة.

و ترك الاستفصال في الجواب و إن كان يأباه إلّا أنّه لا يوجب الصراحة،بل غايته الظهور في العموم،و هو يقبل التخصيص بتلك الصورة،جمعاً بينهما و بين ما مرّ من المستفيضة.

و لا مسرح عن هذا الجمع و لا مندوحة؛ لاستلزام تركه و العمل بهما طرح تلك المستفيضة مع ما هي عليه من الاعتبار سنداً،و عملاً،

ص:217


1- المسالك 2:205.
2- المختلف:663.
3- الدروس 2:150.
4- في ص 203.

و الاستفاضة،و الاعتضاد بالشهرة جدّاً،و الصراحة التي معها لا يمكن حملها على ما يجتمع معهما.

هذا،مع أنّهما تضمّنا لزوم الوفاء بالنذر مع رجحان تركه للحاجة.

و هو مناف لما ذكره جماعة (1)من جواز المخالفة في هذه الصورة،بل في المختلف في مسألة موردهما عن الحلّي:أنّه نفى الخلاف فيه بين أصحابنا،و به ردّ على القاضي و النهاية في عملهما بمضمون الروايتين المتقدّم إلى ذكرهما الإشارة (2).

و لا ريب فيما ذكره؛ للإجماع المحكي في كلامه،مضافاً إلى بعض المعتبرة الواردة في النذر:«كلّ ما كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا، فلا حنث عليك فيه» (3).

و يعضده ما ورد بنحوه في اليمين،بناءً على اشتراك النذر معها غالباً، و اقتضاء إطلاقها عليه اشتراكهما في الأحكام كما مضى.

و للّمعة،ففصّل بين المشروط فالأوّل،و التبرّع فالثاني مع تخصيص المباح بالراجح ديناً أو دنيا (4).

و لا وجه له و إن نسبه في شرحها إلى المشهور.

و لا يذهب عليك ما بين نسبة هذا إليهم في هذا الكتاب،و نسبة

ص:218


1- منهم:الحلّي في السرائر 3:63،و المحقق في الشرائع 3:190،و الشهيد الثاني في المسالك 2:212،و السبزواري في الكفاية:230.
2- المختلف:660.
3- الكافي 7:14/462،التهذيب 8:1157/312،الإستبصار 4:154/45،الوسائل 23:317 أبواب النذر و العهد ب 17 ح 1.
4- اللمعة(الروضة البهية 3):42.

القول الأوّل إليهم في الكتاب الأوّل من التنافي (1).و وافقه في النسبة الثانية خالي العلّامة المجلسي طاب رمسه (2).و لم يظهر للعبد وجه صحّةٍ لها،بل الذي يظهر من تتبّع كلمات القوم هو صحّة النسبة الاُولى.

و هنا قول رابع حكاه جماعة (3)،و هو كالثالث إلّا أنّه أطلق فيه جواز نذر المباح في الشقّ الثاني و قال بصحّته مطلقاً و لو كان متساوي الطرفين.

و لم أقف على قائله،مع أنّه ضعيف كسابقه.

نعم،يمكن اختيار الصحّة في المباح الراجح ديناً إذا كان راجعاً إلى الطاعة،كما إذا قصد به التقوّي على العبادة،و منع النفس عن الشهوات المهلكة؛ لرجوعه إلى قصد القربة.

و يشترط فيه أيضاً كونه مقدوراً للناذر بلا خلاف؛ لاستحالة التكليف بالممتنع مطلقاً.و المراد بمقدوريّته صلاحيّة تعلّق القدرة منه به عادةً في الوقت المضروب له فعلاً كان أو قوّةً.فإن كان وقته معيّناً اعتبرت فيه،و إن كان مطلقاً فالعمر.

و اعتبرنا ذلك مع كون المتبادر من كلامهم القدرة الفعلية،لأنّها غير مرادة لهم كما صرّحوا به كثيراً (4)،لحكمهم بأنّ الناذر للحجّ العاجز عنه بالفعل الراجي للقدرة ينعقد نذره و يتوقّعها في الوقت،فإن خرج و هو عاجز بطل.

و كذا الناذر للصدقة بمال و هو فقير،و نحو ذلك.

ص:219


1- أي:المسالك.
2- ملاذ الأخيار 14:83.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:205،و السبزواري في الكفاية:229.
4- كالمسالك 2:205،و الكفاية:229.

و إنّما أخرجوا بالقيد الممتنعَ عادةً،كنذر الصعود إلى السماء،أو عقلاً كالكون في غير الحيّز و الجمع بين الضدّين،أو شرعاً كالاعتكاف جنباً مع القدرة على الغسل.و هذا القسم يمكن دخوله في كونه طاعةً أو مباحاً، فيخرج بهذا القيد أو به و بالأوّل أيضاً.

و يتفرّع على القيد أنّه لا ينعقد النذر مع العجز من الناذر عن المنذور مطلقاً و يسقط التكليف به عنه لو تجدّد له العجز عنه بعد قدرته عليه ابتداءً.

و في الخبر المنجبر ضعفه بصفوان و عمل الأعيان:«من جعل للّه شيئاً فبلغ جهده فليس عليه شيء» (1).

و ظاهره كالعبارة و نحوها من عبائر الجماعة عدم لزوم شيء عليه من حنث أو كفّارة.

لكن في الصحيح:«كلّ من عجز عن نذرٍ نذره فكفّارته كفّارة يمين» (2).

و في الخبر:رجل يجعل عليه صياماً في نذر و لا يقوى،قال:«يعطي من يصوم عنه في كلّ يوم مدّين» (3).

و ظاهرهما لزوم كفّارة.و قد قدّمنا الكلام عليهما في بحث الكفّارات فليطلب ثمة (4)[و يأتي الكلام على نحوهما أيضاً إن شاء اللّه تعالى] .

ص:220


1- التهذيب 8:1163/313،الإستبصار 4:170/49،الوسائل 23:308 أبواب النذر و العهد ب 8 ح 5.
2- الكافي 7:17/457،التهذيب 8:1137/306،الإستبصار 4:192/55،الوسائل 22:393 أبواب الكفارات ب 23 ح 5.
3- الكافي 7:15/457،الفقيه 3:1111/235،التهذيب 8:1138/306،الوسائل 23:312 أبواب النذر و العهد ب 12 ح 1.
4- في«ح» و«ر» زيادة:و يأتي الكلام على نحوهما أيضاً إن شاء اللّه تعالى.

و السبب أي الشرط المعلّق عليه النذر المشروط إذا كان طاعةً للّه و كان النذر المعلّق عليها شكراً على فعلها لزم النذر.

و لو كان النذر زجراً عنها لم يلزم و الأمر بالعكس لو كان السبب معصيةً فيلزم لو كان النذر زجراً عنها،و يبطل لو كان شكراً على فعلها.

و لا خلاف في شيء من ذلك.و الوجه فيه أنّ الشكر على الطاعة طاعة و الزجر عنها معصية،كما أنّ الزجر عن المعصية طاعة و الشكر عليها معصية.

فلو قال:إن حججت فلله تعالى عليّ كذا،و قصد الشكر لزم، و لو قصد الزجر بطل.و بالعكس لو قال:إن زنيت فلله تعالى عليّ كذا، فيلزم لو قصد به الزجر،و يبطل لو قصد به الشكر.

و يعلم من ذلك أنّ صيغتي الشكر و الزجر واحدة،و إنّما يتميّزان بالقصد و النية.

و لا يخفى أنّ سبب النذر قد لا يكون طاعة و لا معصية،كالشفاء من المرض و حصول الولد مثلاً،اتّفاقاً فتوًى و روايةً.و المعتبر فيه صلاحيّته لتعلّق الشكر به.

و لا ينعقد النذر لو قال:للّه عليّ نذر،و اقتصر عليه بلا خلاف ظاهر؛ لعدم ذكر متعلّقه،و للمعتبرين المتقدّمين (1)،في أحدهما القريب من الصحيح:عن رجل قال:عليّ نذر،قال:«ليس النذر بشيء حتّى يسمّي شيئاً للّه صياماً،أو صدقة،أو هدياً،أو حجّا» .

ص:221


1- في ص 210.

و نحوه الثاني:عن الرجل يقول عليّ نذر،قال:«ليس بشيء حتّى يسمّى النذر،فيقول:عليّ صوم للّه،أو صدقة،أو يعتق،أو يهدي هدياً» . و ينعقد لو قال: للّه تعالى عليّ قربة بلا خلافٍ؛ لاجتماع شرائطه الّتي من جملتها ذكر المتعلّق و هو فعل القربة.

و يبرّ أي يمتثل بفعل كلّ قربة مطلقاً و لو كان صوم يوم،أو صلاة ركعتين و نحوهما من وجوه القُرَب،كعيادة المريض، و إفشاء السلام،و التسميت،و نحو ذلك.

و في الاجتزاء بمفردة الوتر قولان،أجودهما ذلك،وفاقاً للحلّي (1)، و جماعة (2)؛ لأنها من حيث انفرادها عن ركعتي الشفع بتكبيرة و تسليمة عندنا صلاة مستقلّة،فيشملها عموم قوله عليه السلام:«الصلاة خير موضوع» (3).

خلافاً للشيخين و ابني بابويه و القاضي و الشهيد في الدروس (4)؛ للنهي في النبوي عن البُتيْراء (5)،المفسّر في النهاية الأثيرية بأن يوتر بركعة واحدة (6).

و للخبر:عن رجل نذر و لم يسمّ شيئاً،قال:«إن شاء صلّى ركعتين،

ص:222


1- السرائر 3:69.
2- منهم:المحقق في الشرائع 3:189،و العلّامة في المختلف:661.
3- معاني الأخبار:1/332،الخصال:13/523،أمالي الطوسي:551(ضمن حديث طويل)،الوسائل 5:247 أبواب أحكام المساجد ب 42 ح 1.
4- المفيد في المقنعة:564،الطوسي في الخلاف 6:202،و حكاه عن والد الصدوق في المختلف:661،الصدوق في الهداية:74،القاضي في المهذّب 2:412،الدروس 2:151.
5- نيل الأوطار 3:39.
6- النهاية 1:93.

و إن شاء صام يوماً،و إن شاء تصدّق برغيف» (1).

و فيهما قصور من حيث السند بالضعف،و الدلالة بعدم الصراحة؛ لإجمال البُتَيْراء في الرواية الأُولى غير ما بنى عليه الاستدلال ممّا في النهاية، و هو المحكي فيها عن بعض في تفسيره،و من أنّه هو الذي شرع في ركعتين فأتمّ الاُولى و قطع الثانية.

و عدم إفادة اقتصاره عليه السلام في الرواية الثانية على الركعتين،المنع عن الركعة الواحدة.أ لا ترى إلى اقتصاره عليه السلام في الصدقة على الرغيف و الحال أنّه لا يجب فيها بل يجوز أقلّ منه قطعاً.فالمراد منها بيان نوع ما يتحقّق به امتثال النذر المطلق لا مقداره،فتدبّر.

هذا مع شذوذهما في الظاهر،فالأُولى:بأنّ النهي فيها عن البُتَيْراء على تفسير النهاية المبني عليه الحجة على إطلاقه غير مستقيم إلّا على مذهب العامّة الناهين عنها مطلقاً.و لو كان ركعة الوتر،بناءً على إيجابهم وصلها بركعتي الشفع و جعلهما كصلاة المغرب.

أمّا على مذهبنا من تعيّن انفصالها عنهما بتسليمة فلا بدّ من تقييد الرواية بما عداها أو التقيّة،و يشهد له كون الرواية من العامة.و على التقديرين لم يثبت النهي فيها عن ركعة الوتر في الشريعة.و تقييدها بصورة النذر خاصةً مجازفة محضة لا يرتكبها ذو مسكة.

و الثانية:بأنّ المذكور فيها أنّه نذر و لم يسمّ شيئاً حتى القربة،فتخرج عن موضوع المسألة و تدخل في المسألة الأُولى،و قد حكموا فيها ببطلان النذر من أصله.و تقدير القربة و نحوها فيها خلاف الأصل لا داعي على

ص:223


1- الكافي 7:18/463،التهذيب 8:1146/308،الوسائل 23:296 أبواب النذر و العهد ب 2 ح 3.

ارتكابه.

و بالجملة:فالاستناد إلى الروايتين لا وجه له من وجوه متعدّدة،و لعلّه لهذا لم يستند إليهما السيد في الشرح و صاحب الكفاية على هذا القول مع ميلهما إليه،و إنّما استندا فيه إلى النصوص الدالّة على أنّ الوتر اسم للركعات الثلاث لا لخصوص المفردة،و مشروعيّة فعلها على الانفراد غير ثابتة (1).

و في هذا الاستناد أيضاً مناقشة،فإنّ مبناه على عدم ثبوت شرعيّتها مفردة.و هو ممنوع؛ لما عرفت من كونها عندنا صلاة مستقلةً فيشملها عموم الرواية السابقة،و لذا إنّ الشهيد في الدروس خصّ ما ذكره من عدم الاجتزاء بصورة ما إذا نذر صلاة و أطلق،أمّا لو قيّدها بركعة واحدة قال:

الأقرب الانعقاد (2).

و نحوه الشهيد الثاني في المسالك،حيث خصّ محلّ النزاع بتلك الصورة،قال:و لو صرّح في نذره أو نوى أحد هذه الأُمور المشروعة فلا إشكال في الانعقاد.و صرّح قبل ذلك بثبوت مشروعية ركعة الوتر،فقال في تعليل المنع عن الاجتزاء بها-:و الركعة نادرة،إذا لم تشرع إلّا في الوتر (3).فتأمّل.

هذا،و لا ريب أنّ الأحوط عدم الاجتزاء بها مع نذر الصلاة مطلقةً لا مقيدةً بركعة الوتر.أمّا مع التقييد بها بل مطلق الركعة الواحدة فينعقد، و يلزم الإتيان بها بلا شبهة.

و لو نذر صوم حين كان اللازم عليه صوم ستة أشهر.

ص:224


1- نهاية المرام 2:353،الكفاية:229.
2- الدروس 2:151.
3- المسالك 2:210.

و لو قال: للّه عليّ أن أصوم زماناً كان اللازم عليه صيام خمسة أشهر لرواية السكوني فيهما:في رجل نذر أن يصوم زماناً،قال:«الزمان خمسة أشهر،و الحين ستّة أشهر؛ لأنّ اللّه تعالى يقول تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها [1] » (1).و رواية أبي الربيع في الأوّل:عن رجل قال:للّه عليّ أن أصوم حيناً، و ذلك في شكر،فقال عليه السلام:«قد اتي عليٌّ في مثل هذا،فقال:صم ستّة أشهر،فإنّ اللّه يقول» و ذكر الآية معقّباً لها بقوله:«يعني ستة أشهر» (2).

و لا خلاف في الحكمين أجده إلّا من المسالك و سبطه،فيظهر منهما نوع مناقشة فيهما؛ لقصور سند الروايتين،مع صدق اللفظين كالوقت في العرف و اللغة على القليل و الكثير،فيحصل الامتثال بصوم يوم (3).

و هو حسن لولا عدم الخلاف بين الأصحاب الذي كاد أن يلحق بالإجماع،كما يظهر منهما و من غيرهما (4).

مع أنّ السكوني و إن ضعف في المشهور،إلّا أنّه ادّعى الشيخ إجماع العصابة على قبول روايته (5).و كذلك أبو الربيع و إن جهل حاله كخالد بن حريز الراوي عنه،إلّا أنّ رواية الحسن بن محبوب عنهما هنا جبرت

ص:225


1- الكافي 4:5/142،التهذيب 4:933/309،علل الشرائع:1/387،الوسائل 10:388 أبواب بقية الصوم الواجب ب 14 ح 2.و الآية في سورة إبراهيم:25.
2- الكافي 4:6/142،التهذيب 4:934/309،الوسائل 10:387 أبواب بقية الصوم الواجب ب 14 ح 1.
3- المسالك 2:210،نهاية المرام 2:354.
4- في«ح» و«ر» زيادة:بل في الانتصار الإجماع عليه.الانتصار:160.
5- عدّة الأُصول 1:380.

قصورهما،لدعوى إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (1).

و لو نذر الصدقة بمال كثير كان ثمانين درهماً بلا خلاف ظاهر (2)حتى من الحلّي (3)،بل عليه في ظاهر المسالك و صريح التنقيح إجماعنا (4)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الخبرين:

أحدهما الحسن:عن رجل مرض فنذر للّه شكراً إن عافاه اللّه تعالى أن يتصدق من ماله بشيء كثير،و لم يسمّ شيئاً فما تقول؟قال:«يتصدّق بثمانين درهماً،فإنّه يجزيه،و ذلك بيّن في كتاب اللّه تعالى إذ يقول لنبيّه صلى الله عليه و آله لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ [1] الكثير في كتاب اللّه تعالى ثمانون» (5).

و نحوه الثاني المرسل المتضمّن لفتوى مولانا الهادي عليه السلام في قصّة المتوكل،لمّا نذر الصدقة بمال كثير إن عوفي من مرضه،فقال له الفقهاء أقوالاً مختلفة،فأفتاه عليه السلام بالثمانين معلّلاً بالآية،و لكن لم يقيّدها بالدراهم (6).

و لذا اختلفوا في التقييد بها أو غيرها على أقوال:فبين من قيّد بها كالماتن هنا و في الشرائع،وفاقاً للشيخين و الديلمي و القاضي (7).و بين من

ص:226


1- رجال الكشي 2:830.
2- في«ح» و«ر» و«ت» زيادة:في أصل العدد.
3- السرائر 3:61.
4- المسالك 2:212،التنقيح الرائع 3:521.
5- التهذيب 8:1180/317،الوسائل 23:299 أبواب النذر و العهد ب 3 ح 2،و الآية في سورة التوبة:25.
6- الكافي 7:21/463،تفسير القمّي 1:284،الوسائل 23:298 أبواب النذر و العهد ب 3 ح 1.
7- الشرائع 3:190،المفيد في المقنعة:565،الطوسي في النهاية:565،الديلمي في المراسم:186،القاضي في المهذّب 2:411.

أطلقه كالصدوقين (1).و من ردّها إلى المتعامل به درهماً أو ديناراً كالحلّي (2).و من فصّل بين نذر المال المطلق فالأوّل،و المقيّد بنوع فالثمانون منه كالفاضل في المختلف (3).و للدروس تفصيل آخر بين النذر به من ماله فالأوّل،و النذر بمال كثير بقول مطلق فالتوقف،و نزّل الأقوال المتقدّمة على هذه الصورة (4).

و لعلّ ما عدا القولين الأوّلين شاذّ،و بشذوذ ما عليه الحلّي صرّح في المسالك (5).و القاعدة تقتضي رجحان القول الأوّل؛ لاعتبار سند مستنده، مع صراحة دلالته بالتقييد الموجب لحمل إطلاق المرسل مع ضعف سنده عليه.

و لو نذر عتق كلّ عبد له قديم في ملكه أعتق من كان له في ملكه ستّة أشهر فصاعداً و قد مضى الكلام في المسألة في كتاب العتق مستوفى فلا نعيده ثانياً (6).

ثم إنّ هذا الحكم المذكور في هذه المسائل الأربع إنّما هو فيما إذا لم ينو شيئاً آخر غيره أي غير ما ورد الشرع به.و لو نوى تبع ما نواه قطعاً و لو كان لما ورد به الشرع مخالفاً.و لعلّه لا خلاف فيه أيضاً، و إطلاق النصوص منزّل على غير هذه الصورة جدّاً.

و من نذر شيئاً في سبيل اللّه تعالى صرفه في وجوه البرّ

ص:227


1- الصدوق في المقنع:137،و حكاه عن والده في المختلف:658.
2- السرائر 3:61.
3- المختلف:659.
4- الدروس 2:155.
5- المسالك 2:212.
6- راجع ص 30.

الصدقة،و معونة الحاجّين و الزائرين و طلبة العلم،و عمارة المساجد،و نحو ذلك؛ لأنّ السبيل لغةً الطريق،فسبيل اللّه طريق ثوابه الموصل إليه،فيتناول كلا من الأُمور المذكورة و نحوها من وجوه القربة.و للشيخ رحمه الله قول في المسألة مضى الإشارة إليه و إلى تمام الكلام فيها في كتاب الوقف،فليطلبها ثمة (1).

و لو نذر الصدقة ب جميع ما يملكه في الحال لزم الوفاء به ما لم يضرّ بحاله في الدين أو الدنيا؛ لرجحان الصدقة في حدّ ذاتها مع عدم ما يوجب مرجوحيتها في فرضنا، فإن فرض وجوده بأن تضرّر به ديناً أو دنيا و شقّ عليه الوفاء به قوّمه على نفسه و أخرج منه في مصرف الصدقات شيئاً فشيئاً حتى يوفي كما قطع به الأصحاب، و اعترف به جماعة منهم (2)مؤذّنين بدعوى الإجماع عليه؛ و هو الحجة، مضافاً إلى الرواية الصحيحة الصريحة في ذلك،و هي طويلة (3).

و لولاهما لأشكل الحكم بانعقاد هذا النذر؛ لمرجوحيّته الموجبة لعدم انعقاده بمقتضى القواعد المتقدّمة الدالّة على أنّ متعلّقه لا بدّ أن يكون طاعةً،و مثل هذا النذر المستعقب للضرر ليس منها بلا شبهة،إلّا أنّه بعد وجود الرواية الصحيحة المعتضدة بفتوى الأصحاب كافةً كما اعترف به الجماعة لا مسرح عنه و لا مندوحة.فاستشكال السيّد في الشرح لا وجه

ص:228


1- راجع ج 10 ص 164.
2- منهم:الشهيد في المسالك 2:213،و السبزواري في الكفاية:229،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:37.
3- الكافي 7:23/458،التهذيب 8:1144/307،الوسائل 23:314 أبواب النذر و العهد ب 14 ح 1.

له،كفتوى المفاتيح بالاستحباب (1)،مع أنّه شاذّ.

و هل يلحق بمورد النصّ ما خرج عنه من النذر ببعض المال مع خوف الضرر فاندفاعه بالتقويم؛ للمشاركة في المقتضي و كون كلّ فرد من أفراد ماله على تقدير نذر الجميع منذور الصدقة؟ أم لا؛ لخروجه عن الأُصول و القواعد المتقدّمة،فيقتصر على مورد الرواية؟وجهان،أجودهما الثاني عند الشهيد الثاني (2).و لعلّ الأوّل أظهر؛ للفحوى بناءً على أنّ النذر بجميع المال أضرّ من النذر ببعضه،فلزوم الوفاء به يستلزم لزومه فيه بطريق أولى،إلاّ أنّ اللازم من هذا إنّما هو ثبوت الانعقاد لا جواز التقديم و الإخراج شيئاً فشيئاً.

و اعلم أنّ مورد الإشكال هو نذر التصدّق بعين المال.أمّا لو كان المقصود به نذر التصدّق به عيناً أو قيمةً و قلنا إنّ النذر المطلق لا يقتضي التعجيل كما هو الأقوى فلا إشكال في انعقاده مطلقاً؛ إذ لا مخالفة فيه للقواعد أصلاً.

الرابع اللواحق و هي مسائل

اشارة

الرابع: في اللواحق و هي مسائل:

الاُولى لو نذر أن يصوم يوماً معيّناً فاتّفق له أفطر

الاُولى:لو نذر أن يصوم يوماً معيّناً فاتّفق له فيه السفر الشرعي الذي يجب فيه القصر أفطر ذلك اليوم و قضاه،و كذا لو مرض،أو حاضت المرأة أو نفست بلا خلاف في وجوب الإفطار في الجميع،إلّا من المفيد في أحد

ص:229


1- نهاية المرام 2:356،المفاتيح 2:37.
2- انظر المسالك 2:213.

قوليه (1)و المرتضى في الأوّل (2)،فلم يجوّزاه،إمّا لاختصاص الصوم الممنوع منه في السفر برمضان كما عليه الأوّل،أو استثناء المقام منه.

و هما شاذّان،و بالمعتبرة المستفيضة عموماً و خصوصاً المعتضدة بفتوى الأصحاب كافّةً عداهما محجوجان.

منها:الصحيح:«ليس من البرّ الصيام في السفر» (3).

و الموثق:عن امرأة جعلت عليها نذراً إن ردّ اللّه عليها بعض ولدها من شيء كانت تخافه عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت، فخرجت معنا مسافرةً إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر،أ تصوم أم تفطر؟ قال:«لا تصوم،وضع اللّه عزّ و جلّ عنها حقّه و تصوم هي ما جعلت على نفسها» قلت:فما ترى إذا رجعت إلى المنزل أ تقضيه؟قال:«لا» قلت:

أ فتترك ذلك؟قال:«لا،إنّي أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره» (4).

و تمام التحقيق في المقام و بيان ما دلّ على الحكم في الثلاثة الأخيرة يطلب من كتاب الصوم.

و كذا في وجوب القضاء في ظاهر العبارة و المختلف و المسالك (5)، حيث لم يجعلوه محل الخلاف و قطعوا به من غير إشكال،و جعله السيّد في

ص:230


1- المقنعة:362.
2- قال في جمل العلم و العمل:92:و الصوم الواجب مع السفر صوم ثلاثة أيام لدم المتعة من جملة العشرة،و صوم النذر إذا علّق بسفر و حضر.
3- المقنع:62،الوسائل 10:204 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 8.
4- الكافي 4:10/143،التهذيب 4:687/234،الإستبصار 2:329/101،الوسائل 10:196 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 3.
5- المختلف:233،المسالك 2:209.

الشرح مقطوعاً به بين الأصحاب (1)،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،كما صرّح به في الخلاف في المرض (2)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص.

منها الصحيح:رجل نذر أن يصوم يوماً معيناً من الجمعة دائماً ما بقي،فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر،أو أضحى،أو يوم جمعة،أو أيّام التشريق،أو سفر،أو مرض،هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه،أو كيف يصنع يا سيّدي؟فكتب عليه السلام:«قد وضع اللّه تعالى الصيام في هذه الأيّام كلّها،و يصوم يوماً بدل يوم إن شاء اللّه» (3).

و نحوه رواية أُخرى في سندها جهالة (4).

و نحوها ثالثة في قصور السند بالجهالة:عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً،فحضرته نيّة في زيارة أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«يخرج و لا يصوم في الطريق،فإذا رجع قضى ذلك» (5).

و قصورهما بالجهالة كالأوّلين بالإضمار و المكاتبة مجبور بعمل الطائفة،مع أنّه لا قدح بالأخيرين في مثل الخبرين في الحجية،كما برهن في محلّه.

و كذا تضمّن الرواية الأُولى سقوط الصوم يوم الجمعة،المخالف لما

ص:231


1- نهاية المرام 2:358.
2- الخلاف 6:198.
3- الكافي 7:12/456،التهذيب 8:1135/305،الوسائل 23:310 أبواب النذر و العهد ب 10 ح 1.
4- التهذيب 4:686/234،الإستبصار 2:328/101،الوسائل 10:196 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 2.
5- الكافي 7:16/457،التهذيب 4:1048/333،الوسائل 10:197 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 5.

عليه الأصحاب كافّةً غير قادح؛ إذ ليست إلّا كالعامّ المخصّص،و هو في الباقي حجة،مع أنّ نسخة الكافي المرويّة هذه الرواية عنها كذلك في التهذيب عن هذه الزيادة خالية.

فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه و إن اختصّت الروايات الثلاث بمن عدا الحائض و النفساء،و عارضتها في النذر الموثقة المتقدمة المصرّحة بعدم لزوم القضاء بعد أن سئل عنه؛ لسهولة الذبّ عن الأوّل بعدم القائل بالفصل،و عن الثاني بعدم التكافؤ في الموثّق من حيث السند و العمل و العدد،مع خلوّ نسخة الكافي المروية فيه في هذا الكتاب عن ذلك سؤالاً و جواباً.

و أمّا التردّد في الروايات بحسب الدلالة كما في الكفاية- (1)فوجهه غير واضح،إلّا على تقدير عدم رجوع الجمل الخبرية إلى الإنشائية،أو عدم إفادة الأمر الوجوب في عرف الأئمّة عليهم السلام.و هما بمحلّ من الضعف و الشذوذ،كما برهن عليهما مستقصًى في الأُصول.

و لو شرط صومه أي اليوم المنذور سفراً أو سفراً و حضراً صام وجوباً مطلقاً و إن اتّفق في السفر بلا خلافٍ (2)يظهر إلّا من الماتن في كتاب الصوم من هذا الكتاب و المعتبر،حيث نسبه إلى الأشهر (3)،و استضعف ما دلّ عليه من الخبر:نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت،فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟فكتب عليه السلام و قرأته

ص:232


1- الكفاية:229.
2- في نسخة«ر» و«ح» زيادة:كما في السرائر،و لعلّه كذلك،إذ لا يظهر إلّا..السرائر 3:60.
3- المختصر النافع:68،المعتبر 2:684؛ نسبه فيهما إلى الشهرة.

«لا تتركه إلّا من علّة،و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض إلّا أن تكون نويت ذلك» (1)الحديث.

و فيه نظر؛ لصحّة السند،و عدم ضعف بالكتابة و الإضمار كما مرّ،مع أنّه على تقديره فهو بالعمل قد انجبر،فلا بأس بالعمل به و إن اشتمل على ما لم يقل به أحد من مساواة المرض للسفر في وجوب الصوم و لو معهما إذا كان كذلك قد قصد.و إن هو حينئذٍ إلّا كالعامّ المخصّص الذي هو حجّة في الباقي.

نعم،ربما يشكل فيه باستفاضة النصوص بالنهي عن الصوم في السفر بقول مطلق،فيكون نذره كذلك نذراً في معصية فلا ينعقد؛ لاستفاضة النص و اتّفاق الفتاوى بذلك جدّاً.

اللّهم إلّا أن يذبّ عن ذلك بتخصيص النهي بغير النذر المعيّن بالنص،فليس نذره نذراً في معصية،فتدبّر.

و لا ريب أنّ الأحوط عدم إيقاع النذر على هذا الوجه.

و لو اتّفق اليوم الذي نذر صومه يوم عيد،أفطر إجماعاً،كما في ظاهر العبارة و صريح الشرائع (2)و جماعة (3).و النصوص به مع ذلك مستفيضة،منها الصحيح و نحوه المتقدّمان قبيل المسألة.

و في وجوب القضاء تردّد و اختلاف،فبين من قال به،

ص:233


1- التهذيب 4:689/235،الإستبصار 2:331/102،الوسائل 10:195 أبواب من يصح من الصوم ب 10 ح 1.
2- الشرائع 3:188.
3- منهم:العلّامة في المختلف:658،و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:64،و السبزواري في الكفاية:229.

كالصدوق و الشيخ في النهاية و موضع من المبسوط و ابن حمزة (1)؛ لورود الأمر في تلك الروايتين المتقدّمتين.و من قال بالعدم،كالشيخ في موضع آخر من المبسوط و القاضي و الحلبي و الحلّي و الماتن في الشرائع و الفاضل في المختلف (2)،و نسبه في الكفاية إلى الشهرة (3)؛ لقصور الروايتين سنداً بالضعف و المكاتبة،و دلالةً بمنافاة وجوب القضاء لتعليقه بالمشيّة ب«إن» المختصّة بالمحتمل لا المتحقّق،فلتُحملا على الاستحباب.

و فيه نظر؛ لانجبار قصور الأوّل بما مرّ،و الثاني بأنّ الظاهر كون هذا التعليق للتبّرك لا للشك،مع أنّ المندوب مساوٍ للواجب في المشيّة،و لذا استدلّوا بهما على ما اتّفقوا عليه ممّا مرّ،مع وحدة الجواب المتضمّن للمحذور عنه و عن محل الفرض.فإذاً القول الأوّل أظهر مع أنّه أحوط.

و لو عجز عن صومه أصلا بعذر لا يكاد يرجى زواله مطلقاً قيل كما عن الأكثر (4):أنّه سقط عنه صومه و لا كفّارة عليه؛ للأصل، و ما مرّ في مسألة تجدّد العجز من الرواية المعتبرة الدالّة على أنّ«من جعل للّه شيئاً فبلغ جهده فليس عليه شيء» (5).

و لكن في رواية بل روايات عديدة أنّه يتصدّق عنه أي عن اليوم المنذور بمدّ من حنطة أو تمر،ما في الصحيح (6)،أو شعير

ص:234


1- الصدوق في المقنع:137،النهاية:565،المبسوط 1:281،ابن حمزة في الوسيلة:350.
2- المبسوط 1:282،القاضي في المهذب 2:411،الحلبي في الكافي:185،الحلّي في السرائر 3:60،الشرائع 3:188،المختلف:658.
3- الكفاية:229.
4- قال به السبزواري في الكفاية:229.
5- راجع ص 219.
6- الفقيه 2:442/99،الوسائل 10:390 أبواب بقية الصوم الواجب ب 15 ذيل حديث 3.

بدل تمر كما في الخبر (1).و نحوهما خبر آخر لكن اقتصر فيه على الحنطة خاصّة (2).

و قصور سند أكثرها،و عدم مقاومتها أجمع لما مرّ من الأصل و الخبر المنجبر به و بمن في سنده و عمل الأكثر،مع صراحته في نفي الوجوب دونها لظهورها فيه،أوجب حملها على الاستحباب،سيّما مع شذوذها و عدم قائل بها و لا مائل إليها عدا الشهيد (3)كما حكي عنه و السيّد في الشرح،حيث إنّ ظاهره ذلك (4)،لصحّة سند بعضها و خلوّها بزعمه عن المعارض أصلاً،و كأنّه غفل عن الخبر الذي قدّمناه.و ظاهر العبارة ما ذكرنا من عدم وجود قائل بها.

نعم،مرّ في بحث الكفّارة فتوى الماتن و الشيخ في النهاية بوجوب هذه الصدقة لكن بمدّين (5).و الروايات كما ترى خالية عن ذكرهما؛ لاقتصارها على المدّ الواحد،فتكون شاذّة،كالصحيح الدالّ على أنّ كلّ من عجز عن نذر نذره فكفّارته كفارة يمين (6)،و الخبر الدالّ على التصدّق بالمدّين على من يصوم عنه (7)؛ لخلوّ فتواهما عن القيد الأخير فيه، فلا يمكن أن يجعل مستنداً لهما.

ص:235


1- الكافي 4:1/143،الوسائل 10:389 أبواب بقية الصوم الواجب ب 15 ح 1.
2- الكافي 4:3/144،الوسائل 10:390 أبواب بقية الصوم الواجب ب 15 ح 3.
3- الدروس 1:294.
4- نهاية المرام 2:361.
5- راجع ج 12 ص 441.
6- الكافي 7:17/457،التهذيب 8:1137/306،الإستبصار 4:192/55،الوسائل 22:393 أبواب الكفارات ب 23 ح 5.
7- الكافي 7:15/457،الفقيه 3:1111/235،التهذيب 8:1138/306،الوسائل 23:312 أبواب النذر و العهد ب 12 ح 1.

فإذاً القول بالاستحباب أقوى.

و يعضده اعتضاداً تامّاً زيادةً على ما مضى اختلاف هذه النصوص المتضمّنة للكفاّرة جدّاً،فبين ما جعلت فيه كفارة يمين،و ما جعلت فيه صدقة بمدّ من طعام (1)،و ما جعلت فيه صدقة بمدّ من حنطة خاصّةً (2)كما في بعضها،أو و شعير أيضاً كما في بعضها (3)،أو و تمر كما في غيرهما (4).

هذا مع عدم استقامة معنى للكفّارة الحقيقية هنا؛ لأنّها لتكفير الذنب و ستره،و لا ذنب هنا أصلاً،إذ لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها [1] ،هذا.

و لا ريب أنّ التصدّق بالمدّ بل المدّين أحوط و أولى.

الثانية ما لم يعيّن بوقت يلزم الذمة مطلقاً

الثانية: ما أي النذر الذي لم يعيّن بوقت يلزم الذمة مطلقاً و وقته تمام العمر لا يتضيّق إلّا بظنّ الوفاة كسائر الواجبات الموسّعة؛ لإطلاق الأمر.

و ما قيّد بوقت يمكن أداؤه فيه يلزم الإتيان به فيه عملاً بمقتضى النذر.

و لو أخلّ بما لزمه في المسألتين لزمته الكفّارة المتقدّم بيانها في بحثها.و لا خلاف في شيء من ذلك فتوًى و حجةً.

و أمّا ما علّقه بشرط و لم يقرنه بزمان ف -فيه قولان، أحدهما:أنّه يتضيّق فعله عند حصول الشرط و نسبه جماعة (5)إلى

ص:236


1- التهذيب 4:1026/329،الوسائل 10:391 أبواب بقية الصوم الواجب ب 15 ح 6.
2- الفقيه 3:1105/234،الوسائل 23:312 أبواب النذر و العهد ب 12 ح 2.
3- الفقيه 2:443/99،الوسائل 10:390 أبواب بقية الصوم الواجب ب 15 ح 5.
4- الفقيه 2:442/99،الوسائل 10:390 أبواب بقية الصوم الواجب ب 15 ح 3.
5- منهم:العلّامة في المختلف:663،و ابن فهد في المهذب البارع 4:143،و السبزواري في الكفاية:230،و هو في الوسيلة:350.

ابن حمزة خاصّة،و الفاضل المقداد (1)إلى الشيخ و أتباعه.و لم أقف على من وافقه على هذه النسبة،بل ظاهر الجماعة خلافها.

و كيف كان،حجة هذا القول غير واضحة،إلّا على القول بإفادة الأمر الفوريّة أو لزومها بآيتي الاستباق [الأمر بالاستباق] و المسارعة.و هما ضعيفان غايته،كما برهن عليه في محلّه.

و القول الآخر: أنّه لا يتضيّق بل هو كالنذر المطلق موسّع؛ لما مرّ من إطلاق الأمر. و لذا كان هو أشبه و أشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،بل يستفاد من المختلف التردّد من مخالفة ابن حمزة، حيث احتمل إرادته من الفوريّة التي حكم بها فوريّة تعلّق الوجوب لا الأداء الراجعة إلى القول الأوّل (2).

و هو غير بعيد عن عبارته المحكية فيه،حيث نفى فيها وجوب الكفّارة بالإخلال بالفورية،فقال بعد الحكم بالفورية-:فإن لم يفعل لم يلزمه الكفّارة إلّا بموته.فتأمّل.

الثالثة من نذر الصدقة في مكان معيّن،أو الصوم،أو الصلاة أو في وقت معيّن لزم

الثالثة: من نذر الصدقة في مكان معيّن،أو الصوم،أو الصلاة فيه أو في وقت معيّن لزم المنذور بشخصه.

و لو فعل ذلك في غيره أعاد مطلقاً أيّاً ما كان من هذه الثلاثة، بلا خلاف أجده إلّا من الشيخ (3)و جماعة (4)في الصوم في مكان معيّن، فأوجبوا الصوم و أسقطوا القيد و خيّروه بينه و بين غيره،نظراً منهم إلى أنّ

ص:237


1- التنقيح الرائع 3:525.
2- المختلف:663.
3- حكاه عنه في الشرائع 3:189.
4- منهم العلّامة في التحرير 2:106،و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:59،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:526.

الصوم لا يحصل له بإيقاعه في مكان دون آخر صفة زائدة على كماله في نفسه،فإذا نذر الصوم في مكان معيّن انعقد الصوم خاصّة لرجحانه،دون الوصف،لخلوّه عن المزيّة.

و يضعّف بعد تسليم خلوّ المكان عن المزيّة أنّ النذر لم يتعلّق بمطلق الصوم نطقاً و لا قصداً،و إنّما تعلّق بالصوم المخصوص الواقع في المكان المعيّن،فمتى قلنا بانعقاد نذره لم يحصل الامتثال بدون الإتيان به على ذلك الوجه،و إلّا لم يجب الوفاء به مطلقاً.أمّا صحّة النذر و جواز الإتيان بالمنذور في غير ذلك المكان فلا وجه له أصلاً.

هذا مع أنّه أخصّ من المدّعى؛ لاختصاصه بالمكان الذي ليس له مزيّة أصلاً.و أمّا ذو المزيّة فلم يجر فيه هذا الدليل قطعاً،و لذا إنّ جملة ممّن تبعه على التخيير قيّدوه بغير ذي المزيّة و حكموا فيه بلزومه،مدّعياً بعضهم الإجماع عليه (1).لكن ظاهره تنزيل الخلاف حتى من الشيخ على غيره.

و كيف كان،لا ريب في ضعفه مطلقاً؛ لما مضى.

و حاصله:أنّ المنذور و إن كان مباحاً أو مرجوحاً بالخصوصية،إلّا أنّه من حيث كونه فرداً من المطلق الراجح عبادة بل المطلق لا وجود له إلّا في ضمن فرد خاصّ فإذا تعلّق النذر به انحصرت الطاعة فيه،كما تنحصر عند الإتيان بها في متعلّقاتها،فلا يجزي غيرها.

مع أنّ فتح باب المنع في مثله يؤدّي إلى عدم تعيين شيء بالنذر أصلاً،و هو باطل اتّفاقاً و يوجب فساد ما حكموا به من غير خلاف يظهر.

بل ادّعى بعضهم الوفاق عليه من تعيّن الوقت للصلاة إذا عيّنه،و كذا المكان

ص:238


1- كفخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:59.

في الصدقة،و أنّه لو تعلّق بعبادة مخصوصة لا يجزي غيرها و إن كان أفضل منها،و نحو ذلك.و ليس ذلك إلّا لبطلان العذر المتقدّم لعدم لزوم المكان المعيّن و إن زيد في تعيّن المكان في التصدّق بأنّه يرجع إلى تعيين أهله، فهو في قوّة تعيين المتصدّق عليه.

و لكن فيه نظر؛ لمنع التلازم،لصدق الامتثال بالتصدّق به في المكان المعيّن على غير أهله،فأين التلازم؟إلّا أن يدّعى دلالة عرف الناذر عليه.

الرابعة لو نذر إن برئ مريضة،أو قدم مسافرة،فبان البرء و القدوم قبل النذر لم يلزم

الرابعة: لو نذر إن برئ مريضة،أو قدم مسافرة،فبان البرء و القدوم قبل النذر لم يلزم (1) لأنّ الظاهر الإلزام بالمنذور إن حصل هذا الشرط بعد النذر،فلا يجب بدونه.

و يشهد له الصحيح:عن رجل وقع على جارية له،فارتفع حيضها و خاف أن تكون قد حملت،فجعل للّه تعالى عتق رقبة أو صوم أو صدقة إن هي حاضت،و قد كانت الجارية طمثت قبل أن يحلف بيوم أو يومين و هو لا يعلم،قال:«ليس عليه شيء» (2).

و نحوه غيره (3).

الخامسة من نذر إن رزق ولداً حجّ به أو حجّ عنه ثمّ مات حجّ الوصي أو من في حكمه عنه من أصل التركة

الخامسة: من نذر إن رزق ولداً حجّ به أو حجّ عنه انعقد نذره إجماعاً؛ لأنّه طاعة مقدورة للناذر فينعقد،و للحسنة الآتية.

و مقتضى هذه الصيغة على ما صرّح به جماعة (4)تخيّر الناذر بين أن يحجّ بالولد،و بين أن يستنيب من يحجّ عنه.فإن اختار الثاني نوى

ص:239


1- في المعتبر المطبوع زيادة:و لو كان بعده لزم.
2- التهذيب 8:1164/313،الوسائل 23:302 أبواب النذر و العهد ب 5 ح 2.
3- الكافي 7:4/455،التهذيب 8:1127/303،الوسائل 23:301 أبواب النذر و العهد ب 5 ح 1.
4- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:207،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:362.

النائب الحجّ عن الولد،عملاً بمقتضى النذر.و إن أحجّ الولد نوى عن نفسه إن كان مميّزاً،و إلّا أجزأ الوالد إيقاع صورة الحج به،كما لو صحبه في الحجّ تبرّعاً.

و لو أخّر الوالد الفعل إلى أن بلغ الولد فإن اختار الحجّ عنه لم يجزه عن حجّة الإسلام،و إن أحجّه أجزأه عنها،لأنّ ذلك بمنزلة الاستطاعة بالبذل المنذور.

ثمّ لو مات الوالد قبل أن يفعل أحد الأمرين حجّ الوصي أو من في حكمه به أو استناب من يحجّ عنه من أصل التركة بغير خلاف يظهر،و به صرّح بعض (1)؛ لأنّه حق ماليّ تعلّق بتركته،فيجب قضاؤه منها.

قيل (2):و للحسن القريب من الصحيح،سيّما مع اشتمال سنده على الحسن بن محبوب،المجمع على تصحيح رواياته.و فيه بعد السؤال عن مورد المسألة-:قال عليه السلام:«إنّ رجلاً نذر للّه عزّ و جلّ في ابن له،إن هو أدرك أن يحجّه أو يحجّ عنه،فمات الأب،و أدرك الغلام بعد،فأتى رسول اللّه عليه و آله ذلك الغلام فسأله عن ذلك،فأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يحجّ عنه ممّا ترك أبوه» (3).

و في الاستناد إليه لإثبات الحكم في محل الفرض إشكال لم أر من تنبه له،و هو:أنّ المفروض حصول الشرط المعلّق عليه النذر حال حياته

ص:240


1- انظر نهاية المرام 2:362،و كشف اللثام 2:237.
2- نهاية المرام 2:362.
3- الكافي 7:25/459،التهذيب 8:1143/307،الوسائل 23:316 أبواب النذر و العهد ب 16 ح 1.

الموجب لإخراجه من أصل التركة،إمّا مطلقاً كما في ظاهر إطلاق العبارة، و المحكيّ في شرح الكتاب للسيد عن أكثر الجماعة،أو بشرط تمكّن الناذر من فعل المنذور في حياته كما صرّح به جدّه في المسالك (1)،و الحال أنّ ما في الرواية عدم حصول الشرط الذي هو الإدراك إلّا بعد الوفاة،و معه لم يشتغل ذمّة الناذر بالمنذور جدّاً،فلا وجه لإخراجه من تركته أصلاً،لأنّه فرع تعلّقه بذمّته حال حياته ليصير ديناً عليه يجب إخراجه منها أوّلاً.

اللّهم إلّا أن يكون تعبّداً محضاً،لكنّه فرع وجود القائل به،و ليس، لاتّفاق الفتاوي بتصوير المسألة بنحو ما قدّمناه،و لذا استدلّ عليها بما أسلفناه أوّلاً.و مع ذلك فيه إشكالات أُخر،و لكن يسهل الذبّ عنها بنوع من التوجيهات.

فإذاً الدليل على الحكم إنّما هو ما قدّمناه،مضافاً إلى عدم الخلاف فيه الظاهر و المصرّح به،لكن مقتضاه بمعونة القاعدة الأُصوليّة اختصاص الحكم بصورة تمكّن الناذر من المنذور في حال الحياة كما في المسالك، لا مطلقاً كما عن أكثر الأصحاب (2).

و لو مات الولد قبل أن يفعل الوالد أحد الأمرين بقي الحجّ عنه،سواء كان قبل تمكّنه من الحج بنفسه أم لا؛ لأنّ النذر لم ينحصر في حجّه حتى يعتبر تمكنه في وجوبه.

نعم،لو كان موته قبل تمكّن الأب من أحد الأمرين احتمل السقوط، كما عن الدروس (3)؛ لفوات متعلّق النذر قبل التمكّن منه،لأنّه أحد الأمرين

ص:241


1- المسالك 2:208.
2- نهاية المرام 2:363.
3- الدروس 1:318.

و الباقي منهما غير أحدهما الكلّي.

و العدم؛ لأنّ الحجّ عنه متعلّق النذر أيضاً،و هو ممكن.و اشتراط القدرة على جميع الأفراد المخيّر بينها في وجوب أحدها ممنوع،و إن هو حينئذٍ إلّا كما لو نذر الصدقة بدرهم من دراهمه،فإنّ متعلّقه أمر كلّي،و هو مخيّر في الصدقة بأيّها شاء،و لو فرض ذهابها إلّا درهماً واحداً وجب الصدقة به.و لعلّه أحوط بل و أجود وفاقاً للمسالك (1).

السادسة من جعل دابّته أو جاريته هدياً لبيت اللّه بيع ذلك و صرف ثمنه في معونة الحاجّ و الزائرين

السادسة: من جعل دابّته أو عبده أو جاريته هدياً لبيت اللّه تعالى فإن قصد مصرفاً معيّناً تعيّن،و إن أطلق بيع ذلك و صرف ثمنه في معونة الحاجّ و الزائرين للمعتبرة.

منها:الصحيح المرويّ كذلك في التهذيب في باب الزيادات من كتاب الحج:عن رجل جعل ثمن جاريته هدياً للكعبة،كيف يصنع؟قال:

«إنّ أبى أتاه رجل قد جعل جاريته هدياً للكعبة،فقال له:مر منادياً يقوم على الحجر فينادي:ألا من قصرت به نفقته،أو قطع به،أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان.فأمره أن يعطي أوّلاً فأوّلاً حتى يتصدّق بثمن الجارية» (2).

و الخبران في أحدهما:جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام فقال:إنّي أهديت جارية[إلى الكعبة]فأعطيت بها خمسمائة دينار،فما ترى؟قال:

«بعها ثمّ خذ ثمنها،ثمّ قم على حائط الحجر ثمّ ناد و أعط كلّ منقطع به، و كلّ محتاج من الحاجّ» (3).

ص:242


1- المسالك 2:208.
2- الكافي 4:2/242،التهذيب 5:1719/483،الوسائل 13:250 أبواب مقدمات الطواف ب 22 ح 7 باختلاف يسير.
3- الكافي 4:3/242،الوسائل 13:250 أبواب مقدمات الطواف ب 22 ح 8.

و في الثاني:إنّ قوماً قد أقبلوا من مصر،فمات رجل منهم،فأوصى بألف درهم للكعبة،فسأل أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن ذلك،فقال له:«إنّ الكعبة غنيّة عن هذا،انظر إلى من أمّ هذا البيت فقطع به،أو ذهبت نفقته،أو ضلّت راحلته،أو عجز أن يرجع إلى أهله فادفعها إلى هؤلاء الذين سمّيت لك» (1).

و قصورهما بالجهالة مجبور بأنّ في سنديهما من أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة،و هو أبان في الأوّل،و حمّاد بن عيسى في الثاني.

مع أنّهما معتضدان كالصحيحة بالشهرة العظيمة التي لا يوجد لها مخالف،بل الظاهر من الماتن في الشرائع و غيره الإجماع عليه (2)لكن في الثلاثة المذكورة دون غيرها من نحو الأمتعة و الأقمشة،حيث جعله خاصّة مورداً للخلاف في صحّة نذر إهداء غير النعم و فساده.

إلّا أنّ الظاهر من بعض المتأخّرين عدم الفرق بينه و بين الثلاثة في تحقّق الخلاف المزبور فيهما حيث قال:و لو نذر إهداء غير النعم قيل:

صرف ثمنه في معونة الحاجّ أو الزائرين كما في الصحيح الوارد في إهداء الجارية.و فيه قول بالبطلان؛ لما ورد فيمن قال أنا اهدي هذا الطعام:«أنّه ليس بشيء إنّما تُهدى البدن» (3)و في الصحيح:«ليس بشيء إنّ الطعام

ص:243


1- الكافي 4:1/241،التهذيب 9:841/212،الوسائل 13:249 أبواب مقدمات الطواف ب 22 ح 6.
2- الشرائع 3:191؛ و انظر القواعد 2:143.
3- الكافي 7:3/455،التهذيب 8:1126/303،الوسائل 23:294 أبواب النذر و العهد ب 1 ح 3.

لا يُهدى» (1)انتهى (2).

و هو كما ترى ظاهر في عدم الفرق الذي ذكرنا.

فكيف كان،فالقول بالبطلان في الثلاثة على تقدير وجوده فيها ضعيف غايته؛ لصراحة النصوص المتقدّمة في صحّتها مع سلامتها عن المعارض،عدا مفهوم الحصر في اولى الروايتين الأخيرتين.و هو مع مخالفته الإجماع كما صرّح به في المسالك (3)مردود بضعف الرواية الدالّة عليه سنداً و مكافاةً لما مضى من النصوص من وجوه شتّى.

و اختصاص الخبرين الأوّلين منها بالجارية غير ضائر بعد ثبوت التعدّي إلى أخويها من الإجماع في المسالك،و الرواية الثالثة المتضمّنة للعلّة العامّة،الموجبة لتلك التعدية و تعدية أُخرى هي:إلحاق المشاهد المشرّفة و الضرائح المقدّسة ببيت اللّه سبحانه في حكم المسألة.

و نسب التعديتين في التنقيح إلى الأصحاب (4)،مشعراً بدعوى الإجماع عليهما،و مع ذلك لم يخصّ التعدية الاُولى بإلحاق الجارية خاصّة بها،بل عمّم التعدية إلى غيرها بحيث يشمل ما عداهما ممّا جعله الماتن في الشرائع محلّ الخلاف (5).و تعميمها كذلك غير بعيد لولا الصحيحة الأخيرة؛ لما مرّ من الرواية المعتبرة المعلّلة،مع تصريحها بصحّة النذر بإهداء الدراهم التي ليست من الثلاثة.مع أنّه أحوط في الجملة.

ص:244


1- الكافي 7:12/441،الفقيه 3:1092/231،الوسائل 23:301 أبواب النذر و العهد ب 4 ح 1.
2- انظر إيضاح الفوائد 4:73،و كشف اللثام 2:238.
3- المسالك 2:213.
4- التنقيح الرائع 3:527.
5- الشرائع 3:191.
السابعة في رجل كانت عليه حجّة الإسلام،فأراد أن يحجّ فقال إن تزوّجت قبل أن أحجّ فغلامي حرّ،فبدأ بالنكاح تحرّر الغلام

السابعة: روى إسحاق بن عمّار في الموثّق به عن أبي إبراهيم عليه السلام في رجل كانت عليه حجّة الإسلام،فأراد أن يحجّ،فقيل له:

تزوّج ثم حجّ،فقال:إن تزوّجت قبل أن أحجّ فغلامي حرّ،فبدأ بالنكاح قبل أن يحجّ، فقال عليه السلام:«تحرّر الغلام» فقلت له:لم يرد بعتقه وجه اللّه تعالى،فقال:«إنّه نذر في طاعة اللّه تعالى،و الحجّ أحقّ من التزويج و أوجب عليه منه» قلت:إنّ الحجّ تطوّع،قال:«إن كان تطوّعاً فهو طاعة للّه عز و جل،قد أعتق غلامه» (1).

و أفتى بمضمونها في النهاية كما في التنقيح (2).

و فيه إشكال لا من حيث السند كما قيل (3)؛ لكونه من الموثّق، مع تضمّنه صفوان المجمع على تصحيح رواياته.بل من حيث المتن؛ لتضمّنه أوّلاً:الحكم بلزوم العتق،مع أنّ اللفظ لا يقتضي الالتزام به،لخلوّه عن صيغة النذر و العهد و اليمين.

و ثانياً:أنّ المملوك إنّما يتحرّر بصيغة العتق،فإذا نذر صيرورته حرّا فقد نذر أمراً ممتنعاً،فحقّه أن يقع باطلاً.

اللّهم إلّا أن يذبّ عن الأوّل بأنّ المراد بذلك اللفظ الإخبار عن الصيغة المقتضية للالتزام،يشهد له قوله عليه السلام:إنّه نذر في طاعة اللّه تعالى، لا أنّ هذا اللفظ هو الملزم.

و عن الثاني ب أن يكون المراد أنّه جعل العتق فيما بعد نذراً

ص:245


1- الكافي 7:7/455،التهذيب 8:1132/304،الإستبصار 4:165/48،الوسائل 23:305 أبواب النذر و العهد ب 7 ح 1.
2- النهاية:564،التنقيح الرائع 3:528.
3- نهاية المرام 2:366.

يعني نذر أنه يعتقه إن تزوّج.فإنّه حينئذٍ يصحّ النذر و يجب العتق و حصل التحرير به.و لعلّ المراد بقوله:فغلامي حرّ،أنّه حيث صار منذور العتق فكأنه قد صار حرّا؛ لأنّ مآله الحريّة.كذا بيّن وجه الإشكال مع الجواب.

و ظنّي دلالة الرواية على لزوم العتق المعلّق على الشرط،و قد مرّ في بحثه أنّه مذهب العامّة (1)،فيمكن حملها على التقيّة،سيّما مع كون الرواية عن مولانا الكاظم عليه السلام،و قد كانت التقيّة في زمانه في غاية الشدّة،و ربما يعضده سياق الرواية،فتدبّره تجده.

الثامنة في رجل نذر الحجّ و لم يكن له مال،فحجّ عن غيره،أ يجزي عن نذره

الثامنة: روى رفاعة في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام:في رجل نذر الحجّ و لم يكن له مال،فحجّ عن غيره،أ يجزي عن نذره؟فقال:

«نعم» (2) و قد أفتى بها أيضاً في النهاية (3).

و فيه أيضاً إشكال من حيث إنّ نذر الحجّ مطلقاً يوجب استقراره في ذمّة الناذر،فيفتقر إيقاعه إلى نيّة و قصد،لما تقرّر في افتقار كلّ عبادة إلى ذلك،و حجّه عن غيره ليس فيه قصد الحجّ عن نفسه بذلك الوجه الذي في ذمّته،فلا يقع مجزياً،كما ذهب إليه القاضي (4)و الأكثر.

و هو الأظهر؛ عملاً بالقاعدة المعتمد عليها المعتضدة بعملهم، فلا تعارضها الرواية و إن كانت صحيحةً،فلتطرح أو تؤوّل بما يؤول إليها، بأن تحمل إمّا على صورة العجز عن المنذور و استمراره كما في

ص:246


1- راجع ص 14.
2- التهذيب 8:1173/315،الوسائل 23:323 أبواب النذر و العهد ب 21 ح 1.
3- النهاية:567.
4- المهذب 2:412.

المختلف (1)،أو على ما أشار إليه الماتن بقوله: إلّا أن يقصد ذلك بالنذر أي يقصد في نذره الحجّ المطلق الشامل لحجّه عن نفسه و غيره، فإنّ ذلك لا يوجب تعيّن الحجّ في ذمّته عن نفسه بل أعمّ من الأمرين.

و حينئذٍ فلو حجّ عن غيره فقد أتى بالمنذور على وجهه؛ لأنّه أحد الأمرين الواجبين على التخيير بمقتضى نذره.

التاسعة من نذر ألّا يبيع خادماً أبداً لزمه الوفاء به

التاسعة: قيل و القائل الشيخ في النهاية (2)و تبعه القاضي (3):إنّه من نذر ألّا يبيع خادماً له أبداً لزمه الوفاء به و إن احتاج إلى ثمنه حاجةً ضروريةً و هو استناد إلى رواية بل روايتين،مضى الكلام عليهما في بحث اشتراط كون المنذور طاعةً مستقصًى (4).

و وصف الماتن لها بكونها مرسلةً غير واضح كما صرّح به جماعة (5)؛ لأنّها مسندة ضعيفة لا مرسلة.اللَّهم إلّا أن يريد بالإرسال الإضمار فيصحّ ما قاله؛ لأنّ إحداهما و إن كانت عن أبي الحسن عليه السلام مرويّة،إلّا أنّ الأُخرى في باب أقسام الأيام من الإستبصار مضمرة مروية، و إطلاق الإرسال على الإضمار شائع،فلا اعتراض على الماتن.

العاشرة العهد كاليمين يلزم حيث تلزم

العاشرة: اختلف الأصحاب في أنّ العهد هل هو كاليمين يلزم حيث تلزم فينعقد على المباح المتساوي الطرفين و ما لم يعلّق على شرط،أم كالنذر فلا يلزم إلّا على الطاعة و المعلّق على شرط؟الأصحّ

ص:247


1- المختلف:663.
2- النهاية:567.
3- انظر المهذب 2:412.
4- راجع ص 203.
5- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:530،و الفاضل الآبي في كشف الرموز 2:338،و ابن فهد في المهذب البارع 4:146.

الأوّل،وفاقاً للماتن هنا و في الشرائع،و الفاضل في الإرشاد،و شيخنا في المسالك (1)؛ عملاً بالعمومات الدالّة على لزوم الوفاء به من الآيات.

و تقييدها بما إذا كان متعلّقه طاعةً و مشروطاً يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة،كما سيأتي إليه الإشارة.

خلافاً للشيخ في النهاية،و الشهيد في الدروس و اللمعة و تبعه في الروضة (2)،فالثاني.

و حجّتهم عليه غير واضحة،عدا أصالة براءة الذمّة فيما عدا المتّفق عليه،و مفهوم الرواية:«من جعل عليه عهد اللّه سبحانه و ميثاقه في أمر [للّه]طاعة،فحنث،فعليه عتق رقبة،أو صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكيناً» (3).

و الأولى مخصّصة بما مرّ من عموم الأدلّة.و الرواية ضعيفة لتخصيصها غير صالحة،و مع ذلك بمثلها معارضة و فيه:عن رجل عاهد اللّه تعالى في غير معصية،ما عليه إن لم يف بعهده؟قال:«يعتق رقبة،أو يتصدّق بصدقة،أو يصوم شهرين متتابعين» (4).

فعلّق الكفارة على العهد في غير معصية الشامل للمباح و المكروه و ما هو خلاف الأولى من المباح،إلّا أنّ الأخيرين خارجان بالإجماع كما في المسالك (5)،فيبقى الأوّل.

ص:248


1- الشرائع 3:193،الإرشاد 2:96،المسالك 2:216.
2- النهاية:563،الدروس 2:157،اللمعة(الروضة البهية 3):48.
3- التهذيب 8:1170/315،الإستبصار 4:187/54،الوسائل 22:395 أبواب الكفارات ب 24 ح 2.
4- التهذيب 8:1148/309،الإستبصار 4:189/55،الوسائل 22:395 أبواب الكفارات ب 24 ح 1.
5- المسالك 2:216.

نعم،ربما أيّد ما ذكروه بعض النصوص الواردة في العهد على ترك المتعة (1)،الظاهرة في ترادفه مع النذر،و كون كفّارته كفّارة النذر على الأشهر الأظهر.لكنّهما غير صالحين لتخصيص العموم،سيّما مع قصور سند الأوّل.

و تظهر ثمرة الخلاف فيما مرّ،و في توقّفه على إذن من يعتبر إذنه على القول الأوّل دون الثاني إن قلنا بعدم توقّف النذر على إذنهم،و إلّا فلا ثمرة هنا،كما لا ثمرة فيما مرّ من المقامين أيضاً إن قلنا بانعقاد النذر في المباح المتساوي الطرفين،و المتبرّع به الغير المعلّق على شرط كما هو الأظهر.و لكن الأوّلان خلافه،فيتحقّق فيهما الثمرة.

و لو تعلّق العهد بما الأعود الأنفع له مخالفته ديناً أو دنيا خالف ذلك إن شاء و لا كفّارة عليه،بلا خلاف ظاهر؛ و وجهه واضح، لثبوت الحكم في اليمين و النذر إجماعاً فتوًى و نصّاً،و هو لا يخلو عن أحدهما إجماعاً،فليكن الحكم فيه أيضاً ثابتاً.و الحمد للّه تعالى.

ص:249


1- الكافي 5:7/450،التهذيب 7:1083/251،الإستبصار 3:510/142،الوسائل 21:16 أبواب المتعة ب 3 ح 1.

ص:250

كتاب الصيد و الذبائح

اشارة

كتاب الصيد و الذبائح و الكلام فيه يقع في مقامين:

الأول:في الصيد.

اعلم أنّ له في الشرع معنيين:أحدهما:إثبات اليد على الحيوان الممتنع بالأصالة.و الثاني:إزهاق روحه بالآلة المعتبرة فيه من غير تذكية، و كلاهما مباح بالكتاب و السنّة و إجماع الأُمّة،كما حكاه جماعة (1).

قال اللّه سبحانه أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً [1] (2)و قال اللّه تعالى وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا [2] (3)و قال عزّ من قائل وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ [3] (4).

ص:251


1- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:217،و السبزواري في الكفاية:244،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:252.
2- المائدة:96.
3- المائدة:2
4- المائدة:4.

و أمّا السنّة فمتواترة يأتي إليه الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.

و آلة الإزهاق إمّا جماد أو حيوان.

أمّا الأوّل:فلا

الصيد

يؤكل من الصيد ما قتله السيف و الرمح و السهم و الكلب المعلم

يؤكل من الصيد المقتول به إلّا ما قتله السيف و الرمح و السهم و نحوهما مما اشتمل على نصل،بلا خلاف في المستثنى منه؛ هو الحجّة،مضافاً إلى أصالة الحرمة المستفادة من الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،الدالّة عليها في الصيد الذي لا يعلم زهاق روحه بالآلة المعتبرة و إن كانت له جارحة.

منها:الصحيحان:عن الرميّة يجدها صاحبها،أ يأكلها؟قال:«إن كان يعلم أنّ رميته هي التي قتلته فليأكل» (1).

و نحوهما الموثّق بزيادة:«و إلّا فلا يأكل منه» (2).

و في الصحيح:صيد وجد فيه سهم،و هو ميّت لا يدري من قتله، قال:«لا تطعمه» (3).

و خصوص الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الناهية عن أكل ما قتله الحجر و البندق (4).

و على الأظهر الأشهر في المستثنى،بل عليه عامّة أصحابنا إلّا ما

ص:252


1- الأوّل في:الكافي 6:7/210،الوسائل 23:365 أبواب الصيد ب 18 ح 1.الثاني في:الكافي 6:3/210،الفقيه 3:917/202،التهذيب 9:135/34،الوسائل 23:365 أبواب الصيد ب 18 ح 2.
2- الكافي 6:4/210،التهذيب 9:136/34،الوسائل 23:366 أبواب الصيد ب 18 ح 3.
3- الكافي 6:8/211،الفقيه 3:929/20،التهذيب 9:141/35،الوسائل 23:368 أبواب الصيد ب 19 ح 1.
4- انظر الوسائل 23:373 أبواب الصيد ب 23.

يحكى في المختلف و التنقيح و الدروس عن الديلمي (1)من جعله في حكم ما قتلته الثلاثة و ما في حكمها،حكم ما قتله الفهد و الصقر في الاحتياج إلى التذكية،و نسبه المشهور إلى الرواية.

و في صحّة الحكاية مناقشة:فإنّ عبارته المحكية في المختلف (2)و إن أوهمتها إلّا أنّها كالصريحة في الموافقة للأصحاب من الإباحة بدون التذكية لكن مع الكراهة،و لذا إنّ جملة من الأصحاب نفوا الخلاف في المسألة (3)، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه (4)؛ و هو الحجة المخصّصة لأصالة الحرمة، مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

منها زيادة على ما مرّ إليه الإشارة الصحاح،في أحدها:«كُلْ من الصيد ما قتله السيف و السهم و الرمح» (5).

و في الثاني:عن الصيد يرميه الرجل بسهم،فيصيبه معترضاً،فيقتله و قد كان سمّى حين رمى و لم تصبه الحديدة؟فقال:«إن كان السهم الذي أصابه هو الذي قتله،فإن أراد فليأكله» (6).

و في الثالث:عن الصيد يصيبه السهم معترضاً،و لم يصبه بحديدة، و قد سمّى حين رمى،قال:«يأكله إذا أصابه و هو يراه» (7).

ص:253


1- المختلف:675،التنقيح الرائع 4:4،الدروس 2:397.
2- المختلف:676.
3- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:4،و السبزواري في الكفاية:245.
4- كالشهيد الثاني في المسالك 2:218 و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:252.
5- الكافي 6:1/209،التهذيب 9:137/34،الوسائل 23:362 أبواب الصيد ب 16 ح 2.
6- الكافي 6:4/212،الفقيه 3:921/203،التهذيب 9:132/33،الوسائل 23:371 أبواب الصيد ب 22 ح 2.
7- الكافي 6:5/213،التهذيب 9:146/36،الوسائل 23:371 أبواب الصيد ب 22 ح 3.

و يستفاد منهما حلّ المقتول بالآلة مطلقاً سواء جرحته أم لا،و به صرّح جماعة من أصحابنا (1)،بل عليه في ظاهر المسالك إجماعنا (2)؛ و هو حجّة أُخرى مؤيّدة كالسابقة بإطلاقات الفتاوى و كثير من النصوص المتقدّمة.و إنّما لم تكن حجّة ثالثةً مع كون الإطلاق حجّة لعدم انصرافه إلى مفروض المسألة.

و يحلّ عند الأصحاب ما قتله المعراض إذا خرق و لو يسيراً فمات به،دون ما إذا لم يخرق؛ للنصوص.

منها الصحيح:«إذا رميت بالمعراض فخرق فكل،و إن لم يخرق و اعترض فلا تأكل» (3).

و في النبوي في المعراض:«إن قتل بحدّه فكل،و إن قتل بثقله فلا تأكل» (4).

و في عدّة من المعتبرة و فيها الصحيح و غيره:«إنّ المعراض إذا كان مرماة،أو لم يكن له نبل غيره فلا بأس بأكل ما صيد به» (5).

لكنها شاذّة،كالمرسل المرويّ في الفقيه:في رجل كان له نبال ليس فيها حديد،و هي عيدان كلّها،فيرمي بالعود،فيصيب وسط الطير معترضاً، فيقتله و يذكر اسم اللّه تعالى،و إن لم يخرج دم،و هي نبالة معلومة،فيأكل

ص:254


1- كالعلّامة في القواعد 2:150،و السبزواري في الكفاية:244،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:252.
2- المسالك 2:218.
3- الكافي 6:3/212،التهذيب 9:143/35،الوسائل 23:370 أبواب الصيد ب 22 ح 1.
4- سنن أبي داود 3:2854/110،سنن ابن ماجة 2:3214/1072؛ بتفاوت يسير.
5- انظر الوسائل 23:370 أبواب الصيد ب 22.

منه إذا ذكر اسم اللّه عزّ و جلّ (1).

مضافاً إلى إرساله و قصور متنه.

و المعراض كمحراب:سهم بلا ريش،دقيق الطرفين،غليظ الوسط، يصيب بعرضه دون حدّه.

و لو أصاب السهم معترضاً و قتل الصيد حلّ إن كان فيه حديدة و إن لم يكن القتل بها؛ لما مضى.

و لو خلا منها لم يؤكل إلّا أن يكون حادّاً فخرق و قتل،فيؤكل حينئذٍ كالمقتول بالمعراض،بلا خلاف.

و أمّا الثاني:فلا يحلّ بكلّ ما صيد به،بل على التفصيل المشار إليه بقوله:

و كذا يؤكل من الصيد ما يقتله الكلب المعلّم خاصّة دون غيره من الكلاب الجوارح الغير المعلّمة،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و بالإجماع عليه صرّح جماعة (2)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الكتاب و السنّة المستفيضة بل المتواترة.

ففي الصحيح«ما قتلت من الجوارح مكلّبين،و ذكر اسم اللّه عليه فكلوا من صيدهنّ،و ما قتلت الكلاب التي لم تعلّموها من قبل أن تدركوه فلا تطعموه» (3).

و سيأتي إلى جملة منها زيادة على ذلك الإشارة.

ص:255


1- الفقيه 3:927/204،الوسائل 23:373 أبواب الصيد ب 22 ح 10.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:217،و السبزواري في الكفاية:244،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:252.
3- الكافي 6:5/203،التهذيب 9:90/23،الوسائل 23:346 أبواب الصيد ب 7 ح 1.

و إطلاقهما بل عمومهما كالعبارة و نحوها من عبائر الجماعة (1)، يقتضي عدم الفرق في الكلب بين السلوقي منه و غيره حتّى الأسود،و به صرّح جماعة (2).خلافاً للإسكافي فخصّه بما عدا الأسود (3)تبعاً لبعض الشافعية و أحمد (4)؛ للخبر:«الكلب الأسود البهيم لا يؤكل صيده؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر بقتله» (5).

و هو شاذّ،و مستنده ضعيف سنداً و مقاومةً لما مضى من وجوه شتّى، مع احتماله التقية،سيّما مع كون الراوي السكوني الذي هو من قضاة العامّة.و العجب عن المختلف في جوابه عن الخبر بأنّه لم يثبت عندنا (6)، مع أنّه مروي عن طرقنا أيضاً.

و لا يؤكل ما قتله الفهد و غيره من جوارح البهائم،و لا ما قتله العقاب و غيره من جوارح الطير على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر، و في الانتصار و الغنية و السرائر الإجماع عليه من الإمامية (7)؛ و هو الحجّة، مضافاً إلى أصالة الحرمة المؤسّسة بما قدّمناه من الأدلّة مع اختصاص أدلّة الإباحة من الكتاب و السنّة بالكلاب خاصّة،مع دلالة الأوّل بمفهوم القيد المعتبر على نفيها عمّا عدا محلّ القيد،فيكون من أدلّة الحرمة كالأصل.

ص:256


1- انظر الجامع للشرائع:381،و الدروس 2:393،و المفاتيح 2:206.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:218،و السبزواري في الكفاية:245،و الكاشاني في المفاتيح 2:208،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:252.
3- حكاه عنه في المختلف:675.
4- كما في شرح النووي(هامش إرشاد الساري 8):134.
5- الكافي 6:20/206،التهذيب 9:340/80،الوسائل 23:356 أبواب الصيد ب 10 ح 2.
6- المختلف:675.
7- الانتصار:182،الغنية(الجوامع الفقهية):617،السرائر 3:82.

و نحوهما الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح:قلت:فالفهد؟قال:«إن أدركت ذكاته فكل» قلت:

أ ليس الفهد بمنزلة الكلب؟فقال:«ليس شيء مكلّب إلّا الكلب» (1).

و فيه:ما تقول في البازي و الصقر و العقاب؟فقال:«إن أدركت ذكاته فكل منه،و إن لم تدرك ذكاته فلا تأكل» (2).

و فيه:«أمّا ما قتله الطير فلا تأكله إلّا أن تذكّيه،و أمّا ما قتله الكلب و قد ذكرت اسم اللّه تعالى عليه فكل و إن أكل منه» (3).

و في الحسن:عن صيد البزاة و الصقور و الكلب و الفهد،فقال:

«لا تأكل صيد شيء من هذه إلّا ما ذكيتموه،إلّا الكلب المكلّب» الخبر (4).

خلافاً للعماني (5)،حيث أحلّ صيد ما أشبه الكلب من الفهد و النمر و غيرهما؛ لعموم الآية،و للصحاح:«الكلب و الفهد سواء» (6).

و خصّها الشيخ بموردها تارةً أعني الفهد محتجّاً بأنّه يسمّى كلباً لغةً،و حملها على التقيّة أُخرى،و على الضرورة ثالثة (7).

ص:257


1- الكافي 6:4/203،التهذيب 9:106/26،الوسائل 23:343 أبواب الصيد ب 6 ح 1.
2- الكافي 6:7/208،التهذيب 9:128/32،الإستبصار 4:264/72،الوسائل 23:352 أبواب الصيد ب 9 ح 11.
3- الكافي 6:15/205،التهذيب 9:99/25،الإستبصار 4:247/68،الوسائل 23:349 أبواب الصيد ب 9 ح 2.
4- الكافي 6:9/204،التهذيب 9:94/24،الوسائل 23:348 أبواب الصيد ب 9 ح 1.
5- حكاه عنه في التنقيح الرائع 4:5.
6- انظر الوسائل 23:343 أبواب الصيد ب 6.
7- التهذيب 9:28،29.

و خيرها أوسطها؛ لما مضى من الصحيح المتضمّن بعد السؤال عن الفهد:أ ليس بمنزلة الكلب لقوله عليه السلام:«ليس شيء مكلّب الّا الكلب» .و به يظهر الجواب عن عموم الآية،مضافاً إلى ما مرّ إليه الإشارة، و خصوص الصحيح في تفسيرها:هي الكلاب خاصّة (1).و عن حجّة الشيخ المتقدّمة بكون الفهد داخلاً في الآية،لكونه كلباً لغةً.

هذا مع أنّ كونه كلباً لغةً محل مناقشة،فقد ذكر في صحاح اللغة:أنّ الكلب معروف،و هو النابح (2).و لا يعارضه ما في القاموس:أنّه كل سبع عقور (3)؛ لمرجوحية كلامه عند التعارض مع الجوهري،مع أنّه قال بعد ذلك:و غلب على هذا النابح.و لعلّه يدل على كونه منقولاً لغوياً،فتأمّل.

هذا،و لو سلّم كونه حقيقةً فيه لغةً نقول:إنّها معارض بالعرف جدّاً؛ لكون الكلب فيه حقيقةً في النابح خاصةً،لوجود أماراتها فيه،و أمارة المجاز في غيره جدّاً،و هو مقدّم عليها كما مضى مراراً.

و أمّا ما دلّ على حلّ البزاة و الصقور من الصحاح و غيرها (4)،فحمله على التقية متعيّن،لمنافاته الصحاح السابقة،و للصحيح:«كان أبي يفتي، و كان يتّقي،و كنّا نحن نفتي و نخاف في صيد البزاة و الصقور،فأمّا الآن فإنّا لا نخاف،و لا يحلّ صيدها إلّا أن يدرك ذكاته،فإنّه لفي كتاب علي عليه السلام إنّ اللّه تعالى قال ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ [1] فسمّى الكلاب» (5).

ص:258


1- الكافي 6:1/202،التهذيب 9:8/22،الوسائل 23:331 أبواب الصيد ب 1 ح 1.
2- الصحاح 1:213.
3- القاموس 1:130.
4- انظر الوسائل 23:353 أبواب الصيد ب 9 الأحاديث 16،17،18.
5- الكافي 6:1/207،التهذيب 9:130/32،الإستبصار 4:266/72،الوسائل 23:349 أبواب الصيد ب 9 ح 3.

و في خبر آخر:«كان أبي يفتي في زمن بني أُميّة:أنّ ما قتل الباز و الصقر فهو حلال و كان يتّقيهم،و أنا لا أتّقيهم،فهو حرام ما قتل» (1).

هذا،و بالجملة لا ريب في حرمة صيد ما عدا الكلب المعلّم مطلقاً إلّا أن يدرك حيّاً و يذكّى و غاية ما يحصل به إدراك ذكاته بأن يجده و رجله تركض أو عينه تطرف.و ضابطه حركة الحياة و سيأتي إن شاء اللّه تعالى تمام الكلام في المقام في المسألة الرابعة من مسائل الأحكام (2).

و ما ذكره الماتن هنا مناف لما اختاره ثمة من اعتبار استقرار الحياة، إلّا أن يفسّر بما هنا كما عن ابن حمزة (3)،لكنّه خلاف ظاهر الأكثر كما سيظهر.بل في المختلف و التنقيح عن المبسوط (4)تفسيره ببقاء الحياة يوماً أو بعض يوم.

و يشترط في الكلب أن يكون معلّماً بحيث يسترسل و ينطلق إذا أُغري و أُرسل و ينزجر و يقف عن الاسترسال إذا زجر عنه، و ألّا يعتاد أكل صيده بلا خلاف في الشرطين الأوّلين و إن اختلفوا في إطلاق الثاني،كما في ظاهر العبارة و عن الأكثر (5)،أو اختصاصه بما إذا لم يكن بعد إرساله

ص:259


1- الكافي 6:8/208،التهذيب 9:129/32،الإستبصار 4:265/72،الوسائل 23:352 أبواب الصيد ب 9 ح 12.
2- في ص 288.
3- الوسيلة:356.
4- المختلف:676،التنقيح 4:7.
5- المسالك 2:218،و كشف اللثام 2:252.

على الصيد،كما اختاره الشهيدان و غيرهما (1)تبعاً للفاضل في التحرير (2).

و ليس ببعيد؛ لدلالة العرف عليه و هو الأصل في إثبات هذه الشروط،لعدم دليل عليه سواه بعد الإجماع.

و على الأظهر في الثالث،و هو الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر، و في الانتصار و الخلاف و ظاهر المختلف و كنز العرفان الإجماع عليه (3)، و على أنّه لا عبرة ب الأكل على سبيل الندرة كما صرّح به أرباب هذا القول كافّة؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى ما استدل به ناقله الأوّل حيث قال بعده:لأنّ أكل الكلب من الصيد إذا تردّد و تكّرر دلّ على أنّه غير معلّم،و التعليم شرط في إباحة صيد الكلب بلا خلاف،و بدلالة قوله تعالى وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ [1] (4)و إذا تتابع أكل الكلب من الصيد دلّ على أنّه غير معلّم، فلا يحلّ أكل صيده،و لأنّه إذا توالى أكله منه لا يكون ممسكاً على صاحبه بل يكون ممسكاً على نفسه.

و قول المخالف لنا إنّ الكلب متى أكل يخرج عن أن يكون معلّماً، ليس بشيء؛ لأنّ الأكل إذا شذّ به و ندر لم يخرج به عن أن يكون معلّماً، أ لا ترى أنّ العاقل منّا قد يقع منه الغلط فيما هو عالم به و محسن له على سبيل الندرة من صياغة و كتابة و غيرهما،و لا يخرج عن كونه عالماً؟!فالبهيمة مع فقد العقل بذلك أحقّ.انتهى (5).

ص:260


1- الشهيدان في الدروس 2:393،و المسالك 2:218؛ و انظر المفاتيح 2:210.
2- التحرير 2:154.
3- الانتصار:182،الخلاف 2:515،المختلف:675،كنز العرفان 2:309.
4- المائدة:4.
5- الانتصار:185.

هذا،مع أنّ فيه جمعاً بين الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الدالّة على عدم البأس بأكل ما أكله الكلب على الإطلاق (1)،و المعتبرة المستفيضة الدالة على النهي عنه كذلك (2)،بحمل الأوّلة على صورة الندرة، و الثانية على صورة التساوي أو الغلبة.و ربما أشعرت باختصاصها بهذه الصورة؛ لما فيها من التعليل بعدم الإمساك على المرسل بل على نفسه.

ففي صحاحها:«إذا أكل فلم يمسك عليك،إنّما أمسك على نفسه» (3).

و في بعضها:«إذا أمسكه و أكل منه فلا تأكل،فإنّه أمسكه على نفسه» (4)فتدبر و تأمّل.

خلافاً للصدوقين (5)و جماعة (6)،فقالوا:إنّ عدم الأكل ليس بشرط؛ للصحاح الأوّلة.و في قولهم اطراح للنصوص الأخيرة.

و الذبّ عنه بحملها على التقيّة،كما يظهر من الصحيح:قلت:إنّهم يقولون:إذا أكل منه فإنّما أمسك على نفسه فلا تأكل،قال:«كل،أو ليس قد جامعوكم على أنّ قتله ذكاته؟» قال:قلت:بلى،قال:«فما يقولون في شاة ذبحها رجل،أذكاها؟» قال:قلت:نعم،قال:«فإنّ السبع جاء بعد ما

ص:261


1- الوسائل 23:333 أبواب الصيد ب 2.
2- الوسائل 23:337 338 أبواب الصيد ب 2 الأحاديث 16،17،18.
3- التهذيب 9:111/27،الإستبصار 4:252/69،الوسائل 23:338 أبواب الصيد ب 2 ح 17.
4- التهذيب 9:113/28،الوسائل 23:338 أبواب الصيد ب 2 ح 18.
5- الصدوق في المقنع:138،و حكاه عن والده في المختلف:689.
6- منهم:ابن أبي عقيل حكاه عنه في المختلف:689،و السبزواري في الكفاية:245،و الكاشاني في المفاتيح 2:211.

ذكّي فأكل بعضها،أ يؤكل البقية؟»[قلت:نعم،قال:]«فإذا أجابوك إلى هذا فقل لهم:كيف تقولون:إذا ذكّى هذا و أكل منها لم تأكلوا منها،و إذا ذكّى هذا و أكل أكلتم» (1).

مدفوع بأنّ في بعضها ما ينافي حمله و هو حصر المنع عن أكل ما قتله الفهد.

ففي الموثق كالصحيح بل ربّما عدّ من الصحيح:«لا بأس أن تأكلوا ممّا أمسك الكلب ممّا لم يأكل الكلب[منه]فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه» قال:و سألته عن صيد الفهد و هو معلّم للصيد،فقال:

«إن أدركته حيّاً فذكّه و كُلْه،و إن قتله فلا تأكل منه» (2).

و هو مناف للحمل المزبور؛ لتحليلهم ما فيه منع عنه.

و للإسكافي،ففرّق بين أكله منه قبل موت الصيد و بعده (3)،و جعل الأوّل قادحاً في التعليم دون الثاني.و هذا أضعف من سابقه؛ لأنّ فيه إمّا اطراحاً لجميع النصوص حيث لم يقل بإطلاق شيء من قسميها،أو جمعاً بينهما بما لا وجه له و لا شاهد عليه أصلاً،فلا يمكن أن يكون به مفتياً.

و ليس كذلك الجمع الذي اخترناه؛ لوضوح الشاهد عليه من الإجماع المنقول (4)المعتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة.و بها يمكن ترجيح هذا الجمع و لو فرض فقد

ص:262


1- الكافي 6:6/203،التهذيب 9:91/23،الإستبصار 4:253/69،الوسائل 23:333 أبواب الصيد ب 2 ح 1.
2- التهذيب 9:110/27،الإستبصار 4:251/69،الوسائل 23:337 أبواب الصيد ب 2 ح 16.
3- كما حكاه عنه في المختلف:675.
4- المتقدّم في ص 258.

الإجماع المنقول،لأنّها من أعظم المرجّحات الاجتهادية.هذا مضافاً إلى حجّة المرتضى بعده المتقدّمة (1).و بالجملة:لا ريب عند الأحقر فيما ذهب إليه الأكثر.

و اعلم أنّ هذه الأُمور لا بُدّ من تكرّرها مرّةً بعد مرة أُخرى،ليغلب على الظنّ تأدّب الكلب بها،فيصدق عليه في العرف كونه مكلّباً.و الأولى أن لا يقدّر المرّات بعدد كما فعله جماعة (2)،بل يرجع إلى العرف و أهل الخبرة.

و اعلم أنَّ استعمال آلة الصيد حيواناً كانت أو جماداً نوع من التذكية،فيشترط فيه ما يشترط فيها،بلا خلاف أجده؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى أصالة الحرمة المتقدّمة،مع اختصاص أدلّة الإباحة كتاباً و سنةً بحلّ ما اجتمعت فيه شروط التذكية.

و إطلاق بعضها غير شامل لما عداه؛ لوروده لبيان حكم آخر غيرها، فلا يكون حجّة.هذا،مع أنّ الحجّة على اعتبار كلّ من الشرائط الآتية بالخصوص قائمة.

ف

يعتبر في المرسل أن يكون مسلماً،أو بحكمه قاصدا مسميا

يعتبر في المرسل للكلب و ما في حكمه أن يكون مسلماً،أو بحكمه كولده المميّز الغير البالغ ذكراً كان أو أُنثى.فلو أرسل الكافر لم يحلّ و إن سمّى أو كان ذميّاً،على الأقوى،بل عليه في الانتصار إجماعنا (3)؛ لما مضى،مضافاً إلى ما سيأتي في الذبيحة.و كذا الناصب من

ص:263


1- في ص 258.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:218،و السبزواري في الكفاية:245،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:211.
3- الانتصار:189.

المسلمين و المجسّمة،أمّا غيرهما من المخالفين ففي حلّ صيده الخلاف الآتي ثمّة.

و لا يحلّ صيد الصبي غير المميّز و لا المجنون؛ لاشتراط القصد الممتنع عنهما كما يأتي،مضافاً إلى الأصل الماضي.و مقتضاه و إن كان حرمة صيد المميّز أيضاً،إلّا أنّه خارج بالإجماع ظاهراً،و بما سيأتي في الذبيحة من النصّ و الفتوى المبيحين لذبيحته،فيدلان على إباحة صيده بطريق أولى،لأنّه يغتفر في الصيد ما لا يغتفر فيها.مع أنّه في حكمها كما مضى.

و أمّا الأعمى فإن تصوّر فيه قصد الصيد المشترط في إباحته حلّ صيده،و إلّا فلا.

و أن يكون مرسلاً و قاصداً بإرساله الصيد فلو استرسل الكلب بنفسه من غير أن يرسله،أو أرسله لكن لا بقصد الصيد،كما إذا رمى سهماً إلى هدف فصادف صيداً فقتله،أو أرسله لكن مقصوده ليس محلّلاً كما لو ظنّه خنزيراً فأصاب محلّلاً لم يحلّ،بلا خلاف ظاهر،بل عليه الإجماع في الأوّل في الخلاف (1).

للخبر:«إذا أرسلت كلبك فكل» (2)حيث قيّد تجويز الأكل بالإرسال، فلا يجزي الاسترسال،و لا مع عدم القصد،لأنّه في قوّته.

قيل:و فيه نظر (3).و لعلّ وجهه إمّا قصور السند.و ليس بوجه؛ لانجباره بالعمل.أو ضعف الدلالة بقوّة احتمال ورود الشرط مورد الغالب،

ص:264


1- الخلاف 6:16.
2- الخلاف 6:17،المستدرك 16:112 أبواب الصيد ب 11 ح 3.
3- المفاتيح 2:212.

فلا عبرة بمفهومه.و هو وجيه،إلّا أنّ الأصل المتقدّم المعتضد بعدم الخلاف دليل في المقامين قويّ.

و ربّما اعتضد بظاهر الخبر:عن كلب أفلت،و لم يرسله صاحبه، فصاد فأدركه صاحبه و قد قتله،أ يأكل منه؟قال:

«لا» (1).و فيه نظر؛ لاحتمال استناد المنع فيه عن الأكل إلى عدم التسمية، لا إلى الاسترسال،فلا دلالة فيه على اعتبار الإرسال.بل ربما كان في ذيله ما يشعر بعدم اعتباره و أنّ الوجه في المنع عن الأكل المتقدّم هو ما ذكرناه من الاحتمال،و هو قوله بعد ما مرّ:و قال عليه السلام:«إذا صاد و قد سمّى فليأكل، و إن صاد و لم يسمّ فلا» الخبر.

و لعلّه لذا إنّ في الكفاية بعد مناقشته في الحكم المستند في كلام بعض الأصحاب إلى الرواية التي مرّ إلى النظر فيها الإشارة و تضعيفها، عارضها بهذه الرواية (2).

و فيه مناقشة؛ لابتناء المعارضة على وضوح دلالة هذه الرواية على عدم اعتبار الإرسال.و ليس بواضح؛ لاحتمال أن يكون المراد بالذيل و التتمة الدالّة على جعل المعيار في الإباحة هو التسمية،الكناية عن اعتبارها مع الإرسال المصاحب لها غالباً،سيّما على القول بكون وقتها عنده لا مطلقاً.فتأمّل جدّاً.

و المعتبر قصد الجنس المحلّل لا عينه.فلو أرسل كلبه أو سهمه على

ص:265


1- الكافي 6:16/205،الفقيه 3:914/202،التهذيب 9:100/25،الوسائل 23:356 أبواب الصيد ب 11 ح 1،و للخبر ذيلٌ سيشير إليه المصنف،و أورده في الوسائل 23:356 أبواب الصيد 12 ح 1.
2- الكفاية:245.

صيد معيّن فقتل غيره حلّ؛ لتحقّق القصد،و لصريح الخبر المنجبر قصور سنده بابن محبوب الراوي عن موجبه:عن رجل سمّى و رمى صيداً، فأخطأه و أصاب آخر،فقال:«يأكل منه» (1).

إلّا أنّه يوجد في نسخة مروية في التهذيب:«لا يأكل» لكن النسخة الأُولى مرويّة في الكافي و التهذيب في نسختها الأُخرى،فهي أقوى.

و أنّ يكون مسمّياً عند الإرسال لما مرّ،مضافاً إلى عموم وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ [1] (2)و نحوه من النصوص (3)،و خصوص بعضها.

و في الكلب خاصّة قوله سبحانه فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ [2] (4).و في الصحيح:«من أرسل كلبه و لم يسمّ فلا يأكله» (5).

و لا خلاف فتوًى و نصاً في إجزائها إذا وقعت عند الإرسال.أمّا بينه و بين عضّ الكلب ففيه خلاف.و الأصحّ الإجزاء،وفاقاً للشهيدين و غيرهما (6)؛ للعمومات سيّما الآية الأخيرة.بل هو أولى بالإجزاء؛ لقربه من وقت التذكية.

ص:266


1- الكافي 6:1/215،التهذيب 9:160/38،الوسائل 23:380 أبواب الصيد ب 27 ح 1.
2- الأنعام:121.
3- انظر الوسائل 24:أبواب الذبائح ب 27 الأحاديث 18،31،37.
4- المائدة:4.
5- التهذيب 9:109/27،الوسائل 23:358 أبواب الصيد ب 12 ح 5.
6- الشهيدان في الدروس 2:395،و الروضة 7:99،و المسالك 2:219؛ و انظر الكفاية:245،و المفاتيح 2:209.

و أمّا الصحيح:في الرجل يسرح كلبه المعلّم،و يسمّي إذا سرحه، فقال:«يأكل ممّا أمسك عليه» (1).

فلا دلالة فيه على تعيين وقت الإرسال لذلك؛ لوقوع التخصيص في كلام السائل،و هو لا يخصّص.

خلافاً لظاهر العبارة هنا و في الشرائع و كثير،حيث قيّدوه بعند الإرسال (2).

و وجهه غير واضح سوى الأخذ بالمتيقّن المجمع عليه و الرجوع في غيره إلى الأصل المبرهن عليه فيما سلف.و هو حسن لولا قيام المخصّص له المتقدّم،و به يلحق مورد الشك بالمتيقّن.

و كيف كان فلو كان تركها عمداً لم يؤكل صيده إجماعاً؛ للنهي عنه حينئذٍ المقتضي للتحريم.

و يؤكل لو نسي إذا اعتقد الوجوب و لم يذكر قبل الإصابة بلا خلاف؛ للخبرين،في أحدهما:«إذا أرسل كلبه و نسي أن يسمّي،فهو بمنزلة من ذبح و نسي أن يسمّي.و كذلك إذا رمى بالسهم و نسي أن يسمّي» (3).

و في الثاني:«كل ما أكل الكلب إذا سمّيت عليه،فإن كنت ناسياً فكل

ص:267


1- الكافي 6:4/203،التهذيب 9:106/26،الوسائل 23:340 أبواب الصيد ب 4 ح 1.
2- الشرائع 3:200؛ و انظر التحرير 2:154،و التبصرة:163،و الجامع للشرائع:381.
3- الكافي 6:18/206،الفقيه 3:915/202،التهذيب 9:102/25،الوسائل 23:357 أبواب الصيد ب 12 ح 2.

منه أيضاً» (1).

هذا مضافاً إلى ثبوت هذا الحكم في الذبيحة بالصحيح و غيره (2)، و هو يستلزم ثبوته هنا بالأولويّة المتقدّم إلى وجهها الإشارة.

و على العمد ينزّل إطلاق النهي عمّا لم يسمّ عليه في الآية و الصحيح:

«من أرسل كلبه و لم يسمّ فلا يأكله» (3).

أمّا إذا لم يعتقد الوجوب أو تذكر قبل الإصابة فتركها لم يؤكل؛ لبقاء محل الوجوب بعد في الثاني على المختار،فيكون كمتعمّد الترك عند الإرسال.و كذا على غيره،كما صرّح به شيخنا الشهيد الثاني،حيث حصر محل الخلاف السابق في محل التسمية في المتذكّر عند الإرسال،و أمّا الذاهل عنها حينه المتفطّن لها قبل الإصابة فلم يجعل وجوب التسمية فيه محل الخلاف،بل قطع به في المسالك و الروضة مشعراً بدعوى الإجماع عليه (4)،و هو الحجّة فيه مطلقاً كأصالة الحرمة.

و اختصاص أدلّة الإباحة مع نسيان التسمية بحكم التبادر بمعتقد وجوبها لا غيره،في الأوّل.

و هذا القيد و إن لم يذكره الماتن في الشرائع و لا غيره (5)عدا الشيخ في النهاية و الحلّي في السرائر و القاضي (6)إلّا أنّ الظاهر بحكم ما مرّ من

ص:268


1- الكافي 6:13/205،التهذيب 9:97/24،الإستبصار 4:245/68،الوسائل 23:358 أبواب الصيد ب 12 ح 4.
2- انظر الوسائل 24:29 أبواب الذبائح ب 15.
3- تقدّم مصدره في ص 264 الرقم(5).
4- المسالك 2:219،الروضة 7:200.
5- الشرائع 3:200،و الجامع للشرائع:383.
6- النهاية:581،السرائر 3:83،القاضي في المهذّب 2:438.

التبادر إرادته،و أنّ تركه حوالة إلى الظهور من الخارج.فما يظهر من التنقيح من التردّد في اعتباره حيث حكم بأنّه أحوط (1)غير ظاهر الوجه.

و لو تركها جهلاً بوجوبها ففي إلحاقه بالعامد أو الناسي وجهان:من أنّه عامد،و من أنّ الناس في سعة ممّا لم يعلموا.و هو كما ترى.بل الأوّل أقوى؛ لقوّة دليله مع اعتضاده بأصالة الحرمة مع عدم التسمية،خرج منها صورة النسيان بما مرّ من الأدلة،و يكون ما عداها تحتها مندرجاً.و إلحاق الجاهل بالناسي قياس فاسد في الشريعة،سيّما مع وجود الفارق بينهما بافتراق حكمهما في مواضع متعدّدة.

و ذكر جماعة من الأصحاب (2)من غير خلاف يعرف:أنّ من الشرائط أن يحصل موته بالسبب الجامع للشرائط التي من جملتها الإرسال و التسمية و قصد الصيد وحده،ف لو أرسل واحد كلبه و لم يسمّ و سمّى غيره لم يؤكل صيده إلّا أن يذكّيه و أولى منه إذا أرسل واحد و قصد آخر و سمّى ثالث.

و الأصل فيه بعد الأصل المتقدّم مع اختصاص أدلّة الإباحة بحكم التبادر بذلك الخبران،و في أحدهما:عن القوم يخرجون جماعتهم إلى الصيد،فيكون الكلب لرجل منهم،و يرسل صاحب الكلب كلبه و يسمّي غيره،أ يجزي ذلك؟قال:«لا يسمّي إلّا صاحبه الذي أرسل الكلب» (3).

و في الثاني:«لا يجزي أن يسميّ إلّا الذي أرسل الكلب» (4).

ص:269


1- التنقيح الرائع 4:9.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:219،و السبزواري في الكفاية:245،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:253.
3- التهذيب 9:103/26،الوسائل 23:359 أبواب الصيد ب 13 ح 1.
4- التهذيب 9:104/26،الوسائل 23:359 أبواب الصيد ب 13 ح 2.

و قصورهما بحسب السند منجبر بالعمل و الأصل.مع أنّ أولهما قد وصف بالصحة في المسالك و غيره (1).و لكن وجهه غير واضح،فإنّي لم أقف عليه بعد التتبّع إلّا في التهذيب،و في سنده محمّد بن موسى المشترك أو الضعيف،و أحمد بن حمزة و محمّد بن خالد المشتركان،و لذا لم يصفه المقدس الأردبيلي بالصّحة بل أشار إليه بلفظ الرواية (2).

و يشترط أيضاً العلم،قيل:أو الظنّ الغالب (3)باستناد موته إلى السبب المحلّل،فلو سمّى و أرسل كلبه،فأرسل آخر كلبه و لم يسمّ،أو لم يكن كلبه معلّماً،و اشترك الكلبان في قتل الصيد لم يحلّ؛ لأصالة الحرمة، و المعتبرة:

ففي الصحيح:«و إن وجد معه كلباً غير معلَّم فلا يأكل منه» الخبر (4).

و في الخبر:عن قوم أرسلوا كلابهم و هي معلّمة كلّها،و قد سمّوا عليها كلّها،فلمّا مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون له صاحباً،فاشتركن جميعاً،فقال:«لا تأكل منه،لأنّك لا تدري أخذه معلّم أم لا» (5).

و يستفاد من مفهوم التعليل حلّ الصيد بتعدّد الآلة،فلو اشترك في قتله كلبان معلّمان سُمي عند إرسالهما حلّ.و يعضده الإطلاقات.فتأمّل.

ص:270


1- المسالك 2:219؛ و انظر الكفاية:245.
2- مجمع الفائدة و البرهان 11:20.
3- قال به السبزواري في الكفاية:245،و الكاشاني في المفاتيح 2:213.
4- الكافي 6:4/203،التهذيب 9:106/26،الوسائل 23:343 أبواب الصيد ب 5 ح 2.
5- الكافي 6:19/206،التهذيب 9:105/26،الوسائل 23:343 أبواب الصيد ب 5 ح 2.
يعتبر أن لا يغيب عنه

و يعتبر أن لا يغيب ما صاده الكلب عنه أي عن المرسل فلو غاب و حياته مستقرّة بأن يمكن أن يعيش و لو نصف يوم ثم وجد مقتولاً أو ميّتاً لم يؤكل،و كذا ما صاده السهم و نحوه،بلا خلاف؛ للصحاح المستفيضة و غيرها.

في اثنين منها:عن الرميَّة يجدها صاحبها،أ يأكلها؟قال:«إن كان يعلم أنّ رميته هي التي قتلته فليأكل» (1).

و نحوهما الموثق بزيادة«و إلّا فلا يأكل منه» (2).

و منها:صيد وجد فيه سهم،و هو ميّت لا يدري من قتله،قال:

«لا تطعمه» (3).

و منها:«من جرح صيداً بسلاح،و ذكر اسم اللّه عزّ و جلّ عليه،ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع،و قد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله، فليأكل منه إن شاء» (4).

و نحوها غيرها من المعتبرة،كالخبر المنجبر قصور سنده بصفوان المجمع على تصحيح رواياته:«إذا رميت فوجدته و ليس به أثر غير السهم

ص:271


1- ورد أحدهما في:الكافي 6:7/210،الوسائل 23:365 أبواب الصيد ب 18 ح 1. و الآخر في:الكافي 6:3/210،الفقيه 3:917/202،التهذيب 9:135/34،الوسائل 23:365 أبواب الصيد ب 18 ح 2.
2- الكافي 6:4/210،التهذيب 9:136/34،الوسائل 23:366 أبواب الصيد ب 18 ح 3.
3- الكافي 6:8/211،الفقيه 3:929/204،التهذيب 9:141/35،الوسائل 23:368 أبواب الصيد ب 19 ح 1.
4- الكافي 6:2/210،الفقيه 3:930/204،التهذيب 9:138/34،الوسائل 23:362 أبواب الصيد ب 16 ح 1.

و قد ترى أنّه لم يقتله غير سهمك فكل،غاب عنك أو لم يغب عنك» (1).

و قريب منه النبوي (2).

و في النبوي الآخر:«كل ما أصميت» أي قتلته بين يديك و أنت تراه «و دَعْ ما أنميت» (3)أي غاب عنك فلا تدري مات بسهمك أو كلبك أم بشيء عرض له.

و يستفاد منها منطوقاً في بعض و مفهوماً في آخر اختصاص الحرمة مع الغيبة ب ما إذا لم يعلم أنّه أي ما أرسل من الآلة القاتل له أم غيره،و أنّه لو علم حصول القتل به حلّ،كما يحلّ لو غاب بعد أن صارت حياته غير مستقرّة بجرحه،بأن أخرج حشوه أو فتق قلبه أو قطع حلقومه، بلا خلاف إلّا من الشيخ في النهاية حيث أطلق الحرمة مع الغيبة (4).

و ناقشه الحلّي بأنّه خلاف مقتضى الأدلّة (5)،و ردّه في المختلف فقال:و هذه المؤاخذة ليست بجيّدة؛ لأنّ قصد الشيخ رحمه الله ما ذكره في الخلاف،لظهوره (6).

و على هذه الصورة يحمل إطلاق بعض النصوص الدالّة على الحلّية مع الغيبة.

و فيه:أرمي بسهمي،و لا أدري أ سمّيت أم لم اسمّ،فقال:«كُلْ

ص:272


1- الكافي 6:10/211،التهذيب 9:139/34،الوسائل 23:367 أبواب الصيد ب 18 ح 5.
2- سنن البيهقي 9:242 بتفاوت يسير.
3- سنن البيهقي 9:241 بتفاوت يسير.
4- النهاية:581.
5- السرائر 3:93.
6- المختلف:674.

لا بأس» قال:قلت:أرمي و يغيب عنّي و أجد سهمي فيه،فقال:«كل ما لم يؤكل منه،و إن كان قد أُكل منه فلا تأكل منه» (1).

و في الذيل إشعار،ما بالحمل،فتأمّل.

يجوز الاصطياد بالشركة و الحبالة و غيرهما من الآلة

و يجوز الاصطياد بالمعنى الأوّل و هو مجرّد إثبات اليد،كما يستفاد من ذيل العبارة و ما مرّ إليه الإشارة، ب كلّ ما يتوسّل إليه ك الشركة و الحبالة و غيرهما من الآلة الجمادية و بالجوارح غير الكلاب المعلّمة.

لكن لا يحلّ منه أي من الصيد المدلول عليه بالعبارة إلّا ما ذكّي بالشرائط المعتبرة،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و النصوص به مع ذلك في الحبالة مستفيضة.

في جملة منها،و فيها الصحيح و غيره:«ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميّت،و ما أدركت من سائر جسده حيّاً فذكّه ثمّ كل منه» (2).

و في بعضها:«ما أخذت الحبائل فانقطع منه شيء أو مات فهو ميت» (3).

هذا مضافاً إلى أصالة الحرمة،مع اختصاص أدلّة الإباحة كتاباً و سنة بحلّ ما صيد بغير الآلات المزبورة.و منها يظهر حرمة مقتول الآلة الموسومة بالتفنك المستحدثة في قرب هذه الأزمنة.

خلافاً للكفاية،فأحلّه بعد التردّد،قال:لعموم أدلّة الحلّ،و دخوله

ص:273


1- الكافي 6:5/210،الفقيه 3:919/203،التهذيب 9:134/33،الوسائل 23:377 أبواب الصيد ب 25 ح 1.
2- الكافي 6:2/214،الفقيه 3:918/202،التهذيب 9:155/37،الوسائل 23:376 أبواب الصيد ب 24 ح 2.
3- الكافي 6:4/214،الوسائل 23:377 أبواب الصيد ب 24 ح 3.

تحت عموم قول أبي جعفر عليه السلام:«من قتل صيداً بسلاح» (1)الحديث.

و أخبار البندقة (2)مصروفة إلى المعروف في تلك الأزمنة (3).

و المناقشة فيهما واضحة؛ لضعف العموم بتخصيصه بأصالة الحرمة المتقدّمة المدلول عليها بالنصوص المتقدّمة قُبيل المسألة،بل بأكثر نصوص هذا الكتاب الدالّة على توقف حلّ الصيد و الذبيحة على التذكية.و هي من قبيل الأحكام الشرعية تتوقف على الثبوت آلةً و كيفيةً.

مع معارضته بعمومات تحريم الميتة الصادقة في اللغة على الميّت حتف أنفه و المذبوح بكلّ آلة،خرج منها الآلة المعتبرة،و بقي ما عداها و منه مفروض المسألة تحتها مندرجة.

و دعوى عدم صدق الميتة في اللغة على المذكى بكلّ آلة،مردودة بأنّ التذكية حكم من الأحكام الشرعية المستحدثة،فلا يتصور توقف صدق اللفظ على معنى فيها على عدمها مع كون اللغة سابقة.

و منع عموم (4)السلاح،فإنّه نكرة مثبتة لا عموم فيها لغةً،و إنّما ينصرف إليه حيث لا يكون لها أفراد متبادرة،و لا ريب أن المتبادر منه الغالب إنّما هو ما عدا التفنكة من نحو السيف و الرمح و السهم،سيّما مع كونها من الآلات المستحدثة في قريب هذه الأزمنة،كما اعترف به في سابق ما نقلناه عنه من العبارة،فكيف ينصرف إليها الإطلاق مع كونها بهذه المثابة؟!

ص:274


1- تقدّم في 269،و لفظه:«مَنْ جرح صيداً بسلاح..»
2- الوسائل 23:373 أبواب الصيد ب 23.
3- الكفاية:245.
4- هذه الكلمة معطوفة على كلمة«ضعف العموم» المتقدمة آنفاً.
يعتبر في الصيد أن يكون ممتنعاً

و الصيد الذي يحلّ بقتل الكلب له،أو الآلة المعتبرة في غير موضع الذكاة هو كلّ ما كان ممتنعاً وحشياً كان أو إنسياً توحّش،و كذا ما يصول من البهائم،أو يتردّى في بئر و شبهها و يتعذّر ذبحه أو نحره،فإنه يكفي العقر في استباحتها،و لا يختصّ حينئذٍ بموضع من جسدها كما يأتي.و لا خلاف في شيء من ذلك بيننا كما حكاه جماعة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص الآتية في الأخير.لكن ليس فيها التعميم في الحيوان و الآلة،و العرف و اللغة في الوحشي الممتنع،إذ لا فرد للصيد أظهر منه،فيدخل تحت عموم ما دلّ على حلّه بالاصطياد بمطلق الآلة المعتبرة من غير تذكية.

و أمّا الإنسيّ المستوحش ففي صدق الصيد عليه فيهما حقيقةً مناقشة، و الأصل يقتضي الرجوع في إباحته إلى مراعاة التذكية.لكنّ الإجماع و النصوص المزبورة في المتردّي ألحقاه بالصيد و إن اختلفا في الإلحاق كلّاً حتى في حلّ مقتوله بالكلب و نحوه كما يظهر من الأوّل،أو في الجملة كما يظهر من الثاني.

و أمّا أنّ غير الممتنع ليس بصيد فالأصل فيه العرف و اللغة،فيندرج تحت عموم ما دلّ على توقّف حلّ الحيوان على التذكية.مضافاً إلى فحوى النصوص الآتية في لزوم التذكية لحلّ الصيد بعد أن أدرك و فيه حياة مستقرة،و ليس ذلك إلّا لزوال امتناعه الموجب لانتفاء حكم الصيد عنه.

فإذا ثبت انتفاؤه عنه مع حصول الامتناع فيه في الجملة و صدق الصيد عليه حقيقةً عرفاً و لغةً،فثبوته عمّا ليس بممتنع بالأصل أولى.مع أنّ كون مثله

ص:275


1- منهم السبزواري في الكفاية:245،246.

صيداً يستلزم عدم وجود ما يحكم في حلّه بالتذكية بالذبح و النحر أصلاً و هو فاسد قطعاً،و النصوص بخلافه متواترة جدّاً.

فلو قتل بالسهم فرخاً،أو قتل الكلب طفلاً غير ممتنع لم يحلّ.

و لو رمى طائراً فقتله و فرخاً لم يطر بعدُ حلّ الطائر لامتناعه دون فرخه لعدمه.

و يلحق بالمقام

مسائل من أحكام الصيد
اشارة

مسائل من أحكام الصيد

الاُولى لو تقاطعته الكلاب قبل إدراكه،حلّ

الاُولى: لو تقاطعته الكلاب أو السيوف مع اجتماع الشرائط التي منها التسمية على كل منها قبل إدراكه،حلّ بلا خلاف ظاهر؛ لوجود شرط الحلّ و انتفاء المانع،إذ ليس إلّا تعدّد الآلة،و هو لا يصلح للمانعيّة، لما مرّ إليه الإشارة في شرح قول الماتن:لو أرسل كلبه و سمّى غيره،من مفهوم التعليل المؤيّد بإطلاقات أدلّة الإباحة (1).

و في المسالك:لا فرق بين تقاطعهم إيّاه و حياته مستقرة و عدمه، بخلاف ما لو تقاطعه الصائدون،فإنّ حلّه مشروط بوقوع فعلهم بعد أن صار في حكم المذبوح.و الفرق:أنّ ذكاته بالذبح معتبرة مع إمكانها بعد أخذ الكلب له لا بدونها،فإذا أدركه الصائدون أو بعضهم مستقرّ الحياة صار حلّه متوقفاً على الذبح فلا يحلّ بدونه،بخلاف تقاطع الكلاب له قبل إدراكه،فإنّ اعتبار ذبحه ساقط (2).

أقول:ما ذكره من الفرق بين تقاطع الكلاب و الصائدين هو المشهور

ص:276


1- راجع ص:269.
2- المسالك 2:221.

بين الأصحاب وفاقاً للحلّي (1)،أخذاً بالقاعدة.

خلافاً للنهاية،فسوّى بينهما و جعل الثاني كالأوّل (2)؛ للمعتبرين.

أحدهما الصحيح في الكافي،و المرسل في الفقيه:في إيّل (3)اصطاده رجل،فقطّعه الناس و الرجل يتبعه،أ فتراه نهبة؟فقال عليه السلام:«ليس بنهبة، و ليس به بأس» (4).

كذا في الكافي و التهذيب لكن بدل يتبعه:يمنعه.و في الفقيه بعد الناس:و الذي اصطاده يمنعه،ففيه نهي؟فقال:«ليس فيه نهي،و ليس به بأس» (5).

و ثانيهما:الموثق كالصحيح بأبان:عن الرجل يرمي الصيد فيصرعه، فيبتدره القوم فيقطّعونه؟فقال:«كله» (6).

و هما مع اعتبار السند قاصران عن المكافأة؛ لأصالة الحرمة،و الأدلّة الدالّة على اعتبار التذكية في الحيوانات الغير الممتنعة،و هي كثيرة معتضدة مع ذلك بالشهرة.

مع قصورهما عن صراحة الدلالة؛ لاحتمال حمل الأوّل على أنّه

ص:277


1- السرائر 3:96.
2- النهاية:581.
3- الأيِّل:بفتح الهمزة و كسرها و الياء مشدّدة مكسورة،و الجمع إيَّل و أُئَّل و أيايل:الذَّكَر من الأوْعال؛ و إنّما سُمِّي بهذا الاسم لأنّه يؤول إلى الجبال فيتحصّن فيها.العين 8:358،تهذيب اللغة 15:441،لسان العرب 11:35 36.
4- الكافي 6:2/210،التهذيب 9:138/34،الوسائل 23:364 أبواب الصيد ب 17 ح 2.
5- الفقيه 3:930/204،الوسائل 23:365 أبواب الصيد ب 17 ح 4.
6- الكافي 6:9/211،الفقيه 3:931/204،الوسائل 23:364 أبواب الصيد ب 17 ح 3.

لو لم يصر بالأوّل مثبتاً غير ممتنع فلا يكون نهبة و لا فيه نهي،بل يكونون فيه شركاء و لا يضرّ منع الأوّل.و الثاني عليه أيضاً و لو على بُعد،أو على أنّ التقطيع بعد الموت أو قبله بعد عدم استقرار الحياة على القول بأنّه بعد ذلك لا يضرّ تقطيعه.أو حمل التقطيع فيه على الذبح و إن بَعُد.و على التقادير يكون غرض السائل مجرّد الحلّ إمّا على الأوّل أو الجميع مع إذن الأوّل.

و يمكن حمل الخبر الأوّل على الاحتمالات أيضاً.

الثانية لو رماه بسهم فتردّى من جبل أو وقع في ماء فمات لم يحلّ

الثانية: لو رماه بسهم و نحوه فتردّى من جبل،أو وقع في ماء فمات موتاً يحتمل استناده إلى كلّ منهما لم يحلّ إجماعاً في الجملة؛ لما مرّ إليه الإشارة من اشتراط تيقّن استناد الموت إلى السبب المحلّل خاصّة،و حرمة ما استند موته إلى غيره أو إليهما معاً.و ليس من الصورة الأُولى مفروض المسألة.و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة.

منها الصحيح:عن رجل رمى صيداً،و هو على جبل أو حائط، فخرق فيه السهم فيموت،فقال:«كُلْ منه،فإن وقع في الماء من رميتك فمات،فلا تأكل» (1).

و نحوه الموثقان (2)و غيرهما (3).

و الخبر:«لا تأكل من الصيد إذا وقع في الماء فمات» (4).

ص:278


1- التهذيب 9:159/38،الوسائل 23:378 أبواب الصيد ب 26 ح 1.
2- الأوّل في:الكافي 6:2/215،التهذيب 9:158/38،الوسائل 23:378 أبواب الصيد ب 26 ذيل ح 2.الثاني في:الكافي 6:/215 ذيل.ح 2،الوسائل 23:378 أبواب الصيد ب 26 ذيل الحديث 2.
3- الفقيه 3:934/205،الوسائل 23:379 أبواب الصيد ب 26 ح 3.
4- الكافي 6:1/215،التهذيب 9:157/37،الوسائل 23:378 أبواب الصيد ب 26 ح 2.

و إطلاقها سيّما الأخيرة يشمل صورة القطع باستناد الموت إلى الآلة المحلّلة و عدمه مطلقاً قطع باستناده إلى غيرها أم لا،و بمضمونها عبّر في النهاية (1).

و لذا جُعلت المسألة خلافية و نسب التقييد بما في العبارة من أنّه ينبغي هنا اشتراط استقرار الحياة قبل التردّي و الوقوع في عدم الحلّ بحيث لولاه قبلهما بأن قطع مريئه أو حلقومه أو شقّ بطنه أو فتق قلبه حلّ، إلى الشهرة العظيمة المتأخّرة،وفاقاً للإسكافي و المبسوط و الحلّي (2).

لكن يظهر من المختلف (3)عدم الخلاف من النهاية،و أنّ مراده من إطلاق عبارتها ما فصّله في كتابه الآخر.و هو غير بعيد؛ لوروده كإطلاق النصوص مورد الغالب،و هو ما عدا الصورة الأُولى بالضرورة،فإنّها من الأفراد النادرة.هذا مع تعليله الحرمة بأنّه لا يأمن أن يكون قد مات في الماء،أو من وقوعه من الجبل.و هو كما ترى ظاهر في الحلّ مع الأمن من استناد الموت إلى السبب المحرّم.

هذا مع أنّ قوله في المبسوط يدلّ على رجوعه عمّا اختاره في النهاية على تقديره،فلا يقدح في تحقّق الإجماع و انعقاده.

كما لا يقدح فيه مخالفة الصدوقين (4)بتفصيلهما في المتردّي في الماء بين خروج رأسه عنه فيحلّ،و دخوله فيه فيحرم،التفاتاً منهما إلى المرسل في الفقيه:«فإن رميته و أصابه سهمك،و وقع في الماء[فمات ]

ص:279


1- النهاية:581.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:674،المبسوط 6:272،الحلّي في السرائر 3:94.
3- المختلف:674.
4- الصدوق في المقنع:139،و حكاه عن والده في المختلف:690.

فكله إذا كان رأسه خارجاً من الماء،و إن كان رأسه في الماء فلا تأكله» (1)إمّا لمعلوميّة نسبهما المانعة عن تحقّق القدح في انعقاد الإجماع،سيّما مع ضعف مستندهما بالإرسال،مع احتمال كونه من كلام ثانيهما لا خبراً.

أو لإرجاع تفصيلهما إلى ما فصّله باقي أصحابنا (2)من حصول القطع باستناد الموت إلى السبب المحلّل و غيره،بحمل الأوّل من شقّي تفصيلهما على الأوّل بجعله أمارة عليه،و الثاني على الثاني لفقد تلك الأمارة.و لذا صوّبهما الفاضل و شيخنا الشهيد الثاني و غيرهما (3)،لكنّه لا يخلو عن مناقشة ما.و اعلم:أنّ قول الماتن هنا مشعر بل ظاهر في اختصاص الاشتراط بالمقام،و عدمه في غيره.و ليس بواضح؛ لاعتباره استقرار الحياة في الحرمة في كلّ موضع يشابه مفروض المسألة من عدم القطع باستناد الموت إلى الآلة المحلّلة،و منه ما مرّ في اشتراط عدم الغيبة في الحلّية (4).و جعل فائدة هذا القيد في التنقيح التنبيه على أنّه من خصائصه،و لذا اعترضه بظهور القيد من غيره (5).و فيه نظر؟ .

الثالثة لو قطعه السيف اثنين فلم يتحرّكا حلّا

الثالثة: لو قطعه السيف اثنين فلم يتحرّكا أو تحرّكا حركة المذبوح حلّا بلا خلاف،كما عن السرائر و المبسوط و الخلاف (6)، لكنّهم لم يقيّدوه بأحد القيدين،إلّا أنّ الظاهر إرادتهم إيّاه بناءً على الغالب

ص:280


1- الفقيه 3:934/205،الوسائل 23:379 أبواب الصيد ب 26 ح 3.
2- كما في المختلف:690.
3- الفاضل في المختلف:674،الشهيد الثاني في المسالك 2:221،و انظر الدروس 2:398،و التنقيح 4:11.
4- راجع ص 269.
5- التنقيح 4:11.
6- السرائر 3:95،المبسوط 6:261،الخلاف 6:18.

في القدّ نصفين من عدم بقاء استقرار الحياة،مع أنّهم صرّحوا بكون مثله من جملة أسباب عدم استقرار الحياة،حيث فسّروا عدمه بأن يقطع مريئه أو حلقومه أو يفتق قلبه أو يشقّ بطنه.

فلا خلاف في الحقيقة،و هو الحجّة،مضافاً إلى عموم أدلّة إباحة ما قتلته الآلة،و خصوص الخبرين.

في أحدهما:الرجل يضرب الصيد فيقدّه نصفين،قال:«يأكلهما جميعاً،فإن ضربه و بان منه عضو،لم يأكل منه ما أبانه و أكل سائره» (1).

و في الثاني:عن الظبي و حمار الوحش يعترضان بالسيف،فيقدّان، قال:«لا بأس بأكلهما ما لم يتحرّك أحد النصفين،فإن تحرّك أحدهما فلا تأكل الآخر،لأنّه ميّت» (2).

و يظهر من التعليل كون المراد من الحياة المنفيّة و المثبتة،الحياة المستقرّة لا مطلقاً.و به يقيّد الخبر الأوّل حيث أطلق فيه الحلّ مع القدّ نصفين من دون اشتراط عدم استقرار الحياة،مضافاً إلى وروده مورد الغالب المتحقّق فيه الشرط كما مرّ.

و ليس في إطلاقهما كباقي الأدلّة اعتبار خروج الدم بالكلّية.خلافا للنهاية و القاضي و ابن حمزة (3)،فاعتبروه في الحلّية،بل صرّح الأخيران مع عدمه بالحرمة.و حجّتهم عليه غير واضحة و إن نفى عنه البأس في التنقيح (4).لكن ثمرة النزاع سهلة؛ لندرة عدم خروج الدم مع القدّ نصفين بالضرورة،بل لعلّه من المحالات العادية.

ص:281


1- الكافي 6:7/255،الوسائل 23:386 أبواب الصيد ب 35 ح 1.
2- الكافي 6:6/255،التهذيب 9:326/77،الوسائل 23:387 أبواب الصيد ب 35 ح 3.
3- النهاية:581،القاضي في المهذّب 2:436،ابن حمزة في الوسيلة:357.
4- التنقيح الرائع 4:12.

و لو تحرّك أحدهما فهو الحلال إن كانت حياته مستقرّة لكن بعد التذكية و حرّم الآخر؛ لأنّه قطعة من الحيّ مبانة،شهد بتحريمه الأُصول و الرواية الثانية المتقدمة،و الرواية النبوية:«ما أُبين من حيّ فهو ميّت» (1).

و يعضده ما ورد في الصيد بالحبالة من المعتبرة (2).

و اعتبار التذكية هو المشهور،بل عليه المتأخرون كافّة.خلافاً للكتب الثلاثة المتقدّمة،حيث أطلقوا فيها حلّ المتحرّك من دون اعتبارها،بل إنّما اعتبر في الأخيرين خروج الدم خاصّة،بل و صرّح ثانيهما بالتحريم من دونه،و يأتي عليهما ما مرّ من عدم موافقة الإطلاق للقواعد إلّا أن يحمل عليها بإرادتهم القيد و إحالتهم اعتباره إلى الظهور من الخارج،أو إرادتهم من الحركة حركة المذبوح خاصّةً،و لذا أُطلق الحركة فيها و لم يقيّد باستقرار الحياة كما في العبارة.و يعضده الورود مورد الغلبة و تفسيرهم المتقدّم إليهما الإشارة (3).فلا خلاف أيضاً في المسألة و لو لم يكن حياة المتحرّك مسستقرّةً حلّا أي النصفان معاً مطلقاً،كان ما فيه الرأس أكبر أم لا،وفاقاً للحلّي (4)و المتأخّرين كافّة؛ أخذاً بالأدلّة المتقدّمة التي منها إطلاق الصحيحة،بل عمومها الناشئ من ترك الاستفصال كما برهن في محلّه-:عن الصيد يضربه الرجل بالسيف،أو يطعنه برمح،أو يرميه بسهم فيقتله،و قد سمّى حين فعل ذلك،قال:«كُلْ، لا بأس» (5).

ص:282


1- المغني لابن قدامة 11:24،25.
2- الوسائل 23:376 أبواب الصيد ب 24.
3- في«ح» و«ر» زيادة:مع تفسيرهم عدمه بمثله.
4- السرائر 3:95.
5- الكافي 6:6/210،الفقيه 3:920/203،التهذيب 9:133/33،الوسائل 23:362 أبواب الصيد ب 16 ح 3.

خلافاً للكتب الثلاثة حيث حكموا في غير المتحرّك بالحرمة مطلقاً و لو لم يكن حياة المتحرّك مستقرّة،بل كلماتهم في هذه الصورة دون غيرها ظاهرة بمعونة ما قدّمناه من التفسير و الورود مورد الغلبة.

و لعلّ حجّتهم الرواية الثانية من الروايتين المتقّدم إلى ذكرهما الإشارة.و هي بحسب السند قاصرة من وجوه عديدة،غير مكافئة لما مرّ من الأدلة،سيّما مع اعتضادها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون الآن إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة،فلتكن مطرحة أو محمولة على ما إذا كانت حياة المتحرّك مستقرةً و إن كان بعيداً بمقتضى ما مرّ من التغير و الغلبة.

نعم،لما ذكروه وجه إن لم نعتبر استقرار الحياة في وجوب تذكية الصيد مطلقاً،بل قلنا بوجوبها ما دام فيه حركة ما،كطرف العين و ركض الرجل و نحوهما.أو اعتبرناه و لكن فسّرناه بأحد الأُمور المذكورة،كما قدّمناه عن ابن حمزة (1)؛ و سيأتي إليه و إلى تمام التحقيق الإشارة.و ذلك أنّ المتحرّك على هذا في حكم الحي الواجب تذكيته المحكوم بكون المُبان منه ميتة.

لكن اعتبار استقرار الحياة و تفسيره بغير تلك الأُمور مشهور،و منهم الشيخ الذي هو الأصل في هذا القول،مع أنّ القدّ نصفين من جملة ما فسّروا به عدم استقرار الحياة،فلا وجه لقولهم حينئذٍ إلّا دعوى كون القطعة المُبانة من مثل هذه المتحرّك قطعة مبانة من حيّ أيضاً فتكون ميتة، لدخولها في إطلاق الرواية المتقدّمة.

و المناقشة فيه واضحة،فإنّ المتبادر من إطلاق الحي في الرواية ما يحتاج إلى التذكية،و ليس إلّا ما حياته مستقرّة،لا ما حركته حركة

ص:283


1- راجع ص 257.

المذبوح الذي لا يحتاج إلى تذكية،و ليس منه مفروض المسألة.

و للخلاف و المبسوط و ابن حمزة،فحكما بحلّ ما فيه الرأس خاصّة إذا كان أكبر،و صرّحا في غيره بالحرمة (1).

و حجّتهما عليه غير واضحة عدا ما ذكره في الأوّل من أنّ أكل ما مع الرأس مجمع على إباحته،و ما قالوه ليس عليه دليل.و هو كما ترى،لقيام الدليل عليه كما مضى.

و في الثاني من أنّه مذهبنا.و هو إن كان ظاهراً في أنّ عليه إجماعنا إلّا أنّه غير صريح،و مع ذلك موهون بعدم ظهور مفتٍ به سواه و ابن حمزة، فكيف يمكن قبول الإجماع بدعواه.و مع التنزّل فغايته أنّه خبر صحيح صريح لكنّه ليس لما قدّمناه من الدليل عديل.فهو ضعيف و أيّ ضعيف.

و بالأخير يجاب عمّا في الموثق:«يأكل ممّا يلي الرأس ثم يدع الذنب» (2)مضافاً إلى إطلاق ما يلي الرأس فيها الشامل للأكبر و الدون و المساوي.و لم يقل به،لاشتراطه الأوّل.و تنزيله عليه فرع الشاهد،و ليس إلّا الجمع بينها و بين رواية أُخرى أشار الماتن إليها بقوله: و في رواية ضعيفة مرسلة يؤكل الأكبر دون الأصغر (3) بحمل الاُولى على ما إذا كان ما يلي الرأس أكبر كما في هذه،و حمل هذه على ما إذا كان الأكبر ممّا يلي الرأس كما في الأُولى.فهو فرع التكافؤ المفقود هنا؛ لضعف الأخيرة عن المقاومة للموثّقة.مع أنّ الجمع بينهما بذلك فرع قيام دلالة هي في المقام

ص:284


1- الخلاف 6:18،المبسوط 6:261،ابن حمزة في الوسيلة:357.
2- الكافي 6:4/255،التهذيب 9:328/77،الوسائل 23:387 أبواب الصيد ب 35 ح 2.
3- الكافي 6:5/255،التهذيب 9:327/77،الوسائل 23:387 أبواب الصيد ب 35 ح 4.

مفقودة.

و كيف كان هي بإطلاقها شاذّة كإطلاق الموثّقة مع احتمالهما الحمل على التقية،فقد حكي القول بمضمونهما لكن بعد الجمع بما عرفته في الخلاف عن أبي حنيفة (1).

و لو أخذت الحبالة منه أي ممّا صيد بها قطعة فهي ميتة مطلقاً،كان في إحدى القطعتين حياة مستقرّة أم لا،إجماعاً،و المعتبرة بذلك مستفيضة جدّاً مضت في بحث الصيد بها (2).و لا اختصاص للحكم بالحبالة،بل يشملها و غيرها من نحو الشبكة و غيرها من الآلات الغير المعتبرة و إن كانت المعتبرة بها مختصّة،التفاتاً إلى القاعدة المتقدّمة ثمّة العامّة لها و لغيرها.

الرابعة لو أدرك الصيد و فيه حياة مستقرة لم يحلّ حتى يذكّى

الرابعة: لو أدرك ذو السهم أو الكلب الصيد مع إسراعه إليه حالة الإصابة و فيه حياة مستقرة توقّف حلّه على التذكية إن اتّسع الزمان لها،بلا خلاف فيه في الجملة؛ للنصوص المستفيضة:

منها الصحيحان،في أحدهما:«إن أخذه فأدركت ذكاته فذكّه،و إن أدركته و قد قتله و أكل منه فكُل ما بقي» (3).

و في الثاني:«فإذا أدركه قبل أن يقتله ذكّاه» (4).

و بها يخصّ عموم الكتاب و السنّة،مع أنّ أكثرها معلّقة للحلّ على القتل،و المتبادر منه إمّا خروج روحه،أو كان حياته غير مستقرّة لا يقبل

ص:285


1- الخلاف 6:18.
2- راجع ص 271.
3- الكافي 6:2/202،التهذيب 9:89/22،الإستبصار 4:241/67،الوسائل 23:334 أبواب الصيد ب 2 ح 2.
4- الكافي 6:4/203،الوسائل 23:340 أبواب الصيد ب 4 ح 1.

التذكية.

و إن لم يتّسع الزمان لها حلّ بدونها على الأقوى،وفاقاً للمبسوط و كثير (1)،بل الأكثر كما في المسالك (2)،بل المشهور كما في الروضة (3)؛ لدلالة النصوص المزبورة من حيث تضمّنها الأمر المشترط بالقدرة على أنّ التذكية إنّما تعتبر إذا كانت مقدورةً لا كليّةً،و هي هنا مفقودة.

خلافاً للخلاف و الحلّي و المختلف (4)،فحرّموه،التفاتاً إلى استقرار حياته،فنيط إباحته بتذكيته.

و يظهر مما مرّ:الوجه في ضعف هذا القول و مستنده،و في صحّة ما ذكره جماعة من الحلّ مع ترك التذكية و اتّساع الزمان لها إن لم يكن بتقصير الصائد،كاشتغاله بأخذ الآلة و سلّ السكين،أو امتناع الصيد بما فيه من بقيّة قوّة،أو نحو ذلك،فمات قبل أن يمكنه الذبح.

و أمّا إذا كان بتقصيره حرّم بلا خلاف؛ للأصل،و فقد ما يدلّ على الحلّ عدا إطلاق الكتاب و السنّة المتقدّم،و هو مخصّص بما مرّ من النصوص الدالّة على اعتبار الذبح بعد إدراكه،و هو في المقام متحقّق،فترك الذبح فيه موجب لتحريمه كغير الصيد.

و حيث اتّسع الزمان لتذكيته و لا آلة فيذكّيه لم يحلّ حتى يذكّى مطلقاً على المشهور و لما مرّ،وفاقاً للحلّي و ابن حمزة (5).

و في رواية جميل الصحيحة: يدع الكلب حتى يقتله فإنّ

ص:286


1- المبسوط 6:260؛ و انظر الكفاية:246،و كشف اللثام 2:255.
2- المسالك 2:223.
3- الروضة 7:207.
4- الخلاف 6:14،الحلّي في السرائر 3:85،المختلف:676.
5- الحلّي في السرائر 3:85،ابن حمزة في الوسيلة:356.

فيها:عن الرجل يرسل الكلب على الصيد،فيأخذه،و لا يكون معه سكّين فيذكّيه بها،أ فيدعه حتّى يقتله و يأكل منه؟قال:«لا بأس» (1).

و نحوها رواية أُخرى له (2)،إلّا أنّها بحسب السند قاصرة،و عمل بها العلّامة في المختلف (3)،تبعاً لجماعة من القدماء كالصدوق و الإسكافي و الشيخ في النهاية (4).و استوجهه من متأخّري المتأخّرين جماعة كصاحبي المفاتيح و الكفاية (5).

و استدل عليه زيادة على الصحيحة بما مرّ من إطلاق الكتاب و السنّة.

و أُجيب عنها:بعدم الدلالة على العموم،و إلّا لجاز مع وجود آلة الذبح.و عن الرواية:بأنّ ليس فيها على المطلوب دلالة؛ لأنّ الضمير المستكن في قوله فيأخذه راجع إلى الكلب لا إلى الصائد،و البارز راجع إلى الصيد.و التقدير:فيأخذ الكلب الصيد،و هو لا يدلّ على إبطال امتناعه، بل جاز بقاؤه ممتنعاً و الكلب ممسك له،فاذا قتله حينئذٍ فقد قتل ما هو ممتنع،فيحلّ بالقتل (6).

و ضعّفهما في المسالك (7)

ص:287


1- الكافي 6:8/204،التهذيب 9:93/23،الوسائل 23:347 أبواب الصيد ب 8 ح 1.
2- الكافي 6:17/206،التهذيب 9:101/25،الوسائل 23:348 أبواب الصيد ب 8 ح 2.
3- المختلف:674.
4- الصدوق في المقنع:138،حكاه عن الإسكافي في المختلف:674،النهاية:581.
5- مفاتيح الشرائع 2:215،الكفاية:246.
6- إيضاح الفوائد 4:122.
7- المسالك 2:222.

فالأوّل:بأنّ تخصيصه بعدم الجواز مع وجود الآلة إنّما هو بالإجماع و الأدلّة،و هما لا تدلّان على التخصيص في محلّ المشاجرة،و العام المخصّص في الباقي حجّة.

و فيه مناقشة؛ لمنع عدم دلالة الأدلّة على التخصيص في المسألة،لأنّ من جملتها النصوص المتقدّمة الدالّة على اعتبار التذكية بعد إدراكه و فيه حياة مستقرة،و منه مفروض المسألة،و فقد الآلة ليس بعذر يوجب الحلّية، و إن هو حينئذٍ إلّا كما لو فقدها في الحيوان الغير الممتنع الممكن فيه التذكية.

و لا يرد مثله فيما لو أدرك الصيد مستقرّ الحياة و لم يتّسع الزمان لتذكيته؛ لاقتضائه الحرمة فيه ايضاً،مع أنّ الأشهر الأقوى فيه الحلّ كما مضى.

لضعفه و إن احتجّ به في المختلف لمختاره ثمة (1)،و ذلك لوضوح الفرق بينهما بصدق إدراك الذكاة الوارد في النصوص الموجب للحرمة بدونها فيما نحن فيه عرفاً،بخلاف ما مضى،لعدم صدقه فيه جدّاً.

و الثاني:بظهوره في صيرورة الصيد غير ممتنع لجهات:

إحداها:قوله:و لا يكون معه سكّين،فإنّ مقتضاه أنّ المانع من تذكيته عدم السكين،لا عدم القدرة عليه لكونه ممتنعاً.و لو كان حينئذٍ ممتنعاً لما كان لقوله:و لا يكون معه سكين،فائدة أصلاً.

و الثانية:قوله:فيذكّيه بها،ظاهر أيضاً في أنّه لو كان معه سكين لذكّاه بها،فدلّ على بطلان امتناعه.

و الثالثة:قوله:أ فيدعه حتى يقتله،ظاهر أيضاً في قدرته على أن

ص:288


1- المختلف:676.

لا يدعه حتى يقتله،و إنّه إنّما يترك تذكيته و يدع الكلب يقتله لعدم وجود السكين.

و هو حسن إلّا أنّ ما ذكره من القرائن لا توجب الصراحة،بل غايتها إفادة الظهور،و هو لا ينافي الحمل على ما ذكره المجيب جمعاً بين الأدلّة.

ثم على تقدير الصراحة المصير إلى القول بالحرمة لا يخلو عن قوّة؛ لاعتضاد ما قدّمناه من أدلّتها بالشهرة العظيمة التي هي من أقوى المرجّحات الشرعية،و لأجلها لم تكن الرواية لها بمكافئة و إن كانت صحيحةً و عمل بها جماعة.

ثمّ إنّ المستفاد من ظاهر إطلاق العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة و النصوص المتقدّمة:اعتبار التذكية خاصّة بعد إدراكه و فيه حياة مستقرّة، من دون إيجاب المسارعة إليه بعد إرساله الإله و الإصابة.و هو الأوفق في الظاهر بإطلاق الكتاب و السنّة،إلّا أنّ المشهور إيجابها شرطاً على الظاهر أو شرعاً كما قيل (1).

و لم أجد لهم عليه دليلاً صريحاً،و إن احتمل توجيهه بأصالة الحرمة و عدم انصراف الإطلاقات إلى صيد لم يتحقّق إليه مسارعة معتادة،لأنّ المتبادر منها ما تحقّقت فيه،و إلّا لحلّ الصيد مع عدمها و لو بقي غير ممتنع سنةً ثم مات بجرح الآلة،و لعلّه مخالف للإجماع بل الضرورة.

هذا مع إمكان دعوى الاستقراء و التتبّع للنصوص و الفتاوى على دوران الحلّ بالاصطياد و حرمته مدار حصول موته حال الامتناع به و عدمه مع القدرة عليه،فيحلّ في الأوّل دون الثاني إلّا بعد تذكيته.و في التنقيح

ص:289


1- انظر مفاتيح الشرائع 2:214.

الإجماع عليه حيث قال:و لا يحلّ مقتول الكلب إلّا مع الامتناع إجماعاً (1).

و على هذا فلو أخذته الآلة و صيّرته غير ممتنع توقّف حلّها على التذكية،فيجب تحصيلها بالمسارعة المعتادة.

و هذه الحجّة و إن اقتضت الحرمة بعد المسارعة أيضاً مع إدراك التذكية و تركها بقصور الزمان و نحوه ممّا مرّ إليه الإشارة،إلّا أنّ هذه الصور خرجت بالإجماع و نحوه من الأدلّة.

فما ذكروه لا يخلو عن قوّة سيّما مع اعتضاده بأنّ المستفاد من النصوص و الفتاوى عدم حلّ الحيوان مطلقاً إلّا بالذبح و نحوه،و أنّ الاكتفاء بغيرهما في الحلّية إنّما هو حيث حصلت ضرورة كالاستعصاء و نحوه.

و يمكن أن ينزّل عليه إطلاق العبارة و نحوها من العبائر و النصوص بحملها على صورة تحقّق المسارعة،لوروده لبيان حكم آخر غير المسارعة.بل لعلّ التنزيل متعيّن،نظراً إلى ما مرّ إليه الإشارة من تلك القواعد المستفادة من تتبّع النصوص و كلماتهم و كلمات غيرهم من الجماعة.

و أعلم:أنّ المستفاد من النصوص المتقدّمة إنّما هو اعتبار إدراك الذكاة خاصّة،و هو يحصل بإدراكه و تطرف عينه أو تركض رجله كما في النصوص،بل قيل:الصحاح (2).

منها:ما ورد في الصيد:«آخر الذكاة إذا كانت العين تطرف،و الرجل تركض،و الذنب يتحرّك» (3).

ص:290


1- التنقيح الرائع 4:14.
2- مفاتيح الشرائع 2:214.
3- الكافي 6:10/208،التهذيب 9:131/33،الإستبصار 4:267/73،الوسائل 23:350 أبواب الصيد ب 9 ح 4.

و منها:ما ورد في الذبيحة،و هو كثير فيها الصحيح و غيره (1).

و مال إلى العمل بها الشهيدان،و تبعهما من متأخّري المتأخّرين جماعة (2)،وفاقاً للمحكي في المختلف و التنقيح (3)عن ابن حمزة.

خلافاً للمشهور بين المتأخّرين كما صرّح به جماعة (4)،وفاقاً منهم للمحكي في الكتابين عن المبسوط (5)،فاعتبروا في إدراك ذكاته استقرار حياته بمعنى إمكان بقائه يوماً أو بعض يوم.و مقتضاه أنّ غير مستقرّ الحياة هنا بمنزلة المذبوح،فلو ترك عمداً حتى مات حلّ،مع أنّهم فسّروا استقرار الحياة كما عرفت بما يمكن أن يعيش صاحبها اليوم و اليومين.

و هو بعيد،لعدم الدليل المعتمد عليه.و غاية توجيهه ما قد يقال من قِبلَهم:

إنّ ما لا يستقرّ حياته قد صار بمنزلة المقتول.و هو اجتهاد في مقابلة النص غير مسموع.

هذا،مع أنّ المحكي عن نجيب الدين يحيى بن سعيد (6):أنّ اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب.و هو الظاهر من عمدة القائلين باعتباره كالشيخ في الخلاف و المبسوط (7)،فإنّه قد نسب في الأوّل مفاد النصوص

ص:291


1- انظر الوسائل 24:22 أبواب الذبائح ب 11.
2- الشهيد الأوّل في الدروس 2:414،الشهيد الثاني في المسالك 2:222 و الروضة 7:227،و تبعهما العلّامة المجلسي في ملاذ الأخيار 14:183،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:255،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:214.
3- المختلف:676،التنقيح الرائع 4:7.
4- قال في المسالك 2:222:هو المشهور بين الأصحاب،و قال في المفاتيح 2:214:هو المشهور.
5- المبسوط 6:260.
6- حكاه عنه في الدروس 2:415.
7- الخلاف 6:14،المبسوط 6:260.

المزبورة إلى روايات الأصحاب،كالحلّي (1)،و في الثاني إليهم أنفسهم.

و هو ظاهر في دعواه الإجماع.و ليت شعري ما الداعي له مع ذلك إلى اختياره خلافه.

و عليك بإمعان النظر في هذا المبحث فإنّه فيه إشكالاً،و هو أنّ جماعة ممّن اختاروا القول الأوّل و منهم ابن حمزة (2)فصّلوا أيضاً بين مستقرّ الحياة و غيره في مواضع كثيرة تقدّمت إلى جملة منها الإشارة، فحكموا في الأوّل بلزوم التذكية في الحلّية و في الثاني بعدمه.

و هذا التفصيل لا يتصوّر إلّا على تقدير تفسير استقرار الحياة بما ذكره في المبسوط و تبعه الجماعة (3):من إمكان بقاء الحياة المدّة المتقدّمة،فإنّه هو الذي يتصوّر فيه التفصيل بين مستقرّ الحياة و هو ما أمكن أن يعيش المدّة،و غيره و هو ما قابلة.و أمّا تفسيره بإدراكه و تطرف عينه،أو تركض رجله فغير متصوّر فيه التفصيل الذي مرّ،إذ لا حركة دون الحركات المزبورة تعدّ قسماً آخر مقابل مستقرّ الحياة أيضاً.

و يمكن الذبّ عن الإشكال بما هو حقيق أن يسطر و يرجع إليه في هذا المجال،و هو:أنّ المستفاد من تتبّع جملة من العبارات في تفسير غير مستقرّ الحياة بأنّه هو الذي قطع حلقومه أو فتق قلبه أو شقّ بطنه،أنّ مستقرّ الحياة ما قابلة،و هو الذي لم يحصل فيه واحد من الأُمور المزبورة، سواء كان ممّا يعيش تلك المدّة المتقدّمة أم لا.و استقرار الحياة بهذا المعنى يجامع ما ذكره ابن حمزة و من تبعه في أدناه من طرفة العين و ركض الرجل.

ص:292


1- السرائر 3:92.
2- الوسيلة:356.
3- المبسوط 6:260،و تبعه العلّامة في المختلف:676،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:7.

و يمكن تنزيل تفسير الشيخ له بما ذكره من إمكان البقاء تلك المدّة عليه،بإرادته من الإمكان ما يقابل إمكان البقاء مع شقّ البطن و نحوه.

و يعضده ما نقله عن الأصحاب من إدراك الذكاة بطرف العين،مع موافقته لابن حمزة في تفسير غير مستقرّ الحياة بما ذكره.لكن في الخلاف ما يأبى عن هذا التنزيل.

و بما ذكرناه ظهر عدم الخلاف في اعتبار استقرار الحياة كما يستفاد من التنقيح (1)،و أنّه على تقديره إنّما هو في تفسيره.و لا ينافيه ما مرّ عن يحيى بن سعيد من أنَّ اعتباره ليس من المذهب؛ لاحتمال إرادته من الاستقرار الذي نفاه،الاستقرار بمعنى البقاء إلى المدّة المذكورة لا مطلقة.

و بهذا التحقيق يظهر الجواب عمّا يرد من الإشكال المشهور على فرض استقرار الحياة مع عدم سعة الزمان لإدراك الذكاة.و لعلّ هذا الفرض أيضاً من شواهد هذا التحقيق كما قد نبّه عليه المقدّس الأردبيلي (2)،فإنّ ما أُجيب عنه على طريقة المشهور في تفسير استقرار الحياة لا يخلو عن تعسّف.

الخامسة لو أرسل كلبه فأرسل كافر كلبه فقتلا صيداً أو مسلم لم يسمّ أو لم يقصد الصيد لم يحلّ

الخامسة: لو أرسل المسلم كلبه فأرسل كافر كلبه فقتلا صيداً، أو أرسل بدل الكافر مسلم لم يسمّ أو من لم يقصد جنس الصيد فقتلاه لم يحلّ بلا خلاف فيه،و في انسحاب الحكم في مطلق الآلة؛ لما مرّ إليه الإشارة (3)في بحث من أرسل كلبه و سمّى غيره من اشتراط العلم أو الظنّ باستناد الموت إلى السبب المحلّل خاصّة،لا السبب

ص:293


1- التنقيح الرائع 4:7.
2- مجمع الفائدة و البرهان 11:50.
3- في ص 268.

المحرّم،و لا المشترك بينهما كما هو الفرض.

و لا فرق فيه بين تجانس الآلتين ككلبين أو سهمين،أو تخالفهما كسهم و كلب،و لا بين اتّفاقهما في وقت الإصابة أو تخالفهما إذا كان كل منهما قاتلاً.و لو أثخنه السبب المحلّل ثم ذفّف و أسرع عليه السبب المحرّم حلّ؛ لأنّ القاتل هو الأوّل.و لو انعكس الأمر لم يحلّ،و كذا لو اشتبه الحالان؛ لأصالة عدم التذكية المشترطة في الحلّ،و الجهل بالشرط يوجب الجهل بالمشروط.

السادسة لو رمى صيداً فأصاب غيره حلّ

السادسة: لو رمى بالآلة المعتبرة مطلقاً قاصداً صيداً فأصاب غيره حلّ.و لو رمى لا للصيد بل للهو أو غيره فقتل صيداً لم يحلّ بلا خلاف فيهما أيضاً؛ لما مضى من اعتبار قصد المرسل الصيد في الحلّ، و المعتبر منه القصد إلى الجنس المحلّل لا الشخص.و لقد كان في اعتبار القصد فيما مضى غنى عن ذكر هذا الحكم جدّاً (1).

السابعة إذا كان الطير مالكاً جناحه فهو لصائده

السابعة: إذا كان الطير مالكاً جناحه و لا يكون فيه أثر اليد فهو لصائده إلّا أن يعرف مالكه فيردّه إليه بلا خلاف في شيء من ذلك أجده، و النصوص به مع ذلك مستفيضة:

منها الصحيح:عن رجل يصيد الطير يساوي دراهم كثيرة،و هو مستوي الجناحين،و يعرف صاحبه،أو يجيئه،فيطلبه من لا يتّهمه،قال:

«لا يحلّ له إمساكه،يردّه عليه» فقلت له:فإن هو صاد ما هو مالك لجناحيه،لا يعرف له طالباً،قال:«هو له» (2).

ص:294


1- راجع ص 262.
2- الكافي 6:1/222،التهذيب 9:258/61،الوسائل 23:388 أبواب الصيد ب 36 ح 1.

و نحوه الخبر:عن صيد الحمامة تساوي نصف درهم أو درهماً، فقال:«إذا عرفت صاحبه فردّه عليه،و إن لم تعرف صاحبه و كان مستوي الجناحين يطير بهما فهو لك» (1).

و قريب منهما آخر:الطير يقع على الدار فيؤخذ،إحلال هو أم حرام لمن أخذه؟فقال:«هو عافٍ أم غير عافٍ؟» قلت:و ما العافي؟قال:

«المستوي جناحاه،المالك جناحيه يذهب حيث شاء» قال:«هو لمن أخذه» (2).

و منها الخبران،أحدهما المرسل كالموثق بابن بكير:«إذا ملك الطائر جناحيه،فهو لمن أخذه» (3).

و في الثاني القوي بالسكوني و صاحبه:«الطائر إذا ملك جناحيه فهو صيد،و هو حلال لمن أخذه» (4).

و لو كان الطير مقصوصاً أو موجوداً فيه أثر يدل على الملك لم يحلّ أنّ يؤخذ و لا يجوز أن يملك لأنّ له بمقتضى الأثر الدال على ترتّب اليد مالكاً محكوماً بملك الطير له بترتّب يده عليه، الموجب للملكيّة له بمجرّده،كما عليه جماعة (5).و دلّ عليه بعض

ص:295


1- الكافي 6:3/222،التهذيب 9:260/61،الوسائل 23:388 أبواب الصيد ب 36 ح 2.
2- الكافي 6:4/223،التهذيب 9:261/61،الوسائل 23:389 أبواب الصيد ب 37 ح 2.
3- الكافي 6:2/222،التهذيب 9:259/61،الوسائل 23:389 أبواب الصيد ب 37 ح 1.
4- الكافي 6:5/223،التهذيب 9:256/61،الوسائل 23:390 أبواب الصيد ب 37 ح 3.
5- منهم:العلّامة في الإرشاد 2:105،و الشهيد الثاني في المسالك 2:235.

النصوص المتقدّمة،و نحوه مضاهية في السند:«للعين ما رأت و لليد ما أخذت» (1).

و أمّا على القول بعدم إفادته ذلك بمجرّده،بل لا بُدّ معه من النّية كما عليه آخرون؛ لاستصحاب بقاء عدم الملكية و اختصاص ما مرّ من النصوص بحكم التبادر بصورة مقارنة النيّة لترتّب اليد فكذلك؛ لما عرفت من الظهور المستفاد من وجه اختصاص النصوص بتلك الصورة، فلا يلتفت إلى احتمالات منافية للملكيّة،كأن فعل ذلك به عبثاً من غير قصد التملّك.و حاصله يرجع إلى ترجيح الظاهر في هذه المسألة على أصالة الإباحة،و عدم الحكم بمالك له بالكليّة.

و هو و إن كان خلاف التحقيق إلّا في موارد مخصوصة،إلّا أنّه يمكن استفادته من الصحيح السابق،حيث اكتفى فيه بالملك لمن يدّعيه بمجرّد دعواه الغير المعلوم أنّها صادقة أم كاذبة،بعد أن ذكر أنه ليس المدّعى محلّ التهمة.و لا ريب أنّ تلك الدعوى بمجردها و لو قرنت بعدم اتّهام مدّعيها لا تفيد سوى الظهور و المظنّة،و لعلّ المظنّة الحاصلة من ترتّب اليد بكونه مع النيّة أقوى من المظنّة الحاصلة بالملكيّة بمجرّد الدعوى المقرونة بعدم تهمة.

هذا مع أنّ أصالة الإباحة على تقدير تسليم جواز الاستناد إليها هنا مطلقاً معارضة بأصالة بقاء عدم ملكيّة الصائد لما صاده،و بعد التعارض و التساقط يبقى إثبات ملكيّته محتاجاً إلى حجّة أُخرى عن المعارض سليمة، و لا وجود لها هنا بالكليّة سوى إطلاق النصوص بأنّه لمن أخذه،و قد مرّ

ص:296


1- الكافي 6:6/223،التهذيب 9:257/61،الوسائل 23:391 أبواب الصيد ب 38 ح 1.

إلى جوابه الإشارة.

و يكره أن يرمى الصيد بما هو أكبر منه.و لو اتّفق الرمي به قيل كما عن النهاية و ابن حمزة (1)-: حرم الفعل مع الصيد؛ للمرفوع:«لا يرمى الصيد بشيء أكبر منه» (2).

و الأشبه الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر الكراهية فيهما؛ للأصل و الإطلاقات،مع ضعف الخبر بالإرسال و الرفع،مع اختصاصه بالنهي عن الفعل دون الصيد،فلا وجه لتحريمه و إن قلنا بتحريم سابقه.

و كذا يكره أخذ الفراخ من أعشاشها وفاقاً للأكثر (3)؛ للأصل.

خلافاً للصدوقين فيحرم (4)؛ للخبر:«لا تأتوا الفراخ في أعشاشها حتى تريش و تطير،فإذا طار فأوتر له قوسك،و انصب له فخّك» (5).

و لقصور سنده مع عدم مكافأته لأدلّة الإباحة من الأصل و إطلاقات الكتاب و السنّة حمل على الكراهة.

و كذا يكره الصيد بكلب علّمه مجوسي للنهي عنه في الخبر:

عن كلب المجوسيّ أستعيره فأصيد به،قال:«لا تأكل من صيده» (6).

ص:297


1- النهاية:580،ابن حمزة في الوسيلة:357.
2- الكافي 6:12/211،التهذيب 9:142/35،الوسائل 23:370 أبواب الصيد ب 21 ح 1.
3- كالشيخ في النهاية:579،و العلّامة في التحرير 2:158،و الشهيد في الدروس 2:399.
4- الصدوق في المقنع:142،و نقله عن والده في المختلف:689.
5- الكافي 6:2/216،التهذيب 9:52/14،الوسائل 23:380 أبواب الصيد ب 28 ح 1.
6- الكافي 6:2/209،التهذيب 9:119/30،الإستبصار 4:255/70،الوسائل 23:361 أبواب الصيد ب 15 ح 2.

و الوجه في حمله عليها ما مرّ في الخبر السابق مع زيادة عليه هي:

معارضته بخصوص الصحيح الصريح:عن كلب المجوسيّ يأخذه الرجل المسلم،فيسمّي حين يرسله،أ يأكل ممّا أمسك عليه؟فقال:«نعم،لأنّه مكلّب ذكر اسم اللّه عزّ و جلّ عليه» (1).

مضافاً إلى إجماعنا المحكيّ عليها في الخلاف (2)،المعتضد بعدم الخلاف فيه بيننا إلّا من الإسكافي و المبسوط (3).

و استدلّ لهما بقوله تعالى تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ [1] (4)فإنّ الخطاب للمسلمين،و بالخبر الذي مضى (5).

و هما كما ترى؛ لضعف الأوّل بعدم دلالته على اشتراط الإسلام في المعلِّم،و إنّما غايته الاختصاص بالمسلم،و هو لا ينافي الثبوت في غيره بما مرّ،سيّما مع وروده مورد الغالب.

هذا مع أنّ دلالته على الاشتراط لو سلّمت تقتضي حرمة مقتول ما علّمه الكافر مطلقاً.و هو خلاف الإجماع حتى منهما قطعاً؛ لتخصيصهما المنع بكلب المجوسيّ،كما حكاه عنهما جماعة من أصحابنا،و إن كان يظهر من المقدس الأردبيلي رحمه الله حكاية الإطلاق عنهما (6)،و لكنّها كما ترى.

ص:298


1- الكافي 6:1/208،الفقيه 3:913/202،التهذيب 9:118/30،الإستبصار 4:254/70،الوسائل 23:360 أبواب الصيد ب 15 ح 1.
2- الخلاف 6:19.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:676،المبسوط 6:262.
4- المائدة:4.
5- حكاه في المختلف:676.
6- مجمع الفائدة و البرهان 11:39.

هذا مع ورود التصريح بحلّ مقتول ما علّمه أهل الذمّة في الخبر:

«و كلاب أهل الذمة و بزاتهم حلال للمسلمين بأن يأكلوا من صيدها» (1)و ليس ذلك إلّا لما ذكرناه من عدم دلالة الآية على الاشتراط بالكلية.

و الثاني بما مرّ من ضعف السند،و المعارضة بالصحيح،و الإجماع المحكيّ بل المحقّق المعتضد بالإطلاقات،فليكن مطرحاً،أو على الكراهة محمولاً.

قيل (2):و يمكن حمله على تعليمه في ساعته،كما في الخبر:

«لا تأكل صيده إلّا أن يأخذه المسلم،فيعلّمه و يرسله» (3).

و في آخر:«و إن كان غير معلّم فعلّمه في ساعته حين يرسله و ليأكل منه،فإنّه معلّم» (4).

و هو محلّ نظر إن أُريد به ثبوت الحرمة إلّا مع تعليم المسلم له و لو من ساعته؛ لقصور الخبرين عن إثباتها،لما مضى في الرواية الأُولى،هذا مع قصور الاُولى منهما عن الدلالة على الحلّية في صورة الاستثناء؛ لاحتمال أن يكون المراد بالتعليم التعليم الحقيقي،و يكون مرجع الضمير في«يأخذه» مطلق كلب المجوسيّ لا معلَّمه،و مرجعه حينئذٍ إلى الخبر الأوّل الناهي عن صيد كلبه المعلّم مطلقاً.و يعضد هذا الاحتمال أنّه لا معنى

ص:299


1- الكافي 6:3/209،التهذيب 9:120/30،الإستبصار 4:256/71،الوسائل 23:361 أبواب الصيد ب 15 ح 3.
2- كما قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:211.
3- الكافي 6:3/209،التهذيب 9:120/30،الإستبصار 4:256/71،الوسائل 23:361 أبواب الصيد ب 15 ح 3.
4- الكافي 6:14/205،الفقيه 3:911/201،التهذيب 9:98/24،الوسائل 23:346 أبواب الصيد ب 7 ح 2.

للتعليم على غيره؛ لحصوله قبل تعليمه.و هو حسن إن أُريد انتفاء الكراهة بالتعليم في الساعة.فتأمّل جدّاً.

و كذا يكره صيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة للخبر:

« نهى أمير المؤمنين عليه السلام أن يتصيّد الرجل يوم الجمعة قبل الصلاة، و كان عليه السلام يمرّ بالسمّاكين يوم الجمعة،فينهاهم عن أن يتصيّدوا من السمك يوم الجمعة قبل الصلاة» (1).

و صيد الوحش و الطير بالليل للخبرين:

في أحدهما:«نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن إتيان الطير بالليل، و قال عليه السلام.إنّ الليل أمان لها» (2)و نحوه الثاني (3).

و الوجه في حملهما و حمل ما تقدّمهما على الكراهة مع تضمّنها النهي المفيد للحرمة هو ما تقدّم إليه الإشارة من ضعف السند و عدم المكافأة لأدلّة الإباحة من الأصل و إطلاقات الكتاب و السنّة،و المعارضة بالصحيحين المجوزين (4)و غيرهما (5).

ص:300


1- الكافي 6:17/219،التهذيب 9:49/13،الوسائل 23:383 أبواب الصيد ب 30 ح 1.
2- الكافي 6:3/216،التهذيب 9:51/14،الوسائل 23:381 أبواب الصيد ب 28 ح 1.
3- الكافي 6:2/216،التهذيب 9:52/14،الوسائل 23:380 أبواب الصيد ب 28 ح 2.
4- الأوّل في:الكافي 6:1/215،التهذيب 9:53/14،الوسائل 23:382 أبواب الصيد ب 29 ح 1.الثاني في:الكافي 6:/216ذيل الحديث 1،التهذيب 9:54/14،الوسائل 23:382 أبواب الصيد ب 29 ذيل حديث 1.
5- التهذيب 9:55/14،الوسائل 23:382 أبواب الصيد ب 29 ح 2.

المقام الثاني في

الذبائح و فيه فصول

اشارة

الذبائح و الكلام فيه يستدعي بيان فصول ثلاثة.

الأوّل في الذابح

الأوّل في بيان الذابح و يشترط فيه الإسلام أو حكمه كالمتولّد منه بشرط التمييز و لو كان أُنثى لعدم الخلاف في عدم اشتراط البلوغ و الذكورة في المذكّي،كما لا خلاف في عدم اشتراط الفحولة و لا الطهارة و لا البصر و لا كمال العقل فيه،بل التمييز خاصّة بعد الشرائط الأُخر المعتبرة؛ للأصل و الصحاح و غيرها.

و في الصحيح:«إذا كانت المرأة مسلمة،و ذكرت اسم اللّه عزّ و جلّ على ذبيحتها حلّت ذبيحتها،و كذلك الغلام إذا قوي على الذبيحة،و ذكر اسم اللّه عزّ و جلّ عليها،و ذلك إذا خيف على الذبيحة و لم يوجد من يذبح غيرهما» (1).

و نحوه في اشتراط الاضطرار،المرسل:«لا بأس بذبيحة الخصيّ و الصبيّ و المرأة إذا اضطرّوا إليه» (2).

و هما بظاهرهما غير معمول عليهما،مع أنّ البأس المفهوم من الأخير مع عدم الشرط أعمّ من الحرمة،فليحمل على الكراهة،جمعاً بينهما و بين باقي الصحاح المطلقة الوارد أكثرها في مقام الحاجة.

ص:301


1- الكافي 6:3/237،الفقيه 3:983/212،التهذيب 9:308/73،الوسائل 24:45 أبواب الذبائح ب 23 ح 7.
2- الكافي 6:4/238،الوسائل 24:46 أبواب الذبائح ب 23 ح 10.

منها:عن ذبيحة الخصيّ،فقال:«لا بأس» (1).

و منها:عن ذبيحة الصبيّ،فقال:«إذا تحرّك،و كان له خمسة أشبار و أطاق الشفرة» و عن ذبيحة المرأة،فقال:«إذا كنّ نساء ليس معهنّ رجل فلتذبح أعقلهنّ،و لتذكر اسم اللّه عزّ و جلّ عليها» (2).

و ليس في اشتراط البلوغ خمسة أشبار فيه و في رواية أُخرى (3)، كاشتراط فقد الرجل،مخالفةٌ للمجمع عليه؛ إذ الظاهر من الشرط الأوّل و هو البلوغ خمسة أشبار الإشارة إلى اشتراط التمييز المتحقّق بذلك غالباً لا أنّه يكون شرطاً زائداً عليه،و ورود الشرط الأخير مورد الغالب،لأنّ الغالب عدم ذبح المرأة مع وجود الرجل:مع أنّ اشتراط عدمه أعمّ من الاضطرار المشترط في الروايات السابقة.

و يتفرّع على اشتراط الإسلام أو حكمه حرمة ذبائح أصناف الكفّار، سواء في ذلك الوثني،و عابد النار،و المرتدّ،و كافر المسلمين كالغلاة و غيرهم،و الكتابي.

و لا خلاف فيمن عدا الكتابي،بل في المسالك و غيره (4):أنّ عليه إجماع المسلمين؛ و هو الحجّة بعد أصالة الحرمة المتقدّم في بحث الصيد إليها الإشارة؛ مضافاً إلى فحاوي النصوص الآتية،و خصوص الصحيحين (5)

ص:302


1- الكافي 6:6/238،الوسائل 24:47 أبواب الذبائح ب 24 ح 1.
2- الكافي 6:1/237،الفقيه 3:981/212،التهذيب 9:310/73،الوسائل 24:42 أبواب الذبائح ب 22 ح 1.
3- الكافي 6:8/238،الوسائل 24:42 أبواب الذبائح ب 22 ح 3.
4- المسالك 2:223،الكفاية:246.
5- أحدهما في:التهذيب 9:271/64،الإستبصار 4:304/81،الوسائل 24:58 أبواب الذبائح ب 27 ح 19. و الآخر في:التهذيب 9:279/66،الإستبصار 4:312/83،الوسائل 24:59 أبواب الذبائح ب 27 ح 23.

و غيرهما (1)الناهية عن ذبائح نصارى العرب معلّلاً في الأخير بأنّهم مشركو العرب،و في أحد الأوّلين بأنّهم ليسوا من أهل الكتاب.

و هذه الأدلّة مع اعتضاد بعضها ببعض سليمة عمّا يصلح للمعارضة بالكلية حتّى إطلاق الكتاب و السنّة بحلّ أكل ما ذكر عليه اسم اللّه سبحانه، بناءً على أنّ المتبادر من الذكر عند الإطلاق:الذكر الصادر عن المسلم المعترف بحقيقته و الراجي للمثوبة به عنده لا ذكر العابث به أو المستهزئ و نحوه أو القاصد به غيره فليحمل عليه،لكونه نكرةً في سياق الإثبات لا تفيد العموم لغةً.

و أمّا في الكتابي فقد اختلف الأصحاب على ثلاثة أقوال؛ لاختلاف الروايات الواردة فيه عن أهل العصمة سلام اللّه عليهم.و لكن روايتان منها مشهورتان،بمعنى عدم ندرة القائل بهما كندرته في الثالثة،و إلّا ف أشهرهما روايةً و فتوى ما دلّ على المنع مطلقاً.

و نسبه في المسالك إلى جملة المتأخّرين،بل قال:كاد أن يعدّ من المذهب (2).و في الخلاف و الانتصار جعلاه من متفرّدات الإماميّة مدّعيين الإجماع عليه (3)،و هي مع ذلك مستفيضة بل كادت تكون متواترةً.

و هي ما بين مصرّحة بالمنع و لو مع سماع التسمية،كالخبر المنجبر ضعفه و ضعف ما يأتي بما مرّ من الأصل و عمل الأكثر:عن ذبيحة الذميّ، قال:«لا تأكله إن سمّى و إن لم يسمّ» (4).

ص:303


1- التهذيب 9:275/65،الإستبصار 4:308/82،الوسائل 24:58 أبواب الذبائح ب 27 ح 22.
2- المسالك 2:223،225.
3- الخلاف 6:24،الانتصار:188.
4- الكافي 6:1/238،التهذيب 9:276/65،الإستبصار 4:309/82،الوسائل 24:54 أبواب الذبائح ب 27 ح 5.

و مطلقة و هي ما عداه:

منها الصحيح:عن ذبائح أهل الكتاب،فقال عليه السلام:«قد سمعتم ما قال اللّه عزّ و جلّ في كتابه» فقالوا له:نحبّ أن تخبرنا،فقال:

«لا تأكلوها» (1).

و منها الصحيح:«لا تدخل ثمنها مالك،و لا تأكلها،و إنّما هو الاسم، و لا يؤمن عليه إلّا مسلم،فقال له الرجل:[قال اللّه تعالى اَلْيَوْمَ]أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [1] فقال:كان أبي يقول:إنّما هي الحبوب و أشباهها» (2).

و هو ظاهر في التحريم؛ لكون النهي حقيقة فيه،مضافاً إلى شهادة السياق به من حيث فهم الراوي إيّاه،و لذا عارضه بالآية المتضمنة للحلّية الغير المنافية للكراهة،مع تقرير المعصوم له على فهمه و جوابه له بما أجابه.

و لا ينافي ما ذكرناه إضافة الثمن إليها بناءً على أنّه لا يعوّض به الميتة في الشريعة؛ لصدق الإضافة بأدنى ملابسة،و هو هنا مجرّد المعاوضة و إن كانت فاسدة،و ورودها كذلك في الفتاوي و المعتبرة غير عزيز.

فجعل المسالك (3)الرواية دالة على الإباحة بذلك غريب و أيّ غريب؟.فإنّ ما ذكرناه من القرينة صريحة في الحرمة،فيترجّح على الإضافة التي هي حقيقة فيما ذكرناه؛ لأنّ غايتها على تقدير التسليم -

ص:304


1- التهذيب 9:282/66،الإستبصار 4:314/83،الوسائل 24:59 أبواب الذبائح ب 27 ح 25.
2- الكافي 6:10/240،التهذيب 9:270/64،الوسائل 24:48 أبواب الذبائح ب 26 ح 1 و ما بين المعقوفين من المصادر.و الآية في سورة المائدة:5.
3- المسالك 2:225.

الظهور المرجوع إلى الصريح،و على تقدير التنزّل عن الصراحة فالظهور لا أقلّ منه،و غايته تعارض الظاهرين،فترجيح الظاهر الذي ذكره على ما قابلة غير واضح.

و كذا جعله الصحيح الدالّ على النهي عن أكل ذبائح نصارى العرب دليلاً على الحلّ فيمن عداهم نظراً منه إلى أنّ عموم التحريم ينفي فائدة التخصيص بهم غريب؛ لابتنائه على حجيّة مفهوم اللقب و لا يقول به.

و به يظهر الجواب عن جعله الصحيح الآخر الدالّ على النهي عن ذبح اليهودي و النصراني الأُضحية دليلاً على الحلّية أيضاً،بناءً منه على أنّ مفهومه أنّ غيرها ليس كذلك،قال:و المفهوم و إن لم يكن حجةً إلّا أنّ التخصيص بالأُضحية لا نكتة فيه لو كانت ذبائحهم محرّمة مطلقاً.

و هو كما ترى؛ فإنّ عدم درك النكتة لا يدلّ على عدمها،أو كونها اختصاص الحرمة بالأُضحية،مع أنّ الأخير لو تمّ لكان المفهوم حجّة مع أنّه أنكره،و معارضاً بمفهوم التخصيص باليهودي و النصراني،مع أنّ النهي غير مختصّ بهما كما في الصحيح:«إنّ الأُضحيّة لا يتولّى ذبحها إلّا مالكها» (1)و هو مقرّر في بابها،و اعترف هو به هنا،فما وجه تخصيص النهي عن الذبح بهما؟فما هو الجواب عن هذا فهو الجواب عمّا مضى.

و منها الموثّقان:عن ذبيحة اليهودي و النصراني،فقال:

«لا تقربوها» (2).

ص:305


1- لم نعثر على النصّ المذكور،و قد ورد مؤدّاه في الوسائل 24:58 أبواب الذبائح ب 27 ح 20.
2- الأوّل في:الكافي 6:5/239،التهذيب 9:266/63،الإستبصار 4:299/81،الوسائل 24:55 أبواب الذبائح ب 27 ح 9.الثاني في:التهذيب 9:285/67،الإستبصار 4:317/84،الوسائل 24:61 أبواب الذبائح ب 27 ح 30.

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة المتضمّن جملة منها كالصحيحة الثانية تعليل الحرمة بأنّه الاسم و لا يؤمن عليه إلّا المسلم،و هو و إن أوهم في بادئ النظر اختصاص الحكم بالحرمة بصورة عدم سماع التسمية،بناءً على أنّ عدم الأمن من التسمية إنّما هو من حيث خوف تركها لا عدم القصد إلى مدلولها،لكن التعليل به على الإطلاق،بل العموم في جملة منها المستفاد من ترك الاستفصال،ظاهر في عدم الاختصاص،و أنّ المراد من عدم الأمن إنّما هو من حيث عدم القصد إلى المدلول.

و يعضده الخبر الأوّل الصريح في المنع مع التسمية أيضاً؛ إذ لو أُريد به عدمه من الحيثيّة التي ذكرت أوّلاً لكان الحكم بالتحريم فيه في هذه الصورة لا وجه له أصلاً مع إشعار التعليل بمقتضى ذلك بعدمه،فتأمّل جدّاً.

و أمّا قصور الأسانيد أو ضعفها فقد مرّ الجواب عنهما.

و أمّا الرواية الثانية الدالّة على الحلّ مطلقاً فنصوص مستفيضة،و هي كالاوّلة ما بين مطلقة للحلّ،كالصحيح:عن ذبيحة أهل الكتاب و نسائهم، فقال:«لا بأس به» (1)و نحوه الخبر (2).

و مصرّحة به مع العلم بعدم التسمية كالخبرين:عن ذبيحة اليهودي، فقال:«حلال» قلت:فإن سمّى المسيح؟قال:«و إن سمّى المسيح فإنّه إنّما أراد به اللّه تعالى» (3).

ص:306


1- التهذيب 9:290/68،الإستبصار 4:322/85،الوسائل 24:62 أبواب الذبائح ب 27 ح 34.
2- التهذيب 9:297/70،الإستبصار 4:329/86،الوسائل 24:64 أبواب الذبائح ب 27 ح 41.
3- الأول في:الفقيه 3:972/210،التهذيب 9:291/68،الإستبصار 4:323/85،الوسائل 24:62 أبواب الذبائح ب 27 ح 35.الثاني في:التهذيب 9:292/69،الإستبصار 4:324/85،الوسائل 24:62 أبواب الذبائح ب 27 ح 36.

و هي مع قصور أسانيد أكثرها،و عدم جابر لها من شهرة أو غيرها إذ لم يحك القول بها إلّا عن شذوذ منّا كالإسكافي و العماني (1)ضعيفة التكافؤ لما قدّمنا من وجوه شتّى،معارضة بالكتاب و السنّة المشترطين في الحلّ مطلقاً ذكر اسم اللّه تعالى،و بما سيأتي من المعتبرة المستفيضة الصريحة في النهي عن ذبيحتهم مع عدم سماع التسمية.

و مع ذلك موافقة للعامّة،كما صرح به الشيخ في كتابي الأخبار و الخلاف و جماعة (2)،و ربّما يجعل مصير الإسكافي إليها على ذلك قرينة.

فلا ريب في ضعف هذا القول و إن أُيّد (3)بآية وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ [1] (4)بناءً على أنّ الطعام إمّا ما يطعم مطلقاً فيشمل ما نحن فيه،أو الذبائح خاصّة كما فسّره بعضهم (5)فهو نصّ فيه؛ لما ظهر لك من الجواب عنه في الصحيح الثاني (6)،و نحوه غيره (7)،و حاصله:حمل الطعام فيها على الحبوب.

و أمّا قول بعض الأصحاب (8)في الجواب عنه بأنّ حمله على الحبوب كما ورد في الأخبار بعيد مع أنّ حلّها غير مختصّ بهم،بل شامل لجميع

ص:307


1- حكاه عنهما في المختلف:679.
2- الاستبصار 4:87،التهذيب 9:70،الخلاف 6:24،و انظر المختلف:680،و الكفاية:246،و مفاتيح الشرائع 2:196.
3- كما في المسالك 2:224،و مفاتيح الشرائع 2:196.
4- المائدة:5.
5- انظر مجمع البيان 2:162.
6- المتقدم في ص 302.
7- الكافي 6:17/241،الوسائل 24:50 أبواب الذبائح ب 26 ح 6.
8- المسالك 2:224.

أصناف الكفّار،فغريب و أيّ غريب بعد الاعتراف بالورود في الأخبار التي منها الصحيح الصريح،و إن هو إلّا اجتهاد صرف في مقابلته غير مسموع لا يمكن المصير إليه،بل و لا الإصغاء إليه.

مع أنّه على تقدير سلامتها عن الجواب المزبور معارضةٌ بعمومات ما دلّ على حرمة ما لم يذكر عليه اسم اللّه سبحانه من الكتاب و السنّة.

و الرجحان لهذه؛ لوجوه كثيرة منها:أصالة الحرمة و عدم معلومية التذكية الشرعية.

و في رواية ثالثة حكي القول بها عن الصدوق (1)أنّه إذا سمعت تسميته فكل و هي أيضاً مستفيضة.

منها الصحيح:في ذبائح أهل الكتاب:«فاذا شهدتموهم و قد سمّوا اسم اللّه تعالى فكلوا ذبائحهم،و إن لم تشهدهم فلا تأكله،و إن أتاك رجل مسلم فأخبرك أنّهم سمّوا فكل» (2).

و الحسن:في ذبيحة الناصب و اليهودي و النصراني:«لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم اللّه تعالى» قلت:المجوسي؟فقال:«نعم إذا سمعته يذكر اسم اللّه تعالى» (3).

و الخبر:«إذا سمعتم يسمّون أو يشهدك من رآهم يسمّون فكل،فإن لم تسمعهم و لم يشهد عندك من رآهم فلا تأكل ذبيحتهم» (4).

ص:308


1- حكاه عنه في المختلف:679،و التنقيح 4:17،و هو في المقنع:140.
2- التهذيب 9:294/69،الإستبصار 4:326/86،الوسائل 24:63 أبواب الذبائح ب 27 ح 38.
3- التهذيب 9:287/68،الإستبصار 4:319/84،الوسائل 24:61 أبواب الذبائح ب 27 ح 31.
4- التهذيب 9:295/69،الإستبصار 4:327/86،الوسائل 24:63 أبواب الذبائح ب 27 ح 39.

و يرد عليها أكثر ما ورد على سابقها من قصور سند أكثرها،و ضعف جميعها عن المقاومة لما قدّمناه من وجوه شتّى،أعظمها اعتضاده بالشهرة العظيمة التي كادت تكون بالإجماع ملحقة،دون هذه الرواية؛ لندرة القائل بها،إذ لم يحك القول بها إلّا عمّن ذكرناه خاصّة.و مخالفته العامة، دونها،لموافقتها لهم كما ادّعاه شيخ الطائفة و جماعة،و لكن أنكرها في المسالك قال:لأنّ أحداً منهم لا يشترط في حلّ ذبائحهم أن يسمعهم يذكرون اسم اللّه تعالى عليها (1).

و لو صحّ ما ذكره و لم تكن أدلّة الحرمة بالشهرة المزبورة معتضدة لكان المصير إلى هذه الرواية في غاية القوة؛ لوضوح الجمع بها بين الروايتين الأوليين الدالّتين على التحريم و الحلّية،بحمل الاُولى على عدم سماع التسمية،و الثانية على السماع.و تجعل هذه قرينة على أنّ المراد بالتعليل المتقدّم إليه الإشارة في أخبار الحرمة بأنّها اسم و لا يؤمن عليه إلّا مسلم:المعنى المستفاد منه في بادئ النظر،و هو كون عدم الأمن من حيث خوف الترك لا خوف عدم القصد إلى ما دلّ.

نعم،لا يمكن الجمع بها بين صريحهما،لكنّه غير محتاج إليه أصلاً، لضعف سندهما طرّاً،و موافقة الثانية منهما للتقيّة جدّاً.فالتعارض الموجب للتردّد حقيقةً إنّما هو ما وقع بين المعتبرة من أخباريهما،و هو يرتفع بهذه الرواية المفصلّة جدّاً،فلا إشكال في المصير إليها لولا رجحان رواية الحرمة مطلقها و صريحها بالشهرة،لكن بعده سيّما مع ندرة القائل بهذه الرواية لا مسرح عن العمل بتلك الرواية و لا مندوحة،مع أنّ من روايات الحلّية ما لا يقبل الحمل على هذه المفصّلة مع أنّها صحيحة:عن ذبائح اليهود

ص:309


1- المسالك 2:225.

و النصارى و المجوس،فقال:«كل» فقال بعضهم:إنّهم لا يسمّون،فقال:

«فإن حضرتموهم فلم يسمّوا فلا تأكلوا» و قال:«إذا غاب فكل» (1).

لكن يمكن الذبّ عنها بالحمل على التقيّة،مع ندرة القائل بها منّا من حيث التسوية فيها بين الفرق الثلاث،مع أنّ العماني الذي هو أحد القائلين بالحلّية يفرق بينها فيحكم في ذبيحة المجوسي بالحرمة مطلقاً (2)،فانحصر القائل بها في الإسكافي خاصّة (3).

و الأفضل أن يليه أي الذبح المؤمن للصحيح:«إنّي أنهاك عن ذبيحة كلّ من كان على خلاف الدين الذي أنت عليه و أصحابك إلّا عند الضرورة» (4).

و ظاهر النهي و إن أفاد الحرمة إلّا أنّه محمول عند الأكثر،بل عامّة من تأخّر على الكراهة؛ التفاتاً إلى إشعار السياق بها،من حيث تخصيص الراوي بالخطاب بالنهي،جمعاً بينه و بين الصحيح الآخر:«ذبيحة من دان بكلمة الإسلام و صام و صلّى لكم حلال إذا ذكر اسم اللّه تعالى» (5).

و الجمع بينهما بتخصيص هذا بالمؤمن غير ممكن؛ لخروج الأكثر، مع اعتضاد الجمع الأوّل بعمل الأكثر،و عموم وَ ما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ [1] (6).

ص:310


1- التهذيب 9:289/68،الإستبصار 4:321/85،الوسائل 24:62 أبواب الذبائح ب 27 ح 33.
2- كما نقله عنه في المختلف:679.
3- على ما حكاه عنه في المختلف:679.
4- التهذيب 9:298/70،الإستبصار 4:330/86،الوسائل 24:67 أبواب الذبائح ب 28 ح 5.
5- التهذيب 9:300/71،الإستبصار 4:336/88،الوسائل 24:66 أبواب الذبائح ب 28 ح 1.
6- الأنعام:119.

مضافاً إلى ما مرّ من المعتبرة المعلّلة للنهي عن أكل ذبائح أهل الذمة بأنّها اسم و لا يؤمن عليها إلّا المسلم؛ لظهورها في حصول الأمانة في التسمية إذا كانت الذبيحة من مسلم،و هو مطلقاً أو فيها بقرينة المقابلة لأهل الذمة أعمّ من المؤمن بلا شبهة،و مع ذلك دالّة بمفهوم الحصر على عدم اعتبار شيء آخر في التذكية غير التسمية،و هي في المفروض حاصلة.

و ما دلّ على حلّ ما يشتري من اللحوم و الجلود من أسواق المسلمين،و هو عامّ أيضاً لغير المؤمن،بل ظاهر فيه؛ لأنّه الأغلب في زمان صدور هذه النصوص،بل مطلقاً.

فقول القاضي و الحلبي (1)بالمنع عن ذبيحة غير المؤمن مطلقاً كما عن الأوّل،أو إذا كان جاحداً للنص كما عن الثاني،ضعيف جدّاً،إلّا أن يقولا بكفر من منعا عن ذبيحته و عدم كونه مسلماً حقيقةً،و هو أضعف من منعهما عنها على التقدير الأوّل جدّاً.و يشير إليه المعاضد الأخير بمعونة ما بعده من التعليل؛ لظهوره في غير المؤمن.

و منه يظهر ضعف قول الفاضل أيضاً بالمنع عن ذبيحة من لا يعتقد وجوب التسمية (2)كما سيظهر،مع أنه لا وجه لاشتراط اعتقاد الوجوب بعد إطلاق الكتاب و السنّة بحلّ ما ذكر عليه اسم اللّه سبحانه،لكنّه مع ذلك له وجه إن خصّص المنع بما إذا لم يعلم منه التسمية،و هو أنّ يقال:إنّ مقتضى النصوص المتقدّمة المعلِّلة للنهي عن ذبائح أهل الذمّة بأنّها اسم و لا يؤمن عليها إلّا مسلم،اعتبار حصول الأمّ بتحقّق التسمية في حلّ الذبيحة،و هو لا يحصل في ذبيحة من لا يعتقد وجوبها حيث لا يحصل العلم بتسميته عليه؛ لاحتمال تركه لها بمقتضى مذهبه.و هذا لا ينافي

ص:311


1- القاضي في المهذّب 2:439،الحلبي في الكافي:277.
2- انظر المختلف:679.

مقتضاها بحصول الأمن بتحققها في المسلم؛ لأنّ المراد من المسلم فيها من يعتقد الوجوب لا مطلقاً للتبادر و الغلبة جدّاً،فإنّ أكثر أهل الإسلام يعتقدونه قطعاً.

و بهذا يجاب عن التمسك لضعف هذا القول بالمعاضد المزبور الدالّ على أصالة الحلّ في اللحوم المشتراة من أسواق المسلمين،بناءً على استلزام صحّته لزوم الاجتناب عنها من باب المقدّمة؛ لاحتمال كونها ذبائح من لا يعتقد الوجوب فتركها،و هو مناف للمعاضد المزبور جدّاً.و ذلك لاحتمال كون أكثرية معتقدي الوجوب منهم موجبة للأصالة المزبورة، و نحن نقول بموجبها حيث لا تؤخذ الذبيحة من يد من يعلم أنّه لا يعتقد وجوب التسمية،و أمّا إذا أُخذت من يده فلا نقول به،و إطلاق الحكم بحلّ ما يؤخذ من السوق منصرف بحكم التبادر و الغلبة إلى غير هذه الصورة، و هو ما إذا أُخذ من يد من لا يعلم حاله في اعتقاد وجوب التسمية و عدمه.

و هذا الوجه في غاية من المتانة و القوّة،و لم أقف على من تفطّن له و ذكره،فالاحتياط عنه لازم البتّة.

و اعلم:أنّ سياق العبارة لمّا دلّ على إباحة ذبيحة مطلق المسلم و لا يقول به الماتن و غيره؛ لتحريمهم ذبيحة الناصب استدرك ذلك بقوله:

نعم لا تحلّ ذبيحة المعادي لأهل البيت عليهم السلام المعبّر عنه بالناصب بلا خلاف،بل عليه الإجماع في المهذّب (1)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى المعتبرة،منها:الموثّقان القريبان من الصحيح بحمّاد بن عيسى و نضر بن سويد،في أحدهما:«لم تحلّ ذبائح الحروريّة» (2)و هم من

ص:312


1- المهذّب 4:163.
2- التهذيب 9:302/71،الإستبصار 4:333/87،الوسائل 24:67 أبواب الذبائح ب 28 ح 3.

جملة النصّاب؛ لنصبهم العداوة لعلي عليه السلام كغيرهم من فرق الخوارج.

و في الثاني:«ذبيحة الناصب لا تحلّ» (1).

و نحوهما خبر آخر في مشتري اللحم من النصّاب:«ما يأكل إلّا[مثل ]الميتة و الدم و لحم الخنزير» الحديث (2).

و أمّا الحسن:«لا تأكل ذبيحة الناصب إلّا أن تسمعه يسمّي» (3)فلعلّه محمول على التقيّة كما يشعر به الصحيح:عن ذبيحة المرجئ و الحروريّ؟ فقال:«كل و قرّ و استقرّ حتى يكون ما يكون» (4).

الثاني في الآلة

الثاني: في بيان الآلة التي بها يذكّي الذبيحة.

و اعلم أنه لا تصحّ التذكية إلّا بالحديد مع القدرة عليه، فلا يجزئ غيره و إن كان من المعادن المنطبعة كالنحاس و الرصاص و الذهب و الفضة و غيرها بلا خلاف بيننا،بل في ظاهر المسالك و غيره (5)أنّ عليه إجماعنا؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أصالة الحرمة،مع اختصاص الإطلاقات كتاباً و سنّةً بحكم التبادر و الغلبة بالحديدة،مع أنها واردة لبيان أحكام أُخر غير حكم الآلة،هذا.

ص:313


1- التهذيب 9:301/71،الإستبصار 4:332/87،الوسائل 24:67 أبواب الذبائح ب 28 ح 2.
2- التهذيب 9:303/71،الإستبصار 4:334/87،الوسائل 24:67 أبواب الذبائح ب 28 ح 4 و ما بين المعقوفين من المصادر.
3- التهذيب 9:304/72،الإستبصار 4:335/87،الوسائل 24:68 أبواب الذبائح ب 28 ح 7.
4- الكافي 6:1/236،الفقيه 3:970/210،التهذيب 9:305/72،الإستبصار 4:337/88،الوسائل 24:68 أبواب الذبائح ب 28 ح 8.
5- المسالك 2:226؛ و انظر الكفاية:246،و كشف اللثام 2:258،و مفاتيح الشرائع 2:200.

و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،منها الصحيحان:«لا ذكاة إلّا بحديد» (1)و في معناهما الموثّقة و الحسنة (2).

و يجوز التذكية بغيره ممّا يفري الأوداج و يقطعها بحدّة إذا كان ذلك عند الضرورة بالاضطرار إلى الأكل،أو الخوف من فوت الذبيحة و لو كانت الآلة مروة و هي حجر يقدح بها النار أو ليطة بفتح اللام و هي القشر الأعلى للقصب المتصل به أو زجاجة مخيّر في ذلك من غير ترجيح بلا خلاف،بل في صريح المسالك و ظاهر غيره الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى أنّ الضرورات تبيح المحظورات كما دلّ عليه الإجماع و الأدلّة الأُخر العقلية و النقلية،و خصوصِ النصوص المعتبرة.

ففي الصحيح:عن رجل لم يكن بحضرته سكّين،أ يذبح بقصبة؟ فقال:«اذبح بالحجر و العظم و القصبة و العود إذا لم تصب الحديدة،إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس» (4).

ص:314


1- الأوّل في:الكافي 6:1/227،التهذيب 9:211/51،الإستبصار 4:294/79،الوسائل 24:7 أبواب الذبائح ب 1 ح 1؛ في الجميع:بحديدة.الثاني في الكافي 6:2/227،التهذيب 9:212/51،الإستبصار 4:295/80،الوسائل 24:7 أبواب الذبائح ب 1 ح 2؛ في الجميع:بحديدة.
2- الموثقة في:الكافي 6:4/227،التهذيب 9:210/51،الإستبصار 4:293/79،الوسائل 24:8 أبواب الذبائح ب 1 ح 4.الحسنة في:الكافي 6:3/227،التهذيب 9:209/51،الإستبصار 4:292/79،الوسائل 24:8 أبواب الذبائح ب 1 ح 3.
3- المسالك 2:226؛ و انظر كشف اللثام 2:258.
4- الكافي 6:3/228،التهذيب 9:213/51،الإستبصار 4:296/80،الوسائل 24:9 أبواب الذبائح ب 2 ح 3.

و فيه:عن المروة و القصبة و العود،يذبح بهنّ إذا لم يجد سكّيناً؟ قال:«إذا فرى الأوداج فلا بأس» (1).

و نحوهما غيرهما (2).

و في الظفر و السنّ مع الضرورة تردّد ينشأ من عموم أدلّة إباحة الضرورات للمحظورات،و ظواهر النصوص المتقدّمة حيث اعتبرت قطع الحلقوم و فري الأوداج و لم تعتبر خصوصية القاطع و هو موجود فيهما، مضافاً إلى إطلاق العظم في بعضها الشامل لهما.

و من أصالة الحرمة و دعوى الشيخ في الخلاف و ابن زهرة في الغنية (3)على المنع عنهما إجماع الإمامية،و لذا قالا به مستدلّين بالاحتياط،و الروايةِ العامية:«ما أنهر الدم و ذكر اسم اللّه تعالى عليه فكلوا ما لم يكن سنّاً أو ظفراً و ساُحدّثكم عن ذلك،أمّا السنّ فعظم،و أمّا الظفر فمدى الحبشة» (4).

و الأوّل أقوى كما عليه كافّة متأخّري أصحابنا،وفاقاً للحلّي نافياً الخلاف فيه بيننا (5).و هو عليه حجّة أُخرى يعارض به الإجماع الذي مضى،مع كونه موهوناً بندرة القائل بالمنع جدّاً؛ إذ ليس إلّا الناقل له و الإسكافي (6)من القدماء،و تبعه الشهيد في بعض كتبه من متأخّري

ص:315


1- الكافي 6:2/228،التهذيب 9:214/52،الإستبصار 4:297/80،الوسائل 24:8 أبواب الذبائح ب 2 ح 1.
2- الفقيه 3:955/208،الوسائل 24:9 أبواب الذبائح ب 2 ح 2.
3- الخلاف 6:22،الغنية(الجوامع الفقهية):618.
4- سنن البيهقي 9:246،مستند أحمد 3:463،سنن ابن ماجة 2:3178/1061،صحيح البخاري 7:118،صحيح مسلم 3:20/1558،سنن أبي داود 3:2821/102.
5- السرائر 3:86.
6- كما نقله عنه في المختلف:673.

أصحابنا (1).

هذا مع أنّه غير معلوم كون مورد الإجماع في كلامه المنع عنهما حال الاضطرار؛ لاحتمال كون المنع حال الاختيار و قد نزّله عليه الفاضل في المختلف و الشهيد في الدروس (2)،مدّعيين ظهور التنزيل بأنّ الناقل جوّز مثل ذلك في التهذيب عند الضرورة.و في دعوى الظهور بذلك نوع مناقشة.

و كيف كان،فقبول مثل هذا الإجماع الذي بهذه المثابة لا يخلو عن مناقشة.

و أمّا الرواية العامية فضعيفة سنداً و مكافأة لما مرّ من الأدلّة،مع غرابة تعليل المنع فيها عن الظفر بأنّه مدى الحبشة،و ربما يستفاد منه كون النهي للكراهة.

و ظاهر القولين عدم الفرق في الجواز و المنع بين كونهما متّصلين أو منفصلين.و نسبه في المهذّب و شرح الشرائع للصيمري إلى الأصحاب (3)، ناقلين الفرق بينهما بذلك عن أبي حنيفة حيث قال بالجواز في الثاني، و المنع في الأوّل،معلّلاً بأنّ ذلك أشبه بالأكل و التقطيع،و المقتضي للتذكية هو الذبح.

و ربما احتمله الشهيد الثاني (4)،و هو أحوط،و أحوط منه القول بالمنع المطلق.

ص:316


1- غاية المراد 3:513.
2- المختلف:673،الدروس 2:412.
3- المهذّب 4:166،غاية المرام 4:20.
4- الروضة البهية 7:214.

و على تقدير الجواز هل يساويان غيرهما ممّا يفري غير الحديد،أو يترتّبان على غيرهما مطلقاً متّصلين كانا أم لا؟مقتضى الاستدلال بالنصوص:الأوّل.و في الدروس (1)استقرب الجواز بهما مطلقاً مع عدم غيرهما،و هي ظاهرة في اللمعة أيضاً (2)،و لا ريب أنّه أحوط و أولى.

الثالث في الكيفيّة
اشارة

الثالث: في بيان الكيفيّة كيفية الذبح.

و هي قطع الأعضاء الأربعة في المذبوح المريء بفتح الميم و كسر الراء و الهمزة مع الياء من غير مدّ،و هو مجرى الطعام المتّصل بالحلقوم من تحته، و الودجان بفتح الواو و الدال المهملة،و هما عرقان محيطان بالحلقوم على ما ذكره جماعة (3)أو المريء على ما ذكره بعضهم (4) و الحلقوم بضمّ الحاء المهملة،و هو مجرى النفس.

و اشتراط قطعها هو المشهور بين الطائفة كما ادّعاه الماتن في الشرائع و جماعة (5)،بل في ظاهر الغنية فيما عدا المريء (6)و صريح المهذّب و المفلح الصيمري (7)الإجماع عليه؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى أصالة الحرمة السليمة عمّا يصلح للمعارضة،عدا إطلاق

ص:317


1- الدروس 2:411.
2- اللمعة(الروضة البهية 7):213.
3- القواعد 2:154،الدروس 2:412،المهذّب البارع 4:167،الروضة البهية 7:221.
4- المفاتيح 2:201،كشف اللثام 2:259.
5- الشرائع 3:205،المسالك 2:226،الكفاية:246،كشف اللثام 2:258.
6- كذا في النسخ،و لكن اشتراط قطع المريء موجود في الغنية المطبوعة في ضمن الجوامع الفقهية(ص 618).نعم،لا يوجد في الغنية المطبوعة في سلسلة الينابيع الفقهية 21:145.
7- المهذّب البارع 4:168،غاية المرام 4:21.

الكتاب و السنّة بحلّ ما تحقّق فيه التذكية، و ما في الرواية الصحيحة المتقدّمة (1)في جواز التذكية بغير الحديد مع الضرورة من أنّه إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس و المناقشة فيهما واضحة؛ لعدم انصراف الإطلاقات بحكم التبادر و الغلبة إلّا إلى ما قطع أوداجه الأربعة مع أنّها واردة لبيان حكم آخر غير الكيفية؛ و معارضة الصحيح بمثلها المذكور تلوها ثمّة لصراحتها في اشتراط فري الأوداج.و البأس المفهوم منه على تقدير عدم فريها و إن كان أعمّ من الحرمة إلّا أنّها مرادة بقرينة السؤال الواقع في الظاهر عن الجواز و الرخصة كالصحيحة الاُولى.

و المناقشة (2)بأنّ دلالة هذه بالمفهوم و تلك بالمنطوق،و هو أرجح من المفهوم.

مخدوشةٌ أوّلاً:بمنع الرجحان.

و ثانياً:على تقدير تسليمه معارض برجحان إرادة الأوداج من الحلقوم في تلك الصحيحة،من حيث غلبة استعماله فيها،و شيوع التذكية بفريها دون الحلقوم الحقيقي خاصّة،مع أنّ قطعه يستلزم قطعها غالباً؛ لغاية اتّصالها بعضاً ببعض،و عليه نبّه الفاضل المقداد في شرح الكتاب فقال:إنّ الأوداج الأربعة متّصلة بعضها مع بعض،فإذا قطع الحلقوم أو الودجان فلا بُدّ أن ينقطع الباقي معه،و لذلك ليس في الروايتين ذكر المريء (3).

ص:318


1- في ص 313.
2- الكفاية:246.
3- التنقيح الرائع 4:20.

و حيث تعارض الرجحان و المرجوحية فيهما فلا بدّ من الترجيح، و هو في جانب الرواية الثانية؛ للأصل و الاعتضاد بالشهرة العظيمة و الإجماعات المحكيّة،مع ندرة القائل بالرواية المعارضة؛ إذ ليس إلّا الإسكافي كما حكاه جماعة (1).

و ما يقال:من أنّ هذه الرواية المعارضة أصحّ سنداً من رواية الأوداج،فضعيف جدّاً؛ إذ ليس في سندها سوى إبراهيم بن هاشم الثقة على الصحيح و لذا عدّ رواياته في جملة الأبواب من الصحيح،وفاقاً لجماعة من المحقّقين (2).و على تقدير حسنه كما هو المشهور و عليه بناء القول فهي بسند آخر في الكافي صحيحة عند الكلّ مرويّة.

و أمّا ما ربما يناقش في دلالتها بعدم ظهورها في اعتبار قطع الأوداج المعتبر عند القائلين بها،و إنّما غايتها الدلالة على اشتراط فريها،و هو أعمّ من القطع جدّاً الصادق على مجرّد الشقّ المجامع لعدم القطع أيضاً كما عن الهروي (3).

فيمكن الذبّ عنه أوّلاً:بأنّ الموجود في بعض ما عندي من كتب اللّغة تفسيره بما هو ظاهر في القطع،بل ما هو صريح فيه،و حكي أيضاً عن القاموس و الصحاح (4).

و ثانياً:بأنّ المتبادر من الفري حيث يطلق في التذكية هو:ما يحصل

ص:319


1- منهم:العلّامة في المختلف:690،و الشهيد الثاني في المسالك 2:226،و السبزواري في الكفاية:246.
2- منهم:الشهيد في المسالك 1:52،و صاحبا المدارك 6:181،و الحدائق 12:73،77،81.
3- غريب الحديث 2:292،و قد حكاه عنه في المسالك 2:226.
4- القاموس 4:376،الصحاح 6:2453.

به القطع بحكم التبادر و الغلبة.

و ثالثاً:بأنّ حمله على الأعمّ على تقدير تسليمه مخالف للإجماع،إذ القول بعدم الاكتفاء بقطع الحلقوم و لزوم فريها بمعنى الشقّ لم يذهب إليه أحد من أصحابنا حتّى العماني؛ لأنّه و إن اكتفى بالشقّ إلّا أنّه اكتفى بقطع الحلقوم أيضاً مخيّراً بينهما،و هو غير ما دلّت عليه الرواية من لزوم فري الأوداج خاصّة،فهذا الإجماع أقوى قرينة على إرادة القطع من الفري فيها،مضافاً إلى الإجماعات المحكيّة.

(و أربعاً:بأنّ الفري فيه بالنظر إلى الحلقوم بمعنى القطع إجماعاً، فينبغي أن يكون بالنظر إلى الباقي كذلك،و إلّا لزم استعمال اللفظ الواحد في استعمال واحد في معنيين حقيقيين،أو مجازيين،و هو غير مرضيّ عند المحقّقين.فتأمّل.

و خامساً:بأنّ الأوداج تشمل المريء المفسّر في كلامه و كلام غيره (1)بما تحت الحلقوم،و شقّه غير ممكن إلّا بقطع ما فوقه من الأوداج،فإذا ثبت وجوب قطعها من هذه الرواية و لو من باب المقدّمة ثبت وجوب قطع الجميع؛ لعدم القائل بالفرق بين الطائفة حتّى من لم يعتبر المريء،فإنّه لم يعتبره مطلقاً لا قطعاً و لا شقّاً،و أمّا اعتباره شقّاً خاصّةً لا قطعاً فلم يقل به بالضرورة) (2).

و اعلم أنّ ظاهر الفاضل في المختلف التردّد في لزوم قطع المريء (3).

ص:320


1- انظر المسالك 2:226،و الكفاية:246.
2- ما بين القوسين أضفناه من«ر» و«ح».
3- المختلف:690.

و يردّه صريحاً الإجماعات المزبورة،إلّا أنّ ظاهر الغنية (1)الموافقة له حيث لم يذكر المريء و اكتفى بذكر الحلقوم و الودجين خاصّة.

و لعلّه لولا الإجماع المحكيّ لا يخلو عن قوّة؛ لعدم ذكر المريء في الروايتين،و الأوداج في الثانية غير ظاهرة الشمول له؛ إذ المراد بها إمّا المعنى الحقيقي،و الجمع جمع مجازي منطقي،فهي لا تشمل الحلقوم فضلاً عن المريء،أو المعنى المجازي مراعاةً لحقيقة الجمع،و هي تحصل بضمّ الحلقوم إلى الودجين و لا يحتاج في صدقها إلى ضمّ المريء.

و اعلم:أنّ محل الذبح الحلق تحت اللحيين بلا خلاف يظهر؛ لأصالة التحريم في غيره،مع عدم انصراف الإطلاقات إلّا إلى تحت اللحيين،لأنّه المعروف المتعارف فيجب حملها عليه.

و في الصحيح:«لا تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها» (2).

و النحر محلّه وهدة اللَّبّة. و لا يعتبر فيه قطع الأعضاء الأربعة،بل يكفي في النحر الطعن في الثغرة التي هي وهدة اللَّبّة بفتح اللام و تشديد الموحّدة،بمعنى إدخال السكّين و نحوها فيها من غير قطع الحلقوم و غيره أصلاً.

و لا خلاف فيه بيننا،بل في ظاهر المسالك و صريح الكفاية (3)أنّ عليه إجماعنا،و في الصحيح:«النحر في اللبّة،و الذبح في الحلقوم» (4).

و يشترط في التذكية استقبال القبلة بالذبيحة مع الإمكان، و

ص:321


1- الغنية(الجوامع الفقهية):618،راجع الهامش(4)من ص 16.
2- الكافي 6:5/229،التهذيب 9:220/53،الوسائل 24:12 أبواب الذبائح ب 4 ح 1.
3- المسالك 2:226،الكفاية:246.
4- الكافي 6:1/228،التهذيب 9:217/53،الوسائل 24:12 أبواب الذبائح ب 4 ح 2.

كذا التسمية بأنّ يذكر اللّه تعالى عند الذبح أو النحر كما تقتضيه الآيات القرآنية.

فلو أخلّ بهما (1)[أو بأحدهما] عمداً لم يحلّ بإجماعنا المستفيض النقل في كلام جماعة (2)؛ و هو الحجّة في المقامين.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة(في الأوّل) (3)في اثنين منها:عن الذبيحة تذبح لغير القبلة؟فقال:«لا بأس إذا لم يتعمّد» (4).

و في الثالث:عن رجل ذبح ذبيحة،فجهل أن يوجّهها إلى القبلة؟ قال:«كل منها» قلت:فإنّه لم يوجّهها،قال:«فلا تأكل منها» إلى أن قال:

«إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة» (5)و نحو ذيله:الرابع (6).

و المتبادر منها و من العبارة و غيرها اعتبار الاستقبال بجميع مقاديم بدن الذبيحة،لا مذبحها أو منحرها خاصّة،كما استقربه جماعة (7).هذا مضافاً إلى الأصل،و عدم انصراف الإطلاقات بحكم التبادر و الغلبة إلّا إلى الذبيحة المستقبل بجميع مقاديمها القبلة.

و منه يظهر قوّة احتمال اعتبار استقبال الذابح أيضاً،مضافاً إلى أنّه

ص:322


1- في المختصر المطبوع و نسخة«ر»:بأحدهما.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:226،و السبزواري في الكفاية:246،247،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:198،199.
3- أثبتناه من«ر» و«ح».
4- الكافي 6:3/233،4،التهذيب 9:250/59،251،الوسائل 24:28 أبواب الذبائح ب 14 ح 3،4.
5- الكافي 6:1/233،التهذيب 9:253/60،الوسائل 24:27 أبواب الذبائح ب 14 ح 2.
6- الكافي 6:5/229،التهذيب 9:220/53،الوسائل 24:27 أبواب الذبائح ب 14 ح 1.
7- المسالك 2:226،الكفاية:246.

المتبادر من العبارة و الرواية الأخيرة،حيث وقع فيهما التعدية بالباء.

إلّا أنّ عدم الاعتبار هنا محتمل؛ للتردّد في التبادر باحتمال إفادة التعدية بالباء هنا المعنى المستفاد من التعدية بالهمزة كما في قوله سبحانه ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ [1] (1) أي أذهبه،مع أنّ إطلاق الخبرين الأوّلين ربّما دلّ على كفاية كون الذبيحة للقبلة مستقبلة.

لكن الدلالة بعد لعلّها لا تخلو عن شوب مناقشة سيّما بعد ورود الإطلاق مورد الغلبة،و هي استقبال الذابح لها بلا شبهة.و كيف كان، فالاحتياط باستقباله لعلّه لازم البتّة.

و صريح الكتاب (2)و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة في الثاني (3).

و في الصحيح:عن رجل ذبح فسبّح أو كبّر أو هلّل أو حمد اللّه؟ قال:«هذا كلّه من أسماء اللّه تعالى،و لا بأس به» (4).

و يستفاد منه:كفاية مطلق الاسم،و به صرّح جماعة (5)من غير خلاف بينهم أجده.

و في اعتبار العربية وجهان:أجودهما ذلك.

و لو كان أخلّ بهما نسياناً حلّ إجماعاً؛ للمعتبرة المستفيضة، منها:الصحيحان المتقدّمان في الأوّل.و الصحيح:عن الرجل

ص:323


1- البقرة:17.
2- الأنعام:118.
3- الوسائل 24:29 أبواب الذبائح ب 15.
4- الكافي 6:5/234،الفقيه 3:978/211،التهذيب 9:249/59،الوسائل 24:31 أبواب الذبائح ب 16 ح 1.
5- منهم:المحقق في الشرائع 3:205،و العلّامة في التحرير 2:159،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:198.

يذبح و لا يسمّي،قال:«إن كان ناسياً فلا بأس عليه» (1)في الثاني.

و في الصحيح:عن رجل ذبح و لم يسمّ؟فقال:«إن كان ناسياً فليسمّ حين يذكر،و يقول:بسم اللّه على أوّله و آخره» (2)و ظاهره الوجوب عند الذكر،و لا قائل به،فليحمل على الاستحباب،و هو نظير ما ورد في نسيانها على الأكل.

و الأقوى الاكتفاء بها و إن لم يعتقد وجوبها؛ لعموم النصوص و الحكم بحلّ ذبيحة المخالف الذي لا يعتقد وجوبها،بل حلّ شراء ما يوجد في أسواق المسلمين من الجلود و اللحوم من غير سؤال كما يأتي.

و اعتبر الفاضل (3)كون المسلم ممّن لا يستحلّ ذبائح أهل الكتاب.

و هو ضعيف؛ لمخالفته هذه النصوص،فإنّ أكثر المخالفين يستحلّون ذبائحهم.

ثمّ إنّ ظاهر العبارة و غيرها من عبائر الجماعة (4)اختصاص الحلّ مع الترك بالنسيان،فلو أخلّ بهما جهلاً لم يحلّ.لكن مقتضى الصحيح الثالث المتقدّم في المقام الأوّل ثبوت الحلّ معه أيضاً،و به صرّح الفاضل في الإرشاد (5)و جماعة (6).

ص:324


1- الكافي 6:2/233،التهذيب 9:252/60،الوسائل 24:29 أبواب الذبائح ب 15 ح 2.
2- الكافي 6:4/233،الفقيه 3:977/211،التهذيب 9:250/59،الوسائل 24:30 أبواب الذبائح ب 15 ح 4.
3- انظر التحرير 2:159.
4- كالشيخ في النهاية:583،و الشهيد الأوّل في الدروس 2:413،و العلّامة في التبصرة:165،و السبزواري في الكفاية:247.
5- الإرشاد 2:108.
6- كالشهيد الثاني في الروضة البهية 7:216،و انظر ملاذ الأخيار 14:223،مفاتيح الشرائع 2:200.

و أمّا إلحاق المقام الثاني به في ذلك كما يظهر من المقدّس الأردبيلي (1)رحمه الله فلم أر من صرّح به،بل ظاهر شيخنا الشهيد الثاني (2)التردّد فيه.و لعلّه في محلّه،من اختصاص النصّ بالحلّ مع الترك جهلاً بالمقام الأوّل،و إلحاقه به قياس؛ و من كون الجهل كالنسيان في المعنى المسوِّغ للأكل،و لذا تساويا حكماً في ترك الاستقبال.و هو كما ترى، فالأوّل أقوى.

و يشترط فيها أيضاً نحر الإبل و ذبح ما عداها،فلو نحر المذبوح أو ذبح المنحور لم يحلّ بلا خلاف فيه بيننا،بل عليه في الخلاف و الغنية و السرائر و كلام شيخنا الشهيد الثاني و تابعيه (3)إجماعنا؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل و المعتبرة.

منها الصحيح:عن ذبح البقر في المنحر؟فقال:«للبقر الذبح، و ما نحر فليس بذكي» (4).

و نحوه:الموثق:إنّ أهل مكّة لا يذبحون البقر،و إنّما ينحرون في اللبّة فما ترى في أكل لحمها؟قال:فقال عليه السلام:« فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ [1] (5)لا تأكل إلّا ما ذبح» (6).

ص:325


1- مجمع الفائدة و البرهان 11:115.
2- الروضة البهية 7:219.
3- الخلاف 6:25،الغنية(الجوامع الفقهية):618،السرائر 3:107،الشهيد الثاني في الروضة البهية 7:219،و تبعه الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:259،مفاتيح الشرائع 2:201.
4- الكافي 6:2/228،التهذيب 9:218/53،الوسائل 24:14 أبواب الذبائح ب 5 ح 1.
5- البقرة:71.
6- الكافي 6:3/229،التهذيب 9:219/53،الوسائل 24:14 أبواب الذبائح ب 5 ح 2.و الآية في البقرة:71.

و في الصحيح:«لا تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها» (1).

و في المرسل:«كلّ منحور مذبوح حرام،و كلّ مذبوح منحور حرام» (2).

و وجه دلالتهما على المطلوب واضح و إن لم يظهر منهما كون النحر في الإبل و الذبح في غيره،لكنّه ظاهر من الخارج؛ لاستقرار التعارف بين المسلمين على ذلك،مع أنّه لا خلاف بينهم في شرعيّته،و به صرّح في الخلاف و الغنية فقالا:و النحر في الإبل و الذبح فيما عداها هو السنّة الشرعية بلا خلاف.

ثم قالا:و لا يجوز في الإبل الذبح و فيما عداها النحر،فإن فعل ذلك لم يحلّ الأكل بدليل إجماع الطائفة (3).

هذا مضافاً إلى ما سيأتي فيما يتعذّر ذبحه أو نحره من الخبرين الدالّين على أنّ النحر في الإبل،و نحوهما غيرهما من النصوص الكثيرة؛ و يظهر من غير واحد من الأخبار أنّ الذبح في غيرها،و حيث ثبت ذلك ظهر وجه دلالة الروايتين على عدم حلّ الإبل بذبحها و غيرها بنحره،مع أنّ الخبرين الأوّلين دالّان عليه أيضاً بمعونة الإجماع المركّب،فتدبّر.

فما يستفاد من المقدّس الأردبيلي رحمه الله و الكفاية (4)،تبعاً لبعض حواشي شيخنا الشهيد الثاني،من عدم قيام دليل صالح على التفصيل بين الإبل فنحرها،و غيره فذبحه؛ منظور فيه.

ص:326


1- الكافي 6:5/229،التهذيب 9:220/53،الوسائل 24:12 أبواب الذبائح ب 4 ح 1.
2- الفقيه 3:968/210،الوسائل 24:14 أبواب الذبائح ب 5 ح 3.
3- الخلاف 6:48،الغنية(الجوامع الفقهية):618.
4- الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:119،الكفاية:247.

و أمّا الخبر الدالّ على أمر النبي صلى الله عليه و آله بنحر الفرس (1)،فمع ضعف سنده و عدم مقاومته لما مرّ،محمول على التقية بلا شبهة،و يشهد له كون بعض رواته من العامّة،فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و يسقط اعتبارهما مع التعذّر كاستعصائه أو حصوله في موضع لا يتمكّن المذكّي من الوصول إلى موضع ذكاته،فيعقر بالسيف و نحوه، و يحلّ و إن لم يصادف العقر موضع الذكاة كما يأتي.

ثم لو أدرك ما يعتبر من الذبح أو النحر بعد فعل الآخر به حلّ عند الشيخ (2)و جماعة (3)،و تردّد فيه الماتن في الشرائع (4).

قيل:نظراً إلى أنّ شرط الحلّ وقوع التذكية في حال استقرار الحياة، و هو مفقود هنا؛ لأنّ الفعل السابق يرفع استقرار الحياة،فلا يؤثّر في الحلّ وقوع النحر أو الذبح لاحقاً.و التحقيق أنّ الأمر مبنيّ على تحقيق ما يعتبر في الحلّ هل هو استقرار الحياة،أو الحركة بعد الذبح و خروج الدم،أو أحد الأمرين؟فيبني الحلّ أو الحرمة عليه (5).

و محلّ هذا التحقيق قول الماتن:

و لا يحلّ الذبيحة و لو مع الشرائط المتقدمة حتى يتحرّك بعد التذكية حركة الحيّ،و أدناه أن يتحرك الذنب أو تطرف العين أو تركض الرجل كما في النصوص الآتية.

ص:327


1- التهذيب 9:201/48،الوسائل 24:122 أبواب الأطعمة المحرمة ب 5 ح 4.
2- النهاية:583.
3- منهم العلّامة في القواعد 2:154،و الشهيد في المسالك 2:227،228،و السبزواري في كفاية الأحكام:248.
4- الشرائع 3:205.
5- كفاية الأحكام:247.

و يعتبر مع ذلك أن يخرج الدم المعتدل لا المتثاقل،فلو حصل أحدهما خاصّة لم يكن فيه كفاية،وفاقاً للمفيد و الإسكافي و القاضي و الديلمي و الحلبي و ابن زهرة العلوي (1)،مدّعياً الإجماع عليه.

و هو الحجة الجامعة بين النصوص المختلفة الدالّة جملة منها مستفيضة على اعتبار الحركة خاصة،كالصحيح:عن الذبيحة،فقال:«إذا تحرّك الذنب،أو الطرف،أو الاُذن فهي ذكية» (2)و نحوه الصحيح الآخر (3).

و الخبر:«إذا طرفت عينها،أو حركت ذنبها فهي ذكيّة» (4)و نحوه غيره (5).

و جملة منها على اعتبار خروج الدم المعتدل كالصحيحين:عن مسلم ذبح فسمّى فسبقت مدْيته فأبان الرأس،فقال:«إذا خرج الدم فكل» (6).

و الخبر في رجل ضرب بقرة بفأس فسقطت،قال:«إن كان حين ذبح

ص:328


1- المفيد في المقنعة:580،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:681،القاضي في المهذّب 2:428،الديلمي في المراسم:209،الحلبي في الكافي في الفقه:320،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):618.
2- الكافي 6:5/233،التهذيب 9:235/56،الوسائل 24:23 أبواب الذبائح ب 11 ح 3.
3- التهذيب 9:241/58،الوسائل 24:22 أبواب الذبائح ب 11 ح 1.
4- الكافي 6:6/233،التهذيب 9:234/56،الوسائل 24:23 أبواب الذبائح ب 11 ح 4.
5- الكافي 6:3/232،التهذيب 9:237/57،الوسائل 24:23 أبواب الذبائح ب 11 ح 6.
6- الأوّل في:الكافي 6:2/230،الفقيه 3:960/208،التهذيب 9:230/55،الوسائل 24:17 أبواب الذبائح ب 9 ح 2.الثاني في:التهذيب 9:239/57،الوسائل 24:17 أبواب الذبائح ب 9 ذيل الحديث 2.و فيهما:فسبقته حديدته.

خرج الدم معتدلاً فكلوا و أطعموا،و إن كان خرج خروجاً متثاقلاً فلا تقربوه» (1)هذا.

مضافاً إلى أصالة الحرمة و لزوم الاقتصار فيما خالفها على المتيقن المجمع عليه بين الطائفة،و ليس إلّا ما اجتمع فيه الأمران بعد التذكية.

و قيل:يكفي الحركة دون خروج الدم،كما عن الصدوق و اختاره في المختلف (2)،و هو في غاية القوة لولا الإجماع المتقدّم إليه الإشارة الجامع بين الأدلّة فأوّلاً:باستفاضة نصوصه و صراحتها،بخلاف النصوص الأخيرة؛ لورود الصحيحين منها في غير المشتبه حياته و موته،بل المستقرّ حياته استقراراً يظنّ ببقائه زماناً يحتمله،و إنّما إشكال السائل فيهما من حيث قطع الرأس بسبق المدية،و لا ريب أنّ الغالب في مثل هذه الذبيحة تحقّق الحركات المزبورة منها بعد التذكية.

و أمّا الرواية الأخيرة فهي و إن كانت في المشتبه الذي هو مفروض المسألة كما صرّح به جماعة (3)واردة،إلّا أنّها مع قصور سندهما غير صريحة،بل ظاهرة؛ لاحتمالها الحمل على ما إذا حصلت الحركة بعد التذكية،سيّما مع كونه من الأفراد الغالبة للذبيحة المشتبه حالها الخارج دمها معتدلاً بعد التذكية،و لا كذلك الذبيحة المشتبهة المتحرّكة بعدها حركة ما جزئيّة،فإنّه غير معلوم خروج الدماء عنها معتدلةً،هذا.

مضافاً إلى الصحيحة الصريحة في عدم كفاية خروج الدم و أنّه لا بُدَّ من الحركة:عن الشاة تذبح فلا تتحرّك،و يهراق منها دم كثير عبيط،فقال

ص:329


1- الكافي 6:2/232،التهذيب 9:236/56،الوسائل 24:25 أبواب الذبائح ب 12 ح 2.
2- الصدوق في المقنع:139،المختلف:681.
3- منهم:العلّامة في المختلف:681،و الشهيد الأول في الدروس 2:414؛ و انظر المسالك 2:227،و كفاية الأحكام:248.

«لا تأكل،إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول:إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل» (1).

و منها يظهر ضعف ما قيل بأنّه يكفي أحدهما كما عن النهاية و الحلّي (2) و هو أشبه و أشهر بين المتأخرين،مضافاً إلى ضعف مستنده؛ إذ ليس إلّا الجمع بين النصوص المختلفة المتقدّمة بالتخيير، و الحجّة عليه غير واضحة عدا الشهرة المتأخّرة،و هي مع أنّها ليست بحجّة معارضة بالشهرة المتقدّمة و إجماع الغنية (3)،و هما أوضح شاهد على ما قدّمنا إليه الإشارة من الجمع المعتضد زيادةً على ذلك بأصالة الحرمة و صريح الصحيحة الأخيرة على عدم كفاية خروج الدم.

و فيها بيان لما أجمله كثير من الروايات السابقة من محلّ الحركة هل هو قبل الذبح أو بعده؟و ظاهرة في كونه الثاني،كما عليه الأصحاب كافّة و ادّعى عليه في الغنية إجماع الإمامية،بل في ذلك صريحة؛ لوقوع السؤال فيها عن الحلّ مع عدم الحركة بعد التذكية لا قبله بمقتضى الفاء المفيدة للترتيب بلا شبهة،مع وقوع الجواب عنه بالنهي عن الأكل مطلقاً و لو حصلت له حركة سابقة على التذكية من حيث فقد تلك الحركة المتأخّرة، لظاهر استشهاده عليه السلام للنهي بقول علي عليه السلام:«إذا ركضت الرجل» إلى آخره.

نعم،في بعض الأخبار المتقدّمة ما ظاهره اعتبار الحركة قبل التذكية، كالخبرين في كتاب عليّ عليه السلام:«إذا طرفت العين،أو ركضت الرجل،أو

ص:330


1- الفقيه 3:962/209،التهذيب 9:240/57،الوسائل 24:24 أبواب الذبائح ب 12 ح 1.
2- النهاية:584،الحلّي في السرائر 3:110.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):618.

تحرّك الذنب فأدركته فذكّه» كما في أحدهما (1).

و في الثاني:«فكل منه فقد أدركت ذكاته» (2).

و في الثالث:«إذا شككت في حياة الشاة،فرأيت تطرف عينها،أو تحرّك أو تمصع (3)بذنبها فاذبحها فإنّها لك حلال» (4).

لكنّها مشتركة في قصور السند،محتملة للتأويل بما يرجع إلى الأوّل بنوع من التوجيه و إن بعد في الثالث دون الأوّلين،لتضمّنهما نقل الحكم عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام،و هو مختصّ بالحركة بعد الذبح كما نصّت عليه الصحيحة السابقة مع تضمّنها النقل المزبور عنه عليه السلام الكاشف عن كونه المراد منه حيث يذكر،فتدبّر.

و أعلم:أنّ ظاهر العبارة و نحوها من عبائر قدماء الطائفة عدم اعتبار شيء آخر بعد خروج الدم و الحركة،من استقرار الحياة المشتهر اعتباره بنين المتأخّرين.

و حجّتهم عليه غير واضحة عدا ما ذكره الشهيد الثاني و المفلح الصيمري من قِبَلهم من أنّ ما لا يستقرّ حياته قد صار بمنزلة الميتة،و أنّ إسناد موته إلى الذبح ليس بأولى من إسناده إلى السبب الموجب لعدم استقرارها،بل السابق أولى و صار كأنّ هلاكه بذلك السبب،فيكون ميتة (5).

ص:331


1- الكافي 6:1/232،التهذيب 9:237/57،الوسائل 24:24 أبواب الذبائح ب 11 ح 7.
2- الكافي 6:3/232،التهذيب 9:237/57،الوسائل 24:23 أبواب الذبائح ب 11 ح 6.
3- المَصع:الحركة و الضرب.النهاية لابن الأثير 4:337.
4- الكافي 6:4/232،التهذيب 9:238/57،الوسائل 24:23 أبواب الذبائح ب 11 ح 5.
5- الشهيد الثاني في المسالك 2:229،الصيمري في غاية المرام 4:21،24.

و هو حسن معتضد بالأصل،مع اختصاص الإطلاقات كتاباً و سنّةً بحلّ المذكّى بحكم التبادر و الغلبة بغير مفروض المسألة،و هو ما ذكّي و حياته مستقرّة،إلّا أنّه مخالف لظواهر الكتاب و السنّة النافية لاعتبار استقرار الحياة،كاستثناء إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ [1] (1)من النطيحة و المتردّية و ما أكل السبع.

و في الصحيح في تفسيرها:«إن أدركت شيئاً منها و عين تطرف،أو قائمة تركض،أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكل» (2).

و قد عرفت أنّ الأخبار بمعناه مستفيضة،و المتبادر من الذبيحة فيها ما كانت حياته غير مستقرّة.

مع أنّه قال نجيب الدين يحيى بن سعيد:إنّ اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب (3).و إليه ميل الشهيدين و المفلح الصيمري (4)،و كثير ممن تأخّر عنهم (5)،بل قال ثانيهما:ينبغي أن يكون عليه العمل.و قال أوّلهما:

يرجع على القول باعتباره إلى القرائن المفيدة للظنّ،و مع الاشتباه إلى الحركة بعد الذبح أو خروج الدم المعتدل.

و في حرمة إبانة الرأس بالذبح كما عليه الإسكافي و المفيد و ابن حمزة و القاضي و عن النهاية (6)،و اختاره الفاضل في المختلف

ص:332


1- المائدة:3.
2- التهذيب 9:241/58،الوسائل 24:22 أبواب الذبائح ب 11 ح 1.
3- لم نعثر عليه في الجامع للشرائع،حكاه عنه الشهيد في الدروس 2:415.
4- الشهيد الأول في الدروس 2:415،الشهيد الثاني في الروضة البهية 7:227،غاية المرام 4:24.
5- الكفاية:248،كشف اللثام 2:259،مفاتيح الشرائع 2:202.
6- حكاه عن الإسكافي في المختلف:680،المفيد في المقنعة:580،ابن حمزة في الوسيلة:360،القاضي في المهذب 2:440،النهاية:584.

و الشهيدان (1)و غيرهما (2).

أم كراهته كما عليه الخلاف و الحلّي و الماتن في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و القواعد و التحرير (3)و كثير (4)،و نفى الثاني عنه الخلاف بين المحصلين.

قولان.و المرويّ في الصحاح أنّها تحرم لتضمّنها النهي عنها.

فمنها:عن رجل ذبح طيراً فقطع رأسه،أ يؤكل منه؟قال:«نعم، و لكن لا يتعمّد قطع رأسه» (5).

و منها:الصحيحان الآتيان الناهيان عن نخع الذبيحة،و الإبانة تستلزمه بلا شبهة.

قيل (6):و منها الصحيح:عن الرجل يذبح و لا يسمّي،قال:«إذا كان ناسياً فلا بأس إذا كان مسلماً،و كان يحسن أن يذبح،و لا ينخع و لا يقطع الرقبة بعد ما يذبح» (7).

و فيه نظر:فأولاً:بعدم معلومية كون«لا» نهياً،بل يحتمل كونها نفياً و كون مدخولها معها معطوفاً على«يحسن».و تقدير الكلام حينئذ:لا بأس إذا كان لا يقطع الرقبة.و غايته حينئذ ثبوت البأس مع القطع،و هو أعمّ من

ص:333


1- المختلف:680،الشهيد الأول في الدروس 2:415،الشهيد الثاني في الروضة البهية 7:233.
2- انظر الغنية(الجوامع الفقهية):618.
3- الخلاف 6:53،الحلّي في السرائر 3:107،الشرائع 3:205،الإرشاد 2:109،القواعد 2:155،التحرير 2:159.
4- انظر مفاتيح الشرائع 2:203،و الكفاية:247،و كشف اللثام 2:259.
5- الفقيه 3:963/209،الوسائل 24:18 أبواب الذبائح ب 9 ح 5.
6- الروضة البهية 7:233.
7- الكافي 6:2/233،التهذيب 9:252/60،الوسائل 24:29 أبواب الذبائح ب 15 ح 2.

التحريم.

و ثانياً:بأنّ النهي فيه على تقدير تسليمه مخصوص بصورة ترك التسمية و لم يكن مطلقاً،فهو أخصّ من المدّعى.

و يمكن الذبّ عنهما:

فالثاني:بعدم القائل بالفرق بين تلك الصورة و غيرها.

و الأوّل:بكون البأس فيه للتحريم بشهادة السياق؛ لتضمّنه أولاً:

السؤال الواقع في الظاهر عن الإباحة و عدم الحرمة.و ثانياً:مقارنة لا يقطع بلا ينخع،و هو للتحريم كما يأتي إليه الإشارة.لكن هذه الشهادة تدلّ على حرمة الذبيحة على تقدير الإبانة لا حرمتها،فإنّ مناط الشهادة وقوع السؤال عن الإباحة،و لا ريب أنّ متعلّقها فيه هو الذبيحة لا الإبانة،و لا ملازمة بين حرمة الذبيحة و حرمة الإبانة،فقد تكون مكروهة و الذبيحة محرّمة كما عليه بعض الطائفة (1).

و كيف كان،القول الثاني ضعيف غايته،مع أنّه لا مستند له عدا أصالة الإباحة،و هي بتلك الصحاح مخصّصة،و حمل النهي فيها على الكراهة لا وجه له.

و يستفاد من الصحيحة الأُولى منها إباحة الذبيحة على تقدير المخالفة،و يعضده عمومات الأدلّة أو إطلاقاتها كتاباً و سنّةً على إباحة ما ذكر عليه اسم اللّه سبحانه.و عليه الشيخ في الخلاف و الفاضل في المختلف و ولده فخر المحققين و الشهيدان في الدروس و المسالك و الروضة (2)،

ص:334


1- حكاه عن الخلاف في المختلف:680،و المهذب البارع 4:171.و الموجود في الخلاف 6:53 كراهة الإبانة و إباحة الأكل.
2- الخلاف 6:53،المختلف:685،فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:127،الدروس 2:415،المسالك 2:227،الروضة 7:232.

و ادّعى الأوّل عليه إجماع الصحابة،قال بعدها:و روى عن علي عليه السلام أنّه سئل عن بعير ضرب عنقه بالسيف فقال:«يؤكل» و عمران بن حصين قيل له:رجل ذبح بطّة فأبان رأسها فقال:تؤكل.و عن ابن عمر نحوه، و لا مخالف لهم.

خلافاً لصريح النهاية و ابن زهرة و ظاهر ابن حمزة بل و الإسكافي و القاضي (1)أيضاً كما يظهر من عبارتهما المحكية،فاختاروا الحرمة.

و ليس بذلك البعيد لولا ما مرّ من الصحيحة المعتضدة بالشهرة و إطلاقات الكتاب و السنة،و ما تقدّم من حكاية عدم الخلاف بين الصحابة الذين منهم أمير المؤمنين عليه السلام و هو سيّدهم،و قوله حجّة.

و ذلك للإجماع المنقول في الغنية،و دلالة كثير من النصوص على الحرمة.

منها:الصحيحة الأخيرة؛ لظهورها في ثبوت البأس في الذبيحة مع الإبانة،و هو فيها للتحريم كما مرّ إليه الإشارة.

و نحوها:صحيحة أُخرى:عن الرجل يذبح فينسى أن يسمّي،أتوكل ذبيحته؟فقال:«نعم إذا كان لا يتّهم،و كان يحسن الذبح قبل ذلك، و لا ينخع و لا يكسر الرقبة حتّى تبرد الذبيحة» (2).

و الموثقة:عن الرجل يذبح،فتسرع السكّين،فتبين الرأس؟فقال:

«الذكاة الوحيّة (3)لا بأس بأكلها إذا لم يتعمّد ذلك» (4).

ص:335


1- النهاية:584،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):618،ابن حمزة في الوسيلة:660،و نقله عن الإسكافي في المختلف:680،القاضي في المهذب 2:440.
2- الكافي 6:3/233،الفقيه 3:979/211،التهذيب 9:251/59،الوسائل 24:29 أبواب الذبائح ب 15 ح 3.
3- الوَحِيّ:السريع.يقال:موت وَحِيٌّ.الصحاح 6:2520.
4- الكافي 6:3/230،التهذيب 9:231/56،الوسائل 24:18 أبواب الذبائح ب 9 ح 3.

إلّا أنّه يمكن الذبّ عن جميعها،فالإجماع:بعدم صراحة حكايته على المقام و احتمال رجوعه إلى شيء آخر غيره.و الصحيحتان:بأنّ بناء الدلالة فيهما على كون«لا» نفياً معطوفاً على ما سبقها،لا نهياً أو نفياً مستأنفاً.و في تعيّن المبنى عليه نظر جدّاً؛ لاحتمال الأخيرين فيهما أيضاً احتمالاً متساوياً لسابقهما.

و الثالثة:بأنّ غايتها الدلالة على ثبوت البأس مع تعمّد الإبانة و هو أعمّ من التحريم.و لو سلّمت الدلالة بنحو من التوجيه المتقدّم إليه الإشارة فهي بحسب السند قاصرة و عن المكافأة لما مرّ من أدلّة الإباحة ضعيفة.

ثم إنّ القول بتحريمها على تقديره أو الكراهة إنّما هو مع تعمّد الإبانة.

و أمّا مع عدمه كما لو سبقت السكين فأبانته لم تحرم الذبيحة و لا يكره قولاً واحداً؛ للصحيحة الاُولى و الموثّقة المذكورة أخيراً،و نحوهما صحيحتان أُخريان.

في إحداهما:عن رجل ذبح فسبقه السكّين فقطع رأسه،فقال:«هو ذكاة وَحِيّة لا بأس به و بأكله» (1)و نحوها الثانية (2).

يستحبّ في الغنم ربط يدي المذبوح و إحدى رجليه و إمساك صوفه أو شعره حتى يبرد و في البقر عقل يديه و رجليه و إطلاق ذنبه.و في الإبل ربط أخفافه إلى إبطيه.و في الطير إرساله

و يستحبّ في ذبح الغنم ربط يدي المذبوح منه و إحدى رجليه و إطلاق الأُخرى و إمساك صوفه أو شعره حتى يبرد دون اليد

ص:336


1- الكافي 6:1/230،الفقيه 3:959/208،التهذيب 9:229/55،الوسائل 24:17 أبواب الذبائح ب 9 ح 1.
2- الكافي 6:2/230،الفقيه 3:960/208،التهذيب 9:230/55،الوسائل 24:17 أبواب الذبائح ب 9 ح 2.

و الرجل.

و في البقر عقل يديه و رجليه جميعاً و إطلاق ذنبه.و في الإبل ربط أخفافه إلى إبطيه.و في الطير إرساله بعد الذبح.

قيل:و في الكلّ تحديد الشفْرة و عدم إراءتها للحيوان،و سرعة القطع،و استقبال الذابح القبلة،و عدم تحريكه إيّاه،و لا جرّه من مكان إلى آخر،بل تركه إلى مفارقة الروح،و أن يساق إلى المذبح برفق.و يعرض عليه الماء قبل الذبح،و يمرّ السكّين بقوة،و يجدّ في الإسراع ليكون أوحى و أسهل:أكثر ذلك للنصّ (1).

و في الخبر:عن الذبح،فقال:«إذا ذبحت فأرسل و لا تكتف، و لا تقلب السكّين لتدخلها تحت الحلقوم،و تقطعه إلى فوق،و الإرسال للطير خاصّة،فإن تردّى في جبّ أو وهدة من الأرض فلا تأكله،و لا تطعم فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح،و إن كان من الغنم فأمسك صوفه أو شعره،و لا تمسكنّ يداً و لا رجلاً،و أمّا البقرة فاعقلها،و أطلق الذنب،و أمّا البعير فشدّ أخفافه إلى آباطه،و أطلق رجليه،و إن أفلتك شيء من الطير و أنت تريد ذبحه،أو ندّ عليك (2)فارمه بسهمك،فإذا سقط فذكّه بمنزلة الصيد» (3).

و في المسالك:إنّ المراد بشدّ أخفافه إلى آباطه أن تجمع يديه و تربطها فيما بين الخفّ و الركبة،و بهذا صرّح في رواية أبي الصباح (4).

ص:337


1- قال به الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:203.
2- نَدَّ البعير:نفر و ذهب على وجهه شارداً.الصحاح 2:543.
3- الكافي 6:4/229،التهذيب 9:227/55،الوسائل 24:10 أبواب الذبائح ب 3 ح 2.
4- الكافي 4:2/497،الفقيه 2:1488/299،التهذيب 5:744/221،الوسائل 14:149 أبواب الذبح ب 35 ح 2.

و في رواية أبي خديجة:أنّه يعقل يدها اليسرى خاصّة (1).و ليس المراد في الأوّل أنّه يعقل خُفّا يديه معاً إلى آباطه،لأنّه لا يستطيع القيام،و المستحب في الإبل أن تكون قائمة.

قال:و المراد في الغنم بقوله:«فلا يمسك يداً و لا رجلاً» أنّه يربط يديه و إحدى رجليه من غير أن يمسكهما بيده (2).

و في استفادة هذه الإرادة من الرواية مناقشة،و بها صرّح المقدس الأردبيلي (3)رحمه الله و صاحب الكفاية (4).اللّهم إلّا أن يجعل وجه الإرادة فتوى الجماعة،و هي و إن لم تبلغ درجة الحجيّة بعد أن تكون عن درجة الإجماع قاصرة،إلّا أنّ التمسّك بها في نحو المسألة ممّا هو من الآداب و السنن المستحبّة لا بأس به،بناءً على جواز المسامحة في أدلّتها،كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة،و مرّ إليه الإشارة غير مرّة.

و يكره الذباحة ليلاً و في نهار يوم الجمعة إلى الزوال بلا خلاف؛ للنصوص.

منها:النبوي:«نهى عن الذبح ليلاً» (5).

و منها:«كان علي بن الحسين عليهما السلام يأمر غلمانه أن لا يذبحوا حتّى يطلع الفجر» (6).

ص:338


1- الكافي 4:8/498،التهذيب 5:745/221،الوسائل 14:149 أبواب الذبح ب 35 ح 3.
2- المسالك 2:228.
3- مجمع الفائدة و البرهان 11:132.
4- الكفاية:247.
5- سنن البيهقي 9:290 بتفاوت.
6- الكافي 6:2/236،التهذيب 9:254/60،الوسائل 24:40 أبواب الذبائح ب 21 ح 1.

و منها:«كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يكره الذبح و إراقة الدماء يوم الجمعة قبل الصلاة إلّا لضرورة» (1).

و يكره نخع الذبيحة قبل الموت أي إبلاغ السكين النخاع مثلث النون و هو:الخيط الأبيض وسط الفقار بالفتح ممتدّاً من الرقبة إلى عجب الذنب بفتح العين و سكون الجيم و هو أصله؛ للنهي عنه في الصحيحين:«لا تنخعها حتّى تموت،فإذا ماتت فانخعها» (2).

هذا مضافاً إلى النهي المتقدّم في الصحيح عن الإبانة (3)،و هو يستلزم النخع،فتأمّل جدّاً.

و كيف كان،فحكمه حكمها،و هو تحريم الفعل دون الذبيحة على الأقوى؛ لما مضى.و فتوى الماتن هنا بالكراهة مع ميله إلى حرمة الإبانة سابقاً غير واضح وجهها،مع أنّ المسألتين كما عرفت من باب واحد من حيث النهي فيهما المفيد للتحريم السالم عن المعارض أصلاً.

و قلب السكّين في الذبح ليدخلها تحت الحلقوم و يقطعه إلى خارج؛ للنهي عنه في الخبر السابق.و بظاهره أخذ النهاية و القاضي (4)، و ردّه الحلّي (5)و عامّة المتأخرين فحملوه على الكراهة؛ لقصور السند.و هو أجود.

ص:339


1- الكافي 6:1/236،التهذيب 9:255/60،الوسائل 24:40 أبواب الذبائح ب 20 ح 1.
2- الأول في:الكافي 6:5/229،التهذيب 9:220/53،الوسائل 24:15 أبواب الذبائح ب 6 ح 1.الثاني في:الكافي 6:6/229،التهذيب 9:228/55،الوسائل 24:16 أبواب الذبائح ب 6 ح 2.
3- راجع ص:332.
4- النهاية:584،القاضي في المهذب 2:440.
5- السرائر 3:109.

و لم يذكر عن القائلين بالتحريم حرمة الذبيحة،و قال بها في الغنية مدّعياً عليه إجماع الإمامية (1).و هو أحوط و إن كان في تعيّن المصير إليه نظر؛ لوهن الدعوى بعدم العثور على موافق له في أصل الفتوى،مع احتمال رجوعها في عبارته إلى شيء آخر غير ما نحن فيه.

و أن يذبح حيوان و حيوان آخر ينظر إليه ؛ للخبر:«إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان لا يذبح الشاة عند الشاة،و لا الجزور عند الجزور و هو ينظر إليه» (2).

و هو مع قصور السند غير ظاهر في التحريم،فلا وجه للقول به كما عن النهاية (3)،بل الأقرب الكراهة كما عن الحلّي (4)و عليه المتأخرون كافّة.

نعم،ورد النهي عنه في الخبر المشارك لما سبقه في قصور السند:

«لا تذبح الشاة عند الشاة،و لا الجزور عند الجزور و هو ينظر إليه» (5).

و أن يذبح بيده ما ربّاه من النعم للنهي عنه في الخبر المحمول على الكراهة؛ لقصور السند.و لعلّه لإيراثه قساوة القلب،و اللّه أعلم.

و يحرم سلخ الذبيحة أو قطع شيء منها قبل بردها وفاقاً للنهاية و القاضي و ابن حمزة (6)؛ للمرفوعة:«الشاة إذا ذبحت و سلخت،أو سلخ شيء منها قبل أن تموت فليس يحلّ أكلها» (7).

ص:340


1- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
2- الكافي 6:7/229،التهذيب 9:232/56،الوسائل 24:16 أبواب الذبائح ب 7 ح 1.
3- النهاية:584.
4- السرائر 3:109.
5- التهذيب 9:341/80،الوسائل 24:16 أبواب الذبائح ب 7 ذيل حديث 1.
6- النهاية:584،القاضي في المهذب 2:440،ابن حمزة في الوسيلة:360.
7- الكافي 6:8/230،التهذيب 9:233/56،الوسائل 24:17 أبواب الذبائح ب 8 ح 1.

و قيل كما عن الحلّي (1): يكره.و هو أشبه و عليه عامّة من تأخر؛ للأصل و ضعف الخبر.مع عدم دلالته على تحريم الفعل بل غايته حرمة الذبيحة،و لا تلازم بين الأمرين كما مرّ إليه الإشارة.و ذهب في الغنية إلى حرمة الذبيحة مدّعياً عليها إجماع الإمامية (2)،و قد مرّ إلى جوابه الإشارة.

يلحق به أحكام أربعة

اشارة

و يلحق به أحكام أربعة.

الأوّل ما يباع في أسواق المسلمين يجوز ابتياعه من غير فحص

الأوّل: ما يباع في أسواق المسلمين من الذبائح و اللحوم و الجلود حلال طاهر يجوز ابتياعه من غير فحص عن حاله،بلا خلاف أجده.و به صرّح في الكفاية (3)،و الصحاح و غيرها به مع ذلك مستفيضة.

ففي الصحيح (4)و غيره (5):عن شراء اللحم من الأسواق،و لا يدري ما صنع القصّابون،قال:«كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل عنه» .و في الصحيح:عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخفّ،لا يدري أذكي هو أم لا،ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدري،أ يصلّي فيه؟قال:

«نعم،أنا أشتري الخفّ من السوق و يصنع لي و أُصلّي فيه،و ليس عليكم المسألة» (6).

ص:341


1- السرائر 3:110.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
3- الكفاية:248.
4- الكافي 6:2/237،الفقيه 3:976/211،التهذيب 9:307/72،الوسائل 24:70 أبواب الذبائح ب 29 ح 1.
5- التهذيب 9:306/72،الوسائل 24:70 أبواب الذبائح ب 29 ذيل حديث 1.
6- التهذيب 2:1545/371،الوسائل 3:492 أبواب النجاسات ب 50 ح 6.

و فيه:عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فرو لا يدري أ ذكيّة هي أم غير ذكيّة،أ يصلّي فيها؟قال:«نعم،ليس عليكم المسألة،إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يقول:إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم،إنّ الدين أوسع من ذلك» (1).

و السوق فيهما و إن كان مطلقاً إلّا أنّ المتبادر منه الغالب في زمان صدورهما هو سوق المسلمين خاصّةً،مضافاً إلى لزوم تقييدهما بالأخبار الأوّلة.

و إطلاقها كالعبارة و ما ضاهاها من العبائر و صريح جماعة (2)عدم الفرق في ذلك بين ما يوجد في يد معلوم الإسلام أو مجهوله،و لا في المسلم بين ما يستحلّ ذبيحة أهل الكتاب أم لا.و اعتبر العلّامة في التحرير (3)كون المسلم ممّن لا يستحلّ ذبائحهم.و قد مرّ ضعفه،مع أنّه لم يحكم به أوّلاً،صريحاً بل أفتى بما عليه القوم مستشكلاً أوّلاً ثم استقرب المنع ثانياً،و هو ظاهر في كونه في الجملة متردّداً.

و ألحق جماعة (4)بسوق المسلمين يدهم و بلادهم.و هو حسن؛ للأولويّة في الأوّل،و القطع بعدم مدخليّة السوق من حيث هو سوق في الحكم،بل المناط فيه إنّما هو الإسلام من حيث هو هو،و يشعر به التعليق على الوصف في قوله:«إذا كان في سوق المسلمين» فيهما،مضافاً إلى

ص:342


1- التهذيب 2:1529/368،الوسائل 3:491 أبواب النجاسات ب 50 ح 3.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:228،و السبزواري في الكفاية:248،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:260.
3- التحرير 2:159.
4- منهم:العلّامة في الإرشاد 2:109،و الشهيد في المسالك 2:228،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 11:127.

الموثّق الآتي،و طريقة المسلمين في الأعصار و الأمصار،حيث أطبقوا على عدم التحرّز عن اللحوم و الجلود و نحوهما الموجودة في أيادي المسلمين و بلادهم مطلقاً.

و المرجع في معرفة سوق المسلمين العرف.

و في الموثق:«لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني،و فيما صنع في أرض الإسلام» قلت له:و إن كان فيها غير أهل الإسلام؟قال:«إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس» (1).

و ليس فيه منافاة للعرف بل لعلّه مساعد له.و عليه فيتميّز سوق المسلمين بأغلبيّتهم على غيرهم،كان حاكمهم مسلماً و حكمهم نافذاً أم لا؛ عملاً بالعموم.و ربما قيل:باعتبار نفاذ الحكم.و هو ضعيف جدّاً.

ثمّ إنّ ظاهر النهي عن السؤال في الخبرين الأوّلين المرجوحية، و أقلّها الكراهة،و استوجهها في المسالك (2).خلافاً للدروس و غيره (3)، فنفوا وجوب السؤال و استحبابه خاصّة.و هو أوجه؛ لاحتمال ورود النهي مورد توهّم الوجوب أو الاستحباب،فلا يفيد سوى نفيهما المجامع للإباحة المطلقة،و يشهد له نفي الوجوب خاصّة في الصحيحين الأخيرين المتضمّنين لقوله عليه السلام:«ليس عليكم المسألة» .

الثاني ما يتعذّر ذبحه أو نحره من الحيوان يجوز عقره بالسيف

الثاني: ما يتعذّر ذبحه أو نحره من الحيوان كالمستعصي و المتردّي في بئر و نحوه يجوز عقره بالسيف و غيره ممّا يجرح إذا خشي تلفه و لم يدرك بعد الجرح ذكاته،فيحلّ أكله حينئذٍ بشرط التسمية و غيرها من

ص:343


1- التهذيب 2:1532/368،الوسائل 3:491 أبواب النجاسات ب 50 ح 5.
2- المسالك 2:228،229.
3- الدروس 2:416؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 11:127.

الشرائط الغير المتعذّرة،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في شرح الإرشاد للمقدّس الأردبيلي (1)؛ و هو الحجة مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيحين:«ثور تعاصى،فابتدره قوم بأسيافهم،و سمّوا،فأتوا عليّاً عليه السلام،فقال:هذه ذكاة وحيّة،و لحمه حلال» (2).

و في ثالث:رجل ضرب بسيفه جزوراً،أو شاة في غير مذبحها،و قد سمّى حين ضرب،فقال:«لا يصلح أكل ذبيحة لم تذبح في مذبحها» يعني:إذا تعمّد لذلك،و لم يكن حاله حال اضطرار،فأمّا إذا اضطرّ إليها و استصعب عليه ما يريد أن يذبح فلا بأس بذلك (3).

و في الخبر:«إذا امتنع عليك بعير،و أنت تريد أن تنحره فانطلق منك،فإن خشيت أن يسبقك،فضربته بسيف،أو طعنته برمح بعد أن تسمّي فكل،إلّا أن تدركه و لم يمت بعد فذكّه» (4).

و في آخر:بعير تردّى في بئر،كيف ينحر؟فقال:«تدخل الحربة فتطعنه بها و تسمّي و تأكل» (5).

ص:344


1- مجمع الفائدة و البرهان 11:42.
2- الأول في:الكافي 6:3/231،التهذيب 9:225/54،الوسائل 24:19 أبواب الذبائح ب 10 ح 1.الثاني في:الكافي 6:2/231،الفقيه 3:957/208،التهذيب 9:224/54،الوسائل 24:19 أبواب الذبائح ب 10 ح 2.
3- الكافي 6:1/231،التهذيب 9:221/53،الوسائل 24:12 أبواب الذبائح ب 4 ح 3.
4- الكافي 6:1/231،التهذيب 9:223/54،الوسائل 24:21 أبواب الذبائح ب 10 ح 5.
5- الكافي 6:5/231،التهذيب 9:222/54،الوسائل 24:20 أبواب الذبائح ب 10 ح 4.

و فيهما دلالة على أنّ ذكاة البعير بالنحر كما مرّ.و في أوّلهما دلالة على ما ذكرناه من اعتبار عدم درك الذكاة بعد الجرح.

و اعلم:أنّ إطلاق ما يجرح في العبارة و غيرها من عبائر الجماعة يقتضي الاكتفاء في الحلّ بكل آلة جارحة حتى الكلب و غيره،و به صرّح جماعة (1)و جعلوا المقام كالصيد.فإنّ كان إجماع كما هو الظاهر،و إلّا فاستفادته من النصوص المزبورة مشكلة؛ لاختصاصها بالآلة الجمادية من السيف و ما شاكله.

الثالث ذكاة السمك إخراجه من الماء

الثالث: ذكاة السمك المأكول إخراجه من الماء بل إثبات اليد عليه خارج الماء حيّاً و إن لم يخرجه منه،كما ينبّه عليه قوله فيما يأتي:

«و لو وثب..» إلى آخره.

و اعتبار الأخذ و عدم الاكتفاء بالخروج هو المشهور بين الأصحاب؛ لأصالة الحرمة،و اختصاص الكتاب و السنة الدالّين على صيد البحر بما الصيد حقيقة فيه أو متبادر منه و هو أخذه حيّاً؛ و للنصوص.

منها:الصحيح و الموثق:«إنّما صيد الحيتان أخذها» (2)و إنّما للحصر، فالمعتبر إصابتها باليد أو الآلة،و إخراجها بأخذها من الماء حيّة و موتها خارجة.

و منها:الصحيح الآتي في الوثوب.

ص:345


1- المحقق في الشرائع 3:207،الشهيد الثاني في الروضة 7:220،كشف اللثام 2:260.
2- الصحيح في:الكافي 6:9/217،التهذيب 9:34/10،الإستبصار 4:223/63،الوسائل 24:78 أبواب الذبائح ب 32 ح 9.الموثق في:الكافي 6:5/217،التهذيب 9:36/10،الإستبصار 4:225/63،الوسائل 24:76 أبواب الذبائح ب 32 ح 5.

خلافاً لمن يأتي بيانه و ذكر ضعف ما اختاره.

و لا يعتبر في المُخرج الإسلام و لا التسمية بلا خلاف أجده في الأخير،و في عدم اعتبار استقباله [القبلة] أيضاً؛ للمعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح و غيره:عن صيد الحيتان و إن لم يسمّ،قال:

«لا بأس» (1).

و زيد في الثاني:«إن كان حيّاً أن يأخذه» (2)و فيه دلالة على اعتبار ما مرّ من الأخذ،و فيه:عن صيد السمك و لا يسمّي،قال:«لا بأس» .و في الموثق:عن صيد المجوس للسمك حين يضربون بالشبك و لا يسمّون،أو يهودي و لا يسمّي،قال:«لا بأس،إنّما صيد الحيتان أخذها» (3).

و على الأظهر في الأوّل،و هو الأشهر بل عليه عامّة من تأخّر.و عن الحلّي (4)الإجماع عليه؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى عموم أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ [1] (5)و خصوص الصحاح المستفيضة و غيرهما من المعتبرة.

في الصحيح و الموثق:عن الحيتان تصيدها المجوس،فقال:«إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول:الحيتان و الجراد ذكيّ» (6).

ص:346


1- الفقيه 3:951/207،التهذيب 9:31/9،الإستبصار 4:219/62،الوسائل 24:75 أبواب الذبائح ب 32 ح 1.
2- التهذيب 9:30/9،الوسائل 24:73 أبواب الذبائح ب 31 ح 2.
3- الكافي 6:5/217،التهذيب 9:36/10،الإستبصار 4:225/63،الوسائل 24:76 أبواب الذبائح ب 32 ح 5.
4- السرائر 3:87.
5- المائدة:96.
6- الصحيح في:الكافي 6:6/217،التهذيب 9:37/10،الإستبصار 4:226/63،الوسائل 24:76 أبواب الذبائح ب 32 ح 4.الموثق في:التهذيب 9:38/11،الإستبصار 4:227/64،الوسائل 24:77 أبواب الذبائح ب 32 ح 6.

و فيهما:عن صيد المجوس حين يضربون بالشباك و يسمّون بالشرك، فقال:«لا بأس بصيدهم،إنّما صيد الحيتان أخذها» (1).

خلافاً للمفيد،فاعتبره (2)،و احتاط به ابن زهرة (3).

و حجّتهما عليه غير واضحة عدا الأصل المخصَّص بما مرّ من الأدلّة.

و دعوى أنّ صيدها من التذكية المشترط فيها الإسلام.و هي ممنوعة أوّلاً:

بما مرّ من الأدلّة،و ثانياً:بدلالة الخبرين الأوّلين من المستفيضة على كون الحيتان و الجراد ذكيّة،و مقتضاهما عدم احتياجهما إلى التذكية.

و الخبر:عن صيد المجوس،فقال:«لا بأس إذا أعطوكه أحياءً، و السمك أيضاً،و إلّا فلا تجز شهادتهم إلّا أن تشهده» (4).

و في سنده قصور بالجهالة و إن روى عن موجبها فضالة الذي اجتمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

و في متنه ضعف بحسب الدلالة؛ لابتنائها على دلالته على اشتراط أخذ المسلم له منهم حيّاً كما هو ظاهر الإستبصار (5)،فيكون إخراجهم له

ص:347


1- الصحيح في:الكافي 6:9/217،التهذيب 9:34/10،الإستبصار 4:223/63،الوسائل 24:78 أبواب الذبائح ب 32 ح 9.الموثّق في:الكافي 6:5/217،التهذيب 9:36/10،الإستبصار 4:225/63،الوسائل 24:76 أبواب الذبائح ب 32 ح 5.
2- المقنعة:577.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
4- الكافي 6:8/217،التهذيب 9:33/10،الإستبصار 4:229/64،الوسائل 24:76 أبواب الذبائح ب 32 ح 3.
5- الاستبصار 4:64.

بمنزلة و ثوبه من الماء بنفسه إذا أخذه المسلم.

و هو ضعيف جدّاً؛ لظهور سياقه في أنّ المراد ب«إذا أعطوكه» إذا شاهدته بقرينة قوله:«إلّا أن تشهده» مع أنّه ليس في لفظ الإعطاء دلالة على التسليم و أخذ المسلم له صريحاً بل و لا ظاهراً.

هذا مع أنّه ضعيف عن المقاومة للنصوص المتقدّمة من وجوه شتّى، و إن قيّدت هي و العبارة به و بالإجماع و الصحيحين:عن صيد المجوس السمك،آكله؟قال:«ما كنت آكله حتّى أنظر إليه» (1).

و وجه اعتبار المشاهدة فيها و في كلام جماعة (2)عدم الأمن من أخذهم السموك ميتة.و إخبارهم بإخراجها من الماء حيّة و هو و إن جرى في المسلم أيضاً إلّا أنّ أفعاله و أقواله محمولة على الصحة في الجملة إجماعاً فتوًى و روايةً.

و لو وثب السمك من الماء على الجدّ أو السفينة و نحوهما أو نضب و انحسر عنه الماء فأُخذ حيّاً حلّ مع الأخذ لا مطلقاً؛ لما مضى من الأدلّة على اعتباره،مضافاً إلى الإجماع في الخلاف في الثاني (3)، و خصوص الصحيح في الأوّل:عن سمكة و ثبت من نهر،فوقعت على الجدّ فماتت،أ يصلح أكلها؟فقال:«إن أخذتها قبل أن تموت ثمّ ماتت

ص:348


1- الأول في:التهذيب 9:31/9،الإستبصار 4:219/62،الوسائل 24:75 أبواب الذبائح ب 32 ح 1.الثاني في:التهذيب 9:32/9،الإستبصار 4:220/62،الوسائل 24:75 أبواب الذبائح ب 32 ح 2.
2- منهم:العلّامة في الإرشاد 2:109،و الشهيدان في اللمعة(الروضة البهية 7):244،247.
3- الخلاف 6:32.

فكلها،و إن ماتت قبل أن تأخذها فلا تأكلها» (1).

و يعضده إطلاق الصحيح الآخر:«لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان و ما نضب عنه الماء» (2).

و قيل كما عن النهاية و الماتن في بعض كتبه (3):إنّه يكفي إدراكه يضطرب فيحلّ و إن لم يؤخذ؛ لأنّ صيد المجوس مع مشاهدة المسلم له قد أخرج حيّاً و مات خارج الماء موجب لحلّه كما مرّ في الصحيحين الأخيرين و سابقهما و صيد المجوس لا عبرة به،فيكون العبرة بنظر المسلم له كذلك؛ و للنصوص المستفيضة.

منها:الموثق كالصحيح المرويّ في الفقيه:سمكة ارتفعت فوقعت على الجدّ،فاضطربت حتّى ماتت،آكلها؟قال:«نعم» (4).

و منها:«إنّ السمك و الجراد إذا خرج من الماء فهو ذكيّ» (5).

و منها:السمكة تثب من الماء فتقع على الشطّ،فتضطرب حتى تموت،فقال:«كلها» (6).

و منها:«إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول:إذا أدركتها و هي تضطرب و تضرب

ص:349


1- الكافي 6:11/218،التهذيب 9:23/7،الاستبصار 4:113/61،قرب الإسناد:1102/277،الوسائل 24:81 أبواب الذبائح ب 34 ح 1.
2- التهذيب 9:21/7،الإستبصار 4:211/60،الوسائل 24:82 أبواب الذبائح ب 34 ح 3.
3- النهاية:576،الماتن في نكت النهاية 3:80.
4- الفقيه 3:946/206،الوسائل 24:82 أبواب الذبائح ب 34 ح 5.
5- الكافي 6:1/221،التهذيب 9:262/62،قرب الإسناد:162/50،الوسائل 24:87 أبواب الذبائح ب 37 ح 3.
6- التهذيب 9:22/7،الإستبصار 4:212/61،الوسائل 24:82 أبواب الذبائح ب 34 ح 4.

بذنبها و تطرف بعينها فهي ذكيّة» (1).

و في الجميع نظر،فالأوّل:بأنّه لا يلزم من حلّ صيد الكافر له مع مشاهدة المسلم له حلّ ما لا يدخل تحت اليد مطلقاً.و إنّما يقتضي ذلك اشتراط دخوله تحت يد الآدمي مسلماً كان أو كافراً.

و الثاني:بضعف سند أكثره،مضافاً إلى إرسال اثنين منها و منهما الموثق،و قصورها جُمَع عن المكافأة لما مضى،مع احتمالها التقييد بصورة الأخذ سيّما و أنّ الغالب في الخروج المذكور في الخبر الثاني تحقّقه بالآلة أو اليد.

@(نعم (2)،يعضد هذا القول ما مرّ في الصحيح و الموثّق من أنّ السمك و الجراد ذكيّ،و هو دالّ على ذكاتهما في نفسهما و عدم احتياجهما في الحلّ إلى شيء أصلاً،خرج منه اعتبار خروجهما حيّاً بالإجماع و بقي الباقي تحته مندرجاً.

و هذان الخبران يعارض بهما الخبران المضاهيان لهما سنداً الدالّان على أنّ صيد السمك أخذها،مع أنّ الحصر فيهما وارد مورد الغالب فلا اعتبار بمفهومهما.فانحصر دليل الأكثر في الصحيح الوارد في الوثوب المعتضد بالأصل.

و يمكن الخروج عنه بالنصوص المستفيضة بكفاية الخروج،و بها يحمل الصحيح على الكراهة.لكنّه فرع المكافأة التي هي مفقودة؛ لاعتضاده بالشهرة العظيمة التي هي من أقوى المرجّحات الشرعيّة دون

ص:350


1- الكافي 6:7/217،التهذيب 9:24/7،الإستبصار 4:214/61،الوسائل 24:81 أبواب الذبائح ب 34 ح 2.بتفاوت في الجميع.
2- من هنا إلى قوله:فتأمّل،موجود في نسخة الأصل فقط.

المستفيضة،مع أنّ التعارض بينهما تعارض المطلق و المقيّد الموجب لحمل الثاني على الأوّل.و هو راجح على تقدير التكافؤ على الجمع بينهما بالحمل على الكراهة أو الاستحباب.فاذاً المختار هو الأوّل،فتأمّل) @ . و لو صيد فأُعيد في الماء فمات فيه لم يحلّ بلا خلاف أجده إذا لم يكن موته في الآلة،و به صرّح في الكفاية (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى أصالة الحرمة السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا إطلاق ما مرّ من النصوص الدالة على أنّ ذكاته أخذه من دون تقييد له بعدم موته في الماء، و لذا ذهب الأكثر بجواز أكله حيّاً.

و يضعّف بعدم عموم فيه يشمل ما نحن فيه،و رجوعه إلى العموم فرع تواطي الأفراد و تساويها و هو ممنوع؛ لأظهريّته بحكم التبادر في غير المفروض.

هذا مضافاً إلى الصحيح و غيره:عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط،و أرسلها[في الماء]فماتت،أتوكل؟فقال:

«لا» (2).و قريب منهما:الخبر الملحق بالصحيح،بل ربما يعدّ من الصحيح:

عن رجل صاد سمكاً و هي أحياء،ثم أخرجهنّ و هي أحياء (3)بعد ما مات بعضهنّ،فقال:«ما مات فلا تأكله،فإنّه مات فيما فيه حياته» (4).

ص:351


1- الكفاية:248.
2- الكافي 6:4/217،الفقيه 3:944/206،التهذيب 9:41/11،الوسائل 24:79 أبواب الذبائح ب 33 ح 1. و انظر الكافي 6:3/216،التهذيب 9:40/11،الوسائل 24:79 أبواب الذبائح ب 33 ح 2.
3- جملة:و هي أحياء،لا توجد في المصادر.
4- التهذيب 9:44/12،الإستبصار 4:217/62،الوسائل 24:83 أبواب الذبائح ب 35 ح 1.

و مورده و إن اختص بغير ما نحن فيه و هو موته في الماء قبل إخراجه،و يعبّر عنه بالطافي المحرّم بإجماعنا،المستفيض على تحريمه الصحاح و غيرها من أخبارنا (1)،إلّا أنّ الجواب عامّ،و العبرة بعمومه دون خصوص مورده،كما حقّق في محله.

مضافاً إلى أنّ تعليل النهي فيه بالموت فيما فيه حياته يعمّ المورد و غيره،فيتعدّى به إليه على الأشهر الأقوى،سيّما مع التأيّد بإطلاقات النصوص المستفيضة بحرمة ما مات من السمك في الماء من دون تقييد فيها بصورة عدم الأخذ و الإخراج من الماء،و إن كانت بحكم التبادر مختصّة بها و لذا لم نجعلها حجّة مستقلّة،لكنّها للتأييد صالحة،سيّما بعد ملاحظة التعليل المتقدّم إليه الإشارة.

و يستفاد من جميع ما ذكر سيّما النصوص نصّاً في الأخير،و فحوى في الأوّلين ثبوت الحرمة مطلقاً و إن كان موته في الماء في الآلة المعمولة لصيده كالحظيرة و غيرها.و عليه أكثر متأخّري أصحابنا كما في المسالك و الكفاية (2)و غيرهما (3)،وفاقاً للشيخ و ابن حمزة و الحلّي من القدماء (4).خلافاً للعماني فقال:يحلّ ما مات في الآلة المعمولة (5)، للصحيحين.

في أحدهما:رجل نصب شبكة في الماء،ثم رجع إلى بيته و تركها

ص:352


1- الوسائل 24:142 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 13.
2- المسالك 2:230،الكفاية:248.
3- انظر الروضة البهية 7:246،و التنقيح الرائع 4:26.
4- الشيخ في المبسوط 6:277،ابن حمزة في الوسيلة:355،الحلّي في السرائر 3:90.
5- كما نقله عنه في المختلف:674.

منصوبة،فأتاها بعد ذلك و قد وقع فيها سمك فيمتن،فقال:«ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها» (1).

و في الثاني:عن الحظيرة من القصب يجعل في الماء للحيتان، فيدخل فيها الحيتان،فيموت فيها بعضها،فقال:«لا بأس،إنّ تلك الحظيرة إنّما جعلت ليصطاد فيها» (2).

و هما و إن صحّ سندهما و اعتضدا برواية أُخرى:«إذا ضرب صاحب الشبكة بالشبكة،فما أصاب فيها من حيّ أو ميّت فهو حلال خلا ما ليس له فلس،و لا يؤكل الطافي من السمك» (3).

إلّا أنّهما قاصران عن المقاومة لما مضى من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة.مضافاً إلى عدم صراحتهما في موتها في الماء؛ لاحتمالهما كالرواية الحمل على صورة الموت خارجه قطعاً،أو احتمالاً بناءً على أصالة بقاء الحياة.و هذا الحمل و إن بعد غايته إلّا أنّه لا مندوحة عنه جمعاً بين الأدلّة.

نعم،لولا الشهرة لكان المصير إلى النصوص المزبورة في غاية القوّة.

و على المختار لو تميّز الميّت عن الحيّ اختصّ كلّ بحكمه،و أمّا مع الاشتباه فالأظهر الأشهر حرمة الجميع،و بها قال كلّ من قال بالمنع من الميتة منه مع التميز عدا الشيخ في النهاية،فقال بالحلّ في هذه الصورة (4)،

ص:353


1- الكافي 6:10/217،الفقيه 3:947/206،التهذيب 9:42/11،الإستبصار 4:215/61،الوسائل 24:83 أبواب الذبائح ب 35 ح 2.
2- الكافي 6:9/217،التهذيب 9:43/12،الإستبصار 4:116/61،الوسائل 24:84 أبواب الذبائح ب 35 ح 3.
3- الكافي 6:15/218،التهذيب 9:45/12،الإستبصار 4:218/62،الوسائل 24:85 أبواب الذبائح ب 35 ح 4.
4- النهاية:578.

و تبعه القاضي (1)،و الماتن أيضاً استحسنه (2)؛ لظواهر النصوص المتقدّمة.

و المناقشة فيها واضحة؛ لظهورها في الحلّ مع التميز أيضاً و لم يقولوا به جدّاً.مضافاً إلى ما عرفت في ردّها من الأجوبة التي توجب ردّها أو تأويلها بما يؤول إلى أدلّة الحرمة،و أكثرها بل جميعها و إن اختصّ بحرمة الميتة المتميّزة دون المشتبهة إلّا أنّ حرمتها ثابتة في نحو مفروض المسألة ممّا هو محصور من باب المقدمة.

نعم،ربما يعضد ما ذكروه المعتبرة المتضمّنة للصحيح و غيره الدالّة على أنّه إذا اجتمع الحلال و الحرام فهو حلال أبداً حتى يُعرف الحرام بعينه (3).لكنّها معارضة بمثلها الدالّ على أنّه ما اجتمع الحلال و الحرام إلّا و قد غلب الحرام الحلال (4).و هذا أرجح للاعتضاد بالشهرة،و على تقدير التساوي و التساقط ينبغي الرجوع إلى مقتضى القاعدة في الشبهة المحصورة و هو الحرمة من باب المقدّمة.

و كذا الجراد ذكاته أخذه حيّاً و الكلام فيه كالكلام في السمك في جميع الأحكام حتّى في الحكم بأنّه لا يشترط إسلام الآخذ و لا التسمية و لا استقبال القبلة.

و الخلاف في الإسلام هنا كالخلاف فيه ثمّة،لكن احتاط به ابن

ص:354


1- المهذب 2:438.
2- الشرائع 3:208.
3- الوسائل 17:87 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 1.و 25:117 أبواب الأطعمة المباحة ب 61 ح 1.
4- عوالي اللآلي 2:358/132،مستدرك الوسائل 13:68 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 5،سنن البيهقي 7:169.

زهرة (1)خاصّة،و لم يذكره المفيد هنا بالمرّة (2).

و لا خلاف أجده في اتحاد حكمهما عند الجماعة.و استفادته من النصوص مشكلة؛ لأنّها غير صريحة في ذلك بل و لا ظاهرة.

نعم،ربما يستأنس له بالنصوص المتقدّمة الدالّة على أنّ السمك و الجراد ذكيّ كما في الصحيح و الموثق (3)،و أنّهما إذا خرجا من الماء فهما ذكيّان،كما في الخبر (4)من حيث ذكره مع السمك،و تعليق الحكم بالذكاة عليهما معاً المشعر باتحادهما حكماً.

مضافاً إلى دلالة الأوّلين منهما على حلّهما بالذكاة النفسيّة لهما،خرج منهما ما إذا ماتا حتف أنفهما بالإجماع فيهما و النصوص المتقدّمة في السمك،و الرواية الأخيرة فيهما حيث اعتبرت في حلّهما خروجهما، و المراد به بحكم التبادر و الغلبة كما مضى الخروج باليد و غيرها،فيدلّ على اعتبار الأخذ هنا أيضاً.

مضافاً إلى خصوص الصحيحة:في الجراد نُصيبه ميّتاً في الماء،أو في الصحراء،أ يؤكل؟قال:

«لا» (5). و هي الحجّة فيما أجمع عليه الأصحاب من أنّه لا يحلّ منه ما يموت قبل أخذه حيّاً.

و قريب منها الخبر:«الجراد ذكيّ فكله،و أمّا ما مات في البحر

ص:355


1- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
2- المقنعة:579.
3- راجع ص 346.
4- راجع ص 348.
5- الكافي 6:3/222،قرب الاسناد:117،الوسائل 24:87 أبواب الذبائح ب 37 ح 1.

فلا تأكله» (1).

و كذا الموثق الدالّ على أنّه لو أحرقه قبل أخذه لم يحلّ، و فيه:عن الجراد إذا كان في قراح،فيحرق ذلك القراح فيحترق ذلك الجراد و ينضج بتلك النار،هل يؤكل؟قال:

«لا» (2).فلا تأمّل أصلاً فيما ذكروه من اتّحاد حكمهما.

و لا يحلّ منه ما لم يستقلّ بالطيران و يسمّى بالدبا بفتح الدال المهملة إجماعاً؛ للصحيح:عن الدبا من الجراد أ يؤكل؟قال:«لا حتّى يستقلّ بالطيران» (3)و نحوه غيره (4).

الرابع ذكاة الجنين ذكاة أُمّه

الرابع: ذكاة الجنين أي السبب المحلّل له ذكاة امّه كما في النبويّ المشهور (5)،و عن أهل البيت عليهم السلام مثله (6).

ففي الصحيح:عن قول اللّه عزّ و جلّ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ [1] فقال:«الجنين في بطن امّه إذا أشعر و أوبر فذكاته ذكاة أُمّه» (7).

ص:356


1- الكافي 6:2/222،التهذيب 9:263/62،الوسائل 24:88 أبواب الذبائح ب 37 ح 4.
2- التهذيب 9:265/62،الوسائل 24:88 أبواب الذبائح ب 37 ح 5.
3- الكافي 6:3/222،الوسائل 24:87 أبواب الذبائح ب 37 ح 1.
4- مسائل علي بن جعفر:18/109،الوسائل 24:87 أبواب الذبائح ب 37 ذيل حديث 1.
5- عوالي اللئلئ 2:17/322،مستدرك الوسائل 16:140 أبواب الذبائح ب 16 ح 2.مسند أحمد 3:39،سنن ابن ماجة 2:1067 ح 3199،سنن الترمذي 4:72 ح 1476،مستدرك الحاكم 4:114.
6- الكافي 6:3/234،التهذيب 9:246/59،الوسائل 24:33 أبواب الذبائح ب 18 ح 1.
7- الكافي 6:1/234،الفقيه 3:966/209،التهذيب 9:244/58،الوسائل 24:33 أبواب الذبائح ب 18 ح 3.و الآية في سورة المائدة:1.

و في الموثّق:عن الشاة يذبحها و في بطنها ولد و قد أشعر، فقال عليه السلام:«ذكاته ذكاة أُمّه» (1).

و يستفاد منهما كباقي الأخبار الآتية رفع الذكاة الثانية خبراً عن الاُولى، و هو الأصحّ في النبوي رواية كما في التنقيح و الروضة (2).و ربما أعربها بعضهم بالنصب على المصدر،أي ذكاته كذكاة امّه،فحذف الجار و نصب مفعولاً،فأوجب تذكيته كتذكية امّه.

و فيه من التعسّف ما لا يخفى،مع مخالفته رواية الرفع دون العكس؛ لإمكان كون الجارّ المحذوف لفظة في،أي ذكاة الجنين داخلة في ذكاة أُمّه جمعاً بين الروايتين،مع أنّه الموافق لرواية أهل البيت و هم أدرى بما في البيت،و قد أجمع شيعتهم عليه.

و إنّما يجوز أكله بذكاتها إذا تمّت خلقته وحده،كما في صريح الانتصار و الخلاف و الإسكافي (3)،و جماعة من المتأخّرين (4).و ظاهر النهاية و ابن حمزة (5)أن يشعر أو يؤبر،و لعلّهم رأوا التلازم بين الأمرين.

و به يجمع بين الأخبار المختلفة المشترط بعضها كالمفيد و الديلمي (6)الإشعار و ما بعده خاصّة،كالخبرين المتقدّمين،و الموثق (7)

ص:357


1- الكافي 6:4/235،الوسائل 24:33 أبواب الذبائح ب 18 ح 2.
2- التنقيح الرائع 4:27،الروضة البهية 7:248.
3- الانتصار:195،الخلاف 6:88،و نقله عن الإسكافي في المختلف:681.
4- كالمحقق في الشرائع 3:208،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:27،و المهذب البارع 4:178.
5- النهاية:584،ابن حمزة في الوسيلة:361.
6- المفيد في المقنعة:583،الديلمي في المراسم:210.
7- الكافي 6:5/235،قرب الإسناد:247/76،الوسائل 24:34 أبواب الذبائح ب 18 ح 5.

في الجنين:«إذا أشعر فكل،و إلّا فلا تأكل» .و آخر منها كالصدوق و العماني (1)تمام الخلقة خاصّة، كالصحيحين (2)و غيرهما (3):«إن كان تامّاً فكله،و إن لم يكن تامّاً فلا تأكله» .و ثالث منها:إيّاهما معاً،كالصحيح:عن الحوار تذكّى أُمّه،أ يؤكل بذكاتها؟فقال:«إذا كان تامّاً و نبت عليه الشعر فكل» (4).

لكن ظاهره عدم التلازم؛ للعطف المقتضي للتغاير.و هو أيضاً ظاهر الصدوق في المقنع حيث قال:إذا ذبحت ذبيحة في بطنها ولد،فإن كان تامّاً فكله فإنّ ذكاته ذكاة امّه،فإن لم يكن تامّاً فلا تأكله.

و روي:«إذا أشعر و أوبر فذكاته ذكاة أُمّه» (5).

و كيف كان،فإن ثبت التلازم و إلّا فاعتبارهما متعيّن؛ عملاً بالأصل، و جمعاً بين النصوص بذلك بتقييد بعضها ببعض،و الشاهد الخبر الجامع أي الصحيح الثالث.

و عدم الحلّ مع عدم الشرط مجمع عليه بين الأصحاب،كما في الانتصار (6)و غيره (7).و عليه دلّت جميع ما مرّ من الروايات.

ص:358


1- الصدوق في المقنع:139،و حكاه عن العماني في المختلف:681.
2- الأول في:الكافي 6:2/234،التهذيب 9:242/58،الوسائل 24:34 أبواب الذبائح ب 18 ح 4.الثاني في:الفقيه 3:965/209،التهذيب 9:243/58،الوسائل 24:34 أبواب الذبائح ب 18 ح 6.
3- التهذيب 9:245/59،الوسائل 24:35 أبواب الذبائح ب 18 ح 7.
4- الكافي 6:3/234،التهذيب 9:246/59،الوسائل 24:33 أبواب الذبائح ب 18 ح 1.
5- تفسير العياشي 1:11/29،الوسائل 24:36 أبواب الذبائح ب 18 ح 11.
6- الانتصار:195.
7- انظر الخلاف 6:88،و إيضاح الفوائد 4:134.

و ظاهر إطلاقها في صورة الحلّ عدم الفرق بين ولوج الروح فيه و عدمه،و هو ظاهر الصدوق و العماني و المرتضى (1)،و عليه كافّة متأخّري أصحابنا كما في الكفاية و غيرها (2).و هو الأقوى؛ لما مضى،و لصريح الموثّق الآتي.

و قيل كما عن الشيخ و القاضي و ابن حمزة و الديلمي و الحلّي (3):

إنّه يشترط مع إشعاره و تمام خلقته أن لا تلج الروح فيه.و فيه بُعد لمخالفته إطلاق النصوص الشاملة لصورة الولوج بل الظاهرة فيها خاصّة؛ لأنّ الروح لا تنفكّ عن تمام الخلقة عادة،كما صرّح به جماعة كالفاضل في المختلف و شيخنا في الروضة (4).

هذا مع أنّ حجّتهم عليه غير واضحة عدا ما ذكره من قِبَلهم جماعة:

من اشتراط تذكية الحيّ مطلقاً.و هو ضعيف،و الكلّية ممنوعة.

و من أنّه قبل ولوج الروح في تربية روح امّه،فيكون إزهاق روحها بالتذكية تذكيته،و أمّا بعده فإنّه في تربية روحه فيحتاج إلى التذكية.

و ردّ بالمنع عن كون العلّة ما ذكر،و إلّا لزم أن يكون قبل أن يشعر أو يؤبر مباحاً؛ لأنّه في تربية روح امّه و ليس كذلك إجماعاً،و عن أنّه بعد الولوج مستغنٍ عن تربية روح الاُمّ،فإثباته يحتاج إلى دليل.

و بالجملة لا ريب في ضعف هذا القول.

ص:359


1- الصدوق في المقنع:139،و حكاه عن العماني في المختلف:681،المرتضى في الانتصار:195.
2- الكفاية:248،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 11:151.
3- الشيخ في النهاية:584،القاضي في المهذب 2:441،ابن حمزة في الوسيلة:361،الديلمي في المراسم:210،الحلّي في السرائر 3:110.
4- المختلف:682،الروضة 7:254.

نعم لو خرج حيّاً مستقرّ الحياة يتّسع الزمان لتذكيته لم يحلّ إلّا بالتذكية إجماعاً؛ لعدم دخول مثله في النصوص المتقدّمة جدّاً،فيشمله عموم ما دلّ على حرمة الميتة إلّا مع التذكية.

مضافاً إلى صريح الموثّق:عن الشاة تذبح،فيموت ولدها في بطنها، قال:«كله،فإنّه حلال،لأنّ ذكاته ذكاة امّه،فإن هو خرج و هو حيّ فاذبحه و كل،فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله،و كذلك البقر و الإبل» (1).

و لو خرج و حياته غير مستقرّة فالأقرب الحلّ؛ لإطلاق النصوص المزبورة.و به صرّح الشهيد و غيره (2)،إلّا أنّ الأحوط حرمته؛ لإطلاق الموثّقة المتقدّمة.و لو لا انصرافه إلى مستقرّ الحياة بمقتضى السياق المتضمّن للأمر بالذبح الذي هو فرع إمكانه باستقرار حياته،لكان القول بالحرمة متعيّناً بلا شبهة.

و الأقرب عدم وجوب المبادرة إلى شقّ جوف الذبيحة لإخراج الجنين زائداً على المعتاد،و إن كانت أحوط في الجملة [و الحمد لله] .

ص:360


1- التهذيب 9:345/80،الوسائل 24:35 أبواب الذبائح ب 18 ح 8.
2- الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 7):252؛ و انظر الكفاية:248،و مفاتيح الشرائع 2:206.

كتاب الأطعمة و الأشربة و فيه أقسام

اشارة

كتاب الأطعمة و الأشربة و النظر فيه يستدعي أن نبيّن فيه أقساماً

الأوّل في حيوان البحر

اشارة

الأوّل:في حيوان البحر.

و أعلم:أنّه

لا يؤكل منه إلّا سمك له فلس

لا يجوز أن يؤكل منه إلّا ال سمك و الطير بغير خلاف بيننا،و به صرّح في المسالك (1).بل عليه الإجماع في الخلاف و الغنية و السرائر (2)(3)[و به صرح الماتن في المعتبر و الشهيد في الذكرى و المحقق الثاني و غيره في كتاب الصلاة في بحث جواز الصلاة في الخز الخالص.] و هو الحجّة المؤيّدة بعمومات ما دلّ على حرمة الميتة،السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا عمومات ما دلّ على حلّ صيد البحر الشامل لما عدا السمك،و ما دلّ على حلّ الأزواج الثمانية،و غيرها من الكتاب و السنة.

و يضعّف الأوّل بتبادر السمك منه خاصّة،مع استلزام العموم حلّ كثير من حيواناته المحرّمة بالإجماع و الكتاب و السنة،لاشتمالها إمّا على ضرر أو خباثة أو نحوهما من موجبات الحرمة،فلا يمكن أن يبقى على

ص:361


1- المسالك 2:237.
2- الخلاف 6:29،الغنية(الجوامع الفقهية):618،السرائر 3:99.
3- في الحجري زيادة:و به صرح الماتن في المعتبر(2:84) و الشهيد في الذكرى(144) و المحقق الثاني(جامع المقاصد 2:78) و غيره(كفاية الأحكام:248) في كتاب الصلاة في بحث جواز الصلاة في الخز الخالص.

عمومه الظاهر من اللفظة على تقدير تسليمه،لخروج أكثر أفراده الموجب على الأصحّ لخروجه عن حجيّته،فليحمل على المعهود المتعارف من صيده،و ليس إلّا السمك بخصوصه.

و الثاني بانصرافه بحكم التبادر و غيره إلى حيوان البرّ دون غيره.

و أمّا أصالة البراءة و الإباحة فيكفي في تخصيصهما ما قدّمناه من الإجماعات المنقولة،المعتضدة بفتاوى الأصحاب كافّةً التي كادت أن تكون بالإجماع ملحقة،بل لعلّها إجماع في الحقيقة المخالِفة لطريقة العامة كما ذكره جماعة (1).و عليها حملوا ما روي في الفقيه من المرسلة:

«كلّ ما كان في البحر ممّا يؤكل في البرّ مثله فجائز أكله،و كلّ ما كان في البحر ممّا لا يجوز أكله في البرّ لم يجز أكله» (2).

فتأمّل بعض متأخّري متأخّري الطائفة (3)في المسألة غير جيّد.

و يحلّ ما له فلس من السمك،بلا خلاف بين المسلمين على الظاهر المصرّح به في كلام جماعة (4).و النصوص به بعد الكتاب مستفيضة بل متواترة،سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

و لا فرق فيه بين ما لو زال عنه فلسه كالكنعت و يقال له:

الكنعد بالدال المهملة،أو لم يزل كالشبوط.و بالأوّل ورد النص الصحيح

ص:362


1- مجمع الفائدة و البرهان 11:190،ملاذ الأخيار 14:123،كشف اللثام 2:361،مفاتيح الشرائع 2:184.
2- الفقيه 3:994/214،الوسائل 24:159 أبواب الأطعمة المحرمة ب 22 ح 2.
3- السبزواري في كفاية الأحكام:248.
4- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:247،و السبزواري في الكفاية:248،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:184.

و غيره:ما تقول في الكنعت؟قال:«لا بأس بأكله» قلت:فإنّه ليس له قشر، قال:«بلى و لكنّها حوت سيّئة الخُلق تحتكّ بكلّ شيء،فإن نظرت في أصل[أُذنها (1)]وجدت لها قشراً» (2).

و يؤكل الربيثا بكسر الراء و الباء و الإربيان بكسر الهمزة و الباء و الطمر بكسر الطاء المهملة ثم الميم و الطبراني بفتح الطاء المهملة و الباء المفردة و الإبلامي بكسر الهمزة و سكون الباء المنقّطة من تحت نقطة واحدة.

بلا خلاف في شيء منها أجده؛ لكون كلّ من هذه الخمسة ذات أفلس.و إنّما ذكرها مع معلوميّة حكمها ممّا مضى من الحكم بحلّ ما له فلس مطلقا؛ لورود النصّ في كلّ منها بالخصوص.

كالصحيحين (3)و غيرهما (4)الملحق بهما بابن أبي عمير الذي أجمع على تصحيح ما يصحّ عنه أصحابنا في الأوّل معلّلاً في الأخير بأنّ له فلساً.

و الصحيح في الثاني.

و الخبر في الباقي،و فيه بعد سؤال الراوي عن حلّها قال

ص:363


1- في النسخ:«ذنبها» و ما أثبتناه من المصادر.
2- الكافي 6:2/219،الفقيه 3:1001/215،التهذيب 9:4/3،الوسائل 24:137 أبواب الأطعمة المحرمة ب 10 ح 1.
3- الأول في:الكافي 6:5/220،التهذيب 9:17/6،الاستبصار 4:345/91،المحاسن:478،الوسائل 24:139 أبواب الأطعمة المحرمة ب 12 ح 1.الثاني في:الكافي 6:8/220،الفقيه 3:999/215،الوسائل 24:139 أبواب الأطعمة المحرمة ب 12 ح 2.
4- التهذيب 9:83/82،الإستبصار 4:347/91،الوسائل 24:141 أبواب الأطعمة المحرمة ب 12 ح 6.

و أصحابي ينهوني عن أكله،فكتب:«كله،لا بأس به» (1).

و يستفاد منه وجود القائل بالمنع منّا قديماً،بل و كونه مشهوراً.

و يمكن أن يكون التنبيه على ردّه منشأً لتخصيصها في المتن بالذكر أيضاً.

و لا يؤكل السلحفاة بضمّ السين المهملة و فتح اللام،فالحاء المهملة الساكنة،فالفاء المفتوحة و الهاء بعد الألف.

و لا الضفادع جمع ضفدع بكسر الضاد و الدال،مثال خنصر.

و لا السرطان بفتح أوّله و ثانيه و يسمّى عقرب الماء،و غيرها من حيوان البحر.

لما مرّ حرمته على الإطلاق و إن كان جنسه حلالاً في البر سوى السمك المخصوص ذي الفلس.و إنّما خصّ الثلاثة بالذكر لورود النهي عنها بالخصوص في الصحيح (2).

و في حرمة الجرّيّ بالجيم المكسورة فالراء المهملة المشددة المكسورة،و يقال:الجرّيث بالضبط الأوّل مختوماً بالثاء المثلثة نوع من السمك طويل أملس ليس له فلوس روايتان،أشهرهما بين المتقدّمين و المتأخّرين التحريم بل عليه في ظاهر التنقيح (3)،و صريح الانتصار و الخلاف و السرائر (4)إجماع الإمامية.و جعلوا متعلّقه في الكتب الأخيرة مطلق السمك الذي لا فلس له،و هي مع ذلك صحاح مستفيضة.

منها:أقرأني أبو جعفر عليه السلام شيئاً في كتاب عليّ عليه السلام،فإذا فيه:

ص:364


1- التهذيب 9:47/13،الوسائل 24:129 أبواب الأطعمة المحرمة ب 8 ح 9.
2- الكافي 6:11/221،التهذيب 9:46/12،قرب الإسناد:1108/279،الوسائل 24:146 أبواب الأطعمة المحرمة ب 16 ح 1.
3- التنقيح الرائع 4:31.
4- الانتصار:186،الخلاف 6:29،السرائر 3:98.

«أنهاكم عن الجريث (1)و المارماهي و الطافي و الطحال» قال:قلت:يرحمك اللّه تعالى إنّا نؤتى بالسمك ليس له قشر،فقال:«كُلّ ما له قشر من السمك، و ما ليس له قشر فلا تأكله» (2).

و منها:«في كتاب عليّ عليه السلام إنّه نهى عن الجرّيث» (3).

و منها:«لا تأكلوا الجرّيّ و لا الطحال،فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كرهه» و قال:«إنّ في كتاب عليّ عليه السلام ينهى عن الجرّيّ و عن جمّاع (4)من السمك» (5)الخبر.

و يستفاد منه إطلاق الكراهة على التحريم،فلا يبعد حملها عليه في المعتبرين.

أحدهما الصحيح:«لا يكره شيء من الحيتان إلّا الجرّيّ» (6).

و نحو هذه الصحاح معتبرة أُخر مستفيضة.

منها:«لا تأكلوا الجرّيث،و لا المارماهي،و لا طافياً،و لا طحالاً،إنّه بيت الدم و مضغة الشيطان» (7).

ص:365


1- في المصادر زيادة:الزمير.
2- الكافي 6:1/219،التهذيب 9:1/2،الوسائل 24:130 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 1.
3- التهذيب 9:10/4،الإستبصار 4:202/59،الوسائل 24:133 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 13.
4- جمّاع الناس:الأخلاط من قبائل شتّى الصحاح 3:1198.
5- التهذيب 9:18/6،الوسائل 24:134 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 16.
6- الصحيح في:التهذيب 9:13/5،الإستبصار 4:205/59،الوسائل 24:134 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 17.المعتبر الآخر في:التهذيب 9:14/5،الإستبصار 4:206/59،الوسائل 24:135 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 18.
7- الكافي 6:4/220،التهذيب 9:8/4،الإستبصار 4:200/58،الوسائل 24:130 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 2.

و منها:«لا تشتروا الجرّيث،و لا المارماهي،و لا الطافي على الماء و لا تبيعوه» (1).

و منها:«الجرّيّ و المارماهي و الطافي حرام في كتاب عليّ عليه السلام» (2).

و منها:عن الجرّيث،فقال:«و اللّه ما رأيته قطّ،و لكن وجدته في كتاب عليّ عليه السلام حراماً» (3).

و الرواية الثانية:الصحيحان.

في أحدهما:عن الجرّيث،فقال:«و ما الجرّيث؟» فنعتّه له؛ فقال:

« قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ [1] »إلى آخر الآية،ثمّ قال:«لم يحرّم اللّه تعالى شيئاً من الحيوان في القرآن إلّا الخنزير بعينه» (4).

و في الثاني:عن الجرّي و المارماهي و الزمير،و ما ليس له قشر من السمك حرام هو؟فقال:«اقرأ هذه الآية التي في الأنعام قُلْ لا أَجِدُ [2] » الآية،قال:فقرأتها حتّى فرغت منها،فقال:«إنّما الحرام ما حرّم اللّه تعالى و رسوله صلى الله عليه و آله،و لكنّهم قد كانوا يَعافون أشياء فنحن نَعافها» (5).

ص:366


1- التهذيب 9:11/5،الاستبصار 4:203/59،المحاسن:491/477،الوسائل 24:133 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 14.
2- التهذيب 9:12/5،الإستبصار 4:204/59،الوسائل 24:134 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 15.
3- التهذيب 9:9/4،الوسائل 24:133 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 12.
4- التهذيب 9:15/5،الإستبصار 4:207/59،الوسائل 24:135 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 19.و الآية في سورة الانعام:145.
5- التهذيب 9:16/6،الإستبصار 4:208/60،الوسائل 24:136 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 20.عافَ الرجل الطعامَ أو الشراب يَعافُه عِيافاً،أي:كرهه فلم يشربه،فهو عائف.الصحاح 4:1408.

و هذان الخبران و إن صحّ سندهما إلّا أنّهما مع مخالفتها لما عليه أصحابنا من تحريم أشياء ليست في القرآن أصلاً موافقان لمذهب العامّة العمياء (1).

و مع ذلك قاصران عن المقاومة لما مضى من وجوه شتّى؛ لاعتضاده بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة ملحق بالضرورة من مذهب الإمامية،و بالإجماعات المحكيّة المستفيضة و الاستفاضة القريبة من البلوغ حدّ التواتر و بعمومات المعتبرة المستفيضة الناهية عن كلّ سمك لا فلس له،بناءً على أنّ الجرّي منه،كما مرّ إليه الإشارة و اعترف به الجماعة.

ففي الصحيح و غيره:«كان عليّ عليه السلام بالكوفة يركب بغلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله،ثمّ يمرّ بسوق الحيتان فيقول:لا تأكلوا،و لا تبيعوا ما لم يكن له من السمك قشر» (2).

و فيه:الحيتان ما يؤكل منها:فقال:«ما كان له قشر» (3).

و في المرسل كالصحيح:«إنّ عليّاً عليه السلام كان يكره الجرّيث،و يقول:

لا تأكل من السمك إلّا شيئاً عليه فلوس،و كره المارماهي» (4).

و الكراهة فيه للتحريم؛ لدلالة النهي الظاهر فيه في الذيل عليه،بناءً

ص:367


1- انظر المغني لابن قدامة 11:86.
2- الكافي 6:6/220،التهذيب 9:3/3،الوسائل 24:128 أبواب الأطعمة المحرمة ب 8 ح 4.
3- الكافي 6:2/219،التهذيب 9:4/3،الوسائل 24:127 أبواب الأطعمة المحرمة ب 8 ح 2.
4- الكافي 6:3/219،التهذيب 9:2/2،الوسائل 24:128 أبواب الأطعمة المحرمة ب 8 ح 3.

على دخول الجرّي في متعلّقه.

مضافاً إلى ما ورد في بعض الأخبار من أنّه عليه السلام ما كان يكره إلّا الحرام (1).

و منها:الخبر الوارد في الزهو المتضمّن بعد إعراضه عليه السلام عن أكله بقوله:«اركبوا،لا حاجة لنا فيه» ما هو كالتعليل له،و هو قوله:«و الزهر سمك ليس له قشر» (2).

هذا مع أنّ القائل بهما شاذّ نادر؛ إذا ليس إلّا القاضي (3).و أمّا الشيخ فإنّه و إن حكي عنه المصير إليهما في موضع من النهاية (4)،إلّا أنّه رجع في موضعين منها (5)و باقي كتبه (6)،حتّى إنّه حكم بكفر مستحلّه (7).فما هذا شأنه كيف يمكن المصير إليه.

أمّا حمل الأخبار المانعة على الكراهة كما احتمله من متأخّري المتأخّرين جماعة (8)فالمناقشة فيه واضحة من وجوه عديدة،سيّما مع إمكان الجمع بينها و بين الأخبار المبيحة بحملها على التقية؛ لوضوح المأخذ في هذا الحمل من الاعتبار و السنة المستفيضة بخلاف الحمل على

ص:368


1- انظر الوسائل 18:151 أبواب الربا ب 15 ح 1.و لفظه:«لم يكن علي عليه السلام يكره الحلال».
2- الكافي 6:10/221،التهذيب 9:6/3،الوسائل 24:138 أبواب الأطعمة المحرمة ب 11 ح 1.
3- المهذب 2:536.
4- النهاية:364.
5- النهاية:576،713.
6- انظر المبسوط 6:276،التهذيب 9:4،الاستبصار 4:59.
7- انظر النهاية:713.
8- منهم:المحقق السبزواري في الكفاية:248،و انظر مفاتيح الشرائع 2:185.

الكراهة؛ إذ لا شاهد عليه من كتاب و لا سنّة،و لا يرتكب إلّا حيثما يكون المتضمّن للنهي المحمول عليها مرجوحاً بالإضافة إلى ما قابلة و عارضه بحيث يتعيّن طرحه،و لا بأس بارتكاب ذلك في هذه الصورة من دون شاهد و لا قرينة؛ لكون العمل فيها بالراجح حقيقةً،و ارتكاب الحمل في مقابله طرحاً له جدّاً.

و أمّا ارتكابه في صورتي تكافؤ المتعارضين أو رجحان ما تضمّن النهي من دون شاهد أو قرينة كما في مفروض المسألة فهو ممّا لا وجه له.

و وجود لفظ الكراهة في بعض الأخبار المتقدّمة لم يمكن جعله على الحمل المزبور قرينةً بعد وضوح عدم ثبوت المعنى المصطلح عليه له الآن في الأزمنة القديمة،مع كونه أعمّ منه و من الحرمة لغةً،فإرادة الأوّل منه دون هذه من دون قرينة فاسدة.

مع أنّ القرينة على إرادة الحرمة قائمة،منها زيادةً على ما مرّ إليه الإشارة-:ورود النهي و التصريح بالحرمة في بعض الأخبار المتقدّمة، فإنّهما ظاهران في التحريم غايته،سيّما مع كون متعلّق النهي في أكثرها الطافي و نحوه أيضاً،و قد أجمع على كونه بالإضافة إليهما للحرمة،فليكن بالإضافة إليه لها أيضاً و إلّا يلزم استعماله في معنييه الحقيقي و المجازي الغير الجائز قطعاً،فتأمّل جدّاً.

و مقتضى القاعدة إرجاع المشكوك و هو هنا لفظ الكراهة إلى النهي الظاهر في الحرمة،كما أنّ مقتضاها إرجاع الظاهر إلى النصّ.هذا مع أنّ ركوب علي عليه السلام و سيره في الأسواق للنهي عن الجرّي و نحوه يناسب الحرمة لا الكراهة،كما لا يخفى على من له أدنى فطنة.

ص:369

و بالجملة لا شبهة في المسألة،و لو قلت:إنّه من بديهيّات مذهب الإمامية،لما كذبت.

و نحو الكلام في الجرّي منعاً و جوازاً الكلام في الزمار بكسر الزاء المعجمة و الميم المشددة و الراء المهملة أخيراً،و يقال له:الزمير كما وقع في الرواية (1)، المارماهي بفتح الراء فارسيّ معرّب و أصلها حيّة السمك، و الزهو بالزاء المعجمة فالهاء الساكنة.

و ال روايتان المتقدّمتان ثمة جاريتان في المسألة،و لم يفصّل فيهما و لا في كلام الجماعة بين المسألتين.

و ظاهر الماتن التفصيل بينهما،حيث نسب الحرمة في الأُولى إلى الشهرة من دون فتوًى فيها بالكراهة متردّداً في التحريم أو مختاره،و اختار عدمه في المسألة فقال: و الوجه الكراهة و لا وجه له بالمرّة؛ لاتّحاد الأدلّة فتوًى و روايةً على المنع أو الكراهة.

و يمكن إرجاع هذه العبارة إلى المسألتين و إن بعد غايته؛ دفعاً لمحذور التفصيل من عدم وضوح دليل عليه و لا حجّة.

و قصارى ما يتخيّل في توجيهه استفاضة الصحاح كغيرها في الجرّي و غيره دون الزمار و نحوه،فإنّه لم يستفض فيها الصحاح و إنّما الموجود منها فيها بعضها.

و هو غير صالح للتوجيه سيّما مع استفاضة غير الصحاح فيها خصوصاً و عموماً،و عدم قائل بالتفصيل أصلاً كما مضى.

ص:370


1- الوسائل 24:130 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9.
لو وجد في جوف سمكة سمكة أُخرى،حلّت

و لو وجد في جوف سمكة سمكة أُخرى،حلّت إن كانت ممّا يؤكل مطلقاً،وفاقاً لوالد الصدوق،و المفيد و النهاية،و الفاضل في القواعد (1)،و مال إليه الماتن في الشرائع (2)،و استحسنه في المسالك (3)؛ للمعتبرين.

أحدهما المرسل كالقويّ أو الموثّق أو الصحيح على الاختلاف في أبان المرسِل المجمع على تصحيح رواياته-:رجل اصطاد سمكة، فوجد في جوفها سمكة،فقال:«يؤكلان جميعاً» (4).

و ثانيهما القويّ بالسكوني و النوفلي:عن سمكة شقّ بطنها،فوجد فيها سمكة فقال:«كلهما جميعاً» (5).

خلافاً للحلّي و الفاضل في التحرير،و ولده فخر الدين،و المقداد في التنقيح (6)،فاشترطوا في حلّه أخذه حيّاً؛ عملاً بما مرّ من الأدلّة على أنّ صيد السمك أخذه،و تضعيفاً للخبرين،مع احتمالهما التقييد بذلك.

و المسألة محلّ تردّد و إن كان القول الأوّل لا يخلو عن قرب؛ لاعتبار سند الخبرين،مع عمل جماعة بهما،و احتمال تطبيقهما مع القاعدة بما

ص:371


1- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:678،المفيد في المقنعة:576،النهاية:576،القواعد 2:156.
2- الشرائع 3:217.
3- المسالك 2:238.
4- الكافي 6:14/218،التهذيب 9:26/8،الوسائل 24:86 أبواب الذبائح ب 36 ح 1.
5- الكافي 6:12/218،التهذيب 9:25/8،الوسائل 24:86 أبواب الذبائح ب 36 ح 2.
6- الحلّي في السرائر 3:100،التحرير 2:160،فخر الدين في إيضاح الفوائد 4:144،التنقيح الرائع 4:33.

ذكره جماعة من تحقّق الأخذ في الجملة.و حصوله في حال الحياة و إن كان مشكوكاً فيه إلّا أنّ أصالة بقائها إلى حين إخراجها بناءً على عدم الشك في حلولها في السمكة وقتاً ما كافية في الحكم بحصوله حال حياتها،كذا ذكره جماعة (1).و لا يخلو عن مناقشةٍ؛ لأنّ مرجع وجه التطبيق إلى استصحاب حال الحياة،و هو معارض باستصحاب الحرمة،فتأمّل.

و لو قذفت الحية سمكةً تضطرب فهي حلال إن لم تنسلخ و كان لها فلس مطلقاً أُخذت أم لا،وفاقاً للنهاية (2)؛ لرواية (3)قاصرة السند بالجهالة من وجوه عديدة،مخالفة لقاعدة صيد السمك المتقدّم إليه الإشارة،فلتكن مطرحة أو مؤوّلة بما يؤول إليها بحملها على صورة أخذها حيّة.

و العجب من الفاضل في المختلف حيث اعتبر في صيد السمك أخذها و مع ذلك قال بعد نقل الرواية-:نحن نقول بموجبها (4).

لا يؤكل الطافي و هو الذي يموت في الماء

و لا يؤكل الطافي و هو السمك الذي يموت في الماء بإجماعنا المحكيّ في كلام جماعة (5)،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة و قد تقدّم إلى جملة منها الإشارة،مضافاً إلى المعتبرة الأُخر،و عمومات الكتاب و السنة

ص:372


1- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:237،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:262.
2- النهاية:576.
3- الكافي 6:16/218،الفقيه 3:953/207،التهذيب 9:27/8،الوسائل 24:145 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 15 ح 1.
4- المختلف:678.
5- منهم:الشيخ في الخلاف 6:31،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):618،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:263.

بتحريم الميتة،و قد مرّ عموم الحكم بالتحريم لما مات في الشبكة و الحظيرة و نحوهما من الآلات المعدّة لصيد السمكة.و اختاره الماتن ثمّة (1)و أشار إليه هنا أيضاً فقال: و إن كان في شبكة أو حظيرة و قد مرّ ثمة أنّه لو اختلط الحيّ فيهما بالميّت حلّ مع الاشتباه خاصّةً عند الشيخ في النهاية و القاضي (2)،و مع التميز أيضاً عند العماني (3).و قد ظهر ضعفهما و أنّ الاجتناب مطلقاً أولى و مع ذلك أحوط جدّاً.

و لا يؤكل جلّال السمك و هو المغتذي بالعذرة محضاً حتى نما بها كغيره حتى يُستبرأ بأن يُطْعَم علفاً طاهراً بالفعل أو بالأصالة في الماء الطاهر يوماً و ليلةً على الأظهر الأشهر في كلّ من الحكم بالحرمة، و تقدير المدّة.

خلافاً لمن يأتي ذكره في الأوّل (4)،و للمقنع في الثاني (5)،فجعله يوماً إلى الليل؛ لرواية ضعيفة السند (6)،معارضة بمثلها المقدّر لها بالأوّل:

عن السمك الجلال،فقال:«ينتظر به يوماً و ليلةً» (7).

و الترجيح في جانبه؛ للشهرة،و استصحاب الحرمة السابقة الذي

ص:373


1- راجع ص 351.
2- النهاية:578،القاضي في المهذب 2:438.
3- كما حكاه عنه في المختلف:674.
4- انظر ص 379.
5- المقنع:141.
6- الفقيه 3:993/214،الوسائل 24:168 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ذيل الحديث(6).
7- الكافي 6:9/252،التهذيب 9:48/13،الوسائل 24:167 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 5.

لا مخرج عنه إلّا بالاستبراء في المدّة المتيقّنة،و ليس إلّا ما في العبارة.

و منه يظهر الوجه في اعتبار طهارة العلف بالفعل،كما في ظاهر العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة (1)،و صريح الآخرين (2).و استشكله في القواعد (3)؛ و لعله لذلك،و لأنّ النص خالٍ عن اعتبارها.بل عن اعتبار مطلق العلف حيث عبّر فيه الاستبراء ب«يربط» و«ينتظر» الأعمّ منه و من عدمه،و لهذا احتمل المقدس الأردبيلي في شرح الإرشاد الاكتفاء في الاستبراء بإمساكه عن الجلل و غيره (4).

و فيه نظر؛ لورود الأمر بالربط و الانتظار مورد الأغلب،و هو العلف بشيء غير ما حصل به الجلل،فكان الأمر بهما توجّه إليه.

و كيف كان،فالاستشكال في محلّه و إن كان عدم اعتبار طهارة العلف بالفعل أوْجَه؛ لإطلاق الأمر به في النصّ و إن ضعّفه في المسالك قائلاً:إنّ إطلاق الطاهر يقتضي الطهارة بالفعل (5).

و هو حسن لو وجد لفظة الطاهر في الرواية،و ليست فيها بموجودة.

و لزوم تقدير العلف بالغلبة كما تقدم إليه الإشارة لا يقتضي تقديره طاهراً؛ لكونه أعمّ منه و من النجس حتى الذي كان به جلّالاً،و إنّما خرج هذا عن عمومه للإجماع على خروجه،مع عدم فائدةٍ للأمر بالاستبراء من

ص:374


1- كالشيخ في النهاية:576،و القاضي المهذب 2:438،و الشهيد الأول في اللمعة(الروضة البهية 7):265.
2- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:36،و الشهيد الثاني في المسالك 2:238.
3- القواعد 2:156.
4- مجمع الفائدة و البرهان 11:255.
5- المسالك 2:238.

دونه،بل يتزايد و يتأكّد به حكم جلله.

نعم يمكن أن يقال:المتبادر منه الطاهر بالفعل،بل لعلّه الأغلب، فهو أولى و أحوط.

بيض السمك المحرّم مثله

و بيض السمك المحرّم حرام مثله كما أنّ بيض المحلّل منه حلال،بلا خلاف فيه في الجملة إلّا من الحلّي،فحكم بالحلّ مطلقاً، قائلاً:إنّه لا دليل على المنع عنه بعد الإجماع على كون كلّ ما يؤخذ من جوف السمكة طاهراً لا من كتاب و لا سنّة و لا إجماع (1).و وافقه في المختلف (2)مستدلّاً بعموم أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ [1] (3)و عدم ما ينافيه في الأحاديث المعمول عليها.

و في الأمرين نظر:

فالأوّل:بعدم عموم فيه ينفع محل البحث؛ لانصراف الصيد و الطعام فيه إلى نفس السمك لا ما في جوفه،مع عدم معلوميّة إطلاق الصيد عليه بخصوصه حقيقةً بل و لا مجازاً.فتأمّل جدّاً.

و الثاني:بوجود المنافي من الأحاديث المعمول عليها بين الطائفة و إن كانت بحسب السند قاصرةً،و هو خبران مرويّان في الكافي في كتاب الأطعمة في باب بيض الدجاج.

في أحدهما:«البيض إذا كان ممّا يؤكل لحمه فلا بأس به و بأكله، و هو حلال» (4).

ص:375


1- السرائر 3:113.
2- المختلف:684.
3- المائدة:96.
4- الكافي 6:6/325،التهذيب 9:87/22،الوسائل 24:165 أبواب الأطعمة المحرمة ب 27 ح 7.

و في الثاني:«كلّ شيء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن،أو بيض،أو إنفحة،فكلّ ذلك حلال طيّب» (1)الخبر.

و مفهومهما عدم حلّ بيض ما لا يؤكل لحمه.

و المناقشة فيهما بقصور سندهما و ضعف دلالتهما،فالأوّل:بأعميّة البأس المفهوم فيه من الحرمة.و الثاني:بكون المفهوم فيه مفهوم صفة، فلا يكونان بذلك حجّة.

مدفوعة مجملاً بانجبارها بحذافيرها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة سيّما بين متأخّرين الطائفة.

مع أنّ البأس في الأوّل و إن كان أعمّ من الحرمة إلّا أنّها مرادة بقرينة ظاهر سياق السؤال و الجواب في الرواية،سيّما بعد ضمّ قوله:«و هو حلال» فإنّه جزاء أيضاً،فيكون المفهوم مع عدم الشرط:فيه بأس و ليس بحلال، فهو نصّ في المطلوب جدّاً.

و كون المفهوم في الثاني مفهوم صفة،لعلّه محلّ مناقشة،بل الظاهر كونه مفهوم قيد،و هو عند الكلّ حجّة.

و يعضد ما ذكره الأصحاب من تبعيّة البيض و اللبن للحيوان في الحلّ و الحرمة أنّهما كالجزء منه،و تتبّع النصوص في الموارد الجزئيّة الحاكمة بالتبعيّة،مثل ما ورد في تحريم بيض الغراب و الطاوس،و حلّ بيض الدجاجة،و حرمة لبن الحيوانات الجلّالة،و حلّ لبن الأُتُن،و نحوه ممّا لم يكن بهذه الصفة،إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة.

مضافاً إلى بعض المؤيّدات الأُخر الآتي في بحث حرمة أكل بيض ما لا يؤكل لحمه.فلا شبهة في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

ص:376


1- الكافي 6:7/325،الوسائل 25:81 أبواب الأطعمة المباحة ب 40 ح 2.

و لو اشتبه المحلّل منه بالمحرّم أكل منه الخشن لا الأملس بلا خلاف يظهر إلّا في تخصيص التفصيل بالاشتباه،فقد أطلق كثير (1)حلّ الأوّل و حرمة الثاني من دون تخصيص.و غير بعيد تنزيله عليه،و إلّا فيرد عليهم إطلاق ما دلّ على تبعيّته للحيوان مطلقاً نصّاً و فتوى حتّى منهم جدّاً، مع عدم وضوح مأخذهم في تقييده بما ذكروه هنا أصلاً.

هذا و مستند أصل التفصيل غير واضح عدا الاتّفاق بحسب الظاهر.

قيل:و لعلّه تدلّ عليه التجربة و الرواية (2).و لم أقف عليها،و التجربة للقاصر غير حاصلة.

فإذاً العمدة هو الاتّفاق الظاهر،و لولاه لكان الاحتياط عنه لازماً و لو من باب المقدّمة و إن كان الحلّ محتملاً.

القسم الثاني في البهائم

اشارة

القسم الثاني:في البهائم و اعلم أنّه يجوز أن

يؤكل من الأُنسية النعم و يكره الخيل و الحمير و البغل

يؤكل من الأُنسية الحضرية،منها:

النعم من الإبل و البقر و الغنم،بلا خلاف فيه بين المسلمين كافّةً كما في المسالك و غيره (3).بل لعلّه من ضروريّات الدين كما صرّح به جماعة (4)، و قد نطق به الكتاب و السنة المتواترة.

و يكره الخيل و الحمير و البغل و لا يحرم بلا خلاف يظهر في

ص:377


1- كالمفيد في المقنعة:576،و الديلمي في المراسم:207،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:191.
2- كشف اللثام 2:262.
3- المسالك 2:238؛ و انظر كشف اللثام 2:262.
4- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:158،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:182.

الأوّلين،بل جعل الحكم في الأخيرين في الانتصار و الغنية من متفرّدات الإمامية (1).

و على الأظهر في الثالث،و هو الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في الخلاف الإجماع عليه و على الأوّلين أيضاً (2)،مضافاً إلى الإجماعين المتقدّمين؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى أصالتي البراءة و الإباحة المستفادتين من الأدلّة القطعيّة العقليّة و النقليّة كتاباً و إجماعاً،و سنّةً مستفيضةً بل متواترةً، و ظواهر المستفيضة و منها الصحاح و غيرها،بل صريح بعضها.

كالصحيح:عن سباع الطير و الوحش،و القنافذ و الوطواط و الحمير و البغال و الخيل،فقال:« ليس الحرام إلّا ما حرّم اللّه تعالى في كتابه،و قد نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن أكل لحوم الحمير،و إنّما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوها،و ليست الحمر بحرام» ثم قال:« اقرأ هذه الآية قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ» [1] (3)فتأمّل.

و الخبر:عن لحوم الخيل و البغال،فقال:« حلال،و لكن الناس يَعافونها» (4).

و قريب منهما آخر:« إنّ المسلمين كانوا أجهدوا في خيبر،و أسرع

ص:378


1- الانتصار:193،195،الغنية(الجوامع الفقهية):619.
2- الخلاف 6:80.
3- التهذيب 9:176/42،الإستبصار 4:275/74،الوسائل 24:123 أبواب الأطعمة المحرمة ب 5 ح 6.و الآية في سورة الأنعام:145.
4- الفقيه 3:988/213،التهذيب 9:174/41،الاستبصار 4:271/74،المحاسن:471/473،الوسائل 24:122 أبواب الأطعمة المحرمة ب 5 ح 3.

المسلمون في دوابّهم،فأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بإكفاء القدور،و لم يقل:إنّها حرام،و كان ذلك إبقاءً على الدوابّ» (1).

خلافاً للحلبي فحرّمه (2)؛ للصحيحين في أحدهما:عن أكل الخيل و البغال،فقال:نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عنها،فلا تأكلها إلّا أن تضطرّ إليها» (3).

و في الثاني:عن لحوم البراذين و الخيل و البغال،قال:

« لا تأكلها» (4).

و هما مع تضمّنهما النهي عمّا عدا البغل أيضاً و لا يقول به هو، و لا أحد منّا قاصران عن المكافأة لما مضى من وجوه شتّى، فليطرحا أو يؤوّلا بالحمل على الكراهة أو التقيّة؛ لكون التحريم مذهب فقهاء العامّة كافّةً (5)،كما صرّح به جماعة (6).و ربما أشعر به بعض الروايات السابقة.

و اعلم أنّ في صريح المسالك و ظاهر غيره (7)الاتّفاق على تفاوت

ص:379


1- الكافي 6:11/246،التهذيب 9:172/41،الإستبصار 4:269/73،الوسائل 24:118 أبواب الأطعمة المحرمة ب 4 ح 2.
2- الكافي في الفقه:277.
3- التهذيب 9:168/40،الإستبصار 4:272/74،الوسائل 24:121 أبواب الأطعمة المحرمة ب 5 ح 1.
4- التهذيب 9:175/42،الإستبصار 4:274/74،الوسائل 24:122 أبواب الأطعمة المحرمة ب 5 ح 5.
5- انظر المغني و الشرح الكبير 11:67.
6- منهم:السيد المرتضى في الانتصار:195،و الشيخ في الخلاف 6:81،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 11:162.
7- المسالك 2:238؛ و انظر الكفاية:248.

الثلاثة في مراتب الكراهة و أنّ المشهور أنّ كراهية البغل أشدّ لتركّبه من الفرس و الحمار و هما مكروهان.و عن القاضي و ظاهر الحلّي أنّ كراهية الحمار أشدّ (1)؛ لأنّ المتولد من قويّ الكراهة و ضعيفها أخفّ كراهةً من المتولّد من قويّها خاصّةً.و في التعليلين ما ترى.

و الأوّل أقوى؛ للشهرة المرجّحة،مع وجود القول في البغل بالحرمة الموجب لتأكّد الاحتياط فيه للشبهة،فناسبه تأكّد الكراهة.

يحرم الجلّال من البهائم

و يحرم الجلّال منها على الأصحّ الأشهر بين الطائفة؛ للنهي عنه في النصوص المستفيضة العاميّة و الخاصيّة.

ففي الصحيح:« لا تأكلوا لحوم الجلّالة،و إن أصابك شيء من عرقها فاغسله» (2).

و فيه:« لا تشرب من ألبان الإبل الجلّالة،و إن أصابك شيء من عرقها فاغسله» (3).

و في القريب من الموثق:في الإبل الجلّالة،قال:« لا يؤكل لحمها، و لا تركب أربعين يوماً» (4).

خلافاً للإسكافي،فقال بالكراهة (5).و ربما نسب إلى المبسوط (6).

ص:380


1- حكاه عن القاضي في الروضة 7:269،الحلّي في السرائر 3:98.
2- الكافي 6:1/25،التهذيب 9:188/45،الإستبصار 4:281/76،الوسائل 24:164 أبواب الأطعمة المحرمة ب 27 ح 1.
3- الكافي 6:2/251،التهذيب 9:191/46،الإستبصار 4:284/77،الوسائل 24:164 أبواب الأطعمة المحرمة ب 27 ح 2.
4- الكافي 6:11/253،التهذيب 9:190/46،الإستبصار 4:283/77،الوسائل 24:167 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ح 3.
5- كما نقله عنه في المختلف:676.
6- المبسوط 6:282.

بل قيل (1):إنّ ظاهره الإجماع عليه،حيث قال:إنّه مذهبنا.

أقول:و نحوه الخلاف (2).

لكن في هذه النسبة مناقشة؛ فإنّ قوله بالكراهة في الكتابين و دعواه الإجماع فيهما عليها،إنّما هو بناءً منه على أنّ الجلّالة عنده ما يكون العذرة أكثر غذائها لا غذاءها محضاً،كما سيأتي عنه حكايته قريباً.و به صرّح في الخلاف فقال:الجلّال عبارة عن البهيمة التي تأكل العذرة اليابسة أو الرطبة إلى أن قال-:فإن كان هذا أكثر علفها كره لحمها عندنا،ثم قال:و روى أصحابنا تحريم ذلك إذا كان غذاؤه كلّه من ذلك.

و الكراهة على هذا لا يختصّ به،بل هو مذهب أكثر علمائنا كما صرّح به في المختلف و المسالك و غيرهما (3).و محلّ النزاع الذي نسب إليه القول بالكراهة فيه إنّما هو الجلّالة التي يكون غذاؤها العذرة المحضة لا مطلق الجلّالة،و هو لم يظهر منه القول فيها بالكراهة،بل ظاهره في الخلاف كما عرفت القول فيها بالحرمة مدّعياً عليها في الظاهر إجماع الفرقة بعد أن نسبها إلى رواية الأصحاب كافّةً.

فانحصر القائل بالكراهة في محلّ المشاجرة في الإسكافي خاصّةً.

و هو شاذّ،و حجّته غير واضحة عدا الأصل المخصّص بما مرّ من الأدلّة.

هذا،و ربما حمل كلامه بعض الأجلّة (4)على ما يرجع إلى ما ذكره الجماعة،و عليه فلا خلاف في المسألة و لا إشكال بحمد اللّه سبحانه.

ص:381


1- قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:190.
2- الخلاف 6:85.
3- المختلف:679،المسالك 2:238؛ و انظر الكفاية:249.
4- المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:250.

و اختيار صاحب الكفاية (1)الكراهة ضعيف غايته،كمستنده الذي ذكره من أنّه لا يستفاد من الأخبار أكثر من الرجحان مع ما علم من العمومات الدالّة على الإباحة؛ لابتناء ما ذكره من عدم استفادة الحرمة من النواهي المتقدّمة على ما اختاره من عدم إفادة نواهي الأئمّة عليهم السلام إيّاها إلّا بالقرينة،و هي في المقام مفقودة.و هو فاسد بالضرورة كما برهن في محلّه.

هذا مع أنّ الشهرة على إرادة الحرمة متحقّقة،و هو يجعلها فيها و في أوامرهم عليهم السلام للحرمة أو الوجوب قرينةً.و به صرّح في مواضع عديدة.

و حيث ظهر دلالة النواهي المزبورة على الحرمة إمّا حقيقةً كما نختاره أو مع القرينة كما لزمه،ظهر الجواب عن العمومات الدالّة على الإباحة، لأنّها بتلك النواهي مخصّصة.

و هو أي الجلّال في المشهور بين الأصحاب ما يأكل عذرة الإنسان محضاً للمرسل المنجبر بالعمل:في الشاة:« لا بأس بها إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلّالة،و الجلّالة التي يكون ذلك غذاءها» (2).

و في آخر:في الجلّالات:« لا بأس بأكلهنّ إذا كنّ يخلطن» (3).

خلافاً للمحكيّ عن المبسوط (4)،فلم يعتبر التمحض كما مرّ.و هو شاذّ و إن كان لا بأس به بناءً على ما ذكره من الكراهة.

ص:382


1- الكفاية:249.
2- الكافي 6:5/251،التهذيب 9:194/47،الإستبصار 4:287/78،الوسائل 24:160 أبواب الأطعمة المحرمة ب 24 ح 2؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 6:7/252،التهذيب 9:195/47،الإستبصار 4:288/78،الوسائل 24:164 أبواب الأطعمة المحرمة ب 27 ح 3.
4- المبسوط 6:282.

و للحلبي،فألحق بالعذرة غيرها من النجاسات (1).و هو كالأوّل شاذّ مندفع بما مرّ من الخبر،و وجوب الاقتصار في الحكم بالتحريم على المجمع عليه،و هو ما تمحّض عذرة الإنسان.

ثم إنّ النصوص و الفتاوى المعتبرة خالية عن تعيين المدّة التي يحصل فيها الجلل.و غاية ما يستفاد من المرسلة الأُولى اعتبار كون العذرة غذاءها، و من الثانية أنّ الخلط لا يوجب الجلل.و كلّ منهما بالإضافة إليها مجملة.

و قدّرها بعضهم بأن ينمو ذلك في بدنه و يصير جزءاً (2).و بعضهم بيوم و ليلة (3).و آخرون بأن يظهر النتن في لحمه و جلده،يعني رائحة النجاسة التي اغتذت بها (4).و رابع بأن يسمّى في العرف جلّالاً (5).و هذا أقوى؛ لأنّه المحكّم فيما لم يرد به من الشرع تعيين أصلاً.

و يحلّ الجلّال مع الاستبراء بأن يربط و يطعم العلف الطاهر كما مرّ،إجماعاً فتوًى و نصّاً مستفيضاً. و اتّفقا في أنّ كمّيته و مقداره في الإبل أربعون يوماً،و أمّا فيما عداه ففي كلّ منهما في بيان كمّيته اختلاف،و محصّله المعتمد عليه المشهور سيّما بين المتأخّرين أنّ استبراء الناقة بأربعين يوماً،و البقرة بعشرين،و الشاة بعشرة و البطّة بخمسة أيّام،و الدجاجة بثلاثة أيّام.

بل في ظاهر الخلاف الإجماع عليه،إلّا أنّه ذكر بدل الخمسة في

ص:383


1- الكافي في الفقه:278.
2- التنقيح الرائع 4:36،الشهيد في الروضة 7:290.
3- نقله في التنقيح الرائع 4:36 عن بعض المحقّقين.
4- المسالك 2:238.
5- مجمع الفائدة و البرهان 11:250،كفاية الأحكام:249.

البطة سبعة (1)؛ و هو الحجّة في الجملة.

مضافاً إلى رواية السكوني القويّة في نفسها المنجبرة بعمل الأكثر هنا:

«الدجاجة الجلّالة لا يؤكل لحمها حتى تغتذي ثلاثة أيّام،و البطة الجلّالة خمسة أيّام،و الشاة الجلّالة عشرة أيّام،و البقرة الجلّالة عشرين يوماً، و الناقة أربعين يوماً» (2).

و نحوها بعينها رواية مسمع (3)إلّا أنّه بدّل العشرين في البقرة بالأربعين في نسختي التهذيب و الاستبصار،و بالثلاثين في نسخة الكافي المرويّ عنه الرواية في الكتابين.و الظاهر سهو نسختهما سيّما مع تأيّد نسخة الكافي بروايتين أُخريين ضعيفتين.

في إحداهما:« الإبل الجلّالة إذا أردت نحرها،تحبس البعير أربعين يوماً،و البقرة ثلاثين يوماً،و الشاة عشرة أيّام» (4).

و في الثانية:« الدجاج تحبس ثلاثة أيّام،و البطّة سبعة أيّام،و الشاة أربعة عشر يوماً،و البقرة ثلاثين يوماً،و الإبل أربعين يوماً،ثم تذبح» (5).

و هذه الروايات و إن تعدّدت بالثلاثين في البقرة،إلّا أنّها لا تقاوم الرواية المشهورة المنجبر ضعفها على تقديره بالشهرة و حكاية الإجماع

ص:384


1- لم يرد فيه البطّة،بل ذكر في الشاة عشرة أيام أو سبعة أيام.الخلاف 6:86.
2- الكافي 6:3/251،التهذيب 9:192/46،الإستبصار 4:285/77،الوسائل 24:166 أبواب الأطعمة الحرمة ب 28 ح 1.
3- الكافي 6:12/253،التهذيب 9:189/45،الإستبصار 4:282/77،الوسائل 24:166 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ح 2.
4- الكافي 6:6/252،الوسائل 24:167 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ح 4.
5- الكافي 6:9/252،الوسائل 24:167 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ح 5.

المتقدّمة،و إن تأيّدت هذه الروايات بأصالة بقاء الحرمة إلّا أنّها مخصّصة بتلك الروايات.

هذا مع أنّ أكثر هذه الروايات شاذّة بمعنى أنّها لا يمكن أن تكون مستندةً للقائل بالثلاثين في البقرة،كالصدوق و الإسكافي (1)؛ لمصير الأوّل في الشاة إلى عشرين،و الثاني فيها إلى أربعة عشر،و هي متّفقة على ردّ الأوّل،لاتّفاقها عدا الأخيرة في كمّية الاستبراء فيها على أنّها عشرة،و دلالة الأخيرة على أربعة عشر.و ما عداها متّفقة على ردّ الثاني،معاضدة للرواية المشهورة.

هذا مع أنّ رواية مسمع مرويّة في التهذيب في البقرة عشرين كالرواية المشهورة (2)،كما حكاه خالي العلّامة المجلسي طاب رمسه في بعض حواشيه المنسوبة إليه على الرواية (3).

و ممّا ذكرنا ظهر أكثر الأقوال المختلفة في البقرة.و فيها قول بأربعين عن المبسوط و القاضي (4)؛ و حجّتهما عليه غير واضحة عدا نسختي الكتابين في رواية مسمع المتقدّمة.و هي مع ما هي عليه من وجوه الضعف المتقدّم لا يمكن أن تكون لهما حجّة؛ لمصيرهما في الشاة إلى أنّ مدّة استبرائها سبعة،و الحال أنّ الرواية دلّت على أنّها عشرة كما في نسخة الكافي المعتبرة،أو خمسة كما في نسختي الكتابين.

و بنحو هذا يجاب عن الرواية الأخيرة لو جعلت حجّة لما اختاره

ص:385


1- الصدوق في الفقيه 3:214،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:676.
2- التهذيب 9:189/45.
3- انظر ملاذ الأخيار 14:209.
4- المبسوط 6:282،الموجود في المهذب 2:427 عشرون.

الأوّل في الخلاف في البطة من أنّ مدة استبرائها سبعة؛ لتضمّنها الأربعة عشر في الشاة و الثلاثين في البقرة،و لا يقول بشيء منهما في شيء من كتبه.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ ما عدا الرواية الأُولى شاذّة و لو في الجملة ضعيفة الأسانيد لا جابر لها بالكلّية.بخلاف الرواية الأُولى؛ لاعتبارها في نفسها و وجود القول بجميع ما فيها،و كونه مشهوراً بين أصحابنا شهرةً متحقّقةً و محكيّةً في كلام جماعة (1).مع اعتضاد الحكم في الجميع ما عدا البطة بإجماع الخلاف،و فيما عدا الدجاجة بالإجماع في الغنية (2).فلا مسرح عن العمل بها و لا مندوحة.

فما يظهر من شيخنا الشهيد الثاني و جملة ممّن تبعه (3)من الإضراب عنها و عن كلّ من الأقوال المتقدّمة،و المصير إلى القاعدة و هي اعتبار أكثر الأمرين من هذه المقدّرات و ما به يزول الجلل ليخرج عن حقّ الأدلّة، لا وجه له و إن كان أحوط بلا شبهة،مع أنّه إحداث قول مستأنف لم يوجد به قائل من الطائفة.

و ممّا ذكروه من القاعدة يظهر وجه صحّة ما ذكره هو و جماعة،من اعتبار ما يزول به الجلل عرفاً و عادةً في استبراء الجلّالة التي لم يرد بتقدير مدّة استبرائها نصّ و لا رواية،إلّا أنّه ينبغي تقييده بعدم إمكان استنباط مدّته من مدة الجلّالات المنصوصة بنحو من فحوى الخطاب و الأولويّة.

ص:386


1- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:38،و الشهيد الثاني في الروضة البهية 7:291،و السبزواري في الكفاية:250.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
3- الشهيد الثاني في الروضة 7:292،و تبعه الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:190،و السبزواري في الكفاية:250.
و يحلّ من الوحشيّة البقر و الكباش الجبليّة،و الحمر و الغزلان و اليحامير

و يحلّ من البهيمة الوحشيّة:البقر و الكباش الجبليّة،و الحمر و الغزلان و اليحامير بلا خلاف بين المسلمين،كما في صريح المسالك (1)،و ظاهر غيره من الجماعة (2)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى أصالتي البراءة و الإباحة،و عمومات الكتاب و السنّة،و خصوص ما وقفت عليه في الثالث و الرابع من بعض المعتبرة.

كالموثق عن رجل رمى حمار وحش أو ظبياً فأصابه،ثمّ كان في طلبه إلى أن قال فقال عليه السلام:« إن علم أنّه أصابه و أنّ سهمه هو الذي قتله فليأكل،و إلّا فلا يأكل» (3).

و في الخبر:« نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن لحم الحمر الأهليّة،و ليس بالوحشيّة بأس» (4).

و يستفاد منه عدم الكراهة في الحمر.و لا يبعد؛ للأصل،و اختصاص ما دلّ على النهي عنها بحكم التبادر و تقييدها في كثير ممّا تضمّنه بالأهليّة بها،دون الوحشيّة.لكن في التحرير (5)،و المحكيّ في الدروس عن الحلّي (6)كراهتها،و لم أقف على مستندهما.

نعم،في الدروس (7):في مكاتبة أبي الحسن عليه السلام في لحم حمر

ص:387


1- المسالك 2:239.
2- مجمع الفائدة و البرهان 11:165،مفاتيح الشرائع 2:183،كشف اللثام 2:263.
3- الكافي 6:4/210،التهذيب 9:136/34،الوسائل 23:366 أبواب الصيد ب 18 ح 3.
4- التهذيب 9:177/42،الوسائل 24:124 أبواب الأطعمة المحرمة ب 5 ح 7.
5- التحرير 2:159.
6- السرائر 3:101.
7- الدروس 3:6.

الوحش:« إنّ تركه أفضل» (1).

و لعلّها مراد صاحب الكفاية بقوله:و في بعض الروايات في لحم حمير الوحش تركه أفضل (2).و دلالتها على الكراهة غير واضحة.

يحرم كلّ ما له ناب

و يحرم من البهائم كلّ ما له ناب أي ضرس و ضابطه ما يفترس و يعدو به على الحيوان،قويّاً كان كالأسد و النمر،أو ضعيفاً ك الثعلب و ابن آوى،بلا خلاف،بل عليه إجماع الإمامية في الخلاف و الغنية و غيرهما من كتب الجماعة (3)؛ و هو الحجّة المخصّصة لأصالتي البراءة و الإباحة،و إطلاقات الكتاب و السنّة.

مضافاً إلى النهي النبويّ المشهور عن كلّ ذي ناب من السباع، و مخلب من الطير،المرويّ في المعتبرة.

ففي الصحيح:« إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال:كلّ ذي ناب من السباع، و مخلب من الطير حرام،و قال:لا تأكل من السباع شيئاً» (4).

و فيه:« كلّ ذي ناب من السباع،و مخلب من الطير حرام» (5).

و في الموثّق:« إنّه صلى الله عليه و آله حرّم كلّ ذي مخلب من الطير،و كلّ ذي ناب من الوحش،و السبع كلّه حرام و إن كان سبع لا ناب له» (6).

ص:388


1- الكافي 6:1/313،الوسائل 25:50 أبواب الأطعمة المباحة ب 19 ح 1.
2- الكفاية:248.
3- الخلاف 6:74،الغنية(الجوامع الفقهية):618؛ و انظر الكفاية:248،و المفاتيح 2:182.
4- الكافي 6:3/245،التهذيب 9:162/38،الوسائل 24:114 أبواب الأطعمة المحرمة ب 3 ح 2.
5- الكافي 6:2/244،الفقيه 3:938/205،التهذيب 9:161/38،الوسائل 24:113 أبواب الأطعمة المحرمة ب 3 ح 1.
6- الكافي 6:1/247،التهذيب 9:65/16،الوسائل 24:114 أبواب الأطعمة المحرمة ب 3 ح 3.

و كذا يحرم الأرنب و الضبّ و اليربوع و الوبر و الخز،و الفنك و السمور،و السنجاب و العظاة و اللحكَة و الحشار كلّها كالفأرة و القنفذ و العقرب و الحيّة و الجرذان و الخنافس و الصراصر،و بنات وردان و البراغيث و القمّل بلا خلاف في شيء من ذلك.بل عليه الإجماع في الكتب المتقدّمة؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى أنّ بعضاً منها ما هو منصوص على تحريمه.

و منها:ما يحرم لخبثه كالحشار؛ لآية يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ [1] (1).و منها:ما هو ذو سمّ فيحرم؛ لما فيه من الضرر،و في الموثّق:أنّه كره أكل[كلّ]ذي حُمَة (2).

و منها:ما هو من المسوخات المحرّمة؛ لكثير من المعتبرة،منها الصحيح:عن أكل الضبّ،فقال:« إنّ الضبّ و الفأرة و القردة و الخنازير مسوخ» (3)فتأمّل.

و الموثق:« حرّم اللّه تعالى و رسوله صلى الله عليه و آله المسوخ جميعاً» (4).

و الخبران:في أحدهما:أ يحلّ أكل[لحم]الفيل؟فقال:« لا» فقلت:

لم؟قال:« لأنّه مثلة،و قد حرّم اللّه عزّ و جلّ الأمساخ،و لحم ما مثّل به في

ص:389


1- الأعراف:157.
2- الكافي 6:7/245،التهذيب 9:167/40،الوسائل 24:125 أبواب الأطعمة المحرمة ب 6 ح 1.
3- الكافي 6:5/245،التهذيب 9:163/39،الوسائل 24:104 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 1.
4- الكافي 6:1/247،التهذيب 9:65/16،الوسائل 24:105 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 3.

صورها» (1).

و في الثاني:عن لحم الكلب،فقال:« هو مسخ» قلت:هو حرام؟ قال:« هو نجس» (2)الخبر.

هذا،و أمّا الصحاح الدالّة على حلّ ما لم يحرّمه القرآن على كراهة في بعضها (3)،فهي شاذّة لا عمل عليها مطرحة،أو محمولة على التقيّة فتأمّل أو ما ذكره شيخ الطائفة من حمل التحريم المنفيّ فيها على التحريم المخصوص المغلّظ الشديد الحظر (4)،و هو ما اقتضاه ظاهر القرآن.

القسم الثالث في الطير

اشارة

القسم الثالث:في الطير

الحرام منه ما كان سبعاً

و الحرام منه ما كان سبعاً ذا مخلب أي ظفر يفترس و يعدو به على الطير،قويّاً كان كالبازي و الصقر،و العقاب و الشاهين و الباشق،أو ضعيفاً كالنسر و الرخمة و البغاث،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الكتب المتقدّمة و المبسوط (5)؛ للنهي المتقدّم في تلك المعتبرة.

و في الغراب روايتان أصحّهما الصحيح:عن غراب الأبقع

ص:390


1- الكافي 6:4/245،التهذيب 9:165/39،علل الشرائع:5/485،المحاسن:106/335،الوسائل 24:104 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 2،و ما بين المعقوفين من المصادر.
2- الكافي 6:6/245،التهذيب 9:164/39،الوسائل 24:105 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 4.
3- كصحيحة محمد بن مسلم.انظر الوسائل 24:123 أبواب الأطعمة المحرمة ب 5 ح 6.
4- التهذيب 9:42.
5- الخلاف 6:84،الغنية(الجوامع الفقهية):618،المبسوط 6:281.

و الأسود،أ يحلّ أكله؟فقال:« لا يحلّ أكل شيء من الغربان،زاغ و لا غيره» (1).

و الوجه عند الماتن هنا الكراهية مطلقاً،تبعاً للقاضي و النهاية (2)؛ عملاً بأصالتي البراءة و الإباحة،و جمعاً بين الصحيحة المزبورة و الرواية الثانية،المعتبرة بأبان المشترك،الظاهر كونه الناووسي،الذي اجتمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة،و فضالة:« أكل الغراب ليس بحرام،إنّما الحرام ما حرّمه اللّه في كتابه» (3)بحمل الاُولى على نفي الحلّية المطلقة من دون كراهة.

و اعتمد في هذا الجمع على الموثّقة:« أنّه كره أكل الغراب،لأنّه فاسق» (4)حيث أُطلق عليه لفظ الكراهة.

و المناقشة في الجميع واضحة؛ للزوم الخروج عن الأصلين بالصحيحة المعتضدة بالمعاضدات القويّة التي يأتي إلى ذكرها الإشارة.

و فسادِ الجمع من وجوه عديدة؛ لقصور الرواية عن المقاومة للصحيحة سنداً و متناً،لتضمّنه الحكم بحلّ كلّ ما لم يحرّمه القرآن،الفاسد إجماعاً،فهي شاذّة جدّاً لا معوّل عليها أصلاً،سيّما مع احتمالها الحمل على التقيّة،كما ذكره بعض أصحابنا (5).

ص:391


1- الكافي 6:8/245،الوسائل 24:126 أبواب الأطعمة المحرمة ب 7 ح 3.
2- القاضي في المهذب 2:429،النهاية:577.
3- التهذيب 9:72/18،الإستبصار 4:237/66،الوسائل 24:125 أبواب الأطعمة المحرمة ب 7 ح 1.
4- التهذيب 9:74/19،الإستبصار 4:238/66،الوسائل 24:125 أبواب الأطعمة المحرمة ب 7 ح 2.
5- كالحرّ العاملي في الوسائل 24:125.

و الموثّقة و إن تضمّنت لفظ الكراهة إلّا أنّه أعمّ من المعنى المصطلح عليه الآن و من الحرمة،فهو من الألفاظ المجملة التي يرجع في معرفة معانيها إلى القرينة،و الصحيحة المصرّحة بالحرمة أقوى قرينة،سيّما مع اعتضادها بروايات أُخر هي ما بين صريحة فيها و ظاهرة.

فالأوّل:ما تضمّن السؤال عن الغراب الأبقع،قال:فقال:« إنّه لا يؤكل،و مَن أحلّ لك الأسود؟! » (1).و الثاني:ما تضمّن أنّ النبي صلى الله عليه و آله اتي بغراب فسمّاه فاسقاً،و قال:

« و اللّه ما هو من الطيبات» (2).

و منه ما دلّ على النهي عن أكل بيضه (3)،لما مرّ (4)و ما سيأتي من تبعيّة بيض الحيوان و لبنه للحمه في حرمته أو كراهته.

فإذاً الأقوى القول بالتحريم مطلقاً،كما في المختلف و الإيضاح و الروضة (5)،وفاقاً للمبسوط و الخلاف (6)،مدّعياً عليه في ظاهر الأوّل و صريح الثاني إجماع الإماميّة؛ و هو حجّة أُخرى مستقلّة معتضدة في الجملة بما يظهر من ظاهر التحرير و قريب منه الإرشاد و اللمعة (7)من عدم

ص:392


1- الكافي 6:15/246،التهذيب 9:71/18،الإستبصار 4:235/65،الوسائل 24:126 أبواب الأطعمة المحرمة ب 7 ح 4.
2- عوالي اللئلئ 3:27/468،مستدرك الوسائل 16:176 أبواب الأطعمة المحرمة ب 6 ح 1.
3- الكافي 6:10/252،التهذيب 9:62/16،الوسائل 24:126 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 7 ح 5.
4- في ص 374.
5- المختلف:678،الإيضاح 4:147،الروضة 7:277.
6- المبسوط 6:218،الخلاف 6:85.
7- التحرير 2:160،الإرشاد 2:110،اللمعة(الروضة البهية 7):275.قد استثنى في اللمعة الغُداف أيضاً.

الخلاف في تحريم ما عدا الزاغ.بل يظهر من الأوّلين كون ما عداه بأقسامه من السباع.

و نحوهما الحلّي حيث قال:الغربان على أربعة أضرب،ثلاثة منها لا يجوز أكل لحمها،و هي الغداف الذي يأكل الجيف،و يفرس و يسكن الخرابات،و هو الكبير من الغربان[السود].و كذلك الأغبر الكبير؛ لأنّه يفرس و يصيد الدرّاج،فهو من جملة سباع الطير.و كذلك لا يجوز أكل لحم الأبقع الذي يسمى العقعق طويل الذنب.و أمّا الرابع و هو غراب الزرع،الصغير من الغربان السود الذي يسمّى الزاغ.فإنّ الأظهر من المذهب أنّه يؤكل لحمه على كراهية دون أن يكون لحمه محظوراً.و إلى هذا يذهب شيخنا في نهايته،و إن كان قد ذهب إلى خلافه في مبسوطه، و مسائل خلافه،فإنّه قال بتحريم الجميع.و ذهب في استبصاره إلى تحليل الجميع.و الصحيح ما اخترناه؛ لأنّ التحريم يحتاج إلى دلالة شرعية،لأنّ الأصل في الأشياء الإباحة،و لا إجماع على حظره،و لا أخبار متواترة، و لا كتاب اللّه تعالى (1).

و قريب منه عبارة الفاضل في الكتابين مختاراً في الزاغ ما اختاره من الكراهة.و بها في الغداف خاصّةً أفتى في اللمعة،و نسبها في الزاغ إلى المشهور مشعراً بالتردّد فيه.

و هذا التفصيل بكلا قسميه لا يستقيم له حجّة بعد إطلاق ما مرّ من الروايتين بالحلّ و الحرمة،إلّا على أصل الحلّي الذي لا أصل له من طرحهما جملةً بناءً على أنّهما من الأخبار الآحاد التي ليست عنده بحجّة،

ص:393


1- السرائر 3:103،و ما بين المعقوفين من المصدر.

فتبقى الأُصول الدالّة على الإباحة بحالها باقية،لكن في الزاغ خاصّةً دون غيره،لما مرّ من أنّه بأقسامه الثلاثة من سباع الطير المحرّمة المستثناة منها بالإجماع،و المعتبرة المتقدّمة.

و منه يظهر مزيد الحجّة على مختار الماتن في الجميع،و اللمعة في الغداف (1)من الكراهة؛ لأنّه من السباع المزبورة.

و إنّما حكم الماتن بأنه يتأكّد الكراهة في الأبقع لورود النهي عنه بالخصوص في بعض الروايات المتقدّمة.

و يحرم من الطير ما كان صفيفه أكثر من دفيفه

و يحرم من الطير مطلقاً بريّاً كان أو بحريّاً ما كان صفيفه حال طيرانه و هو أن يطير مبسوطة الجناحين من غير أن يحرّكهما- أكثر من دفيفه بأن يحرّكهما حالته.دون ما انعكس.

و كذا يحرم ما ليس له قانصة و هي للطير بمنزلة المَصارين (2)لغيرها،و يقال لها بالفارسية:سنگدان.

و لا حوصلة بالتشديد و التخفيف،و هي مجمع الحبّ و غيره من المأكول عند الحلق،و يقال لها بها:چينه دان.

و لا صيصية بكسر أوّله و ثالثه مخفّفاً،و هي الشوكة التي في رجله موضع العقب،و أصلها شوكة الحائك التي يسوّى بها السدى و اللحمة، و يقال لها بها:مِهْمِيز.

و يحلّ منه ما يوجد فيه الدفيف أكثر،أو أحد العلامات الثلاثة الأخيرة.

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل عليه الإجماع في صريح

ص:394


1- الروضة البهية 7):275،قال فيها بحلّية الغُداف.
2- المصير كَرَغيف:المعاء،و الجمع مُصران كرُغفان.مجمع البحرين 3:482.

كلام المقدس الأردبيلي (1)،و ظاهر صاحب الكفاية (2)،و ادّعاه أيضاً في الغنية لكن في القانصة و الحوصلة (3)؛ و هو الحجّة مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح:« كُلْ ما دفّ،و لا تأكل ما صفّ» قلت:فطير الماء؟ قال:« ما كانت له قانصة فكل،و ما لم تكن له قانصة فلا تأكل» (4).

و فيه:عن الحُبارى،قال:« إن كانت له قانصة فكل».و عن طير الماء،فقال مثل ذلك (5).

و فيه:الطير ما يؤكل منه؟فقال:« لا يؤكل منه ما لم تكن له قانصة» (6).

و في الموثق:« كُلْ من طير البرّ ما كانت له حوصلة،و من طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام،لا معدة كمعدة الإنسان.و كلّ ما صفّ و هو ذو مخلب فهو حرام.و الصفيف كما يطير البازي و الصقْر و الحِدَأة، و ما أشبه ذلك.و كلّ ما دفّ حلال.و الحوصلة و القانصة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه و كلّ طير مجهول» (7).

و في الخبر القاصر بسهل الذي ضعفه سهل أو ثقة،و عليه فهو موثق كالصحيح بابن بكير،بل عند بعض صحيح:« كُلْ من الطير ما كانت له

ص:395


1- مجمع الفائدة و البرهان 11:177.
2- الكفاية:249.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
4- الكافي 6:3/247،الفقيه 3:936/205،التهذيب 9:63/16،الوسائل 24:152 أبواب الأطعمة المحرمة ب 19 ح 1.
5- التهذيب 9:59/15،الوسائل 24:158 أبواب الأطعمة المحرمة ب 21 ح 3.
6- الكافي 6:2/247،الوسائل 24:149 أبواب الأطعمة المحرمة ب 18 ح 1.
7- الكافي 6:1/247،التهذيب 9:65/16،الوسائل 24:150 أبواب الأطعمة المحرمة ب 18 ح 3.

قانصة،أو صيصية،أو حوصلة» (1).

و في آخر:« كُلْ ما دفّ و لا تأكل ما صفّ» فقلت:إنّي اوتي به مذبوحاً،فقال:« كُلْ ما كانت قانصة» (2).

و ظاهره كغيره اعتبار استدامة الصفيف و الدفيف دون اكثريّتهما كما في صريح الفتاوي.و لعلّ الوجه في تقييدهما بها غلبتها دون الاستدامة جدّاً.

مضافاً إلى المرسل المرويّ في الفقيه المصرّح بها،ففيه:« إن كان الطير يصفّ و يدفّ و كان دفيفه أكثر من صفيفه أُكل،و إن كان صفيفه أكثر من دفيفه فلم يؤكل.و يؤكل من طير الماء ما كانت له قانصة أو صيصية، و لا يؤكل ما ليس له قانصة أو صيصية» (3).

و يستفاد منه كغيره المردّد بين العلامات عدم وجوب اجتماعها في الإباحة،و أنّ في بعضها كفاية.و هو ظاهر العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة (4)،و صرّح به آخرون (5).و يعضده باقي النصوص المتقدّمة من حيث اكتفاء كلّ منها ببعض العلامات في الإباحة.

ثمّ إنّ ظاهر الموثّق و ما بعد خبر ابن بكير و إن اختلفا في الظهور قوّة

ص:396


1- الكافي 6:5/248،التهذيب 9:67/17،الوسائل 24:151 أبواب الأطعمة الحرمة ب 18 ح 5.
2- الكافي 6:6/248،التهذيب 9:64/16،الوسائل 24:151 أبواب الأطعمة المحرمة ب 18 ح 6.
3- الفقيه 3:937/205،الوسائل 24:153 أبواب الأطعمة المحرمة ب 19 ح 4.
4- كالشهيدين في الدروس 3:9،و الروضة 7:279،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:177.
5- كالعلّامة في القواعد 2:156،و السبزواري في الكفاية:249،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:185.

و ضعفاً أنّ العلامات الثلاثة الأخيرة إنّما تعتبر في المجهول طيرانه،و حكاه بعض الأصحاب (1)قولاً،و لم أقف على قائله صريحاً.

نعم،ربما يوهمه كلام شيخنا في المسالك (2)،لكنّه صرّح فيه و في الروضة (3)بأنّ الظاهر تلازم العلامات المزبورة،و أنّه لا محرّم له إحداها و لا محلّل خالٍ عنها.و تبعه في التصريح جملة ممّن تبعه مدّعياً بعضهم (4)إمكان استفادة التلازم بينها من النصوص المزبورة بعد ضمّ بعضها إلى بعض.و لا بدّ من التأمّل.

و اعلم أنّ [المعروف من مذهب الأصحاب على الظاهر المصرّح به في الكفاية حلّ متساوي الصفيف و الدفيف.و لعلّه لعمومات أدلّة الإباحة من الكتاب و السنة،و خصوص ما دلّ على إباحة كلّ ما اجتمع فيه الحلّ و الحرمة.و يحتمل ضعيفاً المنع؛ عملاً باستصحاب الحرمة قبل التذكية] @(في حلّ متساوي الدفيف و الصفيف أم حرمته خلافاً.فبين من قال بالأوّل،كالتحرير و الدروس و الكفاية و غيرهم (5)؛ عملاً بعمومات أدلّة الإباحة من الكتاب و السنّة،و خصوص ما دلّ على إباحة كلّ ما اجتمع فيه الحلّ و الحرمة.و بين من قال بالثاني كالشهيد في اللمعة (6)؛ عملاً باستصحاب الحرمة قبل التذكية المخصص لأدلّة الإباحة،و خصوص ما دلّ على غلبة الحرام على الحلال إذا اجتمعا (7)) (8).@

ص:397


1- كالفيض الكاشاني في المفاتيح 2:186.
2- المسالك 2:240.
3- الروضة 7:279.
4- انظر مجمع الفائدة و البرهان 11:178،و كشف اللثام 2:263.
5- التحرير 2:160،الدروس 3:11،الكفاية:249؛ و انظر كشف اللثام 2:263،القواعد 2:156.
6- اللمعة(الروضة البهية 7):278.
7- راجع ص 353.
8- بدل ما بين القوسين في« ر» و« ح»:المعروف من مذهب الأصحاب على الظاهر المصرّح به في الكفاية(249)حلّ متساوي الصفيف و الدفيف.و لعلّه لعمومات أدلّة الإباحة من الكتاب و السنة،و خصوص ما دلّ على إباحة كلّ ما اجتمع فيه الحلّ و الحرمة.و يحتمل ضعيفاً المنع؛ عملاً باستصحاب الحرمة قبل التذكية.

و فيه نظر،و لعلّ الأوّل أظهر.

هذا إذا لم يوجد فيه شيء من العلامات الأُخر للحلّ أو الحرمة.و مع وجوده يتبع حلّاً و حرمةً إذا كان عن معارضة علامة الضدّ سليمة،و إلّا فيجري فيه الوجهان.و لكنّ الظاهر هنا تغليب جانب الحرمة كما يستفاد من بعض المعتبرة المتقدّمة التي لم نذكر منها ما هو موضع الدلالة في المسألة (1)،لكن لا ثمرة فيها بعد ما عرفت من عدم اجتماع علامتي الحلّ و الحرمة.

و يحرم الخفّاش و يقال له الخشاف و الوطواط أيضاً و الطاوس بلا خلاف؛ لكونهما من المسوخ كما يستفاد من النصوص (2).

مضافاً إلى الخبر في الثاني:« الطاوس لا يحلّ أكله،و لا بيضه» (3).

و في حرمة الخُطّاف تردّد و اختلاف،فبين قائلٍ بها،كالنهاية و القاضي و الحلّي (4)مدّعياً الإجماع عليه؛ له،و للخبر:« أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى عن قتل الستّة:النحلة،و النملة،و الضفدع،و الصرد،و الهدهد، و الخطّاف» (5).

ص:398


1- و هي الموثقة المتقدّمة في ص 394.
2- انظر الوسائل 24:104 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2.
3- الكافي 6:9/245،الوسائل 4:106 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 5.
4- النهاية:577،القاضي في المهذب 2:429،الحلّي في السرائر 3:104.
5- التهذيب 9:78/20،الإستبصار 4:239/66،الوسائل 23:392 أبواب الصيد ب 39 ح 3.

و قائلٍ بعدمها،كالمفيد (1)في ظاهره،و تبعه عامّة متأخّري أصحابنا.

و هو الأقوى؛ لأصالتي الإباحة و البراءة،و عموم ما مرّ من المعتبرة الدالّة على حلّ كل ما دفّ،و الخطاف منه على الظاهر المصرّح به في كلام جمع (2).

و خصوصِ الموثّق:« هو ممّا يؤكل لحمه» (3)و حمله على التعجب كما فعله الشيخ (4)بعيد،سيّما مع تضمّنه بعد أن سئل بعد ذلك عن الوَبْر يؤكل؟:أنّه حرام.

و الخبر المرويّ في المختلف:« خُرء الخُطّاف لا بأس به،و هو ممّا يحلّ أكله،و لكن كره أكله،لأنّه استجار بك» (5).

هذا،و في الصحيح:عن قتل الخُطّاف و إيذائهنّ في الحرم،فقال:

« لا يقتلن،فإنّي كنت مع عليّ بن الحسين عليه السلام فرآني[و أنا]أُوذيهنّ، فقال:يا بنيّ،لا تقتلهنّ و لا تؤذهنّ،فإنّهنّ لا يؤذين شيئاً» (6).

و هو ظاهر في الحلّ؛ للحكم بأنّهنّ لا يؤذين شيئاً،و هو دالّ على طهارة ذرقهنّ،و إلّا لحصل الإيذاء،لعموم البلوى بهنّ،و عدم الانفكاك غالباً عن ذرقهنّ.و هي تدلّ على حلّ أكلهن بناءً على التلازم بينهما على

ص:399


1- المقنعة:577.
2- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:41،و الشهيد الثاني في المسالك 2:241،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:187.
3- التهذيب 9:84/21،الإستبصار 4:240/66،الوسائل 23:394 أبواب الصيد ب 39 ح 6.
4- التهذيب 9:21.
5- المختلف:679،الوسائل 23:393 أبواب الصيد ب 39 ح 5.
6- الكافي 6:3/224،الوسائل 23:391 أبواب الصيد ب 39 ح 1،و ما بين المعقوفين منه الكافي.

الأشهر الأقوى.

و الإجماع لو سلّم هنا فغايته أنّه خبر صحيح،و هو لا يعارض الموثّق و غيره الصريحين المعتضدين بالأُصول،و العمومات،و الشهرة العظيمة بين الأصحاب التي كادت تكون لنا الآن إجماعاً،مضافاً إلى المعاضدات الأُخر.

و الخبر مع ضعف سنده من وجوه غير دالّ؛ إذ غايته النهي عن القتل،و هو غير ملازم لتحريم الأكل بوجه،و إن وجد في صدره ما ربما يتوهّم منه مناسبة له،لكنّه غير واضح.

هذا مضافاً إلى(عدم) (1)إفادة النهي فيه عن القتل حرمته بعد تعلّقه بما لا يحرم قتله إجماعاً،كالهدهد و نحوه،فغايته إفادة المرجوحيّة الشاملة للكراهة.و جعله بالإضافة إلى الخطّاف للتحريم و إلى الهدهد للكراهة غير جائز؛ للزوم استعمال اللفظة الواحدة في استعمال واحد في المجاز و الحقيقة.

و بالجملة:فالقول بالحرمة ضعيف غايته،كالتردّد فيها المستفاد من صريح التحرير،و الماتن هنا و في الشرائع (2) و لكن جعل الكراهة أشبه و وجهها مع ثبوت الإباحة الشبهة الناشئة عن أدلّة الحرمة،سيّما مع حكاية الإجماع فإنّها توجب تأكّدها،كما صرّح به بعض الأجلّة.

تكره الفاختة و القُنبرةَ

و تكره الفاختة و القُنبرةَ بلا خلاف فيهما و في الطيور الآتية؛ للنصوص.

ص:400


1- بدل ما بين القوسين في« ر» و« ح»:التأمّل في.
2- التحرير 2:160،الشرائع 3:221.

منها في الفاختة:« أنّها مشؤومة و إنّما تدعو على أربابها،فتقول:

فقدتكم فقدتكم» (1)و دلالتها على كراهة الأكل،بل القتل غير واضحة.

و منها:« لا تأكلوا القُنْبَرةَ،و لا تسبّوها،و لا تعطوها الصبيان يلعبون بها،فإنّها كثيرة التسبيح،و تسبيحها:لعن اللّه مبغضي آل محمد صلى الله عليه و آله» (2)و نحوه آخر (3).

و حمل النهي فيها على الكراهة للاتفاق عليها،مضافاً إلى قصور سندهما.

و في خبر طويل:« أنّ القنزعة التي على رأس القنبرة من مسحة سليمان بن داود» (4).

و أغلظ منهما كراهية الهدهد،و الصرد،و الصوام،و الشقِرّاق قيل (5):للنهي عنها في النصوص،منها زيادة على الخبر المتقدّم (6)الناهي عن قتل الأوّلين-:الصحيح الناهي عن قتل الأوّل و إيذائه (7)،و الخبر الناهي عن قتل ما عدا الأخير (8)،و الموثّق المكره قتله.

ص:401


1- الكافي 6:3/551،الوسائل 11:528 أبواب أحكام الدواب ب 41 ح 2.
2- الكافي 6:1/225،التهذيب 9:77/19،الوسائل 23:395 أبواب الصيد ب 41 ح 1.
3- الكافي 6:3/225،الوسائل 23:396 أبواب الصيد ب 41 ح 3.
4- الكافي 6:4/225،الوسائل 23:396 أبواب الصيد ب 41 ح 4.
5- المفاتيح 2:187.
6- في ص 397.
7- الكافي 6:2/224،التهذيب 9:75/19،الوسائل 23:394 أبواب الصيد ب 40 ح 1.
8- الكافي 6:3/224،التهذيب 9:76/19،الوسائل 23:395 أبواب الصيد ب 40 ح 3.

و فيه:« و كان النبيّ صلى الله عليه و آله يوماً يمشي،فإذا شَقِرّاق قد انقضّ، و استخرج من خُفّه حيّة» (1).

و في دلالتها على الكراهة مناقشة مضى إلى وجهها قريباً الإشارة.

و على تقدير تسليم الدلالة فغايتها الدلالة على النهي عن أكلها،و قد مرّ مثله في القنبرة صريحاً.فكيف يمكن أن تكون كراهة هذه أغلظ من كراهتها، مع اشتراكهما في موجبها.

و بالجملة:فلم يتّضح للعبد وجه الأغلظيّة أصلاً.اللّهمّ إلّا أن يكون المفضّل عليه كراهة الفاختة خاصّةً لا القُنبرة أيضاً.و وجه التفضيل حينئذ واضح،إلّا أنّ تنزيل العبارة على هذا مشكل.

لو كان أحد المحلّلة جلّالاً حرم

و لو كان أحد الطيور المحلّلة جلّالاً باغتذائها عذرة الإنسان محضاً كما مضى (2) حرم على الأشهر الأقوى.

و قد مرّ الكلام فيه،و في أنّه لا يحلّ حتّى يستبرأ.فالبطّة و ما أشبهها بخمسة أيّام،و الدجاجة بثلاثة أيّام و ليس في المستند للحكم و المقدار فيهما و كثير من الفتاوى إلحاقُ ما أشبههما بهما في مقدار الاستبراء.و هو من دون دليل قياس محرّم عندنا،فينبغي الرجوع في تقديره إلى زوال اسم الجلل عنه عرفاً،فإنّه المحكّم فيما لم يرد لبيانه دليل أصلاً.

و يحرم الزنابير لكونها مسخاً كما في نصّ:« كان لحّاماً يسرق في الميزان» (3).

ص:402


1- التهذيب 9:85/21،الوسائل 23:397 أبواب الصيد ب 43 ح 1.
2- راجع ص 381.
3- الكافي 6:14/246،التهذيب 9:166/39،الوسائل 24:106 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 7.

و الذباب و البقّ و البرغوث لكونها من الخبائث،مع أنّه لا خلاف فيها كما لا خلاف في سابقها.

و يحرم بيض ما لا يؤكل لحمة كما أنّه يحلّ بيض ما يؤكل لحمه بلا خلاف.بل عليه الإجماع ظاهراً و في الغنية صريحاً (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الخبرين المتقدّمين في بيض السمك الدالّين على الكلّية نفياً و إثباتاً (2).

و يعضدهما مضافاً إلى ما مضى ثمّة بعض المعتبرة المنجبر ضعفه برواية ابن أبي عمير عن موجبه و لو بواسطة،فإنّه قد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة:عن الرجل يدخل الأجمة،فيجد فيها بيضاً مختلفاً لا يدري بيض ما هو،أبيض ما يكره من الطير أو يستحبّ،فقال:« إنّ فيه علماً لا يخفى،انظر كلّ بيضة تعرف رأسها من أسفلها فكلها،و ما سوى ذلك فدعه» (3).

و هو ظاهر كما ترى في اعتقاد السائل الكلّية نفياً و إثباتاً،و أنّه اشتبه له حكم بيض المشتبه حاله أمن حلال أو حرام،و قد أقرّه عليه السلام على معتقده و أجابه عمّا اشتبه له.و التقرير حجّة كما قرّر في محلّه.

و يستفاد منه أنّه لو اشتبه حال البيض أمن حلال أو حرام أُكل منه ما اختلف طرفاه،و ترك ما اتّفق و لا خلاف فيه أيضاً.بل عليه الإجماع في الغنية (4)؛ و هو الحجة مضافاً إلى الرواية،و المعتبرة الأُخر

ص:403


1- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
2- في ص 374.
3- الكافي 6:3/249،التهذيب 9:58/15،الوسائل 24:155 أبواب الأطعمة المحرمة ب 20 ح 3.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):618.

المستفيضة.

منها الصحيح:البيض في الآجام،فقال:« ما استوى طرفاه فلا تأكل، و ما اختلف طرفاه فكل» (1).

و الخبر:« إذا دخلت أجمة فوجدت بيضاً فلا تأكل منه إلّا ما اختلف طرفاه» (2).

و في آخر:« كل من البيض ما لم يستو رأساه» الحديث (3).

و إطلاقها أو عمومها سيّما الأخير و إن شمل البيض الغير المشتبه أيضاً،إلّا أنّ ورود أكثرها فيه،مع الإجماع على اختصاص الضابط هنا به، اقتضى حلّ بيض ما يؤكل لحمه مطلقاً و لو استوى طرفاه،و حرمة بيض ما لا يؤكل لحمه كذلك و إن اختلف طرفاه؛ عملاً بعموم ما دلّ على التبعيّة.

هذا مع اعتضاد الحكم بالحلّ في الأوّل مطلقاً بعموم ما دلّ على الإباحة من الكتاب و السنة،و في الحكم فيه في صورة اختلاف الطرفين و الحكم بالحرمة في الثاني في صورة تساويهما باتّفاق نصوص الضابطَين على الحلّ في الأوّل و على الحرمة في الثاني كما لا يخفى.

هذا على تقدير انفكاك الضابطين و إمكان تعارضهما.و أمّا على تقدير التلازم بينهما كما ربما يستفاد من الرواية الأُولى فالإشكال مرتفع أصلا.

ص:404


1- الكافي 6:2/249،الفقيه 3:936/205،التهذيب 9:60/16،الوسائل 24:155 أبواب الأطعمة المحرمة ب 20 ح 4.
2- الكافي 6:1/248،التهذيب 9:57/15،الوسائل 24:154 أبواب الأطعمة المحرمة ب 20 ح 1.
3- الكافي 6:4/249،التهذيب 9:61/16،قرب الإسناد:160/49،الوسائل 24:155 أبواب الأطعمة المحرمة ب 20 ح 5.
مسألتان
اشارة

مسألتان

الأُولى إذا شرب المحلّل لبن الخنزيرة كره

الأُولى:إذا شرب الحيوان المحلّل لحمه لبن الخنزيرة و لم يشتدّ كره لحمه خاصّة كما في ظاهر العبارة و غيرها (1)و لحم نسله أيضاً كما في صريح اللمعة و غيرها (2).

و استحبّ استبراؤه سبعة أيّام بالعلف بنحو من الكسب (3)و النوى إن كان فطيماً،و إلّا فبالرضاع من حيوان محلّل.

و إن اشتدّ بأن زادت قوّته و قوي عظمه و نبت لحمه به حرم لحمه،و لحم نسله و لبنهما،بغير خلاف ظاهر مصرّح به في كتب جمع (4)بحدّ الاستفاضة.بل على التحريم في صورته الإجماع في الغنية (5)؛ و هو الحجة المخصّصة للأُصول المحلّلة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة.

ففي الموثق:عن جدي يرضع من لبن خنزيرة حتّى كبر و شبّ، و اشتدّ عظمه،ثمّ إنّ رجلاً استفحله في غنمه،فخرج له نسل،فقال:« أمّا ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربنّه،و أمّا ما لم تعرفه فكله،فهو بمنزلة الجبن و لا تسأل عنه» (6).

ص:405


1- انظر القواعد 2:157.
2- اللمعة(الروضة البهية 7):293؛ و انظر المفاتيح 2:189.
3- الكُسْب بالضم فالسكون:فضلة دهن السمسم.مجمع البحرين 2:160.
4- انظر الروضة البهية 7:293،و مجمع الفائدة و البرهان 11:259.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
6- الكافي 6:1/249،الفقيه 3:987/212،التهذيب 9:183/44،الاستبصار 4:277/75،قرب الإسناد:330/97،الوسائل 24:161 أبواب الأطعمة المحرمة ب 25 ح 1.

و فيه:في جدي يرضع من خنزيرة،ثمّ ضرب في الغنم،قال:« هو بمنزلة الجبن،فما عرفت أنّه ضربه فلا تأكله،و ما لم تعرفه فكل» (1).

و في المرفوع المقطوع:« لا تأكل من لحم حمل رضع من لبن خنزيرة» (2).

و إطلاقهما و إن شمل صورتي الاشتداد و عدمه،كإطلاق القويّ المعارض لهما،الآمر بالاستبراء الظاهر في تحقّق الحلّ بعده:عن حمل غذي بلبن خنزيرة،فقال:« قيّدوه،و اعلفوه الكسب و النوى و الشعير و الخبز إن كان قد استغنى عن اللبن،و إن لم يكن استغنى عن اللبن فيلقى على ضرع شاة سبعة أيّام،ثمّ يؤكل لحمه» (3).

إلّا أنّهما حملا على الصورة الأُولى،و القويّة على الثانية،جمعاً بين الأدلّة.

و مستند الجمع غير واضح عدا الإجماع الظاهر،و هو كافٍ،مع احتمال تطبيقه مع الأُصول بأن يقال:الأصل عدم الحرمة مطلقاً إلّا ما دلّ عليه النصّ المعتبر،و ليس هنا إلّا الموثّقان.و موردهما صريحاً في الأوّل و ظاهراً في الثاني للتعبير فيه ب« يرضع» بصيغة المضارع المفيد للتجدّد

ص:406


1- الكافي 6:2/250،التهذيب 9:184/44،الإستبصار 4:278/75،الوسائل 24:162 أبواب الأطعمة المحرمة ب 25 ح 2.
2- الكافي 6:3/250،الفقيه 3:985/212،التهذيب 9:185/44،الإستبصار 4:279/76،الوسائل 24:162 أبواب الأطعمة المحرمة ب 25 ح 3.
3- الكافي 6:5/250،التهذيب 9:186/44،الإستبصار 4:280/76،الوسائل 24:162 أبواب الأطعمة المحرمة ب 25 ح 4.

و الاستمرار المستلزم للاشتداد غالباً الصورة الأُولى خاصّة،و يرجع في غيرها إلى أصالة الإباحة.

و لا يعارضها إطلاق المرفوعة،كما لا يعارض الموثّقين إطلاق القويّة،لقصور سندهما،فلتطرحا،أو تُحمل الاُولى على الصورة الأُولى خاصّةً،أو تبقى على الإطلاق و تحمل على مجرّد المرجوحية،و الثانية على الصورة الثانية من باب المسامحة في أدلّة الاستحباب و الكراهة،سيّما مع الاعتضاد باتّفاق الطائفة.

الثانية لو شرب خمراً لم يحرم بل يغسل و لا يؤكل ما في جوفه

الثانية: لو شرب الحيوان المزبور خمراً لم يحرم لحمه إجماعاً بل يغسل وجوباً و لا يؤكل ما في جوفه مطلقاً و لو غسل، بلا خلاف إلّا من الحلّي،فجوّز أكله مع الكراهة (1)،و مال إليه في المسالك (2)،و صرّح به في الكفاية (3)؛ عملاً بأصالة الإباحة السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا الرواية القاصرة السند الضعيفة الدلالة:عن شاة شربت خمراً حتى سكرت،ثمّ ذبحت على تلك الحال،قال:« لا يؤكل ما في بطنها» (4).

فإنّ في سندها أبا جميلة الضعيف بالاتّفاق،و لم تدلّ إلّا على حرمة أكل ما في الجوف دون وجوب غسل اللحم.مع أنّها واردة في خصوص الشاة،و مع ذلك فلم تدلّ على حرمة ما في جوفها مطلقاً،بل إذا شربت حتى سكرت و ذبحت حالة السكر،فهي أخصّ من المدّعى من وجوه.

ص:407


1- السرائر 3:97.
2- المسالك 2:239.
3- الكفاية:250.
4- الكافي 6:4/251،التهذيب 9:181/43،الوسائل 24:160 أبواب الأطعمة المحرمة ب 24 ح 1.

و في الجميع نظر؛ لانجبار ضعف السند بالعمل،و برواية ابن فضال عن موجبه،و قد حكى الكشّي عن بعض دعوى إجماع العصابة على تصحيح أحاديثه (1).و لعلّه لذا عدّ الرواية من الموثّق في الدروس و المختلف (2).

و أمّا أخصّية الدلالة بالنظر إلى اختصاصها بالشاة و حرمة أكل ما في جوفها خاصّةً فمندفعة بعدم القائل بالفرق بين الطائفة،مع أنّ الحلّي صرّح بوجود رواية دالّة على المطلوب بتمامه،قال:و قد روي أنّه إذا شرب شيء من هذه الأجناس خمراً،ثمّ ذبح،جاز أكل لحمه بعد أن يغسل بالماء، و لا يجوز أكل شيء ممّا في بطنه و لا استعماله.و الأولى حمل الرواية على الكراهة،إلى آخر ما ذكره (3).

و هذه الرواية لو لم نقل بكونها حجّة أُخرى مستقلّة فلا أقلّ من كونها معاضدة للرواية السابقة.

و أمّا دعوى أخصّيتها بالإضافة إلى دلالتها على حرمة ما في الجوف مع الذبح حين السكر خاصّةً،فممنوعة إلّا إذا ثبت فتاوى الفقهاء بالعموم للمذبوح حينه و غيره،و هو غير واضح بعد استناد أكثرها إلى الرواية، و تعليل الحكم في جملة منها بما يختصّ بموردها.مع وقوع التصريح في بعضها باختصاص الحكم به.و لعلّه المراد من إطلاق بعضها كالعبارة و نحوها ممّا لم يوجد فيها شيء من ذلك.

و على تقدير عدم اتّفاق الفتاوى على ذلك فاتفاقها على العموم غير

ص:408


1- رجال الكشي 2:831.
2- الدروس 3:7،المختلف:677.
3- السرائر 3:97.

معلوم،بل العدم معلوم،و لا إجماع يوجب العموم.فالقول بالتخصيص متعيّن،و عليه فيكون الرواية وافية بتمام المدّعى.

نعم إنّما تكون أخصّ منه على القول بعمومه،و ليس فيه حجّة على من يخصّصها.فلا شبهة في المسألة أصلاً سيّما مع دعوى ابن زهرة على تحريم ما في الجوف مطلقاً،إجماع الإماميّة (1).

و لو شرب بولاً نجساً لم يحرم شيء منه إجماعاً و لكن وجب غسل ما في جوفه بلا خلاف حتى من الحلّي حيث نسب الحكم إلى الرواية ساكتاً عليها (2).و لذا ذكر جماعة (3)أنّه لا رادّ لها؛ فهي حجّة و إن كانت مرسلةً:في شاة شربت بولاً ثمّ ذبحت،قال:فقال:« يغسل ما في جوفها،ثمّ لا بأس به،و كذلك إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلّالة» الخبر (4).

و اعلم أنّ الفارق بين البول و الخمر هو النصّ،لا ما يقال من أنّ الخمر لطيف تشربه الأمعاء فلا تطهر بالغسل و تحرم،بخلاف البول فإنّه لا يصلح للغذاء و لا يقبله الطبيعة.

فإنّه يضعّف بأنّ غسل اللحم إن كان لنفوذ الخمر فيه كما هو الظاهر لم يتمّ الفرق بينه و بين ما في الجوف،و إن لم يصل إليه لم يجب تطهيره.

مع أنّ ظاهر الحكم غسل ظاهر اللحم الملاصق للجلد و باطنه المجاور

ص:409


1- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
2- السرائر 3:97.
3- منهم:الشهيد الثاني في الروضة البهية 7:299،و السبزواري في الكفاية:250.
4- الكافي 6:5/251،التهذيب 9:194/47،الإستبصار 4:287/78،الوسائل 24:160 أبواب الأطعمة المحرمة ب 24 ح 2.

للأمعاء،و الرواية خالية عن غسل اللحم،فتأمّل.

القسم الرابع في الجامد و هو خمسة

اشارة

القسم الرابع:في الجامد و هو خمسة

الأوّل الميتات

الأوّل: الميتات من الحيوان،أي الخارج روحها بغير التذكية الشرعية،سواء ما لا تقع عليه الذكاة في الشرع،أو ما تقع و لم تقع.

و الكتاب و السنة المتواترة ناطقان بحرمتها،مضافاً إلى الإجماع عليها، و قد صدر الآية الكريمة بتحريمها.

و في حكمها أجزاؤها التي تحلّها الحياة بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية (1)؛ و هو الحجّة مضافاً إلى النصوص المستفيضة:

منها:« إنّ في كتاب عليّ عليه السلام أنّ ما قطع منها ميّت،لا ينتفع به» (2).

و منها:« في أليات الضأن تقطع و هي أحياء أنّها ميتة» (3).

و منها:إنّ أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها،فقال:

« حرام هي» فقلت:جعلت فداك،فنصطبح بها؟فقال:« أما علمت أنّه يصيب اليد و الثوب و هو حرام؟! » (4).

ص:410


1- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
2- الكافي 6:1/254،الفقيه 3:967/209،التهذيب 9:330/78،الوسائل 24:71 أبواب الذبائح ب 30 ح 1.
3- الكافي 6:2/255،الوسائل 24:72 أبواب الذبائح ب 30 ح 3.
4- الكافي 6:3/255،التهذيب 9:329/77،الوسائل 24:71 أبواب الذبائح ب 30 ح 2.

و ربما يستشعر منه أنّ مطلق الانتفاع بها محرّم كما هو المشهور بين الأصحاب،بغير خلاف يعرف بينهم إلّا من الشيخ في النهاية (1)،و تبعه جماعة (2)،فجوّزوا الاستقاء بجلود الميتة لغير الوضوء و الصلاة و الشرب و إن كانت نجسة.و نحوهم الصدوق في المقنع حيث جوّز الاستقاء بجلد الخنزير (3).

و لعلّهما شاذّان كما يستفاد من الروضة (4)،حيث صرف الإجماع المحكيّ في متنها على حرمة الميتة،إلى كلّ من أكلها و استعمالها مطلقاً.

و مع هذا محجوجان بما مرّ،مضافاً إلى عموم الرواية الأُولى و غيرها، كالصحيح:الميتة ينتفع منها بشيء؟قال:« لا» (5)الخبر.

و الخبرين:في أحدهما:عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيّاً، فكتب:« لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب» (6)الخبر.

و في الثاني المرويّ عن كتاب عليّ بن جعفر:عن الماشية تكون لرجل فيموت بعضها،أ يصلح له بيع جلودها و دباغها و يلبسها؟قال:

«لا» (7)الخبر.

ص:411


1- النهاية:587.
2- منهم:الحلّي في السرائر 3:115،و المحقق في الشرائع 3:227،و العلّامة في القواعد 2:159.
3- المقنع:141.
4- الروضة 7:301.
5- الكافي 6:7/259،الوسائل 24:184 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 1.
6- الكافي 6:6/258،التهذيب 9:323/76،الإستبصار 4:341/89،الوسائل 24:181 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 7.
7- مسائل علي بن جعفر:151/139،الوسائل 24:186 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 6.

و قريب منهما:الموثقان،في أحدهما:عن أكل الجبن و تقليد السيف و فيه الكيمخت و الغرا،فقال:«لا بأس ما لم يعلم أنّه ميتة» (1)فتدبر.

و في الثاني:عن جلود السباع،أ ينتفع بها؟قال:« إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده،و أمّا الميتة فلا» (2).

و ما ورد (3)بخلافها بعد تسليم سنده شاذّ أو محمول على التقيّة.

و أمّا الاستدلال للمختار من حرمة مطلق الانتفاع به بالآية الكريمة الدالّة على حرمة الميتة،بناءً على أنّه أقرب المجازات إلى الحقيقة المتعذّرة إرادتها من إضافة التحريم إلى العين،فمحلّ مناقشة بناءً على أنّ المتبادر من مثله الأكل،كما أنّ المتبادر من تحريم الأُمّهات النكاح.نعم،هي صالحة للتأييد،فيترجّح المتأيّد بها على ما قابلة.

و يحلّ منها ما لا تحلّه الحياة إذا كان (4)طاهراً في حال الحياة دون ما كان نجساً،كالمنفصل من الكلب و نحوه.

و هو عشرة أشياء متّفق عليها بيننا في الظاهر المصرّح به في الروضة و غيرها (5).

و هي: الصوف،و الشعر،و الوبر،و الريش بشرط الجزّ،أو غسل موضع الاتّصال و القرن،و العظم،و السنّ،و الظلف و هذه مستثناة من جهة الاستعمال،أمّا الأكل فالظاهر جواز ما لا يضرّ منها بالبدن؛ للأصل

ص:412


1- التهذيب 9:331/78،الإستبصار 4:342/90،الوسائل 24:185 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 5.
2- التهذيب 9:339/79،الوسائل 34:185 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 4.
3- الفقيه 1:15/9،الوسائل 3:463 أبواب النجاسات ب 34 ح 5.
4- في المختصر المطبوع:إذا كان الحيوان طاهراً..
5- الروضة 7:301؛ و انظر المسالك 2:242.

و العمومات السليمة عن المعارض.

و يمكن دلالة إطلاق العبارة و نحوها من عبائر الجماعة (1)، و النصوص الآتية عليه سيّما مع قولهم: و البيض إذا اكتسى القشر الأعلى الصلب،و إلّا كان بحكمها.

و الإنفحة بكسر الهمزة و فتح الفاء و الحاء المهملة،و قد تكسر الفاء.قال في الصحاح:هي كَرِش الحمل أو الجدي ما لم يأكل،فإذا أكل فهي كَرِش (2).و قريب منه في الصراح و الجمهرة (3).

و في القاموس:هي شيء يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفر، فيعصر في صوفة فيغلظ كالجبن،فإذا أكل الجدي فهو كرش (4).

و في الخبر:عن الجبن،فقال عليه السلام:« لا بأس به» فقال:إنّه ربما جعلت فيه إنفحة الميتة،قال عليه السلام:« ليس بها بأس،إنّ الإنفحة ليست لها عروق،و لا فيها دم،و لا لها عظم،إنما تخرج من بين فرث و دم» إلى أن قال:« و الإنفحة مثل البيضة» (5).

و فيه موافقة لما في القاموس.

و كيف كان فالشكّ حاصل في كون الإنفحة المستثناة هل هي اللبن المستحيل أم الكرش بسبب الاختلاف المتقدّم.و المتيقن منه ما في داخله؛

ص:413


1- انظر التبصرة:167،و النهاية:585،و اللمعة(الروضة البهية 7):302.
2- الصحاح 1:413.
3- صراح اللغة لأبي الفضل محمد بن عمر بن الخالد القرشي المشتهر بجمالي،و هو ترجمة الصحاح بالفارسية،فرغ منها سنة 681.اُنظر كشف الظنون 2:1077،و جمهرة اللغة 1:556.
4- القاموس 1:262.
5- الكافي 6:1/256،الوسائل 24:179 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 1.

لأنّه متفق عليه.و به صرح في الروضة (1).

و الأصل في استثناء هذه العشرة بعد الإجماع المتقدّم إليه الإشارة، و الرواية السابقة المنجبر قصور سندها كبعض الروايات الآتية بعمل الطائفة المعتبرة المستفيضة:

ففي الصحيح:« اللبن و اللِّباء،و البيضة،و الشعر،و الصوف،و القرن، و الناب،و الحافر،و كلّ شيء ينفصل من الشاة[و الدابة]فهو ذكيّ،و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله،و صلّ فيه» (2).

و فيه:عن الإنفحة تخرج من الجدي الميّت،قال:« لا بأس به» قلت:اللبن يكون في ضرع الشاة فقد ماتت؟قال:« كلّ هذا لا بأس به» (3).

و فيه:« لا بأس [ به قلت اللبن يكون في ضرع الشاة فقد ماتت قال لا بأس به قلت فالصوف و الشعر و عظام الفيل و البيضة تخرج من الدجاجة فقال كل هذا لا بأس به و فيه لا بأس] بالصلاة فيما كان من صوف الميتة،إنّ الصوف ليس فيه روح» (4).

و يستفاد من التعليل فيه،و في الرواية السابقة عموم الحكم بنفي البأس لجميع العشرة و إن اختصّا ببعضها.فإنّ العبرة بعموم اللفظة دون خصوص المورد كما برهن في محله.

و في الخبر:عن اللبن من الميتة،و البيض من الميتة،و إنفحة الميتة، فقال:« كلّ هذا ذكيّ» (5).

ص:414


1- الروضة 7:305.
2- الكافي 6:4/258،التهذيب 9:321/75،الوسائل 24:180 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 3،و ما بين المعقوفين من المصادر.
3- الفقيه 3:1006/216،التهذيب 9:324/76،الإستبصار 4:339/89،الوسائل 24:182 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 10.
4- التهذيب 2:1530/368،الوسائل 4:457 أبواب لباس المصلي ب 56 ح 1.
5- الكافي 6:3/258،التهذيب 9:320/75،الوسائل 24:180 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 4.

و في آخر:« الشعر،و الصوف،و الوبر،و الريش،و كلّ نابت لا يكون ميّتاً» قال:و سألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة،قال:

« تأكلها» (1).

و إطلاقها في البيضة و إن شمل صورتي اكتسائها بالقشر الأعلى و عدمه إلّا أنّه مقيّد بالصورة الأُولى خاصّةً بغير خلاف أجده؛ للاعتبار،و بعض النصوص المنجبر قصوره أو ضعفه سنداً و مكافأة له بالشهرة:في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة،فقال:« إن كانت البيضة اكتست الجلد الغليظ فلا بأس بها» (2).

و في إلحاق اللبن بهذه العشرة روايتان أصحّهما ذلك، و قد مرّ إليه الإشارة،فهي مع ذلك متعدّدة مستفيضة،أكثرها صحيح، و باقيها و إن قصر سنده بالجهالة إلّا أنّه مجبور برواية ابن فضال عن ابن بكير عن موجبها (3)،و قد اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهما، و بالشهرة العظيمة بين قدماء أصحابنا،بل مطلقاً كما يظهر من صريح اللمعة (4)،و ظاهر الدروس حيث نسب الرواية الثانية إلى الندرة (5)،و هو ظاهر في الشهرة المطلقة،بل لعلّه ظاهر في دعوى الإجماع عليه،و به

ص:415


1- الكافي 6:/258ذيل الحديث 3،الوسائل 24:181 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 8.
2- الكافي 6:5/258،التهذيب 9:322/76،الوسائل 24:181 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 6.
3- تقدّم مصدرها في الهامش(4)من الصفحة السابقة.
4- اللمعة(الروضة البهية 7):306.
5- الدروس 3:15.

صرّح في الخلاف (1)،و ربما يظهر من الغنية (2)،بل حكى عنه صريحاً (3)؛ و هو حجّة أُخرى في المسألة.

و الأشبه عند الماتن هنا و في الشرائع،و الفاضل في جملة من كتبه،و الفاضل المقداد في التنقيح،و الصيمري في شرح الشرائع (4) التحريم وفاقاً للديلمي و الحلّي (5)نافياً للخلاف فيه بين المحصّلين؛ لملاقاته الميتة بالرطوبة،و للخبر:« ذلك الحرام محضاً» (6).

و الأول مع أنّه اجتهاد في مقابلة النص كلّية كبراه في حيّز المنع؛ إذ لا دليل عليها لا من الكتاب و لا من السنة و لا الإجماع،لمصير الأكثر إلى الخلاف،بل لا يكاد يوجد مخالف فيه من القدماء قبل الحلّي (7)،كما يظهر من تتبّع الأقوال في كتب الاستدلال.

و منه يظهر وجه القدح في نفيه الخلاف عمّا ذهب إليه بعض المحصّلين،كيف لا؟!و لم نر من معظمهم و أساطينهم كالشيخين، و الكليني،و الصدوق،و بني حمزة و زهرة و البرّاج (8)الفتوى إلّا على

ص:416


1- الخلاف 1:519.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):619.
3- حكاه عنه في الذخيرة:148.
4- الشرائع 3:223،الفاضل في القواعد 3:157،و المختلف:683،التنقيح 4:45،غاية المرام 4:62.
5- الديلمي في المراسم:211،الحلّي في السرائر 3:112.
6- التهذيب 9:325/76،الاستبصار 4:340/89،قرب الإسناد:474/135،الوسائل 24:183 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 11.
7- في« ر» و« ح» زيادة:عدا نادر(و هو سلّار في المراسم:211).
8- المفيد في المقنعة:583،الطوسي في النهاية:585،الكليني في الكافي 6:258،الصدوق في الفقيه 3:216،ابن حمزة في الوسيلة:362،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):619،ابن البراج في المهذِّب 2:441.

التحليل.فأين المحصّلون الذين نفى الخلاف بينهم؟و على تقدير وجود غير هؤلاء منهم فليسوا أعلى درجة منهم،فكيف ينفيه بين جمعيهم مع أنّهم من جملتهم لو لم نقل بكونهم أعظمهم و أساطينهم الذين تأسّس بهم أساس الدين،و لولاهم لاندرس آثار دين خير المرسلين.

و بالجملة:لا ريب في فساد دعواه كمختاره؛ لعدم ثبوته إلّا بثبوت ما مرّ من كلّية الكبرى،و قد عرفت أنّه لا دليل عليها.و قصارى ما يتخيّل في تصحيحها دعوى التتبّع و الاستقراء للموارد الجزئيّة المحكوم فيها بنجاستها بملاقاتها للنجاسة،فإنّ بها يحصل الظنّ القويّ بانسحاب حكمها في المسألة.

و المناقشة في هذا الخيال واضحة؛ إذ بعد تسليم حصول الظنّ المعتمد عليه فيها لا بدّ من تخصيصه بما قدّمناه من النصوص المعتبرة في نفسها،المعتضدة بالشهرة العظيمة المحقّقة بين القدماء،و المحكيّة مطلقاً، و حكاية الإجماع المتقدّمة،لحصول الظنّ القويّ منها أقوى من تلك المظنّة الحاصلة من دعوى الاستقراء المزبورة،سيّما مع تأيّده و ارتفاع الاستبعاد الذي هو الأصل في القول بالحرمة في الحقيقة و إن تشبّث قائلوها في الظاهر بما مرّ من الأدلّة الضعيفة غايته بملاحظة تخصيص تلك الكلّية في موارد كثيرة،كالإنفحة المعدودة من تلك العشرة،بناءً على كون الكرش ممّا تحلّه الحياة،كما صرّح به في الروضة (1).فإنّها إمّا هو أو ما كان داخله،على اختلاف التفسيرين المتقدّم إليهما الإشارة.فهي إمّا ميتة مستثناة أو مائع جاورها،كماء الاستنجاء و الغسالة مطلقاً أو في الجملة على بعض

ص:417


1- الروضة 7:304.

الأقوال،و نحو ذلك من الموارد.

و الثاني ضعيف سنداً،بل قيل:و دلالة (1).و راويه و هو وهب بن وهب من أكذب البريّة،كما صرّح به جملة من الأجلّة (2).و مع ذلك محتمل للتقيّة،بل حمله عليها جماعة،و منهم شيخ الطائفة (3)الذي هو أعرف بمذاهب جميع العامّة.فلا مسرح عن القول المشهور و لا مندوحة.

و أمّا ما ربما يناقش به بعض متأخّري متأخّري الطائفة (4)في الروايات السابقة الدالّة عليه سنداً في بعض و دلالةً في آخر بل في الجميع،فهو ممّا لا ينبغي العروج عليه؛ لانجبار الأوّل على تقديره مع أنّه فاسد بالبديهة بل و اعترف هو به في الجملة بالشهرة العظيمة المتحقّقة و المحكيّة في كلام جماعة،و منهم شيخنا في المسالك،حيث نسب القول بالحلّ إلى أكثر المتقدّمين و جماعة من المتأخّرين (5).بل منجبر باتّفاق الكلّ،لتضمّنها ما أجمعوا عليه من الحكم بالحلّ في تلك العشرة المتقدّمة.

و الثاني بها أيضاً،مضافاً إلى أنّ اللفظ الدالّ فيها على الحكم في المتّفق عليه و هو العشرة هو بعينه الدالّ على الحكم في المسألة.

فعدم المناقشة في الدلالة بالإضافة إلى تلك العشرة دون المسألة لعلّه غفلة واضحة،و لذا إنّ القائلين بالتحريم من المتأخّرين لم يشيروا إلى ما ذكره من الأجوبة،و إنّما أجابوا عنها بغير ما ذكره.

و من جملته ما ذكره في المختلف من حمل الميتة في الروايات على

ص:418


1- كما في المفاتيح 1:68.
2- انظر رجال الكشي 2:597،و رجال النجاشي:430.
3- التهذيب 9:77،و انظر الدورس 3:15،و الذخيرة:148.
4- المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:224 226.
5- المسالك 2:242.

ما قارب الموت مجازاً مشارفة (1).

و هو أيضاً في غاية من الغرابة؛ لعين ما مرّ من الأجوبة عمّا ذكره الفاضل المتقدّم،مضافاً إلى أنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة.

و ما ذكره للحرمة من الدليلين المتقدّم إليهما الإشارة قد عرفت أنّه لا يصلح للحجّية،فكيف يصلح قرينة لصرف تلك الأدلّة القويّة إلى خلاف الحقيقة؟!

الثاني ما يحرم من الذبيحة

الثاني: ما يحرم من الذبيحة.و هو قسمان:مجمع عليه، و مختلف فيه.

فالأوّل: خمسة:القضيب و هو الذكر و الأُنثيان و هما البيضتان و الطحال و هو مجمع الدم الفاسد و الفرث و هو الروث في جوفها و الدم و بالإجماع عليه صرّح جمع،و منهم:الفاضل المقداد في التنقيح، و السيدان في الانتصار و الغنية (2)،لكنّهما حكياه فيما عدا الفرث،و هو ظاهر المحكي عن الخلاف في الجميع (3)،و نفى عنه الخلاف كثير من متأخّري الأصحاب (4)؛ و هو الحجّة المعتضدة بالنصوص الآتية.

و لم يقدح فيها عدم تعرّض المفيد و الديلمي لذكر الأخيرين (5)؛ لمعلومية نسبهما،مع احتمال كون الوجه في عدم تعرّضهما لهما إمّا بعد احتمال أكلهما بخلاف الثلاثة الباقية،أو كون حرمتهما من الضروريات،

ص:419


1- المختلف:683.
2- التنقيح 4:46،الانتصار:197،الغنية(الجوامع الفقهية):618.
3- الخلاف 6:29.
4- منهم:السبزواري في الكفاية:251،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:193،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:266.
5- المفيد في المقنعة:582،الديلمي في المراسم:210.

لاستخباثهما و تعاضد الكتاب و السنة بحرمة الثاني منهما،مضافاً إلى استلزام حرمة الطحال المذكورة في كلامهما المستفادة من الصحاح و غيرها من المعتبرة حرمته بالأولويّة،لتعليل حرمته في بعض تلك النصوص بكونه دماً في الحقيقة.

و بالجملة لا شبهة في حرمة هذه الخمسة.

و في حرمة المثانة بفتح الميم مجمع البول و المرارة بفتح الميم التي تجمع المرة الصفراء بكسرها،معلّقة مع الكبد،و المشيمة بفتح الميم بيت الولد،و تسمّى الغرس بكسر الغين المعجمة تردّد ينشأ من أصالتي البراءة و الإباحة،و عمومات الكتاب و السنة بحلّ ما ذكر اسم اللّه عليه سبحانه،مع ضعف النصوص الدالة عليها.

منها:« لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء:الفرث،و الدم،و الطحال، و النخاع،و العلباء،و الغدد،و القضيب،و الأُنثيان،و الحياء،و المرارة» (1).

و منها:« حرم من الشاة سبعة أشياء:الدم،و الخصيتان،و القضيب، و المثانة،و الغدد،و الطحال،و المرارة» (2).

و منها:« لا يؤكل ممّا يكون في الإبل و البقر و الغنم و غير ذلك ممّا لحمه حلال:الفرج بما فيه ظاهره و باطنه،و القضيب،و البيضتان، و المشيمة و هي موضع الولد،و الطحال لأنّه دم،و الغدد مع العروق،و المخّ الذي يكون في الصلب،و المرارة،و الحدق،و الخرزة التي تكون في

ص:420


1- الكافي 6:3/254،التهذيب 9:316/74،الخصال:18/433،الوسائل 24:172 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 4.
2- الكافي 6:1/253،التهذيب 9:314/74،المحاسن:463/471،الوسائل 24:171 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 1.

الدماغ،و الدم» (1).

هذا مع عدم ذكر جميع هذه الثلاثة في كلّ من هذه النصوص و الاكتفاء في كلّ منها بذكر بعضها.مع تعارض الأوّلين في المثانة؛ لدلالة الأوّل على الحلّ بالمفهوم،و الثاني على حرمته بالمنطوق.و تعارضهما مع الثالث في المشيمة؛ لتصريحه بحرمتها مع دلالتهما على حلّها بالمفهوم.

و من دعوى السيدين في الكتابين إجماع الإماميّة على حرمة ما عدا المرارة من الثلاثة (2)،و هو ظاهر الخلاف في المثانة (3).فإذا ثبت بإجماعهم الحكم بالحرمة فيما عدا المرارة ثبت الحكم بها فيها بالقطع باستخباثها.مع احتمال الإجماع المركّب؛ لاتّفاق كلّ من حرم ما عداها في الظاهر على حرمتها.و عدم ذكر نَقَلة الإجماع إيّاها لا ينافيه؛ لكثير ممّا مرّ في دعوى الإجماعات المتقدّمة في حرمة الخمسة.

و من هنا يمكن دعوى عدم الخلاف في حرمتها و حرمة المشيمة؛ لأنّ الأصحاب ما بين مصرّح بحرمة الأربعة عشرة أشياء المذكورة في العبارة مع المشيمة،كما عليه الحلّي،و القواعد،و الدروس،و اللمعة، و المهذب (4)،و نسبه في الروضة إلى جماعة ممّن تأخر عن الحلّي (5).

ص:421


1- الكافي 6:4/254،التهذيب 9:317/74،الوسائل 24:172 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 3.
2- الانتصار:197،الغنية(الجوامع الفقهية):618.
3- الخلاف 6:29.
4- الحلّي في السرائر 3:111،القواعد 2:157،الدروس 3:14،اللمعة(الروضة البهية 7):309،المهذب البارع 4:218.
5- الروضة 7:310.

و مُفتٍ بحرمتها خاصّة من دون ذكر المثانة،كالشيخ في النهاية (1)،و جملة ممن تبعه كالقاضي و ابن حمزة (2)،بل نسبه في المختلف و التحرير إلى المشهور (3).و مُفتٍ بحرمة هذه الثلاثة مع الخمسة السابقة،كالماتن هنا فيما عدا المشيمة،و في الشرائع فيها (4)أيضاً كالمسالك و غيره (5).و مفتٍ بحرمة هذه الثمانية مع الفرج،كالفاضل في الإرشاد و المختلف و التحرير (6).

نعم،في المختلف عن الحلبي أنّه كره المرارة،و لكنّه شاذّ كقول الإسكافي بكراهتها و كراهة الطحال و المثانة و الرحم و القضيب و الأُنثيين (7).

مع احتمال الكراهة في كلامهما المعنى المرادف للحرمة أو الأعمّ منها و من الكراهة بالمعنى المصطلح،فلا يثبت المخالفة.

هذا مع إشعار العبارة بعدم الخلاف في هذه الثلاثة،كما لا خلاف في الخمسة السابقة؛ لعدم ذكر الخلاف فيها إلّا فيما عدا الثلاثة ممّا سيأتي إليه الإشارة.

و كيف كان أشبهه التحريم وفاقاً للأكثر كما مرّ،لا للاستخباث لعدم القطع به في الجميع.بل لما عرفت من الإجماعات المحكيّة المخصّصة لما مرّ من الأُصول و العمومات،و الجابرة مضافاً إلى الشهرة

ص:422


1- النهاية:585.
2- القاضي في المهذب 2:441،ابن حمزة في الوسيلة:361.
3- المختلف:682،التحرير 2:161.
4- الشرائع 3:223.
5- المسالك 2:243؛ و انظر مفاتيح الشرائع 2:194.
6- الإرشاد 2:112،المختلف:682،التحرير 2:161.
7- المختلف:682،نقله فيه عن الحلبي و الإسكافي.

العظيمة،و غيرها ممّا يأتي إليه الإشارة لضعف أسانيد الأخبار السابقة و الوهن الحاصل فيها باعتبار التعارضات المتقدّم إليها الإشارة.

مع إمكان الذبّ عن هذا الوهن بعد تسليم معارضة مثل هذا المفهوم للمنطوق بأنّ التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص المطلق؛ لدلالة المفهوم في الخبر الأوّل مثلاً على حلّ كلّ ما هو عدا العشرة و هو بمنزلة العامّ،و دلالة منطوق الخبر الثاني على حرمة المثانة،و هو بالنسبة إلى ذلك كالخاص فليكن مقدّماً.

و هكذا الحال في تعارض مفهومهما لمنطوق الأخير في المشيمة؛ لدلالة الأوّل على حلّها في ضمن العموم،و دلالة المنطوق بحرمتها على الخصوص.

و الثاني (1):سبعة أشار إليها الماتن بقوله:

و في حرمة الفرج الحياء ظاهره و باطنه و العِلباء بالمهملة المكسورة،فاللام الساكنة،فالباء الموحّدة،فالألف الممدودة:عصبتان عريضتان ممدودتان من الرقبة إلى عجب الذنب.

و النخاع مثلّث النون:الخيط الأبيض في وسط الظهر ينظم خرز سلسلة الظهر في وسطها،و هو الوتين الذي لا قوام للحيوان بدونه.

و ذات الأشاجع و هي أُصول الأصابع التي تتّصل بعصب ظهر الكفّ،و في الصحاح جعلها الأشاجع بغير مضاف (2).و الواحد أشجع.

و المراد منها في الحيوان ما جاور الظلف من الأعصاب.

و الغدد بضم الغين المعجمة التي تكون في اللحم،و تكثر في

ص:423


1- أي:ما اختلف في ما يحرم من الذبيحة.
2- الصحاح 3:1236.

الشحم،مدوّرة في الأغلب تشبه البندق.

و خرزة الدماغ بكسر الدال،و هي في المشهور المخّ الكائن في وسط الدماغ شبه الدودة بقدر الحمّصة تقريباً،يخالف لونها لونه و هي تميل إلى الغبرة.

و الحدق يعني حبّة الحدقة،و هو الناظر من العين لا جسم العين كلّه.

خلاف بين الأصحاب المتقدّم ذكرهم،و أنّ التحريم هو الأشهر بينهم،كما صرّح به في المختلف و التحرير (1).

أشبهه عند الماتن و غيره كالفاضل في كتبه المتقدّمة لكن فيما عدا الفرج الكراهة لأدلّة الإباحة المتقدّمة في أحد شقّي الترديد في الثلاثة المتقدّمة،مع سلامتها عن معارضة تلك الإجماعات المحكيّة،و ضعف النصوص السابقة،كالدالّ على حرمة ذات الأشاجع و غيرها أيضاً من تلك المعدودات،و عدم جابر لها في المسألة،و عدم ظهور الاستخباث المدّعى في الجميع أو ما عدا الفرج.

و هو حسن لولا الشهرة المحكيّة في الكتابين،بل الظاهرة الجابرة للنصوص في البين،مضافاً إلى دعوى الإجماع في ظاهر الخلاف و صريح الغنية في الغدد و العلباء و خرزة الدماغ كما في الأوّل (2)،و في الأوّلين خاصّة كما في الثاني (3)؛ و هما حجّة أُخرى مستقلّة على تحريم هذه الثلاثة موجبة لتحريم ما عداها بمعونة عدم القائل بالفرق بين الطائفة.

ص:424


1- المختلف:682،التحرير 2:161.
2- الخلاف 6:29.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):618،لم يذكر فيها العلباء.

هذا مع انجبار تلك النصوص بالاتّفاق في الجملة؛ لتضمّنها تحريم الأُمور المجمع عليها،فتأمّل.

مع أنّ أوّلها مرويّ في الخصال بسند صحيح على الظاهر.و الثاني مرويّ في المحاسن بسند موثّق بإبراهيم بن عبد الحميد،و مع ذلك روى ابن أبي عمير عنه.و الثالث ليس في سنده سوى إسماعيل بن مرار،و قد ذكر له في الرجال ما ربما يستأنس به للاعتماد عليه (1).

هذا مع اعتضادها بنصوص أُخر في الكتب الأربعة و غيرها مروية قريباً من حدّ الاستفاضة،يظهر من مجموعها الحكم بالحرمة في جميع هذه الخمسة عشر.فإذاً المختار حرمتها أجمع،مع أنّها أحوط.

و أعلم:أنّه احترز بقوله:من الذبيحة،عن نحو السمك و الجراد، فلا يحرم منه شيء من المذكورات؛ للأصل،و اختصاص النصّ و الفتوى بحكم التبادر بل التصريح في جملة منهما بغيرهما.

و إطلاقه كغيره من عبائر أكثر الأصحاب يشمل كبير الحيوان المذبوح كالجزور،و صغيره كالعصفور.و بالتعميم صرّح جماعة،و منهم شيخنا في الروضة إلّا أنّه قال بعده:و يشكل الحكم بتحريم جميع ما ذكر مع عدم تميّزه؛ لاستلزام تحريم جميعه أو أكثره للاشتباه.و الأجود اختصاص الحكم بالنعم و نحوها من الحيوان الوحشيّ دون العصفور و ما أشبهه (2).

و هو جيّد فيما كان المستند في تحريمه الإجماع؛ لعدم معلوميّة تحقّقه في العصفور و شبهه،مع اختصاص عبائر جماعة من الأصحاب

ص:425


1- انظر منتهى المقال 2:92.
2- الروضة 7:311،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 11:243.

كالصدوق و غيره (1)،و جملة من النصوص (2)بالشاة و النعم،و عدم انصراف إطلاقات باقي الفتاوى و الروايات إليهما.و أمّا ما كان المستند في تحريمه الخباثة فالتعميم إلى كلّ ما تحقّقت فيه أجود.و مع ذلك الترك مطلقاً أحوط.

و يكره أكل الكلى بضمّ الكاف و قصر الألف:جمع كلية و كلوة بالضم فيهما،و الكسر لحن كما عن ابن السكيت (3) و أُذنا القلب، و العروق و لا يحرم شيء منها،بلا خلاف ظاهر مصرّح به في كلام جمع.و به يصرف ظاهر النهي عنها في النصوص،مع أنّ الوارد منها في الكلي في الكتب المشهورة مقطوع غير متضمّن للنهي،بل تضمّن لفظ الكراهة الذي هو أعمّ من الحرمة قابل للحمل على الكراهة (4)،سيّما بملاحظة الخبرين المرويّين في العيون و غيره:« أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان لا يأكل الكليتين من غير أن يحرمهما؛ لقربهما من البول» (5).

و إذا شوى الطحال مثقوباً فما تحته من لحم كان أو غيره حرام، و إلّا يكن مثقوباً فهو أي المشويّ معه حلال على الأظهر الأشهر؛

ص:426


1- الصدوق في المقنع:143؛ و انظر المقنعة:582.
2- انظر الوسائل 24:أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 الأحاديث 1،2،3،4،8،9.
3- نقله عنه الجوهري في الصحاح 6:2475.
4- الكافي 6:6/254،التهذيب 9:318/75،الوسائل 24:173 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 5.
5- العيون 2:131/41،علل الشرائع 1/562،الوسائل 24:176 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 13،18.

للموّثق:عن الجرّي يكون في السَّفود (1)مع السمك،فقال:« يؤكل ما كان فوق الجرّي،و يُرمى ما سال عليه الجري» و عن الطحال في سَفود مع اللحم و تحته الخبز،و هو الجُوذاب (2)،أ يؤكل ما تحته؟قال:« نعم يؤكل اللحم و الجُوذاب،و يُرمى بالطحال؛ لأنّ الطحال في حجاب لا يسيل منه، فإن كان الطحال مثقوباً أو مشقوقاً فلا تأكل مما يسيل عليه الطحال» (3).

خلافاً للصدوقين،فحكما بأنّ اللحم إذا كان أسفل لم يؤكل مطلقاً، و أمّا الجوذاب فيؤكل مع عدم الثقب،و لا يؤكل مع الثقب (4).

و هو شاذّ و مستنده غير واضح.

و هل حكم الجرّي أو غيره ممّا لا يؤكل لحمه حكم الطحال مع اللحم في ذلك من اعتبار الأعلى و الأسفل؟ظاهر المحكي عن الصدوقين و ابن حمزة الأوّل (5).و اختاره في التنقيح؛ لصدر الموثق المتقدّم (6).و هو حسن.

خلافاً للمختلف،فخصّ الحكم بالطحال؛ عملاً بأصالة الإباحة و استضعافاً للرواية (7).

و لا وجه له بعد القول بحجّية الموثّق كما هو الأصحّ الأشهر،سيّما

ص:427


1- السَّفود بالفتح كتنور:الحديدة التي يُشوى بها اللحم.مجمع البحرين 3:70.
2- الجُوذاب بالضم:طعام من سكر و أرز و لحم.مجمع البحرين 2:22.
3- الكافي 6:1/262،الوسائل 24:202 أبواب الأطعمة المحرمة ب 49 ح 1.
4- الصدوق في المقنع:143،و حكاه عن والده في المختلف:683.
5- الصدوق في المقنع:143،و نقله عن والده في المختلف:683،ابن حمزة في الوسيلة:362.
6- التنقيح الرائع 4:48.
7- المختلف:683.

بعد انجباره و اعتضاده في الجملة بالشهرة،مع أنّ الحكمة في الحرمة في الطحال و غيره واحدة،و هي سيلان الرطوبة المحرّمة من حيث الجزئيّة لا من حيث النجاسة إلى ما تحته و تشرّب الأسفل بها فيحرم.

و من هنا يظهر أنّه ينبغي تقييد الحكم بالتحريم في المسألتين بصورة إمكان سيلان الرطوبة من الأعلى المحرّم إلى الأسفل المحلّل.فلو قطع بعدم السيلان لم يحرم الأسفل؛ للأصل،و اختصاص إطلاق الفتاوى و النص بحكم التبادر و الغلبة في موردهما بصورة إمكان السيلان أو مقطوعيّته أو ظهوره،سيّما مع التصريح بالحكمة في كثير من النصوص و الفتاوى.

و إطلاقهما يقتضي الحرمة مع الشك في السيلان،مع احتمالهما التقييد بصورة القطع به أو ظهوره،فيحلّ في غيرها،عملاً بالأصل.و لا ريب أنّ التجنّب أحوط.

الثالث الأعيان النجسة

الثالث: الأعيان النجسة بالأصالة كالعذرات و نحوها.

و الأصل في تحريمها بعد الإجماع المقطوع به المحكيّ في الغنية و غيرها (1).بل يمكن عدّه من الضروريّات جدّاً الأخبار المتواترة معنى قطعاً،الظاهرة على المتتبّع لها في مباحث عديدة لا تكاد تحصى.

و منها ما دلّ على حرمة المتنجّسات بالخمر و الميتة و الدم و غيرها، فإنّ النصوص الدالّة على حرمتها دالّة على حرمة ما هنا بطريق أولى.

هذا مع أنّ جملة منها،بل لعلّها كلّها منصوص على تحريمها بخصوصها،مضافاً إلى كونها كلّاً أو جلّاً من الخبائث المحرّمة بالإجماع و الكتاب و السنة كالاُمور الثلاثة.

ص:428


1- الغنية(الجوامع الفقهية):618؛ و انظر المسالك 2:243.

و نحوها ما أُبين من الحيّ إذا كان ممّا تحلّه الحياة؛ لأنّه ميتة أو بحكمها نصّاً و فتوى،كما مضى في بحثها (1).

و العجين إذا عجن بالماء النجس حرام مطلقاً و لو خبز و أكلت النار ما فيه من الرطوبات و لو كلّها،على الأشهر الأقوى،بل عليه كافّة متأخري أصحابنا و منهم الشيخ في التهذيب و كتاب الأطعمة من النهاية (2)؛ لأصالة بقاء الحرمة،و المرسلين كالصحيحين بابن أبي عمير،المجمع على تصحيح رواياته،و مراسيله كمسانيده.

في أحدهما:العجين يعجن من الماء النجس،كيف يصنع به؟قال:

« يباع ممّن يستحلّ أكل الميتة» (3).

و في الثاني:« يدفن و لا يباع» (4).

و إطلاقهما،بل عمومها أو أحدهما الناشئ عن ترك الاستفصال يشمل صورة إمكان الخبز و عدمها.بل لعلّهما ظاهران في الصورة الأُولى؛ لأغلبيّتها.

فالعدول فيهما عن الأمر بالخبز الذي هو أسهل إلى الأمر بالبيع أو الدفن اللذين لا يخلوان عن وجه منع،سيّما الثاني،لاستلزامه إضاعة المال المحترم بمقتضى الفرض،و إمكان الانتفاع به على الوجه المحلّل.ظاهر في تعيّنهما و عدم الحلّ بالخبز أصلاً.

ص:429


1- راجع ص 408.
2- التهذيب 1:414،النهاية:590.
3- التهذيب 1:1305/414،الإستبصار 1:76/29،الوسائل 1:242 أبواب الأسآر ب 11 ح 1.
4- التهذيب 1:1306/414،الإستبصار 1:77/29،الوسائل 1:242 أبواب الأسآر ب 11 ح 2.

فما يقال في القدح عليهما في الدلالة على المدعى:من أنّه ما لم يخبز بالنار نجس،فحكمه في البيع ما تضمنّاه،و هذا لا ينافي الرواية الآتية بتقدير الدلالة على الطهارة إذا خبز.كما ترى.و لذا إنّ الشيخ في الكتابين فهم كغيره التعارض بين الروايتين اللتين مضى ذكر أولاهما، و أشار إلى الثانية منهما بقوله:

و فيه رواية بالجواز أي جواز أكله بعد خبزه؛ لأنّ النار قد طهّرته و المراد بالرواية الجنس،لتعدّدها،منها:المرسل كالصحيح بابن أبي عمير المتقدم:في عجين عجن و خبز،ثمّ علم أنّ الماء كانت فيه ميتة، قال:« لا بأس،أكلت النار ما فيه» (1).

و منها:عن البئر يقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فتموت، فيعجن من مائها،أ يؤكل ذلك الخبز؟قال:« إذا أصابته النار فلا بأس بأكله» (2).

و في سنده جهالة،مع عدم مقاومتهما للروايتين المتقدّمتين؛ لاعتبار سنديهما معاً،و اعتضادهما بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً.

بخلاف هاتين؛ لقصور سند إحداهما،و شذوذ القائل بهما،إذ لم أقف إلّا على الشيخ في كتاب الاستبصار و بحث المياه من النهاية (3).ورائه في الأوّل غير معلوم؛ لاحتمال قصده بذلك مجرّد الجمع بين الأخبار

ص:430


1- التهذيب 1:1304/414،الإستبصار 1:75/29،الوسائل 1:175 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 18.
2- التهذيب 1:1303/413،الإستبصار 1:74/29،الوسائل 1:175 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 17.
3- الإستبصار 1:29،النهاية:8.

المختلفة،و لذا ذكر جملة من الأجلّة أنّ فتاويه في الكتابين في الجمع بين النصوص المختلفة غير معلومة.و أمّا فتواه بذلك في النهاية و إن كانت صريحة إلّا أنّه قد رجع عنها فيها في كتاب الأطعمة.

فما هذا شأنه كيف يعرض به الأخبار السابقة،سيّما مع ما هما عليه من عدم الصراحة،لاحتمالهما التقييد بصورة طهارة الماء،إذ ليس فيهما ما يدلّ صريحاً على كونه نجساً،فإنّ الميتة في الأُولى أعمّ من ذي النفس و غيره ممّا يكون طاهراً،مع أنّ العلم بوقوعها فيه أعمّ من العلم بكون الوقوع قبل الاستعمال،و الشك فيه.و عليه يكون الماء طاهراً استصحاباً.

و الفأرة في الثانية و إن كانت ذات نفس سائلة ميتتها نجسة،إلّا أنّ نجاسة البئر بمجرّد ملاقاتها محلّ مناقشة،بل الأقوى الطهارة كما مرّ في كتابها إليه الإشارة.

و احتمال السؤال التغيّر بها فيعمّ الجواب بترك الاستفصال له،حَسَن و جارٍ مثله فيما تقدّمه،إلّا أنّه لا يوجب الصراحة التي هي المناط في تخصيص الأدلّة،بل غايته الظهور،فلا يمكن الخروج بهما عن الاستصحاب و الخبرين اللذين تقدّما،و إن اعتضد ظهورهما بما فيهما من العلّة و ما في حكمها،إذ لا يوجبان الصراحة جدّاً بعد احتمال كون المراد ممّا تأكله النار النفرة الحاصلة للنفس،أو الموجبة للكراهة لا النجاسة، سيّما مع الاتّفاق على أنّ النار إنّما تطهر بالإحالة لا بالتجفيف و نحوه.

ثمّ لو سلّم الصراحة فهما كما عرفت قاصرتان عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة من وجوه عديدة،و منها الشذوذ و الندرة فيهما دون السابقة.

فلا شبهة في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

الرابع الطين

الرابع: الطين.و هو بجميع أصنافه حرام إجماعاً فتوًى و نصّاً

ص:431

مستفيضاً،بل متواتراً.

منها:« أكل الطين حرام كلحم الخنزير،و من أكله ثمّ مات فيه لم أُصلّ عليه،إلّا طين القبر،فإنّ فيه شفاء من كلّ داء،و من أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء» (1).

و في رواية:« و أماناً من كل خوف» (2).

و يستفاد منه و من غيره ممّا تضمّن الاستثناء المذكور فيه المشار إليه في كلام الأصحاب بقولهم: إلّا طين قبر الحسين عليه السلام للاستشفاء أنّ المراد بالطين هنا ما يعمّ التراب الخالص،و الممزوج بالماء الذي هو معناه الحقيقي لغةً و عرفاً،مضافاً إلى تعليل التحريم بالإضرار للبدن الوارد في بعض النصوص (3)و الفتاوي بناءً على حصول الضرر في الخالص أيضاً.

و منه يظهر وجه ما اشتهر بين المتفقّهة من حرمة التراب و الأرض كلّها حتّى الرمل و الأحجار،و ضعف ما أُورد عليهم من أنّ المذكور في النصوص الطين الذي هو حقيقة في التراب الممزوج بالماء،إلّا أن يخصّ الإيراد بصورة القطع بعدم ضرر هذه الأشياء.فهو حسن إن صحّ ثبوتها،مع أنّ الظاهر عدمها،بل الظنّ حاصل بضررها مطلقاً،فتأمّل جدّاً.

فكيف كان لا خلاف في صحّة الاستثناء.بل عليه و على حرمة الطين مطلقاً الإجماع في الغنية و غيرها (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص

ص:432


1- الكافي 6:1/265،علل الشرائع:2/532،كامل الزيارات:258،الوسائل 24:226 أبواب الأطعمة المحرمة ب 59 ح 1.
2- الكافي 6:9/266،التهذيب 9:377/89،الوسائل 24:226 أبواب الأطعمة المحرمة ب 59 ح 2.
3- الوسائل 24:220 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):618؛ و انظر التنقيح 4:50.

المستفيضة،بل المتواترة جدّاً.

منها: زيادة على ما مضى المرويّ في المصباح:أنّ رجلاً سأل الصادق عليه السلام،فقال:إنّي سمعتك تقول:« إنّ تربة الحسين عليه السلام من الأدوية المفردة،و أنّها لا تمرّ بداء إلّا هضمته» فقال:« قد قلت ذلك،فما بالك؟ » فقلت:إنّي تناولتها فما انتفعت بها،قال:« أما إنّ لها دعاء،فمن تناولها و لم يدع به و استعملها لم يكن ينتفع بها» فقال له:ما يقول إذا تناولها؟ قال:« تُقبّلها قبل كلّ شيء و تضعها على عينيك،و لا تناول منها أكثر من حمّصة،فإنّ[من]تناول منها أكثر من ذلك فكأنّما أكل لحومنا و دماءنا،فإذا تناولت فقل:اللّهم..» الدعاء (1).

و يستفاد منه أنّه يشترط في الاستشفاء بها أخذها بالدعاء المأثور فيه مع قراءة إنا أنزلناه و ختمها بها.

و لكن إطلاقات باقي النصوص و الفتاوي تقتضي الجواز مطلقاً، و لم أقف على مشترط لذلك أصلاً.بل صرّح جماعة (2)بأنّ ذلك لزيادة الفضل كالشرائط الأُخر المذكورة في محلّه.

و هو الأقوى؛ لضعف الخبر،و عدم قابليته لتقييد ما مرّ و إن كان مراعاتها أحوط،اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على حرمة الطين مطلقاً على القدر المتيقّن من الإطلاقات.

و من هنا يظهر عدم جواز أكلها لغير الاستشفاء،مضافاً إلى التقييد به

ص:433


1- مصباح المتهجد:677،الوسائل 24:229 أبواب الأطعمة المحرمة ب 59 ح 7،و ما بين المعقوفين من المصدر.
2- منهم الشهيد الثاني في الروضة 7:326،و السبزواري في الكفاية:251،و الفيض في مفاتيح الشرائع 2:221.

فيما دلّ على جواز أكله من النص و الفتوى.

و يستفاد من الرواية اشتراط أن لا يتجاوز قدر الحمّصة المعهودة المتوسطة،و به صرّح الماتن و جماعة (1).و عليه ينزّل إطلاق أكثر النصوص و الفتاوي،مع ظهورهما في أن استثناءها للضرورة،فليقتصر فيها على قدر ما تندفع به،و هو القدر المزبور فما دونه.

ثم إنّ مقتضى الأصل لزوم الاقتصار في الاستثناء المخالف له على المتيقن من ماهية التربة المقدّسة،و هو ما أُخذ من قبره عليه السلام أو ما جاوره عرفاً،و يحتمل إلى سبعين ذراعاً كما في الرواية (2)[ لا لها بل لعسر الاقتصار على ما دونه مع القطع بعدمه في الأزمنة السابقة و الحديثة و أما ما جاوز السبعين إلى أربعة فراسخ أو غيرها مما وردت به الرواية] فمشكل،إلّا أنّ يأخذ منه و يوضع على القبر أو الضريح فيقوى احتمال جوازه حينئذٍ،نظراً إلى أنّ الاقتصار على المتيقّن أو ما قاربه يوجب عدم بقاء شيء من أرض تلك البقعة المباركة،لكثرة ما يؤخذ منها في جميع الأزمنة،و ستؤخذ إن شاء اللّه تعالى إلى يوم القيامة،و ظواهر النصوص بقاء تربته الشريفة بلا شبهة.

و بما ذكرنا صرّح جماعة،كالفاضل المقداد في التنقيح (3)،و شيخنا في الروضة فقال:و المراد بطين القبر الشريف تربة ما جاوره من الأرض عرفاً،و روى إلى أربعة فراسخ،و روى ثمانية.و كلّما قرب منه كان أفضل، و ليس كذلك التربة المحترمة منها،فإنّها مشروطة بأخذها من الضريح المقدّس أو خارجه كما مرّ مع وضعها عليه و أخذها بالدعاء.و لو وجد

ص:434


1- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:244،و السبزواري في الكفاية:251،و الفيض في مفاتيح الشرائع 2:221.
2- الكافي 4:5/588،التهذيب 6:144/74،كامل الزيارات:279،الوسائل 14:511 أبواب المزار ب 67 ح 3.
3- التنقيح 4:51.

تربة منسوبة إليه عليه السلام حكم باحترامها حملاً على المعهود (1).

و هل يجوز أكله لمجرّد التبرّك بها في عصر يوم عاشوراء و يومي عيد الفطر و الأضحى؟ظاهر الأكثر و صريح الحلّي في السرائر و غيره (2):

لا.خلافاً للشيخ في المصباح (3)،و حجّته غير واضحة سيّما في مقابلة إطلاقات الأدلّة المانعة.و لعلّه لذا رجع عنه في النهاية (4)،كما في السرائر و غيره.

و اعلم أنّ ظاهر العبارة ككثير (5)من حيث الاقتصار في الاستثناء على التربة الحسينية خاصّة:عدم استثناء غيرها مطلقاً.

خلافاً للشهيدين في الدروس و اللمعتين (6)،فاستثنيا الطين الأرمنيّ أيضاً للمنفعة.

فإن أرادا بها المنفعة المسوِّغة لإباحة المحرّم عند الضرورة كما هو ظاهر الروضة فله وجه صحّة على القول بجواز مثله،إلّا أنّه لا وجه لتخصيصه بالاستثناء و الذكر،فإنّ كلّ محرّم كذلك على ذلك القول،طيناً كان أو غيره.

و إن أرادا بها مطلق المنفعة و إن لم تكن في حال ضرورة فحجّتهما عليه غير واضحة،عدا روايات وردت بذلك،و هي بحسب السند قاصرة.

كالمرسل المرويّ في المصباح و مكارم الأخلاق:قال:سئل

ص:435


1- الروضة 7:327.
2- السرائر 3:124؛ و انظر المسالك 2:244.
3- مصباح المتهجد:713.
4- النهاية:590.
5- انظر النهاية:590،و التبصرة:168،و المهذَّب 2:429.
6- الدروس 3:14،اللمعة(الروضة البهية 7):327.

أبو عبد اللّه عليه السلام عن طين الأرمني يؤخذ للكسير و المبطون،قال:« لا بأس به،أما إنّه من طين قبر ذي القرنين.و طين قبر الحسين عليه السلام خير منه» (1).

و المرويّ مسنداً عن طبّ الأئمّة عليهم السلام عن أبي جعفر عليه السلام:أنّ رجلاً شكا إليه الزحير (2)،فقال له:« خذ من الطين الأرمني وَ اقْلِهِ بنارٍ ليّنة، و استفّ (3)منه،فإنّه يسكن عنك» (4).

و عنه عليه السلام أنّه قال في الزحير:« تأخذ جزءاً من خَربَق (5)أبيض، و جزءاً من بزر القطونا،و جزءاً من صَمغ عربيّ،و جزءاً من الطين الأرمني يُقلى بنارٍ ليّنة،و يستفّ منه» (6).

هذا مع ضعف دلالتها،فالأوّل بعدم التصريح فيه بجواز الأخذ للأكل،بل غايته الدلالة على جواز الأخذ الذي هو أعمّ من الأخذ للأكل، المحتمل للأخذ للطلاء أو الضماد.و الثاني باحتمال اختصاصه بحال الضرورة.و هذا جارٍ في الرواية السابقة أيضاً على تقدير تسليم الدلالة.

و بالجملة:فالخروج عن مقتضى إطلاقات الأدلّة المانعة فتوًى و روايةً بهذه الروايات سيّما مع ما هي عليه من وجوه الضعف مشكل غايته، و إن احتمل دعوى عدم انصراف الإطلاق إلى مثل هذا الطين و ما شاكله ممّا

ص:436


1- مكارم الأخلاق:167،مصباح المتهجد:676،الوسائل 24:230 أبواب الأطعمة المحرمة ب 60 ح 3.
2- الزحير:تقطيع في البطن يُمشّي دَماً.لسان العرب 4:320.
3- استففت الدواء:إذا أخذته غير ملتوت.و كلّ دواء يؤخذ غير معجون فهو السَّفوف كرسول.مجمع البحرين 5:71.
4- طب الأئمة:65،الوسائل 24:230 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 60 ح 1.
5- الخَرْبقَ:نبات يَجلو و يسخن و ينفع الصرع و الجنون..و يسهل الفضول اللزجة.القاموس المحيط 3:225.
6- طب الأئمة:65،الوسائل 24:230 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 60 ح 2.

هو من الأفراد النادرة الغير المنساق إليها الذهن عند إطلاق اللفظ مجرّداً عن القرينة،سيّما مع ما في بعض النصوص و الفتاوي المتضمّنة لتلك الإطلاقات من التعليل بالضرر،المفقود في هذا الطين في صورة الفرض.

الخامس السموم القاتلة

الخامس: السموم القاتلة و الأشياء الضارّة حرام كلّها بجميع أصنافها جامدة كانت أو مائعة قليلها و كثيرها.و ما يقتل أو يضرّ كثيره من دون قليله كالأفيون و السقمونيا،و شحم الحنظل و غيرها فالمحرّم منه ما بلغ ذلك الحدّ هذا إذا أُخذ منفرداً،أمّا لو أُضيف إلى غيره فقد لا يضرّ منه الكثير كما هو معروف عند الأطباء.و ضابط المحرّم ما يحصل به الضرر على البدن و إفساد المزاج.

و الأصل فيه بعد الإجماع حديث نفي الضرر و الإضرار،و ما ورد في المنع عن الطين من التعليل بأنّ فيه إعانة على النفس في قتلها أو ضعفها (1)،و هو جارٍ هنا أيضاً.

القسم الخامس في المائعات و المحرّم منها خمسة

اشارة

القسم الخامس:في المائعات و المحرّم منها خمسة

الأوّل الخمر

الأوّل: الخمر بالضرورة من الدين،و الكتاب و السنّة المتواترة ناطقان به.

و يلحق به كلّ مسكر إجماعاً؛ للنص النبوي:« كلّ مسكر خمر،و كلّ خمر حرام» (2)و الصحاح به مع ذلك مستفيضة،كغيرها من

ص:437


1- الوسائل 24:220 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58.
2- عوالي اللئلئ 1:228/178،مستدرك الوسائل 17:61 أبواب الأشربة المحرمة ب 11 ح 15.

المعتبرة.

ففي الصحيح و غيره:« إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يحرّم الخمر لاسمها، و لكن حرّمها لعاقبتها،فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر» (1)و بمعناهما غيرهما (2).

و في الصحيح [و ما يقرب منه بصفوان بن يحيى] (3):« قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:الخمر من خمسة:العصير من الكَرْم،و النقيع من الزبيب،و البِتْع من العسل،و المِزْر من الشعير، و النبيذ من التمر» (4).

و في المرسل كالصحيح:« الخمر من خمسة أشياء:من التمر، و الزبيب،و الحنطة،و الشعير،و العسل» (5).

و لا خلاف في أنّ المعتبر في التحريم إسكار كثيره،فيحرم قليله و لو كان مستهلكاً كما في الأخبار؛ حسماً لمادّة الفساد،و للنصوص المستفيضة بل المتواترة.

و فيها الصحيح و غيره:« ما أسكر كثيره فقليله حرام» (6).

و زيد في بعض الصحاح منها قلت:فقليل الحرام يحلّه كثير الماء

ص:438


1- الصحيح في:الكافي 6:2/412،التهذيب 9:486/112،الوسائل 25:342 أبواب الأشربة المحرمة ب 19 ح 1. و غيره في:الكافي 6:1/412،الوسائل 25:343 أبواب الأشربة المحرّمة ب 19 ح 2.
2- الكافي 6:3/412،الوسائل 25:343 أبواب الأشربة المحرّمة ب 19 ح 3.
3- في« ر» زيادة:و ما يقرب منه بصفوان بن يحيى:الكافي 6:3/392،الوسائل 25:280 أبواب الأشربة المحرّمة ب 1 ح 3.
4- الكافي 6:1/392،الوسائل 25:279 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1 ح 1.
5- الكافي 6:2/392،الوسائل 25:279 أبواب الأشربة المحرّمة ب 1 ح 2.
6- انظر الوسائل 25:336 أبواب الأشربة المحرمة ب 17.

فردّ عليه بكفّه مرّتين لا،لا (1).

و في الخبر:ما تقول في قدح من المسكر يغلب عليه الماء حتى تذهب عاديته و يذهب سكره؟فقال:« لا و اللّه،و لا قطرة تقطر منه في حُبّ إلّا أُهريق ذلك الحُبّ» (2).

و يلحق بالمسكر الفقّاع قليله و كثيره مطلقاً و إن لم يكن مسكراً، بلا خلاف بين الأصحاب،بل عليه الإجماع في كثير من العبارات كالغنية و السرائر و التحرير،و الدروس و المسالك و غيرها (3)من كتب الجماعة؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة من غير تقييد بالاسكار.

و فيها:« إنّه خمر مجهول» (4)و« إنّه الخمر بعينها» (5)و« إنّ حدّه حدّ شارب الخمر» (6).

و في بعض:« كلّ مسكر حرام و كلّ مخمّر[حرام (7)]و الفقّاع حرام» (8).

و ربّما يظهر منه عموم التحريم لصورة عدم الإسكار كما ذكروه،

ص:439


1- الكافي 6:4/408،التهذيب 9:481/111،الوسائل 25:336 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 1.
2- الكافي 6:15/41،الوسائل 25:359 أبواب الأشربة المحرّمة ب 26 ح 2.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):618،السرائر 3:128،التحرير 2:161،الدروس 3:16،المسالك 2:244؛ و انظر المفاتيح 2:219.
4- الكافي 6:7/423،الوسائل 25:361 أبواب الأشربة المحرّمة ب 27 ح 8.
5- الكافي 6:4/423،التهذيب 9:542/125،الوسائل 25:361 أبواب الأشربة المحرّمة ب 27 ح 7.
6- الكافي 6:15/424،التهذيب 9:534/124،الإستبصار 4:370/95،الوسائل 25:360 أبواب الأشربة المحرّمة ب 27 ح 2.
7- أثبتناه من المصادر.
8- الكافي 6:14/424،التهذيب 9:536/124،الإستبصار 4:365/95،الوسائل 25:360 أبواب الأشربة ب 27 ح 3.

فتدبّر.

و مقتضى الأُصول دوران الحكم بالتحريم مدار تسميته في العرف فقاعاً فيحرم معها مطلقاً،إلّا أنّه ذكر جماعة و منهم الشهيدان (1)أنّه إنّما يحرم مع الغليان.

و لعلّه لظاهر الصحيح:كان يعمل لأبي الحسن عليه السلام الفقّاع في منزله.

قال محمّد بن يحيى:قال أبو أحمد يعني ابن أبي عمير-:و لا يُعمل فقاع يَغلي (2).

و فسّر الغليان بالنشيش الموجب للانقلاب.

و في الصحيح:عن شراب الفقّاع الذي يعمل في السوق و يباع، و لا أدري كيف عمل و لا متى عمل،أ يحلّ شربه؟قال« لا أُحبّه» (3)و فيه إشعار بكراهة المجهول الحال.

قيل:و نزّلها الأصحاب على التحريم (4).و لا ريب فيه مع إطلاق الاسم عليه حقيقةً عرفاً،و أمّا مع عدمه ففيه إشكال و إن كان الترك أحوط.

و يحرم العصير و هو المعتصر من ماء العنب خاصّة في ظاهر الأصحاب إذا غَلى بأنّ صار أسفله أعلى قبل أن يذهب ثلثاه، بلا خلاف (5).بل عليه الإجماع ظاهراً،و حكي في التنقيح و غيره

ص:440


1- الشهيد الأوّل في الدروس 3:16،الشهيد الثاني في المسالك 2:244،الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:219.
2- التهذيب 9:545/126،الوسائل 25:381 أبواب الأشربة المحرّمة ب 39 ح 1.
3- التهذيب 9:547/126،الإستبصار 4:376/97،الوسائل 25:382 أبواب الأشربة المحرّمة ب 39 ح 3.
4- قاله الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:219.
5- في« ر» زيادة:كما في المسالك 2:244.

صريحاً (1)،و مع ذلك المعتبرة المستفيضة ناطقة به جدّاً.

ففي الصحيح:« كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» (2).

و فيه:« لا يحرم العصير حتّى يغلي» (3).

و في الموثق:« إذا نشّ العصير أو غلى حرم» (4).

و يستفاد من صريحه و إطلاق أكثر البواقي و الفتاوي عدم الفرق في الحكم بتحريمه بالغليان بين وقوعه بالنار أو غيرها،و به صرّح جماعة كالماتن في الشرائع،و الفاضل في التحرير،و شيخنا في المسالك و الروضة (5)،و كثير ممّن تبعه (6).

و كذا لا فرق في ذهاب ثلثيه بين الأمرين؛ لإطلاقات النصوص و الفتاوي،و به صرّح جماعة (7)أيضاً،إلّا أنّ ظاهر التحرير هنا القول بالفرق بينهما حيث قال بعد التصريح بعدم الفرق في الأوّل-:فإن غلى بالنار و ذهب ثلثاه حلّ (8)؛ و لعلّه لمنع ما يدلّ على العموم،لإمكان دعوى

ص:441


1- التنقيح الرائع 4:368؛ و انظر كشف اللثام 2:269.
2- الكافي 6:1/419،التهذيب 9:516/120،الوسائل 25:282 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 1.
3- الكافي 6:1/419،التهذيب 9:513/119،الوسائل 25:287 أبواب الأشربة المحرّمة ب 3 ح 1.
4- الكافي 6:4/419،الوسائل 25:287 أبواب الأشربة المحرّمة ب 3 ح 4.
5- الشرائع 3:225،التحرير 2:161،المسالك 2:244،الروضة 7:320.
6- كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:200،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:220،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:269.
7- منهم الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:220،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:269،و المختلف:58.
8- التحرير 2:161.

اختصاص الإطلاقات بحكم التبادر بذهاب الثلثين بالنار،فيرجع في غيره إلى أصالة بقاء التحريم.

و هذه الدعوى و إن أمكن انسحابها في الأوّل أيضاً،نظراً إلى تبادر الغليان الناري من مطلق الغليان،إلّا أنّ وجود الموثّق الناصّ على عدم الفرق فيه المعتضد بعدم الخلاف فيه،اقتضى اختصاص عدم الفرق بين الأمرين به دون الثاني،فما ذكره لعلّه لا يخلو عن وجه إن لم ينعقد الإجماع على خلافه،مع أنّه في الجملة أحوط.

ثم إنّ ظاهر النصوص و أكثر الفتاوى المقتصرة في سبب التحريم على الغليان خاصّة عدم اعتبار شيء آخر غيره.خلافاً للفاضل في الإرشاد (1)، فاعتبر الاشتداد أيضاً.

و وجهه غير واضح عدا ما يدّعى من التلازم بين الأمرين،و ليس بثابت.بل الظاهر العدم كما صرّح به جمع (2)،و على تقديره فذكره مستدرك.

و اعلم أنّ مقتضى الأصل و العمومات الدالّة على الإباحة من الكتاب و السنّة،مع اختصاص ما دلّ على حرمة العصير فتوًى و رواية بعصير العنب كما مرّ و سيأتي إليه الإشارة حلّ عصيري التمر و الزبيب و إن غليا،ما لم يبلغا الشدّة المسكرة،و اختاره الفاضلان و الشهيدان و فخر الإسلام و الفاضل المقداد و المفلح الصيمري و المقدّس الأردبيلي و صاحب الكفاية (3)،

ص:442


1- الإرشاد 2:111.
2- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:198؛ و انظر الذخيرة:154،و الحدائق 5:122.
3- المحقق في الشرائع 4:169،العلّامة في القواعد 2:263،الشهيد الأوّل في الدروس 3:16 17،الشهيد الثاني في المسالك 2:244،فخر الإسلام في إيضاح الفوائد 4:512،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:368،المفلح الصيمري في غاية المرام 4:73،337،الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 1:312،الكفاية:251.

مدّعيين عليه كالمفلح الصيمري- (1)الشهرة،و لا ريب فيها.بل ظاهر الدروس في التمري عدم وجود القول فيه بالحرمة (2)،حيث إنّه بعد نسبة الحلّ إلى بعض الأصحاب لم ينقل المخالف له،و إنّما ظاهره نسبة المخالفة إلى رواية عمّار الآتية.

و أظهر منه كلام شيخنا في المسالك في هذا الكتاب و كتاب الحدود (3)،حيث إنّه حكى الخلاف عن بعض الأصحاب في الزبيبي خاصّةً و لم يشر إليه في التمريّ بالكلّية،و إنّما ذكر في الكتاب الأخير وجه تردّد الماتن فيهما (4).

و ربما كان ذلك ظاهراً من اللمعتين أيضاً (5)،حيث لم يشيرا إلى الحكم فيه مطلقاً مع تصريحهما بأنّه لا يحرم العصير من الزبيب و إن غلى على الأقوى،فلو وجد القول بالتحريم فيه أيضاً لألحقاه بالزبيبي جدّاً.

هذا مع أنّه حكي عن بعض الفضلاء التصريح بعدم الخلاف فيه أصلاً (6)،و هو حجّة أُخرى.و لا ينافيها تردّد الماتن في حكمهما؛ لفتواه بالحلّ بعده صريحاً.و ما ربما يقال من إشعار التردّد بوجود الخلاف فواضح

ص:443


1- غاية المرام 4:337.
2- الدروس 3:17.
3- المسالك 2:245،439.
4- الشرائع 4:169.
5- اللمعة(الروضة البهية 7):322.
6- الحدائق 5:125.

الفساد؛ لاحتمال حصوله بتعارض الاحتمالات دون الأقوال.

نعم ظاهر سياق كلام الدروس المتقدّم التردّد؛ لموثّقة عمار:عن النضوح،قال:« يطبخ[التمر (1)]حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه ثم يتمشّطن» (2).

و نحوها موثّقته الأُخرى:عن النضوح المعتق،كيف يصنع حتّى يحلّ؟قال:« خذ[ماء (3)]التمر فَاغْلِهِ حتى يذهب ثلثا ماء التمر» (4).

و هو كما ترى؛ لقصورهما عن المقاومة لما مضى من الأدلّة القطعية المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،المؤيّدة بعدم الخلاف المستفاد من الكتب المتقدّمة المصرّح به في كلام بعض الأجلّة (5).

مضافاً إلى قصورهما دلالةً؛ إذ لا تصريح فيهما بحرمة الشرب،و إنّما غايتهما الأمر بغليه حتى يذهب ثلثاه،و هو أعمّ من تحريمه بالغلي قبله.

و لعلّ الوجه فيه ما ذكره بعض الأصحاب (6)من أنّ النَّضوح لغةً على ما في النهاية الأثيريّة (7)ضرب من الطيب تفوح رائحته.و في مجمع البحرين:إنّ في كلام بعض الأفاضل:أنّه طيب مائع،ينقعون التمر و السكر و القرنفل و التفاح و الزعفران و أشباه ذلك في قارورة فيها قدر مخصوص من الماء و يشدّ رأسها،و يصبرون أيّاماً حتى ينشّ و يتخمّر.

ص:444


1- أثبتناه من المصادر.
2- التهذيب 9:531/123،الوسائل 25:379 أبواب الأشربة المحرمة ب 37 ح 1.و فيهما:يمتشطن.
3- أثبتناه من المصادر.
4- التهذيب 9:502/116،الوسائل 25:373 أبواب الأشربة المحرمة ب 32 ح 2.
5- الذخيرة:155،الحدائق 5:125.
6- الحدائق 5:149.
7- النهاية 5:70.

و هو شائع بين نساء الحرمين الشريفين (1).

و على هذا فتحمل الروايتان على أنّ الغرض من طبخه حتّى يذهب ثلثاه إنّما هو لئلّا يصير خمراً ببقائه مدّةً،لأنّ غليه على هذا الحدّ الذي يصير به دبساً يُذهب الأجزاء المائية التي يصير بها خمراً لو مكث مدّة كذلك،لأنّه إنّما يصير خمراً بسبب ما فيه من تلك الأجزاء المائية،فإذا ذهبت أمن من صيرورته خمراً.

و يؤيّد هذا قوله« النضوح المعتق» على صيغة اسم المفعول،أي الذي يراد جعله عتيقاً بأن يحفظ زماناً حتى يصير عتيقاً.

و يؤيّده أيضاً قوله:« يتمشّطن» الظاهر في أنّ الغرض منه التمشط و الوضع في الرأس و المراد من السؤال في الروايتين عن كيفيّة عمله،هو التحرّز عن صيرورته بزيادة المكث خمراً نجساً يمتنع الصلاة فيه،و لا يحلّ إذا تمشّطن،و إلّا فهو ليس بمأكول،و لا الغرض من السؤال عن كيفيّة عمله حِلّ أكله حتى يكون الأمر بغليه على ذلك الوجه لأجله،بل حِلّ استعماله.

و مع هذا الاحتمال لا يمكن أن يستند إلى الروايتين سيّما في تخصيص ما مرّ من الأدلّة القطعية،فإنّ بناءه على قطعيّة الدلالة أو قوّتها، و شيء منهما لا يتحقّق مع هذا الاحتمال بلا شبهة و إن قلنا بمرجوحيّته بالإضافة إلى الظاهر،لعدم بلوغ هذه المرجوحيّة درجةً يحصل فيها قوّة الدلالة التي هي المناط في تخصيص الأدلّة القاطعة.

و بهذا يجاب عن موثّقتيه الأُخريين الواردتين في الزبيب.

في إحداهما:وصف لي الصادق عليه السلام المطبوخ كيف يطبخ حتّى يصير حلالاً،فقال:« تأخذ ربعاً من زبيب و تنقيه،و تصبّ عليه اثني عشر رطلاً من ماء،ثمّ تنقعه ليلة،فإن كان أيّام الصيف و خشيت أنّ ينشّ جعلته

ص:445


1- مجمع البحرين 2:419.

في تنّور مسجور قليلاً حتّى لا ينشّ،ثمّ تنزع الماء منه كلّه حتّى إذا أصبحت صببت عليه من الماء بقدر ما يغمره» إلى أن قال:« ثمّ تغليه بالنار،و لا تزال تغليه حتّى يذهب الثلثان و يبقى الثلث» (1)الحديث.

و قريب منها:الثانية (2).

و الخبر:شكوت إلى الصادق عليه السلام قراقر تصيبني في معدتي و قلّة استمرائي الطعام،فقال لي:« لم لا تتّخذ شيئاً نشربه نحن» إلى أن قال:

« تأخذ صاعاً من زبيب» إلى أن قال:« ثمّ تطبخه رقيقاً حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» إلى أن قال في آخر الخبر:« و هو شراب لا يتغيّر إذا بقي» (3).

و ذلك فإنّه لا يلزم من الأمر بطبخه على الثلث أن يكون لأجل حلّيته بعد حرمته بالغليان،بل يجوز أن يكون لئلّا يصير مسكراً كما يدل عليه قوله عليه السلام في آخر الرواية الأخيرة:« و هو شراب لا يتغيّر إذا بقي» .و يجوز أن يكون لأجل أنّ الخاصيّة و النفع المترتّب عليه لا يحصل إلّا بطبخه على الوجه المذكور،كما ورد مثله في بعض النصوص:كتبت إليه عليه السلام:عندنا شراب يسمّى المَيْبة،نعمد إلى السفرجل فنقشره و نلقيه في الماء،ثم نعمد إلى العصير فنطبخه على الثلث،ثم ندقّ ذلك السفرجل و نأخذ ماءه،ثم نعمد إلى ماء هذا الثلث و هذا السفرجل إلى أن قال -:فنطبخه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه،أ يحلّ شربه؟فكتب:« لا بأس به ما لم يتغيّر» (4)فتدبّر.

نعم ربما يلوح التحريم من بعض ألفاظ الموثّقين،كقول الراوي

ص:446


1- الكافي 6:1/424،الوسائل 25:289 أبواب الأشربة المحرمة ب 5 ح 2.
2- الكافي 6:2/425،الوسائل 25:290 أبواب الأشربة المحرمة ب 5 ح 3.
3- الكافي 6:3/426،الوسائل 25:290 أبواب الأشربة المحرمة ب 5 ح 4.
4- الكافي 6:3/427،الوسائل 25:367 أبواب الأشربة المحرمة ب 29 ح 3.

يطبخ حتّى يصير حلالاً،و قوله عليه السلام:« و إذا كان في أيّام الصيف و خشيت أن ينشّ جعلته في تنور..» فإنّ النشيش هو صوت الغليان.و الظاهر من المحافظة عليه بأن لا ينشّ ليس إلّا لخوف تحريمه بالغليان.

إلّا أنّه يمكن أن يقال:إنّ قوله:كيف يطبخ حتّى يصير حلالاً،إنّما هو من الراوي في سؤاله،و لا حجّة فيه إلّا من حيث تقرير المعصوم عليه السلام له على فهمه،و هو و إن كان حجّة إلّا أنّ في بلوغه درجة تخصيص الأدلّة نوع مناقشة،سيّما مع أنّ أكثر ما ذكر في الكيفيّة بل كلّه عدا الغلي حتى يذهب الثلثان لا دخل له في الحلّية إجماعاً.

و أمّا قوله:« حتى لا ينشّ» فإنّ فيه:أنّه بعد ذلك أمر بغليانه حتّى يذهب ثلثاه،فهو و إن حرم بالنشيش فلا مانع منه،لتعقّبه بالغليان الموجب للتحليل بعد ذلك.و حينئذٍ فلعلّ المحافظة عليه من النشيش إنّما هو لغرض آخر لا لأنّه يحرم بعد ذلك،فإنّه و إن حرم لكن لا منافاة فيه بعد غليه إلى ذهاب الثلثين المأمور به ثانياً.و حينئذٍ لا فرق في حصول التحريم فيه في وقت النشيش و لا وقت الغليان أخيراً.

و لعلّه لهذا أعرض عن هذه الأخبار متأخّروا الأصحاب،و لم يذكروها دليلاً على التحريم في شيء من المقامين.بل إنّما اقتصروا في إثباته في بيان وجه الترديد في التمرّي على دعوى إطلاق اسم النبيذ عليه،أو مشابهته لعصير العنب،و في الزبيبي على دعوى الشركة مع العنبي في أصل الحقيقة،و فحوى بعض النصوص كالخبر:عن الزبيب،هل يصلح أن يطبخ حتّى يخرج طعمه ثمَّ يؤخذ ذلك الماء فيطبخ حتّى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث ثم يوضع فيشرب منه السنة؟قال:« لا بأس به» (1).

ص:447


1- الكافي 6:10/421،التهذيب 9:522/121،قرب الإسناد:1077/271،الوسائل 25:295 أبواب الأشربة المحرمة ب 8 ح 2.

و هذه الأدلّة أيضاً في غاية من الضعف؛ لمنع صدق اسم النبيذ على مطلق عصير التمر حقيقةً،و منع القياس.و المشابهة و الشركة في أصل الحقيقة لا تقتضي الشركة في الحرمة بعد اختصاص ما دلّ عليها من الفتوى و الرواية بالعصير العنبي خاصّة.و الرواية ضعيفة سنداً و دلالةً بنحو ما مرّ إليه الإشارة في الموثّقتين الأخيرتين.

هذا مضافاً إلى إشعار النصوص الواردة في علّة تحريم العصير باختصاص الحرمة بالعنبي دون الزبيبي؛ لظهورها في أنّ العلّة إنّما هي شركة إبليس في شجرة الكرم و ثمرته بالثلثين،و أنّه إذا ذهب نصيبه منها حلّ الباقي (1).و لا ريب أنّ الزبيب قد ذهب ثلثاه و زيادة بالشمس.

و بهذا مضافاً إلى ما مضى من أصالة الإباحة و غيرها استدلّ الشهيدان و غيرهما (2)على إباحته.و هو قويّ جدّاً.

و أمّا ما يورد عليه:بأنّ ذهاب الثلثين بالشمس إنّما يتمّ إذا كان قد نشّ بالشمس أو غلى حتّى يحرم ثم يحلّ بعد ذلك بذهاب الثلثين، و الغليان بالشمس غير معلوم فضلاً عن النشيش و هو صوت الغليان،و أمّا ما جفّ بغير الشمس فلا غليان فيه،فلا وجه لتحريمه حتّى يحتاج إلى التحليل بذهاب الثلثين،على أنّ إطلاق العصير على ما في حبّات العنب كما ترى.

فضعيف بابتنائه على دلالة تلك النصوص أو غيرها على اعتبار كون ذهاب الثلثين بعد الغليان و حصول التحريم،و أنّه لو ذهبا قبله لا يُعبأ به.

و هو كما ترى؛ إذ لا أثر له فيها،بل ظاهرها اعتبار ذهاب الثلثين مطلقاً بعد

ص:448


1- الوسائل 25:282 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2.
2- الشهيد الأول في الدروس 3:16،الشهيد الثاني في المسالك 2:439؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 1:312،و الكفاية:251.

الغلي كان أم لا.هذا.

و أمّا ما ربما يستدلّ به للحرمة في التمري و الزبيبي من عموم قوله:

« كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» (1).

فلا ينبغي الإصغاء إليه و لا العروج في مقام التحقيق عليه؛ لأنّ حمله على العموم مخالف للإجماع قطعاً.و البناء على التخصيص و كون العام فيما عداه حجّةً حسنٌ إن كان الباقي أكثر،و الحال أنّ الأمر بالعكس،و مثله ليس بحجّة على الأصح.فينبغي صرفه إلى معهود،و هو إمّا عصير العنب خاصّة كما هو ظاهر الأصحاب كافّةً و اعترف به جماعة (2)،أو هو في الجملة من غير أن يعلم دخول عصير غيره فيه و عدمه.و مقتضى هذا القطع بإرادة عصير العنبي و التردّد في غيره،و معه لا يمكن صرف العموم إليه فضلاً أن يدّعى كونه التمري و الزبيبي.

هذا مع أنّ المستفاد من النصوص المتقدّمة (3)الدالّة على أنّ الخمر من خمسة:العصير من الكرم،إلى آخره.كون العصير في عرفهم عليهم السلام اسماً لما يؤخذ من العنب خاصّة،و أنّ ما يؤخذ من التمر إنّما يسمّى بالنبيذ،و ما يؤخذ من الزبيب يسمّى بالنقيع.

قيل:و هذا هو الذي يساعده العرف أيضاً،فإنّه لا يخفى أنّ العصير فيه إنّما يطلق على المأخوذ من الأجسام التي فيها مائيّة لاستخراج الماء منها،كالعنب و الرمان مثلاً،و أمّا الأجسام الصلبة التي فيها حلاوة أو حموضة و يراد استخراج حلاوتها أو حموضتها مثل التمر و الزبيب و السماق

ص:449


1- الكافي 6:1/419،التهذيب 9:516/120،الوسائل 25:282 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 1.
2- منهم:البحراني في الحدائق 5:127،128،130،146.
3- في ص 436.

و نحوها،فإنّه إنّما يستخرج ما فيها من الحلاوة و الحموضة إمّا بنبذها في الماء و نقعها فيه زماناً يخرج حلاوتها أو حموضتها إلى الماء،أو أنّها تمرس في الماء من أوّل الأمر من غير نقع،أو أنّها تغلي بالنار لأجل ذلك (1).و فيه نوع نظر.

نعم،يستفاد ذلك من جمع من أهل اللغة،كالفيومي في المصباح المنير،و ابن الأثير في النهاية،و القاموس،و مجمع البحرين (2).قال هو كالأوّل في مادة عصر:و العصير من العنب يقال:عصرت العنب عصراً من باب ضرب:استخرجت ماءه،و اسم الماء العصير.و قالا في مادة نقع:

و النقيع شراب يتّخذ من زبيب ينتقع في الماء من غير طبخ.و قال الأخير في مادة نبذ:و النبيذ ما يعمل من الأشربة من التمر و الزبيب و العسل و الحنطة و الشعير و نحو ذلك.

و على هذا فليس المراد من العصير في الخبر ما يعمّ عصير الزبيب و التمر؛ لعدم إطلاق العصير عليهما حقيقةً،و إنّما يطلق عليهما كذلك النبيذ و النقيع خاصّة.و لعلّه لهذا لم يستدلّ به على تحريمهما أحد من الأصحاب.هذا.

و على تقدير تسليم عمومه نقول:إنّه معارض بكثير من النصوص الدالّة على دوران الحكم في النبيذ حرمةً و حلّاً مدار السكر و عدمه،و هي مستفيضة جدّاً و سيأتي بعضها.و لو كان مجرّد الغليان يوجب التحريم و إن لم يبلغ حدّ الإسكار لجرى له ذكر أو إشارة و لو في بعضها،سيّما مع ورودها جلّاً بل كلّاً في مقام الحاجة جدّاً.

ص:450


1- الحدائق 5:125.
2- المصباح المنير:413،622،النهاية 5:7،القاموس المحيط 2:93،مجمع البحرين 3:407،189،و ج 4:398.

و أمّا ما يدّعى من أنّه بمجرّد الغليان يحصل منه السكر أو مباديه باعتبار بعض الأمزجة أو بعض الأمكنة،فغير مفهوم للعبد بعد اتّفاق جملة من عبائر الأصحاب التي وقفت عليها في تردّد الماتن و بيان وجهه على عدم حصول السكر بمجرّد الغليان ما لم يبلغ الشدّة المسكرة.

و ربما يومئ إليه و إلى ما مرّ من دوران الحكم فيهما حلّاً و حرمةً على تحقّق السكر و عدمه بعض النصوص أيضاً،كالخبر:عن النبيذ، فقال صلى الله عليه و آله:« و ما النبيذ؟فصفوه لي» فقالوا:

يؤخذ من التمر،فينبذ في إناء،ثمّ يصبّ عليه الماء حتّى يمتلئ، و يوقد تحته حتّى يطبخ،فإذا انطبخ أخذوه فألقَوه في إناء آخر،ثمّ صَبّوا عليه ماء ثمّ يمرس،ثمّ صَفَوه بثوب،ثمّ يلقى في إناء،ثمّ يصبّ عليه من عَكَر ما كان قبله،ثمّ يهدر و يغلي،ثمّ يسكن على عَكَره،فقال صلى الله عليه و آله:

« أ فيسكر؟» قال:نعم،قال:« فكلّ مسكر حرام» (1).الخبر.هذا.

و الإنصاف أنّ الحكم الباتّ بالحلّ في الزبيبي لا يخلو عن نوع أشكال؛ لقوّة دلالة الموثّقين على خلافه (2)،مع وجود قائل به من الأصحاب كما يظهر من الشهيدين و غيرهما (3)و إن لم يصرّحوا به،لكنّه ظاهر الكليني حيث إنّه عنون الباب الذي ذكر فيه الموثقين و غيرهما بباب صفة الشراب الحلال (4).

مضافاً إلى وقوع التصريح بحرمته في بعض الأخبار:في الزبيب يدقّ و يلقى في القدر و يصبّ عليه الماء،قال:« حرام حتّى يذهب ثلثاه» قلت

ص:451


1- الكافي 6:7/417،الوسائل 25:355 أبواب الأشربة المحرمة ب 24 ح 6.
2- راجع ص 6097.
3- الشهيد الأول في الدروس 3:16،الشهيد الثاني في المسالك 2:245؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 1:313.
4- الكافي 6:424.

الزبيب كما هو يلقى في القدر،قال:« هو كذلك سواء إذا أدّت الحلاوة إلى الماء فسد،كلّما غلى بنفسه أو بالنار فقد حرم إلّا أن يذهب ثلثاه» (1).

و الخروج بهذه النصوص عن الأُصول القطعيّة المعتضدة بالشهرة، و مجهوليّة القائل بها صريحاً أو ندرته و إن كان لا يخلو أيضاً عن إشكال، إلّا أنّ الاحتياط فيه لازم على كلّ حال.

و لا كذلك التمري؛ لوضوح مأخذ الحلّ فيه من الأُصول و النصوص الدالّة على دوران الحكم فيه حلّاً و حرمةً مدار السكر و عدمه،و خصوص الرواية مع قصور ما يعارضها سنداً و دلالةً،و عدم ما يدلّ على حرمته صريحاً مطلقاً مع عدم ظهور قائل بها فيه أصلاً.و مع ذلك الاجتناب عنه أحوط و أولى؛ للشبهة الناشئة من الموثّقين المتقدّم إليهما الإشارة (2)، و بعض النصوص المشعرة بل الظاهر في اتحاد عصيري العنب و التمر في العلّة المحرمة.

و فيه بعد كلام طويل يتضمّن تعليل الحكم بحرمة العصير العنبي بمسّ إبليس منه-:« فأوحى اللّه إلى آدم عليه السلام أنّ العنب قد مصّه عدوّي و عدوّك إبليس لعنه اللّه تعالى،و قد حرّمت عليك من عصيره الخمر ما خالطه نفس إبليس،فحرّمت الخمر» إلى أن قال:

« ثمّ إنّه» أي إبليس« قال لحوّاء:لو أمصصتِني شيئاً من هذا التمر كما أمصصتني من العنب،فأعطته تمرة فمصّها،و كان العنب و التمر أشدّ رائحة و أزكى من المسك الأذفر و أحلى من العسل،فلمّا مصّهما عدوّ اللّه ذهبت رائحتهما» إلى أن قال

ص:452


1- الأُصول الستة عشر:58،مستدرك الوسائل 17:38 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- في ص 442.

« ثمّ إنّ إبليس الملعون ذهب بعد وفاة آدم فبال في أصل الكرمة و النخلة،فجرى الماء في عروقهما من بول عدوّ اللّه تعالى،فمن ثمّ يختمر العنب و التمر،فحرّم اللّه تعالى على ذرّية آدم كل مسكر،لأنّ الماء جرى ببول عدوّ اللّه تعالى في النخل و العنب فصار كلّ مختمر خمراً لأنّ الماء اختمر في النخلة و الكرمة من بول عدو اللّه تعالى إبليس لعنه اللّه تعالى» (1)فتأمّل.

و يقوّي الاحتياط فيه احتمال وجود قول بتحريمه من الحلّي في سرائره حيث قال بعد الحكم بحرمة عصير العنب بالنشيش-:و كذلك القول فيما ينبذ من الثمار في الماء،أو اعتصر من الأجسام من الأعصار، في جواز شربه ما لم يتغير،فإن تغير بالنشيش لم يشرب (2).

لكنّه ليس بصريح في التحريم بمجرّد الغليان بالنار،بل غايته التحريم بالنشيش و هو صوت الغليان الحادث من طول المكث.و لا ريب في تحريمه حينئذٍ؛ لاستلزامه السكر كما يستفاد من الأخبار.و لا كذلك الغليان بالنار؛ لعدم معلومية استلزامه إيّاه،بل معلوميّة عدمه كما مرّ.

و ربما يشير إلى ما ذكرناه كلام شيخنا في الدروس حيث قال:

و لا يحرم المعتصر من الزبيب ما لم يحصل فيه نشيش،فيحلّ طبخ الزبيب على الأصح؛ لذهاب ثلثيه بالشمس غالباً (3).

فلو لا الفرق بما ذكرناه بين النشيش و الغليان بالنار لتناقض الحكم بالتحريم مع حصول النشيش المستفاد من مفهوم صدر عبارته،و الحكم بتحليل الطبيخ المعلّل بذهاب ثلثيه،مع وجود هذا التعليل فيه في الأوّل

ص:453


1- الكافي 6:2/393،الوسائل 25:283 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 3.
2- السرائر 3:129.
3- الدروس 3:16.

أيضاً.

فظهر أنّ الحكم بالتحريم فيه ليس من حيث العصيريّة،بل من حيثية اخرى،إمّا السكر،أو صيرورته بالنشيش فقّاعاً كما ذكره بعض أصحابنا.

و لعلّ حكم الحلّي بالتحريم مع النشيش لأحد هذين من كونه مسكراً أو مسمّى النبيذ،فتأمّل جدّاً.و لعلّه لهذا لم ينسب القول بالتحريم فيهما إليه أحد من أصحابنا.

الثاني الدم

الثاني: الدم المسفوح،أي المنصبّ من عرق بكثرة،من سفحت الماء إذا أهرقته.

و الأصل في حرمته بعد الإجماع المحكيّ في كلام جمع (1)المقطوع به الآيات الكثيرة عموماً و خصوصاً (2)،و النصوص المستفيضة جدّاً.

و منها:الأخبار المستثنية من الذبيحة أُموراً عشرة المصرّحة بأن منها ما كان دماً (3).

و خصوص المرسلة المعلّلة لتحريمه بإيراثه الكَلَب،و القسوة في القلب،و قلّة الرأفة و الرحمة،و الماء الأصفر،و البخر،و غير ذلك من الأُمور المعدودة فيها (4).

و إطلاق العبارة ككثير من الآيات و الروايات و إن شمل ما يتخلّف في لحم الحيوان المأكول ممّا لا يقذفه المذبوح،إلّا أنّه حلال بالإجماع الظاهر

ص:454


1- منهم:ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):618،و العلّامة في المنتهي 1:163،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:266.
2- المائدة:3،الأنعام:145،الأعراف:157.
3- انظر الوسائل 24:171 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31.
4- الكافي 6:1/242،الفقيه 3:1009/218،التهذيب 9:553/128،علل الشرائع:1/483،المحاسن:104/334،تفسير العياشي 1:15/291،الوسائل 24:99 أبواب الأطعمة المحرمة ب 1 ح 1.

المصرّح به في كلام جمع كالمسالك و غيره (1).و يعضده الاعتبار؛ لاستلزام تحريمه العسر و الحرج المنفيّين شرعاً،لعدم خلوّ اللحم عنه و إن غسل مرّات.مضافاً إلى تقييد المحرّم عنه في بعض الآيات بالمسفوح،فتدبّر.

و مقتضاه مضافاً إلى الأصل و العمومات حلّ ما عدا المسفوح من الدماء،كدم الضفادع و القُراد و السمك.و هو ظاهر جملة من الأصحاب المستدلّين به على طهارته كابني زهرة و إدريس و المختلف (2)،و لعلّه صريح الماتن في المعتبر في دم السمك حيث استدلّ فيه على طهارة دمه بأنّه لو كان نجساً لوقفت إباحة أكله على سفح دمه بالذبح كحيوان البرّ، لكنّ الإجماع على خلاف ذلك،و أنّه يجوز أكله بدمه (3).

و هو ظاهر في دعوى الإجماع عليه.و لا بأس به في مورد عبارته؛ لما ذكره،مضافاً إلى ما مرّ من التأمل في خباثته.و يشكل في غيره ممّا مر، و من القطع بخباثته،فيشمله عموم ما دلّ على تحريم كلّ خبيث.و لعلّ هذا أظهر،وفاقاً للأكثر،بل لم أقف فيه على مخالف صريح عدا مَن مرّ و مَن قيّد المحرّم من الدم بالمسفوح و لم يذكر تحريم غيره،كالغنية (4).

و التعارض بين عموم ما دلّ على تحريم كلّ خبيث،و عموم المفهوم فيما قيّد فيه المحرّم من الدم بالمسفوح و حَصَر فيه،و إن كان تعارض العموم و الخصوص من وجه،و الأصل و العمومات يرجّح المحلّل منهما، إلّا أنّ اعتضاد المحرّم بعمل الأكثر يرجّحه.

ص:455


1- المسالك 2:245؛ و انظر الكفاية:252.
2- ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):618،ابن إدريس في السرائر 3:121،المختلف:59.
3- المعتبر 2:421.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):618.

هذا مع ضعف المحلّل بمخالفة مفهوم الحصر فيه الإجماع من الكلّ؛ لدلالته على حلّ ما عدا الميتة و الدم و لحم الخنزير،و البناء فيه على التخصيص و حجّية الباقي حسن إن بقي من الكثرة ما يقرب من مدلول العام،و ليس بباق بلا كلام.و لا مفرّ عن هذا المحظور إلّا بجعل الحصر إضافيّاً أو منسوخاً،و أيّا ما كان يضعّف الاستناد إليه في المقام،كما لا يخفى على ذوي الأحلام.

و من هنا يتّجه ما ذكره شيخنا في المسالك من أنّ الأصل في الدم التحريم إلّا ما خرج بالنصّ و الوفاق (1).

و كذا العلقة محرّمة مطلقاً و لو كانت الموجودة في البيضة المحلّلة؛ للخباثة بلا شبهة،سيّما ما كان من نحو المرأة.

و في نجاستها تردّد و اختلاف:

فبين قائلٍ بها،كالماتن في المعتبر،و الشهيد في الدروس،و الفاضل المقداد في التنقيح (2)،وفاقاً للخلاف مدّعياً عليه الوفاق (3)،محتجّاً به و بإطلاق ما دلّ على نجاسة الدم.

و بين مائلٍ إلى الطهارة،كالشهيد في الذكرى،و صاحب المعالم، و غيرهما (4)؛ لعدم انصراف الإطلاق إليها،سيّما إلى التي في البيضة،مع عدم معلوميّة[تسمية (5)]ما فيها علقةً،فلا تشمله حكاية إجماع الخلاف

ص:456


1- المسالك 2:245.
2- المعتبر 2:422،الدروس 1:123،التنقيح الرائع 4:51.
3- الخلاف 1:490.
4- الذكرى:13،معالم الفقه:222؛ و انظر روض الجنان:163.
5- أثبتناه من نسخة« ر» و« ح».

المتقدّمة.و هو حسن،إلّا أنّ نجاسة العلقة من الإنسان و نحوه بالإجماع المزبور ثابتة،و هو يستعقب الثبوت فيما في البيضة؛ لعدم القائل بالفرق بين الطائفة.

فإذاً أشبهه النجاسة مطلقاً،لكن مع تأمّلٍ ما في ثبوتها لما في البيضة،بناءً على التأمّل في بلوغ عدم القول بالفرق المزبور حدّ الإجماع المركّب الذي هو الحجّة.و الاحتياط واضح سبيله.

و لو وقع قليل دم نجس في قدر و هي تغلي لم يحرم المرق و لا ما فيها من اللحم و التوابل إذا ذهب الدم بالغليان وفاقاً للشيخين و الديلمي (1)،لكنّه كالمفيد لم يقيّد الدم بالقليل.

للخبرين:أحدهما الصحيح:قدر فيها جزور وقع فيها قدر أوقية من دم،أ يؤكل؟قال:« نعم،النار تأكل الدم» (2).

و في الثاني:عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم و مرق كثير قال:« يُهراق المرق،أو يطعمه أهل الذمة أو الكلاب،و اللحم اغسله و كله» قلت:فإن قطر فيها الدم؟قال:« الدم تأكله النار» (3).

و من الأصحاب من منع من المائع و أوجب غسل اللحم و التوابل و هو الحلّي (4).

ص:457


1- المفيد في المقنعة:582،الطوسي في النهاية:588،الديلمي في المراسم:210.
2- الكافي 6:1/235،الفقيه 3:1005/216،الوسائل 24:196 أبواب الأطعمة المحرمة ب 44 ح 2.
3- الكافي 6:1/422،التهذيب 9:512/119،الوسائل 25:358 أبواب الأشربة المحرمة ب 26 ح 1.
4- السرائر 3:121.

و هو حسن و عليه عامّة المتأخّرين؛ أخذاً بالأصل المعتضد بعملهم،و التفاتاً إلى ضعف الخبرين عن المقاومة له،لذلك،سيّما مع ضعف سند الثاني،و مخالفة ما فيهما من التعليل للإجماع المنعقد على الظاهر على عدم حصول التطهير بالنار إلّا بالاستحالة المفقودة في مفروض المسألة.

و بالجملة الحال فيه كما لو وقع غيره من النجاسة كالخمر و النبيذ المسكر و الفأرة.

و الأصل فيه بعد الأصل المتقدّم السليم عن المعارض بالكليّة الإجماع الظاهر من العبارة و المحكيّ في التحرير و الدروس (1).

و الرواية الثانية الصريحة في المطلوب كالقوية:عن قدر طبخت فإذا في القدر فأرة،قال:« يُهراق مرقها و يغسل اللحم و يؤكل» (2).

و صريحها كالرواية الأُولى حجّة على المحكي عن القاضي من أنّه مع كثرة النجاسة لا يؤكل شيء ممّا في القدر،سواء كان مائعا أو غيره (3).

و يضعّفه أيضاً الإجماع المحكيّ المتقدّم،و أنّ ما ليس بمائع يطهر بالغَسل،فلا وجه لتعطيله مع إمكان الانتفاع به.

قيل:و اعلم أنّ التقي وافق الشيخين فيما قالا،إلّا أنّه اطّرد الحكم في النجاسات كلها (4).

ص:458


1- التحرير 2:161،الدروس 3:20.
2- الكافي 6:3/261،التهذيب 9:365/86،الوسائل 24:196 أبواب الأطعمة المحرمة ب 44 ح 1.
3- المهذب 2:431.
4- قال به الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:53.

و لعلّ وجهه فحوى التعليل المتقدّم في الصحيح.و فيه:أنّ متعلّقه الدم خاصّة،فلا يتعدى به إلى غيره،و لذا إنّ الخبر الثاني الذي بعده مع تضمّنه للتعليل المزبور بعينه قد فرق فيه بين الدم و غيره،فتأمّل.

الثالث كل مائع لاقته نجاسة فقد نجس

الثالث: كل مائع لاقته نجاسة عينيّة أو عرضيّة فقد نجس إجماعاً فتوًى و دليلاً.و يحرم أكله؛ لما مضى من حرمة الأعيان النجسة مطلقاً الشاملة للمتنجّسات أيضاً،و لذا لم يذكر التحريم هنا اتّكالاً على ما مضى.

و النجاسة العينيّة كثيرة تقدّم ذكرها في كتاب الطهارة،و قد أشار الماتن إلى جملة منها هنا،فقال: كالخمر و في معناه الفقّاع و كلّ مسكر، و العصير العنبي خاصّة،أو مطلقاً على قول فيهما.

و الميتة و الدم من ذي النفس السائلة لا غيره.

و الكافر الحربي و في حكمه المرتدّ و إن انتحل الإسلام مع جحده لبعض ضروريّاته.

و في نجاسة الذمّي روايتان أظهرهما و أشهرهما النجاسة بل عليه إجماع الإمامية،كما في كلام جماعة (1)بحدّ الاستفاضة فصاعداً، تقدّم ذكرها في كتاب الطهارة مفصّلاً.

و قد علم ثمّة أنّ الرواية الثانية الدالّة على الطهارة مع شذوذها، و ندرة القائل بها جدّاً محمولةٌ على التقيّة من العامّة العمياء.

و في رواية ثالثة أنّه إذا اضطرّ إلى مؤاكلته أمره بغسل يده (2).

ص:459


1- منهم:العلّامة في المنتهي 1:168،و الشهيد الثاني في روض الجنان:163،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:70.
2- الفقيه 3:1016/219،التهذيب 9:373/88،الوسائل 24:209 أبواب الأطعمة المحرمة ب 53 ح 1 و 4.

و هي و إن كانت صحيحة إلّا أنّها متروكة لا عامل بها عدا الشيخ في النهاية (1)،مع أنّه صرّح قبل ذلك بأسطر قليلة بأنّه لا يجوز مؤاكلة الكفّار على اختلاف مللهم،و لا استعمال أوانيهم إلّا بعد غسلها بالماء.و أنّ كلّ طعام تولّاه بعض الكفار و باشروه بنفوسهم لم يجز أكله؛ لأنّهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم إيّاه.

و هذا الكلام صريح في الحكم بنجاستهم،فلا بدّ من حمل كلامه الآخر المطابق لمضمون الخبر على خلاف ظاهره؛ إذ من المستبعد جدّاً الرجوع عن الحكم في هذه المسافة القصيرة و إبقاؤه مثبتاً في الكتاب.و لعلّ مراده المؤاكلة التي لا تتعدّى معها النجاسة،كأن يكون الطعام جامداً،أو في أوان متعدّدة،و يكون وجه الأمر بغسل يديه إرادة تنظيفهما من آثار القاذورات التي لا ينفكّ الكافر عنها غالباً،فمؤاكلته على هذه الحالة بدون غسل اليد مظنّة حصول النفرة.

و قد تعرّض الماتن في نكت النهاية للكلام على عبارة النهاية الموافقة لمضمون الرواية،فذكر على جهة السؤال أنّه ما الفائدة في الغسل و اليد لا تطهّر به؟و أجاب بأنّ الكفّار لا يتورّعون عن كثير من النجاسات،فإذا غسل يده فقد زالت تلك النجاسة،ثم قال:و هذا يحمل على حال الضرورة أو على مؤاكلة اليابس،و غسل اليد لزوال الاستقذار النفساني الذي يعرض من ملاقاة النجاسات العينية و إن لم يفد اليد طهارة (2).

و بما ذكرنا ظهر وجه محمل للرواية على وجه يوافق القول بالنجاسة، و فساد ما نسب إلى النهاية من القول بالطهارة.

ص:460


1- النهاية:589.
2- النهاية و نكتها 3:107.

و لو كان ما وقعت فيه النجاسة جامداً يصدق الجمود عليه عرفاً، و ضابطه أن لا ينصبّ من الإناء إذا صبّ اُلقي ما يكتنف النجاسة من أطرافها و حلّ ما عداه إجماعاً في الظاهر؛ للصحاح المستفيضة.

منها:« إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت،فإن كان جامداً فألقها و ما يليها،و كُلْ ما بقي،و إن كان ذائباً فلا تأكله و استصبح به،و الزيت مثل ذلك» (1).

و منها:عن الفأرة و الدابة تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه،فقال:

« إن كان سمناً أو عسلاً أو زيتاً فإنّه ربما يكون بعض هذا،فإن كان الشتاء فانزع ما حوله[و كله (2)]،و إن كان الصيف فارفعه حتى تسرج به،و إن كان [ثَرداً (3)]،فاطرح الذي كان عليه،و لا تترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه» (4).

و منها:جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل،فقال:« أمّا السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله،و أمّا الزيت فيستصبح به»،و قال في بيع ذلك الزيت:« تبيعه و تبينه لمن اشتراه ليستصبح به» (5).

و يستفاد منه أنّه لو كان المائع المتنجس دهناً جاز بيعه للاستصباح به مع البيان للحال لمن يشتريه.

ص:461


1- الكافي 6:1/261،التهذيب 9:360/85،الوسائل 24:194 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 2.
2- أثبتناه من المصدر.
3- في النسخ:برداً،و ما أثبتناه من المصدر.
4- التهذيب 9:361/86،الوسائل 24:195 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 3.
5- الكافي 6:2/261،التهذيب 9:359/85،الوسائل 24:194 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 1؛ بتفاوت.

و في وجوب كونه تحت السماء لا تحت الأظلّة أو جوازه مطلقاً قولان،تقدّم ذكرهما في البيع مع تمام التحقيق في المقام (1)،و أكثر ما يتعلّق به من الأحكام و منه أنّه لا يحلّ ما يقطع من أليات الغنم، و لا يستصبح بما يذاب منها و اعلم:أنّ ما يموت فيه ممّا له نفس سائلة من المائع ينجس و يحرم دون ما لا نفس له كالذباب و نحوه،إجماعاً،فتوًى و روايةً،كما تقدّم في كتاب الطهارة (2).

و اعلم أنّ في العبارة نوع تكرار في الجملة،و حقّها أن يقال:المائع إنّما ينجس بالميتة إذا كانت له نفس سائلة دون ما لا نفس له.و مع هذا كان عليه أن ينبّه على هذا في الدم أيضاً؛ لأنّه كالميتة جدّاً لا ينجس منه المائع إلّا ما كانت له نفس سائلة.

الرابع أبوال ما لا يؤكل لحمه

الرابع: أبوال ما لا يؤكل لحمه شرعاً حرام إجماعاً؛ لنجاستها و استخباثها قطعاً.

و هل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟قيل:نعم إلّا بول الإبل للاستشفاء،كما عن ظاهر الشيخ في النهاية،و صريح ابن حمزة،و اختاره الماتن في الشرائع،و الفاضل فيما حضرني من كتبه كالإرشاد و التحرير و القواعد و المختلف،و الشهيدان في صريح الدروس و ظاهر الروضة (3).

و هو في غاية القوّة إمّا للقطع بالاستخباث كما هو الظاهر،أو احتماله

ص:462


1- راجع ج 8 ص 137.
2- راجع ج 2 ص 70.
3- النهاية:590،ابن حمزة في الوسيلة:364،الشرائع 3:227،الإرشاد 2:111،التحرير 2:161،القواعد 2:158،المختلف:686،الدروس 3:17،الروضة 7:324.

الموجب للتنزّه عنه و لو من باب المقدّمة.

هذا،مضافاً إلى الأولويّة المستفادة ممّا قدّمناه من الأدلّة الدالة على حرمة الفرث و المثانة التي هي مجمع البول بناءً على بُعدهما بالإضافة إلى البول عن القطع بالخباثة،فتحريمهما مع ذلك يستلزم تحريم البول القريب من القطع بالاستخباث بالإضافة إليهما بطريق أولى.

و يزيد وجه الأولوية فيه من جهة الفرث بظهور النصوص المعتبرة في سهولة الروث من الخيل و البغال و الحمير بالإضافة إلى أبوالها في وجوب التنزّه عنهما،أو استحبابه،حتّى ظنّ جماعة لذلك الفرق بينهما بالطهارة في الروث و النجاسة في البول.و الفرث في معنى الروث قطعاً،و حينئذٍ فتحريم الأضعف يستلزم تحريم الأشدّ بالأولويّة المتقدّمة.

و حيث ثبت الحرمة في أبوال هذه الحمول الثلاثة المأكول لحمها على الأظهر الأشهر بين الطائفة،ثبت الحرمة في أبوال غيرها من كلّ مأكول للحم؛ لعدم القائل بالفرق بين الطائفة.

و التحليل عند الماتن هنا و في كتاب البيع من الشرائع (1) أشبه وفاقاً لجماعة من القدماء،كالإسكافي و المرتضى و الحلّي (2)،مدّعياً الثاني عليه إجماعنا،بل نفى الخلاف عنه بين كلّ من قال بطهارة الأبوال ممّا يؤكل لحمه؛ و هو الحجة للمدّعى،مضافاً إلى أصالة الإباحة المستفادة من عمومات الكتاب و السنة.

و يضعّف الأوّل بمعارضته بما قدّمناه من الأدلّة التي منها الإجماع

ص:463


1- الشرائع 2:9.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:686،المرتضى في الانتصار:201،الحلّي في السرائر 3:125.

المحقّق و المحكيّ على حرمة الروث و المثانة الدالّة على حرمة البول،بما مرّ من الأولويّة التي هي من الدلالة الالتزامية التي لا فرق بينها و بين الدلالة المطابقية الموجودة في إجماع السيّد في الحجّية.و الثاني بلزوم تخصيصه بتلك الأدلّة.

و بالجملة:لا ريب عند الأحقر في الحرمة و لا شبهة،مع أوفقيّتها للاحتياط المطلوب في الشريعة.

و ممّا ذكرناه من الدليل الأوّل للمختار يظهر وجه صحّة القول بتحريم بصاق الإنسان و نخامته و عرقه و بعض فضلات باقي الحيوانات كما هو المشهور.

و ضعفِ احتمال الحلّ فيها و في مفروض مسألتنا من المقدّس الأردبيلي و صاحب الكفاية (1)،حيث قالا به لمنع صدق الخبيث عليها،إذ لم يثبت له حقيقة شرعيّة،و صدق العرفي و اللغوي غير ظاهر،و تنفّر بعض الطباع غير كافٍ،فتبقى أدلّة الحلّ سالمة.

و هو كما ترى؛ لظهور الصدق العرفي بل اللغوي قطعاً،و تنفّر جميع الطباع عنها جدّاً،و هو كافٍ في الحكم بالخباثة في ظاهر كلامهما.

هذا مضافاً إلى ما عرفت من عدم الاحتياج إلى القطع بالخباثة و أنّه يكفي احتمالها؛ لإيجابه لزوم التنزّه عن محتملها من باب المقدّمة.و ليس التكليف باجتنابه تكليفاً مشروطاً بالعلم بخباثته بل هو مطلق،و من شأنه توقّف الامتثال فيه بالتنزّه عن محتملاته.و إن هو حينئذ إلّا كالتكليف باجتناب السمومات و المضرّات،فكلّ ما احتمل السمّ أو الضرر يجب التنزّه عنه قطعاً عقلاً بل و نقلاً،و ما نحن فيه كذلك جدّاً.

ص:464


1- الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:214،الكفاية:252.
الخامس ألبان الحيوان المحرم

الخامس: ألبان الحيوان المحرم كاللبْوَة بكسر اللام و فتحها:

الأُنثى من الأسد و الذئبة و الهرة محرّمة كلحمها.

و يكره لبن ما كان لحمه مكروهاً كالأُتن بضمّ الهمزة و التاء و بسكونها:جمع أتان بالفتح الحمارة.

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل عليه في صورة التحريم الإجماع في الغنية (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى المرسلة المنجبرة بعمل الطائفة:« كلّ شيء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن،أو بيض،أو إنفحة فكلّ ذلك حلال طيّب» (2).و قد مرّ وجه دلالتها (3).

فلا إشكال في التبعيّة في هذه الصورة،و إن تأمّل فيه المقدّس الأردبيلي رحمه الله و صاحب الكفاية قائلين أنّ الحجّة عليها غير واضحة (4).

و المناقشة فيه بعد ما عرفت ظاهرة؛ لحجّية الإجماع المنقول، و الرواية المنجبرة باتّفاق الطائفة،مع وضوح دلالتها كما مرّ إليه الإشارة.

مع اعتضادهما بأنّ اللبن قبل استحالته إلى صورته كان محرّماً قطعاً، لكونه جزءاً يقيناً،فبحرمة الكلّ يحرم هو أيضاً،إذ لا وجود للكل إلّا بوجود أجزائه،فتحريمه في الحقيقة تحريم لها.

مع أنّه قبل الاستحالة دم،و هو بنفسه حرام إجماعاً.فتأمّل جدّاً.و إذا ثبت التحريم قبل الاستحالة ثبت بعدها،استصحاباً للحرمة السابقة.

هذا مع أنّ اللبن بنفسه جزء أيضاً حقيقةً،فلا يحتاج في إثبات تحريمه إلى الاستصحاب بالمرّة.

ص:465


1- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
2- الكافي 6:7/325،الوسائل 25:81 أبواب الأطعمة المباحة ب 40 ح 2.
3- راجع ص 374.
4- مجمع الفائدة و البرهان 11:215،الكفاية:252.

و من هذا يظهر وجه حكمهم بكراهته ممّا يكره لحمه.

و لا ينافيها النصوص الواردة في شيراز (1)الأُتن،كالصحيح:« هذا شيراز الأُتن اتّخذناه لمريض لنا،فإن أحببت أن تأكل منه فكل» (2).

و الصحيح:عن شرب ألبان الأُتن،فقال:« اشربها» (3)و الخبر:

« لا بأس بها» (4).

فإنّ غايتها الرخصة في الشرب و نفي البأس عنه الواردان في مقام توهّم الحظر،و لا يفيدان سوى الإباحة بالمعنى الأعمّ الشامل للكراهة.

فتأمّل الفاضلين المتقدّم إليهما الإشارة في التبعية في هذه الصورة أيضاً لا وجه له،سيّما و أنّ المقام مقام كراهة يتسامح في دليلها بما لا يتسامح به في غيرها،فيكتفى فيها بفتوى فقيه واحد،فما ظنّك باتّفاق فتاوي الفقهاء الذي كاد أن يكون إجماعاً.

و بالجملة:لا إشكال في المسألة بشقّيها أصلاً.و الحمد للّه تعالى.

القسم السادس في اللواحق

اشارة

القسم السادس:في اللواحق و هي سبع مسائل.

الأُولى شعر الخنزير نجس

الاُولى: شعر الخنزير نجس مطلقاً سواء أُخذ من حيّ أو ميّت

ص:466


1- الشيراز:اللبن الرائب المستخرج ماؤه.القاموس 2:185.
2- الكافي 6:1/338،التهذيب 9:438/101،المحاسن:594/494،الوسائل 25:115 أبواب الأطعمة المباحة ب 60 ح 1.
3- الكافي 6:3/339،التهذيب 9:439/101،المحاسن:591/494،الوسائل 25:116 أبواب الأطعمة المباحة ب 60 ح 3.
4- الكافي 6:4/339،التهذيب 9:440/101،المحاسن:592/494،الوسائل 25:116 أبواب الأطعمة المباحة ب 60 ح 4.

على الأظهر الأشهر،بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من المرتضى،فقال بطهارة كلّ ما لا تحلّه الحياة من الحيوان مطلقاً (1).و هو ضعيف جدّاً كما في كتاب الطهارة قد مضى.

و على قوله يجوز استعماله مطلقاً و لو من دون ضرورة،و في جوازه كذلك على المختار خلاف،و المشهور عدم جواز استعماله من غير ضرورة.

فإن اضطرّ استعمل ما لا دسم فيه و غسل يده و ذهب إليه الشيخ في النهاية،و القاضي و الحلّي و الفاضلان و الشهيدان و غيرهما من المتأخّرين (2).و ادّعى الثالث تواتر الأخبار بتحريم استعماله؛ و هي الحجّة المنجبرة بالشهرة العظيمة.

مضافاً إلى الخبرين المانعين عن استعماله في الجملة،و في أحدهما:

إنّا نعمل شعر الخنزير،فربما نسي الرجل فصلّى و في يده شيء منه،فقال:

« لا ينبغي له أن يصلّي و في يده شيء منه» و قال:« خذوه فاغسلوه،فما له دسم فلا تعملوا به،و ما لم يكن له دسم فاعملوا به،و اغسلوا أيديكم منه» (3).

و في الثاني:عن شعر الخنزير يعمل به،قال:« خذ منه فاغسله بالماء

ص:467


1- الناصريات(الجوامع الفقهية):182.
2- النهاية:587،القاضي في المهذب 2:443،الحلّي في السرائر 3:114،المحقق في الشرائع 3:227،العلّامة في القواعد 2:159،الشهيد الأول في الدروس 3:15،الشهيد الثاني في الروضة 7:340؛ و انظر كشف اللثام 2:271.
3- الفقيه 3:1019/220،التهذيب 9:356/85،الوسائل 24:237 أبواب الأطعمة المحرمة ب 65 ح 2.

حتى يذهب ثلث الماء و يبقى ثلثاه،ثم اجعله في فخارة ليلة باردة،فإن جمد فلا تعمل به،و إن لم يجمد ليس عليه دسم فاعمل به و اغسل يدك إذا مسسته عند كلّ صلاة» (1).

و حيث ثبت منهما المنع في الجملة ثبت المنع مطلقاً إلّا عند الضرورة؛ لعدم القائل بالفرق بين الطائفة،إذ كلّ من قال بالمنع عن استعماله قال به كذلك إلّا في الضرورة،و كلّ من قال بجوازه قال به مطلقاً من دون استثناء صورة أصلاً،إمّا بناءً على عدم نجاسته كما عليه المرتضى، أو بناءً على عدم دليل على المنع عن الاستعمال أصلاً كما عليه الفاضل في المختلف (2).

و القول بالمنع في صورة الدسم خاصّةً كما هي مورد الخبرين، و الجواز في غيرها مطلقاً و لو اختياراً لم يوجد به قائل أصلاً.

و صورة الجواز في الخبرين و إن كانت مطلقةً تعمّ حالتي الاختيار و الاضطرار،إلّا أنّها مقيّدة بالحالة الثانية،للإجماع المزبور جدّاً.

و قصورهما بالجهالة مجبور بالشهرة،مع زيادة الانجبار في الأوّل بكون الراوي فيه عن موجبها عبد اللّه بن المغيرة الذي قد حكي على تصحيح ما يصحّ عنه إجماع العصابة (3).

و يعضد الحكم في المسألة ما استدلّ به له جماعة (4)من إطلاق تحريم الخنزير الشامل لموضع النزاع.و الشمول و إن كان محلّ مناقشة بناء

ص:468


1- التهذيب 6:1130/382،الوسائل 17:228 أبواب ما يكتسب به ب 58 ح 2.
2- المختلف:684.
3- رجال الكشي 2:830.
4- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح 4:55،و الشهيد الثاني في المسالك 2:247،و الروضة البهية 7:340.

على تبادر الأكل منه خاصّةً،و لذا لم نجعله حجّة،سيّما مع تقييد المحرّم منه في الآية باللحم خاصّةً،إلّا أنّه صالح للتأييد و التقوية.مع احتمال أخذه حجّةً بجعل الشهرة مع الأقربيّة إلى الحقيقة في الحقيقة قرينةً على إرادة مطلق الانتفاعات و لو لم يكن متبادراً في العرف و العادة ينصرف إليه اللفظ عند التجرّد عن القرينة.هذا.

و لو لم يصلح كلّ واحد ممّا ذكرنا حجّة فلا ريب في حصول الحجّة من مجموعها،فلا شبهة في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و يجوز الاستقاء بجلود الميتة مطلقاً لما لا يشترط فيه الطهارة عند الماتن هنا و في الشرائع،و الفاضل في الإرشاد تبعاً للنهاية (1).و الأظهر خلافه كما في بحث حرمة الميتة قد مرّ إليه الإشارة،مع بيان ضعف دليل المخالف (2).

و ظاهر الدروس التوقّف في ذلك (3).و وجهه غير واضح.

و أمّا أنّه لا يصلّى بمائها إن كان قليلاً فإجماع و وجهه واضح.

الثانية إذا وجد لحم فاشتبه القي في النار فإن انقبض فهو ذكيّ و إن انبسط فهو ميتة

الثانية: إذا وجد لحم فاشتبه أنّه مذكّى أم ميتة فمقتضى الأُصول الحرمة إلّا أن يعلم المذكّى بعينه.

إلّا أنّ المشهور أنّه اُلقي في النار فإن انقبض و تقلّص فهو ذكيّ، و إن انبسط فهو ميتة بل عن الشهيد في النكت أنّه قال:لا أعلم أحداً خالف فيه،إلّا أنّ المحقّق في الشرائع و الإمام المصنف أورداها بلفظ قيل

ص:469


1- الشرائع 3:227،الإرشاد 2:113،النهاية:587.
2- راجع ص 409.
3- الدروس 3:13.

مشعراً بالضعف (1).و في الدروس يكاد أن يكون إجماعاً (2).و نفى عنه البعد في المسالك،قال:و يؤيّده موافقة ابن إدريس عليه،فإنّه لا يعتمد على أخبار الآحاد،فلولا فهمه الإجماع لما ذهب إليه (3)،مع أنّه حكي عن بعض الأصحاب صريحاً (4)،و ادّعاه في الغنية (5)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى بعض المعتبرة المنجبر قصور سنده بالجهالة بالشهرة، و رواية ابن أبي نصر عن موجبها،و هو ممّن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة:في رجل دخل قرية فأصاب فيها لحماً لم يدر أذكي هو أم ميّت،قال:« فاطرحه على النار،فكلّ ما انقبض فهو ذكيّ،و كلّ ما انبسط فهو ميّت» (6).

خلافاً للفاضل في الإرشاد و القواعد،و ولده في شرحه و المقداد في التنقيح،و الصيمري في شرح الشرائع (7)حاكياً له أيضاً عمن مرّ و أبي العباس،فاختاروا الحرمة،و صرّح بها أيضاً في الروضة (8)؛ عملاً بالقاعدة من أصالة الحرمة،و عدم الحكم بالتذكية إلّا مع معلوميّتها،كما مرّ في كتاب الصيد إليه الإشارة.

ص:470


1- غاية المراد 3:544،و انظر الشرائع 3:227،و الإرشاد 2:113.
2- الدروس 3:14.
3- المسالك 2:247،و انظر السرائر 3:96.
4- حكاه عنه السبزواري في الكفاية:252.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):619.
6- الكافي 6:1/261،التهذيب 9:200/48،الوسائل 24:188 أبواب الأطعمة المحرمة ب 37 ح 1.
7- الإرشاد 2:113،القواعد 2:159،إيضاح الفوائد 4:161،التنقيح 4:57،غاية المرام 4:69.
8- الروضة 7:337.

و هو حسن لولا ما قدّمناه من الأدلّة.

و العجب من الشهيد عليه الرحمة في دعواه عدم معرفته الخلاف مع صدوره صريحاً عن العلّامة و ولده في كتبهما المعروفة المشهورة المتداولة:

قال في الدروس تفريعاً على الرواية-:و يمكن اعتبار المختلط بذلك،إلّا أنّ الأصحاب و الأخبار أهملت ذلك (1).

و استضعف هذا الاحتمال في المسالك و الروضة بأنّ المختلط يعلم أنّ فيه ميتاً يقيناً مع كونه محصوراً،فاجتناب الجميع متعيّن،بخلاف ما يحتمل كونه بأجمعه مذكّى،فلا يصحّ حمله عليه مع وجود الفارق (2).

و فيه نظر؛ لظهور الخبر في تلازم علامتي الحلّ و الحرمة للمذكّى و الميتة من دون أن يكون لخصوص مورد السؤال فيه في ذلك مدخليّة، فلا شبهة فيما ذكره،لكن يأتي عليه ما قرّره.

ثمّ على المختار لو كان اللحم قطعاً متعدّدة فلا بدّ من اعتبار كلّ قطعة على حدة؛ لإمكان كونه من حيوانات متعدّدة.

و لو فرض العلم بكونه متّحداً جاز اختلاف حكمه بأن يكون قد قطع بعضه منه قبل التذكية.

و لا فرق على القولين بين وجود محلّ التذكية و رؤيته مذبوحاً أو منحوراً و عدمه؛ لأنّ النحر و الذبح بمجردهما لا يستلزمان الحلّ،لجواز تخلّف بعض الشروط.

و كذا لو وجد الحيوان غير مذبوح و لا منحور لكنّه مضروب بالحديد

ص:471


1- الدروس 3:14.
2- المسالك 2:242،الروضة 7:337.

في بعض جسده؛ لجواز كونه استعصى فذكّي كيف اتّفق حيث يجوز في حقّه ذلك.و بالجملة فالشرط إمكان كونه مذكّى على وجه يبيح لحمه.

و اعلم أنّ مفروض المسألة و موردها إنّما هو وجدان اللحم المشتبه ذكاته في موضع لم يحكم بها شرعاً.و لو وجد في موضع يحكم بها فيه كسوق الإسلام و نحوه فلا أثر للاشتباه فيه جدّاً،بل يحكم بكونه مذكّى إجماعاً،فلا يحتاج إلى استعمال الأمارة أصلاً،بل لو استعملت و ظهرت أمارة الحرمة أمكن القول بالإباحة،لكن على إشكال فيه يظهر من ملاحظة الرواية بالتقريب المتقدّم إليه الإشارة.

و على هذه الصورة يحمل المعتبرة من الصحيح و الموثّق و غيرهما (1)، الدالّة على أنّ كلّ شيء يكون فيه حلال و حرام،فهو حلال أبداً حتّى يعرف الحرام بعينه.

و القويّ:« إنّ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة،كثير لحمها،و خبزها،و جبنها،و بيضها،و فيها سكّين، فقال عليه السلام:يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل،لأنّه يفسد و ليس له بقاء،فإنّ جاء لها طالب غرموا له الثمن،قيل:يا أمير المؤمنين،لا ندري سفرة مسلم أو سفرة مجوسي،قال:هم في سعة حتّى يعلموا» (2).

و إنّما خصّت هذه النصوص بها مع أنّها عامّة لها و لغيرها؛ توفيقاً بينها و بين القواعد المتقدّمة المعتضدة بفتاوي الأصحاب كافّةً،و الرواية المتقدّمة الصريحة في عدم الحلّ بمجرد الاشتباه،و احتياجه إلى معرفة المذكّى من الميتة،و نحوها النصوص الآتية الصريحة في حرمة المذكّى المشتبه بالميتة،

ص:472


1- انظر الوسائل 17:87 أبواب ما يكتسب به ب 4.
2- الكافي 6:2/297،الوسائل 25:468 أبواب اللقطة ب 23 ح 1.

و إلّا لما أُمر ببيع اللحم المختلط بها ممن يستحلّها.

هذا مع أنّ الرواية الأخيرة ظاهرة الاختصاص فيما حملت عليه من الصورة،بناءً على وقوع السؤال و الجواب فيها في بلاد الإسلام،و هي كما عرفت ممّا لا يتعلّق بما يوجد فيه من اللحم و نحوه اشتباه بلا كلام.

و لو اختلط الذكيّ من اللحم و شبهه بالميتة و لا سبيل إلى تمييزه و كانا محصورين يمكن التنزّه عنهما من دون حرج اجتنبا معاً وجوباً؛ لوجوب اجتناب الميتة،و لم يتمّ إلّا به،فيجب و لو من باب المقدمة.مع أنّه لا خلاف فيه أجده إلّا من المقدس الأردبيلي و صاحب الكفاية (1)،فمالا إلى الإباحة استناداً إلى الأُصول،و ما مرّ إليه الإشارة من النصوص الظاهرة فيها.

و قد عرفت الجواب عنها،مع احتمالها الحمل على الشبهة الغير المحصورة التي لا خلاف في أنّ الحكم فيها الإباحة،لاستلزام الحرمة فيها العسر و الحرج المنفيّين في الشريعة.

و ربما يعضده الصحيح:عن السمن و الجبن نجده في أرض المشركين بالروم،أ نأكله؟فقال:« أمّا ما علمت أنّه قد خلطه الحرام فلا تأكله،و أمّا ما لم تعلم فكله حتى تعلم أنّه حرام» (2)فتدبّر.

و بالجملة:لا ريب في ضعف ما ذكراه و لا شبهة،سيّما فيما إذا كان الاختلاط بعنوان المزج لا اشتباه الأفراد،فإنّ الحكم بالإباحة في مثله يستلزم الحكم بإباحة المحرّم القطعي و تناوله أوّل مرّة،و هو ممّا يقطع

ص:473


1- الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:271،272،الكفاية:253.
2- التهذيب 9:336/79،مستطرفات السرائر:4/78،الوسائل 24:235 أبواب الأطعمة المحرمة ب 64 ح 1.

بفساده من دون ريبة.

و اعلم أنّ ما في رواية الحلبي بل روايتيه (1)الصحيحتين من أنّه يباع المشتبه المذكور ممّن يستحلّ الميتة على ردّهما ظاهر الدلالة كما مرّ إليه الإشارة؛ إذ لو حلّ لما كان لإيجاب البيع فائدة.

و بمضمونهما من جواز البيع على مستحلّيها أفتى الشيخ في النهاية و ابن حمزة (2).و منعه الحلّي و القاضي (3)؛ نظراً إلى إطلاق النصوص بتحريم الميتة و تحريم ثمنها.

و اعتذر الفاضل (4)عن الجواز تارة بأنّه ليس ببيع حقيقة و إنّما استنقاذ مال الكافر برضاه،و أُخرى بصرف البيع إلى المذكّى خاصّة،فينبغي أن يقصده ببيعه.و استحسن الأخير في الشرائع مفتياً به (5).

و ضعّفهما الشهيدان في الدروس و المسالك و الروضة (6)،فالأوّل بأنّ من مستحلّه من الكفّار من لا يحلّ ماله كالذمّي.و الثاني بجهالة المبيع على تقديره،مع عدم إمكان تسليمه متميّزاً.

و يضعّف هذا زيادةً على ما ذكراه بأنّ البائع قد يأخذ أكثر من ثمن المذكّى،فإنّه يبيع الاثنين ظاهراً و يبذل المشتري الثمن بإزائهما معاً،و أنّه

ص:474


1- الاُولى في:الكافي 6:2/260،التهذيب 9:199/48،الوسائل 24:187 أبواب الأطعمة المحرمة ب 36 ح 1.الثانية في:الكافي 6:1/260،التهذيب 9:198/47،الوسائل 24:187 أبواب الأطعمة المحرمة ب 36 ح 2.
2- النهاية:586،ابن حمزة في الوسيلة:362.
3- الحلّي في السرائر 3:113،القاضي في المهذب 2:442.
4- المختلف:683.
5- الشرائع 3:223.
6- الدورس 3:13،المسالك 2:242،الروضة 7:308.

يقصد بيع الواحد و المشتري أكثر فيختلف المبيع زيادةً و نقصاناً،و أنّه لو كان مع ذلك القصد يصحّ البيع من المستحلّ لصحّ من غيره أيضاً.فتأمّل جدّاً.

هذا و ربما يتوهّم فيما ذكراه من الوجه في تضعيف الاعتذار الأوّل بأنّ احترام ماله لا يمنع من استنقاذ ماله برضاه،و يدفع بأنّ رضاه إنّما يحصل بوجه خاصّ في ضمن البيع الفاسد،فلا يؤثّر في إباحة ماله المحرّم على غيره،فتأمّل.

و بالجملة:لا ريب في ضعفه كالاعتذار الثاني.

و حينئذٍ فإمّا أن يعمل بالرواية؛ لصحّتها من غير تعليل،أو يحكم بالبطلان مطلقاً.و لعلّه الأقوى؛ لمخالفة الرواية و إنّ صحّ سندها للقاعدة المتقدّمة المجمع عليها من أصلها،المعتضدة بالشهرة هنا حتى من الفاضلين المتقدّم ذكرهما و نحوهما،لاعتذارهما عن الرواية بما يعرب عن عدم إعراضهما عن تلك القاعدة،و صرفهما الحمل في الاعتذار الثاني بالتقييد إلى الرواية دون القاعدة.

و لما دلّ على أنّ الإعانة على الإثم محرّمة من الكتاب و السنة،بناءً على مذهبنا من أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع،و قد أثبتنا ذلك في رسالة مفردة.

و ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك و الروضة التوقّف في المسألة.و لا يخلو عن وجه،مع أنّه أحوط في الفتوى بلا شبهة.

الثالثة لا يأكل الإنسان من مال غيره إلّا بإذنه

الثالثة: لا يجوز أن يأكل الإنسان من مال غيره ممّن يحترم ماله و إن كان كافراً إلّا بإذنه إجماعاً بالكتاب و السنة المستفيضة،بل المتواترة.

ص:475

قال سبحانه لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ [1] (1).و في الحديث:« المسلم على المسلم حرام ماله و دمه و عرضه» (2).

و في آخر:« لا يحلّ ماله إلّا عن طيب نفس منه» (3).

و قد رخّص مع عدم العلم ب الإذن في الأكل من بيوت مَن تضمّنته الآية في سورة النور،و هي قوله سبحانه وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ [2] (4).فيجوز الأكل من بيوت المذكورين مع حضورهم و غيبتهم إذا لم يحمل و لم يفسد و لم يعلم الكراهة منهم بل قيل:و لو بالقرائن الحالية بحيث تثمر الظن الغالب بالكراهة،فإنّ ذلك كافٍ في هذا و نظائره،و يطلق عليه العلم كثيراً (5).

و لا ريب أنّ ما ذكره من كفاية المظنّة بالكراهة أحوط،و إن كان في تعيّنه نظر بعد إطلاق الكتاب و السنة المستفيضة بجواز الأكل من غير إذن، الشامل لصورة الظنّ بعدمه،بل لصورة العلم بعدمه أيضاً،إلّا أنّها خارجة بالإجماع ظاهراً،و ليس على إخراج الصورة الأُولى منعقداً،لتعبير كثير

ص:476


1- النساء:29.
2- مسند أحمد 3:491.
3- عوالي اللئلئ 3:16/424.
4- النور:61.
5- قال به الشهيد الثاني في الروضة 7:341.

كالحلّي و غيره (1)عن الشرط،بشرط أن لا ينهاه المالك.

و كيف كان،لا فرق في ظاهر إطلاق العبارة و نحوها من عبائر جماعة (2)و صريح آخرين (3)و ربما نسب إلى الشهرة (4):بين ما يخشى فساده في هذه البيوت و غيره،و لا بين دخوله بإذنه و عدمه؛ عملاً بإطلاق الآية و الأخبار.

خلافاً لشاذٍّ غير معروف في الأوّل،فقيّد الجواز بما يخشى فساده (5).و مستنده غير واضح،مع أنّ النصوص صريحة في ردّه، كالصحيح المرويّ عن المحاسن و فيه:عمّا يحلّ للرجل من بيت أخيه من الطعام؟قال:« المأدوم و التمر» (6)الخبر.

و الخبر:« هؤلاء الذين سمّى اللّه تعالى في هذه الآية،تأكل بغير إذنهم من التمر و المأدوم» إلى أن قال:« و أمّا ما خلا ذلك من الطعام فلا» (7)و لا ريب أنّ التمر ممّا لا يخشى فساده.

ص:477


1- الحلّي في السرائر 3:124،الجامع للشرائع:392،و انظر التنقيح الرائع 4:60.
2- منهم:يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع:392،و العلّامة في القواعد 2:159،و الإرشاد 2:13،و الشهيد الأول في اللمعة(الروضة البهية 7):341.
3- كالشهيد الأول في الدروس 3:20،و الشهيد الثاني في الروضة 7:342،و المسالك 2:248 و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:272،و السبزواري في كفاية الأحكام:253.
4- غاية المرام 4:71.
5- انظر المقنع:125.
6- المحاسن:173/416،الوسائل 24:282 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 6.
7- الكافي 6:2/277،التهذيب 9:413/95،الوسائل 24:281 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 2.

و قريب منهما الرضوي:« و لا بأس للرجل أن يأكل من بيت أبيه و أخيه و أُمّه و أُخته و صديقه،ما لا يخشى (1)عليه الفساد من يومه بغير إذنه، مثل البقول و الفاكهة و أشباه ذلك» (2)فتأمّل.

و للحلّي (3)في الثاني،فقيّد الدخول بالإذن و حرّم الأكل مع الدخول بدونه.

و مال إليه الفاضل المقداد في التنقيح،فقال بعد حكاية طعن العلّامة عليه بمخالفة ما ذكره الإطلاق-:و فيه نظر؛ لأنّ لابن إدريس أن يقول:

الأكل في البيت يستلزم الدخول فيه،و اللازم منهيّ عنه إجماعاً إلّا بالإذن، فكذا الملزوم و هو الأكل.و أمّا مع إذن الدخول فلا ينهض الدليل؛ لأنّ اللازم و هو الدخول ليس بمنهيّ عنه فلا يكون الأكل منهيّاً عنه.و أيضاً:

الأصل تحريم أكل مال الغير بغير إذنه،خرج ما خرج و بقي الباقي على أصله و هو التحريم و أيضاً:إذن الدخول قرينة دالّة على إذن الأكل،و حيث لا إذن فلا قرينة لإذن الأكل فيحرم بالأصل (4).انتهى.

و فيه نظر،فإنّ النهي عن الدخول بغير إذن على تقدير تسليمه هنا لا يستلزم النهي عن الأكل بعد حصوله،و التلازم بين النهيين غير ثابت.

و ما ذكره من أنّ الأصل تحريم مال الغير..مسلّم إلّا أنّ المخصّص له في المسألة من إطلاقات الكتاب و السنة موجود،و التمسّك بالأصل معها

ص:478


1- كذا في النسخ،و في فقه الرضا عليه السلام الطبع القديم:34،و لكن في فقه الرضا عليه السلام الطبع الجديد:ما يخشى.
2- فقه الرضا عليه السلام:255،مستدرك الوسائل 16:242 أبواب آداب المائدة ب 21 ح 1.
3- السرائر 3:124.
4- التنقيح الرائع 4:60.

غير معقول.

و ما ذكره من أنّ إذن الدخول قرينةٌ..،فيه أوّلاً:عدم وضوح كونه قرينة،بل لا تلازم بين الإذنين قطعاً.

و ثانياً:على تقدير تسليمه نقول:إنّ عدم الإذن الأوّل لا يستلزم عدم [إذن] الثاني،و لو استلزم فلا ضير أيضاً بعد الاتّفاق حتّى منه على أنّ مبنى المسألة جواز الأكل من بيوت هؤلاء من دون إذن و لا رخصة،فأيّ ضرر في عدمه.و إن هذا منه إلّا إرجاع المسألة المستثناة من مسألة النهي عن أكل مال الغير إلّا بإذنه إليها،و حينئذٍ لا يترتّب على استثنائها منها فائدة أصلاً، و هو مخالف للاتّفاق دليلاً و فتوى جدّاً.

و اعلم أنّه لا يتعدّى الحكم إلى غير البيوت من أموالهم؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورده.و لا إلى تناول غير المأكول؛ لذلك،مضافاً إلى الخبر المتقدّم المتضمّن لقوله عليه السلام:« و أمّا ما خلا ذلك من الطعام فلا» فتدبّر.

نعم،لو دلّ عليه الأكل بمفهوم الموافقة كالشرب من مائه و الوضوء به،أو دلّ عليه بالالتزام كالكون بها حالته أمكن التعدية،كما صرّح به في الروضة و الكفاية (1).

و هو يجوز دخول البيوت لغير الأكل أو الكون بها بعده و قبله؟نظر من تحريم التصرّف في مال الغير إلّا ما استثني،و ليس منه هذا،و من دلالة القرائن على تجويز ذلك من المنافع التي لا يذهب بها من المال شيء حيث جاز إتلافه بما ذكر.و لعلّ هذا أظهر.

ص:479


1- الروضة 7:342،الكفاية:253.

و المراد ب بُيُوتِكُمْ [1] ما يملكه الآكل؛ لأنّه حقيقة فيه.قيل (1):

و يمكن أن يكون النكتة فيه مع ظهور إباحته الإشارة إلى مساواة ما ذكر له في الإباحة،و التنبيه على أنّ الأقارب المذكورين و الصديق ينبغي جعلهم كالنفس في أن يحبّ لهم ما يحبّ لها،و يكره لهم ما يكره لها كما جعل بيوتهم كبيته.

قيل:و هو بيت الأزواج و العيال (2).و قيل:بيت الأولاد (3)؛ لأنّهم لم يذكروا في الأقارب مع أنّهم أولى منهم بالمودّة و الموافقة،و لأنّ ولد الرجل بعضه،و حكمه حكم نفسه و هو و ماله لأبيه،فجاز نسبة بيته إليه،و في الحديث:« إنّ أطيب ما يأكل الرجل من كسبه،و أنّ ولده من كسبه» (4).

و هذا القول حسن بالإضافة إلى إلحاق الأولاد بالأقارب في الحكم، لا بالإضافة إلى دعوى دخولهم في بيوتكم.

و يظهر من وجه إلحاقهم بهم من الأولويّة وجه صحّة إلحاق الأجداد و الجدّات بهم؛ لأنّهم أدخل في القرب من الأعمام و الأخوال.

و ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ [2] قيل:هو العبد (5)و قيل:من له عليه ولاية (6).

و قيل:ما يجده الإنسان في داره و لا يعلم به.

و في المرسل كالصحيح:« إنّه الرجل له وكيل يقوم في ماله،و يأكل

ص:480


1- الروضة البهية 7:343.
2- مجمع البيان 4:156.
3- تفسير الصافي 3:448.
4- مستدرك الوسائل 13:9 أبواب مقدمات التجارة ب 1 ح 12.
5- التبيان 7:463،مجمع البيان 4:156.
6- مسالك الأفهام 2:247.

بغير إذنه» (1).

و قريب منه المرفوع المرويّ عن تفسير علي بن إبراهيم:إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله آخى بين أصحابه،فكان بعد ذلك إذا بعث أحداً من أصحابه في غزاة أو سريّة يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين، و يقول:خذ ما شئت،و كل ما شئت،و كانوا يمتنعون عن ذلك حتّى ربما فسد الطعام في البيت،فأنزل اللّه تعالى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً [1] يعني:حضر أو لم يحضر إذا ملكتم مفاتحه (2).

و العمل بهما حسن،إلّا أنّ حصر هذا الفرد فيما تضمّناه مشكل،بل ينبغي الرجوع فيه إلى العرف،كما أنّه ينبغي الرجوع في صديقكم إليه، لعدم تحديده شرعاً.

و في الصحيح:ما يعني بقوله أَوْ صَدِيقِكُمْ [2] ؟قال:« هو و اللّه الرجل يدخل بيت صديقه،فيأكل بغير إذنه» (3).

و اعلم أنّ المتبادر من الأقارب المذكورين كونهم كذلك بالنسب، و في إلحاق من كان منهم كذلك بالرضاع إشكال:من أنّ الرضاع لحمة كلحمة النسب و مساواته له في كثير من الأحكام،و من كون المتبادر النسبيّ منهم.و الاحتياط التمسّك بأصالة الحرمة في موضع الشك،بل لعلّه لازم.

و كذا رخّص مع عدم الإذن في أكل ما يمرّ به الإنسان اتّفاقاً من ثمرة النخل.و في ثمرة الزرع و الشجر تردّد ينشأ ممّا مرّ في كتاب

ص:481


1- الكافي 6:5/277،التهذيب 9:416/96،المحاسن:177/416،الوسائل 24:282 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 5.
2- تفسير القمي 2:109،الوسائل 24:283 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 8.
3- الكافي 6:1/277،التهذيب 9:414/95،المحاسن:172/416،الوسائل 24:280 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 1.

التجارة في فصل بيع الثمار،و قد استوفينا ثمّة الكلام في المقام (1)، و في أنّه يشترط في الإباحة إن قلنا بها شرائط منها:أن لا يقصد المرور إلى الثمرة،و لا يتعمّده و أن لا يحمل و غير ذلك.

الرابعة من شرب خمراً أو شيئاً نجساً فبصاقه طاهر ما لم يكن متغيّراً بالنجاسة

الرابعة: من شرب خمراً أو شيئاً نجساً فبصاقه طاهر ما لم يكن متغيّراً بالنجاسة بلا خلاف أجده،و لم يحكه أحد من الجماعة؛ لأصالة الطهارة،خرج منها صورة التغيّر بالإجماع و إطلاقات الأدلّة بلزوم الاجتناب عن تلك العين النجسة.

و إنّما لم ينجس البصاق بالملاقاة مع كونه مائعاً؛ لعدم الدليل على التنجس بها مطلقاً،بل لا دليل على نجاسة كلّ مائع بها كلّياً إلّا الإجماع، و هو مختصّ بالمائعات الظاهرة لا الباطنة.بل صرّحوا بعدم نجاستها مطلقاً.

هذا مضافاً إلى بعض المعتبرة المنجبر قصوره بالجهالة بعمل الطائفة، و رواية صفوان بن يحيى عن موجبها،و هو ممّن اجتمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة،و فيه:رجل يشرب الخمر فبزق،فأصاب ثوبي من بزاقه،قال:« ليس بشيء» (2).

و الدلالة على الحكم في المسألة مبنيّة على ما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة كما تقدّم تحقيقه في كتاب الطهارة من نجاسة الخمر،و وجه التعدية إلى ما عداها في المسألة عدم القول بالفرق بين الطائفة.

الخامسة إذا باع ذمّي خمراً ثم أسلم فله قبض ثمنه

الخامسة: إذا باع ذمّي خمراً من غير مسلم بالعقد دون المعاطاة إلّا مع إتلاف المشتري عينها ثم أسلم البائع فله قبض ثمنه من المشتري؛ لثبوته في ذمّته قبل إسلامه فيستصحب.و لا يقدح كون أصله

ص:482


1- راجع ج 9 ص 46.
2- التهذيب 9:498/115،الوسائل 25:377 أبواب الأشربة المحرمة ب 35 ح 1.

محرّماً على المسلم مطلقاً؛ لأنّه قد استقرّ على وجه محلّل في وقت يقرّ عليه،كما لو كان قد قبضه ثم أسلم.

و ربما يستأنس للحكم هنا بما ورد في كتاب المهور من الخبر:

النصرانيّ يتزوّج النصرانية على ثلاثين دنّاً من خمر و ثلاثين خنزيراً،ثمّ أسلما بعد ذلك،و لم يكن دخل بها،قال:« ينظر كم قيمة الخمر و كم قيمة الخنزير،فيرسل بها إليها ثم يدخل عليها» (1)فتدبّر.

السادسة الخمر تحلّ إذا انقلبت خلّاً

السادسة: الخمر تحلّ إذا انقلبت خلّاً بلا خلاف بين الفقهاء،إذا كان الانقلاب نفسيّاً كما في التنقيح (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى فحاوي النصوص الآتية،و أنّ الأحكام للأسماء تابعة حلّاً و حرمةً و طهارةً و نجاسةً، بلا خلاف بين الأصحاب كافّةً،للأُصول الممهّدة المعتضدة بظاهر بعض المعتبرة.

كالموثق كالصحيح بل يقال صحيح-:في الرجل باع عصيراً، فحبسه السلطان حتّى صار خمراً فجعله صاحبه خلّاً،فقال:« إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به» (3).

و صريحة كالقاعدة حلّها بالانقلاب مطلقاً و لو كان بعلاج كان المعالج به عيناً باقيةً أم غيرها،و هو المشهور بين أصحابنا،و المعتبرة بذلك زيادة على ما مرّ مستفيضة جدّاً عموماً و خصوصاً.

فمن الأوّل:الصحيح:يكون لي على الرجل الدراهم،فيعطيني بها

ص:483


1- الكافي 5:9/437،الفقيه 3:1383/291،التهذيب 7:1448/356،الوسائل 21:243 أبواب المهور ب 3 ح 2.
2- التنقيح الرائع 4:61.
3- التهذيب 9:507/117،الإستبصار 4:357/93،الوسائل 25:371 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 5.

خمراً،فقال:« خذها ثمّ أفسدها» قال عليّ:و اجعلها خلّاً (1).

و الموثقان لابن بكير،المجمع على تصحيح رواياته و رواية الراوي عنه فيهما،و هو ابن أبي عمير عن جميل في أحدهما:عن الخمر[العتيقة ]تجعل خلّاً،قال:« لا بأس» (2).

و فضالة بن أيوب في الثاني:عن الرجل يأخذ الخمر و يجعلها خلّاً، قال:« لا بأس» (3).

و هما قريبان من الصحيح من وجهين بل وجوه،بل عُدّ ابن بكير ثقة،فيكونان من الصحيح.

و من الثاني:الصحيح على الصحيح:في العصير يصير خمراً،فيصبّ عليه الخلّ و شيء يغيّره حتّى يصير خلّاً،قال:« لا بأس به» (4).

و الموثق كالصحيح بفضالة عن ابن بكير،و فيه:عن الخمر يجعل خلّاً،قال:« لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يغلبها» (5)بالغين المعجمة كما في الكافي،و في التهذيبين بالقاف،و هو مرجوح بالنسبة إلى الأوّل،لأضبطيّته.

و قريب منه الخبر:عن الخمر يصنع فيها الشيء حتّى تحمض،

ص:484


1- التهذيب 9:508/118،الإستبصار 4:358/93،الوسائل 25:371 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 6.
2- الكافي 6:2/428،التهذيب 9:504/117،الوسائل 25:370 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 1،و ما بين المعقوفين من المصادر.
3- الكافي 6:3/428،التهذيب 9:505/117،الإستبصار 4:356/93،الوسائل 25:370 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 3.
4- التهذيب 9:509/118،الإستبصار 4:359/93،الوسائل 25:372 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 8.
5- الكافي 6:4/428،التهذيب 9:506/117،الإستبصار 4:361/94،الوسائل 25:371 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 4.

فقال:« إذا كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فلا بأس» (1).

بناءً على قوّة احتمال كون المراد أنّه إذا كان الخمر غالباً على ما جعل فيها و لم يصر مستهلكاً لا يعلم انقلابه فلا بأس،لا ما عقله منه الشيخ رحمه الله من أغلبية الموضوع فيها عليها فنسبها إلى الشذوذ (2).

و بظهور ما ذكرناه من الخبر صرّح الخال العلّامة المجلسي طاب ثراه في حاشيته المنسوبة إليه على الرواية (3).

و أصرح من الجميع ما رواه الحلّي في آخر السرائر نقلاً عن جامع البزنطي،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:أنّه سئل عن الخمر تعالج بالملح و غيره لتحوّل خلّاً،قال:« لا بأس بمعالجتها» (4)الخبر.

فلا وجه لتوقّف شيخنا الشهيد الثاني (5)في العلاج بالأجسام، و تعليله بأنّه ليس في الأخبار المعتبرة ما يدلّ على علاجها بها و الطهر بها كذلك،و إنّما هو عموم أو مفهوم مع قطع النظر عن الإسناد.

و ذلك لما عرفت من وجود خصوص النصوص التي منها الصحيح و الموثّق القريب منه،مع أنّ العموم و المفهوم حجّة،و الأسانيد بنفسها معتبرة،مع أنّ فيها الصحيح بلا خلاف كما عرفت،و مع ذلك الجميع بالشهرة المحقّقة و المحكيّة في كلامه و غيره منجبرة و معتضدة.

ص:485


1- الكافي 6:1/428،التهذيب 9:511/119،الوسائل 25:370 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 2.
2- التهذيب 9:119.
3- انظر ملاذ الأخيار 14:369.
4- مستطرفات السرائر:31/60،الوسائل 25:372 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 11.
5- المسالك 2:248.

و لا لاشتراط ذهاب العين المعالج به قبل أن يصير خلّاً؛ لأنّه ينجس و لا مطهّر له،كما قيل.

لأنّ هذا الكلام لا يجري على القول بطهارة الخمر.و على القول بالنجاسة كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة يمكن اغتفار ذلك كالآتية، نظراً إلى عموم الأدلّة المتقدّمة المعتضدة مع حجّيتها في نفسها جملةً بالشهرة العظيمة.

نعم،يكره العلاج مطلقاً،لا للخبر و إن استدلّ به لها جماعة (1)-:عن الخمر يجعل فيها الخلّ،قال:« لا،إلّا ما جاء من قبل نفسه» (2).

لعدم وضوح ما فهموه منه،و احتمال كون المراد به أنّ مجرّد جعل الخلّ في الخمر لا يكفي في الاستحالة،بل لا بدّ أن يترك حتّى ينقلب ذلك الخمر خلّاً بنفسه،ردّاً على أبي حنيفة القائل بذلك (3).

و المشهور بين المتأخّرين كما في الكفاية (4)وفاقاً للحلّي (5)أنّه لا تحلّ الخمر لو القي فيها خلّ كثير حتّى استهلكها و لو مضى مدّة ينقلب الخمر فيها خلّاً؛ نظراً إلى أنّ الخمر تحلّ بالانقلاب لا ما ينجس بها.

و هو قويّ جدّاً،لا للتعليل المتقدّم،لانتقاضه بصورة عدم الاستهلاك

ص:486


1- منهم:الحلّي في السرائر 3:133،و الشهيد الثاني في الروضة 7:347،و المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:291.
2- التهذيب 9:510/118،الإستبصار 4:360/93،الوسائل 25:371 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 7.
3- انظر المغني لابن قدامة 10:338.
4- الكفاية:253.
5- السرائر 3:133.

و قلّة المعالج به،و هم يقولون بإفادة الانقلاب فيها الإباحة،فكذا في صورة الاستهلاك و كثرة المعالج به.

بل لإطلاق الخبرين الأخيرين في اشتراطهما عدم غلبة المعالج به في نفي البأس عن العلاج،و مفهومه ثبوت البأس مع عدم الشرط،و هو و إن كان أعمّ من الحرمة إلّا أنّه محمول عليها بقرينة السؤال الظاهر وقوعه عن التحريم و عدمه لا الكراهة و عدمها،مع أنّ إثبات المرجوحية و لو في الجملة لعلّه كافٍ في إثبات الحرمة بعد عدم ظهور قائل بالكراهة.

و قيل كما عن الشيخ في النهاية (1):إنّه لو القي في الخلّ خمر من إناء فيه خمر لم يحلّ حتّى يصير ذلك الخمر المصبوب منها في الخل خلّاً و يحلّ بعد الانقلاب.

و نفى عنه البعد في المختلف معلّلاً بأنّ انقلاب الخمر إلى الخلّ يدلّ على تماميّة استعداد انقلاب ذلك الخمر إلى الخل و المزاج واحد.بل استعداد الملقى في الخلّ بصيرورته خلّاً أتمّ و لكن لا يعلم،لامتزاجه بغيره،فإذا انقلب الأصل المأخوذ منه علم انقلابه أيضاً،و نجاسة الخلّ تابعة للخمرية و قد زالت،فتزول النجاسة عنه كما مرّ في الخمر إذا انقلبت.

ثمّ نقل عن الإسكافي ما يوافق النهاية و ما ذكره في الجملة (2).

و فيه نظر؛ فإنّ دعوى زوال نجاسة الخلّ بزوال نجاسة الخمر مصادرة،سيّما مع كون الخمر و نجاستها مقدّرة غير محقّقة.و التبعية في ثبوت النجاسة لا تستلزم التبعية في زوالها،مع أنّه على تقدير التمامية مدفوع بما قدّمناه من الحجّة على ما اختاره الجماعة،سيّما مع اعتضادها

ص:487


1- النهاية:593.
2- المختلف:689.

ببقاء الحرمة و النجاسة.

فاستدلاله ضعيف غايته،كاستدلال شيخنا في المسالك للنهاية (1)برواية عبد العزيز بن المهتدي (2)التي هي الصحيحة من الأخبار الخاصة المتقدّمة،المتضمّنة لنفي البأس عن علاج الخمر بصبّ الخلّ فيها،نظراً إلى إطلاقها الشامل لمفروض المسألة.

و ذلك فإنّ المناقشة فيه واضحة؛ لعدم انصراف الإطلاق بحكم التبادر و الغلبة إلّا إلى صورة كون الخلّ المعالج به الخمر قليلاً في جنبها، فلا ينهض حجّة لما نحن فيه من صورة العكس.

و إلى هذا يشير كلام صاحب الكفاية حيث قال-:بعد نقل استدلال المختلف-:و فيه تأمّل،و الوجه أنّه لا إشكال في طهارة الخلّ في المسألتين على القول بطهارة الخمر،و أمّا على القول بالنجاسة فالحكم كذلك فيما صدق أنّه على سبيل العلاج كما هو المتبادر من الأخبار، لا مطلقاً (3).انتهى.

هذا مع أنّ ظاهر الرواية اعتبار انقلاب الخمر الملقى فيه الخلّ خلّاً، لا انقلاب الخمر الملقى منه في الخلّ كما هو صريح النهاية،و لا تلازم بين الانقلابين كما يظهر من عبارة المختلف المتقدّمة،فتأمّل.

و ربما يظهر من الدروس و التنقيح استناد النهاية فيما ذكره إلى غير ما ذكره الشهيد الثاني و العلّامة.قالا بعد نقله تأويلاً لرواية أبي بصير (4)-:لا بأس بجعل الخمر خلّاً إذا لم يجعل فيها ما يقلبها.ثمّ قال

ص:488


1- المسالك 2:248.
2- المتقدمة في ص 482.
3- الكفاية:253.
4- المتقدّمة في ص 483.

الأوّل مجيباً عنها-:و لو حمل ذلك على النهي عن العلاج كما رواه أيضاً استغنى عن التأويل (1).

و في كلّ من الاستدلال و الجواب نظر،أمّا الأوّل:فلوضوح أنّ التأويل بنفسه ليس بدليل.و أمّا الثاني:فلتوقّفه على كون« يقبلها» بالقاف لا بالغين المعجمة،و الحال أنّ النسخة الراجحة بالعكس كما مرّ إليه الإشارة.

و كيف كان،فالمختار ما هو المشهور بين الطائفة شهرة محقّقةً و محكيّةً كما مرّ إليه الإشارة،بل ربما أشعر قول الماتن هنا و هو مشيراً إلى ما في النهاية متروك بكونها إجماعاً.

السابعة لا يحرم الربوبات و الأشربة

السابعة: لا يحرم شرب الربوبات و الأشربة الغير المسكرة و العصيريّة مطلقاً و إن شمّ منها رائحة المسكر إجماعاً؛ للأصل و العمومات السليمة عن المعارض المعتضدة بالنصوص.

منها:عن السكنجبين و الجلاب و ربّ التوت و ربّ التفاح و ربّ الرمان،فكتب:« حلال» (2).

و يكره الإسلاف في العصير وفاقاً للنهاية (3)،و بها صرّح الماتن في الشرائع و الفاضل في الإرشاد (4).و الحجّة عليها غير واضحة عدا ما يحكى عن النهاية،و هو ضعيف غايته كما نبّه عليه الحلّي و جماعة (5).

ص:489


1- الدروس 3:19،التنقيح الرائع 4:61.
2- الكافي 6:1/426،التهذيب 9:551/127،الوسائل 25:366 أبواب الأشربة المحرمة ب 29 ح 1.
3- النهاية:591.
4- الشرائع 3:228،الإرشاد 2:113.
5- الحلّي في السرائر 3:131،و انظر إيضاح الفوائد 4:158.

و نحوه في الضعف الاعتذار الذي اعتذر به عنه العلّامة (1)،كما نبّه عليه شيخنا في المسالك (2).

و مع ذلك لا بأس بالكراهة؛ لفتوى الجماعة بها،بناءً على المسامحة في أدلّتها.

و أن يستأمن على طبخه من يستحلّه قبل أن يذهب ثلثاه إذا كان مسلماً،و بها صرّح في الإرشاد (3)أيضاً.و نسبها في الكفاية (4)إلى جماعة و اختارها،استناداً في الجواز إلى أنّ قول ذي اليد مقبول في طهارة ما في يده و نجاسته،فليكن هنا كذلك.و إطلاق الصحيح:عن البختج،فقال:

« إذا كان حلواً يخضب الإناء،و قال صاحبه:قد ذهب ثلثاه و بقي الثلث، فاشربه» (5).

و في الكراهة إلى الشبهة الناشئة من الخلاف و النهي في الأخبار الآتية.

خلافاً للنهاية و الحلّي،و فخر الدين و الشهيد في الدروس،و التنقيح و حكاه في المسالك عن العلّامة (6)،فاختاروا الحرمة؛ للمعتبرة.

منها الصحيح:الرجل يهدي إليّ البختج من غير أصحابنا،فقال:إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه،و إن كان ممن لا يستحل فاشربه» (7).

ص:490


1- المختلف:688.
2- المسالك 2:249.
3- الإرشاد 2:113.
4- الكفاية:253.
5- الكافي 6:6/420،التهذيب 9:523/121،الوسائل 25:293 أبواب الأشربة المحرمة ب 7 ح 3.
6- النهاية:591،الحلّي في السرائر 3:129،فخر الدين في إيضاح الفوائد 4:159،الدروس 3:17،التنقيح 4:63،المسالك 2:249.
7- الكافي 6:4/420،التهذيب 9:524/122،الوسائل 25:292 أبواب الأشربة المحرمة ب 7 ح 1.

و الموثقان في أحدهما:عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ يأتيني بالبختج فيقول:قد طبخ على الثلث و أنا أعرف أنّه يشربه على النصف، فقال:« لا تشربه» قلت:فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث و لا يستحلّه على النصف يخبرنا أنّ عنده بختجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه،يشرب منه؟قال:« نعم» (1).

و في الثاني:عن الرجل يأتي بالشراب،فيقول:هذا مطبوخ على الثلث،قال:« إن كان مسلماً ورعاً مؤمناً فلا بأس أن يشرب» (2)فتأمّل.

و هذا القول أقوى؛ لاعتبار أسانيد الروايات كما ترى،و شهرتها بين أصحابنا.مع وضوح دلالة أكثرها بناءً على أنّ النهي حقيقة في التحريم جدّاً،و لا وجه لحملة على الكراهة أصلاً،إلّا الجمع بينها و بين ما مرّ من الأدلّة،و هو ممكن بحمله على الحرمة و تقييد إطلاق تلك الأدلّة بغير مفروض المسألة.مع أنّه متعيّن كما قرّر في محله.

مع أنّ إطلاق الصحيح من تلك الأدلّة معارض بإطلاق الصحيح الآخر:عن الرجل يصلّي إلى القبلة لا يوثق به،أتى بشراب يزعم أنّه على الثلث،فيحلّ شربه؟قال:« لا يصدّق إلّا أن يكون مسلماً عارفاً» (3)فتأمّل.

و الاستشفاء بمياه الجبال الحارّة التي يشمّ منها رائحة الكبريت بلا خلاف أجده؛ للرواية القاصرة سنداً المحمولة لذلك و للأصل

ص:491


1- الكافي 6:7/421،التهذيب 9:526/122،الوسائل 25:293 أبواب الأشربة المحرمة ب 7 ح 4.
2- التهذيب 9:502/116،الوسائل 25:294 أبواب الأشربة المحرمة ب 7 ح 6.
3- التهذيب 9:528/122،قرب الإسناد:1078/271،الوسائل 25:294 أبواب الأشربة المحرمة ب 7 ح 7.

و العمومات على الكراهة،و فيها:« نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الاستشفاء بالحميّات،و هي العيون الحارة التي تكون في الجبال التي يوجد فيها رائحة الكبريت،فإنّها تخرج من فوح جهنم» (1).

و يستفاد من التعليل كراهة مطلق الاستعمال،كما صرّح بها المقدس الأردبيلي رحمه الله و صاحب الكفاية (2).و لا بأس بها و إن لم يذكرها الجماعة.

و الحمد للّه سبحانه.

ص:492


1- الكافي 6:1/389،التهذيب 9:441/101،المحاسن:47/579،الوسائل 1:221 أبواب الماء المضاف ب 12 ح 3.
2- الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:289،الكفاية:253.

المجلد 14

اشارة

سرشناسه:طباطبائی کربلائی، علی بن محمدعلی، 1161 - 1231ق.

عنوان و نام پديدآور:ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل/ تالیف محمدعلی الطباطبایی؛ تحقیق موسسه آل البیت(ع) لاحیاءالتراث.

مشخصات نشر:قم: موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاءالثرات، 1418ق.-= 1376-

مشخصات ظاهری:16 ج.: نمونه.

فروست:موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

شابک: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری

يادداشت:عربی.

يادداشت:کتاب حاضر شرحی بر مختصرالنافع محقق حلی است.

يادداشت:ج.9 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت:ج. 11 - 13 (چاپ؟: 1421ق. = 1379).

يادداشت:ج. 15و 16 (چاپ؟: 1422ق. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:محقق حلی، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 7ق.

شناسه افزوده:محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

شناسه افزوده:موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاء الثرات

رده بندی کنگره:BP182/م3م30216 1376

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

كتاب الغصب

النظر الأوّل في تعريفه

كتاب الغصب و النظر في يقع في أُمور الأوّل :في تعريفه.

اعلم أنّ الغصب كما هنا و في الشرائع و اللمعة و الدروس (1) هو الاستقلال و الاستبداد بإثبات اليد على مال الغير عدواناً و ظلماً،و هو قريب من معناه اللغوي الذي هو الأخذ ظلماً (2).

و خرج بالاستقلال بإثبات اليد ما لا إثبات معه أصلاً كمنعه من ماله حتّى تلف كما يأتي،و ما لا استقلال معه كوضع يده على ثوبه الذي هو لابسه،فإنّ ذلك لا يسمّى غصباً لغةً و لا عرفاً.

و خرج بالمال الاستقلال باليد على غيره كالحرّ فإنّه لا يتحقّق فيه الغصبية جدّاً،فلا يضمن.

ص:5


1- الشرائع 3:235،اللمعة(الروضة البهية 7):13،الدروس 3:105.
2- العين 4:374،الصحاح 1:194،القاموس المحيط 1:115.

و خرج بإضافة المال إلى الغير ما لو استقل بإثبات يده على مال نفسه عدواناً كالمرهون في يد المرتهن،و الوارث على التركة مع الدين على قول،فليس كلّ منهما بغاصب عرفاً و إن أثما و ضمنا.

و خرج بالعدوان إثبات المرتهن و الوليّ و الوكيل و المستأجر و المستعير أيديهم على مال الراهن و المولّى عليه و الموكّل و المؤجر و المعير.

و لانتقاض هذا التعريف في عكسه بما لو اشترك اثنان فصاعداً في غصبٍ بحيث لم يستقلّ كل منهما باليد،بُدّل الاستقلال فيه بالاستيلاء (1)ليشمله؛ لصدق الاستيلاء فيه دون الاستقلال.

و لانتقاضه أيضاً بالاستقلال بإثبات اليد على مطلق حقّ الغير كالتحجير و حق المسجد و نحوه مما لا يعدّ مالاً مع كون الغصب فيه متحقّقا عرفاً بُدّل المال فيه بمطلق الحق (2)؛ ليشمله.

فتلخّص من ذلك أنّ الأجود في تعريفه:أنّه الاستيلاء على حق الغير عدواناً.

و أمّا إبدال العدوان بغير حقّ؛ ليتناول التعريف من ترتّبت يده على يد الغاصب جاهلاً بالغصب،و من سكن دار غيره غلطاً،أو لبس ثوبه خطأً فإنّهم ضامنون و لم يدخلوا في التعريف بدون التبديل المذكور.

فمردود؛ لعدم صدق الغصب عرفاً على شيء من ذلك جدّاً، و الحكم بالضمان فيها لم يكن وجهه في الغصب منحصراً؛ لعدم التلازم بينهما إجماعاً،و لذا قالوا:إنّ أسباب الضمان غير منحصرة فيه (3).

ص:6


1- لاحظ تحرير الأحكام 2:137،تبصرة المتعلّمين:108،إيضاح الفوائد 2:166،الروضة البهية 7:15،19،جامع المقاصد 6:208،المفاتيح 3:170.
2- كما في الروضة البهية 7:19،و المفاتيح 3:170.
3- التذكرة 2:374،الروضة 7:19،مجمع الفائدة و البرهان 10:493،495.

مع أنّ الغصب من الأفعال المحرّمة بدليل العقل و الآيات المتكاثرة و السنة المستفيضة،بل المتواترة،و إجماع الأُمّة المحقّق و المحكيّ في كلام جماعة (1)إلى حدّ الاستفاضة،فلو صدق الغصب عليها حقيقةً لاستلزم حرمتها مع أنّها مقطوع بعدمها.

و حيث قد عرفت اعتبار الاستقلال أو الاستيلاء في الغصب ظهر لك الوجه بعد ملاحظة الأصل أيضاً أنّه لا يضمن أحد و إن أثم- لو منع المالك من إمساك الدابّة المرسلة فتلفت،لا عينها و لا منفعتها زمن المنع.

و كذا لا يضمنهما لو منعه من القعود على بساطه و السكنى في داره فتلفا؛ لما عرفت من الأصل،و عدم صدق الغصب الموجب للضمان بالإجماع بناءً على فقد جزئه المفهوم منه لغةً و عرفاً هنا،و هو إثبات اليد.

قيل:و يشكل بأنّه لا يلزم من عدم الغصب عدم الضمان؛ لعدم انحصار السبب فيه،بل ينبغي أن يختصّ ذلك بما لا يكون المانع سبباً في تلف العين بذلك بأن اتفق تلفها مع كون السكنى غير معتبرة في حفظها، و المالك غير معتبر في مراعاة الدابّة كما يتّفق لكثير من الدور و الدوابّ،أمّا لو كان حفظه متوقّفاً على سكنى الدار و ركوب الدابّة لضعفها أو كون أرضها مسبعة مثلاً فإنّ المتّجه الضمان؛ نظراً إلى كونه سبباً قويّاً مع ضعف المباشر (2).

ص:7


1- كالعلّامة في التذكرة 2:373،و الشهيد الأول في الدروس 3:105،و الشهيد الثاني في المسالك 2:253،و 254،و الروضة 7:18.
2- قال به الشهيد الثاني في الروضة 7:19.

و هو حسن،وفاقاً لجماعة من المتأخّرين كما في المسالك و الكفاية (1)و اختاراه أيضاً،لا لما ذكر من أنّ عدم الغصب لا يلزم منه عدم الضمان لاحتماله بسبب آخر؛ لنفيه بالأصل المتقدّم،و لذا سُلّم عدم الضمان في صورة عدم سببيّة المانع للتلف.

بل لأنّ نفي احتمال سببيّة سبب آخر في الضمان بالأصل،إنّما يتوجّه حيث لا يمكن إثباته بدليل آخر أقوى منه و أخصّ،و هو في صورة سببيّة المانع و ضعف المباشر ممكن؛ لعموم:«لا ضرر و لا إضرار في الدين» (2)بناءً على صدق الإضرار بمنع المانع في هذه الصورة عرفاً،فيتوجّه ضمانه حينئذٍ جدّاً.

و من هنا يتوجّه الحكم بضمان نقص القيمة السوقية للمتاع إذا حصل بمنع المالك عن بيعه و لو مع بقاء العين و صفاتها.

و ذكر القائل المتقدّم هنا أنّه لم يضمن قطعاً؛ لأنّ الفائت ليس بمال، بل اكتسابه (3).

و هو كما ترى؛ لاتّحاد وجه الحكم بالضمان هنا و فيما مضى،و هو صدق الإضرار المنفيّ شرعاً،و ليس فيه ما يقتضي تخصيص الضرر المنفيّ بما يكون متعلّقه مالاً،و لعلّه لذا قوّى الشهيد-(رحمه اللّه) في بعض فتاويه الضمان في الجميع (4)،و إنّ قوّى في الدروس عدم الضمان مطلقاً (5)،وفاقاً

ص:8


1- المسالك 2:254،الكفاية:255.
2- انظر الوسائل 25:427 أبواب إحياء الموات ب 12.
3- الروضة البهية 7:21.
4- حكاه عنه في المسالك 2:254.
5- الدروس 3:105،106.

للمشهور كما في المسالك و الكفاية (1).

و يصحّ أي و يتحقّق و يتصوّر غصب العقار كالمنقول بلا خلاف بيننا،بل في ظاهر الكفاية و المسالك أنّ عليه الإجماع منّا و من أكثر العلماء (2)؛ لأنّ المعتبر منه الاستقلال بإثبات اليد أو الاستيلاء، و تحقّقهما ممكن في العقار كغيره.

و من ثمّ أمكن قبضه في البيع و نحوه ممّا يعتبر فيه القبض،و هو لا يتحقّق بدون الاستقلال بإثبات اليد عليه،فليكن هنا كذلك.

هذا مضافاً إلى الخبر:«من غصب شبراً من الأرض طوّقه اللّه تعالى من سبع أرضين إلى يوم القيامة» (3).

و في آخر:«من خان جاره شبراً من الأرض جعله اللّه تعالى طوقاً في عنقه من تخوم الأرض السابعة حتّى يلقى اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة مطوّقاً إلّا أن يتوب و يرجع» (4).

و في ثالث:«من أخذ أرضاً بغير حقّ كُلّف أن يحمل ترابها إلى المحشر» (5).

خلافاً لبعض العامة،فقال:لا يمكن غصبه بل إنّما يضمن بالانهدام فإذا دخل و انهدم ضمن المهدوم (6).

ص:9


1- المسالك 2:254،الكفاية:255.
2- الكفاية:255،المسالك 2:254.
3- المغني لابن قدامة 5:379 بتفاوت يسير.
4- الفقيه 4:/6 1،الوسائل 25:386 أبواب الغصب ب ا ح 2.
5- التهذيب 6:819/294،الوسائل 25:388 أبواب الغصب ب 3 ح 2.
6- قال به أبو حنيفة و أبو يوسف،حكاه عنهما السرخسي في المبسوط 11:73،و ابني قدامة في المغني و الشرح الكبير 5:375،378.

و ضعفه ظاهر،مع عدم الدليل عليه.

و اعلم أنّه إنّما يضمن بمجرّد الاستقلال به أي:بالعقار، بإثبات اليد عليه و لو بأن يستولي عليها و يتسلّم مفاتيحها من دون أن يزعج المالك و يخرجه منها،على ما يقتضيه إطلاق العبارة و نحوها،و به صرّح جماعة كالمسالك و الكفاية (1).

خلافاً للعلاّمة فاعتبر مع ذلك الدخول و الإزعاج (2).

و وجهه غير واضح؛ لصدق الغصب بدونهما بمجرّد الاستقلال و الاستيلاء عرفاً،أ لا ترى أنّه لو كان المالك غائباً يتحقّق الغصب و لا إزعاج أصلاً،و كذا لو استولى مع المالك صار غاصباً و لو في الجملة مع أنّه لا إزعاج فيه بالمرّة،فظهر أنّ الاعتبار باليد و الاستقلال بلا شبهة.

قيل:و لعلّ المراد به عدم قدرة المالك على تصرّفه فيما هو بيده و تصرّفه،بمعنى أنّه لم يمكّنه من ذلك و إن كان جالساً معه،فإنّه حينئذٍ يكون وجوده و عدمه سواء (3).

و هو حسن.

و لو سكن الغاصب الدار قهراً مع صاحبها ففي الضمان قولان مبنيّان على الاختلاف في تعريف الغصب بأنّ المعتبر فيه الاستقلال فلا يضمن،أو الاستيلاء فيضمن،و حيث قد عرفت أظهرية الثاني ظهر لك توجّه الضمان كما عليه الأكثر وفاقاً للشيخ (4)،و نبّه على الأكثرية شيخنا في

ص:10


1- المسالك 2:254،الكفاية:255.
2- القواعد 1:201.
3- قال به الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 10:503.
4- المبسوط 3:73.

المسالك و صاحب الكفاية (1).

هذا مع إمكان تصحيح هذا القول على تقدير اعتبار الاستقلال أيضاً كما هو ظاهر جمع،منهم:الشهيدان في الدروس و الروضة (2)،و الفاضل المقداد في التنقيح،قال فيه بعد تعليل عدم الضمان بعدم استقلال يد الغاصب؛ لأنّه إنّما يحصل برفع يد المالك و لم يرفع-:و فيه نظر؛ لأنّه إن أراد باستقلال اليد عدم المشاركة فهو باطل و إلّا لزم عدم الضمان على شخصين اشتركا في غصب شيء واحد،و إن أراد به إثباته على وجه يرتفع به يد المالك فهو مصادرة على المطلوب؛ لأنّ ذلك غير المتنازع فيه (3).

و لو قلنا بالضمان ضمن النصف عيناً و قيمةً،كما إذا كان له شريك في الغصب.و إطلاق العبارة و نحوها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في ضمانه النصف بين وحدة المالك و تعدّده.

و يحتمل تخصيصها بالصورة الأُولى و الرجوع في الثانية إلى الضمان بالنسبة،فلو كان اثنين لزمه الثلث،و ثلاثة لزمه الربع،و أربعة لزمه الخمس.

و استقربه في التنقيح إلحاقاً للمفروض بما لو تعدّد الغاصب،و قال بعد ذلك:و التحقيق يقتضي الضمان على نسبة ما استولى عليه و استقلّ به، إن نصفاً فنصفاً،و إن ثلثاً فثلثاً،و هكذا (4).

و هو جيّد.

و على القول بالضمان لا بُدّ من التقييد بكونه متصرّفاً في النصف مثلاً

ص:11


1- المسالك 2:255،الكفاية:255.
2- الدروس 3:106،الروضة 7:21.
3- التنقيح 4:66.
4- التنقيح 4:67.

بحيث يمنع المالك من أنواع التصرّفات فيه كالبيع و الهبة و أمثالهما، لا مجرّد السكنى.و كونِ شركته على الإشاعة من غير اختصاص بموضع معيّن،أمّا معه فالمتجه ضمانه كائناً ما كان.

و لو كان قويّاً مستولياً و صاحب الدار ضعيفاً بحيث اضمحلّت يده معه احتمل قويّاً ضمان الجميع.

و لو انعكس الفرض بأن ضعف الساكن الداخل على المالك عن مقاومته،و لكن لم يمنعه المالك مع قدرته ضمن الساكن اجرة ما سكن خاصّة؛ لاستيفائه منفعته بغير إذن مالكه.

هذا مع حضور المالك،و أمّا مع غيبته فلا شبهة في ضمانه العين أيضاً؛ لتحقق الاستيلاء حينئذٍ جدّاً.

و يضمن حمل الدابّة لو غصبها،و كذا غصب الأمة الحامل غصب لحملها بلا خلاف أجده ظاهراً؛ لأنّه مغصوب كالأُمّ،و الاستقلال باليد عليه حاصل بالتبعية لها.

و ليس كذلك حمل المبيع فاسداً حيث لا يدخل في البيع؛ لأنّه ليس مبيعاً فيكون أمانةً في يد المشتري؛ لأصالة عدم الضمان،و لأنّ تسلّمه بإذن البائع.

مع احتمال الضمان؛ لعموم:«على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (1)مع الشك في صدق الأمانة عليه.و به قطع الماتن في الشرائع (2).

قالوا:فإن أسقطت الحمل و بقيت الاُمّ لزمه تفاوت ما بين قيمتها

ص:12


1- غوالي اللآلي 1:224 و 2:345،مستدرك الوسائل 17:88 أبواب الغصب ب 1 ح 4.
2- الشرائع 3:236.

حاملاً و حائلاً،و إن تلفت بعد الوضع أُلزم بالأكثر من قيمة الولد و قيمتها حاملاً إن اعتبرنا الأكثر،و إلّا فقيمة يوم التلف (1).

و اعلم أنّه لا خلاف في أنّه لو تعاقبت الأيدي على المغصوب فالضمان على الكل سواء علموا بالغصب جمعياً أم جهلوا أم بالتفريق؛ لتحقّق التصرّف في مال الغير بغير إذنه الموجب للضمان؛ لعموم قوله(عليه السّلام):«على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» و إن انتفى الإثم عن الجاهل بالغصب.

و حينئذ يتخيّر المالك في تضمين من شاء منهم العين و المنفعة،أو تضمين الجميع بدلاً واحداً بالتقسيط و إن لم يكن متساوياً؛ لأنّ جواز الرجوع على كلّ واحد بالجميع يستلزم جواز الرجوع بالبعض.

و كذا له تقسيط ما يرجع به على أزيد من واحد و ترك الباقين؛ لما ذكر.و يرجع الجاهل منهم بالغصب إذا رجع عليه المالك على من غرّه فسلّطه على العين أو المنفعة و لم يُعلِمه بالحال،و هكذا الآخر إلى أن يستقرّ الضمان على الغاصب العالم و إن لم تتلف العين في يده.

هذا إذا لم يكن يد من تلفت في يده يد ضمان كالعارية،و إلّا لم يرجع على غيره.

و لو كانت أيدي الجميع عاريةً تخيّر المالك في الرجوع عليهم أو بعضهم،و استقرّ الضمان على من تلفت في يده فيرجع غيره عليه لو رجع المالك عليه دونه،و كذا يستقرّ المنفعة على من استوفاها.

و الحرّ لا يُضمن بالبناء للمفعول بالغصب عيناً و لا منفعةً مطلقاً

ص:13


1- كما في التحرير 2:137،و المسالك 2:255،و الكفاية:255.

و لو كان صغيراً ؛للأصل،و عدم صدق الغصب عليه عرفاً؛ لأنّ متعلّقه فيه ما كان مالاً كما مضى،و هو ليس بمال مطلقاً.

لكن لو أصابه تلف بسبب الغاصب من نحو الجناية على نفسه أو طرفه مباشرةً أو تسبيباً ضمنه إجماعاً،كما يأتي في محلّه في كتاب الجنايات إن شاء اللّه تعالى.

ثم إنّ عدم الضمان في غير هذه الصورة إجماعيّ في الكبير مطلقاً، و الصغير إذا كان تلفه بالموت الطبيعي من قبل اللّه تعالى،كما في الروضة و التنقيح (1).

و لو كان لا من قبل اللّه تعالى و لا بسببه أي الغاصب كالموت بافتراس السبع و لدغ الحيّة و نحو ذلك فقولان للمبسوط (2)،ينشئان مما مرّ،و من أنّه سبب الإتلاف،و أنّ الصغير لا يستطيع دفع المهلكات عن نفسه،و عروضها أكثريّ فمن ثَمّ رجّح السبب.

و قوّى هذا في الخلاف و القواعد و المختلف و الدروس (3)، و يعضدهم الخبر:«من استعار حرّا صغيراً فعيب ضمن» (4)بناءً على أنّ الاستعارة أهون من الغصب.

لكنّه بعد الإغماض عن سنده شاذّ لا قائل بإطلاقه،و مع ذلك كفتوى الجماعة بالضمان في المسألة موافق لرأي أبي حنيفة،كما عن

ص:14


1- الروضة 7:27،التنقيح 4:67.
2- المبسوط 3:105،و 7:18.
3- الخلاف 3:421،القواعد 1:202،المختلف:459،الدروس 3:106.
4- الكافي 5:2/302،قرب الإسناد:527/146 و فيه:من استعان،الوسائل 29:246 أبواب موجبات الضمان ب 12 ح 2.

الخلاف و في التذكرة (1)،و مع ذلك تعليلهم المشار إليه غير صالح للحجّية، و تخصيص أصالة البراءة القطعية.

فالمسألة إمّا الأظهر فيها عدم الضمان كما هو الأشهر بين الطائفة على ما صرّح به في المسالك و الكفاية (2)،أو محل تردّد كما هو ظاهر المتن و الإرشاد (3)،و لكن ربما يستوحش منه.

و يعضد القول بالضمان ملاحظة أنّ فتح باب عدم الضمان في مثله يفضي إلى الحيل لقتل الناس بأن يخلّيه و يدعه في مسبعة و مضيعة،و أنّ الضمان يناسب عدوانه و يقابل بفعله الشنيع.

و هو مع ما فيه من أنّه استبعاد محض جارٍ في الكبير أيضاً،و لذا قيل:إنّ الظاهر عدم الفرق بين الكبير (4)المجنون و الطفل الغير المميز الغير القادر على الدفع عن نفسه و هو مثل الحيوان.بل الظاهر عدم الفرق بينهما (5)و بين الكبير إذا حبس بحيث لا يقدر على الخلاص منه،ثم حصل في الحبس شيء أهلكه مثل لدغ الحيّة أو غيره؛ لاشتراك العلّة المتقدّمة، (فإنّ الكبير مع عدم قدرته) (6)على دفع الحيّة و العقرب إذا لم يره في الحبس لظلمته كالطفل،بل و كالحيوانات التي لا شعور لها (7)،انتهى.

و لكنّ الأكثر خصّوه بالصغير فلا يمكن أن يستدلّ لهم بهذا التعليل.

ص:15


1- الخلاف 3:421،التذكرة 2:376.
2- المسالك 2:255،الكفاية:255.
3- الإرشاد 1:445.
4- في«ص» زيادة:و،و الصواب ما أثبتناه من المصدر.
5- في«ص» بينهم،و ما أثبتناه من المصدر.
6- بدل ما بين القوسين في«ص»:فإنّ كبره مع قدرته،و ما أثبتناه من المصدر.
7- مجمع الفائدة و البرهان 10:512.

و لو حبس صانعاً حرّا زماناً له اجرة عادةً لم يضمن أُجرته إذا لم يستعمله،قالوا:لأنّ منافع الحرّ لا تدخل تحت اليد تبعاً سواء كان قد استأجره لعمل قد اعتقله و لم يستعمله،أم لا.نعم لو كان قد استأجره مدّة معيّنة فمضت زمن اعتقاله و هو باذل نفسه للعمل استقرّت الأُجرة؛ لذلك،لا للغصب،بخلاف الرقيق؛ لأنّه مال محض و منافعه كذلك.

و ظاهرهم القطع بعدم الضمان في صورته،و به صرّح في الكفاية (1).

فإن تمّ إجماعاً،و إلّا ففيه مناقشة حيث يكون الحابس سبباً مفوّتاً لمنافع المحبوس؛ لقوّة الضمان فيه،لا للغصب؛ بل لإيجابه الضرر عليه المنفيّ.

و عليه نبّه الفاضل المقدس الأردبيلي في الشرح،قال بعد تقوية الضمان-:لدفع المفاسد،و لدفع ضرر عظيم،فإنّه قد يموت هو و عياله من الجوع،و لا يكون في ذلك مانع (2)،مع كونه ظالماً و عادياً؛ و وجودِ ما يدلّ على جواز التعدي بما اعتدى،و جزاء السيئة سيئة،و القصاص،و نحو ذلك،فتأمّل.انتهى (3).

و تبعه خالي العلاّمة دام ظلّه في حواشيه عليه،قال بعد تقوية ما ذكره الشارح-:و بالجملة إن ثبت إجماع أي على ما ذكره الأصحاب و إلّا فالأمر كما ذكره (4)أي الشارح.

أقول:و يحتمل قويّاً اختصاص ما ذكره الأصحاب بصورة عدم

ص:16


1- الكفاية:255.
2- في النسخ:مال،و ما أثبتناه من المصدر.
3- مجمع الفائدة و البرهان 10:513.
4- حاشية مجمع الفائدة و البرهان:615.

استلزام الحبس التفويت كما فرضناه،بل الفوات خاصّةً.

و ربما يستفاد ذلك من التذكرة حيث إنّه مع تصريحه بما ذكره الأصحاب قال في عنوان البحث:منفعة بدن الحرّ تضمن بالتفويت لا بالفوات (1)،انتهى،فتأمّل.

و يظهر الفرق بين المقامين فيما لو حبسه مدّةً لها أُجرة عادةً،فإن كان لو لم يحبس لحصّلها كان حبسه سبباً لتفويتها فيضمن هنا كما ذكراه.و إن كان لو لم يحبس لم يحصّلها أيضاً لم يكن حبسه سبباً لتفويتها،و هذا مراد الأصحاب في حكمهم بنفي الضمان فيه كما احتملناه من كلامهم.

و لا شبهة فيه،كما لا شبهة في أنّه لو انتفع به باستخدامه ضمن اجرة الانتفاع مع أنّه لا خلاف فيه.

و لا تضمن الخمر لو غصبت من مسلم أو كافر متظاهر و إن كان قد اتّخذها للتخليل؛ إذ لا قيمة لها في شرع الإسلام.لكن هنا يأثم الغاصب و يجب عليه ردّها مع بقاء عينها.

و لو تخلّلت ردّها خَلّاً؛ لأنّها مملوكة على هذا الوجه،فلا يزول ملكها بانتقالها إلى الصفة المحلّلة،بل تتأكّد.

و إن تلفت عينها عند الغاصب فإن كان بعد التخليل لزمه الخلّ،و إن كان قبله أثم و سقط عنه الضمان في المشهور،كما في المختلف و المسالك (2)و غيرهما؛ لأنّ حق الإمساك لا يوجب الضمان.

خلافاً للإسكافي (3)فحكم له بقيمتها خلّاً؛ لأنّ له حقّ اليد فكان عليه

ص:17


1- التذكرة 2:382.
2- المختلف:459،المسالك 2:256.
3- نقله عنه في المختلف:459.

الضمان بإتلاف حقّه،و لا يصحّ الضمان بالمثل،فيضمن بالقيمة و يجب الخلّ؛ لأنّه أقرب إلى العين.

و يضعّف بأنّ فيه تدافعاً؛ لأنّ جعلها حينئذٍ قيميّةً يقتضي إيجاب القيمة كيف كان،فلا وجه للانتقال إلى الخلّ و إن كان أقرب.

و لا فرق في إطلاق العبارة و غيرها من عبائر الجماعة،بل صريح بعضها بين كون الغاصب مسلماً أو كافراً،و بالإجماع على عدم الضمان مطلقاً في الأوّل صرّح الفاضل في التذكرة (1)،و ظاهرها عدم الخلاف فيه كذلك في الثاني.و به أيضاً يضعّف (2)مختار الإسكافي.

و يضمنها الغاصب مطلقاً مسلماً كان أو كافراً لو غصبها من ذمّي مستتر بلا خلاف بيننا،بل عليه في ظاهر المبسوط و التذكرة إجماعنا (3)؛ لأنّها مال بالإضافة إليه و قد أقرّ عليه،و لم يجز مزاحمته فيه.

ثم إن كان الغاصب مسلماً لزمه قيمتها عند مستحلّيها قولاً واحداً كما في المسالك (4)،و في ظاهر التذكرة أنّ عليه إجماعنا (5)؛ لتعذّر إلزامه بالمثل شرعاً و إن كان بحسب القاعدة مثليّا.

و إن كان الغاصب كافراً ففي إلزامه بالمثل أو القيمة وجهان:من أنّه مال مملوك لهم و هو مثليّ فيضمن بمثله؛ إذ لا مانع منه هنا.و من أنّه يمتنع في شرع الإسلام الحكم بثبوت الخمر في ذمّة أحد،و إن كنّا لا نعترضهم إذا لم يتظاهروا بها،فامتنع الحكم بالمثل لذلك فوجب الانتقال إلى القيمة،كما

ص:18


1- التذكرة 2:379.
2- في«ص» زيادة:لنا.
3- المبسوط 3:100،التذكرة 2:379.
4- المسالك 2:256.
5- التذكرة 2:379.

لو تعذّر المثل في المثليّ.

و لعلّ هذا أقوى وفاقاً لأكثر أصحابنا،بل عليه في ظاهر التذكرة إجماعنا (1).

خلافاً للقاضي في أحد قوليه فاختار الأوّل (2).و نقله في التذكرة عن أبي حنيفة (3).

و كذا الحكم في الخنزير إلّا أنّ ضمان قيمته حيث يجب واضح؛ لأنّه قيميّ حيث يملك.

و اعلم أنّه كما يوجب الغصب الضمان كذلك الإتلاف يوجبه أيضاً بلا خلاف؛ و لعلّه لحديث:لا ضرر و لا إضرار (4).

و لا فرق في المتلف بين كونه عيناً أو منفعةً.و هو قد يكون بالمباشرة و إيجاد علّة التلف كالأكل،و الحرق،و القتل،و نحو ذلك،و بالسبب و فعل ملزوم العلّة كحفر البئر.و إذا اجتمعا قدّم المباشر بلا خلاف ظاهر،بل ظاهرهم الإجماع عليه،و به صرّح المقدس الأردبيلي-(رحمه اللّه) قال:و كأنّه مجمع عليه (5).

و ذلك كما لو سعى إلى ظالم بآخر فأخذ ماله،أو فتح بابه على مال فسرق أو دلّ السرّاق إلى مال فسرقوه،فإنّ في جميع هذه المسائل ضمن المباشر الذي هو الظالم السارق دونه أي دون السبب.قالوا:لأنّه أقوى.

ص:19


1- التذكرة 2:379.
2- المهذب 1:444.
3- التذكرة 2:379.
4- الوسائل 25:/427 أبواب إحياء الموات ب 12.
5- مجمع الفائدة و البرهان 10:501.

و فيه نظر،فإنّ القوّة لا تدفع الضمان عن السبب بعد وجود ما يقتضي ضمانه أيضاً،و هو ما مرّ من حديث نفي الضرر.و لا امتناع في الحكم بضمانهما معاً و تخيّر المالك في الرجوع إلى أيّهما شاء كالغصب.فلولا الإجماع الظاهر المعتضد بالأصل لكان القول بضمانهما كترتّب الأيدي في الغصب في غاية الحسن.

و على هذا نبّه خالي العلّامة دام ظلّه في حاشيته على شرح الإرشاد (1)،إلّا أنّ ظاهره سلّمه اللّه المصير إليه،أو بقاؤه في شباك التردّد من دون أن يقطع بما ذكره الأصحاب،و لعلّه لتوقّفه في فهم الإجماع،و تردّده في قبول حكايته من ناقله؛ لعدم قطعه به.

و هو حسن،و لكن الإجماع ظاهر،فالمصير إلى ما ذكره الأصحاب متعيّن إلّا مع قوّة السبب كالمكره،و الملقي للحيوان في المسبعة لو قتله السبع؛ لاتّفاقهم أيضاً على هذا الاستثناء.

و لذا قالوا: لو أزال القيد عن فرس و نحوه فشرد،أو عن عبد مجنون فأبق أو قفص طائر فطار ضمن المزيل،و نفى الخلاف في جميع ذلك في المبسوط (2)في الجملة،و عليه كذلك في ظاهر التذكرة إجماع الإماميّة (3).و يحتج لضمانه زيادةً عليه بما مرّ من حديث نفي الضرر.

و يبقى الإشكال في (4)الحكم بنفي الضمان عن المباشر لو كان؛

ص:20


1- حاشية مجمع الفائدة و البرهان:609.
2- المبسوط 3:89.
3- التذكرة 2:375.
4- في«ص» زيادة:نفي.

لثبوت ضمانه و إن ضعف بعموم على اليد،و لا مانع من اجتماع الضمانين كما مرّ.و لكن المخرج عن هذا الإشكال كالمخرج عن الإشكال الأوّل بناءً على انعقاد الإجماع في الظاهر على اختصاص الضمان بالسبب القويّ دون المباشر.

و مما ذكرنا يظهر الوجه فيما حكموا به من غير خلاف يعرف من أنّه لا يضمن لو أزاله أي القيد عن عبد عاقل بناءً على قوّة المباشر أي هو العبد؛ لأنّ له اختياراً صحيحاً فذهابه محال عليه؛ إذ لا يتوقّع منه الفرار،بخلاف المجنون.

قيل:هذا إذا لم يكن آبقاً،و إلّا ففي ضمانه وجهان:من أنّه بعقله يحال عليه الفعل.و من أنّ إطلاقه و قد اعتمد المالك ضبطه إتلاف عليه فكان كحلّ المجنون و البهيمة.انتهى (1).

و هذا ظاهر في عدم الإجماع على الحكم في الآبق،و عليه فالوجه الثاني متعيّن؛ لما مرّ من عموم ما دلّ على ضمان السبب،و إنّما خرج عنه في محلّ الإجماع به،و هو مفقود في المقام بمقتضى الفرض.

الثاني في الأحكام

الثاني: في الأحكام يجب ردّ المغصوب على مالكه ما دامت العين باقيةً يمكنه ردّها، سواء كانت على هيئتها يوم غصبها أم زائدة،أم ناقصة و إن تعسّر ردّه، و استلزم ذهاب مال للغاصب كالخشبة المستدخلة في البناء،و اللوح في السفينة و الخيط في الثوب،و الممزوج الشاق تمييزه كالحنطة بالشعير و نحو ذلك.

ص:21


1- قال به الشهيد الثاني في المسالك 2:257.

بلا خلاف في شيء من ذلك إلّا في وجوب فوريّة الردّ مع ذهاب مال للغاصب أو من بحكمه.و بعدم الخلاف صرّح في التذكرة (1)،و هو ظاهر المسالك (2)و غيره (3).و بالإجماع عليه صرّح جماعة كالشهيدين في الدروس و الروضة،و المقدّس الأردبيلي (4)رحمه اللّه و هو ظاهر الكفاية (5)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى عموم:« على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» .و لم ينقل الخلاف في المسألة إلّا عن أبي حنيفة (6)في الخشبة المستدخلة في البناء أو المبنيّ عليها حيث حكم فيها بملكه للغاصب، و وجوب غرم قيمته على الغاصب.

و يضعّف زيادة على ما مر بأنّ البناء العدوان لا يزيل ملك المالك،كما لو غصب أرضاً و بنى عليها باعترافه،و أنّ القدرة على المثل تمنع العدول إلى القيمة؛ لأنّ المثل أقرب إلى المغصوب،فأولى أن تمنع القدرة على العين العدول إلى القيمة.

و بالجملة لا ريب في فساد ما ذكره،و وجوب ردّ العين فوراً إلى مالكه و إن استلزم ذهاب مال الغاصب،كما هو ظاهر إطلاق العبارة و الأكثر

ص:22


1- التذكرة 2:395،396.
2- المسالك 2:258.
3- انظر السرائر 2:484.
4- الدروس 3:109،الروضة 7:36،الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 10:520.
5- الكفاية:256.
6- حكاه عنه في الخلاف 3:409.

كما في المسالك (1).

و ذكر فيه و في الروضة و الشهيد في الدروس (2)أنّه لو خيف غرق الغاصب أو غرق حيوان محترم،أو مال لغيره و لم يكن بحكمه كأن تصرّف في المغصوب جاهلاً بالغصب لم ينزع إلى أن يصل إلى الساحل.

و لو عاب بالإخراج من البناء و نحوه ضمن الأرش إجماعاً كما في الروضة (3)؛ لأنّه عوض عن أجزاء ناقصة،أو أوصاف،و كلاهما مضمون،سواء كان النقص من الغاصب أو من غيره و لو من قبل اللّه تعالى.

و لو بلغ حدّ الفساد على تقدير الإخراج بحيث لا يبقى لها قيمة، فالواجب تمام قيمتها بلا خلاف.

و في جواز إجباره على النزع حينئذٍ وجهان:من فوات الماليّة،و بقاء حقّ المالك في العين.و الأوّل أجود و إن حكى في المسالك عن ظاهر الأصحاب الثاني؛ لأنّها تنزّل منزلة المعدوم (4).و فيه نظر و لو تلف المغصوب أو تعذّر العود إليه و ردّه ضمن الغاصب مثله إن كان المغصوب مثليّا،بلا خلاف؛ لأنّه أقرب إلى التالف.

و قد اختلف عباراتهم في ضبط المثليّ،فالمشهور بينهم كما في المسالك و الكفاية (5)أنّه ما كان متساوي الأجزاء قيمةً،أي أجزاء النوع الواحد منه،كالحبوب و الأدهان،فإنّ المقدار من النوع الواحد منه يساوي مثله في القيمة،و نصفه يساوي نصف قيمته.

ص:23


1- المسالك 2:258.
2- الروضة 7:36،الدروس 3:109.
3- الروضة 7:44.
4- المسالك 2:258.
5- المسالك 2:259،الكفاية:257.

و ضبطه بعضهم بالمقدّر بالكيل أو الوزن (1)،و بعضهم بأنّه ما تتساوى أجزاؤه في الحقيقة النوعية (2).و زاد آخرون عليه اشتراط جواز السلم فيه (3).

و عرّفه في الدروس (4)بأنّه المتساوي الأجزاء و المنفعة المتقاربة الصفات،و تبعه في المسالك و الكفاية (5)،قائلين:إنّه أقرب التعريفات إلى السلامة.

و لا يذهب عليك عدم ظهور حجّة لهذه التعريفات عدا العرف و اللغة،و هما بعد تسليم دلالتهما على تعيين معنى المثل المطلق و ترجيحهما أحدَ الآراء لا دلالة لهما؛ إذ هي فرع تعليق الحكم على لفظ المثل في دليل،و ليس بموجود عدا قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [1] (6).و فيه نظر؛ لاحتمال كون المراد بالمثل فيه مثل أصل الاعتداء،لا مثل المعتدى فيه الذي هو ما نحن فيه،فتأمّل.هذا.

مع أنّه لم يظهر حجّة على أصل اعتبار المثل في المثلي،و القيمة في القيمي عدا الإجماع و الاعتبار،و ليس فيهما ما يرجّح أحد التعريفات، فليرجع في خصوص الأفراد إلى ما جُمع على كونه مثليّا أو قيميّاً.

و لا إشكال فيما ظهر فيه،و يشكل الأمر فيما عداه،و ينبغي الاحتياط

ص:24


1- انظر الأُم 3:254،بداية المجتهد 2:317.
2- غاية المراد 2:398.
3- انظر فتح العزيز المطبوع مع المجموع 11:266.
4- الدروس 3:113.
5- المسالك 2:259،الكفاية:257.
6- البقرة:194.

في مثله بالرجوع إلى الصلح و التراضي إن أمكن،و إلّا فلا يبعد ترجيح مختار الأكثر؛ لرجحانه بالشهرة.

و لولاها لكان العمل بالتخيير بين الآراء متّجهاً،كما هو الحال في ترجيح الأقوال المختلفة التي لا مرجّح لأحدها على الآخر من الأدلّة.

و ربما يرجّح مختار الأكثر أيضاً على أكثر ما عداه بسلامته عن النقض الذي يورد عليه من شموله للثوب؛ لأنّ قيمة أجزائه متساوية،مع أنّه قيمي،و ذلك فإنّه يمكن أن يقال:الثوب ليس بمتساوي الأجزاء فإنّ ذراعاً منه قد يسوى عثمانيا و الآخر شاهيات،بل ربما لا تكون له قيمة أصلاً كما لا يخفى.

و أمّا ما يورد على مختارهم من أنّه إن أُريد التساوي بالكلّية فالظاهر عدم صدقه على شيء من المعرّف؛ إذ ما من شيء إلّا و أجزاؤه مختلفة في القيمة في الجملة مثل الحنطة و الشعير و جميع ما قيل إنّه مثلي،فإنّ حنطة قد تكون تغارها تساوي عشرين و الآخر عشر شاهيات،و بالجملة التفاوت معلوم.

و إن أُريد التساوي في الجملة فهو في القيمي أيضاً موجود مثل الثوب و الأرض و نحوهما.

و إن أُريد مقداراً خاصّاً فهو حوالة إلى المجهول.

فيضعّف بما ذكره خالي العلّامة (1)دام ظلّه بأنّه لعلّ المراد التفاوت المتعارف المعتدّ به عند أهل العرف،أي ما يكون متساوي الأجزاء عرفاً يكون مثليّا،و غير المتساوي كذلك غير مثليّ،فتأمّل.و أيضاً المثلي

ص:25


1- حاشية مجمع الفائدة و البرهان:620.

ما تعارف تحقّق المثل له بحيث يساويه و يماثله في الطبيعة و المميّز النوعي و الصنفي،و هو أقرب إليه من كلّ جنس و إن كان مثل الدرهم و الدينار، فتأمّل.

ثم إنّه إذا كان المثل موجوداً و لم يسلّمه حتّى فقد،لزمت القيمة عليه.و ذكر جماعة (1)أنّ المراد من الفقدان أن لا يوجد في ذلك البلد و ما حوله ممّا ينقل إليه عادةً.

و فيه نظر،بل مقتضى الأصل لزوم تحصيل المثل و لو من البلاد النائية التي لم ينقل إليها عادةً،إن لم يستلزم التكليف بالمحال،فتأمّل.

و في القيمة المعتبرة حينئذٍ أوجه:

أوّلها و هو أشهرها كما في المسالك و الكفاية (2)-:اعتبار قيمته حين تسليم البدل.

و ثانيها:اعتبارها وقت الإعواز.

و ثالثها:اعتبار أقصى القيم من حين الغصب إلى حين دفع العوض، و هو المعبّر عنه بيوم الإقباض.

و رابعها:اعتبار الأقصى من حينه إلى حين الإعواز.

و خامسها:اعتبار الأقصى من حين الإعواز إلى حين دفع القيمة.

و العمل على الأوّل.

و اعلم:أنّه قد ظهر مما مرّ أنّه إن لم يكن المغصوب مثليّا يلزم قيمته إجماعاً.

ص:26


1- منهم العلامة في التذكرة 2:383،و الشهيد الثاني في المسالك 2:259،و السبزواري في الكفاية:257.
2- المسالك 2:259،الكفاية:257.

و في اعتبار ضمانها بين الأصحاب أقوال:أحدها و هو الذي اختاره الماتن هنا مشيراً إليه بقوله: و قيمته يوم الغصب إن كان مختلفها (1) [مختلفاً.] أي مختلف الأجزاء قيمة،وفاقاً لموضع من المبسوط (2)و نسبه في الشرائع (3)إلى الأكثر؛ لأنّه أوّل وقت دخول العين في ضمان الغاصب،و الضمان إنّما هو لقيمتها فيقضى بها حالة ابتدائه به.

و يضعّف بأنّ الحكم بضمان العين حينئذٍ بمعنى أنّها لو تلفت وجب بدلها و هو القيمة،لا وجوب قيمتها حينئذٍ،فإنّ الواجب ما دامت العين باقية ردّها،و لا ينتقل إلى القيمة إلّا مع تلفها،فلا يلزم من الحكم بضمانها على هذا الوجه اعتبار ذلك الوقت.

نعم ربما يمكن أن يستدلّ له بصحيحة أبي ولاّد (4)الطويلة المشهورة الواردة في ضمان البغلة المغصوبة المتضمّنة لقوله عليه السّلام بعد أن سأله الراوي:أ رأيت لو عطب البغل أو نفق أ ليس كان يلزمني؟:«نعم قيمة بغل يوم خالفته» .لكنّه مبنيّ على كون المراد القيمة الثابتة يوم المخالفة،لكنّه معارض باحتمال أن يكون المراد:يلزمك قيمة البغل يوم المخالفة،متعلّقاً ب«يلزم»،يعني لزوم القيمة في ذلك اليوم.و عليه فحدّ القيمة غير مبيّن مرجوع إلى ما يقتضيه الدليل.

و مع ذلك معارض باعتباره عليه السّلام بعد ذلك في أرش العيب القيمة يوم

ص:27


1- في المطبوع من المختصر(256):
2- المبسوط 3:60.
3- الشرائع 3:240.
4- الكافي 5:6/290،التهذيب 7:943/215،الإستبصار 3:483/134،الوسائل 25:390 أبواب الغصب ب 7 ح 1.

الردّ،حيث إنّه(عليه السّلام) بعد أن سأله الراوي بعد ذلك بقوله:قلت:و إن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر قال:«عليك قيمة ما بين الصحّة و العيب يوم تردّه عليه» .فهذا القول ضعيف غايته،مع أنّي لم أجد القائل به عدا من مرّ و إن نسبه الماتن إلى الأكثر.

و قيل:أعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف اختاره الشيخ في النهاية و الخلاف و موضع من المبسوط،و ابن حمزة و الحلي (1).

و استحسنه الماتن في الشرائع (2)،و نسبه في المختلف و التنقيح (3)إلى الأشهر.و مال إليه في الدروس،و اختاره في اللمعة (4)،و قوّاه شيخنا في شرحها معتمداً على الصحيحة المتقدّمة،قال:و يمكن أن يستفاد منه اعتبار الأكثر منه إلى يوم التلف.و هو قويّ عملاً بالخبر الصحيح،و إلّا لكان القول بقيمته يوم التلف مطلقاً أقوى (5).

و في إمكان استفادة ما ذكره منها نظر،مع أنّه ذكر قبل هذا الكلام أنّ فيها ما يدلّ على القول الأوّل.و فيه أيضاً ما مرّ.

و لعلّه لذا لم يستدلّ بها على أحد هذين القولين و لا غيرهما من

ص:28


1- حكاه عن النهاية في المهذّب البارع 4:252،و المسالك 2:260،و الموجود فيها في موضع(402):قيمة يوم الغصب،و في آخر(446):قيمة يوم التعدّي،و في ثالث(780):قيمة يوم التلف،و لم نعثر على غيرها،الخلاف 3:403،415،المبسوط 3:70،الوسيلة:276،السرائر 2:481.
2- الشرائع 3:240.
3- المختلف:455،التنقيح 4:70.
4- الدروس 3:113،اللمعة(الروضة البهية 7):40.
5- الروضة 7:43.

القدماء أحد،بل استدلّوا بغيرها و منهم أرباب هذا القول،فقد استدلّوا له بأنّه مضمون في جميع حالاته التي من جملتها حالة أعلى القيم،و لو تلف فيها لزمه ضمانه فكذا بعده،و أنّه يناسب التغليظ على الغاصب.

و يضعّف بما يأتي من أنّ الزيادة للسوق ما دامت العين باقية غير مضمونة إجماعاً،و لا يلزم من ضمانها لو تلفت في تلك الحالة ضمانها مع عدم تلفها؛ لأنّ ضمان القيمة على تقدير تلفها (1)[حينئذٍ ما جاء من قبل الزيادة،بل من حيث الانتقال من ضمان العين إلى القيمة لفوات العين،و هو منتفٍ على تقدير عدم تلفها] في تلك الحالة العليا.

و مؤاخذة الغاصب بالأشقّ لا يجوز بغير دليل يقتضيه،و قد تبيّن ضعفه.

و فيه وجه آخر بل وجهان،أحدهما:ضمان القيمة يوم التلف، اختاره القاضي و الفاضل في المختلف (2)،و نسبه في الدروس (3)إلى الأكثر.

و ما أبعد ما بينه و بين ما يستفاد من ظاهر العبارة أنّه ليس قول أحد و إنّما هو مجرّد وجه.

و وجهه أنّ العين ما دامت موجودة لا حقّ لمالكها في القيمة زادت أم نقصت،و لهذا لم يحكم عليه بزيادة القيمة السوقية عند نقصانها حين الردّ إجماعاً كما يأتي،و صرّح به هنا الفاضل في المختلف (4).و الانتقال إلى القيمة إنّما هو عند التلف فتعتبر القيمة في تلك الحال.

و فيه نظر سبق التنبيه على وجهه في كتاب التجارة في غير محلّ، و هو منع استلزام التلف الانتقال إلى القيمة حينه؛ إذ لا مانع من تعين القيمة

ص:29


1- في«ح» و«ر» زيادة:حينئذٍ ما جاء من قبل الزيادة،بل من حيث الانتقال من ضمان العين إلى القيمة لفوات العين،و هو منتفٍ على تقدير عدم تلفها.
2- المهذب 1:436،437،المختلف:455.
3- الدروس 3:113.
4- المختلف:455.

الأعلى حينه لأمرٍ آخر كحديث:لا إضرار و لا ضرر (1)؛ إذ لا ريب أنّ حبس العين عن المالك حين ارتفاع قيمتها ضرر على المالك،و تفويت لتلك القيمة العليا عليه.

و من هنا يُوجّه الوجه الثاني،و هو ضمان أعلى القيم من حين الغصب إلى حين الردّ.ذكره الخال العلّامة دام ضلّه في حاشية شرح الإرشاد،و اختاره (2).

و فيه نظر (3)مع أنّ الإجماع المحكيّ عموماً و خصوصاً على عدم ضمان القيمة السوقيّة يدفع هذا الوجه المبنيّ عليه ما اختاره،مضافاً إلى شذوذه و ندرة القائل به؛ إذ لم يحك القول به إلّا عن الماتن في أحد قوليه، و كافّة الأصحاب على خلافه؛ لأنّ الواجب القيمة فمتى حكم بها استقرت، فلا عبرة بزيادتها و لا نقصانها يوم التلف.

و مع ذلك لم يوجّه مختار الماتن هذا بما ذكر،بل بما نبّه عليه في المسالك تبعاً للدروس،فقال بعد ذكر التعليل المتقدّم على ردّه-:نعم لو قلنا بأنّ الواجب في القيمي مثله كما ذهب إليه ابن الجنيد مخيّراً بين دفع القيمة و المثل و مال إليه المصنف في باب القراض اتّجه وجوب ما زاد من القيمة إلى حين دفعها كما في المثلي (4).

و كيف كان فالمسألة محلّ إشكال.و الاحتياط يقتضي المصير إلى مختار الخال،لكن على سبيل الاستحباب.

ص:30


1- في«ح»:لا ضرر و لا ضرار.
2- حاشية مجمع الفائدة و البرهان:624.
3- ليس في«ص»،أثبتناه من سائر النسخ لاستقامة المتن.
4- المسالك 2:260،و هو في الدروس 3:113.

و أمّا الاحتياط الواجب لتحصيل البراءة اليقينيّة عمّا اشتغلت به الذمّة فمقتضاه المصير إلى القول الثاني،و إنّما لم يجب الاحتياط في الوجه الرابع مع جريان دليله فيه؛ لظهور الإجماع من الكلّ كما عرفت على خلافه.

ثم إنّ محلّ الخلاف كما صرّح به جماعة من الأصحاب (1)من غير خلاف هو ما إذا كان نقصان القيمة مستنداً إلى السوق.أمّا إذا استند إلى حدوث نقص في العين ثم تلفت فإنّ الأعلى مضمون بلا خلاف،بل عليه في المسالك (2)الوفاق.و مرّ وجهه في ضمان أرش العيب،مع نقل الإجماع أيضاً في الروضة (3).

و اعلم:أنّ المعروف بين الأصحاب كما في الكفاية (4)أنّه مع ردّه أي الشيء المغصوب بعينه لا يجب على الغاصب أن يردّ زيادة القيمة السوقية و بعدم الخلاف فيه صرّح في المبسوط (5)،و بالإجماع صرّح في المختلف (6)كما مرّ،و هو ظاهر التذكرة و المسالك (7)حيث لم ينقلا الخلاف فيه بيننا،و نسباه إلى أكثر أهل العلم،و حكيا الخلاف فيه عن شذوذ من العامّة.

و هو كالصريح في انعقاد الإجماع عليه منّا و من أكثر العامّة؛ و هو

ص:31


1- كالشهيد الثاني في المسالك 2:260،و السبزواري في الكفاية:258،و الكاشاني في المفاتيح 3:172.
2- المسالك 2:260.
3- الروضة 7:44.
4- الكفاية:257.
5- المبسوط 3:63.
6- المختلف:455.
7- التذكرة 2:385،المسالك 2:259.

الحجّة المعتضدة بالأصل،و أنّ الفائت رغبات الناس لا شيء من المغصوب،فإنّ عينه موجودة فالواجب ردّها خاصّة.و بذلك يخصّ عموم حديث نفي الضرار،و لولاه لكان المصير إلى ضمانها في غاية من القوّة؛ للحديث المزبور بناء على أنّ تفويتها بالغصب ضرر بلا شبهة.

و عليه نبّه الخال العلّامة (1)دام ظلّه لكن ظاهره الميل إليه؛ لإظهاره التردّد في الإجماع،و احتماله كون المراد منه في كلام الحاكي غير معناه المصطلح.و ليس للقاصر محل تردّد،و فتح باب الاحتمال المزبور يوجب سدّ باب حجيّة الإجماعات المنقولة.هذا.

مع أنّ عدم الخلاف لا أقلّ منه قطعاً،و هو حجّة ظنيّة كما بينّاه في رسالة مفردة في تحقيق الإجماع.و لا ريب أنّ الظنّ المستفاد منه أقوى من الظنّ المستفاد من عموم الخبر المتقدم؛ لكونه خاصّاً فليكن مقدّماً.

و تردّ الزيادة أي زيادة القيمة إن كانت لزيادة في العين كاللبن و الشعر و الولد و الثمرة أو الصفة كتعلّم الصنعة و نحوه،و إن كانت بفعل الغاصب.بلا خلاف في شيء من ذلك أجده.

@(و وجه الأوّل واضح.و أمّا الثاني،فقيل (2):وجهه أنّه بعد وجود الصفة في العين صارت ملكاً للمالك و جزءاً لمملوكه من غير عوض له للغاصب،فيكون مضموناً.و لا فرق في ذلك بين حصوله ثانياً و كونه أوّلاً؛ إذ بعد الوجود صار ملكاً له و مضموناً بيد الغاصب المكلف بدفعه و بعوضه لو تلف،فيضمن كالأصل و الأجزاء السابقة و الأوصاف السالفة كالكبر بزيادة

ص:32


1- حاشية مجمع الفائدة و البرهان:618،619.
2- قال به المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 10:442.

الأجزاء بعد الغصب عنده) (1)@ [بناء على ما سيأتي من استحقاق المالك الزيادة عينا كانت أو آثارا محضة فيتبعها القيمة] فتأمّل.

و لو كان المغصوب دابّة فعابت عند الغاصب ردّها مع الأرش مطلقاً و لو كان العيب من قبل اللّه تعالى أو أجنبيّ؛ لما مضى في ضمان أرش العيب من الإجماع و غيره.

و يتساوى في ذلك بهيمة القاضي و الشوكي بلا خلاف فيه بيننا،بل عليه في كلام جماعة إجماعنا (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى عموم الأدلّة.

خلافاً لبعض العامة (3)فحكم في الجناية على بهيمة القاضي بالقيمة و يأخذ الجاني العين المغصوبة؛ نظراً منه إلى أنَّ المعيب لا يليق بمقام القاضي.

ثمّ إنّ إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحكم بلزوم الأرش بالعيب بين ما لو كان بجناية الغاصب في العين و نحوها ممّا في البدن منه اثنان،و بين غيره.و عليه عامّة المتأخّرين وفاقاً للمبسوط و القاضي و الحلي (4)،قالوا:لأنّه مال،فيجب فيه الأرش كغيره من الأموال.

أقول:و يعضده إطلاق صحيحة أبي ولاّد المشهورة،بل عمومها، و فيها:قلت:فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر،فقال عليه السّلام:«عليك قيمة

ص:33


1- بدل ما بين القوسين في«ر» و«ح»:بناءً على ما سيأتي من استحقاق المالك الزيادة عيناً كانت أو آثاراً محضة فيتبعها القيمة.
2- الخلاف 3:396،الروضة البهية 7:46.
3- حكاه عن مالك في المجموع 14:245،و المغني لابن قدامة 5:386.
4- المبسوط 3:62،القاضي في المهذب 1:437،الحلي في السرائر 2:487،488،498.

ما بين الصحة و العيب يوم تردّه عليه» (1).

خلافاً للخلاف (2)فأدّعى في جناية الغاصب في إحدى العينين و ما في معناها نصف القيمة،و في كلتيهما تمامها محتجّاً بالإجماع و الرواية، و هي:كلّ ما في البدن منه اثنان ففي الاثنين جميع القيمة و في الواحد نصفها (3).

و نسب ذلك في المبسوط (4)إلى روايات الأصحاب،بل فتاويهم.

و ردّه الحلّي (5)بأنّ الرواية ليست إلّا في الإنسان،و حمل الدابة عليه قياس.

و حملهما الفاضل في المختلف (6)على جناية غير الغاصب في إحدى العينين بشرط نقص القدر عن الأرش.

و أمّا الخبران المثبتان في عين الدابّة ربع القيمة فليسا بمنطبقين على أحد المذهبين،مع أنّه لا قائل بهما في البين فليطرحا،أو يحملا على التقية فقد حكى في التذكرة (7)القول بمضمونهما عن أبي حنيفة،أو على ما إذا توافق الأرش و القيمة.و هذا و إن كان بعيداً غايته إلّا أنّه لا بأس به جمعاً بين الأدلّة.

و لو كان المغصوب المعيب بالجناية عبداً أو أمة و كان الغاصب هو الجاني ردّه و دية الجناية إن كانت مقدّرةً مطلقاً،وفاقاً

ص:34


1- الكافي 5:6/290،التهذيب 7:943/215،الوسائل 25:390 أبواب الغصب ب 7 ح 1.
2- الخلاف 3:397.
3- الوسائل 29:/283 أبواب ديات الأعضاء ب 1.
4- المبسوط 3:62.
5- السرائر 2:498.
6- المختلف:457.
7- التذكرة 2:380.

للمبسوط و الخلاف (1)تسويةً بين الغاصب و غيره؛ لأصالة العدم.

و فيه قول آخر أفتى به الحلّي و الفاضلان و الشهيدان (2)،و عامّة المتأخّرين على الظاهر المصرّح به (3)،و هو ضمان أكثر الأمرين من القيمة و المقدّر شرعاً في الجناية؛ لأنّ الأكثر إن كان هو المقدّر فهو جانٍ،و إن كان هو الأرش فهو مال فوته تحت يده كغيره من الأموال؛ لعموم:« على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (4)و هذا أظهر.

مع أنّ المحكيّ عن المبسوط ما يوافق هذا القول (5)فلا خلاف،و لذا إنّ الفاضل في المختلف (6)حمل كلامه السابق على إرادة الجاني غير الغاصب؛ فإنّ الحكم فيه ذلك بلا خلاف،بل عليه الوفاق في المسالك و غيره (7).

و الفرق أنّ ضمان الغاصب من جهة الماليّة فيضمن ما فات منها مطلقاً،و ضمان الجاني منصوص فيقف عليه.و أنّ الجاني لم يثبت يده على العبد فيتعلّق به ضمان المالية،بخلاف الغاصب؛ لأنّ يده يد عدوان يوجب ضمان العين عليه بالقيمة مطلقاً،حتّى لو مات العبد عنده ضمن قيمته مطلقاً بلا خلاف،كما في الكفاية (8)و غيرها.

ص:35


1- المبسوط 3:64،الخلاف 1:680.
2- الحلي في السرائر 2:488،المحقق في الشرائع 3:241،العلامة في التذكرة 2:380،الشهيدان في اللمعة(الروضة البهية 7):48،47.
3- في«ر» و«ح» زيادة:في الدروس،(3:114).
4- راجع ص 12 الرقم 1.
5- حكاه عنه في المختلف:457،و هو في المبسوط 3:98.
6- المختلف:457.
7- المسالك 2:261،الكفاية:258.
8- الكفاية:258.

و لا فرق في ذلك على القولين بين ما لو كانت الجناية على الطرف أو النفس.

و يتفرّع على المختار أنّه لو قتله غيره و زادت قيمته عن دية الحرّ لزم القاتل الدية و الغاصب الزيادة؛ لأنّ ماليّته مضمونة عليه،و كذا لو جنى عليه غيره فقطع يده مثلاً ضمن أقلّ الأمرين من نصف القيمة و نصف دية الحرّ.

ثمّ إن زاد نصف القيمة عن نصف دية الحر تخيّر المالك بين الرجوع إلى الغاصب بنصف القيمة فيرجع الغاصب على الجاني بأقلّ الأمرين،و بين أن يرجع على الجاني بأقلّهما و إلى الغاصب بالزيادة.

و لو مزج الغاصب المغصوب بغيره أو امتزج في يده بغير اختياره كلّف قسمته بتمييزه إن أمكن التمييز مطلقاً و إن شقّ،كما لو خلط الحنطة بالشعير،أو الحمراء منها بالصفراء بلا خلاف؛ لوجوب ردّ العين حيث يمكن.

و لو لم يمكن التمييز كما لو خلط الزيت بمثله أو الحنطة بمثلها صفة ردّ العين وفاقاً للأكثر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر؛ لأنّ عين مال المالك موجودة في الجملة و غايته أنّها بغيرها ممتزجة،و ذلك لا يخرجها عن ملكه؛ و لأنّ في ذلك إيصال المالك إلى بعض حقّه بعينه،و إلى بدل بعضه من غير زيادة فوت على الغاصب،فكان أولى من إيصاله إلى بدل الكلّ.

خلافاً للحلّي فقال:ينتقل إلى المثل؛ لاستهلاك العين إذ لا يقدر الغاصب على ردّها لو طلبه (1).

ص:36


1- السرائر 2:482.

و يضعّف بأنّ ذلك لا يوجب خروجها عن ملكه،كما لو اختلط المالان بغير اختيارهما أو برضى المالكين.و بأنّه لو غصب رطلاً من هذا و رطلاً من هذا و خلطهما و جعلهما بذلك هالكين يلزم انتقال الملك فيهما إلى الغاصب و هو تملّك اختياريّ.

و كذا لو كان الخلط بأجود منه لوجود عين المغصوب المقتضي لتسلّط المالك عليهما،و عدم الانتقال إلى مثلها أو قيمتها.

و لا يقدح في ذلك الزيادة؛ لأنّها زيادة صفة بفعل الغاصب،فكان كما لو علّم العبد صنعة،أو صاغ النقرة حليّاً.

خلافاً للمبسوط و الحلي (1)،فقالا:يتخيّر الغاصب في دفع القدر من العين أو غيرها؛ لأنّ العين قد استهلكت،إذ لا يقدر على الرد لو طالبه.

و التخيير في الحقيقة راجع إلى ضمان المثل؛ لأنّه حينئذ لا ينحصر في العين و هي أجود ممّا يلزمه فإذا بذلها وجب قبولها بطريق أولى؛ و لأنّ بعضها عين حقّه و بعضها خير منه،مع أنّه لا خلاف فيه كما في التنقيح (2).

و اعلم:أنّ ما ذكره الأكثر في المقامين أظهر إن أرادوا نفي الخيار للغاصب و إثباته للمالك.و إن أرادوا لزوم القبول عليه فمشكل حيث يعتذر لعدم قبوله بعذر موجّه،ككون ماله حلالاً و مال الغاصب الممزوج به مشبوهاً،أو نحوه،فإنّ إيجاب القبول حينئذٍ ضرر و أيّ ضرر.فالتحقيق في المقامين ثبوت الخيار للمالك وفاقاً للتنقيح (3).

و لو كان الخلط بأدون منه ضمن المثل بلا خلاف كما في

ص:37


1- المبسوط 3:79،السرائر 2:482.
2- التنقيح 4:72.
3- التنقيح 4:72،73.

التنقيح (1)،قيل:لتعذّر ردّ العين كاملةً؛ لأنّ المزج في حكم الاستهلاك من حيث اختلاط كلّ جزء من مال المالك بجزء من مال الغاصب،و هو أدون من الحق فلا يجب قبوله،بل ينتقل إلى المثل،و هذا مبنيّ على الغالب من عدم رضاه بالشركة (2).

و في الروضة أنّ الأقوى تخييره بين المثل و الشركة مع الأرش؛ لأنّ حقّه في العين لم يسقط،لبقائها،كما لو مزجها بالأجود،و النقص بالخلط يمكن جبره بالأرش (3).

و هو حسن حيث يكون المتمازجان غير ربويّين،أو ربويّين و رضي المالك بالناقص من دون أرش.و يشكل في غير ذلك،إلّا أن يدفع باختصاص الربا بالبيع،و لكنّه خلاف التحقيق،كما مرّ في بحثه.

و لو زادت قيمة المغصوب فهو أي الزائد لمالكه مطلقاً،و لو كانت الزيادة بفعل الغاصب كما مضى؛ لأنّها حصلت في ملك غيره.

أمّا لو كانت الزيادة لانضياف عين من مال الغاصب إلى المغصوب كالصبغ و الآلة في الأبنية أخذ الغاصب العين المضافة إن قبلت القلع و الفصل و لو بنقص قيمة الثوب و البناء و ردّ الأصل المغصوب جمعاً بين الحقين. و يضمن الغاصب الأرش إن نقص المغصوب بالقلع.و هذا هو المشهور بين الأصحاب سيّما المتأخّرين وفاقاً للشيخ (4).

ص:38


1- التنقيح 4:72.
2- قال به الشهيد الثاني في الروضة 7:56.
3- الروضة البهية 7:56.
4- المبسوط 3:77.

خلافاً للإسكافي و المختلف (1)فقالا:ليس للغاصب قلع الصبغ بغير إذن المالك.فإن لم يرض و دفع قيمة الصبغ وجب على الغاصب قبوله؛ لأنّ عين مال الغاصب قد استهلكت،لعدم الانتفاع بصبغه،مع استلزام القلع التصرف بغير إذن المالك؛ كيف و لو أعار أرضاً للغرس فغرسها المستعير ثم استعاد المالك الأرض و بذل قيمة الغرس اجبر الغارس على أخذها عند الشيخ (2)،مع أنّه أذن في الغرس،و في صورة النزاع لم يأذن المالك بالصبغ،فكيف لا يجبر الغاصب على أخذ قيمة الصبغ إن بذلها المالك مع تضرّره بالقلع و عدم تضرّر معير الأرض بقلع الغرس؟ .قال في التنقيح بعد ذكر ذلك-:ما ذكره العلّامة حسن،و تعليله جيّد،لكن تمثيله بالأرض و الغرس إلزام للشيخ،و إلّا فقد قال في القواعد:

الأقرب توقف تملّك الغرس بالقيمة على التراضي منهما.و نعم ما قال؛ لأنّه فرق بين الغصب و العارية بعدم الإذن في الغصب و حصوله في العارية،فإذاً قول ابن الجنيد جيّد و عليه الفتوى (3).انتهى.

و إلى مختارهم يميل الخال العلّامة دام ضلّه مبالغاً في تقريبه في حاشيته على شرح الإرشاد (4).و هو غير بعيد؛ نظراً إلى قواعدهم المقرّرة في الغصب.

و قد استدرك شيخنا في الروضة على الحكم المشهور تعليل العلّامة و أجاب عنه،فقال:و لا يرد أنّ قلعه يستلزم التصرّف في مال الغير بغير إذنه

ص:39


1- المختلف:455،و قد حكاه فيه عن الإسكافي.
2- المبسوط 3:55.
3- التنقيح 4:74.
4- حاشية مجمع الفائدة و البرهان:629.

و هو ممتنع،بخلاف تصرّف مالك الثوب في الصبغ لأنّه وقع عدواناً لأنّ وقوعه عدواناً لا يقتضي إسقاط ماليّته،فإنّ ذلك عدوان آخر.بل غايته أن ينزع و لا يلتفت إلى نقص قيمته،أو اضمحلاله أو بعضه (1).انتهى.

و فيه نظر،فإنّه كما أنّ وقوعه عدواناً لا يقتضي إسقاط ماليّة الغاصب فله التصرف فيه بالقلع،فكذلك عدوانه لا يقتضي نفي سلطنة المالك عن ملكه فله أن يمنع الغاصب عن التصرّف فيه بالقلع.و حيث تعارض الحقّان ينبغي أن يترجّح جانب المالك؛ لعدم تقصيره و تداركه مال الغاصب بقيمته.و لا كذلك الغاصب؛ لعدوانه فلا حرمة لسلطنته كما لا حرمة لفعله الذي له اجرة و نحو ذلك،سيّما مع استلزامه عيباً في ملك المالك أو نقصاً فيه.و جبره بالأرش ليس بأولى من تدارك مال الغاصب بالقيمة،بل هو أولى كما مضى.

و بالجملة فهذا القول أجود،و إن كان الأحوط للمالك ما عليه الأكثر.

و من هنا يتّجه ما ذكره جماعة (2)من أنّه إذا طلب أحدهما البيع من غيرهما يجبر الغاصب على الإجابة إن كان الطالب هو المالك دون العكس، و ضعف ما يقال من أنّه يحتمل أن لا يجبر أحدهما على موافقة الآخر لمكان الشركة،و أن يجبر المالك للغاصب على الإجابة أيضاً تسويةً بين الشريكين.

ثمّ إنّ كلّ ذا مع إمكان فصل العين المضافة،و أمّا مع عدمه كان الغاصب شريكاً للمالك لكن يلزمه إجابة المالك لو طلب منه البيع من

ص:40


1- الروضة 7:51،و فيه:أو اضمحلاله للعدوان بوضعه.
2- منهم العلامة في التذكرة 2:394،و القواعد 1:206،و الشهيد الثاني في المسالك 2:263،و الروضة البهية 7:53.

ثالث،و كذا قبول القيمة لو دفعها إليه كما في السابق.

و إن نقصت قيمة الثوب بالصبغ لزم الغاصب الأرش،و لا يلزم المالك ما ينقص من قيمة الصبغ.و لو بيع مصبوغاً بنقصان لم يستحقّ الغاصب شيئاً إلّا بعد توفية المالك قيمة ثوبه،و لو بيع بنقصان من قيمة الثوب لزم الغاصب إتمام قيمته.

و اعلم أنّ جميع ما ذكر إنّما هو فيما إذا صبغ الغاصب بصبغ منه،و لو صبغ بصبغ من المالك فإن لم يحصل بفعله نقصان لم يكن على الغاصب أرش.نعم إن أمكن إزالته فالظاهر أنّ للمالك طلب ذلك،و على الغاصب الأرش إن حصل نقص في المصبوغ،و عليه قيمة الصبغ إن لم يبق العين.

و إن صبغه بصبغ غيرهما عدواناً كان المالكان شريكين،فإن لم يحدث بفعله نقصان فلا غرم عليه،غير أنّه يجب عليه الفصل مع إمكانه لو طلباه أو أحدهما.و إن حصل النقص فيهما أو في أحدهما عمّا كان قبل الصبغ غرمه الغاصب لمن حصل في حقّه.

الثالث:في اللواحق و هي ستّ مسائل

اشارة

الثالث:في اللواحق و هي ستّ مسائل.

الأُولى:فوائد المغصوب للمالك

الاُولى:فوائد المغصوب للمالك بلا خلاف؛ لأنّها نماء ملكه و فوائده فتكون مضمونة عند الغاصب كالأصل،سواء تجدّدت عنده أم لا،أعياناً منفصلةً كانت كالولد،أو متّصلةً كالصوف و السمن،أو منفعة كاُجرة سكنى الدار و ركوب الدابة و كذا منفعة كلّ ما له اجرة في العادة.

و لا فرق بين أن يستعمل العين و عدمه.

و لو استعملها و كان لها منافع مختلفة القيم كعبد يكون كاتباً

ص:41

و خيّاطاً فإن استعمله في الأعلى ضمنها قطعاً،و إن استعمله في الدنيا أو الوسطى،أو لم يستعمله أصلاً ففي ضمان أُجرة متوسّطة أو العليا وجهان.

و يعتبر أُجرته في الوقت المعتاد لعمله كالنهار في أكثر الأشياء،إلّا أن يكون له صنعة بالنهار و صنعة بالليل فيعتبر أُجرتهما.

و لو سمنت الدابّة في يد الغاصب،أو تعلّم المملوك صنعة أو علماً فزادت قيمته ضمن الغاصب قيمة الزيادة،و إن كانت بسببه كما قالوه و مرّت إليه الإشارة.

فلو هزلت الدابّة،أو نسي المملوك العلم أو الصنعة فنقصت بذلك القيمة ضمن الغاصب الأرش إن ردّ العين المغصوبة،و لو تلفت ضمن الأصل و الزيادة.

و لا فرق في إطلاق الفتاوى و صريح جماعة (1)بين أن يكون الهزال و النسيان بتفريط من الغاصب و عدمه،قالوا:لأنّ زيادة الأثر في المغصوب تابعة له و لا يستحقّ الغاصب عليه شيئاً بالكلية،فإذا صارت ملكاً للمغصوب منه فهو مع الأصل في ضمان الغاصب.

و لا يضمن شيئاً من الزيادة المتّصلة ما لم تزد به القيمة و ذلك كما لو سمن المغصوب مثلاً و قيمته بعد السمن و قبله واحدة فإذا زال السمن المفرط و كانت القيمة بحالتها الأُولى باقية لم يكن عليه ضمان هذه الزيادة؛ لأنّ المعتبر من هذه الصفات القيمة فما لا أثر له في زيادتها لا اعتبار به.و لا فرق في ذلك بين الموجود حال الغصب، و المتجدّد في يد الغاصب بعده.

ص:42


1- منهم السبزواري في الكفاية:260.

و لو كان بعض السمن لا أثر له في القيمة،و بعضه له أثر فزال الجميع فإنّه يضمن ما له أثر فيها دون ما زاد عليه.

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده و لا نقله ناقل في الكتب الاستدلاليّة و غيرها بالكليّة.و لعلّ مثله كافٍ في إثبات مثل هذه الأحكام و إن خلت عن حجّة أُخرى ظاهرة.

الثانية: لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد

الثانية: لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد بلا خلاف و لا إشكال؛ لأنّ نقل الملك إلى مالك آخر موقوف على أسباب نصبها الشارع،و حدود حدّدها فما لم يحصل فالملك باقٍ على أصله.و تسميته على تقدير فساد الشراء مشترياً مجاز بحسب الصورة،و إلّا فالبيع حقيقة لا يطلق إلّا على الصحيح.

و يضمنه أي المبيع و ما يحدث من منافعه،و ما يزداد في قيمته لزيادة صفة فيه كتعلّم و نحوه.

أمّا ضمان العين و منافعه العينيّة التي دخلت تحت يده فلعموم:« على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (1)السليم عن المخصّص حتّى عن شبهة كون الأخذ برضا المالك الموجب لانتفاء الضمان بالنصّ و الإجماع،و ذلك لاختصاص الدليلين النافيين للضمان فيما لو أخذ بالرضا بما إذا كان الرضا بمجرّد الأخذ و التصرّف فيه من دون أن يستعقب ضماناً،و أمّا إذا رضي به مع تعقّب الضمان و بشرطه كما فيما نحن فيه لأنّ المشتري قبضه ليكون مضموناً عليه و دفعه البائع إليه كذلك فلا يدلاّن على نفي الضمان فيه لو لم نقل بدلالتهما على ثبوته،و لذا صرّحا بثبوته في العارية المضمونة بالشرط

ص:43


1- عوالي اللئلئ 2:10/345،المستدرك 17:88 أبواب الغصب ب 1 ح 4.

و نحو ذلك.و عليه فيبقى العموم الدالّ على إطلاق الضمان بحاله.

و من هنا يتوجّه القاعدة المشهورة أنّ كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.و قد قدّمنا التحقيق في وجهها مرّة أُخرى في كتاب التجارة،و فساد ما يقال عليها و على عموم الرواية.

و أمّا ضمان زيادة القيمة لزيادة الصفة فحسن حيث صار المشتري سبباً في إتلافها؛ إذ لا ضرر و لا ضرار في الشريعة.و يشكل فيما عداه؛ لعدم وضوح مأخذه إلّا إلحاق مثل هذا القبض بالغصب،و هو حسن إن لم نعتبر في تعريفه قيد العدوان،و أمّا مع اعتباره كما هو الأظهر و مذهب الماتن هنا و في الشرائع (1)فالوجه عدم ضمانها.

الثالثة:إذا اشتراه عالماً بالغصب

الثالثة:إذا اشتراه أي المغصوب أحد عالماً بالغصب حين الشراء و قبضه فهو كالغاصب بل غاصب محض إن كان عالماً بحرمة الشراء و القبض؛ لصدق تعريفه عليه حينئذٍ بالاتّفاق،و يطالب بما يطالب به البائع الغاصب.

و يتخيّر المالك بين مطالبته بالعين مع بقائها،و بعوضها مِثلاً أو قيمةً مع تلفها،و مطالبة ما جرت عليه يده من المنافع،و بين مطالبة البائع.فإن طالبه رجع على المشتري بالعين أو البدل و ما استوفاه من المنافع؛ لاستقرار التلف في يده مع دخوله على ضمانه.

نعم لو استوفي قبل البيع شيئاً من المنافع،أو مضى زمان يمكن فيه استيفاء شيء منها،أو حصل في يده نقصان مضمون عليه كان الضمان عليه من غير رجوع على المشتري.و إن رجع على المشتري فيما رجع عليه

ص:44


1- الشرائع 3:235.

ضمانه لم يكن له الرجوع إلى البائع؛ لاستقرار الضمان عليه بالتلف أو ما في حكمه في يده.

و لا يرجع المشتري إلى البائع بما يضمن للمالك من الثمن مع تلفه إجماعاً كما في التنقيح و المسالك (1)و غيرهما (2).قيل:للأصل، و أنّه قد سلّطه عليه و أذن له في إتلافه،و أنّه مع علمه بأنّه لا يسلم له العوض في حكم المسلّط عليه مجّاناً (3).

و أمّا مع بقائه ففي جواز الرجوع له به على البائع قولان:أشهرهما عدم الرجوع.قيل:لأنّه بإعطائه إيّاه عالماً بعدم عوض حقيقيّ في مقابلته في معنى هبته إيّاه (4).

و فيه بعد تسليم كونه هبة أنّه لا يستلزم عدم جواز الرجوع،بل الأصل فيه جوازه إلّا ما استثني.و حمل المنع عن الرجوع على صورة الاستثناء بعيد عن إطلاقات عبائرهم.

و المتّجه الجواز مطلقاً،حتّى فيما لو كان البائع بالنسبة إلى المشتري ممّن لا يجوز له الرجوع في هبته،وفاقاً لأحد قولي الماتن (5).و به صرّح في التنقيح (6).و قوّاه شيخنا الشهيد الثاني في كتابيه (7)،و تبعه من متأخّري

ص:45


1- التنقيح 4:74،المسالك 2:265.
2- انظر الكفاية:260.
3- قال به المحقق السبزواري في الكفاية:260.
4- انظر المسالك 2:265،و الكفاية:260.
5- حكاه عنه الشهيد الثاني في الروضة 3:235،و عن بعض رسائله في المسالك 2:265.
6- التنقيح 4:74،75.
7- المسالك 2:265،الروضة البهية 3:235.

المتأخّرين جماعة (1).و لكن يشكل بما يحكى عن التذكرة (2)من الإجماع على العدم مطلقاً بناءً على أنّ الإجماع المنقول حجّة،كما هو الأشهر الأقوى،سيّما إذا اعتضد بفتوى أكثر أصحابنا.

و لو كان المشتري جاهلاً بالغصب كان كالغاصب من حيث ترتّب اليد في وجوب دفع العين المبتاعة بعينها مع بقائها و بدلها مثلاً أو قيمةً مع تلفها إلى مالكها إن رجع عليه و يرجع بالثمن مع بقائه، و ببدله مع تلفه على البائع لفساد المعاوضة الموجب للترادّ في العوضين.

و لو كان عوض العين الذي غرمه للمالك أزيد من الثمن الذي دفعه إلى البائع ففي جواز رجوعه بالزيادة إليه وجهان:أوجههما الأوّل،وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني (3)؛ لتغرير البائع له و إيقاعه في خطر الضمان فليرجع عليه.

و لو رجع المالك إلى البائع رجع هو على المشتري،و في رجوعه إليه في القدر الزائد على الثمن على تقدير الزيادة الوجهان،و المختار هنا العدم،وفاقاً لمن مرّ؛ لما مرّ.

و المعروف من مذهب الأصحاب أنّ للمشتري أن يرجع بما (4) بجميع ما غرمه للبائع (5) ممّا لم يحصل له في مقابلته عوض كقيمة الولد و النفقة

ص:46


1- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 8:164،و البحراني في الحدائق 18:392،و السبزواري في الكفاية:260.
2- حكاه عنه الكركي في جامع المقاصد 6:326،و الشهيد الثاني في الروضة 3:235،و هو في التذكرة 1:463.
3- المسالك 2:265.
4- في«ر» و المختصر(257):.
5- كذا،و لعلّ الأنسب:للمالك،كما في الشرح الصغير 3:134.

و العمارة و نحو ذلك؛ لمكان التغرير،و ترتّب الضرر به مع عدم جابر له من العوض.

و في جواز الرجوع عليه بما ضمن و غرمه من المنافع كعوض الثمرة و أُجرة السكنى تردّد ينشأ:من مباشرته الإتلاف مع حصول نفعه في مقابله،و أولويّة حوالة الضمان على مباشر الإتلاف.

و من أنّ الغاصب قد غرّه و لم يشرع على أن يضمن ذلك فكان الضمان على الغارّ،كما لو قدّم إليه طعام الغير فأكله جاهلاً و رجع المالك على الآكل،أو غصب طعاماً فأطعمه المالك فإنّه يرجع على الغارّ.

و إلى هذا ذهب الماتن في كتاب التجارة من الشرائع،و الفاضل المقداد في التنقيح (1).

و إلى الأوّل ذهب الشيخ في المبسوط و الخلاف،و الحلي (2).و هو أوفق بالأصل،مع عدم معلوميّة صلوح المعارض للمعارضة بناءً على عدم وضوح دليل على ترتّب الضمان على الغارّ بمجرّد الغرور و إن لم يلحقه ضرر،كما فيما نحن فيه بمقتضى الفرض؛ لاستيفائه المنفعة في مقابلة ما غرمه.و الإجماع على هذه الكلية غير ثابت بحيث يشمل نحو مفروض المسألة.

نعم ربما يتوجّه الرجوع حيث يتصوّر له الضرر بالغرور،كما إذا أُخذت منه قيمة المنافع أزيد ممّا يبذله هو في مقابلتها من غير ملكه و نحو ذلك.و كيف كان الأحوط له عدم الرجوع مطلقاً.

ص:47


1- الشرائع 2:14،التنقيح 4:75.
2- المبسوط 3:69،71،و حكاه عن الخلاف في المسالك 2:265،الحلي في السرائر 2:348،493.
الرابعة:إذا غصب حبّا فزرعه،أو بيضة فأفرخت،أو خمراً فخلّلها

الرابعة:إذا غصب حبّا فزرعه،أو بيضة فحضنها تحت دجاجة له فأفرخت،أو خمراً فخلّلها فالكلّ للمغصوب منه بلا خلاف ظاهر في الأخير،و كذا في الأوّلين؛ إذ ليس المخالف فيهما إلّا الشيخ (1)في أحد قوليه،مع أنّه قد رجع عنه (2)كما في السرائر و غيره (3).و نفى في الأوّل عنه الخلاف بين الأصحاب،و حكى فيه عن المرتضى في الناصريات (4)الإجماع فيهما؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى أصالة بقاء الملك [ملك المالك] بحاله،و عدم دليل على تملّك الغاصب إيّاه بفعله سيّما مع النهي عنه،مع أنّه عين مال المالك و إنّما حدث بالتغيير اختلافات الصور،و نماء الملك للمالك و إن كان بفعل الغاصب.و ضعف قول الشيخ ظاهر برجوعه عنه،فلا نطيل بنقله و ردّه،سيّما مع موافقته لرأي أبي حنيفة باعترافه.

الخامسة:إذا غصب أرضا فزرعها

الخامسة:إذا غصب أرضا فزرعها أو غرسها فالزرع و الغرس لصاحبه و عليه أُجرة الأرض عن مدّة شغلها بالزرع فيها.

و لصاحبها أي الأرض إزالة الزرع و الغرس و لو قبل بلوغهما؛ إذ ليس لعرق ظالم حقّ،كما في الخبر المتلقّى بالقبول (5).

و له أيضاً إلزامه أي الغاصب بالإزالة و طمّ الحفر،و الأرش إن نقصت بالقلع أو الزرع؛ لدفع الضرر،بلا خلاف في شيء من ذلك إلّا ممّن يأتي،بل في التنقيح إنّه عليه انعقد إجماع القوم،قال:و لا نعلم فيه

ص:48


1- المبسوط 3:105،الخلاف 3:42.
2- انظر المبسوط 3:56.
3- السرائر 2:483،التنقيح 4:75.
4- الناصريات(الجوامع الفقهية):218.
5- التهذيب 7:909/206،الوسائل 19:157 أبواب أحكام الإجارة ب 33 ح 3.

خلافاً إلّا ما يحكى عن ابن الجنيد من أنّ لصاحب الأرض أن يردّ ما خسره الزارع؛ لقوله(صلّى اللّه عليه و آله):«من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فله نفقته و ليس له من الزرع شيء» (1)و الحقّ الأوّل؛ لأنّه نماء ملك الزارع و هو البذر فيتبعه في الملك،فالأرض و الماء و الهواء و الشمس معدّات لصيرورة البذر زرعاً ثم حبّا بالتدريج و الفاعل هو اللّه سبحانه،فهو بمنزلة من غصب دجاجة و أحضنها على بيض له فإنّه يملك الفرخ و عليه اجرة الدجاجة،و كذلك إذا غصب أرضاً و بذراً فزرعه فيها يتبع الزرع البذر و لا يكون للغاصب شيء (2).

و الخبر الذي تمسّك به الإسكافي قد ذكر الأصحاب عدم ثبوت صحّته،مع أنّه مخالف للأصل القطعي عندهم المعتضد بالشهرة العظيمة، و حكاية الإجماع المتقدّمة المعلومة الصحّة بتتبّع فتوى الجماعة.

و معارض بخصوص الخبر المروي في التهذيب في كتاب المزارعة:

عن رجل أتى أرض رجل فزرعها بغير إذنه حتّى إذا بلغ الزرع جاء صاحب الأرض فقال:زرعت بغير إذني فزرعك لي و عليّ ما أنفقت،إله ذلك؟ فقال:«للزارع زرعه،و لصاحب الأرض كراء أرضه» (3).

و أظهر منه الموثّق المرويّ ثمّة بعده بلا فصل:في رجل اكترى داراً و فيها بستان،فزرع في البستان و غرس نخلاً و شجراً و فواكه و غير ذلك، و لم يستأمر صاحب الدار في ذلك،فقال:«عليه الكراء و يقوّم صاحب الدار الزرع و الغرس قيمة عدل فيعطيه الغارس إن كان استأمره في ذلك،و إن لم

ص:49


1- سنن الترمذي 2:1378/410،سنن أبي داود 3:3403/261.
2- التنقيح الرائع 4:77.
3- الكافي 5:1/296،التهذيب 7:906/206،الوسائل 25:387 أبواب الغصب ب 2 ح 1.

يكن استأمره في ذلك فعليه الكراء و له الغرس و الزرع و يقلعه و يذهب حيث شاء» (1).

و فيه دلالة على ما مر عن الشيخ (2)في العارية من لزوم أخذ المستعير قيمة ما زرعه أو غرسه في أرض الغير بعد بذله إيّاها له و عدم لزومه في الغصب.

لكنّه مرويّ في الكافي بهذا السند و المتن إلى قوله:«فيعطيه الغارس» و ليس فيه ما يعده،بل ذكر بعده:«و إن استأمر فعليه الكراء و له الغرس و الزرع يقلعه و يذهب به حيث شاء» .و ليس فيه حينئذٍ دلالة على ما ذكره الشيخ و لا الأصحاب في الباب، بل ظاهر فيما ذكره الإسكافي،فيشكل الأمر،سيّما بملاحظة ما قدّمناه في مسألة زيادة العين بغصب الغاصب و نحوه من قوّة ما ذكره الإسكافي و المختلف (3)ثمّة خلافاً لهم أيضاً،ألّا أن يجاب هنا باختلاف النسخة فلا يقوم بها على أحد حجّة.

و رجحان نسخة الكافي بأضبطيّته و موافقتها لسياق السؤال و الجواب، لا يبلغ رجحان أدلّة الأصحاب هنا من الإجماع المنقول و الرواية السابقة المنجبرة بالشهرة،فلا تترجّح عليها هي و لا ما قدّمناه لتأييد الإسكافي ثمّة.

و على ما ذكره الأصحاب لو بذل و عوّض صاحب الأرض قيمة الغرس و الزرع لم يجب على الغاصب إجابته و قد مرّ الكلام

ص:50


1- الكافي 5:2/297،التهذيب 7:907/206،الوسائل 25:387 أبواب الغصب ب 2 ح 2.
2- المبسوط 3:55.
3- المختلف:455،و قد حكاه فيه عن الإسكافي.

في مثله فيما تقدّم،و لكن ما ذكره الأصحاب هنا أظهر؛ إذ لم أجد الخلاف فيه إلّا من الإسكافي،و مع ذلك ظاهر الخبرين يساعدهم.

السادسة:لو تلف المغصوب و اختلفا في القيمة

السادسة:لو تلف المغصوب و اختلفا في القيمة فالقول قول الغاصب الغارم،وفاقاً للمبسوط و الخلاف و الحلي و الفاضلين و الشهيدين (1)،و كثير من المتأخّرين،بل عامتهم؛ استناداً إلى أنّه منكر و غارم،و الأصل عدم الزيادة.

و قيل كما عن النهاية و المقنعة (2)،و نسبه الماتن في الشرائع إلى الأكثر (3)-:إنّ القول قول المغصوب منه قيل:لأنّ المالك أعرف بقيمة ماله من الغاصب (4)،مع مناسبة ذلك لمؤاخذته بأشقّ الأحوال.و لا ريب في ضعفه.

نعم:في صحيحة أبي ولاّد المشهورة قلت:من يعرف ذلك؟أي القيمة قال:«أنت و هو،إمّا أن يحلف هو على القيمة فتلزمك،و إن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة فيلزمك ذلك،أو يأتي صاحب البغل بشهود أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا،فليزمك» (5)الحديث.

ص:51


1- المبسوط 3:75،101،الخلاف 3:412،السرائر 2:490،الشرائع 3:249،القواعد 1:209،التذكرة 2:399،تحرير الأحكام 2:144،تبصرة المتعلّمين:109،المختلف:458،إرشاد الأذهان 1:488،الدروس 3:117،اللمعة(الروضة البهية 7):58،المسالك 2:268.
2- النهاية:402،المقنعة:607.
3- الشرائع 3:249.
4- قال به الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:78.
5- الكافي 5:6/290،التهذيب 7:943/215،الإستبصار 3:483/134،الوسائل 25:390 أبواب الغصب ب 7 ح 1.

و لو لا إطباق متأخّري الأصحاب على العمل بالأصل العام و إطراح الرواية لكان المصير إليها في غاية القوّة،لكن لا مندوحة عمّا ذكروه؛ لاعتضاد الأصل بعملهم،فيرجّح عليها و إن كانت خاصّة لفقد التكافؤ،و مع ذلك فالاحتياط لازم في المسألة بمراعاة المصالحة.

ص:52

كتاب الشفعة

اشارة

كتاب الشفعة

تعريف الشفعة

و هي فُعْلَة من قولك:شفعت كذا بكذا إذا جعلته شفيعاً به أي زوجاً،كأنّ الشفيع يجعل نصيبه شفيعاً بنصيب شريكه.و أصلها التقوية و الإعانة،و منه الشفاعة و الشفع.

و شرعاً:ما عرّفه الماتن هنا بقوله:الشفعة استحقاق حصّة الشريك لانتقالها بالبيع و كذا في الشرائع (1)إلّا أنّه بدّل حصّة الشريك بقوله:أحد الشريكين حصّة شريكه.و لعلّه أجود لما فيه من التنبيه على اتّحاد الشريك المشترط في ثبوتها كما يأتي.

و الاستحقاق بمنزلة الجنس يدخل فيه استحقاق الشخص مال آخر بالإرث،و الاستحقاق بالحيازة و الإحياء و غيره.و بقيد المستحقّ بكونه أحد الشريكين خرج منه استحقاق من ليس بشريك و لو بحصّة أُخرى ببيع و غيره.و خرج بقيد انتقالها بالبيع ما إذا استحقّ أحد الشريكين حصّة الآخر بهبة و غيرها.

و هذا التعريف و إن انتقض في طرده بأُمور،منها:ما لو باع أحد الشريكين حصّته للآخر،فإنّه يصدق عليه أنّ المشتري قد يستحقّ حصّة شريكه الآخر بسبب انتقالها بالبيع.

إلّا أنّه أجود ممّا عرّفها به في القواعد من أنّها استحقاق الشريك

ص:53


1- الشرائع 3:253.

انتزاع حصّة شريكه المنتقلة عنه بالبيع (1)؛ لانتقاضه طرداً زيادة على ما ينتقض به الأوّل بأنّه قد يستحقّ الشريك حصّة شريكه المنتقلة عنه بالبيع لا بسبب الشفعة،بل بسبب آخر كالإرث و غيره.و إنّما لا ينتقض ما هنا به؛ لتعليل الاستحقاق بالانتقال بالبيع ليخرج عنه ما كان الانتقال لا به،بل بغيره من النواقل كالهبة و الإصداق و الصلح و نحو ذلك،هذا.

و التحقيق أنّ هذه التعريفات اللفظيّة لا يقدح فيها ما يورد أو يرد عليها من النقض و المناقشة،فإنّما المقصود منها التمييز في الجملة ليتذكّر فيترتّب عليها الأحكام بسهولة،و إنما يحصل تمام التمييز بالعلم بالشرائط من الأدلّة.

و الأصل فيها بعد الإجماع المحقّق المحكيّ في كلام جماعة (2)السنة المستفيضة،بل المتواترة من طريق الخاصّة و العامة،و ستتلى عليك جملة منها في الأبحاث الآتية.

و النظر فيه يستدعي أُموراً

الأوّل ما تثبت فيه الشفعة

و النظر فيه أي في هذا الكتاب يستدعي أن نذكر فيه أُموراً الأوّل :في بيان ما تثبت فيه الشفعة.

و اعلم أنّه تثبت في الأرضين و المساكن إجماعاً كما هنا و في الشرائع و شرحه،و شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (3).و النصوص بذلك

ص:54


1- القواعد 1:209.
2- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):590،و الحلي في السرائر 2:389 و ابن فهد في المهذّب البارع 4:259،و الشهيد الثاني في المسالك 2:270،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 9:8.
3- الشرائع 3:253،المسالك 2:269،مجمع الفائدة و البرهان 9:13.

مستفيضة جدّاً،منها:«قضى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بالشفعة بين الشركاء في الأرضين و المساكن،و قال:لا ضرر و لا إضرار» (1).

و هل تثبت فيما ينقل كالثياب و الأمتعة؟فيه قولان أكثر المتقدّمين منهم:الشيخان و المرتضى و الإسكافي و القاضي و الحلبي و الحلي و جماعة من المتأخّرين (2)على الأوّل مطلقاً،منقولاً كان أم لا،قابلاً للقسمة أم لا،و مال إليه الشهيد في الدروس و نفى عنه البعد (3).و لعله أظهر؛ لدعوى الإجماع عليه في الانتصار و السرائر،و خصوص المرسلة المنجبرة بالشهرة القديمة:«الشفعة جائزة في كل شيء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشيء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحقّ به من غيره» الخبر (4).

مضافاً إلى التأيّد بالإطلاقات،بل و عموم بعض الروايات،كالحسن:

«الشفعة في البيوع إذا كان شريكاً فهو أحقّ بها من غيره بالثمن» (5)، و الخبر:«الشفعة لكل شريك لم يقاسم» (6)و قريب منه مفهوم غير واحد من

ص:55


1- الكافي 5:4/280،الفقيه 3:154/45،التهذيب 7:727/164،الوسائل 25:399 أبواب الشفعة ب 5 ح 1.
2- المفيد في المقنعة:618،الطوسي في النهاية:423،المرتضى في الانتصار:215،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:402،القاضي في المهذب 1:458،الحلبي في الكافي في الفقه:362،الحلي في السرائر 2:390؛ و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):591.
3- الدروس 3:356.
4- الكافي 5:8/281،الفقيه 3:162/46،التهذيب 7:730/164،الوسائل 25:402 أبواب الشفعة ب 7 ح 2.
5- الكافي 5:5/281،التهذيب 7:728/164،الوسائل 25:395 أبواب الشفعة ب 2 ح 1.
6- الكافي 5:1/280،الوسائل 25:396 أبواب الشفعة ب 3 ح 3.

النصوص (1)،هذا.

مع انسحاب وجه الحكمة و هو الضرر الذي نيط به شرعيّة الشفعة كما اعترف به الجماعة.و ربما استفيد من الرواية السابقة التي هي إحدى المستفيضة في المسألة،هذا.

مع احتمال التأيّد أيضاً ببعض النصوص الآتية في ثبوت الشفعة في المملوك.

و لا يعارضها المرسلة الأُخرى المرويّة في الكافي بعدها:«أنّ الشفعة لا تكون إلّا في الأرضين و الدور فقط» (2)؛ لقصور سندها،مع عدم جابر لها عدا الأصل و الشهرة المتأخّرة،و الأوّل يجب الخروج عنه بالإجماع المنقول،و العمومات.و الثاني جابر لو لم يعارضه الشهرة القديمة الراجحة عليه حيث حصل بينهما معارضة،كما في المسألة،و مع ذلك موافقة للعامّة كافّة،كما يستفاد من الانتصار (3)و سيأتي إليه الإشارة.

و الأشبه بين أكثر المتأخرين (4)،وفاقاً للمبسوط و الخلاف و ابن حوزة و ظاهر سلّار (5) الاقتصار على موضع الإجماع أخذاً بالأصل الدالّ على عدم تسلّط المسلم على مال المسلم إلّا بطيب نفسه،خرج منه المجمع عليه و بقي الباقي.و بما دلّ على نفيها عن الحيوان و الطريق و السفينة من المعتبرة الآتية.و بالمرسلة المتقدّمة.

ص:56


1- الوسائل 25:396 أبواب الشفعة ب 3.
2- الكافي 5:/281 ذيل حديث 8،الوسائل 25:405 أبواب الشفعة ب 8 ح 2.
3- الانتصار:215.
4- انظر التذكرة 1:588،و الإيضاح 2:198،و الروضة 4:397،و المسالك 2:270.
5- المبسوط 3:106،الخلاف 3:425،الوسيلة:258،المراسم:183.

و ضعف الجميع ظاهر،فالأوّل:بلزوم الخروج عنه بما مرّ من الخبر المنجبر بالعمل،و الإجماع المنقول المعتضد بما تقدّم.و الثاني:بما يأتي.

و الثالث:بما مرّ.

و العجب من المختلف حيث استدلّ على هذا القول بالرواية المتقدّمة (1)من جملة المستفيضة،قال بعد نقلها-:و هو يدلّ بمفهومه على انتفاء الشفعة في غير الأرضين و المساكن،أمّا أوّلاً:فلتعليق الحكم عليهما،و أمّا ثانياً:فلقوله(عليه السّلام):«لا ضرر و لا ضرار» (2).

و هو كما ترى،فإنّ تعليق الحكم عليهما لا يقتضي نفيه عمّا عداهما إلّا على تقدير اعتبار مثل هذا المفهوم،و لم يقل هو و لا سائر الأصحاب به.

و أمّا التعليل فالظاهر أنّه للحكم بثبوت الشفعة فيهما،لا لنفيه عمّا عداهما.

و عليه فيكون المراد بالضرر الضرر الذي نيط به وجه الحكمة في ثبوت الشفعة،لا ضرر نفي سلطنة المالك عمّا ملكه كما عقله،فالرواية حينئذٍ حجّة بعمومها المستفاد من التعليل فيها لما عليه أكثر القدماء.و على تقدير عدم ظهور ما ذكرناه فاحتماله لا أقل منه،و معه لا يتمّ استدلاله إلّا على تقدير مرجوحيّته،و لا ريب في فساده.

و تثبت الشفعة في الشجر و النخل و الأبنية إذا بيعت تبعاً للأرض التي هي أصلها و منضمّة معها،بلا خلاف ظاهر مصرّح به في المبسوط (3).و يظهر من الماتن في الشرائع (4)،و شيخنا في شرحه،قال

ص:57


1- راجع ص:53.
2- المختلف:402.
3- المبسوط 3:107.
4- الشرائع 3:253.

بعد القطع بالحكم-:لدخولها في عموم النص الوارد بثبوتها في الربع و المساكن و الدور و نحو ذلك.و إن بيعت منفردةً أو منضمّةً إلى أرض أُخرى غير ما هي فيها بني ثبوت الشفعة فيها و عدمه على القولين السابقين، فمن عمّمها أثبتها بطريق أولى،و من خصّص موردها بالأرضين و المساكن و البساتين لم يوجبها؛ لأنّها لا تدخل منفردةً في أحدها،فإنّ المساكن اسم للمجموع المرّكب من الأرض و البناء،و كذا البساتين بالنسبة إلى الشجرة.

و لا ينفعها ضميمتها إلى غير أرضها؛ لعدم التبعيّة و كونها جزءاً من مسمّاها (1).

و في ثبوتها أي الشفعة في الحيوان ال قولان المتقدّمان، و لم أفهم وجه إفراد ذكرهما فيه بالخصوص مع كونه من المنقول الذي فيه أصل القولين.و لقد أحسن في الشرائع حيث أدرجه فيه و ذكره من أمثلته (2).

و كذا لم أفهم وجهاً لقوله:و المرويّ في الموثّق (3) أنّها لا تثبت لإشعاره،بل و دلالته بعدم ورود رواية بثبوتها فيه مطلقاً،و قد عرفت ورود ما هو صريح في ثبوتها فيه سابقاً (4)غايته أنّه ضعيف بالإرسال،و لكنّه كما عرفت منجبر بالشهرة بين الأصحاب،و هو أقوى من الصحيح الغير المنجبر بها.

فالرواية النافية لها و إن كانت موثقة إلّا أنّها بالإضافة إلى تلك المرسلة

ص:58


1- المسالك 2:270.
2- الشرائع 3:253.
3- التهذيب 7:733/165،الإستبصار 3:419/117،الوسائل 25:403 أبواب الشفعة ب 7 ح 6.
4- راجع ص:6190.

لذلك مرجوحة،و إن ترجّحت عليها بأخبار أُخر صحيحة متضمّنة للتفصيل بين المملوك و حيوان غيره مصرّحة بالثبوت في الأوّل و بعدمه في الثاني.

منها:المملوك بين الشركاء فيبيع أحدهم نصيبه،و يقول صاحبه:أنا أحقّ به،إله ذلك؟قال:« نعم إذا كان واحداً» فقيل له:في الحيوان شفعة؟ فقال:«لا» (1)و نحوها صحيحة أُخرى في الفقيه مرويّة (2)؛ لأنّ هذا التفصيل لم يقل به أحد من أرباب القولين،بل و لا غيرهم،بل و لا نقل القائل به من الأصحاب أحد عدا الماتن هنا و في الشرائع (3)فقال: و من فقهائنا من أثبتها في العبد دون غيره و قد اعترف جماعة بعدم معروفيّته (4)،فمثله شاذّ و إن صار إليه في المختلف (5)،و لكنّه ضعيف و إن صحّ سند ما دلّ عليه؛ لما مرّ من فقد التكافؤ بينه و بين الخبر المثبت،هذا.

مع أنّ الموثّقة مع ما هي عليه ممّا مر إليه الإشارة محتملة للحمل على التقية؛ لكون المنع مذهب العامّة،كما يستفاد من الانتصار،حيث قال بعد الحكم بالثبوت،و نسبته إلى الإمامية-:و خالف باقي الفقهاء في ذلك،و أجمعوا على أنّها لا تجب إلّا في العقارات و الأرضين دون العروض و الأمتعة و الحيوان (6).انتهى.

ص:59


1- الكافي 5:5/210،التهذيب 7:735/166،الإستبصار 3:415/116،الوسائل 25:402 أبواب الشفعة ب 7 ح 3.
2- الفقيه 3:163/46،الوسائل 25:404 أبواب الشفعة ب 7 ح 7.
3- الشرائع 3:253.
4- انظر غاية المراد 2:151،التنقيح الرائع 4:81،مجمع الفائدة و البرهان 9:14.
5- المختلف:402.
6- الانتصار:215.

و هي مع ذلك بإطلاقها شاملة للعبد و غيره،فتعارض بما مرّ من النصوص الصحيحة الصريحة بثبوتها في الأوّل و إن اشتركت معها في نفيها في الثاني.

و نحوها الموثق بل الصحيح:المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه فقال أحدهم:أنا أحقّ به إله ذلك؟قال:«نعم إذا كان واحداً» (1).

و لا تثبت الشفعة فيما لا ينقسم و لا يقبل القسمة الإجبارية كالعضائد و الدكاكين و الحمامات الضيقة و النهر و الطريق الضيّق كلّ منهما على الأشبه الأشهر بين أكثر من تأخّر،بل بالشهرة المطلقة صرّح في التذكرة (2).

و الحجّة عليه غير واضحة عدا ما في التنقيح من وجوه ضعيفة،منها:

أنّ غرض الشارع بالشفعة إزالة ضرر المالك بالقسمة لو أرادها المشتري، و هذا الضرر منتف فيما لا يقسم،فلا شفعة فيه (3).

و هو كما ترى في غاية من الضعف،أمّا أوّلاً:فلعدم ورود النصّ الصحيح الصريح بهذه العلّة.

نعم ربما يستفاد من بعض الروايات السابقة كون العلّة في ثبوت الشفعة نفي الضرر و الإضرار في الشريعة،لكن متعلّق الضرر فيه غير معلوم،فيحتمل ما ذكره و غيره من نفس الشركة الجديدة،أو سوء الشريك.و لعلّ هذا أظهر.

ص:60


1- التهذيب 7:734/165،الإستبصار 3:414/116،الوسائل 25:403 أبواب الشفعة ب 7 ح 4.
2- التذكرة 1:589.
3- التنقيح الرائع 4:82.

و لذا استدلّ بعض الأصحاب وفاقاً للمرتضى على ثبوت الشفعة في المسألة بالضرر،فقال:لأنّ المقتضي لثبوت الشفعة و هو إزالة الضرر عن الشريك قائم في غير المقسوم،بل هو أقوى؛ لأنّ المقسوم يمكن التخلّص من ضرر الشريك بالقسمة بخلاف غيره،قال:و أُجيب بأنّه ليس المراد من إزالة الضرر بالشفعة ما ذكروه،بل إزالة ضرر طلب القسمة و مئونتها،و هو منتفٍ في محلّ النزاع.و لا يخفى عليك ضعف هذا الجواب،و أيّ مئونة للقسمة و ضرر بذلك يقابل ضرر الشريك الذي لا وسيلة إلى التخلّص منه (1).

و هو في غاية الجودة.

و أمّا ثانياً:فلضعف التعليل من وجه آخر،و هو أنّ الشفعة إنّما تثبت بانتقال الملك عن الشريك إلى المشتري،فلا بدّ أن يكون الضرر الذي نيط به الشفعة في ظاهر النصّ و كلام الأصحاب ناشئاً من جهته،و ضرر طلب المشتري القسمة ليس ضرراً ناشئاً منه؛ لسبقه على الانتقال،و ثبوته للشريك على كلّ حال.فضرر طلب القسمة لازم على كلّ تقدير،بل هو من لوازم الشركة فيما يقبل القسمة،فلا يمكن أن يكون مثله الضرر المناط به الشفعة.و هذا من أقوى الشواهد على تعيّن ما استظهرناه من متعلّق الضرر في الرواية.

و منها:أصالة بقاء الملك على مالكه،و إثبات الشفعة مخالف له فيفتقر إلى دليل.

و هو كالسابق في الضعف بعد ما عرفت على الثبوت على العموم من

ص:61


1- انظر المسالك 2:270.

الإجماع المنقول،و الخبر المنجبر بالعمل المؤيّد بما قدّمناه من المؤيّدات.

و منها:الخبران«لا شفعة في سفينة،و لا في نهر،و لا في طريق» (1)و زيد في بعض النسخ«و لا في رحى و لا في حمام» (2).

و فيهما مع قصور السند-:ما ذكره بعض الأصحاب (3)من أنّه لا دلالة فيهما عليه أصلاً،مع احتمالهما التقية،سيّما مع كون الراوي لهما من العامّة على المشهور بين الطائفة.و لا يقدح فيه اختصاصهما بنفي الشفعة في الأُمور المزبورة إلّا على تقدير حجّية مثل هذا المفهوم،و لم يقل بها أحد من الطائفة و أكثر العامّة،هذا.

مضافاً إلى معارضتهما في الطريق بأقوى منهما سنداً،و هو خبران:

أحدهما موثّق،و الآخر حسن يأتيان في بحث ثبوت الشفعة في المقسوم بالاشتراك في الطريق و الغالب فيها الضيّق.و الاختصاص بالطريق غير قادح بعد الإجماع المركّب على العموم،و عليهما بناء الاستدلال بالخبرين الأوّلين.

فإذاً القول بثبوت الشفعة في المسألة في غاية من القوّة،وفاقاً لجماعة من قدماء الطائفة،و منهم المرتضى مدّعياً عليه إجماع الإماميّة (4).

و مال إليه من المتأخّرين شيخنا في المسالك و جمع ممن تبعه (5)،لكنّه

ص:62


1- الكافي 5:11/282،التهذيب 7:738/166،الإستبصار 3:420/118،الوسائل 25:404 أبواب الشفعة ب 8 ح 1.
2- الفقيه 3:159/46،الوسائل 25:404 أبواب الشفعة ب 8 ذيل الحديث 1.
3- مفاتيح الشرائع 3:76.
4- الانتصار:215.
5- المسالك 2:270،و انظر مفاتيح الشرائع 3:76.

رجع عنه في الروضة (1)فوافق الجماعة مستنداً إلى الوجه الثاني.و فيه ما عرفته.

هذا و لا ريب أنّ الأحوط للشفيع ترك المطالبة بها في المواضع الخلافية،سيّما فيما لا يقبل القسمة،و خصوصاً الخمسة الواردة في خصوص الخبرين المتقدّم إليهما الإشارة،و نحوهما مرسلة رضويّة (2)عمل بها الصدوقان (3)حيث نفيا الشفعة فيها و أثبتاها في غيرها و لو لم يقبل القسمة أصلاً.

و للمشتري إجابة الشفيع إن طلبها مطلقاً.و إن تعاسرا فالعمل على ما عليه أكثر قدماء أصحابنا.

و يشترط في ثبوتها انتقاله أي الشقص المشفوع بالبيع، فلا تثبت لو انتقل بهبة أو صلح،أو صداق (4)،أو إقرار على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في المسالك و كلام جماعة أنّه كاد أن يكون إجماعاً (5)،و بانعقاده بين المتأخّرين صرّح في التنقيح (6)،و به و بالأخبار في نفيها عن الصداق صرّح في المبسوط (7)،و به في الجميع صرّح في السرائر،و المقدس الأردبيلي في شرح الإرشاد (8)؛ و هو الحجّة،

ص:63


1- الروضة 4:398.
2- فقه الرضا(عليه السّلام):264،المستدرك 17:105 أبواب الشفعة ب 8 ح 4.
3- الصدوق في المقنع:135،و حكاه عن والده في المختلف:402.
4- في«ح» و المطبوع من المختصر(257)زيادة:أو صدقة.
5- المسالك 2:271،الحدائق 20:298.
6- التنقيح 4:84.
7- المبسوط 3:111.
8- السرائر 2:386،مجمع الفائدة و البرهان 9:12.

مضافاً إلى الأصل.و اختصاص أكثر النصوص بصورة البيع خاصّةً، و إطلاقات بعضها غير معارضة بعد ورودها لبيان حكم آخر غير مفروض المسألة.

خلافاً للإسكافي فأثبتها في الهبة مطلقاً بعوض كان أم لا (1).و نسب جماعة إليه ثبوتها في الجميع (2)،و لا تساعدها عبارته المحكيّة في المختلف (3)،و لذا نسب إليه الثبوت فيما ذكرناه خاصّة في الدروس (4).

فكيف كان فحجّته غير واضحة عدا ما قيل عنه:من عدم دليل على التخصيص مع اشتراك الجميع في الحكمة الباعثة،و هي دفع الضرر عن الشريك.و تضمّن النصوص البيع لا ينافي ثبوتها بغيره (5).

و يظهر من المسالك الميل إليه في الجملة (6)،و كذا بعض من تبعه، قال لا بعد نقله-:و هو قويّ إن خصّها بالمعاوضات المحضة؛ لأنّ أخذ الموهوب مثلاً بغير عوض بعيد،و به خارج عن مقتضى الأصل،و كذلك غير الهبة (7).

و المناقشة فيه واضحة؛ لابتناء التقوية على ثبوت وجه الحكمة من حجّة منصوصة،و لم نقف عليها عدا الرواية المتقدّمة النافية للضرر بعد

ص:64


1- نقله عنه في المختلف:404.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:271،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:84،و الكاشاني في المفاتيح 3:76.
3- المختلف:404.
4- الدروس 3:358.
5- قال به الكاشاني في المفاتيح 3:76.
6- المسالك 2:271.
7- مفاتيح الشرائع 3:76.

الحكم بالشفعة (1)،و هي مع قصور سندها و عدم جابر لها في المسألة قد مرّ ما يقدح في دلالتها من حيث إجمال المعلّل به،هل هو ثبوتها،أو نفيها كما فهمه العلّامة (2)؟و عليه فينعكس الدلالة.

و لا ينافي الإجمال ما ادّعيناه سابقاً من ظهور الاحتمال الأوّل؛ لعدم كونه ظهوراً معتدّاً به،و لذا أيّدنا به الأدلّة العامّة و لم نجعله حجّةً مستقلّةً.

و على تقدير الظهور و قوّة الدلالة فلا ريب في عدم مقاومتها للإجماعات المحكيّة و القاعدة الثابتة المسلّمة،و مع ذلك مفهوم العلّة فيها معارض بمفهوم الشرط أو القيد المعتبر في المرسلة المتقدّمة المتضمّنة لقوله(عليه السّلام):«الشفعة جائزة في كلّ شيء» إلى أن قال:«إذا كان بين الشريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره» (3).

و قريب منها:أخبار أُخر معتبرة و فيها الصحيح و غيره آتية في مسألة ثبوت الشفعة في الدور المقسومة،مع كون طريق الجميع واحدة.

و لكنّ الإنصاف أنّ مثل هذه المفاهيم محتملة للورود مورد الغلبة في بعض،و السؤال في آخر،فلم تبلغ درجة الحجّية،و لا كذلك مفهوم العلّة في المرسلة،لكنّها صالحة للاعتضاد و التقوية،و إلّا فالعمدة هو ما قدّمناه من الأدلّة الظاهرة و الحجج الباهرة السليمة كما عرفت عمّا يصلح للمعارضة.فلا شبهة في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و قد استدلّ الفاضل في المختلف (4)للمختار بالصحيح:عن رجل

ص:65


1- راجع ص:53.
2- المختلف:402.
3- راجع ص:6190.
4- المختلف:404.

تزوّج امرأة على بيت في دار له،و له في تلك الدار شركاء،قال:«جائز له، و لا شفعة لأحد من الشركاء عليها» (1).

و فيه نظر؛ لجواز أن يكون نفي الشفعة لكثرة الشركاء،لا للإصداق.

و لو كان الوقف مشاعاً مع طلق فباع الموقوف عليه الوقف على وجه يصحّ،تثبت الشفعة لصاحب الطلق بلا خلاف فيه ظاهر؛ لوجود المقتضي و انتفاء المانع.

و إن انعكس فباع صاحب الطلق ملكه لم تثبت للموقوف عليه مطلقاً وفاقاً من الماتن هنا و في الشرائع،و الشهيدين للمبسوط (2) نافياً الخلاف فيه.و نسبه الحلّي إلى الأكثر (3)،و لعلّه الأظهر؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن من الفتوى و النصّ،و ليس بحكم التبادر إلّا ما عدا محلّ الفرض،مضافاً إلى نقل عدم الخلاف المتقدّم المعتضد بدعوى الحلّي على ذلك الشهرة؛ و هو حجّة كما بيّنته في رسالة في الإجماع مفردة،و مع ذلك سليم عن المعارض بالكلّية عدا ما يتخيّل من وجه الحكمة المشتركة،و قد مرّ الجواب عنه في المسألة السابقة.

هذا كلّه على تقدير القول بانتقال ملك الموقوف إلى الموقوف عليه، كما هو أحد الأقوال في تلك المسألة.

و أمّا على القول بعدم الانتقال إليه مطلقاً فلا ريب في عدم ثبوت الشفعة لفقد الشركة المشترطة في ثبوتها اتّفاقاً فتوًى و روايةً.

ص:66


1- الفقيه 3:165/47،التهذيب 7:742/167،الوسائل 25:407 أبواب الشفعة ب 11 ح 2.
2- الشرائع 3:254،الدروس 3:358،المسالك 2:271،المبسوط 3:145.
3- السرائر 2:397.

و قال المرتضى (1) رضى اللّه تعالى عنه: تثبت الشفعة مطلقاً (2)و جوّز للإمام و خلفائه المطالبة بشفعة الوقوف التي ينظرون فيها على المساكين،أو على المساجد و مصالح المسلمين،و كذلك كلّ ناظر بحقّ في وقف من وصيّ و وليّ،و استند فيه إلى الإجماع.

و هو موهون بعدم وجود قائل به سواه،معارض بنقل الشيخ على خلافه عدم الخلاف.و هو أرجح بعد اعتضاده بالشهرة المنقولة،و الأصل المتقدّم إليهما الإشارة.

و عن الحلّي الموافقة له مع وحدة الموقوف عليه،و للمبسوط مع تعدّده.و عليه أكثر المتأخّرين،بل نسبه الشهيدان إليهم كافّة (3).

و وجهه غير واضح إلّا على تقدير ثبوت انتقال الموقوف إلى الموقوف عليه مطلقاً،و وجود عموم على ثبوت الشفعة كذلك حتّى في الملك الغير التامّ كالوقف فيصح ما ذكروه حينئذٍ؛ لوجود المقتضي لثبوتها في الشق الأوّل،و المانع عنه و هو تعدّد الشركاء على الأصح كما يأتي في الثاني.و لكنّهما في محلّ التردّد أو المنع.

الثاني:في الشفيع

الثاني:في بيان الشفيع المستحقّ لمطالبة المشتري بالشفعة و هو كلّ مسلم شريك بحصّة مشاعة قادر على الثمن و اعتبار الإسلام فيه ليس كلّياً؛ لثبوتها بين الكفّار بعضهم مع بعض إجماعاً،كما في المبسوط و غيره (4)؛ لعموم الأدلّة.

ص:67


1- الانتصار:221.
2- في«ح» و المطبوع من المختصر(257)زيادة:و هو الأشبه.
3- الدروس 3:358،المسالك 2:271.
4- المبسوط 3:138،19؛ و انظر المسالك 2:272.

بل يعتبر إذا كان المشتري مسلماً فلا تثبت لذمّي و لا حربي على مسلم إجماعاً منّا،كما في الانتصار و المبسوط و السرائر و المسالك و شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (1)رحمه اللّه حاكياً له عن التذكرة، و هو أيضاً ظاهر جماعة (2)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى أنّ مطالبتها تسلّط على سبيل القهر،و لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [1] .

و في الخبر:«ليس لليهودي و لا النصراني شفعة» (3)يعني على المسلم؛ للإجماع على ثبوتها لهما على غيره.و اختصاص النصّ و الفتوى بالذمّي لعلّه لندرة اتّفاق شركة المسلم مع الحربيّ،أو للتنبيه على الأدنى بالأعلى.

و يتفرّع على اعتبار الشركة في الحصّة أنّه لا تثبت بالجوار بلا خلاف منّا حتّى من العماني كما في ظاهر المسالك،و صريح بعض من تبعه (4).بل عليه الإجماع في السرائر و عن شيخ الطائفة (5)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل و اختصاص المخصّصة له بما فيه الشركة،مع فحوى النصوص الآتية الدالّة على نفي الشفعة فيما حصل فيه قسمة،بل بعضها كالصريح في ذلك.

ص:68


1- الانتصار:218،المبسوط 3:139،السرائر 2:386،المسالك 2:272،مجمع الفائدة و البرهان 9:26.
2- منهم المحقق في الشرائع 3:255،و العلّامة في التذكرة 1:590،و الشهيد الثاني في الروضة 4:399.
3- الفقيه 3:157/45،الوسائل 25:400 أبواب الشفعة ب 6 ح 1.
4- المسالك 2:270،و انظر مفاتيح الشرائع 3:76.
5- السرائر 2:386،الشيخ في الخلاف 3:427 429.

كالحسن:عن الشفعة في الدور أ شيء واجب للشريك و يعرض على الجار فهو أحق بها من غيره؟فقال:«الشفعة في البيوع إذا كان شريكاً فهو أحقّ بها من غيره بالثمن» (1)فلا شبهة في المسألة.

و خلاف العماني هنا على تقديره كما يستفاد من جماعة (2)شاذّ منعقد الإجماع على خلافه.

و يتفرّع على اعتبار القدرة على الثمن أنّه لا تثبت الشفعة لعاجز عن الثمن بلا خلاف ظاهر،بل مصرّح بالوفاق عليه و على باقي قيود التعريف في المسالك حيث حكاه بعد ذكره بقيوده (3)؛ و هو الحجّة، مضافاً إلى الأصل،و اختصاص المثبت من النصّ و الفتوى بحكم التبادر في بعض،و التصريح في الآخر بالقادر.مع إمكان الاستدلال عليه بالخبر الآتي في تأجيل ثلاثة أيّام لمدّعي غيبة الثمن و نفي الشفعة إن لم يحضره بعدها،و بلزوم الضرر على المشتري أو البائع على تقدير ثبوتها مع العجز أيضاً،و هو منفيّ عقلاً و نقلاً.

و منه يظهر الوجه في إلحاقهم المماطل،و الهارب بعد البيع عن بذل الثمن بالعاجز عنه أوّلاً.

و يرجع في العجز إلى اعترافه،أو شهادة القرائن القطعيّة بعجزه، و عدم إمكان استدانته أو عدم مشروعيّتها.

و لا تثبت الشفعة فيما ميّز و قسّم على الأظهر الأشهر،بل عليه

ص:69


1- الكافي 5:5/281،التهذيب 7:728/164،الوسائل 25:395 أبواب الشفعة ب 2 ح 1.
2- الإيضاح 2:198،التنقيح 4:85،الدروس 3:357.
3- المسالك 2:272.

عامّة من تأخّر،و عن الشيخ و في السرائر و التنقيح و غيره (1)الإجماع عليه؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى أكثر ما مرّ في نفيها للجار من الأدلّة.و النصوص به مع ذلك مستفيضة كادت تكون متواترة.

منها زيادة على الحسنة المتقدّمة الصحيح:« لا تكون الشفعة إلّا لشريكين ما لم يتقاسما» الحديث (2).

و القوي:« لا شفعة إلّا لشريك غير مقاسم» (3)و نحوه أخبار أُخر ثلاثة (4).

و الخبر:« إذا وقعت السهام ارتفعت الشفعة» (5).

و في آخر:« إذا أرّفت الأُرف،و حدّت الحدود فلا شفعة» (6).

و في ثالث:« أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قضى بالشفعة ما لم تؤرّف» يعني:

ما لم تقسّم (7).

ص:70


1- انظر الخلاف 3:429،و السرائر 2:386،387،393،التنقيح 4:86،و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):590.
2- الكافي 5:7/281،التهذيب 7:729/164،الوسائل 25:396 أبواب الشفعة ب 3 ح 1.
3- الكافي 5:6/281،التهذيب 7:737/166،الوسائل 25:396 أبواب الشفعة ب 3 ح 2.
4- الأوّل في:الكافي 5:1/280،الوسائل 25:396 أبواب الشفعة ب 3 ح 3.الثاني في:الكافي 5:10/282،الوسائل 25:397 أبواب الشفعة ب 3 ح 6.الثالث في:الفقيه 3:157/45،التهذيب 7:741/167،الوسائل 25:398 أبواب الشفعة ب 3 ح 7.
5- الكافي 5:3/280،الفقيه 3:161/46،التهذيب 7:724/163،الوسائل 25:397 أبواب الشفعة ب 3 ح 4.
6- الكافي 5:4/280،الفقيه 3:154/45،التهذيب 7:727/164،الوسائل 25:397 أبواب الشفعة ب 3 ح 5.
7- الفقيه 3:153/45،الوسائل 25:398 أبواب الشفعة ب 3 ح 8.

و في المعتبرين:« لا شفعة إلّا لشريك» (1).

و لا يضرّ ضعف الإسناد بعد الانجبار بالأصل،و الكثرة،و عمل الأصحاب.و خلاف العماني (2)شاذّ،و مستنده غير واضح عدا ما يستدلّ له بالخبر العامي الوارد في الجار (3)و النصّ الآتي في الاستثناء.

و الأوّل ضعيف سنداً غير صريح دلالةً،و لا مقاوم لما مرّ من الأدلّة من وجوه شتّى.

و الثاني نقول بموجبه تبعاً للأصحاب من غير خلاف،و منهم الماتن هنا لقوله: إلّا بالشركة في الطريق و النهر إذا بيع أحدهما أو هما مع الشقص المقسوم،للصحيح:عن دار فيها دور،و طريقهم واحد في عرصة الدار،فباع بعضهم منزله من رجل،هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟فقال:« إن كان باع الدار و حوّل بابها إلى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم،و إن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة» (4).

و نحوه خبر آخر (5).

و قريب منهما الرضوي:« فإذا كانت دار فيها دور،و طريق أبوابها في عرصة واحدة،فباع رجل داره منها من رجل كان لصاحب الدار الأُخرى شفعة إذا لم يتهيّأ له أن يحوِّل باب الدار التي اشتراها إلى موضع آخر،فإن حوّل بابها فلا شفعة لأحد عليه» (6).

ص:71


1- التهذيب 7:725/164،726،الوسائل 25:395 أبواب الشفعة ب 1 ح 1،2.
2- كما حكاه عنه في المختلف:403.
3- سنن البيهقي 6:106.
4- الكافي 5:2/280،التهذيب 7:731/165،الإستبصار 3:417/117،الوسائل 25:398 أبواب الشفعة ب 4 ح 1.
5- المقنع:136،المستدرك 17:100 أبواب الشفعة ب 4 ح 3.
6- فقه الرضا(عليه السّلام):264،المستدرك 17:99 أبواب الشفعة ب 4 ح 2.

بناءً على ما قيل من ظهور أنّ قوله:« إذا لم يتهيّأ» إلى آخره،كناية عن دخول الطريق في البيع و عدمه،بمعنى أنّه إن باع الدار وحدها من غير دخول الطريق معها فلا شفعة؛ لما مرّ من عدم موجب لها.و إن أدخل الطريق في البيع لعدم إمكان طريق له غير ذلك فله الشفعة في الجميع (1).

و عن التذكرة (2)الاستدلال أيضاً بالحسن:عن دار بين قوم اقتسموها،فأخذ كلّ واحد منهم قطعة فبناها،و تركوا بينهم ساحة فيها ممرّهم،فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم،إله ذلك؟قال:« نعم و لكن يسدّ بابه و يفتح باباً إلى الطريق،أو ينزل من فوق البيت و يسدّ بابه،فإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنّهم أحقّ به،و إلّا فهو طريقه يجيء حتى يجلس على ذلك الباب» (3).

و نحوه الموثق،إلّا أنّه قال:« أو ينزل من فوق البيت،فإن أراد شريكهم أن يبيع منتقل قدميه فهو أحقّ به،و إن أراد يجيء حتّى يقعد على الباب المسدود الذي باعه لم يكن لهم أن يمنعوه» (4).

و فيه نظر،كما نبّه عليه جمع ممّن تأخّر (5)؛ إذ لا تعرّض فيهما لبيع الدار مع الممرّ كما هو محلّ البحث،بل ظاهرهما ثبوت الشفعة في الطريق فقط ببيعه خاصّةً.

ص:72


1- قال به البحراني في الحدائق 20:296.
2- التذكرة 1:590.
3- الكافي 5:9/281،التهذيب 7:732/165،الإستبصار 3:418/117،الوسائل 25:399 أبواب الشفعة ب 4 ح 2.
4- التهذيب 7:743/167،الوسائل 25:399 أبواب الشفعة ب 4 ح 3.
5- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 9:19،و السبزواري في الكفاية:105،و البحراني في الحدائق 20:295.

و اعلم أنّ النصوص كما ترى مختصّة بصورة الاشتراك في الطريق، لكنّهم ألحقوا به الاشتراك في الشرب،و مستندهم غير واضح،مع مخالفته لأُصولهم في الكتاب،اللّهم إلّا أن تكون انعقد عليه الإجماع.

ثمّ لو باع الشريك حصّته من العرصة التي هي الطريق دون الدار جاز الأخذ بالشفعة؛ لما مرّ إليه الإشارة.

و اشترط بعضهم كون الطريق ممّا يقبل القسمة في صورة انفراده بالبيع دون صورة الانضمام (1)،و بعضهم اشترط ذلك في الموضعين (2).

و ليس في الروايات و غيرها تعرّض لذلك،فالأقوى عدم اعتباره مطلقاً.

و كذا إطلاق الروايات يقتضي عدم الفرق بين كون الدور مقسومة بعد اشتراك سابق أم لا.و به صرّح في المسالك (3)،و حكي عن التذكرة (4)، و تبعهما جماعة (5).و عن ظاهر آخرين (6)اعتبار شركة سابقة على القسمة في ذات الطريق؛ تعويلاً على حجّة ضعيفة.فالأوّل في غاية القوّة.

و اعلم أنّه تثبت الشفعة بين شريكين إجماعاً فتوًى و نصّاً و لا تثبت لما زاد عليهما على أشهر الروايتين فتوًى،بل عليه في الانتصار و السرائر و التنقيح إجماعنا (7)،و مع ذلك هي صحاح مستفيضة

ص:73


1- كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 6:349،و الشهيد الثاني في الروضة 4:399،و المسالك 2:270.
2- انظر الدروس 3:357.
3- المسالك 2:271.
4- حكاه عنه في المسالك 2:271،و انظر التذكرة 1:590.
5- منهم السبزواري في الكفاية:105،و البحراني في الحدائق 20:296،297.
6- انظر جامع المقاصد 6:351،352،و حكاه عن ظاهرهم في الكفاية:105،و الحدائق 20:297.
7- الانتصار:216،السرائر 2:387،التنقيح 4:88.

و غيرها من المعتبرة تقدّم إلى جملة منها الإشارة في تضاعيف المباحث السابقة،معتضدة بالأصل المتقدّم غير مرّة.

و الرواية الثانية أيضاً مستفيضة،منها:النصوص المتقدّمة في المسألة السابقة.

و منها:الخبران« الشفعة على عدد الرجال» (1).

و الخبر:« قضى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بالشفعة بين الشركاء» (2).

و هي مع قصور سند أكثرها،و عدم مكافأتها لما مضى من وجوه شتّى شاذّة لا عامل بها عدا الإسكافي و الصدوق في الفقيه في الجملة (3)، موافقة لمذهب العامّة القائلين بمضمونها،كما صرّح به المرتضى و شيخ الطائفة (4)و جماعة (5)،فلتحمل على التقية لذلك،سيّما مع كون راوي بعضها من العامّة.

و يعضده مصير الإسكافي إليها،إلّا أنّ المنقول عنه في الانتصار يخصص ذلك بغير الحيوان،و مصيره فيه إلى ما عليه الأصحاب (6).و هو حينئذٍ كالصدوق في قوله بالتفصيل المزبور،فإنّه قال في الفقيه بعد نقل

ص:74


1- الفقيه 3:155/45،156،التهذيب 7:736/166،الإستبصار 3:416/116،الوسائل 25:403 أبواب الشفعة ب 7 ح 5 و ذيله.
2- الكافي 5:4/280،الفقيه 3:154/45،التهذيب 7:727/164،الوسائل 25:399 أبواب الشفعة ب 5 ح 1.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:403،الفقيه 3:46.
4- المرتضى في الانتصار:216،و الشيخ في الخلاف 3:435.
5- منهم الفاضل في التذكرة 1:589،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 9:10،و البحراني في الحدائق 20:303.
6- الانتصار:217.

ما يدلّ على المختار من الأخبار-:قال مصنّف هذا الكتاب:يعني بذلك الشفعة في الحيوان وحده،فأمّا غير الحيوان فالشفعة واجبة للشركاء و إن كانوا أكثر من اثنين،و تصديق ذلك ما رواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد اللّه بن سنان قال:سألته عن مملوك بين شركاء أراد أحدهم أن يبيع نصيبه،قال:« يبيعه» قلت:فإنّهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه فلمّا أقدم على البيع قال له شريكه:أعطني،قال:« هو أحقّ به» ثمّ قال(عليه السّلام):

« لا شفعة في حيوان إلّا أن يكون الشريك فيه واحداً» (1)انتهى.

و ظاهر جماعة من الأصحاب مصير الإسكافي إلى القول المزبور مطلقاً من دون التفصيل (2)،و عبارة المختلف يحتمل ذلك و ما ذكره المرتضى،فإنّه قال بعد نقل مذهب الصدوق-:و كذا اختار ابن الجنيد ثبوت الشفعة مع الكثرة (3).

و يعضد ما ذكره الجماعة ما ذكره الماتن في الشرائع من أنّ في المسألة أقوالاً ثلاثة،و عدّ منها القول بثبوتها مع الكثرة مطلقاً (4)،و لم نجد القائل به لو لم يكن الإسكافي.

لكن يضعّفه أنّه عدّ منها القول بالتفصيل بين العبد خاصّةً و غيره، و لا قائل به حتّى الصدوق؛ لاشتراطه اتّحاد الشريك في مطلق الحيوان من دون تخصيص بالعبد،فهو غير الصدوق.و لعلّ القول بالثبوت مطلقاً لمن

ص:75


1- الفقيه 3:46.
2- منهم القاضي في المهذّب 1:453،و ابن فهد في المقتصر:346،و المهذّب البارع 4:267،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 6:362.
3- المختلف:403.
4- الشرائع 3:255.

عدا الإسكافي و قد وقف على قائله و لم نقف عليه،كالقول بالتفصيل الذي حكاه.

و كيف كان فالقول بالتفصيل بقسميه على تقديرهما ضعيف جدّاً كسابقهما؛ لعدم وضوح مأخذهما عدا ما في الفقيه قد مضى،و هو كما ترى؛ لعدم التعارض بين الخبر الذي قيّده و الذي استشهد به لتقييده؛ إذ غايته اشتراط الاتّحاد في الحيوان و هو لا ينافي اشتراطه في غيره كما هو مقتضى الخبر الأوّل المفيد بعمومه،بل بصريحه؛ لأنّه المرسل المتقدّم المصرّح بثبوت الشفعة في كلّ شيء حتّى الحيوان (1)،و نحوه الرضوي الماضي (2)إلّا بالمفهوم الضعيف الذي لعلّه لا يقول به.

ثمّ على تقدير حجّيته لا يمكن التقييد به أيضاً؛ لما مضى من عدم التكافؤ أصلاً.

و مقتضاه رفع اليد عن نحو هذا الخبر كغيره من الأخبار المتقدّمة المطلقة،سيّما مع ما عرفت من قوّة احتمال ورودها للتقية.

و يحتمل أيضاً محامل أُخر ذكرها الجماعة (3)،كحمل لفظ الجمع فيها على الاثنين و لو مجازاً،أو على إرادة تعميم الحكم بالنسبة إلى المكلّفين، لا بالنسبة إلى قضيّة واحدة اشترك فيها جماعة.و هما و إن بعدا إلّا أنّه لا بأس بهما جمعاً،و هو أحسن من الطرح مهما أمكن و أولى.

و بالجملة لا ريب و لا شبهة في المسألة بحمد اللّه تعالى.

و اعلم أنّه لا خلاف على الظاهر المصرّح به في شرح الإرشاد (4)

ص:76


1- راجع ص:54.
2- في ص:70.
3- انظر الانتصار:217،و الاستبصار 3:117،و المسالك 2:272.
4- مجمع الفائدة و البرهان 9:20.

للمقدّس الأردبيلي-(رحمه اللّه) محتملاً كونه إجماعاً في أنّه لو ادّعى الشفيع غيبة الثمن أُجّل ثلاثة أيّام و لو ملفقة من وقت حضوره للأخذ بالشفعة إن ذكر أنّه ببلده فإن لم يحضره في المدّة المضروبة بطلت.و لو قال:

إنّه في بلد آخر أُجّل بقدر وصوله إليه و عوده منه و زيادة ثلاثة أيّام بعد ذلك.

و الأصل في جميع ذلك الحسن بالنهدي:عن رجل طلب شفعة أرض فذهب على أنْ يحضر المال فلم ينضّ،فكيف يصنع صاحب الأرض إذا أراد بيعها،أ يبيعها أو ينتظر مجيء شريكه صاحب الشفعة؟قال:

« إن كان معه في المصر فلينتظر به ثلاثة أيّام،فإن أتاه بالمال،و إلّا فليبع و بطلت شفعته في الأرض،و إن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد إلى بلد آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة و ينصرف و زيادة ثلاثة أيّام إذا قدم،فإن وفاه،و إلّا فلا شفعة له» (1).

و قصوره عن الصحّة مجبور بالعمل،مع أنّ الحسن في نفسه حجّة على الأظهر الأشهر بين الطائفة.

و ظاهر إطلاقه و إن شمل صورتي ترتّب الضرر على المشتري بالتأجيل و عدمه،إلّا أنّ ظاهرهم الإطباق على تقييده ب ما إذا لم يتضرّر المشتري به كما إذا كان البلد بعيداً جدّاً.و لعلّه للجمع بينه و بين ما دلّ على نفي الضرر من العقل و النقل،مضافاً إلى التأيّد بما مرّ من إناطة ثبوت الشفعة بنفي الضرر،فينبغي أن يكون حيث لا يلزم من وجه آخر، لأنّ مع التعارض ينبغي الرجوع إلى حكم الأصل،و هو عدم الشفعة،هذا.

ص:77


1- التهذيب 7:739/167،الوسائل 25:406 أبواب الشفعة ب 10 ح 1.

و أمّا ما يورد على الخبر من أنّ مورده هو الشفعة قبل البيع،و أنّ الذي ينتظر به هو الشريك الذي يريد أن يبيع،لا المشتري.فهو خارج عن محلّ البحث الذي استدلّوا به عليه و هو الشفعة بعد البيع،و لعلّهم قاسوا حال المشتري على البائع،و هو مشكل.

فغير واضح؛ لابتنائه على كون المراد بصاحب الأرض هو المالك الأوّل دون المشتري،و لا إشعار في الخبر به،مع صدق ذلك على المشتري.بل إطلاق لفظ الشفعة التي هي حقيقة في الاستحقاق بعد البيع كما مرّ يعضد إرادة الثاني،هذا.

مع احتمال أن يكون الإلحاق على تقدير صحّة ما ذكر من باب تنقيح المناط القطعيّ،لا القياس الخفيّ،فتدبّر.

ثمّ المراد ببطلانها على تقدير عدم إحضاره في المدّة المضروبة سقوطها إن لم يكن أخذ،و يتسلّط المشتري على الفسخ إن كان قد أخذ.

كذا ذكره في المسالك (1).

و لعلّه كذلك؛ لأنّ الحكم بالبطلان إنّما هو مراعاة للمشتري،فإذا رضي بأخذ الشفيع بالتأخير فقد أسقط حقّه.و ليس في إطلاق الرواية ما ينافي ذلك؛ لأنّ غايتها إسقاط حقّ الشفيع من السلطنة على المطالبة، و هو لا يستلزم إسقاط حقّ المشتري من المطالبة بالثمن بعد إجراء الصيغة الناقلة.

و بالجملة لا دلالة فيها على بطلان حقّ الشفيع،و على تقديره لا ضير فيه أيضاً،و إن هي حينئذٍ إلّا كما ورد في خيار التأخير من بطلان البيع،مع

ص:78


1- المسالك 2:273.

إطباق الأصحاب على بقاء الصحّة و ثبوت الخيار،لا فساد الشفعة من أصله.

فما في الكفاية (1)من أنّ هذا التفصيل غير مذكور في الرواية،محلّ مناقشة إن أراد الردّ بها عليه،و إن أراد عدم استفادة ما ذكره منها فحسن، إلّا أنّه لم يستند إليها في ذلك.و لعلّه أخذه ممّا قدّمناه من الحجّة.

و تثبت الشفعة للغائب و إن طالت غيبته،فإذا قدم من سفره أخذ إن لم يتمكّن من الأخذ في الغيبة بنفسه،أو وكيله.و لا عبرة بتمكّنه من الإشهاد.

و في حكمه المريض و المحبوس ظلماً أو بحقّ يعجز عنه،و لو قدر على الحقّ و لم يطالب بعد مضيّ زمان يتمكّن من التخلّص و المطالبة بطلت.

و كذا السفيه و المجنون و الصبيّ في ثبوت الشفعة لهم و يأخذ لهم الوليّ مع الغبطة و المصلحة كسائر التصرّفات.و لا خلاف في شيء من ذلك أجده،و بعدمه صرّح بعض الأجلّة (2)؛ و هو الحجّة، مضافاً إلى العمومات المعتضدة بوجه الحكمة المشتركة،و خصوص بعض المعتبرة المنجبر قصور سنده عن الصحّة بفتوى الطائفة:« وصيّ اليتيم بمنزلة أبيه يأخذ له الشفعة إذا كان له فيه رغبة» و قال:« للغائب شفعة» (3).

و هو و إن اختصّ مورده بالأوّل و الأخير إلّا أنّ الوسطين ملحقان بهما

ص:79


1- الكفاية:105.
2- مجمع الفائدة و البرهان 9:24.
3- الكافي 5:6/281،الفقيه 3:160/46،التهذيب 7:737/166،الوسائل 25:401 أبواب الشفعة ب 6 ح 2.

لعدم القائل بالفرق بين الأربعة في الطائفة،مع اعتضاد إلحاق الثالث بل ما سبقه أيضاً بالاستقراء،و اشتراكه مع الصبيّ في الأحكام غالباً،هذا.

و ربما يشكل الحكم بثبوت الشفعة لهم إن تضمّن طول الغيبة، و انتظار ارتفاع موانع الثلاثة حيث لم يأخذ لهم وليّهم بالشفعة كما سيأتي إليه الإشارة ضرراً على المشتري؛ يظهر وجهه ممّا قدّمناه قريباً من أنّ مقتضى تعارض الضررين الرجوع إلى حكم الأصل،و هو عدم الشفعة.

و وجّهنا بهذا حكمهم السابق بتقييد جواز التأجيل بما إذا لم يتضرّر به المشتري،مع خلوّ النصّ كما عرفت عن القيد.لكن عدم خلافهم في ذلك بحيث كاد أن يعدّ من الإجماع كفانا الاشتغال بطلب دليل آخر على تصحيح الإطلاق.

و لو ترك الوليّ الأخذ حيث يجوز له فبلغ الصبيّ،أو أفاق المجنون أو رشد السفيه فله أي لكلّ منهم الأخذ قيل:لأنّ التأخير وقع لعذر،و تقصير الوليّ بالتراخي لا يسقط حق المولّى عليه،و ليس الحقّ متجدّداً عند الكمال،بل مستمرّ و إنّما المتجدّد أهليّة الآخذ (1).و لا يظهر خلاف فيه،و في أنّه لو كان الترك لعدم المصلحة لم يكن لهم بعد ارتفاع الموانع الأخذ بالشفعة.

و عليه فلو جهل الحال في سبب الترك هل هو الثاني أو الأوّل؟ففي استحقاقهم الأخذ نظراً إلى وجود السبب فيستصحب،أم لا التفاتاً إلى أنّه مقيّد بالمصلحة و هي غير معلومة،وجهان،أوجههما الثاني عند الشهيد الثاني (2).

ص:80


1- قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:79.
2- الروضة البهية 4:401.

و ذكر تبعاً للدروس أنّ المفلس له الشفعة (1)،و لكن لا يجب على الغرماء تمكينه من الثمن،فإن بذلوه أو رضي المشتري بذمّته فأخذ،تعلّق بالشقص حق الغرماء.و لا يجب عليه الأخذ لو طلبوه منه مطلقاً و لو بذلوا له الثمن،أو كان للمشتري بذمّته رضاً.

الثالث:في كيفيّة الأخذ

الثالث:في بيان كيفيّة الأخذ و اعلم أنّه يجوز أن يأخذ الشفيع المشفوع بمثل الثمن الذي وقع عليه العقد إجماعاً محقّقاً مستفيض النقل في كلام جماعة (2)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى اتّفاق النصوص عليه.

و لو لم يكن الثمن مثليّا بل قيميّاً كالرقيق و الجوهر و الثياب و نحو ذلك أخذه بقيمته على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر إلّا من ندر ممّن تأخّر عمّن تأخّر (3)وفاقاً للمفيد و المبسوط و الحلّي (4)؛ للعمومات المؤيّدة بالإطلاقات،و الشهرة العظيمة بين الأصحاب.

و قيل كما عن الخلاف و ابن حمزة (5)-:إنّه تسقط الشفعة و عليه الطبرسي و العلّامة في المختلف (6) استناداً إلى رواية بل قيل

ص:81


1- الدروس 3:360.
2- منهم العلّامة في المختلف:404،و فخر المحققين في الإيضاح 2:210،و هو ظاهر المهذّب البارع 4:269،و التنقيح 4:90،و جامع المقاصد 6:405،و مجمع الفائدة و البرهان 9:30.
3- انظر كفاية الأحكام:106.
4- المفيد في المقنعة:619،المبسوط 3:108،الحلي في السرائر 2:385.
5- الخلاف 3:432،الوسيلة:258.
6- المؤتلف من المختلف 1:631،المختلف:404.

روايات معتبرة (1).

منها:الموثّق في التهذيب،و الصحيح في قرب الاسناد:في رجل اشترى داراً برقيق و متاع،و بزّ و جوهر،قال:« ليس لأحد فيها شفعة» (2).

و منها:الحسن:« الشفعة في البيوع إذا كان شريكاً فهو أحقّ بها من غيره بالثمن» (3).

و منها:الصحيح:عن رجل تزوّج امرأة على بيت في دار له،و له في تلك الدار شركاء،قال:« جائز له و لها،و لا شفعة لأحد من الشركاء عليها» (4).

و جعل هذه الرواية من روايات المسألة يتوجّه إليه المناقشة بظهور احتمال استناد المنع فيها عن الشفعة إلى كثرة الشركاء،أو انتقال المشفوع بما عدا البيع لاشتراط الانتقال به في ثبوتها،كما مضى.

و كذلك جعل الثانية من رواياتها و إن اتّفق للفاضل في المختلف (5)بخيال أنّ الأحقّية بالثمن إنّما يتحقّق في المثلي،لأنّ الحقيقة غير مرادة إجماعاً،فيحمل على أقرب المجازاة إلى الحقيقة،و هو المثل.

و اعترضه في المسالك بأنّ أقرب المجازات إلى الحقيقة بحسب

ص:82


1- قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:81.
2- التهذيب 7:740/167،قرب الإسناد:603/165،الوسائل 25:406 أبواب الشفعة ب 11 ح 1.
3- الكافي 5:5/281،التهذيب 7:728/164،الوسائل 25:395 أبواب الشفعة ب 2 ح 1.
4- الفقيه 3:165/47،التهذيب 7:742/167،الوسائل 25:407 أبواب الشفعة ب 11 ح 2.
5- المختلف:404.

الحقيقة،فإن كان مثليّا فالأقرب إليه مثله،و إن كان قيميّاً فالأقرب إليه قيمته (1).

و فيه نظر،بل الأجود في منعه ما ذكره المقدس الأردبيلي (2)-(رحمه اللّه) من أنّها محمولة على الغالب من أنّ القيمة ثمن أو المثلي في الدور،أو غير ذلك ممّا ذكره،و إن كان في بعضه نظر.و وجه اشتراط الثمن في استحقاق الشفعة على ما ذكره من المحامل التي مرجعها إلى اشتراط جنس الثمن و لو كان قيميّاً الإشارة إلى أنّ استحقاقها ليس مجّاناً بل بإعطاء الثمن، و هذا يجتمع ما لو كان مثليّا أو قيميّاً.

و بالجملة فالاستدلال بهذين الخبرين في البين غير متوجّه،و لعلّه لذا لم يستند إليهما من فضلاء الطرفين المشهورين أحد غير من مرّ.

بقي الكلام في الخبر الأوّل الذي استند إليه أرباب هذا القول، و فيها بعد الإغماض عن عدم مكافأتها لما مضى من حيث اشتهاره بين الأصحاب،بل و الإجماع عليه في الجملة دونه قصور من حيث الدلالة بناءً على احتمال استناد المنع فيها عن الشفعة على أسباب مانعة عنها تقدّمت إلى ذكرها الإشارة إذ ليس فيها التصريح بأنّ المانع من جهة القيمة،و أنّها قيمي لا مثلي.

و ما يقال:من أنّ المتبادر من سياقها ذلك؛ لأنّ الظاهر أنّ السؤال فيها إنّما أُريد به من حيث الشراء بذلك الثمن،و أنّه هل تجوز الشفعة إذا كان الشراء بهذا الثمن أم لا.و لو كان المراد من السؤال معنى آخر من كون الدار

ص:83


1- المسالك 2:277.
2- مجمع الفائدة و البرهان 9:31.

لا شريك فيها،و أنّ المراد نفي الشفعة بالجوار لما كان لذكر القيمة وجه بالكلّية،و لكان حق السؤال التصريح بذلك و أن يؤتى بعبارة أُخرى تؤدّي هذا المعنى.

فمدفوع بأنّه و إن ذكر الثمن و بسببه يستظهر من السؤال و الجواب ما يتوهّم،كذا ذكر أنّ المبيع الدار،و المتبادر منه المجموع،و هو ممّا لا يتأتّى فيه بعد الشراء شركة توجب الشفعة،فلا تثبت فيها إلّا من حيث الجوار،فنفي الشفعة في الرواية يحتمل أن يكون مستنداً إلى هذا.

و لو أُريد من الدار بعضها تعيّن ما استظهر من السياق،إلّا أنّ إطلاقها على البعض مجاز لا يصار إليه إلّا بالقرينة،هي في الرواية مفقودة.فإذاً هي مجملة لا ريب في ضعف الاستناد إليها،و لا شبهة.

و منه يظهر ضعف هذا القول،و إن ادّعى عليه في الخلاف إجماع الفرقة (1)؛ لوهنه بعدم ظهور قائل به سواه و بعض من تبعه (2)،مع مصير معظم الأصحاب على خلافه و منهم هو في قوله الثاني (3).و على تقدير سلامته عنه لا يمكن المصير إليه؛ لضعفه عن المقاومة للعمومات المعتضدة بالشهرة.

و منها يظهر ضعف استناد المختلف (4)لما صار إليه بالأصل المقرّر في الشفعة؛ لاندفاعه بتلك الأدلّة المعتضدة زيادةً على الشهرة بوجه الحكمة المشتركة التي استند إليها هو و غيره من الجماعة في مواضع عديدة

ص:84


1- الخلاف 3:432.
2- كابن حمزة في الوسيلة:258.
3- المبسوط 3:108.
4- المختلف:404.

على سبيل الحجّة أو التقوية.

و هنا قول ثالث حكي في المختلف و الدروس عن الإسكافي،و هو أنّه يكلّف الشفيع ردّ العين التي وقع عليها العقد إن شاء،و إلّا فلا شفعة له (1).

و على المختار فهل المعتبر القيمة وقت العقد؛ لأنّه وقت استحقاق الثمن و العين متعذّرة،فوجب الانتقال إلى القيمة،أو وقت الأخذ؛ لوجوبه حينئذٍ على الشفيع،أو الأعلى منهما؟أقوال،أحوطها الأخير،و أشهرها في الظاهر المصرّح به في كلام جمع (2)،الأوّل.

و اعلم أنّ للشفيع المطالبة بالشفعة في الحال أي حال العلم بالشراء بلا خلاف، و لو أخّر لا لعذر بطلت شفعته وفاقاً للشيخ في كتبه الثلاثة و القاضي و ابن حمزة و الطبرسي،و جماعة و منهم الفاضل في كتبه،و الشهيدان (3)،و عامّة المتأخّرين.و ادّعى عليه الشهرة المطلقة جماعة منهم الفاضل في التذكرة،و آخرون الشهرة المتأخّرة كالمسالك و جمع ممّن تبعه (4).و عن الشيخ دعوى الإجماع عليه (5)؛ و هو الحجّة عندهم؛ مضافاً إلى ما قالوه من الأصل المتقدّم غير مرّة؛ و أنّها حقّ مبنيّ على التضييق بقرينة ثبوتها في بعض دون بعض،و بعقد دون عقد فلا يناسب التوسعة؛

ص:85


1- المختلف:404،الدروس 3:367.
2- منهم البحراني في الحدائق 20:318.
3- الشيخ في النهاية:424،و المبسوط 3:108،و الخلاف 3:430،و لم نعثر عليه في مهذّب القاضي،ابن حمزة في الوسيلة:258،الطبرسي في المؤتلف من المختلف 1:630،الفاضل في القواعد 1:213،و المختلف:405،الشهيدان في الدروس 3:363،و اللمعة(الروضة البهية 4):404.
4- التذكرة 1:604،المسالك 1:283؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:78.
5- الخلاف 3:431.

و لأدائه إلى ضرر المشتري إذ قد لا يرغب في عمارة ملكه لتزلزله؛ و للحسنة المتقدّمة (1)في جواز إنظار الشفيع بالثمن الأيّام الثلاثة لحكمه(عليه السّلام)فيها ببطلان الشفعة بعد الثلاثة التي أخّرها للعذر،فلو كان حقّ الشفعة على التوسعة لم تبطل شفعته بالتأخير مطلقاً لعدم القائل بالفرق.فالقول به إحداث قول ثالث،و هو باطل بإجماعنا.

و للخبرين،في أحدهما:« الشفعة لمن واثبها» (2)و في الثاني:

« الشفعة كحلّ العقال» (3).

و في الجميع نظر؛ لمعارضة الإجماع بمثله و سيأتي،و اعتضاده بالشهرة غير نافع بعد ظهور انعقادها بعد الحكاية،و مرجوحيّته بالموافقة للعامّة كما سيأتي إليه الإشارة،و ضعف الأصل بما مرّ في المسألة السابقة.

و دعوى أنّها حقّ مبني على الضيق غير مسموعة إن أُريد بها العموم حتّى في المسألة؛ لكونها مصادرة غير واضحة الحجّة عدا القرينة،و دلالتها على العموم غير ظاهرة بل فاسدة.و إن أُريد بها ثبوت الضيق في الجملة أو فيما عدا المسألة فغير نافعة.

و الضرر الناشئ من التراخي مجبور بضمان الشفيع الأرش على تقدير القلع كما ذكروه،هذا إن أُريد من الضرر ما ينشأ من نقص ما حصل و عمر.و إن أُريد به مجرّد عدم الرغبة في التعمير فيمنع عن كون مثله يعدّ ضرراً،و على تقديره يجبر بما ذكره علم الهدى من عرض المبيع إلى

ص:86


1- في ص:75.
2- عوالي اللئلئ 3:13/478،المستدرك 17:108 أبواب الشفعة ب 11 ح 13؛ بتفاوت.
3- سنن ابن ماجة 2:2500/835،سنن البيهقي 6:108.

الشفيع و بذل تسليمه إليه فإمّا أن يتسلّم،أو يترك الشفعة فيزول الضرر عن المشتري،فإن لم يفعل ذلك كان التفريط من قبله (1).و على تقدير عدم إمكان دفع هذا الضرر فالدليل من المدّعى أخصّ.

و الجبر بالإجماع المركّب ينفع حيث لا يمكن العكس،و هو ممكن في محلّ البحث،فتدبّر.هذا.

مع أنّ هذا الدليل جارٍ في صورة التأخير لعذر،و قد أطبقوا على ثبوت الشفعة فيها مطلقاً.

و الحسنة لا دلالة فيها على الفوريّة التي ذكروها و أحالوا معرفتها إلى العرف و العادة.و لا ريب أنّ التأخير ثلاثة أيّام،بل و ما دونها من دون عذر كما هو مورد الرواية تنافي الفورية العرفيّة،و لذا استدلّ به المقدس الأردبيلي-(رحمه اللّه) على القول الآتي،و أجاب عن الاستدلال بها لهذا القول بما يرجع حاصله إلى أنّ الحكم ببطلان الشفعة بعد الثلاثة لعلّه للعلم بعدم إرادة الشفيع المطالبة بالشفعة عرفاً و عادةً (2).

أقول:و يحتمل كونه من جهة ظهور عدم بنائه (3)على أداء الثمن المشترط في استحقاق الشفعة بالاتّفاق كما مرّ إليه الإشارة،و لذا عملوا بمضمونها من دون خلاف فيها يذكرونه ثمّة.

و بالجملة هذه الرواية لو لم نقل بظهورها في ضدّ ما ذكره الجماعة، فلا ريب أنّها على ما ذكروه غير دالّة.

و أمّا الخبران الأخيران فهما عاميان على الظاهر؛ إذ لم نجدهما في

ص:87


1- الانتصار:220.
2- مجمع الفائدة و البرهان 9:22.
3- في« ح» و« ر»:قدرته.

كتب أخبارنا المشهورة،و لا نقلهما ناقل من طرقنا في الكتب الاستدلالية.

بل صرّح جماعة (1)بأنّهما من طرق العامّة،فليس فيهما حجّة و إن انجبرا بالشهرة المتأخّرة،بل و المطلقة على تقدير تسليمها لأنّها معارضة بالموافقة للعامّة،كما صرّح به في الانتصار (2).

و فيه أي في المقام قول آخر :إنّها على التراخي لا تسقط إلّا بالإسقاط.ذهب إليه المرتضى،و الإسكافي،و والد الصدوق،و الحلبي، و الحلّي (3)مدّعياً أنّه الأظهر بين الطائفة،حاكياً الأوّل عن بعض الأصحاب مشعراً باشتهار ما اختاره بين الأصحاب.

و زاد المرتضى فادّعى الإجماع عليه؛ و هو الحجّة لهذا القول،مضافا إلى العمومات السليمة كما عرفت عمّا يصلح للمعارضة،مع استصحاب الحالة السابقة.

و هذه الأدلّة في غاية من المتانة و الأجوبة عنها فاسدة،عدا ما أُجيب به الإجماع فإنّه حقّ لمعارضته بالمثل،إلّا أنّ في الباقي كفاية لولا الشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون بالإجماع ملحقة.فالمسألة محلّ إشكال،فلا ينبغي ترك الاحتياط فيها على حال.

و على اعتبار الفورية يلزم المبادرة إلى المطالبة عند العلم على وجه العادة.و المرجع فيه إلى العرف لا المبادرة بكلّ وجه ممكن،فيكفي مشيه إلى المشتري على الوجه المعتاد و إن قدر على الزيادة،و انتظار الصبح لو

ص:88


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:283،و الروضة 4:406،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:91،و البحراني في الحدائق 20:320.
2- الانتصار:219.
3- المرتضى في الانتصار:219،و نقله عن الإسكافي و والد الصدوق في المختلف:405،الحلبي في الكافي:361،الحلي في السرائر 2:388.

علم ليلاً،و الصلاة عند حضور وقتها و مقدّماتها و متعلّقاتها الواجبة و المندوبة التي يعتادها على الوجه المعتاد،و انتظار الجماعة و الرفقة مع الحاجة،و زوال الحرّ و البرد المفرطين،و لبس الثوب،و أمثال ذلك.

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده،و لعلّه لعدم حجّة ظاهرة على الفوريّة الحقيقية،بل غايتها الفوريّة العرفية،و لا ينافيها شيء ممّا تقدّم إليه الإشارة،فتأمّل.

و لو كان التأخير لعذر عن المباشرة و التوكيل لم تبطل الشفعة بلا خلاف و لا إشكال،إلّا فيما يقتضيه إطلاق العبارة و غيرها من عبائر الجماعة من عدم البطلان مطلقاً و إن أوجب التأخير على المشتري ضرراً،فإنّه منافٍ لما ذكروه سابقاً في تأخير الثمن ثلاثة أيّام بعد دعوى غيبته من تقييد الحكم ثمّة ببقاء الشفعة بعد التأخير إلى المدّة بما إذا لم يوجب ضرراً على المشتري،فإنّ دليل التقييد الذي عرفته جارٍ في المسألة.

اللّهم إلّا أن يكون التقييد مراداً هنا أيضاً،و إنّما تركوه حوالةً على ما مضى.و كيف كان فمراعاة التقييد مطلقاً أحوط و أولى.

و قد عدّ الأصحاب من غير خلاف يعرف من جملة الأعذار ما أشار إليه بقوله: و كذا لا تبطل الشفعة لو كان التأخير بسبب توهّم زيادة ثمن فبان قليلاً أو كونه جنساً من الثمن كذهب مثلاً فبان غيره أي فضّة و نحوها،أو بالعكس،أو أنّه اشترى النصف فبان الربع أو بالعكس،أو أنّ المشتري واحد فبان أكثر أو بالعكس،أو نحو ذلك، لاختلاف الأغراض في مثل ذلك.

و يعذر جاهل الفورية كجاهل الشفعة و ناسيهما.و تقبل دعوى الجهل ممّن يمكن في حقّه عادةً،و إنّما يؤمر بالمطالبة بها فوراً حيث يكون البيع

ص:89

عنده ثابتاً بالشياع أو البيّنة،دون نحو خبر الفاسق،و المجهول،و الصبيّ، و المرأة مطلقاً.

و في شهادة العدل الواحد مطلقاً وجه قويّ وفاقاً للروضة (1)،و عن الدروس الاكتفاء به مع القرينة (2).و حجّته غير واضحة إن عمّم القرينة للظنّية،و منع الاكتفاء بالخبر الغير المحفوف بها بالكلية،فإنّها إن كانت عموم ما دلّ على حجّية خبره فليس فيه التقييد بالقرينة،و إن كانت حصول المظنّة بصدق الخبر بمعونتها زيادةً على ما يحصل من مجرّد خبره،و أنّ المعتبر قوّة المظنّة،فلا دليل على اعتبارها بعد أن قطع النظر عن عموم ما دلّ على حجّية خبر العدل مطلقاً.و كذا لو نظر إليه لما مضى من عدم تقييده بالقرينة،و أنّ مفاده الحجّية من حيث هو هو،و لو صدّق المخبر كان كثبوته في حقّه (3)،و كذا لو علم صدقه بأمر خارج.

و اعلم أنّه يأخذ الشفيع الشقص المبيع من المشتري لأنّه استحقّ الأخذ بالبيع و بعده انتقل الملك إلى المشتري،فلا تسلّط له على أخذه من البائع.و لا خلاف فيه و في أنّ دركه أي درك الشقص لو ظهر مستحقّاً عليه أي على المشتري،فيرجع عليه بالثمن و بما اغترمه لو أخذه منه المالك،بل ادّعى على الأمرين الإجماع في السرائر (4).

و لا فرق في ذلك بين كونه في يد المشتري و يد البائع بأن لم يكن أقبضه،لكن هنا لا يكلّف المشتري قبضه منه،بل يكلّف الشفيع الأخذ منه

ص:90


1- الروضة البهية 4:406.
2- الدروس 3:365.
3- في« ح» و« ر» زيادة:على الظاهر.
4- السرائر 2:390.

أو الترك؛ لأنّ الشقص هو حقّ الشفيع فحيثما وجده أخذه،و يكون قبضه كقبض المشتري و الدرك عليه على التقديرين.

و لو انهدم المسكن،أو عاب بغير فعل المشتري أخذ الشفيع ب تمام الثمن أو الترك و لا شيء على المشتري مطلقاً،كان النقص و التعيّب قبل المطالبة بالشفعة أم بعدها،بأمر سماويّ كانا أم بفعل آدمي، على الأشهر الأقوى،وفاقاً للمبسوط و الحلبي (1)؛ للأصل المؤيّد بإطلاق ما دلّ على لزوم الأخذ بالشفعة بالثمن.و المرسل المنجبر بعمل الأكثر:في رجل اشترى من رجل داراً (2)مشاعاً غير مقسوم و كان شريكه الذي له النصف الآخر مشاعاً (3)غائباً،فلمّا قبضها و تحوّل عنها انهدمت الدار، و جاء سيل خارق (4)فهدمها و ذهب بها،فجاء شريكه الغائب فطلب الشفعة من هذا،فأعطاه الشفعة على أن يعطيه ماله كملاً الذي نقد في ثمنها،فقال:

ضع عنّي قيمة البناء،فإنّ البناء قد انهدم و ذهب به السيل،ما الذي يجب في ذلك؟فوقّع(عليه السّلام):« ليس له إلّا الشراء و البيع الأوّل» (5).

خلافاً للخلاف على ما حكى عنه في المختلف (6)،ففصّل بين صورتي كون الهدم بأمر سماوي فالأوّل؛ لظاهر الخبر المتقدّم،أو بفعل آدمي فالأخذ بحصّته من الثمن.و إطلاقه يشمل المشتري و غيره،بل لعلّه ظاهر فيه.

ص:91


1- المبسوط 3:116،الحلبي في الكافي في الفقه:362.
2- في المصدر:نصف دار.
3- ليس في«ح» و«ر» و المصدر.
4- في المصدر:جارف.
5- التهذيب 7:850/192،الوسائل 25:405 أبواب الشفعة ب 9 ح 1.
6- المختلف:408،و هو في الخلاف 3:437.

و وجهه غير واضح عدا ما يوجّه به ضمان المشتري في القول الآتي في نقص المبيع بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع من تعلّق حق الشفيع به بالبيع فيضمنه المشتري و إن كان ملكه.

و فيه نظر،فإنّه إن أُريد بالحقّ المتعلّق بالشقص حقّ المطالبة به فمسلّم،و لكنّه بمجرده لا يوجب ضماناً على المشتري،فإثباته يتوقّف على دليل.و إن أُريد به الملكية فممنوع،سيّما إذا ادّعي ثبوتها قبل المطالبة.و على تقديره فالضمان محلّ تأمّل،سيّما إذا لم يقبضه المشتري؛ إذ لا موجب لضمانه حينئذٍ و لو فرض كونه ملك الشفيع،هذا.

مع أنّ هذا التوجيه على تقدير تماميّته يشمل صورة التلف بأمر سماوي أيضاً و لا يقول به،إلّا أن يقال باستثنائها بالخبر الذي مضى.

و إن كان الهدم بفعل المشتري بعد مطالبة الشفيع بالشفعة، فالمشهور ضمان المشتري،بمعنى أخذ الشفيع الباقي بعد التلف بحصّته من الثمن و سقوط ما قابل التالف منه.

قيل:لأنّ الشفيع استحقّ بالمطالبة أخذ المبيع كاملاً،و تعلّق حقّه به، فإذا انتقض بفعل المشتري ضمنه له (1).

و هو مبنيّ على تملّك الشفيع الشقص بالمطالبة دون الأخذ،و وجهه غير واضح.و الأصل يقتضي المصير إلى التملّك بالأخذ كما عن الشيخ، و عليه بنى اختياره في المبسوط (2)هنا عدم الضمان على المشتري أيضاً كالسابق.و هو في غاية من القوّة،سيّما بعد اعتضاده بإطلاق ما دلّ على استحقاق الشفعة بتمام الثمن.

ص:92


1- قال به الشهيد الثاني في المسالك 2:278.
2- المبسوط 3:116.

و لو كان الهدم بفعله قبل المطالبة بها فالأشهر الأظهر عدم الضمان على المشتري،بل يتخيّر الشفيع بين الأخذ بكلّ الثمن و بين الترك؛ لما مرّ،و أنّ المشتري تصرّف في ملكه تصرّفاً سائغاً فلا يكون مضموناً عليه، سيّما إذا كان التالف لا يقابل به شيء من الثمن فلا يستحقّ الشفيع في مقابلته شيئاً،كما لو تعيّب في يد البائع فإنّ المشتري تخيّر بين الفسخ و بين الأخذ بجميع الثمن.

و حكي في المسالك و الكفاية (1)قول بالضمان،و هو الظاهر من إطلاق العبارة،و لا ريب في ضعفه؛ لضعف ما مرّ من توجيهه.

ثمّ إنّ الحكم بعدم الضمان على المشتري حيث توجّه إنّما هو إذا لم يتلف من الشقص شيء يقابل بشيء من الثمن،و إلّا قيل:ضمن بحصّته من الثمن على الأشهر (2).

قيل:لأنّ إيجاب دفع الثمن في مقابلة بعض المبيع ظلم (3).

و فيه نظر،و لذا أطلق الحكم في العبارة هنا و في المبسوط (4)و غيرهما (5)،و مع ذلك يدفعه إطلاق ما مرّ من الخبر،فتأمّل.

و لو اشترى الشقص بثمن مؤجّل قيل كما عن الخلاف و المبسوط و الإسكافي و الطبرسي (6): هو أي الشفيع بالخيار بين

ص:93


1- المسالك 2:278،الكفاية:106.
2- قال به السبزواري في الكفاية:106.
3- كما قال به الشهيد الثاني في المسالك 2:278.
4- المبسوط 3:116.
5- انظر المختلف:408.
6- الخلاف 3:433،المبسوط 3:112،و حكاه عن الإسكافي في الدروس 3:364،الطبرسي في المؤتلف من المختلف 1:631.

الأخذ بالثمن عاجلاً و بين التأخير إلى الحلول و أخذه بالثمن في محلّه أي وقت حلوله؛ لأنّ الذمم غير متساوية فيجب إمّا تعجيل الثمن، أو الصبر إلى الحلول و دفعه عند الأخذ.

و أُجيب بأنّ ذلك لا يوجب التخيير؛ لإمكان التخلّص بالكفيل إمّا مطلقاً كما يظهر من المختلف (1)،أو مع عدم الملائة كما عن الشيخ (2)و غيره (3)؛ و بأنّه يستلزم أحد محذورين إمّا إسقاط الشفعة على تقدير ثبوتها،أو إلزام الشفيع بزيادة لا موجب لها.و كلاهما باطل.

و وجه الملازمة أنّ تجويز التأخير ينافي الفوريّة المستلزمة لبطلانها، و تعجيل الأخذ بالحال يوجب زيادة صفة في الثمن،و هي كونه معجّلاً من غير سبب.

و ذهب المفيد و الشيخ في النهاية و القاضي،و الحلي (4)إلى أنّه لا يتخيّر،بل يأخذ الشقص عاجلاً و يكون الثمن مؤجّلاً،و يلزم كفيلاً إن لم يكن مليّاً،و هو أشبه و أشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،إمّا لما مرّ من منافاة التخيير للفورية،أو لا له؛ لضعفه أوّلاً:بما مرّ من عدم وضوح دليل على اعتبارها.و ثانياً:على تقدير تسليمه يمكن كون الإخلال هنا بها لعذر،و هو مراعاة مال المشتري و ثمنه عن الذهاب،و هو لا يوجب سقوطها كما مرّ عن الأصحاب (5).

ص:94


1- المختلف:406.
2- النهاية:425.
3- انظر إيضاح الفوائد 2:211.
4- المفيد في المقنعة:620،النهاية:425،القاضي في المهذب 1:458،الحلي في السرائر 2:388.
5- راجع ص:88.

و لعلّه لذا إنّ الشيخ مع اعتباره للفورية لم يجعل الإخلال بها هنا موجباً لسقوطها.

و لكن دفع هذا العذر بإمكان مراعاة الفورية،و مال المشتري عن الذهاب بأخذ الكفيل،كما قال به الأصحاب ممكن،فتأمّل.

بل لأنّ التأجيل له قسط من الثمن فيلزم زيادة الثمن المأخوذ به في الحال على الأصل.

و فيه أيضاً نظر،فإنّ هذا لم يدلّ إلّا على عدم وجوب تعجيل الثمن على الشفيع،و هو لا يستلزم وجوب الأخذ بالشفعة حالّا إلّا على تقدير اعتبار الفورية،و المفروض عدمه.

فالمتّجه على هذا التخيير بين الأمرين اللذين ذكرهما في الخلاف و المبسوط،و بين ما ذكره الأصحاب.فهو في غاية من القوّة إن لم يكن إحداث قول ثالث في المسألة.

و لو دفع الشفيع الثمن قبل حلوله لم يلزم البائع أخذه لأنّ دفعه مسبّب عن المشتري،و هو لو دفعه إليه قبله لم يلزمه الأخذ قطعاً،فبأن لا يلزمه الأخذ من الشفيع بطريق أولى.

و لو دفعه الشفيع إلى المشتري قبل الحلول لزمه الأخذ على قول المبسوط و الخلاف.و يشكل على قول الأصحاب،و لا يبعد اللزوم عليه أيضاً التفاتاً إلى أنّ الحكم بالتأجيل في حقّ الشفيع إنّما هو مراعاة لحقّه و استخلاص له عن لزوم التعجيل به،فإذا أسقط حقّه و يتبرّع بالتعجيل فلا موجب للمشتري عن عدم قبوله،مع دلالة الإطلاقات على لزومه.

و لو ترك الشفيع المطالبة بالشفعة قبل البيع فقال للمشتري:

اشتر نصيب شريكي فقد نزلت عن الشفعة و تركتها لم تبطل و كذا لو

ص:95

عرض البائع الشقص على الشفيع بثمن معلوم فلم يرده،فباعه من غيره بذلك الثمن أو زائداً،وفاقاً لظاهر المرتضى،و صريح الإسكافي و الحلي، و الفاضل في المختلف و القواعد،و المقداد في التنقيح،و الشهيد الثاني، و كثير ممّن تبعه (1).و الظاهر أنّه عليه أكثر المتأخّرين.و حكاه في الدروس عن المبسوط (2).

و ظاهر الأوّل دعوى الإجماع عليه حيث قال:و ممّا انفردت به الإماميّة أنّ حقّ الشفيع لا يسقط إلّا أن يصرّح الشفيع بإسقاط حقّه.ثمّ أخذ في نقل مذاهب العامّة،و ذكر منها قول الشعبي بأنّ من بيعت شفعته و هو شاهد و لم ينكر،فلا شفعة له،ثم قال بعد هذا بلا فصل:و الذي يدلّ على صحّة مذهبنا الإجماع المتكرّر.

و هو كما ترى ظاهر في شمول عموم عبارته لمثل ما نحن فيه؛ فهو الحجة،مضافاً إلى ما ذكره جماعة (3)من عموم ما دلّ على ثبوتها،مع سلامتها عمّا يصلح للمعارضة،و ضعف ما سيأتي على خلافه من الأدلّة، و آخرون (4)بأنّ ذلك ترك قبل الاستحقاق فلا يلزم،كما لو أسقطت المرأة

ص:96


1- المرتضى في الانتصار:219،حكاه عن الإسكافي في المختلف:407،الحلي في السرائر 2:393،المختلف:407،و القواعد 1:216،التنقيح الرائع 4:93،الشهيد الثاني في المسالك 2:283،و انظر كفاية الأحكام:106،و المفاتيح 3:80.
2- انظر الدروس 3:368،369،المبسوط 3:140.
3- منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 6:440،و الشهيد الثاني في المسالك 2:283،و البحراني في الحدائق 20:331.
4- كالشيخ في المبسوط 3:140،و ابن إدريس في السرائر 2:393،و العلّامة في المختلف:407،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:93،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 6:440،و البحراني في الحدائق 20:331.

المهر قبل التزويج،و نحو ذلك.

خلافاً للنهاية و المفيد و ابن حمزة (1)؛ لقوله(صلّى اللّه عليه و آله):« لا يحلّ للشريك أن يبيع حتّى يستأذن شريكه،فإن باع و لم يأذنه فهو أحقّ» (2)لتعليق الاستحقاق فيه على عدم الاستيذان فلا يثبت معه،و لأنّ الشفعة شرعت لإزالة الضرر عن الشريك فإذا لم يردّه دلّ على عدم الضرر.و ليس ذلك من باب الإسقاط حتى يتوقّف على الاستحقاق.

و في الجميع نظر؛ لعدم وضوح سند الخبر،و عدم جابر له بل الجابر بالعكس،مع معارضته بما مرّ من الإجماع المنقول الذي منه أجود.و منع دلالة عدم الردّ على عدم الضرر فإنّه أعمّ منه،مع احتمال جعله وسيلةً على الأخذ بالشفعة،و على تقدير تسليمه فهو إنّما يتمّ على تقدير قيام دليل على كون الضرر هو السبب الباعث لثبوت الشفعة،و لا حجّة عليه مستقيمة تطمئنّ إليها النفس،كما مرّ إليه الإشارة.

فهذه الحجج ضعيفة،و غاية ما يمكن أن يحتجّ لهم شيئان:

أحدهما:ما ذكره المولى الأردبيلي من أنّ الترك وعد فتشمله الأدلّة الدالّة على وجوب الوفاء به،و ليس هنا إبراء أو إسقاط،بل قول و وعد و شرط،و مخالفته قبيحة عقلاً و شرعاً،و أنّه غرر و إغراء،و ليس من صفات المؤمن (3).

و ثانيهما:ما يختلج بالبال من الأصل،و عدم عموم من الأخبار يدلّ

ص:97


1- النهاية:424،المفيد في المقنعة:618،ابن حمزة في الوسيلة:258.
2- عوالي اللئلئ 3:14/479،المستدرك 17:108 أبواب الشفعة ب 11 ح 14.
3- مجمع الفائدة و البرهان 9:45.

على ثبوت الشفعة في جميع الأحوال.و إنّما العموم الموجود فيها إنّما هو بالنسبة إلى كلّ مبيع لا إليها في جميع الأحوال،و غايته بالنسبة إليها أن يكون مطلقاً،و رجوعه إلى العموم مشروط بتساوي أفراده في الانسباق إلى الذهن و عدمه؛ إذ مع رجحان بعضها بتبادر و نحوه ينصرف إليه دون المرجوح،و ما نحن فيه من هذا القبيل؛ لعدم تبادر ما أُسقط فيه الشفعة من إطلاق ما دلّ على ثبوتها بلا شبهة.

مضافاً إلى التأيّد بما ورد في صحّة الوصية بما زاد على الثلث بإجازة الورثة لها قبل الموت من المعتبرة (1)،و عليه معظم الطائفة،و ادّعى بعضهم عليه إجماع الإمامية (2).

و لا يخلو الجميع عن المناقشة.

فالأوّل:بأنّه بعد تسليم كونه من باب الوعد لم يحضرني الآن دليل عامّ يدلّ على وجوب الوفاء به على الإطلاق بحيث يشمل نحو مورد النزاع،مع عدم وجوبه في كثير من قبيله بالإجماع،و قد تقدّم بعضه من إسقاط المرأة حقّها قبل الثبوت و نحو ذلك.و الفرق بينه و بين ما نحن فيه لو ادّعي غير واضح.

و الثاني:بأنّ العموم في البيع يستلزم العموم في الأحوال،و إلّا لما بقي عموم على حال؛ لاختلاف أحوال أفراد العموم بلا إشكال،فتأمّل.

و الثالث:نافع حيث يوجد دليل،و قد عرفت ما فيه.

و اعلم أنّ مقتضى الأدلّة من الطرفين عدم الفرق بين الموضعين

ص:98


1- انظر الوسائل 19:283 أبواب الوصايا ب 13.
2- كالشيخ في الخلاف 4:144.

المتقدّمين،و غيرهما من المواضع التي اختلف في سقوط الشفعة فيها ممّا أشار إليه الماتن بقوله: أمّا لو شهد على البيع و لم يردّ أو بارك للمشتري أو البائع فقال:بارك اللّه تعالى لكما في البيع،أو هو مبارك لكما،أو نحو ذلك. أو أذن لهما أو لأحدهما في البيع فقال:تبايعا ففيه التردّد الناشئ مما مرّ.

و عدم السقوط في الجميع كما عرفت أشبه و لم أفهم وجهاً لفرق الماتن بين هذه المواضع.و لم أر من قال به، بل أطلق أرباب القولين الحكم فيها،عدا الفاضل في الإرشاد (1)ففرّق بينها كالماتن،و لكن حكم بالبطلان في الموضع الأوّل عكسه،و تنظّر فيه في باقي المواضع.

و وجهه أيضاً غير واضح،و إن كان أنسب من فرق الماتن؛ لأنّه في غاية البعد،فإنّ عدم الإبطال بالإسقاط قبل البيع يستلزم عدمه فيما عداه بطريق أولى؛ إذ ليس بأبلغ في الدلالة على الإبطال من الإسقاط قبل البيع، بل هو أبلغ.فكيف يفرّق بينهما بالعدم في الأوّل،و السقوط في الباقي؟بل العكس أولى،و قد نبّه على الأولويّة في المسالك (2)شيخنا.

و من اللواحق مسألتان

الأُولى:الشفعة لا تورّث

و من اللواحق مسألتان الأُولى: قال الشيخ في النهاية و موضع من الخلاف،و القاضي و الطبرسي (3):إنّ الشفعة لا تورّث بل تبطل بموت الشفيع.و نسبه في

ص:99


1- الإرشاد 1:387.
2- المسالك 2:283.
3- النهاية:425،الخلاف 3:437،القاضي في المهذب 1:459،الطبرسي في المؤتلف من المختلف 1:632.

المبسوط إلى أكثر الأصحاب (1)؛ للخبر:« لا تورّث الشفعة» (2)و أنّ ملك الوارث يتجدّد على الشراء لا به،فلا يستحق به شفعة.

و يضعف الأوّل بضعف الراوي (3)،مع جهالة الراوي عنه أيضاً (4).

و لا جابر له أصلاً عدا الأكثريّة المحكيّة في المبسوط،و هي موهونة باشتهار الخلاف بل و دعوى الإجماع عليه كما يأتي،مع أنّه موافق لرأي أبي حنيفة كما نسبه إليه في الخلاف (5)شيخ الطائفة.

و قال شيخنا المفيد و علم الهدى و الشيخ في موضع آخر من الخلاف و الحلي و الشهيدان و الصيمري (6)أنّها تورّث و تبعهم جملة من المتأخرين.بل لعلّه عليه عامّتهم إذ لم أقف على مخالف منهم.و صرّح بالشهرة المطلقة في المسالك و الكفاية (7).

و ظاهر الثاني في الانتصار أنّ عليه إجماع الإماميّة حيث قال في

ص:100


1- المبسوط 3:113.
2- الفقيه 3:158/45،التهذيب 7:741/167،الوسائل 25:407،أبواب الشفعة ب 12 ح 1.
3- و هو طلحة بن زيد أبو الخزرج النهدي الشامي،عدّه الشيخ في رجاله 3/126 من أصحاب الباقر(عليه السّلام)و قال:بتري.و في الفهرست 362/86 و رجال النجاشي 550/207 أنّه عامي.
4- و هو محمّد بن يحيى،و الظاهر بقرينة اتحاد الراوي و المروي عنه أنّه هو الخزّاز،و قال النجاشي فيه:ثقة،عين،له كتاب نوادر.انظر رجال النجاشي:964/359،معجم رجال الحديث 18:11997/37.
5- الخلاف 3:436.
6- المفيد في المقنعة:619،علم الهدى في الانتصار:217،الخلاف 3:27،الحلي في السرائر 2:399،الشهيدان في اللمعة(الروضة البهية 4):412،الصيمري في تلخيص الخلاف 2:177،و غاية المرام 4:115.
7- المسالك 2:280،الكفاية:106.

توجيه الخبر الوارد بأنّه إذا سمح بعضهم بحقوقهم من الشفعة،إلى آخر الرواية-:فيمكن أن يكون تأويله أنّ الوارث لحقّ الشفعة إذا كانوا جماعة، فإنّ الشفعة عندنا تورث متى سمح بعضهم بحقّه،كانت المطالبة لمن لم يسمح،إلى آخر ما ذكره؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الرواية المرويّة في المسالك و غيره (1)المنجبرة بالشهرة:« ما ترك الميّت من حقّ فلوارثه» .هذا مع التأيّد بعمومات أدلّة الإرث قال سبحانه وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ [1] (2). و لذا كان هذا هو الأشبه و عليه فالمشهور بل كاد أن يكون إجماعاً أنّها تقسم على سهام الورثة.و حجّتهم عليه غير واضحة عدا ما استدلّوا به لإثبات أصل المسألة من عمومات أدلّة الإرث.

و هو حسن إن بلغ درجة الحجيّة كما ظنّوه،و إلّا كما ذكره بعض الأجلّة (3)،و لعلّه لا يخلو عن قوّة ففيه مناقشة،و الأصل يقتضي التسوية، لكن المخالف لهم غير معلوم و إن ذكروه قولاً،و الظاهر أنّه من العامّة كما يستفاد من جماعة (4).

و لو عفى أحد الورثة عن نصيبه أخذ الباقون و لم تسقط لأنّ الحقّ للجميع،فلا يسقط حقّ واحد بترك غيره.فلو عفوا إلّا واحداً أخذ الجميع أو ترك؛ حذراً من تبعّض الصفقة على المشتري،و هو ضرر منفيّ في

ص:101


1- المسالك 2:280،مفاتيح الشرائع 3:82.
2- النساء:12.
3- انظر مجمع الفائدة و البرهان 9:40.
4- انظر:الخلاف 3:435،و التذكرة 1:600،و جامع المقاصد 6:448.

الشريعة اتّفاقاً فتوًى و روايةً.

و لا يقدح هنا تكثّر المستحقّ و إن كانوا شركاء؛ لاتّحاد أصل الشريك،و الاعتبار بالوحدة عند البيع لا الأخذ.

الثانية:لو اختلف المشتري و الشفيع في الثمن

الثانية:لو اختلف المشتري و الشفيع في الثمن الذي وقع عليه العقد،فادّعى الأوّل أنّه مائة مثلاً،و الثاني أنّه خمسون فالقول قول المشتري مع يمينه في المشهور بين الأصحاب.بل لا يكاد يوجد فيه خلاف إلّا من ظاهر شيخنا الشهيد الثاني (1)تبعاً لما حكاه هو،و الشهيد الأوّل في الدروس (2)عن الإسكافي من العكس،بناءً منه على ضعف حججهم على ما ذكروه.

و منها:التي أشار إليها الماتن هنا بقوله: لأنّه ينتزع الشيء من يده فلا يرفع يده عنه إلّا بما يدّعيه.

و منها:أنّه أعلم بعقده.

و منها:أنّ المشتري لا دعوى له على الشفيع إذ لا يدّعي شيئاً في ذمّته و لا تحت يده،و إنّما الشفيع يدّعي استحقاق ملكه بالشفعة بالقدر الذي يعترف به،و المشتري ينكره.و لا يلزم من قوله:اشتريته بالأكثر،أن يكون مدّعياً عليه و إن كان خلاف الأصل؛ لأنّه لا يدّعي استحقاقه إيّاه عليه، و لا يطلب تغريمه إيّاه؛ و لأنّ الذي لو ترك الخصومة ترك هو الشفيع؛ إذ لا يطلب المشتري للأخذ بالشفعة بما يدّعيه.

و قد بيّن وجوه الضعف في المسالك و الروضة (3)،و تبعه في الكفاية

ص:102


1- الروضة البهية 4:414.
2- الدروس:391.
3- المسالك 2:284،الروضة 4:414.

لكن في الجملة،و فصّل،فقال بعد نقل القولين-:و حجّة المسألة من الجانبين لا يخلو عن ضعف،و لا يبعد أن يقال:إذا سلّم المشتري المبيع بمطالبة الشفيع ثم اختلفا في قدر الثمن فالقول قول الشفيع؛ لأنّه منكر للزيادة فيكون داخلاً في عموم اليمين على من أنكر.و إن لم يسلّم المشتري المبيع و قلنا بوجوب تسليم الثمن أوّلاً فيرجع الأمر إلى كون الشفيع مدّعياً و المشتري منكراً،فيكون القول قول المدّعى.انتهى (1).

و ربما ناقش المشهور أيضاً الفاضل المقداد في التنقيح فقال بعد الاستدلال لهم بأنّ الشفيع يدّعي استحقاق الحصّة بثمن معيّن،و المشتري ينكره و يده عليها،فيكون القول قوله مع اليمين-:و لقائل أن يقول:بل القول قول الشفيع؛ لأنّه منكر لزيادة يدّعيها المشتري،و اليمين على من أنكر،و يؤيّده قول الشيخ في الخلاف أنّهما إذا أقاما بينة يعمل ببيّنة المشتري،و إذا كان كذلك ينبغي أن يكون القول قول الشفيع عند عدم البيّنة.لكنّه قال بعد ذلك:و يمكن أن يجاب بأنّ الشفيع إمّا أن يدّعي العلم أو لا،فإن كان الثاني لم يصحّ حلفه؛ لما تقدّم أنّه لا يمين إلّا مع العلم.

و إن كان الأوّل فكذلك؛ لأنّ الاختلاف في فعل المشتري،و هو أعلم به.

انتهى (2).

و المسألة لذلك قوية الإشكال،إلّا أنّ الأصل مع العجز عن الترجيح يقتضي المصير إلى مذهب الأكثر،سيّما مع موافقته بمنافاة الشفعة للأصل، و بلوغ الشهرة قريباً من درجة الإجماع.و لذا لم يخالف شيخنا في المسالك صريحاً،بل و لا ظاهراً،و كذا التنقيح فإنّه و إن استشكل أوّلاً إلّا أنّه وافقهم

ص:103


1- الكفاية:107.
2- التنقيح الرائع 4:96،و هو في الخلاف 3:431.

كما عرفت ثانياً.

و أمّا صاحب الكفاية فهو و إن صرّح بالمخالفة إلّا أنّه لا ضير في خروجه جدّاً،مع كون مختاره خرقاً للإجماع المركّب ظاهراً.

و كيف كان فالاحتياط لا ينبغي تركه في أمثال المقام على حال.

ص:104

كتاب إحياء الموات

اشارة

كتاب إحياء الموات و المراد بها الأراضي الغير المنتفع بها لعطلتها باستيجامها،أو عدم الماء عنها،أو استيلاء الماء عليها بحيث تعدّ مواتاً عرفاً.و يقال لها أيضاً:

موتان بفتح الميم و الواو،و فيه لغة بسكون الواو و فتح الميم دون ضمّها، لكونه بهذا الضبط الموت الذريع.

و بإحيائها إخراجها من الخراب و العطلة إلى حيّز الانتفاع،و هو يوجب الملك كما يأتي.

و الأصل فيه بعد إجماع المسلمين كما في التنقيح (1)النصوص الخاصية و العامية،منها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة-:الأخبار النبويّة.

منها:« من أحيى أرضاً ميتة فهي له» (2).

و منها:« موتان الأرض للّه تعالى،و لرسوله(صلّى اللّه عليه و آله)،ثم هي لكم منّي أيّها المسلمون» (3).

و اعلم أنّه لا خلاف ظاهراً في أنّ العامر منها ملك لأربابه لا يجوز التصرّف فيه إلّا بإذنهم بل عليه الإجماع في كلام جماعة (4)؛ لقبح التصرّف في ملك الغير عقلاً و شرعاً.

ص:105


1- التنقيح الرائع 4:98.
2- عوالي اللئلئ 3:12/259.
3- تلخيص الحبير 3:1293/62.
4- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:288،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:23،و انظر الكفاية:238.

ففي الخبر:« لا يحلّ مال امرء مسلم إلّا عن طيب نفسه» (1).

و في آخر:« من أخذ شبراً من الأرض بغير حق،أتى به يوم القيامة في عنقه مطوقة من سبع أرضين» (2).

و في ثالث:« من أخذ أرضاً بغير حقّ كلّف أن يحمل ترابها إلى المحشر» (3).

و كذا ما به صلاح العامر و يحتاج إليه من مرافقه و حريمه كالطريق المسلوك إليه و الشرب بكسر الشين واصلة الحظّ من الماء، و منه:قوله تعالى وَ لَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [1] (4)و المراد هنا النهر و شبهه المعدّ لمصالح العامر و المراح أي مأوى الإبل و الغنم و نحو ذلك؛ لاتّحاد الدليل.

و بنحو ما هنا صرّح في الشرائع،إلّا أنّه قال بعده:و يستوي في ذلك ما كان من بلاد الإسلام و ما كان من بلاد الشرك،غير أنّ ما في بلاد الإسلام لا يغنم،و ما في بلاد الشرك يملك بالغلبة عليه (5).

و عليه لا يتمّ ما قدّمه من عدم جواز التصرف فيه إلّا بإذنه على إطلاقه.و عليه نبّه في المسالك،قال:لأنّ ما كان منها من بلاد الشرك يجوز التصرف فيه بغير إذن مالكه في الجملة.و كان الأولى ترك ذلك،أو تقييده بكون ملكاً لمسلم أو مسالم (6).

ص:106


1- عوالي اللئلئ 2:309/113.
2- عوالي اللئلئ 3:7/474،المستدرك 17:91 أبواب الغصب ب 3 ح 2؛ بتفاوت يسير.
3- التهذيب 7:909/206،الوسائل 25:388 أبواب الغصب ب 3 ح 2.
4- الشعراء:155.
5- الشرائع 3:271.
6- المسالك 2:287.

و أمّا الموات أي ما لا ينتفع به لعطلته بما مرّ إذا كان ممّا لم يجر عليه ملك مسلم و من بحكمه أو جرى عليه ملك أحدهما و لكن باد أهله و هلك بحيث لا يعرفون و لا بعضهم فهو للإمام عليه السّلام بلا خلاف بيننا،بل عليه في التنقيح و المسالك و غيرهما (1)إجماعنا؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الدالّة على أنّها من الأنفال.

منها زيادة على ما يذكر في بحث الأنفال من كتاب الخمس الصحيح:« إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [1] (2)أنا و أهل بيتي الذين أورثنا الأرض و نحن المتّقون و الأرض كلّها لنا» (3)الحديث.

و حينئذٍ لا يجوز التصرّف فيه و لا إحياؤه إلّا بإذنه لما مرّ، مضافاً إلى الإجماع عليه في التنقيح و غيره (4) و مع إذنه يملك بالإحياء بلا خلاف بل عليه الإجماع في التنقيح؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

منها زيادة على ما تقدّمت إليه الإشارة من الأخبار النبويّة -:الصحيح:عن الشراء من أرض اليهود و النصارى،قال:« ليس به بأس» إلى أن قال:« و أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها و هي

ص:107


1- التنقيح 4:98،المسالك 2:287؛ و انظر الخلاف 3:526،و تلخيص الخلاف 2:213،و جامع المقاصد 7:9.
2- الأعراف:128.
3- الكافي 5:5/279،التهذيب 7:674/152،الإستبصار 3:383/108،الوسائل 25:414 أبواب إحياء الموات ب 3 ح 2.
4- التنقيح 4:98؛ و انظر جامع المقاصد 7:10،الروضة 7:135.

لهم» (1).

و الصحيحان:« أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها» (2)و زيد في أحدهما« و هي لهم» (3).

و الصحاح:« من أحيى أرضاً مواتاً فهي له» (4).

و عمومها سيّما الصحاح الأوّلة يشمل صورتي كون المحيي مسلماً أو كافراً،بل سياق الأوّل كالصريح في الشمول له.

و أصرح منه الصحيح الآخر:عن شراء الأرضين من أهل الذمّة، فقال:« لا بأس بأن يشتري منهم،إذا عملوها و أحيوها فهي لهم» (5)الخبر.

فالقول المحكيّ في المسالك و غيره (6)باختصاص جواز الإحياء بالمسلم،ضعيف كمستنده من اختصاص الخطاب بالتمليك في بعض النبويّة المتقدّمة و الصحاح به؛ لعدم دلالة التخصيص بالذكر على التخصيص،مع احتماله الاختصاص بصورة الحضور كما يشعر به الصحيح و لا نزاع فيه،كما في المسالك (7).

ص:108


1- الفقيه 3:664/151،التهذيب 7:655/148،الإستبصار 3:390/110،الوسائل 25:411 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 1.
2- التهذيب 7:659/149،الوسائل 25:411 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 3.
3- الكافي 5:1/279،التهذيب 7:671/152،الإستبصار 3:380/107،الوسائل 25:412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 4.
4- الكافي 5:4/279،التهذيب 7:673/152،الإستبصار 3:382/108،الوسائل 25:412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 5.
5- التهذيب 7:657/148،الإستبصار 3:388/110،الوسائل 25:416 أبواب إحياء الموات ب 4 ح 1.
6- المسالك 2:287؛ و انظر جامع المقاصد 7:10.
7- المسالك 2:287.

و لكن في ظاهره و ظاهر الروضة وقوع النزاع فيه أيضاً في هذه الصورة حيث ذكره تلو حكمها،فقال:و في ملك الكافر مع الإذن قولان، و لا إشكال فيه لو حصل،إنّما الإشكال في جواز إذنه(عليه السّلام)له نظراً إلى أنّ الكافر هل له أهليّة ذلك أم لا.و النزاع قليل الجدوى (1).انتهى.

و لا ريب أنّ العموم مطلقاً أقوى،و ذلك لأنّ عمومها يشمل صورتي وجود الإمام(عليه السّلام)و غيبته،بل لعلّها في الأُولى أظهر،إلّا أنّ أصحابنا كما قيل (2)خصّوها بالثانية فقالوا: و لو كان الإمام غائباً فمن سبق إلى إحيائه كان ملكه و أحقّ به.و مع وجوده له رفع يده أي المحيي.و وجهه غير واضح إن لم ينعقد الإجماع عليه.

و أمّا ما قيل (3)على العبارة من أنّ في قوله:و مع وجوده،إلى آخره، مناقضة لقوله:و مع إذنه يملك بالإحياء؛ لأنّه إذا ملكه بالإحياء لم يكن لأحد رفع يده إماماً كان أو غيره؛ لقوله(صلّى اللّه عليه و آله):« الناس مسلّطون على أقوالهم» .فمدفوع بأنّه لا مناقضة بعد احتمال كون القول الأخير مخصّصاً لما قبله،كما فهمه القائل المتقدّم إليه الإشارة.

و عن النهاية في دفعها:أنّ المراد بملكها بالإحياء ملك منافعها، لا رقبتها فإنّها له(عليه السّلام).فله رفع يد المحيي إن اقتضت المصلحة ذلك (4).

و هو كما ترى،و إن أشعرت به عبارة الماتن أخيراً كالدروس (5)حيث

ص:109


1- الروضة 7:135.
2- لم نعثر على قائله.
3- التنقيح الرائع 4:98.
4- النهاية:420.
5- الدروس 3:55.

عبّرا عن الملكية بالأحقيّة و الأولوّية،هذا.و الإشكال في هذا قليل الجدوى،فإنّه(عليه السّلام)أعرف بما يفعله قطعاً.

و يشترط في التملك بالإحياء أُمور:

الأوّل:ألّا يكون في يد مسلم

و يشترط في التملك بالإحياء أُمور:

الأوّل: ألّا يكون في يد محترمة من مسلم و لا مسالم، (1)بلا خلاف و لا إشكال؛ لأنّ ذلك يمنع عن مباشرة الإحياء لغير المتصرّف.

و مجرّد ثبوت اليد المحترمة كافٍ في منع الغير من الإحياء و إن لم يعلم وجود سبب الملك.

نعم لو علم إثبات اليد بغير سبب مملّك،و لا موجب أولويّة فلا عبرة به،كما لو استندت إلى مجرّد تغلّب على الأرض و نحو ذلك.

و الثاني:أن لا يكون حريماً لعامر

و الثاني: أن لا يكون حريماً لعامر بلا خلاف ظاهر مصرّح به في المسالك و غيره (2)؛ للأصل الآتي،و لما فيه من الضرر المنفيّ بالإجماع و غيره،و لأنّ مالك العامر استحقّ حريمه لأنّه من مرافقه و ممّا يتوقف عليه كمال انتفاعه.و سيأتي الكلام في بيان الحريم و تفصيله.

و هل يملك تبعاً للعامر،أو يكون أولى به و أحقّ به من غيره من دون تملّك حقيقة؟قولان،أشهرهما كما في المسالك و غيره (3)الأوّل.و لعلّه أظهر،و في إطلاق المعتبرة المتقدمة في ثبوت الشفعة ببيع الطريق المشترك (4)دلالة عليه.و تظهر الفائدة في بيعه منفرداً فيجوز على الأوّل، و على الثاني لا.

ص:110


1- في« ح» و« ر» زيادة:و لو بالتحجير.
2- المسالك 2:289؛ و انظر الكفاية:240،و المفاتيح 3:28.
3- المسالك 2:289؛ و انظر الكفاية:240.
4- راجع ص:70.
و الثالث:أن لا يسمّيه الشارع مشعراً للعبادة

و الثالث:أن لا يسمّيه الشارع مشعراً و محلّاً للعبادة كعرفة و منى و مزدلفة،بلا خلاف فيه في الجملة؛ للأصل،و اختصاص النصوص الدالّة على تملّك الأرض بالإحياء بحكم التبادر بغير الأراضي المزبورة،مع ما في تسويغ إحيائها من تفويت الغرض و منافاته البغية فيها و الحاجة.

لكن مقتضى هذا التعليل المنع عن إحياء الكثير منها خاصّة الذي يؤدّي إحياؤه إلى الضيق على الناسكين و يحتاج إليه غالباً،و أمّا ما عداه فلا يدلّ على المنع فيه أصلاً،و لذا استثناه الماتن على ما حكي عنه فجوّز إحياءه (1).و نفى البعد عنه في المسالك قال:إلّا أنّ الأشهر المنع مطلقاً (2).

و هو كذلك لو كان الأصل الجواز و النصوص الدالة عليه عامّة،و هما ممنوعان كما تقدّم.و الأصل يقتضي العدم كما عليه الأكثر.و على غيره ففي بقاء حق الوقوف فيما يملكه المحيي أوجه،يفرق في ثالثها بين ضيق الموقف فالبقاء،و عدمه فلا.و الحكم بالملك يأبى القول بالجواز مطلقاً إلّا أن يجعل مراعىً بعدم الإضرار فيكون التفصيل متوجّهاً.

و الرابع:أن لا يكون مقطعاً من إمام الأصل لغيره

و الرابع:أن لا يكون مقطعاً من إمام الأصل لغيره، و لا محمى له،و لا لنفسه،كما أقطع النبي(صلّى اللّه عليه و آله)الدور و أرضاً بحضرموت، و حُضْر فرس الزبير (3)بالحاء المهملة و الضاد المعجمة و كما حمى النقيع لإبل الصدقة،و نعم الجزية،و خيل المجاهدين في سبيل اللّه سبحانه (4).

ص:111


1- الشرائع 3:274.
2- المسالك 2:290.
3- مسند أحمد 2:156،سنن أبي داود 3:3058/173 و 3072/177،سنن الترمذي 2:1399/420،سنن البيهقي 6:144.
4- الكافي 5:5/277،التهذيب:625/141،سنن البيهقي 6:146.
و الخامس:أن لا يكون محجراً

و الخامس:أن لا يكون محجراً أي مشروعاً في إحيائه شروعاً لم يبلغ حد الإحياء.و لا خلاف أجده في شيء من هذه الشرائط الثلاثة و ذلك لأنّ التحجير كسابقيه يفيد اختصاصاً و أولويّةً بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في كلام جماعة كالمسالك و غيره (1)، فلا يصح لغيره التخطي إليه،و إن كان لا يفيد ملكاً على الأشهر الأقوى؛ للأصل،و اختصاص النصوص الدالّة على التملك بالإحياء به دون التحجير.

و مع ذلك لا يكاد يتحقّق فيه خلاف إلّا ما حكاه الفاضلان و غيرهما (2)عن بعض المتأخّرين من أنّ التحجير إحياء.و هو ضعيف؛ لأنّ المرجع فيهما إلى العرف و لا ريب في تغايرهما فيه و إن تقاربا في بعض الأفراد.و عليه حمل كلامه في الدروس (3).

قال شيخنا في المسالك بعد نقل كلّ من الخلاف و الحمل،و لنعم ما قال-:و حيث كان المحكّم في الإحياء العرف فإن وافق التحجير في بعض الموارد كفى،و إلّا فلا (4).

و اعلم أنّ التحجير مثل أن ينصب عليها أي على الأرض التي يريد إحياءها مرزاً (5) و يجمع حواليها تراباً،أو يغرز فيها خشبات،أو يخطّ عليها خطوطاً،أو نحو ذلك.و منه أن يحفر النهر و لم يصل إلى منزع

ص:112


1- المسالك 2:292،و انظر المفاتيح 27/3.
2- المحقق في الشرائع 3:276،و العلّامة في المختلف:473؛ و انظر الدروس 3:56،و جامع المقاصد 7:28.
3- الدروس 3:56.
4- المسالك 2:292.
5- في المطبوع من المختصر:مرزاباً.

الماء،و أن يعمل في المعادن الباطنة عملاً لا يبلغ نيلها،أمّا بلوغه فهو إحياء.

و لا تحجير في المعادن الظاهرة كما قالوه لأنّه شروع في الإحياء و هو منتفٍ فيها.و لو أهمل المحجّر العمارة مدّة طويلة أجبره الإمام على أحد الأمرين إمّا الإتمام أو التخلية للغير؛ حذراً من التعطيل.و لا خلاف في شيء من ذلك يعرف.

و اعلم أنّي لم أقف على ما يتضمّن أصل التحجير فضلاً عمّا يدلّ على حصول الأولوية به إلّا اتّفاقهم عليه ظاهراً،و دعواه في كلام جمع منهم صريحاً.و لعلّهم أخذوها من فحوى ما دلّ عليها في السبق إلى مكان من المسجد،أو السوق من النصّ و غيره.و لا بأس به.

و أمّا الإحياء ف ليس كذلك؛ لما مرّ من تضمّن النصوص له، و لحصول الملك به.و هي و إن كانت لا تدلّ على تقدير للشرع فيه إلّا أنّ الضابط في مثله معروف و هو أنّه يرجع في كيفيّته و تحديده إلى العرف و العادة حيث لم يثبت له تقدير في اللغة.و لعلّه لذا غيّر الماتن التعبير عنهما،فبيّن كيفيّة التحجير من دون ردّ إلى ما ردّ إليه كيفيّة الإحياء تنبيهاً بورود النصّ فيه دون التحجير،إلّا أنّه ظاهر في قيام دليل على ما بيّنه في التحجير،و لعلّه الإجماع،فتأمّل.

و حيث وجب الرجوع في الإحياء إلى العرف فلا بُدّ من الاقتصار على ما يحكم به فيه،و هو يختلف باختلاف ما يقصد منه،فالمسكن بالحائط، و السقف بخشب أو عقد،و الحظيرة بالحائط و لو بخشب أو قصب.

و لا يشترط نصب الباب فيهما عندنا.

و الزرع بعضد الأشجار و قطعها،و التهيئة للانتفاع،و سوق الماء أو

ص:113

اعتياد الغيث أو السيح.و يحصل الإحياء أيضاً بقطع المياه الغالبة.

و لا يشترط الزرع و لا الغرس على قول اختاره في الدروس (1).و كذا لا يشترط الحائط و لا المسنّاة في الزرع.نعم يشترط بيان الحدّ بمرز و شبهه.

أمّا الغرس فالظاهر اشتراط أحد الثلاثة من المرز أو المسنّاة أو الحائط فيه مصيراً إلى العرف،و لو فعل دون ذلك و اقتصر كان تحجيراً.

و اعلم أنّ الشهيد في الدروس (2)جعل الشروط تسعة،و جعل منها إذن الإمام(عليه السّلام)مع حضوره.و وجود ما يخرجها عن الموات بأن يتحقّق الإحياء،إذ لا ملك قبل كمال العمل المعتبر فيه و إن أفاد الشروع تحجيراً لا يفيد سوى الأولوية كما مضى.و قصد التملّك،فلو فعل أسباب الملك بقصد غيره أو لا بقصده لم يملك،كحيازة سائر المباحات من الاصطياد و الاحتطاب و الاحتشاش.

و يمكن استفادة هذه الثلاثة من الماتن هنا،فالأوّل:بما ذكره في أوّل الكتاب من أنّه لا يجوز إحياؤه إلّا بإذنه.و الثاني:بجعل الشروط شروطاً للإحياء،مضافاً إلى ما مرّ من قوله:و يرجع في كيفيّته إلى العادة.و الثالث:

بما مرّ من قوله في ذكر الشروط:و يشترط في التملك..؛ إذ التملّك يستلزم القصد إليه.

و الدليل على اشتراطها واضح،عدا الأخير؛ لعدم وضوحه فيه،مع إطلاق النصوص على حصول الملك بالإحياء من دون إشعار فيها،و لا قيام دليل في غيرها على التقييد و اشتراط القصد.اللّهم إلّا أن يكون إجماعاً، و لم أتحقّقه،أو يدّعى اختصاص إطلاق النصوص بحكم التبادر بصورة القصد،مع اقتضاء الأصل العدم بدونه،و هو غير بعيد.

ص:114


1- الدروس 3:56.
2- الدروس 3:55.

و يلحق بهذا الكتاب مسائل تسع.

الاُولى:الطريق المبتكر في المباح

و يلحق بهذا الكتاب مسائل تسع.

الاُولى:الطريق المبتكر و المراد به الملك المحدث في المباح من الأرض إذا تشاحّ أهله فحدّه خمس أذرع مطلقاً عند الماتن هنا و في الشرائع،و الفاضل في القواعد (1)،و عن ولده أنّه نقله عن كثير من الأصحاب (2)؛ للخبر المرويّ في التهذيب في باب بيع الغرر و المجازفة:إذا تشاحّ قوم في طريق فقال بعضهم:سبع أذرع،و قال بعضهم:أربع أذرع، فقال أبو عبد اللّه(عليه السّلام):« بل خمس أذرع» (3).

قيل:و لأصالة البراءة من الزائد (4).و لعلّ المراد بها أصالة براءة ذمّة المانع للآخر عن الزائد عن تحريم المنع فيجوز له دفعه عنه.و لكن تعارض بالمثل،مع أوفقيّته بالعمومات الدالّة على جواز تملّك الموات بالإحياء،خرج عنها الزائد على السبع فيما لا يحتاج إليه بالإجماع و بقي الباقي.

و في رواية عمل بها النهاية (5)و جماعة و منهم:الحلّي و الفاضل في المختلف و التحرير،و فخر الإسلام و الشهيدان (6)،و غيرهما (7)،و لعلّه المشهور بين الطائفة،أنّ حدّه سبع أذرع مطلقاً.

ص:115


1- الشرائع 3:272،القواعد 1:220.
2- إيضاح الفوائد 2:232.
3- التهذيب 7:570/130،الوسائل 455/18 أبواب أحكام الصلح ب 15 ح 1.
4- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:289.
5- النهاية:418.
6- الحلي في السرائر 2:374،المختلف:475،التحرير 2:130،فخر الإسلام في الإيضاح 2:232،الشهيدان في الدروس 3:60،و المسالك 2:289.
7- انظر الجامع للشرائع:276،و جامع المقاصد 7:23.

و هو أقوى؛ للأصل الذي مضى،و تعدّد الرواية به،كما سيأتي إليه الإشارة؛ و قوّة بعضها سنداً إذ ليس فيه سوى السكوني الذي حكي فيه أنّه ممّن أجمع على تصحيح ما يصح عنه أصحابنا؛ و اعتضادها مع ذلك بالشهرة مع شذوذ(القائل بها) (1)كما عرفته.

و ربما يفصّل في الطرق بين التي للأملاك فالأوّل،و غيرها كالتي للقوافل فالثاني؛ جمعاً بين الروايات.و لا شاهد عليه يصحّح الفتوى به كما عن المحقّق الثاني (2).

و ربما مال إليه شيخنا الشهيد الثاني،و زاد فقال:و قد يفرض احتياج بعضها إلى أزيد من السبع كالطريق التي يمرّ عليها الحاجّ بالكنائس و نحوها،فيجب مراعاة قدر الحاجة بالنسبة إلى الزائد على المقدار،أمّا النقصان عنه فلا.و حيث يقتصر به عن المقدار الزم المحيي ثانياً به.فإن كان هناك حاكم فهو وظيفته،و إلّا وجب على المسلمين كفايةً من باب الحسبة.و لو تساوى المحيون من الجانبين الزموا به.و لو زادوها على السبع و استطرقت صار الجميع طريقاً،فلا يجوز إحداث ما يمنع المارّة في الزائد (3).

و في كثير ممّا ذكره نظر إلّا أن يستند في بعضه إلى أدلّة نفي الضرر.

و في الموثّق المرويّ في التهذيب في الباب المتقدّم:قلت له:الطريق الواسع هل يؤخذ منه شيء إذا لم يضرّ بالطريق؟قال:

« لا» (4).و قيّد بكون الطريق في المبتكر؛ لأنّ الأملاك لا يجب ترك بعضها

ص:116


1- كذا في« ص» و« ر»،و في« ح»:المقابل لها.و هو الأنسب.
2- جامع المقاصد 7:23.
3- المسالك 2:289.
4- التهذيب 7:566/129،الوسائل 378/17 أبواب عقد البيع و شروطه ب 27 ح 1.

لأجل الطريق،فيكتفى بالطريق الموجود بين الملكين مطلقاً ضاق أو اتسع.

الثانية:حريم بئر المعطن

الثانية:حريم بئر المعطن هو و العطن واحد الأعطان و المعاطن، و هي مبارك الإبل عند الماء لتشرب، أربعون ذراعاً من الجوانب الأربع.

و حريم بئر الناضح ستّون ذراعاً كذلك،على المشهور بين الطائفة في المقامين كما حكاه جماعة (1)بحدّ الاستفاضة؛ للخبرين المفصلين:

أحدهما القويّ بالسكوني المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه على النقل الماضي:« أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قال:ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعاً،و ما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستّون ذراعاً،و ما بين العين إلى العين يعني:القناة خمسمائة ذراع،و الطريق يتشاحّ عليه أهله فحدّه سبع أذرع» (2).

و في الصحيح (3)و غيره (4)« أربعين ذراعاً» من دون تفصيل بين بئري الناضح و المعطن.

و في رواية« خمسون إلّا أن يكون إلى عطن أو إلى الطريق فأقلّ من

ص:117


1- منهم الفاضل في المختلف:474،و المقداد في التنقيح الرائع 4:100،و الكركي في جامع المقاصد 7:24،و الشهيد الثاني في المسالك 2:290،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:29،و السبزواري في الكفاية:240.
2- الأوّل في:الكافي 5:8/296،التهذيب 7:643/145،الوسائل 25:426 أبواب إحياء الموات ب 11 ح 5. و الثاني في:الكافي 5:2/295،التهذيب 7:642/144،الوسائل 25:426 أبواب إحياء الموات ب 11 ح 6.
3- الكافي 5:5/295،التهذيب 7:645/145،الوسائل 25:425 أبواب إحياء الموات ب 11 ح 1.
4- الفقيه 3:661/150،الوسائل 25:426 أبواب إحياء الموات ب 11 ح 7.

ذلك إلى خمسة و عشرين» (1).

و في اخرى مرويّة عن قرب الاسناد كذلك،إلّا أنّه زيد فيها:

« و حريم البئر المحدثة خمسة و عشرون ذراعاً» (2).

و لاختلاف هذه الأخبار قيل:بأنّ الحريم في البئر مطلقاً ما يحتاج إليه في الانتفاع المقصود منها؛ جمعاً بينها (3).و استظهره بعض متأخّر متأخّرين أصحابنا (4).

و فيه ما لا يخفى؛ لفساد الجمع أولاً بعدم التكافؤ أصلاً لاعتضاد المفصِّلَين بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً.و يشعر به عبارة التنقيح (5)و لو ضعيفاً حيث نسب المختار إلى الأصحاب كافّةً بعد أن ادّعى عليه أوّلاً الشهرة،فلا يقاومهما باقي الروايات و لو كانت جُمَع صحيحة،مع أنّ أكثرها ضعيفة.و ثانياً بعدم وضوح الشاهد عليه من نصّ و لا أمارة.

فهذا القول ضعيف غايته،كمختار الإسكافي (6)من أنّ حريم بئر الناضح قدر عمقها ممرّ الناضح؛ لعدم وضوح مأخذه،فلا يصحّ حمل رواية الستّين عليه،كما احتمله و نفى عنه البأس في المختلف (7).

و حريم العين و القناة ألف ذراع في الأرض الرخوة،

ص:118


1- الكافي 5:/296 ذيل حديث 5،التهذيب 7:646/146،الوسائل 25:425 أبواب إحياء الموات ب 11 ح 2.
2- قرب الاسناد:172/53،و لم نعثر على الزيادة فيه،الوسائل 25:427 أبواب إحياء الموات ب 11 ح 9.
3- روضة الطالبين 4:349 350.
4- المفاتيح 3:30.
5- التنقيح الرائع 4:100.
6- حكاه عنه في المختلف:474.
7- المختلف:474.

و في الصلبة خمسمائة على الأظهر الأشهر هنا أيضاً كما في المسألة السابقة؛ للخبر« يكون بين البئرين إذا كانت أرضاً صلبة خمسمائة ذراع، و إن كانت أرضاً رخوة فألف ذراع» (1).

و عليه يحمل إطلاق الخبرين السابقين (2)بالخمسمائة بتقييدهما بما كانت صلبة.و حدّه الإسكافي بما ينتفي به الضرر (3)،و مال إليه في المختلف (4).و اختاره شيخنا الشهيد الثاني (5)و بعض من تبعه (6)؛ جمعاً بين ما دلّ على نفي الضرر،و على جواز الإحياء من غير تحديد؛ لضعف تلك الأخبار.

و للصحيح:في رجل كانت له قناة في قرية،فأراد[رجل]أن يحفر [قناة أُخرى إلى قرية له]،كم يكون بينهما في البعد حتّى لا تضرّ[إحداهما ]بالأُخرى في أرض إذا كانت صلبةً أو رخوة؟فوقّع(عليه السّلام):« على حسب أن لا تضرّ إحداهما بالأُخرى إن شاء اللّه تعالى» (7).

و فيه نظر يظهر وجهه ممّا مرّ حرفاً بحرف.و يزيد هنا في الصحيح بكونه مكاتبة و المكاتب مجهولاً،و هما موجبان للمرجوحيّة أيضاً من هذه الجهة،إن لم نقل بكونهما موجبين للضعف،كما ذكره في التنقيح (8).

ص:119


1- الكافي 5:6/296،الفقيه 3:207/58،التهذيب 7:644/145،الوسائل 25:425 أبواب إحياء الموات ب 11 ح 3.
2- المتقدمين في ص:115.
3- نقله عنه في المختلف:474.
4- المختلف:474.
5- المسالك 290/2.
6- انظر الكفاية:240،و المفاتيح 3:30.
7- الكافي 5:5/293،الفقيه 3:659/150،الوسائل 25:430 أبواب إحياء الموات ب 14 ح 1،و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.
8- التنقيح 4:101.

و لكنّه ضعيف.

نعم ربما يمكن المناقشة في الخبر المستند للأكثر بوروده في البئرين دون القناتين،و مع ذلك ذيله مشعر بما ذكره الإسكافي؛ لتضمّنه قوله(عليه السّلام):

« و قضى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)في رجل احتفر قناة و أتى لذلك سنة،ثم إنّ رجلاً احتفر إلى جانبها قناة،فقضى أن يقاس الماء بجوانب البئر ليلة هذه،و ليلة هذه،فإن كانت الأخيرة أخذت ماء الاُولى عوّرت الأخيرة،و إن كانت الأُولى أخذت ماء الأخيرة لم يكن لصاحب الأخيرة على الاُولى شيء» (1)فتأمّل.

و ربما يستفاد منه أنّ فائدة هذا الحريم منع الغير من إحداث عين أُخرى في ذلك المقدار،لئلّا ينتقل ماء العين الاُولى إلى الثانية.و عليه نبّه في المسالك و غيره،و قالا:و من ثمّ اختلف باختلاف الأرض بالرخاوة و الصلابة،بخلاف حريم البئر المتقدّم فإنّ فائدته منع الغير من إحياء ذلك المقدار مطلقاً حتّى الزرع و الشجر؛ لأنّ الغرض منه الانتفاع بالبئر فيما أُعدّ[ت]له،و ما يحتاج إليه.و يستثنى للعين قدر ما يحتاج إليه للانتفاع بها فيما أُعدّت له عرفاً من غير تحديد (2).

و اعلم أنّ ما ذكر في الحريم للبئر و العين و الحائط و الدار مخصوص بما إذا كان الإحياء في الموات فيختصّ الحريم بها.

و أمّا الأملاك فلا يعتبر الحريم فيها؛ لأنّ الأملاك متعارضة،و كلّ واحد من الملّاك مسلّط على ماله،له التصرّف فيه كيف شاء،فله أن يحفر بئراً في ملكه و إن كان لجاره بئر قريب منها و إن نقص ماء الاُولى،و لكن

ص:120


1- التهذيب 7:644/145،الوسائل 25:433 أبواب إحياء الموات ب 16 ح 3.
2- المسالك 2:290،الكفاية:241.

فعل مكروهاً.و لو حفر في ملكه بئر بالوعة و فسد بئر الجار لم يمنع منه، و لا ضمان عليه،و مثله ما لو أعدّ داره المحفوف بالمساكن حمّاماً أو خاناً أو طاحونة أو حانوت حدّاد و قصّار؛ لأنّ له التصرف في ملكه كيف شاء.

صرّح بجميع ذلك في السرائر و الدروس و المسالك (1)،و نسبه في الكفاية إلى الأصحاب كافّةً مؤذنا بدعوى الإجماع عليه،و نحوه الحلي حيث نفى الخلاف فيه.و لكن قال في الكفاية:و يشكل هذا الحكم في صورة تضرّر الجار تضرّراً فاحشاً نظراً إلى تضمّن الأخبار المذكورة نفي الضرر و الإضرار،و هو الحديث المعمول به بين الخاصّة و العامّة، المستفيض بينهم،خصوصاً ما تضمّن الأخبار المذكورة من نفي الإضرار الواقع في ملك المضارّ (2).

و فيه نظر،فإنّ حديث نفي الضرر المستفيض معارض بمثله من الحديث الدالّ على ثبوت السلطنة على الإطلاق لربّ الأموال.و هو أيضاً معمول به بين الفريقين.و التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه،و الترجيح للثاني بالأصل و عمل الأصحاب كما اعترف به،و لا سيّما إذا استلزم منع المالك عن التصرّف ضرراً عليه أشدّ من ضرر الجار،أو مساوياً،أو أقلّ بحيث لم يتفاحش معه ضرره.و ينبغي القطع في هذه الصور بما عليه الأصحاب.و أمّا فيما عداها فالظاهر ذلك أيضاً؛ لما ذكر، و إن كان الأحوط عدم الإضرار على الإطلاق.

و أمّا الأخبار الدالّة على نفي الإضرار في ملك المضارّ ف مع قصور سند بعضها،و عدم مكافأته لما مضى يمكن حملها على ما إذا قصد

ص:121


1- السرائر 2:382،الدروس 3:60،المسالك 2:290.
2- الكفاية:241.

المالك بالتصرّف الإضرار دون رفع الحاجة،كما يشعر به بعض تلك الأخبار.ثمّ على تقدير تسليم ترجيح حديث نفي الضرار فلا وجه لتخصيصه بصورة تفاحش الضرر،مع عمومه و شموله للغير.

الثالثة:من باع نخلاً و استثنى واحدة

الثالثة:من باع من غيره نخلاً المراد به الجنس الشامل للمتعدّد من أفراده بقرينة قوله: و استثنى واحدة منها كان له المدخل إليها و المخرج منها و مدى جرائدها بلا خلاف ظاهر و لا محكيّ؛ للخبر القوي بالسكوني كما مرّ« في رجل باع نخلاً فاستثنى عليه نخلة، فقضى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بالمدخل إليها و المخرج،و مدى جرائدها» (1).

و لأنّ ذلك مقتضى الاستثناء،فكأنّه استثناها و شرط على المالك التردّد إليها لإصلاحها و أخذ ثمرها.و ذلك مقتضى العرف،و أنّه مثل استحقاق صاحب الثمرة على النخلة مع انتقالها عن ملكه.

و ينبغي أن لا يكون إلّا لمصلحة تلك النخلة المتعارفة لا غير، اقتصاراً على الأصل،بل و العرف،كما صرّح به بعض الأصحاب (2).

و مقتضى هذا الدليل انسحاب الحكم في كلّ ما يشابه محلّ البحث من نحو بيع الدار و استثناء بيت منها،أو نحو ذلك.

و اعلم أنّ الأنسب ذكر هذه المسألة في كتاب البيع في بحث ما يدخل في المبيع،كما فعله في الشرائع (3)و سائر الأصحاب عدا الحلي (4)،فإنّه ذكرها كالماتن هنا في هذا الكتاب.

ص:122


1- الكافي 5:1/295،الفقيه 3:200/57،التهذيب 7:640/144،الوسائل 18:91 أبواب أحكام العقود ب 30 ح 2.
2- مجمع الفائدة و البرهان 8:503.
3- الشرائع 2:27.
4- السرائر 2:373.
الرابعة:إذا تشاحّ أهل الوادي في مائه

الرابعة:إذا تشاحّ و تنازع أهل الوادي في مائه المباح الغير المملوك لهم حبسه الأعلى الذي(يلي) (1)فوهة النهر للنخل إلى الكعب،و للزرع إلى الشراك و هو أسفل منه بقليل ثمّ يسرحه و يرسله إلى الذي يليه و هكذا،بلا خلاف في أصل الحكم مطلقاً،استضرّ الثاني بحبس الأوّل أم لا.بل في المسالك (2)الإجماع عليه؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة العامية (3)و الخاصية (4).

و المستفاد منها في تحديد مقدار السقي ما عليه الماتن هنا تبعاً للنهاية (5).

خلافاً للمبسوط و السرائر،فقالا:روى أصحابنا أنّ الأعلى يحبس إلى الساق للنخل،و للشجر إلى القدم،و للزرع إلى الشراك (6).و عليه أكثر الأصحاب و منهم الماتن في الشرائع (7).و ادّعى جمع الشهرة عليه و منهم شيخنا في المسالك (8).

و يظهر منه و من جمع ممّن تبعه كالكفاية و غيره (9)أنّ محل الخلاف بين القولين و الخبرين إنّما هو التعرّض للشجر غير النخل في الثاني دون الأوّل،حيث استدلّوا لهذا القول ببعض ما مرّ من النصوص المتضمّنة لعين

ص:123


1- ليس في« ص»،أثبتناه من« ر» و« ح» لاستقامة المتن.
2- المسالك 2:295.
3- انظر سنن البيهقي 6:153 154.
4- انظر الوسائل 25:420 أبواب إحياء الموات ب 8.
5- النهاية:417.
6- المبسوط 3:284،السرائر 2:385.
7- الشرائع 3:280.
8- المسالك 2:295؛ و انظر الكفاية:244،و المفاتيح 3:27.
9- المسالك 2:295،الكفاية:244؛ و انظر المفاتيح 3:27.

ما في العبارة من دون زيادة.و اعترضوا عليه بضعف السند و عدم التعرّض فيه للشجر.

و لم أفهمه بعد وضوح الفرق بين الكعب و الساق،و أنّه أعلى منه بكثير،سيّما إذا أُريد من الساق منتهاه أو أواسطه،فيصير هذا أيضاً محلّ الخلاف بينهما من حيث تحديد مقدار السقي للنخل في القول الأوّل بالأوّل،و في الثاني بالثاني.فلا وجه لحصر محلّ الخلاف في الأوّل، و لا الاستدلال على هذا القول بما دلّ على القول الأوّل.

اللّهم إلّا أن يجعل الكعب هو المفصل بين القدم و عظم الساق،و يراد به مبدؤه لا الزائد،فيصير قوله(عليه السّلام):« إلى الساق» كنايةً عن منتهى الكعب، فتتوافق الروايتان في تحديد مقدار سقي النخل أيضاً،و يظهر انحصار اختلافهما فيما مرّ.

و لكنّه خلاف مذهب الأصحاب إلّا النادر (1)حيث حدّدوا الكعب بالمفصل في قبّة القدم،و ادّعوا عليه الإجماع بحدّ الاستفاضة،و قامت عليه الأدلّة القاهرة كما تقدّم في بحث الوضوء من كتاب الطهارة.

و مع ذلك لم يتّضح الفرق بين تحديدي الشجر إلى القدم،و النخل إلى الساق؛ لتقاربهما على ذلك التقدير،فربما لم يكن معه الفصل محسوساً،بحيث كاد أن يكون أحدهما عين الآخر.و عليه بني التوجيه في دفع الاختلاف،فلا بُدّ من تصحيح وجه الفرق بين التحديدين بأن يراد من الساق غير مبدئه،و معها لم يرتفع الاختلاف؛ لمخالفة الكعب على أيّ تفسير للساق على هذا التقدير.

ص:124


1- و هو العلّامة في القواعد 1:11.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه لا إشكال في مقدار سقي الزرع؛ لاتّفاق النصوص و الفتاوى على تقديره بالشراك،و لا في الشجر؛ لمرسلتي المبسوط و السرائر (1)المنجبرتين بعمل الأكثر،مع سلامتهما عن معارضة باقي النصوص الأُخر؛ لخلوّها عن تحديد مقدار سقيه.

و يبقى الإشكال في النخل؛ لتعارض النصوص و الفتاوى فيه كما عرفت.و لترجيح كلّ من القولين وجه.

فالأوّل:باستفاضة النصوص الدالّة عليه،مع صحّة سند بعضها إلى ابن أبي عمير المجمع على تصحيح رواياته.

و الثاني:بانجبار المرسلتين الدالّتين عليه بعمل الأكثر،فلا يعارضهما شيء من النصوص المتقدّمة.و لعلّ هذا أجود،سيّما مع أوفقيّته بأصالتي بقاء الحقّ و عدم سلطنة الأسفل على الأعلى في منعه عن القدر الزائد على المجمع عليه.

و ليس في إطلاق النصوص و أكثر الفتاوى تقييد الحكم بكون الأعلى سابقاً في إحياء الأرض التي يراد سقيها،أو كون السابق مجهولاً،كما ذكره الشهيدان و غيرهما (2)،قائلين بتقدّم المتأخّر إذا كان سابقاً في الإحياء؛ معلّلين بتقدّم حقّه في الماء بالإحياء.و استوجهه في الكفاية (3)قائلاً:إنّ الروايات الدالّة على تقديم الذي يلي فوهة النهر لا عموم لها بحيث يشمل هذا القسم.

و فيه نظر؛ لكفاية رجوع الإطلاق إلى العموم فيه حيث لم يظهر له

ص:125


1- المبسوط 3:284،السرائر 2:385.
2- الدروس 3:66،المسالك 2:295؛ و انظر جامع المقاصد 7:59.
3- الكفاية:244.

فرد شائع متبادر و يتساوى أفراده،كما في محلّ البحث.و لعلّه لهذا تنظّر فيما ذكروه في المفاتيح (1)،و هو في محلّه،إلّا أن يكون قد انعقد الإجماع على صحّته.

ثمّ إنّه ذكر في المسالك أنّ إطلاق النصّ و الفتوى لسقي الزرع و الشجر بذلك المقدار محمول على الغالب في أرض الحجاز من استوائها و إمكان سقي جميعها كذلك،فلو كانت مختلفةً في الارتفاع و الانخفاض بحيث لو سقيت أجمع كذلك زاد الماء في المنخفضة عن الحدّ المشروع أُفرد كلّ واحد بالسقي بما هو طريقه؛ توصّلاً إلى متابعة النص بحسب الإمكان.و لو كانت كلّها منحدرة لم يقف الماء فيها كذلك سقيت بما يقتضيه العادة،و سقط اعتبار التقدير الشرعي لتعذّره (2).

و استحسنه في الكفاية (3).

و احترزنا بالتقييد بالمباح (4)عمّا إذا كان ملكاً لهم،فإنّه يقسم بينهم على قدر سهامهم إمّا بقسمة نفس الماء،أو بالمهاياة عليه،بلا خلاف فيه أجده.

الخامسة:يجوز للإنسان أن يحمي المرعى في ملكه خاصّة

الخامسة: لا يجوز للإنسان أن يحمي المرعى إلّا في ملكه خاصّة فلا يجوز أن يحمي بقعة من الموات لمواش بعينها و يمنع سائر الناس من الرعي فيها،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في المسالك و غيره (5)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى ما دلّ على شرعيّة الناس في الماء و النار

ص:126


1- المفاتيح 3:27.
2- المسالك 2:295.
3- الكفاية:244.
4- راجع ص:121.
5- المسالك 2:291؛ التحرير 2:131،المفاتيح 3:28.

و الكلاء (1)،و خصوص منطوق النبوي(صلّى اللّه عليه و آله):« لا حمى إلّا للّه تعالى و لرسوله(صلّى اللّه عليه و آله)» (2)،و مفهوم النصوص:

منها:الخبران القريبان من الصحيح بابن أبي نصر المجمع على تصحيح رواياته أحدهما:عن الرجل تكون له الضيعة،و تكون لها حدود،تبلغ حدودها عشرين ميلاً أو أقلّ أو أكثر،يأتيه الرجل فيقول له:

أعطني من مراعي ضيعتك و أُعطيك كذا و كذا درهما،فقال:« إذا كانت الضيعة له فلا بأس» (3).

و أظهر منه الثاني،و فيه:إنّ لنا ضياعاً،و لها حدود،و فيها مراعي، و لرجل منا غنم و إبل يحتاج إلى تلك المرعى لإبله و غنمه،أ يحلّ له أن يحمي المراعي لحاجته إليها؟فقال:« إذا كانت الأرض أرضه فله أن يحمي و يصير ذلك إلى ما يحتاج إليه» قال:فقلت له:الرجل يبيع المراعي،فقال:

« إذا كانت الأرض أرضه فلا بأس» (4).

و عليهما يحمل إطلاق بعض النصوص القاصرة سنداً،بل الضعيفة جدّاً:عن بيع الكلاء و المراعي،فقال:« لا بأس به،قد حمى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) النقيع لخيل المسلمين» (5).

ص:127


1- الوسائل 25:417 أبواب إحياء الموات ب 5.
2- سنن الدارقطني 4:238.
3- الكافي 5:3/276،التهذيب 7:624/141،الوسائل 25:422 أبواب إحياء الموات ب 9 ح 1.
4- الكافي 5:2/276،الفقيه 3:685/156،التهذيب 7:623/141،الوسائل 17:371،أبواب عقد البيع و شروطه ب 22 ح 1.
5- الكافي 5:5/277،التهذيب 7:625/141،الوسائل 25:423 أبواب إحياء الموات ب 9 ح 3.

و يحتمل الحمل على غير ذلك أيضاً ممّا يوافق النصّ و الفتوى.

و يجوز ذلك للنبي(صلّى اللّه عليه و آله)و للإمام(عليه السّلام)مطلقاً بإجماعنا المحكي في كلام جماعة من أصحابنا (1)،خلافاً لبعض العامة العمياء فلم يجوّزه لغير النبي(صلّى اللّه عليه و آله)مطلقاً (2)؛ للنبوي المتقدّم.

السادسة:لو كان له رحى على نهر لغيره

السادسة:لو كان له أي للإنسان رحى على نهر مملوك لغيره لم يجز له أي لصاحب النهر أن يعدل بالماء و يصرفه عنها إلّا برضاء صاحبها كما في خصوص الصحيح:كتب رجل إلى الفقيه(عليه السّلام) في رجل كانت له رحى على نهر قرية،و القرية لرجل أو لرجلين،فأراد صاحب القرية أن يسوق الماء إلى قريته في غير هذا النهر الذي عليه هذه الرحى،و يعطّل هذه الرحى،إله ذلك أم لا؟فوقّع(عليه السّلام):« يتّقي اللّه عزّ و جلّ،و يعمل بالمعروف،و لا يضارّ أخاه المؤمن» (3)الحديث.

و اعلم أنّي لم أقف على متعرّض لهذه المسألة عدا قليل،و منه بعض المتأخرين (4)مستنداً إلى هذا الصحيح،و زائد و هو اشتمال الصرف بالماء عن الرحى على ضرر منفي.

و هذا إنّما يتمّ على القول المتقدّم عن قريب بترجيح أدلّة نفي الضرر على أدلّة تسلّط الملّاك على التصرّف في أملاكهم،و أمّا على غيره فيشكل

ص:128


1- منهم ابن سعيد في الجامع:375،و العلّامة في التحرير 2:131،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 7:32،و الشهيد الثاني في المسالك 2:291.
2- انظر الأُم للشافعي 4:48.
3- الكافي 5:5/293،الفقيه 3:659/150،التهذيب 7:647/146،الوسائل 25:431 أبواب إحياء الموات ب 15 ح 1.
4- مفاتيح الشرائع 3:27.

الحكم على إطلاقه،و لذا قيّده الحلّي في السرائر بما إذا كان نصب الرحى على النهر بأمر حقّ واجب على صاحبه (1).

و هذا هو الأقوى بناءً على القول الآخر الذي ذهب إليه أصحابنا من ترجيح أدلّة السلطنة على أدلّة نفي الضرر.و لا ريب أنّ الأوّل أحوط و أولى.

السابعة:من اشترى داراً فيها زيادة من الطريق

السابعة:من اشترى داراً فيها زيادة من الطريق للمسلمين ففي رواية ابن مسلم الموثّقة المروية في التهذيب في باب بيع الغرر و المجازفة أنّه إن كان ذلك أي الزائد المدلول عليه بالزيادة فيما اشترى فلا بأس (2) و نحوها رواية أبي جميلة المروية ثمّة (3)،لكن بتغيير ما في العبارة.

و في النهاية و السرائر إن لم يتميز الزائد لم يكن عليه شيء،و إن تميّز ردّه إليها و رجع على البائع بالدرك و أخذ الثمن منه (4).

و الرواية الثانية ضعيفة السند،و الأولى و إن كانت موثّقة إلّا أنّها مخالفة للأُصول من حيث دلالتها على إباحة ما لا يجوز استباحته من طريق المسلمين.

و فيه نظر؛ لجواز أن يكون اللام فيها في الطريق للعهد،أي:الطريق

ص:129


1- السرائر 2:374.
2- التهذيب 7:568/130،الوسائل 17:378 أبواب عقد البيع و شروطه ب 27 ح 3.
3- التهذيب 7:573/131،الوسائل 17:379 أبواب عقد البيع و شروطه ب 27 ح 4.
4- النهاية:423،السرائر 2:380.

المسلوك،و جاز أن يكون متّسعاً يزيد على القدر الشرعي،فيكون على الإباحة،فلا يضرّ إدخالها في الملك،فأجاب(عليه السّلام)بنفي البأس لما علم من حاله.فليست الرواية من محلّ البحث في شيء؛ لفرضه في العبارة و عبارتي السرائر و النهاية في زيادة الطريق بالأخذ من طريق المسلمين، لا الطريق المسلوك.

و تفصيل النهاية فيه في موضع المنع لأنّ عدم التميز لا يقتضي إباحة ما أُخذ من الطريق،بل ينبغي ردّه إليها على جميع الأحوال.

و الوجه فيه البطلان أي بطلان البيع من رأس؛ لأنّ حقّ الطريق إذا لم يتميّز بالحدود كان ما وقع عليه العقد ممّا هو ملك المالك مجهولاً لجهالته.

و يصحّ البيع على تقدير الامتياز للأصل السليم عن المعارض من نحو الجهالة،و لكن له الخيار،ف يفسخ إن شاء لأنّه يجب ردّ الزائد إلى الطريق،فيتبعّض المبيع على المشتري،و ذلك عيب موجب لخياره ما لم يعلم بحقيقة الحال،و مع العلم بها لا خيار له بلا إشكال؛ لمجيء الضرر عليه من قِبَله.

الثامنة:من كان له نصيب في قناة أو نهر

الثامنة:من كان له نصيب قد ملكه في قناة أو نهر جاز له بيعه بما شاء كما في المعتبرة.

ففي الصحيح:عن الرجل يكون له الشرب مع قوم في قناة فيها شركاء،فيستغني بعضهم عن شربه،أ يبيع شربه؟قال: نعم إن شاء باعه بورق،و إن شاء بكيل حنطة (1)

ص:130


1- الكافي 5:1/277،التهذيب 7:616/139،الإستبصار 3:376/106،الوسائل 17:373 أبواب عقد البيع و شروطه ب 24 ح 1.

و نحوه الصحيح المروي عن قرب الاسناد:عن قوم كانت بينهم قناة ماء،لكلّ إنسان منهم شرب معلوم،فباع أحدهم شربه بدراهم أو بطعام، هل يصلح؟قال:« نعم» (1).

و في الحسن:عن قناة بين قوم،لكلّ رجل منهم شرب معلوم، فاستغنى رجل منهم عن شربه،أ يبيعه بحنطة أو شعير؟قال:« يبيعه بما شاء،هذا ممّا ليس فيه شيء» (2).

و أمّا النصوص الناهية عن بيع فضول الماء (3)فمحمولة على الكراهة؛ جمعاً بين الأدلّة.

و استشكل الحكم على إطلاقه في التنقيح،قال:لعدم إمكان التسليم، و عدم العلم بقدر ما يسلم له بالقسمة.نعم يجوز الصلح على ذلك،و كأنّه أراد بالبيع مطلق المعاوضة بنوع سائغ (4).

و يستفاد من المسالك و الكفاية أنّ المنع في محلّ الإشكال هو الأشهر بين الأصحاب،فإنّهما قالا:ما حكم بملكه من الماء يجوز بيعه كيلاً و وزناً للانضباط،و كذا يجوز مشاهدة إذا كان محصوراً.و أمّا بيع ماء العين و البئر أجمع فالأشهر منعه؛ لكونه مجهولاً،و كونه يزيد شيئاً فشيئاً فيخلط المبيع بغيره (5).

ص:131


1- قرب الإسناد:1039/262،الوسائل 17:375 أبواب عقد البيع و شروطه ب 24 ح 5.
2- التهذيب 7:617/139،الإستبصار 3:377/107،الوسائل 17:374 أبواب عقد البيع و شروطه ب 24 ح 3.
3- انظر الوسائل 25:419 أبواب إحياء الموات ب 7.
4- التنقيح 4:104.
5- المسالك 2:294،الكفاية:243.

و في الدروس جوّز بيعه على الدوام،سواء كان منفرداً أو تابعاً للأرض (1).انتهى.

فالمسألة محلّ إشكال من ظواهر هذه المعتبرة،و من القاعدة الناهية عن بيع الغرر و الجهالة المعتضدة بالإجماع من أصلها،و خصوص الشهرة المحكيّة في المسألة.

و لعلّ هذا لا يخلو عن قوّة،سيّما مع ظهور سياق المعتبرة كالعبارة في أنّ المقصود من الحكم فيهما تجويز البيع بكلّ ما يشاء،لا تجويزه حقيقةً.و إطلاقه على مطلق المعاوضة الشرعية مجاز شائع،و قد ورد مثله في جواز بيع خدمة العبد المدبَّر،و قد حمله الأصحاب على نحو الإجارة دون البيع حقيقة،و نحوه إطلاق البيع على المعاوضة على سكنى الدار.

و كيف كان فالأحوط ترك البيع و البناء على الصلح؛ لجوازه مع الجهالة حيث لا يتوقّع رفعها كما في المسألة بالاتفاق.و قد مرّ تحقيقه في كتاب الصلح،مع اتفاق كلمة هؤلاء الجماعة الذين وقفت على كلمتهم في المسألة على جوازه من دون ريبة.

التاسعة:روى إسحاق بن عمار،عن العبد الصالح ع عن رجل في يده دار لم تزل في يده و يد آبائه

التاسعة:روى الشيخ في التهذيب في باب بيع الغرر و المجازفة بسنده عن حسن بن محمّد بن سماعة،عن علي بن رئاب و عبد اللّه بن جبلة،عن إسحاق بن عمار،عن العبد الصالح (عليه السّلام)،قال:سألته عن رجل في يده دار ليست له،و لم تزل في يده و يد آبائه من قبله و قد أ علم ه من مضى من آبائه أنّها ليست لهم و لا يدرون لمن هي،فيبيعها و يأخذ ثمنها؟قال:« ما أُحبّ أن يبيع ما ليس له» قلت:فإنّه ليس يعرف صاحبها و لا يُدرى لمن هي،و لا أظنّه يجيء لها ربّ،قال:

« ما أُحبّ أن يبيع ما ليس له» قلت:فيبيع سكناها أو مكانها في يده،فيقول

ص:132


1- الدروس 3:67.

لصاحبه:أبيعك سكناي،و تكون في يدك كما هي في يدي؟قال:« نعم يبيعها على هذا» (1).

و اختصر عن جميع هذا الماتن و نقل بالمعنى،فقال في نقل التتمّة:

و لا يظنّ مجيء صاحبها،قال:ما أُحبّ أن يبيع ما ليس له،و يجوز أن يبيع سكناه و اعلم أنّ وصف الماتن هذه الرواية بأنّها مرسلة غير واضح إلّا ما يقال:من عدم العلم بإسنادها إلى المعصوم؛ لأنّ وصفه بكونه عبداً صالحاً لا يقتضي كونه معصوماً.

و فيه نظر،لشهادة التتبّع و تصريح جمع (2)بأنّ المراد به حيث يطلق مولانا موسى بن جعفر عليه السّلام.هذا مع أنّ وجود عليه السّلام بعده ممّا يعيّن كونه معصوماً،كما لا يخفى.

و كذا الطعن فيها بأنّ في طريقها الحسن بن محمّد بن سماعة و هو واقفي غير واضح؛ لأنّ وقفه لا يمنع عن العمل بروايته على الأظهر الأشهر بعد وثاقته،كما صرّح به العلّامة و النجاشي (3)و غيرهما (4)من علماء الرجال.و الاستدلال بالرواية لا بأس بها بحسب السند؛ لأنّها من الموثّق.

نعم متنها مخالف للأصل من حيث تضمّنها جواز تركها في يده و بيعه السكنى،مع أنّها ليست له.بل ربما أشعرت بجواز بيع نفس الدار و لو مع الكراهة؛ لمكان لفظة« لا أُحبّ» الظاهرة فيها بلا شبهة.

و نحوه ما ذكره الشيخ في النهاية (5) من أنّه يبيع تصرّفه

ص:133


1- التهذيب 7:571/130،الوسائل 17:335 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1 ح 5.
2- الإرشاد للشيخ المفيد 2:215،نقد الرجال 5:316،جامع الرواة 2:461.
3- رجال العلّامة:212،رجال النجاشي:84/40.
4- انظر جامع الرواة 1:225،رجال ابن داود:131/239.
5- النهاية:423.

فيها،و لا يبيع أصلها ؛ لأنّ حق التصرف ليس شيئاً يباع،و لو سلّم،أو حمل البيع على الصلح و نحوه فهو فرع ثبوت هذا الحق بموجب و سببٍ، و لم يظهر إلّا مجرد سبق يده و يد آبائه عليها،و هو لا يفيد أولوية تُجوّز الصلح عليها؛ إذ هي في السبق على الأمر المباح أو المشترك دون مال الغير.

و لذا اختلف الأصحاب في توجيهه،فقال الحلي:و يمكن أن يقال:

إنّما كان الأمر على ما ذكر في هذا الحديث،الوجه في ذلك و كيف يجوز له تركها في يده،و بيع ما جاز له بيعه،و هو يعلم أنّه لم يكن لمورثه أنّ هذه الدار لم يحط علمه بأنّها غصب،و إنّما قال في الحديث:لم يكن لمورثه و من كان بيده شيء،و لم يعلم لمن هو،فسبيله سبيل اللقطة،فبعد التعريف المشروع يملك التصرّف،فجاز أن يبيع ما له فيها،و هو التصرف الذي ذكره في الخبر،دون رقبة الأرض إذا كانت في الأرض المفتوحة عنوة (1).

و هو حسن،إلّا أنّه ليس فيه توجيه لإطلاق لفظ البيع عليه مع أنّه ليس حقيقة فيه،بل في المعاوضة على الأعيان.

و نحوه في هذا توجيه الماتن المشار إليه بقوله: و يمكن تنزيلها على أرض عاطلة خربة مملوكة أحياها غير المالك بإذنه،ف إنّ مثلها للمحيي التصرّف فيه و إن كان الأصل للمالك فإنّ حق التصرف ليس شيئاً يجوز بيعه كما عرفت حقيقةً،و إنّما هو شيء يصلح الصلح عليه،إلّا أن يكون المراد ببيع التصرف بيع الآثار الموجودة من الأبنية و السقوف.

و بهذا وجّه الفاضل في المختلف كلام النهاية المستند في الظاهر إلى

ص:134


1- السرائر 2:380.

الرواية،قال بعده:و لا يلزم من كون الدار ليست له كونها غصباً،بل جاز أن تكون عاريةً،و هو الظاهر؛ إذ تصرّف المسلم إنّما يبنى في الظاهر على المشروع (1).انتهى.

و هو حسن.

ص:135


1- المختلف:475.

ص:136

كتاب اللقطة

اشارة

كتاب اللقطة و هي بضمّ اللام و فتح القاف و سكونها اسم للمال الملقوط،على ما نقل عن جماعة من أهل اللغة كالأصمعي،و ابن الأعرابي،و الفرّاء،و أبي عبيدة (1).و عن الخليل أنّها بالتسكين لا غير،و أمّا بفتح القاف فهي اسم للملتقط؛ لأنّ ما جاء على فُعَلَة فهو اسم للفاعل كهُمَزَة و لُمَزَة (2).و بهذا صرّح أيضاً في التنقيح (3).

و على أيّ تقدير،فهي لغة مختصّة بالمال،و سيصرّح به الماتن في القسم الثالث،و لكنّه هنا تبعا للفقهاء تَجَوّز في إطلاقها على ما يشمل الآدمي.

الأوّل:في اللقيط

و أقسامه أي الملقوط ثلاثة :

الأوّل:في اللقيط و يقال له:الملقوط و المنبوذ أيضاً.

و هو:كل صبيّ (4)ضائع لا كافل له حالة الالتقاط،و لا يستقلّ بنفسه بالسعي على ما يصلحه و يدفع عن نفسه المهلكات الممكن دفعها عادةً.

ص:137


1- حكاه عنهم في المسالك 2:296،و انظر تهذيب اللغة 16:250،لسان العرب 7:392،تاج العروس 5:216.
2- حكاه عنه في السرائر 2:100،و التذكرة 2:250،و انظر العين 5:100.
3- التنقيح الرائع 4:105.
4- في المطبوع من المختصر زيادة:أو مجنون.

فيلتقط الصبيّ و الصبيّة مع عدم التمييز إجماعاً،و كذا معه على قول مشهور بين أصحابنا.و لا ريب فيه مع عدم بلوغ التمييز حدّا يحفظ نفسه عن الهلاك بوقوع في بئر،أو ماء،أو نار،أو عن سطح،و نحو ذلك.

و يشكل مع بلوغه ذلك الحدّ و إن احتاج إلى بعض الضروريات، و بعدم الجواز فيه صرّح بعض الأصحاب،قال:فيكون أمره إلى الحاكم كالبالغ من باب الولاية العامّة،كحفظ المجانين و أموال الغياب و سائر المصالح العامّة،فينصب له من يباشر ذلك،و يصرف عليه من بيت المال إن لم يكن له مال (1).

و هو حسن،و مرجعه إلى أنّ حكم الالتقاط و هو الأخذ و التصرّف في الضبط و حفظه و نحو ذلك مخالف للأصل مطلقاً،سيّما على القول بوجوبه،فيقتصر فيه على القدر المتيقّن من النصّ و الفتوى،و هو ما أطلق عليه لفظ اللقيط حقيقةً عرفاً،و المميّز الدافع عن نفسه لا يسمّى لقيطاً جدّاً.

و على تقدير التنزل،فلا أقلّ من الشك في تسميته بذلك حقيقة عرفاً،و هو كافٍ في الرجوع إلى حكم الأصل.و لعلّ مراد المجوّزين خصوص المميّز الغير الدافع على ما يظهر من تعليلهم الجواز بما يدلّ عليه.

و من هنا ينقدح وجه صحّة تعبير الماتن كغيره (2)عن اللقيط بخصوص الصبي،دون مطلق الإنسان الشامل له و لمن في حكمه كالمجنون؛ لعدم صدق اللقيط عليه مطلقاً و إن لم يستقلّ بدفع المهلكات عن نفسه؛ لأنّ ترتب أحكام اللقيط عليه بالاسم دون الحاجة،و دفع الضرر

ص:138


1- مجمع الفائدة و البرهان 10:394.
2- انظر التذكرة 2:270،و التحرير 2:123.

عن النفس المحترمة؛ لاندفاعهما بإرجاع الأمر إلى الحاكم و من في حكمه، كما في البالغ العاقل لاتّفاقهم فيه على امتناع التقاطه،و مع ذلك قالوا:نعم لو خاف على البالغ التلف في مهلكة وجب إنقاذه كما يجب إنقاذ الغريق و نحوه.

و هو كما ترى ظاهر في دوران أحكام اللقيط مدار الاسم دون وجوب دفع الضرر.

و إليه يشير ما في المسالك في بيان احتراز الماتن بقوله:الضائع، عن غير المنبوذ و إن لم يكن له كافل من التعليل بأنّه لا يصدق عليه اسم اللقيط و إن كان كفالته واجبة كالضائع إلّا أنّه لا يسمّى لقيطاً.و في بيان احترازه ب:لا كافل له،عن الضائع المعروف النسب من قوله:فإنّ أباه و جدّه و من وجب عليه حضانته مختصّون بحكمه،و لا يلحقه حكم الالتقاط و إن كان ضائعاً.نعم يجب على من وجده أخذه و تسليمه إلى من يجب عليه حضانته كفاية من باب الحسبة (1).

و نحوه كلام غيره (2).

فلا وجه لما ذكراه هما و غيرهما (3)من إلحاق المجنون مطلقاً بالصبي مع اعترافهم بما ذكرناه،و تصريح بعض أهل اللغة في تعريف اللقيط بأنّه الصبي المنبوذ خاصّة (4).

فالأجود وفاقاً لبعض من تأخّر (5)عدم القطع بالإلحاق،بل التوقّف

ص:139


1- المسالك 2:296.
2- انظر الكفاية:234.
3- الدروس 3:73،جامع المقاصد 6:97.
4- تهذيب اللغة 16:250،القاموس 2:398،و النهاية لابن الأثير 4:264.
5- انظر مجمع الفائدة و البرهان 10:395،و مفتاح الكرامة 6:88،89.

فيه.

اللهم إلّا أن يكون إجماعاً،و لم أتحقّقه،سيّما مع اقتصار كثير من التعاريف على الصبي كالمتن،مع موافقته اللغة،كما عرفته.

نعم يتوجّه عليه خروج الصبيّة و الخنثى الغير البالغين مع صدق اللقيط على غير مميّزهما لغةً و عرفاً،و ورد النصّ به في الأُولى،ففي الخبر المعتبر:عن اللقيطة،فقال:« لا تباع و لا تشترى،و لكن تستخدم بما أنفقت عليها» (1)و نحوه غيره (2).

و يمكن الذبّ عنه بإدخالهما في الصبي تغليباً،سيّما مع شيوعه و دخول الصبيّة فيه بفحوى الخطاب جدّاً.

و يشترط في الملتقط التكليف بالبلوغ و العقل،فلا يصحّ التقاط الصبي و المجنون،بلا خلاف ظاهر مصرّح به في كلام بعض الأصحاب (3)؛ لاستلزام الصحّة الولاية و الحضانة و الإنفاق،و ليس لهما أهليّة شيء من ذلك.

و هل يجوز الالتقاط من يدهما لمن له أهليّته فله ولاية الحفظ،أم لا،بل يخرج بذلك عن حكم اللقيط و يكون الولاية للحاكم؟وجهان، ظاهر المحكيّ عن التذكرة الثاني (4).و استوجه الأوّل شيخنا الشهيد الثاني (5)،بل فسّر عدم الصحّة بذلك في الروضة (6)؛ و لعلّه لاستصحاب

ص:140


1- الكافي 5:4/225،الوسائل 25:467 أبواب اللقطة ب 22 ح 4.
2- الكافي 5:1/224،الوسائل 25:467 أبواب اللقطة ب 22 ح 1.
3- مجمع الفائدة و البرهان 10:397.
4- التذكرة 2:270.
5- المسالك 2:296.
6- الروضة 7:69.

الحالة السابقة،لكنه معارض بالمثل؛ أو للإطلاقات،و في انصرافها إلى محلّ الفرض إشكال.

و يفهم من إطلاق الماتن و كثير اشتراط التكليف خاصة و عدم اشتراط الرشد فيصحّ من السفيه؛ و لعلّه لأنّ حضانته ليست مالاً،و إنّما يحجر السفيه له؛ و مطلق كونه مولّى عليه غير مانع.

خلافاً للدروس،فاستقرب اشتراطه؛ محتجّاً بأنّ الشارع لم يأتمنه على ماله فعلى الطفل و ماله أولى بالمنع؛ و لأنّ الالتقاط ائتمان شرعي و الشرع لم يأتمنه (1).

و يضعّف بأنّ عدم ائتمانه إنّما هو على المال لا على غيره،بل جوّز تصرّفه في غيره مطلقاً.و على تقدير أن يوجد معه مال يمكن الجمع بين القاعدتين الشرعيتين،و هما:عدم استئمان المبذّر على المال،و تأهيله لغيره من مطلق التصرّفات التي من جملتها الالتقاط و الحضانة،فيؤخذ منه المال خاصّة.

و يشكل بأنّ صحّة التقاطه يستلزم وجوب إنفاقه،و هو ممتنع من المبذّر؛ لاستلزامه التصرّف الماليّ،و جعل التصرّف فيه لآخر يستعقب الضرر على الطفل بتوزيع أُموره،هذا.

مضافاً إلى عدم عموم يشمل جواز التقاطه،فليرجع فيه إلى حكم الأصل،و هو عدم جوازه،فتأمّل.

و كذا يفهم من ذلك عدم اشتراط العدالة.و إليه ذهب الأكثر على الظاهر المصرّح به في المسالك (2)،قيل:للأصل،و لأنّ المسلم محلّ

ص:141


1- الدروس 3:76.
2- المسالك 2:297.

الأمانة،مع أنّه ليس استئماناً حقيقيّا،و لانتقاضه بالتقاط الكافر مثله،لجوازه بغير خلاف (1).

و قيل:بالاشتراط،كما عن الشيخ في أحد قوليه (2)،و الفاضل في التذكرة و التحرير و الإرشاد و القواعد (3)؛ لافتقار الالتقاط إلى الحضانة،و هي استئمان لا يليق بالفاسق؛ و لأنّه لا يؤمن أن يسترقه و يأخذ ماله.

و فيه نظر،و لعلّ الأوّل أظهر،سيّما مع التأيّد بالإطلاقات الواردة مورد الغالب؛ لندرة العادل،فتأمّل.

و لا ريب أنّ الأوّل أحوط،كما صرّح به الشهيد الثاني (4)وفاقاً للمحكيّ عن المحقق الثاني (5)،فتدبّر.

و هنا قول ثالث يحكى عن المحقّق الثاني بالتفصيل بين ما إذا كان له مال فالثاني؛ لأنّ الخيانة في المال أمر راجح،و ما إذا لم يكن فالأوّل؛ لما مرّ (6).

و فيه أيضاً نظر.

و في اشتراط الإسلام في التقاط المحكوم بإسلامه كلقيط دار الإسلام،أو الكفر مع وجود مسلم فيها يمكن تولّده منه تردّد ينشأ:من انتفاء سبيل الكافر على المسلم،و أنّه لا يؤمن أن يفتنه عن دينه،سيّما إذا تخلّق بالتربية و الصحبة المتأكّدة بأخلاقه و أقواله و أفعاله.و من أصالتي الجواز و عدم الاشتراط،مع كون المقصود الأهمّ من الالتقاط الحضانة

ص:142


1- المسالك 2:297.
2- المبسوط 3:340.
3- التذكرة 2:252،التحرير 2:123،الإرشاد 1:440،القواعد 1:195.
4- الروضة البهية 7:73.
5- جامع المقاصد 6:108.
6- جامع المقاصد 6:108.

و التربية،و هما يحصلان مع الكفر.

و المناقشة في هذه الوجوه واضحة؛ لاندفاع الأصالة الأُولى بعدم دليل عليها سوى الإطلاقات،و في انصرافها إلى محلّ البحث إشكال؛ لعدم تبادره منها بناءً على ورودها خطابات للمسلمين و في بلادهم.و يعضده ورود النصوص (1)بحريّة المنبوذ على الإطلاق،مع اختصاصه بمنبوذ دار الإسلام بالإجماع.

و منه يظهر الجواب من الأصالة الثانية،فإنّها صحيحة حيث يوجد عمومات أو إطلاقات ظاهرة تدلّ على الجواز على الإطلاق،و ليس شيء منهما بموجود في المسألة،كما عرفته.

و كون المقصود الأهم منه ما ذكر من الحضانة لا يستلزم المنع عن ثبوت المنع من حجّة أُخرى ظاهرة،و لا ريب أنّ ما قدّمناه من وجوه الأوّل منها بلا شبهة،سيّما مع ورود النصّ الصريح بالتعليل الاعتباري،منها:في المنع عن تزويج العارفة المؤمنة من المخالف بأنّ المرأة تأخذ من أدب زوجها.

فالأوّل أقوى،وفاقاً لأكثر أصحابنا،بل عليه عامّتهم كما لا يذهب على المتتبّع و لا يخفى.و ليس المخالف عدا الماتن هنا و في الشرائع (2)حيث تردّد فيهما،و الشيخ في الخلاف كما في التنقيح (3)،أو المبسوط كما في المسالك (4).

ص:143


1- انظر الوسائل 25:467 أبواب اللقطة ب 22.
2- الشرائع 3:284.
3- التنقيح الرائع 4:106.
4- كذا،و لعله سهو،فإنّ الموجود فيهما اشتراط الإسلام،انظر المبسوط 3:340،و المسالك 2:297.

ثم إنّ محلّ الخلاف على ما يستفاد من كلمات الأصحاب و تعليلاتهم في الباب،و به صرّح جمع كالشيخ في المبسوط (1)،و الفاضل في جملة من كتبه (2)،على ما حكي عنهما،و الشهيدان و غيرهما (3)ما قيّدنا به العبارة من كون اللقيط محكوماً بإسلامه،دون ما إذا كان محكوماً بكفره،فللكافر التقاطه بلا خلاف.

و ربما يستفاد من التنقيح انسحاب الخلاف فيه أيضاً،فإنّه قال بعد نقل القولين-:و التحقيق أنّه إن حكم بإسلام اللقيط اشترط إسلام الملتقط، و إلّا فلا (4).و هو كما ترى؛ لما مضى.

و أضعف منه ما ينقل من بعض المتأخّرين من المنع عن التقاط الكافر لمثله (5)،فقد نفى الخلاف عن جوازه صريحاً جماعة،و منهم:شيخنا في المسالك و الروضة في بحث عدم اشتراط العدالة (6)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الآية الكريمة وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [1] (7).و ما ربما يتخيّل للمنع من ورود النصّ بأنّ« كلّ مولود يولد على الفطرة» (8)ففي التقاط الكافر له افتتان له و لو في الجملة؛ مدفوع بأنّه لو

ص:144


1- المبسوط 3:340.
2- القواعد 1:195،التحرير 2:123،التذكرة 2:270.
3- الدروس 3:75،المسالك 2:297،الروضة 7:72،مجمع الفائدة و البرهان 10:399.
4- التنقيح 4:106.
5- حكاه عن المحقق الثاني في مجمع الفائدة و البرهان 10:399،و انظر جامع المقاصد 6:102.
6- المسالك 2:297،الروضة 7:72.
7- الأنفال:73.
8- الفقيه 2:96/26،علل الشرائع:2/376،الوسائل 15:125 أبواب جهاد العدو ب 48 ح 3.

صحّ لجرى في منع الكافر عن حضانته لولده،و هو مخالف للضرورة.

و لا يجوز أن يلتقط المملوك اللقيط إلّا بإذن مولاه بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في كلام بعض الأجلّة (1)؛ و هو الحجّة؛ مضافاً إلى أنّ منافعه له،و حقّه مضيّق و لا يتفرّغ للحضانة؛ و فحوى الخبر:

عن المملوك يأخذ اللقطة،قال:« و ما للمملوك و اللقطة،و المملوك لا يملك من نفسه شيئاً،فلا يعرض لها المملوك،فإنّه ينبغي أن يعرّفها سنة» (2)الخبر،فتدبّر.

أمّا لو أذن له فيه ابتداءً،أو أقرّه عليه بعد وضع يده عليه جاز،و كان السيّد في الحقيقة هو الملتقط و العبد نائبه.

قيل:ثمّ لا يجوز للسيّد الرجوع فيه (3).

و لا فرق بين القنّ و المكاتب و المدبّر و المبعّض و أُمّ الولد؛ لعدم جواز تبرّع واحد منهم بماله و لا منافعه إلّا بإذن سيّده.و لا يدفع ذلك مهاياة المبعّض و إن وفى زمانه المختصّ به بالحضانة؛ لعدم لزومها،فجاز تطرّق المانع كلّ وقت.

نعم لو لم يوجد للّقيط كافل غير العبد،و خيف عليه التلف بالإبقاء فعن التذكرة (4)جواز التقاطه له حينئذٍ.و لعلّه أراد به الوجوب،كما صرّح به في الدروس (5).

ص:145


1- مجمع الفائدة و البرهان 10:398.
2- الكافي 5:23/309،الفقيه 3:845/188،التهذيب 6:1197/397،الوسائل 25:465 أبواب اللقطة ب 20 ح 1.
3- قاله المحقق الثاني في جامع المقاصد 6:107.
4- التذكرة 2:270.
5- الدروس 3:75.

و لا ريب فيه،لكنّه لا يوجب إلحاق حكم اللقطة به،و إنّما دلّت الضرورة على الوجوب من حيث إنقاذ النفس المحترمة من الهلكة،و هو غير حكم اللقطة،كما مرّ إليه الإشارة.فلو وجد من له أهليّة الالتقاط وجب عليه انتزاعه منه،و سيّده من الجملة؛ لانتفاء أهليّة العبد له.

و أخذ اللقيط مستحبّ إمّا مطلقاً،كما عليه الماتن هنا و في الشرائع (1)،أو مع عدم الخوف عليه،و أمّا معه فيجب،كما في ظاهر الدروس و صريح اللمعة (2).و استوجه هذا شيخنا في المسالك و الروضة (3)، و تبعه في الكفاية (4).

استناداً في الصورة الأُولى إلى الأصل،مع سلامته عن المعارض سوى الأمر بالإعانة على البرّ،و هو للاستحباب لاستلزام وجوبه وجوب الإعانة على كثير من وجوه البرّ التي تشهد الضرورة بعدم وجوبها فيها.

و البناء على التخصيص يوجب خروج مثل هذا العام عن الحجية لخروج أكثر أفراده مع أنّه برهن في محله اشتراط بقاء ما يقرب من مدلول العام في حجيته فيما يبقى منه بعد تخصيصه.

و في الصورة الثانية إلى وجوب دفع الضرر عن النفس المحترمة بالإجماع،بل الضرورة.

و هذا التفصيل لا يخلو عن قوّة إن وجد الصورة الأُولى،و لكن في وجودها مناقشة كما صرّح به بعض الأجلّة قال:إذ الطفل في محلّ التلف

ص:146


1- الشرائع 3:285.
2- الدروس 3:76،اللمعة(الروضة البهية 7):77.
3- المسالك 2:297،الروضة 7:77.
4- الكفاية:234.

مع عدم الكفيل (1).فإذاً الأجود الوجوب مطلقاً،وفاقاً للشيخ (2)و الأكثر، كما في المسالك و الكفاية (3).بل ادّعى عليه الصيمري في شرح الشرائع الشهرة (4).

و منه يظهر أضعفية مختار الماتن مع تفرّده به على الظاهر،فلم نر له موافقاً،و لا حكاه أحد.

ثمّ على المختار ليس الوجوب عينيّاً،بل كفائيّاً،إجماعاً كما عن التذكرة (5).

و اللقيط في دار الإسلام حرّ محكوم بإسلامه،لا يجوز تملّكه و لا كذلك اللقيط في دار الشرك فإنّه رقّ محكوم بكفره [يجوز استرقاقه] ،بلا خلاف أجده في المقامين،و احتمله إجماعاً بعض الأجلّة (6)؛ و هو الحجّة.

مضافاً في الأوّل إلى أصالة الحريّة في الناس المستفادة من الأدلّة المتقدّمة في كتاب العتق من الفتوى و الرواية.

و خصوص النصوص المستفيضة.

ففي الصحيح:« المنبوذ حرّ،فإذا كبر فإن شاء توالى إلى الذي التقطه،و إلّا فليردّ عليه النفقة،و ليذهب فليوالِ من شاء» (7).

ص:147


1- مجمع الفائدة و البرهان 10:393.
2- المبسوط 3:336.
3- المسالك 2:297،الكفاية:234.
4- غاية المرام 4:145.
5- التذكرة 2:270.
6- انظر مجمع الفائدة و البرهان 10:414،و الحدائق 19:383.
7- الكافي 5:3/225،الوسائل 25:467 أبواب اللقطة ب 22 ح 3.

و فيه:عن اللقيط،فقال:« حرّ لا يباع و لا يوهب» (1)و نحوه آخر إلّا أنّه أُنّث فيه المذكّر (2).

و في الخبر:« اللقيط لا يشترى و لا يباع» (3).

و في آخر:« المنبوذ حرّ،فإن أحبّ أن يوالي غير الذي ربّاه والاه، فإن طلب منه الذي ربّاه النفقة و كان مؤسراً ردّ عليه،و إن كان معسراً كان ما أنفق عليه صدقة» (4).

إلى غير ذلك من النصوص،و هي و إن كانت مطلقة شاملة للقيط دار الشرك أيضاً،إلّا أنّه غير متبادر منها بعد ورودها خطابات للمسلمين و في بلادهم،و قد مرّ نظيره،هذا.

مع ما عرفت من الاتّفاق على الظاهر على الحكم برقّيته،فبه تقيّد تلك الإطلاقات على تقدير تسليم ظهور شمولها لمحلّ البحث،و تخصّ أصالة الحريّة المتقدّمة.

قالوا:و المراد ببلاد الإسلام هنا ما ينفذ فيه حكمه،و لا يكون فيها كافر إلّا معاهد.و دار الكفر ما ينفذ فيه أحكامه،و لا يوجد فيها مسلم إلّا مسالم.قالوا:و لو وجد فيها مسلم و لو واحد يمكن تولده منه و لو إمكاناً ضعيفاً الحق به،و لم يحكم بكفره و لا رقّه؛ و لعلّه لما ورد من أنّ« الإسلام يعلو و لا يعلى» (5).

و اعلم أنّ المعروف من مذهب الأصحاب و أكثر أهل العلم كما في

ص:148


1- الكافي 5:5/225،الوسائل 25:468 أبواب اللقطة ب 22 ح 5.
2- الكافي 5:4/225،الوسائل 25:467 أبواب اللقطة ب 22 ح 4.
3- الكافي 5:1/224،الوسائل 25:467 أبواب اللقطة ب 22 ح 1.
4- الكافي 5:2/224،الوسائل 25:467 أبواب اللقطة ب 22 ح 2.
5- الفقيه 4:778/243،الوسائل 26:14 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 11.

المسالك و غيره (1)أنّه لا ولاية للملتقط و لا لغيره من المسلمين عليه، إلّا في حضانته و تربيته.بل هو سائبة يتولّى من شاء.و عليه دلّت جملة من النصوص المتقدّمة و غيرها (2).

و يتفرع عليه انه إذا لم يتوال أحداً بعد بلوغه فعاقلته و وارثه الإمام(عليه السّلام)إذا لم يكن له وارث و لم يظهر له نسب.فدية جنايته خطأً عليه،و حقّ قصاصه في النفس له.و في الطرف للّقيط بعد بلوغه قصاصاً و ديةً،قيل:و يجوز للإمام تعجيله قبله كما يجوز ذلك للأب و الجدّ،على أصحّ القولين (3).

و يستفاد من شيخنا في الروضة وقوع الخلاف في أصل الحكم حيث قال بعد بيان أنّه لا ولاء عليه للملتقط و لا لأحد من المسلمين-:خلافاً للشيخ (4).

و لعلّه أشار به إلى ما يحكى في المختلف و الدروس عنه و عن المفيد (5)من أنّه إذا لم يتوال أحداً كان ولاؤه للمسلمين و لم يكن للذي أنفق عليه ولاؤه،و إن ترك (6)و لم يترك ولداً،و لا قرابة له من المسلمين، كان ما تركه لبيت المال كما عن الأوّل،أو لبيت مال المسلمين كما عن الثاني.

ص:149


1- المسالك 2:297؛ و انظر الروضة 7:77،و الكفاية:234.
2- راجع ص:144،و انظر الوسائل 23:97 أبواب العتق ب 62،و 17:299 أبواب ما يكتسب به ب 96.
3- قاله الشهيد الثاني في الروضة 7:79.
4- الروضة 7:77.
5- المختلف:453،الدروس 3:81،و هو في النهاية:323،و المقنعة:648.
6- أي:إن ترك اللقيط مالاً.

لكن ذكر الحلّي أنّ المقصود من بيت المال هنا بيت مال الإمام،دون بيت مال المسلمين،قال:فإذا ورد لفظ:إنّه للمسلمين،أو لبيت المال، فالمراد أنّه بيت مال الإمام(عليه السّلام)،و إنّما أطلق القول بذلك لما فيه من التقيّة لأنّ بعض المخالفين لا يوافق عليه.ثم قال:هكذا أورده شيخنا في آخر الجزء الأوّل من مبسوطه،و هو الحقّ اليقين (1)،انتهى.

و لعلّه لذا نسب الحكم في المسالك و غيره (2)إلى الأصحاب من غير نقل خلاف.

و فيه نظر،كنسبة الخلاف في الروضة إلى الشيخ خاصّةً؛ لما عرفته من موافقة المفيد له،مع أنّه حكي في الكتابين أيضاً عن الإسكافي قولاً آخر يخالف ما عليه الأصحاب و لو في الجملة،و هو أنّه لو أنفق عليه و تولّى غيره ردّ عليه النفقة،فإن أبى فله ولاؤه و ميراثه.و لكن حمله الفاضل (3)على أخذ قدر النفقة من ميراثه.

و على أيّ حال فالحقّ ما ذكره الأصحاب،و لا دليل على ما ذهب إليه الإسكافي و الشيخان في ظاهر عبائرهم.

و يقبل إقراره على نفسه بالرقّية مع بلوغه و رشده أي:و عقله، ما لم يعلم حرّيته سابقاً بشياع و نحوه على الأظهر الأشهر؛ لعموم« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (4)؛ و خصوص ما مرّ في كتاب العتق من النص الدال على أنّ« الناس أحرار إلّا من أقرّ على نفسه بالعبودية» (5).

ص:150


1- السرائر 2:108.
2- المسالك 2:298؛ و انظر التذكرة 2:276.
3- المختلف:453.
4- الوسائل 23:184 أبواب الإقرار ب 3 ح 2.
5- الكافي 6:5/195،الفقيه 3:302/84،التهذيب 8:845/235،الوسائل 23:54 أبواب العتق ب 29 ح 1.

خلافاً للحلي فقال:لا يقبل إقراره عند محصّلي أصحابنا،و هو الأصحّ؛ لأنّ الشارع حكم عليه بالحرية (1).

و يضعّف بأنّ حكم الشرع على الحرّية بناءً على الأصل،و هو يدفع بالإقرار بعده.و لا فرق بين اللقيط و غيره من المجهولين،فلو جاء رجل و أقرّ بالعبودية يقبل.و قد كان على مذهبه أنّه لا يقبل؛ لأنّه كان محكوماً عليه بالحرّية شرعاً فلا يقبل إقراره بالعبودية.و هذا كلّه غلط كما في المختلف (2)،و مع ذلك النصّ الخاصّ المتقدّم يدفعه صريحاً.

نعم إن اعترف سابقاً بحرّيته مع الوصفين ثمّ ادّعى رقّيته أمكن عدم قبول إقراره؛ لكونه مناقضاً لإقراره السابق،وفاقاً لجماعة و منهم الشيخ في المبسوط (3).

خلافاً لآخرين و منهم المحقق الثاني كما حكي (4)،و جعله الأشهر شيخنا الشهيد الثاني (5)فقبلوه هنا أيضاً؛ للعموم السابق،و عدم منافاة الإقرار السابق له،فإنّه له و الثاني عليه،فليقدّم بمقتضى النصّ المتقدّم الدالّ على قبول الإقرار عليه،و لا دليل على قبوله له حيث ينافي الأصل.و قبوله حيث لا ينافيه كما في محل البحث إنّما هو من حيث الأصل،و لولاه لما قبل،فوجود هذا الإقرار كعدمه.

و لعلّه أقوى.

ثم إنّ كلّ ذا إذا لم يكذّبه المقرّ له،و أمّا معه ففي قبول إقراره حيث

ص:151


1- السرائر 2:354.
2- المختلف:443.
3- المبسوط 3:352.
4- جامع المقاصد 6:131.
5- المسالك 2:299.

يقبل من دونه قولان،اختار ثانيهما في المبسوط (1)،و أوّلهما في المسالك (2).و يتفرّع عليه ما إذا عاد المقرّ له فصدّقه فلا يلتفت إليه على الأوّل؛ لأنّه لمّا كذّبه ثبت حرّيته بالأصل فلا يعود رقيقاً.و نعم على الثاني؛ لأنّ الرقّية المطلقة تصير كالمال المجهول المالك يقبل إقرار مدّعيه ثانياً و إن أنكره أوّلاً.

و حيث حكم برقّيته ففي بطلان تصرّفاته السابقة على الإقرار أوجه، يفرق في ثالثها بين ما لم يبق أثره كالبيع و الشراء فلا يبطل،و ما يبقى كالنكاح فيبطل،و عليه نصف المهر قبل الدخول،و تمامه بعده.و لو كانت المقرّة الزوجة اللقيطة لم يحكم بالبطلان؛ لتعلّقه بالغير و يثبت للسيّد أقلّ الأمرين من المسمّى و عقر الأمة.و اختار هذا في الدروس (3).

و اعلم أنّ المعروف من مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف أنّ الواجب على الملتقط حضانته بالمعروف،و هو تعهّده و القيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره.و أنّه لا يجب عليه الإنفاق من ماله ابتداءً،بل من مال اللقيط الموجود تحت يده،أو الموقوف على أمثاله،أو الموصى لهم به، بإذن الحاكم مع إمكانه،و إلّا أنفق و لا ضمان.

و عن التذكرة الإجماع (4)على عدم وجوب الإنفاق عليه ابتداءً، و جوازه على اللقيط من ماله لكن بإذن الحاكم مع إمكانه.و لا ريب في اعتباره حينئذٍ؛ لأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه أو إذن

ص:152


1- المبسوط 3:352.
2- المسالك 2:299.
3- الدروس 3:81.
4- التذكرة 2:273.

وليّه.و ولايته مقصورة على الحضانة دون التصرف في المال.

و هذا و إن جرى في صورة عدم إمكان الإذن،إلّا أنّ الجواز فيها للضرورة المبيحة،و هي في صورة الإمكان مفقودة.

فالحكم بالجواز في الصورتين كما يميل إليه بعض متأخّري متأخّري الطائفة (1)لا وجه له،سيّما مع كون التفصيل بينهما بالجواز في إحداهما و عدمه في الثانية معروفاً بين الطائفة.و به صرّح في الكفاية (2).

ثمّ إنّ هذا إن وجد للّقيط مال.

و أمّا إذا وجد هُ الملتقط و لا مال له،فإن وجد سلطاناً استعان به على نفقته من بيت المال أو الزكاة فإن لم يجد و تعذّر عليه استعان بالمسلمين و يجب عليهم مساعدته بالنفقة كفايةً،على الأشهر بين الطائفة؛ لوجوب إعانة المحتاج كذلك مطلقاً.

خلافاً للماتن في الشرائع حيث تردّد فيه (3):ممّا مرّ،و من أنّ الوجوب حكم شرعيّ فيقف على دليل،و ليس،مضافاً إلى أصالة البراءة.

و يمنعان بما عرفته،فإنّه أخصّ.

فإذاً الأشهر أظهر،و عليه فإن وجد متبرّع منهم،و إلّا كان الملتقط و غيره ممّن لا ينفق إلّا بنيّة الرجوع سواء في الوجوب.

و إن تعذّر الأمران من الرجوع إلى السلطان،و الاستعانة بالمسلمين أنفق الملتقط وجوباً و رجع عليه بعد يساره إذا نوى الرجوع بها عليه و لو تبرّع فلم ينو لم يرجع كما لا يرجع لو وجد

ص:153


1- مجمع الفائدة و البرهان 10:417.
2- الكفاية:235.
3- الشرائع 3:284.

المعين المتبرّع فلم يستعن به.

و لا إشكال في شيء من ذلك و لا خلاف إلّا في الرجوع مع نيّته،فقد خالف فيه الحلّي و قال:الأقوى عندي أنّه لا يرجع به عليه؛ لأنّه لا دليل على ذلك،و الأصل براءة الذمّة،و شغلها يحتاج إلى أدلّة ظاهرة (1).

و يضعّف باستلزام ما ذكره الإضرار باللقيط و الملتقط،و هو منفيّ بالنصّ و الإجماع.و ذلك فإنّه إمّا أن يجب النفقة على الملتقط،أو لا.و الأوّل باطل؛ لأنّه ضرر به،مع أنّه خرق للإجماع أيضاً كما في المختلف قال:إذ لم يوجبه أحد مجّاناً (2).و الثاني باطل أيضاً؛ لأنّه ضرر على اللقيط؛ إذ لملتقطه ترك ما ليس بواجب عليه فيؤدّي ذلك إلى تلفه، و الإجماع بل الضرورة تنادي ببطلانه،هذا.

مع أنّه قد مرّ جملة من النصوص (3)الدالّة على جواز الرجوع بها عليه،بل تضمّنت أمر اللقيط بردّها عليه،و فيها الصحيح و غيره.و قصور سنده مجبور بالعمل،فلا قدح فيه،كما لا قدح في شمولهما لما لا يجوز له الرجوع فيه إجماعاً؛ لجواز التقييد و التخصيص مع حجية العام في الباقي.

و في الصحيح:عن اللقيطة،فقال:« لا تباع و لا تشترى،و لكن استخدمها بما أنفقته عليها» (4)و ربما كان فيه تأييد ما لما اخترناه، فلا إشكال فيه أصلاً.

ص:154


1- السرائر 2:107.
2- المختلف:453.
3- راجع ص:144،145.
4- الكافي 5:4/225،الوسائل 25:467 أبواب اللقطة ب 22 ح 4.

و هل يشترط مع نيّته الرجوع الإشهاد؟عن التذكرة:نعم (1)،و عن الحلي:لا (2).و هو أشهر و أقوى؛ للأصل،مع عدم ما يوجب الخروج عنه.نعم الأحوط ذلك ليسلم عن اليمين لو ادّعى اللقيط عليه التبرّع.

القسم الثاني:في الضوالّ

القسم الثاني:في الضوالّ جمع ضالّة.

و هي:كلّ حيوان مملوك ضائع أُخذ و لا يد محترمة عليه.احتُرِز بالمملوك عن نحو الخنزير و الكلب العقور،و بالضائع عمّا يوجد و عليه يد المالك،و بلا يد عليه عن الحيوان الضائع عن مالكه و هو بيد الملتقط.

و أخذه في صورة الجواز الآتية مكروه كما هو من مذهبهم معروف.

قيل (3):للنصوص،منها النبوي:« لا يأوي الضالّ إلّا الضالّ» (4)و الخبران:« الضوالّ لا يأكلها إلّا الضالّون» (5)و زيد في أحدهما:« إذا لم يعرّفوها» (6).

و في الاستدلال بهما نظر؛ لورودهما في الأكل دون مجرّد الأخذ الذي هو محلّ البحث،فلا دلالة فيه على المنع عنه.و ربما كان في الثاني من جهة الزيادة إشعار بل ظهور في اختصاص المنع بالأوّل دون الثاني،فتدبّر.

و لكن الأمر في ذلك سهل لأنّ في فتاوى الأصحاب و الخبر الأوّل

ص:155


1- التذكرة 2:273.
2- حكاه عنه في التنقيح 4:108،و انظر السرائر 2:107.
3- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:300،و السبزواري في الكفاية:235.
4- سنن البيهقي 6:190.
5- التهذيب 6:1193/396،الوسائل 25:440 أبواب اللقطة ب 1 ح 5.
6- التهذيب 6:1182/394،الوسائل 25:442 أبواب اللقطة ب 2 ح 4.

كفاية و إن ضعف السند،و لم يبلغ الفتوى درجة الإجماع؛ لجواز التسامح في أمثال المقام.

و استثنوا من ذلك الأخذ مع تحقّق التلف فقالوا:إنّه جائز، بل مستحبّ صيانةً للمال المحترم عنه،مع انتفاء الفائدة للمالك على تقدير تركها،قيل:بل قد يجب كفايةً إذا عرف مالكها (1).

و حيث قد دلّت فحوى العبارة على اختلاف حكم التقاط الضالّة حرمةً و حلّاً أراد بيان كلّ من الصورتين،و أشار إلى الأُولى بقوله: فالبعير لا يؤخذ إذا وُجِد في كلأ و ماء،أو كان صحيحاً،إجماعاً كما يأتي.

و الصحاح به مع ذلك مستفيضة،في اثنين منها:« إنّي وجدت شاة، فقال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):هي لك،أو لأخيك،أو للذئب،فقال:يا رسول اللّه إنّي وجدت بعيراً،فقال:معه حذاؤه و سقاؤه،حذاؤه خفّه،و سقاؤه كرشه» (2).

و في ثالث:« عن الشاة الضالّة بالفلاة،فقال للسائل:هي لك،أو لأخيك،أو للذئب،قال:و ما أُحبّ أن أمسّها،و سئل عن البعير الضالّ، فقال للسائل:مالك و له،خفّه حذاؤه إلى أن قال خلّ عنه» (3)و نحوها مفهوم الرابع الآتي،هذا.

مضافاً إلى الأصل الدالّ على عدم جواز إثبات اليد على مال الغير من دون الإذن أو السبب المرخّص فيه،و ليسا في محل الفرض؛ لعدم المعرفة بالصاحب،و أنّ البعير مصون عن السباع بامتناعه مستغنٍ بالرعي.

ص:156


1- كما في الروضة 7:83.
2- الكافي 5:12/140،التهذيب 6:1184/394،الوسائل 25:457 أبواب اللقطة ب 13 ح 1.
3- الفقيه 3:848/188،التهذيب 6:1185/394،الوسائل 25:459 أبواب اللقطة ب 13 ح 5.

فمصلحة المالك ترك التعرّض له حتّى يجده،و الغالب أنّ من أضلّ شيئاً يطلبه حيث يضعه،فإذا أخذه غيره ضاع عنه،و عليه نبّه في بعض النصوص (1).

و لو أخذه في هذه الصورة ضمنه الآخذ لأنّه غاصب،فلا يبرأ إلّا بردّه إلى المالك،أو الحاكم مع فقده،لا بالإرسال،و لا بردّه إلى المكان الأوّل.قيل:إلّا إذا أخذها ليردّها إلى المالك (2).

و في رواية:« الضالة يجدها الرجل فينوي أن يأخذ لها جعلاً فتنفق، قال:هو ضامن،فإن لم ينوِ أن يأخذ لها جعلاً فنفقت فلا ضمان عليه» (3).

و في الصحيح:« من وجد ضالّة و لم يعرّفها،ثمّ وجدت عنده،فإنّها لربّها،أو مثلها من مال الذي كتمها» (4).

و كذا حكم الدابة و البقرة و الحمار،بلا خلاف في الأوّل أجده.

و جعله المعروف من مذهب الأصحاب في الكفاية (5)؛ للأصل المتقدّم.

مضافاً إلى خصوص الخبرين،في أحدهما:« إنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام) قضى في رجل ترك دابّة من جهد،قال:إن كان تركها في كلأ و ماء و أمن فهي له،يأخذها حيث أصابها،و إن كان ترك في خوف و على غير ماء و لا كلأ،فهي لمن أصابها» (6).

ص:157


1- الوسائل 25:439 أبواب اللقطة ب 1.
2- قال به الكاشاني في المفاتيح 3:181.
3- الفقيه 3:852/189،التهذيب 6:1192/396،الوسائل 25:464 أبواب اللقطة ب 19 ح 1.
4- الكافي 5:17/141،الفقيه 3:843/187،التهذيب 6:1180/393،الوسائل 25:460 أبواب اللقطة ب 14 ح 1.
5- الكفاية:235.
6- الكافي 5:14/140،التهذيب 6:1178/393،الوسائل 25:458 أبواب اللقطة ب 13 ح 4.

و في الثاني:« إنّه(عليه السّلام)كان يقول في الدابّة إذا سرحها أهلها،أو عجزوا عن علفها أو نفقتها فهي للذي أحياها» قال:« و قضى علي(عليه السّلام)في رجل ترك دابّة،فقال:إن كان تركها في كلأ و ماء و أمن فهي له،يأخذها متى شاء،و إن تركها في غير كلأ و ماء،فهي للذي أحياها» (1).

و على مذهب الخلاف و السرائر (2)في الأخيرين،و وافقه الماتن في الشرائع (3)لكن بعد التردّد.و في المسالك (4)استجود إلحاق الأوّل منهما، دون الثاني.و استقرب عدم الإلحاق فيهما في الكفاية قال:وقوفاً في النهي على مورد النص (5).

و فيه نظر؛ التفاتاً إلى ما يستفاد من النصوص من أنّ وجه الحكمة في جواز التقاط البعير و الدابّة و عدمه،إنّما هو الأمن من تلفه بامتناعه من صغار السباع و عدمه؛ مضافاً إلى ظهور اتّفاق الفتاوى عليه في المقامين؛ مع أنّ المنع عن التقاطهما هو الأوفق بالأصل المتقدّم.

فالأجود الإلحاق فيهما،سيّما مع عموم الصحيح الآتي بناءً على أنّ المراد من المال فيه خصوص الحيوان الضالّ،كما يشهد له سياقه،و صرّح به بعض الأصحاب (6).

و يجوز أن يؤخذ البعير و ما في حكمه لو تركه صاحبه من

ص:158


1- الكافي 5:16/141،التهذيب 6:1181/393،الوسائل 25:458 أبواب اللقطة ب 13 ح 3.
2- الخلاف 3:579،السرائر 2:100.
3- الشرائع 3:289.
4- المسالك 2:300.
5- الكفاية:235.
6- جامع المقاصد 6:138.

جهد و عطب لمرض أو كسر أو غيرهما في غير كلأ و لا ماء،و يملكه الآخذ حينئذٍ على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ للصحيح:

« من أصاب مالاً أو بعيراً في فلاة من الأرض،قد كلّت و قامت،و سيّبها صاحبها لما لم تتبعه،فأخذها غيره،فأقام عليها،و أنفق نفقة حتّى أحياها من الكلال و من الموت،فهي له،و لا سبيل له عليها،و إنّما هي مثل الشيء المباح» (1).

مضافاً إلى الخبرين المتقدّمين في الدابّة.

خلافاً لابن حمزة (2)فلم يجوّز الأخذ أيضاً في هذه الصورة؛ التفاتاً منه إلى إطلاق المنع عنه في الصحاح المتقدّمة.

و يضعّف بلزوم تقييده بهذه النصوص المعتبرة.

و ظاهرها كالعبارة و نحوها من عبائر الجماعة،و صريح آخرين اشتراط الأمرين من الترك من جهد و في غير كلأ و ماء معاً،فلو انتفى أحدهما بأن ترك من جهد في كلأ و ماء،أو من غير جهد في غيرهما،أو انتفى كلّ منهما بأن ترك من غير جهد فيهما لم يجز الأخذ.و عليه الإجماع في ظاهر التنقيح و صريح الصيمري (3).

و ربما يستفاد من بعض متأخّري المتأخّرين (4)ما يعرب عن كفاية أحدهما.

و لا ريب في ضعفه،مع عدم وضوح مستنده.

ص:159


1- الكافي 5:13/140،التهذيب 6:1177/392،الوسائل 25:458 أبواب اللقطة ب 13 ح 2.
2- الوسيلة:278.
3- التنقيح الرائع 4:110،غاية المرام 4:149.
4- انظر المفاتيح 3:181.

و هل الفلاة المشتملة على كلأ دون ماءٍ أو بالعكس بحكم عادمتهما، أو بحكم مشتملتهما؟قولان،صريح التنقيح:الثاني (1)،و صريح شيخنا الشهيد الثاني:الأوّل،قال:لعدم قوام الحيوان بدونهما،و لظاهر قول أمير المؤمنين(عليه السّلام)إنّه إن تركها في غير كلأ و لا ماء،فهي للذي أحياها (2).

و هذا أقوى.

و الشاة إن وجدت في الفلاة التي يخاف عليها فيها من السباع أخذها الواجد جوازاً،بلا خلاف ظاهر مصرّح به في المسالك (3)و غيره (4)،بل عليه الإجماع في شرح الشرائع للصيمري و عن التذكرة (5)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الصحاح المتقدّمة،و لأنّها لا تمنع من صغير (6)السباع فتكون كالتالفة،لا فائدة للمالك في تركها له.و يتخيّر الآخذ بين حفظها لمالكها،و دفعها إلى الحاكم.و لا ضمان فيهما إجماعاً كما في شرح الشرائع للصيمري و المسالك (7)؛ للأصل،و انتفاء الموجب للضمان في الصورتين، نظراً إلى الرخصة في الأخذ فيكون أميناً في الحفظ،و الدفع إلى الحاكم الذي هو بحكم المالك،لأنّه ولي الغيّب؛ و بين أن يتملّكها،بلا خلاف.

و هل يضمنها حينئذٍ كما عن الأكثر مطلقاً أو مع ظهور

ص:160


1- التنقيح 4:111.
2- الروضة 7:85.
3- المسالك 2:301.
4- انظر الكفاية:235.
5- غاية المرام 4:150،التذكرة 2:267.
6- في المطبوع من المختصر(261):ضرر.
7- غاية المرام 4:151،المسالك 2:301.

المالك،أم لا؟قولان،تردّد بينهما في الشرائع (1)من أنّها مال الغير، و لم يوجد دليل ناقل عن حكم ضمانه،و إنّما المتّفق عليه جواز تصرّفه فيها،و لعموم:« على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» و عموم الخبر:« من وجد شيئاً فهو له،فليتمتّع به حتى يأتيه طالبه،فإذا جاء طالبه ردّه إليه» (2).

و من ظاهر اللّام في قوله(عليه السّلام):« هي لك» في تلك الصحاح (3)، و إطلاق الصحيحة الأخيرة (4)منها الصريحة في الملك بالأخذ،و به تخصّ العمومات المتقدّمة،مع قصور الرواية الأخيرة منها سنداً،بل و دلالةً.

و أمّا ما يقال من احتمال اللّام الاختصاص الغير المنافي للضمان، و اختصاص الصحيحة الأخيرة بحيوان سيّبه صاحبه فلم تعمّ صور المسألة.

فمحلّ مناقشة؛ لمنافاة الاحتمال الظاهر المتبادر منها عند الإطلاق، و اندفاع الاختصاص بعدم القول بالفرق بين الأصحاب.

و مع ذلك فلا ريب أنّ الضمان أحوط،بل و أظهر؛ للصحيح المرويّ عن قرب الإسناد:عن رجل أصاب شاة في الصحراء،هل تحلّ له؟قال:

« قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):هي لك،أو لأخيك،أو للذئب فخذها،و عرّفها حيث أصبتها،فإن عرفت فردّها إلى صاحبها،و إن لم تعرف فكلها،و أنت ضامن لها إن جاء صاحبها يطلب ثمنها أن تردّها عليه» (5).

لكن سيأتي في الصحيح:« إنّ من وجد ضالّة فلم يعرّفها،ثمّ وجدت

ص:161


1- الشرائع 3:289.
2- الكافي 5:10/139،التهذيب 6:1175/392،الوسائل 25:447 أبواب اللقطة ب 4 ح 2.
3- المتقدمة في ص:153.
4- المتقدمة في ص:156.
5- قرب الإسناد:1086/273،الوسائل 25:459 أبواب اللقطة ب 13 ح 7.

عنده،فإنّها لربّها» الحديث (1).و يستفاد من مفهومه خروجه عن ملك المالك بالتعريف.

و هل له التملّك قبل التعريف سنة؟قيل:لا؛ للاستصحاب،و عموم الأمر بالتعريف في اللقطات (2).و قوّى جماعة (3)العدم (4)؛ لإطلاق الصحاح بالملك من دون تقييد له به،مع ورودها في مقام بيان الحاجة، و به يخصّ عموم الأمر المتقدّم مع الاستصحاب،مع أنّه لا عموم له،بل غايته الإطلاق الغير المنصرف بحكم التبادر و سياق جلّ من النصوص المشتملة عليه إلّا إلى لقطة الأموال غير الضوالّ.

و الأوّل أحوط،بل لعلّه أظهر؛ للصحيح المتقدّم الصريح في ذلك المعتضد بإطلاق الصحيح الآخر،بل عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال:

عن الرجل يصيب درهماً أو ثوباً أو دابّة،كيف يصنع؟قال:« يعرّفها سنة، فإن لم يعرّف حفظها في عرض ماله حتّى يجيء طالبها،فيعطيها إيّاه،و إن مات أوصى بها،و هو لها ضامن» (5)فتأمّل.

و الصحيح:« من وجد ضالّة فلم يعرّفها،ثمّ وجدت عنده،فإنّها

ص:162


1- الكافي 5:17/141،الفقيه 3:843/187،التهذيب 6:1180/393،الوسائل 25:460 أبواب اللقطة ب 14 ح 1.
2- انظر تحرير الأحكام 2:126.
3- منهم العلّامة في التذكرة 2:268،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 6:140،و الشهيد الثاني في الروضة 7:87.
4- المراد عدم توقّف التملك على التعريف،و العبارة غير ملائمة للسياق،و الأنسب:الجواز.
5- الفقيه 3:840/186،التهذيب 6:1198/397،الوسائل 25:466 أبواب اللقطة ب 20 ح 2.

لربّها» و الخبر:« الضوالّ لا يأكلها إلّا الضالّون إذا لم يعرّفوها» (1).

و في رواية ضعيفة (2) أنّ واجد الشاة يحبسها عنده ثلاثة أيّام، فإن جاء صاحبها،و إلّا تصدّق بثمنها عن صاحبها.و قد حملها الأصحاب على ما إذا أُخذت من العمران،و المساكن المأهولة،و ما هو قريب منها بحيث لا يخاف عليها من السباع.

و ظاهرهم الإطباق على العمل بها حينئذٍ،و لكن اختلفوا في جواز الأخذ فيه،فعن المبسوط أنّه جوّز فيه و فيما كان متّصلاً به نصف فرسخ أخذ الحيوان ممتنعاً أو لا،و يتخيّر الآخذ بين الإنفاق تطوّعاً،أو الدفع إلى الحاكم،و ليس له أكله (3).

و المشهور كما في التنقيح (4)،و عن التذكرة عدم الخلاف فيه (5)المنع إلّا مع خوف التلف أو النهب،فيجوز أخذه حينئذٍ حفظاً لمالكه على وجه الحسبة.و في الدروس عن الفاضل الموافقة لهم إلّا في الشاة،قال:

و منع الفاضل من أخذ ما في العمران عدا الشاة إلّا أنْ يخاف عليه النهب أو التلف (6).

و وجهه كوجه ما في المبسوط غير واضح،مع أنّ الأصل عدم جواز الأخذ و التصرّف في ملك الغير بدون إذن من الشرع،كما هو مفروض

ص:163


1- التهذيب 6:1182/394،الوسائل 25:442 أبواب اللقطة ب 2 ح 4.
2- التهذيب 6:1196/397،الوسائل 25:459 أبواب اللقطة ب 13 ح 6.
3- المبسوط 3:320.
4- التنقيح 4:113.
5- التذكرة 2:267.
6- الدروس 3:83.

البحث.فإذا الأظهر قول الأكثر.

و يجب أن ينفق الواجد على الضالّة إن لم يتّفق سلطان ينفق عليها من بيت المال أو يأمره بالإنفاق؛ حفظاً لنفسها المحترمة عن الهلكة،و لا يرجع بالنفقة على المالك حيثما لم يجز له أخذها قطعاً؛ لعدم الإذن له في الأخذ و لا الإنفاق و إن وجب عليه من باب الحفظ.

و هل يرجع بها على المالك حيثما جاز له الأخذ مع نيّة الرجوع؟قولان، الأشبه نعم و عليه الأكثر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر؛ لما مرّ في بحث الإنفاق على اللقيط،خلافاً لمن سبق ثمة (1).و دليله مع جوابه يعلم من هناك.

و لو كان للضالّة نفع كالظهر و الركوب أو اللبن جاز الانتفاع به في مقابلة الإنفاق،بلا خلاف كما يفهم من الروضة (2).و يعضده الصحيح الوارد في تجويز استخدام اللقيطة في مقابلة النفقة (3).

و في كيفيّة الاحتساب بالمنفعة مكان النفقة قولان قال الشيخ في النهاية (4):كان ما استوفاه من المنافع بإزاء ما أنفق عليها.و حجّته هنا غير واضحة عدا ما ذكره جماعة من الحوالة على ما ورد في الرهن من الرواية (5).

ص:164


1- راجع ص:153 154.
2- الروضة 7:91.
3- المتقدم في ص:154.
4- النهاية:324.
5- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:115،و ابن فهد في المهذب البارع 4:305،و الشهيد الثاني في المسالك 2:302.

و يضعّف زيادة على ما أوردنا عليها ثمّة من ضعف السند،و قصور الدلالة و المخالفة للقواعد الشرعية بأنّه قياس فاسد في الشريعة،مع أنّ الرواية الدالّة على ذلك ثمّة مشترطة للرهينة،فإنّه« قال(عليه السّلام):الظهر يركب إذا كان مرهوناً،و على الذي يركب نفقته،و الدرُّ يشرب إذا كان مرهوناً، و على الذي يشرب نفقته» (1).

و من هنا ينقدح أنّ الوجه في المسألة ما اخترناه ثمّة من لزوم التقاص بالنفقة،و رجوع كلّ ذي فضل بفضله؛ لأنّ لكل منهما حقاً عند الآخر فيتقاصّان كسائر الحقوق.

القسم الثالث في لقطة المال الصامت و فيه ثلاثة فصول

الأوّل:اللقطة
اشارة

القسم الثالث في لقطة المال الصامت و فيه ثلاثة فصول :

الأوّل:اللقطة:كلّ مال ضائع أُخذ و لا يد عليه هذا تعريف لها بالمعنى الأخصّ الذي هو المعروف منها لغةً كما مضى.

و ربما كان فيه مع جعل المعروف قسماً ثالثاً من اللقطة تقسيم للشيء إلى نفسه و غيره.

و يندفع بأنّ المراد من المقسم المعنى الأعمّ الذي هو المصطلح في استعمال الفقهاء،فلا محذور؛ لتغاير الاعتبارين.

و كان عليه أنْ يقيّد المال بالصامت كي لا ينتقض في طرده بالحيوان الضائع حتى العبد فإنّه داخل في المال المطلق.

إذا عرفت هذا ف اعلم أنّ ما كان منه دون الدرهم يجوز

ص:165


1- الفقيه 3:886/195،التهذيب 7:775/175،الوسائل 18:398 أبواب أحكام الرهن ب 12 ح 2.

التقاطه و ينتفع به من غير تعريف بلا خلاف ظاهر،بل عليه الإجماع عن التذكرة و في التنقيح (1)لكن فيما عدا لقطة الحرم؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى صريح الروايات الآتية.

و هل يجب ضمانه مع ظهور مالكه؟قولان،أحوطهما ذلك،وفاقاً للقواعد و التنقيح و غيرهما (2)؛ للأصل،و عدم صراحة النصوص في التملّك بناءً على عدم صراحة اللام فيه،مع أنّ بعضها الذي هو المعتبر سنداً دون ما تضمّن اللام؛ لإرساله،مع عدم جابر له فيه جدّاً لم يتضمّن عدا نفي وجوب التعريف في هذا المقدار،و هو لا يستلزم التملك؛ لاجتماعه مع جواز التصرّف فيه،هذا.مضافاً إلى اعتضاده ببعض ما مرّ فيما يشابه المسألة قريباً.

و في إلحاق قدر الدرهم بما دونه في الحكم المتقدّم قولان، أظهرهما بل و أشهرهما العدم،وفاقاً للصدوقين و الشيخين،و القاضي و الحلي (3)؛ للأصل المعتضد بإطلاق النصوص المستفيضة،بل المتواترة بلزوم تعريف اللقطة (4)،مع أنّ جملة منها عامّة؛ لما فيها من ترك الاستفصال،و هي حجّة أُخرى مستقلّة و إن كانت للأوّل معاضدة.

و خصوص الروايات،منها:الصحيح الصريح المتقدّم:عن الرجل يصيب درهماً أو ثوباً أو دابّةً كيف يصنع؟قال:« يعرّفها سنة» (5)فتأمّل.

ص:166


1- التذكرة 2:256،التنقيح 4:115.
2- القواعد 1:198،التنقيح 4:116؛ و انظر جامع المقاصد 6:158.
3- الصدوق في المقنع:127،و حكاه عن والده في المختلف:449،المفيد في المقنعة:647،الطوسي في المبسوط 3:324،القاضي في المهذّب 2:567،الحلي في السرائر 2:101.
4- الوسائل 25:441 أبواب أحكام اللقطة ب 2.
5- الفقيه 3:840/186،قرب الإسناد:1702/269،الوسائل 25:444 أبواب أحكام اللقطة ب 2 ح 13.

و المرسل كالصحيح بابن أبي عمير المجمع على تصحيح رواياته -:عن اللقطة،قال:« تعرّف سنةً قليلاً كان أو كثيراً» قال:« و ما كان دون الدرهم فلا يعرّف» (1).

و مرسل الفقيه:« و إن كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا تعرّفها» (2)الخبر.

خلافاً للديلمي و التقي و ابن حمزة (3)،فاختاروا الإلحاق.و حجّتهم عليه غير واضحة،و مع ذلك الأدلّة على خلافه كما عرفت متكاثرة متعاضدة.

نعم يستفاد من قول الماتن:فيه روايتان وجود رواية لهم،و لم نقف عليها بعد التتبّع،و به صرّح في التنقيح (4).

و إطلاق الخبرين الأخيرين يقتضي عدم الفرق في جواز أخذ ما دون الدرهم،و تملّكه بين التقاطه من الحرم و غيره،و هو ظاهر المتن أيضاً.

بل يستفاد من قوله: و ما كان أزيد من الدرهم فإن وجده في الحرم كره أخذه،و قيل:يحرم و لا يحلّ أخذه إلّا مع نيّة التعريف عدم الخلاف فيه.و نحوه عبارة الشيخ في النهاية،و القاضي و الحلي (5)كما حكي.

ص:167


1- الكافي 5:4/137،التهذيب 6:1162/389،الإستبصار 3:226/68،الوسائل 25:446 أبواب أحكام اللقطة ب 4 ح 1.
2- الفقيه 3:855/190،الوسائل 25:443 أبواب أحكام اللقطة ب 2 ح 9.
3- الديلمي في المراسم:206،التقي في الكافي في الفقه:350،ابن حمزة في الوسيلة:278.
4- التنقيح الرائع:116.
5- النهاية:320،المهذّب 2:567،السرائر 2:101.

و في كلّ من الحكم بعدم الفرق في ذلك،و الإشعار بعدم الخلاف فيه،و اختصاصه بما زاد من لقطة الحرم نظر.

فالأوّل:بعدم دليل عليه عدا إطلاق الخبرين،و ليسا يشملان بحكم التبادر و الغلبة محلّ الفرض.و أدلّة المنع و الجواز المستدلّ بها في لقطة الحرم مطلقة لا تفصيل فيها بين الزائد على الدرهم و الناقص عنه،فلا وجه للحكم به.

و الثاني:بما يحكى عن جماعة من عدم الفرق بينهما،و إن اختلفوا في الحكم كراهةً كما عن الخلاف و والد الصدوق (1)،أو تحريماً كما عن النهاية (2)،و جماعة و منهم الماتن في كتاب الحج،و الدروس فيه أيضاً، و الفاضل في المختلف و القواعد،و المقداد في التنقيح،و الصيمري في شرح الشرائع،و الشهيد في اللمعة (3)مشترطاً في التحريم نيّة التملّك، مصرّحاً بالجواز إذا كان بنيّة الإنشاد.

و نسبه في المسالك و غيره (4)إلى المشهور،و احتجّ فيه لهم بالآية أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً [1] (5)فإنّ مقتضاه أن يكون الإنسان آمنا فيه على نفسه و ماله،و هو ينافي جواز أخذه.

و النصوص،منها:« لقطة الحرم لا تمسّ بيد و لا رجل،و لو أنّ الناس

ص:168


1- الخلاف 3:585،و حكاه عن والد الصدوق في المختلف:448.
2- النهاية:284.
3- الشرائع 1:277،الدروس 1:472،المختلف:248،القواعد 1:197،التنقيح 4:117،غاية المرام 4:155،اللمعة(الروضة البهية 7):92.
4- المسالك 2:303؛ و انظر جامع المقاصد 6:147.
5- العنكبوت:67.

تركوها لجاء صاحبها فأخذها» (1).

و منها:عن رجل وجد ديناراً في الحرم فأخذه،قال:« بئس ما صنع، ما كان ينبغي له أن يأخذه» قلت:ابتلي بذلك،قال:« يعرّفه» (2)الحديث.

و منها:عن لقطة الحرم،فقال:« لا تمسّ أبداً حتى يجيء صاحبها فيأخذها» قلت:فإن كان مالاً كثيراً،قال:« فإن لم يأخذها إلّا مثلك فليعرّفها» (3).

و ضعّف الجميع بما يرجع حاصله إلى منع دلالة الآية،و تضعيف أسانيد الروايات،مع تضمّن بعضها لفظة:« لا ينبغي» الصريحة في الكراهة،و آخر منها لفظة:« لم يأخذها إلّا مثلك فليعرّفها» الظاهر فيها؛ إذ لو كان محرّماً لساوى غيره.بل الظاهر منه أنّ أخذ الثقة غير مكروه،أو أقلّ كراهة،و حال مطلق اللقطة كذلك.

بل قد ورد فيها بمثل هذه العبارة ما هو أصحّ سنداً،منها:« كان علي ابن الحسين(عليه السّلام)يقول لأهله:لا تمسّوها» (4).

و منها:« لا تعرّض لها،فلو أنّ الناس تركوها لجاء صاحبها فأخذها» (5).

قال:و يؤيدّ الحكم بالكراهة الخبر:عن اللقطة،فقال:« أمّا بأرضنا

ص:169


1- التهذيب 6:1167/390،الوسائل 25:439،أبواب اللقطة ب 1 ح 3.
2- التهذيب 6:1190/395،الوسائل 25:463 أبواب اللقطة ب 17 ح 2.
3- التهذيب 5:1461/421،الوسائل 13:260 أبواب مقدمات الطواف ب 28 ح 2.
4- التهذيب 6:1163/389،الإستبصار 3:227/68،الوسائل 25:439 أبواب اللقطة ب 1 ح 1.
5- التهذيب 6:1166/390،الوسائل 25:439 أبواب اللقطة ب 1 ح 2.

هذه فلا يصلح» (1).

و في جميع ما ذكره عدا الجواب عن الآية نظر؛ لانجبار قصور الأسانيد بالشهرة الظاهرة المحكيّة في كلام جماعة (2)،و اعتضاده بالأصل المتقدّم إليه الإشارة غير مرّة من حرمة التصرّف في ملك الغير إلّا برخصة من الشرع،هي في المقام مفقودة.

و« لا ينبغي» و إن أشعر بالكراهة إلّا أنّ« بئس ما صنع» أظهر دلالةً على الحرمة منه على الكراهة.

و دعواه الصراحة في« لا ينبغي» ممنوعة،كيف لا؟!و استعماله في الحرمة و الأعمّ منها و من الكراهة شائع في الأخبار غايته،حتى أنكر بعض الأصحاب لذلك إشعاره بالكراهة (3).

و دلالة« إن لم يأخذها إلّا مثلك» عليها على تقدير تسليمها غير نافعة للقائلين بالكراهة؛ لعدم تفصيلهم في الحكم بها بين الفاسق و الثقة، نعم ربما يوجد هذا التفصيل في كلام بعض القائلين بالحرمة (4)،فتكون ضارّة لهم لا نافعة.

و أمّا النصوص الصحيحة المتضمّنة لنحو ما في الروايات السابقة من المنع عن أخذ مطلق اللقطة،فهي ممّا يؤيّد القول بالحرمة؛ لإطلاقها الشامل للقطتي الحرم و غيره.و لا إجماع يقيّده بالثاني و يصرف النهي فيها

ص:170


1- التهذيب 5:1463/421،الوسائل 13:259 أبواب مقدمات الطواف ب 28 ح 1.
2- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 2:15،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 6:147،و الشهيد الثاني في المسالك 2:303.
3- انظر مجمع الفائدة و البرهان 10:454.
4- انظر الدروس 1:473.

إلى الكراهة؛ لوقوع الخلاف فيه أيضاً حرمةً و كراهةً،كما يستفاد من المختلف،حيث قال:الأشهر الكراهة (1)،بعد أن حكى المنع عن الصدوق و النهاية.

و على تقدير الإجماع على الكراهة فلا دلالة فيه على تعيّن التقييد المتقدّم إليه الإشارة بعد احتمال كونه مقيّداً لها بصورة العكس،بل هذا أولى؛ لتعدّد المجازيّة في الاحتمال الأوّل من التقييد و صرف النهي فيها إلى الكراهة،و لا كذلك الثاني،فإنّ اللازم فيه إنّما هو الأوّل،و يكون النهي فيه باقياً على الحرمة.

لكن يتوجّه عليه استلزامه حمل الإطلاق على الفرد النادر؛ لندرة لقطة الحرم بالإضافة إلى غيرها.

و به يجاب عمّا لو استدلّ به على الكراهة في لقطة الحرم من إطلاق مرسل الفقيه:« إنّ أفضل ما يستعمله الإنسان في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها،و لا يتعرّض لها،فلو أنّ الناس تركوا ما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه» (2)الخبر؛ لوروده مورد الغالب و هو ما عدا لقطة الحرم،مع أنّه مرسل،لكنّه بعد حمله على الغالب من لقطة غير الحرم كما بني عليه الجواب بالشهرة المحكيّة في المختلف بل الظاهرة منجبر،فيصرف به ظواهر النهي في تلك النصوص الصحيحة إلى الكراهة.

و منه يظهر صحّة ما عليه المشهور في لقطة غير الحرم من الكراهة (3).

ص:171


1- المختلف:449.
2- الفقيه 3:855/190،الوسائل 25:443 أبواب اللقطة ب 2 ح 9.
3- في« ح» و« ر» زيادة:بل قيل:يفهم عليه الإجماع من التذكرة،و هو حجّة أخرى مستقلّة.انظر مجمع الفائدة و البرهان 10:470،و التذكرة 2:251،256.

[بل قيل:يفهم عليه الإجماع من التذكرة،و هو حجّة أخرى مستقلّة أيضا] مضافاً إلى الموثق كالصحيح:عن اللقطة،فأراني خاتماً في يده من فضّة،قال:« إنّ هذا ممّا جاء به السيل،و أنا أُريد أن أتصدّق به» (1).

و يبقى الجواب حينئذٍ عن تمسّك المسالك (2)بها لصرف النهي في تلك الروايات أيضاً إلى الكراهة.و يمكن أن يقال:إنّ صرف النهي إليها في تلك الصحاح لقرينة من إجماع أو رواية لا يستلزم صرفه إليها في هذه الروايات من دون قرينة كما هو المفروض.

و تأييد الكراهة بالرواية الأخيرة (3)غير واضح؛ لإشعارها بل ظهورها في اختصاص عدم الصلاحية و الكراهة بأرض منى خاصّة،و لا قائل به من الطائفة فلتطرح،أو تؤوّل بحمل« لا يصلح» على الحرمة،و يلحق مكة و باقي الحرم بمنى بعدم القائل بالفرق بين الطائفة،و لا محذور.و لا كذلك لو أُبقيت على ظاهرها من الكراهة؛ إذ عدم القول بالفرق المزبور إنّما يتمّ به الكراهة في لقطة جميعه،و لا يدفع محذور اختصاصها به،فإنّ مقتضاه عدم الكراهة في لقطة غيره،و لا قائل به.

و حمل« لا يصلح» على تأكّد الكراهة و إن أمكن و يندفع به هذا المحذور،إلّا أنّه مجاز كالحمل على الحرمة،لا يمكن اختياره خاصّة إلّا بعد قرينة معيّنة هي في الرواية مفقودة.

اللّهم إلّا أنْ يقال:إنّه أقرب المجازين إلى أصل الكراهة الذي هو الحقيقة،لكنّه معارض بظهور الروايات السابقة في الحرمة،مع اشتهارها بين الطائفة،كما اعترف به هو و غيره،و أخبارهم عليهم السّلام يكشف بعضها عن

ص:172


1- التهذيب 6:1172/391،الوسائل 25:451 أبواب اللقطة ب 7 ح 3.
2- المسالك 2:303.
3- المتقدمة في ص:166.

بعض.

فإن لم يكن الحمل على الحرمة بهذا راجحاً على الحمل الآخر فلا أقلّ من التساوي بينهما،و هو يوجب الإجمال المنافي للاستدلال.

و بما حرّرناه ظهر قوّة القول في لقطة الحرم بالحرمة،و ضعف القول فيها بالكراهة غايته.

و على كلا القولين يعرّف ها حولاً واحداً،إجماعاً فيما زاد عن الدرهم،و على الأشهر الأقوى مطلقاً،بناءً على عدم تملّكه و ما نقص عنه أيضاً كما مضى فإن جاء صاحبه سلّمه إليه و إلّا تصدّق به بعد الحول أو استبقاه أمانة في يده.

و لا يجوز له أن يملك ه بلا خلاف في شيء من ذلك إلّا في عدم جواز التملّك،فقد جوّزه جماعة في الناقص عن الدرهم و لو من دون تعريف كما مرّ (1).و عن الحلبي تجويزه في الزائد أيضاً بعد التعريف (2).

و قد مرّ ضعف الأوّل مفصّلاً،و مثله الثاني فيه جدّاً،مع كونه شاذّاً محجوجاً هو كسابقه بالأصل،و عدم دليل على الملك مطلقاً،عدا ما يأتي من النصوص الدالّة عليه الواردة في مطلق اللقطة الغير المنصرفة كما عرفت بحكم التبادر و الغلبة إلى مفروض المسألة.

و مع ذلك معارضة بصريح الرواية المنجبرة بالشهرة العظيمة في الجملة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة كما في المختلف و عن التذكرة (3)،و فيها:« اللقطة لقطتان:لقطة الحرم و تعرّف

ص:173


1- راجع ص:164.
2- الكافي في الفقه:350.
3- المختلف:448،التذكرة 2:256.

سنةً،فإن وجدت لها طالباً،و إلّا تصدّقت بها.و لقطة غيرها تعرّف سنةً فإن لم تجد صاحبها فهي كسبيل مالك» (1).

و لا يعارضه الخبر:فيمن وجد في الطواف ديناراً قد انسحق كتابته، قال:« له» (2)و كذا الآخر:« فإن وجدت في الحرم ديناراً مطلّساً فهو لك لا تعرِّفه» (3).

لضعفهما سنداً،و مخالفتهما الإجماع ظاهراً؛ لدلالتهما على إطلاق جواز التملّك من دون تقييد بالتعريف سنةً،مع تصريح الأخير بالنهي عنه، و لم يذهب إليه أحد من الأصحاب عدا الصدوقين (4)،و هما شاذّان انعقد على خلافهما الإجماع،فليطرحا،أو يؤوّلا بما يؤولان به إليه من حملهما على غير اللقطة من المدفون أو غيره،أو على أنّه(عليه السّلام)كان يعلم أنّه من خارجي أو ناصبيّ،فتأمّل.

و لو تصدّق به بعد الحول،و كره المالك فلم يرض به لم يضمن الملتقط على الأشهر على حكاية الماتن هنا،و لم ينقل إلّا عن المفيد و الديلمي و القاضي و ابن حمزة (5).

و في المسالك نسب الضمان إلى الشهرة (6).و حكي عن الشيخ في

ص:174


1- التهذيب 6:1163/389،الإستبصار 3:227/68،الوسائل 25:441 أبواب اللقطة ب 2 ح 1.
2- التهذيب 6:1187/394،الوسائل 25:463 أبواب اللقطة ب 17 ح 1.
3- الفقيه 3:855/190،الوسائل 25:443 أبواب اللقطة ب 2 ح 9.
4- الصدوق في المقنع:127،و حكاه عن والد الصدوق في المختلف:448.و انظر فقه الرضا(عليه السّلام):266.
5- المفيد في المقنعة:646،الديلمي في المراسم:206،القاضي في المهذّب 2:567،ابن حمزة في الوسيلة:278.
6- المسالك 2:303.

كتبه الثلاثة و الإسكافي و الحلّي (1)،و اختاره في المختلف و الصيمري في شرح الشرائع (2).و لعلّه أظهر؛ للخبر المتضمّن بعد الأمر بالتصدّق قوله(عليه السّلام):« فإن جاء صاحبه فهو له ضامن» (3).

و ضعفه منجبر بعموم:« على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (4)و فحوى الأدلّة الآتية في لقطة غير الحرم من الضمان بعد الصدقة و الكراهة؛ و ذلك لأنّها جائزة له و لو على كراهة كما مر إليه الإشارة،فضمانها حينئذٍ بعد الأمرين مع كونه مأذوناً في الالتقاط و الصدقة يستلزم الضمان بعدهما في مفروض المسألة بالأولوية؛ لأنّه لم يرخّص فيه إلّا بالصدقة دون الالتقاط؛ للنهي عنه،كما عرفته.

مضافاً إلى انجباره من أصله بالشهرة الظاهرة،و فيما تضمّنه من حكم المسألة بالشهرة المحكية.

نعم يعارضها حكاية الشهرة على العكس في العبارة،لكنّها على تقدير تسليمها غير واضحة الحجّة عدا ما صرّح به في الشرائع و غيره (5)من أنّ الصدقة بها تصرّف مشروع بالإجماع فلا يتعقّبها ضمان.

و هو حسن لولا ما قدّمناه من الحجة القويّة المترجّحة على هذه بوجوه عديدة،أقواها الأولويّة المتقدّمة،و هي و إن اختصّت بصورة تعمّد

ص:175


1- النهاية:284،المبسوط 3:321،الخلاف 3:585،و حكاه عن الإسكافي في إيضاح الفوائد 2:154،السرائر 2:101.
2- المختلف:448،غاية المرام 4:156.
3- التهذيب 6:1190/395،الوسائل 25:463 أبواب اللقطة ب 17 ح 2.
4- عوالي اللئالئ 2:10/345،مسند أحمد 5:12،سنن أبي داود 3:3561/296،سنن الترمذي 2:1284/368،مستدرك الحاكم 2:47،مستدرك الوسائل 17:4/88.
5- الشرائع 3:292؛ و انظر التنقيح الرائع 4:118.

الالتقاط فلا تشمل غيرها من الصور،لكنّها تتمّ حجّة على تمام المدّعى بعدم القائل بالفرق بين الطائفة إن صحّ،و إلّا فتخصيص الضمان بالصورة الاُولى لا يخلو عن وجه؛ لاختصاص الخبر المتقدّم الدالّ عليه مع بعض معاضداته بها،فلا معارضة للقاعدة من جهته فيما عداها.

و إن وجده في غير الحرم و كان زائداً عمّا دون الدرهم يعرّف ه حولاً واحداً،بلا خلاف فيه في الجملة،و النصوص به مع ذلك مستفيضة.

ففي الصحيح:« يعرّفها سنة،فإن جاء لها طالب،و إلّا فهي كسبيل ماله» (1).

و فيه:« لا ترفعوها،فإن ابتليت بها فعرّفها سنةً،فإن جاء طالبها،و إلّا فاجعلها في عرض مالك،يجري عليها ما يجري على مالك،إلّا أن يجيء طالب» (2).

و فيه:« يعرّفها سنةً،فإن لم يُعرَف حفظها في عرض ماله حتّى يجيء طالبها فيعطيها إيّاه،و إن مات أوصى بها،و هو لها ضامن» (3)فتأمّل.

و في المرسل كالصحيح:« تعرّف سنة قليلاً كان أو كثيراً،و ما كان دون الدرهم فلا يعرّف» (4).إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

ص:176


1- التهذيب 6:1163/389،الإستبصار 3:227/68،الوسائل 25:441 أبواب اللقطة ب 2 ح 1.
2- التهذيب 6:1165/390،الإستبصار 3:229/68،الوسائل 25:442 أبواب اللقطة ب 2 ح 3.
3- الفقيه 3:840/186،قرب الإسناد:1072/269،الوسائل 25:444 أبواب اللقطة ب 2 ح 13.
4- الكافي 5:4/137،التهذيب 6:1162/389،الإستبصار 3:226/68،الوسائل 25:446 أبواب اللقطة ب 4 ح 1.

و إطلاقها كالعبارة و نحوها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في وجوب التعريف بين صورتي نيّة التملّك بعده و عدمها.و هو أقوى وفاقاً لأكثر أصحابنا؛ لذلك؛ و لأنّه مال الغير حصل في يده،فيجب عليه دفعه إلى مالكه،و التعريف وسيلة إلى علمه به،فيجب من باب المقدّمة؛ و لما في تركه من الكتمان المفوّت للحقّ على مستحقّه.

خلافاً للمبسوط (1)،فخصّه بالصورة الأُولى،محتجّاً بأنّ التعريف إنّما وجب لتحقّق شرط التملّك،فإذا لم يقصده لم يجب و يكون مالاً مجهول المالك.

و فيه مع مخالفته لما مرّ نظر؛ لمنع حصر سبب وجوب التعريف فيما ذكر،بل السبب الأقوى فيه هو ما مرّ من وجوب إيصال المال إلى مالكه بأيّ وجه اتّفق.و يفرّق بينه و بين المال المجهول المالك بأنّه لم يقدّر له طريق إلى التوصّل إلى مالكه،بخلاف محلّ الفرض فقد جعل الشارع التعريف طريقاً إليه،كما عرفت من إطلاق النصّ.

ثم إنّ الملتقط بعد التعريف تمام الحول بالخيار بين التملّك مع الضمان كما في بعض الصحاح المتقدّمة،و غيره من المعتبرة.

ففي الخبر:« ينبغي أن يعرّفها سنة في مجمع،فإن جاء طالبها دفعها إليه،و إلّا كانت في ماله،فإن مات كانت ميراثاً لولده و لمن ورثه،فإن لم يجيء لها طالب كانت في أموالهم،هي لهم،و إن جاء طالبها بعد دفعوها إليه» (2).

ص:177


1- المبسوط 3:322.
2- الكافي 5:23/309،الفقيه 3:845/188،التهذيب 6:1197/397،الوسائل 25:465 أبواب اللقطة ب 20 ح 1.

و في آخر:« خيّره إذا جاءك بعد سنة بين أجرها،و بين أن تغرمها إذا كنت أكلتها» (1).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة المعتضدة بفحوى الضمان مع الصدقة،و بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،كما يشعر به كلام صاحب الكفاية (2)حيث نسبه إلى الأصحاب كافّةً.فاحتماله عدم الضمان و كونه على جهة الاستحباب لا وجه له.

و الصدقة بها عن مالكها،كما في النصوص المستفيضة،ففي الخبر القريب من الصحيح بفضالة و أبان المجمع على تصحيح ما يصح عنهما كما حكاه بعض أصحابنا (3)-:عن اللقطة،فقال:« يعرّفها سنة،فإن جاء صاحبها دفعها إليه،و إلّا حبسها حولاً،فإن لم يجيء صاحبها و من يطلبها تصدّق بها،فإن جاء صاحبها بعد ما تصدّق بها إن شاء اغترمها الذي كانت عنده و كان الأجر له،و إن كره ذلك احتسبها و الأجر له» (4).

و في آخر:عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص،إلى أن قال(عليه السّلام):« و إلّا كانت في يده بمنزلة اللقطة يصيبها،فيعرّفها حولاً،فإن أصاب صاحبها ردّها عليه،و إلّا تصدّق بها،فإن جاء صاحبها بعد ذلك خيّره بين الأجر و الغرم،فإن اختار الأجر فله الأجر،و إن اختار الغرم غرم له و كان الأجر له» (5).

ص:178


1- التهذيب 6:1194/396،الوسائل 25:442 أبواب اللقطة ب 2 ح 5.
2- الكفاية:238.
3- رجال الكشي 2:673،831.
4- التهذيب 6:1164/389،الإستبصار 3:228/68،الوسائل 25:441 أبواب اللقطة ب 2 ح 2.
5- الكافي 5:21/308،الفقيه 3:856/190،التهذيب 6:1191/396،الإستبصار 3:440/124،الوسائل 25:463 أبواب اللقطة ب 18 ح 1.

و إبقائها أمانةً موضوعاً في حرز أمثاله كالوديعة،فلا يضمنها إلّا مع التعدي أو التفريط؛ لأنّه حينئذٍ محسن إلى المالك يحفظ ماله و حراسته له،فلا يتعلّق به ضمان؛ لانتفاء السبيل عن المحسنين.

و هذا لم يرد به نصّ كأصل التخيير بينه و بين أحد الأوّلين؛ لظهور النصوص الواردة فيهما في تعيّن أحدهما لا التخيير مطلقاً،إلّا أنّه قيل:

يفهم الإجماع عليه من التذكرة (1).فإن تمّ،و إلّا كان مشكلاً؛ لوقوع الخلاف في توقّف التملك على النيّة أو حصوله قهراً،و عليه لا معنى للإبقاء أمانةً،و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.

و يستفاد من المستفيضة أنّه لو تصدّق الملتقط بها بعد الحول فكره المالك ذلك ضمن الملتقط و لا خلاف فيه ظاهراً، و نفاه في المسالك (2)صريحاً.و جعله في المختلف إجماعاً (3).

ثم إنّ كلّ ذا إذا كانت مأمونة البقاء تمام الحول كالدراهم و الدنانير و نحوهما و لو كانت ممّا لا يبقى بل يفسد عاجلاً كالطعام قوّمها على نفسه عند الوجدان،و ضمنها للمالك و انتفع بها،و إن شاء دفعها إلى الحاكم أوّلاً و لا ضمان عليه حينئذٍ أصلاً،بلا خلاف ظاهر مصرّح به في شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي-(رحمه اللّه) ناقلاً فيه عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه (4).

و هو الحجّة الجامعة بين القاعدة الدالّة على الثاني لأنّ الحاكم وليّ

ص:179


1- قال به في مجمع الفائدة و البرهان 10:461،و هو في التذكرة 2:260.
2- المسالك 2:303.
3- المختلف:449.
4- مجمع الفائدة و البرهان 10:469،و هو في التذكرة 2:259.

الغُيّب،و القويّ بالسكوني و صاحبه الدالّ على الأوّل:عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة،كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها،و فيها سكين،قال:

« يقوّم ما فيها،ثم يؤكل لأنّه يفسد و ليس له بقاء،فإن جاء طالبها غرموا له الثمن» (1)الخبر.

و نحوه آخر:« فإن وجدت طعاماً في مفازة فقوّمه على نفسك لصاحبه ثمّ كله،فإن جاء صاحبها فردّ عليه القيمة» (2).

و ليس في الأوّل كالعبارة التصريح بالتقويم على نفسه؛ لإطلاق التقويم مع عموم مفهوم التعليل فيه الشاملين له و للتقويم على غيره.

و في تقييده بالخبر الثاني إشكال ينشأ من قوّة احتمال ورود الأمر بالتقويم على نفسه على الغالب من تعسّر تقويمه على الغير في المفاوز، و احتمال ورود إطلاق الخبر الأوّل عليه و إن أمكن،إلّا أنّ عموم مفهوم التعليل مع عدم تعقّل الفرق بل القطع بعدمه يدفعه.

و لذا ذكر جماعة (3)التخيير بينهما أيضاً من غير خلاف،و إن اختلفوا في وجوب استئذان الحاكم و عدمه مطلقاً على قولين،فعن التذكرة:

الأوّل (4)،و يعضده أنّ الأصل عدم التسلط على بيع مال محترم إلّا بإذن الشارع أو الصاحب،و لم يثبت جوازه بدون إذنهما.

و اختار بعض الأجلّة الثاني (5)،و يعضده إطلاق الخبر المتقدّم،

ص:180


1- الكافي 6:2/297،الوسائل 25:468 أبواب اللقطة ب 23 ح 1.
2- الفقيه 3:855/190،الوسائل 25:443 أبواب اللقطة ب 2 ح 9.
3- منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 6:165،و الشهيد الثاني في المسالك 2:303،و السبزواري في الكفاية:237.
4- التذكرة 2:259.
5- مجمع الفائدة و البرهان 10:469.

و نحوه الصحيح الوارد في التقاط الجارية:هل يحلّ فرجها لمن التقطها؟ قال:« لا،إنّما يحلّ له بيعها بما أنفق عليها» (1).

و ربما عضده بعض بالأصل،و بأنّ له ولاية التملك و الصدقة بعد التعريف فالبيع بالطريق الأولى،و التعريف ساقط للعذر (2).

و يضعّف الأوّل بما مرّ،و الأولوية بأنّ التملّك و ما بعده إنّما يكونان بالضمان بالقيمة السوقية بعد التعريف لا قبله.و كيف كان فلا ريب أنّ الأوّل أحوط.

كل ذا مع وجود الحاكم،و مع عدمه يتعيّن عليه التقويم،فإن أخلّ به فتلف أو عاب ضمن.

و لو كان ممّا يتلف على تطاول الأوقات لا عاجلاً كالثياب تعلّق الحكم بها عند خوف التلف.و لو افتقر إبقاؤه إلى علاج كالرطب المفتقر إلى التجفيف،أصلحه الحاكم ببعضه،بأن يجعل بعضه عوضاً عن إصلاح الباقي،أو يبيع بعضه و ينفقه عليه وجوباً؛ حذراً من تلف الجميع.و يجب على الملتقط إعلامه بحاله إن لم يعلم،و مع عدمه يتولاّه بنفسه؛ حذراً من الضرر بتركه.

و يكره أخذ الإداوة بالكسر،و هي المِطْهَرة به أيضاً و المِخْصَرَة به أيضاً،و هي كل ما اختصر الإنسان بيده فأمسكه من عصاً و نحوها،قاله الجوهري (3) و النعلين غير الجلد،أو مطلقاً إذا أُخذ في بلاد الإسلام،و إلّا فيحرم التقاطه لكونه ميتة و الشظاظ بالكسر،خشبة

ص:181


1- التهذيب 6:1198/397،الوسائل 25:443 أبواب اللقطة ب 2 ح 8.
2- و هو المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة 10:469.
3- الصحاح 2:646.

محدّدة الطرف تدخل في عروة الجِوالِقَيْن ليجمع بينهما عند حملهما على البعير.و الجمع أشظّة و العصا و الوتِد بكسر الوسط و الحبل و العقال بالكسر،و هو حبل يشدّ به قائمة البعير،و السوط و أشباهه من الآلات التي يعظم نفعها و تصغر قيمتها.

بلا خلاف في أكثرها؛ للصحيح:« لا بأس بلقطة العصا،و الشظاظ، و الوتد،و الحبل،و العقال،و أشباهه» قال:« و قال أبو جعفر(عليه السّلام):ليس لهذا طالب» (1).

و على الأظهر في الجميع،و هو أشهر،بل عليه عامّة من تأخّر.

لا للأصل و الصحيح المزبور كما قيل (2)؛ لضعف الأوّل بعدم دليل عليه،بل قيام الدليل على خلافه؛ لما عرفت من حرمة التصرّف في مال الغير بغير إذن من الشرع.و الثاني باختصاصه بغير محلّ الخلاف.و شموله له بقوله:« و أشباهه» محلّ نظر؛ لخفاء وجه الشبه فيحتمل ما (3)يعم معه له،و كذا التعليل في الذيل.

بل لفحوى الأدلّة الدالّة على جواز التقاط ما عدا محلّ الخلاف ممّا يكثر قيمته؛ مضافاً إلى إطلاق المرسلة المتقدّمة (4)بأفضليّة ترك اللقطة،بل عمومها الشامل لمحلّ البحث؛ مضافاً إلى الاعتضاد بالشهرة العظيمة المحقّقة و المحكيّة في كلام جماعة (5)التي كادت تكون لنا إجماعاً.

ص:182


1- الكافي 5:15/140،الوسائل 25:456 أبواب اللقطة ب 12 ح 1.
2- قاله العلّامة في المختلف:450.
3- في« ح» و« ر» زيادة:لا.
4- في ص:168.
5- منهم السبزواري في الكفاية:237،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 10:472،و المفاتيح 3:177.

خلافاً لصريح الحلبي (1)و ظاهر الصدوقين (2)و الديلمي (3)فحرّموا التقاط الأوّلين و السوط؛ للخبرين،أحدهما:الصحيح المروي في الفقيه (4).

و هو حسن لولا ما قدّمناه من الدليل القابل لصرف النهي فيهما إلى الكراهة كما في نظائرهما،لكنّها هنا أشدّ؛ لقوّة شبهة الخلاف بمصير هؤلاء الأعاظم إلى الحرمة.و من هنا يندفع ما قيل:من عدم وضوح دليل على شدّتها (5).

و يظهر من المفيد أنّ الوجه فيها أنّ فقدها قد يؤدّي إلى هلاك صاحبها؛ لأنّ الإداوة تحفظ ما يقوم به الرمق من الماء،و الحذاء يحفظ رجل الماشي من الزمانة و الآفات،و السوط يسيّر البعير،فإذا تلف خيف عليه العطب (6).

و من شيخنا في المسالك أنّ الوجه في إطلاق النهي عن مسّها كونها من الجلود غالباً،و هي ميتة مع جهالة التذكية (7).

و فيه مناقشة واضحة؛ لورود الإطلاق في بلاد الإسلام،و الجلود فيها محكوم بطهارتها اتّفاقاً،فتوًى و نصّاً،كما مضى.و كذا الوجه الأوّل لا يخلو

ص:183


1- الكافي في الفقه:350.
2- الصدوق في الفقيه 3:188،و حكاه عن والده في المختلف:450.
3- المراسم:206.
4- الفقيه 3:846/188،الوسائل 25:457 أبواب اللقطة ب 12 ح 3،و الآخر في:التهذيب 6:1183/394،الوسائل 25:456 أبواب اللقطة ب 12 ح 2.
5- انظر مجمع الفائدة و البرهان 10:472 474.
6- المقنعة:647.
7- المسالك 2:304.

عن مناقشة ما،و الوجه التعبّد.

و اعلم أنّه يستفاد من تخصيص الماتن الكراهة هنا بهذه الأشياء و سابقاً بلقطة الحرم خاصّة،عدمها في غيرهما.

و هو ضعيف جدّاً،مخالف للإجماع المحقّق،و المحكيّ عن التذكرة كما مرّ إليه الإشارة (1)قطعاً،و لكن الأمر سهل.

و هنا

مسائل ثلاث:
الاُولى:ما يوجد في أرض خربة

مسائل ثلاث:

الاُولى:ما يوجد في أرض خربة قد جلى عنها أهلها بحيث لم يعرفوا أصلاً أو في فلاة أي أرض قفر غير معمورة من أصلها أو تحت الأرض التي لا مالك لها ظاهراً فهو لواجده فيملكه من غير تعريف إجماعاً،إذا لم يكن عليه أثر الإسلام من الشهادتين،أو اسم سلطان من سلاطينه.و على الأقوى مطلقاً وفاقاً للنهاية و الحلي و غيرهما (2)؛ لإطلاق الصحيحين.

في أحدهما:عن الدار يوجد فيها الورق،فقال:« إن كانت معمورة فيها أهلها فهو لهم،و إن كانت خربة قد جلى أهلها،فالذي وجد المال أحقّ به» (3)و نحوه الثاني (4).

و أخصّيتهما عن المدّعى باختصاصهما بالورق و الموجود في الدار الخربة،فلا يعمّان مطلق اللقطة،و لا الموجودة منها تحت الأرض

ص:184


1- التذكرة 2:251،و راجع ص:168.
2- النهاية:320،السرائر 2:101؛ و انظر التحرير 2:129.
3- الكافي 5:5/138،التهذيب 6:1169/390،الوسائل 25:447 أبواب اللقطة ب 5 ح 1.
4- التهذيب 6:1165/390،الوسائل 25:447 أبواب اللقطة ب 5 ح 2.

و المفازة.

مدفوعة بالإجماع المركّب،مع إمكان اندفاع الأخصّية باعتبار الاختصاص بالأرض الخربة باستلزام ثبوت الحكم في لقطتها إيّاه فيما عداها بطريق أولى.

خلافاً للمبسوط،و الفاضل في جملة من كتبه (1)،و جماعة (2)،و نسبه في الروضة (3)إلى الشهرة،فحكموا فيما عليه أثر الإسلام بأنّه لقطة؛ لدلالة الأثر على سبق يد المسلم فيستصحب.

و للجمع بين الصحيحين و الموثّق:« قضى عليّ(عليه السّلام)في رجل وجد ورقاً في خربة أن يعرّفها،فإن وجد من يعرفها،و إلّا تمتع بها» (4)بحمل الأوّلين على ما لا أثر عليه،و الأخير على ما عليه الأثر.

و فيهما نظر؛ لمنع الأوّل بأنّ أثر الإسلام قد يصدر من غير المسلم، نعم هو مخالف للظاهر،لكنّه لا يعارض به الأصل.

و الثاني:أوّلاً:بفقد التكافؤ في الموثق عدداً و سنداً.و ثانياً:بكونه قضيّة في واقعة،فلا يعمّ محلّ الفرض لاحتماله غيره.و ثالثاً:بعدم الشاهد على ذلك الجمع،مع استلزامه حمل الصحيحين على الفرد النادر؛ لورودهما في بلاد الإسلام،و الغالب في لقطتها من الدراهم و الدنانير كونها

ص:185


1- المبسوط 1:236 و 3:338،القواعد 1:199،المختلف:203،التذكرة 2:265.
2- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 2:159،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 6:175،و الشهيد الأوّل في اللمعة(الروضة البهية 7):119،و السيوري في التنقيح 4:120.
3- الروضة 7:120.
4- التهذيب 6:1199/398،الوسائل 25:448 أبواب اللقطة ب 5 ح 5.

مسكوكة بسكّتهم.

مع إمكان الجمع بوجه آخر أوفق بالأصل،و هو حمل الأوّلين على الأحقّية بعد التعريف حملاً للمطلق على المقيّد،لكنّه لا قائل به.

و هو ضعيف كالأوّل بعدم الشاهد عليه عدا ما مرّ من العلّة،و فيها ما عرفته.مع أنّهم جعلوها حجّةً مستقلّةً.

و الشهرة على تقدير تحقّقها ليست بحجّة جامعة فما ظنّك بما إذا كانت محكيّة.

و يستفاد من تقييد الماتن الموجود في الأرض التي لا مالك لها بكونه تحتها،عدم اشتراطه في الأوّلين،بل يملك الموجود فيهما مطلقاً؛ عملاً بإطلاق النصّ و الفتوى.و أمّا غير المدفون في الأرض المزبورة فهو لقطة.

قيل:هذا كلّه إذا كان في دار الإسلام،أمّا في دار الحرب فلواجده مطلقاً (1).

و لم يتعرّض الماتن و كثير هنا لوجوب الخمس في المدفون،مع تصريحهم به في كتابه.و لعلّهم أحالوه إلى الظهور من ثمّة،أو أرادوا بالمدفون هنا ما لا يصدق عليه الكنز عرفاً.و الأوّل هو الظاهر؛ لمنافاة الثاني لإطلاق العبائر.

و لو وجده في أرض لها مالك معروف أو بائع،و لو كان ما وجده فيها مدفوناً عرّفه المالك أو البائع مطلقاً،و لو كان كلّ منهما مالكاً أو بائعاً بعيداً فإن عرفه (2) أحدهما يدفع إليه من غير بيّنة و لا وصف و إلّا يعترفا به كان للواجد على ما ذكره جمع من

ص:186


1- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:304،و الروضة 7:120.
2- في المطبوع من المختصر(262):فهو أحق به.

الأصحاب (1)من غير خلاف يعرف؛ لإطلاق الصحيحين المتقدّمين بالدفع إلى أهل الأرض من دون تقييد باشتراط البيّنة أو الوصف.بل ليس فيهما تقييده بالتعريف،و لكنّه لا أعرف خلافاً فيه.

و لعلّه للجمع بينهما و بين الموثّق كالصحيح:عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة،فوجد فيها نحواً من سبعين ديناراً مدفونة،فلم تزل معه و لم يذكرها حتى قدم الكوفة،كيف يصنع؟قال:« يسأل عن أهل المنزل لعلّهم يعرفونها» قلت:فإن لم يعرفوها،قال:« يتصدّق بها» (2).

لكن ذيله منافٍ لما ذكروه من التملّك مع عدم المعرفة،إلّا أن يحمل على الاستحباب،أو غيره ممّا يجتمع معه.

و ربما يرشد إلى التقييد الصحيح الآتي الوارد في المأخوذ من جوف الدابّة المتضمّن لعين ما ذكروه في المسألة.و إلحاقها به لعلّه من باب تنقيح المناط القطعيّ؛ لعدم تعقّل الفرق بين الأرض و الدابّة في ذلك،فتأمّل.

و إطلاق الحكم بكونه لواجده مع عدم اعترافهما الشامل لما عليه أثر الإسلام و غيره تبعاً لإطلاق النصّ،لكن في التنقيح الإجماع على كون الأوّل لقطة (3).فإن تمّ،و إلّا كما هو الظاهر المستفاد من الروضة و المسالك (4)حيث أجرى الخلاف السابق فيه في المسألة فالإطلاق أصحّ.

و إطلاق العبارة و غيرها بوجوب التعريف هنا يقتضي عدم الفرق بين

ص:187


1- المقنعة:646،النهاية:321،المراسم:206،الشرائع 3:293،القواعد 1:199،التحرير 2:126،اللمعة(الروضة البهية 7):121،جامع المقاصد 6:176،المسالك 2:304.
2- التهذيب 6:1171/391،الوسائل 25:448 أبواب اللقطة ب 5:ح 3.
3- التنقيح 4:121.
4- الروضة 7:121،المسالك 2:304.

القليل و الكثير.و به صرّح في المسالك (1)؛ و لعلّ الوجه فيه مع اختصاص النصّ بالأخير لتضمّنه الدراهم و الدنانير الأصل،و اختصاص ما دلّ على تملّك الأوّل بلا تعريف باللقطة التي ليست منها مفروض المسألة.لكنّه إنّما يصحّ على المختار من عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام و غيره،و لا يصحّ على غيره؛ لكون ما عليه الأثر منها عند القائل بالفرق بينهما.

و حكى في التنقيح (2)قولاً عن الشيخ بكون ما لا أثر فيه لقطة إذا لم يعرفه المالك أو البائع أيضاً.

و يدفعه النصّ جدّاً.

و كذا ما يجده في جوف دابّة مملوكة،عرّفه مالكها كما مضى؛ لسبق يده،و ظهور كونه من ماله دخل في علفها؛ لبعد وجوده في الصحراء و اعتلافه.فإن عرفه المالك،و إلّا فهو لواجده.

للصحيح:عن رجل اشترى جزوراً أو بقرةً للأضاحي،فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة،فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة،أو غير ذلك من المنافع،لمن يكون ذلك؟و كيف يعمل به؟فوقّع(عليه السّلام):« عرّفها البائع،فإن لم يعرفها فالشيء لك،رزقك اللّه تعالى إيّاه» (3).

و إطلاقه كالعبارة و نحوها عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام و غيره.

خلافاً للمختلف و الروضة و غيرهما (4)،فقالوا في الأوّل بأنّه لقطة؛

ص:188


1- المسالك 2:304.
2- التنقيح الرائع 4:121.
3- الكافي 5:9/139،الفقيه 3:853/189،التهذيب 6:1174/392،الوسائل 25:452 أبواب اللقطة ب 9 ح 1 و 2.
4- المختلف:451،الروضة 7:122؛ و انظر جامع المقاصد 6:177.

لما مرّ مع جوابه،مع أنّ الأوّلين احتملا الإطلاق هنا،قال ثانيهما:لإطلاق النصّ و الفتوى.و ظاهره إطباق الفتاوى على عدم الفرق هنا،و لكن ظاهره في المسالك (1)وقوع الخلاف المتقدّم هنا أيضاً.

و لو وجده في جوف سمكة،قال الشيخ في النهاية،و المفيد و القاضي،و ابن حمزة (2): أخذه بلا تعريف و عليه المتأخّرون كافّةً.

خلافاً للديلمي و الحلّي (3)خاصة فهو كالمأخوذ من جوف الدابّة.

و ظاهر العبارة التردّد في ذلك،و يبنى الخلاف على الاختلاف في اشتراط النيّة في تملّك المباحات و عدمه.فعلى الأوّل يقوّى الأوّل؛ لأنّ المحيز إنّما قصد تملّكها خاصّةً لعدم علمه بما في بطنها،فلم يتوجّه قصده إليه.و على الثاني يقوّى الثاني كما هو واضح.

و احتمل في المختلف و التنقيح (4)قوّته على الأوّل أيضاً،قالا:لأنّه قصد ملك هذه الجملة،و ما في بطنها كأنّه جزء منها.لكنّهما ضعّفاه،قال أوّلهما بعد البناء و ما يترتّب عليه من القولين-:إلّا أنّ أصحابنا لم يفتوا بالتملّك له مع عدم المعرفة،و هو يدلّ على بطلان هذا القسم عندهم، و بقي الوجه الأوّل.و أشار به إلى عدم اشتراط النيّة في التملّك،و عبارته ظاهرة في انعقاد الإجماع عليه.و عليه فالمذهب الأوّل؛ لكون المأخوذ مباحاً في الأصل،فإذا حيز مع النيّة ملك،هذا.

ص:189


1- المسالك 2:304.
2- النهاية:321،المفيد في المقنعة:647،القاضي في المهذّب 2:569،ابن حمزة في الوسيلة:279.
3- المراسم:206،السرائر 2:106.
4- المختلف:451،التنقيح 4:122.

مضافاً إلى اعتضاده بالنصوص المستفيضة المرويّة في الوسائل في الباب عن الكافي (1)،و قصص الأنبياء (2)،و الأمالي (3)،و تفسير مولانا العسكري (4)؛ لتضمّنها تقريرهم(عليهم السّلام)لكثير في تصرّفهم فيما وجدوه في جوفها بعد الشراء من دون تعريف،على ما هو الظاهر منها.و أسانيدها و إن كانت قاصرة إلّا أنّها بالشهرة منجبرة،فلا وجه للقول الثاني.

نعم يتوجّه فيما لو كانت السمكة محصورة في ماء تعلف كما ذكره الشهيدان (5)؛ لعين ما ذكر في الدابّة أوّلاً.و منه يظهر أنّ المراد بها الأهليّة كما يظهر من الرواية،فلو كانت وحشيّةً لا تعتلف من مال المالك فكالسمكة.

و به صرّح في التنقيح (6)و المختلف،قال فيه:و لما كانت الأحكام الشرعيّة غالباً منوطة بالغالب دون النادر-(و الغالب) (7)فيما تبلعه الدابة أنّه من دار البائع،و فيما تبلعه السمكة أنّه من البحر أوجب الشارع التعريف في الأوّل للبائع دون الثاني،حتّى أنّا لو عرفنا مضادّ الحال في البابين حكمنا بضدّ الحكمين.و لو أنّ البائع قد اشترى الدابّة ثم في ذلك الآن بعينه باعها لم يجب تعريفه،و عرّف البائع قبله.و لو أنّ السمكة محصورة في

ص:190


1- الكافي 8:585/385،الوسائل 25:453 أبواب اللقطة ب 10 ح 1.
2- قصص الأنبياء:224/184 و 229/185،الوسائل 25:453 أبواب اللقطة ب 10 ح 2 و 3.
3- أمالي الصدوق:3/367،الوسائل 25:454 أبواب اللقطة ب 10 ح 4.
4- تفسير الإمام العسكري(عليه السّلام):/604 ضمن الحديث 357،الوسائل 25:454 أبواب اللقطة ب 10 ح 5.
5- اللمعة(الروضة البهية 7):123.
6- التنقيح الرائع 4:122.
7- ما بين القوسين أثبتناه من« ح» و المصدر لاستقامة العبارة.

بركة في دار إنسان وجب أن يعرّف بما في بطنها (1).انتهى.

الثانية:ما وجده في صندوقه،أو داره

الثانية:ما وجده في صندوقه،أو داره المختصّين بالتصرّف فيهما فهو له.و لو شاركه في التصرّف غيره كان كاللقطة عرّفه سنةً إذا عرّفه الشريك أوّلاً و أنكره بلا خلاف فيهما ظاهراً؛ لدلالة الصحيح عليهما منطوقاً و مفهوماً.

و فيه:« رجل وجد في بيته ديناراً،قال:« يدخل منزله غيره؟» قلت:

نعم كثير،قال:« هذه لقطة» قلت:فرجل وجد في صندوقه ديناراً،قال:

« فيدخل أحد يده في صندوقه غيره،أو يضع فيه شيئاً؟» قلت:لا،قال:

« فهو له» (2)هذا.

مع شهادة الظاهر في صورة عدم المشارك بأنّه له و قد يعرض له النسيان،لكنّه يختصّ بما إذا لم يقطع بانتفائه عنه،و مع القطع به يشكل، و لذا قيل:بأنّه حينئذٍ لقطة أيضاً،كصورة المشارك مع الإنكار (3).

و هذا أيضاً مشكل بعد إطلاق النصّ و الفتوى،مع عدم صدق اللقطة على مثله ظاهرا.فمتابعة الإطلاق لعلّها أولى،و لا ينافيه القطع بالانتفاء، فقد يكون شيئاً بعثه اللّه تعالى و رزقه إيّاه.

و إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق في الحكم بكونه لقطة مع المشارك بين المنحصر منه و غير المنحصر.و الوجه فيه ظاهر؛ لأنّه بمشاركة غيره لا يد له بخصوصه،فتكون لقطة.و أمّا مع انحصار المشارك؛

ص:191


1- المختلف:451.
2- الكافي 5:3/137،الفقيه 3:841/187،التهذيب 6:1168/390،الوسائل 25:446 أبواب اللقطة ب 3 ح 1.
3- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:305.

فلأنّ المفروض أنّه لا يعرفه الواجد،فلا يملكه بدون التعريف سنة.

قيل:و يحتمل قويّاً كونه له مع تعريف المنحصر خاصّة؛ لأنّه بعدم اعتراف المشارك يصير كما لا مشارك له فيه (1).

و هو حَسَنٌ يمكن تنزيل إطلاق النصّ و الفتوى عليه.

و لا فرق في وجوب تعريف المشارك هنا بين ما نقص عن الدرهم و ما زاد؛ للإطلاق،و لاشتراكهم في اليد بسبب التصرّف.

قيل:و لا يفتقر مدّعيه منهم إلى البيّنة و لا الوصف؛ لأنّه مال لا يدّعيه أحد.و لو جهلوا جميعاً أمره فلم يعترفوا به و لم ينفوه،فإن كان الاشتراك في التصرّف خاصّةً فهو للمالك منهم،و إن لم يكن فيهم مالك فهو للمالك،و إن كان الاشتراك في الملك و التصرّف فهم فيه سواء (2).

و دليل بعض ما ذكر غير واضح.

الثالثة:لا يملك اللقطة بحول الحول و إن عرّفها

الثالثة:لا يملك اللقطة بحول الحول و إن عرّفها سنةً ما لم ينو التملّك على الأشهر بين المتأخّرين،بل مطلقاً كما في المختلف و الروضة و الكفاية (3)؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن.

و للصحيح (4)المتضمّن للأمر بجعلها في عرض المال بعد التعريف، مع عدم التصريح فيه بجعله مالاً،فيكون ظاهراً في الأمر بجعلها أمانة.

و الخبر:« من وجد شيئاً فهو له،فليتمتع به حتّى يأتيه طالبه،فإذا جاء طالبه ردّه إليه» (5)لإيجابه ردّ العين بعد التصرّف،و ليس ذلك قبل

ص:192


1- الروضة 7:124.
2- قال به الشهيد الثاني في الروضة 7:125.
3- المختلف:450،الروضة 7:126،الكفاية:238.
4- الكافي 5:11/139،الوسائل 25:444 أبواب اللقطة ب 2 ح 10.
5- الكافي 5:10/139،التهذيب 6:1175/392،الوسائل 25:447 أبواب اللقطة ب 4 ح 2.

الحول إجماعاً؛ لتحريم التصرّف فيه،بل بعده،فهو ظاهر في كونه عنده أمانةً،و لو حصل الملك قهراً لما كان لجعلها أمانةً معنى.

و في الجميع نظر؛ للزوم الخروج عن الأوّل بما يأتي،و قصور دلالة الخبرين،مع ضعف الثاني،و مخالفة إطلاقه الإجماع من حيث تجويزه الانتفاع مطلقاً من دون تقييد له بالتعريف سنةً و حول الحول،و ذلك لأنّ الأمر بجعله في عرض المال غير صريح،بل و لا ظاهر في جعله أمانةً، كيف لا و هو أمانة أيضاً سابقاً،مع ما في ذيله من قوله(عليه السّلام):« يجري عليها ما يجري على مالك» الظاهر في جريان جميع أحكام ماله عليه و من جملتها وجوب الزكاة عليه بعد حول الحول إذا كانت نقداً.و هذا إحدى ثمرات النزاع التي رتّبت عليه،فهو دليل للملك قهراً،لا لما ذكروه،كما لا يخفى.

و أمّا ما يستفاد من الروضة (1)من أنّ وجه الاستدلال بهذه الرواية أنّ الأمر بجعلها في عرض المال أمر أقلّه الإباحة،فيستدعي أن يكون المأمور به مقدوراً بعد التعريف و عدم مجيء المالك،و هو لا يجتمع مع الملك قهراً.فهو إنّما يتمّ لو كان المأمور به جعلها مالاً،و ليس،فإنّ جعلها في عرض المال غيره،كما صرّح به في المختلف (2)،و لذا لم يجعل وجه الاستدلال به ذلك،بل ما عقّبناه [عيناه] به.

@و الأمر بردّ العين في الأخير لا يختص بكونها أمانةً» بل يجتمع مع الملك سابقاً قهرياً كان أو اختياراً،و لذا أنّ بعضاً من الأصحاب القائلين بالملك الاختياري أوجب ردّ العين بعينها بعد مطالبة المالك لها،قائلاً:إنّ

ص:193


1- الروضة 7:127.
2- المختلف:450.

الملك السابق ملك متزلزل مراعىً ليس مستقرّاً (1)،فلا دلالة في الخبر على ذلك أصلاً،سيّما مع الحكم فيه أوّلاً بأنّه له يتمتّع به،الظاهر في ثبوت الملك له جدّاً.

@ و بالجملة الاستدلال بهذه الأدلّة كما ترى.

و نحوه الاستدلال بالصحيح:« يعرّفها سنةً،فإن لم يعرفها حفظها في عرض ماله،حتّى يجيء صاحبها فيعطيها إيّاه،و إن مات أوصى بها،و هو ضامن» (2)و لو كان مالكاً لها قهراً لكان له التصرّف فيها كيف شاء،و لم يأمره بحفظها.

و ذلك لقوّة احتمال أن يكون قوله(عليه السّلام):« فإن لم يعرف» بالتشديد، و لا كلام فيه،لا بالتخفيف المبنيّ عليه الاستدلال.

و قيل كما عن الشيخين و الصدوقين و الحلي (3):إنّه يملك ها بمضيّ الحول بعد التعريف،مدّعياً الأخير الإجماع عليه من الأصحاب و تواتر الأخبار.و ليس ببعيد عن الصواب؛ تعويلاً على ما ذكره من الإجماع و الأخبار؛ لتضمّن كثير منها أنّها بعد التعريف كسبيل ماله،الظاهر في ذلك على الظاهر المصرّح به في الروضة و المختلف (4).

و الجواب عنها بأنّ التشبيه لا يقتضي الاتّفاق في جميع الأحكام و إلّا لكان هو هو،و ليس،بل يكفي في مطلق التشبيه الاتّفاق في بعضها،و هو

ص:194


1- جامع المقاصد 6:169.
2- الفقيه 3:840/186،مسائل علي بن جعفر:265/165،قرب الإسناد:1072/269،الوسائل 25:444 أبواب اللقطة ب 2 ح 13.
3- المفيد في المقنعة:346،الطوسي في النهاية:320،الصدوق في المقنع:127،و حكاه عن والد الصدوق في المختلف:449،الحلي في السرائر 2:103.
4- الروضة 7:129،المختلف:450.

هنا جواز التصرّف فيه بأحد الأُمور الثلاثة المتقدّم ذكرها.

مدفوع بما حقّق في محلّه من اقتضاء التشبيه الاتّفاق في الجميع، إلّا أن يكون فيها فرد متبادر فينصرف إليه،و ليس محلّ الفرض من المستثنى.

و دعوى استلزام الاتّفاق في الجميع الاتّحاد غريب واضح الفساد؛ لكفاية استناد التغاير إلى أمر آخر غير الأحكام من نحو تغاير الماهيّة أو غيرها.

و دعوى المختلف (1)وهن الإجماع بمصير أكثر الأصحاب إلى الخلاف غريبة بعد نقله هو بنفسه هذا القول عمّن حكيناه عنه،و القول الأوّل عن الشيخ في الكتابين و الحلبي مقتصراً عليهما.و لا ريب أنّ الأوّلين أكثر عدداً بالنسبة إليهما.مع أنّ الشيخ قال بهذا القول في قوله الآخر (2)، فبقي الثاني خاصّة،فمع ذلك كيف يمكن دعوى الأكثريّة،بل الأنسب العكس كما اتفق لشيخنا في الدروس،حيث قال بعد نقل القولين -:و الروايات محتملة للقولين،و إن كان الملك بغير اختياره أشهر،و قال:

و تظهر الفائدة في اختيار الصدقة و النماء المتجدّد و الجريان في الحول و الضمان.ثمّ هل يملكها بعوض يثبت في ذمّته،أو بغير عوض ثمّ يتجدّد بمجيء مالكها؟في الروايات احتمال الأمرين،و الأقرب الأوّل،فيلحق بسائر الديون (3).

و اعلم أنّ في أصل المسألة قولاً ثالثاً طرف النقيض للثاني،و هو احتياج التملّك إلى النيّة و التلفّظ كما عن الشيخ و غيره (4).و دليله غير واضح و إن كان أحوط،و بعده الأحوط [فالأحوط] القول الأوّل،فتأمّل.

ص:195


1- المختلف:450.
2- النهاية:320.
3- الدروس 3:88.
4- الشيخ في الخلاف 3:584،و انظر التذكرة 2:261.
الفصل الثاني في بيان الملتقط

الفصل الثاني في بيان الملتقط للمال مطلقاً،و هو: من له أهلية الاكتساب، فلو التقط الصبي و المجنون جاز في المشهور بين الأصحاب،وفاقاً للشيخ (1)قاطعاً به،بل لا يكاد يتحقّق فيه مخالف صريحاً،و لم ينقل،كما صرّح به في المسالك (2)،لكن كلماته في مواضع يومئ إلى وقوع الخلاف فيه،و به صرّح في الكفاية (3)و المفاتيح،فقال:يشترط في الملتقط أهلية الاكتساب عند قوم،و أهلية الحفظ عند آخرين،و إحدى الأهليّتين عند ثالث (4).

و لم أقف على أرباب القولين الأخيرين عدا الماتن في الشرائع، حيث صرّح في تعريف الملتقط بثانيهما (5)،و تردّد في التقاط الصبي و المجنون للضالة في بحثها (6).و لعلّ نظر القائلين للخلاف إليه في المقامين،و إلّا فلم أقف على من عداه في البين.و ما أبعد ما بين هذا و بين ما ذكره الناقل الثاني من مصير قوم إلى التفسير الثاني في كلامه.

و كيف كان،فالتحقيق أن يقال:إمّا أن يراد بجواز التقاط غير المكلّف ما يقابل الحرمة بمعنى إباحته له،أو يراد به ترتّب أحكام اللقطة عليه من التملك أو التصدّق بها بعد التعريف،و خروجها بذلك عن الأمانة المحضة.

ص:196


1- المبسوط 3:324.
2- المسالك 2:301.
3- الكفاية:238.
4- مفاتيح الشرائع 3:183.
5- الشرائع 3:294.
6- الشرائع 3:290.

و لا معنى للجواز بالمعنى الأوّل؛ لكونه من صفات التكليف،و ليس غير المكلف أهلاً له و إن كان حكمه ثابتاً له،فتعيّن إرادة الثاني،و لا دليل عليه؛ لاختصاص النصوص المثبتة لأحكام اللقطة المزبورة بالمكلّف بحكم التبادر؛ و تضمّنِها الأمر بالحفظ أو التصدّق أو التملّك،و هو لا يتوجّه إلى غيره.فالحكم بالجواز مشكل بعد اقتضاء الأصل العدم.

و يمكن أن يقال:إنّ وجه الإشكال المزبور مقتضٍ لاعتبار الأهليّتين معاً،و ليس هو لأحد قولاً،فيكون للإجماع مخالفاً،فينبغي ترجيح أحد الأقوال المتقدّمة على تقدير ثبوتها.و لا ريب أنّ المشهور منها أولى؛ لما عرفت من عدم مخالف صريح فيه أو كونه نادراً،فتأمّل.

و عليه يتولّى الولي الحفظ و التعريف فيما يفتقر إليهما، ثم يفعل لهما ما هو الأغبط لهما من التملّك و الصدقة و الإبقاء أمانةً إن قلنا به.

و في جواز التقاط المملوك من دون إذن مولاه تردّد و اختلاف،فبين من حكم بالمنع عنه كالإسكافي (1)؛ للخبر الماضي (2)في المنع عن التقاطه اللقيط الصريح في ذلك،مضافاً إلى الأصل،و اختصاص ما دلّ على جواز الالتقاط بغيره إمّا للتبادر أو لتصريح كثير من النصوص المتقدّمة،مع الفتاوى بجواز التملك و الصدقة بعد التعريف،و ليس أهلاً للأمرين إجماعاً في الثاني؛ لمكان الحجر عليه (3)،و على الأصحّ الأشهر في الأوّل بناءً على عدم قابليّته للملك.

ص:197


1- حكاه عنه في المختلف:453.
2- المتقدم في ص:142.
3- في«ر» و«ح» زيادة:في مطلق التصرف.

و بين من قال بالضدّ،و نسبه في المختلف إلى المشهور (1)،و منهم الماتن لقوله: أشبهه الجواز لأنّ المملوك له أهلية الاستئمان لأنّه أهل للوديعة و غيرها من الأمانات،و أهلية الاكتساب لجواز اكتسابه بالاحتطاب و الاحتشاش و الاصطياد و إن كان المتملّك هو المولى؛ لأنّ كسبه له، و المسألة كسابقتها محل إشكال.

و كذا الكلام في التقاط المكاتب مطلقاً و المدبّر و أُمّ الولد منعاً و جوازاً،و لكن احتمال الحكم بالأخير في المكاتب أقوى كما لا يخفى.هذا في غير لقطة الحرم،و أمّا فيها فجائز أخذها للعبد،كما في الدروس معلّلاً بأنّها أمانة،حاكياً عن الفاضل نفي الخلاف عنه (2).

الفصل الثالث في الأحكام المتعلقة بالمقام و هي ثلاثة:
الأوّل:لا تدفع اللقطة إلى مدّعيها وجوباً إلّا بالبيّنة

الفصل الثالث في الأحكام المتعلقة بالمقام و هي ثلاثة:

الأوّل:لا تدفع اللقطة إلى مدّعيها وجوباً إلّا بالبيّنة العادلة،أو الشاهد و اليمين،أو العلم بأنّه له و لا يكفي الوصف إجماعاً إذا لم يورث ظنّاً،بل عن الحلي (3)عدم كفايته مطلقاً؛ لاشتغال الذمّة بحفظها و إيصالها إلى مالكها،و لم يثبت(كون) (4)الوصف(حجّة) (5)و الواصف به مالكاً.

و قيل كما عن الشيخ (6):إنّه يكفي في الأموال الباطنة (7)،و هو

ص:198


1- المختلف:453.
2- الدروس 3:93،و هو في التذكرة 2:254.
3- السرائر 2:111.
4- ما بين القوسين أثبتناه من«ر» و«ح».
5- ما بين القوسين أثبتناه من«ر» و«ح».
6- المبسوط 3:329،الخلاف 3:587.
7- في«ر» و«ح» و المطبوع من المختصر زيادة:كالذهب و الفضّة.

حسن و غير خالٍ عن القوّة إذا أفاد المظنّة،كما هو الغالب في وصفها، وفاقاً للأكثر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ لأنّ مناط أكثر الشرعيّات الظن، فيلحق المقام به إلحاقاً له بالأعمّ الأغلب؛ و لتعذّر إقامة البيّنة في الأغلب، فلولاه لزم عدم وصولها إلى مالكها كذلك.

و في كثير من النصوص إرشاد إليه،ففي الصحيح في ملتقط الطير و واجده:«و إن جاءك طالب لا تتّهمه ردّه عليه» (1).

و نحوه الخبر الطويل المتضمن لتقرير مولانا الصادق(عليه السّلام)ملتقط الدنانير الدافع لها إلى من وصفها من دون بيّنة على ذلك (2).

و قريب منهما النبوي المقبول (3).و ظاهره كالصحيح و سابقه و إن كان وجوب الدفع،إلّا أنّ الفتاوى مطبقة على التعبير بالجواز،و به صرّح في المسالك مدّعياً عليه دون الوجوب إجماع الأصحاب (4).

و به و بسابقه يصرف الأمر في الخبرين عن ظاهره،مع قوّة احتمال عدم دلالته فيهما على الوجوب من أصله بوروده مورد توهّم حظر الدفع و حرمته.فلا إشكال في عدم وجوبه،كما لا إشكال في جوازه؛ لندرة القائل بخلافه؛ و قيام الدليل على فساده.

و عليه فلو أقام غير الواصف بها بيّنة بعد دفعها إليه استعيدت منه بلا خلاف؛ لأنّ البيّنة حجة شرعيّة بالملك،و الدفع بالوصف إنّما كان

ص:199


1- في«ص»:و إن جاءك طالب فلا تتّهمه.و ما أثبتناه من«ر» و«ح» و المصدر،التهذيب 6:1186/394،الوسائل 25:461 أبواب اللقطة ب 15 ح 1.
2- الكافي 5:6/138،التهذيب 6:1170/390،الوسائل 25:449 أبواب اللقطة ب 6 ح 1.
3- سنن البيهقي 6:185 186.
4- المسالك 2:308.

رخصةً و بناءً على الظاهر.فإن تعذّر انتزاعها من الواصف ضمن الدافع لذي البيّنة مثلها أو قيمتها؛ لإتلافه لها عليه بالدفع.

و لا ينافيه الرخصة له من الشرع فيه؛ لأنّ غايتها دفع الإثم،و هو لا يستلزم نفي الضمان مع عموم دليل ثبوته من نحو قوله:«على اليد» و غيره من أدلّته،كما ثبت نظيره في الإذن في التصرّف في اللقطة بعد التعريف مع الضمان بظهور المالك.

فإذا ضمن رجع على القابض بما غرم؛ لمباشرته الإتلاف؛ و لأنّه عادٍ بادّعائه ما ليس له،فيستقرّ الضمان عليه،إلّا أن يعترف الدافع له بالملك، فلا يرجع عليه لو رجع عليه؛ لاعترافه بكون ذي البيّنة الآخذ منه عاديا عليه ظالماً.

الثاني:لا بأس بجعل الآبق فإن عيّنه لزم بالردّ

الثاني:لا بأس بجعل الآبق و أخذ مالٍ لردّه و نحوه إجماعاً، فتوًى و نصّاً فإن عيّنه المالك كأنْ قال:من ردّ عبدي مثلاً فله كذا لزم بالردّ مع عدم قصد التبرع كائناً ما كان بلا كلام و لا إشكال،كما في المسالك و شرح الشرائع للصيمري (1)مؤذنين بدعوى الإجماع عليه.و يدلّ عليه عموم:«المؤمنون عند شروطهم» (2).

و إن لم يعيّن الجعل بأن قال:من ردّ عبدي فله عليّ شيء،أو عوض،و أبهم ففي ردّ العبد من المصر الذي فيه مالكه إليه دينار قيمته عشرة دراهم.

و من خارج البلد الذي هو فيه سواء كان من مصر آخر أم

ص:200


1- المسالك 2:183،غاية المرام 3:453.
2- التهذيب 7:1503/371،عوالي اللئلئ 3:77/217،الوسائل 21:276 أبواب المهور ب 20 ح 4،المستدرك 13:301 أبواب الخيار ب 5 ح 7.

لا أربعة دنانير قيمتها أربعون درهماً على رواية مسمع بن عبد الملك،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام):«إنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)جعل في الآبق ديناراً إن أخذه في مصره،و إن أخذه في غيره فأربعة دنانير» (1).

و هي و إن كانت ضعيفة السند بجماعة (2)،و المتنِ بمخالفة القاعدة الدالّة على ثبوت اجرة المثل فيما له اجرة في العادة،و عدم شيء فيما لا اجرة له،إلّا أنّها يعضدها (3)الشهرة المتقدّمة و المتأخّرة حتى من الحلي (4)الغير العامل بأخبار الآحاد الغير المحفوفة بالقرائن القطعية، لكنّه خصّها بصورة ذكر الجعل مبهماً،كما نزّلنا عليه العبارة.

و نسبه الشهيد في الدروس و الصيمري في شرح الشرائع (5)إلى المتأخّرين كافّة.و نسب الأوّل كالمختلف (6)العمل بإطلاق الرواية الشامل لما لم يذكر جعل بالكلية و لم يستدع الردّ بالمرّة إلى ظاهر النهاية و المقنعة و الوسيلة (7).

و ما عليه الحلي و تابعوه في غاية القوة؛ عملاً بالقاعدة؛ و اقتصاراً في تخصيصها بالرواية على ما تحقّق فيه منها جبر بالشهرة،و ليس في محل

ص:201


1- التهذيب 6:1203/398.
2- هم:محمّد بن الحسن بن شمون،و عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصمّ،و سهل بن زياد،ضعّفهم أصحاب الرجال،لاحظ رجال الكشي 2:584/613،رجال النجاشي:490/185 و 566/217 و 899/335،رجال الطوسي:20/436،الفهرست:329/80.
3- في المطبوع من المختصر(262):يؤيّدها.
4- السرائر 2:109.
5- الدروس 3:97،غاية المرام 3:454.
6- المختلف:454.
7- النهاية:323،المقنعة:648،الوسيلة:277.

البحث بلا شبهة.

و إطلاقها كالعبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في وجوب المقدّر بين نقصانه عن قيمة العبد و عدمه.و به صرّح الماتن في الشرائع و الفاضل في التحرير (1).

و استشكل في القواعد (2)و الروضة،بل قال فيها:و ينبغي حينئذٍ أن يثبت على المالك أقلّ الأمرين من قيمته و المقدّر شرعاً.و مبنى الرواية على الغالب من زيادة قيمته كثيراً (3).

و هو حَسَنٌ،لكن في كلام الصيمري أنّ الإطلاق مشهور بين الأصحاب،فيمكن جعل الشهرة قرينة على إرادة الفرد النادر.و فيه إشكال.

و ظاهر النص و الفتوى وجوب دفع المقدّر لا استحبابه.و نسبه في المختلف (4)إلى الأشهر.

خلافاً للمبسوط (5)فنزّل الرواية على الفضيلة،و حجّته غير واضحة عدا العمل بالقاعدة،و ترك أصل الرواية.و هو حَسَنٌ لولا ما عرفت من الشهرة الجابرة.فهو ضعيف و إن اختاره شيخنا في المسالك و الروضة و بعض من تبعه (6)،فحكموا بلزوم الأُجرة دون المقدّر في الرواية.

ثم إنّ مورد العبارة و الرواية العبد خاصّة، و لكن ألحق به

ص:202


1- الشرائع 3:164،التحرير 2:122.
2- القواعد 1:200.
3- الروضة 4:450.
4- المختلف:454.
5- المبسوط 3:333.
6- المسالك 2:185،الروضة 4:448؛ و انظر الكفاية:233.

الشيخان و الحلي و غيرهم (1) البعير و نسبه في المختلف (2)إلى الأكثر.و يظهر من المفيد-(رحمه اللّه) أنّ به رواية؛ لأنّه قال:بذلك ثبتت السنّة.

و فيه إشكال،و لعلّ المصير إلى القاعدة أجود وفاقاً لجماعة (3).

و أما فيما عداهما فتتعيّن أُجرة المثل إذا كان العمل ممّا له اجرة في العادة و ذكر المالك لها و لو مبهمة؛ عملاً بالقاعدة المتقدّمة،مع أنّه إجماعي كما صرّح به بعض الأجلة.فلا إشكال فيه،كما لا إشكال في عدم لزوم شيء مع فقد الشرطين،أو تبرّع العامل بعمله؛ لأصالة البراءة.

الثالث:لا يضمن الملتقط في الحول و بعده لقطةً و لا لقيطاً

الثالث:لا يضمن الملتقط في الحول و بعده لقطةً و لا لقيطاً و لا ضالّةً ما لم يفرّط أو يتعدّى،بلا خلاف في شيء من حكمي المستثنى منه و المستثنى،و لا إشكال فيهما أصلاً.

و من التعدي أخذها بنيّة التملك قبل الوقت المشروع للتملك فيه في أثناء الحول كانت أو ابتداء لكون اليد حينئذٍ عارية مستعقبة للضمان إجماعاً.و كذا ترك التعريف حيث يجب عليه مطلقاً و إن لم ينوِ التملك،بل الحفظ خاصّة.

و ليس منه الأخذ بنيّة الحفظ دائماً مع المواظبة على التعريف سنةً، و لا الأخذ ليعرّفها سنةً و يتملّكها بعدها،فإنّها أمانة فيها إذا عرّفها،و يجوز له التملّك بعدها مع الضمان،كما مضى.

و في ثبوته بعد الحول بمجرد نيّة التملك السابقة أو توقفه على نية

ص:203


1- المفيد في المقنعة:648،الطوسي في النهاية:323،الحلي في السرائر 2:109،الشهيد في اللمعة(الروضة 4):448.
2- المختلف:455.
3- الخلاف 3:589،المبسوط 3:332،كشف الرموز 2:415 416،التنقيح الرائع 4:128.

اخرى له متجدّدة وجهان على القول بافتقار التملّك بعد التعريف إليها.

و على القول بحصوله بعده قهراً فالضمان بعد مضيّ الحول متعيّن جدّاً.

و حيث ثبت الضمان بموجبه من نيّة التملك قبل الحول أو ترك التعريف لم يزل بزواله من نيّة الحفظ و الأخذ في التعريف؛ استصحاباً لما ثبت من حاله سابقاً.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ العين لا تخرج بالتقاطها قبل الحول عن ملك مالكها،فالنماء المتجدّد في أثنائه للمالك مطلقاً،متصلاً كان أو منفصلاً.

و أقرب الوجهين و أظهرهما أنّه يتبع العين مطلقاً،و لا يشترط لتملّكه حول بانفراده بعد إكمال حول أصله.

و إطلاق العبارة و سائر الفتاوى بكون اللقطة مع عدم التفريط أمانة يقتضي عدم الفرق فيها بين لقطة الحرم و غيرها.

و هو حسن إن قلنا بعدم الفرق بينهما حكماً،و أمّا على القول بالفرق بينهما كراهةً في الثانية و حرمةً في الأُولى فمشكل جدّاً.بل الأوفق بالأُصول عدم كون لقطة الحرم أمانة؛ لكون اليد الآخذة لها عادية من حيث النهي عن التقاطها فلا إذن لها في التصرّف فيها أصلاً،فتأمّل جدّاً.

ص:204

كتاب المواريث

اشارة

كتاب المواريث هو أعم من الفرائض مطلقاً إن أُريد بها المفروض بالتفصيل،و إن أُريد بها ما يعمّ الإجمال كإرث اولي الأرحام فهو بمعناه،و من ثم كان التعبير بما هنا أولى من التعبير بالفرائض.

و الأصل فيه بعد الإجماع الكتاب و السنّة،قال سبحانه:

يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [1] إلى آخر الآيتين (1).

و في النبوي:«تعلّموا الفرائض و علّموها الناس،فإنّي امرء مقبوض، و إنّ العلم سيقبض،و تظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما» (2).

قيل:و ذلك لابتناء مسائل الفرائض على أُصول غير عقليّة،و عدم اشتمال القرآن على جميعها،و لأهل البيت(عليهم السّلام)فيها أُصول باينوا بها سائر الفِرَق،و هم أدرى بما في بيت النبي(صلّى اللّه عليه و آله) (3).

و فيه أيضاً:«تعلّموا الفرائض،فإنّها من دينكم،و إنّه نصف العلم، و إنّه أوّل ما ينتزع من أُمّتي» (4).

و قد ذكروا في توجيه التنصيف وجوهاً كلّها تعسّفات.

ص:205


1- النساء:11،12.
2- سنن البيهقي 6:208،الوافي 25:701.
3- مفاتيح الشرائع 3:300.
4- سنن البيهقي 6:209،الوافي 25:701.

و النظر فيه يكون في المقدّمات،و المقاصد،و اللواحق

و المقدّمات ثلاث

الاُولى:في بيان موجبات الإرث

و المقدّمات ثلاث:

الاُولى:في بيان موجبات الإرث و أسبابه و هي:نسب و سبب،فالنسب هو الاتّصال بالولادة بانتهاء أحد الشخصين إلى الآخر، كالأب و الابن،أو بانتهائهما إلى ثالث مع صدق اسم النسب عرفاً على الوجه الشرعي.

و هو ثلاث مراتب: لا يرث أحد من المرتبة التالية مع وجود واحد من المرتبة السابقة خال من موانع الإرث.

فالأُولى: الأبوان من غير ارتفاع و الولد و إن نزل بشرط الترتيب،الأقرب فالأقرب.

و بعدها الأجداد و الجدّات و إن علوا مرتّبين و الإخوة و الأخوات و أولادهم مع فقدهم و إن نزلوا كذلك.

و بعدهما الأعمام و العمّات و الأخوال و الخالات، و أولادهم مع فقدهم و إن نزلوا،ثم أعمام الأبوين،و عمّاتهما،و أخوالهما، و خالاتهما،و أولادهم مع فقدهم و إن نزلوا كذلك،ثم أعمام الجدّ و الجدّة، و عمّاتهما،و أخوالهما،و خالاتهما،و أولادهم مع فقدهم و إن نزلوا،الأقرب فالأقرب،و هكذا إلى سائر الدرجات.ففي كلّ من المرتبتين الأُوليين صنفان،و في الباقي صنف واحد؛ لأنّهم إخوة الأب و الأُمّ.

و لا يحجب الأقرب من كلّ صنف الأبعد من الصنف الذي في مرتبته،بل يحجبه إذا كان من صنفه،و الواحد من كلّ مرتبة أو درجة و إن كان أُنثى يحجب من وراءه من المراتب و الدرجات،إلّا في صورة واحدة

ص:206

إجماعية،هي:أنّ ابن العمّ للأب و الأُمّ يحجب العمّ للأب وحده،و يأخذ نصيبه.

و الأصل في جميع ذلك بعد الإجماع عليه في الجملة الكتاب و السنّة،قال سبحانه وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ [1] الآية (1).

و في الصحيح:«أنّ كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به،إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميت فيحجبه منه» (2)و نحوه غيره (3).

و في الخبر:«ابنك أولى بك من ابن ابنك،و ابن ابنك أولى بك من أخيك،و أخوك لأبيك و أُمّك أولى من أخيك لأبيك،و أخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأُمّك،و ابن أخيك لأبيك و أُمّك أولى بك من ابن أخيك لأبيك،و ابن أخيك لأبيك أولى بك من عمّك،و عمّك أخو أبيك من أبيه و أمّه أولى بك من عمّك أخي أبيك من أبيه،و عمّك أخو أبيك من أبيه أولى بك من عمّك أخي أبيك لأُمّه،و ابن عمّك أخي أبيك من أبيه و أُمّه أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لأبيه،و ابن عمّك أخي أبيك من أبيه أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لأُمّه» (4).

و ما فيه من أولويّة المتقرّب بالأب وحده على المتقرّب بالأُمّ وحدها من الإخوة و الأعمام و أولادهم بمعنى زيادتهم الميراث،و في غيرهم بمعنى

ص:207


1- الأنفال:75،الأحزاب:6.
2- الكافي 7:1/77،التهذيب 9:976/269،الوسائل 26:68 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 1.
3- الكافي 7:2/77،التهذيب 9:977/269،الوسائل 26:68 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 2.
4- الكافي 7:1/76،التهذيب 9:974/268،الوسائل 26:63 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 2.

الحجب،إجماعاً (1)كما يأتي.

و السبب هو الاتّصال بما عدا الولادة من ولاء أو زوجيّة،و هو لتعدّد ما به الاتّصال فيه قسمان:زوجيّة من الجانبين مع دوام العقد،أو شرط الإرث،على الخلاف المتقدّم في كتاب النكاح وَ وَلاء بفتح الواو، واصلة القرب و الدنوّ،و المراد به هنا تقرّب أحد الشخصين بالآخر على وجه يوجب الإرث بغير نسب و لا زوجيّة.

و الوَلاء له ثلاث مراتب كالنسب،لا يرث أحد من المرتبة التالية مع وجود واحد من المرتبة السابقة خال من الموانع،فأقربها: ولاء العتق،ثم ولاء تضمن الجريرة،ثم ولاء الإمامة و القسم الأوّل يجامع جميع الورّاث،و الثاني لا يجامع النسب و إن بَعُد.

الثانية:في بيان موانع الإرث
اشارة

الثانية:في بيان موانع الإرث،و هي كثيرة،ذكر الماتن منها هنا ثلاثة هي أظهر أفرادها الكفر،و القتل،و الرقّ أمّا الكفر فإنّه يمنع في طرف الوارث يعني:أنّه لو كان كافراً لا يرث مسلماً،و يرث لو كان بالعكس.

و الأصل فيه بعد اتّفاق المسلمين كافّة،كما في صريح المسالك و ظاهر غيره (2)المعتبرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة،بل لعلّها متواترة،ففي الموثق:عن الرجل المسلم هل يرث المشرك؟قال:«نعم،

ص:208


1- و في هذا الخبر دلالة على ما ذهب إليه المشهور من غير خلاف يظهر بينهم من اختصاص الرد فيما لو اجتمع المتقرب بالأُمّ خاصّة مع المتقرب بالأب كذلك به،و اعتذروا له بما في هذه الرواية من الأولوية،و تأمّل فيه في الكفاية:(291)و لا وجه له.منه(رحمه اللّه).
2- المسالك 2:311،و انظر المفاتيح 3:311.

و لا يرث المشرك المسلم» (1).

و في الصحيح:«المسلم يرث امرأته الذمّيّة،و لا ترثه» (2).

و فيه:«لا يرث اليهودي و النصراني المسلمين،و يرث المسلم اليهودي و النصراني» (3).

و في الخبر القريب من الصحيح برواية ابن محبوب المجمع على تصحيح رواياته عن راويه الموجب لقصوره:«المسلم يحجب الكافر، و يرثه،و الكافر لا يحجب المؤمن،و لا يرثه» (4).

فلا إشكال في أنّه يرث الكافر مسلماً مطلقاً حربيّا كان الكافر أو ذمّيا أو مرتدّاً،و إنّما خصّ المنع بما إذا كان الكفر في طرف الوارث؛ لأنّه يرث المسلمُ الكافرَ مطلقاً أصليّاً كان أو مرتدّاً بإجماعنا المحكي في عبائر جماعة من أصحابنا (5)،مع وقوع التصريح به في الأخبار التي تلوناها سابقاً.

و أمّا النصوص المستفيضة الدالّة على أنّه لا توارث بين أهل ملّتين من الموثقين و غيرهما فمع قصور أسانيدها،و ضعف جملة منها محمولة إمّا

ص:209


1- التهذيب 9:1304/366،الإستبصار 4:708/190،الوسائل 26:13 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 5.
2- الكافي 7:6/143،الفقيه 4:784/244،التهذيب 9:1306/366،الإستبصار 4:710/190،الوسائل 26:11 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 1.
3- الكافي 7:2/143،الفقيه 4:786/244،التهذيب 9:1303/366،الإستبصار 4:707/190،الوسائل 26:13 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 7؛ بتفاوت.
4- الكافي 7:5/143،الفقيه 4:783/244،التهذيب 9:1307/366،الإستبصار 4:711/190،الوسائل 26:11 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 2.
5- منهم الشيخ في الخلاف 4:23،24،و الحلي في السرائر 3:266،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:132.

على التقيّة؛ لموافقتها لمذهب أكثر العامّة،كما صرّح به جماعة،و منهم شيخ الطائفة (1).

أو على نفي التوارث من الجانبين على وجه يرث كل منهما صاحبه، كما يتوارث المسلمان،و هو لا ينافي إرث أحدهما عن الآخر خاصّة.

و بهذا التوجيه وقع التصريح في كثير من المعتبرة و لو بعمل الطائفة، منها الصحيح:عن مولانا الصادق عليه السّلام أنّه قال:«فيما يروي الناس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:لا يتوارث أهل ملّتين» فقال:«نرثهم و لا يرثونا، إنّ الإسلام لم يزده إلّا عزّاً في حقّه» (2).

و الخبر:عن قوله:«لا يتوارث أهل ملّتين» فقال عليه السّلام:«نرثهم و لا يرثونا،إنّ الإسلام لم يزده في ميراثه إلّا شدّة» (3).

و في آخر:«لا يتوارث أهل ملّتين،يرث هذا هذا،و هذا هذا،إلّا أنّ المسلم يرث الكافر،و الكافر لا يرث المسلم» (4).

و في الموثق:«لا يزداد الإسلام إلّا عزّاً،فنحن نرثهم،و لا يرثونا» (5).

و في الخبر:النصراني يموت و له ابن مسلم،أ يرثه؟قال:فقال:

«نعم،إن اللّه تعالى لم يزده في الإسلام إلّا عزّاً،فنحن نرثهم،

ص:210


1- التهذيب 9:368؛ و انظر التنقيح الرائع 4:133،و الكفاية:289.
2- الكافي 7:1/142،التهذيب 9:1302/365،الإستبصار 4:706/189،الوسائل 26:15 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 14.
3- التهذيب 9:1312/367،الإستبصار 4:716/191،الوسائل 26:15 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 17.
4- التهذيب 9:1313/367،الإستبصار 4:717/191،الوسائل 26:15 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 15.
5- التهذيب 9:1321/370،الإستبصار 4:719/192،الوسائل 26:16 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 19.

و لا يرثونا» (1).

و حيث قد ظهر أنّ الكافر لا يرث المسلم ف قد ظهر منه أنّ ميراث المسلم لوارثه المسلم مطلقاً انفرد بالنسب و ما بعده من الأسباب أو شاركه الكافر فإنّه لا يرثه مطلقاً و لو (2)كان أقرب إليه من الوارث المسلم حتى أنّه لو كان ذلك الوارث المسلم ضامن جريرة اتفق مع ولد كافر للميت فالميراث للضامن دون الولد الكافر.

و بالإجماع على هذا بالخصوص صرّح جماعة من الأصحاب (3)، و نفى عنه الخلاف في السرائر و المسالك و غيرهما (4).

و لعلّه يفهم من إطلاق الأخبار المتقدّمة في صدر الباب،سيّما الأخيرة منها،فإنّه كالصريح فيه،بل جزم بصراحته في المسالك و غيره (5).

و قصور سنده منجبر بما مرّ،و بالعمل به من الكلّ من دون خلاف يظهر.

مضافاً إلى اعتضاده بصريح كثير من النصوص المعتبرة الآتية، كالصحيح الوارد في إسلام الكافر على الميراث قبل القسمة (6)،و رواية

ص:211


1- الكافي 7:4/143،الفقيه 4:780/243،التهذيب 9:1305/366،الإستبصار 4:709/190،الوسائل 26:12 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 4.
2- في المطبوع من المختصر(263):أو.
3- منهم الفاضل في التحرير 2:171،و الكاشاني في المفاتيح 3:312،و الهندي في كشف اللثام 2:278.
4- السرائر 3:270،و المسالك 2:311؛ و انظر الكفاية:289.
5- انظر كفاية الأحكام:289.
6- الكافي 7:3/144،التهذيب 9:1317/369،الوسائل 26:21 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 2.

مالك بن أعين الآتية في المسألة الثانية (1)من المسائل الستّ الملحقة (2).

و هي و إن لم تنهض حجة على تمام المدّعى من تقديم الأبعد على القريب مطلقاً،و لو كان ضامن جريرة؛ لاختصاص الأوّل بتقديم ذي القرابة عدا الأولاد و الزوجة على الأُمّ النصرانيّة،و الثاني بتقديم ابني الأخ و الأُخت على الأولاد،و هما في ذوي الأنساب خاصّة،إلّا أنّها ناهضة عليه بعد ضمّ الإجماع،و عدم القول بالفرق.

و فحوى النص الدالّ على أنّه لو لم يكن للمسلم وارث مسلم فميراثه للإمام (عليه السّلام)،فإنّ ثبوت أولويّة إرثه(عليه السّلام)من الكافر بولاية الذي هو متأخّر عن أنواع الولاء يستلزم إرث من قبله منه من اولي الولاء الذين منهم ضامن الجريرة بطريق أولى،كما لا يخفى،و النص هو الصحيح المشار إليه سابقاً،الوارد في إسلام الكافر على الميراث قبل قسمته.

و قريب منه الصحيح الآخر:في رجل مسلم قُتِل و له أب نصراني، لمن تكون ديته؟قال:«تؤخذ ديته فتجعل في بيت مال المسلمين؛ لأنّ جنايته على بيت مال المسلمين» (3)فتأمّل .و يعضدهما عموم النصوص الدالّة على أنّ الإمام(عليه السّلام)وارث من لا وارث له (4)،بناءً على أنّ ورثة المسلم الكفّار لا يرثونه كما مرّ،فهم بالإضافة إليه بحكم العدم،و لا خلاف فيه أيضاً بين الأصحاب ظاهراً،و به

ص:212


1- في النسخ:الثالثة،و الصواب ما أثبتناه.
2- تأتي في ص:217.
3- الفقيه 4:775/243،التهذيب 9:1322/370،الوسائل 26:22 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 6.
4- الوسائل 9:523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1،و ج 26:246 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 3.

صرّح بعض أصحابنا (1).

و اعلم أنّ الحكم بأنّ الكافر يرثه المسلم إن اتفق وارثاً،مطلقاً و لو كان بعيداً،و عارضه وارث كافر أقرب منه إلى الميت و أولى ممّا لا إشكال فيه أصلاً،كما مضى،فلا وجه لإعادته تارة أخرى.

و لا كذلك الحكم بأنّ الكافر لا يرثه الكافر فإنّه في الجملة و إن كان لا إشكال فيه أيضاً،إلّا أنّه ليس على إطلاقه إجماعاً،بل يستثني منه ما أشار إليه بقوله: إلّا إذا لم يكن له وارث خاص مسلم فيرثه الكفار حينئذٍ،و لذا يتوجّه إعادته بعد فهمه سابقاً؛ تنبيهاً على أنّ الحكم ليس على إطلاقه؛ لثبوت التوارث بين الكفّار في صورة الاستثناء، بلا خلاف فيه ظاهراً،و صرّح به بعض أصحابنا (2).

لعموم أدلّة الإرث،مع سلامته عن المعارض في محلّ البحث؛ لاختصاصه بما إذا كان هنا وارث خاص مسلم.

و لمرسلة ابن أبي عمير الموثقة كالصحيحة إليه:في يهودي أو نصراني يموت،و له أولاد غير مسلمين،فقال:«هم على ميراثهم» (3).

و لما سيأتي من النص في ميراث المجوس (4).

و في الصحيح:«إنّ عليّاً عليه السّلام كان يقضي في المواريث فيما أدرك الإسلام من مال مشرك تركه لم يكن قسم قبل الإسلام،أنّه كان يجعل للنساء و الرجال حظوظهم منه على كتاب اللّه تعالى و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله» (5)

ص:213


1- الكفاية:289.
2- انظر الكفاية:289.
3- التهذيب 9:1330/372،الوسائل 26:25 أبواب موانع الإرث ب 5 ح 3.
4- في ص:470.
5- الكافي 7:1/144،التهذيب 9:1324/370،الإستبصار 4:720/192،الوسائل 26:23 أبواب موانع الإرث ب 4 ح 1.

و نحوه آخر (1).

و يظهر من الكليني و غيره (2)دلالتهما على حكم المسألة.

و فيه مناقشة؛ لاحتمالهما وجوهاً ثلاثة،منها:أن يكون المراد أنّه إذا أسلم واحد من الورثة أو أكثر قبل القسمة فإنّه يشارك و لو كان امرأة،ردّاً على بعض العامة القائل:إنّه لا يرث منهم سوى الرجال أو العصبة،على ما حكاه جدّي العلّامة المجلسي (3)طاب رمسه.

و منها:أن يكون المراد أنّه يجري على أهل الذمّة أحكام المواريث، و ليست كغيرها من الأحكام،بأن يكون مخيّراً في الحكم أو الردّ إلى أهل ملّتهم،كما قال سبحانه فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ [1] (4).

و منها:أن يكون المراد أنّهم إذا أسلموا و كان لم يقسم بينهم التركة يقسم التركة بينهم على قانون الإسلام،و ليس لهم أن يقولوا:إنّ المال بموته انتقل إلينا على القانون السابق على الإسلام فنقسمه عليه.

و لا يتم الدلالة إلّا على الوجهين الأخيرين،و لا قرينة فيهما تعيّن إرادتهما،مع احتمال أظهرية الوجه الأوّل منها،كما ذكره جدّي (5)-(رحمه اللّه).

و لو كان للكافر وارث مسلم كان أحقّ بالإرث من وارثه الكافر و إن بَعُد هو و قرب ذلك الكافر لبعض ما مرّ في أولويّة

ص:214


1- الكافي 7:2/145،التهذيب 9:1325/371،الإستبصار 4:721/192،الوسائل 26:23 أبواب موانع الإرث ب 4 ح 2.
2- الكافي 7:144؛ و انظر التهذيب 9:370.
3- روضة المتقين 11:385.
4- المائدة:42.
5- روضة المتقين 11:386.

الوارث المسلم للمسلم من وارثه الكافر و إن قرب و بَعُد هو،و الفرق بين المسألتين مع تشابههما كون المورّث في الأُولى مسلماً و في الثانية كافراً، فلا يتوهّم التكرار هنا.

و إذا أسلم الكافر على ميراث مورّثه،المحجوب منه بكفره،مع وجود ورثة له مسلمين قبل قسمته عليهم شارك في الإرث بحسب حاله إن كان مساوياً لهم في النسب و المرتبة،كما لو كان الكافر ابناً و الورثة إخوته مثلاً. و حاز الميراث و جمعه كَمَلاً إن كان أولى منهم في المرتبة،كما لو كانوا في المثال إخوة الميت،و الحكم بذلك مطلق سواء كان المورّث مسلماً أو كافراً بلا خلاف في شيء من ذلك في الظاهر،بل عليه الإجماع في بعض العبائر،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح و الموثّقات،ففي الصحيح:«من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله ميراثه،و إن أسلم و قد قسم فلا ميراث له» (1)و نحوه الموثقان (2)كالصحيحين بأبان المجمع على تصحيح رواياته،و الخبران (3)أحدهما الموثق.

و في الصحيح أيضاً:عن رجل مسلم مات،و له أُمّ نصرانية،و له

ص:215


1- الكافي 7:3/144،التهذيب 9:1317/369،الوسائل 26:21 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 2.
2- الأوّل في:الكافي 7:4/144،التهذيب 9:1318/369،الوسائل 26:21 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 3. و الثاني في:الفقيه 4:758/237،التهذيب 9:1211/336،الوسائل 26:21 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 4.
3- التهذيب 9:1320/370،الوسائل 26:22 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 5،دعائم الإسلام 2:1370/386،المستدرك 17:144 أبواب موانع الإرث ب 2 ح 1.

زوجة و ولد مسلمون؟فقال:«إن أسلمت أُمّه قبل أن يقسم ميراثه أُعطيت السدس» قلت:فإن لم يكن له امرأة،و لا ولد،و لا وارث له سهم في الكتاب مسلمين،و له قرابة نصارى ممّن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين،لمن يكون ميراثه؟قال:«إن أسلمت امّه فإنّ ميراثه لها،و إن لم تسلم امّه،و أسلم بعض قرابته ممّن له سهم في الكتاب فإنّ ميراثه له، فإن لم يسلم أحد من قرابته فإنّ ميراثه للإمام(عليه السّلام) » (1).و هل يبقى الميراث على حكم مال الميت إلى أن يقسم أو يسلم الباقي و يصير بلا مالك بالفعل غير اللّه تعالى،أو ينتقل إلى الموجودين ملكاً متزلزلاً ثم ينتقل منهم إلى من يسلم بعدهم كلّاً أو بعضاً،أو يكون إسلامه كاشفاً عن الملكيّة بعد الموت؟فيه أوجه ثلاثة.

و قطع الشهيدان في الدروس و المسالك و الروضة و غيرهما (2)بأنّ النماء المتجدّد بعد الموت و قبل القسمة تابع للأصل .و لو أسلم الكافر بعد القسمة لم يرث،بلا خلاف؛ للأخبار المزبورة.

و كذا لو كان الوارث المسلم واحداً لم يزاحمه الكافر في الميراث مطلقاً و إن أسلم إجماعاً،كما في السرائر (3)،و لا خلاف فيه في الجملة إذا كان الواحد من عدا الإمام(عليه السّلام) لأنّه لا يتحقق هنا قسمة مع انتقال المال إليه و حصوله في ملكه،فالانتقال إلى غيره يحتاج إلى دليل،و ليس،و لا فرق في ذلك بين بقاء عين التركة و عدمه.

ص:216


1- الكافي 7:2/144،الفقيه 4:787/244،التهذيب 9:1316/369،الوسائل 26:20 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 1.
2- الدروس 2:345،المسالك 2:311،الروضة 8:28،كشف اللثام 2:278.
3- السرائر 3:268.

خلافاً للمحكي في المسالك و غيره عن الإسكافي (1)،فحكم بالمشاركة في الصورة الاُولى إن كان الوارث الواحد فيها حيّاً.و في المسالك أنّه نادر،و وجهه مع ذلك،و مخالفته للنصوص غير واضح.

أمّا لو كان الوارث الواحد هو الإمام،و كان المورث مسلماً،فأسلم الكافر،فهو أولى بالميراث،على المشهور،كما في الكفاية (2)،و عن فخر الدين نسبته إلى كثير (3)،و اختاره الماتن في الشرائع (4)؛ للصحيح الأخير.

و الصحيح الآخر:عن رجل قتل رجلاً مسلماً فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلّا أولياء من أهل الذمّة من قرابته؟فقال:«على الإمام(عليه السّلام) أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام،فمن أسلم منهم فهو وليّه يدفع القاتل إليه،فإن شاء قتل،و إن شاء عفا،و إن شاء أخذ الدية،فإن لم يسلم أحد كان الإمام(عليه السّلام)وليّ أمره» (5)الحديث.

خلافاً لإطلاق العبارة،و صريح جماعة،كالحلي و الشيخ في النهاية (6)؛ للتعليل المتقدّم إليه الإشارة.

و المناقشة فيه بعد ورود النص الصحيح الصريح بخلافه واضحة، فالقول به ضعيف غايته.

ص:217


1- المسالك 2:311،المختلف:751.
2- الكفاية:289.
3- الإيضاح 4:175.
4- الشرائع 4:12.
5- الكافي 7:1/359،الفقيه 4:248/79،التهذيب 10:697/178،العلل:15/581،الوسائل 29:124 أبواب القصاص في النفس ب 60 ح 1.
6- السرائر 2:268،النهاية:663.

و أضعف منه المحكي عن ظاهر المبسوط و صريح ابن حمزة (1)من التفصيل بين نقل التركة إلى بيت المال فالثاني،و عدمه فالأوّل.

فإنّه لا وجه له،كما في الروضة (2)،و إن جزم به الفاضل في الإرشاد و ولده قد تبعه (3).

و يلحق بهذه المقدّمة مسائل ستّ:
الاُولى:الزوج المسلم أحقّ بميراث زوجته من ذوي قرابتها الكفّار

و يلحق بهذه المقدّمة مسائل ستّ:

الاُولى:الزوج المسلم أحقّ بميراث زوجته من ذوي قرابتها الكفّار مطلقاً كافرة كانت الزوجة أو مسلمة فإنّ له النصف بالزوجية حيث لا يكون لها ولد حاجب و الباقي بالردّ على الأظهر الأشهر فيه.

و في أنّ للزوجة المسلمة الربع من التركة إن لم يكن له ولد حاجب مع الورثة الكفّار كانت أم لا و الباقي للإمام (عليه السّلام)،مع عدمهم مطلقاً،و مع وجودهم أيضاً إذا كان الزوج المورّث مسلماً،و لهم إذا كان كافراً،كما مضى،و سيأتي الكلام في المسألتين إن شاء اللّه تعالى مفصّلاً.

و إنّما ذكرتا هنا مقدّمةً لذكر مسألة هنا محلّها و هي:أنّه لو أسلموا أي الورثة الكفّار أو أحدهم بعد أن أخذ الزوجان نصيبهما من التركة كلّاً أو بعضاً قال الشيخ في النهاية و القاضي و الماتن في النكت (4) يردّ عليهم أي على الورثة أو بعضهم بعد إسلامهم ما فضل عن سهم

ص:218


1- المبسوط 4:79،الوسيلة:394.
2- الروضة 8:29.
3- الإرشاد 2:127،إيضاح الفوائد 4:175.
4- النهاية:664،المهذّب 2:157،نكت النهاية 3:234.

الزوجية من النصف في الفرض الأوّل،و الزائد عن الربع في الثاني.

و لا ريب في الحكم بذلك في الفرضين على القول النادر بعدم الردّ فيهما،و في الثاني خاصّة على مختار الأكثر و الماتن هنا إذا كان الإسلام قبل القسمة بين ذي الفرض و الإمام(عليه السّلام)؛ لاندراج الحكم على التقديرين تحت النصوص المتقدّمة الدالّة على الإرث بالإسلام قبل القسمة،و عدمه إذا كان بعدها.

و ينبغي القطع بعدمه في الفرض الأوّل على قول الأكثر،و في الثاني أيضاً على القول الثالث من ثبوت الردّ فيهما؛ لما مرّ في الإسلام مع الوارث المسلم الواحد من الأصل،و اختصاص ما دلّ على خلافه و انتقال المال عنه بعضاً أو كلّاً إلى غيره الوارث بما إذا أسلم قبل القسمة،و هي لا تصدق إلّا مع التعدّد،دون الوحدة المفروضة في المسألة،فلا وجه لما ذكره الجماعة في الفرض الأوّل مع قولهم بالردّ فيه.

كما لا وجه لإطلاق قول الماتن هنا: و فيه تردّد الظاهر في رجوع التردّد إلى الحكم المذكور في الفرضين،بل كان ينبغي تخصيصه بالفرض الأوّل الذي قال فيه بالردّ.

اللّهم إلّا أن يجعل مورد التردّد ثبوت الحكم في المقامين معاً،و هو يجامع عدم التردّد في ثبوته في أحدهما.

و كيف كان وجه تردّده في الحكم في الفرض الأوّل مع حكمه فيه بالردّ غير واضح،عدا ما في التنقيح (1)من الاستناد في جهة منع المسلم عمّا فضل إلى ما قدّمنا،و في جهة المقابل إلى قول الشيخ خاصّة.

ص:219


1- التنقيح الرائع 4:134،135.

و هو كما ترى،فإن قول الشيخ بنفسه لا يصلح حجّة،سيّما و أن يعارض به الحجة الأقوى.

و الماتن استشكل الحكم المذكور في الشرائع (1)أيضاً كما هنا،لكن لم يذكر وجهه إلّا في الجهة الأُولى،و لم يشر إلى وجهه في الجهة الثانية أصلاً،و الظاهر أنّه ما حكي عن الماتن في النكت (2)من أنّ الزوج لا يستحق سوى النصف،و الردّ إنّما يستحقه إذا لم يوجد للميت وارث محقق و لا مقدّر،و هنا الوارث المقدّر موجود،فإنّه إذا عرض على الكافر الإسلام و أسلم صار وارثاً و منع الردّ؛ و أنّ استحقاق الزوج الفاضل ليس استحقاقاً أصليّاً،بل لعدم الوارث؛ و كونه أقوى من الإمام و الزوج،فيجري في الردّ مجرى الإمام،فإنّه إذا أسلم على الميراث منع الإمام.

و يضعّف بأنّ المعتبر في الحكم بالردّ على الزوج و عدمه إنّما هو بعد الموت بلا فصل؛ لأنّه وقت الحكم بالإرث و انتقال التركة إلى الوارث، و الاعتبار حينئذٍ بالوارث المحقّق لا المقدّر،مع عدم دليل على اعتباره، و انتقاضه بكل وارث واحد منع كافراً عن الإرث،سواء ورث فرضاً و ردّاً أو قرابةً،خصوصاً الذي يرث بالفرض و الردّ،و الاتحاد على تقدير القول بالردّ حاصل،و الفرق بين الاستحقاق الأصلي و غيره لا دخل له في الحكم بعد القول بثبوته في الجملة عند عدم الوارث وقت الحكم بالإرث.

و بالجملة لا ريب في ضعف هذا القول،و ابتناء الحكم فيه على الردّ على الزوجين مع عدم الوارث و عدمه،فيقبل على الثاني،و يردّ على

ص:220


1- الشرائع 4:12.
2- النكت 3:235.

الأوّل،و هذا البناء مشهور بين المتأخّرين،بل عليه عامّتهم وفاقاً للحليّ (1).

الثانية:روى مالك بن أعين،عن أبي جعفر(عليه السّلام):في نصراني مات،و له ابن أخ و ابن أُخت مسلمان،و أولاد صغار

الثانية:روى المشايخ الثلاثة في الصحيح (2)إلى: مالك بن أعين،عن أبي جعفر(عليه السّلام):في نصراني مات،و له ابن أخ و ابن أُخت مسلمان،و أولاد صغار أنّه لابن الأخ الثلثان،و لابن الأُخت الثلث، و أنّه ينفقان على الأولاد بالنسبة أي بنسبة حقوقهما و ميراثهما من أبيهم،فينفق عليهم ابن الأخ ثلثي النفقة،و ابن الأُخت ثلثها،هذا إذا لم يسلموا قبل البلوغ.

ف أمّا إن أسلم الصغار قبله دفع المال أي التركة إلى الإمام،فإن بلغوا باقين على الإسلام دفعه الإمام إليهم،و لو (3)لم يسلموا،أو لم يبقوا بعده على إسلامهم دفع الإمام المال إلى ابن الأخ الثلثين،و إلى ابن الأُخت الثلث و ظاهر نقلهم لها من دون معارض صريح بل و لا ظاهر عملهم بها،مع تصريح الشيخ في النهاية (4)بالفتوى بها،كالمفيد و القاضي و الحلبي و ابن زهرة و الكيدري و نجيب الدين (5)،كما حكى ذلك عنهم الشهيد في

ص:221


1- السرائر 3:268.
2- الكافي 7:1/143،الفقيه 4:788/245،التهذيب 9:1315/368،الوسائل 26:18 أبواب موانع الإرث ب 2 ح 1.
3- في«ر» و المطبوع من المختصر(264):فإن.
4- النهاية:665.
5- المفيد في المقنعة:701،القاضي في المهذّب 2:159،الحلبي في الكافي في الفقه:375،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):608،نجيب الدين في الجامع:502.

النكت (1)مدّعياً هو فيه و في الدروس (2)كونها مذهب الأكثر و المعظم، و نحوه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك (3)،فقد نسبه إلى أكثر الأصحاب، قال:خصوصاً المتقدّمين منهم كالشيخين و الصدوق (4)و الأتباع،و بذلك أيضاً صرّح المقدس الأردبيلي-(رحمه اللّه) و صاحب الكفاية (5).

و لا ريب في اشتهار الرواية بين القدماء،بل و المتأخّرين أيضاً،كما يفهم من عبائر هؤلاء الجماعة،فلا بعد في المصير إليها،و إن ضعف السند بالراوي،و المتن بمخالفة الأُصول المقرّرة و القواعد الممهّدة من أنّ الولد يتبع أبويه في الكفر و الإسلام بلا خلاف،و ما مرّ من أنّ من أسلم من الأقارب الكفّار بعد اقتسام الورثة المسلمين لا يرث،و من أسلم قبله يشارك أو يختصّ،و من لوازم عدم المشاركة اختصاص الوارث المسلم بنصيبه من الإرث،و لا يجب عليه بذله و لا شيء منه للقريب الكافر صغيراً كان أم كبيراً؛ لانجبار جميع ذلك بالشهرة المطلقة المحكية،بل المحقّقة بين القدماء بلا شبهة،بل لا يرى لهم منهم مخالف عدا الحلي (6)،و هو بالإضافة إليهم شاذّ،هذا.

مضافاً إلى قوّة السند في نفسه بتضمّن الحسن بن محبوب المجمع على تصحيح رواياته،مع أنّه في الفقيه أسنده إلى عبد الملك بن أعين أيضاً،لكن مردّداً بينهما في النسخة المشهورة،و في غيرها أسنده إليهما

ص:222


1- غاية المراد 3:597.
2- الدروس 2:346.
3- المسالك 2:312.
4- الفقيه 4:245.
5- مجمع الفائدة و البرهان 11:483،الكفاية:289.
6- السرائر 3:268.

معاً،و هو حسن و إن ضعف مالك بن أعين،و يحصل من ذلك تأييد ما للسند أيضاً،كما يحصل من وصف جماعة إيّاه بالصحة،كالفاضل في المختلف و الشهيد في الكتابين (1)،بل نسبه جدّي المجلسي-(رحمه اللّه) إلى أكثر الأصحاب (2)،فتأمّل جدّاً .و الخروج عن الأُصول بمثل هذا الخبر المنجبر بالعمل غير عزيز، و لكن المسألة مع ذلك لعلّها لا تخلو عن إشكال؛ لإطباق المتأخّرين على عدم الجزم به،و إن اختلفوا في التوقّف فيه أو ردّه.

فبين من اختار الثاني،كالفاضل في الإرشاد و المختلف و المقداد في التنقيح و شيخنا في المسالك و المقدس الأردبيلي-(رحمه اللّه) و جدّي العلّامة المجلسي (3)-(رحمه اللّه) و نسبه شيخنا في المسالك و بعض من تبعه (4)إلى أكثر المتأخّرين.

و بين من مال إلى الأوّل،كالماتن هنا و في الشرائع و الشهيد في الكتابين و صاحب الكفاية و غيرهم (5).

و لعلّه في محلّه،و إن كان المصير إلى ما عليه الأكثر لما مرّ غير بعيد.

و اختلفوا في تنزيل الخبر على ما يوافق الأصل فرادّوه على الاستحباب و غيرهم من العاملين به على محامل [بعيدة] تأبى عنها نفس الرواية.

ص:223


1- المختلف:740،الدروس 2:345،غاية المراد 3:597.
2- روضة المتقين 11:387.
3- الإرشاد 2:127،المختلف:741،التنقيح الرائع 4:137،المسالك 2:312،مجمع الفائدة 11:483،روضة المتقين 11:387.
4- مفاتيح الشرائع 3:312.
5- الشرائع 4:13،الدروس 2:346،غاية المراد 3:598 599،الكفاية:289؛ و انظر كشف اللثام 2:277.

و هل يختص الحكم على تقدير ثبوته بمورد الخبر،كما هو ظاهر الأكثر،أم يطّرد في ذي القرابة المسلم على الإطلاق مع الأولاد،كما في المختلف عن ابن زهرة و الحلبي (1)؟وجهان،و لا ينبغي ترك الاحتياط فيه،بل في أصل المسألة على حال.

الثالثة:إذا كان أحد أبوي الصغير مسلماً الحق به

الثالثة:إذا كان أحد أبوي الصغير مطلقاً مسلماً الحق به في إسلامه،سواء كان حين علوق الصغير أو بعده قبل بلوغه،و يتبع ذلك حكم التوارث فلو بلغ اجبر على الإسلام،و لو أبى عنه كان كالمرتدّ في وجوب قتله و حكم إرثه الآتي،و لا أعرف في شيء من ذلك خلافاً بين الأصحاب،بل ادّعى عليه في المسالك (2)الوفاق،و نفى الخلاف عن أصل التبعيّة في المفاتيح و الكفاية (3)،و لا شبهة فيه،كما لا شبهة في التبعيّة في الكفر أيضاً إذا كان أبواه كافرين معاً،و ادّعى فيه بالخصوص الإجماع في التنقيح،قال:و لهذا يسترقّ كما يسترقّ أبوه الكافر (4).

أقول:و لعلّ التبعيّة للأبوين في الإسلام و الكفر من الضروريّات يمكن استفادته من الأخبار المتواترة معنىً،المتشتّتة في مواضع عديدة، ككتاب الميراث،و الحدود،و الجهاد،و الوصية.

و يدلُّ على إجباره على الإسلام بعد الإدراك الخبران المرويان في الكافي و التهذيب في باب حدّ المرتدّ،أحدهما المرسل كالموثق على الأصح:في الصبي إذا شبّ فاختار النصرانية،و أحد أبويه نصراني،أو

ص:224


1- المختلف:740،الغنية(الجوامع الفقهية):608،الكافي في الفقه:375.
2- المسالك 2:312.
3- المفاتيح 2:363،الكفاية:289.
4- التنقيح 4:135.

جميعاً مسلمين،قال:«لا يترك،و لكن يضرب على الإسلام» (1).

و في الثاني:في الصبي يختار الشرك و هو بين أبويه،قال:«لا يترك، و ذاك إذا كان أحد أبويه نصرانياً» (2)فتأمّل جدّاً .و على أنّه لو أبى قُتِل،المرسلة الآتية.

و إنّما الشبهة في الحكم بالارتداد و ثبوت جميع أحكامه له بالإباء عن الإسلام مع ثبوته بمجرّد التبعيّة،فإنّي لم أقف فيه على رواية عدا رواية مرسلة رواها الصدوق،قال:قال النبي(صلّى اللّه عليه و آله):«إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام،فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام فإن أبى قُتل،و إن أسلم الولد لم يجرّ أبويه،و لم يكن بينهما ميراث» (3).

و إطلاقات النصوص المتضمّنة لأحكام الارتداد غير شاملة لمثل هذا المرتدّ،بحكم التبادر في جملتها،و الصريح في بعضها،إلّا أنّ دعوى الوفاق المعتضدة بعدم الخلاف و بالمرسلة المزبورة الدالّة على ما ذكروه و لو في الجملة حجّة قويّة كفتنا مئونة الاشتغال بتحصيل غيرها من الحجج الشرعيّة.

الرابعة:المسلمون يتوارثون

الرابعة:المسلمون يتوارثون بعضهم من بعض و إن اختلفت آراؤهم و مذاهبهم ما لم ينكروا ما علم ضرورة من الدين،و معه لا يرث المنكر غيره،و هو يرثه.

ص:225


1- الكافي 7:7/257،الفقيه 3:341/91،التهذيب 10:554/140،الوسائل 28:326 أبواب حد المرتد ب 2 ح 2.
2- الكافي 7:4/256،التهذيب 10:553/140،الوسائل 28:326 أبواب حد المرتد ب 2 ح 1.
3- الفقيه 3:343/92،الوسائل 28:329 أبواب حد المرتد ب 3 ح 7.

و كذا الكفّار يتوارثون بعضهم من بعض و إن اختلفت ملتهم (1) بلا خلاف في شيء من ذلك،إلّا من المفيد في المقنعة في بعض نسخها، فقال:يرث المؤمن أهل البدع من المعتزلة و المرجئة و الخوارج من الحشوية،و لا ترث هذه الفرق مؤمناً (2).و وافق القوم في النسخة الأُخرى (3).

و من الحلبي،فقال:يرث كفّار ملّتنا غيرهم من الكفّار،و لا يرثونهم، و قال:المجبّرة و المشبّهة و جاحد الإمامة لا يرثون المسلم (4).

و هما مع شذوذهما محجوجان بعمومات أدلّة الإرث من الكتاب و السنّة،السليمة هنا عن المعارض بالكلّيّة؛ لاختصاص الأدلّة المانعة عن إرث الكافر عن المسلم فتوًى و روايةً بالكافر مقابل المسلم،و هو من لم يظهر الشهادتين،أو أظهرهما و أنكر من الدين ما علم ضرورة.

و هذا و إن لم يتعرض له كثير من أصحابنا هنا،إلّا أنّ الحكم به مستفاد من قواعدهم التي مهّدوها في مواضع أُخر شتّى،و به صرّح الشهيد في الدروس و العلّامة في القواعد (5)و الفاضل المقداد هنا،فقال بعد الاستدلال لما عليه الأصحاب من أنّ المقتضي للتوارث هو الإسلام لا غير -:نعم الغلاة و المجسّمة و الخوارج و المرجئة و الجبريّة لا يرثون غيرهم من أرباب المذاهب؛ لأنّهم منكرون لما علم ضرورة من دين النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،فهم كفرة،و الكافر لا يرث المسلم؛ لما تقدّم (6).انتهى.

ص:226


1- في«ر» و المطبوع من المختصر(264):مللهم.
2- المقنعة:701.
3- قاله في المختلف:741.
4- الكافي في الفقه:375.
5- الدروس 2:346،القواعد 2:163.
6- التنقيح الرائع 4:137.

و مقتضى ذلك ثبوت التوارث بينهم و بين سائر الكفّار،لكنّه صرّح بعد ذلك بما يدل على أنّ مثل هذا الكافر من ملّتنا يرث مثله و غيره من أقسام الكفّار من غير ملّتنا،و لا يرثونه إذا كانوا من غير ملّتنا،قال:لأنّ لهم خصوصية بذلك زادوا على غيرهم،فهم يرثون غيرهم من الكفّار، و لا ينعكس،و لم أقف على من تعرّض لذلك غيره.

الخامسة:المرتدّ

الخامسة:المرتدّ و هو الكافر بعد الإسلام أعاذنا اللّه تعالى ممّا يوبق الأديان إذا كان ارتداده عن فطرة الإسلام بأن ارتدّ عنه بعد أن انعقد و أحد أبويه مسلم،كما صرّح به الفاضلان و الشهيدان و غيرهم (1)،من دون خلاف بينهم يعرف،و يعضده ظواهر بعض النصوص الآتية المتضمن له مع حكمه من حيث التعبير فيه عنه بمن ولد على الإسلام كما في بعض، أو على الفطرة كما في آخر،و لا يصدق شيء منهما إلّا بما ذكروه يقتل، و لا يستتاب،و تعتدّ امرأته عدّة الوفاة مطلقاً،و لو لم يدخل بها،على قول قوي. و تقسم أمواله بين ورثته،و لو كان حيّاً.

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و لا حكاه أحد من الطائفة، إلّا شيخنا في المسالك و بعض من تبعه (2)،فحكياه عن ظاهر الإسكافي، حيث لم يفصّل في الاستتابة و القتل بعدها مع عدم التوبة بين الفطري و الملّي،قال التابع بعد نقله:و هو شاذّ.و هو ظاهر في انعقاد الإجماع على خلافه،و به صرّح في الروضة و غيرها (3)،و هو الحجة.

ص:227


1- المحقق في الشرائع 4:13،العلّامة في التحرير 2:171،الشهيد الأوّل في الدروس 2:52،الشهيد الثاني في المسالك 2:451؛ و انظر كشف اللثام 2:435.
2- المسالك 2:451؛ و انظر المفاتيح 2:104.
3- الروضة 9:337،و المسالك 2:451.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:«من رغب عن الإسلام،و كفر بما انزل على محمّد(صلّى اللّه عليه و آله)بعد إسلامه فلا توبة له،و قد وجب قتله،و بانت منه امرأته،و قسم ما ترك على ولده» (1).

و إنّما خصّ بالفطري مع شموله أيضاً للملّي جمعاً بينه و بين ما دلّ على لزوم قتل المرتدّ بقول مطلق بعد امتناعه من التوبة،كالصحيح عن غير واحد من أصحابنا عنهما(عليهما السّلام)في المرتدّ:«يستتاب،فإن تاب،و إلّا قتل» (2)إلى غير ذلك من النصوص،بحملها على الملّي خاصّة.

و الجامع بعد الإجماع المتقدّم إليه الإشارة المعتبرة،منها الصحيح:

عن مسلم تنصّر كما في الكافي و التهذيب أو:ارتدّ كما في الاستبصار قال:«يقتل،و لا يستتاب» قلت:فنصراني أسلم،ثم ارتدّ عن الإسلام، قال:«يستتاب،فإن رجع،و إلّا قتل» (3).

و الموثق:«كل مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام و جحد محمّداً(صلّى اللّه عليه و آله) نبوّته و كذّبه فإنّ دمه مباح لكل من سمع ذلك منه،و امرأته بائنة منه يوم ارتدّ فلا تقربه،و يقسم ماله على ورثته،و تعتدّ امرأته عدّة المتوفّى عنها زوجها،و على الإمام أن يقتله و لا يستتيبه» (4).

ص:228


1- الكافي 7:4/153،التهذيب 9:1333/373،الوسائل 26:27 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 5.
2- الكافي 7:3/256،التهذيب 10:543/137،الإستبصار 4:959/253،الوسائل 28:327 أبواب حد المرتد ب 3 ح 2.
3- الكافي 7:10/257،التهذيب 10:548/138،الإستبصار 4:963/254،الوسائل 28:327 أبواب حد المرتد ب 3 ح 1.
4- الكافي 7:11/257،الفقيه 3:333/89،التهذيب 10:541/136،الإستبصار 4:957/253،الوسائل 28:324 أبواب حد المرتد ب 1 ح 3.

و المرفوع كالموثق بعثمان بن عيسى المجمع على تصحيح رواياته:

«أمّا من كان من المسلمين ولد على الفطرة ثم تزندق فاضرب عنقه، و لا تستتبه،و من لم يولد منهم على الفطرة فاستتبه،فإن تاب،و إلّا فاضرب عنقه» (1).

و في الصحيح:رجل ولد على الإسلام ثم كفر و أشرك و خرج عن الإسلام،هل يستتاب،أو يقتل و لا يستتاب؟فكتب:«يقتل» (2).

و فيه تصريح بقتل الفطري و عدم استتابته،و في كثير من النصوص عدم قتل الملّي إلّا بعد امتناعه من التوبة،و لا تعارض بينهما،فيجب العمل بهما بلا شبهة،و فيهما قرينة أُخرى أيضاً على الجمع المتقدّم إليه الإشارة، فلا شبهة في المسألة.

و قصور اسناد بعض المعتبرة المتقدّمة كقصور دلالة بعض آخر منها عن إفادة تمام ما ذكره الجماعة معتضد و مجبور بعملهم،فلا وجه لمناقشة بعض متأخّري الطائفة (3)فيها بذينك الأمرين و غيرهما بالمرّة.

و ممّا ذكرناه يستفاد ما ذكره الأصحاب من غير خلاف فيه بينهم يعرف أنّ من ليس ارتداده عن فطرة كأن أسلم عن كفر ثم ارتدّ لا يقتل ابتداء،بل يستتاب،فإن تاب،و إلّا قتل و النصوص به زيادة على ما مرّ مستفيضة،ما بين مطلقة للحكم بالاستتابة غير مقيّدة للمرتدّ بالملّي،و مقيّدة له به.

ص:229


1- الفقيه 3:339/91،التهذيب 10:550/139،الوسائل 28:333 أبواب حد المرتد ب 5 ح 5.
2- التهذيب 10:549/139،الإستبصار 4:964/254،الوسائل 28:325 أبواب حد المرتد ب 1 ح 6.
3- مجمع الفائدة و البرهان 13:322.

و قد عرفت الجواب عن الأدلّة بحملها على المقيّدة؛ لما عرفت من الأدلّة،مع أنّها ضعيفة،و أكثر رجالها من العامّة،موافقة لمذاهبهم،كما صرّح به جماعة (1)،فيحتمل الحمل أيضاً على التقية،و يعضده مصير الإسكافي (2)إليها،كما مرّ غير مرّة.

و سقوطها من البيت بهذا الحمل غير ضائر،فإنّ في بقيّة النصوص كفاية إن شاء اللّه تعالى.

مع عدم الخلاف هنا أصلاً،و به صرّح الفاضل المقداد في التنقيح، فقال بعد نقل ما قدّمناه هنا من المتن مع ما بعده من قوله: و تعتدّ زوجته عدّة الطلاق مع الحياة،و عدّة الوفاة لا معها -:هذا ممّا لا خلاف فيه عندنا،لكن الشيخ في النهاية زاد على هذا أنّه إذا التحق بدار الحرب و لم يقدر عليه يقسم ميراثه بين أهله،و تبعه القاضي،و نازعه الحلي قائلاً بأنّ الأصل بقاء الملك على مالكه،و لا دليل على قسمة أمواله بارتداده،قال:

و قد رجع الشيخ عن ذلك في المبسوط و الخلاف،و هذا هو المفتي به (3).

انتهى.

و ظاهره كما ترى عدم الخلاف في مبلغ العدّة في صورتي الحياة و الوفاة أيضاً و قد قدّمنا التحقيق فيه في كتاب النكاح.

و هل الملّي لتوبته حدّ و تقدير مدّة؟قيل:لا؛ لعدم دليل عليه (4).

ص:230


1- منهم الشيخ في المبسوط 8:71،و الخلاف 5:353،و الشهيد الثاني في المسالك 2:451.
2- على ما نقله عنه في المسالك 2:451.
3- التنقيح 4:138،و هو في النهاية:666،و المهذب 2:161،و السرائر 3:271،272،و المبسوط 7:283،و الخلاف 5:358.
4- قاله الشيخ في الخلاف 5:356.

و قيل:القدر الذي يمكن معه الرجوع؛ احتياطاً في الدماء؛ و إزاحةً للشبهة العارضة في الحدّ (1).و قيل:ثلاثة أيّام (2)؛ للخبر الضعيف لجماعة (3)، و فيه:«المرتدّ تعزل عنه امرأته،و لا تؤكل ذبيحته،و يستتاب ثلاثة أيّام،فإن تاب،و إلّا قتل يوم الرابع» (4)و لعلّ الوسط أجود.

و أمّا المرأة ف لا تقتل بالردّة بل تحبس،و تضرب أوقات الصلاة حتى تتوب مطلقاً و لو كانت مرتدّة عن فطرة للمعتبرة المستفيضة،ففي المرسل كالصحيح بل الصحيح على الصحيح:

«و المرأة إذا ارتدّت استتيبت فإن تابت و رجعت،و إلّا خلّدت السجن، و ضيّق عليها في حبسها» (5).

و في الصحيح:في المرتدّة عن الإسلام،قال:«لا تقتل،و تستخدم خدمة شديدة،و تمنع الطعام و الشراب إلّا ما تمسك نفسها،و تلبس خشن الثياب،و تضرب على الصلوات» (6).

و أمّا الصحيح الدالّ على قتل المرتدّة عن ملّة بعد إبائها عن التوبة (7)،

ص:231


1- حكاه الشيخ في المبسوط 7:283،ثم قال:و هو الأقوى،و اعتمد عليه الصيمري في تلخيص الخلاف 3:217.
2- حكاه الشيخ في المبسوط 7:282،و جعله أحوط،و استحسنه المحقق في الشرائع 4:184.
3- تقدّم ذكرهم في ص:198 الرقم 2.
4- الكافي 7:17/258،الفقيه 3:334/89،التهذيب 10:546/138،الاستبصار 4:961/254،المقنع:162،الوسائل 28:328 أبواب حد المرتد ب 3 ح 5.
5- الكافي 7:3/256،التهذيب 10:543/137،الإستبصار 4:959/253،الوسائل 28:332 أبواب حد المرتد ب 4 ح 6.
6- الفقيه 3:335/89،التهذيب 10:565/143،الوسائل 28:330 أبواب حد المرتد ب 4 ح 1.
7- التهذيب 10:567/143،الإستبصار 4:968/255،الوسائل 28:331 أبواب حد المرتد 4 ح 5.

ف مع أنّه شاذّ،مخالف للإجماع قضيّة في واقعة،يحتمل الاختصاص بها،و غيره،مع توجيهات فيه بها لا ينافي الأخبار الأوّلة،ذكر بعضها الشيخ في الكتابين (1)و غيره،مع أنّه غير مكافئ لها.

و اعلم أنّه ذكر شيخنا في المسالك و بعض من تبعه أنّه ليس فيها ما يدلّ على قبول توبتها مطلقاً،و الأوّل منها و إن كان ظاهره ذلك إلّا أنّه تضمّن حكم الرجل بذلك أيضاً،و حمله على الملّي يرد مثله فيها،فحمل الدالّ على تخليد حبسها دائماً من غير تفصيل على الفطري و عدم قبول توبتها كالرجل ممكن،و في التحرير إشعار بالخلاف في ذلك،و هو مناسب للأخبار (2).

أقول:و أظهر من عبارة التحرير عبارة المهذّب (3)المحكيّة في بعض الحواشي المعتبرة،و فيها بعد الحكم بأنّ حكم المرتدّة مطلقاً حكم المرتدّ عن غير فطرة-:و ذهب بعضهم إلى أنّها تحبس دائماً مع التوبة إن كانت عن فطرة.

و لكنّه لم يظهر منها و لا من العبارة الأُولى كون المخالف منّا،فلعلّه من العامّة العمياء،أو من لم يعتدّ به أصلاً،و ربما يشير إلى هذا ما حكي عن المهذب أيضاً في ذيل تلك العبارة في ردّه،قال:و هو و هم،لم يقل به أحد،و لا يدل عليه دليل،بل الأخبار تدل على خلافه (4).انتهى.

و ما أبعد ما بين ما ذكره من دلالة الأخبار على خلافه و ما ذكره شيخنا

ص:232


1- التهذيب 10:143،144،الاستبصار 4:256.
2- المسالك 2:451،و تبعه الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:105،و هو في التحرير 2:235.
3- المهذّب البارع 4:344.
4- المهذّب البارع 4:344.

من مناسبته لها.

و كيف كان فعبارته ظاهرة في عدم الخلاف،كعبارة من تبع شيخنا في إشكاله،حيث قال بعد ذكر الحكم أوّلاً-:بلا خلاف.و هو الظاهر منه أيضاً حيث نسب الحكم بعد ذكره إلى الأصحاب كافّة من دون خلاف ذكره،و لا ريب فيه،فإنّ عبائر الأصحاب مطبقة على ذلك من دون نقل خلاف عمّن يعتدّ به،و لا ذكر إشكال،و حيث كانت المسألة بهذه المثابة فلا إشكال فيها بحمد اللّه سبحانه.

مع إمكان استفادتها من الرواية الأُولى بنوع من التوجيه،كأن يذبّ عمّا أُورد عليها من استلزام حمل المرتدّ فيها على الملّي مثله في المرتدّة بمنع التلازم بين الحملين؛ لتغاير اللفظين،فلا بعد في تقييد إطلاق أحدهما بالدليل الخارجي،و إبقاء الآخر على إطلاقه.

نعم ربما نافى ذلك السياق فكان مستبعداً،لكنّه مندفع بعد ضمّ الفتاوى من دون خلاف إليها،و لعلّه لذا لم يستشكل الحكم بذلك في الروضة (1)أصلاً،و جعله التابع أحوط و أولى (2).

السادسة:لو مات المرتدّ كان ميراثه لوارثه المسلم

السادسة:لو مات المرتدّ كان ميراثه لوارثه المسلم و إن بَعُد و قرب وارثه الكافر،إجماعاً؛ لما مرّ.

و لو لم يكن له وارث إلّا كافر كان ميراث المرتدّ الأجود الاكتفاء عنه بالضمير للإمام (عليه السّلام)،بلا خلاف يظهر فيما إذا كان المرتدّ عن فطرة.

و كذا مطلقاً على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في

ص:233


1- الروضة 9:344.
2- انظر المفاتيح 2:105.

عبارة الماتن في الشرائع و غيره (1)إشعار بالإجماع عليه،حيث نسبا الرواية و قائلها إلى الشذوذ،و لعلّه الظاهر من تتبّع الفتاوى؛ لاتفاقها على ذلك من دون ظهور مخالف صريح و لا ظاهر،عدا الصدوق في الفقيه،حيث روى ما يدل على أنّ ميراث الملّي لورثته،في الموثق كالصحيح عن إبراهيم بن عبد الحميد:في نصراني أسلم،ثم رجع إلى النصرانية،ثم مات،قال:

«ميراثه لولده النصارى» و مسلم تنصّر،ثم مات،قال:«ميراثه لولده المسلمين» (2).

و ظاهره الفتوى بمضمونه؛ لما ذكره في أوّل كتابه،مع أنّه حكي عنه المصير إليه صريحاً في مقنعه (3).

و لم نر موافقاً له عدا الشيخ في استبصاره،حيث حكى الرواية فيه بعينها متناً و سنداً،لكن مرسلاً،و قال بعدها:ميراث النصراني يكون لولده النصارى إذا لم يكن له ولد مسلمون (4).

لكنّه غير صريح بل و لا ظاهر في فتواه به؛ لما هو معلوم في كتابيه من حاله،مع أنّه صرّح في النهاية بخلاف الرواية،حاملاً لها على التقية، قال:لأنّها مذهب العامة (5).و بذلك ردّها جماعة (6).و آخرون

ص:234


1- الشرائع 4:12؛ و انظر المفاتيح 3:312.
2- الفقيه 3:789/245،الوسائل 26:26 أبواب موانع الإرث ب 6 ذيل الحديث 1.
3- حكاه عنه في المهذب البارع 4:347،و المسالك 2:311،و هو في المقنع:179.
4- الاستبصار 4:193،و كذا في التهذيب 9:1328/372.
5- النهاية:667.
6- منهم الفاضل في المختلف:751،و ابن فهد في المهذب البارع 4:347،و المقداد في التنقيح 4:139.

بإرسالها (1).

و هو كما ترى؛ لاختصاص الإرسال بكتابية،و إلّا فهي مسندة في الفقيه،مع أنّ في سنده ابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصح عنه.

و ثالث:بعدم مقاومتها للقاعدة الدالّة على أنّ المرتدّ بحكم المسلم، فلا يرثه الكافر (2).

و هو حسن إن ثبتت الكلّيّة و عموم المنزلة بحيث يشمل مفروض المسألة من إجماع أو رواية،و لم أتحقّقهما كذلك بالكلّيّة.

و رابع:بمعارضتها بالمرسلة كالصحيحة بأبان و ابن أبي عمير المجمع على تصحيح رواياتهما،كما مرَّ غير مرة:في رجل يموت مرتدّاً،و له أولاد،فقال:«ماله لولده المسلمين» (3)بناءً على دلالة تقييد الولد بالمسلمين بمفهوم القيد المعتبر على عدم كون إرثه لأولاده الكافرين، فلا يكون لغيرهم من الورثة الكفّار بالإجماع و فحوى الخطاب،فانحصر الميراث للإمام(عليه السّلام) (4).

و هو حسن إن لم يكن القيد وارداً مورد الغالب،كما ذكره هذا المجيب في الذبّ عن معارضة هذا المرسل بإطلاق الصحيحين،في أحدهما:عن رجل ارتدّ عن الإسلام لمن يكون ميراثه؟قال:«يقسم ميراثه

ص:235


1- منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز 2:425،و ابن فهد في المهذب البارع 4:347.
2- انظر مجمع الفائدة و البرهان 11:473.
3- الكافي 7:1/152،التهذيب 9:1335/374،الوسائل 26:28 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 6.
4- انظر كفاية الأحكام:289.

على ورثته على كتاب اللّه تعالى» (1)و نحوه الثاني (2)،قال بعدهما:إنّهما مبنيّان على الغالب من كون ورثة المرتدّ عن الإسلام مسلمين.

و مقصوده أنّه لا عبرة بإطلاقه؛ لوروده مورده،فلا يعمّ ورثته الكفّار كما هو محلّ البحث و مفروضه.

قلنا:فاقبل مثله في القيد الوارد في المرسل؛ لوروده مورده أيضاً، فلا يعمّ غيره.

و خامس:بحمل الأولاد فيها على الصغار،و هم بحكم المسلمين تبعاً لإسلام أبيهم قبل ارتداده (3).

و فيه نظر؛ لما فيه من تقييد الأولاد بالصغار،ثم تقييدهم بالمنعقدين حال إسلام الأب،و ليس فيها ما يرشد إليهما،مع إشعار وصفهم بالنصارى على خلافهما،و لو لا الإجماع الظاهر المستشعر من جملة من العبائر لكان المصير إليها ليس بذلك البعيد؛ لاعتبار السند،و الاعتضاد بعمومات أدلّة الإرث،السليمة هنا عن المعارض ممّا دل على عدم إرث الكافر عن المسلم؛ لاختصاصه بحكم التبادر بعدم الإرث عن المسلم الحقيقي، لا مطلق من في حكمه،و برواية الإسكافي لها عن ابن فضال و ابن يحيى عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام) (4).

و الحمل على التقيّة يصار إليه مع وجود المعارض الأقوى،و ليس

ص:236


1- الكافي 7:2/152،الفقيه 4:771/242،التهذيب 9:1334/374،الوسائل 26:27 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 3.
2- الكافي 7:4/153،التهذيب 9:1333/373،الوسائل 26:27 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 5.
3- روضة المتقين 11:389،و ملاذ الأخبار 15:399.
4- حكاه عنه في المختلف:751.

بعد الإجماع كما فرضنا.

مضافاً إلى انجبار ضعفها بذلك بموافقتها للعمومات السليمة هنا كما عرفت عن المعارض.

و أمّا القتل أي قتل الوارث لولاه المورّث فيمنع الوارث من الإرث أي إرث المقتول إذا كان عمداً ظلماً إجماعاً محقّقاً،و محكيّاً في كلام جماعة (1)حدّ الاستفاضة،و الصحاح به مع ذلك كغيرها من المعتبرة مستفيضة،ففي الصحيح و غيره:«لا ميراث للقاتل» (2).

و احترز بالظلم عمّا لو قتله حدّا،أو قصاصاً،و نحوهما من القتل بحق،فإنّه لا يمنع بلا خلاف،كما في كلام جماعة (3)،و هو الحجة المؤيّدة بعمومات أدلّة الإرث كتاباً و سنّة،السليمة هنا عمّا يصلح للمعارضة،عدا إطلاقات النصوص المتقدّمة،و هي غير صريحة في المعارضة،بل و لا ظاهرة؛ لاختصاصها بحكم التبادر بغير مفروض المسألة،و هو القتل ظلماً لا حقّاً،هذا.

مضافاً إلى صريح الخبر المنجبر ضعفه بالعمل:عن طائفتين من المؤمنين،إحداهما باغية،و الأُخرى عادلة،اقتتلوا،فقتل رجل من أهل العراق أباه،أو ابنه،أو أخاه،أو حميمه،و هو من أهل البغي،و هو وارثه،

ص:237


1- منهم الشيخ في الخلاف 2:39،و الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 8):31،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:314.
2- الصحيح في:الكافي 7:5/141،التهذيب 9:1352/378،الوسائل 26:30 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 1.و غيره في:الكافي 7:2/140،التهذيب 9:1349/377،الوسائل 26:31 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 6.
3- منهم السبزواري في الكفاية:290،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:314،و انظر المسالك 2:313،و كشف اللثام 2:280.

هل يرثه؟قال:«نعم،لأنّه قتله بحق» (1).

و لا يمنع لو كان خطأً مطلقاً عند المفيد في نقل (2)،و الديلمي و الماتن هنا و في الشرائع (3)،و إليه يميل شيخنا في المسالك (4)؛ للصحيح:

عن رجل قتل امّه،أ يرثها؟قال:«إن كان خطأً ورثها،و إن كان عمداً لم يرثها» (5)و نحوه الموثق في التهذيبين،الصحيح في الفقيه (6).

مع انتفاء الحكمة الباعثة على نفي الإرث حيث لم يقصد القتل،و هي مقابلته بنقيض مقصوده.

خلافاً للعماني (7)،فيمنع مطلقاً؛ أخذاً بإطلاق النصوص المانعة، و خصوص الخبر:«لا يرث الرجل أباه إذا قتله و إن كان خطأً» (8)و نحوه آخر (9).

و هو شاذّ،و مستنده ضعيف؛ لتقييد الإطلاق بما مرّ من الصحيحين و غيرهما ممّا يأتي في البين،و ضعف الخبرين سنداً،و مكافأةً لما مرّ

ص:238


1- الفقيه 4:748/233،التهذيب 9:1364/381،الوسائل 26:41 أبواب موانع الإرث ب 13 ح 1.
2- المقنعة:703.
3- المراسم:218،الشرائع 4:14.
4- المسالك 2:313.
5- التهذيب 9:1358/379،الإستبصار 4:726/193،الوسائل 26:34 أبواب موانع الإرث ب 9 ح 2.
6- الفقيه 4:742/232،التهذيب 9:1357/379،الإستبصار 4:725/193،الوسائل 26:33 أبواب موانع الإرث ب 9 ح 1.
7- حكاه عنه في المختلف:742.
8- الكافي 7:7/141،الوسائل 26:34 أبواب موانع الإرث ب 9 ح 3.
9- التهذيب 9:1359/379،الإستبصار 4:727/193،الوسائل 26:34 أبواب موانع الإرث ب 9 ذيل الحديث 3.

و سيأتي من وجوه شتّى،مع احتمالهما الحمل على التقية،كما ذكره الشيخ في الكتابين (1).

و قال الشيخان و المرتضى و الإسكافي و الحلبي و القاضي و ابن حمزة و ابن زهرة و الحلي (2)،و بالجملة الأكثر،على الظاهر المصرّح به في كلام جمع ممّن تأخّر،كالشهيدين و غيرهما (3):إنّه يمنع من الدية حسب و يرث ممّا عداها من التركة.

و لعلّه الأظهر؛ لنقل المرتضى و الشيخ و ابن زهرة و الحلي الإجماع عليه من الطائفة،و هو الحجة الجامعة بين النصوص المختلفة،مع قصور ما دل منها على إرث الخاطئ عن الدلالة على إرثه من الدية المأخوذة منه أو من العصبة؛ لاختصاصه بحكم التبادر بإرث ما عداها من التركة.

مضافاً إلى رواية عاميّة هي بالتفصيل مصرّحة،و فيها:أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله) قال:«ترث المرأة من مال زوجها و من ديته،و يرث الرجل من مالها و ديتها،ما لم يقتل أحدهما صاحبه،فإن قتل أحدهما صاحبه عمداً فلا يرثه من ماله،و لا ديته،و إن قتله خطأً ورث من ماله و لا يرث من ديته» (4).

ص:239


1- التهذيب 9:380،الاستبصار 4:194.
2- حكاه عن المفيد في التهذيب 9:380،و النهاية:672،الطوسي في التهذيب 9:380،المرتضى في الانتصار:307،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:742،الحلبي في الكافي في الفقه:375،القاضي في المهذّب 2:162،ابن حمزة في الوسيلة:396،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):608،الحلي في السرائر 3:274.
3- الدروس 2:347،المسالك 2:313؛ و انظر الكفاية:290.
4- سنن ابن ماجة 2:2736/914.

و ضعف السند مجبور بعمل الأكثر،و ذكر الزوجين غير مخصّص إجماعاً،هذا.

مضافاً إلى الاعتضاد بعموم المعتبرة المستفيضة أو إطلاقاتها الدالّة على عدم إرث القاتل شيئاً من الدية،ففي الصحيح:«المرأة ترث من دية زوجها و يرث من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه» (1)و نحوه الموثق (2)و غيره (3).

و أقرب منها دلالة الصحيح:عن امرأة شربت دواءً و هي حامل، و لم يعلم بذلك زوجها،فألقت ولدها،قال:فقال:«إن كان له عظم و نبت عليه اللحم عليها دية تسلّمها إلى أبيه،و إن كان حين طرحته علقة أو مضغة،فإنّ عليها أربعين ديناراً أو غرّة تؤدّيها إلى أبيه» قلت:فهي لا ترث ولدها من ديته مع أبيه؟قال:«لا،لأنّها قتلته» (4)فتأمّل .و استدلوا عليه أيضاً بوجه اعتباري،و هو:أنّ الدية يجب عليه دفعها إلى الوارث على تقدير كون الخطأ شبه العمد،و يدفعها عاقلته إلى الوارث على تقدير كونه محضاً؛ لقوله تعالى وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ [1] (5)و لا شيء من الموروث له يجب دفعه إلى الوارث و الدفع إلى نفسه،و أخذه

ص:240


1- الكافي 7:8/141،التهذيب 9:1353/378،الإستبصار 4:728/194،الوسائل 26:32 أبواب موانع الإرث ب 8 ح 2.
2- التهذيب 9:1362/381،الإستبصار 3:1225/343،الوسائل 26:33 أبواب موانع الإرث ب 8 ح 4.
3- الكافي 7:9/141،التهذيب 9:1354/378،الوسائل 26:32 أبواب موانع الإرث ب 8 ح 3.
4- الكافي 7:6/141،الفقيه 4:746/233،التهذيب 9:1356/379،الإستبصار 4:1130/301،الوسائل 26:31 أبواب موانع الإرث ب 8 ح 1.
5- النساء:92.

من عاقلته عوض ما جناه بنفسه لا يعقل.

و فيه:أنّه استبعاد محض،لكن لا بأس بتأييد الدليل به إن ثبت،كما مرّ.

و اعلم أنّه حكى الشهيد-(رحمه اللّه) في النكت و الدروس تبعاً للفاضل في المختلف (1)عن الفضل بن شاذان و العماني أنّهما قالا:إنّ ضارب ابنه تأديباً يرثه؛ لأنّه كالإمام(عليه السّلام)في إقامة الحدّ،و إنّ جناية دابة الراكب مانع من الإرث موجب للكفّارة،قال الفضل:بخلاف دابّة السائق،و لا قيد فيهما، ثم ورّثا السبب،كحافر البئر في غير ملكه؛ لأنّه لا يسمى قاتلاً،و ورّثا الصبي و المجنون إذا قتلا،قال الشهيد-(رحمه اللّه) في كتابه الأوّل (2):و لم أقف على ذلك في كلام غيرهما من الأصحاب،إلّا أنّ المصنف ألحق السبب و الصبي و المجنون و السائق و القائد بالمباشر و الكامل و الراكب،و في الفرق بين السائق و الراكب بُعد؛ لأنّه أكثر ضماناً منه.

و لو اجتمع القاتل الممنوع من الإرث و غيره ممّن يرث المقتول فالميراث لغير القاتل مطلقاً و إن بَعُد من المقتول سواء تقرب ذلك الغير بالقاتل كابنه مثلاً أو بغيره كابن الأخ له و نحوه.

و لو لم يكن للمقتول وارث سوى القاتل فالإرث للإمام (عليه السّلام)، بلا خلاف في شيء من ذلك و لا إشكال،فإنّ القاتل الممنوع من الإرث كالمعدوم،فيرثه من عداه من مراتب الورّاث على الترتيب المتقدّم،هذا.

مضافاً إلى الصحيحين الدالّين على بعض من ذلك،في أحدهما:

«لا يرث الرجل إذا قتل ولده أو والده،و لكن يكون الميراث لورثة

ص:241


1- غاية المراد 3:608،الدروس 2:347،المختلف:742.
2- في«ب» زيادة:بعد الحكاية.

القاتل» (1).

و في الثاني:رجل قتل أباه؟قال:«لا يرثه،و إن كان للقاتل ولد ورث الجدّ المقتول» (2).

و في الصحيح:في الرجل يقتل و ليس له وليّ إلّا الإمام:«إنّه ليس للإمام أن يعفو،و له أن يقتل،أو (3)يأخذ الدية» (4)فتدبّر.

و هنا مسائل ثلاث.
الأُولى:الدية كأموال الميت تقضى منها ديونه،و تنفذ وصاياه

و هنا مسائل ثلاث.

الأُولى:الدية كأموال الميت تقضى منها ديونه،و تنفذ وصاياه مطلقاً و إن قتل عمداً إذا أُخذت الدية و صولح عن القصاص عليها،على الأشهر الأقوى،و قد تقدّم الكلام في المسألة في آخر كتاب الوصية مستوفى.

و هل للديّان في صورة العمد منع الوارث من القصاص مع عدم الوفاء الوجه:لا وفاقاً للحلي و جماعة من المحققين كما في التنقيح (5)،و جعله أشهر في المسالك و غيره (6)؛ لأنّ أخذ الدية اكتساب، و هو غير واجب على الوارث في دين مورّثه،و للعمومات الواردة في

ص:242


1- الكافي 7:3/140،التهذيب 9:1350/378،الوسائل 26:30 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 3.
2- الفقيه 4:741/232،التهذيب 9:1361/380،الوسائل 26:39 أبواب موانع الإرث ب 12 ح 1.
3- في النسخ:و،و ما أثبتناه من المصدر.
4- التهذيب 10:696/178،الوسائل 29:125 أبواب القصاص في النفس ب 60 ح 2.
5- التنقيح 4:141،و هو في السرائر 2:49،التحرير 2:172،تبصرة المتعلّمين:180،المهذب البارع 4:352،كشف الرموز 2:428.
6- المسالك 2:313،مفاتيح الشرائع 3:318.

القصاص.

و في رواية عمل بها الشيخ في النهاية و الحلبي و القاضي و الإسكافي و ابن زهرة (1)مدّعياً عليها إجماع الإمامية،و حكاه الشهيد في النكت (2)أيضاً عن جماعة أنّ لهم منع الوارث حتى يضمن الوارث الدين رواها في التهذيب في كتاب الديات،في آخر باب القضاء في اختلاف الأولياء،بسنده عن يونس عن ابن مسكان،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)،و فيها:«إنّ أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل،فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل ضمنوا الدية للغرماء،و إلّا فلا» (3).

و في أُخرى:«فإن وهبوا دمه للقاتل فجائز،و إن أرادوا القود ليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدين للغرماء،و إلّا فلا» (4).

قيل:و الوجه في جواز الهبة لهم بدون الضمان في هذه أنّ مع الهبة يتمكن الغرماء من الرجوع إلى القاتل بحقّهم،بخلاف ما إذا قيد منه (5).

و حملهما الطبرسي على ما إذا بذل القاتل الدية،فإنّه يجب القبول، و إلّا جاز القود (6).

و هو حسن بعد وجود شاهد عليه،و ليس،مع قصور الروايتين سنداً

ص:243


1- النهاية:309،الكافي في الفقه:332،حكاه عن القاضي و الإسكافي في المختلف:413،الغنية(الجوامع الفقهية):592.
2- غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:304.
3- الفقيه 4:411/119،التهذيب 10:703/180،الوسائل 29:122 أبواب القصاص في النفس ب 59 ح 1.
4- التهذيب 6:861/312،الوسائل 18:365 أبواب الدين و القرض ب 24 ح 2.
5- الوافي 16:865.
6- حكاه عنه في المختلف:413.

و مقاومة لما مضى من وجوه شتّى،أعظمها اعتضاده بالشهرة العظيمة بين الأصحاب دونهما،حتى أنّه في المهذب و عن الماتن في النكت (1)الحكم بضعف الرواية و شذوذها،مشعرين بدعوى الوفاق على خلافها.

و في رواية:«إن قتل عمداً قتل قاتله و ادّى عنه الإمام الدين من سهم الغارمين» (2)هذا.

و أمّا ما يستفاد من السرائر و المختلف و المسالك (3)من استناد الشيخ فيما أفتى به من مضمون الرواية المتقدّمة إلى الخبر:«عن رجل قتل و عليه دين و لم يترك مالاً،و أخذ أهله الدية من قاتله،أ عليهم أن يقضوا الدين؟ قال:«نعم» قلت:و هو لم يترك شيئاً،قال:«أما أخذوا الدية؟فعليهم أن يقضوا عنه الدين» (4).

فقد ذكر في التنقيح أنّه و هم (5).و لعلّه كذلك،و لكنّهم أعرف،إلّا أنّ استناد الشيخ إليها مع عدم الدلالة على ما اختاره كما ذكروه مستبعد.

و اعلم أنّ في المسالك فرض الخلاف فيما لو بذل القاتل الدية (6).

و هو غريب،خلاف ما يستفاد من كلمات الأصحاب في بيان محلّه، حتى أنّه هو بعد ذلك نسب مضمون الرواية المطلقة الغير المقيّدة بما ذكره من القيد إلى القيل الذي هو الشيخ في النهاية و من تبعه،و عبارته كما نقل

ص:244


1- المهذّب البارع 4:353،نكت النهاية 2:29.
2- الفقيه 4:264/83،الوسائل 29:123 أبواب القصاص في النفس ب 59 ح 2.
3- السرائر 2:50،المختلف:413،المسالك 2:313.
4- الكافي 7:6/25،الفقيه 4:584/167،التهذيب 9:681/167،الوسائل 18:364 أبواب الدين و القرض ب 24 ح 1؛ و فيها:إنّما أخذوا..
5- التنقيح 4:142.
6- المسالك 2:479.

كالرواية مطلقة،ثم نسب تقييد الرواية بالقيد الذي ذكره إلى الطبرسي خاصّة (1)،و هو ظاهر بل صريح في مخالفته للنهاية،و لا وجه له سوى قوله بمضمون الرواية مقيّداً بدفع القاتل الدية و إطلاق القول بمضمونها من دون القيد في النهاية،و لذا أنّ بعض من ديدنه غالباً متابعته لم يترجم عن المسألة بما ذكره،بل ذكرها مطلقة (2)،هذا.

و الاحتياط في المسألة يقتضي المصير إلى القول الثاني؛ للإجماع المنقول المعتضد بدعوى الشهيد في الدروس في كتاب الدين الشهرة عليه (3)،مع عدم وجود مخالف له من القدماء عدا الحلي (4)،و هو بالإضافة إليهم نادر قطعاً،و الشهرة المحقّقة إنّما هي متأخّرة،و لو لا العمومات القطعية من الكتاب و السنّة و خصوص الرواية الأخيرة المعتضدة بالشهرة المتأخّرة العظيمة بحيث لا يكاد يوجد مخالف منهم لكان المصير إلى هذا القول في غاية القوّة،و لعلّه لهذا تردّد الشهيد في كتبه المزبورة و لم يحكم بشيء من القولين في المسألة.

الثانية:يرث الدية من يتقرب بالأب ذكراناً أو إناثاً

الثانية:يرث الدية دية المقتول مطلقاً،عمداً كان قتله أو خطأً من يتقرب إليه بالأب ذكراناً أو إناثاً بلا خلاف إلّا من الخلاف، فقال:لا يرثها إلّا المتقرب إليه بالأبوين دون أحدهما (5).

و هو شاذّ،و مستنده غير واضح،عدا ما يظهر من شرح الشرائع

ص:245


1- المسالك 2:479.
2- مفاتيح الشرائع 3:318.
3- الدروس 3:313.
4- راجع ص:239.
5- انظر الخلاف 5:178.

للصيمري (1)من أنّه رواية.و لم أقف عليها،و لا نقله غيره،فهي مرسلة لا تعارض عمومات الإرث و النصوص الآتية.

و كذا يرث الزوج و الزوجة كل منهما من دية الآخر، بلا خلاف يظهر،و به صرح في المبسوط (2)،بل بالوفاق عليه صرّح جمع و منهم الشيخ في الخلاف (3)،و هو الحجة.

مضافاً إلى عمومات الكتاب و السنّة،و خصوص المعتبرة المستفيضة الدالّة على أنّهما يتوارثان من الدية ما لم يقتل أحدهما صاحبه (4)،و قد تقدّم غير بعيد إلى بعض منها الإشارة.

و أمّا الرواية الدالّة على:«أنّ عليّاً(عليه السّلام)كان لا يورث المرأة من دية زوجها،و لا يورث الرجل من دية امرأته شيئاً و لا الإخوة من الاُمّ من الدية شيئاً» (5)فمع أنّها شاذّة،قاصرة السند بالسكوني،غير معارضة لما مرّ من الأدلّة من وجوه عديدة،فلتكن مطرحة أو مؤوّلة بما ترجع به إلى الأوّلة من الحمل على صورة ما إذا قتل أحدهما صاحبه،مع احتمالها الحمل على التقية،كما ذكره شيخ الطائفة (6)و يؤيّده رواية الراوي لها الذي هو من قضاة العامّة.

و لا يرث من يتقرب إليه بالأُمّ خاصّة،وفاقاً للمقنعة و النهاية

ص:246


1- غاية المرام 4:170.
2- المبسوط 7:54.
3- الخلاف 4:114.
4- الوسائل 26:31،38 أبواب موانع الإرث ب 8،11.
5- التهذيب 9:1360/380،الإستبصار 4:731/195،الوسائل 26:39 أبواب موانع الإرث ب 11 ح 4.
6- التهذيب 9:380.

و القاضي و التقي و ابن زهرة و الحلي و الكيدري و الفاضل في القواعد و ولده و الشهيدين في الدروس و المسالك (1)،و نسبه فيه إلى الأكثر،و تبعه في النسبة جمع (2)،و سيأتي عن الحلي نفي الخلاف عنه (3)،و في الخلاف الإجماع عليه (4)،و هو الحجّة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:«يرثها الورثة على كتاب اللّه تعالى و سهامهم،إذا لم يكن على المقتول دين،إلّا الإخوة و الأخوات من الأُمّ فإنّهم لا يرثون من ديته شيئاً» (5)و نحوه آخران (6)،لكن بدون ذكر الأخوات فيهما.

و في الموثق:«لا يرث الإخوة من الاُمّ من الدية شيئاً» (7).

و في الخبر:هل للإخوة من الاُمّ من الدية شيء؟قال:

«لا» (8).

ص:247


1- المقنعة:702،النهاية:735،المهذّب 2:163،الكافي في الفقه:376،الغنية(الجوامع الفقهية):608،السرائر 3:274،القواعد 2:163،إيضاح الفوائد 4:180،الدروس 2:347 المسالك 2:313،314.
2- منهم السبزواري في الكفاية:291،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:280.
3- في ص:245.
4- الخلاف 2:356.
5- الكافي 7:2/139،الفقيه 4:744/232،التهذيب 9:1338/375،الوسائل 26:35 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 1.
6- أحدهما في الكافي 7:5/139،التهذيب 9:1340/375،الوسائل 26:37 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 4. و الآخر في:الكافي 7:4/139 التهذيب 9:1339/375،الوسائل 26:36 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 2.
7- الكافي 7:6/139،التهذيب 9:1343/376،الوسائل 26:37 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 5.
8- الكافي 7:8/140،التهذيب 9:1342/375،الوسائل 26:37 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 6.

و ليس في سنده سوى السهل الثقة عند بعض (1)،و ضعفه سهل عند آخرين (2)؛ و داود بن حصين،و هو موثق.

و هذه النصوص و إن قصرت عن إفادة تمام المدّعى من حرمان جميع من يتقرب بها؛ لاختصاصها بالإخوة و الأخوات منها،إلّا أنّه لا قائل بالفرق ظاهراً،و إن احتمله الشهيدان (3)،مع رجوع أوّلهما إلى عدم الفرق.

مضافاً إلى ثبوت الحكم في غير مواردها بطريق أولى،كما صرح به جماعة (4)،و إن أنكرها آخرون متردّدين فيها (5).و لا وجه له بعد ظهورها بحسب فهم العرف الذي هو المناط في حجيتها.

و قيل كما عن المبسوط (6) يرثها من يرث المال كائناً من كان؛ لعمومات الإرث.و لا وجه للاستناد إليها بعد تلك النصوص الخاصّة، إلّا على مختار من ضعّف العمل بأخبار الآحاد،أو عدم قابليتها لتخصيص نحو الكتاب،و هما عنده خلاف التحقيق.

و أمّا ما يظهر من الصيمري من أنّ سنده الرواية،فيتوجّه عليه عين ما سبق على حكايته السابقة من المناقشة (7).

ص:248


1- كالطوسي في رجاله:4/416.
2- منهم المجلسي في رجاله:870/224،و انظر تعليقات الوحيد البهبهاني على منهج المقال:176،177.
3- الدروس 2:347،348،الروضة البهية 8:36،37،المسالك 2:313،314.
4- منهم الشهيد الأوّل في غاية المراد 3:610،و الشهيد الثاني في الروضة 8:37،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:280.
5- مجمع الفائدة 11:511،الكفاية:291.
6- المبسوط 7:54.
7- راجع ص:242.

و اعلم أنّ كثيراً من الأصحاب كالشهيدين و غيرهما (1)نسبوا هذا القول إلى الحلّي في كتاب الجنايات.و لم أقف فيه على ما يدل على ما ذكروه، مع أنّه قال في المسألة الآتية ردّاً على ما قاله الشيخ فيها في النهاية:هذا غير صحيح و لا مستقيم،بل الإمام وليّ المقتول المذكور،إن شاء قتل،و إن شاء عفا،فإن رضي هو و القاتل و اصطلحا على الدية فإنّها تكون له،دون بيت مال المسلمين؛ لأنّ الدية عندنا يرثها من يرث المال و التركة،سوى كلالة الأُمّ،فإنّ كلالة الأُمّ لا ترث الدية و لا القصاص و لا القود،بغير خلاف، و تركته لو مات كانت لإمام المسلمين،بغير خلاف بيننا (2).إلى آخر ما ذكره.

و هذا كما ترى ظاهر بل صريح في اختياره القول الأوّل،نافياً الخلاف فيه بيننا،و لم أَرَ منه في ذلك الكتاب ما يوجب توهّم ما ذكروه، عدا ما حكاه فيه عن الشيخ في النهاية و المبسوط في مسألة من يرث القصاص (3)،فإنّ عبارته في الكتابين المحكيّة في كتابه ذلك تضمّنت حكم تلك المسألة و المسألة التي نحن فيها،و عبارة النهاية صرّحت بمنع الكلالة للأُمّ عن إرث الدية (4)،و عبارة المبسوط أطلقت الحكم بأنّه يرثها من يرث المال (5)،ثم قال:و الأقوى ما اختاره في مبسوطه.

ص:249


1- الدروس 2:348،المسالك 2:313؛ و انظر التنقيح 4:143،و الكفاية:291.
2- السرائر 3:336.
3- السرائر 3:328.
4- النهاية:673.
5- المبسوط 7:54.

و لعلّه لذا نسبوه إلى ما نسبوه زاعمين رجوع اختياره لما في المبسوط إلى المسألة التي نحن فيها أيضاً،و ما تفطّنوا لرجوعه إلى حكم مسألة من يرث القصاص خاصّة،فإنّ في عبارتي النهاية و المبسوط فيها أيضاً اختلافاً،حيث تضمّنت الاُولى منع النساء من إرثهنّ القصاص،و الثانية أنّه يرثه من يرث المال حتى النساء،و اختار هو مختار المبسوط؛ استناداً،إلى عموم الآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ [1] (1).و يشير إلى ما ذكرناه من رجوع اختياره لما في المبسوط إلى مختاره هذا دون ما مضى أوّلاً:ما ذكرناه من عبارته الصريحة في موافقته المشهور هنا مدّعياً الوفاق عليه.

و ثانياً:فهم الفاضل في المختلف ما ذكرناه،فإنّه في كتاب الجناية بعد نقله عبارة الحلّي تلو عبارتي المبسوط و النهاية قال:و المعتمد ما قاله الشيخ في المبسوط؛ لعموم الآية،ثم قال:احتجّ الشيخ على قوله في النهاية بما رواه أبو العباس عن الصادق(عليه السّلام)،قال:«ليس للنساء عفو و لا قود» (2)ثم قال:و الجواب المنع من صحة السند (3).

و هو كما ترى صريح في فهمه من تلك العبارات ما فهمناه،و أنّ عنوانها مسألة من يرث القصاص لا هذه المسألة.

و نسبه في الدروس أيضاً إلى الفاضل،بعد نسبته إيّاه إلى الحلي، قال:و في المبسوط:يرثها من يرث المال،و اختاره ابن إدريس و الفاضل؛

ص:250


1- الأنفال:75،الأحزاب:6.
2- الكافي 7:5/357،التهذيب 10:692/177،الإستبصار 4:988/262،الوسائل 29:118 أبواب القصاص في النفس ب 56 ح 1.
3- المختلف:786.

للآية (1).

و لم أقف على ما ذكره في شيء من كتبه التي تحضرني،و لا يبعد أن يكون منشأ نسبة ذلك إليه عبارته في المختلف المتقدّمة المتضمّنة لاختياره ما اختاره المبسوط و الحلي،لكنّها كما عرفت صريحة في أنّ عنوان مختارهم في تلك العبائر شيء آخر،لا هذه المسألة.

الثالثة:إذا لم يكن للمقتول عمداً وارث سوى الإمام(عليه السّلام)

الثالثة:إذا لم يكن للمقتول عمداً وارث سوى الإمام(عليه السّلام)فله القود،أو الدية مع التراضي عن القود عليها و ليس له العفو عنهما، وفاقاً للإسكافي و الشيخين و القاضي (2)،و لعلّه المشهور بين الأصحاب، كما صرّح به جمع (3)؛ للصحيح المروي في الكتب الثلاثة بعدّة طرق صحيحة:في الرجل يقتل و ليس له ولي إلّا الإمام:«إنّه ليس للإمام أن يعفو،و له أن يقتل،أو يأخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين،لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام،و كذلك تكون ديته لإمام المسلمين» (4)و هو يتناول العمد و الخطأ،و نسبه في المختلف إلى الشيخين (5)،فلا يبعد.

و قيل و هو الحلّي كما مرّ:إنّ له العفو أيضاً كغيره من الأولياء،بل هو أولى (6)،و نفى عنه البأس في المختلف (7)،إلّا أنّه جعل

ص:251


1- الدروس 2:348.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:788،المفيد في المقنعة:743،الطوسي في النهاية:673،القاضي في المهذّب 2:162.
3- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:143،و الشهيد الثاني في المسالك 2:313،و السبزواري في الكفاية:291.
4- التهذيب 10:696/178،الوسائل 29:125 أبواب القصاص في النفس ب 60 ح 2.
5- المختلف:788.
6- السرائر 3:336.
7- المختلف:788.

العمل بالرواية أولى،و قريب منه كلام شيخنا في المسالك،فإنّه قال بعد نقل هذا القول-:و له وجه وجيه،إلّا أنّ صحة الرواية،و ذهاب معظم الأصحاب إلى العمل بمضمونها،مع عدم المعارض،يعيّن العمل بها (1).

و الأمر كما ذكراه،و لكن لا فائدة في نفي البأس عنه بعد ذلك أصلاً.

و أمّا الرقّ فيمنع من الإرث في الوارث بمعنى:أنّه لا يرث الإنسان إذا كان رقاً،و إن كان المورّث مثله،بل يرثه الحرّ و إن كان ضامن جريرة،دون الرقّ و إن كان ولداً.

و في الموروث بمعنى:أنّ الرقّ لا يورّث،بل ماله لمولاه بحق الملك،لا بالإرث و إن كان له وارث حرّ،و لا خلاف في شيء من ذلك،حتى على القول بأنّ العبد يملك،بل عليه الإجماع في عبائر جمع (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،بل المتواترة،يقف عليها المتتبّع لتضاعيف أخبار أبحاث هذه المسألة،ففي جملة من المعتبرة المستفيضة، و فيها الصحيح و القريب منه و غيرهما:«لا يتوارث الحرّ و المملوك» (3).

و يستفاد منها منع الرقّ عن الإرث في المقامين،و من غير واحد من النصوص المعتبرة المنع في الأوّل (4).

و أمّا ما يدل عليه في الثاني فالمعتبرة الأُخر المستفيضة،الواردة في ميراث المكاتبين،منها الصحيح:في مكاتب توفّي و له مال،قال:«يحسب

ص:252


1- المسالك 2:313.
2- كالخلاف 4:26،و كشف اللثام 2:281،و المفاتيح 3:313.
3- الوسائل 26:43 أبواب موانع الإرث ب 16.
4- الوسائل 26:44 أبواب موانع الإرث ب 16 الأحاديث 3،6،7.

ميراثه على قدر ما أعتق منه لورثته،و ما لم يعتق منه لأربابه الذين كاتبوه» (1).

و نحوه آخر:في رجل مكاتب يموت و قد أدّى بعض مكاتبته،و له ابن من جاريته،قال:«إن كان اشترط عليه أنّه إن عجز فهو مملوك رجع إليه ابنه مملوكاً و الجارية،و إن لم يكن اشترط عليه ذلك أدّى ابنه ما بقي من مكاتبته،و ورث ما بقي» (2).

و نحوهما غيرهما من المعتبرة الأُخر،التي فيها الصحيح أيضاً و غيره (3).

و لو اجتمع الرقّ الوارث مع الحرّ مثله فالميراث للحرّ دونه و لو بَعُد الحر و قرب المملوك كما مرّ.

و لو كان للحرّ ولد رقّ و لذلك الولد الرقّ ابن حرّ ورث الابن الحرّ جدّه،و لا يحجبه رقّية أبيه،كما في الكافر و القاتل،فإنّهما لا يمنعان من يتقرّب بهما إلى الميت؛ لانتفاء المانع منه دونهما،و به خصوص الخبر المنجبر ضعفه بالعمل،و رواية الحسن بن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه عن موجبه:في عبد مسلم و له أُمّ نصرانية،و للعبد ابن حرّ، قيل:أ رأيت إن ماتت أُمّ العبد و تركت مالا؟قال:«يرثها ابن ابنها الحرّ» (4).

ص:253


1- الكافي 7:4/151،الفقيه 4:801/248،التهذيب 9:1254/349،الوسائل 26:48 أبواب موانع الإرث ب 19 ح 2.
2- الكافي 7:2/151،التهذيب 9:1256/349،الإستبصار 4:125/37،الوسائل 26:57 أبواب موانع الإرث ب 23 ح 2.
3- الوسائل 26:57 أبواب موانع الإرث ب 23.
4- الكافي 7:1/150،التهذيب 9:1214/337،الوسائل 26:45 أبواب موانع الإرث ب 17 ح 1.

و لو أعتق على ميراث قبل قسمته يشارك باقي الورثة إن كان مساوياً لهم في الطبقة و الدرجة و حاز الإرث و جمعه كلّه إن كان أولى منهم،بلا خلاف،كما في المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)فيمن ادّعى عبد إنسان أنّه ابنه:أنّه يعتق من مال الذي ادّعاه،فإن توفّي المدعي،و قسم ماله قبل أن يعتق العبد،فقد سبقه المال،و إن أعتق قبل أن يقسم ماله فله نصيبه منه» (1).

و في القريب منه بأبان و ابن أبي عمير المجمع على تصحيح رواياتهما:«من أعتق على ميراث قبل أن يقسم الميراث فهو له،و من أعتق بعد ما قسم فلا ميراث له» (2)و نحوه غيره (3).

و في القريب منه أيضاً بأبان المتقدّم،الوارد فيمن أسلم على ميراث قبل قسمته:قلت:العبد يعتق على ميراث،قال:«هو بمنزلته» (4).

و منه يظهر أنّه لو كان الوارث الحرّ واحداً فأعتق الرق بعد موت مورّثه لم يرث مطلقاً و إن كان أقرب إلى الميت من الحرّ، و كذا لو أعتق بعد القسمة مع تعدّد الورثة لأنّه لا قسمة في الأوّل، و لا عتق قبلها في الثاني،فلا إرث له.

ص:254


1- الفقيه 4:794/246،التهذيب 9:1212/337،الوسائل 26:46 أبواب موانع الإرث ب 18 ح 1.
2- الكافي 7:4/144،التهذيب 9:1318/369،الوسائل 26:21 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 3.
3- التهذيب 9:1210/336،الوسائل 26:47 أبواب موانع الإرث ب 18 ح 2.
4- الفقيه 4:758/237،التهذيب 9:1211/336،الوسائل 26:21 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 4.

و لو قسم بعض التركة ثم أعتق ففي إرثه من الجميع،أو الباقي خاصّة،أو عدمه مطلقاً،أوجه و احتمالات،و لعلّ أظهرها الأوّل،كما قطع به الفاضل في الإرشاد و غيره (1)؛ لعموم المعتبرة المتقدّمة بإرثه لو أعتق قبل القسمة،و المتبادر منها قسمة جميع التركة لا بعضها.

و لو لم يكن للميت ممّن عدا الإمام(عليه السّلام) وارث سوى المملوك اجبر مولاه على أخذ قيمته فيعتق ليحوز الإرث و يجمعه،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في ظاهر كلام جماعة (2)،و النصوص به مع ذلك مستفيضة،ستأتي إليها الإشارة.

و هي و إن كانت مطلقة في وجوب الشراء،إلّا أنّها مقيّدة بما إذا لم يكن هناك وارث حرّ،و لو كان بعيداً كضامن جريرة؛ لما مرّ إليه الإشارة،مع أنّه ادّعى عليه الشيخ إجماع الإمامية (3).

و ظاهر أكثرها،كالعبارة و غيرها،و صريح آخرين (4)،توقف عتقه بعد الشراء على الإعتاق،فيتولّاه من يتولّى الشراء،و هو الحاكم الشرعي،فإن تعذّر تولّاهما غيره كفايةً.

قيل:و لا فرق في المملوك بين القنّ و المكاتب و المدبّر و أُمّ الولد؛ لاشتراك الجميع في أصل الرقّيّة و إن تشبّث بعضهم بالحرّية،و النهي عن بيع أُمّ الولد مخصوص بغير ما فيه تعجيل عتقها؛ لأنّه زيادة في مصلحتها

ص:255


1- الإرشاد 2:127؛ و احتمله في القواعد 2:162،و تنظّر فيه في التحرير 2:171؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 11:488.
2- منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز 2:432،و الشهيد الثاني في المسالك 2:314،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:313.
3- الخلاف 4:26.
4- منهم العلّامة في القواعد 2:164،و الشهيد الثاني في الروضة البهية 8:38.

التي نشأ منها المنع من البيع،فيصح هنا بطريق أولى،و لو كان المكاتب المطلق قد أدّى شيئاً و عتق منه بحسابه فكّ الباقي،و إن كان يرث بجزئه الحرّ؛ لأنّ ما قابل جزأه الرقّ من الإرث بمنزلة ما لا وارث له (1).انتهى.

و يعضده إطلاق النصوص و الفتاوى.

و لو قصر المال و التركة عن قيمته لم يفكّ على الأظهر الأشهر،كما في المختلف و المسالك و غيرهما (2)و عليه عامّة من تأخّر، و نفى عنه الخلاف في السرائر (3)،و هو الحجة.

مضافاً إلى مخالفته الأصل من وجوه عديدة،فيقتصر فيه على المتيقن من الفتوى و الرواية،و ليس إلّا ما إذا وفت التركة بتمام القيمة،بل و ما زاد أيضاً،إلّا أنّه لم يعتبر الزيادة عنه إجماعاً.

و قيل:يفكّ ما وفى به القيمة و يسعى العبد في باقيه هذا القول لم نظفر بقائله،و إنّما الأصحاب الحاكون له أشاروا إليه من دون تصريح به،و بعدم الظفر به صرّح شيخنا في المسالك (4)و غيره،و لا يبعد أن يكون هو الفضل بن شاذان،كما حكاه عنه في الكافي،فإنّه قال في جملة كلام له في وجوب شراء المملوك و إعتاقه مع عدم الوارث و جبر المالك عليه-:فإن قال أي قائل-:فإنّها أي أُمّ الولد ورثت أقلّ من قيمتها أو ورثت النصف من قيمتها،أو الثلث،أو الربع،قيل له:يعتق منها بحساب ما ورثت،فإن شاء صاحبها أن يستسعيها فيما بقي من قيمتها فعل

ص:256


1- قاله الشهيد الثاني في المسالك:314.
2- المختلف:741،المسالك 2:314؛ و انظر الإيضاح 4:183،و المهذب البارع 4:360.
3- السرائر 3:272.
4- المسالك 2:314.

ذلك،و إن شاء أن تخدمه بحساب ما بقي منها فعل ذلك.لكنّه قال بعد ذلك ما يدل على تخصيصه الفكّ بما إذا لم يقصر المال عن جزء من ثلاثين جزءاً من قيمتها،و أنّه لو قصر لا يفكّ؛ أخذاً من عدة الشهر،و زعم أنّ الأمة لو تجاوزت قيمتها دية الحرّ ردّت إليها (1).

و إطلاق القول المحكي في كلام الأصحاب لا يوافق هذا التفصيل، و لعلّه لذا جعله في الدروس قولاً ثالثاً (2).

و كيف كان فلا ريب في ضعفه مطلقاً،و إن قوّاه مطلقاً من دون تفصيل بعض متأخّري متأخّري أصحابنا (3)؛ لعدم وضوح مأخذه،عدا ما في السرائر (4)من نسبته إلى رواية،و لم نقف عليها،فهي مرسلة لا حجة فيها،سيّما في مقابلة حجّة الأكثر المتقدّمة،مع أنّه ذكر الشيخ في النهاية أنّه لم يقف له على أثر (5).

و أمّا عموم:«الميسور لا يسقط بالمعسور» (6)و نحوه (7)فبعد تسليم شموله لنحو المقام معارض بعموم ما دل على أنّه:«لا ضرر و لا ضرار في الإسلام» (8)و لا ريب أنّ إجبار المالك على بيع مملوكه ضرر،و أصالة البراءة مع الشهرة العظيمة مع حكاية نفي الخلاف المتقدّمة ترجّح الثاني،

ص:257


1- الكافي 7:148.
2- الدروس 2:343.
3- مفاتيح الشرائع 3:313.
4- السرائر 3:272.
5- النهاية:668.
6- عوالي اللئلئ 4:205/58.
7- عوالي اللئلئ 4:207/58.
8- الفقيه 4:777/243،الوسائل 26:14 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 10،و كذا الوسائل 25:427 أبواب إحياء الموات ب 12.

فلا محيص عنه،و إن نفى البأس عن خلافه في المختلف و المسالك (1).

و يتفرع على القولين فروع،منها:ما لو تعدّدوا و وفّى نصيب بعضهم بقيمته دون غيره،فعلى القول الثاني يجب شراؤهما،بل وجوب شراء من وفّى نصيبه بقيمته أولى؛ لعدم تضرر المالك،و عدم الاحتياج إلى الاستسعاء.

و على الأوّل لا يجب شراء من لا يفي نصيبه بقيمته،و في وجوب شراء الآخر وجهان،أحدهما:العدم؛ لقصور التركة عن فكّ الورثة في الجملة،و هو مانع عن الفكّ،كما مرّ إليه الإشارة؛ و لأنّه إمّا أن يجب فكّ بعض كل واحد،أو فكّ واحد لا بعينه،أو بعينه،فإمّا من يفي نصيبه بقيمته،أو غيره،و الأوّل خلاف الفرض،و الثاني غير موجود في الخارج، و الثالث ترجيح من غير مرجّح،و الرابع كذلك،مع متروكيّته بالإجماع.

و ثانيهما:نعم؛ لوجود قريب يرث مع الحرّية،و ما هو كذلك يجب شراؤه؛ لعموم النص،و فرق بينه و بين شراء بعض وارث بحصول ضرر فيه على المالك دون الأوّل،و هو اختيار الفاضل و ولده،و مال إليه شيخنا الشهيد الثاني (2).

و منها:ما لو لم تف التركة بقيمة القريب و وفت بقيمة البعيد،كالأخ مع الابن،فيجب شراؤه دون البعيد على القول الثاني دون الأوّل.

و عليه ففي وجوب شراء الأخ،أو كون التركة للإمام(عليه السّلام)وجهان، أحدهما:نعم؛ لأنّ الابن يمنع من إرث الأخ مع حرّيته أو مع إمكانها، و كلاهما مفقودان،فهو في حكم العدم،فينحصر الوارث في الأخ.

ص:258


1- المختلف:741،المسالك 2:314.
2- القواعد 2:164،إيضاح الفوائد 4:184،المسالك 2:314.

و الآخر:لا؛ لأنّ كونه ولداً يمنع من إرث الأخ،فليس الأخ وارثاً هنا.و هو ضعيف؛ لأنّ من شروط الحجب عدم رقّيّة الوارث.

و اعلم أنّه يفكّ الأبوان إجماعاً،كما في الانتصار و السرائر و الشرائع و شرحيه لشيخنا الشهيد الثاني و الصيمري و الروضة (1)،و غيرها من كتب الجماعة (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة في الأُمّ (3)، و يلحق بها الأب؛ لعدم القائل بالفرق،مع وقوع التصريح به فيما يأتي من المعتبرة.

مضافاً إلى استلزام ثبوت الحكم فيها ثبوته فيه بطريق أولى (4).

و اختلفوا في إلحاق من عداهما بهما على أقوال،فبين من اقتصر عليهما،كما عن سلّار و ظاهر ابني بابويه (5)؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المجمع عليه.

و بين من ألحق بهما الأولاد خاصّة دون غيرهما من الأقارب و الزوجين،مخصِّصاً إيّاهم بأولاد الصلب دون أولاد الأولاد،كما عن المفيد و ابن حمزة (6)،و نسبه الحلي إلى الأكثر و حكاه عن المرتضى و قوّاه؛ مستنداً في محلّ المنع إلى الأصل،و في الإلحاق إلى الإجماع (7).

ص:259


1- الانتصار:308،السرائر 3:273،الشرائع 4:15،المسالك 2:315،غاية المرام 4:172،الروضة البهية 8:41.
2- إيضاح الفوائد 4:186،و التنقيح الرائع 4:145،و مفاتيح الشرائع 3:313.
3- الوسائل 26:49 أبواب موانع الإرث ب 20 الأحاديث 1،2،6،7،11.
4- في«ب» زيادة:فتأمّل.
5- المراسم:219،حكاه عن ابني بابويه في المختلف:741،و الإيضاح 4:186.
6- المقنعة:695،الوسيلة:396.
7- السرائر 3:272.

و سيظهر لك ضعف هذه الأقوال.

و قيل:يفكّ ذو القرابة مطلقاً،فيدخل فيه من علا من الآباء، و من سفل من الأولاد،و الإخوة،و الأعمام،و الأخوال،و بالجملة كل وارث قريب عدا الزوج و الزوجة،و القائل الإسكافي و الشيخ في النهاية و التقي و القاضي و ابن زهرة و الكيدري (1)،و كثير ممّن تأخّر عنهم كالفاضل و ولده و الشهيدين و غيرهم (2)،و نسبه في الروضة إلى الأكثر (3).

و هو الأقوى؛ استناداً في إلحاق الأولاد للصلب بما مرّ من الإجماع المحكي في كلام الحلي،و أولادهم بظاهر الاتفاق المحكي في الروضة على إلحاق الأولاد بالأبوين من دون تقييد بكونهم للصلب.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:الرجل يموت،و له ابن مملوك،قال:«يشترى،و يعتق،ثم يدفع إليه ما بقي» (4)و نحوه آخر (5).

و في ثالث:عن رجل كانت له أُمّ ولد و هو طويل،و في آخره -:قلت:فولدها من الزوج؟قال:«إن كان ترك مالاً اشتري منه بالقيمة،

ص:260


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:741،النهاية:668،التقي في الكافي في الفقه:375،القاضي في المهذّب 2:155،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):608،و حكاه عن الكيدري في المختلف:741.
2- القواعد 2:164،إيضاح الفوائد 4:187،اللمعة(الروضة البهية 8):41،و التنقيح الرائع 4:146.
3- الروضة 8:42.
4- الكافي 7:4/147،الفقيه 4:792/246،التهذيب 9:1221/334،الوسائل 26:50 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 4.
5- التهذيب 9:1205/335،الإستبصار 4:667/177،الوسائل 26:53 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 10.

فأُعتق،و ورث» (1)و الحديث مروي في الفقيه.

و في الموثق المروي فيه كذلك،و في الكافي و التهذيبين بسند فيه جهالة:مات مولى لعليّ(عليه السّلام)،فقال:«انظروا هل تجدون له وارثاً؟» فقيل له:إنّ له ابنتين باليمامة مملوكتين،فاشتراهما من مال الميت،ثم دفع إليهما بقيّة الميراث (2).

و احتمال التبرّع فيه و إن كان قائماً،إلّا أنّه بضميمة ما تقدّم من الأخبار الظاهرة في عدمه و كونه على الوجوب ليس محتملاً،فتأمّل .و منه إن تم ينقدح وجه للاستدلال به على إلحاق مطلق الورثة؛ لإطلاق قوله(عليه السّلام):«هل تجدون له وارثاً» .مضافاً إلى دلالة كثير من المعتبرة المشار إليها بقوله: و به رواية ضعيفة عليه،منها المرسل كالموثق بابن بكير المجمع على تصحيح ما يصح عنه:«إذا مات الرجل،و ترك أباه و هو مملوك،أو امّه و هي مملوكة،أو أخاه أو أُخته،و ترك مالاً و الميت حرّ،يشترى ممّا ترك أبوه أو قرابته و ورث الباقي من المال» (3)و نحوه مرسل آخر (4)مثله سنداً و متناً.

و الخبر:عن رجل مات،و ترك مالاً كثيراً،و ترك امّاً مملوكة،و أُختاً مملوكة؟قال:«تشتريان من مال الميت،ثم تعتقان،و تورثان» قلت

ص:261


1- الفقيه 4:795/246،الوسائل 26:54 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 12.
2- الكافي 7:8/148،الفقيه 4:791/246،التهذيب 9:1197/333،الإستبصار 4:659/175،الوسائل 26:52 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 8.
3- التهذيب 9:1203/334،الإستبصار 4:665/176،الوسائل 26:53 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 9.
4- الكافي 7:3/147،التهذيب 9:1202/334،الإستبصار 4:664/176،الوسائل 26:50 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 3.

أ رأيت إن أبى أهل الجارية،كيف يصنع؟قال:«ليس لهم ذلك،و تقوّمان قيمة عدل،ثم تعطى مالهم على قدر القيمة» (1)الحديث.

و ضعف سنده بالجهالة،و متنه كسابقيه عن الدلالة بالأخصّيّة من المدّعى بالاختصاص ببعض القرابة،مجبور بعمل أكثر الطائفة،كما هو الظاهر من الفتاوى الظاهرة و المحكيّة،و قد عرفته من حكاية الروضة المتقدّمة التي هي أرجح من حكاية الحلي الأكثرية على خلافه؛ لكونها موهونة بعدم مصير أحد إلى ما ذكره،عدا نادر من الطائفة (2)،مع كون باقي فتاوى القدماء و المتأخّرين على خلافه مطبقة.و بعدم القائل بالفرق بين الأُخت مثلاً و غيرها من القرابة بين الطائفة،و به صرّح في الروضة (3).

و أمّا ما يتوهّم من القدح في الرواية الأخيرة بتضمّنها شراء الأُخت مع الاُمّ و إيراثها معها،مع أنّه ممّا لا نقول به فمدفوع بأنّ الواو فيها بمعنى أو،كما صرّح به جماعة (4)،و ربما يرشد إليه قول الراوي:فإن أبى أهل الجارية،فتدبّر،فإذاً لا محيص عن هذا القول و لا مندوحة.

و في إلحاق الزوج و الزوجة بمطلق القرابة في الحكم المزبور تردّد ينشأ:من الأصل المتقدّم إليه الإشارة.

و من ورود الصحيح بإلحاق الزوجة فالزوج أولى،مع أنّه لا قائل بالفرق بينهما جدّاً،و فيه:«كان أمير المؤمنين(عليه السّلام)إذا مات الرجل و له امرأة

ص:262


1- الكافي 7:6/147،التهذيب 9:1198/333،الإستبصار 4:660/175،الوسائل 26:50 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 5.
2- راجع ص:256.
3- الروضة 8:41.
4- المختلف:741،مرآة العقول 23:220،الوسائل 26:51،الوافي 25:845.

مملوكة،اشتراها من ماله،فأعتقها،ثم ورّثها» (1).

و في الدلالة نظر؛ لقيام احتمال التبرّع فيه،فلا يمكن الاستدلال به على الوجوب.

مع أنّه معارض بصريح الصحيح الناصّ على عدم شراء الزوج من مال الزوجة،رواه في الفقيه،و فيه:عن مملوك رجل أبق منه،فأتى أرضاً فذكر لهم أنّه حرّ من رهط بني فلان،و أنّه تزوّج امرأة من أهل تلك الأرض فأولدها،ثم إنّ المرأة ماتت،و تركت في يده مالاً و ضيعة و ولدها،ثم إنّ سيّده أتى تلك الأرض،فأخذ العبد و جميع ما في يده و أذعن له العبد بالرق؟فقال:«أمّا العبد فعبده،و أمّا المال و الضيعة فإنّه لولد المرأة الميتة، و لا يرث عبد حرّا» قلت:جعلت فداك،فإن لم يكن للمرأة يوم ماتت ولد و لا وارث،لمن يكون المال و الضيعة التي تركتها في يد العبد؟فقال:

«جميع ما تركت لإمام المسلمين خاصّة» (2).

و هو كما ترى صريح في خروج الزوج من هذا الحكم،فالزوجة أولى؛ مضافاً إلى عدم القول بالفرق،كما مضى.

و حمله في الوافي على أنّ ذلك لخدعته المرأة بدعواه الحرّية (3).

و فيه:أنّه لا معارض له صريحاً بل و لا ظاهراً يوجب الخروج عن ظاهره؛ مضافاً إلى عدم دليل على الحمل،مع خلوّ كلام القائلين بوجوب فكّ الزوجين كالنهاية و الكيدري و ابن زهرة و الفاضل في الإرشاد و المحقق

ص:263


1- الفقيه 3:298/83،التهذيب 8:894/247،الإستبصار 4:674/178،الوسائل 23:89 أبواب العتق ب 53 ح 1.
2- الفقيه 3:1371/288،الوسائل 21:224 أبواب العيوب و التدليس ب 11 ح 3.
3- الوافي 25:850.

الثاني و الشهيد الثاني و بعض من تبعه (1)عن التقييد بما ذكره و اشتراطه بعدم الخدعة.

اللّهم إلّا أن يكون مراده بها عدم وقوع تزويجه بإذن سيّده،فيكون باطلاً،فكأنّ المملوك ليس بزوج لها.

و فيه نظر؛ لعدم إمكان الحكم بالبطلان إلّا مع عدم إجازة المولى، و هو في الرواية غير مشار إليه أصلاً،بل وقع الحكم فيها بإرث الإمام لتركتها مع عدم الولد مطلقاً،بل عامّاً؛ لترك الاستفصال عن إجازة المولى لعقده و عدمها،فيكون الحكم شاملاً لصورة الإجازة أيضاً.

نعم تخرج الرواية بهذا عن الصراحة جدّاً،لكنّها ظاهرة؛ لما ذكرناه، سيّما و إنّ قوله(عليه السّلام)معلّلاً:«و لا يرث عبد حرّا» ظاهر في أنّ المانع عن الإرث في مورد السؤال إنّما هو العبودية خاصّة،لا عدم الزوجيّة،و هو ظاهر في ثبوتها،فتأمّل .و بالجملة الأقوى عدم وجوب فكّهما؛ للأصل،و هذا الصحيح الظاهر (2)فيه و لو بمعونة ما قدّمناه،مع خلوّه عن المعارض الصريح،بل مطلقاً؛ لما مضى من ضعف دلالة الصحيحة بفكّ الزوجة.

نعم ربما يشير إليه قوله(عليه السّلام)في بعض ما تقدّم من الروايات:«هل تجدون له وارثاً» (3)بناءً على ما قدّمناه من إطلاق الوارث فيه و صدقه على

ص:264


1- النهاية:668،حكاه عن الكيدري في المختلف:741،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):608،الإرشاد 2:128،حكاه عن المحقق الثاني في مجمع الفائدة و البرهان 11:492،الشهيد الثاني في الروضة 8:42،و المسالك 2:315،و تبعه الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:313.
2- في«ب»:الناصّ.
3- راجع ص:257.

نحو الزوجة،إلّا أنّ الاكتفاء بنحو هذه الإشارة في مثل هذه الرواية و إن كانت موثقة في مقابلة الأُصول القطعية المعتضدة في خصوص المسألة بعمل أكثر الطائفة و خصوص الصحيحة الظاهرة لا يخلو عن شبهة،بل مشكل غايته،بل لا مسرح عمّا اخترناه و لا مندوحة.

و حيث كان المملوك الذي منع عن إرثه و إيراثه في العبائر المتقدّمة مطلقاً،و يتبادر منه خصوص القنّ،دون غيره ممّن تشبّث بالحرّية، و احتمل لذلك توهّم اختصاص الحكم به دونهم،نبّه على العموم بقوله:

و لا يرث المدبّر،و لا أُمّ الولد،و لا المكاتب المشروط و لا المطلق الذي لم يؤدّ شيئاً،و لا يورثون كالقنّ،بلا خلاف ظاهر،و يشهد له ما ورد من المعتبرة المستفيضة في المكاتب،و قد تقدّم إلى جملة منها الإشارة (1).

و كما لا يرثون على هذه الحالة كذا يفكّون ليرثوا؛ لتحقق الوصف إذا كانوا ممّن يجب فكّهم،و قد تقدّمت إليه الإشارة (2).

و من تحرّر بعضه و بقي بعضه رقّاً يرث و يورث ب قدر ما فيه من الحرّيّة،و يمنع من كلّ منهما ب قدر ما فيه من الرقّيّة بلا خلاف فيه بيننا أجده،بل ظاهر جماعة أنّ عليه إجماع الإماميّة (3)، و أخبارنا به في المكاتب مستفيضة (4).

ففي الصورة الاُولى:لو كان للميت ولد نصفه حرّ و أخ حرّ،فالمال

ص:265


1- في ص:249.
2- في ص:252.
3- منهم الشيخ في الخلاف 4:27،و انظر تلخيص الخلاف 2:247،و المفاتيح 3:313.
4- الوسائل 23:162،165 أبواب المكاتبة ب 19،20،و ج 26:47 أبواب موانع الإرث ب 19.

بينهما نصفان.

و لو كان نصف الأخ حرّا أيضاً فللابن النصف،و للأخ الربع،و الباقي للعم الحرّ إن كان،فلو كان نصفه حرّا،فله الثمن،و الباقي لغيره من المراتب المتأخّرة عنه،و هكذا.

و لو لم يكن هناك وارث في جميع الطبقات حتى ضامن الجريرة، كان باقي التركة في مقابلة الجزء الرقّ بمنزلة ما لو لم يخلف وارثاً،فيشترى الجزء الرقّ من التركة المخلفة في مقابلته،و إن قلنا إنّه لا يشترى بعض المملوك؛ لأنّ شراء هذا الجزء يوجب تمام الحرّيّة،و لا يحصل به ضرر على المالك بالتبعيض،بخلاف شراء البعض و إبقاء الباقي رقّاً.

نعم لو لم يف باقي التركة بهذا الجزء جاء فيه الخلاف السابق.

و في الثانية:لو كان الميت نصفه حرّا فلمولاه نصف تركته،و لوارثه الحرّ النصف الباقي،و هكذا،في أصح الوجهين في كيفية الإرث منه بنسبة الحرّية،وفاقاً لشيخنا في المسالك و الروضة (1)،قال:لأنّ مالك الباقي قد استوفى نصيبه بحق الملك،فلا سبيل له على الباقي،و إنّما تظهر فائدة الإرث بالنسبة ممّا ترك على تقدير أن يكون قد اكتسب بجميعه مالاً و لم يحصل للمالك منه شيء،فيكون ما كسبه مقسوماً على نسبة الرقّيّة و الحرّيّة.

و الأجود الاستدلال عليه بظاهر الصحيحين،في أحدهما:عن رجل كاتب عبداً له على ألف درهم،و لم يشترط عليه حين كاتبه إن هو عجز عن مكاتبته فهو ردّ في الرقّ،و إنّ المكاتب أدّى إلى مولاه خمسمائة درهم،ثم

ص:266


1- المسالك 2:314،الروضة 8:40.

مات المكاتب،و ترك مالاً،و ترك ابناً له مدركاً؟قال:«نصف ما ترك المكاتب من شيء فإنّه لمولاه الذي كاتبه،و النصف الآخر لابن المكاتب» (1)الخبر.

و في الثاني:مكاتب توفّي و له مال،قال:«يقسم ماله على قدر ما أُعتق منه لورثته،و ما لم يعتق يحسب منه لأربابه الذين كاتبوه و هو ماله» (2).

و الوجه الثاني :أنّ ما جمعه ببعضه الحرّ يتقسّط على مالك الباقي و الورثة بقدر ما فيه من الرقّ و الحرّية،فإذا كان نصفه حرّا و نصفه رقّاً فنصف ما جمعه بنصفه الحرّ للسيّد،و نصفه للورثة؛ لأنّ سبب الإرث الموت،و الموت حلّ بجميع بدنه،و بدنه ينقسم إلى الرقّيّة و الحرّيّة فينقسم ما خلّفه.

و هو ضعيف غايته،سيّما في مقابلة ما قدّمناه من الحجة الظاهرة.

المقدّمة الثالثة:في بيان السهام
اشارة

المقدّمة الثالثة:في بيان السهام المقدّرة،و بيان أهلها.

و هي في كتاب اللّه تعالى ستّة:النصف،و الربع،و الثمن، و الثلثان،و الثلث،و السدس و قيل في التعبير عنها ما هو أخصر ممّا هنا،و هو:النصف،و نصفه، و نصف نصفه،و الثلثان،و نصفهما،و نصف نصفهما (3).و أخصر منهما

ص:267


1- الكافي 6:3/186،التهذيب 9:1259/350،الإستبصار 4:123/37،الوسائل 26:59 أبواب موانع الإرث ب 23 ح 5.
2- الكافي 7:4/151،الفقيه 4:801/248،التهذيب 9:1254/349،الوسائل 26:48 أبواب موانع الإرث ب 19 ح 2؛ بتفاوت.
3- قاله الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:149.

التعبير عنها بالربع،و الثلث،و ضعف كلّ،و نصفه.

و أمّا أهل هذه السهام فخمسة عشر:

فالنصف لأربعة للزوج مع عدم الولد للزوجة و إن نزل سواء كان منه أم من غيره،قال سبحانه وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [1] (1)و ولد الولد كالولد هنا،إجماعاً،كما حكاه جماعة (2).

و للبنت الواحدة،قال سبحانه وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [2] (3). و ل الأُخت للأب و الأُمّ،أو الأُخت للأب خاصّة مع عدمها و عدم الذكران في الموضعين،قال اللّه تعالى إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ [3] (4).و احترز بالقيد عن الأُخت للأُمّ خاصّة،فإنّ لها السدس؛ للآية الأُخرى الواردة في الكلالة (5)،مضافاً إلى الرواية (6)،و الإجماع الظاهر من فتاوى الجماعة.

و الربع لاثنين للزوج مع الولد للزوجة و إن كان من غيره،

ص:268


1- النساء:12.
2- منهم ابن إدريس في السرائر 3:230،و الشهيد الثاني في المسالك 2:318،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:288.
3- النساء:11.
4- النساء:176.
5- النساء:12.
6- الكافي 7:3/101،الفقيه 4:676/202،التهذيب 9:1045/290،الوسائل 26:154 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 3 ح 2.

و نزل لما مرّ،قال سبحانه فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ [1] (1). و للزوجة مع عدمه أي الولد للزوج مطلقاً،و لو كان من غيرها، و نزل،كما سبق،قال تعالى وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ [2] (2). و الثمن لقبيل واحد للزوجة مع الولد لزوجها و إن كان من غيرها،و نزل كما مضى،قال سبحانه فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ [3] (3).و لا فرق في الزوجة في المقامين بين الواحدة و المتعددة،حتّى لو كنّ أربعاً اقتسمن الفرض من الربع أو الثمن على عددهنّ أرباعاً،و لو كنّ ثمانية اقتسمنه أثماناً،و هكذا.

و يتصوّر ذلك في المريض إذا طلّق أربعاً في مرضه طلاقاً بائناً،و تزوّج بأربع غيرهنّ من قبل خروجهنّ من عدّتهنّ،و دخل بمن تزوّجهنّ أخيراً، ثم مات قبل برئه من مرضه الذي طلّق الأربع فيه قبل سنة من طلاقه لهنّ و قبل تزويجهنّ،فإنّ الثمان نسوة يرثنه الثمن مع الولد،و الربع مع عدمه، بالسوية،و نبّه على ذلك الحلي في السرائر نافياً الخلاف فيه بين الأصحاب (4).

و الثلثان لثلاثة للبنتين فصاعداً قال عزّ من قائل فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ [4] (5).

ص:269


1- النساء:12.
2- النساء:12.
3- النساء:12.
4- السرائر 3:230.
5- النساء:11.

و هو و إن جعل فيه النصيب للزائد عن الاثنتين،إلّا أنّهما الحقتا به إجماعاً،كما في كلام جماعة (1)،و يعضده ثبوته في الأُختين،ففي البنتين أولى .و ذكر لذلك وجوه أُخر،لا فائدة مهمّة لنقلها هنا بعد ثبوته بما ذكرناه.

و للأُختين فصاعداً إذا كنّ للأب و الأمّ،أو الأُختين للأب خاصّة،مع عدمهما و عدم الذكران في الموضعين،قال تعالى فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ [1] (2). و الثلث لقبيلتين للاُمّ مع عدم من يحجبها من الولد للميت و إن نزل،أو الإخوة قال سبحانه فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [2] (3). و للاثنين فصاعداً من ولد الأُمّ خاصّة،ذكوراً كانوا أم إناثاً أم بالتفريق،قال سبحانه فَإِنْ كانُوا [3] أي أولاد الأُمّ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ [4] (4). و السدس لثلاثة لكلّ واحد من الأبوين مع الولد للميت و إن نزل قال تعالى وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ [5] (5).

ص:270


1- منهم السيوري في كنز العرفان 2:328،و الشهيد الثاني في المسالك 2:319،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:288.
2- النساء:176.
3- النساء:11.
4- النساء:12.
5- النساء:11.

و للأُمّ مع من يحجبها عن الزائد عن السدس،من الوالد أو الإخوة،قال تعالى فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [1] (1). و للواحد من كلالة الأُمّ أي ولدها ذكراً كان أو أُنثى قال عز من قائل وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [2] (2).قيل (3):سمّى الإخوة كلالة من الكلّ و هو الثقل؛ لكونها ثقلاً على الرجل؛ لقيامه بمصالحهم مع عدم التولّد الذي يوجب مزيد الإقبال و الخفة على النفس،أو من الإكليل،و هو ما يزيّن بالجوهر شبه العصابة؛ لإحاطتهم بالرجل كإحاطته بالرأس.

هذا حكم السهام المقدّرة منفردة.

و أمّا منضمّة بعضها إلى بعض فبعضها يمكن،و بعضها يمتنع،و صور اجتماعها الثنائي ممكناً و ممتنعاً إحدى و عشرون،حاصلة من ضرب السهام الستّة في مثلها،ثم حذف المكرّر منها،و هو خمسة عشر،منها ثمان ممتنعة،و هي:

واحدة من صور اجتماع النصف مع غيره،و هي:اجتماعه مع الثلثين؛ لاستلزامه العول (4)،و إلّا فأصله واقع،كزوج و أُختين فصاعداً لأب،لكن يدخل النقص عليهما،فلم يتحقق الاجتماع مطلقاً.

و اثنتان من صور اجتماع الربع مع غيره،و هما:اجتماعه مع مثله؛

ص:271


1- النساء:11.
2- النساء:12.
3- قاله الشهيد الثاني في الروضة البهية 8:69.
4- العول:ارتفاع السهام و زيادتها على التركة و قصور التركة عن سهام ذوي الفروض،و هو ضدّ التعصيب الذي هو توريث العصبة ما فضل عن ذوي السهام.النهاية لابن الأثير 3:321،مجمع البحرين 5:431.

لأنّه سهم الزوج مع الولد و سهم الزوجة مع عدمه،فلا يجتمعان.و اجتماعه مع الثمن؛ لأنّه نصيبها مع الولد و الربع نصيبها مع عدمه،أو نصيب الزوج معه.

و اثنتان من صور اجتماع الثمن مع غيره،و هما:اجتماعه مع مثله؛ لأنّه نصيب الزوجة و إن تعدّدت خاصّة،فلا يتعدّد.و اجتماعه مع الثلث؛ لأنّه نصيب الزوجة مع الولد،و الثلث نصيب الاُمّ لا معه،أو الاثنين من أولادها لا معهما (1).

و واحدة من صور الثلثين،و هي:اجتماعهما مع مثلهما؛ لعدم اجتماع مستحقهما متعدّداً في مرتبة واحدة؛ مضافاً إلى بطلان العول (2).

و اثنتان من صور اجتماع الثلث،و هما:اجتماعه مع مثله،و إن فرض في البنتين و الأُختين،حيث إنّ لكلّ واحدة ثلثاً،إلّا أنّ السهم هنا هو جملة الثلثين،لا بعضهما.و اجتماعه مع السدس؛ لأنّه نصيب الاُمّ مع عدم الحاجب،و السدس نصيبها معه أو مع الولد،فلا يجامعه.

و يبقى من الصور ثلاث عشرة،فرضها واقع صحيح،قد أشار الماتن إلى عشرة منها بقوله: و النصف يجتمع مع مثله كزوج و أُخت لأب و أُمّ، أو لأب خاصّة مع عدم ذكر. و مع الربع كزوجة و أُخت كذلك،و كزوج و بنت واحدة.

و مع الثمن كزوجة و بنت،و قد تقدّم أنّه لا يجتمع مع الثلثين.

ص:272


1- أي:من أولاد الأُمّ لا مع الولد و الأُمّ.
2- لأنّ مع وجود الطبقة الأُولى و هي البنات لا ترث الطبقة الثانية و هي الأخوات،مضافاً إلى زيادة السهام على التركة بثلث.

و مع الثلث كزوج و أُمّ مع عدم الحاجب،و ككلالة الاُمّ المتعدّدة مع أُختٍ لأب و أُمّ،أو أب خاصّة مع عدم ذكر.

و مع السدس كزوج و واحد من كلالة الأُمّ،و كبنت مع أحد الأبوين،و كأُخت لأب و أُمّ،أو لأب خاصّة مع واحد من كلالة الأُمّ.

و قد عرفت أنّه لا يجتمع الربع مع مثله،و لا مع الثمن و يجتمع الربع مع الثلثين كزوج و ابنتين،و كزوجة و أُختين لأب و أُمّ،أو أب خاصّة.

و مع الثلث كزوجة و أُمّ مع عدم الحاجب،و زوجة مع متعدّد من كلالة الأُمّ.

و مع السدس كزوجة و واحدة من كلالة الأُمّ،و كزوج و أحد الأبوين مع ابن،أو بنت،بناءً على أنّ زيادة سدسي الأبوين معها بالردّ لا بالفرض،و إنّما هو السدس خاصّة،فلا فرق بين الابن و البنت في ذلك، و إن افترقا بحصول الردّ إلى أحد الأبوين معها دونه،إلّا أنّه ليس من جهة الفرض الذي هو محلّ الفرض.

و يجتمع الثمن مع الثلثين كزوجة و ابنتين.

و مع السدس كزوجة و أحد الأبوين مع ابن،أو بنت.

و يجتمع الثلثان مع الثلث،كإخوة لأُمّ مع أُختين فصاعداً لأب، و لا يجتمعان مع مثلهما؛ لما مضى.

و يجتمعان مع السدس،كبنتين و أحد الأبوين،و كأُختين لأب مع واحد من كلالة الأُمّ.

و يجتمع السدس مع السدس،كأبوين مع الولد مطلقاً،و لو بنتاً،إن فرضنا اجتماع السدسين في الجملة و إن اجتمع معهما فرض آخر غيرهما،

ص:273

و إلّا فليخصّ الولد بالابن؛ لكون البنت فرضها النصف،فيجتمع ثلاثة فروض،و هو خلاف المفروض.

و قد عرفت أنّه لا يجتمع الثمنُ مع مثله،و لا مع الثلث، و لا الثلث مع مثله،و لا مع السدس تسمية (1) احترز بهذا القيد عن اجتماع مقيده،و هو الثلث مع السدس قرابة،كزوج و أبوين،فإنّ للزوج النصف،و للأُمّ مع عدم الحاجب الثلث،و للأب السدس،و مع الحاجب بالعكس،و على التقديرين فسهم الأب هنا بالقرابة لا بالفرض.

و لو لوحظ هذا المعنى لأمكن اجتماع كل ما امتنع سابقاً بغير العول، فيجتمع الربع مع مثله كما في بنتين و ابن،و مع الثمن،كما في زوجة و بنت و ثلاث بنين،و هكذا،لأنّه خارج عن الفرض.

و اعلم أنّ الوارث إذا كان واحداً من أيّ الطبقات كان ورث المال كلّه،بعضه بالفرض،و الباقي بالقرابة إن كان من ذوي الفروض،و إلّا فجميعه بالقرابة.

و إن كان أكثر من واحد و لم يحجب بعضهم بعضاً،فإمّا أن يكون ميراث الجميع بالقرابة،أو بالفرض،أو بعض بهذا و بعض بهذا.

فعلى الأوّل:يقسم على ما يأتي من التفصيل في ميراثهم.

و على الثالث:يقدم صاحب الفرض فيعطى فرضه،و الباقي للباقين.

و على الثاني:فإمّا أن تنطبق السهام على الفريضة،أو تنقص عنها،أو تزيد عليها.

فعلى الأوّل لا إشكال.

ص:274


1- ليس في المطبوع من المختصر:266.

و على الثالث:فالزائد عندنا للأنساب،يردّ عليهم زيادة على سهامهم؛ إذ الأقرب يحرم الأبعد.

و على الثاني:يدخل النقص عندنا على البنت و البنات،و الأُخت و الأخوات للأبوين،أو للأب خاصّة.

و ضابطه عندنا:أنّ النقص إنّما يدخل على من له فرض واحد في الكتاب المجيد؛ لأنّ له الزيادة متى نقصت السهام،فيكون عليه النقيصة متى زادت،دون من له فرضان،فإنّه متى نزل عن الفرض الأعلى كان له الفرض الأدنى.

خلافاً للعامّة في المقامين،حيث حكموا في الأوّل بالتعصيب،أي إعطاء الزائد للعَصَبَة،و هم من يتقرّب بالأب من الإخوة و الأعمام،و في الثاني بالعول،فجعلوا النقص موزّعاً على أرباب السهام.

و حيث إنّ هاتين المسألتين من أُمّهات المسائل،و المعركة العظمى بين الإماميّة و من خالفهم،و عليهما يبنى معظم الفرائض،نبّه الماتن عليهما بقوله:

مسألتان:
الأُولى:التعصيب باطل

مسألتان:

الأُولى:التعصيب باطل عندنا بضرورة مذهبنا،و المعتبرة المستفيضة بل المتواترة عن أئمّتنا(عليهم السّلام) (1)،و آية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ [1] (2)فإنّها نص في ذلك.

و في الصحيح:إنّ أبا جعفر(عليه السّلام)أقرأني صحيفة الفرائض التي هي

ص:275


1- الوسائل 26:85 أبواب موجبات الإرث ب 8.
2- الأنفال:85،الأحزاب:6.

إملاء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)و خطّ علي(عليه السّلام)بيده،فوجدت فيها:«رجل ترك ابنته و أُمّه،لابنته النصف،و للأُمّ السدس،يقسم المال على أربعة أسهم،فما أصاب ثلاثة أسهم فهو للابنة،و ما أصاب سهماً فهو للاُمّ» و وجدت فيها:

«رجل ترك ابنته و أبويه،للابنة النصف ثلاثة أسهم،و للأبوين لكل واحد منهما السدس،يقسم المال على خمسة أسهم،فما أصاب ثلاثة فهو للابنة،و ما أصاب سهمين فللأبوين» قال:و قرأت فيها:«رجل ترك ابنته و أباه،للابنة النصف،و للأب سهم،يقسم المال على أربعة أسهم،فما أصاب ثلاثة فللابنة،و ما أصاب سهماً فللأب» (1)الحديث.

و في الخبر،و قد سئل:المال لمن هو؟للأقرب؟أو للعَصَبَة؟ فقال(عليه السّلام):«المال للأقرب،و العَصَبَة في فيه التراب» (2)إلى غير ذلك من الأخبار التي لا يسعها المضمار.

و من هنا يصح ما سيأتي من أنّ فاضل التركة يردّ على ذي السهام،عدا الزوج،و الزوجة،و الأُمّ مع وجود من يحجبها،على تفصيل يأتي ذكره إن شاء اللّه تعالى.

الثانية:لا عول في الفرائض

الثانية:لا عول في الفرائض بضرورة مذهبنا،و المعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر عن أئمّتنا(عليهم السّلام) (3)،و إنكارهم الشديد في ذلك،و احتجاجاتهم.

و قد أطنب الأصحاب في الاستدلال على ذلك،و الردّ على مخالفيهم

ص:276


1- الكافي 7:1/93،الفقيه 4:668/192،التهذيب 9:982/270،الوسائل 26:128 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 1.
2- الكافي 7:1/75،التهذيب 9:972/267،الوسائل 26:64 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 3.
3- الوسائل 26:72 أبواب موجبات الإرث ب 6.

بما لا يسع المقام لذكره،و من جملته ما أشار إليه الماتن بقوله: لاستحالة أن يفرض سبحانه في مال ما لا يفي به،كنصفين و ثلث،أو ثلثين و نصف،و نحو ذلك،و إلّا لكان جاهلاً أو عابثاً،تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً.

و العمدة هو الإجماع،و النص،ففي الصحيح:في زوج و أبوين و ابنة:«فللزوج الربع،ثلاثة من اثني عشر،و للأبوين السدسان،أربعة من اثني عشر،و بقي خمسة أسهم،فهي للابنة؛ لأنّها لو كانت ذكراً لم يكن لها غير ذلك،و إن كانتا اثنتين فليس لهما غير ما بقي،خمسة» (1)الحديث.

و في المستفيضة:«إنّ الذي أحصى رمل عالج يعلم أنّ السهام لا تعول على ستّة» (2).

بل يدخل النقص على البنت أو البنتين كما عرفته في أمثلة الصحيح،أو على الأُخت للأبوين أو الأب،أو الأُختين كذلك أو على الأب،أو من يتقرّب به،و سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى و فرض دخول النقص على الأب غير موجود إلّا هنا و في الشرائع و جملة من كتب الفاضل و اللمعة (3).

و هو غير جيّد،يظهر وجهه ممّا قدّمناه في ضابطة من يدخل عليه النقص،فإنّ الأب مع الولد لا ينقص عن السدس،و مع عدمه ليس من ذوي الفروض،و مسألة العول مختصّة بهم.

ص:277


1- الكافي 7:1/96،التهذيب 9:1041/288،الوسائل 26:131 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 1.
2- الوسائل 26:72 أبواب موجبات الإرث ب 6.
3- الشرائع 4:21،الإرشاد 2:131،التحرير 2:163،اللمعة(الروضة البهية 8):87.

و منه يظهر فساد ما قيل في مثاله،و هو:زوج و أبوان،الفريضة ستّة، للزوج النصف ثلاثة،و للأُمّ الثلث،و الباقي و هو الواحد للأب،فيدخل النقص عليه؛ لأنّ المناسب أن يكون له اثنان من الستّة كما للاُمّ.

و ذلك لأنّ ثبوت الاثنين له ليس بالفريضة،بل بالمناسبة و القرابة، و قد عرفت أنّه لا عول إلّا فيمن يرث بالفرض،لا بالقرابة.

و إنّما خصّ هؤلاء بالنقص؛ لأنّ لكلّ من سواهم فريضتين في حالتين،عليا و دنيا،بخلافهم؛ لأنّه لا دنيا لهم بالفرض،فاُخّروا لذلك.

و اعلم أنّ العول لا يكون إلّا بدخول الزوج أو الزوجة،و المراد به زيادة في السهام عليها على وجه يحصل النقص على الجميع بالنسبة،سمّي عولاً إمّا من الميل،و منه قوله تعالى ذلِكَ أَدْنى أَلاّ تَعُولُوا [1] (1)و سمّيت الفريضة عائلة على أهلها لميلها بالجور عليهم بنقصان سهامهم.

أو من عال الرجل إذا كثر عياله؛ لكثرة السهام فيها.

أو من عال إذا غلب؛ لغلبة أهل السهام بعضهم على بعضٍ بالنقص (2).

أو من عالت الناقة ذنبها إذا رفعته؛ لارتفاع الفرائض على أهلها (3)بزيادة السهام،كما إذا كانت الفريضة ستّة فعالت إلى سبعة،في مثل زوج و أُختين لأب،فإنّ له النصف،ثلاثة من ستّة،و لهما الثلثان أربعة،فزادت الفريضة واحداً،أو إلى ثمانية،كما إذا كان معهم أُخت لأُمّ،أو إلى تسعة، بأن كان معهم أُخت أُخرى لأُمّ،أو إلى عشرة إذا كان معهم أُمّ محجوبة، و هكذا.

ص:278


1- النساء:3.
2- ليس في«ب».
3- في«ب»:أصلها.

و أمّا المقاصد فثلاثة:

الأوّل:في بيان ميراث الأنساب
الاُولى:الآباء و الأولاد
اشارة

و أمّا المقاصد فثلاثة:

الأوّل:في بيان ميراث الأنساب،و قد عرفت أنّ مراتبهم ثلاث:

الاُولى:الآباء من غير ارتفاع و الأولاد و إن نزلوا،بشرط الأقرب فالأقرب فالأب يرث المال كلّه إذا انفرد عن قريب للميت في مرتبته و كذلك الاُمّ ترثه إذا انفردت عنه،لكنّها ترث الثلث بالفرض و الباقي بالردّ بخلاف الأب،فيرثه أجمع بالقرابة؛ لما مرّ من أنّه مع عدم الولد لا فرض له.

و لو اجتمعا أي الأبوان خاصّة،منفردين عمّن هو في مرتبتهما فللأُمّ الثلث بالفرض مع عدم الحاجب و للأب الباقي بالقرابة.

و لو كان له أي للميت إخوة يحجبونها عن الثلث كان لها السدس بالفرض أيضاً،و الباقي كله للأب بالقرابة.

و لو اجتمعا و شاركهما زوج أو زوجة،فلزوج النصف، و للزوجة الربع،و للأُمّ ثلث الأصل لا ثلث الباقي عن نصيبهما إذا لم يكن لها حاجب عنه،من الإخوة و الباقي عن نصيبهم للأب بالقرابة،بخلافهم،فإنّما يحوزونه بالفرض.

و لو كان للأُمّ (1)حاجب كان لها السدس من الأصل كالثلث، و الباقي عن نصيبهم للأب كالسابق.

و لو انفرد الابن عمّن يشاركه في مرتبته فالمال كلّه له بالقرابة.

ص:279


1- في المختصر المطبوع(267):لها.

و لو كانوا أكثر من واحد اشتركوا فيه بالسويّة بلا خلاف؛ لعدم إمكان الترجيح من غير مرجّح،و كذلك البنت أو البنات لو انفردن، كان المال كلّه لهنّ بالسوية،لكن يرثن بعضه و هو النصف،أو الثلثان بالفرض،و الباقي بالقرابة.

و لو كانوا ذكراناً و إناثاً،فللذّكر سهمان،و للأُنثى سهم بالكتاب و النص و الإجماع.

و لو اجتمع معهم (1) أي مع الأولاد الأبوان خاصّة فلهما السدسان بالسويّة فرضاً و الباقي عن نصيبهما و هو الثلثان للأولاد مطلقاً ذكراناً كانوا،(أو إناثاً) (2)،أو ذكراناً و إناثاً يرثونه بالقرابة خاصّة.

و لو كانت بنتاً في المثال فلها النصف بالتسمية و للأبوين السدسان بها،من أصل التركة و الباقي و هو السدس يردّ على الأبوين و البنت أخماساً على نسبة الفريضة،إجماعاً؛ لأنّ ذلك هو قضيّة الردّ على السهام؛ و للصحيح المتقدّم في إبطال العصبة (3)،فيكون جميع التركة بينهم أخماساً،للبنت ثلاثة أخماس،و لكل منهما خُمس، و الفريضة حينئذٍ من ثلاثين؛ لأنّ أصلها ستّة مخرج السدس و النصف،ثم يرتقي بالضرب في مخرج الكسر إلى ذلك (4).

ص:280


1- في المختصر المطبوع(267):معهما.
2- ما بين القوسين ليس في«ر» و«ب».
3- راجع ص:272.
4- لأنّ مخرج السدس و النصف 6،و مخرج الكسر 5،و الحاصل من ضرب الأوّل في الثاني 30،للبنت 15،و لكل واحد من الأبوين 5،و المجموع 25،يبقى 5 و هو يردّ عليهم بنسبة سهامهم،فللبنت 3،و لكلٍّ من الأبوين 1،فمجموع حصّة البنت فرضاً و ردّاً:15+ 3 18 و مجموع حصّة كل من الأبوين كذلك:5+ 1 6.

هذا إذا لم يكن للاُمّ حاجب عن الزيادة عن الثلث.

و لو كان من يحجب الاُمّ من الإخوة ردّ على الأب و البنت خاصّة أرباعاً و الفريضة حينئذٍ من أربعة و عشرين (1)،للأُمّ سدسها أربعة،و للبنت اثنى عشر بالأصل و ثلاثة بالردّ،و للأب أربعة بالأصل و واحد بالردّ.

و لا خلاف في أصل الردّ هنا و سابقاً،و كونه فيه أخماساً،كما لا خلاف في اختصاصه هنا بمن عدا الاُمّ،بل على جميع ذلك الإجماع في عبائر جماعة (2)،و هو الحجة المؤيّدة بما مرّ من الأدلّة.

مضافاً في الأخير إلى فحوى الأدلّة الدالّة على حجب كلالة الأب للأُمّ عن الثلث،فإنّ حرمانها بهم من أصل الفريضة العليا يستلزم حرمانها بهم من الردّ بجهة القرابة بطريق أولى،سيّما مع تضمّن كثير من النصوص الدالّة على حرمانها بهم من فريضتها العليا التعليل له بحكمة التوفير على الأب، الموجودة هنا أيضاً.

و لعلّه إلى هذا نظر المقدّس الأردبيلي-(رحمه اللّه) في استدلاله لحجبها من الردّ بالكلالة بالآية الدالّة على حجبها بهم عن الفريضة الكاملة (3)،فتردّد صاحب الكفاية (4)فيه لا وجه له،بل ضعيف غايته؛ لما عرفته.

ص:281


1- لأنّ مخرج الكسر هنا 4،و الحاصل من ضرب 6 فيه 24،للبنت 12،و لكلٍّ من الأبوين 4،و المجموع 20،يبقى 4 و هو يردّ على الأب و البنت على حسب سهامهما،فللبنت 3،و للأب 1،فمجموع حصّة البنت:3+ 12 15،و مجموع حصة الأب:1+ 4 5.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:324،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:290،آيات الأحكام للفاضل الجواد 4:169 و 171.
3- مجمع الفائدة و البرهان 11:353.
4- الكفاية:295.

و به يذبّ عمّا اعترضه به أيضاً من منافاة الحرمان هنا لعموم الصحيحة السابقة في إبطال العَصَبَة؛ لارتفاع المنافاة بتخصيص عمومها بما إذا لم يكن ثمّة كلالة حاجبة.

و بالجملة لا شبهة في المسألة،كما لا شبهة عند الأكثر في كون الردّ أرباعاً؛ لما مضى قريباً من أنّ ذلك قضيّة الردّ على نسبة السهام،مع كونه الآن مشهوراً بين أصحابنا،بحيث لا يكاد يتحقق فيه مخالف منهم، و لم ينقل إلّا عن معين الدين المصري (1)،حيث ذهب إلى قسمة الردّ أخماساً هنا أيضاً،للأب منها سهمان،سهم الاُمّ و سهمه؛ لأنّ الإخوة يحجبون الاُمّ عن الزائد لمكان الأب،فيكون الزائد له (2).

و لعلّه نظر إلى مفهوم ما تقدّم من التعليل الوارد في الأخبار لحجب الاُمّ عن الثلث.

و هو غير بعيد؛ لاعتبار أسانيدها بالصحة في بعض،و القرب منها في آخر،مع حجية مفهوم التعليل،و أنّه يتعدّى به حيثما كانت العلّة موجودة، إلّا أنّ إطباق الفتاوى و اتفاقها على كون الردّ أرباعاً بحيث كاد أن يعدّ إجماعاً أوجب وهنه.

مع إمكان أن يقال:إنّ التعليل إنّما هو لحجب الاُمّ عن الزائد عن

ص:282


1- هو الشيخ الجليل معين الدين أبو الحسن سالم بن بدران بن علي بن سالم المازني المصري،من مشاهير علماء الإمامية و أجلّاء فقهائهم،أخذ الفقه عن محمّد بن إدريس الحلّي،و روى عن السيّد أبي المكارم ابن زهرة،و أخذ عنه الخواجة نصير الدين الطوسي،من مؤلّفاته:التحرير،الأنوار المضيئة،رسالة النيات،الاعتكافية.لم نظفر بتاريخ وفاته،إلّا أنّه كان حيّاً سنة 629 و مات قبل 672.أمل الآمل 2:999/324،رياض العلماء 2:408،أعيان الشيعة 7:172،طبقات أعلام الشيعة 3:71،الكنى و الألقاب 3:163،معجم المؤلّفين 4:202.
2- حكاه عنه في المختلف:753.

السدس،لا إعطائه بجميعه للأب،فمقتضى التعدّي به حينئذٍ إثبات أصل الحجب عنه،و نحن نقول به،كما قدّمناه،لا إعطاؤه كلّه للأب،و إن اتّفق ذلك في أكثر الصور،فإنّه ليس كالتعليل يتعدّى به من غير دليل.

و التوفير على الأب،المعلّل به الحجب لا يجب أن يكون بتمام الزائد؛ لصدقه بالتوفير بالبعض،لكنّه خلاف الظاهر المتبادر منه؛ لسبق التوفير بالجميع إلى الذهن،و لعلّه لذا احتمل هذا القول في الدروس (1)و لكن رجع عنه (2).

و لو كان مع الأبوين بنتان فصاعداً،فللأبوين السدسان بينهما نصفان و للبنتين أو البنات الثلثان بالسوية و لا ردّ في المقام؛ لأنّ الفريضة حينئذٍ بقدر السهام.

و لو كان معهما أي مع البنتين أو معهنّ أي البنات أحد الأبوين خاصّة كان له السدس مطلقاً أباً كان أو امّاً و لهما أو لهنّ الثلثان،و السدس الباقي عن سهامهم يردّ عليهم جميعاً أخماساً على نسبة السهام (3)،على الأشهر الأقوى،بل لعلّه عليه الآن كافّة أصحابنا؛ لما مضى قريباً.

خلافاً للمحكي عن الإسكافي (4)،فخص الردّ بالبنتين؛ لدخول

ص:283


1- الدروس 2:357.
2- اللمعة(الروضة البهيّة 8):97.
3- بيان ذلك:أنّ الفريضة هنا من 30 كمثال البنت و الأبوين،لأنّ مخرج السهام 6 و مخرج الكسر 5،و الحاصل من ضرب الأوّل في الثاني 30،فللبنات 20،و لأحد الأبوين 5،و الفاضل و هو 5 يردّ عليهم على حسب سهامهم،فللبنات 4،و لأحد الأبوين 1،فمجموع حصة البنات فرضاً و ردّاً:4+ 20 24،و مجموع حصة أحد الأبوين كذلك:1+ 5 6.
4- حكاه عنه في المختلف:750.

النقص عليهما،فيكون الفاضل لهما،و للموثق:في رجل مات و ترك ابنتيه و أباً،قال:«للأب السدس،و للابنتين الباقي» (1).

و يضعّف الأوّل:بأنّه مجرّد اعتبار لا دليل عليه،و على تقديره فإنّما يجب جبر النقص بذلك إذا لم يكن جبر بشيء آخر غيره،و الحال أنّه قد جبره الشارع به حيث جعل لهنّ فريضة عُليا خاصّة لا دنيا،فيكون النقص كالفريضة الدنيا لهنّ،فيساوين الأبوين من جميع الوجوه،فلا يصلح حجّة.

مع انتقاضه بالمعتبرة المستفيضة،الواردة في اجتماع أحد الأبوين مع البنت الواحدة؛ لتصريحها بردّ الفاضل عليهما بنسبة الفريضة،منها الصحيح:أقرأني أبو جعفر(عليه السّلام)صحيفة كتاب الفرائض إلى أنّ قال -:فوجدت فيها:«رجل ترك ابنته و أُمّه:للابنة النصف،ثلاثة أسهم،و للأُمّ السدس،يقسم المال على أربعة أسهم،فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة،و ما أصاب سهماً فللأُمّ» قال:و قرأت فيها:«رجل ترك ابنته و أباه،للابنة النصف ثلاثة أسهم،و للأب السدس،يقسم المال على أربعة أسهم،فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة،و ما أصاب سهماً فللأب» (2).

و الخبر:في رجل ترك ابنته و أُمّه:«أنّ الفريضة من أربعة؛ لأنّ للبنت النصف ثلاثة أسهم،و للأُمّ السدس سهم،و ما بقي سهمان فهما أحقّ بهما..بقدر سهامهما» (3).

ص:284


1- التهذيب 9:990/274،الوسائل 26:130 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 7.
2- الكافي 7:1/93،الفقيه 4:668/192،التهذيب 9:982/270،الوسائل 26:128 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 1.
3- التهذيب 9:988/273،الوسائل 26:130 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 6.

و هذه العلّة موجودة في المسألة،فيتعدّى بها الحكم إليها،و يعارض بها الموثقة،و يرجّح عليها؛ لما هي عليه من المرجوحية بالشذوذ و الندرة، و في الدروس أنّها متروكة (1)،و فيه إيماء إلى انعقاد الإجماع على خلافها، بل ربما كان فيه عليه دلالة،و بالإجماع صرّح في التحرير،و في بعض المعتبرة:«أصل الفريضة من ستّة أسهم،لا تزيد و لا تعول عليها،ثم المال بعد ذلك لأهل السهام الذين ذكروا في الكتاب» (2)فتدبّر.

و لو كان مع البنت أو البنتين فصاعداً و الأبوين زوج أو زوجة، كان للزوج الربع مطلقا و للزوجة الثمن كذلك و للأبوين السدسان إن كانا معاً،و إلّا فلأحدهما السدس و الباقي للبنت أو البنات و حيث يفضل شيء عن الفريضة التي هي النصف و السدسان و الثمن في مثال المتن،و يختلف باختلاف الفروض التي فرضناها،و هي ما لو كان الوارث بنتين و أحد الأبوين و زوجة،أو بنتاً و أحدهما و زوجاً،أو زوجة يردّ الزائد عليها أي على البنت أو البنات و على الأبوين في الفرض الأوّل،أو أحدهما في الفرض الثاني أخماساً مع عدم الحاجب للاُمّ عن الثلث،أو أرباعاً حيث يناسب،فللبنت ثلاثة أخماس،و للأبوين خمسان إذا اجتمعا معاً معها،و إلّا فلأحدهما الربع،و لها الثلاثة الأرباع،و للبنتين أربعة أخماس،و الخمس الباقي لأحد الأبوين.

و لو كان معهما من يحجب الاُمّ رددناه أي الفاضل عن الفريضة على البنت و الأب خاصّة أرباعاً بنسبة سهامهم،و لا يردّ على الزوجين هنا إجماعاً؛ لاختصاصه بذوي القرابة بالكتاب و السنّة المستفيضة،بل المتواترة.

ص:285


1- الدروس 2:356.
2- الكافي 7:7/81،الوسائل 26:73 أبواب موجبات الإرث ب 6 ح 8.

مضافاً إلى صريح بعض المعتبرة:«و إن ترك الميت امّاً،أو أباً و امرأة و ابنة فإنّ الفريضة من أربعة و عشرين سهماً،للمرأة الثمن ثلاثة أسهم من أربعة و عشرين،و لأحد الأبوين السدس أربعة أسهم،و للابنة النصف اثنى عشر سهماً،و بقي خمسة أسهم،هي مردودة على سهام الابنة و أحد الأبوين على قدر سهامهما،و لا يردّ على المرأة شيء،و إن ترك أبوين و امرأة و بنتا فهي أيضاً من أربعة و عشرين سهماً،للأبوين السدسان ثمانية أسهم،لكل واحد منهما أربعة أسهم،و للمرأة الثمن ثلاثة أسهم،و للابنة النصف اثنى عشر سهماً،و بقي سهم واحد مردود على الابنة و الأبوين على قدر سهامهم،و لا يردّ على المرأة شيء،و إن ترك أباً و زوجاً و ابنة فللأب سهمان من اثني عشر سهماً،و هو السدس،و للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر و للابنة النصف ستّة أسهم من اثني عشر،و بقي سهم واحد مردود على الابنة و الأب بقدر سهامهما،و لا يردّ على الزوج شيء» (1)الحديث.

و اعلم أنّ جميع ما ذكر من الأحكام في هذه المرتبة غير ما أُشير إلى الخلاف فيه مجمع عليه بين الأصحاب،مستفاد من الكتاب و السنّة المشار إليهما في المقدّمات و صدر الكتاب،و مع ذلك فبخصوص كثير منها نصوص معتبرة،قد تقدّم إلى بعضها الإشارة،و لا فائدة مهمّة في نقلها جملة بعد وضوح مأخذها من الكتب المشهورة،في أبوابها المتفرّقة، كأبواب إبطال العول و العَصَبَة،و أبواب ميراث الولد خاصّة،و ميراث الأبوين كذلك،و ميراثه معهما خاصّة،و ميراثه معهما و مع الزوجة أو

ص:286


1- الكافي 7:3/97،الوسائل 26:132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 3.

المرأة،و ميراثهما مع أحدهما،و غير ذلك من الأبواب(المتعلقة بهذه المرتبة) (1).

و تلحقه أي الكلام في هذه المرتبة مسائل
الأُولى:أولاد الأولاد يقومون في الإرث مقام آبائهم عند عدمهم

و تلحقه أي الكلام في هذه المرتبة مسائل (2)الأُولى:أولاد الأولاد يقومون في الإرث مقام آبائهم عند عدمهم و عدم الأبوين و وارث آخر أقرب منهم،إجماعاً؛ للمعتبرة المستفيضة الآتية،و مقتضى كثير منها ثبوت ذلك و لو مع وجود الأبوين أو أحدهما،و هو الأقوى،كما سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.

و حيث يرثون يأخذ كلّ فريق منهم نصيب من يتقرب به إلى الميت،فلأولاد الابن الثلثان،و لأولاد البنت الثلث،كائناً من كانوا، ذكوراً كانوا أو إناثاً.

و يقتسمونه أي النصيب الذي حازوه اقتسام الأولاد للصلب للذّكر مثل حظّ الأُنثيين،أولاد ابن كانوا أو أولاد بنت إجماعاً في الأوّل و على الأشبه الأشهر في الثاني،بل عليه الإجماع في صريح التنقيح (3)و ظاهر الشرائع و غيره (4)،و هو الحجة.

مضافاً إلى كون أولاد الأولاد أولاداً إمّا حقيقة أو مجازاً راجحاً هنا، بقرينة الإجماع المحكي في كلام جماعة من الأصحاب (5)على أنّ الأولاد

ص:287


1- ما بين القوسين ليس في«ب» و«ر».
2- في«ب» زيادة:متعلّقة بهذه المرتبة.
3- في«ح» و نسخة في«ر»:الغنية.(الجوامع الفقهية):605.
4- التنقيح الرائع 4:164،الشرائع 4:25،و انظر المسالك 2:325،و مجمع الفائدة و البرهان 11:369.
5- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:325،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:290،و انظر الكفاية:296.

و مرادفاته من البنين و البنات و نحوهما هنا و في أكثر ما ورد في القرآن يشمل أولاد الأولاد أيضاً،كما في حجب الأبوين و الزوجين،و آية المحرّمات (1) و الاحتجاب في موضعين (2)،و غير ذلك،و يستفاد كون الشمول بعنوان الحقيقة من كثير من الروايات،و ربما ادّعي تواترها،فيدخل أولاد البنات في عموم يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [1] (3)كما يدخل أولاد البنين فيه بالإجماع.

خلافاً للقاضي،تبعاً للمحكي عن بعض القدماء،فقال:يقتسم أولاد البنات نصيبهم بالسوية مطلقاً؛ لتقرّبهم بالأُنثى (4).

و هو مع شذوذه منقوض بما اعترف به موافقاً للقوم في اقتسام أولاد الأُخت للأبوين و الأب بالتفاوت،مع مشاركتهم لأولاد البنت في إرث نصيب الاُمّ،هذا.

مع عدم دليل على اقتسام المتقرّبين بالأُنثى بالسوية بعنوان الكلّية، و مع ذلك معارض بالعموم المتقدّم إليه الإشارة؛ لما عرفت من شموله لأولاد البنت.

مع أنّ استدلاله بما ذكر ربما دل على اعترافه بالشمول لهم؛ إذ لولاه لأمكنه الاستدلال في ردّ التفاوت و إثبات المساواة بعدم دليل على الأوّل، و موافقة الثاني للأصل،كما ذكروه في أمثال الوصية و الوقف،و من هنا ينقدح تحقق الإجماع من الخصم أيضاً على ما ذكرناه من الشمول.

ص:288


1- النساء:23.
2- النور:31،الأحزاب:55.
3- النساء:11.
4- المهذب 2:133.

و حينئذٍ فلا ريب في كون الاقتسام بالتفاوت هو الأشبه،كما ذكره الماتن و الأكثر،بل عامّة من تأخّر.

و أمّا أخذ كل فريق نصيب من يتقرّب به فهو أيضاً الأشبه الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في كنز العرفان انعقاد الإجماع عليه بعد المرتضى (1)،و في الغنية أنّ عليه إجماع الطائفة (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى ظواهر المعتبرة المستفيضة،منها الصحاح:«بنات البنات يقمن مقام البنات إذا لم يكن للميت بنات،و لا وارث غيرهنّ،و بنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد،و لا وارث غيرهن» (3).

خلافاً للمرتضى و الحلي و معين الدين المصري (4)،فقالوا:يقتسمون تقاسم الأولاد للصلب من غير اعتبار من تقرّبوا به؛ لأنّهم أولاد حقيقية، فيدخلون في العموم المتقدّم.

و أُجيب بأجوبة أجودها ما ذكره شيخنا في المسالك و الروضة (5)، فقال بعد ذكر دليلهم-:و هذا كلّه حقّ لولا دلالة الأخبار الصحيحة على خلافه هنا،ثم ساقها،و قال بعدها:

فإن قيل:لا دلالة للروايات على المشهور؛ لأنّ قيامهنّ مقامهم ثابت على كل حال في أصل الإرث،و لا يلزم منه القيام في كيفيته و إن احتمله، و إذا قام الاحتمال لم يصلح لمعارضة الآية الدالّة بالقطع على أنّ للذّكر مثل

ص:289


1- كنز العرفان 2:328.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):607.
3- الوسائل 26:110،111 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7 ح 3،4.
4- رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثالثة:257 266،السرائر 3:236،257،و حكاه عن معين الدين المصري في المختلف:732.
5- المسالك 2:325،الروضة 8:104.

حظّ الأُنثيين.

قلنا:الظاهر من قيام الأولاد مقام الآباء و الأُمّهات تنزيلهم منزلتهم لو كانوا موجودين مطلقاً،و ذلك يدل على المطلوب،مضافاً إلى عمل الأكثر، انتهى.

و هو جيّد،يعضده بل يدل عليه أنّه لو كان المراد من المنزلة إثبات أصل التوارث لا الكيفيّة لاكتفى في النصوص بذكر أولاد الأولاد من دون تفصيل بين أولاد البنين و أولاد البنات في الذكر،فإنّه على ذلك مجرّد تطويل مستغنى عنه،لا طائل تحته،فيجلّ عن مثله كلام الإمام الذي هو إمام الكلام.

و يقوّي ذلك اتفاق الأخبار الواردة في المضمار على عدم ذكر أولاد الأولاد على الإجمال،بل هي ما بين مصرّحة بالتفصيل،كالصحاح المتقدّمة و غيرها ممّا يأتي إليه الإشارة،و مكتفٍ بأحد شقّيه،كالصحيح:«بنات البنات يرثن،إذا لم تكن بنات كنّ مقام البنات» (1).

و الموثق،بل الصحيح كما قيل (2):«ابن الابن يقوم مقام الابن» (3).

نعم في الخبر المنجبر ضعفه بصفوان و عمل الأكثر:«و لا يرث أحد من خلق اللّه تعالى مع الولد إلّا الأبوان و الزوج و الزوجة،فإن لم يكن ولد و كان ولد الولد ذكوراً كانوا أو إناثاً فإنّهم بمنزلة الولد،و ولد البنين بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين،و ولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث

ص:290


1- الكافي 7:3/88،التهذيب 9:1138/317،الإستبصار 4:630/166،الوسائل 26:110 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7 ح 1.
2- انظر المهذّب البارع 4:377.
3- الكافي 7:2/88،التهذيب 9:1139/317،الإستبصار 4:631/167،الوسائل 26:110 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7 ح 2،و فيها:مقام أبيه.

البنات،و يحجبون الأبوين و الزوجين عن سهامهم الأكثر،و إن سفلوا ببطنين و ثلاثة و أكثر يرثون ما يرث الولد الصلب،و يحجبون ما يحجب ولد الصلب» (1).

و لكنّه كما ترى و إن أُجمل فيه أوّلاً ذكر أولاد الأولاد،لكنّه مفصّل ثانياً بين أولاد البنين و البنات،و مع ذلك هو ظاهر كالصريح بل صريح في أنّ المراد بالمنزلة ليس في خصوص أصل الإرث،بل هو مع الكيفيّة،و لذا قال:«يرثون ميراث البنين و البنات» و ما قال:يرثون كما يرثون،مع أنّ فيه لو قاله دلالة أيضاً،و إن لم يكن بتلك الظهور و الصراحة،فهذه الرواية أقوى دلالة من الأخبار السابقة.

و في الموثق:«ابنة الابن أقرب من ابن البنت» (2).

قال بعض الأفاضل:المراد بالأقربية فيه كثرة النصيب،لا استيراثه جميع التركة (3).

و عليه تكون الرواية لما اخترناه مؤيّدة،لكنّه حملها الشيخ بعد نقلها و نقل ما بمعناها،و دعوى إجماع الطائفة على خلافها على التقيّة (4).

و كيف كان لا شبهة في المسألة بعد الإجماع المنقول،و الأخبار المعتبرة الظاهرة و الصريحة،المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّه إجماع في الحقيقة،كما ذكره الناقل له (5).

ص:291


1- الكافي 7:3/97،التهذيب 9:1043/288،الوسائل 26:132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 3.
2- التهذيب 9:1143/318،الإستبصار 4:635/167،الوسائل 26:113 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7 ح 8.
3- روضة المتقين 11:263،ملاذ الأخيار 15:308.
4- التهذيب 9:318،الاستبصار 4:167،168.
5- كنز العرفان 2:328.

و على القولين حيث يرثون يمنع الأقرب منهم إلى الميت الأبعد إجماعاً؛ لما مرّ في صدر الكتاب.

و أمّا الموثق:«بنات الابن يرثن مع البنات» (1)فشاذّ،مخالف للإجماع،محمول على التقية،كما ذكره شيخ الطائفة،قال:لأنّ في العامة من يذهب إلى ذلك (2).

و يتفرع على الخلاف مع المرتضى أنّه يردّ على ولد البنت ما يزيد عن سهمها خاصّة،و سهم الأبوين إن كانا كما يردّ على امّه ذكراً كان ولدها أو أُنثى على مذهب الأصحاب،و يخصّ ذلك على مذهبه بما إذا كان ولدها أُنثى.

و الفروعات كثيرة،لا يخفى تطبيق أحكامها على القولين على ذي فطنة.

و على القولين يشاركون أي أولاد الأولاد حيث قاموا مقام آبائهم الأبوين للميت و إن كانوا أبعد منهما كما يشاركهما الأولاد للصلب على الأصح الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،بل و متقدّميهم أيضاً،عدا الصدوق،حيث منع عن المشاركة،و جعل التركة للأبوين أو أحدهما خاصّة (3).

و هو شاذّ جدّاً،بل على خلافه الإجماع في الكافي في أوّل كتاب الفرائض (4)،و في الغنية و كنز العرفان و التنقيح حاكياً له عن الشيخ أيضاً (5)،

ص:292


1- التهذيب 9:1142/318،الإستبصار 4:634/167،الوسائل 26:112 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7 ح 6.
2- التهذيب 9:318.
3- الفقيه 4:196.
4- الكافي 7:70.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):607،كنز العرفان 2:329،التنقيح 4:164،165.

و نفى عنه الخلاف في الانتصار،و ظاهر السرائر الإذعان به،حيث حكاه ساكتاً عليه،متلقّياً إيّاه بالقبول (1).

و مع ذلك مستنده غير واضح،عدا ما فهمه من الصحاح المتقدّمة من كون المراد من«و لا وارث غيرهنّ» هو الوالدان لا غير،و كونهما أقرب من الأولاد،فيمنعون بهما؛ لما مرّ من العمومات الدالّة على منع الأقرب الأبعد.

و يضعّف الأوّل:بأنّ المراد منه الأولاد للصلب لا الأبوان،كما ذكره الشيخ و غيره (2)،قال:و الذي يكشف عمّا ذكرناه ما رواه محمّد بن الحسن الصفار،عن إبراهيم بن هاشم،عن صفوان،عن خزيمة بن يقطين،عن عبد الرحمن بن الحجاج،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)،قال:«ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قام مقام الابن» قال:«و ابنة البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام البنت» (3)انتهى.

و هو حسن،يعضده اتحاد الراوي له و للصحاح المتقدّمة،و قصور السند في هذا بالشهرة و العمل منجبر،و مع ذلك بصريح الخبر المتقدّم في البحث السابق معتضد،و هو في نفسه دليل مستقل بعد انجباره بما انجبر به هذا،و نحوه في الصراحة المرسلة المروية عن الطبرسي (4)-(رحمه اللّه) .و بهذه الأدلّة يظهر وجه الجواب عن الحجة الأخيرة؛ لوجوب تخصيصها بها؛ لأنّها خاصّة و تلك عامّة،و مع ذلك معتضدة بصريح الإجماعات المستفيضة المنقولة،فلا ريب في المسألة.

ص:293


1- السرائر 3:236.
2- التهذيب 9:317؛ و انظر إيضاح الفوائد 4:213.
3- التهذيب 9:1141/317،الوسائل 26:112 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7 ح 5.
4- الاحتجاج:390،الوسائل 26:108 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 5 ذيل الحديث 14.
الثانية:حبوة ابن الميت الأكبر

الثانية:يحبى أي يعطي و يخصّ الولد الأكبر أي أكبر الذكور إن تعدّدوا،و إلّا فالذكر خاصّة،كما سيظهر بثياب بدن الميت المورّث له و خاتمه،و سيفه،و مصحفه بضرورة مذهبنا،و المعتبرة المستفيضة عن أئمتنا(عليهم السّلام)،ففي الصحيح:«إذا هلك الرجل و ترك بنين فللأكبر السيف،و الدرع،و الخاتم،و المصحف،فإن حدث به حدث فللأكبر منهم» (1).

و نحوه آخر:«إذا مات الرجل فلأكبر ولده سيفه،و مصحفه،و خاتمه، و درعه» (2).

و نحوهما ثالث،مبدلاً فيه الدرع بالكتب،و الرحل،و الراحلة، و الكسوة (3).

و في الموثق:«إذا ترك سيفاً أو سلاحاً فهو لابنه،فإن كانوا اثنين فهو لأكبرهما» (4)و نحوه آخر مبدلاً فيه السلاح بالثياب،ثياب جلده (5).

و في ثالث:«كم من إنسان له حقّ لا يعلم به» قلت:و ما ذاك أصلحك اللّه تعالى؟قال:«إنّ صاحبي الجدار كان لهما كنز تحته لا يعلمان به،أمّا أنّه لم يكن بذهب و لا فضّة» قلت:فما كان؟قال:«كان علماً» قلت:فأيّهما

ص:294


1- الكافي 7:1/85،التهذيب 9:994/275،الإستبصار 4:538/144،الوسائل 26:98 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 3.
2- الكافي 7:3/86،التهذيب 9:996/275،الإستبصار 4:540/144،الوسائل 26:97 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 2.
3- الكافي 7:4/86،الفقيه 4:805/251،التهذيب 9:997/275،الإستبصار 4:541/144،الوسائل 26:97 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 1.
4- التهذيب 9:998/276،الإستبصار 4:542/144،الوسائل 26:98 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 6.
5- الفقيه 4:806/251،الوسائل 26:98 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 5.

أحقّ به؟قال:«الكبير،كذلك نقول نحن» (1).

و نحوه رابع،لكن من دون لفظة:حق و أحق،بل في ذيله بعد بيان العلم المكتوب فيه:فقال له حسين بن أسباط:فإلى من صار؟إلى أكبرهما؟قال:«نعم» (2).

و ظاهرهما كالصحيح الثالث دخول الكتب في الحبوة،و يمكن تعميم المصحف في غيرها لها.

لكنّه خلاف الظاهر؛ لتبادر القرآن المجيد منه،لا مطلق الكتب،مع منافاته أيضاً لظاهر عطف الكتب عليه في الصحيح المزبور،و مع ذلك مخالف للأصل،و ما عليه الأكثر.

و ظاهر هذه الأخبار كونه على سبيل الوجوب و الاستحقاق مجّاناً؛ للتعبير في كثير منها عن الإحباء باللام المفيدة للملك،أو الاختصاص،أو الاستحقاق،و في الموثق الثالث بصريح لفظة الأخير.

و لا ينافي الاستدلال به تضمّنه الكتب الغير المعمول به عند الأكثر، أمّا عند العامل به فظاهر،و أمّا عندهم فلكونه إخباراً عن الملّة السابقة، و لم يكن المصحف فيها،فيحتمل كون ذلك الكتاب المكنون بدلاً عنه.

و هو ظاهر المتن هنا و في الشرائع (3)و كثير من أصحابنا،و صريح جمع منهم (4)،و ادّعى الشهرة عليه جماعة بحدّ الاستفاضة (5)،و لا ريب

ص:295


1- التهذيب 9:1000/276،الإستبصار 4:543/144،الوسائل 26:99 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 8.
2- التهذيب 9:1001/276،الوسائل 26:99 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 9.
3- الشرائع 4:25.
4- السرائر 3:258،التحرير 2:164،كشف الرموز 2:451،التنقيح الرائع 4:168،الروضة البهية 8:108.
5- كالشهيد الأوّل في الدروس 2:362،و الشهيد الثاني في المسالك 2:325،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:329.

فيها،بل ادّعى الحلّي عليه الإجماع (1)،و هو حجة أُخرى مستقلّة.

خلافاً للإسكافي و المرتضى و الفاضل في المختلف (2)،فقالوا بأنّه على الاستحباب،و زاد الأوّلان احتسابها بالقيمة لا مجاناً؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل و نصّ الكتاب على موضع الوفاق.

و هو حسن إن كان المستند منحصراً فيه،و هو ممنوع؛ لأنّ الأخبار المتقدّمة مع استفاضتها،و اعتبار أسانيدها ظاهرة في الوجوب؛ لما مضى،و في كونه مجّاناً؛ للزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة مع عدمه، و هو قبيح عندنا،كما تقرّر في محلّه مستوفى،مع أنّ الأصل براءة الذمّة عن القيمة جدّاً.

و لا ريب أنّ هذه الأدلّة بالإضافة إلى أدلّة الإرث خاصّة،فلتكن عليها مقدّمة.

و دعوى ضعف دلالتها ضعيفة جدّاً،أمّا أوّلاً:فلما مضى.

و أمّا ثانياً:فلاستناد الدلالة فيها إلى اللام و ما هو أظهر منها،و هي بعينها مستند الدلالة في أدلّة الإرث من الكتاب و السنّة أيضاً،فما هو الجواب فيها فهو الجواب هنا.

و الاقتصار في المسألة على مجرّد الوفاق دون الأخبار لا وجه له و لو قلنا بعدم حجية أخبار الآحاد؛ لكونها هنا محفوفة بالقرائن القطعية أو القريبة منها،و هي كونها متلقّاة بالقبول عند علمائنا.

و أمّا ما يقوّى به هذا القول من اختلاف الأخبار في مقدار ما يحبى

ص:296


1- السرائر 3:258.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:732،المرتضى في الانتصار:299،المختلف:733.

به،كما مضى،مع عدم تضمّن شيء منها الأربعة المتفق عليها؛ لأنّ أشملها لها الصحيحان الأوّلان،و قد تضمّنا ثلاثة منها،و لم يتضمّنا الثياب،بل تضمّنا الدرع بدلها،و لم يقل به أحد.

فمحلّ نظر،أمّا أوّلاً:فلعدم دليل على كون الاختلاف أمارة للاستحباب،إلّا أن يبلغ درجة يحصل القطع به من جهتها،كما في أخبار البئر و نحوها،و لا بلوغ هنا إليها جدّاً.

و أمّا ثانياً:فلمنع عدم تضمّن الصحيحين للأربعة،و تضمّنهما للدرع الذي لا يقولون به؛ لابتنائهما على تعيّن كون المراد بالدرع فيهما درع الحديد لا الثوب و القميص،و هو في حيّز المنع؛ لظهور اشتراكه بينهما لغةً،و وروده بالمعنى الأخير في الأخبار كثيراً،فإرادته محتمل،و معه لا يمكن دعوى الأمرين جدّاً،فيكون الصحيحان حينئذٍ سالمين عن القدح بالتضمّن لما لا يقول به أحد،و قد تضمّنا الثلاثة قطعاً،و يلحق بها الرابعة بعدم القول بالفرق بينهما في أصحابنا،و تخرج الأحاديث المتضمّنة لها شاهدة و إن سلّمنا عدم حجيتها لتضمّنها نحو السلاح و غيره ممّا لم نكن به قائلاً،هذا.

و يمكن تعيين الدرع بالمعنى الثاني و ترجيحه بفهم الأصحاب،حيث عبّروا عنه بعد الثلاثة في كلامهم بالثياب،و لا سيّما الشيخ في النهاية (1)؛ لفتواه فيها بعين متون الأخبار غالباً،و لا خبر يتضمّن ما ذكره كما ذكره جميعاً،على تقدير أن لا يكون المراد من الدرع في الصحيحين ما ذكرنا، و إذا ثبت بذلك دلالتهما على القميص الحق به باقي الكسوة بالإجماع

ص:297


1- النهاية:633.

و الشواهد المتقدّمة،و حينئذٍ فيكونان متضمّنين للأربعة جميعاً و لو بضميمة،فتأمّل جدّاً.

و لئن سلّمنا عدم تضمّنهما إلّا للثلاثة،و تضمّنهما ما لا يقول به أحد من الطائفة،نقول:لا يوجب ذلك خروجهما عن الحجية بعد ما تمهّد في محلّه و مرّ غير مرّة من عدم اشتراط تطابق كلّ من الأدلّة الشرعية للمدّعى كلّيّةً،و أنّه يثبت بعضه ببعضها و آخر بباقيها،و عدم قدح تضمّن الخبر لما لا يعمل به في حجيته.

و بهذا يمكن الذبّ عن الاختلاف فيما عدا الصحيحين؛ لأنّه إنّما هو يتضمّن بعضه بعضاً من الأربعة و آخر منه ما لا يقول به أحد من الطائفة؛ لاندفاع الأوّل بثبوت ما لم يتضمّنه من باقي الأربعة بحجة اخرى خارجة من إجماع أو رواية،و الثاني بأنّه من قبيل العام المخصّص،فيكون في الباقي حجّة.

و بهذا يمكن أن يقال بوجود رواية متضمّنة لمجموع الأربعة،و هي الصحيحة الثالثة،و غايتها تضمّنها الكتب و الرحل و الراحلة زيادة على الأربعة،و هو غير ضائر؛ لما عرفته من عدم خروجها بذلك عن الحجية.

هذا على تقدير عدم القول بهذه الثلاثة.

و أمّا على القول بها أيضاً كما هو ظاهر الفقيه (1)حيث رواها فيه، مع التزامه أن لا يروي فيه إلّا ما يعمل به فلا إشكال من أصله.

و لا بعد في المصير إليه بعد صحة مستنده،لولا ما في صريح الروضة و ظاهر غيرها (2)من إعراض الأصحاب عنها و اقتصارهم على الأربعة،مؤذناً

ص:298


1- الفقيه 4:251.
2- الروضة 8:110؛ و انظر التنقيح 4:168.

بدعوى الإجماع عليه.

و نحوه الكلام فيما صار إليه الإسكافي (1)من إلحاق السلاح بها،لكن المصير إليه هنا أضعف منه فيما مضى؛ لقصور مستند هذا عن الصحة بالموثقية،دونه؛ لكونه كما عرفت صحيحاً.

و هل يختص الحباء وجوباً أو استحباباً،بالقيمة أو مجّاناً بما إذا خلف الميت مالاً غير ذلك أي غير ما يحبى به،كما هو صريح الشيخين و ابن حمزة و الماتن هنا و في الشرائع (2)،و عزاه في الدروس إلى الحلّي (3)،و في المسالك إلى المشهور (4)،أم يعمّه و ما إذا لم يخلف؟ وجهان،بل قولان،ظاهر إطلاق النصوص مع الثاني،و الأصل مع اختصاص الإطلاق بحكم التبادر بالصورة الأُولى؛ لكونها الغالبة فيه جدّاً مع الأوّل،و هو الأقوى،سيّما مع الاعتضاد بالشهرة،و بما علّل به من استلزام الثاني الإجحاف و الإضرار بالورثة،و هما منفيّان في الشريعة.

و عليه ففي اشتراط كون الغير كثيراً بحيث يعادل نصيب كل من الورثة مقدار الحبوة،أو نصيب الكلّ مقدارها،أو عدمه مطلقاً،و كفاية ما قلّ منه و لو كان درهماً و هي تساوي دنانير،أوجه،مقتضى الأدلّة الدالّة على اعتباره و لا سيّما التعليل الأوّل.

قيل:و عليه ينبغي اعتبار نصيب الولد المساوي له في الذكورية،أمّا

ص:299


1- حكاه عنه في المختلف:732.
2- المفيد في المقنعة:684،الطوسي في النهاية:634،ابن حمزة في الوسيلة:387،الشرائع 4:25.
3- الدروس 2:362،و هو في السرائر 3:258.
4- المسالك 2:326.

غيره فلا؛ لعدم المناسبة،سيّما الزوجة (1).

و اعلم أنّه لو كان الأكبر بنتاً أخذه أي المال المحبوّ به الأكبر من الذكور بلا خلاف،بل عليه الوفاق في المسالك (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى إناطة الحبوة في أكثر النصوص المتقدّمة بالأكبر من الذكور،أو بالذكر أعم من أن يكون هناك أُنثى أكبر منه أم لا،مع أنّه وقع التصريح به في بعضها،و هو الصحيح:«فإن كان الأكبر بنتاً فللأكبر من الذكور» (3).

و مقتضاه كغيره إطلاقاً ثبوت الحبوة بين المتعدّد من أكبر الذكور، فيقسم بينهم بالسوية،و حكي التصريح به عن الشيخ في المبسوط و جماعة (4)،و لعلّه المشهور.

خلافاً لابن حمزة (5)،فاشترط في ثبوتها للأكبر فقد آخر في سنّه، و أسقطها مع وجوده.و لعلّه نظر إلى تبادر الواحد من الأكبر دون المتعدّد.

و هو غير بعيد لولا اشتهار خلافه،سيّما مع ندرة اتفاق المتعدّدين من أولاد رجل واحد في سنّ واحد،بحيث لا يزيد سنّ أحدهما عن الآخر بساعة و لا ينقص،كما هو واضح.

و ممّا ذكرنا يظهر الاتفاق على إحباء الذكر الواحد مع غيره من الورثة

ص:300


1- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:326.
2- المسالك 2:326.
3- الكافي 7:4/86،الفقيه 4:805/251،التهذيب 9:997/275،الإستبصار 4:541/144،الوسائل 26:97 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 1.
4- المبسوط 4:126؛ و انظر الجامع للشرائع:509،و القواعد 2:171،و الكفاية:297 حكاه عن الجماعة الشهيد الثاني في المسالك 2:326.
5- الوسيلة:387.

الغير الذكور أيضاً،و إن اقتضى أفعل التفضيل فيما مرّ من النص وجود مشارك له في أصل الفعل،فيشكل مع الاتحاد،لكن الاتفاق المعتضد ببعض المعتبرة المتقدّمة المصرّح بأنّه لابنه،و أنّه إن كانوا أكثر فهو لأكبرهم يدفعه.

و في اشتراط بلوغه قولان،من إطلاق النصوص المتقدّمة و من أنّه يجب عليه أن يقضي عنه ما ترك من صلاة و صيام في مقابلة الحبوة،و لا يكلّف به إلّا البالغ.

و الأصح الأوّل؛ لمنع كون القضاء في مقابلتها،و إن اشترطه في ثبوتها بعض أصحابنا،كابن حمزة (1)؛ لعدم الملازمة بينهما،مع خلوّ نصوص الجانبين عن بيانها.

و شرط بعض الأصحاب في ثبوتها أن لا يكون المحبوّ سفيهاً،و لا فاسد الرأي أي مخالفاً في المذهب،ذكر ذلك الحلي و ابن حمزة (2).

و حجتهما عليه غير واضحة،مع كون النصوص مطلقة،فالأصح عدم الاشتراط،و إن نسبه في الشرائع إلى قول مشهور (3).

قيل:و يمكن اعتبار الثاني من حيث إنّ المخالف لا يرى استحقاقها، فيجوز إلزامه بمذهبه،كما جاء في منعه عن الإرث أو بعضه،حيث يقول به إدانة له بمعتقده (4)،انتهى.

ص:301


1- الوسيلة:387.
2- السرائر 3:258،الوسيلة:387.
3- الشرائع 4:25.
4- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:326.

و هو حسن،إلّا أنّه ليس من باب الشرطية،فتدبّر،و لذا لم يشترط أحد في إبطال العول و العصبة عدم فساد الرأي،و إنّما حكموا به مطلقاً،مع تصريحهم كجملة من الأخبار بجواز إدانة المخالف بمعتقده فيهما.

و اشترط جماعة من الأصحاب في ثبوتها خلوّ الميت عن دين مستغرق للتركة (1).

و فيه بل في اشتراط خلوّه عن مطلق الدين إشكال،وفاقاً لشيخنا في الروضة (2):من انتفاء الإرث على تقدير الاستغراق،و توزيع الدين على جميع التركة؛ لعدم الترجيح،فيخصّها منه شيء و تبطل بنسبته.

و من إطلاق النص،و القول بانتقال التركة إلى الوارث و إن لزم المحبوّ ما قابلها من الدين إن أراد فكّها.

و يلزم على المنع من مقابل الدين إن لم يفكّه المنع من مقابل الوصية النافذة إذا لم تكن بعين مخصوصة خارجة عنها،و من مقابل الكفن الواجب و ما في معناه؛ لعين ما ذكر،و يُبَعَّد ذلك بإطلاق النص و الفتوى بثبوتها،مع عدم انفكاك الميت عن ذلك غالباً،و عن الكفن حتماً.

و الموافق للأُصول الشرعية البطلان في مقابلة ذلك كلّه إن لم يفكّ المحبوّ بما يخصّه؛ لأنّ الحبوة نوع من الإرث و اختصاص فيه،و الدين و الوصية و الكفن و نحوها تخرج من جميع التركة،و نسبة الورثة إليه على السواء.

نعم لو كانت الوصية بعين من أعيان التركة خارجة عن الحبوة

ص:302


1- منهم الشهيد الأوّل في الدروس 2:263،و الشهيد الثاني في المسالك 2:326،و السبزواري في الكفاية:297.
2- الروضة 8:114.

فلا منع،كما لو كانت تلك العين معدومة.

و لو كانت الوصية ببعض الحبوة اعتبرت من الثلث،كغيرها من ضروب الإرث،إلّا أنّها تتوقف على إجازة المحبوّ خاصّة.

و يفهم من الدروس (1)أنّ الدين غير المستغرق غير مانع؛ لتخصيصه المنع بالمستغرق،و استقرب ثبوتها حينئذٍ لو قضى الورثة الدين من غير التركة؛ لثبوت الإرث حينئذٍ،و يلزم مثله في غير المستغرق بطريق أولى.

و كذا الحكم لو تبرّع متبرّع بقضاء الدين،أو أبرأه المدين.

مع احتمال انتفائها حينئذٍ مطلقاً؛ لبطلانها حين الوفاة بسبب الدين.

و فيه:أنّه بطلان مراعى،لا مطلقاً.

الثالثة:لا يرث مع الأبوين و لا مع الأولاد جدّ و لا جدّة

الثالثة:لا يرث مع الأبوين و لا مع الأولاد و إن نزلوا جدّ مطلقاً و لا جدّة كذلك و لا أحد من ذوي القرابة (2) بلا خلاف أجده إلّا من الصدوق (3)،حيث شرك الجدّ من الأب معه،و الجدّ من الاُمّ معها، و شرك الجدّ مطلقاً مع أولاد الأولاد.

و من الإسكافي (4)،حيث شرك الجدّين و الجدّتين مع البنت و الأبوين.

و هما شاذّان،بل على خلافهما الآن انعقد الإجماع،و به صرّح السيّد في الناصريات (5)في الردّ على الأوّل في تشريكه الجدّ مع ولد الولد، و الفاضل المقداد في التنقيح (6)في الردّ على الثاني،و هو الحجة.

ص:303


1- الدروس 2:263.
2- في«ر» زيادة:كالأعمام و الأخوال و الخالة و العمّة.
3- الفقيه 4:208.
4- حكاه عنه في المختلف:751.
5- الناصريات(الجوامع الفقهية):221.
6- التنقيح 4:170.

مضافاً إلى الأدلّة من الكتاب و السنّة،الدالّة على منع الأقرب الأبعد، و على فريضة الأبوين مع الولد،و لا معه؛ لظهورها في انقسام التركة بينهما و بينه خاصّة على التقدير الأوّل،و بينهما خاصّة على التقدير الثاني مطلقاً، من دون تقييد في شيء منها بما إذا لم يكن هناك جدّ؛ إذ لا إشارة إليه أصلاً،و المراد بالأبوين فيها هو الأب و الأمّ بغير واسطة،بغير خلاف،حتى من الصدوق و الإسكافي؛ لأنّ السدس و الثلثين مثلاً ليسا للأب و الأجداد، و كذا السدس و الثلث ليسا للاُمّ و الجدّات (1)وجوباً،بل و لا استحباباً في كثير (2)من الأفراد.

مع أنّ النصوص الآتية (3)في الطعمة الدالّة على أنّ اللّه تعالى لم يفرض للجدّ شيئاً،و إنّما جعل له رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)سهماً فأجاز اللّه تعالى ذلك له دالّة عليه.

و من هنا ينقدح وجه الاستدلال على ردّهما بالصحاح الدالّة على أنّه لا يجتمع مع الأبوين و الولد غير الزوج و الزوجة (4).

مضافاً إلى الأدلّة الدالّة على أنّ الأجداد و الجدّات في مرتبة الإخوة، لا يرثون إلّا حيث يرثون (5)،و لا ريب و لا خلاف أنّ الإخوة لا يرثون مع الأبوين،و لا مع الأولاد و إن نزلوا شيئاً،فليكن الأجداد كذلك.

مع أنّ خصوص المعتبرة بذلك ناطقة،ففي الصحيح:امرأة ماتت، و تركت زوجها،و أبويها،و جدّها،أو جدّتها،كيف يقسم ميراثها؟

ص:304


1- في«ح» و«ر» زيادة:لا.
2- في«ب»:بعض.
3- في ص:305،303.
4- الوسائل 26:103 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 5.
5- الوسائل 26:164 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 6.

فوقّع(عليه السّلام):«للزوج النصف،و ما بقي للأبوين» (1).

و في القريب منه:عن امرأة مملّكة،لم يدخل بها زوجها،ماتت و تركت أُمّها،و أخوين لها من أبيها و أُمّها،و جدّها أبا أُمّها،و زوجها؟قال:

«يعطى الزوج النصف،و يعطى الأُمّ الباقي،و لا يعطى الجدّ شيئاً؛ لأنّ ابنته حجبته عن الميراث،و لا يعطى الإخوة شيئاً» (2).

و في آخر مثله:عن رجل مات،و ترك أباه و عمّه و جدّه؟قال:فقال:

«حجب الأب الجدّ الميراث،و ليس للعمّ و لا للجدّ شيء» (3).

و بالجملة لا ريب في المسألة،سيّما مع عدم وضوح حجّة على قولي الصدوق و الإسكافي و لا أمارة،عدا ما يستدل للثاني أوّلاً:بمشاركة الأجداد للأبوين في التسمية التي أخذوا بها الميراث الذي عيّن لهم،و هي الأُبوة.

و ثانياً:ببعض أخبار الطعمة الآتية.

و المناقشة فيهما واضحة،أمّا الأوّل:فبعد ما عرفته؛ مضافاً إلى منع المشاركة في التسمية عرفاً و لغةً؛ لأنّ الجدّ لا يدخل في اسم الأب حقيقة، بدليل صحّة السلب،بل مجازاً،و كذا الجدّة بالنسبة إلى الأُمّ.

و أمّا الثاني:فلأنّ ذلك محمول على إعطاء الجدّ و الجدّة طعمة،كما سيأتي التصريح به في الأخبار؛ مضافاً إلى ما مرّ من صريح الآثار المعتضدة بعمل كافّة الأصحاب.

ص:305


1- التهذيب 9:1113/310،الإستبصار 4:610/161،الوسائل 26:135 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 19 ح 4.
2- الكافي 7:8/113،التهذيب 9:1111/310،الإستبصار 4:608/161،الوسائل 26:134 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 19 ح 2.
3- الكافي 7:9/114،التهذيب 9:1112/310،الإستبصار 4:609/161،الوسائل 26:135 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 19 ح 3.

و أمّا الصحيح:عن بنات الابنة و الجدّ؟فقال:«للجدّ السدس، و الباقي لبنات الابنة» (1)فغير صريح فيما ذهب إليه الصدوق من مشاركة الجدّ مع أولاد الأولاد،و لا يمكن الاستناد إليه له.

أمّا أوّلاً:فلعدم تصريح فيه بكون الجدّ المشارك لبنات البنت جدّ الميت،فيحتمل كونه جدّ البنات أب الميت،فيصح ما فيه من المشاركة، و لكن يبقى حكم الردّ فيه غير مذكور،و لا بأس به،لاستفادته من غيره من الأخبار.

و أمّا ثانياً:فلأخصّيته من المدّعى،و إن أمكن تطبيقه له،إلّا أنّ ذلك لا يدفع المرجوحيّة الثابتة له بذلك،المعتبر مثله في مقام التعارض جدّاً.

و أما ثالثاً:فلعدم معارضته لما قدّمناه من الأدلّة الدالّة على أنّ الجدّ بمنزلة الأخ،فلا يرث مع ولد الولد،كما لا يرث الأخ معه.

و أمّا رابعاً:فلنقل الشيخ عن ابن فضال دعوى إجماع الطائفة على ترك العمل به (2)،مع احتماله الحمل على التقية،كما صرّح به جماعة (3).

و أمّا خامساً:فبمعارضته لما دلّ على أنّ أولاد الأولاد بمنزلة الأولاد، و من أحكامهم حجبهم الأجداد عن الميراث إجماعاً،فيثبت لأولادهم ذلك أيضاً؛ التفاتاً إلى عموم المنزلة،مع وقوع التصريح به في بعض ما دلّ عليه،فإنّ فيه بعد بيانه:«يرثون ما يرث ولد الصلب،و يحجبون ما يحجب ولد الصلب» (4).

ص:306


1- الفقيه 4:682/205،الوسائل 26:113 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7 ح 10.
2- التهذيب 9:315.
3- الوسائل 26:114،روضة المتقين 11:285.
4- الكافي 7:3/97،التهذيب 9:1043/288،الوسائل 26:132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 3.

و لا ريب أنّ هذه الأدلّة أرجح من تلك الصحيحة من وجوه عديدة، فالقول بظاهرها على تقدير تسليمه ضعيف غايته،كقول الإسكافي.

لكن يستحب للأب أن يطعم أباه جدّ الميت و أُمّه جدّته السدس من أصل التركة يقتسمانه بينهما بالسوية إذا حصل له الثلثان فما زاد و كذا يستحب أن تطعم الأُمّ أباها جدّ الميت و أُمّها جدّته النصف من نصيبها بالسوية إذا حصل لها الثلث فما زاد بلا خلاف فيه في الجملة؛ للمعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:«أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أطعم الجدّة أُمّ الأب السدس،و ابنها حيّ،و أطعم الجدّة أُمّ الأُمّ،و ابنتها حيّة» (1).

و نحوه صحيحان آخران (2)،لكن من دون ذكر جدّة الأب فيهما،بل اقتصر في أحدهما بذكر الجدّة مطلقاً،من دون إضافة الأب أو الأُمّ.

و في رابع:إنّ ابنتي هلكت،و أُمّي حيّة،فقال أبان:لا،ليس لأُمّك شيء،فقال أبو عبد اللّه(عليه السّلام):«سبحان اللّه،أعطها السدس» (3).

و في الموثق (4)و غيره (5)من المعتبرة القريبة من الصحيح:أنّ رسول

ص:307


1- الفقيه 4:680/204،التهذيب 9:1118/311،الإستبصار 4:616/162،الوسائل 26:139 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 9.
2- الأول في:الكافي 7:12/114،الوسائل 26:136 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 1. و الآخر في:الكافي 7:11/114،التهذيب 9:1115/311،الإستبصار 4:614/162،الوسائل 26:137 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 2.
3- الكافي 7:15/114،الفقيه 4:681/204 بتفاوت،التهذيب 9:1114/310،الإستبصار 4:613/162،الوسائل 26:138 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 6.
4- الكافي 7:13/114،الفقيه 4:683/205،التهذيب 9:1116/311،الوسائل 26:137 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 3.
5- الكافي 7:14/114،التهذيب 9:1117/311،الإستبصار 4:615/162،الوسائل 26:137 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 4.

اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أطعم الجدّة السدس،و لم يفرض لها شيئاً،كما في الأوّل،و في غيره:أطعمها طعمة.

و ظاهر الجميع عدا الصحيح الأخير كون إعطاء السدس لا على جهة الميراث،بل على سبيل الطعمة التي هي في اللغة بمعنى الهبة،و هي غير الإرث بلا شبهة،و عليها يحمل الصحيحة الرابعة و غيرها،ممّا يأتي إليه الإشارة.

و حيث تعيّن كونه طعمة لا إرثاً،ظهر كونه على الاستحباب لا الإيجاب؛ لعدم قائل بوجوبها،مع منافاته لما تقدّم من الأخبار المصرّحة بعدم شيء للأجداد مع الأبوين و الزوج،أو أحدهما.

و صريح الصحيحين الأوّلين عدم اختصاص الطعمة بأُمّ الأب،و ثبوتها أيضاً لأُمّ الأُمّ.

خلافاً للمحكي في المختلف و التنقيح عن الحلبي (1)،فخصّها بالأُولى.

و حجته عليه غير واضحة،سيّما في مقابلة الصحيحين و غيرهما من الأخبار،منها:«الجدّة لها السدس مع ابنها و مع ابنتها» (2)و منها:في أبوين و جدّة لاُمّ،قال:«للاُمّ السدس،و للجدّة السدس،و ما بقي و هو الثلثان للأب» (3).

و هذه النصوص و إن اختصّت بذكر الجدّة خاصّة،إلّا أنّه لا قائل

ص:308


1- المختلف:753،التنقيح 4:172،و هو في الكافي في الفقه:378.
2- الفقيه 4:685/205،التهذيب 9:1120/312،الإستبصار 4:618/163،الوسائل 26:140 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 11.
3- الفقيه 4:684/205،التهذيب 9:1119/312،الإستبصار 4:617/163،الوسائل 26:140 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 10.

بالفرق بينها و بين الجدّ في استحباب الطعمة له،و هو كافٍ في التعدية.

مضافاً إلى ثبوتها بالأولوية،و كثير من النصوص المصرحة بالجدّ أيضاً، منها المرسلة المروية في الكافي،قال فيه:و قد روي أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) أطعم الجدّ و الجدّة السدس (1).

و منها النصوص المروية في التهذيب و بصائر الدرجات،الدالّة على أنّ اللّه تعالى لم يذكر الجدّ،و لم يفرض له فرضاً،و إنّما جعل له رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)سهماً،كما في بعض (2)،أو أطعمه سهماً،كما في آخر (3)،أو أطعم،من دون ذكر السهم،كما في ثالث (4)،فأجاز اللّه تعالى له ذلك.

و قصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بعمل الطائفة،و الأولوية المتقدّمة، فما يوجد في كلام بعض (5)من الطعن على الأصحاب في إلحاقهم الجدّ بالجدّة لا وجه له،بل ضعيف غايته.

و السدس في هذه الأخبار و إن كان مطلقاً غير مبيّن فيه أنّه من الأصل أو من نصيب المُطعِم،إلّا أنّ الظاهر منه كما فهمه الأصحاب هو الأوّل.

ص:309


1- الكافي 7:10/114،الوسائل 26:136 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 19 ح 5.
2- التهذيب 9:1417/397،الوسائل 26:140 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 13.
3- بصائر الدرجات:3/398،الوسائل 26:142 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 16.
4- بصائر الدرجات:13/401،الوسائل 26:142 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 17.
5- انظر المفاتيح 3:302،303.

خلافاً للمحكي عن الإسكافي (1)،فالثاني.و لا دليل عليه سوى الأصل الغير المعارض لما مرّ من الظهور المعتضد بفهم الأكثر.مع أنّ الخبر الأخير في الردّ على الحلبي صريح في ردّه؛ لتصريحه بالثلثين في مقابلة السدسين.

و اعلم أنّ ما ذكره الماتن هنا من تقييد الحكم بما إذا زاد نصيب المُطعِم بقدر السدس فما زاد شيء لم يذكره أحد من الأصحاب عدا الشهيد في اللمعة و الدروس (2)،و إنّما المشهور كما في المختلف و المسالك و غيرهما (3)تقييده بما إذا زاد نصيبه عن السدس و لو بما دونه.

و تظهر الفائدة في اجتماع الأبوين مع البنت،أو أحدهما مع البنات، فإنّه على القول الأوّل لا يفضل لهما سدس،فلا يستحبّ الطعمة،و على الثاني يزيد نصيبهما عن السدس،فيستحب.

و ليس في شيء من النصوص ما يدل على شيء منهما صريحاً، و لكن يمكن الاستناد إليها لكلّ منهما،مع تأيّد الأوّل بالأصل و الاعتبار، و الثاني بقاعدة التسامح في أدلّة السنن،و لعلّ هذا أجود،سيّما مع التأيّد بكونه الأشهر.

و ربما قيل باستحباب أقل الأمرين من الزائد عن السدس و منه (4).

و لا دليل عليه عدا ضمّ الاعتبار مع الأخبار،و هو ضعيف جدّاً؛ لاتفاق الأخبار على السدس خاصّة،من دون نقيصة.

ص:310


1- حكاه عنه في المختلف:751.
2- اللمعة(الروضة البهية 8):122،الدروس 2:367.
3- المختلف:751،المسالك 2:326؛ و انظر الكفاية:297.
4- قواعد الأحكام 2:170.

و يستفاد من تغيير الماتن التعبير عن السدس في طرف الاُمّ بنصف الثلث فما زاد استحباب طعمتها لأبيها و (1)أُمّها السدس و ما زاد إن حصل بالردّ،بخلاف الأب،فطعمته لأبويه السدس خاصّة من دون زيادة.

و هو شيء لم يقم عليه في الأخبار دلالة،و لم يذكره أحد من الطائفة فيما أعلمه،و لعلّ ذلك منه مسامحة في التعبير،لا التنبيه على ما مرّ إليه الإشارة.

و لو حصل لأحدهما أي أحد الأبوين نصيبه الأعلى من الثلث فما زاد في الأُمّ،و الثلثين في الأب على مختار الماتن،و الزائد على السدس على مختار الأكثر دون الآخر استحب له طعمة الجدّ و الجدّة بالسدس دون صاحبه الذي لم يحصل له نصيبه الأعلى،أو الزائد عن السدس، فلو كانت الأُمّ محجوبة بالإخوة فالمستحب إطعام الأب خاصّة،و لو كان معهما زوج من غير حاجب فالمستحب لها خاصّة،بلا خلاف أجده؛ للأصل،مع اختصاص الأخبار المتقدّمة بحكم التبادر و الاعتبار بما إذا كان هناك للمطعم عن نصيبه زيادة سدساً أو غيره،و ليس في إطلاق ما دل منها على أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)أطعم الجدّة السدس،منافاة لذلك؛ لأنّه قضية في واقعة،فلا تعم،بل تحتمل الاختصاص بما ذكرناه،سيّما بعد تصريح جملة منها صحيحة بأنّه أطعمها مع ابنها أو ابنتها،و المتبادر منه إطعامه إيّاها مع اجتماعها معهما خاصّة،أو مع أحدهما كذلك،و الظاهر أنّ فعله(صلّى اللّه عليه و آله)ذلك إنّما هو في قضية واحدة (2) فتكون هذه الأخبار مبيّنة لتلك الأخبار المجملة؛ لبيانها نصيب كلّ من الأبوين على ما فيها بحكم التبادر الذي مضى زائداً عن السدس،بل نصيبهما الأعلى،بل فصاعداً أيضاً إن كان

ص:311


1- في«ب» و«ر»:أو.
2- في«ب»:قضيّة في واقعة.

اجتماع الجدّة فيها مع أحدهما خاصّة.

و من هنا يتّجه ما ذكره الأصحاب من أنّه لا طعمة لأحد الأجداد إلّا مع وجود من يتقرب به من أب أو أُمّ،فلا يستحب للأولاد طعمة، و ذلك للأصل،مع اختصاص النصوص المفصّلة المبيّنة لفعله الذي هو الأصل في استحباب الطعمة بإطعامه الجدّة مع حياة ابنها أو ابنتها،و عليه يحمل بعض الأخبار المبيّنة لفعله مجملاً،كما نظيره قد مضى،و لعلّه إلى هذا نظر الشيخ (1)في استدلاله للحكم هنا بتلك الأخبار المفصّلة قاصداً به دفع المقتضي لعموم استحباب الطعمة،و إلّا فليس فيها دلالة على التخصيص،كما ذكره معترضاً عليه في الكفاية (2)،هذا.

و ربما يظهر من التنقيح الإجماع في المسألة،فإنّه قال:يدل على استحباب الطعمة قوله تعالى وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ [1] (3)و هذا و إن كان عامّاً في طرفي المُطعِم و المُطعَم،لكن إجماع الأصحاب و الروايات خصّاه بالمسألة المذكورة (4).

و أشار بها إلى مسألة الطعمة للأبوين خاصّة المذكورة في العبارة و نحوها من عبائر الجماعة.

و اعلم أنّ مقتضى الأصل الذي مهّدناه في هاتين المسألتين لنفي الطعمة اختصاصها في كلّ من الأبوين بما إذا كان له جدّ واحد أو جدّة، دون ما إذا كانا له معاً؛ لعدم ظهور الأخبار إلّا في الصورة الأُولى خاصّة، فيتمسّك في نفي الطعمة في الثانية إلى الأصل،لكن عدم القائل بالفرق بين

ص:312


1- التهذيب 9:311.
2- الكفاية:297.
3- النساء:8.
4- التنقيح الرائع 4:172.

الصورتين كافٍ في ثبوتها فيها،مع قوّة احتمال ثبوتها فيها بطريق أولى، لكن مقتضاها كالإجماع استحباب السدس لهما،و حيث لا مرجّح لأحدهما في الاختصاص بالسدس يقسم بالسوية بينهما،و لا زيادة عن السدس لهما قطعاً؛ إذ نحن في ويل و عويل في إثبات أصل السدس لهما،فكيف لنا إثبات الزائد عنه أيضاً؟!

الرابعة:شروط حجب الإخوة الأم عن كمال نصيبها
الأوّل:أن يكونوا أخوين فصاعداً أو أخاً و أُختين،أو أربع أخوات فما زاد

الرابعة: الولد الحاجب لكلّ من الاُمّ و الزوجين عن كمال نصيبه يشمل ولد الولد و إن نزل،إجماعاً،كما مرّ (1).

قيل:لإطلاق لفظ الولد عليه عرفاً،فيدخل في ظاهر اللفظ (2).و فيه نظر.

و لخصوص النص:«أولاد الأولاد يحجبون الأبوين و الزوج و الزوجة عن سهامهم الأكثر،و إن سفلوا ببطنين و ثلاثة و أكثر،يرثون ما يرث ولد الصلب،و يحجبون ما يحجب ولد الصلب» (3).

و قريب منه المعتبرة المتقدّمة الدالّة على كون أولاد الأولاد بمنزلة آبائهم (4)،و من حكمهم الحجب،فليكن ذلك حكم أولادهم أيضاً؛ لعموم المنزلة.

و في شموله الممنوع من الإرث كالرقيق وجهان:من إطلاق ما دلّ على حجب الولد الشامل لمثله.

و من عموم ما دلّ على كمال النصيب لأهله،مع عدم معلومية شمول

ص:313


1- في ص:283.
2- قاله الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:326.
3- الكافي 7:3/97،التهذيب 9:1043/288،الوسائل 26:132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 3.
4- راجع ص:285،287.

الإطلاق لمثله،سيّما بعد ملاحظة عدم شمول الإخوة الحاجبين للاُمّ عن كمال نصيبها لمثله،كما يأتي.

و لعلّ هذا لا يخلو عن قوة (1)،سيّما مع تضمّن بعض النصوص الدالّة على عدم شمولهم له لقوله(عليه السّلام):«الكفّار بمنزلة الموتى، لا يحجبون و لا يرثون» (2)فإنّه يفهم منه أنّ عدم الإرث يجعلهم في حكم الموتى،فوجودهم كعدمهم،و هو جارٍ هنا،فتأمّل جدّاً .و لا يحجب الإخوة الأُمّ عن كمال نصيبها إلّا بشروط أربعة بل خمسة،مشهورة:

الأوّل: أن يكونوا أخوين فصاعداً أو أخاً و أُختين،أو أربع أخوات فما زاد و هم يحجبون دون غيرهم،بلا خلاف،بل عليه الإجماع منّا في كثير من العبارات (3)،و هو الحجة الصارفة للآية (4)عن ظاهرها.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة جدّاً،ففي الصحيح:«لا يحجب الاُمّ عن الثلث إذا لم يكن ولد إلّا الأخوان،أو أربع أخوات» (5).

و فيه:«إذا ترك الميت أخوين فهم إخوة مع الميت،حجبا الاُمّ،و إن كان واحداً لم يحجب الأمّ» و قال:«إذا كنّ أربع أخوات حجبن الاُمّ عن الثلث؛ لأنّهنّ بمنزلة الأخوين،و إن كنّ ثلاثاً لم يحجبن» (6).

ص:314


1- في«ب»:قرب.
2- الفقيه 4:778/243،الوسائل 26:125 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 15 ح 2.
3- المسالك 2:317،مجمع الفائدة و البرهان 11:554،المفاتيح 3:327،كشف اللثام 2:287.
4- النساء:11.
5- الكافي 7:4/92،التهذيب 9:1019/282،الإستبصار 4:527/141،الوسائل 26:121 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 11 ح 4.
6- الكافي 7:2/92،التهذيب 9:1015/281،الإستبصار 4:524/141،الوسائل 26:120 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 11 ح 1.

و في الموثق:«لا يحجب الاُمّ عن الثلث إلّا الأخوان،أو أربع أخوات لأبٍ و أُمّ،أو لأب» (1).

و الحصر فيه و في الأوّل إضافي،بدلالة الإجماع،و الصحيح الثاني و غيره ممّا دلّ على حجب الأخ و الأُختين،كالخبر المروي في الفقيه،و فيه:

«لا يحجبها إلّا أخوان أو أخ و أُختان،أو أربع أخوات لأب،أو لأبٍ و أُمّ، [أو (2)]أكثر من ذلك،و المملوك لا يحجب،و لا يرث» (3).

و في آخر مروي عن تفسير العياشي:«لا يحجب عن الثلث الأخ و الأُخت حتى يكونا أخوين،أو أخاً و أُختين» (4)الخبر.

و من هنا يظهر فساد ما قيل على الأصحاب من أنّ روايات الباب لا تدلّ على حجب ذكر و امرأتين،و أنّ الخبرين المتقدّمين المتضمّنين للحصر يدلان على خلافه (5).

و فيه أيضاً أنّه يمكن استفادة حجب الذكر و المرأتين من المنزلة المستفادة من الصحيحة الثانية،فإنّ فيها أنّ الأربع أخوات بمنزلة الأخوين، فالثنتان بمنزلة أخٍ واحد،فهما مع أخٍ واحد كالأخوين.

الثاني أن يكونوا لأبٍ و أُمّ أو للأب

الثاني:أن يكونوا لأبٍ و أُمّ،أو للأب فلا يحجب كلالة الأُمّ،

ص:315


1- الكافي 7:5/92،التهذيب 9:1017/281،الإستبصار 4:526/141،الوسائل 26:120 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 11 ح 3.
2- في النسخ:و،و ما أثبتناه من المصادر.
3- الفقيه 4:674/198،الوسائل 26:123 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 13 ح 1.
4- تفسير العياشي 1:52/226،الوسائل 26:122 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 11 ح 7.
5- قاله السبزواري في الكفاية:293.

بلا خلاف،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،المتقدّم إلى جملة منها الإشارة، و منها زيادة عليها الخبر المتقدّم روايته عن الفقيه،و فيه:«و لا يحجب الاُمّ عن الثلث الإخوة و الأخوات من الاُمّ ما بلغوا» .و في موقوف زرارة:«و أمّا الإخوة لأُمّ ليسوا لأبٍ فإنّهم لا يحجبون الاُمّ عن الثلث» (2).

و في ثالث في تفسير الكلالة الحاجبة:«أُولئك الإخوة من الأب،فإذا كان الإخوة من الاُمّ لم يحجبوا الاُمّ عن الثلث» (3).

و في القوي:رجل مات و ترك أبويه و إخوة لاُمّ،قال:«اللّه سبحانه أكرم من أن يزيدها في العيال،و ينقصها من الثلث» (4).

الثالث:مع وجود الأب فلا يحجبون مع موته

الثالث:ما أشار إليه بقوله: مع وجود الأب فلا يحجبون مع موته،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تقدّم و تأخّر،إلّا الصدوق (5)«مع تأمّل فيه،كما سيظهر.

قيل:لظاهر الآية فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [1]

ص:316


1- لاحظ المسالك 2:318،المفاتيح 3:327،كشف اللثام 2:288.
2- الكافي 7:1/92،التهذيب 9:1013/280،الوسائل 117/26 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 4.
3- الكافي 7:7/93،التهذيب 9:1014/280،الوسائل 26:117 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 2.
4- التهذيب 9:1026/284،الوسائل 26:118 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 5.
5- الفقيه 4:198.

فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [1] (1)لدلالته على أنّ حجبهم لها فيما إذا ورثه أبواه،فلا يثبت الحجب مع فقد الأب (2).

و فيه نظر؛ لعدم استفادة الاشتراط منها،بل غايتها الاختصاص بالحجب في حياة الأب،فلا يدل عليه.

نعم يصلح ما ذكر ردّاً على من يستدل بعمومها؛ لعدم الاشتراط.

و الأجود الاستدلال عليه بالنصوص،منها الصحيح:«إن مات رجل، و ترك امّه و إخوة و أخوات لأب و أُمّ،و إخوة و أخوات لأبٍ،و إخوة و أخوات لاُمّ،و ليس الأب حيّاً،فإنّهم لا يرثون،و لا يحجبونها؛ لأنّه لم يورث كلالة» (3).

و منها الخبر:«الاُمّ لا تنقص عن الثلث أبداً إلّا مع الولد،أو الإخوة إذا كان الأب حيّاً» (4)و نحوه غيره (5).

و قصور السند مجبور بعمل الأكثر،مع اعتباره في نفسه،و اعتضاد الحكم بما يستفاد من النصوص من أنّ علّة الحجب التوفير على الأب.

و قال الصدوق في الفقيه:لو خلّف زوجها و أُمّها و إخوة فللأُم السدس،و الباقي يردّ عليها.

ص:317


1- النساء:11.
2- قاله المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:553.
3- الكافي 7:1/91،التهذيب 9:1013/280،الإستبصار 4:545/145،الوسائل 26:123 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 12 ح 3.
4- التهذيب 9:1020/282،الوسائل 26:122 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 12 ح 1.
5- الكافي 7:4/92،التهذيب 9:1019/282،الإستبصار 4:527/141،الوسائل 26:121 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 11 ح 4.

و ظاهره الحجب هنا،و هو شاذّ،و دليله غير واضح إلّا ما استدل به من ظاهر عموم الآية،و قد عرفت جوابه.

نعم له خبران يقربان من الصحة،إلّا أنّهما متروكان بالإجماع؛ لاشتمالهما على إرث الإخوة مع الاُمّ،و حملا على التقية،أو إلزامهم بمعتقدهم،بمعنى:أنّ الأُمّ لو كانت ترى ذلك جاز للأخوات إلزاماً لها بمعتقدها،هذا.

و أرى النزاع هنا لفظيّاً،كما صرّح به في الدروس و المختلف (1)، قال:و لا منازعة هنا في الحاصل لها بالردّ و التسمية؛ لأنّ الباقي كلّه لها، و إنّما النزاع في التقدير،فعندنا لها الثلث؛ لقوله تعالى وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [1] (2)ثم قال:فإن اعترض بقوله تعالى فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [2] (3)أجبنا بأنّ شرط حجب الإخوة وجود الأب،و الأب هنا مفقود.

و يستفاد منه الاتفاق حتى من الصدوق على اعتبار هذا الشرط، و يعضده تصريح الصدوق بما علّل به الحجب في النصوص،فقال:و إنّما حجبوا الاُمّ عن الثلث؛ لأنّهم في عيال الأب،و عليه نفقتهم،فيحجبون، و لا يرثون (4).

و لعلّه لذا لم ينسبه كثير إلى المخالفة هنا،و يحتمل لقلّة الثمرة فيها؛ لما عرفت من أنّها لفظيّة لا فائدة لها إلّا نادرة فرضية.

ص:318


1- الدروس 2:256،المختلف:739.
2- النساء:11.
3- النساء:11.
4- الفقيه 4:197.
و الرابع:أن يكونوا غير كفرة و لا أرقّاء

و الرابع:أن يكونوا غير كفرة و لا أرقّاء إذا كانت الأُمّ مسلمة حرّة، إجماعاً،كما حكاه جماعة (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،منها زيادة على ما مرّ إليه الإشارة الصحيح:عن المملوك و المشرك،يحجبان إذا لم يرثا؟قال:«لا» (2).

و الموثقان:عن المملوك و المملوكة هل يحجبان إذا لم يرثا؟قال:

«لا» (3).

و في الخبر:«المسلم يحجب الكافر،و يرثه،و الكافر لا يحجب المسلم،و لا يرثه» (4).

و في آخر«الكفّار بمنزلة الموتى،لا يحجبون،و لا يرثون» (5).

و قصور سندهما كدلالة الجميع من حيث احتمالها كون المراد الحجب عن أصل الإرث خاصّة،لا عن الزائد عن كمال النصيب،فيكون المرادبالحجب فيها حجب حرمان لا حجب نقصان مجبور بعمل الأصحاب و فهمهم.

مع أنّ قصور الدلالة إنّما هو عن الصراحة،و إلّا فالظهور موجود؛

ص:319


1- منهم الشيخ في الخلاف 4:33،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:288،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:327.
2- التهذيب 9:1027/284،الوسائل 26:124 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 14 ح 1.
3- الفقيه 4:798/247،التهذيب 9:1021/282،الوسائل 26:124 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 14 ح 2،3.
4- الكافي 7:5/143،الفقيه 4:783/244،الوسائل 26:124 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 15 ح 1.
5- الفقيه 4:778/243،الوسائل 26:125 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 15 ح 2.

للإطلاق و العموم،و هو كافٍ،سيّما مع عدم عموم في الإخوة الحاجبة في الآية،و إنّما هي مطلقة غير معلومة الشمول لمثل الإخوة في المسألة،هذا.

مع أنّ عطف عدم الحجب على عدم الإرث في جملة منها ربما يدل على أنّ المراد بالحجب حجب نقصان لا حجب حرمان،و إلّا فعدم الإرث يستلزم عدمه بالمعنى الثاني،فلا فائدة في العطف إلّا التأكيد،و التأسيس أرجح منه.

و من هنا ربما يظهر أنّ المراد بالحجب حيث يطلق في الأخبار الحجب بالمعنى الأوّل لا الثاني،فتدبّر،و بمجموع ما ذكرنا لا يبقى إشكال أصلاً،و الحمد للّه.

و في حجب الإخوة القتلة لأخيهم المورث امّه عن كمال النصيب قولان:أشبههما و أشهرهما عدم الحجب للإجماع المحكي في الخلاف عن الطائفة،بل قال:من الأُمّة،و ابن مسعود خالف فيه،و قد انقرض خلافه (1).هذا.

مضافاً إلى الاعتضاد بما قدّمناه في عدم حجب الولد من المؤيّدات، بل الأدلّة،قيل:لمشاركة القاتل مع الكافر و المملوك في العلّة الموجبة للحكم (2).

خلافاً للصدوق و العماني (3)،فيحجبون،و نفى عنه البأس في المختلف (4)؛ لعموم الآية،و صدق الإخوة على القاتل،و منع التعدّي،فإنّ

ص:320


1- الخلاف 4:33.
2- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:318.
3- الفقيه 4:234،و حكاه عن العماني في المختلف:743.
4- المختلف:743.

العلّة ليست منصوصة بل مستنبطة،فيكون الإلحاق بها قياساً لا يقول به الأصحاب،و منع الإجماع لمخالفة القديمين.

و في الجميع نظر يظهر وجهه بعد تتميم الإجماع بمنع منعه بمخالفتهما؛ لشذوذهما،مع معلومية نسبهما،فلا يقدح خروجهما في انعقاد الإجماع إجماعاً منّا،بل و أكثر من خالفنا أيضاً؛ نظراً إلى حصول اتفاق الكلّ بعد عصرهما،بل و قبلهما،فتأمّل جدّاً.

و به يخصّص العموم على تقديره،مع إمكان القدح فيه بعدم عموم في الإخوة و إنّما هو جمع منكر في سياق الإثبات لا يفيده لغة،على الأشهر الأقوى،فهو مطلق،و في شموله لمثل الإخوة القتلة مناقشة،أو شك و ريبة،فيبقى عموم ما دل على ثبوت الثلث للاُمّ من الكتاب و السنّة سليماً عمّا يصلح للمعارضة.

و أمّا العلّة المستنبطة فهي و إن لم تكن حجة إلّا أنّها مؤيّدة،سيّما بعد اجتماعها مع المؤيّدات المتقدّمة في عدم حجب الولد،بل لا يبعد جعل مجموعها حجة،سيّما بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة المحققة و المحكية في كلام جماعة حدّ الاستفاضة،و منهم الفاضل في المختلف،و جَعَلَها على المختار حجة،فقال في الاستدلال:لنا أنّه المشهور بين علمائنا، فيتعيّن العمل به (1).و هو ظاهر في بلوغها حدّ الإجماع،و إلّا لما استدل بها؛ إذ ليس من طريقته جعل الشهرة حجة في مقام أصلاً،و لو لا نفيه البأس عن القول الثاني أخيراً لكان استدلاله المزبور بالشهرة في انعقاد الإجماع ظاهراً،بل صريحاً.

ص:321


1- المختلف:743.
و الخامس أن يكونوا منفصلين بالولادة

و الخامس أن يكونوا منفصلين بالولادة،ف لا يكفي كونهم حملاً بلا خلاف ظاهر،إلّا من الماتن في الشرائع (1)،فتردّد فيه أوّلاً:

من العموم،و أصالة عدم اشتراط الانفصال.

و من الخبر:«إنّ الطفل و الوليد لا يحجب،و لا يرث،إلّا ما آذن بالصراخ،و لا شيء أكنّه البطن و إن تحرّك،إلّا ما اختلف عليه الليل و النهار» (2)و انتفاء العلّة المنصوصة لحجبهم،و هي إنفاق الأب عليهم.

و لكن جَعَل هذا أظهر ثانياً،و هو كذلك و إن كان في الدليل الأخير نظر لانجبار ضعف الخبر بالعمل،و منع العموم؛ لفقد اللفظ الدالّ عليه، و إنّما غايته الإطلاق،و في شموله لمثل الحمل شكّ و نظر،سيّما بعد ملاحظة منعه عن الإرث و إن عزل له نصيب حتى يظهر.

و ليس في اعتبار الإيذان بالصراخ في الخبر اشتراط له فيخالف الإجماع من هذا الوجه فلا يمكن الاستدلال به؛ لوروده مورد الغالب في تولّد الحمل و مجيئه،فلا عبرة بمفهومه،كما هو الحال في نظائره،فيكون المراد منه الكناية عن اعتبار حياته دون صراخه الحقيقي.

و من هنا اشترط الشهيدان في الدروس و الروضة (3)سادساً،و هو كونهم عند موت المورّث أحياء،و إلّا فلو كان بعضهم ميّتاً أو كلّهم عنده لم يحجب،و كذا لو اقترن موتهما،أو اشتبه المتقدّم منهما و المتأخّر.

و توقّف في الدروس لو كانوا غرقى،من حيث إنّ فرض موت كلّ

ص:322


1- الشرائع 4:19.
2- الفقيه 4:674/198،التهذيب 9:1022/282،الوسائل 26:123 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 13 ح 1.
3- الدروس 2:357،الروضة 8:63.

واحد منهما يستدعي كون الآخر حيّاً،فيتحقق الحجب،و من عدم القطع بوجوده و الإرث حكم شرعي،فلا يلزم منه اطّراد الحكم بالحياة،قال:و لم أجد في هذا كلاماً لمن سَبَق.

و قوّى في الروضة عدم الحجب؛ للشك،و الوقوف فيما خالف الأصل على مورده.

أقول:و منه يظهر الوجه في اشتراط أصل هذا الشرط،و مرجعه إلى عموم ما دل على فرض النصيب الأكمل،و منع عموم الإخوة؛ للشك في شموله للميّت منهم.و هو حسن،كما مرّ،بل جريان منع العموم هنا أظهر؛ لتبادر الأحياء من الإخوة دون الأموات.

و منه يظهر الوجه في اشتراط الثاني منهما في الروضة (1)سابعاً،و هو المغايرة بين الحاجب و المحجوب،فلو كانت الأُمّ أُختاً لأب فلا حجب، كما يتفق في المجوس،أو الشبهة بوطء الرجل ابنته،فولدها أخوها لأبيها.

و فيما صرّح به الشهيدان في الكتابين (2)من عدم حجب الإخوة للأب المنفيّين عنه بالملاعنة؛ مضافاً إلى ما دل على اشتراط كونهم للأب،فإنّ المتبادر منه كونهم له شرعاً،و هو منتفٍ عنهم،و إن كانوا له في نفس الأمر، و لذا لا توارث بينه و بينهم،كما يأتي.

و منه أيضاً يظهر عدم حجب الأولاد للاُمّ و الزوجين عن كمال النصيب إذا كانوا كذلك.

و اعلم أنّ أولاد الإخوة لا يحجبون هنا،و إن حجبوا من كان أبعد

ص:323


1- الروضة 8:64.
2- الدروس 2:357،الروضة 8:62.

عنهم بمرتبة،كما صرّح به جماعة (1)من غير خلاف بينهم أجده؛ أخذاً بعموم ما دل على كمال النصيب،و اختصاص ما دل على الحجب عنه بالإخوة بهم دون أولادهم؛ لعدم صدق الإخوة عليهم حقيقة،و إلحاقهم بهم في حجب الحرمان،و بالأولاد فيه و في حجب النقصان قياس فاسد في الشريعة.

المرتبة الثانية الإخوة مطلقاً،و يعبّر عنهم بالكلالة و الأجداد
اشارة

المرتبة الثانية الإخوة مطلقاً،و يعبّر عنهم بالكلالة و الأجداد كذلك.

اعلم أنّه إذا لم يكن للميت أحد الأبوين،و لا ولد و إن نزلوا أو كانوا ممنوعين عن إرثه فالميراث للإخوة له،و أولادهم و إن نزلوا، بشرط الأقرب فالأقرب و الأجداد و إن علوا مرتّبين مطلقاً،انفردوا أو اجتمعوا،لأبٍ و أُمٍّ كانوا أم لاُمٍّ،أم لأب،على تفصيل يأتي ذكره إن شاء اللّه تعالى.

فالأخ الواحد للأب و الأُمّ يرث المال و يحوز كلّه بالقرابة و كذا الإخوة المتعدّدون لهما.

و الأُخت كذلك،إلّا أنّها إنّما ترث النصف بالتسمية،و الباقي بالردّ عليها،دون العصبة بالقرابة،بخلاف الإخوة،فإنّهم يحوزون الجميع بها خاصّة.

و للأُختين فصاعداً لهما الثلثان بالتسمية،و الباقي بالردّ

ص:324


1- منهم المحقق في الشرائع 4:19،و الشهيد الثاني في المسالك 2:318،و السبزواري في الكفاية:293.

و لو اجتمع الإخوة و الأخوات لهما كان المال بينهم،للذّكر سهمان، و للأُنثى سهم و للواحد من ولد الاُمّ السدس بالتسمية،مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى و الباقي بالقرابة.

و للاثنين فصاعداً من ولدها الثلث بالتسمية،و الباقي بالقرابة، يقتسمونه بينهم بالسوية مطلقاً ذكراناً كانوا أو إناثاً أو ذكراناً و إناثاً.

و لا يرث مع الإخوة و الأخوات للأب و الأُمّ،و لا مع أحدهم أحد من ولد الأب خاصّة،لا من الفريضة و لا من القرابة مطلقاً،اجتمعوا مع كلالة الأُمّ أيضاً أم لا،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في كلام جماعة (1)،و منهم الفضل بن شاذان من قدماء الطائفة (2)،و هو الحجة المخصّصة لعمومات الإرث بالقرابة و الفريضة من الكتاب و السنّة.

مضافاً إلى المعتبرة،منها النبوي و المرتضوي:«أنّ أعيان بني الأُمّ أحق بالميراث من ولد العلات» (3).

و الأعيان:الإخوة لأبٍ واحد و أُمٍّ واحدة،مأخوذة من عين الشيء، و هو النفيس منه،و بنو العلات:هم لأبٍ واحد و أُمّهات شتّى؛ لأنّ الذي

ص:325


1- كالمفيد في المقنعة:689،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):607،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:390،و الهندي في كشف اللثام 2:292.
2- حكاه عنه في الكافي 7:105.
3- الأوّل في:الفقيه 4:675/199،الوسائل 26:183 أبواب ميراث الأخوة و الأجداد ب 13 ح 4. و الثاني في:التهذيب 9:1172/326،الإستبصار 4:644/170،الوسائل 26:183 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 13 ح 3.

تزوّجها بعد اولى قد كان ناهلاً؛ لأنّ النهل شرب الإبل الماء أوّلاً ثم يترك حتى يسري في عروقه و يشرب مرّة أُخرى،و هذا الشرب علل بعد نهل، فكأنّ من تزوّج بأُمّهم بعد اخرى نهل بالأُولى ثم علّ بالثانية.

و الخبر:«أخوك لأبيك و أمّك أولى بك من أخيك لأبيك،و ابن أخيك لأبيك و أُمّك أولى بك من ابن أخيك لأبيك» (1).

و إرسال الأوّل كقصور سند الثاني بالعمل مجبور،فلا إشكال فيه.

لكن يقومون أي إخوة الأب مقامهم أي مقام إخوة الأب و الأُمّ عند عدمهم أو منعهم عن الإرث و يكون حكمهم في الانفراد و الاجتماع بعضهم مع بعض،أو مع كلالة الأُمّ ذلك الحكم الذي ذكر في الإخوة لهما،إجماعاً؛ للعمومات،و النصوص المستفيضة.

فلو انفرد الأخ أو الأُخت للأب حاز المال كلّه،لكن الأوّل جميعه بالقرابة،و الثانية النصف بها و الباقي بالتسمية.

و كذا الإخوة و الأخوات المتعدّدون،لكن فريضتهنّ الثلثان،و الباقي بالقرابة،و يقتسمونه بالسوية مع التساوي في الذكورية و الأُنوثية،و بالتفاوت مع الاختلاف فيهما للذّكر مثل حظّ الأُنثيين.

هذا حكم انفرادهم عن باقي الكلالات للأبوين أو للأُمّ.

و أمّا حكم اجتماعهم معها فهو أنّه لو اجتمع الكلالات الثلاث كان لولد الأُمّ خاصّة السدس إن كان واحداً،و الثلث إن كانوا أكثر، و الباقي لولد الأب و الأُمّ معاً مطلقاً،ذكراً كان أو أُنثى،واحداً أو متعدّداً و يسقط معهم أولاد الأب خاصّة،كما مرّ.

ص:326


1- الكافي 7:1/76،التهذيب 9:974/268،الوسائل 26:182 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 13 ح 1.

فإن أبقت الفريضة و زادت التركة عن السهام،بأن كان كلالة الأبوين أُختاً خاصّةً مطلقاً،أو أُختين كذلك مع واحد من كلالة الأُمّ فالردّ على كلالة الأب و الأُم خاصّة،على الأشهر الأظهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في السرائر بل في كلام جماعة كما في المسالك،بل في كلام أكثر علمائنا كما في المختلف الإجماع عليه (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،منها زيادة على ما يأتي من فحوى المعتبرة،و صريح بعضها الصحيح:ما تقول في امرأة ماتت،و تركت زوجها،و إخوتها لاُمّها،و إخوة و أخوات لأبيها؟قال:«للزوج النصف ثلاثة أسهم،و لإخوتها لاُمّها الثلث سهمان،الذكر و الأُنثى فيه سواء،و بقي سهم، فهو للإخوة و الأخوات من الأب،للذّكر مثل حظّ الأُنثيين؛ لأنّ السهام لا تعول،و أنّ الزوج لا ينقص من النصف،و لا الإخوة من الاُمّ من ثلثهم؛ لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ [1] (2)و إن كان واحداً فله السدس،و إنّما عنى اللّه تعالى في قوله وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [2] (3)إنّما عنى اللّه تعالى بذلك الإخوة و الأخوات من الأُمّ خاصّة و قال في آخر سورة النساء يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ [3] يعني بذلك:أُختاً لأب و أُمٍّ،أو أُختاً لأب فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ [4] - وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [5] (4)فهم الذين يزادون و ينقصون» قال:«و لو أنّ امرأة

ص:327


1- السرائر 3:260،المسالك 2:327،المختلف:738.
2- النساء:12.
3- النساء:12.
4- النساء:176.

تركت زوجها،و أُختيها (1)لاُمّها،و أُختيها لأبيها،كان للزوج النصف:ثلاثة أسهم،و لأُختيها لاُمّها (2)الثلث،و لأُختيها لأبيها السدس:سهم،و إن كانت واحدة فهو لها؛ لأنّ الأُختين من الأب لا يزادون على ما بقي،و لو كان له أخ لم يزد على ما بقي» (3)و نحوه بعينه إلّا في يسير الحسن (4).

و إنّما ذكرناه بطوله لتكفّله لبيان كثير ممّا سبق من الأحكام،و تفسيره الكلالتين في الآيتين بما فسّرهما به المفسّرون،و بيانه حكم ما إذا عالت الفريضة بمزاحمة الزوج أو الزوجة من ردّ النقص على الأخوات من الأب خاصّة،و قد تركه الماتن هنا اتّكالاً على ما قدّمه من بطلان العول و العصبة.

و وجه دلالته على الحكم في المسألة الحصر المستفاد من قوله(عليه السّلام):

«فهم الذين يزادون و ينقصون» .و قريب منهما فيه بعض المعتبرة،كالموثقة بالحسن بن علي،عن عبد اللّه بن المغيرة المجمع على تصحيح ما يصح عنه،و فيه:قلت لزرارة:

إنّ بكيراً حدثني عن أبي جعفر(عليه السّلام)أنّ الأُخت للأب و الأخوات للأب و الأُمّ يزادون و ينقصون؛ لأنّهنّ إلى أن قال فقال زرارة:و هذا قائم عند أصحابنا،لا يختلفون فيه (5).و ظاهره إجماع قدماء الرواة و الأصحاب على

ص:328


1- في المصادر:و إخوتها.
2- في المصادر:و للإخوة من الاُمّ.
3- الكافي 7:3/101،التهذيب 9:1045/290،الوسائل 26:154 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 3 ح 2.
4- الكافي 7:5/103،الوسائل 26:157 أبواب ميراث الأخوة و الأجداد ب 3 ذيل الحديث 3.
5- الكافي 7:7/104،التهذيب 9:1148/319،الوسائل 26:152 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 2 ح 2.

ذلك.

و هذا الخبر و إن لم يتضمّن الحصر،إلّا أنّ السياق قريب منه في الدلالة.

مضافاً إلى أنّ بكيراً الراوي لهذا هو الذي روى الحسن المتقدّم، و الظاهر اتحادهما.

فقول الفضل بن شاذان و العماني بالردّ عليهم جميعاً على قدر أنصبائهم (1)ضعيف،سيّما مع شذوذه كما في المسالك (2)،و عدم وضوح مستنده عدا ما يتخيّل من التساوي في القرب،و عدم أولويّة بعض على بعض،و هو بعد تسليمه اجتهاد في مقابلة النص،فلا يعتبر.

و لو أبقت الفريضة مع ولد الاُمّ و ولد الأب بعد اجتماعهما ففي الردّ على قرابة الأب خاصّة،أو عليهما قولان مشهوران أحدهما قول الصدوق و الشيخين و أتباعهما و أكثر المتأخّرين كما في المسالك و غيره (3):إنّه يردّ على كلالة الأب خاصّة؛ للموثق:في ابن أُختٍ لأب و ابن أُختٍ لأُمّ،قال:«لابن الأُخت للأُمّ السدس،و لابن الأُخت للأب الباقي» (4)و هو يستلزم كون الاُمّ كذلك؛ لأنّ الولد إنّما يرث بواسطتها.

ص:329


1- حكاه عنهما في المختلف:728،و الدروس 2:368.
2- المسالك 2:327.
3- الصدوق في المقنع:172،المفيد في المقنعة:691،الطوسي في النهاية:638،و تبعهما ابن البراج في المهذّب 2:138،و أبو الصلاح في الكافي:372،و ابن حمزة في الوسيلة:389،و نجيب الدين في الجامع للشرائع:513،المسالك 2:327،الكفاية:298.
4- التهذيب 9:1157/322،الإستبصار 4:637/168،الوسائل 26:162 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 5 ح 11.

و لأنّ النقص يدخل عليهم بمزاحمة الزوج أو الزوجة،دون كلالة الأُمّ، إجماعاً،و من كان عليه الغُرم فله الغُنم،و ذلك: مثل أُخت لأب مع واحد أو اثنين فصاعداً من ولد الأُمّ،أو أُختين للأب مع واحد من ولد الاُمّ فيحوز كلالة الأُمّ السدس،أو الثلث،على تقدير التعدّد فرضاً،و الباقي مطلقاً للأُخت و الأُختين فرضاً و ردّاً.

و القول الآخر :إنّه يردّ على الفريقين بنسبة مستحقهما أرباعاً في الفرض الأوّل،و أخماساً في الأخيرين.

و هو أشبه عند الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في أحد قوليه (1)،وفاقاً للإسكافي و الحلي و المبسوط (2)؛ لتساويهما في المرتبة، و فقد المخصّص؛ استضعافاً للرواية،فإنّ في طريقها علي بن فضال،و هو فطحي،و منع اقتضاء دخول النقص الاختصاص بالردّ؛ لتخلّفه في البنت و الأبوين.

و هو حسن لولا ورود النص المعتبر بالاختصاص،و ضعف السند ممنوع؛ لوثاقة عليّ بتصريح العدول من أرباب الرجال بها (3)،و مع ذلك معتضدة بالشهرة (4)المحقّقة و المحكية،بل ظاهر الكليني في باب بيان الفرائض دعوى الإجماع،فإنّه قال:و الإخوة و الأخوات من الاُمّ لا يزادون على الثلث،و لا ينقصون من السدس،و الذكر و الأُنثى فيه سواء،و هذا كلّه

ص:330


1- الشرائع 4:28،التحرير 2:164.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:738،الحلي في السرائر 3:260،المبسوط 4:73.
3- رجال الكشي 2:812،رجال النجاشي:676/257،الفهرست:381/92.
4- في«ر» زيادة:العظيمة.

مجمع عليه (1).

و هو كما ترى عامّ يشمل محلّ النزاع،هذا.

مضافاً إلى مفهوم الحصر و ما يقرب منه في النصوص الصحيحة المتقدّمة،التي هي العمدة في ثبوت الحكم المشهور في المسألة السابقة.

مع تأيّد الجميع بما في بعض المعتبرة من قوله(عليه السّلام):«و أخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأُمّك» (2)بناءً على ما ذكره بعض المحدثين في توجيهه نظراً إلى مخالفة ظاهره الإجماع من أنّ وجهه أنّ له ما بقي إن كان ذكراً و يردّ عليه خاصّة إن كان أُنثى (3).فتأمّل جدّاً .و أصرح من الجميع المرسلة المروية في مجمع البيان،فإنّ فيها:

«و يصح اجتماع الكلالتين معاً؛ لتساوي قرابتهما،و إذا فضلت التركة يردّ الفاضل على كلالة الأب و الأُمّ،أو الأب دون كلالة الأُمّ» (4)فإذاً القول الأوّل أقوى.

و للجدّ المال كلّه إذا انفرد مطلقاً لأبٍ كان أو لاُمٍّ،و كذا الجدّة المنفردة،ترثه مطلقاً.

و لو اجتمع جدّ و جدّة،فإن كانا معاً لأبٍ فلهما المال كلّه، يقتسمونه بينهم للذّكر مثل حظّ الأُنثيين،و إن كانا معاً لاُمٍّ فالمال لهم يقتسمونه بينهم بالسوية بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و به صرّح جماعة (5)،و هو الحجة.

ص:331


1- الكافي 7:74.
2- الكافي 7:1/76،الوسائل 26:171 أبواب ميراث الأخوة و الأجداد ب 7 ح 4.
3- الوسائل 26:/171 ذيل الحديث 4.
4- مجمع البيان 2:18.
5- منهم السبزواري في الكفاية:298،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 11:395.

مضافاً إلى عموم أدلّة الإرث بالقرابة من الكتاب و السنّة،التي هي المستند أيضاً في إرث الأخوات و الإخوة،بل جميع أهل هذه المراتب و المرتبة المتقدّمة و المتأخّرة،كما عرفته غير مرّة.

لكن لا يستفاد منها كيفية القسمة في المتقربين بالأب بالتفاوت و المتقربين بالأُمّ بالسوية،و هي ثابتة في الإخوة بالكتاب و الإجماع و السنّة، و لم أقف على نص معتبر سنداً يدل عليها هنا،و لا إشكال فيها في المتقرّبين بالأُم؛ لموافقتها الأصل في الشركة الثابتة بالأدلّة،و هو التسوية، كما مرّ نظيره في مواضع عديدة.

و يشكل فيها في الطرف الآخر،سيّما مع مخالفتها الأصل المزبور، لكنّه يرتفع بعدم الخلاف فيها هنا أيضاً،مع وقوع التصريح بها في الرضوي:«فإن ترك جدّين من قبل الاُمّ و جدّين من قبل الأب،فللجدّ و الجدّة من قبل الاُمّ الثلث بينهما بالسوية،و ما بقي فللجدّ و الجدّة من قبل الأب،للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» (1).

و قريب منه المرسلة المروية في مجمع البيان،و فيها:«فالجدّ أب الأب مع الأخ الذي هو ولده في درجة،و كذلك الجدّة مع الأُخت،فهم يتقاسمون المال للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» إلى أن قال:«و متى اجتمع قرابة الأب مع قرابة الأُمّ مع استوائهم في الدرج كان لقرابة الأُمّ الثلث بينهم بالسوية،و الباقي لقرابة الأب للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» (2).

مضافاً إلى عموم المعتبرة الواردة في علّة تفضيل الذكران على النسوة

ص:332


1- فقه الرضا(عليه السّلام):290،المستدرك 17:183 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 8 ح 2.
2- مجمع البيان 2:18،الوسائل 26:65 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 5.

بأنّ ذلك لأنّهنّ ليس عليهنّ جهاد و لا نفقة و لا معقلة (1)،و إنّما ذلك على الرجال،و لذلك جعل للمرأة سهماً واحداً و للرجل سهمين،كما في الصحيح (2)و غيره (3)،و في ثالث:«لأنّ اللّه تبارك و تعالى فضّل الرجال على النساء بدرجة و لأنّ النساء يرجعن عيالاً على الرجال» (4).

و هي كما ترى عامة من حيث التعليل أوّلاً،و من جهة الإطلاق بل العموم ثانياً،و لا وجه لتقييده أو تخصيصه ببيان علّة تفضيل الأولاد و الكلالة الذين تضمّنتهم الآية الكريمة بعد عموم العلّة و اللفظ،و لا يرد ذلك في المتقربين بالأُمّ مطلقاً بعد وضوح قيام دليل على التخصيص من الإجماع و الكتاب و السنّة فيهم دون غيرهم،هذا.

مضافاً إلى المؤيّدات الأُخر التي تظهر بالتأمّل فيما يأتي من الأدلّة على تنزيل الأجداد من كلّ جهة منزلة الإخوة من تلك الجهة،و لو لا ما نورد عليها من المناقشة في التمسّك بها لإثبات حكم في نحو المسألة لكانت حجة مستقلة.

و بالجملة لا شبهة في المسألة و إن أطلق عنان المناقشة فيها بعض الأجلّة،لكنّه بعد ما عرفت لا وجه له،و الحمد للّه سبحانه.

و إذا اجتمع الأجداد المختلفون قرابة،بأن كان بعضهم لأبٍ

ص:333


1- المَعْقُلَة:الدية.النهاية لابن الأثير 3:279.
2- الكافي 7:3/85،التهذيب 9:993/275،المحاسن:89/329،الوسائل 26:93 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 2 ح 1.
3- الكافي 7:2/85،التهذيب 9:992/274،الوسائل 26:94 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 2 ح 3.
4- الكافي 7:1/84،التهذيب 9:991/274،الوسائل 26:94 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 2 ح 2.

و بعضهم لاُمّ فلمن يتقرب بالأُمّ الثلث،على الأصح مطلقاً واحداً كان أو أكثر،و لمن يتقرب بالأب الثلثان كذلك و لو كان المتقرب به واحداً وفاقاً لوالد الصدوق و النهاية و القاضي و الحلي و ابن حمزة (1)، و عليه المتأخّرون كافّة كما في المسالك (2)،مدّعياً اتفاقهم عليه،و به يشعر عبارة الروضة (3)،حيث نسب فيها الأقوال الآتية إلى الندرة،و هو الحجة.

مضافاً إلى عموم الأدلّة الدالة على أنّ لكلّ قريب نصيب من يتقرب به إلى الميت و سهمه،و لا ريب أنّ الأُمّ سهمها الثلث،فليكن ذلك لقريبها الجدّ و لو انفرد.

و القول بأنّه كما أنّ الثلث نصيبها كذلك السدس نصيبها فترجيح الأوّل على الثاني في إعطائه القريب دونه يحتاج إلى مرجّح.

فاسد؛ لمنع كون السدس فريضتها الأصلي،بل هي الثلث،و إنّما السدس فريضتها بالحاجب،مشروطة به،و هو في المقام مفقود،فيتبعه عدمه،و يلزم منه ثبوت النصيب الأصلي الذي هو الثلث.

و من هنا يظهر فساد التأمّل في هذه الحجة،كما اتفق لصاحب الكفاية (4)،و إن لم يبيّن وجهه.

و خصوص الموثق:«إذا لم يترك الميت إلّا جدّه أبا أبيه و جدّته أُمّ امّه،فإنّ للجدّة الثلث،و للجدّ الباقي،و إذا ترك جدّه من قبل أبيه،و جدّ أبيه،و جدّته من قبل امّه،و جدّة امّه،كان للجدّة من قبل الاُمّ الثلث،

ص:334


1- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:733،النهاية:649،القاضي في المهذّب 2:142،الحلي في السرائر 3:260،ابن حمزة في الوسيلة:392.
2- المسالك 2:327.
3- الروضة 8:127.
4- الكفاية:298.

و سقطت جدّة الأُمّ،و الباقي للجدّ من قبل الأب،و سقط جدّ الأب» (1).

و نحوه الرضوي:«فإن ترك جدّاً من قبل الاُمّ،و جدّاً من قبل الأب، فللجدّ من قبل الاُمّ الثلث،و للجدّ من قبل الأب الثلثان» (2).

و في المسألة أقوال أُخر:

منها:قول الصدوق:للجدّ من الاُمّ مع الجدّ للأب أو الأخ للأب السدس،و الباقي للجدّ للأب أو الأخ (3).

و منها:قول الفضل بن شاذان:إنّه لو ترك جدّته أُمّ امّه و أُخته للأبوين،فللجدّة السدس (4).

و منها:قوله و قول العماني:إنّه لو ترك جدّته أُمّ امّه و جدّته أُمّ أبيه، فلأُمّ الاُمّ السدس،و لأُمّ الأب النصف،و الباقي يردّ عليهما بالنسبة (5).

و منها:قول التقي و ابن زهرة و الكيدري:إنّ للجدّ أو الجدّة للأُمّ السدس،و لهما الثلث بالسوية (6).

و مستندهم غير واضح و لا متوهّم،غير ما في النكت من أنّ لهم رواية محمّد بن حمران،عن زرارة،قال:أراني أبو عبد اللّه(عليه السّلام)صحيفة الفرائض،فإذاً فيها:«لا ينقص الجدّ من السدس شيئاً» و رأيت سهم الجدّ

ص:335


1- التهذيب 9:1124/313،الإستبصار 4:625/165،الوسائل 26:176 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 9 ح 2.
2- فقه الرضا(عليه السّلام):290،المستدرك 17:183 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 8 ح 2.
3- حكاه عنه في المختلف:733.
4- حكا عنه في الدروس 2:370.
5- حكاه عنه في المختلف:733.
6- الكافي في الفقه:372،الغنية(الجوامع الفقهية):607،و نقله عن الكيدري في المختلف:733.

فيها مثبتاً (1).قال في وجه الاستدلال بها:و هو غير محمول على الجدّ للأب؛ لأنّ النص أنّه إذا كان مع إخوة كان كأحدهم (2).انتهى.

و هو ضعيف جدّاً،أوّلاً:بضعف السند باشتراك الراوي،و ثانياً:بما ذكره في الجواب عنها من أنّ حديثنا أي الموثق المتقدّم صريح،مع اعتضاده بما تقدّم،أي من العمومات و عمل الأصحاب،و أنّ الشيخ حملها على التقية (3)،فإنّه يشمل الجدّ مطلقاً،و هو غير مذهبنا.

أقول:و يحتمل حملها أيضاً على الطعمة على بعض الوجوه.

و ربما انتصر لهم بعض أفاضل المعاصرين و غيره بما سيأتي من الأخبار المنزّلة للأجداد منزلة الإخوة،و مقتضاه ما ذكروه؛ لأنّ الواحد من كلالة الأُمّ نصيبه السدس،فليكن أيضاً نصيب الجدّ المنزّل منزلته؛ عملاً بعموم المنزلة.

و فيه أوّلاً:أنّه لا دلالة فيها على أزيد من تنزيل الجدّ للأب منزلة الإخوة و الأخوات له،و هو لا يستلزم تنزيل الجدّ للأُمّ منزلة كلالتها، و لا يتم الاستدلال على هذا التقدير قطعاً.

و ثانياً:أنّه على تقدير تسليم ذلك غايتها إثبات المنزلة لهم إذا كانوا مع الكلالة،لا مطلقا،و نبّه على هذا الصدوق في الفقيه،فقال في جملة كلام له في الردّ على الفضل فيما قال به من أنّ الجدّ بمنزلة الأخ أبداً،يرث حيث يرث،و يسقط حيث يسقط ما لفظه:فكيف يكون الجدّ بمنزلة الأخ

ص:336


1- التهذيب 9:1095/306،الإستبصار 4:597/158،الوسائل 26:170 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد 6 ح 21.
2- غاية المراد 3:564.
3- التهذيب 9:306.

أبداً؟و كيف يرث حيث يرث،و يسقط حيث يسقط؟بل الجدّ مع الإخوة بمنزلة واحد منهم،فأمّا أن يكون أبداً بمنزلتهم يرث حيث يرث و يسقط حيث يسقط الأخ فلا (1)،إلى آخر ما ذكره و أطال في ردّه و تضعيف مستنده.

و من هنا يظهر وجه ثالث لفساد الاستدلال بها لجميع تلك الأقوال، فإنّ منها قول الصدوق،و هو كما ترى يأبى مناط الاستدلال و ينكره غاية الإنكار.

و يشهد له في إنكاره مضافاً إلى الأصل،مع اختصاص أكثر تلك النصوص المثبتة للمنزلة مع الإخوة خاصّة،كما مرّ إليه الإشارة تقييد جملة منها لها بما إذا اجتمع الجدّ مع الكلالة،كالصحيحين:«إنّ الجدّ مع الإخوة من الأب يصير مثل واحد من الإخوة ما بلغوا» (2).

و نحوهما المرسل المروي عن العماني:أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أملى على أمير المؤمنين(عليه السّلام)في صحيفة الفرائض:«أنّ الجدّ مع الإخوة،يرث حيث ترث الإخوة،و يسقط حيث تسقط،و كذلك الجدّة أُخت مع الأخوات،ترث حيث يرثن،و تسقط حيث يسقطن» (3).

و لو لا اختصاص المنزلة بصورة الاجتماع مع الكلالة لما كان للتقييد بقوله:«مع الإخوة» فائدة،بل كان ينبغي أن يقال:إنّ الجدّ مثل واحد من

ص:337


1- الفقيه 4:/208 ذيل الحديث 705.
2- الأوّل في:الفقيه 4:693/206،الوسائل 26:164 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 6 ح 4. و الثاني في:الكافي 7:2/109،التهذيب 9:1081/303،الإستبصار 4:583/155،الوسائل 26:165 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 6 ح 9.
3- الوسائل 26:170 أبواب ميراث الأخوة و الأجداد ب 6 ح 22.

الإخوة،ترث حيث يرث الإخوة،و يسقط حيث تسقط،فتأمّل جدّاً . و لو اجتمع معهم أي مع الأجداد زوج أو زوجة أخذ كل منهما النصيب الأعلى له من النصف أو الربع و لمن يتقرب منهم بالأُمّ ثلث الأصل لأنّه نصيبها المفروض لها،فيأخذه المتقرّبون بها و الباقي لمن يتقرب بالأب منهم.

و الجدّ الأدنى يمنع الجدّ الأعلى بلا خلاف و لا إشكال فيه، و لا فيما مضى؛ للقواعد المقررة.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة،منها:عن زوج و جدّ،قال:«يجعل المال بينهما نصفين» (1)و مضى في الموثق السابق ما يدل على منع الأدنى الأعلى (2).

و إذا اجتمع معهم الإخوة فالجدّ و الجدّة للأب كالأخ و الأُخت له،و الجدّ و الجدّة للأمّ ك الأخ و الأخت لها،على المعروف من مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم،بل ادّعى جماعة منهم الإجماع عليه،كالكليني في الكافي و الشيخ في الاستبصار و الفاضل المقداد في كنز العرفان (3)،و نسبه الشهيدان إلى الأصحاب (4)معربين عن دعوى الإجماع عليه،لكن عبارة الأوّلين مختصّة بدعواه على قيام الجدّ منزلة الأخ من الأب،و عبارة الثالث كما بعده و إن كانت ناصّة بالعموم،إلّا أنّها غير صريحة في دعوى الإجماع،فإنّه قال:الأجداد عندنا في مرتبة الإخوة،فإذا

ص:338


1- التهذيب 9:1129/315،الوسائل 26:180 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 11 ح 2.
2- راجع ص:331.
3- الكافي 7:115،الاستبصار 4:158،كنز العرفان 2:334.
4- غاية المراد 3:565،المسالك 2:327.

اجتمعوا معهم كان الجدّ للأب كالأخ له،و الجدّة له كالأُخت له،و الجدّ للأُمّ كالأخ منها،و كذا الجدّة،انتهى.

و لكنّها فيها ظاهرة غاية الظهور،سيّما مع كون ما ذكره المعروف من مذهبهم و المشهور،فهي الحجة المثبتة لهذا التفصيل المزبور.

مضافاً إلى إطلاق المرسلة المتقدّمة؛ إذ ليس فيها التقييد للإخوة بكونهم من الأبوين أو الأب خاصّة،كما في إجماعي الكليني و الشيخ، و أكثر النصوص المستفيضة بل المتواترة الواردة في المسألة.

مع أنّ جملة منها أيضاً مطلقة،كالصحيح:في رجل مات،و ترك ستّة إخوة و جدّاً،قال:«هو كأحدهم» (1).

و الموثق:في ستّة إخوة و جدّ،قال:«للجدّ السبع» (2).

و الخبر:في رجل ترك خمسة إخوة و جدّاً،قال:«هي من ستّة،لكل واحد منهم سهم» (3).

فإنّ إطلاق الجدّ و الإخوة فيها شامل للمتقربين بالأُمّ أيضاً،لكنّها مع ذلك مجملة،قاصرة عن بيان التفصيل المعروف بينهم من أنّ جدود الأب و جدّاته ككلالته،و جدود الاُمّ و جدّاتها ككلالتها،يقتسمون تقسيم الكلالة مع الاختلاف في الذكورية و الأُنوثية بالتفاوت أو التسوية،لكن الإجماع الظاهر المصرّح به كفانا مئونة الاشتغال بطلب حجة أُخرى في المسألة،أو تطبيق الأخبار عليها بجهد و مشقّة.

ص:339


1- الفقيه 4:697/207،الوسائل 26:165 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 6 ح 7.
2- الكافي 7:5/110،الفقيه 4:698/207،التهذيب 9:1084/304،الإستبصار 4:586/156،الوسائل 26:168 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 6 ح 15.
3- الكافي 7:6/110،التهذيب 9:1085/304،الإستبصار 4:587/156،الوسائل 26:168 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 6 ح 16.

مع تكفّل كثير من النصوص لبيان التقسيم بالتفاوت بين الأجداد للأب و الإخوة له إذا اجتمعوا،كالصحيح:«إنّ الجدّ مع الإخوة من الأب يصير مثل واحد من الإخوة ما بلغوا» قال:قلت:رجل ترك أخاه لأبيه و أُمّه و جدّه،أو قلت:ترك جدّه و أخاه لأبيه (1)و أُمّه،قال:«المال بينهما،فإن كانا أخوين أو مائة ألف فله نصيب مثل واحد من الإخوة» قال:قلت:رجل ترك جدّه و أُخته،فقال:« لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [1] ،و إن كانتا أُختين فالنصف للجدّ،و النصف الآخر للأُختين،و إن كنّ أكثر من ذلك فعلى هذا الحساب، و إن ترك إخوة و أخوات لأب و أُمّ،أو لأب،و جدّاً فالجدّ أحد الإخوة، المال بينهم،للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» قال زرارة:هذا مما لا يؤخذ عليّ فيه،قد سمعته من أبيه و منه قبل ذلك،و ليس عندنا في ذلك شك و لا اختلاف (2).

و الصحيح:عن رجل ترك أخاه لأبيه و أُمّه و جدّه،قال:«المال بينهما و لو كانا أخوين أو مائة،كان الجدّ معهم كواحد منهم،للجدّ نصيب واحد من الإخوة،قال:«فإن ترك أُخته فللجدّ سهمان،و للأُخت سهم،و إن كانتا أُختين فللجدّ النصف،و للأُختين النصف» قال:«فإن ترك إخوة و أخوات من أب و أُمّ كان الجدّ كواحد من الإخوة،للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» (3)إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نشرها المقام.

بقي هنا شيء،و هو أنّه إذا اجتمع الجدّ أو الجدّة للأُمّ مع الأُخت للأب،فلأحدهما السدس،أو الثلث،على الخلاف،و للأُخت النصف،

ص:340


1- في«ب» و التهذيب و الاستبصار زيادة:أو أخاه لأبيه.
2- الكافي 7:2/109،التهذيب 9:1081/303،الإستبصار 4:583/155،الوسائل 26:165 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 6 ح 9.
3- الكافي 7:8/110،الفقيه 4:694/206،التهذيب 9:1087/305،الإستبصار 4:589/156،الوسائل 26:167 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 6 ح 13.

بلا خلاف.

و هل يكون الفاضل عن سهامهما مردوداً عليهما بالنسبة،كما هو فتوى ابن زهرة و الكيدري (1)،أو على الأُخت خاصّة،كما عن النهاية و القاضي و نجيب الدين (2)؟قولان،تردّد بينهما الفاضل في الإرشاد (3).

و لا وجه له بعد عموم مفهوم الحصر المتقدّم في قوله(عليه السّلام):«فهم الذين يزادون و ينقصون» (4)مشيراً بهم إلى كلالة الأب،و ليس فيه تقييد ذلك بما إذا اجتمعوا مع كلالة الأُمّ خاصّة،بل هو عام شامل له و لما إذا اجتمعوا مع الأجداد لها.

و لا يقدح في ذلك تضمّن صدر بعض النصوص المتضمّنة له أو جملتها خصوص الصورة الأُولى،فيخصّ بها عموم ذيلها،إلّا على تقدير تخصيص السؤال لعموم الجواب،و هو خلاف التحقيق،كما برهن في محلّه.

فالقول الثاني أظهر،وفاقاً للشهيد في الدروس و النكت (5)،قائلاً فيه:

الظاهر أنّه يلزم كلّ من قال باختصاص الأُخت في مسألة قيام كلالة الأب مقام كلالة الأب و الأُمّ.

و هنا

مسألتان:
الاُولى:لو اجتمع أربعة أجداد لأب

مسألتان:

الاُولى:لو اجتمع أربعة أجداد لأب أي جدّ أبيه و جدّته لأبيه

ص:341


1- الغنية(الجوامع الفقهية):607،و حكاه عن الكيدري في المختلف:733.
2- حكاه عنهم في غاية المراد 3:566،و هو في النهاية:651،المهذب 2:144،145،الجامع للشرائع:516،517.
3- الإرشاد 2:121.
4- راجع ص:324.
5- الدروس 2:371،غاية المراد 3:566.

و هما لاُمّه و مثلهم لاُمّ أي جدّ امّه و جدّتها لأبيها و هما لاُمّها كان لأجداد الأُمّ و جدّاتها الأربعة الثلث يقتسمونه بينهم أرباعاً،و لأجداد الأب و جدّاته الثلثان يقتسمونهما بينهم بالتفاوت لأبوي أبيه ثلثا الثلثين أثلاثاً للذّكر منهما ضعف الأُنثى و لأبوي امّه الثلث أثلاثاً أيضاً كذلك.

هذا على المشهور بين أصحابنا،كما صرّح به جماعة (1).

قيل:اعتباراً للنسبة إلى نفس الميت (2).

خلافاً لمعين الدين المصري،فثلث الثلث لأبوي أُمّ الأُمّ بالسوية، و ثلثاه لأبوي أبيها كذلك أيضاً،و ثلث الثلثين لأبوي أُمّ الأب بالسوية، و ثلثاهما لأبوي أبيه أثلاثاً (3).

قيل:اعتباراً في الطرفين بالتقرب إلى الأُمّ في الجملة المقتضي للتسوية (4).

و للبَرزَهي (5)،فثلث الثلث لأبوي أُمّ الأُمّ بالسوية،و ثلثاه لأبوي أبيها أثلاثاً،للذّكر ضعف الأُنثى.و قسمة أجداد الأب كالأوّل،قيل:اعتباراً في

ص:342


1- منهم الشهيد في الروضة 7:147،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:323،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:293.
2- قاله الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:324.
3- حكاه عنه في الدروس 2:370.
4- قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:324.
5- حكاه عنه في الدروس 2:371.و هو الشيخ زين الدين محمّد بن القاسم البرزهي،عالم،فقيه،فاضل،ينقل له أقوال في كتب الاستدلال،و البرزهي بفتح الباء و الزاي نسبة إلى البَرزَة بالهاء الصريحة و هي قرية من أعمال بيهق،و البرزة بتاء التأنيث قرية من غوطة دمشق إلّا أن النسبة إليها البرزي.أمل الآمل 2:884/293،رياض العلماء 5:152،الكنى و الألقاب 2:68،القاموس المحيط 2:172(برز)،معجم البلدان 1:382.

الطرفين بالتقرب إلى الأب (1).

و المسألة محلّ إشكال؛ لعدم وضوح الدليل على شيء من هذه الأقوال،و ضعف الاعتبارات،مع تعارض بعضها مع بعض.

و ندرة اتفاق هذه المسألة كفتنا مئونة الاشتغال بتحصيل ما يرجّح أحد هذه الأقوال،مع أنّ العمل بالمشهور متعيّن في أمثال المجال لو لم يكن بدّ و لا يمكن احتياط.

و تصح المسألة على القولين الأخيرين من أربعة و خمسين،و إن اختلف وجه الارتفاع فيهما؛ لأنّ على الأوّل:سهام قرابة الأُمّ ستّة،و سهام قرابة الأب ثمانية عشر،و على الثاني:الثمانية عشر سهام قرابة الأُمّ،و سهام قرابة الأب تسعة،و على التقديرين يجتزأ بالثمانية عشر التي هي العدد الأكثر لدخول الأقل فيه،و هو الستّة في الأوّل و التسعة في الثاني،و تضرب في أصل المسألة،و هو ثلاثة،تبلغ العدد المتقدّم إليه الإشارة.

و أمّا على القول الأوّل: فتصح من مائة و ثمانية لأنّ أصلها كما عرفت من ثلاثة أسهم هي مخرج ما فيها من الفروض،و هو الثلث،سهم منها لأقرباء الأُمّ و هو ثلثها لا ينقسم على عددهم و هو أربعة،و سهمان لأقرباء الأب لا ينقسم على عدد سهامهم و هي تسعة؛ لأنّ ثلثي الثلثين لجدّ أبيه و جدّته لأبيه بينهما أثلاثاً،و ثلثه لجدّ أبيه و جدّته لأُمّه أثلاثاً أيضاً، فترتقي سهام الأربعة إلى تسعة،فقد انكسرت على الفريقين،و بين عدد سهم كلّ فريق و نصيبه مباينة،و كذا بين العددين،فيطرح النصيب، و يضرب أحد العددين في الآخر يحصل ستّة و ثلاثون،تضرب في أصل

ص:343


1- مفاتيح الشرائع 3:324.

الفريضة ثلاثة تبلغ مائة و ثمانية،ثلثها ستّة و ثلاثون ينقسم على أجداد أُمّه الأربعة بالسوية،لكلّ واحد تسعة،و ثلثاها اثنان و سبعون ينقسم على تسعة،لكلّ سهم ثمانية،فلجدّ الأب و جدّته لأبيه ثلثا ذلك ثمانية و أربعون،ثلثه للجدّة ستّة عشر،و ثلثاه للجد اثنان و ثلاثون،و لجدّ الأب و جدّته لأمّه أربعة و عشرون،ثلثا ذلك للجدّ ستّة عشر،و ثلثه للجدّة ثمانية.

الثانية:الجدّ و إن علا يقاسم الإخوة و الأخوات

الثانية:الجدّ و إن علا مطلقاً،بشرط الترتيب الأقرب فالأقرب يقاسم الإخوة و الأخوات مطلقاً،بغير خلاف ظاهر،مصرّح به في كلام جماعة (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و نحوها من المعتبرة،المتقدّم إلى جملة منها الإشارة،الدالّة على تنزيل الجدّ منزلة الإخوة و اقتسامهما التركة (2).

و جملة منها و إن كانت مطلقة غير منصرفة بحكم التبادر و الغلبة إلى الجدّ الأعلى،بل إلى الأدنى خاصّة،إلّا أنّ جملة أُخرى منها وافرة عامّة لهما،و إن كان الجدّ فيها أيضاً مطلقاً،إلّا أنّه في السؤال،و حيث لم يستفصل عن أفراده و محتملاته التي منها الجدّ الأعلى أفاد العموم لهما على الأقوى،كما برهن في محلّه مستقصى.

نعم ربما يتوجّه السؤال بأنّ هذا العموم معارض بعموم ما دلّ على منع الأقرب الأبعد،و الأخ أقرب من أب الجدّ،و الجمع بينهما كما يمكن بتخصيص هذا العموم و إبقاء عموم مقاسمة الجدّ للأخ بحاله،كذا يمكن

ص:344


1- كشف الرموز 2:457.
2- راجع ص:333.

العكس،فلا وجه لترجيح الأوّل عليه،سيّما مع العمل به في الحكم بترتّب الأجداد بعضهم مع بعض و منع الأقرب منهم الأبعد،فليكن هذا بالترجيح أجدر،و هذا السؤال متوجّه لولا فتوى الأصحاب المرجّح للجمع الأوّل.

و أولاد الإخوة و الأخوات مطلقاً و إن نزلوا لكن مرتّبين يقومون مقام آبائهم عند عدمهم في مقاسمة الأجداد و الجدّات خاصّة، بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في السرائر و الانتصار و الغنية و كنز العرفان و غيرها (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة عموماً و خصوصاً،فمن الأوّل:

المعتبرة من الصحيح و غيره،الدالّة على أنّ كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به،إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميت فيحجبه (2).

و من الثاني:الصحاح و المعتبرة من الموثق و غيره،الدالّة على مقاسمة ابن الأخ مع الجدّ المال بينهما نصفين (3).

و الصحيح:«بنت الأخ بمنزلة الأخ» (4).

و المرسل القريب من الصحيح:في بنات أُخت و جدّ،قال:«لبنات الأُخت الثلث،و ما بقي فللجدّ» (5)إلى غير ذلك من الأخبار.

ص:345


1- السرائر 3:260،الانتصار:302،الغنية(الجوامع الفقهية):607،كنز العرفان 2:334؛ كشف اللثام 2:293.
2- الوسائل 26:63 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 1،و 68 ب 2 ح 1،و 162 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 5 ح 9.
3- الوسائل 26:159 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 5.
4- التهذيب 9:1170/325،الوسائل 26:162 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 5 ح 9.
5- الكافي 7:7/113،الفقيه 4:702/207،التهذيب 9:1109/309،الوسائل 26:161 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 5 ح 7.

و قصورها عن إفادة تمام المدّعى مجبور بعدم القائل بالفرق بين جزئيات المسألة و أفرادها،مع الاعتضاد بعموم المعتبرة المتقدّمة الدالّة على المنزلة.

و الاستثناء في بعضها كآية الإرث بالقرابة و غيرها و إن اقتضى منع الجدّ من بَعُد عن درجته من أولاد الإخوة،إلّا أنّه مخصّص هنا أيضاً بالإجماع،و صريح الأخبار الخاصّة.

و يستفاد من عموم المنزلة المتقدّمة مضافاً إلى عدم الخلاف أنّه يرث كلّ واحد منهم أي من المتقاسمين من الأجداد و أولاد الإخوة نصيب من يتقرب به إلى الميت.

ثم إن كانوا أولاد أخ أو إخوة أو أولاد أُخت أو أخوات لأب اقتسموا نصيبهم من المال مع الاختلاف في الذكورة و الأُنوثة بالتفاوت للذّكر مثل حظّ الأُنثيين،و إن كانوا أي أولاد الإخوة و الأخوات لأُمّ خاصة اقتسموا نصيبهم بينهم بالسوية مطلقاً،و لو اختلفوا في الذكورة و الأُنوثة،فإنّ ذلك حكم المنزلة.

و لنذكر أمثلة اقتسام أولاد الإخوة منفردين عن الأجداد،ثم أمثلة اقتسامهم مجتمعين معهم،فنقول:

لو خلف الميت أولاد أخ لأُمّ أو أُخت لها خاصّة،كان المال لهم بالسوية،السدس فرضاً و الباقي ردّاً،من غير فرق بين الذكر و الأُنثى.

و إن تعدّد من تقربوا به من الإخوة للاُمّ أو الأخوات أو الجميع،كان لكلّ فريق من الأولاد نصيب من يتقرب به،يقتسمونه بالسوية.

و إن كانوا أولاد أخ للأبوين أو لأب و لا وارث سواهم كان المال بينهم بالسوية إن اتفقوا ذكورية أو أُنوثية،و إلّا بالتفاضل.

ص:346

و إن كانوا أولاد أُخت للأبوين أو الأب،كان النصف فرضاً،و الباقي ردّاً مع عدم غيرهم.

و إن كانوا أولاد أُختين فصاعداً كذلك،فالثلثان لهم فرضاً،و الباقي ردّاً مع عدم غيرهم،و يقتسمونه بالسوية أو التفاضل،كما تقدّم.

و لو اجتمع أولاد الأُخت للأبوين أو الأب مع أولاد الأخ أو الأُخت أو الأخوة أو الأخوات للأُمّ،فللفريق الثاني السدس مع وحدة من يتقربون به، و الثلث مع تعدّده،و للفريق الأوّل النصف،و الباقي يردّ عليهم خاصّة،أو عليهما،على الاختلاف المتقدّم إليه الإشارة.

و لو اجتمع أولاد الكلالات الثلاث سقط أولاد من يتقرب بالأب، و كان لمن يتقرب بالأُمّ السدس مع وحدة من يتقرب به،و إلّا فالثلث، و لمن يتقرب بالأبوين الباقي.

و لو دخل في هذه الفروض زوج أو زوجة،كان له النصيب الأعلى، و الباقي ينقسم كما تقدّم.

و لو خلف أولاد أخ للأبوين و أولاد أُخت لهما،و مثلهم من قبل الاُمّ، و جدّاً و جدّة من قبل الأب،و مثلهما من قبل الأُمّ،فلكلالة الأُمّ مع الجدّين لها الثلث،يقتسمونه أرباعاً،ربع للجدّ،و ربع للجدّة،و ربع لأولاد الأخ، و ربع لأولاد الأُخت،و كلّ من هؤلاء الأولاد يقتسمونه بالسوية،و الباقي و هو الثلثان يقسم على الباقين بالتفاضل،فثلثاه للجدّ من الأب و لأولاد الأخ من الأبوين انصافاً بينه و بينهم،بالتفاضل بينهم،و ثلثه للجدّة و أولاد الأُخت انصافاً بينها و بينهم كذلك.

و لا فرق بين كون الأخ موافقاً للجدّ في النسبة أو مخالفاً،فلو كان ابن أخ لأُمّ مع جدّ لأب،فلابن الأخ السدس فريضة أبيه،و للجدّ الباقي،و لو

ص:347

انعكس فكان الجدّ للاُمّ و ابن الأخ للأب،فللجدّ الثلث أو السدس،على الخلاف المتقدم،و لابن الأخ الباقي.

و بالجملة فإنّك تنزل هؤلاء الأولاد من أيّ جهة كانوا منزلة من يتقربون به،و تقسم عليهم حصته كما تقسم عليه لو كان،و كذلك الجدّ.

و اعلم أنّ اشتراط عدم الإخوة في إرث أولادهم مطلقا هو المشهور بين الأصحاب؛ لعموم ما دل على منع الأقرب الأبعد،و لا يكاد يتحقق فيه خلاف،و لم ينقل إلّا عن الفضل بن شاذان،حيث شرك ابن الأخ من الأبوين مع الأخ من الاُمّ،و ابن ابن الأخ منهما مع ابن الأخ منها،و نحو ذلك،فجعل السدس للمتقرب بالأُمّ،و الباقي للمتقرب بالأبوين،بناءً على أصله من جعل الإخوة صنفين،و اعتبار الأقرب من إخوة الأُمّ فالأقرب على حدة،و الأقرب من إخوة الأبوين و الأب فالأقرب على حدة،و عدم اعتبار قرب أحد الصنفين بالنسبة إلى الآخر،كما في الأخ بالنسبة إلى الجدّ الأعلى (1).

و هو مع شذوذه (2)ضعيف؛ لاتحاد صنف الإخوة جميعاً كالجدّ، كما هو المفهوم من تقديم الأقرب فالأقرب لغة و عرفاً؛ مضافاً إلى النص الصحيح كما قيل (3)،و لم أقف عليه.

نعم في الرضوي:«من ترك واحداً ممّن له سهم،ينظر فإن كان من بقي من درجته[أولى بالميراث]ممّن سفل[فهو أولى]و هو أن يترك الرجل أخاه و ابن أخيه،فالأخ أولى من ابن أخيه» (4)و الحمد للّه.

ص:348


1- حكاه عنه في الفقيه 4:200،و الكافي 7:107.
2- في«ر» زيادة:بل دعوى الإجماع على خلافه في السرائر(3:262).
3- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:328.
4- فقه الرضا(عليه السّلام):289،المستدرك 17:180 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 4 ح 4؛ بتفاوت،و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
المرتبة الثالثة:الأعمام،و الأخوال
اشارة

المرتبة الثالثة:

الأعمام،و الأخوال و أولادهم،و هم أُولوا الأرحام،و إنّما يرثون على المشهور مع فقد الإخوة و بنيهم و الأجداد فصاعداً.

و عن الفضل:أنّه لو خلّف خالاً و جدّة لاُمّ اقتسما المال نصفين (1).

و في الدروس:أنّ الذي في كتابه:أنّه لو ترك جدّته و عمّته و خالته فالمال للجدّة.و نقل عن يونس مشاركة العمّة و الخالة،و أنّه جعل العمّة تساوي الجدّة و غلّطه في ذلك،و في قوله:إنّه لو خلّف عمّاً و ابن أخ اقتسما المال نصفين (2).

و هذا منه موافقة للمشهور،فتأمّل .و كيف كان فالمذهب الأوّل؛ لعدم وضوح دليل على الخلاف،مع ظهور أقربيّة كلّ من آحاد المرتبة الثانية من كلّ من أهل هذه المرتبة، فالميراث لهم؛ لعموم ما دل على منع الأقرب الأبعد من الآية و الرواية.

مضافاً إلى صريح الرضوي:«و من ترك عمّاً و جدّاً،فالمال للجدّ، و إن ترك عمّاً و خالاً و جدّاً و أخاً،فالمال بين الأخ و الجدّ،و يسقط العم و الخال» (3).

و اعلم أنّ للعمّ جميع المال إذا انفرد عمّن عداه ممّن يرث و كذا المال للعمّين المنفردين فصاعداً،و كذا العمّة المنفردة و العمّتان المنفردتان و العمّات المنفردات،يقتسمون المال بينهم

ص:349


1- حكاه عنه في الفقيه 4:213،و انظر الكافي 7:118.
2- الدروس 2:372.
3- فقه الرضا(عليه السّلام):289،المستدرك 17:189 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 1 ح 1.

بالسوية،لأب و أُمّ كانوا أو لأب أو لاُمّ،بلا خلاف فيه.

و في أنّه لو اجتمع العمومة جمع عمّ،أي الأعمام و العمّات اقتسموا المال بينهم بالتفاضل للذّكر مثل حظّ الأُنثيين إن كانوا جميعاً من قبل الأبوين أو الأب،بمعنى أنّهم كانوا إخوة لأب الميت من قبل أبويه أو أبيه خاصّة،و الدليل عليه بعد عدم الخلاف فيه على الظاهر،بل الإجماع كما في الغنية (1)الخبر المنجبر قصور سنده بالعمل:

في عمّة و عمّ،قال:«للعمّ الثلثان،و للعمّة الثلث» (2)و نحوه الرضوي (3).

و أمّا إذا كانوا جميعاً لاُمّ فالذي يقتضيه إطلاق العبارة هنا و في الشرائع و الصدوق في الفقيه و الفضل بن شاذان و الغنية (4)مدّعياً عليه إجماع الإماميّة أنّه أيضاً كذلك،يقتسمونه بينهم بالتفاضل،و يعضده إطلاق الرواية.

خلافاً لصريح جماعة،كالفاضل في الإرشاد و التحرير و القواعد و الشهيدين في الدروس و اللمعتين و غيرهم (5)،فيقتسمونه بالسوية.

و هذا أوفق بالأصل؛ لاقتضاء شركة المتعدّدين في شيء اقتسامهم له بينهم بالسوية،خرج عنه هنا ما لو كانوا للأب بالإجماع و الرواية،و تبقى هذه الصورة تحته مندرجة؛ لعدم مخرج لها عنه عدا إطلاق الرواية،و هي

ص:350


1- الغنية(الجوامع الفقهية):607.
2- التهذيب 9:1179/328،الإستبصار 4:645/171،الوسائل 26:189 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 9.
3- فقه الرضا(عليه السّلام):289،المستدرك 17:190 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 4.
4- الشرائع 4:30،الفقيه 4:211،و حكاه عن الفضل بن شاذان في الكافي 7:120،الغنية(الجوامع الفقهية):607.
5- الإرشاد 2:122،التحرير 2:166،القواعد 2:175،الدروس 2:372،اللمعة(الروضة البهية 8):153؛ كشف اللثام 2:296.

مع قصور سندها بالجهالة مع عدم جابر لها في هذه الصورة غير مقاومة للأصل المعتضد بالشهرة،بل نفى عنه الخلاف جملة،و منهم صاحب الكفاية (1).

و لا يعارضه عموم ما دل على تفضيل الذكر على الأُنثى بقول مطلق؛ لرجحان الأصل عليه بالشهرة العظيمة،مع حكاية نفي الخلاف المتقدّمة، هذا.

مع عدم صراحة في الدلالة؛ لاحتمالها الاختصاص بالعمّ و العمّة للأب أو الأبوين خاصّة،و يؤيّده إطلاق أنّ الجدّ يقاسم الإخوة للأب في الأخبار المستفيضة بل المتواترة،مع أنّ المراد منه الجدّ من قبل الأب خاصّة،فتدبّر.و إذا قام مثل هذا الاحتمال انتفت الصراحة في الرواية،التي هي مناط التخصيص للعمومات،كما مرّ إليه الإشارة غير مرّة.

ثم إنّ جميع ما ذكر إنّما هو إذا كانوا مجتمعين في الدرجة،بأن كانوا جميعاً للأبوين،أو أحدهما خاصّة.

و أمّا لو كانوا متفرقين بأن كان بعضهم للأبوين أو الأب خاصّة،و بعضهم للاُمّ كذلك ف قد ذكر الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم،و به صرّح جماعة (2)أنّ لمن تقرب منهم بالأُمّ السدس إن كان واحداً مطلقاً،ذكراً كان أو أُنثى و الثلث إن كانوا أكثر يقتسمونه بينهم بالسوية و لو اختلفوا ذكورة و أُنوثة و الباقي عن الثلث أو السدس لمن تقرب منهم بالأب و الأُمّ أو الأب عند عدم

ص:351


1- الكفاية:300.
2- منهم الحلي في السرائر 3:262،و الكاشاني في المفاتيح 3:321 322،و السبزواري في الكفاية:298.

من يتقرب بهما،واحداً كان أو متعددّاً،يقتسمونه بينهم بالتفاضل للذّكر مثل حظّ الأُنثيين و لم أقف لهم بعد الاتفاق على حجة ظاهرة و لا متوهّمة عدا إلحاق الأعمام بالكلالة،و أنّ إرثهم إنّما هو من حيث الأُخوّة لأب الميت،فكما أنّ لمن تقرب منهم بالأُمّ السدس مع الوحدة و الثلث مع الكثرة بينهم بالسوية، و لمن تقرب منهم بالأبوين أو الأب بالتفاضل،فكذلك هنا.و هو كما ترى؛ لعدم دليل عليه بعد الوفاق أصلاً،فيكون لولاه قياساً.

و ربما يتأمّل في الاتفاق أيضاً؛ نظراً إلى إطلاق عبارتي الصدوق و الفضل باقتسام العمّ و العمّة المال بالتفاضل،من دون تفصيل بين كونهما معاً لأب أو لاُمّ أو مختلفين،و نحوهما إطلاق الرواية المتقدّمة.

و يمكن الذبّ عن الجميع،فعن الرواية بما مرّ إليه الإشارة،و عن مخالفتهما به أيضاً على احتمال،و بمعلومية نسبهما،فلا يقدح في انعقاد الإجماع مخالفتهما على تقدير تسليمها،فتأمّل جدّاً . و يسقط معهم أي مع الأعمام للأبوين من يتقرب من الأعمام إلى الميت بالأب خاصّة و يقومون أي المتقربون به خاصّة مقامهم أي مقام المتقربين بالأبوين عند عدمهم بلا خلاف في شيء من الأمرين أجده،و به صرّح جماعة (1)،بل في الغنية و السرائر (2)الإجماع عليهما،و هو الحجة فيهما.

مضافاً إلى بعض المعتبرة في الأوّل:«و عمّك أخو أبيك من أبيه و أُمّه أولى بك من عمّك أخي أبيك من أبيه» قال:«و ابن عمّك أخي أبيك من

ص:352


1- انظر مجمع الفائدة و البرهان 11:413 414،و الكفاية:300.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):607،السرائر 3:262.

أبيه و أُمّه أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لأبيه» (1).

و اعلم أنّ هذه المرتبة ليست كسابقتها مشتملة على صنفين يجتمع أعلى أحدهما مع أدنى الآخر،بل الصنفان فيها أحدهما بحكم الآخر؛ نظراً إلى أنّ إرثهم إنّما يكون من جهة كونهم إخوة لأب الميت و أُمّه،كما هو ظاهر الأصحاب،أو من جهة كونهم بمنزلة الأبوين،كما يستفاد من الأخبار،و لا شيء من صنفي الإخوة و الأبوين بمتعدّد،بل كل منهما صنف واحد،فيكون ما نُزّل منزلتهما كذلك.

و لهذا الصنف درجات متفاوتة صعوداً و نزولاً بحسب القرب و البعد، فالعمّ و العمّة مثلاً مطلقاً أقرب من بنيهما و بني الخال،و الخال و الخالة كذلك.

و لا يرث الأبعد منهم مع الأقرب،مثل ابن خال مع خال،أو مع عمّ،أو ابن عمّ مع خال،أو مع عمّ إجماعاً،إلّا من الإسكافي في ابن خال مع عمّ،حيث قال:إنّ للعم الثلثين،و لابن الخال الثلث (2).

و هو شاذّ،محجوج بالإجماع الظاهر المحكي في الغنية و السرائر (3)، و الآية (4)،و المعتبرة الدالّة على أنّ:«كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به،إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه،فيحجبه» (5)و لا ريب أنّ العمّ

ص:353


1- الكافي 7:1/76،التهذيب 9:974/268،الوسائل 26:190 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 4 ح 1.
2- حكاه عنه في المختلف:751.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):607،السرائر 3:262.
4- الأنفال:75،الأحزاب:6.
5- الكافي 7:2/77،التهذيب 9:976/269،و 1170/325،الوسائل 26:68 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 1،و 188 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 6.

أقرب من ابن الخال،و أنّ العمّ أقوى من الخال؛ لأنّه أكثر نصيباً،و الخالة تحجب ابن العمّ،كما في الخبر:في ابن عمّ و خالة،قال:«المال للخالة» و قال في ابن عمّ و خال،قال:«المال للخال» (1)فالعمّ أولى أن يحجب ابن الخال،فتدبّر.

و بالجملة لا شبهة فيما ذكره الأصحاب من كلّيّة قاعدة منع الأقرب الأبعد إلّا في اجتماع ابن عمّ لأب و أُمّ مع عم لأب ف إنّ ابن العمّ أولى بالميراث عند الإمامية،حكى إجماعهم عليه جماعة حدّ الاستفاضة (2)،بل لعلّ الحكاية متواترة،و هو الحجة المخصّصة لتلك القاعدة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،كما ذكرها بعض الأجلّة (3).

و لم أقف عليها كذلك،مع أنّها غير معتبرة السند،لكن في الفقيه:إن ترك عمّاً لأب و ابن عمّ لأب و أُمّ فالمال كله لابن العمّ للأب و الأُمّ؛ لأنّه قد جمع الكلالتين كلالة الأب و كلالة الاُمّ،و ذلك بالخبر الصحيح عن الأئمّة(عليهم السّلام) (4).

فتأمّل ،مع أنّ ذلك مجبور بالعمل.

و هل يتعدّى الحكم من هذه الصورة إلى ما تقاربها من الصور،كما لو حصل التعدّد في أحد الجانبين أو كليهما،أو دخل في الفرض المذكور

ص:354


1- التهذيب 9:1179/328،الإستبصار 4:645/171،الوسائل 26:193 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 5 ح 4.
2- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):607،و الحلي في السرائر 3:262،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:181،و ابن فهد في المهذّب البارع 4:393،و السبزواري في الكفاية:301.
3- المفاتيح 3:302.
4- الفقيه 4:212.

زوج أو زوجة،أو حصل التغير بالذكورة و الأُنوثة،أو انضمّ إلى ذلك الخال و الخالة؟خلاف لا يليق بهذا الشرح نشره،و الاقتصار على مورد النص أظهر،وفاقاً لكثير؛ لأنّ المسألة جرت على خلاف الأُصول المقرّرة و القواعد الممهّدة،فالتعدية فيها عن موضع الإجماع و الرواية مشكلة،و إن وجّهت بتوجيهات اعتبارية ربما أوجبت مظنّة،إلّا أنّ في بلوغها حدّا يجوز معه تخصيص الأُصول بها إشكالاً.

و للخال جميع المال إذا انفرد عمّن عداه ممّن يرث و كذا المال للخالين المنفردين و الأخوال المنفردين و كذا الخالة المنفردة و الخالتين المنفردتين و الخالات المنفردات،لهنّ المال أجمع،يقتسمونه بينهم بالسوية.

و لو اجتمعوا ذكورة و أُنوثة فالمال بينهم أيضاً بالسوية كيف كانوا في المقامين،أي لأب كانوا أو لاُمّ أو لهما،بشرط الاجتماع في الدرجة،بأن يكونوا كذلك جميعاً.

و أمّا لو كانوا متفرقين فيها،بأن كان بعضهم للأبوين و بعض للأب خاصّة و آخر للاُم فلمن يتقرب بالأُمّ السدس إن كان واحداً مطلقاً،ذكراً كان أو أُنثى و الثلث إن كانوا أكثر كذلك،يقتسمونه بينهم بالسوية و الثلثان فما زاد لمن يتقرب بالأب و الأُمّ،و يسقط من يتقرب منهم بالأب (1)معهم أي مع المتقربين منهم بالأبوين، و يقومون مقامهم عند عدمهم و القسمة بينهم أي بين المتقربين بهما أو بالأب مع عدمهم بالسوية للذّكر مثل ميراث الأُنثى (2)

ص:355


1- في المطبوع من المختصر(270):بالأُمّ.
2- في المطبوع من المختصر(270):للذكر مثل حظّ الأُنثيين.

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده،و به صرّح جماعة (1)،إلّا في الحكم الأخير من اقتسام الأخوال للأب و الخالات له بالتساوي،فقد خالف فيه بعض أصحابنا،كما في الخلاف (2)،فحكم بأنّ الخؤولة للأبوين أو الأب يقتسمون بالتفاضل؛ نظراً إلى تقربهم بأب في الجملة.

و ردّ بأنّ تقربهم للميت بالأُمّ مطلقا،و لا عبرة بجهة قربها (3).

و فيه:أنّه متى كان الحكم كذلك فالحكم في صورة التفرق بأنّ للمتقرب بالأُمّ السدس مع الوحدة و الثلث مع الكثرة و الباقي للمتقرب بالأبوين أو الأب خاصّة مع عدمه لا وجه له،بل الواجب على هذا الحكم بالتساوي.

و بالجملة فكلماتهم في هذه المسألة على الفقير مشتبهة،فإنّه إن كان الاعتبار بالنظر إلى تقرب هذا الوارث إلى الميت فتقرب الخؤولة مطلقاً إنّما هو بالأُمّ الموجب لاقتسام من تقرب بها بالسوية،أعم من أن يكون التقرب إليها بالأبوين أو أحدهما خاصّة،فلا وجه حينئذٍ لتخصيص المتقرب إليها بالأُمّ بالسدس أو الثلث،بل لا وجه لسقوط المتقرب إليها بالأب متى اجتمع مع المتقرب إليها بالأبوين.

و إن كان الاعتبار بالنظر إلى تقرب الوارث إلى الواسطة أعني الأُمّ، فلا ينبغي النظر إلى الأُمّ مطلقاً،و حيث إنّ النص مفقود في هذا المجال فالحكم فيه مطلقاً لا يخلو عن إشكال،و إن كان القول بالتسوية كما هو المشهور لا يخلو عن قرب؛ لأنّه مقتضى الشركة،كما مرّ مراراً إليه

ص:356


1- انظر مفاتيح الشرائع 3:321 322.
2- الخلاف 4:17.
3- المسالك 2:330.

الإشارة،و لكنّه يعارض بما مرّ من العمومات الدالّة على تفضيل الذكر على الأُنثى مع التعليل بقول مطلق،فالاحتياط بنحو من المصالحة لا يترك.

و إن أمكن الذبّ عن هذا بترجيح قاعدة الشركة عليه بالشهرة، فلا بأس بالعمل عليها حيث لا يمكن الاحتياط بنحو من المصالحة،سيّما مع ندرة قول بعض الأصحاب،كما صرّح بها في الروضة (1)مشعراً بدعوى الإجماع عليه،و قريب منها عبارة الكفاية و غيرها (2)،فلا يبعد ترجيح المشهور مطلقاً،سيّما بملاحظة الرضوي الآتي.

و لو اجتمع الأخوال و الأعمام،فللأخوال الثلث،و للأعمام الثلثان إجماعاً مع تعدّد الأخوال مطلقاً؛ للرضوي:«فإن ترك خالاً و خالة و عمّاً و عمّة،فللخال و الخالة الثلث بينهما بالسوية،و ما بقي فللعمّ و العمّة،للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» (3).

و لأنّ الأخوال يرثون نصيب من تقربوا به و هو الأُخت أو الأُم، و نصيبهما الثلث، @(و الأعمام يرثون نصيب من يتقربون به و هو الأخ أو الأب،و نصيبهما الثلثان)@ (4)،هذا.

مضافاً إلى فحاوي المعتبرة الآتية،و عموم التعليل في جملة منها.

و في الموثق:في رجل أوصى بثلث ماله في أعمامه و أخواله،فقال:

«لأعمامه الثلثان،و لأخواله الثلث» (5)و قد روى الشيخ في الكتابين في هذا

ص:357


1- الروضة 8:154.
2- الكفاية:301؛ و انظر الدروس 2:373،و كشف اللثام 2:297.
3- فقه الرضا(عليه السّلام):289،المستدرك 17:190 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 4.
4- ما بين القوسين ليس في«ح».
5- الكافي 7:3/45،الفقيه 4:535/154،التهذيب 9:1169/325،الوسائل 19:393 أبواب أحكام الوصايا ب 62 ح 1.

الباب.

و يقتسمون كلّ منهم نصيبهم من الثلث و الثلثين اقتسامهم حال الانفراد،فالأخوال بالسوية مطلقاً،و الأعمام بالتفاوت مع الاختلاف في الذكورة و الأُنوثة،و مع الاتفاق فيهما بالسوية.

هذا إن اجتمعوا في الدرجة.

و لو كانوا متفرقين فللأخوال من جهة الأُمّ ثلث الثلث،و مع الاتحاد سدسه،و الباقي من الثلث للأخوال من جهة الأب و إن كان واحداً،و الثلثان للأعمام سدسهما للمتقرب منهم بالأُمّ إن كان واحداً،و ثلثهما إن كان أكثر بالسوية و إن اختلفوا في الذكورة و الأُنوثة،و الباقي للأعمام المتقربين بالأب بالتفاضل.

و أمّا مع اتحاد الأخوال و الأعمام بأن اجتمع خال أو خالة مع عمّ أو عمّة،فالمشهور أنّ لكلّ من الخال أو الخالة الثلث أيضاً كصورة التعدّد، و الثلثان لكلّ من العم و العمّة،بل عليه عامّة المتأخّرين،و في المسائل الناصرية الإجماع عليه (1)،و في السرائر أنّه مذهب المحصّلين (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى التعليل المتقدّم إليه الإشارة،و المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح إنّ في كتاب علي(عليه السّلام):«رجل مات،و ترك عمّة و خالة،قال:

للعمة الثلثان و للخالة الثلث» (3)و إنّ فيه أيضاً:«إنّ العمّة بمنزلة الأب،

ص:358


1- الناصرية(الجوامع الفقهية):223.
2- السرائر 3:261.
3- الكافي 7:1/119،التهذيب 9:1162/324،الوسائل 26:186 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 1،و فيها:العمّ و الخال،بدل العمّة و الخالة.

و الخالة بمنزلة الأُمّ،و بنت الأخ بمنزلة الأخ،و كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به،إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه فيحجبه» و بمعنى ذيله الموثق و غيره (1).

و في الصحيح:رجل مات،و ترك عمّة و خالة،قال:«للعمّة الثلثان، و للخالة الثلث» (2).

و نحوه الخبر بل الصحيح كما قيل (3)-:رجل ترك عمّاً و خالاً، فأجاب:«الثلثان للعمّ،و الثلث للخال» (4).

خلافاً لصريح العماني و الكيدري و معين الدين المصري و ابن زهرة و ظاهر المفيد و الديلمي (5)،فقالوا:لكلّ من الخال أو الخالة السدس.

و حجتهم غير واضحة عدا إلحاق الأخوال و الأعمام بالكلالة.

و هو مع عدم دليل عليه من أصله كما عرفته اجتهاد صرف في مقابلة الأحاديث المعتبرة،المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة،كما صرّح به في المسائل الناصرية (6).فقولهم ضعيف غايته،كقول العماني أيضاً بأنّ للعمّ أو العمّة

ص:359


1- الوسائل 26:186 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2.
2- انظر الوسائل 26:187 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 2،3،4،5.
3- قاله المجلسي في ملاذ الأخيار 15:322.
4- التهذيب 9:1177/327،الوسائل 26:189 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 8.
5- حكاه عن العماني و الكيدري و معين الدين في المختلف:734،735،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):607،المفيد في المقنعة:693،الديلمي في المراسم:223.
6- الناصريات(الجوامع الفقهية):223.

النصف،و للخال أو الخالة السدس،و الباقي يردّ عليهما على قدر سهامهما (1).

و يزيد الحجة على هذا بأنّ الردّ إنّما هو مع التسمية و هؤلاء لا تسمية لهم.

و لو كان معهم أي مع الأعمام و الأخوال جميعاً زوج أو زوجة فل كل منه هما النصيب الأعلى من النصف أو الربع و لمن يتقرب منهم بالأُمّ أي الأخوال و إن اتحدوا و كانوا لاُمّ،كما مرّ ثلث الأصل لا ثلث الباقي و الباقي و هو السدس على تقدير الزوج،و هو مع الربع على تقدير الزوجة لمن يتقرب منهم بالأب أي الأعمام.

و لو تفرق الفريقان المجتمعان مع أحدهما،أخذ كلّ منهما نصيبه الأعلى،و للأخوال الثلث،سدسه لمن تقرب منهم بالأُمّ مع الوحدة،و ثلثه لا معها،و الباقي من الثلث للأخوال من قبل الأبوين أو الأب عند عدمهم، و الباقي بعد نصيب أحد الزوجين و الأخوال للأعمام،سدسه للمتقرب بالأُمّ مع الوحدة،و ثلثه لا معها بالسوية،و الباقي للمتقرب منهم بالأبوين أو الأب عند عدمهم بالتفاضل.

و لو اجتمع أحدهما مع أحد الفريقين خاصّة،فله نصيبه الأعلى كذلك،و الباقي لأحد الفريقين و إن اتحدوا،و مع التعدّد و اتفاق الجهة كالأعمام من الأب خاصّة أو من الاُم كذلك أو الأخوال كذلك يقتسمون الباقي كما فصّل.

ص:360


1- حكاه عنه في المختلف:735.

و لو اختلف الجهة فإن كان الفريق المجامع لأحدهما الأعمام خاصّة فلمن تقرب منهم بالأُمّ سدس الأصل أو ثلثه،بلا خلاف على ما يظهر منهم،و به صرّح في المسالك و الروضة و غيرهما من كتب الجماعة (1).و إن كان الأخوال خاصّة فكذلك أيضاً،على الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل نسبه الشهيدان في الدروس و المسالك (2)إلى ظاهر كلام الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع عليه.

خلافاً للمحكي في القواعد و التحرير و الدروس و المسالك عن بعض الأصحاب (3)فلمن تقرب منهم بالأُمّ سدس الباقي.

و للقواعد و فخر الدين (4)،فله سدس الثلث؛ لأنّ الثلث نصيب الخؤولة،فللمتقرّب منهم بالأُمّ سدسه مع اتحاده،و ثلثه مع تعدّده.

و يضعف:بأنّ الثلث إنّما يكون نصيبهم مع مجامعة الأعمام،و إلّا فجميع المال لهم،فإذا زاحمهم أحد الزوجين زاحم المتقرب منهم بالأب و بقيت حصة المتقرب بالأُمّ و هو السدس مع وحدته،و الثلث مع تعدّده خالية عن المعارض.

مع أنّ هذا القول بل و سابقه أيضاً لو صحا يجريان في اجتماع أحد الزوجين مع الأعمام خاصّة أيضاً،فيكون للمتقرب بالأُم منهم سدس الباقي خاصّة،أو ثلثه،أو سدس الثلثين،أو ثلثهما،مع أنّهم لا يقولون بذلك

ص:361


1- المسالك 2:332،الروضة 8:160.
2- الدروس 2:374،المسالك 2:331.
3- القواعد 2:175،التحرير 2:166،الدروس 2:373،المسالك 2:332.
4- القواعد 2:175،إيضاح الفوائد 4:231.

ثمّة.

و اعلم أنّ هذه المرتبة مشتملة على طبقات متعدّدة مترتّبة،فالأُولى:

أعمام الميت،و عمّاته،و أخواله،و خالاته،ثم أولادهم مع عدمهم،ثم أولاد الأولاد،و هكذا مرتّبين.

و الثانية:أعمام أب الميت و أُمّه،و عمّاتهما،و أخوالهما،و خالاتهما، ثم أولادهم فنازلاً مرتّبين،كما في سابقتها.

و الثالثة:أعمام الجدّ و الجدّة،و عمّاتهما،و أخوالهما،و خالاتهما،ثم أولادهم فنازلاً مرتّبين.

و الرابعة:أعمام أب الجدّ و أُمّه،و أب الجدّة و أُمّها،و عمّات كل منهم،و أخوال كل منهم،و خالاتهم،ثم أولادهم و إن نزلوا مرتّبين.

و على هذا،فإذا انتقل فرض الميت إلى الطبقة الثانية من طبقات الفريقين ف لو اجتمع عمّ الأب أب الميت و عمّته و خاله و خالته و عمّ الأُمّ أُمّ الميت و عمّتها و خالها و خالتها ورثوا جميعاً؛ لاستوائهم في الطبقة،و كان لمن يتقرب منهم بالأُمّ من العمّ و العمّة و الخال و الخالة الثلث بينهم بالسوية أرباعاً،و لمن يتقرب منهم بالأب الثلثان الباقيان ثلثاه لعمّه و عمّته بينهما أثلاثاً للذّكر مثل حظّ الأُنثيين و ثلثه الباقي لخاله و خالته بينهما نصفين بالسوية هذا على قول مشهور.

و قيل (1):بل يجعل لخال الاُمّ و خالتها ثلث الثلث بالسوية،و لعمّها

ص:362


1- حكاه عن المحقق الطوسي في الإيضاح 4:230.

و عمّتها ثلثاه كذلك،و أمّا الأعمام فكالمشهور.

و احتمل بعضهم (1)أن يكون للخؤولة الأربعة من الطرفين الثلث بينهم بالسوية،و فريضة الأعمام الثلثان،ثلثهما لعمّ الاُمّ و عمّتها بالسوية أيضاً؛ لتقربهما بالأُمّ،و ثلثاهما لعمّ الأب و عمته أثلاثاً،للذّكر مثل حظّ الأُنثيين.

و المسألة خالية من النصوص،فسلوك جادّة الاحتياط فيها بصُلح و نحوه مطلوب مع الإمكان،و إلّا فلا محيص عن المشهور.

و تصح المسألة عليه من مائة و ثمانية،كمسألة الأجداد الثمانية،إلّا أنّ الطريق هنا أنّ سهام أقرباء الأب ثمانية عشر توافق سهام أقرباء الأُمّ الأربعة بالنصف،فيضرب نصف أحدهما في الآخر،ثم المجتمع في أصل الفريضة،و هو ثلاثة،تبلغ مائة و ثمانية،و كذا على القول الأخير.

و أمّا على القول الثاني فتصح من أربعة و خمسين؛ لأنّ سهام أقرباء الأُمّ ستّة تداخل سهام أقرباء الأب الثمانية عشر،فيجتزى بالأكثر و يضرب في الثلاثة أصل الفريضة،تبلغ ذلك.

و هنا

مسائل ثلاث:
الأُولى:عمومة الميت و عمّاته و خؤولته و خالاته و أولادهم و إن نزلوا أولى من عمومة أبيه و خئولته

مسائل ثلاث:

الأُولى:عمومة الميت و عمّاته و خئولته و خالاته و أولادهم و إن نزلوا أولى من عمومة أبيه و خئولته و عمومة امّه و خئولتها،و عمومتهما و خئولتهما و أولادهم و إن نزلوا أولى من عمومة الجدّ و الجدّة و خئولتهما، و هكذا.

و كذا أولاد كلّ بطن أقرب أولى من البطن الأبعد و الأصل فيه

ص:363


1- انظر القواعد 2:176.

بعد الوفاق الظاهر المحكي في كلام جمع (1)الأولوية المستفادة من آية إرث القرابة (2)،و الكلّيّة الناطقة بتنزيل كل ذي رحم منزلة الرحم الذي يجرّ به كما في النصوص المتقدّمة (3).

و منها مضافاً إلى خصوص بعض النصوص:«إذا اجتمع ولد العمّ و ولد العمّة،فلولد العمّ و إن كان أُنثى الثلثان،و لولد العمّة و إن كان ذكراً الثلث» (4)يظهر الوجه في أنّه يقوم أولاد العمومة و العمّات و الخؤولة و الخالات من كلّ طبقة مقام آبائهم و أُمّهاتهم في الإرث عند عدمهم،و يأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به،واحداً كان أو أكثر فيأخذ ولد العمّ أو العمّة و إن كان أُنثى الثلثين،و ولد الخال أو الخالة و إن كان ذكراً الثلث،و ابن العمّة مع بنت العمّ الثلث كذلك،و يتساوى ابن الخال و ابن الخالة و بنتهما،و يأخذ أولاد العمّ أو العمّة للأُمّ السدس إن كان واحداً، و الثلث إن كان أكثر،و الباقي لأولاد العمّ للأبوين أو للأب مع عدمهم.

و كذا القول في أولاد الخؤولة المتفرقين،و لو اجتمعوا جميعاً فلأولاد الخال الواحد أو الخالة كذلك للاُمّ سدس الثلث،و لأولاد الخالين أو الخالتين فصاعداً أو هما كذلك ثلث الثلث،و باقيه للمتقرب منهم بالأب.

و كذا القول في أولاد العمومة المتفرقين بالإضافة إلى الثلثين،و هكذا.

و يقتسم أولاد العمومة من الأبوين أو الأب عند عدمهم بالتفاوت،

ص:364


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:331،و السبزواري في الكفاية:301،انظر المفاتيح 3:301 302.
2- الأنفال:75،الأحزاب:6.
3- في ص:341.
4- انظر الفقيه 4:219،و الكافي 7:122.

للذّكر مثل حظّ الأُنثيين إذا كانوا إخوة مختلفين في الذكورية و الأُنوثية، و يقتسم أولاد العمومة من الأُمّ بالتساوي،و كذا أولاد الخؤولة مطلقاً،لأب كانوا أو لاُمّ أو لهما.

الثانية:من اجتمع له سببان موجبان للإرث،ورث بهما ما لم يمنع أحدهما الآخر

الثانية:من اجتمع له سببان أي موجبان للإرث،و المراد بالسبب هنا المعنى الأعمّ من السبب بالمعنى السابق؛ لشموله النسب ورث بهما معاً ما لم يمنع أحدهما الآخر و لم يكن ثمّة من هو أقرب منه فيهما أو في أحدهما.

فالأوّل أي الذي يرث بالسببين اللذين لم يمنع أحدهما الآخر كابن عمّ لأب هو ابن خال لأُمّ أ و زوج هو ابن عمّ أ و عمّة لأب هي خالة لأُمّ و يتصور الأوّل فيما لو تزوّج أخ الشخص من أبيه بأُخته من امّه،فهذا الشخص بالنسبة إلى ولد هذين عمّ؛ لأنّه أخو أبيه من الأب،و خال؛ لأنّه أخو امّه من الاُمّ،و ولده ابن عمّ لأب و ابن خال لاُمّ،و كلّ من الولد و الوالد يصلح للمثال،فيرث نصيب الخؤولة و العمومة،حيث لا مانع له منهما أو من أحدهما،فلو اجتمع معه عمّ للأبوين حجبه عن الإرث بنصيب العمومة،و كان له الثلث بنصيب الخؤلة.

و يتصور الثالث في رجل له ابن،تزوّج بامرأة لها بنت،ثم ولدت منه بنتا،و تزوّج ابن الرجل من غير هذه المرأة بنتها من غيره،فابنته منها عمّة و خالة لمن يتولد من ولديهما اللذين تزوّج أحدهما بالآخر.

و الثاني أي الذي أحد السببين فيه يحجب الآخر،فلا يرث بهما

ص:365

معاً،بل بأحدهما هو كابن عمّ هو أخ لأُمّ و يتصور في رجل تزوّج بامرأة أخيه،و لأخيه منها ولد اسمه حسن، ثم ولد له منها ولد اسمه حسين،فحسن ابن عمّ لحسين و أخوه لاُمّه،فإذا توفّي ورثه حسين من جهة كونه أخاً،لا من جهة كونه ابن عمّ،لأنّ الأخ حاجب لابن العم.

و لا خلاف في شيء من ذلك،و لا في أنّه لا يمنع ذو السبب المتعدّد من هو في طبقته من ذي السبب الواحد من حيث توهّم قوّة السبب بتعدّده؛ لأنّ مدار الحجب إنّما هو على الاختلاف في القرب و البعد بحسب البطون،لا على وحدة القرابة و تعدّدها،فيأخذ ذو القرابتين مع عدم المانع من جهتي استحقاق النصيبين،و يأخذ ذو القرابة الواحدة من جهتها نصيب واحد.

و لا يعترض بتقديم المتقرب بالأبوين على المتقرب بالأب و حجبه إيّاه،فإنّ ذلك جارٍ على خلاف الأصل،و من ثم شاركه المتقرب بالأُمّ.

الثالثة:حكم أولاد العمومة و أولاد الخؤلة مع الزوج و الزوجة حكم آبائهم

الثالثة: لا ريب و لا خلاف في أنّ حكم أولاد العمومة و أولاد الخؤلة مع مجامعتهم الزوج و الزوجة حكم آبائهم و أُمّهاتهم في أنّه يأخذ من يتقرب بالأُمّ منهم نصيبها،و هو ثلث الأصل و يأخذ كلّ من الزوج و الزوجة نصيبه الأعلى منه من النصف أو الربع و يكون ما بقي عن أنصبائهم لمن يتقرب منهم بالأب و يقتسم كلّ منهم اقتسامهم حال انفرادهم عن الزوجين بنحو ما سبق تفصيله.

ص:366

المقصد الثاني:في ميراث الأزواج
اشارة

المقصد الثاني:

في بيان ميراث الأزواج اعلم أنّ الزوجين يدخلان على جميع الطبقات،و لا يحجبهما حجب حرمان أحد؛ لعموم الآية (1)،و المعتبرة المستفيضة (2)،بل المتواترة، و خصوص المعتبرة،منها القريب من الصحيح:«إنّ اللّه تعالى أدخل الزوج و الزوجة على جميع أهل المواريث،فلم ينقصهما من الربع و الثمن» (3)و الإجماع،بل الضرورة.

و قد مرّ أنّ للزوج مع عدم الولد الغير الممنوع من الإرث و إن نزل النصف،و للزوجة مع عدمه كذلك الربع،و أنّ لكلّ واحد منهما مع وجوده و إن نزل نصف النصيب من الربع أو الثمن،و يكون الباقي لباقي الورثة من أرباب الطبقات الثلاث،كائناً من كانوا و لو معتقين أو ضمناء جريرة.

و لو لم يكن منهم وارث سوى الزوج ردّ عليه الفاضل من نصيبه الأعلى،على الأشهر الأقوى،بل ظاهر العبارة و نحوها و التنقيح (4)عدم الخلاف فيه،و في صريح كلام الشيخين في كتاب الإعلام و الإيجاز و الاستبصار و السيدين في الغنية و الانتصار و الحلي في السرائر (5)الإجماع

ص:367


1- النساء:12.
2- الوسائل 26:195 أبواب ميراث الأزواج ب 1.
3- الكافي 7:4/82،الوسائل 26:195 أبواب ميراث الأزواج ب 1 ح 2.
4- التنقيح 4:189.
5- الإعلام(مصنفات الشيخ المفيد 9):55،الإيجاز(الرسائل العشر):271،الاستبصار 4:149،الغنية(الجوامع الفقهية):608،الانتصار:300،السرائر 3:284.

عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الصريحة،ففي الصحيح:كنت عند أبي عبد اللّه(عليه السّلام)فدعا بالجامعة،فنظر فيها،فإذاً فيها:«امرأة ماتت،و تركت زوجها،لا وارث لها غيره،المال له كلّه» (1).

و فيه:امرأة توفّيت،و لم يعلم لها أحد،و لها زوج،قال:«الميراث لزوجها» (2).

و في الموثق:امرأة تركت زوجها،قال:«المال كلّه له إذا لم يكن لها وارث غيره» (3).

و فيه:قرأ عليَّ أبو عبد اللّه(عليه السّلام)فرائض علي(عليه السّلام)،فإذاً فيها:«الزوج يحوز المال إذا لم يكن غيره» (4)و نحوها غيرها (5).

خلافاً للمحكي عن ظاهر الديلمي (6)،فلا يردّ عليه،بل هو للإمام(عليه السّلام)؛ لظاهر الآية،المؤيّد بالأصل؛ لأنّ الردّ إنّما يستفاد من آية اولي الأرحام (7)، و الرحم منتفٍ عن الزوج من حيث هو زوج.

ص:368


1- الكافي 7:2/125،التهذيب 9:1053/294،الإستبصار 4:561/149،الوسائل 26:197 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 3.
2- الكافي 7:1/125،التهذيب 9:1051/294،الإستبصار 4:559/149،الوسائل 26:197 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 1.
3- التهذيب 9:1050/294،الإستبصار 4:558/148،الوسائل 26:198 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 7.
4- التهذيب 9:1052/294،الإستبصار 4:560/149،الوسائل 26:197 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 2.
5- الوسائل 26:197 أبواب ميراث الأزواج ب 3.
6- المراسم:222.
7- الأنفال:75،الأحزاب:6.

و للموثق:«لا يكون ردّ على زوج و لا زوجة» (1).

و هو شاذّ،و مستنده ضعيف؛ لوجوب الخروج عن الأصل بما مر، و عدم مقاومة الموثق له من وجوه،مع احتماله الحمل على التقية،بل حمله عليها بعض الأجلّة،قال:لموافقتها لمذاهب العامة (2).و بكون ذلك مذهبهم كافّة صرّح في الانتصار (3)،فلا ريب في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و في ردّ الفاضل عن نصيب الزوجة عليها إذا لم يكن بعد الإمام(عليه السّلام)وارث سواها قولان بل أقوال:

أحدهما: أنّه لا ردّ عليها،بل لها الربع خاصّة و الباقي للإمام (عليه السّلام)مطلقاً؛ للأصل المتقدّم إليه الإشارة،و المعتبرة المستفيضة، منها الصحيح:كتب محمّد بن حمزة العلوي إلى أبي جعفر الثاني(عليه السّلام):

مولى لك أوصى إليّ بمائة درهم،و كنت أسمعه يقول:كلّ شيء لي فهو لمولاي،فمات و تركها،و لم يأمر فيها بشيء و له امرأتان إلى أن قال -:فكتب(عليه السّلام):«انظر أن تدفع هذه الدراهم إلى زوجتي الرجل،و حقهما من ذلك الثمن إن كان له ولد،و إن لم يكن له ولد فالربع،و تصدّق بالباقي على من تعرف أنّ له إليه حاجة إن شاء اللّه» (4).

و لا قصور فيه بالمكاتبة كما قرّر في محلّه،و لا في الدلالة من حيث

ص:369


1- التهذيب 9:1061/296،الإستبصار 4:563/149،الوسائل 26:199 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 8.
2- المفاتيح 3:304.
3- الانتصار:300.
4- الكافي 7:4/126،التهذيب 9:1059/296،الإستبصار 4:566/15،الوسائل 26:201 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 1.

توهّم كون المائة له(عليه السّلام)بالإقرار لا بالإرث؛ لأنّ كون السهم المذكور حقّا للزوجتين على التفصيل الذي يقتضيه الإرث يدل دلالة ظاهرة على أنّه بطريق الإرث.

مع أنّ الإقرار يختلف حاله في الصحة و المرض،فيقبل في الأوّل مطلقاً،و في الثاني في بعض الصور كذلك،و في الباقي يمضى عليه من الثلث لا مطلقاً،فترك الاستفصال عن أحوال المقرّ و صور إقراره و الجواب بالتصدّق بعد إخراج الربع بقول مطلق كالصريح في أنّ ذلك بالإرث.

و احتمال علمه(عليه السّلام)بحقيقة حال المقرّ و إقراره بحيث يناسب كونه بالإقرار غير مذكور في الخبر فيدفع بالأصل.

و منها الموثقات،في أحدها:قرأ عليَّ أبو جعفر(عليه السّلام)في الفرائض:

«امرأة توفّيت،و تركت زوجها،قال:المال للزوج،و رجل توفّي،و ترك امرأته،قال:للمرأة الربع،و ما بقي فللإمام(عليه السّلام) » (1).و في الثاني:توفّي رجل و ترك امرأته،قال:«للمرأة الربع،و ما بقي فللإمام(عليه السّلام) » (2).و في الثالث:«أعط المرأة الربع،و احمل الباقي إلينا» (3)و نحوها غيرها (4).

و أكثر هذه الأخبار و إن كان يتوهّم منها الاختصاص بحال حضور الإمام(عليه السّلام)من حيث وقوع التعبير فيها عن الموت في الأسئلة بلفظ الماضي

ص:370


1- الكافي 7:2/126،الوسائل 26:202 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 3.
2- الكافي 7:3/126،الوسائل 26:202 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 4.
3- الكافي 7:1/126،التهذيب 9:1058/295،الإستبصار 4:565/150،الوسائل 26:202 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 2.
4- الوسائل 26:201 أبواب ميراث الأزواج ب 4.

الظاهر في وقوعه حال السؤال المصاحب لحضور الإمام(عليه السّلام)،لكن الموثقة الأُولى ظاهرة في العموم لحالتي الحضور و الغيبة؛ لحكايتها الحكم المذكور عن صحيفة الفرائض التي تضمّنت الأحكام على سبيل القاعدة و الكلّيّة، هذا.

مع أنّ الظاهر من الأسئلة و إن تضمّنت لفظ الماضي السؤال عن الحكم بعنوان الكلّيّة في الرجل المتوفّى المخلّف للزوجة خاصّة،من دون قصد إلى صورة خاصّة تضمّنتها الأسئلة،بل ربما لم تكن واقعة حينها.

و ربما يومئ إلى ظهور ما ذكرنا فهم الأصحاب أوّلاً،حيث استدلوا بهذه الأخبار لعدم الردّ مطلقاً.

و ثانياً:قولهم(عليه السّلام)في أكثرها بعد الأمر بإعطاء الربع:«و الباقي للإمام(عليه السّلام)» و لو كان موردها صورة الحضور خاصّة لكان المناسب أن يقولوا:و الباقي يبعث إليّ،أو:هو لي،أو ما شاكل ذلك كما وقع التعبير به في الموثق الثالث،فالعدول عنه إلى قول:إنّ الباقي للإمام،بقول مطلق ظاهر في العموم.

و ثالثاً:وقوع التعبير بلفظ الماضي في مواضع لا يختص الحكم فيها بحال الحضور قطعاً،مثل ما ورد في صحيفة الفرائض و غيرها.

و القول الآخر: إنّه يردّ عليها الفاضل مطلقاً كالزوج للمعتبرين (1)،أحدهما الصحيح:«رجل مات،و ترك امرأته،قال:«المال

ص:371


1- أحدهما في:الفقيه 4:667/192،الوسائل 26:203 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 6. و الآخر في:التهذيب 9:1056/295،الإستبصار 4:568/150،الوسائل 26:204 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 9.

لها» فقال:امرأة ماتت،و تركت زوجها،قال:«المال له» .و هذا القول شاذّ،مخالف للأصل،و النصوص المستفيضة المتقدّمة التي لا يعارضها المعتبران من وجوه عديدة،و مع ذلك القائل به غير معروف،عدا المفيد فيما يحكى عن ظاهره في المقنعة (1)في عبارة محتملة لكون ذلك حكم الزوج خاصّة،و مع ذلك ذكر الحلّي (2)أنّه رجع عنه في كتاب الإعلام.

و كيف كان فالمصير إلى هذا القول ضعيف غايته،و إن صحّ مستنده؛ لمعارضته بأجود منه ممّا مرّ،فليحمل على ما يأتي،أو على ما إذا كانت الزوجة قريبة للزوج،فترث الباقي بالقرابة،كما ذكره الشيخ في الكتابين (3)،مستشهداً عليه بالصحيح:عن رجل مات،و ترك امرأة قرابة، ليس له قرابة غيرها؟قال:«يدفع المال كله إليها» (4).

و فيه نظر،و مع ذلك فهو أظهر من الجمع الذي سيذكر.

و قال ثالث و هو الصدوق (5): بالردّ عليها مع عدم ظهور الإمام (عليه السّلام)و غيبته،و بعدمه مع حضوره،و تبعه جماعة من المتأخّرين (6)؛ جمعاً بين الأخبار بحمل ما دل منها على الردّ على حال

ص:372


1- المقنعة:691.
2- السرائر 3:244.
3- التهذيب 9:295،الاستبصار 4:151.
4- التهذيب 9:1057/295،الإستبصار 4:569/151،الوسائل 26:205 أبواب ميراث الأزواج ب 5 ح 1.
5- الفقيه 4:192.
6- منهم ابن سعيد في الجامع:502،و العلّامة في التحرير 2:168،و الإرشاد 2:125،و الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 8):81.

الغيبة،و ما دل منها على عدمه على حال الحضور.

و لا شاهد عليه أصلاً،و لا موجب له جدّاً،سوى الحذر عن إهمال الحديث الصحيح لو لم يرتكب هذا الجمع،و لا وجه له بعد إمكان الجمع بغيره ممّا مرّ،بل جعله الشيخ أولى في التهذيب (1).

و منه يظهر ما في نسبة هذا القول إليه فيه (2)،بل و لو لم يجعله أولى كما في الاستبصار (3)لم تمكن النسبة أيضاً؛ لترديد الجمع بين الاحتمالين، مع عدم تصريحه بترجيح الجمع الذي يوافق هذا القول،مع أنّ احتمالاته في مقام الجمع في الكتابين و إن لم يقع فيها ترديد لم يمكن نسبة القول بها إليه فيهما،كما مضى التنبيه عليه مراراً،هذا.

و ربما يضعّف هذا الجمع بأنّ تخصيص ما دل على الردّ بحال الغيبة بعيد جدّاً؛ لأنّ السؤال فيه للباقر(عليه السّلام)وقع من رجل مات بصيغة الماضي، و أمرهم(عليهم السّلام)حينئذٍ ظاهر،و الدفع إليهم ممكن،فحمله على حال الغيبة المتأخرة عن زمن السؤال عن ميت بالفعل بأزيد من مائة و خمسين سنة أبعد كما قال ابن إدريس (4)ممّا بين المشرق و المغرب.

و فيه نظر،يظهر وجهه أوّلاً مما مرّ.

و ثانياً:أنّه على تقدير تسليمه إنّما يجري في الصحيح الذي مرّ حيث وقع التعبير فيه بلفظ الماضي،و ليس يجري في المعتبر الآخر القريب منه سنداً بابن أبي عمير عن أبان بن عثمان؛ لوقوع التعبير فيه بلفظ المضارع

ص:373


1- التهذيب 9:295.
2- نسبه إليه في المسالك 2:317.
3- الإستبصار 4:150،151.
4- السرائر 3:243.

المحتملة لحصول المبدأ في حال الغيبة،و لم يستفصل عنه و عن حصوله في حال الحضور،فيعمّ الجواب بالردّ عليها لهما،و أوّل من جمع بهذا الجمع هو الصدوق في الفقيه،و هو لم يرد فيه إلّا هذا الخبر،دون الصحيح الذي مرّ،و بمقتضى ما ذكره المضعّف لهذا الجمع من مراعاة مدلول صيغتي الماضي و المضارع يقوّى هذا الجمع،و يتوجّه من الصدوق،حيث إنّه ذكر ممّا دل على عدم الردّ ما وقع التعبير فيه بلفظ الماضي،و ما دل على الردّ بلفظ المضارع.

نعم لا يتوجه من الشيخ الذي هو مورد اعتراض الحلي؛ حيث اقتصر على ذكر الصحيح المتقدم.

و بالجملة الأجود في ردّ هذا الجمع ما قدمناه من عدم شاهد عليه، و الترجيح لجانب ما دل على عدم الردّ؛ لموافقته الأصل،و العمومات، و التعدّد بحدّ الاستفاضة،و غير ذلك ممّا سيأتي إليه الإشارة.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ الأوّل من هذه الأقوال أظهر مع أنّه أشهر،كما في عبائر جمع (1)،بل يستفاد من الانتصار عدم الخلاف فيه، فإنّه قال:و أمّا الزوجة فقد وردت رواية شاذّة بأنّها ترث المال كله إذا انفردت كالزوج،و لكن لا معول عليها،و لا تعمل الطائفة بها (2).و قريب منه كلام الحلي،حيث قال مشيراً إلى المختار:إنّه لا خلاف فيه[من (3)]محصّل متأمّل،إلّا رواية شاذّة لا يلتفت إليها (4).

ص:374


1- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:189،و السبزواري في الكفاية:304،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:304.
2- الانتصار:301.
3- في النسخ:بين،و ما أثبتناه من المصدر.
4- السرائر 3:242.

و هذه الأُمور من الشهرة المحكية،بل المحققة،و العبارات المعربة عن عدم الخلاف بين الطائفة معاضدات أُخر قويّة للأدلّة المتقدمة، فلا ريب أيضاً في هذه المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و إذا كنّ أي الزوجات،و إنّما جمع الضمير نظراً إلى معنى الخبر، و هو أكثر من واحدة فهنّ مشتركات في الربع مع عدم الولد أو الثمن معه اتفاقاً،فتوًى و نصّاً،و منه الصحيح المتقدم في البحث السابق (1)،و نحوه الصحيح الآتي في المسألة الاُولى من المسألتين (2).

و الخبر المنجبر قصوره بالعمل:«لا يزاد الزوج على النصف، و لا ينقص من الربع،و لا تزاد المرأة على الربع،و لا تنقص من الثمن،و إن كنّ أربعاً أو دون ذلك فهنّ فيه سواء» إلى أن قال الفضل الراوي له:و هذا حديث صحيح على موافقة الكتاب (3).

و ذكر الأربع فيه وارد على الغالب و المقرر بحسب أصل الشرع،و إلّا فلو فرض زيادتهنّ عليه اقتسمن أحد النصيبين بينهنّ أيضاً بالسوية، بلا خلاف،و به صرّح الحلي (4)،كما تقدمت إليه الإشارة،و ربما اقتضته إطلاق العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة.

و اعلم أنّ المعروف من مذهب الأصحاب أنّ مجرّد العقد مع عدم الدخول كافٍ في ثبوت التوارث بين الزوجين،ف ترث الزوجة زوجها و إن لم يدخل بها الزوج،و كذا الزوج يرثها و إن لم يدخل بها.

ص:375


1- راجع ص:365.
2- يأتي في ص:385.
3- الفقيه 4:657/188،التهذيب 9:964/249،الوسائل 26:196 أبواب ميراث الأزواج ب 2 ح 1.
4- السرائر 3:230.

و الأصل فيه بعد الإجماع،و عموم الكتاب و السنّة خصوص النصوص المستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها من المعتبرة،منها:في امرأة توفّيت قبل أن يدخل بها،قال:«فلها نصف المهر،و هو يرثها» و في رجل توفّي قبل أن يدخل بامرأته،قال:«إن كان فرض لها مهراً فلها نصفه،و هي ترثه» (1).

و منها:في الرجل يموت و تحته امرأة لم يدخل بها،قال:«لها نصف المهر،و لها الميراث كاملاً» (2)إلى غير ذلك من النصوص المتقدمة في كتاب النكاح في بحث المهور.

و يستثنى منه عند الأصحاب ما لو تزوّج المريض و مات في مرضه قبل الدخول بها،فإنّها لا ترثه،كما يأتي.

و (3) يتوارثان ما دامت المرأة في حبال الزوج و لو بعد الطلاق إذا كانت في العدّة الرجعية خاصّة دون البائنة،فلا توارث بينهما فيها، و لا بعد العدّة مطلقاً،إجماعاً في المقامين،و للنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة فيهما،تقدم في باب كراهة طلاق المريض إلى جملة منها الإشارة.

نعم يستثني عند الأصحاب من عدم التوارث في العدّة البائنة صورة واحدة،أشار إليها بقوله: لكن لو طلّقها حال كونه مريضاً ورثت منه هي خاصّة و إن كان الطلاق بائناً ما لم تخرج السنة من ابتداء الطلاق

ص:376


1- الكافي 6:6/119،التهذيب 8:510/147،الإستبصار 3:1220/341،الوسائل 21:328 أبواب المهور ب 58 ح 8.
2- الكافي 6:1/118،التهذيب 8:499/144،الإستبصار 3:1207/339،الوسائل 21:326 أبواب المهور ب 58 ح 1.
3- في المطبوع من المختصر(271)زيادة:كذا.

إلى حين موت الزوج و لم يبرأ الزوج من مرضه الذي طلّقها فيه و لم تتزوّج هي،و قد مضى الكلام مستوفى في كتاب الطلاق في الباب المتقدم إليه الإشارة،في هذه المسألة.

و في أنّه لا ترث المطلّقة بالطلاق البائن إلّا هنا أي في هذه الصورة المستثناة.

و يرث الزوج من جميع ما تركته المرأة التي توفّيت و هي في حبالته مطلقاً،ذا ولد كان منها أم لا،بإجماع المسلمين كافّة كما في الإيضاح و التنقيح (1)؛ للعمومات من الكتاب و السنة،مع اختصاص الأدلّة المخصّصة لها من النصوص المستفيضة،بل المتواترة،و الإجماعات المنقول حدّ الاستفاضة بالزوجة؛ مضافاً إلى خصوص بعض النصوص الآتية.

و كذا المرأة ترث الزوج من جميع ما تركه عدا العقار فلا ترث منه عيناً،إجماعاً،و خلاف الإسكافي (2)بإرثها منه أيضاً شاذّ، مسبوق بالإجماع و ملحوق به،كما في نكت الإرشاد و شرح الشرائع للصيمري و غيرهما (3)،و في صريح الانتصار و السرائر و المسالك و غيرها من كتب الجماعة و ظاهر الغنية (4)أنّ الحكم بذلك من متفرّدات الإمامية.

و أمّا الصحيح:عن الرجل،هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئاً،أو يكون ذلك بمنزلة المرأة؟فقال:«يرثها،و ترثه من كل شيء

ص:377


1- الإيضاح 4:240،التنقيح 4:190.
2- حكاه عنه في المختلف:736.
3- غاية المراد 3:583،غاية المرام 4:183،المهذب البارع 4:399.
4- الانتصار:301،السرائر 3:258،المسالك 2:333؛ و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):607،و الكفاية:302.

ترك،و تركت» (1).

فحمله على التقية متعيّن؛ لموافقته العامّة،كما صرّح به جماعة (2)، و يظهر من جملة من الروايات الآتية،و هو أولى من تخصيص العموم في جانب الزوجة بما عدا الأراضي؛ لمنافاته لسياق الرواية،و كذا من تخصيص الزوجة بذات الولد من الزوج؛ لعدم الشاهد عليه من إجماع أو رواية معتبرة،و إن اشتهر بين المتأخّرين كما سيأتي إليه الإشارة.

و لا قيمةً أيضاً،على الأشهر الأقوى،خلافاً للمرتضى (3).و هو ضعيف جدّاً،كما سيأتي بيانه مفصّلاً إن شاء اللّه تعالى.

و بالجملة لا شبهة في أنّها لا ترث من العقار شيئاً.

و ترث من قيمة الآلات أي آلات البناء من الأخشاب و الأبواب و الأبنية من الأحجار و الطوب (4)و غيرها،دون عينها،بلا خلاف فيهما ممّن عدا الإسكافي (5).

و خلافه في إرثها من عينها أيضاً كخلافه السابق شاذّ،لا يلتفت إليه؛ لاستفاضة النصوص قبل الإجماع بل تواترها على ردّه في المقامين،ففي الصحيح:«لا يرثن النساء من العقار شيئاً،و لهنّ قيمة البناء و الشجر و النخل» يعني بالبناء:الدور،و إنّما عنى من النساء:الزوجة (6).

ص:378


1- الفقيه 4:812/252،التهذيب 9:1075/300،الإستبصار 4:581/154،الوسائل 26:212 أبواب ميراث الأزواج ب 7 ح 1.
2- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:242،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:329،و المجلسيان في روضة المتقين 11:411،و ملاذ الأخيار 15:282.
3- الانتصار:301.
4- الطوب:الآجر.المصباح المنير:380،مجمع البحرين 2:111.
5- حكاه عنه في المختلف:736.
6- الفقيه 4:809/252،الوسائل 26:211 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 16.

و فيه:«لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً،و لكن يقوّم البناء و الطوب،و تعطى ثُمنها أو ربعها» (1).

و في الخبر:«لا ترث النساء من عقار الأرض شيئاً» (2).

و في آخر:«المرأة ترث الطوب و لا ترث من الرباع شيئاً» (3)الحديث.

و المراد بإرثها من الطوب إرثها من قيمته لا من عينه،كما في الأخبار المفصّلة،منها زيادة على ما مرّ الخبر:«إنّما جعل للمرأة قيمة الخشب و الطوب لئلا يتزوّجن فيدخل عليهم من يفسد مواريثهم» (4).

و في آخر:«إنّ النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئاً،و لكن لهنّ قيمة الطوب و الخشب» قال:قلت:إنّ الناس لا يأخذون بهذا،فقال:«إذا ولينا ضربناهم بالسوط،فإن انتهوا،و إلّا ضربناهم بالسيف» (5).

و في ثالث:«ليس للنساء من الدور و العقار شيء» (6)إلى غير ذلك من النصوص الآتية.

و اعلم أنّه قد اختلف الأصحاب فيما يحرم منه الزوجة،فمنهم من اقتصر على ما في العبارة من العقار خاصّة،كالمفيد و الحلي (7)؛ اقتصاراً في

ص:379


1- الكافي 7:6/129،الوسائل 26:208 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 7.
2- الكافي 7:4/128،الوسائل 26:208 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 6.
3- الكافي 7:5/128،قرب الاسناد:182/56،الوسائل 26:206 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 2.
4- الكافي 7:7/129،التهذيب 9:1068/298،الإستبصار 4:574/152،الوسائل 26:209 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 9.
5- الكافي 7:10/129،التهذيب 9:1069/299،الإستبصار 4:575/152،الوسائل 26:210 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 11.
6- الكافي 7:9/129،التهذيب 9:1070/299،الإستبصار 4:576/152،الوسائل 26:209 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 10.
7- المقنعة:687،السرائر 3:258.

تخصيص العمومات القطعية على القدر المتيقن المجمع عليه المصرّح به في النصوص المذكورة.

و منهم من طرد الحكم في أرض المزارع و القرى و غيرها، و بالجملة نفس الأرض مطلقاً،سواء كانت بياضاً أم مشغولة بزرع و شجر و بناء و غيرها،كالنهاية و القاضي و الحلبي و ابن حمزة (1)،بل ادّعى عليه الشهرة جماعة،كالفاضل في التحرير و القواعد و ولده في الشرح و الشهيدين في النكت و المسالك و المفلح الصيمري في شرح الشرائع و المقدس الأردبيلي-(رحمه اللّه) و صاحبي المفاتيح و الكفاية (2)،و بالجملة أكثر من وقفت على كلماتهم في المسألة،و مع ذلك اختاروه إلّا نادراً منهم،و هو أيضاً مذهب الماتن في الشرائع و الفاضل في المختلف و الإرشاد و الشهيد في الدروس و اللمعة (3)،و في الخلاف الإجماع عليه (4).

و هو الأظهر؛ للنصوص المستفيضة المصرّحة بذلك،ففي الصحيح:

«إنّ المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض،إلّا أن يقوّم الطوب و الخشب قيمة،فتعطى ربعها أو ثُمنها» (5).

ص:380


1- النهاية:642،القاضي في المهذّب 2:140،الحلبي في الكافي في الفقه:374،ابن حمزة في الوسيلة:391.
2- التحرير 2:168،القواعد 2:178،الإيضاح 4:240،غاية المراد 3:587،و المسالك 2:333،غاية المرام 4:183،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:450،المفاتيح 3:329،الكفاية:302.
3- الشرائع 4:34،المختلف:736،الإرشاد 2:125،الدروس 2:358،اللمعة(الروضة البهية 8):172.
4- الخلاف 4:116.
5- الكافي 7:3/128،التهذيب 9:1064/297،الإستبصار 4:570/151،الوسائل 26:207 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 5.

و فيه:«لا ترث ممّا ترك زوجها من القرى و الدور و السلاح و الدوابّ شيئاً،و ترث من المال و الفرش و الثياب و متاع البيت مما ترك،و تقوّم النقض و الأبواب و الجذوع و القصب،فتعطى حقّها منه» (1).

و نحوه الموثق:«لا ترث من تركة زوجها من القرى و الدور و السلاح و الدوابّ شيئاً،و ترث من المال و الرقيق و الثياب و متاع البيت مما ترك، و يقوّم النقض و الجذوع و القصب،فتعطى حقّها» (2).

و في القريب منه سنداً:«لهنّ قيمة الطوب و البناء و القصب و الخشب، فأمّا الأرض و العقارات فلا ميراث لهنّ فيه» قال:قلت:فالثياب؟قال:

«لهنّ» (3)و نحوه الخبر (4).

و في آخر:«لا يرثن من الأرض و العقارات شيئاً» (5).

و في ثالث:«لا يرثن من الدور و الضياع شيئاً،إلّا أن يكون أحدث بناءً،فيرثن ذلك البناء» (6)و المراد بإرثهنّ منه إرثهنّ من القيمة،بدلالة الأخبار المفصّلة.

ص:381


1- الكافي 7:2/127،التهذيب 9:1065/298،الإستبصار 4:571/151،الوسائل 26:205 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 1.
2- الفقيه 4:811/252،التهذيب 9:1072/299،الإستبصار 4:578/153،الوسائل 26:210 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 12.
3- الكافي 7:11/130،التهذيب 9:1071/299،الإستبصار 4:577/152،الوسائل 26:206 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 3.
4- الكافي 7:10/129،التهذيب 9:1069/299،الإستبصار 4:575/152،الوسائل 26:210 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 11.
5- الكافي 7:1/127،التهذيب 9:1066/298،الإستبصار 4:572/152،الوسائل 26:207 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 4.
6- التهذيب 9:1073/300،الإستبصار 4:579/153،الوسائل 26:210 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 13.

و في رابع:إنّ بكيراً حدثني عن أبي جعفر(عليه السّلام):«أنّ النساء (لا يرثن) (1)ممّا ترك زوجها من تربة دار و لا أرض،إلّا أن يقوّم البناء و الجذوع و الخشب،فتعطى نصيبها من قيمة البناء،و أمّا التربة فلا تعطى شيئاً من أرض و لا تربة» قال زرارة:هذا لا شك فيه (2).

و هذه الأخبار مع اعتبار سند جملة منها بالصحة و الموثقية،و انجبار باقيها بالشهرة العظيمة المحققة جدّاً و المحكية ظاهرة الدلالة على المختار.

و لا يقدح في حجية بعضها تضمّنه لما لا يقول به أحد من السلاح و الدوابّ؛ لأنّ طرح بعض الخبر لمعارض أقوى لا يوجب طرح ما لا معارض فيه،كما مرّ مراراً.

و ربما يؤوّل ذلك بأنّهما من الحبوة،أو موصى به،أو صدقة،أو نحوها ممّا لا ترث الزوجة و لا غيرها معه.

نعم ذلك نقص في مقام التعارض إذا كان المعارض موجوداً، و لا وجود له هنا سوى العمومات المتفق على تخصيصها و لو في الجملة كثيراً،و هو نقص أيضاً،فيتساوى النقصان،و الخاص مقدّم.

و أمّا الأخبار السابقة فلا معارضة فيها لهذه الأخبار بوجه؛ إذ غايتها إثبات الحرمان في العقارات،و لا تنافي بينه و بين إثباته من جملة الأراضي و لو كانت غيرها من هذه الأخبار بوجه أصلاً.

فلا وجه مع ذلك للقول الأوّل إلّا مراعاة تقليل التخصيص و الاقتصار

ص:382


1- في المصادر:لا ترث امرأة.
2- التهذيب 9:1077/301،الإستبصار 4:580/153،الوسائل 26:211 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 15.

فيه على المتيقن منه،و ليس بوجه؛ لوجوب الالتزام به و لو كثر بعد قيام الدليل عليه،و قد قام،كما ظهر لك في المقام.

و الاقتصار على المتيقن غير لازم،بل يكفي المظنون بعد حصول الظن به من الأخبار المزبورة،و منع حصوله منها أو عدم حجية مثلها بناءً إمّا على عدم حجية أخبار الآحاد،أو عدم قابليتها لتخصيص نحو عمومات الكتاب ضعيف،على الأشهر الأقوى،كما حقق في محله مستقصى.

و أمّا ما في شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي-(رحمه اللّه) و الكفاية (1)من المناقشات في جملة الأخبار الواردة في المسألة،و تأويلها بتأويلات بعيدة و تمحّلات غير سديدة فممّا لا ينبغي الالتفات إليه و العروج في مقام التحقيق عليه،و كفاه فساداً مخالفته لفهم الأصحاب كافّة،مع عدم تعرض أحد منهم لشيء منه أصلاً،و لو جرى أمثال هذه التأويلات في الروايات لا ندرس جملة الأحكام،و ما بقي لها أثر في محل و لا مقام.

ثم إنّ ظاهر العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة في الاقتصار فيما تحرم منه على العقار و الأبنية و الآلات عدم حرمانها من نحو الشجر و النخل،و هو أحد القولين في المسألة.

و الثاني:إلحاقه بالآلات،نسب إلى القواعد و الدروس و أكثر المتأخّرين (2)،و هو مذهب فخر الدين مدّعياً هو و والده و الصيمري و غيرهم (3)أنّه المشهور،بل الظاهر منهم أنّه لا خلاف فيه على المشهور،

ص:383


1- الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:445،الكفاية:303.
2- نسبه إليهم في المسالك 2:333،و هو في القواعد 2:178،و الدروس 2:358.
3- فخر الدين في الإيضاح 4:241،و والده في القواعد 2:178،و الصيمري في غاية المرام 4:183،المهذب البارع 4:402.

و في المسالك (1)أنّه ممنوع،كما يظهر من تتبّع عباراتهم.

و كيف كان فالأقرب الإلحاق؛ للتصريح به في بعض الصحاح المتقدمة (2).

مضافاً إلى إمكان استفادته من جُملة من النصوص النافية لإرثهنّ من العقار شيئاً،و النخل و الشجر منها،كما صرّح به جماعة (3)،و منهم بعض أهل اللغة بل جماعة (4).

و عدم التعرض فيها للقيمة غير ضائر بعد قيام الإجماع على ثبوتها؛ إذ لا قائل بالحرمان منهما عيناً و قيمةً؛ لتردّده بين الحرمان منه عيناً خاصّة أو عدمه بالكلية،فإذا ثبت الحرمان عيناً من هذه الأخبار ثبتت القيمة بعدم القائل بالفرق بين الطائفة.

مع أنّ في إثباتها مناسبة لإثباتها في الآلات و الأبنية،بل ربما ادّعي دخول الشجر في الآلات (5)،و إن كان بعيداً،مع ما فيه من تقليل التخصيص للعمومات.

و ظاهر شيخنا في المسالك (6)الميل إلى هذا،و في الروضة إلى الأوّل قائلاً:إنّ النصوص الصحيحة و غيرها دالّة عليه أكثر من دلالتها على القول

ص:384


1- المسالك 2:333.
2- في ص:6482،6483.
3- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:333،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:328،و انظر روضة المتقين 11:412.
4- منهم الجوهري في الصحاح 2:754،و ابن الأثير في النهاية 3:274،و الطريحي في مجمع البحرين 3:410.
5- الروضة 8:173.
6- المسالك 2:333.

المشهور بين المتأخّرين (1).و فيه نظر.

و للسيّد المرتضى علم الهدى (رحمه اللّه)في أصل المسألة قول ثالث تفرّد به،حيث إنّه يمنعها أي الزوجة من العين أي عين الرباع خاصّة دون القيمة فيثبتها لها؛ مراعاة للجمع بين العمومات و ما أجمع عليه الأصحاب من الحرمان بتخصيص الحرمان بالعين و إيجاب القيمة، على نحو ما اختاره في الحبوة.

و هو شاذّ و مستنده ضعيف؛ لظهور كلمات القوم قديمهم و حديثهم في الحرمان منها عيناً و قيمة،و إن اختلفوا في مقدار ما تحرم منه،و يشير إلى ذلك استنادهم إلى الأخبار،و هي كما عرفت صريحة في حرمانها من الأرض مطلقاً،عيناً و قيمةً،بدليل استثناء القيمة من آلاتها خاصّة.

و مع ذلك فهي حجة برأسها في خلافه،فإنّها ليست من الآحاد حتى لا يقال بحجيتها،أو لا يخصّص عموم الكتاب بها،و لو سلّم فالقرينة على صحتها من فتاوى الأصحاب موجودة جدّاً،فيكون من الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعية،و لا ريب في حجيتها لأحد حتى عنده،فتأمّل.

و اعلم أنّ مقتضى إطلاق العبارة و غيرها من عبائر الجماعة ممّا أُطلق فيه الزوجة عدم الفرق فيها بين كونها ذات ولد من زوجها أم لا،و هو الأقوى،وفاقاً لكثير من أصحابنا،كالكليني و المفيد و المرتضى و الشيخ في الاستبصار و الحلبي و ابن زهرة (2)ظاهراً،و الحلي و جماعة من المتأخّرين (3)

ص:385


1- الروضة 8:174.
2- الكليني في الكافي 7:127،المفيد في المقنعة:687،المرتضى في الانتصار:301،الاستبصار 4:154،155،الحلبي في الكافي في الفقه:374،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):607.
3- السرائر 3:259؛ كشف الرموز 2:464،مفاتيح الشرائع 3:328 329.

صريحاً،و في السرائر و عن الخلاف (1)الإجماع عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى إطلاق الأخبار السابقة،بل عمومها الثابت من صيغة الجمع في جُملة منها،و ترك الاستفصال في أُخرى،و عموم التعليل و وجه الحكمة في ثالثة.

خلافاً للصدوق و أكثر المتأخّرين (2)،فخصّوا الحكم بغير ذات الولد؛ تقليلاً للتخصيص؛ و عملاً بالمقطوع الغير المسند إلى إمام:إذا كان لهنّ ولد أُعطين من الرباع (3).و للجمع بين النصوص المتقدمة المختلفة في أصل الحرمان و عدمه بالكلية بحمل الأدلة على غير ذات الولد و الأخيرة على صاحبتها.

و في الجميع نظر؛ للزوم التخصيص و إن كثر بعد قيام الدليل عليه و لو من الإطلاق أو العموم،فإنّه في أفراد الخاص،و هو بالإضافة إلى أصل العمومات خاصّ فيقدّم عليها.

و المقطوع لا حجة فيه بعد القطع،و ليس مثل الإرسال ليجبر ضعفه بالشهرة و نحوها،كما صرّح به جماعة من أصحابنا (4).

و الجمع لا شاهد عليه،مع وضوح الجمع بغيره من حمل ما دلّ على عدم الحرمان بالكلية على التقية،كما تقدمت إليه الإشارة،و الاحتياط لا يترك هنا،بل في أصل المسألة أيضاً،فإنّه طريق السلامة.

ص:386


1- السرائر 3:259،الخلاف 4:116.
2- الفقيه 4:252؛ و القواعد 2:178،الإيضاح 4:241،و الشهيد في اللمعة(الروضة 8):172،التنقيح 4:192.
3- الفقيه 4:813/252،التهذيب 9:1076/301،الإستبصار 4:582/155،الوسائل 26:213 أبواب ميراث الأزواج ب 7 ح 2.
4- منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 11:444،و صاحب الكفاية:304.

و هنا فوائد مهمة يطول الكلام بذكرها جملة،إلّا أنّا نذكر منها ما لا بُدّ منه،و هو أنّ الظاهر كما صرّح به جماعة (1)من غير خلاف بينهم أجده أنّه لا فرق في الأبنية و المساكن على القول باعتبارها بين ما يسكنه الزوج و غيره،و لا بين الصالح للسكنى و غيره،كالحمّامات و الأرحية و غيرها إذا صدق عليه اسم البناء.

و أنّ المراد بالآلات المثبتة منها خاصّة دون المنقولة،فإنّها ترث من عينها إجماعاً،كما حكاه الصيمري في شرح الشرائع (2)،و لا فرق بين كونها قابلة للنقل بالفعل أو بالقوة،كالثمرة على الشجرة و الزرع على الأرض و إن لم يستحصد،أو كان بذراً،دون الشجر.

و أنّ كيفية التقويم للبناء و الآلات و الشجر على القول بانسحاب الحكم فيه أن يقوّم مستحق البقاء في الأرض مجاناً إلى أن يفنى،فيقدّر الدار كأنّها مبنية في ملك الغير على وجه لا يستحق عليها أُجرة إلى أن يفنى،و تعطى قيمة ما عدا الأرض من ذلك.

و ذكر الصيمري وجهاً آخر لكيفية التقويم أخصر من الأوّل،و هو أنّه يقوّم الأرض على تقدير خلوّها من الأبنية و الأشجار،ما يسوى؟فإذا قيل:

عشرة،مثلاً قوّمت اخرى مضافة إليهما،فإذا قيل:عشرون،مثلاً كانت شريكة في العشرة الزائدة.

و هل القيمة رخصة للورثة لتسهيل الأمر لهم حتى لو بذلوا الأعيان لم

ص:387


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:334،و الروضة 8:174،و السبزواري في الكفاية:304.
2- غاية المرام 4:184.

يكن لها طلب القيمة،أم على سبيل الاستحقاق؟فيه وجهان،و لعلّ الأقرب الأوّل،وفاقاً لجماعة من الأصحاب (1)،و إن كان الظاهر من النصوص وجوبها على الوارث على وجه قهري؛ لورودها في مقام توهّم تعيّن العين،فلا يفيد سوى إباحة القيمة،و سبيلها سبيل الأوامر الواردة مورد توهّم الحظر الغير المفيدة لذلك سواها،كما برهن في محله مستقصى؛ مضافاً إلى إشعار التعليل الوارد في جملة منها بذلك جدّاً.

خلافاً للصيمري و المحقق الثاني و الشهيد الثاني في المسالك و الروضة (2)،و الاحتياط معهم في الجملة.

و هنا

مسألتان:
الأُولى:إذا طلّق ذو الأربع نساء واحدة من الأربع و تزوّج أُخرى

مسألتان:

الأُولى:إذا طلّق ذو الأربع نساء واحدة من الأربع و تزوّج اخرى بعد العدّة،أو فيها إذا كانت بائنة،ثم مات و اشتبهت المطلّقة بين الأربع الأُول كان للأخيرة الخامسة المعلومة ربع الثمن مع الولد، و ربع الربع مع عدمه،و الباقي عن نصيبها بين الأربعة المشتبهة بينهنّ المطلّقة بالسوية بلا خلاف أجده،و لا نقله أحد من الطائفة،عدا الفاضل المقداد في التنقيح و الشهيدين في الدروس و المسالك و الروضة (3)، فنقلوه عن الحلي خاصّة،حيث صار إلى القرعة،فمن أخرجتها بالطلاق

ص:388


1- منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 11:451،و السبزواري في الكفاية:304.
2- الصيمري في غاية المرام 4:184،185،المسالك 2:334،الروضة 8:175.
3- التنقيح 4:193،الدروس 2:361،المسالك 2:332،الروضة 8:178.

منعت من الإرث،و حكم بالنصيب للباقيات بالسوية؛ لأنّ القرعة لكلّ أمر مشتبه إمّا مطلقاً،أو في الظاهر مع كونه متعيّناً عند اللّه تعالى،و الأمر هنا كذلك؛ لأنّ المطلّقة في نفس الأمر غير وارثة،و لأنّ الحكم بتوريث الجميع يستلزم توريث من يعلم عدم إرثه؛ للقطع بأنّ إحدى الأربع غير وارثة.

و هو حسن على أصله،و كذا على غيره لولا الشهرة المستندة إلى صريح بعض المعتبرة المروي في الكافي صحيحاً و التهذيب كذلك في باب ميراث المطلّقات و أواخر باب أحكام الطلاق،و موثّقاً في باب ميراث الأزواج،و فيه:أ رأيت إن هو خرج إلى بعض البلدان،فطلّق واحدة من الأربع،و أشهد على طلاقها قوماً من أهل تلك البلاد،و هم لا يعرفون المرأة،ثم تزوّج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدّة التي طلّقت،ثم مات بعد ما دخل بها،كيف يقسم ميراثه؟قال:«إن كان له ولد فإنّ للمرأة التي تزوّجها أخيراً من أهل تلك البلاد ربع ثُمن ما ترك،و إن عرفت التي طلّق من الأربع بعينها و اسمها و نسبها فلا شيء لها من الميراث،و عليها العدّة» قال:«و يقتسمن الثلاث نسوة ثلاثة أرباع ثُمن ما ترك بينهنّ،و عليهنّ العدّة،و إن لم يعرف التي طلّق من الأربع اقتسمن الأربع نسوة ثلاثة أرباع ثُمن ما ترك بينهنّ جميعاً،و عليهنّ جميعاً العدّة» (1).

و لو اشتبهت بواحدة أو باثنتين أو نحو ذلك،ففي انسحاب الحكم أو القرعة نظر،من الخروج عن النص،و تساويهما معنى،و استقرب الوجه الأوّل فخر الإسلام و شيخنا الشهيد الثاني في الروضة (2)،و إن اختار في

ص:389


1- الكافي 7:1/131،التهذيب 8:319/93،و 9:1062/296،الوسائل 26:217 أبواب ميراث الأزواج ب 9 ح 1.
2- إيضاح الفوائد 4:240،الروضة 8:181،و فيهما أنّه هو الأقوى.

المسالك (1)انسحاب الحكم،و توقف فيه الفاضل و الشهيد الأوّل (2)،و هو في محلّه،فلا بُدّ من الرجوع إلى الصلح.

الثانية:نكاح المريض مشروط بالدخول

الثانية:نكاح المريض مشروط بالدخول بمعنى أنّه لا يلزم بحيث يترتب عليه أحكامه من الإرث و نحوه فإن مات في مرضه ذلك قبله أي قبل الدخول فلا مهر لها و لا ميراث على الأشهر الأظهر،بل لا يكاد يتحقق فيه خلاف من أحد و لا تأمّل و لا نظر،إلّا من الماتن في الشرائع و الشهيد في الدروس (3)،حيث نسب الأوّل الحكم إلى الرواية، و الثاني إلى المشهور،و هو منهما مشعر بنوع تردّدٍ فيه لهما،و لعلّه من حيث مخالفته للعمومات القطعية من الكتاب و السنة،و خصوص إطلاق المعتبرة (4)الناطقة بجواز نكاح المريض بعد المنع عن طلاقه،من دون تقييد بالدخول،و لا اشتراط في لزومه.

و هو حسن لولا إطباق الفتاوى عليه،حتى منهما هنا و في اللمعة (5)المتأخّرة كالكتاب عن الكتابين السابقين،فهو رجوع منهما و جزم منهما بالحكم جدّاً.

و نسب الحكم في السرائر (6)إلى أصحابنا،مشعراً بكونه مجمعاً عليه

ص:390


1- المسالك 2:332.
2- القواعد 2:178،الدروس 2:361.
3- الشرائع 4:35،الدروس 2:358.
4- الوسائل 20:505 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 43.و ج 22:149(أبواب أقسام الطلاق ب 21.
5- اللمعة(الروضة البهية 8):172.
6- السرائر 3:283.

بيننا،كما عن صريح التذكرة (1).

و مع ذلك النصوص الصريحة المعتبرة سنداً مطبقة على ذلك أيضاً، ففي الصحيح المروي في الفقيه:عن رجل تزوّج في مرضه؟فقال:«إذا دخل بها فمات ورثته،و إن لم يدخل بها لم ترثه،و نكاحه باطل» (2).

و في نحوه المروي هو و ما يأتي في الكافي و التهذيب في باب طلاق المريض:«ليس للمريض أن يطلّق،و له أن يتزوّج،فإن هو تزوّج و دخل بها فهو جائز،و إن لم يدخل بها حتى مات في مرضه فنكاحه باطل، و لا مهر لها،و لا ميراث» (3).

و في القريب منهما سنداً بابني محبوب و بكير،المجمع على تصحيح ما يصح عنهما:عن المريض،إله أن يطلّق؟قال:«لا،و لكن له أن يتزوّج إن شاء،فإن دخل بها ورثته،و إن لم يدخل بها فنكاحه باطل» (4).

و المراد ببطلان العقد في هذه النصوص عدم لزومه على وجه يترتب عليه جميع أحكامه حتى بعد الموت من الميراث و العدّة،لا البطلان و عدم الصحة حقيقةً،و إلّا لزم عدم جواز وطئه لها في المرض بذلك العقد،مع أنّ صدرها كغيرها من الأخبار الدالّة على جواز نكاح المريض بقول مطلق يدل على خلافه.

ص:391


1- التذكرة 2:518.
2- الفقيه 4:724/228،الوسائل 26:231 أبواب ميراث الأزواج ب 18 ح 1.
3- الكافي:12/123،التهذيب 8:261/77،الإستبصار 3:1080/304،الوسائل 26:232 أبواب ميراث الأزواج ب 18 ح 3.
4- الكافي 6:1/121،الوسائل 26:232 أبواب ميراث الأزواج ب 18 ح 2.

و إن مات المريض في مرض آخر بعد برئه من المرض الأوّل،أو مات بعد الدخول،فلا ريب في صحة العقد،و لزومه،و ترتّب أحكامه؛ عملاً بالعمومات،و خصوص هذه الروايات جميعها في الفرض الثاني، و الصحيح الثاني منها في الفرض الأوّل؛ لتقييده البطلان بموته في مرضه، و به يقيّد الموت المطلق الموجب للبطلان في الآخرين،مع أنّ المتبادر منه فيهما المقيّد خاصّة.

و لو ماتت هي في مرضه الذي عقد فيه قبل الدخول بها،ففي توريثه منها إشكال ينشأ:

من أنّ صحة العقد و لزومه الموجب لترتّب جملة الأحكام عليه موقوفة على الدخول،أو البرء.

و من أنّ الحكم على خلاف الأُصول المقرّرة في الكتاب و السنة، فيقتصر فيه على مورد المعتبرة،و هو موته خاصّة.

و هذا أقوى،وفاقاً للروضة (1)؛ لمنع الدليل الأوّل،و احتمال الفرق بين موته و موتها في مرضه،حيث منع عن الإرث في الأوّل دون الثاني، باحتمال كون الحكمة في وجه المنع عن الإرث مقابلة المريض بضدّ قصده من الإضرار بالورثة بإدخال الزوجة عليهم،و بعبارة اخرى:كون الحكمة مراعاة حال الورثة،و هي في الفرض الثاني مفقودة،بل منعكسة،فينبغي الحكم فيه بالصحة،فتأمّل .

ص:392


1- الروضة 8:172.
المقصد الثالث:في الولاء
الأوّل:ولاء العتق

المقصد الثالث:

في بيان الإرث ب الولاء،و قد عرفت أنّ أقسامه ثلاثة مترتّبة.

الأوّل (1):ولاء العتق و الأصل فيه بعد الإجماع السنة المستفيضة، بل المتواترة من طرق العامّة و الخاصّة،و سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

و يختص الإرث به بالمعتِق دون المعتَق،فلا يرث مولاه المعتِق له، بلا خلاف فيه إلّا من الإسكافي و الصدوق في الفقيه (2)،فأورثا منه أيضاً كالعكس.و هو شاذّ،بل عن الشيخ و في التنقيح (3)على خلافه الإجماع، و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،فإنّ الإرث يحتاج إلى سبب شرعي،و لم يثبت في محل البحث؛ لاختصاص النصوص الدالّة على الإرث بإرث المولى من عتيقه خاصّة،و هي صحاح مستفيضة تضمّنت قولهم(عليهم السّلام):«الولاء لمن أعتق» (4).و ربما يفهم منه عدم الإرث في محل البحث،مع أنّ في المسالك و غيره (5)أنّ بعض ألفاظ الحديث:«إنّما الولاء» و هو أظهر دلالة.

ص:393


1- في المطبوع من المختصر(272):القسم الأوّل.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:752،الفقيه 4:224.
3- حكاه عن الشيخ في الدروس 2:214،و المفاتيح 3:306،و هو في الخلاف 4:84،و المبسوط 4:95،التنقيح 4:194.
4- الكافي 7:1/170،الفقيه 3:261/74،التهذيب 8:807/224،الوسائل 26:243 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 1 ح 1.
5- المسالك 2:336؛ و انظر المفاتيح 3:306.

و أمّا ما في الخبر:«الولاء لحمة كلحمة النسب» (1)فمع ضعف سنده بالسكوني مطلق يحتمل التقييد بما يوافق المذهب،كما نبّه عليه جدّي المجلسي-(رحمه اللّه) في شرحه على الفقيه (2)،و مع ذلك غير مكافئ لشيء ممّا مرّ من الحجج،نعم لو دار الولاء توارثا،كما لو أعتق العتيق أب المنعم.

و يشترط في الإرث به التبرّع بالعتق (3)و أن لا يتبرّأ من ضمان (4)جريرته حال إعتاقه.

فلو كان العتق على المعتق واجباً في كفّارة أو نذر و شبههما كان العبد المعتَق سائبة أي لا عقل بينه و بين معتِقه،قال ابن الأثير:

تكرّر في الحديث ذكر السائبة و السوائب،كان الرجل إذا أعتق عبداً فقال:

هو سائبة،فلا عقل بينهما و لا ميراث (5).

و كذا لو تبرّع بالعتق و لكن تبرّأ من ضمان الجريرة على الأظهر الأشهر في الشرط الأوّل،بل عليه عامّة من تأخّر،و نفى عنه الخلاف في السرائر (6)،و في الانتصار و الغنية (7)الإجماع عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،مع اختصاص النصوص المتقدمة بمباشرة العتق، فلا يشمل محل الخلاف و المشاجرة.

ص:394


1- الفقيه 3:281/78،الوسائل 23:75 أبواب العتق ب 42 ح 2.
2- روضة المتقين 11:319.
3- في«ح» زيادة:على الأظهر.
4- ليس في«ب» و«ر».
5- النهاية 2:431.
6- السرائر 3:25.
7- الانتصار:168،الغنية(الجوامع الفقهية):607.

و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،ففي الصحيح:«انظروا في القرآن، فما كان فيه: فتحرير رقبة فتلك السائبة التي لا ولاء لأحدٍ عليها إلّا اللّه تعالى،فما كان ولاؤه للّه تعالى فهو لرسوله،و ما كان لرسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)فإنّ ولاءه للإمام(عليه السّلام)،و جنايته على الإمام(عليه السّلام)،و ميراثه له» (1)و في معناه آخر (2).

و في ثالث:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)فيمن نكل بمملوكه:أنّه حرّ، و لا سبيل له عليه،سائبة،يذهب فيتوالى إلى من أحبّ،فإذا ضمن جريرته فهو يرثه» (3).

و في الخبر:الرجل أُعتق،إله أن يضع نفسه حيث شاء،و يتولّى من أحبّ؟فقال:«إذا أُعتق للّه تعالى فهو مولى للذي أعتقه،و إذا أُعتق و جعل سائبة،فله أن يضع نفسه حيث شاء،و يتولّى من شاء» (4).

خلافاً للمبسوط و ابن حمزة (5)في أُمّ الولد،فأثبتا الولاء لورثة مولاها بعد انعتاقها من نصيب ولدها،و نفى الأوّل الخلاف فيه.

و هو موهون بوجوده،مع مصير المشهور إلى الخلاف،و مع ذلك معارض بحكاية الإجماع و نفي الخلاف المتقدّمة.

ص:395


1- الكافي 7:2/171،التهذيب 9:1410/395،الإستبصار 4:748/199،الوسائل 26:248 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 6.
2- الكافي 7:7/171،الفقيه 3:293/81،التهذيب 8:925/254،الإستبصار 4:76/23،الوسائل 23:71 أبواب العتق ب 40 ح 2.
3- التهذيب 9:1411/395،الوسائل 26:245 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 1 ح 6.
4- الكافي 6:2/197،التهذيب 8:909/250،الوسائل 23:63 أبواب العتق ب 36 ح 1.
5- المبسوط 6:71،الوسيلة:344.

و لهما (1)أيضاً فيمن انعتق بالقرابة،فأوجبا الولاء لمن ملك أحد قرابته فانعتق عليه،سواء ملكه باختيار أو اضطرار؛ للموثق:في رجل يملك ذا رحمه،هل يصلح له أن يبيعه،أو يستعبده؟قال:«لا يصلح أن يبيعه،و لا يتّخذه عبداً،و هو مولاه،و أخوه في الدين،و أيّهما مات ورثه صاحبه،إلّا أن يكون وارث أقرب إليه منه» (2).

و فيه نظر،فإنّ الظاهر أنّ المراد بالإرث فيه الإرث الحاصل بالقرابة دون الولاء،و يؤيّده الحكم فيه بالتوارث من الطرفين،فلا حجة فيه لهما.

و يتصوّر الإرث بالولاء هنا مع كون العتق بالقرابة،و يشترط في العتق (3)بالولاء عدم المناسب مطلقاً،كما سيأتي فيما إذا كان صاحب الولاء غير مناسب للعتيق أصلاً مع كونه نازلاً منزلة من يكون العتق بسبب قرابته،بأن يكون صاحب الولاء قريباً لذلك القريب مع عدم قرابته للعتيق، و قد مات ذلك القريب،فصار قريبه الذي ليس من أقرباء العتيق صاحب الولاء،كما إذا اشترى رجل امّه فانعتقت عليه،و مات الرجل،و كان له أخ لأبيه خاصّة،و لا وارث للاُمّ نسباً أصلاً،فولاء الأُمّ للأخ المذكور.

و أما الصحيح:عن الرجل يعتق الرجل في كفّارة يمين أو ظهار،لمن يكون الولاء؟قال:«للذي يعتق» (4)فشاذّ،فليطرح،أو يحمل على ما إذا توالى إليه بعد العتق،أو على التقية،كما يستفاد من الانتصار (5)،حيث

ص:396


1- المبسوط 6:71،الوسيلة:343.
2- الفقيه 3:287/80،الوسائل 23:29 أبواب العتق ب 13 ح 5.
3- كذا،و لعلّ الأنسب:الإرث.
4- الفقيه 3:283/79،التهذيب 8:931/256،الإستبصار 4:86/26،الوسائل 23:78 أبواب العتق ب 43 ح 5.
5- الانتصار:168.

نسب خلافنا إلى الفقهاء الأربعة،أو على الإعتاق تطوّعاً في كفّارة غيره، كما دل عليه بعض الصحاح المتقدمة (1).

و لا خلاف في الشرط الثاني،بل في عبائر جمع (2)الإجماع عليه، و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة،منها الخبر القريب من الصحيح بابن محبوب المجمع على تصحيح رواياته:عن السائبة؟فقال:«الرجل يعتق غلامه،ثم يقول له:اذهب حيث شئت،ليس لي من ميراثك شيء،و لا عليّ من جريرتك شيء،و يشهد على ذلك» (3).

و في اشتراط الإشهاد في التبرّي قولان،و الأكثر على العدم؛ للأصل.

خلافاً للشيخ و الصدوق و الإسكافي (4)؛ للأمر به في الخبر المذكور و غيره،كالصحيح:«من أعتق رجلاً سائبة فليس عليه من جريرته شيء، و ليس له من الميراث شيء،و ليشهد على ذلك» (5).

و فيه:أنّ الأمر به أعمّ من ذلك و من كونه شرط الإثبات عند الحاكم لو ادّعاه،فلا مخرج عن الأصل بمثله،بل مقتضى الجمع بينهما حمله على الثاني.

ص:397


1- راجع ص:390،الرقم 5.
2- منهم العلّامة في التحرير 2:168،و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3:523،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:307.
3- الكافي 7:6/171،الفقيه 3:289/80،التهذيب 8:929/256،الاستبصار 4:84/26،المقنع:160،الوسائل 23:77 أبواب العتق ب 43 ح 2.
4- النهاية:669،المقنع:156،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:752.
5- التهذيب 8:928/256،الإستبصار 4:83/26،الوسائل 23:78 أبواب العتق ب 43 ح 4.

و هل يسقط التبرّي بعد العتق للإرث،أم لا،بل لا بُدّ منه حينه؟ وجهان،ظاهر الأكثر و صريح الفاضل في التحرير و الشهيد في الدروس (1)الثاني؛ و لعلّه لعموم:«الولاء لمن أعتق» (2)خرج منه ما لو تبرّأ من جريرته حال الإعتاق بالإجماع و الروايات،و بقي غيره مندرجاً تحته.

و هو حسن لولا إطلاق التبرّي فيما مرّ من النص المحتمل لوقوعه حال الإعتاق و بعده،سيّما مع عطف التبري على«يعتق» فيه ب«ثمّ» في الكافي و الفقيه،و هي حقيقة في التراخي،لكن الموجود في التهذيب و الاستبصار الواو بدل ثم.

و كيف كان النص معهما مطلق يشمل الصورتين،إلّا أن يدّعى تبادر التبرّي حال الإعتاق لا بعده،بقرينة السياق،و هو غير بعيد،مع أنّ مخالف الأكثر غير معلوم الوجود،و إن أشعر به عبارة التحرير و الدروس.

و لا يرث المعتِق عتيقه مع وجود مناسب له و إن بعد فإنّ الولاء بعد النسب،كما مر،بالإجماع،و آية اولي الأرحام (3)،و النصوص المستفيضة،منها الصحيح:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في خالة جاءت تخاصم في مولى رجل مات،فقرأ هذه الآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ [1] فدفع الميراث إلى الخالة،و لم يعط المولى» (4).

و يرث المولى عتيقه مع الزوج و الزوجة بعد أن يأخذ كل

ص:398


1- في«ر» زيادة:و المسالك.التحرير 2:168،الدروس 2:214،المسالك 2:335.
2- الوسائل 23:61،64 أبواب العتق ب 35،37.
3- الأنفال:75،الأحزاب:6.
4- الكافي 7:2/135،التهذيب 9:1183/329،الإستبصار 4:649/172،الوسائل 26:233 أبواب ميراث ولاء العتق ب 1 ح 3.

منهما نصيبه الأعلى،بلا خلاف،إلّا من الحلبي (1)-(رحمه اللّه) فمنع عن إرثه مع الزوج خاصّة،و جعل المال له كلّه،النصف تسمية و الباقي ردّاً،كما مضى (2).

و هو شاذّ،و مستنده غير واضح،و مع ذلك عموم:«الولاء لمن أعتق (3):و«و لحمة كلحمة النسب» (4)يردّه.

و إذا اجتمعت الشروط المتقدمة ورثه المنعم أي المعتق له، و اختص بتركته إن كان واحداً،و اشتركوا في المال إن كانوا أكثر يقتسمونه بينهم بالسوية مطلقاً،ذكوراً كانوا أو إناثاً أو مختلفين، بلا خلاف؛ لأنّ السبب في الإرث هو الإعتاق،فيتبع الحصّة،و لا ينظر فيها إلى الذكورة و الأُنوثة كالإرث بالنسب؛ لأنّ ذلك خارج بالنص و الإجماع، و إلّا لكان مقتضى الشركة خلاف ذلك.

و لو عدم المنعم فللأصحاب في تعيين الوارث للعتيق أقوال خمسة،لا ضرورة بنا إلى التطويل بنقلها جملة،مع عدم وضوح حججها، إلّا أنّ الأقرب إلى الأخبار منها قولان مشهوران:

أحدهما:ما استظهره الماتن هنا بقوله: أظهرها انتقال الولاء إلى الأولاد الذكور،دون الإناث،فإن لم يكن الذكور فالولاء لعصبته الذين يعقلون عنه إذا أحدث حدثاً،من إخوته و جدوده و عمومته و أبنائهم.

كل ذا إذا كان المعتق رجلاً.

و لو كان المعتِق امرأة ف ينتقل الولاء إلى عصبتها دون أولادها

ص:399


1- الكافي في الفقه:374.
2- راجع ص:363.
3- تقدّمت مصادرهما في ص:389.
4- تقدّمت مصادرهما في ص:389.

مطلقاً، و لو كانوا ذكوراً استناداً في اختصاص الأولاد الذكور من المعتق الرجل بالإرث إلى الصحيح،و هو طويل،و فيه:«و إن كانت الرقبة على أبيه تطوّعاً،و قد كان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمة،فإنّ ولاء المعتَق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال» (1)الحديث.

و الخبر:عن رجل مات،و كان مولى لرجل،و قد مات مولاه قبله، و للمولى ابن و بنات،فسأله عن ميراث المولى؟فقال:«هو للرجال دون النساء» (2).

و في اختصاص عصبة المنعم بالولاء مع فقد الولد الذكر إلى الصحيح:قضى(عليه السّلام)في رجل حرّر رجلاً فاشترط ولاءه،فتوفّي الذي أعتق،و ليس له ولد إلّا النساء،ثم توفّي المولى و ترك مالاً و له عصبة، فاحتقّ في ميراثه بنات مولاه و عصبته،فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه (3).

و فيه أيضاً دلالة على منع البنات عن الميراث،لكن في دلالته على المستدل به عليه نظر،فإنّ ظاهر قوله:ثم توفّي المولى و ترك مالاً و عصبة، أنّ العصبة للمولى و هو العتيق،لا المنعم كما هو المدّعى،و الاحتقاق و هو التخاصم إنّما وقع بين بنات المنعم و عصبة العبد،فلا دلالة فيه على

ص:400


1- الكافي 7:7/171،التهذيب 8:925/254،الإستبصار 4:76/23،الوسائل 23:71 أبواب العتق ب 40 ح 2.
2- التهذيب 9:1419/397،الوسائل 26:239 أبواب ميراث ولاء العتق ب 1 ح 18.
3- التهذيب 8:923/254،الإستبصار 4:77/24،الوسائل 23:71 أبواب العتق ب 40 ح 1.

ما ذكر.

و في منع أولاد المعتقة مطلقا و إعطاء الإرث لعصبتها إلى الصحاح، منها:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)على امرأة أعتقت رجلاً،و اشترطت ولاءه، و لها ابن،فألحق ولاءه لعصبتها الذين يعقلون عنها،دون ولدها» (1).

و لا معارض لها،مع كثرتها،و اشتهارها،بل نفى الخلاف عنها في الاستبصار و الخلاف (2)،و فيه و في السرائر (3)الإجماع عليه.

و من هنا يظهر عدم إشكال في الحكم من جهة عصبة المعتقة،و إنّما هو في اختصاص إرث المعتِق بأولاده الذكور دون الإناث،كما استظهره الماتن هنا،وفاقاً للشيخ في النهاية و الإيجاز (4)،و تبعه القاضي و ابن حمزة (5)،و تبعهم من المتأخّرين جماعة (6)،حتى أنّه في التحرير و شرح الشرائع للصيمري (7)ادّعي عليه الشهرة.

أو اشتراكهم أجمع في إرثه،كما هو القول الثاني للشيخ في الخلاف و الحلي في السرائر و الشهيد في الدروس (8)،ينشأ:

من دلالة النصوص الصحيحة المتقدمة على الاختصاص.

ص:401


1- التهذيب 8:921/253،الإستبصار 4:80/25،الوسائل 23:70 أبواب العتق ب 39 ح 1.
2- الاستبصار 4:173،الخلاف 4:81.
3- الخلاف 4:81،السرائر 3:24.
4- النهاية:547،الإيجاز(الرسائل العشر):277.
5- المهذّب 2:154،الوسيلة:397.
6- منهم العلّامة في التحرير 2:169،و الشهيد الثاني في الروضة 8:185،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:307.
7- التحرير 2:169،غاية المرام 4:188.
8- الخلاف 4:79،السرائر 3:23،الدروس 2:216.

و من الموثق الصريح في العدم:قال(عليه السّلام):«مات مولى لحمزة بن عبد المطلب،فدفع رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ميراثه إلى بنت حمزة» (1).

و الأوّلة و إن كانت صحيحة إلّا أنّها موافقة للعامّة،كما صرّح به الشيخ و الحسن بن محمّد بن سماعة الذي هو أحد رواة هذه الموثقة،فإنّه قال في آخرها:هذه الرواية تدل على أنّ المرأة ترث الولاء،ليس كما يروون العامّة (2).

و اختار هذا في الكفاية (3)،مؤيّداً له بعموم:«الولاء لحمة كلحمة النسب» (4)في الخبر القوي بالسكوني المجمع على تصحيح رواياته عموماً، كما عن الشيخ (5)،و خصوصاً كما ادّعاه الحلي (6)من الخاصّة و العامّة، و طاعناً في دلالة الصحيحة الاُولى من النصوص المتقدمة،قال:فإنّ محل الاستدلال فيها قوله:«فإنّ ولاء المعتَق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال» قال:و هو مبني على أنّ«من الرجال» قيد الولد،مع أنّه يحتمل أن يكون قيداً للميت لا للولد،و حينئذٍ لا يكون للخبر دلالة على اختصاص الولاء بالذكور من الأولاد.و فيه نظر.

و المسألة عند الفقير محل إشكال،و إن كان لا بأس بالقول الأخير؛ لاعتضاد الموثقة بمخالفة العامّة و القويّة المتقدمة،مع صراحتها بلا شبهة، و الكثرة و الصحة في الأخبار الأوّلة لم تبلغ حدّ المقاومة لهذه المرجّحات

ص:402


1- الكافي 7:6/170،التهذيب 9:1191/331،الإستبصار 4:652/172،الوسائل 26:236 أبواب ميراث ولاء العتق ب 1 ح 10.
2- التهذيب 9:331،الاستبصار 4:173.
3- الكفاية:305.
4- المتقدم في ص:389.
5- العُدّة 1:380.
6- السرائر 3:24.

المزبورة،سيّما مع مخالفة العامة.

نعم ربما عارضها الشهرة المحكية،بل الظاهرة،كما عرفت،لكنّها ليست شهرة مفيدة لتلك المظنّة القويّة الجابرة أو المرجّحة و الفائقة غيرها من المرجّحات المقابلة مثل مخالفة العامّة،مع أنّ في اللمعة (1)جعل المشهور كون الولاء للأولاد الذكور منهم و الإناث مطلقاً،ذكراً كان المنعم أو امرأة،لكنه عجيب كما في الروضة (2)؛ لأنّه مذهب الصدوق (3)خاصّة،كما صرّح به في الدروس و جماعة (4)،هذا.

مع أنّ المحكي عن الخلاف (5)دعواه الإجماع على مجموع ما اختاره فيه،حتى توريث بنات المنعم،فيكون هو حجة أُخرى زيادة على ما مضى.

و اعلم أنّ المشهور بين الأصحاب أنّه يترتّب من يرث ترتّبهم في النسب؛ لحديث اللحمة المتقدم،و خصّ بما مرّ للأدلة المتقدمة،فيشارك الأب الأولاد،و كذا الجدّ و الأخ من قبله،أمّا الأُمّ فيبنى إرثها على ما سلف، و المشهور أنّه تشاركهم أيضاً؛ و لعلّه لعموم الحديث المتقدم،و إنّما الخارج منه بالنصوص الصحيحة البنات خاصّة،و هو لا يستلزم خروج الاُمّ منه أيضاً،فتأمّل .و خلاف الإسكافي (6)في تقديمه الولد على الأبوين،و الجدّ على

ص:403


1- اللمعة(الروضة البهية 8):183.
2- الروضة 8:186.
3- الفقيه 4:224.
4- الدروس 2:215؛ المهذب البارع 4:407،الروضة 8:184،الكفاية:305.
5- الخلاف 4:79 81.
6- حكاه عنه في الدروس 2:216.

الأخ شاذّ ضعيف،و إن قيل (1):يساعده ظاهر الصحيح المتقدم (2)، المتضمّن لقوله(عليه السّلام):كان ولاء العتق ميراثاً لجميع ولد الميت من الرجال؛ لما عرفت من قوة احتمال وروده مورد التقية،و ربما يؤيّده موافقة الإسكافي،كما مرّ غير مرّة.

و حيث خصّ الإرث بالولاء في النصوص المتقدمة بالعصبة الذين يعقلون ظهر أنّه لا يرث الولاء الأخوات و الجدّات و إن كنّ من أبيه؛ لأنّهنّ لا يعقلن،كما لا يعقل من يتقرّب بأُمّ المنعم من الإخوة و الأخوات و الأخوال و الخالات و الأجداد و الجدّات،فلا يرثون أيضاً.

و هل يورث الولاء كما يورث به؟قولان،أشهرهما:العدم؛ للأصل؛ و لأنّه ليس مالاً يقبل النقل، و لهذا لا يصح بيعه و لا هبته و لا اشتراطه في بيع و نحوه،بلا خلاف،بل إجماعاً،كما في التنقيح (3)؛ للقوي المتقدم:«الولاء لحمة كلحمة النسب،لا يباع و لا يوهب» (4).

و الصحيح:«أنّ عائشة قالت للنبي(صلّى اللّه عليه و آله):إنّ أهل بريرة اشترطوا ولاءها،فقال(صلّى اللّه عليه و آله):الولاء لمن أعتق،و أبطل شرطهم» (5).

خلافاً لظاهر الماتن هنا و في الشرائع و جماعة (6)،فجعلوه موروثاً، لأنّه من الحقوق المتروكة،فكان داخلاً تحت عموم الإرث.

و فيه نظر يظهر وجهه ممّا مرّ،إلّا أنّ ذلك ظاهر الصحيح المتقدم

ص:404


1- قاله السبزواري في الكفاية:306.
2- في ص:395.
3- التنقيح الرائع 4:198.
4- في ص:389.
5- الكافي 6:4/198،التهذيب 8:907/250،الوسائل 23:64 أبواب العتق ب 37 ح 1.
6- الشرائع 4:36،الخلاف 4:79،السرائر 3:23،التحرير 2:169.

المتضمّن لأنّ ولاء العتق ميراث لجميع ولد الميت،و نحوه الصحاح الواردة في توريث عصبة المعتقة دون ولدها،منها زيادة على ما مضى:عن امرأة أعتقت مملوكاً،ثم ماتت؟قال:«يرجع الولاء إلى بني أبيها» (1).

و منها:«يكون ولاؤها لأقرباء امّه من قبل أبيها،و تكون نفقتها عليهم حتى تدرك،و تستغني» قال:«و لا يكون للذي أعتقها عن امّه شيء من ولائها» (2)و نحوها غيرها ممّا يأتي.

و العجب من الأصحاب عدم استدلالهم لهذا القول بها،و لعلّهم فهموا منها الإرث به،لا كونه موروثاً،لكنه خلاف الظاهر،كما اعترف به شيخنا في المسالك (3)في شرح قول الماتن:و يرث الولاء الأبوان و الأولاد،فإنّه قال:و يفهم منه كونه موروثاً،فيقوى العجب منه في عدم استدلاله بها، و لا سيّما الصحيح الأوّل منها؛ لكونه كعبارة الماتن في تضمّنه لفظ إرث الولاء مضاهياً،و لعلّ هذا أقوى.

و تظهر الفائدة في مواضع،منها:ما لو مات المنعم قبل العتيق، و خلف وارثاً غير الوارث بعد موت العتيق،كما لو مات المنعم عن ولدين، ثم مات أحدهما عن أولاد،ثم العتيق،فعلى الأشهر يختصّ الإرث بالولد الباقي،و يشاركه أولاد الولد الميت على الآخر.

و اعلم أنّه كما يرث المولى عتيقه كذلك يرث أولاد عتيقه مع فقد النسب،بلا خلاف؛ للصحاح المستفيضة،منها:عن رجل اشترى عبداً،له

ص:405


1- التهذيب 8:922/254،الإستبصار 4:81/25،الوسائل 23:70 أبواب العتق ب 39 ح 2.
2- التهذيب 8:924/254،الإستبصار 4:82/25،الوسائل 23:70 أبواب العتق ب 39 ح 3.
3- المسالك 3:336.

أولاد من امرأة حرّة،فأعتقه؟قال:«ولاء ولده لمن أعتقه» (1).

و منها:في العبد تكون تحته الحرّة،قال:«ولده أحرار،فإن أعتق المملوك لحق بأبيه» (2).

و منها:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في مكاتب اشترط عليه ولاؤه إذا أعتق،فنكح وليدة لرجل آخر،فولدت له ولداً،فحرّره،ثم توفّي المكاتب،فورثه ولده،فاختلفوا في ولده،من يرثه؟» قال:«فألحق ولده بموالي أبيه» (3).

و لكن في نصوص أُخر ما ربما يتوهم منه المخالفة لذلك،منها الصحيح:دخلت على أبي عبد اللّه(عليه السّلام)و معي علي بن عبد العزيز،فقال لي:

«من هذا؟» فقلت:مولى لنا،فقال:«أعتقتموه،أو أباه؟» فقلت:بل أباه، فقال:«ليس هذا مولاك،هذا أخوك و ابن عمّك،و إنّما المولى الذي جرت عليه النعمة،فإذا جرت على أبيه فهو أخوك و ابن عمّك» (4).

لكنّها مع ضعف سند أكثرها شاذّة،محتملة للحمل على أنّه ليس معتقاً،و عدم كونه مولى بهذا المعنى لا يستلزم انتفاء الولاء،و لا تلازم بينهما،و به صرّح الشيخ (5)أيضاً،مستشهداً له بالخبر:«المعتق هو المولى،

ص:406


1- الكافي 7:4/170،الفقيه 3:285/79،التهذيب 8:910/250،الإستبصار 4:66/21،الوسائل 23:66 أبواب العتق ب 38 ح 1.
2- التهذيب 8:911/251،الإستبصار 4:67/21،الوسائل 23:66 أبواب العتق ب 38 ح 2.
3- الفقيه 3:275/77،التهذيب 8:912/251،الإستبصار 4:68/21،الوسائل 23:66 أبواب العتق ب 38 ح 3.
4- الكافي 6:3/199،الفقيه 3:286/79،التهذيب 8:917/252،قرب الاسناد:133/41،الوسائل 23:69 أبواب العتق ب 38 ح 11.
5- التهذيب 8:253،الإستبصار 4:23.

و الولد ينتمي إلى من يشاء» (1).

و حيث قد عرفت ذلك فاعلم أنّه يصح جرّه أي الولاء من مولى الأُمّ إلى مولى الأب إذا كان الأولاد مولودين على الحرّية تبعاً لحرّية أُمّهم،بيان ذلك:أنّه إذا أُعتقت الأُمّ أوّلاً،ثم حملت بهم،و أبوهم رقّ، فولاؤها و ولاء أولادها لمولاها؛ لعدم إمكانه من جهة الأب؛ إذ لا ولاء عليه،و لمعتق الاُمّ عليهم نعمة،فإنّهم عتقوا بعتقها،فإن ماتوا و الأب رقيق بعد ورثهم معتق الاُمّ بالولاء و لو عتق الأب بعد ذلك.

و أمّا لو عتق قبله انجرّ ولاؤهم من مولى الأُمّ إلى مولاه؛ للصحاح المتقدمة،و لأنّ ثبوت الولاء لمولاها كان لضرورة أنّه لا ولاء على الأب، فإذا وجد قدّم كما يقدّم عليه لو كان معتقاً قبل عتق الأُمّ أو معه؛ لأنّ الولاء تلو النسب(بمقتضى حديث اللحمة المتقدم) (2)و النسب إلى الآباء دون الأُمّهات.

و إنّما اشترط الولادة على الحرّية احترازاً عمّا لو ولدوا على الرقّية ثم أعتقوا،فإنّ ولاءهم حينئذٍ لمباشر عتقهم،كائناً من كان،لا ينجرّ ولاؤهم إلى معتق أبيهم؛ لأنّ نعمة من أعتقهم عليهم أعظم من نعمة من أعتق بعض أُصولهم،فيخصّ بولائهم.

و لا فرق في ذلك بين أن يعتقوا منفصلين أو حملاً مع أُمّهم، فلا ينجرّ ولاؤهم من معتقهم على تقدير فقده و فقد عصبته إلى معتق أُمّهم؛ لأنّ ولاء المباشرة لا ينجرّ مطلقا،و إنّما ينجرّ ولاء غيرها من الأضعف إلى الأقوى.

و لا أجد خلافاً في شيء من ذلك،و لا في اشتراط كون الحرّية

ص:407


1- الفقيه 3:288/80،التهذيب 8:919/253،الإستبصار 4:75/23،الوسائل 23:67 أبواب العتق ب 38 ح 7.
2- ما بين القوسين ليس في«ر».

المعتبرة ولادتهم عليها حرّية عرضية حاصلة بالعتق،لا أصلية،و نفى عنه و عن جميع ما مرّ الخلاف في السرائر (1)،و ادّعى عليه الاتفاق في المسالك (2)و غيره.

لكن جملة من الصحاح المتقدمة بإرث معتق الأب أولاد زوجته الحرّة مطلقة،بل ربما كان بعضها ظاهراً في اختصاص حكم الجرّ بما إذا كانت حرّة الأصل،كالصحيح:عن حرّة زوّجتها عبداً لي،فولدت لي منه أولاداً،ثم صار العبد إلى غيري،فأعتقه،إلى من ولاء ولده؟إليّ إذا كانت أُمّهم مولاتي؟أم إلى الذي أعتق أباهم؟فكتب:«إن كانت الأُمّ حرّة جرّ الأب الولاء،و إن كنت أنت أعتقت فليس لأبيه جرّ الولاء» (3).

و لم أر أحداً من الأصحاب تنبّه أو نبّه على ذلك،عدا خالي العلّامة المجلسي-(رحمه اللّه) في الحاشية المنسوبة إليه على هذه الرواية،فإنّه قال:

ظاهرها اختصاص حكم الجرّ بما إذا كانت حرّة الأصل،كما هو ظاهر الأخبار السابقة،على خلاف ما ذكره الأصحاب و أجمعوا عليه،فتدبّر.

ثم قال في توجيهها و تطبيقها لما ذكروه:و لعلّ المراد أنّك إذا أعتقت الأُمّ فصار عتقها سبباً لعتق الأولاد التي حصلت بعد العتق فحينئذٍ ينجرّ الولاء إلى مولى الأب،و إن كنت أعتقت الأولاد أنفسهم فولاؤهم لك و لا ينجرّ،و اللّه يعلم (4).

أقول و باللّه التوفيق-:لعلّ الوجه في اتفاق الأصحاب على ما مرّ أنّ الحرّية الأصلية في أحد الأبوين تستتبع حرّية الأولاد،فيكون حرّيتهم من

ص:408


1- السرائر 3:263.
2- المسالك 2:336.
3- التهذيب 8:913/251،الإستبصار 4:69/21،الوسائل 23:67 أبواب العتق ب 38 ح 4.
4- ملاذ الأخبار 13:502.

جهتها،لا من جهة العتق،و الولاء إنّما يكون على من حصلت له الحرّية به لا بها،فإنّ الولاء من توابع العتق،لا الحرّية مطلقا،و لذا قالوا(عليهم السّلام):

«الولاء لمن أعتق» (1)و لا عتق هنا بالإضافة إلى الأولاد مطلقاً و لو تبعاً؛ لامتناع حصول الحاصل،فتأمّل جدّاً .و حينئذٍ ينبغي تقييد النصوص المتقدمة بحمل الحرّة فيها على المعتقة خاصّة،و حمل الرواية الأخيرة على ما حملها عليه خالي العلّامة (2).

و على كل حال،فالنصوص المزبورة صريحة الدلالة على أصل حكم الجرّ و لو في الجملة؛ مضافاً إلى النصوص الأُخر،كالمرسل كالموثق:«يجرّ الأب الولاء إذا أُعتق» (3).

فما يوجد في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد الثاني على كتابه المسالك في مسألة الجرّ:أنّه ليس في بابه نص مطلقا،و إنّما هو اعتبار؛ غريب،إلّا أن يكون مراده من المنفي ما يتضمّن أحكام الجرّ كلا بنحو ما ذكره الأصحاب.

و اعلم أنّهم ذكروا من غير خلاف يعرف بينهم أنّه إذا فقد المولى و قرابته الوارثون للولاء يرثه مولى المولى،فإن عدم فقرابة مولى المولى، على تفصيل قرابة المولى،فإن فقد الجميع فمعتق أب المعتق،ثم معتق هذا المعتق،و هكذا كالأوّل.

و لا نصّ فيه،و كأنّهم استنبطوه من حديث اللحمة المتقدم (4)، و لا بأس به.

ص:409


1- راجع ص:389.
2- راجع ص:404.
3- التهذيب 8:914/252،الإستبصار 4:70/22،الوسائل 23:67 أبواب العتق ب 38 ح 5.
4- في ص:389.
القسم الثاني:ولاء تضمّن الجريرة

القسم الثاني:

ولاء تضمّن الجريرة و هي الجناية:

اعلم أنّ من توالى إنساناً بأن يضمن ذلك الإنسان حدثه و جنايته و يكون ولاؤه المورث به له،ثبت له أي للضامن الميراث بلا خلاف فيه بيننا،بل عليه الإجماع في عبائر كثير من أصحابنا،كالغنية و المسالك و الكفاية و غيرها (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة،و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيحين«إذا والى الرجل الرجل فله ميراثه،و عليه معقلته» (2).

و في الصحيح:عن مملوك أُعتق سائبة؟قال:«يتولّى من شاء،و على من تولّى جريرته،و له ميراثه» (3)الخبر،و نحوه الموثق (4)،هذا.

مع أنّه على ما ذكره الأصحاب عقد كان سائغاً في صدر الإسلام،بل في الجاهلية أيضاً،فيشمله عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [1] (5) و مقتضاه اللزوم،

ص:410


1- الغنية(الجوامع الفقهية):608،المسالك 2:338،الكفاية:306؛ المفاتيح 3:310.
2- الأوّل في:الكافي 7:3/171،الوسائل 26:244 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 1 ح 2. و الثاني في:التهذيب 9:1413/396،الوسائل 26:244 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 1 ح 4.
3- الكافي 7:4/171،الفقيه 3:290/80،التهذيب 8:927/255،الإستبصار 4:747/199،الوسائل 23:73 أبواب العتق ب 41 ح 1.
4- التهذيب 9:1406/394،و 1409/395،الاستبصار 4:746/199،الوسائل 26:244 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 1 ح 3،و 249 ب 3 ح 9.
5- المائدة:1.

كما هو المشهور،وفاقاً للحلي (1)،و ظاهره الإجماع عليه،و هو حجة أُخرى مستقلة،فليس لكل منهما فسخه و نقل الولاء إلى الغير.

خلافاً للشيخ و ابن حمزة (2)،فجائز،إلّا أن يعقل عنه؛ للأصل.

و يندفع بما مر.

و على المختار فيعتبر فيه ما يعتبر في سائر العقود اللازمة.

و صورة عقده أن يقول المضمون:عاقدتك على أن تنصرني،و تدفع عنّي،و تعقل عنّي،و ترثني،فيقول الضامن:قبلت،و لو اشترك العقد بينهما قال أحدهما:على أن تنصرني و أنصرك،و تعقل عني و أعقل عنك، و ترثني و أرثك،أو ما أدّى هذا المعنى،فيقبل الآخر.

و لا يتعدّى الإرث عن الضامن إلى أقاربه و ورثته،على المشهور،بل في الغنية (3)عليه الإجماع؛ قصراً للحكم على موضع الشرط، و وقوفاً على اليقين فيما خالف الأصل.

خلافاً للمحكي في السرائر و المختلف عن ظاهر المقنعة (4)،حيث سوّى بين هذا الولاء و ولاء العتق في جميع الأحكام الثابتة له.

و حجته مع ندرته غير واضحة.

و لا يصح أن يضمن الجريرة إلّا عن سائبة،كالمعتق في النذر و الكفّارات أو تبرّعاً مع التبرّي عن جريرته،كما مرّ أو

ص:411


1- السرائر 3:265.
2- الخلاف 4:120،الوسيلة:398.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):608.
4- السرائر 3:265،المختلف:740،و هو في المقنعة:694.

ع من كان حرّ الأصل لكن لا وارث له مطلقاً و لو معتِقاً،فإنّ هذا الإرث متأخّر عن الإرث بالنسب و العتق،بلا خلاف،بل في ظاهر الغنية (1)الإجماع عليه،و ربما كان في النصوص الصحيحة (2)دلالة عليه.

و على أنّه لا يرث الضامن إلاّ مع فقد كل مناسب (3)و مع فقد المعتِق عتقاً يرث به الولاء،مع أنّه لا خلاف فيه أيضاً.

و الفرق بين هذا الحكم و السابق مع اشتراكهما في اشتراط فقد المناسب و المعتِق أنّ ذلك شرط صحة العقد و هذا شرط الإرث،و المعنى أنّه مع صحة العقد و اجتماع شرائطه لا يثبت الإرث للضامن إلّا مع فقد الوارث المذكور عند موت المضمون أيضاً،فلو فرض تجدّد وارث للمضمون،بأن تزوّج بعد العقد و ولد له أولاد كان إرثه لهم،دون الضامن و إن كان سببه صحيحاً سائغاً.

و يتصوّر تجدّد العتق على العقد بأن يكون إسلامه طارئاً،ثم يكفر بعد العقد،و يلتحق بدار الحرب،و يسترقّ،فيعتقه مولاه،فإنّه يقدّم ولاء العتق على الضامن المتقدّم.

و يرث معه الزوج و الزوجة نصيبهما الأعلى من النصف أو الربع و ما بقي عنه كان له أي للضامن،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية (4)؛ للعمومات،و خصوص ما مرّ من النصوص الدالّة على دخولهما

ص:412


1- الغنية(الجوامع الفقهية):607.
2- انظر الوسائل 26:243 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 1.
3- في«ح» زيادة:و إن بعد.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):608.

على جميع طبقات الورثة (1).

و هو أي الضامن أولى من بيت مال الإمام (عليه السّلام)،بلا خلاف، بل في الغنية عليه الإجماع (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيحين:«من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال» (3)و نحوهما الموثق (4)و غيره (5).

و في الصحيح:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)فيمن أعتق عبداً سائبةً:أنّه لا ولاء لمواليه عليه،فإن شاء توالى إلى رجل من المسلمين،فليشهد أنّه يضمن جريرته و كل حدث يلزمه،فإذا فعل ذلك فهو يرثه،و إن لم يفعل ذلك كان ميراثه يردّ على إمام المسلمين» (6)و قريب منه الموثق (7)،و في جملة من النصوص أنّ:«الإمام وارث من لا وارث له» (8).

ص:413


1- راجع ص:363.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):608.
3- أحدهما في:الكافي 7:4/169،التهذيب 9:1379/386،الإستبصار 4:732/195،الوسائل 26:247 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 3 ح 3. و الآخر في:الكافي 7:1/168،الوسائل 26:247 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 3 ح 4.
4- التهذيب 9:1380/386،الإستبصار 4:733/195،الوسائل 26:249 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 3 ح 8.
5- الوسائل 26:246 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 3.
6- التهذيب 9:1407/394،الوسائل 26:250 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 3 ح 12.
7- التهذيب 9:1406/394،الإستبصار 4:746/199،الوسائل 26:249 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 3 ح 9.
8- الكافي 7:3/169،الوسائل 26:248 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 3 ح 5.
القسم الثالث:ولاء الإمامة

القسم الثالث:

ولاء الإمامة و الأصل فيه بعد الإجماع الظاهر المحكي في الخلاف و الغنية و السرائر و المنتهى و المسالك و غيرها من كتب الجماعة (1)النصوص المتقدمة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:«من مات و ليس له وارث من قبل قرابته،و لا مولى عتاقه قد ضمن جريرته،فماله من الأنفال» (2).

و فيه:«السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلّا اللّه تعالى،فما كان ولاؤه للّه تعالى فهو لرسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،و ما كان لرسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)فإنّ ولاءه للإمام(عليه السّلام)،و جنايته على الإمام(عليه السّلام)،و ميراثه له» (3)إلى غير ذلك من النصوص (4)،التي كادت تبلغ هي مع ما مرّ التواتر.

و أمّا النصوص الدالّة على أنّ إرث من لا وارث له لبيت مال المسلمين (5)،فمع قصور سند أكثرها غير مقاومة لما قدّمناه من الأدلّة من وجوه شتّى،أعظمها موافقة تلك للشهرة العظيمة (6)،و مخالفتها للعامّة،

ص:414


1- الخلاف 4:22،الغنية(الجوامع الفقهية):608،السرائر 3:265،المنتهي 1:553،المسالك 2:338؛ المفاتيح 3:311،كشف اللثام 2:302.
2- الكافي 7:2/169،الفقيه 4:773/242،التهذيب 9:1381/387،الوسائل 26:246 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 3 ح 1.
3- الكافي 7:2/171،التهذيب 8:930/256،الإستبصار 4:85/26،الوسائل 23:77 أبواب العتق ب 43 ح 1.
4- الوسائل 26:246 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 3.
5- الوسائل 26:أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 3 ح 9،و ب 4 ح 5،8،9،و ب 7 ح 1.
6- ليس في«ب» و«ر».

دون هذه،فإنّها في طرف النقيض لتلك،فلتطرح،أو تحمل على التقية، أو تؤوّل ككلام القائل بها،و هو الإسكافي و الشيخ في الاستبصار (1)بما يؤُول إلى الأخبار الأوّلة:من أنّ المراد ببيت المال و إن أُضيف إلى المسلمين بيت مال الإمام عليه السّلام بقرينة الأخبار السابقة،و ما ذكره جماعة (2):

من شيوع إطلاق بيت المال و إرادة بيت مال الإمام عليه السّلام،و يشير إليه كلام الشيخ في الخلاف هنا،حيث قال:ميراث من لا وارث له ينتقل إلى بيت المال،فهو للإمام عليه السّلام خاصّة،و عند جميع الفقهاء ينتقل إلى بيت المال و يكون للمسلمين (3).

و من الأدلّة المتقدّمة فتوًى و روايةً يستفاد أنّ الإمام عليه السّلام لا يرث أحداً إلّا مع فقد كلّ وارث له حتى ضامن الجريرة،فلو وجد كان أحقّ بالإرث منه عليه السّلام عدا الزوجة،فإنّها تشاركه و تأخذ نصيبها الأعلى على الأصح الأشهر،كما مضى بيانه مفصّلاً.

و لا ريب أنّ مع وجوده أي الإمام عليه السّلام فالمال له،يصنع به ما شاء،و قد روى الشيخان في المقنعة و النهاية (4):أنّه كان علي عليه السّلام يعطيه فقراء بلده أي بلد الميت،و ضعفائهم،قالا كباقي الأصحاب -:إنّه كان ذلك منه تبرّعاً عليهم.

و أمّا مع غيبته فقيل (5):قال جماعة:يحفظ له بالوصاية،أو

ص:415


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:749،الاستبصار 4:196.
2- مجمع الفائدة و البرهان 11:464،روضة المتقين 11:377،الوسائل 26:249،الكفاية:306.
3- الخلاف 4:22،و فيه:لا ينقل إلى بيت المال،و هو للإمام خاصّة.
4- المقنعة:705،النهاية:671.
5- قاله الشهيدان في الدروس 2:377،و المسالك 2:338.

الدفن إلى حين ظهوره كسائر الحقوق،و في ظاهر الخلاف (1)الإجماع عليه،و هو أحوط،و إن كان الأظهر ما اختاره الماتن و جماعة من القدماء و المتأخّرين من أنّه يقسم في الفقراء و المساكين،إمّا مطلقا،كما هنا و في الشرائع و التحرير و القواعد و الإرشاد و الدروس و المسالك (2)و عن المفيد و الديلمي و ابن زهرة و الحلي و القاضي و الكيدري (3)،و بالجملة الأكثر،بل الأصحاب أجمع عدا الصدوق في الفقيه و الشيخ في الخلاف كما في النكت (4).

أو مقيداً بفقراء بلد الميت و مساكينه،كما في اللمعة في هذا الكتاب و الدروس في بحث الأنفال من كتاب الخُمس (5).

و ذلك لما مرّ (6)من النصوص الصحيحة الدالّة على أنّه من الأنفال، فدلّت على جواز صرفه فيهم،إن لم يدلّ على ما هو أعمّ من ذلك،بناءً على القول بتحليلهم الأنفال للشيعة في زمان الغيبة،كما هو المشهور،على ما صرّح به في الروضة (7).

مضافاً إلى ما نبّه عليه في الكفاية (8)بعد اختياره هذا القول،تبعاً

ص:416


1- الخلاف 4:23.
2- الشرائع 4:40،التحرير 2:171،القواعد 2:180،الإرشاد 2:126،الدروس 2:377،المسالك 2:339.
3- المفيد في المقنعة:706،الديلمي في المراسم:224 و حكاه عن ابن زهرة و ابن إدريس و الكيدري في غاية المراد 3:591،القاضي في المهذّب 2:154.
4- الفقيه 4:242،الخلاف 4:23،غاية المراد 3:591.
5- اللمعة(الروضة البهية 8):190،الدروس 1:264.
6- راجع ص:408.
7- الروضة 2:85.
8- الكفاية:307.

للمقدّس الأردبيلي (1)-(رحمه اللّه) من أنّ وجهه استغناء الإمام(عليه السّلام)و احتياج الفقراء،و الحفظ في المدّة المتطاولة تعريض للمال للتلف،فمعلوم رضا الإمام(عليه السّلام)بذلك،و أنّه لو كان حاضراً مستغنياً لفعل كذلك،هذا.

مع أنّي لم أجد الخلاف إلّا من الخلاف (2)،و هو بالإضافة إلى باقي الأصحاب شاذّ،و به يوهن ما في ظاهر كلامه من الإجماع،مع عدم صراحته فيه.

نعم في السرائر (3)ما يدل على موافقته له،إلّا أنّ المحكي عنه في النكت ما قدّمناه.

و ليس في هذه الأدلّة ما يدلّ على اعتبار القيد المشار إليه في اللمعة، بل هي مطلقة،و لا شاهد له إلّا ما مرّ في رواية الشيخين من فعل علي (عليه السّلام)،و هي مع ضعف سندها بالإرسال لا تدلّ على ثبوته في غيبته، و بذلك صرّح في الروضة (4).

نعم الأولى ذلك،كما في الكفاية (5)؛ حذراً من الشبهة الناشئة من خلاف اللمعة،لكنّها مشروطة بما إذا لم يُعارضها أولويّة من وجه آخر،كما إذا كان فقراء غير أهل البلد أحوج،و فيهم الأيتام،و الأرامل،و الضعفاء العاجزين عن التكسّب كالعجائز،و الشيوخ،و المرضى،و أصحاب العاهات.

و هنا قول ثالث بلزوم الدفع إلى همشاريجه مطلقاً،اختاره الصدوق

ص:417


1- مجمع الفائدة و البرهان 4:345.
2- الخلاف 4:23.
3- السرائر 3:229.
4- الروضة 8:190.
5- الكفاية:307.

في الفقيه (1)؛ لخبرين (2)قاصري السند مختصّ أحدهما بحال حضوره(عليه السّلام)، مع أنّه لا يقول به،بل يخصّ ذلك بحال الغيبة،كما هو محل البحث.

مع أنّ بعض المحدّثين (3)حكى عن بعض النسخ:همشيريجه بالياء بعد الشين بدل همشهريجه بالهاء بعد الشين و قال:المراد به:

الأخ الرضاعي.فلا دخل لهما بمحل البحث،مع شذوذهما على هذا التقدير،و إن دلّ على ما دلّا عليه بعض النصوص،كالخبر الضعيف بسهل:

ما تقول في رجل مات و ليس له وارث إلّا أخاً له من الرضاعة،يرثه؟قال:

«نعم» (4)الخبر.

و لا قائل بذلك من الأصحاب،كما صرّح به جدّي المجلسي-(رحمه اللّه) في شرحه على الفقيه،فقال:و لا خلاف في أنّ ولد الرضاعة ما يرث (5).

انتهى.

و مع ذلك لا بأس به إن كان الهمشهريج متعدّداً،و من جملة الفقراء، فإنّ فيه جمعاً بين الأقوال.

و اعلم أنّ إطلاق الفقير في عبائر الأصحاب يشمل الهاشمي و غيره من العوام،و الأولى بل لعلّه المعيّن عند الأحقر تخصيص الأوّل به؛ لما ورد من أنّ السادات عياله،يجب عليه جبر نفقتهم من حصّته في الخمس (6)، فصرف حقّه في ضرورة ما يلزمه أولى من صرفه إلى غيره،مضافاً إلى آية

ص:418


1- الفقيه 4:242.
2- الوسائل 26:252 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 4 ح 1،2،3،4.
3- و هو الحر العاملي في الوسائل 26:256.
4- الكافي 7:1/168،الوسائل 26:255 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 5 ح 1.
5- روضة المتقين 11:380.
6- انظر الوسائل 9:520 أبواب قسمة الخمس ب 3.

أُولي الأرحام (1)،المقتضية لتعيّنهم،و لو لا شبهة الإجماع بجواز الدفع إلى غيرهم اتّجه القول به،و ليس في فعل عليّ عليه السّلام و دفعه إيّاه إلى فقراء البلد منافاة لذلك،من حيث عدم معلوميّة كونهم من العوام،و على تقدير المعلوميّة كما هو الظاهر ليس فيه أنّه فعل ذلك مع حاجة السادة بذلك، بل الظاهر عدم حاجتهم مع وجوده عليه السّلام،و قلّتهم،و أين ذلك من كثرة السادة في أمثال الزمان،و شدّة حاجتهم،مع عدم وفاء حقّهم من الخمس بمؤونتهم.

و بالجملة عمل الفقير على ذلك،بل لعلّه عندي من اللوازم،و لعلّه لازم لكلّ من أوجب دفع حصّته عليه السّلام من الخمس في زمان الغيبة إليهم، كما يومئ إليه بعض تعليلاتهم،المتقدم إليه الإشارة.

نعم لو اتفق غناؤهم و لا يتفق إلّا أن يشاء اللّه تعالى صرف إلى غيرهم من فقراء الشيعة،الأحوج منهم فالأحوج.

و على كلّ حال لا يجوز أن يعطى الجائر إلّا مع الخوف المبيح للإعطاء،كأن يأخذه قهراً؛ لأنّه غير مستحقّ له عندنا،فلو دفعه إليه دافع اختياراً كان ضامناً،و لو أمكنه دفعه عنه ببعضه وجب،فإن لم يفعل ضمن ما يمكنه منعه منه.

ص:419


1- الأنفال:75،الأحزاب:6.

و أما اللواحق

الفصل الأوّل:في ميراث ابن الملاعنة
اشارة

و أما اللواحق فأربعة فصول:

الأوّل:في ميراث ابن الملاعنة قد تقرّر في كتاب اللعان أنّه سبب في التحريم المؤبّد،و زوال الفراش،و انتفاء الولد من الملاعن،و من لوازمه أنّه لا يرثه الولد،و لا يرثه هو و لا أحد من أقارب الأب؛ لانتفاء النسب بينهم شرعاً،فيبقى ميراثه لاُمّه و من يتقرّب بها من أخواله و أجداده من قِبلَها و ل ولده لأنّ نسبه لم ينتف عن الاُمّ،و لم يلزم من نفي الأب له كونه ولد زنا،إجماعاً، و سيأتي النصوص الدالّة على جميع ذلك.

فإن كان له ولد و أُمّه حيّة فللأُمّ السدس،و الباقي تمامه للولد و إن نزل،إن كان ذكراً،و إن كان أُنثى فله النصف،أو الثلثان،و الباقي ردّ عليهما إن اجتمع معها.

و لو انفردت عنه و عن الزوجين كان لها الثلث إجماعاً و لها الباقي أيضاً بالردّ عليها،على الأشهر الأقوى،بل لعلّه عليه عامّة متأخّري أصحابنا،و عن الخلاف (1)الإجماع عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى الأُصول المتقدّمة،الثابتة من الكتاب و السنّة،و خصوص النصوص المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر،ففي بعضها:«أنّ ميراث ولد الملاعنة لأُمّه» (2).

ص:420


1- الخلاف 4:104.
2- الكافي 7:2/160،الفقيه 4:750/236،التهذيب 9:1218/338،الوسائل 26:259 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 1 ح 2.

و في جملة وافرة منها:عن ولد الملاعنة،من يرثه؟قال:«امّه» قلت:فإن ماتت امّه من يرثه؟قال:«أخواله» (1).

خلافاً للإسكافي و الشيخ في الاستبصار (2)،فخصا ذلك بما إذا كان هناك عصبة لها يعقلون عنه،و جعلا الردّ مع عدمهم على الإمام(عليه السّلام)،كما عليه الشيخ أو بيت مال المسلمين كما عن الإسكافي.

و للصدوق (3)،ففصّل بين غيبة الإمام(عليه السّلام)فالردّ عليها،و حضوره فالردّ عليه؛ جمعاً بين النصوص المتقدمة و الصحيحين:«ابن الملاعنة ترثه امّه الثلث،و الباقي لإمام المسلمين؛ لأنّ جنايته على الإمام(عليه السّلام) » (4).و لا شاهد عليه،مع إطلاق كلّ من نصوص الطرفين،و فقد التكافؤ؛ لكثرة الأخبار الأوّلة،مع اعتبار جملة منها،و انجبار باقيها بالشهرة العظيمة، و مخالفة العامّة كما سيأتي إليه الإشارة و حكاية الإجماع المتقدمة، و لا يعارض جميع ذلك بل و لا جملة منها مجرّد الصحة في الأخبار المقابلة.

و بالجملة هذا القول ضعيف غايته،و لا شاهد له كسابقه.

و منه يظهر أنّ الصحيحين من الروايات الشاذّة،لا عامل بإطلاقهما في الطائفة،و بذلك صرّح في التحرير (5)،و قد حملهما في التهذيب على التقية،بعد أن قال:إنّهما غير معمول عليهما (6)،مشعراً بدعوى الإجماع

ص:421


1- الوسائل 26:259 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 1.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:743،الاستبصار 4:182.
3- الفقيه 4:236.
4- الفقيه 4:751/236،752،التهذيب 9:1230/342،1231،الإستبصار 4:683/182،684،الوسائل 26:265 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 3 ح 3،4.
5- التحرير 2:173.
6- التهذيب 9:343.

على طرحهما،و قوله في الاستبصار ليس بصريح،بل و لا ظاهر في الفتوى؛ لاحتمال إرادته به مجرّد الجمع بين الأخبار،و لكن فيه ما مرّ.

مضافاً إلى ما ذكره الحلي:من أنّه هدم و نقض لإجماعنا،و هو أنّ قرابات الاُمّ و كلالتها لا يعقلون،و لا يرثون من الدية شيئاً،بغير خلاف بيننا،و ذكر قبل هذا اعتراضاً أيضاً،و هو أنّه مصير إلى مذهب المخالفين، و عدول عن آية اولى الأرحام (1)،و أُصول المذهب،و رجوع إلى القول بالعصبة (2).

و لو انفرد الأولاد عن الاُمّ و الزوجين اقتسموه على حسب ما قرّر في ميراث الأولاد فلل بنت ال واحدة النصف بالفرض و كذا للاثنتين فصاعداً الثلثان به،و الباقي من النصف في الفرض الأوّل، و الثلث في الفرض الثاني لصاحبة الفرض بالردّ.

و للذكران إذا انفردوا عن البنات المال بينهم بالسوية،و لو اجتمعوا أي الذكور و الإناث فللذكر سهمان،و للأُنثى سهم و يرث الزوج و الزوجة نصيبهما الأعلى من النصف و الربع مع عدم الولد و إن نزل و الباقي للوارث الخاص من الاُمّ و نحوها إن كان،و إلّا فالباقي ردّ على الزوج،و على الإمام(عليه السّلام)مع الزوجة،كما تقدّمت إليه الإشارة (3) و لهما نصيبهما الأدنى من الربع و الثمن معهم أي مع الأولاد.

و لو عدم الولد يرثه من تقرب باُمّه من الأجداد و الجدّات و الإخوة

ص:422


1- الأنفال:75،الأحزاب:6.
2- السرائر 3:276.
3- راجع ص:411.

و الأخوات و الأعمام و العمّات و الأخوال و الخالات،و هكذا إلى سائر الطبقات و الدرجات مرتّبين الأقرب فالأقرب،الذكر و الأُنثى منهم سواء في النصيب؛ لتقرّبهم بالأُمّ،و قد مرّ أنّ نصيبهم ذلك.

و مع عدم الوارث مطلقاً حتى ضامن الجريرة يرثه الإمام (عليه السّلام) .و لا خلاف في شيء من ذلك؛ للعمومات من الكتاب و السنّة،خرج منها ابن الملاعنة في صورة خاصّة،و بقي الباقي مما قدّمناه تحتها مندرجة، و مع ذلك النصوص بجملة منها مستفيضة،تقدّم بعضها،و يأتي إلى جملة أُخرى منها الإشارة.

و يرث هو أي ابن الملاعنة اُمّه بلا خلاف فتوًى و روايةً و كذا من يتقرّب بها ممن قدّمناه مطلقا على الأظهر الأشهر بين أصحابنا،و ربما أشعر عبارة الماتن في الشرائع (1)بالإجماع عليه،و يعضده إطباق فتاوي من وقفت على كلامهم عليه؛ لثبوت نسبه و صحته بالنسبة إليهم،بلا خلاف،كما في السرائر (2).

و للصحيح:«ابن الملاعنة ينسب إلى امّه،و يكون أمره و شأنه كلّه إليها» (3)و من ثمّ ورثوه هم إجماعاً،كما في المسالك (4)،فيدخل فيما مرّ من العمومات.

و مع ذلك النصوص المستفيضة دالّة عليه بإطلاقها،فإنّ فيها:أ رأيت إن ماتت امّه،و ورثها الغلام،ثم مات الغلام،من يرثه؟قال:«عصبة أُمّه،

ص:423


1- الشرائع 4:43.
2- السرائر 3:276.
3- الفقيه 4:757/237،الوسائل 26:262 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 1 ح 8.
4- المسالك 2:339.

و هو يرث أخواله» (1).

و به أفتى في التهذيب،فقال:إنّ العمل على ثبوت الموارثة أحوط و أولى على ما يقتضيه شرع الإسلام (2).

خلافاً له في الاستبصار (3)،فخصّ ذلك بما إذا اعترف به الأب،و إلّا فلا يرث أخواله،جمعاً بين إطلاقي النصوص بالتوارث،كما تقدّم، و بالعدم،كالموثق:«يرثه أخواله،و لا يرثهم الولد» (4)بشهادة النصوص المفصّلة الدالّة عليه بالمفهوم،منها الصحيحان:«فإن لم يدعه أبوه فإنّ أخواله يرثونه،و لا يرثهم» (5).

أقول:و يعضده أنّ موارد تلك المستفيضة الحاكمة بالتوارث إنّما هو صورة تكذيب الوالد بعد اللعان نفسه،و الحكم فيها ذلك،كما في النصوص المفصّلة،فليس بينهما معارضة.

لكن روى الصدوق في الفقيه بسندين غير نقيين،بل أحدهما ضعيف،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام):في ابن الملاعنة،من يرثه؟قال:«ترثه امّه» قلت:أ رأيت إن ماتت امّه و ورثها،ثم مات هو،من يرثه؟قال:«عصبة

ص:424


1- الكافي 7:8/161،التهذيب 9:1222/339،الوسائل 26:261 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 1 ح 7.
2- التهذيب 9:341.
3- الاستبصار 4:181.
4- الكافي 7:9/161،التهذيب 9:1226/341،الإستبصار 4:679/180،الوسائل 26:267 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 4 ح 4.
5- أحدهما في:الكافي 7:10/160،التهذيب 9:1227/341،الإستبصار 4:680/180،الوسائل 26:268 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 4 ح 5. و الآخر في:الكافي 6:6/163،الفقيه 4:749/235،التهذيب 9:1229/342،الإستبصار 4:682/181،الوسائل 26:269 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 4 ح 7.

أُمّه،و هو يرث أخواله» (1).

و ليس فيه ما يوجب تقييد الإطلاق من نحو خصوصية المورد، و رجوع الضمير في الجواب إليه،كما اتفق في المستفيضة المتقدمة، و قصور السند منجبر بالشهرة العظيمة،و الموافقة للعمومات القطعيّة،مع أنّ القائل بالنصوص المفصّلة و إن صحّت،و جمعت بين الأخبار المختلفة غير معروف،عدا الشيخ في الاستبصار،و فتواه فيه غير متيقّنة و لا معلومة، كما مرّ التنبيه عليه مراراً،و مع ذلك فهو على تقديره متروك،كما ذكره الماتن في الشرائع (2)،و عضده ما قدّمناه،فالمشهور لعلّه أقوى.

و حيث قد تقرّر انتفاء نسب ولد الملاعنة عن أبيه ظهر أنّه لا يرث أباه،و لا من تقرّب به،و لا يرثونه من حيث النسب.

و لو اعترف به الأب بعد اللعان لحق به في الجملة و ورث هو أباه خاصّة دون العكس،فلا يرثه الأب.

بلا خلاف في شيء من ذلك،و النصوص به مع ذلك مستفيضة،ففي الصحيح:«فإن ادّعاه أبوه لحق به،و إن مات ورثه الابن،و لم يرثه الأب» (3).

و في آخر:«يردّ إليه ابنه،و لا يرثه» (4).

و في الخبر:إذا أقرّ به الأب هل يرث الأب؟قال:«نعم،و لا يرث الأب الابن» (5).

ص:425


1- الفقيه 4:756/237،الوسائل 26:266 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 4 ح 1.
2- الشرائع 4:43.
3- الكافي 7:3/160،التهذيب 9:1219/339،الوسائل 26:262 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 2 ح 1.
4- الكافي 7:7/161،الفقيه 4:755/237،الوسائل 26:263 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 2 ح 3.
5- الكافي 7:5/160،التهذيب 9:1221/339،الوسائل 26:263 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 2 ح 2.

و أمّا بعض النصوص (1)الدالّة على أنّه مع الاعتراف به بعد اللعان لا يردّ على الأب،فمع قصور سنده شاذّ،محمول على عدم اللحوق الكامل الموجب للتوارث من الطرفين.

و هل يرث الولد غيره أي غير الأب من ذوي قرابة أبيه و يرثونه،أم يرثهم و لا يرثونه،أم يستمرّ الأمران على النفي السابق؟أوجه، فالشيخ (2)و الأكثر،و منهم الماتن هنا و في الشرائع (3)على (4)الأخير؛ عملاً بالاستصحاب،و قصراً للإقرار على المقرّ،و على تقدير كونه شهادة فهي لا تسمع من الواحد.

و خيرة الحلبي و الفاضل (5)في بعض كتبه الأوّل؛ نظراً منهما إلى أنّ الإقرار كإقامة البيّنة الموجبة لثبوت النسب.

و فيه ما عرفته.

و فصّل الفاضل (6)في بعض كتبه بأنّهم إن صدّقوا الأب على اللعان لم يرثهم و لا يرثونه،و إن كذّبوه ورثهم و ورثوه.و المذهب الأوّل و لا عبرة بنسب الأب كما مرّ.

و يتفرّع عليه أنّه لو ترك ابن الملاعنة إخوة لأب و أُمّ مع أخ أو إخوة (7)لأُمّ،كانوا سواء في الحصّة (8)،و كذا لو ترك جدّاً لاُمّ مع أخ أو

ص:426


1- التهذيب 9:1223/340،الإستبصار 4:676/179،الوسائل 26:266 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 4 ح 3.
2- في«ح» و«ر»:ظاهر الشيخ.التهذيب 9:341،النهاية:679.
3- الشرائع 4:43.
4- ليس في«ح» و«ر».
5- الكافي في الفقه:375،المختلف:744.
6- القواعد 2:181.
7- في المطبوع من المختصر(273):أو أُخت.
8- في المطبوع من المختصر(273):المال.

أُخت أو إخوة أو أخوات من أب و أُمّ تساووا فيها؛ لكون انتسابهم إليه من جهة الأُمّ خاصّة،فيتساوون فيها،كما مرّ إليه الإشارة.

و اعلم أنّ في إطلاق الأب على الملاعن تجوّزاً؛ إذ ليس بأبٍ له ينسب إليه ظاهراً،و وجهه النظر إلى كونه أباه ابتداءً.

خاتمة تشتمل على مسائل سبع:
الاُولى:ولد الزنا لا ترثه امّه و لا غيرها من الأنساب

خاتمة تشتمل على مسائل سبع:

الاُولى:ولد الزنا لا يرثه الزاني،و لا اُمّه الزانية (1) و لا غيره م ا من الأنساب و لا يرثهم،بلا خلافٍ في قطع التوارث بينه و بين الزاني و أقربائه،بل عليه الإجماع في المختلف و الإيضاح و شرحي الشرائع للصيمري و شيخنا الشهيد الثاني (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،ففي الصحيح:«أيّما رجل وقع على وليدة قوم حراماً،ثم اشتراها،فادعى ولدها،فإنّه لا يورث منه شيء، فإنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قال:الولد للفراش،و للعاهر الحجر،و لا يورث ولد الزنا إلّا رجل يدّعي ابن وليدته» (3)و نحوه بعينه الموثق (4)،و أخبار أُخر (5).

و في الصحيح:قلت:فإنّه مات،و له مال،من يرثه؟قال

ص:427


1- ليس في«ب» و«ر».
2- المختلف:754،الإيضاح 4:247،غاية المرام 4:193،المسالك 2:340.
3- التهذيب 9:1242/346،الإستبصار 4:693/185،الوسائل 26:274 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 1.
4- الكافي 7:1/163،الوسائل 26:274 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ذيل الحديث 1.
5- الوسائل 26:274 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8.

«الإمام(عليه السّلام) » (1).و في الخبر:عن رجل فجر بامرأة،ثم إنّه تزوّجها بعد الحمل، فجاءت بولد،هو أشبه خلق اللّه تعالى به؟فكتب بخطّه و خاتمه:«الولد لغية،لا يورث» (2).

و إطلاقهما كعموم التعليل في الأخير،و المستفيضة المتقدمة يدل على عموم الحكم و شموله لجميع ما في العبارة من منع التوارث بينه و بين الاُمّ و أقاربها أيضاً،كما هو الأظهر الأشهر بين أصحابنا،بل عليه عامّة متأخّريهم،بحيث كاد أن يكون ذلك إجماعاً منهم،و ربما أشعر به عبائر كثير،كالشيخ في الاستبصار و الماتن في الشرائع و شيخنا في شرحه و الفاضل في القواعد (3)،حيث قالوا على الرواية الآتية:أنّها شاذّة مطرحة، فلا ريب في المسألة.

و أمّا النصوص الدالّة على إرث الزاني منه إذا أقرّ به (4)،فشاذّة مطرحة،لا عمل عليها بين أصحابنا،مع قصور أسانيدها عن الصحة، فلتكن مطرحة،و إن كانت موثقة.

و لا خلاف في أنّه يرثه أي ولد الزنا ولده و إن نزل، و الزوج أو الزوجة نصيبهما الأعلى مع عدم الولد،و الأدنى معه؛ للعمومات،مع عدم المانع من جهتهم.

ص:428


1- الفقيه 4:739/231،التهذيب 9:1234/343،الإستبصار 4:686/183،الوسائل 26:275 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 3.
2- الكافي 7:2/163،الفقيه 4:738/231،التهذيب 9:1233/343،الإستبصار 4:685/182،الوسائل 26:274 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 2.
3- الاستبصار 4:183،الشرائع 4:44،المسالك 2:340،القواعد 2:181.
4- الوسائل 26:276 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 5،7،8.

و لو لم يكن أحدهم أي الولد أو الزوجين،و لا وارث آخر و لو ضامن جريرة فميراثه للإمام (عليه السّلام)مطلقاً،و لو كان هناك الأبوان،أو أحد من ذوي قرابتهما،على الأشهر الأقوى،كما مضى.

و قيل كما عن الإسكافي و الصدوق و الحلبي (1):إنّه يرثه امّه و أقاربها مع عدمها كابن الملاعنة للخبرين،في أحدهما:«أنّ عليّاً(عليه السّلام) كان يقول:ولد الزنا،و ابن الملاعنة ترثه امّه،و إخوته لأُمّه،أو عصبتها» (2).

و في الثاني:«ميراثه لقرابته من قِبَل امّه على نحو ميراث ابن الملاعنة» (3).

و هما قاصرا السند بغياث بن كلوب و غيره في الأوّل،و الوقف إلى الراوي من دون نسبته إلى إمام في الثاني،فلا يعترض بهما الأدلّة المتقدّمة من وجوه عديدة،سيّما مع موافقتهما لمذهب العامّة،كما صرّح به في السرائر و الغنية (4)،فليحملا على التقية،أو على عدم كون الأُمّ زانية،فإنّها و أقاربها يرثونه حينئذٍ؛ لثبوت النسب الشرعي بينهم،فيكون كولد الملاعنة،و ما أجود هذا الحمل،و لم أر من تعرّض له إلّا قليلاً من متأخّري متأخّري الطائفة (5).

الثانية:الحمل يرث إن سقط حيّاً

الثانية:الحمل يرث إن سقط حيّاً إجماعاً،للصحاح المستفيضة،

ص:429


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:744،الفقيه 4:232،الكافي في الفقه:377.
2- التهذيب 9:1239/345،الإستبصار 4:690/184،الوسائل 26:278 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 9.
3- الكافي 7:/164 ذيل الحديث 4،التهذيب 9:1238/344،الإستبصار 4:689/183،الوسائل 26:276 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 6.
4- السرائر 3:276،الغنية(الجوامع الفقهية):608.
5- مجمع الفائدة 11:520،الوسائل 26:278.

و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيحين و غيرهما:«إذا تحرّك تحرّكاً بيّناً ورث،فإنّه ربما كان أخرس» (1).

و في الصحيح:«إذا تحرّك ورث،إنّه ربما كان أخرس» (2).

و تعتبر حياته عند الأصحاب ب حركة الأحياء،كالاستهلال و الصياح،أو مجرّد الحركات البيّنة المعبّر عنها ب الحركات الإرادية دون غيرها من مثل التقلّص و القبض و البسط طبعاً لا اختياراً،فإنّ ذلك قد يحصل في اللحوم.

و الحركة المطلقة في الصحيحة الأخيرة مقيّدة بالبيّنة منها،بمقتضى الأخبار السابقة عليها،بل ورد في كثير من المعتبرة حصر ما يعتبر به في الاستهلال و الصياح خاصّة،ففي الصحيح:«لا يصلّى على المنفوس،و هو المولود الذي لم يستهلّ،و لم يصح،و لم يورث من الدية و لا غيرها،فإذا استهلّ فصلّ عليه،و ورّثه» (3).

و في الموثق:في ميراث المنفوس من الدية،قال:«لا يرث شيئاً حتى يصيح،و يسمع صوته» (4).و نحوه المرسل:«إنّ المنفوس لا يرث من الدية شيئاً حتى يستهلّ،و يسمع صوته» (5).

ص:430


1- الوسائل 26:304 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 4،7،8.
2- الكافي 7:1/155،الوسائل 26:302 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 3.
3- التهذيب 3:459/199،الوسائل 26:303 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 5.
4- الكافي 7:5/156،التهذيب 9:1397/391،الإستبصار 4:745/198،الوسائل 26:302 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 1.
5- الكافي 7:6/156،الوسائل 26:302 أبواب ميراث الخنثى ب 7 ح 2.

لكن أطبق الأصحاب على تركها،و العمل بالأخبار السابقة المصرّحة بالاكتفاء بالحركة،معلّلةً بأنّه ربما كان أخرس،و لعلّه لقوّة احتمال ورود هذه الأخبار مورد الغالب.

و ربما جمع بعض الأصحاب بينها و بين الأخبار المتقدّمة بالتخيير بين الأمرين،بمعنى الاكتفاء بأحدهما (1).

و لا بأس به،لكنّه ليس بجمع حقيقة،بل خروج عن ظاهر الأخيرة، و طرح لمفاهيمها بالكلّية.

و الأجود حملها على التقيّة،كما فعله جماعة،و منهم شيخ الطائفة، قال:لأنّ بعض العامّة يراعون في توريثه الاستهلال (2).

أقول:و يشير إليه الأمر بالصلاة عليه بعد استهلاله في الصحيحة الأُولى،و يستفاد من بعض الأخبار الصحيحة (3)كونه مذهب العامّة.

و أمّا الجمع بينها بتخصيص الأخيرة بالإرث من الدية،و الأوّلة بالإرث من غيرها،كما في المفاتيح (4).

فضعيف غايته؛ لعدم الشاهد عليه سوى إشعار المرسلة به،من حيث تخصيص الإرث بالدية باعتبار الاستهلال فيه،و اختصاص الموثقة السابقة عليها بها أيضاً،و لا يصلحان للشهادة،من حيث إنّ الاختصاص في الموثقة إنّما هو في كلام الراوي خاصّة،و الإشعار في المرسلة ليس بحجة إلّا على تقدير حجية مفهوم اللقب،و هو مع أنّه ليس بحجة باتفاق

ص:431


1- انظر الوسائل 26:302.
2- الاستبصار 4:199؛ و انظر الدروس 2:355.
3- الفقيه 4:818/226،التهذيب 9:1399/392،الإستبصار 4:744/198،الوسائل 26:304 أبواب ميراث الخنثى ب 7 ح 8.
4- المفاتيح 3:316.

الطائفة لا يعارض مفاهيم التعليلات في الأخبار المتقدّمة التي هي كالنص في عدم اعتبار الاستهلال بالكلّية،و لو في الإرث من الدية،و مع ذلك فهو منقوض بصريح الصحيحة المتقدّمة المسوّية بين الدية و غيرها في اعتبار الاستهلال خاصّة،و بالجملة فهذا الجمع ناشٍ عن قلّة التأمّل في الأخبار، و عدم التتبع لها كما هو.

و اعلم أنّ مقتضى إطلاق الروايات و الفتاوي و به صرّح الشهيدان و غيرهما (1)عدم اشتراط استقرار الحياة،بل وجودها مطلقاً.

خلافاً لظاهر الماتن في الشرائع (2)،فاعتبر استقرارها.و لا وجه له أصلاً،سيّما مع ورود بعض الصحاح في السقط أنّه إذا تحرّك تحرّكاً بيّناً يرث و يورث (3)،و الغالب فيه عدم استقرار الحياة.

و لا يشترط حياته عند موت المورّث،بمعنى حلول الحياة فيه عنده، بلا خلاف ظاهر،و قد صرّح به بعض الأصحاب (4)؛ لإطلاق النصوص بإرثه مع ولادته حيّاً،الشامل لما لو كان عند موت مورّثه نطفة.

نعم يشترط العلم بوجوده عند الموت؛ ليحكم بانتسابه إليه،و يعلم ذلك بأن تلده لما دون ستّة أشهر من حين موته مدّة يمكن تولّده منه،أو لأقصى الحمل إذا لم توطأ الاُمّ وطئاً يصلح استناد الولد معه إلى الواطئ.

ص:432


1- الدروس 2:355،المسالك 2:316،الروضة 8:209؛ و انظر كشف اللثام 2:287.
2- الشرائع 4:48.
3- الكافي 7:2/155،التهذيب 9:1394/391،الإستبصار 4:742/198،الوسائل 26:303 أبواب ميراث الخنثى ب 7 ح 4.
4- و هو الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:316.

و قد صرّح الفاضل في التحرير و الشهيد في الدروس و غيرهما (1)بأنّه لو خرج نصفه و تحرّك أو استهلّ ثم سقط ميّتاً لم يرث و لا يورث.

و لعلّه للأصل،و اختصاص النصوص بحكم التبادر بالساقط متحرّكاً بجميعه،و لا بأس به،و لم أجد الخلاف فيه،و إن أشعر به عبارة التحرير، و لعل المخالف من العامّة.

الثالثة يوقف للحمل نصيب ذكرين احتياطاً

الثالثة:قال الشيخ (2) و تبعه الأصحاب،من غير خلاف،كما صرّح به جماعة منهم (3):إنّه يوقف و يعزل للحمل نصيب ذكرين احتياطاً عن تولّده حياً،و تعدّده ذكراً،و إنّما لم يوقف له زيادة عن نصيبهما مع احتمال التولّد زائداً عنهما لندرته غالباً.

ثم على هذا التقدير لا يخلو من احتمالات عشرة:إمّا أن يولد ذكراً واحداً،أو أُنثى كذلك،أو خنثى،أو ذكرين،أو أُنثيين،أو خنثيين،أو ذكراً و أُنثى،أو ذكراً و خنثى،أو أُنثى و خنثى،أو يسقط ميّتاً،و أكثر هذه الاحتمالات نصيباً للحمل فرضه ذكرين،فلو اجتمع مع الحمل ذكر اعطي الثلث،و وقف للحمل الثلثان،و لو اجتمع معه أُنثى أُعطيت الخمس حتى يتبيّن الحمل،فإن ولد حيّاً كما فرض،و إلّا وزّع التركة بينهم على حسب ما يقتضيه حال الحمل،فإن ولد ميّتاً خصّ باقيها بالولد الموجود مطلقا، و إن ولد حيّاً وزّعت بينهم أنصافاً،أو أثلاثاً،أو نحو ذلك،بحسب ما يقتضيه حاله من ذكورته أو أُنوثته أو خنوثته،واحداً أو متعدّداً.

و لو كان هناك ذو فرض أُعطُوا النصيب الأدنى إن كانوا ممّن

ص:433


1- التحرير 2:174،الدروس 2:355؛ المسالك 2:316.
2- الخلاف 4:112.
3- منهم ابن فهد في المهذب البارع 4:415،و انظر المسالك 2:343.

يحجبهم الحمل على الأعلى،كالزوجين و الأبوين،أو أحدهما،مع عدم ولد هناك أصلاً،فإن ولد ميّتا أكملوا نصيبهم،و إن ولد حيّاً روعي حاله، و قسّم التركة على حسبها.

و الضابط:أنّه متى كان هناك حمل،و طلب الورثة القسمة،فمن كان محجوباً بالحمل كالإخوة لا يعطى شيئاً إلى أن يتبيّن الحال،و من كان له فرض لا يتغيّر بوجوده و عدمه كنصيب الزوجين و الأبوين إذا كان معه ولد يعطى كمال نصيبه،و من ينقصه و لو على بعض الوجوه يعطى أقل ما يصيبه على تقدير ولادته على وجه يقتضيه،كالأبوين إذا لم يكن هناك ولد غيره.

الرابعة:يرث دية الجنين

الرابعة:يرث دية الجنين و هو الولد في البطن مطلقاً،حلّ فيه الحياة أم لا،على ما يقتضيه إطلاق عبارة المتن و باقي أصحابنا أبواه، و من يتقرّب بهما أو بالأب خاصّة،مع عدمهما،بلا خلاف،إلّا من الشيخ في موضع من الخلاف (1)،فمنع المتقرّب بأحدهما مطلقاً.

و هو ضعيف،إلّا منعه المتقرب بالأُمّ خاصّة،كما مضى التحقيق فيه و في تنقيح الأقوال و الأدلّة في صور المسألة مستقصى في المسألة الثانية من المسائل الثلاث الملحقة ببحث مانعيّة القتل عن الإرث (2).

و إنّما أفردها الأصحاب هنا بالذكر مع استفادة حكمها من إطلاق الأدلّة المتقدّمة ثمّة فتوًى و روايةً لورود نصّ فيه بالخصوص:إنّ عليّاً(عليه السّلام) لما هزم طلحة و الزبير أقبل الناس منهزمين،فمرُّوا بامرأة حامل على الطريق،ففزعت منهم،فطرحت ما في بطنها حيّاً،فاضطرب حتى مات، ثم ماتت امّه من بعده،فمرّ بها عليّ(عليه السّلام)و أصحابه،و هي مطروحة على

ص:434


1- انظر الخلاف 5:178.
2- راجع ص:242.

الطريق فسألهم عن أمرها،فقالوا:إنّها كانت حبلى،ففزعت حين رأت القتال و الهزيمة،قال:فسألهم:أيّهما مات قبل صاحبه؟فقيل:إنّ ابنها مات قبلها،قال:فدعا زوجها أبا الغلام الميت،فورّثه ثلثي الدية،و ورّث امّه ثلث الدية،ثمّ ورّث الزوج من المرأة الميّتة نصف ثلث الدية التي ورثتها من ابنها (1)،الخبر.

و قصوره مجبور بالعمل،و برواية ابن محبوب المجمع على تصحيح رواياته عن موجبه،و قصور متنه عن إفادة تمام المطلب يجبر بعدم القائل بالفرق؛ مضافاً إلى ما مر من الإطلاقات.

اللّهمّ إلّا أن يدّعى عدم انصرافها بحكم التبادر إلى محل البحث، فتدبّر.

الخامسة:إذا تعارفا بما يقتضي الميراث توارثا

الخامسة:إذا تعارفا أي اثنان غير معروفي النسب بما يقتضي الميراث بينهما من نسب،أو زوجيّة،أو ولاء توارثا،و لم يكلّف أحدهما البيّنة بإجماعنا في الجملة ظاهراً؛ لعموم إقرار العقلاء (2)؛ و للصحاح الصراح،و قد تقدّمت في كتاب الإقرار و بيّنّا ثمّة عدم تعدّي التوارث إلى غيرهما،مع جملة من الشرائط المتعلّقة بالمسألة (3).

و أمّا ما دلّ على عدم التوارث بالتعارف و احتياجه إلى البيّنة،كالخبر:

«لا يورث الحميل إلّا ببيّنة» (4)فمحمول على التقيّة،كما صرّح به جماعة،

ص:435


1- الكافي 7:1/138،الفقيه 4:719/226،التهذيب 9:1344/376،الوسائل 26:36 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 3.
2- انظر الوسائل 23:184 أبواب الإقرار ب 3 ح 2.
3- راجع ج 13:281.
4- الفقيه 4:732/229،التهذيب 9:1250/348،الإستبصار 4:700/186،الوسائل 26:279 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 9 ح 3.

و منهم شيخ الطائفة،قال:لأنّه موافق لمذهب بعض العامّة (1).

أقول:و يشير إليه جملة من الصحاح المتقدمة،و ما في مجمع البحرين في تفسير الحميل من قوله:و منه قول عمر في الحميل:لا يورث إلّا ببيّنة (2).انتهى.مع كون الراوي له طلحة بن زيد العامي بنصّ الشيخ و النجاشي (3).

و الحميل هو الذي يحمل من بلده صغيراً إلى بلد الإسلام،كما صرّح به في الصحاح و النهاية الأثيرية (4)و لكن قال فيها:و قيل:هو المجهول النسب،و ذلك أن يقول الرجل للإنسان:هذا أخي،أو ابني،ليرث ميراثه عن مواليه،فلا يصدّق إلّا ببيّنة.

أقول:الأوّل هو المستفاد من بعض تلك الصحاح:عن الحميل؟ فقال:«و أيّ شيء الحميل؟» قلت:المرأة تسبى من أرضها،و معها الولد الصغير،فتقول:هو ابني،و الرجل يسبى،فيلقاه أخوه،فيقول:هو أخي، و يتعارفان،و ليس لهما على ذلك بيّنة إلّا قولهما،قال:فقال:«فما يقول من قِبَلَكم؟» قلت:لا يورّثونه؛ لأنّه لم يكن لهما على ذلك بيّنة،و إنّما كان ولادة في الشرك،فقال:«سبحان اللّه:إذا جاءت بابنها أو بنتها لم تزل مقرّة به،و إذا عرف أخاه و كان ذلك في صحة من عقولهما لا يزالان مقرّين بذلك،ورث بعضهم من بعض» (5).

ص:436


1- التهذيب 9:348،الإستبصار 4:187.
2- مجمع البحرين 5:356.
3- الفهرست:362/86،رجال النجاشي:550/207.
4- الصحاح 4:1678،النهاية 1:442.
5- الكافي 7:1/165،الفقيه 4:733/230،التهذيب 9:1247/347،الإستبصار 4:698/186،الوسائل 26:278 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 9 ح 1.

و عن معاني الأخبار:سمّي الحميل حميلاً لأنّه حمل من بلاده صغيراً،و لم يولد في الإسلام (1).

السادسة:المفقود الذي لا يعلم موته و لا حياته يُتربّص بماله

السادسة:المفقود الذي لا يعلم موته و لا حياته يُتربّص بماله اتفاقاً،فتوًى و نصّاً. و لكن في قدر التربّص روايات مختلفة، لأجلها اختلفت أقوال الطائفة.

فمنها:ما دلّ على أنّه أربع سنين و هو الموثقان،في أحدهما:

«المفقود يحبس ماله على الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين،فإن لم يقدر عليه قسم ماله بين الورثة» (2).

و نحوه الثاني (3)،لكنّه مطلق غير مقيّد بالطلب،و الجمع بينهما يقتضي التقييد به،سيّما مع عدم القائل بالإطلاق،بل كل من قال بمضمونهما قيّده بذلك،و هو الصدوق و المرتضى و ابن زهرة و الحلبي (4)، و نفى عنه البأس في المختلف (5)،و قوّاه الشهيدان في الدروس و المسالك و الروضة (6)،و مال إليه جملة من متأخّري المتأخّرين،كالمحدّث الكاشاني و صاحب الكفاية و غيرهما (7).

ص:437


1- معاني الأخبار:273.
2- الكافي 7:9/155،التهذيب 9:1386/388،الوسائل 26:300 أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 9.
3- الكافي 7:5/154،الفقيه 4:766/240،الوسائل 26:298 أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 5.
4- الصدوق في الفقيه 4:240،المرتضى في الانتصار:307،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):608،الحلبي في الكافي في الفقه:378.
5- المختلف:749.
6- الدروس 2:352،المسالك 2:343،الروضة 8:50.
7- المفاتيح 3:319،الكفاية:292؛ كشف اللثام 2:286.

و لعلّه الأقوى؛ لدعوى السيّدين عليه في الانتصار و الغنية إجماع الإمامية،مع اعتبار سند الرواية بعد التعدّد بالموثقية بإسحاق بن عمار المشترك بين الموثق و الثقة،و ربما ادّعى صحتها بعض الأجلّة (1).

مضافاً إلى التأيّد بفحوى الأدلّة الدالّة على ثبوت مثل الحكم في الزوجة،من اعتدادها بعد الفحص في المدّة المزبورة،و جواز تزويجها بعدها،فإنّ عصمة الفروج أشدّ و أقوى اتفاقاً،فتوًى و نصّاً،فليجر مثل حكمها في قسمة المال بين الورثة بطريق أولى.

و ردّ الأولويّة بوجود الفارق،و معارضتها بتضرّر المرأة بطول الغيبة، كما ذكره جماعة (2)حسن إن كان الضرر المثبت للحكم لها إرادتها النكاح و الاستمتاع،لا النفقة،مع أنّ المستفاد من النصوص الواردة في حكمها كونه من جهة النفقة خاصّة،و لذا حكمت بلزوم الصبر عليها مع وجود من ينفق عليها.

و حينئذٍ يتّجه الأولويّة؛ لاتحاد وجه الضرر بينها و بين سائر الورثة، سيّما الصغار منهم و العجزة،فتأمّل . و ممّا ذكرنا من اعتبار سند الرواية بالموثقية أو الصحة يظهر لك ما في قوله هنا و غيره (3):إنّه في سندها ضعف اللّهمّ إلّا أن يريد بالضعف غير المعنى المصطلح عليه بين المتأخّرين،أو يعدّ الموثق من أقسام الضعيف،كما هو طريقته في كثير من مواضع الكتاب.

ص:438


1- مجمع الفائدة 11:544.
2- التحرير 2:173،و انظر التنقيح الرائع 4:206،و كشف اللثام 2:286.
3- كما في الشرائع 4:49.

و كيف كان فقدح مثل هذا الضعف على تقديره في الحجية بمعزل عن التحقيق،مع ما عرفت من عدم انحصار الدليل في هذه الرواية؛ لحكاية الإجماعين المتقدم إليها الإشارة،و كل منهما كرواية صحيحة حجة مستقلّة.

و لو سلّم التنزّل باحتمال توجّه القدح إليهما،نظراً إلى ندرة القائل بهذا القول بين القدماء نقول:لا أقلّ من إفادتهما الشهرة بينهم،و هي جابرة لسند الرواية،أو عاضدة له،فيخصّص بها الأصل و لو اعتضد بالشهرة المتأخّرة؛ لأنّ الرواية خاصّة و الأصل عام،فلتكن عليه مقدّمة، و قلّة القائل بحسب اطّلاعنا لا يوجب قلّته واقعاً.

و بهذا يذبّ عن التسليم،و يرجع الإجماع إلى ما كان عليه و اقتضت الأدلّة من حجيته على الإطلاق،هذا.

مع أنّ الوهن بذلك يجبره أيضاً التعدّد في النقل؛ لبعد الخطأ معه.

و منها:ما دلّ على أنّه عشر سنين في الجملة،كالصحيح:

عن دارٍ كانت لامرأة و كان لها ابن،فغاب الابن في البحر،و ماتت المرأة، فادّعت ابنتها أنّ أُمّها صيّرت هذه الدار لها،و باعت أشقاصها (1)منها، و بقيت في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا،و هو يكره أن يشتريها؛ لغيبة الابن،و ما يتخوّف أن لا يحلّ شراؤها،و ليس يعرف للابن خبر،فقال:«و منذ كم غاب؟» قلت:منذ سنين كثيرة،قال:«ينتظر به غيبته عشر سنين،ثم تشترى» قلت:إذا انتظر به غيبته عشر سنين يحلّ شراؤها؟

ص:439


1- الأشقاص جمع الشقص،و هو:النصيب في العين المشتركة من كل شيء.النهاية لابن الأثير 2:490،مجمع البحرين 4:173.

قال:«نعم» (1).

و هي و إن كانت صحيحة،إلّا أنّها في حكم خاصّ واردة، ففي الاستدلال بها على الكلّية تعسّف،فإنّه لا يلزم من تسويغه(عليه السّلام)بيع القطعة من الدار بعد العشر الحكم بموته حينئذٍ،فإنّ الغائب يمكن للحاكم أن يبيع ماله للمصلحة،فكيف بالإمام(عليه السّلام)؟ .مع أنّ الرواية تضمّنت أنّ بائع الدار ادّعى كونها ملكاً له من دون منازع له في هذه المدّة الطويلة،فجاز كون تسويغ البيع لذلك،و إن بقي الغائب على حجته،و لا ينافيه الأمر بالتأخير إلى تلك المدّة؛ لاحتمال كونه من باب الاحتياط،كما صرّح به بعض الأجلّة (2)،هذا.

مع أنّها غير مكافئة لما قدّمناه من الأدلّة من وجوه عديدة،منها:ندرة القائل بها،إذ لم يحك إلّا عن المفيد (3)في قوله المشهور:من الانتظار إلى تلك المدّة في بيع عقاره خاصّة،و جواز اقتسام الورثة ما عداها من سائر أمواله بشرط الملاءة،و ضمانهم لها على تقدير ظهوره؛ مستنداً في الشقّ الأوّل:إلى الصحيحة المتقدمة.

و في الثاني:إلى ما في رواية ثالثة (4) من أنّه يقسمه أي المال الورثة إذا كانوا ملاء فإذا جاء ردّوه عليه و ليس فيها ضعف أيضاً كما ذكره الماتن،بل هي موثقة،و لكنّها لما قدمناه من الأدلّة غير

ص:440


1- الكافي 7:6/154،التهذيب 9:1391/390،الوسائل 26:299 أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 7،بتفاوت.
2- و هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:286.
3- المقنعة:706.
4- الكافي 7:8/155،الفقيه 4:768/241،التهذيب 9:1385/388،الوسائل 26:300 أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 8.

مكافئة من وجوه عديدة،فلتطرح،أو تؤوّل بما يؤول إلى الأوّل،بحملها على القسمة بعد الطلب في مدّة الأربع سنين،و رفع اليد عن مفهوم الشرط،أو يحمل على الاستحباب.

و قال الشيخ في المبسوط و الخلاف و تبعه القاضي و ابن حمزة و الحلي و الفاضلان و كثير من المتأخّرين (1)،بل ادّعى عليه الشهرة جماعة (2):إنّه لا يورث حتى يمضي له من حين ولادته مدّة لا يعيش مثله إليها عادة.

و لا ريب أنّ هذا هو ال أولى في الاحتياط،و أبعد من التهجّم على الأموال المعصومة بالأخبار الموهومة المرجوحة بالإضافة إلى الأُصول القطعيّة التي منها أصالة بقاء الحياة السابقة،و عدم دخول التركة في ملك الورثة،و لا دليل لهم عليه سواها،كما صرّح به شيخنا الشهيد الثاني في الروضة،فقال:و ليس به رواية صريحة،و ما ادّعي له من النصوص ليس دالّاً عليه (3).

و لعل مراده من النصوص المدّعى دلالتها النصوص الواردة في مال مجهول المالك،كالصحيح:سأل خطاب الأعور أبا إبراهيم(عليه السّلام)و أنا جالس،فقال:إنّه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأُجرة،ففقدناه،و بقي له

ص:441


1- المبسوط 4:125،الخلاف 4:119،القاضي في المهذّب 2:165،166،ابن حمزة في الوسيلة:400،الحلي في السرائر 3:298،المحقق في الشرائع 4:49،العلّامة في القواعد 2:167؛ الإيضاح 4:206،الدروس 2:351،المقتصر:368.
2- منهم الشهيد الثاني في الروضة 8:49،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 11:538،و السبزواري في الكفاية:291.
3- الروضة 8:49.

من أجره شيء،فلا نعرف له وارثاً،قال:«فاطلبوه» قال:و قد طلبناه فلم نجده،قال:فقال:«مساكين» و حرّك يديه،قال:و أعاد،قال:«اطلب و اجهد،فإن قدرت عليه،و إلّا فهو كسبيل مالك،حتى يجيء له طالب، فإن حدث بك حدث فأوصِ به:إن جاء طالب أن يدفع إليه» (1)و نحوه غيره (2).

و المدّعي دلالتها عليه الفاضل في المختلف و ولده في الإيضاح و الفاضل المقداد في التنقيح (3)،و هو الظاهر من الكليني و الشيخ و غيرهما من المحدّثين (4)،حيث ساقوها في أخبار باب مال المفقود.

و وجه عدم دلالتها ما أشار إليه في الكفاية (5)،من اختصاصها بمن لا يعرف له وارث،و لا يشمل لمن له وارث،كما هو مفروض المسألة، و لذا لم يستدلّ بها أكثر أصحابنا،بل صرّح جمع و منهم شيخنا المتقدم ذكره بعدم دلالتها،و ربما كان الوجه في توهّم دلالتها ما ذكره المولى الأردبيلي-(رحمه اللّه) فقال بعد الاستدلال بها-:و هذه الأخبار و إن لم تكن في الميراث،إلّا أنّ الظاهر عدم الفرق بينه و بين غيره من الحقوق (6).

و هو كما ترى،فإنّ الظهور المدّعى إن كان مستنداً إلى الأصل فهو

ص:442


1- الكافي 7:1/153،التهذيب 9:1387/389،الإستبصار 4:739/197،الوسائل 26:296 أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 1.
2- الفقيه 4:767/241،الوسائل 26:301 أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 10.
3- المختلف:749،الإيضاح 4:206،التنقيح 4:207.
4- الكافي 7:153،الاستبصار 4:196،التهذيب 9:389،و انظر الوسائل 26:296.
5- الكفاية:291.
6- مجمع الفائدة 11:540.

الحجة دونها،و إن كان مستنداً إليها فضعفه أظهر من أن يخفى،سيّما مع اعترافه أوّلاً بعدم دلالتها.

ثم إنّ المرجوحية المدّعاة في العبارة كما يستفاد من سياقها المتضمن لتضعيف أسانيدها و دلالتها مرجوحية حقيقية ليس معها في الروايات حجة،و أمّا على المختار فليس المراد من المرجوحية ذلك،بل المرجوحية بحسب الاحتياط في العمل،و إلّا فقد عرفت اعتبار أسانيد ما دلّ عليه،مع الاعتضاد بالأولوية،و الإجماعين اللذين كاد أن يكونا كالأولوية حجة مستقلة،و ليس في كثير من المسائل الشرعية المثبتة بالظنون الاجتهادية أقوى من هذه الحجة،فيخصّص بها الأصل في المسألة،كما يخصّص بمثلها بل و بما دونها في تلك المسائل المزبورة.

و الشهرة المدّعاة في كلام الجماعة ليست بتلك الشهرة التي توجب مرجوحية هذه الحجة،و وهن الإجماعات المحكيّة،فإنّها شهرة متأخّرة، كما صرّح به جملة من النقلة لها في المسألة،و منهم صاحب الكفاية (1)، و هو كذلك؛ إذ لم نر من القدماء من أفتى بهذا القول،إلّا الشيخ و بعض من تبعه ممن تقدم إليه الإشارة (2)،و مجموعهم أربعة بعين عدد من قال بالمختار من القدماء،فإنّهم أيضاً كما عرفت أربعة،و يزيدون عليهم بدعوى جملة منهم على مختارهم إجماع الإمامية،و أقلّ ما يستفاد من هذه الدعوى سيّما مع التعدّد الشهرة القديمة،كما مرّ إليه الإشارة،و مع ذلك الشهرة المتأخّرة إنّما نشأت من الفاضلين و الشهيدين و جملة ممن تقدم

ص:443


1- الكفاية:291.
2- راجع ص:436.

إليهم الإشارة (1)،و ليس مثلها شهرة حقيقية،سيما مع قول جملة منهم أيضاً بالمختار،كالشهيدين و الفاضل في قولهم الثاني،كما عرفت (2).

و بالجملة فالمختار سبيله واضح،لا يكاد يحوم حوله شبهة الاشتباه و الإنكار،و إن كان مذهب الخلاف (3)أقرب إلى الاحتياط.

و هنا قول رابع للإسكافي (4)،شاذّ،غير واضح المستند،و هو:

التفصيل في المفقود بين من فقد في عسكر شهدت هزيمته و قتل من كان فيه أو أكثرهم فالمختار،و من لا يعرف مكانه في غيبته و لا خبر له فانتظار عشر سنين،لكنّه لم يصرّح بشرط الطلب و الفحص في شيء من الموضعين.

و على المشهور،فإذا مضت المدّة المعتبرة التي هي في زماننا مائة و عشرون سنة؛ لندرة الزائد عليها غاية الندرة،بل ربما اكتفى بما دونها إلى المائة في المسالك و الروضة (5)حكم بتوريث من هو موجود حال الحكم،و قد صرّح الشهيدان و غيرهما بأنّه لو مات له قريب في تلك المدّة عزل له نصيبه منه،و كان بحكم ماله (6).

خلافاً للفاضل في التحرير،فخصّ ذلك بما إذا علم حياته أو موته بعد مورّثه،قال:و إذا مضت المدّة و لم يعلم خبره ردّ إلى ورثة الأوّل؛ للشك في حياته حين موت مورّثه،فلا يورث مع الشك (7).

ص:444


1- راجع ص:436.
2- في ص:433.
3- راجع ص:436.
4- حكاه عنه في المختلف:749.
5- المسالك 2:315،الروضة 8:49.
6- الدروس 2:351،المسالك 2:315.
7- التحرير 2:173.

و فيه نظر؛ لاندفاع الشك بالأصل،و لو عورض بأصالة عدم الإرث لردّت بورودها أيضاً في جانب غيره من ورثة الأوّل،و بعد التساقط يبقى الأصل الأوّل على حاله سليماً عن المعارض،فالأصح ما أطلقه الجماعة.

السابعة:لو تبرّأ من جريرة ولده و ميراثه

السابعة:لو تبرّأ الوالد من جريرة ولده و جنايته و ميراثه، ففي رواية عمل بها الشيخ في النهاية و بعض من تبعه (1)أنّه يكون ميراثه للأقرب إلى أبيه دونه،كما فهمه أكثر الأصحاب.

و المراد بالرواية الجنس؛ لتعدّدها،منها:عن رجل تبرّأ عند السلطان من جريرة ابنه و ميراثه،ثم مات الابن و ترك مالاً،من يرثه؟قال:«ميراثه لأقرب الناس إلى أبيه» (2).

و منها:عن المخلوع يتبرّأ[منه أبوه (3)]عند السلطان،و من ميراثه و جريرته،لمن ميراثه؟قال:«فقال علي(عليه السّلام):هو لأقرب الناس إليه» (4)كما في التهذيب،أو«إلى أبيه» كما في الفقيه.

و ليس في شيء من سندي الرواية مع تعدّدها ضعف كما في ظاهر العبارة؛ لأنّ فيهما صفوان بن يحيى و ابن مسكان المجمع على تصحيح رواياتهما،فلا يضرّ جهالة الراوي الذي رويا عنه في الأُولى، و لا جهالة في الثانية و لا اشتراك،كما حقّق في محلّه مستقصى.

ص:445


1- النهاية:682،و تبعه القاضي في المهذب 2:167.
2- التهذيب 9:1252/348،الإستبصار 4:696/185،الوسائل 26:272 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 7 ح 2.
3- في النسخ:من ابنه،و الصواب ما أثبتناه من المصادر.
4- الفقيه 4:731/229،التهذيب 9:1253/349،الإستبصار 4:697/185،الوسائل 26:273 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 7 ح 3.

نعم فيها إضمار،و مع ذلك هي كسابقتها شاذّة في الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة،كالماتن في الشرائع و الشهيدين في المسالك و اللمعة و الحلي في السرائر (1)،حاكياً له عن الشيخ في الحائريات أيضاً،مدّعياً هو كغيره بذلك رجوعه عمّا في النهاية،و مع ذلك ادّعى هو و الفاضل المقداد في التنقيح (2)على خلافها إجماع أصحابنا،بل المسلمين كافّة،و هو الحجة.

مضافاً إلى الأُصول القطعية من الكتاب و السنة،الدالّة بعمومها على إرث الوالد ولده.

و خصوص ما ورد في تعليل حرمان الزوجة من العقار بأنّ:«المرأة قد يجوز أن ينقطع ما بينها و بينه من العصمة،و يجوز تغييرها و تبديلها، و ليس الولد و الوالد كذلك؛ لأنّه لا يمكن التفصّي منهما،و المرأة يمكن الاستبدال بها» (3)الحديث.

و هو كما ترى كالنصّ في فساد التبرّي؛ إذ لو صح لأمكن به التفصّي عن الولد،و قد حكم(عليه السّلام)باستحالته،هذا.

مع أنّ الروايتين و إن اعتبرتا سنداً،إلّا أنّهما ليستا صريحتين،بل و لا ظاهرتين في ذلك ظهوراً تامّاً،كما صرّح به الفاضل في المختلف

ص:446


1- الشرائع 4:44،المسالك 2:340،اللمعة(الروضة البهية 8):213،السرائر 3:286،و انظر مقدّمة المسائل الحائرية(الرسائل العشر):288.
2- التنقيح 4:209.
3- الفقيه 4:808/251،التهذيب 9:1074/300،الاستبصار 4:579/153،عيون الأخبار 2:96،علل الشرائع:2/572،الوسائل 26:210 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 14.

و شيخنا في الروضة و غيرهما (1)،أمّا الأُولى فلأنّه ليس فيها تصريح بموت الولد قبل الأب،و لعلّه مخصوص بموته بعده،و يكون التبرّي المذكور غير معتبر،كما مر.

و بنحوه يجاب عن الثانية على النسخة الثانية،و كذا على النسخة الاُولى مع أنّها عليها أضعف دلالة؛ لأنّها غير صريحة في نفي ميراث الأب، بل يمكن أن يكون المراد أنّ الميراث للأب؛ لأنّه أقرب الناس إليه،فإن لم يكن موجوداً فلأقرب الناس إليه.

و عن الشيخ أنّه قال عقيبهما:ليس في الخبرين أنّه نفى الولد بعد أن أقرّ به،و إلّا لم يلتفت إلى إنكاره،و لو قبل إنكاره لم يلحق ميراثه بعصبته؛ لعدم ثبوت النسب،قال:و لا يمتنع أن يكون الوالد من حيث تبرّأ من جريرة الولد و ضمانه حرم الميراث،و إن كان نسبه صحيحاً (2).

ص:447


1- المختلف:747،الروضة 8:213؛ المهذب البارع 4:422.
2- حكاه عنه في الوسائل 26:273،و هو في الاستبصار 4:185.
الفصل الثاني في ميراث الخنثى

الفصل الثاني في بيان ميراث الخنثى و شبهه و هو من له فرج الرجال و النساء اعلم أنّ الظاهر من الآيات القرآنية انحصار أنواع الإنسان في صنفي الذكر و الأُنثى،و يستحيل اجتماعهما،كقوله سبحانه خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى [1] (1)و قوله تعالى يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ [2] (2)إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على ذلك بمعونة المقامات، و على هذا فهو لا يخرج عنهما و يكون أحد فرجيه أصليّاً و الثاني زائداً، كسائر الزوائد في الخلقة من يدٍ و رجلٍ و نحوها،فإن أمكن استعلام الأصلي من الزائد فهو المعروف بين الأصحاب بالخنثى الواضح،و إلّا فهو المشكل.

و طريق استعلامه أنّه يعتبر بالبول فإن بال من فرج الرجال فهو رجل،و إن بال من فرج النساء فهي امرأة،و إن بال منهما اعتبر بالسبق فمن أيّهما سبق بوله يورث عليه ذكورة و أُنوثة،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في كثير من كلمات الأصحاب،كالمفيد و المرتضى و الحلي و الفاضل في التحرير و ولده في الإيضاح و شيخنا في المسالك و الصيمري و غيرهم (3)،لكن الأوّلين لم يذكرا السبق،بل ذكرا كالديلمي (4)بدله الغلبة

ص:448


1- النجم:45.
2- الشورى:49.
3- المفيد في الإعلام(مصنفات المفيد 9):62،المرتضى في الانتصار:306،الحلي في السرائر 3:277،التحرير 2:174،الإيضاح 4:249،المسالك 2:340،غاية المرام 4:196؛ المهذب البارع 4:424.
4- انظر المراسم:225.

و الكثرة،و لعلّه ملازم لهما،كما يستفاد من صريح الفاضل المقداد في التنقيح (1)،و ظاهر الباقين المدّعين للإجماع من غير نقل خلاف عن هؤلاء.

و الأصل في جميع ذلك بعد الإجماعات المحكيّة النصوص المستفيضة،ففي الصحيح:عن مولود ولد،له قبل و ذكر،كيف يورث؟ قال:«إن كان يبول من ذكره فله ميراث الذكر،و إن كان يبول من القُبل فله ميراث الأُنثى» (2)و نحوه المرسل كالموثق (3).

و في الخبر:«كان أمير المؤمنين(عليه السّلام)يورث الخنثى من حيث يبول» (4)و نحوه آخر مروي عن العيون (5).

و في ثالث مروي عن إبراهيم بن محمّد الثقفي في كتاب الغارات و فيه:«فانظروا إلى مسيل البول،فإن خرج من ذكره فله ميراث الرجل،و إن خرج من غير ذلك فورثوه مع النساء» (6)الحديث.

و في الصحيح:«يورث من حيث يبول،و من حيث سبق بوله،فإن خرج منهما سواء فمن حيث ينبعث،فإن كانا سواء ورث ميراث الرجال و ميراث النساء» (7).

ص:449


1- التنقيح الرائع 4:210.
2- الكافي 7:1/156،التهذيب 9:1267/353،الوسائل 26:283 أبواب ميراث الخنثى ب 1 ح 1.
3- الكافي 7:4/157،الوسائل 26:284 أبواب ميراث الخنثى ب 1 ح 3.
4- الكافي 7:2/156،التهذيب 9:1268/353،الوسائل 26:283 أبواب ميراث الخنثى ب 1 ح 2.
5- عيون الأخبار 2:350/74،الوسائل 26:284 أبواب ميراث الخنثى ب 1 ح 5.
6- كتاب الغارات 1:193،الوسائل 26:284 أبواب ميراث الخنثى ب 1 ح 6.
7- الكافي 7:3/157،التهذيب 9:1269/354،الوسائل 26:285 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 1.

و في الخبر:«الخنثى يورث من حيث يبول،فإن بال منهما جميعاً فمن أيّهما سبق البول ورث عليه،فإن مات و لم يبل فنصف عقل المرأة، و نصف عقل الرجل» (1)و نحوه آخر مروي عن قرب الاسناد (2).

و في المرسل المروي في الكافي:في المولود،له ما للرجال و ما للنساء،يبول منهما جميعاً،قال:«من أيّهما سبق» قيل:فإن خرج منهما جميعاً؟قال:«فمن أيّهما استدرّ» قيل:فإن استدرّا جميعاً؟قال:«فمن أبعدهما» (3).

فإن بدر منهما قال الشيخ و أكثر الأصحاب،كالمفيد و الديلمي و ابني حمزة و زهرة و الفاضلين و الشهيدين و غيرهما من المتأخّرين (4):إنّه يورث على الذي ينقطع منه أخيراً و اختاره الحلي (5)،نافياً الخلاف فيه،مشعراً بدعوى الإجماع عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى المرسلة الأخيرة،فإنّ الظاهر من الأبعديّة فيها الأبعديّة زماناً،و الضعف منجبر بالشهرة بين الأصحاب،و بالصحيحة الثانية المتضمّنة لقوله(عليه السّلام):«فمن حيث ينبعث» قال في القاموس:بعثه كمنعه أرسله فانبعث (6).و المراد أنّه ينظر أيّهما أشدّ استرسالاً و إدراراً،فيحكم

ص:450


1- الفقيه 4:759/237،التهذيب 9:1270/354،الوسائل 26:286 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 2.
2- قرب الإسناد:517/144،الوسائل 26:289 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 6.
3- الكافي 7:5/157،الوسائل 26:284 أبواب ميراث الخنثى ب 1 ح 4.
4- الشيخ في النهاية:677،المفيد في المقنعة:698،الديلمي في المراسم:225،ابن حمزة في الوسيلة:401،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):608،المحقق في الشرائع 4:44،العلّامة في القواعد 2:181،الشهيدين في اللمعة(الروضة البهية 8):192؛ كشف اللثام 2:303.
5- السرائر 3:277.
6- القاموس المحيط 1:168.

به،و الظاهر أنّ المنقطع أخيراً أشدّ إدراراً؛ لكون الخروج منه أكثر زماناً، فتأمّل جدّاً . و مما ذكرنا ظهر أنّه ليس فيه تردّد و إن ذكره الماتن،فهو ضعيف،و أضعف منه عدم اعتباره،كما عن الصدوق و الإسكافي و المرتضى (1)،و أضعف منهما مصير القاضي إلى اعتبار الأسبق انقطاعاً (2)؛ لعدم الشاهد عليه،مع قيام الدليل كما عرفت على خلافه.

فإن تساويا خروجاً و انقطاعاً قال الشيخ في الخلاف خاصّة:إنّه يعمل فيه بالقرعة مدّعياً عليه إجماع الفرقة و أخبارهم (3).

قيل:و عنى بها ما ورد عنهم(عليهم السّلام)من أنّها لكل أمر مشتبه،و هذا منه (4).

و هو شاذّ،و إجماعه موهون معارض بمثله و مثله كما يأتي، و لا اشتباه بعد ورود النص الصحيح بعدّ الأضلاع،أو إعطاء نصف النصيبين،كما يأتي.

و قال المفيد في كتاب إعلام الورى (5) و السيّد المرتضى علم الهدى في الانتصار (6)إنّه يُعدّ أضلاعه فإن اختلف أحد الجانبين فذكر،و إن تساويا عدداً فأُنثى،مدّعيين عليه الإجماع،و اختاره

ص:451


1- الصدوق في المقنع:176،حكاه عن الإسكافي في المختلف:745،المرتضى في الانتصار:306.
2- المهذّب 2:171.
3- الخلاف 4:106.
4- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:340.
5- الإعلام بما اتّفقت عليه الإمامية من الأحكام(مصنفات المفيد 9):62.
6- الانتصار:306.

الإسكافي و الحلي في السرائر (1)؛ لذلك؛ و للنص الذي ادعى تواتره،و هو ما رواه في التهذيب بسنده إلى ميسرة بن شريح،و هو طويل،و في جملته أنّه قال:قال أمير المؤمنين(عليه السّلام):«جرّدوها من ثيابها،و عدّوا أضلاع جنبيها» ففعلوا،ثم خرجوا إليه،فقالوا:عدد الجنب الأيمن اثنا عشر ضلعاً، و الجنب الأيسر أحد عشر ضلعاً،فقال(عليه السّلام):«اللّه أكبر،ايتوني بالحجام» فأخذ من شعرها،و أعطاها رداءً و حذاءً،و ألحقها بالرجال،قال:«لأنّ حوّاء خلقت من ضلع آدم،و أضلاع الرجال أقلّ من أضلاع النساء بضلع» (2)الحديث.

و طعن الأكثر في هذا الخبر بجهالة الراوي.

و فيه:أنّ الصدوق رواه في الفقيه عن عاصم بن حميد،عن محمّد ابن قيس،عن أبي جعفر(عليه السّلام) (3)،و طريقه إليه في المشيخة (4)صحيح، إلّا أنّ في روايته أنّ أضلاعها كانت سبعة عشر،تسعة في اليمين،و ثمانية في اليسار،و يعضده رواية المفيد و الإسكافي و العماني (5)،و هذا لا ينافي توافقها مع رواية التهذيب في أصل اعتبار العدّ،و كون متساوي الأضلاع امرأة،و مختلفها رجلاً.

و روى في الفقيه أيضاً عن السكوني،عن جعفر(عليه السّلام)،عن أبيه(عليه السّلام):

«أنّ عليّاً(عليه السّلام)كان يورّث الخنثى،فيعدّ أضلاعه،فإن كانت ناقصة عن

ص:452


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:745،السرائر 3:280.
2- التهذيب 9:1271/354،الوسائل 26:286 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 3.
3- الفقيه 4:762/238.
4- المشيخة(الفقيه 4):108.
5- المفيد في الإرشاد 1:213،و حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف:745.

أضلاع النساء بضلع ورث ميراث الرجال؛ لأنّ الرجل تنقص أضلاعه عن ضلع المرأة بضلع؛ لأنّ حواء خلقت من ضلع آدم» (1)الحديث.

و روى المفيد الحديث الأوّل في إرشاده عن الحسن بن علي العبدي، عن سعد بن طَرِيف (2)،عن أصبغ بن نباتة،عن أمير المؤمنين(عليه السّلام) (3)نحو ما في الفقيه.

و قال الصدوقان و المفيد في المقنعة و الشيخ في النهاية و الإيجاز و المبسوط و الديلمي و القاضي و ابنا حمزة و زهرة (4):إنّه يعطى نصف ميراث رجل و نصف ميراث امرأة،و هو أشهر كما هنا و في القواعد و شرح الشرائع للصيمري و التنقيح و الدروس و الروضة (5)،و نسبه في المسالك إلى أكثر المتأخّرين (6).

أقول:بل عليه عامّتهم بحيث كاد أن يكون ذلك إجماعاً منهم؛ لجملة من النصوص المتقدّمة،منها الصحيح:«فإن كان سواء ورث ميراث الرجال و النساء» (7)و المراد به نصف الأمرين؛ لامتناع أن يراد مجموعهما.

ص:453


1- الفقيه 4:760/238،الوسائل 26:287 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 4.
2- في النسخ:ظريف،و الصواب ما أثبتناه.لاحظ رجال البرقي:188/50،رجال النجاشي:468/178،رجال الطوسي:17/92،و 3/124،و 3/203.
3- إرشاد المفيد 1:213،الوسائل 26:288 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 5.
4- الصدوق في المقنع:177،و حكاه عن والده في المختلف:745،المقنعة:698،النهاية:677،الإيجاز(الرسائل العشر):275،المبسوط 4:114،الديلمي في المراسم:225،القاضي في المهذّب 2:171،ابن حمزة في الوسيلة:402،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):608.
5- القواعد 2:181،غاية المرام 4:197،التنقيح 4:212،الدروس 2:379،الروضة 8:194.
6- المسالك 2:340.
7- المتقدم في ص:445.

و أصرح منه الخبران المذكوران بعده:«فإن مات و لم يبل فنصف عقل المرأة و نصف عقل الرجل» (1).

مضافاً إلى التأيّد بأنّ فيه مراعاة للحالتين؛ لتساويهما عقلاً،فيعمل بالمتيقّن،و يعطى ميراث الأُنثى،و يقسم ما زاد عليه من سهم المشكوك فيه و هو كونه ذكراً نصفين،كما وقع نظيره في الشرع عند اختلاف الدعويين مع عدم الحجة.

و لعلّ هذا أقوى؛ لقوّة الأدلّة عليه،و انجبار قصور الخبرين منها بالصحيح قبلهما،و الشهرة العظيمة بين المتأخّرين و القدماء ظاهرة و محكيّة حدّ الاستفاضة،كما عرفته.

و منها ينقدح الوهن في الإجماعين المتقدم إليهما الإشارة،فليس فيهما حجة،كما لا حجة في الأخبار الموافقة لهما،مع قصور أكثرها سنداً، و عدم جابر له جدّاً.

و دعوى الحلي التواتر (2)،غير جابرة بعد ظهور اتفاق أكثر الفتاوي على خلافها،فالتواتر على تقدير تسليمه إنّما هو في الرواية،و هو بمجرّده مع عدم الفتوى بها غير نافع،بل يوجب وهنها بلا شبهة،و مع ذلك فهي بأقسامها حتى الصحيح منها غير مقاومة للنصوص المقابلة المضاهية لها سنداً و عدداً؛ لرجحانها عليها بما قدّمناه من الشهرة العظيمة بين أصحابنا،التي كادت تكون إجماعاً،فتكون حجة مستقلّة برأسها،هذا.

و عن العماني أنّه قال:و قد روي عن بعض علماء الشيعة أنّه سئل عن الخنثى،فقال:روى بعض أصحابنا في وجه ضعيف لم يصح عندي أنّ

ص:454


1- المتقدم في ص:445.
2- السرائر 3:280.

حوّاء خلقت من ضلع آدم(عليه السّلام)،فصار للرجال من ناحية النساء ضلعاً أنقص،و للنساء ثمانية عشر ضلعاً من كل جانب تسعة،و للرجال سبعة عشر ضلعاً من جانب اليمين تسعة و من جانب اليسار ثمانية،ثم قال:

و هذه علامة واضحة إن صحّت عنهم(عليهم السّلام) (1).

و هو كما ترى ظاهر في عدم ثبوت الرواية و صحتها في الصدر الأوّل،فضلاً عن تواترها،فيدفع به دعوى الحلّي جدّا،كيف لا؟!و هو متأخّر عن زمان العماني بكثير،و يبعد غاية البعد حصول التواتر له دونه، مع أنّه أسبق زماناً،و أجدر بالاطلاع بالتواتر و أولى،و مع ذلك لم يدّعه أحد من أصحابنا.

نعم نسب الرواية في الخلاف إلى أصحابنا،فقال:روى أصحابنا (2).

و هو مع عدم كونه صريحاً في دعوى التواتر،بل و لا ظاهراً،و إن توهّمه منه الحلّي مضعّف باختياره فيه كما عرفت خلافها،و لا يكون ذلك إلّا لعدم تواترها،أو كون تواترها بحسب الرواية خاصّة لا الفتوى،و هو كما عرفت مما يوجب وهنها لا حجيتها.

و بالجملة فدعوى الحلّي و مختاره ضعيف،و أضعف منه ما تخيّله بعض المعاصرين:من القول بمختاره فيما إذا علم عدد أضلاعه قبل موته، و مختار المشهور إذا لم يعلم ذلك.

لكونه إحداث قول لا نجوّزه،و مع ذلك لا شاهد عليه،و لا منشأ له سوى دلالة الخبرين الأخيرين من نصوص المشهور بالمفهوم على عدم الحكم مع عدم الموت،و هو ضعيف؛ لكون الصحيح قبلهما مطلقاً،

ص:455


1- حكاه عنه في المختلف:745.
2- الخلاف 4:106.

و لا يمكن تقييده بمفهومهما؛ لعدم التكافؤ أصلاً،و عدم القائل بالفرق،كما مضى،و لكنه جمع حسن لولاهما.

و على المختار لو اجتمع مع الخنثى ذكر،أو أُنثى،أو ذكر و أُنثى معاً،فقد اختلف الأصحاب في كيفية القسمة على قولين:

ف قيل كما عن النهاية و الإيجاز و استحسنه الفاضل في التحرير (1):إنّه للذكر أربعة،و للخنثى ثلاثة في الفرض الأوّل،و كذا في الثاني لكن للأُنثى سهمان،و للذكر أربعة،و للخنثى ثلاثة،و للأُنثى سهمان في الثالث.

و توضيحه:أنّه يجعل للأُنثى أقلّ عدد يكون له نصف و هو اثنان، و للذكر ضعف ذلك،و للخنثى نصف كل منهما،فالفريضة على الفرض الأوّل من سبعة،و على الثاني من خمسة،و على الثالث من تسعة،حسب ما تقدم من التفصيل.

و قيل كما عن المبسوط (2):إنّه تقسم الفريضة مرّتين،فيفرض مرّة ذكراً و مرّة أُنثى و يعطى الخنثى و غيره نصف النصيبين،و هو أظهر عند الماتن هنا،و الأشهر كما صرّح به جمع ممّن تأخّر (3) مثاله:خنثى و ذكر،نفرضهما ذكرين تارة،و ذكراً و أُنثى اخرى،و نطلب أقلّ مال له نصف،و لنصفه نصف،و له ثلث،و لثلثه نصف حتى يصح منه فرض كونه ذكراً و كونه أُنثى،و أخذ نصف النصيبين منه أيضاً فيكون اثني عشر، فيحصل للخنثى خمسة،و للذكر سبعة

ص:456


1- النهاية:677،الإيجاز(الرسائل العشر):275،التحرير 2:174.
2- المبسوط 4:115.
3- تلخيص الخلاف 2:266،الروضة البهية 8:194،التنقيح الرائع 4:214.

و لو كان بدل الذكر أُنثى،حصل للخنثى سبعة،و للأُنثى خمسة بيانه:أنّك إذا قسّمت الفريضة على تقدير الذكورية،ثم قسّمتها مرّة أُخرى على تقدير الأُنوثية،نظرت إلى كل من الفريضتين،فإن تباينتا ضربت إحداهما في الأُخرى،و إن توافقتا ضربت إحداهما في وفق الأُخرى،و إن تماثلتا اجتزئت بإحداهما،و إن تناسبتا أخذت بالأكثر ثم تضرب ذلك في اثنين،فتعطي كل وارث من المجموع نصف ما حصل له من الفرضين.

فلو كان مع الخنثى ذكر فعلى تقدير فرض الخنثى ذكراً تكون الفريضة من اثنين،و على تقدير فرضه أُنثى تكون من ثلاث،و الفريضتان متباينتان فتضرب إحداهما في الأُخرى،ثم المجتمع في اثنين،تكون اثني عشر،للخنثى على تقدير الذكورية ستّة،و على تقدير الأُنوثية أربعة، فيؤخذ نصفهما،و هو خمسة من اثني عشر،و للذكر سبعة؛ لأنّها نصف ماله على تقدير ذكوريّة الخنثى و هو ستة،و ماله على تقدير أُنوثيّته و هو ثمانية.

و لو كان مع الخنثى أُنثى فالمسألة بحالها،إلّا أنّ للخنثى سبعة، و للأُنثى خمسة،فإنّه على تقدير فرض الخنثى ذكراً فالفريضة من ثلاثة، و على تقدير فرضه أُنثى فالفريضة من اثنين،فتضرب إحداهما في الأُخرى؛ لتباينهما،ثم تضرب المجتمع في اثنين يصير اثني عشر،للخنثى على تقدير الذكوريّة ثمانية،و على تقدير الأُنوثية ستّة،فيؤخذ نصفهما و هو سبعة،و للأُنثى على تقدير ذكوريّته أربعة،و على تقدير أُنوثيّته ستّة و مجموع النصف من كل منهما خمسة.

و لو اجتمع معه ذكر و أُنثى فعلى تقدير فرضه ذكراً تكون الفريضة من خمسة،و على تقدير فرضه أُنثى تكون من أربعة،و النسبة بين الفريضتين التباين،فتضرب إحداهما في الأُخرى تبلغ عشرين،ثم المجتمع في اثنين

ص:457

تبلغ أربعين،فللخنثى على تقدير الذكوريّة ستّة عشر،و على تقدير الأُنوثية عشرة،و مجموع نصفهما ثلاثة عشر،و للذكر على تقدير فرض ذكوريّة الخنثى ستّة عشر،و على تقدير الأُنوثية عشرون،و نصف ذلك ثمانية عشر، و للأُنثى على تقدير فرض الذكورية ثمانية،و على تقدير فرض الأُنوثية عشرة،و نصف ذلك تسعة،فقد تقرّر أنّ للخنثى حينئذٍ ثلاثة عشر من أربعين،و للذكر ثمانية عشر،و للأُنثى تسعة منها.

و اختلفت كيفية القسمة بين القولين في هذه الفروض:

أمّا على الفرض الأوّل:فبموجب القول الأوّل للخنثى ثلاثة أسباع التركة،و للذكر أربعة أسباعها،و بموجب القول الثاني ينقص نصيب الخنثى عن ثلاثة أسباع الاثني عشر أعني خمسة و سبعاً بسبع واحد،كما لا يخفى على المتأمّل.

و أمّا على الفرض الثاني:فبموجب القول الأوّل للخنثى ثلاثة أخماس التركة،و للأُنثى خمسان،و على القول الثاني ينقص عنه خمس واحد من اثني عشر،كما لا يخفى على المحاسب.

و أمّا على الفرض الثالث:فبمقتضى القول الأوّل للخنثى ثلث التركة ثلاثة من تسعة،و للذكر أربعة أتساع،و للأُنثى تُسعان،و على القول الثاني ينقص نصيب الخنثى بثلث واحد،كما يظهر بالنظر في ذلك.

و لو شاركهم زوج أو زوجة صحّحت فريضة الخناثى (1) و مشاركيه مع قطع النظر عن أحدهما ثم ضربت مخرج نصيب الزوج أو الزوجة من الربع أو الثمن،و هو أربعة و ثمانية في الحاصل من تلك الفريضة،فما ارتفع منه فمنه تصح الفريضة.

فعلى الفرض الأوّل على القول الأوّل الذي فيه الفريضة سبعة

ص:458


1- في المطبوع من المختصر(275):الخنثى.

لو جامعهم زوج ضربتها في مخرج نصيبه أربعة،تحصل ثمانية و عشرون، فللزوج منها الربع سبعة،و من كان له منها شيء أخذه مضروباً في ثلاثة، و هو ما نقص من مضروب الأربعة عن نصيب الزوج،فللخنثى تسعة، و للذكر كراثنا عشر.

و لو جامعهم زوجة ضربت السبعة في مخرج نصيبها ثمانية تحصل ستة و خمسون فللزوجة منها ثُمنها سبعة.و من له منها شيء أخذه مضروباً في سبعة،و هو ما نقص من مضروب الثمانية عن نصيب الزوجة،فللخنثى أحد و عشرون،و للابن ثمانية و عشرون.

و على الفرض الأوّل على القول الثاني الذي فيه الفريضة اثنا عشر:لو جامعهم زوج ضربتها في مخرج نصيبه أربعة،تحصل ثمانية و أربعون، للزوج منها الربع اثنا عشر،و من كان له منها شيء أخذه مضروباً في ثلاثة، كما تقدم،فللخنثى خمسة عشر،و للابن أحد و عشرون.

و لو جامعهم زوجة ضربت الاثنا عشر في مخرج نصيبها ثمانية،تبلغ ستّة و تسعين،للزوجة اثنا عشر،و من كان له منها شيء أخذه مضروباً في سبعة،كما مرّ،فللخنثى خمسة و ثلاثون،و للابن تسعة و أربعون،و قس على هذا الفروض الباقية و غيرها على كل من القولين.

و من ليس له فرج النساء و لا فرج الرجال إمّا بأن تخرج الفضلة من دبره،أو يفقده و يكون له ثقبة بين المخرجين تخرج منه الفضلتان،أو البول مع وجود الدبر،أو بأن يتقيّأ ما يأكله،أو بأن يكون له لحمة رابية تخرج منه الفضلتان،كما نقل ذلك على ما ذكره الفاضل في التحرير و الشهيدان (1) يورث بالقرعة على الأظهر الأشهر بين الطائفة،

ص:459


1- التحرير 2:175،الدروس 2:380،المسالك 2:342،الروضة 8:205.

بل عليه المتأخّرون كافّة،و نفى عنه الخلاف في السرائر (1).

و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،منها الصحيح:عن مولود ليس له ما للرجال،و لا له ما للنساء؟قال:«يقرع الإمام أو المقرع،يكتب على سهم:عبد اللّه،و على سهم:أمة اللّه،ثم يقول الإمام أو المقرع:اللّهم أنت اللّه لا إله إلّا أنت،عالم الغيب و الشهادة،أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون،فبيّن لنا أمر هذا المولود كيف يورث ما فرضت له في الكتاب،ثم يطرح السهمان في سهام مبهمة،ثم يجال السهام،على ما خرج ورث عليه» (2).

و في القريب من الصحيح بصفوان بن يحيى و ابن مسكان المجمع على تصحيح رواياتهما،فلا يضرّ جهالة الذي عنه رويا:عن مولود ليس بذكر و لا أُنثى،ليس له إلّا دبر،كيف يورث؟قال:«يجلس الإمام و يجلس معه ناس،و يدعو اللّه تعالى،و يجيل بالسهام على أيّ ميراث يورث، ميراث الذكر،أم ميراث الأُنثى،فأيّ ذلك خرج ورثه عليه» ثم قال:«أيّ قضيّة أعدل من قضيّة يجال عليها السهام،إنّ اللّه تعالى يقول فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ [1] (3)» (4)و نحوه المرسل (5)،و قريب منهما

ص:460


1- السرائر 3:277.
2- الكافي 7:2/158،الفقيه 4:763/239،التهذيب 9:1273/356،الاستبصار 4:701/187،المحاسن:29/603،الوسائل 26:292 أبواب ميراث الخنثى ب 4 ح 2.
3- الصافّات:141.
4- الكافي 7:1/157،التهذيب 9:1274/356،الوسائل 26:291 أبواب ميراث الخنثى ب 4 ح 1.
5- الكافي 7:3/158،التهذيب 9:1275/357،الوسائل 26:293 أبواب ميراث الخنثى ب 4 ح 3.

الموثق (1).

خلافاً للإسكافي (2)،فاعتبره بالبول،قال:فإن نحاه عند خروجه عن مباله فهو ذكر،و إن بال على مباله فأُنثى؛ للمرسل كالموثق (3).

و هو شاذّ،و مستنده عن المكافأة لما مرّ قاصر.

و إطلاق العبارة و غيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم وجوب الدعاء،و به صرّح الشهيدان (4)،قال ثانيهما:لخلوّ باقي الأخبار عنه.

و فيه نظر؛ لتضمّن جميعها الأمر به و إن اختلف بحسب الإجمال أو الإطلاق،كما في الأخبار الأخيرة،و التفصيل،كما في الصحيحة.

فإن أراد بالدعاء المستحب عنده جنسه المناسب للقرعة فجميع الأخبار للأمر به متضمّنة،فكيف يقول:الأخبار عنه خالية؟ و إن أراد به الكيفيّة المرسومة في الصحيحة،فلا يقدح خلوّ باقي الأخبار عنها بعد تضمّنها الأمر بمطلق الدعاء،و الأصل يقتضي حملها عليها،و هو أرجح من الحمل على الاستحباب جدّاً،و لذا أمر به الحلّي(رحمه اللّه) في السرائر،و الماتن في الشرائع و الفاضل في القواعد و التحرير (5)،و إن اختلفت عبائرهم بحسب(الإطلاق و التقييد) (6)بنحو ما في الصحيح، و لا ريب أنّه أحوط،إن لم يكن أظهر.

ص:461


1- التهذيب 9:1276/357،الوسائل 26:294 أبواب ميراث الخنثى ب 4 ح 4.
2- حكاه عنه في المختلف:747.
3- الكافي 7:4/157،التهذيب 9:1277/357،الإستبصار 4:702/187،الوسائل 26:294 أبواب ميراث الخنثى ب 4 ح 5.
4- الدروس 2:381،المسالك 2:342،الروضة 8:206.
5- السرائر 3:277،الشرائع 4:47،القواعد 2:187،التحرير 2:175.
6- في«ر» و نسخة في«ح» و«ب»:الإجمال و التفصيل.

و من له رأسان أو بدنان على حَقْوٍ بفتح الحاء و سكون القاف معقد الإزار عند الخصر واحد سواء كان ما تحت الحَقْو ذكراً أو أُنثى أم غيره؛ لأنّ الكلام هنا في اتحاد ما فوق الحقو و تعدّده ليترتب عليه الإرث، و حكمه أن يوقظ أو يصاح به،فإن انتبه أحدهما فهما اثنان و إلّا فواحد،بلا خلاف؛ للنص المتضمّن لقضاء عليّ(عليه السّلام)بذلك (1).

و قصوره أو ضعفه مجبور بأنّه لا رادّ له،حتى أنّ منكر حجية أخبار الآحاد كالحلّي (2)قد قبله.

و على التقديرين يرثان إرث ذي الفرج الموجود،فيحكم بكونهما واحدة أو اثنتين،أو ذكراً واحداً أو ذكرين،و لو لم يكن له فرج أو كانا معاً حكم لهما بما مضى.

ص:462


1- انظر الوسائل 26:295 أبواب ميراث الخنثى ب 5.
2- السرائر 3:277.
الفصل الثالث في بيان ميراث الغرقى و المهدوم عليهم

الفصل الثالث في بيان ميراث الغرقى و المهدوم عليهم اعلم أنّ مقتضى الأصل و به صرّح (1)الأصحاب عدم الحكم بالتوارث إلّا مع تحقق سبق موت المورّث على الوارث،إلّا ما خرج بدليل، و هو مسألة هؤلاء فإنّهم يرث بعضهم بعضاً إجماعاً ظاهراً،و حكاه جماعة (2)مستفيضاً،بل و زائداً،و هو الحجّة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيحين:عن القوم يغرقون في السفينة،أو يقع عليهم البيت فيموتون، و لا يعلم أيّهم مات قبل صاحبه؟فقال:«يورث بعضهم من بعض،كذلك هو في كتاب عليّ(عليه السّلام) » (3).و في الصحيح:قلت له:رجل و امرأة سقط عليهما البيت فماتا،قال:

«يورث الرجل من المرأة و المرأة من الرجل» قال:قلت:فإنّ أبا حنيفة قد أدخل عليهم في هذا شيئاً،قال:«و أيّ شيء أدخل عليهم؟» قلت:رجلين أخوين أعجمين ليس لهما وارث إلّا مواليهما،أحدهما له مائة ألف درهم معروفة،و الآخر ليس له شيء،ركبا سفينة فغرقا،فأُخرجت المائة ألف، كيف يصنع بها؟قال:تدفع إلى مولى الذي ليس له شيء،فقال:«ما أنكر

ص:463


1- في«ب» زيادة:بعض.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:343،و السبزواري في الكفاية:307،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:319.
3- الكافي 7:1/136،الفقيه 4:713/225،الوسائل 26:307 أبواب ميراث الغرقى ب 1 ح 1.

ما أدخل فيها،صدق،هو هكذا» (1)الخبر،و نحوه آخر (2).

و يشترط الحكم فيهم بشروط ثلاثة،أشار إليها بقوله: إذا كان لهم أو لأحدهم مال و إلّا لانتفى التوارث من حيث عدم ما يورث،و ينتقل المال لأحدهما إلى من لا مال له،ثمّ إلى وارثه الحيّ،كما مرّ في الصحيحين و كانوا يتوارثون و التوارث دائر بينهم،بمعنى أنّ كل واحد منهم يرث من الآخر و لو بمشاركة غيره،فلو انتفى كما لو لم يكن استحقاق إرث بالكلّيّة،إمّا لعدم النسب،أو السبب،أو لوجود مانع من كفر،أو رقّ،أو وجود وارث حيّ لكل منهما أو لأحدهما حاجب للميت الآخر،لم يثبت الحكم،فلو غرق أخوان و لكلّ منهما ولد فإنّه لا توارث بينهما،بل كل منهما يحوز ميراثه ولده،و كذا لو كان الولد لأحدهما خاصّة دون الثاني،و ليس للثاني إلّا أخوه ذو الولد،فلا يرثه الأخ،و يختص الميراث بغيره،و إن كان أبعد؛ لعدم ثبوت بقائه بعد أخيه الذي هو شرط في الإرث،كما مر.

و كان اشتبه المتقدّم منهم في الموت بالمتأخّر فلو علم اقترانه فلا إرث،و لو علم المتقدّم ورثه المتأخّر من غير عكس،كما في الخبر:قضى علي(عليه السّلام)في رجل و امرأة ماتا جميعاً في الطاعون،ماتا على فراش واحد،و يد الرجل و رجله على المرأة،فجعل الميراث للرجل، و قال:إنّه مات بعدها (3).

ص:464


1- الكافي 7:3/137،التهذيب 9:1287/360،الوسائل 26:309 أبواب ميراث الغرقى ب 2 ح 2.
2- الكافي 7:2/137،التهذيب 9:1286/360،الوسائل 26:309 أبواب ميراث الغرقى ب 2 ح 1.
3- الكافي 7:6/138،التهذيب 9:1289/361،الوسائل 26:314 أبواب ميراث الغرقى ب 5 ح 3.

و يستفاد منه جواز الاكتفاء عن العلم بمثل تلك القرينة،و فيه مخالفة للأصل،و لا يمكن الخروج عنه بمثله؛ لقصور سنده بالرفع،و دلالته باحتمال حكمه(عليه السّلام)بعلمه.

و لا خلاف في شيء من ذلك،بل في ظاهر الغنية (1)الإجماع عليه، و هو الحجّة؛ مضافاً إلى الأصل المتقدّم إليه الإشارة،مع اختصاص النصوص المخرجة عنه بما اجتمع فيه الشرائط الثلاثة،و مع ذلك البداهة لصحة الشرط الأوّل شاهدة،كما أنّ الأُصول و العمومات و المرفوعة على الثالث دالّة.

و بما ذكرنا يظهر ما في الكفاية (2)من المناقشة في الحكم بعدم التوارث بين الأخوين ذي الولد و عديمه،و احتمال إلحاقهما بالأخوين ذي المال و عديمه.

و لذا أنّ المولى الأردبيلي(رحمه اللّه)الذي هو الأصل في المناقشة،قال بعدها:إلّا أن يقال:هذا الحكم مخالف للأصل و القاعدة،و إنّما الاستثناء للدليل،و قد وجد في صورة المال من جانب واحد لا غير،فتأمّل (3).انتهى.

و هنا شرط رابع ذكره في التحرير و القواعد (4)،و هو كون الموت بالسبب،فلو وقع بغيره كحتف الأنف لم يثبت التوارث بينهم،بل ينتقل الإرث من كل منهم إلى وارثه الحي،و هذا الشرط و إن لم يصرّح به هنا و في

ص:465


1- الغنية(الجوامع الفقهية):608.
2- الكفاية:308.
3- مجمع الفائدة و البرهان 11:529.
4- التحرير 2:175،القواعد 2:191.

كلام كثير إلّا أنّه يستفاد من حكمهم بعدم التوارث في الموت حتف الأنف، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

و في ثبوت هذا الحكم يعني التوارث بين الأموات المشتبهين في الموت بحسب السبق و التقارن مع اجتماع ما مرّ من الشرائط فيما إذا كان الموت بغير سبب الغرق و الهدم من باقي الأسباب كالقتل و الحرق تردّد ينشأ:من الأصل المتقدّم مع اختصاص النصوص المخصّصة له بالغرقى و المهدوم عليهم،و من أنّ الظاهر أنّ العلّة في التوارث بينهم الاشتباه المستند إلى سبب،و هي موجودة في محل البحث.

و إلى الأوّل ذهب المفيد و الأكثر،على الظاهر المصرّح به في الروضة و المسالك (1)،و نسبه في الكفاية (2)إلى الأصحاب،مع أنّه كغيره نقل الثاني عن ظاهر الشيخ في النهاية و الإسكافي و الحلبي (3)،و نقله في الإيضاح أيضاً عن ظاهر المبسوط و صريح ابن حمزة (4)،و اختاره والده في القواعد (5)صريحاً،و قوّاه في المختلف أخيراً،بعد أن ضعّف ما ذكره لهم دليلاً بمنع التعليل بمطلق الاشتباه،قال:فجاز أن يكون الاشتباه المستند إلى أحدهما (6).

و لعل الوجه في التقوية مع تضعيفه الحجّة قوّة احتمال كون العلّة

ص:466


1- المفيد في المقنعة:699،الروضة 8:221،المسالك 2:343.
2- الكفاية:308.
3- النهاية:674،حكاه عن الإسكافي في المختلف:750،الحلبي في الكافي في الفقه:376.
4- الإيضاح 4:276،المبسوط 4:118،ابن حمزة في الوسيلة:400.
5- القواعد 2:191.
6- المختلف:750.

المحتج بها قطعيّة منقّحة بطريق الاعتبار،لا مستنبطة بطريق المظنّة لتلحق بالقياس المحرّم في الشريعة.

و يعضده وقوع التعدية عن مورد النصوص المخصّصة للقاعدة كثيراً لأخصّيّتها من المدّعى كذلك،كما لا يخفى،و الإجماع و إن كان هو المستند في ذلك،إلّا أنّه لا ينافي الاعتضاد.

و يشير إلى قوّة الاحتمال بل و تعيّنه فهم الراوي فيما تقدّم من الصحيحين الأخيرين من حكمه(عليه السّلام)في المهدوم عليهم ثبوته في الغرقى، و لذا بعد سماعه الحكم منه(عليه السّلام)في المهدوم عليهم اعترض على أبي حنيفة فيما حكم به في الغرقى من دون تربّص و تزلزل،بحيث يظهر منه أنّه فهم كون العلّة هو الاشتباه،و إلّا فلم يتقدّم للغرقى ذكر سابقاً لا سؤالاً و لا جواباً،و المعصوم(عليه السّلام)أقرّه على فهمه،غير معترض عليه بالقياس، و أنّك لِمَ استشعرت من حكمي في المهدوم الاعتراض على أبي حنيفة في الغرقى،فهذا القول في غاية القوّة و نهاية المتانة لولا الشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخرين إجماعاً.

و ما في الإيضاح من أنّه قد روي:أنّ قتلى اليمامة و قتلى صفّين لم يرث بعضهم من بعض،بل ورثوا الأحياء (1)قال:فإن صحّت الرواية فهي حجة قويّة (2).

أقول:و يكفي لنا في الاحتجاج بها انجبارها بالشهرة و لو لم تكن بحسب السند صحيحة.

و يضعف الاعتضاد بوقوع التعدية بعدم وقوعها في الموت من غير

ص:467


1- المغني لابن قدامة 7:188،الشرح الكبير 7:157.
2- إيضاح الفوائد 4:277.

سبب،كما يأتي،و الإجماع و غيره،و إن كانا مستنديه،إلّا أنّهما دالّان على عدم كون العلّة الاشتباه المطلق،بل المقيّد بشيء،و هو كما يحتمل خصوصيّة الموت بالسبب مطلقاً كذا يحتمل خصوصيته به مقيّداً بالهدم و الغرق خاصة،و التقييد فيه و إن كان زائداً يوجب مرجوحيّته بالإضافة إلى الاحتمال الأوّل،إلّا أنّ المقصود من معارضة الاحتمال الأوّل به و ذكرهما بعد الإجماع على التقييد بعد دعوى تنقيح المناط القطعي؛ إذ هي على تقدير تسليمها إنّما تصح في الاشتباه المطلق و لو في الموت من غير سبب، فإنّه هو الذي يتراءى في الاعتبار و النظر كونه العلّة و المناط في مورد النص دون الاشتباه المقيّد.

و بالجملة:المسألة عند العبد محل توقف،و إن كان المصير إلى ما عليه الأكثر لا يخلو عن قرب.

و مع اجتماع الشرائط المتقدّمة يورث الأضعف و الأقلّ نصيباً أوّلاً،ثم يورث الأقوى منه،و الأكثر نصيباً،فيفرض موته أوّلاً و يرث الأضعف منه نصيبه،ثم يفرض موته و يرث الأقوى منه نصيبه؛ للمعتبرة،منها الخبران،أحدهما الصحيح:عن رجل سقط عليه و على امرأته بيت،فقال:«تورث المرأة من الرجل،ثم يورث الرجل من المرأة» (1)و بمعناهما الموثق كالصحيح (2).

و لا يورث الأقوى مما ورث الأضعف منه بل من صلب

ص:468


1- الصحيح في:التهذيب 9:1282/359،الوسائل 26:315 أبواب ميراث الغرقى ب 6 ذيل الحديث 2.الخبر الآخر في:التهذيب 9:1281/359،الوسائل 26:315 أبواب ميراث الغرقى ب 6 ح 2.
2- الفقيه 4:714/225،الوسائل 26:315 أبواب ميراث الغرقى ب 6 ح 1.

تركته فقط،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في ظاهر الغنية (1)الإجماع عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و اختصاص النصوص المتقدّمة و نحوها مما دلّ على توريث كل منهم من صاحبه بحكم التبادر بالتوارث من أصل التركة، و خصوص الصحيحين المتقدّم إليهما الإشارة (2)،الدالّين على توريث الأخ الذي لا مال له من أخيه ذي المال من دون عكس،و الخبر المنجبر ضعفه بالإرسال و غيره بعمل الأكثر:«لا يرث هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء شيئاً، و لا يورث هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء شيئاً» (3).

و في الصحيح:«تورث المرأة من الرجل،و يورث الرجل من المرأة» معناه:يورث بعضهم من بعض من صلب أموالهم،لا يورثون مما يورث بعضهم بعضاً شيئاً (4).و هو كما تقدّمه نصّ و حجة إن كان التفسير من الإمام(عليه السّلام)،و إلا فمعاضد إن كان من بعض الرواة.

و فيه قول آخر بالإرث ممّا ورث للمفيد و الديلمي (5)،و ما تقدّم حجة عليهما؛ مضافاً إلى ما ذكره جماعة (6)من استلزامه المحال عادة،و هو فرض الحياة بعد الموت؛ لأنّ التوريث من الثاني يقتضي فرض موته،فلو ورث ما انتقل عنه لكان حيّاً بعد انتقال المال عنه،و هو ممتنع عادةً.

ص:469


1- الغنية(الجوامع الفقهية):608.
2- في ص:458.
3- التهذيب 9:1294/362،الوسائل 26:311 أبواب ميراث الغرقى ب 3 ح 2.
4- الكافي 7:5/137،التهذيب 9:1288/361،الوسائل 26:310 أبواب ميراث الغرقى ب 3 ح 1.
5- المفيد في المقنعة:699،الديلمي في المراسم:226.
6- منهم العلّامة في المختلف:750،و ولده في الإيضاح 4:277،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:218.

و استلزامه التسلسل،و عدم انقطاع القسمة.

و لكن فيهما مناقشة،فالثاني:بأنّ القائل بهذا القول لم يحكم بالإرث مما ورث منه لغير الثاني،كما صرّح به شيخنا في المسالك (1)،و يظهر من العبارة،و من تعليل القائل مذهبه بكون ما ورثه صار من جملة ماله قبل أن يحكم بموته و الإرث منه،بخلاف الأوّل،فإنّه يحكم بموته و الإرث منه قبل أن يحكم له بالإرث.

و الأوّل:لورود مثله في إرث الأوّل من الثاني.

و ما قيل في ردّه:من أنّا نقطع النظر عمّا فرض أوّلاً،و نجعل الأوّل كأنّه المتأخّر حياةً،بخلاف ما إذا ورثنا الأوّل من الثاني مما كان قد ورثة الثاني منه،فإنّه يلزم فرض موت الأوّل و حياته في حالة واحدة (2).

لا يخلو عن تكلّف،مستغنى عنه بعد قيام الدليل على هذا القول، و لكن الشأن فيه،فإنّا لم نقف عليه غير ما مرّ من التعليل.و هو في مقابلة ما قدّمنا من الدليل عليل.

و وجوب تقديم الأضعف في الإرث،و أنّه لا فائدة إلّا التوريث مما ورث منه.

و يضعّف بمنع كون التقديم على جهة الوجوب،بل على الاستحباب،على الأشبه وفاقاً للشيخ في الإيجاز و ابن زهرة في الغنية و الفاضل في ظاهر الإرشاد و صريح التحرير و الشهيد في الدروس (3)؛ للأصل،و خلوّ كثير من النصوص من لفظة«ثم» المفيدة للترتيب،مع كون

ص:470


1- المسالك 2:344.
2- قال به فخر المحقّقين في الإيضاح 4:277.
3- الإيجاز(الرسائل العشر):276،الغنية(الجوامع الفقهية):608،الإرشاد 2:130،التحرير 2:175،الدروس 2:353.

النصوص المتقدّمة المتضمّنة لها أخصّ من المدّعى بكثير؛ لورودها في خصوص الرجل و المرأة،و المدّعى أعمّ من وجوه عديدة،فيحمل الترتيب على الاستحباب.

و لو سلّم الوجوب كما هو الظاهر،وفاقاً للشيخين و الحلي و الشهيد في اللمعة و غيرهم (1)؛ لظهور النصوص المتضمّنة للترتيب في وجوبه، و بها تقيد إطلاقات النصوص الخالية عنه،و الأخصيّة من المدّعى مجبورة بعدم القائل بالفرق مطلقاً فيحتمل كونه تعبّداً محضاً لا لعلّة معقولة،فإنّ أكثر علل الشرع و المصالح في نظر الشارع عنا خفيّة تعجز عقولنا عن إدراكها بالكلّيّة،و ليكن منها وجوب الترتيب في المسألة،فالواجب اتّباع النص.

و لتخلّفه مع تساويهما في الاستحقاق،كأخوين لأب،فينتفي اعتبار التقديم و يصير مال كل منهما[لورثة (2)]الآخر،فلا يتم الاستناد إليه لإثبات المطلوب،فتأمّل جدّاً.

و على اعتبار التقديم مطلقاً فلو غرق أب و ابن واحد،أو أكثر و لم يبلغوا ستّة ورث الأب من ابنه بعد فرض موته أوّلاً نصيبه،ثم يفرض موت الأب و ورث الابن من أصل تركة أبيه،لا ممّا ورث منه كما تقدم ثم يعطى نصيب كل منهما لوارثه الخاص أو العام.

و لو كان لأحدهما وارث خاص دون الآخر اُعطي ما اجتمع

ص:471


1- المفيد في المقنعة:699،الطوسي في النهاية:674،الحلي في السرائر 3:300،اللمعة(الروضة البهية 8):219؛ و انظر التبصرة:185،و الجامع للشرائع:520.
2- في النسخ:لوارثه،و الصواب ما أثبتناه.

لذي الوارث الخاص لهم أي لورثته،جمع الضمير مراعاة للتعدّد المحتمل،و لو أفرده مراداً به الجنس كإرادته من المرجع تبعاً له كان أنسب و اُعطي ما اجتمع للآخر عديم الوارث الخاص للإمام (عليه السّلام) . و لو لم يكن لهما وارث خاص غير أنفس هما بأن انحصر الوارث الخاص لكل منهما في الآخر انتقل مال كل منهما إلى الآخر فرضاً ثم انتقل منهما إلى الإمام (عليه السّلام)بالفعل.

و إذا لم يكن بينهما تفاوت في الاستحقاق و قدر النصيب،بأن تساويا فيه فرضاً،أو قرابة،أو بهما معاً سقط اعتبار التقديم قطعاً كأخوين لأب،أو لاُم،أو لهما معاً.

فإن كان ل كلّ منهما مال و لا مشارك لهما في الإرث انتقل مال كل منهما إلى صاحبه فرضا ثم انتقل منهما إلى ورثتهما الخاص محققاً.

و إن كان لأحدهما خاصّة مال دون الآخر صار و انتقل ماله لأخيه فرضاً و انتقل منه بعد ذلك إلى ورثته الخاص محقّقاً و لم يكن للآخر ذي المال شيء حتى ممّا ورثه منه عديم المال على المختار،و يرث منه نصيبه على غيره.

و لو لم يكن لهما وارث خاص أصلاً انتقل المال من كل منهما،أو من ذي المال خاصّة على المختار إلى الإمام (عليه السّلام)،كالسابق الذي كان بينهما تفاوت؛ لأنّه وارث من لا وارث له شرعاً كما هنا؛ لأنّ فرض تأخّر موت كل منهما عن صاحبه المقتضي لكونه وارثاً قد انقطع بالفرض الآخر المضادّ له،فكأنّه لا وارث لهما،سيّما مع إمكان تقارن موتهما.

ص:472

و لو ماتا حتف أنفهما على فراشهما،من غير قتل و لا ضرب و لا حرق و لا غرق،و خصّ الأنف لما يقال:إنّ روحه تخرج منه بتتابع نفسه لم يتوارثا،و كان ميراث كل منهما إن كان لورثته الخاص أو العام،بلا خلاف ظاهر،بل عليه الإجماع في الروضة و حكاه في المسالك (1)عن جماعة،و هو الحجة المعتضدة بما تقدّم (2)في عدم الموارثة بين القتلى و نحوهم من الأدلّة.

مضافاً إلى الرواية«ماتت أُمّ كلثوم بنت علي(عليه السّلام)و ابنها زيد بن عمر ابن الخطاب في ساعة واحدة،لا يدري أيّهما مات قبل،فلم يورث أحدهما من الآخر،و صلّى عليهما جميعاً» (3).

ص:473


1- الروضة 8:221،المسالك 2:344.
2- راجع ص:462.
3- التهذيب 9:1295/362،الوسائل 26:314 أبواب ميراث الغرقى ب 5 ح 1.
الفصل الرابع في بيان ميراث المجوس

الفصل الرابع في بيان ميراث المجوس إذا ترافعوا إلى حكّام الإسلام،أو اشترط عليهم التزامهم بأحكامه و قد اختلف الأصحاب فيه،فالمحكي عن يونس بن عبد الرحمن،و هو من أجلّاء قدماء الأصحاب و رواتهم،من رجال الكاظم و الرضا(عليهما السّلام) أنّه لا يورثهم إلّا بالصحيح من النسب و السبب دون فاسدهما (1)،و تبعه المفيد على نقل و التقي و الحلي و الفاضل في المختلف (2)،و نسبه المفيد في كتاب الإعلام إلى جمهور الإمامية (3)،و اختاره المرتضى في الموصليّات (4)،مدّعياً الإجماع عليه.

و عن الفضل بن شاذان النيشابوري،و هو أيضاً أحد أصحابنا الفضلاء العظماء المتكلمين،من رجال الهادي و العسكري(عليهما السّلام) أنّه يورثهم بالنسب صحيحه و فاسده،و بالسبب الصحيح خاصّة (5)،و تابعه ابن بابويه و العماني و المفيد-(رحمه اللّه)- على ما نقله جماعة (6).

و قال الشيخ في جملة من كتبه و ابن حمزة و الديلمي و القاضي،

ص:474


1- حكاه عنه في الكافي 7:145.
2- نقله عن المفيد في المختلف:748،التقي في الكافي في الفقه:376،الحلي في السرائر 3:287،288،المختلف:748.
3- الإعلام(مصنفات المفيد 9):66.
4- الموصليّات(رسائل السيد المرتضى 1):266.
5- حكاه عنه الشيخ في التهذيب 9:364.
6- منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز 2:483،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:221،و حكاه عن العماني في المختلف:748،و انظر الفقيه 4:248،و المقنع:179،و الإعلام(مصنفات المفيد 9):66.

و الإسكافي كما حكاه عنه الفاضل المقداد و الصيمري (1):إنّهم يورثون بالصحيح و الفاسد فيهما و نسبه في التحرير إلى المشهور (2).

و جعله الإسكافي مشهوراً عن علي(عليه السّلام)؛ لما رواه السكوني في القوي به:«عن علي(عليه السّلام)أنّه كان يورث المجوس إذا تزوّج بأمّه و أخته و ابنته من جهة أنها أمّه و أنّها زوجته» (3)و قريب منه مروي عن قرب الاسناد (4).

و قول الصادق(عليه السّلام) في الصحيحين اللذين رواهما الشيخان لمن سبّ مجوسيّاً و قال:إنّه تزوّج باُمّه:«أما علمت أنّ ذلك عندهم هو النكاح» (5)بعد أن زبر السائل.

و قوله في الموثق:«كل قوم يعرفون النكاح عن السفاح،فنكاحهم جائز» (6).

و قوله(عليه السّلام)في غير واحد من الأخبار:«إنّ كلّ قوم دانوا بشيء يلزمهم

ص:475


1- الشيخ في النهاية:683،و المبسوط 4:120،ابن حمزة في الوسيلة:403،الديلمي في المراسم:224،القاضي في المهذّب 2:170،التنقيح 4:221،غاية المرام 4:206.
2- التحرير 2:176.
3- الفقيه 4:804/249،التهذيب 9:1299/364،الإستبصار 4:704/188،الوسائل 26:317 أبواب ميراث المجوس ب 1 ح 1.
4- قرب الإسناد:558/153،الوسائل 26:318 أبواب ميراث المجوس ب 1 ح 4.
5- أحدهما في:الكافي 5:1/574،التهذيب 7:1956/486،الوسائل 21:199 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 83 ح 1. و الآخر في:الكافي 7:3/240،التهذيب 10:288/75،الوسائل 28:173 أبواب حدّ القذف ب 1 ح 3.
6- التهذيب 7:1907/475،الوسائل 21:200 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 83 ح 3.

حكمه» (1).

و لعل هذا القول أظهر؛ لاعتبار سند الأحاديث الدالّة عليه،سيّما مع اعتضادها بالشهرة المحكية في الفتوى و الرواية،و لكن الإجماع المتقدّم في كلام المرتضى على القول الأوّل المعتضد بدعوى المفيد الشهرة عليه يوجب التوقف فيه،سيّما و أنّ اختيار الفضل الموافق له و لو في الجملة أشبه عند أكثر من تأخّر،كالفاضلين و الشهيدين و غيرهم (2)ممّن وقفت على كلامهم،و لعله لهذا نسبه جدّي المجلسي-(رحمه اللّه) في شرحه على الفقيه إلى الأكثر (3).

و استدلوا للتوارث بالنسب الصحيح و الفاسد بتوارث المسلمين بهما حيث يقع الشبعة،و هي موجودة فيهم.

و لعدمه بالسبب الفاسد بقوله تعالى وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ [1] (4)و قوله تعالى وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ [2] و إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [3] (5)و لا شيء من الفاسد بما أنزل اللّه تعالى،و لا بحقّ،و لا بقسط.

و بهذه الحجة احتجّ الحلّي (6)على نفي الفاسد منهما.

و قد عرفت فساده في فاسد النسب،و الظاهر لولا ما قدّمناه فساده في

ص:476


1- التهذيب 9:1301/365،الإستبصار 4:705/189،الوسائل 26:318 أبواب ميراث المجوس ب 1 ح 3.
2- المحقق في الشرائع 4:52،العلّامة في القواعد 2:190،الشهيدين في اللمعة(الروضة البهية 8):223؛ و انظر كشف اللثام 2:311.
3- روضة المتقين 11:403.
4- المائدة:49.
5- المائدة:42.
6- السرائر 3:288.

فساد السبب أيضاً بعد قيام ما قدّمناه من الأدلّة على صحته عندهم و لو كان فاسداً عندنا،و إقرارهم على دينهم مما أنزل اللّه تعالى،و هذا من لوازم ذلك،فتأمّل جدّاً.

و كيف كان ف لو خلّف المجوسي اُمّاً هي زوجة له،فلها نصيب الاُمّ دون الزوجة على مختار الفضل،و نصيبهما على مختار الشيخ،و على قول يونس إن كان امّه على نكاح صحيح فكذلك،و إلّا فلا شيء لها.

و لو خلّف جدّة هي أُخت له،و يتصوّر فيما إذا تزوّج أبوه بابنة بنته فأولده منها،فالبنت للصلب جدّته لاُمّه،و هي أُخته؛ لأن أباهما واحد ورثت بهما أي بالجديّة و الأُختية.

و لا كذا لو خلّف بنتاً هي أُخت له،و يتصوّر فيما إذا تزوّج امّه و أولدها بنتاً،فهي بنته لصلبه،و أُخته لاُمّه،فإنّها لا ترث بالبنتية و الأختية لأنّه لا ميراث للأُخت مع البنت بل ترث بالبنتية خاصّة.

و الحكم في هاتين المسألتين بالإرث بالنسب بقول مطلق إنّما هو على القولين الأخيرين،دون قول يونس،و أمّا عليه فيقيّد بصحة النسب.

ص:477

خاتمة في بيان حساب الفرائض

خاتمة في بيان حساب الفرائض الذي هو في هذا الباب من أعظم المهامّ؛ للاحتياج إليه في تصحيح المسائل أوّلاً،و قسمة التركة على الورثة ثانياً.

فنقول:كل عدد إذا نسب إلى آخر،فإمّا أن يكونا متساويين،كثلاثة و ثلاثة،و يقال لهما:المتماثلان أيضاً.

أو مختلفين،و حينئذٍ فإمّا أن يعدّ الأقل الأكثر و يفنيه بإسقاطه عنه مرّة بعد أُخرى،أو لا.فالأوّل:المتداخلان؛ لدخول أحدهما في الآخر كالثلاثة مع التسعة، و يقال لهما المتوافقان بالمعنى الأعمّ أيضاً.

و طريقة استعلام التداخل بين العددين أن يسقط أقلّهما من الأكثر مرّة بعد أُخرى،أو يزاد على الأقل مثله مرّة أو مراراً،فإن فني الأكثر أو ساوى الأقل الأكثر فهما متداخلان.

و الثاني:و هو ما لا يعدّ الأقل الأكثر،لا يخلو إمّا أن يعدّهما معاً عدد ثالث غير الواحد،بمعنى أن يفنيهما جميعاً بالإسقاط مرّة بعد أُخرى،أو لا يفنيهما إلّا الواحد،و الأوّل المتوافقان بالمعنى الأخصّ،كالعشرة و الستّة، فإنّه يفنيهما الاثنان،و الستّة و الثمانية كذلك،و التسعة و الستة يفنيهما الثلاثة،و العشرة و الخمسة عشر يفنيهما الخمسة.

و قد يتعدّد المفني لهما،كما في الاثني عشر و الثمانية عشر،فإنّه يفنيهما الستة و الثلاثة و الإثنان،فتوافقهما حينئذٍ بالسدس و الثلث و النصف،

ص:478

لكن المعتبر عندهم منها أقلها جزءاً؛ لأنّه أقل للفريضة و أسهل للحساب، و هو هنا السدس.و كالعشرين و الثلاثين فإنّه يفنيهما العشرة و الخمسة و الاثنان،فتوافقهما بالعشر و الخمس و النصف،و المعتبر العُشر؛ لما قلنا.

و الثاني:المتباينان،كثلاثة و خمسة،و ثلاثة و سبعة،و طريق استعلام التوافق و التباين بين العددين أن يسقط أقلّهما من الأكثر ما أمكن،فما بقي فأسقطه من الأقلّ،فإن بقي منه شيء فأسقطه ممّا بقي من الأكثر،و لا تزال تفعل ذلك حتى يفنى العدد المنقوص منه أخيراً،فإن فني بواحد فمتباينان، و إن فني بعدد فمتوافقان بجزء مأخوذ من ذلك العدد تكون نسبته إلى ذلك العدد كنسبة الواحد إليه،فإن فني باثنين فهما متوافقان بالنصف،أو بثلاث فبالثلث،أو بأربعة فبالربع،و هكذا.

و قد يترامى إلى جزء من أحد عشر فصاعداً،مثاله أحد و عشرون و تسعة و أربعون،تسقط الأقلّ من الأكثر مرّتين،تبقى سبعة،تسقطها من الأحد و العشرين تفنيها،فتوافقهما بالسبع.

و كعشرة و ستّة،تسقطها من العشرة،تبقى أربعة،تسقطها من الستة تبقى اثنان،تسقطهما من الأربعة مرّتين يفنيانها،فتوافقهما بالنصف.

و كمائة و عشرين و مائة و خمسة و ستّين،تسقط الأقل من الأكثر، تبقى خمسة و أربعون،تسقطها من الأقل تبقى ثلاثون،تسقطها من الخمسة و أربعين،تبقى خمسة عشر،تسقطها من الثلاثين مرّتين يفنيهما،فالتوافق بجزء من خمسة عشر.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ مخارج الفروض ستّة بل خمسة، لاجتماع الثلث و الثلثين في مخرج واحد،كما يأتي و نعني بالمخرج:أقلّ عدد يخرج منه ذلك الجزء المكسور صحيحاً ف مخرج النصف من

ص:479

اثنين،و الربع من أربعة،و الثمن من ثمانية،و الثلث و الثلثان من ثلاثة، و السدس من ستة و حينئذٍ فإمّا أن يقع في المسألة واحد منها،أو اثنان فصاعداً،أو لا يقع منها شيء فيها.

و على الأوّل:فالمخرج المأخوذ منه ذلك الكسر هو أصل المسألة، كما لو اجتمع الزوج مع أهل المرتبة الثانية ممّن ليس له فريضة،فإنّ أصل الفريضة اثنان هو مخرج النصف حصّة الزوج،فله واحد منها و الآخر للباقين،فإن انقسم عليهم من دون كسر،و إلّا عملت به ما يأتي إلى أن تصحح الفريضة من عدد ينتهي إليه الحساب،و هكذا لو اجتمع فيها نصفان.

و على الثاني:فإن كانا متماثلين،و خرج الكسران من مخرج واحد، فيجتزى بأحدهما،كالثلث و الثلثين فالثلاثة أصل المسألة.

و إن كانا مختلفي المخرج،فلا بدّ من النظر فيهما،فإن كانا متداخلين يجتزى بأكثرهما،كالثمانية مخرج الثمن فريضة الزوجة،و الاثنين مخرج النصف فريضة البنت الواحدة،فيما إذا اجتمعت مع الزوجة،أو الستّة مخرج السدس هو فريضة أحد الأبوين،و الاثنين مخرج النصف فريضة البنت الواحدة فيما إذا اجتمعت مع أحدهما،فأكثر المخرجين من الثمانية في الفرض الأوّل و الستّة في الفرض الثاني هو أصل المسألة.

و إن كانا متوافقين ضربنا وفق أحدهما في مجموع الآخر،كالستة مخرج فريضة الواحدة من كلالة الأُمّ،و الأربعة مخرج فريضة الزوجة، و التوافق بينهما بالنصف،و هو من الأربعة اثنان،و من الستة ثلاثة،تضرب أحد النصفين في مجموع الآخر يحصل اثنا عشر،هو أصل الفريضة.

ص:480

و لو اجتمع الثمن و السدس،كزوجة و أحد الأبوين مع ابن،فالثمن مخرجه الثمانية،و السدس مخرجه الستة و بينهما توافق بالنصف فتضرب نصف أحدهما في مجموع الآخر يحصل أربعة و عشرون،هي أصل الفريضة،و هكذا.

و إن كانا متباينين ضربنا أحدهما في الآخر،كأربعة و ثلاثة فيما إذا اجتمع زوجة لها الربع و أُمّ لها الثلث،و كثمانية و ثلاثة فيما إذا اجتمعت زوجة لها الثمن و بنتان لهما الثلثان.

ففي الفرض الأوّل:تضرب الأربعة في الثلاثة أو بالعكس يحصل اثنا عشر،هي الفريضة.

و في الثاني:تضرب ثمانية في ثلاثة أو بالعكس يحصل أربعة و عشرون،و على هذا القياس.

و على الثالث:يجعل المال على عدد الرؤوس مع التساوي في الذكورة و الأُنوثة،و مع الاختلاف فيهما يجعل سهمان للذكر و سهم للأُنثى، فما اجتمع فهو أصل الفريضة صحيحاً.

و بعد ما صححت الفريضة لا تخلو إمّا أن تكون بقدر السهام،أو أقلّ منها،أو أكثر،فما كان الفريضة فيه بقدرها فإن انقسم الفريضة عليها من غير كسر فلا بحث،كزوج و أُخت لأبوين أو لأب، فالمسألة من سهمين؛ لأنّ فيها نصفين و مخرجهما اثنان ينقسم عليهما من غير كسر.

و إلّا تنقسم عليها بغير كسر مع كونها مساوية لها،فإمّا أن تنكسر على فريق واحد،أو أكثر،ثم إمّا أن يكون بين عدد المنكسر عليه و سهامه

ص:481

وفق بالمعنى الأعم،أو لا،فالأقسام أربعة.

فإن انكسرت على فريق واحد فاضرب عدد من انكسر عليهم دون نصيبهم في أصل الفريضة إن عدم الوفق بين العدد و النصيب و كان بينهما تباين،مثل:زوج و أخوين لأب،للزوج النصف،فالفريضة من اثنين للزوج واحد،لا تنكسر عليه،يبقى واحد،و نصيب الأخوين،ينكسر عليهما،و النسبة بين الواحد نصيبهما و عددهما تباين؛ إذ لا توافق بينهما، تضرب عددهما اثنين في اثنين أصل الفريضة،يحصل أربعة،تصح منها المسألة،للزوج منها اثنان،و للأخوين اثنان،لكل منهما واحد.

و مثل:أبوين و خمس بنات أصل فريضتهم ستّة؛ لاشتمالها على السدس و مخرجه ستّة،نصيب الأبوين منها اثنان،لا ينكسر عليهما، و تنكسر الأربعة الباقية نصيب البنات على الخمسة عددهنّ فتضرب الخمسة تمام عددهنّ في أصل الفريضة ستّة فما اجتمع و هو ثلاثون فمنه تصح الفريضة فكلّ من حصل له شيء من أصل الفريضة أخذه مضروباً في خمسة،فللأبوين سدساها عشرة، و للبنات الخمس ثلثاها عشرون،ينقسم عليهنّ بالسوية أربعة أربعة.

و إنّما ضربنا الخمسة في أصل الفريضة لأنّه لا وفق بين نصيبهنّ الأربعة و عددهنّ الخمسة،بل بينهما تباين،و حكمه هنا ضرب العدد المباين دون النصيب في أصل الفريضة.

و لو كان بينهما وفق و لو بالمعنى الأعمّ ضربت الوفق من العدد المنكسر عليه الفريضة لا الوفق من النصيب في أصل الفريضة فما حصل منه تصح المسألة.

مثل:أبوين و ستّ بنات أصل الفريضة من ستّة؛ لعين ما مرّ في

ص:482

المسألة السابقة،للأبوين السدسان اثنان،و للبنات أربعة ينكسر عليهنّ و بين نصيبهنّ و هو الأربعة و عددهنّ و هو الستّة وفق،و هو النصف، فيضرب الوفق من العدد لا من النصيب و هو ثلاثة لأنّها نصف الستّة في أصل الفريضة و هو ستّة،فما اجتمع بعد الضرب،و هو ثمانية عشر صحت منه الفريضة،للأبوين السدسان ستة،لكل منهما ثلاثة،و للبنات الستّ اثنا عشر،لكل منهم اثنان اثنان.

و كذا لو كنّ بدل الستّ ثمانياً،ينكسر نصيبهنّ الأربعة عليهنّ،و بينها و بين عددهنّ توافق بالربع،تضرب ربع عددهنّ اثنان في ستّة أصل الفريضة،تبلغ اثني عشر،للأبوين السدسان أربعة،و للبنات الثلثان ثمانية بعددهنّ.

و إن انكسرت على أكثر من فريق،فإمّا أن يستوعب الكسر الجميع، أم لا،و على التقديرين فإمّا أن يكون بين نصيب كل فريق انكسر عليه و عدده وفق،أو تباين،أو التفريق.

فإن كان الأوّل:رددت كل فريق إلى جزء الوفق،ثم اعتبرت الأعداد بعد الردّ هل هي متماثلة،أو متداخلة،أو متوافقة،أو متباينة؟ فإن كانت متماثلة اجتزأت بواحد منها،و ضربته في أصل الفريضة، كست زوجات و ثمانية من كلالة الأُمّ و عشرة من كلالة الأب،للزوجات الربع من أربعة،و لكلالة الاُمّ الثلث من ثلاثة،و بين العددين تباين،تضرب أحدهما في الآخر تبلغ اثني عشر هي الفريضة،للزوجات منها ثلاثة يوافق عددهنّ بالثلث،و لكلالة الأُمّ أربعة يوافق عددهم بالربع،و لكلالة الأب خمسة يوافق عددهم بالخمس،فتردّ كل فريق إلى جزء وفقه،و هو في الجميع اثنان؛ لأنّهما ثلث باعتبار عدد الزوجات،و ربع باعتبار عدد كلالة

ص:483

الأُمّ،و خمس باعتبار الكلالة للأب،فأجزاء الأوفاق فيها متماثلة،فتضرب أحدها في أصل الفريضة تبلغ أربعاً و عشرين،للزوجات منها ستّة.و لكلالة الاُمّ منها ثمانية،و للأخوة للأب عشرة.

و إن كانت متداخلة اجتزأت بالأكثر،كالمثال المتقدّم مع جعل كلالة الأُمّ ستّة عشر،نصيبهم يوافق عددهم بالربع،فتردّهم إلى الأربعة،و بينها و بين الوفق المردود إليه كل من عدد الزوجات و كلالة الأب و هو الاثنان تداخل؛ لدخولهما فيها،فتجتزي بها،و تضربها في اثني عشر أصل الفريضة تبلغ ثمان و أربعين،للزوجات منها اثنا عشر،و لكلالة الأُمّ ستّة عشر عددهم،و الباقي و هو عشرون لكلالة الأب.

و إن كانت متوافقة ضربت وفق أحد المتوافقين في عدد الآخر،ثم المجتمع في أصل الفريضة،كالمثال المذكور مع جعل كلالة الأُمّ أربعة و عشرين و كلالة الأب عشرين،الفريضة من اثني عشر،كما مرّ،للزوجات ثلاثة يوافق عددهنّ بالثلث،و لكلالة الأُمّ أربعة يوافق عددهم بالربع، و لكلالة الأب خمسة توافق عددهم بالخمس،فردّ كل فريق إلى جزء الوفق،و هو اثنان بالنسبة إلى الزوجات،و ستّة بالنسبة إلى كلالة الأُمّ، و أربعة بالنسبة إلى كلالة الأب،و بين كل من أعداد الوفق و ما فوقه موافقة بالنصف،فتضرب وفق الأربعة و هو الاثنان في ستة تبلغ اثني عشر،تضربها في مثلها أصل الفريضة تبلغ مائة و أربعة و أربعين،هي أصل الفريضة، و القسمة واضحة.

و إن كانت متباينة ضربت بعضها في بعض،ثم المجتمع في أصل الفريضة،كالمثال المزبور مع جعل كلالة الأُمّ اثني عشر و كلالة الأب خمسة و عشرين،الفريضة من اثني عشر،كما مرّ،فيرجع عددهم بعد الردّ إلى

ص:484

اثنين بالنسبة إلى الزوجات؛ لأنّهما جزء وفق عددهنّ،و ثلاثة بالنسبة إلى كلالة الأُمّ،و خمسة بالنسبة إلى كلالة الأب؛ لذلك،و النسبة بين هذه الأعداد التباين،تضرب الاثنين في ثلاثة تبلغ ستّة،و تضربها في خمسة تبلغ ثلاثين،تضربها في أصل الفريضة اثني عشر تبلغ ثلثمائة و ستّين، و القسمة بمراجعة ما مرّ ظاهرة.

و إن كان الثاني:نسبت أعداد كل فريق إلى الآخر،فإن تساوت اجتزأت بأحدهما و ضربته في أصل الفريضة،كثلاثة إخوة لاُمّ و ثلاثة لأب، أصل الفريضة من ثلاثة؛ لأنّها مخرج الثلث حصّة كلالة الأُمّ،فلها واحد ينكسر على عددهم،و لكلالة الأب اثنان ينكسر على عددهم أيضاً، و النسبة بين عدد الفريقين تساوٍ،تضرب أحدهما و هو ثلاثة في أصل الفريضة مثلها تبلغ تسعة،هي أصل الفريضة،لكلالة الأُمّ ثلثها ثلاثة،لكل منهم واحد،و لكلالة الأب ستّة،لكل منهم اثنان.

و إن تداخلت اجتزأت بالأكثر،و ضربته في أصل الفريضة،كالمثال مع جعل كلالة الأب تسعة،الفريضة أيضاً من ثلاثة،و النسبة بينها و بين التسعة تداخل،تجتزي بالتسعة،تضربها في ثلاثة أصل الفريضة تبلغ سبعاً و عشرين،ثلثها لكلالة الأُمّ تسعة،لكل ثلاثة أسهم،و الباقي لكلالة الأب ثمانية عشر،لكل سهمان.

و إن توافقت ضربت وفق أحدهما في مجموع الآخر،ثم المجتمع في أصل الفريضة،كأربع زوجات مع ستّة أولاد،فريضتهم ثمانية مخرج الثمن نصيب الزوجة،واحد للزوجات،و سبعة للأولاد،تنكسر على الفريقين، و لا وفق بين نصيبهما و عددهما،و بين عددهما توافق بالنصف،فتضرب اثنين في ستّة،ثم المرتفع في ثمانية تبلغ ستّة و تسعين،للزوجات اثنا

ص:485

عشر،لكل واحدة ثلاثة،و للأولاد أربعة و ثمانون،لكل واحد أربعة عشر.

و إن تباينت ضربت أحدهما في الآخر،ثم المرتفع في أصل الفريضة،كزوجتين و خمسة إخوة لاُمّ و سبعة لأب،أصل الفريضة من اثني عشر،مخرج الثلث و الربع؛ لأنّها المجتمع من ضرب أحدهما في الآخر؛ لتباينهما،فللزوجتين الربع ثلاثة،و لكلالة الأُمّ أربعة،و لكلالة الأب خمسة،و لا وفق بين نصيب كل و عدده،و الأعداد أيضاً متباينة،فتضرب أيّهما شئت في الأخر،ثم المرتفع في الباقي،ثم المجتمع في أصل الفريضة،فتضرب اثنين في خمسة،ثم المجتمع في سبعة تكون سبعين، تضربها في اثني عشر أصل الفريضة تبلغ ثمانمائة و أربعين،فكل من كان له سهم من اثني عشر أخذه مضروباً في سبعين.

و إن كان الثالث:رددت العدد الموافق لنصيبه إلى جزء وفقه،ثم نسبت الوفق إلى العدد الآخر الغير الموافق لنصيبه و اعتبرت النسبة بينهما.

فإن تماثلت اجتزأت بأحدهما و ضربته في أصل الفريضة،كزوجتين و ستّة إخوة لأب،فريضتهم أربعة مخرج الربع نصيب الزوجة،تنكسر على الفريقين،للزوجتين واحد يباين عددهما،و للإخوة ثلاثة توافق عددهم بالثلث اثنين،تردّ عددهم إليهما،و النسبة بينهما و بين عدد الزوجتين تساوٍ، فتجتزي بأحدهما اثنين،تضربهما في أصل الفريضة أربعة تحصل ثمانية، للزوجتين الربع اثنان،لكلّ منهما واحد،و للإخوة ستّة لكل منهم واحد.

و إن تداخلت اجتزأت بالأكثر و ضربته في أصل الفريضة،كأربع زوجات و ستّة إخوة لأب،الفريضة من أربعة،كما عرفته،للزوجات الأربع واحد ينكسر عليهنّ و يباين عددهنّ،و للإخوة الستّة ثلاثة تنكسر عليهم و يوافق عددهم بالثلث اثنين،تردّ عددهم إليهما،و بينهما و بين عدد

ص:486

الزوجات تداخل،فتجتزي بالأربعة عددهنّ تضربها في أصل الفريضة تبلغ ستّة عشر،للزوجات الربع أربعة،لكل منهنّ واحد،و للإخوة الستّة اثنا عشر،لكل منهم اثنان.

و إن توافقت ضربت الوفق من أحدهما من مجموع الآخر،ثم الحاصل في أصل الفريضة،كزوجتين و ستّة إخوة لأب و ستّة عشر لاُمّ، الفريضة من اثني عشر،للزوجتين الربع ثلاثة تنكسر عليهما،و بينها و بين عددهما تباين،و لكلالة الأب خمسة تنكسر عليهم،و بينها و بين عددهم تباين،و لكلالة الأُمّ أربعة تنكسر عليهم،و بينها و بين عددهم توافق بالربع، تردّ عددهم إليه،و هو أربعة،و بينها و بين عدد كلالة الأب توافق بالنصف فتضرب نصف أحدهما في الآخر تبلغ اثني عشر،تضربها في أصل الفريضة اثني عشر تبلغ مائة و أربعة و أربعين.

و لا يحتاج إلى النظر في عدد الزوجات؛ لأنّه إمّا متوافق بالنصف أيضاً للأربعة و هو موجب لاطراح نصفه و هو الواحد،أو متداخل لها فللزوجتين الربع ستّة و ثلاثون،تنقسم عليهما صحيحاً،لكل منهما ثمانية عشر،و لكلالة الاُمّ الثلث ثمانية و أربعون،لكل منهم ثلاثة،و الباقي و هو ستّون لكلالة الأب،لكل منهم عشرة.

و إن تباينت ضربت بعضها في بعض ثم المرتفع في أصل الفريضة، كزوجات أربع و سبعة إخوة لأب و ستّة إخوة لاُمّ،أصل الفريضة من اثني عشر،كما مرّ،للزوجات الأربع الربع ثلاثة تنكسر عليهنّ،و بينها و بين عددهنّ تباين،و لكلالة الأب خمسة تنكسر عليهم،و بينها و بين عددهم تباين،و لكلالة الاُمّ الثلث أربعة،و بينها و بين عددهم توافق بالنصف،تردّ عددهم إليه و هو ثلاثة،و بينها و بين كل من السبعة و الأربعة تباين،ضربت

ص:487

الأربعة في ثلاثة،ثم الحاصل في سبعة تبلغ أربعة و ثمانين،تضربها في أصل الفريضة يحصل ألف و ثمانية،للزوجات منها الربع مائتان و اثنتان و خمسون،لكل واحدة ثلاثة و ستّون،و لكلالة الاُمّ الثلث ثلثمائة و ستّة و ثلاثون،لكل واحد ستّة و خمسون،و لكلالة الأب الباقي أربعمائة و عشرون،لكل واحد ستّون.

و ما ذكرناه من الأمثلة الاثني عشرة في الأنواع الثلاثة المتقدّمة في المنكسر على أكثر من فريق إنّما هو في الانكسار المستوعب لجميع الفرق، و يأتي مثلها في غير المستوعب،و يسهل استخراجها بعد الاستعانة بمراجعة ما قدّمنا مثاله من الصورة الاُولى من النوع الثاني:ثلاث زوجات و ثلاثة إخوة لاُمّ و ثلاثة لأب،الفريضة اثنا عشر،مضروب مخرج الربع أربعة في الثلث ثلاثة،للزوجات منها ثلاثة تنقسم عليهنّ من دون كسر،و لكلالة الأُمّ أربعة،و لكلالة الأب خمسة تنكسر عليهم من الطرفين،و العدد و النصيب فيهما متباينة،و الأعداد متماثلة تجتزي بأحدها و هو ثلاثة،تضربها في أصل الفريضة تبلغ ستّة و ثلاثين،للزوجات منها الربع تسعة،لكلٍّ ثلاثة،و لكلالة الاُمّ الثلث اثنا عشر،لكلٍّ أربعة،و لكلالة الأب خمسة عشر،لكلٍّ خمسة، و باقي الأمثلة واضحة لمن راعى الضوابط المتقدمة.

و لو نقصت الفريضة عن السهام لزيادتها عليها بدخول الزوج أو الزوجة،فلا عول فيها عندنا،كما مضى الكلام فيه و في أنّه حينئذٍ يدخل النقص على البنت أو البنات من أهل المرتبة الأُولى إذا اجتمع أحدهما معهم أو على من تقرب إلى الميت بالأب و الأُمّ أو الأب من الأخوات من أهل المرتبة الثانية إذا اجتمعا معهم.

و ذلك من المرتبة الأُولى مثل:أبوين و زوج و بنت واحدة،

ص:488

الفريضة من اثني عشر،مضروب ستّة مخرج السدس فريضة كل من الأبوين في اثنين جزء وفق الأربعة مخرج الربع فريضة الزوج،أو بالعكس، بأن تضرب الأربعة في جزء وفق الستة ثلاثة،فالحاصل على كلا التقديرين اثنا عشر فللأبوين السدسان منها أربعة و للزوج الربع منها ثلاثة و الباقي منها للبنت و هو خمسة،فقد دخل النقص عليها بواحدة؛ لأنّ فريضتها النصف منها ستّة.

و كذا لو اجتمع أبوان أو أحدهما و بنت أو بنتان فصاعداً و زوج أو زوجة النقص يدخل على البنت أو البنات تضمّنت هذه العبارة أمثلة،منها:اجتماع الأبوين و الزوج و البنت الواحدة و هو تكرار؛ لتقدّمه سابقاً،فالأولى حذف«و بنت» منها.

و منها:اجتماع أبوين و بنتين و زوج،الفريضة اثنا عشر،كالمثال السابق من دون فرق بينهما،إلّا من حيث إنّ هنا بدل البنت بنتين.

و منها:اجتماع أحد الأبوين و بنتين و زوج،الفريضة كسابقها،إلّا أنّ هنا بدل الأبوين أحدهما،فتزاد البنتان نصيب أحد الأبوين المحذوف،و مع ذلك نقصتا بواحد؛ لأنّ فريضتهما الثلثان منها ثمانية و قد أعطيتا سبعة.

و منها:اجتماع أبوين و بنتين و زوجة،الفريضة من أربعة و عشرين، مضروب ستّة مخرج السدس في أربعة جزء وفق الثمانية مخرج الثمن فريضة الزوجة،أو بالعكس،تبلغ ذلك للأبوين ثمانية،و للزوجة ثلاثة، و للبنتين ثلاثة عشر،مع أنّ فريضتهما الثلثان ستّة عشر،فقد نقصتا بثلاثة.

و من المرتبة الثانية مثل ما لو اجتمع اثنان من ولد الاُمّ و أختان للأب و الأمّ أو للأب مع زوج أو زوجة يأخذ الزوج و كلالة الاُمّ كمال

ص:489

فريضتهما و يدخل النقص على من يتقرب بالأب و الأُمّ أو الأب خاصّة الفريضة في الأوّل من ستّة،مضروب مخرج الثلث فريضة كلالة الأُمّ و هو ثلاثة في مخرج النصف فريضة الزوج و هو اثنان؛ لتباينهما،للزوج النصف منها ثلاثة،و لكلالة الاُمّ الثلث اثنان،و لكلالة الأب واحد،نقصتا بثلاثة؛ لأنّ فريضتهما الثلثان أربعة.

و كذا لو كان بدل الأُختين أُخت واحدة،إلّا أنّها تنقص باثنين؛ لأنّ فريضتها النصف ثلاثة.

و في الثاني اثنا عشر،مضروب مخرج الثلث ثلاثة في الأربعة مخرج فريضة الزوجة؛ لتباينهما،للزوجة الربع ثلاثة،و لكلالة الأُمّ أربعة،و لكلالة الأب خمسة،نقصتا بثلاثة؛ لأنّ فريضتهما الثلثان ثمانية.

و بالجملة الضابط في صورة نقص الفريضة عن السهام إدخاله على من ذكرنا.

ثم إن انقسمت الفريضة على أرباب السهام على صحة من دون كسر فلا بحث،كما في المثال الأوّل من الأمثلة المتقدّمة،و هو اجتماع أبوين و زوج و بنت واحدة،و كما فيه لو بدّلت البنت الواحدة بخمس.

و إلّا تنقسم عليهم على صحة ضربت سهام من انكسر عليه النصيب،بل عدده في أصل الفريضة إذا عدم الوفق بين العدد و النصيب،و كان المنكسر عليه فريقاً واحداً،كالأمثلة المتأخّرة عنه.

ففي الأوّل و الخامس منها بين عدد البنتين و الأُختين و نصيبهما خمسة تباين،تضرب العدد اثنين في الفريضة اثني عشر تبلغ أربعة و عشرين، للأبوين أو كلالة الأُمّ ثمانية،و للزوج أو الزوجة ستّة،و للبنتين أو الأختين

ص:490

عشرة،لكل منهما خمسة.

و كذا في الثاني منها،إلّا أنّ للبنتين هنا أربعة عشر،لكل منهما سبعة، و لأحد الأبوين أربعة،و للزوج ستّة.

و كذا في الثالث،إلّا أنّ للبنتين ستّة و عشرين،لكل منهما ثلاثة عشر؛ لتضاعف الفريضة فيه بفريضة الزوجة.

و كذا في الرابع،و للأختين فيه اثنان،لكل منهما واحد.

و كما إذا اجتمع أبوان و زوج و ثلاث بنات،الفريضة من اثني عشر، كما مرّ،للأبوين أربعة،و للزوج ثلاثة،و للبنات خمسة تنكسر عليهنّ، و بينها و بين ثلاثة عددهنّ تباين،يؤخذ به و يضرب في أصل الفريضة تبلغ ستّة و ثلاثين،للأبوين الثلث اثنا عشر،و للزوج الربع تسعة،و للبنات خمسة عشر،لكلٍّ خمسة.

و هكذا لو كنّ أربعاً أو ستّاً إلى ما دون العشرة،فإنّ هذه الأعداد متباينة لنصيبهنّ،فالحكم فيها واحد.

و لو كنّ عشراً وافق عددهنّ نصيبهنّ بالخمس،و قد عرفت فيما تقدم فيما إذا انكسرت الفريضة على فريق واحد أنّه يضرب الوفق من عدد رؤوسهم لا من النصيب في الفريضة،و هي هنا اثنا عشر،تبلغ أربعاً و عشرين،للأبوين الثلث ثمانية،و للزوج الربع ستّة،و للبنات العشر عشرة.

و لو كنّ خمس عشرة فقد وافق عددهنّ نصيبهنّ بالخمس أيضاً، فتردّه إلى ثلاثة،و تضربها في أصل الفريضة تبلغ ستّاً و ثلاثين،و القسمة واضحة.

و لو زادت الفريضة عن السهام كان الردّ على ذوي السهام دون

ص:491

غيرهم،و لا تعصيب عندنا،كما مضى الكلام فيه و في أنّه لا يردّ على الزوج مع الوارث و لا الزوجة مطلقاً و لا على الاُمّ مع وجود من يحجبها من كلالة الأب،و لا على الكلالة المتقرّبة بها إذا اجتمعت مع الكلالة المتقربة بالأب أو بهما،على الأشهر الأقوى.

و صورة حجب الاُمّ عن الردّ و عدمه مثل اجتماع أبوين و بنت واحدة ف إنّه إذا لم يكن هناك حاجب للاُمّ من الإخوة للأب فالردّ يكون عليهم جميعاً أخماساً و إن كان لها حاجب ف للاُمّ السدس خاصّة،و يختصّ الردّ بالأب و البنت أرباعاً أصل الفريضة من ستّة مخرج السدس فريضة أحد الأبوين؛ لأنّ الاثنين مخرج النصف فريضة البنت الواحدة يداخل الستّة،فيكتفى بها؛ لأنّها الأكثر،للأبوين منها اثنان،و للبنت ثلاثة، يبقى واحد يردّ عليهم أخماساً أو أرباعاً ينكسر عليهم.

و تصحيحه أن تضرب مخرج سهام الردّ و الكسر و هو خمسة أو أربعة في أصل الفريضة ستة،تبلغ ثلاثين على الأوّل،و أربعة و عشرين على الثاني فما اجتمع بعد الضرب صحت منه الفريضة فعلى الأوّل للأبوين الخمسان اثنا عشر،ينقسم عليهما صحيحاً، و للبنت ثمانية عشر.

و على الثاني للأُمّ سدسها خاصّة أربعة،و الباقي و هو عشرون للأب ربعه خمسة،فريضته منها أربعة،و واحد من جهة الردّ،و للبنت خمسة عشر،فريضتها منها اثنا عشر،و ثلاثة حصتها من جهة الردّ.

و لو اجتمع أحد الأبوين و بنتان فصاعداً،فلأحد الأبوين السدس

ص:492

فريضة،و للبنتين فصاعداً الثلثان كذلك،و الباقي يردّ بنسبة السهام أخماساً.

بيانه:أنّ مخرج السدس ستّة،و مخرج الثلثين ثلاثة،و بينهما تداخل،فيكتفى بالأكثر و هو الستّة،لأحد الأبوين سدسها واحد،و للبنتين ثلثاها أربعة،و الواحد الباقي يردّ عليهم،كل بنسبة حصّته،و قد عرفت أنّهم اقتسموا في خمسة للبنتين أربعة أخماس،و لأحد الأبوين خمس،فيجب أن يكون الردّ أخماساً بنسبة الحصص،و قد انكسرت الفريضة عليهم في مخرج الخمس خمسة،فتضربها في أصل الفريضة ستّة،تبلغ ثلاثين، لأحد الأبوين خمسها ستّة،فرضه منها خمسة و ردّه واحد،و للبنتين أربعة و عشرون،فريضتهما منها عشرون و أربعة من جهة الردّ.

تتمة في بيان المناسخات

تتمة في بيان المناسخات جمع مناسخة،مفاعلة من النسخ،و هو النقل و التحويل.

و نعني به هنا أن يموت إنسان و لا تقسم تركته،ثم يموت أحد وراثه ف قد يتعلق الغرض بقسمة الفريضتين من أصل واحد،فإن اتّحد الوارث و الاستحقاق كان كالفريضة الواحدة،و لا يحتاج إلى عمل آخر.

و نعني باتحاد الوارث كون وارث الميت الثاني هو وارث الميت الأوّل بعينه،و باتحاد الاستحقاق كون الجهة الموجبة لاستحقاق الميراث فيها واحداً،كالبنوّة و الأُخوة و الزوجية و نحوها،و ذلك كرجل توفّي و خلف أربعة إخوة و أُختين،و الجميع لأب و أُمّ أو لاُمّ،فمات أخوان منهم و أُخت، و ليس لهم وارث إلّا الإخوة الباقين،فإنّ المال ينقسم بين الأخوين و الأُخت

ص:493

الباقين أخماساً إن تقرّبوا بالأب،و بالسوية إن تقرّبوا بالأُمّ،و من مات منهم ينزل منزلة العدم،فكأنّ الميت لم يخلف إلّا هؤلاء الباقين.

و إن اختلف الوارث خاصّة،كما لو مات رجل و ترك ابنين، فمات أحدهما و ترك ابناً،فإنّ جهة الاستحقاق في الفريضتين واحدة،و هي البنوة،و الوارث مختلف؛ لكونه في الأُولى ابناً و في الثانية ابنه.

أو الاستحقاق خاصّة،كما لو مات رجل و ترك ثلاثة أولاد،ثم مات أحدهم و لم يخلف غير إخوته المذكورين،فإنّ جهة الاستحقاق في الفريضتين مختلفة؛ لأنّها في الأُولى البنوّة،و في الثانية الاُخوّة،و الوارث واحد.

أو هما معاً،كما لو مات رجل و خلف زوجة و ابناً و بنتاً،ثم مات الزوجة عن ابن و بنت،فإنّ جهة الاستحقاق في الأُولى الزوجية،و في الثانية البنوّة،و الوارث فيها الأولاد،و في الأُولى الزوجة و أولاده.

و نهض نصيب المتوفّى الثاني و فريضته من الفريضة الأُولى بعد تصحيحها بالقسمة على وارثه من دون كسر،كان أيضاً كالفريضة الواحدة،و ذلك كما في الأمثلة المزبورة.

أمّا الأوّل منها:فواضح؛ لأنّ فريضة الميت الثاني من الفريضة الأُولى النصف،و وارثه ولده الواحد،يرجع إليه من غير كسر.

و أمّا الثاني منها:فلأنّ الميت الثاني ينزل منزلة العدم،و يقسم ميراث الأوّل على هؤلاء الموجودين.

و ينبغي تقييد تنزيل الميت الثاني منزلة العدم في نحو صورة المثال بكون ميراث الباقين من الميت الثاني على حسب إرثهم من الأوّل،و إلّا كان من قبيل صورة اختلاف الوارث،كما لو ماتت امرأة عن أولاد من أب، و ولد آخر من أبٍ آخر،ثم مات أحد الأولاد الذين من أب،فإنّ ميراث

ص:494

الأولاد جميعهم من الأُمّ بالسويّة،ذكورية و أُنوثية،و ميراثهم بعد ذلك من أخيهم يختلف،فإنّ الأخ من الاُمّ له السدس خاصّة،و الباقي لإخوته من الأبوين.

و أمّا الثالث:فإنّ فريضة الميت الأوّل من أربعة و عشرين،مضروب مخرج الثمن نصيب الزوجة في مخرج الثلث و الثلثين نصيب الابن و البنت الوحدة،للزوجة منها ثلاثة،تنقسم على ابنها و بنتها صحيحة.

و إلّا ينهض نصيبه بالقسمة على الوارث له بغير كسر،فانظر النسبة بين نصيب الميت الثاني و سهام ورثته،و راعها بينهما بالتوافق و التباين،و بعد ذلك فاضرب الوفق من الفريضة الثانية التي هي السهام، لا الوفق من النصيب الذي هو فريضة الميت في أصل الفريضة الأُولى التي أُخذت منها فريضة الميت و نصيبه إن كان بين الفريضتين يعني نصيب الميت و سهام ورثته التي هي الفريضة الثانية وفق كأبوين و ابن ثم يموت الابن عن ابنين و بنتين،فالفريضة الاُولى من ستّة،مخرج نصيب أحد الأبوين،و نصيب الابن المتوفّى منها أربعة،و سهام ورثته ستّة، توافق نصيبهم بالنصف،فتضرب ثلاثة وفق الفريضة الثانية في أصل الفريضة الأُولى ستّة،تبلغ ثمانية عشر،منها تصح المسألة،لأبوي الميت الأوّل ثلثها ستّة،و للابن اثنا عشر تنقسم على ورثته،لابنيه منها ثمانية، و للبنتين أربعة.

و كأخوين لاُمّ و مثلهما لأب و زوج،مات الزوج عن ابن و بنتين، فالفريضة الأُولى اثنا عشر،مضروب مخرج النصف اثنين و الثلث؛ لتباينهما،ثم مضروب المرتفع منهما في اثنين؛ لانكسارها على فريق واحد و هو الأخوان للأب،و بين نصيب الزوج منها و هو ستّة و فريضة ورثته أربعة توافق بالنصف،فتضرب الوفق من الفريضة و هو اثنان في اثني عشر تبلغ

ص:495

أربعة و عشرين،و منها تصح المسألة،للأخوين للأُمّ ثلثها ثمانية،و للزوج نصفها اثنا عشر تنقسم على ورثته،للابن منها ستّة،و للبنتين ستّة،لكل واحدة ثلاثة،و للأخوين للأب أربعة،و كل من هؤلاء يأخذ نصيبه من الفريضة الأُولى مضروباً في اثنين،و هو ما ضربته في أصل الفريضة الأُولى.

و إن لم يكن بين نصيب الميت الثاني و سهام ورثته وفق،بل تباين فاضرب تمام الفريضة الثانية في أصل الفريضة الأُولى،فما بلغ صحت منه الفريضتان كما لو توفّيت المرأة عن زوج و أخوين لاُمّ و أخ لأب،ثم مات الزوج عن ابنين و بنت،فإنّ فريضة الميت الأوّل ستّة، كما عرفته،نصيب الزوج منها ثلاثة،و سهام ورثته خمسة فلا تنقسم فريضته عليها،و بينهما تباين،فتضرب الخمسة في ستّة أصل الفريضة تبلغ ثلاثين،منها تصح المسألة،للأخوين للأُمّ منها عشرة،و للزوج نصفها خمسة عشر،تنقسم على ورثته قسمة صحيحة،و كل من له من الفريضة الأُولى شيء أخذه مضروباً في خمسة.

و اعلم أنّه قد تقع المناسخات في أكثر من فريضتين،بأن مات بعض ورثة الميت الثاني قبل القسمة،أو بعض ورثة الأوّل،و حينئذٍ تنظر في الفريضة الثالثة،فإن انقسمت على ورثة الميت الثالث على صحة و إلّا عملت فيها مع ما حصل عندك من الفريضتين السابقتين بعد العمل فيهما على ما قدّمناه كما عملت في فريضة الثاني مع الأوّل،و هكذا لو مات رابع و خامس و ما زاد،و العمل واحد،و جميع ما تقدم فيما سبق من الأفراد آتٍ هنا أيضاً،و الحمد للّه تعالى..

ص:496

المجلد 15

اشارة

سرشناسه:طباطبائی کربلائی، علی بن محمدعلی، 1161 - 1231ق.

عنوان و نام پديدآور:ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل/ تالیف محمدعلی الطباطبایی؛ تحقیق موسسه آل البیت(ع) لاحیاءالتراث.

مشخصات نشر:قم: موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاءالثرات، 1418ق.-= 1376-

مشخصات ظاهری:16 ج.: نمونه.

فروست:موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

شابک: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری

يادداشت:عربی.

يادداشت:کتاب حاضر شرحی بر مختصرالنافع محقق حلی است.

يادداشت:ج.9 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت:ج. 11 - 13 (چاپ؟: 1421ق. = 1379).

يادداشت:ج. 15و 16 (چاپ؟: 1422ق. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:محقق حلی، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 7ق.

شناسه افزوده:محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

شناسه افزوده:موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاء الثرات

رده بندی کنگره:BP182/م3م30216 1376

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

كتاب القضاء

النظر الأول في الصفات

كتاب القضاء و هو في اللغة لمعان كثيرة:الخلق،و منه قوله سبحانه فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ [1] (1)أي خلقهنّ.و الحكم،و منه قوله تعالى وَ اللّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ [2] (2)أي يحكم.و الأمر،و منه قوله عزّ و جلّ وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ [3] (3)أي أمر.إلى غير ذلك.

و في الشريعة على ما عرّفه جماعة (4):ولاية الحكم شرعاً لمن له أهلية الفتوى بجزئيات القوانين الشرعية،على أشخاص معينة من البرية، بإثبات الحقوق و استيفائها للمستحق،و مبدؤه الرئاسة العامّة في أُمور الدين و الدنيا،و غايته قطع المنازعة.

ص:5


1- فصّلت:12.
2- غافر:20.
3- الإسراء:23.
4- في«س» زيادة:كفخر الدين في الإيضاح 4:293،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:230،و شيخنا في المسالك 2:351.

قالوا:و خواصّه أنّ الحكم فيه لا ينقض بالاجتهاد،و صيرورته أصلاً ينفذه غيره من القضاة و إن خالف اجتهاده ما لم يخالف دليلاً قطعياً.و له ولاية على كل مولّى عليه مع فقد وليّه،و مع وجوده في مواضع خاصّة.

و يلزم به حكم البيّنة (1)من شهدت عليه و الشهود،أمّا من شهدت عليه فبإلزامه الحق،و أمّا الشهود فبتغريمهم إيّاه لو رجعوا عن الشهادة.

و هو من فروض الكفاية بلا خلافٍ،فيه بينهم أجده؛ لتوقف نظام النوع الإنساني عليه،و لأنّ الظلم من شيم النفوس،فلا بُدّ من حاكم ينتصف من الظالم للمظلوم،و لما يترتب عليه من النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف.

و الأصل فيه مع ذلك الكتاب،و السنّة،و إجماع الأُمّة المحكي في كلام جماعة (2)،قال سبحانه يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ [1] (3).

و قال تعالى إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ [2] (4).

و في النبوي(صلّى اللّه عليه و آله):«إنّ اللّه تعالى لا يقدس امّةً ليس فيهم من يأخذ للضعيف حقه» (5).

و لعظم فائدته تولّاه النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و من قبله من الأنبياء بأنفسهم لاُمّتهم، و من بعدهم من خلفائهم.

ص:6


1- ليس في«ب».
2- انظر إيضاح الفوائد 4:294،و التنقيح الرائع 4:231،و المسالك 2:351.
3- ص:26.
4- النساء:105.
5- عوالي اللئلئ 3:5/515،كنز العمّال 6:15015/99.

و فيه أجر عظيم لمن يقوم بشرائطه،ففي الخبر:«يد اللّه تعالى فوق رأس الحاكم ترفرف بالرحمة،فإذا حاف و كلّه اللّه تعالى إلى نفسه» (1).

و في آخر:«إذا جلس القاضي في مجلسه هبط إليه ملكان يسدّدانه و يرشدانه و يوفّقانه،فإذا جار عرجا و تركاه» (2).

و لكن خطره جسيم،قال مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام)لشريح:«جلست مجلساً لا يجلس فيه إلّا نبي أو وصي أو شقي» (3).

و في النبوي(صلّى اللّه عليه و آله):«القضاة ثلاثة:واحد في الجنة،و اثنان في النار؛ فالذي في الجنة رجل عرف الحق و قضى به،و اللذان في النار رجل عرف الحق فجار في الحكم،و رجل قضى للناس على جهل» (4).

و نحوه الصادقي(عليه السّلام):«القضاة أربعة،ثلاثة في النار،و واحد في الجنة» و الرابع فيه:«رجل قضى بحق (5)و هو لا يعلم فهو في النار» (6).

و اعلم أنّ القاضي يغاير المفتي و المجتهد و الفقيه بالحيثية،و إن كانت الأوصاف المزبورة فيه مجتمعة؛ لأنّ القاضي يسمّى قاضياً و حاكماً باعتبار إلزامه و حكمه على الأفراد الشخصية بالأحكام الشخصية(كالحكم على شخص بثبوت حق عليه لآخر،و أمّا لا بهذا الاعتبار بل بمجرد الإخبار

ص:7


1- الكافي 7:1/410،الفقيه 3:13/5،التهذيب 6:528/222،الوسائل 27:224 أبواب آداب القاضي ب 9 ح 1.
2- عوالي اللئلئ 3:1/515.
3- الكافي 7:2/406،الفقيه 3:8/4،التهذيب 6:509/217،المقنع:132،الوسائل 27:17 أبواب صفات القاضي ب 3 ح 2.
4- سنن أبي داود 3:3573/299،سنن ابن ماجة 2:2315/776.
5- في«ح» و«ب»:بجور.
6- الكافي 7:1/407،الفقيه 3:6/3،التهذيب 6:513/218،المقنعة:721،الوسائل 27:22 أبواب صفات القاضي ب 4 ح 6.

و الإعلام،فإنّه يسمّى مفتياً) (1)كما أنّه باعتبار مجرد الاستدلال يسمّى مجتهداً،و باعتبار علمه بتعيّن مظنونه حكماً شرعياً في حقه و حق مقلده فقيهاً عالماً بالعلم القطعي بالحكم الشرعي،و من هنا اشتهر و صح أنّ ظنية الطريق لا ينافي قطعية الحكم،و ليس فيه ابتناء على القول بالتصويب.

و النظر في الكتاب يقع في مواضع.

في الصفات المعتبرة في القاضي المنصوب من قبل الإمام(عليه السّلام).

و الآداب المتعلقة به و كيفية الحكم له و أحكام الدعاوي.

و اعلم أنّ الصفات المشترطة فيه ستّة:التكليف بالبلوغ و كمال العقل و الإيمان بالمعنى الأخص أي:الاعتقاد بالأُصول الخمسة و العدالة،و طهارة المولد عن الزنا.

و العلم و لو بالمعنى الأعم الشامل للظن الاجتهادي بالحكم الشرعي القائم مقامه بالدليل القطعي،فهو في الحقيقة علم و لو بوسيلة الظن،فإنّه في طريق الحكم لا نفسه.

و الذكورة بلا خلاف في شيء من ذلك أجده بيننا،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة كالمسالك و غيره في الجميع (2)،و شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (3)-(رحمه اللّه) فيما عدا الثالث و السادس،و الغنية في العلم و العدالة (4)،و نهج الحق للعلّامة في العلم و الذكورة (5)،و هو الحجة.

ص:8


1- ما بين القوسين ليس في«ب».
2- المسالك 2:351؛ و انظر كشف اللثام 2:322،و المفاتيح 3:246.
3- مجمع الفائدة و البرهان 12:5 و 6.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
5- نهج الحق:562 563.

مضافاً إلى الأصل بناءً على اختصاص منصب القضاء بالإمام(عليه السّلام)، اتفاقاً فتوًى و نصاً،و منه زيادة على ما مضى المروي بعدة طرق،و فيها الصحيح في الفقيه:«اتقوا الحكومة فإنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين،كنبي أو وصي نبي» (1)خرج منه القاضي المستجمع لهذه الشرائط بالإذن من قِبَله كما يأتي بالنص و الإجماع،و ليسا في فاقدها كلّاً أو بعضاً.

أمّا فقد الثاني فظاهر،سيّما بعد ما ظهر من الإجماع على العدم.

و أمّا الأوّل فلاختصاصه بجامع الشرائط بحكم الصراحة بالإضافة إلى بعضها،و التبادر بالإضافة إلى آخر منها،فالأصل أقوى حجة على العدم.

مضافاً إلى الإجماع الظاهر و المحكي كما تقدم،و فحوى الصحيح المتقدم بالإضافة إلى اشتراط العدالة و العلم،و نحوه بالإضافة إلى الدلالة على اعتبارهما فحوى النصوص الآتية من نحو مقبولة عمر بن حنظلة (2)، ممّا أُمر فيه بالأخذ بما حكم الأعدل و الأعلم.

مع أنّ الصبي و المجنون ليسا من أهل الولاية على أنفسهما فكيف على غيرهما؟! و الكافر و الفاسق و ولد الزنا ليسوا من أهل التقليد،مع تنفّر الطباع عن الأخير،و المنع عن إمامته و شهادته كالفاسق،فالقضاء أولى به.

و النصوص المستفيضة بل المتواترة في المنع عن الترافع إلى حكام

ص:9


1- الكافي 7:1/406،الفقيه 3:7/4،التهذيب 6:511/217،الوسائل 27:17 أبواب صفات القاضي ب 3 ح 3.
2- الكافي 1:10/67،الفقيه 3:18/5،التهذيب 6:845/301،الاحتجاج:355،الوسائل 27:106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

الجور و الظلمة و قضاة العامّة في اعتبار الإيمان و العدالة صريحة.

و مثلها النصوص الأُخر في اعتبار الذكورة ففي الخبر:«لا يفلح قوم وليتهم امرأة» (1).

و في آخر في وصية النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لعليّ(عليه السّلام):«يا علي ليس على المرأة جمعة» إلى أن قال:«و لا تولّي القضاء» (2)فتدبّر.

و النصوص الأُخر على اعتبار العلم مضافاً إلى ما مرّ إليه الإشارة مستفيضة،بل متواترة،ففي الصحيح:«من أفتى الناس بغير علم و لا هدى من اللّه تعالى لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب،و لحقه وزر من عمل بفتياه» (3).

و فيه:«أنهاك عن خصلتين ففيهما هلك من هلك:إيّاك أن تفتي الناس برأيك،و تدين بما لا تعلم» (4).

و يدخل في العدالة اشتراط الأمانة،و المحافظة على الواجبات عن الفوات،و توطين النفس على ترك المحرمات.

و لا ينعقد القضاء إلّا لمن له شرعاً أهلية الفتوى كأن يكون مجتهداً مطلقاً لا متجزّئاً فإنّه ليس له أهليتها كما حقّق في محله مستقصى،و سيأتي الإشارة إليه في الجملة أيضاً.

ص:10


1- الخلاف 2:590،مسند أحمد 5:43،سنن النسائي 8:227،سنن الترمذي 3:2365/360.
2- الفقيه 4:821/263،الوسائل 27:16 أبواب صفات القاضي ب 2 ح 1.
3- الكافي 7:2/409،المحاسن:60/205،الوسائل 27:20 أبواب صفات القاضي ب 4 ح 1.
4- الكافي 1:2/33،الخصال:66/52،المحاسن:55/205،الوسائل 27:21 أبواب صفات القاضي ب 4 ح 3.

و لازم ذلك أنّه لا يكفيه مجرد اطلاعه ب فتوى الفقهاء لعدم كونه بذلك مجتهداً مطلقاً يجوز له الإفتاء و القضاء،بل و لا متجزّئاً أيضاً،بناءً على أنّ مناط الاجتهاد مطلقاً إنّما هو العلم بمدارك الأحكام كلّاً أو بعضاً لا الاطلاع بفتوى الفقهاء،فلو حصل له دون الأوّل لم يكن مجتهداً،كما أنّه لو انعكس فعلم بالمدارك و لم يطلع بها،كان مجتهداً مطلقاً لو علم بالمدارك كلها،و متجزئاً لو علم ببعضها.

و الأصل في اعتبار أهليّة الفتوى في صحة القضاء بعد الإجماع الظاهر و المحكي في الروضة و المسالك و غيرهما (1)ما مضى من النصوص المعتبرة للعلم في الفتوى.

و نحوها الأصل (2)،و العمومات من الكتاب (3)و السنّة (4)المستفيضة، بل المتواترة الناهية عن العمل بالمظنة،و من ليس له الأهليّة لا يحصل له سوى المظنة غالباً المنهي عن العمل بها،بل من له الأهليّة كذلك أيضاً،إلّا أنّ حجية ظنه مقطوع بها مجمع عليها،فهو ظن مخصوص في حكم القطع،كسائر الظنون المخصوصة من ظواهر الكتاب و السنّة المتواترة اللفظية،و الأنساب،و السوق،و اليد،و غيرها،و لا كذلك ظن من ليس له الأهليّة؛ إذ لا دليل على حجيته قاطعاً،بل و لا ظنيّاً،و لو سلّم الأخير فغايته إثبات الظني بمثله،و هو غير جائز بإطباق العقلاء.

و من هنا ينقدح وجه المنع عن التجزّي؛ إذ ليس معناه إلّا العمل

ص:11


1- الروضة 3:70،المسالك 2:351؛ و انظر الكفاية:261.
2- في«ح» و«ب»:الأُصول.
3- يونس:36.
4- انظر الوسائل 27:35 أبواب صفات القاضي ب 6.

بالمظنة في بعض الأحكام الشرعية بما حصل له من المعرفة بجزئيات المدارك،و الشرائط الاجتهادية المتعلّقة به خاصّة،و لا قطعيّ على حجيتها، بل و لا ظنّي أيضاً،و إن استدل لها بما يأتي من بعض الأخبار قريباً؛ لما سيظهر لك من ضعفه جدّاً.

و على تقدير صحته فغايته إثبات الظنّي بالظنّي،و هو مع ما فيه مما مضى فيه دور،أو تسلسل أيضاً،و لا كذلك المجتهد مطلقاً؛ لقيام الدليل القاطع على حجية ظنه من الإجماع و الاعتبار،المركب من مقدمات قطعية بديهية مجمع عليها:بقاء التكاليف بالأحكام،و انسداد باب العلم إليها، و عدم التكليف بما لا يطاق أصلاً،فعدم العمل بمظنته و اعتبار العلم حينئذ يستلزم إمّا ارتفاع التكاليف،أو التكليف بما لا يطاق،و هما بديهيّا الفساد.

و لا إجماع في المتجزّي؛ لمكان الخلاف.

و لا اعتبار أيضاً؛ لعدم اجتماع المقدمات الثلاث له جميعاً من حيث عدم صحة دعواه انسداد باب العلم في المسألة التي يجتهد فيها،بعد إطباق الكل و اعترافه أيضاً بقصوره،و احتمال ظهور خلاف ظنّه بتتبع مدارك ما عداها،و كذا دعواه عدم التكليف بما لا يطاق(في حقّه،لأنّه في وسعه و طاقته تحصيل المعرفة بالمدارك كلها،فكيف يقول:لا يكلّفني اللّه تعالى بما لا يطاق) (1)في المسألة التي أنا فيها؟! و لا بُدّ مع ذلك أن يكون ضابطاً،فلو غلبه النسيان لم ينعقد له القضاء كما هنا و في الشرائع و الإرشاد و القواعد و الدروس (2)،و غيرها (3)،

ص:12


1- ما بين القوسين ليس في«ب» و«س».
2- الشرائع 4:67،الإرشاد 2:138،القواعد 2:201،الدروس 2:65.
3- التبصرة:186،الكفاية:262.

و الظاهر عدم الخلاف فيه،و تدل عليه عبارة الروضة ظاهراً (1)،و وجهه واضح.

و قيّده بعض الأصحاب بالضبط في محل الحكم لا مطلقاً،قال:إذ ما نجد مانعاً لحكم من لا ضبط له كثيراً مع اتصافه بالشرائط،و ضبط حكم هذه الواقعة (2).انتهى.و لا بأس به.

و هل يشترط علمه بالكتابة و قدرته على قرائتها و كَتْبها؟ الأشبه:

نعم وفاقاً للأكثر كما في المسالك (3)،بل الأشهر كما في الروضة (4)، و نسبه في التنقيح إلى الشيخ في المبسوط و أتباعه و الحلي (5).

أقول:و نسبه في السرائر إلى مقتضى مذهبنا (6)،مع عدم نقل خلاف فيه أصلاً مشعراً بدعوى الإجماع عليه منّا،و عليه عامّة متأخّري أصحابنا، بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعاً،و إن أشعر عبارة المتن و ما ضاهاها بوقوع خلاف فيه،لكنهم لم يصرّحوا بالمخالف.

نعم في التنقيح (7)نسبه إلى قوم و لم يعرب عنهم أهم منّا أم ممّن خالفنا؟.

و حيث كان الأمر بهذه المثابة ينبغي القطع بما عليه الجماعة،سيّما مع موافقته الأصل المتقدّم إليه الإشارة،بناءً على اختصاص ما دلّ على

ص:13


1- الروضة 3:62،67.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:15.
3- المسالك 2:351.
4- الروضة 3:62.
5- التنقيح 4:236 237.
6- السرائر 2:166.
7- التنقيح 4:236.

الرخصة في القضاء للفقهاء (1)بحكم التبادر و غيره بعارفي الكتابة منهم لا مطلقاً،و لا مخصص له أصلا،عدا ما قيل (2):من عدم اعتبار الكتابة في النبوة التي هي أكمل المناصب و منها تتفرع الأحكام و القضاء و قد كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أُمّيا لا يحسنها،كما نبّه عليه تعالى بقوله وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ [1] (3).

و هو كما ترى؛ لكونه بعد تسليم دلالة الآية على ذلك قياساً فاسداً لا أولوية فيه أصلاً،بل مع الفارق جدّاً؛ لأنّه(صلّى اللّه عليه و آله)معصوم فبعصمته و قوّة حافظته لا يحتاج إليها.

و لأنّه(صلّى اللّه عليه و آله)يمتنع عليه السهو و النسيان قطعاً،خصوصاً مع نزول الوحي إليه مكرراً،و لا كذلك القاضي من قبله لاضطراره بعدم عصمته و إمكان سهوه و نسيانه و غفلته إلى ما لا يتيسّر لغير النبي(صلّى اللّه عليه و آله) المعرفة به إلّا بها ،هذا.

و عن المبسوط أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)كان عالماً بها،و إنّما كان فاقداً لها قبل البعثة (4).و به صرّح الحلي أيضاً،فقال:و النبي(صلّى اللّه عليه و آله)عندنا كان يحسن الكتابة بعد النبوة،و إنّما لم يحسنها قبل البعثة (5).و ظاهره الإجماع عليه منّا.

و يشهد له جملة من أخبارنا،ففي مجمع البحرين عن كتاب بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار في باب أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)كان يقرأ

ص:14


1- في«س»:للقدماء.
2- حكاه في التنقيح 4:236.
3- العنكبوت:48.
4- المبسوط 8:120.
5- السرائر 2:166.

و يكتب بكلّ لسان بإسناده إلى جعفر بن محمد الصوفي قال:سألت أبا جعفر محمد بن علي الرضا(عليهما السّلام):يا بن رسول اللّه لِمَ سمّي النبي الأُمّي؟ قال:«ما يقول الناس»؟قلت:يزعمون إنّما سمّي الأمّي لأنّه لم يكتب، فقال:«كذبوا عليه لعنهم اللّه،أنّى يكون ذلك و اللّه تبارك و تعالى يقول في محكم كتابه هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ [1] (1)فكيف يعلّمهم ما لا يحسن؟ و اللّه لقد كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يقرأ و يكتب باثنين و سبعين لساناً،و إنّما سمّي الأُمّي لأنّه كان من أهل مكة و مكة من أُمّهات القرى،و ذلك قول اللّه تعالى في كتابه لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَ مَنْ حَوْلَها [2] (2).

و في رواية أُخرى في الكتاب المشار إليه عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال:قال أبو عبد اللّه(عليه السّلام):«إنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان يقرأ و يكتب و يقرأ ما لم يُكتب» (3).

و اعلم أنّه قد مضى ما دلّ على أنّه لا ينعقد القضاء للمرأة فلا وجه للإعادة.

و في انعقاده للأعمى تردّد ينشأ:

من عدم نفوذ شهادته في بعض القضاء و القاضي ينفذ شهادته مطلقاً، و افتقاره إلى مشاهدة الغرماء للحكم على أعينهم،و أنّ البصر طريق إلى المحسوسات التي يحتاج القاضي إليها.

ص:15


1- الجمعة:2.
2- الأنعام:92.
3- مجمع البحرين(طبعة مؤسّسة البعثة)1:74،بصائر الدرجات:1/225 و 5/227.

و من أنّ شعيباً(عليه السّلام)كان أعمى و قد كان نبياً،و البصر يقوم مقامه شاهدان. و الأقرب الأشهر كما في المسالك و الروضة (1)و شرح الشرائع للصيمري،بل عليه عامّة من تأخّر- أنّه لا ينعقد له القضاء، لا لما ذكر في توجيهه؛ لقصوره بجميع أقسامه عن إفادة الحكم بوجه يطمئنّ به،بل لمثل ما ذكرناه في اشتراط العلم ب الكتابة من بلوغ الشهرة حد الإجماع؛ لعدم معروفية القائل بالخلاف من الأصحاب،و إن أشعر بوجوده بعض العبارات (2).

و من الأصل مع البناء المتقدم،و ضعف دليل الخلاف بكونه قياساً مع الفارق؛ لانجبار عمى شعيب بالعصمة و الوحي،بخلاف القاضي كما مرّ.

مضافاً الى منع جماعة من الأصحاب عماه بالكلية (3)،هذا.

مع أنّ اشتراط المعرفة بالكتابة يستلزم اشتراط البصر،كما نبّه عليه في التنقيح قال:استدلالاً بالملزوم على اللازم (4).فتدبّر.

و في اشتراط الحرّية أيضاً تردّد ينشأ ممّا يأتي،و من أنّ القضاء ولاية،و العبد ليس محلّاً لها؛ لاشتغاله عنها باستغراق وقته بحقوق المولى،و أنّه من المناصب الجليلة التي لا يليق حال العبد بها.

و الأشبه عند الماتن هنا و في الشرائع (5) أنّه لا يشترط للأصل، و أنّ المناط العلم و هو حاصل،و عموم قوله(عليه السّلام)فيما يأتي من النصوص:

ص:16


1- المسالك 2:351،الروضة 3:62.
2- كعبارة الإيضاح 4:299،و المسالك 2:351،و الروضة 3:67.
3- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:299،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:237،و ابن فهد في المهذب البارع 4:459.
4- التنقيح 4:237.
5- الشرائع 4:68.

«فانظروا إلى رجل منكم،يعلم شيئاً من قضايانا،فاجعلوه قاضياً بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً» (1).

و في الأدلّة من الطرفين نظر،فالأوّل من الأوّل:بالمنع من عدم أهليّته للولاية مطلقاً بمجرد ما ذكروه من التعليل بالاشتغال بحقوق المولى المانع من القضاء؛ إذ غايته عدم الأهليّة مع عدم إذن المولى لا مطلقاً،و هو أخص من المدّعى.

و الثاني منه:بأنّه مجرد دعوى،بل و مصادرة و إعادة للمدّعى.

و أمّا الأوّل من الثاني:فبعدم دليل عليه إن أُريد منه أصالة الجواز،بل الأصل يقتضي العدم كما مضى،بناء على أنّ ثمرة هذا الاختلاف إنّما هو بالإضافة إلى نصب القاضي أو انتصابه في زمان غيبة الإمام(عليه السّلام)،لا زمان حضوره،فإنّه في الثاني إليه،و لا اختلاف في فعله،و حينئذ فالأصل عدم جواز صرف منصبه إلى غيره و التصرف فيه بغير إذنه.

و إن أُريد منه عموم الإذن فيما ورد من النص الآتي،ففيه:أنّه حينئذ نفس العموم لا مغايرة بينهما،و قد جعل أحدهما للآخر بالعطف مغايراً، و كلّ منهما دليلاً مستقلا.

و أمّا الثاني:فبكونه مستنبطاً لا دليل عليه أصلاً فيكون الحكم به قياساً.

و أمّا الثالث منه:فبالمنع من عمومه لغة بل غايته الإطلاق الغير المنصرف بحكم التبادر إلى نحو العبد جدّاً،سيّما بملاحظة قوله تعالى عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ [1] (2).

ص:17


1- الكافي 7:4/412،الفقيه 3:1/2،التهذيب 6:516/219،الوسائل 27:13 أبواب صفات القاضي ب 1 ح 5.
2- النحل:75.

فإذاً المنع أقوى،وفاقاً لأكثر أصحابنا كما في المسالك (1)،و لا شبهة في شهرته و ندرة القائل بخلافه،حيث إنّه لم يقل به أحد عدا الماتن في الشرائع و هنا،هذا.مع أنّه أحوط أيضاً.

و اعلم أنّه لا بُدّ مع اجتماع هذه الشرائط من إذن الإمام(عليه السّلام) بالقضاء لمستجمعها،خصوصاً أو عموماً،و لا يكفي مجرد اجتماعها فيه إجماعاً؛ لما مضى من اتفاق النص و الفتوى على اختصاصه(عليه السّلام)بمنصب القضاء،فلا يجوز لأحد التصرف فيه إلّا بإذنه قطعاً.

و منه ينقدح الوجه فيما اتفقوا عليه من أنّه لا ينعقد القضاء بنصب العوام له أي:لمستجمع الشرائط،و غيره بالطريق الأولى بينهم قاضياً.

لكن روى الكشي في عروة القتات ما يشير إلى الجواز،و فيه:قال:

قال أبو عبد اللّه(عليه السّلام):«أيّ شيء بلغني عنكم؟» قلت:ما هو؟قال:«بلغني عنكم أنّكم أقعدتم قاضياً بالكناسة» قال:قلت:نعم جعلت فداك،رجل يقال له:عروة القتات،و هو رجل له حظّ من عقل،نجتمع عنده فنتكلم و نتساءل،ثمّ نردّ ذلك إليكم،قال:«لا بأس» (2).

إلّا أنّ سنده قاصر بالجهالة،بل و دلالته أيضاً ضعيفة؛ إذ ليس نفي البأس فيه إلّا عما ذكره الراوي و فسّر به نصبهم القاضي من الاجتماع إليه للتسائل و التحادث و الردّ إلى الأئمّة(عليهم السّلام)،و هو غير الاستقضاء له و التحاكم

ص:18


1- المسالك 2:351.
2- رجال الكشي 2:692/669،الوسائل 27:147 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 31.

إليه،و لا ينافيه قوله(عليه السّلام)في الصدر:«أقعدتم قاضياً» لما مرّ من نقل الراوي و بيانه لإقعاده و أنّه ليس للقضاء الحقيقي،بل لما مرّ،و نفي البأس إنّما تعلّق به لا بالاستقضاء الحقيقي،بل ربما دل قوله(عليه السّلام):«أيّ شيء بلغني» على نوع إنكار لما بلغ إليه من إقعاده قاضياً،حيث إنّ المتبادر منه كونه قاضياً حقيقياً،ففيه تأييد لما ذكره الأصحاب جدّاً،فلا شبهة فيه أصلاً.

نعم لو تراضى اثنان خصمان بواحد من الرعية،فحكم بينهما لزم حكمه في حقهما في المشهور بين أصحابنا،بل لم ينقلوا فيه خلافاً أصلاً،مستندين إلى وقوع ذلك في زمان الصحابة و لم ينكر أحد منهم ذلك.

و فحوى النبوي(صلّى اللّه عليه و آله):«من حكم بين اثنين تراضيا به فلم يعدل فعليه لعنة اللّه» (1).

و أرى البحث في هذه المسألة قليل الفائدة،بناءً على اختصاصها بزمان حضوره(عليه السّلام)دون غيبته؛ و ذلك لإجماعهم على الظاهر المصرح به في الروضة و المسالك (2)على اشتراط الحكم فيها باستجماع الواحد الذي إليه تحاكما و به تراضيا لجميع صفات القاضي المنصوب من قبله(عليه السّلام)، و شرائطه التي قدّمناها،سوى نص من له الولاية،بالعموم،أو الخصوص.

و فرضه في زمان الغيبة غير متصور،بناءً على ما سيأتي من تحقق الإذن العام في القضاء لمن استجمع تلك الشرائط،فإذا حصلت حالتها في رجل كان مأذوناً،و إن فقدت فيه لم يجز له القضاء مطلقاً،و لو كان الإمام حاضراً،هذا.

ص:19


1- المغني و الشرح الكبير 11:485.
2- الروضة 3:68،المسالك 2:351.

و فرضه في زمان الحضور مشكل أيضاً،بناءً على أنّ ما تضمن الإذن في القضاء لمستجمع الشرائط عام غير مختص بحال الغيبة،بل يشمل ما لو كان(عليه السّلام)حاضراً،فكيف يتصور وجود مستجمع للشرائط حالة الحضور لم يكن من قبله(عليه السّلام)مأذوناً؟ نعم يتصور فرض ذلك لو اشترط الإذن الخاص في زمان الحضور كما هو ظاهر،و لكن الدليل المتضمن للإذن له عام كما قدّمنا،أو لم يشترط فيه اجتماع جميع الصفات و الشرائط المعتبرة في القاضي المنصوب،كما هو ظاهر الشهيد في اللمعة (1).

و لكنّه خلاف ما وقفت عليه من عبائر الجماعة،كالماتن في الشرائع و شيخنا الشهيد الثاني في شرحه و الفاضل في الإرشاد و القواعد و ولده في شرحه و الفاضل المقداد في شرح الكتاب و الشهيد في الدروس (2)،و غيرهم من الأصحاب (3)،حتى أنّ شيخنا الشهيد الثاني كما عرفت ادّعى عليه الوفاق.

و يمكن أن يقال:إنّ ما دلّ على الإذن العالم لم يصدر إلّا عن الأئمّة(عليهم السّلام)،و حضورهم في زمانهم كغيبتهم؛ لعدم بسط يدهم و سلطنتهم،و عدم نفوذ حكمهم،فلا يشترط الإذن الخاص في زمانهم، و حينئذ يختص تصور وجود قاضي التحكيم الذي هو مورد المسألة بزمان النبي(صلّى اللّه عليه و آله):حيث إنّه لم يكن فيه تقية،بل كان نافذ الحكم على جميع

ص:20


1- اللمعة(الروضة البهية 3):68.
2- الشرائع 4:68،المسالك 2:352،الإرشاد 2:138،القواعد 2:200،الإيضاح 4:296،التنقيح 4:238 239،الدروس 2:68.
3- الكفاية:262.

البرية،و يكون المراد بحضوره المشترط فيه الإذن الخاص لنصب القاضي الحضور الخاص الذي ينفذ حكمه فيه،و يكون غيره في معنى الغيبة.

و بذلك صرح جماعة و منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك،حيث قال بعد قول الماتن: و مع عدم الإمام ينفذ قضاء الفقيه من فقهاء أهل البيت(عليهم السّلام)الجامع للصفات المشترطة في الفتوى؛ لقول أبي عبد اللّه(عليه السّلام):«فاجعلوه قاضياً فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه» (1)و لو عدل و الحال هذه،إلى قضاة الجور كان مخطأ ما لفظه:

ما تقدم من اشتراط نصب القاضي و إن كان فقيهاً مجتهداً و عدم نفوذ حكمه إلّا مع التراضي به مختص بحال حضور الإمام و تمكّنه من نصب القضاة،أمّا مع عدم ذلك إمّا لغيبته أو لعدم بسط يده فيسقط هذا الشرط من جملة الشروط،و هو نصب الإمام (2).انتهى.و وجهه يظهر ممّا قدّمناه.

ثمّ قال:و ينفذ عندنا قضاء الفقيه العدل الإمامي الجامع لباقي الشرائط و إن لم يتراض الخصمان بحكمه؛ لقول أبي عبد اللّه(عليه السّلام)لأبي خديجة:

«إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور،و لكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا،فاجعلوه بينكم قاضياً،فإنّي قد جعلته قاضياً، فتحاكموا إليه» (3).

إلى أن قال:و قريب منها رواية عمر بن حنظلة:قال:سألت أبا عبد اللّه(عليه السّلام)عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث،فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة،أ يحلّ ذلك؟فقال:«من تحاكم

ص:21


1- راجع ص:16.
2- المسالك 2:352.
3- راجع ص:16.

إلى الطاغوت فحكم له فإنّما يأخذه سحتاً و إن كان حقه ثابتاً؛ لأنّه أخذ بحكم الطاغوت و قد أمر اللّه تعالى أن يكفر به» قلت:كيف يصنعان؟قال:

«انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فارضوا به حاكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً،فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما بحكم اللّه استخفّ و علينا ردَّ،و الرادّ علينا الرادّ على اللّه تعالى،و هو في حدّ الشرك باللّه تعالى» (1).

و في طريق الخبرين ضعف و لكنّهما مشتهران بين الأصحاب متفق على العمل بمضمونهما،فكان ذلك جابراً للضعف عندهم (2).انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه.

و هو كما ترى قد كفانا مئونة الاشتغال لشرح ما هنا،إلّا أنّ ما ذكره من الضعف في الرواية الثانية محلّ مناقشة؛ إذ ليس في سندها سوى داود بن الحصين،و النجاشي قد وثّقه (3)،و على تقدير ثبوت وقفه كما ذكره الشيخ و ابن عقدة (4)فهو موثّق،لا ضعيف كما ذكره.و عمر بن حنظلة، و هو ممّن قد حكي عنه بأنّه وثّقه (5)،هذا.

مع أنّ في السند قبلهما صفوان بن يحيى،و قد حكي على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة (6).

ص:22


1- الكافي 7:5/412،التهذيب 6:514/218،الوسائل 27:13 أبواب صفات القاضي ب 1 ح 4.
2- المسالك 2:352.
3- رجال النجاشي:421/159.
4- رجال الطوسي:5/349،و حكاه عن ابن عقدة في الخلاصة:221.
5- حكاه عنه التفريشي في نقد الرجال:26/253،و صرّح به في الدراية:44.
6- رجال الكشي 2:1050/830.

و بالجملة فالرواية قويّة غاية القوة كالصحيحة حجة في نفسها،مع قطع النظر عن الشهرة الجابرة.

و بها يُعارض جماعة في استدلالهم بالرواية الأُولى على جواز التجزّي في الاجتهاد (1)؛ لمكان قوله فيها:«يعلم شيئاً من قضايانا».

و ذلك لدلالة الرواية الثانية على اعتبار المعرفة بالأحكام جملة؛ لمكان الجمع المضاف،و هو حيث لا عهد يفيد العموم لغة،و هي كما عرفت بحسب السند معتبرة،و لا كذلك الرواية الأُولى؛ لأنّها بالاتفاق ضعيفة،لأنّ في سندها معلّى بن محمّد و أبا خديجة و حالهما في الضعف مشهورة،و الشهرة الجابرة مشتركة فقوّة السند في الأخيرة مرجّحة.

هذا بعد تسليم دلالتها،و إلّا فهي ممنوعة يظهر وجهه بالتدبّر فيما ذكره الخال العلّامة أدام اللّه تعالى ظلّه في بعض حواشيه ردّاً على بعض هؤلاء الجماعة،فقال:لا نزاع في أنّ العلم بجميع الأحكام ليس شرطاً في الفتوى و الاجتهاد،كيف؟و هو من خواص الشارع،بل النزاع إنّما هو في اشتراط الاطلاع بجميع مدارك الأحكام و القدرة على استنباطها،و منها التوقف،كما لا يخفى على المطلع بأحوال المجتهدين الذين لا تأمّل في اجتهادهم،بل لا يوجد مجتهد إلّا و يتوقف في بعض المسائل،بل و غير واحد منها.

فعلى هذا لا دلالة للرواية على التجزّي،بل على أنّ العالم ببعض الأحكام مجتهد و قوله فيه حجة،و المانع للتجزّي يمنع حصول العلم ببعض الأحكام للمتجزّي إلّا أن يدعي ظهور العلم ببعضها من دون الإحاطة

ص:23


1- منهم العلّامة في التحرير 2:180،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:7،و السبزواري في الكفاية:261.

بجميع المدارك في ذلك الزمان.

لكن لو تمّ هذا بحيث ينفع محلّ النزاع يكون هو الدليل من دون مدخلية الرواية.ثم أطال سلّمه اللّه تعالى في وجه منع المانع للتجزّي عن حصول العلم للمتجزّي،و يرجع حاصله إلى ما قدّمنا تحقيقه قريباً، هذا.

و ذكر شيخنا في المسالك أنّه لا يكفي اجتهاد القاضي في بعض الأحكام دون بعض على القول بتجزّي الاجتهاد أيضاً (1).و لم ينقل فيه خلافاً،و ظاهره يعطي الاتفاق على المنع من قضاء المتجزّي.

و ينبغي القطع به مع وجود المجتهد المطلق و التمكّن منه؛ للأمر بالرجوع إلى الأعلم في مقبولة عمر بن حنظلة الطويلة،و نحوها من أخبار كثيرة (2).

و ما يستفاد من الروايتين من حرمة التحاكم إلى حكّام الجور مجمع عليه بيننا،و غيرهما من الروايات مستفيضة به بل متواترة جدّاً (3)؛ مضافاً إلى الآية الكريمة المذكورة فيها (4).

و يستفاد منها عدم جواز أخذ شيء بحكمهم و إن كان له حقّا،و هو في الدين ظاهر،و في العين مشكل،لكن العموم مقتضاهما.

و في المسالك و غيره (5)استثنى من الحكم بتخطئة التحاكم إليهم ما لو توقّف حصول حقّه عليه فيجوز،كما يجوز الاستعانة على تحصيل الحق

ص:24


1- المسالك 2:351.
2- الوسائل 27:106 أبواب صفات القاضي ب 9.
3- الوسائل 27:11 أبواب صفات القاضي ب 1.
4- النساء:60.
5- المسالك 2:352؛ مفاتيح الشرائع 3:248،كشف اللثام 2:320.

بغير القاضي،قال:و النهي في هذه الأخبار و غيرها محمول على الترافع إليهم اختياراً مع إمكان تحصيل الغرض بأهل الحق،قال:و قد صرّح به في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)قال:«أيّما رجل كان بينه و بين أخ له مماراة في حق،فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه و بينه،فأبى إلّا أن يرافعه إلى هؤلاء:كان بمنزلة الذين قال اللّه عزّ و جل أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [1] (1)» (2)الآية.انتهى.

و ظاهرهما عدم الخلاف حيث لم ينقلاه فيه كالفاضل في المختلف، لكن في صورة ما إذا كان أحد المتخاصمين محقّاً و الآخر مخالفاً،و أمّا في صورة كونهما محقّين،فقد نقل القول بمنعهما عن الترافع إلى هؤلاء عن الحلبي،و اعترضه بالمنع من الفرق بين الصورتين،قال:لأنّ للإنسان أن يأخذ حقّه كيف أمكن،و كما جاز الترافع مع المخالف إلى المخالف توصّلاً إلى استيفاء الحق،فليجز مع المؤمن الظالم بمنع الحق (3).

و هو ظاهر في اعتراف الحلبي بأنّ علّة الجواز حيثما يقول به:هو التوصّل إلى الحق (4)،و مرجعها إلى الأدلّة العامة بنفي العسر و الضرر (5)في الشريعة،و قوله سبحانه فَمَنِ اعْتَدى [2] الآية (6).

ص:25


1- النساء:60.
2- الكافي 7:2/411،الفقيه 3:5/3،التهذيب 6:519/220،الوسائل 27:11 أبواب صفات القاضي ب 1 ح 2.
3- المختلف:700.
4- الكافي في الفقه:425.
5- في«ح» و نسخة في«ب»:الحرج.
6- البقرة:194.

فالحكم لا بأس به،إلّا أنّه ينبغي أوّلاً إعلام الخصم المانع عن الحق برفعه إلى حاكم الجور إذا أصرّ على حبس الحق،فإن ارتدع و إلّا فليترافع، اقتصاراً فيما خالف الأصل الدال على حرمة الترافع إليهم على محل الضرورة.

و أمّا ما في الكفاية من استشكاله في الحكم بأنّ في الترافع إليهم إعانة لهم على الإثم محرّمة (1)فضعيف غايته،إذ ليس ما دلّ على حرمتها بأقوى ممّا دلّ على حرمة التحاكم إلى هؤلاء الظلمة،فكما تخصّص بأدلّة نفي الضرر و العسر في الشريعة،و آية الاعتداء المتقدمة هذه،فلتكن تلك الأدلّة بها أيضاً مخصصة،و إنّما جعلت أدلّة نفي الحرج مخصِّصة للأدلّة المانعة بنوعيها مع كون التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه فيحتمل العكس،لأوفقيّتها بأصالة البراءة التي هي حجة مستقلة، لو فرض تساقط الأدلّة بعد تعارضها من كل جهة.

و قبول القضاء عن السلطان العادل مستحب لمن يثق و يعتمد بنفسه بالقيام بشرائط القضاء،و استحبابه عينيّ،فلا ينافي ما قدّمناه من أنّه واجب كفائي.

و ربما وجب عيناً إذا ألزمه به الإمام(عليه السّلام)،أو لا يوجد من يتولّاه غيره ممّن يستجمع الشرائط.و لا فرق في هذا بين حالتي حضور الإمام و غيبته.و لا خلاف في شيء من ذلك عندنا.

خلافاً لبعض العامة (2)فحكم بالكراهة،للنصوص المحذّرة،منها:

«من جُعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين» (3).

ص:26


1- الكفاية:262.
2- انظر المغني و الشرح الكبير 11:378.
3- المقنعة:721،الوسائل 27:19 أبواب صفات القاضي ب 3 ح 8.

و في آخر:«يجاء بالقاضي يوم القيامة فيلقى من شدّة الحساب ما يتمنّى أنّه لم يقض بين اثنين في تمرة قطّ» (1).

و حملها الأصحاب على من لم يستجمع الشرائط،أو إرادة بيان خطره،و لا بأس به.

النظر الثاني:في الآداب

اشارة

النظر الثاني: في الآداب.

و هي قسمان:

المستحبات

مستحبة و مكروهة.

و لم يرد بكثير منها نص و لا رواية،و لكن ذكرها الأصحاب،و لا بأس بمتابعتهم،مسامحة في أدلّة السنن و الكراهة.

فالمستحب: إشعار رعيته و إخبارهم بوصوله و قدومه إن لم يشتهر خبره و طلب من يسأله ما يحتاج إليه من أُمور بلده؛ ليكون فيها على بصيرة من أمره،و النزول في وسط البلد؛ للتسوية بين الخصوم في مسافة الطريق.

و الجلوس في قضائه أي:حالة القضاء في موضع بارز مثل رحبة (2)أو فضاء،ليسهل الوصول إليه،و يكون مستقبل القبلة في جلوسه؛ لتحصيل الفضيلة على قول (3)،و الأكثر على استحبابه مستدبر القبلة ليكون وجوه الناس إليها (4)،نظراً إلى عموم المصلحة.

و أن يأخذ مبتدئاً ما في يد الحاكم المعزول من حجج

ص:27


1- عوالي اللئلئ 3:9/516،كنز العمال 6:15008/97.بتفاوت.
2- الرَّحْبَة:الساحة المنبسطة المتّسعة.تهذيب اللغة 5:26،القاموس 1:75؛ مجمع البحرين 2:69.
3- انظر المبسوط 8:90.
4- كالمفيد في المقنعة:722،و ابن حمزة في الوسيلة:209،و العلّامة في القواعد 2:203.

الناس و ودائعهم ليعلم تفاصيل أحوال الناس،و يعرف حقوقهم و حوائجهم.

و السؤال بعد ذلك عن أهل السجون و إثبات أسمائهم و البحث عن موجب اعتقالهم و حبسهم ليطلق و يخلص من يجب إطلاقه بأن لا يثبت لحبسه موجب،أو لم يظهر له خصم بعد إشاعة حاله.و إن ادّعى أن لا خصم له،ففي إحلافه مع ذلك قولان.

ثم يسأل عن الأوصياء على الأيتام و المجانين،و عن ثبوت وصايتهم و تصرفهم في المال،و يفعل بهم ما يجب:من إنقاذ،أو إسقاط،أو تضمين.

ثم ينظر في الاُمناء الحافظين لأموال اليتامى و المحجور عليهم و الغُيّب،فيعزل الخائن و يسعد الضعيف بمشارك،أو يستبدل به حسب ما اقتضاه رأيه.

ثم ينظر في الضوالّ و اللقيط،فيبيع ما يخشى تلفه و ما يستوعب نفقته ثمنه،و يعمل فيها على ما ينبغي،و يقدم من كل نوع من ذلك الأهم فالأهم.

و يستحب له تفريق الشهود عند الإقامة،فإنّه أوثق،خصوصاً في موضع الريبة كما فعله سيّد الأوصياء في جملة من قضاياه المعروفة عدا ذوي البصائر و الشأن من العلماء و الصلحاء الأعيان،فلا يستحب تفريقهم،بل و يكره و ربما حرم لما يتضمن تفريقهم من الغضاضة و المهانة بهم،بل و ربما يحصل في ذلك كسر قلوبهم.

و أن يستحضر من أهل العلم و الاجتهاد من يخاوضه و يعاونه في المسائل المشتبهة و يشهدهم حكمه فإن أخطأ نبّهوه،و ما أتلفه خطأً

ص:28

فعلى بيت المال المعدّ للمصالح كما في النص المعمول به (1).

و ينبغي أن يجمع قضايا كل أُسبوع و وثائقه و حججه،و يكتب تاريخها عليها و أنّها لمن هي،فإن اجتمع كل شهر كتب عليه شهر كذا،أو سنة فسنة كذا،أو يوم فيوم كذا؛ ليكون أسهل عليه و على من بعده من الحكّام في استخراج المطلوب منها وقت الحاجة.

و إذا اتخذ كاتباً وجب أن يكون بالغاً عاقلاً مسلماً عدلاً بصيراً؛ ليؤمن انخداعه،فإن كان مع ذلك فقيهاً جيّد الخط كان حسناً،و ينبغي أن يجلس بين يديه ليملي عليه و يشاهد ما يكتب.

و إذا افتقر إلى مترجم قيل:لم يقبل عندنا إلّا شاهدان عدلان عملاً بالمتفق عليه الأحوط،و إذا تعدّى أحد الغريمين أقامه برفق و عمل بمراتب النهي عن المنكر (2).

المكروهات

و المكروهات:الاحتجاب أي:اتخاذ الحاجب،و هو الذي لا يدخل عليه أحد إلّا برضاه وقت القضاء للنبوي:«من ولّي شيئاً من أُمور الناس،فاحتجب دون حاجتهم و فاقتهم،احتجب اللّه تعالى دون حاجته و فاقته و فقره» (3).

و نقل قول بتحريمه عن بعض الفقهاء (4)؛ لظاهر الخبر.و فيه نظر.

و قرّبه فخر الدين مع اتخاذه على الدوام،بحيث يمنع أرباب الحوائج و يضرّ

ص:29


1- الفقيه 3:16/5،التهذيب 6:872/315،الوسائل 27:226 أبواب آداب القاضي ب 10 ح 1.
2- قاله الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:250.
3- عوالي اللئلئ 2:6/343،سنن أبي داود 3:2948/135.و فيهما بتفاوت يسير.
4- حكاه في الإيضاح 4:310.

بهم (1).و استحسنه شيخنا الشهيد الثاني قال:لما فيه من تعطيل الحق الواجب قضاؤه على الفور،و الحديث يصلح شاهداً عليه،و إلّا كان مفيداً للكراهة؛ للتسامح في أدلته (2).انتهى.و لا بأس به.

و أن يقضي مع ما يشغل النفس،كالغضب لغير اللّه تعالى و الجوع،و العطش،و الغم،و الفرح،و المرض،و غلبة النعاس و مدافعة الأخبثين و نحو ذلك من المشغلات،كما يستفاد من الأخبار ففي النبوي(صلّى اللّه عليه و آله):«لا يقضي و هو غضبان» (3).

و في آخر:«لا يقضي إلّا و هو شبعان» (4).

و في ثالث:«لا يقضي و هو غضبان مهموم،و لا مصاب محزون» (5).

و في وصية عليّ(عليه السّلام)لشريح:«و لا تقعدنّ في مجلس القضاء حتى تطعم» (6).

و أن يستعمل الانقباض المانع من الإتيان بالحجة،و اللين الذي لا يؤمن معه من جرأة الخصم.

و أن يرتّب و يعيّن قوماً دون غيرهم للشهادة لما يترتب عليه من التضييق على الناس،و الغضاضة من العدل الغير المرتّب،و نقل

ص:30


1- إيضاح الفوائد 4:310.
2- المسالك 2:358.
3- الكافي 7:2/413،الفقيه 3:19/6،التهذيب 6:542/226،الوسائل 27:213 أبواب آداب القاضي ب 2 ح 1.
4- سنن الدارقطني 4:14/206.
5- المبسوط 8:88،مغني المحتاج 4:391.
6- الكافي 7:1/412،الفقيه 3:28/8،التهذيب 6:541/225،الوسائل 27:211 أبواب آداب القاضي ب 1 ح 1.

قول بتحريمه (1)،نظراً إلى أنّ ذلك موجب لإبطال شهادة مقبولي الشهادة؛ فإنّه ربما يتحمل الشهادة غيرهم،فإذا لم تقبل شهادتهم ضاع الحق عن أهله،و قد قال سبحانه وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [1] (2)فأطلق،فتحمل ذلك ضرر على الناس و حرج بالاقتصار،و هما منفيان،و الأشهر الكراهة.

و أن يشفع إلى الغريم صاحب الحق في إسقاط،أو إبطال خوفاً من أن ينسمح الغريم في وجه القاضي فيجيبه لسؤاله مع عدم رضاه في الباطن،هذا إذا كان بعد ثبوت الحق،و إلّا فلا يكره،بل يستحب الترغيب في الصلح و هنا

مسائل
اشارة

مسائل خمس:

الأولى للإمام(عليه السّلام)أن يقضي بعلمه

الأُولى:للإمام(عليه السّلام)أن يقضي بعلمه في الحقوق مطلقاً للناس كانت أم للّه تعالى،إجماعاً في الظاهر المصرح به في كتب جماعة حد الاستفاضة،كالإنتصار و الغنية و الإيضاح و نهج الحق للعلّامة (3)،و غيرها من كتب الجماعة (4)،و هو الحجة.

مضافاً إلى فحاوى الأدلّة الآتية،و علمه المانع من الخلاف،و عصمته المانعة من التهمة،و إمضاء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)الحكم له بالناقة على الأعرابي من أمير المؤمنين(عليه السّلام)،كما في الرواية المشهورة (5).

ص:31


1- قاله الشيخ في المبسوط 8:111.
2- الطلاق:2.
3- الانتصار:236 237،الغنية(الجوامع الفقهية):624،إيضاح الفوائد 4:312،نهج الحق:563.
4- كالتنقيح الرائع 4:242،و المسالك 2:359،و الكفاية:263،و كشف اللثام 2:329.
5- الفقيه 3:210/60،أمالي الصدوق:2/90،الانتصار:238،الوسائل 27:274 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 18 ح 1.

و هل لغيره أي:لغير الإمام(عليه السّلام)أيضاً أن يقضي بعلمه في حقوق الناس و في حقوق اللّه تعالى من حدوده؟فيه قولان أظهرهما أنّه كسابقه،و هو أشهرهما،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،و في صريح الانتصار و الخلاف و الغنية و نهج الحق و ظاهر السرائر أنّ عليه إجماع الإمامية (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى أدلة كثيرة ذكرها الجماعة.

منها:استلزام عدم الجواز إمّا إيقاف الأحكام،أو فسق الحكّام، و اللازم بقسميه باطل،بيان الملازمة أنّه إذا طلّق الرجل زوجته ثلاثاً بحضرته ثم جحد كان القول قوله مع يمينه،فإن حكم بغير علمه و هو استحلافه و تسليمها إليه لزم فسقه،و إلّا لزم إيقاف الحكم لا لموجب،و كذا إذا أعتق عبده بحضرته ثم جحد،و نظائره كثيرة.

و منها:استلزامه أحد الأمرين،إمّا عدم وجوب إنكار المنكر و عدم وجوب إظهار الحق مع إمكانه،أو الحكم بعلمه،و بطلان الأوّل ظاهر، فتعيّن الثاني،بيان اللزوم:أنّه إذا علم بطلان قول أحد الخصمين،فإن لم يجب عليه منعه عن الباطل لزم الأوّل،و إلّا ثبت المطلوب.

و منها:أنّ العلم أقوى من البيّنة،و جواز الحكم بها يستلزم جوازه بالعلم بطريق أولى.

و منها:عموم الأدلّة الدالّة على الحكم مع وجود الوصف المعلّق عليه،كقوله سبحانه وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما [1] (2)و قوله

ص:32


1- الانتصار:236 237،الخلاف 2:602،603،الغنية(الجوامع الفقهية):624،نهج الحق:563،السرائر 2:179.
2- المائدة:38.

تعالى اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ [1] (1)و الخطاب للحكّام،فإذا علموا بالوصف،عملوا به،و هو أقوى من الحكم، و إذا ثبت ذلك في الحدود ففي غيرها أولى.

و منها:ما ذكره المرتضى-(رحمه اللّه) و هو أقواها،حيث قال:و كيف يخفى إطباق الإماميّة على وجوب الحكم بالعلم؟و هم ينكرون توقّف أبي بكر عن الحكم لفاطمة(سلام اللّه عليها)بفدك لمّا ادعت أنّه نحلها أبوها، و يقولون:إذا كان عالماً بعصمتها و طهارتها،و أنّها لا تدّعي إلّا حقاً فلا وجه لمطالبتها بإقامة البيّنة،لأنّ البيّنة لا وجه لها مع القطع بالصدق (2).

و منها:إمضاؤه(صلّى اللّه عليه و آله)الحكم له بالناقة على الأعرابي من خزيمة بن ثابت (3).

و منها:قول علي(عليه السّلام)لشريح لمّا طالبه بالبيّنة على ما ادّعاه من درع طلحة:«و يحك خالفت السنّة بما طالبت إمام المسلمين بالبيّنة،و هو مؤتمن على أكثر من هذا» (4).

و القول الثاني:للإسكافي،فمنع عنه مطلقاً على ما نقل عنه جمع، و منهم المرتضى (5)-(رحمه اللّه).

و لابن حمزة و الحلّي-(رحمهما اللّه) فمنعا عنه في الأخير خاصّة (6)،و نسب

ص:33


1- النور:2.
2- الانتصار:238.
3- الكافي 7:1/400،الفقيه 3:212/62،الوسائل 27:276 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 18 ح 3.
4- الكافي 7:5/385،الفقيه 3:213/63،التهذيب 6:747/273،الإستبصار 3:117/34،الوسائل 27:265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 6.
5- الانتصار:237.
6- الوسيلة:218،و انظر السرائر 2:179.

في المسالك عكس هذا إلى الإسكافي في كتابه المختصر الأحمدي (1).

و مستندهم غير واضح،سوى أنّ في القضاء بالعلم من دون بيّنة تهمة،و تزكية لنفسه،و كل منهما للقضاء مانعة.

و النبوي(صلّى اللّه عليه و آله)في قضية الملاعنة:«لو كنت راجماً من غير بيّنة، لرجمتها» (2).

و أنّ حقوقه سبحانه،مبنيّة على الرخصة و المسامحة،فلا يناسبها القضاء بالعلم من دون بيّنة.

و المناقشة في الجميع واضحة؛ لأنّ التهمة و التزكية آتيتان في القضاء بالشهود و البيّنة،مع أنّه غير مانع باتفاق الإمامية.

و الرواية عامية غير صالحة بذلك للحجية.

و المسامحة في الحدود إنّما هي قبل ثبوتها،لا بعد الثبوت.

و بالجملة:لا ريب في صحة القول المشهور.

و على الأقوال يقضي بعلمه بلا خلاف ظاهر مصرح به في كلام جمع (3)في تزكية الشهود و جرحهم،حذراً من لزوم الدور،أو التسلسل.

و في الإقرار عنده و إن لم يسمعه غيره،و قيل:يشترط أن يكون في مجلس القضاء (4).و في العلم بخطإ الشهود يقيناً أو كذبهم.و في تعزير من أساء أدبه في مجلسه،و إن لم يعلمه غيره؛ لأنّه من ضرورة إقامة أُبّهة القضاء.

و فيما إذا شهد معه آخر؛ فإنّه لا يقصر عن شاهد واحد.

ص:34


1- المسالك 2:359.
2- عوالي اللئلئ 3:14/518.
3- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:243،و السبزواري في الكفاية:264،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:268.
4- انظر الدروس 2:79،و المسالك 2:359.
الثانية إن عرف الحاكم عدالة الشاهدين حكم

الثانية:إن عرف الحاكم عدالة الشاهدين حكم،و إن عرف فسقهما أطرح شهادتهما.

و إن جهل الأمرين فالأصح التوقف في الحكم بشهادتهما حتى يبحث عنهما مطلقاً و لو علم بإسلامهما،أو صرح المشهود عليه بعدالتهما،على إشكال في هذا ينشأ:

من أنّ البحث و التعديل لحقّ اللّه تعالى،و لذا لا يجوز الحكم بشهادة الفساق،و إن رضي به الخصم،و أنّ الحكم بشهادة الإنسان حكم بتعديله، و لا يجوز بخبر الواحد إجماعاً،كما حكاه في الإيضاح (1).

و من أنّ البحث لحقّ المشهود عليه،و قد أقرّ بعدالتهما،و أنّه أقرّ بوجود شرط الحكم،و كل من أقرّ بشيء نفذ عليه؛ لقوله(عليه السّلام):«إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (2).

و بهذا أفتى الإسكافي و الفاضل المقداد في التنقيح و الفاضل في التحرير و الإرشاد و القواعد،و ولده في شرحه قاطعاً به (3)كالإسكافي و المقداد،دون والده في القواعد،و قوّاه في الدروس أيضاً (4).

و هو كذلك؛ لما رواه في الوسائل عن مولانا الحسن بن علي العسكري في تفسيره عن آبائه عن عليّ(عليهم السّلام)،قال:«كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) إذا تخاصم إليه رجلان قال للمدّعي:أ لك حجة؟فإن أقام بيّنة يرضاها

ص:35


1- إيضاح الفوائد 4:315.
2- الوسائل 23:184 أبواب الإقرار ب 3.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:705،التنقيح 4:243،التحرير 2:184،الإرشاد 2:144،القواعد 2:205،إيضاح الفوائد 4:315.
4- الدروس 2:79.

و يعرفها،أنفذ الحكم على المدّعى عليه» إلى أن قال:«و إذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير و لا شرّ،بعث رجلين من خيار أصحابه يسأل كلّ منهما من حيث لا يشعر الآخر عن حال الشهود في قبائلهم و محلّاتهم،فإذا أثنوا عليه قضى حينئذ على المدعى عليه،و إن رجعا بخبر سيّئ و ثناء قبيح، لم يفضحهم،و لكن يدعو الخصم إلى الصلح،و إن كان الشهود من أخلاط الناس،غرباء لا يعرفون،أقبل على المدّعى عليه فقال:ما تقول فيهما؟ فإن قال:ما عرفنا إلّا خيراً،غير أنّهما غلطا فيما شهدا عليّ،أنفذ شهادتهما،و إن جرحهما و طعن عليهما أصلح بين الخصمين،أو أحلف المدّعى عليه و قطع الخصومة بينهما» (1).

و الرواية طويلة و محصّلها ما ذكرنا من دون نقيصة،و هي صريحة في وجوب البحث عن الوصفين لو جهلا،و إطلاقها يشمل صورة الجهل بإسلامهما و غيرها،بل لعلّها بحكم التبادر و غلبة الإسلام في المتخاصمين و شهودهم في زمانه(صلّى اللّه عليه و آله) ظاهرة في الثانية جدّاً.

و لا خلاف في الحكم في الصورة الأُولى على الظاهر المصرح به في جملة من العبائر (2).

و أمّا ثبوته في الثانية فهو الأشهر بين الطائفة،كما صرح به الشهيدان (3)و غيرهما من الجماعة (4).

ص:36


1- تفسير الإمام العسكري(عليه السّلام):376/673،الوسائل 27:239 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 6 ح 1.
2- انظر المسالك 2:361،و الكفاية:264.
3- الدروس 2:113،المسالك 2:361.
4- انظر الكفاية:264،و كشف اللثام 2:330.

خلافاً للإسكافي و المفيد في كتاب الإشراف و الشيخ في الخلاف، فلم يوجبوا البحث،بل اكتفوا بظاهر الإسلام (1)،بناءً منهم على أنّ الأصل فيه العدالة،و ادعى الأخير عليه إجماع الطائفة (2)،و مبنى الخلاف هنا على الاختلاف في تفسير العدالة،هل هي ظاهر الإسلام مع عدم ظهور فسق، أو حسن الظاهر،أو الملكة،أي:الهيئة الراسخة في النفس الباعثة لها على ملازمة التقوى و المروءة؟.

و ينبغي القطع بضعف القول الأوّل منها؛ لمخالفته الرواية المتقدّمة الدالّة على لزوم البحث مع المعرفة بالإسلام أيضاً،بناءً على الظهور الذي قدّمنا.

و استصحاب عدم ثبوت المشروط بالعدالة إلّا بعد تيقّنها،و لا يقين هنا؛ لعدم دليل على كونها مجرد الإسلام مع عدم ظهور الفسق أصلاً،عدا الإجماع المتقدم،و النصوص المدعى عليه دلالتها.

منها الصحيح:في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا،فعدّل منهم اثنان و لم يعدّل الآخران،قال:فقال:«إذا كانوا أربعة من المسلمين لا يعرفون بشهادة الزور أُجيزت شهادتهم جميعاً،و أُقيم الحد على الذي شهدوا عليه،إنّما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا به و علموا،و على الوالي أن يجيز شهادتهم،إلّا أن يكونوا معروفين بالفسق» (3).

و المرسل:عن البيّنة إذا أُقيمت على الحق،أ يحلّ للقاضي أن يقضي

ص:37


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:717،الاشراف(مصنفات المفيد 9):25،الخلاف 6:217.
2- الخلاف 6:218.
3- الكافي 7:5/403،التهذيب 6:759/277،الإستبصار 3:36/14،الوسائل 27:397 كتاب الشهادات ب 41 ح 18.

بقول البينة من غير مسألة إذا لم يعرفهم؟قال:«خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ بها بظاهر الحكم:الولايات،و التناكح،و المواريث،و الذبائح، و الشهادات،فإذا كان ظاهره ظاهراً مأموناً،جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه» (1).

و الخبر:عن شهادة من يلعب بالحمام؟فقال:«لا بأس به إذا لا يعرف بفسق» (2).

و في آخر:«كلّ من ولد على الفطرة و عرف بصلاح في نفسه جازت شهادته» (3).

و في ثالث:«المسلمون عدول بعضهم على بعض إلّا مجلود في حدّ لم يتب منه،أو معروف بشهادة زور،أو ظنين» (4).

و في الجميع نظر:فالإجماع بوهنه بمصير الأكثر على خلافه،مع عدم قائل بما ادّعى عليه عدا الناقل له و بعض من سَبَقَه،و مع ذلك فالمحكي عنه و عن الموافق له ما يوافق القوم،فعن الإسكافي:إذا كان الشاهد حراً،بالغاً،مؤمناً بصيراً،معروف النسب،مرضيّاً،غير مشهور بكذب في شهادة،و لا بارتكاب كبيرة،و لا مقام على صغيرة،حسن التيقّظ،عالماً بمعاني الأقوال،عارفاً بأحكام الشهادة،غير معروف بحيف

ص:38


1- الفقيه 3:29/9،الوسائل 27:392 كتاب الشهادات ب 41 ح 3.
2- الفقيه 3:88/30،التهذيب 6:784/284،الوسائل 27:394 كتاب الشهادات ب 41 ح 6.
3- الفقيه 3:83/28،التهذيب 6:778/283،الإستبصار 3:37/14،الوسائل 27:393 كتاب الشهادات ب 41 ح 5.
4- الكافي 7:1/412،الفقيه 3:28/8،التهذيب 6:541/225،الوسائل 27:211 أبواب آداب القاضي ب 1 ح 1.

على معامل،و لا تهاون بواجب من علم أو عمل،و لا معروف بمباشرة أهل الباطل و الدخول في جملتهم،و لا بالحرص على (1)الدنيا،و لا بساقط المروءة،بريئاً من أهواء أهل البدع التي توجب على المؤمنين البراءة من أهلها،فهو من أهل العدالة المقبول شهادتهم (2).

و عن المفيد:العدل من كان معروفاً بالدين و الورع عن محارم اللّه (3).

و عن النهاية:العدل الذي تجوز شهادته للمسلمين و عليهم،هو أن يكون ظاهره ظاهر الإيمان،ثمّ يعرف بالستر و الصلاح و العفاف (4)،إلى آخر ما سيأتي في بعض الصحاح،و قريب منه عن المبسوط (5)،هذا.

مع أنّه معارض بما يظهر من الفاضل المقداد في كنز العرفان من كون تفسير العدالة بالملكة مجمعاً عليه،حيث نسبه إلى الفقهاء بصيغة الجمع المحلّى باللام المفيد للعموم لغة (6).و إليه يشير كلام المقدس الأردبيلي-(رحمه اللّه) في شرح الإرشاد أيضاً،حيث قال:و قد عُرّفَتْ في الأُصول و الفروع من الموافق و المخالف بالملكة التي يقتدر بها على ترك الكبائر، و[عدم]الإصرار على الصغائر،و[ملازمة]المروءات (7).

و أظهر منهما في الدلالة على انعقاد الإجماع على خلاف الإجماع

ص:39


1- في النسخ زيادة:أهل،حذفناها وفقاً للمصدر لاستقامة المعنى.
2- حكاه عنه في المختلف:717.
3- المقنعة:725.
4- النهاية:325.
5- المبسوط 8:217.
6- كنز العرفان 2:384.
7- مجمع الفائدة و البرهان 2:351،و 12:311،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

المتقدم كلام الماتن في الشرائع،حيث نسب الرواية الدالة على الاكتفاء في العدالة بظاهر الإسلام إلى الشذوذ و الندرة (1).

و أمّا النصوص،فبضعف سند أكثرها،و عدم جابر لها،مع عدم وضوح دلالة جملة منها،كالمرسل المشترط كون ظاهره ظاهراً مأموناً (2).

و الخبر المشترط زيادةً على الولادة على الفطرة كونه معروف الصلاح في نفسه (3)،و الشرطان كما يحتمل أن يكون المراد بهما عدم ظهور الفسق،كذا يحتمل أن يراد بهما ما يزيد عليه من الملكة،أو حسن الظاهر،و معه لا يمكن الاستدلال،سيّما مع ظهوره منهما بحكم التبادر، و ما سيأتي من الأخبار.

و مع ذلك فهي معارضة بظواهر الكتاب،و السنّة المستفيضة،بل المتواترة المانعة عن قبول شهادة الفاسق بالمرّة،بناءً على أنّ الفاسق اسم لمن ثبت له وصف الفسق الذي هو الخروج عن الطاعة في نفس الأمر، و لا مدخليّة لسبق المعرفة به في حقيقته و مفهومه لغة،بل و لا عرفاً.

مع أنّ المنع عن قبول شهادته في الآية (4)معلّل بكراهة الوقوع في الندم،و هي كالصريحة بل صريحة في اعتبار الوصف الواقعي،و مقتضى تعليق الحكم عليه لزوم مراعاته و البحث عن ثبوته و عدمه في نفس الأمر، و الإسلام كما يجامع هذا الوصف ظاهراً،كذا يجامعه واقعاً،و بسببه يحتمل الوقوع في الندم،فيجب الفحص عنه.

ص:40


1- الشرائع 4:76.
2- المتقدم في ص:37.
3- المتقدم في ص:37.
4- الحجرات:6.

و قريب منها الكتاب و السنّة المستفيضة،بل المتواترة الدالّة على اعتبار العدالة،بناءً على أنّ المتبادر منها عرفاً و عادةً ليس هو مجرد الإسلام مع عدم ظهور فسق جدّاً،سيّما بملاحظة ما يستفاد من جملة وافرة من النصوص في موارد عديدة من اعتبار الأعدليّة،و لا يتأتّى إلّا بقبولها المراتب المرتّبة ضعفاً و قوةً،و لا يكون ذلك إلّا بتفسيرها بغير ذلك مما يرجع إلى أمر وجوديّ،و إلّا فالأمر العدمي و لو ركّب مع وجوديّ لا يقبل المراتب،كما هو واضح.

و مع ذلك فالنصوص بردّها بالخصوص مستفيضة،ففي الصحيح:بم تعرف عدالة الرجل من المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم و عليهم؟فقال:

«بأن تعرفوه بالستر و العفاف،و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان،و باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه تعالى عليها النار من شرب الخمر،و الزنا،و الربا، و عقوق الوالدين،و الفرار من الزحف،و غير ذلك،و الدليل عليه أن يكون ساتراً لعيوبه،حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه،و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في الناس،و أن لا يتخلّف عن جماعة المسلمين في مصلّاهم إلّا من علّة،فإذا سئل عنه في قبيلته و محلته قالوا:ما رأينا منه إلّا خيراً،مواظباً على الصلوات،متعاهداً لأوقاتها في مصلّاه» (1).

و عن مولانا العسكري(عليه السّلام)في تفسير قوله تعالى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ [1] (2)قال:«يعني ترضون بدينه و أمانته و صلاحه و عفّته و تيقّظه فيما يشهد به و تحصيله و تمييزه،فما كلّ صالح مميّز،و لا كلّ محصّل مميّز

ص:41


1- الفقيه 3:65/24،الوسائل 27:391 كتاب الشهادات ب 41 ح 1.
2- البقرة:282.

صالح» الحديث (1).

و في الخصال عن مولانا الرضا(عليه السّلام)،عن آبائه،عن عليّ(عليهم السّلام)قال:

«قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):من عامل الناس فلم يظلمهم،و حدّثهم فلم يكذبهم،و وعدهم فلم يخلفهم،فهو ممّن كملت مروءته،و ظهرت عدالته،و وجبت اخوّته،و حرمت غيبته» (2)و نحوه آخر مرويّ فيه أيضاً (3).

و في الموثق:«لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً» (4).

و في الخبر:في المكاري و الملاّح و الجمّال؟قال:«لا بأس بهم تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء» (5).

و في آخر:الرجل يشهد لابنه و الابن يشهد لأبيه و الرجل لامرأته، قال:«لا بأس بذلك إذا كان خيّراً» (6).

و المتبادر من الخيّر فيه،و الصيانة و الصلاح و العفّة في سابقه،هو الأمر الوجودي الزائد على مجرد الإسلام مع عدم ظهور الفسق قطعاً،كما في العدالة قد مضى.

ص:42


1- تفسير الإمام العسكري(عليه السّلام):375/672،الوسائل 27:399 كتاب الشهادات ب 41 ح 23.
2- الخصال:28/208،عيون الأخبار 2:34/29،الوسائل 27:396 كتاب الشهادات ب 41 ح 15.
3- الخصال:29/208،الوسائل 27:396 كتاب الشهادات ب 41 ح 16.
4- الفقيه 3:77/27،الوسائل 27:395 كتاب الشهادات ب 41 ح 10.
5- الكافي 7:10/396،الفقيه 3:82/28،التهذيب 6:605/243،الوسائل 27:381 كتاب الشهادات ب 34 ح 1.
6- الكافي 7:2/393،التهذيب 6:628/247،الوسائل 27:366 كتاب الشهادات ب 25 ح 2.

و هذه النصوص مع كثرتها و موافقتها الكتاب،و السنّة المستفيضة، بل المتواترة،كما مرّ إليه الإشارة،و اعتبار سند جملة منها،و انجبار باقيها بالشهرة العظيمة بين أصحابنا التي كادت تكون إجماعاً أظهر دلالةً من الروايات الماضية.

بل التعارض بينهما تعارض المطلق و المقيد،كما صرّح به جماعة (1)،فإنّ الأخبار السابقة على تقدير دلالتها جملةً لا تدل إلّا على أنّ المسلم الذي لم يظهر منه فسق مقبول الشهادة،و هو مطلق يعم ما لو كان متصفاً بالملكة،أو حسن الظاهر،أم لا و هذه النصوص كما عرفتها كالصريحة بل صريحة في اعتبار الشيء الزائد على ما في تلك،فلتكن به مقيّدة.

و بالجملة لا ريب في ضعف القول الأوّل و لا شبهة.

بقي الكلام في ترجيح أحد القولين الأخيرين،و المشهور القريب من الإجماع،بل المجمع عليه كما يستفاد من كنز العرفان و غيره،كما مرّ (2)الثاني،و هو الأوفق بالأُصول،و ما دلّ على اعتبار العدالة و منع قبول شهادة الفاسق،بناءً على ما مرّ قريباً من اعتبار الوصفين في نفس الأمر،و لا يمكن المعرفة بهما من دون توسط النقل و القرائن القطعيّة إلّا بالمعاشرة الباطنيّة المطلعة على الباطن و السريرة،و إن لم يعلمها كما هي غير اللّه سبحانه، لكن يتعيّن أقرب المجازات حيثما تعذرت الحقيقة.

و هذه القاعدة في غاية من المتانة،سيّما بعد الاعتضاد بالأُصول المتقدمة و الشهرة العظيمة.إلّا أنّ المستفاد من تتبع الأخبار السابقة و سيّما

ص:43


1- الوافي 16:1015،كشف اللثام 2:331.
2- راجع ص:39.

الصحيحين منها و غيرها بعد ضمّ بعضها إلى بعض كفاية حسن الظاهر، كما عليه من متأخّري المتأخّرين جماعة (1).

و الفرق بينه و بين الملكة احتياجها إلى المعاشرة الباطنيّة مدّة مديدة يحصل فيها الاطلاع على السريرة و لو في الجملة،دون حسن الظاهر؛ للاكتفاء فيه بالمعاشرة الظاهرة من نحو ما مرّ في جملة من الروايات المتقدّمة،من مثل رؤيته مواظباً على الصلوات الخمس في جماعة،كما في الصحيح منها،أو معاملته مع الناس فلم يظلمهم،و إخبارهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم،كما في جملة عديدة منها.

و هذا أوفق بما هو الظاهر من حال السلف،و المنقول عنهم،و بدونه لا يكاد ينتظم الأحكام للحكّام،خصوصاً في المدن الكبيرة،و للقاضي المنفذ إليها من بلاد بعيدة،و هو في غاية من القوة إلّا أنّ الاحتياط في المصير إلى الأوّل البتّة،هذا.

مع أنّ الذي يقتضيه التدبّر في حسن الظاهر المستفاد من الأخبار عدم منافاته للقول بالملكة من حيث التعبير عنه في الصحيح منها برؤيته مواظباً على الصلوات الخمس،و معروفيّته بالستر و العفاف،و كفّ البطن و الفرج عن المحرمات.و هما سيّما الثاني تتوقفان على نوع معاشرة و اختبار مطلع على باطن الأحوال،و ذلك فإنّه لا يقال:فلان معروف بالشجاعة مثلاً،إلّا بعد أن يعرف حاله في ميدان القتال و مناضلة الأبطال،فإذا كان ممّن يقتل الرجال و لا يولّي الدبر في موضع النضال و يقاوم الشجعان و يصادم الفرسان صحّ وصفه بالشجاعة،و أنّه معروف بها،و كذلك فيما

ص:44


1- مدارك الأحكام 4:66،الكفاية:279،مفاتيح الشرائع 3:261.

نحن فيه لا يقال:فلان معروف بالكفّ عن الحرام،إلّا بعد اختباره بالمعاملات و المحاورات الجارية بين الناس،كما لو وقع في يده أمانة أو تجارة أو نحو ذلك،أو جرى بينه و بين غيره خصومة أو نزاع،فإن كان ممّن لا يتعدى في ذلك الحدود الشرعية فهو العادل،و إلّا فغيره.

و أمّا من لم يحصل الاطّلاع على باطن أحواله و إن رُئي مواظباً على الصلوات و التدريس و التدرس و نحو ذلك،فهو من قبيل مجهول الحال، لا يصدق أنّه يعرف بالاجتناب عن المحرمات،بل يحتمل أن يكون كذلك و أن لا يكون.

و أظهر من هذه الصحيحة الأخبار الأخيرة المعبّرة عنه بمعاملته مع الناس فلم يظلمهم،إلى آخر الأُمور المعدودة فيها،و هي لا تقصر عن المعاشرة الباطنيّة،بل لعلّها عينها،كما يظهر من المسالك حيث قال:يعتبر في المزكّي أن يكون خبيراً بباطن من يعدّله،إمّا بصحبة أو جوار أو معاملة أو نحوها (1).

و نحوها باقي الأخبار الدالّة على اعتبار الخير و الصلاح في العادل (2)؛ إذ مقتضاها اعتبار العلم بوجودهما في نفس الأمر،كما مضى (3)، و لا يحصل إلّا بالخبرة الباطنيّة.

و نحو هذه الأخبار كلمة القدماء المعبّرة عنه بالمعروف بالدين و الورع،كما في كلام المفيد (4)،أو بالستر و العفاف،إلى آخر ما في

ص:45


1- المسالك 2:362.
2- المتقدمة في ص:42،41.
3- راجع ص:34،40.
4- المقنعة:725.

الصحيحة (1)،كما في كلام النهاية (2)،أو بحصوله على ظاهر الإيمان و الستر و العفاف،و اجتناب القبائح أجمع،و نفي التهمة و الظنة و الحسد و العداوة، كما في كلام القاضي (3)،و نحوه كلام الحلبي (4)،بل و أظهر حيث إنّه اعتبر ثبوته على هذه الصفات،لا حصوله على ظاهرها،و معرفة ثبوته عليها لا تحصل إلّا بالمعاشرة الباطنيّة،كما عرفته.

و ليس في اعتبار القاضي الظهور دون الثبوت منافاة لذلك؛ لأنّ الظاهر أنّ مقصوده من التعبير به التنبيه على عدم إمكان العلم بالثبوت في نفس الأمر،لأنّه من خصائص اللّه سبحانه و تعالى،لا أنّه لا يحتاج إلى المعاشرة الباطنيّة،كيف لا؟!و ظهور اجتنابه المحرّمات لا يحصل إلّا برؤيته متمكّناً منها فاجتنب عنها،كأن عومل فاجتنب الكذب و الظلم،و أتُمِنَ فردّ الأمانة، و وعد فوفى،و نحو ذلك،فإنّه إذا رُئي كذلك صدق ظهور اجتنابه الكبائر، لا أنّه إذا رُئي في الظاهر مجتنباً عنها مع عدم العلم بتمكّنه منها،يصدق عليه أنّه على ظاهر الاجتناب؛ إذ هو لا يصدق حقيقةً إلّا بعد التمكّن من فعل المجتَنَب.

و نحو عبارة هؤلاء عبارة الإسكافي المتقدمة (5)و غيرها،ممّا هو ظاهر في اعتبار المعاشرة الباطنيّة،كما في النصوص المتقدمة.

و حينئذ فلا منافاة بين القول بحسن الظاهر بهذا المعنى مع القول بالملكة،فإنّ القائلين بها لم يذكروا في معرفتها زيادة على المعاشرة

ص:46


1- المتقدمة في ص:40.
2- النهاية:325.
3- المهذّب 2:556.
4- الكافي في الفقه:435.
5- راجع ص:38.

الباطنيّة،حيث قالوا:لا بُدّ من الخبرة الباطنيّة و المعرفة المتقادمة.و حينئذ فلا نزاع بين من لا يعتبر ظاهر الإسلام في اشتراط المخالطة الباطنيّة في المعرفة بالعدالة.

نعم ربما يستفاد من جمع وجود قول بالاكتفاء بحسن الظاهر،فإن أُريد به ما مرّ من حسن الظاهر بعد الاختبار بالخبرة الباطنيّة فلا منازعة.

و إن أُريد به حسن الظاهر بدونه،بل حسنه من حيث عدم رؤية خلل منه مع عدم العلم بتمكّنه منه و عدمه،فلا دليل عليه،مع قيام الأدلّة فتوًى و روايةً كما عرفته على خلافه.

مع أنّ حسن الظاهر بهذا المعنى لا يكاد يظهر فرق بينه و بين ظاهر الإسلام،و حسن الظاهر بالمعنى الذي ذكرناه لا يكاد ينفك عن الملكة؛ إذ مع عدمها يبعد غاية البعد أن لا يظهر منه خلل أصلاً لأحد ممّن يختبره باطناً،كما لا يخفى،و لعلّه لذا لم ينقلوا في تعريف العدالة بالملكة خلافاً.

الثالثة تسمع شهادة التعديل مطلقة

الثالثة: تسمع شهادة التعديل مطلقة من غير أن يبيّن سببه، و لا تسمع شهادة الجرح إلّا مفصّلةً مبيّنةً للسبب في المشهور بين الأصحاب،على الظاهر المصرح به في المسالك و غيره (1)،استناداً في الأوّل:إلى أنّ العدالة تحصل بالتحرّز عن أسباب الفسق،و هي كثيرة يعسر ضبطها و عدّها.

و في الثاني:إلى أنّ الجارح قد يبني الجرح على ظنّ خطأ،و أنّ المذاهب فيما يوجب الفسق مختلفة،فلا بُدّ من البيان؛ ليعمل القاضي باجتهاده.

ص:47


1- المسالك 2:362،كشف اللثام 2:332.

و يشكل بأنّ الاختلاف في أسباب الفسق يقتضي الاختلاف في أسباب العدالة،فإنّ الاختلاف مثلاً في عدد الكبائر كما يوجب في بعضها ترتّب الفسق على فعله يوجب في بعض آخر عدم قدحه في العدالة بدون الإصرار عليه،فيزكّيه المزكّي مع علمه بفعل ما لا يقدح عنده فيها،و هو قادح عند الحاكم.

و من ثمّ ذهب الإسكافي إلى وجوب التفصيل فيهما (1)،و هو حسن حيث لا يعلم موافقة مذهب المزكّي للحاكم في أسباب الجرح و التعديل، و أمّا لو علم بأن كان مقلّداً له،أو مجتهداً وافق مذهبه مذهبه،فالأجود حينئذ عدم وجوب التفصيل مطلقاً.

و من هنا ظهر ضعف القول بعدم وجوبه و الاكتفاء بالإطلاق مطلقاً أيضاً (2).

و للفاضل قول بوجوب التفصيل في التعديل دون الجرح (3)،عكس المشهور.

و آخر بالتفصيل بين علم المزكّي و الجارح بأسبابهما فالإطلاق مطلقاً، و جهلهما بهما فالتفصيل كذلك (4).

و ضعفهما قد ظهر ممّا مضى.

و حيث اكتفي في العدالة بالإطلاق مطلقاً،كما هو المشهور،أو على تفصيل قدّمناه،ففي القدر المعتبر من العبارة عنه أوجه،بل و أقوال.

ص:48


1- حكاه عنه في المختلف:706.
2- هو مذهب القاضي أبي بكر،حكاه عنه الآمدي في الأحكام 2:317،و الغزالي في المستصفى 1:162،و القاضي عضد في شرح المختصر:170.
3- المختلف:706.
4- حكاه في معالم الأُصول:207.

ثالثها:اعتبار ضمّ أحد الأمرين من قوله:لي و عليَّ،أو مقبول الشهادة،إلى قوله:هو عدل،حكاه في المسالك عن أكثر المتأخّرين (1)، و عن الإسكافي ضمّ الأوّل خاصّة (2)،و عن المبسوط الاكتفاء بقوله:هو عدل،من دون اعتبار ضمّ شيء مطلقاً (3).

و لعله أقوى و إن كان المصير إلى ما عليه الإسكافي أحوط و أولى؛ لكونه بين الأقوال جامعاً.

و اختار في المسالك قولاً رابعاً،و هو الاجتزاء بقوله:إنّه مقبول الشهادة،و أنّ إضافة العدل إليه آكد (4).

و لا بأس به إن قصد به جواز الاجتزاء بذلك من حيث إنّه مرادف للفظ العدل.

و يمنع إن منع من الاجتزاء بلفظ العدل؛ لما ظهر لك من الترادف بينهما،و إن كان ما اجتزأ به بالدلالة على العدالة العامّة أظهر و أجلى.

و إذا تعارض الجرح و التعديل فالأقرب أنّه إن لم يتكاذبا بأن شهد المزكي بالعدالة مطلقاً،أو مفصلاً لكن من غير ضبط وقت معين،و شهد الجارح بأنّه فعل ما يوجب الجرح في وقت معين قدّم الجرح؛ لحصول الشهادتين من غير تعارض بينهما حقيقةً.

و إن تكاذبا بأن شهد المعدّل بأنّه كان في ذلك الوقت الذي شهد الجارح بفعل المعصية فيه في غير المكان الذي عيّنه للمعصية،أو كان فيه

ص:49


1- المسالك 2:363.
2- نقله عنه في المختلف:703،و المسالك 2:363.
3- المبسوط 8:110،و حكاه عنه في المختلف:703،و المسالك 2:363.
4- المسالك 2:363.

مشتغلاً بفعل ما يضادّ ما أسند إليه الجارح فالوجه التوقف،وفاقاً للخلاف (1)،إلّا أنّه أطلقه بحيث يشمل صورة عدم التكاذب.قيل (2):

للتعارض مع عدم المرجح،و لا يتمّ إلّا على التفصيل المتقدم،هذا.

و يمكن الجمع بين الشهادتين مع ترجيح التزكية فيما إذا قال المعدّل:

صحّ السبب الذي ذكره الجارح،لكن صحّ عندي توبته و رجوعه عنه.

الرابعة إذا التمس الغريم

الرابعة: إذا التمس الغريم و المدّعي للحقّ من الحاكم إحضار غريمه مجلس الحكم وجب على الحاكم إجابته مطلقاً و لو كان الغريم المسئول إحضاره امرأة بشرط أن كانت بَرْزَة بفتح الباء و سكون الراء المهملة و فتح الزاء المعجمة،كما ضُبِط،و هي التي لا تحتجب احتجاب الشوابّ،و هي مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس و تحدثهم،من البروز و هو الظهور.

و لو كان المسئول إحضاره ذا عذر يمنعه عن الحضور كأن كان مريضاً أو امرأة مخدّرة غير بَرْزَة استناب الحاكم من يحكم بينهما أو أمرهما بنصب وكيل ليخاصم عنهما،فإن دعت الحاجة إلى تحليفهما بعث إليهما من يحلفهما.

و اعلم أنّ إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحكم الأوّل بين كون الغريم المطلوب إحضاره حاضراً في البلد أو غائباً عنه،و كونه من أهل الشرف و المروءات الذين يشقّ عليهم حضور مجلس القضاء أم لا.

خلافاً للإسكافي فخصّه بالحاضر الذي لا يشقّ عليه الحضور من

ص:50


1- الخلاف 6:219.
2- قاله السبزواري في الكفاية:264.

جهة الرفعة و الشرف (1)،و وافقه المتأخرون (2)ممّن وقفت على كلامهم في التخصيص بالحضور،و خالفوه في التخصيص بغير ذي الشرف،فأوجبوا حضوره مع الحضور أيضاً،بل في صريح المسالك و ظاهر المبسوط دعوى إجماعنا عليه (3)،و مع ذلك قيدوا عدم وجوب الإحضار في صورة الغيبة بما إذا لم يحرّر المدعي الدعوى،أو حرّرها و لم تكن عند الحاكم مسموعة،و أوجبوا في غير الصورتين الإحضار مطلقاً.

و تلخص من مجموع ما ذكرنا الإجماع على وجوب الإحضار لغير ذي المروءات(مع الحضور مطلقاً و لو لم يحرّر الدعوى،و هو الحجة فيه كالإجماع المحكي المتقدم في وجوب الإحضار لذوي المروءات) (4)أيضاً، مع عدم مخالف فيه عدا الإسكافي،و هو شاذ،هذا.

مضافاً إلى ما استدلّ به الشيخ لوجوب الإحضار مطلقاً من أنّ الحاكم منصوب لاستيفاء الحقوق و حفظها و ترك تضييعها،فلو قلنا إنّه لا يحضره ضاع الحق و بطل؛ لأنّ الرجل ربما تسلّط على مال الغير و أخذه و جلس في موضع لا حاكم فيه،و ما أفضى إلى هذا بطل في نفسه (5).

و اعترضه الفاضل(رحمه اللّه)في المختلف حيث إنّه ممّن منع الإحضار مع الغيبة في الجملة بمنع الملازمة،قال:فإنّ الحاكم يطالب المدّعى بإثبات حقّه،فإذا ثبت فإن حضر،و إلّا باع ماله و دفعه إلى المدّعى،أمّا لو

ص:51


1- نقله عنه في المختلف:702.
2- كالعلّامة في المختلف:703،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:248،و السبزواري في الكفاية:265.
3- المسالك 2:365،المبسوط 8:154.
4- ما بين القوسين ساقط من« ب».
5- الخلاف 6:236.

لم يتمكّن من الإثبات و طلب غريمه لإحلافه،أو لم يكن له مال و كان بيد الغائب ما يقضي به الحق الثابت عند الحاكم،فإنّ الحاكم هنا يبعث في طلبه على ما قاله الشيخ (1).

و سياق كلامه مع الشيخ كما ترى إنّما هو النزاع معه في وجوب الإحضار مع الغيبة مطلقاً،لا وجوبه لذوي المروءات كما فهمه منه الفاضل المقداد في شرح الكتاب (2)،حيث نسب فيه القول بمنع إحضارهم إلى المختلف و جعله موافقاً للإسكافي.

ثم إنّ ما ذكره في المختلف من وجوب الإحضار مع الغيبة في بعض الصور الذي ذكره إنّما هو بعد تحرير الدعوى و سماعها،و أمّا قبله فقد ذكر جماعة (3)بأنّه إن كان الغائب في محلّ ولاية القاضي فإن كان له نائب لم يحضره بل يسمع البيّنة و يكتب إليه.

و إن لم يكن هناك بيّنة أنفذه إلى خليفته ليحكم بينهما.

و إن لم يكن له نائب فإن كان هناك من يصلح للاستخلاف (4)أذن له في القضاء بينهما،قال في المسالك بعد هذا:و إلّا طولب المدعي بتحرير الدعوى،فقد تكون غير مسموعة فيلزم المشقّة بإحضاره لغير حق، بخلاف الحاضر في البلد فإنّه لا يحتاج في إحضاره إلى تقديم البحث،لأنّه ليس في الحضور هنا مئونة و مشقّة شديدة (5).إلى آخر ما ذكره.

ص:52


1- المختلف:703.
2- التنقيح الرائع 4:248.
3- منهم الشيخ في المبسوط 8:155،و الشهيد الثاني في المسالك 2:365،و السبزواري في الكفاية:265.
4- في« ح» و« س»:للاستحلاف.
5- المسالك 2:365.

و منه يظهر وجه فرق المتأخّرين بين حالتي الحضور و الغيبة بوجوب الإحضار في الاُولى مطلقاً و لو لم يحرّر الدعوى،و عدمه في الثانية قبل تحريرها،و محصّله عدم لزوم المشقّة بإحضاره في الأُولى و لزومها في الثانية،و بذلك صرّح أيضاً جماعة (1).

و ناقشهم في ذلك بعض متأخّري المتأخّرين (2)،نظراً منه إلى أنّ في مطلق الإحضار و لو حالة الحضور مشقّة،و لذلك احتمل اختصاص وجوب الإحضار مع الحضور بصورة تحرير الدعوى و سماعها،و له وجه.

إلّا أنّ الإجماع الظاهر و المحكي حتى في كلامه كفانا مئونة البحث في ذلك،سيّما مع اعتضاده بما ذكره من أنّ ذلك كان معمولاً في الزمن السابق إلى الآن من غير إنكار.

الخامسة بذل الرشوة

الخامسة: بذل الرشوة و أخذها على الحكم حرام بالإجماع،و السنّة المستفيضة المتقدّم إليها و إلى جميع ما يتعلّق بالمسألة الإشارة في الفصل الأوّل من كتاب التجارة.

بقي فيها شيء لم نشر إليه مفصلاً ثمّة،و هو الفرق بين الرشوة و الهدية،حيث تجوز له مطلقاً أو في الجملة،على تفصيل تقدّم ذكره ثمّة، فقيل:بأنّ الرشوة هي التي يشترط باذلها الحكم بغير حق و الامتناع من الحكم به،و الهدية هي العطية المطلقة (3).

و هذا الفرق يناسب ما أطلقه الماتن في الشرائع (4)من اختصاص

ص:53


1- المبسوط 8:155،القواعد 2:207،مفاتيح الشرائع 3:253.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:91.
3- حكاه في المسالك 2:364.
4- الشرائع 4:78.

تحريم الرشوة بطلب التوصل إلى الحكم بالباطل دون الحق.

و لكن ذكر جماعة تحريمها على التقديرين،خصوصاً من جانب المرتشي (1).

و قد قدّمنا ثمّة أنّها محرمة على المرتشي مطلقاً،و على الراشي كذلك إلّا أن يكون محقاً،و لا يمكن وصوله إلى حقّه بدونها فلا تحرم عليه حينئذٍ،و على هذا يحتاج إلى فرق آخر.

و الأظهر فيه أن يقال:إنّ دفع المال إلى القاضي و نحوه من العمّال إن كان الغرض منه التودّد أو التوسل لحاجة من العلم و نحوه فهو هدية.

و إن كان للتوسل إلى القضاء و العمل فهو رشوة،صرّح بذلك شيخنا في المسالك و غيره (2)،و لعلّ وجهه التبادر العرفي،و ما في مجمع البحرين من أنّها ما يعطيه الشخص الحاكم و غيره ليحكم له،أو يحمله على ما يريد (3).و قريب منه ما في القاموس (4)و كنز اللغة،و هو كما ترى عامّ لما إذا كان الحكم باطلاً أو حقاً،فلا وجه لتخصيصها بالأوّل.

نعم في النهاية الأثيرية:الراشي الذي يعينه على الباطل (5).

و الفرق بينها و بين أخذ الجعل على القضاء من المتحاكمين أو أحدهما لو قيل بجوازه أخفى.

و بيانه:أنّ الغرض من الرشوة أن يحكم لباذلها على التعيين لحقّ أو باطل،و في الجعل إن شرط عليهما أو على المحكوم عليه،فالفرق واضح؛

ص:54


1- منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:35،و الشهيد الثاني في الروضة 3:75.
2- المسالك 2:364؛ و انظر الكفاية:265.
3- مجمع البحرين 1:184.
4- القاموس 4:326.
5- النهاية الأثيرية 2:226.

لأنّه حينئذ في مقابلة عمله معهما و فصل الحكومة بينهما من غير اعتبار الحكم لأحدهما بخصوصه.

و إن شرطه على المحكوم له،فالفرق أنّ الحكم لا يتعلّق الغرض فيه بأحدهما بخصوصه،بل من اتفق له الحكم منهما على الوجه المعتبر يكون عليه الجعل،و هذا ليس فيه تهمة و لا ظهور غرض،بخلاف الرشوة المبذولة له ابتداء من شخص معيّن ليكون الحكم له بخصوصه كيف كان، فإنّ هذا ظاهر في فساد المقصد و صريح في تطرّق التهمة.

و يجب على المرتشي إعادتها عيناً مع وجودها،و عوضاً مثلاً أو قيمةً مع تلفها مطلقاً،كان التلف بتفريطه أم لا،وجوباً فورياً،بلا خلاف في شيء من ذلك بيننا،بل يظهر من المسالك و غيره أنّ عليه إجماعنا (1)، و فيه خلاف لبعض العامّة،حيث ذهب إلى أنّه يملكها و إن فعل حراماً؛ لوجود التمليك و القبول (2).

و آخرون منهم ذهبوا إلى أنّه يضعها في بيت المال (3).

و هما ضعيفان جدّاً،و لا سيّما الثاني منهما.

النظر الثالث في كيفية الحكم

الأوّل في وظائف الحاكم
الأولى التسوية بين الخصوم

النظر الثالث: في بيان كيفية الحكم،و فيه مقاصد ثلاثة:

الأوّل: في وظائف الحاكم و آدابه و هي أربع:

الأُولى: يجب على القاضي التسوية بين الخصوم في السلام عليهما و ردّه إذا سلّما عليه و الكلام معهما و المكان لهما فيجلسهما

ص:55


1- المسالك 2:365؛ و انظر الروضة 3:75،و الكفاية:265.
2- لم نعثر عليه.
3- المغني 11:439،الشرح الكبير 11:405.

بين يديه معاً و النظر إليهما و الإنصات و الاستماع لكلامهما و العدل في الحكم بينهما،و غير ذلك من أنواع الإكرام كالإذن في الدخول، و طلاقة الوجه.

للنصوص المستفيضة:منها:القريب من الصحيح بالحسن بن محبوب المجمع على تصحيح رواياته فيجبر به جهالة راويه،و هو طويل و من جملته قول علي(عليه السّلام)لشريح:« ثم واس بين المسلمين بوجهك و منطقك و مجلسك،حتّى لا يطمع قريبك في حيفك،و لا ييأس عدوّك من عدلك» (1).

و منها:القوى بالسكوني و صاحبه:« من ابتلى بالقضاء فليواسِ بينهم في الإشارة،و النظر،و المجلس» (2).

و في مثله:« إنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)نهى أن يضاف الخصم إلّا و معه خصمه» (3).

و في القريب منهما:« ثلاث إن حفظتهنّ و عملت بهنّ كفتك ما سواهنّ،و إن تركتهنّ لم ينفعك شيء،إقامة الحدود على القريب و البعيد،و الحكم بكتاب اللّه تعالى في الرضا و السخط،و القسم بالعدل بين الأحمر و الأسود» (4).

ص:56


1- الكافي 7:1/412،الفقيه 3:28/8،التهذيب 6:541/225،الوسائل 27:211 أبواب آداب القاضي ب 1 ح 1.
2- الكافي 7:3/413،الفقيه 3:27/8،التهذيب 6:543/226،الوسائل 27:214 أبواب آداب القاضي ب 3 ح 1.
3- الكافي 7:4/413،الفقيه 3:21/7،التهذيب 6:544/226،الوسائل 27:214 أبواب آداب القاضي ب 3 ح 2.
4- التهذيب 6:547/227،الوسائل 27:212 أبواب آداب القاضي ب 1 ح 2.

و هذه النصوص مع اعتبار أسانيدها جملة و حجية بعضها ظاهرة الدلالة على الوجوب،كما هو الأظهر الأشهر بين متأخري الطائفة،وفاقاً للصدوقين (1)،بل حكى عليه الشهرة المطلقة في المسالك و الروضة (2)، فهي أيضاً لقصور النصوص أو ضعفها لو كان جابرة.

خلافاً للديلمي و الحلّي و الفاضل في المختلف (3)،فحكموا بالاستحباب فيما عدا العدل في الحكم؛ للأصل،و ضعف النصوص سنداً و دلالة.

و في الجميع نظر يظهر وجهه بالتدبر فيما مرّ.

ثم إنّ الحكم بوجوب التسوية أو استحبابها مشروط بما إذا تساوى الخصوم في الكفر و الإسلام.

و لو كان أحد الخصمين مسلماً و الآخر كافراً جاز أن يكون الكافر قائماً و المسلم قاعداً،أو أعلى منزلاً قولاً واحداً،كما جلس علي(عليه السّلام) بجنب شريح في خصومة له مع يهودي (4).

و هل تجب التسوية بينهما فيما عدا ذلك؟ظاهر العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة ذلك (5).

و يحتمل قوياً تعدّيه إلى غيره من وجوه الإكرام،وفاقاً للشهيد الثاني (6)؛ للأصل،و اختصاص النصوص الموجبة للتسوية بحكم التبادر

ص:57


1- الصدوق في الفقيه 3:8،و حكاه عن والده في المختلف:700.
2- المسالك 2:365،الروضة 3:72.
3- المراسم:230،السرائر 2:157،المختلف:701.
4- الغارات 1:124،المستدرك 17:359 أبواب آداب القاضي ب 11 ح 5.
5- كالمحقق في الشرائع 4:80،و العلّامة في القواعد 2:204،و الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 3):73.
6- الروضة 3:73.

و غيره بغير مفروض المسألة،و هو تساوي الخصوم في الإسلام أو الكفر أيضاً،على بعد فيه خاصة،مع أنّ شرف الإسلام يقتضي ذلك.

و لا يجب التسوية بينهم مطلقاً في الميل القلبي،بلا خلاف فيه، و لا في استحبابها بقدر الإمكان.

الثانية لا يجوز للحاكم أن يلقّن أحد الخصمين

الثانية: لا يجوز للحاكم أن يلقّن أحد الخصمين و يعلّمه شيئاً يستظهر به على خصمه كأن يدّعي بطريق الاحتمال فيلقنه الدعوى بالجزم حتى تسمع دعواه،أو ادّعي عليه قرض و أراد الجواب بالوفاء فيعلّمه الإنكار لئلّا يلزمه البيّنة بالاعتراف،أو نحو ذلك،بلا خلاف فيه على الظاهر.

قالوا:لأنّه منصوب لقطع المنازعة لا لفتح بابها،فتجويزه ينافي الحكمة الباعثة لنصبه.

قيل:نعم لا بأس بالاستفسار و التحقيق و إن أدّى بالأخرة إلى تلقين صحة الدعوى (1).

و زاد بعض متأخري المتأخرين فقال:بل لا يبعد جواز الأوّل أيضاً إذا كان المدّعى جاهلاً لا يعرف التحرير و القاضي علم بالحال،و ما ذكروه لا يصلح دليلاً للتحريم مطلقاً؛ إذ فتح باب المنازعة الحقيقية التي تصير سبباً لعدم إبطال حقوق الناس ما نعرف فساده،إلّا أن يكون لهم دليل آخر من إجماع و غيره (2).انتهى.

و هو حسن إلّا أنّ فرض علم القاضي بحقيقة الحال لا يتصور معه فتح باب المنازعة بناءً على ما مرّ من جواز القضاء بالعلم،بل لا يحتاج

ص:58


1- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:365.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:54.

حينئذٍ إلى تلقين المدّعى،بل يحكم ابتداء على الخصم بعلمه،فتأمّل.

الثالثة إذا سكتا استحب للحاكم أن يقول تكلما

الثالثة: إذا سكتا أي الخصمان استحب للحاكم أن يقول لهما: تكلما أو:ليتكلم المدّعى منكما أو:إن كنتما حضرتما لشيء فاذكراه،أو ما ناسبه من الألفاظ الدالة عليه.و لو احتشماه أَمَرَ من يقول لهما ذلك،و لا يواجه بالخطاب أحدهما.بلا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر حتى في النهي عن مواجهة أحدهما بالخطاب،و لكن قد اختلفوا في الأخذ بظاهره كما هو مقتضى وجوب التسوية،أو الكراهة، و الوجه الأوّل؛ لما عرفته.

الرابعة إذا بدر أحد الخصمين سمع منه

الرابعة: إذا بدر أحد الخصمين و سبق إلى الدعوى سمع منه وجوباً هي دون غيرها فهو أولى.

و لو قطع عليه غريمه كلامه في أثناء الدعوى فقال:كنت أنا المدّعى،لم يلتفت إليه الحاكم،بل منعه حتى تنتهي دعواه و حكومته بمطالبة جوابها منه،ثم الحكم بمقتضاه.

و لو ابتدرا و سبقا إلى الدعوى معاً سمع من الذي وقف عن يمين صاحبه في المجلس؛ للخبر الذي أجمع أصحابنا على روايته كما في الانتصار و الخلاف و المبسوط و السرائر (1)،حيث قالوا:رواه أصحابنا،و زاد الأوّلان دعوى إجماعنا عليه فتوى أيضاً و فيه:« قضى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أن يقدّم صاحب اليمين في المجلس بالكلام» (2)و عليه عامّة متأخّري أصحابنا،بل و متقدميهم أيضاً،عدا الشيخ فمال إلى القرعة (3)

ص:59


1- الانتصار:243،الخلاف 6:234،المبسوط 8:154،السرائر 2:157.
2- الفقيه 3:25/7،الوسائل 27:218 أبواب آداب القاضي ب 5 ح 2.
3- المبسوط 8:154،الخلاف 6:234.

كما تقوله العامّة (1)،مع أنّه ادّعى على الأوّل إجماع الطائفة،فهو ضعيف غايته.

كتأمّل الإسكافي (2)في دلالة الرواية بجواز أن يكون أراد بذلك المدّعى؛ لأنّه صاحب اليمين،و اليمين المردودة إليه.

و زاد بعض متأخري المتأخرين جواز أن يكون المراد باليمين يمين القاضي (3).

لمخالفة الاحتمالين للظاهر،سيّما بعد الاتفاق على الظاهر المستظهر من تلك الكتب المتقدّمة (4)المصرح به في المسالك (5)على كون المراد منها ما ذكره،و التأيّد بالصحيح:« إذا تقدّمت إلى والٍ أو قاضٍ فكن يمينه» يعني:يمين الخصم (6).

و إن اجتمع خصوم فإن وردوا مترتبين بدأ بالأول منهم فالأوّل، و إن وردوا جميعاً كتب أسماء المدعين في رقاع و استدعى من يخرج اسمه بالقرعة إلّا أن يتضرر بعضهم بالتأخير،فيقدّم دفعاً للضرر.و مثله ما لو تزاحم الطلبة عند المدرس و المستفتون عند المفتي مع وجوب التعليم و الإفتاء،فيقدّمان الأسبق منهم فالأسبق،فإن جهل أو جاؤا معاً أُقرع بينهم.

و لو جمعهم على درس واحد مع تقارب أفهامهم جاز،و إلّا فلا.

ص:60


1- المغني لابن قدامة 117:447،الشرح الكبير 11:423.
2- حكاه عنه في الانتصار:244،و المختلف:699.
3- و هو الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:253.
4- في« ب» زيادة:للأخيار.
5- المسالك 2:366.
6- الفقيه 3:26/7،التهذيب 6:548/227،الوسائل 27:218 أبواب آداب القاضي ب 5 ح 1.

و مع عدم وجوب الأمرين فالأمر إليهما يتخيّران من شاءا،صرّح بذلك جماعة من أصحابنا (1)

المقصد الثاني في جواب المدّعى عليه
الإقرار

المقصد الثاني:

في جواب المدّعى عليه،و هو إمّا إقرار بما ادّعي عليه أو إنكار له أو سكوت عنه،و إنّما جعل هذا جواباً مع أنّه ليس كذلك لغة بل و لا عرفاً،قيل:لأنّه إذا أصرّ عليه جعل كالمنكر الناكل،فهو في الحكم كالإنكار،فكان في معنى الجواب به (2).

أمّا الإقرار فيلزم الحق،و يثبت به في ذمّة المقرّ إذا كان جائز الأمر و التصرف،باستجماعه شرائط الإقرار المقرّرة في بابه المتقدم مطلقاً رجلاً كان المقرّ أو امرأة أو غيرهما،بخلاف ما إذا أقام المدّعى بيّنةً،فإنّه لم يثبت بمجرد إقامتها؛ لأنّها منوطة باجتهاد الحاكم في قبولها و ردّها.

و مظهر ثمرة الفرق بين المقامين بذلك جواز مقاصّة المدّعى حقّه إذا كان عيناً و ادّعاها مع عدم علمه بها بالإقرار دون البيّنة إذا لم يحكم الحاكم.

فإن التمس المدّعى الحكم له به أي:بالحق الثابت بالإقرار حكم الحاكم له به وجوباً.

و في جوازه بدون مسألته قولان:من أنّه حق له فيتوقف على سؤاله.

و من شهادة الحال بطلبه.

و يأتي الوجهان في مطالبة الحاكم المدّعى عليه بالجواب قبل التِماس

ص:61


1- الدروس 2:75،المسالك 2:366،كشف اللثام 2:328.
2- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:367.

المدّعى.

و الأشهر العدم في المقامين على الظاهر المصرح به في المسالك (1)، بل قال في المبسوط في المقام الثاني:إنّه الصحيح عندنا (2)،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،مع أنّه قوّى الجواز أخيراً،و حكاه في المختلف عن الشيخين و الديلمي و الحلّي أيضاً،و اختاره،قال:لأنّ الحاكم منصوب لذلك،و ربما خفي على المدّعى أنّ ذلك حق له،و هاب الحاكم فضاع حقه (3).

و في هذا الدليل نظر؛ لأخصّيته من المدّعى؛ لاختصاصه بصورة جهل المدّعى،فربما كان المانع يسلّم الجواز هنا،كما اتفق له في التحرير، حيث قال بعد الحكم بأنّه ليس للحاكم أن يحكم عليه إلّا بمسألة المدّعى-:لأنّه حقّه فيتوقف استيفاؤه على مطالبته،و يحتمل أن يحكم عليه من غير مسألته.أمّا لو كان المدّعى جاهلاً بمطالبة الحاكم فإنّ الحاكم يحكم عليه أو ينبّهه على ذلك؛ لئلّا يضيع حقّه بجهله فيترك المطالبة (4).

و منه يظهر وجه آخر للنظر فيما ذكره في المختلف،و هو أنّ جهل المدّعى بذلك لا يوجب جواز الحكم له بالإقرار من غير مسألته؛ لاندفاع الضرر المترتّب عليه بتنبيهه على ما جهله.

فكيف كان فمستند القولين غير واضح،كمستند القول بالتفصيل بالجواز في المقام الأوّل،و عدمه في المقام الثاني،كما هو ظاهر الماتن في

ص:62


1- المسالك 2:367.
2- المبسوط 8:157.
3- المختلف:700،و هو في المقنعة:723،و النهاية:339،و المراسم:230،و السرائر 2:157.
4- التحرير 2:186.

الشرائع (1)،كما اعترف به شيخنا في شرحه (2)،أو بالعكس فالمنع في الأوّل،و الجواز في الثاني،كما هو ظاهر الفاضل في التحرير،حيث قال قبل ما قدّمنا نقله عنه-:إذا حرّر المدّعى دعواه فللحاكم أن يسأل خصمه عن الجواب،و يحتمل توقّف ذلك على التماس المدّعى؛ لأنّه حقّه فيتوقف على المطالبة،و الأقرب الأوّل؛ لأنّ شاهد الحال يدل عليه،فإنّ إحضاره و الدعوى إنّما يراد بهما ليسأل الحاكم الغريم (3).

و هذا مع ما قدمناه عنه ظاهر في اختياره التفصيل المتقدم كما ذكرناه.

و فيما ذكره هو و غيره من الأصحاب (4)من تعليل الجواز بقرينة شاهد الحال دلالة على الاتفاق على اعتبار إذن المدّعى في مطالبة الجواب،و الحكم له بمقتضاه،و عدم جوازهما من دونه،و أنّ خلافهم إنّما هو في اعتبار الإذن الصريح أو الاكتفاء بشاهد الحال.

و حيث قد تمهد هذا فالأوفق بالأصل حينئذٍ هو الأوّل اقتصاراً على المتيقن،مع اعتضاده بظاهر إجماع المبسوط المتقدم (5)،و مع ذلك فهو أحوط.

و على تقدير التردد بين القولين و عدم وجود أصل يرجع إليه في البين كما هو ظاهر جمع (6)يكون ما ذكرناه أيضاً متعيّناً؛ لغلبة الظن به من

ص:63


1- الشرائع 4:83.
2- المسالك 2:367.
3- التحرير 2:186.
4- انظر المبسوط 8:157،و المسالك 2:367،و المفاتيح 3:254.
5- في ص:61.
6- منهم المحقق في الشرائع 4:83،و السبزواري في الكفاية:267،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:254.

حيث كونه مشهوراً.

و صورة الحكم هنا و في غيره من الأبواب على ما ذكره الأصحاب:

ألزمتك،أو:قضيت عليك،أو:ادفع إليه ماله،و نحو ذلك ممّا يكون صريحاً فيه،دون قوله:ثبت عندي حق خصمك،أو ما شابه ذلك.

و اعلم أنّ فائدة الحكم هنا بعد اتفاقهم على ثبوت الحق بالإقرار كما مضى غير واضحة،عدا ما ذكره شيخنا في المسالك من أنّ فائدته إنفاذ حاكم آخر إيّاه و نحو ذلك (1).

و حيث يتحقق الحكم فإن رضي المحكوم له بالاقتصار على تلفظ الحاكم به فذاك.

و إن التمس أن يكتب له به حجة بحقّه يكون في يده ف لا يكتب له على المقر حجة إلّا بعد المعرفة منه باسمه أي المقر و نسبه أو يشهد بذلك أي بكلّ من الاسم و النسب عدلان مرضيان عنده خوفاً من التزوير بتواطؤ المتداعيين لإثبات إقرار على ثالث فيكتب عليه حجة بخط الحاكم و ختمه؛ ليحكم الحاكم عليه بحكمه السابق المتذكر له بخطه و ختمه حيثما يجاء به،و الحال أنّه غير المقر عنده أوّلاً، فيقع الخطأ بالتزوير في حكمه و هو لا يعلم به،فلا يجوز له ذلك.

إلّا أن يقنع المدّعى بالحِلية و هي بكسر الحاء المهملة ثم الياء المنقطة نقطتين من تحت بعد اللام-:الصفة،فيكتب صفة المقر من طوله و قصره و بياضه و سواده،و نحو ذلك من الأوصاف التي يؤمن معها التزوير.

و لا خلاف في شيء من ذلك إلّا من الشيخين و الحلبي و الديلمي

ص:64


1- المسالك 2:367.

و القاضي (1)في الاكتفاء بالحلية فلم يذكروه،لكن الشيخ في الخلاف بعد نقل ذلك عنهم و نسبة خلافه و الاكتفاء بها إلى من خالفهم من الفقهاء قال:

و الذي قاله بعض أصحابنا يحمل على أنّه لا يجوز أن يكتب و يقتصر على ذكر نسبهما،فإنّ ذلك يمكن استعارته (2).و على ما ذكره يرتفع الخلاف كما هو ظاهر الأصحاب،حيث لم ينقلوه،و قد صرح به الفاضل في المختلف (3)فقال:و التحقيق أنّه لا مشاحّة هنا؛ لأنّ القصد تخصيص الغريم و تمييزه عن غيره و إزالة الاشتباه،فإن حصل ذلك بالحلية جاز.

و اعلم أنّ فائدة كتاب الحاكم هنا مع الاتفاق على عدم جواز الرجوع إليه له و لغيره من الحكّام إلّا بعد العلم بالواقعة و القطع بها-،جعله مذكّراً و منبّهاً عليها،فإذا وقف الإنسان على خطه فإن تذكرها أقام الشهادة عليها، و إلّا فلا.

و حيث ثبت الحق بالإقرار أو غيره كلّف أداؤه و إن امتنع المقر و من في حكمه ممن ثبت عليه الحق من التسليم مع قدرته عليه أمر الحاكم خصمه بالملازمة له حتى يؤدّي.

و لو التمس من الحاكم حبسه حبس بلا خلاف؛ للخبر:

« ليّ (4)الواجد يحل عقوبته و عرضه» (5)و فسّر العقوبة بالحبس،و العرض بالإغلاظ له في القول،كقوله:يا ظالم،و نحوه.

ص:65


1- المفيد في المقنعة:724،الطوسي في النهاية:341،الحلبي في الكافي:445،الديلمي في المراسم:231،حكاه عن القاضي في المختلف:691.
2- الخلاف 6:221.
3- المختلف:691.
4- اللّيّ:مطل الدَّين القاموس المحيط 4:390.
5- أمالي الطوسي:532،الوسائل 18:333 أبواب الدين و القرض ب 8 ح 4.

و في الموثق:« كان أمير المؤمنين(عليه السّلام)يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه،ثم يأمر فيقسّم ماله بينهم بالحصص،فإن أبى باعه فيقسّمه بينهم» يعني:ماله- (1).

و في معناه أخبار أُخر مروية في التهذيب في أواسط باب الزيادات من هذا الكتاب،و يستفاد منها جواز بيع ماله عليه للحاكم إذا أبى عنه بعد الحبس (2)،و به أفتى الأصحاب أيضاً.

و إن ادّعى الإعسار و هو عندنا كما في كنز العرفان (3)عجزه عن أداء الحق؛ لعدم ملكه لما زاد عن داره و ثيابه اللائقة بحاله و دابّته و خادمه كذلك،و قوت يوم و ليلة له و لعياله الواجبي النفقة،فإن كان له أصل مال قبل ذلك،أو كان أصل الدعوى مالاً، كلّف البينة على تلفه، فإن لم يقمها حبس إلى أن يتبين الإعسار،على المشهور؛ للنصوص ففي الموثق و غيره:« أنّ عليّاً(عليه السّلام)كان يحبس في الدين فإذا تبيّن له إفلاس و حاجة خلّى سبيله حتّى يستفيد مالاً» (4).

و أمّا الصحيح:« كان(عليه السّلام)لا يحبس في السجن إلّا ثلاثة:الغاصب، و من أكل مال اليتيم ظلماً،و من ائتمن على أمانة فذهب بها،و إن وجد له شيئاً باعه،غائباً كان أو شاهداً» (5)فقال الشيخ:إنّه لا تنافي بينه و بين

ص:66


1- الفقيه 3:43/19،التهذيب 6:833/299،835،الإستبصار 3:15/7،الوسائل 18:416 أبواب الحجر ب 6 ح 1.
2- التهذيب 6:833/299،834،835.
3- كنز العرفان 2:57.
4- الفقيه 3:43/19،التهذيب 6:834/299،الإستبصار 3:156/47،الوسائل 18:418 كتاب الحجر ب 7 ح 1.
5- التهذيب 6:836/299،الإستبصار 3:154/47،الوسائل 27:248 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 11 ح 2.

الخبرين الأوّلين،لأنّ الوجه فيه أحد شيئين:

أحدهما:أنّه ما كان يحبس على جهة العقوبة،إلّا الذين ذكرهم.

و الثاني:أنّه ما كان يحبسهم حبساً طويلاً،إلّا الثلاثة الذين استثناهم؛ لأنّ الدين إنّما يحبس فيه بقدر ما يتبين حاله،فإن كان مُعدِماً و علم ذلك من حاله خلي سبيله،و إن لم يكن مُعدِماً الزم الخروج مما عليه،أو يباع عليه ما يقضى به دينه (1).انتهى.

و في الوجهين بُعد،و لا سيّما الثاني،إلّا أنّه لا بأس بهما؛ لرجحان الأخبار الأوّلة على الصحيحة من وجوه عديدة،أظهرها كونها مفتى بها دون هذه؛ لمخالفة الحصر فيها للإجماع جدّاً.

و إن لم يعرف له أصل مال،و لا كانت الدعوى مالاً،بل كانت جناية، أو صداقاً،أو نفقة زوجة،أو قريب،أو نحو ذلك،قُبِل قوله بيمينه؛ لموافقة دعواه الأصل،فيكون كالمنكر،بخلاف ما إذا كان أصل الدعوى مالاً،فإنّ أصالة بقائه يمنع قبول قوله.

و مع ثبوته أي ثبوت إعساره بالبيّنة،أو اليمين،أو تصديق المدّعى ينظر و يمهل حتى يمكن له الوفاء و يتيسر،على الأظهر الأشهر،كما صرح به الماتن هنا و في الشرائع و جمع ممّن تأخّر (2)؛ للأصل؛ و قوله سبحانه وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ [1] (3).

و للأخبار المتقدّمة أخيراً،حتى الصحيح منها،نظراً إلى مفهوم

ص:67


1- الاستبصار 3:48.
2- الشرائع 4:84؛ كشف الرموز 2:499،و انظر المسالك 2:367،و مجمع الفائدة و البرهان 12:131،و الكفاية:267.
3- البقرة:280.

الحصر فيه الدال بعمومه على عدم الحبس هنا.فما في المسالك (1)من عدم وضوح دلالته كما ترى.

و العجب منه و من الفاضل المقداد في شرح الكتاب (2)حيث لم يقفا على ما عدا الصحيحة من الموثق و غيره المتقدمين قبلها مع كونهما مرويين في التهذيب و الاستبصار في هذا الكتاب،فروى ما عدا الموثق في الأوّل في أواخر باب كيفية الحكم و القضاء (3)،و روى الموثق و الصحيحة في أواسط باب الزيادات منه (4).

و روى فيه بعد الصحيحة بلا فاصلة رواية ظاهرة الدلالة على المختار كالسابقة هي للسكوني كالصحيحة برواية عبد اللّه بن المغيرة عنه،و قد حكي على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة (5)و فيها:« إنّ امرأة استعدت على زوجها أنّه لا ينفق عليها،و كان زوجها معسراً،فأبى(عليه السّلام)أن يحبسه،و قال:إنّ مع العسر يسراً» (6).

و لكن في تسليمه إلى الغرماء ليؤاجروه أو يستعملوه رواية (7) عمل بها في النهاية (8) و قد عرفت أنّ ال أشهر منها ما دل على تخليته و إنظاره إلى يساره،و هو مع ذلك أكثر عدداً،

ص:68


1- المسالك 2:367.
2- التنقيح الرائع 4:250.
3- التهذيب 6:568/232.
4- التهذيب 6:834/299،836.
5- رجال الكشي 2:1050/830.
6- التهذيب 6:837/299،الوسائل 18:418 كتاب الحجر ب 7 ح 2.
7- التهذيب 6:838/300،الإستبصار 3:155/47،الوسائل 18:418 كتاب الحجر ب 7 ح 3.
8- النهاية:352.

و أوضح سنداً،و أوفق بالأصل و الآية الكريمة كما مضى،فلا تكافؤ بينهما أصلاً،سيّما مع كون هذه شاذّة لا عامل بها،حتى الشيخ؛ لرجوعه في الخلاف (1)عما ذكره في النهاية إلى ما عليه أصحابنا.

و لابن حمزة قول ثالث في المسألة،ففصّل بين ما إذا كان المعسر ذا حرفة يكتسب بها فالثاني،و غيره فالأوّل،مستدلاً عليه بالرواية الأخيرة (2).

و المناقشة فيه واضحة؛ لعدم دلالة فيها على التفصيل المزبور،بل و لا إشارة.

و لا يمكن الاستدلال له بالجمع بين الأدلّة و الروايات المختلفة؛ لعدم التكافؤ أوّلاً،و عدم وضوح الشاهد عليه ثانياً.

فهذا القول ضعيف كسابقه،بل و أضعف جدّاً،و إن نفى عنه البعد في المختلف (3).

كضعف ما اعتذر به من أنّه يتمكن من أداء ما وجب عليه،و إيفاء صاحب الدين حقه،فيجب عليه كما يجب عليه السعي في المئونة،و مع تمكنه من الكسب لا يكون معسراً؛ لأنّ اليسار كما يتحقق بالقدرة على المال،يتحقق بالقدرة على تحصيله،و لهذا منع القادر على التكسب من أخذ الزكاة،إلحاقاً له بالغني القادر على المال.

و ذلك فإنّ غاية ما ذكره وجوب تكسبه كيف شاء،لا تسلّط الغريم على منافعه بالاستيفاء و الإجارة،كما ذكره ابن حمزة.

نعم لو توانى عن هذا الواجب بحيث يترتب به ضرر على الغرماء

ص:69


1- الخلاف 3:272.
2- الوسيلة:212.
3- المختلف:414.

أمكن أن يجبره الحاكم على التكسب،دفعاً للضرر،و التفاتاً إلى أنّه نوع أمر له بالمعروف.

و لو رأى أنّه لا ينجع فيه جبره و إقامته على الفعل الواجب إلّا بالدفع إلى الغرماء أمكن الجواز؛ لما مرّ،و يمكن أن يحمل عليه الخبر الذي مرّ (1).

و اعلم أنّه لو ارتاب الحاكم بالمقر و شك في بلوغه أو عقله أو اختياره،أو نحو ذلك ممّا هو شرط في صحة إقراره توقف في الحكم بإقراره حتى يستبين حاله من بلوغ و رشد و نحو ذلك، بلا إشكال،و وجهه واضح.

الإنكار

و أمّا الإنكار ف اعلم أنّ عنده أي عند الإنكار يجب أن يقال للمدعي:أ لك بيّنة؟ إن جهل مطالبتها منه،و إن كان عالماً بها جاز للحاكم السكوت عن ذلك،كما جاز له السؤال عنها فإن قال المدّعى: نعم لي البيّنة جاز للحاكم أمره بإحضارها مطلقاً،كما عليه أكثر أصحابنا، على ما صرح به في المسالك و غيره (2)،و منهم الشيخان و الديلمي و الحلبي و القاضي في أحد قوليه،و أكثر المتأخرين (3).

خلافاً للمبسوط و المهذب و السرائر (4)،فلم يجوّزوه مطلقاً؛ لأنّه حق

ص:70


1- راجع ص:68.
2- المسالك 2:369؛ و انظر الكفاية:268.
3- المفيد في المقنعة:723،الطوسي في النهاية:339،الديلمي في المراسم:231،الحلبي في الكافي في الفقه:446،القاضي في الكامل على ما حكاه عنه في المختلف:690،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 12:150،و كشف اللثام 2:337،و مفاتيح الشرائع 3:255.
4- المبسوط 8:115،المهذّب 2:585،السرائر 2:158.

له فله أن يفعل فيه ما يرى.

و للفاضل في المختلف و القواعد و الشهيد في الدروس (1)،فالتفصيل بين علم الحاكم بمعرفة المدعي بكون المقام مقام بينة فالثاني؛ لما مرّ، و جهله بذلك فالأوّل؛ لئلّا يضيع حقه.

و حجج هذه الأقوال غير واضحة،عدا ما استدل للأكثر من أنّ الأمر هنا ليس للوجوب و الإلزام،بل لمجرد إذن و إعلام.

و التحقيق أن يقال:إن قصد المانع عن الأمر بالإحضار في الجملة أو مطلقاً المنع عنه حرمة مطلقاً و لو كان المقصود به الإرشاد و نحوه دون الوجوب،فالحق مع المجوّز؛ للأصل،مع عدم دليل عليها كذلك،و الدليل المتقدم له لا يفيدها،بل مفاده المنع عن الأمر إذا قصد به الوجوب، لا مطلقاً.

و إن قصد المنع عنه كذلك مع قصد الوجوب منه خاصّة لا مطلقاً كما أفاده دليله،فالمنع متوجّه حينئذٍ،إلّا أنّ الظاهر من المجوّز و دليله كما عرفته اختصاص الجواز بما إذا قصد بالأمر الإرشاد و الإعلام،و حينئذٍ فيعود النزاع لفظياً في المقام.

و كيف كان فإذا أحضر المدّعى البيّنة عند الحاكم و عرف عدالتها سمعها و حكم بشهادتها بعد التماس المدّعى سماعها و الحكم بها.

ثم لا يقول لهما:اشهدا؛ لأنّه أمر و هو لا يأمرهما،بل يقول:من كان عنده كلام أو شهادة فليذكر ما عنده إن شاء،فإن أجابا بما لا يثبت به حقّ

ص:71


1- المختلف:690،القواعد 2:209،الدروس 2:77.

طرح قولهما.

و إن قطعا بالحق المدّعى و طابق الدعوى،و عرف العدالة،حكم كما ذكرنا.

و إن عرف فسقهما ترك شهادتهما،و لا يطلب التزكية؛ لأنّ الجارح مقدّم.

و إن جهل حالها طلب من المدّعى تزكيتها،فإن زكّاها بشاهدين أو شاهد أيضاً على قول على كل من الشاهدين يعرفان العدالة و مزيلها أثبتها،ثمّ سأل الخصم من الجرح،فإن اعترف بعدمه حكم كما مرّ.

و إن ادّعاه و استنظر لإثباته أمهله ثلاثة أيّام،فإن أحضر الجارح نظر في أمره على حسب ما يراه من تفصيل و إجمال و غيرهما،فإن قبله قدّمه على التزكية على التفصيل المتقدّم إليه الإشارة.

و لا خلاف هنا في شيء من ذلك أجده حتى في توقف سؤال البيّنة و الحكم بشهادتها على سؤال المدّعى،لكن في الكفاية و غيرها (1)ذكر فيه الوجهان المتقدم ذكرهما في نظير المسألة.

ثم إنّ إطلاق الأصحاب الإمهال ثلاثة أيام مع الاستنظار يقتضي عدم الفرق بين قول المستنظر:إنّ شهودي على الجرح على مسافة لا يصلون إلّا بعد الثلاثة أيّام و غير ذلك.

قيل:و ينبغي لو عيّن مكاناً بعيداً أن يمهل بقدره إذا لم يؤدّ إلى البعد المفرط الموجب للتضرر بتأخير الحق.

ص:72


1- الكفاية:268؛ مجمع الفائدة 12:150.

و لا بأس به إن لم يثبت الإجماع على خلافه،و في وصية علي(عليه السّلام) لشريح في الخبر المشهور:« و اجعل لمن ادّعى شهوداً غيّباً أمداً بينهما،فإن أحضرهم أخذت له بحقه،و إن لم يحضرهم أوجبت عليه القضية» (1) فتأمّل . و يستفاد منه أنّه لو لم يحضرها المدّعى بل قال:البيّنة غائبة أُجلّ و ضرب له وقت بمقدار إحضارها بلا خلاف فيه،و في أنّه إن شاء الحاكم خيّره بين الصبر إلى الإحضار و بين إحلافه المنكر،بل ذكر جماعة (2)من دون خلاف بينهم ثبوت الخيار للمدّعي بين إحلافه و بين إقامة البيّنة و لو كانت حاضرة؛ لأنّ الحق له فله أن يفعل ما شاء منهما.

و في جواز تكفيل المدّعى عليه و أخذ الكفيل منه ليحضره متى حضرت البيّنة هنا أي عند غيبة البيّنة و عدم ثبوت الحق بها بعد تردّد و اختلاف بين الأصحاب:

فبين مجوّز كالشيخين في المقنعة و النهاية و القاضي في أحد قوليه و ابني حمزة و زهرة (3)،نافياً للخلاف فيه ظاهراً؛ حفظاً لحق المدّعى حذراً من ذهاب الغريم.

و مانع كالإسكافي و الشيخ(رحمه اللّه)في المبسوط و الخلاف و الحلّي

ص:73


1- الكافي 7:1/412،الفقيه 3:28/8،التهذيب 6:541/225،الوسائل 27:211 أبواب آداب القاضي ب 1 ح 1.
2- منهم الشهيد الثاني في الروضة 3:88،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 12:194،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:338.
3- المقنعة:733،النهاية:339،القاضي في الكامل على ما حكاه عنه في المختلف:690.الوسيلة:212،الغنية(الجوامع الفقهية):626.

و القاضي (1)في قوله الثاني،و عليه أكثر المتأخّرين (2)،بل عامتهم كما في ظاهر المسالك (3)؛ للأصل؛ و كون مثل ذلك عقوبة قبل ثبوت الاستحقاق، مع أنّ الكفيل يلزمه الحق إن لم يحضر المكفول،و هنا لا معنى له قبل إثباته،و لا معنى أيضاً لكون ذلك الحق هنا هو حضور الدعوى و سماع البيّنة،مع أنّه بعد إحضارها إن كان حاضراً،و إلّا يحكم عليه و هو غائب، و يطلب بالحق كسائر الغيّاب.

و لا ريب أنّ الأوّل مع رضا المدّعى عليه أحوط،سيّما مع ما يظهر من الغنية (4)من عدم الخلاف فيه.

مع إمكان المناقشة في أدلّة المنع بمعارضة الأصل بما دلّ على لزوم مراعاة حق المسلم عن الذهاب في نفس الأمر،فيجب التكفيل و لو من باب المقدّمة.

و به يظهر الجواب عن الثاني،فإنّ التكفيل و إن كان ضرراً إلّا أنّ ذهاب الحق أيضاً ضرر آخر،و على الحاكم مراعاة الأقلّ منهما ضرراً،و قد يكون التكفيل أقلّ ضرراً.

و أمّا أنّه لا فائدة في التكفيل قبل إثبات الحق،فمسلّم إن تحقق عدم إمكان إثبات الحق أصلاً في نفس الأمر،و لكنّه غير متحقق بعد احتمال حضور البيّنة و ثبوت الحق بها،فيلزم الكفيل إحضاره أو الالتزام بالحق إن

ص:74


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:690،المبسوط 8:160،الخلاف 6:237،السرائر 2:159،المهذّب 2:586.
2- كالمحقق في الشرائع 4:85،و الشهيد الثاني في الروضة 3:89،و السبزواري في الكفاية:269.
3- المسالك 2:370.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):626.

ثبت و هرب المدعى عليه و لم يكن له مال يقتصّ منه.

و منه يظهر الجواب عن الأخير،فإنّ الحكم عليه و هو غائب غير كاف في التخلّص عن احتمال ذهاب الحق بعد فرض عدم مال له يقتصّ منه و احتمال عدم الوصول إليه ليداعيه،و قياس المقام على إثبات الحق على الغيّب قياس مع الفارق؛ لإمكان التكفيل هنا،و عدمه ثمّة حين غياب الغائب.

فإذاً القول الأوّل لا يخلو عن رجحان إن خيف هرب المنكر و عدم التمكن من استيفاء الحق بعد ثبوته من ماله،و لو لم يخف عن ذلك أمكن ترجيح الثاني.

و بهذا التفصيل صرّح الفاضل المقداد في شرح الكتاب،فقال و لنعم ما قال-:و يقوى أنّ التكفيل موكول إلى نظر الحاكم،فإنّ الحكم يختلف باختلاف الغرماء،فإنّ الغريم قد يكون غير مأمون فالمصلحة حينئذٍ تكفيله،و إلّا لزم تضييع حق المسلم،و قد لا يكون كذلك بل يكون ذا ثروة و حشمة و مكنة فلا حاجة إلى تكفيله؛ لعدم ثبوت الحق و الأمن من ضياعه، و ربما كان المدّعى محتالا يكون طلبه للتكفيل وسيلة إلى أخذ ما لا يستحقه (1).

و على القول بالتكفيل فهل يتعيّن في ضرب مدّته ثلاثة أيّام،كما عن ابن حمزة (2)،أو يناط بنظر الحاكم كما هو ظاهر الأكثر؟قولان.

و عليهما يخرج الكفيل من حق الكفالة عند انقضاء الأجل المضروب كائناً ما كان،و لا خلاف فيه على الظاهر،و وجهه مع

ص:75


1- التنقيح الرائع 4:252.
2- الوسيلة:212.

ذلك واضح.

و إن قال المدّعى:أنّه لا بيّنة لي عرّفه الحاكم أنّ له اليمين على خصمه المنكر لحقه،كما أنّ عليه البيّنة عليه،إجماعاً؛ للنصوص المستفيضة،بل المتواترة،منها الخبر المستفيض النقل بين العامّة و الخاصّة:

« البيّنة على المدّعى،و اليمين على من أنكر» (1)و لأنه مستند إلى البراءة الأصلية فهو أولى باليمين من المثبت إلّا فيما استثني.

و لا يجوز هنا إحلافه حتى يلتمس المدّعى قولاً واحداً؛ لأنّه حق له و إن كان إيقاعه إلى الحاكم،و ليس هنا شهادة حال؛ إذ ربما تعلق غرضه بعدم سقوط الدعوى بل بقاؤها إلى وقت آخر،إمّا ليتذكر البيّنة،أو ليتحرّى وقتاً صالحاً.

فإن تبرّع المنكر بالحلف أو أحلفه الحاكم من دون سؤاله لغا و لم يعتدّ بها،و أُعيدت مع التماس المدّعى و بعدم الخلاف هنا صرح جماعة من أصحابنا (2).

و ذكر الشهيدان و غيرهما (3)من غير خلاف بينهم أجده،بل ظاهر المقدس الأردبيلي(رحمه اللّه)نسبته إلى الأصحاب كافة (4)أنّه لا يستقل الغريم باليمين من دون إذن الحاكم،لأنّ إيقاعه موقوف على إذنه و إن كان حقاً لغيره؛ لأنّه وظيفته،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى ما يدل عليه.

ثم المنكر إمّا أن يحلف أو يردّه على المدّعى أو ينكل و يأبى

ص:76


1- الاحتجاج:92،علل الشرائع:1/190،تفسير القمي 2:156،الوسائل 27:293 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 25 ح 3.
2- منهم:السبزواري في الكفاية:267،و انظر المفاتيح 3:255.
3- اللمعة(الروضة البهية 3):85؛ و انظر كشف اللثام 2:337.
4- مجمع الفائدة و البرهان 12:136.

عن الأمرين فإن حلف سقطت الدعوى و إن لم يبرأ ذمّته من الحق في نفس الأمر لو كان كاذباً،بل يجب عليه فيما بينه و بين اللّه تعالى التخلّص من حق المدّعى،بلا خلاف،كما يستفاد من المعتبرة منها الصحيح و غيره:

« قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الايمان،و بعضكم ألحن بحجته من بعض،فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً،فإنّما قطعت له قطعة من النار» (1).

و نحوهما ثالث مروي عن تفسير مولانا العسكري(عليه السّلام)بأدنى تفاوت،و زيد فيه:« فلا يأخذنّه» (2).

و يستفاد منها ثبوت مثل ذلك في جانب المدّعى لو شهدت له البيّنة الكاذبة،و بخصوصه وردت أخبار كثيرة،منها رواية المناهي المشهورة المروية في الفقيه،و فيها:« أنّه نهى عن أكل مال بشهادة الزور» (3).

و لو ظفر له المدّعى بمال لم يجز له المقاصّة بعد إحلاف الحاكم إيّاه بسؤاله،و إن كان له ذلك قبل الإحلاف كما يأتي،و لا مطالبته به، و لا معاودة المحاكمة فلو عاود الخصومة لم تسمع دعواه كلّ ذلك للنصوص المستفيضة:

منها الصحيح:« إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر بحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له قِبَله،ذهبت اليمين بحقّ المدّعى،و لا دعوى له»

ص:77


1- الكافي 7:1/414،التهذيب 6:552/229،معاني الأخبار:279،الوسائل 27:232 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 2 ح 1.
2- تفسير الإمام العسكري(عليه السّلام):673،الوسائل 27:233 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 2 ح 3.
3- الفقيه 4:1/4،الوسائل 27:232 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 2 ح 2.

قلت:و إن كانت له بيّنة عادلة؟قال:« نعم،فإن أقام بعد ما استحلفه باللّه تعالى خمسين قسامة ما كان له حق،فإنّ اليمين قد أبطلت كل ما ادّعاه قبله ممّا قد استحلفه عليه،قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):من حلف لكم باللّه فصدّقوه، و من سألكم باللّه تعالى فأعطوه،ذهبت اليمين بحقّ المدّعى،و لا دعوى له» (1).

و الصحيح:عن رجل وقع لي عنده مال و كابرني عليه و حلف،ثمّ وقع له عندي مال،فآخذه لمكان مالي الذي أخذه و جحده و أحلف عليه كما صنع؟فقال:« إن خانك فلا تخنه،و لا تدخل فيما عبته عليه» (2).

و منها:في الرجل يكون له على الرجل مال فيجحده،قال:« إن استحلفه فليس له أن يأخذ منه بعد اليمين شيئاً،و إن احتسبه عند اللّه تعالى فليس له أن يأخذ شيئاً،و إن تركه و لم يستحلفه فهو على حقه» (3).

و منها:كان بيني و بين رجل من اليهود معاملة،فخانني بألف درهم، فقدمته إلى الوالي فأحلفته فحلف،و قد علمت أنّه حلف يميناً فاجرة، فوقع له عندي بعد ذلك أرباح و دراهم كثيرة،فأردت أن أقبض الألف درهم التي كانت لي عنده،فأحلف عليها،فكتبت إلى أبي الحسن(عليه السّلام) فأخبرته أنّه قد أحلفته فحلف إلى أن قال فكتب:« لا تأخذ منه شيئاً،إن كان ظلمك لا تظلمه،و لو لا أنّك رضيت بيمينه فحلفته لأمرتك أن تأخذه

ص:78


1- الكافي 7:1/417،التهذيب 6:565/231،الوسائل 27:244 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 9 ح 1.
2- الفقيه 3:482/113،التهذيب 6:437/197،الإستبصار 3:171/52،الوسائل 17:274 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 7.
3- الكافي 7:2/418،الفقيه 3:481/113،التهذيب 6:566/231،الوسائل 27:246 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 10 ح 1.

من تحت يدك،و لكنك رضيت بيمينه،فقد مضت اليمين بما فيها» الخبر (1).

إلى غير ذلك من الأخبار (2)المنجبر قصور أسانيد أكثرها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،كما ستعرفه.

و أمّا الحسن الدال على جواز المقاصّة من المنكر بعد حلفه (3)،فمع ضعفه عن المكافأة لما مرّ سنداً و عدداً و اعتباراً شاذّ،و قد حمله الأصحاب و منهم الصدوق و الشيخ (4)-(رحمهما اللّه) على أنّه حلف من غير استحلاف صاحب الحق.

و هذا كله إجماعي بحسب الظاهر إذا لم يقم بعد إحلافه بيّنة بالحق.

و أمّا لو أقام بعده بيّنة فكذلك لم تسمع على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و نسبه الإسكافي إلى الصادقين(عليهما السّلام) (5)، و في الغنية و عن الخلاف الإجماع عليه (6)،و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المتقدمة،فإنّها ما بين صريحة في ذلك كالصحيحة الاُولى،و ظاهرة فيه بالإطلاق أو العموم كالأخبار الباقية.

مع أنّ اليمين حجة للمدّعى عليه كما أنّ البيّنة حجة للمدّعي،فكما لا تسمع يمين المدّعى عليه بعد حجة المدّعى كذلك لا تسمع حجة

ص:79


1- الكافي 7:14/430،التهذيب 6:802/289،الوسائل 27:246 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 10 ح 2.
2- الوسائل 17:272 أبواب ما يكتسب به ب 83.
3- الفقيه 3:487/114،الوسائل 17:274 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 6.
4- الفقيه 3:114،الاستبصار 3:54.
5- نقله عنه في المختلف:699.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):625،الخلاف 6:293.

المدّعى بعد حجة المدّعى عليه.

و قيل كما عن المفيد و ابن حمزة و القاضي (1):إنّه يعمل بها ما لم يشترط الحالف سقوط الحق بها إلحاقاً لها بالإقرار،فكما يجب الحق به بعد الحلف إجماعاً كما يأتي،يجب بها أيضاً.

و هو بعد تسليم صحته اجتهاد في مقابلة النص الصحيح غير مسموع، و يكون هو الفارق لو سلّم عدم فارق آخر غيره.

و عن التقي و الحلّي و أحد قولي المبسوط (2)التفصيل بين صورتي الإحلاف مع العلم بالبيّنة و الرضا به عنها فالأوّل،و الإحلاف مع نسيانها أو الذهول عنها فالثاني،و مال إليه في المختلف بعد اختياره القول الأوّل، قال:لأنّه طلب الإحلاف لظنّ عجزه عن استخلاص حقه بالبيّنة (3).

و هو كما ترى يرد عليه ما ورد على سابقه من المناقشة بكونه اجتهاداً صرفاً في مقابلة الرواية الصحيحة الصريحة المؤيَّدة بباقي الأخبار المتقدمة.

مضافاً إلى استصحاب الحالة السابقة،بناءً على سقوط الدعوى في مجلس الحلف إجماعاً من المسلمين كافّة،كما ادّعاه جماعة كفخر الدين في الإيضاح (4)،و ابن فهد في المهذب (5)،فيستصحب في محل البحث إلى أن يتحقق صارف،و ليس بمتحقق،و لو لم يكن في المسألة سواه من الأدلة

ص:80


1- حكاه عنهم في المختلف:699،و المهذب البارع 4:473،و هو في المقنعة:733،و الوسيلة:213.
2- حكاه عنهم في المختلف:699 و الدروس 2:88،و هو في المبسوط 8:210،و الكافي في الفقه:447،و السرائر 2:159.
3- المختلف:699.
4- إيضاح الفوائد 4:328.
5- المهذّب البارع 4:472.

لكفانا دليلاً لترجيح القول الأوّل و حجةً.

و هنا قول رابع للشيخ في موضع آخر من المبسوط بالسماع مطلقاً، لم يتعرض لنقله عدا نادر،كالشهيدين في الدروس و المسالك و الروضة (1)،و لم ينقلا له دليلاً.

و لا ريب في ضعفه،سيّما مع ندرته و عدم معروفيته،و لذا لم يتعرض باقي الأصحاب لنقله.

و لو أكذب الحالف نفسه أو ادّعى سهوه و نسيانه و اعترف بالحق المدّعى كلّاً أو بعضاً جاز للمدّعي مطالبته بما اعترف به، بلا خلاف ظاهر مصرح به في كثير من العبائر،و في المهذب و كلام الصيمري في شرح الشرائع (2)دعوى الإجماع عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى عموم:« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (3)السليم هنا عن المعارض عدا ما مرّ من النصوص الدالة على ذهاب اليمين بالدعوى.

و هو بعد تسليم شموله لمحل البحث،مع قوة احتمال عدمه بانصراف الإطلاق بحكم التبادر و غيره إلى غيره مدفوع بأنّ التعارض بينه و بين العموم من قبيل تعارض العمومين من وجه،فيصار إلى الترجيح، و هو في جانب الأوّل بلا ريب بحسب الاعتبار،و عمل الكل به في خصوص المضمار.

و خصوص المعتبرين،في أحدهما:إنّي كنت استودعت رجلاً مالاً

ص:81


1- الدروس 2:88،المسالك 2:368،الروضة 3:85،و انظر المبسوط 8:158.
2- المهذب البارع 4:474،غاية المرام 4:232.
3- المتقدم في ص 35.

فجحدنيه فحلف لي،ثمّ إنّه جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي استودعته إيّاه،فقال:هذا مالك فخذه،فهذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك و مع مالك،و اجعلني في حلّ،فأخذت المال منه و أبيت أن آخذ الربح منه،و أوقفت المال الذي كنت استودعته حتى أستطلع رأيك،فما ترى؟ قال:فقال:« خذ نصف الربح و أعطه النصف و حلّله،إنّ هذا رجل تائب و اللّه تعالى يحبّ التوابين» (1).

و ثانيهما الرضوي:« و إذا أعطيت رجلاً مالاً فجحدك و حلف عليه،ثمّ أتاك بالمال بعد مدّة و بما ربح فيه،و ندم على ما كان منه،فخذ منه رأس مالك و نصف الربح،و ردّ عليه نصف الربح،هذا رجل تائب» (2).

و بالأوّل استدل الصدوق في الفقيه على المطلوب هنا،فقال بعد نقل الصحيحة الأُولى-:متى جاء الرجل الذي يحلف على الحق تائباً و حمل ما عليه مع ما ربح فيه فعلى صاحب الحق أن يأخذ منه رأس المال و نصف الربح،و يردّ عليه نصف الربح؛ لأنّ هذا رجل تائب.

و روى ذلك مسمع أبو سيار عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)،و سأذكر هذا الحديث بلفظة في هذا الكتاب في باب الوديعة (3).انتهى.

و على هذا،فلو أنكر الحق عليه ثانياً أو ماطل في أدائه حلّ للمدّعي مقاصّته مع اجتماع شرائط التقاصّ المذكورة في بابه.

و بما حرّرنا يظهر لك ضعف ما يناقش به في الحكم هنا من عدم

ص:82


1- الفقيه 3:882/194،التهذيب 7:793/180،الوسائل 19:89 كتاب الوديعة ب 10 ح 1.
2- فقه الرضا(عليه السّلام):252.
3- الفقيه 3:37.

نص فيه،و لا دليل عليه أصلاً،مع كون مقتضى الروايات المتقدمة سقوط الدعوى باليمين مطلقاً.

و قريب منه توهم ضعف الاستدلال بالروايتين على تمام المدّعى، بناءً على أنّ موردهما إنّما هو بذل المديون المال و الإتيان به خاصّة.

و ذلك لانجبار أخصّية المورد بعدم القائل بالفرق بينه و بين غيره.

مع إمكان استفادة التعميم من سياقهما سؤالاً و جواباً بنوع من التدبّر التامّ،فتأمّل جدّاً.

و لو ردّ المنكر اليمين المتوجّهة إليه على المدّعى صحّ و لزمه الحلف،بلا خلاف فيه في الظاهر،مصرح به في جملة من العبائر (1)،و عليه الإجماع في الغنية و غيره (2)،و هو الحجة،مضافاً إلى ظواهر النصوص الآتية.

و قد استثنى الأصحاب من ذلك مواضع ثلاثة،بغير خلاف بينهم فيه أجده،بل نسبه بعض الأصحاب (3)إليهم مؤذناً باتّفاقهم عليه كافّة.

منها:دعوى التهمة.

و منها:دعوى وصي اليتيم مالاً على آخر و أنكر،سواء نكل عن اليمين أو ردّها.

و منها:ما لو ادّعى الوصي على الوارث أنّ الميت أوصى للفقراء بخمس أو زكاة أو حج،أو نحو ذلك ممّا لا مستحق له بخصوصه.

و الوجه في الأوّل واضح،بناءً على أنّ اليمين على الميت و لا يمكن

ص:83


1- مجمع الفائدة 12:137،الكفاية:267.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):625؛ و انظر القواعد 2:211.
3- السبزواري في الكفاية:267.

من المدّعى تهمة.

و أما فيما عداه فلعلّه الأصل،و عموم ما دل على لزوم اليمين على المدّعى عليه،مع اختصاص النصوص الآتية التي هي الأصل في أصل المسألة بحكم التبادر بما إذا ثبت باليمين المردودة حق لنفس المدّعى لا لغيره،و بظهور ذلك صرح المقدس الأردبيلي (1)-(رحمه اللّه)-،و وافق القوم على الاستثناء لذلك،و حينئذٍ يلزم على المنكر على تقدير الإنكار إمّا دفع الحق إلى المدّعى،أو اليمين له.

و هل يمين المدّعى بمنزلة البيّنة نفسها؛ لأنّ الحجة اليمين بعد ردّها، و قد وجدت منه؟أو بمنزلة إقرار المنكر؛ لأنّ الوصول إلى الحق جاء من قِبَله بردّه أو نكوله فيكون بمنزلة إقراره؟قولان.

و يتفرع عليهما فروع كثيرة،منها:ثبوت الحق بمجرد يمينه على الثاني،و احتياجه مع ذلك إلى حكم الحاكم على الأوّل؛ لما مرّ.

و اختار المقدس الأردبيلي-(رحمه اللّه) و صاحب الكفاية (2)الرجوع فيها إلى الأُصول و القواعد،و أنّه يعمل عليها في كل منها من دون أن يجعل أحد القولين أصلاً كليّاً يرجع إليه في جميعها،بل لو اقتضت الأُصول في بعضها ما يوافق أحدهما و في الآخر ما يخالفه عمل بالأصلين معاً.

و هو حسن إن لم يكن في المسألة قولاً ثالثاً يكون للإجماع خارقاً.

و اختارا في الفرع المتقدم عدم التوقف على حكم الحاكم،زعماً منهما كون التوقف عليه مخالفاً للأصل،و أنّ مقتضاه ثبوت الحق من دونه.

و فيه نظر.

ص:84


1- مجمع الفائدة و البرهان 12:138.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:139،الكفاية:268.

و حيث يتوجه للمنكر ردّها على المدّعى فإن حلف استحق المدّعى؛ لما مضى.

و إن نكل و امتنع عن الحلف،فإن لم يعلّله بشيء،أو قال:

ما أريد أن أحلف، سقطت دعواه و ليس له مطالبة الخصم بعد ذلك، و لا استئناف الدعوى معه في مجلس آخر كما لو حلف المدّعى عليه؛ للنصوص المستفيضة،منها الصحيح:في رجل يدّعي و لا بيّنة له،قال:

«يستحلفه،فإن ردّ اليمين على صاحب الحق فلم يحلف فلا حق» (1).

و منها الموثق كالصحيح،بل قيل (2)صحيح:« إذا أقام المدّعى البيّنة فليس عليه يمين،و إن لم يقم البيّنة،فردّ عليه الذي ادّعى عليه اليمين فأبى،فلا حق له (3).

و منها:في الرجل يدّعى عليه الحق،و لا بيّنة للمدّعي قال:

«يستحلف،أو يردّ اليمين على صاحب الحق،فإن لم يفعل فلا حقّ له» (4).

و نحوه المرسل المقطوع:« استخراج الحقوق بأربعة وجوه:بشهادة رجلين عدلين،فإن لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان،و إن لم تكن امرأتان فرجل و يمين المدّعى،و إن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه،فإن لم يحلف و ردّ اليمين على المدّعى،فهي واجبة عليه أن يحلف،و يأخذ

ص:85


1- الكافي 7:1/416،التهذيب 6:557/230،الوسائل 27:241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 1.
2- قاله السبزواري في الكفاية:268.
3- الفقيه 3:127/37،الوسائل 27:242 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 6.
4- الكافي 7:2/416،التهذيب 6:556/230،الوسائل 27:241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 2.

حقّه،فإن أبى أن يحلف فلا شيء له» (1).

و قصور سنده بالأمرين كما سبقه بالجهالة مجبور بعمل الطائفة.

و لأنّه لولا ذلك لرفع خصمه كلّ يوم إلى القاضي و الخصم يردّ عليه اليمين و هو لا يحلف،فيعظم الخطب.

مع أنّ ذلك إجماعيّ إذا كان في مجلس الحكم،كما صرح به في القواعد و الشرائع (2)،و يظهر أيضاً من تتبع الفتاوى.و إنّما الخلاف و الإشكال في غيره،فقيل:إنّما يسقط حقّه في ذلك المجلس و له تجديده في غيره (3).

و ما ذكرنا أصحّ و أشهر،و عليه عامّة من تأخّر،بل القائل المذكور غير معروف،و مستنده مع ذلك غير واضح،و على تقديره لا يعارض إطلاق النصوص المعتضدة بالأصل و عمل المشهور.

و استثنى من ذلك الشهيدان و بعض من تبعهما (4)ما إذا أتى ببيّنة.

و إطلاق النصوص و الفتاوى يدفع ذلك،إلّا أن يذبّ عنه باختصاصه بحكم التبادر بما إذا لم تكن له بيّنة في نفس الأمر،و انحصر الحجة المثبتة لحقه في يمينه.و لعله غير بعيد.

و إن ذكر لامتناعه سبباً مثل الإتيان بالبيّنة،أو سؤال الفقهاء،أو النظر في الحساب،أو نحو ذلك،ترك و لم يبطل حقّه من اليمين كما في

ص:86


1- الكافي 7:3/416،التهذيب 6:562/231،الوسائل 27:241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 4.
2- القواعد 2:211،الشرائع 4:80.
3- انظر المبسوط 8:209.
4- الدروس 2:89،الروضة 3:86،و تبعهما الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:257.

المسالك و غيره (1)،و هو حسن،و لا ينافيه إطلاق النصوص؛ لاختصاصه بحكم التبادر بالامتناع الخالي عن ذكر نحو ما ذكر من السبب،فلا يشمل غيره،بل لعلّه لا يعدّ مثله في العرف امتناعاً.

و هل يقدر إمهاله أم لا؟وجهان،أجودهما الثاني عند شيخنا الشهيد الثاني،قال:لأنّ اليمين حقّه،و له تأخيره إلى أن يشاء كالبيّنة فيتمكن من إقامتها متى شاء،و هذا بخلاف المدّعى عليه،فإنّه لا يمهل إذا استمهل؛ لأنّ الحقّ فيه لغيره،بخلاف تأخير المدّعى،فإنّه يؤخّر حقّه فيقبل إذا كان له عذر مسموع (2).و فيه نظر.

و لو نكل المنكر عن اليمين و عن ردّها معاً قال له الحاكم:إن حلفت و إلّا جعلتك ناكلاً،مرّةً وجوباً،و يكرّر ذلك ثلاثاً استظهاراً لا فرضاً، كذا قالوه.

و إن أصرّ،قضى عليه بالنكول و يلزم بحق المدّعى بمجرده، وفاقاً للصدوقين و الشيخين و الديلمي و الحلبي (3)؛ للنبوي المتقدم المستفيض:« البيّنة على المدّعى و اليمين على من أنكر» (4)فإنّه جعل جنس اليمين في جانب المدّعى عليه،كما جعل جنس البينة في جانب المدّعى،و التفصيل قاطع للشركة،و ردّ اليمين على المدّعى حيث يحكم عليه بها جاء من قبل الردّ لا بأصل الشرع المتلقّى من الخبر.

ص:87


1- المسالك 2:368؛ و انظر المفاتيح 3:257.
2- المسالك 2:368.
3- الصدوق في المقنع:132،و حكاه عن والده في المختلف:695،المفيد في المقنعة:724،الطوسي في النهاية:340،الديلمي في المراسم:231،الحلبي في الكافي في الفقه:447.
4- تقدّم في ص:75.

و للصحيح المشار إليه بقوله: و هو المروي: عن الأخرس كيف يحلف؟قال:« إن أمير المؤمنين(عليه السّلام)كتب له اليمين و غسلها و أمره بشربها،فامتنع،فألزمه الدين» (1).

و ظاهره أنّه لم يردّ اليمين على خصمه،و إلّا لنقل،و لزم تأخير البيان عن وقت الخطاب،بل عن وقت الحاجة.

مع أنّ قوله:« فألزمه» دالّ على تعقيب الإلزام للامتناع بغير مهلة لمكان الفاء،و هو ينافي تخلّل اليمين بينهما،و فعله(عليه السّلام)حجة كقوله.

و الفرق بين الأخرس و غيره ملغى بالإجماع.

و الخبر:عن رجل يدّعي قِبَل الرجل الحق،و لا يكون له بيّنة بماله، قال:« فيمين المدّعى عليه،فإن حلف فلا حق له،و إن لم يحلف فعليه» (2).

فرتب ثبوت الحق على عدم حلفه،فلا يعتبر معه أمر آخر.و قصور السند بالجهالة مجبور بتلقّي الأصحاب إيّاه بالقبول في غير مورد المسألة، و هو الحكم بثبوت اليمين على المدّعى على الميت مع بيّنته.

و في الجميع نظر،فالأوّل:بعدم دلالته على الحكم بالنكول صريحاً، بل و لا ظاهراً،و إنّما غايته إفادة أنّ جنس اليمين على المنكر،و أنّه وظيفته، و نحن لا ننكره،و ليس فيه دلالة على ذلك بشيء من الدلالات الثلاث بعد ملاحظة أنّ المتبادر منه بيان الوظيفة الشرعية في الأصل و الإبتداء لكل من

ص:88


1- الفقيه 3:218/65،التهذيب 6:879/319،الوسائل 27:302،أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 33 ح 1.
2- الكافي 7:1/415،الفقيه 3:128/38،التهذيب 6:555/229،الوسائل 27:236 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 4 ح 1.

المنكر و المدّعي،و هو لا ينافي ردّ اليمين على المدّعى من باب الردّ،و لو من الحاكم الذي هو نائب المنكر حيث يستعصي و يوقف الأمر على حاله، و يبقى النزاع الموجب للفساد على حاله،لا بأصل الشرع المتلقّى من الخبر،كما اعترف به المستدل في جوابه عن النقض المتقدم.

و بالجملة:إن ارتفع المنافاة بما ذكره في محلّ النقض و دفعه فلترتفع به أيضاً في محل البحث،و عدم قيام دليل على ثبوت الردّ فيه على تقدير تسليمه لا يوجب المنافاة على تقدير ثبوته.

و بالجملة:المقصود من ذلك دفع المنافاة التي هي الأصل و البناء في صحة الاستدلال،و حيث فرض عدمها بالرد في محل البحث أيضاً و لو على تقدير ثبوته،لم يصح الاستدلال بالخبر المذكور على الحكم بالنكول و ردّ القول بالردّ.

و الثاني أوّلاً:بعدم القائل بإطلاقه؛ لأنّ الحكم بالنكول على تقدير القول به مشروط اتفاقاً بالنكول عن كلّ من الحلف و ردّه،و ليس فيه إلّا الإشارة إلى النكول عن الحلف خاصّة دون النكول عن ردّه،فلا بدّ من تقديره،و ليس بأولى من تقدير الردّ على المدّعى و حلفه.

و بالجملة:فلا بدّ من تقدير شيء،و لا قرينة في الخبر على تعيينه، فكما يمكن تقدير ما يوافق الاستدلال كذا يمكن تقدير ما يخالفه،و حيث لا مرجّح فيه للأوّل على الثاني لم يتوجه الاستدلال به،فتأمّل.

و ثانياً:بأنّ لزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة و إن كان مسلّماً قبحه، إلّا أنّ الحاجة في الخبر كما يظهر من صدره هو معرفة كيفيّة حلف الأخرس،لا كيفيّة الحكم في الدعوى معه مع نكوله،و لزوم تأخير البيان عن وقت الخطاب لا بأس به،كما قرّر في محله.

ص:89

و ثالثاً:بأنّ الخبر قضية في واقعة،فلا تكون عامّة،فتأمّل.

و رابعاً:بأنّه فرع العمل به في كيفية إحلاف الأخرس،و لم يقل به المشهور و منهم الماتن و غيره ممّن حكم بالنكول و غيره،عدا نادر كما يأتي،فلا يمكنهم الاستناد إليه لإثباته.

و خامساً:بمنافاته على تقدير تسليم دلالته لما سيأتي من إطباق الجمهور على نقل خلافه عن علي(عليه السّلام).

و الثالث:بضعف السند أوّلاً،و تلقّي الأصحاب إيّاه بالقبول جابر لخصوص ما تلقّوه لا جميعاً،كما بيّنت الوجه فيه في رسالة في الإجماع مستقصى.

و ثانياً:باختلاف النسخة فيه،ففي الكافي و التهذيب كما مرّ،و في الفقيه بدل محل الاستدلال و هو قوله:« و إن لم يحلف فعليه» بقوله:« و إن ردّ اليمين على المدّعى فلم يحلف فلا حق له» و عليه فلا دلالة فيه على الحكم،و اختلاف النسخة موجب لتزلزل الرواية،و إن رجّحت النسخة الأُولى بتعدد النقلة.

و ثالثاً:بضعفه دلالة بما ضعّفنا به الصحيحة المتقدمة من عدم القائل بإطلاقه،فلا بدّ من تقييده إمّا بالنكول عن الردّ،كما هو مناط الاستدلال.

أو بما إذا ردّ اليمين على المدّعى و حلف،و ليس بمرجوح بالإضافة إلى الأوّل،كما مرّ.

و رابعاً:بإجمال مرجع الضمير في عليه و المبتدأ المقدر،فكما يحتمل المنكر و يكون المبتدأ المقدر الحق،كذا يحتمل المدّعى و يكون المقدر الحلف،أو المنكر و يكون الحق المقدر غير المال بمعنى الدعوى، و يكون كناية عن عدم انقطاع الدعوى عنه بمجرد نكوله،فلا يحسبه مفرّاً

ص:90

عنها،بل هي عليه باقية،و ربما أوجب عليه المدّعى بعد إتيان المدّعى باليمين المردودة عليه.

و خامساً:بأنّ في ذيله ما يؤيّد القول الآتي،بل و ربما يستدل عليه به،و هو قوله(عليه السّلام):« و لو كان» أي المدّعى عليه« حيّاً لأُلزم باليمين،أو الحق،أو يُردّ اليمين عليه» بصيغة المجهول،كما هو في التهذيب (1)المعتبر المصحح عندي مضبوط،و به صرح بعض الفضلاء (2)أيضاً.

و وجه التأيّد ظاهر؛ إذ العدول عن قول:أو ردّ اليمين،أو يَردّ، بصيغة المعلوم إلى المجهول لا وجه له بحسب الظاهر غير التنبيه على عدم انحصار الرادّ في المنكر و إمكان كونه غيره،و ليس إلّا الحاكم.

و سادساً:بقوة احتماله كغيره على تقدير تسليمه الحمل على التقية؛ لكونه مذهب جماعة من العامّة،كما سيأتي إليه الإشارة،و منهم أبو حنيفة، و رأيه مشتهر بينهم،بل و أكثرهم عليه في الأزمنة السابقة و اللاحقة.

و لعلّ ما ذكرناه من وجوه النظر في هذا الخبر عدا الأخير منها هو الوجه في عدم استدلال أكثر الأصحاب به لهذا القول في محلّ البحث.

و قيل:يَردّ الحاكم اليمين على المدّعى من باب نيابته العامّة فإن حلف ثبت حقه،و إن نكل بطل و لعلّ هذا أظهر،وفاقاً لكثير من القدماء كالإسكافي و الشيخ في المبسوط و الخلاف و الحلّي و ابن زهرة و ابن حمزة و أكثر المتأخرين (3)،عدا الماتن هنا و في الشرائع و شيخنا الشهيد

ص:91


1- راجع ص:87.
2- انظر مجمع الفائدة 12:145.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:695،المبسوط 8:212،الخلاف 6:290 293،الحلّي في السرائر 2:180،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):626،ابن حمزة في الوسيلة:229؛ كشف الرموز 2:501.

الثاني و بعض من تبعه (1)،مع تردّد ما للماتن و شيخنا.

و بالجملة:لا ريب في شهرة هذا القول بين المتأخّرين،بل عليه عامتهم كما يظهر من المسالك (2)،و عن الخلاف و في الغنية الإجماع عليه (3)،و في السرائر (4)أنّه مذهب أصحابنا عدا الشيخ في النهاية (5)،و قد رجع عنه في الخلاف و المبسوط (6)،و ظاهره أيضاً الإجماع عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل الدال على براءة ذمّة المنكر عن الحق المدّعى عليه،و عدم ثبوته عليه بمجرد نكوله؛ لاحتمال كونه لاحترام اليمين لا الإذعان بثبوت الحق و لزومه،فلا يخرج عنه إلّا بدليل قائم على إثباته عليه بمجرده.

و الجواب عنه بقيام الدليل على ذلك كما مرّ ضعيف،يظهر وجهه لمن تأمّل الأجوبة عنه التي تقدمت و فيها نظر.

و قريب منه الجواب عن الإجماع بوجود المخالف من نحو المفيد و غيره (7)؛ لضعفه أوّلاً:بابتنائه على أُصول العامّة في الإجماع حيث جعلوه مجرد الوفاق،و لا يتم على ما عليه الأصحاب من أنّه هو الاتفاق الكاشف عن قول الإمام(عليه السّلام)،و لو كان في اثنين و خلى عنه مائة مطلقاً كائناً من

ص:92


1- الشرائع 4:76،الروضة 3:87؛ المفاتيح 3:257.
2- المسالك 2:369.
3- الخلاف 6:290 292،الغنية(الجوامع الفقهية):626.
4- السرائر 2:180.
5- النهاية:340.
6- المبسوط 8:212.
7- المقنعة:724؛ و انظر المراسم:231،و الكافي في الفقه:447.

كانوا.

نعم لو بلغ المخالف في الكثرة حد الشهرة أمكن القدح فيه بالوهن لنا الموجب للمرجوحية،أو الخروج عن الحجية،و ليس في المسألة بلا شبهة.

و ثانياً:بعدم صراحة كلامهم في المخالفة؛ لاحتماله الحمل على ما حمل عليه الحلّي (1)كلام النهاية من أنّ المراد بقوله:لزمه الحق،يعني أنّ بنكوله صارت اليمين على المدّعى،بعد أن كانت له،و كل من كانت عليه فهو أقوى من صاحبه،و القول قوله مع يمينه،لا أنّه بمجرد النكول يقضي الحاكم عليه بالحق،من دون يمين خصمه.

و ربما يشير إلى قرب حمله النظر في كلام الغنية (2)،حيث ادّعى على المختار صريحاً إجماع الإماميّة،و مع ذلك قال فيما بعد ذلك بورقة:و إن نكل المدّعى عليه عن اليمين،ألزمه الخروج عن حق خصمه ممّا ادّعاه، فتدبّر،هذا.

مع التأيّد بكثير ممّا ذكره الجماعة (3)دليلاً لهذا القول و حجة، و لا فائدة لذكرها بعد قوّة إمكان المناقشة فيها،و بسببها لا يمكن أن يتخذ حجة،لكنها للتأييد كما عرفت صالحة،هذا.

مضافاً إلى ما في المختلف و غيره (4)من نسبة الجمهور هذا القول إلى مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام)،و إطباقهم على النسبة يدفع عنهم توهم الكذب

ص:93


1- السرائر 2:180.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):625 626.
3- راجع ص:91.
4- المختلف:695؛ و انظر التنقيح الرائع 4:255.

و نحوه،سيّما مع مخالفة جمع منهم له،فيكون ذلك حجة قويّة مؤيّدة بما حكاه شيخنا في حاشيته على كتابه المسالك من أنّ هذا القول مذهب الشافعي و مالك،و الأوّل قول أبي حنيفة و أحمد،و موافقة الشافعي للإمامية في أكثر الفروع مشهورة غير مستورة،و أبو حنيفة بطرف الضد من ذلك، و الظن يلحق الشيء بالأعم الأغلب،فتدبّر.

و مع ذلك فهذا القول أحوط أيضاً لو بذل المدّعى اليمين؛ لثبوت الحق عليه حينئذٍ إجماعاً.

و أمّا مع عدم بذله لها و نكوله عنها فتصور الاحتياط في هذا القول مشكل،و إن أطلق جماعة (1)كونه أوفق بالاحتياط؛ لأنّ المدّعى بنكوله عن اليمين بعد ردّها عليه يوجب سقوط حقه،و عدم جواز مطالبة المنكر بشيء، و هو لا يوافق القول الأوّل لإثبات الحق فيه على المنكر بنكوله على الإطلاق.

و الاحتياط عبارة عن الأخذ بالمتفق عليه المتيقّن،و الأخذ بهذا القول فيما فرضناه ليس كذلك قطعاً،لاحتمال كون الحق مع القول الأوّل،فلو عمل بهذا القول لذهب حق المدّعى لو كان.

و على القول الأوّل لو بذل المنكر اليمين بعد الحكم عليه من الحاكم بالنكول لم يلتفت إليه بلا خلاف فيه و في عدم الالتفات إليه أيضاً بعد إحلاف الحاكم المدّعى على القول الثاني؛ لثبوت الحق عليه بذلك فيستصحب إلى تيقّن المسقط،و ما دلّ على السقوط بيمينه مختص بحكم التبادر و غيره بيمينه قبل الحكم عليه بنكوله،أو إحلاف المدّعى بردّ الحاكم اليمين عليه،أو ردّه في غير صورة نكوله.

ص:94


1- منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز 2:501 و الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:148 و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:258.

هذا إذا كان الحكم عليه بنكوله بعد عرض حكمه عليه و لو مرّة.

و لو قضى بنكوله من غير عرض فادّعى الخصم الجهل بحكم النكول ففي نفوذ القضاء إشكال:من تفريطه،و ظهور عذره،و لعلّ الثاني أظهر، و بالأصل أوفق.

و لو بذلها قبل حلف المدعي فالأقرب جوازه،و لو منعناه فرضي المدّعى بيمينه قيل:فله ذلك (1).

و اعلم أنّ المستفاد من عبائر الأصحاب عدا الماتن هنا عدم الالتفات إلى اليمين المبذولة بعد النكول لا بعد الحكم به،و هو مشكل،و لذا اعترضهم المقدس الأردبيلي(رحمه اللّه)فقال:هو فرع ثبوت الحق بالنكول فوراً، و لا دليل عليه (2).

و هو حسن إلّا أنّ احتمال مسامحتهم في التعبير و إرادتهم ما هنا قائم، فتأمّل .

و اعلم أنّه لا يستحلف المدّعى مع بيّنته المرضية بغير خلاف أجده،و به صرح في عبائر جماعة (3)،و عن الخلاف الإجماع عليه (4)، و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،منها زيادة على ما مرّ إليه الإشارة الصحيح (5)و غيره (6):عن الرجل يقيم البيّنة على حقه،هل عليه أن

ص:95


1- قاله في المسالك 2:368.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:149.
3- انظر المسالك 2:369،و كشف اللثام 2:338،و المفاتيح 3:258.
4- الخلاف 6:236.
5- التهذيب 6:558/230،الوسائل 27:243 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 8 ح 1.
6- الكافي 7:1/417،الوسائل 27:243 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 8 ذيل الحديث 1.

يستحلف؟قال:« لا».

و نحوهما الموثق (1)القريب منه بفضالة عن أبان المجمع على تصحيح ما يصح عنهما (2).

و أمّا الخبر المخالف لذلك (3)فمع قصور سنده و شذوذه محمول:إمّا على ما إذا اشتبه عليه صدق البيّنة كما قيل (4)،و فيه نظر.أو على الاستحباب إن بذل المدّعى اليمين،أو مطلقاً.

و كيف كان فلا ريب في الحكم إلّا في الشهادة ب الدين على الميت فإنّ المدّعى مع بيّنته عليه يستحلف على بقائه في ذمّته استظهاراً بغير خلاف في الظاهر،مصرح به في كثير من العبائر (5)،و في المسالك و الروضة و شرح الشرائع للصيمري الإجماع عليه (6)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرين،أحدهما الصحيح:أو تقبل شهادة الوصي بدين على الميت مع شاهد آخر عدل؟فوقّع(عليه السّلام):« نعم،من بعد يمين» (7).

و في الثاني المتقدم صدره:« فإن كان المطلوب بالحق قد مات، فأُقيمت عليه البيّنة،فعلى المدّعى اليمين باللّه الذي لا إله إلّا هو،لقد مات

ص:96


1- التهذيب 6:559/230،الوسائل 27:243 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 8 ح 1.
2- انظر رجال الكشي 2:830/673.
3- الكافي 7:1/412،الفقيه 3:28/8،التهذيب 6:541/225،الوسائل 27:244 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 8 ح 4.
4- قاله الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:258.
5- الكفاية:267،المفاتيح 3:258.
6- المسالك 2:369،الروضة 3:104،غاية المرام 4:233.
7- الكافي 7:3/394،الفقيه 3:147/43،التهذيب 6:626/247،الوسائل 27:371 كتاب الشهادات ب 28 ح 1.

فلان،و أنّ حقّه لعليه،فإن حلف،و إلّا فلا حق له،لأنّا لا ندري،لعلّه أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها،أو بغير بيّنة قبل الموت،فمن ثمّ صارت عليه اليمين مع البيّنة،فإن ادّعى و لا بيّنة فلا حقّ له؛ لأنّ المدّعى عليه ليس بحيّ،و لو كان حيّاً لأُلزم اليمين،أو الحقّ،أو يردّ عليه،فمن ثمّ لم يثبت له عليه حق» (1).

و قصور السند مجبور بالاعتبار و العمل.

و في تعدّي الحكم إلى ما يشارك مورد الفتوى و النص،كالدعوى على الطفل و الغائب و المجنون قولان،الأوّل مختار الأكثر على الظاهر المصرح به في المسالك و غيره (2)،و في شرح الشرائع للصيمري أنّه المشهور (3)؛ لمشاركتهم للميّت في العلّة المومأ إليها في النص،فيكون من باب اتحاد طريق المسألتين،أو منصوص العلّة.

و فيه:أنّ العلّة المومَأُ إليها احتمال توفية الميت قبل الموت،و هي في محل البحث غير حاصلة،و إن حصل مثلها،و التعدّي بمثله قياس فاسد في الشريعة،و مورد الرواية أقوى من الملحق به؛ لليأس منه بالكلية دونه،فإنّ لهم لساناً يرتقب جوابه و هم باقون على حجتهم.

خلافاً للماتن في الشرائع فاختار الثاني (4)،و نقله في الكفاية عن جماعة (5)و عدّ منهم العلّامة،مع أنّه قد اختار الأوّل في الإرشاد

ص:97


1- المتقدم في ص:87.
2- المسالك 2:370؛ الكفاية:268.
3- غاية المرام 4:233.
4- الشرائع 4:76.
5- الكفاية:269.

و القواعد (1)،و وجه لزوم الاقتصار فيما خالف النصوص المتقدمة الدالة على أنّه لا يمين مع البيّنة على المتيقّن من الفتوى و الرواية.

و منه يظهر وجه ما في التنقيح و المسالك من اختصاص الحكم في الميت بما إذا كان المدّعى عليه ديناً،فلو كانت الدعوى عيناً في يده بعارية أو غصب دفعت إليه مع البيّنة من غير يمين (2).

و فيه نظر،فإنّ المورد و إن اختص بالدين إلّا أنّ مقتضى التعليل المنصوص و هو الاستظهار العموم.

و ربما وجّه ما فيهما من الفرق و ثبوت اليمين في الدين خاصّة باحتمال الإبراء منه و غيره من غير علم الشهود،بخلاف العين فإنّ ملكها إذا ثبت استصحب.

و يضعف بأنّ احتمال تجدّد نقل الملك ممكن في الحالين، و الاستظهار و عدم اللسان آتٍ فيهما،فالأجود اعتبار اليمن مطلقاً،وفاقاً لإطلاق بعض العبائر،و ظاهر شيخنا في الروضة (3).

قيل (4):و من لم يوجب اليمن فيها أي في الدعوى على الطفل و نحوه أوجب تكفيل القابض استظهاراً،و كذا مع القول باليمين إذا تعذّرت،و في الخبر الوارد في الحكم على الغائب:« و يكون الغائب على حجته إذا قدم،و لا يدفع المال إلى الذي أقام البيّنة إلّا بكفلاء إذا لم يكن مليّاً» (5).

ص:98


1- الإرشاد 2:145،القواعد 2:210.
2- التنقيح 4:256،المسالك 2:370.
3- الروضة 3:105.
4- قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:258.
5- الكافي 5:2/102،التهذيب 6:413/191،الوسائل 27:294 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 26 ح 1.
السكوت

و أمّا السكوت:فإن كان لدهش أزاله الحاكم بالرفق و الإمهال، و إن كان لغباوة و سوء فهم توصّل إلى إزالته بالتعريف و البيان،و إن كان لآفة بدنيّة من صمم،أو خرس توصّل إلى معرفة جوابه من إقراره أو إنكاره بالإشارة المفهمة للمطلوب باليقين.

و لو افتقر إلى مترجم عارف بجوابه لم يقتصر على العدل الواحد بل لا بدّ من عدلين كما قالوه (1)؛ تحصيلاً للأقرب إلى اليقين.

و لو كان سكوته عناداً ألزمه الجواب أوّلاً باللطافة و الرفق،ثمّ بالإيذاء و الشدّة،متدرّجاً من الأدنى إلى الأعلى حسب مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،فإن أجاب،و إلّا حبسه حتّى يجيب إن سأله المدّعى كما في اليمين،وفاقاً للمفيد و الديلمي و النهاية و الخلاف و ابن حمزة (2)،و المتأخّرين كافة على الظاهر المصرح به في المسالك و الكفاية (3)؛ لأنّ الجواب حقّ عليه،فيجوز حبسه لاستيفائه عنه.

و في الشرائع و التحرير أنّ به رواية (4)،قيل (5):و لعلّها قوله(عليه السّلام):

« ليّ الواجد يحلّ عقوبته و عرضه» (6)بناءً على تفسيرهم العقوبة بالحبس خاصة.

و قيل:يجبر حتى يجيب من غير حبس،بل يضرب و يبالغ في

ص:99


1- القواعد 2:209 الروضة 3:93،الكفاية:269.
2- المفيد في المقنعة:725،الديلمي في المراسم:230،النهاية:342،الخلاف 6:238،ابن حمزة في الوسيلة:212.
3- المسالك 2:370،الكفاية:269.
4- الشرائع 4:77،التحرير 2:187.
5- انظر كشف اللثام 2:338.
6- المتقدم في ص 65.

الإهانة إلى أن يجيب.

و مستنده غير واضح عدا ما استدل له من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و فيه نظر،فإنّهما يحصلان أيضاً بالأوّل،فلا وجه للتخصيص به، سيّما مع رجحان مقابله بما مرّ من الخبر المنجبر قصوره بفتوى الأكثر،و بما مرّ من النصوص الكثيرة الدالة على حبس أمير المؤمنين(عليه السّلام)الغريم باللّي و المطل،من دون أن يحصّل الحق منه بالجبر و الضرب (1)،هذا.

مع أنّ القائل بهذا القول غير معروف،و إنّما ذكره الفاضلان في الشرائع و التحرير و القواعد (2)قولاً:و لم يذكروا له قائلاً.

و عن المبسوط أنّه يقول له الحاكم ثلاثاً:إن أجبت و إلّا جعلتك ناكلاً،و رددت اليمين على خصمك (3)،و اختاره الحلّي (4)،و قوّاه بعض المتأخّرين،قال:لأنّ السكوت عن الجواب هو النكول،بل أقوى منه،فإنّ النكول معه إنكار و امتناع من الحق و عدم الحلف و عدم الردّ؛ فإذا صحّ الحكم حينئذٍ يصح مع عدم الجواب؛ لأنّه إمّا مقرّ،أو منكر،فنهاية ما يصير أن يكون منكراً،و لم يحلف و لم يردّ،و جميع أدلة الحكم بالنكول و الردّ جار فيه (5).

و فيه نظر؛ لمنع كونه إمّا مقرّاً،أو منكراً؛ لأنّ هنا احتمالاً ثالثاً أشار إليه هو أيضاً فيما بعد معترضاً على الحلّي،و هو أنّه قد يكون أدّى الحق

ص:100


1- الوسائل 18:418 كتاب الحجر ب 7.
2- الشرائع 4:77،التحرير 2:187،القواعد 2:209.
3- المبسوط 8:160.
4- السرائر 2:163.
5- مجمع الفائدة 12:170.

و لم يكن منكراً يلزمه اليمين،و لا مقرّاً يلزمه الحق،فيسكت عن الإنكار لعدم صحته،و عن الإقرار لإلزامه بالمقرّ به،مع عدم البيّنة على أدائه.

و ما أجاب به عنه من أنّه إن قدر على الإثبات يفعل،و إلّا يورّي، مع أنّه قد أدخل الضرر على نفسه إن كان ترك الإشهاد على الوجه الشرعي في الأداء منظور فيه،أوّلاً:باحتمال عدم تمكنه من الإثبات بموت الشهود،و لا من التورية،إمّا لعدم علمه بشرعيتها،أو لعدم اهتدائه إلى طريق معرفتها.

و ثانياً:بمخالفة الحكم بالنكول بمجرده أو بعد ردّ اليمين إلى المدّعى الأصل،فلا يجوز إلّا بعد قيام دليل شرعي،و ليس قيامه بجلي مطلقاً و لو قلنا بأنّ السكوت نكول،فإنّ كلية الكبرى ممنوعة؛ إذ لا دليل عليها مطلقاً حتى في صورة النكول بعد الإنكار إلّا الإجماع،فإنّه الذي أجاز لنا ثمة الحكم على المنكر بعد إحلاف المدّعى،و لولاه لتوقفنا فيه بلا شبهة،و هو مفقود في المسألة كما هو واضح.

سيّما مع إطباق المتأخّرين كافّةً كما عرفته على اختيار القول الأوّل، فدعواه أنّ جميع أدلة الحكم بالنكول و الردّ جار فيه غير واضحة،بل لعلها ممنوعة.

فإذاً القول الأوّل في غاية القوة،سيّما مع دعوى جماعة (1)أنّ به رواية،و ظاهرهم كونها نصّاً في حكم المسألة،و هي و إن لم نظفر بها كما صرح به آخرون (2)،إلّا أنّ غايتها حينئذٍ أن تكون مرسلة،فتجبر كاحتمال

ص:101


1- راجع ص 99.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:370،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:170،و السبزواري في الكفاية:269،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:254.

قصور الدلالة بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلها إجماع في الحقيقة.

مضافاً إلى الاعتضاد بما قدمناه من الرواية النبوية،و ما أشرنا إليه بعدها من النصوص الكثيرة.

المقصد الثالث في كيفية الاستحلاف
اشارة

المقصد الثالث:

في بيان كيفية الاستحلاف و ما ينعقد به اليمين الموجبة للحق من المدّعى و المسقطة للدعوى من المنكر.

و اعلم أنّه لا يستحلف أحد إلّا باللّه تعالى و أسمائه الخاصّة به و لو كان الحالف كافراً كما في النصوص المستفيضة المتقدمة جملة منها،و غيرها من الإجماعات المستفيضة في كتاب الأيمان و النذور.

بقي منها ما دلّ على عموم الحكم للكافر بالخصوص،و هي أيضاً مستفيضة،ففي الصحيح:« لا يحلف اليهودي و لا النصراني و لا المجوسي بغير اللّه تعالى،إنّ اللّه تعالى يقول وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ [1] (1)» (2).

و فيه:عن أهل الملل كيف يستحلفون؟فقال:« لا تحلّفوهم إلّا باللّه تعالى» (3).

و في الموثق كالصحيح:هل يصلح لأحد أن يحلف أحداً من اليهود

ص:102


1- المائدة:49.
2- الكافي 7:4/451،التهذيب 8:1013/278،الإستبصار 4:131/39،الوسائل 23:265 كتاب الأيمان ب 32 ح 1.
3- الكافي 7:1/450،التهذيب 8:1016/279،الإستبصار 4:134/40،الوسائل 23:266 كتاب الأيمان ب 32 ح 3.

و النصارى و المجوس بآلهتهم؟فقال:« لا يصلح لأحد أن يحلف إلّا باللّه تعالى» (1).إلى غير ذلك من النصوص،و ظاهرها كالفتاوى الاكتفاء في الحلف بلفظ الجلالة مطلقاً.

خلافاً للمبسوط (2)في المجوسي،فلم يجوّز في إحلافه الاقتصار على لفظ الجلالة،نظراً إلى اعتقاده أنّ النور إله،فيحتمل إرادته إيّاه من الإله المعرّف،فلا يكون حالفاً باللّه تعالى،و أوجب لذلك أن يضم إليه ما يزيل الاحتمال.كخالق النور و الظلمة إماطة لتأويله.

و هو مع كونه اجتهاداً في مقابلة النص المعتبر شاذّ،كما صرح به بعض الأصحاب (3)،و لكن أفتى به الشهيد في الدروس (4)،و مال إليه فخر الدين محتجاً بأنّه يجب الجزم بأنّه حلف،و لا يحصل الجزم بذلك (5).

و هو أحوط،و إن كان في تعيينه نظر؛ لضعف الحجة بأنّ الجزم المعتبر هو العلم بكونه قد أقسم باللّه تعالى الذي هو المأمور به شرعاً،أمّا مطابقة قصده للفظه فليس بشرط في صحة اليمين.

قيل:و من ثم كانت النيّة نيّة المحلف إذا كان محقاً لا الحالف،و هو دليل على عدم اعتبار مطابقة القصد للّفظ (6).

و مقتضى النصوص المتقدمة و الإجماعات المنقولة أنّه لا يجوز

ص:103


1- الكافي 7:2/451،التهذيب 8:1015/279،الإستبصار 4:133/39،الوسائل 27:267 كتاب الأيمان ب 32 ح 5.
2- المبسوط 8:205.
3- و هو الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:265.
4- الدروس 2:96.
5- إيضاح الفوائد 4:335.
6- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:371.

الإحلاف بغير أسمائه سبحانه،كالكتب المنزلة،و الرسل المعظمة، و الأماكن المشرفة،مضافاً إلى خصوص المعتبرة،ففي الصحيحين:« إنّ للّه عزّ و جلّ أن يقسم من خلقه بما يشاء،و ليس لخلقه أن يقسموا إلّا به» (1).

و قيل بالكراهة (2).

و على التقديرين فلا اعتداد به في إثبات الحق مطلقاً،عملاً بإطلاق الأدلة المتقدمة.

و لكن ذكر الماتن و قبله الشيخ في النهاية و جماعة (3)أنّه إن رأى الحاكم إحلاف الذميّ بل مطلق الكافر كما قيل (4) بما يقتضيه دينه كونه أردع و أكثر منعاً له عن الباطل إلى الحق من الحلف باللّه عزّ و جلّ جاز له إحلافه به،عملاً برواية السكوني:« أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)استحلف يهوديّاً بالتوراة التي أُنزلت على موسى(عليه السّلام)» (5).

و هو كما ترى؛ لقصورها عن المقاومة لما مضى من وجوه شتى،مع ضعفها في نفسها على المشهور بين أصحابنا (6)،و كونها قضية في واقعة لا عموم فيها،و لذا خصها الشيخ في التهذيب (7)بالإمام(عليه السّلام)كما هو

ص:104


1- الأوّل في:الفقيه 3:1120/236،الوسائل 23:259 كتاب الأيمان ب 30 ح 1. و الثاني في:الكافي 7:1/449،التهذيب 8:1009/277،الوسائل 23:259 كتاب الأيمان ب 30 ح 3.
2- قال به الشهيد الثاني في المسالك 2:371.
3- النهاية:347؛ و انظر المهذّب 2:589،و الوسيلة:228،و اللمعة(الروضة البهية 3):95.
4- انظر المسالك 2:371.
5- الكافي 7:3/451،التهذيب 8:1019/279،الإستبصار 4:135/40،الوسائل 23:266 كتاب الأيمان ب 32 ح 4.
6- انظر المفاتيح 3:265،و مرآة العقول 24:335 و الكفاية:270.
7- التهذيب 8:279.

موردها،مع احتمال كون الحلف بالتوراة فيها مع ضميمة الحلف باللّه تعالى للتأكيد و التشديد و نحوهما.

و أيّدها الشيخ في الاستبصار (1)بالصحيحين في أحدهما:عن الأحكام،فقال:« في كل دين ما يستحلفون» (2)كما في نسخة،أو « يستحلّون» كما في أُخرى.

و في الثاني:« قضى عليّ(عليه السّلام)فيمن استحلف أهل الكتاب يمين صبرٍ:أن يستحلف بكتابه و ملّته» (3).

و فيهما نظر:لجواز أن يكون المراد بالأوّل أنّه يمضى عليهم حكمه إذا حلفوا عند حاكمهم،كما أنّه يجرى عليهم أحكام عقودهم،و يلزم عليهم ما ألزموا به أنفسهم.

و احتمال رجوع الضمير في الثاني إلى الموصول،أو كون ذلك بعد ضمّ اليمين باللّه تعالى.

و بالجملة:القول الأوّل أظهر،و لكن الجمع بينهما أحوط.

و يستحب بلا خلاف للحاكم تقديم العظة على اليمين لمن توجّهت إليه،و التخويف من عاقبتها بذكر ما ورد فيها من الآيات و الروايات المتضمنة لعقوبة الحلف كاذباً.

و يجزيه أي الحالف أن يقول في يمينه: و اللّه ما له قِبَلي كذا بلا خلاف عملاً بالإطلاق.

ص:105


1- الاستبصار 4:40.
2- التهذيب 8:1017/279،الإستبصار 4:136/40،الوسائل 23:267 كتاب الأيمان ب 32 ح 7.
3- التهذيب 8:1018/279،الإستبصار 4:137/40،الوسائل 23:267 كتاب الأيمان ب 32 ح 8.

و في النبوي:« من حلف باللّه تعالى فليصدق،و من حلف له باللّه تعالى فليرض،و من لم يرض فليس من اللّه» (1).

و يجوز للحاكم بل يستحب كما هو المشهور تغليظ اليمين عليه بالقول ك:و اللّه الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب و الشهادة،الرحمن الرحيم،الطالب الغالب،الضارّ النافع،المهلك المدرك،الذي يعلم من السرّ ما يعلمه من العلانية،كما في الصحيح المتضمن لإحلاف الأخرس (2).

و الزمان كالجمعة و العيدين و بعد الزوال و العصر و نحو ذلك.

و المكان كالكعبة و الحطيم و المقام و المسجد الحرام و الحرم و الأقصى تحت الصخرة و المساجد في المحراب.

و هو ثابت في الحقوق كلها و إن قلّت استظهاراً،عدا المال فإنّه لا تغليظ فيه لما دون نصاب القطع بلا خلاف في شيء من ذلك.

قيل:لأنّ التغليظ مظنّة رجوع الحالف إلى الحق خوفاً من عقوبة العظيم،و على تقدير جرأته عليه كاذباً مظنّة مؤاخذته،حيث أقدم على الحلف به مع إحضار عظمته و جلالته و انتقامه في الموضع الشريف و الزمان الشريف اللذين هما محل الاحترام (3).

و في الخبر المروي في الوسائل عن قرب الإسناد:« أنّ عليّاً(عليه السّلام)كان

ص:106


1- الكافي 7:1/438،التهذيب 8:1040/283،عقاب الأعمال:228،الوسائل 23:211 أبواب الأيمان ب 6 ح 1.
2- الفقيه 3:218/65،التهذيب 6:879/319،الوسائل 27:302 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 33 ح 1.
3- قاله في المسالك 2:371.

يستحلف اليهود و النصارى في بيعهم و كنائسهم،و المجوس في بيوت نيرانهم،و يقول:شددوا عليهم احتياطاً للمسلمين» (1).

و في المرسل:« لا يحلف أحد عند قبر النبي(صلّى اللّه عليه و آله)على أقلّ ممّا يجب فيه القطع» (2).

قالوا:و لو امتنع الحالف من الإجابة إلى التغليظ لم يجبر،و لم يتحقق بامتناعه نكول (3)؛ لما مرّ من أنّ« من حلف له باللّه فليرض».

و الظاهر من النص و الفتوى اختصاص استحباب التغليظ في حق الحاكم دون الحالف،بل التخفيف في جانبه أولى؛ لأنّ اليمين مطلقاً مرغوب عنها،فكلّما خفّفت كان أولى.

و في الخبر« إذا ادّعى عليك مال،و لم يكن له عليك (4)،فأراد أن يحلفك،فإن بلغ مقدار ثلاثين درهماً فأعطه و لا تحلف،و إن كان أكثر من ذلك فاحلف،و لا تعطه» (5).

و في آخر:حدثني أبو جعفر(عليه السّلام):« إنّ أباه كانت عنده امرأة من الخوارج» إلى أن قال:« فقضى لأبي أنّه طلّقها،فادّعت عليه صداقها، فجاءت به إلى أمير المدينة تستعديه،فقال له أمير المدينة:يا علي إمّا أن تحلف،و إمّا أن تعطيها،فقال:يا بني!قم فأعطها أربعمائة دينار،فقلت له:يا أبت!جعلت فداك،أ لست محقاً؟!قال:بلى يا بني!و لكنّي أجللت

ص:107


1- قرب الإسناد:284/86،الوسائل 23:268 كتاب الأيمان ب 32 ح 11.
2- التهذيب 6:855/310،الوسائل 27:298 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 29 ح 1.
3- المسالك 2:371،الكفاية:270،المفاتيح 3:266.
4- في« ح» و« س» زيادة:بيّنة.
5- الكافي 7:6/435،التهذيب 8:1037/283،الوسائل 23:201 كتاب الأيمان ب 3 ح 1.

اللّه تعالى أن أحلف يمين صبر» (1).

و يحلف الأخرس بالإشارة المفهمة لليمين،على الأشهر المصرح به في كلام جمع كالمهذب و التنقيح و شرح الشرائع للصيمري و المسالك و الكفاية و غيرها من كتب الجماعة (2)فاختاروه أيضاً،معلّلين بأنّ الشارع أقام إشارته مقام تلفظه في سائر أُموره.

و قيل كما عن الشيخ في النهاية (3):إنّه يوضع يده مع ذلك على اسم اللّه سبحانه في المصحف إن حضر،و إن لم يحضر فعلى اسمه المطلق.

و مستنده مع شذوذه و مخالفة الأصل و ما دلّ على قيام إشارته مطلقاً مقام تلفظه غير واضح.

و قيل كما عن ابن حمزة خاصّة (4):إنه يكتب اليمين في لوح و يغسل و يؤمر بشربه بعد إعلامه فإن شرب كان حالفاً،و إن امتنع أُلزم الحق.

للصحيح:عن الأخرس،كيف يحلف إذا ادّعي عليه دين و لم يكن للمدعي بيّنة؟فقال:« قال أمير المؤمنين(عليه السّلام)» لما ادّعي عنده على أخرس من غير بيّنة:« الحمد للّه الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بيّنت للأُمّة جميع ما تحتاج إليه،ثم قال:ائتوني بمصحف،فاُتي به،فقال للأخرس، ما هذا؟فرفع رأسه إلى السماء،و أشار أنّه كتاب اللّه عزّ و جلّ،قال:ائتوني

ص:108


1- الكافي 7:5/435،التهذيب 8:1036/283،الوسائل 23:200 كتاب الأيمان ب 2 ح 1.
2- المهذّب البارع 4:478،التنقيح 4:257،غاية المرام 4:238،المسالك 2:372،الكفاية:270؛ و انظر إيضاح الفوائد 4:336،و مجمع الفائدة 12:185.
3- النهاية:347.
4- الوسيلة:228.

بوليّه،فأتي بأخ له و أقعده إلى جنبه،ثمّ قال:يا قنبر،عليَّ بدواة و صحيفة،فأتاه بهما،ثمّ قال لأخ الأخرس:قل لأخيك هذا بينك و بينه إنّه علي(عليه السّلام)،فتقدم إليه بذلك،ثمّ كتب أمير المؤمنين(عليه السّلام):و اللّه الذي» إلى آخر ما مرّ في كيفية اليمين المغلظة« إنّ فلان بن فلان المدّعى ليس له قِبَل فلان بن فلان يعني الأخرس حقّ،و لا طلبة بوجه من الوجوه، و لا سبب من الأسباب،ثمّ غسله،و أمر الأخرس أن يشربه،فامتنع،فألزمه الدين» (1).

و نفى عنه البعد الفاضل المقداد في شرح الكتاب،قال:فإنّ الإشارة لا تنافيه،بل هذا من أحد جزئيّاتها (2).

و فيه بعد تسليم كونه أحد جزئيّاتها أنّ ظاهر هذا القول المحكي في العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة تعيّن إحلافه بعين ما في العبارة، و ما نفى عنه البعد إنّما هو جوازه من حيث كونه أحد أفراد الإشارة لا تعيّنه، و لعله لا خلاف فيه إن صح الفردية.

نعم ما ذكره من الجواز و عدم التعيّن صريح عبارة ابن حمزة المحكية في كلام جماعة و منهم فخر الدين في الإيضاح،فإنّه قال في وسيلته:إذا توجه على الأخرس وضع يده على المصحف،و عرّفه حكمها،و حلّفه بالأسماء أي أسماء اللّه (3)تعالى،قال:فإن كتب اليمين على لوح ثم غسلها،و جمع الماء في شيء و أمره أن يشربه جاز،فإن شرب فقد حلف، و إن أبى ألزمه (4).

ص:109


1- الفقيه 3:218/65،التهذيب 6:879/319،الوسائل 27:302 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 33 ح 1.
2- التنقيح الرائع 4:259.
3- في المصدر:و حلّفه بالإيماء إلى أسماء اللّه.
4- إيضاح الفوائد 4:337،و هو في الوسيلة:228.

و منه يظهر فساد نسبة القول بتعيّن ما في العبارة إليه إلّا أن يكون المراد من النسبة نسبة الجواز لا التعيّن.

و عليه يكون مذهب المشهور عدم جوازه؛ و لعله لمنع كونه من أفراد الإشارة،فلا يمكن تجويزه من جهتها،و لا من جهة الصحيحة؛ لكونها قضية في واقعة،فلا تكون عامّة،و احتمال كون الحلف فيها بشرب المكتوب بعد الحلف بالإشارة،و يكون ذلك من باب التغليظ كما فعله(عليه السّلام) في اليمين المكتوبة.

و بالجملة:الخروج عن الأصل الدال على القول الأوّل المعتضد بعمل الأكثر (1)،بل عامّة من تأخّر حتى الفاضل المقداد (2)؛ لتجويز ما في الرواية زعماً منه كونه أحد أفراد الإشارة،فيكون ذلك اتفاقاً منه و منهم على أنّها المعتبر في إحلافه خاصّة مشكل غايته.

و الأحوط الجمع بينهما إن رضي الأخرس بإحلافه بما في الرواية، و إلّا فالإشارة متعيّنة.

و اعلم أنّه لا يجوز أن يحلف الحاكم أحداً إلّا في مجلس قضائه أي مجلس حضوره مع إذنه،بلا خلاف،بل ظاهرهم الإجماع عليه كما يستفاد من كثير و منهم المقدس الأردبيلي-(رحمه اللّه) في شرح الإرشاد و صاحب الكفاية (3)،و هو الحجة.

مضافاً إلى أصالة عدم لزوم ما يترتب على الحلف من سقوط الحق أو لزومه بمجرده،فيقتصر فيما خالفها على المتيقن من النص و الفتوى، و ليس إلّا بعد ذلك.

ص:110


1- راجع ص 107.
2- راجع ص 109.
3- مجمع الفائدة و البرهان 12:188،الكفاية:270.

و أمّا النصوص الدالة على لزومه به،فلا عموم فيها يمكن التشبث بذيله لإثبات اللزوم بالحلف مطلقاً،و إنّما غايتها الإطلاق الغير المنصرف إلى الحلف بغير الحكم و إذنه؛ لكونها منساقة لبيان أحكام أُخر غير ما يراد إثباته من الإطلاق في محل البحث و أمثاله.

مضافاً إلى أنّ الغالب في الحلف في مقام الدعاوي التي هي موردها كونه بحضور الحاكم و إذنه.

و إلى بعض ما ذكرناه و غيره يشير كلام المقدس الأردبيلي(رحمه اللّه)حيث قال في بيان دليل الحكم:و لعله أنّه من تتمة الحكم و لا حكم لغيره؛ إذ هو العالم بالكيفية لا غير،أو الإجماع،أو تبادر ذلك إلى الفهم من الاستحلاف في الروايات و العبارات (1).

و بالجملة:قد تقرر عندهم عدم جواز الإحلاف لغير الحاكم مطلقاً إلّا أن يكون المستحلف معذوراً عذراً شرعياً كالمريض و الزمن اللذين لا يمكنهما أو يشق عليهما الحضور إلى الحاكم،و الخائف من العدوّ،و نحو ذلك.

أو كان امرأة غير برزة أي:مخدّرة ليس من عادتها و شأنها البروز و التردد إلى أنديه الرجال و الحكام،و يكون ذلك نقصاً في حقها، و عيباً عليها،أو حائضاً أو نفساء أو مستحاضةً لا تأمن تلوّث المسجد بنجاستها مع كون الحاكم فيه،أو احتياج إلى التغليظ فيه.

و بالجملة:كل معذور شرعاً يجوز له معه التخلف عن الحلف عند الحاكم،و يستنيب الحاكم حينئذ من يحلّفه في موضعه،بلا خلاف.

و لاستلزام الحضور مع ذلك العسر و الحرج المنفيين عقلاً و شرعاً، و ليس في شيء من الفتاوى التي وقفت عليها اعتبار مباشرة الحاكم

ص:111


1- مجمع الفائدة و البرهان 12:188.

الإحلاف بنفسه و لو بالمسير إليه مطلقاً و لو لم يكن السير إليه نقصاً له و مسقطاً لمحله عند الناس.

و احتمل بعض الأصحاب ذلك إلّا مع استلزامه النقص على الحاكم (1).

و ليس في محله؛ إذ مع مخالفته لإطلاق الفتاوى يوجب فتح بابه إلقاء الحاكم في ضيق و شدّة منفية في الشريعة،مع عدم كونه معهوداً في الأعصار السابقة و اللاحقة عند أحد من حكّام الخاصّة و العامّة،و إلّا لاشتهر اشتهار الشمس و اتضح غايته.

و لا يحلف المنكر على نفي ما ادّعي عليه مطلقاً إلّا على القطع و الجزم به و يحلف كذلك أيضاً على فعل غيره إن كان على إثباتٍ،و لو كان على نفيٍ حلف على نفي العلم به إن ادّعي عليه،و إلّا لم تسمع الدعوى على المعروف بين الأصحاب على الظاهر المصرح به في الكفاية و غيرها (2).

و لو ادّعي عليه بمال أو غيره و أنكر حلف على البتّ،إمّا على نفي استحقاق المدّعى لما يدّعيه،أو على نفي ما يدّعيه إن أراد بالخصوص، على الأصح كما يأتي.

و إن ادّعي على غيره به كما لو ادّعي على الوارث العلم بما يدّعيه المدّعى على المورث و طالبه به بعد أن ترك الوفاء في يده فأنكره،أو ادّعى على المنكر أنّ وكيله قبض أو باع ما وكّل فيه و أنكر،حلف على نفي العلم به؛ لعدم العلم بالانتفاء.

و لو فرض إمكان العلم بالانتفاء؛ كما إذا كانت الدعوى متعلقة بزمان

ص:112


1- مجمع الفائدة و البرهان 12:188.
2- الكفاية:270،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 12:189.

مخصوص،أو مكان كذلك،و هو يعلم كذب المدّعى فيهما،حلف على البتّ أيضاً.

و وجهه كسائر ما يحلف فيه على البتّ بعد الاتفاق عليه واضح أيضاً،من حيث إنّ المتبادر من الحلف و اليمين على الشيء الوارد في النصوص و الفتاوى هو الحلف عليه بتّاً و قطعاً،سيّما مع تضمن كثير من النصوص الواردة في بيان كيفية الحلف كالصحيح الوارد في إحلاف الأخرس و غيره (1)الحلف على البتّ بأنّ فلاناً ليس له عليَّ حق،و نحو ذلك،فلا ريب فيه حيثما كان الحالف عالماً بما حلف عليه نفياً،أو إثباتاً.

و أمّا لو لم يكن عالماً به كما لو ادّعي عليه بشيء و لم يعلم به مطلقاً، فهل يحلف على نفي العلم،أو يردّ اليمين على المدّعى و إلّا يكون ناكلاً؟ إشكال.

قيل (2):مقتضى ظاهر كلامهم الثاني،لكن في إثبات ذلك إشكال؛ إذ لا يبعد الاكتفاء حينئذٍ بالحلف على نفي العلم،و لا دليل على نفيه؛ إذ الظاهر أنّه لا يجب عليه إيفاء ما يدّعيه إلّا مع العلم،و يمكن على هذا أن يكون عدم العلم بثبوت الحق كافياً في الحلف على عدم الاستحقاق؛ لأنّ وجوب إيفاء حقه إنّما يكون عند العلم به،لكن ظاهر عباراتهم خلاف ذلك،و بعض المتأخرين احتمل قوياً عدم القضاء بالنكول في الصورة المذكورة و إن قيل به في غيره،بل يجب الردّ حينئذٍ،و احتمل الاكتفاء في الإسقاط بيمينه على عدم علمه بذلك.

أقول:ما احتمله هو و بعض المتأخّرين (3)من الاكتفاء حينئذٍ بالحلف

ص:113


1- المتقدم في ص 108.
2- قاله في الكفاية:270.
3- مجمع الفائدة 12:191.

على نفي العلم محلّ تأمّل؛ لعدم الدليل عليه،و عدم الدليل على نفيه غير كاف بعد ملاحظة أنّ الأصل عدم انقطاع الدعوى المسموعة بمثل هذه اليمين،سيّما و أن تكون مسقطة للبيّنة لو أُقيمت بعدها،فيقتصر فيما خالفه على المتيقن من النص و الفتوى،و ليس إلّا ما إذا كان اليمين على البتّ لا مطلقاً.

و ليس في النصوص و الفتاوي الدالة على سقوطها بها ما يدل على السقوط هنا؛ لما عرفت من أنّ المتبادر من اليمين على الشيء فيها اليمين على البتّ خاصّة،و مقتضى ذلك عدم الاكتفاء باليمين على نفي العلم، فينحصر قطع الدعوى و سقوطها في ردّ اليمين على المدّعى،إن حلف أخذ،و إن نكل سقطت الدعوى.

و ما ذكره من أنّ الظاهر أنّه لا يجب عليه إيفاء ما يدّعيه إلّا مع العلم، إلى آخره،فمسلّم إذا أُريد به فيما بينه و بين اللّه تعالى،و لكن لا ينفع في إثبات كفاية الحلف على نفي العلم في مقام الدعوى و إسقاطها،و إن هو إلّا عين النزاع جدّاً.

و منه يظهر الوجه في منع قوله:و يمكن على هذا أن يكون عدم العلم،إلى آخره،مضافاً إلى منع كفاية ذلك في الحلف على نفي الاستحقاق المطلق من حيث إنّ المتبادر منه نفي الاستحقاق و لو في نفس الأمر،و لا يمكنه الحلف عليه؛ لإمكانه،و عدم علمه به إنّما يوجّه له الحلف على عدم تكليفه في الظاهر بإيفائه لا الحلف على عدم استحقاقه في الواقع،و بينهما فرق واضح.

و بالجملة:الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في محل البحث وجهه غير واضح،سيّما مع مخالفته الأصل المتقدم.

و لكن يمكن أن يقال:إنّ ثبوت الحق على المنكر بيمين المدّعى إذا

ص:114

كانت بردّ الحاكم خلاف الأصل أيضاً،فيقتصر فيه على المتيقن من النص و الفتوى،و ليس إلّا ما إذا ردّ المنكر اليمين عليه،أو ردّها الحاكم مع نكوله عن الردّ من غير دعواه عدم العلم بالحق،بل دعواه العلم بنفيه،و ليس ما نحن فيه منه قطعاً،فالمسألة محل إشكال؛ لتعارض الأصلين.

إلّا أنّ الظاهر ترجيح عدم الاكتفاء باليمين على نفي العلم؛ لما ذكره القائل من كونه مقتضى ظاهر كلامهم (1)،و هو كذلك من حيث حكمهم بعنوان العموم بكون الحلف على المنكر في فعل نفسه على البتّ مطلقاً، على نفي كان أو إثبات،و لا يمكن ذلك فيما نحن فيه،فلا يحلف، و لا يتصور حينئذٍ قطع الدعوى إلّا بردّ اليمين على المدّعى،إمّا من المنكر، أو الحاكم بعد نكوله عن الردّ،و لا يمكن ترجيح الاكتفاء بذلك بما ذكروه في تعليل الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في الدعوى على الغير من عدم العلم بالانتفاء؛ لتأتّي ذلك بعينه هنا.

و ذلك لأنّ اكتفاءهم بذلك ثمّة إنّما هو من حيث عدم كون المنكر طرفاً لأصل الدعوى على الغير،بل هو الطرف الآخر لها،و إنّما المنكر طرف دعوى اخرى معه،و هي كونه عالماً بالمدعى و ثبوته على الغير في الدعوى الاُولى،فحلفه على نفي العلم حقيقة حلف على نفي ما ادّعي عليه على القطع في هذه الدعوى.

فظهر أنّ حلف المنكر على القطع أبداً حتى بالنسبة إلى فعل الغير مطلقاً؛ لأنّ ما يحلف عليه ليس إلّا ما هو ينكره،حقاً كان أو غيره،و بذلك صرح الفاضل في التحرير (2).

و يتحصل من هذا أنّ متعلق الحلف ليس إلّا ما تعلق به الدعوى،

ص:115


1- راجع ص 113.
2- التحرير 2:192.

و هو المتبادر من النصوص أيضاً،و الحلف على نفي العلم فيما نحن فيه ليس حلفاً على ما تعلق به دعوى المدّعى؛ لأنّ دعواه ثبوت الحق في ذمّته لا علمه به،و لا تلازم بينهما،لإمكان أن يدّعي الحق عليه و لا يدّعي العلم عليه معتذراً باحتمال نسيانه،فحينئذٍ يمينه على نفي العلم لاغية لا ربط لها بما تعلقت به الدعوى بالكلية،فكيف يمكن أن تكون بها ساقطة؟! نعم لو ادّعي عليه العلم بالحق حال الدعوى أيضاً اتّجه الاكتفاء بالحلف على نفي العلم،و سقوط أصل الدعوى بها حينئذٍ،لتركّبها،كما ذكروه في الحلف على نفي العلم بفعل الغير،و لكن الظاهر أنّ مثله في المقامين لا يسقط اعتبار البيّنة لو أُقيمت بعد الدعوى،عملاً بعموم ما دلّ على اعتبارها،مع سلامته عن المعارض فيهما؛ لاختصاص ما دل على سقوط البيّنة باليمين بحكم التبادر و غيره باليمين على نفي الحق لا نفي العلم.

و بالجملة:الظاهر فيما نحن فيه حيث لا يدّعى عليه العلم بالمدّعى عدم الاكتفاء بالحلف على نفي العلم،بل لا بدّ من ردّ اليمين إلى المدّعى،و لا مخصص في قطع الدعوى من دونه.

أمّا المدّعى و لا شاهد له فلا يمين عليه كما لا بيّنة على المنكر مطلقاً،بلا خلاف فيهما نصّاً و فتوى،فلو أتى كلّ منهما بما هو وظيفة الآخر لم تسمع، إلّا إذا حلف المدّعى مع الردّ أي ردّ المنكر اليمين إليه فتسمع حينئذٍ اتفاقاً فتوى و نصّاً،كما مضى.

أو مع نكول المنكر عن الحلف و الردّ فتسمع أيضاً على قول قوي اخترناه،و على القول الآخر الذي يحكم فيه عليه بنكوله تكون يمين المدّعى لاغية من هذا الوجه أيضاً،أو مع اللوث في دعوى الدم فتسمع بلا خلاف فيه ظاهراً،و مضى الإشارة إليه سابقاً،و يأتي تمام الكلام فيه

ص:116

مفصلاً في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

و يحلف المدّعى حيثما توجه الحلف إليه على الجزم و القطع كالمنكر،بلا خلاف؛ لما مرّ،و لا يمين له على نفي العلم مطلقاً،إلّا إذا انقلب الدعوى و صار منكراً،كما لو ادّعى الوارث لمورثه ديناً على أحد و ادّعى هو الإبراء مثلاً،و علم المدّعى به أيضاً و أنكره،فيحلف حينئذٍ على نفي العلم كالمنكر أوّلاً حيث يحلف عليه،و هذا في الحقيقة راجع إليه جدّاً.فيتحصل منه أنّ حلف المدّعى على البتّ أبداً.

و يكفي المنكر مع إطلاقه الإنكار كقوله:لا يستحق عندي شيئاً الحلف على عدم الاستحقاق مطلقاً،كان المدّعى حقاً معيناً أو مطلقاً أيضاً،اتفاقاً على الظاهر المصرح به في المسالك و غيره (1)؛ لأنّ الغرض يحصل به،و نفي العام يستلزم نفي الخاص،و مع الجواب بنفي الخاص كقوله:لم أغصب،أو:لم أشتر،أو:لم أستأجر،فكذلك أيضاً إن حلف عليه.

و إن أراد الحلف على نفي الاستحقاق المطلق ففي إجابته قولان، أقربهما و أشهرهما:نعم؛ لدخول الخاص في ضمن نفيه،و جواز تعلق غرض صحيح بالعدول إلى العام بأن كان قد غصب،أو استأجر،أو اشترى،و لكن برئ من الحق بدفع،أو إبراء،فحلفه على نفي الخاص كذب،و العدول إلى العام مع كونه صدقاً يتضمن الغرض من براءة حقه، و على هذا القول عامّة المتأخّرين،بل لم ينقل الخلاف فيه إلّا عن الشيخ (2)،حيث ألزم الحلف على وفق الجواب؛ لأنّه المطابق للدعوى، و جوابه بنفي الأخصّ يقتضي عدم تلك الاحتمالات الموجبة للعدول إلى

ص:117


1- المسالك 2:373؛ و انظر الكفاية:271،و المفاتيح 3:267.
2- المبسوط 8:211.

الأعم،و لو وقعت لأجاب ابتداء بنفي الاستحقاق.

و يضعف بأنّه مع تسليم قدرته على الحلف على وفق الجواب لا يلزم منه وجوب إجابته،و إنّما اللازم له الحلف على البراءة من حقه بأيّ لفظ اتفق،فله العدول إلى نفي الاستحقاق اقتراحاً.

و لو ادّعى المنكر الإبراء أو الأداء أو الإقباض انقلب مدّعياً و المدّعي منكراً،فيكفيه أي المدّعى اليمين على بقاء الحق و لو حلف على نفي ذلك كان آكد،لكنه غير لازم،بلا خلاف ظاهر حتى من الشيخ، مصرح به في بعض العبائر كعبارة المسالك و غيره (1)،لكن الاُولى ليست بصريحة في نفي الخلاف،نعم ربما كانت ظاهرة فيه حيث لم ينقل الخلاف فيها هنا عن أحد،و نص فيها على أنّ الشيخ المخالف سابقاً لم يخالف هنا،و لكن جعل الحلف على نفي ما ادّعاه بخصوصه أحوط.

و لا تتوجّه اليمين على الوارث بالدعوى على مورثه إلّا مع شروط ثلاثة:الأوّل: دعوى المدعي على الوارث علمه بموته أي المورث أو إثباته عطف على الدعوى،فيكون هذا الشرط أحد الأمرين من دعوى علمه بموته،أو إثبات موته على الوارث المنكر له بالبيّنة و نحوها و لو على إقراره به.

و الثاني:دعوى علمه أي الوارث بالحق الذي يدّعيه على مورثه.

و إذا توجه اليمين على الوارث بدعوى علمه بالأمرين فأنكرهما أو أحدهما حلف على نفي العلم بهما أو بأحدهما؛ لما مضى،و لو أثبتهما عليه لم تتوجه له اليمين على إنكارهما.

و لا تتوجه اليمين عليه بعد ثبوتهما أيضاً،إلّا بعد تحقق الشرط

ص:118


1- المسالك 2:373؛ الكفاية:271.

الثالث و هو دعوى: أنّه أي الميت ترك في يده أي الوارث مالاً يفي بحقه كلّاً أو بعضاً و أنكره الوارث،فتتوجه عليه اليمين حينئذٍ، و يحلف على البتّ لا على نفي العلم؛ لأنّه حلف على فعل نفسه نفياً، و لا يتوجه في مثله الحلف على نفي العلم،كما مضى.

و لو نكل عن الحلف هنا أو في أحد الأمرين اللذين مضيا ردّه على المدّعى،و لو نكل عن الردّ أيضاً جعل ناكلاً و حكم عليه بمجرده أو بعد ردّ اليمين على المدّعى،و يؤخذ منه الحق بعد يمينه على اختلاف القولين.

و إنّما لم يؤخذ منه الحق بمجرد ثبوت الأمرين بناءً على عدم الخلاف في أنّ الوارث لا يجب عليه أداء دين المورث من ماله،بل إن ترك المورث مالاً في يده يفي بالدين أو بعضه وجب عليه الأداء و إلّا فلا،سواءً كان عالماً بالدين أم لا.

و اعلم أنّ من شرط سماع الدعوى أن يكون المدّعى مستحقاً لموجبها ف لا تسمع الدعوى في الحدود مجردة عن البيّنة،و لا تتوجه بها يمين على المنكر بلا خلاف يعرف فيه في الجملة،و به صرّح في الكفاية (1).

و النصوص به مع ذلك مستفيضة،منها:المرسل كالصحيح بابن أبي عمير المروي في التهذيب في كتاب الحدود في أواسط باب حدّ الفرية منه،و في الكافي في الكتاب المزبور أيضاً،لكن بسند فيه سهل و ضعفه سهل،بل قيل:ثقة (2)و إرسال،و هو مجبور بابن أبي نصر المرسِل له، مضافاً إلى انجبار الأمرين كالإرسال السابق إن أوجب الضعف بالعمل، و فيه:« اتي أمير المؤمنين(عليه السّلام)برجل،فقال:هذا قذفني،و لم تكن له

ص:119


1- الكفاية:271.
2- انظر رجال الطوسي:416.

بيّنة،فقال:يا أمير المؤمنين،استحلفه،فقال:لا يمين في حدّ» (1)الخبر.

و في خبر آخر:« لا يستحلف صاحب الحدّ» (2).

و في ثالث مروي في التهذيب في أواخر باب الزيادات من هذا الكتاب:« أنّ رجلاً استعدى عليّاً(عليه السّلام)على رجل،فقال:إنّه افترى عليّ، فقال للرجل:فعلت ما فعلت؟فقال:لا،فقال(عليه السّلام)للمستعدي:أ لك بيّنة؟ قال:فقال:ما لي بيّنة،فأحلفه لي،فقال(عليه السّلام):ما عليه يمين» (3)هذا.

مضافاً إلى الأصل،و اختصاص ما دلّ من النص و الفتوى على أنّ اليمين على من أنكر بالمنكر لما عدا الحدّ من الحقوق المالية،و نحوها مما يستحقها المدّعى لا اللّه تعالى.

مع أنّه سبحانه لم يأذن في الدعوى،بل ظاهره الأمر بالستر و الإخفاء،و الكف عن تتبع معايب الناس و كشفها،و قد ورد تحريم الغيبة (4)و اتفق عليه أيضاً،و حدّ المدّعى عند عدم الشهود،و الأمر بدرء الحدود بالشبهات كما في المرسل المروي في الفقيه،قال:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):« ادرأوا الحدود بالشبهات،و لا شفاعة،و لا كفالة، و لا يمين في حدّ» (5).

هذا إذا كانت الحدود حقّا محضاً للّه تعالى كحدّ الزنا و شرب الخمر و نحوهما.

و لو اشتركت بينه تعالى و بين الآدمي كحدّ القذف ففي سماع الدعوى

ص:120


1- الكافي 7:1/255،التهذيب 10:310/79،الوسائل 28:46 أبواب مقدمات الحدود ب 24 ح 1.
2- التهذيب 10:602/150 الوسائل 28:46 أبواب مقدمات الحدود ب 24 ح 2.
3- التهذيب 6:868/314 الوسائل 28:46 أبواب مقدمات الحدود ب 24 ح 3.
4- الوسائل 12:278 أبواب أحكام العشرة ب 152.
5- الفقيه 4:190/53،الوسائل 28:47 أبواب مقدمات الحدود ب 24 ح 4.

بها من المقذوف قولان،أحدهما و هو الذي اختاره الشيخ في المبسوط (1):أنّها تسمع ترجيحاً لجانب حق الآدمي و هو المقذوف،و فرع على قوله بأنّه لو ادّعى عليه بأنّه زنى لزمه الإجابة عن دعواه و يستحلف على ذلك،فإن حلف سقطت الدعوى و لزم القاذف الحدّ،و إن لم يحلف ردّت اليمين على القاذف فيحلف و يثبت الزنا في حقه بالنسبة إلى سقوط حدّ القذف،و لا يحكم عليه بحدّ الزنا؛ لأنّ ذلك حق اللّه تعالى محض.

و استشكله الماتن في الشرائع و الفاضل في القواعد (2)؛ لعموم قوله(عليه السّلام):« لا يمين في حدّ» (3)و يعضده خصوص ما مرّ من النصوص، و لا ضعف فيه بإرسال و لا غيره كما عرفته،هذا.

مضافاً إلى عموم ما دلّ على حدّ المفتري من الكتاب و السنّة،و ثبوته قبل حلفه بالردّ بهما و بالإجماع،و سقوطه بحلف القاذف بعد ردّ اليمين إليه غير معلوم،فيستصحب،فعدم السماع هنا أيضاً أظهر،وفاقاً للأكثر،بل عامّة من وقفت على كلامه ممّن تأخّر،عدا الشهيد في الدروس،فقد استحسن قول الشيخ من حيث تعلقه بحق الآدمي،و حمل نفي اليمين في الخبر على ما إذا لم يتعلّق بحقه (4).

و فيه نظر يظهر وجهه ممّا مرّ.

و لو ادّعى الوارث لمورثه مالاً على غيره سمعت دعواه مطلقاً سواءً كان عليه أي على المورث دين يحيط بالتركة أو لم يكن بلا خلاف ظاهر و لا محكي،حتى من القائل بعدم انتقال التركة إلى الوارث،

ص:121


1- المبسوط 8:216.
2- الشرائع 4:91،القواعد 2:212.
3- المتقدم في ص 6708.
4- الدروس 2:93.

و أنّها باقية على حكم مال الميت مع إحاطة الدين بها.

و لا إشكال فيه على القول بالانتقال كما عليه الفاضل في جملة من كتبه (1)،و شيخنا الشهيد الثاني و جمع ممّن تبعه (2)؛ لأنّها على هذا التقدير ماله فتسمع منه الدعوى على إثباته،و إن منع عن التصرف فيها إلى أن يوفّى الدين إجماعاً كما في الإيضاح و المسالك (3)،عملاً بالعمومات أو الإطلاقات الدالة على سماع الدعوى من كل من يستحق المدّعى فيها، و حجره عن التصرف فيه إلى الوفاء غير مانع،كما أنّ حجره عنه في أمواله المرهونة أو المحجور عليه فيها غير مانع عن سماع الدعوى فيها.

و أمّا على القول الآخر الذي عليه الشيخ في المبسوط و الخلاف كما حكاه عنه في الدروس (4)،و الماتن في الشرائع و الفاضل في بعض كتبه (5)، بل الأكثر كما في المسالك و غيره (6)،فوجهه بعد الاتفاق عليه على الظاهر ما ذكروه من أنّ الوارث قائم مقام المورث،و من ثَمّ لو أبرأه الغريم من الدين صارت التركة ملك الوارث،فهو مالك لها بالقوة،و على هذا فلو توجه اليمين مع الشاهد أو بردّ الغريم فالحالف هو الوارث،و إن كان المنتفع بالمال هو المدين.

و في هذا الوجه إشكال،و العمدة هو الوفاق،و يمكن أن يجعل وجهاً مرجّحاً للقول بالانتقال.

ص:122


1- القواعد 2:212،التحرير 2:192.
2- المسالك 2:375؛ و انظر الكفاية:273،و كشف اللثام 2:342،و المفاتيح 3:317.
3- الإيضاح 4:342،المسالك 2:375.
4- الدروس 2:95،و هو في المبسوط 8:193،و الخلاف 6:282.
5- الشرائع 4:92،التحرير 2:192.
6- المسالك 2:316؛ و انظر الكفاية:292.

مضافاً إلى ما استدلوا به من استحالة بقاء ملك بغير مالك،فإنّه لا ينتقل إلى الديّان إجماعاً كما حكاه جماعة (1)،و الميت غير مالك، فينحصر المالك في الوارث.

و لا تنافي هذه الأدلّة الأدلّة الدالة على أنّ الإرث بعد الدين و الوصية من الكتاب و السنّة كقوله سبحانه مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ [1] (2).

و الصحيح:« قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في دية المقتول:أنّه يرثها الورثة على كتاب اللّه تعالى و سهامهم،إذا لم يكن على المقتول دين» (3)لإمكان حملها على الملك المستقر،و لكنه خلاف الظاهر .

و تظهر الفائدة في النماء المتخلل بين الوفاة و الوفاء و غيره،دون حكم المسألة؛ لما عرفته من الاتفاق عليه.

و لا ريب في تعيّن هذا القول لو سلمت مقدمات دليله الذي ذكرناه عنهم،و إلّا فيمكن أن يكون تركة الميت كدية ما يجنى عليه بعد موته، فإنّها لا مالك لها،بل تصرف عنه في وجوه القرب كما في الصحيح (4)، و عليه الأكثر،بل في الغنية الإجماع عليه (5).و حينئذٍ فالأصح ما عليه الأكثر عملاً بظواهر أدلتهم المتقدمة السليمة عما يصلح للمعارضة.

ص:123


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:316،و السبزواري في الكفاية:292،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:317.
2- النساء:12.
3- الكافي 7:2/139،الفقيه 4:744/232،التهذيب 9:1338/375،الوسائل 26:35 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 1.
4- انظر الكافي 7:1/347،و 4/349،الفقيه 4:404/117،التهذيب 10:1065/270،و 1073/273،الوسائل 29:324 أبواب ديات الأعضاء ب 24 ح 1،2.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):621.

و اعلم أنّه يجوز عندنا للحاكم أن يقضي بالشاهد الواحد و اليمين في الأموال و الديون مطلقاً،و بالجملة ما يكون مالاً أو يقصد منه المال،كما في عبائر الأكثرين كالمفيد،و الشيخ في الاستبصار و المبسوط و الخلاف،و الديلمي،و الحلّي (1)،قائلاً بأنّه مذهب جميع أصحابنا،و عليه عامّة المتأخرين و متأخريهم،و في جملة من عبائرهم نفي الخلاف عنه،أو دعوى الإجماع عليه.

خلافاً للشيخ في النهاية و التقي و ابن زهرة (2)فخصوا القضاء بهما في الديون خاصّة،و ادّعى الأخير عليه إجماع الإمامية.

و لا ريب في وهنه إن أراد بالدين معناه الأخص؛ إذ لم يذهب إليه عدا الناقل و نادر.مع رجوع الشيخ عنه في كتبه الثلاثة مدعياً عليه في الخلاف الإجماع (3)،و مع ذلك معارض بإجماع الحلّي و الشيخ نفسه في الخلاف و غيره المتقدم المعتضد بما ذكرناه من عبائر الأكثرين،و أنّه عليه عامّة المتأخّرين.

فلا إشكال في التعميم،سيّما مع ما يظهر من الفاضل في المختلف (4)من نفي الخلاف فيه،حيث حمل الدين في كلام النهاية على المال مطلقاً،بل ادّعى الإجماع فيه في محل آخر (5)،و هو ظاهر في ورود الدين بالمعنى العام الشامل له،بل يظهر من مجمع البحرين (6)وروده

ص:124


1- المفيد في المقنعة:726،الإستبصار 3:35،المبسوط 8:189،الخلاف 6:274،الديلمي في المراسم:233،الحلّي في السرائر 2:140.
2- النهاية:334،الكافي في الفقه:438،الغنية(الجوامع الفقهية):624.
3- الخلاف 6:274.
4- المختلف:725.
5- المختلف:716.
6- مجمع البحرين 6:252.

لمطلق الحقوق،و عليه فيمكن حمل عبارة من عدا النهاية عليه أيضاً، فيرتفع الخلاف.

و لعله لهذا لم يشر إلى الخلاف هنا أحد من الأصحاب.

و يدلُّ على العموم مضافاً إلى إطلاق كثير من النصوص خصوص كثير من النصوص،ففي الصحيح في الفقيه:« لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل الواحد،إذا علم منه خير،مع يمين الخصم في حقوق الناس،فأمّا ما كان من حقوق اللّه تعالى و رؤية الهلال فلا» (1).

و قريب منه النصوص الدالّة على قضائه(عليه السّلام)بهما في الحقوق (2)، لكن بلفظ الحق المفرد،و هو يشمل الدين و غيره من الأموال.

و الصحيح المتضمن لتخطئة علي(عليه السّلام)شريحاً في عدم قضائه بالشاهد و اليمين في دعواه لدرع طلحة مشهور،و هو طويل،و قال في آخره:« فغضب عليّ(عليه السّلام)،و قال:خذوها» أي الدرع« فإنّ هذا قضى بجور ثلاث مرّات» (3)و جعل(عليه السّلام)منها عدم اعتباره الشاهد و اليمين،فقال:« ثمّ أتيتك بالحسن،فقلت:هذا واحد،و لا أقضي بشهادة رجل واحد،حتى يكون معه آخر،و قد قضى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بشهادة واحد و يمين».

و ما يقال في تضعيف دلالته من أنّه(عليه السّلام)إنّما أنكر عليه قوله:

و لا أقضي بشهادة واحد،حيث أطلق ذلك في كل موضع،فأراد(عليه السّلام)أن ينبّهه على خطائه و أنّ هذا ليس بعام في سائر الحقوق؛ لأنّ فيها ما يقضى

ص:125


1- الفقيه 3:104/33،التهذيب 6:746/273،الإستبصار 3:116/33،الوسائل 27:268 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 12.
2- الوسائل 27:264 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14.
3- الكافي 7:5/385،الفقيه 3:213/63،التهذيب 6:747/273،الإستبصار 3:117/34،الوسائل 27:265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 6.

فيه بشهادة واحد مع يمين صاحب الحق و هو الدين،فكان ينبغي أن يستثنيه و لا يطلق القول إطلاقاً فلعله بعيد عن ظاهر سياق الرواية .

و لا تعارضها النصوص الدالة على كون متعلّق قضاء النبي(صلّى اللّه عليه و آله) و الأمير(عليه السّلام)هو خصوص الدين،كالصحيح:« كان(صلّى اللّه عليه و آله)يجيز في الدين شهادة رجل واحد،و يمين صاحب الدين،و لا يجيز في الهلال إلّا شاهدي عدل» (1)و نحوه آخر في قضاء عليّ(عليه السّلام) (2).

و الموثق:« كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يقضي بشاهد واحد و يمين صاحب الحق،و ذلك في الدين» (3).

و نحوه الخبر:« قضى(عليه السّلام)بشهادة رجل واحد،مع يمين الطالب في الدين» (4).

لضعف دلالة الصحيحين منها على عدم قضائه فيما عدا الدين.

و ما دل عليه منها ما بين قاصر أو ضعيف سنداً؛ و مع ذلك فلا دلالة فيهما إلّا على أنّ قضاءه(عليه السّلام)بذلك كان في الدين و لم يقض به في غيره،و هو أعم من عدم جواز القضاء به فيه،فقد يجوز و لكن لم يتفق له(عليه السّلام)،فتأمّل .

و مع ذلك فهما كالصحيحين قاصران عن المقاومة لما قدمناه من

ص:126


1- الكافي 7:8/386،التهذيب 6:740/272،الإستبصار 3:108/32،الوسائل 27:264 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 1.
2- الكافي 7:1/385،التهذيب 6:749/275،الإستبصار 3:111/33،الوسائل 27:268 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 11.
3- الكافي 7:3/385،التهذيب 6:742/272،الإستبصار 3:109/32،الوسائل 27:265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 5.
4- التهذيب 6:754/273،الإستبصار 3:110/32،الوسائل 27:268 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 10.

الأدلة من الإجماعات المنقولة،و النصوص الكثيرة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي هي الآن إجماع في الحقيقة،فلتطرح هذه الروايات على تقدير وضوح دلالتها،أو تحمل على ما حمل عليه عبارة النهاية و من ضارعه كما فعله جماعة (1).

و مما ذكرنا ظهر المستند في حكم أصل المسألة،مضافاً إلى دعوى الإجماع منّا عليه في الجملة في المسالك و غيره (2)،و نفى عنه الخلاف كذلك جماعة (3)،و النصوص به زيادة على ما قدمناه مستفيضة كادت تبلغ مع ما مضى التواتر،بل لعلها متواترة،هذا.

مضافاً إلى فحوى المعتبرة،منها الصحيح:« أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين،يحلف باللّه تعالى أنّ حقّه لحقّ» (4).

و الموثق (5)بل الصحيح (6)و غيره (7):« إذا شهد لطالب الحق امرأتان و يمينه جائز» و بمضمونها أفتى أكثر الأصحاب،و هو الأصح.

ص:127


1- انظر مجمع الفائدة 12:435،و الكفاية:272.
2- المسالك 2:375،مجمع الفائدة 12:430،433،روضة المتقين 6:150،مرآة العقول 24:229.
3- منهم الكاشاني في المفاتيح 3:264،و السبزواري في الكفاية:272.
4- الكافي 7:7/386،الفقيه 3:106/33،التهذيب 6:739/272،الإستبصار 3:107/32،الوسائل 27:271 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 15 ح 3.
5- الفقيه 3:105/33،الوسائل 27:271 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 15 ح 1.
6- في« ح» و« س» زيادة:كما في الروضة.
7- الكافي 7:6/386،التهذيب 6:738/272،الإستبصار 3:106/31،الوسائل 27:271 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 15 ح 4.

خلافاً للحلّي (1)و الماتن،كما سيأتي مع التحقيق في المسألة في كتاب الشهادات إن شاء اللّه تعالى.

و لا يقبل الشاهد و اليمين و لا يقضى بهما في غيره أي غير ما ذكر من المال و ما يقصد منه مثل الهلال،و الحدود،و الطلاق المجرد عن المال، و القصاص بلا خلاف؛ للأصل،مع اختصاص ما مرّ من الفتوى و النص بقبولهما في المال،مع تصريح جملة من الثاني بالمنع عن قبولهما في الأوّلين،و بعض منه و إن دل على قبولهما في مطلق حقوق الناس الشامل لنحو القصاص،سيّما إذا قوبلت فيه بحقوق اللّه تعالى،إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الإطباق على تقييده بالمال.

و يشهد له أخبار اختصاص قضائهما صلّى اللّه عليهما و آلهما بهما في الديون خاصّة بعد حملها عليه،فلا إشكال في عدم جواز القضاء بهما فيما عداه،و إن كان يظهر من الكفاية (2)نوع تردّد له فيه لولا الإجماع.

و في قبولهما في النكاح و الخلع و العتق بأقسامه و الوقف خلاف، فبين:

مانع عنه فيما عدا الأخير،كالشيخ في المبسوط و الحلّي في السرائر (3).

و مانع عنه في الأوّل،كالديلمي و الحلبي و فخر الدين و شيخنا الشهيد الثاني في الروضة (4)،مدّعياً هو كسابقه أنّه الأشهر بين الطائفة،قالا:لأنّ

ص:128


1- السرائر 2:138.
2- الكفاية:272.
3- المبسوط 8:189،السرائر 2:142.
4- المراسم:233،الكافي في الفقه:439،إيضاح الفوائد 4:348،الروضة 3:102.

المقصود الذاتي منه الإحصان،و إقامة السنّة،و كفّ النفس عن الحرام، و النسل،و أمّا المهر و النفقة فإنّهما تابعان.

و مفصِّل فيه بين دعوى المرأة فالقبول؛ لتضمنها المهر و النفقة، و دعوى الرجل فالمنع؛ للأصل،كشيخنا في المسالك و بعض من تبعه (1)، وفاقاً للفاضل في القواعد و التحرير (2)،و في الروضة أنّ القائل بالقبول مطلقاً غير معلوم (3).

و متوقّف فيه،كالماتن في الشرائع و الشهيد في الدروس (4).

و مانع عنه في الثاني،كالفاضل في الإرشاد و التحرير و القواعد و الشهيد في الدروس و اللمعة (5)،و نسبه في الروضة إلى الأكثر (6)،و اختار فيها و في المسالك التفصيل فيه بين دعوى المرأة فالمنع؛ لما مرّ،و دعوى الرجل فالقبول،قال:فإنّ دعواه يتضمن المال و إن انضمّ إليه أمر آخر، فينبغي القطع بثبوت المال كما لو اشتملت الدعوى على الأمرين في غيره كالسرقة،فإنّهم قطعوا بثبوت المال،و هذا قويّ،و جزم به في الدروس (7).

و مانع عنه في الثالث،و هو المشهور كما في المسالك و الروضة قال:

لتضمنه إثبات الحرية و هي ليست بمال (8).

ص:129


1- المسالك 2:376؛ و انظر المفاتيح 3:264.
2- القواعد 2:213،التحرير 2:192.
3- الروضة 3:102.
4- الشرائع 4:136،الدروس 2:97.
5- الإرشاد 2:162،التحرير 2:192،القواعد 2:213،الدروس 2:97،اللمعة(الروضة البهية 3):99.
6- الروضة 3:99.
7- الروضة 3:100،المسالك 2:376،الدروس 2:98.
8- المسالك 2:376،الروضة 3:100.

و قيل:يثبت بهما؛ لتضمنه المال من حيث إنّ العبد مال للمولى،فهو يدّعي زوال الماليّة (1).

و ظاهر اللمعة عدم الخلاف في المنع عن القبول في التدبير و الكتابة و الاستيلاد،و بذلك صرح في الروضة فقال:و ظاهره عدم الخلاف فيها،مع أنّ البحث آت فيها،و في الدروس ما يدل على أنّها بحكم العتق،لكن لم يصرحوا بالخلاف فلذا أفردها (2).انتهى.

و اختلف كلام الفاضل في التحرير و القواعد،ففي كتاب العتق و التدبير قطع بثبوتهما بهما من غير نقل خلاف (3)،و في هذا الباب منه قطع بعدم ثبوتهما بهما كذلك (4)،و توقف في الدروس مقتصراً على نقل القولين (5).

و مانع عنه في الرابع،إمّا مطلقاً كالشيخ في الخلاف (6)،أو مع عدم انحصار الموقوف عليه كالشهيدين في الدروس و المسالك و غيرهما (7)، و قاض بهما مطلقاً كالشيخ في المبسوط،و الحلّي في السرائر،و الحلبي، و الفاضل في القواعد،و غيرهم (8).

و مبنى الخلاف عندهم على أنّه هل ينتقل ملك الوقف إلى الموقوف

ص:130


1- انظر القواعد 2:101،و التحرير 2:78.
2- الروضة 3:100،الدروس 2:97.
3- التحرير 2:82،القواعد 2:101.
4- التحرير 2:192،القواعد 2:213.
5- الدروس 2:97.
6- الخلاف 6:280.
7- الدروس 2:97،المسالك 2:377؛ و انظر كشف اللثام 2:344.
8- المبسوط 8:190،السرائر 2:142،الكافي في الفقه:438،القواعد 2:213؛ و انظر الشرائع 4:137.

عليه،أم إلى اللّه عزّ و جلّ،أمّا الأوّل مع الانحصار،و الثاني مع عدمه،أو يبقى على ملك الواقف؟أقوال،و الأكثر على الأوّل،بل جعله الأوّلان مقتضى المذهب،و نسبه الأخيران إلينا،معلّلين مختارهم هنا بذلك،فقالا:

لأنّه عندنا ينتقل إلى الموقوف عليه.

و ظاهرهم كما ترى دعوى الإجماع عليه،و يفهم أيضاً من ابن زهرة في الغنية في كتاب الوقف (1)،بل ادّعى على خروجه عن ملك الواقف إجماع الإماميّة كالشيخ في الخلاف (2)،و هذا هو الأظهر للإجماعات المنقولة حد الاستفاضة.

مضافاً إلى ما استدلوا عليه زيادة على ذلك من أنّه مال لا بدّ له من مالك،و اختصاص الموقوف عليه به دون غيره دليل على أنّه المالك.و كذا جميع أحكام الملك،و الامتناع عن نقله لا يخرج[ه]عن ملكيته كأُمّ الولد و الأموال المرهونة.

و أنّه قد يجوز بيعه في بعض الأحوال عند علمائنا،و إنّما يجوز لو كان ملكاً له.

و أنّه يضمن باليد و القيمة.فلا ريب في جواز القضاء بهما في هذا.

و يبقى الكلام في الجواز فيما تقدمه،و ثبوته فيه مطلقاً غير بعيد؛ لإطلاق جملة من النصوص المتقدمة و عموم بعضها بثبوت حقوق الناس بهما (3)،و هو يشمل ما نحن فيه جدّاً،و يقتصر في تخصيصه بالمال على الإجماع المفيد له،و ليس في محل البحث؛ لمكان الخلاف،و إلى هذا

ص:131


1- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
2- الخلاف 3:539.
3- راجع ص 125.

يميل في الكفاية (1).

و فيه نظر؛ لظهور الإجماع من تتبع الفتاوي و دعواه في كلامهم على التخصيص المزبور كلّيّاً،و لا ينافيه الخلاف هنا بعد ظهور كلمات القاضي بهما في محله في أنّ الباعث له على ذلك إنّما هو دعواه كون المتعلق مالاً و لو مآلاً،و هو صريح في عدم الخروج عن مقتضى التخصيص المجمع عليه،بل التزام به منه،و حينئذٍ فلا بدّ من تحقيق معنى تعلق الدعوى بالمال الموجب لقبول القضاء بهما،هل هو التعلق المقصود بالذات من الدعوى، أو مطلق التعلق و لو بالاستتباع.

و الذي يقتضيه النظر في كلماتهم أنّ المراد به إنّما هو الأوّل،و لذا لم يثبتوا بهما النسب و الرجعة بلا خلاف أجده،بل عليه الوفاق في المسالك (2)،مع أنّهما يستتبعان المال من النفقة و نحوها بلا شبهة.

و حينئذٍ فالأقوى في النكاح عدم القبول مطلقاً؛ لما مضى في كلام شيخنا الشهيد الثاني (3)،مضافاً إلى الأصل المعتضد بالشهرة.و كذا في الخلع لكن على التفصيل المتقدم في كلامه (4)،لما ذكره.

و لي في الثالث:توقف،و لكنّ الأصل يقتضي العدم،مع كونه أشهر.

و يشترط تقدم شهادة الشاهد الواحد و إقامتها أوّلاً و كذا تعديله قبل اليمين،ثم الإتيان بها.

و لو عكس ف بدأ باليمين قبل الشهادة أو التعديل وقعت لاغية،و يفتقر إلى إعادتها بعد الإقامة للشهادة،كما هنا و في الشرائع

ص:132


1- الكفاية:285.
2- المسالك 2:376.
3- راجع ص:129.
4- راجع ص:129.

و السرائر و التحرير و القواعد و اللمعتين و الدروس و المسالك (1)،و علّل الحكم فيه بأنّ وظيفة المدّعى بالأصالة إنّما هو البيّنة،و اليمين تتميم لها بالنص،ثم حكى الخلاف فيه عن بعض العامة،و هو ظاهر في عدم الخلاف فيه بيننا،و لذا نسبه في المفاتيح إلينا (2)،فلو تمّ إجماعاً،و إلّا فللنّظر فيه مجال،وفاقاً للكفاية (3)؛ لضعف التعليل،و إطلاق النصوص و كثير من الفتاوي.

و إن أمكن الذبّ عنه بعدم العبرة به في أمثال ما نحن فيه،أوّلاً:

بوروده لبيان حكم آخر غير ما نحن فيه.

و ثانيا:بتبادر التقديم منه،سيّما مع اشتماله على التقديم الذكري، و حينئذ فالوقوف مع الأصل يقتضي المصير إلى ما ذكروه؛ أخذاً بالمتيقن؛ و التفاتاً إلى ظهور الإجماع مما مرّ من العبائر،و من حال الحلّي و طريقته حيث لم يستند في فتاويه إلّا على الإجماع و نحوه من الأُصول القطعية.

و لا يحلف مع عدم العلم بما يحلف عليه،لأنّ الحلف من شرطه الجزم به،و هو يتوقف على العلم بكونه حقاً له على وجه يتميّز عن غيره و إن لم يعلمه مفصّلاً،فلا يجوز له الحلف بقول الشاهد،و لا بما يجده مكتوباً بخطّه،أو خطّ مورثه،و إن أمن التزوير ما لم يحصل العلم.

و لا يثبت مال غيره فلو ادّعى غريم الميت مالاً له على آخر مع شاهد فإن حلف الوارث ثبت،و إن امتنع لم يحلف الغريم،و لا يجبر

ص:133


1- الشرائع 4:92،السرائر 2:141،التحرير 2:193،القواعد 2:213،اللمعة(الروضة البهية 3):102،الدروس 2:98،المسالك 2:376.
2- المفاتيح 3:264.
3- الكفاية:272.

الوارث عليه،و كذا لو ادّعى المرتهن رهناً و أقام شاهداً واحداً أنّه للراهن لم يحلف؛ لأنّ يمينه لإثبات مال الغير،فلم يجز،بلا خلاف فيه و في السابق، بل ظاهر المسالك و غيره (1)كونه مجمعاً عليه بيننا.

و الأصل فيه بعده الأصل،مع عدم ما يدل على ثبوت الحق بيمين غير المستحق عدا إطلاق بعض النصوص،و في شموله لنحو محل البحث نظر؛ لنظير ما مرّ قريباً من التبادر و غيره،فتدبّر .فلا وجه للتأمّل فيه كما اتفق لبعض من تأخّر (2).

و هنا

مسألتان
الأولى لا يحكم الحاكم بإخبار حاكم آخر

مسألتان:الاُولى: لا يجوز أن يحكم الحاكم بإخبار حاكم آخر أي لا يمضي و لا ينفذ حكمه في واقعة إذا أنهاه إليه بإخباره و لا بالبيّنة (3)بثبوت الحكم المزبور عند غيره و هو الحاكم الآخر.

و لو اكتفى بالضمير و أسقط المضاف كان أخصر و أوضح.

و لا بكتابة إليه مطلقاً،إجماعاً في الثلاثة لو كان المحكوم به شيئاً من حقوق اللّه سبحانه؛ لبنائها على التخفيف؛ و لزوم درئها بالشبهة؛ و عدم ثبوتها بالإقرار و لو في الجملة.

و كذا لو كان من حقوق الناس في الإنهاء بالكتابة،بلا خلاف أجده إلّا من الإسكافي (4)،فأوجب الإنفاذ بها على الحاكم الثاني.

و هو شاذّ،بل على خلافه الإجماع في كثير من الكتب كالسرائر و التحرير و المختلف و القواعد و غيرها من كتب الأصحاب (5)،و هو الحجة

ص:134


1- المسالك 2:377؛ و انظر الكفاية:273.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:203.
3- في المطبوع من المختصر:283:بقيام البيّنة.
4- حكاه عنه في المختلف:706.
5- السرائر 2:176،التحرير 2:188،المختلف:706،القواعد 2:216؛ و انظر كشف اللثام 2:347،و المفاتيح 3:269.

على ضعفه.و لا يقدح فيها خروجه؛ لمعلومية نسبه.

مضافاً إلى الخبرين:« أنّ عليّاً(عليه السّلام)كان لا يجيز كتاب قاض إلى قاض في حدّ و لا غيره حتى وليت بنو أُمية،فأجازوا بالبيّنات» (1).

و ضعفهما منجبر بالشهرة العظيمة،و الإجماعات المحكية،و الأدلة القاطعة من الكتاب و السنّة المانعة عن العمل بالمظنّة،بناءً على أنّ الكتابة لا تورث العلم؛ لاحتمالها التزوير فيها،أو عبث الكاتب بها و عدم قصده ما فيها.

فلا ريب في ضعف ما اختاره،و إن مال إليه بعض متأخّري متأخّري الطائفة،قائلاً:إنّه قد يحصل الظن المتاخم للعلم أقوى من الذي حصل من الشاهدين،بل العلم بالأمن من التزوير،و انّه كتب قصداً لا غير،فإذا ثبت بأيّ وجه كان مثل الخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم بأنّ القاضي الفلاني الذي حكمه مقبول حكم بكذا يجب إنفاذه و إجراؤه من غير توقف،و يكون ذلك مقصود ابن الجنيد.و يمكن أن لا ينازعه أحد، و يكون مقصود النافي المنع في غير تلك الصور،بل الصورة التي لم تكن مأمونة من التزوير،و على تقديره لم يكن معلوماً كونه مكتوباً قصداً،و لهذا يجوز العمل بالمكاتبة في الرواية،و أخذ المسألة و العلم و الحديث من الكتاب الصحيح عند الشيخ المعتمد،كما جوّزوه في الأُصول لنقل الحديث (2).انتهى.

و فيه نظر؛ لأنّ ذلك فرع قيام دليل قاطع على جواز العمل بالظن

ص:135


1- التهذيب 6:840/300،841،الوسائل 27:297 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 28 ح 1 و ذيله.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:209.

مطلقا،و لم نجده في نحو محل البحث مما يتعلق بموضوعات الأحكام التي لم تتوقف عليها مطلقاً،و لو كان الظن للعلم متاخماً.

و مجرد كون الظن بالكتابة أقوى من الظن الحاصل من شهادة الشاهدين لا يوجب قطعيته و لا حجّيته إلّا على تقدير أن يكون حجّيتها من حيث إفادتها المظنّة،و هو ممنوع،بل كلمة القائلين بحجّيتها و سماعها هنا مطبقة على أنّها من جهة الأدلة الأربعة التي سيأتي ذكرها،و هي أدلة قاطعة، أو ظنّية ظنّاً مخصوصاً مجمعاً عليه،و مثلها لم يقم على اعتبار ظنّ الكتابة، بعد إمكان دفع الضرورة التي هي الأصل في تلك الأدلة بالإشهاد على الحكم،و إقامة البيّنة و إنفاذ الحاكم الثاني الحكم بها.

و بالجملة:لو كان السبب لاعتبار شهادة الشاهدين هو إفادتها المظنّة أمكن ما ذكره،أمّا لو كان قضاء الضرورة و غيره مما هو كالدليل القاطع فلا وجه له،و لا لقياس الكتابة بالشهادة،و لا بالاكتفاء بالرواية المكاتبة و أخذ المسألة و نحوهما مما ذكره؛ لأنّ مستند الاكتفاء بهذه الأُمور المعدودة في نحو الأحكام الشرعية إنّما هو من حيث قضاء الضرورة،و انسداد باب العلم بها بالكلية،و عدم إمكان تحصيلها إلّا بالمظنّة،و أنّ عدم اعتبارها حينئذ يوجب إمّا الخروج عن التكليف،أو التكليف بما لا يطاق،و هما ممتنعان قطعاً،عقلاً و شرعاً.

و هذا السبب يختص بها دون نحو ما نحن فيه مما لم ينسد فيه باب العلم و يمكن تحصيله،فيجب فيه تحصيل القطع،فإن حصل،و إلّا فيرجع إلى الأصل،و هذا طريق قطعي لا ينكر،مسلّم عند الكل حتى هذا القائل.

و يضعف قياس الكتابة هنا بها في الرواية زيادة على ذلك أنّه لو صح لزم اعتبارها هنا مطلقاً و لو لم يفد الظنّ الأقوى،بل و لو أفاد ظنّاً ما كفى

ص:136

للاكتفاء به في الرواية المكاتبة عند القائل بحجّيتها إن لم يحصل لها معارض أقوى،فما ذكره من التقييد بالظنّ الأقوى أو المتاخم لا وجه له أصلاً،بل ينبغي أن يطلق اعتبار الكتابة،كما هو ظاهر الإسكافي (1)و الأصحاب (2)الرادّين عليه في المسألة،هذا.

و في كلامه مناقشات أُخر يطول الكلام بذكرها،و إنّما المهم ممّا يرد عليه هو ما ذكرنا.

و كذا في الإنهاء بالبيّنة بمجردها من غير أن يشهدها الحاكم الأوّل على حكمه في الواقعة،بلا خلاف أجده من الأصحاب كافة.

نعم احتمل الإنفاذ بها مطلقاً البعض المتقدم إليه الإشارة (3)،معلّلاً بما يرجع حاصله إلى عدم تعقل مدخلية للإشهاد في اعتبارها،مع كونه داخلاً في عموم الأدلة الآتية التي عمدتها قضاء الضرورة و مسيس الحاجة إلى الإنفاذ بالبيّنة.

و هو حسن لولا عدم الخلاف في عدم الإنفاذ بها هنا،مع احتمال أن يمنع الدخول في العموم،بناءً على أنّ مسيس الحاجة إنّما يبيح الاكتفاء بالشيء لو لم يتصور اندفاعها إلّا به،و هي تندفع بالبيّنة التي أشهدها الحاكم،فلا وجه للاكتفاء بغيرها،بل الأصل الناهي عن العمل بالظنّ مع عدم مخرج عنه في محل البحث يقتضي المصير إلى ما ذكروه،و محصله وجوب استناد الحكم إلى القطع إلّا حيثما لا يمكن مع مسيس الحاجة إليه، فيجب تحصيل الأقرب إليه،و ليس إلّا المتفق عليه،و إلى هذا الأصل يشير كلام كثير في هذا البحث،و لا ريب في قوته و متانته.

ص:137


1- راجع ص 134.
2- راجع ص 134.
3- مجمع الفائدة و البرهان 12:211 212.

و أمّا عدم الإنفاذ بإخبار الحاكم،فمحل خلاف بين الأصحاب،فبين:

مختار له،كظاهر إطلاق المتن و نص الخلاف (1).

و مختار للإنفاذ،كالفاضل في القواعد و الإرشاد،و الشهيدين في الدروس و المسالك (2).

و متردّد فيه،كالماتن في الشرائع و الفاضل في التحرير (3)،ينشأ:

من الأصل المتقدم المعبر عنه في كلامهم بأنّه حكم من الثاني بغير علم و قد نهى اللّه تعالى عنه،خرج منه ما دل عليه دليل من خارج،فيبقى الباقي على الأصل.

و ممّا سيأتي إن شاء اللّه تعالى من جوازه مع الشهادة على حكمه فمع مشافهته أولى.

و فيه نظر؛ إذ المشافهة الموجبة للأولوية إنّما هي مشافهة حكمه الذي هو متعلق الشهادة،لا مشافهة إخباره به،فإن الأولوية هنا غير واضحة.و لعله إلى هذا يشير كلام بعض الأجلة حيث قال في منعها:فإنّ الغرض من الشهود إثبات حكم الحاكم لا إقراره به،و ليس إثباته بقول الحاكم أقوى من إثباته بشاهدين عدلين؛ إذ هما عدلان و هو عدل واحد، و قول العدلين حجة دون الواحد (4).انتهى.

و لكنه خلاف الإنصاف.

و كل من منع هنا يلزمه المنع عن الإنفاذ بالبيّنة التي أشهدها الحاكم

ص:138


1- الخلاف 2:595.
2- القواعد 2:217،الإرشاد 2:165،الدروس 2:92،المسالك 2:380.
3- الشرائع 4:96،التحرير 2:188.
4- مجمع الفائدة و البرهان 12:211.

مع عدم حضورها مجلس الحكم و الدعوى بطريق أولى.

و في قبولها على القول الآخر إشكال،لكنه ظاهر كل من قال به ممّن مرّ،و نسبه في المسالك إلى الأكثر (1)بعد أن اختاره بأدلة،منها:أنّ الأدلة الآتية الدالة على تسويغ أصل هذا الإنفاذ آتية في هذه الصورة.

و فيه مناقشة تقدم إلى وجهها الإشارة،مع أنّه لو شملت الأدلة الآتية هذه الصورة لشملت صورة ما إذا لم يشهد الحاكم البيّنة،كما احتمله البعض المتقدم إليه الإشارة (2)،فما هو الجواب عن هذا فهو الجواب عمّا ذكره،فتأمّل .

و كيف كان الاحتياط في المقامين يقتضي المصير إلى العدم،سيّما في الثاني؛ عملاً بالأصل؛ و اقتصاراً على المتيقن.

نعم لو حكم الحاكم الأوّل بين الخصوم و أثبت الحكم و أشهد على نفسه و حكمه شاهدين عادلين حضرا الدعوى و سمعاها و إقامة شهادة الشاهدين على المدّعى و حكم الحاكم و شهد ال شاهدان بحكمه عند آخر وجب على الحاكم المشهود عنده إنفاذ ذلك الحكم على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و به صرح جمع (3)معربين عن دعوى إجماعهم عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى ما ذكروه من مسيس الحاجة في إثبات الحقوق مع تباعد الغرماء،و تعذّر نقل الشهود من البلاد المتباعدة،أو تعسّرها،و عدم مساعدة شهود الفرع أيضاً على النقل،و الشهادة الثالثة غير مسموعة،و أمّا

ص:139


1- المسالك 2:381.
2- راجع ص 137.
3- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:261.

الشهادة على الحكم فهي بمنزلة الثانية،فتكون مسموعة.

و أنّها لو لم تشرع لبطلت الحجج مع تطاول المدّة،و لأدّى إلى استمرار الخصومة في الواقعة الواحدة،بأن يرافعه المحكوم عليه إلى آخر.

و أنّ الغريمين لو تصادقا أنّ حاكماً حكم عليهما ألزمهما الحاكم ما حكم به الأوّل إجماعاً في الظاهر المصرح به في بعض العبائر (1)،فكذا إذا قامت البيّنة؛ لأنّها تثبت ما لو أقرّ الغريم به لزم،هذا.

مع أنّ القائل بالمنع هنا غير معروف،و إن حكاه الأصحاب في كتبهم،و يظهر من المختلف أنّه جماعة،لكنه قال:و ربما منع من ذلك جماعة من علمائنا (2).

و فيه نوع إيماء إلى عدم قطعه بمخالفتهم،و حجتهم مع ذلك غير واضحة عدا الأصل المخصص بما مرّ من الأدلة.

و ما يستفاد من الماتن في الشرائع و غيره (3)من فتوى الأصحاب بأنّه لا يجوز كتاب قاضٍ إلى قاضٍ و لا العمل به،و الخبرين المتقدمين (4)، فضعفهما ظاهر؛ لاختصاصها بغير محل النزاع،و هو المنع من كتاب قاضٍ إلى قاضٍ و إجازة العمل به،و نحن نقول به.

نعم ربما كان في ذيل الخبرين ما يعرب عن المنع عن كتاب قاضٍ إلى قاضٍ مطلقاً و لو كان مع البيّنة،لكن ضعفهما سنداً،و عدم جابر لهما هنا،مع عدم مقاومتهما لشيء من الأدلة التي قدمناها،يضعف الاستناد إليهما،سيّما مع عدم صراحة دلالتهما،بل و لا ظهورهما في المنع عن

ص:140


1- كما في التنقيح الرائع 4:261.
2- المختلف:706.
3- الشرائع 4:97؛ و انظر المفاتيح 3:269.
4- في ص 135.

العمل بالبيّنة مطلقاً حتى التي نحن نقول بها؛ إذ البيّنة التي أجازته بنو أُميّة لعلها كانت البيّنة على صحة الكتابة لا على الحكم،أو عليه لكن من دون شرائطه المتقدمة.

الثانية في القسمة

الثانية: في بيان أحكام القسمة.

و إنّما ذكرت في كتب أكثر الأصحاب هنا مع أنّها بكتاب الشركة أنسب؛ لأنّ القاضي لا يستغني عن القسام للحاجة إلى قسمة الشركاء،بل القسام كالحكام.

و الأصل في شرعيتها الإجماع،بل الضرورة،و الكتاب و السنّة،قال اللّه تعالى وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى [1] (1)الآية.

و في اخرى وَ نَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ [2] (2).

و فعلها النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،فقد قسم خيبر على ثمانية عشر سهماً (3).

و قال:« الشفعة فيما لا تقسم،فإذا رفعت الحدود و عرف الطرق فلا شفعة» (4).

و روى أنّه كان لعليّ(عليه السّلام)قاسم يقال له:عبد اللّه بن يحيى،و كان يرزقه من بيت المال (5)،و لذا أفتى الأصحاب باستحباب أو وجوب أن يتخذ الإمام قاسماً،و أنّ رزقه من بيت المال،مع أنّ الحاجة تدعو إليها؛ إذ قد يتبرم الشركاء أو بعضهم بالمشاركة،أو يريدون الاستبداد بالتصرف، و الناس مسلّطون على أموالهم.

ص:141


1- النساء:8.
2- القمر:28.
3- المبسوط 8:133.
4- سنن البيهقي 6:102.
5- المبسوط 8:133.

و هي عندنا على الظاهر المصرح به في جملة من العبائر (1)مجرد تمييز الحقوق و الأنصباء بعضها عن بعض،و ليست بيعاً و إن اشتملت على ردّ؛ لعدم افتقارها إلى صيغة،و قبولها الإجبار،و تقدر أحد النصيبين بقدر الآخر،و البيع ليس فيه شيء من ذلك.و اختلاف اللوازم يدل على اختلاف الملزومات.و اشتراك كل جزء يفرض قبلها بينهما و اختصاص كل واحد بجزء معيّن و إزالة ملك الآخر بعدها بعوض مقدر بالتراضي ليس حد البيع حتى يدل عليه.

و تظهر الفائدة في عدم ثبوت الشفعة للشريك بها،و عدم بطلانها بالتفرق قبل القبض فيما يعتبر فيه التقابض في البيع،و عدم خيار المجلس، و قسمة الوقف من الطلق،و غير ذلك.

و لا يشترط حضور قاسم من قبل الحاكم،بل و لا من قبلهما في صحتها و لزومها،بلا خلاف؛ لأنّ المقصود وصول كل حق إلى صاحبه، فإذا حصل من الشركاء كفى بل هو أحوط لأنّه أبعد من التنازع، خصوصاً إذا كان من قِبَل الإمام(عليه السّلام)،فإنّه كالحاكم يقطع التنازع بين المتقاسمين.

و إذا عدّلت السهام بالأجزاء في متساويها كيلاً،أو وزناً، أو ذرعاً،أو عدّاً بعدد الأنصباء،أو بالقيمة في مختلفها،كالأرض و الحيوان و غيرهما كفت القرعة في تحقق القسمة و لزومها،بلا خلاف فيما لو كان القاسم من قِبَل الإمام،قالوا:لأنّ قرعته بمنزلة حكمه،و لذا يشترط فيه العدالة و المعرفة،فلا يعتبر رضاهما بعدها.

ص:142


1- كالقواعد 2:218،و إيضاح الفوائد 4:366،و الروضة البهية 3:113،و كشف اللثام 2:350.

و أمّا لو تراضيا بقاسم،أو تقاسمها بأنفسهما بالتعديل و الإقراع،ففي كفايتها عن الرضا هنا أيضاً مطلقاً،أم لا بدّ من اعتباره بعدها كذلك،أم الثاني إن كان قسمة ردّ،و إلّا فالأوّل،أقوال.

خيرها أوسطها،وفاقاً للشيخ و الفاضل في التحرير (1)؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدال على عدم اللزوم و بقاء الشركة بحالها على المتيقن من الفتاوى،و ليس إلّا اللزوم بقسمة قاسم الإمام أو غيره مع الرضا بعد القرعة لا مطلقاً.

خلافاً لإطلاق العبارة،بل ظاهرها و صريح جماعة كالفاضل في الإرشاد و القواعد (2)فالأوّل،بل قال في الأخير بالاكتفاء بالرضا و لو من غير قرعة،و تبعه الشهيدان في المسالك و اللمعة (3).

قيل:لصدق القسمة مع التراضي الموجبة لتمييز الحق (4).

و هو حسن[لو ورد (5)]نص معتبر بلزوم القسمة بقول مطلق، و لم أجده،و به صرح أيضاً في الكفاية (6).فدعوى إيجابها التمييز مطلقاً مع مخالفته الأصل محلّ نظر.

و بالجملة:يجب الوقوف في كل حكم مخالف للأصل لم يرد به النص بحيث يقتضيه خصوصاً أو عموماً على المتفق عليه المتيقن.و إلى ما ذكرناه يشير كلام فخر الإسلام في منع ما استدل به والده لمختاره من أنّ

ص:143


1- المبسوط 8:133،التحرير 2:202.
2- الإرشاد 2:154،القواعد 2:218.
3- المسالك 2:382،اللمعة(الروضة البهية 3):117.
4- قاله في الروضة 3:117.
5- في النسخ:لورود،و الظاهر ما أثبتناه.
6- الكفاية:273.

القرعة سبب التعيين،حيث قال:إنّ القرعة إنّما تعيّن بحكم الحاكم،أو تراضيهما بعدها،أمّا لا مع أحدهما فيمنع أنّها سبب التعيين؛ لأصالة بقاء الشركة (1).

و ظاهره حيث اقتصر على المنع و لم يردّه قبوله.

و للدروس و الروضة (2)،فالثالث،و لعل مستنده الجمع بين الدليلين.

و هو ضعيف في الغاية؛ لعموم مقتضاهما بلا شبهة،و لا شاهد على الجمع من إجماع أو رواية،هذا.

و يظهر من فخر الإسلام و الفاضل المقداد (3)عدم الإشكال بل و الخلاف في اعتبار الرضا في قسمة الردّ،حيث قالا بعد ذكر وجهي القولين بالاكتفاء و العدم:و هذا البحث إنّما هو في القسمة التي لا تشتمل على ردّ،و أمّا إن اشتملت على ردّ فلا بُدّ من التراضي كما في الابتداء،و كل قسمة يعتبر فيها التراضي بعد القرعة لا بد في التراضي من ذكر القسمة، كأن يقول:رضيت بها.

و اعلم أنّ كل ما يتساوى أجزاؤه وصفاً و قيمةً،و يعبر عنه بالمثلي،لو التمس أحد المتشاركين فيه القسمة و امتنع عنها الآخر يجبر الممتنع على قسمته جامداً كان كالحنطة و الشعير و نحوهما من الحبوب و الثمار،أو مائعاً كالخلول و العسل و السمن و الأدهان.

و كذا يجبر على قسمة القيمي،و هو كل ما لا يتساوى أجزاؤه إذا لم يكن في القسمة ضرر و لا ردّ ك الدار المتفقة الأبنية و الأرض

ص:144


1- إيضاح الفوائد 4:369.
2- الدروس 2:117،الروضة 3:119.
3- إيضاح الفوائد 4:369،التنقيح الرائع 4:263.

المتشابهة الأجزاء و الخشب و غير ذلك،و لا خلاف في دخول الإجبار في جميع ذلك،على الظاهر المصرح به في الكفاية (1)،و يظهر من غيره (2)؛ لأنّ للإنسان ولاية الانتفاع بماله،و الانفراد أكمل نفعاً،و يسمّى قسمة إجبار.

و أمّا مع الضرر أو الردّ ف لا يجبر الممتنع على القسمة إن لزمه أحدهما بلا خلاف فيه أيضاً،على الظاهر المصرح به في الكتاب المتقدم؛ إذ لا ضرر و لا إضرار،و الردّ معاوضة محضة يستدعي التراضي، و يسمّى قسمة تراض.

و التعليل الأخير و إن اقتضى منع دخول الإجبار في أصل القسمة لتضمنها شبه المعاوضة بل نفسها و إن كانت معاوضة على حدةٍ،لا بيعاً، و لا غيره،إلّا أنّه خارج بعدم الخلاف فيه كما مر،بل الإجماع كما يظهر من بعض مَنْ تأخر (3).

و لو لزمهما الضرر معاً أو الملتمس خاصّة و كان طلب القسمة معه يوجب سفهاً لم يجبر الممتنع أيضاً،بل لم يجز له و لا للحاكم الإجابة، بلا خلاف أجده،و وجهه واضح تقدم هو و بعض ما يتعلق بالمقام من تحقيق الضرر و الاختلافات فيه و غيره.

النظر الرابع في الدعوى

الفصل الأول في المدعي
اشارة

النظر الرابع في بيان الدعوى و ما يتعلق بها و هي تستدعي أن نذكر هنا

ص:145


1- الكفاية:273.
2- انظر المفاتيح 3:87.
3- انظر مجمع الفائدة و البرهان 10:219.

فصولاً ثلاثة:

الأول: في بيان المدّعى و قد اختلف الفقهاء في تفسيره، فقيل:إنّه هو الذي يترك و يخلّى سبيله لو ترك الخصومة و لم يطالب بشيء.

و قيل:إنّه الذي يدّعي خلاف الأصل،أو أمراً خفياً خلاف الظاهر،و يقابله المنكر على التعريفين.

و ظاهر العبارة هنا و في الشرائع و القواعد و الروضة (1)انحصار الخلاف في قولين،و حكي التصريح به عن عميد الرؤساء في شرح القواعد،فقال:

و قد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين،حكاهما المصنف،و كذا الشيخ نجم الدين في الشرائع (2).و هو ظاهر التنقيح (3).

و لكن الظاهر من باقي الأصحاب كفخر الدين و الشهيد في الدروس و المهذب و الصيمري و شيخنا في المسالك و جملة ممن تبعه (4)،بل صريحهم أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة:

ثالثها:المعطوف بأو في العبارة خاصّة في مقابل الثاني و هو المعطوف عليه خاصّة.و ربما ينسب إلى فخر الدين جعله هو المعطوف مع المعطوف عليه مردّداً بينهما كما في العبارة،و لم أجده في الإيضاح.

ص:146


1- الشرائع 4:106،القواعد 2:208،الروضة 3:76.
2- كنز الفوائد 3:471.
3- التنقيح الرائع 4:266.
4- إيضاح الفوائد 4:323،الدروس 2:83،المهذّب البارع 4:482،غاية المرام 4:251،المسالك 2:387؛ و انظر الكفاية:274،و كشف اللثام 2:335،و المفاتيح 3:270.

و لو صحت النسبة كان الفرق بين القولين حينئذ انحصار الدعوى في مخالف الظاهر على الثاني،و ثبوتها بمخالفة الأصل أيضاً على الأوّل.

فظهر فساد توهم اتحادهما؛ لتواردهما على ثبوت الدعوى بمخالفة الظاهر،فلا شهادة في كلام الفخر من هذه الجهة على انحصار الخلاف في القولين،مع أنّه صرح سابقاً بما قدّمنا إليه الإشارة.

و كيف كان،القائل بالأوّل معروف،و هو الماتن هنا و في الشرائع و الشهيدان في اللمعتين و غيرهم (1)،و لعله المشهور.و القائل بغيره مطلقا غير معروف،و إنّما ذكره الأصحاب قولاً،و لم يسمّوا له قائلاً،و مع ذلك لم يختاروا عدا ما ذكرنا من الأقوال شيئاً،و لم يذكروا لشيءٍ منها دليلاً.

و التحقيق في مثله يقتضي الرجوع إلى العرف و اللغة؛ لأنّهما المحكّمان فيما لم يرد به نص في الشريعة.

فنقول:الدعوى لغة الطلب،كما صرح به جماعة،كفخر الدين في الإيضاح و شارحي الكتاب في المهذب و التنقيح (2)،و لعل القول الأوّل أنسب به،و إن كان أعم منه،و لعل العرف يساعده أيضاً،بل ربما يساعد الثاني،كما أشار إليه المقدس الأردبيلي-(رحمه اللّه) فقال:الحق في معناه الأوّل،و قريب منه الثاني؛ لأنّه المتبادر عرفاً من المدّعى فيحمل عليه؛ لما تقرّر من أنّه إذا لم يكن للّفظ حقيقة شرعية يحمل على العرفي (3).هذا.

و أثر الاختلاف هيّن،إذ لا يختلف موجبه غالباً،كما إذا طالب زيد عمرواً بدين في ذمّته،أو عين في يده فأنكر،فزيد لو سكت ترك،

ص:147


1- الشرائع 4:106،اللمعة(الروضة البهية 3):76؛ و انظر القواعد 2:208.
2- إيضاح الفوائد 4:323،المهذّب البارع 4:482،التنقيح الرائع 4:266.
3- مجمع الفائدة و البرهان 12:115.

و يخالف قوله الأصل؛ لأصالة براءة ذمّة عمرو من الدين،و عدم تعلق حق زيد بالعين،قالوا:و يخالف قوله الظاهر من براءة عمرو.

و هو حسن مع قيام أمارات على براءته توجب ظهورها،و إلّا فظهورها ليس إلّا من جهة الأصل،و لعله غير الظهور المدّعى هنا فلا يقابل به.

و كيف كان،عمرو منكر على جميع التقادير؛ إذ لا يترك و سكوته، و يوافق الأصل و الظاهر على ما قالوه.

و قد يختلف،كما إذا أسلم زوجان قبل الدخول،فقال الزوج:أسلمنا معاً فالنكاح باقٍ،و قالت:مرتّباً فلا نكاح،فهي على الأوّلين مدّعية؛ لأنّها لو تركت الخصومة لتركت،و استمر النكاح المعلوم وقوعه،و الزوج لا يترك لو سكت؛ لزعمها انفساخ النكاح،و الأصل بقاؤه،و عبّروا عنه بأصل عدم التعاقب؛ لاستدعائها تقدم أحد الحادثين على الآخَر،و الأصل عدمه، و على الظاهر الزوج مدّع؛ لبعد التساوق،فعلى الأوّلين يحلف الزوج و يستمرّ النكاح،و على الثالث تحلف المرأة و يبطل.و كذا لو ادّعى الزوج الإنفاق مع اجتماعهما و يساره و ديانته،و أنكرته،فمعه الظاهر،و معها الأصل (1).

و يشترط فيه أي في المدّعى التكليف بالبلوغ و كمال العقل و أن يدّعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه بأن يكون وكيلاً،أو وصيّاً،أو وليّاً،أو حاكماً،أو أمينه،فلو ادّعى الصغير أو المجنون أو من لا ولاية له عليه لم تسمع دعواه،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و به

ص:148


1- انظر إيضاح الفوائد 4:324،و التنقيح الرائع 4:266،و الروضة البهية 3:77.

صرح بعض الأجلّة (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و اختصاص إطلاق ما دل على سماع الدعوى و أحكامها من النص و الفتوى بحكم التبادر و غيره بما إذا صدرت ممن اجتمعت فيه الشرائط المزبورة و غيرها.و يزيد الحجة على اعتبار التكليف تضمّن الدعوى أُموراً تتوقف عليه كإقامة البيّنة و نحوها.

و من الدليل السابق يظهر وجه اشتراط إيراد الدعوى بصيغة الجزم إمّا بأن يصرّح به،أو يطلق أنّ لي عليه كذا من دون تصريح بما يعرب عن عدم الجزم به من لفظ الظن و نحوه؛ لرجوع الإطلاق إليه بحكم التبادر،و به صرّح في الدروس و غيره (2).

و كون المدّعى به مملوكاً ممّن يصح تملكه،فلو قال:أظن الحق عليه،أو أتّهمه،أو قال:لي عليه خمر أو خنزير و نحوهما،و كان مسلماً لم تسمع منه الدعوى بلا خلاف في الأخير،و كذا في الأوّل إذا كان فيما لا يخفى.

و أمّا في غيره كالتهمة فقولان،ظاهر إطلاق الماتن هنا و صريحه في الشرائع و صريح الفاضل المقداد في شرح الكتاب و الكيدري و ابن زهرة (3)العدم،و نسبه في الكفاية إلى المشهور (4).

و فخر الدين و الشهيدان في نكت الإرشاد و المسالك و الروضة و المحقق الثاني (5)كما حكي على الثاني،وفاقاً منهم لبعض القدماء

ص:149


1- مجمع الفائدة و البرهان 12:115.
2- الدروس 2:84؛ و انظر مجمع الفائدة 12:124.
3- الشرائع 4:82،التنقيح الرائع 4:268،الغنية(الجوامع الفقهية):625.
4- الكفاية:266.
5- فخر الدين في إيضاح الفوائد 4:328،غاية المراد(مخطوط)الورقة:250،المسالك 2:366،الروضة 3:79،رسائل المحقق الكركي 2:219،220.

كابن نما (1).

و تردد فيه الفاضل في القواعد و الإرشاد و التحرير (2)،و هو ظاهر الصيمري و غيره (3).

ينشأ:ممّا قدمناه،مضافاً إلى أنّ الدعوى توجب التسلّط على الغير بالإلزام بالإقرار،أو بالإنكار،أو التغريم،و هو ضرر عليه منفي،و أنّها في معرض أن يتعقّبها يمين المدّعى أو القضاء بالنكول و هما غير ممكنين هنا؛ لاستحالة الحلف على الظن،و امتناع ثمرة النكول؛ إذ لا يستحل الغريم أن يأخذ بمجرد إنكار المدّعى عليه و نكوله عن اليمين؛ لاحتمال كونه للتعظيم أو غيره.

و من عموم قوله تعالى وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ [1] (4)فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ [2] (5)و أنّ الأصل عدم الاشتراط،و أنّه لو كان الجزم شرطاً لم يكف اللفظ المحتمل عند الحاكم،بل كان يجب عليه الاستفسار فيه،فيقول:هل أنت جازم أم لا؟ و التالي باطل،فالمقدم مثله.

بيان الملازمة:أنّ الجهل بالشرط يستلزم عدم الجزم بالمشروط، فلا يحصل الجزم بسماع الدعوى.

و في جميع هذه الأدلة الأخيرة نظر؛ لمنع العموم في الآية،و إنّما غايتها الإطلاق الغير المعلوم انصرافه إلى محل النزاع،و لو سلّم فلا دلالة

ص:150


1- حكاه عنه في الشرائع 4:82.
2- القواعد 2:208،الإرشاد 2:144،التحرير 2:186.
3- غاية المرام 4:229،و انظر المفاتيح 3:259.
4- المائدة:49.
5- النساء:65.

فيها على كون الحكم فيه سماع الدعوى،فقد يكون الحكم فيه ردّها كسائر ما يردّ فيه الدعاوي و لم تسمع إجماعاً.

و التمسك بأصالة عدم الاشتراط حسن حيث يكون إطلاق ينفع،أو عموم،و وجود كل منهما هنا غير معلوم،و عموم الآية على تقدير تسليمه دليل آخر،فلا يتم به الأصل .

و اشتراط الجزم إنّما هو في الصيغة لا في نفس الأمر و العقيدة،كما صرح به الشهيدان في النكت و المسالك،و الصيمري في شرح الشرائع (1)، قالوا:فإنّه من المعلوم أنّه إذا كان للإنسان بيّنة تشهد له بالحق و هو لا يعلم به له أن يدّعي عند الحاكم لتشهد البيّنة له.

و لعله لهذا نسب الجزم المعتبر في العبارة و غيرها إلى الصيغة خاصّة، تنبيهاً على عدم اعتباره في العقيدة،و حينئذ فلا يجب على الحاكم الاستفسار بعد ظهور الصيغة في الجزم و إن احتمل خلافه حيث لم يصرح به؛لما عرفت من رجوع الإطلاق إليه،هذا.

و لو سلمت هذه الأدلة فمفادها سماع الدعوى مطلقاً و لو لم يكن هناك تهمة أصلاً،و لم يقولوا به،بل ظاهرهم الإطباق على خلافه،و إن حكى القول بالإطلاق شيخنا الشهيد الثاني (2)،فإنّ قائله غير معروف و لا في كلام أحد عدا شيخنا مذكور،و لعله من العامّة،و على تقدير كونه منّا يصح النقض أيضاً جدلاً مع هؤلاء الجماعة،و لو ذبّ عنه بالإجماع على التقييد لم ينفع؛ لإيراثه الوهن في أدلتهم و لو بالإضافة إلى ما تقدم من الأدلة المعارضة.

ص:151


1- غاية المراد(مخطوط)الورقة:250،المسالك 2:266،غاية المرام 4:228.
2- المسالك 2:367.

و بالجملة:الظاهر ما عليه الماتن،و اللّه سبحانه هو العالم.

قالوا:و على الثاني إن حلف المنكر أو قضينا بالنكول فلا كلام،و إن لم نقض إلّا بردّ اليمين لم تردّ هنا؛ لعدم إمكانه،بل توقف الدعوى (1).

و منه يظهر ما في استدلال الشهيد في النكت (2)على اختياره له بأنّ فيه حسماً لمادة النزاع؛ لعدم انحسامها على تقدير النكول عن اليمين، و عدم إمكان الردّ و القضاء بالنكول.

نعم تنحسم على القول بالقضاء به،و هو لا يقول به،فلا يوافق دليله مختاره،إلّا أن يلتزم بحبس المنكر إلى أن يقرّ أو يحلف،كما ذكره الصيمري (3)،و لكنّه لم يذكره هو و لا من عداه،بل ظاهرهم إيقاف الدعوى، و به صرح بعضهم (4)،فتأمّل جدّاً.

مع أنّ حسم مادة النزاع غير منحصر في سماع الدعوى؛ لإمكانه بردّها أيضاً كسائر ما يردّ فيه الدعاوي إجماعاً،كما مضى (5).

و اعلم أنّ من كانت دعواه عقوبة كالقصاص،و حدّ القذف، فلا بُدّ من الرفع الى الحاكم،بلا خلاف يعرف،كما في الكفاية (6).

و إن كانت عيناً و تيقن استحقاقها فله انتزاعها عن المنكر و لو قهراً ما لم يثر فتنة،و لا يقف ذلك على إذن الحاكم بلا خلاف؛ لأنّه عين ماله فلا حاجة الى الرجوع في تحصيله إلى غيره فإنّ« الناس مسلّطون على

ص:152


1- انظر المسالك 2:367،و الكفاية:267،و المفاتيح 3:259.
2- غاية المراد(مخطوط)الورقة:250.
3- غاية المرام 4:230.
4- المسالك 2:367.
5- في ص 151.
6- الكفاية:275.

أموالهم» (1)و لو أدّى إلى الفتنة فلا بُدّ من الرفع إليه أو إلى من يؤمن معه منها؛ دفعاً لها.

و لو كانت ديناً و الغريم مقرّ به باذل له غير مماطل،أو مماطل،أو غير باذل مع إمكان الانتزاع بالحاكم أو كانت دعواه دينا مع جحوده أي الغريم،و لكن له عليه أي على الدين حجّة يتمكن معها من إثباته عليه عند الحاكم و انتزاعه منه بإعانته لم يستقل المدّعى حينئذ بالانتزاع من دون إذن الغريم،أو الحاكم حيث لا يمكن إذنه،بلا خلاف فيه فيما عدا الأخير.

للأصل،مع فقد ما يوجب الخروج عنه عدا تعلق حقه بذمّته،و ليس بمخرج؛ لأنّه أمر كلّي و للمديون التخيير في تعيينه من ماله،فلا يتعين في شيء منه بدون تعيينه،أو تعيين الحاكم حيث لا يمكن تعيينه بمماطلته أو عدم بذله.

و لا يتصور اعتبار إذن الحاكم إلّا في هاتين الصورتين،دون ما فرضه الماتن من بذل الغريم؛ لأنّ الحاكم إنّما (يتولي عن) [يلي على ] (2)الممتنع و من في معناه.

اللّهم إلّا أن يتصور حينئذٍ في غيبة الغريم مع حلول الدين و تضرّر المدّعى بالتأخير إلى حضوره،فيكون في معنى الممتنع،فيندفع به الاعتراض المتقدم،و إن أورده شيخنا في المسالك (3)على عبارة الماتن في الشرائع (4)القريبة من عبارته هنا،فتأمّل .

ص:153


1- عوالي اللئالئ 1:99/222،198/457،و ج 2:383/138،و ج 3:49/208.
2- في« ح»:يلي على.
3- المسالك 2:388.
4- الشرائع 4:108.

و أمّا عدم الاستقلال في الأخير فمختار الماتن هنا خاصّة؛ للاقتصار فيما خالف الأصل على موضع الضرورة،و هي هنا منتفية؛ لإمكان التوصل إلى الحق بالحكم بمعونة البيّنة؛ و لأنّ الممتنع عن وفاء الدين يتولّى القضاء عنه الحاكم و يعيّن من أمواله ما يشاء،و لا ولاية لغيره عليه.

خلافاً للأكثر،على الظاهر المصرح به في المسالك (1)،بل المشهور كما في كلام الصيمري و الكفاية (2)،و عليه عامّة المتأخّرين حتى الماتن في الشرائع (3)،و هو الأظهر؛ عملاً بعموم الأدلة التي ستذكر،بل صريح بعضها كما سيظهر،و بها يخصّ الأصل الذي مرّ،سيّما بعد التأيّد بأصالة عدم إلزام المدّعى بكلفة الترافع إلى الحاكم،و إقامة البيّنة و إحضارها مع تشتّتها، و احتمال ردّ الحاكم لها أو غيره ممّا يوجب سقوط الحكم كما قيل (4)،فتأمّل .

و العجب من بعض الأصحاب (5)حيث استدل للمختار بما روي عنه(صلّى اللّه عليه و آله)أنّه لما قالت له هند:يا رسول اللّه إنّ أبا سفيان رجل شحيح و أنّه لا يعطيني ما يكفيني و ولدي إلّا ما أخذت منه سرّاً و هو لا يعلم،فهل عليَّ في ذلك شيء؟فقال(صلّى اللّه عليه و آله):«خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف» (6).

فإنّ فيه:أنّ أمره(صلّى اللّه عليه و آله)لها بذلك لعله إذن منه لها من قِبَل ولايته على زوجها الممتنع،إلّا أن يمنع بتوقفه على استئذان هند إيّاه في ذلك،و الحال أنّها قد سألته،و السؤال يقتضي كون الأمر جواباً عن مسألة لا إذناً عن

ص:154


1- المسالك 2:388.
2- غاية المرام 4:254،الكفاية:275.
3- الشرائع 4:109.
4- انظر كشف اللثام 2:343.
5- المسالك 2:388.
6- صحيح مسلم 3:7/1338،سنن ابن ماجة 2:2293/769.

الممتنع و رخصته.

و فيه نظر.

و لو فات أحد الشروط المتقدمة بأن كانت دعواه عيناً أو ديناً، و الغريم منكر لا حجة له عليه،أو مقرّ غير باذل،أو باذل مماطل مع عدم إمكان الانتزاع بالحاكم و حصل للغريم في يد المدّعى مال كان له المقاصّة و أخذه عوضاً عن حقه من غير زيادة،بلا خلاف أجده فيما إذا لم يكن مال وديعة،و به صرّح جماعة (1)،بل يفهم الإجماع عليه من الغنية (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى قوله سبحانه فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ [1] (3)الآية،و قوله عزّ شأنه فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ [2] (4)و فحوى النبوي:« ليّ الواجد يحلّ عقوبته و عرضه» (5).

و خصوص النصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة،منها زيادة على ما مرّ إليه الإشارة في بحث سقوط الدعوى بإحلاف المنكر و لو أُقيم عليها البيّنة بعده (6)الصحاح المستفيضة:

منها:إنّي أُعامل قوماً فربما أرسلوا إليَّ فأخذوا منّي الجارية و الدابّة

ص:155


1- منهم المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة 9:126،و السبزواري في الكفاية:275،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:132.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):592.
3- البقرة:194.
4- البقرة:194.
5- مسند أحمد 4:388،سنن ابن ماجة 2:2427/811،سنن أبي داود 3:3628/313،الوسائل 18:333 أبواب الدين و القرض ب 8 ح 4.
6- راجع ص 77.

فذهبوا بها منّي،ثمّ يدور لهم المال عندي،فآخذ منه بقدر ما أخذوا منّي؟ فقال:« خذ منه بقدر ما أخذوا منك و لا تزد عليه» (1).

و منها:إنّي أُخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها،و الدابّة الفارهة فيأخذونها،ثمّ يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه؟فقال:« خذ مثل ذلك و لا تزد عليه» (2)و نحوه آخر (3).

و الحسنان كالصحيحين:قلت:رجل لي عليه دراهم فجحدني و حلف عليها،أ يجوز لي لو أن وقع له قِبَلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقّي؟قال:

فقال:« نعم،و لهذا كلام» قلت:و ما هو؟قال:« يقول:اللّهم إنّي لم آخذه ظلماً و لا خيانة،و إنّما أخذته مكان مالي الذي أخذ منّي،و لم أزدد عليه شيئاً» (4).

و لا يقدح تضمّنهما جواز القصاص مع الحلف،و اعتبارهما الدعاء المزبور؛ لاحتمال حمل الأوّل على الحلف من غير استحلاف،كما تقدم في البحث السابق (5)،و الثاني على الاستحباب،كما هو ظاهر الأصحاب؛ لخلوّ أكثر أخبار المسألة الواردة ظاهراً في بيان الحاجة عنه بالمرّة،مع اختلاف المتضمن له في بيان الكيفية،ففي بعض كما مرّ،و في آخر يقول:« اللّهم

ص:156


1- الفقيه 3:489/115،الوسائل 17:272 أبواب ما يكتسب به ب 83 ذيل الحديث 1.
2- التهذيب 6:978/347،الوسائل 17:272 أبواب ما يكتسب به ب 83 ذيل الحديث 1.
3- التهذيب 6:939/338،الوسائل 17:214 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 7.
4- الفقيه 3:485/114،التهذيب 6:982/348،الإستبصار 3:168/52،الوسائل 17:273 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 4.
5- راجع ص 79.

إنّي لم آخذ ما أخذت منه خيانةً و لا ظلماً و لكني أخذته مكان حقي» (1).

و في الفقيه:و في خبر آخر:«إن استحلفه على ما أخذ منه فجائز له أن يحلف إذا قال هذه الكلمة» (2).

و ظاهره اعتبار الدعاء لجواز الحلف لا لأصل جواز الأخذ ،كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة،فهذا أيضاً اختلاف آخر،مع قصور أسانيد الكل، و عدم مقاومته لما مرّ من وجوه عديدة تظهر لمن تدبّر،و مع ذلك فهو أحوط؛ حملاً للمطلق على المقيد،وفاقاً للصدوق في الفقيه،و الشيخ في التهذيب،إلّا أن ظاهرهما التعيين،و فيه نظر.

و مقتضى إطلاق النصوص و الفتاوي،بل ظاهرهما و صريح جملة منهما عدم الفرق في الحكم بين ما لو كان المال المقتص منه من غير جنس الحق أو من جنسه،قالوا:و يتخير في الأوّل بين أخذه بالقيمة العادلة فيما بينه و بين اللّه تعالى،و بين بيعه و صرفه في جنس الحق، و يستقل بالمعاوضة كما يستقل بتعيين أحد الفردين المخير بينهما.

قيل:و الرجوع إلى الحاكم في ذلك أولى (3).و لا ريب فيه إذا لم يخف به على حقه من التلف أصلاً.

و هل يتعين عليه أخذ الجنس إذا اجتمع مع غيره؟ظاهر إطلاق الأدلة كالعبارة و نحوها العدم،خلافاً للشهيدين و غيرهما (4)،فيتعين،و هو أحوط،و إن كان في تعيينه نظر.

ص:157


1- الفقيه 3:486/114،الوسائل 17:274 أبواب ما يكتسب به ب 83 ذيل الحديث 5.
2- الفقيه 3:487/114،الوسائل 17:274 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 6.
3- قاله في المسالك 2:389،و المفاتيح 3:132.
4- الدروس 2:85،المسالك 2:389؛ و انظر المفاتيح 3:132.

و أمّا الوديعة ففي جواز الاقتصاص منها مع الكراهة قولان:

أوّلهما ظاهر إطلاق المتن و نحوه،و صريح الشرائع،و الشيخ في التهذيبين،و الحلّي في السرائر،و الفاضل في الإرشاد و المختلف، و الصيمري في شرح الشرائع،و الفاضل المقداد في التنقيح،و الشهيدين في النكت و المسالك،و فيه و في الكفاية أنّه عليه أكثر المتأخّرين (1).

و هو كذلك،بل لعله عليه عامّتهم؛ لإطلاق الأدلة،بل عمومها الناشئ من لفظة« مَنْ» في الآية،و من ترك الاستفصال في الأخبار المتقدمة و غيرها،كالأخبار المتقدمة (2)في البحث المتقدم إليه الإشارة.

و الخبرين،في أحدهما:عن الرجل يكون له على الرجل[الدين] (3)فيجحده فيظفر من ماله بقدر الذي جحده،أ يأخذه و إن لم يعلم الجاحد بذلك؟قال:« نعم» (4).

و في الثاني:إنّه كان لي على رجل دراهم،فجحدني،فوقعت له عندي دراهم،فأقبض من تحت يدي مالي عليه؟و إن استحلفني حلفت أن ليس له عليّ شيء؟قال:« نعم» (5)الخبر،هذا.

مضافاً إلى خصوص جملة من المعتبرة،و منها:رواية هند المتقدمة،

ص:158


1- الشرائع 4:109،الاستبصار 3:53،التهذيب 6:349،السرائر 2:37،الإرشاد 2:143،المختلف:412،غاية المرام 4:254،التنقيح 4:269،غاية المراد(مخطوط)الورقة:249،المسالك 2:389،الكفاية:275.
2- في ص:77.
3- في النسخ:العين،و ما أثبتناه من المصادر.
4- التهذيب 6:986/349،الإستبصار 3:167/51،الوسائل 17:275 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 10.
5- التهذيب 8:1083/293،الوسائل 23:285 كتاب الأيمان ب 47 ح 1.

بناءً على أنّ مال الرجل في يدي امرأته كالوديعة (1).

و أظهر منها الخبر:عن رجل دفع إليه مال ليصرفه في بعض وجوه البرّ،فلم يمكنه صرف ذلك المال في الوجه الذي أمره به،و قد كان له عليه مال بقدر هذا المال،فقال:هل يجوز لي أن أقبض مالي أو أردّه عليه و أقتضيه؟فقال:« اقبض مالك مما في يدك» (2).

و أظهر منهما خبران آخران،بل هما صريحان،أحدهما الصحيح:أنّ شهاباً ما رآه أي أبا العباس في رجل ذهب له ألف درهم و استودعه بعد ذلك ألف درهم،قال أبو العباس:فقلت له:خذها مكان الألف الذي أخذه منك،فأبى شهاب،قال:فدخل شهاب على أبي عبد اللّه(عليه السّلام)فذكر له ذلك،فقال:« أمّا أنا فأحبّ إليّ أن تأخذ و تحلف» (3).

و محبته(عليه السّلام)ذلك مع الاتفاق على المرجوحية غير قادح في الحجية بعد احتمال خصوصية في واقعة شهاب أوجبت تلك المحبة.و دفعه بالأصل حسن إن لم يستلزم منه طرح الرواية المعتبرة و خروجها عن الحجية بالكلية،و أمّا مع الاستلزام كما فيما نحن فيه فلا؛ لعموم ما دل على حجية أمثال الرواية.مع أنّ فيه جمعاً بين الأدلة.

و في الثاني:رجل غصب رجلاً مالاً أو جاريةً ثم وقع عنده مال بسبب وديعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه،أ يحل له حبسه عليه أم لا؟ فكتب:« نعم يحل له ذلك إن كان بقدر حقه،و إن كان أكثر فليأخذ منه

ص:159


1- راجع ص 155.
2- التهذيب 6:984/348،الإستبصار 3:170/52،الوسائل 17:275 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 8.
3- التهذيب 6:979/347،الإستبصار 3:174/53،الوسائل 17:272 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 2.

ما كان عليه و ليسلّم الباقي إليه إن شاء اللّه» (1).

و قصور سنده إن كان كغيره منجبر بالشهرة العظيمة المتأخّرة،مع أنّ سند هذا ربما استظهر فيه الصحة،فهذا القول لا يخلو عن قوّة.

خلافاً للصدوق في الفقيه،و الشيخ في النهاية بل أكثر كتبه كما في المختلف،و التقي و الحلبي (2)،و الكيدري،و أبي علي الطبرسي،و ابن زهرة العلوي،فاختاروا المنع (3)،و ادعى الأخير عليه إجماع الإمامية،و مال إليه بعض متأخّري متأخّري الطائفة (4)..

له،و للكتاب،و السنّة المستفيضة الآمرة بردّ الأمانة،و خصوص المعتبرة،ففي الصحيح:عن الرجل يكون لي عليه حق فيجحدنيه،ثم يستودعني مالاً،أَ لي أن آخذ مالي عنده؟قال:« لا،هذه خيانة» (5).

و فيه:« من ائتمنك بأمانة فأدّها إليه،و من خانك فلا تخنه» (6)فتأمّل .

و في القريب منه بابن أبي عمير الراوي عن موجب قصوره،و هو ممن قد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه من رواياته (7)-:أنّ

ص:160


1- التهذيب 6:985/349،الإستبصار 3:173/53،الوسائل 17:275 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 9.
2- كذا في النسخ،و لعل المراد بالحلبي هو القاضي ابن البراج.
3- الفقيه 3:115،النهاية:307،الخلاف 3:461،المختلف:412،الكافي في الفقه:331،و حكاه عن القاضي في المختلف:412،و عن الكيدري في غاية المراد(مخطوط)الورقة:249،المؤتلف من المختلف 2:577،الغنية(الجوامع الفقهية):592.
4- مجمع الفائدة و البرهان 9:126 و 12:107 111،و انظر المفاتيح 3:132.
5- الكافي 5:2/98،الفقيه 3:483/114،التهذيب 6:438/197،الوسائل 17:275 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 11.
6- الفقيه 3:484/114،الوسائل 17:276 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 12.
7- رجال الكشي 2:830.

ابني مات و ترك مالاً في يد أخي فأتلفه،ثمّ أفاد مالاً فأودعنيه،فلي أن آخذ منه بقدر ما أتلف من شيء؟فأخبرته بذلك فقال:« لا،قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):أدّ الأمانة إلى ما ائتمنك،و لا تخن من خانك» (1).

و في الجميع نظر:فالأوّل:بأنّ غايته أنّه رواية صحيحة لا تعارض ما قدمناه من الأدلة المعتضدة بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون لنا الآن إجماعاً.

و الثاني:أوّلاً:بالمعارضة بالمثل من الكتاب و السنّة الدالة على جواز الاعتداء على المعتدي بمثل ما اعتدى به،و هذا أرجح بالشهرة و الاتفاق على العمل بها في مسألة التقاصّ و لو في الجملة،و التأيّد بأدلة نفي الضرر و العسر و الحرج في الشريعة،فتأمّل .

و ثانياً:بأنّه ليس بأولى من عمومات الأدلة الدالة على حرمة التصرف في مال الغير بغير رخصة و أنّه خيانة،فكما خصّصت بأدلة جواز المقاصة فلتكن العمومات المستدل بها هنا أيضاً مخصّصة.

و الثالث:أوّلاً:بما أُجيب به عن الإجماع المتقدم.

و ثانياً:بعدم الصراحة؛ لاحتمالها الحمل على الكراهة،أو على ما إذا لم يجتمع بعض شروط جواز المقاصّة المتقدمة التي منها عدم التمكن من الانتزاع منه إلّا بها،و عدم إحلافه سابقاً،و غير ذلك،فتحمل على صورة التمكن منه بغيرها أو إحلافه.

و يعضده تضمن هذه الروايات النهي عن الخيانة،و لا يحصل مع الأخذ مقاصّة؛ لأنّه في قوّة أداء الأمانة إلى من ائتمنه؛ لأنّه وفى منها دينه

ص:161


1- التهذيب 6:981/348،الإستبصار 3:172/52،الوسائل 17:273 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 3.

بإذن الشارع العام كما سبق،فكان بمنزلة أدائها إلى وكيله،و أداء الأمانة إليه قائم مقام الأداء إلى المالك،و لا تتحقق الخيانة بذلك؛ لأنّ استيفاء الحق ليس بخيانة،و إنّما مقتضى الخيانة أكل الوديعة بغير حق.

و إلى هذا يشير جملة من الروايات المتقدمة المتضمنة للدعاء،فإنّ في جملته:« اللّهم إنّي لم آخذه ظلماً و لا خيانةً،و إنّما أخذته بدل مالي الذي أخذه» (1)و هو كما ترى ظاهر في أنّ الأخذ بدل الحق ليس ظلماً و لا خيانة.

و قريب منها في الدلالة عليه الخبر:كتبت إلى أبي الحسن(عليه السّلام) فأخبرته أنّي قد أحلفته فحلف،و قد وقع له عندي مال فإن أمرتني أن آخذ منه الألف درهم التي حلف عليها،فكتب:« لا تأخذ منه شيئاً،إن كان ظلمك فلا تظلمه،و لو لا أنّك رضيت بيمينه،فحلفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك،و لكنّك رضيت بيمينه،فقد مضت اليمين بما فيها» (2)الخبر.

و هو كما ترى ظاهر في اختصاص اتصاف الأخذ بالظلم بصورة فقد شرط المقاصّة،و عدمه في صورة وجوده،و على هذا فلا تنافي بين الأخبار.

و في سماع الدعوى المجهولة كشيء أو ثوب أو فرس تردّد و اختلاف بين الأصحاب،فبين:

مانع عنه،كالشيخ في المبسوط،و الحلّي في السرائر،و الفاضل في التحرير،و الشهيد في الدروس (3)،جازمين به؛ لعدم فائدتها،و هو حكم

ص:162


1- راجع ص 156.
2- الكافي 7:14/430،التهذيب 6:802/289،الوسائل 27:246 أبواب كيفية الحكم ب 10 ح 2.
3- المبسوط 8:259،السرائر 2:177،التحرير 2:186،الدروس 2:84.

الحاكم بها لو أجاب المنكر بنعم،بل لا بد من ضبط المثلي بصفاته، و القيمي بقيمته،و الأثمان بجنسها و نوعها و قدرها و إن كان البيع و شبهه ينصرف إطلاقه إلى نقد البلد؛ لأنّه إيجاب في الحال و هو غير مختلف، و الدعوى إخبار عن الماضي و هو مختلف.

و قائل بأنّ أشبهه الجواز كالماتن هنا،و الفاضل في الإرشاد و القواعد،و فخر الدين في شرحه،و شيخنا في المسالك و الروضة (1)، و اختاره من متأخّري المتأخّرين جماعة (2)؛ لإطلاق الأدلة الدالة على وجوب الحكم من الكتاب و السنّة،و ما ذكر في وجه المنع غير صالح للتقييد و المانعية؛ لإمكان الحكم بالمجهول،فيحبس حتى يبيّنه كالإقرار، و لأنّ المدّعى ربما يعلم حقه بوجه ما خاصّة بأن يعلم أنّ له عنده ثوباً،أو فرساً،و لا يعلم شخصهما،و لا وصفهما،فلو لم تسمع دعواه لبطل حقه، فالمقتضي له موجود و المانع مفقود.

و لأنّه تسمع دعوى الوصيّة بالمجهول،و الإقرار به،و يستفسره الحاكم،بلا خلاف،كما في الإيضاح و المسالك و شرح الشرائع للصيمري و الكفاية (3)،بل إجماعاً كما في التنقيح (4)،فكذا يصح الدعوى و يستفسره الحاكم،و إلّا لزم الحرج و الضرر،مع عدم تعقل فرق بين الإقرار و الدعوى

ص:163


1- الإرشاد 2:143،144،القواعد 2:208،إيضاح الفوائد 4:327،المسالك 2:366،الروضة 3:79.
2- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:116،و السبزواري في الكفاية:266،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:335.
3- إيضاح الفوائد 4:327،المسالك 2:366،غاية المرام 4:228،الكفاية:266.
4- التنقيح الرائع 4:270.

إلّا من حيث إنّ المقرّ لو طولب بالتفصيل خيف من رجوعه،و المدّعي لا يرجع؛ لوجود داعي الحاجة فيه دونه،و هو غير كاف في ذلك؛ لما ذكرنا.

و هذا أقوى،و عليه فيلزم الخصم ببيان الحق المقرّ به،أو المثبت عليه بالبيّنة،و يقبل تفسيره بمسمّى الدعوى،و يحلف على نفي الزائد،أو عدم العلم به إن ادّعي عليه أحدهما.و منه يظهر أيضاً ضعف ما مرّ في وجه المنع من دعوى عدم الفائدة في الحكم بالدعوى المجهولة،فإنّ ما ذكرناه فائدة و أيّ فائدة.

و هنا

مسائل
الأولى: من انفرد بالدعوى لما لا يد عليه قضي له به

مسائل خمس:

الاُولى: من انفرد بالدعوى لما لا يد لأحد عليه قضي له به و أنّه ملكه يجوز ابتياعه منه و التصرف فيه بإذنه،بلا خلاف؛ لأنّه مع عدم المنازع لا وجه لمنع المدّعى منه،و لا لمطالبته البيّنة،و لا لإحلافه؛ إذ لا خصم حتى يترتب عليه ذلك.

و ربما يستدل عليه بعد الإجماع بل الضرورة بوجوب حمل أفعال المسلمين و أقوالهم على الصحة.

و هو بعد تسليم قيام دليل عليه سوى الإجماع أخصّ من المدّعى .

و من هذا الباب أن يكون بين جماعة كيس،فيدّعيه أحدهم من غير منازع له منهم و لا من غيرهم،فإنّه يقضى به له دون الباقين،كما في الموثق بل الصحيح كما قيل (1)و فيه:قلت عشرة كانوا جلوساً، و وسطهم كيس فيه ألف درهم،فسأل بعضهم بعضاً:أ لكم هذا الكيس؟

ص:164


1- انظر الكفاية:275.

فقالوا كلهم:لا،فقال واحد منهم:هو لي،قال:« هو للذي ادّعاه» (1).

الثانية لو انكسرت سفينة

الثانية: لو انكسرت سفينة مشغولة بأموال محترمة و غرقت في البحر و ما شاكله فما أخرجه البحر منها فهو لأهله،و ما أُخرج منها بالغوص فهو لمخرجه كما في النهاية و الإرشاد (2)؛ لرواية أُميّة بن عمرو عن الشعيري قال:سئل أبو عبد اللّه(عليه السّلام)عن سفينة انكسرت في البحر، فاُخرج بعضه بالغوص،و أخرج البحر بعض ما غرق فيها،فقال:

« ما أخرجه البحر فهو لأهله،اللّه تعالى أخرجه،و أمّا ما أُخرج بالغوص فهو لهم،و هم أحقّ به» (3).

و في الرواية كما ترى ضعف أو قصور،و مخالفة للأُصول؛ لأنّ الإخراج بالغوص لا يوجب خروجه عن ملك المالك؛ لعدم دليل على كون الغوص من المملّكات،إلّا أنّ العمل بها كما في ظاهر المسالك و صريح الكفاية (4)مشهور.

و صرح الحلّي في السرائر بالإجماع عليها بعد أن قيّدها بصورة يأس أرباب الأموال عنها؛ فإنّه قال بعد نقلها-:وجه الفقه في هذا الحديث أنّ ما أخرجه البحر فهو لأصحابه،و ما تركه أصحابه آيسين منه فهو لمن وجده و غاص عليه؛ لأنّه صار بمنزلة المباح،و مثله من ترك بعيره من جهد في غير كلاء و ماء،فهو لمن أخذه؛ لأنّه خلّاه آيساً منه و رفع يده عنه،فصار مباحاً،و ليس هذا قياساً؛ لأنّ مذهبنا ترك القياس،و إنّما هذا على جهة

ص:165


1- الكافي 7:5/422،التهذيب 6:810/292،الوسائل 17:273 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 17 ح 1.
2- النهاية:351،الإرشاد 2:143.
3- التهذيب 6:822/295،الوسائل 25:455 أبواب اللقطة ب 11 ح 2.
4- المسالك 2:389،الكفاية:275.

المثال،فالمرجع فيه إلى الإجماع و تواتر النصوص،دون القياس و الاجتهاد،و على الخبر إجماع أصحابنا منعقد (1)انتهى.

فإن جبرناها بالإجماع و الشهرة المنقولين،و إلّا ففي العمل بها لما مضى إليه الإشارة مناقشة،كما هو ظاهر الماتن هنا و في الشرائع (2)، و صريح جماعة (3).

و اختلفوا في تنزيلها:فأبو العباس في مقتصره (4)نزّله على ما ذكره الحلّي من التقييد بصورة اليأس،و آخرون (5)نزّلوه على صورة الإعراض عنها،كالمحقرات التي يعرض عنها،كما لو احتطب المسافر و خبز به أو طبخ ثم ترك الباقي معرضاً عنه؛ فإنّه يجوز لغيره أخذه.

و هم بين مطلق لحصول الملك للآخذ بإعراض المالك،و مقيّد له بكونه في المهلكة و بعد الاجتهاد في الغوص و التفتيش،و أمّا لو خلى عن المهلكة،أو لم يبالغ في التفتيش فإنّه لا يخرج عن الملك.

و في الجميع نظر؛ لعدم قيام دليل على جواز تملك الأموال بيأس أربابها،أو إعراضها عنها مطلقاً.

نعم غاية الأخير إفادة الإباحة،و مع ذلك لا يصلح شيء منها توجيهاً للرواية؛ إذ بعد تسليم صحتها لا تختص بإفادة التمليك في صورة الغوص خاصّة،بل يجري في صورة إخراج البحر لها أيضاً،مع أنّ الرواية صرّحت

ص:166


1- السرائر 2:195.
2- الشرائع 4:109.
3- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:271،و السبزواري في الكفاية:275،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:344.
4- المقتصر:380.
5- كالعلّامة في القواعد 2:213،و الشهيد الثاني في المسالك 2:389.

بأنّها حينئذ لأربابها،إلّا أن يذبّ عن هذا بالإجماع.و فيه نظر.

و الأولى وفاقاً للفاضل المقداد في شرح الكتاب و غيره (1)،عدم خروج شيء من ملك مالكه بشيء من ذلك.

نعم لو علم الإعراض منه يقيناً أفاد إباحة لا ملكاً،فلو استردّه المالك من الآخذ كان له ذلك مع وجود العين،و لا مع تلفها؛ للأصل في المقامين، مع وقوع التلف بإذنه المستفاد من إعراضه في الثاني فلا يتعقبه ضمان اليد، فتدبّر.

و حيث أخذ من دون علم بالإعراض كان حكمه حكم اللقطة،أو المال المجهول المالك.

الثالثة روي في رجل دفع إلى رجل دراهم

الثالثة: روى الشيخ في التهذيب في أوائل باب الزيادات من هذا الكتاب بسنده عن محمّد بن يحيى،عن علي بن إسماعيل،عن محمّد بن عمرو بالواو في نسخة و بدونها في أُخرى عن علي بن الحسين،عن حريز،عن أبي عبيدة قال:قلت لأبي جعفر و أبي عبد اللّه(عليهما السّلام): رجل دفع إلى رجل ألف درهم،و عبّر عنها الماتن ب دراهم اختصاراً مع عدم اختلاف المعنى،و ليس فيها كون الدفع بضاعة كما ذكره الماتن و غيره (2)،و لا مضاربة كما في السرائر (3)،و إن كان الظاهر منها أحدهما،بل فيها بعد ما مرّ بلا فصل يخلطها بماله و يتّجر بها قال: ف لمّا طلبها منه قال:ذهبت و في الرواية ذهب المال، و المعنى واحد و كان لغيره أي لغير الدافع معه أي مع المدفوع إليه

ص:167


1- التنقيح الرائع 4:272؛ و انظر المسالك 2:389.
2- التنقيح الرائع 4:273.
3- السرائر 2:38.

مثلها مال كثير لغير واحد ف قال:كيف صنع أُولئك؟قال: أخذوا أموالهم ف قال أبو جعفر و أبو عبد اللّه(عليهما السّلام)جميعاً: يرجع أي الدافع عليه أي على المدفوع إليه بماله الذي دفعه إليه و يرجع هو أي المدفوع إليه على أُولئك بما أخذوا (1).

و هذه الرواية مع قصور سندها كما ترى مخالفة للأُصول جدّاً؛ لأنّ الدفع فيها على جهة الأمانة بضاعة كانت أو غيرها،و مقتضاها عدم ضمان الأمين للعين بعد تلفها،إلّا أن يكون فرّط أو تعدّى،و ليس لذكرهما في الرواية عين و لا أثر أصلاً،و على تقدير الضمان بهما فلا وجه لرجوع الغارم بما غرمه إلى أُولئك الذين لهم المال؛ إذ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [1] :فلهذا قال الماتن هنا و في النكت (2)و غيره من الأصحاب (3): و يمكن حمل ذلك أي الحكم برجوع صاحب البضاعة على العامل بما له،و رجوعه على أُولئك بما أخذوا على من أي عاملٍ خلط المال المدفوع إليه بأموال أولئك و الحال أنّه لم يأذن صاحبه في ذلك و أذن له الباقون فيه.

و الأصل في هذا الحمل الحلّي في السرائر،حيث قال بعد نقل الخبر:هذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته،و وجه الفقه و الفتيا عندي على تسليم الخبر،أنّ الأوّل دفع المال إليه فخلطه بغيره،فلمّا خلطه بغيره

ص:168


1- الكافي 7:16/431،التهذيب 6:799/288،الوسائل 18:417 أبواب أحكام الحجر ب 6 ح 2.
2- نكت النهاية 2:81.
3- كالفاضل في التحرير 2:205،و أبي العباس في المهذب 4:486،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:273،و الحلّي في السرائر 2:186،كما يأتي.منه رحمه اللّه.

فرّط فيه بالخلط فضمنه،و أصحاب الأموال الباقية خلط أموالهم بإذنهم، و الأوّل خلط ماله في أموالهم بغير إذنه،فيجب عليه الضمان للأوّل جميع ماله،فلمّا أخذ أصحاب الأموال الذين أذنوا في الخلط و رضوا به أموالهم على التمام و الكمال،فقد أخذوا ما لم يكن لهم،بل الواجب تسليم مال من لم يأذن بالخلط[على الكمال،و يدخل النقصان و الخسران على الباقين، فلمّا أخذوا المال رجع صاحب المال الذي لم يأذن بالخلط (1)]على المضارب المفرّط بالخلط بجميع ماله،و رجع المضارب على من أخذ المال بقدر ما غرم.

و قوله في الخبر:يخلطها بماله و يتجر بها،المعنى فيه:خلطها بماله و اتّجر بها،و إن كان أتى به بلفظ المستقبل،فقد يأتي المستقبل بمعنى الماضي،و هذا كثير في كلام العرب و القرآن،قال اللّه تعالى وَ نادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ [1] (2)معناه:ينادي،قال الشاعر:

و انضح جوانب قبره بدمائها فلقد يكون أخادم و ذبائح

(3)معناه:فلقد كان،بغير شك (4).انتهى.

و في استشهاده بالآية و حكمه كباقي الجماعة برجوع الغارم إلى الباقين بجميع ما غرمه مناقشة واضحة (5).مع عدم تمامية الحمل المزبور إلّا

ص:169


1- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- الأعراف:48.
3- بيت من قصيدة لزياد بن سليمان الأعجم يرثي بها المغيرة بن المهلّب.الأغاني 15:381.
4- السرائر 2:186.
5- أمّا في الاستشهاد بالآية فلأنّ الذي فيها الماضي بدل المستقبل،لا بالعكس كما هو محل البحث.و أمّا الحكم برجوع الغارم إلى الباقين بجميع ما غرمه،فلأنّه لا داعي له و لا موجب له بالكليّة غير تصرّفهم في ملك الدافع،و هو ليس إلّا الباقي بعد التلف بالنسبة،فلو كان مال الدافع عشرة مثلاً و مال الباقين تسعين،و تلف من المجموع الممزوج بعضها ببعض البالغ مائة،عشرة يكون التالف موزّعاً على كل منهم بنسبة ماله،فلو كانوا عشرة لزم كل واحد منهم النقص بواحد،فبموجب ذلك يكون النقص على الدافع واحداً يأخذه من المدفوع إليه بضمانه،و يبقى من ماله تسعة فتكون هي التي أخذها الباقون و وجب عليهم ضمانها،و لا موجب لضمانهم العاشر الذي غرمه الدافع أيضاً؛ لعدم أخذهم إيّاه،و إنّما يضمن المدفوع إليه خاصّة للدافع لمكان تفريطه،فسبب الضمان فيه مختص به دونهم،و لا وجه لضمانهم بعد فرض أن سبب ضمانهم هو الأخذ،فإنّهم لم يأخذوه،بل أخذوا التسعة لا غير منه رحمه اللّه.

بعد تقييدات أُخر في الخبر ليس لشيء منها فيه عين و لا أثر.

و مع ذلك لا احتياج لتكلفاته في حمل يخلط على معنى خلط؛ لعدم منافاته الحمل المزبور من حيث كون متعلقه طلب الخلط بمال المدفوع إليه خاصّة دون مال أولئك الجماعة،و مبنى الحمل على المزج بأموالهم دون مال المدفوع إليه خاصّة،و لذا حكم بضمانهم ما أخذوه.

و لكن الأمر سهل بعد ما عرفت من قصور السند و المخالفة للأصل، مع اتفاقهم على الظاهر على عدم العمل بها،و إن كان الظاهر منهم عدم المناقشة فيها من حيث السند؛ لنسبتهم إيّاها إلى حريز خاصّة عن أبي عبيدة معربين عن صحته إليه،و لعلهم أخذوها من كتابه فتكون صحيحة،و لكن يكفي في ردّها عدم عملهم بها،مع كونها للأُصول مخالفة.

الرابعة لو وضع المستأجر الأجرة على يد أمين

الرابعة: لو وضع المستأجر الأُجرة على يد أمين له فتلفت كان المستأجر ضامناً يجب عليه غرامتها للأجير إلّا أن يكون الأجير دعاه إلى ذلك و رخّصه في دفعها إلى الأمين فحقّه حينئذ حيث وضعه لأنّه

ص:170

ملك الأُجرة بنفس العقد،فإذا عيّن أحداً لقبضها كان ذلك القابض وكيلاً له،و قبض الوكيل قبض الموكل،فيدخل في ضمان الأجير بقبض وكيله، بخلاف الصورة الأُولى فإنّ الأُجرة في ضمان المستأجر حتى يقبضها الأجير،و ذلك الذي وضعت الأُجرة عنده ليس وكيلاً للأجير،فتكون باقية على ضمان المستأجر.

و للحسن،بل الصحيح المروي في التهذيب في الباب المتقدم:عن رجل استأجر أجيراً فلم يأمن أحدهما صاحبه،فوضع الأجر على يد رجل فهلك ذلك الرجل و لم يدع وفاء و استهلك الأجر؟فقال:« المستأجر ضامن لأجر الأجير حتى يقضي،إلّا أن يكون الأجير دعاه إلى ذلك فرضي بالرجل،فإن فعل فحقه حيث وضعه و رضي به» (1).

الخامسة يقضى على الغائب

الخامسة: يجوز أن يقضى على الغائب عن مجلس الحكم مع قيام البيّنة عليه بالحق و يباع ماله و يقضى دينه و يكون الغائب على حجته إذا قدم،بلا خلاف عندنا فيه في الجملة،بل ظاهر الشهيدين في النكت و المسالك و غيرهما (2)أنّ عليه إجماع الإمامية،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرين سنداً و لو لم يبلغ درجة الصحة،مع احتمالها في سند أحدهما،و فيهما:« الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البيّنة،و يباع ماله، و يقضى عنه دينه و هو غائب،و يكون الغائب على حجته إذا قدم» قال:

« و لا يدفع المال إلى الذي أقام البيّنة إلّا بكفلاء» (3).

ص:171


1- الكافي 7:17/431،الفقيه 3:445/107،التهذيب 6:801/289،الوسائل 19:109 كتاب الإجارة ب 6 ح 1.
2- غاية المراد(مخطوط)الورقة:255،المسالك 2:370؛ و انظر الكفاية:269.
3- التهذيب 6:827/296،الوسائل 27:294 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 26 ح 1.

و الخبر المستفيض عنه(صلّى اللّه عليه و آله) كما قيل (1)أنّه قال لهند زوجة أبي سفيان و قد قالت:إنّ أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني و ولدي -:« خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف» (2)و كان أبو سفيان غائباً عن المجلس.

و إطلاق العبارة و نحوها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في الغائب بين كونه غائباً عن البلد،أو حاضراً فيه متعذّراً عليه حضوره المجلس أم لا.

و لا خلاف فيه في الأوّل مطلقا سواء كان بعيداً أو قريباً.و كذا في الثاني إذا كان الحضور عليه متعذّراً،بل عليه الوفاق في المسالك (3)، و الإجماع في غيره (4).

و اختلفوا فيه مع عدم تعذّر الحضور عليه على قولين،فبين:

مانع عن القضاء عليه حينئذ،كالشيخ في المبسوط (5)؛ معلّلاً بأنّ القضاء على الغائب موضع ضرورة فيقتصر فيه على محلّها؛ و أنّه ربما وجد مطعناً و مدفعاً،و جاز الحكم في الغائب للمشقّة بطول انتظاره.و مال إليه المقدس الأردبيلي (6)-(رحمه اللّه).

و بين مجوّز كالفاضلين و الشهيدين و فخر الدين و غيرهم من متأخّري

ص:172


1- قاله في المسالك 2:370.
2- المتقدم في ص 155.
3- المسالك 2:370.
4- انظر الخلاف 6:239.
5- المبسوط 8:162.
6- مجمع الفائدة و البرهان 12:205.

أصحابنا (1)،بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعاً،قالوا:لعموم الأدلة.

و لم أقف عليها عدا الروايات المتقدمة،و لا عموم في الأخيرة منها بعد تسليم سندها و دلالتها على أصل الحكم في المسألة؛ لأنّها قضية في واقعة فلا تكون عامّة،و لفظ الغائب فيما عداها و إن كان مطلقاً إلّا أنّ المتبادر منه الغائب عن البلد خاصّة.

اللهم إلّا أن يكون المراد من الأدلة المستدل بعمومها ما دل على لزوم الحكم بالبيّنة (2)،مع عدم مانع لها بالكلية؛ لأنّ الغائب إن كان منكراً فالبيّنة قامت عليه،و إن كان مقرّاً فالبيّنة مؤكّدة لإقراره،فعلى كل تقدير لا مانع من الحكم.و هذا أيضاً ربما لا يخلو عن نظر .

و كيف كان،لا ريب أنّ القول الأوّل أحوط إن لم يتعين.

و اعلم أنّ ما تضمنه المعتبران من أنّه لا يدفع إليه المال إلّا بكفلاء هو مذهب الشيخ في النهاية و القاضي و الحلّي و الماتن هنا و في الشرائع (3).و مال إليه شيخنا الشهيد الثاني في كتابيه (4)،و اختاره صاحب الكفاية (5).

خلافاً لابن حمزة،فلم يذكر التكفيل (6)،بل أوجب على الغريم بدله

ص:173


1- المحقق في الشرائع 4:86،العلّامة في القواعد 2:216،الشهيد الأول في الدروس 2:91،الشهيد الثاني في المسالك 2:370،فخر الدين في إيضاح الفوائد 4:357؛ و انظر الكفاية:269،و كشف اللثام 2:347.
2- الوسائل 27:229 أبواب كيفية الحكم ب 1.
3- النهاية:352،القاضي في المهذّب 2:584،الحلّي في السرائر 2:195،الشرائع 4:85.
4- المسالك 2:370،الروضة 3:104.
5- الكفاية:269.
6- الوسيلة:214.

اليمين،و تبعه الفاضل و جملة ممن تبعه (1)،و ادعى عليه الشهرة جماعة، كالصيمري و صاحب الكفاية (2)،و قد مرّ في بحث الدعوى على الميت إلى مستندهم الإشارة،و قد عرفت جوابه.

و نزيد عليه هنا بأنّه اجتهاد في مقابلة الرواية المعتبرة في نفسها، المعتضدة بعمل الطائفة و لو في أصل المسألة،و لا ريب أنّ الجمع بين الأمرين حيث يرضى به الغريم أحوط،و إلّا فالعمل بالرواية متعين (3).

ثم إنّ جواز الحكم على الغائب يختص عندنا و عند كلّ من قال به من العامة العمياء بما إذا كان الحق الثابت عليه بالبيّنة من حقوق الآدميين مطلقاً (4)،دون حقوق اللّه تعالى إذا كانت محضاً و كذا إذا كانت بحقهم مشوبة،كالسرقة،بلا خلاف أجده إلّا من الماتن في الشرائع (5)،حيث تردّد في جواز القضاء بالقطع في المثال:

من حيث إنّه حق اللّه تعالى فينبغي أن لا يثبت؛ لبنائها على التخفيف اتفاقاً.

و من الاتفاق على ثبوت حق الآدمي فيه و هو يستلزم ثبوت حقه سبحانه؛ لأنّهما معلولا علّة واحدة،و لا يثبت أحدهما بدون الآخر.

و في المسالك أنّ باقي الأصحاب قطعوا بالفرق و انتفاء القطع؛ نظراً

ص:174


1- القواعد 2:210،التحرير 2:187،إيضاح الفوائد 4:334،الدروس 2:90،اللمعة(الروضة البهية)3:104.
2- غاية المرام 4:233،الكفاية:269.
3- في« ب»:متّجه.
4- أي مالاً كانت أو عقود المعاوضات أم غيرها كالنكاح و الطلاق و العتق و الجنايات و القصاص.منه رحمه اللّه.
5- الشرائع 4:86.

إلى وجود المانع من الحكم في أحدهما دون الآخر،و تخلف أحد المعلولين لمانع واقع كثيراً،و منه في هذا المثال ما لو أقرّ بالسرقة مرّة فإنّه يثبت عليه المال دون القطع،و لو كان المقرّ محجوراً عليه في المال يثبت في القطع دون المال،فليكن هناك كذلك،و الأصل فيه أنّ هذه ليست عللاً حقيقية،و إنّما هي معرفات الأحكام (1)،انتهى.و هو حسن.

ص:175


1- المسالك 2:370.
الفصل الثاني الاختلاف في الدعوى
مسائل
الأولى لو كان في يد رجل و امرأة جارية

الفصل الثاني في بيان أحكام الاختلاف في الدعوى،و فيه أيضاً مسائل خمس:

الاُولى:لو كان في يد رجل و امرأة جارية صغيرة فادّعى الرجل أنّها مملوكته،و ادّعت المرأة حريتها و أنّها ابنتها،فإن أقام أحدهما بيّنة على ما يدّعيه قضي له بها و إلّا يقيما البيّنة على المدّعى تركت الجارية تذهب حيث شاءت للخبر المروي في الكافي في باب قبل باب النوادر من هذا الكتاب،و في التهذيب في أواسط باب تعارض البيّنات بسند فيه سهل،و ضعفه على الأشهر سهل،بل قيل:ثقة (1).مع أنّه في الأوّل بسند حسن كالصحيح بابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه (2)مروي.

و فيه:عن جارية لم تدرك بنت سبع سنين مع رجل و امرأة،ادّعى الرجل أنّها مملوكة له،و ادّعت المرأة أنّها ابنتها،فقال:« قد قضى في هذا عليٌّ(عليه السّلام)» قلت:و ما قضى في هذا؟قال:« كان يقول:الناس كلّهم أحرار إلّا من أقرّ على نفسه بالرقّ و هو مدرك.و من أقام بيّنة على عبد أو أمة فإنّه يدفع إليه يكون له رقّاً» قلت:فما ترى أنت؟قال:« أرى أن أسأل الذي ادّعى أنّها مملوكة له بيّنة على ما ادّعى،فإن أحضر شهوداً يشهدون أنّها مملوكة له لا يعلمونه باع و لا وهب،دفعت الجارية إليه حتى تقيم المرأة من

ص:176


1- رجال الطوسي:4/416.
2- رجال الكشي 2:830.

يشهد لها أنّ الجارية ابنتها حرّة مثلها،فلتدفع إليها و تخرج من يد الرجل» قلت:فإن لم يقم الرجل شهوداً أنّها مملوكة له؟قال:« تخرج من يده،فإن أقامت المرأة البينة على أنّها ابنتها دفعت إليها،و إن لم يقم الرجل البيّنة على ما ادّعاه و لم تقم المرأة البيّنة على ما ادّعت خلّي سبيل الجارية،تذهب حيث شاءت».

و يستفاد منه و من العبارة عدم ثبوت نسب الصغير بإقرار الأُمّ،حيث اشترطا في إلحاق الجارية بها إقامتها البيّنة على أنّها ابنتها،و هو أحد القولين في المسألة.

خلافاً لجماعة (1)؛ للصحيحين المتقدمين مع تمام التحقيق فيها في بحث الإقرار (2)،إلّا أنّ هذا الرواية لم تذكر ثمّة.

و للجماعة الذبّ عنها أوّلاً:بعدم مكافأتها للصحيحين سنداً و عدداً.

و ثانياً:بقوّة احتمال خروجها عن موضوع المسألة جدّاً؛ لاشتراط من يكتفي في ثبوت النسب بإقرار الأُمّ عدم منازع لها فيه.و أما مع المنازع كما فيما نحن فيه فلا يلحق بأحدهما مع عدم البيّنة قولاً واحداً.و إنّما يترك الجارية تذهب حيث شاءت؛ لأصالة الحرّية المستفادة من صدر الرواية و غيرها من المعتبرة التي مضت إليها الإشارة ثمة.

فلا إشكال و لا خلاف فيما تضمّنته الرواية.

و لم أقف على تعرّض لذكر مضمونها عدا الماتن هنا و الشيخ في النهاية (3)،و الحلّي في السرائر لكن على تفصيل،فقال:و قد روى أصحابنا

ص:177


1- انظر النهاية:684،و المبسوط 3:38،و الوسيلة:225،و الجامع للشرائع:343،و الإرشاد 1:411،و التذكرة 2:173.
2- راجع ج 13 ص 152.
3- النهاية:344.

أنه إذا كانت جارية مع رجل و امرأة،فادّعى الرجل أنّها مملوكته،و ادّعت المرأة أنّها ابنتها و هي حرّة،و أنكرت الجارية الدعويين جميعاً كان على الرجل البيّنة بأنّ هذه الجارية مملوكته لم يبعها و لم يعتقها،فإن أقام البيّنة بذلك سلّمت إليه،و كذلك إن أقرّت الجارية أنّها مملوكته و كانت بالغة سلّمت إليه،و إن لم يقم بيّنة و لا تكون هي بالغة،أو تكون بالغةً غير أنّها لا تقرّ انتزعت من يده،فإن أقامت المرأة بيّنة أنّها بنتها سلّمت إليها إذا كانت صغيرة،و إن لم تكن لها بيّنة تركت الجارية تمضي حيث شاءت (1).

انتهى.

و ظاهره كما ترى وجود رواية على التفصيل الذي ذكره،و لم أقف عليها،و الرواية التي قدمناها خالية عن هذا التفصيل كما ترى،مع وقوع التصريح فيها بعدم كون الجارية بالغة.

الثانية لو تنازعا عينا في يدهما أو في يد أحدهما أو في يد ثالث

الثانية: ظاهر اليد يقتضي الملكية ما لم يعارضه البيّنة،بلا خلاف فيه أجده،و ربما كان ذلك إجماعاً،بل ضرورة.و النصوص به مع ذلك مستفيضة،منها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة في فصل تعارض البينة-:

الخبر المروي في الكتب الثلاثة،و فيه:أ رأيت إذا رأيتُ شيئاً في يد رجل أ يجوز أن أشهد أنّه له؟فقال:« نعم» قلت:فلعلّه لغيره،قال(عليه السّلام):« و من أين جاز لك أن تشتريه و يصير ملكاً لك،ثم تقول بعد الملك:هو لي، و تحلف عليه،و لا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه إليك من قبله؟» ثم قال(عليه السّلام):« و لو لم يجز هذا ما قام للمسلمين سوق» (2).

ص:178


1- السرائر 2:171.
2- الكافي 7:1/387،الفقيه 3:92/31،التهذيب 6:695/261،الوسائل 27:292 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 25 ح 2.

و قريب منه الخبر المروي في الوسائل عن تفسير علي بن إبراهيم صحيحاً،و عن الاحتجاج مرسلاً عن مولانا الصادق(عليه السّلام)في حديث فدك:

« إنّ مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام)قال لأبي بكر:تحكم فينا بخلاف حكم اللّه تعالى في المسلمين؟قال:لا،قال:فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادّعيت أنا فيه،من تسأل البيّنة؟قال:إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين،قال:فإذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون تسألني البيّنة على ما في يدي و قد ملكته في حياة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)و بعده، و لم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوا عليَّ كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم؟» الخبر (1).

و حينئذٍ ف لو تنازعا عيناً و قال كل منهما:إنّ جميعها لي،و لا بيّنة لهما،فإن كانت في يدهما و تصرّفهما كثوب في يدهما أو دار سكناها قضي بها لهما بينهما بالسويّة،و لكل منهما إحلاف صاحبه على نفي ما يدّعيه ممّا في يده،و لا يتعرض واحد منهما في حلفه لإثبات ما في يده،بل يقتصر على أنّه لا حقّ لصاحبه ممّا في يده.فإن حلفا أو نكلا قضي بالسوية بينهما،و إن حلف أحدهما دون الآخر قضي للحالف بالكل.

ثم إن حلف الذي بدأ الحاكم بتحليفه و نكل الآخر بعده،حلف الأوّل اليمين المردودة إن لم نقض بالنكول،كما هو المختار.و إن نكل الأوّل و رغب الثاني في اليمين فقد اجتمع عليه يمين النفي للنصف الذي ادّعاه صاحبه و يمين الإثبات للنصف الذي ادّعاه هو.

و هل يكفي حينئذ اليمين الواحدة الجامعة بين النفي و الإثبات فيحلف

ص:179


1- تفسير القمي 2:156،الاحتجاج:92،الوسائل 27:293 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 25 ح 3.

أنّ الجميع له و لا حقّ لصاحبه فيه،أو يقول:لا حقّ له في النصف الذي يدّعيه،و النصف الآخر لي؟ أو لا بدّ من يمينين إحداهما نافية و الأُخرى مثبتة؟وجهان.

أوفقهما بالأصل الثاني؛ لاقتضاء تعدّد الأسباب تعدّد المسبّبات، فلا يكتفى بأحدهما إلّا بعد قيام دليل لا أثر له هنا أصلاً.

إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الأوّل،من غير خلاف بينهم يعرف عدا ما في المسالك (1)،حيث احتمل الثاني بعد أن ذكر الأوّل و حكم به.و في التحرير (2)استقرب الأوّل مشعراً بوقوع الخلاف فيه.

و وجهه غير واضح،عدا ما في المسالك من أنّ كلّاً منهما قد دخل وقته (3).و لم أفهمه.

ثم هل يتخيّر الحاكم في البدأة بالإحلاف،أو يقرع بينهما؟وجهان.

و تظهر الفائدة في تعدّد اليمين على[المبتدئ (4)]على نكول الآخر (5).

قيل:و يمكن أن يقال:كل واحد منهما مدّعٍ و مدّعى عليه هاهنا، فينبغي أن ينظر إلى السبق فمن تسبق دعواه بدأ بتحليف صاحبه (6).

ص:180


1- المسالك 2:390.
2- التحرير 2:194.
3- في المصدر:فيه.
4- في النسخ:المدّعى،و الظاهر ما أثبتناه.
5- أي على تقدير نكول الآخر.و ظهور الثمرة على هذا التقدير إنّما هو على المذهب المشهور من الاكتفاء باليمين الواحدة الجامعة بعد نكول الأوّل،و أمّا على القول الآخر من لزوم التعدد فلا تظهر للزوم اليمين على أي تقدير.منه رحمه اللّه تعالى.
6- المسالك 2:390.

و اعلم أنّ عدم القضاء بالعين بينهما نصفين إلّا بعد حلف كل منهما لصاحبه أو نكولهما هو المشهور بين الأصحاب على الظاهر المصرّح به في شرح الشرائع للصيمري (1).

و في المسالك قال:بل لم ينقل الأكثر فيه خلافاً (2).و لعلّه أراد بمقابل الأكثر الماتن في الشرائع (3)،حيث حكى ما عليه الأصحاب قولاً بعد أن حكم بالقضاء بينهما نصفين مطلقاً.و لم أَرَ غيره قد نقل الخلاف فيه، و لا من أفتى بما ذكره.

نعم في الغنية:و إن كان لكلّ واحد منهما يد و لا بيّنة لأحدهما كان الشيء بينهما نصفين،كل ذلك بدليل إجماع الطائفة (4).و لكنه غير صريح بل و لا ظاهر في عدم اعتبار الإحلاف.

و كيف كان،فالمذهب ما عليه الأصحاب؛ لعموم ما دلّ على ثبوت اليمين على من أنكر،و لا ريب أنّ كلّ واحد منهما مدّعٍ لما في يد الآخر، و منكر لما في يده للآخر،فإذا ادّعى كلّ منهما على صاحبه النصف الذي في يده و أنكر صاحبه ذلك،لزم المنكر الحلف كما في سائر الدعاوي.

هذا.

مضافاً إلى فحوى بعض ما سيأتي من الأخبار الدالّة على إحلاف كلّ منهما لصاحبه مع تعارض البيّنة،فمع عدمه أولى،فتأمّل جدّاً.

و لو كانت في يد أحدهما و تصرّفه خاصّة قضي بها للمتشبّث و هو ذو اليد و للخارج إحلافه لكونه منكراً و الخارج مدّعياً؛ لأنّ الأصل

ص:181


1- غاية المرام 4:257.
2- المسالك 2:390.
3- الشرائع 4:110.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):625.

عدم تسلّطه على ما في يد غيره،و ظاهر الحال يشهد لذي اليد بالملك، كما مرّ.

و في الخبر:« فإن كانت له» أي للمدّعي الخارج« بيّنة،و إلّا فيمين الذي هو في يده،هكذا أمر اللّه عزّ و جلّ» (1).

و في آخر:« فإن كانت في يد أحدهما،و أقاما جميعاً البيّنة؟قال:

« أقضي بها للحالف الذي في يده» (2).

و في ثالث:« أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)اختصم إليه رجلان في دابّة، و كلاهما أقاما البيّنة أنّه أنتجها،فقضى بها للذي هي في يده،و قال:و لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين» (3).

و الأول دالّ على الحكم هنا صريحاً،و الأخيران دالّان عليه فحوى على قول (4).و عدم اعتبار الحلف في الأخير غير قادح بعد ظهور اعتباره من الأوّلين،فيحمل عليهما حمل المطلق على المقيّد.مضافاً إلى العمومات الدالّة على اعتباره.

فإن نكل ذو اليد عن الحلف أُحلف الخارج على المختار من عدم القضاء بالنكول.

ص:182


1- التهذيب 6:594/240،الإستبصار 3:143/43،الوسائل 27:255 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 14.
2- الكافي 7:2/419،التهذيب 6:570/233،الوسائل 27:250 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 2.
3- الكافي 7:6/419،التهذيب 6:573/234،الإستبصار 3:133/39،الوسائل 27:250 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 3.
4- أي قول من يعمل بمضمون الخبرين من تقديم بيّنة ذي اليد على بيّنة الخارج.منه رحمه اللّه.

و الكلام في حلفهما كما سلف،فيحلف ذو اليد على النفي و الخارج على الإثبات.

و لو كانت في يد ثالث،و صدّق أحدهما بأنّها له،فهو في حكم ذي اليد قضي بها له مع يمينه و للآخر إحلافه أي المصدّق إن ادّعى عليه علمه بأنّها له،فإن امتنع حلف الآخر و أغرمه القيمة لا العين؛ لاستحقاق المصدّق له إيّاها بإقراره،فلا يمكنه ارتجاعها منه،و إنّما يغرم القيمة لتفويته العين على الآخر بإقراره.

و لو صدّقهما قضي بها لهما بالسوية،و لكلّ منهما إحلاف الآخر كما لو كانت في يدهما،و لهما إحلافه إن ادّعيا علمه؛ لفائدة الغرم مع اعترافه،لا القضاء بالعين.فإن حلف،و إلّا غرم نصف القيمة للحالف منهما.و لو حلفا معاً غرم القيمة تماماً لهما يقتسمانها كالعين بينهما نصفين.

و إن كذّبهما أقرت العين في يده بعد يمينه لهما،سواءً ادّعاها لنفسه أم لا.و لا يجب عليه نسبة الملك إلى نفسه،أو إلى أحد معيّن.

و لو قال:هي لأحدكما و لا أعرفه،احتمل قوّياً القرعة،فيحلف من خرجت له.فإن نكل حلف الآخر،و إن نكلا قسمت بينهما.و يحتمل القضاء بها نصفين بينهما ابتداء بعد حلفهما أو نكولهما،كما لو كانت بيدهما.و لكن الأوّل لعلّه أقوى.

ثم إنّ كلّ ذا إذا لم تكن بيّنة لهما.و إن كانت لإحداهما حكم له بها.

و لو كانت لكلّ منهما و أمكن الجمع بينهما كما لو شهدت أحدهما بملك زيد أمس و الأُخرى بانتقاله إلى عمرو الآن،أو أطلقت إحداهما و فصّلت الأُخرى جمع بينهما؛ لوجوب العمل بهما مع عدم التعارض بينهما.و لو تعارضتا ففيه تفصيل يأتي ذكره في الفصل الثالث إن شاء اللّه تعالى.

ص:183

الثالثة إذا تداعيا خُصّاً

الثالثة: إذا تداعيا خُصّاً بالضم و التشديد،و هو البيت الذي يعمل من القصب،كما في مجمع البحرين و غيره (1).و في الفقيه:أنّه الحائط من القصب بين الدارين (2) قضي لمن إليه (3)القِمط بالكسر،و هو الحبل الذي يشدّ به الخُصّ،و بالضم جمع قماط،و هي شداد الخُصّ من ليف و خوص و غيرهما.

و الحكم بذلك مشهور بين الأصحاب،كما صرّح به جماعة،و منهم الشهيدان في الدروس في هذا الكتاب و كتاب الصلح،و في الروضة و المسالك (4)في الكتاب الأخير،بل ربما تشعر عبارة المسالك بالإجماع عليه،و حكى عن التذكرة أيضاً (5).و به صرّح في نوادر هذا الكتاب من السرائر،و في كتاب الصلح من الغنية (6).

و الحجّة فيه قبل ذلك هي رواية عمرو بن شمر،عن جابر المرويّة في الفقيه عن أبي جعفر(عليه السّلام)،عن جدّه،عن علي(عليه السّلام):« أنّه قضى في رجلين اختصما في خصّ،فقال:إنّ الخصّ للذي إليه القمط» (7).

و في عمرو و إن كان ضعف بنص جماعة من أهل الرجال كالنجاشي و غيره (8)،إلّا أنّه مجبور بالشهرة العظيمة و الإجماعات المنقولة

ص:184


1- مجمع البحرين 4:168،المصباح المنير:171،القاموس المحيط 2:312.
2- الفقيه 3:57.
3- في« ح» و« س» زيادة:معاقد.
4- الدروس 2:114،و 3:349،الروضة 4:194،المسالك 1:272.
5- التذكرة 2:191.
6- السرائر 2:194،الغنية(الجوامع الفقهية):594.
7- الفقيه 3:197/57،الوسائل 18:454 كتاب الصلح ب 14 ح 2.
8- النجاشي:765/287؛ و انظر رجال العلّامة:241.

التي كادت تكون محقّقة؛ لعدم مخالف في الرواية صريحاً،بل و لا ظاهراً عد الماتن هنا و الشهيد الثاني و الصيمري (1)،مع أنّ ظاهر الأولين التردّد لا المخالفة.و منه يظهر ما في المهذّب (2)من نسبة المخالفة إلى المتأخّرين كافّة،كيف و عمدة المتأخّرين الفاضلان و الشهيدان،و قد أفتوا ما عدا الشهيد الثاني في الشرائع و الإرشاد و القواعد و الدروس (3)بالرواية.

و مع ذلك الحجّة غير منحصرة فيها،فقد روى المشايخ الثلاثة في الصحيح عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام) :عن خُصّ بين دارين،كما في التهذيب،و بدّل بالحظيرة في الكافي و الفقيه،فزعم، كما في الكتابين الأولين،و عوّض عنه في الأخير بقوله:« فذكر أنّ عليّاً(عليه السّلام)قضى بذلك لصاحب الدار الذي من قبله وجه القماط» (4).

و هي و إن كانت قضية في واقعة فلعلّه(عليه السّلام)عرفها و أجرى الحكم بمقتضاها فلا يتعدّى إلى غيرها،إلّا أنّ ظاهر السؤال في صدر الرواية عن حكم المسألة،و الجواب عنه بعده بنقل القضاء عنه(عليه السّلام)في الواقعة يقتضي عدم اختصاصه بها،بل عمومه لكل واقعة،و إلّا لكان السؤال مسكوتاً عن جوابه بالمرّة،و فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة، و لا ريب في قبحه و لا شبهة.و بالجملة فلا وجه للمناقشة في الروايتين سنداً و دلالة.

ص:185


1- الروضة البهية 4:194،غاية المرام 2:22.
2- المهذّب البارع 4:488.
3- الشرائع 2:125،الإرشاد 1:405،القواعد 1:187،الدروس 2:114،3:349.
4- الكافي 5:3/295،الفقيه 3:196/56،التهذيب 7:649/146،الوسائل 18:454 كتاب الصلح ب 14 ح 1.

نعم ربما يمكن المناقشة فيهما بمخالفتهما القواعد و الأُصول المقررة في نحو المسألة تقدمت إليها الإشارة في المسألة السابقة.

و يمكن الذبّ عنها أيضاً بأنّ المخالفة ليست مخالفة تضادّ،بل مخالفة عموم و خصوص.و دفعها بالتخصيص ممكن بعد التكافؤ الحاصل هنا بصحّة سند الخاص و تعدّده و مخالفته العامّة،كما يستفاد من الغنية، حيث قال بعد ذكر الحكم و نقل إجماعنا عليه-:و يحتجّ على المخالف بما رووه من طرقهم من أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بعث عبد اللّه بن اليماني ليحكم بين قوم اختصموا في خصّ،فحكم به لمن إليه القمط،فلمّا رجع إليه(صلّى اللّه عليه و آله)أخبره بذلك،فقال:« أصبت و أحسنت» (1).انتهى.

و منه يظهر وجود رواية أُخرى في المسألة كما أشار إليه في المسالك (2)،و كونها عامية تجبره الشهرة كالرواية السابقة،هذا.

و ربما يخص العمل بالرواية بما إذا اقتضت العادة كون وقوع وجه القماط إلى جانب قرينة على ملكيّة الخصّ لصاحبه،و لكن الفتاوى مطلقة إلّا أنّ تنزيلها على ذلك غير بعيد.

و كيف كان ينبغي تخصيص الحكم بمورد الرواية من الخصّ دون غيره،و إن حصل فيه نحو معاقد القمط و شهدت العادة بكونه قرينة على الملكية لجهة.فإنّ غاية ذلك الظهور،و لا يخصّص به الأُصول،بل ترجّح هي عليه حيث لم يقم على العكس دليل،كما فيما نحن فيه على ما هو المفروض.

الرابعة إذا ادّعى أبو الميتة إعارته

الرابعة: إذا ادّعى أبو الميتة إعارته لها بعض متاعها كلّف البيّنة،

ص:186


1- الغنية(الجوامع الفقهية):594.
2- المسالك 1:272.

و كان كغيره من الأنساب و غيرهم،على المعروف من مذهب الأصحاب على الظاهر المصرّح به في المسالك و غيره (1)؛ عملاً بعموم:« البيّنة على المدّعى،و اليمين على المدّعى عليه» (2).

و النبوي:« لو يعطى الناس بأقوالهم لادّعى قوم دماء قوم و أموالهم» (3).

و فيه أي في المقام رواية بالفرق بين الأب و غيره،فيصدّق في دعواه دونهم،مروية في الكتب الثلاثة صحيحة في الكافي و التهذيب احتمالاً،و في الفقيه صحيحة جزماً،عن جعفر بن عيسى،و هو حسن:

قال:كتبت إلى أبي الحسن(عليه السّلام):جعلت فداك المرأة تموت فيدّعي أبوها أنّه أعارها بعض ما كان عندها من المتاع و الخدم،أتقبل دعواه بلا بيّنة؟أم لا تقبل دعواه إلّا ببيّنة؟فكتب(عليه السّلام):« يجوز بلا بيّنة» قال:و كتبت إلى أبي الحسن(عليه السّلام) يعني:علي بن محمد(عليهما السّلام)-:جعلت فداك!إن ادّعى زوج المرأة الميّتة أو أبو زوجها أو أُمّ زوجها في متاعها أو خدمها مثل الذي ادّعى أبوها من عارية بعض المتاع أو الخدم،أ يكون بمنزلة الأب في الدّعوى؟فكتب(عليه السّلام):« لا» (4).

ص:187


1- المسالك 2:398،الكفاية:278.
2- الكافي 7:1/415،2،عوالي اللآلي 2:11/345،و 3:22/523،تفسير القمي 2:157،سنن الترمذي 2:1355/398،1356،1357،السنن الكبرى للبيهقي 10:252،253 سنن الدارقطني 4:8/157.
3- سنن الدارقطني 4:9/157 بتفاوت يسير،و كذا في سنن ابن ماجة 2:2321/778،و السنن الكبرى للبيهقي 10:252.
4- الكافي 7:18/431،الفقيه 3:214/64،التهذيب 6:800/289،الوسائل 27:290 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 23 ح 1.

و هي ضعيفة بالمكاتبة عند جماعة (1)،و بالشذوذ و الندرة بلا شبهة؛ لعدم قائل بها،بل و إطباق الفتاوى على خلافها حتى من الشيخ المحكيّ عنه فتواه بها (2)؛ لرجوعه عنها في المسائل الحائريات كما حكاه عنه في السرائر (3).

نعم ظاهر الصدوق الفتوى بها،حيث رواها في الفقيه في باب ما يقبل من الدعاوي بغير بيّنة،مع ضمانه فيه (4)أن لا يروى فيه إلّا ما يفتي به و يحكم بصحّته.لكن الظاهر المحكي عن جدّي المجلسي(رحمه اللّه)و غيره (5)عدوله عمّا وعد به.

و كيف كان،فالعمل على ما عليه الأصحاب؛ لمخالفة الرواية العمومات المعتضدة بعملهم،فلتطرح،أو تحمل على ما حملها عليه الحلّي (6)من حمل قوله:« يجوز بلا بيّنة» على الاستفهام الإنكاري بحذف حرفة،أو على الإنكار لمن يرى عطيّة ذلك بغير بيّنة.

و لكن تتمّة الخبر ينافي الحملين،كما صرّح به في التحرير (7).

و ربما حملها بعض (8)على الظاهر من أنّ المرأة تأتي المتاع من بيت أهلها،و ظاهره العمل عليها حينئذٍ.

ص:188


1- منهم الحلّي في السرائر 2:187،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:277،و السبزواري في الكفاية:278.
2- انظر النهاية:349.
3- المسائل الحائريات(الرسائل العشر):297،السرائر 2:188.
4- في« ح» زيادة:بناءً على ما ذكره في أوّله.
5- روضة المتقين 1:17،مشرق الشمسين(الحبل المتين):270.
6- السرائر 2:189.
7- التحرير 2:205.
8- التحرير 2:205،و انظر كشف اللثام 2:356.

و فيه نظر يظهر وجهه ممّا في ذيل المسألة السابقة قد مرّ.

اللّهم إلّا أن يذبّ عنه بدعوى حصول الظنّ من الاستقراء و تتبّع الموارد الجزئية في الدعاوي التي عمل فيها بمجرد الظهور،بجواز العمل به و الحكم بسببه،كما سيدّعي ذلك العلّامة في المختلف في المسألة الآتية (1).

و له وجه إلّا أنّ في بلوغه هنا قوّة المقاومة للأُصول المعتضدة بعمل الأصحاب إشكالاً،بل الأخذ بمقالتهم أولى.

الخامسة إذا تداعى الزوجان متاع البيت

الخامسة: إذا تداعى الزوجان أو ورثتهما أو أحدهما مع ورثة الآخر متاع البيت الذي في يدهما قضي لمن له البيّنة مطلقاً، بلا خلاف.و إن لم يكن لهما بيّنة فله ما يصلح للرجال كالعمائم و الدروع و السلاح و لها أي للزوجة ما يصلح للنساء كالحلي و المقانع و قمص النساء.

و ما يصلح لهما كالفرش و الأواني يقسم بينهما نصفين بعد التحالف،أو النكول،وفاقاً للشيخ في النهاية و الخلاف (2)،و الحلّي في السرائر (3)،و الإسكافي،و ابن حمزة،و الكيدري (4)،و الماتن هنا صريحاً و في الشرائع (5)ظاهراً،و الفاضل في التحرير (6)،و أبي العباس في المهذب (7)،و الشهيد في الدروس (8)،و هو ظاهر القاضي،إلّا أنّه قرّبه في

ص:189


1- في ص 191.
2- النهاية:351،الخلاف 6:352.
3- السرائر 2:192 194.
4- حكاه عن الإسكافي و الكيدري في غاية المراد(مخطوط)الورقة:261،الوسيلة:227.
5- الشرائع 4:119.
6- التحرير 2:200.
7- المهذّب البارع 4:489.
8- الدروس 2:111.

الدعوى بعد الطلاق (1).

و بالجملة الأكثر،كما في المسالك (2)،بل المشهور،كما في ظاهر الشرائع و صريح النكت (3)،بل في الخلاف و السرائر (4)دعوى الإجماع عليه.و نسبه في المبسوط (5)إلى روايات الأصحاب مشعراً بدعوى الإجماع عليه أيضاً.و لا ينافيه فتواه فيه بخلافه كما يأتي؛ لما صرّح به بعد النسبة أنّه على الأحوط.

و الأصل فيه قبل ذلك المروي في التهذيبين بسند فيه جهالة،و لكنّها في الفقيه صحيحة،و فيها:« إذا طلّق الرجل امرأته و في بيتها متاع فلها ما يكون للنساء،و ما يكون للرجال و النساء يقسّم بينهما،فإذا طلّق المرأة فادّعت أنّ المتاع لها،و ادّعى الرجل أنّ المتاع له،كان له ما للرجال،و لها ما للنساء» (6).

و الموثق:في امرأة تموت قبل الرجل،أو رجل قبل المرأة،قال:

« ما كان من متاع النساء فهو للمرأة،و ما كان من متاع الرجال و النساء فهو بينهما،و من استولى على شيء منه فهو له» (7).

و في آخر:عن رجل يموت،ما له من متاع البيت؟قال:« السيف

ص:190


1- المهذّب 2:579.
2- المسالك 2:398.
3- الشرائع 4:119،غاية المراد(مخطوط)الورقة:261.
4- الخلاف 6:354،السرائر 2:193.
5- المبسوط 8:310.
6- الفقيه 3:215/65،التهذيب 6:818/294،الإستبصار 3:153/46،الوسائل 26:216 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 4.
7- التهذيب 9:1079/302،الوسائل 26:216 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 3.

و السلاح و ثياب جلده» (1).

و قصور الدلالة عن إفادة تمام المدّعى صريحاً كما ذكره جماعة (2)غير ضائر بعد ظهورها فيه،كما اعترفوا به،هذا.

مضافاً إلى الأُصول المتقدمة في الشق الأخير،و الظهور المستند إلى العادة فيما عداه،كما صرّح به الحلّي و غيره (3)،و العمل به في مقابلتها و إن كان خلاف الأصل و القاعدة كما مر إليه الإشارة إلّا أنّه هنا ظاهر الفتاوى؛ لإطباقها على العمل بالظاهر و لو في الجملة،و عدم مخالف فيه عدا الشيخ في المبسوط (4)كما يأتي،و قد عرفت تصريحه بكونه على الأحوط.

و الفاضل و إن وافقه في بعض كتبه،إلّا أنّه رجع عنه في المختلف و قال بالرجوع إلى العرف العام أو الخاص،فإن وجد عمل به،و إن انتفى أو اضطرب كان بينهما،قال:

لأنّ عادة الشرع في باب الدعاوي بعد الاعتبار و النظر راجعة إلى ذلك،و لهذا حكم بقول المنكر مع اليمين بناءً على الأصل،و كون المتشبّث به أولى من الخارج؛ لقضاء العادة بملكية ما في يد الإنسان غالباً،فحكم بإيجاب البيّنة على من يدّعي خلاف الظاهر،و الرجوع إلى من يدّعي ظاهر العرف.و أمّا مع انتفاء العرف فلتصادم الدعويين مع عدم الترجيح فيتساويان (5).

ص:191


1- التهذيب 6:832/298،الإستبصار 3:152/46،الوسائل 26:215 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 2.
2- غاية المراد(مخطوط)الورقة:261 المسالك 2:398،مجمع الفائدة 12:253.
3- السرائر 2:194؛ و انظر التنقيح الرائع 4:278،و المختلف:698.
4- المبسوط 8:310.
5- المختلف:698.

و اختار هذا الشهيدان في النكت و المسالك (1).و نفى عنه البأس الصيمري في شرح الشرائع (2).

و استحسنه أبو العباس في المهذب قال:و يؤيّده استشهاده(عليه السّلام) أي فيما يأتي من الروايات بالعرف حيث قال:« قد علم من بين لابتيها» (3)و مثله قوله(عليه السّلام):« لو سألت من بينهما» يعني:الجبلين،و نحن يومئذ بمكة « لأخبروك أنّ الجهاز و المتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت الرجل فتعطى التي جاءت به،فإن زعم أنه أحدث فيه شيئاً فليأت البيّنة» (4)(5).

و ما اختاروه حسن لولا إطلاق ما مرّ من النصوص و الإجماعات المنقولة، و لكن يمكن تنزيلها عليه بأن يقال:إنّ إطلاقها وارد مورد الغالب في العادة؛ لحكمها غالباً بكون ما للرجل للرجل و ما للنساء للمرأة.

و بذلك صرّح الحلّي الذي هو أحد نقلة الإجماع،فقال:لأنّ ما يصلح للنساء الظاهر أنّه لهنّ،و كذلك ما يصلح للرجال،فأمّا ما يصلح للجميع فيداهما معاً عليه فيقسم بينهما؛ لأنّه ليس أحدهما أولى به من الآخر،و لا ترجيح لأحدهما على الآخر،و لا يقرع ها هنا؛ لأنّه ليس بخارج عن أيديهما (6).انتهى.

ص:192


1- غاية المراد(مخطوط)الورقة:262،المسالك 2:398.
2- غاية المرام 4:268.
3- التهذيب 6:829/297،الإستبصار 3:149/44،الوسائل 26:215 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ذيل الحديث 1.
4- الكافي 7:1/130،الإستبصار 3:151/45،الوسائل 26:213 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 1.
5- المهذّب البارع 4:491.
6- السرائر 2:194.

و على هذا التنزيل فمآل القولين واحد ،و به صرّح المولى الأردبيلي-(رحمه اللّه)في شرح الإرشاد (1)،و إن حكاهما جماعة من الأصحاب (2)قولين تبعاً للظاهر منهما،فإنّ إطلاق الحكم في الأوّل بكون ما للرجل للرجل و بالعكس يشمل صورتي قضاء العادة بذلك كما هو الغالب و عدمه.و لا كذلك الثاني؛ لتفصيله بين الصورتين،فوافق الأوّل في الأُولى، و خالفه في الثانية.

و لا ريب أنّ هذا القول أظهر؛ إذ ليس لمخالفة الأُصول في الصورة الثانية دليل يعتدّ به عدا إطلاق النصوص و الإجماعات المنقولة.و في التمسك به إشكال بعد قوة ما ذكرناه من احتمال وروده مورد الغالب من قضاء العادة بذلك،و حصول الظهور منها بلا شبهة،سيّما و أنّ الحلّي (3)الذي هو أحد نقلة الإجماع كما عرفت استند إلى ذلك معرباً عن عدم كون الحكم بذلك على الإطلاق.

و بهذا القول يجمع بين الأخبار المتقدّمة و ما في رواية أُخرى مروية بعدّة طرق صحيحة و موثقة و هو كون المتاع المتنازع فيه مطلقاً للمرأة خاصّة إلّا أن يقيم الرجل البيّنة قد علم من بين لابتيها يعني من بين جبلي منى أنّ المرأة تزف إلى بيت زوجها بمتاع،و نحن يومئذ بمنى،كما في بعضها.

و في آخر:« لو سألت من بين لابتيها» يعني الجبلين،و نحن يومئذٍ

ص:193


1- مجمع الفائدة 12:254.
2- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:381،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:277،و الشهيد الثاني في المسالك 2:398.
3- راجع ص 192.

بمكة« لأخبروك أنّ الجهاز و المتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت الرجل،فتعطى التي جاءت به،و هو المدّعى،فإن زعم أنّه أحدث فيه شيئاً فليأت بالبيّنة» (1).

بحمل الجميع على ما إذا كان هناك عادة تشهد بالحكم لمن حكم له فيها.و التعليلات في الرواية الأخيرة على الجمع المزبور شاهدة،و قد مرّ إليه في كلام المهذب الإشارة (2).

فلا وجه للقول بإطلاق ما في هذه الرواية و قطع النظر عما فيها من العلّة المخصّصة،كما هو صريح الشيخ في الاستبصار (3)،و ظاهر الكليني في الكافي (4)،و الصدوق في الفقيه،إلّا أنّه خصّها بالمتاع الذي هو من متاع النساء،و المتاع الذي يحتاج إليه الرجال كما تحتاج إليه النساء،قال:فأمّا ما لا يصلح إلّا للرجال فهو للرجل،و ليس هذا الحديث بمخالف للذي قال:« له ما للرجال و لها ما للنساء» و باللّه التوفيق (5).انتهى.

فإنّ هذه الرواية و إن تعدّد طرقها و صحّت إلّا أنّها لا تكافؤ الأدلة المتقدمة من وجوه شتّى،و منها:ندرة القائل بها،بل و عدمه صريحاً؛ لرجوع الشيخ عنها في باقي كتبه إلى المختار صريحاً في بعضها،و ظاهراً فيما عداه (6)،و الكليني لم يفت بها صريحاً،و إنّما عنون الباب و حكاها

ص:194


1- الكافي 7:1/130،التهذيب 6:829/297،830،831،و ج 9:1078/301،الإستبصار 3:149/44،150،151،الوسائل 26:213 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 1.
2- المتقدم في ص 192.
3- الاستبصار 3:47.
4- الكافي 7:131.
5- الفقيه 3:65.
6- راجع ص 189.

خاصّة (1)،و هو و إن كان ظاهراً في فتواه بها،إلّا أنّ احتمال تخصيصه لها بما خصّصناها به لمكان التعليل قائم جدّاً.

و الصدوق لم يقل بإطلاقها،بل قيّدها بما مضى،و هو موافق للقوم إلّا في حكمه بأنّ ما يصلح لهما للمرأة،و لا شاهد له فيه،مع مخالفته الأُصول و إطلاق النصوص،مع تصريح جملة منها بأنّ مالهما بينهما.

و منها:الصحيحة التي رواها،لكنها دلت على ذلك برواية الشيخ خاصّة (2)؛ لكونها المتضمنة للحكم المذكور.و أمّا هو فقد رواها مجرّدة عن ذلك،و لذا زعم حصول الجمع بينهما و بين الرواية الثانية بما ذكره،و إلّا فجمعه على رواية الشيخ يتطرق إليه النظر بما عرفته.

و بالجملة:فجمعه على تلك الرواية لا وجه له،كما لا وجه لجمع الشيخ في الاستبصار (3)بحمل الرواية الأُولى على التقية،أو على حكمه(عليه السّلام)بذلك صلحاً و مصلحة،و الثانية على مرّ الحق؛ لبعده،سيّما الأخير،مع عدم الداعي له،بل و عدم إمكان المصير إليه؛ لفقد التكافؤ بناء على كون الأُولى مشهورة بين الأصحاب بل و مجمعاً عليها،كما صرح به هو في الخلاف (4)،فالشهرة في هذه تقابل المخالفة للعامّة إن صحّت في الرواية الثانية،بل الشهرة راجحة عليها بمراتب عديدة.فالرواية الأُولى أرجح من الثانية،فينبغي صرف وجوه الحمل إليها دون الاُولى.و لا حمل أجود ممّا ذكرناه،بل بعد التدبّر فيهما و ملاحظة وجه الجمع الذي ذكرناه

ص:195


1- الكافي 7:130.
2- التهذيب 6:818/294،الإستبصار 3:153/46،الوسائل 26:216 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 4.
3- الإستبصار 3:47.
4- الخلاف 3:645.

يظهر عدم التعارض بينهما أصلاً.

و قال الشيخ في المبسوط :إنّه إذا لم يكن لهما بيّنة و يدهما عليه كان بينهما نصفين بعد حلف كل منهما لصاحبه (1).و تبعه الفاضل في ظاهر الإرشاد و صريح القواعد و ولده في شرحه (2)؛ أخذاً بالعمومات،و طرحاً للروايات لاختلافها.

و فيه نظر يعلم وجهه ممّا مرّ،مع أنّ ذلك من الشيخ كما عرفت على جهة الاحتياط،فإنّه قال بعده:و قد روى أصحابنا أنّ ما يصلح للرجال فللرجل و ما يصلح للنساء فللمرأة،و ما يصلح لهما يجعل بينهما.و في بعض الروايات أنّ الكل للمرأة و على الرجل البيّنة؛ لأنّ من المعلوم أنّ الجهاز ينتقل من بيت المرأة إلى بيت الرجل،و الأوّل أحوط (3).انتهى.

هذا،و يحتمل أن يريد من الأوّل ما رواه الأصحاب دون ما أفتى به؛ لكونه أوّلاً بالنسبة إلى الرواية الثانية.و حاصله حينئذٍ أنّ الرواية الأُولى أحوط.

و به صرّح في الخلاف،فقال:إن اختلف الزوجان في متاع البيت فقال كل واحد منهما:كلّه لي،و لم يكن مع واحد منهما بيّنة نظر فما يصلح للرجال القول قوله مع يمينه،و ما يصلح للنساء فالقول قولها مع يمينها،و ما يصلح لهما كان بينهما.و قد روي أنّ القول في جميع ذلك قول المرأة مع يمينها،و الأول أحوط (4).انتهى.

ص:196


1- المبسوط 8:310.
2- الإرشاد 2:151،القواعد 2:223،إيضاح الفوائد 4:380.
3- المبسوط 8:310.
4- الخلاف 6:352.

و كلامه على كلا التقديرين ظاهر في رضاه بالعمل بمذهب الأكثر،بل و على التقدير الثاني يستفاد منه كونه أحوط.و حينئذ فلا وجه لعدّ الشيخ في المبسوط مخالفاً للقول الأول،إلّا من حيث تجويزه العمل بما ذكره في المبسوط،لا من حيث منعه عن العمل بما عليه الأصحاب.و هو في الحقيقة موافق لهم في جواز العمل بما صاروا إليه.و ليس الأمر كما يستفاد من موافقيه من تعين العمل بما أفتوا به،و المنع عن العمل بما عليه القوم.

و من هنا يظهر مرجّح آخر لما صاروا إليه من حيث موافقة الشيخ لهم في المبسوط أيضاً،بل مطلقاً،فإنّ ما ذكره في الاستبصار (1)مع رجوعه عنه غير معلوم كونه فتوى له،فلعله ذكره لمجرّد الجمع بين الأخبار،و قد مضى الإشارة إلى مثله مراراً،هذا.

و لو جمع بينهما بنحو ما قدمناه لكان أظهر و أولى.

ثم إنّ ما ذكره في الاحتياط في الكتابين محل نظر؛ لأنّه الأخذ بالمتيقن،و ليس في شيء من الأقوال بمتحقق.

بقي هنا شيء ينبغي التنبيه عليه،و هو أنّ الفاضل المقداد في شرح الكتاب رجّح ما عليه الفاضل في القواعد و الإرشاد (2)،قال:لما قلنا من تكافؤ الدعويين من غير ترجيح؛ و لأنّ الحكم لكل بما يصلح له لو كان حقاً لزم الحكم بمال شخص لغيره؛ لكونه صالحاً لذلك الغير،و هو باطل.

و بيان اللزوم:أنّه جاز أن يموت للمرأة أخ فترث منه عمائم و طيالسة و دراريع و سلاحاً،و يموت للرجل أُمّ أو أُخت فيرث منها حلياً و مقانع و قمصا مطرزة بالذهب و يكون ذلك تحت أيديهما،فلو حكم لكل بما

ص:197


1- راجع ص 195.
2- راجع ص 196.

يصلح له لزم الحكم بمال الإنسان لغيره.لا يقال:قال النبي(صلّى اللّه عليه و آله):نحن نحكم بالظاهر و اللّه تعالى يتولّى السرائر (1)،و ما قلناه هو الظاهر.لأنّا نقول:

نمنع أنّ ذلك الظاهر؛ لأنّ الظاهر هو راجح غير مانع عن النقيض،و مع ما ذكرنا من الاحتمال الا رجحان.و ما ذكره العلّامة من العرف ممنوع؛ لأنّه لو كان قاعدة شرعية لزم الحكم بذلك في غير الزوجين لو حصل التداعي بين الرجل و المرأة في متاع هذا شأنه،و هو باطل (2).انتهى.

و فيه نظر.

أمّا أوّلاً:فبأنّه اجتهاد في مقابلة الأدلة المتقدمة من النصوص المعتبرة و المستفيضة،و الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة العظيمة المحققة و المحكية في كلام جماعة كما عرفته،و إطراح لجميع ذلك بالكلية.

و لا يرتكبه ذو فطنة و دُربة.

و أمّا ثانياً:فبأنّ قوله:لتصادم الدعويين مع عدم الترجيح.إلى آخره ممنوع.

أمّا على القول الأوّل فمطلقاً؛ لما عرفته من دعوى الحلّي و غيره الرجحان عرفاً و عادة (3).

و أما على القول الثاني الذي اختاره في المختلف (4)ففيما إذا حصل الرجحان بالعادة كما هو الغالب،و لذا ادّعاه الحلي و غيره مطلقاً،و إنكاره حينئذ لا معنى له،بل فاسد جدّاً.

ص:198


1- إيضاح الفوائد 3:486،كشف الخفاء 1:193.
2- التنقيح الرائع 4:278.
3- راجع ص 191.
4- المختلف:698.

و إن كان مراده من إنكاره دعوى عدم إمكان حصول الترجيح بالعادة بالكلية و أنّه من الأُمور المحالة عادةً،فهو أوضح حالاً في الفساد من أن نبيّنه،كيف لا؟!و لا وجه له عدا ما ذكره من الاحتمال،و هو بمجرده غير مانع من الظهور ما لم يتساو هو و الاحتمال المقابل له،و لا ريب أنّ ما ذكره من الاحتمال غير مساوٍ للاحتمال الآخر غالباً،بل هو أرجح إمّا مطلقاً،كما ادّعاه الحلّي و غيره،أو في أغلب الأحوال و أكثر العادات،كما هو المقطوع به الذي لا شك فيه.

و حال الظهور في المسألة لا يقصر عن الظهور المحكوم به في جزئيات مسائل الدعاوي التي ذكرها العلّامة من نحو ظهور اليد في الملكية.و لا ريب أنّ ما ذكره من الاحتمال مثله بل و أمثاله جارٍ فيها،سيّما و إذا كان اليد يد نحو السارق و الظلَمة.و لا ريب أنّه لا ينافي ظهورها في الملكية عنده و عند العلماء كافّة.

و نحو الظهور في تلك المسائل الظهور المحكوم به في المسألتين السابقتين،على المشهور في الأُولى منهما،و على قول بل و احتمال في الثانية.

و بالجملة:دعوى عدم إمكان حصول الظهور من العادة مطلقاً مكابرة صرفة لا يرتاب في فسادها ذو مسكة.

و أمّا ثالثاً:فبأنّ قوله:و ما ذكره العلّامة من العرف ممنوع،إن أراد به منع حكم العرف بالظهور،فمع أنّه لا يساعده التعليل بقوله:لأنّه لو كان قاعدة شرعية.إلى آخره،فيه ما عرفته من أنّه مكابرة.

و إن أراد عدم حجّية مثله كما هو الظاهر من التعليل و إن لم يساعده العبارة،ففيه أوّلاً:أنّه و إن كان مقتضى الأصل كما عرفته،إلّا أنّ الخروج

ص:199

عنه لازم بما تقدم من الأدلة من النصوص و الإجماعات المنقولة.فالقول بحجّية الظهور في المسألة مستند إليها،و هو لا يوجب حجّيته مطلقاً حتى فيما نقض و عارض به العلّامة ممّا لم يتحقق فيه مثل تلك الأدلة.

نعم ربما يرد عليه النقض بما ذكره من حيث استناده إلى الاستقراء المفيد لحجيّة الظهور في الدعاوي كلّية،و لكن للعلّامة الذبّ عنه بالتزامه الحكم في كل ما لم يقم الدليل على خلافه من إجماع أو غيره.و دعواه حينئذٍ بطلان اللازم غير مجدٍ لالتزامه به،بل لا يجدي إلّا حيثما يعترف بالبطلان فيه،و لعله لا يعترف به إلّا حيث يقوم دليل عليه فيه.و معه النقض غير مانع؛ لكون الدليل حينئذٍ هو الفارق،و لولاه لالتزم بالحكم فيما نقض به،فكيف يدّعي بطلانه فيه؟.

و ثانياً:بأنّ إنكار حجّيته إن كان من حيث منعه حصوله فقد قدّمه، و لا وجه لإعادته،بل و لا لنقضه.و إن كان من حيث عدم دليل عنده على حجّيّته مع تسليم ظهوره،ففيه بعد ما عرفت من وجود الدليل عليها إمّا مطلقاً أو فيما نحن فيه خاصّة-:أنّ الحديث المذكور في كلامه دليل على حجّيته حتى باعترافه،حيث إنّه لم يناقش فيه لا في سنده و لا في دلالته، و إنّما منع حصول الظهور فيما نحن فيه،فإذا سلّمه كما هو المفروض فلا ينبغي أن يتكلم في حجّيته.

ص:200

الفصل الثالث في تعارض البيّنات

الفصل الثالث في بيان أحكام تعارض البيّنات و تضادّها بحيث يستلزم العمل بكل منهما تكذيب الأُخرى.

اعلم أنّ العين التي تعارضت فيها إمّا أن تكون في يد أحد المتداعيين،أو يدهما معاً،أو يد خارج عنهما:

فإن كان الأوّل كان الحكم فيه أن يقضى مع التعارض للخارج إذا شهدتا بالملك المطلق أي من غير ذكر سببه مطلقاً،تساوتا عدالةً و كثرةً، أم اختلفتا فيهما على الأشبه الأقوى.

وفاقاً لجمهور أصحابنا كالصدوقين،و الشيخ في النهاية و كتابي الأخبار و كتاب البيوع من الخلاف،و الديلمي،و القاضي،و ابن حمزة لكن فيما لا يتكرر ملكه،و الحلّي،و ابن زهرة،و الفاضلين في صريح المتن و الشرائع و المختلف و ظاهر التحرير و الإرشاد و القواعد،و الشهيدين في النكت و الروضة،و إن توقّفا فيه في الدروس و اللمعة و المسالك (1)،و هو

ص:201


1- الصدوق في المقنع:133،و الفقيه 3:39 و حكاه فيهما عن والده،النهاية:344،الاستبصار 3:42،التهذيب 6:237،الخلاف 3:130،الديلمي في المراسم:234،القاضي في المهذّب 2:578،ابن حمزة في الوسيلة:219،الحلّي في السرائر 2:168،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625،الشرائع 4:111،المختلف:694،التحرير 2:195،الإرشاد 2:150،القواعد 2:222،غاية المراد(مخطوط)الورقة:258،الروضة 3:108،الدروس 2:101،المسالك 2:390.

ظاهر المقداد في التنقيح،و غيره من المتأخّرين (1).و نسبه في الخلاف إلينا،و جعله في المبسوط (2)مذهبنا مشعراً بدعوى الإجماع عليه بيننا،و به صرّح في الغنية؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الرواية المستفيضة أنّ البيّنة على المدّعى و اليمين على الجاحد (3).فإنّ تخصيص المدّعى بالبيّنة و الجاحد باليمين قاطع لشركتهما فيهما.

و قصور الدلالة من حيث إنّ غايتها إفادة لزوم البيّنة على المدّعى، لا عدم الحكم بها لو أقامها المنكر و عدم سماعها منه.

مجبور أوّلاً:بفهم الأصحاب منها ما ذكرنا،حيث استدلوا بها هنا و في غير مقام ساكتين عليها،بل ظاهرهم الجزم بوضوح دلالتها.

و ثانياً:بالخبر المنجبر قصور سنده بالشهرة العظيمة،كما عرفتها و سيأتي أيضاً إليها الإشارة،و فيه:رجل في يده شاة فجاء رجل فادّعاها، فأقام البيّنة العدول أنّها ولدت عنده و لم يهب و لم يبع،و جاء الذي في يده بالبيّنة مثلهم عدول و أنّها ولدت عنده،و لم يهب و لم يبع،فقال(عليه السّلام):

« حقّها للمدّعي،و لا أقبل من الذي في يده بيّنة،لأنّ اللّه تعالى إنّما أمر أن تطلب البيّنة من المدّعى،فإن كانت له بيّنة،و إلّا فيمين الذي هو في يده،

ص:202


1- التنقيح الرائع 4:281،إيضاح الفوائد 4:410؛ و انظر المفاتيح 3:271.
2- المبسوط 8:258.
3- الوسائل 27:233 أبواب كيفية الحكم ب 3.

هكذا أمر اللّه تعالى» (1).

و هو مع ذلك حجّة أُخرى مستقلة،سيّما مع مخالفتها العامّة،كما سيأتي إليه الإشارة.

خلافاً للشيخ في المبسوط (2)و كتاب الدعاوي من الخلاف (3)،فقال:

يقضى للداخل.

و مستنده مع ندرته غير واضح من الأخبار،و ما استدل له به منها ممّا سيأتي مختصّ بغير ما نحن فيه.و الاعتبار و إن شهد له من حيث إنّ ذا اليد له حجّتان:هي و البيّنة،و الآخر له حجّة واحدة،فيترجّحان عليها،إلّا أنّه ساقط عن درجة الاعتبار بعد ما عرفته من أنّ وظيفة ذي اليد اليمين دون البيّنة،فوجودها في حقه كعدمها بلا شبهة،و لذا لو أقامها بدلاً عن يمينه لم تقبل منه إجماعاً (4)إن لم يقمها المدّعى.

و للمفيد (5)-(رحمه اللّه) فرجّح الأعدل من البيّنتين ثم الأكثر منهما،و مع التساوي فبيّنة الخارج مطلقاً،مطلقتين كانتا أم مقيّدتين أم مختلفتين.

و وافقه الإسكافي (6)،لكن في اعتبار الأكثرية خاصّة دون الأعدلية، فلم يذكرها،و دون الحكم للخارج مع التساوي في الكثرة،بل حكم فيه

ص:203


1- التهذيب 6:594/240،الإستبصار 3:143/43،الوسائل 27:255 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 14.
2- المبسوط 8:258.
3- الخلاف 6:329.
4- في« ب» زيادة:و.
5- المقنعة:730.
6- حكاه عنه في المختلف:693.

للحالف منهما،و لذي اليد مع حلفهما أو نكولهما.

و استدل لهما في اعتبار الأكثرية بالصحيح:عن الرجل يأتي القوم، فيدّعي داراً في أيديهم،و يقيم الذي في يده الدار البيّنة أنّه ورثها من أبيه، لا يدري كيف أمرها؟فقال:« أكثرهم بيّنة يستحلف و تدفع إليه» و ذكر:«أنّ علياً(عليه السّلام)أتاه قوم يختصمون في بغلة،فقامت لهؤلاء بيّنة أنّهم أنتجوها على مذوَدهم لم يبيعوا و لم يهبوا،و قامت لهؤلاء البيّنة بمثل ذلك،فقضى بها لأكثرهم بيّنة و استحلفهم» (1).

و فيه نظر،فإنّ الاستدلال به إن كان من جهة الذيل المتضمن لقضاء علي(عليه السّلام)في البغلة فوجه النظر فيه واضح؛ لعدم التعرض فيه لكونها في يد أحدهما كما هو فرضنا،فيحتمل كونها في يد ثالث،و نحن نقول به، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

و إن كان من جهة الصدر المصرّح فيه بكون العين المتنازع فيها في يد أحدهما،فوجه النظر فيه أنّه لا تعلّق له بما نحن فيه من تعارض البيّنتين بالملك؛ و ذلك لأنّ الظاهر منه بل صريحه أنّ بيّنة ذي اليد إنّما هي على كون الدار في يده بالإرث،لا على كونها في يده بالملك،و يحتمل فيه القول بمضمونه كما حكاه في المختلف عن الحلبي (2)،و يظهر أيضاً من الصدوق في الفقيه،حيث قال بعد نقل الرواية المزبورة:

ص:204


1- الكافي 7:1/418،الفقيه 3:129/38،130،التهذيب 6:575/234،الإستبصار 3:135/40،الوسائل 27:249 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 1.
2- المختلف:693،الكافي في الفقه:439.

لو قال الذي في يده الدار:إنّها لي و ملكي،و أقام على ذلك بيّنة، و أقام المدّعى على دعواه بيّنة،كان الحق أن يحكم بها للمدّعي؛ لأنّ اللّه تعالى عزّ و جلّ إنّما أوجب البيّنة على المدّعى و لم يوجبها على المدّعى عليه،و لكن هذا المدّعى عليه ذكر أنّه ورثة عن أبيه و لا يدري كيف أمرها، فلهذا أوجب الحكم باستحلاف أكثرهم بيّنة و دفع الدار إليه (1).انتهى.

و هو صريح في عدم اعتباره الأكثرية بل و غيرها من وجوه التراجيح فيما نحن فيه،فما ذكره الشهيدان (2)و غيرهما (3)من موافقته المفيد في اعتبار الأكثرية مطلقاً محل مناقشة.

و كذا نسبة ابن فهد في المهذب و الشهيد في الدروس (4)ذلك مع اعتبار الأعدلية قبله إلى قدماء الأصحاب كما في الأوّل،و إلى أكثرهم كما في الثاني أيضاً محل مناقشة؛ إذ لم نقف على قائل بذلك منهم عدا من ذكرناه.و كلمات باقيهم كما يستفاد من المختلف (5)و إن تضمنت ذلك إلّا أنّه فيما إذا كانت العين في يد خارجة ثالثة،و هو ليس من خصائصهم،بل أفتى به المتأخرون كما اعترفا به أيضاً.

و بالجملة:لا وجه لما ذكروه من النسبة،كما لا وجه للاستدلال بما ذكر من الرواية للمفيد و الإسكافي في مفروض المسألة،كما اتفق للشهيد الثاني (6)و جملة ممن تبعه (7)؛ لما عرفته.

ص:205


1- الفقيه 3:39.
2- الدروس 2:101،المسالك 2:390.
3- انظر المهذّب البارع 4:492.
4- المهذّب البارع 4:492،الدروس 2:101.
5- المختلف:693،694.
6- المسالك 2:391.
7- انظر الكفاية:276،و كشف اللثام 2:354.

و مع ذلك قاصرة عن إفادة تمام ما عليه المفيد من اعتبار الأعدلية و كونها قبل الأكثرية،و لا متمّم له من إجماع أو رواية.

و مع ذلك هي معتبرة للحلف،و هو لم يعتبره.

و كذا حكمه بتقديم الخارج مع التساوي في الكثرة لا يستفاد منها، و لعله أخذه من الجمع بينها و بين ما قدمناه من الأدلة،كما صرّح به في الدروس (1)،و لكنه غير ممكن لنا؛ لعدم التكافؤ بينهما عندنا؛ لرجحان الأدلة التي قدمناها على هذه الرواية من وجوه عديدة،مع ما عليه هذه الرواية مما عرفته من عدم ارتباطها بمورد المسألة.

فلا يمكننا المصير إلى ما عليه المفيد،و لا إلى ما عليه الإسكافي من الحكم مع التساوي عدداً للحالف منهما و لذي اليد مع حلفهما أو نكولهما؛ لعدم استفادتهما من الرواية المزبورة،مع مخالفتهما لما مضى من الأدلة.

مع عدم دليل على الثاني منهما سوى ما عرفته في مذهب الخلاف (2)من حجة ضعيفة،و لا على الأوّل عدا رواية:« أنّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)،فحلف أحدهما و أبى الآخر أن يحلف،فقضى بها للحالف» فقيل:لو لم يكن في يد واحد منهما و أقاما البيّنة؟قال:« أحلفهما فأيّهما حلف و نكل الآخر جعلتها للحالف،و إن حلفا جميعاً جعلتها بينهما نصفين».قيل:فإن كانت في يد واحد منهما و أقاما جميعاً البيّنة؟فقال:

« أقضي بها للحالف الذي في يده» (3).

ص:206


1- الدروس 2:101.
2- راجع ص 203.
3- الكافي 7:2/419،التهذيب 6:570/233،الإستبصار 3:130/38،الوسائل 27:250 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 2.

و هي مع عدم دلالتها على التفصيل الذي ذكره على المشهور ضعيفة،و مع ذلك غير مكافئة لما مرّ من الأدلة،متضمنة لما لم يقل به المشهور من الطائفة و هو القضاء فيها بالعين التي في يدهما بمجموعها للحالف منهما،و المشهور كما سيأتي التشريك بينهما مطلقاً،إلّا أن يحمل على ما إذا لم يكن بيّنة لهما.

و للعماني فصار إلى القرعة مطلقاً،مدّعياً تواتر الأخبار بقضاء النبي(صلّى اللّه عليه و آله)بذلك (1).

و هو شاذّ،و الأخبار المستفيضة أو المتواترة كما ذكره و إن كانت مطلقة إلّا أنّ ظاهر الأصحاب عداه الإطباق على تقييدها بما إذا كان تعارض البيّنتين في العين الخارجة عن يد المتداعيين.

و لعله للجمع بينها و بين ما مرّ من الأدلّة بتقديم بيّنة الخارج،و هي بالنظر إلى هذه الأخبار خاصّة،فلتكن عليها مقدمة.و يمكن تقييد كلام العماني بذلك أيضاً،و لعله لذا لم يشر إلى خلافه أحد في المسألة،مع أنّ الأخبار الدالة عليه مستفيضة.

و كيف كان،فالمختار ما عليه الأصحاب.

كل ذا إذا شهدتا بالملك المطلق.

و يقضى لصاحب اليد لو انفردت بيّنته ب ذكر السبب كالنتاج،و قديم الملك،و كذا الابتياع و أطلقت بيّنة الآخر،و لم يذكر فيها شيء من الأسباب،وفاقاً للشيخ-(رحمه اللّه) في النهاية و كتابي الحديث و الخلاف و المبسوط (2)مشعراً فيهما بدعوى الإجماع عليه،حيث قال

ص:207


1- حكاه عنه في المختلف:693.
2- النهاية:344،الاستبصار 3:42،التهذيب 6:237،الخلاف 6:332،المبسوط 8:258.

فيهما:قبلناها،و زاد في الأوّل فقال:بلا خلاف بيننا.و به تشعر عبارة ابن فهد،حيث نسب القول الآتي إلى الندرة (1).و إليه ذهب القاضي و الطبرسي و الفاضلان و الشهيدان (2)في كتبهم المتقدّمة.

و الحجة عليه غير واضحة عدا الإجماع المستشعر من عبائر الشيخ و ابن فهد المتقدمة،و ما في التنقيح (3)من تأيّد يده بالسبب،و حديث جابر أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)قضى لصاحب اليد لمّا أقام كل منهما البيّنة أنّه أنتجها عنده (4).

و نحوه بعض الروايات الآتية (5).

و المناقشة في الجميع واضحة،أمّا الإجماع فبعد تسليم ظهوره من العبارة موهون بعدم قائل به من القدماء عدا الناقل له و بعض من تبعه،و إلّا فأكثر القدماء على تقديم بيّنة الخارج هنا أيضاً كالصدوقين و المفيد و الديلمي و الحلي و ابن زهرة مدّعياً عليه إجماع الإمامية (6).

و بإجماعه يعارض الإجماع المتقدم أيضاً،مع رجحانه عليه بالتصريح فيه بلفظه،و عدم وهنه بموافقة من مرّ من القدماء له،و لكنهم كمدّعي الإجماع أطلقوا الحكم بتقديم بيّنة الخارج من دون تفصيل بين

ص:208


1- المهذّب البارع 4:499.
2- القاضي في المهذّب 2:578،الطبرسي في المؤتلف من المختلف 2:563،المحقق في الشرائع 4:111،العلّامة في القواعد 2:232،الشهيد الأوّل في غاية المراد(مخطوط)الورقة:259،الشهيد الثاني في الروضة 3:109،المسالك 2:390.
3- التنقيح الرائع 4:281.
4- سنن البيهقي 10:256.
5- ستأتي في ص 210.
6- الصدوق في الفقيه 3:39،و حكاه عن والده في المقنع:134،المفيد في المقنعة:730،الديلمي في المراسم:234،الحلّي في السرائر 2:168،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625.

كونها مطلقة أو مقيّدة،إلّا أنّ الإطلاق يكفي في الشمول لما نحن فيه سيّما مع ما مرّ في عبارة الصدوق (1)من التعليل،و قريب منها عبارة ابن زهرة.

و أمّا تأيّد اليد بالسبب فحسن إن لم يقم الدليل على عدم اعتبار اليد من أصله في مقابلة بيّنة المدّعى،و قد عرفت قيامه،و صار إليه هؤلاء الجماعة في المسألة السابقة.هذا مع أنّ في حصول التأيّد بالسبب نظراً، و لو سلّمنا اعتبارها هنا.

و أمّا الروايات فقاصرة الأسانيد مع ضعف الاُولى،و عديمة التكافؤ لما قدمناه من الأدلة على تقديم البيّنة الخارجة،مع أنّ موردها اشتمال البيّنتين على السبب،فلا ربط لها بمحل البحث من كون بيّنة الداخل مقيدة و الأُخرى مطلقة.

اللّهم إلّا أن يرتبط بالأولوية كما في المسالك (2)،لكنها تتوقف على القول بمضمون الروايات من تقديم بيّنة الداخل فيما لو كانتا مقيدتين، و سيأتي أنّ مذهب الماتن و أكثر الجماعة القائلين بتقديم بيّنة الداخل هنا تقديم بيّنة الخارج ثمّة،معرضين عن الرواية،فكيف يصح لهم الاستناد إليها في المسألة من جهة الأولوية،مع عدم قولهم بأصل ما فيها.

و بالجملة:الوجه عند الأحقر تقديم بيّنة الخارج هنا كما مضى؛ لما مضى،وفاقاً لمن مضى.

و لو تساويا أي البيّنتان في ذكر السبب بأن شهد كل منهما على النتاج عند من شهدت له مثلاً ف في القضاء للخارج أو الداخل روايتان،أشبههما ما تضمّن القضاء للخارج و هو اختيار من مرّ و الفاضلين في كتبهم المتقدّمة،و الفاضل المقداد في شرح الكتاب،

ص:209


1- راجع ص 204.
2- المسالك 2:390.

و الشهيدين في النكت و الروضة (1)،و غيرهم (2).

و بالجملة المشهور،على الظاهر المصرح به في كلام الخال العلّامة المجلسي(رحمه اللّه)حيث قال في حاشيته المنسوبة إليه على هذه الرواية،و هي الرواية المتقدمة دليلاً للمختار في المسألة السابقة ما لفظه:تدل على ترجيح بيّنة الخارج فيما إذا كانتا مسبّبتين،و هو المشهور الموافق للأُصول، و لعلّ ما مرّ من الأخبار من ترجيح بيّنة الداخل محمول على التقية؛ لشهرته بين العامّة فتوًى و روايةً،فإنّهم رووا عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري أنّ رجلين تداعيا دابّة فأقام كل واحد منهما البيّنة أنّها دابّة أنتجها،فقضى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)للذي في يديه،و عمل عليه أكثرهم.

ثم قال:و ممّا يرجّح هذا الخبر و أشار به إلى الخبر الدال على المختار هو أنّه معلّل،و الخبر المعلّل أولى بالعمل عند التعارض كما ذكره أئمّة الأُصول (3).انتهى كلامه،علَتْ في فراديس الجنان أقدامه.

و أشار بما مرّ من الأخبار إلى الرواية الثانية،و هي متعددة:

منها:ما مرّ سنداً للإسكافي (4).

و منها:الموثق« أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)اختصم إليه رجلان في دابة، و كلاهما أقاما البيّنة أنّه أنتجها،فقضى بها للّذي هي في يده،و قال:لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين» (5).

ص:210


1- راجع ص 207.
2- انظر كشف اللثام 2:365.
3- انظر ملاذ الأخيار 10:72.
4- راجع ص 206.
5- الكافي 7:6/419،التهذيب 6:573/234،الإستبصار 3:133/39،الوسائل 27:250 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 3.

و الأولى قد عرفت أنّها ضعيفة،مع أنّها غير واضحة الدلالة على الحكم في مفروض المسألة.

و الثانية و إن كانت بحسب السند معتبرة في الجملة إلّا أنّها لا تقاوم الرواية المتقدّمة المعتضدة بما قبلها من الرواية المستفيضة،و بالشهرة الظاهرة و المحكية كما عرفته،و بدعوى الإجماع على تقديم بيّنة الخارج على الإطلاق في الغنية (1)،و بالمخالفة لما عليه أكثر العامّة،كما عرفته من كلام الخال العلّامة في حمله الرواية الثانية على التقية.و لعله يعضده كون الراوي لها غياث بن إبراهيم و هو بتري.فتأمّل .

و بالجملة:طرح هذه الرواية متعين،و إن ذهب إليها الشيخ في الخلاف و التهذيبين (2)،و نسبه في المسالك (3)إليه في النهاية و إلى الماتن، و لعله و هم؛ لتصريح الماتن هنا كما ترى و في الشرائع (4)أيضاً بتقديم بيّنة الخارج هنا.

و عبارة النهاية المحكية في المختلف (5)ساكتة عن حكم البيّنتين المسبّبتين،و إنّما حكمت بتقديم بيّنة ذي اليد إذا انفردت بالسبب،و لذا لم ينسبه فيها إلى ما ذكره أحد من الطائفة حتى من تبعه.بل صرح جمع بما ذكرناه من النسبة،كالفاضل في المختلف،و ابن فهد في المهذّب،و الشهيد في النكت (6)،و غيرهم.

ص:211


1- الغنية(الجوامع الفقهية):625.
2- الخلاف 6:329،الاستبصار 3:42،التهذيب 6:237.
3- المسالك 2:390.
4- الشرائع 4:111.
5- المختلف:691،692،النهاية:344.
6- المختلف:692،المهذّب البارع 4:493،غاية المراد(مخطوط)الورقة:259.

و يشبه هذا الوهم الوهم الذي نسبه الشهيدان في النكت و المسالك (1)إلى المبسوط في نسبة تقديم بيّنة ذي اليد مع كون البيّنتين مقيّدتين أو مطلقتين إلى مختاره في النهاية،حيث قال:مذهبنا الذي يدل عليه أخبارنا ما ذكرناه في النهاية،و هو أنّه إذا شهدتا بالملك المطلق و يد أحدهما عليها حكم لليد،و كذا إن شهدتا بالملك المقيد لكل واحد منهما و يد أحدهما عليها حكم لمن هو في يده (2).انتهى.

مع أنّه رجّح في النهاية (3)في البيّنتين المطلقتين تقديم بيّنة الخارجة لا الداخلة،و لم يتعرض فيها لحكم البيّنتين المقيّدتين بشيء بالمرّة كما عرفته.

و ظاهره كما ترى المصير إلى ما في الخلاف مشعراً بدعوى الإجماع عليه فتوى و رواية.

و هو كما ترى،لاختلاف رواياتنا جدّاً،مع كون الأشهر منها ما اخترناه،و عدم ظهور قائل بما نسبه إلى مذهبنا عداه هنا و في الخلاف و كتابي الحديث (4)،مع تأمّل ما في فتواه بذلك فيهما؛ لما مرّ وجهه مراراً، و مع ذلك معارض بما مرّ من إجماع الغنية (5)صريحاً.

و مما حققناه في الصور الثلاث يظهر أنّ الأقوى فيها تقديم الخارج، و أنّه الأشهر،إلّا في الصورة الثانية؛ لعدم تحقق شهرة فيها معتدّ بها.

و بقي هنا صورة رابعة هي عكس الثانية،و لم يذكر حكمها في العبارة

ص:212


1- غاية المراد(مخطوط)الورقة:259،المسالك 2:390.
2- المبسوط 8:258.
3- النهاية:344.
4- راجع ص 211.
5- راجع ص 211.

صريحاً،و لكنه يستفاد من الحكم في الثانية بالأولوية كما صرّح بها جماعة (1)،مع أنّه لا خلاف فيه أجده،و به صرح بعض الأجلة (2).

نعم ربّما يأتي فيها خلاف من مضى في الصورة الأُولى ممّن رجّح بالأعدلية و الأكثرية أو حكم بالقرعة،و لكن الجواب عنه قد عرفته.

و لو كانت يداهما أي المتداعيين عليه أي على الشيء المتنازع فيه قضي لكل منهما بما في يد الآخر دون ما في يده مطلقاً، تساوت البيّنات عدالةً و كثرةً و إطلاقاً و تقييداً أم اختلفتا فيها،على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا إلّا نادراً.

خلافاً للمهذب (3)و جماعة (4)من القدماء،فخصّوا ذلك بما إذا تساوتا في الأُمور المتقدّمة كلها،و حكموا مع الاختلاف فيها لأرجحهما،و اختلفوا في بيان المرجّح لها.فعن المفيد (5)اعتباره الأعدلية خاصّة هنا و إن اعتبر الأكثرية بعدها فيما مضى.

و عن الإسكافي (6)اعتبار الأكثرية خاصّة كاعتباره لها فيما مضى،و في المهذّب (7)اعتبارهما مرتباً بينهما الأعدلية فالأكثرية.

ص:213


1- منهم العلّامة في المختلف:694،و الشهيد الثاني في المسالك 2:390،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:353.
2- انظر السرائر 2:168.
3- المهذّب البارع 4:494.
4- منهم المفيد في المقنعة:730،و ابن حمزة في الوسيلة:218،و الديلمي في المراسم:234.
5- المقنعة:730.
6- حكاه عنه في المختلف:693.
7- المهذّب البارع 4:494.

و عن ابن حمزة (1)اعتباره التقييد أيضاً مردّداً بين الثلاثة غير مرتّب بينها.

و عن الديلمي (2)اعتبار المرجّح مطلقاً،غير مبيّن له أصلاً.

و لم أجد دليلاً على شيء منها هنا،عدا ما ربما يتخيل من أمر اعتباري دالّ عليها في الجملة لا مطلقاً،و هو أنّ حال البيّنتين هنا كحال الخبرين المتعارضين حيث يتعين الأخذ بأرجحهما،و يجمع بينهما مع التكافؤ و إمكان الجمع و لو في الجملة كما هنا.

و هو ضعيف جدّاً؛ لكونه قياساً،و مع ذلك يتضمّن فارقاً،و هو أنّ مناط العمل بالخبر ليس من حيث كونه خبراً،بل من حيث كونه للظن مفيداً،فينبغي متابعة أقوى الظنّين من الخبرين المتعارضين إن كان حاصلاً؛ تحصيلاً لما هو أقرب إلى العلم المأمور بتحصيله و ما به أحرى،و لا كذلك العمل بالبيّنة،فإنّ مناط العمل بها خصوصيتها لا إفادتها المظنّة،و إنّها من قبيل الأسباب كاليد و الأنساب،كما صرّح به جماعة من الأصحاب (3)، و لهذا يعمل عليها و لو لم تفدها بالكلية،بل لو حصل من شهادة الفاسق و نحوه ظنّ أقوى من الظنّ الحاصل منها بمراتب شتى يعمل بها دون شهادتهما.

و منشأ الفرق هو اختلاف مفاد الأدلة على حجّية الأمرين،فإنّ مفاد ما دلّ على حجّية الخبر حجّيته من حيث إفادته المظنّة،لا من حيث الخبرية.و ما دل على حجّية البيّنة حجيتها من حيث البيّنة لا من حيث

ص:214


1- الوسيلة:218.
2- المراسم:234.
3- منهم البحراني في الحدائق 22:77.

إفادتها المظنّة.

و لا ريب أنّ البيّنتين المختلفتين بأحد الأُمور المتقدمة و إن اختلف الظنّ الحاصل منهما ضعفاً و قوةً مشتركتان فيما هو المناط في حجيّتهما، و هو كون كل منهما بيّنة،فيجب العمل بكل منهما لإثبات ما في يد كلٍّ لصاحبه؛ لكونه بالإضافة إليه مدّعياً و هو بالنسبة إليه منكراً.

و منه يظهر الوجه في القضاء لكلٍّ بما في يد الآخر مع عدم اعتبار اليمين،كما هو المشهور،على الظاهر المصرّح به في المسالك و الكفاية (1)و غيرهما (2).

و هو لازم لكل من قدّم بيّنة اليد الخارجة أو الداخلة،مع توجيهه التنصيف بينهما بأنّ مع كل منهما مرجّحاً باليد على نصفها فقدّمت بيّنته على ما في يده.

و لو وجّه بتساقط البيّنتين و بقاء الحكم كما لو لم يكن هناك بيّنة لزم اليمين،كما هو واضح.

و تقديم اليد الداخلة كما عرفت ضعيف،و التوجيهان غير معلومي المأخذ.

و لقد قوّى الفاضل في التحرير (3)ثبوت اليمين على كل منهما مع حكمه بتقديم بيّنة الخارج،و أنّ القضاء هنا لكل منهما بما في يد الآخر.

و جعل ما ذكرناه من عدم اعتبار اليمين احتمالاً.و لعله استند إلى ما مرّ من الخبر سنداً للإسكافي المتضمّن لأنّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)،

ص:215


1- المسالك 2:390،الكفاية:276.
2- انظر ملاذ الأخيار 10:51.
3- التحرير 2:195.

فحلف أحدهما و أبى الآخر أن يحلف،فقضى بها للحالف،فقيل:لو لم تكن في يد واحد منهما،إلى آخر ما مضى (1).

و لكنه كما عرفت ضعيف،غير صريح في كون العين بيدهما،كما هو محل البحث هنا،فيحتمل كونها بيد ثالث و نحن نقول به كما يأتي.

و هو و إن خالف ظاهر الخبر إلّا انّ ارتكابه لا بُدّ منه جمعاً بينه و بين الأصل و الأدلّة النافية لاعتبار اليمين في نحو المسألة.

و لا ريب أنّ عدم التنصيف بينهما إلّا بعد إحلافهما أحوط و أولى؛ خروجاً من شبهة الخلاف،مع اعتبار سند الرواية؛ إذ ليس فيه سوى الخشاب،و هو ممدوح ،و غياث بن كلوب،و هو و إن ضعف في المشهور إلّا أنّ الشيخ قال:إنّ الأصحاب عملوا بحديثه (2).هذا.

مع أنّه يستفاد من الفاضل المقداد في الشرح عدم الخلاف في الإحلاف،حيث قال بعد الإشارة إلى ما يترتب على الخلاف في تقديم بيّنة الخارج أو الداخل من الحكم لكلٍّ بما في يد الآخر على الأوّل،و بما في يده على الثاني-: فيكون بينهما نصفين على التقديرين،سواء أقاما بيّنة أو لم يقيما بيّنة،و يكون لكل منهما اليمين على صاحبه،فإن حلفا أو نكلا فالحكم كما تقدم.و إن حلف و نكل الآخر قضي بها للحالف (3).انتهى.

و لكن هذا منه غريب،سيّما مع أنّ دابة ذكر الخلاف حيث كان،فإنّ الخلاف في ذلك كما عرفت مشهور،سيّما و أنّ عدم الإحلاف أيضاً مشهور.و مع ذلك فلزومه و عدمه يترتبان على الخلاف الذي ذكره،بل هما

ص:216


1- راجع ص 206.
2- عدة الأُصول 1:380.
3- التنقيح الرائع 4:281.

العمدة في ثمرة ما رتّبه عليه،و إلّا فمجرده ليس ثمرته،و إنّما هو مجرد اختلاف عبارة بأنّ على القول بالقضاء للخارج يحكم لكل بما في يد الآخر،و على القول الآخر يحكم له بما في يده.و هو ليس بثمرة معنوية حقيقة؛ لثبوت النصف لكل منهما على التقديرين،كما ذكره.

و بما ذكرناه من كون الإحلاف و عدمه ثمرة ذلك الاختلاف صرّح جمع من الأصحاب،و منهم ابن فهد في المهذب،حيث قال:فإن أقاما بيّنتين نظر إلى أعدلهما فأكثرهما و رجّح به.فإن تساويا فيهما قضي لكل منهما بما في يده على القول بالقضاء لصاحب اليد كمذهب الخلاف،و بما في يد صاحبه كمذهب النهاية و كتابي الأخبار.و تظهر الفائدة في ضمّ اليمين إن حكمنا بتقديم بيّنة الداخل؛ لأنّ الظاهر تساقط البيّنتين مع تعارضهما،و يقضى للداخل لأنّه الأصل،فيتوجه اليمين عليه لدفع دعوى المدّعى.و إن قلنا يقضى له بما في يد صاحبه لا يتوجه على أحدهما يمين؛ لأنّ القضاء له مستند إلى بيّنة،و هي ناهضة بثبوت الحق،فيستغني عن اليمين (1).انتهى.

و ظاهره تعين اليمين على القول بتقديم الداخل؛ لما وجّهه به من التساقط.

و فيه نظر يظهر وجهه مما مرّ من احتمال عدم اليمين على هذا القول أيضاً إذا وجّه التنصيف بأنّ مع كل منهما مرجّحاً،إلى آخر ما مضى،فتأمّل جدّاً.مع أنّه حكي في المسالك (2)و غيره (3)قولاً.

ص:217


1- المهذّب البارع 4:494.
2- المسالك 2:390.
3- كشف اللثام 2:353.

و اعلم أنّ ظاهر إطلاق عبارة العماني بلزوم القرعة و تقديم من أخرجته يقتضي جريان خلافه السابق هنا أيضاً،و نحوه إطلاق مستفيضته.

و جوابهما يعلم ممّا مضى (1).

و لو كان المدّعى به في يد ثالث خارج عنهما قضي بالأعدل أي بأرجح البيّنتين عدالةً ف إن تساويا فيها قضي ل الأكثر منهما شهوداً فإن تساويا عدالةً و كثرةً أُقرع بينهما،فمن خرج اسمه أُحلف و قضي له بتمام المدّعى به. و لو امتنع عن الحلف أُحلف الآخر و قضي له بتمامه و لو امتنعا معاً عنه قسّم المدّعى به بينهما على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،وفاقاً للنهاية و كتابي الحديث و موضع من الخلاف،و الحلبي،و القاضي،و الحلّي،و ابن حمزة، و يحيى بن سعيد،و ابن زهرة العلوي (2)مدّعياً الإجماع عليه.

و هو الحجة الجامعة بين النصوص المختلفة المتقدّم إليها الإشارة الدالّ بعضها على اعتبار الأكثرية بقول مطلق،كالصحيح:« أنّ عليّاً(عليه السّلام)أتاه قوم يختصمون في بغلة،فقامت لهؤلاء البيّنة أنّهم أنتجوها على مِذْوَدهم، لم يبيعوا و لم يهبوا،و قامت لهؤلاء البيّنة بمثل ذلك،فقضى بها لأكثرهم بيّنة و استحلفهم» (3)الخبر.

و جملة منها باستعمال القرعة كذلك.

ص:218


1- راجع ص 207.
2- النهاية:344،الاستبصار 3:42،التهذيب 6:238،الخلاف 6:333،337،الحلبي في الكافي:439،القاضي في المهذّب 2:578،الحلّي في السرائر 2:168،ابن حمزة في الوسيلة:220،ابن سعيد في الجامع:532،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625.
3- الكافي 7:1/418،التهذيب 6:575/234،الإستبصار 3:135/40،الوسائل 27:249 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 1.

ففي الصحيح:عن رجلين شهدا على أمر،و جاء آخران فشهدا على غير ذلك فاختلفوا،فقال:« يقرع،فأيّهم قرع فعليه اليمين،و هو أولى بالحق» (1).

و نحوه الخبر الصحيح:في شاهدين شهدا على أمر واحد،و جاء آخران فشهدا على غير الذي شهد الأوّلان فاختلفوا،قال:« يقرع بينهم، فمن قرع عليه اليمين فهو أولى بالقضاء» (2).

و في الموثق (3)و غيره:« إنّ رجلين اختصما إلى علي(عليه السّلام)في دابّة، فزعم كل واحد منهما أنّها نتجت على مِذْوَده،و أقام كل واحد منهما بيّنة سواء في العدد،فأقرع بينهما سهمين،فعلّم السهمين كل واحد منهما بعلامة،ثم قال:اللّهم ربّ السموات السبع،و ربّ الأرضين السبع،و ربّ العرش العظيم،عالم الغيب و الشهادة،الرحمن الرحيم،أيّهما كان صاحب الدابّة و هو أولى بها فأسألك أن يقرع و يخرج سهمه،فخرج سهم أحدهما، فقضى له بها» (4).

إلى غير ذلك من النصوص،بحمل هذه على الصورة الأخيرة من تساوي البيّنتين في العدالة و الكثرة،كما تشعر به الروايتان الأخيرتان و لو في الجملة.

و أظهر منهما إشعاراً بل ربّما كان دليلاً الخبر:« كان علي(عليه السّلام)إذا

ص:219


1- التهذيب 6:577/235،الإستبصار 3:137/40،الوسائل 27:254 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 11.
2- الكافي 7:4/419،الفقيه 3:178/52،التهذيب 6:572/233،الوسائل 27:251 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 6.
3- الفقيه 3:177/52،التهذيب 6:576/234،الإستبصار 3:136/40،الوسائل 27:254 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 12.
4- التهذيب 6:582/236،الإستبصار 3:141/41،الوسائل 27:255 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 15.

أتاه رجلان ببيّنة شهود عددهم سواء و عدالتهم،أقرع بينهم على أيّهم يصير اليمين،و كان يقول:اللّهم ربّ السموات أيّهم كان الحق له فأدّه إليه،ثم يجعل الحق للذي يصير إليه اليمين» (1).

و هو و إن لم يستفد منه الترتيب بين الأعدلية و الأكثرية،لكنه محمول عليه بقرينة الإجماع المتقدّم إليه الإشارة،فإنه الجامع بين اختلاف ما مرّ من النصوص و كذا كثير من فتاوي القدماء المختلفة في الترجيح بالأعدلية و الأكثرية،و الرجوع بعد التساوي فيهما إلى القرعة.

فبين من اقتصر على اعتبار الأعدلية خاصّة،كالمفيد (2).

و من اقتصر على اعتبار الأكثرية كذلك.كالإسكافي و الصدوقين (3).

نعم ذكرا قبل اعتبارها إنّ أحقّ المدّعيين من عُدّل شاهداه،فإن استوى الشهود في العدالة فأكثرهما شهوداً.و هو ليس نصّاً في اعتبار الأعدلية و إن كان له محتملاً.

و بين من اقتصر على اعتبارهما خاصّة و لم يذكر الترتيب بينهما،و لا القرعة بعدهما،كالشيخ في موضع من الخلاف قائلاً:إنّه الظاهر من مذهب الأصحاب (4).

و من اقتصر على ذكر المرجّح مطلقاً له من دون بيان له و لا ذكر القرعة،كالديلمي و الشيخ في موضع من الخلاف (5)،لكنّه ذكر القرعة بعد العجز عن الترجيح مدّعياً عليه إجماع الإمامية.

ص:220


1- الكافي 7:3/419،الفقيه 3:181/53،التهذيب 6:571/233،الإستبصار 3:131/39،الوسائل 27:251 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 5.
2- المقنعة:730.
3- راجع ص 213.
4- الخلاف 6:333.
5- المراسم:234،الخلاف 6:337.

و بين من فصّل بعين ما في العبارة لكن مقدّماً للأكثرية على الأعدلية، كالحلّي في السرائر (1)،و عزاه إلى ظاهر الأصحاب مشعراً بدعوى الإجماع عليه.

و بين من اقتصر على القرعة خاصّة،كالعماني (2).

و الإنصاف أنّ الجمع بين هذه الفتاوى المختلفة و النصوص أيضاً بالإجماع المزبور لا يخلو عن إشكال،سيّما مثل فتوى الحلّي و العماني، فإنّ سياق عبارته كالصريح في المنع عن القضاء بينهما بالسوية و لو بعد نكولهما عن الحلف بعد القرعة،فإنّه قال بعد الحكم بها-:

و زعم بعض العامّة أنّ المدّعيين إذا أقام كل واحد منهما شاهدي عدل على شيء واحد له دون غيره حكم بينهما نصفين،فيقال لهم:أ كتاب اللّه تعالى حكم بذلك،أم سنّة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،أم بإجماع.فإن ادّعوا الكتاب،فالكتاب ناطق بالردّ عليهم.و إن ادّعوا السنّة،فالسنّة بالقرعة مشهورة بالردّ عليهم.و إن ادّعوا الإجماع كفوا الخصم مؤونتهم،يقال لهم:

أ ليس إذا أقام كل واحد منهما شاهدي عدل في دار أنّها له،فشهود كل واحد منهما تكذّب شهود الآخر،و العلم محيط بأنّ إحدى الشهداء كاذبة و الأُخرى صادقة.فإذا حكمنا بالدار بينهما نصفين فقد أكذبنا شهودهما جميعاً؛ لأنّ كل واحد تشهد شهوده بالدار كلّها دون الآخر.فإذا كانت إحدى الشهود كاذبة و الأُخرى صادقة فيجب أن تسقط إحداهما؛ لأنّه لا سبيل إلى الحكم فيما شهدوا إلّا بإلقاء إحداهما،و لم يوجد إلى إلقاء واحد منهما سبيل إلّا بالقرعة (3).

ص:221


1- السرائر 2:167.
2- راجع ص 207.
3- نقله عنه في المختلف:693.

و استدلاله كما ترى يمنع عن القضاء بينهما بالتنصيف بسبب البيّنتين مطلقا؛ لمنافاته لشهادة كل منهما و تضمنه إسقاطهما،و هو يشمل التنصيف في الصورة التي نحن فيها،إلّا أن يقال باستناد التنصيف فيها إلى تعارض البيّنتين و تساقطهما مع عدم إمكان ترجيح إحداهما على الأُخرى بالقرعة و نحوها،فتكون كالصورة التي وقع النزاع و لا بيّنة فيها أصلاً.و لا كذلك التنصيف قبل القرعة؛ لعدم تساقطهما،لإمكان ترجيح إحداهما بها.

هذا مع عدم تمكن العماني عن منع التنصيف بعد القرعة و نكولهما عن الحلف،كما لا يخفى.فتأمّل .

و كيف كان،فلا ريب في شهرة ما في العبارة من التفصيل،على الظاهر المصرح به في المسالك و الكفاية (1)،فيعضد بها الإجماع المتقدّم إليه الإشارة.مضافاً إلى اعتضاده بالإجماعات الظاهرة من عبارة الشيخ و الحلّي (2)و لو في الجملة.

و قال الشيخ في المبسوط :إنّه يقرع بينهما إن شهدتا بالملك المطلق،و يقسم إن شهدتا بالملك المقيد و لو اختصّت إحداهما بالمقيد قضي بها دون الأُخرى (3).

و حجته مع شذوذه و ندرته،و مخالفته لما مرّ من الحجة غير واضحة عدا ما في المسالك (4)من استدلاله له بالقرعة مع الشهادة بالملك المطلق بالصحيح (5)المصدّر به أخبار القرعة،قال بعد نقله:فحمله على

ص:222


1- المسالك 2:391،الكفاية:276.
2- راجع ص 220،221.
3- المبسوط 8:258.
4- المسالك 2:391.
5- المتقدّم في ص 218.

ما إذا أطلقت؛ لدلالة ظاهر الشهادة عليه (1).

أقول:و فيه نظر.

و في القسمة مع الشهادة بالملك المقيّد بالموثّق المتقدّم (2)المتضمن ل« أنّ عليّاً(عليه السّلام)اختص إليه رجلان في دابّة،و كلاهما أقاما البيّنة أنّه أنتجها، فقضى بها للذي هي في يده،و قال:لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين».

أقول:و هي مع قصورها عن المقاومة لما مضى قد عرفت الجواب عنها.و عبارة العماني المتقدّمة (3)يؤيّد ورودها للتقيّة،مضافاً إلى المؤيّدات المتقدم إليها الإشارة (4)،مع أنّها معارضة بصريح الموثقة و غيرها المتقدّمين في أحاديث القرعة (5)؛ لتضمّنها الحكم بها مع شهادة البيّنتين فيها بالملك المقيد لا مطلقاً.و في ترجيح ذات السبب بقوتها،مضافاً إلى ما سبق من الأخبار الدالة على تقديم ذات السبب.

أقول:وجه ترجيح ذات السبب غير واضح.و ما سبق من الأخبار قد سبق الجواب عنه،مع أنّ ظاهرها أنّ سبب الترجيح إنّما هو اليد لا خصوص السبب؛ لأنّ موردها تضمّن البيّنتين إيّاه،فإنّ الترجيح فيها لذات اليد منهما،و لو كان للسبب لكان التوقف لازماً،و إنّما استنبطه الأصحاب من الجمع بينها و بين ما دل على ترجيح بيّنة الخارج كما مرّ.

و بالجملة:لا شبهة في ضعف هذا القول و أنّ القول الأوّل بإطلاق القرعة أشبه و أشهر؛ لما مرّ.

ص:223


1- المسالك 2:391.
2- في ص:206.
3- راجع ص:221.
4- في ص:211.
5- في ص 219.

و وجّه الأشبه في التنقيح و شرح الشرائع للصيمري (1)بشيء آخر، و هو أنّهما بيّنتان تعارضتا،و لا ترجيح لإحداهما على الأُخرى،و لا يجوز إبطالهما،فيتعيّن الجمع بينهما بعد القرعة و اليمين.

و اعلم أنّ ظاهر العبارة هنا و في الشرائع و الإرشاد و التحرير و القواعد و اللمعة (2)عدم اعتبار اليمين مع الترجيح بالأعدلية أو الأكثرية.

خلافاً للصدوقين،و الشيخ في النهاية و الخلاف و الكتابين،و القاضي، و ابن زهرة (3)فاعتبروا اليمين لكن مع الترجيح بالأكثرية،و سكتوا عن اعتبارها مع الترجيح بالأعدليّة.

و هو أظهر؛ لدعوى الأخير و الشيخ في الخلاف عليه إجماع الإمامية، و يناسبه الأخبار المتقدّمة الدالة على اعتبارها مع القرعة،لكن مقتضى هذا اعتبارها مع الترجيح بالأعدلية أيضاً،كما أفتى به شيخنا في الروضة (4)، فيمكن إرجاع كلمات القوم إلى اعتبارها مطلقاً،فلا خلاف في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

ص:224


1- التنقيح الرائع 4:282،غاية المرام 4:260.
2- الشرائع 4:111،الإرشاد 2:163،التحرير 2:195،القواعد 2:232،اللمعة(الروضة البهية 3):107.
3- الصدوق في المقنع:134،و حكاه فيه عن والده،النهاية:343،الخلاف 6:333،الاستبصار 3:42،التهذيب 6:237،القاضي في المهذّب 2:578،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625.
4- الروضة 3:107.

كتاب الشهادات

اشارة

كتاب الشهادات جمع شهادة،و هي لغةً إمّا من شَهد بمعنى حضر،و منه قوله سبحانه فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ [1] الآية (1).أو من شَهِدَ بمعنى علم،و على ذلك سمّي تعالى شهيداً أي عليماً.

و شرعاً قيل:إنّه إخبار عن حق لازم لغيره،واقع عن غير حاكم.

و بالقيد الأخير يخرج إخبار اللّه تعالى و رسوله،و الأئمّة(عليهم السّلام)،و إخبار الحاكم حاكماً آخر؛ فإنّ ذلك لا يسمّى شهادة (2).

و الأصل فيها بعد إجماع العلماء كافّةً الآيات المتكاثرة،قال سبحانه وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ [2] (3)و قال تعالى وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ [3] (4).

و النصوص بها مع ذلك مستفيضة بل متواترة،تقدّم إلى جملة منها

ص:225


1- البقرة:185.
2- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:400.
3- البقرة:282.
4- البقرة:283.

الإشارة،و سيأتي جملة أُخرى منها وافرة في تضاعيف الأبحاث الآتية.

و في النبوي المشهور:أنّه سئل(صلّى اللّه عليه و آله)عن الشهادة،فقال للسائل:

« ترى الشمس؟» قال:نعم،فقال:« على مثلها فاشهد أو دع» (1).

النظر الأول في صفات الشاهد

الأولى البلوغ

و النظر في هذا الكتاب يقع في أُمور أربعة:

الأوّل: في بيان صفات الشاهد المعتبرة فيه و هي ست:

الاُولى: البلوغ بلا خلاف فيه في الجملة،و به صرّح في الغنية (2)مطلقاً،و لكن قال فيما بعد:و تقبل شهادة الصبيان في الشجاج و الجراح خاصّة إذا كانوا يعقلون ذلك،و يؤخذ بأوّل أقوالهم و لا يؤخذ بآخرها؛ بدليل إجماع الطائفة (3).هذا مضافاً إلى ما ستقف عليه من الإجماعات المحكية.

فلا تقبل شهادة الصبي غير المميّز إجماعاً كما في الإيضاح و الدروس و المسالك (4).و كذا المميز ما لم يصر مكلّفاً بالبلوغ،بلغ عشراً أم لا،إجماعاً في الثاني إذا شهد في غير الجنايات،كما في الإيضاح و المهذّب و شرح الشرائع للصيمري (5).و كذا إذا شهد فيها عند معظم الأصحاب،على الظاهر المصرح به في المهذّب (6)،بل يظهر من التنقيح عدم الخلاف فيه،حيث حمل إطلاق بعض النصوص الدال على قبول شهادته على ما إذا بلغ عشراً،قال:إذ لا قائل بقبولها لدون العشر (7).

ص:226


1- عوالي اللئلئ 3:1/528،المستدرك 17:422 كتاب الشهادات ب 15 ح 2.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):625.
4- الإيضاح 4:417،الدروس 2:123،المسالك 2:400.
5- الإيضاح 4:417،المهذّب البارع 4:507،غاية المرام 4:274.
6- المهذّب البارع 4:507.
7- التنقيح 4:285.

و لكن في الكتب الثلاثة المتقدّمة المحكي فيها الإجماع في المسألة السابقة حكي الخلاف هنا عن ظاهر الخلاف و الإسكافي (1)،حيث أطلقا القول بقبول شهادته في الجراح من دون تقييد بالعشر.

و الأصح ما عليه الأكثر؛ لما سيظهر.

و على الأظهر في الأوّل أيضاً إذا كان في غير الجنايات،و هو الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر،بل و من سبق إلّا من شذّ و ندر،و يستفاد من جملة من العبارات الإجماع عليه كما سيظهر؛ للأصل،بل الأُصول،مع عدم دليل يدل على القبول عدا إطلاقات الكتاب و السنّة،و خصوص بعض النصوص،كالخبرين:

في أحدهما:« إذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره و جازت شهادته» (2).

و في الثاني:« شهادة الصبيان جائزة بينهم ما لم يتفرقوا و يرجعوا إلى أهلهم» (3).

و في الجميع نظر؛ لعدم عموم في الأوّل لغةً،بل و لا عرفاً بعد اختصاصه بحكم التبادر و غيره بالبالغ من الرجال،و مع ذلك معارض بعموم كثير من النصوص الدالة على اعتبار أُمور في الشاهد،مع القطع بعدم وجود شيء منها في الصبي بلا شبهة.

و قصور سند الخبرين؛ بالقطع في الأوّل،و طلحة بن زيد العامي في

ص:227


1- الخلاف 6:270،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:717.
2- الكافي 7:1/388،التهذيب 6:644/251،الوسائل 27:344 كتاب الشهادات ب 22 ح 3.
3- الفقيه 3:79/27،الوسائل 27:345 كتاب الشهادات ب 22 ح 6.

الثاني،مع ضعف دلالتهما باحتمال الحمل على القبول في الصورة الآتية المتفق عليها حمل المطلق على المقيد،و تضمن الأوّل ما لا يقول بإطلاقه أحد من أصحابنا،و احتمال الثاني الموافقة للعامّة العمياء،بقرينة الراوي الذي مضى.

و مع ذلك معارضان بإطلاق كثير من النصوص المانعة عن القبول فيه،كالصحيح:في الصبي يشهد على الشهادة،فقال:« إن عقله حين يدرك أنّه حق جازت شهادته» (1).

و أظهر منه القويان،القريب أحدهما منه:« إنّ شهادة الصبيان إذا شهدوا و هم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها» (2).

و المراد من الكبر فيه و الإدراك في الأوّل بحكم التبادر بل و الاستقراء البلوغ.

و أظهر منهما الصحيح:تجوز شهادة الصبيان؟قال:« نعم في القتل، و يؤخذ بأوّل كلامه،و لا يؤخذ بالثاني منه» (3).

و الخبر:عن شهادة الصبي،قال:فقال:« لا،إلّا في القتل،يؤخذ بأوّل كلامه و لا يؤخذ بالثاني» (4).

ص:228


1- الكافي 7:4/389،التهذيب 6:647/251،الوسائل 27:342 كتاب الشهادات ب 21 ح 1.
2- الأوّل:الكافي 7:5/389،التهذيب 6:648/251،الوسائل 27:342 كتاب الشهادات ب 21 ح 2. الثاني:الفقيه 3:80/28،التهذيب 6:643/250،الإستبصار 3:51/18،الوسائل 27:343 أبواب الشهادات ب 21 ح 4.
3- الكافي 7:2/389،التهذيب 6:645/251،الوسائل 27:343 كتاب الشهادات ب 22 ح 1.
4- الكافي 7:3/389،التهذيب 6:646/252،الوسائل 27:343 كتاب الشهادات ب 22 ح 2.

و هذه النصوص أجدر بالترجيح و أولى؛ لوجوه شتى لا تخفى.

و منه يظهر ضعف القول المشار إليه بقوله: و قيل :إنّه تقبل إذا بلغ عشراً مطلقاً في الجنايات و غيرها و هو مع ذلك شاذّ متروك كما هنا و في الشرائع و شرحه للصيمري (1)بحيث كاد أن يعدّ مخالفاً للإجماع،كما تشعر به العبارات المزبورة،مع أنّه لم ينقله غير الفاضلين، و الشهيد (2)،و في شرح الشرائع للصيمري عن عميد الرؤساء (3)أنّه إلى الآن لم نظفر بهذا القول.

و لكن في المهذّب و المسالك (4)عن صاحب كشف الرموز أنّه حكاه عن الشيخ في النهاية.و فيه نظر؛ فإنّ الموجود في كلامه أنّ الشيخ في النهاية حكى هذا القول (5)،لا أنّه حكاه عنه فيها.و قد عرفت ما يصلح دليلاً مع جوابه مفصّلاً،و زاد الأصحاب فذكروا في ردّه وجوهاً:

منها:حديث:« رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ» (6)بناءً على أنّ في رفعه عنه دلالة على أنه لا عبرة بأقواله و أفعاله.

و منها:علمه بعدم المؤاخذة له يرفع الوثوق بقوله،فلا يحصل الظن بصدقه؛ لعدم المانع له عن الكذب حينئذٍ.

و منها:أنّ قوله على نفسه لا يقبل بالإقرار،فلا يقبل على غيره بالشهادة؛ لكونه أكثر شروطاً؛ و لعدم التهمة في الإقرار و تجويزها في الشهادة،فهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.

ص:229


1- الشرائع 4:125،غاية المرام 4:274.
2- التحرير 2:207،الدروس 2:123.
3- غاية المرام 4:274،و هو في كنز الفوائد 3:540.
4- المهذّب 4:508،المسالك 2:400.
5- كشف الرموز 2:514.
6- عوالي اللئلئ 1:48/209.

و أكثر هذه الوجوه و إن كان لا يخلو عن نظر وجهه لا يخفى،إلّا أنّه يصلح مقوّياً لما قدّمناه من الأدلة و مؤيّداً.كلّ ذا في قبول شهادة الصبيان ذوي العشر في غير الجنايات.

و اختلف عبارة الأصحاب في قبول شهادتهم في الجنايات من القتل و الشجاج و الجراح،بعد اتفاقهم على القبول فيها في الجملة،كما في الانتصار و المهذّب و ظاهر التنقيح و شرح الشرائع للصيمري،بل صريح الأخير و الغنية (1)كما عرفته،و كلام التقي المحكي في التنقيح،فإنّه قال:و القدر المجمع عليه القبول في الجراح مع بلوغ العشر،و يؤخذ بأوّل كلامهم. (2)

و نحوه كلام الماتن في الشرائع،و شيخنا في الروضة (3)،و لكنهما زادا القيودات الآتية،و لذا نسب الماتن الاختلاف هنا و في الشرائع (4)إلى العبارة،و به صرح جماعة و منهم الصيمري في شرح الشرائع،قال:و إنّما قال المصنّف:اختلف عبارات الأصحاب في قبول شهادتهم بالجراح و القتل؛ لأنّه لا خلاف بينهم في قبول شهادتهم في الجملة،و إنّما الخلاف في العبارات،فبعضهم قَبِلَها في الجراح و القصاص،و هو المفيد (5)و بعضهم قَبِلَها في الجراح دون القصاص،و هو الشيخ في النهاية و العلّامة و الشهيد (6)،و بعضهم اشترط اجتماعهم على مباح (7)،و بعض لم يشترطه،

ص:230


1- الانتصار:250،المهذّب البارع 4:510،التنقيح 4:286،غاية المرام 4:274،الغنية(الجوامع الفقهية):625.
2- التنقيح 4:286،و انظر الكافي في الفقه:436.
3- الشرائع 4:125،الروضة 3:125.
4- الشرائع 4:125.
5- المقنعة:727.
6- النهاية:331،التحرير 2:207،الدروس 2:123.
7- الخلاف 6:270،القواعد 2:236،الروضة البهيّة 3:125.

و بعضهم اشترط عدم الافتراق (1)،و لم يشترطه بعضهم (2).

و قريب منه كلام الفاضل المقداد،و ابن فهد في شرحي الكتاب (3)، و لكنّهما و الماتن في الشرائع (4)نقلا عن النهاية ما اختاره المفيد من إلحاق القصاص بالجراح،و عزاه الثاني إلى الحلّي (5)أيضاً،و حكى الأوّل ما نسبه الصيمري إلى الشيخ في النهاية عنه في الخلاف.

و نحوه الماتن في الشرائع و شيخنا في شرحه،و حكى فيه مذهب المفيد عن الأكثر حيث قال بعد نقل الروايتين الأخيرتين المتضمنتين لقبول شهادتهم في القتل-:و لفظ الروايتين تضمن القتل فيمكن أن يدخل فيه الجراح بطريق أولى،فمن ثم ذكر الأكثر القتل و الجراح،و منهم من اقتصر على الجراح،كالشيخ في الخلاف و المصنّف في النافع،و لعله أراد بها ما يشمل لغةً القتل؛ لأنّ القتل هو المنصوص فيما هو مستند الاستثناء (6)انتهى.

و منه يظهر كون مذهب المفيد هو مختار الأكثر،بل الكل كما يفيده توجيهه المتقدّم،مع تخصيصه فيما بعد القول بالقبول في الجرح خاصّة إلى الشهيد؛ فإنّه قال:و في الدروس صرّح باشتراط ان لا يبلغ الجراح النفس، ثم قال:و اشتراط ذلك لا يخلو من إشكال،إلّا أن يجعل مجرّد الاحتياط في النفوس،و إلّا فمراعاة النصوص تقتضي إدخالها.و إطراحها نظراً إلى

ص:231


1- الخلاف 6:270،القواعد 2:236،الروضة البهيّة 3:125.
2- غاية المرام 4:274.
3- التنقيح الرائع 4:286،المهذّب 4:510.
4- الشرائع 4:125.
5- المهذّب البارع 4:509،و هو في السرائر 2:136.
6- المسالك 2:400.

عدم صحتها و مخالفتها الأصل يقتضي إخراج الجراح أيضاً (1).

و من قوله هذا يظهر وجه النظر في مختار الماتن هنا و في الشرائع من أنّ محصّلها الذي يعتمده وفاقاً منه للخلاف (2) القبول في الجراح خاصّة مع بلوغ الصبي العشر ما لم يختلفوا في القول و لو اختلفوا فيه يؤخذ بأوّل قولهم إذا أراد من الجراح ما يقابل القتل،لا ما يشمله؛ لعدم استفادته من الروايتين اللتين هما الأصل في المسألة.

اللّهم إلّا أن يكون المراد من قوله:محصّلها،يعني القدر المتفق عليه من تلك العبارات و المجمع عليه بيننا،و لعله الظاهر من العبارة،سيّما و أن صرّح بأظهر منها على ذلك دلالة في الشرائع،فقال بعد نقل الروايتين-:

و التهجّم على الدماء بخبر الواحد خطر،فالأولى الاقتصار على القبول في الجراح بالشروط الثلاثة بلوغ العشر،و بقاء الاجتماع إذا كان على مباح؛ تمسّكاً بموضع الوفاق (3).

و هو كما ترى صريح في طرحه الروايات و أخذه بالمجمع عليه.

فما في كلام شيخنا المتقدم من أنّ اطراحها يقتضي إخراج الجراح أيضاً،محل نظر واضح؛ إذ طرح الروايات يقتضي ذلك لو انحصر المستند في مخالفة الأصل فيها،و قد عرفت من كلام الماتن استناده إلى الإجماع الذي ادّعاه،فالإطراح حينئذ لا يقتضي إخراج الجراح أيضاً،فقد يكون نظر الدروس إلى ما ذكره الماتن.

ص:232


1- المسالك 2:400،و هو في الدروس 2:123.
2- الخلاف 6:270.
3- الشرائع 4:125.

و العجب من شيخنا كيف نسب مختار الخلاف إلى الماتن هنا خاصّة مع أنّ عبارته في الشرائع (1)كعبارته هنا في الموافقة له،هذا.

و ما ذكره من عدم صحة الروايات،محل نظر؛ فإنّ الرواية الأُولى (2)صحيحة على المختار،و إن كان فيه إبراهيم بن هاشم،وفاقاً لجماعة من المحققين (3)،و حسنته كالصحيحة حجّة عند المشهور،و منهم هو أيضاً في مواضع عديدة (4).

و حينئذ يتوجه المصير إلى إلحاق القتل بالجراح،سيّما مع كونه مذهب الأكثر كما ذكره هو و جمع ممّن تأخّر عنه (5)و منهم الحلّي (6)الذي لا يعمل بأخبار الآحاد إلّا بعد احتفافها بالقرائن القطعية.

فهذان معاضدان للرواية أو جابران لها،مضافاً إلى اعتضادها بالرواية الثانية (7).و بهما مضافاً إلى الإجماعات المحكية تجمع بين الروايات و الأدلة المتقدمة المختلفة.

و منه يظهر ضعف ما عليه فخر الإسلام (8)من عدم قبول شهادتهم مطلقاً؛ تمسّكاً ببعض الوجوه التي قدّمناها.

ص:233


1- الشرائع 4:125.
2- راجع ص 228.
3- منهم السيد ابن طاوس في فلاح السائل:158،و السيد الداماد في الرواشح السماوية:48،و الأردبيلي في زبدة البيان:155،و السيد بحر العلوم في رجاله 1:462.
4- المسالك 1:507.
5- منهم السبزواري في الكفاية:278،و انظر المفاتيح 3:276.
6- السرائر 2:136.
7- راجع ص 228.
8- إيضاح الفوائد 4:417.

و بندرته و الإجماع على خلافه صرح في المهذب و شرح الشرائع للصيمري (1).و ليس في مختاره احتياط بعد قيام الأدلة القاهرة على خلافه، بل يجب المصير إلى ما اقتضته حذراً من ضياع حق المجنيّ عليه،فتأمّل .

نعم الأحوط الأخذ بالمتفق عليه خاصّة دون غيره مما اختلف فيه، و هو ما ذكره الماتن في الشرائع،و الفاضل في جملة من كتبه،و الشهيدين في الدروس و اللمعتين (2)من اعتبار قيود أربعة:بلوغ العشر،و الاجتماع لمباح،و كون الحكم في الجراح و الشجاج دون النفس و ما شرط في الخلاف من أن لا يفترقوا و يرجعوا إلى أهلهم بعد الفعل المشهود به إلى أن يؤدّوا الشهادة.

سيّما مع دلالة الرواية المقطوعة المتقدمة (3)و نفي الخلاف المتقدم من التنقيح (4)على القيد الأوّل،و فحوى ما دل على اعتبار العدالة في البالغين على الثاني،و الاحتياط المأمور به في صيانة النفس المحترمة عن التلف على الثالث،و رواية طلحة بن زيد المتقدمة (5)على الرابع.

و هذه الأدلة على اعتبار القيودات المذكورة و إن كان في صلوحها حجةً سيّما و إن تخصّص بها الروايتان المتقدمتان اللتان هما الأصل في المسألة مناقشة،إلّا أنّها توجب شدّة الأمر في الاحتياط و قوّته،سيّما في مراعاة القيد الأوّل،بل لا يبعد المصير إلى تعين اعتباره؛ لانجبار المقطوعة

ص:234


1- المهذّب البارع 4:510،غاية المرام 4:274.
2- الشرائع 4:125،القواعد 2:235،التحرير 2:207،الدروس 2:123،اللمعة(الروضة البهية 3):125.
3- راجع ص 227.
4- التنقيح الرائع 4:285.
5- راجع ص:227.

المتقدمة الدالة عليه بما عرفته (1)من الشهرة المحكية،بل لعلّها أيضاً ظاهرة.

و وجه ما ذكرناه من الاحتياط قوّة الأدلّة المانعة من الأُصول المؤيّدة بالاعتبار و العمومات المعتضدة بخصوص ما مرّ من الأخبار،و عدم الاطمئنان التام بتخصيصها بمثل الروايتين المتقدمتين (2)؛ لضعف الثانية، و قصور الاُولى عن الصحة على الأشهر بين الطائفة،مع عدم وضوح جابر لهما؛ لعدم وقوف القائلين بهما على موردهما؛ لكونه القبول في القتل مطلقاً غير مقيّد بشيء من القيود المتقدمة جدّاً،مع أنّهم أطبقوا على اعتبارها كلّاً أو بعضاً و اختلفوا في القبول في القتل الذي هو مورده كما هو ظاهر الشيخين و الحلّي (3)،و عدمه كما هو ظاهر كل من اقتصر على ذكر الجراح خاصّة كالتقي،و المرتضى،و ابن زهرة،و الفاضلين في كتبهم المتقدمة (4)،و صريح الشهيدين في الدروس و الروضة (5)،و ظاهر الانتصار و الغنية (6)دعوى الإجماع على عدم القبول في غيرها.

و لا ريب أنّ المتبادر منها الجراح التي لا تؤدّي إلى النفس،و لذا فهم الفرق بينها و بين القصاص جماعة من أصحابنا،فجعلوا القول بكل منهما

ص:235


1- في« ح» و« ب» زيادة:عن المهذب.
2- في ص 228.
3- المفيد في المقنعة:727،الطوسي في النهاية:331،الحلّي في السرائر 2:136.
4- التقي في الكافي:436،المرتضى في الانتصار:250،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625،المحقق في الشرائع 4:125،العلّامة في التحرير 2:207.
5- الدروس 2:123،الروضة 3:125.
6- الانتصار:250،الغنية(الجوامع الفقهية):625.

مقابلاً للآخر.

و القائلون باختصاص القبول بها على هذا هم الأكثر،و لازم ذلك طرحهم الروايتين،فينعكس الجابر،سيّما مع دعوى الإجماع عليه في الانتصار و الغنية.

و حينئذ فلعلّه يتعين الاحتياط المتقدم،كما اختاره الفاضلان و الشهيدان؛ اقتصاراً فيما خالف الأُصول القطعية على المجمع عليه المتيقن.

لكن يستفاد من سياق كلمات السيدين (1)أنّهما أرادا بالجراح ما يعم القتل؛ حيث ذكرا على وجه الاستناد ما يدل عليه،فقالا:و قد اشتهر عند الناس أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)قضى في ستة غلمان دخلوا الماء فغرق أحدهم،فشهد ثلاثة منهم على اثنين أنّهما غرّقاه،و شهد الاثنان على الثلاثة أنّهم غرّقوه:أنّ على الاثنين ثلاثة أخماس الدية و على الثلاثة الخمسان (2).

و عليه فيتقوى القبول في نفس القتل أيضاً.

ثم إنّ مقتضى الأدلّة المانعة مع اختصاص الأدلة المجوّزة فتوًى و رواية بالصبي خاصّة عدم قبول شهادة الصبية مطلقاً،و به صرّح جماعة كالفاضل في التحرير،و شيخنا في الروضة (3).

الثانية كمال العقل

الثانية: كمال العقل،فالمجنون لا تقبل شهادته في شيء إجماعاً على الظاهر المصرح به في كثير من العبائر (4)؛ لقوله تعالى ذَوَيْ عَدْلٍ [1]

ص:236


1- الانتصار:250،الغنية(الجوامع الفقهية):625.
2- الكافي 7:6/284،الفقيه 4:277/86،التهذيب 10:953/239،إرشاد المفيد 1:220،الوسائل 29:235 أبواب موجبات الضمان ب 2 ح 1.
3- التحرير 2:207،الروضة 3:125.
4- كالمحقق في الشرائع 4:126،و العلّامة في التحرير 2:207،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:297،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:369.

مِنْكُمْ [1] (1)و مِمَّنْ تَرْضَوْنَ [2] (2)و خصوص ما مرّ من الصحيح في شهادة الصبي:« إن عقله حين يدرك أنّه حق جازت شهادته» (3).

و من يناله الجنون و يعتوره أدواراً في وقت دون وقت تقبل شهادته في حال الوثوق باستكمال فطنته و كمال عقله، بلا خلاف فيه أيضاً على الظاهر المصرح به في بعض العبائر (4)؛ لعموم الأدلّة و زوال المانع.

و ذكر المتأخّرون (5)من غير خلاف بينهم أجده أنّ في حكمه المغفّل الذي لا يحفظ و لا يضبط و يدخل فيه التزوير و الغلط و هو لا يشعر؛ لعدم الوثوق بقوله.و كذا من يكثر غلطه و نسيانه،و من لا يتنبّه لمزايا الأُمور و تفاصيلها،إلّا أن يعلم عدم غفلته فيما يشهد به.

و على الحاكم التفتيش عن حال من هذه صفته إلى ان يغلب على ظنّه علمه و تفطنه،و وجهه واضح.

و في الخبر عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام)في قوله تعالى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ [3] قال:« ممن ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفته و تيقّظه فيما يشهد به و تحصيله و تمييزه،فما كل صالح مميّز محصّل،و لا كل محصّل مميّز صالح» (6).

ص:237


1- الطلاق:2.
2- البقرة:282.
3- الكافي 7:4/389،التهذيب 6:647/251،الوسائل 27:342 كتاب الشهادات ب 21 ح 1.
4- مجمع الفائدة و البرهان 12:297.
5- كالمحقق في الشرائع 4:126،و الشهيد في الدروس 2:124،و السبزواري في الكفاية:279،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:277.
6- تفسير العسكري(عليه السّلام):672،الوسائل 27:399 كتاب الشهادات ب 41 ح 23.
الثالثة الإسلام

الثالثة :الإسلام،فلا تقبل شهادة الكافر بأقسامه مطلقاً إلّا فيما سيستثنى؛ بالإجماع،و الكتاب،و السنّة المستفيضة بل المتواترة،تقدم بعضها و ستأتي جملة أُخرى منها وافرة.

و المعروف من مذهب الأصحاب اشتراط الإيمان أيضاً،أي كونه اثني عشرياً،بل في التنقيح و المهذب و شرح الشرائع للصيمري و المسالك و شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (1)رحمه اللّه الإجماع عليه؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و عدم دليل على قبول شهادة غير المؤمن؛ لاختصاص إطلاقات الكتاب و السنّة لقبول شهادة المسلم بحكم التبادر و غيره بالمؤمن دون غيره،سيّما نحو رِجالِكُمْ [1] و مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ [2] بناءً على مذهب الإمامية من اختصاص الخطابات الشفاهية بالمخاطبين بها دون غيرهم،و ليس المخالف بموجود زمن الخطاب جدّاً، هذا.

و على تقدير العموم فلا ريب أنّ التقييد بمن ترضون يدفع احتمال دخول المخالف بناء على ما عرفت في الرواية السابقة المفسّرة له بمن ترضون دينه و أمانته،و لا ريب أنّه ليس بمرضيّ الدين.

هذا كله على تقدير القول بإسلامه حقيقةً،و أمّا على القول بكفره كما هو مختار كثير من قدماء الأصحاب،و منهم الحلّي (2)مدّعياً الإجماع عليه فلا إشكال في عدم قبول شهادته؛ لكفره،فلا يدخل في إطلاق

ص:238


1- التنقيح 4:287،المهذّب البارع 4:510،غاية المرام 4:275،المسالك 2:401،مجمع الفائدة و البرهان 12:298.
2- السرائر 2:139.

ما دلّ على قبول شهادة المسلم.

ثم على تقدير الدخول فيه فهو معارض بإطلاق ما دلّ على عدم قبول شهادة الكافر بناءً على إطلاق الكفر عليهم في الأخبار المستفيضة (1)بل المتواترة المقتضي كونه إمّا كافراً حقيقةً كما هو رأي بعض الأُصوليين (2)، أو مشاركاً له في أحكامه التي منها عدم قبول الشهادة.

و على تقدير تعارض الإطلاقين و التساقط في البين فالرجوع إلى حكم الأصل متعين.

و أمّا الصحيح:قلت للرضا(عليه السّلام):رجل طلّق امرأته و أشهد شاهدين ناصبيين،قال:« كلّ من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته» (3).

فهو و إن توهّم منه قبول شهادة من هو عدل في مذهبه من أهل الإسلام،إلّا أنّه مضعّف بأنّ ظاهره على التوهم المزبور قبول شهادة الناصبي،و هو خلاف الإجماع المنعقد على كفره بالكفر المقابل للإسلام، و مع ذلك فاشتراط الصلاح فيه يدفع احتمال دخول المعاند؛ لفساده بفسقه الناشئ عن حكمه بالباطل و غير ما أنزل اللّه تعالى،فيشمله قوله سبحانه وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [1] (4)إلى غير ذلك من الآيات المحكوم فيها بكفره و ظلمه أيضاً (5).

ص:239


1- الوسائل 27:386 كتاب الشهادات ب 38.
2- انظر المنتهي 1:523.
3- الفقيه 3:83/28،التهذيب 6:783/284،قرب الاسناد:1309/365،الوسائل 27:398 كتاب الشهادات ب 41 ح 21.
4- المائدة:47.
5- المائدة:44،45.

و بفسقه صرّح جماعة (1)من الأصحاب هنا حيث استدلوا لاعتبار الإيمان بأنّ غير المؤمن فاسق و ظالم؛ لاعتقاده الفاسد الذي هو من أكبر الكبائر.

و أمّا الجواب عن هذا الاستدلال بأنّ الفسق إنّما يتحقق بفعل المعصية مع اعتقاد كونه معصية،لا مع اعتقاد كونه طاعة،و الظلم إنّما يتحقق بمعاندة الحق مع العلم به.

فحسن إن اختير الرجوع في بيان معنى الفسق و الظلم إلى العرف حيث إنّ المتبادر منهما مدخلية الاعتقاد في مفهومهما.

و أمّا إن اختير الرجوع إلى اللغة فمنظور فيه؛ لعدم مدخلية الاعتقاد في مفهومهما فيها،فتأمّل جدّاً.هذا.

و يستفاد من بعض الروايات (2)كما قيل (3)ردّ شهادة بعض المخالفين في أصول العقائد،و في القوي:« إنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)كان لا يقبل شهادة فحاش،و لا ذي مخزية في الدين» (4).

و بالجملة لا ريب في اعتبار هذا الشرط أيضاً.

فلا تقبل شهادة غير الإمامي مطلقاً على مسلم أو غيره أو لهما قطعاً،إلّا في صورة خاصّة أشار إليها بقوله: و تقبل شهادة الذمّي العدل

ص:240


1- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:287،و الشهيد في المسالك 2:401،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:299،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:369.
2- دعائم الإسلام 2:1834/511،المستدرك 17:433 كتاب الشهادات ب 26 ح 1.
3- مفاتيح الشرائع 3:278.
4- الكافي 7:7/396،التهذيب 6:603/243،الوسائل 27:377 كتاب الشهادات ب 32 ح 1.

في دينه في الوصية بالمال خاصّة مع عدم المسلم بإجماعنا الظاهر، المستفيض النقل في كثير من العبائر (1).

و لكن في اعتبار الغربة حينئذ تردّد و اختلاف بين الأصحاب،فبين:معتبر لها،كالإسكافي و الحلبي (2)صريحاً،و الشيخ في المبسوط و ابن زهرة في الغنية (3)ظاهراً،و ربما يفهم منهما كونه إجماعيا بيننا.

و نافٍ لاعتبارها،كعامّة متأخّري أصحابنا،وفاقاً منهم لظواهر أكثر القدماء،كالشيخين في المقنعة و النهاية،و العماني،و الديلمي،و القاضي، و الحلّي (4).و ربما ظهر من الفاضلين في الشرائع و التحرير انعقاد الإجماع عليه،حيث قالا:و باشتراط الغربة رواية مطرحة (5)و أشارا بالرواية إلى الخبر القاصر السند بالجهالة،و فيها:« و إنّما ذلك إذا مات الرجل المسلم في أرض غربة و طلب رجلين مسلمين ليشهدهما على وصيته فلم يجد مسلمين أشهد على وصيته رجلين ذمّيين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهم» (6).

ص:241


1- منهم ابن فهد في المهذّب البارع 4:510،و الشهيد الثاني في الروضة 3:127،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:469.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:722،الحلبي في الكافي في الفقه:436.
3- المبسوط 8:187،الغنية(الجوامع الفقهية):625.
4- المقنعة:112،النهاية:334،حكاه عن العماني في المختلف:722،المراسم:233،المهذّب 2:557،السرائر 2:139.
5- الشرائع 4:126،التحرير 2:208.
6- الكافي 7:8/399،التهذيب 6:655/253،الوسائل 19:312 كتاب أحكام الوصايا ب 20 ح 7.

و قريب منها الآية (1)و أكثر النصوص (2)الواردة في المسألة؛ لتضمّنها اشتراط الغربة،و منها يظهر أحد وجهي التردّد.

و الوجه الآخر قوة احتمال ورود الحصر و الشرط مورد الغالب، فلا عبرة بمفهومهما،مع إطلاق كثير من النصوص،بل و عموم جملة معتبرة منها؛ لتضمّنها التعليل بأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد (3).و مفهوم التعليل يتعدى به الحكم إلى غير مورده و يعارض به مفهوم الحصر و الشرط و لو سلّم عدم ورودهما مورد الغالب.

و حيث إنّ التعارض بينهما من باب التعارض الذي يمكن معه رفع اليد عن ظاهر أحدهما بالآخر وجب المصير إلى الترجيح،و هو من جهة الشهرة العظيمة مع عموم مفهوم التعليل.

و الإجماع المستشعر من عبارتي المبسوط و الغنية مع وهنه بكون ظاهر أكثر الأصحاب على خلافه معارض بمثله المستشعر من عبارتي الفاضلين،مع عدم وهنه بمصير الأكثر إلى مضمونه.

و قد تقدم الكلام في المسألة مع بعض ما يتعلق بها في أواخر كتاب الوصية.

و تقبل شهادة المؤمن على جميع أهل الملل اتّفاقاً على الظاهر المصرّح به في المسالك (4)؛ للنبوي المروي فيه و في الخلاف (5)

ص:242


1- المائدة:106.
2- الوسائل 19:309 أبواب أحكام الوصايا ب 20.
3- الكافي 7:2/398،التهذيب 6:652/252،الوسائل 19:311 كتاب أحكام الوصايا ب 2 ح 5.
4- المسالك 2:401.
5- الخلاف 6:274.

« لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دين إلّا المسلمون،فإنّهم عدول على أنفسهم و على غيرهم».

و في الصحيح:« تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل، و لا تجوز شهادة أهل الذمّة على المسلمين» (1).

و في آخر:« تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب» (2).

و يستفاد من الأولين مضافاً إلى ما تقدم من الأدلة على اشتراط الإيمان أنّه لا تقبل شهادة أحدهم أي أحد أهل الملل على مسلم و لا على غيره مع أنّه إجماعي في الحربي مطلقاً كما في الإيضاح (3)، و في الذمّي أيضاً إذا كان على مسلم في غير الوصية كما فيه و في التحرير و المهذب و المسالك (4).

و أما إذا كان على غيره فإن كان من أهل ملّته فسيأتي الكلام فيه.و إن كان من غير ملّته فمشهور بين الأصحاب،بل لا يكاد يتحقق فيه خلاف، و لا ينقل إلّا عن الإسكافي (5)؛ حيث ذهب إلى قبول شهادة أهل العدالة منهم في دينه على ملّته و على غير ملّته.

و هو مع شذوذه محجوج هو كمستنده الآتي بما مرّ من الأدلة على اشتراط الإيمان،و خصوص النبوية المتقدمة،و الموثقة الآتية،و رواية

ص:243


1- الكافي 7:1/398،التهذيب 6:651/252،الوسائل 27:386 كتاب الشهادات ب 38 ح 1.
2- الفقيه 3:81/28،الوسائل 27:387 كتاب الشهادات ب 38 ح 3.
3- الإيضاح 4:418.
4- التحرير 2:207،المهذّب البارع 4:510،المسالك 2:401.
5- حكاه عنه في المختلف:722.

اخرى معتبرة بل محتملة للصحة:عن شهادة أهل الملل هل تجوز على رجل من غير أهل ملّتهم؟فقال:« لا،إلّا أن لا يوجد في تلك الحال غيرهم،و إن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية لأنّه لا يصلح ذهاب حق امرئ مسلم و لا تبطل وصيته» (1).

و هل تقبل شهادته على أهل ملّته؟فيه رواية بالجواز و فيها:

عن شهادة أهل الملّة،قال:فقال:« لا تجوز إلّا على أهل ملّتهم،فإن لم تجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصية،لأنّه لا يصلح ذهاب حق أحد» (2)و أفتى بها الشيخ في النهاية (3).و اعترضها الماتن و غيره (4)بأنّها ضعيفة و ليس كذلك،بل هي على الأظهر الأشهر موثقة،لكنها غير مكافئة لعمومات الأدلّة على اعتبار الإسلام من الكتاب و السنّة.و مع ذلك فهي عند الشيخ القائل بها ضعيفة؛ لأنّ في سندها العبيدي،و هو ممن اختص بتضعيفه،فقال:إنّه ضعيف استثناه أبو جعفر محمّد بن بابويه من رجال نوادر الحكمة و قال:لا أروي ما يختص بروايته (5).و مع ذلك فقد رجع عنها في المبسوط و الخلاف (6)و إن اختلف مقالته فيهما،ففي الأوّل اختار المنع مطلقاً،و في الثاني الجواز إذا اختاروا الترافع إلينا،قال:فأمّا إذا

ص:244


1- الكافي 7:7/399،التهذيب 6:654/253،الوسائل 19:309 كتاب الوصايا ب 20 ح 1.
2- الكافي 7:2/398،التهذيب 6:652/252،الوسائل 27:390 كتاب الشهادات ب 40 ح 4.
3- النهاية:344.
4- الشرائع 4:126؛ و انظر التحرير 2:207.
5- انظر الفهرست:140.
6- المبسوط 8:187،الخلاف 6:272 274.

لم يختاروا فلا يلزمهم ذلك.

و اختار هذا الفاضل في المختلف،و نزّل الرواية عليه،فقال معترضاً عليها:و الجواب:المنع عن صحة السند،و القول بالموجب كما اختاره الشيخ في الخلاف،و هو أنّه إذا ترافعوا إلينا و عدلوا الشهود عندهم فإنّ الأولى هنا القبول (1).

و مال إليه الفاضل المقداد في التنقيح،فقال بعد نقله عن الخلاف:

و هذا في الحقيقة قضاءً بالإقرار؛ لما تقدم أنّه إذا أقرّ الخصم بعدالة الشاهدين حكم عليه (2).

أقول:و فيه نظر؛ إذ حكم الحاكم بشاهدين اعترف الخصم بعدالتهما إنّما هو حيث جهلها و لم يعلم بفسقهما،و إلّا فلو علم به لم يجز له الحكم و إن اعترف الخصم بعدالتهما.و ما نحن فيه من هذا القبيل؛ لأنّ الفرض علمه بفساد مذهبهما و إيجابه فسقهما،فيكون من قبيل ما إذا رضي الخصم من الحاكم الحكم بشهادة الفاسقين مع علمه بفسقهما،و هو غير جائز قطعاً.

و مما ذكرنا ظهر أنّ الأشبه المنع عن القبول مطلقاً،وفاقاً للعماني،و المفيد في المقنعة،و الشيخ في المبسوط،و الحلّي، و القاضي (3)،و بالجملة الأكثر كما في الدروس (4)،بل المشهور كما في

ص:245


1- المختلف:722.
2- التنقيح 4:288.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:721،المقنعة:726،المبسوط 8:187،السرائر 2:139،المهذّب 2:557.
4- الدروس 2:124.

المسالك و غيره (1)،و اختاره الفاضلان و الشهيدان و عامّة المتأخّرين (2)، و نقله في الخلاف (3)عن مالك و الشافعي و أحمد،و عزا فيه مختار الإسكافي إلى أبي حنيفة و الثوري.

و به تشعر الصحيحة المتقدمة (4)من حيث تخصيصها المنع عن قبول شهادته ب:على المسلمين خاصّة.

و أظهر منها الصحيح المروي في الفقيه،و فيه:هل تجوز شهادة أهل الذمّة على غير أهل ملّتهم؟قال:« نعم إنّ لم يوجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم؛ لأنّه لا يصلح ذهاب حق أحد» (5).

و لكنهما مع ضعف دلالة الأُولى غير مكافئتين لما مضى من وجوه شتى،مع احتمالهما الحمل على التقية عن رأي أبي حنيفة (6)المشتهر رأيه بين العامّة في الأزمنة السابقة و اللاحقة كما عرفته،و يؤيّده مصير الإسكافي (7)إليه كما مرّ غير مرّة.

و مع ذلك تحتمل الثانية الاختصاص بالوصية بقرينة ما فيها من العلّة الموجودة في كثير من روايات تلك المسألة،و منها الرواية المتقدمة (8)

ص:246


1- المسالك 2:401،مجمع الفائدة و البرهان 12:303.
2- الشرائع 4:126،التحرير 2:207،إرشاد الأذهان 2:156،اللمعة(الروضة البهية 3):127؛ إيضاح الفوائد 4:418 419،التنقيح الرائع 4:288،المقتصر:388.
3- الخلاف 6:272.
4- في ص 243.
5- الفقيه 3:84/29،الوسائل 27:389 كتاب الشهادات ب 40 ح 1.
6- نقله عنه ابن قدامة في المغني 12:52.
7- راجع ص 243.
8- راجع ص 244.

المانعة عن قبول شهادته على غير أهل ملّته المستثنية من المنع صورة الوصية خاصّة،معلّلةً بما علّل به الجواز المطلق في هذه الرواية.

و مع ذلك فظاهر قوله(عليه السّلام):« إن لم يوجد» إلى آخره،مخالف للإجماع إن جعل مرجع الضمير في« ملّتهم» و« غيرهم» المذكورين فيه أهل الذمّة،كما هو ظاهر السياق من وجه،و إن خالفه من وجه آخر كما سيظهر؛ لدلالته على قبول شهادة الحربي مع فقد الذمّي،و قد مرّ أنّه خلاف الإجماع من الكل حتى الإسكافي (1).

و كذا إن جعل مرجع الضميرين غير أهل ملّتهم المتقدم في السؤال؛ لتضمنه معنى الجمعية كما هو ظاهر سوق عبارة:« إن لم يوجد» إلى آخره؛ حيث لم يذكر فيها الواو؛ و ذلك لأنّ مفادها حينئذ أنّه إن لم يوجد من أهل ملّة غير أهل الذّمة جازت شهادة غيرهم أي أهل الذمّة عليهم،و مقتضاه اشتراط قبول شهادة كل ملّة على غير أهلها فَقْد شاهد عليه من أهل ملّته، و لم يقل به أحد من أصحابنا حتى الإسكافي؛ لحكمه بالقبول مطلقاً من غير تقييد بما ذكر من الشرط أصلاً.

و بالجملة الظاهر ضعف هذا القول،سيّما مع ظهور عبارة الخلاف (2)بكونه مخالفاً لما اختاره أصحابنا،حيث نسب مضمون الموثقة إلى جماعة من العامّة و قال:إنّه الذي اختاره أصحابنا،فتأمّل .

ثم إنّه عندنا كما لا تقبل شهاداتهم على أمثالهم كذا لا تقبل لأمثالهم؛ لعموم الدليل،و به صرّح الفاضل في التحرير (3)،و الشيخ أفتى بقبول

ص:247


1- راجع ص 243.
2- الخلاف 6:273.
3- التحرير 2:207.

شهاداتهم لأمثالهم كما أفتى بقبول شهادتهم عليهم (1)

الرابعة العدالة

الرابعة: العدالة فلا تقبل شهادة الفاسق اتفاقاً،بل ضرورةً بالكتاب و السنّة و الإجماع،و النصوص به مستفيضة بل متواترة،و قد مضى بيان ما يتحقق به العدالة في كتاب القضاء،و بقي الكلام في بيان ما تزول به.

و لا ريب و لا خلاف في زوالها بالكبائر و قد مرّ من النصوص ثمة ما يدل علية.

و منها الصحيح:بم تعرف عدالة الرجل من المسلمين حتى تقبل شهادته لهم و عليهم،فقال:« أن تعرفوه بالستر،و العفاف،و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان،و باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه تعالى عليها النار من شرب الخمر،و الزناء،و الربا،و عقوق الوالدين،و الفرار من الزحف، و غير ذلك» (2)الخبر.

و قد اختلف الفقهاء في تفسيرها اختلافاً شديداً،إلّا أنّ الذي عليه أكثرهم كما في التنقيح (3)هو أنّها كل ذنب توعّد اللّه تعالى بالعقاب في الكتاب العزيز.و هو الذي عليه المشهور من أصحابنا كما صرّح به جمع منهم،و منهم صاحب الذخيرة (4)و بعض المتأخرين عنه (5)،و زاد الأوّل فقال:و لم أجد في كلامهم اختيار قول آخر.

ص:248


1- النهاية:334.
2- الفقيه 3:65/24،الوسائل 27:391 كتاب الشهادات ب 41 ح 1.
3- التنقيح 4:291.
4- الذخيرة:304.
5- كصاحب الحدائق 10:46.

أقول:و هو كذلك،و لذا نسبه الصيمري (1)إلى أصحابنا بصيغة الجمع المضاف المفيد للعموم،مشعراً بدعوى الإجماع عليه،و به تشعر الصحيحة السابقة،و نحوها صحيحة أُخرى في تفسير وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [1] (2)قال:« معرفة الإمام،و اجتناب الكبائر التي أوعد اللّه تعالى عليها النار» (3).

و هو مع ذلك ظاهر كثير من المعتبرة المستفيضة،بل صريحها.

ففي الصحيح:عن الكبائر كم هي و ما هي؟فكتب:« الكبائر من اجتنب ما أوعد اللّه تعالى عليه النار كفّر عنه سيئاته إذا كان مؤمناً،و السبع الموجبات:قتل النفس الحرام،و عقوق الوالدين،و أكل الربا،و التعرب بعد الهجرة،و قذف المحصنة،و أكل مال اليتيم،و الفرار من الزحف» (4).

و فيه:« الكبائر سبع:قتل المؤمن متعمداً،و قذف المحصنة،و الفرار من الزحف،و التعرب بعد الهجرة،و أكل مال اليتيم ظلماً،و أكل الربا بعد البيّنة،و كلّ ما أوجب اللّه عليه النار» (5).

و في الخبر:عن الكبائر،فقال:« ما أوعد اللّه تعالى عليه النار» (6).

ص:249


1- غاية المرام 4:277.
2- البقرة:269.
3- الكافي 2:20/284،الوسائل 15:315 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 45 ح 1.
4- الكافي 2:2/276،الوسائل 15:318 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 1.
5- الكافي 2:3/277،الوسائل 15:322 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 6.
6- الفقيه 3:1758/373،ثواب الأعمال و عقاب الأعمال:233،الوسائل 15:327 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 24.

و في آخر:في قول اللّه تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ [1] الآية (1)« الكبائر التي أوجب اللّه تعالى عليها النار» (2).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

و في الصحيح:« هي في كتاب علي(عليه السّلام)سبع:الكفر باللّه،و قتل النفس،و عقوق الوالدين،و أكل الربا بعد البيّنة،و أكل مال اليتيم ظلماً، و الفرار من الزحف،و التعرب بعد الهجرة» (3).

و عن مولانا الرضا(عليه السّلام)في رسالته إلى المأمون:« هي قتل النفس التي حرم اللّه،و الزناء،و السرقة،و شرب الخمر،و عقوق الوالدين،و الفرار من الزحف،و أكل مال اليتيم ظلماً،و أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أُهلّ به لغير اللّه من غير ضرورة،و أكل الربا بعد البيّنة،و السحت،و الميسر و هو القمار،و البخس في المكيال و الميزان،و قذف المحصنات،و اللواط، و شهادة الزور،و اليأس من روح اللّه،و الأمن من مكر اللّه،و القنوط من رحمة اللّه،و معونة الظالمين و الركون إليهم،و اليمين الغموس،و حبس الحقوق من غير عسر،و الكذب،و الكبر،و الإسراف،و التبذير،و الخيانة، و كتمان الشهادة،و الاستخفاف بأولياء اللّه تعالى،و الاستخفاف بالحجج، و الاشتغال بالملاهي،و الإصرار على الصغائر من الذنوب» (4).

ص:250


1- النساء:31.
2- مسائل علي بن جعفر:191/149،الوسائل 15:326 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 21.
3- الكافي 2:8/278،الوسائل 15:321 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 4.
4- عيون أخبار الرضا(عليه السّلام)2:1/120،الوسائل 15:329 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 33.

و وجه الجمع بين الأخبار السابقة و هذه الأخبار و نحوها المتوهم تعارضها لها من حيث تضمن هذه تعداد الكبائر،و حصرها في عدد مخصوص من سبع كما في الأوّل و نحوه،أو ما زاد كما في الباقي،و هو مناف لما تضمنته تلك من أنّها ما أوجب اللّه تعالى عليه النار،و هو يزيد عن الأفراد المعدودة في هذه النصوص و ترتقي إلى سبعمائة كما عن ابن عباس (1)و تبعه من الأصحاب جماعة (2)ما ذكره بعض الأصحاب من أنّه يجوز أن يكون مراتب الكبائر مختلفة بأن يكون السبع أكبر من الباقي (3).

أقول:و يعضده بعض الصحاح المتقدمة المتضمنة لأنّها سبع بعد الحكم فيه بأنّها ما أوجب عليه النار.

و أظهر منه الخبران (4):« أكبر الكبائر سبع:الشرك باللّه العظيم،و قتل النفس التي حرّم اللّه تعالى إلّا بالحق،و أكل مال اليتيم،و عقوق الوالدين، و قذف المحصنات،و الفرار من الزحف،و إنكار ما أنزل اللّه تعالى عزّ و جلّ».

هذا،و يحتمل حمل الأخبار الأخيرة المتضمنة للتعداد على التمثيل،

ص:251


1- حكاه عنه الطبري في جامع البيان 4:27.
2- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:291،و الشهيد الثاني في الروضة 3:129،و صاحب الحدائق 10:51.
3- الحدائق 10:49.
4- الأول في:التهذيب 4:417/149،الوسائل 15:325 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 20. و الثاني في:الفقيه 3:1745/366،الخصال:56/363،علل الشرائع:1/474،الوسائل 15:326 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 22.

لا الحصر.و يؤيّده اختلافها في بعض الأفراد المعدودة فيها.

و كذا لا ريب في زوالها ب الصغائر و هي ما عدا الكبائر إذا كان مصرّاً عليها،و لا خلاف فيه أيضاً؛ فإنّ الإصرار عليها يلحقها بالكبائر،و لذا ورد:« لا صغيرة مع الإصرار،و لا كبيرة مع الاستغفار» (1).

و اختلفوا في المراد من الإصرار على أقوال،فقيل:هو الإكثار منها، سواء كان من نوع واحد أو من أنواع مختلفة (2).

و قيل:المداومة على نوع واحد منها (3):

و قيل:يحصل بكلٍّ منهما (4).و نقل بعضهم قولاً بأنّ المراد به عدم التوبة (5).و ضعّفه جماعة من المحققين (6)،مع أنّه ورد في النصوص ما يدل عليه،كالخبر:في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ [1] قال:« الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر،و لا يحدّث نفسه بتوبة» (7).

و لعلّه لضعف السند ،مع مخالفته لما يستفاد من كلام جماعة من أهل اللغة من كون المراد بالإصرار المداومة عليه أو العزم على المعاودة،قال

ص:252


1- الكافي 2:1/288،الوسائل 15:337 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 48 ح 3.
2- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:402،و السبزواري في الذخيرة:305.
3- انظر المدارك 4:67.
4- المسالك 2:402،و فيه:و لعل الإصرار يتحقق بكل منهما.
5- حكاه الطبرسي في مجمع البيان 1:506 عن الحسن.
6- الذخيرة:305،البحار 85:29،و انظر الحدائق 10:54.
7- الكافي 2:2/288،الوسائل 15:338 أبواب جهاد النفس ب 48 ح 4،و الآية في سورة آل عمران:135.

الجوهري:أصررت على الشيء،إذا أقمت و دمت عليه (1).

و قال ابن الأثير:أصرّ على الشيء يصرّ إصراراً إذا لزمه و داومه و ثبت عليه (2).

و قال في القاموس:أصرّ على الأمر لزم (3).و قريب منه كلام ابن فارس في المجمل (4).

و قسّم الشهيد الإصرار إلى فعلي و حكمي،فالفعلي:هو الدوام على نوع واحد من الصغائر بلا توبة،أو الإكثار من جنس الصغائر بلا توبة، و الحكمي:هو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها (5).و قد ارتضاه جماعة من المتأخّرين،كشيخنا الشهيد الثاني في المسالك و الروضة،و الفاضل المقداد في كنز العرفان (6).

و النص خال عن بيان ذلك،لكن المداومة على نوع واحد من الصغائر،و العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها يناسب المعنى اللغوي،بل العرفي المفهوم من الإصرار،على تأمّلٍ في الأخير.

و أمّا الإكثار من الذنوب و إن لم يكن من نوع واحد بحيث يكون ارتكابه للذنب أغلب من اجتنابه عنه إذا عنّ له من غير توبة فالظاهر أنّه قادح في العدالة،بلا خلاف بينهم في ذلك أجده،و به صرّح بعض

ص:253


1- الصحاح 2:711.
2- النهاية 3:22.
3- القاموس:2:71.
4- مجمل اللغة 3:223.
5- القواعد و الفوائد 1:227.
6- المسالك 2:402،الروضة 3:130،كنز العرفان 2:385.

الأجلّة (1)،و في التحرير الإجماع عليه (2).فلا فائدة في تحقيق كونه داخلاً في مفهوم الإصرار أم لا.

و يفهم من عبارة جماعة كالفاضل في الإرشاد و القواعد و التحرير (3)أنّه غير داخل في معنى الإصرار.و على كل تقدير فالمداومة على الذنب أو الإكثار منه قادح في العدالة قطعاً.

و أمّا العزم عليه بعد الفراغ ففي كونه قادحاً تأمّل إن لم يكن ذلك اتفاقياً.

أمّا الندرة من اللمم و صغائر الذنوب مع عدم العزم عليها ثانياً فلا تزول بها العدالة على الأقوى،وفاقاً للإسكافي و المبسوط و ابن حمزة و الفاضلين و الشهيدين (4)،و غيرهم من سائر المتأخّرين (5)،بل عليه عامّتهم؛ لظاهر بعض الصحاح المتقدمة (6)المعرِّف للعادل بمجتنب الكبائر خاصّةً من دون تعرض فيه للصغائر بالمرّة.و ذلك بناءً على الفرق بينهما كما سيأتي إليه الإشارة.

هذا مضافاً إلى ما ذكروه من أنّ زوال العدالة بمثل ذلك يوجب عدم وجود عادل أصلاً ؛ إذ الإنسان لا ينفك عن الصغائر إلّا المعصوم عليه

ص:254


1- كشف اللثام 2:371.
2- التحرير 2:208.
3- الإرشاد 2:156،القواعد 2:236،التحرير 2:208.
4- حكاه عن الإسكافي في المختلف:717،المبسوط 8:217،الوسيلة:230،المحقق في الشرائع 4:127،العلّامة في التحرير 2:208،الشهيد الأول في الدروس 2:125،الشهيد الثاني في الروضة 3:130.
5- إيضاح الفوائد 4:421.
6- في ص 248.

السلام،و في ذلك تعطيل للأحكام الكثيرة المبتنية على وجود العدل، و تفويت للمنافع العظيمة الدينية و الدنيوية،و تضييع للحقوق بالكلية،و فيه من الحرج و الضيق ما لا يخفى على ذي دُرْبَة،و قد قال سبحانه ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [1] (1)و قال عزّ شأنه يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ [2] الآية (2).

خلافاً للمفيد،و القاضي،و الحلبي،و الشيخ في العدة،و أبي علي الطبرسي،و الحلّي (3)،فقالوا بقدح ذلك في العدالة،بناءً منهم على أنّ كل ذنب كبيرة،و لا صغيرة إلّا بالإضافة،و ظاهر الشيخ و من ذكر بعده كونه مجمعاً عليه بين الطائفة.و على هذا فلا تنافي مذهبهم الصحيحة المتقدمة.

و الوجه الاعتباري المذكور بعدها قد اعترضه الحلّي بأنّه متّجه إن لم يمكن تدارك الذنب بالاستغفار،و الحال أنّه ممكن به و بالتوبة.

و في كلّ من البناء و الاعتراض نظر،أمّا الأوّل:فلأنّ الأظهر الأشهر الذي عليه عامّة من تأخّر انقسام الذنب إلى كبيرة و صغيرة حقيقةً؛ لما يظهر من الآية الكريمة إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [3] (4)الآية.و النصوص المستفيضة بل المتواترة.

منها زيادةً على المستفيضة المتقدمة (5)الدالّة على تفصيل الكبائر-

ص:255


1- الحج:78.
2- البقرة:185.
3- أوائل المقالات(مصنفات الشيخ المفيد 4):83،المهذب 2:556،الكافي في الفقه:435،عدّة الأصول 1:359،مجمع البيان 2:38،السرائر 2:118.
4- النساء:31.
5- راجع ص 251.

الخبر:« إنّ الأعمال الصالحة تكفّر الصغائر» (1).

و في آخر:« من اجتنب الكبائر كفّر اللّه تعالى عنه جميع ذنوبه، و ذلك قول اللّه تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً [1] (2).

و في ثالث:عن قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [2] هل تدخل الكبائر في مشيئة اللّه تعالى؟ قال:« نعم ذاك إليه عزّ و جلّ إن شاء عذّب عليها و إن شاء عفا» (3).

و قريب منه خبران آخران (4).و يشهد له الأخبار الواردة في ثواب بعض الأعمال أنّه يكفّر الذنوب إلّا الكبائر (5)،و أمثال ذلك.

و بالجملة:تخصيص الكبيرة ببعض أنواع الذنوب في الأخبار أكثر من أن تحصى.و لا معارض لها صريحاً بل و لا ظاهراً عدا الإجماع المستفاد من كلمات من تقدم،و ما دلّ من الأخبار على أنّ كل معصية شديدة و أنّها قد

ص:256


1- لم نعثر عليه بهذا النص،و لكن المضمون موجود في أخبار كثيرة،انظر ثواب الأعمال:15،17،43،75،195،197،و إرشاد القلوب للديلمي:412،و دعائم الإسلام 1:135،مستدرك الوسائل 3:13 أبواب أعداد الفرائض ب 2 ح 4،6،7.
2- الفقيه 3:1781/376،الوسائل 15:316 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 45 ح 4.
3- الفقيه 3:1780/376،الوسائل 15:334 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 47 ح 7.و الآية في سورة النساء:48.
4- أحدهما في الكافي 2:18/284،الوسائل 15:333 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 47 ح 1. و الآخر في:تفسير القمي 1:140،الوسائل 15:336 أبواب جهاد النفس ب 47 ح 14.
5- ثواب الأعمال:193،195،197.

توجب لصاحبها النار (1)،و ما دل منها على التحذير من استحقار الذنب و استصغاره (2).

و لا شيء منهما يصلح للمعارضة،أمّا الإجماع:ف بعد الإغماض عن وهنه في أمثال ما نحن فيه إنّه معارض بما مرّ من الصيمري من نسبة تعريف الكبائر بما أوعد اللّه تعالى عليه النار إلى الأصحاب،و هو يستلزم أنّ الذنوب التي لم يتوعّد اللّه عليها بالنار ليست كبائر عندهم،فلا يبقي بعد ذلك إلّا أن يكون صغائر.

مع أنّه جعل هذا القول الذي عمّم فيه الكبائر لجميع الذنوب مقابلاً لما نسبه الى الأصحاب.و عن شيخنا البهائي في الحبل المتين (3)أنّه عزا المختار إلى الأصحاب معرباً عن دعوى الإجماع عليه،هذا.

و قد عرفت استفاضة نقل الشهرة على تخصيص الكبيرة بما نسبه الصيمري إلى الأصحاب كافّة،فالإجماع المستظهر من كلامهما يترجح بها على الإجماع المستظهر من عبائر هؤلاء الجماعة.

و أمّا الروايات:فنحن نقول بمضمونها من أنّ كلّ ذنب شديد؛ لاشتراكها في معصية الربّ المجيد،إلّا أنّ مجرّد ذلك لا يوجب كون الجميع كبائر بمعنى ما توعّد عليه بالنار كما استفيد من الأخبار.

مع أنّها على تقدير تسليم وضوح دلالتها لا تعارض الآيات و الأخبار التي قدّمنا؛ لاستفاضتها،بل و تواترها،و اعتضادها بفتوى عامّة متأخّري

ص:257


1- الكافي 3:31/450،التهذيب 2:502/130،الوسائل 15:322 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 5.
2- الوسائل 1:114 أبواب مقدمة العبادات ب 28.
3- الحبل المتين:82.

أصحابنا بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعاً.

و أمّا الثاني:فلما ذكره جماعة (1)أوّلاً:من أنّ التوبة متوقفة على العزم على عدم المعاودة،و العزم على ترك الصغائر متعذّر أو متعسّر؛ لأنّ الإنسان لا ينفك عنه غالباً،و كيف يتحقق منه العزم على تركها أبداً مع ما جرت من حاله و حال غيره من عدم الانفكاك منها غالباً.

و ثانياً:أنّه لا يكفي في التوبة مطلق الاستغفار و إظهار الندم حتى يعلم من حاله ذلك،و هذا قد يؤدّي إلى زمان طويل يفوت معه الغرض من الشهادة و نحوها،فيبقى العسر و الحرج بحالهما.

و في الأوّل نظر؛ لمنع توقف التوبة على ما ذكر من العزم كما عن جمع (2)،قيل:و في بعض الأخبار (3)دلالة عليه (4).مع أنّه لو تمّ لزم منه عدم وجوب التوبة عن صغار الذنب بل و كباره إذا جرّب الإنسان من حاله عدم الانفكاك منها في أغلب أحواله،و هو خلاف الإجماع على الظاهر المصرح به في كلام بعض الأصحاب (5).

و الثاني أيضاً لا يخلو عن نظر،هذا.

و لا ريب أنّ اعتبار ترك مطلق الذنوب أحوط،كما يستفاد من الخبر:

« فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهد ان فهو من

ص:258


1- منهم العلّامة في المختلف:718،و فخر المحققين في الإيضاح 4:421،و الشهيد الثاني في المسالك 2:402،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 12:321.
2- حكاه عنهم في الذخيرة:303.
3- الوسائل 16:61 أبواب جهاد النفس ب 83،مستدرك الوسائل 12:117 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 83.
4- الذخيرة:303.
5- الذخيرة:303.

أهل العدالة و الستر،و شهادته مقبولة،و إن كان في نفسه مذنباً» (1)الحديث.

و اعلم أنّ الماتن لم يتعرّض للمروءة في مزيل العدالة مع اشتهار زوالها بمخالفتها،إمّا لكونها جزءاً منها كما هو المشهور بينهم،أو شرطاً في قبولها كما جرى عليه جماعة (2).

و كأنّه لم يجعل تركها قادحاً فيها،أو متوقّف فيه كما هو الوجه جدّاً؛ لعدم وضوح دليل على اعتبارها،عدا ما قيل (3)من أنّ مخالفة المروءة إمّا لخبل و نقصان عقل أو قلّة مبالاة و حياء،و على التقديرين تبطل الثقة و الاعتماد على قوله،أمّا الخبل فظاهر،و أمّا قليل الحياء فلأنّ من لا حياء له يصنع ما يشاء،كما ورد في الخبر (4).

و هو مستند ضعيف.و أضعف منه ما استدل به بعض (5)من قول مولانا الكاظم(عليه السّلام):« لا دين لمن لا مروءة له،و لا مروءة لمن لا عقل له» (6).

فإنّ فيه ما ذكره بعض الفضلاء (7)من أنّ استعمال المروءة بالمعنى

ص:259


1- أمالي الصدوق:3/91،الوسائل 27:395 كتاب الشهادات ب 41 ح 13.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:402،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 12:315.
3- قاله في المسالك 2:402.
4- سنن ابن ماجة 2:4183/1400،أمالي السيد المرتضى 1:53،عوالي اللئالي 1:91/59،المستدرك 8:22/466.
5- هو الشيخ أحمد بن محمد بن يوسف البحراني،حكاه عنه في الحدائق 10:18.
6- تحف العقول:290،المستدرك 8:224 أبواب آداب السفر ب 38 ح 12.
7- هو الشيخ سليمان بن عبد اللّه البحراني،حكاه عنه في الحدائق 10:18.

الذي ذكره الأصحاب غير معروف في كلامهم(عليهم السّلام)،و حينئذ فالأظهر حمله على بعض المعاني المروية عنهم(عليهم السّلام)في تفسيرها.

أقول:و أشار بالمعنى المذكور لها بين الأصحاب إلى ما قالوه من أنّها التخلق بخلق أمثاله في زمانه و مكانه،فالأكل في السوق و الشرب فيها لغير سوقي إلّا إذا غلبه العطش،و المشي مكشوف الرأس بين الناس،و كثرة السخرية و الحكايات المضحكة،و لبس الفقيه لباس الجندي و غيره ممّا لا يعتاد لمثله بحيث يسخر منه،و بالعكس،و نحو ذلك،يسقطها عندهم.

و بالمعاني المروية عنهم(عليهم السّلام)إلى ما في بعض النصوص من أنّها إصلاح المعيشة (1).و ما في بعض آخر منها من أنّها ستّة،ثلاثة منها في الحضر و هي:تلاوة القرآن،و عمارة المساجد و اتخاذ الإخوان.و مثلها في السفر،و هي:بذل الزاد،و حسن الخلق،و المزاح في غير معاصي اللّه سبحانه (2).

و ما في ثالث من أنّها أن يضع الرجل خوانه بفناء داره (3).إلى غير ذلك.و ليس في شيء من هذه المعاني المروية ما يوافق ما ذكره الأصحاب في معنى المروءة،و لا كونها معتبراً في العدالة بالكلية.

نعم ربما يشعر به بعض الروايات،منها:« من عامل الناس فلم يظلمهم،و حدّثهم فلم يكذبهم،و وعدهم فلم يخلفهم،فهو ممن كملت مروءته،و ظهرت عدالته،و وجبت اخوّته،و حرمت غيبته» (4).

ص:260


1- معاني الأخبار:5/258،الوسائل 11:435 أبواب آداب السفر ب 49 ح 9.
2- عيون الأخبار 2:13/26،الخصال:11/324،الوسائل 11:436 أبواب آداب السفر ب 49 ح 14.
3- معاني الأخبار:9/258،الوسائل 11:436 أبواب آداب السفر ب 49 ح 13.
4- الخصال:28/208،عيون الأخبار 2:34/29،الوسائل 27:396 كتاب الشهادات ب 41 ح 15.

لكن الإشعار غير كاف،سيّما مع قصور السند.

و لا ريب أنّ اعتباره أحوط،و إن كان في تعيّنه نظر.

و لا يقدح في العدالة اتخاذ الحمام و الطيور للأُنس بها و إنفاذ الكتب و إرسالها إلى البلدان،بلا خلاف فيه على الظاهر المصرح به في الكفاية (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات،و فحوى ما سيأتي من بعض المعتبرة،بل يستفاد من المعتبرة المستفيضة استحباب اتخاذها للأُنس.

منها:« ليس من بيت فيه حمام إلّا لم يصب أهل ذلك البيت آفة من الجنّ،إنّ سفهاء الجنّ يعبثون بالبيت فيعبثون بالحمام و يدعون الإنسان» (2)و بمعناه كثير من الأخبار.

و منها:دخلت على أبي عبد اللّه(عليه السّلام)فرأيت على فراشه ثلاث حمامات خضر،فقلت:جعلت فداك هذا الحمام يقذر الفراش،فقال:

« لا،إنّه يستحب أن يسكن في البيت» (3).

و كذا اقتناؤها للّعب بها،و إن كره عند كافّة متأخّري أصحابنا،وفاقاً للنهاية و المبسوط و القاضي (4)،و ظاهر المبسوط أنّ عليه إجماعنا،حيث قال:فإنّ اقتناؤها للّعب بها و هو أن يطيّرها و يتقلب في السماء و نحو هذا فإنّه مكروه عندنا (5).و هو الحجة،مضافاً إلى بعض ما مرّ من الأدلّة.

ص:261


1- الكفاية:281.
2- الكافي 6:5/546،الوسائل 11:516 أبواب أحكام الدواب ب 31 ح 8.
3- الكافي 6:15/548،الوسائل 11:520 أبواب أحكام الدواب ب 34 ح 1.
4- النهاية:327،المبسوط 8:222،المهذّب 2:557.
5- المبسوط 8:222.

و خصوص الخبر المروي في التهذيب بطريقين (1)،و في الفقيه بطريق حسن (2):عن شهادة من يلعب بالحمام،قال:« لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق».

و قصور السند بالجهالة مجبور بعمل الطائفة،مع انجباره في الطريق الثالث بأبان بن عثمان الذي أجمع على تصحيح ما يصح عنه العصابة (3)، فلا تضر الجهالة بعده،و ليس قبله سوى الوشّاء المحكوم بحسنه عند أصحابنا،فالرواية بنفسها معتبرة.

لكن ربما يتأمّل في الدلالة بما نقله بعض الأجلّة من أنّ لعب الحمام عند أهل مكة هو لعب الخيل (4)،و عليه فيحتمل ورود الخبر على مصطلحهم،و ربما أشعر به سياقه في الطريق الثالث؛ فإنّ فيه بعد ما مرّ-:

قلت:فإنّ من قبلنا يقولون:قال عمر:هو شيطان،فقال:« سبحان اللّه!أما علمت أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قال:إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان،و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخفّ و الريش و النصل،فإنّها تحضره الملائكة، و قد سابق رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أُسامة بن زيد و أجرى الخيل».

و لو لا أنّ المراد باللّعب بالحمام ما اصطلحوا عليه لما كان لردّ الإمام(عليه السّلام)على رمع (5)بقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله)الوارد في الرهان،و لا لذكره سباقه مع أُسامة في الخيل وجه،فتأمّل .

ص:262


1- التهذيب 6:784/284،785،الوسائل 27:412 كتاب الشهادات ب 54 ح 1،2.
2- الفقيه 3:88/30،الوسائل 27:413 كتاب الشهادات ب 54 ح 3.
3- رجال الكشي 2:673.
4- الوسائل 27:413،الهامش.
5- مقلوب عمر.

و مع ذلك تضمن جواز المسابقة بالريش المتبادر منه الطيور،و لم يقولوا به،فالاستدلال به لعلّه لا يخلو عن إشكال،لكنه يصلح مؤيّداً للدليل.

خلافاً للحلّي،فحكم بقدحه في العدالة،قال:لقبح اللّعب (1).

و ضعّفوه بمنع القبح أوّلاً،و أنّ الخبر المتقدم يدفعه ثانياً.

و فيه نظر؛ لتوجه المنع إليهما،أمّا الثاني:فلما مضى،و أمّا الأوّل:

فلأنّ ما دلّ على قبحه و ورد بذمّة من الآيات و الروايات أظهر من أن تخفى، فإذا ثبت القبح و الذمّ ثبت النهي؛ إذ لا ذَمَّ على ما لم ينه عنه اتفاقاً.و لو لا شذوذه بحيث كاد أن يعدّ للإجماع مخالفاً لكان المصير إلى قوله ليس بذلك البعيد جدّاً .

ثم إنّ هذا إن لعب بها من غير رهان.

و أما اللّعب بها بالرهان عليها فقادح في العدالة قولاً واحداً؛ لما مضى في كتاب السبق من اختصاص جوازه بالخف و الحافر من الحيوان لأنّه في غيره قمار منهي عنه.و لكنه ينافيه الخبر المتقدم و إن حمل الريش فيه على السهام،لأنّ فيه ريشاً.و ربما حمل على التقية.

و ذكر شيخنا في المسالك أنّه قيل:إنّ حفص بن غياث وضع للمهدي العباسي في حديث:« لا سبق إلّا في نصل،أو خف،أو حافر» قوله:أو ريش؛ ليدخل فيه الحمام تقرّباً إلى الخليفة،حيث رآه يحبّ الحمام،فلما خرج من عنده قال:اُشهد أنّ قفاه قفا كذّاب،ما قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):أو ريش،و لكنه أراد التقرب إلينا بذلك،ثم أمر بذبح

ص:263


1- السرائر 2:124.

الحمام (1).

و اللعب ب النرد و الشطرنج و الأربعة عشر تردّ به الشهادة.

و كذا الغناء و سماعه و العمل بآلات اللهو من العود و الزمر و سماعها بناءً على حرمتها بالإجماع الظاهر،و المحكي في ظاهر عبائر جمع (2)، و النصوص المستفيضة،بل المتواترة،و قد مرّ منها ما يتعلق بالغناء و سماعه في أوّل كتاب التجارة (3).

و أمّا ما يتعلق بما عداه فمستفيضة أيضاً.

ففي القوي:« نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عن اللعب بالشطرنج و النرد» (4).

و في الخبرين أحدهما المرسل كالصحيح:عن قول اللّه تعالى فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [1] قال:« الرجس من الأوثان الشطرنج،و قول الزور الغناء» (5).

و في كثير من النصوص عدّ الشطرنج و النرد من الميسر (6)،و في آخر من الباطل (7).

و في القوي:قال:« قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):أنهاكم عن الزفْنِ و المزمار

ص:264


1- المسالك 2:404.
2- منهم العلّامة في المنتهي 2:1011 1012،و الشهيد في المسالك 2:403،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:333 334.
3- راجع ج 8 ص 156،و انظر الوسائل 17 أبواب ما يكتسب به ب 99 104.
4- الكافي 6:17/437،الوسائل 17:320 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 9.
5- الكافي 6:2/435،الوسائل 17:318 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 1،و الآية في سورة الحج:30.
6- تفسير العياشي 1:185/341،الوسائل 17:321 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 14.
7- الكافي 6:4/435،الوسائل 17:318 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 2.

و الكوبات و الكَبَرات (1)» (2).

و في الصحيح:إنّي أقعد مع قوم يلعبون بالشطرنج و لست ألعب بها و لكن أنظر،فقال:« مالك و لمجلس لا ينظر اللّه تعالى إلى أهله» (3).

و في القريب منه بابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه (4):

« أنّ استماع اللهو و الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع» (5).

و في الخبر:« ضرب العيدان ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الخضرة» (6).

و في آخر:« من أصغى إلى ناطق فقد عبده،فإن كان الناطق يروي عن اللّه عزّ و جلّ فقد عبد اللّه عزّ و جلّ،و إن كان الناطق يروي عن الشيطان فقد عبد الشيطان» (7).

و بالجملة:لا ريب في التحريم و زوال العدالة بكل من ذلك مع الإصرار و المداومة،و بدونهما أيضاً في الغناء؛ للتوعد عليه بالنار في قول اللّه عزّ و جلّ وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ [1] (8)لتفسير لَهْوَ [2]

ص:265


1- الزفْن:الرقص،الكُوبَة:الطبل الصغير المختصر،الكبر،الطبل له وجه واحد.الصحاح 1:215،و 5:2131،القاموس 1:131،و 4:233،المصباح المنير:524،مجمع البحرين 3:469.
2- الكافي 6:7/432،الوسائل 17:313 أبواب ما يكتسب به ب 100 ح 6.
3- الكافي 6:12/437،الوسائل 17:322 أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 1.
4- رجال الكشي 2:830.
5- الكافي 6:23/434،الوسائل 17:316 أبواب ما يكتسب به ب 101 ح 1.
6- الكافي 6:20/434،الوسائل 17:313 أبواب ما يكتسب به ب 100 ح 3.
7- الكافي 6:24/434،الوسائل 17:317 أبواب ما يكتسب به ب 101 ح 5.
8- الكافي 6:5/431،الوسائل 17:305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 7.

اَلْحَدِيثِ [1] بالغناء في النصوص المستفيضة،مع وقوع التصريح في جملة منها بكونه ممّا وعد اللّه تعالى عليه بالنار.

ففي الخبر القريب من الصحيح بابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصح عنه (1):« الغناء ممّا وعد اللّه تعالى عليه النار» و تلا هذه الآية:

وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي [2] الآية (2).

و أمّا سماعه و استعمال آلات اللهو ففي زوال العدالة به من دون إصرار إشكال؛ لعدم ما يدل على كونه من الكبائر،و إنّما المستفاد من النصوص مجرد النهي عنه و تحريمه من دون توعيد عليه بالنار،فهو من الصغائر لا يقدح في العدالة إلّا مع الإصرار عليها كما مضى إليه الإشارة، و بذلك صرّح شيخنا في المسالك (3)،و استحسنه في الكفاية (4).

و ربما يستفاد من إطلاق العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة (5)حصول القدح في العدالة بكل ما ذكر مطلقاً و لو فعل من دون إصرار و لا مداومة.و هو مشكل؛ لعدم دليل على الوعد بالنار فيما عدا الغناء كما مضى.

نعم ربما يستفاد من جملة من الأخبار التوعيد بها في اللعب بالشطرنج.

منها:« أنّ للّه تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار إلّا من أفطر على مسكر،أو مشاحن أو صاحب شاهين».قلت:و أيّ شيء

ص:266


1- انظر رجال الكشي 2:830.
2- الكافي 6:4/431،الوسائل 17:304 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 6.
3- المسالك 2:403.
4- الكفاية:281.
5- كعبارة الشرائع 4:128،و القواعد 2:236،و التحرير 2:209،

صاحب الشاهين؟قال:« الشطرنج» (1)و نحوه غيره (2).لكنها مع قصور أسانيدها جملة غير واضحة الدلالة على ما مر إليه الإشارة،لكنها مؤيّدة بالرواية (3)المتقدمة في تعداد الكبائر المتضمنة لرسالة مولانا الرضا(عليه السّلام)إلى المأمون؛ حيث قد عدّ منها الميسر و الاشتغال بالملاهي،و قد عرفت من النصوص (4)المتقدمة كون الشطرنج و النرد من الميسر.

و لا ريب في كونهما كاستعمال باقي آلات اللهو من الملاهي.

لكن تلك الرواية و النصوص العادّة لهما من الميسر غير واضحة الأسانيد و لا معلومة الجابر في محل البحث،عدا ما ذكره في الذخيرة في حق الرواية من أنّها مروية في عيون أخبار الرضا[(عليه السّلام)]بأسانيد متعدّدة لا تخلو عن اعتبار (5).

و في الاكتفاء بذلك في الاعتماد عليها هنا إشكال و إن كان الاحتياط فيه بلا إشكال،سيّما مع ورود جملة من النصوص بردّ شهادة المقامر و اللاعب بالنرد و الشطرنج بقول مطلق.

منها:« و لا تقبل شهادة شارب الخمر و لا شهادة اللاعب بالشطرنج و النرد و لا شهادة المقامر» (6).

و منها:« لا تقبل شهادة صاحب النرد و الأربعة عشر و صاحب الشاهين»

ص:267


1- الكافي 6:5/435،الوسائل 17:319 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 4.
2- الوسائل 17:318 أبواب ما يكتسب به ب 102.
3- المتقدمة في ص 6836.
4- راجع ص 6848.
5- الذخيرة:304.
6- الفقيه 3:67/25،الوسائل 27:379 كتاب الشهادات ب 32 ح 7.

الخبر (1).

و لو لا قصور سندهما،و قوة احتمال إرادة المصرّ من اللاعب بالشطرنج و المقامر كما هو الغالب المتبادر لكان المصير إلى الإطلاق من اللوازم.

و اعلم أنّ من جملة آلات اللهو الدفّ و إنّما خصّه الماتن بالذكر قصداً إلى استثناء صورة خاصّة من الحكم بتحريمها أشار إليها بقوله:

إلّا في الإملاك بالكسر:العرس و الزفاف و في الختان للصبيان فإنّ الدفّ فيهما مباح و لو على كراهة عند الماتن هنا و في الشرائع، و الفاضل في الإرشاد و التحرير و القواعد،و الشهيد في الدروس و المحقق الثاني كما حكي (2)،وفاقاً للمحكي عن المبسوط و الخلاف (3)مدّعياً عليه الوفاق،للنبويّين:«أعلنوا بالنكاح و اضربوا عليه بالغربال» يعني الدفّ (4).

و في الثاني:فصل ما بين الحلال و الحرام الضرب بالدفّ عند النكاح (5).

خلافاً للحلّي و التذكرة (6)فمنعا عنه فيهما أيضاً؛ عملاً بالعمومات

ص:268


1- الكافي 7:9/396،الفقيه 3:76/27،التهذيب 6:604/243،الوسائل 27:380 كتاب الشهادات ب 33 ح 1.
2- الشرائع 4:128،الإرشاد 2:157،التحرير 2:209،القواعد 2:236،الدروس 2:126،جامع المقاصد 4:24.
3- المبسوط 8:224،الخلاف 6:307.
4- سنن ابن ماجة 2:1895/611.
5- مسند أحمد 3:418،و ج 4:259،الجامع الصغير 2:5851/212؛ بتفاوت يسير.
6- السرائر 3:205،التذكرة 2:483.

الناهية عن اللهو مطلقاً،و نفى عنه البعد في الكفاية (1).

و لا ريب أنّه أحوط و إن كان في تعينه نظر؛ لاشتهار القول الأوّل فتوًى بل و عملاً أيضاً.فتأمّل جدّاً.

فينجبر به سند الخبرين جبراً يصلحان معه لتخصيص العمومات المستدل بها على المنع،سيّما مع اعتضادهما بفحوى المعتبرين و فيهما الصحيح المبيحين لأجر المغنّية في العرائس (2)بناءً على أشدّية حرمة الغناء؛ لتصريح النص (3)بكونه من الكبائر،و لا كذلك اللهو كما عرفته مما مضى.

و يجبر أخصّيتهما من المدّعى باختصاصهما بالنكاح دون الختان بعدم القائل بالفرق بينهما،سيّما مع عدم تعقّل الفرق و قوّة دعوى كون مناط الجواز قطعياً مشتركاً بينهما،هذا.

مع ما في مجمع البحرين من قوله:و فيه:يقولون:إنّ إبراهيم(عليه السّلام) ختن نفسه بقدوم على دفّ.لكنه فسّره ب:على جنب،قال:و الدفّ بالفتح الجنب من كل شيء و صفحته (4).انتهى.

و هو غير المعنى المتبادر منه عند الإطلاق جدّاً،لكنه أنسب بعصمته عليه السلام المانعة عن ارتكابه نحو هذا المكروه الشديد الكراهة بلا شبهة،إن لم نقل بكونه من الأُمور المحرّمة.

ص:269


1- الكفاية:281.
2- الوسائل 17:121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 2 و 3.
3- الخصال:9/603،الوسائل 15:331 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 36.
4- مجمع البحرين 5:59.

ثم إنّ إطلاق الخبرين كالعبارة و غيرها يقتضي عدم الفرق في الدفّ المحلّل بين كونه ذات صنج أو غيره،و قيّده الشهيد و المحقق الثاني (1)بالثاني،و ربما يظهر من المسالك (2)عدم الخلاف فيه،فإن تمّ،و إلّا كما هو الظاهر لإطلاق أكثر العبائر فالإطلاق متعين.

و المراد بالصنج هنا ما يجعل في إطار الدفّ من النحاس المدوّرة صغاراً،كما عن المطرزي (3).و أمّا أصله فهو الذي يتخذ من صفر يضرب أحدهما بالآخر،كما عنه و عن الجوهري (4).و هو من آلات اللهو،و في الحديث:« إيّاك و الصوانج فإنّ الشيطان يركض معك و الملائكة تنفر عنك» (5).

و ممّا يقدح في العدالة و تردّ به الشهادة لحرمته لبس الحرير المحض للرجال خاصّة مع الاختيار،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في المسالك و غيره من كتب الأصحاب (6)؛ و هو الحجة.مضافاً إلى النصوص، و منها الحديث المشهور:« أُحلّ الذهب و الحرير للإناث من أُمّتي و حرام على ذكورها» (7).

ص:270


1- الدروس 2:126،جامع المقاصد 4:24.
2- المسالك 2:404.
3- المغرب 1:309.
4- الصحاح 1:325.
5- أصل زيد النرسي(كتاب الأُصول الستة عشر):51،المستدرك 13:216 أبواب ما يكتسب به ب 79 ح 4.
6- المسالك 2:404؛ المعتبر 2:87،التحرير 1:30،المدارك 3:173،كشف اللثام 2:373.
7- سنن النسائي 8:161.

و في لفظ آخر:« هذان محرّمان على ذكور أُمّتي» (1)مشيراً إليهما.

و في رواية:« من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» (2).

إلّا إذا لبسه في الحرب أو حال الضرورة؛ للنصوص المذكورة هي و سائر ما يتعلق بالمقام في بحث لباس المصلّي من كتاب الصلاة (3).

و منه التختم بالذهب و التحلّي به بل لبسه مطلقاً كما في الإرشاد و القواعد و الدروس و المسالك (4)،و ظاهره عدم الخلاف فيه،و به صرّح كثير ممن تبعه (5).و لعلّهم فهموا من العبارة و نحوها مما خص فيه المنع بالتختّم و التحلّي خاصّة التمثيل لا الحصر.و هو غير بعيد،و به ربما يشعر بعض تلك العبارات كعبارة التحرير،حيث قال:لبس الحرير المحض حرام إلى أن قال-:و كذا لبس كل محرم كالتختم بالذهب و التحلّي به للرجال (6) فتدبّر.

و الأصل في حرمته بعد الإجماع الظاهر و المحكي ما مرّ من النص و النبوي (7).

فلا إشكال فيها،و لا في زوال العدالة بلبسهما مع الإصرار عليه.و كذا مع عدمه في ظاهر إطلاق العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة.

ص:271


1- سنن النسائي 8:160.
2- مسند أحمد 1:26.
3- راجع ج 2 ص 319 333.
4- الإرشاد 2:157،القواعد 2:236،الدروس 2:126،المسالك 2:404.
5- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:374،و السبزواري في الكفاية:281.
6- التحرير 2:209.
7- راجع ص 269.

و فيه إشكال؛ إذ لا يستفاد من أدلّة المنع كونه من الكبائر،و إنّما غايتها إفادة التحريم،و هو أعم منه،و الأصل يلحقه بالصغائر،فالوجه عدم ردّ الشهادة بمجرد اللبس من دون إصرار و مداومة،كما نبّه عليه المقدس الأردبيلي (1)-(رحمه اللّه) و تبعه صاحب الكفاية فقال:و لعلّ قدحه في الشهادة باعتبار الإصرار (2).

و ربما يفهم منه كون ذلك مراد الأصحاب و مذهبهم أيضاً.و هو غير بعيد،و لا ينافيه إطلاق عبائرهم؛ لقوة احتمال وروده لبيان جنس ما يقدح في العدالة من دون نظر إلى اشتراط حصول التكرار أو الاكتفاء فيه بالمرة الواحدة؛ و إنّما أحالوا تشخيص ذلك إلى الخلاف في زوال العدالة بكل ذنب أو بالكبائر منها خاصّة،و ملاحظة الفقيه كلّاً من المحرمات المزبورة مع أدلتها و أنّها ما تفيد كونها كبائر أو صغائر؛ و عليه العمل بمفادها كيفما اقتضاه مذهبه في تلك المسألة.

و اعلم أنّ المحرّمات القادح فعلها في العدالة مطلقاً أو في الجملة كثيرة؛ و قد جرت عادة الفقهاء بذكر جملة منها في هذا الكتاب،و اقتصر الماتن منها هنا على قليل روماً للاختصار،و من أراد الاطّلاع على كثير منها فعليه بما عدا الكتاب من كتب الأصحاب المطوّلة كالشرائع و الإرشاد و القواعد و غيرها،و شروحها المبسوطة،سيّما شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (3)-(رحمه اللّه) فقد استوفى فيه أكثر مما استوفاه غيره.

ص:272


1- مجمع الفائدة و البرهان 12:376.
2- الكفاية:281.
3- الشرائع 4:127،الإرشاد 2:156،القواعد 2:236،المسالك 2:403،الكفاية:280،مجمع الفائدة و البرهان 12:347.

و لا تقبل شهادة القاذف مع عدم اللعان أو البيّنة؛ بالآية الكريمة وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً [1] (1).

و الإجماع الظاهر و المحكي في كلام جماعة (2).

و النصوص المستفيضة التي سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

و تقبل شهادته لو تاب و إن لم يسقط عنه الحدّ،بلا خلاف، بل عليه إجماعنا كما في التحرير و التنقيح (3).

و الأصل فيه بعده الآية الكريمة و النصوص المستفيضة،منها زيادةً على ما يأتي إليه الإشارة القريب من الصحيح بحمّاد المجمع على تصحيح ما يصح عنه (4):عن الرجل يقذف الرجل فيجلد حدّا،ثم يتوب و لا يعلم منه إلّا خيراً،تجوز شهادته؟قال:« نعم،ما يقال عندكم؟» قلت:

يقولون توبته فيما بينه و بين اللّه تعالى،و لا تقبل شهادته أبداً،فقال:« بئس ما قالوا،كان أبي(عليه السّلام)يقول:إذا تاب و لم يعلم منه إلّا خيراً جازت شهادته» (5).

و القوي بالسكوني:« ليس يصيب أحد حدّا فيقام عليه ثم يتوب إلّا جازت شهادته» (6).

ص:273


1- النور:4.
2- الخلاف 6:261،المؤتلف من المختلف 2:534،و انظر المسالك 2:403،و الكفاية:280.
3- التحرير 2:208،التنقيح 4:293.
4- رجال الكشي 2:673.
5- الكافي 7:2/397،التهذيب 6:620/246،الإستبصار 3:125/37،الوسائل 27:383 كتاب الشهادات ب 36 ح 2.
6- الكافي 7:4/397،التهذيب 6:619/245،الإستبصار 3:124/37،الوسائل 27:384 كتاب الشهادات ب 36 ح 3.

كذا رواه الكليني،و الشيخ أيضاً لكن في نسخةٍ،و رواه في أُخرى بزيادة:« إلّا القاذف،فإنّه لا تقبل شهادته،إنّ توبته فيما بينه و بين اللّه تعالى» (1).

و في هذه الزيادة منافاة لما ذكره الأصحاب في المسألة؛ لكنها على تقدير صحتها مع خلوّ نسخة الكافي عنها الذي هو أضبط من التهذيب، سيّما مع اختلاف نسخه هنا و موافقة بعضها لنسخته كما مضى موافقة للتقية،كما يستفاد من الرواية السابقة،فلتحمل عليها،سيّما مع كون الراوي من قضاة العامّة.

و بالجملة:لا شبهة في المسألة،سيّما مع عدم الخلاف فيها.

و إن اختلف في حدّ توبته أي القاذف بعد الاتفاق على اعتبار إكذاب نفسه فيها،كما صرّح به في الغنية (2)،و يستفاد من الخلاف، حيث قال:من شرط التوبة من القذف أن يكذب نفسه،و حقيقة ذلك أن يقول:كذبت فيما قلت.هذا هو الذي يقتضيه مذهبنا؛ لأنّه لا خلاف بين الفرقة أنّ من شرط ذلك أن يكذب نفسه،و حقيقة الإكذاب أن يقول:

كذبت فيما قلت (3).

و قريب منه كلامه في المبسوط،حيث قال:و اختلفوا في كيفية إكذابه نفسه،قال قوم:أن يقول:القذف باطل حرام،و لا أعود إلى ما قلت.و قال بعضهم:التوبة إكذابه نفسه،و حقيقة ذلك أن يقول:كذبت فيما قلت.

ص:274


1- التهذيب 6:786/284،الإستبصار 3:127/37،الوسائل 27:384 كتاب الشهادات ب 36 ح 6.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):625.
3- الخلاف 6:263.

و روى ذلك في أخبارنا،و الأوّل أقوى؛ لأنّه إذا قال:كذبت فيما قلت،ربما كان كاذباً؛ لجواز أن يكون صادقاً في الباطن و قد تعذّر عليه تحقيقه،فإذا قال:القذف باطل حرام،فقد أكذب نفسه (1).انتهى.

و ما اختاره فيه من كيفية الإكذاب اختاره الحلّي (2)؛ للتعليل الذي ذكره،و اختاره الفاضل في الإرشاد و التحرير و المختلف و القواعد،و ولده في شرحه (3)،لكن على تفصيل هو أنّه إن كان في قذفه كاذباً فحدّ توبته إكذاب نفسه،و إن كان صادقاً فحدّها أن يقول:أخطأت؛ جمعاً بين النصوص الآتية الدالة على أنّ حدّها إكذاب نفسه بقول مطلق،و ما مرّ من التعليل في كلام الشيخ،الراجع حاصله إلى حرمة الكذب،فلا يمكنه التكذيب مع صدقه،فعليه بدله إن يخطأ نفسه.

و هو حسن إن صحّ التعليل،و فيه نظر؛ إذ حاصله و مبناه الفرار من الكذب،و هو يحصل بالتورية،و اعتبارها أقرب إلى النصوص مما ذكره من التصريح بالتخطئة،و أنسب بالحكمة المطلوبة للشارع من الستر؛ لما في التصريح بالتخطئة من التعريض بالقذف أيضاً،فإفساده أكثر من إصلاحه.

و بهذا صرّح جماعة و منهم الشهيد في الدروس و قال في تضعيفه زيادةً على ذلك-:و بأنّ اللّه تعالى سمّى القاذف الذي لا يأتي بالشهود كاذباً (4).

ص:275


1- المبسوط 8:179.
2- السرائر 2:116.
3- الإرشاد 2:157،التحرير 2:208،المختلف:717،القواعد 2:236،إيضاح الفوائد 4:423.
4- الدروس 2:126.

و تنبّه لهذا الفاضل في التحرير،فقال بعد ذكر مختاره:و قيل:يكذب نفسه مطلقاً،ثم إن كان صادقاً ورّى باطناً.و الأوّل أقرب،و الثاني مروي و إن كان ليس بعيداً من الصواب؛ لأنّه تعالى سمّى القاذف كاذباً إذا لم يأت بأربعة شهداء على الإطلاق،لأنّه كاذب في حكم اللّه تعالى و إن كان صادقاً (1).انتهى.

و منه يظهر صحة القول المحكي في كلامه و ميله إليه؛ و هو مختار الصدوقين و العماني،و الشيخ في النهاية و الماتن هنا و في الشرائع، و الشهيدين في الدروس و المسالك،و الفاضل المقداد في التنقيح و غيره (2).

و الظاهر أنّه المشهور بين المتأخّرين،بل المتقدّمين أيضاً؛ و قد عرفت دعوى ابن زهرة عليه الإجماع،و نفي الشيخ الخلاف عنه في الخلاف ناسباً له إلى مقتضى المذهب،و لكنه صار فيه أيضاً إلى مختاره في المبسوط معلّلاً بما مرّ فيه،و قد عرفت ما فيه.

و بالجملة:عبارته ظاهرة في نفي الخلاف الذي هو كإجماع ابن زهرة حجة على اعتبار إكذاب نفسه.و ظاهره و حقيقته كما اعترف به يقتضي المصير إلى ما عليه الماتن و غيره.و نحوهما إطلاق المعتبرة المستفيضة، ففي النبوي:« توبة القاذف إكذاب نفسه» (3).

و في الصحيح:عن المحدود إن تاب تقبل شهادته؟فقال:« إذا تاب، و توبته أن يرجع مما قال و يكذب نفسه عند الإمام(عليه السّلام)و عند المسلمين،

ص:276


1- التحرير 2:208.
2- الصدوق في المقنع:133،و حكاه عن والد الصدوق و العماني في المختلف:717،النهاية:326،الشرائع 4:127،الدروس 2:126،المسالك 2:403،التنقيح 4:293،كنز العرفان 2:347.
3- انظر الدر المنثور 5:20 21.

فإذا فعل فإنّ على الإمام أن يقبل شهادته بعد ذلك» (1).

و في القريب منه:عن القاذف بعد ما يقام عليه الحدّ ما توبته؟قال:

« يكذب نفسه» قلت:أ رأيت إن أكذب نفسه أتقبل شهادته؟قال:

« نعم» (2).

و ظاهرها حصول التوبة بمجرد الإكذاب.و فيه إشكال،بل الظاهر عدمه إلّا بعد التوبة و الندامة حقيقةً،كما ذكره بعض المحققين (3)،و دلّ عليه المرسل:عن الذي يقذف المحصنات تقبل شهادته بعد الحدّ إذا تاب؟ قال:« نعم» قلت:و ما توبته؟قال:« يجيء و يكذب نفسه عند الإمام و يقول:قد افتريت على فلانة،و يتوب مما قال» (4).

و لعلّه ظاهر الأصحاب أيضاً.

و يمكن حمل الروايات السابقة عليه بدعوى ورودها مورد الغالب من أنّ المكذب نفسه يكون في الحقيقة تائباً حقيقة غالباً.

و ظاهر المرسل كالصحيح المتقدم عليه اعتبار كون الإكذاب عند الإمام،و به صرّح العماني (5)و جماعة (6)،و زاد الأوّل:و عند جماعة من المسلمين.و يظهر من الإيضاح و التنقيح و الصيمري عدم الخلاف في اعتبار

ص:277


1- الكافي 7:6/397،التهذيب 6:616/245،الإستبصار 3:121/36،الوسائل 27:385 كتاب الشهادات ب 37 ح 1.
2- الكافي 7:1/397،التهذيب 6:615/245،الإستبصار 3:120/36،الوسائل 27:383 كتاب الشهادات ب 36 ح 1.
3- مجمع الفائدة 12:377.
4- الكافي 7:5/397،التهذيب 6:617/245،الإستبصار 3:122/36،الوسائل 27:384 كتاب الشهادات ب 36 ح 4.
5- حكاه عنه في المختلف:717.
6- إيضاح الفوائد 4:424،التنقيح 4:294.

ذلك؛ حيث قالوا:و على الأقوال كلها لا بدّ من إيقاع ذلك عند من قذف عنده،و عند الحاكم الذي حدّه،فإذا تعذّر ففي ملأ من الناس (1).

و مرادهم من الأقوال،الأقوال المتقدمة في تفسير إكذاب نفسه التي منها ما عليه الماتن و أكثر المتأخّرين من تفسيره بمفاده الحقيقي.و منها قول المبسوط و الخلاف و السرائر (2)المشار إليه في العبارة بقوله:

و فيه قول آخر متكلف من الجهات التي مرّت مع زيادة عليها نشير إليها هنا،و هي استلزامه اطراح النصوص المتقدمة المعتبرة أسانيدها طرّاً مع عدم الباعث عليه عند الشيخ و أمثاله أصلاً عدا التعليل المتقدم،و هو على تقدير صحته يقتضي الاقتصار في مخالفتها على صورة صدقه في القذف خاصّة لا مع كذبه فيه أيضاً.

و لذا إنّ الفاضل (3)الموافق لهما من حيث التعليل في الصورة الأُولى خالفهما في الصورة الثانية تفادياً من طرح الروايات بالكلية،و هو و إن خلص بذلك من هذا الاعتراض،إلّا أنّه وقع فيما هو أمرّ منه،و هو أنّه إحداث قول ممنوع منه؛ إذ الأقوال في المسألة التي وصلت إلينا من قدمائنا اثنان كما هو ظاهر العبارة و غيرها.

و لكن حكى هو في المختلف و ولده في الإيضاح و غيرهما عن ابن حمزة قولاً ثالثاً،و هو أنّه إن كان صادقاً قال:الكذب حرام،و لا أعود إلى مثل ما قلت،و أصلح،و إن كان كاذباً قال:كذبت فيما قلت (4).

ص:278


1- إيضاح الفوائد 4:424،التنقيح 4:294.
2- راجع ص 273،274.
3- راجع ص 274.
4- المختلف:717،إيضاح الفوائد 4:423 و انظر التنقيح 4:294،و المهذّب البارع 4:516 و هو في الوسيلة:231.

و هو و إن أشبه التفصيل الذي ذكراه،لكن يفترق عنه من وجه آخر، كما لا يخفى على من تدبّره،و لذا جعلاه قولاً آخر مقابلاً لما اختاراه.

و هذا القول و إن اشترك مع باقي الأقوال عدا المشهور في الضعف و القصور،إلّا أنّه أقرب إلى النصوص،و أبعد عن التعريض بالقذف اللازم من قول الفاضل و ولده.

و وجه ضعفه عدم صراحة قوله:و الكذب حرام.إلى آخر ما ذكره، في صورة الصدق في إكذاب نفسه،و إنّما غايته الظهور الضعيف القريب من الإشعار الغير المتبادر من إكذاب النفس الوارد في النصوص.

و بالجملة:فالمذهب ما عليه المشهور.

ثم إنّ ظاهر العبارة و نحوها من عبائر الجماعة كفاية التوبة بمجردها في قبول الشهادة،كما هو ظاهر إطلاق النصوص المتقدمة،و لكن الآية اشترطت الإصلاح بعد التوبة،و فسّره الأكثر بالاستمرار عليها و لو ساعة.

قال فخر الإسلام:و هذا المعنى متفق عليه،و إنّما الخلاف في الزائد عليه و هو إصلاح العمل،فقال ابن حمزة:يشترط مطلقاً،أي في الصادق و الكاذب.و لم يشترطه الشيخ-(رحمه اللّه) في النهاية مطلقاً.و قال في المبسوط:

يشترط في الكاذب لا الصادق.و هو اختيار ابن إدريس.احتجّ المصنف بأنّ الاستمرار على التوبة إصلاح و الأمر المطلق يكتفى فيه بالمسمى، و لم يشترط في الرواية المتقدمة،بل علّق قبول الشهادة على التوبة و إكذاب نفسه.و فيه نظر؛ لحمل المطلق على المقيد مع اتحاد القضية (1).انتهى.

و ظاهره الميل إلى قول ابن حمزة؛ لما ذكره من حمل مطلق الرواية

ص:279


1- إيضاح الفوائد 4:424.

على الآية المقيّدة.

و هو حسن،إلّا أنّ الإشكال في تعيين المراد من الإصلاح،هل هو إصلاح العمل،أو إصلاح الحال و النفس بمنعها عن ظهور ما ينافي العدالة؟ لكلٍّ وجه،فالتبادر للأوّل،و الإطلاق للثاني.و لعلّه أظهر؛ لأصالة الإطلاق مع الشك في التبادر المقيّد له ببعض الأفراد،و مع ذلك أشهر.

و ربما يشير إليه الخبر القريب من الصحيح الذي مرّ (1)في أوّل البحث المتضمن لقوله(عليه السّلام):« إذا تاب و لم يعلم منه إلّا خيراً جازت شهادته» فتدبّر.

هذا كله في التوبة عن القذف،و أمّا عن غيره فينبغي القطع بكفايتها عن إصلاح العمل؛ لعموم:« التوبة يجبّ ما قبلها» (2):« و التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (3).

مع اختصاص الآية (4)المشترطة للإصلاح بتوبة القاذف خاصّة.

نعم إن توقّفت على أداء حقوق اللّه تعالى أو الناس لزمه أداؤها تحصيلاً لها،و إلّا فلا توبة له جدّاً.

الخامسة ارتفاع التهمة

الخامسة: ارتفاع التهمة في الشهادة،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في المسالك (5)و غيره (6).و النصوص به مع ذلك مستفيضة كادت تبلغ التواتر،بل لعلّها متواترة،ففي الصحاح:عن الذي يردّ من الشهود،

ص:280


1- في ص 272.
2- الوسائل 16:71 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 86.
3- الكافي 2:10/435،الوسائل 16:74 أبواب جهاد النفس ب 86 ح 8.
4- النور:5.
5- المسالك 2:405.
6- انظر مجمع الفائدة 12:383،و المفاتيح 3:278.

قال:فقال:« الظنين و الخصم» كما في أحدها (1)،و بدّل الخصم بالمتهم في آخر منها (2)،و جمعت الثلاثة في ثالثها:قلت:فالفاسق و الخائن،فقال:

« كل هذا يدخل في الظنين» (3).

و في الموثق:عما يردّ من الشهود،فقال:« المريب،و الخصم، و الشريك،و دافع مغرم،و الأجير،و العبد،و التابع،و المتهم،كلّ هؤلاء تردّ شهادتهم» (4)و نحوها غيرها (5).

و ظاهر إطلاقها المنع عن قبول شهادة المتهم مطلقاً كائناً من كان، و هو خلاف ظاهر كثير من الروايات الواردة في قبول شهادة الرجل لزوجته و بالعكس (6)،و شهادته لابنه و لأخيه (7)،و كذا خلاف ظاهر الأصحاب فيما ذكروه من قبول شهادة الصديق لصديقه و الوارث لمورّثه و غير ذلك ممّا يتضمّن تهمة،فليست هذه الأخبار باقية على إطلاقها.

و على ذلك نبّه الشهيدان و غيرهما (8)،ففي الروضة:و لا يقدح مطلق التهمة،فإن شهادة الصديق لصديقه مقبولة،و الوارث لمورّثه بدين و إن كان

ص:281


1- الكافي 7:2/395،التهذيب 6:602/242،الوسائل 27:373 كتاب الشهادات ب 30 ح 2.
2- الكافي 7:1/395،التهذيب 6:601/242،الوسائل 27:373 كتاب الشهادات ب 30 ح 1.
3- الفقيه 3:66/25،الوسائل 27:374 كتاب الشهادات ب 30 ح 5.
4- التهذيب 6:599/242،الإستبصار 3:38/14،الوسائل 27:378 كتاب الشهادات ب 32 ح 3.
5- الوسائل 27:377 كتاب الشهادات ب 32.
6- الوسائل 27:366 كتاب الشهادات ب 25.
7- الوسائل 27:367 كتاب الشهادات ب 26.
8- الدروس 2:127،الروضة 3:132،مجمع الفائدة و البرهان 12:382،كشف اللثام 2:374.

مشرفاً على التلف ما لم يرثه قبل الحكم بها،و كذا شهادة رفقاء القافلة على اللصوص إذا لم يكونوا مأخوذين و يتعرضوا لذكر ما أُخذ لهم.انتهى.

و نحوه الدروس بزيادة دعوى الإجماع عليه،فقال:و ليس كل تهمة تدفع الشهادة بالإجماع،فإنّ شهادة الصديق لصديقه،إلى آخر ما في الروضة من الأمثلة بتغييرات في الجملة،منها ذكره الخلاف في المثال الثالث،فقال:قيل:لا يقبل،و القبول قوي،و ما هو إلّا كشهادة بعض غرماء المديون لبعض،و كما لو شهد الاثنين بوصية من تركة و شهد المشهود لهما للشاهدين بوصية منها أيضاً.

و زاد على الأمثلة فقال:و لا تردّ شهادة غرماء المديون له بمال قبل الحجر،و لا شهادة السيد لمكاتبه في أحد قولي الفاضل.انتهى.

و ظاهرهما سيّما الثاني من حيث تفريعه قبول شهادة المذكورين على دعوى الإجماع بعنوان التعليل كون قبول شهادتهم مجمعاً عليه غير ما أشار إلى الخلاف فيه،فلا إشكال فيه في محل الإجماع،استناداً في تقييد الأصل و إطلاق النصوص المتقدمة المانعة عن قبول الشهادة بالتهمة إليه.

و يشكل في غيره ينشأ من الاتفاق على كل من ردّها بها و قبولها معها،مع عدم وضوح الفرق بين المقامين،مع اشتراكهما في أصل التهمة، و لم يذكروا لها ضابطة يرجع إليها في تمييز المانع منها عن قبول الشهادة و المجامع منها معه.

و لكن التحقيق في المسألة يقتضي الرجوع إلى إطلاق الأخبار المتقدمة؛ نظراً إلى أنّها بالإضافة إلى ما دلّ على قبول شهادة العدل عموماً أو إطلاقاً،إمّا خاصّة فيقيد بها،أو عامّة فيصير التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه.و حيث لا مرجّح لأحدهما على الآخر من إجماع

ص:282

أو غيره ينبغي الرجوع إلى حكم الأُصول،و هو هنا عدم القبول مطلقاً.

إلّا أن يتردّد في التهمة في بعض الأفراد أنّها هل هي تهمة،أو داخلة في إطلاق التهمة في النصوص المانعة عن قبول الشهادة معها؟كما سيأتي من شهادة الوصي و الوكيل فيما لهما الولاية فيه مع عدم نفع لهما إلّا خصوص التصرف فيه،فإنّ قبول الشهادة في مثله أوفق بالأصل من حيث العموم الدال عليه على الإطلاق،مع سلامته عن معارضة عموم الأخبار؛ لما عرفت من التأمّل،إمّا في أصل حصول التهمة،أو دخولها في إطلاق التهمة المذكورة فيها.

و إلى ما ذكرناه يشير كلام الفاضل الأردبيلي-(رحمه اللّه) في مسألة شهادة الوصي و الوكيل،حيث قال بعد نقل عدم قبول شهادتهما عن أكثر الأصحاب-:و فيهما تأمّل؛ إذ لا نص فيهما بخصوصهما،و العقل لا يدرك التهمة فيهما،بل الولاية في مثل ذلك ضرر و تعب،إلّا أن يكون يجعل بحسب مقدار المال،فتأمّل ،و لا إجماع؛ إذ نقل عن ابن الجنيد عدم ردّ شهادتهما فيما ذكر،و عموم أدلة قبول الشهادة يدل على القبول،و العدالة تمنع،بل ظاهر حال المسلم يمنع شهادة الزور،بل من التهمة الممنوعة و وجوب الحمل على الصحة.و يؤيّده مكاتبة الصفار الصحيحة قال:كتبت إلى أبي محمد(عليه السّلام):هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟فوقّع(عليه السّلام):«إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعى اليمين» (1)الحديث (2).انتهى.

ص:283


1- الكافي 7:3/394،الفقيه 3:147/43،التهذيب 6:626/247،الوسائل 27:371 كتاب الشهادات ب 28 ح 1.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:385.

و قريب منه الشهيد في الدروس،حيث قال:و لو شهد الوصي بمال لليتيم فالمشهور الردّ،و قال ابن الجنيد:تقبل.و دفع بأنّ الوصي متهم بالولاية على المال.و في تأثير هذه التهمة نظر،و خصوصاً في مال لا اجرة له على حفظه أو إصلاحه (1).انتهى.

و هو في غاية الجودة و المتانة.و عليك بمراعاة هذه القاعدة فإنّها تنفعك في مواضع.

إذا عرفتها ف اعلم أنّه لا تقبل شهادة الجارّ أي الذي يجرّ نفعاً كالشريك إذا شهد لشريكه فيما هو شريك فيه بحيث تقتضي الشهادة المشاركة له فيه.

و الوصي فيما له فيه ولاية و كذا الوكيل،على إشكال في الأخيرين،كما عرفته هنا و في أواخر كتاب الوصية أيضاً،إلّا أنّ الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً كما هو ظاهر جماعة (2)ربما توجب المصير إلى ما هنا من المنع،و لذا صار إليه أكثر من تأمّل فيه بما ذكرنا، و منهم الشهيد المتقدم ذكره فقد أفتى به في اللمعة (3)،و كذا في الدروس بعد تنظّره السابق،فقال بعده:فلنذكر أسباب التهمة المعتبرة،فمنها ما يجرّ بشهادته نفعاً،كالشريك إلى أن قال-:و الوصيّ في متعلق وصيته، و غرماء المفلّس و الميّت،و السيّد لعبده.و منها أن يدفع ضرراً،كشهادة العاقلة بجرح شهود جناية الخطإ،و شهادة الوكيل و الوصي بجرح الشهود على الموكّل و الموصي،إلى آخر ما ذكره.

ص:284


1- الدروس 2:128.
2- انظر المسالك 2:405،و الكفاية:281.
3- اللمعة(الروضة البهية 3):131.

و ينبغي القطع به إذا تضمّن شهادتهما احتمال جرّ نفع لهما بأن عيّن لهما اجرةً على التصرف في المشهود عليه.

و أمّا الحكم في الأوّل فلا خلاف و لا إشكال فيه؛ لما مرّ،مضافاً إلى المرسل كالموثق بأبان المجمع على تصحيح ما يصح عنه (1)،مع أنّه في الفقيه مروي من غير إرسال:عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه،قال:

« تجوز شهادته إلّا في شيء له فيه نصيب» (2).

و أمّا الخبر:عن ثلاثة شركاء ادعى واحد و شهد الاثنان،قال:

« يجوز» (3)فمع قصوره سنداً و مكافأةً لما مضى من وجوه شتى،يحتمل الحمل على القبول فيما ليس لهما شركة فيه أصلاً،و إلّا فطرحه متعين جدّاً،مع أنّه مرويّ بطريق آخر موثق كالصحيح (4)كما مرّ،إلّا أنّه بدّل فيه « يجوز» ب« لا يجوز شهادتهما» و يحتمل سقوط الزيادة في الرواية الأُولى.

و لا تقبل شهادة ذي العداوة الدنيوية على عدوّه،و تقبل له و لغيره،و عليه إذا كانت لا تتضمن فسقاً،بلا خلاف فيهما،بل عليهما الإجماع في شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (5)-(رحمه اللّه) و ظاهر المسالك (6)،لكن في الأوّل خاصّة.هذا.

ص:285


1- رجال الكشي 2:673.
2- الفقيه 3:78/27،التهذيب 6:623/246،الإستبصار 3:40/15،الوسائل 27:370 كتاب الشهادات ب 27 ح 3.
3- التهذيب 6:622/246،الإستبصار 3:39/15،الوسائل 27:370 كتاب الشهادات ب 27 ح 4.
4- الكافي 7:1/394،الوسائل 27:369 كتاب الشهادات ب 27 ح 1.
5- مجمع الفائدة و البرهان 12:389.
6- المسالك 2:405.

مضافاً في الأوّل إلى القوي:« لا تقبل شهادة ذي شحناء أو ذي مخزية في الدين» (1).

و نحوه عن معاني الأخبار:« لا تجوز شهادة خائن و لا خائنة و لا ذي غمز على أخيه،و لا ظنين في ولاء،لا قرابة،و لا القانع مع أهل البيت» (2).

قال الصدوق-(رحمه اللّه)-:الغمز:الشحناء و العداوة.و الظنين:المتهم في دينه.و الظنين في الولاء و القرابة:الذي يتهم بالدعاء إلى غير أبيه و المتولي غير مواليه.و القانع مع أهل البيت:الرجل يكون مع قوم في حاشيتهم، كالخادم لهم و التابع و الأجير و نحوه (3).هذا.

مع أنّ العداوة المزبورة من أسباب التهمة بلا خلاف و لا شبهة؛ لصدق التهمة على مثلها في اللغة و العرف و العادة،فيدخل صاحبها في إطلاق النصوص المتقدمة المانعة عن قبول شهادة ذي التهمة،مع وقوع التصريح في جملة منها بردّ شهادة الخصم الصادق على العدوّ حقيقةً،مع كونه معناه مطابقةً.

و في الثاني إلى عمومات قبول شهادة العدل من الكتاب و السنّة،مع سلامتها عن معارضة الأخبار المزبورة؛ لعدم شمول ما دلّ منها على ردّ شهادة المتهم لمفروض المسألة؛ لعدم تهمة فيها بلا شبهة،و اختصاص إطلاق ما دل منها بردّ شهادة الخصم بحكم التبادر و الغلبة بشهادته على عدوّه لا له،فلا إشكال في المسألة.

نعم يشكل فرض حصول العدالة مع تلك العداوة بعد الاتفاق فتوًى

ص:286


1- الفقيه 3:73/27،الوسائل 27:378 كتاب الشهادات ب 32 ح 5.
2- معاني الأخبار:3/208،الوسائل 27:379 كتاب الشهادات ب 32 ح 8.
3- معاني الأخبار:209.

و رواية على أنّ عداوة المؤمن و بغضه لا لأمر ديني معصية،فكيف يجامع قبول الشهادة؟!.

و قد تفطن لهذا الإشكال شيخنا الشهيد الثاني فقال:و لا يخفى أنّ الفرح بمساءة المؤمن و الحزن بمسرّته معصية،فإن كان العداوة من هذه الجهة و أصرّ على ذلك فهو فسق،و ظهور الفسق مع التقاذف أوضح، فالجمع بين العداوة و قبول الشهادة لا يخلو عن إشكال (1).انتهى.

و تبعه جماعة (2)،و لكن دفعوه تارةً بحمل العداوة على عداوة غير المؤمن،و أُخرى بأنّ عداوة المؤمن حرام إذا كان بغير موجب لا مطلقاً، و ثالثةً بعدّ عداوته من الصغائر مع تفسير الإصرار عليها بالإكثار منها، لا الاستمرار على واحدة مخصوصة.و بهذا صرّح شيخنا في المسالك في دفع الإشكال،فقال بعد ما مرّ:إلّا أن يفسّر الإصرار بالإكثار من الصغائر، لا بالاستمرار على واحدة مخصوصة (3).

و ظاهر عبارته هذه و ما ذكره في وجه الإشكال جزمه بكون عداوة المؤمن من الصغائر لا الكبائر.

و فيه إشكال؛ فإنّ العدوّ كما فسّره الأصحاب هنا، و دلّ عليه العرف و اللغة أيضاً هو الذي يسرّ و يفرح بالمساءة و المكروهات الواردة على صاحبه و يساء و يغتمّ بالمسرّة و النعم الحاصلة له.

و زاد جملة و منهم هو في الكتاب المتقدم أن يبلغ حدّا يتمنّى زوال نعمه،و هو حينئذ عين المبغض و الحاسد،كما يستفاد من تعريفه لهما في

ص:287


1- المسالك 2:405.
2- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:390 و السبزواري في الكفاية:282.
3- المسالك 2:405.

الكتاب المزبور،حيث قال بعد قول الماتن:و الحسد معصية،و كذا بغضة المؤمن،و التظاهر بذلك قادح في العدالة ما لفظه:و المراد بالحسد كراهة النعمة على المحسود و تمنّي زوالها عنه،سواء وصلت إلى الحاسد أم لا.

و بغضته كراهته و استثقاله لا بسبب ديني (1)،إلى آخر ما ذكره.

فالعداوة على هذا من الكبائر بناءً على كونهما منها،كما يستفاد من النصوص الواردة في ذمّهما على الظاهر،المصرّح به في كلام المولى الأردبيلي-(رحمه اللّه) و زاد فقال:بل كاد أن يكون كفراً (2).

و بكونهما كبيرةً صرّح شيخنا أيضاً،فقال في شرح كلام الماتن المتقدم:لا خلاف في تحريم هذين الأمرين،و التهديد عليهما في الأخبار مستفيض،و هما من الكبائر فيقدحان في العدالة (3).انتهى المقصود من كلامه هنا.

و حينئذ فكيف يتأتّى له الجزم بكون العداوة المزبورة من الصغائر مع تصريحه كما عرفت بكونها من الكبائر.

و منه يظهر الوجه في التأمّل في التوجيه الثالث،نعم الأوّلان لا يخلوان عن حسن،لكن مع تأمّل ما.

و احترز بالدنيوية عن الدينية،كأن يبغضه لكفره أو لفسقه،فإنّها غير مانعة مطلقاً إجماعاً؛ لما مرّ من قبول شهادة المؤمن على أهل الأديان،دون العكس مطلقاً،إلّا في الوصية خاصّة كما عرفته.

و حيث منعت العداوة عن قبول الشهادة فلو اختصّت بأحد الجانبين

ص:288


1- المسالك 2:404.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:343.
3- المسالك 2:404.

اختصّ بالقبول الخالي منها،و إلّا لملك كل غريم ردّ شهادة العدل عليه بأن يقذفه و يخاصمه.

و النسب و القرابة لا يمنع القبول للشهادة،فتقبل من الأب لولده و عليه،و من الولد لوالده،و الأخ لأخيه و عليه؛ بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في صريح الانتصار و الغنية،و ظاهر المسالك (1)و غيره (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى العمومات،و خصوص الآية الآتية،و المعتبرة المستفيضة (3)و فيها الصحاح و الموثقان:عن شهادة الوالد لولده و الولد لوالده و الأخ لأخيه،قال:« تجوز».

و ليس في ظاهر إطلاقها كباقي الأدلّة من العمومات و الإجماعات المحكية اشتراط ضميمة،أي ضمّ عدل آخر أجنبي.

خلافاً للنهاية فاعتبرها (4).

و حجّته غير واضحة عدا ما في رواية:« إنّ شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضياً و معه شاهد آخر» (5).

و هي مع قصور سندها و أخصيتها من المدعى غير مكافئة لما مرّ من الأدلّة من وجوه شتى،فلا تصلح لتقييدها،سيّما مع إمكان التأمّل في دلالتها.

و في قبول شهادة الولد على أبيه خلاف بين الأصحاب أظهره

ص:289


1- الانتصار:244،الغنية(الجوامع الفقهية):624،المسالك 2:405.
2- الكفاية:282،كشف اللثام 2:375.
3- الوسائل 27:367 كتاب الشهادات ب 26.
4- النهاية:330.
5- التهذيب 6:790/286،الوسائل 27:368 كتاب الشهادات ب 26 ح 5.

عند الماتن هنا و في الشرائع،و الفاضل في كتبه إلّا ما يأتي،و الشهيد في النكت،و غيرهم من المتأخرين (1) المنع وفاقاً منهم لأكثر القدماء كالصدوقين و الشيخين و القاضي و ابن حمزة و الحلّي (2).

و بشهرته صرّح جماعة (3)حدّ الاستفاضة،بل عليه عن الخلاف، و السيد في الموصليات،و في السرائر و الغنية (4)إجماع الإمامية،إلّا أنّ الأخير جعل المجمع عليه التفصيل بين حياة الوالد فالمنع،و موته فالقبول.

و هو و إن كان غير مذكور هنا في عبارات الأصحاب المانعين مطلقاً أو في الجملة،إلّا أنّ المتبادر من إطلاق عبائرهم في المنع صورة حياة الأب دون موته،مع أنّهم صرّحوا بذلك في بحث أنّ شروط الشهادة معتبرة حالة الأداء دون التحمل،و منهم شيخنا في المسالك في ذلك البحث و في بحث قبول شهادة العبد على مولاه لو أعتق،فقال:و كذا أي قبلت الشهادة لو شهد الولد على والده ثم مات الأب فأقامها بعده (5).و لم ينقل هو و لا غيره فيه خلافاً.

ص:290


1- الشرائع 4:130،القواعد 2:237،التبصرة:190،غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضويّة،الورقة:268،كشف الرموز 2:519،الإيضاح 4:427.
2- الصدوق في المقنع:133،و حكاه عن والده في المختلف:720،المفيد في المقنعة:726،الطوسي في النهاية:330،القاضي في المهذّب 2:558،ابن حمزة في الوسيلة:231،الحلّي في السرائر 2:134.
3- منهم العلّامة في التحرير 2:209،و الشهيد الثاني في المسالك 2:405،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:405،و انظر الكفاية:282،و كشف اللثام 2:375.
4- الخلاف 6:296 298،الموصليّات(رسائل المرتضى 1):246،السرائر 2:134،الغنية(الجوامع الفقهية):624.
5- المسالك 2:408.

و الأصل في المنع هنا بعده المرسلة التي هي في الفقيه مروية،قال بعد نقل بعض الأخبار المتقدمة-:و في خبر آخر أنّه لا تقبل شهادة الولد على والده (1).

و الضعف بالإرسال مجبور بعمل الأصحاب،و بما يظهر من الانتصار من كونها رواها الأصحاب،حيث قال:و مما انفردت به الإمامية القول بجواز شهادة ذوي الأرحام و القرابات بعضهم لبعض إذا كانوا عدولاً من غير استثناء لأحد إلّا ما يذهب إليه بعض أصحابنا معتمداً على خبر يروونه من أنّه لا تجوز شهادة الولد على الوالد و إن جازت شهادته له (2).انتهى.

و ظاهر أصحابنا المتأخرين عدم الظفر بهذه الرواية حيث لم يستدلوا على المنع بها،بل بما مرّ من الإجماع،و بقوله تعالى وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً [1] (3)قالوا:و ليس من المعروف الشهادة عليه،و الردّ لقوله و إظهار تكذيبه،فيكون ارتكاب ذلك عقوقاً مانعاً من قبول الشهادة (4).

و لا يخفى عليك ضعف هذه الحجة الأخيرة؛ فإنّ قول الحق و ردّه عن الباطل و تخليص ذمّته من الحق عين المعروف،كما نبّه عليه في النبوي:

«انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» فقيل:يا رسول اللّه!كيف أنصره ظالماً؟قال:

«تردّه عن ظلمه فذاك نصرك إيّاه» (5).

و لأنّ إطلاق النهي عن عصيان الوالد يستلزم وجوب إطاعته عند أمره

ص:291


1- الفقيه 3:71/26،الوسائل 27:369 كتاب الشهادات ب 26 ح 6.
2- الانتصار:244.
3- لقمان:15.
4- منهم العلّامة في المختلف:720،و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:427،و ابن فهد في المهذّب البارع 4:520.
5- مسند أحمد 3:99.

له بارتكاب الفواحش و ترك الواجبات،و هو معلوم البطلان.

و لأنّ ذلك لو تمّ لاقتضى منع قبول شهادته على الوالدة؛ للنهي عن معصيتها أيضاً،و لم يقولوا به.هذا.

و لو سلّم فغايته إفادة المنع لو استلزم الشهادة عقوقاً،بأنّ يواجه الأب بالشهادة عليه و نحو ذلك فيسخطه عليه،و هذا لا يستلزم المنع مطلقاً و لو لم يستلزمه،بأن شهد عليه عند الحاكم سرّاً بحيث لا يطّلع عليه أحد يخبر أباه بذلك،فتأمّل جدّاً .

و مع ذلك فالآية المزبورة معارضة بآية أُخرى هي على الجواز أنصّ و أظهر منه دلالةً،و هي قوله تعالى كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ [1] (1).

و أمّا الجواب عنها بأنّ الأمر بالإقامة لا يستلزم القبول ف مع أنّه لا يجامع الاستدلال بالآية المتقدمة على المنع عن إقامة الشهادة يضعّف بأنّه لولا القبول لزم العبث في إقامتها،و بأنّه معطوف على القبول و هو الشهادة على نفسه،و معطوف عليه القبول و هو الشهادة على الأقربين،فلو كان غير مقبول لزم عدم انتظام الكلام،و هو محال.هذا.

مع أنّ الأمر بالإقامة يستلزم القبول بالإضافة إلى الوالدة بلا خلاف أجده،فيجب أن يستلزم بالإضافة إلى الوالد أيضاً؛ لأنّهما ذكرا في كلمة واحدة.

و مع ذلك فسياق الآية زيادةً على ما مرّ إليه الإشارة كالصريح في أنّ المقصود من الأمر بالإقامة قبول الشهادة لا غيرها من نحو تذكير

ص:292


1- النساء:135.

المشهود عليه على الحق و تنبيهه عليه.

و بالجملة:لا ريب في دلالة الآية على قبول الشهادة،و بموجب ذلك يشكل القول بالمنع في المسألة،سيّما مع ورود نصوص كثيرة بمقتضى الآية،و قصور الأسانيد منجبر بالموافقة لها بلا شبهة.

و لهذا جنح إلى القول بالقبول جماعة كأبي العباس في المقتصر، و الشهيدين في الدروس و المسالك،و الفاضل المقداد في شرح الكتاب، و الصيمري و المقدس الأردبيلي (1)-(رحمهم اللّه) و غيرهم من متأخّري المتأخّرين، لكنهم لم يجتروا على مخالفة الأصحاب صريحاً و لا ظاهراً عدا الشهيد في الدروس (2)،فقد قوى فيه القبول،و من عداه اقتصر على تشييد أدلّته و منع أدلّة المنع،مؤذنين بنوع تردد لهم فيه كالفاضل في التحرير (3)؛ حيث نسب القول بالمنع إلى الأشهر و اقتصر عليه.

و وجه التردد واضح من:صريح الآية و النصوص بالقبول،و من الإجماعات المحكيّة على المنع،المعتضدة بالمرسلة و الشهرة العظيمة التي لا تكاد توجد لها من القدماء مخالف،عدا المرتضى خاصّة فيما حكاه عنه الحلّي (4)و جماعة (5)،و عبارته المتقدمة (6)غير صريحة في المخالفة،بل

ص:293


1- المقتصر:388،الدروس 2:132،المسالك 2:405،التنقيح الرائع 4:295،غاية المرام 4:281،مجمع الفائدة و البرهان 12:405.
2- الدروس 2:132.
3- التحرير 2:209.
4- السرائر 2:134.
5- منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز 2:519،و فخر المحققين في الإيضاح 4:427،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:295.
6- راجع ص 290.

و لا ظاهرة كما اعترف به جماعة،سيّما مع نقله الإجماع على المنع كما عرفته.

نعم حكاه الفاضل المقداد في كنز العرفان (1)عن الإسكافي أيضاً، و لكنه خلاف المحكي عنه في المختلف و المسالك و غيرهما (2)من أنّه و العماني لم يتعرّضا للحكم هنا بنفي و لا إثبات،فتأمّل جدّاً.

و بالجملة:المسألة عند العبد محل توقف و إشكال،و لكن مقتضاهما الرجوع إلى ما عليه المشهور من المنع و عدم القبول؛ لمخالفته الأُصول،مع عدم وضوح مخصّص لها يطمئن إليه يدلّ على القبول،فتأمّل .

و كذا تقبل شهادة الزوج لزوجته و عليها،و شهادتها له و عليه؛ لعين ما مرّ من الأدلة على القبول في المسألة السابقة عدا نصوصها،و لكن بمعناها هنا كثير من المعتبرة:

ففي الصحيح:عن الرجل يشهد لامرأته،قال:« إذا كان خيراً جازت شهادته لامرأته» (3).

و في آخر:« تجوز شهادة الرجل لامرأته و المرأة لزوجها إذا كان معها غيرها» (4).

و نحوه الموثق:عن شهادة الرجل لامرأته؟قال:« نعم» و المرأة

ص:294


1- كنز العرفان 2:386.
2- المختلف:720،المسالك 2:405،و انظر المفاتيح 3:280.
3- الكافي 7:2/393،التهذيب 6:628/247،الوسائل 27:366 كتاب الشهادات ب 25 ح 2.
4- الكافي 7:1/392،التهذيب 6:627/247،الوسائل 27:366 كتاب الشهادات ب 25 ح 1.

لزوجها؟قال:« لا،إلّا أن يكون معها غيرها» (1).

و شرط بعض الأصحاب و هو الشيخ في النهاية،و القاضي و ابن حمزة (2)في قبول شهادة الزوج انضمام غيره من أهل الشهادة إليه.

و كذا شرطه في قبول شهادة الزوجة أيضاً،استناداً إلى الروايتين الأخيرتين،و هما كما ترى واردتان في الزوجة خاصّة و ربما صحّ فيها الاشتراط دونه؛ لافتراقهما بقوّة مزاجه و شداد عقله بخلافها.

مع أنّ ظاهر سياق الموثقة بل صريحها عدم الاشتراط في الزوج و اختصاصه بالزوجة،فالاشتراط فيه لا وجه له،بل لا يبعد القول بعدم الاشتراط فيها أيضاً،كما عليه المتأخرون (3)كافّةً،وفاقاً لظاهر كثير من القدماء،كالمفيد،و الشيخ في المبسوط و الخلاف،و العماني،و الحلبي، و الحلّي (4)،و بالجملة المشهور،كما في شرح الشرائع للصيمري (5).

و به يظهر ما في التحرير من نسبة الاشتراط فيهما إلى الأصحاب كافّةً،و في الزوج خاصّة إلى جماعة (6).

و كيف كان،فالقول بالقبول مطلقاً في غاية القوّة؛ لعدم صلوح الروايتين المشترطتين للضميمة لتخصيص العمومات المتقدمة،لا سنداً،بل

ص:295


1- التهذيب 6:629/247،الوسائل 27:367 كتاب الشهادات ب 25 ح 3.
2- النهاية:330،المهذب 2:557،الوسيلة:231.
3- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:297،و الشهيد الثاني في المسالك 2:406،و السبزواري في الكفاية:282.
4- المقنعة:726،المبسوط 8:220،الخلاف 2:624،حكاه عن العماني في المختلف:720،الكافي في الفقه:436،السرائر 2:134.
5- غاية المرام 4:282.
6- التحرير 2:209.

و لا عدداً و لا دلالةً؛ من حيث قوّة احتمال ورود الشرط فيهما مورد الغالب، فلا عبرة بمفهومه مطلقاً،كما صرّح به جماعة من أصحابنا،و منهم شيخنا الشهيد الثاني،فقال في الذبّ عنهما:و وجه التقييد في الرواية أنّ المرأة لا يثبت بها الحق منفردةً و لا منضمّةً إلى اليمين،بل يشترط أن يكون معها غيرها،إلّا ما استثني نادراً و هو الوصية،بخلاف الزوج؛ فإنّه يثبت بشهادته الحق مع اليمين،و الرواية باشتراط الضميمة معها مبنيّة على الغالب في الحقوق،و هي ما عدا الوصية (1).انتهى.

و هو أحسن مما أجاب به الفاضل عنهما في المختلف من أنّ المراد بذلك كمال البيّنة من غير يمين (2)؛ لأنّ ما ذكره لو كان المراد لما كان له بالزوجة اختصاص،بل ينبغي طرد الشرط فيهما،مع أنّ الروايتين خصّتاه بالزوجة،بل ظاهر الثانية كما عرفته تخصيصه بها دونه.

و اعلم أنّ هذين الجوابين ينسحبان أيضاً في كلام الشيخ في النهاية و من حذا حذوه (3)،و لأجله يرتفع الخلاف في المسألة،و لذا لم يقطع في التحرير (4)بمخالفة هؤلاء الجماعة.

و على تقديرها كما هو ظاهر الجماعة فمظهر الثمرة في الزوج ما لو شهد فيما تقبل شهادة الواحد مع اليمين،و في الزوجة ما لو شهدت له في الوصية،فتقبل الشهادة في المقامين على المختار،و لا على غيره.

قيل:و عليه يكفي انضمام امرأة أُخرى فيما يكتفى فيه بشهادة

ص:296


1- المسالك 2:406.
2- المختلف:720.
3- راجع ص 294.
4- التحرير 2:209.

المرأتين،كنصف الوصية،و المال الذي يكتفى فيه بهما مع اليمين (1).

و هو حسن؛ لإطلاق الغير المشترط انضمامه في الخبرين فيشمل الرجل و غيره.

و الصحبة و إن كانت مؤكّدة لا تمنع القبول للشهادة،فتقبل من أحد المتصاحبين و الصديقين كالضيف بالنسبة إلى مضيفه و الأجير بالنسبة إلى مستأجره،بلا خلاف في الأوّل،كما في المسالك و الكفاية (2)و غيرهما (3)؛ لما يأتي.

و كذا في الثاني على الأشبه الأشهر بين عامّة من تأخّر،وفاقاً منهم للحلّي (4).و في عبارة المسالك (5)و غيره (6)إشعار باتفاقهم عليه؛ لعموم الأدلّة المتناولة،و ارتفاع ريبة التهمة بواسطة التقوى و العدالة كما في المسائل السابقة.

مضافاً إلى ظاهر الموثقة:« لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً،و يكره شهادة الأجير لصاحبه،و لا بأس بشهادته لغيره،و لا بأس بها له بعد مفارقته» (7).

بناءً إمّا على ثبوت الحقيقة الاصطلاحية المتضمنة للإباحة للفظ

ص:297


1- قاله السبزواري في الكفاية:283.
2- المسالك 2:406،الكفاية:283.
3- انظر المفاتيح 3:280.
4- السرائر 2:123.
5- المسالك 2:406.
6- انظر الكفاية:283.
7- الفقيه 3:77/27،التهذيب 6:676/258،الإستبصار 3:64/21،الوسائل 27:372 كتاب الشهادات ب 29 ح 3.

الكراهة في تلك الأزمنة،أو عدم تأدية المنع بمثل تلك العبارة الغير الظاهرة فيه بلا شبهة.

خلافاً لأكثر المتقدمين كالشيخ في النهاية،و الصدوقين و الحلبي و القاضي و ابن حمزة و زهرة (1)،فاختاروا المنع؛ للنصوص المستفيضة، و هي ما بين صريحة في ذلك و ظاهرة.

فمن الأوّل الموثق:عما يردّ من الشهود،فقال:« المريب،و الخصم، و الشريك،و دافع مغرم،و الأجير،و العبد،و التابع،و المتهم،كلّ هؤلاء تردّ شهادتهم» (2).

و نحوه المرسل في الفقيه،لكن من دون ذكر العبد و إبداله بشارب الخمر،و اللاعب بالشطرنج و النرد،و المقامر (3).

و الخبر:« كان أمير المؤمنين(عليه السّلام)لا يجيز شهادة الأجير» (4).

و النبوي المروي عن معاني الأخبار،قال:قال:« لا تجوز شهادة خائن» إلى أن قال:« و لا القانع مع أهل البيت» (5)و هو كما قال الصدوق الرجل يكون مع قوم في حاشيتهم كالخادم لهم و التابع و الأجير.

و من الثاني الصحيح:عن رجلٍ أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه،

ص:298


1- النهاية:325،الصدوق في المقنع:133 و حكاه عن والده في المختلف:718،الحلبي في الكافي في الفقه:436،القاضي في المهذب 2:558،ابن حمزة في الوسيلة:230،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625.
2- التهذيب 6:599/242،الإستبصار 3:38/14،الوسائل 27:378 كتاب الشهادات ب 32 ح 3.
3- الفقيه 3:67/25،الوسائل 27:379 كتاب الشهادات ب 32 ح 7.
4- الكافي 7:4/394،التهذيب 6:624/246،الإستبصار 3:62/21،الوسائل 27:372 كتاب الشهادات ب 29 ح 2.
5- معاني الأخبار:208،الوسائل 27:379 كتاب الشهادات ب 32 ح 8.

أ تجوز شهادته له بعد أن يفارقه؟قال:« نعم،و كذلك العبد إذا أُعتق جازت شهادته» (1).

و وجه الظهور من التقرير و التشبيه.

و هذا القول في غاية القوّة لولا إطباق المتأخرين على خلافه لاعتبار جملة من نصوصه بالصحة و الموثقية،و انجبار الباقي بالشهرة القديمة و الموافقة لفتوى من لا يرى العمل بأخبار الآحاد إلّا بعد احتفافها بالقرائن القطعية و هو ابن زهرة (2)،و ربما أشعر سياق عباراته بكون المنع مجمعاً عليه بين الطائفة.

و مع ذلك سليمة عما يصلح للمعارضة عدا العمومات،و هي بها مخصّصة؛ و الرواية المتقدمة،و دلالتها على الجواز غير صريحة،بل و لا ظاهرة،من حيث منع ثبوت الحقيقة العرفية للفظ الكراهة في تلك الأزمنة،و منع عدم تأدية المنع بمثلها بعد وقوع التأدية به عنه في النصوص كثيراً.

مع أنّ الظاهر أنّ المراد منها هنا الحرمة؛ إذ لو قبل الشهادة لزم أداؤها،فلا معنى للكراهة،و بهذا صرّح من متأخري المتأخرين جماعة (3)، حيث اعترضوا على من حمل الأخبار المانعة على الكراهة بأنّها بعيدة؛ إذ الشهادة لو كانت مقبولة ينبغي وجوبها عيناً مع عدم الغير،و إلّا كفايةً،فتأمّل جدّاً .

ص:299


1- التهذيب 6:674/257،الإستبصار 3:63/21،الوسائل 27:371 كتاب الشهادات ب 29 ح 1.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):625.
3- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:409،و السبزواري في الكفاية:283.

قال خالي العلّامة بعد أن ذكر أنّ المشهور بين المتأخرين القبول-:

فمنهم من قدح في طريق هذه الروايات،و منهم من حملها على الكراهة، لظاهر خبر أبي بصير (1)،و لعل مرادهم كراهة الإشهاد،و إلّا فلا معنى له، و منهم من حملها على ما إذا كان متّهماً بجلب نفع أو دفع ضرر،كما لو شهد لمن استأجره لقصارة الثوب أو خياطته (2).

أقول:و في جميع هذه الأجوبة نظر:أوّلاً بعدم باعث عليها كما مر، و ثانياً بعدم قدح في طريق جميع الروايات؛ لوجود الصحيح فيها و الموثق كما عرفت،و لو سلّم فبما مرّ منجبر،فلا وجه للجواب الأوّل،و كذا الثاني؛ لما مرّ.

مضافاً إلى منافاته سياق كثير من تلك النصوص المعدود فيها كثير ممن يمنع شهادته منع تحريم،فينبغي أن تكون في الأجير كذلك؛ لئلّا يختلّ نظام الكلام،و لا يلزم استعمال لفظ واحد في معنييه الحقيقي و المجازي،فتدبّر.

و جعل متعلق الكراهة الإشهاد كما ذكره الخال-(رحمه اللّه) لا يجامع الاستشهاد عليها برواية أبي بصير؛ لأنّ متعلقها فيها شهادة الأجير لا إشهاده، فتأمّل .

و أمّا الثالث:فبعد تسليمه لا يجري في أكثر المستفيضة؛ لتضمنه المنع عن قبول شهادة المتهم و المريب على حدة،فلا وجه لذكر منع شهادة الأجير قبله أو بعده.

ص:300


1- المتقدم في ص 296.
2- مرآة العقول 24:247.

و بالجملة:المسألة عند العبد محل توقف،كما هو ظاهر الدروس (1)حيث نقل فيه الخلاف في المسألة مقتصراً عليه من دون ترجيح،و هو حسن،إلّا أنّ مقتضى الأُصول حينئذ عدم القبول،كما مرّ نظيره.

و لا تقبل شهادة السائل بكفّه أي من يباشر السؤال و الأخذ بنفسه، عند الأكثر كما في الكفاية (2)،بل المشهور كما في المسالك و الدروس (3)و عن المحقق الثاني (4)،بل لا خلاف في المنع في الجملة و إن اختلفوا في إطلاقه،كما هو ظاهر المتن و عن الشيخ و القاضي (5)،و في المختلف (6)، أو تقييده بما إذا اتخذه صنعة و حرفة،دون ما إذا سأل نادراً للضرورة،كما عن الحلّي (7)،و في الشرائع و السرائر و الإرشاد و التنقيح و الدروس و المسالك (8)،و غير ذلك من كتب الأصحاب (9)،و لعلّه المشهور بين المتأخرين.

و الأصل في المنع في الجملة بعد عدم ظهور الخلاف فيه بين الطائفة المعتبران:

أحدهما الصحيح:عن السائل الذي يسأل بكفّه هل تقبل شهادته؟

ص:301


1- الدروس 2:131.
2- الكفاية:283.
3- المسالك 2:406،الدروس 2:131.
4- لم نعثر عليه،و لا على من نقله عنه.
5- النهاية:426،المهذب 2:558.
6- المختلف:718.
7- السرائر 2:122.
8- الشرائع 4:130،التحرير 2:210،الإرشاد 2:158،التنقيح 4:299،الدروس 2:132،المسالك 2:406.
9- انظر مجمع الفائدة و البرهان 12:403.

فقال:« كان أبي(عليه السّلام)لا يقبل شهادته إذا سأل في كفّه» (1).

و الثاني الموثق:« ردّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)شهادة السائل الذي يسأل في كفّه لأنّه لا يؤمن على الشهادة،و ذلك لأنّه إذا اعطي رضي و إن منع سخط» (2).

و في هذا التعليل و تعليل الماتن و غيره الحكم بقوله: لما يتصف به من مهانة النفس و دناءته فلا يؤمن من خدعه في شهادته إيماء إلى تهمته و عدم حرمة السؤال،و إلّا لعلّل بحرمته الموجبة لفسق فاعله بمجرده،أو بالإصرار عليه و استمراره.

و فيه نظر؛ فإنّ عدم التعليل بالحرمة لا يستلزم الإباحة،فقد يكون وجهه لزوم حمل أفعال المسلمين و أقوالهم على الصحة،بناءً على عدم اتصاف كل سؤال بالحرمة،بل الذي لا تدعو إليه حاجة و لا ضرورة محرّم خاصّة،و حينئذ فكيف ينسب السائل إلى فعل محرم بمجرد سؤاله الذي هو من الحرام أعم.

و لنعد إلى حكم أصل المنع عن قبول الشهادة هل هو على إطلاقه، أو مشروط باتخاذه السؤال صنعةً و حرفة و الإصرار عليه و استمراره؟إطلاق الخبرين يقتضي الأوّل،و عدم انصرافهما بحكم التبادر و الغلبة إلّا إلى الثاني يقتضيه،و لعله أظهر،سيّما مع كونه بين المتأخرين أشهر.

و في قبول شهادة المملوك روايتان،أشهرهما كما حكاه

ص:302


1- الكافي 7:14/397،التهذيب 6:609/244،الوسائل 27:382 كتاب الشهادات ب 35 ح 1.
2- الكافي 7:13/396،التهذيب 6:608/243،الوسائل 27:382 كتاب الشهادات ب 35 ح 2.

جماعة (1)حدّ الاستفاضة جدّاً القبول في الجملة،و عليه متأخرو الأصحاب كافّةً،بل عليه الإجماع في الانتصار و السرائر و الغنية (2)،و هو الحجة المعاضدة لهذه الرواية المشهورة،و هي مع ذلك متعددة متضمنة للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

فمن الأوّلة:« قال أمير المؤمنين(عليه السّلام):لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً» (3).

و نحوه الصحيح الوارد في قضية درع طلحة المتضمن لقوله(عليه السّلام) لشريح بعد ردّه شهادة قنبر له(عليه السّلام):« و لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا» (4).

و هو صريح في ردّ من ردّ شهادته لمولاه كالصدوقين،و الشيخ في كتابي الحديث،و الحلبي (5).

و قريب منه في الردّ عليهم الصحيحة الآتية في المسألة الآتية بعد مسألة.

و منها:عن المملوك تجوز شهادته؟قال:« نعم،و إنّ أوّل من ردّ

ص:303


1- منهم المحقق في الشرائع 4:131،و الفاضل المقداد في كنز العرفان 2:53 و المجلسي في مرآة العقول 24:237.
2- الانتصار:246،السرائر 2:135،الغنية(الجوامع الفقهية):624.
3- الكافي 7:1/389،التهذيب 6:634/248،الإستبصار 3:42/15،الوسائل 27:345 كتاب الشهادات ب 23 ح 1.
4- الكافي 7:5/385،الفقيه 3:213/63،التهذيب 6:747/273،الإستبصار 3:117/34،الوسائل 27:265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 6.
5- المقنع:133،حكاه عن والده الصدوق في المختلف:720،التهذيب 6:249،الإستبصار 3:16،الكافي في الفقه:435.

شهادة المملوك لفلان» (1).

و في رواية معتبرة بل قيل:صحيحة (2)-:« إنّ أوّل من ردّ شهادة المملوك عمر بن الخطاب» الخبر (3).

و منها:« تجوز شهادة العبد المسلم على الحرّ المسلم» (4).

و هو صريح في ردّ الإسكافي،حيث قبل شهادته على مثله و على الكافر،و ردّها على الحرّ المسلم (5).

و منها:« تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب» (6).

و ليس فيه دلالة على مذهب الإسكافي في الشق الثاني إلّا بمفهوم اللقب،و لا نقول بحجيته.

و منها:عن المكاتب تجوز شهادته؟فقال:« في القتل وحده» (7).

و بفحواه يستدل على قبول شهادته كلّيةً،إلّا أنّ ذكر خصوص القتل

ص:304


1- الكافي 7:3/390،التهذيب 6:635/248،الإستبصار 3:43/16،الوسائل 27:345 كتاب الشهادات ب 23 ح 2.
2- قال في مجمع الفائدة و البرهان 12:410 و حسنة محمّد بن مسلم بالقاسم بن عروة،و إن ثبت توثيقه كما قيل كانت صحيحة.و قد صحّح العلّامة في المختلف:72 حديث بريد بن معاوية و هو(القاسم بن عروة)في الطريق.
3- الكافي 7:2/389،التهذيب 6:633/248،الإستبصار 3:41/15،الوسائل 27:345 أبواب الشهادات ب 23 ح 3.
4- الفقيه 3:69/26،التهذيب 6:636/249،الإستبصار 3:44/16،الوسائل 27:346 كتاب الشهادات ب 23 ح 5.
5- حكاه عنه في المختلف:720.
6- الفقيه 3:81/28،التهذيب 6:638/249،الإستبصار 3:46/16،الوسائل 27:346 كتاب الشهادات ب 23 ح 4.
7- التهذيب 6:641/250،الإستبصار 3:49/17،الوسائل 27:348 كتاب الشهادات ب 23 ح 9.

و تأكيده بوحدة ربما ينافي ذلك،بل أصل الحجية؛ لكونه شاذّاً لا قائل به من الطائفة،لكنه مع ذلك صالح لتأييد الأخبار السابقة.

و نحوه في شذوذ الظاهر و الصلوح للتأييد و التقوية الموثقة كالصحيحة بعثمان و فضالة اللذين أجمعت على تصحيح ما يصح عنهما العصابة (1):

عن الرجل المسلم تجوز شهادته لغير مواليه؟فقال:« تجوز في الدين و الشيخ اليسير» (2).

و هذه النصوص مع صحة أكثرها،و استفاضتها،و اشتهارها بين الأصحاب،و اعتضادها بالإجماعات المحكية موافقة لعمومات الكتاب، و السنّة المستفيضة،بل المتواترة الدالّة على قبول شهادة من اجتمعت فيه شرائط قبول الشهادة،و مخالفة لما عليه أكثر العامّة بل عامّتهم،كما يستفاد من شيخ الطائفة (3)و غيره (4)،و نسبه في كنز العرفان (5)إلى فقهائهم الأربعة،و على هذا يجب أن يحمل على التقية الرواية الثانية المانعة عن قبول شهادته بالكلّية،كالصحيح:عن شهادة ولد الزنا،فقال:« لا، و لا عبد» (6).

و الموثق:عما يردّ من الشهود،فقال:« المريب» إلى أن قال:

« و العبد» (7).

ص:305


1- رجال الكشي 2:830.
2- التهذيب 6:640/250،الإستبصار 3:48/17،الوسائل 27:347 كتاب الشهادات ب 23 ح 8.
3- التهذيب 6:249،الاستبصار 3:16.
4- المفاتيح 3:282.
5- كنز العرفان 2:53.
6- التهذيب 6:612/244،الوسائل 27:376 كتاب الشهادات ب 31 ح 6.
7- التهذيب 6:599/242،الإستبصار 3:38/14،الوسائل 27:378 كتاب الشهادات ب 32 ح 3.

إلى غير ذلك من النصوص القاصر كثير منها سنداً،و جميعها مكافئةً لما مضى قطعاً من وجوه شتى،مع ندرة القائل بها؛ إذ ليس إلّا العماني (1).

نعم ربما نسبه الفاضل في التحرير إلى الإسكافي (2)،لكنه في غيره و باقي الأصحاب نسبوه إلى ما قدّمنا عنه من التفصيل،و هو كسابقه أيضاً نادر،و مع ذلك مستنده غير واضح،عدا ما يتوهم له من الجمع بين الأخبار،و الصحيح:« لا تجوز شهادة العبد على الحرّ المسلم» (3).

و الأوّل مشروط بالتكافؤ،و ليس،و لو سلّم فلا شاهد عليه.و الثاني معارض بمثله و قد مرّ،مع أنّ نفي الجواز فيه لا يدلّ على الردّ؛ لاحتمال حمله على معناه بإرادة عدم جواز شهادته بدون إذن مولاه؛ لما في ذلك من تعطيل حق سيده و الانتفاع به بغير إذنه،و لو كان هذا خلاف الظاهر لكان المصير إليه أولى مراعاةً للجمع.كذا ذكره شيخنا في المسالك (4).

و ربما يعضده المروي في الوسائل عن مولانا الحسن العسكري في تفسيره عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام):« قال:كنّا عند رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)و هو يذاكرنا بقوله تعالى وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ [1] قال:أحراركم دون عبيدكم،فإنّ اللّه تعالى شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمل الشهادة و عن أدائها» (5)فتدبّر.

مع أنّ دلالته بمفهوم الوصف،و ليس بحجة على الأشهر الأظهر.

ص:306


1- المختلف:720.
2- التحرير 2:210.
3- التهذيب 6:637/249،الإستبصار 3:45/16،الوسائل 27:348 كتاب الشهادات ب 23 ح 12.
4- المسالك 2:407.
5- تفسير العسكري(عليه السّلام):374/656،الوسائل 27:350 كتاب الشهادات ب 23 ح 15.

و ما يقال:من أنّه على تقدير عدم الحجية يستدل على قبول شهادته على الذميّ بما مرّ من الصحيح (1)،و على العبد بما روي في الخلاف عن علي(عليه السّلام)أنّه كان يقبل شهادة بعضهم على بعض،و لا يقبل شهادتهم على الأحرار (2).

فضعّف بما مرّ من معارضة الصحيح السابق بمثله،و عدم دلالة هذا الصحيح على نفي القبول على غير أهل الكتاب إلّا بالمفهوم الضعيف أيضاً.

و الرواية غير معلومة الصحة،فلا تصلح للحجية،سيّما مع قصورها كما سبقها على تقدير الدلالة عن مقاومة الأدلة المتقدمة،و بالجملة فهذا القول كسابقه ضعيف غايته.

و اعلم أنّ الصحاح المتقدمة (3)و إن اقتضت بإطلاقها قبول شهادته مطلقاً إلّا أنّ المشهور القائلين بها اختلفوا في إبقائها على إطلاقها أو تقييدها بغير الشهادة على المولى،و إلى هذا الخلاف أشار بقوله:

و في قبول شهادته على المولى قولان أظهرهما المنع، و هو أشهرهما على الظاهر،المصرّح به في كلام كل من ادعى الشهرة فيما مضى،و هو مختار الشيخين و السيدين و الديلمي و القاضي و ابن حمزة و الحلبي و الحلّي و الفاضلين و الصيمري (4)،و أكثر

ص:307


1- راجع ص 303.
2- الخلاف 6:269.
3- راجع ص 302.
4- المفيد في المقنعة:726،الطوسي في النهاية:331،المرتضى في الانتصار:246،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):624،الديلمي في المراسم:232،القاضي في المهذّب 2:557،ابن حمزة في الوسيلة:230،الحلبي في الكافي في الفقه:435،الحلّي في السرائر 2:135،المحقق في الشرائع 4:131،العلّامة في التحرير 2:210،الصيمري في غاية المرام 4:284.

المتأخرين (1)،بل عامّتهم.

عدا شيخنا الشهيد الثاني (2)و جملة ممّن تبعه من متأخري المتأخرين (3)،فاختاروا الجواز،وفاقاً منهم لابن عم الماتن نجيب الدين يحيى بن سعيد في الجامع (4)؛ أخذاً بإطلاق الصحاح المؤيّدة بالعمومات.

و هو قوي متين،إلّا أنّ في كلام السيدين و الحلّي (5)دعوى الإجماع على المنع،فيتعين بسببه المصير إليه،سيّما بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة القديمة و الحديثة.

مع ندرة القائل بالجواز على الإطلاق،كما هو مذهب شيخنا و تابعيه، بل يستفاد من كثير مجهوليته و عدم معروفيته،بل و لم يسمّه أحد عداه و من بعده،فما هذا شأنه يكاد أن يقطع بمخالفته الإجماع،فلا يجوز اختياره، سيّما بعد دعوى الإجماع على خلافه،و ظهور عبارة الفاضل المقداد في كنز العرفان بورود الرواية في ردّه،فإنّه قال:

و اختلف في شهادة العبد إلى أن قال: و عن أهل البيت(عليهم السّلام) روايات أشهرها و أقواها القبول إلّا على سيده خاصّة،فتقبل لسيده و لغيره و على غيره (6).

و هذه الرواية و إن لم نقف عليها إلّا أنّ غايتها الإرسال المنجبر بفتوى

ص:308


1- منهم فخر المحققين في الإيضاح 4:430،و الفاضل المقداد في كنز العرفان 2:53 و التنقيح 4:301.
2- المسالك 2:407.
3- منهم السبزواري في الكفاية:283،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:281،و المجلسي في مرآة العقول 24:237.
4- الجامع للشرائع:540.
5- الانتصار:246،الغنية(الجوامع الفقهية):624،السرائر 2:135.
6- كنز العرفان 2:53.

الأصحاب،لكنهم لم يذكروها،حتى هو في شرح الكتاب،و إنّما استدل هو و غيره على المنع بأنّه تكذيب للسيد،و عقوق في حقه،فيكون كشهادة الولد على والده.

و كلّ هذا ظاهر في عدم رواية عليه بالخصوص،و أنّ ما ذكره في الكنز من الرواية لعله اشتباه،و يشبه أن يكون مراده بها إمّا الروايات المانعة مطلقاً بعد حملها على المنع هنا خاصّة جمعاً.و هو بعيد جدّاً.

أو خصوص الصحيحة الآتية في المسألة الآتية بعد مسألة.و هو و إن قرب؛ لاستدلال الفاضل بها في المختلف على المنع هنا،حيث قال:و هي دالّة على قبول شهادته لسيده،و المنع من قبولها على سيده،و إلّا لم يكن للعتق فائدة (1).لكن الاستدلال بها ضعيف؛ لأنّ لفظ العتق لم يقيد به الإمام(عليه السّلام)ليكون دليلاً على اعتباره في القبول،بل هو لفظ الراوي بياناً للواقع.

سلّمنا لكن مفهوم الصفة ليس بحجة.

و نحوه في الضعف الدليلان السابقان،يظهر وجهه فيما ذكره شيخنا في المسالك بعد نقل الاستدلال بهما بنحو يقرب مما قدمنا ما لفظه:و فيه نظر؛ لأنّ حمل أخبار المنع على ذلك غير متعين؛ لما ذكرناه سابقاً،و لما سيأتي من الأخبار الدالة على المنع من شهادته على غيره من الأحرار، فيمكن حملها عليه،و تشبيهه بالولد ممنوع،و لو سلّم فالأصل ممنوع أيضاً (2).انتهى.

و يضعف الدليل الثاني و هو الجمع بين الروايات،زيادةً على

ص:309


1- المختلف:720.
2- المسالك 2:407.

ما ذكره بمخالفته وجه الجمع المستفاد من نفس الأخبار،و هو حمل أخبار المنع على الإطلاق على التقية،و به صرّح أيضاً جماعة (1)كما عرفته.

و بالجملة:لولا الإجماعات المتقدم إليها الإشارة المعتضدات بالشهرة العظيمة لكان المصير إلى مقتضى الإطلاقات و العمومات المتقدمة في غاية القوّة؛ لسلامتها لولاها عما يصلح لتقييدها بالكلية.

و من هنا يظهر ضعف القول بعدم قبول شهادته مطلقاً إلّا على المولى،مع عدم معروفية قائله أصلاً و إن ذكره الأصحاب قولاً،و منافاته لكل من النصوص المجوّزة و المانعة مطلقاً،و استلزامه طرحها طرّاً، و ارتكاب الجمع بينها بذلك فرع التكافؤ و الشاهد عليه،و ليسا،مع تصريح جملة من النصوص المجوّزة بقبول شهادته للمولى،و قد عرفتها مما مضى،فهذا القول أضعف الأقوال جدّاً.

و لو أُعتق العبد قبلت شهادته للمولى و عليه بلا خلاف في الثاني؛ لوجود المقتضي من الحرية و باقي الشرائط المعتبرة،و انتفاء المانع بالمرّة؛ إذ ليس إلّا الرقّية و قد زالت.

و للصحيح:عن رجل أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه،أ تجوز شهادته له بعد أن فارقه؟قال:« نعم،و كذلك العبد إذا أُعتق جازت شهادته» (2).

و نحوه الصحيح الآخر:عن الذمّي و العبد يشهدان على شهادة،ثم يسلم الذمّي و يعتق العبد،أ تجوز شهادتهما على ما كانا اشهدا عليه؟قال

ص:310


1- راجع ص 304.
2- التهذيب 6:674/257،الإستبصار 3:63/21،الوسائل 27:371 كتاب الشهادات ب 29 ح 1.

« نعم،إذا علم منهما خير بعد ذلك جازت شهادتهما» (1).

و القوي:« أنّ شهادة الصبيان إذا شهدوا و هم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها،و كذلك اليهود و النصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم،و العبد إذا اشهد على شهادة ثم أُعتق جازت شهادته إذا لم يردّها الحاكم قبل أن يعتق،و قال عليّ(عليه السّلام):إن أُعتق العبد لموضع الشهادة لم تجز شهادته» (2).

قال الشيخان المحدثان في الفقيه و التهذيبين (3)في قوله:« إذا لم يردّها الحاكم» إلى آخره-:يعني بها أن يردّها بفسق ظاهر أو حال تخرجه عن العدالة،لا لأنّه عبد؛ لأنّ شهادة العبد جائزة،و أوّل من ردّ شهادة المملوك عمر.

و ما ذكراه حسن لو قلنا بقبول شهادة العبد قبل العتق مطلقاً،أمّا لو منعنا عنه على المولى خاصّة كما هو المشهور،أوله كما هو مذهبهما، فلا وجه لحصر وجه ردّ الحاكم شهادته قبل العتق بما عدا العبودية،بل يمكن جعلها وجهاً له أيضاً و لو في الجملة.

و لذا إنّ شيخنا في المسالك لم يحصر وجه الردّ فيما ذكراه،بل أطلق بحيث يشمل مثل العبودية؛ فإنّه قال بعد الحكم بقبول شهادته مطلقاً في المسألة لما مرّ من الأدلة-:لكن لو كان قد أدّاها حال الرقّية فردّت افتقر إلى إعادتها بعده؛ لأنّ السابقة مردودة (4).انتهى.

و قالا في قوله(عليه السّلام):« إنّ أُعتق لموضع الشهادة» إلى آخره:كأنّه(عليه السّلام) يعني:إذا كان شاهداً لسيده،فأمّا إذا كان شاهداً لغير سيده جازت شهادته

ص:311


1- الفقيه 3:139/41،الوسائل 27:387 كتاب الشهادات ب 39 ح 1.
2- الفقيه 3:80/28،التهذيب 6:643/250،الإستبصار 3:51/18،الوسائل 27:349 كتاب الشهادات ب 23 ح 13.
3- الفقيه 3:28،التهذيب 6:251،الإستبصار 3:18.
4- المسالك 2:408.

عبداً كان أو معتقاً إذا كان عدلاً.

و هو حسن،و يستفاد وجهه من اللام في:« لموضع الشهادة» الظاهرة في التهمة.

و لعلّهما لأجله حكما بعدم قبول شهادته للمولى.

و فيه ما مرّ من دلالة الصحيحين على خلافه،مضافاً إلى الأُصول و العمومات،و الإجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة العظيمة،سيّما مع دعوى الشيخ في الخلاف الإجماع على قبول شهادته للمولى بعد عتقه مطلقاً (1)،فلا يعارضها مثل هذه القوية؛ لوحدتها،و قصور سندها، و موافقتها التقية كما عرفته،و يشير إليه كون الراوي السكوني،و هو من قضاة العامّة،فلا محمل لها غير ورودها مورد التقية.

و لو أشهد عبديه بحمل له من مملوكته أنّه ولده،فورثهما غير الحمل،و أعتقهما الوارث لهما في الظاهر فشهدا للحمل بذلك قبلت شهادتهما،و رجع الإرث إلى الولد فيرثهما،كما في الصحيح:في رجل مات و ترك جارية و مملوكين،فورثهما أخ له،فأعتق العبدين و ولدت الجارية غلاماً،فشهدا بعد العتق أنّ مولاهما كان أشهدهما أنّه كان يقع على الجارية و أنّ الحمل منه،قال:« تجوز شهادتهما،و يردّان عبدين كما كانا» (2).

و نحوه الموثق،لكن فيه بدل:« و يردّان عبدين»:« و لا يسترقّهما الغلام الذي شهدا له،لأنّهما أثبتا نسبه» (3).

ص:312


1- الخلاف 6:298.
2- التهذيب 6:642/250،الإستبصار 3:50/17،الوسائل 27:347 كتاب الشهادات ب 23 ح 7.
3- الكافي 7:16/20،الفقيه 4:544/157،التهذيب 9:870/222،الإستبصار 4:512/136،الوسائل 19:403 كتاب الوصايا ب 71 ح 1.

و هو بطرف الضد من بدله،إلّا أنّه صريح في الرقّية،و لا كذلك البدل؛ إذ ليس فيه غير النهي عن الاسترقاق المحتمل للحمل على الكراهة، فلتحمل عليها جمعاً،سيّما مع إشعار التعليل في الموثق بها،و لذا ذهب الأكثر (1) و منهم الماتن إلى أنّه يكره له استرقاقهما.

خلافاً لنادر (2)،فقال بالتحريم؛ أخذاً بظاهر النهي.و قد مرّ الكلام عليه مع ما يتعلق بالمسألة في أواخر كتاب الوصية،فمن أراد تمام التحقيق فيها فليراجعها ثمّة (3).

و لو تحمل الشهادة الصبي،أو الكافر،أو العبد،أو الخصم،أو الفاسق المعلن،أو نحوهم من مردودي الشهادة ثم زال المانع الموجب لردّها و شهدوا قبلت شهادتهم بعد استجماع الشرائط الأُخر؛ لوجود المقتضي و انتفاء الموانع؛ و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

منها زيادةً على ما مرّ في المسألة السابقة من الصحيحين و القوية (4)،و ما مرّ في مسألة قبول شهادة القاذف بعد توبته من المعتبرة المستفيضة (5)الصحيح (6)و غيره (7):عن نصراني كما في الثاني و يهودي كما في الأوّل اشهد على شهادة ثم أسلم أ تجوز شهادته؟قال:

ص:313


1- منهم المحقق في الشرائع 2:251،و العلّامة في الإرشاد 2:159،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:302.
2- النهاية:331،612.
3- راجع ج 10 ص 378 380.
4- راجع ص 309،310.
5- راجع ص 272.
6- الفقيه 3:138/41،الوسائل 27:387 كتاب الشهادات ب 39 ح 2.
7- الكافي 7:5/398،التهذيب 6:656/253،الإستبصار 3:52/18،الوسائل 27:387 كتاب الشهادات ب 39 ح 3.

« نعم».

و نحو الثاني صحيح آخر (1).

و الصحيح:عن الصبي و العبد و النصراني يشهدون شهادة،فيسلم النصراني،أ تجوز شهادته؟قال:« نعم» (2).

و القوي:« اليهودي و النصراني إذا اشهدوا ثم أسلموا جازت شهادتهم» (3).

و أمّا الصحيح:عن نصراني اشهد على شهادة ثم أسلم بعد،تجوز شهادته؟قال:« لا» (4)فقال الشيخ:إنّه شاذّ،و حمله على التقية،قال:لأنّه مذهب بعض العامّة.

و يحتمل الحمل على ما لو شهد بها في حال كفره،فلا تقبل و إن أسلم بعد.

أو على فسقه بعد الإسلام.

أو على التهمة في إسلامه،بأن كان مستتراً لكفره و شهد،فردّ لأجله، ثم أسلم و أعادها دفعاً لعار الكفر.

و لكنه خلاف المعروف من مذهب الأكثر كالفاضلين في الشرائع

ص:314


1- التهذيب 6:659/254،الإستبصار 3:54/18،الوسائل 27:388 كتاب الشهادات ب 39 ح 6.
2- الكافي 7:4/398،التهذيب 6:657/253،الوسائل 27:388 كتاب الشهادات ب 39 ح 4.
3- الكافي 7:3/398،التهذيب 6:658/253،الوسائل 27:388 كتاب الشهادات ب 39 ح 5.
4- التهذيب 6:661/254،الإستبصار 3:56/19،الوسائل 27:389 كتاب الشهادات ب 39 ح 7.

و التحرير،و فخر الدين (1)و غيرهم (2)في نظير المسألة،و هو مسألة الفاسق المستتر لفسقه إذا أقام الشهادة فردّت لأجله ثم تاب و أعادها؛ حيث اختاروا فيها القبول.

و لكن تردّد فيه الفاضل في القواعد (3)،و لعلّه ينشأ:من وجود المقتضي للقبول،و هو العدالة الثابتة بالتوبة،و انتفاء المانع؛ إذ ليس بحكم الفرض إلّا الفسق،و قد ارتفع بالتوبة.و من حصول التهمة بدفع عار الكذب،و هي مانعة عن قبول الشهادة كما عرفته.

و حكى هذا قولاً،و لم أقف على قائله،فكأنّه شاذّ،و مع ذلك ردّ بأنّ العدالة دافعة لمثل هذه التهمة.

و هو حسن مع ظهور صدق التوبة و الثقة بعدم استنادها إلى ما يوجب التهمة،و ربما أشعر به بعض المعتبرة،كالقوي:«أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام) شهد عنده رجل و قد قطعت رجله و يده،فأجاز شهادته،و قد كان تاب و عرفت توبته» (4)فتأمّل .

و لعلّ مراد الأصحاب ذلك أيضاً،و لكن إطلاق كثير من المعتبرة المتقدمة في قبول شهادة القاذف بعد توبته (5)كفاية إظهارها و لو لم يظهر صدقها،و لعلّه لذا قال الشيخ و الحلّي (6)بقبول شهادة المتجاهر بالفسق بعد

ص:315


1- الشرائع 4:131،التحرير 2:210،الإيضاح 4:429.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:406 و السبزواري في الكفاية:283.
3- القواعد 2:238.
4- الكافي 7:3/397،الفقيه 3:93/31،التهذيب 6:618/245،الإستبصار 3:123/37،الوسائل 27:385 كتاب الشهادات ب 37 ح 2.
5- راجع ص 272.
6- النهاية:327،السرائر 2:123.

توبته بعد أن يقول له الحاكم:تب لأقبل شهادتك.

و لكن المشهور خلافه،فلم يقولوا به،بل اعتبروا اختباره مدّةً يغلب على الظن فيها أنّه قد أصلح عمله و سريرته،و أنّه صادق في توبته،و لعلّ هذا هو الأصح.

و كيف كان،فلا خلاف في شيء مما ذكر عدا ما مرّ فيه من الخلاف حتى في قبول شهادة الفاسق المعلن بعد توبته مطلقاً،سواء شهد بها قبل التوبة ثم أعادها بعدها،أو شهد بغيرها من دون إعادة،قالوا:و الفرق بينه و بين الفاسق المستتر حيث اتفق على قبول شهادة الأوّل بعد التوبة مطلقاً و اختلف فيه في الثاني،و إن كان المشهور مساواتهما حرص المستتر على إصلاح الظاهر و دخول الغضاضة عليه بظهور كذبه،بخلاف المعلن بالفسق؛ لأنّه لا يدخله غضاضة مع ظهوره،بل ربما يفتخر به،فيحصل التهمة في الأوّل دون الثاني.

السادسة طهارة المولد

السادسة: طهارة المولد عن الزنا فلا تقبل شهادة ولد الزنا على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخري أصحابنا،بل و قدمائهم أيضاً، عدا نادر منهم يأتي ذكره،و هو شاذّ،و لذا ادّعى المرتضى و الشيخ و ابن زهرة (1)عليه إجماعنا؛ و هو الحجة؛ مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة:

ففي الصحيح:« لا تجوز شهادة ولد الزنا» (2).

و في آخر:عن شهادته،فقال:« لا،و لا عبد» (3).

ص:316


1- الانتصار:247،الخلاف 2:627،الغنية(الجوامع الفقهية):625.
2- الكافي 7:6/395،التهذيب 6:613/244،الوسائل 27:375 كتاب الشهادات ب 31 ح 3.
3- التهذيب 6:612/244،الوسائل 27:376 كتاب الشهادات ب 31 ح 6.

و نحوه الخبر (1)المنجبر ضعفه بسهل في الكافي،و بالاشتراك في التهذيب بالعمل،مع أنّ ضعفه سهل،بل قيل:ثقة (2)،و ليس فيه بعده عدا أبان الموثق و أبي بصير ليس فيهما اشتراك يضعّف كما ظنّ،بل أبان هنا هو ابن عثمان؛ لأنّه الغالب المنصرف إليه الإطلاق،مع التصريح به فيما يأتي من الطرق المنقولة عن رجال الكشي و بصائر الدرجات،و أبو بصير ثقة على الإطلاق،وفاقاً لجماعة من المحققين (3)،كما حقّق في محله،مع أنّ قبلهما في الكافي ابن أبي نصر المجمع على تصحيح ما يصح عنه و عن أبان الذي فيه،فلا ريب في اعتبار سند الخبر و قوّته،سيّما و أن روي في بصائر الدرجات و رجال الكشي إلى أبان بطرق أُخر (4).

و في الموثق:« لو أنّ أربعة شهدوا عندي بالزنا على رجل و فيهم ولد الزنا لجلدتهم جميعاً،لأنّه لا تجوز شهادته،و لا يؤمّ الناس» (5).

و في المروي في تفسير العياشي:« ينبغي لولد الزنا أن لا تجوز شهادته و لا يؤمّ بالناس،لم يحمله نوح(عليه السّلام)في السفينة،و قد حمل فيها الكلب و الخنزير» (6).

و المراد ب« لا ينبغي» فيه التحريم بدلالة الأخبار السابقة،مع أنّ حمله

ص:317


1- الكافي 7:4/395،التهذيب 6:610/244،الوسائل 27:374 كتاب الشهادات ب 31 ح 1.
2- رجال الطوسي:416.
3- منهم القهبائي في مجمع الرجال 5:149،و الوحيد البهبهاني في تعليقاته على منهج المقال:384،و أبو علي الحائري في منتهى المقال 7:121.
4- بصائر الدرجات:3/9،رجال الكشي 2:370/469.
5- الكافي 7:8/396،التهذيب 6:614/244،الوسائل 27:376 كتاب الشهادات ب 31 ح 4.
6- تفسير العياشي 2:28/148،الوسائل 27:377 كتاب الشهادات ب 31 ح 9.

على الكراهة يوجب شذوذ الرواية؛ إذ لا قائل بإطلاقها و إن قوّاه في المبسوط؛ لعدم معلومية كون التقوية مذهباً له،سيّما و أن قال بعدها:لكن أخبار أصحابنا يدلّ على أنّه لا تقبل شهادته (1).و فيه إشعار ما بكون الأخبار المزبورة مجمعاً عليها بيننا،فتأمّل جدّاً.

و أمّا المروي عن قرب الإسناد:عن ولد الزنا هل تجوز شهادته؟ قال:« نعم،تجوز شهادته و لا يؤمّ» (2)فقد حمله لضعف سنده بعض الأصحاب على التقية (3).

و هو قريب؛ لأنّ الجواز مذهب أكثر العامّة كما في المسالك (4)و يستفاد من غيره.

مع أنّ هذا الخبر مرويّ عن كتاب علي بن جعفر صحيحاً بدل:

« نعم،تجوز شهادته»:« لا تجوز شهادته» (5).

و مع ذلك قاصر عن معارضة الأخبار السابقة من وجوه عديدة،و منها كونه على إطلاقه شاذّاً،كما عرفته في الرواية السابقة.

و قيل و القائل الشيخ في النهاية و ابن حمزة (6):إنّه تقبل شهادته في الشيء الدون اليسير و به وردت رواية عن شهادة

ص:318


1- المبسوط 8:288.
2- قرب الإسناد:1171/298 و فيه:لا تجوز..،الوسائل 27:376 كتاب الشهادات ب 31 ح 7.
3- الوسائل 27:377.
4- المسالك 2:409.
5- مسائل علي بن جعفر:391/191،الوسائل 27:377 كتاب الشهادات ب 31 ح 8.
6- النهاية:326،الوسيلة:231.

ولد الزنا،فقال:« لا تجوز إلّا في الشيء اليسير إذا رأيت منه صلاحاً» (1).

و هي مع كونها نادرة على الظاهر،المصرّح به هنا و في الشرائع (2)؛ لرجوع الشيخ الذي هو الأصل في العمل بها عنها في الخلاف (3)إلى القول بالمنع مطلقاً،كما عليه أصحابنا لا تعارض الأخبار السابقة،لما هي عليه من الكثرة و الاستفاضة،و الاعتضاد بالشهرة العظيمة كما صرّح بها جماعة حدّ الاستفاضة،بل الإجماع كما عرفته من المرتضى، و به تشعر العبارة كعبارة المبسوط المتقدمة.

و مع ذلك معتضدة بأدلة أُخرى ذكرها جماعة كالمرتضى (4)،فقد استدل عليه زيادةً على الإجماع بالخبر الذي ورد أنّ ولد الزنا لا ينجب (5).

و أجاب عن ظواهر الآيات المقتضية لقبول شهادة ولد الزنا من جهة العموم إذا كان عدلاً،و أنّها لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [1] ،فلا يتعدى إليه ذنب من خلق نطفته بأنّ اللّه سبحانه علم فيمن خلق من نطفة زنا ألّا يختار هو الخير و الصلاح،فإذا علمنا بدليل قاطع أنّه لا ينجب لم يلتفت إلى ما يظهره من الإيمان و العدالة؛ لأنّه يفيد ظنّ صدقه،و نحن قاطعون بخبث باطنه و قبح سريرته،فلا تقبل شهادته.

و أمّا ما في المسالك من أنّ استدلاله مبني على ثبوت الخبر بذلك، بل تواتره؛ لأنّ غير المتواتر لا يوجب الحجّة عنده،و نحن و من قبلنا

ص:319


1- التهذيب 6:611/244،الوسائل 27:376 كتاب الشهادات ب 31 ح 5.
2- الشرائع 4:132.
3- الخلاف 6:309.
4- الانتصار:248.
5- انظر الفصول المهمّة 3:258 أبواب نوادر الكليات ب 1.

لا يمكننا إثباته بسند معتمد،فضلاً عن كونه متواتراً،و اعتذر عنه في المختلف بجواز كونه متواتراً في زمانه ثم انقطع،و لا يخفى ما فيه من التكلف و ظهور المنع (1).

ففيه نظر لا يخفى؛ لمنع أنّ غير المتواتر لا يوجب الحجة عنده مطلقاً،بل الذي نفى حجيته إنّما هو الأخبار الآحاد التي لا توجب علماً، و لا ريب أنّها غير الأخبار الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعية،فلعل الرواية كانت عنده من الآحاد المحفوفة بها،أو متواترة كما اعتذر له العلّامة.

و ليس فيه تكلّف كما ذكره؛ لتصريح السيد في قوله:فإذا علمنا بدليل قاطع،إلى آخره،بكون الرواية عنده قطعية،و إلّا فالآحاد على تقدير حجيتها عنده لا تفيد علماً بلا شبهة،فكيف يدّعيه؟فدعواه إيّاه يعرب عن قطعيتها عنده،و لا يحصل إلّا بالتواتر أو القرينة.

و معها لا يتوجه ردّه إلّا بعد علمنا بخطإ ما ذكره و ثبوت عدم التواتر، أو فساد القرينة،و هو غير حاصل لنا إلّا من حيث عدم تمكّننا من إثبات التواتر أو القرينة،و هو لا يوجب فساد ما ذكره جدّاً.

و كالإسكافي،فقد علّل المنع بورود الخبر أنّه شرّ الثلاثة،و عنى به إيّاه و الزانيين.قال:فإذا كنّا لا نقبل شهادتهما كان ردّ شهادة من هو شرّ منهما أولى (2).

و كالحلّي،فقد استدل عليه بالإجماع على كفره،فلا تقبل شهادته كغيره من الكفار (3).

ص:320


1- المسالك 2:409.
2- حكاه عنه في المختلف:718.
3- السرائر 2:122.

و هذان الدليلان و إن كانا لا يخلوان عن شيء،إلّا أنّهما للتأييد صالحان،هذا.

مع أنّ الرواية قاصرة السند عن الصحة و إن كانت حسنة كالصحيحة بأبان و فضالة اللذين أجمع على تصحيح ما يصح عنهما العصابة.

و مع ذلك الدلالة ضعيفة؛ لإجمال الدون فيها،لصدقه على كل شيء بالإضافة إلى ما فوقه؛ فإنّه من الأُمور المتضايفة.

و إلى ما ذكرنا يشير كلام الفاضل في المختلف حيث قال:فإنّ قبول شهادته في الشيء اليسير يعطي المنع من قبول الكثير من حيث المفهوم، و لا يسير إلّا و هو كثير بالنسبة إلى ما دونه،فإذاً لا تقبل شهادته إلّا في أقل الأشياء الذي ليس بكثير بالنسبة إلى ما دونه؛ إذ لا دون له،و مثله لا يملك (1).انتهى.فتأمّل جدّاً.

ثم إنّ المنع يختص بمن علم كونه ولد الزنا،أمّا من جهل فتقبل شهادته بعد استجماعه الشرائط الأُخر من العدالة و غيرها و إن نسب إلى الزنا ما لم يكن العلم بصدق النسبة حاصلاً،و به صرّح جماعة (2)من غير خلاف بينهم أجده.

و لعله للعمومات،و اختصاص الأخبار المانعة بالصورة الأُولى دون الثانية؛ لكونها من الأفراد الغير المتبادرة،فلا ينصرف إليها الإطلاق كما مرّ غير مرّة.

و يحتمل العدم في صورة النسبة؛ عملاً بالإطلاق من باب المقدمة.

ص:321


1- المختلف:719.
2- منهم المحقق في الشرائع 4:132 و العلّامة في التحرير 2:210 و الشهيد في الدروس 2:127 و الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:380.
و يلحق بهذا الباب مسائل
الأولى التبرّع بالأداء

و يلحق بهذا الباب مسائل ثلاث:

الاُولى: التبرّع بالأداء أي أداء الشهادة قبل الاستنطاق و طلب الحاكم إيّاه من الشاهد يمنع القبول منه مطلقاً،سواء كان قبل دعوى المدّعى أم بعدها،بلا خلاف أجده،و به صرّح في الكفاية (1)،و يظهر من المسالك و غيره (2)،و احتمله إجماعاً بعض الأجلة (3)،قالوا: لتطرّق التهمة بذلك،فيدخل في عموم الأدلّة الدالة على كونها مانعة عن قبول الشهادة.

و للنبوي في معرض الذمّ:« ثم يجيء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها» (4)و في لفظ آخر:« ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد» (5).

و فيهما لولا فتوى الأصحاب نظر،يظهر وجهه بالتدبّر فيما ذكره بعض من تأخر،حيث قال بعد نقلهما معترضاً:و أنت خبير أنّ التهمة غير ظاهرة،خصوصاً إذا كان جاهلاً،فإنّا نجد كثيراً من يشهد قبل الاستشهاد من غير ميل إلى إثبات الشهود،بل قد يكون إلى عدمه أميل لغرضٍ،مثل فقر المشهود عليه،أو مصاحبته،أو عداوة المشهود له؛ اعتقاداً لوجوب الشهادة و تحريم كتمانها،كيف؟!و العدالة تمنع من الشهادة على الكذب مع العلم بقبحه و الوعيد في الكتاب و السنّة و تحريمه بإجماع المسلمين.

و الرواية المذكورة ما نعرف سندها،فضلاً عن صحتها و معارضتها بمثلها،

ص:322


1- الكفاية:282.
2- المسالك 2:408؛ و انظر كشف اللثام 2:376.
3- مجمع الفائدة 12:400.
4- مسند أحمد 4:426.
5- عوالي اللئلئ 1:53/123،المستدرك 17:448 كتاب الشهادات ب 46 ح 8.

و الظاهر أنّها عامية.

و بالجملة:ردّ شهادة العدل بمجرد ذلك مع وجوب قبول العدل و عدم ردّه بالكتاب و السنّة و الإجماع مشكل،إلّا أن يكون إجماعياً (1).

انتهى.

و هو جيّد متين،إلّا أنّ دعواه أوّلاً عدم ظهور التهمة مطلقاً مشكل جدّاً؛ لوضوحها مع التبرّع غالباً،و إن أمكن فرض عدمها فيما فرضه من صورة الجهل و غيرها،و لذا أطبق الأصحاب على عدّه تهمة،و لعلّ مرادهم الغالب دون ما فرض من الصورة النادرة،كيف لا؟!و لو كان مرادهم عدّه تهمةً مطلقاً لزم مخالفة ما ذكروه للوجدان جدّاً،فهذا أظهر قرينة على إرادتهم من محل المنع ما أوجب التبرّع فيه التهمة كما هو الغالب دون غيره،و إنّما أطلقوا من دون تقييد اتكالاً منهم إلى فهمه من تعليلهم المنع بالتهمة.

و على هذا فلعلّه لا بأس عندهم بقبول شهادة المتبرّع في الفرد النادر الذي لا يكون فيه تهمة،و لا ينافي ذلك استدلال بعضهم للمنع زيادةً على التعليل المتقدم بالنبوية،بعد قوّة احتمال ورودها مورد الغالب،و هو ما يحصل فيه التهمة كما عرفته،فهي و إن ضعف سندها إلّا أنّها بالموافقة للنصوص المانعة عن قبول الشهادة مع التهمة منجبرة.

و كيف كان،فالمنع مقطوع به في كلامهم إذا كان المشهود به من حقوق الآدميين،كما في نكت الإرشاد و غيره (2).

و هل يمنع التبرّع عن القبول في حقوق اللّه تعالى أم لا؟

ص:323


1- مجمع الفائدة 12:399.
2- غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:267،كشف اللثام 2:376.

فيه قولان:أوّلهما للشيخ في النهاية كما في التنقيح (1)،و ثانيهما له في المبسوط كما فيه (2)،و هو المشهور على الظاهر،المصرّح به في كلام الصيمري،بل لعلّه عليه عامة المتأخرين حتى الماتن هنا و في الشرائع، و الفاضل في الإرشاد (3)،لكن على تردّد منهما و إشكال.

قيل:ينشئان:من أنّ التهمة المانعة من قبول الشهادة موجودة في الموضعين فيمنع من القبول فيهما؛ لتساويهما في العلّة.و من أنّها في حقوق اللّه تعالى و المصالح العامّة لا مدّعي لها،فلو لم تقبل فيها شهادة المتبرع لأدّى ذلك إلى سقوطها (4).

و في هذا نظر؛ إذ ليس فيه ما يفيد تقييد الأدلة المانعة عن قبول الشهادة مع التهمة بعد حصولها كما هو فرض المسألة بحقوق الآدميين خاصّة،و مجرّد عدم المدّعى لحقوق اللّه تعالى لا يرفع التهمة،و لا يفيد التقييد المزبور؛ إذ لا دليل على إفادته له من إجماع أو رواية،و أداء عدم القبول فيها إلى سقوطها لا دلالة فيه على أحد الأمرين أصلاً،و لا محذور في سقوطها مع عدم قبولها،بل هو مطلوب؛ لبناء حقوق اللّه تعالى على التخفيف اتفاقاً فتوًى و نصاً.

و لو سلّم فإنّما يؤدّي إلى السقوط لو ردّ مطلقاً،سواء كان في مجلس التبرّع أو غيره،أمّا لو خصّ الردّ بالأوّل كما هو رأي بعض في حقوق الآدميين (5)فلا يؤدّي إلى السقوط؛ لإمكان قبوله لو أُدّي في

ص:324


1- التنقيح الرائع 4:305.
2- التنقيح الرائع 4:305.
3- الشرائع 4:131،الإرشاد 2:158.
4- قاله في التنقيح الرائع 4:304.
5- المسالك 2:408.

مجلس آخر من غير تبرّع ثانياً،فهذا الدليل ضعيف جدّاً.

كالاستدلال على القبول هنا بالنبوية الأُخرى:« خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها» (1)إذ هي بعد الإغماض عن سندها غير دالّة على القبول هنا خاصّة،بل هي عامّة لما سبق من حقوق الآدميين أيضاً، و لم يقل به أحد كما مضى،و تقييدها بالمقام فرع وجود دليل عليه أو قرينة،و ليسا،فتأمّل جدّاً .

و أضعف منهما ما ذكره الصيمري بعد مصيره إلى القبول من أنّ العدالة تدفع التهمة (2)و ذلك لمنع دفعها لها،كيف لا؟!و قد أطبق هو و سائر الأصحاب على اجتماعها معها،و لذا عدّوا التهمة من موانع قبول الشهادة زيادةً على الفسق المقابل للعدالة،فلو أوجبت التهمة فسقاً لما كان لعدّهم إيّاها من الموانع في مقابلة الفسق وجه أصلاً.

و لو سلّم الدفع فهو جار في حقوق الآدميين أيضاً،فلمَ أطبق هو و باقي الأصحاب على المنع فيها معلّلين بالتهمة؟!مع أنّها غير مجتمعة مع العدالة كما ذكره.

و بما ذكرنا يظهر قوّة القول الأوّل،إلّا أنّ ندرة القائل به،بل و عدمه، لرجوع الشيخ عنه في المبسوط إلى خلافه،و اشتهاره بين المتأخرين أوجب التردّد فيه،و يمكن أن يكون هذا وجهاً للتردّد من الفاضلين،لا ما مرّ،فتأمّل .

و اعلم أنّ التبرّع بالشهادة في محل المنع ليس جرحاً حتى لا تقبل شهادته في غير تلك الواقعة؛ لأنّه ليس معصية فتسمع شهادته في غيرها؛

ص:325


1- مسند أحمد 4:117.
2- غاية المرام 4:284.

للأصل و العمومات مع عدم ظهور خلاف فيه بين الأصحاب،بل ظاهر المسالك (1)إجماعهم عليه.

و لو أعاد تلك الشهادة في مجلس آخر على وجهها ففي قبولها وجهان:من بقاء التهمة في الواقعة،و من اجتماع الشرائط في الشهادة الثانية،و الأول أجود،وفاقاً لجماعة (2)،خلافاً لشيخنا في المسالك (3)فاستجود الثاني.

الثانية الأصمّ تقبل شهادته فيما لا يفتقر إلى السماع

الثانية: الأصمّ المؤوف السمع تقبل شهادته فيما لا يفتقر العلم به إلى السماع و فيما يفتقر إليه أيضاً إذا سمع ثم اعتل و أُثبت، بلا خلاف فيه في الجملة؛ للأصل و العمومات،و خصوص ما سيأتي من بعض الروايات مع سلامتها عن المعارض.

و الصمم ليس له قابلية المانعية حيثما يأتي معه الشروط المعتبرة في سماع الشهادة التي منها العلم بالمشهود به،كما سيأتي إليه الإشارة.

و في رواية جميل الضعيفة بسهل و درست قال:سألت أبا عبد اللّه(عليه السّلام)عن شهادة الأصمّ في القتل،قال:« يؤخذ بأوّل قوله و لا يؤخذ بثانيه» (4).

و بها أفتى الشيخ في النهاية و القاضي و ابن حمزة (5)،و نسبها في

ص:326


1- المسالك 2:408.
2- منهم ابن فهد في المهذب البارع 4:534 و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:376.
3- المسالك 2:408.
4- الكافي 7:3/400،التهذيب 6:664/255،الوسائل 27:400 كتاب الشهادات ب 42 ح 3.
5- النهاية:327،المهذّب 2:556،الوسيلة:230.

الدروس إلى الشيخ و أتباعه كافّة،قال:و لم يقيّدوا بالقتل،و الأكثر على إطلاق قبول شهادته،و هو الأصح،و في طريق الرواية سهل بن زياد و هو مجروح (1).انتهى.

أقول:ما اختاره هو و الماتن هنا و في الشرائع مختار الأكثر (2)كما ذكره،بل المشهور كما في شرح الشرائع للصيمري (3)،و عليه عامة المتأخرين،وفاقاً منهم للحلبي و الحلّي (4).

و وجه إعراضهم عنها مع دلالتها على قبول شهادته في الجملة يظهر مما ذكره الفاضل المقداد في شرح الكتاب،حيث قال بعد تضعيف سنده:

مع أنّ (5)العمل بها محل بحث،و هو أنّ القول الثاني إن كان منافياً للأوّل فهو رجوع فيردّ،و إن كان غير مناف فإمّا أن يكون مدلوله مدلول الأوّل فهو إذن تأكيد غير مردود،أو لا يكون فهو كلام مستقل لا تعلّق له بالأوّل (6).

و قريب منه كلام الفاضل في المختلف،إلّا أنّه قال بعد تضعيف السند:و أيضاً القول بالموجب،فإنّ الثاني إن كان منافياً (7)،إلى آخر ما مرّ.

و فيه نظر؛ فإنّ ردّ القول الثاني على تقدير استقلاله و عدم منافاته للأوّل و عدم ارتباطه به مناف لما اختاره من قبول شهادته على الإطلاق،

ص:327


1- الدروس 2:134.
2- الشرائع 4:132.
3- غاية المرام 4:287.
4- حكاه عن الحلبي في المختلف:719،و انظر الكافي في الفقه:436،السرائر 2:123.
5- في النسخ زيادة:في،حذفناها لاستقامة المعنى.
6- التنقيح الرائع 4:306.
7- المختلف:719.

فكيف يجتمع مختاره مع القول بموجب الرواية في هذه الصورة،و لعلّه لهذا تنظّر في كلامه فيها في المسالك،فقال بعد نقله:و في هذا القسم الأخير نظر (1).

أقول:بل و لعلّ في القسم الأوّل و هو صورة منافاة الثاني للأوّل أيضاً نظر؛ لأنّه إن كان المردود هو الشهادة الأُولى لم يكن قولاً بموجبها؛ لتصريحها بردّ الشهادة الثانية و قبول الأُولى خاصّة،عكس ما ذكره،و إن كان هو الشهادة الثانية فلا يتّجه ردّها على الإطلاق،بل يختص بما إذا كانت بعد حكم الحاكم بشهادة الأُولى،و إلّا فلو كانت قبله ردّت الاُولى، كما ذكروه في مسألة رجوع الشاهد عما شهد به و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

و ممّا ذكر ظهر أنّ تعبير الفاضل المقداد و إسقاطه ما ذكره من القول بالموجب أجود.

و حيث قد عرفت ما في العمل بها من المخالفة للأُصول و الفرق بينهما و بين القول المشهور ظهر لك ما في كلام بعض الفحول حيث قال بعد تضعيفها:بل لا محصّل لها و للقول بها،فتأمّل (2)انتهى.

فكيف لا محصّل لها؟و قد عرفت ما فيها،و لعله لهذا أمر بالتأمّل أخيراً.

و كيف كان،فينبغي القطع بطرحها؛ لما هي عليه زيادةً على ما مضى من الندرة،كما صرّح به الماتن في الشرائع (3)،مشعراً بمخالفتها الإجماع،فتقبل شهادة الأصمّ فيما مرّ مطلقاً.

ص:328


1- المسالك 2:410.
2- مجمع الفائدة 12:452.
3- الشرائع 4:132.

و كذا تقبل شهادة الأعمى فيما لا يفتقر العلم به إلى الرؤية و تحصل بالسماع وحده،بلا خلاف بيننا أجده،بل عليه في صريح الانتصار و الخلاف و ظاهر الغنية (1)إجماع الإمامية،و هو الحجّة؛ مضافاً إلى ما مرّ في المسألة السابقة،و خصوص الخبرين:عن الأعمى تجوز شهادته؟ قال:« نعم إذا أثبت» (2).

و في الوسائل عن الطبرسي في الاحتجاج،عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري،عن مولانا صاحب الزمان(عليه السّلام):إنّه كتب إليه يسأله عن الضرير إذا شهد في حال صحّته على شهادة،ثم كفّ بصره و لا يرى خطّه فيعرفه،هل تجوز شهادته أم لا؟و إن ذكر هذا الضرير الشهادة هل يجوز أن يشهد على شهادته أم لا يجوز؟فأجاب(عليه السّلام):« إذا حفظ الشهادة و حفظ الوقت جازت شهادته» (3).

و هو صريح في قبول شهادته فيما يفتقر إلى الرؤية أيضاً إذا حصل له العلم بالمشهود به،و كان مثبتاً له إلى حين الأداء،و به صرّح جماعة (4)، و يعضده إطلاق الخبرين و عموم الأدلة.

و يمكن أن ينزل عليه العبارة و نحوها مما خصّ القبول فيه بما لا يفتقر إلى الرؤية،بحملها على الشهادة التي يتحملها حال العمى،و يقرّبه عموم أدلتهم فيما لا يفتقر إلى الرؤية لهذه الصورة.

ص:329


1- الانتصار:249،الخلاف 6:267،الغنية(الجوامع الفقهية):624.
2- الكافي 7:1/400،2،التهذيب 6:662/254،663،الوسائل 27:400 كتاب الشهادات ب 42 ح 1،2.
3- الاحتجاج:490،الوسائل 27:400 كتاب الشهادات ب 42 ح 4.
4- منهم المحقق في الشرائع 4:135،و الشهيد الثاني في المسالك 2:412،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:381.

و نحوه الكلام في قبول شهادة الأصمّ فيما يفتقر إلى السماع إذا سمعه ثم اعتل و أثبته،فتقبل حينئذ،كما تقدم إليه الإشارة.

الثالثة لا تقبل شهادة النساء في الهلال و الطلاق

الثالثة : اعلم أنّ الأصل في الشهادة رجلان بحكم الاستقراء و الأصل في الجملة،و ظاهر الآيات المأمور فيها باستشهاد رجلين و ذوي عدل؛ فإنّ الاقتصار عليهما في الذكر في معرض الإرشاد يدلّ على الاقتصار في الحكم.

و حينئذ فلا تقبل الواحد مطلقاً،إلّا ما قيل في هلال رمضان (1)؛ للخبر،بل الصحيح (2).

و هو شاذّ ضعيف،و مستنده مع احتمال قصور سنده و اختلاف متنه غير دالّ،معارض بالصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (3)،و مع ذلك قد ادّعي في صريح الغنية و الإيضاح،و ظاهر شرح الشرائع للصيمري (4)على خلافه الإجماع.

و لا تقبل شهادة النساء في الهلال و الطلاق بلا خلاف إذا كنّ عن الرجال منفردات،و كذا إذا انضمّوا إليهنّ على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تقدم و تأخّر.

عدا العماني،فقال:شهادة النساء مع الرجال جائزة في كل شيء إذا كنّ ثقات (5).

ص:330


1- المراسم:233،و انظر الإرشاد 2:160.
2- الفقيه 2:337/77،التهذيب 4:440/158،الإستبصار 2:207/64،الوسائل 10:278 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 1.
3- الوسائل 10:286 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):624،إيضاح الفوائد 4:431،غاية المرام 4:294.
5- حكاه عنه في المختلف:712.

و هو شاذّ،بل على خلافه في الغنية الإجماع (1).

و الشيخ في المبسوط و الإسكافي (2)،فقالا بالقبول في الطلاق، و يظهر من الثاني إجماعنا عليه،و حكاه عن عمر بن الخطاب.

و كفاه هذا ردّاً،مع دعوى الإجماع على خلافه في الغنية صريحاً و في الدروس (3)ظاهراً،و هو الحجة هنا و سابقاً،مضافاً إلى الأصل المتقدم، و النصوص المستفيضة جدّاً.

ففي الصحيح:« لا تجوز شهادة النساء في الهلال و الطلاق» (4).

و نحوه آخر بدون ذكر الطلاق (5).

و في آخرين:« لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال و لا تقبل في الهلال إلّا رجلان عدلان» (6).

و زيد في أحدهما:« و لا في الطلاق».

و في خامس:« شهادة النساء تجوز في النكاح و لا تجوز في الطلاق» (7).

ص:331


1- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
2- المبسوط 8:172،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:712.
3- الدروس 2:137.
4- الكافي 7:6/391،الوسائل 27:353 كتاب الشهادات ب 24 ح 8.
5- الكافي 7:8/391،التهذيب 6:702/264،الإستبصار 3:70/23،الوسائل 27:353 كتاب الشهادات ب 24 ح 10.
6- الأول في:التهذيب 6:724/269،الوسائل 27:355 كتاب الشهادات ب 24 ح 17. الثاني في:الاستبصار 3:96/30،الوسائل 27:356 كتاب الشهادات ب 24 ذيل الحديث 17.
7- التهذيب 6:713/267،الإستبصار 3:84/27،الوسائل 27:357 كتاب الشهادات ب 24 ح 25.

و نحوه سادس:عن شهادة النساء في النكاح،فقال:« تجوز،و كان عليّ(عليه السّلام)يقول:لا أُجيزها في الطلاق» (1)الحديث.

و نحوهما سابع:« لا تجوز شهادتهن في الطلاق و لا في الدم،و تجوز شهادتهن في النكاح إذا كان معهن رجل» (2).

و الموثق:« كان أمير المؤمنين(عليه السّلام)يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الإنكار،و لا يجيز في الطلاق إلّا شاهدين عدلين» (3).

و القريب من الصحيح بابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه:« تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه و يشهدوا عليه،و تجوز شهادتهن في النكاح،و لا تجوز في الطلاق و لا في الدم» (4)الحديث.

و الخبران:في أحدهما:« تجوز شهادة النساء وحدهنّ على ما لا يستطيع الرجال النظر إليه،و تجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهن رجل،و لا تجوز في الطلاق و لا في الدم» الحديث (5).

و في الثاني:عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟قال:« نعم،

ص:332


1- الكافي 7:2/390،التهذيب 6:723/269،الإستبصار 3:95/29،الوسائل 27:351 كتاب الشهادات ب 24 ح 2.
2- الكافي 7:5/391،الفقيه 3:94/31،التهذيب 6:705/264،الإستبصار 3:73/23،الوسائل 27:352 كتاب الشهادات ب 24 ح 7؛ بتفاوت يسير.
3- التهذيب 6:774/281،الإستبصار 3:81/26،الوسائل 27:360 كتاب الشهادات ب 24 ح 35.
4- الكافي 7:11/392،التهذيب 6:707/265،الإستبصار 3:75/24،الوسائل 27:352 كتاب الشهادات ب 24 ح 5.
5- الكافي 7:4/391،التهذيب 6:704/264،الإستبصار 3:72/23،الوسائل 27:351 أبواب الشهادات ب 24 ح 4.

و لا تجوز في الطلاق» (1).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي لا معارض لها في المقامين لا عموماً و لا خصوصاً،عدا ما عن المبسوط من أنّه روي قبول شهادتهن في الطلاق مع الرجال.

و هو مع إرساله،و عدم معارضته لما مرّ من الأدلة نادر،و لم يحكه عن المبسوط إلّا في الكفاية (2).

و بالجملة:فالخلاف فيهما ضعيف غايته،و المصير إلى مقتضاها متعين.

و ظاهر إطلاق العبارة و غيرها مما أُطلق فيه المنع عن القبول في الطلاق انسحاب المنع فيه في جميع أنواعه التي منها الخلع و المباراة و الطلاق بعوض،و هو المشهور كما في المسالك (3)،و شرح الشرائع للصيمري و غيرهما (4)؛ لإطلاق ما مرّ من النصوص،بناءً على كون الخلع و ما بعده من أفراد الطلاق و في معناه،كما صرّح به الفاضل في المختلف (5).

و ظاهره عدم القائل بالفرق بينه و بين غيره من أنواع الطلاق،فكلّ من قال فيه بالمنع كالمفيد،و الصدوقين،و الشيخ في النهاية و الخلاف،

ص:333


1- الكافي 7:9/391،التهذيب 6:706/265،الإستبصار 3:74/24،الوسائل 27:354 أبواب الشهادات ب 24 ح 11.
2- الكفاية:285،و هو في المبسوط 8:172.
3- المسالك 2:413.
4- غاية المرام 4:294،مجمع الفائدة 12:423،الكفاية:285.
5- المختلف:714.

و الديلمي،و الحلبي،و القاضي،و ابن حمزة،و الحلّي (1)،و غيرهم (2)قال به مطلقاً،و من قال بالقبول كالشيخ في المبسوط،و الإسكافي،و العماني قال به كذلك (3).

و اختار في المسالك (4)قولاً بالتفصيل بين ما لو كان مدّعيه المرأة فكالطلاق لا تقبل فيه،أو الرجل فتقبل؛ لتضمنه دعوى المال.

و حكى فيه و في غيره القبول فيه مطلقاً (5)من جهة تضمنه المال، و هو مستلزم للبينونة،فتثبت أيضاً لذلك.

و مبنى هذين القولين على ما تقرر عندهم و سيظهر من قبول شهادتهن فيما يتضمن مالاً أو يكون المقصود منه المال،و أنكره بعض الأصحاب (6)، و لعلّه لعدم الدليل على الكلية في النصوص؛ و لعدم تبادر نحو المقام من الدين المحكوم فيها بجواز شهادتهنّ مع الرجال فيه،و الإجماع مفقود في محل النزاع.

و في الأخير نظر يظهر وجهه مما قدمناه في بحث الشاهد و اليمين في كتاب القضاء،فالأولى في الجواب تخصيص الكلية على تقدير ثبوتها بما

ص:334


1- المفيد في المقنعة:727،الصدوق في المقنع:135،و حكاه عن والده في المختلف:714،النهاية:332،الخلاف 6:252،الديلمي في المراسم:233،الحلبي في الكافي:436،القاضي في المهذب 2:558،ابن حمزة في الوسيلة:222،الحلّي في السرائر 2:115.
2- الكفاية:284.
3- المبسوط 8:172 و حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف:714.
4- المسالك 2:413.
5- المفاتيح 3:291.
6- انظر كشف اللثام 2:378.

مرّ من إطلاق النصوص و الإجماع البسيط المنقول في الغنية (1)،و المركب الظاهر من المختلف (2)،كما عرفته.

مضافاً إلى الأصل،و الشهرة العظيمة الجابرة لضعف دلالة النصوص المزبورة،من حيث عدم تبادر نحو الخلع من الطلاق المطلق فيها أيضاً؛ لكونه من الأفراد النادرة له.

ثم إنّ مقتضى الصحيحة الخامسة و ما بعدها جملةً بعد حمل مطلقها على مقيدها قبول شهادتهن مع الرجال في النكاح،و هو خيرة العماني، و الإسكافي،و الصدوقين،و الحلبي،و الشيخ في المبسوط و التهذيبين، و ابن زهرة مدّعياً عليه إجماع الإمامية،و الفاضلين في الشرائع و الإرشاد و القواعد،و ولده في الشرح،و الشهيد في الدروس (3)،و غيرهم من المتأخرين (4)،و بالجملة:الأكثرون على الظاهر،المصرَّح به في المسالك (5)،و هو الأظهر.

خلافاً للخلاف،و المفيد،و الديلمي،و ابن حمزة،و الحلّي (6)،و هو

ص:335


1- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
2- المختلف:714.
3- حكاه عن العماني و الإسكافي في المختلف:712،الصدوق في المقنع:135،و حكاه عن والده في المختلف:713،الحلبي في الكافي:436،المبسوط 8:172،التهذيب 6:280،الاستبصار 3:25،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):624،الشرائع 4:136،الإرشاد 2:159،القواعد 2:238،إيضاح الفوائد 4:432،الدروس 2:137.
4- انظر المسالك 2:413،و الكفاية:285.
5- المسالك 2:413.
6- الخلاف 6:252،المقنعة:727،المراسم:233،الوسيلة:222،السرائر 2:115.

ظاهر التحرير و لكن احتمل الأوّل ثانياً (1)،و في شرح الشرائع للصيمري أنّه المشهور (2).و فيه ما فيه.

و مستندهم الخبر:« شهادة النساء لا تجوز في طلاق،و لا نكاح، و لا في حدود،إلّا في الديون،و ما لا يستطيع الرجال النظر إليه (3).

و هو مع ضعف سنده بالسكوني و عدّة من الجهلاء غير مكافئ لما تقدم من الأدلة لوجوه شتى لا تخفى،و حمله الشيخ تارةً على الكراهة، و أُخرى على التقية،قال:لأنّ ذلك مذهب العامة (4).

أقول:و يعضده كون الراوي:السكوني،و هو من قضاتهم.

و مع جميع ذلك فهو مطلق يحتمل التقييد بصورة الانفراد عن الرجال،كما ذكره جماعة من الأصحاب (5).

و لا ينافيه الاستثناء للديون المثبت لقبول شهادتهنّ فيها مع أنّه لا يكون ذلك مع انفرادهن عن الرجال كما سيأتي؛ لمنع عدم قبول شهادتهنّ فيها على الانفراد عنهم مطلقاً؛ لما يأتي من قبولها مع اليمين، فلعله المراد من القبول في صورة الاستثناء.

و مع ذلك يحتمل حمله على ما حمل عليه بعض النصوص الدالّة على قبول شهادتهن مع الانفراد عن الرجال في الديون،كالصحيح:« إنّ

ص:336


1- التحرير 2:212.
2- غاية المرام 4:295.
3- التهذيب 6:773/281،الإستبصار 3:80/25،الوسائل 27:362 كتاب الشهادات ب 24 ح 42.
4- التهذيب 6:281.
5- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:413،و السبزواري في الكفاية:285،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:379.

رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أجاز شهادة النساء في الدين و ليس معهن رجل» (1)من دين من جهة الوصية،أو ميراث المستهل.

أو صورة ما إذا حصل العلم بقولهن،كما ذكره خالي العلّامة المجلسي طاب رمسه في حاشيته المحكية عنه على الصحيحة،قال:

و إلّا فالمعمول عليه أنّه لا تقبل شهادة النساء منفردات إلّا فيما يعسر اطلاع الرجال عليه،إلى آخر ما ذكره (2).

و أمّا الجمع بينهما بحمل رواية المنع على ما إذا كان المدّعى الزوج؛ لأنّه لا يدّعي مالاً،و أخبار القبول على ما إذا كان المدّعى المرأة؛ لأنّ دعواها تتضمن المال من المهر و النفقة،كما ذكره شيخنا في المسالك (3)و استوجهه.

فضعيف غايته؛ لعدم الشاهد عليه صريحاً،بل و لا ظاهراً كما في الكفاية (4)،و كونه فرع التكافؤ المفقود في الرواية المانعة لوجوه عديدة.

نعم لو صحّ البناء المتقدم للقول بالتفصيل في المسألة السابقة اتجه ما ذكره،و لكن فيه هنا نظير ما عرفته ثمّة،إلّا اعتضاد أخبار المشهور بالأصل؛ فإنّه على خلافها،بل معاضد للرواية المانعة،و لكنه غير نافع للقول بالتفصيل؛ إذ كما يعضده في شقّ ينافيه في آخر،فتدبّر.

و في قبولها أي شهادتهن في حصول الرضاع المحرّم تردّد و اختلاف بين الأصحاب:

ص:337


1- الفقيه 3:100/32،التهذيب 6:734/271،الإستبصار 3:69/22،الوسائل 27:363 كتاب الشهادات ب 24 ح 43.
2- ملاذ الأخيار 10:134.
3- المسالك 2:413.
4- الكفاية:285.

فبين مانع عنه،كالشيخ في الخلاف و موضع من المبسوط،و الحلّي، و نجيب الدين يحيى بن سعيد (1)،و في السرائر و التحرير و المسالك أنّه مذهب الأكثر (2)،و نسبه في موضع من المبسوط إلى روايات الأصحاب (3)، و في موضع آخر منه إليهم فقال:شهادة النساء لا تقبل في الرضاع عندنا (4).

مشعراً بدعوى الإجماع عليه،كما صرّح به في الخلاف (5)؛ لأصالة الإباحة مع عدم وضوح مخصّص لها من الأدلّة.

و بين من جعل أشبهه القبول كالمفيد،و العماني،و الإسكافي، و الديلمي،و ابن حمزة،و الشيخ في موضع آخر من المبسوط،و الفاضلين في كتبهما،و كذا الشهيدان،و فخر الإسلام،و الصيمري (6)،و غيرهم من سائر المتأخرين (7)،بل عليه عامّتهم؛ لأنّه أمر لا يطلع عليه الرجال غالباً، فمسّت الحاجة إلى قبول شهادتهن فيه كغيره من الأُمور الخفية على الرجال من عيوب النساء و غيرها.

و للنصوص الكثيرة المتقدم جملة منها،و سيأتي الإشارة إلى باقيها-

ص:338


1- الخلاف 6:258،المبسوط 5:311،الجامع:543.
2- السرائر 2:115،التحرير 2:212،المسالك 2:414.
3- المبسوط 8:172.
4- المبسوط 5:311.
5- الخلاف 6:258.
6- المفيد في المقنعة:727،و حكاه عن العماني و الإسكافي في المختلف:716،الديلمي في المراسم:233،ابن حمزة في الوسيلة:222،المبسوط 8:172،المحقق في الشرائع 4:137،العلّامة في التحرير 2:212،و القواعد 2:239،الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 3:144،فخر الإسلام في الإيضاح 4:435،الصيمري في غاية المرام 4:296.
7- كشف الرموز 2:525،و المقتصر:391،و المفاتيح 3:291.

الدالة على قبول شهادتهن فيما لا يجوز للرجال النظر إليه.

و للمرسل كالموثق بابن بكير المجمع على تصحيح ما يصح عنه المروي في التهذيب في أواخر باب ما يحرم من النكاح من الرضاع:في امرأة أرضعت غلاماً و جارية،قال:« يعلم ذلك غيرها؟» قلت:لا،قال:

« لا تصدّق إن لم يكن غيرها» (1).

فإنّ مفهوم الشرط أنّها تصدّق حيث يعلم بذلك غيرها،و السند كما عرفت معتبر،و مع ذلك بالشهرة العظيمة المتأخرة (2)القطعية التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة منجبر،و المفهوم حجة،و هو عام شامل لما إذا كان الغير ذكراً أو أُنثى،و خروج بعض الأفراد منه بالإجماع و غيره غير قادح؛ لكون العام المخصّص في الباقي حجة.

هذا على تقدير عمومه لغةً،كما هو الأقوى،و حقق في محله مستقصى،و أمّا على تقدير إطلاقه المنصرف إليه بالدليل الذي به تصرف الإطلاقات إليه فلا قدح بذلك قطعاً و إن قلنا بأنّ العام المخصَّص ليس حجة؛ لوضوح اختلاف حال العموم و الإطلاق في ذلك جدّاً،فاندفع بما قررنا المناقشة الموردة على هذه المرسلة بحذافيرها.

و مع ذلك فالمسألة لا تخلو عن شوب الإشكال،لا لما مر من الأصل؛ لوجوب تخصيصه بما مرّ من الدليل،بل لما عرفت من الإجماع المحكي في صريح الخلاف و ظاهر المبسوط،و الرواية المحكية فيه المنجبر إرسالها بالإضافة إلينا بالشهرة المنقولة فيما مرّ من عبائر جملة من

ص:339


1- التهذيب 7:1330/323،الوسائل 20:401 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 12 ح 3.
2- في« س»:المعتبرة.

أصحابنا.

و إن أمكن المناقشة في جميع ذلك:فحكاية الإجماع بعدم صراحتها فيه في المبسوط،و معارضته بإجماع المرتضى الآتي،مع احتمال وهنه كالشهرة المنقولة بأكثريّة القائل بالقبول في قدماء الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم من القائل منهم بالمنع،سيّما و إذا ضممنا إليهم جملة منهم ممّن لم يتعرض لخصوص المسألة نفياً و لا إثباتاً،و لكن صرّح بقبول شهادتهن فيما لا يطّلع عليه الرجال غالباً و منه الرضاع قطعاً،و قد ادّعى بعضهم الإجماع عليه كابن زهرة،بل ادّعى الإجماع على قبول شهادتهن مع الرجال فيما عدا الطلاق و غيره مما عدّه قبل ذلك و لم يكن منه الرضاع،فقال:

و تقبل شهادتهن فيما عدا ما ذكرناه مع الرجال بدليل إجماع الطائفة (1).

فتأمّل .

مع أنّ المرتضى صرّح بالإجماع على القبول،فقال:الذي يقوله أصحابنا:إنّ شهادة النساء في الرضاع مقبولة على الانفراد،و في الولادة أيضاً إلى أن قال-:و الدليل على ذلك بعد الإجماع المتقدم ذكره ما روي (2).إلى آخر ما ذكره.

و الرواية المحكية في المبسوط لم نقف عليها،فهي كما عرفت مرسلة،و الشهرة المحكية على تقدير صحتها إنّما تجبر وهن السند بعد اتضاح الدلالة،و هي غير معلومة،فيحتمل الغفلة عنها للحاكي،أو بناؤه إيّاها على ما لم نرض به.

و لو سلّم جميع ذلك فهي معارضة بالروايات المتقدمة عموماً

ص:340


1- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
2- الناصريات(الجوامع الفقهية):212.

و خصوصاً،يعني المرسلة الراجحة على هذه الرواية بالموافقة لتلك الأخبار العامة،و اعتبار سندها في نفسه،و اشتهارها بالشهرة العظيمة المتيقنة التي هي أقوى من الأكثرية المنقولة من وجوه عديدة،فإذاً القول بالقبول في غاية القوة.

و لا تقبل شهادتهن مطلقاً حتى مع الرجال في الحدود و حقوق اللّه سبحانه و لو كانت مالية كالخمس و الزكاة و النذر و الكفارة، بلا خلاف أجده إلّا في الزنا،فيثبت بشهادتهن في الجملة،كما سيأتي إليه الإشارة و بنفيه صرح في الغنية (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل المتقدم إليه الإشارة،و النصوص المستفيضة:

ففي الصحيح:أ تجوز شهادة النساء في الحدود؟فقال:« في القتل وحده،إنّ عليّاً(عليه السّلام)كان يقول:لا يبطل دم امرئ مسلم» (2).

و في الخبرين:« لا تجوز شهادة النساء في الحدود،و لا في القود» (3).

و في ثالث:« شهادة النساء لا تجوز في طلاق،و لا في نكاح،و لا في حدود،إلّا في الديون،و ما لا يستطيع الرجال النظر إليه» (4).

و قصور سند الأكثر و التضمن لما لا يقول به أحد أو الأكثر مجبور

ص:341


1- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
2- الكافي 7:1/390،التهذيب 6:711/266،الإستبصار 3:82/26،الوسائل 27:350 كتاب الشهادات ب 24 ح 1.
3- التهذيب 6:709/265،710،الإستبصار 3:77/24،78،الوسائل 27:358،359 كتاب الشهادات ب 24 ح 29،30.
4- التهذيب 6:773/281،الإستبصار 3:80/25،الوسائل 27:362 كتاب الشهادات ب 24 ح 42.

بالعمل في محل البحث،لكنها مختصّة بالحدود،فلا تشمل باقي الحقوق، و لكن الأصل مع عدم الخلاف كافٍ في عدم القبول فيها،مع الاعتضاد بفحاوي النصوص الدالة على قبول شهادتهن فيما سيأتي من الأُمور الخاصّة؛ لظهورها في اختصاص القبول بها خاصّة.

نعم ربما دلّ استثناء الديون في الرواية الأخيرة و ما ضاهاها على القبول في حقوق اللّه سبحانه المالية؛ لصدق الديون عليها حقيقةً،إلّا أن يدّعى عدم تبادرها منها عند الإطلاق و التجرد عن القرينة،و لا يخلو عن مناقشة.

قال شيخنا في الروضة بعد ذكر الشهيد عدم القبول في الأمثلة الأربعة المتقدمة بياناً لحقوق اللّه تعالى المالية ما لفظه:و هذه الأربعة ألحقها المصنف بحقوق اللّه سبحانه و إن كان للآدمي فيها حظّ،بل هو المقصود منها؛ لعدم تعيين المستحق على الخصوص (1).انتهى.

و لعل ما ذكره من وجه الإلحاق راجع إلى ما قدمنا من عدم تبادر نحو هذه الديون التي لا مستحق لها على الخصوص من الديون المستثنى قبول شهادتهن فيها في تلك النصوص.

و تقبل شهادتهن مع الرجال في الرجم خاصّة،لكن على تفصيل يأتي ذكره إن شاء اللّه تعالى في الفصل الأوّل من كتاب الحدود، و عليه يحمل إطلاق بعض النصوص:« تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال» (2)مع ما في سنده من الضعف و القصور.

ص:342


1- الروضة البهية 3:141.
2- التهذيب 6:727/270،الإستبصار 3:100/30،الوسائل 27:356 كتاب الشهادات ب 24 ح 21.

و تقبل شهادتهن في الجراح و القتل لكن لا منفردات،بل إذا كنّ مع الرجال منضمّات بأن يشهد رجل و امرأتان.

و لا خلاف في عدم القبول مع الانفراد إلّا من الحلبي؛ حيث قال بقبول شهادة امرأتين في نصف دية النفس و العضو و الجراح،و المرأة الواحدة في الربع (1).

و استغربه في المختلف (2)،و شذّذه في المسالك (3)،مشعرين بدعوى الإجماع على خلافه،و لعلّه كذلك،فلا عبرة به و إن دلّ عليه الصحيح و غيره.

ففي الأوّل:« قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في غلام شهدت عليه امرأة أنّه دفع غلاماً في بئر فقتله،فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة» (4).

و في الثاني:عن امرأة شهدت على رجل أنّه دفع صبياً في بئر فمات،قال:« على الرجل ربع دية الصبي بشهادة المرأة» (5).

لمخالفتهما مع قصور سند الثاني الإجماع الظاهر و المحكي، و الأصل،و خصوص النصوص الآتية المانعة عن قبول شهادتهن مطلقاً، و المجوّزة له بشرط الانضمام إلى الرجل،و عموم النصوص المانعة عن قبول شهادتهن مطلقاً،إلّا في الديون مع الرجال،و المجوّزة له في خصوص ما لا يطّلع عليه الرجال خاصّة.

ص:343


1- الكافي في الفقه:439.
2- المختلف:714.
3- المسالك 2:414.
4- الفقيه 3:96/31،التهذيب 6:714/267،الإستبصار 3:85/27،الوسائل 27:357 كتاب الشهادات ب 24 ح 26.
5- الفقيه 3:98/32،التهذيب 6:715/267،الإستبصار 3:86/27،الوسائل 27:359 كتاب الشهادات ب 24 ح 33.

و بالجملة:فهذا القول في غاية من الضعف.

و أمّا القبول مع انضمام الرجل الواحد إلى امرأتين فمتفق عليه في الظاهر فيما لو كان المشهود به لا توجب إلّا الدية كقتل الخطأ،و المأمومة، و الجائفة؛ عملاً بالأدلّة الآتية الدالّة على قبول شهادتهن مع الرجل فيما كان مالاً أو المقصود منه المال،مضافاً إلى إطلاق بعض النصوص الآتية الدالة على قبول شهادتهن في الدم بعد حمله على خصوص ما نحن فيه.

و أمّا فيما لا يوجب إلّا القصاص فمختلف فيه بين الأصحاب،فبين مانع عنه مطلقاً كالحلّي و الشيخ في الخلاف (1).و قائل به كالعماني،و الماتن في موضع من الشرائع،و الفاضل في موضع من الإرشاد و القواعد (2)، و احتمله في التحرير (3).

و نسب في المختلف و الإيضاح و النكت و المسالك إلى مقوّى المبسوط (4)،مع أنّ عبارته المحكية في المختلف صريحة في عدم القبول فإنّه قال بعد تعداد ما لا يثبت إلّا بشاهدين من نحو النكاح و الخلع و الطلاق و الجناية الموجبة للقود و غير ذلك ما لفظه:و قال بعضهم:تثبت جميع ذلك بشاهد و امرأتين.و هو الأقوى إلّا القصاص (5).انتهى.

و هو كما ترى صريح فيما ذكرنا ،فهو غريب.

ص:344


1- السرائر 2:138،الخلاف 6:252.
2- حكاه عن العماني في المختلف:714،الشرائع 4:136،الإرشاد 2:159،القواعد 2:238.
3- التحرير 2:212.
4- المختلف:714،الإيضاح 4:434،غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:271،المسالك 2:413.
5- المختلف:712،و هو في المبسوط 8:172.

و أغرب منه نسبة المسالك هذا القول إلى كثير من الأصحاب (1)،مع أنّي لم أقف على قائل به عدا من ذكرته.

و مع ذلك الفاضلان و إن أطلقا القبول في القتل في كتبهم المذكورة في هذا الكتاب،إلّا أنّهما رجعا عنه فيها في كتاب القصاص (2)و باقي كتبهما، كهذا الكتاب،فإنّه و إن قال أوّلاً:تقبل شهادتهن مع الرجال في الجراح و القتل بقول مطلق و لكن قيّده و بيّنه بأنّه تجب بشهادتهن الدية لا القود.

و نحوه الفاضل في المختلف،فإنّه بعد ترجيحه لهذا القول،و ذكره أدلّة المانعين و بعض الأجوبة عنها قال مجيباً أيضاً:أو نقول بالموجب، فإنّا لا نثبت القود بشهادتهن،بل نوجب الدية (3).

و كذا في التحرير؛ حيث جعل الجناية الموجبة للقود من جملة ما لا يثبت إلّا بشاهدين،و جعل قتل الخطأ،و كل جرح لا يوجب إلّا المال كالمأمومة و الجائفة،و كل عمد لا يوجب القصاص،كقتل السيد العبد، و المسلم الكافر،و الأب ولده،من جملة ما يثبت بهما و بشاهد و امرأتين (4).

و نحوهما في تقييد المنع عن القبول بالقود دون الدية عبائر باقي الأصحاب الذين وقفت على كلامهم في المسألة كالإسكافي،و الشيخ في المبسوط و الخلاف و النهاية،و القاضي،و الحلبي،و ابن حمزة،

ص:345


1- المسالك 2:414.
2- المحقق في الشرائع 4:218،و العلّامة في الإرشاد 2:215،و القواعد 2:293،و التحرير 2:250،و التبصرة:206.
3- المختلف:714.
4- التحرير 2:212.

و فخر الدين،و الشهيد في الدروس و اللمعة (1)،و غيرهم من متأخري الأصحاب (2).

بل ظاهر الصيمري عدم الخلاف فيه إلّا من الفاضلين في كتبهما المتقدمة التي قالا فيها بالقبول على الإطلاق،فإنّه قال بعد نسبة ذلك إليهما فيها ما لفظه:و ظاهر التحرير عدم الثبوت بغير الشاهدين،و هو المشهور بين الأصحاب،فضبطوا ذلك بما كان من حقوق اللّه تعالى،أو حقوق الآدميين و ليس مالاً و لا المقصود منه المال،فإنّه لا يثبت إلّا بشهادة الرجال دون النساء (3).

و هو كما ترى ظاهر فيما ذكرناه و أنّه لا مخالف فيه من القدماء، و نحوه عبارة المختلف المتقدمة،فأين الكثير الذين ذكر مصيرهم إلى القبول في القود؟!و لكن شيخنا أعرف بما ذكره.

و بالجملة:التحقيق أنّ في المقام دعويين:

إحداهما القبول في القود،و الأظهر الأشهر العدم،بل في ظاهر عبارة الإسكافي المحكية في المختلف (4)إجماعنا عليه،و نسب الماتن القبول فيه في كتاب القصاص إلى الشذوذ مشعراً كسابقه بدعوى الإجماع عليه؛ للأصل المتقدم،و النصوص المستفيضة المتقدم إلى جملة منها الإشارة في

ص:346


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:712،المبسوط 8:172،الخلاف 6:252،النهاية:333،المهذّب 2:558،الكافي في الفقه:436،الوسيلة:222،إيضاح الفوائد 4:434،الدروس 2:137،اللمعة(الروضة البهية 3):142.
2- انظر الروضة 3:142،و الكفاية:285.
3- غاية المرام 4:295.
4- المختلف:712.

الأبحاث السابقة،و فيها الصحيح و غيره من المعتبرة،و في الصحيح (1):

« لا تجوز شهادة النساء في القتل» (2).

خلافاً لمن مرّ؛ لما مرّ من الصحيح المتضمن لعدم جواز شهادتهن في الحدود إلّا في القتل وحده (3).

و الصحيح:« تجوز شهادة النساء في الدم مع الرجال» (4).

و الخبر الضعيف بمفضل بن صالح:تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟قال:« نعم» (5).

و لا يخفى عليك عدم مقاومة هذه النصوص لمقابلتها؛ لوجوه شتى، مع ضعف بعضها،و ندرة القائل بالحصر المستفاد من الصحيحة الأُولى منها،بل و عدمه،مع متروكية ظاهر إطلاق القبول فيها لشهادة النساء الشامل لما إذا كنّ منفردات،مع ما عرفت من ندرة القائل بها جملة في المسألة، إذ ليس إلّا العماني؛ لرجوع الفاضلين عنها فيما عرفت من كتبهما،فلتكن مطرحة أو مؤوّلة بما تؤول به إلى الأخبار الأوّلة بحملها على القبول في الدية خاصّة دون القود،كما فعله الشيخ و جماعة.

و أمّا الجمع بينهما بحمل المانعة على صورة الانفراد و هذه على

ص:347


1- في« س»:الصحيح،و الصحيح الآخر المشار إليه في التهذيب 6:708/265،الإستبصار 3:76/24،الوسائل 27:358 كتاب الشهادات ب 24 ح 28.
2- التهذيب 6:716/267،الإستبصار 3:87/27،الوسائل 27:358 كتاب الشهادات ب 24 ح 27.
3- راجع ص 340.
4- التهذيب 6:713/267،الإستبصار 3:84/27،الوسائل 27:357 كتاب الشهادات ب 24 ح 25.
5- التهذيب 6:712/266،الإستبصار 3:83/27،الوسائل 27:359 كتاب الشهادات ب 24 ح 32.

صورة الاجتماع مع الرجل ليصحّ القول بالقبول في القود فهو فرع التكافؤ المفقود في هذه؛ لرجحان المانعة عليها من وجوه شتى كما مضى،مضافاً إلى منافاته لظاهر سياق جملة منها بل صريحها؛ لتصريحها بقبول شهادتهن مع الرجل في النكاح و منعها بعد ذلك عنه في الطلاق و الدم مطلقاً،هذا.

و يختلج بالبال عدم معارضة هذه الأخبار لما قابلها بعد ضمّ مطلقها إلى مقيّدها أصلاً؛ إذ ليس في المقيد إلّا اعتبار شهادتهن مع الرجال بصيغة الجمع،و لا ريب فيه،و ليس فيها اعتبارها مع الرجل الواحد كما هو محل بحثنا،فتأمّل جدّاً .

و ثانيهما:القبول في الدية،و هو مذهب الماتن هنا،تبعاً للشيخ في النهاية (1)و جماعة كالإسكافي،و الحلبي،و القاضي،و ابن حمزة،و الفاضل في المختلف،و ولده في الإيضاح (2).

و حجتهم غير واضحة،عدا ما في المسالك (3)و غيره (4)من أنّها الجمع المتقدم إليه الإشارة،و لا شاهد عليه و لا أمارة،مع قصور الأخيرة عن المقاومة لما قابلها من الأخبار المانعة من وجوه عديدة،و الجمع فرع التكافؤ بلا شبهة،فالأصح عدم القبول أيضاً في الدية،وفاقاً لمن قدّمت ذكره،و هو ظاهر كل من جعل القود مما لا تقبل فيه شهادة النسوة بالمرّة مع عدم ذكره القبول فيه بالإضافة إلى الدية خاصّة،كالفاضلين في كتبهما

ص:348


1- النهاية:333.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:712،الحلبي في الكافي:436،القاضي في المهذب 2:558،ابن حمزة في الوسيلة:222،المختلف:714،إيضاح الفوائد 4:434.
3- المسالك 2:414.
4- انظر المختلف:714.

المتقدمة (1)و الشهيدين في الدروس و اللمعتين (2)،لكن عبارة الإسكافي ربما تشعر بإجماعنا على ما ذكره،فإنّه قال:و لا بأس عندنا بشهادتهن مع الرجال في الحدود و الأنساب و الطلاق،و لا توجب القود إلّا بشهادة الرجال حقناً للدماء،فإن لم تتم الشهادة على القتل بالرجال و شاركهم النساء أوجبنا بها الدية (3).

و تقبل شهادتهن في الديون إذا كنّ مع الرجال و لو واحد منهم،بلا خلاف في الظاهر،مصرّح به في الكفاية و السرائر (4)و غيرهما، بل عليه الإجماع في موضع آخر من السرائر و في الغنية و المختلف (5)و غيرهما (6)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الآية الكريمة فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ [1] (7)و النصوص المستفيضة،المتقدم إلى بعضها الإشارة،و منها زيادة على ذلك الصحيح:قلت:تجوز شهادة النساء مع الرجال في الديون؟قال:

« نعم» (8).

و الموثق:قلت:فأنّى ذكر اللّه عزّ و جلّ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ [2] فقال:

ص:349


1- راجع ص 344.
2- الدروس 2:137،اللمعة و الروضة 3:142.
3- حكاه عنه في المختلف:712.
4- الكفاية:285،السرائر 2:138.
5- السرائر 2:116،الغنية(الجوامع الفقهية):624،المختلف:716.
6- انظر المهذّب البارع 4:555،مجمع الفائدة 12:430.
7- البقرة:282.
8- الكافي 7:2/390،التهذيب 6:723/269،الإستبصار 3:95/29،الوسائل 27:351 كتاب الشهادات ب 24 ح 2.

« ذلك في الدين» (1).

و هذه النصوص كالعبارة و نحوها مما وقع التعبير فيه بالديون خاصّة و إن اختصت بها،إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد بها الدين بالمعنى العام،الشامل للدين بالمعنى الأخص كالقرض و النسيئة و السلف و غيره مما يكون مالاً، أو يقصد به المال،كما فهمه الأصحاب و ادّعي الإجماعات المزبورة عليه، فيدخل فيها البيع،و الرهن،و الإجارة،و الضمان،و القراض،و الشفعة، و المزارعة،و المساقاة،و الهبة،و الإبراء،و المسابقة،و الوصية بالمال، و الصداق في النكاح،و الإقالة،و الردّ بالعيب،و الوطء بالشبهة،و الغصب، و الإتلاف،و الجنايات التي لا توجب إلّا المال كقتل الخطأ،و قتل الصبي و المجنون،و قتل الحرّ العبد،و المسلم الذمّي،و الوالد الولد،و السرقة التي لا قطع فيها،و المال خاصّة فيما فيه القطع،و الأُمور المتعلقة بالعقود و الأموال كالخيار،و الأجل،و نجوم مال الكتابة حتى النجم الأخير في قول قوي،و نحو ذلك.

هذا إذا انضم إليهن الرجل.

و أمّا لو انفردن عنه كالمرأتين فصاعداً فلا تقبل شهادتهن في الديون قطعاً،إذا لم تصل إلى حدّ الشياع المفيد للقطع،أو الظن القوي المتاخم له على احتمال قوي،و لم يضم إليها اليمين أيضاً.

و أمّا مع اليمين فالأشبه عند الماتن هنا،و الفاضل في كتاب القضاء من التحرير،و الفاضل المقداد في التنقيح (2) عدم القبول أيضاً،

ص:350


1- التهذيب 6:774/281،الإستبصار 3:81/26،الوسائل 27:360 كتاب الشهادات ب 24 ح 35.
2- التحرير 2:193،التنقيح الرائع 4:308.

وفاقاً للحلّي (1)،عملاً بالأصل المتقدم مع اختصاص المخرج عنه بقبول شهادتهن مع الرجال.

خلافاً للفاضلين في الشرائع و كتاب الشهادات من التحرير،و في الإرشاد و القواعد و المختلف (2)،فاختارا القبول،و حكاه في الأخير عن الشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف مدّعياً فيه الإجماع،و الإسكافي، و القاضي،و ابن حمزة،و اختاره الشهيدان (3).

و هو الأصح؛ للصحيحين،في أحدهما:« أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين يحلف باللّه تعالى أنّ حقه لحق» (4).

و في الثاني:« إذا شهد لطالب الحق امرأتان و يمينه فهو جائز» (5).

و لا معارض لهما من النصوص أصلاً،و الأصل مخصَّص بهما، لصحة سندهما،و اعتضادهما بالشهرة جدّاً،بل في الدروس ذكر أنّ القول الأوّل متروك (6)،مشعراً بدعوى الإجماع على هذا،كما مر عن صريح الخلاف (7).

ص:351


1- السرائر 2:138.
2- الشرائع 4:137،التحرير 2:212،الإرشاد 2:160،القواعد 2:239،المختلف:716،و هو في النهاية:333،المبسوط 8:174،الخلاف 6:254،المهذب 2:559،الوسيلة:222.
3- الشهيد الأول في الدروس 2:137،الشهيد الثاني في الروضة البهية 3:143.
4- الكافي 7:7/386،الفقيه 3:106/33،التهذيب 6:739/272،الإستبصار 3:107/32،الوسائل 27:271 أبواب كيفية الحكم ب 15 ح 3.
5- الكافي 7:6/386،الفقيه 3:105/33،التهذيب 6:738/272،الإستبصار 3:106/31،الوسائل 27:271 أبواب كيفية الحكم ب 15 ح 4.
6- الدروس 2:100.
7- الخلاف 6:254.

فما في التنقيح من أنّهما نادران لا يعارض بهما الأدلة المتكاثرة،مع أنّ الثاني مقطوع الوسط (1)ظاهر الفساد؛ إذ الندرة إن أُريد بها بحسب الفتوى فقد عرفت فتوى أكثر أصحابنا بهما،و به اعترف هو أيضاً سابقاً، و إن أُريد بها بحسب الرواية فأوضح حالاً في الفساد؛ لكونهما مرويين في الكتب الأربعة المشهورة و غيرها من الكتب الاستدلالية،و ظاهر الكليني و الصدوق-(رحمهما اللّه) الإذعان بهما،سيّما الثاني منهما.

و قطعُ وسط الثاني الذي ذكره ليس في محلّه؛ لأنّه مروي في الفقيه بدونه،و إنّما هو في سنده في التهذيبين،و مع ذلك فليس بقطع يقدح؛ إذ هو بهذا العنوان:حدّثني الثقة عن أبي الحسن(عليه السّلام).و مثله يعدّ من الصحيح و حجّةً على الصحيح،كما برهن في محله مستقصى،و على تقدير تسليم القدح به بتوهم الإرسال فهو مجبور بالموافقة للصحيح الآخر و عمل أكثر الأصحاب.

و ما ذكره من الأدلة المتكاثرة على خلافهما لم أقف عليها،و لا ذكر هو و لا غيره شيئاً منها عدا الأصل الذي قدّمناه،و قد عرفت وجوب تخصيصه بهما.

و يقبلن شهادةً منفردات عن كل من اليمين و الرجال في العُذرة و البكارة و عيوب النساء الباطنة كالرتق و القرن و غير ذلك من الأُمور الخفية التي لا يطلع عليها الرجال،بلا خلاف أجده،و به صرّح في الغنية (2)،و هو الحجة،مضافاً إلى الضرورة،و الصحاح المستفيضة و نحوها من المعتبرة.

منها: زيادةً على ما تقدم إليه الإشارة الصحيح:« تجوز شهادة

ص:352


1- التنقيح 4:308.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):624.

النساء وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال لينظروا إليه،و تجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس» (1).

و الصحيحان (2)و غيرهما (3):« تجوز شهادة النساء في المنفوس و العذرة».

و الموثق كالصحيح:« تجوز شهادة النساء في العذرة و كل عيب لا يراه الرجل» (4).

و الخبر القريب من الصحيح بابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه:« تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه» (5).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة (6).

و يستفاد من فحواها كالعبارة و غيرها قبول شهادة الرجال مطلقاً في المقام بطريق أولى،و حكي عن الشيخ صريحاً (7)،و لم أجد فيه خلافاً

ص:353


1- الكافي 7:8/391،التهذيب 6:702/264،الإستبصار 3:70/23،الوسائل 27:353 كتاب الشهادات ب 24 ح 10.
2- الأول في:الكافي 7:2/390،التهذيب 6:723/269،الإستبصار 3:95/29،الوسائل 27:351 كتاب الشهادات ب 24 ح 2. الثاني في:الفقيه 3:95/31،الوسائل 27:364 كتاب الشهادات ب 24 ح 46.
3- الكافي 7:10/392،التهذيب 6:722/269،الإستبصار 3:94/29،الوسائل 27:355 كتاب الشهادات ب 24 ح 14.
4- الكافي 7:7/391،التهذيب 6:732/271،الوسائل 27:353 كتاب الشهادات ب 24 ح 9.
5- الكافي 7:11/392،التهذيب 6:707/265،الإستبصار 3:75/24،الوسائل 27:352 كتاب الشهادات ب 24 ح 5.
6- الوسائل 27:350 أبواب الشهادات ب 24.
7- حكاه عنه في المختلف:716،و هو في المبسوط 8:172.

إلّا من القاضي (1)،معلّلاً بأنّه لا يجوز للرجال النظر إلى ما ذكر (2).

و فيه نظر واضح؛ لجواز اطلاعهم عليه اتفاقاً،أو عمداً مع التوبة قبل الإقامة،أو مع الحلّية كما يتصور و لو في بعض الفروض النادرة،مع أنّ ذلك لو صحّ علّةً لردّ الشهادة لاستلزم عدم قبول شهادة النسوة أيضاً في نحو البكارة مما يستلزم الشهادة عليه النظر إلى العورة المحرَّم حتى للنسوة.

و حيث تقبل شهادتهن منفردات يعتبر كونهن أربعاً،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخر،لما عهد من عادة الشرع في باب الشهادات من اعتبار المرأتين برجل،و للأمر بإشهاد رجلين أو رجل و امرأتين،فتأمّل.

و للأصل المتقدم الدال على عدم جواز قبول شهادتهن مطلقاً،خرج الأربع في محل البحث اتفاقاً فتوًى و نصّاً؛ لأنّ موردهما النساء بصيغة الجمع الغير الصادق حقيقة إلّا على ما زاد على اثنين،و كلّ من قال بلزومه (3)عيّن الأربع.

و احتمال كون الإتيان بها في مقابلة القضايا فلا ينافي اعتبار الواحدة مثلاً في بعضها و إن أمكن،كما يقال مثله فيما مرّ في النصوص من قبول شهادتهن مع الرجال في الديون،إلّا أنّه هنا غير متيقن،بل و لا مظنون، فينبغي حينئذٍ الأخذ بالمتيقن،و ليس إلّا الأربع،و لا نصّ آخر يدل على الاكتفاء بالأقل إلّا ما سيذكر مع الجواب عنه،هذا.

مضافاً إلى خصوص المروي في الوسائل،عن مولانا العسكري(عليه السّلام)

ص:354


1- في« ب»:المرتضى.
2- المهذّب 2:559.
3- في« س»:به.

في تفسيره،عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام)في قوله تعالى أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى [1] (1)قال:« إذا ضلّت إحداهما عن الشهادة فنسيتها ذكّرت إحداهما الأُخرى بها فاستقاما في أداء الشهادة،عند اللّه تعالى شهادة امرأتين بشهادة رجل لنقصان عقولهن و دينهن» (2).

خلافاً للمفيد و الديلمي (3)،فقالا:تقبل في عيوب النساء و الاستهلال و النفاس و الحيض و الولادة و الرضاع شهادة امرأتين مسلمتين،و إذا لم يوجد إلّا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه؛ للصحيحين:

في أحدهما:عن شهادة القابلة في الولادة،قال:« تجوز شهادة الواحدة» (4).

و نحوه الثاني بزيادة قوله:« وحدها» (5).

و يضعّف أوّلاً:بعدم مقاومتهما لما مضى.

و ثانياً:بأنّهما مطلقان يجب تقييدهما بما سيأتي من النصوص و غيرها الدالة على ثبوت الربع بشهادة الواحدة في موردهما الذي هو خصوص الولادة.

و ثالثاً:بأخصّية المورد،و تتميمها بعدم القائل بالفرق في المسألة غير ممكن بعد وجوده،و هو العماني كما حكي (6)،بل الكل كما يأتي،و المائز

ص:355


1- البقرة:282.
2- تفسير العسكري(عليه السّلام):377/675،الوسائل 27:335 كتاب الشهادات ب 16 ح 1.
3- المقنعة:727،المراسم:233.
4- الكافي 7:2/390،التهذيب 6:723/269،الإستبصار 3:95/29،الوسائل 27:351 كتاب الشهادات ب 24 ح 2.
5- الكافي 7:8/391،التهذيب 6:702/264،الإستبصار 3:70/23،الوسائل 27:353 كتاب الشهادات ب 24 ح 10.
6- حكاه عنه في المختلف:716.

بينهم و بين العماني على ما يستفاد من المسالك (1)و غيره (2)،مع اشتراكهم في العمل بمضمون الصحيحين تخصيصه القبول بالواحدة بموردهما،دونهم فعمّموه للشهادة في الوصية أيضاً.و فيه نظر.

و رابعاً:بعدم دلالتهما على اعتبار المرأتين أوّلاً ثم مع عدمهما المرأة الواحدة،بل و لا على قبول شهادتهما مطلقاً،اللّهم إلّا أن يكون المستند في التفصيل الجمع بينهما و بين الحسن:« تجوز شهادة امرأتين في الاستهلال» (3)و لكن لا شاهد عليه،و لا داعي له مع إمكان الجمع بالتقييد بما يأتي من قبول شهادتهما في النصف،بل هو المتعين،فإنّ أخبارهم(عليهم السّلام)يكشف بعضها عن بعض.

و للإسكافي،فقبل شهادة الواحدة أيضاً في الأُمور المزبورة لكن بحسابها (4).

و مستنده غير واضح عدا القياس بالمسألتين المستثناتين مما ذكرناه بلا خلاف بين الأصحاب على الظاهر،المصرَّح به في الغنية (5)في إحداهما،و عليه الإجماع في الخلاف و السرائر (6)فيهما.

و قد أشار الماتن إليهما بقوله: و تقبل شهادة القابلة في ربع ميراث المستهل من الاستهلال،و هو ولادة الولد حياً،سُمّي ذلك استهلالاً إمّا لتصويته عند ولادته،أو للصوت الحاصل عندها ممن حضر عادة كتصويت

ص:356


1- المسالك 2:414.
2- المهذب البارع 4:557.
3- التهذيب 6:782/284،الإستبصار 3:101/30،الوسائل 27:362 كتاب الشهادات ب 24 ح 41.
4- حكاه عنه في المختلف:716.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
6- الخلاف 6:258،السرائر 2:138.

من رأى الهلال،و هذا أقرب بفتوى الأصحاب و الأخبار المعمول عليها المتقدمة في ميراثه و هنا،كالخبر:عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)قال:« أُجيز شهادة النساء في الصبي صاح أو لم يصح» (1).

و أمّا الأخبار المعتبرة لصياحه فقد عرفت ثمة ورودها للتقية.

و الحجة في أصل المسألة بعد ما مرّ من الإجماع الصحيح:عن رجل مات و ترك امرأته و هي حامل،فوضعت بعد موته غلاماً،ثم مات الغلام بعد ما وقع إلى الأرض،فشهدت المرأة التي هي قبلتها أنّه استهل و صاح حين وقع إلى الأرض ثم مات،قال:« على الإمام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام» (2).

و الموثق:« القابلة تجوز شهادتها في الولد على قدر شهادة المرأة الواحدة» (3).

و المرسل:« تجوز شهادة القابلة في المولود إذا استهل و صاح في الميراث،و يورث الربع من الميراث بقدر شهادة امرأة» قلت:فإن كانتا امرأتين؟قال:« تجوز شهادتهما في النصف من الميراث» (4).

و هذه هي المسألة الاُولى.

و الثانية: أنّها تقبل شهادة امرأة واحدة في ربع الوصية،و كذا

ص:357


1- الكافي 7:13/392،التهذيب 6:721/268،الإستبصار 3:93/29،الوسائل 27:354 كتاب الشهادات ب 24 ح 12.
2- الكافي 7:12/392،الفقيه 3:101/32،التهذيب 6:720/268،الإستبصار 3:92/29،الوسائل 27:352 كتاب الشهادات ب 24 ح 6.
3- التهذيب 6:730/270،الإستبصار 3:103/31،الوسائل 27:357 كتاب الشهادات ب 24 ح 23.
4- الكافي 7:4/156،التهذيب 6:736/271،الإستبصار 3:104/31،الوسائل 27:364 كتاب الشهادات ب 24 ح 45.

كل امرأة زادت في المسألتين تثبت شهادتها في الربع حتى يكملن أربعاً فتقبل شهادتهن في كل من الميراث و الوصية أجمع.

و الأصل هنا بعد الإجماع الذي مضى الصحيحان،في أحدهما:

« قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في وصية لم تشهدها إلّا امرأة،فقضى أن تجاز شهادة المرأة في ربع الوصية» (1).

و في الثاني:في شهادة امرأة حضرت رجلاً يوصي،فقال:« يجوز في ربع ما أوصى بحساب شهادتها» (2).

و هما كسابقيهما (3)و إن قصرا عن إفادة تمام المدّعى من ثبوت الزائد على الربع و الربعين بشهادة الثلاث نسوة فصاعداً إلى أن يكملن أربعاً فيثبت الميراث و الوصية تماماً،إلّا أنّه لا قائل بالفرق جدّاً.

مع أنّه يمكن أن يقال:إنّ رواية الواحدة تكفي الأربع،فإنّه يصدق على كل واحدة أنّها شهدت للربع،لا سيّما إذا وردت في الاثنتين.

مع أنّ الصدوق في الفقيه روى رواية وافية بتمام المدّعى في المسألة الأُولى،حيث قال بعد نقل الصحيحة الاُولى من أخبارها:و في رواية اخرى:« إنّ كانت امرأتين تجوز شهادتهما في نصف الميراث،و إن كنّ ثلاث نسوة جازت شهادتهن في ثلاث أرباع الميراث،و إن كنّ أربعاً جازت شهادتهن في الميراث كلّه» (4).

ص:358


1- التهذيب 6:717/267،الإستبصار 3:88/28،الوسائل 27:355 كتاب الشهادات ب 24 ح 15.
2- التهذيب 6:718/268،الإستبصار 3:89/28،الوسائل 27:355 كتاب الشهادات ب 24 ح 16.
3- في« س»:كسابقتهما،و في« ق»:كسابقهما.
4- الفقيه 3:102/32،الوسائل 27:365 كتاب الشهادات ب 24 ح 48.

و اعلم أنّ الصحيحين في هذه المسألة بإزائها نصوص كثيرة دالة على عدم قبول شهادتهن منفردات فيها بالكلية.

فمنها الصحيح:عن امرأة ادّعى بعض أهلها أنّها أوصت عند موتها من ثلثها بعتق رقبة لها،أ يعتق ذلك و ليس على ذلك شاهد إلّا النساء؟قال:

« لا تجوز شهادتهن في هذا» (1).

و الصحيح:كتب أحمد بن هلال إلى أبي الحسن(عليه السّلام):امرأة شهدت على وصية رجل لم يشهدها غيرها و في الورثة من يصدّقها و فيهم من يتّهمها،فكتب(عليه السّلام):« لا،إلّا أن يكون رجل و امرأتان،و ليس بواجب أن تنفذ شهادتها» (2).

و نحوهما غيرهما (3).

و هي شاذّة لا عمل عليها،فلتطرح،أو تؤوّل بما يؤول إلى الصحيحين المفتي بهما،بحمل هذه على ما حملها الشيخ من أنّ المراد بها أنّه لا تجوز شهادتها في جميع الوصية،أو التقية،قال:لأنّهما موافقان لمذاهب العامة (4).

أقول:و يعضده المكاتبة من حيث الكتابة،كما قرّر في محلّه.

و قريب منها في الاعتضاد بعض الأخبار:عن المرأة يحضرها الموت و ليس عندها إلّا امرأة،تجوز شهادتها؟قال:« تجوز شهادتها في العذرة

ص:359


1- التهذيب 6:771/280،الإستبصار 3:91/28،الوسائل 27:362 كتاب الشهادات ب 24 ح 40.
2- التهذيب 6:719/268،الإستبصار 3:90/28،الوسائل 27:360 كتاب الشهادات ب 24 ح 34.
3- الوسائل 27:350 كتاب الشهادات ب 24.
4- التهذيب 6:268،الإستبصار 3:29.

و المنفوس» (1)فإن عدوله(عليه السّلام)عن الجواب بلا تجوز،أو تجوز،إلى قوله « تجوز شهادتها» إلى آخره لا يكون إلّا لمصلحة،و هي غالباً التقية.

و بالجملة:فلا ريب في المسألة.

بقي هنا شيء،و هو أنّ إطلاق النصوص و الفتاوى في المسألتين يقتضي جواز (2)قبول شهادتهن فيهما مطلقاً و لو لم يتعذّر الرجال.

و قد خالف فيه الشيخ في النهاية،و القاضي،و الحلّي،و ابن حمزة (3)،فاشترطوا تعذّرهم.

و لعلّه للأصل المتقدم،مع اختصاص النصوص المخرجة عنه في المسألتين بحكم الغلبة و التبادر و غيرهما بصورة تعذّر الرجال خاصّة.

مضافاً إلى المروي في الوسائل عن الصدوق في كتابي العلل و العيون أنّه روى فيهما بأسانيده إلى محمد بن سنان،عن مولانا الرضا(عليه السّلام)فيما كتب إليه من العلل:« و علّة ترك شهادة النساء في الطلاق و الهلال لضعفهن عن الرؤية،و محاباتهن النساء في الطلاق،فلذلك لا تجوز شهادتهن إلّا في موضع ضرورة،مثل شهادة القابلة،و ما لا يجوز للرجال أن ينظروا، كضرورة تجويز شهادة أهل الكتاب إذا لم يوجد غيرهم،و في كتاب اللّه عزّ و جلّ اِثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ [1] مسلمين أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ [2] (4)

ص:360


1- الكافي 7:10/392،التهذيب 6:722/269،الإستبصار 3:94/29،الوسائل 27:355 كتاب الشهادات ب 24 ح 14.
2- ليس في« ح».
3- النهاية:333،القاضي في المهذّب 2:559،الحلّي في السرائر 2:138،ابن حمزة في الوسيلة:222.
4- المائدة:106.

كافرين،و مثل شهادة الصبيان على القتل إذا لم يوجد غيرهم» (1)فتدبّر.

و في ثبوت النصف بالرجل لمساواته الاثنتين في المعنى،أو الربع للفحوى،أو سقوط شهادته أصلاً لفقد النص صريحاً،أوجه،خيرها أوسطها وفاقاً لجماعة كالفاضل في القواعد و شيخنا في الروضة و المسالك (2)لضعف الأوّل بأنّه قياس،و الأخير بعدم اشتراط النص الصريح.

و لا تردّ شهادة أرباب الصنائع المكروهة كالصياغة و بيع الرقيق و لا شهادة ذوي الصنائع الدنيئة بحسب العادة كالحياكة و الحجامة و لو بلغت الدناءة الغاية كالزبّال و الوقّاد.

و لا شهادة ذوي العاهات و الأمراض الخبيثة كالأجذم و الأبرص بعد استجماع جميع شرائط قبول الشهادة التي منها العدالة، و عدم ارتكاب ما ينافي المروءة،بلا خلاف بيننا أجده،و به صرّح في الكفاية (3)،بل في ظاهر السرائر و المسالك (4)إجماعنا عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى عمومات أدلة قبول الشهادة من الكتاب و السنّة،مع سلامتها عن المعارض بالكلية،عدا ما توهّمه بعض العامة من أنّ اشتغالهم بهذه الحِرَف و رضاهم بها يشعر بالخسّة و قلّة المروءة (5).

و هو ضعيف غايته،سيّما على القول بعدم اعتبار المروءة في قبول الشهادة،و أمّا على اعتبارها فكذلك أيضاً إذا لم تكن في ارتكاب هذه

ص:361


1- علل الشرائع:1/508،عيون الأخبار 2:94،الوسائل 27:365 كتاب الشهادات ب 24 ح 50.
2- القواعد 2:239،الروضة 3:146،المسالك 2:414.
3- الكفاية:281.
4- السرائر 2:118،المسالك 2:404.
5- المغني لابن قدامة 12:35،و الشرح الكبير 12:48.

الصنائع منافاة للمروءة من غير جهة نفس الصنعة من حيث هي،كأن يكون من أهل تلك الصنعة،أو لم يُلَم مثله و أمثاله بارتكابها في العادة،و أمّا مع الملامة له فيها،بأن كان من أهل بيت الشرف الذي لا يناسب حاله تلك الصنعة،فارتكبها بحيث يلام،فيأتي عدم قبول شهادته حينئذ على القول باعتبار المروءة،و عدم القبول من هذه الجهة غير عدم القبول من حيث ارتكاب الصنعة من حيث إنّها صنعة،كما قاله بعض العامّة،من حيث توهّمه تضمّنها من حيث هي هي خلاف المروءة.

و بالجملة:الحيثيات في جميع الأُمور معتبرة،و على ما ذكرنا ينزّل إطلاق نحو العبارة ممن اعتبر المروءة في قبول الشهادة.

النظر الثاني في ما به يصير شاهداً

اشارة

الثاني:في بيان ما به يصير شاهداً.

و ضابطه العلم و اليقين العادي،بلا خلاف إلّا فيما استثني؛ لقوله سبحانه وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [1] (1)و قال عزّ من قائل إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ [2] (2).

و في النبوي و قد سئل عن الشهادة-:« هل ترى الشمس؟» فقال:

نعم،فقال:« على مثلها فاشهد أو دع» (3).

و في الخبر:« لا تشهدنّ بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفّك» (4).

و في آخر:« لا تشهد بشهادة لا تذكرها،فإنّه من شاء كتب كتاباً

ص:362


1- الإسراء:36.
2- الزخرف:86.
3- الشرائع 4:132،الوسائل 27:342 كتاب الشهادات ب 20 ح 3.
4- الكافي 7:3/383،الفقيه 3:143/42،التهذيب 6:682/259،الوسائل 27:341 كتاب الشهادات ب 20 ح 1.

و نقش خاتما» (1).

و مستنده المشاهدة أو السماع أو هما معاً؛ لأنّ الحواس مبادئ اقتناص العلوم،فمن فقد حسّا فقد فقد علماً،و يراد بالمشاهدة هنا ما يشمل الإبصار و اللمس و الذوق و الشمّ،فإنّه قد يقع الشهادة و يحتاج إليها فيما يفتقر فيه إلى شمّه أو ذوقه أو لمسه،فيشترط وجود الحاسّة المدركة لذلك الشاهد،و إلّا لم تصح شهادته،فلو شهد الأخشم أنّه غصبه ماء ورد مثلاً لم يصح.

فالمشاهدة يفتقر إليها للأفعال و نحوها مما لا يدركه آلة السمع كالغصب و القتل و الإتلاف و السرقة و الرضاع و الولادة و الزنا و اللواط و نحو ذلك،فلا يكفي فيها البناء على السماع،بلا خلاف ظاهر و لا إشكال إذا لم يفد العلم و اليقين الذي هو الأصل و البناء في الشهادة، و يشكل فيما لو أفاده؛ لعدم دليل على المنع حينئذ مع عموم أدلة قبول شهادة العالم.

و إلى هذا الإشكال أشار المولى الأردبيلي-(رحمه اللّه) فقال بعد أن نقل عنهم الحكم بعدم كفاية السماع فيما مرّ من الأمثلة-:و فيه تأمّل؛ إذ يجوز أن يعلم هذه الأُمور بالسماع من الجماعة الكثيرة بقرائن أو غيرها بحيث يتيقن و لم يبق عنده شبهة أصلاً،كسائر المتواترات و المحفوفات بالقرائن، فلا مانع من الشهادة حينئذ؛ لحصول العلم (2).

و نحوه صاحب الكفاية (3).

ص:363


1- الكافي 7:4/383،التهذيب 6:683/259،الإستبصار 3:66/22،الوسائل 27:323 كتاب الشهادات ب 8 ح 4.
2- مجمع الفائدة 12:444.
3- الكفاية:283.

و هو في محلّه،إلّا أنّ ظاهر كلمة الأصحاب الإطباق على الحكم المزبور،فإن تمّ حجة،و إلّا فالرجوع إلى العموم أولى.

إلّا أن يمنع بتخيل أنّ ما دلّ عليه متضمن للفظ الشهادة،و هي لغةً:

الحضور،و هو بالنسبة إلى العالم الغير المستند علمه إلى الحسّ من نحو البصر و غيره مفقود؛ إذا يقال له عرفاً و لغةً:إنّه غير حاضر للمشهود.

و اشتراط العلم المطلق فيما مرّ من الفتوى و النص غير مستلزم لكفاية مطلقه بعد احتمال أن يكون المقصود من اشتراطه التنبيه على عدم كفاية الحضور الذي لم يفد غير الظن،و أنّه لا بُدّ من إفادته العلم القطعي، و محصّله أنّه لا بُدّ مع الحضور من العلم،لا أنّ مطلقه يكفي،هذا.

و ربما كان في النبوي و نحوه (1)إشعار باعتبار الرؤية و نحوها مما يستند إلى الحسّ الظاهري،مع أنّ القطع المستند إلى الحسّ الباطني ربما يختلف شدّةً و ضعفاً،و لذا يتخلف كثيراً؛ فلعلّ الشاهد المستند علمه إليه يظهر عليه خلاف ما شهد به،فكيف يطمئن بشهادته؟! و هذا الخيال و إن اقتضى عدم الاكتفاء بالعلم المستند إلى التسامع و الاستفاضة فيما سيأتي،إلّا أنّ الإجماع كافٍ في الاكتفاء به فيه،مضافاً إلى قضاء الضرورة و مسيس الحاجة إليه اللذين استدلوا بهما للاكتفاء به فيه، و هذا أوضح شاهد على أنّ الأصل في الشهادة عندهم القطع المستند إلى الحسّ الظاهري اعتباراً منهم فيها للمعنى اللغوي مهما أمكنهم.

و هذا الوجه من الخيال و إن كان ربما لا يخلو عن نظر،إلّا أنّ غاية الإشكال الناشئ من الفتاوى و العمومات الرجوع إلى حكم الأصل

ص:364


1- المتقدمين في ص 361.

و مقتضاه،و لا ريب أنّه عدم القبول،فإذاً الأجود ما قالوه لكن مع تأمّل.

أمّا السماع و المراد به هنا التسامع و الاستفاضة،لا استماع المشهود به من المشهود عليه مثلاً،فإنّه من قسم المشاهدة و بعض أفرادها فيثبت به النسب مثل أنّ فلاناً أو فلانة إذا عرفها بعينها ولد فلان أو فلانة،أو أنّهما من قبيلة كذا؛ لأنّه أمر لا مدخل فيه للرؤية،و غاية الممكن رؤية الولادة على فراش الإنسان،لكن النسب إلى الأجداد المتوفين و القبائل القديمة لا يتحقق في [فيه] الرؤية و معرفة الفراش،فدعت الحاجة إلى اعتماد التسامع و الاستفاضة.

و لا خلاف فيه بين الطائفة إلّا من شيخنا في المسالك و بعض من تبعه (1)في نسب الأُمّ خاصّة،فقالا فيه وجه أنّه لا تجوز الشهادة عليه بالسماع،لإمكان رؤية الولادة،ثم قالا:و لكن الأشهر الجواز كالرجل.

و هو كما ترى ظاهر في تردّدهما،مع ميلٍ ما إلى ما نسبوه إلى المشهور أخيراً،و لعلّ مرادهما الشهرة بالمعنى الأعم الشامل لما لا يوجد فيه خلاف،و إلّا فهي بالمعنى الأخص غير ممكن الإرادة؛ لعدم الوقوف على مخالف في المسألة و لا نقله أحد حتى هما حيث جعلا عدم القبول وجهاً،لا قولاً.

و بالجملة:الظاهر عدم الخلاف هنا قبلهما،و هو كافٍ في الحكم بما ذكره الأصحاب،سيّما مع ما عرفت من ميلهما إليه و لو إشعاراً.

و كذا يثبت به الموت و الملك المطلق و الوقف، و الزوجية و الولاء،و العتق،و الرقّ،و العدالة،بلا خلاف أجده،إلّا من

ص:365


1- المسالك 2:410،و تبعه الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:287.

الإسكافي،فخصّ الثبوت به بالنسب،و أوجب فيما عداه الشهادة على الشهادة،إلّا أن يتصل بإقرار أو رؤية أو غيرهما من الطرق (1).

و من شيخنا في المسالك و بعض من تبعه (2)في الموت،فقالا فيه وجه بالمنع؛ لأنّه يمكن فيه المعاينة،بخلاف النسب.

و هما شاذّان،بل على خلافهما الإجماع في ظاهر شرح الشرائع للصيمري،حيث قال بعد الحكم بثبوت ما مرّ و نحوه بالاستفاضة-:هذا هو المحقّق من فتاوي الأصحاب،و اقتصر ابن الجنيد على النسب فقط، و لم يذكر المصنف غير النسب و الموت و الملك المطلق و الوقف،و المعتمد ما قلناه (3).انتهى.

و شيخنا و من تبعه لم ينقلا فيما خالفا فيه و لا غيره خلافاً،نعم نسبا الحكم بالقبول فيما خالفا فيه إلى المشهور،مشعرين بوجود الخلاف فيه، و لكنه غير معلوم،و يحتمل إرادتهما المشهور بالمعنى الأعم المجامع لعدم الخلاف كما سبق،أو الأخص لكن بالإضافة إلى الإسكافي خاصّة و لكن لم يذكراه.

و الفاضل المقداد في التنقيح نسب الثبوت في الموت و الملك المطلق إلى الأكثر،قال:و اتفقوا عليه،و في الوقف و الولاء و العتق و النكاح إلى الخلاف و الفاضلين (4).

و عباراته و إن أوهمت الخلاف،إلّا أنّ الظاهر كون المخالف هو

ص:366


1- حكاه عنه في المختلف:729.
2- المسالك 2:410،المفاتيح 3:287.
3- غاية المرام 4:289.
4- التنقيح الرائع 4:310.

الإسكافي حيث لم ينقله عن غيره.

و بمجموع ما ذكرناه ظهر أنّه لا مخالف هنا صريحاً(بل و لا ظاهراً) (1)عداه،و هو بالإضافة إلى باقي الأصحاب شاذّ،فلا عبرة بمخالفته،سيّما مع عدم معلوميتها منه أيضاً،كما يستفاد من عبارة الصيمري التي قدّمناها،و مع ذلك قد استدلوا على خلافه بأدلّة لا تخلو جملة منها عن قوّة،و منهم الفاضل في التحرير،فقال بعد الحكم بثبوت النسب بالاستفاضة-:

و كذلك الموت؛ لتعذّر مشاهدة الميت في أكثر الأوقات للشهود، و كذلك الملك المطلق إذا سمع من الناس أنّ هذه الدار لفلان شهد بذلك؛ فإنّ الملك المطلق لا يمكن الشهادة عليه بالقطع،و الوقف لو لم تسمع فيه الاستفاضة لبطلت الوقوف على تطاول الأزمنة؛ لتعذّر بقاء الشهود، و الشهادة الثالثة عندنا لا تسمع،و هي تراد للتأبيد،و النكاح يثبت بالاستفاضة؛ فإنّا نعلم أنّ خديجة زوجة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،كما نقضي بأنّها أُمّ فاطمة(سلام اللّه عليها)،و التواتر هنا بعيد؛ لأنّ شرط التواتر استواء الطرفين و الواسطة و الطبقات الوسطى،و المتصلة بنا و إن بلغت التواتر لكن الاُولى غير متواترة؛ لأنّ شرط التواتر الاستناد إلى الحسّ،و الظاهر أنّ المخبرين أوّلاً لم يخبروا عن المشاهدة،بل عن السماع (2).انتهى.

و احترز بالملك المطلق عن المستند إلى السبب كالبيع،فلا يثبت السبب به،بل الملك الموجود في ضمنه،فلو شهد و أسنده إلى سبب يثبت بالاستفاضة كالإرث قُبل،و لو لم يثبت بها كالبيع قُبل في أصل الملك لا في

ص:367


1- ما بين القوسين ليس في«ب».
2- التحرير 2:211.

السبب،و تظهر الفائدة في ترجيحه على مدّعٍ آخر.

و اعلم أنّه قد اختلف الأصحاب في الاستفاضة التي هي مستند الشهادة هل يشترط إيراثها العلم القطعي،أو يكفي الظن مطلقاً،أو القوي منه المتاخم للعلم خاصّة،على أقوال ثلاثة.

أقواها عند جماعة:الأوّل،كالماتن في ظاهر الكتاب و الشرائع (1)، و نحوه من الأصحاب ممن جعل ضابط الشهادة العلم من دون استثناء للاستفاضة المفيدة للمظنة،و هو صريح الفاضل في جملة من كتبه،و ولده في الإيضاح،و الفاضل المقداد في شرح الكتاب (2)،و غيرهم (3).

و هو الأحوط،كما في شرح الشرائع للصيمري (4)،بل لعلّه الأظهر؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقن،مضافاً إلى ما مرّ في النبوي و غيره (5)من اعتبار العلم في الشهادة.

و الثاني خيرة الشيخ في الخلاف و المبسوط (6)،محتجاً عليه بما مرّ في كلام الفاضل في التحرير من إثبات زوجية مولاتنا خديجة بالاستفاضة.

و فيه أوّلاً:أنّه فرع إفادة تلك الاستفاضة المظنة،بل الظاهر إفادتها القطع و اليقين بلا شبهة؛ و لذا استدل بها كل من اعتبر العلم دون المظنة.

و ثانياً:يتوقف ذلك على تسليم ثبوت القضية المزبورة بالاستفاضة،

ص:368


1- الشرائع 4:133.
2- القواعد 2:239،و التبصرة:190،و التحرير 2:211،إيضاح الفوائد 4:439،التنقيح الرائع 4:311.
3- انظر الكفاية:284.
4- غاية المرام 4:289.
5- راجع ص:6937.
6- الخلاف 6:266،المبسوط 8:182،183.

مع أنّه محل كلام عند جماعة،بل قالوا بثبوتها بالتواتر (1)،و منعه بما مرّ في كلام التحرير محل نظر يظهر وجهه بالتدبّر فيما ذكره شيخنا في المسالك، حيث تنظّر فيه و قال:

لأنّ الطبقة الأُولى السامعين للعقد،الشاهدين للمتعاقدين،بالغون حدّ التواتر و زيادة؛ لأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان ذلك الوقت من أعلى قريش،و عمّه أبو طالب المتولّي لتزويجه كان يومئذ رئيس بني هاشم و شيخهم و من إليه مرجع قريش،و خديجة(سلام اللّه عليها)كانت أيضاً من أجلّاء بيوتات قريش، و القصة في تزويجها مشهورة،و خطبة أبي طالب-(رحمه اللّه) في مسجد الحرام بمجمع من قريش ممن يزيد عن العدد المعتبر في التواتر،فدعوى معلومية عدم استناد الطبقة الاُولى إلى مشاهدة العقد و سماعة ظاهرة المنع،و إنّما الظاهر كون ذلك معلوماً بالتواتر؛ لاجتماع شرائطه،فلا يتم الاستدلال به على هذا المطلوب (2).انتهى.

و بالجملة:لا ريب في ضعف هذا القول.

و أضعف منه ما بالغ به في المبسوط،فقال:يكفي أن يسمع من عدلين فصاعداً فيصير بسماعه منهما شاهد أصل و متحمّلاً للشهادة؛ لأنّ ثمرة الاستفاضة هو الظن،و هو حاصل بهما (3).

و يضعّف أوّلاً:بمنع اعتبار الاستفاضة المثمرة للمظنة،بل المعتبر منها ما أفاد العلم خاصّة،كما عرفته.

و ثانياً:بعد تسليمه ينبغي الاقتصار عليه؛ لعدم دليل على العموم،مع

ص:369


1- منهم العلّامة في المختلف:729،و ولده في الإيضاح 4:438.
2- المسالك 2:412.
3- المبسوط 8:181.

أنّ اعتبار الظن مطلقاً يقتضي الاكتفاء به و لو حصل من واحد و لو كان أُنثى، و لا يقول الشيخ به قطعاً.

و ما يجاب به من أنّه لم يعتبره مطلقاً،بل يعتبر منه ما ثبت اعتباره شرعاً،و هو شهادة العدلين،و الظن يقبل الشدّة و الضعف،فلا يلزم من الاكتفاء بفرد قوي منه الاكتفاء بالضعيف.

مدفوع بأنّ الظن المستند إلى جماعة غير عدول ممّا لم يثبت اعتباره شرعاً،فإنّه عين المتنازع،فاكتفاؤه به و تعديته الحكم إلى العدلين يدلّ على عدم تقييده بالظن المعتبر شرعاً.

و الثالث مختار الفاضل في الإرشاد و الشهيدين في الدروس و المسالك و اللمعتين (1).

و حجتهم عليه غير واضحة،عدا ما يستفاد من المسالك من أنّها الأولوية المستفادة من حجية الظن المستفاد من اعتبار شهادة العدلين، حيث قال بعد التوقف في الاكتفاء بالظن الغالب-:إلّا أن يفرض زيادة الظن على ما يحصل منه بقول الشاهدين،بحيث يمكن استفادته من مفهوم الموافقة بالنسبة إلى الشاهدين الذي هو حجة منصوصة،فيمكن إلحاقه به حينئذ (2).انتهى.

و فيه نظر لا يخفى؛ فإنّ الأولوية إنّما تنهض حجة لو كان المناط و العلّة في حجية شهادة العدلين إنّما هو إفادتها المظنة،و ليس كذلك،بل هي من جملة الأسباب الشرعية،كاليد و الأنساب و نحو ذلك،حتى أنّها لو

ص:370


1- الإرشاد 2:160،الدروس 2:134،المسالك 2:410،اللمعة و الروضة البهية 3:135.
2- المسالك 2:410.

لم تفد مظنة بالكلية لكانت حجة أيضاً بلا شبهة.

مع أنّه لو كان ذلك المناط في حجيتها وجب أن يدار مدار الظن الأقوى حيث حصل كان متّبعاً،حتى لو فرض حصوله من شهادة الفاسقين أو الفاسق الواحد أو نحوهما كشهادة الصبي أو القرائن دون شهادة العدلين كان حجة،دون شهادتهما،و هو باطل اتفاقاً فتوًى و نصّاً.

فظهر أنّ العلّة في حجية شهادتهما إنّما هو من حيث نص الشارع على اعتبارهما بالخصوص و جعلهما سبباً،و هذه العلّة مفقودة في المقيس الذي هو محل البحث؛ لعدم نص من الشارع فيه بالخصوص كما هو المفروض،و إلّا لما وقع النزاع فيه،و حينئذ فلا أولوية؛ إذ يشترط في ثبوتها وجود العلّة الجامعة بلا شبهة،و هي كما عرفت مفقودة.

هذا،مع أنّ الظن الأقوى على تقدير ثبوت اعتباره بالأولوية شرعاً أعم من أن يكون للعلم متاخماً أم لا،فقد يكون بعيداً منه و إن كان من ظن شهادة العدلين أقوى،و هو لم يعتبر إلّا الأوّل منه خاصّة،و دليله هذا لا يساعده؛ لكونه أعم منه كما ترى.

و لو سلّم جميع ذلك ففيه اطراح لما دلّ على اعتبار العلم الضروري من النص و الفتوى صريحاً بحيث لا يكاد يقبل التخصيص بما ذكره من الأولوية،فتأمّل جدّاً .

و بالجملة:فهذا القول ضعيف في الغاية كسابقه،مع ندرة القائل بهما.و منه يظهر ما في المسالك من نسبة تجويز الشهادة بمجرد الظن إلى الأكثر (1)في شرح قول المصنف:و الوقف و النكاح يثبت بالاستفاضة.

ص:371


1- المسالك 2:411.

فتأمّل.

و أمّا ما يفتقر إلى السماع و المشاهدة معاً فهو الأقوال من النكاح و الطلاق و البيع و سائر العقود و الفسوخ و الإقرار بها،فإنّه لا بُدّ من سماعها و من مشاهدة قائلها،فلا تقبل فيها شهادة الأصمّ الذي لا يسمع شيئاً إذا لم يكن سمعها قبل الصمم،أو لم يثبتها حين الأداء،و كذا الأعمى،و قد مضى الكلام فيهما.

و في جواز شهادة الأخير،اعتماداً على ما يعرفه من الصوت وجهان، من أنّ الأصوات متشابهة و يتطرّق إليها التخيل (1)و التلبيس،و من أنّ الغرض علمه القطعي بالقائل و معرفته إيّاه،و وقوع ذلك أكثري،و قد وقع الإجماع على أنّ له وطء حليلته اعتماداً على ما يعرفه من صوتها،و هذا هو المشهور بين أصحابنا،بل عليه في ظاهر الغنية و الانتصار (2)إجماعنا،فهو الأقوى،و ربما أشعر به النصوص التي مضت في بحث قبول شهادتهما فيما لا يفتقر إلى الرؤية و السماع.

و يصير الشاهد متحمّلاً للشهادة بالمشاهدة لما تكفي هي فيه،و ب السماع لما تكفل به السماع (3) مطلقاً و إن لم يستدعه المشهود عليه أي على تحمّل الشهادة.

و كذا لو قيل له:لا تشهد و لا تتحمّل الشهادة فسمع من القائل ما يوجب حكماً عليه،أو له،صار متحمّلاً للشهادة،بلا خلاف أجده إلّا من الإسكافي (4)في الثاني و ما يأتي.

ص:372


1- في« ح»:التخييل.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):625،الانتصار:249.
3- في المطبوع من المختصر(289):لما يكفي فيه السماع.
4- حكاه عنه في المختلف:725.

و هو شاذّ لا يعبأ به؛ لأنّ المعتبر في قبول شهادة الشاهد مع استجماعه للصفات المعتبرة فيه علمه بما يشهد به،سواء كان سبب العلم استدعاء المشهود له و عليه،أم اتفاق علمه بالواقعة؛ لاشتراك الجميع في المقتضي،و هو العلم،فعليه أوله أن يشهد بما علم؛ لعموم الأدلة فتوًى و نصّاً كتاباً و سنّةً.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة الآتية سنداً للشيخ و جماعة في حكمهم بعدم وجوب أداء الشهادة مع عدم استدعاء المشهود له للتحمّل و تخيّره في أدائها،منها الصحيح:« إذا سمع الرجل الشهادة و لم يُشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد و إن شاء سكت» (1).

و سأله أيضاً عن الرجل يحضر حساب الرجلين فيطلبان منه الشهادة على ما سمع منهما،قال:« ذاك إليه إن شاء شهد و إن شاء لم يشهد،و إن شهد شهد بحق قد سمعه،و إن لم يشهد فلا شيء عليه؛ لأنّهما لم يُشهداه» (2).

و لو لا تحقق التحمّل بمجرد السماع مع عدم الاستدعاء لم يجز له الشهادة مع أنّه قد صرّح به بالجواز في هذه المعتبرة،فلا ريب فيه و لا شبهة.

و كذا لو خبئ الشاهد بالخاء المعجمة،ثم الباء المنقطة من تحت نقطة واحدة بمعنى:حبس في زاوية مستخفياً لتحمّل الشهادة

ص:373


1- الكافي 7:5/382،التهذيب 6:678/258،الوسائل 27:317 كتاب الشهادات ب 5 ح 1.
2- الكافي 7:6/382،التهذيب 6:677/258،الوسائل 27:318 كتاب الشهادات ب 5 ح 5.

فنطق المشهود عليه صار متحمّلاً و قبل شهادته،بلا خلاف ظاهر،إلّا ممن مرّ،مصرّح به في كلام الشهيد بقول مطلق كما حكي (1)،بل عليه الإجماع في ظاهر السرائر (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى جميع ما مرّ من الأدلة السليمة عما يصلح للمعارضة حتى من جهة الأخبار المانعة عن قبول الشهادة مع التهمة،بناءً على عدم انحصار وجه الاختفاء للتحمّل فيها،بل يحتمل وجوهاً أُخر صحيحة عنها خالية؛ إذ الحاجة قد تدعو إليه،بأن يقرّ من عليه الحق إذا خلا به المستحق،و يجحد إذا حضر غيره.

قيل:و لأنّ الحرص على التحمّل،لا على الأداء (3).و فيه نظر؛ لأنّه يدل على الحرص في الأداء و يؤول إليه،بل قد يدّعى أنّه عين الحرص على ذلك على الوجه البليغ،كذا قيل (4).و فيه نظر.

و إذا دعي الشاهد للإقامة إقامة الشهادة بعد تحمّلها وجب إقامتها بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر كالقواعد و التحرير و الدروس و الروضة و المسالك (5)،و غيرها من كتب الجماعة (6)،و هو الحجة.

ص:374


1- غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية الورقة:268،و حكاه عنه في مجمع الفائدة 12:402.
2- السرائر 2:120.
3- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:408.
4- مجمع الفائدة 12:402.
5- القواعد 2:240،التحرير 2:213،الدروس 2:123،الروضة البهية 3:138،المسالك 2:415.
6- انظر كشف اللثام 2:383.

مضافاً إلى الكتاب و السنّة المستفيضة،بل المتواترة.

قال تعالى كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ [1] (1)و في غير واحد من النصوص:« أقم الشهادة و لو على نفسك أو الوالدين و الأقربين» (2).

و قال عزّ شأنه وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [2] (3).

و في المروي بعدّة طرق في الكافي و الفقيه و عقاب الأعمال و الأمالي، عن جابر،عن أبي جعفر(عليه السّلام)قال:« قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):من كتم شهادة أو شهد بها ليهدر بها دم امرئ مسلم،أو ليزوي» و في الفقيه:« ليتوي» « بها مال امرئ مسلم أتى يوم القيامة و لوجهه ظلمة مدّ البصر،و في وجهه كُدوح يعرفه الخلائق باسمه و نسبه،و من شهد بشهادة حق ليحيي بها مال امرئ مسلم أتى يوم القيامة و لوجهه نور مدّ البصر تعرفه الخلائق باسمه و نسبه» ثم قال أبو جعفر(عليه السّلام):« أ لا ترى أنّ اللّه عزّ و جلّ يقول وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ [3] » (4).

و في حديث المناهي المروي في الفقيه:« أنّه صلّى عليه و آله نهى عن كتمان الشهادة،و قال:من كتمها أطعمه اللّه تعالى لحمه على رؤوس

ص:375


1- النساء:135.
2- الكافي 7:3/381،التهذيب 6:757/276،الوسائل 27:315 كتاب الشهادات ب 3 ح 1.
3- البقرة:283.
4- الكافي 7:1/380،الفقيه 3:114/35،التهذيب 6:756/276،عقاب الأعمال:225،أمالي الصدوق:4/390،الوسائل 27:312 كتاب الشهادات ب 2 ح 2.

الخلائق،و هو قول اللّه عزّ و جلّ وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ [1] » (1)الآية.

و نحوه مروي عن عقاب الأعمال (2).

و عن العيون في حديث النص على مولانا الرضا(عليه السّلام)أنّه قال:« و إن سئلت عن الشهادة فأدّها،فإنّ اللّه تعالى يقول إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [2] (3)و قال وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً [3] (4)» (5).

إلى غير ذلك من النصوص.

و إطلاقها كالآيات المشار إليها و إن اقتضى وجوب الإقامة عيناً،إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الإطباق على وجوبها كفايةً إن زاد الشهود على العدد المعتبر شرعاً،و إلّا فمقتضاها،و ادّعوا عليه الإجماعات التي نقلناها،و هي كافية في تقييد الإطلاقات.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الدالة على عدم وجوب الإقامة مع عدم الاستدعاء لتحمّل الشهادة إلّا مع خوف فوت الحق بعدم شهادة غيره، منها: زيادةً على ما مرّ الصحيحان:« إذا سمع الرجل الشهادة و لم يُشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد و إن شاء سكت» (6)و قال في ثانيهما:« إذا أُشهد لم يكن له إلّا أن يشهد» (7).

ص:376


1- الفقيه 4:1/7،الوسائل 27:313 كتاب الشهادات ب 2 ح 4.
2- عقاب الأعمال:283،الوسائل 27:314 كتاب الشهادات ب 2 ح 6.
3- النساء:58.
4- البقرة:140.
5- عيون الأخبار 1:9/21،الوسائل 27:313 كتاب الشهادات ب 2 ح 5.
6- الكافي 7:5/382،التهذيب 6:78/258،الوسائل 27:317 كتاب الشهادات ب 5 ح 1.
7- الكافي 7:1/381،التهذيب 6:679/258،الوسائل 27:318 كتاب الشهادات ب 5 ح 2.

و الخبر:عن الرجل يحضر حساب الرجلين فيطلبان منه الشهادة على ما سمع منهما،قال:« ذاك إليه إن شاء شهد و إن شاء لم يشهد،و إن شهد شهد بحق،و إن لم يشهد فلا شيء عليه لأنّهما لم يُشهداه» (1).

و هذه النصوص و إن دلت بإطلاقها على عدم وجوب الإقامة مع عدم الاستدعاء للتحمل مطلقاً و لو انحصر ثبوت الحق بشهادتهما،و لم يقل به أحد و إن توهم من جمع،و لكن التحقيق خلافه كما يظهر من بعضهم (2)و من الفاضل في المختلف (3)إلّا أنّها محمولة على صورة عدم الانحصار؛ للموثق (4)و غيره (5):« إذا سمع الرجل الشهادة و لم يُشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد و إن شاء سكت،إلّا إذا علم من الظالم فيشهد،و لا يحلّ له إلّا أن يشهد».

و بذلك صرّح الصدوق في الفقيه،فقال بعد نقل الخبر الذي جعل الخيار فيه إلى الشاهد بحساب الرجلين-:هو إذا كان على الحق غيره من الشهود،فمتى علم أنّ صاحب الحق مظلوم و لا يحيى حقّه إلّا بشهادته وجب عليه إقامتها،و لم يحلّ له كتمانها،فقد قال الصادق(عليه السّلام):« العلم شهادة إذا كان صاحبه مظلوماً» (6).انتهى.

و بالجملة:دلالة هذه النصوص بعد ضمّ بعضها إلى بعض على عدم

ص:377


1- الكافي 7:6/382،التهذيب 6:677/258،الوسائل 27:318 كتاب الشهادات ب 5 ح 5.
2- كالشيخ في النهاية:330.
3- المختلف:725.
4- الكافي 7:3/381،الوسائل 27:318 كتاب الشهادات ب 5 ح 4.
5- التهذيب 6:680/258،الوسائل 27:320 كتاب الشهادات ب 5 ح 10.
6- الفقيه 3:34.

الوجوب عيناً،و كونه كفايةً فيما إذا زاد عدد الشهود عن العدد المعتبر شرعاً واضحة،و لا إشكال فيها من هذه الجهة،بل الإشكال فيها إنّما هو من حيث دلالتها على التفصيل بين صورتي الاستدعاء لتحمّل الشهادة فتجب الإقامة(عيناً مطلقاً) (1)و لو زاد عددهم عن المعتبر شرعاً،و عدمه فتجب كفايةً مع الزيادة،و عيناً مع عدمها.

و هو مخالف لما عليه جمهور أصحابنا المتأخرين،حيث حكموا بوجوب الإقامة كفاية مطلقاً و لو في الصورة الاُولى مع الزيادة،و ادّعوا إجماعاتهم المتقدّمة (2)على ذلك كذلك.

إلّا أنّ جمهور قدماء الأصحاب كالشيخ في النهاية و الإسكافي و القاضي و الحلبي و ابني زهرة و حمزة (3)على التفصيل المتقدّم إليه الإشارة.

و استدل لهم زيادةً على ذلك بأنّه مع عدم الاستدعاء لم يؤخذ منه التزام،بخلاف ما إذا تحمّل قصداً،فإنّه يكون ملتزماً،كضمان الأموال.

و المسألة عند العبد محل تردّد،من استفاضة المعتبرة الصريحة المعتضدة بالشهرة القديمة و تعليلهم المتقدّم إليه الإشارة.

و من إطلاقات الكتاب و السنّة بوجوب الإقامة،المعتضدة بالأصل، و الشهرة العظيمة المتأخرة،و إطلاقات الإجماعات المحكية على الوجوب كفايةً،و بعض الأُمور الاعتبارية التي استدل بها جماعة (4)،من أنّها أمانة

ص:378


1- ما بين القوسين ليس في« س».
2- في ص 373.
3- النهاية:330،حكاه عن الإسكافي في المختلف:725،القاضي في المهذّب 2:561،الحلبي في الكافي في الفقه:436،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625،ابن حمزة في الوسيلة:232.
4- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:415،و المحقق الكاشاني في المفاتيح 3:285.

جعلت عنده فوجب عليه الخروج منها،كما أنّ الأمانات المالية تارةً يحصل عنده بقبولها كالوديعة،و تارةً بغيره كإطارة الريح و نحوها.

إلّا أنّ الأقرب:الأوّل؛ لرجحان مستنده على مستند الثاني،لكونه مطلقات،دون مستند الأوّل،لكونه أخباراً خاصّة واضحة الدلالة،فلتكن عليها مقدمة،و الشهرة متعارضة،كالتعليلات الاعتبارية،و إلى المختار يميل في الكفاية (1).

و محصّله أنّ الوجوب كفائي إلّا مع الاستدعاء للتحمّل فعيني،و هو كباقي الأُمور الموجبة لرجوع الواجب الكفائي إلى العيني لا ينافي كفائية الواجب من أصله.

و من هنا يظهر جواب آخر عن الإجماعات المحكية على وجوب الإقامة كفايةً على الإطلاق؛ لوضوح كون المدّعى فيها كفائيته في نفسه المجامعة للعينية بالعرض،و لا مانع في كون الاستدعاء من العوارض.

و كيف كان،فلا ريب في وجوب الإقامة و لا خلاف فيه و لو في الجملة إلّا مع خوف ترتّب ضرر بسبب الشهادة غير مستحق على الشاهد،أو المشهود عليه،أو بعض المؤمنين،فلا تجب حينئذ،بل تحرم بلا خلاف؛ للاعتبار،مع أنّه لا حرج و لا ضرر و لا ضرار،كما في الآيات و الأخبار.

و في الخبر:« أقم الشهادة» إلى أن قال:«فإن خفت على أخيك ضيماً فلا» (2).

ص:379


1- الكفاية:286.
2- الكافي 7:3/381،التهذيب 6:757/276،الوسائل 27:315 كتاب الشهادات ب 3 ح 1.

و قريب منه آخر في نسخة (1)،و لكن في أُخرى من دون ذكر« فلا» مبدلاً فيها الفاء الاُولى بالواو (2).

و في ثالث:قلت له رجل من مواليك عليه دين لرجل مخالف يريد أن يعسره و يحبسه و قد علم اللّه تعالى أنّه ليس عنده و لا يقدر عليه،و ليس لغريمه بيّنة،هل يجوز له أن يحلف له ليدفعه عن نفسه حتى ييسّر اللّه تعالى له؟و إن كان عليه الشهود من مواليك قد عرفوه أنّه لا يقدر،هل يجوز أن يشهدوا عليه؟قال:« لا يجوز أن يشهدوا عليه،و لا ينوي ظلمه» (3).

و نحوه آخر:« لا يحلّ لك أن تقيم الشهادة في حال العسر» (4).

و قصور الأسانيد مجبور بالعمل،و موافقة الكتاب و السنّة،و الاعتبار بنفي الحرج و الضرر في الشريعة.

و احترز بغير المستحق عن مثل ما لو كان للمشهود عليه حق على الشاهد لا يطالبه و توجب شهادته لا المطالبة،فلا يكفي ذلك في سقوط الوجوب؛ لأنّه ضرر مستحق.

و اعلم أنّه إنّما يجب على الشاهد الإقامة و لا يحل له الامتناع منها مع التمكن إن ثبت الحق بشهادته؛ لانضمام ما يتم به العدد،أو حلف المدّعى إن كان مما يثبت بشاهد و يمين.

ص:380


1- الفقيه 3:/42ذيل الحديث 144.
2- الفقيه 3:144/42.
3- الكافي 7:2/388،التهذيب 6:693/261،الوسائل 27:339 كتاب الشهادات 19 ح 1.
4- الفقيه 3:89/30،التهذيب 6:675/257،الوسائل 27:340 كتاب الشهادات ب 19 ح 3.

فلو طلب من اثنين يثبت بهما لزمهما الأداء،و ليس لأحدهما الامتناع،بناءً على تخيّلهما الاكتفاء بحلف المدّعى مع الآخر فيأبيان عن الأداء؛ للعموم،و أنّ من مقاصد الإشهاد التورّع عن اليمين.

و لو كان الشهود أزيد من اثنين فيما يثبت بهما وجب عليهما كفايةً كما مضى.

و لو كان واحداً لزمه الأداء إن كان ممّا يثبت بشاهد و يمين،و إلّا فلا إن لم يحتمل معه وجود من يتم به العدد،و إلّا فيجب أيضاً.

قالوا:و لو لم يعلم صاحب الحق بشهادة الشاهد وجب عليه تعريفه إن خاف بطلان الحق بدون شهادته.و لا بأس به.

و لو لم يكن الشهود عدولاً،فإن أمكن ثبوت الحق بشهادتهم و لو عند حاكم الجور وجب الإعلام أيضاً؛ للعموم،و إلّا فوجهان،أجودهما الوجوب؛ لذلك،مع إمكان حصول العدالة بالتوبة.

و لو دُعي من له أهلية الشهادة للتحمّل لها ف في وجوبه عليه مع عدم خوف ترتب ضرر غير مستحق به عليه أو على غيره من إخوانه قولان و المروي في المعتبرة المستفيضة الوجوب..

ففي الصحيح:في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ [1] قال:

« قبل الشهادة» و قوله تعالى وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [2] قال:« بعد الشهادة» (1).

و نحوه آخر،لكن إلى قوله:« قبل الشهادة» (2).

ص:381


1- الكافي 7:2/381،الفقيه 3:112/34،التهذيب 6:750/275،الوسائل 27:309 كتاب الشهادات ب 1 ح 1.
2- الكافي 7:4/380،الوسائل 27:311 كتاب الشهادات ب 1 ح 8.

و في ثالث:في الآية المزبورة،فقال:« لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة يشهد عليها أن يقول:لا أشهد لكم» و قال:« فذلك قبل الكتاب» (1).

و نحوه الموثق (2)،و ما يقرب من الصحيح مثله متناً و سنداً بل ربما يعدّ صحيحا (3).

و في مثله سنداً في الآية المزبورة أيضاً،فقال:« إذا دعاك الرجل لتشهد له على دين أو حق لم ينبغ لك أن تقاعس عنه» (4).

و في الخبر:قال:« لا يأب الشهداء أن تجيب حين تدعى قبل الكتاب» (5).

و في آخر:« إذا دعيت إلى الشهاد فأجب» (6).

و قصور سندهما أو ضعفهما كبعض ما تقدّم إن كان مجبور،مع قصور دلالة« لا ينبغي» في بعضها على التحريم بعمل الأصحاب و فهمهم كافّة،عدا الحلّي خاصّة (7)،و هو شاذّ نادر كما في الدروس (8)،مشعراً

ص:382


1- الكافي 7:2/379،الوسائل 27:310 كتاب الشهادات ب 1 ح 4.
2- الكافي 7:1/379،التهذيب 6:753/275،الوسائل 27:310 كتاب الشهادات ب 1 ح 5.
3- الكافي 7:2/379،التهذيب 6:751/275،الوسائل 27:309 كتاب الشهادات ب 1 ح 2.
4- الكافي 7:3/380،التهذيب 6:754/276،الوسائل 27:310 كتاب الشهادات ب 1 ح 7.
5- الكافي 7:6/380،التهذيب 6:755/276،الوسائل 27:310 كتاب الشهادات ب 1 ح 6.
6- الكافي 7:5/380،التهذيب 6:752/275،الوسائل 27:309 كتاب الشهادات ب 1 ح 3.
7- السرائر 2:126.
8- الدروس 2:123.

بدعوى الإجماع على خلافه،و هو الحجة.

مضافاً إلى تلك المعتبرة،و ما استدل به جماعة (1)من أنّه من الضروريات التي لا ينفكّ الإنسان عنها؛ لوقوع الحاجة إلى المعاملات و المناكحات،فوجب في الحكمة إيجابه ليحسم مادّة النزاع المترتب على تركه غالباً.

هذا مضافاً إلى نفس الآية المسئول عن تفسيرها في المعتبرة المزبورة،بناءً على وضوح دلالتها على وجوب التحمّل و لو لم تكن فيها واردة؛ لأنّها منساقة في معرض الإرشاد بالإشهاد،للأمر بالكتابة و نهي الكاتب عن الإباء،ثم الأمر بالإشهاد و نهي الشاهد من الإباء،فالسياق يعيّن إرادة التحمل دون الأداء.

و مستند الحلّي غير واضح،عدا الأصل،و الطعن في الأخبار بأنّها من الآحاد،و منع الدلالة في الآية؛ لظهورها في الأداء،فإنّ إطلاق الشهيد حقيقةً إنّما هو بعد التحمّل.

و يضعّف الأصل بلزوم الخروج عنه بما مرّ من النص،و الطعن فيه بكونه من الآحاد غير جيّد حتى على أصله،لشهادة فتاوي العلماء و منهم كافّة القدماء كما هو الظاهر،المصرّح به في المختلف (2)على صحته.

و منه يظهر فساد منع دلالة الآية؛ لوروده في تفسيرها،مضافاً إلى ما عرفت من شهادة السياق بصحته.

نعم في الوسائل عن مولانا العسكري(عليه السّلام)في تفسيره عن مولانا

ص:383


1- منهم فخر المحققين في الإيضاح 4:443،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:313،و الشهيد الثاني في المسالك 2:415.
2- المختلف:723.

أمير المؤمنين(عليه السّلام)في الآية المزبورة قال:« من كان في عنقه شهادة فلا يأب إذا دعي لإقامتها،و ليقمها،و لينصح فيها،و لا تأخذه فيها لومة لائم،و ليأمر بالمعروف،و لينه عن المنكر» (1).

و هو ظاهر في ورودها في الأداء،لكن قال(عليه السّلام)بعد ذلك:« و في خبر آخر قال:نزلت فيمن إذا دعي لسماع الشهادة أبى،و نزلت فيمن امتنع عن أداء الشهادة إذا كانت عنده وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [1] يعني كافر قلبه» (2)و هو نص فيما ذكره الأصحاب و يرجع بفتواهم.

و على المختار فهل وجوبه على الكفاية كما عليه الشيخ في المبسوط و النهاية،و الإسكافي،و الفاضلان في كتبهما،و فخر الدين (3)، و المفلح الصيمري،و الشهيدان في كتبهما (4)،و غيرهم من متأخري الأصحاب و متأخريهم (5)،أم على الأعيان كما يحكى في الإيضاح و شرح الشرائع للصيمري عن ظاهر المفيد و الحلبي و القاضي و الديلمي و ابن زهرة (6)؟

ص:384


1- تفسير العسكري(عليه السّلام):378/676،الوسائل 27:314 كتاب الشهادات ب 2 ح 7.
2- تفسير العسكري(عليه السّلام):379/676،الوسائل 27:314 كتاب الشهادات ب 2 ح 8.
3- المبسوط 8:186،النهاية:330،حكاه عن الإسكافي في المختلف:725،المحقق في الشرائع 4:138،العلّامة في التحرير 2:213،فخر الدين في الإيضاح 4:443.
4- غاية المرام 4:297،الشهيد الأوّل في الدروس 2:123،الشهيد الثاني في الروضة 3:137.
5- منهم السبزواري في الكفاية:286،و الفيض في المفاتيح 3:285.
6- الإيضاح 4:442،غاية المرام 4:296،المفيد في المقنعة:728،الحلبي في الكافي في الفقه:436،القاضي في المهذّب 2:560،الديلمي في المراسم:234،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625.

ظاهر الآية و الأخبار:الثاني،إلّا أنّ إطباق المتأخرين على الأوّل يرجّحه،سيّما مع ما يظهر منهم من عدم الخلاف فيه،و أنّ محله إنّما هو أصل الوجوب،لا كونه عينياً أو كفائياً؛ و لذا لم ينقلوا في كفائيته خلافاً عدا من مرّ.

نعم ربما يتوهم من عبارة الماتن في الشرائع و الفاضل في التحرير و القواعد (1)وقوع الخلاف في الكفائية أيضاً؛ حيث إنّهما حكما بها هنا من غير دعوى إجماع،و ادعوه عليها في الأداء.

و هو ضعيف جدّاً؛ لظهور عبارتهما في رجوع دعواهما الإجماع في الأداء إلى مطلق الوجوب،دون خصوصية كفائيته،و مقتضاها حينئذ عدم الإجماع على الوجوب هنا،لا على عدم كفائيته،هذا.

و ربما يرشد إلى الكفاية هنا سياق الأخبار،حيث جعلوا الوجوب فيه مقابلاً للوجوب في الأداء،و هو فيه على الكفاية في الجملة أو مطلقاً، فليكن هنا كذلك أيضاً.

مضافاً إلى فحوى الخطاب المستفاد من الحكم بكفائية وجوب الأداء؛ فإنّ كفائيته مع الاتفاق على وجوبه يستلزم كفائية الوجوب هنا، لأضعفيته منه،نظراً إلى وقوع الخلاف في أصله،دونه،فتأمّل جدّاً .

و على القولين يتعين التحمّل على من دعي إليه مع عدم من يقوم بالتحمّل بلا إشكال و لا خلاف إلّا من الحلّي،و قد مرّ ضعفه.

و اعلم أنّه ظهر مما مرّ من اشتراط العلم في الشهادة أنّه لا يجوز أن يشهد الشاهد على أحد و لا له إلّا مع المعرفة بما يشهد عليه من شخصه أو نسبه.

و إنّما أعاده هنا مع معلوميته سابقاً تنبيهاً على عدم انحصار مستندها

ص:385


1- الشرائع 4:138،التحرير 2:213،القواعد 2:240.

في العلم الحقيقي،بل يجوز استنادها إليه أو إلى شهادة عدلين بالمعرفة فيعرّفانه ما يريد الشهادة عليه من شخص المشهود عليه أو نسبه و يكون شاهد أصل لا فرعاً،و محصّله كفاية العلم الشرعي في الشهادة.

و هي و إن خالفت الأصل؛ لوجوب حمل العلم الوارد في النص و الفتوى اعتباره في صحة الشهادة على معناه الحقيقي عرفاً و لغةً،و هو ما لا يحتمل النقيض أصلاً،و لعلّه لهذا يظهر من الكفاية في بحث شهادة الأعمى التأمّل فيه،حيث قال:قالوا و الأعمى إذا انضمّ إلى سماعة معرّفان يشهدان على العاقد جاز له الشهادة عليه (1).انتهى.

إلّا أنّه لا خلاف بين الأصحاب فيما أعلم في اعتبارهم العلم الشرعي المستند إلى شهادة العدلين أيضاً،بل ظاهر السرائر الإجماع عليه،فإنّه قال:فإذا حضر الشاهد فلا يجوز له أن يشهد إلّا على من يعرفه،فإن أراد أن يشهد على من لا يعرفه فليشهد بتعريف من يثق إلى ديانته من رجلين عدلين عند أصحابنا،فأمّا الواحد و النساء فلا يشهد بتعريفه و لا تعريفهن؛ لأنّه لا دليل على ذلك (2).

و ظاهره كما ترى أنّ المستند في الجواز هنا إنّما هو فتوى الأصحاب؛ إذ لم يذكر دليلاً آخر،و فتواهم عنده لا يكون حجّة إلّا مع بلوغها درجة الإجماع كما يستفاد من الجمع المضاف في كلامه المفيد للعموم لغة،كما تشعر به أيضاً عبارة الكفاية المتقدّمة،بل لعلّها فيه ظاهرة.

و قد ذكر جماعة من الأصحاب منهم الحلّي في السرائر و الفاضل في التحرير و غيره (3)أنّه حيثما استند شهادته إلى شهادتهما لا يذكرهم مطلقة،

ص:386


1- الكفاية:284.
2- السرائر 2:126.
3- السرائر 2:126،التحرير 2:211؛ و انظر القواعد 2:239.

بل يقول:أشهد على فلان بتعريف فلان و فلان.

و يجوز أن تسفر المرأة و تكشف عن وجهها ليعرفها الشاهدان لها أو عليها إذا لم يمكنهما معرفتها بشهادة العدلين العارفين لها شخصاً أو نسباً،كما ذكره جماعة (1)،بلا خلاف بينهم أجده؛ للضرورة، و الصحيح:كتبت إلى الفقيه(عليه السّلام)في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر و يسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان أنّها فلانة بنت فلان التي تشهدك و هذا كلامها،أو لا تجوز له الشهادة عليها حتى تبرز و بيّنها (2)بعينها.فوقّع(عليه السّلام):« تتنقب و تظهر للشهود إن شاء اللّه تعالى» (3)فتأمّل .

و الخبر:«لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة و ليست بمسفرة إذا عُرفت بعينها أو حضر من يعرفها،فأمّا إذا كانت لا تُعرف بعينها و لا يحضر من لا يعرفها فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها أو على إقرارها دون أن تسفر و ينظروا إليها» (4).

و يستفاد منه جواز الشهادة بتعريف العدلين كما مضى،و هو و إن لم يصرّح بعددهما إلّا أنّه المعهود شرعاً،مضافاً إلى عدم قائل بكفاية الأقل هنا،مع تصريح الحلّي بالعدم كما مضى.

و ربما يستفاد من الخبر الأوّل عدم جواز الشهادة بتعريفهما و أنّه لا بدّ

ص:387


1- منهم القاضي في المهذّب 2:560،و الشهيدين في اللمعة و الروضة البهية 3:135.
2- في المصادر:و يثبتها.
3- الفقيه 3:132/40،التهذيب 6:666/255،الإستبصار 3:58/19،الوسائل 27:401 كتاب الشهادات ب 43 ح 2.
4- الكافي 7:1/400،التهذيب 6:665/255،الإستبصار 3:57/19،الوسائل 27:402 كتاب الشهادات ب 43 ح 3.

من إسفارها،لكنه لا يعارض الثاني و إن قصر أو ضعف سنده؛ لانجباره بفتوى الأصحاب و رجحانه على الأوّل بها.مع احتماله الحمل على التقية، كما يشعر به الصحيح الآخر:« لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة و ليست بمسفرة إذا عرفت بعينها،و لا يجوز عندهم أن يشهد الشهود على إقرارها دون أن تسفر فينظر إليها» (1)فإنّ الظاهر أنّ مرجع ضمير الجمع هو العامّة العمياء.

مضافاً إلى كونه مكاتبة و الغالب فيها التقية،فتأمّل جدّاً.

و لو أراد أن يشهد الإنسان على الأخرس بإقراره فليشهد بالإشارة التي رآها منه دالّة عليه و لا يقيمها بالإقرار الذي فهمه فيها؛ لاحتمال خطائه في الفهم فيتحقق الكذب،و لعلّه مراد من علّل المنع عن الإقامة بنفس الإقرار بالكذب المطلق،لا باحتماله،كالحلي (2)،و غيره (3)، و إلّا فيشكل الحكم بإطلاق الكذب،فقد يعلم الشاهد بإقراره و يحصل له القطع به من إشارته فلا يكون كذباً،فكيف يعلّل به؟! اللّهم إلّا أن يكون المراد أنّ الإقرار حقيقة في الإخبار عن الحق باللفظ الدال عليه بحكم التبادر و غيره،فيكون الإشارة مجازاً،و إرادته من الإقرار المطلق المنصرف إلى اللفظ بغير قرينة غير جائز،فإطلاقه من دونها يصيّره كذباً.

و فيه نظر؛ فإنّ خرسه قرينة حال واضحة على إرادته الإخبار بالإشارة من الإقرار المطلق،دون الحقيقة،فلا كذب.

ص:388


1- الفقيه 3:131/40،الوسائل 27:401 كتاب الشهادات ب 43 ح 1.
2- السرائر 2:127.
3- انظر المهذّب 2:560.

و هنا

مسائل
الأولى قيل يكفي في الشهادة بالملك مشاهدته

مسائل أربع:

الأُولى: قد مرّ جواز الشهادة بالملك بالاستفاضة،و هل يفتقر إلى مشاهدة اليد و التصرف معها إن لم تفد العلم بالملكية؟قولان،يبتنيان على الخلاف المتقدم في اشتراط إفادتها العلم في الشهادة على الملك بها، أم لا،فيفتقر إلى الضميمة على الأوّل،و لا على الثاني.

و لا إشكال في الاكتفاء بها من دون الضميمة إذا أفادت العلم،كما لا إشكال في جواز الشهادة بها مع ضميمة الأمرين مطلقاً،بل و لا خلاف فيه أيضاً على الظاهر،المصرَّح به في الكفاية (1)،بل في التنقيح و المسالك (2)دعوى الوفاق عليه،و هو الحجة،المعتضدة بما سيأتي من الأدلة على كفاية الضميمة وحدها في الشهادة على الملكية،فمع الاستفاضة أولى.

و بالجملة:فلا إشكال و لا خلاف يعتدّ به في شيء من ذلك،و إنّما هو في الاكتفاء بالضميمة إذا لم تكن للعلم بالملكية مفيدة.

ف قيل: إنّه يكفي في جواز الشهادة بالملك مشاهدته أي مشاهدة الشاهد لذي اليد يتصرف فيه مكرّراً بنحو من البناء و الهدم و الإجارة و غيرها بلا منازع.

و القائل هو شيخ في الخلاف و الحلبي و القاضي و الحلّي (3)،و هو

ص:389


1- الكفاية:284.
2- التنقيح 4:314،المسالك 2:411.
3- الخلاف 6:264،الحلبي في الكافي:437،القاضي في المهذب 2:561،الحلّي في السرائر 2:130.

ظاهر الكليني(رحمه اللّه)و الصدوق حيث رويا في الكافي و الفقيه (1)ما يدل عليه من غير معارض،مع أنّ الثاني قال في صدر كتابه:إنّه لا يروي فيه إلّا ما يفتي به و يحكم بصحته (2).و عليه عامّة المتأخرين،مدّعياً جملة منهم الشهرة المطلقة عليه (3).

و يظهر من الماتن في الشرائع عدم الخلاف فيه؛ فإنّه قال:لا ريب أنّ المتصرف بالبناء و الهدم و الإجارة بغير منازع يشهد له بالملك المطلق،أمّا من في يده دار فلا شبهة في جواز الشهادة له باليد،و هل يشهد له بالملك؟ قيل:نعم،و هو المروي،و فيه إشكال (4).إلى آخر ما ذكره.و ذلك لتخصيصه نقل الخلاف باليد الغير المتصرفة،معرباً عن عدمه فيها.

و نحوه غيره (5)،و نسبه في المبسوط إلى روايات الأصحاب (6)، مشعراً بدعوى الإجماع عليه،و به صرّح في الخلاف (7)،و هو الحجة.

و مع ذلك وردت به رواية قصور سندها أو ضعفها منجبر برواية المشايخ الثلاثة لها معتمدين عليها،و بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة كما عرفت حكايته.

و فيها:عن رجل رأى في يد رجل شيئاً أ يجوز له أن يشهد أنّه له؟ قال:« نعم» قلت:فلعلّه لغيره،قال:« و من أين جاز لك أن تشتريه و يصير

ص:390


1- الكافي 7:387،الفقيه 3:31.
2- الفقيه 1:3.
3- منهم السبزواري في الكفاية:284،و المحقق الكاشاني في المفاتيح 3:288.
4- الشرائع 4:134.
5- انظر المفاتيح 3:288.
6- المبسوط 8:182.
7- الخلاف 6:264.

ملكاً لك ثم تقول بعد الملك:هو لي،و تحلف عليه،و لا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه إليك[من]قِبَلِه،و لو لم يجز هذا ما قامت للمسلمين سوق» (1).

و قريب منها الصحيح المروي في الوسائل عن علي بن إبراهيم في تفسيره في حديث فدك:« إنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)قال لأبي بكر:أ تحكم فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين؟!قال:لا،قال:فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه،ادّعيت أنا فيه،من تسأل البينة؟قال:إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين،قال:فإذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون تسألني البيّنة على ما في يدي و قد ملكته في حياة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)و بعده،و لم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوه عليّ كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم؟!» الخبر (2).و لو لا أنّ لليد أثراً في إفادة الملك لما كان لذكره وجه،فتدبّر.

و قريب منها النصوص الكثيرة الواردة في تعارض البيّنات الدالة على ترجيح بيّنة ذي اليد أو الخارج (3).

إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في دلالة اليد على الملكية،و هي على تقدير تسليم عدم وضوح دلالتها على ذلك فلا ريب في كونها مؤيّدات قويّة للرواية.

مضافاً إلى قوتها بما مضى من حكاية الإجماع المتقدمة و الشهرة

ص:391


1- الكافي 7:1/387،الفقيه 3:92/31،التهذيب 6:695/261،الوسائل 27:292 أبواب كيفية الحكم ب 25 ح 2.
2- تفسير القمي 2:8/155،الوسائل 27:293 أبواب كيفية الحكم ب 25 ح 3.
3- الوسائل 27:249 أبواب كيفية الحكم ب 12.

العظيمة،بل لم أقف على مخالف لها،عدا ما يستفاد من الأصحاب من كونه قولاً،و لكن لم يسمّوا له قائلاً،و لعلّهم أخذوه من المبسوط حيث نقله من دون تصريح بكونه منّا (1)،و ربما نسب إليه جماعة (2)التردّد في المسألة،حيث حكى القولين فيه من غير ترجيح،لكن سياق عبارته و منه نسبته القول الأوّل إلى روايات الأصحاب ربما يشعر بتقويته الأوّل، و بذلك صرّح الفاضل في المختلف (3).

و بالجملة:المخالف منّا غير معلوم عدا الماتن هنا حيث قال:

و الأولى الشهادة بالتصرف دون الملكية لأنّه أي التصرف دلالة على الملك،و ليس بملك.

و في التعليل ما لا يخفى؛ إذ بعد تسليم الدلالة على الملكية لا وجه للمنع من الشهادة به عليها،و إن هو حينئذ إلّا كالاستفاضة،فكما تجوز الشهادة على الملكية بها من غير لزوم إقامة الشهادة على الاستفاضة دونها، فكذا هنا،و لعلّه لذا قطع بجواز الشهادة على الملكية بالتصرف في الشرائع، و إنّما استشكل في جوازها بمجرد اليد الخالية عنه،قائلاً:إنّه من حيث إنّ اليد لو أوجب الملك لم تسمع دعوى من يقول:الدار التي في يد هذا لي، كما لا تسمع لو قال:ملك هذا لي (4).

و هذا كسابقه في الضعف جدّاً؛ لورود النقض عليه أوّلاً بالتصرف مع عدم خلاف المعارض فيه.

ص:392


1- المبسوط 8:182.
2- منهم فخر المحققين في الإيضاح 4:440،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:315،و الشهيد الثاني في المسالك 2:411.
3- المختلف:729.
4- الشرائع 4:134.

و ثانياً بالحل،بأنّ دلالة اليد ظاهرة،و الإقرار بالملك قاطع،و الصرف عن الظاهر بقرينة جائز بخلاف القاطع و القرينة هنا موجودة،و هي ادّعاؤه بها،و المفروض أنّ الظن كاف في الشهادة،كما يشير إليه جواز الشهادة بالتصرف الذي غايته إفادة المظنة،و يكفي في الظن دلالة اليد الظاهرة بلا شبهة.

و علّل المنع في كل من اليد و التصرف أيضاً زيادةً على ما مرّ في كلامه بحصول كل منهما من غير المالك كالوكيل و المستأجر و الغاصب و الموصى له بالمنفعة و غيرهم.

و نصر هذا التعليل المولى الأردبيلي (1)-(رحمه اللّه) و صاحب الكفاية، فقال بعد ذكر استدلال الشيخ و الجماعة على جواز الشهادة على الملكية باليد المتصرفة من قضاء العادة بأنّ ذلك لا يكون إلّا بالملك،و جواز شرائه منه،و أنّه متى حصل عند المشتري جاز له دعوى الملكية،و لو ادّعي عليه فأنكر جاز له الحلف ما صورته:

و فيه إشكال؛ لأنّ العادة لا تقضي على وجه يوجب العلم،و جواز الشراء لا يقتضي الحكم بملكية البائع قطعاً؛ لجواز الشراء من الوكيل و العاقد فضولاً و الغاصب مع عدم العلم،و دعوى الملكية بعد الشراء لا تقتضي جواز الشهادة على ملكية البائع أوّلاً،و جواز الحلف على بعض الوجوه لا ينفع مطلقاً في محل المنع،و لو سلّم فغير دال على المطلوب (2).

و فيه نظر:فإنّه إن أُريد بذكر الاحتمالات المزبورة في اليد و التصرف من كون كل منهما من الوكيل و المستأجر إنكار حصول المظنة بالملكية

ص:393


1- مجمع الفائدة و البرهان 12:458.
2- الكفاية:284.

بهما،فهو مكابرة صرفة،بل إنكار للبديهة،و لذا نفى في الكفاية بها العلم خاصّة.

و إن أُريد به ما ذكره فيها دون نفي المظنة فحسن لو لم يقم على اعتبارها دليل في المسألة،و الحال أنّه قد قام؛ لما عرفت من الرواية المنجبرة بما مرّ إليه الإشارة و حكاية الإجماع المتقدمة،و هي و إن اختصت باليد المتصرّفة،إلّا أنّ الرواية كافية في الحجية في اليد الخالية عنه؛ لعمومها لها،أو ظهورها فيها،و يكون شمول حكمها حينئذ لليد المتصرفة بطريق أولى،هذا.

مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة و ما بعدها من الأخبار (1)المعاضدة و لو لم تكن بنفسها حجة مستقلة.

و الشهرة الجابرة للرواية كما تحققت في اليد المتصرفة محققة و محكية في كلام جماعة كما عرفته،فكذلك هي هنا متحققه؛ لإطباق جمهور المتأخرين على الحكم هنا أيضاً عدا الماتن هنا و في الشرائع، و حكى الأكثرية على ذلك بينهم في المسالك و الكفاية (2).هذا.

مضافاً إلى مناقشات أُخر ترد على صاحب الكفاية ليس في ذكرها هنا فائدة مهمة بعد وضوح المأخذ في المسألة بحذافيرها،و الحجةِ من الفتوى و الرواية،بل ربما يمكن دعوى الضرورة في إفادة اليد المتصرفة بل مطلقاً الملكية،و عليه بناء الفقهاء بل و المسلمين كافّة،كما يقف عليه المتتبع لأكثر الأحكام الشرعية بل كلّها غير هذه المسألة من المسائل المتعلقة بأحكام اليد.

ص:394


1- راجع ص 390.
2- المسالك 2:411،الكفاية:284.

و لو تعارضت الاستفاضة المجردة عن الضميمة من التصرف أو اليد معهما فالترجيح لهما على الأقوى؛ لعموم الرواية،فتأمّل .و به صرّح جماعة كالفاضلين في الشرائع و التحرير و القواعد و الشهيد في الدروس (1).

الثانية تجوز الشهادة على ملك لا يعرفه الشاهد

الثانية: تجوز الشهادة على ملك لا يعرفه الشاهد إذا عرّفه له المتبايعان يعني البائع و المشتري بصفات يتوافقان عليها و يكون شاهداً على إقرارهما بتلك الصفات كما هنا و في السرائر و التحرير و الدروس (2)، و لا خلاف فيه على الظاهر،و مستنده مع ذلك واضح.

و في المكاتبة الصحيحة:في رجل باع ضيعة من رجل آخر،و هي قطاع أرضين،و لم يعرف الحدود في وقت ما أشهده،و قال:إذا أتوك بالحدود فاشهد بها،هل يجوز له ذلك،أو لا يجوز له أن يشهد؟ فوقّع(عليه السّلام):« نعم يجوز،و الحمد للّه تعالى».

و كتب:هل يجوز للشاهد الذي أشهده بجميع هذه القرية أن يشهد بحدود قطاع الأرض التي له إذا تعرف حدود هذه القطاع بقوم من أهل القرية إذا كانوا عدولاً؟فوقّع(عليه السّلام):« نعم يشهدون على شيء مفهوم معروف».

و كتب:رجل قال لرجلين:اشهدا أنّ جميع الدار التي له في موضع كذا و كذا بحدودها كلّها لفلان بن فلان،و جميع ماله في الدار من المتاع، هل يصلح للمشتري ما في الدار و البيّنة لا تعرف المتاع أي شيء هو؟ فوقّع(عليه السّلام):« يصلح له ما أحاط به الشراء بجميع ذلك إن شاء اللّه تعالى».

و كتب إليه:هل يجوز أن يشهد على الحدود إذا جاء قوم آخرون من

ص:395


1- الشرائع 4:134،التحرير 2:211،القواعد 2:240،الدروس 2:134.
2- السرائر 2:130،التحرير 2:215،الدروس 2:135.

أهل تلك القرية فشهدوا أنّ حدود هذه القرية التي باعها الرجل هذه،و هل يجوز لهذا الشاهد الذي أشهده بالضيعة و لم يسمّ الحدود أن يشهد بالحدود بقول هؤلاء الذين عرفوا هذه الضيعة و شهدوا له،أم لا يجوز له أن يشهد و قد قال لهم البائع:اشهدوا بالحدود إذا أتوكم بها؟فوقّع(عليه السّلام):« لا يشهد إلّا على صاحب الشيء و بقوله إن شاء اللّه تعالى» (1).

قيل:و المنع عن الشهادة في هذا الجواب الأخير إلّا على صاحب الشيء محمول على أنّه لا يشهد إلّا بقول المالك مجملاً،و لا ينسب التفصيل الذي عرفه من غيره إليه،بل يخبر بالصورة،أو يشهد إجمالاً،أو محمول على عدم تعيين المالك للذي يأتي بالحدود فيبقى على جهالته و يكون الإقرار مبهماً؛ أو على عدم عدالتهم (2).

الثالثة لا يجوز إقامة الشهادة إلّا مع الذكر

الثالثة: لا يجوز للشاهد إقامة الشهادة إلّا مع الذكر لمتعلّقها و التفطن له بالقطع،فلو لم يتذكّره كذلك لم يجز له الإقامة مطلقاً و لو رأى خطّه و خاتمه فظن به،بلا خلاف إذا لم يكن معه آخر ثقة،و لا كان المدّعى ثقة،و على الأشهر بين المتأخرين بل عامتهم إلّا النادر (3)مطلقاً، وفاقاً منهم لجماعة من القدماء كالحلّي و ابن زهرة و الحلبي (4).

للأصل،و عموم ما مرّ من الأدلة على اعتبار العلم في مستند الشهادة، و خصوص إطلاق بعضها،كالقوي بالسكوني و صاحبه:« لا تشهد بشهادة

ص:396


1- الكافي 7:4/402،الفقيه 3:673/153 676،الوسائل 27:407 كتاب الشهادات ب 48 ح 1.
2- قال به صاحب الوسائل 27:408.
3- انظر المفاتيح 3:287 288.
4- الحلّي في السرائر 2:131،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625،الحلبي في الكافي:437.

لا تذكرها،فإنّه من شاء كتب كتاباً و نقش خاتماً» (1).

و الحسن:جاءني جيران بكتاب فزعموا أنّهم أشهدوني على ما فيه، و في الكتاب اسمي بخطّي قد عرفته،و لست أذكر الشهادة،و قد دعوني إليها،فأشهد لهم بمعرفتي أنّ اسمي في الكتاب و لست أذكر الشهادة؟أو لا تجب لهم الشهادة حتى أذكرها،كان اسمي في الكتاب بخطّي أو لم يكن؟فكتب:« لا تشهد» (2).

و قصور الأسانيد أو ضعفها إن كان منجبر بما مرّ من الشهرة و الأصل و عموم الأدلة،مع دعوى الحلّي في السرائر كثرتها بحيث لا تحصى،بل و تواترها و الإجماع على مضامينها خصوصاً أو عموماً (3).

و لكن في رواية صحيحة مروية في الكتب الأربعة (4)أنّه إن شهد معه أي مع الذي عرف خطّه و خاتمه و لم يذكر من الباقي قليلاً و لا كثيراً،رجل آخر ثقة و كان صاحبه المدّعى أيضاً ثقة جاز له حينئذ إقامتها و قد عمل بها الشيخ في النهاية و المفيد و الإسكافي و القاضي و الديلمي و والد الصدوق (5)،بل هو و الكليني أيضاً؛ لروايتهما لها

ص:397


1- الكافي 7:4/383،الفقيه 3:146/43،التهذيب 6:683/259،الإستبصار 3:66/22،الوسائل 27:323 كتاب الشهادات ب 8 ح 4.
2- الكافي 7:2/382،التهذيب 6:684/259،الإستبصار 3:67/22،الوسائل 27:322 أبواب الشهادات ب 8 ح 2.
3- السرائر 2:131.
4- الكافي 7:1/382،الفقيه 3:145/43،التهذيب 6:681/258،الإستبصار 3:68/22،الوسائل 27:321 أبواب الشهادات ب 8 ح 1.
5- النهاية:330،المفيد في المقنعة:728،حكاه عن الإسكافي في المختلف:724،القاضي في المهذب 2:561،الديلمي في المراسم:234،و حكاه عن والد الصدوق في المختلف:724.

في كتابيهما،و لا ينافي ذلك روايتهما بعد ذلك مضمون رواية السكوني؛ لإطلاقه،و صراحة هذه،بحيث يحتمل التقييد بها عندهما.

و بالجملة:لا شبهة في شهرة العمل بها بين القدماء،و به صرّح الفاضل في المختلف و الشهيد في الدروس (1)،لكنه ادّعى الأكثرية بينهم دون الشهرة،فشهرتها بينهم مع صحتها ترجّحها على ما قابلها من العمومات و الإطلاقات،سيّما مع كونها خاصّة صريحة بالإضافة إليها تصلح لتخصيصها و تقييدها.

لكن يمكن أن يقال:إنّها و إن كانت خاصّة صريحة من جهة،لكنها عامّة لصورتي حصول العلم بالمشهود به بشهادة الثقة معه و عدمه،و الأدلة المتقدمة و إن كانت عامّة لصورتي وجود الثقة مع الخط و الكتابة إلّا أنّها خاصّة بالإضافة إلى اشتراط العلم و المعرفة،فكما يمكن تخصيص هذه الصحيحة لها،كذا يمكن العكس جدّاً،فتخصّصها تلك الأدلة بصورة حصول العلم من شهادة الثقة مع الخطّ و الكتابة.

و بالجملة:التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه يمكن تخصيص كلّ منهما بالآخر و لهذا يحصل في العمل بهذه الرواية و ترجيحها على تلك الأدلة بتخصيصها بها دون العكس تردّد كما هو صريح الماتن هنا و ظاهر الشهيد في الدروس،حيث نقل القولين مقتصراً عليهما،و ذلك لفقد المرجح لها،و تعارض الشهرة من الطرفين كسائر وجوه التراجيح من الجانبين.

مع أنّ الأصل و الكثرة مع دعوى التواتر و الإجماع في الأدلة الأوّلة

ص:398


1- المختلف:725،الدروس 2:134.

أقوى مرجح لها على هذه الصحيحة؛ لأنّها بطرف الضدّ لتلك الأدلة بالنسبة إلى هذه المرجحات المزبورة،مع أنّ الشهرة المتأخرة المرجحة لها أعظم من الشهرة القديمة المرجحة لهذه الصحيحة،مع إمكان التأمّل في شهرتها بين القدماء كما هي؛ لدلالتها على اعتبار كون المدّعى أيضاً ثقة و لم يعتبره من الجماعة غير والد الصدوق خاصّة،فالعامل بها على هذا نادر،فطرحها أو تقييدها بصورة حصول العلم كما فعله في المختلف فيها و في أقوال العاملين بها أيضاً (1)متعين،فالمصير إلى ما عليه المتأخرون متّجه،سيّما مع كونه أحوط،كما صرّح به الشيخ في الاستبصار و القاضي (2).

الرابعة من حضر حسابا أو سمع شهادة

الرابعة: من حضر حساباً بين رجلين أو سمع شهادة في قضيتهما فإن استشهد وجب عليه الإقامة،بلا خلاف،و إن اختلفوا في عينيّته مطلقاً كما عليه الشيخ و جماعة (3)،أو كفائيته إلّا إذا انحصر ثبوت الحق في شهادته فكما قالوه.

و إن كان لم يستشهد كان بالخيار في الإقامة ما لم يخش بطلان الحق إن امتنع و قد مضى البحث في جميع ذلك في بحث وجوب إقامة الشهادة و أنّ هذا الحكم الأخير ليس فيه (4)تردّد لأنّ مقتضاه وجوب الإقامة حينئذ كفاية،و هو ليس محل خلاف يعرف،بل مرّ عن جمع دعوى الإجماع عليه.

و حينئذ فإن أُريد بمحل التردد في العبارة هذا فهو كما ترى،و إن كان

ص:399


1- المختلف:725.
2- الاستبصار 3:22،القاضي في المهذب 2:561.
3- لم نعثر على قول الشيخ و انظر السرائر 2:132،و كشف الرموز 2:531،و التنقيح 4:314.
4- في المطبوع من المختصر(290):في الرواية.

ما يفهم من سياقها من عينية الوجوب مطلقاً إن استشهد كما عليه الشيخ و جماعة فحسن،و قد مرّ وجه التردّد حينئذ،و أنّ ما اختاره لا يخلو عن قوّة،إلّا أنّ احتمال إرادة هذا من العبارة بعيد عن سياقها،بل ظاهرها إرادة الاحتمال الأوّل،و عليه فيتوجه النظر إليه بما عرفته.

نعم لو كان رأي الشيخ و من وافقه عدم وجوب الإقامة مع عدم الاستدعاء مطلقاً حتى لو خاف بطلان الحق لو امتنع،و محصّله عدم الوجوب حينئذ لا عيناً و لا كفايةً،كما فهمه منهم جماعة (1)توجّه التردّد حينئذ،بل تعيّن بطلانه و إن شهد له إطلاق ما مرّ من كثير من المعتبرة،إلّا أنّ المستفاد من جملة أُخرى منها كما مضى عدم عينيته حينئذ خاصّة، لا عدم كفائيته أيضاً،بل تجب لو خشي بطلان الحق لو امتنع،كما ذكره الماتن هنا،و صرّح به الشيخ (2)أيضاً و جملة من موافقيه (3)و إن أطلقوا عدم الوجوب مع عدم الاستشهاد بحيث يتوهم منهم عدم الوجوب و لو كفايةً، إلّا أنّ الظاهر إرادتهم صورة عدم الخوف من بطلان الحق مع عدم الإقامة، و لذا نسب في الدروس (4)إليهم عين ما في العبارة من عدم الوجوب إلّا مع خشيته بطلانه مع عدمها،و جعل الفاضل في المختلف النزاع بينهم و بين الحلّي الحاكم بوجوب الإقامة و نفي الخيار فيها لفظياً،فقال بعد نقل عبائرهم جملة-:

و التحقيق أنّه لا نزاع في المعنى هنا؛ لأنّ الشيخ قصد بالجواز و الخيار

ص:400


1- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:317،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 12:520 و السبزواري في الكفاية:286.
2- النهاية:330.
3- منهم القاضي في المهذب 2:561،و الشهيد الثاني في الروضة البهية 3:139.
4- الدروس 2:134.

من حيث إنّه فرض كفاية يجوز له تركه إذا قام غيره مقامه،و لهذا إذا لم يقم غيره مقامه و خاف لحوق ضرر بإبطال الحق وجب عليه إقامة الشهادة،فإن قصد ابن إدريس الوجوب هنا عيناً فهو ممنوع،نعم في الحقيقة لا يبقى فرق بين أن يشهد من غير استدعاء و بين أن يشهد معه (1).انتهى.

و من قوله:نعم،إلى آخره،يظهر تفطنه لكون النزاع معنوياً، و لا وجه له بعد اعترافه بكون مذهب الشيخ الوجوب كفايةً مع عدم الاستدعاء إلّا ما قدّمنا من الوجوب عيناً مطلقاً مع الاستدعاء،كما هو ظاهر مفهوم كلام الشيخ و الأخبار التي قدّمناها بعد ضمّ بعضها إلى بعض كما مضى.

و حيث ظهر لك اعترافه أخيراً بكون النزاع بينهم معنوياً اتضح لك ما في كلام شيخنا في المسالك و صاحب الكفاية (2)عليه حيث قالا بعد أن نقلا عنه جعله النزاع لفظياً؛ لما ذكره-:و فيه نظر؛ لأنّ الأخبار المذكورة مفصّلة مصرّحة بالفرق بين من يستدعي و بين من لا يستدعي،و أنّه يتعين على المستدعي الشهادة مع أنّ الوجوب حينئذ كفائي اتفاقاً و إن عرض له التعيين،و على ما ذكره في المختلف من المعنى لا فرق بين الحالتين، و لا يبقى للتفصيل في الأخبار فائدة أصلاً،و لا وجه لهذا التكلّف الذي لا يساعد عليه الكلام،و الحق أنّ النزاع معنوي صرف.انتهى.

و كأنّهما لم يلاحظا قوله الأخير المعترف فيه بمعنوية النزاع كما ذكراه،و يتوجه عليهما زيادةً على ذلك أنّ الفاضل جعل النزاع بين الشيخ و الحلّي لفظياً،لا بين الأخبار،بل ما ذكر منها شيئاً،فتأمّل جدّاً .

ص:401


1- المختلف:725.
2- المسالك 2:415،الكفاية:286.

و أيضاً فدعواهما الوفاق على كفائية الوجوب بعد اعترافهما بمعنوية النزاع،و ظهور العينية مطلقاً مع الاستدعاء من الشيخ و موافقيه ليس في محله،بل الظاهر كون العينية مطلقاً حيث قالوا به ليس محل وفاق،بل محل نزاع كما اعترفا به،و حينئذ يتقوى مختارهم كما تقدم.

و أيضاً ظاهر عبارتهما التي حكيناها أنّ أثر معنوية النزاع إنّما يظهر في عينية الوجوب مطلقاً مع الاستدعاء و كفائيته مع عدمه،مع أنّهما ذكرا في تحرير محل النزاع ما ظاهره كون أثره إنّما هو أصل الوجوب مع عدم الاستدعاء،حيث قالا بعد الحكم بكفائية الوجوب مطلقاً-:و المشهور عدم الفرق في الوجوب بين من استدعي و غيره؛ لعموم الأدلة إلى أن قالا-:و ذهب جماعة منهم الشيخ و ابن الجنيد و أبو الصلاح إلى عدم الوجوب إلّا مع الاستدعاء؛ لصحيحة محمّد بن مسلم.ثم ساقا جملة من الأخبار المطلقة.

و عبارتهما هذه كالنص بل نص في أنّ الشيخ و من بعده لم يقولوا بالوجوب في صورة عدم الاستدعاء بالكلية و لو كفايةً،و هذا مع منافاته لعبارتهما المتقدمة منافٍ لما نسبه إليهم الفاضل و الشهيد كما عرفته، و عرفت أنّ الحقّ معهما.

و يكره أن يشهد المؤمن لمخالف له في المذهب إذا خشي أنّه لو استدعاه إلى الحاكم ليشهد له يردّ شهادته فيكون قد أذلّ نفسه، كما في المرسل:قلت له:إن شريكاً يردّ شهادتنا،قال:فقال:« لا تذلّوا أنفسكم» (1).

ص:402


1- التهذيب 6:779/283،الوسائل 27:412 كتاب الشهادات ب 53 ح 1.

و قصور سنده بل ضعفه يمنع عن العمل به،سيّما و أن يخصَّص به عموم أدلة وجوب إقامة الشهادة من الكتاب و السنّة،و لذا أنّ في التحرير نسب الحكم إلى الرواية (1)،مشعراً بتردّده فيه.

و حمله الصدوق في الفقيه على كراهية التحمّل دون الأداء (2).

و نحوه الحلّي،فقال:و فقه هذه الرواية أنّه إنّما يكره أن يتحمّل له شهادةً ابتداءً،فأمّا إن تحمّلها فالواجب عليه أداؤها و إقامتها إذا دعي[إلى] ذلك عند من دعي إلى إقامتها عنده،سواء ردّها أو لم يردّها،قبلها أو لم يقبلها،بغير خلاف؛ لقوله تعالى وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [1] (3)(4)انتهى.

و ظاهرهما عدم الاستشكال في جواز ترك التحمّل،و هو مشكل جدّاً؛ لتساوي الأداء معه في الأدلة الدالة على وجوبهما من الكتاب و السنّة، و عدم قابلية الرواية لتخصيصها،اللّهم إلّا أن يكون إجماعاً،أو يريدا بترك التحمّل إخفاء نفسه عن المخالف لئلّا يشهده،لا تركه عند إشهاده.

و ممّا ذكرنا ظهر ما في عمل الماتن بالرواية و حكمه بكراهة الشهادة مطلقاً و لو خيف من فوت الحقّ بتركها،إلّا أن يوجّه بأنّ إقامة الشهادة حينئذ يتضمن إذلال المؤمن نفسه بلا شبهة،و صرّحت به الرواية،و هو لا يقصر عن الضرر الذي أُبيح لأجله ترك الشهادة مطلقاً اتفاقاً فتوًى و روايةً،و لا بأس به،و إن كان الأحوط الشهادة،سيّما في صورة اليقين

ص:403


1- التحرير 2:213.
2- الفقيه 3:44.
3- البقرة:283.
4- السرائر 2:130،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر لاستقامة العبارة.

بخوف فوت الحق بتركها،و إن كان لا فائدة فيها بعد فرض تيقن ردّها كما هو مورد الرواية.

و منه يظهر وجه قوّة أُخرى لها،و لما عليه الماتن من الكراهة،لكن في الجملة لا مطلقا،فتأمّل جدّاً .

النظر الثالث في الشهادة على الشهادة

الثالث:في بيان أحكام الشهادة على الشهادة:

و هي مقبولة في الديون و الأموال كالقرض و القراض و عقود المعاوضات و الحقوق المتعلّقة بالآدميين،سواء كانت عقوبة كالقصاص،أو غيرها كالطلاق و النسب و العتق و عيوب النساء و الولادة و الاستهلال و الوكالة و الوصية بفرديه،بلا خلاف أجده،و به صرّح في الكفاية (1)،بل عليه الإجماع في كلام جماعة (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى ما استدلوا به من عمومات الكتاب و السنّة بقبول الشهادة.

و خصوص الخبر المروي في التهذيب بسند فيه جهالة،و في الفقيه بسند يحتمل الصحة،بل صرّح بصحته جماعة (3)،مع أنّ القصور إن كان مجبور بعمل الطائفة،و فيه:عن الشهادة على شهادة الرجل و هو بالحضرة في البلد،قال:« نعم و لو كان خلف سارية إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلّة تمنعه من أن يحضر و يقيمها» (4).

ص:404


1- الكفاية:286.
2- منهم الشهيدان في غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضويّة،الورقة:277،المسالك 2:415،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:292،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:384.
3- انظر روضة المتقين 6:187،و الكفاية:286.
4- الفقيه 3:141/42،التهذيب 6:672/256،الإستبصار 3:59/20،الوسائل 27:402 كتاب الشهادات ب 44 ح 1.

و علّلوه أيضاً بدعاء الحاجة إليها؛ فإنّ شهود الواقعة قد يتفق لهم الموت أو الغيبة،و أنّ الشهادة حق لازم الأداء فتجوز الشهادة عليها كسائر الحقوق المقبولة فيها.

و لا تقبل في الحدود و ما كان عقوبة للّه تعالى،إجماعاً في المختصة به سبحانه كحدّ الزنا و اللواط و نحوهما،على الظاهر المصرَّح به في الإرشاد و الإيضاح و التنقيح و المسالك و الروضة (1)،و غيرها من كتب الجماعة (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرين (3)القريب أحدهما من الصحة عن علي(عليه السّلام):

« أنّه كان لا يجيز شهادة على شهادة في حدّ».

و كذا في المشتركة بينه تعالى و بين الآدميين كحدّ القذف و السرقة عند الأكثر،كما في التنقيح و الروضة (4)،بل المشهور،كما في الإيضاح و المسالك و الكفاية (5)،و لعلّه الأظهر،لإطلاق ما مرّ من المعتبرين،بل عمومهما الناشئ من النكرة المنساقة في سياق النفي،و قصور سندهما منجبر بالاتفاق في الجملة،و بالشهرة في خصوص المسألة،و بأنّ الحدود تدرأ بالشبهة،و قيام البدل مقام المبدل لا تخلو من شبهة.

خلافاً للمبسوط و ابن حمزة و فخر الإسلام في الإيضاح و الشهيدين

ص:405


1- الإرشاد 2:164،الإيضاح 4:444،التنقيح 4:317،المسالك 2:415،الروضة 3:149.
2- كمجمع الفائدة 12:476،و كشف اللثام 2:384.
3- التهذيب 6:667/255،و 671/256،الوسائل 27:404 كتاب الشهادات ب 45 ح 1،2.
4- التنقيح 4:317،الروضة 3:149.
5- الإيضاح 4:444،المسالك 2:416،الكفاية:286.

في النكت و المسالك (1)،فقالوا بالقبول،و حجتهم غير واضحة،عدا ما في المسالك من العموم،و عدم دليل صالح للتخصيص،مع ما فيه من ترجيح حق الآدمي.

و هو حسن إن لم نقل بحجية المعتبرين المنجبرين بما مرّ،و إلّا فما عليه المشهور متعين،و بهما يذبّ عن العموم،و الدليل الصالح للتخصيص يقوم،و الأمر الثالث الاعتباري بعد تسليمه في مقابلة النص المعتبر غير مسموع.

و لو اشتمل سبب الحدّ على أحكام أُخر كاللواط المترتب عليه نشر الحرمة بأُمّ المفعول و أُخته و بنته،و كالزنا بالعمّة و الخالة المترتب عليه تحريم بنتهما،و كالزنا مكرِهاً للمرأة بالنسبة إلى ثبوت المهر،و نحو ذلك، فهل تقبل في غير الحدّ من الأحكام؟وجهان:

من تلازم الأمرين،و كونهما معلولي علّة واحدة.

و من وجود المانع في بعضها،و هو الحدّ بالنص و الإجماع،فيبقى الباقي؛ لأنّه حق آدمي لا مانع من إثباته بشهادة الفرع،و علل الشرع معرّفات فجاز انفكاك معلولاتها،و لذا يثبت بها في السرقة[المال (2)]دون الحدّ عند المانعين لها في الحدّ مطلقاً،و كذا مع الشاهد و المرأتين، و بالعكس لو كان المقرّ سفيهاً،إلى غير ذلك.

و اختار هذا الفاضلان في الشرائع و التحرير و القواعد و الإرشاد،

ص:406


1- المبسوط 8:231،الوسيلة:233،الإيضاح 4:444،و فيه:أنّ الأصح عدم القبول،غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:278،المسالك 2:416.
2- أضفناه لاستقامة المعنى.

و الشهيدان في الدروس و المسالك و اللمعتين (1)،من دون إشارة منهم إلى خلاف و لا تردّد،عدا شيخنا في المسالك فأشار إلى الوجهين،مشعراً بتردّده بينهما،لكن جعل ثانيهما أقوى.

و لا يجزئ في الشهادة على الشهادة إلّا اثنان عدلان على شاهد الأصل إجماعاً،و للنصوص.

ففي الخبرين:« إنّ عليّاً(عليه السّلام)كان لا يجيز شهادة رجل على رجل إلّا شهادة رجلين على رجل» (2).

و لأنّ المقصود إثبات شهادة الأصل؛ لأنّه الأمر المشهود به في الشهادة الثانية،دون ما شهد به الأصل،و ذلك لا يتم بشهادة الواحد كما هو الأصل.

نعم لا يشترط المغايرة،فتجوز شهادة اثنين على كل واحد من شاهدي الأصل،و كذا شهادة أحد الأصلين مع الآخر على شهادة الأصل الآخر،و نحو ذلك،بلا خلاف فيه عندنا و عند أكثر من خالفنا كما في الغنية و المسالك (3)،بل ظاهرهما كغيرهما- (4)دعوى إجماعنا عليه،و لعلّه للإطلاق كما صرّح به جمع (5)،و في التمسك به لو لا الإجماع نظر.

ص:407


1- الشرائع 4:140،التحرير 2:216،القواعد 2:242،الإرشاد 2:165،الدروس 2:141،المسالك 2:418،اللمعة و الروضة البهيّة 3:150.
2- الأول في:الفقيه 3:136/41،الوسائل 27:403 كتاب الشهادات ب 44 ح 4.الثاني في:التهذيب 6:668/255،الإستبصار 3:61/21،الوسائل 27:403 كتاب الشهادات ب 44 ح 2.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):625،المسالك 2:416.
4- انظر المفاتيح 3:293،و كشف اللثام 2:384.
5- منهم الشهيد في غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:278 و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:479.

و تقبل على الشهادة شهادة النساء في الموضع الذي تقبل فيه شهادتهن منفردات أو منضمّات على قول الإسكافي و الشيخ في الخلاف و موضع من المبسوط (1)،مدّعياً في الأوّل إجماع الفرقة و أخبارهم،و اختاره في المختلف (2)؛ للأصل،و عموم قوله فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ [1] (3).

و الخبر:« شهادة النساء لا تجوز في طلاق و لا نكاح و لا حدود إلّا في الديون و ما لا يستطيع النظر إليه للرجال» (4)فإنّه شامل للشهادة الأصلية و الفرعية.

و هذه الأدلة كما ترى؛ لوهن الإجماع بندرة القائل بمضمونه عدا الناقل و نادر.

و الأخبار لم نقف لها على أثر إن أُريد منها ما يدل على الخصوص، و إن أُريد بها نحو الخبر الأخير مما يدل على الحكم بالإطلاق أو العموم فبعد تسليم سنده هنا لا عموم فيه،بل غايته الإطلاق،بل الإجمال الغير المعلوم شموله لمثل ما نحن فيه،سيّما مع عدم تبادره منه،بل تبادر غيره، و هو شهادتهن على نفس الديون و نحوها،دون شهادتهن على الشهادة عليها.

و تقريب الاستدلال بنحو الخبر بالأولوية لا العموم أو الإطلاق كما

ص:408


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:724،الخلاف 6:316،المبسوط 8:233.
2- المختلف:724.
3- البقرة:282.
4- التهذيب 6:773/281،الإستبصار 3:80/25،الوسائل 27:362 كتاب الشهادات ب 24 ح 42.

يفهم من جماعة (1)،المناقشة فيه واضحة بعد إمكان دعوى الفرق بأنّ المستفاد من الفتوى و الرواية أنّ العلّة في قبول شهادتهن في الديون و نحوها أصالةً إنّما هي الضرورة و مسيس الحاجة،إمّا لضرورة الانفراد كالعيوب الباطنة،أو لفقد الرجال كما في الوصية،و هي في نحو المسألة منتفية بلا شبهة،كما ذكره جماعة (2).

و الأصل لا وقع له هنا،بل مقتضاه العكس كما قدّمناه سابقاً.

و الآية موردها الأموال،و الشهادة ليست مالاً.

و من هنا يظهر جواب آخر عن نحو الخبر الذي مرّ،و هو أنّه جعل مورد شهادتهن الديون و نحوها،و شهادتهن فرعاً إنّما هي على الشهادة، و نفس الشهادة ليست من الديون و الأموال و ما لا يطلع عليه الرجال، فلا يدخل في الخبر،و لا في قاعدة ما تقبل فيه شهادة النساء.

و على هذا فالمنع أقوى،وفاقاً للحلّي و الفاضلين في الشرائع و القواعد و التحرير و فخر الدين و الشهيدين في النكت و المسالك و الفاضل المقداد في الشرح (3)،و غيرهم من متأخري الأصحاب (4)،بل لم أقف فيهم على مخالف،و إن تردّد الفاضلان هنا و في الإرشاد و الشهيدان في

ص:409


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:417،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:480،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:385.
2- منهم العلّامة في القواعد 2:242،و ولده في الإيضاح 4:447،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:319،و المفاتيح 3:293.
3- السرائر 2:128،الشرائع 4:140،القواعد 2:242،التحرير 2:216،الإيضاح 4:448،غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:278،المسالك 2:418،التنقيح 4:319.
4- الكفاية:287،المفاتيح 3:293.

الدروس و الروضة (1)،و لكن لا وجه له كما عرفته.

و لو لا الإجماع المنقول لأمكن القطع بفساد القول الأوّل،و معه و إن كان لا يمكن إلّا أنّ الظن بأظهرية القول المقابل بما قدّمناه حاصل،سيّما مع تأيّده بل و اعتضاده بمفهوم الحصر في الخبرين المتقدمين (2)المتضمّنين لأنّ عليّاً(عليه السّلام)كان لا يجيز شهادة رجل على رجل إلّا شهادة رجلين على رجل،فتأمّل.

هذا مضافاً إلى تأيّده بموافقة الشافعي (3)له،و مخالفة أبي حنيفة إيّاه (4)؛ لأغلبية موافقة الأوّل للشيعة،بخلاف الثاني،فتدبّر.

و اعلم أنّه لا يجوز للفرع التحمّل إلّا إذا عرف أنّ عند الأصل شهادة جازمة بحق ثابت،بلا خلاف؛ لانّه المتبادر،و المعنى الحقيقي للشهادة على الشهادة.

و أجلى الألفاظ التي تتحمّل بها هو أن يقول له شاهد الأصل:

اشهد على شهادتي أنني أشهد كذا أو أُشهدك،أو إذا استشهدت على شهادتي فقد أذنت لك في أن تشهد،و نحو ذلك.

و سمّوه بالاسترعاء،لالتماس شاهد الأصل رعاية شهادته و الشهادة بها،و لا خلاف في جواز التحمّل به على الظاهر،المصرَّح به في الكفاية (5)و غيره (6)،بل عليه الإجماع في الإيضاح و التنقيح و المسالك (7).

ص:410


1- الإرشاد 2:165،الدروس 2:141،الروضة 3:152.
2- في ص 406.
3- الأُم 7:49.
4- بدائع الصنائع 6:282،حكاه عنه في الخلاف 2:630.
5- الكفاية:287.
6- مجمع الفائدة و البرهان 12:477.
7- الإيضاح 4:445،التنقيح 4:319،المسالك 2:416.

و ألحَقَ به جماعة أن يسمعه يسترعي آخر (1).

قالوا:و دونه أن يسمعه يشهد عند الحاكم و إن لم يسترعه؛ لأنّه لا يتصدّى للإقامة عند الحاكم إلّا بعد تحقق الوجوب.

و دونه أن يسمعه يبيّن سبب وجود الحق من ثمن مبيع أو قرض أو غير ذلك؛ لأنّه بعيد عن التساهل و الوعد.

أمّا لو قال:أشهد أنّ عليه كذا،من دون استرعاء و لا ذكر سبب و لا في مجلس الحكم فلا تجوز شهادة الفرع،لاعتياد التسامح بذلك من غير تحقق لغرض صحيح أو فاسد،بخلاف ما لو سمعه يقرّ لآخر،فإنّه تجوز الشهادة عليه،لأنّه مخبر عن نفسه،و لأنّه يعتبر في الشهادة ما لا يعتبر في الإقرار.

و الأصل في ترتيب هذه المراتب هو الشيخ في المبسوط (2)،و وافقه الإسكافي على القبول في صورة الاسترعاء خاصّة (3)،و ظاهره المنع فيما عداها.

و المتأخرون تبعوا الشيخ إلّا في الجزم بالقبول في المرتبة الثالثة،فقد تردّد فيه الفاضلان (4)و غيرهما (5)،و جزموا بالفرق بينها و بين الرابعة عدا الماتن في الشرائع (6)فقد استشكله،قيل:لاشتمالهما على الجزم الذي لا يناسب العدل أن يتسامح به،فالواجب إمّا القبول فيهما أو الردّ كذلك،

ص:411


1- منهم المحقق الكاشاني في المفاتيح 3:294،و الشهيد الثاني في المسالك 2:416،و السبزواري في الكفاية:287.
2- المبسوط 8:231.
3- نقله عنه في المختلف:729.
4- المحقق في الشرائع 4:139،العلّامة في القواعد 2:241.
5- انظر الإيضاح 4:446.
6- الشرائع 4:139.

لكن الأوّل بعيد،بل لم يقل به أحد،فيتعين الثاني (1).

و التحقيق أن يقال:إنّ هذه المراتب خالية عن النص كما ذكره الحلّي (2)متردّداً فيها بعد أن نقلها عن المبسوط،فينبغي الرجوع إلى مقتضى الأُصول،و هو ما قدّمناه من اعتبار على الفرع بشهادة الأصل من دون فرق بين الصور المتقدمة،حتى لو فرض عدمه في صورة الاسترعاء و إن بعد باحتمال إرادة الأصل منه المزاح و نحوه لم يجز أداء الشهادة على شهادته،و لو فرض حصوله في الصورة الرابعة التي هي عندهم أدونها جاز،بل وجب.

و بالجملة:لا بدّ من العلم بشهادة الأصل،فحيثما حصل تبع،و حيث لا فلا.

و إلى هذا يشير كلام الفاضل المقداد في الشرح،حيث قال بعد أن نقل من الماتن التردّد في المرتبة الثالثة-:و الأجود أنّه إن حَصَلت قرينة دالة على الجزم و عدم التسامح قبلت،و إن حصلت قرينة على خلافه كمزاح أو خصومة لم تقبل (3).

و أظهر منه كلام المقدّس الأردبيلي-(رحمه اللّه)-،فإنّه قال بعد ذكر التردّد و وجهه-:و الأقوى أنّه إن تيقن عدم التسامح صار متحمّلاً،و إلّا فلا (4).

و بالجملة:ينبغي العمل بعموم الأدلة،ففي كل موضع يحصل اليقين بشهادة الأصل مجزوماً يقيناً بأنّ الأصل شهد بكذا و ليس فيما قاله مسامحة

ص:412


1- قاله الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:294.
2- السرائر 2:130.
3- التنقيح الرائع 4:320.
4- مجمع الفائدة و البرهان 12:478.

و مماشاة للفرع أن يشهد بشهادته و تقبل،و إلّا فلا خصوصية بعبارة دون أُخرى،إلّا أنّ بعض العبارات أولى و أصرح من البعض.

ثم إنّه ينبغي أن يأتي الفرع وقت الشهادة بمثل ما أُشهد،فإن كان في المرتبة الأُولى يقول:أشهدني على شهادته فلان بن فلان،إلى آخره.و في الثانية يقول:أشهد أنّ فلاناً شهد عند الحاكم بكذا.و في الثالثة يقول:أشهد أنّ فلاناً شهد على فلان بكذا بسبب كذا.

و لا تقبل شهادة الفرع إلّا مع تعذّر حضور شاهد الأصل مجلس الحكم لمرض أو غيبة أو موت أو نحو ذلك مما يمنعه من حضور المجلس و إن كان حاضراً،أو يوجب مشقّةً لا تتحمّل غالباً،على المشهور بين الأصحاب على الظاهر،المصرَّح به في كلام جماعة (1)حدّ الاستفاضة، بل لا يكاد يتحقق فيه خلاف حتى من الخلاف (2)و إن حكي فيه عن بعض الأصحاب،و قيل:مال إليه (3)لدعواه الإجماع على الاشتراط،و عدم وضوح ميله إلى ما نقله عن البعض،إلّا من حيث ذكره دليله ساكتاً عليه، و لعلّ وجهه اكتفاؤه في ردّه بما قدّمه من الإجماع.

و لعلّ البعض الذي نقل الخلاف عنه هو والد الصدوق،فإنّه المخالف في المسألة،كما يستفاد من جماعة و منهم الشهيد في النكت و المقدّس الأردبيلي-(رحمه اللّه) و صاحب الكفاية (4)،و لكن أنكره الفاضل في المختلف (5)

ص:413


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:417،و السبزواري في الكفاية:287،و المحقق الكاشاني في المفاتيح 3:293.
2- الخلاف 6:314.
3- قاله الشهيد في الدروس 2:141.
4- غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:278،مجمع الفائدة و البرهان 12:481،الكفاية:287.
5- المختلف:724.

بعد أن حكى النسبة المزبورة إليه عن الحلّي،و يحتمل أن يكون هو الإسكافي كما يظهر من مذهبه الآتي،و به صرّح في الدروس (1).

و كيف كان،لا ريب في ندرته و مخالفته الإجماع الظاهر و المحكي، المعتضد زيادةً على الأصل بمفهوم خصوص ما مرّ من بعض النصوص:

عن شهادة على شهادة الرجل و هو بالحضرة في البلد،قال:« نعم،و لو كان خلف سارية إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلّة تمنعه أن يحضر و يقيمها» (2).

و لو شهد الفرع على شهادة الأصل فأنكر شاهد الأصل ما شهد به فالمروي:العمل بأعدلهما،فإن تساويا اطرح الفرع.

ففي الصحيح المروي في الفقيه:في رجل شهد على شهادة رجل، فجاء الرجل فقال:لم أشهده،فقال:« تجوز شهادة أعدلهما،و إن كانت عدالتهما واحدة لم تجز الشهادة» (3).

و نحوه غيره في الكافي و التهذيب (4).

و به أفتى الشيخ في النهاية و القاضي و الصدوقان و ابن حمزة (5)لكن فيما إذا أنكر بعد الحكم،و أمّا قبله فيطرح الفرع،و قريب منه الفاضل في المختلف (6).

ص:414


1- الدروس 2:141.
2- في ص 402.
3- الفقيه 3:137/41،الوسائل 27:405 كتاب الشهادات ب 46 ح 1.
4- الكافي 7:2/399،التهذيب 6:669/256،الوسائل 27:405 كتاب الشهادات ب 46 ح 2.
5- النهاية:329،القاضي في المهذب 2:561،الصدوق في المقنع:133،و حكاه عن والده في المختلف:723،الوسيلة:234.
6- المختلف:723.

و حجتهما على هذا التفصيل غير واضحة،عدا الجمع بين ما مرّ من الأدلة على اشتراط تعذر حضور الأصل في سماع شهادة الفرع،و هذه الرواية بحملها على بعد الحكم،و السابقة على العكس.

و لا شاهد عليه مع إطلاق أدلة الطرفين،مع أنّ ظاهر جماعة من الأصحاب و منهم الفاضل أيضاً في جملة من كتبه (1)تقييد الرواية و كلام القائلين بها بعكس ما ذكراه،معربين عن عدم الخلاف في عدم الالتفات إلى الإنكار بعد الحكم،معلّلين بنفوذه فيستصحب.

و نسبه المقدّس الأردبيلي(رحمه اللّه)إلى أصحاب (2)،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه.

فلا إشكال فيه،و لا في فساد ما عليه الإسكافي (3)من عدم الالتفات إليه مطلقاً و لو قبل الحكم مع أعدلية أحدهما أو تساويهما فيها؛ لاتفاق الرواية و ما مرّ من الأدلة على ردّه،لمنافاة ما ذكره لمضمون كل منهما.

و إنّما الإشكال في العمل بهذه الرواية و ترجيحها على تلك الأدلة في المسألة،إمّا بتقييدها بهذه الرواية،أو حملها ككلام الأصحاب العاملين بها من دون إشكال و لا خلاف معتدّ به كما عرفت على ما ذكره الشهيد في النكت (4)من أنّ المراد اشتراط تعذّر الأصل في صحة أداء شهادة الفرع، لا في سماعها منه،فإذا أدّاها و الأصل غائب حصل الشرط،و لا ينافي سماعها منه بعد حضوره مع أعدليته كما عليه الجماعة و دلّت عليه الرواية.

ص:415


1- انظر المختلف:723،و القواعد 2:242،و التحرير 2:216.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:486.
3- حكاه عنه في المختلف:723.
4- غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:279.

أو أنّه إذا كان الأصل و الفرع متفقين،فإنّه حينئذ لا يحتاج إلى شهادة الفرع،للاستغناء بالأصل و زيادة الكلفة بالبحث عن الجرح و التعديل،أمّا مع التناكر فيمتنع تناول العبارة.

قال:و بالجملة:فهم لم يصرِّحوا بأنّ ذلك مناف لشهادة الفرع،بل ظاهر كلامهم أنّ سماع شهادة الفرع مشروط بتعذّر شاهد الأصل إذا كان يشهد و المنكر لا يشهد.

أو ترجيح تلك الأدلة على هذه الرواية و إن كانت صحيحة؛ لأنّ ظاهرها متروك من حيث اشتمالها على شهادة الرجل الواحد(على الواحد) (1)و هو مخالف للإجماع فتوًى و نصّاً كما مضى.

و هذا مذهب الشيخ في المبسوط و الحلّي و ابن زهرة و الفاضلين (2)، و غيرهم (3).

و بالجملة:أكثر المتأخرين،بل المشهور مطلقاً كما في المسالك و غيره (4)،و زاد الأوّل فنسبه كالشهيد في النكت إلى عامّة المتأخرين، معربين عن دعوى إجماعهم عليه.

و لعلّه أقرب؛ للشهرة المرجّحة للأدلة المتقدمة على هذه الرواية، سيّما مع ما هي عليه من الكثرة و الاعتضاد من أصلها بالشهرة بل الإجماع كما عرفته،و حيث تعيّن ترجيحها على الرواية ظهر صحة ما أورده الماتن

ص:416


1- ما بين القوسين ليس في« س».
2- المبسوط 8:233،الحلّي في السرائر 2:127،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625،المحقق في الشرائع 4:139،العلّامة في القواعد 2:242.
3- منهم الشهيد في الدروس 2:141،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:486.
4- المسالك 2:417؛ و انظر مجمع الفائدة 12:483.

على العمل بها بقوله:

و فيه إشكال؛ لأنّ قبول الفرع مشروط بعدم شاهد الأصل كما عرفته من الأدلة الراجحة،فينبغي طرح هذه الرواية،أو تخصيصها بما إذا قال الأصل:لا أعلم،دون أن يردّه بصريح الإنكار،كما ذكره الفاضلان في الشرائع و التحرير و القواعد و فخر الإسلام في الشرح (1)،و لكن لا شاهد لهم على هذا التخصيص،عدا وجه جمع خال عن الدليل،مع إمكانه بغيره.

و مع ذلك فاعترضه عميد الرؤساء بأنّه لا يمكن حينئذ العمل بقول الأعدل إذا كان هو الأصل؛ لأنّه غير شاهد (2).و زاد الشهيد(رحمه اللّه)بأنّه غير منطوق الرواية (3)؛ لتضمّنها قوله:« لم أشهده» و فيه نظر.

و الصيمري في شرح الشرائع،حيث قال بعد نقل ما مرّ من التخصيص عن الفخر-:و فيه نظر؛ لأنّ المشهور بين الأصحاب عدم قبول شهادة الفرع مع حضور شاهد الأصل و هو أعم من أن يقيم الأصل الشهادة، أو يترك الإقامة؛ لعدم علمه بها،أو لغير ذلك (4).

و اعلم أنّه لا تقبل شهادة على شهادة على شهادة و محصّله أنّ الشهادة الثالثة فصاعداً غير مسموعة في شيء حتى في حقوق الناس و أموالهم،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في ظاهر التحرير و المسالك (5)،و صريح الغنية،و المحكي عن الماتن و المقدس الأردبيلي

ص:417


1- الشرائع 4:139،التحرير 2:216،القواعد 2:242،الإيضاح 4:450.
2- كنز الفوائد 3:563.
3- غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضويّة،الورقة:279.
4- غاية المرام 4:301.
5- التحرير 2:211،المسالك 2:415.

و غيرهم (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و اختصاص ما دلّ على قبول الشهادة على الشهادة بالثانية دون ما زاد،و خصوص الخبر المنجبر بالعمل:« و لا تجوز شهادة على شهادة على شهادة» (2).

النظر الرابع في اللواحق

مسائل
الأولى إذا رجع الشاهدان قبل القضاء

الرابع:في اللواحق، و فيه مسائل ست:

الأُولى: إذا رجع الشاهدان أو أحدهما قبل القضاء بشهادتهما لم يحكم بلا خلاف على الظاهر،المصرَّح به في المبسوط (3)و كثير من العبائر (4)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المرسل الآتي،و الأصل،مع اختصاص ما دلّ على وجوب الحكم بالبينة من الفتوى و الرواية بحكم التبادر بصورة عدم الرجوع بلا شبهة،مع أنه لا يدرى أنهم صدقوا أوّلاً أو آخراً،فلا يبقى ظن الصدق بهما،و لم يحصل حكم يكون نقضه ممتنعاً.

و لو رجعا بعد القضاء لم ينقض الحكم و ضمن الشهود ما غرمه المشهود عليه،بلا خلاف مع استيفائه و تلفه على الظاهر،المصرَّح به في كثير من العبائر (5)،بل عليه الإجماع في السرائر و القواعد (6)،و هو الحجة.

ص:418


1- الغنية(الجوامع الفقهية):625،مجمع الفائدة 12:475،و انظر غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:277،و المفاتيح 3:292.
2- الفقيه 3:142/42،الوسائل 27:404 كتاب الشهادات ب 44 ح 6.
3- المبسوط 8:246.
4- الكفاية:288،و المفاتيح 3:296.
5- كما في مجمع الفائدة 12:503،و الكفاية:288.
6- السرائر 2:148،القواعد 2:245.

مضافاً إلى مرسلة جميل كالصحيحة به و بابن أبي عمير الراوي عنه، فإنّهما ممن أجمع على تصحيح ما يصح عنه العصابة:في الشهود إذا شهدوا على رجل،ثم رجعوا عن شهادتهم و قد قضي على الرجل:«ضمنوا ما شهدوا به و غرموه،و إن لم يكن قضي طرحت شهادتهم و لم[يغرم] الشهود شيئاً» (1).

و في النبوي الخاصي:« من شهد عندنا بشهادة ثم غيّرها أخذنا بالأُولى و طرحنا الأُخرى» (2).

و كذا مع بقائه مطلقاً،استوفي أم لا،على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة متأخري أصحابنا،بل و قدمائهم أيضا كما يفهم من المبسوط،لكن في صورة الاستيفاء خاصّة فإنّه قال:و إن رجعوا بعد الحكم و بعد الاستيفاء لم ينقض حكمه،بلا خلاف إلّا من سعيد بن المسيب و الأوزاعي،فإنّهما قالا ينقض (3).

و عبارته كما ترى عامّة لصورتي بقاء العين و تلفها،و في السرائر الإجماع عليه أيضاً (4)،و هو الحجة.

مضافاً إلى إطلاق المرسل و ما بعده المؤيد بعد الشهرة و حكاية الإجماع و نفي الخلاف المتقدمة بما ذكره الجماعة من الأدلة:من نفوذ

ص:419


1- الكافي 7:1/383،الفقيه 3:124/37،التهذيب 6:685/259،الوسائل 27:326 كتاب الشهادات ب 10 ح 1،و بدل ما بين المعقوفين في النسخ:يغرموا،و الصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- الفقيه 3:74/27،التهذيب 6:775/282،الوسائل 27:328 كتاب الشهادات ب 11 ح 4.
3- المبسوط 8:246.
4- السرائر 2:146 148.

الحكم بالاجتهاد فلا ينقض بالاحتمال؛ و أنّ الشهادة إقرار و الرجوع إنكار، و الإنكار بعد الإقرار غير مسموع،و أنّ الشهادة أثبت الحق فلا يزول بالطارئ كالفسق و الموت.

و منه يظهر ضعف ما اختاره الشيخ في النهاية و القاضي و ابن حمزة (1)من أنّه إن كانت العين المحكوم بها للمشهود له قائمة عنده ارتجعت منه و لم يغرما شيئاً و إن كانت تالفة ضمن الشهود مثلها أو قيمتها للمشهود عليه.

و مع ذلك حجتهم عليه غير واضحة،عدا ما استدل لهم جماعة من أنّ الحقّ ثبت بشهادتهما،فإذا رجعا سقط كما لو كان قصاصاً (2).

و هو كما ترى،لما فيه من إعادة المدّعى،و القياس المتضمن فارقاً؛ فإنّ القصاص يسقط بالشبهة،بخلاف الحق المالي،مع أنّه جارٍ فيما إذا استوفي العين و تلفت،و لم يقولوا فيه بما هنا،بل التزموا بالحكم ثمّة، فتأمّل جدّاً .

و أمّا ما في الكفاية (3)من الاستدلال لهم بالصحيح:في شاهد الزور، قال:« إن كان الشيء قائماً بعينه ردّ إلى صاحبه،و إن لم يكن قائماً ضمن بقدر ما تلف من مال الرجل» (4)فضعيف في الغاية،بل هو غفلة واضحة؛ لوضوح الفرق بين شهادة الزور و الرجوع عن الشهادة؛ لأعميته عن الأوّل

ص:420


1- النهاية:336،القاضي في المهذب 2:564،ابن حمزة في الوسيلة:234.
2- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:322،و السبزواري في الكفاية:288،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:297.
3- الكفاية:288.
4- الكافي 7:3/384،الفقيه 3:116/35،التهذيب 6:686/259،الوسائل 27:327 كتاب الشهادات ب 11 ح 2.

بلا شبهة،فيحتمل اختصاصه بما في الصحيحة،دون الرجوع عن الشهادة، و يكون الحكم فيه ما ذكره الجماعة.

و لا بُعد في الاختصاص بعد ورود النص الصحيح به،و إطباق الفتاوي عليه كما يأتي،و وضوح ما ذكرناه من الفرق،فإنّ الرجوع لم يثبت منه كون الشهادة الأُولى على الزور ليترتب عليه ما في الصحيح المزبور،لما مرّ من التردّد بين صدق الاُولى و الثانية،و معه لا يقطع بكون الاُولى على الزور.

و بالجملة:ما في الصحيح من الحكم برّد العين مع بقائها و ضمان الشهود لها مع تلفها معلّق على شاهد الزور،و هو فرع العلم به للحاكم بنحو من الشياع و غيره،و لا يحصل بالرجوع و نحوه.

و بذلك صرّح الأصحاب،و منهم الشهيدان و غيرهما (1)،حيث قالوا بعد الحكم بما في الصحيح الوارد في شاهد الزور-:و إنّما يثبت التزوير بقاطع،كعلم الحاكم لا بشهادة غيرهما،و لا بإقرارهما؛ لأنّه رجوع.

و هذا القول صريح في الفرق الذي ذكرناه.

و أصرح منه ما ذكره الفاضل في المختلف،حيث قال بعد أن نقل عن الإسكافي قوله بأنّه إذا علم الحاكم ببطلان الشهادة فإن كان الشيء الذي حكم به قائماً ردّ على صاحبه،إلى آخر ما في الصحيح ما لفظه:و هذا الكلام حق؛ لأنّ العلم ببطلان الشهادة غير الرجوع،لجواز أن يكون الرجوع باطلاً (2).انتهى.

و بالجملة:لا ريب في كون ما ذكره غفلةً و ضعيفاً في الغاية.

ص:421


1- الدروس 2:145،المسالك 2:420،المفاتيح 3:299.
2- المختلف:727.

و أضعف منه ترجيحه لهذا القول بعد استدلاله المتقدم إليه الإشارة، و ذلك فإنّه بعد تسليم ارتباط الصحيحة بمورد المسألة لا يمكن المصير إليها بمجرد الصحة؛ لرجحان ما قدّمناه من المرسلة و غيرها عليها من وجوه عديدة،و منها اعتضادها دون الصحيحة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة كما عرفت حكايته في كلام جماعة، مضافاً إلى الأدلة الأُخر المتقدمة.

مع رجوع الشيخ عما في النهاية في المبسوط و الخلاف (1)إلى ما عليه الجماع،فلم يبق إلّا القاضي و ابن حمزة،و هما نادران بالإضافة إلى باقي الأصحاب بلا شبهة،فلا ريب فيما ذكره الأصحاب في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و يستفاد من عبارة المبسوط المتقدمة وقوع الخلاف في الحكم إذا كان الرجوع قبل الاستيفاء،و هو لازم للنهاية و من تبعه،و صرّح به ابن حمزة في الوسيلة،و به أفتى بعض متأخري متأخري الطائفة (2)مع ميله إلى ما ذكره الأصحاب أو تردّده فيه من عدم نقض الحكم بالرجوع بعد الاستيفاء و محصّله الفرق بين الرجوع قبل الاستيفاء فينقض الحكم جزماً، و عدمه فلا ينقض كذلك أو احتمالاً.

و هو ضعيف جدّاً؛ و لذا لم يحكم به أحد من الأصحاب القائلين بعدم النقض مع الرجوع بعد الحكم،بل صرّحوا بالعدم؛ لإطلاق الأدلة،بل عمومها،و مع ذلك مستند البعض غير واضح،و حجة النهاية على تقدير تسليمها لا تدل على التفصيل الذي ذكره جدّاً،و هو لا يقول بإطلاقها.

ص:422


1- المبسوط 8:246 248،الخلاف 6:324.
2- الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:297.
الثانية إذا ثبت أنّهما شاهدا زور نقض الحكم

الثانية: إذا ثبت أنّهما شاهدا زور و كذب نقض الحكم و استعيدت العين مع بقائها،و مع تلفها أو تعذّر ارتجاع ها يضمن الشهود بغير خلاف ظاهر،مصرّح به في السرائر (1)،و هو الحجة،مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة،و نحوها صحيحة أُخرى (2).

و علّلوه أيضاً بتبيّن اختلال شرط الشهادة،كما لو تبيّن فسقهما قبل الحكم،و أولى بالبطلان هنا،و قد مرّ بعض ما يتعلق بالمقام سابقاً.

الثالثة لو كان المشهود به قتلا أو رجما أو قطعا

الثالثة: ما ذكر في المسألة الاُولى من عدم الحكم مع الرجوع قبله لا يختص بالمال و إن كان مورودها،بل جارٍ في جميع الحقوق،فإن كان نحو الزنى جرى على الراجع حكم القذف،فيجب الحدّ إن كان موجباً له،أو التعزير إن أوجبه،هذا إن اعترف بالافتراء و التعمد.

و إن قال:توهمت،أو:اشتبه عليّ الأمر،ففي وجوب الحدّ عليه وجهان.

و إن رجع الشاهد بعد القضاء و قبل الاستيفاء و العمل بمقتضى الشهادة في مثل القتل أو الحدّ أو التعزير نقض الحكم مطلقاً،سواء كان المشهود به حقاً للّه تعالى مثل الزنا،أو لآدمي مثل القطع في السرقة و الحدّ في القذف بالزنا.

و لو كان المشهود به قتلاً أو رجماً أو قطعاً فاستوفي بمقتضى الشهادة ثم رجع الشهود،فإن قالوا جميعاً: تعمّدنا اقتصّ الولي منهم جميعاً أو من بعضهم أو أخذ الدية في موضع لا يقتصّ فيه

ص:423


1- السرائر 2:149.
2- الكافي 7:6/384،التهذيب 6:688/260،الوسائل 27:328 كتاب الشهادات ب 11 ح 3.

من المتعمّد إن شاء و يردّ هو تمام ما فضل عن جناية صاحبه على ورثة المقتصّ منهم إن كانوا جميع الشهود،و إلّا فعلى البعض الباقين أن يردّوا على ورثة المقتصّ منه بقدر ما وجب عليهم من الجناية و يتمم الولي إن بقي عليه شيء كما إذا اقتصّ من أكثر من واحد،و إن قتل واحداً لا يجب عليه الإتمام،لحصوله بردّ الباقين.

و لو قالوا جميعاً: أخطأنا،لزمهم الدية،و لو اختلفوا في الوصف ف قال بعضهم:أخطأنا،لزمه نصيبه من الدية و لم يمض إقراره على غيره مطلقاً،بلا خلاف في شيء من ذلك،بل الجميع مقطوع به في كلامهم كما في الكفاية (1)،مؤذناً بدعوى الإجماع.

و الأصل فيه بعده حديث:« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (2)و ما سيأتي من الأدلة إن شاء اللّه تعالى فيما بعد على باقي التفاصيل المزبورة.

و في رواية:أربعة شهدوا على رجل بالزنا،فرجم،ثم رجع أحدهم و قال:شككت،قال:« عليه الدية،فإن قال:شهدت متعمّداً يقتل» (3).

و ظاهرها و إن أوهم وجوب تمام الدية على المعترف بالخطإ،إلّا أنّ ظاهر الأصحاب وجوب نصيبه منها خاصّة دون تمامها،و وجهه واضح؛ لعدم كونه تمام السبب في الرجم،بل جزءه،فنصيبه من الدية بحسابه.

و يشهد له أيضاً تتبع كثير من النصوص الآتي جملة منها،مضافاً إلى رواية أُخرى،و فيها:ثم رجع أحدهم،قال:« يغرم ربع الدية» (4).

ص:424


1- الكفاية:288.
2- الوسائل 23:184 كتاب الإقرار ب 3 ح 2.
3- الفقيه 3:90/30،الوسائل 27:329 كتاب الشهادات ب 12 ح 3.
4- التهذيب 6:788/285،الوسائل 27:332 كتاب الشهادات ب 14 ح 2.

و بالجملة:لا إشكال و لا خلاف في شيء من ذلك.

و لا في أنّه لو قال بعضهم: تعمّدت ردّ عليه الولي ما يفضل عن دية صاحبه و يقتصّ منه إن شاء و ليس على باقي الشهود شيء إذا لم يرجعوا و كان شهادتهم في غير الرجم،عملاً منهم بالأصل الآتي،مع سلامته هنا عن المعارض من النص و الفتوى؛ لاختصاصهما بشهود الرجم خاصّة،و لذا فرض الأصحاب الخلاف فيه خاصّة،فقالوا بعد أن ذكروا الحكم الموافق للأصل في غير شهود الرجم و في شهوده أيضاً إذا صدّق المتعمّدَ الباقون من غير نقل خلاف-:أمّا لو لم يصدّقوه لم يمض إقراره إلّا على نفسه حسب (1).

و قال الشيخ في النهاية:يقتل و يردّ الباقون من شهود الزنا ثلاثة أرباع الدية إلى المقتصّ منه (2).

أقول:و في قول الماتن:من شهود الزنا،تلويح إلى اختصاص خلاف النهاية به كما قدّمنا،و يشير إليه أيضاً ما عرفت من اختصاص مستنده به،و هو الصحيح:عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا،فلمّا قتل رجع أحدهم،قال:فقال:« يقتل الراجع،و يؤدّي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية» (3).

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ إعادة الأصحاب ذكر الحكم في خصوص شهود الرجم بعد استفادته من عموم حكمهم السابق إنّما هو للتنبيه على ما مرّ من

ص:425


1- منهم الحلّي في السرائر 2:144،و فخر المحققين في الإيضاح 4:353،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:324،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:397.
2- النهاية:335.
3- الكافي 7:5/384،التهذيب 6:690/260،الوسائل 27:329 كتاب الشهادات ب 12 ح 2.

اختصاص الخلاف به،فليس تكرارها خالياً عن الفائدة،كما ربما يفهم من بعض الأجلّة (1).

و كيف كان،ينبغي تحقيق القول في العمل بهذه الرواية فنقول:إنّها و إن كانت صحيحة السند و حكي العمل بها أيضاً عن الإسكافي و القاضي (2) غير أنّ فيها ما يخالف الأُصول ؛ لتضمّنها تسلّطاً على الأموال المعصومة بقول واحد و إقراره.

و تخصيصها بها و إن كان ممكناً،إلّا أنّه فرع التكافؤ بينهما،و هو مفقود جدّاً؛ لندرة العامل بالرواية،و إطباق باقي الأصحاب و لا سيّما المتأخرين منهم على اطراحها و العمل بالأُصول،فلتكن مطرحة،أو محمولة هي ككلام العاملين بها على ما ذكره الفاضل في المختلف و غيره (3)على ما إذا رجعوا جميعاً و قال أحدهم:تعمّدت،و قال الباقون:

أخطأنا.

الرابعة لو شهدا بطلاق امرأة فتزوجت ثم رجعا

الرابعة: لو شهدا بطلاق امرأة فتزوجت ثم رجعا أو أحدهما، قال الشيخ في النهاية: ضمنا أو أحدهما المهر كلّاً أو بعضاً للثاني و ردّت إلى الأوّل بعد الاعتداد من الثاني (4) و تبعه القاضي (5).

استناداً إلى الصحيح:في رجلين شهدا على رجل غائب عنه امرأته أنّه طلّقها،فاعتدّت المرأة و تزوجت،ثم إنّ الزوج الغائب قدم فزعم أنّه لم يطلّقها،و أكذب نفسه أحد الشاهدين،قال:« لا سبيل للأخير عليها،

ص:426


1- انظر المسالك 2:420.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:726،القاضي في المهذب 2:563.
3- المختلف:726،و انظر المسالك 2:420.
4- النهاية:336.
5- المهذّب 2:563.

و يؤخذ الصداق من الذي شهد و رجع،و يردّ على الأخير،و يفرّق بينهما، و تعتدّ من الأخير،و لا يقربها الأوّل حتى تنقضي عدّتها» (1).

و ينبغي أن يحمل إطلاق هذه الرواية على أنّها نكحت بسماع الشهادة،لا مع حكم الحاكم،و ذلك لما مرّ من الأدلة الظاهرة على أنّه لو حكم بشهادة الشاهدين المقبولين لم يقبل الرجوع عنها.

و يستفاد من جماعة (2)أنّ المراد بالرواية المشار إليها في العبارة هو الموثقة:في شاهدين شهدا على امرأة بأنّ زوجها طلّقها،فتزوجت،ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق،قال:« يضربان الحدّ،و يضمنان الصداق للزوج، ثم تعتدّ،ثم ترجع إلى زوجها الأوّل» (3).

و فيه نظر؛ إذ ليس فيها رجوع الشاهدين أو أحدهما كما هو مورد العبارة و فتوى النهاية،بل فيها مجرد إنكار الزوج خاصة،و ليس سبباً للحكم الذي في الرواية اتفاقاً،فهي شاذّة لا عامل بها،فكيف تكون هي المراد من الرواية في العبارة؟! اللّهم إلّا أن تحمل على ما حملها عليه الشيخ في الاستبصار من أنّه لمّا أنكر الزوج الطلاق رجع أحد الشاهدين عن الشهادة،فحينئذ وجب عليهما ما تضمنه الخبر،قال:فلو لم يرجع واحد منهما لم يلتفت إلى إنكار

ص:427


1- الفقيه 3:120/36،التهذيب 6:789/285،الاستبصار 3:129/38،مستطرفات السرائر:18/82،الوسائل 27:331 كتاب الشهادات ب 13 ح 3.
2- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:324،و الشهيد الثاني في المسالك 2:421،و السبزواري في الكفاية:288.
3- الكافي 7:7/384،التهذيب 6:689/260،الوسائل 27:330 كتاب الشهادات ب 13 ح 1.

الزوج،إلّا أن تكون المرأة بعدُ في العدّة،فإنّه يكون إنكاره الطلاق مراجعة (1).و استشهد عليه بالصحيحة المتقدمة.

و ظاهره هنا الموافقة لما ذكره في النهاية،حيث لم يحمل الروايتين على التزويج قبل الحكم،و هو مشكل؛ لما عرفت من مخالفتهما الأُصول المتقدمة،مضافاً إلى قصور سند الثانية،و تضمنها كالأُولى حدّ الشاهدين مع أنّه لا حدّ هنا،بل و لا تعزير إن أبديا عذراً يكون مسموعاً.

و مع أنّه(رحمه اللّه)رجع عما اختاره في النهاية إلى مقتضى الأُصول في الخلاف و المبسوط (2)،و وافقه الحلّي (3)و عامّة المتأخرين،عدا الشهيد في اللمعة (4)،حيث اقتصر على نقل القولين من دون ترجيح،معرباً عن التردّد بينهما،و لعلّه كما في شرحها لمعارضة الرواية المعتبرة.

و المناقشة فيه واضحة؛ إذ المعارضة بمجردها غير كافية في التردّد إلّا بعد حصول التكافؤ المفقود في هذه الرواية،لما عرفت من شذوذها برجوع الشيخ عنها،فلم يبق إلّا القاضي،و لا يقدح خروجه في الإجماع على خلافها،مع مخالفتها الأُصول من وجوه أُخر عرفتها،و إن أمكن الذبّ عنها بما مضى،مع عدم صراحتها و احتمالها التخصيص الذي قدّمناه.

ثم على المختار هل يغرمان الصداق برجوعهما؟ينظر،فإن كان قبل الدخول غرما نصف المهر المسمّى،و إن كان بعده لم يغرما شيئاً،كما قاله الشيخ في المبسوط و الخلاف و الحلّي و عامة متأخري الأصحاب.

ص:428


1- الاستبصار 3:38.
2- الخلاف 6:322،المبسوط 8:247.
3- السرائر 2:146.
4- اللمعة(الروضة البهية 3):155.

و ظاهر الأوّل في المبسوط دعوى إجماعنا على الحكم في الشقّ الأوّل،و هو الحجة فيه،مضافاً إلى ما ذكروه فيه من إتلافهما عليه نصف المهر اللازم بالطلاق فيضمنانه.

و في الثاني من أصالة البراءة،و عدم تحقق إتلاف؛ لاستقرار تمام المهر بالدخول،و البضع لا يضمن بالتفويت على المشهور،بل الكل كما يظهر بالتتبع،قالوا:و من ثَمّ لو قتلها قاتل أو قتلت نفسها لم يضمن القاتل، و لو غصب أمةً و ماتت في يده فإنّه يضمن بذلك قيمتها و قيمة منافعها و إن لم يستوفها،دون بضعها مع عدم استيفائه (1).

و أمّا ما يتخيل وروده على تعليلهم في الشقّ الأوّل من لزوم النصف بمجرد العقد،فليس يتضمن الشهادة إتلافه؛ للزومه على أيّ تقدير، فلا وجه لغرمهما له فضعيف في الغاية،يظهر وجهه بالتدبّر فيما ذكره الأصحاب في سياق التعليل ليكون كالجواب له،و هو أنّهما ألزماه للزوج بشهادتهما و قرّراه عليه،و كان بمعرض السقوط بالردّة و الفسخ من قبلها، فكأنّه لم يكن لازماً و لزم بإقرارهما.و أجاب بهذا صريحاً الفاضل في التحرير (2)بعد أن استشكل بالخيال المتقدم فيما مرّ من التعليل.

و هنا أقوال أُخر غير واضحة المأخذ،مع ابتناء بعضها على ضمان البضع بالتفويت،و قد عرفت ما فيه.

و اعلم أنّهم أطلقوا الحكم في الطلاق من غير فرق بين البائن و الرجعي،و وجهه حصول السبب المزيل للنكاح في الجملة،خصوصاً بعد انقضاء عدّة الرجعي،فالتفويت حاصل على التقديرين.

ص:429


1- انظر المسالك 2:420،و الكفاية:288.
2- التحرير 2:217.

و لو قيل بالفرق و اختصاص الحكم بالبائن كان حَسَناً،وفاقاً لشيخنا في الروضة،قال:فلو شهدا بالرجعي لم يضمنا إذا لم يفوّتا شيئاً؛ لقدرته على إزالة السبب بالرجعة،و لو لم يراجع حتى انقضت المدّة احتمل إلحاقه بالبائن و الغرم،و عدمه لتقصيره بترك الرجعة (1)،انتهى.

و يظهر من تعليله العدم بالتقصير اختصاص احتماله بصورة تقصيره، فلو فرض عدمه بجهله بالحال أو عذر لا يصدق معه تقصيره تعيّن الاحتمال الأوّل،و هو الإلحاق بالبائن؛ لصدق التفويت حينئذ.

و حينئذ فلو زاد بعد قوله:فلو شهدا بالرجعي،قوله:مع علم الزوج بالحال و تمكنه من الرجوع،كان أجود و إن كان يمكن استفادته من سياق عبارته.

و يجب تقييد الحكم في الطلاق مطلقاً بعدم عروض وجه مزيل للنكاح،فلو شهدا به ففرّق،فرجعا فقامت بيّنة أنّه كان بينهما رضاع محرّم مثلاً فلا غرم؛ إذ لا تفويت أصلاً.

الخامسة لو شهد اثنان على رجل بسرقة فقطع

الخامسة: لو شهد اثنان على رجل بسرقة فقطع يده ثم رجعا،فإن قالا:أوهمنا،غرما دية اليد،و إن قالا:تعمّدنا،فللولي قطعهما و ردّ دية عليهما،أو قطع يد واحدة و يردّ الآخر نصف دية اليد على المقطوع منه،بلا خلاف،و يعلم وجهه مما سبق.

و إنّما خصّ هذا بالذكر لبيان مسألة أُخرى،و هي أنّهما لو قالا:

أوهمنا و أتيا بآخر قائلين إنّ السارق غيره مشيرين إليه اُغرما دية يد الأوّل،و لم يقبلا على الأخير كما هنا و في السرائر و القواعد و التحرير (2)،

ص:430


1- الروضة 3:158.
2- السرائر 2:150،القواعد 2:244،التحرير 2:218.

قالوا: لما يتضمن وهمهما ذلك من عدم الضبط المشترط في قبول شهادة العدل.

أقول:و الأجود الاستدلال عليه بالنصوص،منها الصحيح:« في رجل شهد عليه رجلان بأنّه سرق،فقطع يده،حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا:هذا السارق،و ليس الذي قطعت يده،إنّما شبّهنا ذلك بهذا،فقضى عليهما أن غرّمهما نصف الدية و لم يجز شهادتهما على الآخر» (1)و نحوه القوي بالسكوني و صاحبه (2).

و مرّ في المرسل:« من شهد عندنا بشهادة ثم غيّرها أخذنا بالأُولى و طرحنا الثانية» (3)فتدبّر .

السادسة يجب أن يشهر شاهد الزور

السادسة: يجب أن يشهر شاهد الزور في بلدهم و ما حولها، لتجتنب شهادتهم و يرتدع غيرهم.

و تعزيره بما يراه الإمام و الحاكم حسماً للجرأة لرواية سماعة المروية في الفقيه و التهذيب و غيرهما بعدّة طرق معتبرة،و فيها الموثق و القوي و غيرهما:« إنّ شهود الزور يجلدون حدّا و ليس له وقت،ذلك إلى الإمام،و يطاف بهم حتى يعرفوا» و زيد في بعضها:« و لا يعودوا» قال:

قلت:فإن تابوا و أصلحوا تقبل شهادتهم بعد؟قال:« إذا تابوا تاب اللّه عليهم و قبلت شهادتهم بعد» (4).

ص:431


1- الكافي 7:8/384،التهذيب 6:692/261،الوسائل 27:332 كتاب الشهادات ب 14 ح 1.
2- التهذيب 6:788/285،الوسائل 27:332 كتاب الشهادات ب 14 ح 2.
3- الفقيه 3:74/27،الوسائل 27:333 كتاب الشهادات ب 14 ح 4.
4- الفقيه 3:117/35،عقاب الأعمال:225،الوسائل 27:333 كتاب الشهادات ب 15 ح 1.

و في بعضها قوله:و تلا قوله تعالى وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا [1] (1)قلت:بم تعرف توبته؟قال:

« يكذّب نفسه على رؤوس الأشهاد حيث يضرب،و يستغفر ربّه عزّ و جلّ، فإذا هو فعل ذلك فَثمَّ ظهر توبته» (2)و نحوها غيرها.

و في الموثق و غيره:« إنّ عليّاً(عليه السّلام)كان إذا أخذ شاهد زور فإن كان غريباً بعث به إلى حيّه،و إن كان سوقياً بعث به إلى سوقه فطيف به،ثم يحبسه أيّاماً،ثم يخلّي سبيله» (3).

و لا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر (4)،حتى من الحلّي الغير العامل بأخبار الآحاد،و ذكر أنّ الإشهار هو أن ينادى في محلّتهم و مجتمعهم و سوقهم:فلان و فلان شهدا زوراً،و لا يجوز أن يشهرا بأن يركبا حماراً و يحلق رؤوسهما،و لا أن ينادياهما على نفسهما،و لا يمثل بهما (5).

و اعلم أنّه ليس كذلك الحكم فيمن تبيّن غلطه،أو ردّت شهادته لمعارضة بيّنة أُخرى،أو ظهور فسق بغير الزور،أو تهمة؛ لعدم صدق الزور المترتب عليه الحكم في شيء من ذلك،مع إمكان كونه صادقاً في نفس الأمر،فلم يحصل منه أمر زائد.

ص:432


1- النور:5 و 6.
2- الفقيه 3:121/36،التهذيب 6:699/263،الوسائل 27:334 كتاب الشهادات ب 15 ح 2.
3- الفقيه 3:118/35،التهذيب 6:770/280،الوسائل 27:334 كتاب الشهادات ب 15 ح 3.
4- في« ح» زيادة:المصرّح به.
5- السرائر 2:150.

كتاب الحدود و التعزيرات

الفصل الأول في حد الزنا

النظر الأول في الموجب

كتاب الحدود و التعزيرات جمع حدّ،و هو لغةً:المنع.و شرعاً:عقوبة خاصّة تتعلّق بإيلام بدن المكلّف بواسطة تلبّسه بمعصية خاصّة،عيّن الشارع كمّيتها في جميع أفراده.و وجه مناسبة التسمية:أنّ العقوبة مانعة من المعاودة.

و إذا لم تقدَّر العقوبة يسمّى تعزيراً،و هو لغةً:التأديب.

و الأصل فيهما الكتاب و السنّة و إجماع الأُمّة.

و تفاصيله في الآيات و الأخبار لكثرة أفراده كثيرة.

و فيه أي في الكتاب فصول سبعة:

ص:433

الأوّل:

في حدّ الزنا و هو ممّا أجمع على تحريمه أهل الملل؛ حفظاً للنسب،و هو من الأُصول الخمسة التي يجب تقريرها في كلّ شريعة (1)،و هو من الكبائر، كما مرّ في كتاب الشهادة (2).

و النظر في هذا الفصل يقع في موارد ثلاثة: الموجب،و الحدّ، و اللواحق.

أمّا الزنا الموجب للحدّ فهو:إيلاج الإنسان و إدخاله فرجه و ذكره الأصلي في فرج امرأة محرّمة عليه أصالةً من غير عقد نكاح و لو متعةً بينهما و لا ملك من الفاعل للقابل (3)، و لا شبهة دارئة،و ضابطها:ما أوجب ظنّ الإباحة،بلا خلاف أجده، و به صرّح في الغنية (4)،و لعلّه المفهوم منه عرفاً و لغةً.

و إطلاق العبارة و إن شمل غير المكلّف،إلّا أنّه خارج بما زدناه من قيد التحريم؛ مع احتمال أن يقال:إنّ التكليف من شرائط ثبوت الحدّ بالزنا لا أنّه جزء من مفهومه،فلا يحتاج إلى ازدياد قيد التحريم من هذا الوجه، و إن احتيج إليه لتحقيق معنى الزنا؛ لعدم تحقّقه عرفاً و لغةً إلّا به،و إلّا

ص:434


1- و هي:الدين،النفس،المال،النسب و العقل.و يقال لها:المقاصد الخمسة.انظر التنقيح الرائع 1:15.
2- راجع ص 248.
3- في« ن» زيادة:و لو منفعة.
4- الغنية(الجوامع الفقهيّة):622.

فدخول المجنون بامرأة مثلاً لا يعدّ فيهما زناءً ما لم تكن المدخول بها محرّمة عليه أصالةً.

و قولنا في التعريف:أصالة،يخرج(المحرّمة) (1)عليه بالعرض بنحوٍ من الحيض و شبهه بعد حلّيتها عليه بأحد الأُمور الثلاثة،فإنّه لا يعدّ زناءً لغةً و لا عرفاً و لا شرعاً،و لذا لا يجب عليه حدّه إجماعاً.

و يتحقّق الدخول الموجب بغيبوبة الحشفة أو قدرها من الذكر قُبُلاً أو دُبُراً بلا خلاف أجده،و به صرّح الحلّي في شمول الفرج للقبل و الدبر (2)؛ لإطلاق الأدلّة فتوًى و روايةً،ففي الصحيح (3)و غيره (4):« إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم» فتأمّل .

و الأصل في تحريم الزنا و ثبوت الحدّ به بعد إجماع الأُمّة الكتاب و السنّة المستفيضة،بل المتواترة الآتي إليها الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.

و يشترط في ثبوت الحدّ به على كلّ من الزانية و الزاني:

البلوغ و كمال العقل و العلم بالتحريم،و الاختيار بلا خلاف أجده، إلّا في الثاني،فقد وقع الخلاف فيه كما سيأتي (5)؛ و لعلّه لهذا لم يذكره الماتن (6)(اقتصاراً منه) (7)على المتفق عليه.

ص:435


1- بدل ما بين القوسين في« ن»:ما لو دخل بمن تحرم.
2- السرائر 3:428.
3- الكافي 3:1/46،التهذيب 1:310/118،الإستبصار 1:358/108،الوسائل 2:182 أبواب الجنابة ب 6 ح 1.
4- التهذيب 7:1862/464،الوسائل 21:320 أبواب المهور ب 54 ح 9.
5- في ص 438.
6- لم يذكره في الشرائع 4:150،و لكنه مذكور في المطبوع من المختصر:213.
7- في« ح» و« ب» و« س»:و أكثر الأصحاب اقتصاراً منهم.

فلا حدّ على الصغير و المكرَهة إجماعاً؛ لحديث رفع القلم (1)، و ما يأتي من النصّ في المجنون (2)،و للنصوص المستفيضة،منها الخبر:

« ليس على المستكرَهة شيء إذا قالت:استُكرِهت» (3).

و لا على المكرَه على الأشهر الأظهر؛ بناءً على تحقّق الإكراه فيه.

خلافاً للمحكيّ عن الغنية (4)،و احتمله في القواعد (5)و غيره (6)؛ لعدم تحقّقه فيه؛ لعدم انتشار الآلة إلّا عن الشهوة المنافية للخوف.

و فيه:أنّ التخويف بترك الفعل،و الفعل لا يخاف منه،فلا يمنع الانتشار.

و لا على الجاهل بتحريم الوطء حينه و لو كان مكلّفاً، فلو تزوّج محرَّمة عليه كالأُمّ أو المرضعة أو المحصنة ذات البعل سقط الحدّ مع الجهالة بالتحريم للمعتبرة المستفيضة:

منها الصحيح:« لو وجدت رجلاً كان من العجم أقرّ بجملة الإسلام لم يأته شيء من التفسير،زنى،أو سرق،أو شرب خمراً،لم أُقم عليه الحدّ إذا جهله،إلّا أن تقوم عليه بيّنة أنّه قد أقرّ بذلك و عرفه» (7)و نحوه

ص:436


1- دعائم الإسلام 2:1607/456،مستدرك الوسائل 18:13 أبواب مقدّمات الحدود ب 6 ح 1.
2- يأتي في ص 438.
3- التهذيب 10:53/18،الوسائل 28:111 أبواب حدّ الزنا ب 18 ح 6؛ بتفاوت يسير.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):622.
5- قواعد الأحكام 2:249.
6- انظر التحرير 2:220،و الإيضاح 4:469.
7- الكافي 7:2/249،التهذيب 10:486/121،الوسائل 28:32 أبواب مقدّمات الحدود ب 14 ح 3.

الصحيحان (1)،و المرسل (2)القريب منهما سنداً بجميل و ابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما،و غيرها (3).

و يثبت مع العلم به،إلّا مع الشبهة الدارئة و لا يكون العقد بمجرّده من غير توهّم صحّته شبهةً تنفع في السقوط بلا خلاف عندنا،بل في ظاهر التنقيح (4)و غيره (5):أنّ عليه إجماعنا؛ و هو الحجّة، مضافاً إلى عدم صدق الشبهة بذلك بلا شبهة،خلافاً لأبي حنيفة (6).

نعم لو حصلت معه شبهة أسقطته هي دونه،كما لو انفردت عنه.

و لو اختصّت بأحدهما اختصّ بالسقوط كما يأتي، فلو تشبّهت الأجنبيّة على الرجل بالزوجة و نحوها ممّن تحل له فعليها الحدّ إجماعاً دون واطئها على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،بل ظاهر العبارة هنا و في الشرائع و التحرير (7)و غيرها (8)الإجماع عليه؛ لأصالة البراءة،و الشبهة الدارئة.

و في رواية ضعيفة بالإرسال و عدّة من الجهلة أنّه يقام عليها

ص:437


1- أحدهما في:الفقيه 4:129/39،الوسائل 28:32 أبواب مقدّمات الحدود ب 14 ح 1. و الآخر في:الكافي 7:1/248،التهذيب 10:375/97،الوسائل 28:32 أبواب مقدّمات الحدود ب 14 ح 2.
2- الكافي 7:3/249،الوسائل 28:33 أبواب مقدّمات الحدود ب 14 ح 4.
3- انظر الوسائل 28:32 أبواب مقدّمات الحدود ب 14.
4- التنقيح الرائع 4:329.
5- الروضة البهية 9:30.
6- انظر بدائع الصنائع 7:35،و المغني لابن قدامة 10:148.
7- شرائع الإسلام 4:150،تحرير الأحكام 2:219.
8- انظر كشف الرموز 2:539،و التنقيح 4:329،و كشف اللثام 2:393.

الحدّ جهراً و عليه سرّاً (1)،و هي مع ضعفها متروكة لا عامل بها،عدا القاضي (2).

و هو شاذّ،فلتُطرَح،أو تُحمَل على ما حكي في الوسائل عن أكثر الأصحاب من شكّ الرجل أو ظنّه و تفريطه في التأمّل،و أنّه حينئذٍ يعزّر؛ لما ورد في تزويج امرأة لها زوج،و غير ذلك (3)؛ و يعضده رواية المفيد لها في المقنعة بزيادة:فوطئها من غير تحرّز (4).

أو على أنّه(عليه السّلام)أراد إيهام الحاضرين الأمر بإقامة الحدّ على الرجل سرّاً،و لم يقم عليه الحدّ؛ استصلاحاً و حسماً للمادّة،لئلّا يتّخذ الجاهل الشبهة عذراً،كما حكي عن بعض فقهائنا في نكت النهاية (5).

و لو وطئ المجنون امرأة عاقلة،ففي وجوب الحدّ عليه تردّد :

من ورود النصّ به،ففي الخبر:« إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحدّ،و إن كان محصناً رجم» قلت:و ما الفرق بين المجنون و المجنونة، و المعتوه و المعتوهة؟فقال:« المرأة إنّما تؤتى،و الرجل يأتي،و إنّما يزني إذا عقل كيف يأتي اللذّة،و أنّ المرأة إنّما تُستَكرَه و يفعل بها و هي لا تعقل ما يفعل بها» (6)و قصور السند مجبور بنسبة الشيخ في المبسوط روايته إلى

ص:438


1- الكافي 7:13/262،التهذيب 10:169/47،الوسائل 28:143 أبواب حدّ الزنا ب 38 ح 1.
2- المهذّب 2:524.
3- الوسائل 28:143.
4- المقنعة:784.
5- نكت النهاية 3:295.
6- الكافي 7:3/192،التهذيب 10:56/19،الوسائل 28:118 أبواب حدّ الزنا ب 21 ح 2.

الأصحاب كافّة (1)،مشعراً بدعوى إجماعهم عليه،و لذا أوجبه الشيخان و الصدوق و القاضي (2).

و من تأمّل في الجابر لضعف الخبر؛ لوهنه بندرة العامل به،مع أنّ الناقل له ذكر قبل النسبة ما يشعر بالإجماع على العدم،كما هو ظاهر السرائر و صريح الغنية (3)،و بالعدم صرّح في الخلاف مفتياً به (4)،و حكي عن المفيد في العويص (5)،فيتقوّى الندرة الموهنة،فينبغي الرجوع إلى الأُصول العامّة،مثل حديث:« رفع القلم عن المجنون حتى يفيق» (6).

و به استدلّ مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام)على عمر حين أمر بحدّ المجنونة،فيما رواه المفيد في إرشاده،فقال(عليه السّلام):« أما علمت أنّ هذه مجنونة،و أنّ النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)قال:رفع القلم عن المجنون حتى يفيق،و أنّها مغلوبة على عقلها و نفسها،فردّوها،فدرأ عنها الحدّ» (7)و خصوصيّة المورد مدفوعة بعموم التعليل.

و نحوه فيه الصحيح:في امرأة[مجنونة]زنت،قال:« إنّها لا تملك أمرها،ليس عليها شيء» (8)هذا.

ص:439


1- المبسوط 8:3.
2- المفيد في المقنعة:779،الطوسي في النهاية:696،الصدوق في المقنع:146،القاضي في المهذّب 2:521.
3- السرائر 3:444،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
4- الخلاف 5:372.
5- حكاه عنه في كشف اللثام 2:394،و هو في العويص(مصنّفات الشيخ المفيد 6):45.
6- الخصال:40/93،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
7- إرشاد المفيد 1:203،الوسائل 28:23 أبواب مقدمات الحدود ب 8 ح 2؛ بتفاوت يسير.
8- الكافي 7:2/191،الوسائل 28:117 أبواب حدّ الزنا ب 21 ح 1؛ و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

مضافاً إلى عموم خصوص بعض النصوص:« لا حدّ على مجنون حتى يفيق،و لا على صبيّ حتى يدرك،و لا على النائم حتى يستيقظ» (1).

و في الصحيح:« لا حدّ لمن لا حدّ عليه» يعني:لو أنّ مجنوناً قذف رجلاً لم أرَ عليه شيئاً،و لو قذفه رجل فقال:يا زان،لم يكن عليه حدّ (2).

و نحوه الموثّق (3)،و غيره (4).

و هي ظاهرة أيضاً في رفع الحدّ عنه على العموم.و هذا القول أظهر، وفاقاً لمن مرّ،و الديلمي و الحلّي (5)،و عامّة المتأخرين،حتى الماتن؛ لمصيره إليه في النكت على ما حكي (6)،فينبغي طرح الرواية،أو تأويلها بما يرجع إلى الأدلّة المانعة من حملها على بقاء تمييز و شعور له بقدر مناط التكليف،كما ربما يشير إليه ما فيها من التعليل.

و لا حدّ على المجنونة مطلقاً اتّفاقاً فتوًى و روايةً،و به صرّح في التنقيح (7)،و الماتن فيما يأتي (8).

و يسقط الحدّ بادّعاء الزوجيّة و نحوها،ما لم يعلم كذبه.

ص:440


1- الفقيه 4:115/36،التهذيب 10:609/152،الوسائل 28:22 أبواب مقدّمات الحدود ب 8 ح 1.
2- الكافي 7:2/253،الفقيه 4:125/38،التهذيب 10:59/19،الوسائل 28:42 أبواب مقدّمات الحدود ب 19 ح 1.
3- الكافي 7:1/253،التهذيب 10:324/82،الوسائل 28:42 أبواب مقدّمات الحدود ب 19 ذيل ح 1.
4- دعائم الإسلام 2:1634/462،مستدرك الوسائل 18:23 أبواب مقدمات الحدود ب 17 ح 1.
5- الديلمي في المراسم:252،الحلّي في السرائر 3:444.
6- حكاه عنه في كشف اللثام 2:394،و هو في النكت 3:291.
7- التنقيح الرائع 4:330.
8- يأتي في ص 445.

و لا يكلّف اليمين و لا البيّنة؛ للشبهة الدارئة بذلك.

و بدعوى كلّ ما يصلح أن يكون شبهة لكن بالنظر إلى المدّعى لها خاصّة؛ فلو ادّعاها أحدهما أو هما مع عدم إمكانها إلّا بالنسبة إلى أحدهما،سقط عنه دون صاحبه؛ و وجهه واضح ممّا سلف،مع دعوى الإجماع عليه حتى على عدم التكليف باليمين و البيّنة في كلام بعض الأجلّة (1).

و لا يثبت الإحصان الذي يجب معه الرجم كما يأتي حتى يكون الزاني بالغاً عاقلاً حرّا،له فرجٌ مملوك له بالعقد الدائم الصحيح أو الملك خاصّة،بحيث يغدو عليه و يروح أي يكون متمكّناً من وطئه متى أراد،بلا خلاف إلّا في اعتبار العقل كما مرّ (2)،و في حصول الإحصان بملك اليمين،كما هو المشهور بين الأصحاب،بل عليه الإجماع في الانتصار و الغنية (3)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الدالّة عليه عموماً و خصوصاً.

ففي الصحيح:« من كان له فرجٌ يغدو عليه و يروح فهو محصن» (4).

و في آخر عن المحصن،فقال:« الذي يزني و عنده ما يغنيه» (5).

و في الموثّق:عن الرجل إذا هو زنى و عنده السرية و الأمة يطؤها،

ص:441


1- كما في مجمع الفائدة 13:10.
2- في ص 438.
3- الانتصار:258،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
4- الكافي 7:10/179،الفقيه 4:57/25،التهذيب 10:28/12،الوسائل 28:68 أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 1.
5- الكافي 7:4/178،التهذيب 10:27/12،الإستبصار 4:764/204،الوسائل 28:69 أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 4.

تحصنه الأمة تكون عنده؟فقال:« نعم،إنّما ذلك لأنّ عنده ما يغنيه عن الزنا» قلت:فإن كان عنده أمة زعم أنّه لا يطؤها؟فقال:« لا يُصدَّق» قلت:

فإن كان عنده امرأة متعة،تحصنه؟قال:« لا،إنّما هو على الشيء الدائم عنده» (1).

و في آخر:الرجل تكون له الجارية،أ تحصنه؟قال:فقال:« نعم، إنّما هو على وجه الاستغناء» قلت:و المرأة المتعة؟قال:فقال:« لا،إنّما ذلك على الشيء الدائم» (2).

و قصور السند منجبر بالعمل؛ مع أنّه مرويّ عن كتاب عليّ بن جعفر في الصحيح:عن الحرّ تحته المملوكة،هل عليه الرجم إذا زنى؟قال:

« نعم» (3).

خلافاً للصدوق و القديمَين و الديلمي (4)،فلم يروا الإحصان بالأمة؛ للأصل،و الاحتياط.

و يندفعان بما مرّ.

و للصحيح:« كما لا تحصن الأمة و النصرانيّة و اليهوديّة إذا زنى بحرّة، فكذلك لا يكون عليه حدّ المحصن إن زنى بيهوديّة أو نصرانيّة أو أمة و تحته حرّة» (5).

ص:442


1- الكافي 7:1/178،التهذيب 10:26/11،الإستبصار 4:763/204،الوسائل 28:68 أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 2.
2- الكافي 7:6/178،الوسائل 28:69 أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 5.
3- مسائل عليّ بن جعفر:71/121،الوسائل 28:72 أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 11.
4- الصدوق في المقنع:148،حكاه عن القديمَين العماني و الإسكافي في المختلف:757،و انظر المراسم:252.
5- الفقيه 4:59/25،التهذيب 10:31/13،الإستبصار 4:768/205،الوسائل 28:71 أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 9؛ بتفاوت يسير.

و حمله الشيخ على المتعة.و لا بأس به و إن بَعُد؛ جمعاً بينه و بين الأدلّة المتقدّمة،بإرجاعه إليها؛ لكونها أقوى منه بالكثرة و الشهرة العظيمة، بحيث نقل عليه إجماع الطائفة.

و نحوه الجواب عن الصحيح الآخر:عن الرجل يزني و لم يدخل بأهله،أ يحصن؟قال:« لا،و لا الأمة» (1).

و يحتملان الحمل على التقيّة،كما يستفاد من الانتصار،حيث نسب مضمونهما إلى أبي حنيفة و أصحابه (2).

و صريح الصحيح الأخير كغيره ممّا يأتي اعتبار الدخول في الفرج المملوك له قبل الزنا لتحقّق الإحصان،كما عن المبسوط و النهاية و السرائر (3)و الجامع و الإصباح و الغنية مدّعياً إجماع الإماميّة (4)،و به صرّح أيضاً من المتأخّرين جماعة (5)من غير نقل خلاف.

و لكن العبارة مطلقة لا ذكر له فيها و لا في كتب كثير من القدماء، كالمقنعة و الانتصار و الخلاف و التبيان و مجمع البيان،و لكن يمكن الذبّ عن الإطلاق بحمله على الغالب؛ مع وقوع التصريح باعتباره فيما سيأتي من النصّ و عبارة المتن (6).

ص:443


1- الفقيه 4:76/29،التهذيب 10:42/16،الوسائل 28:78 أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 9.
2- الانتصار:258.
3- في«ح»:و التحرير.
4- المبسوط 8:3،النهاية:693،694،السرائر 3:437،الجامع للشرائع:550،حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 2:400،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
5- انظر الشرائع 4:150،و القواعد 2:253،و المفاتيح 2:73،و كشف اللثام 2:400.
6- انظر ص 448،485.

و منه يظهر اعتبار كون الفرج هو القبل دون الدبر،كما صرّح به جماعة (1)،من غير خلاف بينهم أجده،إلّا من إطلاق نحو العبارة،و فيه ما عرفته.

و هل يشمل ملك اليمين ملك الوطء بالتحليل؟الظاهر:العدم، (لعدم) (2)انصراف الإطلاق إليه،مع أنّه كالمتعة لا يحصل بهما الغنية على الاستدامة،و قد اعتبرها جملة من المعتبرة المتقدّمة (3)،معلّلة به (4)عدم الإحصان بالمتعة،كما هو المشهور،بل لا خلاف فيه أجده،و إن حكي عن الانتصار ما يشعر بوجوده (5).

خلافاً للروضة،فاستوجه إلحاق التحليل بملك اليمين،قال:لدخوله فيه من حيث الحلّ،و إلّا لبطل الحصر المستفاد من الآية (6)،و لم أقف فيه هنا على شيء (7).

و يستوي المسلمة و الذمّية حيث صحّ زوجيّتها دائمة في حصول الإحصان بهما،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في صريح الانتصار و الغنية (8)و ظاهر غيرهما (9)دعوى الإجماع عليه؛ و هو الحجّة،

ص:444


1- منهم العلّامة في القواعد 2:253،و الشهيد الثاني في الروضة 9:72،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:400.
2- في« ن»:للأصل و الاحتياط مع عدم.
3- في ص 441.
4- في حاشية« ن»:أي بعدم حصول الغنية.
5- حكاه عنه في كشف اللثام 2:400،و هو في الانتصار:258.
6- و هي قوله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ المؤمنون:4 5.
7- الروضة البهيّة 9:76 77.
8- الانتصار:258،259،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
9- انظر كشف اللثام 2:401،و في النسخ:غيره،و الأنسب ما أثبتناه.

مضافاً إلى عموم جملة من المستفيضة المتقدّمة (1).

خلافاً للمحكيّ عن الإسكافي و العماني و الصدوق (2)،فاعتبروا إسلامها؛ للصحيح لاعتبار الحرّية في الزوجيّة (3)،و جوابه قد عرفته.

و إحصان المرأة كإحصان الرجل في اشتراط أن تكون بالغة، عاقلة،حرّة،لها زوج(دائم أو مولى،و) (4)قد وطئها و هي حرّة بالغة عاقلة،و هو عندها يتمكن من وطئها غدوّاً و رواحاً،بلا خلاف أجده حتى في اعتبار كمال العقل فيها،بل عليه الإجماع ظاهراً،كما صرّح به الفاضلان هنا و في الشرائع و التحرير (5)و غيرهما (6)،بقولهم:

لكن يراعى فيها العقل إجماعاً فلا رجم و لا حدّ على مجنونة زنى بها عاقل حال جنونها و إن كانت محصنة،و عليه بل على أصل الحكم بأنّ إحصانها كإحصانه ادّعى الإجماع في الغنية (7)،فلا إشكال في المسألة، سيّما بعد عدم ظهور الخلاف الذي عرفته،و استفادته و لو في الجملة من بعض النصوص الآتية.

و لا تخرج المطلّقة رجعيّةً بالطلاق عن الإحصان،و تخرج البائن مطلقاً،بطلاق كانت البينونة أو غيره،بلا خلاف ظاهر؛ لبقاء الزوجيّة المغنية عن الزنا في الأوّل،و عدمه في الثاني.فلو زنت،أو

ص:445


1- في ص 441.
2- حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف:757،الصدوق في المقنع:148.
3- راجع ص 442.
4- ما بين القوسين ليس في« ن».
5- الشرائع 4:151،التحرير 2:220.
6- انظر التنقيح الرائع 4:330.و المهذّب البارع 5:16.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):622.

تزوّجت فوُطِئت عالمةً بالتحريم،رُجِمت؛ كما في الحسن:عن امرأة تزوّجت في عدّتها،فقال:« إن كانت تزوّجت في عدّة طلاقٍ لزوجها عليها الرجعة فإنّ عليها الرجم،و إن كانت تزوّجت في عدّةٍ ليس لزوجها عليه الرجعة فإنّ عليها حدّ الزاني غير المحصن» (1).

و كذا (2)المطلِّق إن طلّق امرأته رجعيّاً لم يخرج عن الإحصان، و إن طلّق بائناً خرج؛ لتمكنّه من الرجعة متى شاء في الأوّل،و عدمه في الثاني.

و عليه يحمل إطلاق الموثّق:عن رجل كانت له امرأة فطلّقها أو ماتت فزنى،فقال:« عليه الرجم» و عن امرأة كان لها زوج فطلّقها أو مات ثم زنت،عليها الرجم؟قال:« نعم» (3).

و المرويّ في قرب الإسناد،عن رجل طلّق امرأته أو بانت منه ثم زنى،ما عليه؟قال:« الرجم» و عن امرأة طُلِّقت فزنت بعد ما طُلِّقت بسنة، هل عليها الرجم؟قال:« نعم» (4).

و لكن ظاهرهما ثبوت الرجم مع البينونة،و هو خلاف ما عرفته من القاعدة،و لذا حمل الشيخ ذكر الموت في الأوّل على و هم الراوي،و نحوه جارٍ في الثاني،لكن ينافيه قوله:بسنة،إلّا أن يُقرَأ:بسنّة،بتشديد النون،

ص:446


1- الكافي 7:2/192،الفقيه 4:63/26،التهذيب 10:61/20،الوسائل 28:126 أبواب حدّ الزنا ب 27 ح 3.
2- في« ن» زيادة:حكم.
3- التهذيب 10:65/22،الإستبصار 4:774/207،الوسائل 28:129 أبواب حدّ الزنا ب 27 ح 8.
4- قرب الإسناد:1004/254،1005،الوسائل 28:75 و 76 أبواب حد الزنا ب 6 ح 1 و 2؛ بتفاوت يسير.

مراداً بها ما يقابل البدعة.

و لو تزوّج الرجل معتدّةً عالماً بالعدّة و الحرمة حُدَّ مع الدخول بها جلداً،أو رجماً إن كان محصناً،و لا مع العدم.

و كذا المرأة تُحَدّ لو تزوّجت في عدّتها مطلقاً،إلّا أنّها لا ترجم في البائن منها،بل تُجلَد خاصّة مع علمها بما مرّ من الأمرين،و لا مع العدم.

و لو ادّعيا الجهالة بهما أو بأحدهما أو ادّعاها أحدهما، قُبِل من المدّعى على الأصحّ إذا كان ممكناً في حقّه بأن كان مقيماً في بادية بعيدة عن معالم الدين،أو قريب العهد بالإسلام،و نحو ذلك،وفاقاً للحلّي (1)و عامّة المتأخّرين.

خلافاً للمحكيّ في المختلف عن المقنعة و النهاية (2)،فأطلقا عدم القبول من دون تقييد بعدم الإمكان،و لكن حمل كلامهما عليه،قال:

فلا منازعة هنا في الحقيقة؟ أقول:و وجهه واضح بعد شهرة الحديث النبويّ بدرء الحدود بالشبهات (3)،مع عدم المعارض،فيجلّ عن مخالفته نحو كلام الشيخين.

و لقد أغرب في التنقيح،فنسب الخلاف إلى الحلّي،و الوفاق إليهما (4).و عبارتهم المحكيّة في المختلف تفيد العكس كما ذكرنا.

و لو راجع المخالع إمّا لرجوعها في البذل،أو بعقد مستأنف

ص:447


1- السرائر 3:445.
2- المختلف:759،و هو في المقنعة:780،و في النهاية:696.
3- الفقيه 4:90/53،الوسائل 28:47 أبواب مقدّمات الحدود ب 24 ح 4.
4- التنقيح الرائع 4:332.

لم يتوجّه عليه الرجم حتى يطأ زوجته؛ لزوال الإحصان بالبينونة، و خروج الاختيار عن يده،و الرجوع غايته أنّه كعقد جديد أو نفسه،و هو بمجرّده لا يوجب الإحصان ما لم يدخل،كما مرّ (1)؛ و النصوص به زيادة على الصحيح المتقدّم (2)مستفيضة:

منها الصحيح:عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله،أ يرجم؟قال:

« لا» (3).

و الصحيح:عن قول اللّه عزّ و جلّ فَإِذا أُحْصِنَّ [1] (4)،قال:

« إحصانهنّ أن يدخل بهنّ» قلت:إن لم يدخل بهنّ أما عليهنّ حدّ؟قال:

« بلى» (5).

و الموثّق:عن البكر يفجر و قد تزوّج ففجر قبل أن يدخل بأهله؟ فقال:« يضرب مائة،و يجزّ شعره،و ينفى من المصر حولاً،و يفرّق بينه و بين أهله» (6)و نحوه الخبر (7).

و كذا العبد لو أُعتق،و المكاتب إذا تحرّر لا يتوجّه عليهما الرجم حتى يطئا زوجتهما أو مملوكتهما في حال الحرّية؛ لعدم الوطء حالتها المشترط في ثبوت الرجم كما مضى،و لخصوص الصحيح:في العبد

ص:448


1- في ص 443.
2- في ص 443.
3- الكافي 7:8/179،التهذيب 10:41/16،الوسائل 28:76 أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 1.
4- النساء:25.
5- الكافي 7:6/235،التهذيب 10:43/16،الوسائل 28:76 أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 4.
6- التهذيب 10:124/36،الوسائل 28:77 أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 7.
7- التهذيب 10:125/36،الوسائل 28:78 أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 8.

يتزوّج الحرّة ثم يعتق فيصيب فاحشة،قال:فقال:« لا رجم عليه حتى يواقع الحرّة بعد ما يعتق» (1).

و يجب الحدّ على الأعمى مطلقاً،جلداً كان أو رجماً، و لا يدفعه (2)عماه إجماعاً؛ لعموم الأدلّة.

فإن ادّعى الشبهة،ف في قبول دعواه و در الحدّ (3)بها قولان، أشبههما:القبول مع الاحتمال و الإمكان في حقّ مثله،و عليه الأكثر كما في المسالك (4)،بل المشهور كما في شرح الشرائع للصيمري (5)،بل عليه عامّة المتأخّرين وفاقاً منهم للحلّي،لكنّه قيّده بما إذا شهد الحال بما ادّعاه، بأن يكون قد وجدها على فراشه فظنّها زوجته أو أمته،قال:و لو شهدت الحال بخلاف ذلك لم يصدَّق (6).

و هو موافق للقوم إن أراد بشهادة الحال بخلافه:الشهادة بالقطع؛ و ضعيفٌ إن أراد بها الشهادة بنحوٍ من المظنّة؛ لعدم ارتفاع الشبهة الحاصلة من دعواه بمجرّده و إن ضعفت معه،فقوله على هذا التقدير ضعيف.

و نحوه في الضعف تقييد التنقيح قبول قوله بكونه عدلاً (7)؛ إذ لا وجه له أصلاً بعد حصول الشبهة الدارئة للحدّ بدعواه جدّاً.

و القول الثاني للشيخين و القاضي و الديلمي،فلم يصدّقوه في

ص:449


1- الكافي 7:9/179،الفقيه 4:65/27،التهذيب 10:40/16،الوسائل 28:77 أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 5.
2- في«ن» زيادة:عنه.
3- في«ن» زيادة:عنه.
4- المسالك 2:425.
5- غاية المرام 4:313.
6- السرائر 3:447.
7- التنقيح الرائع 4:332.

الدعوى،قالوا:لأنّه قد كان ينبغي له أن يتحرّز و يتحفّظ من الفجور (1).

و هو كما ترى،فإنّ وجوب التحرّز المزبور على تقدير تسليمه لا يدفع الشبهة المحتملة الدارئة،و مخالفته ليس زنا،و لا يوجب القطع بقصده إيّاه و علمه به كما لا يخفى.

و حيث قد عرفت اعتبار إيلاج الفرج في الفرج في تعريف الزنا لغةً و عرفاً و شرعاً،ظهر لك أنّه ليس في التقبيل و المضاجعة و المعانقة و غير ذلك من الأُمور المحرّمة حدّ،بل التعزير خاصّة،فيناط بما يراه الحاكم،وفاقاً للنهاية (2)،و عليه المتأخّرون كافّة كما في المسالك (3)، و ادّعى عليه الشهرة المطلقة الماتن في الشرائع (4)و جماعة (5)،بل عليه الإجماع في الغنية (6).

للمعتبرة المستفيضة (7)،و فيها الصحاح و الموثّق و غيرها،الواردة في الرجلين أو الرجل و المرأة يوجدان في لحاف واحد أنّها يضربان دون الحدّ،كما في الصحيح منها (8)،أو مائة سوط غير سوط،كما في باقيها.

و ظاهرها و إن أفاد تعيّن المائة إلّا واحداً و هو ينافي كونه تعزيراً

ص:450


1- المفيد في المقنعة:783،الطوسي في النهاية:699،القاضي في المهذّب 2:524،الديلمي في المراسم:254.
2- النهاية:689.
3- المسالك 2:426.
4- الشرائع 4:152.
5- انظر التنقيح الرائع 4:332،و المفاتيح 2:77،و مرآة العقول 23:276.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
7- انظر الوسائل 28:84 أبواب حدّ الزنا ب 10.
8- التهذيب 10:142/40،الإستبصار 4:793/213،الوسائل 28:89 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 16.

منوطاً برأي الحاكم إلّا أنّ إطلاق الصحيح و الإجماع الظاهر و المحكيّ و عدم قائل بتعيّن مضمونها أوجب حملها على ما إذا رأى الحاكم تعيّنه؛ مع أنّه ورد:الضرب ثلاثين ثلاثين،في الرجلين المجتمعين تحت إزار واحد (1).

و قال في الخلاف:روى أصحابنا في الرجل إذا وجد مع امرأة أجنبيّة يقبّلها و يعانقها في فراش واحد:أنّ عليهما مائة جلدة،و روى ذلك عن عليّ(عليه السّلام)؛ و قد روي:أنّ عليهما أقلّ من الحدّ (2).

و ظاهره التردّد،أو ترجيح الأوّل،و لا وجه له؛ لرجحان الرواية بدون الحدّ بالكثرة،و الشهرة العظيمة،و حكاية الإجماع المتقدّمة،و بها يجاب عن الإجماع المستشعر من عبارته على ترجيح الرواية بتمام الحدّ،و هي الصحيح:« إذا وجد الرجل و المرأة في لحاف واحد جُلِدا مائة» (3)و نحوه آخر (4)و غيره (5).

و حملها الشيخ على وقوع الزنا أيضاً و علم به الإمام جمعاً.و لا بأس به،بل متعيّن؛ لندرة القائل بها كما مضى،و ربما يحكى عن المقنع

ص:451


1- الفقيه 4:21/14،التهذيب 10:146/41،الإستبصار 4:797/213،الوسائل 28:90 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 21.
2- الخلاف 5:373.
3- الكافي 7:5/181،التهذيب 10:153/43،الإستبصار 4:804/215،الوسائل 28:85 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 5.
4- الكافي 7:6/181،الفقيه 4:23/15،التهذيب 10:156/43،الإستبصار 4:807/216،الوسائل 28:88 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 12.
5- التهذيب 10:155/43،الإستبصار 4:806/215،الوسائل 28:91 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 24.

و الإسكافي (1).

و عن المفيد:تعيّن التعزير من عشرة إلى تسعة و تسعين (2).و نحوه عن غيره،مبدلاً العشرة بالثلاثين (3).

و مستندهما غير واضح،عدا الإجماع في الغنية على الأوّل،حيث ادّعاه عليه في كلّ تعزير (4)،و لكن ادّعى الشهرة المتأخّرة على الثاني بعض الأجلّة (5).

و يثبت الزنا على كلّ من الرجل و المرأة بالإقرار منهما به صريحاً،بحيث لا يحتمل الخلاف،كما في قضية ماعز بن مالك و غيرها، فإنّه لم يقبل من الإقرار حتى صرّح بكونه قد أدخل كالميل في المكحلة و الرشاء في البئر (6).

و بالبيّنة بلا خلاف؛ لعموم الأدلّة،و خصوص ما يأتي من المستفيضة.

و لا بدّ من بلوغ المقر،و كماله بكمال عقله و قصده و اختياره، و حرّيته بلا خلاف كما في سائر الأقارير،بل اعتبارها هنا أولى.

و تكرار الإقرار أربعاً للمعتبرة المستفيضة،منها:« و لا يرجم الزاني حتى يقرّ أربع مرّات» (7)و لا خلاف فيه،بل في المسالك (8)

ص:452


1- حكاه عنهما في المفاتيح 2:77،و انظر المقنع:145.
2- حكاه عن في كشف اللثام 2:396،و هو في المقنعة:774.
3- حكاه في مفاتيح الشرائع 2:77.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
5- انظر المسالك 2:433.
6- سنن البيهقي 8:225 228.و الرشاء:الحبل الصحاح 6:2357.
7- التهذيب 10:21/8،الإستبصار 4:762/204،الوسائل 28:106 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 3.
8- المسالك 2:425.

و غيره (1):أنّ عليه الاتّفاق إلّا من ظاهر العماني فاكتفى بالواحد؛ للصحيح:

« من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ حدّ من حدود اللّه تعالى مرّة واحدة، حرّا كان أو عبداً،حرّة كانت أو أمة،فعلى الإمام أن يقيم الحدّ على الذي أقرّ به على نفسه كائناً من كان،إلّا الزاني المحصن،فإنّه لا يرجم حتى يشهد عليه أربعة شهود» (2).

و حُمِل تارةً على غير حدّ الزاني جمعاً،و أُخرى على التقيّة،و أُخرى على غير ذلك (3).

و كيف كان،فطرحه متعيّن جدّاً؛ لعدم مكافأته لما مضى،مع شذوذه قطعاً بتضمّنه عدم اعتبار الحرّية في المقرّ،و فرقه بين الزاني المحصن و غيره بعدم قبول الإقرار في الأوّل و اختصاصه بالثاني،و هما خلاف الإجماع قطعاً،حتى من العماني،إذ لم ينقل الخلاف منه إلّا في (4)اعتبار تكرار الإقرار لا في غيره.

و هل يشترط اختلاف مجالس الإقرار أربعاً بعدده؟ أشبهه:أنّه لا يشترط وفاقاً لإطلاق الأكثر،و به صرّح عامّة من تأخّر؛ لإطلاق الخبر الذي مرّ.

خلافاً للخلاف و المبسوط و ابن حمزة (5)،فيشترط؛ و حجّتهما عليه غير واضحة،عدا الإجماع المستظهر من الأوّل كما قيل (6)،و ما دلّ من

ص:453


1- انظر الروضة 9:46،و المفاتيح 2:65،و كشف اللثام 2:394.
2- التهذيب 10:20/7،الإستبصار 4:761/203،الوسائل 28:56 أبواب حدّ الزنا ب 32 ح 1؛ بتفاوت يسير.
3- التهذيب 10:8،و انظر المختلف:763،و المفاتيح 2:65.
4- في« س» زيادة:أُصول.
5- الخلاف 5:377،المبسوط 8:4،ابن حمزة في الوسيلة:410.
6- كشف اللثام 2:394.

النصوص على تعدّد مجالس الأقارير عند النبيّ و الأمير صلوات اللّه و سلامه عليهما (1).

و الأوّل على تقدير صحّة الظهور موهون بندرة القائل به؛ إذ ليس إلّا الناقل و نادر.و الثاني لا يفيد الحصر؛ لأنّه قضية اتّفاقيّة،مع أنّها ليست في اختلاف المجالس الأربعة صريحة،و لا يحصل بمثلهما شبهة تكون للحدّ دارئة،سيّما مع كون عدم الاشتراط مذهب المتأخّرين كافّة كما عرفته.

و لو أقرّ أحدٌ بحدّ و لم يبيّنه ما هو؟زنا أو غيره؟لم يكلَّف البيان بلا خلاف،و ضُرِبَ حتى ينهى و يمنع الضرب عن نفسه بأن يقول:يكفي،كما في الصحيح (2)على الصحيح،و به أفتى القاضي (3)، و رواه في النهاية (4)مشعراً برضاه به،و وافقهما الحلّي و الفاضلان في الشرائع و الإرشاد و التحرير و القواعد (5)و غيرهما (6)،و لكنّهم قيّدوه بما إذا لم يزد على المائة،و مع الزيادة لا يُضرَب و إن لم ينه عن نفسه؛ إذ لا حدّ فوقها. (7)و ما يزاد عليها لشرف المكان أو الزمان تعزيرٌ زائد على أصل

ص:454


1- انظر الوسائل 28:103 أبواب حدّ الزنا ب 16،مستدرك الوسائل 18:53 أبواب حدّ الزنا ب 13.
2- الكافي 7:1/219،التهذيب 10:160/45،الوسائل 28:25 أبواب مقدّمات الحدود ب 11 ح 1.
3- المهذب 2:529.
4- النهاية:702.
5- الحلّي في السرائر 3:455،الشرائع 4:152،الإرشاد 2:171،التحرير 2:222،القواعد 2:250.
6- كالشهيد الثاني في الروضة 9:126،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:394.
7- في« ب»:إذ.

الحدّ،و الأصل عدمه.

قيل:نعم،إن علم بالعدد و المسألة و طلب الزيادة توجّه الضرب إلى أن ينهى عن نفسه (1).

و زاد الحلّي،فقيّد في طرف النقيصة،فقال:لا يضرب أقلّ من ثمانين؛ إذ لا حدّ دونه (2).

و فيه منع واضح،فإنّ حدّ القوّاد خمسة و سبعون.

و زاد الفاضلان في وجه المنع احتمال إرادته من الحدّ التعزير (3).

و رُدّ بأنّه مجاز لا قرينة عليه في إقراره (4).

و فيه نظر،إذ المجازيّة إنّما هي في الشرع لا في كلام المقرّ،و هو يحتمل كون الحدّ فيه حقيقة في الأعمّ من الحدّ الشرعي و التعزير،و القرينة المعيّنة هي نهيه عن الضرب فيما بعد،و تصلح قرينة صارفة أيضاً على التقدير الأوّل،كما يفهم من ظاهر الفاضلين و صريح غيرهما (5)،و فيه تأمّل.

و مع ذلك جارٍ مثله في طرف الزيادة على المائة،فيقال:عدم الإنهاء عن نفسه إلى أن يزاد عليها قرينة إرادته من الحدّ المقرّ به التعزير،فتأمّل (6).

و بالجملة:الأجود أمّا العمل بإطلاق الرواية،أو اطراحها بالمرّة كما عليه في المسالك (7)لضعف السند بالاشتراك،و مخالفتها الأُصول،فإنّ الحدّ كما قد عُلم يطلق على الرجم،و على القتل بالسيف،و الإحراق بالنار،

ص:455


1- انظر كشف اللثام 2:394.
2- السرائر 3:455.
3- المحقّق في الشرائع 4:152،العلّامة في المختلف:761.
4- انظر التنقيح الرائع 4:335،و المسالك 2:425.
5- كشف اللثام 2:394.
6- ليست في« ب»،و في« ح» زيادة:جدّاً.
7- المسالك 2:426.

و رمي الجدار عليه،و غير ذلك ممّا ستقف عليه إن شاء اللّه تعالى،و على الجلد، و الجلد يختلف كمّيةً و كيفيةً،فحمل مطلقه على الجلد غير مناسب للواقع.

و هو حسن،غير أنّ ما ذكر من تضعيف السند محلّ نظر؛ لما مرّ، و مع ذلك فبالشهرة الظاهرة و لو في الجملة و المحكيّة مطلقاً عن الماتن في النكت (1)منجبر.

و على هذا،فالخروج عن الأُصول بمثله محتمل،سيّما مع التأيّد بما عن المقنع،من أنّه قال:و قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في رجل أقرّ على نفسه بحدّ و لم يبيّن أيّ حدٍّ هو؟أن يجلد حتى يبلغ ثمانين،فجلد،ثم قال:« لو أكملت جلدك مائة،ما ابتغيت عليه بيّنة غير نفسك» (2).و هو قد يؤيّد ما عليه الحلّي.

و أمّا ما يخالف ذلك من (3)النصوص (4)،فمع عدم وضوح سنده بل ضعفه غير واضح الدلالة على المخالفة.

قيل:و إطلاق الخبرين الأوّلين و كلمة الأصحاب منزّل على الحدّ الذي يقتضيه ما وقع منه من الإقرار،فلا يحدّ مائة ما لم يقرّ أربعاً،و لا ثمانين ما لم يقرّ مرّتين،و لا يتعيّن المائة إذا أقرّ أربعاً،و لا الثمانون إذا أقرّ مرّتين على قول غير الحلّي (5).

و لعلّ التنزيل للجمع بين الأدلّة،و لا بأس به.

و لو أقرّ بما يوجب الرجم ثم أنكره،سقط عنه بلا خلاف،بل عليه الإجماع عن الخلاف (6)؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

ص:456


1- حكاه في كشف اللثام 2:394،و هو في النكت 3:304.
2- المقنع:147،مستدرك الوسائل 18:15 أبواب مقدّمات الحدود ب 9 ح 2.
3- في« ن» زيادة:بعض.
4- انظر صحيح البخاري 8:207.
5- انظر كشف اللثام 2:395.
6- الخلاف 5:378.

ففي الصحيح:« من أقرّ على نفسه بحدّ أقمته عليه،إلّا الرجم،فإنّه إذا أقرّ على نفسه ثم جحد لم يرجم» (1).

و ليس فيها و لا فيما وقفت عليه من الفتاوى اعتبار الحلف،و عن جامع البزنطي:أنّه يحلف و يسقط عنه الرجم،و أنّه رواه عن الصادقين(عليهما السّلام)بعدّة أسانيد (2).و لم أقف على شيء منها.

و يستفاد منها:أنّه لا يسقط غيره من سائر الحدود بالإنكار، و لا خلاف فيه أيضاً إلّا من الخلاف و الغنية،حيث أطلقا سقوط الحدّ بالرجوع من دون فرق بين كونه رجماً أو غيره (3)؛ و مستندهما غير واضح، عدا الإجماع الذي استدلّ به في الخلاف،و وهنه ظاهر،و مع ذلك عن معارضة ما مرّ من النصوص المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة قاصر؛ مع أنّه قيل:يمكن حمل كلام الأوّل على الرجوع قبل كمال ما يعتبر من المرّات في الإقرار (4).

و أمّا الخبر:« لا يقطع السارق حتى يقرّ بالسرقة مرّتين،فإن رجع ضمن السرقة،و لم يقطع إذا لم يكن شهود» (5)فمع ضعفه بالإرسال و غيره،شاذّ لا عامل به،محمول على الرجوع بعد الإقرار مرّة.

و يدخل في إطلاق غير الرجم في النصّ و العبارة و نحوها:القتل بغيره،فلا يسقط بالرجوع عن الإقرار.

ص:457


1- الكافي 7:5/220،الوسائل 28:27 أبواب مقدمات الحدود ب 12 ح 3.
2- لم نعثر عليه في مصادر الحديث المتوفرة لدينا.
3- الخلاف 5:378،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
4- كشف اللثام 2:395.
5- الكافي 7:2/219،الفقيه 4:145/43،التهذيب 10:515/129،الوسائل 28:249 أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 1.

و استشكله في القواعد (1)؛ من خروجه عن المنصوص،و من الاحتياط في الدماء،و بناء الحدّ على التخفيف.و لعلّ هذا أظهر،وفاقاً للمحكيّ عن الوسيلة (2)؛ لذلك،و لمنع اختصاص النصّ بالرجم.

ففي المرسل كالصحيح بابن أبي عمير و جميل،قال:« إذا أقرّ الرجل على نفسه بالقتل قُتِل إذا لم يكن عليه شهود،فإن رجع و قال:لم أفعل، تُرِك و لم يُقتَل» (3)و القتل يشمل موجبه بغير الرجم إن لم نقل بظهوره فيه.

و لو أقرّ بحدّ ثم تاب عن موجبه كان الإمام مخيّراً في الإقامة عليه أو (4)العفو عنه مطلقاً (5) رجماً كان أو غيره بلا خلاف إلّا من الحلّي،فخصّه بالرجم،قال:لأنّا أجمعنا أنّه بالخيار في الموضع الذي ذكرنا،و لا إجماع على غيره،فمن ادّعاه و جعله بالخيار و عطّل حدّا من حدود اللّه تعالى فعليه الدليل (6).

و رُدّ بأنّ المقتضي لإسقاط الرجم عنه:اعترافه بالذنب،و هو موجود في الحدّ؛ لأنّه إحدى العقوبتين،و لأنّ التوبة تسقط تحتم أشدّ العقوبيتن، فإسقاطها لتحتّم الأُخرى الأضعف أولى (7).

و الأولى الجواب عنه بقيام الدليل في غير الرجم أيضاً (8)،و هو النصوص.

ص:458


1- قواعد الأحكام 2:250.
2- الوسيلة:410.
3- الكافي 7:6/220،الوسائل 28:27 أبواب مقدّمات الحدود ب 12 ح 4.
4- في« ب» « ح» « س»:و.
5- أثبتناه من« ن».
6- السرائر 3:444.
7- المختلف:759.
8- أثبتناه من« ن».

ففي الخبرين بل الأخبار-:« جاء رجل إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)فأقرّ بالسرقة،فقال:أ تقرأ شيئاً من القرآن؟قال:نعم،سورة البقرة،قال:قد وهبت يدك لسورة البقرة،قال:فقال الأشعث:أ تعطّل حدّا من حدود اللّه تعالى؟فقال:و ما يدريك ما هذا؟إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو، و إذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا،و إن شاء قطع» (1).

و قصور الأسانيد مجبور بالتعدّد،مع عمل الأكثر،بل الكلّ عداه، و هو شاذٌّ كما صرّح به بعض الأصحاب (2).

و أخصّية المورد مدفوع بعموم الجواب،مع عدم قائل بالفرق بين الأصحاب.

مع ورود نصّ آخر باللواط متضمّناً للحكم أيضاً على العموم من حيث التعليل،و هو المرويّ عن تحف العقول،عن أبي الحسن الثالث(عليه السّلام)،في حديث،قال:« و أمّا الرجل الذي اعترف باللواط فإنّه لم تقم عليه البيّنة،و إنّما تطوّع بالإقرار عن نفسه،و إذا كان للإمام الذي من اللّه تعالى أن يعاقب عن اللّه سبحانه كان له أن يمنّ عن اللّه تعالى؛ أ ما سمعت قول اللّه تعالى هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ [1] (3)؟!» (4).

نعم،ليس في شيء منها اعتبار التوبة،كما هو ظاهر الجماعة و لعلّ اتّفاقهم عليه كافٍ في تقييدها بها.

ص:459


1- الفقيه 4:148/44،التهذيب 10:506/127،و 516/129،الاستبصار 4:955/252،عوالي اللئلئ 2:158،الوسائل 28:41 أبواب مقدّمات الحدود ب 18 ح 3،مستدرك الوسائل 18:34 أبواب مقدّمات الحدود ب 29 ح 1.
2- انظر المفاتيح 2:88.
3- سورة ص:39.
4- تحف العقول:360،الوسائل 28:41 أبواب مقدّمات الحدود ب 18 ح 4.

و ظاهره كباقي النصوص و الفتاوى قصر التخيير على الإمام،فليس لغيره من الحكّام،و عليه نبّه (1)بعض الأصحاب (2)،و احتمل بعضٌ ثبوته لهم أيضاً (3)،و فيه إشكال،و الأحوط إجراء الحدّ أخذاً بالمتيقن؛ لعدم لزوم العفو.

ثم إنّ هذا في حدود اللّه سبحانه.

و أمّا حقوق الناس،فلا يسقط الحدّ إلّا بإسقاط صاحبه،كما صرّح به بعض الأصحاب (4)؛ و وجهه واضح.و في بعض المعتبرة:« لا يعفى عن الحدود التي للّه تعالى دون الإمام،فأمّا ما كان من حقّ الناس في حدّ فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام» (5).

و لا يكفي في البيّنة أقلّ من أربعة رجال،أو ثلاثة و امرأتين و يثبت الزنا بالأوّل؛ بالكتاب (6)،و السنّة المستفيضة (7)،و الإجماع.

و كذا بالثاني على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،عدا من سيذكر،و ربما نفي الخلاف عنه (8)،و في الغنية:الإجماع عليه (9)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

ص:460


1- في« ب»:بناء.
2- كشف اللثام 2:395.
3- كالأردبيلي في مجمع الفائدة 13:35.
4- كشف اللثام 2:395.
5- الكافي 7:4/252،الفقيه 4:185/52،التهذيب 10:496/124،الوسائل 28:40 أبواب مقدّمات الحدود ب 18 ح 1.
6- النساء:15،النور:4،13.
7- انظر الوسائل 28:94 أبواب حدّ الزنا ب 12.
8- انظر الكفاية:284.
9- الغنية(الجوامع الفقهية):624.

ففي الصحيح:« لا تجوز في الرجم شهادة رجلين و أربع نسوة، و يجوز في ذلك ثلاثة رجال و امرأتان» (1).

خلافاً للعماني و المفيد و الديلمي (2)،فلم يثبتوه به،بل خصّوه بالأوّل؛ لكونه المنصوص في الكتاب الكريم،فيرجع في غيره إلى الأصل، و للصحيح:« إذا شهد ثلاثة رجال و امرأتان لم يجز في الرجم» (3)مضافاً إلى النصوص المانعة عن قبول شهادتهنّ في الحدّ (4)،و لذا توقّف في المختلف (5).

و هو في غاية الضعف؛ إذ ليس في الكتاب ما يدلّ على الحصر.

و الأصل مخصّص بما مرّ.

و الصحيح:مع قصوره عن معارضته من وجوه موافق لما عليه أكثر العامّة،كما ذكره الشيخ،حاملاً له لذلك على التقيّة (6).

و النصوص الأخيرة مخصّصة بما ذكرناه من الأدلّة المعتضدة مع كثرتها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة، و لذا لم ينقل الأكثر فيه خلافاً،و حسبه جملة إجماعاً أو ما يقرب منه،أو

ص:461


1- الكافي 7:8/391،التهذيب 6:702/264،الإستبصار 3:70/23،الوسائل 27:353 كتاب الشهادات ب 24 ح 10.
2- حكاه عن العماني في المختلف:714،المفيد في المقنعة:775،الديلمي في المراسم:252.
3- التهذيب 6:708/265،الإستبصار 3:76/24،الوسائل 27:358 كتاب الشهادات ب 24 ح 28.
4- انظر الوسائل 27:كتاب الشهادات ب 24 ح 29،30،42.
5- المختلف:715.
6- الاستبصار 3:24.

محمولة على شهادتهنّ منفردات،أو غير ذلك.

و لو شهد رجلان و أربع نساء،يثبت بهم الجلد لا الرجم وفاقاً للنهاية و الإسكافي و الحلّي و ابن حمزة و الفاضل في التحرير و الإرشاد و القواعد و الشهيدين في اللمعتين (1)،و بالجملة:المشهور،على الظاهر المصرّح به في كلام الخال العلّامة المجلسي(رحمه اللّه) (2).

و مستندهم غير واضح،عدا ما قيل (3)من الخبر:« تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال» (4)و حيث انتفى الرجم ثبت الجلد.

و فيه بعد الإغماض عن السند-:عدم قولهم بعمومه،مع معارضته بعموم ما مرّ من النصوص بعدم قبول شهادتهنّ في الحدود.

و خصوص الصحيح:« و تجوز شهادتهنّ في حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان،و لا تجوز شهادة رجلين و أربع نسوة في الزنا و الرجم» (5).

و ليس في ذكر الزنا مع الرجم فائدة إلّا بيان عدم ثبوت الجلد أيضاً بشهادتهن،و تخصيص الزنا بالرجم يوجب التكرار،فمع ذلك كيف يمكن

ص:462


1- النهاية:690،حكاه عن الإسكافي في المختلف.715،الحلّي في السرائر 3:431،ابن حمزة في الوسيلة:409،التحرير 2:220،الإرشاد 2:172،القواعد 2:251،الروضة البهية 3:140.
2- مرآة العقول 24:239،ملاذ الأخيار 10:134،136.
3- انظر المسالك 2:413.
4- التهذيب 6:728/270،الإستبصار 3:100/30،الوسائل 27:356،كتاب الشهادات ب 24 ح 21.
5- الكافي 7:5/391،الفقيه 3:94/31،التهذيب 6:705/264،الإستبصار 3:73/23،الوسائل 27:352 كتاب الشهادات ب 24 ح 7.

الخروج عن الأصل؟! و لعلّه لذا ذهب جماعة منهم:الصدوقان و القاضي و الحلبي و الفاضل في المختلف (1)و غيره من المتأخّرين (2)إلى عدم ثبوت الجلد بذلك أيضاً؛ عملاً بالأصل.

لكن في الموثّق كالصحيح:عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال و امرأتان« وجب عليه الرجم،و إن شهد عليه رجلان و أربع نسوة فلا تجوز شهادتهم و لا يرجم،و لكن يضرب حدّ الزاني» (3).

و هو مع اعتبار سنده و حجّيته،سيّما بعد اعتضاده بالشهرة الظاهرة و المحكيّة صريح فيما ذكروه،فقولهم في غاية القوّة.

و أمّا قول الشيخ في الخلاف بثبوت الرجم هنا أيضاً (4)،فضعيف جدّاً؛ لتصريح جملة من النصوص المتقدّمة و منها الصحيح المتقدّم (5)بعدم ثبوت الرجم به؛ و لعلّه لذا لم يوافقه أحد،و لم ينقل موافق له.

و بفحوى أدلّة المنع هنا يستدلّ على أنّه: لا تقبل شهادة ستّ نساء و رجل،و لا شهادة النساء منفردات عن الرجال مطلقاً؛ مع أنّه

ص:463


1- حكاه عن الصدوقين في المختلف:715،و انظر المقنع:135،القاضي في المهذّب 2:558،و لكنّه صرّح في كتاب الحدود(2:526)بثبوت الجلد بها،الحلبي في الكافي في الفقه:436،المختلف:715.
2- انظر المسالك 2:413،و المفاتيح 2:65،و الكفاية:284.
3- الفقيه 4:26/16،التهذيب 10:80/26،الوسائل 28:132 أبواب حدّ الزنا ب 30 ح 1.
4- الخلاف 6:251.
5- في ص 461.

لا خلاف فيه إلّا من الخلاف،فقال:يثبت بشهادتهم الحدّ دون الرجم (1).

و لا ريب في شذوذه،كما صرّح به بعض الأصحاب (2)،مشعراً بدعوى الإجماع على خلافه،فلا يُعبأ به،سيّما بعد قيام الأدلّة المتقدّمة على ردّه.

و لو شهد ما دون الأربعة أو ما في معناها لم يثبت الحدّ مطلقاً و حُدّوا للفِرية بالإجماع،و نصّ الكتاب،و السنّة (3)،فقال سبحانه لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ [1] (4)و سيأتي أنّه إذا لم يحضر الرابع،و شهد ثلاثة،حُدّوا للفِرية و لم يرتقب حضوره (5).

و لا بدّ في الشهادة من ذكر الشهود المشاهدة للإيلاج في الفرج كالميل في المكحلة للمعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح:« لا يرجم رجل و لا امرأة حتى يشهد عليه أربعة شهود على الإيلاج و الإخراج» (6)و بمعناه آخر (7)،و الخبران (8).

ص:464


1- الخلاف 6:251.
2- المفاتيح 2:65.
3- انظر الوسائل 28:96،97 أبواب حد الزنا ب 12 ح 8،9.
4- النور:13.
5- في ص 467.
6- الكافي 7:2/183،التهذيب 10:3/2،الإستبصار 4:814/217،الوسائل 28:94 أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 2.
7- الكافي 7:1/183،التهذيب 10:4/2،الإستبصار 4:815/217،الوسائل 28:94 أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 1.
8- أحدهما في:الفقيه:4:24/15،الوسائل 28:97 أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 11. و الآخر في:الكافي 7:5/184،الوسائل 28:95 أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 5.

و في الموثّق:« لا يرجم الرجل و المرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع و الإيلاج و الإدخال كالميل في المكحلة» (1).

و لأنّ الشهادة إنّما تُسمَع بما عُوينَ أو سُمِع،و لا معنى للزنا حقيقةً إلّا ذلك،فلا تسمع الشهادة به إلّا إذا عُوينَ كذلك،و ربما أُطلق على غيره من التفخيذ و نحوه،فلو لم يصرّح الشهود به لم تكن الشهادة نصّاً في الموجب للحدّ.

و أمّا الموثّق:« إذا شهد الشهود على الزاني أنّه قد جلس منها مجلس الرجل من امرأته،أُقيم عليه الحدّ» الخبر (2).

فقاصرٌ عن مقاومة ما مرّ سنداً و عدداً و عملاً؛ إذ لا قائل به عدا الشيخ،حيث احتمل العمل به بعد تخصيصه الحدّ بالجلد دون الرجم (3)، و محصّله:عدم اعتباره المعاينة في الجلد خاصّة.

و احتمله أيضاً خالي العلّامة المجلسي-(رحمه اللّه) فقال بعد ذكر نحو هذه الرواية ممّا ورد بتمام الحدّ في الرجلين أو الرجل و المرأة يوجدان تحت لحاف واحد،و الأخبار المعارضة لها،المتقدّم إلى جميعها الإشارة (4)-:و الأظهر في الجمع بين الأخبار مع قطع النظر عن الشهرة أن يؤخذ بالأخبار الدّالة على تمام الحدّ،بأن يقال:لا يشترط في ثبوت الجلد

ص:465


1- الكافي 7:4/184،التهذيب 10:1/2،الإستبصار 4:812/217،الوسائل 28:95 أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 4.
2- الكافي 7:8/182،التهذيب 10:152/42،الإستبصار 4:803/215،الوسائل 28:88 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 13.
3- الاستبصار 4:218.
4- في ص 450.

المعاينة كالميل في المكحلة،و يحمل الأخبار الدّالة على اشتراط ذلك على الرجم كما هو الظاهر من أكثرها،و يحمل الأخبار الدالّة على ما نقص على التقيّة لموافقتها لمذهبهم.إلى آخر ما ذكره (1).

و هو حسن،إلّا أنّه لمخالفته الأصحاب كافّة هنا حيث اعتبروا المعاينة مطلقاً من غير خلاف بينهم أجده،و الأمر الاعتباري الذي تقدّم إليه أخيراً الإشارة مشكلٌ غايته،سيّما مع عدم ظهور فتوى الشيخ بذلك،حيث ذكره على وجه الاحتمال،و مع ذلك احتمل فيه أيضاً ما يوافق الأصحاب من إرادة التعزير من الحدّ،فليس الاحتمال فيه إلّا للجمع.

و الخال-(رحمه اللّه) أيضاً احتمل محامل أُخر،بحيث يظهر منه عدم تعيّن الأوّل عنده؛ مع إشعار قوله:مع قطع النظر عن الشهرة،به.هذا.

مع أنّ النصوص التي احتمل بها عدم اعتبار المعاينة في الجلد خاصّة لا تدلّ عليه كلّيةً،بل غايتها الدلالة عليه في موردها خاصّة،و هو صورة اجتماع الرجلين مثلاً تحت لحاف واحد،فلا دلالة فيها على المدّعى كلّيةً، و لا إجماع مركب يوجبها؛ لما عرفت من وجود قائل بها و إن ندر،كالمقنع و الإسكافي (2).

و قوّاها أيضاً شيخنا الشهيد الثاني (3)،لا من حيث الاحتمال الذي ذكره و لذا لم يحتمله هو و لا غيره في محلّ البحث بل من حيث كونها

ص:466


1- مرآة العقول 23:276 277.
2- راجع ص 451.
3- انظر المسالك 2:433.

أكثر عدداً و أصحّ سنداً من نصوص التعزير عنده،فكأنّه خرج عن الأصل بها في موردها خاصّة.

و بالجملة:الأظهر عدم إمكان المصير إلى ذلك الاحتمال،فينبغي طرح الموثّق،أو حمله على الاحتمال الثاني للشيخ،أو على ما ذكره بعض الأصحاب من كون التعبير بهذه العبارة في كلامه(عليه السّلام)كناية عن قول الشاهد:إنّه وطئها (1).

و لا بدّ مع ذلك من تواردهم و اتّفاقهم على الفعل الواحد في الزمان الواحد و المكان الواحد فلو اختلفوا في أحدها بأن شهد بعضهم على وجه مخصوص و الباقون على غيره،أو شهد بعضهم بالزنا غدوة و الآخرون عشية،أو شهد بعضهم في زاوية مخصوصة أو بيت و الآخرون في غيره لم يُحَدّ المشهود عليه،و حُدّوا للفِرية،بلا خلاف؛ لأنّ كلّ واحد من الفعل الواقع على أحد الوجوه غير الفعل الآخر،فلم يقم على الفعل الواحد أربعة شهود.

و للموثّق:ثلاثة شهدوا أنّه زنى بفلانة،و شهد رابع أنّه لا يدري بمن زنى،قال:« لا يحدّ و لا يرجم» (2)و ظاهره كالعبارة و نحوها أنّه لا بدّ إذا تعرّض بعضهم لخصوصيّة أحد القيود الثلاثة من تعرّض الباقي لها و اتّفاقهم عليها.

ص:467


1- كشف اللثام 2:396.
2- الكافي 7:3/210،الفقيه 4:71/28،التهذيب 10:75/25،الإستبصار 4:817/218،الوسائل 28:95 أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 6؛ بتفاوت يسير.

خلافاً لشيخنا في المسالك و الروضة (1)و بعض من تبعه (2)،فقالا بعدم اشتراط التعرّض لها مطلقاً و لو تعرّض بعضهم لها؛ لخلوّ النصوص و كلام المتقدّمين عنه،و عدم دليل عليه،قالا:و يمكن تنزيل العبارة و نحوها على ذلك،بحمل عدم القبول على تقدير التعرّض لذلك و الاختلاف فيه.

و هو حسن لولا الموثّق المتقدّم الظاهر في الاشتراط في بعض الأفراد،و يتمّ في غيره بعدم القائل بالفرق بين الأصحاب.

و لا بدّ أيضاً من اجتماعهم حال إقامة الشهادة دفعةً،بمعنى:أن لا يحصل بين الشهادات تراخٍ عرفاً،لا بمعنى:تلفّظهم بها دفعةً،و إن كان جائزاً،ف لو أقام الشهادة بعض الشهود في غيبة الباقي حُدّوا للفرية (3) و لم يُرتَقَب (4) أي لا ينتظر إتمام البيّنة لأنّه لا تأخير في حدّ،كما في الخبر:« في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا،فقال أمير المؤمنين(عليه السّلام):أين الرابع؟فقالوا:الآن يجيء،فقال أمير المؤمنين(عليه السّلام):

حدّوهم،فليس في الحدود نظرة ساعة» (5).

و في آخر:عن ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا و قالوا:الآن يأتي الرابع، قال:« يجلدون حدّ القاذف ثمانين جلدة كلّ رجل منهم» (6).

ص:468


1- المسالك 2:427،الروضة 9:51 53.
2- مفاتيح الشرائع 2:66.
3- ليست في«س» و«ب».
4- في المختصر المطبوع(215):لو لم يُرتَقَب.
5- الكافي 7:4/210،الفقيه 4:56/24،التهذيب 10:49،185/51،190،الوسائل 28:96 أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 8.
6- التهذيب 10:189/51،الوسائل 28:97 أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 9.

و قصور السند مجبور بعدم الخلاف في الحكم،إلّا من محتمل الخلاف،حيث قال:إذا تكاملت شهود الزنا فقد ثبت الحكم بشهادتهم، سواء شهدوا في مجلس واحد أو مجالس و شهادتهم متفرّقين أحوط (1).

و في المختلف حمل كلامه على تفرّقهم بعد اجتماعهم لإقامة الشهادة دفعةً؛ نظراً إلى أنّ ذلك هو المذهب عندنا (2)،مشعراً بدعوى الإجماع على الحكم.

و أظهر منه عبارة المسالك،حيث نسبه إلى مذهب الأصحاب (3).

و يقرّب حمل كلام الخلاف على ما ذكر تصريحُ الحلّي بنحو عبارته، و مع ذلك قال قبلها:و لا تقبل شهادة الشهود على الزنا إلّا إذا حضروا في وقت واحد،فإن شهد بعضهم و قال:الآن يجيء الباقون،جُلِد حدّ المفتري؛ لأنّه ليس في ذلك تأخير (4).

فلا إشكال في الحكم و إن حكي المخالفة فيه صريحاً عن ابن عمّ الماتن يحيى بن سعيد في الجامع (5)؛ إذ لا ريب في شذوذه.

و هل يشترط حضورهم في مجلس الحكم دفعةً قبل اجتماعهم على الإقامة؟قولان.

اختار أوّلهما الفاضل في القواعد و ولده في شرحه (6).

ص:469


1- الخلاف 5:388.
2- المختلف:764.
3- المسالك 2:427.
4- السرائر 3:431.
5- الجامع للشرائع:548.
6- القواعد 2:251،إيضاح الفوائد 4:475.

و ثانيهما في التحرير (1).و هو الأجود وفاقاً لجمع (2)؛ لتحقّق الشهادة المتّفقة،و عدم ظهور المنافي،مع الشّك في اشتراط الحضور دفعةً، و الخبران لا يدلاّن على أزيد من اعتبار عدم تراخي الشهادات.

و يتفرّع عليهما ما لو تلاحقوا فاتّصلت شهادتهم بحيث لم يحصل التأخير،فيحدّون على الأوّل قطعاً،و على الثاني احتمالاً،مع احتمال العدم؛ نظراً إلى فقد شرط الاجتماع حال الإقامة دفعةً،و انتفاء العلّة الموجبة للاجتماع،و هي:تأخير حدّ القاذف،فإنّه لم يتحقق هنا.

و اعلم:أنّ الحكم هنا بحدّ الشهود قبل الاجتماع للإقامة يدلّ بفحواه على الحكم بحدّهم إذا أبى بعضهم عن الشهادة،و به صرّح الشيخ في الخلاف و المبسوط و الحلّي نافيين للخلاف فيه (3)،بل صرّح بالإجماع في الخلاف،و جعله مقتضى المذهب في تاليه؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأولوية المتقدّمة،و قصّة المغيرة المشهورة الصريحة في ذلك (4)،كالصحيح،قال:« قال أمير المؤمنين(عليه السّلام):لا أكون أوّل الشهود الأربعة على الزنا،أخشى أن ينكل بعضهم فأُجلَد» (5).

خلافاً للفاضل في المختلف،فلم يوجب هنا حدّ القذف (6).

ص:470


1- التحرير 2:221.
2- منهم الشهيد الثاني في الروضة 9:53 54،و المسالك 2:427،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:397.
3- الخلاف 5:389،المبسوط 8:9،الحلّي في السرائر 3:434.
4- الخلاف 5:389،دُرر اللئالئ 2:129،مستدرك الوسائل 18:77،كتاب الحدود و التعزيرات ب 42 ح 11،سنن البيهقي 8:235.
5- الكافي 7:2/210،الوسائل 28:194 أبواب حدّ القذف ب 12 ح 2.
6- المختلف:755.

و هو غريب،و دليله مع كونه اجتهاداً في مقابلة النصّ الصحيح و غيره غير مسموع،لا يسمن و لا يغني من جوع.

و تقبل شهادة الأربعة على الاثنين فما زاد كما هنا و في السرائر و التحرير و الإرشاد (1)،و غيرها من كتب الأصحاب (2)،و لعلّه لا خلاف فيه؛ لعموم أدلّة قبول الشهادة السليمة عن المعارض.

و لا يسقط الحدّ مطلقاً بالتوبة بعد قيام البيّنة فليس للإمام العفو عنه على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ لثبوت الحدّ فيستصحب،و للنصوص المستفيضة:

منها زيادةً على ما تقدّم في بحث جواز العفو بالتوبة عن الحدّ إذا ثبت بالإقرار (3)المرسل كالصحيح بصفوان بن يحيى:في رجل أُقيمت عليه البيّنة بأنّه زنى،ثم هرب قبل أن يضرب،قال:« إن تاب فما عليه شيء،و إن وقع في يد الإمام أقام عليه الحدّ،و إن علم مكانه بعث إليه» (4).

بناءً على أنّ المراد بقوله:« إن تاب فما عليه شيء» أي فيما بينه و بين اللّه سبحانه،و لكن إذا وقع في يد الإمام أقام عليه الحدّ،كالمرتدّ فطريّاً إذا تاب على الأصح،هذا.

مضافاً إلى فحوى النصوص الدّالة على ردّه في الحفيرة مع هربه عنها

ص:471


1- السرائر 3:431،التحرير 2:222،الإرشاد 2:172.
2- كالشرائع 4:153،و الإرشاد 2:172،و مجمع الفائدة و البرهان 13:45.
3- راجع ص 459.
4- الكافي 7:2/251،الفقيه 4:61/26،التهذيب 10:167/46،الوسائل 28:37 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 4.

إذا ثبت عليه الحدّ بالبيّنة،و عدمه إذا ثبت بالإقرار (1).

خلافاً للمفيد و الحلبي،فخيّرا الإمام بين الإقامة عليه و العفو عنه (2).

للأصل.

و فيه:أنّه بالعكس بعد ثبوت الحدّ في الذمّة،و منعه لا وجه له.

و لسقوط عقوبة الآخرة بالتوبة،فالدنيا أولى.

و فيه:أنّه يسقط الأُخرويّة حتماً،و الأولويّة تقتضي حتميّة سقوط الدنيويّة أيضاً لا جوازه،و لا يقولان بها.

و يسقط الحدّ لو كانت التوبة قبلها أي قبل قيام البيّنة مطلقاً رجماً كان أو غيره بلا خلاف أجده،و به صرّح بعض الطائفة (3)، و بالوفاق بعض الأجلّة (4)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى صريح المرسلة كالصحيحة،المؤيّدة بعد الوفاق بالأولويّة المتقدّمة سنداً للمفيد و من تبعه،و فيها:رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى،فلم يعلم ذلك منه و لم يؤخذ حتى تاب و صلح،فقال:« إذا صلح و عرف منه أمرٌ جميل لم يقم عليه الحدّ» (5).

ص:472


1- انظر الوسائل 28:101،140 أبواب حد الزنا ب 15،35.
2- المفيد في المقنعة:777،الحلبي في الكافي في الفقه:407.
3- مفاتيح الشرائع 2:68.
4- كشف اللثام 2:398،مرآة العقول 23:389.
5- الكافي 7:1/250،التهذيب 10:46،166/122،490،الوسائل 28:36،أبواب مقدمات الحدود ب 16 ح 3.
النظر الثاني في الحدّ

النظر الثاني في بيان الحدّ و أقسامه اعلم أنّه يجب القتل على الزاني بالمحرّمة عليه نسباً كالأُمّ، و البنت و الأُخت،و بناتها،و بنات الأخ،و العمّة،و الخالة،بلا خلاف أجده،و به صرّح جماعة حدّ الاستفاضة (1)،بل عليه الإجماع في الانتصار و الخلاف و الغنية (2)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة العامّية و الخاصّية،و منها الحسن« من زنى بذات محرم حتى يواقعها ضُرِب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت، و إن كانت طاوعته ضُربت ضربة بالسيف أخذت منها ما أخذت» (3).

و أمّا غيرهنّ من المحارم بالمصاهرة كبنت الزوجة و أُمّها فكغيرهنّ من الأجانب على ما يظهر من الفتاوى،و النصوص خالية من تخصيص النسبي،بل الحكم فيها معلّق على ذات محرم مطلقاً.لكن سند أكثرها ضعيف،و الحسن منها قاصر عن الصحّة،و الصحيح منها رواية واحدة لا يجسر بمثلها التهجّم على النفوس المحترمة،سيّما مع عدم الصراحة في الدلالة لو لم نقل بكونها ضعيفة؛ بناءً على عدم انصراف ذات محرم بحكم التبادر إلى السببيّات،بل المتبادر منها النسبيّات خاصّة.

و من هنا يظهر ضعف إلحاق المحرم للرضاع بالنسب،مع عدم ظهور

ص:473


1- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:335،و الشهيد الثاني في المسالك 2:427،و الكاشاني في المفاتيح 2:70.
2- الانتصار:259،الخلاف 5:386،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
3- الكافي 7:1/190،الفقيه 4:81/30،التهذيب 10:68/23،الإستبصار 4:777/208،الوسائل 28:113 أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 1؛ بتفاوت يسير.

قائل به،عدا الشيخ في الخلاف و المبسوط و ابن عمّ الماتن (1).

و هما شاذّان،و لذا لم يمل إلى مختارهما أحد من المتأخّرين،عدا شيخنا في الروضة (2)،مع ظنّه عدم القائل به،فقد جعله وجهاً،قال:

مأخذه إلحاقه به في كثير من الأحكام؛ للخبر (3).

و ذلك لأنّ غاية المأخذ على تقدير تسليمه إفادته مظنّة ما ضعيفة لا يجسر بها التهجّم على ما عرفته.

و كذا إلحاق زوجة الأب و الابن و موطوءة الأب بالملك بالمحرم النسبي، و إن كان ألحق الشيخ به و الحلبي و القاضي و الحلّي و بنو زهرة و حمزة و سعيد (4)و جامعة من المتأخّرين (5) امرأة الأب للخبر:

« رفع إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)رجل وقع على امرأة أبيه فرجمه و كان غير محصن» (6)لضعفه،إلّا أن يجبر بكثرة القائل بمضمونه،على الظاهر المصرّح به

ص:474


1- الخلاف 5:386،المبسوط 8:8،ابن سعيد في الجامع للشرائع:549.
2- الروضة البهية 9:63.
3- الوسائل 20:371 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1.
4- الشيخ في النهاية:693،و الخلاف 5:386،حكاه عن الحلبي في الإيضاح 4:477،القاضي في المهذّب 2:519،الحلّي في السرائر 3:438،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهيّة):622،ابن حمزة في الوسيلة:410،ابن سعيد في الجامع للشرائع:550.
5- منهم العلّامة في الإرشاد 2:172،و فخر المحققين في الإيضاح 4:477،و ابن فهد في المقتصر:399،و الشهيد الثاني في المسالك 2:427،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:398،و الكاشاني في المفاتيح 2:70.
6- الفقيه 4:83/30،التهذيب 10:180/48،الوسائل 28:115 أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 9؛ بتفاوت يسير.

في المسالك (1)،بل الشهرة،كما ربما يفهم من كلام بعض الأجلّة (2)،مع دعوى الإجماع عليه في الغنية.

و أمّا إلحاق الحلّي الثانية (3)،و ابن حمزة الثالثة (4)،فشاذّ،و مستندهما غير واضح،عدا إطلاق النصوص المتقدّمة،و فيه ما عرفته،مضافاً إلى أنّها تعمّ الملحقة و غيرها،و لم يذكراه؛ مع عدم ظهورها في اعتبار القتل،بل ظاهر أكثرها الاكتفاء بالضربة الواحدة مطلقاً أو في الرقبة،و هي لا تستلزم القتل،كما في صريح بعضها:عن رجل وقع على أُخته،قال:« يُضرَب ضربة بالسيف» قلت:فإنّه يخلص؟قال:« يحبس أبداً حتى يموت» (5)و بمعناه آخر. (6)و هو شيء لم يذكره أحد ممّن تقدّم أو تأخّر،بل عباراتهم طافحة بذكر القتل الحاصل بضرب السيف و غيره.

نعم،في الموثّق:« إذا زنى الرجل بذات محرم حُدَّ حَدَّ الزاني،إلّا أنّه أعظم ذنباً» (7)و جمع الشيخ بينه و بين ما مرّ بأنّ الإمام مخيّر بين قتله بالسيف و بين رجمه،فتدبّر.

و كذا يقتل الذمّي بل مطلق الكافر إذا زنى بمسلمة كارهة أو مطاوعة و كذا الزاني بالمرأة قهراً إجماعاً في المقامين على

ص:475


1- المسالك 2:427.
2- مجمع الفائدة 13:52.
3- السرائر 3:438.
4- الوسيلة:410.
5- الكافي 7:3/190،التهذيب 10:70/23،الإستبصار 4:779/208،الوسائل 28:114 أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 4.
6- الفقيه 3:46/19،الوسائل 28:116 أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 10.
7- التهذيب 10:71/23،الإستبصار 4:780/208،الوسائل 28:115 أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 8.

الظاهر المصرّح به في كثير من العبائر،كالإنتصار و الغنية (1)و غيرهما من كتب الجماعة (2)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الخبرين في الأوّل،أحدهما الموثّق:عن يهودي فجر بمسلمة،فقال:« يقتل» (3).

و نحوه الثاني،و هو طويل،في نصراني فجر بمسلمة،ثم أسلم بعد أن أُريد إقامة الحدّ عليه،فكتب(عليه السّلام):« يضرب حتى يموت» و لمّا سئل(عليه السّلام)عن وجه حدّه بعد إسلامه،كتب(عليه السّلام):« بسم اللّه الرحمن الرحيم فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ. [1]

فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ [2] (4)» (5).

و بمضمونه أفتى الشيخان في المقنعة و النهاية،و الحلّي في السرائر، و الفاضل في التحرير،و شيخنا في الروضة (6).

و لا خلاف فيه أجده،إلّا من بعض متأخّري متأخّري الطائفة، فأحتمل سقوط القتل عنه بإسلامه،قال:لجبّ الإسلام ما قبله،و الاحتياط في الدماء (7).

ص:476


1- الانتصار:261،الفنية(الجوامع الفقهية):622.
2- انظر المفاتيح 2:70،و كشف اللثام 2:398.
3- الكافي 7:3/239،التهذيب 10:134/38،الوسائل 28:141 أبواب حدّ الزنا ب 36 ح 1.
4- غافر:84،85.
5- الفقيه 4:64/27،التهذيب 10:135/38،الوسائل 28:141 أبواب حدّ الزنا ب 36 ح 2.
6- المقنعة:778،النهاية:692،السرائر 3:437،التحرير 2:222،الروضة 9:65.
7- كشف اللثام 2:398.

و هو ضعيف في الغاية؛ لكونه اجتهاداً في مقابلة الرواية المعتبرة بفتوى هؤلاء الجماعة،المؤيّدة باستصحاب الحالة السابقة.

و أضعف منه قوله فيما بعد:و حينئذٍ يسقط عند الحدّ رأساً (1)و لا ينتقل إلى الجلد؛ للأصل.

لفحوى ما دلّ على عدم سقوط الحدّ مطلقاً عن المسلم بتوبته إذا ثبت عليه بالبيّنة (2)،و غاية الإسلام أن تكون توبة،فتأمّل .

و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة في الثاني.

ففي الصحيح:الرجل يغصب المرأة نفسها،قال:« يُقتَل» (3).

و في آخرين:« يُقتَل،محصناً كان أو غير محصن» (4).

و في رابع« إذا كابر الرجل المرأة على نفسها ضُرِب ضربةً بالسيف مات منها أو عاش» (5).

و لا يعتبر الإحصان في شيء من الثلاثة و لا الحرّية، و لا الإسلام،و لا الشيخوخة،بل يتساوى فيه المحصن و غيره،و الحرّ و العبد،و المسلم و الكافر بأنواعه،و الشيخ و الشاب،بلا خلاف (6)؛

ص:477


1- هذه الكلمة أُثبتت في النسخ بعد كلمة:الجلد،و الأنسب ما أثبتناه من المصدر.
2- الفقيه 4:148/44،التهذيب 10:516/129،الإستبصار 4:955/252،الوسائل 28:41 أبواب مقدمات الحدود ب 18 ح 3.
3- الكافي 7:5/189،الفقيه 4:79/29،التهذيب 10:48/17،الوسائل 28:108 أبواب حدّ الزنا ب 17 ح 2.
4- أحدهما في:الكافي 7:1/189،الفقيه 4:80/30،التهذيب 10:47/17،الوسائل 28:108 أبواب حدّ الزنا ب 17 ح 1. و الآخر في:الوسائل 28:109 أبواب حدّ الزنا ب 17 ح 5.
5- الكافي 7:4/189،التهذيب 10:49/17،الوسائل 28:109 أبواب حدّ الزنا ب 17 ح 6.
6- في« ن» زيادة:بل عليه الإجماع في الغنية،و هو في الغنية(الجوامع الفقهيّة):622.

للعموم أو الإطلاق،مع التصريح بعدم الفرق بين المحصن و غيره في الصحيحين في الزنا قهراً.

و في جلده أي الزاني المحكوم بقتله في كلّ من الصور الثلاث قبل القتل تردّد :من إطلاق الأدلّة المتقدّمة فتوًى و نصّاً و إجماعاً منقولاً بالقتل من دون ذكر جلد قبله في شيء منها،مع ورودها في مقام الحاجة و بيان حكم المسألة.

و من الجمع بينها و بين الأدلّة الدالّة بعمومها أو إطلاقها بجلد مطلق الزاني،مع عدم منافاة بينهما،فإنّ إثبات حدّ في كلّ منهما لا ينافي ثبوت الحدّ الآخر بالآخر.

و إلى هذا ذهب الشهيدان في اللمعتين وفاقاً منهما للحلّي،لكنّهما حكما بالجلد ثم القتل مطلقاً (1)،و هو فصّل بين موجب الجلد فكما قالا، و موجب الرجم فالجلد قبله،قال:لأنّ الرجم يأتي على القتل و يحصل الأمر بالرجم،و إن كان غير محصن فيجب عليه الحدّ لأنّه زانٍ ثم القتل بغير الرجم.و ليس في إطلاق قول أصحابنا-:يجب عليه القتل على كلّ حال دليل على رفع حدّ الزنا عنه (2).

و أيّده جماعة (3)بما مرّ من الخبر في الزاني بذات محرم،المتضمّن لقوله(عليه السّلام):« حُدَّ حَدَّ الزاني،إلّا أنّه أعظم ذنباً» (4)بناءً على أنّه(عليه السّلام)قد

ص:478


1- الروضة البهيّة 9:68 69.
2- السرائر 3:437 438.
3- منهم ابن فهد في المهذّب البارع 5:25،و الشهيد الثاني في المسالك 2:427،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:398.
4- راجع ص 475.

ساواه مع الزاني أوّلاً،ثم زاده عظماً،و معلوم أنّ الرجم لا يجب على كلّ زان،فلو رجمناه خاصّة كما مرّ عن الشيخ (1)لم يكن قد سوّيناه ببعض الزناة،بخلاف ما إذا جلدناه أوّلاً إذا لم يكن محصناً ثم قتلناه بالسيف، فإنّ الجلد وجب عليه بقوله:« حُدَّ حَدَّ الزاني» و القتل بقوله:« أعظم ذنباً».

و أيضاً،فإنّه قد يكون محصناً و هو شيخ،و أعظم ما يتوجّه إليه على قول الشيخ الرجم،فيكون أحسن حالاً منه إذا زنى بالأجنبيّة المطاوعة؛ لأنّه يجمع عليه بينهما إجماعاً،فلا يتحقّق الأعظميّة.

و في التأييد مناقشة،و كذا في دعوى عدم المنافاة بين الأدلّة،بعد ما عرفت من ورود أدلّة القتل في مقام الحاجة،الموجب للدلالة على عدم حدّ آخر،و إلّا للزم تأخير البيان عنها،و هو غير جائز بلا شبهة؛ و لعلّه لذا اختار المشهور القتل خاصّة،كما صرّح به بعض الأجلّة (2)،و بشذوذ قول الحلّي صرّح آخر (3)،مشعراً بدعوى الإجماع على خلافه.

فإذاً المشهور لا يخلو عن قوّة،سيّما و أنّ الحدّ يُدرأ بالشبهة.

و يجب الرجم على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة بالنصّ (4)و الإجماع كما في كلام جماعة (5).

و يجمع للشيخ و الشيخة مع الإحصان بين الحدّ أي الجلد

ص:479


1- راجع ص 475.
2- كشف اللثام 2:398.
3- مفاتيح الشرائع 2:71.
4- الوسائل 28:61 أبواب حدّ الزنا ب 1.
5- الخلاف 5:365،و التهذيب 10:6،و كشف الرموز 2:546،و الإيضاح 4:478،و المسالك 2:428.

و الرجم إجماعاً كما هنا و في كلام جماعة (1)،هو كذلك.إلّا أنّ العماني أطلق الرجم على المحصن و لم يذكر الجلد (2)؛ لإطلاق جملة من النصوص (3)،و فيها الصحيح و غيره،و حملها الشيخ على التقيّة،قال:لأنّه مذهب جميع العامّة (4).

فقوله ضعيف،و النصّ بخلافه كما ستقف عليه (5)مستفيض.

و في الجمع بينهما على الشابّ و الشابّة روايتان باختلافهما اختلف الأصحاب:

فبين من جمع بينهما عليهما،كالشيخين و المرتضى و الحلّي (6)و عامّة المتأخّرين،و ادّعى الشهرة المطلقة عليه جماعة (7)،و جعله في الانتصار من متفرّدات الإماميّة،و يقرب منه عبارة الخلاف المحكيّة (8)،و الرواية الدّالة، عليه مع ذلك مستفيضة.

ففي الصحيحين:« في المحصن و المحصنة جلد مائة جلدة،ثم الرجم» (9).

ص:480


1- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):622:و العلّامة في التحرير 2:222.
2- حكاه عنه في المختلف:756.
3- انظر الوسائل 28:61 أبواب حدّ الزنا ب 1.
4- التهذيب 10:5 6.
5- في مسألة الجمع بينهما على الشابّ و الشابّة.
6- المفيد في المقنعة:775،الطوسي في التبيان 7:405،المرتضى في الانتصار:254،الحلّي في السرائر 3:441.
7- منهم العلّامة في التحرير 2:222،غاية المرام 4:316.
8- انظر الخلاف 5:367.
9- أحدهما في:التهذيب 10:13/4،الإستبصار 4:753/201،الوسائل 28:63 أبواب حدّ الزنا،ب 1 ح 8. و الآخر في:التهذيب 10:16/5،الوسائل 28:65 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 14.

و في الخبر:« المحصن يجلد مائة و يرجم» (1).

و في آخر:« امرأة زنت فحملت،فقتلت ولدها سرّاً،فأمر بها فجلدها مائة جلدة،ثم رجمت» (2).

و مرّ في الصحيح:« من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ حدٍّ من حدود اللّه» إلى أن قال:« إلّا الزاني المحصن،فإنّه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة شهود،فإذا شهدوا ضربه الحدّ مائة جلدة،ثم يرجمه» (3).

و روى:أنّ عليّاً(عليه السّلام)جلد شراحة الهمدانيّة يوم الخميس و رجمها يوم الجمعة،و قال:« حددتها بكتاب اللّه سبحانه،و رجمتها بسنّة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)» (4).

و تعليله(عليه السّلام)عامٌّ إن لم تكن شراحة شابّة،و إلّا فالرواية ناصّة،و فيها إشارة إلى صحّة ما استدلّ به الجماعة على الجمع،زيادة على النصوص المتقدّمة من الجمع بين الكتاب و السنّة،نظير ما مرّ للحلّي من الجمع بينهما في المسألة السابقة.

و بين من اقتصر فيهما على الرجم،و خصّ الجمع بينه و بين الجلد بالشيخ و الشيخة خاصّة،كالشيخ في النهاية و كتابي الحديث و بني زهرة و سعيد و حمزة (5).

ص:481


1- المقنع:146،مستدرك الوسائل 18:42 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 11.
2- التهذيب 10:15/5،الإستبصار 4:755/201،الوسائل 28:65 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 13.
3- راجع ص 453.و هو في التهذيب 10:20/7،الإستبصار 4:761/203،الوسائل 28:56 أبواب مقدمات الحدود ب 32 ح 1.
4- عوالي اللئالئ 3:28/552،مستدرك الوسائل 18:42 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 12،و فيهما:« سراجة» بدل:« شراحة»،سنن البيهقي 8:220،مستدرك الحاكم 4:364 365.
5- النهاية:693،التهذيب 10:9،الاستبصار 4:202،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):622،ابن سعيد في الجامع للشرائع:550،ابن حمزة في الوسيلة:411.

لأصالة البراءة.و تدفع بالأدلّة المتقدّمة.

و للرواية الثانية:« إذا زنى الشيخ و العجوز جلدا،ثم رجما عقوبةً لهما،و إذا زنى النَّصَف (1)من الرجال رجم و لم يجلد إذا كان قد أُحصن» (2)و نحوها اخرى (3).

و قصورهما سنداً و مكافأةً لما مضى من وجوه شتّى يمنع من العمل بهما،سيّما مع رجوع الشيخ عنهما في التبيان (4)(5).

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ أشبههما أي الروايتين الجمع بين الحدّين فيهما أيضاً.

و لا يجب الرجم على المحصن بالزنا بالصغيرة الغير البالغة تسع سنين و المجنونة مطلقاً و لكن يجب عليه الجلد خاصّة.

و كذا لو زنى بالمحصّنة صغير فلا يجب عليها الرجم،بل الجلد خاصّة.

و لكن لو زنى بها المجنون لم يسقط عنها الرجم وفاقاً للنهاية (6)و جماعة (7)،بل على عدم إيجاب زنا العاقل بالمجنونة الرجم

ص:482


1- النَّصَف:الكهل كأنّه بلغ نصف عمره لسان العرب 9:331.
2- التهذيب 10:10/4،الإستبصار 4:750/200،الوسائل 28:64 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 11.
3- الفقيه 4:68/27،التهذيب 10:17/5،الوسائل 28:64 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 11.
4- التبيان 7:405.
5- في« ن» زيادة:إلى الجمع بينهما.
6- النهاية:695،696.
7- منهم العلّامة في القواعد 2:252،و التحرير 2:222،و انظر كشف الرموز 2:546،و مفاتيح الشرائع 2:71.

عليه ادّعى في الروضة الشهرة (1).

و حجّتهم غير واضحة،عدا الصحيح في زنا الصغير بالمحصنة،قال:

« لا ترجم؛ لأنّ الذي نكحها ليس بمدرك،فلو كان مدركاً رجمت» (2).

و قريب منه عموم صحيح آخر مرويّ عن قرب الإسناد:عن صبيّ وقع على امرأة،قال:« تجلد المرأة،و ليس على الصبيّ شيء» (3)و هما أخصّ من المدّعى،معارضان بما ورد في الروايات من إطلاق حدّ البالغ منهما،و هو محمول على الحدّ المعهود عليه بحسب حاله من الإحصان و غيره.

ففي الموثّق:في غلام لم يبلغ الحلم فجر بامرأة،أيّ شيء يصنع بهما؟قال:« يضرب الغلام دون الحدّ،و يقام على المرأة الحدّ» قلت:

جارية لم تبلغ وجدت مع رجل يفجر بها؟قال:« تضرب الجارية دون الحدّ،و يقام على الرجل الحدّ» (4)و نحوه غيره (5).

و لعلّه لذا ذهب الحلّي (6)و جماعة (7)في ظاهر إطلاق عبائرهم إلى وجوب الحدّ على الكامل منهما كملاً؛ لتحقّق الإحصان و الزنا المقتضي

ص:483


1- الروضة البهيّة 9:103.
2- الكافي 7:1/180،الفقيه 4:39/18،التهذيب 10:44/16،علل الشرائع:1/534،الوسائل 28:81 أبواب حدّ الزنا ب 9 ح 1.
3- قرب الإسناد:1015/257،الوسائل 28:83 أبواب حدّ الزنا ب 9 ح 5.
4- الكافي 7:2/180،الفقيه 4:40/18،التهذيب 10:45/17،الوسائل 28:82 أبواب حدّ الزنا ب 9 ح 2.
5- انظر الوسائل 28:81 أبواب حدّ الزنا ب 9.
6- السرائر 3:443،444.
7- منهم المفيد في المقنعة:779،و الحلبي في الكافي في الفقه:405،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهيّة):622.

لكمال الحدّ بالرجم.

و يمكن الذبّ عن الأخصّية بعدم القائل بالفرق بين المورد و غيره،فكلّ من قال بعدم الرجم فيه قال بعدمه بزنا المحصن بالصغيرة و المجنونة،و كلّ من قال بثبوته عليها في المورد قال بثبوته عليه في زناه بهما.هذا.

مع أنّ الحلّي في السرائر جعل تمام المدّعى مما في العبارة رواية، و إرسالها مجبور بالشهرة الظاهرة و المحكيّة (1)،و لو لا شبهة احتمال ضعف الدلالة لكانت هي للجماعة حجّة مستقلّة،فالمشهور لعلّه لا يخلو عن قوّة؛ لقوّة ما مرّ من الحجّة المعتضدة زيادة على الشهرة بما ذكروه من علل اعتباريّة،و لو تنزّلنا عن قوّتها فلا ريب في إيراثها الشبهة الدارئة للحدود اتّفاقاً فتوًى و رواية.

و أمّا زنا المجنون بالكاملة،فلا إشكال في إيجابه الحدّ عليها كملاً، و لا خلاف فيه ظاهراً؛ إلّا ما يحكى عن ابن عمّ الماتن،حيث سوّى بين الصبيّ و المجنون في أنّها إن زنت بأحدهما لم ترجم (2)؛ و مستنده مع شذوذه غير واضح،بل قيام الأدلّة على خلافه لائح.

و يُجَزّ أي يحلق رأس البكر مع الحدّ و جلد مائة و يُغَرَّب و ينفى عن بلده التي جلد فيها كما يستفاد من النصوص سنة بلا خلاف أجده في الجملة،بل عليه الإجماع في المسالك و الغنية (3)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،منها زيادة على ما يأتي إليه

ص:484


1- في« ن» زيادة:في الجملة.
2- الجامع للشرائع:552.
3- المسالك 2:428،الغنية(الجوامع الفقهية):622.

الإشارة النبويّ:« البكر بالبكر:جلد مائة و تغريب عام،و الثيّب بالثيّب:

جلد مائة ثم الرجم» (1).

و الصحيح:« في الشيخ و الشيخة:جلد مائة و الرجم؛ و البكر و البكرة:

جلد مائة و نفي سنة» (2).

و ليس فيهما ككثير من النصوص ذكر الجزّ،كما هنا و في الشرائع و القواعد و الإرشاد و التحرير و عن النهاية و المراسم و الوسيلة و الجامع و المقنعة (3)،بل فيها ذكر الجلد و التغريب خاصّة.

و لعلّه لذا لم يذكره من القدماء جماعة،كالصدوق و العماني و الإسكافي و الشيخ في المبسوط و الخلاف و ابن زهرة.

و لكن الأوّل أشهر،بل لم ينقل الخلاف فيه كثير؛ للخبرين:

في أحدهما:عن رجل تزوّج امرأة و لم يدخل بها،فزنى،ما عليه؟ قال:« يجلد الحدّ،و يحلق رأسه،و يفرّق بينه و بين أهله،و ينفى سنة» (4).

و في الثاني:فيمن تزوّج ففجر قبل أن يدخل بأهله،فقال:« يضرب مائة،و يجزّ شعره،و ينفى من المصر حولاً،و يفرّق بينه و بين أهله» (5).

و ظاهر إطلاق الجزّ فيه و إن شمل جزّ شعر اللحية و نحوها،إلّا أنّ

ص:485


1- عوالي اللئالئ 1:149/237،مستدرك الوسائل 18:62 أبواب حدّ الزنا ب 22 ح 8.
2- الفقيه 4:30/17،التهذيب 10:14/4،الإستبصار 4:754/201،الوسائل 28:64 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 9.
3- الشرائع 4:155،القواعد 2:252،الإرشاد 2:173،التحرير 2:222،النهاية:694،المراسم:253،الوسيلة:411،الجامع للشرائع:550،المقنعة:780.
4- التهذيب 10:125/36،الوسائل 28:78 أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 8.
5- التهذيب 10:124/36،الوسائل 28:77 أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 7.

المتبادر منه جزّ شعر الرأس،فينبغي تقييده به،سيّما مع التصريح به في الخبر الأوّل،و لذا منع الأصحاب عن غيره،بل ظاهر المحكيّ عن المقنعة و المراسم و الوسيلة:تخصيصه بشعر الناصية.

قيل:لأصل البراءة من الزيادة عليها،و زيادة مدخليّة جزّ شعرها خاصّة في الشناعة (1).

و هو حسن،لولا ظهور الخبرين في جزّ شعر الرأس بتمامه،مع كونهما المستند في أصل جوازه و اختلف الأصحاب في تعريف البكر من هو؟فقيل:الذي ليس بمحصن مطلقاً،كما في صريح المبسوط و الخلاف و السرائر، و ظاهر العماني و الإسكافي و الحلبي (2)،و اختاره أكثر المتأخّرين كما في المسالك (3)،بل المشهور كما في غيره،و ظاهر السرائر و صريح الخلاف كونه مجمعاً عليه بين الطائفة؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى النبويّة المتقدّمة (4)،حيث قسّم الزاني فيها قسمين لا ثالث لهما.

و إطلاق الخبر:« إذا زنى الشاب الحدث السن جلد،و نفي سنة من مصره» (5)فإنّه عامّ،خرج المحصن بالنصّ و الإجماع،فيبقى غيره.

ص:486


1- انظر كشف اللثام 2:399.
2- المبسوط 8:2،الخلاف 5:368،السرائر 3:439،حكاه عن العماني و الإسكافي في المختلف:757،الحلبي في الكافي في الفقه:405.
3- المسالك 2:428.
4- في ص 485.
5- التهذيب 10:10/4،الوسائل 28:64 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 11.

و قيل كما عن صريح النهاية و الجامع و الغنية و الإصباح،و ظاهر المقنع و المقنعة و المراسم و الوسيلة (1)-:إنّه الذي أُملك و عقد له أو عليها دواماً و لم يدخل و ادّعى في التحرير عليه الشهرة،و اختاره فيه و في المختلف،و ولده في الإيضاح،و أبو العبّاس في المقتصر (2)؛ للنصوص:

منها الصحيح:« في البكر و البكرة إذا زنيا:جلد مائة،و نفي سنة في غير مصرهما،و هما اللذان قد أُملكا و لم يدخل بها» (3).

و منها:« الذي لم يحصن يجلد مائة و لا ينفى،و الذي قد أُملك و لم يدخل بها يجلد مائة و ينفى سنة» (4).

و قصور سند الثاني،و تضمّن الأوّل نفي البكرة مع أنّهم لا يقولون به،بل ادّعى في الخلاف الإجماع على خلافه كما يأتي يمنع عن العمل بهما؛ مع ضعف دلالة الأوّل باحتمال كون التعريف (5)من غير الإمام(عليه السّلام).

و لا جابر لهذه القوادح،عدا الشهرة المحكيّة في التحرير،و هي موهونة بعدم المعلوميّة،مع دعوى جماعة الشهرة على خلافها،و منهم:

شيخنا في المسالك كما عرفته.

ص:487


1- النهاية:694،الجامع للشرائع:550،الغنية(الجوامع الفقهية):622،المقنع:146،المقنعة:780،المراسم:253،الوسيلة:411،حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 2:399.
2- التحرير 2:222،المختلف:757،الإيضاح 4:479،المقتصر:400.
3- الكافي 7:7/177،التهذيب 10:9/3،الإستبصار 4:759/202،الوسائل 28:61 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 2.
4- الكافي 7:6/177،التهذيب 10:12/4،الإستبصار 4:752/200،الوسائل 28:63 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 7.
5- في« ن» التفسير.

و يزيد وهنها رجوع الشيخ عمّا يوافقها إلى القول الأوّل في كتابيه المبسوط و الخلاف،سيّما و أنّ في الثاني ادّعى الإجماع.

فالقول الأوّل لا يخلو عن قوّة،و إن كانت المسألة لا تخلو بَعْدُ عن شبهة؛ و لعلّه لذا أنّ الفاضل في الإرشاد و القواعد و الفاضل المقداد في التنقيح و الصيمري في شرح الشرائع (1)ظاهرهم التردّد،حيث اقتصروا على نقل القولين من دون ترجيح لأحدهما في البين،و به تحصل الشبهة الدارئة،و بموجبه يتقوّى القول الثاني في المسألة،سيّما و ظاهر الغنية أنّ عليه إجماع الإماميّة.

و لا تغريب على المرأة مطلقا،على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،على الظاهر المصرّح به في المختلف (2)،بل عليه في صريح الخلاف و الغنية و ظاهر المبسوط الإجماع (3)؛ و هو الحجّة المترجّحة على نحو الصحيحة المتقدّمة بالأصل،و الشهرة العظيمة الظاهرة و المحكيّة في كلام جماعة (4)،و تعدّد النقلة له،و العلل المذكورة في كلام الجماعة من أنّ المرأة عورة يقصد بها الصيانة و منعها عن الإتيان بمثل ما فعلت، و لا يؤمن عليها ذلك في الغربة،و غير ذلك.

خلافاً للعماني،فقال:تغرّب أيضاً (5)،و ربما يحكى عن

ص:488


1- الإرشاد 2:173،القواعد 2:252،التنقيح 4:337،غاية المرام 4:317.
2- المختلف:757.
3- الخلاف 5:368،الغنية(الجوامع الفقهية):622،المبسوط 8:2.
4- منهم العلّامة في المختلف:757،الفاضل المقداد في التنقيح 4:338،ابن فهد في المهذّب البارع 5:31،الشهيد الثاني في المسالك 2:428،و الروضة 9:111،و الكاشاني في المفاتيح 2:72.
5- حكاه عنه في المختلف:757.

الإسكافي (1).

و هو شاذٌّ و إن دلّ عليه نحو الصحيح المتقدّم؛ لما تقدّم.مضافاً إلى ما قيل عليه من أنّه ليس نصّاً في تغريبها؛ لجواز أن يراد:أنّه عليه السلام قضى فيما إذا زنى بكر ببكرة بجلد مائة و نفي سنة إلى غير مصرهما،أي المصر الذي زنيا فيه،و هو ليس صريحاً في تغريبها،فيجوز اختصاصه به (2) و كذا لا جزّ عليها اتّفاقاً في الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (3)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى أصالة البراءة هنا،السليمة عن المعارض بالكلّية من الفتوى و الرواية؛ لاختصاص ما دلّ منهما على الجزّ بالرجل دون المرأة.

و اعلم أنّ ما مرّ من اختلاف الحدود و ثبوتها على الزاني باختلاف أنواعه غير القتل يختصّ بما إذا كان حرّا.

و أمّا المملوك فالحكم فيه أن يجلد خمسين جلدة مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى،محصناً أو غير محصن شيخاً أو شابّاً،بلا خلاف؛ لقوله سبحانه فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ [1] (4).

و للنصوص المستفيضة.

منها الصحيح:« قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في العبيد و الإماء إذا زنى أحدهم:أن يجلد خمسين جلدة و إن كان مسلماً أو كافراً أو نصرانيّاً، و لا يرجم و لا ينفى» (5).

ص:489


1- حكاه عنه في المسالك 2:428.
2- كشف اللثام 2:399.
3- كشف اللثام 2:399.
4- النساء:25.
5- الكافي 7:23/238،التهذيب 10:89/28،الوسائل 28:134 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 5؛ بتفاوت يسير.

و منها:في الأمة تزني،قال:« تجلد نصف الحدّ،كان لها زوج أو لم يكن لها زوج» (1).

و منها:« إذا زنى العبد و الأمة و هما محصنان فليس عليهما الرجم، إنّما عليهما الضرب» (2).

و لا جزّ على أحدهما أي المملوك و المملوكة و لا تغريب مطلقاً،بلا خلاف فيه بيننا،بل عليه الإجماع في ظاهر كلام جماعة (3)و صريح الغنية و الروضة (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الصحيحة المتقدّمة في نفي النفي و لا قائل بالفرق،و أصالة البراءة؛ مع اختصاص المثبت لهما على البكر من الفتوى و الرواية بحكم التبادر و الغلبة بالحرّ دون الرّق؛ مع أنّ في التغريب إضراراً بالسيّد،و أنّه للتشديد و المملوك اعتاد الانتقال من بلد إلى آخر؛ لأنّه جليب.

و لو تكرّر الزنا من الحرّ أو المملوك و لم يحدّ فيما بينها كفى أن يقام عليه حَدٌّ واحد مطلقاً،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر،و ادّعى عليه الشهرة المطلقة جماعة،و منهم:الفاضل في المختلف (5)،بل ظاهره بلوغها الإجماع حيث استند إليها،مع أنّ الشهرة الغير البالغة حدّه ليست حجّة عنده.

ص:490


1- الكافي 7:4/234،الفقيه 4:91/32،التهذيب 10:82/27،الوسائل 28:133 أبواب حدّ الزنا ب 31 ح 2.
2- التهذيب 10:83/27،الوسائل 28:134 أبواب حدّ الزنا ب 31 ح 3.
3- منهم الشيخ في المبسوط 8:11،و الخلاف 5:369،370،الكاشاني في المفاتيح 2:72،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:400.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):622،الروضة 9:111.
5- المختلف:762.

قيل:لأصالة البراءة،و صدق الامتثال،و ابتناء الحدود على التخفيف، و للشكّ في وجوب الزائد فيدرأ بالشبهة (1).

و في الأولين مناقشة؛ لاقتضاء تعدّد الأسباب تعدّد المسبَّبات، و التداخل خلاف الأصل.

لكن مقتضى هذا:لزوم التعدّد مطلقاً،و لو كان المزنيّ بها مكرّراً واحدة،و لم يقل به أحد من الطائفة،حتى الإسكافي و الصدوق،اللذين حكي عنهما الخلاف في المسألة،فإنّهما قالا بما عليه الجماعة إن وقع التكرار بامرأة واحدة،و أوجبا التعدّد إن وقع بالمتعدّدة (2).

و حينئذ،فلا يمكن الأخذ بالقاعدة المقتضية لتعدّد المسبّبات عند تعدّد أسبابها؛ لمخالفة عمومها الإجماع هنا،فلا بُدّ من المصير إلى أحد القولين:إمّا التفصيل المتقدّم،أو المنع عن التعدّد مطلقاً.

و الأوّل غير ممكن؛ لعدم الدليل عليه،عدا خبر واحد (3)قاصر السند،بل ضعيف شاذّ مطروح،كما صرّح به الماتن في الشرائع (4).

فتعيّن الثاني.

و ينبغي تقييده بما إذا اقتصى الزنا المتكرّر نوعاً واحداً من الحدّ جلداً،أو رجماً،أو نحوهما أمّا لو اقتضى حدوداً مختلفة كأن زنى بكراً،ثم زنى محصناً توجّه عليه الحدّان معاً.

و لا ينافيه إطلاق العبارة و نحوها؛ لعدم انصرافها بحكم التبادر إلى

ص:491


1- المسالك 2:429.
2- حكاه عنهما في المختلف:762،و هو في المقنع:147.
3- الكافي 7:1/196،الفقيه 4:49/20،التهذيب 10:131/37،الوسائل 28:122 أبواب حد الزنا ب 23 ح 1.
4- الشرائع 4:155.

الصورة الأخيرة جدّاً؛ مع تصريحهم كما سيأتي (1)إن شاء اللّه تعالى بأنّه إذا اجتمع عليه الحدّ و الرجم جُلِدَ أوّلاً،و هو كالصريح (2)فيما ذكرنا.

و لو حُدَّ مع كلّ مرّة قُتِلَ في الثالثة وفاقاً للصدوقين و الحلّي (3)؛ للصحيح:« إنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة» (4)و ادّعى الإجماع عليه في السرائر.

و قيل كما عن المقنعة و النهاية و المبسوط و الكافي و الجامع و الوسيلة و الانتصار و الغنية (5)-:بل يقتل في الرابعة،و هو أشهر،كما ادّعاه جمعٌ ممن تأخّر (6)،معترضين به إجماع الحلّي.

أقول:مع أنّه معارض بالإجماع المحكيّ في الانتصار و الغنية على الحكم في خصوص المسألة،و لا كذلك إجماعه؛ لكونه مدّعى على الحكم كلّية في كلّ كبيرة،فيترجّح إجماعهما على إجماعه،سيّما مع تعدّده، فيخصَّص به إجماعه و الصحيح المتقدّم؛ لعمومه،مع معارضته أيضاً بكثير من النصوص.

كالموثّق:« الزاني إذا جُلِدَ ثلاثاً يُقَتل في الرابعة» (7).

ص:492


1- في ص 501.
2- في« ب» و« س»:صريح.
3- حكاه عن الصدوقين في المختلف:758،و هو في المقنع:148،الحلّي في السرائر 3:442.
4- الكافي 7:2/191،الفقيه 4:182/51،التهذيب 10:369/95،الإستبصار 4:791/212،الوسائل 28:19 أبواب مقدّمات الحدود ب 5 ح 1؛ بتفاوت يسير.
5- المقنعة:799،النهاية:694،المبسوط 8:11،الكافي في الفقه:407،الجامع:551،الوسيلة:411،الانتصار:256،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
6- المسالك 2:429،مجمع الفائدة 13:87،مفاتيح الشرائع 2:70.
7- الكافي 7:1/191،التهذيب 10:129/37،الإستبصار 4:790/212،الوسائل 28:19 أبواب مقدمات الحدود ب 5 ح 2؛ بتفاوت يسير.

و الخبر المرويّ عن العيون و العلل،عن محمّد بن سنان،عن مولانا الرضا(عليه السّلام)فيما كتب إليه:« و علّة القتل بعد إقامة الحدّ في الثالثة على الزاني و الزانية لاستخفافهما» إلى آخر الرواية (1).

و قريب منهما اخرى آتية؛ و قصور السند مجبور بالشهرة الظاهرة (2)و المحكيّة في كلام جماعة،و الإجماعات المنقولة،كما عرفته.

و هذه النصوص مخصِّص آخر أيضاً للصحيحة المتقدّمة.

فإذاً هذا القول في غاية القوّة،مع كونه أحوط بلا خلاف و لا شبهة؛ لما فيه من عدم التهجّم على إراقة الدماء،و حفظ النفس المحترمة.

و أمّا القول بقتله في الخامسة كما يحكى عن الخلاف (3)فشاذٌّ غير واضح المستند،مخالف للإجماع.

و المملوك و كذا المملوكة إذا أُقيم عليه حدّ الزنى سبعاً قُتِل في الثامنة وفاقاً للشيخين و الصدوقين و الديلمي و الحلبي و الحلّي و ابن حمزة و السيّدين في الانتصار و الغنية مدّعيَين عليه إجماع الإماميّة (4)،و نسبه في السرائر إلى أصحابنا ما عدا الشيخ في النهاية،مشعراً بدعوى الإجماع عليه

ص:493


1- علل الشرائع:1/546،عيون أخبار الرضا(عليه السّلام)2:95،الوسائل 28:19 أبواب مقدّمات الحدود ب 5 ح 3.
2- في«ب»:العظيمة.
3- الخلاف 5:408.
4- المفيد في المقنعة:779،الشيخ في المبسوط 8:11،و الخلاف 5:408،حكاه عن الصدوقين في المختلف:758،و هو في المقنع:148،الديلمي في المراسم:253،الحلبي في الكافي في الفقه:407،الحلّي في السرائر 3:462،ابن حمزة في الوسيلة:411،الانتصار:256،الغنية(الجوامع الفقهية):622.

أيضاً؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الصحيحة:« إذا زنى العبد ضرب خمسين،فإن عاد ضرب خمسين،فإن عاد ضرب خمسين إلى ثماني مرّات،فإن زنى ثماني مرّات قتل» (1).

و يناسبه ما مرّ من الأدلّة على قتل الحرّ في الرابعة؛ بناءً على تنصيف حكم المملوك.

و قيل كما عن النهاية و القاضي (2)-:بل يقتل في التاسعة و اختاره الفاضل في المختلف و ولده في الإيضاح (3).

للخبر:في أمة زنت،قال:« تجلد خمسين جلدة» قلت:فإنّها عادت،قال:« تجلد خمسين» قلت:فيجب عليها الرجم في شيء من الحالات؟قال:« إذا زنت ثماني مرّات يجب عليها الرجم» قلت:كيف صار في ثماني مرّات؟فقال:« لأنّ الحرّ إذا زنى أربع مرّات و أُقيم عليه الحدّ قتل،فإذا زنت الأمة ثماني مرّات رجمت في التاسعة» (4).

و ضعف سنده يمنع عن العمل به،سيّما مع اختلال متنه بتضمنه تعليل القتل في التسع بمناسبته لتنصيف حدّ المملوك عن حدّ الحرّ، و لا ريب أنّها تقتضي القتل في الثامنة كما عرفته و صرّح به جماعة، فلا يمكن الجمع بينهما،و لا الحكم بخلل (5)التعليل؛ لموافقته الأدلّة

ص:494


1- الكافي 7:10/235،التهذيب 10:87/28،الوسائل 28:136 أبواب حدّ الزنا ب 32 ح 2.
2- النهاية:695،القاضي في المهذّب 2:520.
3- المختلف:758،إيضاح الفوائد 4:488.
4- الكافي 7:7/235،الفقيه 4:90/31،التهذيب 10:86/27،الوسائل 28:135 أبواب حدّ الزنا ب 32 ح 1.
5- في« ن» زيادة:بحال.

المتكاثرة من الفتوى و الرواية،فتعيّن توجّه الخلل إلى الحكم بالقتل في التاسعة،سيّما مع منافاته لصدر الرواية،فإنّ ظاهره كالصحيحة السابقة هو القتل في الثامنة.

مع أنّه أيضاً تضمّن الأمر بالرجم،و هو ينافي جواز مطلق القتل و لو بغيره،المتّفق عليه حتى من أرباب هذا القول.

و لا جابر لهذه القوادح و غيرها من نحو القصور عن المقاومة للأدلّة المتقدّمة؛ لاشتهارها شهرة عظيمة،دون هذه الرواية،سيّما مع رجوع الشيخ في المبسوط و الخلاف عنها إلى ما عليه الجماعة،فلم يبق من القدماء قائل بهذا القول عدا القاضي،و هو بالنسبة إلى باقيهم نادرٌ جدّاً، كندرة الفاضل و ولده بالنسبة إلى باقي المتأخّرين؛ إذا لم يصر أحد منهم إلى ترجيح هذا القول صريحاً،و إن احتاطوا به فقالوا:

و هو أولى لعين ما في المسألة السابقة قد مضى.

و فيه نظر جدّاً؛ إذ الأولويّة حسنة حيث يحصل شبهة للحدّ دارئة، و هي في المسألة بعد ما عرفت من قيام الأدلّة القويّة من الصحيحة، و الإجماعات المحكيّة،و الشهرة العظيمة المتحقّقة (1)مفقودة،و إن لم يحصل منها سوى المظنّة؛ لكونها من المجتهد بمنزلة العلم و المعرفة كما برهن في محلّه،و لذا يكتفى بها في سائر المواضع المأمور فيها بتحصيل العلم اتّفاقاً،فينبغي الاكتفاء بها هنا أيضاً؛ و الاحتياط في العمل بالأخذ بالمتيقّن حسن حيث لم يكن فيه مخالفة الاحتياط من وجه آخر،كما في محلّ البحث،فإنّ ترك قتله في الثامنة بعد(ثبوت الأمر به) (2)بالظنّ

ص:495


1- في« ن»:المحقّقة.
2- في« ن»:ثبوته.

الاجتهادي يوجب تعطيل حدود اللّه تعالى.

اللّهمّ إلّا أن يقال:إذا دار الأمر بين محظورين كان الاحتياط في اجتناب أكثرهما ضرراً،و لا ريب أنّ ضرر قتل النفس المحترمة أشدّ ثم أشدّ من ضرر تعطيل حدود اللّه سبحانه،فتأمّل .

و هنا قول آخر بالتفصيل محكيّ عن الراوندي،مأخذه الجمع بين الخبرين،بحمل الأوّل على ما إذا أُقيمت البيّنة،و الثاني على حالة الإقرار (1).

و هو(مع شذوذه) (2)تحكّم،كما صرّح به جمع (3)؛ لفقد التكافؤ،ثم الشاهد.

و في الروايتين (4):أنّ الإمام يدفع ثمن المملوك بعد قتله إلى مواليه من بيت المال،و اختاره بعضهم (5)،و نفى عنه الشهيد البعد (6).

و الحاكم في الذمّي إذا زنى بذمّية بالخيار:في إقامة الحدّ عليه، و تسليمه إلى أهل نِحلَته و ملّته ليقيموا الحدّ عليه على معتقدهم الذي يزعمونه حقّا و إن حرّفوه،بلا خلاف أجده،و به صرّح بعض الأجلّة (7)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى قوله سبحانه فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ [1]

ص:496


1- حكاه عنه في غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:286.
2- ما بين القوسين ليس في« ن».
3- منهم الشهيد في غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:286،و الشهيد الثاني في المسالك 2:429،و الكاشاني في المفاتيح 2:70،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:406.
4- المتقدّمتين في ص 492.
5- الظاهر من الصدوق اختياره،الفقيه 4:32 و انظر المفاتيح 2:70.
6- غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:286.
7- مجمع الفائدة 13:94.

بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ [1] (1)و للعامّة قول بنسخة و وجوب الحكم بقوله تعالى وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ [2] (2).

و لم يثبت،و الأصل عدمه؛ مع أنّ في بعض الأخبار المعتبرة:عن الرجل يزني بيهوديّة أو نصرانيّة،فكتب(عليه السّلام):« إن كان محصناً فارجمه، و إن كان بكراً فاجلده مائة جلدة،ثم انفه،و أمّا اليهوديّة فابعث بها إلى أهل ملّتها فيقضوا ما أحبّوا» (3).

و ظاهره كالعبارة و نحوها من عبائر الجماعة حجّة على من فسّر الدفع بمعنى الإعراض،قائلاً:إنّ الدفع ليقيم حاكمهم عليه الحدّ بما يراه أمرٌ بالمنكر إن خالف شرعنا،نعم يجوز إذا وافقه (4).

لكن ما ذكره يوافق ظاهر الآية،و الاعتبار الذي ذكره،و الرواية المرويّة عن قرب الإسناد:عن يهوديّ أو نصرانيّ أو مجوسيّ أُخذ زانياً،أو شارب خمر،ما عليه؟قال:« يقام عليه حدود المسلمين إذا فعلوا ذلك في مصر من أمصار المسلمين،أو في غير أمصار المسلمين إذا رفعوا إلى حكّام المسلمين» (5)فالأحوط ما ذكره ،سيّما مع احتمال نسخ الآية،و إن كان دعواه غير ثابتة.

ص:497


1- المائدة:42.
2- المائدة:49.
3- التهذيب 10:36/15،الإستبصار 4:773/207،الوسائل 28:80 أبواب حدّ الزنا ب 8 ح 5؛ بتفاوت يسير.
4- انظر كشف اللثام 2:404.
5- قرب الاسناد:1030/260،الوسائل 28:50 أبواب مقدّمات الحدود ب 29 ح 1.

و إنّما قيّدنا الحكم بما إذا زنى بذمّية تبعاً لجماعة (1)لأنّه إذا زنى بمسلمة فعلى الإمام قتله،و لا يجوز له الإعراض عنه؛ لهتكه حرمة الإسلام،و خروجه عن الذمّة.

و لا يقام على الحامل و لو من زنا حدٌّ رجماً كان أو جلداً و لا قصاص بطريق أولى حتى تضع ولدها و تخرج من نفاسها إذا كان المقصود جلدها،و إلّا فترجم أو تقتل بعد الوضع من ساعتها إن مات ولدها و إلّا فيتربّص بها حتى ترضع الولد و تحضنه إذا لم يوجد له مرضع أو حاضن؛ إذ لا سبيل على حملها،و لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [1] ،كما في النصّ المرويّ عن إرشاد المفيد رحمه اللّه (2)،و النصوص به زيادة على ذلك مستفيضة.

ففي النبوي:« إذن لا نرجمها و ندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه» فقام رجل من الأنصار فقال:إليّ رضاعه يا نبيّ اللّه،فرجمها (3).

و في المرتضوي:« انطلقي فضعي ما في بطنك،ثم ائتني أُطهّرك» ثم لمّا وضعت قال لها:« انطلقي فأرضعيه حولين كاملين كما أمرك اللّه تعالى» ثم لمّا أرضعته قال لها:« انطلقي فاكفليه حتى يعقل أن يأكل و يشرب، و لا يتردّى من سطح،و لا يتهوّر في بئر» (4).

و في الموثّق:عن محصنة زنت و هي حبلى،فقال:« تقر حتى تضع

ص:498


1- منهم المحقق في الشرائع 4:156،و العلّامة في القواعد 2:255،و التحرير 2:223،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:404.
2- الإرشاد 1:204،الوسائل 28:108 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 7.
3- سنن البيهقي 8:214.
4- الكافي 7:1/185،الفقيه 4:52/22،التهذيب 10:23/9،المحاسن:23/309،الوسائل 28:103 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 1؛ بتفاوت يسير.

ما في بطنها،و ترضع ولدها،ثم ترجم» (1).

و لا خلاف في ذلك أيضاً، و لا في أنّه لو وجد له أي للولد كافل يرضعه و يحضنه جاز بل وجب إقامة الحدّ عليها،كما في النبويّ المتقدّم،و المرتضويّ بعده،المتضمّن لقوله(عليه السّلام)لعمرو بن حريث لمّا كفل لتلك المرأة ولدها ثم أبى:« لتكفلنّه و أنت صاغر» ثم رجمها.

و يرُجَم المريض و المستحاضة و لا يتربّص بهما إلى زوال مرضهما،بل يرجمان عاجلاً؛ لأنّ نفسهما مستوفاة،و لا تأخير في حدّ.

و ربما احتُمِل جواز التأخير إن ثبت الزنا بالإقرار؛ رجاءً للعود (2).

و لا يُحَدّ و لا يجلد أحدهما و لا النفساء حتى يبرأ كلّ منهم؛ صوناً من التلف (3)أو استمرار المرض،و للنصوص:

منها:« اتي أمير المؤمنين(عليه السّلام)برجل أصاب حدّا و به قروح في جسده كثيرة،فقال(عليه السّلام):أقروه حتى يبرأ،لا تنكؤوها (4)عليه فتقتلوه» (5)و نحوه آخر (6).

و منها:« لا يقام الحدّ على المستحاضة حتى ينقطع الدم عنها» (7).

ص:499


1- التهذيب 10:182/49،الوسائل 28:106 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 4.
2- المسالك 2:429.
3- في« ن» زيادة:و السراية في النفس.
4- نَكَأ القَرحَة كمَنَع-:قَشَرَها قبل أن تبرأ فنَدِيَت القاموس المحيط 1:32.
5- الكافي 7:3/244،الفقيه 4:66/27،التهذيب 10:110/33،الإستبصار 4:788/211،الوسائل 28:29 أبواب مقدمات الحدود ب 13 ح 4.
6- الكافي 7:5/244،التهذيب 10:111/33،الإستبصار 4:789/212،الوسائل 28:30 أبواب مقدمات الحدود ب 13 ح 6.
7- الكافي 7:14/262،التهذيب 10:170/47،الوسائل 28:29 أبواب مقدمات الحدود ب 13 ح 3.

و لا خلاف فيه أجده،إلّا ما يحكى عن المبسوط و الوسيلة في النفساء إن كان بها ضعف أُخّر حدّها،و إن كانت قويّة جلدت في نفاسها (1).

و لعلّهما حملا إطلاق النصّ و الفتوى على صورة تضرّرها بالحدّ.

و لو رأى الحاكم في التعجيل مصلحة و منها:أن لا يرجى برؤه،كالسلّ و الزمانة و ضعف الخلقة- ضربه بالضِّغْث المشتمل على العدد من سياط أو أعواد أو شماريخ (2)أو نحوها؛ للنصوص المستفيضة:

منها:« إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)اتي برجل كبير قد استسقى بطنه (3)و بدت عروق فخذيه،و قد زنى بامرأة مريضة،فأمر(صلّى اللّه عليه و آله)فاُتي بعرجون (4)فيه مائة شمراخ،فضربه ضربة واحدة و خلّى سبيلهما» (5)و بمعناه أخبار كثيرة (6).

و في الخبر:« لو أن رجلاً أخذ حزمة من قضبان أو أصلاً فيه قضبان، فضربه ضربة واحدة أجزأه عن عدَّة ما يريد أن يجلده من عدَّة القضبان» (7).

و ليس فيها مع كثرتها اعتبار المصلحة في التعجيل،لكن حملها

ص:500


1- المبسوط 8:5،الوسيلة:412.
2- الشِّمْرَاخ و الشُّمْرُوخ:العِثْكَال،و هو ما يكون فيه الرطب مجمع البحرين 2:436.
3- استسقى بطنه:حصل فيه الماء الأصفر و لا يكاد يبرأ مجمع البحرين 1:222.
4- العرجون:عود أصفر فيه شماريخ العذق،فإذا قدم و استقوس شبّه به الهلال مجمع البحرين 2:316.
5- الكافي 7:1/243،الفقيه 4:41/19،التهذيب 10:108/32،الوسائل 28:28 أبواب مقدّمات الحدود ب 13 ح 1؛ بتفاوت.
6- انظر الوسائل 28:28 أبواب مقدّمات الحدود ب 13.
7- الفقيه 4:42/19،الوسائل 28:31 أبواب مقدّمات الحدود ب 13 ح 8.

عليه الأصحاب من غير خلاف بينهم أجده؛ جمعاً بينها و بين الروايات المتقدّمة الآمرة بالتأخير،بحملها على عدم(خوف تعطيل الحدّ) (1)بالتأخير،و هذه على خوف تعطيله بموت و شبهه،كما هو ظاهرها.

و لا يسقط الحدّ مطلقاً،جلداً كان أو رجماً باعتراض الجنون أي عروضه بعد أن زنى في حال عقله و بلوغه؛ للأصل،و العموم،مع اختصاص ما دلّ على عدم حدّ المجنون (2)بحكم التبادر بما إذا زنى حال الجنون.

و للصحيح:في رجل وجب عليه حدّ فلم يضرب حتى خولط، فقال:« إن كان أوجب على نفسه الحدّ و هو صحيح لا علّة به من ذهاب عقله،أُقيم عليه الحدّ كائناً من كان» (3).

و إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق في المجنون بين المطبق و الذي يعتوره أدواراً،تألّم بالضرب و انزجر به أم لا.

و احتمل بعضٌ في المعتور:انتظار إفاقته إن كان الحدّ جلداً (4).

و آخر:السقوط في المطبق مطلقاً (5).

و ثالث:السقوط مطلقاً إن يحسّ بالألم و كان بحيث لا ينزجر به (6).

و الأظهر ما ذكرناه.

و لا يقام الحدّ يعني:الجلد،و يحتمل الرجم أيضاً إن احتمل

ص:501


1- في« ح»:تعطيل الحدّ،و في« ن»:فوت الحقّ.
2- الوسائل 28:117 أبواب حدّ الزنا ب 21.
3- الفقيه 4:84/30،التهذيب 10:58/19،الوسائل 28:125 أبواب حدّ الزنا ب 26 ح 1.
4- المسالك 2:430.
5- انظر كشف اللثام 2:405.
6- انظر كشف اللثام 2:405.

سقوطه برجوعه أو توبته أو فراره على قول- في الحرّ الشديد و لا في البرد الشديد خشية الهلاك،و للنصوص:

منها:« إذا كان في البرد ضرب في حرّ النهار،و إذا كان في الحرّ ضرب في برد النهار» (1).

و كذا لا يقام عليه الحدّ (2) في أرض العدو لئلّا يلحقه غَيْرَة فليحق بهم،كما في النصّ:« لا أُقيم على أحد حدّا بأرض العدو حتى يخرج منها؛ لئلّا يلحقه الحميّة فيلحق بالعدو» (3).

و ظاهر العبارة و نحوها من عبائر الجماعة كون النهي هنا للحرمة، و صريح المسالك كونه للكراهة (4)،كما يحكى عن ظاهر المنتهي و التذكرة (5)؛ و لعلّه لعدم صحّة الرواية،و إشعار التعليل فيها بالكراهة (6).

و كذا لا يقام الحدّ مطلقاً على من التجأ إلى الحرم لقوله تعالى وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [1] (7)و المراد به:حرم اللّه سبحانه.و ألحق به جماعة و منهم:الحلّي (8)حرم الرسول(صلّى اللّه عليه و آله)و الأئمّة(عليهم السّلام).

و لا يسقط عنه الحدّ بذلك إجماعاً؛ لاستلزامه المفاسد،بل

ص:502


1- الكافي 7:1/217،التهذيب 10:137/39،الوسائل 28:21 أبواب مقدّمات الحدود ب 7 ح 2.
2- في« س» و« ن»:الجلد.
3- التهذيب 10:139/40،علل الشرائع:1/544،الوسائل 28:24 أبواب مقدمات الحدود ب 10 ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- المسالك 2:430.
5- حكاه عنهما في كشف اللثام 2:403،و هو في المنتهي 2:954،و التذكرة 1:436.
6- في« ن» زيادة:فتأمل.
7- آل عمران:97.
8- السرائر 3:447.

يضيّق عليه في المطعم و المشرب حتى يخرج لل استيفاء منه و إقامة الحدّ عليه.

و للصحيح:في الرجل يجني في غير الحرم،ثم يلجأ إلى الحرم، قال:« لا يقام عليه الحدّ،و لا يطعم،و لا يسقى،و لا يكلّم،و لا يبايع،فإنّه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحدّ» (1) و لو أحدث في الحرم موجب الحدّ،حُدَّ فيه لهتكه الحرمة، و للصحيحة السابقة،المتضمّنة لقوله(عليه السّلام) بعد ما مرّ منها-:« و إن جنى في الحرم جناية،أُقيم عليه الحدّ في الحرم،فإنّه لم يرَ للحرم حرمة».

و إذا اجتمع الحدّ و الرجم على أحد جُلِد أوّلاً ثم رجم.

و كذا إذا اجتمعت حدود،أو حقوق قصاص،أو حدّ و قصاص،بدئ بما لا يفوت معه الآخر؛ جمعاً بين الحقوق،و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:في رجل اجتمع عليه حدود فيها القتل،قال:« يبدأ بالحدود التي هي دون القتل،و يقتل بعد» كما في الصحيح (2)،و نحوه كثير (3)باختلاف في الألفاظ يسير.

و لا خلاف في شيء من ذلك أيضاً،و إن اختلفوا في وجوب تأخير الرجم عن الجلد إلى أن يبرأ منه،كما عن الشيخين و الحلبي و القاضي و بني زهرة و حمزة و سعيد (4)؛ تأكيداً للزجر.

ص:503


1- الكافي 4:4/227،الفقيه 2:561/133،التهذيب 5:1456/419،الوسائل 13:225 أبواب مقدّمات الطواف ب 34 ح 1.
2- الكافي 7:4/250،التهذيب 10:45،164/122،488،الوسائل 28:35 أبواب مقدّمات الحدود ب 15 ح 6.
3- انظر الوسائل 28:34 أبواب مقدّمات الحدود ب 15.
4- المفيد في المقنعة:775،الشيخ في النهاية:699،الحلبي في الكافي:405،القاضي في المهذّب 2:527،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):622،ابن حمزة في الوسيلة:413،ابن سعيد في الجامع:550.

أو العدم و إن استحبّ،كما عن الحلّي (1)،و مال إليه جماعة من المتأخّرين و متأخّريهم (2).

بل زاد بعضهم المنع عن التأخير (3)؛ لظهور أنّ المقصود إنّما هو الإتلاف،مع ما ورد من أنّه لا نظرة في الحدود (4).

و يحكى عن الإسكافي قول بوجوب الجلد قبل الرجم بيوم (5)؛ لما مرّ في الخبر من أنّ الأمير(عليه السّلام)جلد شراحة يوم الخميس و رجمها يوم الجمعة (6).

و هو شاذٌّ كالمنع عن التأخير،بل لعلّه إحداث قول؛ لاتّفاق الفتاوى على الظاهر على جوازه،و إن اختلفوا في وجوبه و عدمه.

و على هذا،فالتأخير لعلّه أحوط،و إن لم يظهر للوجوب مستند عليه يعتمد.نعم،نسبه في السرائر إلى رواية الأصحاب (7) و لا يدفن المرجوم إلّا إلى حقويه على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر،كما في صريح الموثّق:« و لا يدفن الرجل إذا رجم

ص:504


1- السرائر 3:438.
2- منهم العلّامة في المختلف:760،و الإرشاد 2:173،و الشهيد الثاني في الروضة 9:87،و المسالك 2:430.
3- مفاتيح الشرائع 2:80.
4- الفقيه 4:56/24،التهذيب 10:49،185/51،190،الوسائل 28:47 أبواب مقدمات الحدود ب 25 ح 1.
5- حكاه عنه في المختلف:760.
6- راجع ص 479.
7- السرائر:439.

إلّا إلى حقويه» (1)و عليه يحمل ما أُطلق فيه الحفر (2)حَمْلَ المطلق على المقيّد.

و تدفن المرأة المرجومة إلى صدرها على الأظهر الأشهر أيضاً كما مرّ؛ للخبر:« أتت امرأة أمير المؤمنين(عليه السّلام)فقالت:إنّي فجرت، فأعرض عنها،ثم استقبلته» إلى أن قال:« فحفر لها حفيرة في الرحبة، و خاط عليها ثوباً جديداً،و أدخلها الحفرة إلى الحقو و موضع الثديين» الخبر (3).

و ضعفه بالشهرة منجبر،مع اعتضاده بما يروى من أخبار أُخر:

كالمرويّ في قضية الغامديّة،حيث حفر لها النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)إلى الصدر (4).

و قريب منه ما روي من دفن شراحة إلى منكبيها أو ثدييها (5).

و ما روي من أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)رجم امرأة فحفر لها إلى الثُّنْدُوَة (6)(7).

و عليها يحمل ما أُطلق فيه الحفر لها إلى الوسط،كالموثّقين:« تدفن المرأة إلى وسطها إذا أرادوا أن يرجموها» (8).

ص:505


1- الكافي 7:4/184،الوسائل 28:99 أبواب حدّ الزنا ب 14 ح 3.
2- انظر الوسائل 28:102 أبواب حدّ الزنا ب 15 ح 2.
3- الفقيه 4:50/20،الوسائل 28:107 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 5.
4- مسند أحمد بن حنبل 5:348،سنن البيهقي 8:221،229.
5- شرح معاني الآثار 3:140،و انظر كشف اللثام 2:403.
6- الثُّنْدُوَة:لحم الثدي،و قيل:أصله لسان العرب 3:106.
7- مسند أحمد بن حنبل 5:43،سنن البيهقي 8:221.
8- أحدهما في:الكافي 7:1/184،التهذيب 10:116/34،الوسائل 28:98 أبواب حدّ الزنا ب 14 ح 1 و الآخر في:الكافي 7:2/184،التهذيب 10:115/34،الوسائل 28:98 أبواب حدّ الزنا ب 14 ذيل ح 1.

و يمكن استفادته من الموثّق الذي مرّ،فإنّ في صدره كما فيهما.

و لو لا أنّ المراد بالوسط فيه إلى الصدر لما كان فرق بينها و بين الرجل؛ مع حكمه بالفرق بينهما بحفر الرجل إلى الحقو و المرأة إلى الوسط.و لو كان المراد بالوسط إلى السرّة مثلاً كانت مع الحقو قريب المحلّ؛ لقلّة الزيادة بينهما،بحيث لا تظهر في الدفن،فتدبّر؛ مع أنّ الحفر لها إليها لا قائل به، فليحمل الوسط على ابتداء الصدر.

و هنا أقوال أُخر غير واضحة المأخذ،كالمحكيّ عن المقنع من أنّ الحفر للرجل بمقدار ما يقوم فيه،فيكون بطوله إلى عنقه (1).

و عن المقنعة و الغنية:التسوية بين الرجل و المرأة في الحفر لهما إلى الصدر (2).

و عن المراسم:الحفر له إلى الصدر،و لها إلى الوسط (3).

و ظاهر النصوص و أكثر الأصحاب لزوم الحفر و الدفن.

خلافاً للمحكيّ عن ابن حمزة،فنفى الأوّل إن ثبت الزنا بالإقرار (4).

و يردّه صريح الرواية السابقة في دفن الأمير(عليه السّلام)المرأة إلى موضع الثديين،مع ثبوت زناها بإقرارها دون البينة.

و للصدوقين و الديلمي و ابن سعيد في الثاني،فلم يذكروه كما

ص:506


1- المقنع:144.
2- المقنعة:780،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
3- المراسم:252.
4- الوسيلة:411.

حكي (1)مطلقاً.

و عن الحلبي و الغنية:أنّهما يدفنان إن ثبت زناهما بالبيّنة أو بعلم الإمام،[لا إن ثبت بالإقرار] (2)ليمكنه الفرار إذا أراد (3).

و عن المفيد:أنّه لم يعتبر دفنه مطلقاً،و قصر دفنها على ما إذا ثبت زناها بالبيّنة لا بالإقرار (4).

و حجّة هذه الأقوال (5)غير واضحة،زيادة على منافاتها لظاهر النصّ كما عرفته،مع استلزام عدم وجوب الدفن بعد الحفر خلوّه عن الفائدة،بل وجوده حينئذٍ كعدمه،فلا يناسب الحكمة.

و احتمل شيخنا في المسالك (6)و بعض من تبعه (7)إيكال الأمر في الحفر إلى الإمام؛ لما روي من تركه في بعض القضايا (8).

و فيه:أنّ الظاهر أنّ الرواية عامية،فلا تصلح للحجّية،سيّما في مقابلة نصوصنا المعتبرة المستفيضة.

فإن فرّ أحدهما من الحفرة أُعيد إليها،إن ثبت الموجب لرجمها بالبيّنة،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (9)؛

ص:507


1- حكاه عنهم في كشف اللثام 2:403.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء المعنى،مع استفادته من عبارة المصدرين.
3- الحلبي في الكافي:407،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
4- المقنعة:780.
5- في« ن» زيادة:مع ندرتها.
6- المسالك 2:430.
7- مفاتيح الشرائع 2:81.
8- سنن الدارمي 2:81،مسند أحمد 4:437،صحيح مسلم 3:1696/1324،سنن البيهقي 8:217 218 و 221.
9- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:341،و ابن فهد في المهذّب البارع 5:38،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:403.

و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل،و صريح النصوص الآتية.

و لو ثبت الموجب بالإقرار لم يُعد إلى الحفيرة،بلا خلاف إذا كان الفرار بعد إصابة ألم الحجارة،و كذلك إذا كان قبلها،وفاقاً للمفيد (1)و جماعة (2)،و ادّعى عليه الشهرة في الروضة (3)؛ لأنّ الفرار بمنزلة الرجوع عن الإقرار،و هو أعلم بنفسه.

و لإطلاق المرسل بل عمومه-:عن المرجوم يفرّ،قال:« إن كان أقرّ على نفسه فلا يردّ،و إن كان شهد عليه الشهود يردّ» (4).

و عموم مفهوم التعليل في قصة ماعز بن مالك،فإنّه لمّا فرّ و لحقه الزبير و ضربه بساق بعير فوقع فلحقوه فقتلوه،أنكر(صلّى اللّه عليه و آله)و قال:« هلّا تركتموه إذا هرب يذهب،فإنّه هو المقرّ على نفسه،أما لو كان عليٌّ حاضراً لما ضللتم»،قال:« و وداه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)من بيت المال» (5).

و في هذه الوجوه نظر؛ لاختصاص الحكم بالسقوط بالرجوع به بنفسه لا بما هو بمنزلته،على تقدير تسليم المنزلة،و إلّا فهي محلّ المنع، فإن الفرار أعمّ من الرجوع،و المنزلة تحتاج إلى دليل.

ص:508


1- المقنعة:775.
2- منهم الديلمي في المراسم:252،الحلبي في الكافي في الفقه:407،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):622،الآبي في كشف الرموز 2:552،العلّامة في المختلف:761،فخر المحققين في الإيضاح 4:484،الفاضل المقداد في التنقيح 4:342،الشهيد الثاني في المسالك 2:430.
3- الروضة البهيّة 9:91.
4- الفقيه 4:54/24،الوسائل 28:103 أبواب حدّ الزنا ب 15 ح 4.
5- الكافي 7:5/185،المحاسن:19/306،الوسائل 28:101 أبواب حدّ الزنا ب 15 ح 1.

و المرسل بعد الإغماض عن سنده إطلاقه غير نافع،بعد قوّة احتمال اختصاصه بصورة الفرار بعد الإصابة،كما هو الظاهر في فرار من أقرّ بالزنا على نفسه.

و التعليل في قصّة ماعز وارد في صورة الإصابة،فلم يشمل غيرها و إن كان العبرة بالعموم دون المورد؛ بناءً على أنّ صدر الرواية المعلّلة ظاهرٌ في اعتبار الإصابة في عدم الإعادة إلى الحفيرة،فإنّ فيه:عن المحصن إذا هرب من الحفيرة،هل يردّ حتى يقام عليه الحدّ؟فقال:« يُردُّ،و لا يُردُّ» فقلت:و كيف ذاك؟فقال:« إن كان هو المقرّ على نفسه،ثم هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شيء من ألم الحجارة لم يُردُّ،و إن كان إنّما قامت عليه البيّنة و هو يجحد ثم هرب رُدّ و هو صاغر حتى يقام عليه الحدّ،و ذلك أنّ ماعز بن مالك» ثم ساق التعليل كما تقدّم،فمفهومه في ذيله معارض بمفهوم الشرط و القيد في صدره،فيتساقطان لو لم يكن الأوّل صارفاً للثاني عن ظاهره و مخصّصاً له بمورده فلا حجّة فيهما.

و الذبّ عن مفهوم الشرط (1)و إن كان ممكناً بدعوى ورود القيد مورد الغالب كما عرفته،إلّا أنّ في بعض النصوص ما يدلّ على اعتبار مفهومه هنا،كالمرسل في الفقيه بغير واحد المحتمل للصحّة عند بعض (2)-:« إن كان أصابه ألم الحجارة فلا يردّ،و إن لم يكن أصابه ألم الحجارة يردّ» (3).

و لعلّه لذا قيل:إن لم تصبه الحجارة يُردّ كما عن الشيخ في

ص:509


1- في« ن» زيادة:أو القيد.
2- مجمع الفائدة 13:66،و روضة المتقين 10:41 و ملاذ الأخيار 16:98.
3- الفقيه 4:55/24،الوسائل 28:103 أبواب حدّ الزنا ب 15 ح 5.

النهاية و القاضي و الإسكافي (1).

لكن قصور سند الروايتين بل ضعفهما يمنع عن العمل بهما،إلّا أنّ مقتضى الأصل بقاء الحدّ،و ينبغي الاقتصار في إسقاطه على القدر المتيقّن سقوطه منه بالنصّ و الإجماع،و هو الزائد عن ألم الحجارة، و يمكن أن يجبر به قصور السند.لكن الشهرة الظاهرة و المحكية ربما توجب التردّد،كما هو ظاهر السرائر و التحرير و الصيمري (2)،و مقتضاه عدم الإعادة درءاً للحدّ بالشبهة.

كلّ ذا في الرجم.

و أمّا الجلد،فالفرار منه غير نافع،بل يعاد إليه مطلقاً و لو ثبت زناه بالإقرار و فرّ بعد إصابة الألم،بلا خلاف؛ للعمومات،مضافاً إلى الأصل، و اختصاص المخرج عنه بالرجم.

و لصريح الخبر:الزاني يجلد فيهرب بعد أن أصابه بعض الحدّ، أ يجب عليه أن يخلّى عنه و لا يردّ كما يجب للمحصن إذا رجم؟قال:« لا، و لكن يردّ حتى يضرب الحدّ كاملاً» قلت:فما فرق بينه و بين المحصن و هو حدّ من حدود اللّه تعالى؟قال:« المحصن هرب من القتل، و لم يهرب إلّا إلى التوبة،لأنّه عاين الموت بعينه،و هذا إنّما يجلد فلا بدّ أن يوفى الحدّ؛ لأنّه لا يقتل» (3).

و يبدأ الشهود بالرجم ثم الإمام،ثم الناس،إن ثبت الموجب

ص:510


1- النهاية:700،القاضي في المهذّب 2:527،حكاه عن الإسكافي في المختلف:760.
2- السرائر 3:452،التحرير 2:222،غاية المرام 4:318.
3- التهذيب 10:118/35،الوسائل 28:140 أبواب حدّ الزنا ب 35 ح 1.

بالبيّنة. و لو كان مقرّاً أي ثبت زناه بإقراره بدأ الإمام ثم الناس،كما في المرسلة (1)كالصحيحة بعبد اللّه بن المغيرة المرويّة في الفقيه و غيره لكن من دون عبد اللّه.

و ظاهرها كالأكثر و صريح جمع (2)الوجوب في المقامين،و عن صريح الخلاف و ظاهر المبسوط دعوى الإجماع عليه فيهما (3)؛ و هو الحجّة المقيّدة مضافاً إلى المرسلة لإطلاق ما دلّ على بدأة الإمام،بحمله على الصورة الثانية.

و يؤيّد الحكم فيها بدأة الأمير(عليه السّلام)بالرجم في قصّة شراحة الهمدانيّة (4)و غيرها (5)،الثابت زناهما بإقرارهما دون البيّنة.

قيل:و يحتمل الاستحباب؛ لضعف المستند عن إثبات الوجوب، و للأخبار المستفيضة بقصّة ماعز (6)،و أنّ النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)لم يحضر فضلاً عن بدأته به (7).

و فيه نظر؛ لانجبار الضعف بالعمل زيادةً على ما مرّ إن أُريد به الضعف من حيث السند؛ و إن أُريد به من حيث الدلالة فمسلّم إن أُريد به الضعف عن الصراحة،لكنّه غير قادح في الحجّية؛ و إن أُريد به الضعف

ص:511


1- الكافي 7:3/184،الفقيه 4:43/19،التهذيب 10:114/34،الوسائل 28:99 أبواب حدّ الزنا ب 14 ح 2.
2- منهم المحقّق في الشرائع 4:157،العلّامة في القواعد 2:256،و الإرشاد 2:173،الشهيد الثاني في الروضة 9:95،و انظر الوسيلة:412.
3- الخلاف 5:377،المبسوط 8:4.
4- المتقدّمة في ص 479.
5- انظر الوسائل 28:107 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 5.
6- المتقدّمة في ص 507.
7- انظر المسالك 2:430.

عن الظهور ففيه منع.

و المستفيضة،قيل:ما تضمّنت أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)لم يحضر،بل غايتها عدم تضمّنها أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)حضر،و أحدهما غير الآخر،فيحتمل الحضور و لم ينقل.و لو سلّم الدلالة على عدم حضوره(صلّى اللّه عليه و آله)فيحتمل كونه لمانع.

و يجلد الرجل الزاني قائماً مجرّداً كما في المعتبرة المستفيضة،منها الموثّق كالصحيح:« يضرب الرجل قائماً،و المرأة قاعدة، و يضرب كلّ عضو،و يترك الرأس و المذاكير» (1).

و في مثله:عن الزاني كيف يجلد؟قال:« أشدّ الجلد» فقلت:من فوق الثياب؟فقال:« بل يجرّد» (2).

و نحوهما موثّقان آخران (3).

و بمضمونها أفتى الفاضلان هنا و في الشرائع و الإرشاد و القواعد، و شيخنا في الروضة (4)،و الصيمري في شرح الشرائع مدّعياً أنّه المشهور (5).

و فيه نظر.

و قيل كما عن الشيخ (6)و جماعة (7)،بل ادّعى عليه الشهرة

ص:512


1- الكافي 7:1/183،الفقيه 4:45/20،التهذيب 10:104/31،الوسائل 28:91 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 1؛ بتفاوت.
2- الكافي 7:3/183،الوسائل 28:92 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 3.
3- أحدهما في:الكافي 7:2/183،الوسائل 28:92 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 2. و الآخر في التهذيب 10:102/31،الوسائل 28:92 أبواب حدّ الزنا ب 11 ذيل ح 3.
4- الشرائع 4:157،الإرشاد 2:173،القواعد 2:254،الروضة 9:107.
5- غاية المرام 4:320.
6- النهاية:700.
7- منهم الصدوق في المقنع:144،الحلبي في الكافي في الفقه:407،الديلمي في المراسم:253،القاضي في المهذّب 2:527.

جماعة (1)،و عليه الإجماع في ظاهر الغنية (2)-:أنّه يضرب على الحالة التي وجد عليها،فإن وجد عارياً جلد كذلك،و إن وجد بثيابه جلد بها.

للخبر:« لا يجرّد في حدّ و لا يشبح يعني:يمدّ و يضرب الزاني على الحالة التي وجد عليها،إن وجد عرياناً ضرب عريانا،و إن وجد و عليه ثيابه ضرب و عليه ثيابه» (3).

و ضعف سنده مع قصوره عن مقاومة ما قابلة يمنع عن العمل به، إلّا أن يجبر جميع ذلك بالشهرة و حكاية الإجماع المتقدّمة،مع بناء الحدود على التخفيف،فتدرأ بالشبهة.و لا بأس به،لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يمنع الثوب من إيصال شيءٍ من ألم الضرب كما عن ظاهر المبسوط و صريح الحلّي (4)تحصيلاً لفائدة الجلد،و عملاً بما دلّ على ضربه أشدّ الضرب كما هو الأظهر الأشهر.

ففي الموثّق زيادةً على ما مرّ-:« حدّ الزاني كأشدّ ما يكون من الحدود» (5)و نحوه غيره (6).

ص:513


1- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:342،الشهيد الثاني في المسالك 2:431،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:402.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):622.
3- الفقيه 4:47/20،التهذيب 10:106/32،قرب الإسناد:514/143،الوسائل 28:93 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 7.
4- المبسوط 8:69،الحلّي في السرائر 3:452.
5- الفقيه 4:46،التهذيب 10:103/31،الوسائل 28:92 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 4.
6- الكافي 7:3/183،التهذيب 10:102/31،الوسائل 28:92 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 3.

و فيما كتب مولانا الرضا(عليه السّلام)لمحمّد بن سنان:« و علّة ضرب الزاني على جسده بأشدّ الضرب لمباشرته الزنا و استلذاذ الجسد كلّه به،فجعل الضرب عقوبة له و عبرة لغيره،و هو أعظم الجنايات» (1).

و فيه تأييد لاعتبار التجريد،مضافاً إلى ما قيل من أنّ حقيقة الجَلد ضرب الجلد،كقولهم:جلد ظهره و بطنه و رأسه،أي ضرب ظهره و بطنه و رأسه (2).

و قيل :يضرب متوسّطاً (3) أي ضرباً بين الضربين،كما في المرسل (4).و هو شاذّ.

و يفرّق الضرب على جميع جسده من أعالي بدنه إلى قدمه؛ لمّا مرّ من التعليل بأنّه استلذّ بجميع أعضائه.

و لكن يتّقي رأسه و وجهه و فرجه على المشهور،كما في النصوص:

منها زيادةً على ما مرّ المرسل:« يفرّق الحدّ على الجسد كلّه، و يتّقى الفرج و الوجه» (5).

و الخبر:« الرجم و الضرب لا يصيبان الوجه» (6).

و اقتصر جماعة على استثناء الوجه و الفرج،كما عن الشيخ في

ص:514


1- عيون أخبار الرضا(عليه السّلام)2:1/95،علل الشرائع:2/544،الوسائل 28:94 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 8.
2- انظر كشف اللثام 2:402.
3- المبسوط:8:68.
4- التهذيب 10:105/31،الوسائل 28:93 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 6.
5- التهذيب 10:105/31،الوسائل 28:93 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 6.
6- التهذيب 10:191/51،الوسائل 28:101 أبواب حدّ الزنا ب 14 ح 6.

المبسوط و الخلاف (1)،و حكى في الأوّل استثناء الرأس قولاً،و في الخلاف عن أبي حنيفة،و ادّعى الإجماع على خلافه.

و اقتصر الحلبي على الرأس و الفرج (2)،و لعلّه أدخل الوجه في الرأس.

و يؤيّد استثناءه زيادةً على النصّ أنّ ضربه ربما أوجب العمى، و اختلال العقل،و نحو ذلك ممّا ليس بمقصود من الجلد.

و تضرب المرأة جالسة كما في الموثّق السابق (3) و تربط عليها ثيابها على الأشهر الأقوى؛ لما ذكره الشيخان (4)و غيرهما (5)من أن لا تهتك فتبدو عورتها،و للأمر به لمّا أُريد رجمها في بعض النصوص،في امرأة أقرّت عند أمير المؤمنين(عليه السّلام)بالفجور،قال:« فحفر لها حفيرة في الرحبة،و خاط عليها ثوباً جديداً،و أدخلها الحفيرة» (6).

و فيما روي أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)أمر فشدّت على الجهنيّة ثيابها ثم رجمت (7).

خلافاً للمقنع،فجعلها كالرجل في جلدها عريانةً إن وجدت كذلك (8).

ص:515


1- المبسوط 8:8،69،الخلاف 5:375.
2- الكافي في الفقه:407.
3- راجع ص 510.
4- المفيد في المقنعة:780،الشيخ في النهاية:701.
5- كالحلبي في الكافي في الفقه:407،الديلمي في المراسم:253،الشهيد الثاني في الروضة 9:107.
6- الفقيه 4:50/20،الوسائل 28:107 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 5.
7- مسند أحمد بن حنبل 4:429،سنن البيهقي 8:217.
8- المقنع:144.

و مستنده مع مخالفته لما مرّ غير واضح؛ مع شذوذه،و إن نسبه في الروضة إلى الشيخ و جماعة (1).و الخبر المتقدّم (2)بضرب الزاني عرياناً إن وجد عرياناً مختصّ بالرجل؛ لظاهر الصيغة،و إرادة الجنس منه بحيث يشمل الزانية تغليباً مجازٌ يحتاج إلى قرينة،و هي مفقودة،بل القرينة على خلافه بعد التبادر موجودة،كما عرفته.

و لا يضمن ديته لو قتله الحدّ كما هنا و في السرائر (3)؛ للأصل، مع عدم المخرج عنه بعد وقوع الفعل بأمر الشارع،و لصريح المرسل:« من ضربناه حدّا من حدود اللّه تعالى فمات فلا دية له علينا،و من ضربناه حدّا من حدود الناس فمات فإن ديته علينا» (4).

و يدفن المرجوم و المرجومة عاجلاً في مقابر المسلمين،بعد تغسيله إن لم يكن قد اغتسل،و الصلاة عليه،بلا خلاف في الظاهر محكيّ عن المبسوط (5)؛ لإسلامه،و عدم مانعيّة ذنبه السابق.

و في النبويّ في المرجومة:« لقد تابت توبة لو قسّمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم،و هل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها للّه تعالى؟!» (6).

و نحوه آخر:« لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس (7)لغفر له،ثم

ص:516


1- الروضة 9:107.
2- في ص 511.
3- السرائر 3:452.
4- الفقيه 4:183/51،الوسائل 28:17 أبواب مقدّمات الحدود ب 3 ح 4.
5- المبسوط 8:4.
6- مسند أحمد بن حنبل 4:429،سنن البيهقي 8:217.
7- المَكْس:ما يأخذه العشّار.أو:الضريبة التي يأخذها الماكس واصلة الجنابة لسان العرب 6:220.

أمر بها فصلّى عليها و دفنت» (1).

و في المرتضوي:« فأمر فحفر له و صلّى عليه و دفنه،فقيل:

يا أمير المؤمنين،أ لا تغسّله؟فقال:قد اغتسل بما هو طاهر إلى يوم القيامة،لقد صبر على أمر عظيم» (2).

و في آخر في المرجومة:« ادفعوها إلى أوليائها،و مروهم أن يصنعوا بها كما يصنعون بموتاهم» (3).

و يستحبّ للإمام أو الحاكم إعلام الناس بحدّه؛ للتأسّي، و ليتوفّروا على حضوره؛ تحصيلاً للاعتبار و الانزجار،كما يقتضيه حكمة الحدود.

و يجب أن يحضره طائفة كما في ظاهر الآية وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [1] (4)و به صرّح الحلّي (5)و جماعة (6).

و قيل :إنّه يستحب للأصل،و به صرّح آخرون،و منهم:

الماتن في الشرائع،تبعاً للشيخ في المبسوط و الخلاف (7)نافياً عنه الخلاف،فإن تمّ صرف به ظاهر الأمر،و إلّا فالأصل مخصّص به لا صارف له.

ص:517


1- مسند أحمد بن حنبل 5:348.
2- الكافي 7:3/188،تفسير القمّي 2:97،الوسائل 28:99 أبواب حدّ الزنا ب 14 ح 4.
3- الفقيه 4:50/20،الوسائل 28:107 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 5.
4- النور:2.
5- السرائر 3:453.
6- منهم العلّامة في القواعد 2:254،الفاضل المقداد في التنقيح 4:344،الشهيد الثاني في المسالك 2:430.
7- الشرائع 4:157،المبسوط 8:8،الخلاف 5:374.

و أقلّها أي الطائفة واحد كما هنا و في الشرائع و شرحه للصيمري و الإرشاد و عن الجامع و فخر الدين و مجمع البيان و ظاهر التبيان و أبي العبّاس و ابن عبّاس (1)؛ للأصل،مع شمول لفظها للواحد في اللغة كما عن الفرّاء (2)بناءً على كونها بمعنى:القطعة؛ و لقوله تعالى وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [1] (3)بدليل قوله سبحانه فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [2] (4)و لقول الأمير(عليه السّلام)في الآية:« الطائفة:واحد» (5)و قد روي ذلك في التبيان و المجمع عن الباقر(عليه السّلام) (6).

خلافاً للخلاف،فأقلّها عشرة؛ للاحتياط،لاشتمالها على جميع ما قيل هنا (7).و هو كما ترى.

و للحلّي،فثلاثة؛ للعرف،قال:و شاهد الحال يقتضي ذلك أيضاً و ألفاظ الأخبار؛ لأنّ الحدّ إذا كان قد وجب بالبيّنة فالبيّنة ترجمه و تحضره، و هم أكثر من ثلاثة،و إن كان الحدّ باعترافه فأوّل من يرجمه الإمام،ثم الناس مع الإمام (8).

ص:518


1- الشرائع 4:157،غاية المرام 4:320،إرشاد الأذهان 2:173،الجامع للشرائع:549،فخر الدين في إيضاح الفوائد 4:482،مجمع البيان 4:124،التبيان 7:406،أبو العبّاس في المقتصر:402،حكاه عن ابن عبّاس في المبسوط 8:8.
2- معاني القرآن 2:245.
3- الحجرات:9.
4- الحجرات:10.
5- التهذيب 10:602/150،الوسائل 28:93 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 5.
6- التبيان 7:406،مجمع البيان 4:124.
7- الخلاف 5:374.
8- السرائر 3:454.

أقول:و له شواهد من كلام أهل اللغة أيضاً (1)،فقوله لا يخلو عن قوّة،لو لا الرواية المتقدّمة المعتضدة بفتوى هؤلاء الجماعة،و إلى هذا القول يميل الفاضل في المختلف و المقداد في التنقيح و شيخنا في الروضة (2)، حيث رجّحوا العرف،و دلالته على الثلاثة فصاعداً واضحة،كما صرّح به في الروضة.

و لا يجوز أن يرجمه من للّه تعالى قبله حدّ لظاهر النهي عنه في المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح و ما يقرب منه و غيرهما:« لا يقيم الحدّ من للّه تعالى عليه حدّ،فمن كان للّه تعالى عليه مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحدّ» (3).

و في الصحيح المرويّ عن تفسير عليّ بن إبراهيم و المرفوع:« لا يقيم حدود اللّه تعالى من في عنقه حدّ» (4).

و في مرسلة ابن أبي عمير كالصحيحة:« من فعل مثل فعله فلا يرجمه و لينصرف» (5)و نحوها خبران آخران (6).

ص:519


1- انظر معجم مقاييس اللغة 3:432،و قال الجبائي:من زعم أنّ الطائفة أقلّ من ثلاثة فقد غلط من جهة اللغة.حكاه عنه في التبيان 7:406.
2- المختلف:761،التنقيح 4:344،الروضة 9:96.
3- الكافي 7:1/188،الفقيه 4:52/22،التهذيب 10:23/9،و 24/11،الوسائل 28:53 أبواب مقدّمات الحدود ب 31 ح 1.
4- تفسير القمي 2:96،الكافي 7:3/188،الوسائل 28:55 أبواب مقدّمات الحدود ب 31 ح 3.
5- الكافي 7:2/188،التهذيب 10:25/11،الوسائل 28:54 أبواب مقدّمات الحدود ب 31 ح 2.
6- أحدهما في:الفقيه 4:51/21،الوسائل 28:55 أبواب مقدّمات الحدود ب 31 ح 4. و الآخر في:الفقيه 4:53/24،الوسائل 28:56 أبواب مقدّمات الحدود ب 31 ح 5.

و قيل:يكره ذلك و لا يحرم،كما هو ظاهر الأكثر،بل المشهور كما في شرح الشرائع للصيمري (1).

قيل:للأصل،مع قصور سند النهي عن إفادة التحريم،فليحمل على الكراهة (2).

و هو حسن إن سلّم قصور السند،و هو ممنوع؛ لما عرفت من وجود الصحيحة،و كالصحيحة متعدّدة،معتضدة بغيرها من أخبار كثيرة، فيخصّص بها الأصل.

و أضعف منه ما استدلّ به بعض الأصحاب (3)من وجوب القيام بأمر اللّه تعالى،و عموم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،و الرجم من هذا القبيل،و ذلك فإنّ مقتضاه الوجوب،و هو ينافي الكراهة المتّفق عليها ظاهراً.

و هل يختصّ الحكم بالحدّ الذي أُقيم على المحدود،أو مطلق الحدّ؟ إطلاق العبارة و نحوها يدلّ على الثاني،و المرسلة على الأوّل،و صدر الصحيحة الأُولى يدلّ بإطلاقه على الثاني،و ذيلها يحتملهما.و لكنّه على الأوّل أدلّ؛ لأنّ ظاهر المماثلة اتّحادهما صنفاً.و وجه احتمال إرادة ما هو أعمّ:أنّ مطلق الحدود متماثلة في أصل العقوبة.

ص:520


1- غاية المرام 4:320.
2- انظر المسالك 2:431،و المفاتيح 2:81.
3- التنقيح الرائع 4:345.

و هل يفرّق بين ما حصلت التوبة منها و غيره؟ ظاهر الأخبار و الفتاوى ذلك؛ لأنّ ما تاب عنه فاعله سقط حقّ اللّه تعالى منه؛ بناءً على وجوب قبول التوبة،فلم يبق عليه حدٌّ للّه سبحانه.

و ربما يظهر من الصحيحة الأُولى و نحوها ممّا تضمّن انصراف الناس بأجمعهم بعد ما قيل لهم ذلك،ما خلا أمير المؤمنين و الحسنين(عليهم السّلام) عدم الفرق؛ فإنّ من البعيد جدّاً أنّ جميعهم لم يتوبوا من ذنوبهم ذلك الوقت.

ثم إنّ إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق في النهي كراهةً أو تحريماً بين ثبوت الزنا بالإقرار أو البيّنة.و لكن ذكر الصيمري اختصاصه بالأوّل،قائلاً:إنّه محلّ الخلاف،و أنّه إذا قامت البيّنة فالواجب بدأة الشهود،و لأنّ النهي إنّما ورد في صورة الإقرار (1).

و في التعليل الأخير نظر؛ فإنّ موارد نصوص النهي و إن اختصّت بالإقرار،إلّا أنّ النهي فيها وقع على سبيل العموم،من دون أن يظهر منها ما يوجب التخصيص.

و أمّا أدلّة وجوب بدأة الشهود بالرجم فيما إذا قامت البيّنة عليه، فليس لها قابليّة التخصيص؛ مع احتمال العكس ،فتخصّ أدلّة وجوب البدأة بما إذا لم يكن على الشهود حدّ للّه سبحانه.

و حينئذ،فلا وجه لتخصيص النصّ و الفتوى بما ذكره،إلّا أن يكون وقف على ما أوجبه.

ص:521


1- غاية المرام 4:320.
النظر الثالث في اللواحق و فيه مسائل
الأولى إذا شهد أربعة

النظر الثالث في اللواحق و فيه مسائل ثمان:

الأُولى: إذا شهد أربعة رجال مثلاً على امرأة بالزنا قُبُلاً فادّعت أنّها بكر، فشهد لها أربع نساء عدول بالبكارة،فلا حدّ عليها إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في التنقيح (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى حصول الشبهة الدارئة،و الخبرين:

أحدهما القويّ بالسكوني:« أنّه اتي أمير المؤمنين(عليه السّلام)بامرأة بكر زعموا أنّها زنت،فأمر النساء فنظرن إليها،فقلن:هي عذراء،فقال(عليه السّلام):

ما كنت لأضرب من عليها خاتم من اللّه تعالى» (2)(3).

و في الثاني:في:أربعة شهدوا على امرأة بالزنا،فادّعت البكارة، فنظر إليها النساء،فشهدن بوجودها بكراً،فقال:« تقبل شهادة النساء» (4).

و في حدّ الشهود على زناها قولان أجودهما:السقوط،وفاقاً للمبسوط (5)و عامّة المتأخّرين؛ لتعارض الشهادات ظاهراً،فإنّه كما يمكن صدق النساء في البكارة كذا يمكن صدق الرجال في الزنا،و ليس أحدهم

ص:522


1- التنقيح 4:346.
2- خاتم من اللّه:كناية عن العذرة ثمار القلوب:31.
3- الكافي 7:10/404،التهذيب 6:761/278،الوسائل 27:354 كتاب الشهادات ب 24 ح 13.
4- الفقيه 3:97/32،التهذيب 6:735/271،الوسائل 27:363 كتاب الشهادات ب 24 ح 44؛ بتفاوت يسير.
5- المبسوط 8:10.

أولى من الآخر،فيحصل الشبهة الدارئة للحدّ.

و القول الثاني للنهاية و الحلّي في الشهادات من السرائر و الإسكافي و الماتن في الشرائع (1)؛ لأنّ تقديم شهادة النساء يستلزم ردّ شهادتهم، المستلزم لكذبهم.

و فيه منع ظاهر؛ لجواز قبول الجانبين و الحكم بالتعارض،و لا دليل لهم عدا ما ذكر،و لعلّه لذا رجع عنه الأوّلان في المبسوط و الحدود من السرائر (2)،و تردّد هنا الماتن.و يحصل بذلك وهنٌ آخر في هذا القول؛ لأنّ القائل به على ذلك نادر.

و بالجملة:فالمصير إلى القول الأوّل متعيّن.

الثانية إذا كان الزوج أحد الأربعة

الثانية: إذا كان الزوج أحد الأربعة الشهود بزنا الزوجة،فهل تُحَدّ بشهادتهم،أو يسقط عنها و يحدّونهم حتى الزوج إلّا أن يلاعن؟ فيه روايتان (3) باختلافهما اختلف الأصحاب على قولين،بل أقوال،لكنّهما ضعيفتا السند،لا تصلحان بأنفسهما سنداً لشيءٍ منها إلّا أنّ الدالّ منهما على القول الأوّل تصلح لإثباته؛ لانجبار ضعف سنده بعمل الأكثر على الظاهر،المصرّح به في المسالك (4)و غيره (5)،و منهم:الشيخ في النهاية و الحلّي و ابن حمزة (6)،و المتأخّرون كافّة.

ص:523


1- النهاية:333،السرائر 2:137،حكاه عن الإسكافي في المختلف:754،الشرائع 4:257.
2- المبسوط 8:10،السرائر 3:430.
3- إحداهما في:التهذيب 6:776/282،الإستبصار 3:118/35،الوسائل 22:431 كتاب اللعان ب 12 ح 1. و الأُخرى في:التهذيب 6:777/782،الوسائل 22:432 كتاب اللعان ب 12 ح 2.
4- المسالك 2:121.
5- انظر المفاتيح 2:68.
6- النهاية:690،الحلّي في السرائر 3:430،ابن حمزة في الوسيلة:410.

مع تأيّده بقوله سبحانه وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ [1] (1)فإنّ ظاهره أنّه إذا كان غيره فلا لعان،فتأمّل .

و قوله تعالى وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ [2] (2)فإنّ الظاهر كون الخطاب للحاكم؛ لأنّه المرجع في الشهادة،فيشمل الزوج و غيره،هذا.

مضافاً إلى عموم أدلّة قبول الشهادة،و خصوص ما دلّ منها على قبول شهادة الزوج على الزوجة (3).

و عمل بالثانية الصدوق (4)و جماعة (5)،مؤيّدين لها بقوله تعالى لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ [3] (6).

و هو ضعيف جدّاً؛ لما ذكرنا،و المؤيّد المزبور معارَض بأمثاله كما عرفتها.

و أضعف منه القول بالتفصيل:بين ما لو كانت الزوجة غير مدخول بها فالأوّل،و مدخولاً بها فالثاني (7).

لمخالفته إطلاق الروايتين،و الجمع بينهما بذلك فرع وجود شاهد عليه،و هو مفقود في البين.

و بالجملة:فالأصحّ القبول على الإطلاق،بشرط أن لم يسبق الزوج

ص:524


1- النور:6.
2- النساء:15.
3- انظر الوسائل 27:366 كتاب الشهادات ب 25.
4- المقنع:148.
5- منهم القاضي في المهذّب 2:525،و الحلبي في الكافي في الفقه:415.
6- النور:13.
7- قال به الإسكافي،حكاه عنه في المختلف:754.

بالقذف،و لم يختلّ الشرائط المعتبرة في الشهادة.

و وجّه الأصحاب القائلين بالرواية الأُولى السقوط أي سقوط الحدّ عن المرأة،الموجب لتوجّه حدّ القذف إلى الشهود الأربعة،كما هو مقتضي الرواية الثانية،و حملوه على اختلال أحد الشرطين إمّا ب أن يسبق منه القذف أو يختلف كلامهم في الشهادة،أو أدائهم الشهادة مختلفي المجلس،أو عداوة أحدهم معها،أو فسقه،أو غير ذلك ممّا يخلّ بالشهادة.

و وجه السقوط في الاختلال واضح،و كذا في السبق بالقذف؛ لأنّه من أفراده،مع كون الزوج حينئذٍ مدّعياً،فلا تقبل شهادته.

و مرجع هذا الجمع إلى عموم ما دلّ على قبول الشهادة بشرط كون المقيم لها متّصفاً بشرائطها و عدم كونه مدّعياً (1)،و هو كافٍ في الحكم بما ذكره الجماعة و إن لم توجد لهم رواية مخصوصة؛ و لذا حكم به من لا يرى الحجّة في أخبار الآحاد مطلقاً كالحلّي أو إذا كانت ضعيفة و إن كانت بالشهرة منجبرة،كشيخنا الشهيد الثاني و جماعة (2).

الثالثة يقيم الحاكم حدود اللّه تعالى

الثالثة: يقيم الحاكم حدود اللّه تعالى كالزنا،بعد أن ثبت عنده و لو بعلمه،على الأشهر الأقوى،كما مضى في كتاب القضاء (3).

أمّا حقوق الناس كالقذف ف لا يقيمها من قبله و إن ثبت عنده مطلقاً،بل تقف إقامته إيّاها على المطالبة من المستحقّ لها.

و محصّل ما في المسألة:وجوب إقامة الحاكم حدود اللّه سبحانه بعد

ص:525


1- انظر الوسائل 27:391 أبواب الشهادات ب 41.
2- راجع ص 523.
3- راجع ص 31.

ثبوتها عنده بمجرّده،دون حدود الناس؛ لتوقّف إقامته لها بعده على مطالبتهم إيّاها،و لا خلاف فيهما ظاهراً،و لا إشكال أيضاً،سيّما مع التصريح بهما في المعتبرين:

أحدهما الصحيح:« إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقةٍ قَطَعَه،فهذا من حقوق اللّه تعالى،و إذا أقرّ على نفسه أنّه شرب خمراً حدَّه،فهذا من حقوق اللّه تعالى،و إذا أقرّ على نفسه بالزنا و هو غير محصن فهذا من حقوق اللّه تعالى؛ و أمّا حقوق المسلمين فإذا أقرّ على نفسه عند الإمام بفرية لم يحدّه حتى يحضر صاحب الفرية أو وليّه،و إذا أقرّ بقتل رجل لم يقتله حتى يحضر أولياء المقتول فيطالبوا بدم صاحبهم» (1).

و بمعناه في حقوق الناس الصحيح الآخر:« من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ أحد من المسلمين،فليس على الإمام أن يقيم عليه الحدّ الذي أقرّ به عنده حتى يحضر صاحب الحدّ أو وليّه و يطلب بحقّه» (2).

و في الثاني:« الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحدّ،و لا يحتاج إلى بيّنة مع نظره؛ لأنّه أمين اللّه تعالى في خلقه،و إذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب عليه أن يزبره (3)و ينهاه و يمضي و يدعه» قلت:و كيف ذاك؟قال:« لأنّ الحق إذا كان للّه تعالى فالواجب على الإمام إقامته،و إذا كان للناس فهو للناس» (4).

ص:526


1- التهذيب 10:20/7،الإستبصار 4:761/203،الوسائل 28:56 أبواب مقدّمات الحدود ب 32 ح 1.
2- الكافي 7:9/220،الوسائل 28:57 أبواب مقدمات الحدود ب 32 ح 2؛ بتفاوت يسير.
3- الزبر:الزجر و المنع الصحاح 2:667.
4- الكافي 7:15/262،التهذيب 10:157/44،الإستبصار 4:809/216،الوسائل 28:57 أبواب مقدمات الحدود ب 32 ح 3.
الرابعة من اقتضّ بكراً

الرابعة: من اقتضّ بكراً حرّة و أزال بكارتها و لو بأصابعه، فعليه مهر مثل ها رجلاً كان المقتضّ أو امرأة،بلا خلاف أجده؛ للصحيح المرويّ بعدّة طرق:

منها:في امرأة اقتضّت جارية بيدها،قال:« عليها المهر،و تضرب الحدّ» (1)و نحوه في طريق آخر،لكن بدّل فيه:« تضرب الحدّ» ب:« تجلد ثمانين» (2)كما في ثالث:« إنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)قضى بذلك،و قال:تجلد ثمانين» (3).

و إطلاق الجارية فيه يشمل الحرّة و الأمة،و لعلّه لذا أطلق الصدوق و المفيد (4)المهر،و لم يفصّلا بينهما،إلّا أنّ الظاهر كما في المختلف (5)اختصاص الإطلاق بحكم التبادر و الغلبة و غيرهما بالحرّة دون الأمة، و لذا فصّل من عداهما بينهما،و خصّوا ما مرّ بالحرّة و اختلفوا في غيرها:

فالأكثر على الظاهر المصرّح به في المسالك (6)،بل الأشهر كما في الروضة (7)على أنّه لو كانت المقتضة أمة،فعليه أي على المقتضّ و لو كانت امرأة عشر قيمتها.

ص:527


1- الفقيه 4:35/18،التهذيب 10:172/47،الوسائل 28:144 أبواب حدّ الزنا ب 39 ح 1.
2- التهذيب 10:215/59،الوسائل 28:144 أبواب حدّ الزنا ب 39 ح 4.
3- التهذيب 10:137/47،الوسائل 28:144 أبواب حدّ الزنا ب 39 ح 3.
4- الصدوق في المقنع:145،المفيد في المقنعة:785.
5- المختلف:760.
6- المسالك 2:432.
7- الروضة 9:124.

للخبر:« إذا اغتصب أمة فاقتضّت فعليه عشر قيمتها،و إن كانت حرّة فعليه الصداق» (1).

و قصور السند أو ضعفه مجبور بالشهرة الظاهرة و المحكيّة،بل عمل المتأخّرين كافّة.

عدا الفاضل في المختلف،فاختار فيه الأرش تبعاً للحلّي (2)؛ عملاً بقاعدة الجناية.

و شيخنا [لشيخنا] في المسالك،فاحتمل وجوب أكثر الأمرين من الأرش و العشر،قال:لأنّ الأرش على تقدير زيادته بسبب [زيادة] نقص حدث في المال بجناية فيكون مضموناً (3).

و مبنى هذين القولين على تضعيف الرواية،و الرجوع إلى القاعدة.

و هو حسن لو لا الشهرة الجابرة،مضافاً إلى الانجبار بما مرّ في النكاح من الروايات الصحيحة على أنّ من وطئ أمة غيره و كانت بكراً فعليه العشر (4)،فتخصّص بها القاعدة.

ثم إنّ ظاهر الحدّ في الصحيحة بالطريق الأوّل منافٍ لما عليه الأكثر بل الكلّ من عدم الحدّ فيه،بل التعزير،بل لم يحك القول به هنا إلّا عن المقنع (5)،و يحتمل الحدّ فيها بل و في كلامه أيضاً التعزير؛ لوقوع التعبير به عنه كثيراً،مع وقوع التصريح بثمانين جلده في الطرق الباقية، فالتعزير متعيّن.

ص:528


1- التهذيب 10:183/49،الوسائل 28:144 أبواب حدّ الزنا ب 39 ح 5.
2- المختلف:760،الحلّي في السرائر 3:449.
3- المسالك 2:432.
4- انظر الوسائل 21:132 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 35.
5- المقنع:145.

و عليه،فهل يجلد من ثلاثين إلى ثمانين؟كما عن المفيد و الديلمي (1)؛ تنزيلاً لما تضمّن الثمانين على الأكثر.

أو من ثلاثين إلى سبعة و تسعين؟كما عن الشيخ (2).

أو إلى تسعة و تسعين؟كما عن الحلّي (3)؛ تنزيلاً له على قضية المصلحة.أو لا تقدير فيه قلّةً و لا كثرة،بل يفوّض إلى رأي الحاكم،كما عليه الأكثر.

أقوال،و الأخير أنسب بقاعدتهم في التعزير،مع عدم معارض لها سوى رواية الثمانين الظاهرة في تعيّنها،و لا قائل به أصلاً،فلتكن مطرحة، أو مؤوّلة إلى ما يرجع به إلى أحد الأقوال الثلاثة.

الخامسة من زوّج أمته

الخامسة: من زوّج أمته من غيره و لو كان عبده ثم وطئها عالماً بالتحريم فعليه الحدّ حدّ الزنا كملاً،جلداً كان أو رجماً، بلا خلاف يظهر حتى من الحلّي الذي لم يعمل بالآحاد؛ للعموم أو الإطلاق،و للصحيح:في رجل زوّج أمته رجلاً،ثم وقع عليها،قال:

« يضرب الحدّ» (4).

السادسة من أقرّ أنّه زنى بفلانة

السادسة: من أقرّ أنّه زنى بفلانة امرأة معيّنة من دون تصريح بزناها، فعليه مع تكرار الإقرار أربعاً حدّان :للزنا و الفرية و لو

ص:529


1- المفيد في المقنعة:785،الديلمي في المراسم:255.
2- كذا في النسخ و الشرح الصغير(3:352)و لم نعثر عليه في كتب الشيخ و لا على الحاكي عنه،و في المطبوع من النهاية(699):تسعة و تسعين،و في نسخة منها:تسعة و سبعين.انظر النهاية و نكتها 3:297؛ و كشف الرموز 2:557.
3- السرائر 3:449.
4- الكافي 7:1/196،الفقيه 4:34/17،التهذيب 10:79/26،الوسائل 28:121 أبواب حدّ الزنا ب 22 ح 9.

أقرّ دونها و لو مرّة فعليه حدّ القذف خاصّة و كذا المرأة لو أقرّت بأنّها زنت بشخص معيّن أربعاً حدّت للأمرين،و لو أقرّت به دونها حدّت للفرية خاصّة،وفاقاً للشيخين و الحلّي (1)،و ربما نسب إلى الأصحاب كافّة (2)، و اختاره فخر الإسلام و شيخنا في المسالك و الروضة (3)،قالا:لظهور الإقرار في القذف،و اندفاع احتمال الإكراه و الشبهة بالأصل،و لكن لو فسّر بأحدهما قُبِلَ و اندفع عنه الحدّ و وجب عليه التعزير.

قيل:و يؤيّده القويّان:

في أحدهما:« لا تسألوا الفاجرة من فجر بك،فكما هان عليها الفجور يهون عليها أن ترمي البريء المسلم» (4).

و في الثاني:« إذا سألت الفاجرة:من فجر بك؟فقالت:فلان، جلدتها حدّين:حدّا لفجورها،و حدّاً لفريتها على الرجل المسلم» (5).

و في كلّ من دعوى الظهور على الإطلاق و التأييد نظر ،مع معارضتهما بظاهر الصحيح:في رجل قال لامرأته:يا زانية أنا زنيت بك، قال:« عليه حدّ واحد؛ لقذفه إيّاها،و أمّا قوله:أنا زنيت بك،فلا حدّ عليه فيه إلّا أن يشهد على نفسه أربع مرّات بالزنا عند الإمام» (6)فإنّه يعطي

ص:530


1- المفيد في المقنعة:792،الشيخ في النهاية:722،الحلّي في السرائر 3:447،457.
2- انظر المهذّب البارع 5:51،و التنقيح 4:350.
3- فخر الإسلام في الإيضاح 4:504،المسالك 2:425،الروضة 9:45 48.
4- التهذيب 10:177/48،الوسائل 28:146 أبواب حدّ الزنا ب 41 ح 1.
5- التهذيب 10:178/48،الوسائل 28:146 أبواب حدّ الزنا ب 41 ح 2.
6- الكافي 7:1/211،الفقيه 4:116/37،التهذيب 10:291/76،الوسائل 28:195 أبواب حدّ القذف ب 13 ح 1.

بظاهره أنّ قوله:زنيت بك،ليس قذفاً،فتأمّل (1).

فالقول بالعدم هو الوجه،وفاقاً للمحكيّ عن الشهيد في النكت (2)، لكن ندرة القائل به بل عدمه قبله كما يظهر من تتبّع الفتاوى ربما أوجب التردّد،كما أشار إليه بقوله: و فيهما أي في حدّ الرجل و المرأة للقذف في المسألتين تردّد و إشكال،و به صرّح الماتن في الشرائع أيضاً و الفاضل فيما وقفت عليه من كتبه (3).

السابعة من تزوّج أمة على حرّة مسلمة

السابعة: من تزوّج أمة على حرّة مسلمة عالماً بالتحريم فوطئها قبل الإذن من الحرّة و إجازتها عقد الأمة فعليه ثُمن حدّ الزاني :اثنا عشر سوطاً و نصف،كما في الخبرين:عن رجل تزوّج أمة على مسلمة و لم يستأمرها،قال:« يفرّق بينهما» قال:قلت:فعليه أدب؟ قال:« نعم،اثنا عشر سوطاً و نصف،ثُمن حدّ الزاني،و هو صاغر» قلت:

فإن رضيت الحرّة المسلمة بفعله بعد ما كان فعل؟قال:« لا يضرب و لا يفرّق بينهما،يبقيان على النكاح الأوّل» (4).

و كذا في الصحيح فيمن تزوّج ذميّة على مسلمة (5)،و فيه و في غيره

ص:531


1- ليست في« ن».
2- غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:288.
3- الشرائع 4:163،الفاضل في التحرير 2:237،و القواعد 2:260،و الإرشاد 2:177.
4- أحدهما في:الكافي 7:8/241،التهذيب 10:572/144،الوسائل 28:151 أبواب حدّ الزنا ب 49 ج 1. و الآخر في:التهذيب 7:1411/344،الإستبصار 3:755/209،الوسائل 20:511 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 47 ح 2.
5- الفقيه 3:1279/269،الوسائل 20:544 أبواب ما يحرم بالكفر ب 7 ح 4.

أنّ طريق التنصيف أن يؤخذ السوط بالنصف فيضرب به (1).و هو المتبادر المصرّح به في كلام جمع (2).

و قيل:أن يضرب بين الضربين (3).و لا شاهد عليه.

و ليس في هذه النصوص اعتبار الدخول و الوطء،بل ظاهرها ترتّب الحدّ بمجرّد التزويج،و لكن ذكره الأصحاب بغير خلاف يعرف،بل عليه الإجماع في بعض العبارات (4)؛ و لعلّه كما قيل (5)بناءً على صحّة التزويج و إباحته،و التوقّف على الإذن ابتداءً أو استدامةً.

و فيه نظر؛ لمصير جملة منهم إلى فساد العقد من أصله،كما مرّ في النكاح (6).و إن كان الأصحّ خلافه؛ لما مرّ ثمّة (7)،مع تأيّده بما حكموا به هنا؛ إذ لولا الصحّة لزم بالوطء الحدّ كملاً لا ثُمناً.هذا.

مع أنّ الحكم بالصحّة لا يستلزم نفي العقوبة إلّا باستلزامها الإباحة، و الملازمة في أمثال المقام ممنوعة،سيّما بعد الاتّفاق على الحرمة فتوًى و رواية،و حينئذ فيحتمل لزوم ثُمن الحدّ؛ لارتكابها،لا لفساد المناكحة؛ مع أنّ فسادها ينبغي إيجابه تمام العقوبة لا بعضها،كما عرفته.

و بالجملة:الوجه في اعتبارهم الوطء غير واضح،إلّا أن يدّعى تبادر

ص:532


1- الكافي 7:13/176،الفقيه 4:192/53،المحاسن:377/273،الوسائل 28:11 أبواب مقدّمات الحدود ب 1 ح 1.
2- منهم الشهيد الثاني في الروضة 9:124،و المسالك 2:432،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:407،و الكاشاني في المفاتيح 2:78.
3- انظر مجمع الفائدة 13:98.
4- انظر مجمع الفائدة 13:99.
5- كشف اللثام 2:407.
6- ج 11:221.
7- ج 11:185 و 221.

التزويج المتضمّن له من التزويج المطلق في النصوص،و يحتاج إلى تأمّل.

الثامنة من زنى في زمان شريف

الثامنة: من زنى في زمان شريف كرمضان،و الجُمَع،و الأعياد، و نحو ذلك أو مكان شريف كالمسجد،و الحرم،و المشاهد المشرّفة عوقب زيادةً على الحدّ المقرّر للزنا بأقسامه حتى القتل،و لكن فيه يعاقب قبله بما يراه الحاكم،بلا خلاف يظهر.

و في الخبر:اُتي أمير المؤمنين(عليه السّلام)بالنجاشي الشاعر قد شرب الخمر في شهر رمضان،فضربه ثمانين جلدة،ثم حبسه ليلة،ثم دعاه من الغد فضربه عشرين سوطاً،فقال:يا أمير المؤمنين،ضربتني ثمانين في شرب الخمر،فهذه العشرون ما هي؟فقال:و هذا لجرأتك على شرب الخمر في شهر رمضان (1).

و ربما يستفاد من التعليل عموم الحكم لغير مورده،كما فهمه الأصحاب،و أيّده الاعتبار.

ص:533


1- الكافي 7:15/216،الفقيه 4:130/40،التهذيب 10:362/94،الوسائل 28:231 أبواب حدّ المسكر ب 9 ح 1.

المجلد 16

اشارة

سرشناسه:طباطبائی کربلائی، علی بن محمدعلی، 1161 - 1231ق.

عنوان و نام پديدآور:ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل/ تالیف محمدعلی الطباطبایی؛ تحقیق موسسه آل البیت(ع) لاحیاءالتراث.

مشخصات نشر:قم: موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاءالثرات، 1418ق.-= 1376-

مشخصات ظاهری:16 ج.: نمونه.

فروست:موسسه آل البیت علیهم السلام لاحیاآ التراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

شابک: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری

يادداشت:عربی.

يادداشت:کتاب حاضر شرحی بر مختصرالنافع محقق حلی است.

يادداشت:ج.9 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت:ج. 11 - 13 (چاپ؟: 1421ق. = 1379).

يادداشت:ج. 15و 16 (چاپ؟: 1422ق. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:محقق حلی، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 7ق.

شناسه افزوده:محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

شناسه افزوده:موسسه آل البیت (علیهم السلام) لاحیاء الثرات

رده بندی کنگره:BP182/م3م30216 1376

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

تتمة كتاب الحدود و التعزيرات

الفصل الثاني في اللواط و السحق و القيادة

في اللواط

الفصل الثاني في بيان حدّ اللواط و هو:وطء الذكران بعضهم بعضاً،و اشتقاقه من فعل قوم لوط؛ و السحق و هو:دلك فرج المرأة بفرج اخرى؛ و القيادة و سيأتي أنّها الجمع بين فاعلي هذه الفواحش (1).

و اللواط:يثبت بالإقرار بإدخال الذكر في دبره و لو بمقدار الحشفة،و في الروضة:إنّ ظاهرهم الاتّفاق على ذلك و إن اكتفوا ببعضها في تحريم امّه و أُخته و بنته (2).

في حالة كونه أربعاً بلا خلاف أجده؛ للعموم و لو في الجملة.

و للصحيح:«بينا أمير المؤمنين(عليه السّلام)في ملأ من أصحابه،إذ أتاه رجل فقال:يا أمير المؤمنين،إنّي أوقبت على غلام،فطهّرني،فقال:يا هذا،

ص:5


1- في ص 27.
2- الروضة 9:143.

امض إلى منزلك،لعلّ مراراً (1)هاج بك،فلمّا كان من غد عاد إليه،فقال له مثل ذلك،فأجابه كذلك،إلى أن فعل ذلك أربع مرّات،فلمّا كان الرابعة قال له:يا هذا،إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر أيّهنّ شئت» الحديث (2)،و سيأتي باقية (3).

و لو أقرّ دون ذلك عُزّر كما قالوه؛ لإقراره على نفسه بالفسق؛ و لم أعرف دليل الكلّية،مع منافاة الحكم هنا لظاهر الصحيحة السابقة، حيث لم ينقل فيها التعزير في الإقرارات الثلاثة.

و يشترط في المقرّ:التكليف بالبلوغ،و كمال العقل و الاختيار، و الحرّية،فاعلاً كان المقرّ أو مفعولاً كما في سائر الأقارير.

و لو لم يقرّ،بل شهد عليه أربعة رجال عدول ثبت اللواط أيضاً،بلا خلاف،كما في الزناء.

و لا يثبت بشهادة النساء و لو ثلاثاً منضمّات مع الرجال؛ لعموم النصوص بعدم قبول شهادتهنّ في الحدود (4)،خرج منه الزناء على بعض الوجوه للنصوص (5)،و بقي ما نحن فيه داخلاً فيه؛ لاختصاصها بالزناء، و لا موجب للتعدية أصلاً بعد كون القياس حراماً.

و لو كانوا أي الشهود دون ذلك العدد أي الأربع بأن كانوا ثلاثة فما دون و لو مع النساء حُدُّوا بلا خلاف؛ للفرية،كما في الزناء.

ص:6


1- المِرَّة:مزاج من أمزجة البدن لسان العرب 5:168.
2- الكافي 7:1/201،التهذيب 10:198/53،الإستبصار 4:822/220،الوسائل 28:161 أبواب حدّ اللواط ب 5 ح 1؛ بتفاوت يسير.
3- في ص 11.
4- انظر الوسائل 27:كتاب الشهادات ب 24 الأحاديث 29،30،42.
5- انظر الوسائل 27:كتاب الشهادات ب 24 الأحاديث 4،5،10،11،25.

و يقتل الموقب خاصّة لو لاط بصغير أو مجنون بلا خلاف؛ للعموم،و خصوص ما يأتي من النصوص.

و يؤدّب الصغير و كذا المجنون إن كان ممّن يشعر بالتأديب كما قيل (1)؛ و بتأديب الصغير صريح الخبر:«اتي أمير المؤمنين(عليه السّلام)بامرأة و زوجها قد لاط بابنها من غيره و ثقبه و شهد عليه الشهود بذلك،فأمر به(عليه السّلام)فضرب بالسيف حتى قتل،و ضرب الغلام دون الحدّ،و قال:أما لو كنت مدركاً لقتلتك؛ لإمكانك إيّاه من نفسك بثقبك» (2).

و أمّا الخبر المتضمّن لقتل الغلام باللواط (3)،فمع قصور سنده، و مخالفته الإجماع و الأُصول،محمول على المُدرِك.

و لو كانا بالغين قُتِلا إجماعاً؛ للعموم،و الخبر المزبور بعد الحمل المذكور.

و كذا يقتل اللاطي أو يجلد لو لاط بعبده و يؤدّب هو إن كان صغيراً،و يقتل أيضاً إن كان بالغاً؛ للعموم،مع عدم تعقّل فرق في الموطوء بين الحرّ و العبد.

و لو ادّعى العبد الإكراه من مولاه عليه دُرئ عنه الحدّ دون المولى؛ لقيام القرينة على ذلك،و لأنّه شبهة محتملة فيدرأ بها الحدّ.

و منه يظهر انسحاب الحكم فيما لو ادّعى الإكراه من غير مولاه مع

ص:7


1- كشف اللثام 2:407.
2- الكافي 7:4/199،التهذيب 10:192/51،الإستبصار 4:818/219،الوسائل 28:156 أبواب حدّ اللواط ب 2 ح 1.
3- التهذيب 10:199/54،الإستبصار 4:823/220،الوسائل 28:156 أبواب حدّ اللواط ب 2 ح 2.

إمكانه،و كذا في كلّ من ادّعاه معه،كما صرّح به جماعة (1)؛ لعموم درء الحدّ بالشبهة.

و لو لاط الذمّي بمسلم،قتل و إن لم يوقب بلا خلاف في الظاهر؛ لهتكه حرمة الإسلام،و هو أشدّ من الزناء بالمسلمة،فيشمله فحوى ما دلّ على قتله بزناه بها (2)،مضافاً إلى عموم النصوص الآتية بأنّ حدّ اللوطي حدّ الزاني،فكما أنّ حدّ الذمّي الزاني بها ذلك،فليكن هو حدّه هنا أيضاً، و سيأتي أنّ المراد باللوطي فيها غير الموقب،فتدلّ على الموقب بطريق أولى.و الحربيّ أولى بذلك كما لا يخفى.

و لو لاط الذمّي بمثله،فللإمام الإقامة للحدّ عليه أو دفعه إلى أهل ملّته،ليقيموا عليه حدّهم كما في سائر القضايا؛ و مرّ مستنده في الزناء .

و موجَب الإيقاب القتل للفاعل و المفعول إذا كان كلّ منهما بالغاً عاقلاً عالماً و يستوي فيه كلّ موقِب و موقَب،حتى العبد و غير المحصن،بلا خلاف على الظاهر،المصرَّح به في السرائر (3)،بل ظاهرهم الإجماع عليه،كما في جملة من العبائر،و منها الانتصار و الغنية (4)،و هو الحجّة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة الآتي إلى جملة منها الإشارة.

و لكن بإزائها نصوص أُخر،دالّة على أنّ حدّ اللوطي حدّ الزاني،إن

ص:8


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:432،و الروضة 9:148،و الكاشاني في المفاتيح 2:64،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:407.
2- الوسائل 28:153 أبواب حدّ اللواط ب 1.
3- السرائر 3:459.
4- الانتصار:251،الغنية(الجوامع الفقهية):622.

كان قد أحصن رجم،و إلّا جلد (1).

إلّا أنّها شاذّة لا عامل بها،موافقة للتقيّة،كما صرّح به شيخ الطائفة (2)،حاملاً لها عليها تارة،و أُخرى على غير الإيقاب؛ لتسميته لواطاً أيضاً اتّفاقاً،بل يستفاد من بعض الروايات (3)كونه المراد باللوطي الوارد في النصوص حكمه من القتل و غيره،و هو حسن.إلّا أنّ جملةً منها لا يقبل الحمل الأخير:

منها الصحيح:«إن كان ثقب و كان محصناً رجم» (4).

و المرسل القريب منه بابن أبي عمير،المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه في الذي يوقب:أنّ«عليه الرجم إن كان محصناً،و عليه الجلد إن لم يكن محصناً» (5).

فينبغي حملها على التقيّة خاصّة،كما صرّح به الشيخ أيضاً،فقال بعد نقله:الوجه فيه ما قدّمناه من حمله على التقيّة،لا غير.

أقول:و هو الجواب عن الأول أيضاً،لكنّه أجاب عنه بوجه آخر، فقال:و تقييد ذلك بكونه محصناً إنّما يدلّ من حيث دليل الخطاب على أنّه إذا لم يكن محصناً لم يكن عليه ذلك،و قد ينصرف عنه لدليل،و قد قدّمنا ما يدلّ على ذلك.

ص:9


1- انظر الوسائل 28:153 أبواب حدّ اللواط ب 1.
2- التهذيب 10:55 و 56.
3- الجعفريات:135،مستدرك الوسائل 18:79 أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 3.
4- الكافي 7:12/200،التهذيب 10:203/55،الإستبصار 4:827/221،الوسائل 28:159 أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 7.
5- التهذيب 10:205/56،الإستبصار 4:830/222،الوسائل 28:160 أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 8.

أقول:و يضعّف الأخبار المزبورة زيادةً على ما مضى ضعف أكثرها سنداً،و اختصاصها بالفاعل دون المفعول،فلم يتعرّض في أكثرها لحكمه،بل في بعضها أنّ حدّه القتل،ففيه:رجل أتى رجلاً،قال:«عليه إن كان محصناً القتل،و إن لم يكن محصناً فعليه الجلد» قال:فقلت:فما على المؤتى؟قال:«عليه القتل على كلّ حال،محصناً كان أو غير محصن» (1).

و ممّا ذكرنا يظهر ضعف ما اختاره بعض متأخّري متأخّري الأصحاب من اشتراط الإيقاب و الإحصان جميعاً في قتل الفاعل أو رجمه (2).

و لا يُحَدّ المجنون مطلقاً و لو كان فاعلاً على الأصحّ الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر،و في الغنية الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى ما مرّ في زناه من الأدلّة (4).

خلافاً لمن مرّ ثمّة،فيحدّ كما لو زنى (5)؛ للفحوى.

و يمنع بمنع المقيس عليه جدّاً.

و الإمام مخيّر في قتل الموقب،بين قتله بالسيف و رجمه، و إلقائه من جدار عال يموت به و إحراقه بالنار حيّاً،و إلقاء جدار عليه،كما ذكره الشيخان (6)و الأكثر،و نفى عنه الخلاف في السرائر (7)،

ص:10


1- الكافي 7:2/198،الفقيه 4:85/30،التهذيب 10:201/55،الإستبصار 4:825/220،الوسائل 28:154 أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 4.
2- مفاتيح الشرائع 2:74.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):622.
4- راجع ج 15:438.
5- راجع ج 15:438.
6- المفيد في المقنعة:786،الشيخ في النهاية:704.
7- السرائر 3:459.

و عليه الإجماع في الغنية (1)،و كذا في الانتصار (2)،إلا أنّه لم يذكر الإحراق،و هو ظاهر المسالك أيضاً (3)؛ إلّا أنّه لم يذكر الأخير في متعلّق التخيير؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى المعتبرة بعد ضمّ بعضها إلى بعض.

ففي الحسن الوارد فيمن أقرّ بالإيقاب-:«يا هذا،إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) حكم في مثلك ثلاثة أحكام،فاختر أيّهنّ شئت،قال:و ما هي يا أمير المؤمنين؟قال:ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت،أو إهدارك من جبل مشدود اليدين و الرجلين،أو إحراق بالنار» (4).

و في الخبر:«لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرّتين لرجم اللوطي» (5).

و في آخر،عن أمير المؤمنين(عليه السّلام):أنّه رجم بالكوفة رجلاً كان يؤتى في دبره (6).

و عنه(عليه السّلام)أنّه قال في اللواط:«هو ذنب لم يعص اللّه تعالى به إلّا امّة من الأُمم،فصنع اللّه تعالى بها ما ذكر في كتابه من رجمهم بالحجارة، فارجموهم كما فعله اللّه عزّ و جلّ بهم» (7).

ص:11


1- الغنية(الجوامع الفقهية):622.
2- الانتصار:251.
3- المسالك 2:432.
4- الكافي 7:1/201،التهذيب 10:198/53،الإستبصار 4:822/220،الوسائل 28:157 أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 1؛ بتفاوت يسير.
5- الكافي 7:3/199،الفقيه 4:87/31،التهذيب 10:196/53،الإستبصار 4:821/219،الوسائل 28:157 أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 2.
6- دعائم الإسلام 2:1600/455،مستدرك الوسائل 18:80 أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 6.
7- دعائم الإسلام 2:1602/456،مستدرك الوسائل 18:81 أبواب حدّ اللواط ب 2 ح 5.

و عنه(عليه السّلام):«إذا كان الرجل كلامه كلام النساء،و مشيه مشي النساء، و يمكّن من نفسه فينكح كما ينكح النساء،فارجموه و لا تستحيوه» (1).

و أمّا إلقاء الجدار عليه،فقيل:إنّ فيه خبراً (2)مرويّاً عن مولانا الرضا (3)(عليه السّلام).

و قصور الأسانيد أو ضعفها منجبر بالعمل،و كذا الدلالة؛ مع أنّ في التخيير جمعاً بينها كما عرفته.

نعم،ربما نافى مفهوم العدد في الحسنة التخيير بين الرجم و إلقاء الجدار عليه أيضاً،إلّا أنّه لا يعترض به المنطوق ؛ مع أنّ ظاهرها كون التخيير إلى المحدود دون الإمام،و هو خلاف ما ذكره الأصحاب و شهد به بعض الروايات،كالخبر:«كتب خالد إلى أبي بكر:أنّه اتي برجل يؤتى في دبره،فاستشار أمير المؤمنين(عليه السّلام)فقال:أحرقه بالنار،فإنّ العرب لا ترى القتل شيئاً» (4).

و يجوز أن يضمّ الإحراق إلى غيره من العقوبات الأُخر بأن يقتل بالسيف أو الرجم أو الرمي به أو عليه،ثم يحرق،بلا خلاف فيه على الظاهر،المصرّح به في السرائر (5)،زيادةً في الردع.

ص:12


1- الكافي 7:36/268،التهذيب 10:598/149،الوسائل 28:159 أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 5.
2- فقه الرضا(عليه السّلام):277،مستدرك الوسائل 18:80 أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 5.
3- كشف اللثام 2:408.
4- المحاسن:106/112،الوسائل 28:160 أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 9؛ بتفاوت يسير.
5- السرائر 3:458،459.

و في الصحيح (1)و غيره (2):أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)أمر بقتل الذي أُخذ في زمن عمر،ثم قال بعد قتله:«قد بقيت له عقوبة أُخرى،قال:و ما هي؟ قال:ادع بِطُنّ (3)من حطب،فدعا به،ثم أخرجه فأحرقه بالنار».

و من لم يوقب كالمفخّذ و الفاعل بين الأليتين فحدّه مائة جلدة مطلقاً و لو كان محصناً على الأصحّ الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر، و في صريح الانتصار و ظاهر الغنية الإجماع عليه (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى أصالة البراءة،و الشكّ في وجوب الزائد،فيدرأ به؛ للشبهة،و للخبر:

في الرجل يفعل بالرجل،فقال:«إن كان دون الثقب فالحدّ،و إن كان ثقب أُقيم قائماً ثم ضرب بالسيف» (5)و الظاهر أنّ المراد بالحدّ الجلد.

خلافاً للنهاية و القاضي و ابن حمزة (6)في المحصن،فالقتل؛ جمعاً بين النصوص المتقدّمة،بحمل ما دلّ منها على القتل مطلقاً على الموقب، و ما دلّ منها على التفصيل بين المحصن و غيره على غيره.

و هو حسن،لولا قوّة احتمال ورود الأخيرة للتقيّة،كما يرشد إليه تصريح جملة منها معتبرة بالتفصيل أيضاً في الموقب،مع ضعف أسانيد غيرها،و تبادر الموقب من اللوطي فيها،و عدم مكافأتها للنصوص التي

ص:13


1- الكافي 7:5/199،التهذيب 10:195/52،الوسائل 28:158 أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 3.
2- الكافي 7:6/199،التهذيب 10:193/52،الإستبصار 4:819/219،الوسائل 28:158 أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 4.
3- الطنّ:حزمة القصب الصحاح 6:2159.
4- الانتصار:251،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
5- الكافي 7:7/200،التهذيب 10:194/52،الإستبصار 4:820/219،الوسائل 28:153 أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 2.
6- النهاية:704،القاضي في المهذب 2:530،ابن حمزة في الوسيلة:413.

تقابلها.

و للإسكافي و الصدوقين (1)،فأوجبوا القتل فيه مطلقاً و لو لم يكن محصناً،فإنّهم فرضوه فيه،و جعلوا الإيقاب هو الكفر باللّه تعالى؛ للخبر:

عن اللواط،فقال:«بين الفخذين» و عن الموقب،فقال:«ذلك الكفر بما أنزل اللّه تعالى على نبيّه» (2).

و هو مع ضعف سنده معارض بالخبر الذي مرّ سنداً للأكثر؛ للتصريح فيه بأنّ غير الموقب يحدّ و الموقب يقتل،و هو و إن شابه الأول في السند،إلّا أنّه منجبر بالأصل و العمل،فحينئذٍ ينبغي طرحه أو حمله على المستحلّ،فتأمّل ،أو المبالغة في الذنب.

و على الأقوال يستوي فيه أي في الجلد مائة الفاعل و المفعول،و الحرّ و العبد و المسلم و الكافر إن لاط بمثله لا بمسلم؛ لوجوب قتله حينئذ؛ لهتكه حرمة الإسلام و إهانته به.

و لا ينتصف حدّ العبد هنا كما ينتصف في زناه،بلا خلاف،بل في الغنية و عن نكت الإرشاد (3)أنّ عليه إجماع الأصحاب؛ و هو الحجّة، المؤيّدة بإطلاق الرواية.

و لو تكرّر من غير الموقب اللواط ثلاثاً مع تكرار الحدّ بعد كلّ مرّة قتل في المرّة الرابعة،على الأشبه الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في الغنية الإجماع عليه (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى

ص:14


1- حكاه عنهم في المختلف:764.
2- التهذيب 10:197/53،الوسائل 20:340 أبواب النكاح المحرّم ب 20 ح 3.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):622،حكاه عن شرح الإرشاد في المسالك 2:433،و هو غاية المراد 4:212.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):622.

ما يظهر منها و من جماعة (1)مساواته مع الزاني في ذلك،و أنّ كلّ من قال بالقتل في الرابعة ثمّة قال به في المسألة،و من قال به ثمّة في الثالثة قال به هنا.

و ظاهرهم الإجماع على عدم الفرق بين المسألتين،حتى أنّ شيخنا في الروضة استدلّ للقتل في الرابعة هنا بالرواية (2)الدالّة عليه في تلك المسألة (3).

و حينئذ،فهذا الإجماع أقوى دليل على الحكم هنا و إن اختصّ مورد الرواية التي استدلّ بها بالزناء،و لولاه لكان القول بالفرق متّجهاً؛ لعموم الصحيح بقتل أصحاب الكبائر في الثالثة (4)،مع خلوّه هنا لما عرفت عن المعارض،إلّا أنّ الإجماع المنقول المعتضد بفتوى الأكثر،و بما دلّ على درء الحدود بالشبهة الحاصلة هنا من جهة الخلاف بلا شبهة كافٍ في تخصيص الصحيحة.

و يعزّر المجتمعان تحت إزار واحد حال كونهما مجرّدين و لا رحم أي لا قرابة- بينهما و لا ضرورة(بما يراه الحاكم) (5) من ثلاثين سوطاً إلى تسعة و تسعين على المشهور.و قد تقدّم الكلام في

ص:15


1- منهم الشيخ في النهاية:706،المحقق في الشرائع 4:160،الفاضل المقداد في التنقيح 4:352.
2- الكافي 7:1/191،التهذيب 10:129/37،الإستبصار 4:790/212،الوسائل 28:116 أبواب حدّ الزنا ب 20 ح 1.
3- الروضة 9:153.
4- الكافي 7:2/191،الفقيه 4:182/51،التهذيب 10:369/95،الإستبصار 4:791/212،الوسائل 28:19 أبواب مقدّمات الحدود ب 5 ح 1.
5- ليست في«ن».

المسألة مستوفى (1).

بقي هنا شيء،و هو:أنّ التقييد بنفي الرحميّة و الضرورة لم يوجد في أكثر روايات المسألة.

نعم،في الخبر:الرجل ينام مع الرجل في لحاف واحد،فقال:

«أذوا رحم؟» فقال:لا،فقال:«أمن ضرورة؟» قال:لا،قال:«يضربان ثلاثين سوطاً» الحديث (2).

و فيه إيماء إليه،لكنّه مع قصور السند يشكل في الأول بأنّ مطلق الرحم لا يوجب تجويز ذلك،فالأولى ترك التقييد به،أو التقييد بكون الفعل محرّماً ،و فيه غنى عن التقييد بالضرورة و التجرّد أيضاً.

مع أنّه لا وجه لاعتبار الأخير أصلاً،حيث يحصل التحريم بالاجتماع الذي هو مناط التعزير من دونه،و لعلّه لذا خلا أكثر النصوص من اعتباره،و بعض النصوص المتعرّض له غير صريح في التقييد به،لكنّه ظاهر فيه،مع صحّة سنده.

و فيه:«كان عليُّ(عليه السّلام)إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجرّدين جلدهما حدّ الزاني مائة جلدة،و كذلك المرأتان إذا وجدتا في لحاف واحد مجرّدتين جلدهما كلّ واحدة مائة جلدة» (3).

و صريحه ككثير من النصوص (4)عدم الفرق في المجتمعين بين كونهما رجلين أو امرأتين،و في جملة أُخرى منها عدمه في المجتمعين

ص:16


1- راجع ج 15:450 451.
2- الفقيه 4:21/14،التهذيب 10:146/41،الإستبصار 4:797/213،الوسائل 28:90 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 21.
3- الكافي 7:10/182،الوسائل 28:89 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 15.
4- انظر الوسائل 28:أبواب حدّ الزنى ب 10 الأحاديث 1،2،4،6.

ذكراً و أُنثى (1)،فلا وجه لتقييد المجتمعين بالذكرين،كما يوجد في كلام بعض أصحابنا (2)،فتأمّل جدّاً .

و لو تكرّر الاجتماع المحرّم مع تكرار التعزير،حُدّا في المرّة الثالثة كما عن النهاية و الحلّي و القاضي و ابن سعيد و في القواعد و التحرير و الإرشاد (3)؛ و مستندهم غير واضح،عدا ما سيأتي من الخبر الناطق بذلك في المرأتين (4)،و هو مع أخصّيته عن المدّعى (5)متضمّن لما لا يقولون به،كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى (6).

و عن ابن حمزة:أنّه إن عادا ثلاثاً و عُزّرا بعد كلّ مرّة،قتلا في الرابعة (7).

و كذا يعزَّر من قبّل غلاماً بشهوة من غير رأفة،بلا خلاف أجده؛ لأنّه فعل محرّماً،فيستحقّ فاعله التعزير مطلقاً،كغيره من المحرّمات،بل الأمر فيه آكد.

ففي الخبر المشتهر:«إنّ من قبّل غلاماً بشهوة لعنته ملائكة السماء، و ملائكة الأرضين،و ملائكة الرحمة،و ملائكة الغضب» (8).

ص:17


1- انظر الوسائل 28:أبواب حدّ الزنا ب 10 الأحاديث 3،5،7،9،10.
2- اللمعة(الروضة البهية 9):155.
3- النهاية:705،الحلّي في السرائر 3:460،القاضي في المهذّب 2:531،ابن سعيد في الجامع للشرائع:555،القواعد 2:257،التحرير 2:224،الإرشاد 2:175.
4- التهذيب 10:159/44،الإستبصار 4:811/217،الوسائل 28:91 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 25.
5- في«ن» زيادة:أو عدم ارتباط بما هنا.
6- في ص 23.
7- الوسيلة:414.
8- فقه الرضا(عليه السّلام):278،مستدرك الوسائل 14:351 أبواب النكاح المحرّم ب 18 ح 3.

و في آخر:«من قبل غلاماً بشهوة ألجمه اللّه تعالى بلجام من نار» (1).

و لا فرق بين المحرم و الأجنبي؛ لإطلاق الدليل،و إن قيّده الأكثر بالثاني.و يحتمل ورود القيد في كلامهم مورد الغالب؛ لأظهريّة الشهوة فيه،و إلّا فلا وجه له،كما صرّح به شيخنا الشهيد الثاني (2)،بل مناط التعزير في المحرم آكد،كما صرّح به المقدّس الأردبيلي (3)(رحمه اللّه).

و من عموم المناط يظهر عدم الفرق أيضاً بين الصغير و الصغيرة،بل و لا بين الرجل و المرأة،كما يستفاد من إطلاقهم التعزير في التقبيل و المضاجعة.

و منه يظهر عدم الوجه في ذكر المسألة على حدة بعد دخولها في عموم تلك المسألة،إلّا أن تخصّ بالمرأة،و لكن لا وجه له بعد عموم المناط و العلّة.

و في الخبر:مُحرم قبّل غلاماً بشهوة،قال:«يضرب مائة سوط» (4).

و هو شاذّ،و ربما حمل على التغليظ؛ لمكان الإحرام،كما صرّح به الأصحاب عموماً،و الحلّي في المقام (5).و هو حسن،لولا أنّ المشهور اشتراط عدم بلوغ التعزير الحدّ،و لذا إنّ الحلّي لم يصرّح في مورد الخبر بأكثر من التغليظ.

و احترز بالشهوة عمّا يكون برأفة،أو صداقة دنياويّة،أو عادة عرفيّة،

ص:18


1- الكافي 5:10/548،الوسائل 20:340 أبواب النكاح المحرّم ب 21 ح 1.
2- المسالك 2:433.
3- مجمع الفائدة 13:117.
4- الكافي 7:9/200،التهذيب 10:206/57،الوسائل 28:161 أبواب حدّ اللواط ب 4 ح 1.
5- السرائر 3:461.

فإنّه لا حرج في ذلك و لا إثم،كما صرّح به الحلّي،قال:فإنّه قد روي (1)استحباب تقبيل القادم من مكّة بغير خلاف (2).

السحق
اشارة

و يثبت السحق بما يثبت به اللواط بلا خلاف؛ لعموم المنزلة الواردة في بعض الأخبار،كالمرويّ في مكارم الأخلاق عن النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)، قال:«السحق في النساء بمنزلة اللواط في الرجال» (3)و نحوه المرسل الآتي.

و الحدّ فيه مائة جلدة مطلقاً حرّة كانت أو أمة،محصنة أو غير محصنة و يستوي في ذلك الفاعلة و المفعولة بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،إلّا في جلد المحصنة مائة،فقد اختلفوا فيه،و المشهور ذلك كما(صرّح به) (4)في المسالك (5)،بل ظاهره أنّه مذهب المتأخّرين كافّة، كما هو الظاهر،و ظاهر الانتصار بل صريحه أنّ عليه إجماع الإمامية (6).

للأصل،و ظاهر الموثّق كالصحيح:«السحّاقة تُجلَد» (7)،فلو كان فيه رجم لزم الإخبار بالخاصّ عن العام،و هو باطل.

و صريح المرسل المرويّ عن بعض الكتب،عن مولانا الأمير(عليه السّلام)، أنّه قال:«السحق في النساء كاللواط في الرجال،و لكن فيه جلد مائة؛ لأنّه ليس فيه إيلاج» (8)و ضعف السند مجبور بالشهرة.

ص:19


1- الخصال:635،الوسائل 11:447 أبواب آداب السفر ب 55 ح 7.
2- السرائر 3:461.
3- مكارم الأخلاق 1:1720/496،الوسائل 28:166 أبواب حدّ السحق و القيادة ب 1 ح 3.
4- ليست في«ب».
5- المسالك 2:433.
6- الانتصار:253.
7- الكافي 7:3/202،الوسائل 28:165 أبواب حدّ السحق و القيادة ب 1 ح 2.
8- دعائم الإسلام 2:1603/456،مستدرك الوسائل 18:86 أبواب حد السحق ب 1 ح 4.

و قال الشيخ في النهاية و القاضي و ابن حمزة:إنّها تُرجَم مع الإحصان (1) للصحيح:«حدّها حدّ الزاني» (2).

و رُدّ بأنّه أعمّ من الرجم،فيحمل على الجلد جمعاً (3).

و هو حسن؛ لرجحان ما تقدّم من وجوه عديدة،منها:الصراحة في بعضه دون هذا؛ لعدم صراحته،و احتماله ما تقدّم.

لكن في الخبر المرويّ في الاحتجاج عن مولانا القائم(عليه السّلام):أنّه سئل عن الفاحشة المبيّنة التي إذا فعلت ذلك يجوز لبعلها أن يخرجها عن بيته في أيّام عدّتها،فقال(عليه السّلام):«تلك الفاحشة:السحق،و ليست بالزناء؛ لأنّها إذا زنت يقام عليها الحدّ،و ليس لمن أراد تزويجها أن يمتنع من العقد عليها لأجل الحدّ الذي أُقيم عليها،و أمّا إذا ساحقت فيجب عليها الرجم، و الرجم هو الخزي،و من أمر اللّه تعالى برجمها ليس لأحد أن يقربها» (4).

و في الخبر:«اتي أمير المؤمنين(عليه السّلام)بامرأتين كانتا تتساحقان، فدعا(عليه السّلام)بالنطع،فأمر بهما فأُحرقتا بالنار» (5).

و يمكن الذبّ عنهما بقصور السند،و أعمّية الثاني من المطلب، و تضمّن الأول لما لا يقول به أحد.مع ضعفهما و لو سلما عن جميع

ص:20


1- النهاية:706،القاضي في المهذّب 2:531،ابن حمزة في الوسيلة:414.
2- الكافي 7:1/202،الفقيه 4:86/31،التهذيب 10:210/58،الوسائل 28:165 أبواب حدّ السحق ب 1 ح 1.
3- انظر المختلف:765،و الإيضاح 4:494،و التنقيح 4:353.
4- كمال الدين:459،الاحتجاج:463،الوسائل 20:437 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 12 ح 5؛ بتفاوت.
5- التهذيب 10:199/54،الإستبصار 4:823/220،الوسائل 28:166 أبواب حدّ السحق و القيادة ب 1 ح 4؛ بتفاوت يسير.

ذلك عن المقاومة لما مرّ؛ لرجحانه بعمل الأكثر،بل عامّة من تأخّر كما سبق،و به يجاب عن النصوص الآتية في المسألة الثانية و إن تضمّنت الصحيح و غيره و نصّت برجم المحصنة،مع احتمالها الاختصاص بمورد تلك المسألة،إلّا أنّه خلاف ظاهر الجماعة،فالمسألة لذلك لا تخلو عن شبهة،إلّا أنّ درء الحدود بها يوجب المصير إلى الجلد مطلقاً.

هذا،و يستفاد من الروضة أنّ به أخباراً صحيحة،حيث قال في المسألة الآتية:و قيل:ترجم الموطوءة؛ استناداً إلى رواية ضعيفة السند، مخالفة لما دلّ على عدم رجم المساحقة مطلقاً من الأخبار الصحيحة (1).

انتهى.

لكن دعواه ضعف سند رواية الرجم مع الإحصان،و صحّة ما دلّ على عدمه مطلقاً غريبة،بل الأمر بالعكس كما عرفته،و هو ظاهر الجماعة،حتى هو في المسالك (2)،و لأجله مال فيه إلى هذا القول،و يشبه أن يكون ذلك منه غفلة،فلا يمكن أن يتّخذ ما ادّعاه من الأخبار الصحيحة حجّة أو معاضدة.

نعم،لو لم يدّع ضعف سند رواية الرجم أمكن ذلك باحتمال وقوفه على تلك الأخبار و إن بعد،حيث لم نقف عليها،و لم يتعرّض لها و لو إشارةً غيره.إلّا أنّ دعواه ذلك أوجبت عدم الإمكان؛ لما عرفت،سيّما مع اعتضاده بما ذكرناه هنا.

و تقتل المساحقة مطلقاً في الرابعة مع تكرّر الحدّ ثلاثاً على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،حتى بعض من أوجب القتل في

ص:21


1- الروضة 9:162.
2- المسالك 2:433،434.

الثالثة في الزناء و اللواط،كالشهيد في اللمعة،بل يفهم من الروضة عدم ظهور خلاف منهم هنا في القتل في الرابعة،حيث قال:و ظاهرهم هنا عدم الخلاف،و إن حكمنا بقتل الزاني و اللائط في الثالثة،كما اتّفق في عبارة المصنّف (1).انتهى.

و لكن ظاهر جماعة منهم كالحلّي في السرائر،و الفاضل في المختلف (2)جريان الخلاف المتقدّم هنا أيضاً،و اختار الحلّي الخلاف هنا صريحاً.

و يسقط الحدّ بالتوبة قبل ثبوته بالإقرار أو البيّنة،كاللواط فإنّه كذلك أيضاً يسقط حدّه بها قبل ثبوته بأحد الأمرين.

و لا يسقط بعد الثبوت بالإقرار أو البيّنة .

و يجب على الإمام إجراؤه إن ثبت بالثاني،و ليس له العفو عنه فيه.

و يتخيّر بين الأمرين إذا ثبت بالأول بعين (3)ما مرّ في الزناء (4).

لاشتراك الجميع في هذه الأحكام و أمثالها،كما يستفاد من ظاهر الأصحاب،من غير أن يعرف بينهم في ذلك خلاف،و به صرّح في الغنية، مدّعياً عليه الإجماع (5).

و يعزّر المرأتان المجتمعتان تحت إزار واحد مجرّدتين من ثلاثين إلى تسعة و تسعين،كما مرّ في الذَّكَرين المجتمعين (6).

ص:22


1- الروضة 9:159 160.
2- السرائر 3:467،المختلف:766.
3- في«ب»:لعين.
4- راجع ج 15:458 460.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):622.
6- راجع ص 15.

و لو تكرّر منهما الاجتماع مرّتين مع التعزير بينهما أُقيم عليهما الحدّ في المرّة الثالثة بلا خلاف أجده،إلّا من الحلّي في السرائر،فظاهره القتل في الثالثة؛ لأنّه كبيرة،و كلّ كبيرة يقتل بها في الثالثة (1).و كلّية الكبرى ممنوعة كما ستعرفه،و مع ذلك يردّه الأصل و صريح الرواية الآتية،المنجبرة في محلّ البحث بالشهرة العظيمة،التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة.

و لو عادتا رابعةً قال الشيخ في النهاية (2) و جماعة (3):

قتلتا للخبر:« لا ينبغي لامرأتين أن تناما في لحافٍ واحد إلّا و بينهما حاجز،فإن فعلتا نهيتا عن ذلك،فإن وجدتا بعد النهي في لحافٍ واحد جلدتا كلّ واحدة منهما حدّا حدّا،فإن وجدتا الثالثة حدّتا،فإن وجدتا الرابعة قتلتا» (4).

و لأنّه كبيرة يقتل بها في الرابعة (5).

و فيهما نظر؛ لضعف سند الأول،مع اشتماله على ما لا(يقولون به) (6)من الحدّ في المرّة الثانية،و ظاهره أيضاً عدم شيء في المرتبة الأُولى عدا النهي خاصّة،و لم يقل به أحد من الطائفة.

ص:23


1- السرائر 3:442،467.
2- النهاية:708.
3- منهم ابن البرّاج في المهذّب 2:533،الحلبي في الكافي في الفقه:410،المحقّق في الشرائع 4:160،العلّامة في المختلف:766.
4- التهذيب 10:159/44،الإستبصار 4:811/217،الوسائل 28:91 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 25.
5- إيضاح الفوائد 4:494.
6- في«ب»:يقول به أحد.

و منع كلّية الكبرى في الثاني؛ لما في المسالك من أنّه إن أُريد أنّه مع إيجابها الحدّ فمسلّم،لكن لا يقولون به هنا،و إن أرادوا مطلقاً فظاهرٌ منعه (1).

و من ثمّ اختار الفاضلان و الشهيدان و أكثر المتأخّرين كما في المسالك (2)الاقتصار على التعزير مطلقاً،إلّا في كل ثالثة،فالحدّ.

و لا ريب أنّه أحوط.

و هنا

مسألتان
الأولى لا كفالة في حدّ

مسألتان :

الاُولى: لا كفالة في حدّ زناء و لا غيره من الحدود؛ للنبويّ (3)و المرتضويّ (4)الخاصّيّين،و لأدائه إلى التأخير و التعطيل.

و لا تأخير فيه مع القدرة على إقامته،كما في المرتضويين:

في أحدهما:«ليس في الحدود نظرة ساعة» (5).

و في الثاني:«إذا كان في الحدّ لعلّ و عسى فالحدّ معطّل» (6).

إلّا لعذر و مصلحة،كبرء المريض،و وضع الحبلى،و الإرضاع، و اجتماع الناس،كما مرّ (7).

ص:24


1- المسالك 2:434.
2- المحقّق في الشرائع 4:161،العلّامة في التحرير 2:225،الشهيدان في اللمعة و الروضة 9:160،المسالك 2:434.
3- الكافي 7:1/255،التهذيب 10:499/125،الوسائل 28:44 أبواب مقدّمات الحدود ب 21 ح 1.
4- دعائم الإسلام 2:1652/466،مستدرك الوسائل 18:25 أبواب مقدّمات الحدود ب 19 ح 1.
5- الفقيه 4:56/36،التهذيب 10:49،185/51،190،الوسائل 28:47 أبواب مقدّمات الحدود ب 25 ح 1.
6- الفقيه 4:110/36،الوسائل 28:47 أبواب مقدّمات الحدود ب 25 ح 2.
7- راجع ج 15:496 498.

و لا شفاعة في إسقاطه لقوله تعالى وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ [1] (1)و للمستفيضة:

ففي الخبرين:«لا تشفع في حدّ» (2).

و في آخر:«لا يشفعنّ أحدٌ في حدّ إذا بلغ الإمام،فإنّه لا يملكه، و اشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الندم،و اشفع عند الإمام في غير الحدّ مع الرجوع من المشفوع له،و لا تشفع في حقّ امرئ مسلم و لا غيره إلّا بإذنه» (3)،و قريب منها الصحيح و غيره (4).

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده.

الثانية:لو وطئ زوجته،فساحقت بكراً

الثانية:لو وطئ زوجته،فساحقت بكراً،فحملت البكر فالولد له أي للواطئ لأنّه مخلوق من مائه،و لا موجب لانتفائه عنه،فلا يقدح كونها ليست له فراشاً مع صدق الولد عليه عرفاً و لغةً.

و لا يلحق بالزوجة قطعاً،و لا بالبكر على قول مشهور.و يقوى الإلحاق؛ للصدق العرفي،و انتفاء المانع الشرعي؛ إذ ليس إلّا الزناء، و السحق ليس منه لغةً و لا عرفاً،فيشمله إطلاق ما دلّ على أحكام الولد، من حرمة التناكح،و ثبوت التوارث،مع أنّ الأول ثابت في ولد الزناء اتّفاقاً،

ص:25


1- النور:2.
2- أحدهما في:الكافي 7:1/254،الوسائل 28:43 أبواب مقدمات الحدود ب 20 ح 3. و الآخر في:الكافي 7:4/254،الوسائل 28:43 أبواب مقدّمات الحدود ب 20 ح 2.
3- الكافي 7:3/254،التهذيب 10:498/124،الوسائل 28:43 أبواب مقدمات الحدود ب 20 ح 4.
4- انظر الوسائل 28:42 أبواب مقدّمات الحدود ب 20.

فهنا أولى.

فالإلحاق أقوى،إلّا أن يتردّد في شمول الإطلاق لنحو المقام؛ لعدم تبادره منه.و شمول الحكم لولد الشبهة بالإجماع لا يصلح قرينة على التعميم للتبادر (1)بناءً على كونه منه أيضاً؛ لاحتمال كون الإجماع دليلاً مستقلا على الشمول لا قرينة على الدخول تحت الإطلاق.

و على زوجته المساحقة الحدّ للسحق،جلداً أو رجماً،على الخلاف الذي مضى (2).

و المهر للبكر؛ لأنّها سبب في إذهاب عذرتها،و ديتها مهر نسائها.و ليست كالزانية المطاوعة؛ لأنّ الزانية أذنت في الاقتضاض (3)، بخلاف هذه.

و على الصبيّة الجلد مائة إذا كانت مطاوعة،بلا خلاف فيه أجده، و كذا فيما سبقه.إلّا من الحلّي،فلم يلحق الولد بالرجل؛ لعدم ولادته على فراشه،و الولد للفراش.و لم يثبت المهر؛ لأنّ البكر بغيّ بالمطاوعة، فلا مهر لها (4).و قد عرفت جوابه.

و يدلّ على أصل المسألة زيادةً عليه النصوص المستفيضة:

منها الصحيح:«يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أول وهلة؛ لأنّ الولد لا يخرج منها حتى تشقّ فتذهب عذرتها،ثم ترجم المرأة لأنّها محصنة،و ينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها و يردّ إلى أبيه

ص:26


1- في«ح» و«ب»:للنادر.
2- في ص 19.
3- في«ب»:الافتضاض.
4- السرائر 3:465.

صاحب النطفة،ثم تجلد الجارية الحدّ» الخبر (1)،و في معناه غيره (2).

و هي مع استفاضتها،و صحّة بعضها لا قصور فيها إلّا من حيث الدلالة على رجم المحصنة،مع أنّ الأكثر لم يقولوا به،و هذا القصور مع اختصاصه بهم،دون الشيخ (3)و من تبعه (4)غير قادح في الحجّية؛ فإنّ خروج بعض الرواية عنها بدلالة خارجيّة أقوى لا يوجب خروجها عنها طرّاً،و إن هي (5)إلّا كالعامّ المخصَّص،الذي هو حجّة في الباقي كما عرفته مراراً.

مع احتمال القول برجم المحصنة هنا خاصّة؛ عملاً بهذه النصوص في موردها،و جمعاً بينها و بين ما مرّ من الدليل على عدم رجم المساحقة مطلقاً،كما ذكره بعض الأجلّة (6).

لكن فيه زيادةً على ما عرفته من كونه خلاف ظاهر الجماعة عدم قبول الصحيح منها لهذا الجمع من حيث تعليله رجم الزوجة بأنّها محصنة، و هو كالصريح في عدم مدخليّة للخصوصيّة،و أنّ (7)الإحصان من حيث هو هو العلّة في رجمها.

القيادة

و أمّا القيادة ،فهي:الجمع بين الرجال و النساء للزناء،و الرجال

ص:27


1- الكافي 7:1/202،الوسائل 28:167 أبواب حدّ السحق و القيادة ب 3 ح 1.
2- التهذيب 10:211/58،الوسائل 28:169 أبواب حدّ السحق و القيادة ب 3 ح 3.
3- النهاية:707.
4- كالقاضي في المهذب 2:531،و ابن حمزة في الوسيلة:414.
5- في«ن» زيادة:حينئذ.
6- انظر مجمع الفائدة 13:123.
7- في«س»،«ن»:فإنّ.

و الصبيان و النساء للّواط و السحق.

و يثبت بشاهدين عدلين أو الإقرار من القائد البالغ العاقل المختار مرّتين بلا خلاف؛ للعموم،و مقتضاه الثبوت بالثاني و لو مرّة، و لكن لا قائل به أجده،بل ظاهرهم الاتّفاق على اعتبار المرّتين،و مستندهم من دونه غير واضح.

و عن المراسم و المختلف (1):أنّ كلّ ما فيه بيّنة شاهدين من الحدود فالإقرار فيه مرّتين.

و الحدّ فيه خمس و سبعون جلدة بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الانتصار و الغنية و المسالك (2)،و به صريح الرواية الآتية و ليس فيها ما قيل من أنّه يحلق مع ذلك رأسه و يشهّر في البلد، لكنّه مشهور بين الأصحاب،مدّعى عليه في الانتصار و الغنية الإجماع،و هو كافٍ في الثبوت،سيّما مع الاعتضاد بفتوى المشهور،سيّما مثل الحلّي (3)، الذي لا يعمل بالآحاد،مع أنّه لا مخالف فيه صريحاً،و إنّما ظاهر المتن و غيره التردّد فيه،و لا وجه له بعد ما عرفته.

و يستوي فيه الحرّ و العبد،و المسلم و الكافر بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الانتصار و الغنية (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى إطلاق الرواية الآتية.

و ينفى عن بلده إلى غيره من الأمصار من غير تحديد لمدّة نفيه

ص:28


1- حكاه عنهما في كشف اللثام 2:410،و هو في المراسم:259،انظر المختلف:763.
2- الانتصار:254،الغنية(الجوامع الفقهية):622،المسالك 2:434.
3- السرائر 3:471.
4- الانتصار:254،الغنية(الجوامع الفقهية):622.

بأوّل مرّة وفاقاً للنهاية (1)و جماعة (2).

و قال المفيد و ابنا زهرة و حمزة و الديلمي (3)و غيرهم (4):إنّه إنّما ينفى في الثانية.

و الأول مرويّ في رواية عبد اللّه بن سنان التي هي الأصل في هذه المسألة-:عن القوّاد،قال:«يضرب ثلاثة أرباع حدّ الزاني خمسة و سبعين سوطاً،و ينفى من المصر الذي هو فيه» (5)و نحوه الرضوي (6).

و التصريح بأوّل مرّة و إن لم يقع في شيء منهما،لكنّه مقتضى الإطلاق جدّاً (7).

و الأحوط القول الثاني،بل لعلّه المتعيّن؛ للأصل،و دعوى الإجماع عليه في الغنية،و هو أرجح من الرواية المذكورة من وجوه،منها:صراحة الدلالة،فتقيّد به الرواية.

و لا نفي على المرأة،و لا جزّ و لا شهرة،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الانتصار و الغنية (8)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل،

ص:29


1- النهاية:710.
2- منهم ابن البرّاج في المهذب 2:534،ابن إدريس في السرائر 3:471،ابن سعيد في الجامع:557.
3- المفيد في المقنعة:791،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):622،ابن حمزة في الوسيلة:414،الديلمي في المراسم:257.
4- كالحلبي في الكافي في الفقه:410.
5- الكافي 7:10/261،الفقيه 4:100/34،التهذيب 10:235/64،الوسائل 28:171 أبواب حدّ السحق و القيادة ب 5 ح 1.
6- فقه الرضا(عليه السّلام):310،مستدرك الوسائل 18:87 أبواب حدّ السحق و القيادة ب 5 ح 1.
7- ليست في«س».
8- الانتصار:254،الغنية(الجوامع الفقهية):622.

و اختصاص الفتوى و الرواية بحكم التبادر بالرجل دون المرأة؛ مع منافاة النفي و الشهرة لما يجب مراعاته من ستر المرأة.

و ظاهر النفي في الفتوى و النصّ إنّما هو الإخراج من البلد،و لكن في الرضوي (1)و غيره (2):روي أنّ المراد به الحبس سنة أو يتوب.و الرواية مرسلة،فلا يعدل بها عن الظاهر بلا شبهة.

ص:30


1- فقه الرضا(عليه السّلام):310،مستدرك الوسائل 18:87 أبواب حدّ السحق و القيادة ب 5 ح 1.
2- لم نعثر عليه.

الفصل الثالث في حدّ القذف

الأول في الموجب

الفصل الثالث في بيان حدّ القذف و هو لغةً:الرمي بالحجارة،و شرعاً:قيل:رمي المسلم الحرّ الكامل المستتر بالزناء أو اللواط (1).

و هو حرامٌ بنصّ الكتاب (2)،و السنّة المستفيضة بل المتواترة (3)، مضافاً إلى إجماع الأُمّة.

و مقاصده أربعة:

الأول: في بيان الموجب للحدّ و هو الرمي بالزناء أو اللواط بمثل قوله:زنيت بالفتح أو:لطت،أو:أنت زان،أو:لائط، و شبهه من الألفاظ الدالّة على القذف صريحاً.

و كذا لو قال:يا منكوحاً في دُبُره أو:زنى بك فلان،و شبهه من الألفاظ الظاهرة فيه عرفاً،على إشكال فيها؛ لمجامعة الظهور الاحتمال الذي يدرأ به الحدود.

لكن ظاهرهم الاتّفاق على الحدّ في العبارة الأُولى منها،و به صرّح في المسالك (4)و غيره (5).

ص:31


1- التنقيح الرائع 4:358.
2- النور:4،23.
3- الوسائل 28:175 أبواب حد القذف ب 2.
4- المسالك 2:435.
5- الإيضاح 4:504،التنقيح 4:361.

و بالحدّ فيها صرّح بعض المعتبرة:«كان عليّ(عليه السّلام)يقول:إذا قال الرجل للرجل:يا معفوج (1)،يا منكوحاً في دبره،فإنّ عليه الحدّ حدّ القاذف» (2).

و قصور السند مجبور بالعمل،و بابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه.

فلا إشكال في الحدّ بها،و إنّما الإشكال فيما عداها إن لم يكن ثبوته به إجماعاً.

و أيضاً يعتبر في القاذف معرفته بموضع (3)اللفظ بأيّ لغةٍ اتّفق و إن لم يعرف المواجه معناه إذا كانت مفيدة للقذف في عرف القائل أي عرف لغته التي يتلفّظ بها.

و لا حدّ مع جهالة قائلها (4) بمدلوله اتّفاقاً؛ للأصل،و عدم صدق القذف حينئذٍ قطعاً.فإن عرف أنّها تفيد فائدةً يكرهها المواجه عُزِّر،و إلّا فلا. و كذا لو قال لمن أقرّ ببنوّته أو حكم الشرع بلحوقه به: لستَ ولدي أو قال لغيره:لستَ لأبيك،فيُحَدّ لاُمّه،بلا خلاف،بل ظاهر الأصحاب الإجماع عليه كما في المسالك (5)؛ و هو الحجّة الدافعة للإشكال

ص:32


1- في حاشية«ب»:يا موطوء.و في الصحاح 1:329،العفج:يكنّى به عن الجماع.
2- الكافي 7:16/208،التهذيب 10:245/67،الوسائل 28:177 أبواب حدّ القذف ب 3 ح 2.
3- في«ب»:بموضوع.
4- في المختصر المطبوع:..جهالته فائدتها.
5- المسالك 2:435.

المتقدم إليه الإشارة،الجاري هنا أيضاً؛ بناءً على عدم صراحة الألفاظ المزبورة في القذف باحتمال الإكراه في وطء الأُمّ أو الشبهة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة:

ففي القويّ بالسكوني و صاحبه:«من أقرّ بولد ثم نفاه جُلِد الحدّ و أُلزم الولد» (1).

و في الخبر:الرجل ينتفي من ولده و قد أقرّ به،فقال:«إن كان الولد من حرّة جُلد خمسين سوطاً،و إن كان من أمة فلا شيء عليه» (2)فتأمّل .

و في آخر:«إنّ عليّاً(عليه السّلام)كان يعزِّر في الهجاء،و لا يجلد الحدّ إلّا في الفرية المصرّحة،بأن يقول:يا زاني،أو:يا ابن الزانية،أو:لست لأبيك» (3)و نحوه آخر (4).

قيل:و في الحسن مثلهما (5).و لم أقف عليه (6).

و ظاهرها كما ترى كون:«لست لأبيك» من الألفاظ الصريحة،و به صرّح في المسالك،فقال:هذه الصيغة عندنا من الألفاظ الصريحة لغةً و عرفاً،فيثبت بها الحدّ لاُمّة (7).

ص:33


1- الكافي 7:8/261،الفقيه 4:113/36،التهذيب 10:338/87،الإستبصار 4:877/233،الوسائل 28:209 أبواب حدّ القذف ب 23 ح 1.
2- الكافي 7:11/262،الفقيه 4:122/38،التهذيب 10:329/83،الإستبصار 4:878/233،الوسائل 28:209 أبواب حدّ القذف ب 23 ح 2.
3- التهذيب 10:340/88،الوسائل 28:204 أبواب حدّ القذف ب 19 ح 6.
4- الفقيه 4:105/35،قرب الإسناد:176/54،الوسائل 28:205 أبواب حدّ القذف ب 19 ح 9.
5- كشف اللثام 2:411.
6- و المراد به هو حسن عبد اللّه بن سنان المصرَّح به في عبارة القائل.الكافي 7:1/205،الوسائل 28:176 أبواب حدّ القذف ب 2 ح 2.
7- المسالك 2:435.

و استشكله بعض الأجلّة لما عرفته،قال:إلّا أن يقال:قد صار عرفاً صريحاً في الرمي به،و هو حسن،إلّا أنّه لا ينفع عذراً لما في المسالك من دعوى الصراحة لغةً (1).

و لو قال:زنى بك أبوك أي ولدت من الزناء أو:يا ابن الزاني فالقذف لأبيه خاصّة أو قال: زنت بك أُمّك،فالقذف لاُمّه كذلك،فيُحَدّ للأب أو الأُمّ دون المواجه؛ لأنّه قذفٌ لهما حقيقةً دونه؛ لأنّه لم ينسب إليه فعلاً.لكن يعزّر له كما سيأتي؛ لتأذّيه به.

و لو قال:يا ابن الزانيين،فالقذف لهما دون المواجه؛ لما عرفته، و لا خلاف في شيء من ذلك و لا إشكال،و في النصوص دلالة عليه:

ففي الصحيح:«و إن قال لابنه و أُمّه حيّة:يا ابن الزانية،و لم ينتف من ولدها،جُلِد الحدّ لها،و لم يفرّق بينهما» الخبر (2)،فتدبر .

و إنّما يثبت الحدّ عليه لهما إذا كانا مسلمَين عاقلَين، حرَّين،محصَنَين،فلا يحدّ مع عدم الشرائط أو أحدها فيهما و إن كان المواجه متّصفاً بها،بل يعزّر لهما.

كما أنّه لو اتّصفا بها يحدّ لهما و لو كان المواجه كافراً أو عبداً.

و بالجملة:فاقد الشرائط و لو بعضاً؛ لأنّهما المقذوف دونه،فيتبع كلّاً منهم حكمه.

و لو قال للمسلم:يا ابن الزانية مثلاً و أُمّه كافرة،فالأشبه: أنّ عليه التعزير وفاقاً للحلّي (3)و عامّة المتأخّرين؛ للأصل،و انتفاء التكافؤ

ص:34


1- مجمع الفائدة 13:132.
2- الكافي 7:13/212،التهذيب 10:298/77،الوسائل 28:196 أبواب حدّ القذف ب 14 ح 1.
3- السرائر 3:520.

للقاذف أو علوّ المقذوف المشترط في ثبوت الحدّ،فإنّ المقذوف هنا الاُمّ، و هي غير مكافئة.

و قال الشيخ في النهاية و القاضي:إنّه يُحَدّ كاملاً (1)؛ لحرمة الولد،و للخبر عن مولانا الصادق(عليه السّلام):عن اليهوديّة و النصرانيّة تحت المسلم فيُقذَف ابنها،قال:« يُضرَب القاذف؛ لأنّ المسلم قد حصنها» (2).

و يضعف بعدم كفاية حرمة الولد،و ضعف الخبر سنداً،فإنّ فيه بنان ابن محمّد المجهول،و دلالةً:

تارةً:بأنّ قذف الابن أعمّ من نسبة الزناء إلى الأُمّ؛ مع أنّ القذف بذلك ليس قذفاً لابنها،بل لها.

و أُخرى:بأنّ ضرب القاذف أعمّ من الحدّ،فيحتمل التعزير،و نحن نقول به.

و في هذين الوجهين نظر؛ لمنافاة الأول قوله:«إنّ المسلم قد حصنها».

و الثاني موجّه على النسخة المتقدّمة و المرويّة في التهذيب،و لكن في الكافي بدل«يضرب القاذف»:«يضرب حدّا».

فإذاً الجواب عنه بضعف السند بمن مرّ كما في سنده في التهذيب، أو بمعلّى بن محمّد كما في سنده في الكافي.

و منه يظهر ما في المختلف من أنّه لا بأس بالعمل بهذه الرواية،فإنّها

ص:35


1- النهاية:725،القاضي في المهذّب 2:548.
2- الكافي 7:21/209،التهذيب 10:67،248/75،290،الوسائل 28:200 أبواب حدّ القذف ب 17 ح 6.

واضحة الطريق (1).

و لو سلّم وضوح الطريق،فالخبر غير مكافئ لما مرّ،من حيث اعتضاده بعمل الأكثر،و حصول الشبهة من جهة الخلاف الدارئة.

و لكن يعضد الخبر ما عن الإسكافي من أنّه مرويّ عن مولانا الباقر(عليه السّلام)،و أنّ الطبري روى:أنّ الأمر لم يزل على ذلك إلى أن أشار عبد اللّه بن عمر(على عمر بن عبد العزيز) (2)بأن لا يُحَدّ مسلم في كافر، فترك ذلك (3).

و لو قال:يا زوج الزانية،فالحدّ لها خاصّة و كذا لو قال:

يا أبا الزانية،أو:يا أخا الزانية ف إنّ الحدّ للمنسوبة إلى الزناء دون المواجه بالخطاب.

و لو عطف:يا أبا الزانية و ما بعده،على:يا زوج الزانية،و أسقط قوله:فالحدّ لها،مكتفياً للجميع بقوله:فالحدّ للمنسوبة كما فعله غيره كان أخصر،بل و أحسن،فإنّ ما ذكره ربما يوهم خصوصيّة في الشرطيّة الأُولى دون ما بعدها،أو بالعكس،حيث فصلت إحداهما عن الأُخرى،مع اتّحاد حكمهما،و انتفاء الخصوصيّة قطعاً،و كون دليلهما واحداً.

و لو قال:زنيتَ بفلانة،فللمواجه حدٌّ قطعاً؛ لقذفه بالزناء صريحاً.

و في ثبوته للمرأة المنسوب إليها زناه تردّد ينشأ:

من احتمال الإكراه بالنسبة إليها،و لا يتحقّق الحدّ مع الاحتمال،

ص:36


1- المختلف:780.
2- بدل ما بين القوسين في«س»:بن عبد العزيز.
3- حكاه عنه في غاية المراد 4:231.

و لظاهر الصحيح الوارد في نظير البحث:في رجل قال لامرأته:يا زانية أنا زنيت بك،قال:«عليه حدّ واحد لقذفه إيّاها،و أمّا قوله:أنا زنيت بك، فلا حدّ عليه فيه،إلّا أن يشهد على نفسه أربع مرّات بالزناء عند الإمام» (1).

فإنّه يعطي بظاهره أنّ قوله:زنيت بك،ليس قذفاً؛ حيث نفى الحدّ فيه أصلاً،و منه حدّ القذف،فتأمّل جدّاً .

و من أنّ الزناء فعل واحد،فإن كذب فيه بالنسبة إلى أحدهما كذب بالنسبة إلى الآخر.و وهنه واضح.

و لعدم الاعتداد بشبهة الإكراه في الشرع،و لذا يجب الحدّ إجماعاً على من قال:يا منكوحاً في دبره،و نحوه.و فيه منع،و إثباته بالمجمع عليه قياس.

و لتطرّق الاحتمال بالنسبة إلى كل منهما،فينبغي اندراء الحد عنه بالكلّية.و فيه:أنّ المكرَه على الزناء ليس زانياً.

و إلى الاحتمال الأول ذهب الحلّي،و مال إليه في التحرير (2).و إلى الثاني الشيخان (3)و جماعة (4)،و في الغنية و عن الخلاف (5)الإجماع عليه.

و لولاه لكان الأول أقوى؛ للشبهة الدارئة.

ص:37


1- الكافي 7:1/211،الفقيه 4:116/37،التهذيب 10:291/76،الوسائل 28:195 أبواب حد القذف ب 13 ح 1.
2- الحلّي في السرائر 3:520،التحرير 2:247.
3- المفيد في المقنعة:739،الطوسي في النهاية:725،المبسوط 8:16.
4- منهم ابن البراج في المهذّب 2:548،الحلبي في الكافي في الفقه:414،العلّامة في المختلف:780،فخر المحققين في الإيضاح 4:504،الشهيد الثاني في المسالك 2:435.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):623،انظر الخلاف 5:405.

و التعريض بالقذف كقوله لمن ينازعه و يعاديه:لست بزان و لا لائط و لا أُمّي زانية،و قوله:يا حلال ابن الحلال،و نحو ذلك- يوجب التعزير بلا خلاف؛ للصحيح:عن رجل سبّ رجلاً بغير قذف فعرّض به،هل يحدّ؟قال:«لا،عليه تعزير» (1)،و لما فيه من الإيذاء المحرّم الموجب له كما يأتي (2).

و كذا يعزّر لو قال لامرأته:لم أجدك عذراء قاصداً به وهنها (3)،كما صرّح به الحلّي (4)،لا مطلقاً،كما هو ظاهر العبارة و غيرها (5)،و يمكن حملها على الأول،كما هو الغالب في هذا القول جدّاً.

و الحكم بالتعزير هنا في الجملة أو مطلقاً هو المشهور بين الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في المختلف (6)؛ لظاهر الموثّق أو الصحيح:في رجل قال لامرأته:لم أجدك عذراء،قال:«يضرب» قلت:فإنّه عاد،قال:

«يضرب،فإنّه يوشك أن ينتهي» (7).

و الضرب فيه و إن لم يكن صريحاً في التعزير،بل أعمّ منه و من الحدّ،لكنّه مع ظهوره فيه محمول عليه؛ للأصل،و صريح الصحيح الآتي،المترجّح على مثله،المثبت للحدّ بما يأتي.

ص:38


1- الكافي 7:240،3/243،17،التهذيب 10:317/81،الوسائل 28:202 أبواب حدّ القذف ب 19 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- في ص:38.
3- في«ب»:الأذى.
4- السرائر 3:532.
5- كعبارة الشرائع 4:164،و التحرير 2:238،و القواعد 2:259،و المختلف:782.
6- المختلف:782.
7- التهذيب 10:299/77،الوسائل 22:437 كتاب اللعان ب 17 ح 2.

خلافاً للعماني،فأوجب الحدّ (1)؛ للصحيح:«إذا قال الرجل لامرأته:

لم أجدك عذراء،و ليست له بيّنة قال: يجلد الحدّ و يخلّى بينه و بينها» (2).

و يحتمل الحدّ فيه التعزير،أو اختصاصه بما إذا قصد بقوله المذكور الرمي بالزناء صريحاً و لو بقرينة الحال،و ينبّه عليه قوله(عليه السّلام):«و ليست له بيّنة».

و منه يظهر عدم إمكان الجمع بينه و بين الموثّق المتقدّم بحمل الضرب فيه على الحدّ؛ لكونه أعمّ منه،مضافاً إلى عدم إمكانه من وجه آخر،و هو اعتضاد ما ذكرناه من الجمع بالأصل،و الشهرة،و صريح بعض المعتبرة بوجود المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه في سنده فلا يضرّ ما فيه من الجهالة:في رجل قال لامرأته بعد ما دخل بها:لم أجدك عذراء، قال:«لا حدّ عليه» (3).

و ظاهر الصحيح:في رجل قال لامرأته:لم تأتني عذراء،قال:« ليس عليه شيء؛ لأنّ العذرة تذهب بغير جماع» (4)بناءً على أنّ الظاهر أنّ المراد من الشيء المنفيّ فيه إنّما هو خصوص الحدّ،لا التعزير،و إلّا لشذّ و ما ارتبط التعليل؛ فإنّ مقتضاه عدم القذف الصريح الذي هو مناط للحدّ،لا عدم الأذى الموجب للتعزير؛ لحصوله عادةً و إن احتمل الذهاب بغير جماع بل و تعيّن.

ص:39


1- حكاه عنه في المختلف:782.
2- التهذيب 10:302/78،الوسائل 22:438 أبواب اللعان ب 17 ح 5.
3- الفقيه 4:103/34،التهذيب 10:301/78،الوسائل 22:438 كتاب اللعان ب 17 ح 4.
4- الكافي 7:12/212،التهذيب 10:300/78،الاستبصار 3:1345/377،علل الشرائع:1/500،الوسائل 22:436 كتاب اللعان ب 17 ح 1.

و عن الإسكافي الموافقة له فيما لو قال ذلك عند مَرد (1)و سباب ، و المخالفة له في غيره (2).و هو ضعيف.

و بالجملة:فالظاهر ثبوت التعزير لو قال لها ذلك، أو قال لغيره مواجهاً أو غائباً ما يوجب أذى له،كالخسيس و الوضيع و الحقير، و كذا لو قال له: يا فاسق أو:يا خائن أو:يا شارب الخمر و نحو ذلك ممّا يوجب الأذى،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية (3)؛ للنصوص المستفيضة عموماً و خصوصاً في بعض الأمثلة:

كالخبر:عن رجل قال لآخر:يا فاسق،فقال:«لا حدّ عليه و يعزّر» (4).

و في آخر:«إذا قال الرجل:أنت خبيث (5)و أنت خنزير،فليس فيه حدّ،و لكن فيه موعظة و بعض العقوبة» (6).

و في ثالث:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في رجل دعا آخر:ابن المجنون،فقال له الآخر:أنت ابن المجنون،فأمر الأول أن يجلد صاحبه عشرين جلدة،و قال له:اعلم أنّه مستعقب (7)مثلها عشرين،فلمّا جلده

ص:40


1- و هو هتك العرض(القاموس 1:350)كذا في«ب»،و في«ن»:حرد.و هو الغضب(القاموس 1:297)،و في«ح»:جرد.
2- حكاه عنه في المختلف:782.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
4- الكافي 7:15/242،التهذيب 10:314/80،الوسائل 28:203 أبواب حدّ القذف ب 19 ح 4.
5- في«س»،«ن»:خنث.
6- الكافي 7:6/241،التهذيب 10:318/81،الوسائل 28:203 أبواب حدّ القذف ب 9 ح 2.
7- في الكافي:مستحق.

أعطى المجلود السوط فجلده (1)نكالاً ينكل بهما» (2).

و في رابع:شكا رجل إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)مَن قال له:احتلمت بأُمّك،فقال(عليه السّلام):«سنوجعه ضرباً وجيعاً حتى لا يؤذي المسلمين،فضربه» الخبر (3).و يستفاد منه الحكم عموماً أيضاً.

و في خبرين:أنّه(عليه السّلام)كان يعزّر في الهجاء (4).

فلا إشكال في الحكم مطلقاً ما لم يكن المؤذي متظاهراً بمعصية اللّه تعالى،و لو تظاهر فلا تعزير؛ لاستحقاقه الاستخفاف،بل كان المؤذي مثاباً بذلك مأجوراً،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الغنية (5)؛ لأنّه من النهي عن المنكر.

و قد ورد أنّ من تمام العبادة الوقوع في أهل الريب (6).

و عن مولانا الصادق(عليه السّلام):« إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة» (7).

و عنه(عليه السّلام)قال:«قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):إذا رأيتم أهل الريب و البدع

ص:41


1- في«ب» و الفقيه زيادة:عشرين.
2- الكافي 7:11/242،الفقيه 4:108/35،التهذيب 10:319/81،الوسائل 28:203 أبواب حدّ القذف ب 19 ح 3.
3- التهذيب 10:313/80،الوسائل 28:210 أبواب حدّ القذف ب 24 ح 1.
4- أحدهما في:الكافي 7:19/243،التهذيب 10:320/82،الوسائل 28:204 أبواب حدّ القذف ب 19 ح 5. و الآخر في:التهذيب 10:340/88،الوسائل 28:204 أبواب حدّ القذف ب 19 ح 6.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
6- السرائر 3(المستطرفات):644.
7- أمالي الصدوق:7/42،الوسائل 12:289 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 4.

من بعدي فأظهروا البراءة منهم،و أكثروا من سبّهم،و القول فيهم، و باهتوهم لئلّا يطمعوا في الفساد في الإسلام،و يحذرهم الناس،و لا تعلّموا من بدعهم،يكتب اللّه تعالى لكم بذلك الحسنات،و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة» (1)إلى غير ذلك (2).

و لا تصحّ مواجهته بما يكون نسبته إليه كذباً؛ لحرمته،و إمكان الوقيعة فيه من دونه.

و هل يشترط مع ذلك جعله على طريق النهي عن المنكر فيشترط بشروطه،أم يجوز الاستخفاف به مطلقاً؟ ظاهر إطلاق النصّ و الفتوى:الثاني،و الأول أحوط .

و يثبت القذف و كلّ ما فيه التعزير بالإقرار مرّتين من المكلّف الحرّ المختار،و بشهادة عدلين بلا خلاف و لا إشكال؛ للعموم.

و إنّما الإشكال في عدم ثبوته بالمرّة من الإقرار كما هو ظاهر العبارة، مع أنّ عموم«إقرار العقلاء» يقتضي الثبوت بها،و لكن ظاهر الأصحاب خلافه،و كأنّه إجماعيٌّ و إن أشعر عبارة الماتن في الشرائع (3)بنوع تردّد له فيه،بل بوجود مخالف أيضاً،و لكن لم نقف عليه.

و يشترط في القاذف الذي يحدّ كاملاً البلوغ،و العقل و الاختيار،و القصد،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في التحرير (4)و غيره (5)؛

ص:42


1- الكافي 2:4/375،الوسائل 16:267 أبواب الأمر و النهي ب 39 ح 1؛ بتفاوت.
2- انظر الوسائل 16:267 أبواب الأمر و النهي ب 39.
3- الشرائع 4:167.
4- التحرير 2:238.
5- كشف اللثام 2:412.

و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل،و الخبر في الأول:عن الغلام لم يحتلم يقذف الرجل،هل يجلد؟قال:«لا؛ و ذلك لو أنّ رجلاً قذف الغلام لم يحدّ» (1).

و الصحيح الآتي و غيره (2)في الثاني.

فالصبيّ لا يحدّ بالقذف و لو كان المقذوف كاملاً،بل يعزّر و كذا المجنون لا يُحَدّ بقذفه أحداً و لو كان كاملاً،بل يعزّر.

و ينبغي تقييد التعزير فيه بكونه ممّن يرجى منه الكفّ به؛ لئلّا يلغو.

و منه يظهر وجه أنّه ينبغي تقييده في الصبي بكونه مميّزاً،و إلّا فتعزيره قبيح عقلاً،فكذا شرعاً.

و وجه التعزير فيهما مع القيد حسم مادّة الفساد،و هو الأصل في شرعيّة الحدود و التعزيرات،و إلّا فلم أجد نصّاً بتعزيرهما هنا.

و وجه اشتراط القصد و الاختيار هنا واضح،كما في سائر المواضع.

الثاني في المقذوف

الثاني: في بيان المقذوف الذي يُحَدّ قاذفه كاملاً.

و يشترط فيه لذلك:الإحصان،بلا خلاف،كما في الآية الكريمة وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً [1] (3).

و لمّا كان له معانٍ متعدّدة قالوا:المراد به هنا: البلوغ،و كمال العقل،و الحرّية،و الإسلام،و الستر أي العفّة عن الزناء و اللواط و عدم

ص:43


1- الكافي 7:5/205،التهذيب 10:251/68،علل الشرائع:1/534،الوسائل 28:185 أبواب حدّ القذف ب 5 ح 1.
2- في ص 42.
3- النور:4.

التظاهر بهما.

فمن قذف صبيّاً أو مجنوناً أو مملوكاً أو كافراً أو متظاهراً بالزناء و اللواط لم يُحَدّ و يعزَّر إجماعاً كما في كلام جماعة (1)،و النصوص به مع ذلك مستفيضة:

منها زيادةً على ما مرّ إليه الإشارة الصحيح (2)و غيره (3):«لا حدّ لمن لا حدّ عليه» يعني:لو أنّ مجنوناً قذف رجلاً لم أر عليه شيئاً،و لو قذفه رجل فقال له:يا زان،لم يكن عليه حدّ.

و الصحيح:في الرجل يقذف الصبية يجلد؟قال:«لا،حتى تبلغ» (4).

و منها:«من افترى على مملوك عزّر لحرمة الإسلام» (5).

و منها:«لو أُتيت برجل قد قذف عبداً مسلماً بالزناء لا نعلم منه إلّا خيراً لضربته الحدّ حدّ الحرّ إلّا سوطاً» (6).

و منها:عن الافتراء على أهل الذمّة و أهل الكتاب هل يجلد المسلم الحدّ في الافتراء عليهم؟قال:«لا،و لكن يعزّر» (7).

ص:44


1- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:412،و المقدّس الأردبيلي في زبدة البيان:661.
2- الكافي 7:2/253،الوسائل 28:42 أبواب مقدمات الحدود ب 19 ح 1.
3- دعائم الإسلام 2:1634/462،مستدرك الوسائل 18:95 أبواب حدّ القذف ب 5 ح 1.
4- الكافي 7:23/209،الوسائل 28:186 أبواب حدّ القذف ب 5 ح 4.
5- التهذيب 10:269/71،علل الشرائع:2/538،الوسائل 28:181 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 12.
6- الكافي 7:17/208،الفقيه 4:119/37،التهذيب 10:266/71،الوسائل 28:178 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 2.
7- الكافي 7:18/243،التهذيب 10:289/75،الوسائل 28:200 أبواب حدّ القذف ب 17 ح 4.

و قد مرّ ما يدلّ على اعتبار الستر (1).

و أمّا الخبر:«كلّ بالغ من ذكر أو أُنثى افترى على صغير أو كبير،أو ذكر أو أُنثى،أو مسلم أو كافر،أو حرّ أو مملوك،فعليه حدّ الفرية» (2)فمع إرساله،شاذّ لا عامل به،و حمله الشيخ على الافتراء على أحد أبوي الصغير أو المملوك أو الكافر مع إسلامه و حرّيته و غيره؛ على أنّ المراد بالحدّ فيه ما يعمّ التعزير.و لا بأس به و إن بَعُدَ جمعاً.

و ظاهر العبارة و جماعة تعزير قاذف المتظاهر بالزناء (3).

و هو خلاف ما دلّ على نفي تعزيره (4)؛ معلّلاً بعدم حرمته.و لذا مال الشهيدان إلى العدم (5)،و وجّه ثانيهما ما هنا بعموم الأدلّة (6)(7)و قبح القذف مطلقاً،بخلاف مواجهة المتظاهر بالزناء بغيره من أنواع الأذى.و هو كما ترى.

نعم،ربما يؤيّده فحوى ما دلّ على تعزير قاذف الكافر،فتأمّل .

و كذا يشترط فيه انتفاء البنوّة ف الأب لو قذف ولده المحصن لم يحدّ،بل يعزّر.

و كذا لو قذف زوجته الميّتة و لا وارث لها إلّا ولده،نعم،لو كان لها

ص:45


1- في ص:19.
2- الفقيه 4:114/36،التهذيب 10:343/89،الإستبصار 4:881/234،الوسائل 28:186 أبواب حدّ القذف ب 5 ح 5.
3- منهم العلّامة في التحرير 2:238،و القواعد 2:261،و الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 9):180،و الفاضل المقداد في كنز العرفان 2:346.
4- المتقدّم في ص 40.
5- اللمعة و الروضة 9:181.
6- الوسائل 28:173 أبواب حدّ القذف ب 1.
7- كذا في«س» و المصدر،و في«ن»:أو،و في«ح»:في.

ولد من غيره كان لهم الحدّ تامّاً.

كلّ ذلك للصحيح:عن رجل قذف ابنه[بالزناء]فقال:«لو قتله ما قتل به،و إن قذفه لم يجلد له» قال:«و إن كان قال لابنه:يا ابن الزانية، و أُمّه ميّتة،و لم يكن لها من يأخذ بحقّها منه إلّا ولدها[منه]،فإنّه لا يقام عليه الحدّ؛ لأنّ حقّ الحدّ قد صار لولده منها؛ و إن كان لها ولد من غيره فهو وليّها[يجلد له]؛ و إن لم يكن لها ولد من غيره،و كان لها قرابة يقومون بحقّ الحدّ،جلد لهم» (1).

و لا خلاف في شيء من ذلك و لا في أنّه يحدّ الولد لو قذفه أي قذف الأب- و كذا يحدّ لو قذف الأُمّ أو الأقارب مطلقاً، و يحدّون لو قذفوه؛ للعموم.

الثالث في الأحكام

الثالث: في بيان الأحكام.

فلو قذف شخصٌ جماعة واحداً بعد واحد،فلكلّ واحد حدّ،و لو قذفهم بلفظ واحد ك:يا زناة- فعليه للجميع حدّ واحد إن طالبوا مجتمعين،و إن افترقوا في المطالبة فلكلّ واحد حدّ على الأظهر الأشهر،و في الغنية و السرائر الإجماع عليه (2)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الصحيح:في رجل افترى على قوم جماعة،فقال:«إن أتوا به مجتمعين ضرب حدّا واحداً،و إن أتوا به متفرّقين ضرب لكلّ واحد حدّا» (3)و نحوه أخبار أُخر (4)،قصور أسانيدها أو ضعفها بالشهرة العظيمة

ص:46


1- الكافي 7:13/212،التهذيب 10:298/77،الوسائل 28:196 أبواب حدّ القذف ب 14 ح 1؛ و ما بين المعقوفين من المصدر.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):623،السرائر 3:519.
3- الكافي 7:1/209،التهذيب 10:254/68،الإستبصار 4:848/227،الوسائل 28:192 أبواب حدّ القذف ب 11 ح 1.
4- انظر الوسائل 28:192 أبواب حد القذف ب 11.

منجبر.

و إنّما حملت على ما لو كان القذف بلفظ واحد مع كونه أعمّ،جمعاً بينه و بين الحسن:في رجل قذف قوماً جميعاً،قال:«بكلمة واحدة؟» قلت:نعم،قال:«يضرب حدّا واحداً،و إن فرّق بينهم في القذف ضرب لكلّ واحد منهم حداً» (1)بحمل الأولة على ما لو كان القذف بلفظ واحد، و الأخير على ما لو جاءُوا به مجتمعين.

و عكس الإسكافي،فجعل القذف بلفظ واحد موجباً لاتّحاد الحدّ مطلقاً،و بلفظ متعدّد موجباً للاتّحاد إن جاءُوا مجتمعين،و للتعدّد إن جاءُوا متفرّقين (2).

و نفى عنه البأس في المختلف؛ محتجّاً بدلالة الخبر الأول عليه،و هو أوضح طريقاً (3).

و فيه نظر؛ لأنّ تفصيل الأول شامل للقذف المتّحد و المتعدّد،فالعمل به يوجب التفصيل فيهما.و الظاهر أنّ قوله فيه:جماعة،صفة للقوم؛ لأنّه أقرب و أنسب بالجماعة،لا للقذف،و إنّما يتّجه قوله لو جعل صفة للقذف المدلول عليه بالفعل،و أُريد بالجماعة القذف المتعدّد.و هو بعيد جدّاً،بل الظاهر ما ذكرناه،أو ما قيل (4)من أنّ المراد بقوله:جماعة،اجتماعهم في الفرية،بمعنى:قذفهم بكلمة واحدة،و عليه فلا يكون القذف في الخبر

ص:47


1- الكافي 7:2/209،التهذيب 10:256/69،الإستبصار 4:851/227،الوسائل 28:192 أبواب حدّ القذف ب 11 ح 2.
2- حكاه عنه في المختلف:781.
3- المختلف:781.
4- انظر مرآة العقول 23:321.

أعمّ من المتّحد و المتعدّد،بل ظاهر في الأول،و يكون التعارض بينه و بين الخبر الأخير تعارض المطلق و المقيّد من وجه واحد؛ و لا كذلك على تقدير الأعمّية،فإنّ كلّاً منهما مطلق من وجه و مقيّد من آخر؛ و على التقديرين يجب حمل المطلق على المقيّد من طرف واحد،أو من الطرفين.

و هنا قولان آخران للصدوق،أحدهما في الفقيه و المقنع (1)،و ثانيهما في الهداية (2).و هما شاذّان غير واضحي المستند،أو ضعيفة.

و حدّ القذف يُورَث لو مات المقذوف قبل استيفائه و العفو عنه كما يُوَرث المال،و لكن لا يرث الزوج و لا الزوجة بل و لا غيرهما من ذوي الأسباب،عدا الإمام،فيرثه،و لكن ليس له العفو،كما في الغنية، مدّعياً عليه و على أصل الحكم إجماع الإماميّة (3)،كما عن الخلاف (4)و في غيره (5)أيضاً لكن على الثاني خاصّة؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة فيه:

منها زيادةً على ما يأتي إليه الإشارة الصحيح المتقدّم (6)فيمن قذف زوجته و هي ميتة و لها قرابة يقومون بحقّ الحدّ،قال:«جلد لهم».

و أمّا الخبر:«الحدّ لا يورث» (7)فمع قصور سنده بالسكوني

ص:48


1- الفقيه 4:38،المقنع:149.
2- الهداية:76.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
4- الخلاف 5:406.
5- السرائر 3:521.
6- في ص 44.
7- الكافي 7:2/255،التهذيب 10:328/83،الإستبصار 4:882/234،الوسائل 28:46 أبواب مقدّمات الحدود ب 23 ح 2.

و صاحبه،محمول على ما ذكره الشيخ و غيره (1)من أنّ المراد أنّه لا يورث في أنّ كلّ واحد منهم يأخذ نصيبه و إن كان لكلّ واحد من الورثة المطالبة به على الكمال،كما في صريح الموثّق:«إنّ الحدّ لا يورث كما يورث التركة و المال و العقار،و لكن من قام به من الورثة يطلبه فهو وليّه،و من تركه فلم يطلبه فلا حقّ له،و ذلك مثل رجل قذف رجلاً و للمقذوف أخَوان،فإن عفا أحدهما كان[للآخر]أن يطالبه بحقّه؛ لأنّها أُمّهما جميعاً،و العفو إليهما جميعاً» (2).

و يحتمل الحمل على التقيّة؛ لما ذكره بعض الأجلّة من أنّه قول للعامّة،قال:و لهم قول آخر بأنّه يرثه العصبات (3).و يعضده كون الراوي هو السكوني الذي هو من قضاتهم.

و لو قال:ابنك زان أو:لائط أو:بنتك زانية،فالحدّ لهما مع بلوغهما و عقلهما،لا للمواجه؛ لما مرّ من أنّه لم ينسب إليه فعلاً قبيحاً (4)، و لازم ذلك أنّ حقّ المطالبة و العفو فيه للمقذوف خاصّة كما في غيره من الحقوق،و إلى هذا ذهب الحلّي (5)و عامّة المتأخّرين.

و قال الشيخ في النهاية و المفيد و القاضي:إنّ له أي

ص:49


1- الشيخ في الاستبصار 4:234؛ و انظر المسالك 2:437،و كشف اللثام 2:414.
2- الكافي 7:1/255،التهذيب 10:327/83،الإستبصار 4:883/235،الوسائل 28:45 أبواب مقدّمات الحدود ب 23 ح 1؛ بدل ما بين المعقوفين في النسخ:للرجل،و ما أثبتناه من المصدر.
3- انظر كشف اللثام 2:414.
4- في ص 33.
5- السرائر 3:519.

للأب المواجه- المطالبة للحدّ و العفو عنه (1)؛ و الحجّة عليه غير واضحة،عدا ما في المختلف من أنّ العار لاحق به،فله المطالبة بالحدّ و العفو (2).و الكبرى ممنوعة.

هذا،إن لم يسبقه الولدان إلى أحد الأمرين،و لو سبقاه إليه لم يكن له ذلك بلا خلاف فيه،و لا في أنّ للأب الاستيفاء إذا قُذِفا و ولايته ثابتة عليهما؛ قيل (3):لأنّهما غير صالحين للاستيفاء أو العفو،و التأخير معرّض للسقوط.و كذا لو ورث الولد الصغير و من في معناه حدّا كان للأب الاستيفاء أيضاً.و في جواز العفو له في الصورتين إشكال (4).

و لو ورث الحدّ جماعة،فعفا عنه أحدهم،كان لمن بقي و لو واحداً الاستيفاء له على التمام بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الغنية (5)،و به صرّحت الموثّقة المتقدّمة.

و يقتل القاذف في المرّة الرابعة إذا حدّ ثلاثاً على الأشهر الأقوى،و في الغنية عليه إجماعنا (6).

و قيل كما عن الحلّي (7)-:إنّه يقتل في الثالثة للصحيح العامّ في كلّ كبيرة (8)؛ و فيه ما عرفته غير مرّة.

ص:50


1- النهاية:724،المفيد في المقنعة:794،القاضي في المهذّب 2:547.
2- المختلف:780.
3- ليست في«ب».
4- كشف اللثام 2:414.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
7- السرائر 3:519.
8- الكافي 7:2/191،الفقيه 4:182/51،التهذيب 10:369/95،الإستبصار 4:791/212،الوسائل 28:19 أبواب مقدّمات الحدود ب 5 ح 1.

و الحدّ ثمانون جلدة بنصّ الكتاب (1)،و الإجماع،و السنّة المستفيضة (2) حرّا كان القاذف أو عبداً على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،و في صريح الغنية و ظاهر النكت و الروضة و عن الخلاف و غيره أنّ عليه إجماع الإماميّة (3)؛ لعموم الأدلّة،و صريح المعتبرة المستفيضة:

منها الصحيح:«إذا قذف العبد الحرّ جُلِد ثمانين،هذا من حقوق الناس» (4).

و نحوه الموثّق (5)و الحسن (6)بزيادة في آخرهما،و هي قوله:«فأمّا ما كان من حقوق اللّه تعالى فإنّه يضرب نصف الحدّ» قلت:الذي يضرب نصف الحدّ فيه ما هو؟قال:«إذا زنى أو شرب خمراً فهذا من حقوق اللّه تعالى التي يضرب فيها نصف الحدّ».

خلافاً للصدوق و المبسوط،فعلى المملوك أربعون (7)؛ لقوله تعالى فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ [1] (8)

ص:51


1- النور:4.
2- انظر الوسائل 28:175 أبواب حدّ القذف ب 2.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):622،غاية المراد 4:230،الروضة 9:188،الخلاف 5:403،و انظر:فقه القرآن 2:389،و المسالك 2:436.
4- الكافي 7:1/234،التهذيب 10:270/72،الإستبصار 4:853/228،الوسائل 28:179 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 4.
5- التهذيب 10:277/73،الإستبصار 4:860/229،الوسائل 28:182 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 14.
6- الكافي 7:19/237،التهذيب 10:275/72،الإستبصار 4:858/228،الوسائل 28:181 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 10.
7- الصدوق في المقنع:148،المبسوط 8:16.
8- النساء:25.

و للخبر:عن العبد يفتري على الحرّ كم يجلد؟قال:« أربعين» و قال:

« إذا أتى بفاحشة فعليه نصف» (1).

و لفحوى ما دلّ على تنصيف حدّه في الزناء (2)؛ بناءً على أشدّيته من القذف جدّاً.

و يضعّف الجميع بأنّ المراد من الفاحشة هو الزناء خاصّة كما نقله عن المفسّرين جماعة (3)،و يظهر من اقترانهنّ بالمحصنات.

و الرواية مع ضعف سندها و شذوذها كما صرّح به جماعة (4)لا تعارض المعتبرة المستفيضة المتقدّمة،المعتضدة بعموم الآية،و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة كما حكاه جماعة حدّ الاستفاضة،فيجب طرحها،أو حملها على التقية؛ لموافقتها لمذهب أكثر العامّة كالشافعي و أبي حنيفة كما صرّح به بعض الأجلّة (5).

و الأولويّة ممنوعة؛ لوجود الفارق بين الزناء و القذف،بكونه حقّ الناس،و حدّ الزناء حقّ اللّه سبحانه،كما نطقت به الأخبار السابقة،و هو أسهل منه،كما يستفاد منها و من غيرها من المعتبرة (6).و لو سلّمت

ص:52


1- التهذيب 10:278/73،الإستبصار 4:861/229،الوسائل 28:183 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 15،و في الجميع:نصف العذاب.
2- الوسائل 28:133 أبواب حد الزنا ب 31.
3- انظر المسالك 2:436،الروضة 9:177،التنقيح الرائع 4:364،كشف اللثام 2:412،المفاتيح 2:86.
4- منهم الشيخ في التهذيب 10:73،فخر المحقّقين في الإيضاح 4:507،الفاضل المقداد في التنقيح 4:364،الشهيد الثاني في الروضة 9:177.
5- مجمع الفائدة 13:140،ملاذ الأخيار 16:145.
6- الكافي 7:9/235،التهذيب 10:273/72،الوسائل 28:180 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 8.

فلا تعارض صريح الأدلّة،فينبغي الخروج عنها بها بلا شبهة.

و في الصحيح:العبد يفتري على الحرّ،فقال:«يجلد حدّا إلّا سوطاً أو سوطين» (1).

و في الموثّق:«عليه خمسون جلدة» (2).

و حملهما الشيخ على الافتراء بما ليس قذفاً.

و في الصحيح:قال في رجل دعي لغير أبيه:«أقم بيّنتك أُمكّنك منه» فلمّا أتى بالبيّنة قال:إنّ امّه كانت أمة،قال:«ليس عليك حدّ،سبّه كما سبّك،أو اعف عنه» (3).

و يمكن أن يكون السؤال عن رجل ادّعى على آخر أنّه دعاه لغير أبيه،فطلب(عليه السّلام)منه البيّنة،فلمّا أتى بها شهدت بأنّه قال له:إنّ امّه كانت أمة لا أنّه دعاه لغير أبيه،فقال(عليه السّلام):«سبّه كما سبّك أو اعف عنه» و يمكن أن يكون الأمر كذلك في مثل هذا الكلام إذا وجّه به أحد.

و يجلد القاذف بثيابه المعتادة و لا يجرّد عنها كما يجرّد الزاني و لا يضرب ضرباً شديداً،بل يضرب ضرباً متوسّطاً اتّفاقاً على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة:

منها الموثّق:«المفتري يضرب بين الضربين،يضرب جسده كلّه

ص:53


1- التهذيب 10:279/74،الإستبصار 4:862/230،الوسائل 28:184 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 19.
2- التهذيب 10:281/74،الإستبصار 4:864/230،الوسائل 28:184 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 20.
3- التهذيب 10:342/88،الإستبصار 4:867/230،الوسائل 28:183 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 17.
4- كشف اللثام 2:414.

فوق ثيابه» (1).

و لا يعزّر الكفّار مع التنابز بالألقاب،أي تداعيهم بها إذا اشتملت على ذمّ؛ و كذا تعييرهم بالأمراض،إلّا أن يخشى حدوث فتنة فيحسمها الإمام بما يرى.كذا قالوه،و لعلّه لا خلاف فيه،و لكن نسبه الماتن في الشرائع إلى القيل (2)،المشعر بالتمريض.

و كأنّ وجهه:أنّ ذلك فعل محرّم يستحقّ فاعله التعزير،و الأصل عدم سقوطه بمقابلة الآخر بمثله،بل يجب على كلّ منهما ما اقتضاه فعله، فسقوطه يحتاج إلى دليل.

و له وجه لولا الشهرة القريبة من الإجماع،المؤيّدة بفحوى جواز الإعراض عنهم في الحدود و الأحكام فهنا أولى،و ما دلّ على سقوط الحدّ بالتقاذف،كالصحيحين:في أحدهما:عن رجلين افترى كلّ واحد منهما على صاحبه،فقال:«يدرأ عنهما الحدّ و يعزّران» (3)فالتعزير أولى.

و في التأييد الثاني نظر،بل ربما كان في تأييد الخلاف أظهر،فتدبّر.

الرابع في اللواحق
الأولى يقتل من سبّ النبيّ ص

الرابع: في اللواحق و هي خمس مسائل :

الأُولى: يقتل من سبّ النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)،و كذا من سبّ أحد

ص:54


1- الكافي 7:4/213،التهذيب 10:264/70،الوسائل 28:197 أبواب حدّ القذف ب 15 ح 3.
2- الشرائع 4:166.
3- الكافي 7:2/240،التهذيب 10:316/81،الوسائل 28:201 أبواب حدّ القذف ب 18 ح 1. و أورد الآخر في:الكافي 7:14/242،الفقيه 4:128/39،التهذيب 10:307/79،الوسائل 28:202 أبواب حدّ القذف ب 18 ح 2.

الأئمّة(عليهم السّلام) بلا خلاف،بل عليه الإجماع في كلام جماعة (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة:

منها النبويّ الخاصّي:«من سمع أحداً يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من شتمني و لا يرفع إلى السلطان،و الواجب على السلطان إذا رفع إليه أن يقتل من نال منّي» (2).

و منها:عمّن سُمِع يشتم علّياً(عليه السّلام)،فقال:«هو و اللّه حلال الدم،و ما ألف رجل منهم برجل منكم،دعه» (3).

و يستفاد من الرواية الاُولى:أنّه يحلّ دمه لكلّ سامع من غير توقّف على إذن الإمام،كما هو المشهور،بل عليه في الغنية الإجماع (4).

خلافاً للمحكيّ عن المفيد و المختلف،فلم يجوِّزا قتله بغير إذنه (5)؛ للخبر:إنّ أبا بحير عبد اللّه بن النجاشي سأل الصادق(عليه السّلام)فقال:إنّي قتلت ثلاثة عشر رجلاً من الخوارج كلّهم سمعتهم يبرأ من عليّ بن أبي طالب(عليه السّلام)،فقال(عليه السّلام):«لو كنت قتلتهم بأمر الإمام لم يكن عليك في قتلهم شيء،و لكنّك سبقت الإمام،فعليك ثلاث عشرة شاة تذبحها بمنى

ص:55


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:438،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:415،و الكاشاني في المفاتيح 2:105.
2- الكافي 7:32/266،التهذيب 10:331/84،الوسائل 28:212 أبواب حدّ القذف ب 25 ح 2.
3- الكافي 7:43/269،التهذيب 10:335/86،الوسائل 28:215 أبواب حدّ القذف ب 27 ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
5- حكاه عنهما في كشف اللثام 2:416،و هو في المقنعة:743،و في المختلف:821.

و تتصدّق بلحمها لسبقك الإمام،و ليس عليك غير ذلك» (1)و نحوه المرفوع (2).

و من (3)الثانية و غيرها (4)مع عموم نفي الضرر:اشتراط القتل بما إذا أمن القاتل و لم يخف على نفسه أو ماله أو على مؤمن نفساً أو مالاً، و [أما] انتفاء الجواز مع الخوف على شيء من ذلك،و لا خلاف فيه في الظاهر.

و في إلحاق باقي الأنبياء بهم(عليهم السّلام)وجه قوي؛ لأنّ تعظيمهم و كمالهم قد علم من دين الإسلام ضرورةً،فسبّهم ارتداد،فتأمّل ؛ مع أنّ في الغنية ادّعى عليه إجماع الإماميّة (5).

لكن عن المبسوط:أنّه روي عن عليّ(عليه السّلام)أنّه قال:«لا أُوتى برجل يذكر أنّ داود(عليه السّلام)صادف المرأة إلّا جلدته مائة و ستّين [سوطا] ،فإنّ جلد الناس ثمانون،و جلد الأنبياء مائة و ستّون» (6)فتأمّل .و هو ضعيف.

و ألحق في التحرير (7)و غيره (8)بالنبيّ(صلّى اللّه عليه و آله):اُمّه و بنته،من غير تخصيص بفاطمة(سلام اللّه عليها).

ص:56


1- رجال الكشّي 2:634/632،الوسائل 29:230 أبواب ديات النفس ب 22 ح 2.
2- الكافي 7:17/376،الوسائل 29:230 أبواب ديات النفس ب 22 ذيل ح 2.
3- أي:و يستفاد من الرواية الثانية و غيرها.
4- الكافي 7:44/269،التهذيب 10:336/86،الوسائل 28:215 أبواب حد القذف ب 27 ح 1.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
6- المبسوط 8:15.
7- التحرير 2:239.
8- هو المحقق الكركي في بعض حواشيه على ما حكاه عند صاحب الجواهر 41:438.

قيل (1):و يمكن اختصاص الحكم بها(سلام اللّه عليها)؛ للإجماع على طهارتها بآية التطهير (2).و هو حسن.

ثم إنّ إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق في القاذف بين الرجل و المرأة،و المسلم و الكافر،و بعدم الفرق بين الأخيرين صرّح في المسالك (3)،قال:و قد روي عن عليّ(عليه السّلام):«إنّ يهوديّة تشتم النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله) و تقع فيه،فخنقها رجل حتى ماتت،فأبطل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)دمها» (4).

الثانية يقتل مدّعي النبوّة

الثانية: يقتل مدّعي النبوّة بعد نبيّنا(صلّى اللّه عليه و آله)،بلا خلاف ظاهر و لا محكيّ؛ للنصوص:

منها:إنّ بزيعاً يزعم أنّه نبيّ!فقال:«إن سمعته يقول ذلك فاقتله» (5).

و كذا يقتل من قال:لا أدري أنّ محمّداً(صلّى اللّه عليه و آله)صادق أم لا،إذا كان على ظاهر الإسلام بلا خلاف.

و في الخبر:أ رأيت لو أنّ رجلاً أتى النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)فقال:ما أدري أ نبيّ أنت أم لا،كان يقبل منه؟قال:«لا،و لكن يقتله،إنّه لو قبل ذلك منه ما أسلم منافق» (6).

و ربما استدلّ للحكم في المقامين و ما مضى بالارتداد الموجب

ص:57


1- الروضة 9:194.
2- الأحزاب:33.
3- المسالك 2:438.
4- سنن أبي داود 4:4362/129،سنن البيهقي 7:60،و 9:200.
5- الكافي 7:13/258،التهذيب 10:559/141،الوسائل 28:337 أبواب حدّ المرتد ب 7 ح 2.
6- الكافي 7:14/258،التهذيب 10:561/141،الوسائل 28:333 أبواب حدّ المرتد ب 5 ح 4.

للقتل (1).

و هو حسن،إلّا أنّه لا يدلّ على القتل مطلقاً و لو كان المرتدّ ملّياً،بل مقتضاه قتل الفطريّ مطلقاً،و الملّي على بعض الوجوه،و هو خلاف ظاهر إطلاق النصّ و الفتوى،إلّا أن ينزّل على مقتضاه.

و احترز بالقيد عن إنكار الكفّار لصدقه،كاليهود و النصارى،فإنّهم لا يُقتلَون بذلك،و كذا غيرهم من فرَق الكفّار،و إن جاز قتلهم بأمر آخر.

الثالثة يقتل الساحر إذا كان مسلماً

الثالثة:يقتل الساحر إذا كان مسلماً،و يعزّر إذا كان كافراً بلا خلاف،فتوًى و نصّاً.

ففي القويّ:«ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفّار لا يقتل،قيل:

يا رسول اللّه،و لِمَ لا يقتل ساحر الكفّار؟فقال:لأنّ الكفر أعظم من السحر،و لأنّ السحر و الشرك مقرونان» (2).

و عليه يحمل إطلاق باقي النصوص،منها:عن الساحر،فقال:«إذا جاء رجلان عدلان فشهدا بذلك فقد حلّ دمه» (3).

و منها:«من تعلّم شيئاً من السحر كان آخر عهده بربّه،و حدّه القتل إلّا أن يتوب» (4).

و منها:«الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة على رأسه» (5).

ص:58


1- المسالك 2:438.
2- الكافي 7:1/260،الفقيه 3:1752/371،التهذيب 10:583/147،علل الشرائع:1/546،الوسائل 28:365 أبواب بقية الحدود ب 1 ح 1.
3- التهذيب 10:585/147،الوسائل 28:367 أبواب بقية الحدود ب 3 ح 1.
4- التهذيب 10:586/147،الوسائل 28:367 أبواب بقية الحدود ب 3 ح 2.
5- الكافي 7:2/260،التهذيب 10:584/147،الوسائل 28:366 أبواب بقية الحدود ب 1 ح 3.

و في الأوّل منها دلالة على ردّ من قال بانحصار طريق ثبوته في الإقرار؛ لأنّ الشاهد لا يعرف قصده و لا يشاهد التأثير.

و في الثاني منها دلالة على عموم القتل للعامل بالسحر و المتعلّم له، كما هو ظاهر إطلاق العبارة و غيرها من النصّ و الفتوى.

خلافاً لجماعة،فخصّوه بالأوّل (1)؛ و لعلّ وجهه الأصل،و اختصاص ما دلّ على قتله بقولٍ مطلق بحكم التبادر بالعامل به،و الصريح في العموم ضعيف السند،مع احتمال اختصاصه أيضاً بما مرّ؛ بناءً على أنّ الغالب في المتعلّم له أن يعمل به.و لا يخلو عن وجه.

ثم إنّ مقتضى إطلاق النصّ و الفتوى بقتله عدم الفرق فيه بين كونه مستحلا له أم لا،و به صرّح بعض الأصحاب (2).و حكى آخر من متأخّري المتأخّرين قولاً بتقييده بالأول (3)؛ و وجهه غير واضح بعد إطلاق النصّ، المنجبر ضعفه بعد الاستفاضة بفتوى الجماعة،و عدم خلاف فيه بينهم أجده،و لم أرَ حاكياً له غيره.

الرابعة يكره أن يزاد في تأديب الصبي

الرابعة:يكره أن يزاد في تأديب الصبي و تعزيره حيث يحتاج إليه عن عشرة أسواط،و كذا العبد كما هنا و في الشرائع و التحرير و القواعد (4)،و السرائر لكن في العبد (5)؛ للنبويّ المرويّ في الفقيه:

«لا يحلّ لوالٍ يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلّا في

ص:59


1- منهم العلّامة في التحرير 2:237،و القواعد 2:262،الشهيد الثاني في الروضة 9:195،و المسالك 2:438،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:416.
2- الروضة 9:195.
3- مفاتيح الشرائع 2:102.
4- الشرائع 4:167،التحرير 2:237،القواعد 2:261.
5- السرائر 3:534.

حدّ» و أذن في المملوك من ثلاثة إلى خمسة (1).

و في آخر:في أدب الصبيّ و المملوك،فقال:«خمسة أو ستّة، و أرفق» (2).

قيل:و بمضمونه أفتى الشيخ في النهاية و يحيى بن سعيد (3).

و في ثالث:«إنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)قال لصبيان:بلّغوا معلّمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب أنّي أقتصّ منه» (4).

و في رابع:الرخصة في ضرب الصبيّ للتأديب إلى خمسة (5).

و لم أر عاملاً بهما،مع قصور سندهما و مخالفتهما لما مضى، و الجمع بينهما يقتضي ترتّب الأعداد المذكورة في الكراهة ضعفاً و شدّة.

و إنّما حملها الأصحاب عليها مع أنّ ظاهر جملة منها و صريح بعضها التحريم للأصل،و قصور الأسانيد،و معارضتها بأقوى منها ممّا دلّ على أنّ التعزير إلى الوالي،يجريه بحسب ما يراه ما لم يزد الحدّ.

ففي الخبر المرويّ في الكافي ضعيفاً و عن العلل صحيحاً:كم التعزير؟قال:«دون الحدّ» قلت:دون ثمانين؟قال:«لا،و لكن دون أربعين،فإنّها حدّ المملوك» قلت:و كم ذاك؟قال:«على قدر ما يراه الوالي

ص:60


1- الفقيه 4:187/52،الوسائل 28:375 أبواب بقية الحدود ب 10 ح 2.
2- الكافي 7:35/268،التهذيب 10:597/149،الوسائل 28:372 أبواب بقية الحدود ب 8 ح 1.
3- قال به في كشف اللثام 2:415،و هو في النهاية:732،و في الجامع للشرائع لم نجد التصريح به.
4- الكافي 7:38/268،التهذيب 10:599/149،الوسائل 28:372 أبواب بقية الحدود ب 8 ح 2؛ بتفاوت يسير.
5- المحاسن:85/625،الوسائل 28:373 أبواب بقية الحدود ب 8 ح 3.

من ذنب الرجل و قوّة بدنه» (1).

و في الموثّق:عن التعزير كم هو؟قال:«بضعة عشر ما بين العشرة إلى العشرين» (2).

و لو فعل المولى بعبده ذلك أي زاد في تأديبه على العشرة- استحبّ له عتقه .

إطلاق العبارة يقتضي ثبوت الاستحباب فيما إذا لم تبلغ الزيادة حدّا، و لم أجد به نصّاً،بل و لا فتوًى،و إنّما الموجود في غير الكتاب حتى الشرائع (3)استحباب العتق لو ضربه في غير حدٍّ حدّا،كما هو ظاهر الصحيح:«من ضرب مملوكاً حدّا من الحدود من غير حدّ أوجبه المملوك على نفسه،لم يكن لضاربه كفّارة إلّا عتقه» (4)و ظاهره الوجوب كما عن الشيخ في النهاية (5)،لكن فرضه فيمن ضرب عبده فوق الحدّ،و هو خارج عن مورد الرواية،فتكون بظاهرها شاذّة،و العاملون بها في موردها حملوها على الاستحباب،فتأمّل جدّاً .

الخامسة يعزَّر من قذف عبده أو أمته

الخامسة: يعزَّر من قذف عبده أو أمته كما يعزَّر الأجنبيّ بقذفهما؛ لحرمتهما،و عدم الفارق بين الأجنبيّ و المولى هنا،مع عموم ما مرّ من النصوص بتعزير من قذفهما (6).

ص:61


1- الكافي 7:5/241،علل الشرائع:4/538،الوسائل 28:375 أبواب بقية الحدود ب 10 ح 3.
2- الكافي 7:1/240،التهذيب 10:570/144،الوسائل 28:374 أبواب بقية الحدود ب 10 ح 1.
3- الشرائع 4:167.
4- الكافي 7:17/263،الوسائل 28:48 أبواب مقدمات الحدود ب 27 ح 1.
5- النهاية:732.
6- راجع ص 42.

و في الخبر:«إنّ امرأة جاءت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)فقالت:إنّي قلت لأمتي:يا زانية فقال:هل رأيت عليها زناءً؟فقالت:لا،فقال:أما إنّها ستقاد منك يوم القيامة،فرجعت إلى أمتها فأعطتها سوطاً،ثم قالت:

اجلديني،فأبت الأمة،فأعتقتها،ثم أتت النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)فأخبرته،فقال:عسى أن يكون به» (1).

و كذا يعزَّر كلّ من فعل محرّماً أو ترك واجباً عالماً بهما و بحكمهما بما دون الحدّ متعلّق ب:يعزَّر،أي يعزَّر هذان بما دون الحدّ بما يراه الإمام.

قيل:و لا يبلغ حدّ الحرّ في الحرّ و إن تجاوز حدّ العبد،و لا حدّ العبد في العبد،ففي الحرّ:من سوط إلى تسعة و تسعين،و في العبد:منه إلى تسعة و أربعين،كما في التحرير (2).

و قيل:يجب أن لا يبلغ أقلّ الحدود،و هو في الحرّ:ثمانون،و في العبد:أربعون (3).

و قيل:إنّه فيما ناسب الزناء يجب أن لا يبلغ حدّه،و فيما ناسب القذف أو الشرب يجب أن لا يبلغ حدّه،و فيما لا مناسب له أن لا يبلغ أقلّ الحدود،و هو:خمسة و سبعون،حدّ القوّاد.و نسبه في المسالك إلى الشيخ و المختلف و اختاره (4).

و مرّ في المسألة السابقة من الأخبار ما يدلّ على المنع عن بلوغه حدّ

ص:62


1- التهذيب 10:311/80،الوسائل 28:174 أبواب حدّ القذف ب 1 ح 4.
2- قال به في كشف اللثام 2:415،و هو في التحرير 2:237.
3- الخلاف 5:497.
4- المسالك 2:439،و لم نعثر عليه في كتب الشيخ،و هو في المختلف:783.

القذف في العبد و هو أربعون مطلقاً،من غير تقييد بكون المعزَّر عبداً، بل يشمل ما لو كان حرّا.و لا ريب أنّ الاقتصار عليه أحوط و أولى،و إن لم أجد به قائلاً.

ثمّ وجوب التعزير في كلّ محرّم من فعل أو ترك إن لم يحصل الانتهاء بالنهي و التوبيخ و نحوهما فهو ظاهر؛ لوجوب إنكار المنكر.و أمّا مع الانتهاء بهما،فلا دليل على التعزير مطلقاً إلّا في مواضع مخصوصة ورد النصّ بالتأديب أو التعزير فيها.

و يمكن تعميم التعزير في العبارة و نحوها لما دون الضرب أيضاً من مراتب الإنكار،فتأمّل جدّاً .

ص:63

الفصل الرابع في حدّ المسكر

الأول في الموجب

الفصل الرابع في بيان حدّ المسكر و هو على قول:ما يحصل معه اختلال الكلام المنظوم،و ظهور السرّ المكتوم .و على آخر:ما يغيّر العقل،و يحصل معه سرور و قوّة النفس في غالب المتناولين.أمّا ما يغيّر العقل لا غير فهو المرقد إن حصل معه تغيّب الحواس الخمس،و إلّا فهو المفسد للعقل،كما في البَنج (1)و الشوكران (2).

و النظر في هذا الفصل يقع في أُمور ثلاثة :

الأوّل: في بيان الموجب للحدّ.

و هو تناول المسكر جنسه و إن لم يسكر قليله: أو الفقّاع، اختياراً،مع العلم ب المتناوَل و التحريم و إن لم يعلم وجوب الحدّ به.

و يشترط مع ذلك: البلوغ،و العقل فهذه قيود أربعة.

فالتناول يعمّ الشارب إيّاه خالصاً و المستعمل له.و الأولى أن يقول:يعمّ الشرب و الاستعمال في الأدوية و الأغذية .

و حيث اجتمعت ثبت الحدّ بلا خلاف،بل عليه الإجماع في كثير من العبارات (3)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة،بل هي متواترة.

ص:64


1- البَنْج:نبت له حَبّ يخلط بالعقل و يورث الخبال،و ربّما أسكر إذا شربه الإنسان بعد ذَوبه،و يقال:إنّه يورث السبات المصباح المنير:62.
2- و هو السيكران كما في تاج العروس 12:233 234،و انظر تذكرة اولي الألباب للأنطاكي:84 85.
3- مجمع الفائدة 13:190،كشف اللثام 2:417.

و جملة منها عامّة لكل مسكر متّخذ من العنب و هو المعروف بالخمر أو التمر و هو النبيذ أو الزبيب و هو النقيع أو العسل و هو البِتَع أو الشعير و هو المِزر أو الحنطة،أو الذُّرة،أو غيرها.ففي الصحيح:«كلّ مسكر من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحدّ» (1).

و في الخبر:«يضرب شارب الخمر و شارب المسكر» قلت:كم؟ قال:«حدّهما واحد» (2).

و قريب منهما النصوص الواردة في علّة تحديد حدّ شارب الخمر بثمانين جلدة،من أنّه إذا شرب سكر،و إذا سكر هذى،و إذا هذى افترى، فاجلدوه حدّ المفتري (3)،و هي موجودة في شرب كلّ مسكر،و هي مستفيضة،بل ادّعى في التنقيح أنّها متواترة (4).

و جملة منها ما بين خاصّة بالخمر،و عامّة لها و للنبيذ،و هي تجاوزت حدّ الاستفاضة.

ففي الموثّق كالصحيح:عن رجل حسا حسوة خمر،قال:«يجلد ثمانين جلدة،قليلها و كثيرها حرام» (5).

ص:65


1- الكافي 7:13/216،التهذيب 10:344/89،الوسائل 28:230 أبواب حدّ المسكر ب 7 ح 1.
2- الكافي 7:11/216،التهذيب 10:345/90،الوسائل 28:230 أبواب حدّ المسكر ب 7 ح 2.
3- علل الشرائع:8/539،الوسائل 28:225 أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 7.
4- التنقيح الرائع 4:367.
5- علل الشرائع:6/539،الوسائل 28:223 أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 7.

و في الصحيح (1)و غيره (2):«يضرب شارب الخمر و شارب النبيذ ثمانين».

و جملة منها مصرّحة بحكم الفقّاع،كما هو مذهب الأصحاب، و ادّعى عليه جماعة منهم بحدّ الاستفاضة إجماع الإماميّة،مصرّحين بثبوت الحدّ فيه و إن لم يسكر (3).

ففي الصحيح (4)و غيره (5):عن الفقّاع،فقال:«هو خمر،و فيه حدّ شارب الخمر» و نحوهما في إطلاق الخمر عليه المستلزم لثبوت أحكامها التي من جملتها الحدّ كثير من الأخبار (6).

و مقتضى إطلاق هذه النصوص و غيرها و كذا الفتوى و صريح جملة منها أنّه يتعلّق الحكم بالحدّ بتناول المسكر و الفقّاع مطلقاً و لو بالقطرة الغير المسكرة منهما،و ادّعى عليه الإجماع جماعة (7).

و أمّا الصحيحان الدالّان على عدم حدّ شارب النبيذ إن لم يسكر (8)،

ص:66


1- الكافي 7:4/214،التهذيب 10:348/90،الوسائل 28:224 أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 1.
2- الكافي 7:8/215،الوسائل 28:224 أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 2.
3- المهذب البارع 5:79،الروضة 9:197،مجمع الفائدة 13:188.
4- التهذيب 10:379/98،الوسائل 28:238 أبواب حدّ المسكر ب 13 ح 1.
5- التهذيب 10:378/98،الإستبصار 4:370/95،الوسائل 28:238 أبواب حدّ المسكر ب 13 ح 3.
6- انظر الوسائل 25:359 أبواب الأشربة المحرمة ب 27.
7- منهم الشيخ في الاستبصار 4:236،و السيوري في التنقيح الرائع 4:368،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 13:192.
8- أحدهما في:التهذيب 10:370/96،الإستبصار 4:886/235،الوسائل 28:224 أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 4. و الآخر في:التهذيب 10:371/96،الإستبصار 4:887/236،الوسائل 28:225 أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 5.

فمع شذوذهما،محصولان على التقية كما ذكره شيخ الطائفة أو على النبيذ الحلال،كما احتمله بعض الأجلّة (1).

قالوا: و كذا العصير العنبي إذا غلى ما لم يذهب ثلثاه يجب بتناوله أو استعماله فيما مرّ الحدّ مطلقاً و إن كان قليلاً غير مسكر،و كأنّه إجماع بينهم،كما صرّح به في التنقيح (2)و غيره (3)،و لم أقف على حجّة معتدّ بها سواه.

و كذا كلّ ما حصلت فيه الشدّة المسكرة من نحو العصير التمري و الزبيبي،يجب بتناوله أو استعماله الحدّ بلا خلاف و لا إشكال؛ لعموم ما مرّ من النصّ و الفتوى.

و في ثبوته بتناول العصيرين أو استعمالهما إذا لم يبلغا الإسكار وجهان،مبنيّان على القول بتحريمهما أو حلّهما،و قد مضى في كتاب الأطعمة و الأشربة كون الثاني أشهر و أقوى (4)،فلا حدّ فيهما.و يحتمل العدم على القول الأول أيضاً؛ لعدم التلازم بين التحريم و الحدّ أصلاً،إلّا أن يكون إجماعاً،كما هو ظاهر الأصحاب هنا،حيث إنّ ظاهرهم بناء الوجهين على القولين كما ذكرنا.

و يسقط الحدّ عمّن استعمل المسكر و ما في معناه في نحو الاحتقان و السعوط حيث لا يدخل الحلق،بلا خلاف في الظاهر؛ للأصل،

ص:67


1- مجمع الفائدة 11:196.
2- التنقيح الرائع 4:368.
3- انظر الروضة 9:197.
4- في ج 13:443.

و عدم إطلاق الشرب الوارد في النصوص عليه،و مثله و إن جرى في استعماله في نحو الدواء و الغذاء؛ لعدم إطلاق الشرب عليهما جدّاً،إلّا أنّ العذر في ثبوت الحدّ به الإجماع الظاهر،المحكي في جملة من العبائر (1).

و عمّن تناوله مكرهاً بأن و جر في فمه،أو ضرب عليه،أو خوّف بما لا يتحمّله عادةً أو اضطراراً لحفظ النفس،كإساغة اللقمة على الأصحّ.

قيل:أمّا للتداوي أو حفظ الصحّة،فلا يسقط عنه (2).

و فيه إشكال؛ للأصل،و اختصاص النصوص المثبتة للحدّ بشربه بحكم التبادر و غيره بغير الشرب اضطراراً،فلا حدّ فيهما و إن قلنا بتحريمهما،فتأمّل جدّاً (3).

و عمّن جهل المشروب أنّه مسكر مثلاً أو التحريم و إن علمه لقرب عهده بالإسلام و شبهه،أو كان صبيّاً،أو مجنوناً،بلا خلاف.

لحديث رفع القلم في الأخيرين (4).

و الموثّق كالصحيح (5)و غيره (6)في الجاهل بالحكم،و فيه:«إنّ رجلاً شرب خمراً على عهد أبي بكر،فقال:إنّي أسلمت و حسن إسلامي، و منزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر و يستحلّون،و لو علمت أنّها حرام اجتنبتها،فقال مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام):ابعثوا به من يدور به على مجالس

ص:68


1- مجمع الفائدة 13:190،كشف اللثام 2:417.
2- المسالك 2:439.
3- ليست في«ب».
4- الخصال:40/93،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
5- الكافي 7:16/216،التهذيب 10:361/94،الوسائل 28:232 أبواب حدّ المسكر ب 10 ح 1.
6- الكافي 7:4/249،الوسائل 28:33 أبواب مقدمات الحدود ب 14 ح 5.

المهاجرين و الأنصار من كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه،ففعلوا ذلك فلم يشهد عليه أحد،فخلّى عنه،و قال له:إن شربت بعدها أقمنا عليك الحدّ» و النصوص به زيادة على ذلك مستفيضة (1).

و يثبت هذا الفعل بشهادة عدلين ذكرين أو الإقرار مرّتين الصادر من مكلّف حرّ مختار بلا خلاف فيهما و في عدم الثبوت بالمرّة من الإقرار،بل على الأخير في ظاهر المبسوط الإجماع (2)؛ و هو الحجّة فيه،كالعمومات في الأولين،و خصوص النصّ الآتي في المسألة الاُولى من مسائل الأحكام في الأول.

الثاني في الحدّ

الثاني: في بيان الحدّ و هو ثمانون جلدةً إجماعاً،و للنصوص المستفيضة المتقدّمة إلى جملة منها الإشارة (3).

و يستوي فيه الذكر و الأُنثى،و الحرّ و العبد،و الكافر مع التظاهر به بين المسلمين،و هذا قيد للكافر خاصّة،و احترز به عمّا لو كان مستتراً به،فإنّه لا يحدّ حينئذ.

بلا خلاف في شيء من ذلك،عدا مساواة العبد للحرّ في مقدار الحدّ، فإنّ الحكم بها مشهور بين الأصحاب،مدّعى عليه الإجماع في صريح الغنية (4)،و ظاهر السرائر و التهذيب و الشرائع و التحرير (5)،حيث نسب في الأول إلينا،و حكم بشذوذ الرواية الآتية بحدّه أربعين في الثاني،

ص:69


1- انظر الوسائل 28:32 أبواب مقدّمات الحدود ب 14.
2- المبسوط 8:61.
3- راجع ص 64.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
5- السرائر 3:475،التهذيب 10:92،الشرائع 4:169،التحرير 2:226.

و بمتروكيّتها في الثالث،و بمطروحيّتها في الرابع؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى عموم الأخبار المتواترة بأنّ حدّ الشارب ثمانون جلدة (1)، من دون فرق فيها بين الحرّ و العبد؛ مع ظهور جملة منها في الشمول للعبد غايته،و هي ما مرّ من المستفيضة (2)بل المتواترة في التعليل تحديده بالثمانين بأنّه إذا شرب سكر،و إذا سكر هذى،و إذا هذى افترى،فاجلدوه جلد المفتري؛ و ذلك بناءً على ما مرّ من أنّ العبد المفتري حدّه ثمانون أيضاً (3).

هذا،مضافاً إلى صريح المعتبرة المستفيضة المتجاوزة حدّ الاستفاضة.

ففي الصحيح:«حدّ اليهودي و النصراني و المملوك في الخمر و الفرية سواء،و إنّما صولح أهل الذمّة على أن يشربوها في بيوتهم» (4).

و أصرح منه آخر:«يجلد الحرّ و العبد و اليهودي و النصراني في الخمر ثمانين» (5).

و في الموثّقات الثلاث (6)و غيرها (7):«كان أمير المؤمنين(عليه السّلام)يجلد

ص:70


1- انظر الوسائل 28:220 أبواب حدّ المسكر ب 3.
2- راجع ص 64.
3- راجع ص 49.
4- الكافي 7:14/216،التهذيب 10:355/92،الإستبصار 4:892/237،الوسائل 28:228 أبواب حدّ المسكر ب 6 ح 5.
5- الكافي 7:12/216،الوسائل 28:228 أبواب حدّ المسكر ب 6 ح 4.
6- أحدها في:الكافي 7:8/215،التهذيب 10:353/91،علل الشرائع:9/539،الوسائل 28:227 أبواب حدّ المسكر ب 6 ح 1. و الأُخرى في:الكافي 7:9/215،الوسائل 28:227 أبواب حدّ المسكر ب 6 ح 2. و الثالثة في:التهذيب 10:354/91،الإستبصار 4:891/237،الوسائل 28:227 أبواب حدّ المسكر ب 6 ذيل ح 2.
7- دعائم الإسلام 2:/464 1647،مستدرك الوسائل 18:112 أبواب حدّ المسكر ب 5 ح 1.

الحرّ و العبد و اليهودي و النصراني في الخمر و النبيذ ثمانين» قلت:ما بال اليهودي و النصراني؟فقال:«إذا أظهروا ذلك في مصر من الأمصار؛ لأنّهم ليس لهم أن يظهروا شربها».

و قصور أسانيدها مع عدم قدحه في الحجّية منجبرة بالشهرة العظيمة،و الإجماعات المحكيّة حدّ الاستفاضة و إن اختلفت ظهوراً و صراحةً،و المخالفة للعامّة،كما ستعرفه من شيخ الطائفة.

مع أنّه لا مخالف فيها منّا،عدا الصدوق خاصّة،حيث قال (1)بأنّ حدّه أربعون (2)؛ لما مرّ في الحسن:عن عبد مملوك قذف حرّا،قال:

«يجلد ثمانين،هذا من حقوق المسلمين،فأمّا ما كان من حقوق اللّه تعالى فإنّه يضرب فيها نصف الحدّ» قلت:الذي من حقوق اللّه تعالى ما هو؟ قال:«إذا زنى أو شرب الخمر فهذا من الحقوق التي يضرب فيها نصف الحدّ» (3).

و هو مع عدم صحّته و مكافأته لمقابله من وجوه عديدة حمله الشيخ على التقيّة،قال:لأنّه مذهب بعض العامّة.

أقول:و مع ذلك لم يقل الصدوق به؛ لتضمّنه حدّ العبد في القذف ثمانين،و قد مرّ عنه أنّه عنده أربعون (4)،و هو موجب لوهنه أيضاً،إن لم نقل بخروجه بذلك عند الصدوق عن الحجّية.

نعم،يؤيّده الأصل،و إطلاق الحسن:«حدّ المملوك نصف حدّ

ص:71


1- في«ب»:حكم.
2- الفقيه 4:40.
3- التهذيب 10:357/92،الإستبصار 4:894/237،الوسائل 28:229 أبواب حدّ المسكر ب 6 ح 7.
4- راجع ص 50.

الحرّ» (1).

و قريب منه إطلاق الخبر الذي مرّ (2):عن التعزير كم هو؟قال:«دون الحدّ» قلت:دون ثمانين؟قال:«لا،و لكن دون الأربعين،فإنّها حدّ المملوك» الخبر.

و لكن الأصل يجب الخروج عنه بما مرّ،و الخبران قاصرا السند، عديما الجابر؛ مع ضعف الثاني سنداً بمعلّى بن محمّد،و متناً بعدم قائل بتحديد التعزير بما فيه كما مرّ (3)؛ مع ضعفه دلالةً كالأول أيضاً بعدم الصراحة،و احتمالهما (4)التقييد بحدّ ما عدا الشرب،كما ذكره شيخ الطائفة.

و بالجملة:لا ريب في ضعف هذا القول و شذوذه،و إن مال إليه الشهيدان و الفاضل في المختلف (5)،مع عدم تصريحهم بالموافقة،و إنّما غايتهم في الظاهر الميل الضعيف،بل التردّد،و لا وجه له.

و يضرب الشارب و من في معناه عرياناً مستور العورة عن الناظر المحترم على ظهره و كتفيه و سائر جسده و يتّقى وجهه و فرجه و مَقاتله ،بلا خلاف ظاهر و لا محكي،إلّا عن المبسوط،فقال:لا يجرّد عن ثيابه؛ لأنّ النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)أمر بالضرب و لم يأمر بالتجريد (6).و هو شاذّ،بل

ص:72


1- التهذيب 10:358/93،الإستبصار 4:895/238،الوسائل 28:229 أبواب حدّ المسكر ب 6 ح 9.
2- في ص 59.
3- في ص 58.
4- في«ح» و«ن»:و احتمالها.
5- الشهيدان في اللمعة و الروضة 9:204،المختلف:769.
6- المبسوط 8:69.

لم يحك الخلاف عنه إلّا نادر،و مضعَّف بالصحيح الصريح:عن السكران و الزاني،قال:«يجلدان بالسياط مجرّدين بين الكتفين،فأمّا الحدّ في القذف فيجلد على ثيابه ضرباً بين الضربين» (1).

و لا يُحَدّ حتى يُفيق عن سكره،بلا خلاف أجده؛ و كأنّ الحجّة فيه أنّ الحكمة في شرع الحدود هو الإيلام و الإيذاء و التأثّر،ليمتنع المحدود عمّا حُدَّ به فلا يفعله ثانياً،و هي إنّما تحصل بعد الإفاقة لا مطلقاً.

و إذا حُدَّ مرّتين قُتل في المرّة الثالثة كما قطع به الأكثر، و منهم:الشيخان و العماني و التقي و الحلّي و ابن زهرة (2)،و عليه عامّة المتأخّرين،عدا النادر الآتي ذكره،و عليه الإجماع في الغنية و هو الحجّة،مضافاً إلى أنّه المرويّ في الصحاح المستفيضة الصريحة و نحوها من المعتبرة المتجاوزة عن حدّ الاستفاضة.

ففي الصحيح (3):«من شرب الخمر فاجلدوه،فإن عاد فاجلدوه،فإن عاد فاقتلوه» (4)و مع ذلك معتضد بعموم الصحيح بقتل أهل الكبائر في الثالثة (5).

ص:73


1- الكافي 7:14/216،التهذيب 10:355/92،الوسائل 28:231 أبواب حدّ المسكر ب 8 ح 1.
2- المفيد في المقنعة:801،الطوسي في النهاية:712،حكاه عن العماني في المختلف:767،التقي الحلبي في الكافي:413،الحلّي في السرائر 3:473،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهيّة):623.
3- في«س» و«ن»:الصحاح.
4- الكافي 7:2/218،التهذيب 10:367/95،الوسائل 28:234 أبواب حدّ المسكر ب 11 ح 3.
5- الكافي 7:6/219،التهذيب 10:369/95،الاستبصار 4:791/212،الفقيه 4:182/51،الوسائل 28:234 أبواب حدّ المسكر ب 11 ح 2.

و قال الصدوق في المقنع و الشيخ في الخلاف و المبسوط (1):

إنّه يقتل في الرابعة و تبعهما الفاضل في الإرشاد و ولده في الإيضاح و الشهيد في اللمعة (2).

لمرسل الكافي و الفقيه:«إنّه يقتل في الرابعة» (3).

و لأنّ الزناء أعظم منه ذنباً،و فاعله يقتل فيها كما مضى (4)،فهنا أولى.

و المرسل غير مقبول مطلقاً،خصوصاً مع معارضة الصحاح المتقدّمة و غيرها.

و الأولويّة جيّدة لولاها.

و تأوّل ابن أبي عمير المرسلة كما نقله عنه في الكافي فقال:و كأنّ المعنى أنّه يقتل في الثالثة،و من كان إنّما يؤتى به يقتل في الرابعة.

قال بعض الأصحاب:و لعلّ مراده أنّه ما اتي في الثالثة،بل في الرابعة،فيقتل فيها؛ لأنّه ما اتي به إلّا حينئذ،لا أنّه ما استحقّ القتل إلّا فيها (5).

و لو شرب مراراً و لم يُحَدّ خلالها كفى عن الجميع حَدٌّ واحد (بلا خلاف) (6)كما مرّ في الزناء (7).

ص:74


1- المقنع:154،الخلاف 5:473،المبسوط 8:59.
2- الإرشاد 2:180،الإيضاح 4:515،اللمعة(الروضة 9):205.
3- الكافي 7:4/218،الفقيه 4:131/40،الوسائل 28:235 أبواب حدّ المسكر ب 11 ح 7،9.
4- في ج 15:490.
5- مجمع الفائدة 13:196.
6- ليست في«ن».
7- راجع ج 15:488.
الثالث في الأحكام و فيه مسائل
الأولى لو شهد واحد

الثالث:في بيان الأحكام و فيه مسائل أربع:

الاُولى:لو شهد واحد عدل على شخص بشربها أي بشربه الخمر و ما في معناها- و آخر مثله بقيئها أي بقيئه لها- حُدَّ على الأشهر الأقوى،بل ذكر الشهيدان في النكت و المسالك (1)عدم الخلاف فيه بين أصحابنا،و ادّعى إجماعهم عليه في السرائر و التنقيح (2)، و حكي عن الخلاف أيضاً (3)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الخبر المنجبر ضعفه و لو من وجوه بالعمل،المرويّ في الكتب الثلاثة عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام)،أنّه قال في حقّ الوليد (4)لمّا شهد عليه واحد بشربها و آخر بقيئها:«ما قاءها إلّا و قد شربها» (5).

و يلزم من التعليل وجوب الحدّ لو شهدا بقيئها.

و تردّد فيهما جماعة من المحقّقين كالسيّد جمال الدين بن طاوس،و الفاضلين في الشرائع و القواعد (6)لاحتمال الإكراه.

و رُدّ بأنّه خلاف الأصل و الظاهر،و لو كان واقعاً لدفع به عن نفسه (7).

ص:75


1- غاية المراد 4:239،المسالك 2:440.
2- السرائر 3:475،التنقيح 4:370.
3- الخلاف 5:492.
4- في جميع المصادر:قدامة بن مظعون.
5- الكافي 7:2/401،الفقيه 3:72/26،التهذيب 6:772/280،الوسائل 28:239 أبواب حدّ المسكر ب 14 ح 1؛ بتفاوت يسير.
6- حكاه عن السيّد جمال الدين بن طاوس في المسالك 2:440،الشرائع 4:170،القواعد 2:264.
7- المسالك 2:440.

و ربما يسلم الأول،و يتردّد في الثاني؛ لأنّ العمدة في الأوّل الإجماع،و هو منفيّ في الثاني (1)و إن كان الحكم فيه أيضاً مشهوراً بين الأصحاب كما ادّعاه بعضهم (2)؛ لما مرّ من احتمال الإكراه،و هو يوجب الشبهة الدارئة.

و الجواب عنه بما مرّ من مخالفته الأصل و الظاهر ضعيف غايته، كيف لا؟!و غايتهما إفادة الظهور،و هو غير كافٍ في إثبات الحدود؛ لعدم منافاتهما الشبهة الدارئة،و لذا لو ادّعى ما يوجبها قُبِلَ و لو كان مخالفاً لهما إجماعاً.

نعم،يجاب عن هذا التردّد بابتنائه على انحصار الدليل في الأوّل في الإجماع بناءً على ضعف الخبر من وجوه،و هو في حيّز المنع؛ لانجبار ضعف الخبر بالشهرة،و دعوى الحلّي الإجماع على روايته و قبوله،فيجبر به بجميع ما فيه،حتى التعليل المقتضي للتعميم.

الثانية من شربها مستحلا

الثانية:من شربها أي الخمر- مستحلا لشربها أصلاً و هو مسلم استُتيب،فإن تاب أُقيم عليه الحدّ ثمانون جلدة خاصّة و إلّا يتب قُتِلَ من غير فرق في الاستتابة بين كونه فطريّاً أو ملّياً،كما عن الشيخين (3)و أتباعهما (4).

قيل:لإمكان عروض الشبهة في الشرب فاستحلّه،و الحدود تدرأ بالشبهات (5).

ص:76


1- الروضة 9:210.
2- المسالك 2:440،و فيه:الأشهر القبول.
3- المفيد في المقنعة:801،الطوسي في النهاية:711.
4- القاضي في المهذّب 2:536،و ابن حمزة في الوسيلة:416،و الراوندي في فقه القرآن 2:379.
5- انظر المسالك 2:440.

و لما رواه المفيد في إرشاده،فقال:روت العامّة و الخاصّة:أنّ قدامة بن مضعون شرب الخمر،فأراد عمر أن يجلده،فقال:لا يجب عليّ الحدّ؛ إنّ اللّه تعالى يقول لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا [1] (1)فدرأ عنه الحدّ،فبلغ ذلك أمير المؤمنين(عليه السّلام)، فمشى إلى عمر،فقال:«ليس قدامة من أهل هذه الآية و لا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرّم اللّه سبحانه،إنّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات لا يستحلّون حراماً،فاردُد قدامة فاستتبه ممّا قال،فإن تاب فأقم عليه الحدّ،و إن لم يتب فاقتله فقد خرج عن الملّة» الخبر (2).

و قيل و القائل الحلّي و التقي كما حكي (3)-:إنّ حكمه حكم المرتدّ لا يستتاب إذا ولد على الفطرة،بل يقتل من غير استتابة و هو قويّ متين،و عليه عامّة المتأخّرين؛ لإنكاره ما علم تحريمه ضرورة من الدين،و معه لا شبهة،إلّا إذا ادّعاها و أمكنت في حقّه؛ لقرب عهده بالإسلام و نحوه،فيدفع عنه الشبهة،و لا يقتل بلا شبهة،كما هو الحال في إنكار سائر الضروريّات.

و هذه الصورة خارجة عن مفروض المسألة،بل هو ما إذا لم يكن هناك شبهة محتملة،و لذا أنّ شيخنا في المسالك بعد أن اختار المختار و قال:هذا إذا لم يمكن الشبهة في حقّه؛ لقرب عهده بالإسلام و نحوه،و إلّا اتّجه قول الشيخين،قال:و عليه يحمل استتابة قدامة بن مظعون و غيره

ص:77


1- المائدة:93.
2- الإرشاد 1:203،الوسائل 28:220 أبواب حد المسكر ب 2 ح 1.
3- حكاه عنهما في التنقيح 4:371،و هو في الكافي في الفقه:413،و السرائر 3:477.

ممّن استحلّها في صدر الإسلام بالتأويل (1).انتهى.

و منه يظهر الجواب عن الدليلين اللذين مضيا.

و لكن يتوجّه على شيخنا أنّه كيف استوجه على تقدير الشبهة المحتملة قول الشيخين و من تبعهما بالاستتابة و الحدّ أولاً ثم القتل مع عدمها؟!مع أنّهما ليسا وظيفة المنكر لضروريّ الدين بالشبهة المحتملة،بل وظيفته رفع الشبهة عنه بحيث يصير ما أنكره ضروريّاً له،فإن استحلّ أيضاً كان حينئذٍ مرتدّاً يستتاب إن كان ملّياً،و يقتل إن كان فطريّاً.

و بالجملة:فما ذكره الشيخان لا ينطبق على صورة الشبهة أيضاً.

و من هنا يظهر جواب آخر عن الاستدلال بهما لهما،و أنّ جواب شيخنا عن الرواية بحملها على صورة الشبهة لا يوافق الصواب على ما عرفته،و الحقّ في الجواب عنها بعد الإغماض عن سندها-:أنّها قضيّة في واقعة،فلا تكون عامّة لصورتي كون المستحلّ فطريّاً أو ملّياً؛ لاحتمال كون قدامة ارتداده عن ملّة لا عن فطرة،فيتوجّه حينئذٍ القتل بعد الاستتابة، و بهذا أجاب الفاضل المقداد في شرح الكتاب عن الرواية (2).

هذا حكم الخمر.

و أمّا غيرها من المسكرات و الأشربة كالفقّاع و النبيذ فقد أشار إليه بقوله: و لا يقتل مستحلّ شرب غير الخمر مطلقاً بل يحدّ بشربه خاصّة مستحلا كان له أو محرّماً قولاً واحداً؛ لوقوع الخلاف فيها بين المسلمين و تحليل بعضهم إيّاها،فيكون ذلك كافياً في انتفاء الكفر باستحلالها.

ص:78


1- المسالك 2:440.
2- التنقيح 4:371.

و لا فرق بين كون الشارب لها ممّن يعتقد إباحتها كالحنفي (1)- [و غيره (2)]،فيحدّ عليها و لا يكفر؛ لأنّ الكفر مختصّ بما وقع عليه الإجماع من المسلمين و ثبت حكمه ضرورةً من الدين ،و هو منتف في غير الخمر بيقين.

خلافاً للحلبي،فكفّر مستحلّها،و أوجب قتله (3).

و هو نادر،كما صرّح به في الروضة (4).

الثالثة من باع الخمر مستحلا استُتيب

الثالثة: من باع الخمر مستحلا بيعها استُتيب مطلقاً و لو كان فطريّاً؛ إذ ليس تحريمه معلوماً ضرورةً،و قد يقع فيه الشبهة من حيث إنّه يسوغ تناوله على بعض وجوه (5)الضرورات.

قيل:فيعزّر فاعله و يستتاب (6)إن فعله مستحلا فإن تاب قُبِلَ منه و إلّا قُتِلَ حدّا،و كأنّه موضع وفاق،و ما وقفت على نصّ يقتضيه (7).

و فيما سواها من الأشربة إذا باعه مستحلا لا يقتل قطعاً و إن لم يتب؛ لعدم إجماع المسلمين على حرمته،فلا يحكم بكفر مستحلّه الموجب لقتله.

نعم،قالوا: يعزّر لفعله المحرّم و هو حسن إن كان ممّن يعتقد التحريم،و إلّا ففيه نظر وفاقاً لبعض من تأخّر،حيث قال:و في تأديبه مع

ص:79


1- الهداية(البناية في شرح الهداية 1):476.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة،كما في المسالك 2:440.
3- الكافي في الفقه:413.
4- الروضة 9:207.
5- في«ب»:الوجوه.
6- في النسخ زيادة:و.أسقطناها كما في المصدر لاستقامة المعنى.
7- المسالك 2:440.

كونه من أهل الخلاف نظر (1).

الرابعة لو تاب قبل قيام البيّنة

الرابعة: لو تاب الشارب عنه قبل قيام البيّنة عليه بشربه سقط الحدّ عنه،بلا خلاف في الظاهر،مصرّح به في جملة من العبائر (2)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى جميع ما مرّ في الزناء من الأدلّة.

و لا يسقط عنه الحدّ لو تاب بعد قيام البيّنة على الأظهر الأشهر بين الطائفة؛ للأصل،مع عدم ظهور المسقط بالكلّيّة (3).

خلافاً للحلبي،فجوّز للإمام العفو عنه هنا كما اختاره في الزناء (4).

و هو مع شذوذه على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (5)حجّته غير واضحة،عدا ما مرّ ثمّة،و قد عرفت جوابه (6).

و لو تاب بعد الإقرار،يتخيّر الإمام في الإقامة للحدّ عليه أو العفو عنه كما في الزناء،على الأظهر الأشهر،كما صرّح به جمع ممّن تأخّر (7)؛ لأنّها بعد الإقرار مسقطة لتحتّم أقوى العقوبتين و هو الرجم أو الجلد مائة في أقوى الذنبين،و هو الزناء،فأضعفهما و هو الجلد ثمانين و الشرب بطريق أولى.

و بهذا التقرير الذي بيّنّا به الأولويّة يندفع ما أورد عليها جماعة من

ص:80


1- كشف اللثام 2:418.
2- السرائر 3:479،المسالك 2:447،مجمع الفائدة 13:204،كشف اللثام 2:428.
3- في«ن» زيادة:و ربما أشعر بالعدم الرواية الآتية.
4- الكافي في الفقه:407،413.
5- كما في المفاتيح 2:88.
6- في ج 15:470 471.
7- الروضة 9:208،و نسبه في مجمع الفائدة 13:205 و المفاتيح 2:88 إلى المشهور.

وجود الفارق بين الرجم و غيره،من حيث تضمّنه تلف النفس المأمور بحفظها شرعاً،بخلاف صورة الفرض (1)و ذلك لعدم انحصار حدّ الزناء (2)في الرجم،بل يثبت فيه الجلد مائة أيضاً على بعض الوجوه،و قد قدّمنا سقوطه أيضاً كالرجم بالتوبة بعد الإقرار،و لا ريب أنّه أكثر عقوبةً من الجلد ثمانين،و موجبه أعظم ذنباً من موجبه،فليكن سقوط الحدّ هنا بالتوبة أولى(بعده) (3).

هذا،مضافاً إلى عموم مفهوم التعليل في بعض المعتبرة الواردة في اللواط،و فيه:«و أمّا الرجل الذي اعترف باللواط فإنّه لم يقم عليه البيّنة، و إنّما تطوّع بالإقرار من نفسه،و إذا كان للإمام الذي من اللّه تعالى أن يعاقب عن اللّه سبحانه كان له أن يمنّ عن اللّه تعالى؛ أما سمعت قول اللّه تعالى هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ [1] (4)» (5).

و منهم من حَتَم الحدّ و أوجبه،و هو:الحلّي و الشيخ في المبسوط و الخلاف (6)،و قوّاه الماتن في الشرائع و الفاضل في التحرير (7)و جماعة من المتأخّرين (8)؛ لاستصحاب ثبوت الحدّ إلى ظهور المسقط،و ليس بظاهر.

ص:81


1- التنقيح 4:372،المفاتيح 2:89،كشف اللثام 2:418.
2- في«ن» زيادة:الساقط بالتوبة بعد الإقرار.
3- ليست في«س» و«ب» و«ن».
4- سورة ص:39.
5- تحف العقول:360،الوسائل 28:41 أبواب مقدمات الحدود ب 18 ح 4.
6- الحلّي في السرائر 3:478،الشيخ لم نعثر على كلامه في المبسوط و الخلاف،نعم حكاه عنه جماعة منهم:الحلّي في السرائر 3:478،و العلّامة في المختلف:768.
7- الشرائع 4:171،التحرير 2:227.
8- منهم الشهيد الأوّل في غاية المراد 14:243،و الشهيد الثاني في المسالك 2:440،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:98.

و فيه بعد ما عرفت من وجود الدليل نظر واضح.

و أمّا ما ذكره الحلّي (1)من ظنّه عدم الخلاف فيما ذكره؛ لرجوع الشيخ في الكتابين عمّا في النهاية فواضح وهنه،سيّما بعد ما عرفت من دعوى الشهرة الظاهرة على خلافه في كلام جماعة.

ص:82


1- السرائر 3:479.

الفصل الخامس في حدّ السرقة

الأول في السارق

الفصل الخامس في بيان حدّ السرقة و هو يعتمد فصولاً خمسة:

الأول في بيان السارق الذي يجب قطعه.

و يشترط فيه:التكليف بالبلوغ و العقل و الاختيار و ارتفاع الشبهة الدارئة للحدّ من نحو توهّم الملك كما في سائر الحدود و أن لا يكون والداً سرق من ولده،و أن يهتك الحرز و يزيله،ف يخرج المتاع المحرز فيه (1)، و يأخذه سرّاً مختفياً.

فالقيود المشترطة في قطع السارق إذن ستّة فلا يحدّ الطفل و لو راهق الحلم و لا المجنون و لو أدواريّاً إذا سرق حال جنونه لكن يعزّران و يؤدّبان بما يراه الحاكم و إن تكرّر منهما مراراً.

بلا خلاف في الثاني،بل ادّعي الوفاق على عدم حدّه (2)؛ و هو الحجّة فيه،مضافاً إلى حديث رفع القلم عنه (3)من غير معارض فيه،و هو و إن دلّ على نفي التعزير أيضاً إلّا أنّه لا خلاف فيه،و يمكن الاعتذار عنه بما يأتي من أنّه ليس (4)من باب التكليف،بل وجوب التأديب على

ص:83


1- في المختصر المطبوع زيادة:بنفسه.
2- كشف اللثام 2:420.
3- الخصال:40/93،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
4- في«س» و«ن» زيادة:ذلك.

الحاكم؛ لاشتماله على المصلحة و دفع المفسدة،كما في كل تعزير.

و هذان الدليلان جاريان في عدم حدّ الصبي و تعزيره،كما أطلقه المصنّف و عامّة المتأخّرين (1)،وفاقاً للمفيد و الحلّي كما حكي (2).

و قال الشيخ في النهاية و تبعه القاضي (3):إنّه يعفى عن الطفل أوّلاً،فإن عاد أُدِّب،فإن عاد حُكَّت أنامله حتى تدمى،فإن عاد قُطِعت أنامله،و إن عاد قطع كما يقطع البالغ و اختاره في المختلف بعد أن نسبه إلى الأكثر (4)،و نحوه شيخنا في الروضة،فقال:و مستند هذا القول أخبار كثيرة صحيحة،و عليه الأكثر.و لا بعد في تعيين الشارع نوعاً خاصّاً من التأديب؛ لكونه لطفاً و إن شارك خطاب التكليف في بعض أفراده (5).

و هو حسن إن تمّ ما ذكره من دلالة الأخبار الصحيحة عليه؛ مع أنّا لم نجد شيئاً منها يدلّ عليه بالتفصيل المذكور فيه؛ مع أنّها بأنفسها متعارضة غير متّفقة على تفصيل واحد،و الجمع بينها و تطبيقها على ما في النهاية في غاية الإشكال و الصعوبة،بل لعلّه متعذّر،و مع ذلك خالٍ عن شاهدٍ عليه و حجّة،فيشكل التعويل عليها مطلقاً في إثبات حكم مخالف للأصل،كما أشار إليه الماتن في نكت النهاية،فقال و لنعم ما قال-:

و الذي أراه تعزير الصبيّ،و الاقتصار على ما يراه الإمام أردع له،و قد اختلف الأخبار في كيفية حدّه،فيسقط حكمها لاختلافها و عدم الوقوف (6)

ص:84


1- في«ن» زيادة:عدا النادر منهم.
2- حكاه عنهما في التنقيح 4:373،و هو في المقنعة:803،و السرائر 3:485.
3- النهاية:716،و لم نعثر عليه في كتب القاضي،نعم حكاه عنه في الإيضاح 4:519.
4- المختلف:770.
5- الروضة 9:222.
6- كذا،و في المصدر:الوثوق.

بإرادة بعضها دون بعض.و ما ذكره الشيخ رحمه اللّه خبر واحد لا يحكم به في الحدود؛ لعدم إفادته اليقين،و الحدّ يسقط بالاحتمال (1).

انتهى.

و منه يظهر الجواب عمّا عن المقنع (2)من العفو عنه أولاً،فإن عاد قطعت أنامله أو حكَّت حتى تدمى،فإن عاد قطعت أصابعه،فإن عاد قطع أسفل من ذلك؛ كما في الصحيح (3).

و في آخر رواه في الفقيه:«إن كان له سبع سنين أو أقلّ رفع عنه،فإن عاد بعد السبع قطعت بنانه أو حكّت حتى تدمى،فإن عاد قطع منه أسفل من بنانه،فإن عاد بعد ذلك و قد بلغ تسع سنين قطعت يده و لا يضيّع حدّ من حدود اللّه تعالى» (4).

و لا يخفى ما بينهما من التعارض و لو من جهة الإطلاق و التقييد، و الجمع بينهما بالتقييد و إن أمكن،إلّا أنّه لم يقل به في المقنع و لا غيره، و لم يحك عن أحد.

و عمّا عن ابن سعيد (5)من العمل بما في الصحيح:«إذا سرق الصبيّ عفي عنه،فإن عاد عُزِّر،فإن عاد قطع أطراف الأصابع،فإن عاد قطع أسفل من ذلك» (6)لمعارضته ما سبقه و غيره من النصوص المعارضة لهما،

ص:85


1- نكت النهاية 3:324.
2- المقنع:150.
3- الكافي 7:6/233،التهذيب 10:476/119،الوسائل 28:295 أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 7.
4- الفقيه 4:147/44،الوسائل 28:297 أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 12.
5- الجامع للشرائع:563.
6- الكافي 7:4/232،التهذيب 10:472/118،الوسائل 28:294 أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 2.

و منها الصحيحان الدالّان على العفو عنه مرّتين،فإن عاد قطع أطراف أصابعه كما في أحدهما،و بنانه بدلاً عنه في الثاني،فإن عاد قطع أسفل من ذلك كما في الأوّل،و من بنانه كما في الثاني،و زيد فيه:«فإن عاد قطع أسفل من ذلك» (1).

و في الغنية:روى أصحابنا:«أنّ الصبي إذا سرق هُدِّد،فإن عاد ثانيةً أُدِّب بحك أصابعه بالأرض حتى تدمى،فإن عاد ثالثةً قطعت أطراف أنامله الأربع من المفصل الأول،فإن عاد رابعةً قطعت من المفصل الثاني،فإن عاد خامسةً قطعت من أُصولها» (2).

و أكثر النصوص تخالف هذا التفصيل.نعم،في بعضها ما يومئ إليه (3)،لكن فيه العفو بدل التهديد.و لا يخفى ما بينهما من التنافي،إلّا أن يحمل المعفوّ عنه على القطع و الإدماء،فلا ينافي التهديد،لكن السند قاصر.و عبارته و إن أشعرت بالإجماع عليه إلّا أنّه موهون بمخالفته الأكثر، بل الكلّ،كما يظهر من نقل الأقوال الذي مرّ.

و بالجملة:العمل بهذه الأخبار محلّ نظر و إن استفاض صحاحها و قرب من التواتر عددها؛ لما مضى،فينبغي حملها على كون الواقع تأديباً منوطاً بنظر الحاكم،لا حدّا،كما ذكره في المسالك شيخنا (4)،و مقتضاه

ص:86


1- الأول في:الكافي 7:1/232،التهذيب 10:473/119،الوسائل 28:293 أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 1. الثاني في:الكافي 7:2/232،التهذيب 10:474/119،الوسائل 28:294 أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 4.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):623 624.
3- التهذيب 10:484/121،الوسائل 28:298 أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 15.
4- المسالك 2:441.

جواز بلوغ التعزير الحدّ هنا و لو في بعض الصور،و لا بأس به؛ لاتّفاق أكثر النصوص في الدلالة عليه،و لكنّه لا يلائم ما أطلقه المتأخّرون (1)من التعزير؛ بناءً على ما قرّروه من اشتراط التعزير بعدم بلوغه الحدّ،و في جريانه في محلّ البحث نظر؛ لما مرّ،لكن ينبغي الاحتياط بعدم القطع إلّا فيما اتّفقت في الدلالة عليه،و هو في الخامسة.

و لو سرق الشريك من المال المشترك ما يظنّه نصيباً له،مع ظنّه جواز مباشرته القسمة بنفسه لم يقطع و لو زاد نصاباً؛ للشبهة الدارئة للحدّ الذي منه القطع،بلا خلاف.

و لو علم عدم جواز تولّي القسمة كذلك،قطع إن بلغ نصيب الشريك نصاباً؛ للعموم،و ارتفاع الشبهة بالعلم.

قيل (2):و يحتمل القطع مطلقاً مع بلوغ نصيب الشريك النصاب؛ لفساد القسمة،و وجود حقّ الشريك فيما أخذه(بقدر النصاب) (3).

و يحتمل العدم كذلك؛ لوجود حقّه فيه،مع التأيّد بعموم ما سيأتي من قول أمير المؤمنين(عليه السّلام):«إنّي لا أقطع أحداً له فيما أخذه شركاء» (4)و الخبر الوارد فيمن سرق من بيت المال:«لا يقطع،فإنّ له فيه نصيباً» (5).

و في الاحتمالين نظر؛ لأنّ فساد القسمة في الشريعة لا يرفع أثر

ص:87


1- في«ب» و«ح»:بعض المتأخرين.
2- كشف اللثام 2:422.
3- ليست في المصدر،و في«ب»:بقدره.
4- الكافي 7:7/223،التهذيب 10:406/104،الإستبصار 4:910/241،الوسائل 28:288 أبواب حدّ السرقة ب 24 ح 1،و في الجميع:«له فيما أخذ شِرك» أي نصيب.
5- الكافي 7:6/231،التهذيب 10:407/105،الإستبصار 4:911/241،الوسائل 28:288 أبواب حدّ السرقة ب 24 ح 2.

الشبهة الحاصلة من مظنّة جواز المباشرة لها بنفسه.و وجود حقّه فيه لا ينافي صدق أخذه النصاب من مال غيره الموجب هو للقطع بمقتضى العموم،و لا إشارة فيما دلّ عليه باشتراط خلوص النصاب عن مال السارق، فتأمّل .

و الخبران قاصرا السند،فلا يصلحان لتخصيص العموم،سيّما مع اعتضاده بفتوى المشهور،و معارضتهما بما سيأتي ممّا هو أوضح منهما سنداً.

و في سرقة أحد الغانمين من الغنيمة روايتان باختلافهما اختلف الأصحاب.

ففي إحداهما :أنّه لا يقطع و المراد بها الجنس؛ لتعدّدها.

منها:«في رجل أخذ بيضة من المغنم و قالوا:قد سرق اقطعه،فقال:

إنّي لا أقطع أحداً له فيما أخذه شركاء» (1).

و منها:«أربعة لا قطع عليهم:المختلس،و الغلول،و من سرق من المغنم،و سرقة الأجير؛ لأنّها خيانة» (2).

و عمل بمضمونها المفيد و الديلمي و فخر الدين و الفاضل المقداد في شرح الكتاب (3)،و غيرهم (4).

و قصور سندهما بسهل في الأوّل و إن كان سهلاً،و السكوني

ص:88


1- تقدّمت في ص 85.
2- الكافي 7:6/226،التهذيب 10:449/114،الإستبصار 4:912/241،الوسائل 28:268 أبواب حدّ السرقة ب 12 ح 3.
3- المفيد في المقنعة:803،الديلمي في المراسم:258،فخر الدين في الإيضاح 4:525،الفاضل المقداد في التنقيح 4:374.
4- كابن سعيد في الجامع للشرائع:560 و ابن فهد الحلّي في المهذّب البارع 5:93.

و صاحبه في الثاني و إن كان قويّاً يمنع عن العمل بهما و إن اعتضدا بمفهوم التعليل في الخبر الذي مضى؛ لضعف سنده أيضاً من وجوه شتّى.

و في الرواية الأُخرى :أنّه يقطع لو زاد عن نصيبه قدر النصاب و إلّا فلا (1)،و قد عمل بها الشيخ في النهاية و القاضي و الإسكافي و الماتن في الشرائع و الفاضل في التحرير و شيخنا في المسالك و الروضة (2)، مدّعياً هو و بعض من تبعه أنّ عليها عمل الأكثر (3).

و لا بأس به؛ لصحّتها،و صراحتها في التفصيل المحتمل (4)الجامع بين الرواية السابقة بحملها على ما إذا لم يزد عن حصّته نصاباً،و إن نافاه ظاهر ما فيها من التعليل؛ لإمكان حمله على ما يوافقه و بين الموثّقة كالصحيحة:عن البيضة التي قطع فيها أمير المؤمنين(عليه السّلام)،قال:«كانت بيضة حديد سرقها رجل من المغنم فقطعه» (5)بحملها على صورة أخذه الزيادة عن حصّته بما يبلغ نصاباً،و يحتمل حملها على كون السارق ليس من الغانمين،كما ربما يشعر به ظاهر سياقها.و على أيّ حال،فليس في ظاهرها ما ينافي القولين؛ لكونها قضيّة في واقعة لا عموم لها،محتملة للورود مورداً لا يخالفهما.

ص:89


1- الفقيه 4:151/45،التهذيب 10:410/106،الإستبصار 4:914/242،الوسائل 28:289 أبواب حدّ السرقة ب 24 ح 4.
2- النهاية:715،القاضي في المهذّب 2:542،حكاه عن الإسكافي في المختلف:769،الشرائع 4:173،التحرير 2:228،المسالك 2:442،الروضة 9:228.
3- كالفيض الكاشاني في المفاتيح 2:90.
4- ليست في«ن».
5- التهذيب 10:408/105،الإستبصار 4:913/241،الوسائل 28:288 أبواب حدّ السرقة ب 24 ح 3.و بيضة الحديد:الخُوذَة نهاية ابن الأثير 1:172.

هذا،و المسألة بَعدُ لا تخلو عن تردّد،كما هو ظاهر المتن و القواعد و صريح اللمعة (1)؛ لحصول الشبهة باختلاف الفتوى و الرواية و إن كان ما دلّ منها على التفصيل أوضح سنداً و أظهر دلالةً؛ لوحدته،و تعدّد مقابله(و قوّة دلالته بما فيه من التعليل) (2)مع اعتبار سند بعضه؛ لما عرفت من سهولة أمر سهل،بل قيل بوثاقته (3)،و قوّة السكوني و صاحبه،مع أنّ الاُولى مرويّة عن الكافي صحيحة،و لكن لم أقف عليها كذلك فيه في هذا الكتاب (4)، و لعلّه رواها فيه في كتاب الجهاد،و مقتضى التردّد حصول الشبهة الدارئة.

و بموجب ذلك يظهر للقول الأول قوّة.

و لو سرق الوالد من مال ولده لم يقطع،إجماعاً على الظاهر، المصرّح به في كلام جماعة حدّ الاستفاضة (5)؛ و هو الحجّة،المعتضدة بفحوى ما دلّ على عدم قتله بقتله (6)،و قوله(صلّى اللّه عليه و آله):«أنت و مالك لأبيك» (7).

و صرّح جماعة (8)بعموم الأب لمن علا،و ظاهر المسالك الإجماع

ص:90


1- القواعد 2:266،اللمعة(الروضة 9):227.
2- ليست في«ن».
3- رجال الطوسي:416.
4- السند في الكافي كذا:عن علي بن إبراهيم،عن أبيه،و عدّة من أصحابنا،عن سهل بن زياد جميعاً،عن ابن أبي نجران..و لا يخفى أنّ السند الأوّل صحيح على مبناه.
5- كالفاضل المقداد في التنقيح 4:372،و الشهيد الثاني في المسالك 2:442،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:93.
6- انظر الوسائل 29:77 أبواب القصاص في النفس ب 32.
7- الكافي 5:5/135،التهذيب 6:961/343،الإستبصار 3:157/48،الوسائل 17:262 أبواب ما يكتسب به ب 78 ح 1.
8- كالعلّامة في التحرير 2:228،و القواعد 2:266،و الشهيد الثاني في المسالك 2:442،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:422.

عليه (1).

و لو سرق الولد من مال أحد والديه و إن علا،أو الأُمّ من مال ولدها، وجب القطع بلا خلاف،إلّا من الحلبي (2)،فألحق الاُمّ بالوالد في عدم قطعها لو سرقت من مال ولدها،و هو شاذّ محجوج بعموم الآية (3)و الأخبار (4)بقطع السارق مطلقاً،خرج منه الوالد بالإجماع،فيبقى الباقي.

و منه يظهر انسحاب الحكم في الأقارب لو سرق بعضهم من بعض، و لا خلاف فيه ظاهراً،و ما سيأتي من الصحيح بعدم القطع بسرقة مال الأب و الأخ و الأُخت،محمول على عدم الحرز دونه كما هو الغالب و مقتضى التعليل فيه.

و قيّد جماعة قطع الولد بسرقته من مال الوالدين و الأُمّ بسرقة مال ولدها بما إذا قام المسروق منه بنفقة السارق إن وجبت عليه و إلّا فلا قطع، و صريح الغنية الإجماع عليه (5).

و لا بأس به إذا كان المسروق مأخوذاً بدلاً من النفقة بقدرها ،أو مع الزيادة بما لا يبلغ النصاب؛ و في النصوص إيماء إليه (6).

و لو لم يكن المال محروزاً،أو هتك الحرز غيره و أخرج هو، لم يقطع بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية (7)؛ و هو الحجّة،مضافاً

ص:91


1- المسالك 2:442.
2- الكافي في الفقه:411.
3- المائدة:38.
4- الوسائل 28:251 أبواب حد السرقة ب 4.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
6- انظر الوسائل 28:288 أبواب حد السرقة ب 24.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):623.

إلى النصوص المستفيضة الآتية في الأول،و عدم تحقّق السرقة من الهتك، و لا الأخذ من الحرز من المخرج.

نعم،يجب على الأول ضمان ما أفسده من جدار أو غيره،و على الثاني ضمان المال؛ لحديثي نفي الضرر (1)و ضمان اليد (2).

و لو تعاونا على الهتك و انفرد أحدهما بالإخراج،قطع المخرج خاصّة؛ لصدق السرقة في حقّه دون المتفرّد بالهتك.و لو انعكس، فلا قطع على أحدهما،إلّا إذا أخرجا نصابين.

و لو تعاونا على الأمرين و أخرجا أقلّ من نصابين،ففي وجوب القطع قولان يأتيان.

و لا فرق في الإخراج بين المباشرة و التسبيب،مثل:أن يشدّ بحبل و يجرّ به،أو يؤمر صبي غير مميّز بإخراجه،أو نحو ذلك.أمّا لو أمر مميّزاً به فلا قطع على التسبّب (3)على ما ذكره جماعة (4).

و لو خان المستأمن لم يقطع؛ لأنّه لم يحرز من دونه.و كذا لو هتك الحرز قهراً ظاهراً و أخذ؛ لأنّه ليس بسارق،بل هو غاصب،و للنصوص المستفيضة فيهما.

ففي الصحيح:عن قوم اصطحبوا في سفر رفقاء،فسرق بعضهم متاع بعض،فقال:«هذا خائن لا يقطع،و لكن يتبع بسرقته و خيانته» قيل له:فإن

ص:92


1- الكافي 5:2/292،الفقيه 3:648/147،التهذيب 7:651/146،الوسائل 25:428 أبواب إحياء الموات ب 12 ح 3.
2- عوالي اللئلئ 1:106/224.
3- في«ب» و«ح»:السبب.
4- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:442،الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:91،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:424.

سرق من أبيه؟فقال:«لا يقطع؛ لأنّ ابن الرجل لا يحجب عن الدخول إلى منزل أبيه،هذا خائن،و كذلك إن أخذ من منزل أخيه أو أُخته إن كان يدخل عليهم لا يحجبانه عن الدخول» (1).

و في المعتبرة المستفيضة:«لا أقطع في الدغارة (2)المعلنة،و لكن أقطع من يأخذ ثم يخفي» (3).

و لا فرق في السارق الذي يجب قطعه بين الحرّ و العبد إذا سرق من غير مولاه،و لم يكن عبد غنيمة سرق منها و المسلم و لو سرق من ذمّي كما صرّح به في التحرير (4) و الكافر بأقسامه و الذكر و الأُنثى فهم في ذلك سواء بلا خلاف ظاهر و لا محكيّ؛ للعموم السالم عمّا يوجب التخصيص.

مضافاً إلى خصوص المرسل في العبد،قال:«المملوك إذا سرق من مال مواليه لم يقطع،فإذا سرق من غير مواليه قطع» (5).

و إنّما قيّدنا العبد بما مرّ إذ لا يقطع عبدُ الإنسان بسرقة ماله كما قطع به الأصحاب ظاهراً،و ادّعاه بعضهم صريحاً (6)،و عن المبسوط نفي الخلاف عنه إلّا من داود (7)؛ و دلّت عليه النصوص أيضاً

ص:93


1- الكافي 7:6/228،التهذيب 10:429/110،الوسائل 28:276 أبواب حدّ السرقة ب 18 ح 1.
2- الدغرة:أخذ الشيء اختلاساً الصحاح 2:658.
3- انظر الوسائل 28:268 أبواب حدّ السرقة ب 12.
4- التحرير 2:228.
5- الكافي 7:22/237،التهذيب 10:438/111،الوسائل 28:299 أبواب حدّ السرقة ب 29 ح 3.
6- كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2:423.
7- المبسوط 8:44.

ففي الصحيح:«إذا سرق عبد أو أجير من مال صاحبه فليس عليه قطع» (1).

و أظهر منه الخبر:«عبدي إذا سرقني لم أقطعه» (2).

و قريب منه آخر:«في عبد سرق و اختان من مال مولاه،ليس عليه قطع» (3)و نحوهما المرسل المتقدّم.

و علّل مع ذلك في الشرائع بأنّ في قطعه زيادة إضرار (4)(5).

و فيه لولا النصّ نظر.

و فيه الفقيه بأنّه مال الرجل سرق بعضه بعضاً (6).

و هو نظير ما سيأتي من التعليل.

و كذا لا يقطع عبد الغنيمة بالسرقة منها لأنّه إنّما أخذ من مال مواليه،و للنصوص:

منها:في رجلين قد سرقا من مال اللّه تعالى،أحدهما عبد لمال اللّه، و الآخر من عرض الناس،فقال:«أمّا هذا فمن مال اللّه تعالى ليس عليه شيء،مال اللّه تعالى أكل بعضه بعضاً،و أمّا الآخر فقدّمه و قطع يده» (7).

ص:94


1- التهذيب 10:439/111،الوسائل 28:299 أبواب حدّ السرقة ب 29 ح 5.
2- الكافي 7:20/237،التهذيب 10:437/111،الوسائل 28:298 أبواب حدّ السرقة ب 29 ح 2.
3- الكافي 7:5/234،التهذيب 10:436/111،الوسائل 28:298 أبواب حدّ السرقة ب 29 ح 1.
4- الشرائع 4:174.
5- في«ن» زيادة:على المالك.
6- الفقيه 4:49.
7- الكافي 7:24/264،التهذيب 10:501/125،الوسائل 28:299 أبواب حدّ السرقة ب 29 ح 4.

و في القويّ:«و عبد الإمارة إذا سرق لم أقطعه؛ لأنّه فيء» (1).

و يقطع الأجير إذا أحرز المال الذي سرق منه من دونه،على الأشبه الأشهر (2) بل عليه عامّة من تأخّر،كما في المسالك (3)و غيره (4)؛ للعمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة،كما سيظهر.

خلافاً للنهاية،فأطلق أنّه لا قطع عليه (5)؛ و حجّته غير ظاهرة إن قصد الإطلاق،عدا ما استدلّ له من المعتبرة المستفيضة التي فيها الصحيح و الموثّق و غيرهما من المعتبرة-:أنّه لا قطع عليه لأنّه مؤتمن (6).

و التعليل صريح في صورة عدم الإحراز عنه،و ليس عدم القطع فيها محلّ خلاف.

و إليه أشار في الجواب عنها شيخنا في الروضة،فقال بعد نقل هذا القول-:استناداً إلى أخبار ظاهرة في كون المال غير محرز عنهما (7)، فالتفصيل حسن (8).

و كذا يقطع كلّ من الزوج و الزوجة بسرقة مال الآخر مع الإحراز عنه و إلّا فلا،بلا خلاف؛ لما مرّ من العمومات.

و ينبغي تقييد القطع في الزوجة حيث تقطع بما إذا لم تسرق عوضاً

ص:95


1- الكافي 7:20/237،التهذيب 10:437/111،الوسائل 28:298 أبواب حدّ السرقة ب 29 ح 2.
2- في المختصر المطبوع:الأظهر.
3- المسالك 2:442.
4- التنقيح 4:375،المفاتيح 2:94،كشف اللثام 2:422.
5- النهاية:717.
6- انظر الوسائل 28:271 أبواب حدّ السرقة ب 14.
7- أي الضيف و الأجير.
8- الروضة 9:241.

عن النفقة الممنوعة عنها من دون زيادة عليها،و إلّا فلا قطع عليها،كما مضى في نظيره قريباً (1).

و كذا الضيف يقطع مع الإحراز عنه،و لا مع العدم،على الأشبه الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ لما مرّ.

و في رواية صحيحة:أنّه لا يقطع بقول مطلق،من دون تفصيل بين الإحراز عنه و عدمه،و فيها:«إذا سرق الضيف لم يقطع،و إذا أضاف الضيف ضيفاً فسرق قطع ضيف الضيف» (2).

و لا عامل بها عدا الشيخ في النهاية (3)،و قد رجع عنه إلى التفصيل في المبسوط و الخلاف (4).و الحلّي (5)،و هو شاذّ،مع اضطرابه في الباب، حيث رجّح أولاً التفصيل (6)،ثم عدم القطع على الإطلاق،و هو غريب، و أغرب منه دعواه الإجماع على الثاني.

و ربما يحكى هذا القول عن الإسكافي و الصدوق في الفقيه و المقنع (7).

مع أنّ عبارة الأول المحكيّة في المختلف صريحة في التفصيل،فإنّه قال:و سرقة الأجير و الضيف و الزوج فيما اؤتمنوا عليه خيانةٌ لا قطع عليهم

ص:96


1- راجع ص 89.
2- الكافي 7:4/228،التهذيب 10:428/110،علل الشرائع:3/535،الوسائل 28:275 أبواب حدّ السرقة ب 17 ح 1.
3- النهاية:717.
4- المبسوط 8:33،و حكاه عن الخلاف في السرائر 3:487.
5- السرائر 3:488.
6- السرائر 3:487.
7- حكاه عنهما الشهيد الثاني في المسالك 2:442.

فيه،فإن سرقوا ممّا لم يؤتمنوا عليه قطعوا (1).

و قريب منها عبارة الصدوق في الكتابين،فإنّه قال:ليس على الأجير و لا على الضيف قطع؛ لأنّهما مؤتمنان (2).

و وجه الظهور هو التعليل الظاهر في كون سبب عدم القطع إنّما هو الاستئمان المنافي للإحراز عنه المشترط في القطع،و هذا لا نزاع فيه.

و حيث شذّت الرواية ينبغي طرحها،أو حملها على صورة الاستئمان كما هو الغالب،و يشعر به ذيلها؛ للحكم فيه بقطع ضيف الضيف،و ليس ذلك إلّا من حيث إنّ المالك لم يأمنه.

و أظهر منه ما في بعض النصوص:«الأجير و الضيف أمينان ليس يقع عليهما حدّ السرقة و لا غيره» (3)فتدبّر.

و يجب على السارق إعادة المال بعينه مع وجوده و إمكان إعادته،أو ردّ مثله إن كان مثليّا أو قيمته إن كان قيميّاً مع تلفه أو تعذّر ردّه.

و لو عاب ضَمِن الأرش.

و لو كان ذا اجرة لزمته مع ذلك و لو قطع لأنّهما حكمان متغايران:

الإعادة لأخذ مال الغير عدواناً،و القطع حدّا عقوبة على الذنب.

و الأصل فيه بعد ذلك و إجماعنا(الظاهر) (4)المصرّح به في بعض العبائر (5)المعتبرة المستفيضة:

ص:97


1- المختلف:770.
2- الفقيه 4:47،المقنع:151.
3- الكافي 7:5/228،التهذيب 10:425/109،علل الشرائع:2/535،الوسائل 28:272 أبواب حدّ السرقة ب 14 ح 4؛ و ليس في الجميع:و لا غيره.
4- ليست في«ن».
5- كشف اللثام 2:430.

منها الصحيح:«إذا سرق السارق قطعت يده و غرم ما أخذ» (1).

و الموثّق كالصحيح:«السارق يتبع بسرقته و إن قطعت يده،و لا يترك أن يذهب بمال امرئ مسلم» (2).

و الخبر:عن رجل يسرق فيقطع يده و لم يردّ ما سرق،كيف يصنع به في مال الرجل الذي سرق منه؟أو ليس عليه ردّه؟!و إن ادّعى أنّه ليس عنده قليل و لا كثير و علم ذلك منه؟قال:«يستسعى حتى يؤدّي آخر درهم سرقه» (3).

و نبّه بذلك على(ردّ) (4)مالك و أبي حنيفة،حيث قال الأول:إن تلفت العين غرمها إن كان موسراً،و لم يغرمها إن كان معسراً و لو أيسر بعد ذلك (5).

و قال الثاني:لا أجمع بين القطع و الغرم للعين التالفة،فإن غرم له سقط حدّ القطع،و إن سكت المالك حتى يقطع سقط الغرم (6).

الثاني في المسروق

الثاني:في بيان المسروق الذي يجب بسرقته القطع و شروطه.

و منها:اشتراط بلوغه نصاب القطع بلا خلاف،بل عليه

ص:98


1- الكافي 7:15/225،التهذيب 10:412/106،الوسائل 28:264 أبواب حدّ السرقة ب 10 ح 1.
2- التهذيب 10:413/106،الوسائل 28:265 أبواب حدّ السرقة ب 10 ح 4.
3- الكافي 7:9/261،التهذيب 10:518/130،الوسائل 28:264 أبواب حدّ السرقة ب 10 ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- في«س» و«ن»:خلاف.
5- حكاه عنه النووي في المجموع 20:102.
6- حكاه عنه ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 10:274 و 294.

إجماعنا في المسالك (1)و غيره (2)؛ و هو الحجّة المخصِّصة لإطلاق الآية و الرواية بقطع السارق بقول مطلق،مضافاً إلى الأدلّة الآتية من الإجماعات المحكيّة و النصوص المستفيضة بل المتواترة.

و قدره ربع دينار،ذهباً خالصاً،مضروباً بسكّة المعاملة أو ما بلغ قيمته ذلك على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في الخلاف و الاستبصار و الغنية و السرائر و كنز العرفان (3):أنّ عليه إجماع الإماميّة؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة الخاصّية و العامّية.

ففي الصحيح:«لا يقطع إلّا في ربع دينار أو أكثر» (4).

و في آخر:«لا يقطع يد السارق إلّا في شيء تبلغ قيمته مِجَنّاً (5)،و هو ربع دينار» (6).

و في الخبرين:عن أدنى ما يقطع فيه السارق،فقال:«في بيضة حديد»،قلت:و كم ثمنها؟قال:«ربع دينار» (7).

ص:99


1- المسالك 2:443.
2- المفاتيح 2:91.
3- الخلاف 5:413،الاستبصار 4:241،الغنية(الجوامع الفقهية):623،السرائر 3:483،كنز العرفان 2:350.
4- الكافي 7:6/221،التهذيب 10:384/99،الإستبصار 4:896/238،الوسائل 28:243 أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 1.
5- المِجَنّ:الترس الذي يتّقي به المحارب ضرب عدّوه الصحاح 5:2094.
6- الكافي 7:2/221،التهذيب 10:387/100،الإستبصار 4:899/239،الوسائل 28:243 أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 2.
7- أحدهما في:الكافي 7:3/221،التهذيب 10:385/99،الإستبصار 4:897/238،الوسائل 28:245 أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 5،6. و الآخر في:التهذيب 10:389/100،الإستبصار 4:901/239،الوسائل 28:245 أبواب حدّ السرقة ب 2 ذيل الحديث 6.

و زيد (1)في أحدهما:و قال(عليه السّلام):«لا يقطع يد السارق حتى تبلغ سرقته ربع دينار».

و قول الصدوق بالخُمس (2)،و العماني بالدينار الكامل (3)،شاذّان ضعيفان،و إن دلّ على الأول منهما الموثّق (4)و الصحيحان (5):« أدنى ما يقطع فيه السارق خُمس دينار» كما في الأول و أحدهما،و في الثاني:

«يقطع السارق في كلّ شيء يبلغ قيمته خُمس دينار و إن سرق من زرع أو ضرع أو غير ذلك».

و على الثاني الصحيح:في كم يقطع السارق؟فجمع كفّيه ثم قال:

«في عددها من الدراهم» (6)بناءً على كونها قيمة الدينار في ذلك الزمان،كما يستفاد من كثير من الأخبار (7)و جمع من الأصحاب (8).

و وجه ضعف القولين مع اعتبار سند هذه النصوص و كثرتها

ص:100


1- الزيادة موجودة في كليهما،مضافاً إلى قول المجلسي(ره)في الملاذ 16:196 باتحادهما مع تقديم و تأخير و زيادة أحمد في أول السند،و لعلّه أخذه من كتابه و هذا من كتاب الحسين.
2- المقنع:150.
3- حكاه عنه في المختلف:772.
4- التهذيب 10:394/102،الوسائل 28:244 أبواب حدّ السرقة ب 2 ذيل ح 3.
5- أحدهما في:التهذيب 10:393/101،الإستبصار 4:906/240،الوسائل 28:244 أبواب حدّ السرقة ب 2 ذيل ح 3. و الآخر في:التهذيب 10:395/102،الإستبصار 4:908/240،الوسائل 28:246 أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 12.
6- التهذيب 10:390/100،الإستبصار 4:902/239،الوسائل 28:245 أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 9.
7- وسائل الشيعة 29:193 أبواب ديات النفس ب 1.
8- كالشيخ في التهذيب 4:10 ذيل الحديث 28،و الحر العاملي في الوسائل 28:247،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:495.

و اعتضادها بغيرها أيضاً،مع اعتضاد ما دلّ منها على الأول بإطلاقات الكتاب و السنّة بقطع كلّ سارق،خرج منها ما لو سرق (1)أقلّ من الخمس بالإجماع،فيبقى الباقي-:

أوّلاً:تعارض بعضها مع بعض،مع موافقة ما دلّ منها على اعتبار الدينار على تقدير تسليم دلالته لرأي جماعة من العامّة،رأيهم إلى الآن مشتهرة،كالثوري و أصحاب الرأي و أبي حنيفة (2).

و ثانياً:بقصورها عن المقاومة لما مضى من الأدلّة جدّاً،من حيث الاعتضاد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة؛ لندرة المخالف و شذوذه مع معلوميّة نسبه و الإجماعات المحكيّة،و الأوفقيّة بما دلّ على درء الحدود بالشبهة؛ لحصولها (3)باعتبار اختلاف الفتوى و الرواية في اعتبار الربع أو الخمس،و عدم القطع بالأخير أوفق بالاحتياط بلا شبهة.

لكن هذا المعاضد يدفع القول بالخمس دون كمال الدينار، بل ينعكس فيه،لكنّه في غاية من الضعف قليل الدليل،بل عديمه؛ لأن غاية ما دلّ عليه الصحيحة ثبوت القطع به لا نفيه فيما دونه،فتأمّل .

و مع ذلك تواترت النصوص في ردّه،و إن اختلفت في تعيين الربع أو الخمس كما في النصوص المتقدّمة،أو الثلث كما في صريح الموثّق (4)

ص:101


1- في«ب»:كان.
2- انظر أحكام القرآن للقرطبي 6:161،و المغني و الشرح الكبير لابني قدامة 10:239 و 246.
3- في«ن» زيادة:لا أقل.
4- التهذيب 10:391/101،الإستبصار 4:903/239،الوسائل 28:246 أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 11.

و ظاهر آخر (1)،أو الدرهمين كما في النصّ الآتي إليه الإشارة.

و بالجملة:لا ريب في صحّة القول الأول،و ضعف ما قابلة و النصوص الدالّة عليه،و يمكن حملها على التقيّة كما ذكره شيخ الطائفة، قال بعد حمل ما دلّ منها على الخمس عليها:لموافقتها لمذاهب كثير منهم (2).و يظهر ذلك أيضاً من كلّ من ادّعى إجماعنا على الربع.

و يحكى في الروضة قول بالقطع في درهمين (3)،كما في بعض النصوص (4).و هو يوافق القول بالخمس؛ بناءً على البناء المتقدّم.

و اعلم أنّه لا فرق فيه بين عين الذهب و غيره،فلو بلغ العين ربع دينارٍ وزناً غير مضروب،و لم تبلغ قيمته المضروب،فلا قطع؛ لأنّ الدينار حقيقةٌ في المسكوك منه،فيحمل عليه إطلاقه الوارد في النصوص.

خلافاً للخلاف و المبسوط (5)،فقوّى (6)عدم اشتراط السكّة.و هو شاذ.

و لو انعكس،بأن كان سدس دينار مصوغاً قيمته ربع دينار مسكوكاً، قطع على الأقوى.

و كذا لا فرق بين علمه بقيمته أو شخصه و عدمه،فلو ظنّ المسروق فلساً فظهر ديناراً،أو سرق ثوباً قيمته أقلّ من النصاب فظهر مشتملاً على ما يبلغه و لو معه،قطع على الأقوى؛ لتحقّق الشرط.و لا يقدح عدم

ص:102


1- التهذيب 10:392/101،الإستبصار 4:904/240،الوسائل 28:246 أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 10.
2- الاستبصار 4:240.
3- الروضة 9:231.
4- الفقيه 4:172/49،التهذيب 10:513/128،الوسائل 28:247 أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 14.
5- المبسوط 8:19،الخلاف 5:414.
6- في«ن» زيادة:فيهما.

القصد إليه؛ لتحقّقه في السرقة إجمالاً،مع عدم دليل على اعتبار قصد النصاب في القطع بسرقته أصلاً.

قيل:و لشهادة الحال بأنّه لو علمه لقصده (1).و في إطلاقها نظرٌ لا يخفى.

و لا بدّ فيه أيضاً من كونه محرزاً إجماعاً منّا،فتوًى و نصّاً،إلّا نادراً (2).

و حيث لا تحديد له شرعاً صريحاً،وجب الرجوع فيه إلى العرف اتّفاقاً،و ضابطه ما كان ممنوعاً بقفلٍ من حديد و نحوه أو غلقٍ من خشب و ما في معناه أو دفنٍ في العمران؛ أو كان مراعى بالنظر،على اختلاف في الأخير.فقيل بكونه حرزاً،كما في القواعد و التنقيح و عن الخلاف و المبسوط (3)؛ لقضاء العادة بإحراز كثير من الأموال بذلك.

و قيل بالعدم،كما هو ظاهر المتن و الشرائع و السرائر و عن المراسم و الوسيلة و ظاهر المقنعة و المختلف و التحرير و الإرشاد و التلخيص و التبصرة (4)؛ للشبهة في كونه حرزاً،و كون الأخذ معه سرقةً أو اختلاساً.

و للقويّ بالسكوني و صاحبه:«لا يقطع إلّا من نقب نقباً،أو كسر قفلاً» (5).

ص:103


1- الروضة 9:233.
2- حكاه في التنقيح 4:377 عن داود.
3- القواعد 2:268،التنقيح 4:377،الخلاف 5:420،المبسوط 8:23.
4- الشرائع 4:175،السرائر 3:484،المراسم:258،الوسيلة:418،المقنعة:804،المختلف:769،التحرير 2:228،الإرشاد 2:183،تلخيص الخلاف 3:241،التبصرة:197.
5- التهذيب 10:423/109،الإستبصار 4:918/243،الوسائل 28:277 أبواب حدّ السرقة ب 18 ح 3؛ و في الجميع:بيتاً،بدل:نقباً.

قيل:و يمكن أن يقال:لا يتحقّق الحرز بالمراعاة إلّا مع النظر إليه، و مع ذلك لا يتحقّق السرقة؛ لما تقرّر من أنّها لا تكون إلّا سرّاً،و مع غفلته عنه و لو نادراً لا يكون له مراعياً،فلا يتحقّق إحرازه بها،فظهر أنّ السرقة لا تتحقّق مع المراعاة و إن جعلناها حرزاً (1).انتهى.

و لا يخلو عن نظر .

و قيل (و القائل) (2)الشيخ في النهاية (3):إنّ كلّ موضع ليس لغير المالك و المتصرّف فيه دخوله إلّا بإذنه فهو حرز و نسبه في المبسوط و التبيان و كذا في كنز العرفان (4)إلى أصحابنا،و في الغنية إلى رواياتهم مدّعياً عليه إجماعهم (5)؛ و ربما كان في النصوص إيماء إليه.

و منها:الصحيح المتقدّم،المعلّل عدم قطع الرجل بسرقة مال أبيه أو أُخته و أخيه بعدم حجبه عن الدخول إلى منزلهم (6).و ظاهرٌ أنّ المراد من عدم الحجب حصول الإذن له في الدخول (7)،فمفهوم التعليل حينئذ:أنّ مع عدم الإذن يقطع،و هو عين هذا المذهب.

و أظهر منه القويّ بالسكوني و صاحبه:«كلّ مدخل يدخل فيه بغير إذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه» قال الراوي:يعني الحمّام و الأرحية (8).

ص:104


1- الروضة 9:243.
2- في«س» و«ن»:كما عن.
3- النهاية:714.
4- المبسوط 8:22،التبيان 3:517،كنز العرفان 2:350.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
6- راجع ص 91.
7- في«ن» زيادة:عادةً.
8- الكافي 7:5/231،الفقيه 4:146/44،التهذيب 10:422/108،الوسائل 28:276 أبواب حدّ السرقة ب 18 ح 2.

و قريب منهما النصوص المتقدّمة بعدم قطع الضيف و الأجير (1)؛ معلّلة بالاستئمان،و ليس إلّا من حيث الإذن في الدخول.

فهذا القول غير بعيد،لو لا ما أورد عليه جماعة و منهم الحلّي من النقض بالدور المفتّحة الأبواب في العمران و صاحبها ليس فيها،فإنّ السارق منها لا قطع عليه بلا خلاف،كما في السرائر (2).

و لذا عن ابن حمزة:أنّه كلّ موضع لا يجوز لغير مالكه الدخول فيه أو التصرّف بغير إذنه،و كان مغلقاً أو مقفلاً (3).

و كأنّه حاول الجمع بين النصوص المزبورة و قويّة السكوني المتقدّمة (4)،المتضمّنة ل:أنّه لا يقطع إلّا من نقب نقباً أو كسر قفلاً، و لا بأس به.و مرجعه إلى القول الأول،كالقول بأنّ الحرز ما يكون سارقه على خطر خوفاً من الاطّلاع عليه.

و عليه (5)يختلف الحرز باختلاف الأموال وفاقاً للأكثر.

فحرز الأثمان و الجواهر:الصناديق المقفلة،و الأغلاق الوثيقة في العمران.

و حرز الثياب و ما خفّ من المتاع و آلات النحاس:الدكاكين، و البيوت المقفلة في العمران،أو خزائنها المقفلة و إن كانت هي مفتوحة.

و الإصطبل حرز للدواب مع الغلق.

و حرز الماشية في المرعى:عين الراعي،على ما تقرّر؛ و مثله متاع

ص:105


1- راجع ص 95.
2- السرائر 3:484.
3- الوسيلة:418.
4- في ص 102.
5- ليست في«ب».

البائع في الأسواق و الطرقات.

و احترزنا بالدفن في العمران عمّا لو دفن خارجه،فإنّه لا يعدّ حرزاً و إن كان في داخل بيت مغلق؛ لعدم قضاء العرف به،مع عدم الخطر على سارقه.

و قال الشيخ في المبسوط و الخلاف:كلّ موضع حرز لشيء من الأشياء فهو حرز لجميع الأشياء (1).(و اختاره الحلّي و الفاضل في التحرير) (2)(3)و هو (4)كما ترى.

و كيف كان لا يقطع من سرق من غير حرز،ك المواضع المأذون في غشيانها و الدخول إليها كالحمّامات،و المساجد و الأرحية،مع عدم مراعاة المالك للمسروق بالنظر؛ للقويّ المتقدّم (5).

و لا خلاف فيه ظاهراً و لا محكيّاً،إلّا عن العماني،حيث قال:إنّ السارق يقطع من أيّ موضع سرق،من بيت،أو سوق،أو مسجد،أو غير ذلك،مطلقاً (6)؛ لقطع النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)سارق مئزر صفوان بن أُميّة في المسجد، ففي الصحيح:أنّه خرج يهريق الماء فوجد رداءه قد سرق حين رجع إليه (7).

ص:106


1- المبسوط 8:22،الخلاف 5:419.
2- الحلّي في السرائر 3:483،التحرير 2:226.
3- ليست في«ن».
4- في«ن» زيادة:مع شذوذه.
5- في ص 102.
6- حكاه عنه في المختلف:776.
7- الكافي 7:2/251،التهذيب 10:494/123،الإستبصار 4:952/251،الوسائل 28:39 أبواب مقدّمات الحدود ب 17 ح 2.

قيل:و يمكن حمله على التفسير الأخير،فإنّ السارق في المسجد على خطر من أن يطّلع عليه (1).

و في خبر آخر:أنّه نام فأُخذ من تحته (2).

و قال الصدوق:لا قطع من المواضع التي يدخل إليها بغير إذن،مثل:

الحمّامات و الأرحية و المساجد؛ و إنّما قطعه النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)لأنّه سرق الرداء و أخفاه،فلإخفائه قطعه،و لو لم يخفه لعزّره (3).

و هو راجع إلى التفسير الأخير.

و الأولى في الجواب عنه ما ذكره بعض الأصحاب (4)،من عدم منافاته لما دلّ على عدم القطع بالسرقة من نحو المساجد عموماً و خصوصاً،من حيث احتمال أن يكون حين خرج أو نام أحرز رداءه،فينبغي حمله عليه، جمعاً(بينه و بين القوي المتقدّم الذي هو أرجح منه بوجوه شتّى) (5).

و منه يظهر الجواب عن الاستدلال به لما قيل من أنّه إذا كان المالك مراعياً للمال بنظره كان محرزاً و القائل من تقدّم،و منهم:

الشيخ في المبسوط (6).

و ربما يجاب عنه أيضاً بأنّ المفهوم من المراعاة و به صرّح كثير (7)أنّ المراد بها النظر إلى المال،و أنّه لو نام أو غفل عنه أو غاب زال الحرز،

ص:107


1- انظر المسالك 2:443.
2- عوالي اللئلئ 1:255/184،مستدرك الوسائل 18:22 أبواب مقدّمات الحدود ب 15 ح 4،سنن البيهقي 8:265.
3- الفقيه 3:193.
4- كشف اللثام 2:424.
5- ما بين القوسين ليس في«ن».
6- المبسوط 8:23،24.
7- المبسوط 8:25،الروضة 9:243،مجمع الفائدة 13:223.

فكيف يجتمع الحكم بالمراعاة مع فرض كون المالك غائباً عنه كما في الرواية الأُولى،أو نائماً كما في الثانية؟!و هو حسن.

و لا يقطع من سرق من جيب إنسان أو كمّه الظاهرين،و يقطع لو كانا باطنين للخبرين:

أحدهما القويّ:«إنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)اتي بطرّار (1)قد طرّ من كمّ رجل،فقال:إن كان طرّ من قميصه الأعلى لم أقطعه،و إن طرّ من قميصه الداخل قطعته» (2).

و نحوه الثاني (3)،و ضعف سنده كالأول إن كان مجبور بالشهرة الظاهرة و المحكيّة في المختلف و المسالك (4)و غيرهما (5)،بل لم أجد الخلاف فيه كما صرّح به بعض الأجلّة (6)،و في الغنية و عن الخلاف (7):أنّ عليه إجماع الإماميّة.

و به مضافاً إلى الخبرين يجمع بين ما دلّ على قطع الطرّار بقول مطلق،كالخبر:«يقطع النبّاش و الطرّار و لا يقطع المختلس» (8).

و ما دلّ على عدم قطعه كذلك،كالصحيح:عن الطرّار و النبّاش

ص:108


1- الطرّ:الشقّ و القطع،و منه الطرّار الصحاح 2:725.
2- الكافي 7:5/226،التهذيب 10:455/115،الإستبصار 4:922/244،الوسائل 28:270 أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 2.
3- الكافي 7:8/226،التهذيب 10:456/115،الإستبصار 4:923/244،الوسائل 28:270 أبواب حدّ السرقة ب 13 ذيل.ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- المختلف:776،المسالك 2:444.
5- مجمع الفائدة و البرهان 13:241.
6- مجمع الفائدة 13:241.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):623،الخلاف 5:452.
8- الكافي 7:6/229،التهذيب 10:460/116،الإستبصار 4:929/245،الوسائل 28:271 أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 3.

و المختلس،قال:«لا يقطع» (1)و نحوه المرسل كالموثّق (2).

بحمل الأوّل على الطرّ من الأسفل،و الأخيرين على العكس.

مع احتمال الأول الحمل على التقيّة؛ لكونه مذهب العامّة،كما يستفاد من الخلاف،حيث قال:و قال جميع الفقهاء:عليه القطع، و لم يعتبروا قميصاً فوق قميص،إلّا أنّ أبا حنيفة قال:إذا شدّه (3)فعليه القطع،و الشافعي لم يفصّل.

و ظاهر الخبرين المفصّلين أنّ المراد بالظاهر:ما في الثوب الخارج، سواء كان بابه في ظاهره أو باطنه،و سواء كان الشدّ على تقديره من داخله أم خارجه،كما صرّح به في المسالك (4)،و حكاه في الروضة عن الخلاف و المختلف (5)،و فيه:أنّه المشهور (6).

و لا يقطع في سرقة الثمر و هو على الشجر،و يقطع سارقه بعد صرمه و إحرازه .

بلا خلاف في الأخير على الظاهر،المصرّح به في التنقيح (7)؛ للعمومات،و خصوص ما يأتي من بعض النصوص.

و على الأشهر في الأول مطلقاً؛ لإطلاق النصوص المستفيضة:

ص:109


1- التهذيب 10:467/117،الوسائل 28:271 أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 4.
2- الكافي 7:3/226،التهذيب 10:451/114،الإستبصار 4:924/244،الوسائل 28:270 أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 1.
3- في الخلاف 5:451 هنا زيادة:في كمّه،فإن شدّة من داخل و تركه من خارج فلا قطع عليه،و إن شدّه من خارج و تركه من داخل..
4- المسالك 2:444.
5- الروضة 9:249.
6- المختلف:776.
7- التنقيح 4:379.

في اثنين منها و أحدهما القويّ-:«لا قطع في ثمر و لا كثر» و الكثر:

شحم النخل (1).

و منها القويّ الآخر:«قضى النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)فيمن سرق الثمار في كمّه:

فما أكل منه فلا شيء عليه،و ما حمل فيعزَّر و يغرم قيمته مرّتين» (2).

و منها:«لا يقطع من سرق من الفاكهة،و إذا مرّ بها فليأكل و لا يفسد» (3).

و إطلاقها و إن شمل صورة السرقة بعد الصرم و الإحراز إلّا أنّه مقيّد بما قبلهما؛ بالإجماع،و الخبر:«إذا أخذ الرجل من النخل و الزرع قبل أن يصرم فليس عليه قطع،فإذا صرم النخل و حصد الزرع فأخذ قُطِع» (4).

مع إمكان دعوى تبادر كون الثمرة على الشجرة من إطلاق الأخبار، فيختصّ به،و لا يحتاج إلى التقييد.

و قيّده الفاضل و ولده (5)بما إذا لم تكن الشجرة في موضع محرز كالدار،و إلّا فالأولى القطع؛ عملاً بالقواعد،و طعناً في سند النصوص، و جمعاً بينها و بين ما دلّ على القطع على الإطلاق،كالخبر:في رجل سرق من بستان عذقاً قيمته درهمان،قال:«يقطع به» (6).

ص:110


1- الكافي 7:7/231،الفقيه 4:149/44،التهذيب 10:430/110،الوسائل 28:286 أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 3. و الآخر في:الفقيه 4:821/265،الوسائل 28:287 أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 6.
2- الكافي 7:3/230،التهذيب 10:431/110،الوسائل 28:286 أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 2.
3- التهذيب 10:521/130،الوسائل 28:287 أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 5.
4- التهذيب 10:519/130،الوسائل 28:286 أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 4.
5- الفاضل في القواعد 2:268،و ولده في الإيضاح 4:531.
6- الفقيه 4:172/49،التهذيب 10:513/128،الوسائل 28:287 أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 7.

و هو حسن،لولا الشهرة الجابرة لضعف النصوص،و ضعف الخبر الأخير،و شذوذ ما دلّ عليه من القطع بالدرهمين،مع عدم وضوح شاهد على الجمع غير مراعاة القاعدة،و تخصيصها بها بعد ما عرفت من اعتبارها غير مستنكر،كما خُصِّص بمثلها قاعدة حرمة التصرّف في الثمرة للغير بالأكل و لو بشرائطه المقرّرة.و لا بُعد في كون ما نحن فيه من ذلك القبيل،إلّا أن يتأمّل في دلالة النصوص بعدم صراحتها في عدم القطع في محلّ النزاع بقوّة احتمال اختصاصها بصورة عدم الإحراز،كما هو الغالب، و إليه أشار شيخنا في الروضة،و به استحسن التقييد (1).

و كذا لا يقطع في سرقة مأكول عام سَنَة أي مجاعة سواء كان مأكولاً بالفعل أو بالقوّة،بلا خلاف ظاهر و محكيّ في بعض العبائر (2)، و نسب إلى روايات الأصحاب في الغنية و السرائر (3).

فمنها القويّ:«لا يقطع السارق في عام سنة» يعني:مجاعة (4).

و نحوه آخر (5).

و إطلاقهما و إن شمل سرقة المأكول و غيره إلّا أنّه مقيّد بالأول بالاتّفاق على الظاهر و ظاهر الخبر:«لا يقطع السارق في سنة المجاعة في شيء ممّا يؤكل،مثل:الخبز و اللحم و أشباه ذلك» (6).

ص:111


1- الروضة 9:250.
2- المفاتيح 2:94.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):624،السرائر 3:495.
4- الكافي 7:2/231،التهذيب 10:442/112،الوسائل 28:291 أبواب حدّ السرقة ب 25 ح 2.
5- دعائم الإسلام 2:1693/473،مستدرك الوسائل 18:141 أبواب حدّ السرقة ب 24 ح 1.
6- الكافي 7:1/231،الفقيه 4:188/52،التهذيب 10:443/112،الوسائل 28:290 أبواب حدّ السرقة ب 25 ح 1؛ بتفاوت يسير.

و أظهر منه آخر مرويّ في الفقيه:«لا يقطع السارق في عام سنة مجدبة» يعني:في المأكول دون غيره (1)،فتأمّل.

و لا فرق في ظاهر إطلاق النصّ و الفتوى بين كون السارق غنيّاً غير محتاج إلى المأكول،أو فقيراً محتاجاً إليه،و به صرّح شيخنا في المسالك (2).

و يحتمل الاختصاص بالثاني باحتمال اختصاص الإطلاق به بحكم التبادر،و لكن درء الحدّ بالشبهة يقتضي المصير إلى الأول.

و يقطع من سرق مملوكاً بلا خلاف منّا إذا كان صغيراً،بل ظاهر بعض العبارات الإجماع عليه منّا (3)؛ لأنّه مالٌ فيلحقه حكمه و شروطه:من كونه محرزاً،و بلوغ قيمته النصاب.

و لو كان كبيراً مميّزاً فلا قطع بسرقته؛ لأنّه متحفّظ بنفسه.إلّا أن يكون نائماً،أو في حكمه،أو لا يعرف سيّده عن غيره،كذا ذكره جماعة (4)،بل لم أجد فيه خلافاً إلّا من إطلاق العبارة.

و لو كان المسروق حرّا،فباعه السارق قطع وفاقاً للنهاية (5)و جماعة (6)،بل ادّعى في التنقيح عليه الشهرة (7)؛ و النصوص به

ص:112


1- الفقيه 4:141/43،الوسائل 28:291 أبواب حدّ السرقة ب 25 ح 4.
2- المسالك 2:444.
3- كشف اللثام 2:420.
4- قواعد الأحكام 2:265،مسالك الأفهام 2:444،كشف اللثام 2:420.
5- النهاية:722.
6- المختلف:777،المسالك 2:444،مجمع الفائدة 13:243،كشف اللثام 2:420.
7- التنقيح الرائع 4:380.

مستفيضة:

منها القويّ:«أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)اتي برجل قد باع حرّا،فقطع يده» (1).

و منها:عن الرجل يبيع الرجل و هما حرّان،فيبيع هذا هذا،و هذا هذا،و يفرّان من بلد إلى بلد،فيبيعان أنفسهما و يفرّان بأموال الناس،قال:

«يقطع أيديهما؛ لأنّهما سارقا أنفسهما و أموال الناس» (2).

و منها:عن رجل باع امرأته،قال:«على الرجل أن يُقطَعَ يده» (3).

و منها:عن رجل سرق حرّة فباعها،فقال:«عليه أربعة حدود:أمّا أوّلها فسارق يُقطَعُ يده» الخبر (4).

خلافاً للخلاف،فلا قطع عليه،قال:للإجماع على أنّه لا قطع إلّا فيما قيمته ربع دينار فصاعداً،و الحرّ لا قيمة له،و قال مالك:عليه القطع، و قد روى ذلك أصحابنا (5).

و يضعّف بأنّ قطعه إنّما هو لفساده،لا حدّا بسرقته.

نعم،ربما يشكل بأنّ اللازم عليه تخيير الحاكم بين قتله و قطع يده و رجله من خلاف،إلى غير ذلك من أحكامه،لا يتعيّن القطع بخصوصه،

ص:113


1- الكافي 7:2/229،التهذيب 10:445/113،الوسائل 28:283 أبواب حدّ السرقة ب 20 ح 2.
2- الكافي 7:3/229،التهذيب 10:446/113،الوسائل 28:283 أبواب حدّ السرقة ب 20 ح 3.
3- التهذيب 10:72/24،الوسائل 28:130 أبواب حدّ الزنا ب 28 ح 1.
4- الكافي 7:1/229،الفقيه 4:170/48،التهذيب 10:447/113،الوسائل 28:283 أبواب حدّ السرقة ب 20 ح 1؛ بتفاوت يسير.
5- الخلاف 5:428.

إلّا أن يدّعى خصوصيّة فيما نحن فيه،خارجة عن قاعدة حدّ المفسد،تبعاً للنصوص المزبورة،فتأمّل.

و وجّه الحكم في المختلف بأنّ وجوب القطع في سرقة المال إنّما جاء لحراسته و حراسة،النفس أولى،فوجوب القطع فيه أولى (1).

و يضعّف بأنّ الحكم معلّق على مال خاص يسرق على وجه خاص، و مثله لا يتمّ في الحرّ،و مطلق خيانة المال غير مقصود في هذا الباب،كما يظهر من الشرائط،و حمل النفس عليه مطلقاً لا يتمّ،و بشرائطه لا ينتظم؛ مع أنّ إلحاق النفس بالمال يقتضي القطع بسرقته على الإطلاق و لو تجرّد عن بيع،و لم يقولوا به.

و ربما يشكل ما في العبارة من التعليل بوجهٍ آخر،و هو:أنّ العمدة في إثبات القطع هنا هو النصوص،و قد علّله جملة منها بكونه سارقاً، الظاهر في أنّه للسرقة لا غير،فالاعتذار بها أولى.

إلّا أن تردّ بقصور أسانيدها،و عدم وضوح جابر لها عدا الشهرة المحكيّة.و في حصوله بها نوع مناقشة،سيّما مع رجوع الشيخ الذي هو أصلها عمّا في النهاية.

و لكن عليه لا يتوجّه الحكم بالقطع بالتعليل في العبارة؛ لما يرد عليه ممّا عرفته.و دفعه بما قدّمناه من احتمال الخصوصيّة الخارجة بالنصوص بعد فرض ضعفها،غير ممكن.

و لذا أنّ ظاهر جماعة التردّد في المسألة،كالماتن في الشرائع، و الفاضل المقداد في التنقيح،و الشهيدين في المسالك و اللمعتين. (2)و به

ص:114


1- المختلف:777.
2- الشرائع 4:175،التنقيح 4:381،المسالك 2:444،اللمعة و الروضة 9:251.

يتّجه ما في الخلاف من عدم القطع؛ لحصول الشبهة الدارئة.

و إطلاق العبارة و النصوص المتقدّمة بل ظاهر جملة منها عدم الفرق في المسروق بين الصغير و الكبير،كما عن النهاية (1)و جماعة (2).

و لكنّه قيّده في المبسوط و الخلاف (3)و كثير بل الأكثر،كما في المسالك- (4)بالأوّل؛ نظراً إلى أنّ الكبير متحفّظ بنفسه،فلا يتحقّق سرقته.

و هذا التعليل متوجّه على تقدير الاستناد في قطع سارق الحرّ إلى كونه سارقاً،و هو ينافي ما مضى من التعليل بأنّه لفساده لا حدّاً.و أمّا عليه فلا فرق بين الصغير و الكبير،لوجوده في سرقتهما،فتأمّل جدّاً .

و يقطع سارق الكفن (5) من الحرز،و منه القبر بالنسبة إليه خاصّة، إجماعاً على ما يستفاد من الديلمي (6)،و صرّح به في الإيضاح و الكنز و التنقيح (7).

و لا ينافيه ما في المقنع و الفقيه (8)،من عدم القطع على النبّاش إلّا أن يؤخذ و قد نبش مراراً؛ لاحتماله كمستنده الآتي (9)الاختصاص بما إذا كان نبّاشاً لم يسرق الكفن،لا مطلقاً؛ مع أنّه معلوم النسب،فلا يقدح

ص:115


1- حكاه عنه في المختلف:777،و هو في النهاية:722.
2- حكاه عنهم في المسالك 2:444،و هو في الإرشاد 2:183،مجمع الفائدة 13:243،الروضة 9:251.
3- المبسوط 8:31،الخلاف 5:428.
4- المسالك 2:444.
5- في المختصر المطبوع زيادة:لأنّ القبر حرز له.
6- المراسم:258.
7- الإيضاح 4:533،كنز الفوائد 3:644،التنقيح 4:381.
8- المقنع:151،الفقيه 4:47.
9- في ص 177.

خروجه في انعقاد الإجماع على خلافه جدّاً.

و الأصل في القطع بسرقته بعد الإجماع المحكيّ في السرائر و الغنية (1)النصوص المستفيضة.

ففي الصحيح:«يقطع الطرّار و النبّاش،و لا يقطع المختلس» (2).

و في آخر:«أنّ عليّاً(عليه السّلام)قطع نبّاشاً» (3).

و في ثالث:«حدّ النبّاش حدّ السارق» (4).

و في الخبر:«يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الأحياء» (5).

و في آخر:«أنّ عليّاً(عليه السّلام)قطع نبّاش القبر،فقيل له:أ تقطع في الموتى؟ قال:إنّا نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا» (6).

و في ثالث:«أنّ حرمة الميّت كحرمة الحيّ،حدّه أن يقطع يده لنبشه و سلبه الثياب» الخبر (7).

ص:116


1- السرائر 3:515،الغنية(الجوامع الفقهية):632.
2- الكافي 7:6/229،التهذيب 10:460/116،الإستبصار 4:929/245،الوسائل 28:271 أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 3.
3- التهذيب 10:463/116،الإستبصار 4:932/246،الوسائل 28:281 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 9.
4- الكافي 7:1/228،التهذيب 10:457/115،الإستبصار 4:926/245،الوسائل 28:278 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 1.
5- الكافي 7:4/229،التهذيب 10:458/115،الإستبصار 4:927/245،الوسائل 28:279 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 4.
6- التهذيب 10:464/116،الإستبصار 4:933/246،الوسائل 28:281 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 12.
7- الكافي 7:2/228،التهذيب 10:461/116،الإستبصار 4:930/246،الوسائل 28:278 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 2.

و في رابع:«يقطع النبّاش» و قال:«هو سارق و هتّاك الموتى» (1).

و القطع على النبّاش في جملة منها و إن كان مطلقاً يشمل ما لو لم يكن للكفن سارقاً،إلّا أنّه مقيّد بالإجماع على أنّه لا يقطع بمجرّد النبش أولاً،كما هو ظاهر إطلاقها؛ مع أنّ بتتبّع أكثر النصوص بعد ضمّ بعضها إلى بعض يظهر أنّ المراد بالنبّاش حيث يطلق هو سارق الكفن.

و يشترط في القطع به بلوغه النصاب مطلقاً،وفاقاً لأكثر الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في كلام بعض (2)؛ للأصل،و عموم ما دلّ على اعتباره في القطع بمطلق السرقة،و خصوص تشبيه النبّاش بالسارق في جملة من النصوص المتقدّمة،و فيها الصحيح و غيره،الظاهر في مساواتهما في الشرائط،بل ظاهر بعضها التعليل بكونه سارقاً.

و قيل:لا يشترط مطلقاً،كما عن الشيخ و القاضي و الحلّي (3)في آخر كلامه،و اختاره الفاضل في الإرشاد (4)؛ لإطلاق الأخبار بقطع النبّاش و سارق الكفن على الإطلاق.

و فيه:منع ثبوته في جميعها؛ لما مضى من ظهور جملة منها في الاشتراط،و بها يقيّد باقيها؛ مع احتمال اختصاصها بحكم التبادر بسارق الكفن الذي يبلغ قيمته النصاب،كما هو الغالب أيضاً.

و ربما قيل بالتفصيل بين المرّة الأُولى فالأوّل،و الثانية و الثالثة فالثاني،

ص:117


1- الكافي 7:5/229،التهذيب 10:459/115،الإستبصار 4:928/245،الوسائل 28:279 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 5.
2- المهذّب البارع 5:103.
3- الشيخ في النهاية:722،القاضي في المهذّب 2:554،الحلّي في السرائر 3:514،515،و الحاكي عنهم هو العلّامة في المختلف:774.
4- الإرشاد 2:182.

و عليه الحلّي في أوّل كلامه (1)؛ مستنداً في الأوّل إلى ما قدّمناه من عموم الأدلّة و خصوص النصوص المشبّهة،و في الثاني إلى أنه مفسدٌ فيقطع للإفساد.

و فيه ما مضى سابقاً،مع أنّه شاذّ،و هو قد رجع عنه.

و ما وقفت على من استدلّ للقول الثاني بما أشار إليه الماتن بقوله:

لأنّه أي قطعه- ليس حدّ السرقة،بل لحسم الجرأة .

و فيه زيادة على ما عرفته من ورود الإشكال المتقدّم عليه مخالفة لظاهر النصوص المتقدّمة المشبّهة للنبّاش بالسارق،الظاهرة من جهة التشبيه في كون السبب في الحدّ هو السرقة،من غير اعتبار خصوصيّة للنبش و أخذ الكفن في حدّه.

و لو نبش و لم يأخذ الكفن عُزِّر بما يراه الحاكم؛ لفعله المحرّم فيعزَّر (2)كما مرّ (3).

و للقريب من الصحيح:عن النبّاش،قال:«إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع،و يعزَّر» (4).

و نحوه المرسل كالموثّق في النبّاش:«إذا أُخذ أول مرّة عُزِّر،فإن عاد قطع» (5).

ص:118


1- السرائر 3:512.
2- ليست في«س».
3- راجع ص 60.
4- التهذيب 10:465/117،الإستبصار 4:934/246،الوسائل 28:281 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 13.
5- التهذيب 10:468/117،الإستبصار 4:936/246،الوسائل 28:282 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 16.

و إطلاقهما بعدم قطع النبّاش إلّا مع اعتياده النبش،ظاهرٌ فيما قدّمناه عن الصدوق في الكتابين (1).

و نحوهما في ذلك القريب من الصحيح الآخر:عن رجل أُخذ و هو ينبش،قال:«لا أرى عليه قطعاً،إلّا أن يؤخذ و قد نبش مراراً فاقطعه» (2).

و قد حملها الأصحاب على مجرّد النبش الخالي عن أخذ الكفن، جمعاً بينها و بين النصوص المتقدّمة،بحملها على سرقة الكفن كما هو ظاهرها،و لا سيّما الأخبار المشبّهة منها بالسرقة بناءً على ما سبق،و حمل هذه على ما عرفته.

و الجمع بينها و إن أمكن بما يوافق قوله،إلّا أنّ كثرة تلك الأخبار و شهرتها شهرة قريبة من الإجماع المحتمل الظهور،المصرّح به فيما مرّ من الكتب (3)،ترجّح الجمع الأوّل،فالقول به متعيّن.

و لو تكرّر منه النبش المجرّد عن أخذ الكفن،قطع بمقتضى هذه المعتبرة.

و في هذه الصورة لو فات النبّاش السلطان أي هرب منه فلم يقدر عليه جاز له كما في كلام كثير (4)،و لغيره أيضاً كما في ظاهر إطلاق العبارة قتله؛ ردعاً لغيره من أن ينال مثل فعله.

ص:119


1- راجع ص 114.
2- التهذيب 10:469/118،الإستبصار 4:937/247،الوسائل 28:281 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 11.
3- راجع ص 114.
4- منهم الشيخ في النهاية:722،و القاضي في المهذّب 2:554،و العلّامة في الإرشاد 2:183.

و لم أجد الخلاف فيه إلّا من الشيخ في كتابي الحديث،فلم يفرّع القتل على الفوات من السلطان،بل على إقامة الحدّ عليه ثلاث مرّات (1)، و حكي عن الجامع (2)،و لم أقف على نصّ يقتضي شيئاً من ذلك.

نعم،في المرسل بغير واحد القريب من الصحيح(به و) (3)بابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه:«اتي أمير المؤمنين(عليه السّلام) برجل نبّاش،فأخذ(عليه السّلام)بشعره فضرب به الأرض،ثم أمر الناس فوطئوه حتى مات» (4)و نحوه مرسل آخر (5).

و ليس فيهما تكرار الفعل و لا الفوت من السلطان،إلّا أن يحملا عليهما جمعاً.و هو حسن؛ للاحتياط في الدم.

و ظاهر العبارة عدم وجوب القتل،كما هو ظاهر الأكثر.

قيل:و أوجبه الشيخ (6).و هو أحوط مع تكرّر النبش مرّات و الحدّ خلالها ثلاثاً،و إلّا فلعلّ الترك أحوط.

الثالث يثبت الموجب بالإقرار مرّتين،أو بشهادة عدلين

الثالث: يثبت الموجب للقطع بالإقرار به مرّتين،أو بشهادة عدلين بلا خلاف و لا إشكال؛ للعمومات،و خصوص ما يأتي من بعض الروايات.

ص:120


1- التهذيب 10:118،الإستبصار 4:248.
2- الجامع للشرائع:563.
3- ليست في«ب».
4- الكافي 7:3/229،التهذيب 10:470/118،الإستبصار 4:939/247،الوسائل 28:279 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 3؛ بتفاوت.
5- التهذيب 10:471/118،الإستبصار 4:940/247،الوسائل 28:282 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 17.
6- حكاه عنه في المهذّب البارع 5:108،و هو في النهاية:722.

و لو أقرّ به مرّة واحدة اُغرم (1) الذي أقرّ به بلا خلاف، و لكن لم يقطع كما قطع به الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (2)،بل فيه عن الخلاف التصريح بالإجماع (3)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى المعتبرين و لو بالشهرة،المرويّ أحدهما هنا في الكافي و التهذيب:«لا يقطع السارق حتى يقرّ بالسرقة،مرّتين،فان رجع ضمن السرقة،و لم يقطع إذا لم يكن شهود» (4).

و نحوه الثاني المرويّ في التهذيب في باب حدّ الزناء (5)،و هو أوضح من الأول سنداً؛ إذ ليس فيه إلّا عليّ بن السندي،و قد قيل بحسنه (6)، بخلافه؛ لتضمّنه عليّ بن حديد الضعيف (7)،و الإرسال بعده،لكنّه لجميل ابن درّاج المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه.

خلافاً للمحكيّ عن المقنع،فيقطع (8)؛ للعموم،و إطلاق ما دلّ على

ص:121


1- في المختصر المطبوع:عُزِّر.
2- انظر كشف اللثام 2:427.
3- الخلاف 5:443.
4- الكافي 7:2/219،الفقيه 4:145/43،التهذيب 10:515/129،الإستبصار 4:948/250،الوسائل 28:249 أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 1.
5- التهذيب 10:21/8،الإستبصار 4:762/204،الوسائل 28:251 أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 6.
6- انظر رجال الكشّي 2:860،و منهج المقال:233،و الخلاصة:96،و ملاذ الأخيار 16:19.
7- في«ح» و«ن» زيادة:بالاتّفاق.
8- قال في المختلف(771):و قال الصدوق في المقنع:و الحرّ إذا أقرّ على نفسه عند الإمام مرّة واحدة بالسرقة قطع.و لكن ما في المقنع(151):و الحرّ إذا أقرّ على نفسه لم يقطع.

القطع بالسرقة من النصوص،و خصوص الصحيح:«إن أقرّ الرجل الحرّ على نفسه بالسرقة مرّة واحدة عند الإمام قطع» (1).و نحوه آخر يأتي ذكره (2)،مع ضعف المعارض بما مرّ.

و هو حسن لولا ما مرّ من الجابر،و به يترجّح على المقابل،فيخصّ به العموم،و كذا الإطلاق يقيّد به،و الصحيحان يصرفان به عن ظاهرهما:

باحتمال أن يكون معنى القطع فيهما:قطعه عن الإقرار ثانياً،كما روي:أنّ سارقاً أقرّ عند مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام)،فانتهره،فأقرّ ثانياً، فقال:أقررت مرّتين،فقطعه (3)؛ و هو حجّة أُخرى على المختار،و بالجابر المتقدّم يجبر ما فيه من الضعف أو (4)الإرسال.

أو يكون متعلّق الظرف بالسرقة،فيكون مطلقاً في عدد الإقرار،بل مجملاً،كما صرّح به شيخ الطائفة.قيل:و يقر به إمكان توهّم المخاطب أو بعض الحاضرين في المجلس أنّه لا قطع ما لم يتكرّر السرقة (5).

و لكن الإنصاف بُعد هذين الحملين،و لعلّه لذا لم يُجب الشيخ عنهما في الكتابين إلّا بالحمل على التقيّة،قال:لموافقتها لمذهب بعض العامّة.

و ربما يشير إليه الموثّق كالصحيح بفضالة،عن أبان،المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما،عن مولانا الصادق(عليه السّلام)،أنّه قال:«كنت عند

ص:122


1- التهذيب 10:504/126،الإستبصار 4:949/250،الوسائل 28:250 أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 3.
2- انظر ص 123.
3- دعائم الإسلام 2:1701/474،مستدرك الوسائل 18:122 أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 1.
4- في«س»:و.
5- كشف اللثام 2:427.

عيسى بن موسى،فأُتي بسارق و عنده رجل من آل عمر،فأقبل يسألني، فقلت:ما تقول في السارق إذا أقرّ على نفسه أنّه سرق؟قال:يقطع،قلت:

فما تقولون في الزاني إذا أقرّ على نفسه أربع مرّات؟قال:نرجمه،قلت:

و ما يمنعكم[من السارق]إذا أقرّ على نفسه مرّتين أن تقطعوه،فيكون بمنزلة الزاني؟!» (1).

و هو أيضاً ظاهرٌ في اعتبار الإقرار مرّتين هنا،من حيث جعل السارق بمنزلة الزاني؛ بناءً على أنّ الزناء لمّا كان بين اثنين يشترط فيه الأربعة،كما ورد في بعض الأخبار في البيّنة (2)،فيكون لكلّ منهما إقراران،ففي السرقة أيضاً لا بُدّ من إقرارين.

و لعلّ هذا إلزام عليهم بما يعتقدونه من الاستحسانات.

قيل:مع أنّه موافقٌ للعلّة الواقعيّة (3).

هذا،مع ظهور الدلالة فيه عليه من وجه آخر،و هو:أنّ صدره ظاهرٌ في قطعهم السارق بالإقرار و لو مرّة،فقوله(عليه السّلام)في ذيله:«و ما يمنعكم[من السارق]إذا أقرّ» إلى آخره.إن حُمِلَ على ظاهره من عدم قطعهم بالإقرار مرّتين نافي ذيله صدره،فينبغي أن يحمل على أنّ المراد:ما يمنعكم أن تشترطوا في القطع بالإقرار وقوعه مرّتين،بمناسبته لاعتبار تعدّده أربعاً في الزناء.

هذا،و لو سلّم خلوصهما عن جميع ذلك،فهما شاذّان لا عامل بهما

ص:123


1- التهذيب 10:505/126،الإستبصار 4:950/250،الوسائل 28:250 أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 4؛ و ما بين المعقوفين من المصادر.
2- الوسائل 28:94 أبواب حدّ الزناء ب 12.
3- ملاذ الأخيار 16:252.

حتى الصدوق رحمه اللّه لظهورهما في اشتراط وقوع الإقرار مرّة عند الإمام في الاكتفاء بها،و أنّه ليس مطلقاً،و لم يقل به الصدوق-(رحمه اللّه) لاكتفائه بها مطلقاً،فتأمّل جدّاً .

نعم،في المختلف (1)احتمل العمل بهما،و الفرق بين الإقرار عند الإمام فمرّة،و عند غيره فمرّتين،بوجهٍ لا يصلح له سنداً.هذا،مع أنّ الاحتمال ليس بقول.

و كذا قول المقنع (2)بما مرّ ليس بمتحقّق و إن حكي عنه في المختلف و غيره،فقد قال بعض الأفاضل بعد نقل حكايته عنه-:لم أره فيما عندي من نسخه (3)(4).

و على هذا يتقوّى الإجماع الظاهر و المدّعى،و يتعيّن القول الذي اخترناه قطعاً،مضافاً إلى تأيّده زيادة على ما مضى بالاستقراء؛ لاتّفاق الفتاوى على اعتبار المرّتين في جميع الحدود ما عدا الزناء،مع بناء الحدود على التخفيف،و درئها بالشبهة الحاصلة في المسألة من الاختلاف المتقدّم إليه الإشارة،و لا أقلّ منها.

و يشترط في المُقِرّ:التكليف بالبلوغ و العقل و الحرّية، و الاختيار بلا خلاف،كما في سائر الأقارير،بل على اعتبار الحرّية هنا بالخصوص الإجماع عن الخلاف (5)؛ و هو الحجّة فيه.

مضافاً إلى أنّ إقرار العبد إقرارٌ في حقّ الغير،و هو المولى،فلا يكون

ص:124


1- المختلف:771.
2- المتقدّم في ص 120.
3- في«س»:نسخته.
4- كشف اللثام 2:427.
5- الخلاف 5:453.

مسموعاً.

و لخصوص الصحيح:«إذا أقرّ العبد على نفسه بالسرقة لم يقطع،و إذا شهد عليه شاهدان قُطِعَ» (1).

و بهذه الأدلة يخصّ عموم الصحيح:«من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ حدّ من حدود اللّه تعالى مرّةً واحدةً،حرّا كان أو عبداً،حرّةً كانت أو أمةً،فعلى الإمام أن يقيم عليه الحدّ الذي أقرّ به على نفسه كائناً من كان،إلّا الزاني المحصن» (2).

مع منافاته الإجماع على اعتبار المرّتين في سائر الحدود،و موافقته التقيّة كما عرفته (3)،فيحتمل الحمل عليها.

و به يجاب عن الصحيح الآخر الذي لا يحتمل التخصيص-:«العبد إذا أقرّ على نفسه عند الإمام مرّة أنّه سرق قطعه،و إذا أقرّت الأمة على نفسها عند الإمام بالسرقة قطعها» (4).

و الشيخ حمله على أنّه إذا انضاف إلى الإقرار الشهادة عليه بالسرقة (5).

و ربما حُمِلَ على محامل أُخر

ص:125


1- الفقيه 4:174/50،التهذيب 10:440/112،الإستبصار 4:920/243،الوسائل 28:305 أبواب حدّ السرقة ب 35 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- التهذيب 10:20/7،الإستبصار 4:761/203،الوسائل 28:56 أبواب مقدّمات الحدود ب 32 ح 1.
3- راجع ص 121.
4- الكافي 7:7/220،الفقيه 4:173/49،التهذيب 10:441/112،الإستبصار 4:921/244،الوسائل 28:249 أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 2؛ بتفاوت يسير.
5- التهذيب 10:112،الاستبصار 4:244.

منها:أن يكون فاعل«قطعه» و«قطعها» مَن جرى اسمه من العامّة في مجلسه،و يكون المعنى:أنّه يذهب إلى قطع المملوك بإقراره (1).

و منها:أنّ المراد بالعبد و الأمة:عبد اللّه تعالى و أمته (2).

و منها:أنّ المراد إذا انضاف إليه إقرار المولى.

و في الجميع بُعدٌ و إن أفتى بالأخير جماعة (3)؛ قيل:لأنّ الحقّ لا يعدوهما،و يحتمل العدم؛ بناءً على أنّه لا عبرة بإقرار العبد أصلاً (4).

و فيه نظر؛ فإن عدم العبرة به إنّما هو لحقّ سيّده،فإذا صدّقه فكأنّه أسقطه،و كان كما إذا قام (5)البيّنة عليه.

ثم إنّ عدم قبول إقراره إنّما هو بالإضافة إلى قطعه خاصّة،و أمّا بالإضافة إلى الغرامة فيقبل،و يتبع بالسرقة بعد الحرّية،بلا خلاف أجده، و به صرّح بعض الأجلّة (6)؛ للعموم،مع انتفاء المعارض بالكلّية.

و هل يقطع حينئذ؟وجهان:من ارتفاع المانع،و من اندرائه ابتداءً، فيستصحب.و لعلّ هذا أقرب؛ للشبهة الدارئة.

و يتفرّع على اشتراط الاختيار:أنّه لو أقرّ ب السرقة ل الضرب،لم يجز أن يقطع للأصل،و النصوص:

منها زيادةً على ما يأتي الخبر:«من أقرّ عند تجريد أو تخويف أو

ص:126


1- كشف اللثام 2:428.
2- الوسائل 28:249.
3- المسالك 2:446،مجمع الفائدة 13:283،كشف اللثام 2:428.
4- كشف اللثام 2:428.
5- في«س»:أقام.
6- المفاتيح 2:95.

حبس أو تهديد فلا حدّ عليه» (1).

و في آخر:«إنّ عليّاً(عليه السّلام)كان يقول:لا قطع على أحد يخوّف من ضرب و لا قيد و لا سجن و لا تعنيف،إلّا أن يعترف،فإن اعترف قطع،و إن لم يعترف سقط عنه؛ لمكان التخويف» (2)و ظاهرٌ أنّ المراد من الاعتراف فيه:ما وقع منه طوعاً لا خوفاً،فيكون الاستثناء منقطعاً،فتأمّل .

نعم،لو ردّ السرقة بعينها بعد الإقرار قطع وفاقاً للنهاية (3)و جماعة ممّن تبعه (4).

للصحيح:عن رجل سرق سرقة فكابر عنها فضرب،فجاء بها بعينها،هل يجب عليه القطع؟قال:«نعم،و لكن لو اعترف و لم يجيء بالسرقة لم تقطع يده؛ لأنّه اعترف على العذاب» (5).

و لأنّ ردّها قرينة على السرقة،كما يكون القيء على الشرب قرينة.

و فيهما نظر؛ لعدم دلالة الخبر على وقوع الضرب على الإقرار،بل ظاهر السؤال أنّه علم سرقته ببيّنة أو إقرار،و إنّما ضرب على ردّ المال.

و منع دلالة الردّ على السرقة؛ لأنّه أعمّ منها بلا شبهة،كما أنّ القيء أعمّ من الشرب أيضاً.و القول بدلالته عليه على تقدير تسليمه إنّما هو

ص:127


1- الكافي 7:6/261،التهذيب 10:592/148،الوسائل 28:261 أبواب حدّ السرقة ب 7 ح 2.
2- التهذيب 10:511/128،الوسائل 28:261 أبواب حدّ السرقة ب 7 ح 3.
3- النهاية:718.
4- منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع:561،و العلّامة في المختلف:771،و حكاه الشهيد في غاية المراد 4:262،عن القاضي و الصهرشتي.
5- الكافي 7:9/223،التهذيب 10:411/106،علل الشرائع:1/535،الوسائل 28:260 أبواب حدّ السرقة ب 7 ح 1.

للرواية،لا لوضوح الدلالة؛ لما عرفت ما فيه من المناقشة،فقياسه عليه مع ضعفه مع الفارق،فلا يصلح حجّة.

و لذا قيل كما عن الحلّي (1)-:إنّه لا يقطع؛ لتطرّق الاحتمال (بكونه) (2)عنده بالابتياع أو بالإيداع و هو أشبه بأُصول المذهب و درء الشبهة للحدّ،مع سلامتها كما عرفت عن المعارض، و إليه ذهب أكثر المتأخّرين،و منهم:فخر المحقّقين،و قد أجاب عن الصحيح بعدم دلالته على الإقرار مرّتين و لا مرّة (3).

و اعترضه بعض الأفاضل بأنّه إذا حكم(عليه السّلام)بقطعه مع عدم الإقرار بالسرقة بمجرّد إحضار المسروق،فمع الإقرار مرّتين و إحضاره أولى (4).

و هو حسن إن قالوا بالأصل،و إلّا كما هو الظاهر من جملة من العبائر المحررة لمحلّ النزاع فلا؛ إذ إلحاق الفرع بالأصل فرع قبوله لا من دونه،و بناء الفخر على ذلك في الاعتراض.

و منه يظهر جواب آخر عن الصحيح،بل و عن التعليل؛ فإنّ مقتضاه سيّما بمعونة ما فيه من(التشبيه) (5)قطعه بمجرّد الردّ و لو من دون إقرار، و قد عرفت خروجه عن محلّ النزاع،و إنّه لا قائل به من الأصحاب.إلّا أن يقال بمنع دلالة الردّ على السرقة مجرّداً عن الإقرار،و قياسه على القيء إنّما هو بمعونته و بعد ضمّه إليه لا على الإطلاق.

و لو أقرّ مرّتين تحتّم القطع و لا يجوز العفو عنه و لو أنكر

ص:128


1- السرائر 3:490.
2- في«ن»:بجواز أن يكون.
3- إيضاح الفوائد 4:539.
4- الحواشي على شرح اللمعة للخوانساري:488.
5- في«ن»:القياس.

و رجع عنه،وفاقاً للمبسوط و الحلّي،و عليه الفاضلان في الشرائع و القواعد و الإرشاد و الشهيدان في اللمعتين (1)،و ربما نسب إلى الأكثر (2).و فيه نظر؛ لما سيظهر.

لاستصحاب (3)بقاء التحتّم،و عموم ما دلّ على أخذ العقلاء بإقرارهم،و للصحيح (4)و غيره (5):«إذا أقرّ الرجل على نفسه أنّه سرق ثم جحد فاقطعه و إن رغم أنفه».

خلافاً للنهاية و القاضي و التقي و ابن زهرة و الفاضل في المختلف (6)، فيسقط عنه القطع،و لعلّه بين القدماء أشهر،فقد ادّعى عليه في الغنية إجماع الإماميّة،و به صريح مرسلة جميل السابقة (7):«لا يقطع السارق حتى يقرّ بالسرقة مرّتين،فإن رجع ضمن السرقة و لم يقطع إذا لم يكن شهود».

و للخلاف و موضع آخر من النهاية (8)،فللإمام الخيار بين قطعه و العفو عنه،مدّعياً عليه في الأول الإجماع.

و يدلّ عليه بعده الخبر:«جاء رجل إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)،فأقرّ

ص:129


1- المبسوط 8:40،الحلّي في السرائر 3:491،الشرائع 4:176،القواعد 2:270،الإرشاد 2:184،اللمعة و الروضة 9:278.
2- المفاتيح 2:95.
3- إنّه رحمه اللّه في مقام الاستدلال للقول بتحتّم القطع.
4- الكافي 7:4/220،التهذيب 10:492/123،الوسائل 28:26 أبواب مقدّمات الحدود ب 12 ح 1.
5- التهذيب 10:503/126،الوسائل 28:26 أبواب مقدمات الحدود ب 12 ذيل ح 1.
6- النهاية:718،القاضي في المهذّب 2:544،التقي في الكافي:412،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):623،المختلف:771.
7- راجع ص 7186.
8- انظر النهاية:718،إلّا أنّه في التوبة بعد الإقرار،و الخلاف 5:444.

عنده بالسرقة،فقال:أ تقرأ شيئاً من القرآن؟قال:نعم،سورة البقرة،قال:

قد وهبت يدك لسورة البقرة،فقال الأشعث:أ تعطّل حدّا من حدود اللّه تعالى؟ قال:و ما يدريك ما هذا،إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو عنه، و إذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام،فإن شاء عفا،و إن شاء قطع» (1)و قريب منه آخر (2).

و الإجماع موهون بعدم قائل به سواه.

و الخبران بعد الإغماض عمّا في سندهما ليس فيهما التخيير بعد الرجوع،بل ظاهرهما ثبوته للإمام مطلقا و لو لم يرجع،و لا قائل به،إلّا أن يقيّدا بصورة الرجوع بالإجماع.

و المسألة محل تردّد كما هو ظاهر التحرير و غيره (3)،فللتوقف فيها مجال،و لكن مقتضاه المصير إلى القول الثاني؛ لبناء الحدود على التخفيف،و اندرائها بالشبهات.

و ظاهر الأصحاب عدم الفرق هنا بين الرجوع و التوبة،فمن أسقط القطع حتماً أو تخييراً في الأوّل أسقطه في الثاني كذلك (4)،و من قال بالعدم قال به في المقامين.

الرابع: في بيان

الحدّ

الحدّ و كيفيته.

و هو قطع اليد،بالكتاب و السنّة و إجماع الأُمّة،و يختص عندنا ب الأصابع الأربع من اليد اليمنى،و تترك له الراحة و الإبهام

ص:130


1- الفقيه 4:148/44،التهذيب 10:516/129،الإستبصار 4:955/252،الوسائل 28:41 أبواب مقدّمات الحدود ب 18 ح 3.
2- التهذيب 10:506/127،الإستبصار 4:954/252،الوسائل 28:250 أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 5.
3- التحرير 2:230،التنقيح 4:384.
4- ليست في«ب» و«س» و«ح».

و لو عاد ف سرق بعد ذلك أيضاً قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم،و يترك له العقب و لو عاد ف سرق مرّة ثالثة حبس في السجن دائماً و أُنفق عليه من بيت المال مع فقره،لا مطلقاً.

و لو عاد ف سرق في السجن أيضاً قتل بلا خلاف في شيء من ذلك أجده إلّا ما سيأتي إليه الإشارة بل عليه الإجماع في الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر (1)حدّ الاستفاضة.

و النصوص به مع ذلك مستفيضة كادت تكون متواترة،ففي الصحيح:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في السارق إذا سرق قطعت يمينه،و إذا سرق مرَّة أُخرى قطعت رجله اليسرى،ثم إذا سرق مرّة أُخرى سجنه و ترك رجله اليمنى يمشي عليها إلى الغائط و يده اليسرى يأكل بها و يستنجي بها، و قال:إنّي لأستحيي من اللّه تعالى أن أتركه لا ينتفع بشيء،و لكني أسجنه حتى يموت في السجن» الخبر (2).

و فيه:«يقطع رجل السارق بعد قطع اليد،ثم لا يقطع بعد،فإن عاد حبس في السجن و أُنفق عليه من بيت مال المسلمين» (3)و نحوه آخر (4).

و في الموثّق:«إذا أُخذ السارق قطعت يده من وسط الكفّ،فإن عاد

ص:131


1- الخلاف 5:437،الغنية(الجوامع الفقهية):623،السرائر 3:489،المفاتيح 2:97،كشف اللثام 2:429.
2- الكافي 7:4/222،التهذيب 10:402/103،علل الشرائع 1/536،الوسائل 28:254 أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 1.
3- الكافي 7:6/223،التهذيب 10:404/104،الوسائل 28:256 أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 6.
4- الكافي 7:10/224،التهذيب 10:416/107،الوسائل 28:257 أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 7.

قطعت رجله من وسط القدم،فإن عاد استودع السجن،فإن سرق في السجن قتل» (1).

و في الخبر:أخبرني عن السارق لمَ تقطع يده اليمنى و رجله اليسرى و لا تقطع يده اليمنى و رجله اليمنى؟فقال:«ما أحسن ما سألت،إذا قطعت يده اليمنى و رجله اليمنى سقط على جانبه الأيسر و لم يقدر على القيام، و إذا قطعت يده اليمنى و رجله اليسرى اعتدل و استوى قائماً» قلت:و كيف يقوم و قد قطعت رجله؟فقال:«إنّ القطع ليس من حيث رأيت يقطع،إنّما يقطع الرجل من الكعب و يترك له من قدمه ما يقوم عليه و يصلّي و يعبد اللّه تعالى» قالت له:من أين تقطع اليد؟قال:«تقطع الأربع أصابع و يترك الإبهام يعتمد عليها في الصلاة،و يغسل بها وجهه» الخبر (2).

و ظاهرهما و لا سيّما الأوّل أنّ محل القطع في الرجل إنّما هو الكعب الذي هو عندنا وسط القدم عند معقد الشراك،كما تقدّم في بحث الوضوء مشروحاً،و صرّح به الرواية الأُولى منهما و جماعة من أصحابنا (3)، كالشيخ في المبسوط و الخلاف و التبيان،و السيّدين (4)في الغنية و الانتصار، و الحلّي في السرائر (5)،مدّعين عليه إجماع الإمامية.

ص:132


1- الكافي 7:8/223،التهذيب 10:400/103،الوسائل 28:256 أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 4.
2- الكافي 7:17/225،التهذيب 10:401/103،الوسائل 28:257 أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 8.
3- في«ن» زيادة:هنا.
4- في النسخ:و السيّدان،و الظاهر ما أثبتناه.
5- المبسوط 8:35،الخلاف 5:437،التبيان 3:517،الغنية(الجوامع الفقهية):623،الانتصار:262،السرائر 3:488.

و حكي التصريح به أيضاً عن الصدوق في المقنع و الحلبي في الكافي و[ابن سعيد و (1)]و ابن حمزة في الجامع و الوسيلة،و الفاضل في التلخيص (2)،و غيرهم (3).

و على هذا يكون المقطوع من عظامها الأصابع و المشط،و يبقى الرسغ و العظم الزورقي و النردي و العقب و ما بينه و بين الساق.

خلافاً لظاهر العبارة هنا و في الشرائع و المقنعة و النهاية و مجمع البيان و المراسم،و سائر كتب الفاضل ما عدا التلخيص،و الروضتين (4)،فعُبِّر فيها بمفصل القدم و ترك العقب،الظاهرين (5)في كون القطع من أصل الساق، أي المفصل بين الساق و القدم،و صرّح به الشيخان في كتبهما المذكورة، و عليه فلا تبقى من عظام القدم إلّا عظم العقب و ما بينه و بين عظم الساق، و تسمّيه الأطبّاء كعباً.

و احتجّ عليه في المختلف (6)بالموثق (7)و غيره (8):«تقطع يد السارق

ص:133


1- ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
2- المقنع:150،الكافي:411،الجامع:561،الوسيلة:420،تلخيص المرام(الينابيع الفقهية 40):206.
3- الصيمري في تلخيص الخلاف 3:248.
4- الشرائع 4:176،المقنعة:802،النهاية:717،مجمع البيان 2:192،المراسم:259؛ و انظر القواعد 2:270،التحرير 2:231،الإرشاد 2:184،تبصرة المتعلمين:197،اللمعة و الروضة 9:284.
5- في«ب»:الظاهر.
6- المختلف:778.
7- الكافي 7:13/224،التهذيب 10:399/102،علل الشرائع:5/537،الوسائل 28:252 أبواب حدّ السرقة ب 4 ح 4.
8- الكافي 7:2/222،التهذيب 10:398/102،الوسائل 28:251 أبواب حدّ السرقة ب 4 ح 2.

و يترك إبهامه و صدر راحته،و تقطع رجله و يترك عقبه يمشي عليها».

أقول:و نحوهما خبر آخر (1)،و الرضوي:«تقطع الرجل من المفصل و يترك العقب يطأ عليه» (2).

و المسألة محل إشكال،و مقتضاه المصير إلى الأوّل؛ تقليلاً للعقوبة و درءاً للحدّ و لو شيء منه بالشبهة الحاصلة من اختلاف الفتوى و الرواية.

مع إمكان ترجيحه أيضاً؛ للإجماعات المحكيّة و الروايتين المعتضدتين بها و بالشهرة بين القدماء،و بالصحيح أيضاً،و فيه:«و كان إذا قطع اليد قطعها دون المفصل،فإذا قطع الرجل قطعها من الكعب» الخبر (3).

بناءً على ما مرّ من كونه عندنا حقيقةً في وسط القدم دون أصل الساق.

و لا تعارضها النصوص المقابلة؛ لضعف جملة منها،و قصور باقيها عن الصحة و المقاومة لما مرّ من الأدلّة،مع موافقتها للعامّة كما يستفاد من الشيخ في المبسوط و الخلاف،حيث قال:القطع عندنا في الرجل من عند معقد الشراك من عند الناتئ على ظهر القدم و يترك ما يمشي عليه،و عندهم المفصل الذي بين الساق و القدم (4).انتهى.

فلتحمل على التقيّة.

و ربما يؤيّده كون المروي عنه(عليه السّلام)في الرواية الأُولى التي هي أوضحها طريقاً مولانا الكاظم(عليه السّلام)،و التقية في زمانه في غاية من الشدّة، كما مرّ إليه الإشارة غير مرّة.

ص:134


1- نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى:388/151،الوسائل 28:254 أبواب حدّ السرقة ب 4 ح 7.
2- فقه الرضا(عليه السّلام)القديم:77.
3- الفقيه 4:157/46،الوسائل 28:254 أبواب حدّ السرقة ب 4 ح 8.
4- المبسوط 8:35،الخلاف 5:437.

و مع ذلك فهي غير صريحة الدلالة؛ لما فيها من تعليل إبقاء العقب بحكمة ضرورة المشي عليها و الوطء بها،و الظاهر أنّهما لا يتحققان بمجرّد العقب المجرّد،بل به و بما يتّصل به إلى الكعب من عظام القدم،فينبغي أن يصرف به لفظ العقب عمّا هو ظاهر فيه من التجرّد الى ما يوافق الأوّل،بأن يراد منه ما يقابل صدر القدم من الأصابع و المشط إلى وسط القدم.

و هذا التعليل بعينه موجود في كلام الأصحاب حتى القائلين بالقول الأخير،فيمكن حمل كلامهم أيضاً على ما حمل عليه النصوص،و عليه فيرتفع الخلاف.و لعلّه لهذا لم ينقله عنّا أكثر الأصحاب،بل عامّة من وقفت على كلامهم،عدا الفاضل في المختلف (1)،حيث نقل القولين و رجّح الثاني منهما،و هذا و إن كان صريحاً في اختياره إيّاه،بحيث لا يحتمل الحمل على ما قدّمناه،لكنّه شاذّ.

و لو تكرّرت السرقة من غير حدّ يتخلّلها كفى حدّ واحد إذا أقرّ بها دفعة،أو شهدت بها البيّنات كذلك،بلا خلاف على الظاهر، المصرّح به في الخلاف (2)،بل عليه في الغنية (3)الوفاق،و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و اختصاص ما دلّ على تعدّد القطع بتعدّد السرقة بصورة تخلّل القطع للأُولى،لا مطلقاً.

و خصوص الصحيح:في رجل سرق فلم يقدر عليه،ثم سرق مرّة أُخرى فلم يقدر عليه،و سرق مرّة أُخرى،فجاءت البيّنة فشهدوا عليه بالسرقة الأُولى و السرقة الأخيرة فقال:«تقطع يده بالسرقة الأُولى،و لا تقطع

ص:135


1- المختلف:778.
2- الخلاف 5:441.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):623.

رجله بالسرقة الأخيرة» فقيل له:و كيف ذاك؟قال:«لأنّ الشهود شهدوا جميعاً في مقام واحد بالسرقة الأُولى و الأخيرة قبل أن يقطع بالسرقة الأولى،(و لو أنّ الشهود شهدوا عليه بالسرقة الاُولى ثم أمسكوا حتى يقطع ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى) (1)» (2).

و ظاهره كون القطع للأُولى،كما في القواعد و عن المقنع و الفقيه و الكافي للحلبي (3)و اختاره في الغنية مدّعياً عليه إجماع الإمامية (4)،و هو حجة أُخرى بعد الرواية؛ مضافاً إلى ثبوت القطع بها أوّلاً فيكون مستصحباً.

و قيل:للأخيرة،كما في الشرائع و السرائر و النهاية (5).

و قيل:كل منهما علّة مستقلّة،كما اختاره شيخنا في المسالك و الروضة (6).

و حجّة القولين مع عدم وضوحها غير مكافئة لما تقدّم من الأدلّة.

و تظهر الفائدة في عفو المسروق منه.

و ظاهر الصحيحة و ما قبلها من الأدلّة حتى الإجماع الاكتفاء بالحدّ الواحد أيضاً لو شهدت بيّنة عليه بسرقة ثم شهدت اخرى عليه بأُخرى قبل القطع للأُولى،و عليه شيخنا في كتابيه.

و قيل:تقطع يده و رجله؛ لأنّ كل واحدة توجب القطع،فتقطع اليد

ص:136


1- ما بين القوسين ليس في غير«ن».
2- الكافي 7:12/224،التهذيب 10:418/107،علل الشرائع:22/582،الوسائل 28:263 أبواب حدّ السرقة ب 9 ح 1.
3- القواعد 2:271،المقنع:150،الفقيه 4:46،الكافي في الفقه:412.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
5- الشرائع 4:178،السرائر 3:493،النهاية:719.
6- المسالك 2:447،الروضة 9:288.

للأُولى و الرجل للثانية (1).

و فيه نظر؛ لعدم دليل على إيجاب كل منهما القطع مطلقا،بل ما دلّ عليه من النصوص المتقدمة مختصّة بصورة تخلّل القطع بين السرقتين،كما عرفته،و لو سلّم فهو مخصّص بما ذكرناه من الأدلّة.

@(و مقتضى الصحيحة ثبوت قطع الرجل للثانية إذا شهدت بيّنتها بعد قطع اليد للأولى ببيّنتها،كما عليه الشيخ في النهاية و الخلاف (2)مدّعيا فيه الوفاق،و عليه الصدوق و غيره (3).

خلافا للمبسوط و السرائر و الفاضلين في الشرائع و المختلف و التحرير و الشهيدين (4)،و يعضدهم الأصل المتقدّم،و به استدلّ في المسالك و الروضة (5)،مضافا إلى قيام الشبهة الدارئة،و أجاب عن الرواية كغيره بضعف الطريق.

و فيه نظر،لاختصاص الضعف بطريقه في التهذيب،و إلاّ فهو في الكافي صحيح على الصحيح،أو حسن كالصحيح على المشهور،و مع ذلك الضعف في التهذيب بسهل الذي ضعفه سهل عندهم،فالقول به غير بعيد،سيّما مع اعتضاده بما مرّ عن الخلاف من الإجماع.لكنّه موهون -زيادة على ندرة القائل به-برجوعه عنه في المبسوط،كما صرّح به الحلّي

ص:137


1- لم نعثر على قائله.
2- النهاية:719،الخلاف 5: 441.
3- المقنع:150،الوسيلة:419،561،الجامع للشرائع:561.
4- المبسوط 8:38،السرائر 3:494،الشرائع 4:178،المختلف:772، التحرير 2:232،الشهيد الأوّل في غاية المراد 4: 266،و الشهيد الثاني في الروضة 9:289،و المسالك2:447.
5- المسالك 2:447،الروضة 9:289.

في السرائر (1)) (2)@ و لا يقطع اليسار مع وجود اليمين مطلقاً و لو كانت شلّاء، و كذا تقطع و لو كانت اليسار شلّاء أو كانتا شلّاءين،وفاقاً للأكثر،بل المشهور كما قيل (3)،بل في الغنية و الخلاف عليه إجماع الإمامية (4)،و هو الحجة.

مضافاً إلى العمومات،و خصوص الصحيح:في رجل أشلّ اليد اليمنى أو أشلّ الشمال سرق،فقال:«تقطع يده اليمنى على كل حال» (5).

و في آخر و غيره:«أنّ الأشلّ إذا سرق قطعت يمينه على كل حال، شلاء كانت أو صحيحة» الحديث (6).

خلافاً للمبسوط و القاضي و ابن حمزة و الفاضل في المختلف و شيخنا في المسالك (7)في قطع اليمين الشلّاء،فقيّدوه بما إذا لم يخف معه التلف على النفس بإخبار أهل العلم بالطبّ أنّها متى قطعت بقيت أفواه العروق مفتّحة.

و لا يخلو عن قوة؛ احتياطاً لبقاء النفس،مضافاً إلى الأصل،و عدم

ص:138


1- .السرائر 3:494.
2- .ما بين القوسين ليس في غير«ن».
3- كشف اللثام 2:429.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):623،الخلاف 5:443.
5- الكافي 7:16/225،التهذيب 10:419/108،الاستبصار 4:915/242،علل الشرائع:6/537،الوسائل 28:266 أبواب حدّ السرقة ب 11 ح 1.
6- الفقيه 4:160/47،علل الشرائع:7/537 و فيه بتفاوت،الوسائل 28:267 أبواب حدّ السرقة ب 11 ح 4.
7- المبسوط 8:38،القاضي في المهذّب 2:544،ابن حمزة في الوسيلة:420،المختلف:777،المسالك 2:446.

معلومية شمول العمومات لمثل محل الفرض؛ لاختصاصها بحكم التبادر باليد الصحيحة،أو الشلّاء التي لا يخاف بقطعها تلف النفس المحترمة،إذ ليس المقصود بالقطع هنا إتلافها،و عليه يحمل الصحيحان بتخصيصهما بالشلل المأمون مع قطعه على النفس،و كذا الكلام في الإجماعين المنقولين،مع وهن ثانيهما برجوع الناقل له عنه في المبسوط.

و للإسكافي (1)في قطعها مع شلل اليسار فمنعه،قال:بل يخلد الحبس؛ للخبر:«إذا سرق الرجل و يده اليسرى شلّاء لم تقطع يمينه و لا رجله» (2)مع أنّ المعهود من حكمة الشارع إبقاء إحدى يديه.

و هو شاذّ،و مستنده مع ضعفه قاصر عن المقاومة لما قابلة من الصحيح و الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة و العموم.

و لو لم يكن له يسار قطعت اليمين (3) أيضاً،وفاقاً للمشهور؛ للعمومات،و خصوص عموم الصحيح الأوّل.

خلافاً للإسكافي (4)أيضاً،فكشلّاء اليسار؛ لبعض ما مرّ فيه،مضافاً إلى خصوص الصحيح:لو أنّ رجلاً قطعت يده اليسرى في قصاص فسرق ما يصنع به؟فقال:«لا يقطع و لا يترك بغير ساق» (5).

و أُجيب عنه بالحمل على إظهاره التوبة،و هو بعيد بلا شبهة،إلّا أن

ص:139


1- حكاه عنه في المختلف:777.
2- التهذيب 10:420/108،الإستبصار 4:916/242،الوسائل 28:266 أبواب حدّ السرقة ب 11 ح 2.
3- في المختصر المطبوع:قطع اليمنى،و لعلّه هو الأنسب.
4- حكاه عنه في المختلف:777.
5- التهذيب 10:421/108،الإستبصار 4:917/242،الوسائل 28:267 أبواب حدّ السرقة ب 11 ح 3.

يقال:لا مندوحة عنه جمعاً بين الأدلّة.

و إلى هذه الرواية أشار بقوله: و في الرواية أنّه لا يقطع.

و قال الشيخ في النهاية:و لو لم يكن له يسار قطعت رجله اليسرى،و لو لم يكن له رجل يسرى لم يكن عليه أكثر من الحبس (1) و حجته غير واضحة عدا وجه الحكمة المتقدّمة سنداً للإسكافي، و هو مع ضعفه و عدم مقاومته لأدلّة المشهور مقتضاه عدم قطع اليسار، لا قطع الرجل كما ذكره،أو التخليد في الحبس كما عليه الإسكافي،فهو أعمّ منهما،و لا دليل على التعيين إلّا بعض الوجوه القياسية التي لا تصلح لإثبات الأحكام الشرعية.

مع أنّه يحتمل على قولهما بعدم قطع اليسار ثبوت التعزير،كما هو الأصل في ارتكاب كل محرّم لم يرد فيه نصّ بالخصوص.

و ممّا ذكرنا يظهر ما في قول الماتن:

و في الكل أي كلّ من العمل بالرواية و ما في النهاية تردّد إذ لا وجه له بالإضافة إلى ما في النهاية كما عرفته،بل بالإضافة إلى الرواية أيضاً،إلّا أنّ احتماله بالإضافة إليها أقرب (2)؛ لصحتها،و وجود قائل بها، و مناسبتها لوجه الحكمة،و إن كان جميع ذلك لا يعارض أدلّة الأكثر.

و لو لم يكن له يمين فهل يقطع اليسار،أم ينتقل إلى الرجل؟ثم مع فقدهما هل يحبس،أم لا،بل يعزّر؟وجوه و أقوال،أحوطها الاكتفاء بالتعزير.

ص:140


1- النهاية:717.
2- في«س»:أقوى.

هذا إذا ذهبت يمينه قبل السرقة،و لو ذهبت بعدها و قبل القطع بها لم يقطع اليسار قولاً واحداً؛ لتعلق القطع بالذاهبة.

و يسقط الحدّ بالتوبة قبل قيام البيّنة على السرقة و لا يسقط بعدها بلا خلاف في الأوّل على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (1)،بل عليه دعوى الوفاق في المسالك (2)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى الأولوية؛ لسقوط العقوبة الأُخرويّة بها فالدنيويّة أولى.

و للصحيح:«السارق إذا جاء من قبل نفسه تائباً إلى اللّه تعالى و ردّ سرقته على صاحبها فلا قطع عليه» (3).

و المرسل:في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى،فلم يعلم بذلك منه و لم يؤخذ حتى تاب و صلح،فقال:«إذا صلح و عرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحدّ» الخبر (4).

و على الأظهر الأشهر في الثاني،بل قيل (5):لا خلاف فيه أيضاً؛ للأصل،و النص:«و إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو» (6).

خلافاً للحلبيّين (7)،فأطلقا جواز عفو الإمام مع التوبة بعد الرفع (8).

ص:141


1- المفاتيح 2:95.
2- المسالك 2:447.
3- الكافي 7:8/220،التهذيب 10:489/122،الوسائل 28:302 أبواب حدّ السرقة ب 31 ح 1.
4- الكافي 7:1/250،التهذيب 10:490/122،الوسائل 28:36 أبواب مقدّمات الحدود ب 16 ح 3.
5- المفاتيح 2:95.
6- الفقيه 4:148/44،التهذيب 10:516/129،الإستبصار 4:955/252،الوسائل 28:41 أبواب مقدمات الحدود ب 18 ح 3.
7- في غير«س»:للحليَّين،و ما أثبتناه هو الصحيح.
8- الغنية(الجوامع الفقهية):623،الكافي في الفقه:412.

و هو مع شذوذه،و عدم صراحته غير واضح المستند،عدا ما ربما يتوهم من إطلاق الصحيح السابق و تاليه،لكن سياقهما سيّما الثاني ظاهر في التوبة قبل البيّنة،مع أنّ مقتضاهما تحتّم السقوط لا تخيّر الإمام بينه و بين الحدّ.و كذا الجواب عن الأولوية لو استدلّ بها.

و هل يتخيّر الإمام معها أي مع التوبة بعد الإقرار في الإقامة للحدّ و إسقاطه،أم يتعيّن عليه الأوّل،أم الثاني؟أقوال،مضت إليها الإشارة في بحث تحتّم القطع مع الرجوع بعد الإقرار.

و ظهر ثمّة أنّ القول الأوّل مبني على رواية فيها ضعف سنداً و دلالة؛ لعدم إيماء فيها إلى رجوع أو توبة بعد الإقرار،و جبره بالتقييد بهما من جهة الإجماع لا يدفع وهنها الحاصل به في مقام التعارض،لكنّها معتضدة بدعوى الإجماع على مضمونها في الخلاف و الغنية (1)،لكنّها موهونة بشهرة خلافها بين الأصحاب.

و إن اختلفوا في أنّ الأشبه تحتّم الحد أو سقوطه،و قد عرفت رجحانه و لو من جهة الشبهة الناشئة من الخلاف في المسألة.

و لا يضمن الحاكم و لا الحدّاد سراية الحدّ إلى عضو أو نفس، أيّ حدٍّ كان حتى التعزير،فلا دية له مطلقاً،وفاقاً للنهاية و الخلاف و المبسوط و الغنية و ابن حمزة و الحلّي و الفاضلين و الشهيدين (2)،و بالجملة:

الأكثر؛ للأصل،و آية ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [1] (3)

ص:142


1- الخلاف 5:444،الغنية(الجوامع الفقهية):623.
2- النهاية:755،الخلاف 5:493،المبسوط 8:63،الغنية(الجوامع الفقهية):622،الوسيلة:413،السرائر 3:361،الشرائع 4:171،القواعد 2:264،اللمعة(الروضة 9):217،المسالك 2:441.
3- التوبة:91.

و الصحيح:«أيّما رجل قتله الحدّ و القصاص فلا دية له» (1).

و الخبر:«من قتله الحدّ فلا دية له» (2).

خلافاً للمفيد و الاستبصار (3)في حدّ الآدمي،فيضمن الإمام دية المحدود على بيت المال؛ للمباشرة،و الرواية:«من ضربناه حدّا من حدود اللّه تعالى فمات فلا دية له علينا،و من ضربناه حدّا في شيء من حقوق الناس فإنّ ديته علينا» (4).

و فيهما نظر،سيّما في مقابلة أدلّة الأكثر.

نعم في الإيضاح دعوى تواتر الرواية (5)،و لم تثبت،فإنّها مروية في كتب الحديث ضعيفاً من طرق الآحاد.

و يستفاد منه أنّ محل الخلاف هو التعزير دون الحدّ،و صرّح به في التنقيح (6)،و ربما يظهر أيضاً من الخلاف و المبسوط (7)،قال:لأنّه مقدّر فلا خطأ فيه،بخلاف التعزير فإنّ تقديره مبني على الاجتهاد الذي يجوز فيه الخطأ.

قيل:و هذا يتمّ مع كون الحاكم الذي يقيم الحدود غير المعصوم،و إلّا

ص:143


1- التهذيب 10:813/206،الإستبصار 4:1055/278،الوسائل 29:65 أبواب قصاص النفس ب 24 ح 9.
2- الكافي 7:7/292،التهذيب 10:819/207،الإستبصار 4:1056/279،الوسائل 29:63 أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 1.
3- المفيد في المقنعة:743،الإستبصار 4:279.
4- الكافي 7:10/292،التهذيب 10:822/208،الوسائل 29:64 أبواب قصاص النفس ب 24 ح 3؛ بتفاوت.
5- إيضاح الفوائد 4:516.
6- التنقيح الرائع 4:389.
7- الخلاف 5:493،المبسوط 8:63.

لم يفترق الحال بين الحدّ و التعزير،و المسألة مفروضة فيما هو أعمّ من ذلك (1).

الخامس في اللواحق،و فيه مسائل
الأولى إذا سرق اثنان نصاباً

الخامس: في ذكر اللواحق،و فيه ثلاث مسائل:

الأُولى: إذا سرق اثنان فصاعداً نصاباً واحداً،أو زائداً مع عدم بلوغ نصيب كل منهما نصاباً قال المفيد و المرتضى و الشيخ في النهاية (2) و الأتباع أجمع كما في المسالك (3):إنّه يقطعان معاً،و الظاهر أنّه مذهب أكثر القدماء،بل في الانتصار و الغنية (4)عليه إجماع الإمامية، و هو الحجة.

مضافاً إلى الرواية المروية في الخلاف،قال:و روى أصحابنا أنّها إذا بلغت السرقة نصاباً و أخرجوها بأجمعهم وجب عليهم القطع، و لم يفصّلوا (5).

لكنّها مرسلة؛ إذ لم نقف عليها في كتب الحديث،و لا نقلها ناقل من الأصحاب،و لا أشار إليها أحد منهم في الباب،و إنّما احتجّوا لهم بتحقق الموجب للقطع و هو سرقة النصاب و قد صدر عنهما،فيقطعان؛ و هو كما ترى.

نعم في الصحيح:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في نفر نحروا بعيراً فأكلوه فامتحنوا أيّهم نحر فشهدوا على أنفسهم أنّهم نحروه جميعاً،

ص:144


1- المسالك 2:441.
2- المفيد في المقنعة:804،السيّد المرتضى في الانتصار:264،النهاية:718.
3- المسالك 2:447،و هو في المهذّب 2:540،و الوسيلة:419،الغنية(الجوامع الفقهية):623.
4- الانتصار:264،الغنية(الجوامع الفقهية):623.
5- الخلاف 5:421.

لم يخصّوا أحداً دون أحد،فقضى(عليه السّلام)أن تقطع أيمانهم» (1).

و هو عام من حيث ترك الاستفصال عن بلوغ نصيب كل منهم النصاب و عدمه للصورتين.

و قال الشيخ في المبسوط و الخلاف و الإسكافي و الحلّي (2) اشترط بلوغ نصيب كل واحد نصاباً و عليه عامّة متأخّري الأصحاب،و في الخلاف عليه الإجماع،و هو الأوفق بالأصل؛ لاختصاص ما دلّ على قطع السارق نصاباً بحكم التبادر بصورة انفراده به لا مطلقاً؛ مضافاً إلى الإجماع المنقول.

لكنّه مع وهنه بعدم موافق له من القدماء عدا الإسكافي،و هو بالإضافة إلى باقيهم شاذّ،و كذا الحلّي،مع أنّه بعد الناقل معارض بمثله، بل و أرجح منه بالتعدّد،و عدم ظهور الوهن فيه،و الاعتضاد بالرواية المرسلة المنجبرة بالشهرة القديمة،و عموم الصحيحة المتقدمة،لكنّها قضية في واقعة،و الشهرة الجابرة معارضة بالشهرة العظيمة المتأخّرة القريبة من الإجماع،فلم يبق للقدماء غير الإجماع المنقول المعارض بالمثل، و رجحان الأوّل بما مرّ يقابل بالأصل المرجِّح لهذا الطرف.

و بالجملة:المسألة محل تردّد،كما هو ظاهر المتن،و لكن مقتضاه ترجيح القول الأخير للشبهة الدارئة للحدّ.

الثانية لو قامت الحجة بالسرقة

الثانية: لو سرق سرقتين موجبتين للقطع و لم يقطع بينهما

ص:145


1- الفقيه 4:150/44،التهذيب 10:517/129،الوسائل 28:304 أبواب حدّ السرقة ب 34 ح 1.
2- المبسوط 8:28،الخلاف 5:420؛ حكاه عن الإسكافي في المختلف:772،الحلّي في السرائر 3:497.

و قامت الحجة أي البيّنة عليه بالسرقة الأُولى فأمسكت ليقطع،ثم شهدت عليه ب السرقة ال اُخرى،قال الصدوق و الشيخ في النهاية و الخلاف (1) قطعت يده بالأُولى و رجله بالأُخرى و ادّعى في الخلاف عليه الوفاق و مع ذلك (2) به رواية صحيحة،و فيها:«و لو أنّ الشهود شهدوا عليه بالسرقة الاُولى ثم أمسكوا حتى يقطع،ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى» (3).

و لكنه رجع عنه في المبسوط (4)،و تبعه الحلّي و الفاضلان و الشهيدان (5)،و غيرهم من المتأخّرين (6)،و هو الأوفق بالأصل،مع اختصاص ما دل على تعدّد القطع بتعدّد السرقة بصورة تخلّل القطع بينهما لا مطلقاً.

و الإجماع المنقول موهون زيادةً على ندرة القائل به برجوع الناقل عنه إلى خلافه في المبسوط.

و أجاب متأخروا الأصحاب عن الرواية بضعف السند.

و فيه نظر؛ لاختصاصه بطريق التهذيب،و إلّا فهو في الكافي مروي بطريق حسن (7)قريب من الصحيح،فطرحه مشكل،و لكنّ العمل به أيضاً

ص:146


1- الصدوق في المقنع:150،النهاية:719،الخلاف 5:441.
2- في« ن».زيادة:وردت.
3- الكافي 7:12/224،التهذيب 10:418/107،علل الشرائع:22/582،الوسائل 28:263 أبواب حدّ السرقة ب 9 ح 1.
4- المبسوط 8:38.
5- الحلّي في السرائر 3:494،المحقق في الشرائع 4:178،العلّامة في التحرير 2:232،الشهيدان في اللمعة و الروضة 9:289،المسالك 2:247.
6- كالفاضل المقداد في التنقيح 4:391.
7- ليست في«ن».

لا يخلو عن إشكال في نحو المقام.

و الأولى التمسك بعصمة الدم إلّا في موضع اليقين عملاً بالنص المتواتر بدفع الحدّ بالشبهات.

الثالثة قطع السارق موقوف

الثالثة: قطع السارق موقوف عندنا على مرافعة المسروق منه له إلى الإمام تغليباً لحق الناس فيه فلو لم يرافعه إليه لم يرفعه الإمام و لم يقطعه و إن قامت عليه البيّنة حسبة (1)أو أقرّ بها مرّتين،و كذا لو علم بسرقته،كما في الخبر:«الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب خمراً أن يقيم عليه الحدّ،و لا يحتاج إلى بيّنة مع نظره؛ لأنّه أمين اللّه في خلقه،و إذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب عليه أن يزبره و ينهاه و يمضي و يدعه» قال:و كيف ذاك؟قال:«لأنّ الحق إذا كان للّه تعالى فالواجب على الإمام إقامته،و إذا كان للناس فهو للناس» (2).

و لو وهبه المالك العينَ بعد السرقة،أو عفا عن القطع قبل المرافعة سقط القطع و إن كان لو رافعه لم يسقط عنه الحدّ مطلقاً و لو عفا عنه أو وهبه لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله)المروي في الصحيح (3)و الحسن (4)و غيرهما (5)لصفوان بن أُميّة حين سُرِقَ رداؤه فقبض السارق

ص:147


1- ليست في«ن».
2- الكافي 7:15/262،التهذيب 10:157/44،الإستبصار 4:809/216،الوسائل 28:57 أبواب مقدّمات الحدود ب 32 ح 3،في«ح» و«ب»:يزجره،بدل:يزبره،و هما بمعنى واحد.
3- الكافي 7:2/251،التهذيب 10:494/123،الإستبصار 4:952/251،الوسائل 28:39 أبواب مقدمات الحدود ب 17 ح 2.
4- الكافي 7:3/252،التهذيب 10:495/124،الإستبصار 4:953/251،الوسائل 28:39 أبواب مقدمات الحدود ب 17 ذيل الحديث 2.
5- دعائم الإسلام 2:1549/444،المستدرك 18:21 أبواب مقدمات الحدود ب 15 ح 1.

و قدّمه إلى النبي(صلّى اللّه عليه و آله)ثم وهبه:«ألّا كان ذلك قبل أن ينتهي به إليّ».

و للموثّق:«من أخذ سارقاً فعفا عنه فذاك له،فإذا رفع إلى الإمام قطعه،فإن قال الذي سرق منه:أنا أهب له،لم يدعه الإمام حتى يقطعه إذا رفعه إليه،و إنّما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام،و ذاك قول اللّه عزَّ و جلَّ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ [1] (1)فإذا انتهى إلى الإمام فليس لأحدٍ أن يتركه» (2).

و في الصحيح:«لا يعفى عن الحدود التي للّه تعالى دون الإمام،فأمّا ما كان من حقوق الناس فلا بأس أن يعفى عنه دون الإمام» (3).

و في الخبر:«و لا يشفعنّ في حدّ إذا بلغ الإمام،فإنّه لا يملكه، و اشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الدم» (4)كما في نسخة،و بدّل الدم ب«الندم» في أُخرى.

ص:148


1- التوبة:112.
2- الكافي 7:1/251،التهذيب 10:493/123،الإستبصار 4:951/251،الوسائل 28:39 أبواب مقدّمات الحدود ب 17 ح 3.
3- الكافي 7:4/252،الفقيه 4:185/52،التهذيب 10:496/124،الوسائل 28:40 أبواب مقدمات الحدود ب 18 ح 1.
4- الكافي 7:3/254،التهذيب 10:498/124،الوسائل 28:43 أبواب مقدمات الحدود ب 20 ح 4.

الفصل السادس في المحارب

الفصل السادس في بيان حدّ المحارب و هو كلّ مجرِّدٍ سلاحاً كالسيف أو غيره كالحجر و نحوه في برٍّ أو بحرٍ مصرٍ أو غيره ليلاً أو نهاراً لإخافة السابلة و المتردّدين من المسلمين مطلقاً و إن لم يكن المحارب من أهلها أي أهل الإخافة، بأن كان ضعيفاً عنها،و لا من أهل الفتنة،و لا ذكراً على الأشبه الأقوى، و عليه عامّة متأخّري أصحابنا،و في كنز العرفان نسبه إلى الفقهاء (1)،مشعراً بدعوى الإجماع عليه.

لعموم الآية إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ. إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [1] (2).

و شموله للإناث و إن كان فيه نوع غموض،بناءً على أنّ الضمير للذكور و دخول الإناث فيهم مجاز،إلّا أنّ العموم لهنّ جاء من قبل النصوص،ففي الصحيح:«من شهر السلاح في مصر من الأمصار»

ص:149


1- كنز العرفان 2:351.
2- المائدة:33 34.

الحديث (1).و«مَنْ» عامّ حقيقة للذكور و الإناث و أهل الريبة و الإخافة و غيرهم.

خلافاً للشيخين،فاشترطا كونه من أهل الريبة (2).

و للإسكافي (3)،فاشترط الذكورة بما مرّ.و ضعفه قد ظهر.

و أمّا الشيخان فلعلّهما استندا إلى مفهوم الصحيح و غيره:«من حمل السلاح باللّيل فهو محارب،إلّا أن يكون رجلاً ليس من أهل الريبة» (4).

قيل:و لأنّه المتيقن و الحدود تدرأ بالشبهات (5).

و يضعّف بأنّ البحث على تقدير وجود السبب أعني المحاربة فيتحقق المسبّب.

و يدلُّ على اشتراط قصد الإخافة في المحاربة مضافاً إلى الاتفاق عليه على الظاهر إلّا من نادر (6)،مع عدم صدقها عرفاً إلّا به المروي في قرب الإسناد:عن رجل شهر إلى صاحبه بالرمح و السكين،فقال:«إن كان يلعب فلا بأس» (7).

و على عدم اشتراط السلاح من نحو السيف:القوي:في رجل أقبل بنار فأشعلها في دار قوم فاحترقت و احترق متاعهم،أنّه يغرم قيمة الدار و ما

ص:150


1- الكافي 7:12/248،التهذيب 10:524/132،الإستبصار 4:972/257،الوسائل 28:307 أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 1.
2- المفيد في المقنعة:804،الطوسي في النهاية:720.
3- حكاه عنه في المختلف:779.
4- الكافي 7:6/246،الفقيه 4:168/48،التهذيب 10:530/134،الوسائل 28:313 أبواب حدّ المحارب ب 2 ح 1.
5- انظر المسالك 2:449.
6- صفحة 150 هامش 1.
7- قرب الإسناد:1019/258،الوسائل 28:315 أبواب حدّ المحارب ب 2 ح 4.

فيها،ثم يقتل (1).

مضافاً إلى صدق المحاربة بكلّ ما يتحقق به الإخافة و لو حجراً أو غيره.

و ربما يفهم من الروضة عدم اشتراط قصد الإخافة و أنّ به قولاً (2).

و هو مع ضعفه و شذوذه لم أجده،مع أنّه اشترطه في المسالك (3)من دون خلاف فيه يذكره.

و يثبت ذلك بالإقرار من أهله و لو مرّة،أو بشهادة عدلين بلا إشكال و لا خلاف أجده إلّا من الديلمي و المختلف (4)،حيث حكي عنهما القول بأنّ كلّ حدٍّ يثبت بشهادة عدلين يعتبر فيه الإقرار مرّتين.

و لا دليل على الكلّية،مع عموم:«إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (5)خرج منه ما اشترط فيه التكرار بدليل خارج،فيبقى غيره على العموم.

اللهم إلّا أن يستند إلى الاستقراء،و فحوى ما دلّ على اعتبار التكرار في نحو السرقة و غيرها ممّا هو أضعف حدّا فهنا أولى،فتأمّل جدّاً .

و لو شهد بعض اللصوص على بعض أو على غيرهم،أو لهما لم تقبل شهادته قطعاً؛ لفسقه المانع عن قبولها.

و كذا لو شهد بعض المأخوذين لبعض منهم على القاطع عليهم الطريق مطلقاً،على الأشهر الأقوى؛ للتهمة،و بعض المعتبرة:عن رفقة

ص:151


1- الفقيه 4:419/120،التهذيب 10:912/231،الوسائل 28:315 أبواب حدّ المحارب ب 3 ح 1.
2- الروضة 9:292.
3- المسالك 2:449.
4- الديلمي في المراسم:259،المختلف:727.
5- عوالي اللئلئ 1:104/223.

كانوا في طريق قطع عليهم الطريق فأخذوا اللصوص،فشهد بعضهم لبعض؟ فقال:«لا تقبل شهادتهم إلّا بإقرار اللصوص،أو بشهادة من غيرهم عليهم» (1).

و قيل بالقبول لو لم يتعرّض لما أُخذ منه؛ لوجود العدالة المانعة من التهجّم على غير الواقع،و منع التهمة المانعة،بل هو كشهادة بعض غرماء المديون لبعض،و شهادة المشهود لهما بوصية من تركة للشاهدين بوصية منها أيضاً (2).

و هو على تقدير تسليمه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر و لو بعمل الأكثر،بل الأشهر كما صرّح به بعض من تأخّر (3)،فلا يعبأ به.

نعم لو لم يكن الشاهد مأخوذاً احتمل قبول شهادته؛ لعدم التهمة، مع خروجه عن مورد الفتوى و الرواية؛ لظهورهما و لو بحكم التبادر في صورة كونه مأخوذاً،و بالقبول هنا صرّح جمع (4)من غير أن يذكروا خلافاً.

و حدّه القتل أو الصلب أو القطع مخالفاً أي قطع اليد اليمنى و الرجل اليسرى كما يقطعان في السرقة،و صرّح به جماعة من الأصحاب (5)،و يستفاد من بعض أخبار الباب (6).

ص:152


1- الكافي 7:2/394،الفقيه 3:68/25،التهذيب 6:625/246،الوسائل 27:369 كتاب الشهادات ب 27 ح 2.
2- القائل هو الشهيد في الدروس 2:127،و التعليل موجود في المسالك 2:405.
3- ملاذ الأخيار 10:92.
4- منهم المحقق في الشرائع 4:18،العلّامة في القواعد 2:272،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:431،المجلسي في ملاذ الأخيار 10:92.
5- منهم العلّامة في الإرشاد 2:186،الشهيد في اللمعة(الروضة 9):294،الفاضل المقداد في كنز العرفان 2:352،الفاضل الجواد في مسالك الأفهام 4:210.
6- انظر الوسائل 28:309 أبواب حد المحارب ب 1 الأحاديث 4،7،8،11.

أو النفي من مصره إلى مصرٍ آخر،ثم إلى آخر،و هكذا إلى أن يتوب،أو يموت.

و الأصل في هذه الأُمور بعد الكتاب:الإجماع و السنّة المستفيضة.

و للأصحاب اختلاف في أنّها هل على التخيير،أو الترتيب؟ ف قال المفيد و الديلمي و الحلّي و الصدوق في صريح الهداية و ظاهر المقنع (1)كما حكي بالتخيير و عليه أكثر المتأخّرين،و منهم الماتن في الشرائع (2)و هنا؛ لقوله: و هو الوجه .

لظاهر الآية،بناءً على أنّ الأصل في«أو» التخيير،مع التصريح في الصحاح بأنّها له في القرآن حيث وقع (3)،و منها في خصوص هذه الآية أنّ «ذلك إلى الإمام أن يفعل ما يشاء» (4).

و في الصحيح (5)و الموثق (6):«ذلك إلى الإمام،إن شاء قطع،و إن شاء صلب،و إن شاء نفى،و إن شاء قتل» قلت:النفي إلى أين؟قال:«ينفى من مصرٍ إلى مصرٍ آخر».

و الموثق الوارد في شأن نزول الآية صريح في التخيير،و جواز

ص:153


1- المفيد في المقنعة:804،الديلمي في المراسم:251،الحلّي في السرائر 3:505،الهداية:77،المقنع:152.
2- الشرائع 4:180.
3- الكافي 4:2/358،التهذيب 5:1147/333،الإستبصار 2:656/195،الوسائل 13:165 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 14 ح 1.
4- الكافي 7:5/246،التهذيب 10:529/133،الوسائل 28:308 أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 2
5- الكافي 7:3/245،المقنع:152،الوسائل 28:308 أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 3.
6- تفسير العيّاشي 1:93/315،الوسائل 28:312 أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 9.

الاكتفاء بقطع المحارب خاصّة دون قتله و لو قَتَل،فقد دلّ على قطع النبي(صلّى اللّه عليه و آله) قوماً من بني ضبّة و قد قتلوا ثلاثة ممّن كان في إبل الصدقة مقتصراً عليه (1).

و قال الشيخ و الإسكافي و التقي و ابن زهرة و أتباع الشيخ كما في نكت الإرشاد و المسالك (2) بالترتيب قال في النكت:و ادّعوا عليه الإجماع،و هو ظاهر المصنف في التلخيص.

أقول:و نسب إلى الأكثر (3)،و لكن اختلفوا في كيفيته،ففي النهاية و المهذّب و فقه القرآن للراوندي (4)أنّه يقتل إن قتل،و لو عفا وليّ الدم قتل حدّا لا قصاصاً.

و لو قتل و أخذ المال استعيد منه عينه أو بدله و قطعت يده اليمنى و رجله اليسرى،ثم قتل و صلب و إن أخذ المال و لم يقتل قطع مخالفاً و نُفي و لو جرح و لم يأخذ المال اقتصّ منه و نُفي و لو اقتصر على شهر السلاح مخيفاً نُفي لا غير .

و في التبيان و المبسوط و الخلاف (5):إن قَتَلَ قُتِلَ،و إن قَتَلَ و أخذ المال قُتِلَ و صُلب،و إن اقتصر على أخذ المال و لم يقتل قطعت يده و رجله من خلاف،و إن اقتصر على الإخافة فإنّما عليه النفي.

ص:154


1- الكافي 7:1/245،التهذيب 10:533/134،الوسائل 28:310 أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 7.
2- الشيخ في النهاية:720،حكاه عن الإسكافي في المختلف:778،التقي في الكافي:252،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):584،غاية المراد 4:277،المسالك 2:449.
3- كشف اللثام 2:431.
4- النهاية:720،المهذّب 2:553،فقه القرآن 1:366.
5- التبيان 3:504،المبسوط 8:48،الخلاف 5:458.

و في المبسوط و الخلاف (1)أنّه ينفى على الأخيرين.

و في المبسوط (2)أنّه يتحتّم عليه القتل إذا قتل لأخذ المال،و أمّا إن قتل لغيره فالقود واجب غير متحتّم،أي يجوز لولي المقتول العفو مجاناً و على مال.

و في الوسيلة:لم يخل إمّا جنى جناية أو لم يجن،فإذا جنى جناية لم يخل إمّا جنى في المحاربة أو في غيرها،فإن جنى في المحاربة لم يجز العفو عنه و لا الصلح على مال،و إن جنى في غير المحاربة جاز فيه ذلك، و إن لم يجن و أخاف و نُفي عن البلد و على هذا حتى يتوب،و إن جنى و جرح اقتصّ منه و نُفى عن البلد،و إن أخذ المال قطع يده و رجله من خلاف و نُفي،و إن قَتَلَ و غرضه في إظهار السلاح القتل كان ولي الدم مخيّراً بين القود و العفو و الدية،و إن كان غرضه المال كان قتله حتماً و صلب بعد القتل،و إن قطع اليد و لم يأخذ المال قطع و نُفي،و إن جرح و قتل اقتصّ منه ثم قتل و صلب،و إن جرح و قطع و أخذ المال جرح و قطع للقصاص أوّلاً إن كان قطع اليد اليسرى،ثم قطع يده اليمنى لأخذه المال،و لم يوال بين القطعين،و إن كان قطع اليمنى قطعت يمناه قصاصاً و رجله اليسرى لأخذ المال (3).انتهى.

و لم أجد حجّة على شيء من هذه الكيفيّات من النصوص،و إن دلّ أكثرها على الترتيب في الجملة،لكن شيء منها لا يوافق شيئاً منها،فهي شاذّة،مع ضعف أسانيدها جملة،و لذا اعترضها الماتن و جماعة (4)بأنّها

ص:155


1- المبسوط 8:48،الخلاف 5:458.
2- المبسوط 8:48.
3- الوسيلة:206.
4- الشرائع 4:181،المسالك 2:449،تلخيص الخلاف 3:258،المفاتيح 2:100،انظر مجمع الفائدة 13:294.

لا تنفكّ من ضعف في إسناد،أو اضطراب في متن،أو قصور في دلالة، فالأولى التمسك بظاهر الآية.

و هو حسن لولا الشهرة القديمة الظاهرة و المحكية في النكت و غيره (1)،و حكاية الإجماع المتقدمة الجابرة لضعف الروايات،مع مخالفتها لما عليه أكثر العامّة كما في النكت و يستفاد من بعضها،و لذا حمل الشيخ (2)الأخبار المخيِّرة على التقية.

و اختلاف الروايات في كيفية الترتيب إنّما يضعّف إثبات كيفية خاصّة منها،لا أصله في مقابلة القول بالتخيير بعد اتفاقها عليه.

مع أنّ من جملة ما يدل عليه بحسب السند صحيح،و فيه:سأل الصادق(عليه السّلام)رجل عن الآية،فقال:«ذاك إلى الإمام،يفعل ما يشاء» قال:

قلت:فمفوّض ذلك إليه؟قال:«لا،و لكن نحو (3)الجناية» (4).

و منه يظهر سهولة حمل الصحيح السابق (5)المخيِّر على الترتيب،كما لا يخفى على المنصف اللبيب،لكن ينافيه الخبر الوارد في شأن النزول لكنّه قاصر السند عن الصحة،فالقول بالترتيب أقرب إلى الترجيح.

و لكن يبقى الكلام في الكيفية،هل هي على ما في النهاية (6)،أو غيرها من كتب الجماعة؟و عدم المرجّح مع ضعف آحاد النصوص يقتضي

ص:156


1- غاية المراد 4:278،انظر مرآة العقول 23:384.
2- الإستبصار 4:257.
3- في«ح» و«س»،و«ن» و التهذيب:بحق.
4- الكافي 7:5/246،التهذيب 10:529/133،الوسائل 28:308 أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 2.
5- في ص 152.
6- راجع ص 153.

التوقف فيها،و إن كان ما في النهاية لعلّه (1)أقرب و أولى؛ لشهرتها و قبول النصوص التنزيل عليها جمعاً.

و على التخيير هل هو مطلق حتى في صورة ما إذا قَتَل المحارب، فللإمام فيها أيضاً الاقتصار على النفي مثلاً،كما هو ظاهر المتن و غيره؟أم يتعيّن فيها اختيار القتل،كما صرّح به المفيد و كثير (2)؟وجهان،أجودهما:

الثاني،لكن قصاصاً لا حدّا،فلو عفا ولي الدم أو كان المقتول ممّن لا يقتصّ له من القاتل سقط القتل قصاصاً و ثبت حدّا،مخيّراً بينه و بين باقي الأفراد.

و لعلّه إلى هذا نظر شيخنا في الروضة حيث تنظّر فيما أطلقه الجماعة من تعيين القتل في تلك الصورة،فقال بعد نقل القول بالتخيير-:نعم،لو قتل المحارب تعيّن قتله و لم يكتف بغيره من الحدود،سواء قتل مكافئاً أم لا،و سواء عفا الولّي أم لا،على ما ذكره جماعة من الأصحاب،و في بعض أفراده نظر (3).انتهى.

و لكن الأحوط ما ذكروه،بل لعلّه المعيّن كما في الصحيح.

و لو تاب قبل القدرة عليه سقطت عنه العقوبة،و لو تاب بعد ذلك لم تسقط بلا خلاف كما في نظائره،و يدلُّ على الحكمين معاً هنا الآية،صريحاً في الأوّل و مفهوماً في الثاني،و نحوها بعض النصوص (4).

ص:157


1- ليست في«ب».
2- المفيد في المقنعة:805،الحلّي في السرائر 3:505،و العلّامة في المختلف:779،و الفاضل الجواد في مسالك الأفهام 4:212.
3- الروضة 9:296.
4- الكافي 7:13/248،التهذيب 10:535/135،الوسائل 28:310 أبواب حد المحارب ب 1 ح 6.

و أيضاً إنّ توبته قبل القدرة عليه بعيدة عن التهمة،بخلافها بعد ذلك، فإنّه متّهم بقصد الدفع،مضافاً فيه إلى استصحاب لزوم الحدّ.

و لم يسقط بالتوبة ما يتعلق به من حقوق الناس كالقتل و الجرح و المال في شيء من الحالين،بلا خلاف و لا إشكال؛ إذا لا مدخل للتوبة فيه،بل يتوقف على إسقاط المستحق.

و يصلب المحارب حيّاً إلى أن يموت على القول بالتخيير و اختاره الإمام؛ لأنّه أحد أفراد الحدّ و قسيم للقتل،و هو يقتضي كونه حيّاً.

و مقتولاً على القول الآخر المفصِّل؛ لأنّ صلبه على هذا القول على تقدير قتله و أخذه المال،و قد تقدم أنّه يقتل أوّلاً ثم يصلب.

و لا يجوز أن يترك المصلوب على خشبته أكثر من ثلاثة أيّام من حين صلبه و لو ملفقة.

و الأصل فيه بعد الإجماع الظاهر،المصرّح به في الخلاف (1)النصوص،منها القويّان،أحدهما النبوي قولاً:«لا تدعوا المصلوب بعد ثلاثة أيّام حتى ينزل فيدفن» (2).

و نحوه الثاني المرتضوي فعلاً:«صلب رجلاً بالحيرة ثلاثة أيّام،ثم أنزله يوم الرابع و صلّى عليه و دفنه» (3).

و في الصادقي:«المصلوب ينزل عن الخشبة بعد ثلاثة أيّام و يغسل و يدفن،و لا يجوز صلبه أكثر من ثلاثة أيّام» (4).

ص:158


1- الخلاف 5:463.
2- الكافي 7:39/268،الوسائل 28:319 أبواب حدّ المحارب ب 5 ح 2.
3- الكافي 7:7/246،الفقيه 4:167/48،التهذيب 10:534/135،الوسائل 28:318 أبواب حدّ المحارب ب 5 ح 1.
4- الفقيه 4:166/48،الوسائل 28:319 أبواب حدّ المحارب ب 5 ح 3.

و للعامة قول بتركه حتى يسيل صديداً (1).

قيل:و الظاهر أنّ اللّيالي غير معتبرة،نعم تدخل اللّيلتان المتوسّطتان تبعاً للأيام؛ لتوقفها عليهما،فلو صُلِب أوّل النهار وجب إنزاله عشية الثالث،و يحتمل اعتبار ثلاثة أيّام بلياليها بناءً على دخولها في مفهومها (2).

و الأحوط الأوّل بناءً على عدم تحتّم الصلب ثلاثة و حرمته بعدها.

و ينزل بعد ذلك و يغسل و يحنّط على القول بصلبه حيّاً و كذا على غيره إن لم يؤمر بالاغتسال قبل قتله،و إن أُمِرَ به قبله أو قبل الصلب سقط وجوب غسله كما في نظائره.

و الفرق بين القولين على ما يفهم من ظاهر (3)الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في القواعد (4)وجوب تقديم الغسل على الثاني،و عدمه على الأوّل.و وجهه غير واضح،و لذا سوّى بين القولين جماعة (5).

و كيف كان يجب أن يكفّن و يصلّى عليه و يدفن إذا كان مسلماً،بلا خلاف منّا،كما في النصوص المتقدّمة.

قيل:و للعامّة قول بأنّه لا يغسل و لا يصلّى عليه (6).

و حيث ينفى المحارب اختياراً أو حتماً ينفى بما هو الظاهر من معناه،المصرّح به في كلام الأصحاب،مدّعياً بعضهم (7)الإجماع عليه

ص:159


1- حكاه في الخلاف عن ابن أبي هريرة 5:463،و هو في المجموع 20:105.
2- الروضة 9:301.
3- ليست في«ب» و«س».
4- الشرائع 4:182،القواعد 2:272.
5- منهم الشهيد في الدروس 2:61،و الشهيد الثاني في المسالك 2:450،و صاحب المفاتيح 2:101.
6- حكاه في كشف اللثام 2:432،انظر المجموع 20:109.
7- انظر الخلاف 5:461.

و أكثر أخبار الباب،و هو أن يخرج عن بلده إلى غيره و يكتب إلى كلّ بلدٍ يأوي إليه بالمنع عن مؤاكلته و مشاربته و مجالسته،و معاملته حتى يتوب فإن لم يتب استمرّ النفي إلى أن يموت،و نفيه عن الأرض كناية عن ذلك.

و في رواية أنّ معناه إيداعه الحبس (1)،كما عليه بعض العامّة (2)، و ادّعى عليه الإجماع في الغنية (3)،لكن على التخيير بينه و بين المعنى المتقدّم.

و في اخرى أنّ معناه رميه في البحر ليكون عدلاً للقتل و الصلب و القطع (4).

قيل:و ينبغي حملها على ما إذا كان المحارب كافراً أو مرتدّاً عن الدين فيكون الإمام مخيّراً بين قتله بأيّ نحوٍ من الأنحاء الأربعة شاء،و أمّا إذا كان جانياً (5)مسلماً غير مرتدّ عن الدين فإنّما يعاقبه الإمام على نحو جنايته،و يكون معنى النفي ما سبق (6).و فيه نظر .

و اللصّ بالكسر واحد اللصوص،و هو السارق،و بالضم لغة محارب كما في الخبرين:«اللصّ محارب للّه تعالى و لرسوله(صلّى اللّه عليه و آله) فاقتله،فما دخل عليك فعليّ» (7).

ص:160


1- تفسير العيّاشي 1:91/314،الوسائل 28:311 أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 8.
2- و هو أبو حنيفة.أحكام القرآن لابن العربي 2:600،المغني لابن قدامة 10:307،و الشرح الكبير 10:309.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):584.
4- الكافي 7:10/247،الوسائل 28:317 أبواب حدّ المحارب ب 4 ح 5.
5- في«س»:خائناً.
6- مفاتيح الشرائع 2:100.
7- التهذيب 10:135،536/136،538،الوسائل 28:320 أبواب حدّ المحارب ب 7 ح 1،2.

و في ظاهر السرائر إجماعنا عليه،لكن قال:حكمه حكم المحارب (1).

و ظاهره الفرق بينهما،و عدم كونه محارباً حقيقةً،و عليه نبّه شيخنا في المسالك و الروضة (2)،فقال فيها بعد قول المصنف:و اللصّ محارب-:

بمعنى أنّه بحكم المحارب في أنّه يجوز دفعه و لو بالقتال،و لو لم يندفع إلّا بالقتل كان دمه هدراً،أمّا لو تمكّن الحاكم منه لم يحدّه حدّ المحارب مطلقاً،و إنّما أُطلق عليه اسم المحارب تبعاً لإطلاق النصوص،نعم لو تظاهر بذلك فهو محارب مطلقا،و بذلك قيّده المصنف في الدروس،و هو حسن.انتهى.

و هو كذلك؛ لما ذكره في المسالك من قصور النصوص سنداً عن إفادة الحكم مطلقا،مع اختصاص النصوص الواردة بحكم المحارب بمن جرّد سلاحاً أو حمله،فيرجع في غيره إلى القواعد المقرّرة.

أقول:و يعضده عدم عمل الأصحاب بما فيها من جواز القتل،و أنّ دمه هدر مطلقاً،بل قيّدوه بما إذا روعي فيه مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيتدرّج في الدفع من الأدنى إلى الأعلى.

و كيف كان يجوز للإنسان دفعه عن نفسه مطلقاً،و كذا عن ماله إذا تغلّب عليه،و غلب على نفسه السلامة بل قالوا:يجب في الأوّل و لو ظنّ على نفسه التلف؛ لإطلاق النصوص،و وجوب حفظ النفس،و غايته العطب،و هو غاية عمل المفسد،فيكون الدفاع أرجح.

نعم لو أمكن السلامة بالهرب كان أحد أسباب الحفظ،فيجب عيناً إن

ص:161


1- السرائر 3:507.
2- المسالك 2:450،الروضة 9:302،و هو في الدروس 2:59.

توقّف عليه،أو تخييراً إن أمكن به و بغيره.

و كذا في الثاني مع الاضطرار به و التضرر بفقده ضرراً يجب دفعه عقلاً.

قيل:أو كان المال لغيره أمانة في يده،و ربما وجب الدفع عنه مطلقاً من باب النهي عن المنكر (1).

و هو حسن مع عدم التغرير بالنفس،و إلّا فلا يجب،بل لا يجوز.

و الفرق بينه و بين النفس حيث يجب الدفع عنه مطلقا دون المال جواز المسامحة فيه بما لا يجوز التسامح به في النفس،و للصحيح (2)و غيره (3):«لو كنت أنا لتركت المال و لم أُقاتل».

قالوا:و يجب أن يقتصر في جميع ذلك على الأسهل،فإن لم يندفع به ارتقى إلى الصعب،فإن لم يندفع فإلى الأصعب.

و هو حسن اقتصاراً على ما تندفع به الضرورة،مع قصور النصوص المرخِّصة للمقاتلة على الإطلاق كما عرفته عن الصحة،فلا يخرج بها عن مقتضى القواعد المقرّرة.

فلو كفاه التنبيه على تيقّظه بتنحنح و نحوه اقتصر عليه إن خاف من الصياح أن يؤخذ فيقتل أو يجرح،و لو كفاه الصياح و الاستغاثة في موضع يلحقه المنجد اقتصر عليه،فإن لم يندفع به خاصمه باليد أو بالعصا،فإن لم يفد فبالسلاح.

ص:162


1- كشف اللثام 2:433.
2- الفقيه 4:205/68،الوسائل 28:383 أبواب الدفاع ب 4 ح 1.
3- الكافي 7:2/296،التهذيب 10:830/210،الوسائل 28:383 أبواب الدفاع ب 4 ح 2.

و لا ضمان على الدافع لو جنى على اللصّ في هذه المراتب.

و يذهب دم المدفوع و لو بالقتل هدراً إجماعاً ظاهراً و محكيّاً (1)،و النصوص به مستفيضة جدّاً،منها زيادةً على ما مضى الحسن:«أيّما رجل عدا على رجل ليضربه فدفعه عن نفسه فجرحه أو قتله فلا شيء عليه» (2).

و المرسل كالموثق،بل كالصحيح على ما قيل (3):«إذا دخل عليك اللصّ المحارب فاقتله،فما أصابك فدمه في عنقي» (4).

و الخبر:اللصّ يدخل في بيتي يريد نفسي و مالي،قال:«اقتل فاُشهد اللّه و من سمع أنّ دمه في عنقي» (5).

و في آخر:«إذا دخل عليك اللصّ يريد أهلك و مالك فإن استطعت أن تبدره و تضربه فابدره و اضربه» (6).

و في غيره:«من دخل على مؤمن داره محارباً له فدمه مباح في تلك الحال للمؤمن و هو في عنقي» (7)هذا.

مضافاً إلى الأصل،مع اختصاص ما دلّ على الضمان بالجناية بحكم التبادر بها في غير مفروض المسألة،مع وقوعها بأمر الشارع فلا تستعقب

ص:163


1- كشف اللثام 2:433.
2- الكافي 7:1/290،الفقيه 4:233/75،التهذيب 10:813/206،الإستبصار 4:1055/278،الوسائل 29:59 أبواب القصاص في النفس ب 22 ح 1.
3- روضة المتقين 10:277.
4- الكافي 5:4/51،الوسائل 28:384 أبواب الدفاع ب 6 ح 1.
5- الكافي 7:5/297،التهذيب 10:829/210،الوسائل 28:382 أبواب الدفاع ب 3 ح 1.
6- التهذيب 10:538/136،الوسائل 28:320 أبواب حدّ المحارب ب 7 ح 2.
7- أمالي الطوسي:680،الوسائل 28:321 أبواب حدّ المحارب ب 7 ح 3.

ضماناً كما في سائر المواضع.

و كذا لو كابر امرأة أو جارية على نفسها،أو غلاماً ليفعل بهما محرّماً فدفعه كلّ منهم فأدّى الدفع إلى تلفه،أو دخل داراً فزجروه و لم يخرج،فأدّى الزجر و الدفع إلى تلفه،أو ذهاب بعض أعضائه لم يكن على الدافع ضمان لو راعى في الدفع ما مرّ،و المستند واحد.

مضافاً إلى خصوص النصوص المستفيضة،ففي الصحيح:في رجل راود امرأة على نفسها حراماً فرمته بحجر فأصاب (1)منه فقتل،قال:«ليس عليها شيء فيما بينها و بين اللّه عزّ و جلّ،و إن قدّمت إلى إمام عادل أهدر دمه» (2).

و في المرسل:عن الرجل يكون في السفر و معه جارية له،فيجيء قوم يريدون أخذ جاريته،أ يمنع جاريته من أن تؤخذ و إن خاف على نفسه القتل؟قال:«نعم» قلت:و كذلك إن كانت معه امرأة؟قال:«نعم»[قلت:] و كذلك الاُمّ و البنت و ابنة العمّ و القرابة يمنعهنّ و إن خاف على نفسه القتل؟ قال:«نعم» قلت:و كذلك المال يريدون أخذه في سفره فيمنعه و إن خاف القتل؟قال:«نعم» (3).

و ما فيه من جواز الدفع مع خوف التلف على النفس محمول على ما إذا لم يبلغ حدّ الظنّ، و ذلك لما عرفت من أنّه لو ظنّ العطب

ص:164


1- في غير«س»:فأصابت،و ما أثبتناه هو الأنسب كما في الكافي.
2- الكافي 7:2/291،الفقيه 4:424/122،التهذيب 10:814/206،الوسائل 29:61 أبواب القصاص في النفس ب 23 ح 1.
3- الكافي 5:5/52،الوسائل 15:122 أبواب جهاد العدو ب 46 ح 12؛ و ما بين المعقوفين من المصادر.

و الهلاك بالدفع سلّم المال و لم يجز له الدفع؛ حفظاً للنفس،مع ضعف هذا المرسل و معارضته بالصحيح و غيره المتقدّمين (1)الدالين على جواز ترك الدفاع في المال على الإطلاق.

و ظاهر العبارة اختصاص جواز الترك بالمال دون النفس و العرض، و أنّه يجب الدفع فيهما مطلقاً،و به صرّح الأصحاب في النفس،و تقدّم ما يدلّ عليه.

و أمّا في العرض مع ظنّ الهلاك فمحل نظر،بل الظاهر جواز الاستسلام حينئذٍ،كما صرّح به في التحرير و غيره (2)؛ لأولوية حفظ النفس من حفظ العرض،كما يستفاد من جملة من الأخبار (3)الواردة في درء الحدّ عن المستكرهة على الزناء؛ معلّلةً بقوله تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [1] (4).

و لو قتل الدافع كان كالشهيد في الأجر؛ للنصوص النبوية:«من قتل دون ماله» كما في بعض (5)،أو«دون عقال» كما في آخر (6)«فهو شهيد» كما فيهما،أو«بمنزلة الشهيد» كما في ثالث (7).

و إنّما يجوز الدفع إذا كان مقبلاً،فإذا ولّى فضربه كان ضامناً لما يجنيه

ص:165


1- في ص 161.
2- التحرير 2:234،روضة المتقين 10:47.
3- انظر الوسائل 28:110 أبواب حد الزنا ب 18.
4- البقرة:173.
5- الفقيه 4:828/272،الوسائل 15:122 أبواب جهاد العدو ب 46 ح 13.
6- التهذيب 6:282/157،الوسائل 15:120 أبواب جهاد العدو ب 46 ح 5؛ بتفاوت.
7- الكافي 5:3/52،التهذيب 6:319/167،الوسائل 15:121 أبواب جهاد العدو ب 46 ح 10.

اتفاقاً؛ إذ لا يجوز الضرب إلّا للدفع،و لا دفع مع الإدبار.

و لا يقطع المستلب و هو الذي يأخذ المال جهراً و يهرب،مع كونه غير محارب.

و لا المختلس و هو الذي يأخذ المال خفيةً من غير الحرز.

و لا المحتال على أموال الناس بالتزوير في الشهادة و الرسائل الكاذبة.

و لا المُبنِج قيل:هو من أعطى أحداً البنج حتى خرج من العقل ثم أخذ منه شيئاً (1).

و لا من سقى غيره مُرقداً أي مُنَوّماً فأخذ منه شيئاً،إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (2).

للأصل،و خروجهم عن نصوص السرقة و المحارب؛ لعدم صدق تعريفهما عليهم،كما ظهر من تعريفهما و تعريفهم.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة في الأوّلين،منها الصحيح:في رجل اختلس ثوباً من السوق،فقالوا:قد سرق هذا الرجل،فقال:«إنّي لا أقطع في الدغارة المعلنة،و لكن أقطع من يأخذ ثم يخفي» (3).

و الموثّق:«لا أقطع في الدغارة المعلنة و هي الخلسة و لكن أُعزّره» (4)و نحوهما كثير من الأخبار.

و يستفاد منها تفسير المختلس بما مرّ في تفسير المستلب،كما في

ص:166


1- الروضة 9:305،مجمع الفائدة 13:291.
2- كشف اللثام 2:433.
3- الكافي 7:2/226،التهذيب 10:453/114،الوسائل 28:268 أبواب حدّ السرقة ب 12 ح 2.
4- الكافي 7:1/225،التهذيب 10:454/114،الوسائل 28:268 أبواب حدّ السرقة ب 12 ح 1.

السرائر و عن النهاية و المهذّب (1).

قيل:و لعلّه أُريد به ما يعمّ المستلب (2)،و ما ذكرناه في تفسيره أشهر بين الفقهاء،و به صرّح في مجمع البحرين (3).

و في الخبر:«ليس على الذي يستلب قطع» (4).

بل يستعاد منهم ما أخذوا و يعزَّرون بما يردعهم و يزجرهم؛ لفعلهم المحرّم،و النصوص،منها زيادةً على ما مرّ الخبر:« اتي عليه السلام برجل اختلس درّة من اذن جارية،فقال:هذه الدغارة المعلنة فضربه و حبسه» (5).

و في آخر:«من سرق خلسة اختلسها لم يقطع،و لكن يضرب ضرباً» (6).

و أمّا ما في الصحيح من قطع الكاذب في الرسالة (7)،فمحمول إمّا على ما ذكره الشيخ من كون القطع للإفساد لا للسرقة (8).و فيه مناقشة للتعليل بها في آخر الرواية.أو على أنّه قضية في واقعة ثبت القطع فيها بالمصلحة،و إلّا فالرواية شاذّة،لا عامل بها بالكلية،مخالفة للأُصول كما عرفته.

ص:167


1- السرائر 3:512،النهاية:722،المهذّب 2:554.
2- كشف اللثام 2:433.
3- مجمع البحرين 4:66.
4- الكافي 7:3/226،التهذيب 10:451/114،الإستبصار 4:924/244،الوسائل 28:270 أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 1.
5- الكافي 7:7/226،التهذيب 10:450/114،الوسائل 28:269 أبواب حدّ السرقة ب 12 ح 4.
6- الكافي 7:4/226،التهذيب 10:452/114،الوسائل 28:269 أبواب حدّ السرقة ب 12 ح 5.
7- الكافي 7:1/227،الفقيه 4:144/43،التهذيب 10:426/109،علل الشرائع:4/535،الوسائل 28:273 أبواب حدّ السرقة ب 15 ح 1.
8- الاستبصار 4:243.

الفصل السابع في إتيان البهائم و وطء الأموات،و ما يتبعه

الفصل السابع في بيان حدّ إتيان البهائم و وطء الأموات،و ما يتبعه من الأحكام،و حدّ الاستمناء.

اعلم أنّه إذا وطئ البالغ العاقل المختار بهيمةً مأكولة اللحم أي مقصودةً بالأكل عادةً كالشاة و البقرة و نحوهما ممّا يسمّى في العرف بهيمة،دون نحو الطير ممّا لم يسمّ بها فيه و إن سمّي بها لغةً،كما عن الزجّاج،حيث قال:هي ذات الروح التي لا تميّز،سمّيت بذلك لذلك (1).

و ذلك للأصل،و عدم انصراف الإطلاق إلى المستثنى بحكم العرف المرجّح على اللغة حيث حصل بينهما معارضة،مع أنّه ذكر جماعة (2)أنّها لغةً ذات الأربع من حيوان البرّ و البحر،و هو الموافق للعرف حرم لحمها و لحم نسلها و لبنهما.

و لو اشتبهت الموطوءة في قطيع محصور قسّم نصفين و أُقرع (3) بينهما،بأن يكتب رقعتان في كل واحدة اسم نصف منهما،ثم يخرج على ما فيه المحرّم،فإذا خرج أحد النصفين قسّم كذلك و أُقرع، و هكذا حتى تبقى واحدة،ف يعمل بها ما يعمل بالمعلومة ابتداءً،و هو

ص:168


1- معاني القرآن 2:141.
2- منهم الطبرسي في مجمع البيان 2:151،الشهيد الثاني في الروضة 9:306 المصباح المنير:65،مجمع البحرين 6:19.
3- في المختصر المطبوع:أفرغ.

أن تذبح و تحرق،و يغرم الواطئ قيمتها يوم الوطء إن لم تكن له و لو كان المهمّ و المقصود منها ظهرها،كالبغل،و الحمار، و الدابّة،اغرم ثمنها إن لم تكن له أو مطلقاً،على اختلاف القولين الآتيين في التصدق به أو ردّه على الواطئ،و إنّما ذكر الشرط على مذهبه.

و أُخرجت إلى غير بلده الذي فعل فيه و بيعت وجوباً.

بلا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (1).

للمعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح و غيره:«إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت،فإذا ماتت أُحرقت بالنار و لم ينتفع بها،و ضرب هو خمسة و عشرين سوطاً ربع حدّ الزاني،و إن لم تكن البهيمة له قوّمت و أُخذ ثمنها منه و دفع إلى صاحبها و ذبحت و أُحرقت بالنار و لم ينتفع بها،و ضرب خمسة و عشرين سوطاً» فقلت:و ما ذنب البهيمة؟قال:«لا ذنب لها،و لكن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)فعل هذا و أمر به لكيلا يجترئ الناس بالبهائم و ينقطع النسل» (2).

و في الموثّق:عن الرجل يأتي بهيمة شاة أو ناقة أو بقرة،قال:فقال:

«عليه أن يجلد حدّا غير الحدّ،ثم ينفى من بلاده إلى غيرها» و ذكروا أنّ لحم تلك البهيمة محرّم و لبنها (3).

ص:169


1- انظر المبسوط 8:7،الخلاف 5:373،المفاتيح 2:79،كشف اللثام 2:410.
2- الكافي 7:3/204،التهذيب 10:218/60،الإستبصار 4:831/222،الوسائل 28:357 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 1.
3- الكافي 7:2/204،التهذيب 10:219/60،الإستبصار 4:832/223،الوسائل 28:357 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 2.

و في الحسن:في الرجل يأتي البهيمة،قال:«يجلد دون الحدّ، و يغرم قيمة البهيمة لصاحبها؛ لأنّه أفسدها عليه،و تذبح و تحرق إن كانت ممّا يؤكل لحمه،و إن كانت مما يركب ظهره غرم قيمتها و جلد دون الحدّ، و أخرجها من المدينة التي فعل بها إلى بلاد اخرى حيث لا تعرف،فيبيعها فيها كيلا يعيّر بها صاحبها» (1).

و به يقيّد إطلاق ما مرّ من الصحيح و غيره بحملها على مأكولة اللحم.

و هذه النصوص و إن كان ليس في شيء منها ما يدل على تحريم النسل صريحاً إلّا أنّه و تحريم اللبن أيضاً مستفاد من النهي عن الانتفاع بها في جملة منها،و عمومه يستلزم تحريمهما جدّاً.

و في الخبر بل الصحيح كما قيل (2)،و لا يبعد المروي في التهذيب في أواخر كتاب الصيد و الذبائح:عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة،قال:

«إن عرفها ذبحها و أحرقها،و إن لم يعرفها قسّمها نصفين أبداً،حتى يقع السهم بها،فتذبح،و تحرق،و قد نجت سائرها» (3).

و المذكور فيه كما ترى:«قسّمها نصفين أبداً» كما في العبارة و غيرها، و أكثر العبارات خالية عنه.

و في القواعد و التحرير (4):قسّم قسمين.و هو مع الإطلاق أعمّ من التنصيف،إلّا أن يحمل عليه بقرينة النصّ الذي هو المستند في هذا الحكم

ص:170


1- الكافي 7:1/204،الفقيه 4:99/33،التهذيب 10:220/61،الاستبصار 4:833/223،علل الشرائع:3/538،المقنع:147،الوسائل 28:358 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 4.
2- ملاذ الأخيار 14:203.
3- التهذيب 9:182/43،الوسائل 24:169 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 30 ح 1.
4- القواعد 2:157،التحرير 2:226.

المخالف للأصل المقرّر في شبهة المحصور من وجوب اجتناب الجميع و لو من باب المقدمة،و للأخبار المخالفة له فيها أيضاً؛ لدلالتها على حلّ الجميع ما لم يعرف الحرام بعينه.

و يشكل التنصيف لو كان العدد فرداً،و على النصّ يجب التنصيف ما أمكن،و المعتبر منه العدد لا القيمة،فإذا كان فرداً جعلت الزائدة مع أحد القسمين.

و في لزوم الصدقة بثمنها الذي بيعت به على الفقراء و المساكين كما عن المفيد و ابن حمزة (1)،أم دفعه إلى الواطئ كما عن الشيخ و الحلّي (2) قولان و وجّه الأوّل لعدم النص عليه بكون ذلك عقوبة على الجناية،فلو أُعيد إليه الثمن لم يحصل العقوبة،و لتكون الصدقة مكفّرةً للذنب.

و فيه نظر؛ لأنّ العقوبة بذلك غير متحقق،بل الظاهر خلافها؛ لتعليل بيعها في الأخبار في بلد لا يعرف فيه كيلا يعيّر بها،و عقوبة الفاعل حاصلة بالتعزير،و تكفير الذنب متوقّف على التوبة،و هي كافية.

و وجه الثاني:أصالة بقاء الملك على مالكه و البراءة من وجوب الصدقة،و الأخبار خالية عن تعيين ما يصنع به،و كذا عبارة جماعة من الأصحاب.

و لذا قال الماتن هنا و في الشرائع (3)و عامة المتأخرين:إنّ الأشبه بأُصول المذهب أنّه يعاد إليه و هذا الأصل في محلّه إن كان

ص:171


1- المفيد في المقنعة:790،ابن حمزة في الوسيلة:415.
2- الشيخ في النهاية:709،الحلّي في السرائر 3:469.
3- الشرائع 4:187.

الفاعل هو المالك،و إن كان غيره فالظاهر أنّ تغريمه القيمة يوجب ملكه للبهيمة،و إلّا لبقي الملك بغير مالك،أو جمع للمالك بين العوض و المعوّض عنه،و هو غير جائز.

و في بعض الروايات«ثمنها» (1)كما عبّر به الماتن و كثير (2)،و هو عوض المثمن المقتضي لثبوت معاوضة،و الأصل فيها رجوع كلّ من العوضين إلى صاحب الآخر،و لعلّه السرّ في تخصيصهم لهذه العبارة.

و في بعض الروايات«قيمتها» (3)و هو عوض أيضاً،و بذلك صرّح الشهيدان في النكت و الروضة (4).

و يعزّر الواطئ بما يراه الحاكم على التقديرين أي سواء قلنا بالتصدق أو بالردّ على الواطئ،كما هو ظاهر العبارة،أو سواء وطئ مأكولة اللحم أو غيرها،كما هو مقتضى النصوص و الفتاوي،من غير خلاف بينهما في ثبوت العقوبة على الواطئ مطلقاً،و إن اختلفت في تقديرها بما ذكرناه كما هو ظاهر أكثرهما،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا، و من النصوص عليه زيادةً على ما مضى الخبران،بل الصحيحان كما قيل (5):في رجل يقع على البهيمة،قال:«ليس عليه حدّ و لكن يضرب

ص:172


1- الكافي 7:3/204،التهذيب 10:218/60،الإستبصار 4:831/222،الوسائل 28:357 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 1.
2- انظر الشرائع 4:187،النهاية:709،الوسيلة:415.
3- الكافي 7:1/204،الفقيه 4:99/33،التهذيب 10:220/61،الاستبصار 4:833/223،علل الشرائع:3/538،المقنع:147،الوسائل 28:358 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 4.
4- غاية المراد 4:298،الروضة 9:307.
5- لم نعثر عليه.

تعزيراً» (1).

و نحوهما المروي عن قرب الإسناد،و فيه:«لا رجم عليه و لا حدّ، و لكن يعاقب عقوبة موجعة» (2).

أو بخمسة (3)و عشرين سوطاً ربع حدّ الزاني،كما في الصحيح المتقدم و تاليه.

أو بتمام حدّ الزاني،كما في الصحيح (4)و غيره (5).

أو بالقتل مطلقا،كما فيهما (6).

و الأقوى ما ذكرناه؛ لشهرة ما دلّ عليه نصّاً و فتوى،و قصور المقابل له من وجوه شتّى،مع مخالفة بعضها بعضاً.

و جمع الشيخ (7)بين هذه الأخبار بحمل التعزير على ما إذا كان الفعل

ص:173


1- أحدهما في:التهذيب 10:221/61،الإستبصار 4:834/223،الوسائل 28:358 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 3. و الآخر في:التهذيب 10:222/61،الإستبصار 4:835/223،الوسائل 28:359 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 5.
2- قرب الإسناد:350/104،الوسائل 28:361 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 11.
3- في«ح» و«س» و«ن»،و نسخة من«ب»:بسبعة،و الظاهر ما أثبتناه كما تقدّم في الصحيح المتقدم و تاليه في ص 168.
4- التهذيب 10:225/61،الإستبصار 4:838/224،الوسائل 28:360 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 8.
5- التهذيب 10:225/62،الإستبصار 4:840/224،الوسائل 28:360 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 9.
6- الأول في التهذيب 10:223/61،الإستبصار 4:836/224،الوسائل 28:359 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 6. الثاني في:التهذيب 10:226/62،الإستبصار 4:839/224،الوسائل 28:359 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 7.
7- التهذيب 10:62،الاستبصار 4:224،225.

دون الإيلاج،و الحدّ إذا أولج حدّ الزاني،و هو الرجم أو القتل إن كان محصناً،[و الجلد (1)]إن لم يكن محصناً.

أو بحمل أخبار القتل على ما إذا تكرّر منه الفعل ثلاثاً مع تخلّل التعزير؛ لما روي من قتل أصحاب الكبائر مطلقاً إذا أُقيم عليهم الحدّ مرّتين (2).و فيهما بعد.

و يمكن حمل ما تضمن منها على حدّ الزاني على التقية،كما ذكره أيضاً،فقال بعد ذكر الوجه الأوّل:و يمكن على هذا الوجه إن كان مراداً بهذه الأخبار أن تكون خرجت مخرج التقية؛ لأنّ ذلك مذهب العامّة؛ لأنّهم يراعون في كون الإنسان زانياً إيلاج فرج في فرج،و لا يفرّقون بين الإنسان و غيره من البهائم (3).

و أشار بهذه الأخبار إلى الأخبار الأربعة الأخيرة.

و يثبت موجب هذا الحكم بشهادة عدلين أو الإقرار و لو مرّة وفاقاً للمشهور؛ عملاً بالعمومات.

خلافاً للحلّي و ابن حمزة (4)،فاشترطا الإقرار مرّتين،و يظهر من المختلف الميل إليه (5).

و لم نعرف له مستنداً،إلّا أن يكون الاستقراء،و لا بأس به إن أفاد ظنّاً معتمداً،و يحتمل مطلقاً؛ لإيراثه الشبهة الدارئة لا أقلّ منها،فتأمّل جدّاً .

ص:174


1- في النسخ:و الحدّ،و الأنسب ما أثبتناه كما في الاستبصار.
2- الكافي 7:2/191،الفقيه 4:182/51،التهذيب 10:369/95،الإستبصار 4:791/212،الوسائل 28:19 أبواب مقدّمات الحدود ب 5 ح 1.
3- الاستبصار 4:224.
4- الحلّي في السرائر 3:468،ابن حمزة في الوسيلة:415.
5- المختلف:767.

هذا بالنسبة إلى العقوبة،و أمّا بالنسبة إلى باقي الأحكام فالظاهر ثبوته بالإقرار مرّة إذا كانت الدابة لنفسه،و إلّا فلا يثبت بإقراره و إن تكرّر سوى ما يتعلّق به من التعزير دون التحريم و البيع؛ لأنّه متعلّق بحق الغير،فلا يسمع،إلّا أن يصدِّقه المالك،فيثبت باقي الأحكام؛ لزوال المانع من نفوذه حينئذٍ.

و لا يثبت بشهادة النساء منفردات و لا منضمّات للأصل،و الشبهة (و العمومات) (1).

و لو تكرّر الوطء مع التعزير ثلاثاً قتل في الرابعة أو الثالثة،على الخلاف المتقدّم إليه الإشارة غير مرّة.

و وطء المرأة الميتة كوطء الحيّة في الحدّ و اعتبار الإحصان و غير ذلك،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في ظاهر بعض العبارات (2)، و هو الحجة.

مضافاً إلى كونه زناءً إجماعاً كما في الانتصار و السرائر (3)،فيدخل في عموم ما دلّ على أحكامه.

و لأنّ حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حيّاً،كما ورد في النصوص عموماً و خصوصاً،و منه الخبر:في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثم نكحها،قال:

«إنّ حرمة الميّت كحرمة الحيّ،تقطع يده لنبشه و سلبه الثياب،و يقام عليه الحدّ في الزناء،إن أُحصن رُجم،و إن لم يكن أُحصن جُلد مائة» (4).

ص:175


1- ليست في«ن».
2- كشف اللثام 2:410.
3- الانتصار:254،السرائر 3:468.
4- الكافي 7:2/228،الفقيه 4:189/52،التهذيب 10:229/62،الوسائل 28:361 أبواب نكاح البهائم ب 2 ح 1.

و بالجملة:لا فرق بين وطئها حيّةً و ميتةً في الحدّ و غيره و لكن يغلظ في العقوبة هنا (زيادةً على الحدّ) (1)اتفاقاً ظاهراً،مصرّحاً به في كلام بعض أصحابنا (2)؛ لأنّ الفعل هنا أفحش قطعاً،و ورد به المرسل كالموثّق صريحاً:في الذي يأتي المرأة و هي ميتة،قال:«وزره أعظم من ذلك الذي يأتيها و هي حيّة» (3).

و لو كانت زوجت ه أو أمته المحلّلة له فلا حدّ عليه و لكن يعزّر كما قطع به الأكثر،بل لم أجد خلافاً فيه؛ لسقوط الحدّ بالشبهة و بقاء علاقة الزوجية.

و عليه يحمل إطلاق الخبر:عن رجل زنى بميتة،قال:«لا حدّ عليه» (4).

و ربما حُمل على الإنكار،و على ما دون الإيلاج كالتفخيذ و نحوه.

و أمّا ثبوت التعزير فلانتهاكه حرمتها كما قالوا،و ظاهرهم الاتفاق على حرمة وطئها بعد الموت.

و لا يثبت إلّا بأربعة شهود ذكور عدول،وفاقاً للمشهور،بل لعلّه لا خلاف فيه بين المتأخّرين؛ لأنّه زناء في الجملة،بل أفحش كما عرفته، فيتناوله عموم أدلّة توقف ثبوته على الأربعة؛ لأنّ شهادة الواحد قذف، و لا يندفع حدّه إلّا بكمال أربعة شهود.

ص:176


1- ما بين القوسين أثبتناه من«ح».
2- كشف اللثام 2:410.
3- التهذيب 10:230/63،الإستبصار 4:843/225،الوسائل 28:362 أبواب نكاح البهائم ب 2 ح 2.
4- التهذيب 10:231/63،الإستبصار 4:844/225،الوسائل 28:362 أبواب نكاح البهائم ب 2 ح 3.

خلافاً للشيخين و ابن حمزة و جماعة (1)،فقالوا:يثبت بشهادة عدلين؛ لأنّها شهادة على فعل واحد يوجب حدّا واحداً،كوطء البهيمة، بخلاف الزناء بالحيّة،فإنّه يوجب حدّين،فاعتبر فيه الأربعة لأنّها شهادة على اثنين.

و استندوا في هذا التعليل إلى رواية إسماعيل بن أبي حنيفة،عن أبي حنيفة قال:قلت لأبي عبد اللّه(عليه السّلام):كيف صار القتل يجوز فيه شاهدان،و الزناء لا يجوز فيه إلّا أربعة شهود،و القتل أشدّ من الزناء؟ فقال:«لأنّ القتل فعل واحد،و الزناء فعلان،فمن ثمّ لا يجوز إلّا أربعة شهود:على الرجل شاهدان،و على المرأة شاهدان» (2).

و لعلّ هذه الرواية مراد الماتن بقوله: و في رواية أنّه يكفي اثنان؛ لأنّها شهادة على فعل واحد و إلّا فلم نقف على رواية خاصّة تدل على ذلك صريحاً و لا ظاهراً سواها،و هي قاصرة السند كما ترى،و إن اعتبرت برواية البزنطي المجمع على تصحيح ما يصح عنه عن راويها، مضعَّفة التعليل بانتقاضه بالوطء الإكراهي و الزناء بالمجنونة،فإنّهما كذلك مع اشتراط الأربعة فيهما إجماعاً.

فالمتحقق اعتبار الأربعة من غير تعليل،بل في كثير من النصوص ما ينافي تعليله و إن توقف الزناء على الأربعة و القتل على اثنين،مع أنّه أعظم دليل على بطلان القياس.

ص:177


1- المفيد في المقنعة:790،الطوسي في النهاية:708،ابن حمزة في الوسيلة:415؛ يحيى بن سعيد في الجامع:556،العلّامة في المختلف:767.
2- الكافي 7:7/404،التهذيب 6:760/277،الوسائل 29:137 أبواب دعوى القتل ب 1 ح 1.

فالقول الأوّل أقرب إلى الترجيح،سيّما مع اعتضاده بالشبهة الدارئة للحدّ.

و اعلم أنّ الإقرار هنا تابع للشهادة بلا خلاف،فمن اعتبر فيها أربعاً اعتبره فيه أيضاً،و من اكتفى بالاثنين اكتفى بهما في المقامين.

و من لاط بميت كان كمن لاط بحيّ سواء في الحدّ و لكن يعزّر هنا زيادةً على الحدّ المقرّر له من القتل أو الجلد، بلا خلاف؛ لما مرّ في سابقه؛ لأنّهما من باب واحد،بل ثبوت ما فيه هنا أولى كما لا يخفى.

و من استمنى أي استدعى إخراج المني بيده أو بشيء من أعضائه أو أعضاء غيره سوى الزوجة و الأمة المحلّلة له عزّر بما يراه الإمام و الحاكم،لفعله المحرّم؛ إجماعاً،و لقوله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ [1] إلى قوله فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ [2] (1)فهذا الفعل ممّا وراء ذلك.

و به صرّح مولانا الصادق(عليه السّلام)حيث سئل عن الخضخضة،فقال:«اثم عظيم،و قد نهى اللّه تعالى عنه في كتابه،و فاعله كناكح نفسه،و لو علمت بما يفعله ما أكلت معه» فقال السائل:فبيّن لي يا بن رسول اللّه من كتاب اللّه تعالى فيه،فقال:«قول اللّه عزَّ و جلَّ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ [3] و هو ممّا وراء ذلك» الخبر.رواه في الوسائل عن أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره،عن أبيه،عنه(عليه السّلام) (2).

ص:178


1- المؤمنون:5 7.
2- هذا الحديث ساقط عن كتاب النوادر المطبوع،و هو موجود في الحجريّ منه الملحق بكتاب فقه الرضا(عليه السّلام):62،الوسائل 28:364 أبواب نكاح البهائم ب 3 ح 4.

و في الصحيح:عن الخضخضة،فقال:«من الفواحش» (1).

و في الموثق:عن الرجل ينكح البهيمة أو يدلك،فقال:«كلّ ما أنزل به الرجل ماءه من هذا و شبهه زناء» (2).

و المراد بكونه زناءً أي في التحريم لا الحدّ،إجماعاً فتوًى و نصّاً، ففي الخبر:«اتي علي(عليه السّلام)برجل عبث بذكره حتى أنزل،فضرب يده بالدرّة حتى احمرّت» و لا أعلمه إلّا قال:«و زوجه من بيت مال المسلمين» (3)و قريب منه آخر (4).

و في الصحيح:عن الرجل يعبث بيديه حتى ينزل،قال:«لا بأس به و لم يبلغ ذلك شيئاً» (5).

و نحوه الخبر:عن الدلك،قال:«ناكح نفسه و لا شيء عليه» (6).

و حُملا على نفي الحدّ،لا التعزير؛ جمعاً.و ليس في فعل علي(عليه السّلام) ما مرّ في الخبرين ما يدل على أنّه تعزيره مطلقاً،بل يحتمل الاختصاص بالقضية التي فعله فيها،و الفعل ليس عامّاً.

و يثبت هذا الفعل بشهادة عدلين،أو الإقرار مرّتين بلا خلاف؛ لما مرّ في نظائره.

ص:179


1- الكافي 5:1/540،الوسائل 20:353 أبواب النكاح المحرّم ب 28 ح 5.
2- الكافي 5:3/540،الوسائل 20:355 أبواب النكاح المحرّم ب 30 ح 2.
3- التهذيب 10:233/64،الإستبصار 4:846/226،الوسائل 28:363 أبواب نكاح البهائم ب 3 ح 2.
4- الكافي 7:25/265،التهذيب 10:232/63،الإستبصار 4:845/226،الوسائل 28:363 أبواب نكاح البهائم ب 3 ح 1.
5- التهذيب 10:234/64،الإستبصار 4:847/226،الوسائل 28:363 أبواب نكاح البهائم ب 3 ح 3.
6- الكافي 5:2/540،الوسائل 20:353 أبواب النكاح المحرّم ب 28 ح 6.

و لو قيل يكفي الإقرار مرّة كما عليه الأكثر كان حسناً لعموم الخبر،إلّا ما أخرجه الدليل من اعتبار العدد،و هو هنا منفي.

و قال الحلّي:يثبت بالإقرار مرّتين (1).و ظاهره أنّه لا يثبت بدونه، و لا يخلو عن وجه كما مرّ،سيّما مع حصول الشبهة بالاختلاف،فيدرأ بها الحدّ،فتأمّل.و الحمد للّه تعالى.

ص:180


1- السرائر 3:471.

كتاب القصاص

اشارة

كتاب القصاص بالكسر،و هو اسم لاستيفاء مثل الجناية من قتل،أو قطع،أو ضرب،أو جرح،واصلة اقتفاء الأثر،يقال:قصّ أثره،إذا تبعه،فكأنّ المقتصّ يتبع أثر الجاني فيفعل مثل فعله.

و هو إمّا في النفس و إمّا في الطرف فالكلام في هذا الكتاب يقع في قسمين:

القسم الأول:

في

القسم الأول في قصاص النفس(القود)

الموجب
اشارة

القود في النفس،و هو بفتح الواو القصاص،يقال:أقدت القاتل بالقتيل أي قتلته به،و سمّي قوداً لأنّهم يقودون الجاني بحبل أو غيره،قاله الأزهري (1).

و موجبه إزهاق البالغ العاقل أي إخراجه النفس المعصومة التي لا يجوز إتلافها المكافأة لنفس المزهق لها في الإسلام،و الحرّية، و غيرهما من الاعتبارات الآتية عمداً قيد في الإزهاق،أي إزهاقها في حالة العمد.

و زاد جماعة قيد العدوان،محترزين به عن نحو المقتول قصاصاً، فإنّه يصدق عليه التعريف لكن لا عدوان فيه،فخرج به.

ص:181


1- تهذيب اللغة 9:247،248.

و لعلّه مستغنى عنه؛ لإمكان إخراجه (1)بقيد المعصومة،فإنّ غير المعصوم أعمّ من كونه بالأصل كالحربي،و العارض كالقاتل على وجه يوجب القصاص،فلا احتياج إلى الزيادة كما فعلوه.

إلّا أن يراد بالمعصومة في كلامهم ما لا يباح إزهاقها للكلّ،و بالقيد الزائد إخراج ما يباح قتله بالنسبة إلى شخص دون آخر،فإنّ القاتل معصوم بالنسبة إلى غير وليّ القصاص.

و الأصل في هذه القيود يظهر من القول الآتي في الشروط، فلا احتياج إلى ذكره هنا.

و يتحقّق العمد بالقصد إلى القتل بما يقتل و لو نادراً إذا اتفق القتل به،كما هنا و في الشرائع،و كتب الفاضل،و محتمل السرائر،و صريح الفاضل المقداد في الكنز و شرح الكتاب،و عن ابن حمزة،و هو ظاهر الغنية نافياً الخلاف عنه،و عليه شيخنا الشهيد الثاني في كتابيه،و غيره من المتأخّرين (2)،و لعلّه عليه عامّتهم،بل لم أجد الخلاف فيه و إن نقلوه.

نعم ظاهر اللمعة (3)التردّد فيه،حيث نسب ما في العبارة إلى القيل، مشعراً بتمريضه،أو متردّداً فيه،و لعلّه ينشأ:

من أنّ العمد يتحقق بقصد القتل لغةً و عرفاً من غير نظر إلى الآلة، فيدخل في عموم أدلّة العمد.

ص:182


1- في«ب»:خروجه.
2- الشرائع 4:195،القواعد 2:277،التحرير 2:240،السرائر 3:321،كنز العرفان 2:366،التنقيح 4:405،ابن حمزة في الوسيلة:431،الغنية(الجوامع الفقهية):619،المسالك 2:456،الروضة 10:16،المهذب البارع 5:143،مجمع الفائدة 13:372.
3- اللمعة(الروضة 10):16.

مضافاً إلى ظاهر المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«إنّ العمد كلّ من اعتمد شيئاً فأصابه بحديدة،أو بحجر،أو بعصاً،أو بوكزة،فهذا كلّه عمد،و الخطأ من اعتمد شيئاً فأصاب غيره» (1).

و قريب منه الصحيح الآخر:«إنّ من عندنا ليقيدون بالوكزة،و إنّما الخطأ أن يريد الشيء فيصيب غيره» (2).

(و المرسل كالصحيح بابن أبي عمير،عن جميل بن دراج:«قتل العمد كلّ ما عمد به الضرب ففيه القود،و إنّما الخطأ أن يريد الشيء فيصيب غيره» (3)) (4).

(و نحوه المرسل الآخر المروي عن تفسير العياشي:« كلما أُريد به ففيه القود،و إنّما الخطأ أن يريد الشيء فيصيب غيره» (5)) (6).

و نحوه الخبر الآخر المروي عنه أيضاً (7)،إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على القول الأول عموماً،بل ظهوراً في بعضها.

و من الاحتياط،و أنّه لمّا لم يكن الآلة مما يقتل عادةً فمجامعة القصد معها كالقصد بلا ضرب.

ص:183


1- الكافي 7:2/278،التهذيب 10:622/155،الوسائل 29:36 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 3.
2- الكافي 7:3/278،التهذيب 10:627/156،الوسائل 29:35 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 1.
3- الكافي 7:1/278،التهذيب 10:623/155،الوسائل 29:37 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 6.
4- ما بين القوسين ساقط من«س».
5- تفسير العيّاشي 1:223/264،الوسائل 29:40 أبواب القصاص ب 11 ح 16.
6- ما بين القوسين ساقط من«ن».
7- تفسير العياشي 1:223/264،الوسائل 29:40 أبواب القصاص ب 11 ح 16.

مضافاً إلى المعتبرة الأُخر المستفيضة،منها زيادةً على النصوص الدالّة على عدم العمد بضرب الرجل بالعصا أو الحجر بضربة واحدة فمات بها قبل أن يتكلم (1)الموثق:أرمي الرجل بالشيء الذي لا يقتل مثله، قال:«هذا خطأ إلى أن قال-:و العمد الذي يضرب بالشيء الذي يقتل بمثله» (2).

و الصحيح و المرسل:«الخطأ شبه العمد أن يقتل بالسيف (3)أو بالعصا أو بالحجارة،إنّ دية ذلك تغلظ،و هي مائة من الإبل» (4).

مع إمكان الجواب عن النصوص المتقدمة بحمل العمد فيها على ما يشمل شبه العمد؛ لمقابلته بالخطإ المحض.

و فيه:أنّه معارض بإمكان حمل الأخبار الأخيرة على صورة عدم القصد إلى القتل،كما هو الغالب في الضرب بما لا يقتل إلّا نادراً،مع ضعف الشاهد على الحمل الأوّل بتضمن جملة منها التصريح بالقود في العمد،و هو لا يجامع حمله على شبه العمد،أو ما يعمّه،هذا.

مع أنه لا داعي إلى هذا الحمل سوى الاحتياط الغير اللازم مراعاته بعد قيام الدليل من العمومات و النصوص الصحيحة الظاهرة على خلافه،

ص:184


1- الكافي 7:9/280،التهذيب 10:628/157،الوسائل 29:37 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 5.
2- الكافي 7:10/280،التهذيب 10:631/157،الوسائل 29:37 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 7.
3- كذا في النسخ،و سيأتي كلامه(رحمه اللّه)فيه قريباً،و في المصادر:بالسوط،و هو الصحيح.
4- الكافي 7:3/281،الفقيه 4:240/77،التهذيب 10:635/158،الإستبصار 4:976/259،الوسائل 29:39 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 11.

و التعليل بعده في غاية من الضعف،سيّما في مقابلتها.

و النصوص المعارضة مع ضعف دلالتها جملةً كما عرفته أكثرها ضعيفة السند،و المعتبرة منها بحسبه غير مكافئة للأدلّة من وجوه عديدة، مع مخالفة الصحيح منها و ما في معناه للإجماع ظاهراً؛ لجعلهما القتل بالسيف من قسم شبه العمد مطلقاً،و لا قائل به مطلقاً و لو لم يقصد القتل به؛ لكونه ممّا يقتل غالباً،و لا خلاف بينهم في أنّ القتل بمثله عمد مطلقاً، كما أشار إليه الماتن بقوله:

أو القتل بما يقتل غالباً فإنّه عمد و إن لم يقصد القتل بل قصد الفعل خاصّة،و يفهم من الغنية (1)دعوى الإجماع عليه.

و يعضده المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يرفع عنه حتى قتل،أ يدفع إلى أولياء المقتول؟قال:«نعم، و لكن لا يترك يعبث به،و لكن يجاز عليه» (2)و بمعناه غيره (3)،و فيها الصحيح أيضاً و غيره.

و هي كما ترى عامّة لصورتي قصد القتل بذلك الضرب و عدمه،من حيث ترك الاستفصال،و لا ريب أنّ مثل الضرب الواقع فيها ممّا يقتل غالباً.

و علّل مع ذلك بأنّ القصد إلى الفعل حينئذٍ كالقصد إلى القتل.و هو

ص:185


1- الغنية(الجوامع الفقهية):619.
2- الفقيه 4:238/77،التهذيب 10:632/157،الوسائل 29:39 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 12. و المراد ب« يجاز عليه» الإجهاز و الإسراع في قتله،من أجاز يجيز.راجع القاموس المحيط 2:177.
3- الكافي 7:6/279،التهذيب 10:629/157،الوسائل 29:39 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 10.

حسن،و بموجب ذلك يترجّح القول الأوّل.

و لو قتل بما لا يقتل غالباً و لم يقصد القتل به،بل قصد الفعل خاصّة فاتفق قتله به ف الأظهر الأشهر كما هنا و في المسالك (1) أنّه خطأ شبيه عمد،و عليه عامّة من تأخّر،حتى الشهيد في اللمعة (2)، بل عليه الإجماع في الغنية (3)،و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأدلّة المتقدّمة سنداً للقول الثاني في المسألة السابقة، و منها أخبارها المنجبرة هنا بالشهرة العظيمة،و حكاية الإجماع المزبورة، مع وضوح الدلالة من غير جهة الإطلاق،و هو ظهورها في صورة عدم القصد إلى القتل بمقتضى ما عرفت من كونها الغالب من أفراد إطلاقها، و بموجب ذلك تترجّح على المعتبرة المقابلة لها في الصورة السابقة، الشاملة بإطلاقها أو عمومها لمفروضنا هنا،فتقيد أو تخصّص بها.

خلافاً للمحكي عن المبسوط (4)،فعمد كالسابق،إمّا مطلقا،كما حكاه عنه جماعة (5)،أو في الأشياء المحدّدة خاصّة،كما حكاه عنه بعض الأجلة (6).

و مستنده غير واضح،عدا النصوص التي عرفت جوابها،مع شذوذها بإطلاقها لو صحّ النقل الثاني،فلا بدّ من تقييدها اتفاقاً على هذا التقدير،إمّا بحملها على صورة القصد إلى القتل أيضاً،كما عليه الأصحاب،أو ما إذا

ص:186


1- المسالك 2:456.
2- اللمعة(الروضة 10):17.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):619.
4- المبسوط 7:115.
5- المهذب البارع 5:145،المسالك 2:456،مجمع الفائدة 13:373.
6- كشف اللثام 2:439.

كانت الآلة محدّدة خاصّة،كما عليه شيخنا،و ليس هذا التقييد أولى من سابقه،بل هو أولى؛ لما عرفت من الأدلّة المرجّحة لقولنا.

و مثال الفرض كالضرب بالحصاة الصغار و العود الخفيف و نحوهما في غير مقتل بغير قصد القتل؛ لانتفاء القصد إلى القتل،و انتفاء القتل بمثل ذلك عادةً.

أمّا الرمي بالحجر الغامز أي الكابس على البدن لثقله و السهم المحدّد،فإنّه يوجب القود لو قتل مطلقا،و لو لم يقصد القتل به بعد أن قصد به المقتول و كذا لو ألقاه في النار فمات منها أو ضربه بعصا مكرّراً ما لا يحتمله مثله أي مثل المقتول بالنسبة إلى بدنه لصغره،أو مرضه،و زمانه لشدّة الحرّ أو البرد فمات،أو ألقاه إلى الحوت فابتلعه،أو إلى الأسد فافترسه فجميع ذلك عمد يوجب القود لأنّه كالآلة للقتل عادةً يوجبه غالباً و إن لم يكن مقصوداً.

و لا خلاف في شيء من ذلك ظاهراً،و قد مرّ من النصوص ما يدل على الحكم في الضرب بالعصا مكرّراً.

و نحو الإلقاء في النار الطرح في اللُّجّة في الحكم بالقود،إلّا أن يعلم قدرة الملقى على الخلاص منهما لقلّتهما،أو كونه في طرفهما يمكنه الخروج بأدنى حركة فيترك،فلا قود هنا؛ لأنّه حينئذٍ قاتل نفسه.

و لو أمسك واحد شخصاً و قتله آخر و نظر إليهما ثالث، فالقود على القاتل،و يحبس الممسك أبداً حتى يموت و تفقأ عين الناظر كما في القوي (1)المعتضد بالشهرة الظاهرة،و المحكية (2)،بل عليه

ص:187


1- الكافي 7:4/288،الوسائل 29:50 أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 3.في«س» زيادة:بالسكوني.
2- المفاتيح 2:113.

الإجماع عن الخلاف و في الغنية (1)،و يشعر به عبارة المسالك (2)،و صرّح به في الروضة و غيره (3)،لكن في الحكمين الأوّلين،و بهما وقع التصريح في الصحيحين:في رجلين أمسك أحدهما و قتل الآخر،قال:«يقتل القاتل،و يحبس الآخر حتى يموت غمّاً،كما حبسه حتى مات غمّاً» (4)و نحوهما الموثق (5).

و النبوي:«يقتل القاتل،و يصبر الصابر» (6)قيل:معناه أنّه يحبس أبداً (7).

و لو أكره حرّا على القتل،فالقصاص على القاتل المباشر؛ لأنّه القاتل عمداً ظلماً لاستبقاء نفسه،فأشبه ما لو قتله في المخمصة ليأكله، فيدخل في عمومات الكتاب و السنّة بالقود ممّن قتل غيره لا المكرِه و كذا أي و من هذا الباب لو أمره بالقتل،فالقصاص على المباشر خاصة و يحبس الآمر أبداً حتى يموت،في المشهور،بل عليه الإجماع في الروضة و غيرها (8)،و هو الحجّة.

ص:188


1- الخلاف 5:173،الغنية(الجوامع الفقهية):620.
2- المسالك 2:458.
3- الروضة 10:27؛ كشف اللثام 2:445.
4- أحدهما في:الفقيه 4:275/86،التهذيب 10:862/219،الوسائل 29:49 أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 1. و الآخر في:الكافي 7:1/287،الوسائل 29:49 أبواب القصاص في النفس ب 17 ذيل.ح 1.
5- الكافي 7:2/287،التهذيب 10:860/219،الوسائل 29:50 أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 2.
6- سنن البيهقي 8:51.
7- المسالك 2:458.
8- الروضة 10:27؛ مجمع الفائدة 13:394.

مضافاً إلى الصحيح:في رجل أمر رجلاً بقتل رجل،فقال:«يقتل الذي قتله،و يحبس الآمر بقتله في السجن حتى يموت» (1).

و يستفاد منه عدم تحقق الإكراه في القتل،كما عليه أصحابنا،و ادّعى جمع منهم عليه إجماعنا (2)،و وجهه واضح،مصرَّح به في الصحيح:«إنّما جعلت التقية ليحقن بها الدماء،فإذا بلغ الدم فلا تقية» (3)و نحوه الموثّق (4).

هذا إذا كان المكره بالغاً عاقلاً،و لو اكره المجنون أو الصبي غير المميّز فالقصاص على مكرِههما،على الأقوى؛ لأنّ المباشر حينئذٍ كالآلة.

و لا فرق فيهما بين الحرّ و العبد؛ لعموم الدليل.

و لو اكره الصبي المميّز فلا قود عليه مطلقاً،على الأشهر الأقوى،كما سيأتي الكلام فيه مفصّلاً،و لا على الآمر؛ لعدم المباشرة،مع خروج الصبي بالتمييز عن كونه كالآلة.

و لا فرق فيه أيضاً بين كونه حرّا أو عبداً،و إن افترقا بالإضافة إلى الدية عند جماعة (5)،حيث جعلوها على العاقلة في الأوّل،و متعلّقاً بالرقبة في الثاني.

و لو كان المأمور القاتل عبده أي عبد الآمر ف في القود

ص:189


1- الكافي 7:1/285،الفقيه 4:254/81،التهذيب 10:864/219،الإستبصار 4:1071/283،الوسائل 29:45 أبواب القصاص في النفس ب 13 ح 1.
2- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):620؛ و العلّامة في القواعد 2:281،و الشهيد في المسالك 2:458،و المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة 13:394،و صاحب المفاتيح 2:118.
3- الكافي 2:16/220،الوسائل 16:234 أبواب الأمر و النهي ب 31 ح 1.
4- التهذيب 6:335/172،الوسائل 16:234 أبواب الأمر و النهي ب 31 ح 2.
5- الشرائع 4:199،القواعد 2:282،المفاتيح 2:119.

منه و حبس المولى مخلّداً،أم العكس قولان،أشبههما و أشهرهما بين المتأخّرين أنّه أي العبد كغيره من الأحرار،يقاد منه مع بلوغه و عقله و يخلّد سيّده السجن،و من سيّده مع جنونه أو صباوته و عدم تمييزه،و لا يقاد منهما إذا كان صبيّاً مميّزاً كما مضى؛ لعموم الدليل على هذه الأحكام.

غير أنّ الصحيحة الدالّة على سجن الآمر و قتل المأمور غير معلوم الشمول لنحو المفروض؛ لإطلاقها الغير المنصرف إليه،بناءً على تبادر الحرّ من الرجل الآمر و المأمور فيها،مع التصريح به في المأمور في نسختها الأُخرى المروية في الفقيه،فإنّ فيها:«رجل أمر رجلاً حرّا» إلّا أنّ في العمومات كفاية إن شاء اللّه تعالى،لكن لا يستفاد منها حبس الآمر مخلّداً، و لعلّه لا قائل بالفرق،فتدبّر .

و المروي في المعتبرين أنه يقتل به السيّد الآمر،و يخلّد (1)العبد السجن،ففي الموثّق كالصحيح:«في رجل أمر عبده أن يقتل رجلاً، فقتله،فقال:يقتل السيّد به» (2).

و في القوي:«هل عبد الرجل إلّا كسوطه أو سيفه،يقتل السيّد، و يستودع العبد السجن حتى يموت» (3).

و عمل بهما الإسكافي بشرط كون العبد جاهلاً أو مكرهاً (4).

ص:190


1- في«ن» زيادة:في أحدهما.
2- الكافي 7:2/285،التهذيب 10:865/220،الإستبصار 4:1072/283،الوسائل 29:47 أبواب القصاص في النفس ب 14 ح 1.
3- الكافي 7:3/285،الفقيه 4:282/88،التهذيب 10:866/220،الإستبصار 4:1073/283،الوسائل 29:47 أبواب القصاص في النفس ب 14 ح 2.
4- حكاه عنه في المختلف:792.

و هو شاذّ،كالمعتبرين،مع قصورهما سنداً،و مكافأة لما مضى، فليطرحا،أو يؤوّلا بما يؤولان إليه،بحملهما على ما إذا كان العبد صغيراً، كما قيل (1).

و هو مع بعده موقوف على جواز تخليد العبد الصغير الغير المميّز السجن،كما دل أحدهما عليه،و لم أر قائلاً به،مع منافاته الأُصول.

و جمع الشيخ (2)بينهما و بين الصحيحة المقابلة لهما عموماً بحسب نسختها التي رواها بحملهما على من اعتاد أمر عبيده بقتل الناس و إكراههم عليه،فيقتل؛ لإفساده في الأرض،و ربما يعدّ ذلك فتوًى له،قيل:و وافقه الحلبيّان (3).

و هذا الجمع مع بعده إنّما يرفع التعارض بالإضافة إلى ما دلّا عليه من قتل السيّد،و أمّا بالإضافة إلى ما فيهما من تخليد العبد السجن فلا،بل ظاهر الصحيحة يفيد قتله،و الخبران صريحان في تخليده.

و الأوفق بالأُصول ترجيح الصحيحة و إن حمل الخبران على صورة إفساد السيّد؛ فإنّ إفساده بمجرّده لا يدرأ القتل عن العبد بعد مباشرته للقتل.

و قال الشيخ في الخلاف و الحلّي في السرائر (4) إن كان العبد القاتل بأمر الغير صغيراً أو مجنوناً سقط القود عن المأمور؛ لنقصه،و عن الآمر؛ لعدم قتله و وجبت الدية على المولى لئلّا يطلّ دم المقتول.

ص:191


1- قاله في المختلف:793.
2- الاستبصار 4:283.
3- كشف اللثام 2:444،و هو في الكافي:387،الغنية(الجوامع الفقهية):620.
4- الخلاف 5:169، السرائر 3:349.

و اضطرب كلام المبسوط (1)،فتارة أوجب القود على الآمر حرّا كان المأمور أو عبداً،و أُخرى أوجب الدية على عاقلة المأمور حرّا أو عبداً.

و عن ابن حمزة:أنّ المأمور إن كان حرّا بالغاً عاقلاً أو مراهقاً اقتصّ منه،و إن كان حرّا صبيّاً أو مجنوناً و لم يكره لزمت الدية عاقلته،و إن اكره كان نصف الدية على عاقلته و نصفها على الآمر المكرِه،و إن كان عبداً للآمر صغيراً أو كبيراً غير مميّز أقتص من الآمر،و إلّا فمن القاتل،قال:و إذا لزم القود المباشر خلّد الآمر في الحبس،و إن لزم الآمر خلّد المباشر فيه إلّا أن يكون صبيّاً أو مجنوناً (2).

و لو جرح جان عمداً فسرت الجناية إلى النفس فقتل المجروح دخل قصاص الطرف في قصاص النفس اتفاقاً في الظاهر،و بعدم الخلاف فيه صرّح في بعض العبائر (3)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى النصوص الآتية.

أمّا لو جرحه و قتله بعد ذلك ف في الدخول مطلقاً و عدمه كذلك قولان،أحدهما: أنّه لا يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس كما في السرائر و عن نكت النهاية و موضع من الخلاف و المبسوط،و إليه مال ابن زهرة (4)؛ لعموم نصوص القصاص من الكتاب و السنّة،و قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى [1]

ص:192


1- المبسوط 7:43 و 44.
2- الوسيلة:437.
3- كشف اللثام 2:445.
4- السرائر 3:406،نكت النهاية 3:446،الخلاف 5:210،المبسوط 7:113،الغنية(الجوامع الفقهية):620.

عَلَيْكُمْ [1] (1)مضافاً إلى استصحاب الحالة السابقة.

و القول الآخر: أنّه يدخل كما عن موضع آخر من المبسوط و الخلاف و عن التبصرة و الجامع (2)؛ لظاهر الصحيح:عن رجل ضرب رجلاً بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ و ذهب عقله،فقال:«إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة و لا يعقل ما قال و لا ما قيل له،فإنّه ينتظر به سنة،فإن مات فيما بينه و بين السنة أُقيد به ضاربه،و إن لم يمت فيما بينه و بين السنة و لم يرجع إليه عقله أغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله» قال:فما ترى في الشجة شيئاً؟قال:«لا؛ لأنّه إنّما ضربه ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين،و هي الدية،و لو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنى كائناً ما كان،إلّا أن يكون فيهما الموت فيقاد به ضاربه بواحدة،و تطرح الأُخرى» قال:«و إن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنت ثلاثة ألزمته جناية ما جنت الثلاث ضربات كائنة ما كانت،ما لم يكن فيها الموت فيقاد به ضاربه» قال:«و إن ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات كائنة ما كانت،ما لم يكن فيها الموت» (3).

قال الشيخ:و لما روى الأصحاب من أنّه إذا مثّل إنسان بغيره و قتله لم يكن عليه إلّا القتل،و لم يجز التمثيل به (4).

ص:193


1- البقرة:194.
2- المبسوط 7:22،الخلاف 5:163،التبصرة:202،الجامع للشرائع:594.
3- الكافي 7:1/325،الفقيه 4:327/98،التهذيب 10:1003/253،الوسائل 29:366 أبواب ديات المنافع ب 7 ح 1.
4- المبسوط 7:22.

و فصّل في النهاية (1) فقال: إن فرّقه أي الجرح أو الضرب واحداً بعد واحد لم يدخل و إلّا دخل،و عليه الفاضلان في الشرائع و التحرير و الإرشاد و التلخيص،و الشهيد الثاني في المسالك و الروضة (2)مدّعياً فيها كونه قول أكثر المتأخّرين.

و مستندها أي النهاية رواية محمّد بن قيس الصحيحة إليه، و اشتراكه مجبور بابن أبى عمير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه،الراوي عنه و لو بواسطة محمد بن أبي حمزة،و فيها:رجل فقأ عين رجل و قطع أنفه و أُذنيه ثم قتله،فقال:«إن كان فرّق (3)ذلك اقتصّ منه ثم يقتل،و إن كان ضربه ضربة واحدة ضرب عنقه و لم يقتصّ منه» (4).

و نحوها رواية أُخرى صحيحة:عن رجل ضرب على رأسه فذهب سمعه و بصره و اعتقل لسانه ثم مات،فقال:«إن كان ضربه ضربة بعد ضربة اقتصّ منه ثم قتل،و إن كان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل و لم يقتصّ منه» (5)هذا.

مضافاً إلى اعتضاد الحكم في الشقّ الأوّل بجميع ما مرّ دليلاً للقول الأوّل.

و في الثاني:بأنّه من باب السراية التي يدخل معها قصاص

ص:194


1- النهاية:711.
2- الشرائع 4:201،التحرير 2:254،الإرشاد 2:199،المسالك 2:359،الروضة 10:92.
3- في«ب» و الكافي زيادة:بين.
4- الكافي 7:1/326،الفقيه 4:324/97،التهذيب 10:1000/252،الوسائل 29:112 أبواب القصاص في النفس ب 51 ح 1.
5- التهذيب 10:1002/253،الوسائل 29:112 أبواب القصاص في النفس ب 51 ح 2.

الطرف في النفس اتفاقاً كما عرفته،فينبغي عدم الخلاف فيه،و عموم أدلّة القول الأوّل لعلّه لا ينافيه؛ لقضاء العرف بأنّه ما جنى عليه إلّا جناية واحدة، فيكون قتله خاصّة اعتداءً بما اعتدى،و اقتصاص الزائد تعدّياً خارجاً،مع دلالة الصحيح المستدل به للقول الثاني عليه أيضاً؛ لقوله:فما ترى في الشجّة شيئاً؟فقال:«لا؛ لأنّه إنّما ضرب ضربة واحدة».

و بالجملة:ينبغي القطع بالتداخل مع اتحاد الضرب مثلاً؛ لاتفاق النصوص عليه و أكثر الفتاوي،مع عدم منافاة العمومات لها،كما مضى، و على تقديرها فلتكن بها مخصَّصة،فإن الخاص أقوى.

بقي الكلام في التداخل مع التعدّد،و الأقرب فيه العدم،لتعدّد ما يدل عليه خصوصاً و عموماً،كتاباً و سنّةً،مضافاً إلى الاستصحاب كما تقدّم، و التأيّد بالاعتبار قطعاً،كما نبّه عليه بعض أصحابنا،فقال على القول الثاني:

و فيه بُعد؛ إذ يلزم أن لو قطع يده مثلاً في وقت،ثم يده الأُخرى في سنة، ثم رجله في سنة،و أُخرى في أُخرى،ثم قتله في سنة،لم يلزمه إلّا القود، أو دية النفس،فينبغي اشتراط اتحاد الوقت أو تقاربها،و لكنه غير منضبط (1)،انتهى.

و هو حسن،و لا يعارض جميع ذلك الصحيح الواحد،مع أنّه عارضه الماتن في نكت النهاية (2)بالخبر«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب سمعه،و بصره،و لسانه،و عقله،و فرجه، و انقطع جماعه و هو حي،بستّ ديات» (3).

ص:195


1- مجمع الفائدة 13:444.
2- نكت النهاية 3:446.
3- الكافي 7:2/325،التهذيب 10:999/252،الوسائل 29:365 أبواب ديات المنافع ب 6 ح 1.

و لكن وجه المعارضة في مفروض المسألة غير واضحة.

و ظاهر الماتن هنا التوقف،كالفاضل في القواعد و الشهيد في اللمعة، و به صرّح في المختلف (1).و لا وجه له.

مسائل من الاشتراك
الأولى لو اشترك جماعة في قتل حرٍّ مسلم

مسائل أربع من مسائل الاشتراك في الجناية.

الاُولى :لو اشترك جماعة في قتل حرٍّ مسلم بأن ألقوه من شاهق،أو في بحر،أو جرحوه جراحات مجتمعة،أو متفرقة،و لو مختلفة كمّية و كيفية،فمات بها فللوليّ وليّ المقتول قتل الجميع مع التكافؤ و يردّ على كل واحد منهم ما فضل عن ديته،فيأخذ كلّ منهم ما فضل من ديته عن جنايته،و له قتل البعض أيضاً و يردّ الآخرون الباقون من الدية ب قدر جنايتهم،فإن فضل للمقتولين فضل عمّا ردّه شركاؤهم قام به الوليّ فلو اشترك ثلاثة في قتل واحد و اختار وليّه قتلهم أدّى إليهم ديتين يقتسمونهما بينهم بالسوية،فنصيب كل واحد منهم ثلثا دية،و يسقط ما يخصّه من الجناية و هو الثلث الباقي.

و لو قَتَل اثنين أدّى الثالث ثلث الدية عوضاً عما يخصه من الجناية، و يضيف إليه الولي دية كاملة ليصير لكل واحد من المقتولين ثلثا دية،و هو فاضل ديته عن جنايته،و لأن الوليّ استوفى نفسين بنفس فيردّ دية نفس.

و لو قَتَل واحداً أدّى الباقيان إلى ورثته ثلثي الدية،و لا شيء على الوليّ.

و إن فضل منهم لقصور ديتهم عن دية المقتول،بأن كانوا عبدين أو امرأة حرّة و أمة و قتلوا رجلاً و نقصت القيمة عن الدية كان الفاضل

ص:196


1- القواعد 2:306،اللمعة(الروضة 10):92،المختلف:809.

من دية المقتول على ديتهم له أي للولي.

و الأصل في المسألة قبل إجماعنا الظاهر،المصرّح به في الغنية و غيرها من كتب الجماعة (1)الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة، ففي الصحيح:في رجلين قتلا رجلاً،قال:«إن أراد أولياء المقتول قتلهما أدّوا دية كاملة و قتلوهما،و تكون الدية بين أولياء المقتولين،و إن أرادوا قتل أحدهما فقتلوه و ادّى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول» الخبر (2).

و في آخر:في عشرة اشتركوا في قتل رجل،قال:«يخيّر أهل المقتول فأيّهم شاؤوا قتلوا،و يرجع أولياؤه على الباقين بتسعة أعشار الدية» (3)و نحوه الحسن و الموّثق (4).

و أمّا الخبر:«إذا اجتمع العشرة على قتل رجل واحد حكم الوالي أن يقتل أيّهم شاؤوا،و ليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد،إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً [1] (5)و إذا قتل ثلاثة واحداً خيّر الولي أيّ الثلاثة شاء أن يقتل،و يضمن الآخران ثلثي الدية لورثة المقتول» (6).

ص:197


1- الغنية(الجوامع الفقهية):619؛ التنقيح الرائع 4:409.
2- الكافي 7:2/283،التهذيب 10:855/217،الوسائل 29:42 أبواب القصاص في النفس ب 12 ح 4.
3- الكافي 7:1/283،الفقيه 4:276/86،التهذيب 10:857/218،الإستبصار 4:1067/281،الوسائل 29:42 أبواب القصاص في النفس ب 12 ح 3.
4- الكافي 7:4/283،الفقيه 4:274/85،التهذيب 10:854/217،الإستبصار 4:1064/281،الوسائل 29:43 أبواب القصاص في النفس ب 12 ح 6.
5- الإسراء:33.
6- الكافي 7:9/284،التهذيب 10:858/218،الإستبصار 4:1068/282،الوسائل 29:43 أبواب القصاص في النفس ب 12 ح 7 و 8.و في الجميع:إذا اجتمع العدّة..

فمع قصور سنده عن الصحة و إن قرب منها بابن أبي عمير الذي أجمع على تصحيح ما يصح عنه العصابة شاذّ،لا يعترض به الأخبار السابقة؛ لما هي عليه من الاستفاضة،و صحة سند أكثرها،و اعتبار باقيها، و إطباق الفتاوي عليها،و لذا حمله الشيخ تارةً على التقية،قال:لأنّ في الفقهاء من لا يجوّز ذلك،و أُخرى على أنّ المراد أنّه ليس له ذلك إلّا بشرط أن يردّ ما يفضل عن دية صاحبه،قال:و هو خلاف ما ذهب إليه قوم من العامّة،و هو مذهب بعض من تقدّم على أمير المؤمنين(عليه السّلام)؛ لأنّه كان يجوّز قتل الاثنين و ما زاد عليهما بواحد و لا يردّ فضل ذلك،و ذلك لا يجوز على حال (1).

و هذان الحملان لا بأس بهما جمعاً و إن بَعُدا،و لا سيّما الأوّل منهما، كما نبه عليه غير واحد من الأصحاب (2)،معلّلين بأنّه خلاف المشهور بينهم؛ إذ أكثرهم ذهبوا إلى جواز قتل الجميع كما ذهب إليه أصحابنا، لكنّهم لم يوجبوا ردّاً،بل جعلوا دم كلّ منهم مستحقّاً للوليّ مجّاناً،قالوا:

فالأولى حمله على الاستحباب،و لا بأس به أيضاً.

الثانية يقتصّ من الجماعة في الأطراف

الثانية :يقتصّ من الجماعة في الأطراف كما يقتصّ منهم في النفس لفحوى الأدلّة المتقدّمة.

مضافاً إلى خصوص الصحيحة الصريحة:في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل،قال:«إن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية و اقتسماها ثم

ص:198


1- الاستبصار 4:282.
2- منهم الشهيد في المسالك 2:460.

يقطعهما،و إن أحبّ أخذ منهما دية يد»،قال:«و إن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم تقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية» (1).

فلو قطع يده جماعة كان له التخيير في قطع يد الجميع و يردّ فاضل الدية أي دية يده عليهم،يقتسمونه بينهم بالسويّة و له قطع يد البعض منهم،واحداً أو متعدّداً و يردّ عليهم أي على المقطوعين و إنّما جمع الضمير تنبيهاً على ما ذكرنا من دخول المتعدّدين في البعض الذي له الخيار في قطعهم البعض الآخرون بقدر جنايتهم،فإن فضل للبعض المقطوع فضل بأن تعدّد قام به المجنيّ عليه.

و بالجملة:الأمر هنا كما سبق في المسألة السابقة من دون فرق بينهما إلّا من حيث إنّ الشركة في النفس يتحقق بموته بالأمرين أو الأُمور،سواء اجتمعت أم تفرّقت،و هنا لا يتحقق إلّا مع صدور الفعل عنهم أجمع،إمّا بأن يشهدوا عليه بما يوجب قطع يده ثم يرجعوا،أو يكرهوا إنساناً على قطعه،أو يلقوا صخرة على طرفه فيقطعه،أو يضعوا حديدة على المفصل و يعتمدوا عليها جميعاً،و نحو ذلك.

فلو قطع كل واحد منهم جزءاً من يده لم يقطع أحدهم،بل يكون على كلّ منهم حقّ جنايته؛ لانفراده بها،و كذا لو وضعوا منشاراً و نحوه على عضوه و مدّه كل واحد مرّة إلى أن حصل القطع؛ لأنّ كل واحد لم يقطع بانفراده و لم يشارك في قطع الجميع،فإن أمكن الاقتصاص من كلّ واحد على حدة ثبت بمقدار جنايته،و إلّا فلا.

الثالثة لو اشتركت في قتله امرأتان

الثالثة :لو اشتركت في قتله أي قتل الحرّ المسلم امرأتان

ص:199


1- الكافي 7:7/284،الفقيه 4:403/116،التهذيب 10:957/240،الوسائل 29:186 أبواب قصاص الطرف ب 25 ح 1.

قتلتا به و لا ردّ هنا إذ لا فاضل لهما عن ديته،بناءً على أنّ المرأة نصف الرجل و ديتها نصف ديته،كما يأتي.

و في الخبر،بل الصحيح(كما قيل) (1):عن امرأتين قتلتا رجلاً عمداً، فقال:«تقتلان به،ما يختلف في هذا أحد» (2).

و كما أنّ للولي قتلهما كذا له قتل إحداهما،و تردّ الأُخرى ما قابل جنايتها و هو ديتها على الولي،و لا شيء للمقتولة أصلاً؛ لاستيفائها بجنايتها بدل نفسها.

و لو كنّ أي النساء المشتركات في القتل أكثر من امرأتين ردّ الوليّ عليهنّ الفاضل عن ديته إن قتلهنّ جُمع،فإن كنّ ثلاثاً و قتلهنّ ردّ عليهنّ دية امرأة بينهنّ بالسوية،أو أربعاً فدية امرأتين كذلك، و هكذا.

و إن قتل بعضاً منهنّ ردّ البعض الآخر ما فضل عن جنايتها، فلو اختار في الثلاث قتل اثنتين ردّت الباقية ثلث ديته بين المقتولتين بالسوية؛ لأنّ ذلك هو الفاضل لهما عن جنايتهما،و هو ثلث ديتهما،أو قتل واحدة ردّت الباقيتان على المقتولة ثلث ديتها،و على الوليّ نصف دية الرجل؛ لأنّ جنايتهما توازي ثلثي دية الرجل،و أولياؤه قد استوفوا بقتل الواحدة نصفها،بقي لهم النصف الآخر يستوفونها من الباقيتين،و كلّ منهنّ إنّما جنت الثلث،فزادت دية كلٍّ على جنايتها بقدر ثلث ديتها.

ص:200


1- ما بين القوسين ليس في«ب».و القائل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:447.
2- التهذيب 10:716/183،الوسائل 29:84 أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 15.

و لو اشترك في قتله رجل و امرأة حرّان فللوليّ قتلهما بعد أن يردّ فاضل دية صاحبه،و هو نصفها إجماعاً؛ لما مضى.

و يختص الرجل بالردّ وفاقاً للنهاية و القاضي و الحلّي (1)و عامة المتأخّرين،و عزاه شيخنا في المسالك (2)إلى الأكثر،و في الروضة (3)إلى المشهور؛ استناداً إلى أنّهما نفسان جنتا على نفس واحدة،فكان على كل واحد نصف الدية،و مع قتلهما فالفاضل للرجل خاصّة؛ لأنّ القدر المستوفى منه أكثر قيمة من جنايته بقدر ضعفه،و المستوفى من المرأة بقدر جنايتها،فلا شيء لها.

و خالف في ذلك المفيد (4) رحمه اللّه خاصّة،حيث جعل الردّ بين الرجل و المرأة أثلاثاً للرجل ثلثان،و للمرأة ثلث.

و وجهه غير واضح،عدا ما يتخيل له من أنّ جناية الرجل ضعف جناية المرأة؛ لأنّ الجاني نفس و نصف نفس جنت على نفس،فتكون الجناية بينهما أثلاثاً بحسب ذلك .

و ضعفه بعد ما عرفت ظاهر،مع ظهور الصحيح في خلافه، و فيه:عن غلام لم يدرك و امرأة قتلا رجلاً خطأً،فقال:«إنّ خطأ المرأة و الغلام عمد،فإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما و ردّوا على أولياء الغلام خمسة آلاف درهم،و إن أحبّوا أن يقتلوا الغلام قتلوه و تردّ المرأة على أولياء الغلام ربع الدية،و إن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوا

ص:201


1- النهاية:745،القاضي في المهذّب 2:468،الحلّي في السرائر 3:345.
2- المسالك 2:460.
3- الروضة 10:34.
4- المقنعة:752.

المرأة قتلوها و يردّ الغلام على أولياء المرأة ربع الدية،و إن أحبّ أولياء المقتول أن يأخذوا الدية كان على الغلام نصف الدية،و على المرأة نصف الدية» (1).

لكنّه مختلّ المتن من وجوه غير خفيّة،و لذا لم نجعله على المختار حجة.

و لو قتل الوليّ الرجل ردّت المرأة عليه نصف الدية (2) لأنّه مقدار جنايتها.

و لو قتل المرأة خاصّة فلا ردّ لها إذ لا فاضل لها عن جنايتها.

و له أي للوليّ مطالبة الرجل الباقي بنصف الدية في مقابل جنايته،بلا خلاف في المقامين،إلّا من النهاية و القاضي (3)في الأوّل، فأوجبا على المرأة ردّ ربع الدية مائتين و خمسين ديناراً،و هو نصف ديتها.

و وجهه غير واضح،عدا ما يتخيّل للمفيد رحمه اللّه و قد عرفت ما فيه،مع أنّه لا يجامع حكمهما سابقاً باختصاص الردّ بالرجل.

نعم في الصحيحة السابقة إشارة إلى ما قالا،و لكن قد عرفت ما فيها.

الرابعة لو اشترك حرّ و عبد

الرابعة :لو اشترك في قتله حرّ و عبد،قال الشيخان في النهاية و المقنعة و القاضي في المهذب (4):إنّ له أي للوليّ قتلهما

ص:202


1- الكافي 7:1/301،الفقيه 4:267/83،التهذيب 10:963/242،الاستبصار 4:1084/286 و فيه:عن هشام بن سالم عن أبي جعفر(عليه السّلام)،الوسائل 29:87 أبواب القصاص في النفس ب 34 ح 1.
2- في المختصر المطبوع:ديته.
3- النهاية:745،القاضي في المهذّب 2:468.
4- النهاية:745،المقنعة:751،المهذب 2:468.

و يردّ على سيّد العبد قيمته،و له قتل الحرّ خاصّة و يردّ عليه أي على الحرّ المقتول سيّد العبد خمسة آلاف درهم،أو يسلم العبد إليهم أي إلى أولياء الحرّ الشريك في القتل أو يقتل العبد خاصّة و ليس لمولاه على شريكه الحرّ سبيل .

و لا خلاف و لا إشكال فيما ذكروه من الخيار في قتلهما معاً،أو قتل أحدهما؛ لما مضى،و نفى الخلاف عن الجميع في الغنية (1)هنا صريحاً.

و إنّما الإشكال فيما ذكروه في صورة قتلهما من ردّ قيمة العبد إلى سيّده خاصّة من وجهين:تخصيص الردّ بالسيّد مع أنّ الحرّ إنّما جنى نصف الجناية،و ردّ تمام ثمنه مع أنّه إنّما جنى نصف الجناية،فلا يستحقّ سيّده إلّا ما زاد عليه و لم يزد على دية الحرّ،و إن لم يزد قيمته عن نصف دية الحرّ فلا شيء لسيّده؛ لاستيفائه بجنايته،كما لا شيء عليه لو نقص القيمة عنه؛ إذ لا يجني الجاني على أكثر من نفسه،كما يأتي.

و كذا يشكل ما ذكروه في الصورة الثانية من ردّ السيّد على الحرّ نصف الدية،فإنّه على إطلاقه لا وجه له؛ لأنّه إنّما يلزمه ذلك لو زادت قيمة العبد على نصف دية الحرّ بمثله،أمّا لو زادت عنه بما دونه فليس عليه إلّا الزيادة،كما لا شيء عليه سوى القيمة فيما لو نقصت عنه أو ساواه (2).

و كذا ما ذكروه في الثالثة من أنّه ليس لمولى العبد على الحرّ شيء بالكلّيّة،فإنّه على إطلاقه أيضاً لا وجه له،بل ذلك مع عدم زيادة القيمة عن النصف،أمّا مع الزيادة عنه فيلزم الحرّ للسيّد تلك الزيادة،و للولي

ص:203


1- الغنية(الجوامع الفقهية):619.
2- كذا،و لعلّ الأنسب:ساوته.

ما زاد عليها إلى نصف الدية،يعني تتمّته.

و من هنا يظهر وجه الإشكال أيضاً فيما أطلقه الحلبي و الحلّي (1)في الصورة الاُولى من ردّ قيمة العبد على السيّد و ورثة الحرّ،و في الثانية من ردّ السيّد على ورثة الحرّ نصف ديته،و في الثالثة من ردّ الحرّ نصف قيمة العبد على سيّده،إلّا أن يبني قولهما على فرضهما بلوغ القيمة تمام الدية من دون زيادة و لا نقيصة.

و بالجملة الحقّ الذي يقتضيه قواعد الأصحاب في الجنايات،و عليه عمل أكثرهم،بل جميع المتأخرين على الظاهر،المصرّح به في المسالك (2) أنّ نصف الجناية على الحرّ،و نصفها على العبد بمقتضى الشركة فلو قتلهما الوليّ ردّ على الحرّ نصف ديته لأنّه الفاضل عن جنايته و على مولى العبد ما فضل من قيمته عن نصف الدية إن كان له فضل،ما لم يتجاوز دية الحرّ،فيردّ إليها،و إن لم يكن له فضل فلا شيء للمولى،و لا عليه إن نقص عنه.

و لو قتل الحرّ يردّ مولى العبد عليه أي على الحرّ الشريك في القتل نصف الدية بل أقلّ الأمرين منه و من القيمة؛ لأنّ الأقل إن كان هو الأوّل فلا يلزم الجاني سواه،و إن كان الثاني فلا يجني الجاني على أكثر من نفسه،و يلزم الوليّ هنا كمال نصف الدية لأولياء الحرّ،و لا يلزم على المولى،بل عليه أقل الأمرين خاصّة.

أو دفع العبد إليهم يسترقّونه،و ليس لهم قتله إجماعاً كما في

ص:204


1- الحلبي في الكافي:386،الحلّي في السرائر 3:347.
2- المسالك 2:461.

الغنية،و ليس فيه شبهة،و يختصّون بالعبد ما لم تزد قيمته عن النصف و إلّا فتكون الزيادة للمولى و يكون معهم شريكاً بالنسبة.

و لو قتل العبد ردّ شريكه الحرّ على المولى ما فضل عن نصف الدية،إن كان في قيمة العبد فضل عن جنايته،بأن تجاوزت قيمته نصف دية الحرّ.

ثم إن استوعب قيمته الدية فله جميع المردود من الحرّ،و إن كانت أقلّ فالزائد من المردود عن قيمته بعد حطّ مقابل جنايته لوليّ المقتول.

و إن لم يكن فيها فضل،بأن كانت نصف دية الحرّ أو أنقص ردّ الحرّ عوض جنايته و هو نصف الدية على الوليّ إن شاء،و إلّا قتله الوليّ إن لم يعف عنه،و ردّ عليه نصف ديته.

و مستند هذه القواعد المقتضية لهذا التفصيل يظهر ممّا مضى و يأتي من الكلام في جناية العبد على الحرّ و ديته،و ربما يشير إليه و لو في الجملة الصحيح الآتي في المسألة الآتية.

و أمّا الخبر:في عبد و حرّ قتلا رجلاً،قال:«إن شاء قتل الحرّ،و إن شاء قتل العبد،فإن اختار قتل الحرّ ضرب جنبي العبد» (1)فمع ضعف سنده قال الشيخ:إنّه لا يدل على أنّه لا يجب على مولاه أن يردّ على ورثة الحرّ نصف الدية أو يسلّم العبد إليهم؛ لأنّه لو كان حرّا لكان عليه ذلك، على ما بيّناه،فحكم العبد حكمه على السواء،و إنّما يجب مع ذلك التعزير كما يجب على الأحرار (2).

ص:205


1- التهذيب 10:959/241،الاستبصار 4:1070/282،و فيهما:قتلا رجلا حرّا.الوسائل 29:101 أبواب القصاص في النفس ب 41 ح 7،و فيه:قتلا حرّا.
2- الاستبصار 4:283.

و لو قتلت امرأة حرّة و عبد على الشركة رجلاً حرّا فعلى كل واحد منهما نصف الدية لاشتراكهما في الجناية،و للوليّ الخيار في قتلهما معاً أو أحدهما.

فلو قتلهما أو قتل العبد خاصّة فلا ردّ على المرأة بلا شبهة.

و أمّا العبد فإن كانت قيمته بقدر جنايته فلا ردّ على مولاه أيضاً فإن زادت قيمته عن جنايته ردّت المرأة أو الولي على مولاه الزيادة ما لم تزد على الدية فتردّ إليها،و لو قصرت الزيادة عنها ردّت المتمّم لها على الوليّ.

و لو قتل المرأة خاصّة ردّ السيّد على الوليّ نصف الدية إن بلغته قيمة العبد،و إلّا فلا شيء عليه له سوى القيمة،أو دفع العبد إليهم يسترقّونه.

و المستند في هذه المسألة بعين ما مرّ في سابقتها من القواعد المقررة.

مضافاً إلى الصحيح في الجملة:عن امرأة و عبد قتلا رجلاً خطأً، فقال:«إنّ خطأ المرأة و العبد مثل العمد،فإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما،فإن كانت قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم، فليردّوا على سيّد العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم،و إن أحبّوا أن يقتلوا المرأة و يأخذوا العبد أخذوا،إلّا أن تكون قيمته أكثر من خمسة آلاف درهم،فليردّوا على مولى العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم و يأخذوا العبد أو يفتديه سيّده،و إن كانت قيمة العبد أقلّ من خمسة آلاف درهم فليس لهم إلّا العبد» (1).

ص:206


1- الكافي 7:2/301،الفقيه 4:268/84،التهذيب 10:962/242،الإستبصار 4:1083/286،الوسائل 29:88 أبواب القصاص في النفس ب 34 ح 2.
القول:في الشرائط المعتبرة في القصاص
الأوّل الحرّية
اشارة

القول:في الشرائط المعتبرة في القصاص،و هي خمسة:

الأوّل: التساوي في الحرّية و الرقية.

ف لا يقتل الحرّ بالعبد،بل يقتل بالحرّ مثله،كما في نصّ الكتاب اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ [1] (1) و لا ردّ إجماعاً،و للأصل.

و كذا يقتل بالحرة لكن مع الردّ من وليّها عليه نصف ديته؛ لأنّ ديته ضعف ديتها؛ و للصحاح المستفيضة و غيرها،الآتي إلى جملة منها الإشارة.

و تقتل الحرّة بالحرّة إجماعاً،و لا ردّ كما في نظيره و بالحرّ إجماعاً،و لتلك المستفيضة،ففي الصحيح:في رجل قتل امرأته متعمداً،قال:«إن شاء أهلها أن يقتلوه قتلوه و يؤدّوا إلى أهله نصف الدية، و إن شاؤوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم» و قال:في امرأة قتلت زوجها متعمّدة،قال:«إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها،و ليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه» (2).

و فيه:الرجل يقتل المرأة متعمّداً فأراد أهل المرأة أن يقتلوه،قال:

«ذاك لهم إذا أدّوا إلى أهله نصف الدية،و إن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل،و إن قتلت المرأة الرجل قتلت به،ليس لهم إلّا نفسها» الحديث (3).

ص:207


1- البقرة:178.
2- الكافي 7:4/299،التهذيب 10:707/181،الإستبصار 4:999/265،الوسائل 29:80 أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 1.
3- الكافي 7:2/298،التهذيب 10:704/180،الإستبصار 4:997/265،الوسائل 29:81 أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 3.

و نحوهما أخبار كثيرة هي ما بين صحيحة و معتبرة (1).

و هل يؤخذ منها أي من الحرّة في الفرض الأخير الفضل من دية الرجل الذي قتلت به،و هو نصف ديته،كما يتوهّم من كون ديتها نصف ديته،و يوجد في بعض الروايات:«في امرأة قتلت رجلاً،قال:

تقتل،و يؤدّي وليّها بقية المال» (2)؟.

و الأصحّ أنّه لا يؤخذ منها؛ للأصل،و قوله تعالى اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ [1] (3)و للتصريح به في تلك الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،معلّلة بأنّ الجاني لا يجني أكثر من نفسه.

و الرواية المخالفة مع وحدتها،و قصور سندها محتملة للتقية،كما صرّح به بعض الأجلة (4)،شاذّة،كما صرّح به الشيخ و جماعة كالشهيدين و غيرهما (5)،و احتمل أوّلهما دعوى الإجماع على خلافها،و ذكر ثانيهما و بعض من تبعه أنّه لا نعلم قائلاً من الأصحاب بمضمونها،و إن كان قول المصنف و كلام غيره يشعر بالخلاف،و احتمل التابع و غيره كون الإشارة إلى الخلاف للرواية لا للقول.

و هو حسن ،إلّا أنّه يحكى عن الراوندي (6)حمل الرواية على يسار

ص:208


1- انظر الوسائل 29:80 أبواب القصاص في النفس ب 33.
2- التهذيب 10:717/183،الإستبصار 4:1009/267،الوسائل 29:85 أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 17.
3- المائدة:45.
4- انظر التنقيح 4:416.
5- الشيخ في الاستبصار 4:268،الشهيد الأول في غاية المراد 4:363،الشهيد الثاني في الروضة 10:40،و المسالك 2:461؛ الفيض في المفاتيح 2:132،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:446.
6- الحاكي هو الشهيد الأول في غاية المراد 4:363 فقد حكاه عنه في الشرائع.

المرأة،و الصحاح على إعسارها؛ جمعاً،و ظاهره المخالفة في الجملة.

و عن تفسير علي بن إبراهيم:أنّ قوله تعالى اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ [1] و اَلْأُنْثى بِالْأُنْثى [2] (1)ناسخ لقوله تعالى اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ [3] (2)(3)و ظاهره أنه لا يكتفى بالاقتصاص منها.

و يدلُّ عليه المروي في الوسائل عن المرتضى في رسالته المحكم و المتشابه،بإسناده عن علي(عليه السّلام)في حديث قال:«و من الناسخ ما كان مثبتاً في التوراة من الفرائض في القصاص،و هو قوله تعالى وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [4] إلى آخر الآية،فكان الذكر و الأُنثى و الحرّ و العبد شرعاً،فنسخ اللّه تعالى ما في التوراة بقوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى [5] فنسخت هذه الآية وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [6] » (4).

قيل (5):و المراد بالنسخ في الرواية التخصيص لا معناه المعروف؛ جمعاً بينها و بين الموثق كالصحيح:في قول اللّه عزّ و جلّ اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ [7] الآية،فقال:«هي محكمة» (6).

و هو حسن،و إلّا فطرح الرواية الأُولى متعيّن؛ للإجماع على جواز

ص:209


1- البقرة:178.
2- المائدة:45.
3- تفسير القميّ 1:169،مستدرك الوسائل 18:240 أبواب القصاص في النفس ب 30 ح 4.
4- المحكم و المتشابه:8،الوسائل 29:86 أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 19.
5- الوسائل 29:86.
6- التهذيب 10:717/183،الوسائل 29:83 أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 11.

الاقتصاص من الذكر بالأُنثى و بالعكس على الظاهر،المصرّح به في كنز العرفان و غيره (1)،و الاختلاف في الثاني في أخذ الفاضل منها على تقديره لا ينافيه،فإنّه أمر آخر،هذا.

و قد نقل في الكنز في النسخ قولاً بالعكس،فقال في تفسير قوله تعالى اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ [1] الآية:قيل:هذا منسوخ بقوله اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ [2] قال:و ليس بشيء،أمّا أوّلاً:فلأنّه حكاية ما في التوراة،فلا ينسخ القرآن، و أمّا ثانياً:فلأصالة عدم النسخ؛ إذ لا منافاة بينهما،و أمّا ثالثاً:فلأنّ قوله اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ [3] عامّ،و هذا خاصّ،و قد تقرّر في الأُصول بناء العام على الخاص (2).

و تتساوى المرأة و الرجل في الجراح قصاصاً و ديةً،حتى تبلغ ثلث دية الحرّ أو تتجاوزه على الاختلاف فينتصف بعد ذلك ديتها و يقتصّ لها منه مع ردّ التفاوت عليه و له منها،و لا ردّ عليها مطلقاً،كما في قصاص النفس قد مضى،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،إلّا ما تقدّم إليه الإشارة.

و اعتبار البلوغ إلى الثلث مذهب المشهور على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (3)،بل و عن الخلاف (4)الإجماع عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:

ما تقول في رجل قطع إصبعاً من أصابع المرأة،كم فيها؟قال:«عشر من

ص:210


1- كنز العرفان 2:355:أحكام القرآن للأردبيلي:672،المفاتيح 2:131.
2- كنز العرفان 2:355.
3- المسالك 2:461،كشف اللثام 2:446.
4- الخلاف 5:256.

الإبل» قلت:قطع اثنين؟قال:«عشرون» قلت:قطع ثلاثاً؟قال:«ثلاثون» قلت:قطع أربعاً؟قال:«عشرون» قلت:سبحان اللّه!يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون و يقطع أربعاً فيكون عليه عشرون،هذا كان يبلغنا و نحن بالعراق فنبرأ ممّن قاله،و نقول:الذي جاء به شيطان،فقال:«مهلاً يا أبان، هذا حكم رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،إنّ المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية،و إذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف،يا أبان إنّك أخذتني بالقياس،و السنّة إذا قيست محق الدين» (1).

و في الصحيحين:عن المرأة بينها و بين الرجل قصاص؟قال:«نعم، في الجراحات حتى تبلغ الثلث سواء،فإذا بلغت الثلث ارتفع الرجل و سفلت المرأة» (2).

خلافاً للنهاية و السرائر و الإرشاد (3)،فاعتبروا التجاوز؛ للنصوص، منها الصحيح:«الرجال و النساء في القصاص السنّ بالسنّ،و الشجّة بالشجّة،و الإصبع بالإصبع سواء حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية،فإذا جازت الثلث صيرت دية الرجال في الجراحات ثلثي الدية،و دية النساء ثلث الدية» (4).

و الخبر:عن رجل قطع إصبع امرأة؟قال:«تقطع إصبعه حتى ينتهي

ص:211


1- الكافي 7:6/299،الفقيه 4:283/88،التهذيب 10:719/184،الوسائل 29:352 أبواب ديات الأعضاء ب 44 ح 1.
2- الكافي 7:7/300،التهذيب 10:720/184،الوسائل 29:164 أبواب قصاص الطرف ب 1 ح 3.
3- النهاية:748،السرائر 3:403،الإرشاد 2:206.
4- الكافي 7:8/300،التهذيب 10:726/185،الوسائل 29:165 أبواب قصاص الطرف ب 1 ح 6.

إلى ثلث دية المرأة،فإذا جاز الثلث أُضعف الرجل» (1).

و هي مع قصور سند جملة منها،و عدم مكافأتها لما مضى من وجوه شتّى غير واضحة الدلالة إلّا من حيث مفهوم اشتراط الجواز في الذيل،و هو معارض بمفهوم الغاية في الصدر،و الجمع بينهما كما يمكن بصرف مفهوم الغاية إلى الشرط كذا يمكن بالعكس،فلا يمكن الاستدلال بها إلا مع المرجّح،المفقود في المقام،إن لم نقل بوجوده على الخلاف من جهة الشهرة،و الصحاح المستفيضة،و حكاية الإجماع المتقدّمة.

و بالجملة:فدلالة النصوص على خلافها غير واضحة؛ لتعارض المفهومين فيها بلا شبهة.

و من هنا ينقدح وجه التردّد في نسبة الخلاف إلى النهاية،حيث اشتركت مع النصوص في العلّة التي نشأ منها عدم وضوح الدلالة،حيث قال:و تتساوى جراحهما ما لم تتجاوز ثلث الدية،فإذا بلغت ثلث الدية نقصت المرأة و زيد الرجل (2).

و قريب منها عبارة الفاضل في الإرشاد،حيث قال:و يقتصّ للرجل من المرأة و بالعكس،و لا ردّ ما لم يتجاوز ثلث الدية،فينتصف المرأة، و كذا يتساويان في الدية ما لم تبلغ الثلث،فينتصف المرأة (3).

و لو لا شهرة نسبة الخلاف إلى النهاية لكدت أن أقول:لا خلاف في المسألة،و إنّ التعبير بالتجاوز عن الثلث إنّما وقع مسامحةً،أو نظراً إلى كون

ص:212


1- الكافي 7:14/301،التهذيب 10:724/185،الوسائل 29:164 أبواب قصاص الطرف ب 1 ح 4.
2- النهاية:773.
3- الإرشاد 2:206.

البلوغ إلى الثلث من دون زيادة و نقيصة من الأفراد النادرة غاية الندرة.

و على التقديرين فلو قطع أربعاً من أصابعها لم يقطع منه الأربع إلّا بعد ردّ دية إصبعين.

و هل لها القصاص في إصبعين من دون ردّ؟وجهان:من إيجاب قطع إصبعين ذلك،فالزائد أولى.

و من النصّ الدالّ على أنّه ليس لها الاقتصاص له في الجناية الخاصّة إلّا بعد الردّ.

و يقوى الإشكال لو طلبت القصاص في الثلاث و العفو في الرابعة، و عدم إجابتها هنا أقوى.

هذا إذا كان القطع بضربة واحدة،و لو كان بأزيد من ضربة ثبت لها دية الأربع،أو القصاص في الجميع من غير ردّ؛ لثبوت الحكم السابق، فيستصحب،و كذا حكم الباقي.

و يقتل العبد بالعبد كما في صريح الكتاب و السنّة،و بالأمة و الأمة بالأمة و بالعبد بلا خلاف؛ لإطلاق اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ [1] .

و هل يشترط التساوي في القيمة،فلا يقتصّ من الجاني مع زيادة قيمته إلّا بعد ردّ الزيادة،أم لا يشترط،كما هو ظاهر إطلاق الأدلّة و العبارة و نحوها من عبائر الجماعة؟احتمالان،بل قيل:قولان (1)،من الإطلاق، و من أنّ ضمان المملوك يراعى فيه المالية،فلا يستوفي الزائد بالناقص،بل بالمساوي،و ثبوت ردّ الزائد من هذا الوجه لا ينافي الإطلاق بالقصاص؛ لصدقه معه.

ص:213


1- انظر المسالك 2:462.

و قوّى هذا في المسالك (1)،و حكي السابق عن صريح ابن حمزة (2)، و ربما يميل إليه الفاضل في التحرير (3)،حيث نسب إطلاق القصاص مع عدم اعتبار الردّ إلى الأصحاب،و ظاهر الشهيدين في اللمعتين (4)التوقّف (و هو الوجه) (5)و لكنّ القول بعدم الاشتراط أوفق بالأصل،مضافاً إلى ما سبق من إطلاق النص و كلام الأصحاب.

و لا يقتل الحرّ بالعبد و لا بالأمة مطلقا،و لو كان لغيره بل يلزم قيمته يوم قتل بإجماعنا،على الظاهر،المصرّح به في المسالك و الروضة و غيرهما (6).

و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها،ففي الصحيح:

«لا يقتل حرّ بعبد،و لكن يضرب ضرباً شديداً،و يغرم ثمنه دية العبد» (7).

و في آخر:«لا يقتل الحرّ بالعبد،و إذا قتل الحرّ العبد غرم ثمنه و ضرب ضرباً شديداً» (8).و نحوه الموثق كالصحيح (9)و غيره (10).

ص:214


1- المسالك 2:462.
2- الوسيلة:435.
3- التحرير 2:245.
4- اللمعة و الروضة 10:44.
5- ليست في«ب».
6- المسالك 2:462،الروضة 10:45،الخلاف 5:148.
7- الكافي 7:1/304،التهذيب 10:754/191،الإستبصار 4:1032/272،الوسائل 29:96 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 1.
8- الكافي 7:3/304،التهذيب 10:751/191،الإستبصار 4:1029/272،الوسائل 29:96 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 2.
9- الكافي 7:2/304،التهذيب 10:753/191،الإستبصار 4:1031/272،الوسائل 29:96 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 3.
10- التهذيب 10:755/191،الإستبصار 4:1033/272،الوسائل 29:98 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 7

و إطلاقها بلزوم القيمة مقيّد بما إذا لا يتجاوز دية الحرّ فإنّ مع التجاوز يردّ إليها،بإجماعنا على الظاهر،المصرَّح به في كثير من العبائر؛ للمعتبرة،منها الصحيح:«إذا قتل الحرّ العبد غرم قيمته و أُدّب» قيل:

و إن كان قيمته عشرين ألف درهم؟قال:«لا يجاوز بقيمة عبد دية الأحرار» (1).

و لو اختلفا أي الحرّ الجاني و مولى العبد المجنيّ عليه في القيمة فالقول قول الجاني لأصالة عدم الزيادة؛ و كونه منكراً فيقدّم قوله.

و للخبر (2)الصريح:عن رجل قتل عبداً خطأً،قال:«عليه قيمته، و لا يجاوز بقيمته عشرة آلاف درهم» قال:و من يقوّمه و هو ميت؟قال:«إن كان لمولاه شهود أنّ قيمته يوم قتله كانت كذا و كذا أخذ بها قاتله،و إن لم يكن له شهود على ذلك كانت القيمة على من قتله مع يمينه يشهد باللّه تعالى ماله قيمة أكثر ممّا قوّمته،فإن أبى أن يحلف و ردّ اليمين على المولى،فإن حلف المولى اعطي ما حلف عليه،و لا يجاوز بقيمته عشرة آلاف» (3).

و يعزّر القاتل بما يراه الحاكم و يلزمه الكفّارة لقتل المؤمن عمداً،و هي عتق رقبة،و صيام شهرين متتابعين،و إطعام ستّين مسكيناً، بلا خلاف في شيء من ذلك،و المعتبرة بها مع ذلك مستفيضة،و قد تقدّم ما يتعلق منها بالكفّارة في كتابها،و النصوص الدالّة على التعزير قد عرفتها، مضافاً إلى ما سبق في الحدود من الدليل عليه في فعل كلّ محرّم كلّيّة.

ص:215


1- الكافي 7:11/305،الفقيه 4:312/95،التهذيب 10:761/193،الإستبصار 4:1039/274،الوسائل 29:97 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 4.
2- في«ن»:للصحيح.
3- الفقيه 4:318/96،التهذيب 10:762/193،الوسائل 29:208 أبواب ديات النفس ب 7 ح 1.

و لو كان العبد المجني عليه ملكه أي ملك الجاني عزّر و كفّر و لا يقتل به،كما لو كان ملك غيره.

و لا فرق في الجاني هنا بين كونه حرّا أو عبداً،كما يقتضيه إطلاق العبارة و غيرها من سائر الفتاوي،و به صرّح بعض أصحابنا،و لهذا يحسن تخصيصه بالذكر مع معلوميّة عدم قتل الحرّ بالعبد مطلقا،لكنّه يتّجه على القول بملكيّة العبد لا مطلقاً.

و يحتمل التخصيص وجهاً آخر ،و هو الاتفاق على غرامة الجاني قيمة المجني عليه لو كان لغيره،و الاختلاف فيها لو كان له،فبين مفتٍ بها مع التصدّق على الفقراء كأكثر القدماء،بل لم يُرَ فيهم مخالف عدا الإسكافي (1)،فإنّه أورده بصيغة«روي» مشعراً بالتردّد،كالماتن هنا؛ لقوله:

و في الصدقة بقيمته رواية مسمع بن عبد الملك،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام):

«أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)رفع إليه رجل عذّب عبده حتى مات،فضربه مائة نكالاً،و حبسه سنة،و غرّمه قيمة العبد و تصدّق بها عنه» (2).

و فيها ضعف لسهل الضعيف على المشهور،و محمد بن الحسن ابن شمون الغالي،و عبد اللّه بن عبد الرحمن الضعيف،مع تضمّنها الحبس بسنة،و لم نَرَ به قائلاً،و مع ذلك معارضة بظواهر المعتبرة المستفيضة التي فيها الصحاح و الموثقات و غيرها،الواردة في مقام الحاجة خالية عن ذكر التصدّق بالقيمة،و لم يذكر فيها سوى الكفّارة.

و نحوه عبارته في الشرائع،و عبارة الفاضل في كتبه التي وقفت عليها (3).

ص:216


1- حكاه عنه في غاية المراد 4:365.
2- الكافي 7:6/303،الفقيه 4:388/114،التهذيب 10:933/235،الوسائل 29:92 أبواب القصاص في النفس ب 37 ح 5.
3- الشرائع 4:205،الفاضل في التحرير 2:245،القواعد 2:286،الإرشاد 2:205.

لكن يجبر جميع ذلك فتوى الأصحاب بمضمونها،سيّما نحو ابن زهرة و الحلّي (1)اللذين لا يعملان بالأخبار الصحيحة فضلاً عن مثل هذه الرواية،فعملهما بها أقوى قرينة على قيام قاطع لهما على العمل بها من إجماع أو غيره،و أيّهما كان كفى.

مع أنّ ظاهر الأوّل نفي الخلاف عنها بين أصحابنا،حيث قال بعد ذكر هذا الحكم و أحكام أُخر-:بلا خلاف بين أصحابنا في ذلك كلّه.

و مع ذلك مروية في الفقيه بطريقه إلى السكوني،و هو قوي، و معتضدة بالمرسل (2)و غيره (3):في رجل قتل مملوكه«أنه يضرب ضرباً وجيعاً،و يؤخذ منه قيمته لبيت المال» بحملها على الأخذ للتصدّق؛ إجماعاً و جمعاً،هذا.

مع أنّ الضعف بسهل سهل،و التضمّن للحبس سنة غير قادح،إمّا لعدم استلزام خروج بعض الرواية عن الحجية خروجها عنها كملاً،أو لأنّ الحبس قد رآه(عليه السّلام)مصلحة فيكون تتمّة لتعزيره،كما جعله الضرب مائة، و لعلّه لهذا لم يقدح بهذا في الرواية أحد من أصحابنا عدا بعض متأخّري المتأخّرين (4)،و هو لما عرفت ضعيف،كضعف ما قدح به فيها أيضاً من عدم ظهورها في القتل عمداً،بل ظاهرها أنّه قصد الضرب خاصّة.

و هو غريب جدّاً فإنّ مضمونها صريح في ضربه حتى مات،و لفظة

ص:217


1- ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):620،الحلّي في السرائر 3:355.
2- التهذيب 10:940/236،الوسائل 29:94 أبواب القصاص في النفس ب 37 ح 10.
3- الكافي 7:7/303،التهذيب 10:759/192،الإستبصار 4:1037/273،الوسائل 29:95 أبواب القصاص في النفس ب 38 ح 2.
4- مجمع الفائدة 14:56.

«حتى» كالصريحة في القتل عمداً.

و لئن سلّمنا فمثل هذا الضرب ممّا يقتل غالباً،بل قطعاً،فيكون قتلاً عمداً،و لو لم يكن للقتل قاصداً،كما مضى.

و خلوّ الروايات البيانية عن ذلك غايته الظهور في نفيه،و هو لا يعارض الروايات الصريحة بإثباته،بل هي بالنسبة إليها كالعام بالنسبة إلى الخاصّ مقدّم عليه قطعاً،و التكافؤ المشترط في التقدّم حاصل بما عرفت من فتوى الأصحاب بمضمونها،كما هو الحال في سائر المواضع.

و إليه أشار الشهيد في النكت،فقال:إنّ المذهب قد يعرف بخبر الواحد الضعيف؛ لاشتماله على القرائن،كما يعرف مذاهب الطوائف،و قد نبّه الشيخ المحقّق على هذا في المعتبر،و بالجملة:العمدة فتوى مشاهير الأصحاب (1)،إلى آخر ما قال.

و لنعم ما قال،و إن لم يرتضه كثير من الأبدال؛ لوجوه مدخولة بيّنتها مع صحة ما ذكره في رسالة مفردة في الإجماع،هذا.

مع أنّ المعتبرة المستفيضة المتقدمة المتضمنة للصحاح و الموثقات و غيرها،الدالّة على عدم قتل الحرّ بالعبد،و أنّه يلزم الجاني بالقيمة و يعزّر، مطلقة لا تنصيص في شيء منها بكون الجاني مولى المجني عليه أم غيره، فينسحب الحكم فيها بتغريمه القيمة إلى هنا أيضاً،غاية الأمر سكوتها عن مصرفها،و حيث ثبتت القيمة بإطلاقها هنا كان مصرفها الفقراء إجماعاً.

و ليت شعري كيف غفل الأصحاب عن هذه الروايات فلم يستدلّوا بها مع وضوح دلالتها على الحكم هنا بمعونة ما ذكرنا،و أظنّ الاستدلال بها من خصائص الكتاب،و الحمد للّه تعالى.

و لعلّ الوجه في عدم استدلالهم بها تخيّل اختصاصها بحكم التبادر

ص:218


1- غاية المراد 4:366.

بالجاني غير المولى،و أثره بعد تسليمه مندفع بفتوى الأصحاب على العموم،كما اندفع بها ما توجّه على ما مرّ من النصوص.

ثم إنّ ما ذكرناه من عدم قتل الحرّ بالعبد مطلقاً مذهب الأكثر،على الظاهر،المصرّح به في كلام بعض،قال:كالشيخين و القاضي و ابن حمزة و ابن إدريس و الفاضلين (1).

أقول:و غيرهم أيضاً من المتأخرين؛ تمسّكاً بظاهر الكتاب،و ما مرّ من صحاح الأخبار.

و لكن في رواية:إن اعتاد الجاني ذلك أي قتل العبيد قتل به و المراد بالرواية:الجنس؛ لتعدّدها،منها:في رجل قتل مملوكه أو مملوكته،قال:«إن كان المملوك له أُدّب و حبس،إلّا أن يكون معروفاً بقتل المماليك،فيقتل به» (2).

و منها:عن رجل قتل مملوكه؟قال:«إن كان غير معروف بالقتل ضرب ضرباً شديداً،و أُخذ منه قيمة العبد،فتدفع إلى بيت مال المسلمين، و إن كان[متعوّداً (3)]للقتل قتل به» (4).

و منها:«أنّ عليّاً(عليه السّلام)قتل حرّا بعبد» (5)بحملها على المعتاد.

و بمضمونها أفتى جماعة من الأصحاب،و منهم ابن زهرة نافياً

ص:219


1- التنقيح الرائع 4:418.
2- الكافي 7:5/303،التهذيب 10:758/192،الإستبصار 4:1036/273،الوسائل 29:94 أبواب القصاص في النفس ب 38 ح 1.
3- في النسخ:معوداً،و ما أثبتناه من المصادر هو الصحيح.
4- الكافي 7:7/303،التهذيب 10:936/236،الإستبصار 4:1037/273،الوسائل 29:95 أبواب القصاص في النفس ب 38 ح 2.
5- التهذيب 10:757/192،الإستبصار 4:1035/273،الوسائل 29:98 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 9.

الخلاف عنه في ظاهر كلامه،قال:لفساده في الأرض لا على وجه القصاص،و كذا لو كان معتاداً لقتل أهل الذّمة (1).

و هو وجه حسن،و النصوص شاهدة،و لا منافاة بينها و بين ما مرّ من الأدلّة بعدم قتل الحرّ بالعبد؛ لظهورها في النفي على جهة القصاص،و نحن نقول به،و لكنّه لا ينافي ثبوته من جهة الفساد.

و دية الأمة المملوكة قيمتها ما لم تتجاوز دية الحرّة فتردّ إليها مطلقا،لذكرٍ كانت أم لأُنثى،كما في العبد،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في بعض العبائر (2).

و كذا لا يتجاوز بدية العبد الذمّي دية الحرّ منهم أي من أهل الذمّة و لا بدية الأمة الذمّية دية الحرّة الذمّية .

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين كون المولى مسلماً أم ذمّيا،و به صرّح المولى الأردبيلي رحمه اللّه في شرح الإرشاد (3)، و لكن ظاهر الفاضلين في الشرائع و الإرشاد و صريح التحرير و القواعد (4)الفرق بينهما،و اختصاص الحكم بما في العبارة بكون المولى ذمّيا،و لو كان مسلماً اعتبر في دية عبده الذمّي عدم تجاوز دية الحرّ المسلم،و تبعهما الشهيد الثاني في المسالك (5)من غير نقل خلاف،فإن تمّ إجماعاً،و إلّا فوجهه غير واضح.

ص:220


1- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
2- مجمع الفائدة 14:59،كشف اللثام 2:450.
3- مجمع الفائدة 14:60.
4- الشرائع 4:205،الإرشاد 2:203،التحرير 2:245،القواعد 2:287.
5- المسالك 2:462.

قيل:و لعلّه مبني على الرواية المحكية عن الإيضاح (1)،مع إطلاق سائر الأخبار بالردّ إلى دية الحرّ،و كون الردّ خلاف الأصل،فيقتصر على المتيقن (2).

و لو قتل العبد حرّا عمداً قتل به اتفاقاً،فإنّ النفس بالنفس،و فيما سيأتي من الأدلّة دلالة عليه.

و لا فرق فيه بين كون الحرّ مولاه أم غيره،و يفرّق بينهما في قتله خطأً بثبوت الدية للحرّ المجنيّ عليه لو لم يكن مولاه،و عدمه لو كان مولاه، و في القوي:عبد قتل مولاه متعمّداً،قال:«يقتل به،و قضى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) بذلك» (3).

و لم يضمن مولاه جنايته،بل يتعلّق برقبته و يكون وليّ الدم بالخيار بين قتله و استرقاقه للمعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«في العبد إذا قتل الحرّ دفع إلى أولياء المقتول،فإن شاءوا قتلوه،و إن شاءوا استرقّوه» (4)و نحوه غيره (5).

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل عليه الإجماع في الغنية (6).

و إطلاق هذه الأدلّة يقتضي جواز الاسترقاق و لو مع عدم رضى

ص:221


1- إيضاح القواعد 4:581،582.
2- كشف اللثام 2:450.
3- التهذيب 10:780/197،الوسائل 29:98 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 10.
4- الكافي 7:7/304،التهذيب 10:767/194،الوسائل 29:99 أبواب القصاص في النفس ب 41 ح 1.
5- الكافي 7:6/304،التهذيب 10:766/194،الوسائل 29:99 أبواب القصاص في النفس ب 41 ح 2.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):619.

المولى،كما صرّح به (1)جماعة (2)معلّلين زيادةً على ما مرّ من النصوص بأنّ الشارع سلّط الوليّ على إتلافه بدون رضاء المولى المستلزم لزوال ملكه عنه،فإزالته مع بقاء نفسه أولى؛ لما يتضمّن من حقن دم المؤمن،و هو مطلوب للشارع.

و احتمل توقف استرقاقه على رضاه؛ لأنّ ثبوت المال في العمد بدل القود يتوقّف على التراضي،و ربما حكي هذا قولاً (3)،و لم أجد له قائلاً.

و كيف كان فالأوّل أقوى؛ لإطلاق النصّ و الفتوى،مع الأولويّة التي عرفتها.

و ليس للمولى فكّه مع كراهة الوليّ كما ليس للقاتل دفع الدية إلى وليّ المقتول إلّا برضاه.

و لو جرح العبد حرّا فللمجروح القصاص منه،فإنّ الجروح قصاص و إن شاء المجروح استرقّه إن استوعبته الجناية بحيث لا يبقى من قيمته بعد إخراجها شيء بالمرّة و إن قصرت الجناية عن قيمته استرقّ المجني عليه منه بنسبة الجناية،أو يباع العبد فيأخذ من ثمنه حقه من أرش الجناية، و لو افتداه المولى و فكّه فداه بأرش الجناية .

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،إلّا في الحكم الأخير،فقيل بما في العبارة:من الفكّ بأرش الجناية زادت عن قيمته أم نقصت؛ لأنّه الواجب لتلك الجناية،و إليه ذهب في الخلاف مدّعياً عليه الإجماع (4)،

ص:222


1- في«ح» زيادة:في المسالك و.
2- إيضاح الفوائد 4:576،المسالك 2:462،المفاتيح 2:134.
3- المفاتيح 2:134،مرآة العقول 24:71.
4- الخلاف 5:149.

قيل:و في المبسوط أنّه الأظهر في الروايات.و قال المحقق:إنه مروي؛ و هو ظاهر النهاية و ابن إدريس و كثير من الأصحاب (1).

و قيل:بل يفكّه بأقلّ الأمرين من القيمة و أرش الجناية؛ لأنّ الجاني لا يجني أكثر من نفسه،و المولى لا يعقل مملوكه،فالزائد لا يلزمه (2).و إليه ذهب في المبسوط (3).

و في الصحيح في عبد جرح حرّا:«إن شاء الحرّ اقتصّ منه،و إن شاء أخذه إن كانت الجراحة تحيط برقبته،و إن كانت الجراحة لا تحيط برقبته افتداه مولاه،فإن أبى مولاه أن يفتديه كان للحرّ المجروح من العبد بقدر دية جراحته،و الباقي للمولى،يباع العبد فيأخذ المجروح حقّه،و يردّ الباقي على المولى» (4).

و يقاد العبد بمولاة أي يقتصّ منه له لو جنى عليه متعمّداً إن شاء الوليّ للمولى الاقتصاص منه؛ لإطلاق ما دلّ على الاقتصاص من العبد للحرّ،أو فحواه؛ و لخصوص القويّ:في عبد قتل مولاه متعمّداً،قال:

«يقتل به،قضى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بذلك» (5).

و لو قتل عبد مثله أو جرحه عمداً فإن كانا أي العبدان لواحد فالمولى بالخيار بين الاقتصاص من الجاني منهما أو العفو

ص:223


1- غاية المراد 4:367،مجمع الفائدة 14:64،و في المبسوط 7:7،و الشرائع 2:208،النهاية:752،السرائر 3:357.
2- المفاتيح 2:134.
3- المبسوط 7:39.
4- الكافي 7:12/305،الفقيه 4:309/94،التهذيب 10:776/196،الوسائل 29:166 أبواب قصاص الطرف ب 3 ح 1.
5- التهذيب 10:780/197،الوسائل 29:98 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 10.

عنه؛ لعموم الأدلّة؛ و خصوص الموثّق كالصحيح:عن رجل له مملوكان قتل أحدهما صاحبه،إله أن يقيده به دون السلطان إن أحبّ ذلك؟قال:

«هو ماله يفعل فيه ما شاء؛ إن شاء قتل،و إن شاء عفا» (1).

و إن كانا لاثنين ف يأتي فيه ما مرّ:من أنّ للمولى أي مولى المجني عليه قتله أي الجاني،من دون ردّ فيما لو زاد الجاني المجني عليه قيمةً،أو مع ردّ الزيادة،على اختلاف القولين المتقدم إليهما الإشارة.

إلّا أن يتراضى الموليان عن قتله أو جرحه بدية أو أرش فلا يقتصّ منه بعده،بل يلزم ما تراضيا عليه،كما هو واضح،و سيظهر وجهه ممّا دلّ على جواز الصلح بالدية عن القصاص.

ثم إنّ كلّ ما ذكر في جناية العبد عمداً.

و لو كانت الجناية على مثله أو حرّ خطأ كان لمولى القاتل فكّه ب أقلّ الأمرين من أرش الجناية و قيمته أو بالأرش مطلقا،على الخلاف الذي مضى.

و له دفعه أي العبد الجاني إلى المجني عليه أو وليّه ليسترقّه و له أي للمولى حينئذٍ منه أي من العبد ما فضل من قيمته عن قيمة المقتول و أرش الجناية و لا يضمن المولى ما يعوز و ينقص من قيمة الجاني عن الدية أو أرش الجناية،فإنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه،و لإطلاق الخبر:«إذا قتل العبد الحرّ فدفع إلى أولياء الحرّ فلا شيء على مواليه» (2).

ص:224


1- الكافي 7:19/307،التهذيب 10:786/198،الوسائل 29:103 أبواب القصاص في النفس ب 44 ح 1.
2- التهذيب 10:772/195،الوسائل 29:100 أبواب القصاص في النفس ب 41 ح 6.

مع أنّه لا خلاف فيه،و لا في ثبوت الخيار المزبور لمولى الجاني دون وليّ المجنيّ عليه،و سيأتي من النصوص في المدبّر ما يدل عليه.

و استدل عليه بأنّه لا يتسلّط وليّ المقتول هنا على إزالة ملكه عنه بالقتل ليحمل عليه الاسترقاق،و إنّما تعلّق حقّه بالدية من مال المولى فله الخيار.

و في الصحيح:عن مكاتب قتل رجلاً خطأً؟قال:فقال:«إن كان مولاه حين كاتبه اشترط عليه إن عجز فهو ردّ في الرقّ فهو بمنزلة المملوك، يدفع إلى أولياء المقتول،فإن شاؤوا قتلوا و إن شاؤوا باعوا» الحديث (1).

و ظاهره تعيّن الدفع،و هو شاذّ،إلّا أن يحمل كونه على وجه الخيار لكن يشكل ما فيه من الحكم بالقصاص في الخطأ،إلّا أن يحمل الخطأ فيه على ما يقابل الصواب لا العمد،و حينئذٍ يخرج الخبر عن محل البحث.

و المدبّر في جميع ذلك كالقنّ فيقتل إن قتل عمداً حرّا أو عبداً،أو يدفع إلى وليّ المقتول يسترقّه،أو يفديه مولاه بالأقلّ،كما مرّ.

ثم إن فداه أو بقي منه شيء بعد أرش الجناية بقي على تدبيره، إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في القواعد (2).

و لو استرقّه كلّه وليّ الدم ففي خروجه عن التدبير قولان اختار أوّلهما الحلّي (3)و أكثر المتأخرين،بل عامّتهم؛ لأنّه انتقل إلى ملك غير المدبِّر،فيخرج عن التدبير،كالبيع؛ و للصحيح:عن مدبَّر قتل رجلاً

ص:225


1- الكافي 7:3/308،الفقيه 4:316/95،التهذيب 10:787/198،الوسائل 29:105 أبواب القصاص في النفس ب 46 ح 2.
2- القواعد 2:285.
3- السرائر 3:354.

عمداً؟فقال:«يقتل به» قال:و إن قتله خطأ؟قال:«يدفع إلى أولياء المقتول فيكون لهم،فإن شاؤوا استرقّوه،و ليس لهم قتله،إنّ المدبّر مملوك» (1).

و ثانيهما الشيخان و الصدوق و الإسكافي (2)؛ لقولهم بلزوم الاستسعاء كما حكي،و هو فرع بقاء التدبير لاستصحاب بقائه إلى أن يعلم المزيل.

و للصحيح:عن مدبّر قتل رجلاً خطأً،من يضمن عنه؟قال:«يصالح عنه مولاه،فإن أبى دفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت الذي دبّره،ثم يرجع حرّا لا سبيل عليه» (3).

مضافاً إلى النص الآتي الدالّ على الاستسعاء المتفرّع عليه كما عرفت.

و يضعّف الأوّل:بثبوت المزيل،و هو ما مرّ من الدليل.

و الصحيح:بمعارضته بمثله،بل و أجود منه،مع احتمال ضعف دلالته؛ إذ ليس فيه استرقاق وليّ الدم له،بل غاية ما فيه دفعه إليه يخدمه، و هو أعمّ من استرقاقه و عدمه،لو لم نقل بظهوره في الثاني،فيحمل عليه، و يكون المقصود من الدفع للخدمة احتساب أُجرتها عن الدية مع بقاء العبد على الملكية،و حينئذٍ يصح الحكم ببقاء التدبير بلا شبهة،و يكون من قبيل ما لو افتداه المولى ببذل الدية أو أرش الجناية.

ص:226


1- الكافي 7:8/305،الفقيه 4:315/95،التهذيب 10:782/197،الوسائل 29:102 أبواب القصاص في النفس ب 42 ح 1؛ بتفاوت.
2- المفيد في المقنعة:751،الطوسي في النهاية:751،الصدوق في المقنع:191،حكاه عن الإسكافي في كشف اللثام 2:203.
3- الكافي 7:9/305،التهذيب 10:783/197،الإستبصار 4:1042/275،الوسائل 29:211 أبواب ديات النفس ب 9 ح 1.

و يحتمل الحمل على هذا ما سيأتي من الرواية في الاستسعاء؛ إذ ليس فيها التصريح بدفعه رقّاً لأولياء الدم،بل غايتها الدفع إليهم مطلقاً، فيحتمل الحمل على ما ذكرنا.

مع ضعفها سنداً،و عدم مكافأتها كما قبلها لأدلّة القول الأوّل جدّاً،سيّما مع اشتهارها شهرة عظيمة بين أصحابنا،فالقول الأوّل أقوى.

و بتقدير أن لا يخرج عن التدبير هل يسعى بعد موت المولى في فكّ رقبته من أولياء الدم،أم لا؟ المرويّ في بعض النصوص:

أنّه يسعى و فيه:عن مدبّر قتل رجلاً خطأً؟قال:«أيّ شيء رويتم في هذا؟» قال:روينا عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)أنّه قال:«يتلّ برمّته إلى أولياء المقتول،فإذا مات الذي دبره عتق» قال:«سبحان اللّه،فيطلّ دم امرئٍ مسلم» قلت:هكذا روينا،قال:«غلطتم على أبي(عليه السّلام)يتلّ برمّته إلى أولياء المقتول،فإذا مات الذي دبّره استسعى في قيمته» (1).

و ضعف سنده كما مرّ يمنع عن العمل به،مع مخالفته الأصل،و ظاهر الصحيح الثاني؛ لقوله:«ثم يرجع حرّا لا سبيل عليه» (2)و لعلّه لذا قال المفيد بالعدم كما حكي (3).

و ظاهر الرواية الاستسعاء في قيمة نفسه،كما عن الصدوق و الإسكافي (4)،و عن الشيخ في النهاية و الكتابين (5)الاستسعاء في دية

ص:227


1- الكافي 7:20/307،التهذيب 10:785/198،الإستبصار 4:1044/275،الوسائل 29:212 أبواب ديات النفس ب 9 ح 5.
2- المتقدّم في ص 225.
3- حكاه عنه في المهذّب البارع 5:165،و هو في المقنعة:751.
4- حكاه عنهما في كشف اللثام 2:203،و هو في المقنع:191.
5- حكاه عنه في المختلف:792،و هو في النهاية:751،و التهذيب 10:198،و الاستبصار 4:275.

المقتول،و هو مع منافاته لظاهرها،و النصوص القائلة:إنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه لا دليل عليه،و لذا نسبه الماتن في الشرائع إلى الوهم (1).

و أوّلَ بعض الفقهاء كلام الشيخ بأنّ دية المقتول الآن هي قيمة العبد؛ لأنّه لا يطالب بأكثر من نفسه،فجاز أن يطلق عليها أنّها دية المقتول (2).

و لا بأس به،و إن لم يرتضه في التنقيح،قائلاً:إنّه عدول عن الحقيقة إلى المجاز بغير دليل (3)؛ صوناً لفتوى الشيخ عن المخالفة للخبر الذي استند هو إليه لها.

و المكاتب إن لم يؤدّ من مكاتبته شيئاً،أ و كان مشروطاً كان كالرقّ المحض بلا خلاف،للصحيحين،مضى أحدهما في جناية العبد خطأً (4)،و في الثاني:«فإن لم يكن أدّى من مكاتبته شيئاً فإنه يقاصّ للعبد منه،و يغرم المولى كلّ ما جنى المكاتب؛ لأنّه عبده ما لم يؤدّ من مكاتبته شيئاً» (5).

و إن كان مطلقاً و قد أدّى شيئاً تحرر منه بقدر ما أدّى فإن قتل حرّا مكافئاً له في الحرّية و لو كان عبداً من جهة،ما لم تنقص حرّيته عن حرّيته،و إلّا فلا يقتصّ له منه ما لم يتساو حرّيتهما أو يزد حرّية المقتول على حرّية القاتل عمداً قتل به و إن قتل مملوكاً محضاً أو مبعّضاً مع نقصان حرّيته عن حرّية

ص:228


1- الشرائع 4:206.
2- لم نعثر على قائله و لكن حكاه عنه في التنقيح 4:420.
3- التنقيح 4:420.
4- في ص:224.
5- الفقيه 4:319/96،الوسائل 29:214 أبواب ديات النفس ب 10 ح 5.

القاتل فلا قود عليه؛ لفقد التكافؤ المشترط فيه و تعلّقت الجناية حينئذٍ بذمّته و بما فيه من الرقّية مبعّضة فبقدر ما فيه من الحرّية بذمّته، و بما فيه من الرقية برقبته و يسعى في نصيب الحرّية من قيمة المقتول و ما بإزائها منها و يسترقّ وليّ الدم الباقي منه،أو يباع في نصيب الرقّ من قيمته و إن أمكنه،أو كان ما في يده يفي بتمام قيمة المقتول؛ لأنّه لما فيه من الرقّية يتعلّق من جنايته ما بإزائها برقبته،و تبطل الكتابة حينئذٍ؛ لانتقاله إلى ملك الغير.

و لو قتل حرّا،أو قنّاً،أو مبعّضاً خطأً فعلى الإمام أن يؤدّي عنه بقدر ما فيه من الحرّية إن لم يكن له عاقلة،فإنّه عاقلته،بلا خلاف أجده.

و للصحيح:«إن كان مولاه حين كاتبه لم يشترط عليه،و كان قد أدّى من مكاتبته شيئاً فإنّ علياً(عليه السّلام)كان يقول:يعتق من المكاتب بقدر ما أدّى من مكاتبته،و إنّ على الإمام أن يؤدّي إلى أولياء المقتول من الدية بقدر ما أُعتق من المكاتب،و لا يبطل دم امرئ مسلم،و أرى أن يكون ما بقي على المكاتب ما لم يؤدّه،فلأولياء المقتول أن يستخدموه حياته بقدر ما بقي عليه و ليس لهم أن يبيعوه» (1).

و للمولى الخيار بين فكّ ما فيه من نصيب الرقّية بالأرش أو بأقلّ الأمرين،على الخلاف المتقدم،و تبقى الكتابة بحالها باقية،و بين تسليم حصّة الرّق إلى وليّ المقتول ليقاصّ بالجناية و تبطل الكتابة، و له التصرف فيه كيف شاء من بيع،أو استخدام،أو غيرهما.

ص:229


1- الكافي 7:3/308،الفقيه 4:316/95،التهذيب 10:787/198،الوسائل 29:105 أبواب القصاص في النفس ب 46 ح 2.

هذا هو الذي يقتضيه الأُصول،و عليه أكثر المتأخرين على الظاهر، المصرّح به في المسالك (1)،بل المشهور بين الأصحاب مطلقاً،كما في المهذّب و غيره (2)،و في المسالك أنّ في بعض الأخبار دلالةً عليه.و لم أقف عليه،بل في الصحيح المتقدّم قريباً ما ينافي جواز بيعه لوليّ الدم، و أن ليس له سوى استخدامه حياته و لم يقولوا به،بل حكي القول به عن الصدوق و المفيد و الديلمي (3)،و نفى عنه البأس في المختلف (4)،و يمكن حمله على كراهة البيع أو حرمته إذا أُريد بيعه أجمع.

و في رواية علي بن جعفر المروية بطريق مجهول:أنّه إذا أدّى المكاتب نصف ما عليه فهو بمنزلة الحرّ و هي طويلة في آخرها:

عن المكاتب إذا أدّى نصف ما عليه؟قال:«هو بمنزلة الحرّ في الحدود و غير ذلك من قتل و غيره» (5)و لم أرَ مفتياً بها صرحياً.

نعم الشيخ جمع في الاستبصار (6)بينها و بين الصحيح:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في مكاتب قتل،قال:يحتسب منه ما أعتق منه فيؤدّي به دية الحرّ،و ما رقّ منه دية الرقّ» (7)بحمله على التفصيل الذي تضمّنته الرواية،و لذا نسبه الأصحاب إلى القول بها.

ص:230


1- المسالك 2:463.
2- لم نعثر عليه في المهذّب،مجمع الفائدة 14:69،مرآة العقول 24:80.
3- حكاه عنهم في المهذّب البارع 5:168،الصدوق في المقنع:192،المفيد في المقنعة:752،الديلمي في المراسم:237.
4- المختلف:795.
5- التهذيب 10:795/201،الإستبصار 4:1049/277،الوسائل 29:213 أبواب ديات النفس ب 10 ح 3.
6- الاستبصار 4:277.
7- الكافي 7:1/307،الفقيه 4:308/94،التهذيب 10:790/200،الإستبصار 4:1048/276،الوسائل 29:213 أبواب ديات النفس ب 10 ح 2.

و فيه نظر؛ لاحتمال إرادته بذلك مجرّد الجمع لا الفتوى،مع أنّه ذكر بعض الأفاضل أنّ الذي في الاستبصار أنّ حكمه حكم الحرّ في دية أعضائه و نفسه إذا جني عليه،لا في جناياته،و إن تضمّنها الخبر،فيحتمل أن يكون إنّما يراه كالحرّ في ذلك خاصّة،كما يرى الصدوق مع نصّه في المقنع على ما سمعته في موضعين متقاربين،قال:و إذا فقأ حرّ عين مكاتب أو كسر سنّه فإن كان أدّى نصف مكاتبته فقأ عين الحرّ،أو أخذ ديته إن كان خطأً، فإنّه بمنزلة الحرّ و إن كان لم يؤدّ النصف قوّم فأدّى بقدر ما أُعتق منه،و إن فقأ مكاتب عين مملوك و قد أدّى نصف مكاتبته قوّم المملوك و أدّى المكاتب إلى مولى العبد نصف ثمنه (1)؛ انتهى.

و أشار بما سمعته إلى ما حكاه عنه سابقاً،فقال:و في المقنع:

و المكاتب إذا قتل رجلاً خطأً فعليه من الدية بقدر ما أدّى من مكاتبته، و على مولاه ما بقي من قيمته،فإن عجز المكاتب فلا عاقلة له فإنّما ذلك على إمام المسلمين (2).

و من هذه العبارة يظهر ما في نسبة جماعة (3)مختار المفيد إلى الصدوق،فإنّ بين مختاريهما فرقاً واضحاً،و كذا في نسبة مختاره إلى الديلمي؛ على ما يظهر من عبارته التي حكاها الفاضل المتقدم عنه في المراسم،و هي هذه:على الإمام أن يزن عنه بقدر ما عتق منه،و يستسعي في البقيّة (4).

ص:231


1- كشف اللثام 2:449.
2- كشف اللثام 2:449.
3- منهم ابن فهد في المهذّب 5:168،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:68،انظر مرآة العقول 24:80.
4- كشف اللثام 2:449،و هو في المراسم:237.

و هنا

مسائل
الأولى لو قتل الحرّ حرّين

مسائل ثلاث:

الاُولى :لو قتل الحرّ حرّين فصاعداً عمداً فليس للأولياء إلّا قتله بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع عن المبسوط و الخلاف كما ستسمعه،و هو الحجّة؛ مضافاً إلى الأصل،و قولهم عليهم السلام:«إنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه» (1).

فلو قتلوه لم يكن لهم المطالبة بالدية.

و لو قتله أحدهم،فهل للباقي المطالبة بالدية؟فيه وجهان،بل قولان،من أنّ الجناية لم توجب سوى القصاص،و من عموم قوله(عليه السّلام):

«لا يطلّ دم امرئ مسلم» (2)و اختار هذا الفاضل في القواعد في هذا الكتاب،و إن تردّد فيه في الديات،و تبعه ولده في الشرح،و الفاضل المقداد في شرح الكتاب،و شيخنا في المسالك،و إن كان ظاهره التردّد فيه في الروضة،و حكي عن الإسكافي و ابن زهرة (3).

و ظاهر العبارة و نحوها الأوّل،كما عن النهاية و الوسيلة و السرائر و الجامع و المبسوط و الخلاف (4)،مدّعى فيهما الإجماع،و هو الأوفق بالأصل.

ص:232


1- الفقيه 4:286/89،الوسائل 29:85 أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 18؛ بتفاوت يسير؛ و كذا الحديث 10 من نفس الباب.
2- عوالي اللئلئ 2:441/160.
3- القواعد 2:284 و 300،إيضاح الفوائد 4:573،التنقيح الرائع 4:421،المسالك 2:463،الروضة 10:50،حكاه عن الإسكافي في المختلف:818،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):619.
4- النهاية:746،الوسيلة:432،السرائر 3:348،الجامع للشرائع:579،المبسوط 7:61،الخلاف 5:182.

و لو قتل العبد حرّين فصاعداً على التعاقب واحداً بعد واحد ففي رواية علي بن عقبة،عن مولانا الصادق(عليه السّلام):في عبد قتل أربعة أحرار،واحداً بعد واحد،قال:« هو لأولياء الأخير من القتلى،إن شاءُوا قتلوه،و إن شاءُوا استرقّوه؛ لأنّه إذا قتل الأوّل استحقّه أولياؤه،فإذا قتل الثاني استُحقّ من أولياء الأوّل فصار لأولياء الثاني» (1)و هكذا.

و في رواية أُخرى صحيحة أنّهما يشتركان فيه ما لم يحكم به لوليّ الأوّل (2) و باختلافهما اختلف الأصحاب،فبين مفتٍ بالأُولى، كالشيخ في النهاية (3)،و مفتٍ بالثانية كهو في الاستبصار و عن الإسكافي و الحلّي (4)،و عليه عامّة المتأخّرين.

و هو الأقوى؛ لصحة سندها،و اعتضادها بفتوى أكثر الأصحاب،بل كلّهم؛ لرجوع الشيخ عن الأُولى إليها.و بالاعتبار؛ لاشتراكهما في الاستحقاق،و عدم الانتقال بمجرّد الجناية بدون الاسترقاق،فإنّ الأصل في مقتضى العمد القصاص،فلا وجه لتردّد الماتن هنا،مع فتواه في الشرائع (5)بالثانية صريحاً،بل طرح الاُولى متعيّن جدّاً.

و يمكن حملها على ما لو اختار أولياء السابق استرقاقه قبل جنايته

ص:233


1- التهذيب 10:774/195،الإستبصار 4:1040/274،الوسائل 29:104 أبواب القصاص في النفس ب 45 ح 3.
2- الفقيه 4:311/94،التهذيب 10:775/195،الإستبصار 4:1041/274،الوسائل 29:104 أبواب القصاص في النفس ب 45 ح 1.
3- النهاية:752.
4- الاستبصار 4:274،حكاه عن الإسكافي في المختلف:795،الحلّي في السرائر 3:357.
5- الشرائع 4:207.

على اللاحق؛ جمعاً.

و احترز بالتعاقب عمّا لو قتلهما دفعةً،فإنّ أولياء المقتولين يشتركون فيه حينئذٍ اتفاقاً،كما في شرح الشرائع للصيمري و المسالك و غيرهما (1)، و في غيرها نفي الخلاف عنه (2).

قالوا:و يكفي في الحكم به للأوّل اختياره استرقاقه قبل جنايته على الثاني،و إن لم يحكم به حاكم،و مع اختياره الاسترقاق لو قَتَل بعد ذلك فهو للثاني،فإن اختار استرقاقه ثم قَتَل فهو للثالث،و هكذا.

و نبّهوا بذلك على خلاف الشيخ في الاستبصار (3)،حيث اشترط في ذلك حكم الحاكم به،و ظاهر الرواية الصحيحة معه،فإنّ فيها:عبد جرح رجلين،قال:«بينهما إن كانت الجناية محيطة بقيمته» قيل له:فإن جرح رجلاً في أوّل النهار و آخر في آخر النهار؟قال:«هو بينهما ما لم يحكم الوالي في المجروح الأوّل» قال:«فإن جنى بعد ذلك جناية فإنّ جنايته على الأخير» (4).

و حمله في المختلف (5)على ما يجب أن يحكم به،و هو الانتقال المستند إلى الاختيار،و في المسالك بعد نقل ما مرّ عن الشيخ قال:و لعلّه جعل حكم الحاكم به كناية عن اختيار الأوّل الاسترقاق (6).و هو غير بعيد.

ص:234


1- غاية المرام 4:377،المسالك 2:463؛ ملاذ الأخيار 16:400.
2- كشف اللثام 2:451.
3- الإستبصار 4:274.
4- الفقيه 4:311/94،التهذيب 10:775/195،الإستبصار 4:1041/274،الوسائل 29:104 أبواب القصاص في النفس ب 45 ح 1.
5- المختلف:796.
6- المسالك 2:464.
الثانية لو قطع يمين رجلين

الثانية: لو قطع حرّ يمين رجلين حرّين قطعت يمينه للأوّل و يساره للثاني كما لو قطع يمينه و لا يمين له،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في المسالك،و عن الخلاف و الغنية (1)،و هو الحجّة المخصِّصة لعموم ما دلّ على اعتبار المماثلة؛ مضافاً إلى ما سيأتي من الرواية الدالّة عليه صريحاً و فحوى.

و قال الشيخ في النهاية (2):و لو قطع يداً و ليس له يدان قطعت رجله باليد،و كذا لو قطع أيدي جماعة قطعت يداه بالأوّل فالأوّل و الرجل بالأخير فالأخير،و لمن يبقى بعد ذلك الدية و نحوه في الخلاف (3)،و تبعه أكثر الأصحاب بل لم نقف لهم على مخالف،عدا الحلّي و شيخنا الشهيد الثاني (4)،حيث اعتبرا المماثلة،فلم يجوّزا قطع الرجل باليد،و أوجبا الدية؛ عملاً منهما بالعمومات المتقدّمة.

و هما شاذّان،محكي على خلافهما الإجماع عن الخلاف و في الغنية (5)،و هو الحجّة،مضافاً إلى الرواية المشار إليها بقوله:

و لعلّه استناداً إلى رواية حبيب السجستاني الصحيحة إليه، و كالصحيحة من أصلها؛ لرواية الحسن بن محبوب المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه،و مع ذلك مروية في الكتب الثلاثة و المحاسن للبرقي عنه عن أبي جعفر(عليه السّلام) :عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين،قال:فقال:

«يا حبيب تقطع يمينه للذي قطع يمينه أوّلاً،و تقطع يساره للذي قطع يمينه

ص:235


1- المسالك 2:463،الخلاف 5:193،الغنية(الجوامع الفقهية):620.
2- النهاية:771.
3- الخلاف 5:193.
4- الحلّي في السرائر 3:396،الشهيد الثاني في المسالك 2:463.
5- الخلاف 5:193،الغنية(الجوامع الفقهية):620.

أخيراً؛ لأنّه إنّما قطع يد الرجل الأخير و يمينه قصاص للرجل الأوّل» قال:

فقلت:إن عليّاً(عليه السّلام)إنّما كان يقطع اليد اليمنى و الرجل اليسرى،قال:فقال:

«إنّما يفعل ذلك فيما يجب من حقوق اللّه تعالى،فأمّا ما كان من حقوق المسلمين فإنّه يؤخذ لهم حقوقهم في القصاص،اليد باليد إذا كان للقاطع يدان،و الرجل باليد إن لم يكن للقاطع يدان» فقلت له:أو ما توجب عليه الدية و تترك له رجله؟فقال:«إنّما توجب عليه الدية إذا قطع يد رجل و ليس للقاطع يدان و لا رجلان،فثمّ توجب عليه الدية؛ لأنّه ليس له جارحة يقاصّ منها» (1).

و هذه الرواية مع اعتبار سندها بما عرفته من القرب من الصحّة معلّلة سليمة عن المعارض بالكلّية عدا العمومات المتقدّم إليها الإشارة، و هي بها مخصَّصة؛ لحصول المكافأة،سيّما مع عمل الأصحاب بها و وصفهم لها بالصحة،و إن لم يظهر وجهه؛ لأنّ حبيباً لم ينصّوا على توثيقه ،و إنّما ذكروا أنّه كان شارياً (2)و انتقل إلينا (3)،و في إلحاقه بذلك بالحسن فضلاً عن الصحيح بُعد.

و يحتمل كون الوصف بها إضافيّاً؛ لصحة الطريق إلى الراوي،و لكن مثله غير نافع لحجّية الحديث إن لم يكن الراوي بصفة الصحيح،و لذا استجود الشهيد الثاني في الروضة (4)طرح الرواية،و العمل بعمومات المماثلة.

ص:236


1- الكافي 7:4/319،الفقيه 4:328/99،التهذيب 10:1022/259،الوسائل 29:174 أبواب قصاص الطرف ب 12 ح 2.
2- قيل:أي خارجياً.منه رحمه اللّه.
3- رجال الكشي 2:637.
4- الروضة 10:51.

و هو ضعيف في الغاية؛ لعدم انحصار الحجة في الرواية الصحيحة، بل القربية منها كذلك،و الرواية كذلك كما عرفته،و على تقدير ضعفها ففتوى الأصحاب لها جابرة،سيّما مع دعوى جملة منهم عليه إجماع الإمامية،و عدم ظهور مخالف لهم بالكلّية عدا الحلّي،و هو شاذّ كما عرفته.

و من هنا يظهر أنّ تردّد الماتن لا وجه له.

و على المختار يجب الاقتصار في مخالفة العمومات على مورد النص،و هو التقاصّ في الرجل باليد،و به قطع الفاضل في التحرير و غيره (1).

خلافاً للحلبي (2)،فعمّم الحكم فقال:و كذلك القول في أصابع اليدين و الرجلين و الأسنان.و لعلّه نظر إلى ما مرّ في الرواية من العلّة.

و اعلم أنّ ذكر هذه المسألة في قصاص الطرف كما فعله جماعة أولى من ذكرها هنا.

الثالثة إذا قتل العبد حرّا عمداً فأعتقه

الثالثة :إذا قتل العبد حرّا عمداً فأعتقه بعد ذلك مولاه ففي صحة العتق تردّد :

من بقاء ملكه عليه،و تغليب الحرّية،و كون الأصل في قضية العمد القتل دون الاسترقاق،و هو باق مع العتق؛ لأنّ المقتول مكافئ للحرّ لو كانت الحرّية ابتداءً،فمع طريانها أولى،هذا،مع كون العتق أقوى من الجناية؛ لنفوذه في ملك الغير و هو الشريك،بخلافها.

و من تسلّط الوليّ على إزالة ملكه عنه بالقتل أو الاسترقاق،فيضعف ملك المولى له،و تعلّق حق الغير به قصاصاً أو استرقاقاً،و هو يمنع

ص:237


1- التحرير 2:246،الإرشاد 2:209،القواعد 2:304.
2- الكافي في الفقه:389.

الاسترقاق.

و الأشبه عند الماتن هنا و في الشرائع و شيخنا في شرحه و فخر الدين و الفاضل المقداد في الشرح (1): أنه لا ينعتق؛ لأنّ للوليّ التخيير في الاقتصاص و الاسترقاق بالنصّ و الوفاق،و هو ينافي صحة العتق؛ لعدم إمكان أحد فردي متعلّق الخيار معه،و إن أمكن الفرد الآخر الذي هو الاقتصاص،فإنّ إلزام الوليّ به إجبار لا تخيير.

نعم لو قلنا ببقاء الخيار معه و أنّه إن اقتصّ منه أو استرقّه بطل عتقه، و إن عفا على مال و افتكّه مولاه عتق،و كذا لو عفا عنه مطلقا،كما في التحرير و غيره (2)لم يلزم المحذور،لكن يلزم محذور آخر،و هو كون العتق موقوفاً مع أنّ من شرطه التنجيز و عدم التعليق.

اللهم إلّا أن يمنع عن ضرر مثل هذا التعليق،و يخصّ التعليق الممنوع منه بما ذكره في صيغة العتق،لا ما كان موجباً لتوقّفه من خارج كما نحن فيه،فتدبّر.

و لو كان قتله له خطأً ففي رواية عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر(عليه السّلام) قال:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في عبد قتل حرّا خطأً،فلمّا قتله أعتقه مولاه» قال:«فأجاز عتقه،و ضمّنه الدية» (3)و مقتضاها كما ترى أنه يصحّ العتق و يضمن المولى الدية و به أفتى في النهاية و الفاضل في القواعد (4)؛ لها؛ و لأنّ الخيار في الخطأ إلى السيّد إن

ص:238


1- الشرائع 4:209،المسالك 2:464،فخر الدين في الإيضاح 4:584،التنقيح 4:423.
2- التحرير 2:246،القواعد 2:288.
3- التهذيب 10:794/200،الوسائل 29:216 أبواب ديات النفس ب 12 ح 1.
4- النهاية:751،القواعد 2:287.

شاء سلّمه،و إن شاء فداه،فعتقه دليل على اختياره الافتداء.

و يضعّف الرواية:بأنّ في عمرو ضعف مشهور ،و مع ذلك مرسلة،فلا تصلح للحجّية.

و التعليل:بجواز إعسار السيّد و عجزه عن الدية،فلو حكمنا بصحة العتق لزم أن يطلّ دم امرئ مسلم،و هو باطل،و من ثمّ قيّدها الفاضل (1)بصورة يسار المولى المعتق.و يضعّف هذا بأنّه قد يدافع مع يساره.

و حينئذٍ ف الأشبه اشتراط الصحة بتقديم المولى الضمان للدية على العتق مع رضاء وليّ الدم به،أو أدائه لها قبله؛ فراراً عن ذينك المحذورين،و هو حسن.

و ربما يقيّد الصحة بأداء المولى الدية من دون اعتبار تقديم الأداء، حتى لو أدّاها بعد العتق صحّ و لو لم يضمنها قبله،كما في المسالك (2).

و يشكل حينئذٍ بأنّ العتق لا يقع موقوفاً؛ لبنائه على التغليب،بل إمّا أن يحكم بصحته منجّزاً أو ببطلانه رأساً،فلا وجه للحكم بالصحة متزلزلاً إلى الأداء.

و ظاهر عبارة الماتن هنا و في الشرائع (3)كفاية تقديم الضمان للدية قبل العتق في لزوم صحته مطلقاً،أدّاها قبله أم لا،رضي الوليّ بالضمان أم لا.

و يشكل في صورة عدم الأداء مع عدم ظهور رضاء الوليّ بضمانها، بأنّه قد يضمنها و يدافع بعد ذلك عن الأداء،كما ورد على الفاضل في

ص:239


1- القواعد 2:288.
2- المسالك 2:464.
3- الشرائع 4:209.

القواعد.

فالأجود التعبير بما قدّمناه،وفاقاً للفاضل المقداد في شرح الكتاب (1)،حيث لم يعبّر عن الأشبه بما في المتن،بل قال:و التحقيق هنا أن نقول:إن دفع الدية أوّلاً أو ضمن و رضي الوليّ صحّ العتق،و إلّا فلا.

الشرط الثاني الدين

الشرط الثاني: التساوي في الدين فلا يقتل مسلم بكافر مطلقاً ذمّيا كان أو غيره إجماعاً من العلماء كافّة في الحربي على الظاهر،المصرَّح به في الإيضاح (2)،و من الإمامية خاصة مطلقاً،حتى الذمّي مع عدم اعتياد قتله،كما ادّعاه جماعة حدّ الاستفاضة،كالحلّي في السرائر و فخر الدين في الإيضاح و شيخنا في المسالك (3)،و نفى عنه الخلاف في التنقيح (4)و شرح الشرائع للصيمري (5).

و كأنّهم لم يعتدّوا بما يحكى عن الصدوق في المقنع (6)من تسويته بين المسلم و الذمّي في أن الوليّ إن شاء اقتصّ من قاتله المسلم بعد ردّ فاضل الدية،و إن شاء أخذ الدية.

مع أنّه يدل عليه جملة من المعتبرة،كالصحيح:«إذا قتل المسلم النصراني ثم أراد أهله أن يقتلوه قتلوه و أدّوا فضل ما بين الديتين» (7).

ص:240


1- التنقيح 4:423.
2- الإيضاح 4:592.
3- السرائر 3:397،الإيضاح 4:592،المسالك 2:465.
4- التنقيح 4:424.
5- غاية المرام 4:383.
6- المقنع:191.
7- الكافي 7:8/310،التهذيب 10:743/189،الإستبصار 4:1025/271،الوسائل 29:108 أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 4.

و الصحيح:«إذا قتل المسلم يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً و أرادوا أن يقيدوا ردّوا فضل دية المسلم و أقادوا به» (1)و نحوهما الموثق (2).

و لكنّها بإطلاقها شاذّة معارضة بما عرفت من الإجماع المستفيض في كلام الجماعة،و نصّ الكتاب،قال سبحانه وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [1] (3).

مضافاً إلى الاعتبار،و النصوص الآتية،فلتكن هذه مطرحة،أو محمولة على التقية؛ لموافقتها لرأي أبي حنيفة كما حكاه عنه بعض الأجلة (4)،أو على صورة الاعتياد كما فصّلته النصوص المعارضة.

و بالجملة:لا ريب في عدم قتل المسلم بالكافر مطلقا في الصورة المفروضة.

و لكن يعزّر المسلم القاتل و يغرم دية الذميّ إذا قتله.

و لو اعتاد المسلم ذلك أي قتل الذمّي فهل يجوز قتله به، أم لا؟الحلّي (5)على الثاني؛ عملاً بنصّ الكتاب المتقدّم،مع دعواه الإجماع عليه،و وافقه فخر الدين و والده في جملة من كتبه (6)في ظاهر كلامه.

ص:241


1- الكافي 7:2/309،التهذيب 10:741/189،الإستبصار 4:1023/271،الوسائل 29:107 أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 2.
2- الكافي 7:3/309،التهذيب 10:742/189،الإستبصار 4:1024/271،الوسائل 29:108 أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 3.
3- النساء:141.
4- انظر الإيضاح 4:594.
5- السرائر 3:352.
6- فخر الدين في الإيضاح 4:594،والده في المختلف:794،القواعد 2:290،التحرير 2:247.

و الأشهر كما ادّعاه الشهيدان و غيرهما (1)الأوّل،بل زاد أوّلهما فادّعى الإجماع عليه،فقال:و الحقّ أنّ هذه المسألة إجماعية،فإنّه لم يخالف فيها أحد سوى ابن إدريس،و قد سبقه الإجماع عليه،و لو كان هذا الخلاف مؤثّراً في الإجماع لم يوجد إجماع أصلاً.

و قريب منه كلام الثاني في الروضة،حيث قال:و العجب أنّ ابن إدريس احتجّ على مذهبه بالإجماع على عدم قتل المسلم بالكافر،و هو استدلال في مقابلة الإجماع،انتهى.

و حكى التصريح به عن الانتصار (2)،و هو الحجّة على انتصار هذا القول.

مضافاً إلى نحو الصحيحين المتقدّمين المجوِّزين لقتل المسلم بالذمّي بعد ردّ أوليائه الدية،و شمولها لصورة عدم الاعتياد بالإطلاق مقيّد بالإجماع،و ببعض المعتبرة المروي بعدّة طرق،جملة منها موثّقة كالصحيحة بأبان و فضالة اللذين قد نقل على تصحيح ما يصحّ عنهما إجماع العصابة (3):عن دماء اليهود و النصارى و المجوس،هل عليهم و على من قتلهم شيء،إذا غشّوا المسلمين و أظهروا لهم العداوة؟قال:«لا،إلّا أن يكون متعوّداً لقتلهم» و عن المسلم هل يقتل بأهل الذمّة و أهل الكتاب إذا قتلهم؟قال:«لا،إلّا أن يكون معتاداً لذلك لا يدع قتلهم،فيقتل و هو صاغر» (4).

ص:242


1- الشهيد الأوّل في غاية المراد 4:347،الشهيد الثاني في الروضة 10:55،كشف اللثام 2:454.
2- الانتصار:272.
3- انظر رجال الكشي 2:673،830.
4- الكافي 7:4/309،الفقيه 4:301/92،التهذيب 10:744/189،الإستبصار 4:1026/271،الوسائل 29:107 أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 1.

و نحوه خبر آخر (1)،ضعف سنده كقصور سابقه إن كان منجبر بالشهرة الظاهرة و المحكية،مضافاً إلى حكاية الإجماعات المتقدّمة،و بهذه الأدلّة تخصّ ظاهر الكتاب و إطلاق الصحيحة:«لا يقاد مسلم بذمّي في القتل و لا في الجراحات،و لكن يؤخذ من المسلم ديته للذمّي على قدر دية الذميّ ثمانمائة درهم» (2).

و أمّا الجواب عن إجماع الحلّي فقد عرفته بما في الروضة،فلا ريب أيضاً في هذه المسألة.

و لعلّه لذا رجع الماتن عن التردّد فيها في الشرائع (3)إلى الجزم بما هنا؛ لقوله: جاز الاقتصاص مع ردّ فاضل الدية (4) و ظاهره كما ترى كون القتل قصاصاً لا حدّا،كما عن المقنعة و النهاية و الجامع و الوسيلة (5)، و عن الإسكافي و الحلبي و ظاهر الفقيه و الغنية (6)أنّه يقتل حدّا فلا يجب ردّ الدية،كما عليه الفاضل (7).

و مقتضى النصوص بعد ضمّ بعضها إلى بعض بالنسبة إلى ردّ فاضل الدية هو الأوّل،و هو الوجه مع عدم ظهور دليل غيره.

و في الروضة:و يمكن الجمع بين الحكمين،فيقتل لقتله و إفساده،

ص:243


1- الكافي 7:12/310،الفقيه 4:301/92،التهذيب 10:744/189،الإستبصار 4:1026/271،الوسائل 29:109 أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 6.
2- الكافي 7:9/310،التهذيب 10:740/188،الإستبصار 4:1022/270،الوسائل 29:108 أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 5.
3- الشرائع 4:211.
4- في المختصر المطبوع:دية المسلم.
5- المقنعة:739،النهاية:749،الجامع للشرائع:572،الوسيلة:431.
6- حكاه عن الإسكافي في المختلف:794،الحلبي في الكافي:384،الفقيه 4:92،الغنية(الجوامع الفقهية):620.
7- التحرير 2:447.

و يردّ الورثة الفاضل.و تظهر فائدة القولين في سقوط القود بعفو الوليّ، و توقّفه على طلبه على الأوّل دون الثاني.و على الأوّل ففي توقّفه على طلب جميع أولياء المقتولين أو الأخير خاصة،وجهان،منشؤهما كون قتل الأوّل جزءاً من السبب أو شرطاً فيه،فعلى الأوّل الأوّل،و على الثاني الثاني، و لعلّه أقوى.و يتفرّع عليه أنّ المردود عليه هو الفاضل عن ديات جميع المقتولين أو عن دية الأخير،فعلى الأوّل الأوّل أيضاً،و على الثاني الثاني.

و المرجع في الاعتياد إلى العرف،و ربما تحقق بالثانية؛ لأنّه مشتق من العود،فيقتل فيها أو في الثالثة،و هو الأجود؛ لأنّ الاعتياد شرط في القصاص،فلا بدّ من تقدّمه على استحقاقه (1)،انتهى كلامه زيد إكرامه.

و إنّما نقلناه بطوله لتكفّله لجملة من فروع المسألة و متعلّقاته،مع جودة مختاره.

لكن ما ذكره أوّلاً من إمكان الجمع بين الحكمين لا يخلو عن نظر؛ لكونه إحداث قول،و لذا فرع جماعة على القولين ردّ فاضل الدية فأثبتوه على الأوّل،و نفوه على الثاني.

و كذا ما ذكره أخيراً من جواز القتل في الثالثة منظور فيه؛ لعدم صدق الاعتياد بالمرّتين عرفاً،و إن صدق لغةً نظراً إلى مبدأ الاشتقاق،بناءً على ترجيح العرف عليه،كما هو الأظهر الأشهر،و به اعترف.

نعم لو عكس صحّ ما ذكره،فتأمّل .

و يقتل الذمّي بالذمّي و إن اختلفت ملّتهما،كاليهودي و النصراني و بالذمّية بعد ردّ أوليائها فاضل ديته عن دية الذمّية،و هو نصف ديته.

ص:244


1- الروضة 10:57.

و تقتل الذمّية بمثلها،و بالذمّي مطلقاً و لا ردّ هنا؛ فإنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه،مع أنّه لا خلاف فيه و لا في شيء ممّا سبقه،بل حكى عليه الإجماع بعض الأجلّة (1).

و الأصل فيها بعده عمومات الكتاب و السنّة المتقدمة في جناية المسلم و المسلمة،مضافاً إلى خصوص القوية في الجملة:«أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)كان يقول:يقتصّ لليهودي و النصراني و المجوسي بعضهم من بعض،و يقتل بعضهم ببعض إذا قتلوا عمداً» (2).

و لو قتل الذمّي مسلماً عمداً دفع هو و ماله إلى أولياء المقتول،و له أي لوليّه الخيرة بين قتله و استرقاقه على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و عن الانتصار و السرائر و ظاهر النكت و في الروضة (3)الإجماع عليه، و هو الحجّة.مضافاً إلى الصحيح المروي في الكتب الثلاثة:في نصراني قتل مسلماً،فلمّا أُخذ أسلم،قال:«اقتله به» قيل:فإن لم يسلم،قال:«يدفع إلى أولياء المقتول،فإن شاءُوا قتلوا،و إن شاءُوا عفوا،و إن شاءُوا استرقّوا» قيل:و إن كان معه عين مال،قال:«دفع إلى أولياء المقتول هو و ماله» (4).

و لا فرق في تملّك أمواله بين ما ينقل منها و ما لا ينقل،و لا بين العين و الدين،كما هو ظاهر إطلاق النصّ و الفتوى،و به صرّح في التحرير (5)،

ص:245


1- مجمع الفائدة 14:28.
2- الكافي 7:6/309،التهذيب 10:749/190،الوسائل 29:110 أبواب القصاص في النفس ب 48 ح 1.
3- الانتصار:275،السرائر 3:351،نكت النهاية 3:387،الروضة 10:61.
4- الكافي 7:7/310،الفقيه 4:295/91،التهذيب 10:750/190،الوسائل 29:110 أبواب القصاص في النفس ب 49 ح 1.
5- التحرير 2:247.

و اختصاص السؤال في الرواية بالعين لا يوجب تقييد المال المطلق في الجواب بها،فتأمّل جدّاً .

و كذا لا فرق بين المساوي لفاضل دية المسلم و الزائد عليه المساوي للدية و الزائد عليها؛ لما مضى.

خلافاً للمحكي عن الحلبيّين (1)،فإنّما أجازا الرجوع على تركته أو أهله بدية المقتول أو قيمته إن كان مملوكاً.

و لا بين اختيار الأولياء قتله أو استرقاقه.

خلافاً للحلّي (2)،فإنّما أجاز أخذ المال إذا اختير الاسترقاق؛ لأنّ مال المملوك لمولاه.

قيل:و يحتمله الخبر و كلام الأكثر (3).و فيه نظر .

و هل يسترقّ ولده الصغار غير المكلّفين؟قولان:

من أنّ الطفل يتبع أباه،فإذا ثبت له الاسترقاق شاركه فيه،و أنّ المقتضي لحقن دمه و احترام ماله و ولده هو التزامه بالذمّة،و قد خرقها بالقتل،فتجري عليه أحكام أهل الحرب.

و من أصالة بقاء حرّيتهم؛ لانعقادهم عليها،و عموم وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [1] (4)و خلوّ النص المتقدّم عن ذلك مع وروده في مقام الحاجة.

مع ضعف الأوجه السابقة،فالأوّل:بمنع التبعية كلّيةً حتى هنا،و إن

ص:246


1- أبو الصلاح في الكافي في الفقه:385،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):619.
2- السرائر 3:351.
3- كشف اللثام 2:455.
4- فاطر:18،الزمر:7.

هي إلّا عين المتنازع،و لا دليل عليها أصلاً.

و الثاني:بأنّه يوجب اشتراك المسلمين فيهم؛ لأنّهم فيء،أو اختصاص الإمام(عليه السّلام)بهم،لا اختصاص أولياء المقتول.

و لعلّه لذا قال الماتن: الأشبه:لا و هو كذلك،وفاقاً لكثير من متأخّري أصحابنا،تبعاً للحلّي (1)،و ربما يعزى إلى ابن بابويه و المرتضى (2).

خلافاً للمفيد و جماعة (3)،و ربما نسب إلى الشيخ (4)،لكن ذكر الشهيدان أنّه لم يجداه في كتبه (5).

و لو أسلم الذمّي بعد القتل أي بعد قتله المسلم و قبل قتله به كان كالمسلم في عدم جواز استرقاقه،بل يتعيّن قتله أو العفو عنه، بلا خلاف،كما في الصحيح المتقدم.

و أخذ ماله باقٍ على التقديرين؛ للإطلاق (6)،و به صرّح شيخنا في الروضة (7)،و احتمل بعض الأجلّة خلافه،قال:إذ لا يحل أخذ مال امرئ مسلم بغير وجه مقرّر (8).

و لو قتل الذمّي خطأً لزمته الدية في ماله إن كان له مال و لو

ص:247


1- السرائر 3:351.
2- انظر تعليقات باب القصاص لصاحب مفتاح الكرامة 10:22.
3- المقنعة:753،المراسم(للمجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السّلام)):238،الوسيلة:435.
4- نسبه إليه في الإيضاح 4:596،و هو في النهاية:748.
5- الشهيد الأوّل في غاية المراد(مخطوط)309،الشهيد الثاني في المسالك 2:465.
6- في«ن»:للأصل.
7- الروضة 10:61.
8- مجمع الفائدة 14:33.

لم يكن له مال كان الإمام عاقلته دون قومه كما في الصحيح:«ليس بين أهل الذمّة معاقلة فيما يكون من قتل أو جراحة،إنّما يؤخذ ذلك من أموالهم،فإن لم يكن لهم مال رجعت[الجناية]على إمام المسلمين؛ لأنّهم يؤدّون إليه الجزية كما يؤدّي العبد الضريبة إلى سيّده» قال:«و هم مماليك الإمام فمن أسلم منهم فهو حرّ» (1).

و به أفتى الشيخ في النهاية (2)و المتأخرون كافّة،و لكن لم يذكروه هنا، بل ذكروه في بحث عاقلة الذمّي من دون أن يذكروا خلافاً فيه ثمّة.

نعم في المختلف و التنقيح (3)حكي الخلاف فيه عن الحلّي،حيث حكم بأنّ عاقلته،الإمام مطلقا و لو كان له مال،و عن المفيد أنّه قال:تكون الدية على عاقلته،و لم يفصّل.و تردّد فيه في المختلف،و لا وجه له؛ لما عرفته من الصحيحة الصريحة.

الشرط الثالث أن لا يكون القاتل أباً

الشرط الثالث: أن لا يكون القاتل أباً للمقتول.

فلو قتل الوالد ولده لم يقتل به مطلقا،بلا خلاف أجده،بل عليه إجماعنا في كلام جماعة (4)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة العامية و الخاصية،ففي النبوي(صلّى اللّه عليه و آله):

«لا يقاد الوالد بالولد» (5).

ص:248


1- الكافي 7:1/364،الفقيه 4:357/106،التهذيب 10:674/170،الوسائل 29:391 أبواب العاقلة ب 1 ح 1،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
2- النهاية:748.
3- المختلف:794،التنقيح 4:428،و هو في السرائر 3:352،و المقنعة:753.
4- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):619،الشهيد في المسالك 2:467،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:16،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:455.
5- مسند أحمد 1:16،22،سنن الدارقطني 3:182/141،كنز العمّال 15:5.

و في الصحيح:عن الرجل يقتل ابنه،أ يقتل به؟قال:«لا» (1).

و في القريب منه سنداً:«لا يقاد والد بولده،و يقتل الولد إذا قتل والده عمداً» (2).

و نحوه أخبار أُخر مستفيضة،منجبر قصور أسانيدها أو ضعفها بفتوى الطائفة،فلا إشكال بحمد اللّه سبحانه في المسألة.

و لا في أنّ عليه أي الأب القاتل الدّية لورثة ولده الذي قتله غيره؛ لئلّا يطلّ دم امرئ مسلم،و حسماً للجرأة،و للخبر:«لا قود لرجل أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه فأصابه عيب من قطع و غيره، و تكون له الدية،و لا يقاد» (3).

و الكفّارة لعموم الأدلّة أو فحواها،بلا شبهة و التعزير لذلك، و للنصّ:في الرجل يقتل ابنه أو عبده،قال:«لا يقتل به،و لكن يضرب ضرباً شديداً،و ينفى عن مسقط رأسه» (4)مع أنّ ذلك مقتضى فعل كلّ محرّم لم يحدّ فيه حدّ.

و يقتل الولد بأبيه بلا خلاف؛ للعمومات،و خصوص ما مرّ من الروايات.

ص:249


1- الكافي 7:4/298،التهذيب 10:943/237،الوسائل 29:77 أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 2.
2- الكافي 7:1/297،التهذيب 10:941/236،الوسائل 29:77 أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 1.
3- التهذيب 10:1148/237،الوسائل 29:79 أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 10.
4- الفقيه 4:290/90،التهذيب 10:939/236،الوسائل 29:79 أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 9.

و كذا الاُمّ تقتل بالولد و يقتل بها و كذا الأقارب يقتلون به، و يقتل بهم؛ عملاً بالعمومات،و اقتصاراً فيما خالفها على ما هو مورد الفتاوي و ما مضى من الروايات.

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده بيننا،إلّا ما يحكى عن الإسكافي في قتل الأمّ بالولد و كذا الأقارب،فمنع عنه تبعاً للعامّة،كما حكاه عنه بعض الأجلّة (1).

و في قتل الجدّ للأب بولد الولد تردّد ينشأ:من أنّه هل هو أب حقيقةً،أو مجازاً؟فإن قلنا بالأوّل لم يقتل به،و إلّا قتل به،و المشهور الأوّل،و منهم الفاضلان في الشرائع و الإرشاد و القواعد و التحرير، و الشهيدان في اللمعتين (2)،و غيرهم من متأخّري الأصحاب (3)،تبعاً للمحكي عن الخلاف و المبسوط و الوسيلة (4)و يعضدهم تقديم الشارع عقده على ابنة الابن على عقده عليها إذا تقارنا،مع أنّي لم أجد في ذلك مخالفاً عدا الماتن هنا،حيث بقي في الحكم متردّداً،و تبعه بعض (5).

و مقتضى إطلاق النص و الفتوى عدم الفرق في الحكم بعدم قتل الوالد بالولد بين كونه ذكراً أو أُنثى،و كون الوالد مساوياً لولده في الدين و الحرّية أم لا،و به صرّح جماعة من أصحابنا (6).

ص:250


1- انظر المختلف:819.
2- الشرائع 4:214،الإرشاد 2:203،القواعد 2:291،التحرير 2:249،اللمعة و الروضة 10:64.
3- كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2:455.
4- الخلاف 5:152،المبسوط 7:9،الوسيلة:431.
5- التنقيح 4:428،المفاتيح 2:127.
6- منهم العلّامة في التحرير 2:249،الشهيد في المسالك 2:467،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:455.
الشرط الرابع كمال العقل

الشرط الرابع: كمال العقل فلا يقاد المجنون بعاقل،و لا مجنون،سواء كان الجنون دائماً أو أدواراً إذا قتل حال جنونه،بلا خلاف أجده،بل ادعى عليه الإجماع بعض الأجلّة (1)،و هو الحجّة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«كان أمير المؤمنين(عليه السّلام) يجعل جناية المعتوه على عاقلته،خطأً كان أو عمداً» (2).

و القوي:«أنّ محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)يسأله عن رجل مجنون قتل رجلاً عمداً،فجعل الدّية على قومه،و جعل عمده و خطأه سواء» (3)إلى غير ذلك من النصوص الآتية.

و لا الصبي بمثله،و لا ببالغ،بلا خلاف إذا لم يبلغ خمسة أشبار و لا عشراً،و كذا إذا بلغهما على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة متأخّري أصحابنا،وفاقاً منهم للحلّي و الخلاف (4)من القدماء،و ادّعى الأخير فيه إجماع الفرقة،و هو الحجة.

مضافاً إلى بعض ما مرّ إليه الإشارة،و للمعتبرة المستفيضة التي هي ما بين صريحة و ظاهرة،فمن الأوّل:الصحيح:«عمد الصبي و خطاؤه واحد» (5).

ص:251


1- كشف اللثام 2:456.
2- الفقيه 4:358/107،التهذيب 10:919/233،الوسائل 29:400 أبواب العاقلة ب 11 ح 1.
3- الفقيه 4:272/85،التهذيب 10:916/232،الوسائل 29:401 أبواب العاقلة ب 11 ح 5.
4- الحلّي في السرائر 3:369،الخلاف 5:176.
5- التهذيب 10:920/233،الوسائل 29:400 أبواب العاقلة ب 11 ح 2.

و الخبر،بل الموثق أو الحسن كما قيل (1):أنّ عليّاً(عليه السّلام)كان يقول:

«عمد الصبيان خطأ تحمله العاقلة» (2).

و نحوه المروي عن قرب الإسناد،عن علي(عليه السّلام)«أنّه كان يقول في المجنون و المعتوه الذي لا يفيق،و الصبي الذي لم يبلغ:عمدهما خطاء تحمله العاقلة،و قد رفع عنهما القلم» (3).

و من الثاني:النصوص المتقدّمة في كتاب الحجر في حدّ بلوغ الصبي و الجارية.

و بعض الأخبار الأوّلة كبعض ما سبقها في المجنون صريح في أنّ جنايتهما عمداً و خطأً على العاقلة مطلقا،كما عليه الأصحاب،لكن سيأتي في المجنون ما يوهم أخذ الدّية من ماله إن كان له مال،و إلّا فمن عاقلته،إلّا أنّه مع ضعف سنده غير صريح،بل و لا ظاهر في قتله حال الجنون،بل ظاهره ورود الحكم فيه بذلك في صورة اشتباه وقوع قتله حال جنونه أو إفاقته.

و كيف كان فلا شبهة فيما ذكره الأصحاب.

و لكن في رواية أنّه يقتصّ من الصبي إذا بلغ عشراً قيل:

و بها أفتى الشيخ في النهاية و المبسوط و الاستبصار (4)،و لم نظفر بها كذلك مسندة هنا،و إن ذكرها جملة من الأصحاب (5)كذلك،و لكن آخرون

ص:252


1- روضة المتقين 10:341.
2- التهذيب 10:921/233،الوسائل 29:400 أبواب العاقلة ب 11 ح 3.
3- قرب الإسناد:569/155،الوسائل 29:90 أبواب القصاص في النفس ب 36 ح 2.
4- كشف اللثام 2:456،و هو في النهاية:760،المبسوط 7:44،الاستبصار 4:287.
5- السرائر 3:325،القواعد 2:292،التحرير 2:249،المفاتيح 2:126.

منهم (1)اعترفوا بما ذكرناه،فهي مرسلة لا تصلح للحجيّة،فضلاً أن يعترض بها الأدلّة المتقدّمة،المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة.

و أمّا الصحيح:عن غلام لم يدرك و امرأة قتلا رجلاً؟فقال:«إنّ خطأ المرأة و الغلام عمد،فإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما» الحديث (2).

فشاذّ،مخالف للإجماع؛ إذ لا قائل بأنّ خطأ الصبي و المرأة عمد، و لذا حمل الشيخ-(رحمه اللّه) الخطأ فيه على العمد،بناءً على ما يعتقده بعض العامة من أنّ عمدهما خطأ؛ لأنّ من قتل غيره بغير حديد كان ذلك خطأً و يسقط القود (3)،فكأنّه(عليه السّلام)قال:إنّ عمدهما الذي يزعمه هؤلاء خطأً عمد.

و نحوه في الشذوذ ما دلّ على أنّه إذا بلغ ثمان سنين جاز أمره في ماله،و قد وجب عليه الفرائض و الحدود (4)،مع قصور سنده.

و في رواية أُخرى للسكوني عن الصادق(عليه السّلام)،عن أمير المؤمنين(عليه السّلام):«عن رجل و غلام اشتركا في قتل رجل،فقال: إذا

ص:253


1- كنز الفوائد 3:701،إيضاح الفوائد 4:600،التنقيح 4:429،المسالك 2:468،كشف اللثام 2:456.
2- الكافي 7:1/301،الفقيه 4:267/83،التهذيب 10:963/242،الوسائل 29:87 أبواب القصاص في النفس ب 34 ح 1.
3- التهذيب 10:243،الاستبصار 4:287،انظر المبسوط للسرخسي 11:120،بدائع الصنائع 7:180،المغني لابن قدامة 9:324.
4- التهذيب 9:736/183،الوسائل 19:212 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 15 ح 4.

بلغ الغلام خمسة أشبار اقتصّ منه،و إن لم يكن قد بلغ خمسة أشبار قضى بالدية» (1).

و ليس فيها كما ترى أنّه تقام عليه الحدود كما ذكره الماتن، و بمضمونها أفتى الشيخان و الصدوق و جماعة (2).

و قصور سندها مع عدم مكافأتها لما مضى يوهن العمل بها و يتعيّن العمل بما هو الأشهر من أنّ عمده خطأ حتى يبلغ التكليف لما مضى،مع تأيّده بلزوم الاحتياط في الدماء.

و ليس في شيء من النصوص و أكثر الفتاوي اعتبار الرشد بعد البلوغ.

خلافاً للفاضل في التحرير (3)،فاعتبره.و لم أعلم مستنده،كما اعترف به جماعة (4)،و تأوّله بعض المحشّين عليه بأنّ مراده من الرشد هنا كمال العقل؛ ليخرج المجنون،لا إصلاح المال؛ لقبول إقرار السفيه كما سيأتي.و لا بأس به؛ صوناً لفتوى مثله عن مثله.

ثم إنّ ما ذكر من أنّه لا يقاد المجنون بغيره إنّما هو إذا قتل حال جنونه أمّا لو قتل العاقل ثم جنّ لم يسقط القود بلا خلاف يظهر؛ للأصل.

و الخبر القريب من الصحيح:عن رجل قتل رجلاً عمداً فلم يقم عليه

ص:254


1- الكافي 7:1/302،الفقيه 4:270/84،التهذيب 10:922/233،الإستبصار 4:1085/287،الوسائل 29:90 أبواب القصاص في النفس ب 36 ح 1.
2- المفيد في المقنعة:748،الشيخ في النهاية:761،الصدوق في المقنع:186؛ مجمع الفائدة 14:9.
3- التحرير 2:249.
4- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:66،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:456.

الحدّ و لم تصح الشهادة حتى خولط و ذهب عقله،ثم إنّ قوماً آخرين شهدوا عليه بعد ما خولط أنّه قتله؟فقال:«إن شهدوا عليه بأنّه قتله حين قتله و هو صحيح ليس به علّة من فساد عقل قتل به،و إن لم يشهدوا عليه بذلك و كان له مال يعرف دفع إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل،و إن لم يترك مالاً أعطي الدية من بيت المال،و لم يطلّ دم امرئ مسلم» (1).

و لو قتل البالغ الصبي مع التكافؤ من غير جهة البلوغ قتل به على الأشبه الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ للعمومات السليمة هنا عن المعارض.

مضافاً إلى ظاهر خصوص المرسل:«كلّ من قتل شيئاً صغيراً أو كبيراً بعد أن يتعمّد فعليه القود» (2).

خلافاً للحلبي (3)،فأوجب الدية كالمجنون؛ لاشتراكهما في نقصان العقل.

و يضعّف بأنّ المجنون خرج بدليل من خارج كما يأتي،و إلّا كانت العمومات متناولة له،بخلاف الصبي،مع أنّ الفرق بينهما متحقّق،كذا ردّه جماعة (4).

و له أنّ يقول:إنّ النصّ المخرج للمجنون مخرج للصبي أيضاً،و إن

ص:255


1- الكافي 7:1/295،الفقيه 4:242/78،التهذيب 10:915/232،الوسائل 29:72 أبواب القصاص في النفس ب 29 ح 1.
2- الفقيه 4:265/83،التهذيب 10:648/162،الوسائل 29:53 أبواب القصاص في النفس ب 19 ح 5.
3- الكافي في الفقه:384.
4- منهم العلّامة في المختلف:800،و ابن فهد في المهذّب البارع 5:195،و الشهيد الثاني في المسالك 2:468،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:456.

كان نصّاً في الأوّل و ظاهراً في الثاني؛ لقوله(عليه السّلام):«فلا قود لمن لا يقاد منه» (1)و هو عامّ،و وروده في خصوص المورد لا يوجب التخصيص،كما قرّر في الأُصول.

مع تأيّده بما ورد من مثله في الحدود،و هو أنّه«لا حد لمن لا حدّ عليه» (2)و بلزوم الاحتياط في الدم.

و هو غير بعيد،إلّا أنّ الاكتفاء بمثل هذا الظهور في رفع اليد عن العمومات القطعية من الكتاب و السنّة و ظاهر المرسلة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون لنا الآن إجماع الطائفة في غاية الجرأة،و إن كان الاحتياط للأولياء معه،فلا يختاروا قتله،بل يصالحوا عنه بالدية.

و لا يقتل العاقل بالمجنون بلا خلاف أجده،و به صرّح في الغنية (3)،بل عليه الإجماع في السرائر (4)؛ للصحيح:عن رجل قتل رجلاً مجنوناً؟فقال:«إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فقتله فلا شيء عليه من قود و لا دية،و يعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين،و إن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه،و أرى أنّ على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون،و يستغفر اللّه عزّ و جلّ و يتوب إليه» (5).

ص:256


1- الكافي 7:1/294،الفقيه 4:234/75،التهذيب 10:913/231،الوسائل 29:71 أبواب القصاص في النفس ب 28 ح 1.
2- الكافي 7:1/253،2،الفقيه 4:125/38،التهذيب 10:19،59/83،325،الوسائل 28:42 أبواب مقدمات الحدود ب 19 ح 1.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):619.
4- السرائر 3:369.
5- تقدّم في ص 254.

و فيه الدلالة أيضاً على بعض ما ذكره بقوله: و تثبت الدية على العاقل إن كان قتله عمداً أو شبيهاً به و على العاقلة إن كان خطأً و لو قصد العاقل دفعه عن نفسه بعد أن أراده،فآل إلى قتله كان دم المجنون هدراً لا دية له على العاقل،و لا عاقلته،اتفاقاً ظاهراً،فتوًى و نصّاً خاصّاً،و هو الصحيح المتقدم،و عامّاً،و هو كثير، و شطر منه قد تقدّم في كتاب الحدود في أواخر الفصل السادس في حدّ المحارب.

و ظاهر إطلاق العبارة و نحوها أنّه لا دية له أصلاً،كما عن النهاية و المهذّب و السرائر (1)،و يقتضيه عموم نصوص الدفع.

خلافاً للمحكي عن المفيد و الجامع (2)،فأثبتاها في بيت المال،كما في الصحيحة،و يقتضيه عموم:«لا يطلّ دم امرئ مسلم» (3)المروي في المعتبرة.

و رواية أبي الورد المعتبرة برواية الحسن بن محبوب عنه،و هو ممّن أجمع على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة:رجل حمل عليه رجل مجنون بالسيف فضربه المجنون ضربة،فتناول الرجل السيف من المجنون فضربه فقتله،فقال:«أرى أن لا يقتل به،و لا يغرم ديته،و تكون ديته على الإمام، و لا يطلّ دمه» (4).

و نفى عنه البأس الصيمري في شرح الشرائع،قال:و المشهور سقوط

ص:257


1- النهاية:759،المهذّب 2:514،السرائر 3:368.
2- المفيد في المقنعة:748،الجامع للشرائع:575.
3- انظر الوسائل 29:89 أبواب القصاص في النفس ب 35.
4- الكافي 7:2/294،التهذيب 10:914/231،الوسائل 29:71 أبواب القصاص في النفس ب 28 ح 2.

القود و الدية معاً؛ لأنّ الدفع إمّا مباح أو واجب،فلا يتعقّبه ضمان (1).

و في هذا الدليل ما ترى؛ لأنّ مقتضاه نفي الأمرين عن القاتل لا مطلقاً.

و قريب منه الاستدلال بنصوص الدفع؛ لعدم معلومية شمول إطلاقها لمحل البحث،بل ظاهرها كون الحكم بالهدرية مقابلةً للمحارب و مؤاخذةً له بما له من القصد و النية،و ليس ذلك في المجنون بلا شبهة،و جواز دفاعه إنّما هو لأجل حفظ النفس المحترمة،لا المؤاخذة له بالقصد و النية، فلا غرو في وجوب الدية لدم المجنون؛ لأنّ نفسه أيضاً محترمة حيث لم يستصحبها فساد قصد و نيّة،و الشارع لما رخّص في إتلافها من غير تقصير من جهتها تداركها بالدية.

فالقول بثبوتها لا يخلو عن قوة،سيّما مع استفادته ممّا عرفت من المعتبرة بالصحة و القرب منها بما عرفته،و إن وقع الاختلاف بينها بدلالة الصحيحة بكونها في بيت المال،و القريبة منها بكونها على الإمام،لكن الجمع بينهما ممكن بحمل الأخيرة على الصحيحة،و العكس و إن أمكن، إلّا أنّه مع بعده لا قائل به،مع استلزامه ترجيح ما ليس بحجة على الحجة، و هو فاسد بالبديهة.

و يظهر من الماتن هنا و في الشرائع (2)نوع تردّد له في المسألة،حيث أشار إلى الرواية الصحيحة بقوله: و في رواية ديته من بيت المال (3)

ص:258


1- غاية المرام 4:387.
2- الشرائع 4:216.
3- الكافي 7:1/294،الفقيه 4:234/75،التهذيب 10:913/231،الوسائل 29:71 أبواب القصاص في النفس ب 28 ح 1؛ و قد تقدّمت في ص 254.

و لم يُجب عنها بالمرّة.

نعم فتواه أوّلاً بالهدرية مطلقاً ظاهرة في ترجيحه له،و نحوه كلام الفاضل في التحرير (1).و فيه ما عرفته.

و لا قود على النائم إجماعاً،فتوًى و نصّاً،و للأصل،مع انتفاء التعمّد المشترط في شرعية الاقتصاص.

و هل يثبت عليه الدية في خاصّة ماله مطلقاً،أم على العاقلة كذلك،أم على تفصيل يأتي ذكره في أوائل النظر الثاني من كتاب الديات؟ أقوال،يأتي ذكرها مع تحقيق المسألة كما هو ثمة إن شاء اللّه تعالى.

و في القود من الأعمى إذا قتل من اقتصّ به لو كان بصيراً تردّد و اختلاف،فبين من نفاه و أثبت الدية على العاقلة استناداً إلى الرواية الآتية،كالصدوق و الشيخ في النهاية و الإسكافي و القاضي و ابن حمزة و جماعة (2).

و بين من جعل أشبهه:أنّه كالمبصر في توجّه القصاص كالحلّي (3)و عامّة المتأخّرين على الظاهر،المصرّح به في المسالك (4)لوجود المقتضي له،و هو قصده إلى القتل،و انتفاء المانع؛ لأنّ العمى لا يصلح مانعاً مع اجتماع شروط القصاص من التكليف و القصد و نحوهما، كما هو الفرض،فيشمله عموم الآيات و الروايات.

ص:259


1- التحرير 2:249.
2- الصدوق في الفقيه 4:85،النهاية:760،حكاه عن الإسكافي في المختلف:799،القاضي في المهذّب 2:495،ابن حمزة في الوسيلة:455،الشهيد في غاية المراد 4:342،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:457،و حكاه الشهيد عن الصهرشتي و الطبرسي أيضاً.
3- السرائر 3:368.
4- المسالك 2:468.

و لكن في رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام):أنّ جنايته خطأ تلزم العاقلة،فإن لم يكن له عاقلة فالدية في ماله،و تؤخذ في ثلاث سنين (1) و نحوها في الدلالة على أن عمده خطأ رواية أُخرى موثقة:«عمد الأعمى مثل الخطأ فيه الدية من ماله،فإن لم يكن له مال فإنّ دية ذلك على الإمام،و لا يبطل حق مسلم» (2).

و ضعّفتا باشتراكهما في ضعف السند،و اختلافهما في الحكم، و مخالفتهما الأُصول؛ لاشتمال الاُولى على كون الدّية تجب ابتداءً على العاقلة،و مع عدمها تجب على الجاني،و الثانية على إيجابها على الجاني مع تموّله،و مع عدمه على الإمام،و لم يوجبها على العاقلة و ظاهر اختلاف الحكمين و مخالفتهما لحكم الخطأ،فتكونان شاذّتين من هذا الوجه.

و لعلّه مراد الماتن في جوابه عن الرواية الأُولى بقوله:ف هذه الرواية فيها أي يرد عليها مع الشذوذ أي مضافاً إليه تخصيص لعموم الآية و السنّة القطعيتين،و هو غير جائز عند جماعة من المحقّقين (3)،و منهم الماتن.

و هذا جواب ثالث،و لم يذكره من أجاب بالأوّلين و أبد له بآخر، و هو عدم الصراحة في الدلالة؛ لجواز كون قوله:«خطأ» حالاً و الجملة الفعلية بعده الخبر،و إنّما يتمّ استدلالهم بها على تقدير جعله مرفوعاً على الخبرية.

ص:260


1- الفقيه 4:361/107،التهذيب 10:918/232،الوسائل 29:399 أبواب العاقلة ب 10 ح 1.
2- الكافي 7:3/302،الفقيه 4:271/85،التهذيب 10:917/232،الوسائل 29:89 أبواب القصاص في النفس ب 35 ح 1.
3- منهم ابن إدريس في السرائر 3:368،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:432،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:15.

و يمكن توجّه النظر إلى جميع هذه الأجوبة:

أمّا الأخير:فبمخالفته لظاهر سياقها،حيث سئل(عليه السّلام)في صدرها:

عن رجل ضرب رأس رجل بمِعول فسالت عيناه على خدّيه فوثب المضروب على ضاربه فقتله،و أجاب(عليه السّلام)بأنّ«هذين متعديان جميعاً،فلا أرى على الذي قتل الرجل قوداً؛ لأنّه قتله حين قتله و هو أعمى،و الأعمى جنايته خطأ» إلى آخر ما مضى،و هو ظاهر في كون القتل عمداً من جوه شتّى،منها:

قوله:فقتله،بعد أن أعماه الظاهر في ذلك بمعونة الغالب.

و منها:قوله(عليه السّلام):«هذان متعدّيان» و التعدّي لا يجامع قتل الخطأ كما هو ظاهر.

و منها:تعليله(عليه السّلام)نفي القود بوقوع قتله حال العمى لا كونه خطأً، و لا تلازم بينهما جدّاً،مع كون قوله:«و الأعمى جنايته خطأ» تتمة التعليل، و لو كان المراد التعليل بالخطإ للغا ذكر الأعمى؛ لعدم اختصاص عدم القود بالخطإ به قطعاً.

و بالجملة:لا ريب في ظهور دلالتها كما فهموه حتى المعترض أيضاً،حيث نفى الصراحة دون الظهور،و هو كافٍ،سيّما بعد أن انضمّ إليه الرواية الثانية الصريحة،مع قرب الظهور من الصراحة بمعونة ما عرفته من القرائن الظاهرة غاية الظهور القريب من الصراحة،بل لعلّها سيّما الأخيرة منها صريحة.

و أمّا الثالث:فمتوجّه إن وافقنا الجماعة على كون الآحاد غير مخصِّصة للعمومات القطعية،و إلّا كما هو الظاهر وفاقاً للأكثر فغير متوجّه، و التحقيق في الأُصول.

و أمّا الثاني:فلأنّ خروج بعض الرواية عن الحجية و شذوذها من جهة لا تستلزم خروجها عنها بالكلّية،و شذوذ الروايتين إنّما هو من غير

ص:261

جهة الدلالة على كون عمده خطأ،بل من الجهة المتقدّمة،و إحداهما غير الأُخرى،و خروجها عن الحجية بالجهة الأخيرة غير مستلزم لخروجها عنها في الجهة الأُخرى كما عرفته.

و حيث ثبت بهما كون العمد خطأ ثبت كون الدية على العاقلة؛ لعدم القائل بالفرق بين الطائفة،إلّا ما يظهر من الصدوق في الفقيه،حيث روى الرواية الاُولى في باب العاقلة بسنده عن العلاء بن رزين،عن الحلبي الراوي (1)،و ظاهره العمل بها بمعونة ما قرّره في صدر كتابه من أنّه لا يذكر فيه إلّا ما يفتي به و يحكم بصحته (2).

و من هنا ينقدح الوجه في صحة التأمّل في دعوى الماتن شذوذ الرواية.

مع القدح فيما ضعّفت به من ضعف سندها؛ لاختصاص ضعفه برواية التهذيب،و إلّا فهي برواية الفقيه صحيحة؛ لأنّ سنده إلى العلاء صحيح في المشيخة،و به صرّح الفاضل في الخلاصة (3).

و كذلك الرواية الثانية ليست بضعيفة،بل موثّقة؛ إذ ليس في سندها من يتوقّف فيه سوى عمّار الساباطي،و هو و إن كان فطحيّاً إلّا أنّه ثقة،و مع ذلك في السند قبله الحسن بن محبوب،و قد ظهر لك حاله مراراً من إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه،فيقرب من الصحيح.

فالروايتان معتبرتا السند،صالحتان للحجية،سيّما مع التعدّد، و الاعتضاد بفتوى هؤلاء الجماعة الذين لا يبعد أن يدّعى في حقّهم الشهرة كما ادّعاها بعض الأجلة (4)،مع عدم ظهور مخالف لهم من القدماء بالمرة

ص:262


1- الفقيه 4:107.
2- الفقيه 1:3.
3- رجال العلّامة:278.
4- و هو الشهيد الأول في غاية المراد 4:343.

عدا الحلّي (1)خاصّة؛ لأصله الغير الأصيل من طرحه الأخبار الآحاد،سيّما في مقابلة الكتاب و السنة القطعية.

و ممّا ذكرنا ظهر وجه التردّد و صحته و الإشكال في الترجيح،مع قوّة احتمال جعله في جانب الرواية،مع أنّ لزوم الاحتياط في الدماء يقتضيه بلا شبهة.

الشرط الخامس أن يكون المقتول محقون الدم

الشرط الخامس: أن يكون المقتول محقون الدم شرعاً،أي غير مباح القتل شرعاً،فمن أباح الشرع قتله لزناء أو لواط أو كفر لم يقتل به قاتله و إن كان بغير إذن الإمام؛ لأنّه مباح الدم في الجملة،و إن توقّفت المباشرة على إذن الحاكم،فيأثم بدونه خاصّة .

و لو قتل من وجب عليه القصاص غير الوليّ قتل به؛ لأنّه محقون الدم بالنسبة إلى غيره.

و الأصل في هذا الشرط بعد الإجماع الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر،كالغنية و السرائر (2)الاعتبار،و المعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر،ففي الصحيح و غيره:عن رجل قتله القصاص له دية؟فقال:

«لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد» و قال:«من قتله الحدّ فلا دية له» (3).

و بمعناهما كثير من المعتبرة (4)،و نحوها النصوص الواردة في إباحة الدفاع و قتل المحارب،و قد مرّ جملة منها (5).

ص:263


1- السرائر 3:368.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):619،السرائر 3:324.و فيهما نفي الخلاف.
3- الكافي 7:7/292،التهذيب 10:819/207،الإستبصار 4:1056/279،الوسائل 29:63 أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 1.
4- الوسائل 29:63 أبواب القصاص في النفس ب 24.
5- في ص 163.
القول:فيما يثبت به
الإقرار

القول:فيما يثبت به موجب القصاص و هو أُمور ثلاثة: الإقرار،أو البيّنة عليه أو القسامة و هي الأيمان:

أمّا الإقرار:فتكفي فيه المرّة على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ لعموم:«إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1)و هو متحقق بالمرّة،حيث لا دليل على اعتبار التعدّد كما في المسألة؛ لما ستعرفه.

مضافاً إلى التأيّد بخصوص الروايات الدالّة بإطلاقها على أخذ المقرّ و الحكم عليه بمجرّد إقراره،مثل ما في قضاء مولانا الحسن(عليه السّلام)الآتي إليه الإشارة (2)،و ما يدل على كون دية الخطأ على المقرّ (3)،فإنّ المذكور فيه الإقرار مرّة،و ما يدل على حكم أنّه لو أقرّ واحد بالعمد و آخر بالخطإ،كما يأتي (4)،و نحو ذلك.

و بعض الأصحاب كالشيخ و الحلّي و القاضي و جماعة (5) يشترط التكرار مرّتين .

و لا يظهر له وجه صحة عدا الحمل على السرقة،و هو قياس فاسد في الشريعة.و الاحتياط في الدماء ،و يعارَض بمثله هنا في جانب المقتول؛ لعموم:«لا يطلّ دم امرئ مسلم» (6).

ص:264


1- عوالي اللئلئ 1:104/223،الوسائل 23:184 كتاب الإقرار ب 3 ح 2.
2- سيأتي في ص 265.
3- الوسائل 29:394 أبواب العاقلة ب 3،و 398 ب 9.
4- في ص 264.
5- الشيخ في النهاية:742،الحلّي في السرائر 3:341،القاضي في المهذّب 2:502؛ يحيى بن سعيد في الجامع:577،و حكاه عن الطبرسي في غاية المراد 4:408.
6- عوالي اللئلئ 2:441/160.

و منه يظهر جواب آخر عن الأوّل،و هو وجود الفارق؛ لكون متعلّق الإقرار هنا حقّ آدمي،فيكفي فيه المرّة كسائر الحقوق الآدمية،و لا كذلك السرقة،فإنّها من الحقوق الإلهيّة المبنيّة على التخفيف و المسامحة.

و يعتبر في المقرّ البلوغ،و العقل،و الاختيار،و الحرّية كما في سائر الأقارير؛ لعموم الأدلّة،و خصوص الصحيح على الحرّية:عن قوم ادّعوا على عبد جناية تحيط برقبته فأقرّ العبد بها؟قال:«لا يجوز إقرار العبد على سيّده،فإن أقاموا البيّنة على ما ادّعوا على العبد أُخذ العبد بها،أو يفتديه مولاه» (1).

و لو أقرّ واحد بالقتل لمن يقتصّ به عمداً و آخر بقتله له خطأً تخيّر الوليّ للمقتول في تصديق أحدهما و أيّهما شاء،و إلزامه بموجب إقراره؛ لاستقلال كلّ من الإقرارين في إيجاب مقتضاه على المقرّ به،و لمّا لم يمكن الجمع و لا الترجيح تخيّر الوليّ و إن جهل الحال كغيره، و ليس له على الآخر بعد الاختيار سبيل.

و للقريب من الصحيح بالحسن بن محبوب المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه:عن رجل وجد مقتولاً فجاء رجلان إلى وليّه،فقال أحدهما:

أنا قتلته عمداً،و قال الآخر:أنا قتلته خطأً؟فقال:«إن هو أخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ سبيل،و إن أخذ بقول صاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل» (2).

ص:265


1- الكافي 7:10/305،الفقيه 4:314/95،التهذيب 10:614/153،الوسائل 29:161 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 13 ح 1.
2- الكافي 7:1/289،الفقيه 4:244/78،التهذيب 10:677/172،الوسائل 29:141 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 3 ح 1.

و لا خلاف فيه إلّا من الغنية (1)،فخيّره بين قتل المقرّ بالعمد و أخذ الدية منهما نصفين،و يحكى عن التقي (2)أيضاً.

و لم أجد لهما مستنداً،مع مخالفتهما للنصّ المتقدم المعتضد بعمل الأصحاب كافّة عداهما،مع أنّ المحكي عن الانتصار (3)أنّه ادّعى عليه إجماعنا،و هو حجة أُخرى زيادةً على ما مضى.

و لو اتّهم رجل بقتل من يقتصّ به و أقرّ بقتله عمداً فأقرّ آخر أنّه هو الذي قتله و رجع الأوّل عن إقراره فأنكر قتله درئ عنهما القصاص و الدية،و ودي المقتول من بيت المال،و هو أي هذا الحكم و إن كان مخالفاً للأصل،إلّا أنّه قضاء مولانا الحسن بن علي(عليهما السّلام) في حياة أبيه معلّلاً بأنّ الثاني إن كان ذبح ذاك فقد أحيا هذا،و قد قال اللّه عزّ و جلّ وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً [1] (4)(5)و الرواية و إن ضعف بالإرسال و الرفع سندها،و بالمخالفة للأصل متنها،إلّا أنّ عليها عمل الأصحاب كافّة إلّا نادراً،على الظاهر،المصرَّح به من دون استثناء في التنقيح و شرح الشرائع للصيمري (6)،و عن الانتصار (7)التصريح بالإجماع عليها،كما هو ظاهر السرائر أيضاً،حيث قال:و روى

ص:266


1- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
2- الكافي في الفقه:386.
3- الانتصار:272.
4- المائدة:32.
5- الكافي 7:2/289،الفقيه 3:37/14،التهذيب 10:679/173،الوسائل 29:142 أبواب دعوى القتل ب 4 ح 1.
6- التنقيح 4:434،غاية المرام 4:393.
7- الانتصار:273.

أصحابنا في بعض الأخبار أنه متى أتاهم (1).ثم ذكر مضمون الرواية و لم يقدح فيها أصلاً،و لم يذكر حكم المسألة رأساً مقتصراً عنه بما فيها.

فعلى هذا لا محيص عن العمل بها،و إن كان يرغب عنه شيخنا في المسالك و الروضة (2)،مقوّياً فيهما العمل بالأصل من تخيير الولّي في تصديق أيّهما شاء و الاستيفاء منه،كما مضى،مع أنّه اعترف باشتهار العمل بالرواية بين أصحابنا،فهي لما فيها من وجهي الضعف جابرة،و لو لم تكن إلى درجة الإجماع بالغة(مع أنّها بالغة) (3)كما عرفته،سيّما مع ظهور دعواه في عبائر جماعة و التصريح بها في كلام من عرفته،فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

نعم لو لم يكن بيت مال كهذا الزمان أشكل درء القصاص و الدية عنهما،و إذهاب حق المقرّ له رأساً.و كذا لو لم يرجع الأوّل عن إقراره، و الرجوع فيهما إلى حكم الأصل غير بعيد؛ لخروجهما عن مورد النصّ، فليقتصر فيما خالف الأصل عليه،إلّا أن يدّعى شموله لهما من حيث التعليل.

البيّنة
اشارة

و أمّا البيّنة: فهي شاهدان عدلان و يثبت بهما اتّفاقاً،فتوًى و نصّاً و لا يثبت بشاهد و يمين اتفاقاً،كما مرّ في كتاب القضاء و لا بشهادة رجل و امرأتين مطلقاً،على أصحّ الأقوال،المتقدمة هي مع تمام التحقيق في المسألة في كتاب الشهادات.

و إنّما يثبت بذلك أي بكلّ من الشاهد و اليمين،و منه

ص:267


1- السرائر 3:343.
2- المسالك 2:470،الروضة 10:70.
3- ما بين القوسين ليس في«ب».

و امرأتين ما يوجب الدية لا القود كال قتل خطأ،و دية الهاشمة، و المنقّلة،و الجائفة،و كسر العظام و بالجملة:ما لا قود فيه،بل الدية خاصّة؛ لأنّها مال،و قد مرّ في الكتابين ثبوته بل كلّ ما يقصد به المال بهما،مع ما يدل عليه من النصّ و الفتوى،و لا وجه لإعادته هنا.

و لو شهد اثنان ب أنّ القاتل زيد مثلاً و آخران ب أنّه هو عمرو دونه قال الشيخ في النهاية و المفيد و القاضي (1):إنّه يسقط القصاص و وجبت الدية عليهما نصفين لو كان القتل المشهود عليه عمداً أو شبيهاً به و لو كان خطأً كانت الدية على عاقلتهما و مستندهم من النصّ غير واضح و لعلّه الاحتياط في عصمة الدم لما عرض من الشبهة ب تصادم البيّنتين .

و توضيح هذه الجملة مع بيان دليل لزوم الدية عليهما بالمناصفة ما ذكره الفاضل في المختلف حيث اختار هذا القول و شيّده،و هو أنّه:ليس قبول إحدى البيّنتين أولى من قبول الأُخرى،و لا يمكن العمل بهما، فيوجب قتل الشخصين معاً،و هو باطل إجماعاً،و لا العمل بإحداهما؛ لما قلنا من عدم المرجّح،فلم يبق إلا سقوطهما معاً فيما يرجع إلى القود؛ لأنّ التهجّم على الدماء المحقونة بغير سبب معلوم أو مظنون ممنوع شرعاً؛ لأنّ كل واحدة من البيّنتين مكذِّبة للأُخرى.و إنّما أوجبنا الدية عليهما لئلّا يطلّ دم امرئ مسلم قد ثبت أنّ قاتله أحدهما،لكن لجهلنا بالتعيين أسقطنا القود الذي هو أقوى العقوبتين و أوجبنا أخفّهما (2).

و لمانع أن يمنع سقوط البيّنتين عند تعارضهما بعدم إمكان العمل

ص:268


1- النهاية:742،المقنعة:737،المهذّب 2:502.
2- المختلف:789.

بهما و عدم المرجّح للعمل بإحداهما،بل هنا احتمال ثالث،و هو تخيير الوليّ بينهما،كما ذكروه في تعارض الإقرارين بالقتل عمداً في أحدهما و في الثاني بالخطإ،و دلّ عليه النص الذي مضى،مع تأيّده بما عليه الأصحاب و دلّ عليه بعض الأخبار.

مضافاً إلى الاعتبار من التخيير بين الخبرين المتعارضين مثلاً بحيث لا يترجّح أحدهما على الآخر أصلاً.

و من جميع ما ذكر و لو بضمّ بعضه إلى بعض لعلّه يحصل الظن بجواز قتل من شهدت عليه إحدى البيّنتين ممن اختاره الأولياء،فليس فيه التهجّم على الدماء الممنوع عنه شرعاً،و حينئذٍ فلا يبعد المصير إلى ما عليه الحلّي (1)من التخيير،و إن كان ما ذكره من الأدلّة كلّها أو جلّها لا يخلو عن مناقشة.

لكن شهرة ما عليه الشيخان مع قوّة احتمال استنادهما إلى رواية كما هو السجيّة لهما و العادة،و نبّه عليه شيخنا في المسالك (2)،و ادّعى وجودها لهما الحلّي في السرائر و الفاضل في التحرير (3)،أوجب التردّد في المسألة، فينبغي الرجوع فيها إلى مقتضى الأصل،و هو عدم القود،بل و عدم الدية أيضاً،كما حكي عن الشيخ-(رحمه اللّه) أنّه احتمله،قال:لتكاذب البيّنتين، و وجود شبهة دارئة للدعوى (4).

و لكن احتمال دعوى عدم القول بالفصل بين القول بعدم التخيير

ص:269


1- السرائر 3:341.
2- المسالك 2:472.
3- السرائر 3:341،التحرير 2:251.
4- حكاه عنه في غاية المراد 14:417.

و الدية و بين القول به مع عدمها؛ لكون ذلك من الشيخ-(رحمه اللّه) احتمالاً لا فتوًى،يعيّن القول بثبوت الدية،سيّما مع التأيّد بما ذكره الفاضل في المختلف (1)لإثباتها،و إن كان في صلوحه لذلك حجة نوع مناقشة،فالعمل على ما في النهاية.

ثم إنّ مقتضى إطلاقه كعبائر أكثر الأصحاب عدم الفرق بين أن يدّعي أولياء المقتول القتل على أحدهما،أو عليهما،أو لا يدّعوا شيئاً منهما.

خلافاً للماتن في النكت (2)،فخصّ الحكم بالصورة الثالثة،و أثبت في الأُولى تسلّط الأولياء على المدّعى عليه،قال:لقيام البيّنة بذلك، و ثبوت السلطنة شرعاً بالآية (3)،فلهم القتل في العمد و الدية في الخطأ و شبهه،و ليس لهم على الآخر شيء منهما،و احتمل في الثانية ثبوت اللوث فيهما،قال:لأنّ الأربعة يتفقون أنّ هناك قاتلاً و مقتولاً و إن اختلفوا في التعيين،فيحلف الأولياء مع دعوى الجزم،و يثبت حينئذٍ القصاص مع ردّ فاضل الدية عليهما،و إليه يميل الشهيدان و غيرهما (4)،لكن لم يذكروا عنه حكم الصورة الثانية،و ناقشهم في ذلك بعض الأجلّة (5)بما لا يخلو عن قوّة،و يطول الكلام بذكره.

و بالجملة:المسألة من المشكلات،فلا يترك الاحتياط فيها حيث يمكن على حال.

ص:270


1- المختلف:789.
2- نكت النهاية 3:374.
3- الإسراء:33.
4- الشهيد الأول في غاية المراد 4:417،الشهيد الثاني في المسالك 2:472؛ التنقيح الرائع 4:435.
5- مجمع الفائدة 14:173.

و لو شهدا بأنّه قتل عمداً فأقرّ آخر أنّه هو القاتل كذلك دون المشهود عليه،ففي رواية زرارة الصحيحة عن أبي جعفر(عليه السّلام) أنّ للوليّ قتل المقرّ،ثم لا سبيل له و لا لورثة المقرّ على المشهود عليه،و له قتل المشهود عليه و لا سبيل له على المقرّ و يردّ المقرّ على أولياء المشهود عليه نصف الدية،و له قتلهما معاً و يردّ على أولياء المشهود عليه خاصّة دون أولياء المقرّ نصف الدية ثم يقتل به،قال زرارة:

قلت:فإن أرادوا أن يأخذوا الدية؟فقال:«الدية بينهما نصفان؛ لأنّ أحدهما أقرّ و الآخر شُهد عليه» قلت:و كيف جُعل لأولياء الذي شُهد عليه على الذي أقرّ نصف الدية حين قُتل،و لم يُجعل لأولياء الذي أقرّ على أولياء الذي شُهد عليه و لم يقرّ؟فقال:«لأنّ الذي شهد عليه ليس مثل الذي أقرّ،الذي شُهد عليه لم يقرّ و لم يبرئ صاحبه،و الآخر أقرّ و بّرأ صاحبه، فلزم الذي أقرّ و برّأ ما لم يلزم الذي شُهد عليه و لم يبرئ صاحبه» (1).

و في ما تضمّنته من جواز قتلهما معاً إشكال؛ لانتفاء العلم بالشركة المجوّزة لذلك،فإنّ القاتل ليس إلّا أحدهما.

و كذا في إلزامهما بالدية بينهما نصفين لما ذكر،و لعلّه لذا ردّه الحلّي مضافاً إلى قاعدته و حكم بالتخيير،كالمسألة السابقة،فقال:لي في قتلهما جميعاً نظر؛ لعدم شهادة الشهود و إقرار المقرّ بالشركة،قال:أمّا لو شهدت البيّنة بالاشتراك و أقرّ الآخر به جاز قتلهما،و يردّ عليهما معاً دية (2).

ص:271


1- الكافي 7:3/290،التهذيب 10:678/172،الوسائل 29:144 أبواب دعوى القتل ب 5 ح 1.
2- السرائر 3:342.

و استقر به فخر الدين في الإيضاح صريحاً كوالده في التحرير،و هو ظاهره في القواعد و الإرشاد (1).

و قوّاه الماتن في الشرائع (2) لكن قال:غير أنّ الرواية من المشاهير و بشهرتها صرّح الفاضل في كتبه المتقدمة و غيره من الجماعة، مشعرين ببلوغها درجة الإجماع.

و لعلّه كذلك،فقد أفتى به الشيخ و أتباعه و الإسكافي و الحلبي و غيرهم (3)،بل لم نر لهم مخالفاً عدا من مرّ،و عبائرهم غير صريحة في المخالفة عدا الحلّي و فخر الدين،و هي مشكلة؛ لصحة الرواية،و اعتضادها بعمل الطائفة،فيخصَّص بها القاعدة،و ليس هذه بأوّل قارورة،فكم من أُصول قويّة و قواعد كلّية خصّصت بمثل هذا الرواية،بل و بما دونها،كما لا يخفى على ذي اطّلاع و خبرة.

و لكن المسألة مع ذلك لعلّها لا تخلو عن شبهة،فالأحوط الاقتصار فيها بقتل أحدهما خاصّة؛ لعدم الخلاف فيه ظاهراً،فتوًى و روايةً،و حكى الإجماع عليه الحلّي في السرائر (4)صريحاً.

و هنا

مسائل
الأولى قيل يحبس المتهم بالدم ستة أيام

مسائل ثلاث:

الاُولى: قيل كما عن النهاية و القاضي و الصهرشتي و الطبرسي

ص:272


1- الإيضاح 4:608،التحرير 2:251،القواعد 2:295،الإرشاد 2:216.
2- الشرائع 4:221.
3- الشيخ في النهاية:743،و تبعه القاضي في المهذّب 2:502،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):619،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:789،الحلبي في الكافي:387،يحيى بن سعيد في الجامع:578.
4- السرائر 3:342.

و الإسكافي و ابن حمزة (1):إنّه يحبس المتّهم بالدم ستّة أيّام كما عمّن عدا الأخيرين،و بدّلها الأخير بالثلاثة،و الإسكافي بالسنة،و هو كالنهاية إن قرئ«ستّة» بالتاءين على احتمال ظاهر،و إن قرئ«سنة» بالنون بدل التاء الاُولى كان قولاً ثالثاً في المسألة.و مستنده غير واضح كقول ابن حمزة.

و بعد انقضاء المدّة فإن ثبتت الدعوى بإقرار أو بيّنة و إلّا خلّي سبيله و الأصل في المسألة قوية السكوني عن مولانا الصادق(عليه السّلام)أنّه قال:

«إنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان يحبس في تهمة الدم ستّة أيّام،فإن جاء أولياء المقتول ببيّنة،و إلّا خلّى سبيله» (2).

و عمل بها من المتأخّرين جماعة،كالفاضل في التحرير و المختلف (3)،لكن في الأخير قيّده بما إذا حصلت التهمة للحاكم بسبب، قال:عملاً بالرواية،و تحفّظاً للنفوس عن الإتلاف.و إن حصلت التهمة لغيره فلا عملاً بالأصل،و استحسنه الفاضل المقداد في التنقيح و غيره من الأصحاب (4).

و لا يخلو عن قرب يظهر وجهه زيادةً على ما مرّ في المختلف ممّا سبق في كتاب القضاء في بحث جواز تكفيل المدّعى عليه مع دعوى

ص:273


1- النهاية:744،القاضي في المهذّب 2:503،حكاه عن الصهرشتي في مجمع الفائدة 14:214،و عن الطبرسي و الإسكافي في غاية المراد 4:439،ابن حمزة في الوسيلة:461.
2- الكافي 7:5/370،التهذيب 10:683/174،الوسائل 29:160 أبواب دعوى القتل ب 12 ح 1.
3- التحرير 2:254،المختلف:790.
4- التنقيح 4:438،المهذّب البارع 5:210.

المدّعى البيّنة و غيبتها ثم التمسه.

خلافاً لصريح الحلّي و فخر الدين و جدّه على ما حكاه عنه،و ظاهر الماتن هنا و في الشرائع (1)،فردّوا الرواية رأساً؛ لما أشار إليه بقوله: و في المستند ضعف و مع ذلك فيه تعجيل لعقوبة لم يثبت سببها و ظاهر الفاضل في القواعد و الإرشاد (2)التردّد،و هو حسن لولا ما قدّمناه،و يجبر به الضعف و ما بعده،مع إمكان جبره بدعوى الشيخ إجماع العصابة على قبول روايات الراوي (3)،و لذا قيل بوثاقته أو موثّقيته، كما يحكى عن الماتن في بعض تحقيقاته (4)،و يعضده كثرة رواياته،و عمل الأصحاب بها غالباً،و غير ذلك ممّا حقّق في وجه تقويته و تقوية صاحبه، هذا.

مع ما عرفت من عمل هؤلاء الجماعة بروايته في المسألة.

ثم إنّ إطلاقها كإطلاق عبائر أكثرهم يشمل صورتي التماس المدّعى للحبس و عدمه،و قيّده بعضهم (5)بصورة التماسه،و هو حسن،و لعلّه المراد من الإطلاق؛ فإنّه عقوبة لحقّه،فلا يكون إلّا بعد التماسه،و يؤيّده عدم الحكم بدون التماسه مع ثبوته.

و هل المراد بالدم ما يشمل الجراح كما يقتضيه إطلاق العبارة و نحوها و صدر الرواية أيضاً،أم القتل خاصّة؛ لاحتمال اختصاص الإطلاق بحكم التبادر به،مع اشتمال ذيل الرواية على ما يعرب عن إرادة القتل من الدم

ص:274


1- السرائر 3:343،إيضاح الفوائد 4:619،الشرائع 4:227.
2- القواعد 2:298،الإرشاد 2:220.
3- عدة الأُصول 1:380.
4- حكاه عنه في الرواشح السماوية:57،الوسائل 30:318.
5- القواعد 2:298،مجمع الفائدة 14:213.

المطلق في صدرها خاصة؟وجهان،و الحوالة إلى الحاكم ليراعى أقلّ الضررين كما قدّمناه في التكفيل غير بعيد.

الثانية لو قتل و ادّعى أنّه وجد المقتول مع امرأته

الثانية: لو قتل رجلاً و ادّعى أنّه وجد المقتول مع امرأته يزني بها قتل به مع اعترافه بقتله صريحاً إلّا أن يقيم البيّنة ب صدق دعواه فلا يقتل حينئذٍ،بلا خلاف في المقامين فتوًى و نصّاً،ففي المرتضوي:رجل قتل رجلاً و ادّعى أنّه رآه مع امرأته،فقال(عليه السّلام):«القود، إلّا أن يأتي ببيّنة» (1).

مضافاً في الأوّل إلى الأصل،و عموم:«البيّنة على المدّعى» (2)و خصوص الصحيح (3)و غيره (4):«إنّ أصحاب النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قالوا لسعد بن عبادة:لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً؟قال:كنت أضربه بالسيف،فخرج رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)فقال:ماذا يا سعد؟قال سعد:

قالوا:لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت تصنع به؟فقلت:أضربه بالسيف،فقال:يا سعد،و كيف بالأربعة الشهود؟فقال:يا رسول اللّه بعد رأي عيني و علم اللّه تعالى أن قد فعل؟!قال:إي و اللّه بعد رأي عينك و علم اللّه تعالى أن قد فعل؛ لأنّ اللّه عزّ و جلّ قد جعل لكل شيء حدّا، و جعل لمن تعدّى ذلك الحدّ حدّا».

و ظاهر إطلاقه و إن كان ربما يتوهّم منه المنافاة للحكم الثاني،إلّا أنّه

ص:275


1- عوالي اللئلئ 3:59/600.
2- الوسائل 27:233 أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى ب 3.
3- الكافي 7:12/176،التهذيب 10:5/3،الفقيه 4:25/16،الوسائل 28:14 أبواب مقدمات الحدود ب 2 ح 1.
4- الكافي 7:15/375،التهذيب 10:1166/312،الوسائل 29:134 أبواب القصاص في النفس ب 69 ح 1.

محمول على كون اعتبار الشهود لدفع القود عن نفسه في ظاهر الشرع و إن لم يكن عليه إثم فيما بينه و بين اللّه تعالى،كما ظهر من الرواية السابقة و فتاوي أصحابنا،و إن اختلفت في تقييد الحكم بعدم إثم الزوج في قتله الزاني بكونه محصناً،كما عن الشيخ و الحلّي (1)،أو إبقائه على إطلاقه فيشمل غير المحصن،كما هو ظاهر أكثر الفتاوي و عن صريح الماتن في النكت (2)،و به صرّح غيره كشيخنا في الروضة،حيث قال في جملة شرحه لقول المصنف:و لو وجد مع زوجته رجلاً يزني بها فله قتلهما-:

هذا هو المشهور بين الأصحاب،لا نعلم فيه مخالفاً،و هو مروي أيضاً، و لا فرق في الزوجة بين الدائم و المتمتع بها،و لا بين المدخول بها و غيرها، و لا بين الحرّة و الأمة،و لا في الزاني بين المحصن و غيره؛ لإطلاق الإذن المتناول لجميع ذلك (3).

و نحوه المولى المقدّس الأردبيلي-(رحمه اللّه) مدّعياً شهرته،بل كونه مجمعاً عليه (4).

الثالثة خطأ الحاكم في القتل و الجرح على بيت المال

الثالثة: خطأ الحاكم في القتل و الجرح على بيت المال كما في الموثّق (5)و غيره (6):قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)أنّ ما أخطأت به القضاة في دم أو قطع فعلى بيت مال المسلمين.

ص:276


1- النهاية:744،السرائر 3:343.
2- نكت النهاية 3:379.
3- الروضة البهية 9:121.
4- مجمع الفائدة و البرهان 13:95.
5- الكافي 7:3/354،التهذيب 10:801/203.
6- الفقيه 3:16/5،التهذيب 6:872/315،الوسائل 27:226 أبواب آداب القاضي ب 10 ح 1.

و لعلّه لا خلاف فيه،كما يظهر من التنقيح (1)،حيث لم يتكلم في المسألة مع أنّ دابة التكلم في المسائل الخلافية.

و قال الخال العلّامة المجلسي-(رحمه اللّه) في حواشيه على الأخبار بعد ذكر الرواية:و عليه الفتوى سواء كان في مال لا يمكن استرجاعه،أو قصاص مع عدم تقصير (2).

و من جنى على أحد بعد أن قال:حذار (3)،لم يضمن عاقلته جنايته،كما في الخبر:«كان صبيان في زمن علي بن أبي طالب(عليه السّلام) يلعبون بأخطار (4)لهم فرمى أحدهم بخطره فدقّ رباعية صاحبه،فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)فأقام الرامي البيّنة بأنّه قال:حذار،فدرأ عنه أمير المؤمنين(عليه السّلام)القصاص،ثم قال:قد أعذر من حذّر» (5).

و لم أر من تعرّض لهذا الحكم هنا عدا الماتن،و إلّا فباقي الأصحاب تعرّضوا لذكره في كتاب الديات في بحث ضمان النفوس و غيرها.

و ظاهرهم عدم الخلاف فيه،كما صرّح به المقدّس الأردبيلي (6)-(رحمه اللّه) و يحتمل الإجماع،كما يظهر من ابن زهرة و غيره (7)،فيجبر بذلك قصور سند الرواية.

ص:277


1- التنقيح 4:438.
2- ملاذ الأخيار 16:9،انظر مرآة العقول 23:266.
3- في«س» زيادة:قيل:هو بفتح الحاء و كسر آخره مبنيّاً عليه،هذا هو الأصل في الكلمة،لكن ينبغي أن يراد هنا ما دلّ على معناها.
4- الخطر:المقلاع الذي يُرمى به.مجمع البحرين 3:290.
5- الكافي 7:7/292،الفقيه 4:231/75،التهذيب 10:819/207،الوسائل 29:69 أبواب القصاص في النفس ب 26 ح 1.
6- مجمع الفائدة 14:244.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):620،و انظر التنقيح 4:438.

و لكن اشترطوا إسماع الحذار للمجني عليه في وقت يتمكن منها، قالوا:فلو لم يقل:حذار،أو قالها في وقت لا يتمكن المرمي من الحذر، أو لم يُسمع فالدية على العاقلة.و لا بأس به؛ لشهادة الاعتبار به.

و من اعتدي عليه فاعتدى بمثله على المعتدي لم يضمن جنايته و إن تلفت فيها النفس،كما في الصحيح:«من بدأ فاعتدى فاعتدي عليه فلا قود له» (1).

و في آخر:عن رجل أتى رجلاً و هو راقد،فلمّا صار على ظهره ليقربه (2)فبعجه بعجة فقتله،قال:«لا دية له و لا قود،قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):

من كابر امرأة ليفجر بها فقتلته فلا دية له و لا قود» (3).

و يعضده النصوص المتقدمة (4)في محاربة اللص،و جواز قتله إذا لم يمكن دفعه بدونه.

القَسامة

و أمّا القَسامة ف هي لغة من القَسَم بالتحريك،و هو اليمين، و شرعاً الأيمان التي تقسم على الأولياء في الدم،و قد يسمّى الحالفون قسامة على طريق المجاز لا الحقيقة،و صورتها:أن يوجد قتيل في موضع لا يعرف من قتله،و لا يقوم عليه بيّنة و لا إقرار،و يدّعي الوليّ على واحد أو جماعة فيحلف على ما يدّعيه،و يثبت به دم صاحبه.

و لا تثبت إلّا مع اقتران الدعوى ب اللوث بلا خلاف أجده،

ص:278


1- الكافي 7:9/292،الفقيه 4:229/74،التهذيب 10:821/208،الوسائل 29:60 أبواب القصاص في النفس ب 22 ح 4.
2- في«ب» و الكافي و الوسائل:أيقن به.
3- الكافي 7:14/293،التهذيب 10:826/209،الوسائل 29:69 أبواب القصاص في النفس ب 27 ح 1،3.
4- في ص 162.

حتى من نحو الحلّي (1)،و ظاهرهم الإجماع عليه،كما صرّح به في الغنية (2)، و لكن ناقشهم بعض الأجلّة،حيث قال بعد نقله جملةً من الأخبار المتعلّقة بالقَسامة،الدالّة على ثبوتها في الشريعة من طرق العامة و الخاصّة، كالنبوي:«البيّنة على المدّعى،و اليمين على من أنكر،إلّا في القسامة» (3)و الصحيح:عن القسامة كيف كانت؟فقال:« هي حقّ،و هي مكتوبة عندنا، و لو لا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضاً ثم لم يكن شيء،و إنّما القسامة نجاة للناس» (4)و الصحيح:عن القسامة؟فقال:«الحقوق كلّها البيّنة على المدّعى، و اليمين على المدّعى عليه،إلّا في الدم خاصّة» (5)ما لفظه:

هذه الأخبار خالية عن اعتبار اللوث لفظاً،يعني لم يؤخذ للقسامة شرط اللوث،نعم في بعضها:وجد القتيل في قليب (6)أو قرية و غير ذلك، و ليس ذلك بواضح و لا صريح في اشتراطه إلى أن قال-:فكأنّ لهم على ذلك إجماعاً أو نصّاً ما اطّلعت عليه (7).

أقول و باللّه سبحانه التوفيق-:لعلّ الوجه فيما ذكروه من اشتراط اللوث مخالفة القسامة للقاعدة،فإنّ إثبات الدعوى بقول المدّعى و يمينه على خلاف القاعدة ؛ لأنّه حكم بغير دليل؛ و لقوله(صلّى اللّه عليه و آله):«لو يعطى الناس

ص:279


1- السرائر 3:339.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):625.
3- الكافي 7:1/415،التهذيب 6:553/229،الوسائل 27:233 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 3 ح 1.
4- الكافي 7:1/360،الوسائل 29:151 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 9 ح 2.
5- الكافي 7:4/361،التهذيب 10:661/166،الوسائل 29:152 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 9 ح 3.
6- القليب:البئر و هو مذكّر.المصباح المنير:512.
7- مجمع الفائدة 14:182.

بأقوالهم لاستباح قوم دماء قوم و أموالهم» (1).

فيجب الاقتصار فيها على المتيقن من النص و الفتوى،و ليس إلا ما ذكرنا؛ لورود أكثر النصوص في قضية عبد اللّه بن سهل المشهورة،و فيها اللوث بلا شبهة،و هي الأصل في شرعية القسامة.

و أمّا باقي النصوص فبين ما مورد الأسئلة فيها وجدان القتيل في محل التهمة كالقليب و القرية،و هي كالأوّلة،و بين مطلقه بالمرّة،كالروايات المتقدّمة،و إطلاقها غير نافع؛ لورودها لبيان حكم آخر هو أصل الشرعية أو نحوه،لا ثبوتها مطلقاً أو في الجملة،و لذا لم يمكن الاستدلال بها على عدم اعتبار الشرائط الأُخر،و بالجملة:فمثل هذا الإطلاق يعدّ من قبيل المجملات بلا شبهة،هذا.

مع أنّ عدم اعتبار اللوث يستلزم عدم الفرق بين قتيل يوجد في قرية أو محلّة أو نحو ذلك من الأمثلة الآتية للّوث،و قتيلٍ يوجد في سوق أو فلاة أو جمعة،مع أنّ الفتاوي و النصوص مطبقة بالفرق بينهما بثبوت القسامة في الأول دون الثاني.

و من جملة تلك النصوص زيادة على ما يأتي إليه الإشارة الصحيح عن مولانا الباقر(عليه السّلام) (2)قال:«كان أبي(رضى اللّه عنه)إذا لم يقم القوم المدّعون البيّنة على قتل قتيلهم و لم يقسموا بأنّ المتّهمين قتلوه،حلّف المتّهمين بالقتل خمسين يميناً باللّه تعالى ما قتلناه و لا علمنا له قاتلاً،ثم يؤدي الدية إلى أولياء القتيل،ذلك إذا قتل في حيّ واحد،فأمّا إذا قتل في عسكر،أو سوق

ص:280


1- سنن البيهقي 10:252 بتفاوت يسير.
2- كذا،و في المصادر:عن جعفر(عليه السّلام).

مدينة،فديته تدفع إلى أوليائه من بيت المال» (1).

و فيه دلالة على اعتبار التهمة في القسامة من وجه آخر،بل وجهين ، كما لا يخفى على من تدبّر سياقه.

و بالجملة:لا ريب في اعتبار اللوث و لا شبهة.

و هو أمارة تقرن الدعوى بحيث يغلب معها الظن بصدق المدّعى في دعواه،و ذلك بالنسبة إلى الحاكم،أمّا المدّعى فلا بُدّ أن يكون عالماً جازماً بما يدّعيه؛ لما مرّ من اشتراط الجزم في المدّعى (2).

و سمّيت هذه الأمارة لوثاً لإفادتها قوة الظن،فإنّه في اللغة بفتح اللام:

القوة (3).

و هي كما لو وجد قتيل في دار قوم أو محلّتهم أو قريتهم (4) مع صغرها و انفصال المحلّة عن البلد الكبير،لا مطلقاً كما ذكره بعض الأصحاب (5)مزيداً في التقييد شيئاً آخر،و هو أن يكون بين القتيل و أهلها عداوة ظاهرة.

أو وجد بين قريتين و هو إلى إحداهما أقرب،فهو لوث لأقربهما،كما في الصحيح و الموثق:عن الرجل يوجد قتيلاً في القرية،أو بين قريتين؟قال:«يقاس ما بينهما فأيّهما كانت أقرب ضمنت» (6).

ص:281


1- التهذيب 10:812/206،الإستبصار 4:1054/278،الوسائل 29:153 أبواب دعوى القتل ب 9 ح 6.
2- في«ن»:الدعوى.
3- الصحاح 1:291،القاموس 1:180،تهذيب اللغة 15:128.
4- في المختصر المطبوع زيادة:أو بين قريتهم..
5- كشف اللثام 2:460.
6- الكافي 7:1/356،الفقيه 4:224/74،التهذيب 10:805/204،806،الإستبصار 4:1050/277،1051،الوسائل 29:149 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 8 ح 4.

و لو تساوت مسافتهما كانتا سواء في اللوث و إن ثبت العداوة لإحداهما دون الأُخرى فاللوث لها و إن كانت أبعد.

و كما لو تفرّق جماعة عن قتيل في دار كان قد دخل عليهم ضيفاً،أو دخلها معهم في حاجة.

و كما لو وجد قتيل و عنده رجل و معه سلاح متلطّخ بالدم،و لو كان بقربه سبع أو رجل آخر مولٍّ ظهره لم يوجب ذلك اللوث في حقه.

و كما إذا شهد عدل واحد أو شهد عبيد أو نسوة،أمّا الصبيان و الفسّاق و أهل الذمّة فالمشهور كما في المسالك و غيره (1)عدم حصول اللوث بأخبارهم؛ لعدم العبرة بشهادتهم.

خلافاً للتحرير و المسالك و غيرهما (2)،فقالوا بإفادته اللوث مع حصول الظن.و هو حسن.

قالوا:و لا يشترط في اللوث وجود أثر القتل؛ لإمكان حصوله بالخنق،و عصر الخصية (3)،و القبض على مجرى النفس،و نحو ذلك.

و لا حضور المدّعى عليه؛ لجواز القضاء على الغائب،و من منعه اشترطه.

و لا عدم تكذيب أحد الوليّين صاحبه،فإنّه لا يقدح فيه.

و لو لم يحصل اللوث فالحكم فيه كغيره من الدعاوي؛ عملاً بالعموم،قيل:بل للوليّ إحلاف المنكر يميناً واحدة و لو حصل (4).

و اعلم أنّ ما لا لوث فيه كما أشار إليه الماتن بقوله: أمّا من جهل

ص:282


1- المسالك 2:473،المفاتيح 2:122.
2- التحرير 2:252،المسالك 2:473،المفاتيح 2:122.
3- في«س»:القضيب.
4- قاله العلّامة في التحرير 2:252.

قاتله و لم يحصل في قضيّته اللوث كقتيل الزحام،و الفزعات،و من وجد في فلاة،أو معسكر،أو في سوق،أو جمعة،فديته من بيت المال بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الغنية (1).

و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،منها زيادةً على الصحيحة المتقدمة الصحيح:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في رجل وجد مقتولاً لا يُدرى من قتله،قال:إن كان عرف له أولياء يطلبون ديته أُعطوا ديته من بيت مال المسلمين،و لا يطلّ دم امرئ مسلم؛ لأنّ ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته على الإمام،و يصلّون عليه،و يدفنونه،و قضى في رجل زحمه الناس يوم الجمعة في زحام الناس فمات،أنّ ديته من بيت مال المسلمين» (2)و نحوه صحيح آخر في قتيل الزحام (3).

و في القوي:«ليس في الهايشات عقل و لا قصاص» و الهايشات:

الفزعة تقع في الليل و النهار فيشجّ الرجل فيها،أو يقع قتيل لا يدرى من قتله و شجّه (4).

و قال(عليه السّلام)في حديث آخر:«رفع إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)فودّاه من بيت المال» (5).

و في الخبر:«من مات في زحام الناس يوم الجمعة،أو يوم عرفة،أو

ص:283


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- الكافي 7:1/354،التهذيب 10:799/202،الوسائل 29:145 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 6 ح 1.
3- الكافي 7:5/355،التهذيب 10:798/202،الوسائل 29:146 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 6 ح 2.
4- الكافي 7:6/355،التهذيب 10:802/203،الوسائل 29:146 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 6 ح 3.
5- الكافي 7:/355 ذيل ح 6،الوسائل 29:146 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 6 ح 4.

على جسر لا يعلمون من قتله،فديته من بيت المال» (1)و نحوه القوي بزيادة:«أو عيد،أو على بئر» (2)إلى غير ذلك من النصوص.

و لعلّ الحكمة فيه حصول القتل من المسلمين،فتؤخذ الدية من أموالهم المعدّة لمصالحهم.

و مع تحقق اللوث يكون للأولياء أي أولياء المقتول إثبات الدعوى دعوى القتل على المتّهم مطلقاً بالقسامة إجماعاً منّا على الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر،كالمهذّب و التنقيح (3)،و هو الحجّة المخصِّصة للأصل المتقدم إليه الإشارة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،البالغة حدّ التواتر،و قد مرّ إلى جملة منها الإشارة،و سيأتي جملة أُخرى منها وافية، مع أنّه لم ينقل الخلاف في شرعيّتها إلّا عن أبي حنيفة (4).

و هي في العمد خمسون يميناً إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر،كالتنقيح و شرح الشرائع للصيمري و الروضة و نكت الإرشاد و المسالك (5)،و لكن في الأخيرين نفي الخلاف عنه.

و كأنّهم لم يعتدّوا بخلاف ابن حمزة حيث قال:إنّها خمسة و عشرون في العمد إذا كان هناك شاهد واحد (6).

ص:284


1- الكافي 7:4/355،التهذيب 10:796/201،الوسائل 29:146 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 6 ح 5.
2- الفقيه 4:427/122،الوسائل 29:147 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 6 ذيل ح 5.
3- المهذّب البارع 5:215،التنقيح الرائع 4:440.
4- حكاه عنه في التنقيح 4:440،المبسوط للسرخسي 26:108.
5- التنقيح 4:440،غاية المرام 4:396،الروضة 10:73،نكت الإرشاد 4:428،المسالك 2:473.
6- الوسيلة:460.

و وجهه مع ندرته غير واضح،عدا ما قيل له من أنّه مبني على أنّ الخمسين بمنزلة شاهدين (1).

و هو اعتبار ضعيف لا تساعده الأدلّة،بل إطلاقها من الفتوى و الرواية على خلافه واضحة المقالة،مع مخالفته الأصل و الاحتياط بلا شبهة.

و في الخطأ و شبهه خمسة و عشرون على الأظهر وفاقاً للشيخ في كتبه الثلاثة،و القاضي و الصهرشتي و الطبرسي و ابن حمزة و الفاضلين هنا و في الشرائع و المختلف،و يميل إليه الشهيدان في النكت و المسالك و الفاضل المقداد في التنقيح (2)و غيرهم من المتأخرين (3)،و جعله المشهور في القواعد (4)،و ادّعى عليه الشيخ إجماع الطائفة (5)،و نسبه في الغنية (6)إلى رواية الأصحاب مشعراً بالإجماع عليها،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة،ففي الصحيح:«القسامة خمسون رجلاً في العمد،و في الخطإ خمسة و عشرون رجلاً،و عليهم أن يحلفوا باللّه تعالى» (7).

ص:285


1- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:461.
2- المبسوط 7:211،الخلاف 5:308،النهاية:740،القاضي في المهذّب 2:500،و حكاه عن الصهرشتي و الطبرسي في غاية المراد 4:429،الوسيلة:460،الشرائع 4:224،المختلف:789،النكت 4:429،المسالك 2:472،التنقيح 4:441.
3- الفاضل الآبي في كشف الرموز 2:618،ابن فهد في المقتصر:433،و انظر المهذب البارع 5:218،مجمع الفائدة 14:193.
4- القواعد 2:297.
5- الخلاف 5:308.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):625.
7- الكافي 7:10/363،التهذيب 10:667/168،الوسائل 29:158 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 11 ح 1.

و في آخر و غيره:«و القسامة جعل في النفس على العمد خمسين رجلاً،و جعل في النفس على الخطأ خمسة و عشرين رجلاً» (1).

و هي مع صحة سند أكثرها،و اعتضادها بالإجماع المنقول لا معارض لها،كما ستعرف إن شاء اللّه تعالى.

و مؤيّدة بما استدل به في المختلف،فقال:لنا أنّه أدون من قتل العمد،فناسب تخفيف القسامة؛ و لأنّ التهجّم على الدم بالقود أضعف من التهجّم على أخذ الدية فكان التشدّد في إثبات الأوّل أولى (2).

خلافاً للمفيد و الديلمي و الحلّي و غيرهم (3)،فساووا بينه و بين العمد في الخمسين،و اختاره الفاضل في صريح الإرشاد و القواعد و ظاهر التحرير،و ولده في الإيضاح و الشهيدان في اللمعتين (4).

و مستندهم غير واضح،عدا الأصل،و الاحتياط،و إطلاقات الأخبار بالخمسين،و الأوّل:مخصَّص بما مرّ،و الثاني:معارض بالمثل،فإنّ زيادة الأيمان على الحالف تكليف ينافي إلزام المكلّف به طريقة الاحتياط، و الأخبار لا إطلاق لها؛ فإنّها ما بين نوعين:

نوع ورد في قضيّة عبد اللّه بن سهل،و سياقها أجمع ظاهر،بل صريح في قتله عمداً،فإنّ من جملتها الصحيح:«إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بينما هو

ص:286


1- الكافي 7:9/362،التهذيب 10:668/169،الوسائل 29:159 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 11 ح 2.
2- المختلف:789.
3- المفيد في المقنعة:736،الديلمي في المراسم:232،الحلّي في السرائر 3:338،و حكاه في المختلف عن ابن الجنيد:789،و قال الشهيد في غاية المراد 4:428:و يلوح من كلام ابن زهرة و تبعه الكيدري.
4- الإرشاد 2:219،القواعد 2:297،التحرير 2:252،إيضاح الفوائد 4:615،اللمعة و الروضة البهية 10:73.

بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجدوه قتيلاً،فقالت الأنصار:إنّ فلاناً اليهودي قتل صاحبنا،فقال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)للطالبين:أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقيده برمّته،فإن لم تجدوا شاهدين فأقيموا قسامة خمسين رجلاً أقيده برمّته،فقالوا:يا رسول اللّه ما عندنا شاهدان من غيرنا و إنّا لنكره أن نقسم على ما لم نره،فودّاه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،و قال:إنّما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوّه حجزه ذلك مخافة القسامة فكّف عن قتله،و إلّا حلف المدّعى عليه قسامة خمسين رجلاً ما قتلنا و لا علمنا قاتلاً،و إلّا أُغرموا الدية إذا وجدوا قتيلاً بين أظهرهم إذا لم يقسم المدّعون» (1)و نحوه غيره (2).

و هو كما ترى ظاهر فيما ذكرناه،مع أنّها على تقدير تسليم إطلاقها قضيّة في واقعة لا عموم لها ينفع المتنازع قطعاً.

و نوع ورد معلّلاً لشرعيّة القسامة بما مرّ في الصحيحة من العلّة،و هي صريحة في اختصاصها بالعمد دون الخطاء و ما يشبهه.

و بالجملة:لا ريب في ضعف هذه الأدلّة،و عدم صلوحها للحجيّة فضلاً أن يعترض بها نحو الأدلّة السابقة،مع ما هي عليه من الكثرة و الخلوص عن شائبة الوهن و الريبة.

فهذا القول ضعيف في الغاية،و إن ادّعى عليه إجماع المسلمين في السرائر (3)،و الشهرة في الروضة (4)؛ لظهور وهن الأوّل بمخالفة عظماء

ص:287


1- الكافي 7:4/361،التهذيب 10:661/166،الوسائل 29:152 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 9 ح 3.
2- الكافي 7:5/361،التهذيب 10:662/166،الوسائل 29:155 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 10 ح 3.
3- السرائر 3:338.
4- الروضة البهية 10:73.

الطائفة مع أنّه لم ينقل موافقاً له عدا المفيد خاصّة،و على تقدير سلامته عن الوهن فهو معارض بإجماع الشيخ (1).

و بنحو هذا يجاب عن دعوى الشهرة،فإنّها على تقدير تسليمها معارضة بنقل الشهرة على الخلاف في القواعد،كما عرفته (2).

و بالجملة:المذهب هو القول الأوّل،و إن كان الثاني أحوط،لكن لا مطلقا كما زعموه،بل إذا بذل الحالف الزيادة برضاء و رغبة،و إلّا فإلزامه بها خلاف الاحتياط أيضاً،كما عرفته.

و كيفيّتها أن يحلف المدّعى و أقاربه أوّلاً،فإن بلغوا العدد المعتبر و حلف كل واحد منهم يميناً،و إلّا كرّرت عليهم بالسوية أو التفريق، و التخيير إليهم كما لو زاد عددهم عن العدد المعتبر.

و لو لم يكن للمدّعي قسامة أو امتنعوا كلاًّ،أو بعضاً؛ لعدم العلم،أو اقتراحاً حلف المدّعى و من يوافقه إن كان،و إلّا كرّرت عليه الأيمان حتى يأتي بالعدد كملاً.

و لو لم يحلف و كان للمنكر من قومه قَسامة،حلف كل منهم حتى يكملوا العدد و لو لم يكن له قسامة يحلفون كرّرت عليه الأيمان حتى يأتي ب تمام العدد و هذا التفصيل كما هو و إن لم يستفد من أخبار القسامة،إلّا أنّه لا خلاف فيه أجده،بل عليه الإجماع في الغنية (3).

و ربما يتوهم من بعض النصوص حلف المنكر أوّلاً،و إلّا فأولياء الدم،كالصحيح في قضية عبد اللّه بن سهل المتضمّن لقوله(صلّى اللّه عليه و آله)لأولياء

ص:288


1- الخلاف 5:308.
2- راجع ص 284.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):625.

الدم:«يحلف اليهود،قالوا:كيف يحلف اليهود على أخينا قوم كفّار؟قال:

فاحلفوا أنتم،قالوا:كيف نحلف» الحديث (1).

لكنّه محمول على عدم القصد إلى بيان الترتيب،و إلّا فالمعتبرة الواردة في تلك القضية مستفيضة بعكس الترتيب المذكور في هذه الصحيحة،فمنها الصحيح:«فقال(صلّى اللّه عليه و آله)لهم:فليقسم خمسون رجلاً منكم على رجل ندفعه إليكم،قالوا:كيف نقسم على ما لم نر؟قال:فيقسم اليهود، قالوا:كيف نرضى باليهود» الحديث (2).

و نحوه آخر،و في آخره:«و إلّا حلف المدّعى عليه قسامة خمسين رجلاً ما قتلنا و لا علمنا له قاتلاً،و إلّا أُغرموا الدية إذا وجدوا قتيلاً بين أظهرهم إذا لم يقسم المدّعون» (3).

و نحوهما الخبر،و هو طويل،و في آخره:«فإذا ادّعى الرجل على القوم أنّهم قتلوا كانت اليمين لمدّعي الدم قبل المدّعى عليهم،فعلى المدّعى أن يجيء بخمسين يحلفون أنّ فلاناً قتل فلاناً،فيدفع إليهم الذي حلف عليه،و إن لم يقسموا فإنّ على الذين ادّعي عليهم أن يحلف منهم خمسون ما قتلنا» الخبر (4).و هو صريح في اعتبار الترتيب.

و نحوه آخر:عن القسامة على من،أعلى أهل القاتل أو على أهل

ص:289


1- الكافي 7:2/360،التهذيب 10:665/168،الوسائل 29:155 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 10 ح 1.
2- الكافي 7:5/361،التهذيب 10:662/166،الوسائل 29:155 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 10 ح 3.
3- الكافي 7:4/361،التهذيب 10:661/166،الوسائل 29:152 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 9 ح 3.
4- الكافي 7:8/362،الفقيه 4:223/73،التهذيب 10:663/167،الوسائل 29:156 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 10 ح 5.

المقتول؟قال:«على أهل المقتول» الحديث (1).

و يستفاد من سابقه أنّه لو كان المدّعى عليه أكثر من واحد يكتفى بحلف الجميع العدد من دون اشتراط حلف كل واحد منهم العدد،كما عليه الشيخ في الخلاف (2)،مدّعياً عليه الوفاق.

خلافاً له في المبسوط و لغيره (3)،قالوا:لأنّ الدعوى واقعة على كل واحد منهم بالدم،و من حكمها حلف المنكر العدد.

و هو الوجه؛ لضعف الخبر،مع عدم جابر له في محل البحث.

مع عدم صراحته؛ لاحتماله الحمل على كون الدعوى على القوم على واحد منهم؛ لصحة الإضافة لأدنى ملابسة،و ربما يشير إلى كونه المراد من الرواية قوله(عليه السّلام)في آخرها:«يحلفون أنّ فلاناً قتل فلاناً،فيدفع إليهم» و هو ظاهر في أنّ المدّعى عليه واحد،و إنّما أضاف الدعوى إلى القوم لكونه منهم.

و الإجماع موهون،سيّما مع مخالفة الناقل بنفسه.

لكن ظاهر جملة من الأخبار الواردة في قضية سهل هو الأوّل؛ لظهورها في دعوى الأنصار على اليهود أنّهم قتلوا صاحبهم،و مع ذلك فقد اكتفى(صلّى اللّه عليه و آله)منهم بأن يحلفوا خمسين،ففي الصحيح:«خرج رجلان من الأنصار يصيبان من الثمار فتفرّقا فوجد أحدهما ميتاً، فقال أصحابه لرسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):إنّما قتل صاحبنا اليهود» الحديث (4)،

ص:290


1- التهذيب 10:666/168،الوسائل 29:157 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 10 ح 6.
2- الخلاف 5:314.
3- المبسوط 7:222،المسالك 2:474.
4- الكافي 7:2/360،التهذيب 10:665/168،الوسائل 29:155 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 10 ح 1.

و نحوه غيره (1).

و لكن في الصحيح:«فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجدوه قتيلاً، فقالت الأنصار:إنّ فلاناً اليهودي قتل صاحبنا» الحديث (2).و هو صريح في المخالفة لتلك،و القضية واحدة،و الجمع بينهما يقتضي إرجاع تلك إلى هذه؛ لصراحته دونها؛ لاحتمالها الحمل على نحو ما مرّ ممّا يرجع إليه،دونه.

و كيف كان لو حلف المدّعى عليه هو أو مع قومه بطلت الدعوى، و أُخذت الدية من بيت المال؛ لدخوله فيمن جهل قاتله؛ و لئلاّ يطلّ دم امرئ مسلم.

و لخصوص الصحيح:«إذا لم يقم القوم المدّعون البيّنة على قتل قتيلهم و لم يقسموا بأنّ المتّهمين قتلوه،حلّف المتّهمين (3)بالقتل خمسين يميناً باللّه ما قتلناه و لا علمنا له قاتلاً،ثم يؤدّي الدية إلى أولياء القتيل» (4).

و لو نكل عن الأيمان كلّاً أو بعضاً اُلزم الدعوى،عمداً كان القتل المدّعى عليه أو خطأ و لا تردّ اليمين على المدّعى على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا؛ لظاهر الصحيح الثاني المتقدم من النصوص المتضمنة لحلف المدّعى أوّلاً ثم المدّعى عليه (5).

و نحوه بعض المعتبرة،المنجبر قصور سنده بالجهالة بالشهرة،

ص:291


1- الكافي 7:3/361،الوسائل 29:155 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 10 ح 2.
2- الكافي 7:4/361،التهذيب 10:661/166،الوسائل 29:152 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 9 ح 3.
3- في النسخ:حلف المتّهمون،و ما أثبتناه من المصدر هو الأنسب،أي كان أبي حلّف المتهمين..ثم يؤدّي الدية..
4- التهذيب 10:812/206،الإستبصار 4:1054/278،الوسائل 29:153 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 9 ح 6.
5- راجع ص 288.

و وجود ابن محبوب قبلها،و قد حكي على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة،و فيه:«إذا وجد مقتول في قبيلة قوم حلفوا جميعاً ما قتلوه و لا يعلمون له قاتلاً،فإن أبوا أن يحلفوا أُغرموا الدية فيما بينهم في أموالهم سواء بين جميع القبيلة من الرجال المدركين» (1).

خلافاً للمبسوط (2)،فقال:تردّ اليمين على المدّعى،كما في سائر الدعاوي،و ظاهر عبارته الإجماع عليه.و هو شاذّ،و إجماعه موهون.

و عليه فهل تردّ القَسامة،أم يكتفى بيمين واحدة؟وجهان، و المحكي عن ظاهر عبارة المبسوط (3)هو الأوّل.

و قيل:إن قلنا:إنّ الخمسين يمين واحدة فله الردّ،و إلّا فلا (4).

و يثبت الحكم في الأعضاء بالقسامة كثبوته بها في النفس، بلا خلاف أجده،بل عليه إجماعنا في المبسوط على ما حكاه عنه في التنقيح (5)،و هو أيضاً ظاهر غيره (6)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى النصوص الآتية.خلافاً لأكثر العامّة.

و هل يعتبر اقتران الدعوى هنا مع التهمة كما في النفس،أم لا؟ ظاهر العبارة و نحوها الأوّل،و هو صريح جماعة،و منهم الحلّي (7)،قيل:

مدّعياً في ظاهر كلامه الإجماع عليه (8)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى بعض

ص:292


1- التهذيب 10:811/206،الإستبصار 4:1053/278،الوسائل 29:153 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 9 ح 5.
2- المبسوط 7:223.
3- المبسوط 7:223.
4- انظر كشف اللثام 2:462.
5- التنقيح 4:442،و هو في المبسوط 7:223.
6- الخلاف 5:312.
7- السرائر 3:338.
8- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:462.

ما قدّمنا في اعتباره في أصل القسامة.

خلافاً للمحكي عن المبسوط (1)،فاختار الثاني،و حجته غير واضحة،سيّما في مقابلة تلك الأدلّة.

فما كانت ديته دية النفس كالأنف و اللسان و نحوهما فالأشهر كما هنا و في غيره أنّ عدد القسامة ستّة رجال و هو خيرة الشيخ و أتباعه (2)،و في الغنية (3)الإجماع عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المروية في الكتب الثلاثة،و فيها الصحيح و غيره، فيما أفتى به أمير المؤمنين(عليه السّلام)في الديات،و من جملته في القسامة:

«جعل على العمد خمسين رجلاً،و جعل في النفس على الخطأ خمسة و عشرين رجلاً،و على ما بلغت ديته من الجوارح (4)ألف دينار ستّة نفر، فما كان دون ذلك فبحسابه من ستّة نفر» الحديث (5).

خلافاً للديلمي و الحلّي (6)،فساويا بين النفس و الأعضاء في اعتبار الخمسين،أو خمسة و عشرين إن قلنا بها في الخطاء،و إلّا فالخمسين مطلقا،و حكاه الثاني عن المفيد أيضاً،و اختاره أكثر المتأخّرين جدّاً،لكن لم يذكروا الخمسة و عشرين في الخطأ،بل ذكروا الخمسين مطلقا،و في

ص:293


1- حكاه عنه في كشف اللثام 2:462،و هو في المبسوط 7:223.
2- الشيخ في المبسوط 7:223،و تبعه ابن حمزة في الوسيلة:460،و القاضي في المهذب 2:501.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):625.
4- كذا،و في الكافي و الوسائل:الجروح.
5- الكافي 7:9/362،التهذيب 10:668/169،الوسائل 29:159 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 11 ح 2.
6- المراسم:248،السرائر 3:340.

المسالك و غيره (1)أنّه مذهب الأكثر بقول مطلق،و في غيرهما (2)أنّه المشهور.

و حجتهم غير واضحة،عدا مخالفة القَسامة للأصل،كما تقدّم إليه الإشارة،فيقتصر فيما خالفه على المتيقن من الفتوى و الرواية،و ليس سوى الخمسين لا الستّة.

و هو حسن لولا ما مرّ من المعتبرة المتضمّنة للصحيح على المختار، و الحسن القريب منه على المشهور،و كلاهما حجة على الأشهر الأظهر، سيّما مع التأيّد بغيره و لو ضعف،مع احتمال جبر ضعفه بالشهرة القديمة المحكيّة و حكاية الإجماع المتقدمة.

مع أنّها بنفسها حجة مستقلة،لأنّ الشهرة المخالفة إنّما هي من المتأخرين خاصّة،فلا تؤثّر في وهنها؛ لأنّها سابقة،و خروج نحو الديلمي و الحلّي و المفيد على تقدير خروجه لا يؤثّر الوهن فيها بلا شبهة.

مع أنّ عمدة المتأخّرين و هو الفاضل قد احتاط بهذا القول في التحرير (3)،مشعراً باختياره الأوّل أو التردّد فيه و في الثاني،و فيه المختلف (4)رجع عنه و صرّح باختياره الأوّل،و إن نسبه في الإيضاح و غيره في غيره (5)إلى الثاني،لكنه و هم،و إلى المختار ذهب الخال العلّامة المجلسي و المقدّس الأردبيلي (6)عليهما الرحمة.

ص:294


1- المسالك 2:474،مفاتيح الشرائع 2:124.
2- غاية المراد 4:431.
3- التحرير 2:253.
4- المختلف:789.
5- الإيضاح 4:615،كنز الفوائد 3:715.
6- ملاذ الأخيار 16:345،مجمع الفائدة 14:193 196.

و عليه يقسم كل منهم أي من الستة رجال يميناً،و مع عدمهم أو امتناعهم مطلقا يحلف الوليّ للدم و من يوافقه إن كان ستّة أيمان (1)و لو لم يكن له قسامة،أو امتنع الوليّ من الحلف و غيره أُحلف المنكر إن شاء مع قومه ستّة أيمان.

و لو لم يكن له قوم أو امتنعوا كلّاً أو بعضاً يحصل به العدد حلف هو أي المنكر الستّة أيمان.

و في ما كانت ديته دون دية النفس فيحلف بحساب الستّة ففي اليد الواحدة ثلاثة أيمان،و في الإصبع الواحدة يمين واحدة، و كذا الجرح إن كان فيه ثلث الدية كانت فيه يمينان،و هكذا.

و كذلك على القول الثاني،لكن يبدّل فيه الستّة بالخمسين،و الثلاثة بالخمس و عشرين،و الواحدة بالخمس،و هكذا.

و لا دليل لاعتبار نسبة الأقلّ إلى الأكثر على هذا القول كما ذكره المقدّس الأردبيلي (2)رحمه اللّه مضعفاً له به عدا عدم الخلاف فيه الظاهر بلوغه حدّ الإجماع،و حاصله الإجماع على اعتبارها ،و إن اختلفوا في الأكثر الذي ينسب إليه،أ هو ستّة،أم خمسون؟ و هذا الإجماع لعلّه يؤيّد تلك المعتبرة؛ لأنّها هي المتكفّلة لاعتبار النسبة،و استنادهم في اعتبارها إلى دليل غيرها مع عدم ظهوره بعيد في الغاية.

ص:295


1- في«ح» زيادة:و قيل:خمسون يميناً احتياطاً.
2- مجمع الفائدة 14:194.
القول في كيفيّة الاستيفاء
اشارة

القول في (1)الاستيفاء أي استيفاء القصاص اعلم أنّ قتل العمد يوجب القصاص بالأصالة و لا تثبت الدية فيه إلّا صلحاً،و لا تخيير للوليّ بينهما،على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،و في ظاهر الخلاف و المبسوط و صريح السرائر و الغنية (2)أنّ عليه إجماع الإمامية،و هو الحجّة.

مضافاً إلى الآيات الكثيرة و السنّة المتواترة بإثبات القود،و ليس في أكثرها التخيير بينه و بين الدية،فإثباته لمخالفته الأصل يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة،كما ستعرفه.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة،منها الصحيح:«من قتل مؤمناً متعمّداً قيد به،إلّا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية،فإن رضوا بالدية و أحبّ ذلك القاتل فالدية اثنا عشر ألفاً» الحديث (3).

خلافاً للإسكافي،فيتخيّر الوليّ بين القصاص و العفو و أخذ الدية، قال:و لو شاء الوليّ أخذ الدية و امتنع القاتل من ذلك و بذل نفسه للقود كان الخيار إلى الوليّ (4).و هو أيضاً ظاهر العماني،حيث قال:فإن عفا الأولياء عن القود لم يقتل،و كان عليه الدية لهم جميعاً (5).

ص:296


1- في المختصر المطبوع زيادة:كيفيّة.
2- الخلاف 5:178،المبسوط 7:52،السرائر 3:324،الغنية(الجوامع الفقهية):619.
3- التهذيب:10:638/159،الإستبصار 4:980/261،الوسائل 29:196 أبواب ديات النفس ب 1 ح 9.
4- حكاه عنه في المختلف:783.
5- حكاه عنه في المختلف:784.

و هذا القول شاذّ،و مستنده غير واضح،عدا ما استدل له من النبويين،في أحدهما:«من قتل له قتيل فهو بخير النظرين،إمّا أن يفادي، و إمّا أن يقتل» (1).

و في الثاني:«من أُصيب بدم أو خَبل» و الخَبل:الجراح«فهو بالخيار بين إحدى ثلاث،إمّا أن يقتصّ،أو يأخذ العقل،أو يعفو» (2).

و الخاصّيّ،و فيه:«العمد هو القود،أو رضاء وليّ المقتول» (3).

و أنّ فيه إسقاط بعض الحق،فليس للجاني الامتناع منه كإبراء بعض الدين.

و أنّ الرضاء بالدية ذريعة إلى حفظ نفس الجاني الواجب عليه.

و في الجميع نظر؛ لقصور الروايات سنداً،بل و دلالةً؛ إذ ليس فيها إلّا الخيار بين الثلاثة في الجملة،لا كليةً حتى لو لم يرض الجاني بالدية لكان له الخيار في أخذها،و إنّما غايتها الإطلاق الغير المنصرف إلى هذه الصورة،فإنّ الغالب رضاء الجاني بالدية مطلقاً،سيّما مع اختيار الوليّ لها، فإنّ النفس عزيزة.

مع احتمالها الحمل على التقية؛ لكونها مذهب الشافعي و أحمد و جماعة من العامّة،على ما حكاه عنهم بعض الأجلّة،قال بعد نقل الخلاف عنهم:فأوجبوا الدية بالعفو و إن لم يرض الجاني (4).

و يضعّف الثاني بمنع كون قبول الدية إسقاط حق،بل معاوضة صرفة

ص:297


1- مسند أحمد 2:238،صحيح البخاري 1:39،سنن البيهقي 8:52.
2- مسند أحمد 4:31،سنن ابن ماجة 2:2624/876،سنن البيهقي 8:52.
3- التهذيب 10:634/158،الإستبصار 4:974/258،الوسائل 29:198 أبواب ديات النفس ب 1 ح 13.
4- كشف اللثام 2:466.

يحتاج إلى مراضاة الطرفين،كما لو أبرأ الدين أو بعضه بعوض من غير جنسه.

و الثالث بعد تسليمه لا يفيد ثبوت الخيار للوليّ و تسلّطه على أخذ الدية من الجاني،و إن كان بذلها واجباً عليه،فإنّ لكل تكليفاً،و تكليف أحدهما و هو الجاني لا يغيّر حكم الآخر و هو الوليّ من حرمة تسلّطه على صاحبه.

و لعلّه لذا أنّ الشهيدين في اللمعتين (1)مع اختيارهما المختار مالا إلى وجوب بذل الدية على الجاني مع قدرته عليه لو طلبها الوليّ،و لم ينسب ثانيهما إلى الإسكافي سوى هذا،و لكن عبارته المحكية صريحة فيما نسبه الأصحاب إليه،حتى هو في المسالك (2)ممّا قدّمنا إليه الإشارة (3)،هذا.

مع أنّ هذه الأدلّة لا تكافئ شيئاً ممّا قدّمناه،و سيّما الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة،المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها (4)إجماع في الحقيقة،و لا يقدح فيه خروج القديمين؛ لمعلومية نسبهما المانعة عن القدح في الحجية.

مضافاً إلى الأصل و ما بعده من المعتبرة،و إن لم يكن في المطلوب صريحة،فإنّ محل الدلالة فيها اشتراط رضا الجاني ببذل الدية،و هو يحتمل الورود مورد الغالب،و هو حصول رضاه كما عرفته،فلا عبرة بمفهومه،كما قرر في محلّه و مرّ غير مرّة.

ص:298


1- اللمعة و الروضة البهية 10:90.
2- المسالك 2:476.
3- راجع ص 295.
4- ليست في«ن».

و يتفرّع على المختار أنّه إذا طلب الوليّ المال تخيّر الجاني بين دفعه و تسليم نفسه للقود.

و أنّه لو عفا عليه لم يصحّ عفوه بدون رضا القاتل؛ لأنّ حقه ليس هو المال،و عفوه لم يقع مطلقاً.

و أنّه لو عفا كذلك سقط القود و لم تلزم الدية؛ لأنّها ليست واجبة له بالأصالة أو أحد أفراد الحقّ المخيّر حتى يوجب إسقاط أحدهما بقاء الآخر.

و لا يجوز أن يقضي الحاكم بالقصاص ما لم يتيقّن التلف بالجناية فإن اشتبه اقتصر على القصاص في الجناية إن أمكن،دون النفس،فإذا قطع الجاني يد شخص مثلاً فمات المجني عليه بعد ذلك و لم يعلم استناد موته إلى الجناية فلا يقتل الجاني إلّا بعد تيقّن حصول الموت بالجناية،و مع الاشتباه يقتصر على قطع اليد دون القتل،و وجهه واضح.

و المراد باليقين ما يعمّ اليقين الشرعي الحاصل من نحو الإقرار و الشهادة،هذا بالنسبة إلى الحاكم،و أمّا بالنسبة إلى الشهود و وليّ الدم إذا أراد قتل الجاني حيث يجوز له فلا بُدَّ من العلم الواقعي.

و للوليّ الواحد المبادرة بالقصاص بنفسه بعد تيقّنه بثبوته،من دون توقّف على شيء،وفاقاً لأحد قولي المبسوط (1)،و عليه أكثر المتأخرين،بل عامّتهم؛ لأنّه كالأخذ بالشفعة و سائر الحقوق؛ و لعموم فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً [1] (2)و نحوه من الأدلّة الدالّة على جواز اقتصاص

ص:299


1- المبسوط 7:56.
2- الإسراء:33.

الوليّ من الجاني بتعمده الجناية،من دون دلالة فيها على توقّفه على شيء و لا إشارة.

و قيل كما عن الخلاف و موضع آخر من المبسوط و المقنعة و المهذّب و الكافي (1):إنّه يتوقف على إذن الحاكم و يحرم بدونه و إن لم يضمن أرشاً و لا دية (2)،و عليه الفاضل في القواعد (3).و لعلّه الظاهر من الغنية،فإنّ فيها:و لا يستقيد إلّا سلطان الإسلام أو من يأذن له في ذلك، و هو وليّ من ليس له وليّ من أهله إلى أن قال-:بلا خلاف بين أصحابنا في ذلك كلّه (4).

و ظاهره دعوى الإجماع عليه كالشيخ في الخلاف (5)،فإن تمّ فهو الحجّة،لا ما يقال لهم:من أنّه يحتاج في إثبات القصاص و استيفائه إلى النظر و الاجتهاد؛ لاختلاف الناس في شرائطه و في كيفيّة الاستيفاء،لخطر أمر الدماء.

فإنّ مفاده عدم الجواز مع عدم العلم بثبوت القصاص باحتمال الاختلاف في النظر و الاجتهاد،و نحن نقول به،لكنّه خارج عن محل النزاع؛ إذ هو كما عرفت تيقّن الوليّ بثبوت القصاص،و هو غير متوقّف على إذن الحاكم بالاقتصاص؛ لحصوله بمجرّد حكمه به،بل و من دونه أيضاً لو كان الوليّ عارفاً بثبوت القصاص في واقعته عند مجتهده،أو مطلقاً

ص:300


1- الخلاف 5:205،المبسوط 7:100،المقنعة:760،المهذّب 2:485،الكافي:383.
2- في«ن» زيادة:لو فعل.
3- القواعد 2:299.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
5- الخلاف 5:205.

حيث يكون ثبوته إجماعيّاً أو ضروريّاً.

و لا ريب أنّ الاستيذان أحوط،سيّما مع نقل نفي الخلاف الذي مرّ، مع عدم ظهور وهنه من الخارج؛ إذ لم يخالف فيه من القدماء عدا الشيخ في أحد قوليه،و هو بمجرّده لا يوجب القدح فيه،سيّما مع نفيه هو أيضاً عنه الخلاف في الخلاف،و شهرة الخلاف إنّما هو بين المتأخّرين،هذا.

مع إشعار جملة من النصوص باعتبار الإذن،كالخبر:«من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل و لا جراحة» (1)و قريب منه غيره (2)، فتأمّل .

و ظاهر العبارة عدم الكراهة،و لكن حكم بها في الشرائع (3)،و نحوه الفاضل في التحرير (4)،و لا ريب فيها؛ لشبهة الخلاف الموجبة لها لا أقلّ منها.

قالا:و تتأكّد الكراهة في قصاص الطرف.قيل:لأنّه بمثابة الحدّ، و هو من فروض الإمام؛ و لجواز التخطّي مع كون المقصود معه بقاء النفس بخلاف القتل،و لأنّ الطرف في معرض السراية،و لئلاّ تحصل مجاحدة (5).

و لو كانوا أي الأولياء جماعة لم يجز لأحدهم الاستيفاء بنفسه،بل يتوقف على الاجتماع إمّا بالوكالة لأجنبي أو أحدهم،أو

ص:301


1- التهذيب 10:1091/279،الوسائل 29:65 أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 8.
2- التهذيب 10:813/206،الوسائل 29:65 أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 9.
3- الشرائع 4:228.
4- التحرير 2:255.
5- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:477.

بالإذن،وفاقاً للفاضلين و الشهيدين (1)و غيرهم من المتأخّرين (2)، و بالجملة:المشهور،كما في شرح الشرائع للصيمري (3)؛ لتساويهم في السلطان،و لاشتراك الحقّ فلا يستوفيه بعضهم،و لأنّ القصاص موضوع للتشفّي و لا يحصل بفعل بعضهم.

و قال الشيخ في المبسوط و الخلاف (4): لو بادر أحدهم بالاستيفاء جاز له ذلك و ضمن الدية عن حصص الباقين و هو خيرة السيّدين (5)،مدّعيين عليه الإجماع كالشيخ في الكتابين،و هو الحجّة،لا ما يقابل لهم أو قالوه:من قوله تعالى فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً [1] (6)و بناء القصاص على التغليب،و أنّه لو عفا بعضهم على مال أو مطلقاً كان للآخر القصاص مع أنّ القاتل قد أحرز بعض (7)نفسه،فهنا كذلك بطريق أولى.

لإمكان المناقشة في الجميع؛ لعدم ظهور الآية في المطلوب، و التغليب ليس بحجّة،بل غير مسلم،فإنّه يسقط بالشبهة مثل سائر الحدود،و جواز استقلال البعض بالاستيفاء و القصاص بعد أخذ الباقي حقه بالعفو و غيره لا يستلزم جوازه بدون أخذهم ذلك،فكيف الأولوية؟! فتأمّل .

ص:302


1- الشرائع 4:228،القواعد 2:299،اللمعة و الروضة البهية 10:95.
2- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:445،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 13:430،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:139.
3- غاية المرام 4:402.
4- المبسوط 7:53،الخلاف 5:179.
5- لم نعثر على قول السيد المرتضى في كتبه لكن حكاه عنه الشهيد في غاية المراد 4:324،الغنية(الجوامع الفقهية):619.
6- الإسراء:33.
7- أثبتناه من«ب».

و هذه الوجوه و إن لم تصلح للحجية،لكنّها معاضدات قويّة للإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة،السليمة مع ذلك عمّا يوجب وهنها سوى الشهرة المتأخّرة،و هي ليست بموهنة كما عرفته،و الشهرة المطلقة المحكية معارضة بدعوى المولى الأردبيلي رحمه اللّه في شرح الإرشاد (1)على هذا القول الأكثرية،و بعد التساقط تبقى الإجماعات عن الوهن بها سليمة.

فإذاً هذا القول في غاية القوّة،سيّما مع التأيّد بما قيل (2)من أنّ الباقي إمّا أن يريد قتله،أو و الدية،أو العفو،فإن أراد القتل فقد حصل،و إن أراد الدية فالمباشر باذل،و إن أراد العفو فيعفو فيه أيضاً؛ إذ المقصود منه المثوبة من اللّه سبحانه،و هي على التقديرين حاصلة،فتأمّل .

و لا ريب أنّ القول الأوّل أحوط.

و لا قصاص في النفس إلّا بالسيف،أو ما جرى مجراه من آلة الحديد.

و يقتصر المستوفي على ضرب العنق حال كونه غير ممثِّل بقطع اذن،أو أنف،أو نحو ذلك مطلقاً و لو كانت الجناية من الجاني بالتحريق للمجني عليه أو التغريق له أو الرضخ (3) أي الرمي عليه بالحجارة و نحوها من كل مثقل،على الأشهر الأقوى،بل نفى في الغنية (4)عنه الخلاف بين أصحابنا،مشعراً بدعوى الإجماع عليه،كالفاضل المقداد في التنقيح و شيخنا في الروضة،حيث قالا بعد نقل القول بجواز

ص:303


1- مجمع الفائدة و البرهان 13:430.
2- قاله المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة 13:431.
3- في النسخ:الرضح بالحاء المهملة و الأنسب ما أثبتناه من المختصر.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):620.

قتله بمثل القتلة التي قتل بها و دليله-:و هو متّجه لولا انعقاد الإجماع على خلافه (1).و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،ففي جملة منها تضمّنت الصحيح و غيره:عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات، أ يدفع إلى وليّ المقتول فيقتله؟قال:«نعم،و لكن لا يترك يعبث به،و لكن يجيز عليه بالسيف» (2).

و في المرسل:عن قول اللّه عزّ و جلّ فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ [1] (3)ما هذا الإسراف الذي نهى اللّه تعالى عنه؟قال:

«نهى أن يقتل غير قاتله،أو يمثّل بالقاتل» (4).

و في المروي عن قرب الإسناد:«أنّ عليّاً(عليه السّلام)لمّا قتله ابن ملجم قال:احبسوا هذا الأسير» إلى أن قال(عليه السّلام):«فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثّلوا به» (5).

و في آخر عنه أيضاً:«أنّ الحسن(عليه السّلام)قدّمه فضرب عنقه بيده» (6)إلى غير ذلك من النصوص.

خلافاً للإسكافي،فقال(بما مرّ) (7)إمّا مطلقاً،كما يحكى عنه

ص:304


1- التنقيح 4:446،الروضة 10:92.
2- الكافي 7:4/279،التهذيب 10:630/157،الوسائل 29:126 أبواب القصاص في النفس ب 62 ح 1.
3- الإسراء:33.
4- الكافي 7:7/370،الوسائل 29:127 أبواب القصاص في النفس ب 62 ح 2.
5- قرب الإسناد:515/143،الوسائل 29:127 أبواب القصاص في النفس ب 62 ح 4.
6- قرب الإسناد:516/143،الوسائل 29:128 أبواب القصاص في النفس ب 62 ح 5.
7- بدل ما بين القوسين في«ب»:يجوز قتله بمثل القتلة التي قتل بها.

كثيراً (1)،أو مشروطاً بما إذا وثق بأنّه لا يتعدّى،كما حكاه عنه في المختلف و بعض أصحابنا (2)؛ لقوله تعالى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [1] (3)و النبوي:«من حرّق حرّقناه،و من غرّق غرّقناه» (4).

قيل:و روى أنّ يهوديّاً رضخ رأس جارية بالحجارة فأمر رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) فرضخ رأسه (5).و لأنّ المقصود من القصاص التشفّي،و إنّما يكمل إذا قتل القاتل بمثل ما قتل به (6).

و في الجميع نظر،عدا الآية الكريمة،فإنّها فيما ذكره ظاهرة، و المصير إليه لا يخلو عن قوّة لولا ما قدّمناه من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع كما عرفته من هؤلاء الجماعة،و المخالف شاذّ،و إن مال إليه جماعة مرّ إليهم الإشارة،لكن لم يجسروا على المخالفة،و لكنّها صريح المسالك و المحكي عن المختلف و الجامع (7)،حيث قال:و يقتصّ بالعصا ممّن ضرب بها.

و على هذا القول يستثني ما إذا حصل الجناية بمحرّم كالسحر،و وطء الدبر،و وجور الخمر أو البول مثلاً في الحلق،و وجهه واضح.

و على المختار لو خالف فأسرف في القتل أساء و لا شيء عليه من القصاص و الدية،و أمّا التعزير فلا يسقط؛ لفعله المحرّم.

ص:305


1- كما في المسالك 2:478،و التنقيح 4:446،و المفاتيح 2:142.
2- المختلف:820،كشف اللثام 2:468.
3- البقرة:194.
4- سنن البيهقي 8:43.
5- سنن البيهقي 8:42،في النسخ:رضح بالحاء المهملة،و ما أثبتناه من المصدر.
6- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:478.
7- المسالك 2:478،المختلف:820،الجامع للشرائع:599.

و لا يضمن سراية القصاص في الطرف إلى النفس أو غيرها ما لم يتعدّ المقتصّ فيقتصّ منه في الزائد إن اعترف به عمداً،و إن قال:

خطأ،أُخذت منه دية الزيادة،و لا خلاف في شيء من ذلك أجده.

و النصوص بأصل الحكم بعد الاعتبار مستفيضة كادت تبلغ التواتر، بل لعلّها متواترة،ففي الصحيح:«أيّما رجل قتله الحدّ و القصاص فلا دية له» الحديث (1).

و في القوي:«من اقتصّ منه فهو قتيل القرآن» (2).

و في الموثّق:عمّن أُقيم عليه الحدّ فمات (3)،إيقاد منه،أو يؤدى ديته؟قال:«لا،إلّا أن يزاد على القود» (4).

و فيه الدلالة على الضمان في صورة التعدّي و الزيادة.

و ينبغي حمل الدية المطلقة فيه على ديتها خاصّة؛ لأن المستوفى من دونها حقه،فلا وجه لأخذ الدية من أجله.

و يدلُّ عليه أيضاً أنّه بالنسبة إلى الزائد جانٍ،فيلزمه القصاص أو الدية على حسب الجناية؛ للعمومات من الكتاب و السنّة.

و هنا مسائل
الأولى لو اختار بعض الأولياء الدية

و هنا مسائل أربع:

الاُولى :لو اختار بعض الأولياء الدية عن القود فدفعها إليه

ص:306


1- التهذيب 10:813/206،الوسائل 29:65 أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 9.
2- الكافي 7:19/377،التهذيب 10:1090/279،الوسائل 29:64 أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 2.
3- أثبتناه من«ب» و المصدر.
4- التهذيب 10:1086/278،الوسائل 29:65 أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 7.

القاتل لم يسقط القود لو أراده غيره على الأشهر (1) بل لا خلاف فيه يظهر،كما في عبائر جمع ممّن تأخّر،كالفاضل المقداد في الشرح و شيخنا في الروضة و غيرهما (2)،و في شرح الشرائع للصيمري أنّ عليه فتوى الأصحاب (3)،و ظاهرهم الإجماع عليه كما ادّعاه بعض الأصحاب (4)،و به صرّح في الغنية (5)،و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و قوله سبحانه فَقَدْ جَعَلْنا [1] الآية (6).

و خصوص الصحيحة الصريحة:في رجل قتل و له أب و أُمّ و ابن، فقال الابن:أنا أُريد أن أقتل قاتل أبي،و قال الأب:أنا أعفوه،و قالت الأُمّ:

أنا آخذ الدية،قال:«فليعط الابنُ أُمّ المقتول السدس من الدية،و يعطي ورثة القاتل السدس من الدية حق الأب الذي عفا،و ليقتله» (7).

و نحوها رواية أُخرى:في رجل قتل و له وليّان فعفا أحدهما و أبى الآخر أن يعفو،قال:«إن أراد الذي لم يعف أن يقتل قتل و ردّ نصف الدية على أولياء المقتول المقاد منه» (8).

و قريب منهما الصحيح:عن رجل قتل رجلين عمداً و لهما أولياء،

ص:307


1- في المختصر المطبوع:الأشبه.
2- التنقيح 4:446،الروضة 10:96،و انظر ملاذ الأخيار 16:359.
3- غاية المرام 4:404.
4- انظر كشف اللثام 2:466.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):619.
6- الإسراء:33.
7- الكافي 7:2/356،الفقيه 4:353/105،التهذيب 10:686/175،الوسائل 29:113 أبواب القصاص في النفس ب 52 ح 1.
8- الكافي 7:1/356،التهذيب 10:694/177،الوسائل 29:113 أبواب القصاص في النفس ب 52 ح 2.

فعفا أولياء أحدهما و أبى الآخرون؟قال:فقال:«يقتل الذي لم يعف،و إن أحبّوا أن يأخذوا الدية أخذوا» (1).

و على هذا ف للآخرين الباقين القصاص لكن بعد أن يردّوا على المقتصّ منه الجاني نصيب من فاداه من الدية،كما يستفاد من الصحيح السابق و ما بعده.

و كذلك لو عفا البعض من الأولياء مطلقا لم يسقط القود، و لم يقتصّ الباقون حتى يردّوا عليه أي على الجاني نصيب من عفا أيضاً،بلا خلاف في هذا أيضاً،و دلّ عليه الخبران الأوّلان.

فلا إشكال في الحكم في المسألتين بحمد اللّه،و إن خالفته روايات مشتملة على الصحيح و غيره،دالّة على سقوط القود بالعفو (2)،لكنّها مع قصور أكثرها سنداً،و عدم مكافأتها لما مضى شاذّة لا قائل بها،كما مضى،و إن أشعر عبارة الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في التحرير و الشهيد في اللمعة (3)بوجود مخالفٍ في هذا الحكم،لكن الظاهر عدم كون الخلاف منّا،بل من العامّة العمياء،كما حكاه عنهم جماعة من أصحابنا (4)، و لذا حملوا هذه الأخبار على التقيّة،قالوا:لاشتهار ذلك بينهم.

و هذا أجود من حمل هذه على الاستحباب،أو ما ذكره الشيخ في

ص:308


1- الكافي 7:8/358،التهذيب 10:688/176،الإستبصار 4:991/263،الوسائل 29:113 أبواب القصاص في النفس ب 52 ح 3.
2- انظر الوسائل 29:115 أبواب القصاص في النفس ب 54.
3- الشرائع 4:230،التحرير 2:255،اللمعة(الروضة البهية 10):96.
4- منهم الشيخ في الخلاف 5:181 و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:139،و المجلسي في ملاذ الأخيار 16:359.

الاستبصار (1)من تقييدها بصورة ما إذا لم يؤدّ مريد القود الدية،و إن كان لا بأس بهما أيضاً؛ جمعاً بين الأدلّة.

الثانية لو فرّ القاتل حتى مات

الثانية :لو فرّ القاتل عمداً حتى مات،فالمروي في الموثقين و غيرهما (2) وجوب الدية في ماله إن كان له مال و لو لم يكن له مال أُخذت من الأقرب إليه فالأقرب و زيد في الموثقين:«فإن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام،فإنّه لا يطلّ دم امرئ مسلم» و به أفتى أكثر الأصحاب،بل في الغنية (3)الإجماع عليه،و هو حجة أُخرى؛ مضافاً إلى الروايات المعتبر سند أكثرها،و المنجبر بالشهرة باقيها.

و قيل كما في السرائر و عن المبسوط (4):إنّه لا دية لأنّ الثابت بالآية و الإجماع هو القصاص،فإذا فات محلّه فات.

و هو حسن لولا ما مرّ من الإجماع المحكي و الروايات،مع إمكان أن يقال بوجوب الدية و لو فرض عدمهما؛ من حيث إنّه فوّت العوض مع مباشرة إتلاف المعوّض فيضمن البدل،كما يستفاد من الصحيح:عن رجل قتل رجلاً عمداً فدفع (5)إلى الوالي،فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه،فوثب عليهم قوم فخلّصوا القاتل من أيدي الأولياء؟فقال:«أرى أن يحبس الذين خلّصوا القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل» قيل

ص:309


1- الاستبصار 4:263.
2- الكافي 7:3/365،التهذيب 10:671/170،الإستبصار 4:985/261،الوسائل 29:395 أبواب العاقلة ب 4 ح 1 و 2.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
4- السرائر 3:330،المبسوط 7:65.
5- كذا،و في المصادر عدا التهذيب:فرُفع.

فإن مات القاتل و هم في السجن؟فقال:«إن مات فعليهم الدية» (1).

و حيث ثبت بذلك وجوب الدية في ماله لو كان ثبت وجوبها في مال الأقرب فالأقرب مع عدمه بالإجماع المركّب،إذا لا قائل بالفرق.

و أما ما يجاب عن هذا الاعتبار من أنّه لو مات فجأةً و لم يمتنع من القصاص و لم يهرب حتى مات لم يتحقق منه تفويت فهو متوجّه إن لم يخصّص الدعوى بالهارب،و أمّا مع التخصيص فلا،و هو ظاهر العبارة هنا و في النهاية و الغنية (2)،بل أكثر الأصحاب كما في المسالك و النكت (3)،بل عامّتهم عدا الفاضل في الإرشاد كما في التنقيح (4)و لعلّه الأقرب؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النص،و يحتمل العموم؛ لما في بعضه من التعليل المفيد له.

ثم الموثّقان ليس فيهما اعتبار الموت،بل علّق الحكم فيهما على مطلق الهرب،و ليس في غيرهما ما يقتضي التقييد به فيعتبر،و إنّما وقع قيد الموت فيه في كلام الراوي،و هو لا يوجبه،و إن أوجب اختصاص الحكم في الجواب منه(عليه السّلام)بمورده،و لكنّه غير التقييد،هذا.

مع أنّ في الكافي بعد نقل الموثّقين (5)قال:و في رواية أُخرى:«ثمّ للوالي بعد حبسه و أدبه» (6)و هي و إن كانت مرسلة إلّا أنّها للتأكيد صالحة، و لكن ظاهر الأصحاب يفيد اعتباره.

ص:310


1- الكافي 7:1/286،الفقيه 4:252/80،التهذيب 10:875/223،الوسائل 29:49 أبواب القصاص في النفس ب 16 ح 1.
2- النهاية:736،الغنية(الجوامع الفقهية):620.
3- المسالك 2:481،غاية المراد 4:319.
4- التنقيح 4:448،و هو في الإرشاد 2:198.
5- كذا في النسخ،و ليس في الكافي إلّا أحد الموثقين.
6- الكافي 7:/365 ذيل الحديث 3،الوسائل 29:395 أبواب العاقلة ب 4 ح 2.
الثالثة لو قتل واحد رجلين أو رجالاً عمداً قتل بهم

الثالثة :لو قتل واحد رجلين أو رجالاً عمداً قتل بهم لاستحقاق وليّ كل مقتول القصاص عليه بسبب قتله،فلو عفا بعض المستحقّين لا على مال كان للباقين القصاص من دون ردّ دية،و به ينصّ الصحيح المتقدم ذيل المسألة الأُولى.

و إن اجتمعوا على المطالبة استوفوا حقوقهم و لا سبيل لهم إلى ماله فإنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه.

و لو تراضوا أي الأولياء مع الجاني بالدية فلكلّ واحد منهم دية كاملة،بلا خلاف أجده؛ لما مرّ من استحقاق كلّ منهم عليه نفساً كاملة؛ و لذا لو عفا أحدهم استحقّ الباقي القصاص من دون ردّ (1)،و الدية المصالح بها من كل إنّما هي على ما يستحقّه،و ليس إلّا نفساً كاملة كما عرفته،فما بإزائها أيضاً دية كاملة إن لم يتراضوا بالأقلّ.

ثم كل ذا إذا اتفقوا على أحد الأمرين،و أمّا لو اختلفوا،فطلب بعضهم الدية و الباقي القصاص،فهل لهم ذلك؟وجهان:من أنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه،و من أنّ لكل قتيل (2)حكمه بانفراده،و لو انفرد كان لوليّه القصاص و العفو على الدية.

و لا فرق في جميع ذلك بين جنايته على الجميع دفعةً أو على التعاقب،لكن في الأوّل لم يكن أحد الأولياء أولى (3)من الآخر،حتى لو بادر أحدهم (4)بالقرعة أو مطلقا لم يكن آثماً،بل مستوفياً حقه؛ لأنّ له نفساً كاملة.

ص:311


1- أثبتناه من«ن» و في سائر النسخ:دية.
2- في«ب»:قتل.
3- في«س» و«ن» زيادة:بالقود.
4- في«ن» زيادة:به.

و في استحقاق الباقين حينئذٍ الدية وجهان:من أنّ الواجب في العمد القصاص،و قد فات محلّه،و من استلزامه أن يطلّ دم امرئ مسلم،فينتقل إلى بدلها،و هو الدية إن لم يكن الواجب ابتداءً أحد الأمرين،و الأوّل مختار الشيخ (1)،و هو الأوفق بالأصل،و الثاني مختار شيخنا الشهيد الثاني و غيره (2).

و في الثاني يقدّم السابق في الاستيفاء؛ لاستحقاقه القصاص منفرداً من غير معارض قبل تعلّق حقّ الباقين،فيقضى له بحكم الاستصحاب، و في أخذ الدية للباقين الوجهان المتقدمان.

و يحتمل مساواتهم،فلا يحكم للسابق كالسابق؛ لأنّ السبب الموجب لاستحقاق القصاص هو قتل النفس المكافئة عمداً ظلماً،و هو متحقق في الجميع،فيستوون فيه،و يقدّم أحدهم بالقرعة،أو يجتمعون على الاستيفاء.

و على كلّ تقدير فإن بادر أحدهم و استوفى وقع موقعه؛ لأنّ له نفساً مكافئة فقد استوفى تمام حقّه من غير زيادة و إن أساء،حيث لا يكون هو السابق على القول بتقديمه أو لم نقل بالتخيير،و يبقى الإشكال في سقوط حق الباقين من حيث فوات محل القصاص أو الانتقال إلى الدية.

الرابعة إذا ضرب الوليّ الجاني و تركه ظنّاً أنّه مات

الرابعة :إذا ضرب الوليّ الجاني و تركه ظنّاً منه أنّه مات فبرئ ففي رواية (3) أنّه يقتصّ بمثل ذلك الضرب من الوليّ،ثم يقتله

ص:312


1- النهاية:746.
2- المسالك 2:480؛ و انظر المختلف:819.
3- الكافي 7:1/360،الفقيه 4:452/128،التهذيب 10:1087/278،الوسائل 29:125 أبواب القصاص في النفس ب 61 ح 1.

الوليّ،أو يتتاركا (1) أي يترك كل واحد الآخر و يتجاوز عنه.و عمل بإطلاقها الشيخ و أتباعه كما في المسالك و غيره (2).

و لم يرتضه المتأخّرون،كالماتن هنا و في الشرائع،و الفاضل في الإرشاد و التحرير و القواعد،و ولده في شرحه،و الفاضل المقداد في التنقيح،و شيخنا في المسالك (3)،و غيرهم (4)،قالوا:لأنّ الراوي أبان بن عثمان،و فيه ضعف بفساد عقيدته بالناووسية،على ما ذكره علي بن الحسن بن فضّال (5) مع إرسال ه الرواية عمّن أخبره.

و اختاروا في ذلك التفصيل،فقالوا: الوجه في ذلك اعتبار الضرب و ملاحظته فإن كان ضربه بما يسوغ له قتله به و الاقتصاص لم يقتصّ من الوليّ بل جاز له قتله من غير قصاص،كما لو ضرب عنقه فظنّ أنّه مات و الحال أنّه لم يمت،و ذلك لأنّه استحق إزهاق نفسه من غير قصاص،و ما فعله به كان مباحاً له،و الإباحة لا تستعقب ضماناً كما مضى.

و إن كان ضربه بما لا يسوغ له قتله به،كأن ضربه بالعصا و الحجر و نحوهما،كان للجاني أن يقتصّ من الوليّ ثم يسلّم نفسه للقتل،أو يتتاركا.

و هو حسن،و يمكن حمل الرواية عليه؛ لعدم صراحتها في

ص:313


1- في المختصر المطبوع:أو يتتاركان.
2- المسالك 2:482؛ و انظر كشف اللثام 2:470.
3- الشرائع 4:233،الإرشاد 2:199،التحرير 2:256،القواعد 2:302،الإيضاح 4:632،التنقيح 4:451،المسالك 2:482.
4- كشف اللثام 2:470.
5- رجال الكشي 2:660/640.

الإطلاق،مع كونها قضية في واقعة،فلا عموم فيها،بل لعلّها ظاهرة في القسم الثاني.

و هذا هو الوجه في الذبّ عنها،لا ما ذكروه من ضعف الراوي؛ لعدم ثبوته إلّا بإخبار من يضاهيه في فساد العقيدة ،فإن ثبت بإخباره قُبِل روايته؛ إذ كما لا يمنع فساد العقيدة في المخبِر كذا لا يمنع في المخبَر عن حاله، مع عدم صراحة خبره في فساد عقيدته بعد احتمال أن يراد به أنّه من قوم ناووسية،لا أنّه ناووسي العقيدة.

و لو سلّم جميع ذلك فقول علي بن الحسن معارض بقول الكشّي:إنّ العصابة قد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه و الإقرار له بالفقه (1)،و هو أعدل من الجارح،فليقدّم عليه.و لو سلّمنا،الجمع بينهما أفاد كونه موثقاً كما هو المشهور،أو قويّاً على الأقوى،بناءً على عدم ظهور دعوى الإجماع في التوثيق،و إن جعلوها صريحة فيه،أو ظاهرة،و بالجملة:

فلا ريب في قوّة الراوي و جواز الاعتماد على روايته،كما هو ظاهر المشهور،و صرّح به في الخلاصة (2).

و أمّا الإرسال بعده فمنجبر بحكاية الإجماع المتقدّمة،كما عرفته غير مرّة،فتأمّل ،هذا.

مضافاً إلى عمل الشيخ بها و التبعة،مع أنّ الرواية مروية في الكتب الثلاثة،و سندها في الكافي و التهذيب و إن كان ضعيفاً قبل إبان بالإرسال أيضاً في الأوّل،و الجهالة في الثاني،لكنّه في الفقيه إليه صحيح،و مع ذلك فليس بعده أيضاً إرسال،فإنها رويت فيه هكذا:

ص:314


1- رجال الكشي 2:705/673.
2- رجال العلّامة:21.

و في رواية أبان بن عثمان:«أنّ عمر بن الخطاب اتي برجل قد قتل أخا رجلٍ،فدفعه إليه و أمره أن يقتله،فضربه الرجل حتى رأى أنّه قد قتله،فحمل إلى منزله فوجدوا به رمقاً فعالجوه حتى برئ،فلمّا خرج أخذه أخو المقتول الأوّل فقال:أنت قاتل أخي و لي أن أقتلك،فقال له:قد قتلتني مرّة،فانطلق به إلى عمر فأمر بقتله،فخرج و هو يقول:يا أيّها الناس قد قتلني و اللّه مرّة،فمرّوا به على علي بن أبي طالب(عليه السّلام)فأخبره بخبره، فقال:لا تعجل عليه حتى أخرج إليك،فدخل علي(عليه السّلام)على عمر فقال:

ليس الحكم فيه هكذا،فقال:ما هو يا أبا الحسن؟فقال:يقتصّ هذا من أخ المقتول الأوّل ما صنع به ثم يقتله بأخيه،فظنّ الرجل أنّه إن اقتصّ منه أتى على نفسه،فعفا عنه و تتاركا» (1)فتأمّل جدّاً .

و لو قتل رجل صحيح مقطوعَ اليد فأراد الوليّ قتله ردّ دية اليد عليه إن كانت قطعت في قصاص أو أخذ المقطوع ديتها،و إن شاء الوليّ طرح دية اليد و أخذ الباقي من دية النفس،و هو النصف.

و إن كانت يده ذهبت من غير جناية جناها كما لو سقطت بآفة سماوية أو غيرها و لا أخذ لها دية كاملة مع الجناية عليه قتل قاتله و لا ردّ هنا،بلا خلاف فيه و لا شبهة يعتريه؛ لعموم النفس بالنفس كتاباً و سنّة،السليم هنا عن المعارض بالكلّية،و مقتضاه و إن كان عدم الردّ في الصورة (2)السابقة أيضاً،إلّا أنّه إنّما نشأ فيها من رواية وردت في المسألة:

و هي رواية سورة بن كليب المروية في الكافي و التهذيب عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام) قال:سئل عن رجل قتل رجلاً عمداً و كان المقتول اقطع

ص:315


1- الفقيه 4:452/128،الوسائل 29:125 أبواب القصاص في النفس ب 61 ح 1.
2- في غير«ح»:الصور.

اليد اليمنى؟فقال:«إن كانت قطعت يده في جناية جناها على نفسه،أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها،فإن أراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدّوا إلى أولياء قاتله دية يده التي قيد منها إن كان أخذ دية يده و يقتلوه، و إن شاؤوا طرحوا عنه دية يد و أخذوا الباقي» قال:«و إن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه و لا أخذ لها دية قتلوا قاتله و لا يغرم شيئاً، و إن شاؤوا أخذوا دية كاملة» و قال:«هكذا وجدناه في كتاب علي(عليه السّلام)» (1).

و عمل بها الحلّي في السرائر و الفاضل في التحرير و غيرهما (2)،و هو مشكل؛ لجهالة الراوي ،و عدم ظهور ما يوجب حسنه،و إن ادّعاه في المسالك (3)،و لذا ردّها فخر الدين في الإيضاح (4).و لكن في السند قبله الحسن بن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه،فيجبر به الجهالة.

مع التأيّد بما قيل (5)من أنّه لا يقتصّ للناقص من الكامل إلّا بعد الردّ،كالمرأة من الرجل،فهنا كذلك.

و بأنّه لو قطع كفّه بغير أصابع قطعت كفّه بعد ردّ دية الأصابع، كما يأتي (6)(7).

و في الاستدلال بهذين المؤيّدين نظر؛ لمنع الكلّية في الأوّل،

ص:316


1- الكافي 7:1/316،التهذيب 10:1083/277،الوسائل 29:111 أبواب القصاص في النفس ب 50 ح 1.
2- السرائر 3:404،التحرير 2:256،الشرائع 4:233.
3- المسالك 2:482.
4- الإيضاح 4:631.
5- قال به الفاضل المقداد في التنقيح 4:453.
6- في ص:337.
7- في«ح» زيادة:في الخبر.

و ما ذكره في بيانها من قصاص المرأة قياس غير مسموع،و مع ذلك مع الفارق؛ لنقص المرأة نفساً لا طرفاً،مع معارضته بالقسم الأخير المتقدم فيما نحن فيه الذي لا ردّ فيه اتفاقاً.

و كذا الكلام في الثاني بعد تسليمه،فإنّ مقتضاه الردّ على الإطلاق، و لا يقولون به فيما نحن فيه،فهو و إن قوي من جهة لكن ضعف من اخرى.

و بالجملة:ليس المستند في المسألة عدا الرواية المتقدمة،فإن قلنا باعتبارها سنداً كانت هي الحجّة،و إلّا فالقول بما عليه الفخر أقوى،لكن الشأن في إثباته،و في الاكتفاء فيه بما ذكرنا إشكال،فالمسألة محل تردّد و إشكال،كما هو ظاهر الماتن و صريح الفاضل في الإرشاد و القواعد و غيرهما (1).

ثم إنّ إطلاق العبارة بجواز الاقتصاص من القاتل بعد ردّ الدية عليه أو مطلقاً يقتضي عدم الفرق بين كونه هو القاطع أو غيره،عفا عنه المقطوع أم لا،كما هو الأشهر الأقوى،بل عن المبسوط أنّه مذهبنا (2)؛ للعمومات السليمة عن المعارض أصلاً.

و عن المبسوط (3)أنّه حكى وجهاً بعدم الجواز في الصورة الاُولى مع كون الجناية الأُولى معفوّاً عنها؛ أخذاً من أنّ القتل بعد القطع كسراية الجناية الأُولى و قد سبق العفو عن بعضها فليس له القصاص في الباقي أيضاً.

و هو كما ترى،فإنّ القتل إحداث قاطع للسراية،فكيف يتوهّم أنّه

ص:317


1- الإرشاد 2:199،القواعد 2:302،و انظر غاية المراد(مخطوط)الورقة:304.
2- المبسوط 7:67.
3- المبسوط 7:67.

كالسراية؟!و على تقديره فاستلزام العفو عن البعض لسقوط القود ممنوع، و يشير إليه المرسل:في رجل شجّ رجلاً موضحة ثم يطلب فيها فوهبها له، ثم انتقضت (1)به فقتلته،فقال:«هو ضامن للدية إلّا قيمة الموضحة؛ لأنّه وهبها و لم يهب النفس» الحديث (2)،فتدبّر.

ص:318


1- انتقض الجرح:فسد بعد برئه.لسان العرب 7:243.
2- الكافي 7:8/327،التهذيب 10:1134/292،الوسائل 29:387 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 7 ح 1.في غير التهذيب:انتقضت.

القسم الثاني في قصاص الطرف

القسم الثاني:

في قصاص الطرف و المراد به ما دون النفس،و إن لم يتعلّق بالأطراف المشهورة من اليد،و الرجل،و الاُذُن،و الأنف،و غيرها،كالجرح على البطن،و الظهر، و غيرهما.

و يشترط فيه التساوي في الإسلام و الحرّية،أو كون المقتصّ منه أخفض،و انتفاء الأُبوّة،إلى آخر ما فصّل سابقاً.

و بالجملة:الحكم هنا في الشروط،بل العمد و شبهه و الخطاء كما في قصاص النفس قد مضى،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في صريح الغنية و ظاهر غيره (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الإجماع القطعي،بل الضرورة،و الكتاب و السنّة المتقدم بعضها،و الآتي إلى جملة منها الإشارة في أصل ثبوت القصاص في الأطراف،قال سبحانه وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ [1] (2)و فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا [2] الآية (3).

و في الخبر في أمّ الولد:«يقاصّ منها للمماليك،و لا قصاص بين الحرّ و العبد» (4)و هو ظاهر في اشتراك التساوي في الحرّية حتى في

ص:319


1- الغنية(الجوامع الفقهية):619.
2- المائدة:45.
3- البقرة:194.
4- الكافي 7:17/306،التهذيب 10:779/196،الوسائل 29:103 أبواب القصاص في النفس ب 43 ح 1.

الأطراف؛ للإطلاق.

و يستفاد اشتراط التساوي في غيرها بعد الإجماع المركّب،مضافاً إلى الإجماع البسيط من تتبّع النصوص،بل الاعتبار أيضاً،فتدبّر.

فلا يقتصّ في الطرف لمن لا يقتصّ له في النفس،و لا يشترط التساوي في الذكورة و الأُنوثة،بل يقتصّ للرجل من المرأة،و لا ردّ، و للمرأة من الرجل مع الردّ فيما زاد عن الثلث أو بلغه،على الخلاف المتقدّم هو،مع نقل الإجماع و النصوص المستفيضة على ثبوت أصل التقاصّ بينهما في بحث الشرط الأوّل من شرائط القصاص الخمسة، فلا وجه للإعادة.

و يعتبر هنا زيادةً على شروط النفس المتقدمة التساوي أي تساوي العضوين المقتصّ به و منه في السلامة من الشلل،أو فيه مع انتفاء التعزير في المقتصّ منه.

و الشلل:قيل:هو يبس اليد و الرجل بحيث لا يعمل،و إن بقي فيها حسّ أو حركة ضعيفة (1).و ربما اعتبر بطلانهما (2).و هو ضعيف.

و كيف كان فلا يقطع العضو الصحيح منه من يد أو رجل بالأشلّ بلا خلاف،بل عليه الإجماع عن الخلاف (3)،و هو الحجة المخصّصة للعمومات،مضافاً إلى الاعتبار،و إطلاق خصوص بعض المعتبرة:في رجل قطع يد رجل شلّاء،قال:«عليه ثلث الدية» (4).

ص:320


1- قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:471.
2- لم نعثر على قائله و لكن حكاه في المسالك 2:483 عن بعضهم.
3- الخلاف 5:194.
4- الكافي 7:4/318،التهذيب 10:1064/270،الوسائل 29:332 أبواب ديات الأعضاء ب 28 ح 1.

و يقطع العضو الأشلّ بمثله،و بالصحيح ما لم يعرف أنّه لا ينحسم بلا إشكال فيه،و في تعيّن الدية مع المعرفة بإخبار أهل الخبرة بعدم الانحسام و انسداد أفواه العروق،و لا خلاف فيهما أيضاً،بل عليهما الإجماع في الغنية (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى العمومات في الأوّل؛ و لزوم صيانة النفس المحترمة عن التلف،مع إمكان تدارك الحق بالدية،و يخطر بالبال ورود رواية (2)لها عليه دلالة في الثاني،و نسبة الحكم فيه في المسالك و غيره (3)إلى المشهور ربما توهّم وجود خلاف فيه أو إشكال،و لكن لا أثر لهما.

و حيث يقطع الشلّاء يقتصر عليها و لا يضم إليها أرش التفاوت؛ للأصل،و عدم دليل على الضمّ مع (4)تساويهما في الحرمة (5).

و يقتصّ المسلم من الذمّي و يأخذ منه فضل ما بين الديتين للصحيح:عن ذمّي قطع يد مسلم؟قال:«تقطع يده إن شاء أولياؤه، و يأخذون فضل ما بين الديتين» الحديث (6).

و في سنده إضمار،و في ذيله مخالفة للأصل،لكن لم أجد خلافاً فيما يتعلّق منه بما نحن فيه حتى من نحو الحلّي (7)،و ظاهر التنقيح (8)عدم

ص:321


1- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
2- الكافي 7:1/317،التهذيب 10:1082/276،الوسائل 29:172 أبواب قصاص الطرف ب 10 ح 1.
3- المسالك 2:483،المفاتيح 2:129.
4- في«س» زيادة:عدم.
5- في«ب» و«س»:الحرية.
6- التهذيب 10:1096/280،الوسائل 29:183 أبواب قصاص الطرف ب 22 ح 1.
7- السرائر 3:403.
8- التنقيح 4:452.

الخلاف فيه،حيث لم يتعرض لذكر هذا الحكم،و لو وجد فيه خلاف لنقله و تعرّض له،كما هو دأبه.

و يعضده ما مرّ من ردّ فضل ما بين الديتين إذا قتل المسلم بالذمّي باعتياده القتل له أو مطلقاً،و أنّه لو قتل ذمّي مسلماً دفع هو و ماله إلى أولياء المقتول،و أنّ لهم الخيرة بين قتله و استرقاقه،حيث إنّه لم يكتف في الاقتصاص منه بنفسه،بل يضمّ إليه ماله،فتدبّر.

و لا يقتصّ للذميّ من المسلم،و لا للعبد من الحرّ بل يجب الدية؛ لفقد التساوي في الإسلام و الحرّية المشترط في القصاص،كما مرّ إليه الإشارة.

مضافاً إلى خصوص الخبر المتقدّم قريباً:«و لا قصاص بين الحر و العبد» (1)في الثاني.

و الصحيح:«لا يقاد مسلم بذمي في القتل و لا في الجراحات،و لكن يؤخذ من المسلم[جنايته للذمّي (2)]على قدر دية الذمي ثمانمائة درهم» (3)في الأوّل.

و أمّا ما في ذيل الصحيح المتقدم من أنّه:«إن قطع المسلم يد المعاهد خيّر أولياء المعاهد،فإن شاءُوا أخذوا الدية،و إن شاءُوا قطعوا يد المسلم و أدّوا إليه فضل ما بين الديتين،و إذا قتل (4)المسلم صنع كذلك» (5)فقد مرّ

ص:322


1- راجع ص:317.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ:دية الذمّي،و ما أثبتناه من المصادر هو الأنسب.
3- الكافي 7:9/310،التهذيب 10:740/188،الإستبصار 4:1022/270،الوسائل 29:108 أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 5.
4- كذا،و في المصادر:قتله.
5- راجع ص 319.

الجواب عن أمثاله في الشرط الثاني من شرائط قصاص النفس من الشذوذ، و احتمال التقية،أو الاختصاص بصورة الاعتياد خاصّة،كما فصّلته النصوص ثمّة.

و يعتبر التساوي في الشجاج أي الجرح و الشقّ بال مساحة طولاً و عرضاً اتفاقاً على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (1).

قيل:لإشعار لفظ القصاص به (2).

و للاعتبار،فلا يقابل ضيّقة بواسعة،و لا يقنع بضيّقة عن واسعة،بل يستوفي بقدر الشجّة في البُعدين.

لا نزولاً و عمقاً،بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (3)،و هو الحجة المؤيدة بما قيل (4)،سيّما (5)مع اختلاف الرؤوس في السمن و الضعف و غلط الجلد و دقّته.

و لكن في صلوحه حجة مستقلّة نظر؛ لما قيل (6)من أنّ ذلك ليس بموجب؛ إذ يؤتى بما يمكن و يسقط الباقي و يؤخذ أرش الزائد،كما ذكروه في المساحة طولاً من أنّه يلزم اعتبار التساوي فيها و لو استلزم استيعاب رأس الجاني لصغره دون المجني عليه و بالعكس،و لا يكمل الزائد عنه من القفاء و لا من الجبهة؛ لخروجهما عن محل الاستيفاء،بل يقتصر على

ص:323


1- انظر كشف اللثام 2:479.
2- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:479.
3- انظر مجمع الفائدة و البرهان 14:116،المفاتيح 2:131،كشف اللثام 2:479.
4- قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:131.
5- ليست في«ب».
6- قالبه الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 14:116.

ما يحتمله(العضو،و يؤخذ للزائد بنسبة المتخلّف إلى أصل الجرح من الدية،فيستوفى بقدر ما يحتمله) (1)الرأس من الشجّة و ينسب الباقي إلى الجميع و يؤخذ للفائت بنسبته،فإن كان الباقي ثلثاً فله ثلث دية تلك الشجّة،و هكذا.

و مثل ذلك جارٍ فيما نحن فيه لولا الإجماع على أنّه لا يعتبر التساوي فيه بل يراعى فيه حصول اسم الشجّة المخصوصة التي حصلت بها الجناية من خارصة،أو باضعة،أو غيرهما،حتى لو كان عمق المتلاحمة مثلاً نصف أنملة جاز في القصاص الزيادة عليه ما لم ينته إلى ما فوقها، فيمنع عنها حينئذٍ؛ لاختلاف الاسم.

و يثبت القصاص فيما لا تغرير (2)فيه بالنفس أو الطرف، و لا يتعذّر فيه استيفاء المثل كالخارصة و الباضعة و السمحاق و الموضحة و سيأتي تفسيرها مع ما بعدها،و كذا كل جرح يمكن استيفاء المثل فيه من دون تغرير بأحدهما.

و يسقط فيما فيه التغرير أو يتعذّر أن يكون المثل فيه مستوفى كالهاشمة،و المنقّلة،و المأمومة،و الجائفة،و كسر الأعضاء و لا خلاف في شيء من ذلك أجده إلّا فيما سيأتي إليه الإشارة.

و الحجّة بعده العموم فيما ليس فيه تغرير.و الأصل،مع لزوم صيانة النفس أو الطرف المحترمين عن التلف،و اعتبار المماثلة في غيره.

و لو قيل فيه بجواز الاقتصار على ما دون الجناية من الشجّة التي

ص:324


1- ما بين القوسين ليس في«ب».
2- في المختصر المطبوع و النسخ هنا و في الموارد الآتية:التعزير،و ما أثبتناه هو الصحيح.

لا تغرير فيها و أخذ التفاوت بينها و بين ما استوفاه،فيقتصّ من الهاشمة بالموضحة و يؤخذ للهشم ما بين ديتهما،و على هذا القياس كان وجهاً.

و لكن ظاهر الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في المسالك (1)الاقتصار على الدية مطلقا،و يشهد لهم النصوص،منها:«الجائفة ما وقعت في الجوف ليس لصاحبها قصاص إلّا الحكومة،و المنقّلة تنقل منها العظام و ليس فيها قصاص إلّا الحكومة،و في المأمومة ثلث الدية ليس فيها قصاص إلّا الحكومة» (2).

و منها:«في الموضحة خمس من الإبل،و في السمحاق دون الموضحة أربع من الإبل،و في المنقّلة خمس عشرة من الإبل،و في الجائفة ما وقعت في الجوف ليس فيها قصاص إلّا الحكومة،و المنقّلة تنقل منها العظام و ليس فيها قصاص إلّا الحكومة،و في المأمومة تقع ضربة في الرأس إن كان سيفاً،فإنّها تقطع كل شيء و تقطع العظم فتؤمّ المضروب،و ربما ثقل سمعه،و ربما اعتراه اختلاط،فإن ضرب بعمود أو بعصا شديدة فإنّها تبلغ أشدّ من القطع يكسر منها القِحف،قِحف الرأس» (3).

و منها:«لا قصاص في عظم» (4).

لكنّها مع قصور السند الخبران الأوّلان منها مقطوعان لم يسند إلى إمام،و الأخير منها معارض بالصحيح:عن السنّ و الذراع يكسران عمداً

ص:325


1- المسالك 2:483.
2- الفقيه 4:436/125،الوسائل 29:179 أبواب قصاص الطرف ب 16 ح 1.
3- التهذيب 10:1143/294،الوسائل 29:180 أبواب قصاص الطرف ب 16 ح 2.و القِحف:العظم الذي فوق الدماغ من الجمجمة.لسان العرب 9:275.
4- نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:368/143،الوسائل 29:186 أبواب قصاص الطرف ب 24 ح 2.

أ لهما أرش،أو قود؟فقال:«قود» قلت:فإن أضعفوا الدية؟قال:«إن أرضوه بما شاء فهو له» (1).

و ظاهر الشيخين (2)العمل به مقيّداً بما إذا كان المكسور شيئاً لا يرجى صلاحه.

و في الموثّق كالصحيح:«و أمّا ما كان من الجراحات في الجسد فإنّ فيها القصاص،أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها» (3).

و اعلم أنّ عدّ الهاشمة و ما بعدها ممّا لا قصاص فيه للتغرير أو غيره هو المشهور بين الأصحاب.

خلافاً للنهاية و المقنعة و الديلمي (4)،فلم يعدّوا منه ما عدا المأمومة و الجائفة،بل صرّحوا بثبوت القصاص في الجراح مطلقا عداهما؛ معلّلين نفي القصاص فيهما بأنّ فيه تغريراً بالنفس.

و هذا التعليل كما ترى لا يختصّ بهما،بل جارٍ في نحو الهاشمة و المنقّلة،و لذا اعترض الحلّي على الشيخ في النهاية،فقال بعد نقل كلامه فيها-:إلّا أنّه رجع في مسائل خلافه و مبسوطه إلى ما اخترناه،و هو الأصح؛ لأنّ تعليله في نهايته لازم له في الهاشمة و المنقّلة (5).

و لنعم ما ذكره،و لذا اعتذر في المختلف عن الشيخين،فقال:كأنّهما

ص:326


1- الكافي 7:7/320،التهذيب 10:1077/275،الوسائل 29:176 أبواب قصاص الطرف ب 13 ح 4.
2- المقنعة:761،النهاية:772.
3- التهذيب 10:1084/277،الوسائل 29:177 أبواب قصاص الطرف ب 13 ح 5.
4- النهاية:775،المقنعة:766،المراسم:247.
5- السرائر 3:408.

لم يصرّحا بثبوت القصاص في الهاشمة و المنقّلة،بل بتعميم القصاص في الجراح،و الهشم و النقل كأنّهما خارجان عن الجراح (1).

و عليه فيرتفع الخلاف،لكن عن ابن حمزة (2)التصريح بثبوت القصاص في الهاشمة و المنقّلة،و هو ضعيف في الغاية.

و في جواز الاقتصاص من الجاني قبل الاندمال أي قبل برء المجني عليه من الجراحة تردّد من عدم الأمن من السراية الموجبة لدخول الطرف في النفس،فيسقط القصاص في الطرف،و من عموم قوله سبحانه وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ [1] (3)و قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا [2] الآية (4)،لمكان الفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة،و الأصل عدم حصول السراية.

أشبهه:الجواز مع استحباب الصبر إلى الاندمال،وفاقاً للإسكافي و الخلاف (5)،و عليه عامّة المتأخرين،بل لم أقف على مخالف لهم عدا الشيخ في المبسوط،فاختار المنع؛ لما مرّ،على ما ذكره جماعة (6)، و عبارته المحكية في المختلف غير مطابقة للحكاية،بل ظاهرة في الكراهة،فإنّه قال بعد نقل القول بالمنع إلّا بعد الاندمال-:و هو الأحوط عندنا؛ لأنّها ربما صارت نفساً (7).و لفظ الأحوط يشعر بالاستحباب.

ص:327


1- المختلف:812.
2- حكاه عنه في المختلف:812،و هو في الوسيلة:444،445.
3- المائدة:45.
4- البقرة:194.
5- حكاه عن الإسكافي في المختلف:821،الخلاف 5:196.
6- منهم الفاضلان الآبي في كشف الرموز 2:624،و المقداد في التنقيح الرائع 4:453،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:142.
7- المختلف:821،و هو في المبسوط 7:75.

و يجتنب القصاص في الحرّ الشديد،و البرد الشديد،و يتوخّى فيه اعتدال النهار بلا خلاف أجده،قالوا:حذراً من السراية،و ربما يؤيّده ما مرّ في الحدود من تأخيرها إلى ذلك الوقت.

و ظاهر التعليل كالعبارة و غيرها من عبائر الجماعة وجوب التأخير، و اختصاصه بقصاص الطرف دون النفس،و استظهر بعض الأصحاب (1) الاستحباب،و هو بعيد،كاحتمال آخر:العموم لقصاص النفس أيضا.

و لو قطع شخص شحمة اذُن آخر فاقتصّ منه فألصق المجني عليه الشحمة بمحلّها كان للجاني إزالتها بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في التنقيح،قال:و إنّما الخلاف في العلّة،فقيل:

ليتساويا في الشين كما ذكره المصنف،و قيل:لأنّها ميتة لا تصحّ الصلاة معها.و يتفرّع على الخلاف أنّه لو لم يزلها الجاني و رضي بذلك كان للإمام إزالتها على القول الثاني؛ لكونه حامل نجاسة لا تصحّ الصلاة معها (2).

أقول:و الأوّل خيرة الشيخ في الخلاف و المبسوط (3)،مدّعياً في صريح الأوّل و ظاهر الثاني الإجماع،و هو الحجّة المعتضدة بالنص الذي هو الأصل في هذه المسألة:«أنّ رجلاً قطع من اذُن الرجل شيئاً،فرفع ذلك إلى علي(عليه السّلام)فأقاده،فأخذ الآخر ما قطع من اذُنه فردّه على اذُنه فالتحمت و برئت،فعاد الآخر إلى علي(عليه السّلام)فاستقاده،فأمر بها فقطعت ثانية و أمر بها فدفنت،و قال(عليه السّلام):إنّما يكون القصاص من أجل الشين» (4)و قصور سنده

ص:328


1- مجمع الفائدة و البرهان 14:131.
2- التنقيح 4:454.
3- الخلاف 5:201،المبسوط 7:92.
4- التهذيب 10:1093/279،الوسائل 29:185 أبواب قصاص الطرف ب 23 ح 1.

أو ضعفه منجبر بالعمل.

و الثاني خيرة الحلّي في السرائر و الفاضل في التحرير و القواعد و شيخنا في المسالك (1)،و هو غير بعيد.

و الذي يختلج بالبال إمكان القول بالتعليلين؛ لعدم المنافاة بينهما،مع وجود الدليل عليهما،فيكون للإزالة بعد الوصل (2)سببان:القصاص، و عدم صحة الصلاة،فإذا انتفى الأوّل بالعفو مثلاً بقي الثاني كما في مثال العبارة،و لو انتفى الثاني بقي الأوّل كما في المثال المزبور.

و لو أوجب الإزالة ضرراً لا يجب معه إزالة النجاسة للصلاة في الشريعة،و كما لو قطع الشحمة فتعلّقت بجلده فاقتصّ منها و ألصقها الجاني كان للمجني عليه إزالتها ليتساويا في الشين،و ليس للإمام ذلك إن عفا عنه المجني عليه؛ للضرر،أو لأنّها لم تبن من الحي لتكون ميتة.

و لو اقتصرنا على التعليل الثاني لم يكن ذلك للمجني عليه أيضاً في المثال الثاني؛ لحصول الاقتصاص بالإبانة المخصوصة المماثلة لجناية الجاني.

و يقتصّ الأنف الشامّ بعادم الشمّ،و كذا الأُذن الصحيحة بالصمّاء بلا خلاف ظاهر،مصرّح به في بعض العبائر (3)؛ لعموم وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ [1] (4)مع حصول الاعتداء بمثل ما اعتدى بناءً على خروج المرضين عن العضوين و ثبوت أحدهما في الدماغ و الآخر

ص:329


1- السرائر 3:405،التحرير 2:258،القواعد 2:307،المسالك 2:484.
2- في«س»:الأصل.
3- المفاتيح 2:129.
4- المائدة:45.

في الصماخ أو ما وراءه،فلا تعلّق للمرض بالمحل،حتى لو قطع أنفه أو اذُنه فأزال شمّه أو سمعه فهما جنايتان لا يرتبط أحدهما بالآخر.

و لا يقطع ذكر الصحيح بالعنّين و يقطع بذكر الصغير و المختون (1)و الأغلف و مسلوب الخصيتين،بلا خلاف؛ للعموم في المثبت،و الإلحاق بأشلّ اليد و الإصبع،المساعد بالاعتبار في المنفي،و لذا قالوا في قطع ذكر العنّين بثلث الدية،و ادّعى عليه الشيخ في الخلاف إجماع الطائفة (2).

و لكن في القوي:أن فيه الدية (3)،و حكي القول بمضمونه عن الصدوق و الإسكافي (4).

و هو ضعيف عن المقاومة لما مرّ،فليطرح،أو يحمل على بيان إرادة نفي القصاص و ثبوت أصل الدية في الجملة لا بيان كمال الدية،أو على التقية فقد حكي عن الشافعية قطع الصحيح بالعنّين (5)،بناءً على أنّ العنن نقص في الدماغ و القلب،لا شلل في الذكر.

و يقلع عين الأعور (6) أي ذي العين الواحدة خلقةً،أو بآفة،أو قصاص،أو جناية بعين ذي العينين المماثلة لها محلا و إن عمي بذلك الأعور و بقي بلا بصر،بلا خلاف يظهر،و به صرّح جمع ممن

ص:330


1- فيه«ح» و«ن»:و المجنون.
2- الخلاف 5:202.
3- الكافي 7:13/313،الفقيه 4:320/97،التهذيب 10:983/249،الوسائل 29:339 أبواب ديات الأعضاء ب 35 ح 2.
4- نقله عنهما في المختلف:816.
5- حكاه عنهم في كشف اللثام 2:480.
6- في المختصر المطبوع زيادة:الصحيحة.

تأخّر (1)،بل عليه الإجماع عن الخلاف (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى عموم الأدلة وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [1] (3)و خصوص المعتبرة، ففي الصحيح و القريب منه بفضالة عن أبان اللذين قد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنهما العصابة:أعور فقأ عين صحيح،فقال:«تفقأ عينه» قال:قلت:

يبقى أعمى،فقال:«الحقّ أعماه» (4).

و مقتضى الأصل و إطلاقها كالفتاوي و صريح جماعة من أصحابنا (5)عدم ردّ شيء على الجاني،مع أنّ دية عينه ضعف دية عين المجني عليه في ظاهر الأصحاب،كما يأتي.

و كذا يقتصّ له أي للأعور منه أي من ذي العينين بعين واحدة بلا خلاف أجده إلّا من الإسكافي (6)،فجوّز الاقتصاص له منه بعينيه أيضاً مع ردّ نصف الدية.

و هو مع شذوذه،و عدم وضوح مستنده،و مخالفته لظاهر النص الآتي مضعّف بأنّ العينين إن تساويا عينه فلا ردّ،و إلّا فلا قلع.

و ما يقال:من أنّ عدم المساواة لا يمنع الاقتصاص،فإنّ الأُنثى يقتصّ لها من الذكر مع الردّ في موضعه مع أنّها غير مساوية له.

ص:331


1- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 14:83،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:141.
2- الخلاف 5:252.
3- المائدة:45.
4- الكافي 7:9/321،التهذيب 10:1079/276،الوسائل 29:178 أبواب قصاص الطرف ب 15 ح 1.
5- منهم ابن إدريس في السرائر 3:381،و المحقق في الشرائع 4:236،و العلّامة في التحرير 2:258.
6- حكاه عنه في التنقيح 4:456.

مضعّف بأنّ الاقتصاص بين الذكر و الأُنثى إنّما هو في شيء واحد بواحد مثل النفس بالنفس،لا اثنين بواحد كما هنا،و أنّ نفس الأُنثى نصف الذكر،فهو ضعفها،بخلاف عين الأعور،فإنّها إمّا واحدة مثل أُخرى أو مثلهما،و هو ظاهر،و لذا لا يقتصّ لعين الرجل الواحدة عيني المرأة مع التساوي،و يقتصّ لعيني المرأة عيني الرجل مع الردّ.

و بالجملة:لا ريب في ضعف هذا القول،كالمحكي عن كثير من الأصحاب (1)من إطلاقهم تخيّر الأعور بين الاقتصاص بالعين الواحدة و أخذ الدية كاملة،مع أنّ موجب العمد ليس إلّا الأوّل،و إنّما يثبت الثاني صلحاً، كما مرّت إليه الإشارة،و بهذا هنا صرّح جماعة (2).

و حيث اقتصّ له بالعين الواحدة ف في ردّ الجاني عليه نصف الدية دية النفس قولان،و المروي (3) في الصحيح و غيره:

الردّ ففي الأوّل:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في رجل أعور أُصيبت عينه الصحيحة ففقئت:أن تفقأ إحدى عيني صاحبه و يعقل له نصف الدية،و إن شاء أخذ ديةً كاملةً و يعفى عن عين صاحبه» (4).

و في الثاني:عن رجل صحيح فقأ عين رجل أعور؟فقال:«عليه الدية كاملة،فإن شاء الذي فقئت عينه أن يقتصّ من صاحبه و يأخذ منه

ص:332


1- حكاه عنهم في غاية المراد 4:314،و التنقيح 4:454.
2- منهم الشهيدان في غاية المراد 4:372،و المسالك 2:484،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:454.
3- في المختصر المطبوع:أشبههما.
4- الكافي 7:1/317،التهذيب 10:1057/269،المقنع:183،الوسائل 29:331 أبواب ديات الأعضاء ب 27 ح 2.

خمسة آلاف درهم فعل؛ لأنّ له الدية كاملة،و قد أخذ نصفها بالقصاص» (1).

و هو خيرة الشيخ-(رحمه اللّه) في النهاية و أتباعه و الفاضل في المختلف و الشهيدين في النكت و المسالك و الروضة (2)،و غيرهم (3).

و لا يخلو عن قوة؛ لصحة سند الرواية،و اعتضادها بغيرها من الرواية الأُخرى،و ما اتفقوا عليه من أنّ دية عين الأعور خلقةً أو بآفة دية النفس كاملةً،كما هو ظاهر الروايتين،و به صرّح في الثانية و غيرها من المعتبرة الآتية هي مع نقل الإجماعات المحكية على ذلك حدّ الاستفاضة في كتاب الديات إن شاء اللّه تعالى.

خلافاً لجماعة و منهم المفيد و الشيخ في المبسوط و الحلّي و الفاضلان في الشرائع و التحرير (4)،فلم يوجبوا الردّ؛ لقوله تعالى وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [1] (5)فلو وجب معها شيء آخر لم يتحقّق ذلك،خصوصاً على القول بأنّ الزيادة على النص نسخ،و أصالة البراءة من الزائد.

و يضعّف الأصل بلزوم العدول عنه بما مرّ،و به يضعّف أيضاً ما قبله على تقدير تسليم عمومه،و إلّا فلا عموم له؛ لأنّ العين مفرد محلّى باللّام،و غايته الإطلاق الغير المعلوم الانصراف إلى نحو المقام؛ لندرته (6)،

ص:333


1- التهذيب 10:1058/269،الوسائل 29:331 أبواب ديات الأعضاء ب 27 ح 4.
2- النهاية:766،و تبعه الديلمي في المراسم:244،و الحلبي في الكافي:396،المختلف:803،غاية المراد 4:373،المسالك 2:484،الروضة 10:82.
3- التنقيح 4:455.
4- المقنعة:761،المبسوط 7:146،السرائر 3:381،الشرائع 4:236،التحرير 2:258.
5- المائدة:45.
6- في«ن» زيادة:فتأمّل.

مع أنَّ موجب إكمال الدية إنّما هو من حيث البصر أي المنفعة،لا من حيث العين و الجارحة،و لذا مع التراضي على الدية تجب الدية كاملةً اتفاقاً،فتوًى و روايةً.

و أمّا ما يقال في الجواب:من أنّ الآية حكاية عن التوراة فلا يلزمنا، فمدفوع بإقرارها في شرعنا اتفاقاً،فتوًى و نصّاً،مع أنّ الأصل بقاء ما كان، فتأمّل جدّاً .

ثم إنّ إطلاق العبارة و نحوها يقتضي عدم الفرق في الحكم على الجاني بردّ نصف الدية على الأعور إن قلنا به بين كون عورة خلقةً أو بآفة أو غيرهما،و خصّه جماعة بالأوّلين،و تحقيق الكلام فيه يأتي إن شاء اللّه تعالى.

و سنّ الصبي إذا جني عليها عمداً ينتظر به مدّة جرت العادة بالنبات فيها،و في كتب الفاضل سنة (1)،و استغربه جماعة و منهم الشهيد -(رحمه اللّه) قال:فإنّي لم أقف عليه في كتب أحد من الأصحاب مع كثرة تصفّحي لها،ككتب الشيخين و ابن البراج و ابن حمزة و ابن إدريس و ابني سعيد و غيرهم من القائلين بالأرش مع العود،و ابن الجنيد و من تبعه من القائلين بالبعير مطلقاً،و لا في رواياتهم،و لا سمعته من الفضلاء الذين لقيتهم،بل الجميع أطلقوا الانتظار بها،أو قيّدوه (2)بنبات بقية أسنانه بعد سقوطها،و هو الوجه؛ لأنّه ربما قلع سنّ ابن أربع سنين،و العادة قاضية بأنّها لا تنبت إلّا بعد مدّة تزيد على السنة قطعاً،و إنّما هذا شيء اختصّ به المصنف قدّس اللّه روحه فيما علمته في جميع كتبه التي وقفت عليها،

ص:334


1- انظر القواعد 2:327،التحرير 2:260،التبصرة:209،الإرشاد 2:207.
2- في النسخ:قيّد،و ما أثبتناه من المصدر هو الأنسب.

حتى أنّه في التحرير علّله بأنّه الغالب،و لا أعلم وجه ما قاله،و هو أعلم بما قال.

نعم في رواية أحمد بن محمد،عن ابن محبوب،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)قال:«السنّ إذا ضربت انتظر بها سنة،فإن وقعت اغرم الغارم (1)خمسمائة درهم،و إن لم تقع و اسودّت أُغرم ثلثي الدية» (2)و هذه و إن كانت صحيحة إلّا أنّها لا تدل على المطلوب؛ إذ موضوعها سنّ ضربت و لم تسقط،قال:و يمكن أن يعتذر له بأنّ المراد به إذا قلعها في وقت تسقط أسنانه فيه،فإنّه ينتظر سنة،و لا ريب أنّ هذا إذ ذاك غالب (3)،انتهى ما ذكره.

و لنعم ما أفاده،إلّا أنّ ما ذكره كباقي الجماعة من أنّهم لم يجدوا ذلك في كتب أحد من الأصحاب غريب،فقد ذكره الماتن في الشرائع (4)أيضاً، اللّهم إلاّ أن يكون قرؤوه«سنّة» بتشديد النون و إضافة الظاهر إلى المضمر، كما احتمل في عبارة الفاضل أيضاً،لكنّه بالنسبة إلى عبارته في الإرشاد (5)في غاية البُعد،بل لا تقبله كما لا يخفى على من راجعه،و كذا التعليل السابق المحكي عن التحرير (6).

و كيف كان فإن عادت ففيها الأرش و الحكومة،و هي التفاوت لو

ص:335


1- كذا،و في المصادر:الضارب.
2- الكافي 7:9/334،الفقيه 4:346/102،التهذيب 10:1008/255،الإستبصار 4:1095/290،الوسائل 29:298 أبواب ديات الأعضاء ب 8 ح 4.
3- غاية المراد 4:379،380.
4- الشرائع 4:237.
5- الإرشاد 2:207.
6- التحرير 2:260.

كان عبداً بين قيمته لو لم تسقط سنّه تلك المدّة و قيمته و قد سقطت فيها، وفاقاً للمشهور على الظاهر،المصرّح به في المسالك (1)،بل عليه الإجماع عن الخلاف و في السرائر (2)،و هو الحجّة.

مضافاً إلى المرسلة كالصحيحة:في سنّ الصبي يضربها الرجل فتسقط ثم تنبت،قال:«ليس عليه قصاص،و عليه الأرش» (3).

و إلّا تعد و حصل اليأس من عودها و لو بإخبار أهل الخبرة ل كان فيها القصاص كما نصّ به جماعة (4)؛ لعموم الأدلة؛ فإنّه قلع السنّ الحاصلة في الحال و أفسد المَنبِت فيقابل بمثله.

و حكي في المسالك (5)قول بالعدم؛ لأنّ سنّ الصبي فضلة في الأصل نازلة منزلة الشعر الذي ينبت مرّة بعد اخرى،و سنّ البالغ أصلية فلا يكون مماثلة لها.

و ذهب جماعة (6)إلى أنّ في سنّ الصبي بعير مطلقا من غير تفصيل إلى العود و عدمه؛ للخبرين:«إنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)قضى في سنّ الصبي قبل أن يثغر بعيراً في كل سنّ» (7).

ص:336


1- المسالك 2:385.
2- الخلاف 5:244،السرائر 3:386.
3- الكافي 7:8/320،الفقيه 4:343/102،التهذيب 10:1025/260،الوسائل 29:177 أبواب قصاص الطرف ب 14 ح 2.
4- المسالك 2:385.
5- منهم الشيخ في المبسوط 7:97،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:457.
6- منهم ابن حمزة في الوسيلة:448،و العلّامة في المختلف:806 و قد حكاه فيه عن الإسكافي.
7- أحدهما في:الكافي 7:10/334،التهذيب 10:1010/256،الوسائل 29:299،338 أبواب ديات الأعضاء ب 8 ح 6،و ب 33 ح 2. و الآخر في:التهذيب 10:1033/261،الوسائل 29:338 أبواب ديات الأعضاء ب 33 ح 3.

و قصور سندهما بل ضعف أحدهما جدّاً يمنع عن العمل بهما، سيّما في مقابلة ما مضى،و إن نسبه (1)في المبسوط إلى أصحابنا (2)،و في المختلف إلى أكثرهم (3)،مشعرين بدعوى الإجماع و الشهرة عليهما؛ لوهنها،مع عدم صراحتها بل و لا ظهورها فيهما،و معارضتها بمثلها بل و أقوى منهما.

و عن الإسكافي (4)قول ثالث مفصّل بين عودها فالبعير،و عدمه و اليأس منها فالدية،و لم أعرف مستنده،سيّما في مقابل ما تقدم من الأدلّة.

ثم إنّ هذا كلّه في سنّ الصبي قبل أن يثغر،أمّا إذا ثغر أي سقطت أسنان اللبن منه و نبتت ثم جنى عليها بعد ذلك فلها أحوال:

منها:أن لا تعود أبداً بحيث حصل اليأس منها عادةً،فيثبت بدلها إمّا القصاص أو الدية،لكن لا يعجل بهما،بل إن قضى أهل الخبرة بعودها في مدّة أُخِّر إلى انقضائها إن قلنا بعدم القصاص و الدية مع عودها مطلقاً،بل الأرش خاصّة،و إلّا جاز التعجيل بهما كذلك.

و منها:أن تعود ناقصةً أو متغيّرةً،فيثبت الأرش،و كذا لو عادت تامّةً،و قيل (5):لا أرش و لا دية هنا؛ لأنّ ما عاد قائم مقام الأوّل،فكأنّه

ص:337


1- في«ن»:نسبها.
2- المبسوط 7:138.
3- المختلف:806.
4- حكاه عنه في المختلف:806.
5- قال في المهذّب 2:483:و إن رجعت كما كانت سالمة من التغيّر و النقصان لم يكن فيها قصاص و لا دية.

لم يفت،و صار كما لو عاد السنّ غير المثغر.

و الأظهر وفاقاً للفاضلين و غيرهما (1)ثبوته؛ لأنّه نقص دخل على المجني عليه بسبب الجاني فلا يهدر؛ للحديث (2)؛ و لزوم الظلم،و عود السنّ نافى القصاص و الدية،لا أرش النقص.

قيل (3):و في المسألة وجه ثالث بعدم سقوط القصاص مطلقا؛ لأنّه لم تجر العادة بنبات سنّ الثغر،و ما اتفق نعمة و هبة جديدة من اللّه سبحانه، فلا يسقط ما على الجاني استحقه.

و لو جنى على العين بما أذهب النظر و البصر منها خاصّة مع سلامة الحدقة اقتصّ منه أي من الجاني بما يمكن معه المماثلة بإذهاب البصر و إبقاء الحدقة.

قيل (4):بذرّ كافور و نحوه،أو بأن يوضع على أجفانه القطن المبلول حذراً من الجناية عليها و يفتح العين و يقابل بمرآة محماة بالنار مقابلة للشمس حتى يذهب النظر كما فعله مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام) على ما دلّ عليه بعض النصوص (5).

و هو مع ضعف سنده ليس فيه ما يومئ إلى تعيّنه بعد احتمال كونه أحد أفراد الواجب التخييري،فما يظهر من العبارة هنا و في التحرير

ص:338


1- الشرائع 4:237،المختلف:806،المسالك 2:485.
2- الكافي 7:8/320،الفقيه 4:343/102،التهذيب 10:1025/260،الوسائل 29:177 أبواب قصاص الطرف ب 14 ح 2.
3- المسالك 2:486.
4- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:476.
5- الكافي 7:1/319،التهذيب 10:1081/276،الوسائل 29:173 أبواب قصاص الطرف ب 11 ح 1.

و القواعد (1)من تعيّنه لا وجه له،و لذا نسبه الماتن في الشرائع و الشهيد في اللمعة (2)إلى القيل المشعر بالتمريض،و هو حسن.

لكن في الروضة (3)أنّ القول باستيفائه على هذا الوجه هو المشهور بين الأصحاب.

و وجهه غير واضح،و لا ريب أنّ الاستيفاء على هذا الوجه أحوط، و إن كان تعيّنه محل بحث.

ثم إنّ ظاهر العبارة و غيرها مواجهة الجاني للمرآة المواجهة للشمس لا لها نفسها،و الظاهر من الرواية غيره و أن النظر في المرآة بعد استقبال العين بالشمس،فإنّ متنها هكذا:

«دعا علي(عليه السّلام)بمرآة محماة (4)ثم دعا بكرسف فبلّه،ثم جعله على أشفار عينيه على حواليها،ثم استقبل بعينه عين الشمس» قال:«و جاء بالمرآة،فقال:انظر،فنظر فذاب الشحم و بقيت عينه قائمة و ذهب البصر» (5).

و لو قطع شخص كفّاً مقطوعة الأصابع،ففي رواية:يقطع المقطوع كفّ القاطع و يردّ عليه أي على القاطع دية الأصابع .

و عمل بها الشيخ و القاضي و الفاضل في الإرشاد و القواعد

ص:339


1- التحرير 2:259،القواعد 2:307.
2- الشرائع 4:236،اللمعة(الروضة البهية 10):83.
3- الروضة 10:84.
4- كذا،و في المصادر:فحماها.
5- الكافي 7:1/319،التهذيب 10:1081/276،الوسائل 29:173 أبواب قصاص الطرف ب 11 ح 1.

و التحرير (1)،و نسبه في المسالك (2)إلى أتباع الشيخ،بل زاد فنسبه كالشهيد في النكت (3)إلى الأكثر،فإن صحّت شهرة جابرة،و إلّا فالرواية ضعيفة.

و قال الحلّي:إنّها مخالفة لأُصول المذهب؛ إذ لا خلاف بيننا أنّه لا يقتصّ العضو الكامل للناقص،قال:و الأولى الحكومة في ذلك و ترك القصاص و أخذ الأرش فيه (4).

و ظاهر المتن و غيره و صريح المختلف (5)التوقف فيه،و لا يخلو عن وجه،و إن كان القول الأوّل لعلّه أوجه،و الثاني أحوط.

و لا يجوز أن يقتصّ عمّن لجأ إلى الحرم،و لكن يضيّق عليه في المأكل و المشرب حتى يخرج ثم يقتصّ منه بلا خلاف أجده، و نفاه صريحاً في المسالك (6)،بل عليه الإجماع عن الخلاف و في التنقيح (7)،و هو الحجة.

مضافاً إلى عمومات الأمن لمن دخله من الآية (8)و الرواية،ففي الصحيح:الرجل يجني في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم،قال:«لا يقام عليه الحدّ و لا يطعَم و لا يسقى و لا يكلَّم و لا يبايَع،فإنّه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحدّ،و إن جنى في الحرم جنايةً أُقيم عليه

ص:340


1- النهاية:774،حكاه عن القاضي في المختلف:810،الإرشاد 2:199،القواعد 2:302،التحرير 2:256.
2- المسالك 2:482.
3- غاية المراد 4:332.
4- السرائر 3:404.
5- انظر المهذّب البارع 5:234،235،المختلف:810.
6- المسالك 2:490.
7- الخلاف 5:224،التنقيح 4:460.
8- آل عمران:97.

الحدّ في الحرم،فإنّه لم ير للحرم حرمة» (1).

و هو نصّ في جواز أن يقتصّ عمّن جنى في الحرم فيه الجار متعلّق ب:يقتصّ،أي من جنى فيه يقتصّ منه فيه،و لا يجب أن يقتصّ منه خارجه،و في المثل:كما تدين تدان،مع أنّه أيضاً لا خلاف فيه،و عموم أدلّة القصاص السليمة هنا عمّا يصلح للمعارضة يقتضيه.

و مقتضاها اختصاص الحكم الأوّل بالحرم؛ لاختصاص مخصِّصها به، فيشكل إلحاق مشاهد الأئمة(عليهم السّلام)به،و إن حكي عن الشيخين و القاضي، و مال إليه في السرائر (2)،و كذا التنقيح،فقال:و هو قريب،أمّا أوّلاً:فلما ورد منهم أنّ بيوتنا مساجد.

و أمّا ثانياً:فلما تواتر من رفع العذاب الأُخروي عمّن يدفن بها، فالعذاب الدنيوي أولى.

و أمّا ثالثاً:فلأنّ ذلك مناسب لوجوب تعظيمها،و استحباب المجاورة بها و القصد إليها (3).

و لا ريب أنّ ما قالوه أحوط،و إن كان في تعيّنه بهذه الوجوه الثلاثة نظر ،و الحمد للّه أوّلاً و آخراً.

ص:341


1- علل الشرائع:1/444،الوسائل 13:227 أبواب مقدمات الطواف ب 14 ح 5.
2- المفيد في المقنعة:744،الطوسي في النهاية:756،القاضي في المهذّب 2:516،السرائر 3:363.
3- التنقيح 4:460.

ص:342

كتاب الديات

اشارة

كتاب الديات جمع دية بتخفيف الياء،و هي:المال الواجب بالجناية على الحرّ في نفس أو ما دونها،و ربما اختصّت بالمقدّر بالأصالة،و أُطلق على غيره اسم الأرش و الحكومة،و المراد بالعنوان ما يعمّ الأمرين،و هاؤها عوض من واو فاء الكلمة،يقال:وديت القتيل:أعطيت ديته،و ربما يسمى الدية لغةً عقلاً (1)؛ لمنعها من التجرّي على الدماء،فإنّ من معاني العقل المنع.

و الأصل فيها قبل الإجماع الكتاب،و السنّة،قال اللّه سبحانه وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ [1] (2).

و السنّة متواترة مضى جملة منها،و سيأتي إلى جملة أُخرى منها الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.

النظر الأول أقسام القتل و مقادير الديات

أقسام القتل

و النظر في هذا الكتاب يقع في أُمور أربعة:

الأول: في بيان أقسام القتل و مقادير الديات و اعلم أنّ أقسامه أي القتل،بل مطلق الجناية ثلاثة:عمد محض،و خطأ محض،و شبيه بالعمد فالعمد أن يقصد إلى الفعل و القتل به مطلقا،أو الفعل خاصّة مع

ص:343


1- الصحاح 5:1769،لسان العرب 11:461،المصباح المنير:422،القاموس 4:19.
2- النساء:92.

حصول القتل به غالباً و قد سلف مثاله (1) في أوّل كتاب القصاص.

و الشبيه بالعمد أن يقصد إلى الفعل دون القتل بشرط أن لا يكون الفعل مما يحصل به القتل غالباً مثل أن يضرب للتأديب،أو يعالج للإصلاح ضرباً و علاجاً لا يحصل بهما الموت إلّا نادراً فيموت المضروب و المعالَج.

و الخطأ المحض أن يخطئ فيهما أي في الفعل و قصد القتل مثل أن يرمي الصيد فيتخطّاه السهم إلى إنسان فيقتله و لا خلاف في شيء من ذلك أجده إلّا ما قدّمنا إليه الإشارة،و مجموع ما هنا يعلم صحته ممّا سبق ثمّة،فلا وجه للإعادة.

و موجَب الأوّل القصاص لا الدية،إلّا صلحاً كما سبق،بخلاف الأخيرين،فإنّ موجَبهما الدية لا غير مطلقاً.

و يفترقان في محلّها و كمّيتها و زمان أدائها،كما سيأتي ذلك مفصّلاً.

مقادير الديات

إذا عرفت ذلك ف اعلم أنّ دية قتل العمد حيث تتعيّن أو يراد الصلح عليها مائة من مسانّ الإبل و هي الثنايا (2)فصاعدا،و في بعض كلمات الشهيد-(رحمه اللّه) أنّ المسنّة من الثنيّة إلى بازل (3)عامها (4).

أو مائتا بقرة و هي ما يطلق عليه اسمها و لو كان غير مسنّة،على ما يقتضيه إطلاق العبارة و غيرها من النصوص و الفتاوي.

خلافاً للمحكي عن النهاية و المهذّب و الجامع (5)فمسنّة.

ص:344


1- في المختصر المطبوع:مقاله.
2- جمع ثنيّ،و هي الإبل تدخل في السنة السادسة.المصباح المنير:85.
3- و هو البعير إذا دخل في السنة التاسعة.المصباح المنير:48.
4- حكاه عنه في الروضة 10:176.
5- النهاية:736،المهذّب 2:457،الجامع للشرائع:572.

و الحجة عليه غير واضحة،فهو ضعيف،و مع ذلك شاذّ،كالمحكي عن الأخير في الأوّل أيضاً،حيث قيّده بالفحولة.

و لكنّها أحوط،سيّما الأخير؛ لدلالة جملة من المعتبرة عليه،و فيها الصحيح(و الموثّق و غيرهما) (1):عن دية العمد؟فقال:«مائة من فحولة الإبل المسانّ،فإن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم» (2).

و لكن في صلوحها لتقييد النصوص المطلقة نظر؛ لاعتضادها دون هذه بفتوى الأكثر،سيّما مع ورودها في مقام الحاجة،و اشتمال هذه على ما لم يقل به أحد من الطائفة،و لذا حملها الشيخ على التقية (3).

أو مائتا حلّة بالضمّ،على الأشهر الأظهر بين الطائفة،و نفى عنه الخلاف بعض الأصحاب (4)،و عليه الإجماع في الغنية (5)،و هو الحجّة، دون الصحيح:سمعت ابن أبي ليلى يقول:كانت الدية في الجاهلية مائة من الإبل فأقرّها رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،ثم إنّه فرض على أهل البقر مائتي بقرة، و فرض على أهل الشاة ألف شاة و على أهل اليمن الحلل مائتي حلّة (6).

لعدم الحجة في نقل ابن أبي ليلى،سيّما و أنّ الراوي سأل

ص:345


1- بدل ما بين القوسين في«ب»:و غيره.
2- الفقيه 4:241/77،التهذيب 10:636/159،الإستبصار 4:977/260،الوسائل 29:200 أبواب ديات النفس ب 2 ح 2؛ و انظر الحديثين 3،5 من نفس الباب.
3- الإستبصار 4:261.
4- المفاتيح 2:143.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
6- الكافي 7:1/280،الفقيه 4:245/78،التهذيب 10:640/160،الإستبصار 4:975/259،الوسائل 29:193 أبواب ديات النفس ب 1 ح 1.

أبا عبد اللّه(عليه السّلام)عمّا رواه،فقال:«كان علي(عليه السّلام)يقول:الدية ألف دينار، و قيمة الدنانير عشرة آلاف درهم،و على أهل الذهب ألف دينار،و على أهل الورق عشرة آلاف درهم لأهل الأمصار،و لأهل البوادي الدية مائة من الإبل،و لأهل السواد مائتا بقرة،أو ألف شاة».

و لم يذكر(عليه السّلام)أصل الحلّة فضلاً عن عددها،و مع ذلك فما هنا إنّما هو على نسخة التهذيب،و أمّا على نسخة:الكافي و الفقيه و الاستبصار فإنّما هو مائة حلّة،و لذا قال الصدوق بها في المقنع (1)،و لكنّه شاذّ،و مستنده لما عرفت ضعيف.

و أمّا الصحيح:في الدية،قال:ألف دينار،أو عشرة آلاف درهم، و يؤخذ من أصحاب الحلل الحلل،و من أصحاب الإبل الإبل،و من أصحاب الغنم الغنم،و من أصحاب البقر البقر (2).

فليس فيه سوى الدلالة على ثبوت أصل الحلّة دون عددها أنّها مائتان أو مائة.

مع أنّ في بعض نسخ التهذيب«الخيل»،بدل الحُلل،و حينئذٍ لا دلالة فيه على الأصل أيضاً،لكن نسخة الكافي بما نقلناه واحدة،و هي أرجح من نسخة التهذيب المزبورة،سيّما مع أنّ بعض نسخه أيضاً له موافقة.

و اعلم أنّ كل حلّة ثوبان على ما نص عليه أكثر أهل اللغة و الأصحاب،من غير خلاف بينهم أجده،فعن أبي عبيد:الحلل برود اليمن،و الحُلّة إزار و رداء،لا تسمّى حلّة حتى تكون ثوبين (3).

ص:346


1- المقنع:182.
2- الكافي 7:4/281،التهذيب:10:637/159،الوسائل 29:195 أبواب ديات النفس ب 1 ح 4.
3- حكاه عنه في الصحاح 4:1673،و هو في غريب الحديث 1:139.

و ابن الأثير:الحلّة واحدة الحلل،و هي برود اليمن و لا تسمّى حلّة إلّا أن تكون ثوبين من جنس واحد (1).

و المصباح المنير:الحلّة بالضم لا تكون إلّا ثوبين من جنس واحد (2).

و العين:الحلّة إزار و رداء،برد أو غيره،لا يقال لها حلّة حتى تكون ثوبين،و في الحديث تصديقه (3).

و القاموس:لا تكون حلّة إلّا من ثوبين أو ثوب له بطانة (4).

و يستفاد منهم أن التعدّد له مدخلية في صدق الحلّة و عدمه مع الوحدة،و عليه فيكون القيد في العبارة توضيحاً لا تقييداً،و كذلك التقييد بكونهما من برود اليمن على ما يستفاد من الأوّلين.

و في السرائر زاد بعد اليمن:أو نجران (5).و لم أقف على دليله،نعم ما مرّ عن العين ربما يعضده،فتدبّر.

ثم إنّ المعتبر من الثياب ما يصدق عليه اسم الثوب عرفاً،لا مجرّد ما يستر العورة خاصّة،كما ربما يقال؛ لفساده قطعاً.

أو ألف دينار أي مثقال ذهب خالص،كما في صريح الخبر:« دية المسلم عشرة آلاف من الفضة،أو ألف مثقال من الذهب،أو ألف من الشاة على أسنانها أثلاثاً،و من الإبل مائة على أسنانها،و من البقر مائتين» (6).

ص:347


1- النهاية الأثيرية 1:432.
2- المصباح المنير 1:148.
3- العين 3:28.
4- القاموس المحيط 3:370.
5- السرائر 3:323.
6- الكافي 7:2/281،التهذيب 10:633/158،الإستبصار 4:973/258،الوسائل 29:194 أبواب ديات النفس ب 1 ح 2.

و في باقي النصوص المعتبرة ألف دينار (1).

أو ألف شاة و هي ما يطلق عليه اسمها و لو كان أُنثى.

و أمّا المعتبرة المتقدمة (2)الدالة على أنّ مكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم،فقد عرفت جوابه،مع دعوى الإجماع على خلافها في الغنية (3)،و عدم قائل بها هنا على ما أجده،إلّا ما ربما يتوهّم من الشيخ في الكتابين (4)،حيث حملها على وجهين:

أحدهما:أنّ الإبل يلزم أهل الإبل،فمن امتنع من بذلها ألزمه الوليّ قيمتها،و قد كانت قيمة كل جمل عشرين من فحولة الغنم،كما في الصحيح:«و من الغنم قيمة كل ناب من الإبل عشرون شاة» (5).

و ثانيهما:اختصاص ذلك بالعبد إذا قتل حرّا،كما في الخبر المتضمّن للسؤال عن قتله له قال:«مائة من الإبل المسانّ،فإن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم» (6).

و لكن الظاهر أنّ ذلك منه ليس قولاً،بل إنّما ذكره جمعاً.

أو عشرة آلاف درهم كما مرّ في جملة من المعتبرة،و يأتي في جملة أُخرى إليه الإشارة.

ص:348


1- انظر الوسائل 29:193 أبواب ديات النفس ب 1 الأحاديث 1،4،5،7،8،9،10.
2- في ص 342.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
4- التهذيب 10:161،الاستبصار 4:261.
5- الفقيه 4:240/77،التهذيب 10:635/158،الإستبصار 4:976/259،الوسائل 29:194 أبواب ديات النفس ب 1 ح 3.
6- الوسائل 29:201 أبواب ديات النفس ب 2 ح 5.

و أمّا ما في الصحيح و غيره من أنّه اثنا عشر ألفاً (1)،ف مع شذوذه، و عدم ظهور قائل به،و دعوى الإجماع في الغنية (2)على خلافه محمول على التقية،كما ذكره الشيخ،قال:لأنّ ذلك مذهب العامّة،و احتمل أيضاً حملهما على ما ذكره الحسين بن سعيد و أحمد بن محمد بن عيسى معاً:

أنه روى أصحابنا أنّ ذلك من وزن ستّة،قال:و إذا كان كذلك فهو يرجع إلى عشرة آلاف درهم (3).

و اعلم أنّ هذه الخصال الستّة و إن لم يشتمل على تمامها رواية فيما أجده،إلّا أنّها مستفادة من الجمع بين روايات المسألة بعد ضمّ بعضها إلى بعض،مع تضمّن جملة منها خمسة ما عدا الحلّة،كالصحيحة المتضمّنة لنقل ابن أبي ليلى (4)،و كذا الصحيحة التي بعدها (5)على نسخة الخيل بدل الحلل،و إلّا فهي شاملة للستّة،و إن قصرت عن إفادة بيان العدد في الحلّة، و نحوهما الرواية المتقدّمة في الدينار (6)بحمل الواو في جملة من أعدادها على«أو» بقرينة الإجماع و الروايات الأُخر؛ فإنّ أخبارهم(عليهم السّلام)بعضها يكشف عن بعض،فما يقال:من عدم وضوح دلالة الأخبار على تمام هذه الخصال لا وجه له،هذا.

و قد ادّعى في الغنية (7)الإجماع عليها بعد ما ذكرها بعين ما هنا مخيّراً

ص:349


1- التهذيب 10:638/159،639،الإستبصار 4:980/261،981،الوسائل 29:196،197 أبواب ديات النفس ب 1 ح 9،10.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
3- التهذيب 10:162،الاستبصار 4:261.
4- المتقدمة في ص 342.
5- المتقدمة في ص 343.
6- راجع ص 344.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):620.

بينها،و نفى عنه الخلاف بعض أصحابنا (1)أيضاً،فلا إشكال فيها بحمد اللّه تعالى.

و إنّما الإشكال في أنّها هل على التخيير،كما هو ظاهر العبارة و عامة المتأخرين؟أم على التنويع،بمعنى أنّه يجب كل صنف منها على أهله، كما عن الشيخين و غيرهما من القدماء (2)؟ و للأوّل بعد الأصل-:ظاهر«أو» المفيدة للتخيير في جملة من النصوص،مع ظهور دعوى الإجماع عليه في عبائر كثير،كالحلّي و غيره (3).

و للثاني:الاحتياط،و ظواهر كثير من النصوص المتقدمة جملة منها (4)،المتضمّنة لأنّ الإبل على أهلها،و البقر على أهلها،و هكذا.

و حمل هذه على إرادة التسهيل على القاتل لئلّا يكلّف تحصيل غيره فتنطبق على أخبار التخيير و إن أمكن،إلّا أنّه يمكن الجمع بالعكس،بحمل «أو»،على التنويع،فتنطبق على أخباره،و لعلّ الترجيح مع الأوّل؛ لظواهر الإجماعات المحكية،مضافاً إلى الشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة.

و تظهر الثمرة فيما لو بذل ربّ كلّ صنف غيره بدون رضاء وليّ المقتول،فيجوز على المشهور و لا على غيره.

و تستأدى هذه الدية في سنة واحدة لا يجوز تأخيرها عنها

ص:350


1- المفاتيح 2:143.
2- المفيد في المقنعة:735،الطوسي في النهاية:736؛ و انظر المهذّب 2:457.
3- الحلي في السرائر 3:323،كشف اللثام 2:494.
4- راجع ص 342،343.

بغير رضاء المستحق،و لا يجب عليه المبادرة إلى أدائها قبل تمام السنة، بلا خلاف بيننا أجده،إلّا من ظاهر الخلاف (1)،فجعلها حالّة،و على خلافه في ظاهر عبائر جماعة (2)و صريح الغنية و السرائر (3)إجماع الإمامية،و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحيحة الصريحة:قال:«كان علي(عليه السّلام)يقول:تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين،و تستأدى دية العمد في سنة» (4).

و هي من مال الجاني لا بيت المال،و لا العاقلة،بلا خلاف أجده،و به صرّح جماعة،و منهم السيد ابن زهرة في الغنية (5)،و هو الحجة.

مضافاً إلى أنّ تعلق الدية بغير الجاني خلاف الأصل،فيقتصر فيه على الخطأ؛ لأنّه مورد الفتوى و النصّ؛ لصريح الخبرين:«لا تضمن العاقلة عمداً و لا إقراراً و لا صلحاً» (6)و في المضمر:«فإن لم يكن له مال يؤدّي ديته يسأل المسلمين حتى يؤدّوا عنه ديته إلى أهله» (7).

ص:351


1- الخلاف 5:220.
2- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:679،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:462،و الشهيد الثاني في المسالك 2:489.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):620،السرائر 3:322.
4- الكافي 7:10/283،الفقيه 4:250/80،التهذيب 10:646/162،الوسائل 29:205 أبواب ديات النفس ب 4 ح 1.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
6- الفقيه 4:360/107،التهذيب 10:670/170،673،الإستبصار 4:983/261،984،الوسائل 29:394 أبواب العاقلة ب 3 ح 1،2.
7- الفقيه 4:212/70،التهذيب 10:655/164،الوسائل 29:34 أبواب القصاص في النفس ب 10 ح 5.

و لا تثبت إلّا بالتراضي بها عن القود حيث يتعيّن على الأصح، كما مرّ،و أمّا على غيره فلا يحتاج إليه،و كذا حيث لا يتعيّن القود كقتل الوالد للولد،أو تعيّن و لكن فات بمبادرة أحد الأولياء إليه،أو موت القاتل، أو كان القاتل عاقلاً و المقتول مجنوناً،أو نحو ذلك.

و اعلم أنّ الخطأ(و شبيه العمد) (1)يشاركان العمد في هذه الخصال الستّة،كما سيأتي إليه الإشارة،و إنّما يفترقان عنه في أسنان الإبل خاصّة، فإنّها فيه ما مرّ،و فيهما دونه سنّاً،و يفترقان أحدهما عن الآخر بأنّ أسنانها في الخطاء دون أسنانها في شبيهه.

و لكن في تعيين الأسنان في كل منهما خلاف نصّاً و فتوى، ف في دية شبيه العمد منها روايتان إحداهما الصحيح:«قال أمير المؤمنين(عليه السّلام)في الخطأ شبه العمد أن يقتل بالسوط أو بالعصا أو بالحجر،إنّ دية ذلك تغلظ،و هي مائة من الإبل،منها أربعون خَلِفة بين ثنيّة إلى بازل عامها،و ثلاثون حِقّة،و ثلاثون بنت لبون» (2).

و عمل بها الصدوق و الإسكافي على ما حكي (3)،و اختاره الفاضل في المختلف و التحرير و شيخنا في المسالك و الروضة و جمع من المتأخّرين (4)،و لا بأس به؛ لصحة السند،مع السلامة عما يصلح

ص:352


1- في«ن»:و العمدَ شبهَه.
2- الكافي 7:3/281،الفقيه 4:240/77،التهذيب 10:635/158،الإستبصار 4:976/259،الوسائل 29:39 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 11.
3- حكاه عنهما في المختلف:784.
4- المختلف:784،التحرير 2:268،المسالك 2:489،الروضة 10:177،و انظر المقتصر:440،و المفاتيح 2:143.

للمعارضة من النص.

و ثانيتهما الخبر:«دية المغلظة التي تشبه العمد أفضل من دية الخطأ بأسنان الإبل:ثلاث و ثلاثون حِقّة،و ثلاث و ثلاثون جذعة،و أربع و ثلاثون ثنيّة،كلّها طروقة الفحل» (1)و نحوه آخر (2).

و عمل بهما المفيد و التقي و الديلمي و غيرهم (3).

و في سندهما ضعف على المشهور بعلي بن أبي حمزة و محمد بن سنان،فلا يتوجّه العمل بهما،سيّما و أن يطرح لأجلهما الرواية الاُولى مع صحتها.

و اعلم أنّ هنا قولاً ثالثاً أشار إليه بقوله: أشهرهما: أنّها ثلاث و ثلاثون بنت لبون سنّها سنتان فصاعداً و ثلاث و ثلاثون حِقّة سنّها ثلاث سنين فصاعداً و أربع و ثلاثون ثنيّة سنّها خمس سنين فصاعداً طروقة الفحل أي التي بلغت أن يضربها الفحل،قال به الشيخ في النهاية و عن ابن حمزة في الوسيلة (4).

و مستند هذا القول غير واضح،و إن جعله الماتن أشهر الروايتين،فإنّا لم نقف عليها كما اعترف به جماعة من أصحابنا (5)،و يظهر من شيخنا في

ص:353


1- الكافي 7:2/281،التهذيب 10:633/158،الإستبصار 4:973/258،الوسائل 29:200 أبواب ديات النفس ب 2 ح 4.
2- التهذيب 10:977/247،الإستبصار 4:974/258،الوسائل 29:198 أبواب ديات النفس ب 1 ح 13.
3- المقنعة:735،الكافي:392،المراسم:239،و انظر إصباح الشيعة(الينابيع الفقهية 24):289.
4- النهاية:738،الوسيلة:441.
5- منهم الفاضلان:الآبي في كشف الرموز 2:632،و المقداد في التنقيح 4:463،و ابن فهد في المقتصر:438.

المسالك و بعض من تبعه (1)أنّها الرواية الثانية المتقدّمة،و هو غفلة واضحة فإنّه ليس فيها ذكر بنت لبون،بل فيها بدلها جذعة.

و نحو هذا القول:القول بهذه الأسنان أيضاً لكن مبدلاً فيه الأربع و الثلاثين ثنيّة طروقة الفحل بأربع و ثلاثين خَلِفة بفتح الخاء و كسر اللام،أي الحامل،كما عن الخلاف و المهذّب (2).

و ربما يجمع بين هذين القولين بأن يراد من طروقة الفحل في الأوّل ما طرقها الفحل فحملت بقرينة أنّ الحقّة ما بلغت أن يضربها الفحل.

و عن النهاية و الإصباح و في الغنية (3)أنّه روي:ثلاثون بنت مخاض، و ثلاثون بنت لبون،و أربعون خَلِفة،قال في النهاية:كلّها طروقة الفحل.

و لم نقف عليها.

و يضمن هذه الدية أيضاً الجاني خاصّة لا العاقلة للأصل المتقدّم إليه الإشارة؛ مضافاً إلى الإجماع عليه في ظاهر السرائر (4)بل صريحه،و صريح التحرير و الغنية (5).

خلافاً للمحكي عن الحلبي (6)،فجعلها على العاقلة.و هو شاذّ.

و للنهاية و المهذّب و الغنية (7)فيما لو مات أو هرب،فيؤخذ بها حينئذٍ

ص:354


1- المسالك 2:489،و انظر المفاتيح 2:143.
2- الخلاف 5:221،المهذّب 2:459.
3- النهاية:738،إصباح الشيعة(الينابيع الفقهية 24):289،الغنية(الجوامع الفقهية):620.
4- السرائر 3:335.
5- التحرير 2:268،الغنية(الجوامع الفقهية):620.
6- الكافي:396.
7- النهاية:738،المهذّب 2:458،الغنية(الجوامع الفقهية):620.

أولى الناس به،و إن لم يكن له أحد ففي بيت المال.

و لعلّه غير بعيد؛ لثبوت مثله في العمد كما مرّ؛ مضافاً إلى الإجماع عليه في الغنية.

و أنكره الحلّي (1)،فقال:إنّه خلاف الإجماع،فإنّه لا ضمان عليهما إلّا في الخطأ المحض.و هو معارَض بمثله بل و أجود،فتأمّل .

و اعلم أنّا لم نقف على رواية تدل على مقدار زمان تأديتها فيه، إلّا أنّه قال المفيد:تستأدى في سنتين (2) و تبعه أكثر الجماعة،بل عامّتهم كما في ظاهر الروضة (3)مشعراً بالإجماع عليه،كما في ظاهر السرائر (4)،حيث قال:عندنا تستأدى في سنتين من مال القاتل خاصّة.

و نحوه ظاهر المبسوط (5)،و نفى الخلاف عنه في الغنية (6).

و هو الحجة المؤيّدة بما احتجَّ عليه في المختلف:من أنّه كما ظهر التفاوت بين العمد و الخطأ في الأجل لتفاوت الجناية فيهما،وجب أن يظهر بالنسبة إليهما و إلى شبيه العمد؛ لوجود المقتضي عملاً بالمناسبة (7).

فلا وجه للتردّد المستفاد من العبارة و ما ضاهاها من عبائر جماعة كالمهذّب و الشرائع و النهاية (8)،و لا لما يحكى عن ابن حمزة من أنّه

ص:355


1- السرائر 3:335.
2- المقنعة:739.
3- الروضة 10:179.
4- السرائر 3:322.
5- المبسوط 7:115.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
7- المختلف:785.
8- المهذّب 2:458،الشرائع 4:246،النهاية:738.

تستأدى في سنتين إن كان معسراً،و إلّا ففي سنة (1)،و لا لما عن الخلاف من أنّها تستأدى في سنة،و دية العمد حالّة (2).

و في دية قتل الخطأ المحض منها أيضاً روايتان بل روايات و أقوال أشهرهما (3) بين المتأخّرين،بل عليه عامّتهم:أنّها عشرون بنت مخاض،و عشرون ابن لبون،و ثلاثون بنت لبون،و ثلاثون حِقّة (4) و هي مع ذلك صحيحة.

و في الثانية أنّها:«خمس و عشرون بنت مخاض،و خمس و عشرون بنت لبون،و خمس و عشرون حقّة،و خمس و عشرون جَذَعة» (5)و بها أفتى ابن حمزة (6).

و هذه هي الرواية الثانية في المسألة السابقة،كما أنّ الاُولى هنا هي الأُولى السابقة بعينها،فليت الماتن و غيره عملوا بها ثمّة كما عملوا بها هنا؛ لصحتها،مع ضعف ما قابلها،و إن حكي عن الخلاف (7)أنّه ادعى إجماع الفرقتين عليهما،و تأيّدت الثانية هنا بما عن تفسير العياشي (8)من نقله

ص:356


1- الوسيلة:441.
2- الخلاف 5:220،221.
3- في«ن» و«س»:أشهرها سيّما.
4- الكافي 7:3/281،الفقيه 4:240/77،التهذيب 10:635/158،الإستبصار 4:976/259،الوسائل 29:199 أبواب ديات النفس ب 2 ح 1.
5- الكافي 7:7/282،التهذيب 10:634/158،الإستبصار 4:974/258،الوسائل 29:198 أبواب ديات النفس ب 1 ح 13.
6- الوسيلة:441.
7- الخلاف 5:226.
8- تفسير العياشي 1:227/265،الوسائل 29:202 أبواب ديات النفس ب 2 ح 10.

رواية بمضمونها.

و في رواية ثالثة أنّها:«ثلاث و ثلاثون حِقّة،و ثلاث و ثلاثون جَذَعة، و أربع و ثلاثون ثنيّة إلى بازل عامها،كلّها خَلِفة» (1).

و هي و إن كانت صحيحة،إلّا أنّي لم أجد عاملاً بها،و مع ذلك كون ذلك في الخطأ لم يذكر فيها إلّا بنقل علي بن حديد الذي هو في سندها، و هو ضعيف جدّاً تضعف به الرواية لولا كون ابن أبي عمير شريكاً له في نقل أصلها.

و عن المبسوط و في السرائر أنّها عشرون بنت مخاض،و عشرون ابن لبون،و عشرون بنت لبون،و عشرون حِقّة،و عشرون جَذَعة (2).و لم أجد به رواية.

و تستأدى في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها،إجماعاً منّا بل من الأُمّة أيضاً كما عن الخلاف (3)حكاه جماعة حدّ الاستفاضة (4)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى الصحيحة السابقة.

و يضمنها العاقلة لا الجاني إجماعاً؛ للنصوص المستفيضة،بل المتواترة،يأتي ذكرها في بحث العاقلة إن شاء اللّه تعالى.

نعم إن فقدت العاقلة أو كانوا فقراء كانت في مال القاتل إن كان له مال،و إلاّ فعلى الإمام،كما يأتي ثمّة.

و لو قتل في الشهر الحرام و هو أحد الأربعة:المحرّم،و رجب،

ص:357


1- الكافي 7:8/282،الوسائل 29:201 أبواب ديات النفس ب 2 ح 7.
2- المبسوط 7:115،السرائر 3:322.
3- الخلاف 5:277.
4- المهذب البارع 5:246،كشف اللثام 2:495.

و ذو القعدة،و ذو الحجة أُلزم دية و ثلثاً من أيّ الأجناس كان،لمستحق الأصل؛ تغليظاً عليه،لانتهاكه الحرمة،بلا خلاف فيه أجده،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (1)،و هو الحجّة.

مضافاً إلى المعتبرة (2)ففي الموثق كالصحيح:«عليه دية و ثلث» (3).

و في الخبر:عن الرجل يقتل في الشهر الحرام،ما ديته؟قال:«دية و ثلث» (4).

و هل يلزم مثل ذلك لو قتل في الحرم الشريف المكي زاده اللّه شرفاً؟ قال الشيخان (5) و أكثر الأصحاب: نعم و منهم ابن زهرة و الحلّي (6)،مدّعيين عليه في ظاهر كلامهما إجماع الإمامية،كما ستعرفه، و هو الحجة.

مضافاً إلى الموثّق كالصحيح:في رجل قتل في الحرم،قال:«عليه دية و ثلث» (7).

و صريح جماعة و منهم الماتن هنا و في الشرائع (8)لقوله: و لا أعرف الوجه خلوّ فتواهم عن الرواية،بل مطلق الحجة،و كأنّهم لم يقفوا على هذه الرواية،و إلّا فهي مع اعتبار سندها في المطلوب صريحة،معتضدة

ص:358


1- منهم الشيخ في الخلاف 5:222،و الحلّي في السرائر 3:323،و الشهيد الثاني في الروضة 10:182،و الفيض الكاشاني في المفاتيح:2:144.
2- في«ح» زيادة:المستفيضة.
3- الفقيه 4:257/81،الوسائل 29:204 أبواب ديات النفس ب 3 ح 5.
4- الكافي 7:6/281،الوسائل 29:203 أبواب ديات النفس ب 3 ح 1.
5- المقنعة:743،النهاية:756.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):620،السرائر 3:323.
7- التهذيب 10:851/216،الوسائل 29:204 أبواب ديات النفس ب 3 ح 3.
8- الشرائع 4:246.

بما مرّ من الإجماعات المحكية،و بما علّله المتأخّرون من اشتراكهما في الحرمة و تغليظ قتل الصيد فيه المناسب لتغليظ غيره،فقولهم في غاية القوة.

و هل يلحق بها حرم المدينة و مشاهد الأئمّة على مشرّفها ألف صلاة و سلام و تحية؟مقتضى الأصل العدم،و في الشرائع و الإرشاد و التحرير (1)عن الشيخ الإلحاق،و عبارته في النهاية لا تساعده،كما نبّه عليه الحلّي (2).

قيل:و الظاهر اختصاص التغليظ بالعمد (3)؛ للأصل،و اختصاص أكثر الفتاوي به من حيث التعليل بالانتهاك.

و فيه نظر،فإنّ مقتضى الخبرين العموم،و به صرّح الحلّي،فقال:قد ذكرنا أنّ الدية تغلظ في العمد المحض و عمد الخطأ،و تخفّف في الخطأ المحض أبداً إلّا في موضعين:المكان و الزمان،فالمكان:الحرم،و الزمان:

الأشهر الحرم،فعندنا أنّها تغلظ بأن توجب دية و ثلثاً (4).و ظاهره كما ترى دعوى الإجماع عليه أيضاً.

و قريب منه ابن زهرة،حيث أطلق الحكم و لم يعلّل بما يوجب التقييد بالعمد،فقال:و يجب على القاتل في الحرم أو في شهر حرام دية و ثلث إلى أن قال-:كل ذلك بدليل إجماع الطائفة (5).

و مثله في الإطلاق عبارة الفاضل في التحرير و الإرشاد (6)،و لذا صرّح

ص:359


1- الشرائع 4:246،الإرشاد 2:233،التحرير 2:268.
2- السرائر 3:363،انظر النهاية:756.
3- قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:496.
4- السرائر 3:323.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
6- التحرير 2:268،الإرشاد 2:233.

بالعموم للثلاثة بعض متأخّري الأصحاب (1)مدّعياً عليه النص و الإجماع.

و لا تغليظ عندنا في الأطراف،كما صرّح به جماعة من الأصحاب (2)، و ادّعى بعضهم في ظاهر كلامه الإجماع عليه (3)؛ للأصل،و اختصاص الفتوى و النص بالقتل.

و لا في قتل الأقارب؛ لذلك،و به صرّح في المختلف (4).خلافاً للمبسوط و الخلاف (5)،فيغلظ.و دليله مع شذوذه غير واضح.

ثم إنّ كل ذا في دية قتل الحرّ المسلم.

و أمّا دية قتل المرأة الحرّة المسلمة ف على النصف من الجميع أي جميع المقادير الستّة المتقدمة،فمن الإبل خمسون،و من الدنانير خمسمائة،و هكذا،إجماعاً محقّقاً و محكياً في كلام جماعة حدّ الاستفاضة (6)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة التي كادت تكون متواترة،فمنها زيادةً على ما مرّ في بحث تساوي الرجل و المرأة في دية الجراحات ما يبلغ الثلث و غيره الصحيح:«دية المرأة نصف دية الرجل» (7).

ص:360


1- هو الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:144.
2- منهم العلّامة في التحرير 2:268،و الشهيد الثاني في الروضة 10:184،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:144.
3- كما في السرائر 3:323.
4- المختلف:824.
5- المبسوط 7:116،انظر الخلاف 5:222.
6- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:496،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:144.
7- الكافي 7:1/298،التهذيب 10:705/180،الوسائل 29:205 أبواب ديات النفس ب 5 ح 1.

و الصحيح:عن رجل قتل امرأة خطأً و هي على رأس الولد تمخض؟ قال:«عليه الدية خمسة آلاف درهم» الحديث (1).

و لا تختلف دية الخطأ و العمد و شبههما في شيء من المقادير الستة عدا النعم أي الإبل،فتختلف دية الثلاثة فيها كما عرفته،و أمّا عدم الاختلاف فيما عداها و ثبوته في شبيه العمد و الخطأ أيضاً مخيّراً بينها فقد ذكره جماعة،كالفاضلين هنا و في الإرشاد و القواعد،و الشهيدين في اللمعتين،و غيرهما (2)،من غير ذكر خلاف و لا إشكال،و هو أيضاً ظاهر الحلّي (3)مدّعياً عليه الإجماع في ظاهر كلامه،و هو الحجة.

مضافاً إلى إطلاق أكثر النصوص الواردة بالستة كما عرفته،و تصريح جملة منها بالتخيير بين جملة منها في الخطأ،و لا قائل بالفرق،ففي الخبر:

«دية الخطأ إذا لم يرد الرجل القتل مائة من الإبل،أو عشرة آلاف من الورق،أو ألف من الشاة» و قال:«دية المغلظة التي تشبه العمد و ليست بعمد أفضل من الخطأ بأسنان الإبل:ثلاث و ثلاثون حقّة» إلى آخر ما تقدم (4).

و في آخر:«و الخطأ مائة من الإبل،أو ألف من الغنم،أو عشرة آلاف درهم،أو ألف دينار،و إن كانت الإبل فخمس و عشرون بنت مخاض» إلى آخر ما سبق أيضاً (5).

ص:361


1- الكافي 7:5/299،التهذيب 10:725/185،الوسائل 29:206 أبواب ديات النفس ب 5 ح 3.
2- الإرشاد 2:233،القواعد 2:322،اللمعة و الروضة البهية 10:175؛ و انظر التنقيح الرائع 4:463،و كشف اللثام 2:495،و المفاتيح 2:143.
3- السرائر 3:323.
4- في ص 350.
5- في ص 353.

و في ثالث:«دية الرجل مائة من الإبل،فإن لم يكن فمن البقر» إلى أن قال:«هذا في العمد،و في الخطأ مثل العمد ألف شاة مخلطة» (1).

و الصحيحة المتقدمة (2)صريحة في ثبوت الدراهم في قتل الخطأ في المرأة،فكذا غيره و غيرها؛ لعدم القائل بالفرق أصلاً كما مضى،فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه،و إن كان ربما يظهر من بعض متأخّري المتأخّرين (3)حصول نوع شك له و ريبة.

و في مقدار دية الحرّ الذمي روايتان،بل روايات، و المشهور منها التي عليها عامّة أصحابنا إلّا النادر:أنّها ثمانمائة درهم مطلقاً،يهوديّاً كان أو نصرانيّاً أو مجوسيّاً،و هي مع ذلك صحاح و معتبرة مستفيضة كادت تبلغ التواتر،معتضدة بالأصل و بمخالفة العامّة و الإجماع المحكي في الغنية و كنز العرفان (4)،ففي الصحيح:عن دية اليهودي و النصراني و المجوسي؟قال:«ديتهم سواء ثمانمائة درهم» (5).

و الرواية الثانية منها الصحيح:«دية اليهودي و النصراني و المجوسي دية المسلم» (6).

و قريب منه الموثّق كالصحيح:«من أعطاه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ذمّة فديته

ص:362


1- التهذيب 10:644/161،الوسائل 29:197 أبواب ديات النفس ب 1 ح 12.
2- في ص 357.
3- انظر كشف اللثام 2:495.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):620،كنز العرفان 2:369.
5- الكافي 7:11/310،التهذيب 10:730/186،الإستبصار 4:1012/268،الوسائل 29:218 أبواب ديات النفس ب 13 ح 5.
6- الفقيه 4:298/91،التهذيب 10:735/187،الإستبصار 4:1017/269،الوسائل 29:221 أبواب ديات النفس ب 14 ح 2.

كاملة» الخبر (1).

و منها الضعيف:«دية اليهودي و النصراني أربعة آلاف درهم،و دية المجوسي ثمانمائة» و قال:«إنّ للمجوس كتاباً يقال له:جاماس (2)» (3).

و هي كما ترى قاصرة عن المقاومة للرواية الاُولى من وجوه شتّى، سيّما مع اختلافها،و مخالفة بعضها بعضاً،و موافقتها للعامّة العمياء،كما حكاه عنهم خالي العلّامة المجلسي-(رحمه اللّه) و لأجله حملها على التقية، فقال:و الأظهر حمل ما زاد على ثمانمائة على التقية؛ لموافقتها لمذاهب العامّة؛ إذ ذهب جماعة منهم إلى أنّ ديته ثلث دية المسلم(أربعة آلاف درهم) (4)و رووا ذلك عن عمر و عثمان،و ذهب إليه الشافعي،و رووا أيضاً عن عمر رواية أُخرى،و هي أنّ دية اليهودي و النصراني أربعة آلاف درهم، و دية المجوسي ثمانمائة درهم (5).

و هي مع ذلك شاذّة لا عامل بإطلاقها.

إذاً الأقوال في المسألة أربعة:منها:ما مرّ.

و منها:ما عليه شيخ الطائفة في كتابي الحديث و النهاية (6):من التفصيل بين قتل الذمّي اتفاقاً فثمانمائة،و قتله اعتياداً فما في الأخبار

ص:363


1- الفقيه 4:299/92،التهذيب 10:736/187،الإستبصار 4:1018/269،الوسائل 29:221 أبواب ديات النفس ب 14 ح 3.
2- في نسخة من الفقيه:جاماسف،و في اخرى:جاماسب.
3- الفقيه 4:296/91،التهذيب 10:737/187،الإستبصار 4:1019/269،الوسائل 29:222 أبواب ديات النفس ب 14 ح 4.
4- ما بين القوسين ليس في المصدر.
5- ملاذ الأخيار 16:382.
6- الاستبصار 4:269،التهذيب 10:187،النهاية:749.

الأخيرة باختلافها،بحمله له على اختلاف نظر الحاكم،قال:فإذا كان كذلك فللإمام أن يلزمه دية المسلم كاملة تارة،و أربعة آلاف درهم اخرى، بحسب ما يراه أصلح في الحال و أردع،فأمّا من كان ذلك منه نادراً لم يكن عليه أكثر من ثمانمائة درهم،حسب ما تضمنته الأخبار الأوّلة.

و نفى عنه البأس في المختلف (1)،و مال إليه بعض من تأخّر (2)؛ لظهور وجه الجمع المزبور من الموثق:عن مسلم قتل ذمّيا؟قال:فقال:

«هذا شيء شديد لا يحتمله الناس،فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل أهل السواد،و عن قتل الذمّي» ثم قال:«لو أنّ مسلماً غضب على ذمّي فأراد أن يقتله و يأخذ أرضه و يؤدي إلى أهله ثمانمائة درهم إذاً يكثر القتل في الذمّيين» الخبر (3).

و فيه نظر؛ لاشتراك الجمع المفتي به بالتكافؤ المفقود في المقام؛ لكثرة الأخبار الأوّلة،و صحتها،و موافقتها الأصل،و اشتهارها بإطلاقها شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع كما عرفته من الغنية (4)، و لا كذلك الأخبار الأخيرة حتى الموثقة المستشهد بها عليه،فإنّها بطرف الضدّ لتلك في المرجّحات المزبورة.

و منها:قولا الصدوق في الفقيه و الإسكافي (5)المفصِّلان تفصيلاً لا يوجد أثر لهما في الأخبار المزبورة،كما لا أثر لتفصيل الشيخ فيها و إن

ص:364


1- المختلف:818.
2- انظر كشف اللثام 2:496.
3- التهذيب 10:738/188،الإستبصار 4:1020/270،الوسائل 29:221 أبواب ديات النفس ب 14 ح 1.
4- راجع ص 359.
5- أحدهما في الفقيه 4:91،و الآخر حكاه عن الإسكافي في المختلف:818.

أشعر به الموثق،و لا شاهد لتفصيلهما أصلاً،فإذاً قولهما أضعف الأقوال جدّاً،فلا فائدة لذكرهما.

و دية نسائهم الحرائر على النصف من ذلك أربعمائة درهم، بلا خلاف أجده،و لعلّ مستنده عموم الأدلّة المتقدمة بأنّ المرأة نصف الرجل في الدية.

قيل:و دية أعضائهما و جراحاتهما من ديتهما كدية أعضاء المسلم و جراحاته من ديته.و في التغليظ بما يغلظ به المسلم نظر:من عموم الأخبار،و كون التغليظ على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع الوفاق، و لعلّ الأوّل أقوى،و كذا تتساوى دية الرجل منهم و المرأة إلى أن تبلغ ثلث الدية فتنتصف كالمسلم (1).

و لعلّ المستند في جميع ذلك نحو ما احتملنا كونه مستنداً في أصل المسألة،مع دعوى الإجماع عليه في الغنية (2).

و لا دية لغيرهم أي غير الثلاثة من أهل الكفر مطلقاً،حتى أنّ أهل الكتاب لو خرجوا عن الذمّة لم يكن لهم دية،بلا خلاف أجده؛ للأصل،مع عدم معلومية انصراف إطلاقات الدية إليهم،و إشعار جملة من المستفيضة الواردة في دية أهل الذمّة باختصاص شرعيتها لأهل الكفر بهم خاصّة.

مضافاً إلى الموثق كالصحيح بأبان المجمع على تصحيح ما يصح عنه:عن دماء المجوس و اليهود و النصارى،هل عليهم و على من قتلهم شيء إذا غشوا المسلمين،و أظهروا العداوة لهم؟قال:«لا،إلّا أن يكون

ص:365


1- قاله الشهيد الثاني في الروضة 10:191.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):620.

متعوّداً لقتلهم» الحديث (1)،فتدبّر.

و في دية ولد الزنا المظهر للإسلام قولان بل أقوال أشبههما و أشهرهما بين المتأخّرين بل عليه عامّتهم أنّ ديته كدية الحرّ المسلم لعموم الأدلّة على إسلام من أظهره،و جريان أحكامه عليه من غير قاطع على استثناء ولد الزناء،مضافاً إلى إطلاق أخبار الديات،و تصريح بعضها بالمسلم أو المؤمن الصادقين عليه بمجرّد إظهارهما،كما مضى.

و القول الثاني للصدوق و علم الهدى (2)،و هو أنّ ديته كدية أهل الكتاب ثمانمائة درهم،كما في النصوص الصريحة المروية في آخر باب الزيادات من التهذيب (3).

لكنها ما بين مرسلة،و ضعيفة بالجهالة،مع عدم جابر لها بالمرّة سوى دعوى الإجماع في كلام الأخير،و هي لندرة القائل،بل عدمه إلّا المدّعى و بعض من سبقه موهونة،فهي ضعيفة،كدعوى كفره التي استدل بها أيضاً مضافاً إلى الدعوى السابقة؛ لمنعها،كما هو ظاهر المتأخّرين، و صرّح به في المختلف،فقال:و الأصل الذي بنى السيّد عليه من كفر ولد الزناء ممنوع (4).

أقول:و لو صحّت هذه الدعوى لكان مقتضاها عدم الدية مطلقا،كما عليه الحلّي (5)مستدلّاً بها،هذا.

ص:366


1- الكافي 7:4/309،الفقيه 4:301/92،التهذيب 10:744/189،الإستبصار 4:1026/271،الوسائل 29:223 أبواب ديات النفس ب 16 ح 1.
2- المقنع:185،الانتصار:273.
3- التهذيب 10:315.
4- المختلف:794.
5- السرائر 3:352.

و قول السيّد ليس بذلك البعيد؛ للأصل،مع عدم معلومية دخول نحو ولد الزناء في إطلاق أخبار الديات،حتى ما ذكر فيه لفظ المؤمن و المسلم؛ لإطلاقهما الغير المعلوم الانصراف إلى نحوه،من حيث عدم تبادره منه،مع انسياقه سياق بيان مقدار الديات و غيره ممّا لا يتعلق بما نحن فيه،فيصير بالنسبة إليه كالمجمل الذي لا يمكن التمسك به.

و كذا شمول ما دلّ على جريان أحكام الإسلام على مظهره لنحو ما نحن فيه ليس بمقطوع،فلا يخرج عن مقتضى الأصل بمثله،و إنّما خرج عنه بالنسبة إلى دية الذمّي؛ لفحوى ما دل على ثبوتها فيه،مع شرفه بإسلامه الظاهري،و ليس وجوده كعدمه بالقطع حتى يلحق بالحربي.

و يمكن أن يجعل ما ذكرناه جابراً للنصوص و الإجماع المحكي،مع تأيّد الأخير بعدم ظهور مخالف فيه من القدماء عدا الحلّي المتأخّر عن حاكيه،و أمّا الشهرة فإنّما هي من زمن المحقّق و من بعده.

و إلى الروايات مع الجواب منها أشار الماتن بقوله: و في رواية أنّ ديته كدية الذمّي،و هي ضعيفة بما مرّ،إلّا أن يجبره السيّد بما عرفته.

مضافاً إلى أنّ السند في بعضها (1)صحيح إلى جعفر بن بشير،و هو ثقة،و الإرسال بعده لعلّه غير ضارٍّ؛ لقول النجاشي:روى عن الثقات و رووا عنه (2).قاله في مدحه،و لا يكون ذلك إلّا بتقدير عدم روايته عن الضعفاء، و إلّا فالرواية عن الثقة و غيره ليس بمدح كما لا يخفى،هذا.

مع احتمال انجبارها أيضاً بنحو الأخبار الواردة في غسالة الحمّام (3)؛

ص:367


1- الفقيه 4:389/114،التهذيب 10:1172/315،الوسائل 29:222 أبواب ديات النفس ب 15 ح 2.
2- رجال النجاشي:119.
3- الوسائل 1:218 أبواب الماء المضاف ب 11.

المانعة عنها،معلّلةً بأنّه يغتسل فيه اليهودي و النصراني و ولد الزناء،حيث ساقته في سياق أهل الكتاب مشعرةً باتحادهم في الحكم و المماثلة،فتأمّل ، هذا.

و في الصحيح:كم دية ولد الزناء؟قال:«يعطى الذي أنفق ما أنفق عليه » الحديث (1).

و هو ظاهر في ثبوت الدية لا كما ذكره الحلّي و أنّها ما أنفق عليه، و هو يشمل ما قصر عن دية الحرّ المسلم،بل و الذمّي أيضاً،بل لعلّه ظاهر فيه،إلّا أنّ الأخير خارج بالإجماع،كخروج ما زاد عنه به أيضاً،فيتعيّن الثمانمائة جدّاً.

مع أنّ العدول بذلك الجواب عن لزوم دية الحرّ المسلم كالصريح، بل لعلّه صريح في عدم لزومها،فيضعّف به ما عليه المشهور جدّاً،و يتعيّن قول السيّد ظاهراً،فتأمل جدّاً.

و دية العبد قيمته ما لم تتجاوز دية الحرّ و لو تجاوزت دية الحرّ ردّت إليه (2) و دية الأمة قيمتها ما لم تتجاوز دية الحرّة.

و الاعتبار بدية الحرّ المسلم إن كان المملوك مسلماً و إن كان مولاه ذمّيا على الأقوى،و بدية الذمّي إن كان المملوك ذمّيا و لو كان مولاه مسلماً على الأقوى أيضاً،و قد مضى الكلام في المسألة و ما يتعلّق بها مستوفى في كتاب القصاص في الشرط الأوّل من شرائطه،فلا وجه لإعادته.

و هي كدية الأحرار تؤخذ من مال الجاني إن قتله أي العبد

ص:368


1- الفقيه 4:739/231،التهذيب 9:1234/343،الإستبصار 4:686/183،الوسائل 29:223 أبواب ديات النفس ب 15 ح 4.
2- في المختصر المطبوع:إليها،و هو الأنسب.

عمداً أو شبيهاً به،و من عاقلته إن قتله خطأً و دية أعضائه و جراحاته تؤخذ بنسبة العضو إلى الكل من حيث قيمته على قياس نسبة أعضاء الحرّ إلى كلّه من حيث الدية فما أي أيّ عضو فيه أي في ذلك العضو حال كونه من الحرّ (1)ديته أي دية الحر ف في ذلك العضو من العبد قيمته،كاللسان و الذكر و اليدين و الرجلين،فلو جنى عليها من العبد كان فيها تمام قيمته ما لم يتجاوز دية الحرّ،كما أنّه لو جنى عليها من الحرّ كان فيها كمال ديته.

و ما فيه أي أيّ عضو من الحرّ في الجناية عليه دون ذلك أي دون كمال الدية من نصفها أو ثلثها مثلاً ف في الجناية عليه من العبد من قيمته بحسابه أي بحساب ما يؤخذ فيه من الدية في الحرّ،فلو قطع إحدى يديه الصحيحة مثلاً يؤخذ من قيمته نصفها،كما أنّه يؤخذ نصف دية الحرّ لو قطعت منه،و في حكم العبد بالنسبة إلى الحرّ الأمة بالنسبة إلى الحرّة.

و بالجملة:الحرّ أصل للعبد في المقدّر له و ينعكس في غيره، فيكون العبد أصل الحرّ فيما لا تقدير فيه منه،فيفرض الحرّ عبداً سليماً من الجناية و ينظر كم قيمته حينئذٍ،و يفرض عبداً فيه تلك الجناية و ينظر كم قيمته،و ينسب إحدى القيمتين إلى الأُخرى،و يؤخذ له من الدية بتلك النسبة.

و الوجه في جميع ذلك واضح،مع عدم خلاف فيه أجده،و في المسالك أنّه كالمتفق عليه (2)،و يشهد له النصوص المستفيضة،منها زيادةً

ص:369


1- في النسخ زيادة:مِن.
2- المسالك 2:464.

على الموثقة الآتية القوي:«جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن» (1).

و منها:«إذا جرح الحرّ العبد فقيمة جراحته من حساب قيمته» (2).

و منها:في رجل شجّ عبداً موضحة،قال:«عليه نصف عشر قيمته» (3).

و لو جنى جان على العبد و في معناه الأمة بما فيه قيمته فليس للمولى المطالبة بها حتى يدفع العبد برمّته أي بتمامه إلى الجاني أو عاقلته إن قلنا بأنّها تعقله،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (4)،و به صريح الموثّقة:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام) في أنف العبد أو ذكره أو شيء يحيط بقيمته أنّه يؤدّي إلى مولاه قيمة العبد،و يأخذ العبد» (5).

و فيهما الحجة،دون ما علّل به من استلزام جواز المطالبة مع عدم دفعه الجمع بين العوض و المعوّض عنه؛ لاندفاعه بأنّ القيمة عوض الجزء الفائت لا الباقي،و لذا قيل بجوازها معه فيما لو كان الجاني على العبد

ص:370


1- الفقيه 4:313/95،التهذيب 10:763/193،الوسائل 29:388 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 8 ح 2.
2- التهذيب 10:778/196،الوسائل 29:389 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 8 ح 4.
3- الكافي 7:13/306،الفقيه 4:310/94،التهذيب 10:764/193،الوسائل 29:388 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 8 ح 1.
4- منهم الطوسي في الخلاف 5:267،و الشهيد الثاني في الروضة 10:198،و المحقّق الكاشاني في المفاتيح 2:146.
5- التهذيب 10:765/194،الوسائل 29:388 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 8 ح 3.

غاصباً له (1)،و إنّما قيل بعدم الجواز في غيره للنص و الوفاق.

أقول:لا اختصاص لهما بغير الغاصب،بل يشملانه إطلاقاً،بل عموماً في الأوّل من حيث ترك الاستفصال فيه المفيد له على الأقوى، فتأمّل جدّاً .

و لو كانت الجناية على المملوك بما دون ذلك أي بما لا يبلغ قيمته أخذ المولى أرش الجناية بنسبته من القيمة و ليس له أي للمولى دفعه أي العبد إلى الجاني و المطالبة بالقيمة أي بتمام قيمة العبد إلّا برضاء الجاني،بل يمسكه و يطلبه بدية الفائت مع التقدير،أو أرشه مع عدمه في الحرّ،فإنّه حقّه،دون الدفع و المطالبة بتمام القيمة؛ لأنّ ذلك معاوضة لا تثبت إلّا بالتراضي.

قيل:و للعامّة قول بأنّ له ذلك (2).

و لا يضمن المولى جناية العبد مطلقاً،و لكن يتعلّق برقبته، و للمولى الخيار بين دفعه أو فكّه بأرش الجناية أو بأقلّ الأمرين منه و من القيمة،على الخلاف المتقدم في القصاص في البحث المتقدم إليه قريباً الإشارة.

و مضى ثمة أيضاً الكلام في أنّه لا تخيّر لوليّ (3)المجني عليه بل للمولى إذا كانت الجناية خطأً،و ينعكس إذا كانت عمداً.

و أنّه لو كانت جنايته لا تستوعب قيمته تخيّر المولى أيضاً في دفع الأرش أو تسليمه ليستوفي المجني عليه منه قدر الجناية

ص:371


1- انظر الروضة 10:198،و المفاتيح 2:146.
2- قال به في كشف اللثام 2:497.
3- في«ح» و المختصر المطبوع:لمولى.

استرقاقاً أو بيعاً و يكون المولى معه فيما يفضل شريكاً.

و أنّه يستوي في جميع ذلك الرقّ المحض و المدبّر مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى،أو أُمّ ولد على التردّد في الأخير لم يسبق ذكره فيما مضى،ينشأ:من عموم الأدلّة على أنّ المولى لا يعقل مملوكه،و من أنّ المولى باستيلاده منع من بيع رقبتها فأشبه ما لو أعتق الجاني عمداً.

مضافاً إلى النص:«أُمّ الولد جنايتها في حقوق الناس على سيّدها، و ما كان من حقوق اللّه عزّ و جلّ في الحدود فإنّ ذلك في بدنها» الحديث (1).

و هذا خيرة الشيخ في ديات المبسوط،نافياً الخلاف فيه إلّا عن أبي ثور،قال:فإنّه قال:أرش جنايتها في ذمّتها يتبع به بعد العتق (2)،و تبعه القاضي (3).

و الأوّل مذهبه في استيلاد المبسوط و الخلاف (4)،مدّعياً عليه إجماع الفرقة و أخبارهم على أنّها مملوكة يجوز بيعها،و تبعه الحلّي و أكثر المتأخّرين،كالفاضلين في الشرائع و التحرير و القواعد،و فخر الدين في شرحه،و الشهيدين في ظاهر المسالك و صريح اللمعة (5)،و نسبه في شرحها إلى المشهور.و لعلّه أقوى.

ص:372


1- الكافي 7:17/306،التهذيب 10:779/196،الوسائل 29:103 أبواب القصاص في النفس ب 43 ح 1.
2- المبسوط 7:160.
3- المهذّب 2:488.
4- المبسوط 6:187،الخلاف 5:272.
5- السرائر 3:22،الشرائع 4:248،التحرير 2:269،القواعد 2:323،إيضاح الفوائد 4:685،المسالك 2:161،اللمعة(الروضية البهية 6):372.

و يمنع عن كون الاستيلاد مانعاً من البيع هنا؛ لأنّ حق الجناية من الاستيلاد أقوى .

و النصّ قاصر سنداً بالجهالة،و إن روى عن موجبها الحسن بن محبوب الذي قد أجمع على تصحيح ما يصح عنه العصابة؛ لعدم بلوغه بذلك درجة الصحة فضلاً أن يعارض به الأدلّة المعتضدة بالشهرة الظاهرة و المحكية.

و نفي الخلاف موهون بنقل النافي له الإجماع على الخلاف،مع نفي الحلّي الخلاف عنه أيضاً (1)،بل ظاهره إجماعنا عليه كما في الخلاف،و أنّ خلافه مذهب أهل الخلاف،و عليه يتعيّن حمل الرواية على التقية.

ص:373


1- السرائر 3:22.

النظر الثاني في موجبات الضمان

البحث الأول عن المباشرة
اشارة

النظر الثاني في بيان موجبات الضمان للدية مطلقاً و البحث فيه إمّا في المباشرة،أو التسبيب،أو تزاحم الموجبات أمّا المباشرة: فضابطها الإتلاف لا مع القصد إليه و إن قصد الفعل الموجب له،كمن رمى غرضاً فأصاب إنساناً،أو ضربه للتأديب فمات مثلاً.

و حيث قد عرفت ذلك ف اعلم أنّ الطبيب يضمن في ماله من بل مطلق ما يتلف بعلاجه و لو طرفاً؛ لحصول التلف المستند إلى فعله، و لا يطلّ دم امرئ مسلم؛ و لأنّه قاصد إلى الفعل مخطئ في القصد،فكان فعله شبيه عمد و إن احتاط و اجتهد و أذن المريض أو وليّه،و كان حاذقاً ماهراً في فنّه علماً و عملاً؛ لأنّ ذلك لا دخل له في عدم الضمان هنا، لتحقق الضمان مع الخطأ المحض فهنا أولى و إن اختلف الضامن.

و هذا الحكم ممّا لم أجد خلافاً فيه في صورة ما لو كان الطبيب قاصراً في المعرفة،أو عالج من غير إذن من يعتبر إذنه،و بنفي الخلاف هنا صرّح المقدّس الأردبيلي (1)-(رحمه اللّه) و في التنقيح عليه الإجماع (2).

و أمّا إطلاقه حتى في ما لو كان عارفاً و عالج مأذوناً فلا خلاف فيه

ص:374


1- مجمع الفائدة و البرهان 14:227.
2- التنقيح الرائع 4:469.

أجده أيضاً،إلّا من الحلّي (1)،حيث قال هنا بعدم الضمان؛ للأصل؛ و لسقوطه بإذنه؛ و لأنّه فعل سائغ شرعاً فلا يستعقب ضمان.

و هو مع شذوذه،بل و دعوى الإجماع على خلافه في كلام جماعة، كابن زهرة و الماتن في نكت النهاية و الشهيد في نكته كما حكاه عنه في الروضة (2)مضعّف بأنّ أصالة البراءة ينقطع بدليل شغل الذمّة،و هو ما قد عرفته،و الإذن إنّما هو في العلاج لا في الإتلاف،و لا منافاة بين الجواز و الضمان كالضارب للتأديب،هذا.

و يعضد المختار المعتبران الآتيان في إفادة البراءة سقوط الضمان، و تضمين الأمير(عليه السّلام)قاطع حشفة الغلام.

و قصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل،مع نفي الحلّي بنفسه الخلاف عن صحة الأخير،لكن وجّهه بأنّ المراد أنّه فرّط فقطع غير ما أُريد منه،فإنّ الحشفة غير محل الختان.

و لا جواب لهذا التوجيه إلّا من حيث الحكم بتعيّنه؛ إذ لا دليل في الخبر عليه،مع احتماله الحمل على غير صورة التفريط،كاحتماله الحمل على صورته.

و الأولى في الجواب عنه الاكتفاء بهذا الاحتمال،فإنّه بمجرّده كافٍ في ردّ دلالة الرواية على الحكم في المسألة؛ لكونها قضية في واقعة.

و لو أبرأه المريض المعالج أو الوليّ له من الجناية قبل

ص:375


1- السرائر 3:373.
2- انظر الغنية(الجوامع الفقهية):619،نكت النهاية 3:421،الروضة 10:110،و هو في غاية المراد 4:448.

وقوعها فالوجه الصحة وفاقاً للشيخ و أتباعه و الحلبي (1)،بل المشهور كما في المسالك و غيره (2) لإمساس (3)الضرورة و الحاجة إلى مثل ذلك؛ إذ لا غنى عن العلاج و إذا عرف الطبيب أنّه لا مخلص له عن الضمان توقّف عن العمل مع الضرورة إليه،فوجب في الحكمة شرع الإبراء؛ دفعاً للضرورة.

و يؤيده رواية النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام) قال:«قال أمير(عليه السّلام):من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه،و إلّا فهو ضامن» (4)و إنّما ذكر الولّي لأنّه هو المطالب على تقدير التلف،فلمّا شرع الإبراء قبل الاستقرار صرف إلى من يتولّى المطالبة.

و قيل و القائل الحلّي (5):إنّه لا يصح؛ لأنّه إبراء ممّا لم يجب و أيّده شيخنا الشهيد الثاني (6)مجيباً عن الأدلّة السابقة،قال:فإنّ الحاجة لا تكفي في شرعية الحكم بمجرّدها مع قيام الأدلّة على خلافه،و الخبر سكوني،مع أنّ البراءة حقيقة لا تكون إلّا بعد ثبوت الحق؛ لأنّها إسقاط ما في الذمّة من الحق،و ينبّه عليه أيضاً أخذها من الوليّ؛ إذ لا حقّ له قبل الجناية،و قد لا تصير إليه بتقدير عدم بلوغها القتل إذا أدّت إلى الأذى (7)، انتهى.

ص:376


1- الشيخ في النهاية:762،و تبعه القاضي في المهذّب 2:499،و الحلبي في الكافي:402.
2- المسالك 2:490،و انظر المفاتيح 2:117.
3- كذا،و لعلّ الأنسب:لمسيس،أو:لمساس..
4- الكافي 7:1/364،التهذيب 10:925/234،الوسائل 29:260 أبواب موجبات الضمان ب 24 ح 1.
5- السرائر 3:373.
6- في«ن» و«ح» زيادة:في كتابيه.
7- المسالك 2:490.

و ما ذكره من الجواب عن الحاجة لم أفهمه ،و عن الرواية بالضعف فمجبور على تقديره بالشهرة الظاهرة و المحكية في كلامه،نعم دلالتها ضعيفة بما ذكره،و لعلّه لذا جعلها الماتن مؤيّدة لا حجة.

لكن أجاب عنه بعض الأجلّة فقال:لأنّك تعرف أنّ معنى«تطبّب» أنّه أراد فعله لا أنّه فعله،و هو ظاهر،و قد مرّ وجه إسناده إلى الوليّ و أنّه تنبيه على صحة إبراء المريض إذا كان الحق له بالطريق الأولى،و أنّه لا يحتاج حينئذٍ إلى الأمر به،و هو ظاهر (1)،انتهى.

و هذا الجواب و إن كان بعيداً لغة،إلّا أنّه لعلّه يساعده العرف و فهم الفقهاء،حيث فهموا من الرواية هذا،لا ما ذكره شيخنا و تفرّد به في الجواب عنها.

و بالجملة:المسألة محل تردّد كما هو ظاهر الفاضلين-(رحمهما اللّه) في الشرائع و الإرشاد و القواعد و غيرهما (2).

لكن مقتضى الأصل مع عدم معلومية شمول ما دلّ على الضمان بالجناية شبيه العمد لها بعد الإذن و الإبراء عدم الضمان،و إلى هذا الوجه أشار المولى الأردبيلي-(رحمه اللّه) فقال:و ما ثبت شرعاً أنّ كل إتلاف موجب للضمان (3)،هذا.

مضافاً إلى مسيس الحاجة،و الجواب عنه في كلام شيخنا قد عرفتَ أنه ما عرفتُه.

ص:377


1- مجمع الفائدة 14:231.
2- الشرائع 4:249،الإرشاد 2:222،القواعد 2:213،المهذّب البارع 5:262.
3- مجمع الفائدة 14:229.

و أيّده المقدّس الأردبيلي-(رحمه اللّه) ب«المؤمنون عند شروطهم» قال:

و مرجع الإبراء عدم المؤاخذة،و عدم ثبوت حق لو حصل الموجب، و لا استبعاد في لزوم الوفاء بمعنى عدم ثبوت حق حينئذٍ،أو أنّه يثبت و يسقط،فلا يكون إسقاطاً لما ليس بثابت،فتأمّل .

و كذا البحث في البيطار في المسألتين،فإنّه طبيب أيضاً لكن في الحيوان.

و النائم إذا انقلب على إنسان أو فحص برجله أو يده،أي قلبهما فقتل ه أو جرحه ضمن الدية،بلا خلاف أجده،و به صرّح في التنقيح و غيره (1).

و هل هي في ماله أم على عاقلته؟ تردّد و اختلاف،فبين قائلٍ بالأوّل،كالشيخين في النهاية و المقنعة و غيرهما من القدماء (2)، و مختارٍ للثاني،كأكثر المتأخّرين،بل عامّتهم.

و هو الأظهر؛ لأنّه مخطئ في فعله و قصده،فيكون خطأً محضاً و ديته على العاقلة اتفاقاً،كما مضى؛ مضافاً إلى التأيّد بالنصوص الآتية،و إن خالفت الأُصول في صورة واحدة لا دخل لها بمفروض المسألة.

مع أنّا لم نجد للقول الأوّل دليلاً عدا ما يستفاد من الشيخ من دعوى كونه شبيه عمد،و فيه ما عرفته.

نعم يظهر من الحلّي-(رحمه اللّه) أنّ به رواية،حيث قال:و الذي يقتضيه أُصول مذهبنا أنّ الدية في جميع هذا يعني هذا و مسألة الظئر الآتية على العاقلة؛ لأنّ النائم غير عامد في فعله،و لا عامد في قصده،و هذا حدّ قتل

ص:378


1- التنقيح الرائع 4:471،غاية المرام 4:425.
2- النهاية:758،المقنعة:747،و انظر المراسم:241،الجامع للشرائع:583.

الخطأ المحض،و لا خلاف أنّ دية قتل الخطأ المحض على العاقلة،و إنّما هذه أخبار آحاد لا يرجع بها على الأدلّة،و الذي ينبغي تحصيله في هذا أنّ الدية على النائم نفسه؛ لأنّ أصحابنا جميعهم يوردون ذلك في باب ضمان النفوس،و ذلك لا يحمله العاقلة بلا خلاف (1)،انتهى.

و لم نقف على هذه الرواية،و لا أشار إليها أحد غيره،فمثلها مرسلة لا تصلح للحجية،فضلاً أن يخصّص بها الأُصول القطعية المعتضدة بالشهرة العظيمة،لكنّها فيما إذا لم يكن النائم ظئراً.

أمّا لو كان هو الظئر ف للأصحاب فيه أقوال ثلاثة:

أحدها:التفصيل،و هو أنّها إن طلبت المظائرة للفخر و العزّة ضمنت الطفل في مالها إذا انقلبت عليه فمات،و إن كانت طلبتها للفقر و الحاجة فالدية على العاقلة اختاره الماتن هنا و في الشرائع و النكت،و الفاضل في الإرشاد،تبعاً للشيخ و ابن حمزة (2)،و به نصوص صريحة،لكن في سندها ضعف و جهالة،و في متنها مخالفة للأُصول المتقدمة؛ و لذا اختار الأكثر خلافها،و إن اختلفوا في محل الدية.

فبين من جعله مالها مطلقاً،كالمفيد و الديلمي و الحلّي كما عرفته و ابن زهرة (3)،مدّعياً عليه إجماع الإمامية.

و من جعله العاقلة،كالفاضل في التحرير و القواعد و المختلف، و شيخنا في المسالك (4)،و حكاه عن أكثر المتأخّرين.

ص:379


1- السرائر 3:365.
2- الشرائع 4:252،نكت النهاية 3:411،الإرشاد 2:233،النهاية:757،الوسيلة:454.
3- المقنعة:747،المراسم:241،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- التحرير 2:262،القواعد 2:313،المختلف:799،المسالك 2:493.

و لعلّه الأظهر؛ للأُصول المتقدّمة السليمة عمّا يصلح للمعارضة؛ لوهن إجماع ابن زهرة في نحو المسألة بلا شبهة،و قصور النصوص بما عرفته.

لكن عن الماتن في نكت النهاية أنّه قال:لا بأس بالعمل بها؛ لاشتهارها،و انتشارها بين الفضلاء من علمائنا،و يمكن الفرق بين الظئر و غيرها بأنّ الظئر بإضجاعها الصبي إلى جانبها مساعدة بالقصد إلى فعل له شركة في التلف،فيضمن لا مع الضرورة (1)،انتهى.

و لو صحّت هذه الشهرة كانت جابرة،لكنّها كدعوى الإجماع موهونة،فلا يجسر بهما على الخروج عن الأُصول المتقدمة،مع أنّ دعواها معارضة بدعوى شيخنا في المسالك الأكثرية بين المتأخّرين كما عرفته.

و لو أعنف الرجل بزوجته جماعاً قبلاً أو دبراً أو ضمّاً فماتت ضمن الدية (2) في ماله إن لم يتعمّد القتل أو ما يؤدّي إليه غالباً، على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة المتأخّرين؛ لأنّه قتل شبيه العمد؛ لقصده الفعل و خطائه في القصد.

و للنصوص،منها الصحيح:عن رجل أعنف على امرأته فزعم أنّها ماتت من عنفه؟قال:«الدية كاملة،و لا يقتل الرجل» (3).

و عن الماتن أنّه قال:لا يقال:فعله سائغ فلا يترتب عليه ضمان؛ لأنّا نمنع و لا نجيز له العنف،قال:أمّا لو كان بينهما تهمة و ادّعى ورثة الميت

ص:380


1- نكت النهاية 3:411.
2- في المختصر المطبوع و نسخة في«ح» زيادة:و كذا الزوجة.
3- الفقيه 4:259/82،التهذيب 10:828/210،الوسائل 29:269 أبواب موجبات الضمان ب 31 ح 1.

منهما أن الآخر قصد القتل أمكن أن يقال بالقسامة و إلزام القاتل القود (1)، انتهى.

و به قطع الحلّي (2)،و لا بأس به إن بلغت التهمة اللوث المعتبر في القسامة.

ثم إنّ ظاهر النصّ و الفتوى و الأُصول أنّ عليه دية شبيه العمد،خلافاً للمفيد (3)،فجعلها مغلظة،و حجته غير واضحة.

و قال الشيخ في النهاية و عن الجامع (4)أنه إن كانا مأمونين فلا ضمان عليهما؛ للمرسل:عن رجل أعنف على امرأة أو امرأة أعنفت على زوجها فقتل أحدهما الآخر؟قال:«لا شيء عليهما إذا كانا مأمونين، فإن كانا متّهمين أُلزما (5)اليمين باللّه أنّهما لم يريدا القتل» (6).

و في هذه الرواية كما ترى ضعف بالإرسال،و المخالفة للأُصول،و خصوص ما مرّ من النصوص،مع أنّها عامّة لا تصريح فيها بنفي الدية،فيحتمل الحمل على نفي القود و المؤاخذة خاصّة حمل المطلق على المقيّد،و يحمل اليمين فيها مع التهمة على يمين القسامة إثباتاً للقود دون الدية،و فيها الدلالة حينئذٍ على ما حكم الماتن بإمكانه و قطع به الحلّي من

ص:381


1- نكت النهاية 3:413.
2- السرائر 3:366.
3- المقنعة:747.
4- النهاية:758،انظر الجامع للشرائع:583.
5- في«ح» و«س» و«ن»:الزمتهما،و في«ب»:ألزمهما،و الأنسب ما أثبتناه من الكافي و الوسائل.
6- الكافي 7:12/374،الفقيه 4:260/82،التهذيب 10:827/209،الإستبصار 4:1058/279،الوسائل 29:270 أبواب موجبات الضمان ب 31 ح 4.

ثبوت القسامة هنا مع التهمة.

و بهذا الجمع صرّح الشيخ في التهذيب و الاستبصار اللذين هما بعد النهاية.

و لو حمل [إنسان] (1)على رأسه متاعاً فكسره،أو أصاب به إنساناً أو غيره فقتله أو جرحه ضمن ذلك في ماله كما هنا و في الشرائع و التحرير و القواعد و الإرشاد و اللمعة (2)،لكن في الجناية على الإنسان خاصة،و عن النهاية و المهذّب و في السرائر (3)،لكن في ضمان المتاع خاصّة،و مع ذلك قالوا:إلّا أن يدفعه غيره،فضمانه عليه.

و الأصل في المسألة رواية داود بن سرحان الثقة،المروية بعدّة طرق،و فيها الصحيح و غيره:في رجل حمل متاعاً على رأسه فأصاب إنساناً فمات أو انكسر منه،فقال:«هو ضامن» (4).

و ردّها في المسالك بأنّ في طريقها سهل بن زياد،و هو ضعيف، و هي بإطلاقها مخالفة للقواعد؛ لأنّه إنّما يضمن المصدوم في ماله مع قصده إلى فعله و خطائه في القصد،فلو لم يقصد الفعل كان خطأً محضاً،كما تقرّر،و أمّا المتاع المحمول فيعتبر في ضمانه لو كان لغيره التفريط إذا كان أميناً عليه كغيره من الأموال (5)،انتهى.

و فيه نظر؛ لعدم الضعف إلّا بالطريق المروي في الكافي و التهذيب

ص:382


1- في«ح» زيادة:إنسان.
2- الشرائع 4:249،التحرير 2:262،القواعد 2:313،الإرشاد 2:223،اللمعة(الروضة البهية 10):112.
3- النهاية:759،المهذّب 2:495،السرائر 3:368.
4- الكافي 7:5/350،الفقيه 4:263/82،و فيه:هو مأمون.التهذيب 10:909/230،الوسائل 29:244 أبواب موجبات الضمان ب 10 ح 1.
5- المسالك 2:490.

في باب ضمان النفوس،و أمّا الطريق الآخر المروي في الأخير و الفقيه (1)في كتاب الإجارات منهما فليس بضعيف،بل صحيح،و مع ذلك الضعف بسهل سهل،سيّما بعد الانجبار بعمل الأصحاب (2)،كما يظهر منه في الروضة،حيث إنّه بعد ما استشكل في إطلاق الحكم بمخالفة القاعدة بنحو ما في المسالك قد ذكره قال:إلّا أنّهم أطلقوا الحكم هنا (3).

و من هنا ينقدح الجواب عنها بمخالفتها القاعدة؛ إذ هي لا توجب قدحاً في الرواية المعمولة،بل سبيلها كسبيل الروايات المخصّص بها القاعدة.

نعم لو لا صحة السند و عمل الأصحاب لاتّجه ما ذكره،و لكنّهما يصححان ما في العبارة،بل لعلّ الصحة مع فتوى جماعة أيضاً كافية.

و لقد أيّد المختار بعض الأجلة مع زعمه ضعف الرواية،و مخالفتها القاعدة،فقال بعد تضعيفها بهما-:إلّا أنّه قد يقال:إنّه من الأسباب،و إنّه غير معلوم دخوله في الخطأ؛ لما مرّ من تفسيره في الروايات و سيأتي أيضاً،و تضمين شخص بجناية غيره خلاف القواعد العقلية و النقلية، فلا يصار إليه إلّا في المجمع عليه و المتيقن (4).

أقول:و فيما ذكره أخيراً نظر واضح لا يحتاج وجهه إلى بيان،و إن استسلفه و اعتمد عليه في غير مقام،هذا.

و يؤيّد المختار في ضمان المتاع على الإطلاق الخبر:أنّه اتي بحمّال

ص:383


1- الفقيه 3:719/163،التهذيب 7:973/222،الوسائل 29:244 أبواب موجبات الضمان ب 10 ذيل الحديث 1.
2- في«ن» زيادة:كافة.
3- الروضة 10:114.
4- مجمع الفائدة 14:234.

كانت عليه قارورة عظيمة فيها دهن فكسرها فضمّنها إيّاه،و كان(عليه السّلام) يقول:«كل عامل مشترك إذا أفسد فهو ضامن» فسألته من المشترك:فقال:

«الذي يعمل لي و لك و لذا» (1)و نحوه آخر (2)،منجبر ضعف سندهما بالعمل.

و أمّا الصحيح:في الحمّال (3)يكسر الذي حمل أو يهريقه،قال:«إن كان مأموناً فليس عليه شيء،و إن كان غير مأمون فهو ضامن» (4).

فشاذّ غير معلوم العامل،و التفصيل بالتفريط و عدمه غير مذكور فيه، و حمل التفصيل فيه عليه ليس بأولى من حمله على ما إذا ادّعى كسر الحمل من دون علم صاحبه به،و يكون المراد حينئذٍ أنّه يستحب أن لا يكلّفه البينة إذا كان مأموناً،و إلّا فهو ضامن،و يكون حينئذٍ سبيله كسبيل كثير من الأخبار الدالّة على هذا التفصيل،هذا.

و عن المرتضى (5)دعوى الإجماع على ضمان الأجير ما يتلف في يده و لو بغير سببه،و تمام الكلام في هذه المسألة يطلب من كتاب الإجارة.

و في رواية النوفلي عن السكوني أنّ عليّاً(عليه السّلام)ضمّن ختّاناً قطع حشفة غلام (6)،و هي و إن قصر سندها بهما إلّا أنّها مناسبة للمذهب و إن حملت على غير (7)صورة التفريط؛ لما مرّ في ضمان الطبيب دية

ص:384


1- التهذيب 7:976/222،الوسائل 19:152 كتاب الإجارة ب 30 ح 13.
2- الفقيه 3:707/161،الوسائل 19:153 كتاب الإجارة ب 30 ح 16.
3- في«ن» و الكافي و الوسائل:الجمّال..
4- الكافي 5:6/244،الفقيه 3:715/163،التهذيب 7:944/216،الوسائل 19:150 كتاب الإجارة ب 30 ح 7.
5- حكاه عنه في المسالك 1:330،و هو في الانتصار:225.
6- التهذيب 10:928/234،الوسائل 29:260 أبواب موجبات الضمان ب 24 ح 2.
7- ليست في«ب».

ما يجنيه في ماله.

و لو وقع إنسان من علوّ على آخر فقتله (1) أو جرحه فإن قصد الوقوع عليه و كان ممّا يقتل غالبا أو نادراً لكن مع قصده القتل أيضاً قتل به لأنه عمد يوجب القود و إن لم يقصد القتل مع الندرة،بل قصد الوقوع عليه خاصّة فاتفق موته فهو شبيه عمد يضمن الدية في ماله،و إن قصد الوقوع لكن لا عليه فصادفه فهو خطأ محض ديته على العاقلة.

و إن دفعه الهواء أو زلق فوقع عليه بغير اختيار منه و لا قصد للوقوع فلا ضمان عليه،و لا على عاقلته؛ لعدم استناد القتل إلى فعله، بل إلى أمر خارجي،و ليس هو كالنائم المنقلب على غيره؛ لحصول الجناية فيه بفعله و لو من غير اختياره،بخلاف ما نحن فيه؛ لحصولها بفعل غيره و لو بواسطته،هذا.

مضافاً إلى النصوص،منها الصحيح:في رجل يسقط على الرجل فيقتله،فقال:«لا شيء عليه» (2).

و الصحيح:عن رجل وقع على رجل فقتله؟فقال:«ليس عليه شيء» (3).

و الخبر:عن رجل وقع على رجل من فوق البيت فمات أحدهما؟ فقال:«ليس على الأعلى شيء،و لا على الأسفل شيء» (4).

ص:385


1- في المطبوع من المختصر النافع:و لو وقع على إنسان من علو فقتل.
2- الفقيه 4:230/75،التهذيب 10:838/212،الإستبصار 4:1062/280،الوسائل 29:56 أبواب القصاص في النفس ب 20 ح 2.
3- الكافي 7:1/288،الوسائل 29:238 أبواب موجبات الضمان ب 5 ح 1.
4- الكافي 7:3/289،التهذيب 10:835/211،الوسائل 29:57 أبواب القصاص في النفس ب 20 ح 3.

قيل (1):و يحتمل أن يكون كمن انقلب على غيره في النوم فقتله في وجوب الدية عليه أو على عاقلته،و أن يكون كقتيل الزحام في وجوبها في بيت المال كما في السرائر و التحرير (2)؛ لئلّا يطلّ دم امرئ مسلم.

و الاحتمال الأوّل لما عرفت بعيد،و الثاني ليس بذلك البعيد و إن نافته ظواهر النصوص المتقدمة الواردة في مقام الحاجة،فلو وجبت الدية على بيت المال لبيّنته،فتأمّل .

مضافاً إلى أصالة البراءة،هذا كلّه في الواقع عليه،و أمّا الواقع هو فدمه لو مات هدر على جميع التقادير،بلا خلاف (3)؛ لأنّ قتله لم يستند إلى أحد يحال عليه الضمان.

و في الموثّق:في رجل يقع على رجل فيقتله فمات الأعلى،قال:

«لا شيء على الأسفل» (4).

و لو دفعه دافع و هو إنسان فالضمان أي ضمان المدفوع عليه لو مات أو انجرح على الدافع فيقاد منه إن قصد جنايته بذلك مطلقاً، و كذا إن لم يقصد جنايته مع كون الدفع ممّا يقتل غالباً،و إن كان ممّا يقتل نادراً فالدية في ماله إن قصد الدفع عليه،و إلّا فخطأ محض إن قصد مطلق الدفع تؤخذ من عاقلته.

و الحكم بكون الضمان على الدافع دون المدفوع هو الأشهر بين المتأخّرين على الظاهر،بل صرّح بالشهرة المطلقة شيخنا في الروضة (5)،

ص:386


1- قال به في مجمع الفائدة 14:246.
2- السرائر 3:366،التحرير 2:263.
3- في«ن» زيادة:أجده.
4- الفقيه 4:237/76،الوسائل 29:57 أبواب القصاص في النفس ب 20 ح 4.
5- الروضة 10:121.

و هو خيرة الحلّي و المفيد (1)على ما حكي عنه،و وجهه واضح؛ لأنّه هو السبب القوي،و المباشر ضعيف بالإلجاء أو منتفٍ.

مضافاً إلى إطلاق النصوص النافية للضمان عن الواقع،بل عمومها الشامل لمفروض المسألة،حيث لم يستفصل فيها عن كون الوقوع منه أو من غيره،و هو و إن استلزم عدم ضمان الواقع مطلقاً حتى في جملة من الصور المتقدمة المحكوم عليه فيها بضمانه،لكنّها مخرجة عنه بالإجماع، و لا إجماع هنا حتى يخرج به عنه أيضاً.

و قال الشيخ في النهاية و كتابي الحديث (2)،و تبعه الجامع (3)كما حكي:إنّ دية المقتول على الواقع،و يرجع هو بها على الدافع للصحيح:في رجل دفع رجلاً على رجل فقتله،قال:«الدّية على الذي وقع على الرجل لأولياء المقتول،و يرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه» قال:

«و إن أصاب المدفوع شيء فهو على الدافع أيضاً» (4).

و لا يخلو عن قوة من حيث الصحة و الصراحة لولا ما قدّمناه من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة،فالخروج به عنها في غاية الجرأة،مع إمكان حمله على أنّ أولياء المقتول لم يعلموا دفع الغير له،هذا كلّه في ضمان المدفوع عليه.

و أمّا المدفوع فضمانه على الدافع قولاً واحداً،و به صرّح الصحيح المتقدّم. و لو ركبت جارية على اُخرى فنخستها أي المركوبة ثالثة

ص:387


1- السرائر 3:366،المقنعة:742.
2- النهاية:758،الاستبصار 4:280،التهذيب 10:212.
3- الجامع للشرائع:584.
4- الكافي 7:2/288،الفقيه 4:249/79،الوسائل 29:238 أبواب موجبات الضمان ب 5 ح 2.

فقمصت المركوبة،أي:نفرت و رفعت يديها و طرحتها فصرعت الراكبة و وقعت فماتت قال الشيخ في النهاية و أتباعه على ما حكاه جماعة (1)،بل ادّعى عليه في الشرائع و التحرير و المسالك (2)الشهرة:إن الدية بين الناخسة و القامصة نصفان و قال المفيد(رحمه اللّه) في المقنعة:عليهما ثلثا الدية و يسقط الثلث بإزاء الراكبة لركوبها عبثاً (3) و نحوه عن الإصباح و الكافي (4)و في الغنية (5)،و فيهما أنّ الراكبة كانت لاعبة،و لو كانت راكبة بأُجرة كان كمال ديتها على الناخسة و المنخوسة.

و مستند الأوّل رواية أبي جميلة المفضّل بن صالح،المروية في الفقيه و التهذيب،عن سعد الإسكاف،عن الأصبغ بن نباته،قال:قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في جارية ركبت اخرى فنخستها ثالثة فقمصت المركوبة فصرعت الراكبة فماتت:أنّ«ديتها نصفان على الناخسة و المنخوسة» (6).

و في أبي جميلة ضعف مشهور غير مختلف فيه،و لعلّه لذا خصّه الماتن بالتضعيف،و إلّا فباقي الرواة المذكورون هنا بل و غيرهم أيضاً مشاركون له في القصور.

ص:388


1- النهاية:763،المهذب 2:499،حكاه عنهم في التنقيح 4:474،غاية المرام 4:427،المسالك 2:492.
2- الشرائع 4:251،التحرير 2:267،المسالك 2:492.
3- المقنعة:750.
4- إصباح الشيعة(الينابيع الفقهية 24):291،الكافي في الفقه:394.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
6- الفقيه 4:439/125،التهذيب 10:960/241،الوسائل 29:240 أبواب موجبات الضمان ب 7 ح 1.

و يمكن جبر جميع ذلك،و كذا مخالفة الرواية لما سيأتي من الأُصول،بكون القول بها باعتراف الماتن و نحوه ممّن مضى هو المشهور، فلا قصور،و لكن الاعتماد على نقل مثل هذه الشهرة مع عدم وجدان موافق للنهاية صريحاً سوى القاضي لعلّه ممنوع.

و ما ذكره المفيد حسن عند الماتن هنا و في النكت و الفاضل في المختلف (1)؛ لموافقة الأُصول،فإنّ القتل إذا استند إلى جماعة يكون أثره موزّعاً عليهم،و الراكبة من الجملة.

و مع ذلك رواه في الإرشاد مرسلاً،فقال:إنّ عليّاً(عليه السّلام)رفع إليه باليمن خبر جارية حملت جارية على عاتقها عبثاً و لعباً،فجاءت جارية أُخرى فقرصت الحاملة فقفزت لقرصها فوقعت الراكبة فاندق عنقها فهلكت،فقضى(عليه السّلام)على القارصة بثلث الدية،و على القامصة بثلثها، و أسقط الثلث الباقي لركوب الواقعة (2)فبلغ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)فأمضاه (3).

و رواه في المقنعة كذلك أيضاً كالحلبي و ابن زهرة (4)،و لكنّها مرسلة لا تصلح للحجية،و إفادة الأُصول لهذا القول مطلقا ممنوعة.

و خرّج المتأخّر و هو الحلّي (5) وجهاً ثالثاً فأوجب الدية بأجمعها على الناخسة إن كانت ملجئةً للمركوبة إلى القموص و على القامصة إن لم تكن ملجئة

ص:389


1- نكت النهاية 3:423،المختلف:797.
2- في الوسائل و نسخة من الإرشاد:الواقصة.و الوقص هو كسر العنق،النهاية لابن أثير 5:214.
3- إرشاد المفيد 1:196،الوسائل 29:240 أبواب موجبات الضمان ب 7 ح 2.
4- الكافي:394،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
5- السرائر 3:374.

و هو خيرة الفاضل في الإرشاد و مستحسنه في التحرير (1)،و محتمل الماتن في الشرائع (2)،و قوّاه فخر الدين (3)و شيخنا في الروضة،قال:

أمّا الأوّل فلأنّ فعل المكرَه مستند إلى مكرِهِه،فيكون توسّط المكرَه كالآلة،فيتعلّق الحكم بالمكرِه.

و أمّا الثاني فلاستناد القتل إلى القامصة وحدها،حيث فعلت ذلك مختارة.

قال:و لا يشكل بما أورده المصنف في الشرح من أنّ الإكراه على القتل لا يسقط الضمان،و أنّ القمص في الحالة الثانية ربما كان يقتل غالباً فيجب القصاص؛ لأنّ الإكراه الذي لا يسقط الضمان ما كان معه قصد المكرَه إلى الفعل،و بالإلجاء يسقط ذلك،فيكون كالآلة،و من ثمّ وجب القصاص على الدافع دون الواقع حيث يبلغ الإلجاء،و القمص لا يستلزم الوقوع بحسب ذاته،فضلاً عن كونه مما يقتل غالباً،فيكون من باب الأسباب لا الجنايات.

نعم لو فرض استلزامه له قطعاً و قصدته توجّه القصاص،إلّا أنّه خلاف الظاهر (4).انتهى.

و هو قوي متين لولا مخالفته للروايات المشهورة قطعاً بين الأصحاب،و إن اختلفت بعضها مع بعض،إلّا أنّها متفقة في ردّ هذا الوجه و غيره من الوجوه المخرجة أيضاً،كالمحكي عن الراوندي (5)من التفصيل

ص:390


1- الإرشاد 2:224،التحرير 2:267.
2- الشرائع 4:251.
3- إيضاح الفوائد 4:677.
4- الروضة 10:134.
5- حكاه عنه في التنقيح الرائع 4:474.

بين بلوغ الراكبة و اختيارها فما عليه المفيد،و صغرها و كرهها فما عليه الشيخ.و ما في التنقيح (1)من التفصيل بين ما إذا كان الركوب عبثاً فالأوّل، و لغرض صحيح فالثاني إن كانت القامصة غير ملجأة،و إلّا فعلى الناخسة.

فهذه الأوجُه ضعيفة،سيّما الأخيرين؛ لعدم شاهد لهما سوى محاولة الجمع بين الأقوال و الروايات،و لا يصحّ إلّا بعد شاهد،و ليس بواضح.

و لو صحّ الجمع من دونه لكان ما عليه الحلبي و ابن زهرة في غاية القوة؛ عملاً بروايتهما المفصّلة بين كون الركوب عبثاً فما في المقنعة، و كونه بأُجرة فما في النهاية،و روايتها و إن كانت مطلقة بتنصيف الدية إلّا أنّها محمولة على الصورة الثانية حمل المطلق على المقيد،فتأمّل ،هذا.

مع أنّ الوجوه المزبورة لا تفيد الحكم في شقوق المسألة كلية،و إنّما غايتها إفادته في صورة العلم بحال الناخسة و المنخوسة،و أمّا صورة الجهل بها فليست لحكمها مفيدة.

فالمسألة محل تردد و شبهة،و إن كان مختار الحلّي في الصورة الاُولى لا يخلو عن قوّة؛ لإمكان الذبّ عن الروايات المشهورة بأنّها قضية في واقعة فيحتمل اختصاصها بالصورة الثانية،و المختار فيها خيرة المفيد و من تبعه؛ للأُصول المتقدمة؛ مضافاً إلى أصالة البراءة.

و إذا اشترك في هدم الحائط ثلاثة فوقع على أحدهم فمات،ضمن الآخران الباقيان الدية على رواية أبي بصير (2)المروية في الكتب الثلاثة بأسانيد متعدّدة عن علي بن أبي حمزة عنه،و هو ضعيف بلا شبهة

ص:391


1- التنقيح الرائع 4:474.
2- الكافي 7:8/284،الفقيه 4:410/118،التهذيب 10:958/241،الوسائل 29:236 أبواب موجبات الضمان ب 3 ح 1.

و لأجله تحقّق في الرواية ضعف و إن روى عنه في بعض طرقها (1)ابن أبي عمير مع صحة الطريق إليه؛ لعدم بلوغها بذلك درجة الصحة، هذا.

مضافاً إلى ما فيها من المخالفة للأُصول الآتية،و مع ذلك شاذّة لا عامل بها صريحاً.

نعم رواها الشيخ في النهاية و الصدوق في الفقيه و المقنع (2)، و ظاهرهما و إن كان العمل بها إلّا أنّ الأوّل قد رجع عنها في المبسوط كما حكاه عنه الحلّي (3)،فانحصر العامل بها في الصدوق،و هو نادر قطعاً.

و الأشبه وفاقاً للحلّي (4)و عامّة المتأخّرين أن يضمن كل واحد ثلثاً من دية الميت و يسقط ثلث لمساعدة التالف لهما و شركته في تلف نفسه معهما،فيسقط ما قابل فعله،و إلّا لزم أن يضمن الشريك في الجناية جناية شريكه،و هو باطل قطعاً،قال تعالى وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [1] (5)و يمكن حمل الرواية عليه؛ لعدم التصريح فيها بأنّ عليهما الدية كملاً،فإنّ متنها هكذا:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في حائط اشترك في هدمه ثلاثة نفر فوقع على واحد منهم فمات،فضمّن الباقيين ديته؛ لأنّ كل واحد منهما ضامن لصاحبه» (6).

ص:392


1- الفقيه 4:410/118.
2- النهاية:764،الفقيه 4:118،المقنع،لم نعثر عليها فيه لكن حكاه عنه في المختلف:798.
3- السرائر 3:377،و هو في المبسوط 7:166.
4- السرائر 3:377.
5- فاطر:18.
6- راجع ص 389.

و«ديته» و إن كان ظاهراً في كمالها إلّا أنّه ليس صريحاً فيه،فيحتمل ما ذكرناه من إرادة ثلثيها.

و من اللواحق مسائل
الأولى من دعا غيره فأخرجه من منزله ليلاً ضمنه

و من اللواحق لهذا الباب مسائل أربع:

الاُولى: من دعا غيره بالتماسه فأخرجه من منزله ليلاً ضمنه حتى يرجع المدعوّ إليه أي إلى منزله،بلا خلاف فيه في الجملة،بل عليه الوفاق كذلك في الروضة (1)و كلام جماعة (2)،و ادّعى الإجماع عليه مطلقاً ابن زهرة في الغنية و عن الماتن في نكت النهاية (3)،و هو الحجة.

مضافا إلى الخبرين،في أحدهما:«قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):كلّ من طرق رجلاً بالليل فأخرجه من منزله فهو له ضامن إلّا أن يقيم البيّنة أنّه قد ردّه إلى منزله» (4).

و في الثاني:«إذا دعا الرجل أخاه بالليل فهو ضامن له حتى يرجع إلى بيته» (5).

و هما و إن ضعفا و خالفا الأصل المجمع عليه على الظاهر،المصرّح به في التنقيح (6)من أنّ الحرّ الكامل لا يضمن ما لم يثبت الجناية عليه،إلّا أنّهما منجبران بفتوى الطائفة و الإجماعات المحكية.

و عليه فلو لم يرجع و لم يعلم خبره بموت و لا حياة ضمن الداعي

ص:393


1- الروضة 10:122.
2- المهذّب البارع 5:274،انظر مجمع الفائدة 14:251.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):620،نكت النهاية 3:409.
4- الكافي 7:3/287،الفقيه 4:279/86،التهذيب 10:868/221،الوسائل 29:51 أبواب القصاص في النفس ب 18 ح 1.
5- التهذيب 10:869/222،الوسائل 29:274 أبواب موجبات الضمان ب 36 ح 1.
6- التنقيح الرائع 4:476.

ديته في ماله دون عاقلته،بلا خلاف كما في التنقيح و شرح الشرائع للصيمري (1)،و لم يذكره هنا أحد من الطائفة،كما صرّح به المقدّس الأردبيلي (2)-(رحمه اللّه) و هو كذلك،فإنّ عبائر المتقدّمين و المتأخّرين ممّن وقفت على كلامه متفقة الدلالة على ضمان الدية في هذه الصورة،إطلاقاً في بعض،و تصريحاً في جملة.

نعم يستفاد من اللمعة عدم الضمان مطلقاً هنا،و علّله في الروضة (3)بأصالة البراءة منه ديةً و نفساً حتى يتحقق سببه،و هو في غير حالة القتل مشكوك فيه.

و فيه نظر؛ فإنّ سبب الضمان هنا نصّاً و فتوى إنّما هو إخراجه من بيته،و ليس المخرَج عنه فيهما سوى عوده إليه حيّاً،و لا يشترط في صدق الضمان تحقّق تلفه،بل يكفي فيه صدق ضياعه و عدم العلم بخبره، فضياعه كتلفه،و ضمانه حينئذٍ كضمان المال الضائع بعينه،هذا.

مع أنّ عدم الخلاف الظاهر المحكي في تلك العبائر كافٍ في ردّه.

و لو وجد مقتولاً فإن أقرّ الداعي بقتله أو أُقيمت البيّنة عليه به أُقيد به،بلا خلاف فيه و في أنّه ادّعى قتله على غيره و أقام به عليه البيّنة و في معناها الإقرار و نحوه صرف عنه الضمان إلى ذلك الغير.

و لو عدم البيّنة منه عليه أو لم يدّع القتل على أحد ففي القود من الداعي أو إلزامه بالدية تردّد و اختلاف بين الأصحاب، و لكن أشبهه و أشهره على الظاهر،المصرَّح به في عبائر جماعة (4) أنّه

ص:394


1- التنقيح الرائع 4:476،غاية المرام 4:428.
2- مجمع الفائدة و البرهان 14:251.
3- الروضة 10:123.
4- قال في كشف الرموز 2:642:فعليه الدية على الأظهر من أقوال الأصحاب،و نسبه في غاية المرام 4:429 إلى الأكثر.

لا قود للأصل،مع حصول الشك في موجب القصاص؛ لصدق الضمان المحكوم به في الفتوى و النص بضمان الدية التي هي بدل النفس كصدقه بالقود،و حيث لا معيِّن لهذا تعيّن الأوّل قطعاً؛ للشبهة الدارئة،هذا.

مع احتمال تعيينه من وجه آخر،و هو الاتفاق على أنّ المراد من الضمان المذكور فيهما بالنسبة إلى الصورة السابقة و الآتية إن قلنا به فيها هو ضمان الدية،فليكن هو المراد منه أيضاً بالنسبة إلى هذه الصورة،إمّا (1)لاتحاد اللفظة المفيدة للحكم في الصور الثلاثة،أو (2)إلحاقاً للأقلّ بالأكثر، فتأمّل ،هذا.

مضافاً إلى تصريح ابن زهرة (3)بضمان الدية في عبارته المحكي فيها على الحكم مطلقاً إجماع الإمامية،و هو خيرة النهاية و الحلّي (4)،مصرِّحين بأنّه عليه رواية،بل روايات كما في كلام الأخير،لكنّه و الفاضل في المختلف و شيخنا في المسالك و الروضة (5)خصّوا ذلك بصورة عدم اللوث و التهمة،و قالوا في صورتها بالقسامة فيلزم بموجب ما أقسم عليه الوليّ من عمد أو خطأ أو شبهه،و مع عدم قسامته يُقسم المُخرِج و لا دية.

و هو تقييد للنصّ و الفتوى من غير دلالة،مع احتمال دعوى ظهورهما بحكم الغلبة في صورة اللوث خاصّة،و أنّه لأجله حكم فيهما بالضمان قوداً أو ديةً كلّيّة؛ حسماً لمادّة الفساد،فتأمّل جدّاً .

و عموم أدلّة القسامة باللوث و إن شمل هذه الصورة إلّا أنّه لا بُعد في تخصيصها و إخراج هذه الصورة منها بالأدلّة في المسألة،كما خصّصت من

ص:395


1- ليست في«س».
2- في«س»:و.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
4- النهاية:757،السرائر 3:364.
5- المختلف:798،المسالك 2:493،الروضة 10:126.

الأُصول بعدم ضمان الحرّ و أُخرجت منها بلا شبهة،فهذا القول ضعيف.

و أضعف منه القول بالقود هنا إمّا مطلقا،كما عن المفيد-(رحمه اللّه) في الإرشاد (1)،أو إذا لم يدّع البراءة من قتله،كما عن ابن حمزة و الديلمي (2)، لكنّه خيّر أولياء المقتول بينه و بين أخذ الدية،و لعلّ حجته العمل بإطلاق الضمان الصادق بهما كما مضى.

لكنه يدفعه ما قدّمناه،مع أنّ ذلك على تقدير تسليمه لم يدل على التفصيل بين دعوى البراءة فالدية،و عدمها فالقود مخيّراً أو معيّناً،كما ذكره هو و من قبله.

و أمّا المفيد-(رحمه اللّه) فلعلّه استند إلى ظاهر الرواية الأُولى المتضمن صدرها لقضاء مولانا الصادق(عليه السّلام)في مثل هذه القضية بالقود،فقال:

«يا غلام نحّ هذا فاضرب عنقه» إلى آخر القضية (3).

لكن يمكن الجواب عنها بعد ضعف سندها،و عدم جابر له هنا بأنّه لعلّه لمصلحة التقرير و إيضاح الأمر كما ربما يشعر به سياقه،و مع ذلك فظاهره على تقدير التسليم الضمان بالقود مطلقاً حتى في الصورة السابقة و الآتية،و لم يقل به قطعاً.

و على المختار يكون عليه في ماله الدية قولاً واحداً؛ لعموم النص و الفتوى بالضمان الصادق بضمانها كما عرفته.

و لو وجد ميتاً و لم يوجد فيه أثر قتل أصلاً لا قود،إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في التنقيح (4).

ص:396


1- الإرشاد 2:224.
2- الوسيلة:454،المراسم:241.
3- الكافي 7:3/287،الفقيه 4:279/86،التهذيب 10:868/221،الوسائل 29:51 أبواب القصاص في النفس ب 18 ح 1.
4- التنقيح الرائع 4:476.

لكن في لزوم الدية عليه قولان،أشبههما و أشهرهما،على الظاهر،المصرَّح به في عبائر (1) اللزوم لعموم الخبرين المنجبرين بما مرّ،و لئلاّ يطلّ دم امرئ مسلم،مضافاً إلى إطلاق الإجماع المنقول،و ما في السرائر (2)من أنّ به رواية.

خلافاً للفاضلين في الشرائع و التحرير و شيخنا في المسالك و الروضة (3)،فلا شيء عليه مطلقاً؛ للأصل.و يضعّف بما مرّ.

و للحلّي (4)،ففصّل بين صورتي عدم اللوث فكما قالا،و ثبوته فالقسامة،و يلزم بموجب ما يقسم عليه الوليّ من عمد فقود،و غيره فدية، و نحوه الفاضل في المختلف (5)،إلّا أنّه أثبت مع القسامة الدية مطلقاً.

و هما ضعيفان يظهر ضعفهما ممّا مضى،مضافاً إلى ضعف الأخير من وجه آخر لو ابقي على إطلاقه بحيث يشمل ما لو كان المقسم عليه عمداً كما لا يخفى.

و قد تردّد الفاضل في الإرشاد و القواعد و الشهيد في اللمعة (6).

و لا وجه له.

و للمسألة فروعات جليلة تطلب من الروضة (7)،فإنّ ما حقّق فيها و أفاده في غاية الجودة (8).

ص:397


1- قال في غاية المرام 4:429:و هو المشهور بين الأصحاب.
2- السرائر 3:364.
3- الشرائع 4:252،التحرير 2:263،المسالك 2:493،الروضة 10:125.
4- السرائر 3:364.
5- المختلف:798.
6- الإرشاد 2:224،القواعد 2:314،اللمعة(الروضة البهية 10):123.
7- الروضة 10:128 130.
8- في«ح»:القوّة.
الثانية لو عادت الظئر بالطفل

الثانية: لو عادت (1)الظئر بالطفل الذي ائتمنت على إرضاعه في بيتها فأنكره أهله أنّه طفلهم صدّقت الظئر؛ لأنّها أمينة ما لم يثبت كذبها،و تلزمها مع ثبوته الدية،أو إحضاره،أو إحضار من يحتمل أنّه هو لأنّها لا تدّعي موته و قد تسلّمته فتكون في ضمانها،و لو ادّعت الموت فلا ضمان.

و حيث تحضر من يحتمله يقبل و إن كذبت سابقاً؛ لأنّها أمينة لم يعلم كذبها ثانياً.

و لو استأجرت أُخرى لإرضاعه و دفعته إليها بغير إذن أهله فجهلت خبره ضمنت الدية و لا خلاف في شيء من ذلك أجده،و هو الحجّة.

مضافاً إلى ما مرّ،و الصحيح في الأوّل:عن رجل استأجر ظئراً فدفع إليها[ولده (2)]فغابت بالولد سنين ثم جاءت بالولد و زعمت أمّه أنّها لا تعرفه و زعم أهلها أنّهم لا يعرفونه،قال:«ليس لهم ذلك فليقبلوه فإنّما الظئر مأمونة» (3).

و مثله في الأخير:عن رجل استأجر ظئراً فأعطاها ولده فكان عندها، فانطلقت الظئر فاستأجرت اخرى فغابت الظئر بالولد فلا تدري ما صنع به؟ قال:«الدية كاملة» (4).

و هل يعتبر اليمين حيث يقبل قولها كما في كلّ أمين،أم لا؟إطلاق

ص:398


1- في النسخ:أعادت،و ما أثبتناه من المختصر المطبوع هو الأنسب.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.
3- الفقيه 4:416/119،التهذيب 10:870/222،الوسائل 29:266 أبواب موجبات الضمان ب 29 ح 2.
4- الفقيه 4:413/119،414،التهذيب 10:871/222،الوسائل 29:267 أبواب موجبات الضمان ب 29 ح 3.

النص و الفتوى يقتضي الثاني،و بالأوّل صرّح بعض الأصحاب (1)،و هو أحوط،و يمكن تنزيل إطلاقهما عليه.

الثالثة لو دخل لصّ فجمع متاعاً و وطئ صاحبة المنزل قهراً

الثالثة: لو دخل لصّ منزلاً فجمع متاعاً و وطئ صاحبة المنزل قهراً فثار ولدها فقتله اللصّ ثم قتلته المرأة ذهب دمه أي اللص هدراً باطلاً لا عوض له و ضمن مواليه و ورثته دية الغلام الذي قتله و كان لها أربعة آلاف درهم من تركته عوضاً عن البضع لمكابرتها على فرجها فليست بغيّاً.

و لمّا كانت هذه الجملة بإطلاقها مخالفة للأُصول القطعية كما صرّح به الحلّي و غيره (2)نسبها الماتن إلى الرواية فقال: و هي رواية محمّد بن حفص،عن عبد اللّه بن طلحة،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام) (3) و كذا باقي الأصحاب.

لكنّها محتملة للانطباق مع الأُصول كما ذكروه،فوجّهوا الأوّل:بأنّه محارب يقتل إذا لم يندفع إلّا به.

و الثاني:بفوات محلّ القصاص فيضمن الورثة دية الغلام إذا لم يكن للّص تركة كما مرّ.

و الثالث:بحمل المقدّر من الدراهم على أنّه كان مهر أمثالها،بناءً على أنّه لا يتقدّر بالسنّة؛ لأنّه جناية يغلب فيه جانب الماليّة،و بهذا التنزيل لا تنافي الأُصول،لكن لا يتعيّن ما قدّر فيها من عوض البضع إلّا في الفرض المزبور.

و لو فرض قتل المرأة اللصّ قصاصاً عن ولدها،أو أسقطنا الحقّ بفوات

ص:399


1- هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:483.
2- السرائر 3:362؛ و انظر المسالك 2:493،و مجمع الفائدة 14:256.
3- الكافي 7:12/293،الوسائل 29:62 أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 2.

محل القصاص،سقط غرم الأولياء؛ و لو قتلته لا قصاصاً و لا دفاعاً اقيدت به، و ذلك لما مرّ،مع ضعف إسنادها بجهالة الراويين،و كونها قضية في واقعة محتملة لما تنطبق به مع الأُصول.

و عنه (عليه السّلام)بالطريق السابق في امرأة أدخلت الحجلة صديقاً لها ليلة بنائها و زفافها،فلمّا ذهب الرجل يباضع أهله ثار الصديق فاقتتل هو و زوجها في البيت فقتله الزوج لما وجده عندها فقتلت المرأة الزوج قال: ضمنت المرأة دية الصديق و قتلت بالزوج (1) و لا إشكال في هذا،و إنما هو في سابقه؛ فإنّ الصديق إمّا كان يستحق القتل لقصده قتل الزوج(أو بهجمه عليه) (2)و محاربته معه مع عدم اندفاعه إلّا بالقتل،أولا،فإن كان الأوّل لم تستحق الدية،و إن كان الثاني ضمنها الزوج لا المرأة.

و الوجه أنّ دم الصديق هدر في الشق الأوّل،كما هو ظاهر الخبر؛ و لذا أطلق الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في التحرير و ولده في شرحه و الصيمري و الفاضل المقداد في الشرح (3)و غيرهم (4)،وفاقاً منهم للحلّي (5)؛ لما مرّ،و مقتضاه عدم الفرق بين علم الصديق بالحال و عدمه.

خلافاً للّمعة (6)،فقيّده بالثاني.و لم أعرف وجهه.

ص:400


1- الفقيه 4:426/122،الوسائل 29:258 أبواب موجبات الضمان ب 21 ح 1.
2- ما بين القوسين ليس في«ب» و«س».
3- الشرائع 4:253،التحرير 2:264،إيضاح الفوائد 4:661،غاية المرام 4:430،التنقيح الرائع 4:480.
4- مجمع الفائدة 14:257.
5- السرائر 3:363.
6- اللمعة(الروضة البهية 10):141.

و ظاهر شيخنا الشهيد الثاني-(رحمه اللّه) المناقشة لهم في الحكم،فقال بعد تعليله له بأنّ للزوج قتل من يجد في داره للزناء فسقط القود عن الزوج-:و يشكل بأنّ دخوله أعمّ من قصد الزناء،و لو سلّم منعنا الحكم بجواز قتل مريده مطلقاً (1)،انتهى.

و هو حسن لو كان الدليل منحصراً فيما ذكره،و قد عرفت وجود غيره،و هو كونه متهجّماً على الزوج و محارباً معه،و دمه هدر حينئذٍ اتفاقاً فتوًى و روايةً،فالأصحّ ما ذكره الجماعة؛ لما عرفته.

مع ضعف الرواية،و كونها قضية في واقعة،فلعلّه(عليه السّلام)علم بموجب ما حكم به من ضمان الدية،و ربما يوجّه تارةً بأنّها غرّته،و أُخرى بأنّها أخرجته من بيته ليلاً.

الرابعة لو شرب أربعة فسكروا فوجد جريحان و قتيلان

الرابعة: لو شرب أربعة مسكراً فسكروا فوجد بينهم جريحان و قتيلان،ففي رواية محمّد بن قيس:أنّ علياً(عليه السّلام)قضى بدية المقتولين على المجروحين بعد أن أسقط جراحة المجروحين أي دية جراحتهما من الدية و قال عليه السلام:«إن مات أحد المجروحين فليس على أحد من أولياء المقتولين شيء» (2).

و في رواية النوفلي،عن السكوني(عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)) (3)أنّه قضى في(نحو) (4)هذه القضية ف جعل دية المقتولين على قبائل الأربعة و أخذ دية المجروحين من دية المقتولين (5)

ص:401


1- الروضة 10:141.
2- الكافي 7:5/284،التهذيب 10:956/240،الوسائل 29:233 أبواب موجبات الضمان ب 1 ح 1.
3- ما بين القوسين ليس في«ب» و«س» و«ن».
4- ما بين القوسين ليس في«ب» و«س» و«ن».
5- الفقيه 4:280/87،التهذيب 10:955/240،إرشاد المفيد 1:219،المقنعة:750،الوسائل 29:233 أبواب موجبات الضمان ب 1 ح 2.

و الرواية الأُولى مشهورة بين الأصحاب،كما صرّح به جماعة و منهم الفاضل المقداد في التنقيح،قال:حتى أنّ ابن الجنيد قال:لو تجارح اثنان فقتل أحدهما قُضي بالدية على الباقي و وضع منها أرش الجناية (1).

و مع ذلك صحيحة؛ لكون الراوي هو الثقة بقرينة ما قبله و ما بعده، و بذلك صرّح من المحقّقين جماعة (2)،لكنّها مخالفة للأُصول،إمّا لعدم استلزام الاجتماع المذكور و الاقتتال كون القاتل هو المجروح و بالعكس،أو لما ذكره الشهيد من أنّه إذا حكم بأنّ المجروحين قاتلان فلِمَ لا يستعدي منهما،و أنّ إطلاق الحكم بأخذ دية الجرح و إهدار الدية لو ماتا لا يتم أيضاً،و كذا الحكم بوجوب الدية في جراحتهما؛ لأنّ موجَب العمد القصاص (3).و قريب منه ما ذكره الحلّي (4).

و يمكن دفع هذا بكون القتل وقع منهما حالة السكر،فلا يوجب إلّا الدية في مال القاتل،وفاقاً لجماعة (5).و منه يظهر الجواب عن الرواية الثانية،مع ما هي عليه من قصور السند و عدم المقاومة للرواية الصحيحة المشهورة.

و يدفع الإشكال بإهدار الدية لو ماتا:بفرض الجرح غير قاتل؛ و وجوب دية الجرح لوقوعه أيضاً من السكران،أو لفوات محل القصاص، فانحصر الوجه في مخالفتها للأصل فيما ذكرنا.

ص:402


1- التنقيح الرائع 4:482.
2- منهم المجلسي في ملاذ الأخيار 16:509،و مرآة العقول 24:32،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:493.
3- غاية المراد 4:467.
4- السرائر 3:374.
5- انظر التنقيح 4:482،و الروضة 10:145.

و الوجه أنّها كالثانية قضية في واقعة لا عموم لها يعمّ جميع الصور حتى ما يخالف منها للأُصول و هو أعلم بما أوجب ذلك الحكم الذي حكم به فيها،فلعلّه كان شيئاً يوافق الحكم معه مع الأُصول.

و الشهرة بنفسها سيّما المحكية منها ليست بحجة،و مع ذلك ليس بمعلوم كونها على الفتوى،فيحتمل كونها على الرواية خاصّة،و لو سلّم فهي ليست بمحقّقة،و حكايتها موهونة؛ إذ لم نجد مفتياً بها صريحاً أصلاً، و لم يحك عن أحدٍ إلّا عن الإسكافي و القاضي (1)،و هما نادران جدّاً.

نعم رواها الكليني و الصدوق و الشيخان و ابن زهرة و غيرهم (2)من غير أن يقدحوا فيها بشيء بالكلية،و هو بمجرّده ليس صريحاً في الفتوى بها،بل و لا ظاهراً ظهوراً يعتدّ به.

و على هذا الوجه فما الذي ينبغي أن يحكم في هذه القضية؟ذكر جماعة (3)أنّها صورة لوث،فلأولياء المقتولين القسامة على المجروحين؛ لأنّ كلّ واحد من المقتولين و المجروحين يجوز أن تكون الجناية عليه مضمونة،و يجوز أن تكون مباحة بتقدير أن يكون غريمه قصد دفعه فيكون هدراً.

و هو حسن،لكنّه منحصر فيما إذا كان هناك أولياء مدّعون،و يشكل مع عدمهم،و لعلّ الأخذ بالرواية الصحيحة في هذه الصورة غير بعيد؛ لعدم أصل ظاهر يرجع إليه فيها،و يمكن تنزيلها عليها،بل لعلّها ظاهرها،فتأمّل

ص:403


1- حكاه عن ابن الجنيد في التنقيح 4:482،و عنهما في المهذّب البارع 5:283،284.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621،و راجع ص 399.
3- منهم ابن فهد الحلّي في المهذب البارع 5:283،و الصيمري في غاية المرام 4:432،و الشهيد الثاني في الروضة 10:147.

جدّاً .

و لو كان في الفرات ستّة غلمان فغرق واحد منهم فشهد اثنان منهم على الثلاثة أنّهم غرّقوه،و شهد الثلاثة على الاثنين أنّهما غرّقاه ف (1) قضى(عليه السّلام)فيهم بما في رواية النوفلي عن السكوني و رواية محمّد بن قيس جميعاً عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام) في الرواية الأُولى و عن أبي جعفر(عليه السّلام) في الرواية الثانية: أنّ عليّاً(عليه السّلام)قضى بالدية أخماساً بنسبة الشهادة فجعل ثلاثة أخماس على الاثنين و خُمسين على الثلاثة (2).

و هي و إن صحّ سندها بالطريق الثاني لكنّها مخالفة لأُصول المذهب،و الموافق لها من الحكم أنّ شهادة السابقين إن كانت مع استدعاء الوليّ و عدالتهم قبلت،ثم لا تقبل شهادة الآخرين؛ للتهمة،و إن كانت الدعوى على الجميع أو حصلت التهمة عليهم لم تقبل شهادة أحدهم، و يكون ذلك لوثاً يمكن إثباته بالقسامة.

و يذبّ عن الرواية مع كونها على ما ذكره الماتن هنا و في الشرائع (3) متروكة بما أشار إليه بقوله: فإن صحّ النقل فهو واقعة في عين فلا يتعدّى؛ لاحتمال ما يوجب الاختصاص بها.

و بالجملة:الكلام في هذه الرواية كما مضى في سابقتها،حتى في

ص:404


1- في النسخ:و،و ما أثبتناه من المختصر المطبوع هو الأنسب.
2- الكافي 7:6/284،الفقيه 4:277/86،التهذيب 10:953/239،إرشاد المفيد 1:220،المقنعة:750،الوسائل 29:235 أبواب موجبات الضمان ب 2 ح 1.
3- الشرائع 4:253.

اشتهارها روايةً و فتوى القاضي (1)بها،و ادّعى السيّدان (2)شهرتها بحيث يظهر منهما الاعتماد عليها،فليت شعري؟!كيف ادّعى الماتن متروكيّتها مع مساواتها في جميع ذلك لسابقتها،بل لعلّها أقوى منها؛ لاختلافها دون هذه؛ لعدم اختلاف فيها،فلا بُعد في العمل بها حيث لأقسامه و لا قبول شهادة،مع تأمّل ما فيه أيضاً.

و اعلم أنّ عادة الأصحاب جرت بحكاية هذه الأحكام هنا منسوبة إلى الرواية؛ نظراً إلى مخالفتها الأُصول،و احتياجها أو بعضها في الردّ إليها إلى التأويل أو التقييد،أو للتنبيه على مأخذ الحكم المخالف لها،و قد يزيد (3)بعضهم التنبيه على ضعف المستند أو غيره تحقيقاً (4)لعذر اطراحها.

البحث الثاني في التسبيب

البحث الثاني:في التسبيب و هو في الجملة موجب للضمان،بلا خلاف أجده؛ للاعتبار المؤيد بحديث نفي الضرار؛ مضافاً إلى خصوص النصوص المستفيضة الآتية في المضمار.

و ضابطه:ما لولاه لما حصل التلف،لكن علّته غير السبب كحفر البئر و ما في معناها و نصب السكين و نحوه و طرح المعاثر من نحو قشور البطيخ و المزالق كرشّ الماء و نحوه في الطرق مثلاً و إلقاء الحجر و نحوه فيها ف إنّ التلف لم يحصل من شيء منها،بل من

ص:405


1- المهذّب 2:499.
2- الانتصار:250،الغنية(الجوامع الفقهية):625.
3- في«ح»:يريد.
4- في«ب»:تخفيفاً.

العثار المسبّب عنها،و ليس الضمان فيها كلّياً،بل على تفصيل ذكره الماتن و غيره من أصحابنا (1).

و هو أنّه إن كان إحداث شيء من ذلك في ملكه لم يضمن التالف بها فيه إمّا مطلقاً،كما يقتضيه الأصل و إطلاق النصوص الآتية و العبارة و نحوها.

أو مقيّداً بما إذا لم يتضمن غروراً،و إلّا فيضمن،كما لو جهل الداخل بإذنه لكونه أعمى،أو كون ذلك مستوراً،أو الموضع مظلماً،أو نحو ذلك.

و لعلّه أظهر،وفاقاً لجمع ممّن تأخّر (2)؛ عملاً بأدلّة نفي الضرر؛ و قدحاً في دلالة الإطلاقات بقوة احتمال اختصاصها بحكم التبادر بغير محل الفرض.

و ربما يشعر به الخبر:«لو أنّ رجلاً حفر بئراً في داره ثم دخل رجل فوقع فيها لم يكن عليه شيء و لا ضمان،و لكن ليغطّها» (3).

و ألحق جماعة (4)بالملك المكان المباح؛ لإباحة التصرف فيه، فلا عدوان يوجب ضمان ما يتلف فيه و يقتضيه.

و هو حسن لولا ما سيأتي من إطلاق الأخبار بالضمان بالإحداث فيما لا يملكه،بل عمومها الشامل لما نحن فيه،إلّا أن يذبّ عنه بنحو مما ذبّ عن سابقه.

ص:406


1- كالفاضل المقداد في التنقيح 4:486،و الشهيد الثاني في الروضة 10:151.
2- انظر الإيضاح 4:668،و المسالك 2:494،و كشف اللثام 2:489.
3- الكافي 7:6/350،التهذيب 10:906/230،الوسائل 29:242 أبواب موجبات الضمان ب 8 ح 4.
4- منهم المفيد في المقنعة:749،الحلّي في السرائر 3:370،و الشهيد الثاني في المسالك 2:494.

و لو كان في غير ملكه أو كان في طريق مسلوك ضمن ديته إمّا مطلقاً،كما يقتضيه إطلاق العبارة و نحوها و النصوص الآتية أو مقيّداً في الأوّل:بوقوع الإحداث فيه من غير إذن المالك،و أمّا معه و لو بعده (1)فكوقوعه في ملكه.

و في الثاني:بعدم كون الإحداث لمصلحة المسلمين،و أمّا معه فلا ضمان،كما ذكره جماعة (2)،و إن اختلفوا في نفي الضمان مع الإحداث للمصلحة هل هو مطلق،أو مشروط بما إذا كان بإذن الإمام؟ و لعلّه غير بعيد؛ لإلحاق إذن المالك للمُحدِث بالحدث ملكَه بملِكه في عدم العدوان الذي هو الأصل في شرعية الضمان بالإتلاف حيث لا دليل على العموم،كما فيما نحن فيه؛ لعدم عموم فيه سوى الإطلاق الممكن أن يذبّ عنه بما ذبّ به في سابقه.

و بنحوه يجاب عن نفي الضمان في الإحداث مع المصلحة؛ مضافاً إلى أنّه محسن و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [1] .

و الأصل في هذه المسائل مضافاً إلى ما عرفته المعتبرة المستفيضة،منها زيادةً على ما مرّ و ما سيأتي الصحاح:«من أضر بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن» (3).

و الموثّقان:عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه؟فقال:«أمّا ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان،و أمّا ما حفر في الطريق أو في غير

ص:407


1- ما بين المعترضتين ليس في«ب».
2- منهم العلّامة في التحرير 2:264،و الشهيد الثاني في الروضة 10:151،و المسالك 2:494.
3- الكافي 7:3/350،الفقيه 4:395/115،التهذيب 10:905/230،911/231،الوسائل 29:241 أبواب موجبات الضمان ب 8 ح 2.

ما يملك فهو ضامن لما يسقط فيه» (1).

و الحسن:«كل من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان» (2).

و أمّا الموثّق:عن غلام دخل دار قوم يلعب فوقع في بئرهم،هل يضمنون؟قال:«ليس يضمنون،فإن كانوا متّهمين ضمنوا» (3)و نحوه المرفوع:«إن كانوا متهمين ضمنوا» (4)فمحمول على وقوع القسامة.

و منه أي من التسبيب نصب الميازيب،و هو جائز إلى الطرق النافذة إجماعاً كما في كلام جماعة (5)حدّ الاستفاضة،و لكن عن ابن حمزة (6)أنّه للمسلمين المنع عنه،و يمكن تخصيصه بالمضرّ،فلا خلاف كما ذكروه.

و لكن في ضمان ما يتلف به قولان،أحدهما: أنّه لا يضمن إلّا مع التفريط في نصبه،كأن يثبت على غير عادة أمثاله و هو الأشبه وفاقاً للمفيد و الحلّي و جماعة (7)؛ للإذن في نصبها شرعاً،

ص:408


1- الكافي 7:1/349،الفقيه 4:390/114،التهذيب 10:903/229،904،الوسائل 29:241 أبواب موجبات الضمان ب 8 ح 3.
2- الكافي 7:7/350،التهذيب 10:907/230،الوسائل 29:241 أبواب موجبات الضمان ب 8 ح 1.
3- الفقيه 4:394/115،التهذيب 10:840/212،الوسائل 29:255 أبواب موجبات الضمان ب 18 ح 1.
4- الكافي 7:13/374،الوسائل 29:255 أبواب موجبات الضمان ب 18 ح 2.
5- منهم الحلّي في السرائر 3:371،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:485،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:487.
6- الوسيلة:426.
7- المفيد في المقنعة:749،الحلّي في السرائر 3:370،الشهيد في اللمعة(الروضة 10):154،الفاضل المقداد في التنقيح 4:486،الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:269.

فلا يستعقب ضماناً؛ و لأصالة البراءة.

و قال آخرون،و منهم الشيخ في المبسوط و الخلاف (1)، مدّعياً فيه عليه إجماع الأُمّة:إنّه يضمن و إن جاز وضعه؛ لأنّه سبب الإتلاف و إن أُبيح السبب كالطبيب و البيطار و المؤدِّب،و للنصوص و هي كثيرة،و إن اختلفت في الدلالة ظهوراً و صراحةً،ففي الصحاح المتقدمة و رواية (2) النوفلي عن السكوني قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):«من أخرج ميزاباً،أو كنيفاً،أو أوتد وتداً،أو أوثق دابّة،أو حفر شيئاً في طريق المسلمين فأصاب شيئاً فعطب فهو له ضامن» (3).

و للنظر في هذه الأدلّة مجال؛ لعدم الدليل على الضمان بمطلق الإتلاف حتى ما أبيح سببه،و الطبيب و البيطار خارجان بالنص المعتمد عليه،و ليس في محل البحث؛ لقصور دلالة الروايات الصحيحة،و عدم صحة سند الرواية الأخيرة،و لا جابر لها من شهرة أو غيرها سوى حكاية إجماع الأمّة،و هي موهونة بلا شبهة،سيّما مع مخالفة نحو المفيد بل الناقل نفسه أيضاً في النهاية،حيث قال:فإن أحدث في الطريق ماله إحداثه لم يكن عليه شيء (4).و هو ممّن قد ادّعى الإجماع في المبسوط على جواز نصب الميزاب.

و بالجملة:الخروج عن أصالة البراءة القطعية بهذه الأدلّة جرأة عظيمة،و لكن المسألة بعد لا تخلو عن شبهة،فهي محل تردّد،كما هو

ص:409


1- المبسوط 7:189،الخلاف 5:291.
2- في المختصر المطبوع:و هو رواية.
3- الكافي 7:8/350،الفقيه 4:392/114،التهذيب 10:908/230،الوسائل 29:245 أبواب موجبات الضمان ب 11 ح 1.
4- النهاية:761.

ظاهر الفاضل في التحرير و شيخنا في المسالك و الروضة و غيرهم (1)،حيث اقتصروا على نقل القولين مع ذكر ثالث احتمالاً في الأوّل و قولاً لجماعة في الأخير،و هو الحكم بالضمان مطلقاً إن كان الساقط الخارج منه عن الحائط؛ لأنّ وضعه في الطريق مشروط بعدم الإضرار،كالروشن و الساباط،و بضمان النصف إن كان الساقط الجميع؛ لحصول التلف بأمرين أحدهما غير مضمون؛ لأنّ ما في الحائط منه بمنزلة أجزائه،و هو لا يوجب ضماناً حيث لا تقصير في حفظها.و أصل هذا التفصيل من المبسوط (2)،و تبعه في القواعد و ولده في شرحه و غيرهما (3)مفتين به.

و كذا القول في الجناح و الروشن لا يضمن ما يتلف بسببهما إلّا مع التفريط؛ لما ذكرنا.

و اعلم أنّ هذا كلّه في الطرق النافذة،أمّا المرفوعة فلا يجوز فعل ذلك فيها إلّا بإذن أربابها أجمع؛ لأنّها ملك لهم،و إن كان الواضع أحدهم فبدون الإذن يضمن مطلقاً إلّا القدر الداخل في ملكه؛ لأنّه سائغ لا يتعقّبه ضمان.

و لو هجمت دابة على اخرى ضمن صاحب الداخلة جنايتها، و لم يضمن صاحب المدخول عليها بلا خلاف في الأخير مطلقا؛ للأصل و ما سيأتي من النص.

و أمّا الأوّل:فقد أطلقه الشيخ و القاضي (4)أيضاً،بل نسبه في

ص:410


1- التحرير 2:265،المسالك 2:496،الروضة 10:154،المهذّب البارع 5:288،289.
2- المبسوط 7:188.
3- القواعد 2:315،الإيضاح 4:665،كشف اللثام 2:487.
4- النهاية:762،المهذّب 2:497.

المسالك و الروضة (1)بعد الشيخ إلى جماعة؛ لإطلاق النص بذلك في قضاء علي(عليه السّلام)في جناية ثور على حمار:«فقال:إن كان الثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور،و إن كان الحمار قد دخل على الثور في مراحه فلا ضمان عليهم» (2)و نحوه آخر في هذه الواقعة (3)لكن مع اختلافات يسيرة.

و ضعف سندهما يمنع عن العمل بهما،مع مخالفة إطلاقهما الأصل و القاعدة،و كونهما قضية في واقعة.

و الوجه وفاقاً للمتأخّرين كافّة اعتبار التفريط في جناية الدابّة الاُولى فلو لم يفرّط في حفظها بأن انفلتت من الإصطبل الموثق،أو حلّها غيره،فلا ضمان عليه؛ للأصل،و عدم تقصير يوجب الضمان.

مضافاً إلى فحوى المرسل:«بعث رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عليّاً(عليه السّلام)إلى اليمن فأفلت فرس لرجل من أهل اليمن و مرّ يعدو،فمرّ برجل فنفحه (4)برجله فقتله،فجاء أولياء المقتول إلى الرجل فأخذوه فرفعوه إلى علي(عليه السّلام)،فأقام صاحب الفرس البيّنة عند عليّ(عليه السّلام)أنّ فرسه أفلت من داره فنفح (5)الرجل،فأبطل علي(عليه السّلام)دم صاحبهم» الحديث (6).

ص:411


1- المسالك 2:496،الروضة 10:159.
2- الكافي 7:6/352،التهذيب 10:901/229،الوسائل 29:256 أبواب موجبات الضمان ب 19 ح 1.
3- الكافي 7:7/352،التهذيب 10:902/229،إرشاد المفيد 1:197،الوسائل 29:256 أبواب موجبات الضمان ب 19 ح 2.
4- في«ب»:فعجّه،و في غيرها من النسخ:فبعجه،و ما أثبتناه من المصادر هو الأنسب.النفح هو الضرب و الرمي.النهاية الأثيرية 5:89.
5- في النسخ:و بعج،و ما أثبتناه من المصادر هو الأنسب.
6- الكافي 7:8/352،التهذيب 10:900/228،أمالي الصدوق:7/285،الوسائل 29:257 أبواب موجبات الضمان ب 20 ح 1.

و ضعف السند مجبور بما مر،و يمكن تنزيل الخبرين على هذا ، و كذا كلام القائل بهما،سيّما مع أنّه ذكر في النهاية ما يوافقه،فقال:إذا اغتلم البعير على صاحبه وجب عليه حبسه و حفظه،فإن جنى قبل أن يعلم به لم يكن عليه شيء،فإن علم به و فرّط في حفظه كان ضامناً لجميع ما يصيبه من قتل نفس و غيرها (1)،إلى آخر ما قال.

و هو كما ترى ظاهر فيما ذكرناه،بل بإطلاقه يشمل محل البحث، فليس بمخالف لما عليه أصحابنا.

و لو دخل أحد داراً لغيره فعقره كلبها ضمن أهلها إن دخل بإذنهم،و إلّا يدخلها بإذنهم فلا ضمان عليهم،بغير خلاف ظاهر مستفاد من كثير من العبائر (2)،بل عن ظاهر المبسوط (3)الإجماع عليه، و هو الحجة؛ مضافاً إلى النصوص الكثيرة،و فيها القويّ و غيره.

و إطلاقها كالفتاوي يقتضي عدم الفرق في الكلب بين كونه حاضراً في الدار و عدمه،و لا بين علمهم بكونه يعقر الداخل و عدمه.

و لو أذن بعض من في الدار دون بعض فإن كان ممّن يجوز الدخول بإذنه اختصّ الضمان به،و إلّا فكما لو لم يأذن إن لم يتضمّن إذنه تغريراً للداخل،و إلّا فيضمن مع جهله بحال الآذن و أنّه ممّن لا يجوز الدخول بإذنه.

و لو اختلفا في الإذن قدّم المنكر؛ للأصل.

و يضمن راكب الدابّة ما تجنيه بيديها دون رجليها و كذا القائد

ص:412


1- النهاية:761.
2- مجمع الفائدة 14:264،المفاتيح 2:116،كشف اللثام 2:488.
3- المبسوط 8:80.

لها يضمن ما تجنيه باليدين خاصّة،هذا إذا سارا بها و أما لو وقف أحدهما بها ضمن كل منهما جنايتها مطلقا و لو برجليها،و كذا لو ضربها أحدهما فجنت ضمنا جنايتها مطلقاً و لو ضربها غيرهما ضمن الضارب مطلقا و كذا السائق لها يضمن جنايتها مطلقا.

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل عليه الإجماع في الغنية و شرح الشرائع للصيمري (1)،لكن في الجملة.

و هذا التفصيل و إن لم يستفد من رواية واحدة إلّا أنّه مستفاد من الجمع بين المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيحين:عن الرجل يمرّ على طريق من طرق المسلمين فتصيب دابّته إنساناً برجلها؟قال:«ليس عليه ما أصابته برجلها،و لكن عليه ما أصابته بيدها؛ لأنّ رجلها خلفه إن ركب، فإن كان قاد بها فإنّه يملك بإذن اللّه تعالى يدها يضعها حيث يشاء» (2).

و التعليل ظاهر في أنّ الضمان حالة الركوب خاصّة،و كذا هو مع قوله في القائد:«فإنّه يملك يدها» ظاهر في اختصاص ضمانه بما تجنيه بيديها خاصّة دون رجليها.

و أظهر منهما القوي:أنّه(عليه السّلام)ضمّن القائد و السائق و الراكب،فقال:

«ما أصاب الرِّجل فعلى السائق،و ما أصاب اليد فعلى القائد و الراكب» (3).

ص:413


1- الغنية(الجوامع الفقهية):620،غاية المرام 4:436.
2- الأول:الكافي 7:3/351،الفقيه 4:397/115،التهذيب 10:888/225،الإستبصار 4:1074/284،الوسائل 29:247 أبواب موجبات الضمان ب 13 ح 3. الثاني:التهذيب 10:889/226،الإستبصار 4:1076/284،الوسائل 29:249 أبواب موجبات الضمان ب 13 ح 9.
3- الكافي 7:15/354،الفقيه 4:400/116،التهذيب 10:887/225،الإستبصار 4:1075/284،الوسائل 29:248 أبواب موجبات الضمان ب 13 ح 5.

و ظاهره في السائق و إن كان اختصاص ضمانه بما تجنيه بالرجل خاصّة بقرينة المقابلة،إلّا أنّه محمول على إرادة بيان الفرق بينه و بين الأخيرين بعدم ضمانهما ما تجنيه بالرجل،بخلافه فيضمنه أيضاً،و الشاهد عليه بعد فتوى الأصحاب التعليل المتقدم في الصحيحين للحكم بضمان ما تجنيه باليدين من كونهما قدّامه يضعهما حيث يشاء،و هو جارٍ في الرجلين أيضاً بالنسبة إلى السائق جدّاً.

مضافاً إلى صريح الخبر المنجبر ضعفه بابن سنان على المشهور بالعمل:عن رجل يمرّ على طريق من طرق المسلمين على دابته فتصيب برجلها؟قال:«ليس عليه ما أصابت برجلها،و عليه ما أصابت بيدها،و إذا وقف فعليه ما أصابت بيدها و رجلها،و إن كان يسوقها فعليه ما أصابت بيدها و رجلها» (1).

و فيه الدلالة على الضمان مع الوقوف بالدابة لما تجنيه مطلقا،و عليه يحمل إطلاق ما مرّ،مع ظهوره في حالة السير خاصّة.

و كذا يحمل عليه إطلاق ما دلّ على ضمان الراكب لما تجنيه و لو بالرجلين مطلقاً،كالخبر:«أنّ عليّاً(عليه السّلام)كان يضمن الراكب ما وطأت بيدها أو رجلها،إلّا أن يعبث بها أحد فيكون الضمان على الذي عبث بها» (2)بحمله على ما إذا ساقها خاصّة.

و فيه الدلالة على ضمان الضارب مطلقا،مالكاً كان أو غيره؛ للإطلاق

ص:414


1- الكافي 7:2/351،التهذيب 10:886/225،الإستبصار 4:1078/285،الوسائل 29:247 أبواب موجبات الضمان ب 13 ح 2.
2- التهذيب 10:890/226،الإستبصار 4:1077/284،الوسائل 29:249 أبواب موجبات الضمان ب 13 ح 10.

مضافاً إلى الاعتبار،و الصحيح:عن الرجل ينفر بالرجل فيعقره و تعقر (1)دابّته رجلاً (2)آخر؟فقال:«هو ضامن لما كان من شيء» (3).

و في آخر:«أيّما رجل فزع رجلاً عن الجدار أو نفر به دابة فخرّ فمات فهو ضامن لديته،و إن انكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه» (4).

و نحوه في ذلك الموثق كالصحيح و غيره:في صاحب الدابة:أنّه «يضمن ما وطئت بيدها و رجلها،و ما نفحت (5)برجلها فلا ضمان عليه إلّا أن يضربها إنسان» (6).

و المراد بضمان ما تجنيه بيدها و رجلها ما تجنيه بها أجمع و يكون الضمان باليدين خاصّة،و إلّا فلا معنى لقوله(عليه السّلام):«و ما نفحت برجلها فلا ضمان عليه».

و قوله(عليه السّلام):«إلّا أن يضربها» استثناء منقطع،أو عن قوله سابقاً:

«يضمن ما وطئت بيدها و رجلها».

و ينبغي تقييد الضرب بما إذا كان عبثاً كما في الرواية الأُولى،و إلّا فلو قصد الدفع لم يكن ضامناً قطعاً؛ للأصل،و خصوص الخبر:عن رجل كان راكباً على دابّة فغشي رجلاً ماشياً حتى كاد أن يوطئه،فزجر الماشي الدابّة

ص:415


1- في النسخ:و يعقر،و ما أثبتناه من المصادر هو الأنسب.
2- في الكافي و الوسائل:رجلٌ.
3- الكافي 7:3/351،التهذيب 10:888/225،الوسائل 29:252 أبواب موجبات الضمان ب 15 ح 1.
4- الكافي 7:9/353،التهذيب 10:895/227،الوسائل 29:252 أبواب موجبات الضمان ب 15 ح 2.
5- في النسخ:بعجت،و ما أثبتناه من الكافي و الفقيه و الوسائل هو الأنسب.
6- الكافي 7:11/353،الفقيه 4:402/116،التهذيب 10:880/224،الوسائل 29:247 أبواب موجبات الضمان ب 13 ح 4،و انظر الحديث 7.

عنه فخرّ عنها فأصابه موت أو جرح؟قال:«ليس الذي زجر ضامناً،إنّما زجر عن نفسه» (1)و نحوه آخر (2)،هذا.

مضافاً إلى إطلاق النصوص بعدم الضمان بالدفاع أو فحواها.

ثم إنّ مقتضى التعليل لضمان ما تجنيه باليدين في الصحيحين ثبوته فيما تجنيه برأسها أيضاً،بل مطلق مقاديم بدنها التي هي قدّام الراكب، سيّما أعاليها؛ لثبوت الحكم فيها(مع ذلك) (3)بطريق أولى،و عليه أكثر أصحابنا وفاقاً للمبسوط (4)،و عن الخلاف (5)الاقتصار على اليدين؛ جموداً فيما خالف الأصل على مورد النص،و لأجله تردّد الماتن في الشرائع (6)، إلّا أنّه اختار ما اخترناه،قال:لتمكّنه من مراعاته.و هو حسن،و مرجعه إلى ما ذكرنا.

و اعلم أنّ هنا نصوصاً دالّة بإطلاقها على عدم الضمان بجناية الدابّة إمّا مطلقاً كما في القوي:«العجماء جبار» (7)و غيره:«بهيمة الأنعام لا يغرم أهلها شيئاً» (8)أو ما دامت مرسلة كما في المرسل (9)،فمع ضعف أسانيدها

ص:416


1- الفقيه 4:235/76،التهذيب 10:839/212،الوسائل 29:58 أبواب قصاص النفس ب 21 ح 3.
2- التهذيب 10:877/223،الوسائل 29:58 أبواب القصاص في النفس ب 21 ح 3.
3- ما بين القوسين ليس في«ب» و«س».
4- المبسوط 8:80.
5- الخلاف 5:511.
6- الشرائع 4:257.
7- الكافي 7:20/377،التهذيب 10:884/225،الوسائل 29:271 أبواب موجبات الضمان ب 32 ح 2.
8- التهذيب 10:885/225،الإستبصار 4:1080/285،الوسائل 29:271 أبواب موجبات الضمان ب 32 ح 3.
9- الفقيه 4:399/116.

محمولة على ما إذا فلتت عن صاحبها من غير تفريط منه في حفظها،أو ما اعتيد إرسالها للرعي،فإنّ المشهور عدم الضمان هنا،كما ذكره الخال العلّامة المجلسي (1)(رحمه اللّه).

و لو ركبها اثنان تساويا في الضمان لما تجنيه بيديها و رأسها، بلا خلاف؛ لاشتراكهما في اليد و السببية،إلّا أن يكون أحدهما ضعيفاً لصغر أو مرض فيختصّ الضمان بالآخر؛ لأنّه المتولّي أمرها.

و في الخبر:في دابة عليها ردفان فقتلت الدابة رجلاً أو جرحت، فقضى في الغرامة بين الردفين بالسوية (2).

قيل (3):و فيه تردّد،و لكن الأصحاب قاطعون به،هذا إذا كانا هما المتولّين لأمرها.

و أمّا لو كان معها صاحبها مراعياً لها ضمن هو دون الراكب مطلقا،و يأتي في المالك ما سبق من التفصيل باعتبار كونه سائقاً أو قائداً.

و لو ألقت الراكب لم يضمن المالك للأصل إلّا أن يكون الإلقاء بتنفيره أي المالك،فيضمن حينئذٍ؛ للسببية؛ مضافاً إلى ما مرّ من النصوص الصحيحة و غيرها بإيجاب الضرب ضمان الجناية.

و لو اجتمع للدابّة سائق و قائد،أو أحدهما و راكب،أو الثلاثة اشتركوا في ضمان مشترك مع الاشتراك في الحفظ و الرعاية،و اختصّ السائق بجناية

ص:417


1- ملاذ الأخيار 16:476.
2- الفقيه 4:401/116،التهذيب 10:926/234،الوسائل 29:281 أبواب موجبات الضمان ب 43 ح 1.
3- قاله في كشف اللثام 2:489.

الرجلين،و غير المشارك في الحفظ كالعدم.

و لو أركب مملوكه دابّة (1)ضمن المولى جناية الدابّة بيديها، بلا خلاف إذا كان صغيراً؛ للصحيح الآتي و غيره:عن رجل حمل غلاماً يتيماً على فرس استأجره بأُجرة و ذلك معيشة ذلك الغلام قد يعرف ذلك عصبته فأجراه في الحَلبة (2)فنطح الفرس رجلاً فقتله،على من ديته؟قال:

« على صاحب الفرس» قلت:أ رأيت لو أنّ الفرس طرح الغلام فقتله؟قال:

«ليس على صاحب الفرس شيء» (3).

و كذا إذا كان كبيراً في ظاهر إطلاق المحكي عن الشيخ و القاضي و الإسكافي (4)،بل الأكثر كما في التنقيح (5)،و نسبه في الروضة بعد الشيخ إلى جماعة (6)؛ لإطلاق الصحيح:في رجل حمل عبده على دابّته فوطئت رجلاً،فقال:«الغرم على مولاه» (7).

و من الأصحاب من شرط في ضمان المولى صغر المملوك و هو الحلّي،قال:لأنّه فرّط بركوبه له الدابّة،و إن كان بالغاً عاقلاً فإن كانت الجناية على بني آدم فيؤخذ المملوك إذا كانت الجناية بقدر قيمته،أو يفديه السيّد،و إن كانت على الأموال فلا يباع العبد في قيمة ذلك،و لا يستسعى،

ص:418


1- في المختصر المطبوع:دابّته.
2- وزان سَجدة:خيل تجمع للسباق من كلّ أوب.المصباح المنير:146.
3- التهذيب 10:876/223،الوسائل 29:253 أبواب موجبات الضمان ب 16 ح 2.
4- حكاه عنهم في المهذب البارع 5:292،و غاية المرام 4:436.
5- التنقيح 4:487.
6- انظر الروضة 10:159.
7- الكافي 7:10/353،الفقيه 4:398/116،قرب الاسناد:602/165،الوسائل 29:253 أبواب موجبات الضمان ب 16 ح 1.

و لا يلزم مولاه ذلك (1).

و استحسنه كثير من المتأخّرين (2)و زادوا في الأخير أنّه يتعلّق برقبته يتبع به بعد عتقه،و هو كذلك؛ للأصل؛ و عموم ما دلّ على جناية الراكب، مع ضعف دلالة إطلاق الصحيح،بل الظاهر اختصاصه بالصغير بشهادة السياق و لفظ الحمل و الإركاب،و نحوه جار في كلام الشيخ و الأتباع.

و اعلم أنّ في التنقيح (3)نسب إلى الحلّي أنّه اشترط شيئين:ما مرّ، و آخر و هو:وقوع الجناية على آدمي فقط.

و فيه نظر،فإنّه اشترط الأخير في البالغ،و أمّا الصغير فلم يذكر فيه إلّا الصغر و بعده فأطلق.

البحث الثالث في تزاحم الموجبات

البحث الثالث:في تزاحم الموجبات اعلم أنه إذا اتفق اجتماع السبب و المباشر و تساويا في القوة، أو كان المباشر أقوى ضمن المباشر اتفاقاً على الظاهر،المصرَّح به في بعض العبائر (4)،و ذلك ك اجتماع الدافع مع الحافر،و الممسك مع الذابح فيضمن الدافع و الذابح دون المجامع،و قد مرّ من النصوص ما يدل على الأخير،و فيه الحجة على أصل هذه القاعدة،مضافاً إلى الاتفاق الذي عرفته،هذا مع علم المباشر بالسبب.

و لو جهل المباشر السبب ضمن المسبِّب بكسر الباء الأُولى،أي

ص:419


1- السرائر 3:372.
2- منهم المحقق في الشرائع 4:257،و العلّامة في المختلف:801،و الشهيد الثاني في المسالك 2:497.
3- التنقيح الرائع 4:487.
4- كشف اللثام 2:489.

ذو السبب كمن غطّى بئراً (1)في غير ملكه فدفع غيره ثالثاً مع جهله بالحال فالضمان على الحافر بلا خلاف ظاهر إلّا من الماتن هنا،فقد حكم به على تردّد مع أنّه حكم به في الشرائع (2)كباقي الأصحاب من غير تردّد؛ لضعف المباشر هنا بالغرور،و قد اشترط في تقديمه على السبب قوّته،و هي مفقودة في المفروض.

مع أنّي لم أجد وجهاً لتقديم المباشر هنا إلّا ما ذكره في التنقيح (3):

من عموم:إذا اجتمع المباشر و السبب فالضمان على المباشر،و هو كما ترى؛ إذ لم أجد به نصّاً حتى يكون عمومه معتبراً،و إنّما المستند فيه مجرّد الوفاق المعتضد بالاعتبار،و هما كما عرفت مفقودان في المضمار.

و من هذا الباب واقعة الزبية بضم الزاء المعجمة،و هي الحفرة التي تحفر للأسد،و قضاء علي(عليه السّلام)فيها مشهورة بين الخاصّة و العامّة،لكن بكيفيات مختلفة.

و صورتها: أنّه وقع فيها واحد فتعلّق بآخر و الثاني بثالث و جذب الثالث رابعاً فوقعوا جميعاً فأكلهم الأسد و فيه أي فيما حكم به(عليه السّلام)فيها روايتان من طرقنا مختلفتان إحداهما:رواية محمد ابن قيس الصحيحة إليه قطعاً،و هو الثقة بقرينة ما قبله و ما بعده،و هو روايته عن أبي جعفر(عليه السّلام) أنه قال:قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في الأوّل أنّه فريسة الأسد لا يلزم أحداً و أغرم أهله ثلث الدية للثاني، و غرّم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية،و غرّم الثالث لأهل الرابع كمال

ص:420


1- في المختصر المطبوع زيادة:حفرها.
2- الشرائع 4:257.
3- التنقيح الرائع 4:488.

الدية (1)و الأُخرى أي الرواية الثانية:

رواية مسمع،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام):«أنّ عليّاً(عليه السّلام)قضى للاوّل ربع الدية،و للثاني ثلث الدية،و للثالث نصف الدية،و للرابع الدية كاملة، و جعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا (2) و فيهما من المخالفة للأُصول ما لا يخفى،و إن وُجّهتا بتوجيهات زعم موافقتهما بها معها،لكنّها في التحقيق لا تفيد توفيقاً،كما صرّح به جماعة من أصحابنا (3)،و لذا تركنا ذكرها.

و مع ذلك في سند الأخيرة منهما إلى مسمع ضعف بعدّة ضعفاء فهي ساقطة عن درجة الاعتبار لا حجة فيها قطعاً.

و أمّا الأُولى فيشكل التمسك بها أيضاً؛ لما مضى،إلّا أنّها مشهورة شهرةً لا يمكن دفعها،و استفاض نقلها في كلام كثير من أصحابنا (4)،بحيث إنّه لا رادّ لها و زاد جماعة منهم فادّعوا أنّ عليها فتوى الأصحاب كافّة،كما في ظاهر العبارة و غيرها (5)،أو أكثرهم كما في الروضة و غيرها (6)،فإن بلغت الشهرة إجماعاً،و إلّا فالتمسك بالرواية

ص:421


1- الكافي 7:3/286،الفقيه 4:278/86،التهذيب 10:951/239،إرشاد المفيد 1:196،المقنعة:750،الوسائل 29:237 أبواب موجبات الضمان ب 4 ح 2.
2- الكافي 7:2/286،التهذيب 10:952/239،الوسائل 29:236 أبواب موجبات الضمان ب 4 ح 1.
3- انظر الروضة 10:168،مجمع الفائدة 14:276،كشف اللثام 2:491.
4- منهم المحقق في الشرائع 4:259،و العلّامة في التحرير 2:267،و الشهيد الثاني في المسالك 2:498.
5- التنقيح الرائع 4:489،غاية المرام 4:438.
6- الروضة 10:168؛ و قال في المسالك 2:498..و عمل بمضمونها جماعة منهم،أي الأصحاب.

مشكل و إن صحّ سندها؛ لكونها قضية في واقعة لا عموم لها،فيحتمل اختصاصها بواقعة اقترنت بأُمور أوجبت الحكم بما فيها.

و بنحو هذا يجاب أيضاً عن الرواية الأخيرة لو سلّم سندها،و الشهرة ليست بحجة بنفسها ما لم تكن إجماعاً،أو تقترن برواية واضحة الدلالة و إن كانت ضعيفة،و ليست كسابقتها هنا كما فرضنا،و لذا استوجه الفاضل في التحرير (1)الرجوع إلى الأُصول في هذه الواقعة لو اتفقت في زماننا، و هو خيرة شيخنا في الروضة أيضاً،حيث إنّه استوجه أوّلاً ردّ الروايتين لما مضى بزيادة دعواه اشتراكاً في راوي الاُولى،ثم قال:و حيث يطرح الخبران فالمتّجه ضمان كل دية من أمسكه أجمع؛ لاستقلاله بإتلافه (2)،انتهى.

و احتمله الماتن في الشرائع و الفاضل في القواعد و الإرشاد و غيرهما (3)،و قالوا بعده:و إن قلنا بالتشريك بين مباشر الإمساك و المشارك في الجذب كان على الأوّل دية و نصف و ثلث،و على الثاني نصف و ثلث، و على الرابع ثلث لا غير،و إنّما لم يذكر هذا في الروضة لضعفه عنده،بل و عندهم أيضاً،كما يظهر منهم جدّاً.

و اعلم:أنّ حكمهم على كل منهم بالدية لمجذوبه إنّما يتم لو كانت جنايتهم عمداً أو شبيهه،لا خطأ.

و يضعّف بأنّ ما صدر عنهم من الجذب إنّما هو من حيث لم يشعروا به لما اعتراهم من الدهشة،فهو كانقلاب النائم على من قتله،فلا يكون

ص:422


1- التحرير 2:267.
2- الروضة 10:175.
3- الشرائع 4:259،القواعد 2:319،الإرشاد 2:228،و انظر المهذّب البارع 5:297.

عمداً و لا شبيهه،و بذلك صرّح جماعة (1)،رادّين به من ضعّف الرواية الثانية في حكمها بأنّ الدية على العاقلة،بناءً على زعمه كون الجناية فيها عمداً أو شبيهه،و على هذا فمقتضى الأُصول أخذ الدية من العاقلة.

ص:423


1- منهم ابن فهد في المهذّب البارع 5:297،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:491.

النظر الثالث في الجناية على الأطراف

اشارة

النظر الثالث

الأوّل في ديات الأعضاء
اشارة

في الجناية على الأطراف و بيان مقادير دياتها و مقاصده ثلاثة:

الأوّل :في بيان ديات الأعضاء و اعلم أنّ في شعر الرأس إذا جني عليه الدية كاملة.

و كذا اللحية على الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل عليه الإجماع في الغنية (1)؛ للنصوص المستفيضة،منها الصحيح المروي في الفقيه و التهذيب:رجل صبّ ماءً حارّاً على رأس رجل فأسقط شعره فلا ينبت أبداً،قال:«عليه الدية» (2)كذا في الفقيه،و في التهذيب:فامتعط شعر رأسه و لحيته.و نحوه غيره (3)من دون زيادة و لحيته.

و القوي و غيره:«في اللحية إذا حلقت فلم ينبت الدية كاملة،فإذا نبتت فثلث الدية» (4).

و الخبر:أهرق رجل قدراً فيها (5)مرق على رأس رجل فذهب شعره،

ص:424


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- الفقيه 4:379/111،التهذيب 10:992/250،الوسائل 29:341 أبواب ديات الأعضاء ب 37 ح 2.
3- الكافي 7:24/316،التهذيب 10:991/250.
4- الكافي 7:23/316،الفقيه 4:381/112،التهذيب 10:990/250،الوسائل 29:341 أبواب ديات الأعضاء ب 37 ح 1.
5- في النسخ زيادة:ماء.

فاختصموا في ذلك إلى علي(عليه السّلام)فأجّله سنة فجاء فلم ينبت شعره،فقضى عليه بالدية (1).

إلى غير ذلك من النصوص الآتي إلى بعضها الإشارة.

و قصور السند أو ضعفه منجبر بالشهرة و حكاية الإجماع المتقدمة، فاندفع الاعتراض به على ما عدا الصحيحة.

و أمّا الاعتراض عليها بأنّ مفادها لزوم الدية في جناية شعر الرأس و اللحية معاً،و هو غير لزومها في أحدهما خاصة،كما هو المدّعى فمندفع بابتنائه على نسخة التهذيب،و أمّا نسخة الفقيه فقد عرفت خلوّها عن اللحية،و لعلّها أضبط من تلك النسخة،سيّما مع موافقتها للروايات الأُخر في المسألة،هذا إذا لم ينبتا.

فإن نبتا فالأرش على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ لأنّه الواجب حيث لا تقدير له في الشرع.

خلافاً للحلبي و الغنية (2)،فاختارا عشر الدية،و حجتهما غير واضحة عدا ما في الأخير من حكاية الإجماع،و هي هنا موهونة بلا شبهة،و نسب في المسالك (3)قولهما إلى النهاية،لكن في الرأس خاصّة،مع أنّ صريح عبارته المحكية في المختلف (4)كظاهر العبارة و غيرها من عبائر الجماعة عدم مخالفته للقوم فيه،و اختصاص خلافه معهم في اللحية خاصّة حيث حكم فيها بثلث الدية.

ص:425


1- الفقيه 4:380/112،التهذيب 10:1035/262،الوسائل 29:342 أبواب ديات الأعضاء ب 37 ح 3.
2- الكافي:396،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- المسالك 2:499.
4- المختلف:801.

و قال الشيخ المفيد و الصدوق (1)في موضع من المقنع: إن لم ينبتا فمائة دينار و حجتهما غير واضحة عدا ما يستفاد من الأوّل و القاضي و الديلمي (2)أنّ به رواية،و لم نجدها،فهي مرسلة لا يعترض بها الأدلّة المتقدمة.

و بنحوه يجاب عن مرسلة أُخرى مروية عن بعض الكتب:عن مولانا الرضا(عليه السّلام)أنّه قال:« من حلق رأس رجل فلم ينبت فعليه مائة دينار،فإن حلق لحيته فلم ينبت فعليه الدية،و إن نبت فطالت (3)بعد نباتها فلا شيء له» (4)مضافاً إلى شذوذها و عدم ظهور قائل بها بالمرّة.

و قال الشيخ في الخلاف و النهاية و الإسكافي (5):إنّ في اللحية إذا نبتت ثلث الدية،و في الرواية المتقدمة و هي القوية و غيرها و إن كان دلالة عليه إلّا أنّه فيها (6) ضعف بالسكوني في الأُولى،و عدّة من الضعفاء في الثانية،و لا جابر لهما في المسألة،بل الشهرة التي هي العمدة في الجبر على خلافها كما عرفته،هذا إذا كان المجني عليه ذكراً.

و في شعر رأس المرأة ديتها كملاً إذا لم ينبت كالرجل فإن نبت فمهرها (7)المثل بلا خلاف أجده إلّا من الإسكافي (8)في الثاني،فأثبت

ص:426


1- المقنعة:756،المقنع:190.
2- حكاه عنهما في المختلف:801،و انظر المهذّب 2:476،و المراسم(ينابيع الفقهية 24):148.
3- في«ب»:فطالب.
4- فقه الرضا(عليه السّلام):320.
5- الخلاف 5:211،النهاية:768،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:801.
6- في«ح» و«س»:فيهما.
7- في المختصر المطبوع:فمهر مثلها.
8- حكاه عنه في المختلف:801.

فيه ثلث الدية.و حجته مع شذوذه غير واضحة،بل على خلافه الإجماع في الغنية (1)،و فيه الحجة.

مضافاً إلى الرواية الصريحة:ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها؟فقال:«يضرب ضرباً وجيعاً و يحبس في محبس المسلمين حتى يستبرأ شعرها،فإن نبت أخذ منه مهر نسائها،و إن لم ينبت أُخذ منه الدية كاملة» قلت:فكيف صار مهر نسائها إن نبت شعرها؟فقال:«إنّ شعر المرأة و عذرتها شريكان في الجمال،فإذا ذهب أحدهما وجب لها المهر كملا» (2).

و قصور السند بالجهالة مجبور بالشهرة الظاهرة و المحكية،و حكاية الإجماع المتقدمة،و فيها الدلالة على الحكم في الأوّل أيضاً،مع عدم خلاف فيه أجده،و ادّعى فيه أيضاً الإجماع في الغنية (3)،فلا شبهة فيه قطعاً،سيّما مع استلزام ثبوت الحكم في الرجل ثبوته هنا بطريق أولى،كما لا يخفى.

و في شعر الحاجبين معاً خمسمائة دينار،و في كل واحد مائتان و خمسون ديناراً،وفاقاً للأكثر،بل ادّعى الشهرة عليه جمع ممن تأخّر (4)،و في السرائر (5)الإجماع عليه،و هو الحجة.

ص:427


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- الكافي 7:10/261،التهذيب 10:1036/262،الوسائل 29:334 أبواب ديات الأعضاء ب 30 ح 1.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- كالصيمري في غاية المرام 4:442،و الشهيد الثاني في المسالك 2:499،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:147.
5- السرائر 3:378.

مضافاً إلى الخبر:«و إن أُصيب الحاجب فذهب شعره كلّه فديته نصف دية العين مائتان و خمسون ديناراً،فما أُصيب منه فعلى حساب ذلك» (1).

قيل:و روى عن الرضا(عليه السّلام)أيضاً نحو ذلك (2).

خلافاً للمبسوط و الغنية و الإصباح (3)،فالدية كاملة،و في كل واحد نصفها،و ظاهر الأوّلين الإجماع عليه،و يؤيدّه عموم النص و الفتوى على أنّ فيما كان في الجسد اثنين الدية.

لكن في معارضة ذلك لما مرّ نظر؛ لرجحانه بعمل الأكثر،مع صراحة كل من الإجماع و الخبر،هذا،مضافاً إلى الأصل.

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين عود نباتهما و عدمه، و في الغنية و الإصباح (4)أنّ ما ذكر إذا لم ينبت شعرهما،و إلّا فالأرش.

و قال الديلمي:إذا ذهب بحاجبه فنبت ففيه ربع الدية،و قد روي أيضاً أنّ فيهما إذا لم ينبت مائة دينار (5).و قال في المختلف:و الوجه عندي الحكومة فيما إذا نبت،و هو قول الحلبي؛ للأصل (6).

و في بعضه أي بعض كل واحد من الشعور المذكورة بحسابه أي يثبت فيه من الدية المذكورة بنسبة مساحة محل الشعر المجني عليه إلى

ص:428


1- الكافي 7:2/330،الوسائل 29:289 أبواب ديات الأعضاء ب 2 ح 3.
2- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:498.
3- المبسوط 7:153،الغنية(الجوامع الفقهية):621،الإصباح(الينابيع الفقهية 24:292.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):621،الإصباح(الينابيع الفقهية 24):292.
5- المراسم:245.
6- المختلف:817.

محل الجميع و إن اختلف الشعر كثافةً و خفّةً،و يدلُّ عليه مضافاً إلى الإجماع الظاهر النص المتقدم قريباً،و حيث قلنا بالأرش فهو الثابت و لا نسبة.

و في الشعور النابتة على الأجفان و يعبّر عنها بالأهداب أقوال،منها:

الدية كاملة مع عدم النبات،كما في المبسوط و الخلاف (1)مدّعياً عليه الوفاق.

و منها:نصفها،كما عن القاضي (2)،و لم أقف له على شاهد.

و منها:الأرش حالة الانفراد عن الجفن،و السقوط حالة الاجتماع، كشعر الساعدين و غيرهما من الأعضاء الذي ليس فيه إلّا الأرش،بلا خلاف كما عليه الحلّي (3)و كثير من المتأخّرين (4)،قالوا:لعدم دليل على التعيين، و عدم دخوله تحت إحدى القواعد،و هو ظاهر الماتن هنا،حيث لم يذكر ديتها كباقي الشعور،و هو متين لولا الإجماع المتقدم المعتضد بفتوى الأكثر كما في الروضة (5).

و اعلم أنّ المرجع في النبات و عدمه إلى أهل الخبرة،فإن اشتبه فالمروي في بعض ما مرّ (6)أنّه ينتظر سنة،ثم إن لم يعد تؤخذ الدية،و لو طلب الأرش قبلها دفع إليه؛ لأنّه إمّا الحق أو بعضه،فإن مضت و لم يعد أُكمل له على وفق الدية.

ص:429


1- المبسوط 7:130،الخلاف 5:197.
2- المهذّب 2:376.
3- السرائر 3:378.
4- انظر المختلف:802،المهذب البارع 5:306،المسالك 2:500.
5- الروضة 10:201.
6- راجع ص 423.

و في العينين الدية كاملة و في كل واحدة نصف الدية بإجماع الأُمة،كما في صريح المسالك و ظاهر الغنية (1)،و ادّعى الإجماع المطلق جماعة (2)،و هو الحجّة.

مضافاً إلى السنّة المستفيضة بل المتواترة عموماً فيما كان منه في الجسد اثنين،و خصوصاً في العينين،ففي الصحيح:«كلّ ما كان في الإنسان اثنان ففيهما دية،و في إحداهما نصف الدية،و ما كان واحد ففيه الدية» (3).

و الصحيح:«ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية مثل اليدين و العينين» قال:قلت:رجل فقئت عينه،قال:«نصف الدية» الحديث (4).

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق في ذلك بين كون العين صحيحةً،أو حولاء،أو عمشاء ضعيفة البصر مع سيلان دمعها في أكثر أوقاتها،أو جاحظة عظيمة المُقلة،أو جهراء لا تبصر في الشمس،أو رمداء،أو غيرها،و بذلك صرّح جماعة (5)،قالوا:أمّا لو كان عليها بياض فإن بقي معه البصر تامّاً فكذلك،و لو نقص نقص من الدية بحسابه، و يرجع فيه إلى رأي الحاكم.

و في الأجفان الأربعة الدية كاملة،بلا خلاف كما في ظاهر

ص:430


1- المسالك 2:500،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- منهم العلّامة في التحرير 2:271،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:498،و قال المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:361:كأنّه الإجماع.
3- الفقيه 4:332/100،التهذيب 10:1020/258،الوسائل 29:287 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 12.
4- الكافي 7:22/315،التهذيب 10:989/250،الوسائل 29:283 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 1.
5- منهم العلّامة في القواعد 2:324،و الشهيد الثاني في الروضة 10:202،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:148.

الشرائع و صريح الصيمري في شرحه و عن التحرير (1).

و اختلفوا في كيفية التقسيط ف قال العماني و الشيخ في المبسوط (2)ربع الدية في كل واحد و تبعهما من المتأخّرين جماعة (3)؛ للصحيحين المتقدمين القائلين:إنّ كل ما كان في الإنسان منه اثنان فيه الدية و في أحدهما نصف الدية،و في الدلالة مناقشة؛ لأنّ الأجفان ليست ممّا في الإنسان منه اثنان إلّا بتكلّف أنّ جفن (4)كل عين كواحدة،و هو مجرّد عناية.

قيل:مع أنّ أوّلهما مقطوع،و الظن بكونه موصولاً إلى الإمام غير كافٍ في الاعتماد عليه (5).

و فيه نظر،فإنّ القطع فيه إنّما هو في التهذيب،و إلّا ففي الفقيه مسند عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)،فالأولى في الجواب الاقتصار على ضعف الدلالة و زيادة عدم المقاومة لما سيأتي من الأدلّة.

و قال في الخلاف في (6) الجفن الأعلى ثلثا الدية و في الأسفل الثلث مدّعياً عليه الإجماع و الأخبار،و تبعه الحلّي (7)؛ لشبهة الإجماع، و نسبه في المبسوط (8)إلى رواية الأصحاب.

ص:431


1- الشرائع 4:262،غاية المرام 4:444،التحرير 2:274.
2- حكاه عن العماني في المسالك 2:500،المبسوط 7:130.
3- منهم فخر المحققين في الإيضاح 4:688،و الشهيد الأول في اللمعة(الروضة 10):202،و ابن فهد الحلّي في المقتصر:450.
4- كذا،و لعلّ الأنسب:جفني.راجع الخلاف 5:236،و المسالك(نشر المعارف الإسلامي)15:403.
5- قاله في المسالك 2:500.
6- الخلاف 5:236.
7- السرائر 3:378.
8- المبسوط 7:130.

و لم نرها،و الإجماع معارض بمثله،بل و أجود كما يأتي،مع وهنه هنا جدّاً،سيّما مع مخالفة الناقل لنفسه في موضع آخر من الخلاف (1) على ما نقله عنه الماتن في الشرائع و شيخنا في شرحه (2)- و قال فيه بما قاله في النهاية (3) من أنّ في الأعلى ثلث الدية،و في الأسفل النصف،و عليه الأكثر كما في كلام جمع (4)،بل الشهرة كما في كلام آخرين (5)،و عليه الإجماع في الغنية (6)،و هو الحجة.

مضافاً إلى بعض المعتبرة المنجبر قصور سنده أو ضعفه بالشهرة الظاهرة و المحكية حدّ الاستفاضة،و الإجماع الذي عرفته،و فيه:«إن أُصيب شفر العين الأعلى فَشَتَرَ (7)فديته ثلث دية العين مائة دينار و ستة و ستون ديناراً و ثلثا دينار،و إن أُصيب شفر العين الأسفل فشتر فديته نصف دية العين مائتا دينار و خمسون ديناراً..فما أُصيب منه فعلى حساب ذلك» الحديث (8).

قيل:و كذا روي عن الرضا(عليه السّلام) (9)،و هو الأظهر،و عليه فينقص من

ص:432


1- لم نعثر عليه.
2- الشرائع 4:262،المسالك 2:500.
3- النهاية:764.
4- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:203،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:362.
5- كالمحقق في الشرائع 2:262،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:148،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:499.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
7- الشتَر:انقلاب في جفن العين.لسان العرب 4:393.
8- الكافي 7:2/330،الوسائل 29:282 أبواب ديات الأعضاء ب 2 ح 3.
9- قاله في كشف اللثام 2:499.

دية المجموع سدس الدية،و ربما كان فيه منافاة لما مرّ من نفي الخلاف عن ثبوت الدية كملاً في الأجفان الأربعة،إلّا أن يذبّ عنه بما حكاه عن بعضٍ جماعة (1):من أنّ هذا النقص إنّما هو على تقدير كون الجناية من اثنين أو من واحد بعد دفع أرش الجناية الأُولى،و إلّا فالواجب دية كاملة إجماعاً.

و في الروضة بعد نقله عنه قال:و هذا هو الظاهر من الرواية،لكن فتوى الأصحاب مطلقة (2).و لنعم ما قاله.

و لا فرق بين أجفان صحيح العين و غيره حتى الأعمى؛ للإطلاق.

و لا تتداخل دية الأجفان مع العينين لو قلعهما معاً،بل يجب عليه ديتان،بلا خلاف؛ لأصالة عدم التداخل.

و في عين الأعور الصحيحة الدية دية النفس كاملة بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الخلاف و الغنية و المختلف و التنقيح و نكت الإرشاد (3)،و غيرها من كتب الجماعة (4)،و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،منها زيادةً على ما مرّ في كتاب القصاص في القسم الثاني منه في قصاص الأطراف الصحيح و غيره:في عين الأعور الدية كاملة (5).

ص:433


1- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:203،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:499،و القائل هو ابن فهد في المهذّب البارع 5:309.
2- الروضة 10:203.
3- الخلاف 5:236،الغنية(الجوامع الفقهية):621،المختلف:803،التنقيح الرائع 4:495،نكت الإرشاد 4:372.
4- الروضة 10:204،المهذّب البارع 5:312،كشف اللثام 2:498.
5- التهذيب 10:1058/269،الوسائل 29:179 أبواب قصاص الطرف ب 15 ح 2.

و مرّ ثمّة وجه الحكمة في هذا الحكم،و هو كون الجناية فيها في المنفعة التي هي الإبصار دون الجارحة.

و مقتضاه تقييد الحكم بما إذا كان العور خلقةً،أو ذهبت العين الفاسدة بشيء من قبل اللّه تعالى،أو من غيره حيث لا يستحق عليه أرشاً كما لو جنى عليه حيوان غير مضمون،فلو استحق ديتها و إن لم يأخذها أو ذهبت في قصاص فنصف دية النفس ديتها كاملة؛ للأصل العامّ،و عدم معلومية انصراف إطلاق النصوص إلى محل البحث.

مضافاً إلى عدم الخلاف في أصل التقييد،و إن اختلفوا فيما يستحقه في محل الفرض هل هو النصف،أو الثلث؟و المشهور الأوّل،بل عليه الإجماع في كلام جمع و منهم ابن زهرة (1)،و هو الأصحّ؛ عملاً بما مرّ من الأصل المجمع عليه نصّاً و فتوى من أنّ في إحدى العينين نصف الدية مطلقا،خرج منه عين الأعور بآفة أو خلقة بما تقدم،فيبقى ما نحن فيه تحته مندرجاً،مع أنّه لا خلاف فيه إلّا من الحلّي (2)،حيث حكم بالثاني، و هو شاذّ،بل على خلافه الإجماع في المختلف و التنقيح و غيرهما (3)، و حكما كسائر المتأخرين بأنّ ذلك منه و هم،و بيّنوا وجهه بما لا طائل مهمّاً في ذكره.

و في خسف العين العوراء أي الفاسدة روايتان و قولان أشهرهما على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (4)حدّ الاستفاضة،

ص:434


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- السرائر 3:380.
3- المختلف:803،التنقيع الرائع 4:495،المهذّب البارع 5:313.
4- منهم المحقق في الشرائع 4:262،و الشهيد الثاني في الروضة 10:205،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:496.

الصحيح:إنّ«في لسان الأخرس و عين الأعمى و ذكر الخصي الحرّ و أُنثييه ثلث الدية (1) » أي ديتها حال كونها صحيحة،كما صرّح به جماعة (2)، و ادعّى عليه (3)الإجماع في الغنية (4).

و في الثانية:أنّ فيه ربع الدية (5)،و عمل بها المفيد و الديلمي (6) مطلقا،و الحلبي و ابن زهرة (7)فيما إذا كان الجناية عليها بإذهاب سوادها أو طبقها بعد أن كانت مفتوحة،و ادّعى الأخير فيه إجماع الإمامية،فإن تمّ، و إلّا فالرواية مع أنّها مطلقة ضعيفة و إن تعدّدت،فلا تكافئ السابقة مع صحتها و شهرتها،و شذوذ هذه و ندرتها،بل في الشرائع (8)أنّها متروكة.

و لا فرق هنا بين كون العور خلقةً،أو بآفة من اللّه تعالى،أو جناية جانٍ استحق عليه ديتها،بلا خلاف،إلّا من الحلّي (9)،ففرّق و حكم بتمام ديتها خمسمائة دينار فيما عدا الأخير،و بثلثها فيه،نافياً الخلاف عن الأوّل.

و هو غريب،و لذا خطّأه المتأخّرون و نسبوه إلى الوهم كالسابق،

ص:435


1- الكافي 7:6/318،الفقيه 4:325/98،التهذيب 10:1062/270،الوسائل 29:336 أبواب ديات الأعضاء ب 31 ح 1.
2- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:205،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:498.
3- في«ن» زيادة:و على أصل الثلث.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
5- الكافي 7:8/318،التهذيب 10:1061/270،الوسائل 29:334 أبواب ديات الأعضاء ب 29 ح 2.
6- المقنعة:760،المراسم:244.
7- الكافي في الفقه:396،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
8- الشرائع 4:262.
9- السرائر 3:382.

قالوا:و سبب خطائه سوء فهمه لكلام الشيخ.

أقول:و ربما يشير إلى فرقه الصحيح:عن رجل قطع لسان رجل أخرس،فقال:«إن كان ولدته امّه و هو أخرس فعليه ثلث الدية،و إن كان لسانه ذهب به وجع أو آفة بعد ما كان يتكلم فإنّ على الذي قطع لسانه ثلث دية لسانه،و كذلك القضاء في العينين و الجوارح،هكذا وجدناه في كتاب علي(عليه السّلام)» (1).

لكنّه صرّح في العور خلقةً بثلث الدية،و لم يقل به،نعم لفظ «الثلث» ساقط في الفقيه،و إنّما هو في نسخة الكافي و التهذيب،فيحتمل كونه شاهداً له بالنسخة الأخيرة،لكن ليس فيها قوله:«و كذلك القضاء» الذي هو محل الاستدلال،فلا شاهد فيه لما ذكره،و مجرّد دلالته على الفرق بين الصورتين في الجملة غير نافع له مع مخالفته لما حكم به من تمام الدية،مع أنّه من الآحاد التي ليست عنده بحجة.

و من هنا ظهر شذوذ هذه الصحيحة،و عدم ظهور قائل بها بالمرّة، كما صرّح به بعض الأجلّة (2).

فالعجب من شيخنا في المسالك و الروضة و غيره (3)كيف استدلّوا بها للمختار مضافاً إلى الصحيحة السابقة.

و في الأنف إذا استؤصل الدية كاملة و كذا لو قطع مارنه و هو ما لان منه و نزل عن قصبته،بلا خلاف في الأخير أجده،و النصوص

ص:436


1- الكافي 7:7/318،الفقيه 4:376/111،التهذيب 10:1063/270،الوسائل 29:336 أبواب ديات الأعضاء ب 31 ح 2.
2- و هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:499.
3- المسالك 2:500،الروضة 10:205،و انظر غاية المرام 4:445.

به مع ذلك مستفيضة،ففي الصحيح و الموثّق و غيرهما:«في الأنف إذا قطع المارن الدية» (1).

و على الأشهر في الأوّل أيضاً؛ للأصل؛ و عموم ما مرّ من النصوص في أنّ ما في الإنسان منه واحد فيه الدية (2)،و الأنف بتمامه منه بلا شبهة.

و خصوص الصحيح و غيره:«في الأنف إذا استؤصل جدعه (3)الدية» (4).

و قريب منهما الموثّق«في الأنف إذا قطع الدية كاملة» (5)خلافاً للمحكي عن المبسوط و المهذّب و الوسيلة (6)،فقالوا:إنّ الدية فيه إنّما هو للمارن خاصّة،و في الزائد الحكومة،و هو خيرة التحرير و شيخنا في الروضة (7)،و لعلّه لعدم دليل على أنّ دية الاستئصال غير (8)دية المارن، و ليس في أدلّة المشهور عموماً و خصوصاً سوى أنّ فيه الدية،أمّا أنّها له أو للمارن فليس فيها عليه دلالة،فيحتمل كونها لأجل المارن خاصّة.

و فيه نظر؛ فإنّ وجه الدلالة في أدلّتهم إنّما هو ظهورها في أنّ الاستئصال الدية خاصّة،لا مع زيادة الحكومة لما قطع من القصبة،كما هو

ص:437


1- الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 4،6،10.
2- في ص 428.
3- في النسخ و التهذيب:جذعه،و ما أثبتناه هو الأنسب.
4- الكافي 7:4/312،التهذيب 10:972/246،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 5.
5- الكافي 7:7/312،التهذيب 10:976/247،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 7.
6- المبسوط 7:95،المهذّب 2:482،الوسيلة:447.
7- التحرير 2:269،الروضة 10:207.
8- ليست في«ب».

مقتضى قول المبسوط و من تبعه (1).

و يمكن أن يقال:إنّ غاية أدلّة المشهور ثبوت الدية،و ليس فيه ما ينفي الحكومة؛ إذ ليس فيها مقام حاجة يمكن إثباتها بذلك،و الدليل على ثبوتها أنّ الزائد على المارن جارحة ذهبت زيادة عليه،و ديته لا يقع شيء منها في مقابلتها،فالاكتفاء بها يستلزم تفويت تلك الجارحة عليه من دون بدل،و هو غير جائز،فما ذكروه أقوى،فتأمّل جدّاً .

و موضع الخلاف ما لو قطع المارن و القصبة معاً،أمّا لو وقع التفريق في جنايتهما ثبت للقصبة الحكومة زيادةً على دية المارن قولاً واحداً.

و في حكم قطع الأنف ما أشار إليه بقوله: أو كسر ففسد بلا خلاف يظهر فيه و لا في أنّه لو جبر على غير عيب ف ديته مائة دينار بل على الأخير الإجماع في الغنية (2).

و في شلله و هو فساده ثلثا ديته صحيحاً،و في قطعه أشل ثلث الدية،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل على الأوّل الإجماع عن المبسوط و الخلاف (3)،و هو الحجة المؤيدة بثبوت مثل الحكم في شلل اليد و الرجل و الأصابع.

و يدلُّ على الأخير بعض النصوص:«كل ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح» (4)و فيه تأييد ما للحكم في سابقه،فتدبّر .

و في الحاجز نصف الدية إذا استؤصل،و مستنده غير واضح و إن

ص:438


1- في غير«ن» زيادة:دون المشهور.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- المبسوط 7:131،الخلاف 5:238.
4- الكافي 7:2/330،التهذيب 10:1004/254،الوسائل 29:345 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 1.

أفتى به الأكثر كما في كلام جمع (1).

نعم في كتاب ظريف المروي بعدّة طرق معتبرة:«فإن قطعت روثة الأنف فديتها خمسمائة دينار نصف الدية» (2).

و هو يصح مستنداً بناءً على ما عليه الماتن و ابن عمّه و الفاضل في القواعد و التحرير و الإرشاد (3):من تفسير الروثة بالحاجز،و لم يثبت،بل المعروف عند أهل اللغة أنّها الأرنبة أو طرفها حيث يقطر الرعاف،و الأرنبة عندهم طرف الأنف،و يسمّون الحاجز بالوَتَرة،و سمّي في الكتاب المذكور بالخيشوم.

قيل (4):و روى عن الرضا(عليه السّلام)أيضاً،و هو صريح في أنّ المراد بالروثة فيه ليس الحاجز،و مع ذلك ففيه في نسخة الكافي تفسيرها بطرف الأنف (5)،كما عليه أهل اللغة،و قريب منه ما قاله الصدوق:من أنّها مجمع المارن (6).

و الأجود وفاقاً للّمعة و شرحها (7)الحكم في الحاجز بالثلث؛ عملاً بالأصل،و القاعدة في تقسيط الدية على أجزاء العضو الذي ثبتت فيه

ص:439


1- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:499،و نسبه في المسالك 2:501،و مجمع الفائدة 14:366 إلى المشهور.
2- الكافي 7:2/331،الفقيه 4:194/57،الوسائل 29:293 أبواب ديات الأعضاء ب 4 ح 1.
3- الشرائع 4:263،الجامع للشرائع:593،القواعد 2:324،التحرير 2:269،الإرشاد 2:237.
4- انظر كشف اللثام 2:499.
5- الكافي 7:331.
6- الفقيه 4:57.
7- اللمعة و الروضة البهية 10:208.

بالنسبة،و المارن الموجب لها مشتمل عليه و على المنخرين،و حكى هذا الفاضل في القواعد (1)قولاً،لكن قيل:إنّه لم نعرف له قائلاً (2).

أقول:غير بعيد كونه الحلّي،فإنّه قال بعد الحكم بأنّ في الأنف و كذا مارنه الدية ما لفظه:و فيما نقص منه بحساب ذلك (3).و هو ظاهر فيما ذكرناه من رجوعه هنا إلى القاعدة التي قدّمناها.

و في أحد المنخرين نصف الدية على قول الشيخ في المبسوط مدّعياً أنّه مذهبنا،قال:لأنّه ذهب بنصف المنفعة و نصف الجمال (4).و هو كما ترى .

و في رواية بل روايات أنّ فيه ثلث الدية (5) و هي و إن كانت بأجمعها ضعيفة،لكنّها موافقة للقاعدة،و مع ذلك مشهورة بين الطائفة على الظاهر،المصرَّح به في كلام جماعة (6).

و بها يضعّف القول بالربع أيضاً،كما عن الحلبيين و الكيدري و في الغنية (7)؛ مضافاً إلى عدم وضوح مستنده،و إن اعتذر لهم الشهيد (8)بالقاعدة بزعم تجزّؤ المارن بأجزاء أربعة:المنخرين،و الحاجز،و الروثة،و هو على

ص:440


1- القواعد 2:324.
2- قال به في كشف اللثام 2:499.
3- السرائر 3:382.
4- المبسوط 7:131.
5- التهذيب 10:1034/261،الوسائل 29:351 أبواب ديات الأعضاء ب 43 ح 1.
6- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:208،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:148،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:499.
7- حكاه عنهم في غاية المراد 4:528،و هو في الكافي:397،و الغنية(الجوامع الفقهية):621.
8- غاية المراد 4:528.

تقدير تسليمه لا يعترض به الرواية الصريحة المعمول بها بين الطائفة.

و في الأُذنين إذا استؤصلا الدية كاملة و في استئصال كل واحدة منهما نصف الدية،و في بعضها بحساب ديتها بأن يعتبر مساحة المجموع من أصل الاُذن و ينسب المقطوع إليه و يؤخذ له من الدية بنسبته إليه،فإن كان المقطوع النصف فالنصف،أو الثلث فالثلث،و هكذا، و يعتبر الشحمة في مساحتها حيث لا تكون هي المقطوعة.

و الأصل في جميع ذلك مضافاً إلى الإجماع الظاهر،المصرَّح به في الغنية (1)المعتبرة المستفيضة عموماً و خصوصاً،فمن الأوّل ما مرّ في أنّ ما في الإنسان منه اثنان فالدية،و في أحدهما نصفها (2).

و من الثاني الصحيح:«و في الأُذنين الدية،و في إحداهما نصف الدية» (3).

و نحوه الصحيح الآخر (4)،لكن في إحداهما.

و الموثقان:«و في الاُذن نصف الدية إذا قطعها من أصلها،و إذا قطعها من طرفها ففيها قيمة عدل» (5)و ربما كان فيهما الدلالة على الأخير.

و أظهر منهما في ذلك ما في خبرين،أحدهما في كتاب ظريف

ص:441


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- راجع ص 428.
3- الكافي 7:3/311،التهذيب 10:970/245،الوسائل 29:284 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 4.
4- الكافي 7:4/312،التهذيب 10:972/246،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 5.
5- الكافي 7:7/312،التهذيب 10:976/247،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 7،و الآخر في:التهذيب 10:975/246،الإستبصار 4:1088/288،الوسائل 29:286 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 10.

المروي بعدّة طرق من قوله(عليه السّلام):«و ما قطع منها فبحساب ذلك» (1).

و لكن في شحمتها ثلث ديتها على الأشهر الأقوى،بل لا أجد فيه خلافاً من أحدٍ صريحاً،مع أنّ في الغنية و عن الخلاف (2)أنّ عليه إجماعنا،و هو الحجة.

مضافاً إلى بعض النصوص المنجبر ضعف سنده و لو من وجوه بالشهرة:«أنّ عليّاً(عليه السّلام)قضى في شحمة الأُذن ثلث دية الأُذن» (3).

و في خرم الشحمة و شقها ثلث ديتها أي الشحمة على الظاهر،المصرّح به في كلام الحلّي (4)،أو الاُذن كما تميل إليه جماعة (5)، و به صرح ابن حمزة (6)،و لا خلاف في أصل الحكم أجده هنا أيضاً،بل عن الخلاف (7)أنّ عليه إجماعنا،و هو الحجة.

مضافاً إلى ما في كتاب ظريف السابق ذكره من قوله(عليه السّلام):«و في قرحة لا تبرأ ثلث دية ذلك العضو الذي هي فيه» (8).

ص:442


1- الكافي 7:5/333،التهذيب 10:1148/295،الوسائل 29:296 أبواب ديات الأعضاء ب 7 ح 1،و الآخر في:مجمع الفائدة 14:368،و كشف اللثام 2:500.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621،الخلاف 5:234.
3- الكافي 7:5/333،التهذيب 10:1013/256،الوسائل 29:297 أبواب ديات الأعضاء ب 7 ح 2.
4- السرائر 3:382.
5- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:207،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:500.
6- الوسيلة:446.
7- الخلاف 5:234.
8- الكافي 7:10/335،الفقيه 4:60،التهذيب 10:302،الوسائل 29:301 أبواب ديات الأعضاء ب 11 ح 1.

و قريب منه الخبر:«في كل فتق ثلث الدية» (1)و أصل الفتق الشقّ، و ضعف السند منجبر بالعمل.

مضافاً إلى التأيّد بورود مثله في خرم الأنف،ففي الخبر:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في خرم الأنف ثلث دية الأنف» (2).

فالعجب من شيخنا في المسالك و الروضة كيف نفى المستند للحكم في المسألة فقال بعد نقله عن الحلّي تفسير العبارة بما عرفته ما لفظه:

مع احتمال إرادة الاُذن أو ما هو أعم،و لا مستند لذلك يرجع إليه (3)، انتهى.

و اعلم أنّ ظاهره كالماتن في الشرائع (4)عدم قبول تفسير الحلّي،و به صرّح الفاضل في المختلف،فقال:إنّه تأويل بلا دليل،و مخالف لظاهر كلام الشيخ (5).لكن ظاهر الماتن هنا و المحكي عن الجامع (6)المصير إلى ما عليه الحلّي،و هو الأجود؛ لإجمال العبارات و النصوص المتقدمة،و عدم ظهور يعتدّ به في شيء منها،فينبغي الأخذ بالأقل المتيقن منها،و هو ما صرنا إليه،و يدفع الزائد بالأصل.

مضافاً إلى التأيّد بأنّ مع اعتباره لم يبق فرق بين قطع الشحمة و خرمها

ص:443


1- الكافي 7:10/312،التهذيب 10:979/248،الوسائل 29:337 أبواب ديات الأعضاء ب 32 ح 1.
2- الكافي 7:3/331،التهذيب 10:1014/256،الوسائل 29:293 أبواب ديات الأعضاء ب 4 ح 2.
3- المسالك 2:501،الروضة 10:206.
4- الشرائع 4:263.
5- المختلف:804.
6- الجامع للشرائع:593.

في مقدار الدية أصلاً،و هو مستبعد جدّاً،و بهذا يقرب تنزيل العبارات عليه إلّا ما صرّح فيه بثلث دية الاُذن.

ثم إنّ إطلاق أكثر النصوص و الفتاوي يقتضي عدم الفرق في الخرم الموجب لثلث الدية بين الملتئم منه و غيره،و عن ابن حمزة (1)التخصيص بالثاني،و قال في الأوّل بالحكومة،و هو ظاهر رواية ظريف المتقدمة، و ربما يعضده الاستقراء لما مرّ في الشعر و نحوه،و يمكن تنزيل الإطلاقات عليه.

و في استئصال الشفتين الدية بالإجماع الظاهر،المستفيض النقل (2)،المعتضد بالعمومات المتقدمة في الأُذنين،و خصوص النصوص المستفيضة (3)،و فيها الصحيح و غيره.

و لكن في تقدير دية كل واحدة منهما خلاف ف قال الشيخ في المبسوط (4)في العليا الثلث،و في السفلى الثلثان،و اختاره المفيد في المقنعة و جماعة كالمراسم و الكافي و الجامع و الإصباح (5)على ما حكي عنهم،و هو خيرة الغنية (6)مدّعياً في ظاهر كلامه كالمبسوط إجماع الإمامية،قال المفيد:لأنّها تمسك الطعام و الشراب،و شينها أقبح من شين

ص:444


1- الوسيلة:446.
2- الشرائع 4:263،القواعد 2:325،التحرير 2:272،المهذّب البارع 5:318،كشف اللثام 2:500.
3- الوسائل 29:283 أبواب ديات الأعضاء ب 1.
4- المبسوط 7:132.
5- المقنعة:755،المراسم:244،الكافي:398،انظر الجامع للشرائع:590،613،614،إصباح الشيعة(الينابيع الفقهية 24):293،و حكاه عنهم في كشف اللثام 2:500.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):621.

العليا،و بهذا ثبتت الآثار عن أئمّة الهدى(عليهم السّلام).

و الإجماع معارض بمثله كما يأتي.

و التعليل لا يفيد سوى التفضيل (1)في السفلى و نحن نقول به كما ستدري،و لكنّه لا يعيّن الثلثين كما يقولون،فيحتمل الثلاثة أخماس كما في القول الآتي.

و الآثار مرسلة لم نقف عليها،مع أنّ الموجود منها على خلافها،إلّا ما في كتاب ظريف (2)الذي وصل إلينا،و هو و إن تضمّن الثلثين في السفلى لكنّه صرّح بالنصف في العليا،و لم يقولوا به،فهو و إن وافق من جهة لكن خالف من اخرى،مع أنّ المحكي عنه أيضاً المخالفة مطلقا كما ستعرفها.

و قال في الخلاف (3):في العليا أربعمائة دينار،و في السفلى ستمائة،و كذا قال في النهاية و كتابي الحديث (4)،و حكي عن المقنع و الهداية و المهذّب و الوسيلة و الصهرشتي و الطبرسي و اختاره في المختلف (5).

و به رواية أبي جميلة،عن أبان بن تغلب،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام) قال:«في السفلى ستّة آلاف،و في العليا أربعة آلاف،لأنّ السفلى يمسك

ص:445


1- في النسخ:التفصيل،و الأنسب ما أثبتناه.
2- الكافي 7:331 باب الشفتين،التهذيب 10:1148/295،الوسائل 29:294 أبواب ديات الأعضاء ب 5 ح 1.
3- الخلاف 5:238.
4- النهاية:766،الاستبصار 4:288،التهذيب 10:246.
5- حكاه عنهم في غاية المراد 4:531،و هو في المقنع:180،الهداية:77،المهذّب و لم نعثر عليه في المهذب،الوسيلة:443،الصهرشتي انظر الإصباح(الينابيع الفقهية 24):293،الطبرسي في المؤتلف من المختلف 2:341،المختلف:804.

الماء» (1).

و فيها كما ترى ضعف بأبي جميلة،و إن روى عنه الحسن بن محبوب المحكي على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة (2)،و حكى الماتن مضمونها عن كتاب ظريف أيضاً (3)؛ لعدم بلوغها بالأوّل درجة الاعتبار و الصحة،و ضعف الحكاية بمخالفتها لما يروى عن ذلك الكتاب في الكتب المشهورة ممّا ستعرفه.

نعم عن الخلاف (4)دعوى الإجماع،لكنّه بعد الإغماض عن وهنه في نحو المضمار معارض بالمثل،بل و أجود؛ للتعدّد،كما مضى.

و قال الإسكافي و ابن بابويه (5) على ما حكاه الماتن: في العليا نصف الدية،و في السفلى الثلثان لما في كتاب ظريف المروي (6) في الكتب المشهورة بعدّة طرق معتبرة كما عرفته،لكن ندرة القول به و متروكيته كما في الشرائع و شرحه للصيمري (7)،و عدم مقاومته لما سبق من الأدلّة و ما يأتي يضعِّف العمل به،سيّما مع مخالفته للأدلّة فتوًى و نصّاً على أنّ في الشفتين الدية لا زائداً،إلّا أن يخصّ ذلك بصورة الجناية عليهما معاً لا منفرداً.

ص:446


1- الكافي 7:5/312،الفقيه 4:330/99،التهذيب 10:974/246،الوسائل 29:294 أبواب ديات الأعضاء ب 5 ح 2.
2- راجع رجال الكشي 2:830.
3- الشرائع 4:264.
4- الخلاف 5:239.
5- حكاه عنهما في المختلف:804.
6- الكافي 7:331 باب الشفتين،التهذيب 10:1148/295،الوسائل 29:294 أبواب ديات الأعضاء ب 5 ح 1.
7- الشرائع 4:264،غاية المرام 4:449.

و قال ابن أبي عقيل: إنّ في كل واحدة نصف الدية لا يفضل إحداهما على الأُخرى بزيادة (1) و هو قوي متين؛ لعموم الأدلّة على أنّ:

ما كان اثنين ففي كل منهما نصف الدية،و خصوص الموثق:«الشفتان العليا و السفلى سواء في الدية» (2).

و حمله على التساوي في وجوب الدية لا قدرها بعيد.

و إليه ذهب الفاضلان هنا و في الشرائع و التحرير و الإرشاد و القواعد، و الشهيدان في اللمعتين،و الفاضل المقداد في الشرح (3)،و غيرهم من المتأخرين (4).

و لكن في النفس منه شيء؛ لندرة القول به بين القدماء،بل كاد أن يكون خلاف المجمع عليه بينهم،كما نصّ عليه الحلّي،فقال بعد تقويته هذا القول-:إلاّ أن يكون على خلافه إجماع،و لا شك أنّ الإجماع منعقد على تفضيل السفلى،و الاتفاق حاصل على الستمائة دينار،و الأصل براءة الذمة ممّا زاد عليه،قال:و بهذا القول الأخير أعمل و أُفتي،و هو قول شيخنا في الاستبصار (5).

و يعني القول بالأربعمائة و الستمائة،و قد كان اختار أوّلاً القول الأوّل، و لنعم ما استدرك.

ص:447


1- حكاه عنه في المختلف:804.
2- التهذيب 10:975/246،الإستبصار 4:1088/288،الوسائل 29:286 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 10.
3- الشرائع 4:264،التحرير 2:272،الإرشاد 2:237،القواعد 2:325،اللمعة و الروضة البهية 10:209،التنقيح 4:498.
4- انظر كشف اللثام 2:500،المفاتيح 2:148.
5- السرائر 3:383.

و به يضعّف قول من تأخّر،سيّما مع دعاوي الإجماعات المتقدّمة، و ورود الروايات العديدة على خلافه.

و لكن ما حقّقه في اختيار ما في الاستبصار ضعيف؛ فإنّ حاصله الرجوع إلى أصل البراءة عن الزائد على الستمائة،و هو جارٍ في الزائد عن الثلث في العليا أيضاً،فهو و إن أبرأ ذمّة إلّا أنّه شغل اخرى،و التمسك به مشروط بأن لا يلزم منه ثبوت تكليف و لو من وجه آخر،و لو لزم لم يجز قطعاً.

و لو تمسك به في العليا أيضاً لزم خرق الإجماع جدّاً؛ لعدم قائل بالثلث في العليا و ثلاثة أخماس في السفلى كما يقتضيه الأصل فيهما،بل كلّ من قال بالأوّل في الأُولى قال بضعفِه في الثانية،و كلّ من قال بالثلاثة أخماس فيها قال بالخُمسَين في الاُولى،مع أنّ هذا خيرة الإستبصار (1)الذي اختاره لا ما سبقه،فالتمسك لإثباته بأصالة البراءة ضعيف في الغاية.

و من جميع ما مرّ ظهر أنّ المسألة محل تردّد و شبهة،لكن الذي يقتضيه النظر ضعف الأخيرين جدّاً،و يبقى الكلام في تعيين أحد الأوّلين و ترجيحه على الآخر،و لا مرجّح يظهر،فليؤخذ بما هو الأحوط،و هو الأخذ بالمتيقن من الثلث في العليا و الثلاثة أخماس في السفلى،و يرجع في الزائد في المقامين إلى الصلح.

و على الأقوال في (2)بعضها يؤخذ له بحساب ديتها كما سبق في نظائرها.

و في استئصال اللسان الصحيح الدية كاملةً إجماعاً؛ لما مرّ

ص:448


1- الاستبصار 4:288.
2- في المختصر المطبوع زيادة:قطع.

من النصوص في أنّ ما في الإنسان منه واحد فيه الدية (1).

مضافاً إلى خصوص المعتبرة،و فيها الموثق و غيره (2):«في اللّسان إذا استؤصل الدية كاملة».

و كذا في إذهاب النطق جملة و لو بقي اللسان بحاله،بلا خلاف فيه و في أنّه إذا ذهب بعضه قسّمت الدية على الحروف و أُعطي بقدر الفائتة، لا إشكال فيه؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:في رجل ضرب رجلاً في رأسه فثقل لسانه،أنّه«يعرض عليه حروف المعجم كلّها،ثم يعطى الدية بحصة ما لم يفصحه منها» (3).

و لو قطع بعضه أي بعض اللسان اعتبر بحروف المعجم أيضاً دون مساحته عند أكثر الأصحاب على الظاهر،المصرَّح به في كلام جماعة (4)،و حجتهم غير واضحة؛ لاختصاص المستفيضة المتقدمة بالجناية على المنفعة دون الجارحة التي هي مفروض المسألة.

نعم في الموثق:رجل طرف لغلام طرفة فقطع بعض لسانه فأفصح ببعض و لم يفصح ببعض،قال:«يقرأ المعجم فما أفصح به طرح من الدية،و ما لم يفصح به أُلزم الدية» قال:قلت:فكيف هو؟قال:«على

ص:449


1- راجع ص 428.
2- الكافي 7:7/312،التهذيب 10:976/247،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 7. و غيره:التهذيب 10:1148/296،الفقيه 4:194/55،الوسائل 29:284 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 3.
3- الوسائل 29:358 أبواب ديات المنافع ب 2 ح 1.
4- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:377،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:501.

حساب الجمل:ألف ديتها واحد،و الباء ديتها اثنان،و الجيم ثلاثة،و الدال أربعة،و الهاء خمسة،و الواو ستة،و الزاي سبعة،و الحاء ثمانية،و الطاء تسعة،و الياء عشرة،و الكاف عشرون،و اللام ثلاثون،و الميم أربعون، و النون خمسون،و السين ستّون،و العين سبعون،و الفاء ثمانون،و الصاد تسعون،و القاف مائة،و الراء مائتان،و الشين ثلاثمائة،و التاء أربعمائة، و كل حرف يزيد بعد هذا من:أ،ب،ت،ث،زدت له مائة درهم» (1).

و هو ظاهر فيما ذكروه؛ لقوله:فقطع بعض لسانه،و به صرّح بعض الأصحاب،بل قال:إنّه نصّ (2)فيه.

و منه يظهر ما في اعتراض المولى الأردبيلي-(رحمه اللّه) على الأصحاب بعدم الدليل،قال:فإنّ الدليل على ما سمعت و أشار به إلى الأخبار المتقدمة إنّما دلّ على كون المدار على المنفعة فيما إذا ذهبت المنفعة فقط و لم يذهب من الجرم شيء؛ إذ ما كان في الدليل ما يشمل على قطع بعض اللسان مع كون المدار على نقصان الحروف،و أنّه قد يسقط من اللسان و لا يحصل قصور في صدور الحروف،فالمناسب أن يكون المدار على المنفعة فيما إذا كان فيها فقط،و على المساحة و المقدار على تقدير النقص فيه فقط (3)،إلى آخر ما ذكره(رحمه اللّه).

و لعلّه غفل عن دلالة هذه الموثقة،أو حمل قطع بعض اللسان في قوله:فقطع،على قطع بعض النطق و الكلام؛ لإطلاق اللسان عليه كثيراً،

ص:450


1- التهذيب 10:1043/263،الإستبصار 4:1108/293،الوسائل 29:360 أبواب ديات المنافع ب 2 ح 7،بتفاوت يسير.
2- كشف اللثام 2:501.
3- مجمع الفائدة 14:377.

و هو و إن كان مجازاً إلّا أنّ القرينة قائمة عليه فيها،و هي عطف«قطع» على طرف،و الطرف في الأصل الضرب على طرف العين،ثم نقل إلى الضرب على الرأس،كما في النهاية الأثيرية (1)،و ظاهر أنّ الضرب على الرأس لا يوجب قطع اللسان الحقيقي،بل المجازي،و على هذا يكون سبيل هذه الرواية سبيل المستفيضة في اختصاصها بجناية المنفعة،لا الجارحة.

مضافاً إلى منافاة ما فيها من بسط الدية بحسب حروف الجمل لما عليه الأصحاب كافّة فيما أجده،و به صرّح بعض الأجلّة (2)من بسطها على حروف المعجم بالسوية،كما هو ظاهر المستفيضة،بل صريح بعضها، و هو قوية السكوني:«اتي أمير المؤمنين(عليه السّلام)برجل ضرب فذهب بعض كلامه و بقي بعض كلامه،فجعل ديته على حروف المعجم كلّها،ثم قال:

تكلّم بالمعجم،فما نقص من كلامه فبحساب ذلك،و المعجم ثمانية و عشرون حرفاً،فجعل ثمانية و عشرين جزءاً،فما نقص من ذلك فبحساب ذلك (3).

فالأصحّ ما ذكره من عدم دليل بذلك من نصّ و لا رواية.

و الذي يقتضيه النظر و يعضده الأُصول وجوب دية للذّاهب من جرم اللّسان بالمساحة،و أُخرى للذّاهب من الحروف بالنسبة،و يحتمله ما عن الحلبي و الإصباح و في الغنية (4):من أنّه إذا قطع بعض اللسان ففيه بحساب

ص:451


1- النهاية الأثيرية 3:121.
2- و هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:501،و فيه:إلا المفيد في بعض نسخ المقنعة.
3- التهذيب 10:1042/263،الإستبصار 4:1107/293،الوسائل 29:360 أبواب ديات المنافع ب 2 ح 6.
4- الكافي في الفقه:397،الإصباح(الينابيع الفقهية 24):292،الغنية(الجوامع الفقهية):621.

الواجب في جميعه و يقاس بالميل،و إذا ذهب بعض اللسان يعنون الكلام اعتبر بحروف المعجم.

لكن يحتمل إرادتهم بذلك الاعتبار بالمساحة إن لم يذهب من الكلام شيء،أو ذهب منه أقلّ من مساحة اللسان بالنسبة إلى الدية،كأن ذهب منه ربعه و من اللسان نصفه،فيؤخذ من الدية بنسبته دون الكلام.

و الاحتمال الأوّل أوفق بالأُصول،لكن القائل به من الأصحاب غير معلوم؛ لإطباقهم ظاهراً على تداخل الديتين مطلقا،حتى لو تفاوت نسبة كل منهما إلى الدية الكاملة،بأن كان إحداهما بالربع و الأُخرى بالنصف،أو بالعكس.

لكن اختلفوا في أخذ الزيادة عن القدر المتداخل فيه مطلقاً،كما عليه المبسوط (1)نافياً الخلاف عنه،و حكى في المختلف عن الحلبي أيضاً (2)، أو إذا كانت الزيادة للمنفعة خاصّة،و لو انعكس فلا زيادة،كما عليه الأكثر على الظاهر،المصرّح به في كلام جمع (3)،بناءً منهم على أنّه لا اعتبار بقدر المقطوع هنا،و دليلهم غير واضح عدا ما قيل (4):من إطلاق ما مرّ من المستفيضة.و فيه ما عرفته.

فإذاً الأجود القول الأوّل؛ أخذاً بالأصل الدالّ على لزوم ديتي الجارحة و المنفعة و أبعاضهما بالنسبة،خرج منهما القدر المتداخل فيه بشبهة الإجماع،و الأولوية المستفادة من ثبوت التداخل باستئصال الجارحة اتفاقاً،

ص:452


1- المبسوط 7:134.
2- المختلف:805.
3- منه ابن فهد في المهذب البارع 5:323 و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:377،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:501.
4- قاله الشهيد الثاني في الروضة 10:213.

فتوًى و رواية،ففي البعض أولى،فتأمّل جدّاً ،و يبقى الزائد عنه مندرجاً تحته؛ مضافاً إلى التأيّد بنقل عدم الخلاف المتقدم.

و قد اختار هذا القول من محقّقي المتأخّرين جماعة،و منهم الفاضل في المختلف و التحرير و القواعد،و شيخنا في المسالك و الروضة (1)، و غيرهم (2).

و هي أي الحروف ثمانية و عشرون حرفاً في المشهور بين الفقهاء،و به نصّت القوية المتقدمة (3)،و نحوه رواية أُخرى صحيحة (4)و ثالثة عن مولانا الرضا(عليه السّلام)مروية (5)،و قصور السند فيها و في الاُولى مجبور بالشهرة بين الفقهاء.

و لكن في رواية أُخرى صحيحة (6)أنّها تسعة و عشرون حرفاً،و هي مع أنّها معارضة بمثلها لراويها أيضاً،و زيادةً عليه عرفتها مطرحة لم أجد بها عاملاً عدا يحيى بن سعيد فيما يحكى عنه (7)،و هو شاذّ،بل على خلافه في ظاهر العبارة هنا و في الشرائع و غيره (8)الإجماع

ص:453


1- المختلف:805،التحرير 2:270،القواعد 2:325،المسالك 2:501،الروضة 10:215.
2- انظر المفاتيح 2:149.
3- في ص 449.
4- الفقيه 4:266/83،الوسائل 29:358 أبواب ديات المنافع ب 2 ذيل الحديث 2.
5- فقه الرضا(عليه السّلام):318،المستدرك 18:392 أبواب ديات المنافع ب 2 ح 3.
6- التهذيب 10:1040/263،الإستبصار 4:1105/292،الوسائل 29:359 أبواب ديات المنافع ب 2 ح 5.
7- حكاه عنه في كشف اللثام 2:501،و هو في الجامع للشرائع:591.
8- الشرائع 4:264،المقتصر:451.

من العلماء،بل من اللغة و العرف أيضاً كما في المسالك و غيره (1)،لكن قيل:إنّه المشهور عند أهل العربية (2)،و عن الكشّاف في تفسير أوّل سورة البقرة أنّ حروف المعجم تسعة و عشرون و اسمها ثمانية و عشرون (3).

و كيف كان فالمذهب هو الأوّل؛ لما مرّ،مع ضعف المعارض،و عدم تعرضه لبيان الزائد ما هو؟و إن قيل:الظاهر أنّه فرّق بين الهمزة و الألف (4).

و في استئصال لسان الأخرس ثلث الدية بلا خلاف أجده، بل عليه في ظاهر المبسوط و السرائر و صريح الخلاف و الغنية (5)إجماع الإمامية،و فيه الحجة.

مضافاً إلى الصحيح:«في لسان الأخرس و عين الأعمى ثلث الدية» (6).

و لا فرق بين كون الخرس خلقيّاً أو عرضيا؛ لإطلاق النص و الفتوى، و لكن مرّ في بعض الصحاح (7)ما يفيد تقييده بالثاني،و لزوم تمام الدية في الأوّل،و لم أَرَ به عاملاً،فيكون على الظاهر شاذّاً.

و في قطع بعضه بحساب ديته بمساحته،كما سبق في

ص:454


1- المسالك 2:501،المفاتيح 2:149.
2- قاله في كشف اللثام 2:501.
3- انظر الكشاف 1:29.
4- المفاتيح 2:149.
5- المبسوط 7:135،السرائر 3:385،الخلاف 5:241،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
6- الكافي 7:6/318،الفقيه 4:325/98،التهذيب 10:1062/270،الوسائل 29:336 أبواب ديات الأعضاء ب 31 ح 1.
7- الفقيه 4:376/111،الوسائل 29:336 أبواب ديات الأعضاء ب 31 ذيل الحديث 2.

نظائره.

و لو ادّعى المجني عليه ذهاب نطقه بالجناية ففي رواية:

« يضرب لسانه بالإبرة،فإن خرج الدم أحمر فقد كذب،و إن خرج أسود فقد صدق » (1)و قد عمل بها الحلبي و ابنا زهرة و حمزة و الشيخ في الخلاف (2)مدّعياً عليه الوفاق.

فإن تمّ إجماعاً أو شهرة جابرة،و إلّا فالسند ضعيف بجماعة،و لذا أعرض عنها المتأخّرون،و قالوا بالتصديق بالقسامة خمسين يميناً بالإشارة أو ستّة على الخلاف المتقدم إليه الإشارة (3)؛لتعذّر إقامة البيّنة على ذلك، و حصول الظن المستند إلى الأمارة بصدقه و هي الجناية،فيكون لوثاً تثبت به القسامة؛ لما تقدم في بحثها من الأدلّة،و حكي القول بهذا أيضاً عن النهاية (4).

و ظاهر الماتن التوقّف في الحكم،مع أنّه في الشرائع (5)حكم بالقسامة،و لعلّه نشأ من ضعفها كما عرفته،و من قوّة احتمال انجبارها بفتوى هؤلاء القدماء،و سيّما ابن زهرة الذي لا يعمل بالآحاد المجرّدة عن القرائن القطعية،مع احتمال عبارته دعوى الإجماع عليه كالشيخ،و مع ذلك الرواية مروية في الكتب الثلاثة،مع قوة احتمال فتوى الصدوق و الكليني

ص:455


1- الكافي 7:7/323،الفقيه 3:35/11،التهذيب 10:1053/268،الوسائل 29:363 أبواب ديات المنافع ب 4 ح 1.
2- الحلبي في الكافي في الفقه:397،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):621،ابن حمزة في الوسيلة:449،الخلاف 5:240.
3- راجع ص 292.
4- النهاية:767.
5- الشرائع 4:248.

بها،و لا سيّما الأوّل،فتأمّل جدّاً .

و في الأسنان بفتح الهمزة لو كسرت فذهبت أجمع الدية كاملاً،بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (1)،بل عليه الإجماع في الغنية (2)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى المعتبرة الآتية.

و هي أي الأسنان المقسوم عليها الدية ثمانية و عشرون سنّاً توزّع عليها متفاوتة كما يذكر منها المقاديم اثنا عشر الثنيّتان و هما وسطها،و الرباعيتان خلفهما،و النابان وراءها،كلّها من أعلى،و مثلها من أسفل،و فيها ستّمائة دينار موزّعة عليها بالسوية في كل واحد خمسون ديناراً،و المآخير ستّة عشر أربعة من كل جانب من الجوانب الأربعة ضاحك و أضراس ثلاثة،و فيها أربعمائة دينار موزّعة عليها بالسوية في كل واحد خمسة و عشرون ديناراً.

و الأصل في هذا التفصيل رواية حكم بن عتيبة (3)أنّه قال لأبي جعفر(عليه السّلام):إنّ بعض الناس في فيه اثنتان و ثلاثون سنّاً،و بعضهم له ثمان و عشرون سنّاً،فعلى كم تقسم دية الإنسان؟فقال:«الخلقة إنّما هي ثمان و عشرون سنّاً اثنتا عشرة في مقاديم الفم و ست عشرة سنّاً في مآخيره، فعلى هذا قسّمت دية الأسنان،فدية كل سنّ من المقاديم إذا كسرت حتى تذهب خمسمائة درهم،و هي اثنتا عشرة سنّاً،فديتها كلّها ستة آلاف درهم،و في كل سنّ من المآخير مائتان و خمسون درهماً،و هي ست عشرة

ص:456


1- منهم الشيخ في الخلاف 5:243،و الشهيد الثاني في المسالك 2:502،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:386،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:503.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- في«ب»:عيينة.

سنّاً،فديتها أربعة آلاف درهم،فجميع دية المقاديم و المآخير من الأسنان عشرة آلاف درهم،و إنّما وضعت الدية على هذا،فما زاد على ثمان و عشرين سنّاً فلا دية له،و ما نقص فلا دية له،هكذا وجدناه في كتاب علي(عليه السّلام)» (1).

و ضعف سندها منجبر بفتوى أصحابنا كافّة على الظاهر،المصرَّح به في المسالك و غيره (2)،بل الإجماع كما في ظاهر الغنية و غيره (3)،و هو حجة أُخرى في المسألة.

مضافاً إلى المرسلة المروية في الفقيه قال:قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام).. (4)

و ذكر مضمون الرواية.

فلا إشكال في المسألة،و إن ورد فيها نصوص مستفيضة (5)،فيها الصحيح و غيره ظاهرة المخالفة من حيث الدلالة على التسوية بين الأسنان كلّها في[نصف (6)]عشر الدية؛ لشذوذها على إطلاقها،و احتمالها لذلك الحمل على المقاديم خاصّة،سيّما مع كونها أقرب إلى التلف بالجناية،مع أنّه لو لم تحمل عليها لكانت الدية تزيد على الدية الكاملة،و لا يبعد أيضاً حملها على التقية كما ذكره خالي العلّامة المجلسي-(رحمه اللّه) قال:لاتفاق العامّة على أنّ في كل سنّ خمساً من الإبل،و أنّه لا فرق بين المقاديم

ص:457


1- الكافي 7:1/329،الفقيه 4:351/104،التهذيب 10:1005/254،الإستبصار 4:1089/288،الوسائل 29:343 أبواب ديات الأعضاء ب 38 ح 2.
2- المسالك 2:502،المفاتيح 2:150.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621،و انظر الخلاف 5:243.
4- الفقيه 4:347/103،الوسائل 29:342 أبواب ديات الأعضاء ب 38 ح 1.
5- الوسائل 29:342 أبواب ديات الأعضاء ب 38.
6- ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

و المآخير (1).

و أمّا القوي:«الأسنان إحدى و ثلاثون ثغرة و في كل ثغرة ثلاثة أبعرة و خُمس بعير» (2).فقد حمله الشيخ على التقية،قال:لأنّه موافق لمذهب بعض العامّة،و لسنا نعمل به.

و لا دية للزائدة عن العدد المذكور لو قلعت منضمّة إلى العضو المقدّر ديته المشتمل على غيره؛ للأصل و الرواية المتقدمة المعتضدين بثبوت الحكم في نظير المسألة،كالإصبع الزائدة لو قطعت مع الكفّ جملة،مع أنّه لا خلاف فيه أجده إلّا من إطلاق ما في الغنية و عن المقنعة و الكافي و الإصباح و نكت النهاية (3)من أنّ فيها حكومة من دون تفصيل بين قطعها منضمّة أو منفردة،و لكن الأصحاب لم يحكوا عنهم الخلاف هنا،بل حكوه عنهم في الثانية،و لعلّهم فهموا ما يفيد اختصاص كلامهم بها(فيكون الحكم هنا وفاقيّاً لكن الفاضل في المختلف (4)حكم بالأرش في المقامين مستدلّاً بأنّ فيه ألماً و نقصاً في خلقته،و هذا يتمّ في القلع منفرداً لا منضمّاً) (5).

و كيف كان لا إشكال في عدم شيء فيها هنا و إنّما الإشكال في أنّه هل لها ثلث دية الأصل الذي يجنيه كما عن الوسيلة و التحرير (6)،

ص:458


1- ملاذ الأخيار 16:547.
2- التهذيب 10:1029/260،الإستبصار 4:1094/290،الوسائل 29:344 أبواب ديات الأعضاء ب 38 ح 5.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621،المقنعة:119،الكافي في الفقه:398،الإصباح(الينابيع الفقهية 24):293،نكت النهاية 3:436.
4- المختلف:805.
5- ما بين القوسين ليس في«ب» و«س».
6- الوسيلة:448،التحرير 2:274.

فيكون لها ثلث دية المقاديم إن كان بينها،و ثلث دية المآخير إن كان كذلك،و إن كانت فيما بينهما فالأقلّ؛ للأصل لو قلعت منفردة عنه،أم يثبت فيها الحكومة فينظر فيما نقص من قيمة صاحبه بذهابه منه لو كان عبداً،و يعطى بحساب دية الحرّ منه،كما في كلام هؤلاء الجماعة،و قوّاه الحلّي،قال:و به أخبار كثيرة معتمدة (1).و اعترضه الماتن فيما حكي عنه بأنّا لا ندري قوّته من أين عرفها؟و لا الأخبار التي أشار إليها أين وجدها؟و لا الكثرة من أين حصّلها؟و نحن مطالبوه بدعواه (2).

أقول:و لعلّه لذا اختار الأكثر كما في المسالك و الروضة و غيرهما (3) الأوّل،وفاقاً للفقيه و النهاية و السرائر و الجامع (4)،و عن الخلاف (5)دعوى الإجماع عليه،فإن تمّ كان هو الحجة،لا ما ذكره من فساد ما ادّعاه الحلّي من الأخبار المعتمدة؛ لاحتمال دليل آخر غيره،و لعلّه الإجماع كما ادّعاه في الغنية (6)،و به يذبّ عن حكاية الإجماع المتقدّمة.

مع تأيّد هذا بالقاعدة المسلّمة (7)بثبوت الحكومة فيما لم يرد بتقديره نصّ في الشريعة كما هو مفروض المسألة،بل روي عن مولانا الرضا(عليه السّلام):

«أضراس العقل لا دية فيها إنّما على من أصابها أرش كأرش الخدش» (8).

ص:459


1- انظر السرائر 3:386،فإنّه قوّى القول بالثلث ظاهراً،و كذا اعتراض الماتن إليه يكون بالنسبة إلى القول بالثلث.
2- نكت النهاية 3:436.
3- المسالك 2:502،الروضة 10:218،و انظر المفاتيح 2:150.
4- الفقيه 4:103،النهاية:767،السرائر 3:386،الجامع للشرائع:592.
5- الخلاف 5:205.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
7- ليست في«ب» و«س».
8- فقه الرضا(عليه السّلام):319،المستدرك 18:378 أبواب ديات الأعضاء ب 35 ح 3.

و هذه تعاضد القول بالحكومة،و يظهر منها بيان السنّ الزائدة،و أنّها أضراس العقل المتأخّرة عن مجموع الأسنان الموزّع عليها الدية،مع أنّ ذلك مقتضى تقسيمها بما عرفته،و صرّح به جماعة (1)،فلا اشتباه في الزائدة و الأصلية،فما في المسالك و غيره (2)من الإشكال مع عدم التميّز بينهما لا أعرف وجهه،سيّما مع تصريحهم بالتقسيم بما عرفته.

و أمّا الاستدلال للقول بالثلث بوروده في غيره كالإصبع الزائدة فقياس فاسد في الشريعة،فالقول بالحكومة في غاية القوّة،و اختاره من المتأخّرين الفاضل في المختلف (3)كما عرفته،و يميل إليه بعض الميل شيخنا في الروضة و المسالك (4).

و هنا قول آخر حكي عن المقنع (5)،و هو أنّه لا شيء في الزائدة، و لم يفصّل بين صورتي قلعها منضمّة أو منفردة،و ربما استدل له برواية الحكم المتقدمة (6)،و لا دلالة فيها على نفي الأرش،بل الدية خاصّة.

و في اسوداد السنّ بالجناية و لم تسقط ثلثا الدية لها و هي صحيحة،بلا خلاف أجده حتى من الشيخ في المبسوط (7)،إلّا أنّه قيّده بما إذا ذهب كل منافعها حتى لا يقوى على أن يمضغ بها شيئاً،و قال فيها من دونه بالحكومة.

و الأصل في المسألة مضافاً إلى عدم الخلاف فيها في الجملة،بل

ص:460


1- انظر التحرير 2:274،و اللمعة(الروضة 10):216.
2- المسالك 2:502،المفاتيح 2:150.
3- المختلف:805.
4- الروضة 10:218،المسالك 2:502.
5- المقنع:190.
6- راجع ص 454.
7- المبسوط 7:141.

الإجماع كما عن الخلاف و في الغنية (1)الصحيح:«السنّ إذا ضربت انتظر بها سنة،فإن وقعت اغرم الضارب خمسمائة درهم،و إن لم تقع و اسودّت أُغرم ثلثي ديتها» (2).

و ليس فيه كسائر فتاوي الأصحاب و الإجماعات المنقولة التفصيل بما في المبسوط،كما اعترف به فيه،فقال بعد الحكم بالحكومة:و قد روى أصحابنا فيها مقدّراً ذكرناه في النهاية (3)،يعني ثلثي ديتها.

فهو ضعيف جدّاً،إلّا أن يحمل النص و كلام الأصحاب على المقيّد كما يومئ إليه عبائر جمع منهم (4)،حيث علّلوا الحكم زيادةً على النص بأنّ ذلك بمنزلة الشلل،و هو لا يحصل إلّا في المقيّد،فتأمّل .

و في المقام أخبار أُخر (5)شاذّة،و مع ذلك أكثرها بحسب السند قاصرة أو ضعيفة،و بعضها قابل للجمع بينه و بين الرواية المعمولة.

و كذا روي في انصداعها و نقلقلها و لم تسقط ثلثا الدية،كما قطع بها الشيخان و جماعة (6)،بل ادّعى عليها في الروضة (7)الشهرة و هي تصلح جابرة لما في سند الرواية من ال ضعف إن وجدت، لكنّا لم نقف عليها،و به صرّح جماعة كالفاضل المقداد و الصيمري

ص:461


1- الخلاف 5:246،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- الكافي 7:9/334،الفقيه 4:346/102،التهذيب 10:1008/255،الإستبصار 4:1095/290،الوسائل 29:348 أبواب ديات الأعضاء ب 40 ح 1.
3- النهاية:768.
4- كالشهيد الثاني في الروضة 10:218،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:392،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:150.
5- انظر الوسائل 29:348 أبواب ديات الأعضاء ب 40.
6- المقنعة:757،النهاية:768؛ و انظر الشرائع 4:266،و القواعد 2:327.
7- الروضة 10:218.

و غيرهما (1)،فهي مرسلة سنداً و متناً لا تصلح الشهرة لها جابرة؛ إذ الجبر فرع وضوح الدلالة،و هو غير معلوم بعد عدم ظهور متن الرواية،و مع ذلك فالمروي في كتاب ظريف و الرضوي (2)كما حكي أنّ فيه نصف ديتها، لكن لم أجد به قائلاً.

و حيث ضعف التمسك بهذه الروايات كان الحكومة أشبه عملاً بالقاعدة فيما لم يرد له تقدير في الشريعة.

و في قلع السنّ السوداء ثلث الدية لها و هي صحيحة،على الأظهر الأشهر بين الطائفة،كما صرّح به جماعة (3)،بل عليه الإجماع عن الخلاف و في الغنية (4)،و هو الحجة.

مضافاً إلى صريح الخبر أنّ«في السنّ السوداء ثلث ديتها» (5).

و عموم آخر:«كل ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح» (6)لكنّه يتمّ على تقدير[تحقق (7)]الشلل بالسواد.

خلافاً للشيخ في النهاية و عن الجامع (8)،فالربع؛ للخبر (9).

ص:462


1- التنقيح 4:500،غاية المرام 4:452،كشف اللثام 2:504.
2- الكافي 7:/333 ذيل 5،التهذيب 10:1148/295،الوسائل 29:297 أبواب ديات الأعضاء ب 8 ح 1،فقه الرضا(عليه السّلام):319،المستدرك 18:380 أبواب ديات الأعضاء ب 37 ح 1.
3- منهم المحقق في الشرائع 4:266،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:150.
4- الخلاف 5:247،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
5- التهذيب 10:1074/275،الوسائل 29:351 أبواب ديات الأعضاء ب 43 ح 2.
6- الكافي 7:2/330،التهذيب 10:1004/254،الوسائل 29:345 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 1.
7- ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
8- النهاية:767،الجامع:592.
9- التهذيب 10:1031/261،الوسائل 29:349 أبواب ديات الأعضاء ب 40 ح 3.

و فيه مع ضعف سنده عدم مقاومته لما مرّ،سيّما مع تأيّده بأنّ في اسودادها ثلثي ديتها كما مضى،فينبغي أن يكون في قلعها سوداء ثلثها.

و له في المبسوط (1)،فالحكومة؛ لضعف الأخبار،فيرجع إلى القاعدة.

و هو حسن لولا الشهرة الجابرة له.

و في كتاب ظريف:«فإن سقطت بعد و هي سوداء فديتها اثنا عشر ديناراً و نصف دينار» (2).و هو يؤيّد ما في النهاية،لكن نسخه مختلفة،ففي الكافي و التهذيب كما ذكر،و في الفقيه:«فديتها خمسة و عشرون ديناراً» (3).

و يتربّص بسنّ الصغير الذي لم يثغر مدّة يمكن النبات فيها عادة فإن نبتت فله الأرش و الحكومة و إن لم تنبت فله دية المثغر على الأصح،وفاقاً لجماعة (4).

و في رواية عمل بها جماعة (5)أنه فيها بعير من غير تفصيل فيها بين صورتي النبات و عدمه و هي رواية النوفلي عن السكوني (6)و رواية مسمع (7)،و السكوني ضعيف على المشهور،و صاحبه

ص:463


1- المبسوط 7:142.
2- الكافي 7:/333 ذيل 5،التهذيب 10:1148/295،الوسائل 29:297 أبواب ديات الأعضاء ب 8 ح 1.
3- الفقيه 4:58.
4- منهم الشيخ في المبسوط 7:138،و الشهيد الثاني في الروضة 10:218،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:504.
5- منهم الشيخ في المبسوط 7:138،و ابن حمزة في الوسيلة:448،و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:648.
6- التهذيب 10:1033/261،الوسائل 29:338 أبواب ديات الأعضاء ب 33 ح 3.
7- التهذيب 10:1010/256،الوسائل 29:338 أبواب ديات الأعضاء ب 33 ح 2.

مجهول و الطريق إلى مسمع في هذه يعني روايته ضعيف أيضا بسهل و غيره،و مع ذلك معارضتان بأجود منهما،و قد مضى تمام التحقيق في المسألة في كتاب القصاص في أواخر القسم الثاني منه في قصاص الأطراف.

و في قطع اليدين و نحوهما الرجلان معاً الدية كاملة و في قطع كل واحدة منهما نصف الدية اتفاقاً،فتوًى و نصّاً مستفيضاً،عموماً و خصوصاً،ففي الصحيح:«ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية مثل اليدين و العينين» (1)و نحوه عموماً ما مرّ مراراً.

و خصوصاً الصحيح الآخر:«و في اليد نصف الدية» (2).

و نحوه الموثّقان:عن اليد؟قال:«نصف الدية» (3).

و نحوه الخبر بزيادة:«و في اليدين جميعاً الدية،و في الرجلين كذلك» (4).

و إطلاقها كالفتاوي و صريح جملة منها يقتضي عدم الفرق بين اليمنى و اليسرى،و اليد الواحدة خلقةً أو بآفة و المتعدّدة،و ظاهر بعض

ص:464


1- الكافي 7:22/315،التهذيب 10:989/250،الوسائل 29:283 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 1.
2- الكافي 7:4/312،التهذيب 10:972/246،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 5.
3- أحدهما في:الكافي 7:2/311،التهذيب 10:973/246،الوسائل 29:297 أبواب ديات الأعضاء ب 7 ح 3. و الآخر في:التهذيب 10:975/246،الإستبصار 4:1088/288،الوسائل 29:286 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 10.
4- الكافي 7:6/312،الفقيه 4:329/99،التهذيب 10:971/245،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 6.

الأصحاب (1)أنّ عليه إجماع الطائفة،و هو حجة أُخرى،مضافاً إلى الإطلاقات،فلا يلتفت إلى قوّة اليمنى و كثرة منافعها،و كون اليد الواحدة خلقةً بمنزلة اليدين كما عين الأعور خلقةً؛ لأنّ ذلك خارج بالنص و الإجماع،و إلحاقها بها قياس.

و حدّها أي اليد التي لها الدية المعصم أي الزند عندنا على الظاهر،المصرَّح به في عبارة بعض أصحابنا (2)،معرباً عن دعوى إجماعنا عليه،و هو القرينة على المراد منها في الأخبار،و لولاه لأشكل الحكم،إمّا للإجمال،أو لتبادر جملة العضو إلى المنكب منها عند الإطلاق الموجب لحمل اللفظ عليه.

و تدخل دية الأصابع في ديتها حيث يجتمعان في قطع واحد، بلا خلاف،بل عليه الإجماع في شرح الشرائع للصيمري (3)،و هو الحجة.

مضافاً إلى إطلاق الأخبار بأنّ في اليدين أو إحداهما الدية أو نصفها.

و في قطع الأصابع العشرة من اليدين كانت أو من الرجلين الدية كاملة إجماعاً على الظاهر،المصرَّح به في عبائر جماعة (4)حدّ الاستفاضة،و هو الحجة،مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الآتي إلى جملة منها الإشارة.

و في قطع كل واحدة منها عشر الدية دية النفس،على

ص:465


1- انظر كشف اللثام 2:504.
2- كما في كشف اللثام 2:504.
3- انظر غاية المرام 4:454.
4- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):621،و العلّامة في التحرير 2:274،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:504.

الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل عليه المتأخّرون كافّة،و صرّح جماعة (1)منهم بالشهرة؛ للمستفيضة،ففي الصحيح:عن الأصابع أ سَواء هنّ في الدية؟قال:«نعم» (2).

و فيه:«أصابع اليدين و الرجلين سواء في الدية،في كل إصبع عشر من الإبل» الخبر (3).

و في الموثق:عن الأصابع هل لبعضها على بعض فضل في الدية؟ فقال:«هنّ سواء في الدية» (4).

و في الخبر:«في الأصابع في كل إصبع عشر من الإبل» (5)إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

و قيل كما عن الخلاف و الوسيلة و الإصباح و ابن زهرة (6):إنّ في الإبهام ثلث دية اليد الواحدة،و في الأربع الباقية الثلثان بينها بالسوية، و ادّعى الأوّل و الأخير عليه إجماع الإمامية،و قال به الحلبي (7)أيضاً،لكن في اليد خاصّة،و قال في الرِّجل بالتسوية؛ لما في كتاب ظريف من قوله

ص:466


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:502،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:401،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:151.
2- الكافي 7:10/328،التهذيب 10:1015/257،الإستبصار 4:1098/291،الوسائل 29:346 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 3.
3- الفقيه 4:345/102،التهذيب 10:1016/257،الإستبصار 4:1100/291،الوسائل 29:346 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 4.
4- الفقيه 4:340/102،التهذيب 10:1023/259،الإستبصار 4:1101/291،الوسائل 29:347 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 6.
5- الإستبصار 4:1102/292،الوسائل 29:348 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ذيل ح 7.
6- الخلاف 5:248،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
7- الكافي في الفقه:398.

«في الإبهام إذا قطع ثلث دية اليد مائة دينار و ستة و ستون ديناراً و ثلثا دينار..و في الأصابع في كل إصبع سدس دية اليد ثلاثة و ثمانون ديناراً و ثلث دينار..و دية الأصابع[و القصب (1)]التي في القدم للإبهام ثلث دية الرجلين ثلاث مائة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار» إلى أن قال:«و دية كل إصبع منها سدس دية الرجل ثلاثة و ثمانون ديناراً و ثلث دينار» (2)و نحوه الرضوي كما حكي (3).

و في الجميع نظر؛ لوهن نقل الإجماع بمخالفة الأكثر،مع معارضته باستفاضة نقل الشهرة الموهنة على خلافه،و قصور الخبرين عن المقاومة للمستفيضة من وجوه عديدة.

و دية كل إصبع مقسومة على ثلاث عقد في كل عقدة ثلث ديتها و في الإبهام تقسم ديتها على اثنتين في كل منهما نصفها،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع عن الخلاف و في الغنية (4)؛ للقوي:«أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)كان يقضي في كل مفصل من الأصابع بثلث عقل تلك الإصبع إلّا الإبهام[فإنّه (5)]كان يقضي في مفصلها بنصف عقل تلك الإبهام؛ لأنّ لها مفصلين» (6).

ص:467


1- في النسخ:و العَصَب،و ما أثبتناه من المصادر.
2- الكافي 7:10/334،11/338،الفقيه 4:194/60،التهذيب 10:1148/295،الوسائل 29:302 أبواب ديات الأعضاء ب 12 ح 1،308 أبواب ديات الأعضاء ب 17 ح 1.
3- حكاه في كشف اللثام 2:505،و هو في فقه الرضا((عليه السّلام)):323.
4- الخلاف 5:249،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
5- في النسخ:فإنّها،و ما أثبتناه من المصادر.
6- الفقيه 4:385/113،التهذيب 10:1018/257،الوسائل 29:350 أبواب ديات الأعضاء ب 42 ح 1.

و أمّا ما في كتاب ظريف و الرضوي كما حكي ممّا يخالف ذلك فشاذّ لا عامل به.

و في قطع الإصبع الزائدة ثلث دية الأصلية بلا خلاف أجده،و به صرّح بعض الأجلة (1)،بل عليه الإجماع في الغنية (2)؛ لبعض المعتبرة و لو بالشهرة:«في الإصبع الزائدة إذا قطعت ثلث دية الصحيحة» (3).

و أمّا الخبر:«الخلقة التي قسّمت عليها الدية عشرة أصابع في اليدين، ما زاد أو نقص فلا دية له» (4)فمع ضعف سنده محمول على قطعها منضمّة،و يحمل الأوّل على قطعها منفردة؛ جمعاً.

و في شلل الأصابع أو اليدين أو الرجلين ثلثا ديتها بلا خلاف أجده،بل عن ظاهر المبسوط و صريح الخلاف و في الغنية (5)أنّ عليه الإجماع؛ للمروي في الصحيح و غيره:«إذا يبست من الكفّ فشلّت أصابع الكفّ كلّها فإنّ فيها ثلثي الدية دية اليد» قال:«و إن شلّت بعض الأصابع و بقي بعض فإنّ في كل إصبع شلّت ثلثي ديتها» قال:«و كذلك الحكم في الساق و القدم إن شلّت أصابع القدم» (6).

ص:468


1- الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:506.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- الكافي 7:11/338،الفقيه 4:349/103،التهذيب 10:1011/256،الوسائل 29:345 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 2.
4- الكافي 7:2/330،التهذيب 10:1004/254،الوسائل 29:345 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 1.
5- المبسوط 7:143،الخلاف 5:249،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
6- الكافي 7:9/328،الفقيه 4:348/103،التهذيب 10:1017/257،الإستبصار 4:1097/290،الوسائل 29:347 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 5،بتفاوت يسير.

و يرشد إليه أنّ في قطع الشلّاء ثلث ديتها اتفاقاً ظاهراً،و نسبه بعض الأصحاب (1)إليهم كافّة مشعراً بكونه إجماعاً،و ادّعاه في الغنية صريحاً، و يدلّ عليه الخبران أيضاً،في أحدهما:«في كلّ إصبع من أصابع اليدين ألف درهم..و كل ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح» (2).

و الثاني:فيمن قطع يد رجل له ثلاث أصابع من يده شلل..«و قيمة الثلاث أصابع الشلل مع الكفّ ألف درهم؛ لأنّها على الثلث من دية الصحاح» (3).

و أمّا النصوص (4)الدالّة على أنّ في شلل اليدين،و كذا الأصابع الدية، كالصحيحة،فشاذّة لا عامل بها أجده،و إن تضمّنت الصحيح و غيره،مع مخالفتها الاعتبار،و عدم مقاومتها لما مر من الإجماع و الأخبار،فلتطرح،أو تحمل على التقية؛ لكونها مذهب الشافعي كما حكاه بعض الأجلّة (5)،أو يقرأ:«سلّت» فيها بالسين المهملة لا المعجمة،بمعنى انتزعت و قطعت، فلا معارضة.

و في الظفر إذا قلع و لم ينبت،أو نبت أسود عشرة دنانير،فإن

ص:469


1- انظر كشف اللثام 2:506.
2- الكافي 7:2/330،التهذيب 10:1004/254،الوسائل 29:345 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 1.
3- الكافي 7:14/306،التهذيب 10:777/196،الوسائل 29:332 أبواب ديات الأعضاء ب 28 ح 2.
4- أنظر الوسائل 29:346،348 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 3،8،وص 357 أبواب ديات المنافع ب 1 ح 1.
5- حكاه الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:506.

نبت أبيض فخمسة دنانير وفاقاً للمشهور كما ادّعاه جماعة (1)حدّ الاستفاضة؛ لرواية مسمع:«في الظفر إذا قطع و لم ينبت،أو خرج أسود فاسداً عشرة دنانير،فإن خرج أبيض فخمسة دنانير» (2).

و في سند الرواية ضعف بجماعة،لكنه مجبور بالشهرة،كما اعترف به الفاضلان في الشرائع و التحرير (3).

و أمّا الصحيح المطلق فيه لخمسة دنانير (4)فشاذّ،لا عامل به،محتمل للتقييد بالرواية بحمله على ما لو عاد أبيض،و لا بُعد في هذا الحمل و لا غرابة،و إن حكم بها شيخنا في الروضة (5)؛ إذ لا وجه له سوى صحة المطلقة و ضعف المفصّلة،و إلّا فهي أصرح دلالةً بها تفوق على الصحيحة بحيث يجب حملها عليها بلا شبهة،و الضعف منجبر بالشهرة،و الصحيحة بإطلاقها شاذّة لا عامل بها،كما عرفت،و اعترف هو به في المسالك (6)، و رفع اليد عن مثلها بالرواية المنجبرة بالشهرة ليس بأوّل قارورة.

فلا غرابة فيه،بل الغرابة إنّما هي فيما ذهب إليه الحلّي (7)و تبعه جماعة و منهم هو في المسالك و الروضة (8)،و هو وجوب عشرة دنانير متى

ص:470


1- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:502،و الشهيد الثاني في الروضة 10:230،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:506.
2- الكافي 7:12/342،التهذيب 10:1012/256،الوسائل 29:349 أبواب ديات الأعضاء ب 41 ح 1.
3- الشرائع 4:268،التحرير 2:274.
4- الكافي 7:11/328،التهذيب 10:1016/257،الوسائل 29:350 أبواب ديات الأعضاء ب 41 ح 2.
5- الروضة 10:231.
6- المسالك 2:503.
7- السرائر 3:388.
8- المسالك 2:503،الروضة 10:231.

قلع و لم يخرج،و متى خرج أسود فثلثا ديته؛ لأنّه في معنى الشلل؛ و لأصالة البراءة من الزائد،مع ضعف المأخذ،و بُعد مساواة عوده لعدمه.

و وجه الغرابة في ذلك أنّ فيه اطراحاً للروايات جملةً،سيّما الصحيحة؛ لعدم معلومية عملهم بها بالمرّة،فتأمّل ،بخلاف الضعيفة؛ لعملهم بها في الصورة الأُولى.

فإن كانت هي الحجة لهم فيها فلتكن حجة في صورة نباته أسود أيضاً،و الأدلّة التي ذكروها في مقابلها لا تقاومها؛ لكونها ما بين عام يجب تخصيصه بها،و استبعاد و نحوه ممّا هو اجتهاد صرف لا يسمع في مقابلتها.

و إن لم تكن هي الحجة لهم فلا دليل لهم على اعتبار العشرة دنانير عدا تخيّل الإجماع عليه.

و فيه نظر،فإنّ للإسكافي (1)هنا قولاً ثالثاً،و هو أنّ في ظفر إبهام اليد عشرة دنانير،و في كلّ من الأظفار الباقية خمسة،و في ظفر إبهام الرِّجل ثلاثون،و في كل من الباقية عشرة،كلّ ذلك إذا لم ينبت أو نبت أسود معيباً،و إلّا فالنصف من ذلك.

و هو كما ترى صريح في عدم ثبوت العشر في كلّ من الأصابع.

و الذبّ عنه بعدم قدح في خروجه لمعلومية نسبه حسن لو حصل القطع بقول المعصوم(عليه السّلام)بالعشر مطلقاً من اتفاق من عداه،و قد يمنع.

و لو سلّم فلا يمكن ذلك من شيخنا،كما لا يذهب على من له انس بطريقته في الإجماع،و لا يخفى.

فانحصر الحجة على العشر في الرواية،فإن تمسّكوا بها له فليقولوا به مطلقاً و يرفعوا اليد عن الأدلّة التي ذكروها؛ لما ذكرنا،و إلّا فلا أعرف

ص:471


1- حكاه عنه في المختلف:807.

دليلهم على ثبوت العشر حيث اعتبروه أصلاً.

و مع ذلك لا وجه لطرحهم الرواية الصحيحة و عدم العمل بإطلاقها عدا ندرتها و شذوذها،و هو بعد تسليمه يرفع أصل ما استبعده من الفقهاء.

و في كتاب ظريف:«في كل ظفر من أظفار اليد خمسة دنانير،و من أظفار الرجل عشر» (1)و لم أرَ به عاملاً،فهو شاذّ كالصحيحة.

و في كسر الظهر مع عدم صلاحه بالعلاج و الجبر الدية كاملة و كذا لو احدودب بالجناية،فخرج ظهره و ارتفع عن الاستواء أو صار بحيث لا يقدر على القعود أصلاً،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الأوّل في الغنية (2)،و حكي عن الخلاف (3)في الأخيرين،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة عموماً و خصوصاً،فمن الأوّل ما مرّ مراراً،و من الثاني في الأوّل الصحيح:في الرجل يكسر ظهره،فقال:«فيه الدية كاملة» (4)و نحوه غيره (5).

و منه في الثاني في كتاب ظريف:«فإن أحدب منها الظهر فحينئذٍ تمّت ديته ألف دينار» (6).

ص:472


1- الكافي 7:10/334،الفقيه 4:194/58،التهذيب 10:1148/295،الوسائل 29:302 أبواب ديات الأعضاء ب 12 ح 1.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- الخلاف 5:253.
4- الكافي 7:3/311،التهذيب 10:970/245،الوسائل 29:284 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 4.
5- الكافي 7:7/312،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 7.
6- الكافي 7:/342 ذيل 12،الفقيه 4:/58 194،التهذيب 10:1148/295،الوسائل 29:311 أبواب ديات الأعضاء ب 18 ح 1.

و نحوه الخبر:«الظهر إذا أحدب ألف دينار» (1).

و منه في الثالث الخبر:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في رجل كسر صلبه فلا يستطيع أن يجلس أنّ فيه الدية» (2).

و قصور السند أو ضعفه حيث كان بالعمل منجبر.

و لو صلح بعد الكسر أو التحديب بحيث يقدر على المشي و القعود كما كان يقدر عليهما و لم يبق عليه من أثر الجناية شيء فثلث الدية على المشهور،كما في المسالك و الروضة و غيرهما (3)،و لم أعرف مستنده،و به صرّح جماعة (4).

قيل:و يمكن أن يكونوا حملوه على اللحية إذا نبتت،و قد مرّ،أو على الساعد (5)،ففي كتاب ظريف أنّ فيه:«إذا كسر فجبر على غير عثم و لا عيب ثلث دية النفس» (6)بناءً على أنّ المراد به الساعدان جميعاً (7).

و هو كما ترى،بل الظاهر وصول نصّ إليهم لم يصل إلينا.

و هنا أقوال أُخر غير معلومة المأخذ عدا ما في الغنية (8):من أنّ فيه

ص:473


1- الكافي 7:1/311،التهذيب 10:968/245،الوسائل 29:283 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 2.
2- الكافي 7:8/312،التهذيب 10:978/248،الوسائل 29:305 أبواب ديات الأعضاء ب 14 ح 1.
3- المسالك 2:503،الروضة 10:232،غاية المرام 4:457.
4- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:408،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:506.
5- في النسخ:الساعدين،و ما أثبتناه من المصدر هو الأنسب.
6- الكافي 7:335،الفقيه 4:60،التهذيب 10:301،الوسائل 29:301 أبواب ديات الأعضاء ب 11 ح 1.
7- قاله في كشف اللثام 2:506.
8- الغنية(الجوامع الفقهية):621.

عشر الدية مدّعياً عليه إجماع الإمامية،و حكي أيضاً عن الإصباح و موضع من السرائر و المقنعة (1).

و الحجة عليه بعد الإجماع المزبور ما في كتاب ظريف من أنّه:

«إن كسر الصلب فجبر على غير عيب فمائة دينار،و إن عثم فألف دينار» (2)و به أفتى في الإرشاد (3)أيضاً،فقال:و لو كسر الصلب و جبر على غير عيب فمائة دينار،فإن عثم فألف،مع أنّه قال قبل ذلك بلا فاصلة:فإن صلح أي الظهر فالثلث.

و هو غريب،إلّا أن يبنى على الفرق عنده بين الظهر و الصلب،كما يستفاد منه أيضاً في التحرير (4)،و لكنّه خلاف ظاهر الأصحاب،بل صريح بعضهم كشيخنا في الروضة (5)،حيث فسّر الصلب بالظهر،و به صرّح في مجمع البحرين و غيره (6).

و في قطع ثديي المرأة ديتها كاملة و في كل واحدة نصف الدية إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في الغنية و التحرير و الروضة و غيرها من كتب الجماعة (7)؛ للقاعدة المتقدمة غير مرّة في أنّ كل ما في الإنسان منه اثنان فيه ديته،و في أحدهما نصفها.

ص:474


1- الإصباح(الينابيع الفقهية 24):293،السرائر 3:410،المقنعة:767.
2- الكافي 7:338،الفقيه 4:62،التهذيب 10:304،الوسائل 29:304 أبواب ديات الأعضاء ب 13 ح 1.
3- الإرشاد 2:239.
4- التحرير 2:271.
5- الروضة 10:232.
6- مجمع البحرين 2:101،لسان العرب 1:526.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):621،التحرير 2:273،الروضة 10:233،و انظر مرآة العقول 24:93،و فيه:بلا خلاف.

مضافاً إلى خصوص الصحيح المتضمّن لقول الأمير(عليه السّلام):«في رجل قط ثدي امرأته:إذاً أُغرّمه لها نصف الدية» (1).

و كذا في حلمتي ثدييها عند جماعة (2)؛ للقاعدة المزبورة.

و استشكله آخرون (3):من ذلك،و من أنّ الدية تجب في الثديين و هما بعضهما،فينبغي أن يكون فيهما بعضها بالحساب.

و الحمل على اليد و الرجل حيث تجب الدية بقطع الأصابع منهما خاصّة و بقطعها مع الكفّ أو القدم أيضاً،و نحو ذلك قياس مع الفرق بالإجماع و النص و عدمهما،و بإطلاق اليد و الرجل على أبعاضهما عرفاً كثيراً كما في آيتي الوضوء (4)و قطع السارق (5)،بخلاف الثدي؛ لعدم إطلاقه على الحلمة كإطلاقهما على أبعاضهما.

و هذا الوجه حسن إن منع عموم ما يدل على القاعدة بحيث يشمل لمفروض المسألة،و إلّا فلا وجه له؛ فإنّ الحكم بالدية لذلك حكم بالنص لا بالقياس.

و حيث أوجبناها لحلمتيها فلإن نوجبها في حلمتي الرجل بطريق أولى؛ لعدم ثديين له تكونان بعضاً منهما حتى يجري فيهما وجه المنع عن

ص:475


1- الكافي 7:17/314،التهذيب 10:998/252،الوسائل 29:354 أبواب ديات الأعضاء ب 46 ح 1.
2- منهم الشيخ في المبسوط 7:148،و ابن حمزة في الوسيلة:450،و الحلّي في السرائر 3:394.
3- منهم المحقق في الشرائع 4:268،و الفاضل الآبي في كشف الرموز 2:660،و العلّامة في القواعد 2:328.
4- المائدة:6.
5- المائدة:38.

الدية في حلمتيها،كما لا يخفى،و به أفتى الفاضل في جملة من كتبه (1)تبعاً للشيخ في المبسوط و الخلاف و الحلّي (2)مدّعيين أنّه مذهبنا.

و قال ابن بابويه في الفقيه و ابن حمزة (3):إنّ في كل من حملة ثدي الرجل ثمن الدية مائة و خمسة و عشرون ديناراً و فيهما معاً ربع الدية،استناداً إلى كتاب ظريف (4).

و المسألة محل إشكال،فالاحتياط فيها مطلوب على كل حال،و إن كان القول بالحكومة في المقامين لا يخلو عن قوّة وفاقاً لجماعة (5)؛ للشك في عموم القاعدة لمفروض المسألة،و عدم دليل يعتدّ به على تقدير؛ لتعارض كتاب ظريف إن قلنا باعتبار سنده مع الإجماع المستظهر من عبارة الشيخ و الحلّي،و لا مرجّح يطمأنّ به،فيرجع إلى الضابط فيما لا تقدير له؛ مضافاً إلى أصالة البراءة.

و في قطع حشفة الذكر فما زاد و إن استؤصل الدية كاملة، إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (6)،و هو الحجة بعد القاعدة المشار إليها غير مرّة.

مضافاً إلى خصوص الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي

ص:476


1- الإرشاد 2:241،التحرير 2:273،المختلف:809.
2- المبسوط 7:148،الخلاف 5:257،السرائر 3:394.
3- الفقيه 4:65،الوسيلة:450.
4- الكافي 7:338،الفقيه 4:65،التهذيب 10:307،الوسائل 29:304 أبواب ديات الأعضاء ب 13 ح 1.
5- منهم فخر المحققين في الإيضاح 4:699،و الشهيد الثاني في المسالك 2:503.
6- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):621.

الصحيح و غيره:«في الذكر إذا قطعت الحشفة فما فوق الدية» (1)و نحوهما صحيح آخر (2)،لكن من دون قوله:«فما فوق».

و في الموثقين:«في الذكر إذا قطع الدية كاملة» (3).

و نحوه الخبر (4)،لكن مقيّداً بذكر الرجل،و ليس المراد من القيد إخراج ذكر الصغير؛ للاتفاق ظاهراً على دخوله فتوًى و نصّاً،ففي الصحيح و القوي:«في ذكر الغلام الدية» (5).

بل المراد و اللّه العالم إخراج نحو ذكر الخنثى إذا لم تعلم حالها، أو علم كونها أُنثى،فإنّ في ذكرها و الحال هذه إمّا ثلث ديتها كما عن الإسكافي و المقنع (6)،لكنّه لم يضف الدية إليها،بل قال:ثلث الدية، و أطلقها؛ أو الحكومة كما صرّح به بعض الفضلاء (7)؛ عملاً بالقاعدة فيما لم يرد به تقدير في الشريعة؛ لعدم نصّ على ما ذكرا من ثلث الدية مطلقاً.

و حيث شمل الحكم ذكر الصبي مطلقا فشموله للشيخ و الشابّ العاجز

ص:477


1- الكافي 7:3/311،التهذيب 10:970/245،الوسائل 29:284 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 4؛ و انظر الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 6.
2- الكافي 7:4/312،التهذيب 10:972/246،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 5.
3- الكافي 7:7/312،التهذيب 10:975/246،976،الوسائل 29:285،286 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 7،10.
4- التهذيب 10:977/247،الوسائل 29:287 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 11.
5- الصحيح في:الكافي 7:14/313،الفقيه 4:325/98،التهذيب 10:982/248،الوسائل 29:339 أبواب ديات الأعضاء ب 35 ح 1. و القوي في:الكافي 7:13/313،الفقيه 4:320/97،التهذيب 10:983/249،الوسائل 29:339 أبواب ديات الأعضاء ب 35 ح 2.
6- حكاه عن الإسكافي في المختلف:816،المقنع:180.
7- انظر كشف اللثام 2:508.

عن الجماع أصلاً أولى،و بالعموم لجميع هؤلاء صرّح جماعة من أصحابنا (1).

و في ذكر العنّين ثلث الدية على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و مرّ نقل الإجماع عليه عن الخلاف مع نقل الخلاف فيه من كتاب القصاص في القسم الثاني منه في قصاص الأطراف.

و كذا ذكر الأشل فيه ثلث الدّية،و هو الذي يكون منبسطاً أبداً فلا ينقبض و لو في الماء البارد،أو يكون منقبضاً أبداً فلا ينبسط و لو في الماء الحارّ،و إن التذّ صاحبه و أمنى بالدخول أو المساحقة و أولد؛ لأنّه عضو أشلّ و ديته ذلك،كما أنّ في الجناية عليه صحيحاً حتى صار أشل ثلثي ديته،و عليه الإجماع في الغنية (2)،مع عدم خلاف فيه أجده.

و فيما قطع منه أي من كل من حشفة ذكر الصحيح و ذكر العنّين يؤخذ من ديتهما بحسابه أي بحساب ذلك المقطوع منسوباً إلى مجموع الحشفة في الأوّل،و إلى مجموع الذكر في الثاني و أشلّه مطلقا.

و الفرق بينهما و بين الصحيح أنّ الحشفة في الصحيح هي الركن الأعظم في لذَّة الجماع و وردت بخصوصها الدّية،بخلافها فيهما؛ لاستواء الجميع في عدم المنفعة و عدم ورود الدية فيهما لخصوص الحشفة،مع كونه عضواً فينسب بعضه إلى مجموعة بناءً على الأصل.

و في (3)الخصيتين معاً الدية كاملة إجماعاً،فتوًى و نصّاً، عموماً و خصوصاً،ففي الصحيح:«و في البيضتين الدية» (4).

ص:478


1- منهم الشيخ في المبسوط 7:151،و الشهيد الثاني في الروضة 10:235،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:508.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- في«ب» و«س» زيادة:سلّ.
4- التهذيب 10:970/245،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ذيل الحديث 4.

و في كل واحدة منهما نصف الدية وفاقاً للمقنعة و المبسوط و النهاية و الكافي و الكامل و الإصباح و السرائر و الغنية (1)،و بالجملة:الأكثر، كما صرّح به جماعة (2)،بل عليه المتأخّرون كافّة،و ظاهر الغنية أنّ عليه إجماع الإمامية،و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص القائلة:إنّ ما في الإنسان منه اثنان في أحدهما نصف الدية (3).

و يعضده إطلاق ما في كتاب ظريف من قوله:«و في خصية الرجل خمسمائة دينار» (4).

و في رواية صحيحة عمل بها جماعة،و منهم الشيخ في الخلاف (5)مدّعياً عليه الإجماع أنّه في اليسرى ثلثا الدية و في اليمنى الثلث،مع تضمّنها أنّ ما كان في الجسد منه اثنان فيه نصف الدية،و لذا سأل الراوي عن التفصيل (6)فقال:أ ليس قلتَ:«ما كان في الجسد منه اثنان..؟!» فقال:« لأنّ الولد» منها أي«من البيضة اليسرى» (7).

و نحوها المرفوع المروي في الفقيه عن مولانا الصادق(عليه السّلام)قال

ص:479


1- المقنعة:755،المبسوط 7:152،النهاية:769،الكافي في الفقه:399،الإصباح(الينابيع الفقهية 24):294،السرائر 3:393،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:503،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:152.
3- انظر الوسائل 29:283،287 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 1،12.
4- الفقيه 4:65،التهذيب 10:307.
5- الخلاف 5:259،الجامع للشرائع:589،المهذّب 2:48،المراسم:244.
6- في«ن»:التفضيل.
7- الكافي 7:22/315،التهذيب 10:989/250،الوسائل 29:283 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 1.

«الولد يكون من البيضة اليسرى،فإذا قطعت ففيها ثلثا الدية،و في اليمنى الثلث» (1).

و عمل بها من المتأخّرين الفاضل في المختلف (2)،مستدلّاً عليه زيادةً على الروايتين بتفاوتهما في المنفعة فتتفاوتان في الدّية.

و فيه نظر؛ لأنّه مجرّد مناسبة،و في صلوحها حجة مناقشة،سيّما في مقابلة تلك الأدلّة،فإذاً الحجة الرواية الخاصة أن سلّمناها.

مع كون الثانية مرفوعة،و مضمونها كالصحيحة من انحصار الولد في اليسرى ممّا قيل:إنّه قد أنكره بعض الأطباء (3)،و إنّه نسبه الجاحظ إلى العامة العمياء (4).

لكن يمكن الذبّ عن هذا باندفاعه بعد تسليمه بأنّه لا يعارض به ما ثبت بالنص الصحيح عن أئمّة الهدى سلام اللّه عليهم،لكن الإشكال في التمسّك به في مقابلة الأدلّة العامّة المعتضدة بالشهرة العظيمة.

و إجماع الخلاف مع وهنه بمخالفة الأكثر معارض بمثله.

و بالجملة:المسألة محل إشكال،و لا يترك الاحتياط فيها على حال مع الإمكان،و مع عدمه فالإشكال بحاله،و لكن مقتضى الأصل المصير إلى ما عليه الأكثر.

و هنا قولان آخران،أحدهما للإسكافي،و هو أنّ فيهما معاً و كذا في اليسرى الدية،و في اليمنى نصفها (5).

و الثاني للراوندي،و هو التنصيف في الشيخ اليائس من الجماع

ص:480


1- الفقيه 4:386/113،الوسائل 29:311 أبواب ديات الأعضاء ب 18 ح 2.
2- المختلف:809.
3- الروضة 10:237.
4- كشف اللثام 2:508،و هو في كتاب الحيوان 1:123.
5- حكاه عنه في المختلف:808.

و التثليث في الشابّ (1).

و هما مع مخالفتهما و لا سيّما الأوّل الأدلّة المتقدمة،بل الإجماع لا شاهد عليهما عدا الثاني،فربما يتخيّل له الجمع بين النصوص بذلك، و لا شاهد عليه عدا إشعار التعليل به،و هو قريب إن عملنا بالنص المعلّل به،و الإشكال إنّما هو فيه.

و في أُدْرَة الخصيتين بضمّ الهمزة فسكون الدال ففتح الراء المهملتين،و هي انتفاخهما أربعمائة دينار،فإن فَحَجَ بفتح الفاء فالحاء المهملة فالجيم،أي تباعدت رجلاه أعقاباً مع تقارب صدور قدميه فلم يقدر على المشي أو مشى مشياً لا ينتفع به فثمانمائة دينار بلا خلاف حتى من نحو الحلّي (2)ممّن لا يعمل بالآحاد الغير المحفوفة بالقرائن القطعية.

و المستند كتاب ظريف (3)المروي بعدّة طرق معتبرة،كما عرفته، و على تقدير ضعفه فهو مجبور بالشهرة،كما اعترف به الماتن في الشرائع (4)و جماعة (5).

و في الخبر:تزوّج رجل امرأة فلما أراد مواقعتها رفسته برجلها ففقأت (6)بيضته فصار آدر،فكان بعد ذلك ينكح(و لا يولد له) (7)،فسألت أبا عبد اللّه(عليه السّلام)عن ذلك،و عن رجل أصاب[سرة (8)]رجل ففتقها؟

ص:481


1- حكاه عنه الشهيد في غاية المراد 4:541.
2- السرائر 3:393.
3- انظر التهذيب 10:307 308.
4- الشرائع 4:269.
5- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:503،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:505،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:152.
6- كذا،و في المصادر:ففتقت.
7- في الكافي و الوسائل:و يولد له.
8- بدل ما بين المعقوفين في النسخ:صرّة،و ما أثبتناه من المصادر.

فقال(عليه السّلام):«في كل فتق ثلث الدية» (1)و هو ظاهر المنافاة للحكم الأوّل،إلّا أنّه قاصر السند،شاذّ،لا يوجد به عامل،فليطرح،أو يحمل على ما إذا لم يبلغ الفتق الأُدرة كما قيل (2)،فتأمّل.

و في قطع الشفرتين بالضمّ،و هما اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم،كما في مجمع البحرين و الشرائع و القواعد و الروضة و عن المبسوط (3)،و لكن عن موضع آخر منه و في السرائر (4)تفسيرهما بما يخالف ذلك،و هو حاشية لحم الفرج،مع نسبتهما له إلى أهل اللغة، و وافقهم على النسبة بعض الأجلة (5) الدية كاملة و في كل واحد منهما نصف الدية بلا خلاف أجده؛ للقاعدة المتقدمة غير مرّة.

مضافاً إلى الخبرين،أحدهما الصحيح:عن رجل قطع فرج امرأته؟ قال:«أُغرمه لها نصف الدية» (6).

و نحوه الثاني،لكن فيه:«لاُغرمنّه ديتها» (7).

و هو محمول على قطع الشفرتين معاً،و الأوّل على قطع إحداهما، و الشاهد عليه بعد الاتفاق القاعدة التي قدّمناها.

ص:482


1- الكافي 7:10/312،التهذيب 10:979/248،الوسائل 29:337 أبواب ديات الأعضاء ب 32 ح 1.
2- انظر كشف اللثام 2:509،و لمزيد التوضيح انظر مفتاح الكرامة 10:448.
3- مجمع البحرين 3:352،الشرائع 4:269،القواعد 2:329،الروضة 10:238،المبسوط 7:149.
4- السرائر 3:392.
5- كشف اللثام 2:509.
6- الكافي 7:17/314،التهذيب 10:998/252،الوسائل 29:340 أبواب ديات الأعضاء ب 36 ح 2.
7- الكافي 7:15/313،الفقيه 4:382/112،التهذيب 10:996/251،الوسائل 29:340 أبواب ديات الأعضاء ب 36 ح 1.

و ليس في الخبرين كما ترى لفظ الشفرتين حتى يحتاج إلى تحقيق معناهما،بل غاية ما فيهما قطع الفرج،و المتبادر منه الشفرة بالمعنى الأوّل.

و إثبات الدية في قطعها بالمعنى الثاني بالقاعدة حسن إن سلّم شمول عموم ما دلّ عليها للشفرتين بهذا المعنى،لكنّه محل إشكال،و الأصل يقتضي المصير فيه إلى الحكومة،أو الدية بنسبة المساحة إلى ما تجب فيه الدية من الشفرة بالمعنى الأوّل،فتأمّل .

و في الإفضاء للمرأة الحرّة فلم يندمل صحيحاً الدية أي ديتها كاملة،إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في الغنيّة (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،منها زيادةً على ما يأتي الصحيح:

عن رجل وقع بجارية فأفضاها و كانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد؟قال:

«الدية كاملة» (2).

و أمّا ما في القوي (3)من ثبوت الأرش فمع قصور سنده و عدم مقاومته للمستفيضة من وجوه عديدة محمول على التقية،كما ذكره شيخ الطائفة، قال:لأنّ ذلك مذهب كثير من العامّة (4).

أو على ما إذا كانت المفضاة جارية،فقد روى الصدوق-(رحمه اللّه) عن نوادر الحكمة:أنّ الصادق(عليه السّلام)قال في رجل[أفضت (5)]امرأته جاريته

ص:483


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- الكافي 7:11/313،الفقيه 4:337/101،التهذيب 10:980/248،الوسائل 29:370 أبواب ديات الأعضاء ب 9 ح 1.
3- التهذيب 10:986/249،الإستبصار 4:1112/295،الوسائل 29:282 أبواب موجبات الضمان ب 44 ح 3.
4- الإستبصار 4:295.
5- في النسخ:افتضت،و الأنسب ما أثبتناه كما في الوسائل.

بيدها؛ فقضى أن:«تقوّم قيمة و هي صحيحة و قيمة و هي مفضاة،فيغرمها ما بين[الصحة (1)]و العيب،و أجبرها على إمساكها؛ لأنّها لا تصلح للرجال» (2).

و لعلّه لذا خصّ الحكم بالحرّة في بعض العبائر كالغنية (3)،لكنّه خلاف ما يقتضيه إطلاق أكثر النصوص و الفتاوي،فتأمّل .

أو على ما ذكره الخال العلّامة المجلسي-(رحمه اللّه) من تقييده بما إذا لم يبلغ حدّ الإفضاء المصطلح عليه (4).

و هو كما في مجمع البحرين (5) أن يصير المسلكين أي مسلك الحيض و الغائط واحداً و قيل: هو أن يخرق الحاجز بين مخرج البول و مخرج الحيض كما في المبسوط و السرائر و الفاضل في القواعد و الشهيدين في اللمعتين (6)،بل لم أرَ مخالفاً لهم عدا من مرّ و الماتن هنا،و غلّطاه في الكتابين الأوّلين بعد أن نسباه إلى كثير من أهل العلم؛ و وجهه أنّ الحاجز بين القبل و الدبر عصب قوي يتعذّر إزالته بالاستمتاع غالباً،فيشكل أن يحمل عليه إطلاق النص و الفتوى،و لا كذلك الحاجز بين مدخل الذكر و مخرج البول،فإنّه رقيق ربما انقطع بالتحامل عليها،فهذا القول أقوى.

ص:484


1- في النسخ:الصحيحة،و الأنسب ما أثبتناه من المصدر.
2- الفقيه 4:378/111،الوسائل 29:330 أبواب ديات الأعضاء ب 26 ح 2.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- ملاذ الأخيار 16:532.
5- مجمع البحرين 1:331.
6- المبسوط 7:149،السرائر 3:393،القواعد 2:330،اللمعة و الروضة 10:239.

و يلحق به في الأحكام كلّها الإفضاء بالتفسير الأوّل بطريق أولى،و به صرّح جماعة من أصحابنا،كالفاضل في المختلف و التحرير و القواعد و ولده في شرحه (1)،قال:لصدق اسم الإفضاء على كلّ منهما حقيقة، و عليه فيرجع النزاع لفظيّاً.

لكن لو رجّح الإفضاء بالتفسير الأوّل أشكل أن يلحق به الإفضاء بالتفسير الثاني؛ لعدم الدليل،إلّا أن يعلّل أصل الحكم زيادةً على النص بإذهاب منفعة الوطء التي هي من أهمّ المنافع التي يجب بفواتها الدية، و هو مشترك بين التفسرين.

و هو حسن بالإضافة إلى الحكم بوجوب الدية،سيّما مع وقوع التصريح به له في بعض النصوص الصحيحة (2).

و اعلم أنّه لا فرق في لزوم الدية بين الزوج و غيره إذا كان قبل بلوغها؛ لإطلاق النص و الفتوى؛ مضافاً إلى التصريح به في الزوج في جملة منهما،و يختصّ بغيره بعده؛ لإطلاقهما.

و يسقط ذلك أي لزوم الدية عن الزوج لو أفضى (3) زوجته بعد البلوغ بلا خلاف فيه في الجملة؛ لأنّه فعل سائغ (4)مأذون فيه شرعاً،فلا ينبغي أن يوجب ضماناً؛ و للصحيح و غيره المتقدّمين في كتاب النكاح (5).

ص:485


1- المختلف:808،التحرير 2:271،القواعد 2:331،إيضاح الفوائد 4:703.
2- التهذيب 10:1037/262،الوسائل 29:335 أبواب ديات الأعضاء ب 30 ح 2.
3- في المختصر المطبوع:وطئها.
4- ليس في«ن» و«س».
5- راجع ج 11:69،70.

و إطلاقهما كالعبارة و غيرها يقتضي عدم الفرق في الإفضاء بين صورتي وقوعه بتفريط و عدمه.

خلافاً للمختلف و الروضة (1)فقيّداه بالصورة الثانية،و استجوده أيضاً بعض الأجلّة (2)،و لا بأس به،و إن كان بعد لا يخلو عن مناقشة.

أمّا لو كان إفضاء الزوج زوجته قبله أي قبل البلوغ ضمن الدية لما عرفته من إطلاق الفتوى و الرواية؛ مضافاً إلى التصريح به في الصحيح و غيره المتقدمين ثمّة،لكن فيهما أنّه لا شيء عليه لو أمسكها و لم يطلّقها،و الشيء المنفي يعمّ الدية أيضاً،و لكن لم أجد به قائلاً،و به صرّح خالي العلّامة المجلسي (3)-(رحمه اللّه) بل زاد فقال:و لم يقل به أحد، و حمل على ما سوى الدية،و أمّا هي فتجب عليه بلا شبهة.

مع المهر إن وقع الإفضاء بالجماع؛ لتحقّق الدخول الموجب لاستقراره،و لو وقع بغيره كالإصبع مثلاً بني استقراره على عدم عروض موجب التنصيف كالطلاق و الموت حيث قلنا به.

و لزمه أي الزوج مع ذلك الإنفاق عليها حتى يموت أحدهما و تحرم عليه مؤبّداً،و قد مضى بيان ذلك مع ما يتعلق بالمسألة في كتاب النكاح مفصّلاً.

و في قطع الرجلين معاً الدية كاملة و في كل واحدة نصف الدية إجماعاً؛ لما مرّ في اليدين عموماً و خصوصاً.

مضافاً إلى الموثق:«في الرجل الواحدة نصف الدية» (4).

ص:486


1- المختلف:808،الروضة 10:240.
2- كشف اللثام 2:509.
3- ملاذ الأخيار 16:530،مرآة العقول 24:93.
4- الكافي 7:7/312،التهذيب 10:976/247،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 7.

و الخبر:«في أنف الرجل إذا قطع من المارن الدية تامّة» إلى أن قال:

«و الرجلان بتلك المنزلة» (1).

و حدّهما مفصل الساق (2) ،و إن اشتملت على الأصابع بلا خلاف.

و في أصابعهما و أظفارهما ما في أصابع اليدين و أظفارهما من التفصيل و الأحكام،بلا خلاف إلّا من الحلبي و الإسكافي (3)،حيث فرّق الأوّل بين إبهامي اليدين و الرجلين،فأثبت الثلث في الأوّل و العشر في الثاني،و فرّق الثاني بين أظفارهما كما مضى،و لكن ظاهر الأصحاب و الأدلّة خلافهما و اتحاد الرجلين مع اليدين و أبعاضهما حكماً من دون فرق أصلاً.

و هنا

مسائل
الأولى دية كسر الضلع خمسة و عشرون ديناراً

مسائل ستّ:

الأُولى: دية كسر الضلع خمسة و عشرون ديناراً إن كان ممّا خالط القلب،و عشرة دنانير إن كان ممّا يلي العضدين كما هنا و في الشرائع و التحرير و الإرشاد و القواعد و اللمعتين و عن الوسيلة (4)،و بالجملة:لم أجد خلافاً فيه حتى من السرائر (5)،لكنّه أطلق المقدار الأوّل في مطلق الضلع و لم يفصّل.

و المستند في المسألة كتاب ظريف (6)المروي بعدّة طرق معتبرة كما

ص:487


1- الكافي 7:9/312،الوسائل 29:286 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 8.
2- في«ح»،زيادة:و القدم.
3- الحلبي في الكافي:398،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:807.
4- الشرائع 4:270،التحرير 2:275،الإرشاد 2:241،القواعد 2:329،اللمعة و الروضة البهية 10:251،الوسيلة:450.
5- السرائر 3:411.
6- الكافي 7:338،الفقيه 4:62،التهذيب 10:304،الوسائل 29:304 أبواب ديات الأعضاء ب 13 ح 1.

عرفته،و هو مصرّح بالتفصيل الذي ذكره الجماعة.

و ظاهرهم كالمستند أنّ الأضلاع قسمان،قسم يخالط القلب ففيه المقدار الأوّل،و قسم لا يخالطه و يلي العضدين و هو الأعلى منها ففيه المقدار الثاني.

و من الأصحاب من نزّل العبارات على أنّ لكل ضلع جانبين،ففي جانبها الذي يخالط القلب خمسة و عشرون و في الجانب الآخر المقدار الآخر،و هو الفاضل المقداد في شرح الكتاب (1)،و تبعه شيخنا في المسالك و الروضة (2)،و لم أعرف وجهه.

الثانية لو كسر بعصوص الإنسان أو عجانه

الثانية: لو كسر بعصوص الإنسان أو عجانه فلم يملك بذلك غائطه و لا بوله ففيه الدية كاملة،كما في الكتب المتقدمة من غير خلاف لهم أجده،و به صرّح الصيمري (3)،بل زاد فقال:بل فتاوي الأصحاب متطابقة.و بالشهرة صرّح في المسالك و الروضة (4)،قال:و كثير من الأصحاب لم يذكر فيه خلافاً.و هذه العبارة ربما أشعرت بوجود ناقل للخلاف في المسألة،و لم أعرفه،و على تقدير وجوده فضعيف غايته.

للمعتبرة المعتضدة بالشهرة،ففي الصحيح:عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك استه،ما فيه؟فقال:«الدية كاملة» الخبر (5).

و في الموثق،بل الصحيح كما قيل (6):«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في

ص:488


1- التنقيح الرائع 4:507.
2- المسالك 2:504،الروضة 10:251.
3- غاية المرام 4:459.
4- المسالك 2:504،الروضة 10:252.
5- الكافي 7:11/313،الفقيه 4:337/101،التهذيب 10:980/248،الوسائل 29:370 أبواب ديات المنافع ب 9 ح 1.
6- قال به في مجمع الفائدة 14:422.

الرجل يضرب على عجانه فلا يستمسك غائطه و لا بوله أنّ في ذلك الدية» (1).

و مع ذلك فيه إذهاب للمنفعة المهمّة،فيناسبه إيجاب الدية كاملة.

و المراد بالبُعصوص:عظم الورك و عظم رقيق حول الدبر و هو العُصعُص كما في مجمع البحرين و غيره (2)،و بالعجان بكسر العين ما بين الخصية و الفَقحة،أي حلقة الدبر (3).

الثالثة قال الشيخان في كسر عظم من عضو خمس دية ذلك العضو

الثالثة: قال الشيخان في المقنعة و النهاية (4):إنّ في كسر عظم من عضو لقطعه مقدّر خمس دية ذلك العضو،فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية كسره و به قال الحلّي و ابن زهرة (5)مدّعياً عليه إجماع الإمامية،و حكي عن المراسم و الإصباح و الجامع و التحرير و القواعد و التلخيص و الإرشاد و التبصرة (6).

و عن الخلاف (7)أنّه قال:إذا كسرت يده فجبرت فإن انجبرت على الاستقامة كان عليه خمس دية اليد،و إن انجبرت على عثم كان عليه ثلاثة أرباع دية كسره،و استدلّ عليه بالإجماع و الأخبار.

و عن الوسيلة (8)أنّ في كسر كل من العضد و المنكب و المرفق و قصبة

ص:489


1- الكافي 7:12/313،الفقيه 4:326/98،التهذيب 10:981/248،الوسائل 29:371 أبواب ديات المنافع ب 9 ح 2.
2- مجمع البحرين 4:164؛ و انظر لسان العرب 7:7.
3- مجمع البحرين 6:281.
4- المقنعة:766،النهاية:776.
5- السرائر 3:410،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
6- المراسم:245،الإصباح(الينابيع الفقهية:24):295،الجامع:596،التحرير 2:273،القواعد 2:329،الإرشاد 2:241،التبصرة:214.
7- الخلاف 5:250.
8- الوسيلة:453.

الساعد و أحد الزندين أو الكفّين خمس دية اليد،و في كسر الأنملة الأولى من الإبهام ثلث دية كسر الكفّ،و في الثانية نصف دية كسر الكفّ،و في كسر المفصل الثاني من الأصابع سوى الإبهام أحد عشر ديناراً و ثلثاً،و في كسر الأوّل نصفه،و في صدع العضو أربعة أخماس دية الكسر.

و قالا في موضحته ربع دية كسره و به قال أيضاً جميع من مرّ مدّعيا ابن زهرة فيه أيضاً الإجماع (1)،و لم ينقل الخلاف هنا عمّن سبق نقل الخلاف عنه و لا غيره،بل عن الخلاف الموافقة هنا مدّعياً عليه الوفاق أيضاً (2).

و قالا في رضّه ثلث دية ذلك العضو إن لم يبرأ أو عثم فإن بريء على غير عيب فأربعة أخماس دية رضّه و به قال أيضاً جميع من سبق، مع دعوى ابن زهرة عليه أيضاً الإجماع (3)،و عن ابن حمزة أنّه قال:فإن رضّ أحد خمسة أعضاء:المنكب،و العضد،و المرفق،و الرسغ،و الكفّ، و انجبر على عثم ففيه ثلث دية اليد،و قيل:مائة (4)و ثلاثون ديناراً و ثلث (5).

و قالا في فكّه من العضو بحيث يتعطل ثلثا ديته أي دية ذلك العضو فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية فكّه و به قال من مرّ أيضاً عدا ابن زهرة،فلم يذكر هذه المسألة،و لم ينقل الخلاف هنا عن أحد.

و ظاهر المتأخّرين الموافقة لهم في جميع الأحكام المتقدمة،و به صرّح الماتن في النكت فيما حكي عنه،لكن في مسألتي الكسر و الرضّ،

ص:490


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- انظر الخلاف 5:263.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- في المصدر زيادة:و ثلاثة.
5- الوسيلة:453.

فقال مشيراً إليهما:ذكرهما الشيخان و تبعهما المتأخّرون و لم يشيروا إلى المستند (1).

و بشهرتها على الإطلاق صرّح شيخنا في الروضة،فقال بعد الحكم بجميع ما مرّ-:هذا هو المشهور،و الأكثر لم يتوقّفوا في حكمه إلّا المحقق في النافع فنسبه إلى الشيخين،و المستند كتاب ظريف مع اختلاف يسير، فلعلّه نسبه إليهما لذلك (2).

و قريباً منه ذكر في المسالك (3)،لكن جعل المستند كتاب ظريف من دون ذكر ما فيه من الاختلاف،و جعل وجه النسبة إلى الشيخين ضعف المستند دونه،و لذا اعترضه المقدّس الأردبيلي-(رحمه اللّه)فقال:

و قد عرفت عدم الضعف؛ فإنّ ما في كتابه منقول من غيره بطريق حسن،بل صحيح،و لكن ما رأيته،و كأنّه يفهم من رواية كتاب ظريف من مثل:«في العضد إذا كسر و جبر على غير عثم و لا عيب خمس دية اليد، و دية موضحتها ربع دية كسرها خمسة و عشرون ديناراً».

و من مثل:«و في الركبة إذا كسرت فجبرت على غير عثم و لا عيب خمس دية الرجلين[مائتا (4)]دينار،فإن انصدعت فديتها أربعة أخماس دية كسرها مائة و ستّون ديناراً،و دية موضحتها ربع دية كسرها خمسون ديناراً» و لعلّ المراد كسر الركبتين معاً.

و من قوله:«و دية المنكب إذا كسر خمس دية اليد مائة دينار،فإن

ص:491


1- نكت النهاية 3:455.
2- الروضة 10:250.
3- المسالك 2:504.
4- في النسخ:مائة،و لعل الصحيح ما أثبتناه،كما في المصادر.

كان في المنكب صدع فديته أربعة أخماس دية كسره ثمانون ديناراً،فإن أوضح فديته ربع دية كسره خمسة و عشرون ديناراً» (1).

و قال:في كتاب ظريف:«فإن رضّ أي المنكب فعثم فديته ثلث دية النفس ثلاثمائة دينار و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار،فإن فكّ فديته ثلاثون ديناراً» (2).

و أمثالها كثيرة،و لا يفهم ما ذكروه،بل يفهم غيره من ثلث دية النفس في رضّ العضو إذا عثم،و دية فكّه ثلاثون ديناراً،فقول شارح الشرائع:

و مستند هذا التفصيل كتاب ظريف؛ غير واضح (3)،انتهى.

و هو حسن،و لكن ما في الروضة لا يرد عليه شيء ممّا ذكره،و إنّما نقلنا كلامه بطوله لتكفّله مع ذلك لبيان مآخذ الأحكام من كتاب ظريف و ما يتعلق به من النقض و الإبرام،لكن مرجعه إلى الإشكال في ثبوتها كما ذكروه؛ لعدم دليل يدل عليها كما سطروه؛ لما في كتاب ظريف من الاختلاف المعلوم.

و هو حسن،إلّا أنّ نقل الإجماع في الغنية المعتضد بالشهرة العظيمة الظاهرة و المحكية،و إجماع الخلاف في الموضحة،مع عدم دليل واضح على صحة ما عليه الخلاف في مسألة الكسر،و ابن حمزة فيها و في مسألة الرضّ،عدا الإجماع في الخلاف الموهون بمصير من عداه إلى الخلاف،

ص:492


1- الكافي 7:334،الفقيه 4:59،التهذيب 10:300،الوسائل 29:307 أبواب ديات الأعضاء ب 16 ح 1.
2- الكافي 7:334،الفقيه 4:59،التهذيب 10:300 301،الوسائل 29:299 أبواب ديات الأعضاء ب 9 ح 1.
3- مجمع الفائدة و البرهان 14:423.

مع معارضته بالمثل لعلّه كافٍ في إثباتها عدا الحكم الأخير،فيشكل من حيث عدم نقل الإجماع فيه،لكن الشهرة العظيمة مع عدم خلاف فيها أجده و لا نقله أحد من الطائفة لعلّها كافية في إثباته أيضاً،سيّما مع إمكان دعوى عدم القائل بالفرق بينه و بين ما سبقه من الأحكام،فكلّ من قال بها قال به أيضاً،فتأمّل جدّاً.

مع إمكان الاستدلال عليه بما ذكره المولى الأردبيلي-(رحمه اللّه) فقال:

و يمكن أن يستدل على ما ذكره في المتن للفك بأنّه شلل،و بقوله في كتاب ظريف في ذكر الورك:«و دية فكّها ثلثا ديتها» (1)و نحوها،فافهم،و ما يفهم منه في المجبور و المصلح على غير عيب أربعة أخماس الفك و الكسر كثير في كتاب ظريف،و قد مرّ البعض (2)،انتهى المقصود من كلامه(قدّس سرّه).

الرابعة قال بعض الأصحاب في الترقوة إذا كسرت

الرابعة: قال بعض الأصحاب و لعلّه الشيخ في المبسوط و الخلاف (3)،كما يفهم من الماتن في الشرائع (4):أنّ في الترقوة بفتح التاء فسكون الراء فضمّ القاف،و هي العظم الذي بين ثغرة النحر و العاتق إذا كسرت فجبرت على غير عيب فأربعون ديناراً و حكي أيضاً عن ابن حمزة (5)،و أفتى به من المتأخّرين جماعة (6)،بل في شرح الشرائع للصيمري أنّه المشهور بين الأصحاب (7).

ص:493


1- التهذيب 10:305.
2- مجمع الفائدة 14:424.
3- انظر المبسوط 7:155،الخلاف 5:261.
4- الشرائع 4:271.
5- الوسيلة:449.
6- منهم العلّامة في الإرشاد 2:241،و التبصرة:214،و الشهيدان في اللمعة و الروضة 10:246،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:424.
7- غاية المرام 4:459.

و المستند كتاب ظريف (1) و الرضوي (2)كما حكي.

و المصنف لم يجزم بذلك؛ لأنّ التقدير حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية،و الكتاب المذكور لعلّه لم يصلح عنده حجة إمّا لضعفه كما زعمه غيره (3)،أو لتضمّنه ما لا يقول به الأصحاب كثيراً.

و فيهما نظر،و لو سلّما لانجبرا بالشهرة المحكية،بل الإجماع كما عن الخلاف (4).

و ليس في النص و الفتوى حكم الترقوتين إذا لم تجبرا أو جبرتا على عيب،فينبغي الرجوع فيهما إلى القاعدة،و مقتضاها الحكومة،و يشكل لو نقصت عن الأربعين؛ لوجوبها فيما لو عدم العيب،فكيف لا تجب معه! و لو قيل بوجوب أكثر الأمرين كما في الروضة (5)كان حسناً.

و عن ابن حمزة و المهذّب و في شرح الشرائع للصيمري (6)أنّ فيهما الدية كاملة،و في إحداهما نصفها؛ عملاً بضابطة أنّ ما في الإنسان منه اثنان فيهما الدية و في أحدهما نصفها.

و هو حسن إن سلّم شمولها لنحو الترقوتين،و هو محلّ تردّد،و الأصل يقتضي الرجوع إلى الحكومة كما قلنا.

الخامسة روي:أنّ من داس بطن إنسان حتى أحدث

الخامسة: روي:أنّ من داس بطن إنسان حتى أحدث في ثيابه ببول

ص:494


1- الكافي 7:334،الفقيه 4:59،التهذيب 10:300،الوسائل 29:299 أبواب ديات الأعضاء ب 9 ح 1.
2- فقه الرضا(عليه السّلام):321،المستدرك 18:347 أبواب ديات الأعضاء ب 9 ح 4.
3- المسالك 2:504.
4- انظر الخلاف 5:261.
5- الروضة 10:248.
6- الوسيلة:449،لم نعثر عليه في المهذب للقاضي،و هو موجود في المهذب البارع 5:352،غاية المرام 4:460.

أو غائط خاصّة كما هو ظاهر الرواية،فلا يلحق بهما الريح كما فعله في الروضة (1)،بل يجب القطع فيها بالحكومة،كما صرّح به بعض الأجلّة (2) ديس بطنه حتى يحدث أو يفتدي بثلث الدية،و هي رواية النوفلي عن السكوني عن مولانا الصادق(عليه السّلام)أنّه رفع إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام) رجل داس بطن رجل حتى أحدث في ثيابه فقضى(عليه السّلام) (3)بذلك.

و عمل بمضمونها جماعة كالشيخين و ابن حمزة (4)،و نسبه في الروضة إلى الأكثر (5)،و عن الشيخ في الخلاف عليه الإجماع (6)،فإن تمّ كان هو الحجّة،و إلّا فالرواية قضيّة في واقعة مخالفة للأُصول،كما أشار إليه الحلّي،فقال بعد نقلها:الذي يقتضيه مذهبنا خلاف هذا الرواية؛ لأنّ فيه تغريراً (7)بالنفس،فلا قصاص في ذلك بحال (8).و تبعه من المتأخّرين جماعة (9)مختارين الحكومة.

و ظاهر الفاضلين هنا و في الشرائع و التحرير و الشهيد في اللمعة (10)و غيرهم (11)التوقّف في المسألة،حيث أجابوا عن الرواية بأنّ راويها

ص:495


1- الروضة 10:253.
2- و هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:507.
3- الكافي 7:21/377،الفقيه 4:374/110،التهذيب 10:1089/279،الوسائل 29:182 أبواب قصاص الطرف ب 20 ح 1.
4- المقنعة:761،النهاية:770،الوسيلة:450.
5- الروضة 10:253.
6- الخلاف 5:299.
7- في النسخ:التعزير،و الظاهر ما أثبتناه من المصدر.
8- السرائر 3:395.
9- منهم العلّامة في المختلف:809،و ابن فهد في المهذب البارع 5:353،و الشهيد الثاني في المسالك 2:504.
10- الشرائع 4:271،التحرير 2:275،اللمعة(الروضة 10):253.
11- مجمع الفائدة 14:425.

السكوني و فيه ضعف مشهور،و لم يصرّحوا مع ذلك بالحكومة.

و هو حسن؛ لما ذكرنا من القوادح.و لإمكان الذبّ عنها بالإجماع و الشهرة المنقولين،مضافاً إلى دعوى الشيخ الإجماع على قبول رواية السكوني (1)،مع أنّ صاحبه لا ينفكّ عنه غالباً،فيقوى قبول رواياتهما، سيّما مع كثرتها و عمل الأصحاب بأكثرها،مع ردّهم الروايات الصحيحة في مقابلها،و اعتناء المحمدين الثلاثة في كتبهم الأربعة بالرواية عنهما كثيراً، و لذا يعدّ حديثهما قويّاً.

لكن الخروج بذلك عن مقتضى الأُصول محل إشكال،و الأصل معه يقتضي المصير إلى الحكومة إن لم يمكن الخروج عنه بنحو من المصالحة.

السادسة من افتضّ بكراً بإصبعه

السادسة: من افتضّ بكراً بإصبعه مثلاً فخرق مثانتها فلم تملك بولها ففيه ديتها كملاً و مهر نسائها على الأظهر الأشهر كما هنا و في التنقيح (2)،و نسبه في الفقيه إلى أكثر روايات الأصحاب (3).

أقول:و ممّا وصل إلينا منها صريحاً رواية هشام بن إبراهيم عن أبي الحسن(عليه السّلام)أنّ فيه الدية (4)،و لم نقف على الباقي،و لعلّها وصلت إليه و لم تصل إلينا،أو أراد بها ما سيأتي من النصوص في أنّ السلس فيه الدية كاملة،و لأجله اختار الفاضلان و جماعة (5)مضمون الرواية فقالوا:إنّ استمساك البول منفعة واحدة،فيجب في تفويتها الدية كاملة.

ص:496


1- العدّة 1:380.
2- التنقيح 4:509.
3- الفقيه 4:66.
4- التهذيب 10:308،الوسائل 29:335 أبواب ديات الأعضاء ب 30 ح 3.
5- الشرائع 4:271،التحرير 2:271،الإيضاح 4:704،غاية المرام 4:461.

و لكن في رواية ظريف المشهورة أنّ فيه ثلث ديتها (1) و هي و إن اعتبر سندها و اعتضدت بغيرها كالخبر المتقدم مراراً أنّ في كل فتق ثلث الدية،لكن لم أجد بها قائلاً،فلا يعترض بها ما قدّمنا،سيّما مع اعتضاده بالشهرة الظاهرة و المحكية،و بها يجبر ضعف الرواية السابقة، مضافاً إلى انجباره بالنصوص الآتية.

و في التحرير (2)أنّ في رواية أُخرى مهر نسائها،و لم يشر غيره إليها، و لعلّها قوية السكوني:«إنّ عليّاً(عليه السّلام)رفع إليه جاريتان دخلتا الحمام فافتضّت إحداهما الأُخرى بإصبعها،فقضى على التي فعلت عقلها» (3)أي مهرها،على ما فهمه جماعة (4).

و يحتمل أن يكون المراد ب«عقلها» ديتها،و به نصّ في مجمع البحرين،فقال بعد تفسير العقل بالدية-:و منه الحديث:«جاريتان افتضّت إحداهما الأُخرى» ثم ساق الرواية و قال بعدها:يعني ديتها (5).

و على هذا فتكون هذه الرواية معاضدة للرواية الأُولى،لكن ليس فيها ذكر المهر،و ربما يتوهّم منه نظراً إلى ورودها في مقام الحاجة عدم لزومه، و لكن الأمر فيه سهل؛ للاتفاق على ثبوته،مضافاً إلى الرواية السابقة الصريحة و القاعدة،فإنّ هنا جنايتين في منفعة و جارحة،و الأصل عدم

ص:497


1- الفقيه 4:66،التهذيب 10:308،الوسائل 29:335 أبواب ديات الأعضاء ب 30 ح 3.
2- التحرير 2:271.
3- التهذيب 10:987/249،الوسائل 29:354 أبواب ديات الأعضاء ب 45 ح 1.
4- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:419،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:510.
5- مجمع البحرين 5:427.

التداخل إلّا ما أخرجته الأدلّة و لا مخرج في المسألة،و ظاهر الأصل ثبوت مهر المثل كما أفتى به الجماعة.

قيل:و يحتمل أرش البكارة (1)،كما يشعر به القوية المتقدّمة في إفضاء المرأة (2).

ص:498


1- قال به الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:419،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:510.
2- راجع ص 481.
المقصد الثاني في الجناية على المنافع

المقصد الثاني في بيان أحكام الجناية على المنافع و دياتها.

اعلم أنّ في ذهاب العقل الدية كاملة،بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في المبسوط و الغنية و غيرهما من كتب الجماعة (1)، و هو الحجّة.

مضافاً إلى المعتبرة،منها زيادةً على ما يأتي ظاهر الخبر:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب سمعه،و بصره، و لسانه،و عقله،و فرجه،و انقطع جماعه و هو حي،بستّ ديات» (2)و يعضده القاعدة في أنّ كلّ ما كان في الإنسان منه واحد كان فيه الدية.

و لو شجّه أو قطع عضواً منه فذهب عقله لم تتداخل الجنايتان بل لكل منهما ديته على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،وفاقاً للمبسوط و الخلاف (3)،مدّعياً في ظاهر الأوّل و صريح الثاني الإجماع عليه،و هو الحجة؛ مضافاً إلى الرواية السابقة،و أصالة عدم التداخل في الدية.

و لكن في رواية (4) صحيحة عمل بها في النهاية

ص:499


1- المبسوط 7:126،الغنية(الجوامع الفقهية):621 و فيها:بالإجماع،كما في الخلاف 5:234،و مجمع الفائدة 14:426،و كشف اللثام 2:510.
2- الكافي 7:2/325،التهذيب 10:999/252،الوسائل 29:365 أبواب ديات المنافع ب 6 ح 1.
3- المبسوط 7:127،الخلاف 5:234.
4- الكافي 7:1/325،الفقيه 4:327/98،التهذيب 10:1003/253،الوسائل 29:366 أبواب ديات المنافع ب 7 ح 1.

و ابن سعيد (1)أنّه إن كانت الجنايتان بضربة واحدة تداخلتا دية،و إلّا فلا،و هي طويلة مضى ذكرها في أوائل كتاب القصاص في بحث تداخل جناية النفس و الأطراف،و لم يعمل بها الأكثر هنا و ثمة،حتى الشيخ في النهاية هناك؛ لأنّ ظاهرها كما عرفته دخول جناية الطرف في النفس مطلقاً و لو افترقتا،و لم يقل به في النهاية،بل قال في صورة الافتراق بعدم التداخل،فليت شعري كيف يمكن استناده إليها هنا مع مخالفتها لما ذكره ثمّة،و يحتمل أن يكون له هنا مستند آخر غيرها لم يصل إلينا.

و بالجملة:هذه الرواية و إن كانت صحيحة إلّا أنّ العامل بها هنا لم أجده سوى الشيخ و بعض من تبعة،و هو قد رجع عنها في كتابيه المتقدّمين،و صرّح به الحلّي فقال هنا بعد الحكم بعدم التداخل-:و قد كنّا قلنا من قبل:فإن كان أصابه مع ذهاب العقل موضحة أو مأمومة أو غيرهما من الجراحات لم يكن فيه أكثر من الدية كاملة،إلّا أن يكون ضربه بضربتين أو ثلاث فجنت كل ضربة منها جناية كان عليه حينئذٍ جنايتها، [فأوردناه (2)]على ما أورده شيخنا في نهايته،إلّا أنّ هذا أظهر من ذلك، و شيخنا فقد رجع عمّا أورده في نهايته،و قال بما اخترناه الآن في مسائل خلافه،و هو الصحيح؛ لأنّ تداخل الديات إذا لم يمت المجني عليه يحتاج إلى دليل (3)،انتهى.

و كأنّه لم يقف على كلامه هذا،الفاضل المقداد في شرح الكتاب (4)، فنسب إليه الموافقة هنا للنهاية.

ص:500


1- النهاية:771،الجامع:595.
2- في النسخ:و أوردنا،و ما أثبتناه من المصدر هو الأنسب.
3- السرائر 3:414.
4- التنقيح 4:510.

و بالجملة:فلا يعترض بمثل الرواية الأُصول المعتضدة بالشهرة العظيمة و حكاية الإجماع المتقدمة،مضافاً إلى ظاهر الرواية السابقة.

و مع ذلك تضمّنت أنّه لو ضربه على رأسه فذهب عقله انتظر به سنة،فإن مات قيد به،و إن بقي و لم يرجع إليه عقله فعليه الدية و هو أيضاً مخالف للأُصول،كما يظهر من الفاضلين هنا و في الشرائع و الإرشاد و التحرير (1)،حيث نسبا هذا الحكم إلى الرواية،و أشار إليه الشهيد -(رحمه اللّه) في النكت،فقال:و وجهه أنّ إطلاق القود بعد مضي السنّة لا يتمّ إلّا بتقدير أن يكون الضربة ممّا يقتل غالباً،أو قصده و حصل الموت بها، و لكن الرواية أعمّ من ذلك،إلّا أنّه-(رحمه اللّه) قال:و لكن هذا مقيّد بالنص الصحيح (2)،فلذا لم يتوقّف فيه غيرهما،و يمكن تقييده بما يوافق الأُصول جمعاً،و قرينته الضرب بعمود الفسطاط على الرأس،فربما كان ذلك مما يقتل غالباً.

و في إذهاب السمع من الأُذنين معاً الدية كاملة، بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في صريح التحرير و ظاهر الغنية (3)، و هو الحجة زيادةً على ما مرّ في العقل من النص عموماً و خصوصاً،و منه هنا زيادةً على ما يأتي الصحيح:«في ذهاب السمع كلّه ألف دينار» (4).

و في إذهاب سمع كل اذن نصف الدية مطلقاً،كانت إحداهما أحدّ من الأُخرى أولا،كانت الأُخرى ذاهبة بسبب من اللّه تعالى أو بجناية

ص:501


1- الشرائع 4:272،الإرشاد 2:242،التحرير 2:275.
2- غاية المراد 4:550.
3- التحرير 2:275،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- الكافي 7:1/311،الفقيه 4:55،التهذيب 10:968/245،الوسائل 29:283 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 1.

أو غيرهما،بلا خلاف أجده إلّا من ابن حمزة (1)،فأوجب الدية كاملة إن كانت الأُخرى ذهبت بسبب من اللّه سبحانه،و نصفها إن كانت ذاهبة بغيره مطلقاً.و هو نادر،و مستنده مع ذلك غير ظاهر عدا القياس بعين الأعور، و هو فاسد.

و في بعض السمع بحسابه من الدية بلا خلاف؛ للقاعدة؛ مضافاً إلى الرواية (2)التي استندوا إليها لكيفية استعلام النسبة بين الصحيحة و الناقصة و هي أن تقاس الناقصة إلى الأُخرى بأن تسدّ الناقصة سدّاً شديداً و تطلق الصحيحة و يصاح به بصوت لا يختلف كميّته،كصوت الجرس متباعداً عنه حتى يقول:لا أسمع ثم يعاد عليه ثانياً من جهة أُخرى،و لو فعل به ذلك مراراً من أربع جهات كما في الرواية كان أولى.

و على كل حال يجب أن تعتبر المسافة من جانبيه،أو جوانبه الأربع بأن يعلّم مبدأ كل مسافة قال فيها:لا أسمع،و منتهاه، و ينسب إلى باقي المسافات مبدءاً و منتهًى و يصدّق مع التساوي أي تساوي المسافات قدراً و يكذّب مع التفاوت ثم مع التساوي تطلق الناقصة و تسدّ الصحيحة سدّاً جيّداً و يفعل به كذلك أي يعتبر بالصوت كما مرّ حتى يقول:لا أسمع،ثم يكرّر عليه الاعتبار كما مرّ،و ينسب التفاوت بين الصحيحة و الناقصة و يؤخذ من ديتها بنسبة التفاوت بينهما.

و الرواية المتضمّنة لهذه الكيفية و إن كانت ضعيفة إلّا أنّها مجبورة بالاعتبار،مع عدم خلاف فيها في ظاهر الأصحاب،و يعضدها ما في كتاب

ص:502


1- الوسيلة:445.
2- الكافي 7:4/322،الفقيه 4:333/100،التهذيب 10:1045/265،الوسائل 29:362 أبواب ديات المنافع ب 3 ح 2.

ظريف بعد ذكر المقايسة بين العينين من قوله:«و إن أصاب سمعه شيء فعلى نحو ذلك يضرب له بشيء لكي يعلم منتهى سمعه،ثم يقاس ذلك» (1)و نحوه غيره (2).

و لا يقاس السمع في يوم ريح،و لا في المواضع المختلفة في الارتفاع و الانخفاض؛ لعدم الانضباط،بل يتوخّى و يختار القياس في سكون الهواء و المواضع المعتدلة.

و في إذهاب ضوء العينين معاً الدية و في إحداهما نصفها، بلا خلاف أجده،و به صرّح في الغنية (3)،بل عليه الإجماع كما صرّح به بعض الأجلّة (4)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى ما مرّ في المسألتين عموماً و خصوصاً.

و لو ادّعى إذهاب نظره عقيب الجناية و هي أي العين و حدقتها قائمة و لم يعلم بصدقه بالبيّنة أو تصديق الجاني حلف المجني عليه باللّه تعالى القسامة على الأظهر الأشهر،كما في المسالك (5)،بل لعلّه عليه عامة من تأخّر؛ لما في كتاب ظريف (6)،و ما عرضه يونس على مولانا الرضا(عليه السّلام)المروي في الصحيح و غيره،و فيهما:أنّ القسامة على ستة أجزاء،فإن ادّعى ذهاب البصر كلّه حلف ستّاً أو حلف هو و خمسة رجال

ص:503


1- الفقيه 4:56،التهذيب 10:298.
2- الكافي 7:9/324،التهذيب 10:1050/267،الوسائل 29:374 أبواب ديات المنافع ب 12 ح 1.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- كشف اللثام 2:511.
5- المسالك 2:504.
6- تقدمت الإشارة إليه في الهامش 2.

معه،و إن ادّعى ذهاب سدس بصره حلف هو واحدة،و إن ادّعى ذهاب ثلثه حلف يمينين،أو هو و آخر معه (1)،و هكذا.

و في رواية ضعيفة أنّه يقابل ب عينه الشمس فإن بقيتا مفتوحتين صدق و إلّا كذب،و بها أفتى ابن زهرة و الديلمي و الحلبي و الشيخ في الخلاف (2)،مدّعياً عليه الإجماع.

و فيه وهن بمخالفة الأكثر،و الرواية ضعيفة كما عرفته،مع قصورها كالإجماع المحكي عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة.

فهذا القول ضعيف،و إن نفى البأس عنه في المختلف (3)إن أفاد الحاكم ظنّاً؛ لعدم دليل عليه أيضاً،مع كونه خارجاً عن إطلاق القولين و أدلّتهما من دون دليل أجده له صالحاً،عدا ما دلّ على حجّية ظنّ الحاكم، و لا عموم له يشمل المقام؛ لاختصاصه بالظنّ الحاصل له في نفس الحكم الشرعي دون موضوعاته إلّا ما أخرجه الدليل منها،و لا مخرج هنا،إلّا أن يدّعى الاستقراء،و لم أتبيّنه هنا.

و لو ادّعى نقصان بصر إحداهما قيست إلى الأُخرى،و فعل بالنظر إلى المنظور كما فعل بالسمع بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في الغنية (4)؛ للمعتبرة،منها الصحيح:عن الرجل يصاب في عينيه فيذهب بعض بصره،أيّ شيء يعطى؟قال:«تربط إحداهما،ثم توضع له بيضة ثم

ص:504


1- الكافي 7:9/324،التهذيب 10:1050/267،الوسائل 29:374 أبواب ديات المنافع ب 12 ح 1.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621،المراسم:245،الكافي في الفقه:396،الخلاف 5:235.
3- المختلف:817.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):621.

يقال له:انظر،فما دام يدّعي أنّه يبصر موضعها حتى إذا انتهى إلى موضع إن جازه قال:لا أبصر،قرّبها حتى يبصر،ثم يعلّم ذلك المكان،ثم يقاس ذلك القياس من خلفه و عن يمينه و عن شماله،فإن جاء سواء،و إلّا قيل له:كذبت حتى يصدق» إلى أن قال:«و يصنع بالعين الأُخرى مثل ذلك ثم يقاس ذلك على دية العين» (1).

و نحوه صحيح آخر (2)،و غيره (3)،لكن ليس فيهما ذكر للجهات الأربع،بل اقتصر فيهما على جهتين خاصّة،و عليهما العمل،إلّا أنّ مراعاة الجهات الأربع أحوط و أوضح.

و ما تضمّنته هذه النصوص في كيفية الاعتبار أجود و أشهر.

و عن المفيد (4)-(رحمه اللّه)الاعتبار بنحو آخر،و لكنّ الأمر سهل؛ إذ الظاهر أنّ الضابط هو فعل ما يظهر معه للحاكم صدق المدّعى كما صرّح به في المختلف (5)،و لذا قال بعد نقل الأقوال في كيفية الاعتبار-:و لا خلاف و لا طائل تحت هذه المسألة.

و لو ادّعى نقصانهما قيستا إلى أبناء سنّه بأن يوقف معه و ينظر ما يبلغه نظره،ثم يعتبر ما يبلغه نظر المجني عليه،و يعلم نسبة ما بينهما،فإن

ص:505


1- الكافي 7:8/323،التهذيب 10:1046/265،الوسائل 29:368 أبواب ديات المنافع ب 8 ح 1.
2- الفقيه 4:331/100،التهذيب 10:1049/266،الوسائل 29:369 أبواب ديات المنافع ب 8 ح 3.
3- الكافي 7:6/323،التهذيب 10:1047/266،الوسائل 29:368 أبواب ديات المنافع ب 8 ح 2.
4- المقنعة:758.
5- المختلف:802.

استوت المسافات الأربع صدق و إلّا كذب،بلا خلاف أجده،بل عليه في ظاهر الغنية إجماع الإمامية (1)،و هو الحجة المعتضدة بالصحيح:«اتي أمير المؤمنين(عليه السّلام)برجل قد ضرب رجلاً حتى نقص من بصره،فدعا برجل من أسنانه فأراهم شيئاً فنظر ما نقص من بصره فأعطاه من ديته ما انتقص من بصره» (2).

و لا يقاس في يوم غيم،و لا في أرض مختلفة الجهات؛ لئلّا يحصل الاختلاف بالعارض؛ و للقوي و غيره:«لا تقاس عين في يوم غيم» (3).

و في إبطال الشم من المنخرين معاً الدية كاملة،و من إحداهما خاصّة نصفها،بلا خلاف أجده،و به صرّح في المبسوط و الخلاف و الغنية (4)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى ما مرّ في المسائل السابقة من القاعدة.

و لو ادّعى ذهابه عقيب جناية يمكن زواله بها و لم يظهر حاله بالامتحان اعتبر بتقريب الحراق بضم الحاء و تخفيف الراء،و هو ما يقع فيه النار عند القدح أي يقرب منه بعد علوق النار به فإن دمعت عيناه و حوّل أنفه عنه فهو كاذب و إلّا فصادق،كما في الرواية المتقدمة في اعتبار بصر العين المدّعى زواله،و أفتى بها هنا أيضاً ابن زهرة و الشيخ في

ص:506


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- الفقيه 4:321/97،التهذيب 10:1055/268،الوسائل 29:269 أبواب ديات المنافع ب 8 ح 4.
3- الفقيه 4:339/101،التهذيب 10:267،1051/268،1052،الوسائل 29:365 أبواب ديات المنافع ب 5 ح 1،2.
4- المبسوط 7:131،الخلاف 5:238،الغنية(الجوامع الفقهية):621.

الخلاف (1)مدّعياً أيضاً عليه الوفاق.و فيهما ما سبق.

و الأشهر على الظاهر،المصرّح به في المسالك (2)تحليف المجني عليه بالقسامة كما في المسألة السابقة،عملاً بالقاعدة.

و العجب من الماتن كيف أخذ بها في المسألة السابقة و نحوها ممّا تقدّم إليه الإشارة طارحاً للرواية،و عكس في المسألة؟!مع أنّ الجميع من باب واحد فتوًى و نصّاً و قاعدةً.

و لو أُصيب أحد بجناية فتعذّر عليه بها إنزال المني كان فيه الدية كاملةً،بلا خلاف أجده،و ربما يستدل له بما مرّ من القاعدة من أنّ كل ما في الإنسان منه واحد ففيه الدية.

و في الخبر:«في الظهر إذا كسر حتى لا ينزل صاحبه الماء الدية كاملة» (3).

و اعلم أنّه قيل:في سلس البول و هو نزوله مترشّحاً لضعف القوّة الماسكة له الدية كاملة؛ للقاعدة المتقدمة،و للخبرين،في أحدهما:«أنّ عليّاً(عليه السّلام)قضى في رجل ضرب حتى سلس بوله بالدية كاملة» (4)و نحوه الثاني المروي عن قرب الإسناد (5).

و فيهما ضعف سنداً،و في القاعدة دلالةً،و لذا نسبه الماتن هنا و في الشرائع (6)إلى القيل مشعراً بتمريضه.

ص:507


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621،الخلاف 5:238.
2- المسالك 2:505.
3- التهذيب 10:1028/260،الوسائل 29:376 أبواب ديات المنافع ب 14 ح 1.
4- الفقيه 4:363/108،التهذيب 10:995/251،الوسائل 29:371 أبواب ديات المنافع ب 9 ح 4.
5- قرب الإسناد:530/147،الوسائل 29:372 أبواب ديات المنافع ب 9 ح 5.
6- الشرائع 4:274.

نعم عليه أكثر المتأخّرين،بل في المسالك و الروضة أنّه المشهور بين الأصحاب (1)،و ربما أُيّد بما مرّ من النصوص بإثبات الدية بكسر البعصوص فلا يملك استه،و ضرب العجان فلا يستمسك بوله و لا غائطه.

و فيه نظر؛ لعدم دلالتها على كون الدية لأجل الجناية على المنفعة خاصّة كما هو مفروض المسألة،و الشهرة بنفسها ليست بحجة إلّا أن تجعل لضعف الخبرين جابرة،و هو حسن إن لم تعارضه الشهرة القديمة.

و الظاهر ثبوتها على الخلاف و هو العمل بما في رواية من أنّه إن دام السلس إلى الليل لزمته الدية كاملةً و إن دام إلى الزوال لزم ثلثاها،و إن دام إلى الضحوة لزم ثلث الدية (2) فقد حكي القول به عن السرائر و النزهة و الجامع و الوسيلة (3)،و اختاره من المتأخّرين الفاضل المقداد (4)،و ادّعى المحقّق الثاني فيما حكي عنه (5)الشهرة و جبر بها ضعف الرواية.

فالمسألة لذلك محل إشكال و ريبة،لكن الأصل يقتضي المصير إلى القول الثاني؛ فإنّ لزوم كمال الدية على الإطلاق ممّا ينفيه أصالة البراءة، فينبغي الاقتصار فيه على الصورة المتّفق عليها،و هي الصورة الأُولى،و أمّا الصور (6)الباقية فالأصل عدم لزومه أيضاً.

ص:508


1- المسالك 2:505،الروضة 10:264.
2- التهذيب 10:994/251،الفقيه 4:362/107،الوسائل 29:371 أبواب ديات المنافع ب 9 ح 3.
3- السرائر 3:391،النزهة:143،146،148،الجامع:594،الوسيلة:442،450.
4- التنقيح الرائع 4:512.
5- مجمع الفائدة 14:446.
6- في غير«ن»:الصورة.

و إثبات الثلث و الثلثين في الصورتين الأخيرتين و إن كان ممّا لا يساعده الأصل حيث يزيدان عن الحكومة إلّا أنّه جاء من قبل الإجماع و عدم قائل بها مطلقاً؛ فإنّ كل من نفى كمال الدية على الإطلاق قال بالقول الثاني المفصّل على الإطلاق.

و عليه فليطرح الخبران المطلقان للدية،مع كونهما قضية في واقعة، أو يحملا على الصورة الأُولى خاصّة جمعاً،سيّما مع كونها أظهر أفراد المطلق؛ لندرة الصورتين الأخيرتين فيما أحسبه.

و حكى الفاضل في الإرشاد و القواعد (1)قولاً ثالثاً مفصّلاً كالثاني،لكن مبدلاً الثلثين بالنصف.و لم أعرف قائله و لا مستنده،و به صرّح جماعة (2).

و اعلم أنّ الظاهر أنّ المراد بالدوام في الصور الثلاث الدوام في كل يوم لا في يوم أو أيّام كما فهمه العلّامة (3)و جماعة (4)؛ لأنّ المعهود أنّ الدية و بعضها المقدّر إنّما يجب في ذهاب العضو أو المنفعة بالكلية،و أنّ مع العود الحكومة مع أصالة البراءة.

ص:509


1- الإرشاد 2:243،القواعد 2:333.
2- منهم فخر المحققين في الإيضاح 4:711،و الفاضلان المقداد في التنقيح 4:513،و الهندي في كشف اللثام 2:513.
3- القواعد 2:333.
4- منهم فخر المحققين في الإيضاح 4:711،و الفاضلان المقداد في التنقيح 4:512،و الهندي في كشف اللثام 2:513.
المقصد الثالث في الشجاج و الجراح
الشجاج ثمان
الحارصة

(المقصد الثالث) في بيان ديات الشجاج و الجراح فالشجاج بكسر الشين جمع شجّة بفتحها،و هي الجرح المختصّ بالرأس كما في مجمع البحرين (1)،أو الوجه أيضاً كما في كلام جماعة (2)و عزي إلى نص اللغة،و يسمّى في غيرهما جرحاً بقول مطلق ثمان على المشهور الحارصة،و الدامية،و المتلاحمة،و السمحاق، و الموضحة،و الهاشمة،و المنقّلة،و المأمومة،و الجائفة فهذه تسعة، و لكن الأخيرة من الجراح لا الشجاج؛ إذ لا اختصاص لها بالرأس و الوجه،و عليه فيكون عدد الشجاج المختصّ بهما كما هو معناها لغةً بل و عرفاً ثمانية كما في العبارة و غيرها.

فالحارصة بإهمال الحروف جملة هي التي تقشر الجلد و تخدشه و فيها بعير على الأشهر الأظهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ للخبر المعتبر،بل الصحيح أو القريب منه:«في الحرصة شبه الخدش بعير» (3).

خلافاً للإسكافي،فنصف بعير (4).و هو شاذّ،و مستنده غير واضح.

و إطلاق النص و أكثر الفتاوي يقتضي عدم الفرق بين كون المشجوج

ص:510


1- مجمع البحرين 2:312.
2- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:267،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:513،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:153.
3- التهذيب 10:1138/293،الوسائل 29:382 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 14.
4- حكاه عنه في المختلف:811.

ذكراً أو أُنثى،حرّا أو مملوكاً.

خلافاً للغنية و الإصباح و الجامع (1)فعبّروا بأنّ فيها عشر عشر الدية، و عليه يفترق الذكر و الأُنثى.

و فيه مع مخالفته إطلاق النص أنّ افتراقهما لا يكون إلّا بعد بلوغ الثلث أو (2)التجاوز عنه لا مطلقاً،كما مضى أيضاً و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

و يمكن تنزيل عبائرهم عليه بأن يراد بالدية المضاف إليها عشر عشر دية الذكر التي هي الأصل،دون دية الأُنثى التي هي نصفها.

و لابن حمزة (3)،ففرّق بين الحرّ فما في النص و العبارة،و المملوك فالأرش على حسب القيمة.

و هو غير بعيد؛ للشك في دخول مثله في إطلاق الفتوى و النص، سيّما مع اختلافه مع الحرّ في كثير من الأحكام،سيّما الديات،و لكن الحكم بالأرش على الإطلاق مشكل،بل ينبغي تقييده بما إذا وافق عشر عشر قيمته كما هو الضابط في دية أعضائه،من نسبتها إلى دية الحرّ ثم إلى دية مجموعة التي هي قيمته،ما لم تزد عن دية الحرّ فتردّ إليها،(كما مضى) (4)و يأتي أيضاً.

و يمكن إرجاع ما في الكتب الثلاثة المتقدمة من إثبات عشر عشر الدية إلى هذا،بحمل الدية فيها على ما يعمّ نحو قيمة المملوك،فتأمّل جدّاً .

ص:511


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621،الإصباح(الينابيع الفقهية 24):295،الجامع:600.
2- في«س»:و.
3- الوسيلة:444.
4- ما بين القوسين ليس في«ح» و«ب» و«س».
الدامية

و هل الحارصة هي الدامية فتكون ديتها ديتها بعيراً،و يبدل عنها في عدد الثمانية الذي فيه بعيران بالباضعة؟أم غيرها فتكون ديتها بعيرين،و تكون الباضعة مرادفة للمتلاحمة فيها ثلاثة أبعرة؟ قال الشيخ (1) و جماعة (2) نعم للخبرين:«قضى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) في الدامية بعيراً،و في الباضعة بعيرين،و في المتلاحمة ثلاثة أبعرة» (3).

و قصور سندهما و لا سيّما الأوّل لضعفه من وجوه يمنع عن العمل بهما،سيّما مع عدم مكافأتهما لأدلّة المشهور جدّاً.

و لذا صار الأكثرون كما هنا و في الشرائع و التحرير (4)،بل في المسالك و الروضة و شرح الشرائع للصيمري (5)المشهور على خلافه للمعتبرة المستفيضة منها الرواية المتقدّمة؛ إذ فيها بعد ما مرّ بلا فصل:

«و في الدامية بعيران،و في الباضعة و هي ما دون السمحاق ثلاث من الإبل» الخبر (6).

و منها الصحيحان و غيرهما:«و في الباضعة ثلاث من الإبل» (7).

ص:512


1- المبسوط 7:122،الخلاف 5:231.
2- منهم ابن حمزة في الوسيلة:444،و ابن سعيد في الجامع:600،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:153.
3- أحدهما في:الكافي 7:6/327،الوسائل 29:380 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 8. و الآخر في:الكافي 7:1/326،التهذيب 10:1126/290،الوسائل 29:379 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 6.
4- الشرائع 4:275،التحرير 2:276.
5- المسالك 2:505،الروضة 10:267،غاية المرام 4:468.
6- راجع ص 507.
7- أحدهما في:الفقيه 4:433/124،الوسائل 29:378 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 1. و الآخر في:الكافي 7:3/326،التهذيب 10:1125/290،الوسائل 29:379 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 4. و الخبر في:التهذيب 10:1124/290،الوسائل 29:381 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 11.

و هما و إن لم يتضمّنا ذكر الحارصة و الدامية إلّا أنّهما دلّا على أنّ في الباضعة ثلاثاً من الإبل،و كل من قال به من المشهور قال بتغايرهما،كما مضى و سيأتي الإشارة إليه أيضاً.

فهي أي الدامية أذن التي تقطع الجلد و تأخذ في اللحم يسيراً و فيها بعيران.

المتلاحمة

و المتلاحمة و هي التي تقطع الجلد و تأخذ في اللحم كثيراً و هل هي غير الباضعة فيجب فيها ثلاثة أبعرة و في الباضعة بعيران،و يكون أوّل الشجاج الدامية و الحارصة مترادفتين؟أم متّحدتان ديتهما ثلاثة أبعرة،و يكون أوّلها الحارصة فيها بعير،و ثانيها الدامية فيها بعيران؟ اختلاف مبني على الاختلاف السابق فمن قال ثمّة:أنّ الدامية غير الحارصة و هم المشهور قال: الباضعة هي المتلاحمة ديتها ثلاثة أبعرة،عدا الإسكافي (1)،و هو نادر.

و من قال:الدامية هي الحارصة و هو الشيخ و من تبعه فالباضعة عنده غير المتلاحمة فيها بعيران.

و حيث قد عرفت أنّ الأوّل أقرب ففي المتلاحمة و الباضعة إذن ثلاثة أبعرة و يظهر من هنا عدم الخلاف فتوًى و نصّاً في ثبوتها في

ص:513


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:811.

المتلاحمة،و إنّما هو في ثبوتها في الباضعة،و قد عرفت من المعتبرة المستفيضة المعتضدة بالشهرة ثبوتها فيها أيضاً.

و الخبران المتقدّمان و إن نصّا على الخلاف بإثبات البعيرين فيها، و الثلاثة في المتلاحمة خاصّة،فارقين بينهما،إلّا أنّك قد عرفت الجواب عنهما،فما عليه الأكثر في المقامين أقوى إن فرض ثمرة معنوية تترتّب على الخلاف،و إلّا فيعود النزاع لفظيّاً كما صرّح به في المسالك و الروضة (1)شيخنا،فتأمّل جدّاً .

السِّمحاق

و السِّمحاق بكسر السين المهملة و إسكان الميم،و هي التي تقطع اللحم و تقف على السمحاقة،و هي الجلدة المغشية للعظم،و فيها أربعة أبعرة للصحيحين (2)و غيرهما من المستفيضة (3)،و عليه الإجماع على الظاهر،المحكي في الغنية و عن الانتصار و الناصريات و الخلاف (4).

و عن الإسكافي أنّه روي عن أمير المؤمنين(عليه السّلام)أنّ فيها حقّة و جذعة و ابنة مخاض و ابنة لبون (5).

و عن المقنع أنّ فيها خمسمائة درهم،قال:و إذا كانت في الوجه

ص:514


1- المسالك 2:505،الروضة 10:268.
2- أحدهما في:الكافي 7:3/326،التهذيب 10:1125/290،الوسائل 29:379 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 4. و الآخر في:التهذيب 10:1124/290،الوسائل 29:381 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 11.
3- الوسائل 29:أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 الأحاديث 6،10،14،16.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):621،الانتصار:276،الناصريات(الجوامع الفقهية):219،الخلاف 5:231.
5- حكاه عنه في المختلف:811.

فالدية على قدر الشين (1).و عليه ينصّ المرسل (2).

الموضحة

و الموضحة و هي التي تكشف عن وضح العظم و بياضه و تقشر السمحاقة و فيها خمسة أبعرة بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في الغنية (3)،و حكي عن الخلاف و غيره (4)؛ للصحاح (5)و الموثّق القريب منها (6)و غيرها من المستفيضة (7).و في كتاب ظريف:«في موضحة الرأس خمسون ديناراً» (8)و قريب منه الخبر:فيمن شجّ عبداً موضحة،قال:«عليه نصف عشر قيمة العبد» (9).

و يستفاد من الجمع بينهما و بين المستفيضة أنّ ذكر الإبل فيها و النقد فيهما بعنوان المثل،و أنّ الضابط نصف عشر الدية كما عبّر به في الغنيّة (10)و عبائر جماعة (11)مع نفي الخلاف عنه،كتعبيرهم بخمسي عشر الدية في

ص:515


1- المقنع:181.
2- الكافي 7:8/327،الوسائل 29:380 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 9.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- الخلاف 5:192،كشف اللثام 2:515.
5- انظر الوسائل 29:أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 الأحاديث 4،12،14.
6- التهذيب 10:1131/291،الوسائل 29:381 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 13.
7- الوسائل 29:378 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 الأحاديث 5،6،10،11،16.
8- الكافي 7:332،الفقيه 4:58،التهذيب 10:300 فيه و في الفقيه بتفاوت يسير،الوسائل 29:295 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 6 ح 1.
9- التهذيب 10:1141/293،الوسائل 29:389 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 8 ح 5.
10- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
11- منهم الشيخ في الخلاف 5:192،و انظر الكافي في الفقه:400،و الإصباح(الينابيع الفقهية 24):295،و الجامع للشرائع:600.

المسألة السابقة،و يمكن تنزيل عبائر الأكثر المعبّرة بالإبل خاصّة عليه، بحمله على المثل في المقامين،بل فيما يأتي و ما مضى مطلقاً (1).

الهاشمة

و الهاشمة و هي التي تهشم العظم أي تكسره و إن لم تسبق بجرح و فيها عشرة أبعرة عشر الدية،بلا خلاف،و به صرّح في الغنية (2)،و بالإجماع بعض الأجلّة (3)؛ للقوي:أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)قضى في الهاشمة بعشر من الإبل (4).

و ليس فيه كالعبارة و نحوها ما ذكره جماعة (5)من اعتبار الأسنان فيها أرباعاً في الخطأ و أثلاثاً في شبهه على نسبة ما يوزّع في الدية الكاملة،و إن كان أحوط.

المنقّلة

و المنقّلة و هي على تعريف الماتن و جماعة (6) التي تحوج إلى نقل العظم من موضع إلى غيره،و قيل فيها تفاسير أُخر متقاربة و فيها خمسة عشر بعيراً عشر الدية و نصفه،بلا خلاف كما عن المبسوط و الخلاف و في الغنية (7)؛ للصحيح (8)و الموثّق القريب منه

ص:516


1- في«ن»:أيضاً.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- و هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:515.
4- الفقيه 4:437/125،التهذيب 10:1139/293،الوسائل 29:378 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 2.
5- منهم الشيخ في المبسوط 7:121،و الشهيد الثاني في الروضة 10:270،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:515.
6- منهم العلّامة في القواعد 2:333،و الإرشاد 2:244،و الشهيد في اللمعة(الروضة 10):272،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:153.
7- المبسوط 7:122،الخلاف 5:192،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
8- الكافي 7:3/326،التهذيب 10:1125/290،الوسائل 29:379 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 4.

سنداً (1)و غيرهما من المستفيضة (2).

و فسّرت في بعضها بالتي قد صارت قرحة ينقل منها العظام (3)،و في بعضها بعد قوله:«و في المنقّلة خمسة عشر من الإبل» :«عشر و نصف عشر» (4)و فيه دلالة على الضابط المتقدم،لكن فيه قطع،و في المفسِّر إرسال.

و أوجب العماني هنا عشرين بعيراً (5).و هو مع ندرته جدّاً على الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة (6)لم أر له مستنداً.

المأمومة

و المأمومة و هي التي تصل إلى أُمّ الرأس،و هي الخريطة الجامعة للدماغ بكسر الدال،و لا تفتقها و فيها ثلث الدّية كما في الغنية و عن الخلاف و المراسم و المقنع و الوسيلة (7)و غيرها (8)؛ للنصوص المستفيضة،منها الصحيح عن الشجّة المأمومة؟فقال:«ثلث الدية، و الشجّة الجائفة ثلث الدية» (9).

ص:517


1- التهذيب 10:1131/291،الوسائل 29:381 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 13.
2- الوسائل 29:378 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2.
3- الكافي 7:8/327،الوسائل 29:380 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 9.
4- التهذيب 10:1143/294،الوسائل 29:383 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 18.
5- حكاه عنه في كشف اللثام 2:515.
6- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:505،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:153،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:515.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):621،الخلاف 5:192،المراسم:247،المقنع:181،الوسيلة:445.
8- القواعد 2:333،المفاتيح 2:153.
9- التهذيب 10:1130/291،الوسائل 29:381 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 12.

و نحوه الخبر (1)،لكن بزيادة تفسير الثلث في الجائفة بثلاث و ثلاثين من الإبل،و فيه إيماء إلى وقوع التجوّز في الثلث في الجائفة،فيحتمل وقوعه فيه أيضاً في المأمومة،سيّما مع ورود الصحيح (2)و غيره (3)بأنّه فيها ثلاث و ثلاثون بعيراً و مثل هذا التجوّز شائع.

و لذا أنّ الفاضلين في الشرائع و التحرير (4)مع تصريحهما بأنّ فيها ثلث الدية فسّراه بثلاث و ثلاثين من الإبل من دون ذكر ثُلث.

و نحوهما الشيخان في المقنعة و النهاية و المرتضى في الناصريات (5)على ما حكي عنهم،فقالوا:فيها ثلث الدية:ثلاثة و ثلاثون بعيراً،أو ثلث الدية من العين أو الورق على السواء؛ لأنّ ذلك يتحدّد فيه الثلث و لا يتحدّد في الإبل و البقر و الغنم على السلامة،كما في عبارة السيّد و شيخه،و قريب منها عبارة النهاية،لكن بزيادة الحلّة و عدم إشارة إلى العلّة.

و ذكر الحلّي أنّ فيها ثلث الدية دية النفس و هي ثلاث و ثلاثون بعيراً فحسب بلا زيادة و لا نقصان إن كان من أصحاب الإبل،و لم يلزمه أصحابنا ثلث البعير الذي يتكمّل به ثلث المائة بعير التي هي دية النفس؛ لأنّ رواياتهم هكذا مطلقة،و كذا مصنّفاتهم و قول مشايخهم و فتاويهم،

ص:518


1- الفقيه 4:432/124،التهذيب 10:1123/289،الوسائل 29:380 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 10.
2- الكافي 7:3/326،التهذيب 10:1125/290،الوسائل 29:379 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 4.
3- التهذيب 10:1124/290،معاني الأخبار:1/329،الوسائل 29:381 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 11.
4- الشرائع 2:277،التحرير 2:276.
5- المقنعة:766،النهاية:775،الناصريات(الجوامع الفقهية):219.

و إجماعهم منعقد على هذا الإطلاق،أو ثلث الدية من العين أو الورق على السواء؛ لأنّ ذلك يتحدّد فيه الثلث و لا يتحدّد في الإبل و البقر و الغنم (1).انتهى.

و هو صريح في دعوى الإجماع على سقوط الثلث من عدد الإبل، لكن عرفت إطلاق عبائر جماعة بثلث الدية بقول مطلق،و مقتضاه زيادة الثلث في العدد المتقدم،و حكي التصريح بها عن المبسوط فقال:فيها ثلاثة و ثلاثون بعيراً و ثلث بعير (2).

و به صرّح في القواعد (3)،و شيخنا في المسالك و الروضة (4)،و بعض من تبعه (5)،مختارين التجوّز في العكس بحمل ما دلّ على العدد من دون ذكر الثلث عليه تخفيفاً في اللفظ و تجوّزاً في العدد بالاقتصار على الأعداد الصحيحة و الإيماء إلى إكمال الثلث من إيجابه.

و هو حسن إن وجد مرجّح لهذا التجوّز،و ليس عدا المناسبة لمراعاة النسبة إلى أصل الدية في المسائل السابقة بل في المسألة أيضاً بالإضافة إلى النقدين و الحلّة،و هي بمجرّدها للترجيح غير صالحة،سيّما و أنّ الشهرة و حكاية الإجماع المتقدمة للتجوّز في الأوّل مرجّحة.

و لو سلّم عدمهما لكان التحقيق يقتضي التوقّف في ترجيح أيّهما أو تساقطهما،و معه يكون وجوب ثلث البعير زيادة على العدد بالأصل منفيّاً، فما في العبارة أقوى،و إن كانت الزيادة أو العدول إلى النقدين و ما شاكلهما

ص:519


1- السرائر 3:407.
2- المبسوط 7:122.
3- القواعد 2:333.
4- المسالك 2:506،الروضة 10:273.
5- كالأردبيلي في مجمع الفائدة 14:454،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:153.

أحوط و أولى.

الجائفة

و الجائفة و هي التي تبلغ الجوف من أيّ الجهات كان و لو من ثغرة النحر و فيها ثلث الدية كما في النصوص المستفيضة (1)،و فيها الصحيح و القريب منه،لكن في بعضها بعد الحكم بأنّ فيها الثلث فسّر بالثلاث و الثلاثين بعيراً (2)،و قد تقدم،فيأتي فيها احتمال التجوّز المتقدم أيضاً،سيّما مع ورود الصحيح و غيره بأنّ فيها ثلاثاً و ثلاثين من الإبل.

لكن الأصحاب هنا أطلقوا الحكم بالثلث الذي مقتضاه زيادة ثلث بعير على العدد من غير خلاف بينهم يعرف،و به صرّح في الغنية (3)، و حكي عن المبسوط و الخلاف (4)،بل صرّح بالاتفاق على زيادته هنا شيخنا في الروضة (5).

فإن تمّ فهو الحجة،و لكن في التمامية مناقشة؛ لأنّ عبارات الأصحاب هنا بالثلث و إن كانت مطلقة،إلّا أنّ تعليل جملة منهم سقوط الثلث في المسألة السابقة بأنّه من البعير لا يحدّ كما وقع في عبارة السيّد و شيخه و الحلّي (6)،أو بلزوم متابعة النص بالعدد كما وقع في عبارة الماتن في الشرائع (7)،و قريب منه الفاضل في المختلف (8)،جارٍ في المسألة؛ لعدم

ص:520


1- الوسائل 29:378 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2.
2- الفقيه 4:432/124،التهذيب 10:1123/289،الوسائل 29:380 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 10.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- المبسوط 7:124،الخلاف 5:232.
5- الروضة 10:275.
6- راجع ص 515.
7- الشرائع 2:277.
8- المختلف:812.

تحديد ثلث البعير فيها أيضاً و لو بزعمهم،و ورود الصحيح و غيره بالثلاث و الثلاثين من غير ذكر ثلث.

و هنا

مسائل
الأولى دية النافذة في الأنف

مسائل ثمان:

الأُولى: دية النافذة في الأنف بحيث تثقب المنخرين معاً و لا تنسد ثلث ديته بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في ظاهر عبارة بعض الأجلّة (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة،و منها كتاب ظريف و الرضوي كما حكي (2)، و الخبر:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في النافذة تكون في العضو ثلث الدية دية ذلك العضو» (3).

فإن صلحت و انسدّت فخمس الدية مائتا دينار في المشهور بين الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في المختلف (4).

و مستندهم غير واضح عدا ما قيل من كونه كتاب ظريف (5).و هو غريب؛ فإنّ المروي فيه على ما يوجد في الكتب الثلاثة و المختلف و غيره (6)أنّ فيها خمس دية الروثة مائة دينار،و به أفتى الإسكافي و الحلّي في السرائر و عن الخلاف (7)،و هو الأصحّ؛ لعدم المعارض،مضافاً إلى

ص:521


1- كشف اللثام 2:499.
2- حكاه في كشف اللثام 2:499.
3- الكافي 7:12/328،التهذيب 10:1137/293،الوسائل 29:380 أبواب ديات الأعضاء ب 2 ح 7.
4- المختلف:819.
5- انظر مجمع الفائدة 14:454.
6- الكافي 7:331،الفقيه 4:57،التهذيب 10:298،المختلف:819؛ و انظر كشف اللثام 2:499.
7- حكاه عن الإسكافي في المختلف:819،لم نعثر عليه في السرائر،الخلاف 5:237.

الأصل.

و لو كانت النافذة في أحد المنخرين خاصّة إلى الحاجز بينهما فعشر الدية مائة دينار،إمّا مطلقاً كما هنا و في الشرائع و اللمعة و غيرها (1)،أو بشرط البرء و إلّا فسدس الدية،كما عليه الفاضل و عن جماعة كالشيخين و القاضي و الحلّي و الديلمي و الحلبي (2)،و غيرهم (3)، و في الغنية (4)،و الظاهر أنّه المشهور كما صرّح به في المختلف (5).

و حجّتهم على التقديرين غير واضحة عدا ما يحكى من الرضوي (6)، و فيه العشر بقول مطلق،و هو مع أنّه خلاف المشهور معارض بما في كتاب ظريف من أنّ فيها عشر دية الروثة خمسين ديناراً (7)،و عليه الإسكافي (8)أيضاً.

و منه يظهر ما في جعل المستند للقول بالعشر مطلقا كتاب ظريف،

ص:522


1- الشرائع 4:277،اللمعة(الروضة 10):275،الإرشاد 2:245،مجمع الفائدة 14:454.
2- التحرير 2:269،المفيد في المقنعة:767،الطوسي في النهاية:776،777،لم نعثر عليه في المهذّب و حكاه عنه في المختلف 819،الحلّي في السرائر 3:411،لم نعثر عليه في المراسم و حكاه عنه في المختلف:819،الحلبي في الكافي:397.
3- انظر الروضة 10:276.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
5- المختلف:819.
6- فقه الرضا(عليه السّلام):316،مستدرك الوسائل 18:342 أبواب ديات الأعضاء ب 4 ح 4.
7- الكافي 7:331،الفقيه 4:57،التهذيب 10:298،الوسائل 29:293 أبواب ديات الأعضاء ب 4 ح 1.
8- كما حكاه عنه في المختلف:819.

و كذا في نسبة القول بالتفصيل بين البرء فالعشر و عدمه فالسدس إلى العلّامة خاصّة،مع أنّه رأي جماعة،بل المشهور كما عرفته.

الثانية في شقّ الشفتين

الثانية :في شقّ الشفتين معاً حتى تبدو الأسنان و لم تبرأ ثلث ديتهما سواء استوعبهما الشقّ أم لا،في ظاهر إطلاق النص و الفتوى و لو برئت الجرحة فخمس ديتهما،و لو كانت الجرحة في إحداهما خاصّة و لم تبرأ فثلث ديتها،و مع البرء فخمس ديتها بلا خلاف أجده إلّا من الإسكافي،فقال:في العليا ثلث ديتها،و في السفلى نصف ديتها (1)،و أطلق.و هو شاذّ،بل على خلافه الإجماع في الغنية (2).

و يوافقه كتاب ظريف إلّا في السفلى إذا لم تبرأ،فقد أوجب في قطعها ثلثي الدية ستّمائة دينار و ستّة و ستّين ديناراً ثلثي دينار،و في شقّها إذا لم تبرأ ثلاثمائة دينار و ثلاثة و ثلاثين ديناراً و ثلث دينار (3).

فجعله مستنداً لتمام ما في العبارة كما فعل ليس في محلّه ،بل هو أقرب بالدلالة على ما عليه الإسكافي في السفلى،لكنّه أطلق نصف الدية فيها من دون اشتراط للبرء بخلاف الرواية فقد اشترطته،فهي في الحقيقة ليست حجة على شيء من القولين.

الثالثة إذا نفذت نافذة في شيء من أطراف الرجل

الثالثة :إذا نفذت نافذة في شيء من أطراف الرجل فديتها مائة دينار كما هنا و في الشرائع و الإرشاد و اللمعة (4)،و نسبه في شرحها

ص:523


1- حكاه عنه في المختلف:818.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- الكافي 7:331،الفقيه 4:57،التهذيب 10:299،الوسائل 29:294 أبواب ديات الأعضاء ب 5 ح 1.
4- الشرائع 4:278،الإرشاد 2:245،اللمعة(الروضة البهية 10):281.

و المسالك إلى الشيخ و جماعة كما في الأوّل،و أتباعه كما في الثاني (1)، و في القواعد و التحرير (2)إلى القيل،مؤذناً بتوقّفه فيه.

و لعلّ وجهه ما قيل:من أنّه لم نقف على مستنده،و هو مع ذلك يشكل بما لو كانت دية الطرف تقصر عن المائة كالأنملة؛ إذ يلزم زيادة دية النافذة فيها على ديتها،بل على دية أنملتين حيث يشتمل الإصبع على ثلاث (3).

و هو حسن،إلّا أنّ ما ذكره من عدم الوقوف على مستنده غريب؛ للتصريح به في كتاب ظريف (4)،و ما عرضه ابن فضّال على أبي الحسن(عليه السّلام)المروي في الصحيح و الموثق بالأخير،و فيه:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في دية جراحة الأعضاء» إلى أن قال:«و أفتى في النافذة إذا نفذت من رمح أو خنجر في شيء من الرجل في أطرافه فديتها عشر دية الرجل مائة دينار» (5).

فالأجود الاقتصار في الاستشكال فيه بما ذكره في وجهه،و زيادة أنّ عمومه لا يلائم ما في كتاب ظريف أيضاً من قوله في نافذة الأنف ما مرّ، و في نافذة الكفّ إن لم تنسدّ فمائة دينار،و في نافذة الساعدين خمسين ديناراً،و في نافذة القدم لا تنسدّ خمس دية الرجل مائتا دينار:«و في نافذة الخدّ و يرى منها جوف الضم فديتها مائتا دينار،فإن دووي فبرئ و التأم و به

ص:524


1- المسالك 2:506.
2- القواعد 2:334،التحرير 2:277.
3- قاله الشهيد الثاني في الروضة 10:281.
4- الفقيه 4:66،التهذيب 10:308.
5- الكافي 7:5/327،التهذيب 10:1135/292،الوسائل 29:378 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 3.

أثر بيّن و شين فاحش فديته خمسون ديناراً،فإن كانت نافذة في الخدّين كليهما فديتها مائة دينار،و ذلك نصف دية التي يرى منها الفم،و إن كانت رمية بنصل نشبت بالعظم حتى تنفذ إلى الحنك فديتها مائة و خمسون ديناراً جعل منها خمسون ديناراً لموضحتها (1)،و إن كانت ناقبة و لم تنفذ فديتها مائة دينار» (2).

و مع ذلك يعارضه الخبر:«في النافذة تكون في العضو ثلث دية ذلك العضو» (3).

و لكن في سنده ضعف،و رفع اليد عن النص الصحيح المعتضد بعمل هؤلاء الأعاظم الذين لم يُرَ لهم مخالف صريحاً مشكل.

مع إمكان الذبّ عن وجوه الإشكال،فعمّا ذكره القائل بالتزامه، و الذبّ عنه بتخصيص العموم بالمائة بما فيه كمال الدية كما حكاه قولاً في الروضة و غيرها (4)،أو ما كان ديته زائدة على المائة كما احتمله بعض الأجلّة (5).

و عمّا ذكرناه بتخصيصه أيضاً بغير ما تضمنه من النوافذ المزبورة؛ إذ التنافي بينهما و بينه ليس تنافي تضادٍّ،بل عموم و خصوص يجري فيه التخصيص المذكور،لكنّه يتوقّف على وجود قائل به،و لم أره،مع أنّ النص عام كعبائر الجماعة.

ص:525


1- في النسخ:لموضحة،و الأنسب ما أثبتناه من المصادر.
2- الكافي 7:332،الفقيه 4:58،التهذيب 10:299،الوسائل 29:295 أبواب ديات الأعضاء ب 6 ح 1.
3- المتقدم في ص 518.
4- الروضة 10:282؛ و انظر المسالك 2:506.
5- هو المحقق الثاني على ما حكاه عنه في مفتاح الكرامة 10:489.

و تخصيصهم الحكم بالرجل يقتضي أنّ المرأة ليست كذلك،فيحتمل فيها الرجوع إلى الأصل من الأرش أو حكم الشجاج بالنسبة و ثبوت خمسين ديناراً على النصف كالدية.

و عن بعض فتاوي الشهيد-(رحمه اللّه) أنّ الأُنثى كالذّكر في ذلك،ففي نافذتها مائة دينار أيضاً (1).

و هو مناسب للأصل المقرّر من مساواتها للرجل في دية الأعضاء ما لم يبلغ الثلث أو يتجاوزه،و لكن التقييد بالرجل في النص و الفتوى لا يناسبه،فتأمّل .

الرابعة في احمرار الوجه بالجناية

الرابعة :في احمرار الوجه بالجناية من لطمة و شبهها دينار و نصف،و في اخضراره بها ثلاثة دنانير بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع عن الانتصار و الخلاف و في السرائر و الغنية و غيرها من كتب الجماعة (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الموثقة كالصحيحة:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في اللطمة يسودّ أثرها في الوجه أنّ أرشها ستّة دنانير،فإن لم تسودّ و اخضرّت فإنّ أرشها ثلاثة دنانير،فإن احمرّت و لم تخضرّ (3)فإنّ أرشها دينار و نصف» (4).

و فيها دلالة على أنّ في اسوداده ستّة دنانير،كما عليه الأكثر و منهم الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه الوفاق (5).

ص:526


1- حكاه عنه في الروضة 10:283.
2- الانتصار:276،الخلاف 5:262،السرائر 3:410،الغنية(الجوامع الفقهية):621،المهذّب البارع 5:365.
3- في النسخ:تخضارّ،و ما أثبتناه من المصادر.
4- الكافي 7:4/333،الفقيه 4:408/118،التهذيب 10:1084/277،الوسائل 29:384 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 4 ح 1.
5- الخلاف 5:262.

و قيل و القائل المفيد و جماعة و منهم السيّدان (1)مدّعيين عليه الإجماع:أنّ فيه ثلاثة دنانير كما في الاخضرار و هو الأوفق بالأصل،و لكنّ الأوّل أنسب بالاعتبار بعد النص المعتبر المعتضد بعمل الأكثر.

و قال جماعة منّا من غير خلاف بينهم أجده،كما صرّح بعض الأجلّة (2)،و ادعى عليه في الروضة الشهرة (3)،و عن الانتصار و الخلاف و في الغنية (4)دعوى الإجماع عليه-: و هي أي هذه الجنايات الثلاث في البدن على النصف ممّا في كل منها في الوجه،ففي الاحمرار ثلاثة أرباع الدينار،و في الاخضرار دينار و نصف،و كذا في الاسوداد أو ثلاثة على الاختلاف.

و نسبه الماتن هنا و في الشرائع (5)إليهم مؤذناً بالتردّد فيه؛ لعدم نصّ بذلك عنده عدا الرواية المتقدمة،و هي خالية عنه كما صرّح به شيخنا في الروضة (6).

و فيه مناقشة؛ فإنّ الخلوّ إنّما هو في الكافي و التهذيب،و أمّا في الفقيه فمتضمّنة له،ففيه بعد ما مرّ:«و في البدن نصف ذلك».

و ظاهر النصّ و الفتوى أنّ ذلك يثبت بوجود أثر اللطمة و نحوها في الوجه مثلاً و إن لم يستوعبه و لم تدم فيه.

ص:527


1- المقنعة:766،الانتصار:276،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- التنقيح الرائع 4:515.
3- الروضة 10:277.
4- الانتصار:276،الخلاف 5:262،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
5- الشرائع 4:278.
6- الروضة 10:278.

و ربما حكي (1)قول باشتراط الدوام،و إلّا فالأرش.و هو ضعيف،مع عدم ظهور قائله.

و هل يخصّ ذلك بوجه الحرّ كما يظهر من الغنية (2)،أم يعمّه و وجه العبد مثلاً كما يقتضيه إطلاق النصّ و الفتوى؟ وجهان،و الأصل مع قوة احتمال اختصاصهما بحكم التبادر بالحرّ يرجّح الأوّل،فيرجع في العبد إلى الحكومة كما في كل لطمة أو وكزة لم تتضمّن التغييرات المزبورة،مع احتمال مراعاة النسبة إلى القيمة.

و مورد النص و الفتوى في المسألة الأُولى إنّما هو خصوص الوجه، و عن الخلاف و في السرائر (3)أن الرأس كالوجه،و لم أعرف وجهه.

نعم ربما يستأنس له بالخبر:«الموضحة و الشجاج في الوجه و الرأس سواء في الدية؛ لأنّ الوجه من الرأس،و ليست الجراحات في الجسد كما هي في الرأس» (4)فتدبّر.

الخامسة كل عضو له دية مقدّرة ففي شلله

الخامسة :كل عضو له دية مقدّرة ففي شلله أي جعله أشل ثلثا ديته صحيحاً و في قطعه بعد شلله ثلث ديته صحيحاً،بلا خلاف أجده في المقامين،بل على الأوّل الإجماع عن الخلاف و في الغنية (5)، و كذا على الثاني في ظاهر عبارة بعض الأجلّة (6)،و هو الحجة.

ص:528


1- حكاه في الروضة 10:278،و كشف اللثام 2:516.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- الخلاف 5:262،السرائر 3:410.
4- الكافي 7:4/327،الفقيه 4:435/125،التهذيب 10:1132/291،الوسائل 29:385 أبواب ديات الأعضاء ب 5 ح 1.
5- الخلاف 5:261،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
6- مفاتيح الشرائع 2:145،و كشف اللثام 2:516.

مضافاً إلى النصوص الواردة بهما و لو في أطراف مخصوصة تقدّم إليها الإشارة،و هو كافٍ بعد ضمّ عدم القائل بالفرق بين الطائفة.

مع أنّ في الخبر الوارد في الأصابع صحيحة و شلّاء:«و كلّ ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح» (1)و هو عام في الثاني بناءً على أنّ العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل.

نعم في كتاب ظريف و ما عرضه يونس على مولانا الرضا(عليه السّلام):

و شلل اليدين ألف دينار،و الرجلين ألف دينار (2).و هو شاذّ،كالقوي الوارد بالدية في ذكر العنّين (3)و إن حكي القول به عن الصدوق و الإسكافي (4).

و نحوهما في الشذوذ الصحيح:«في الإصبع عُشر الدية إذا قطعت من أصلها أو شلّت» الخبر (5).

السادسة دية الشجاج في الرأس و الوجه سواء

السادسة :دية الشجاج في الرأس و الوجه سواء بلا خلاف؛ للإطلاقات إن قلنا بعدم اختصاصها بالرأس كما هو المشهور؛ و للمعتبرين، أحدهما القوي:«الموضحة في الوجه و الرأس سواء» (6).

ص:529


1- الكافي 7:2/330،التهذيب 10:1004/254،الوسائل 29:345 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 1.
2- الكافي 7:1/311،التهذيب 10:968/245،الوسائل 29:283 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 2.
3- الكافي 7:13/313،الفقيه 4:320/97،التهذيب 10:983/249،الوسائل 29:339 أبواب ديات الأعضاء ب 35 ح 2.
4- حكاه عنهما في المختلف:816،و هو في المقنع:186.
5- الكافي 7:10/328،التهذيب 10:1015/257،الوسائل 29:346 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 3.
6- التهذيب 10:1144/294،الوسائل 29:385 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 5 ح 2.

و في الثاني:«الموضحة و الشجاج في الرأس و الوجه سواء في الدية؛ لأنّ الوجه من الرأس» (1)و هو صريح في العموم منطوقاً و مفهوماً،و به تجبر أخصّية مورد الأوّل،مضافاً إلى عدم القول بالفصل.

و أمّا الخبر:«في السمحاق،و هي التي دون الموضحة خمسمائة درهم،و فيها إذا كانت في الوجه ضعف الدية على قدر الشين» (2)ففيه مع شذوذه ضعف بالإرسال،و عدم مقاومة لما مرّ من الأخبار المعتضدة أو (3)المنجبرة بعمل الأصحاب.

و دية شبيهها من الجراح في البدن بنسبة دية العضو الذي يتفق فيه الجراحة من دية الرأس و هي دية النفس،ففي حارصة اليد مثلاً نصف بعير أو خمسة دنانير،و في حارصة إحدى أنملتي الإبهام عشر بعير أو نصف دينار،بلا خلاف أجده،و لم أجد دليلاً على هذه الكلّيّة بعده.

نعم في الخبر المتقدم:«و ليست الجراحات في الجسد كما هي في الرأس».

و في الموثق:«في الجروح في الأصابع إذا أوضح العظم نصف عشر دية الإصبع» (4).

و هما مع قصور سندهما،بل ضعف الأوّل لا يفيدان تمام المدّعى،إلّا أن يجبر جميع ذلك بالإجماع المركّب.

ص:530


1- الكافي 7:4/327،الفقيه 4:435/125،التهذيب 10:1132/291،الوسائل 29:385 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 5 ح 1.
2- الكافي 7:8/327،الوسائل 29:380 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 9.
3- في«س»:و.
4- التهذيب 10:1128/290،الوسائل 29:176 أبواب قصاص الطرف ب 13 ح 2،و في الوسائل:عشر دية الإصبع،كما في الفقيه 4:350/103.

مضافاً إلى اعتبار سند الموثق،لكنّه روي في التهذيب كما مرّ،و في الكافي«عشر دية الإصبع» (1)بإسقاط لفظ النصف،و عليه فيلحق بالشواذ.

و اعلم أنّ كتاب ظريف تضمّن تفاصيل ديات الجراح في البدن موافقاً للقوم في بعضها و مخالفاً لهم في آخر منها،و لذا لا يمكن الاستدلال به لهم هنا.

السابعة كلّ ما فيه من الرجل ديته

السابعة :كلّ ما كان فيه حال كونه من الرجل الحرّ ديته كاملة كالنفس و اليدين و الرجلين و العقل و نحو ذلك ففيه أي في ذلك الشيء إذا كان من المرأة ديتها نصف ديته.

و في ذلك إذا كان من الذمّي ديته ثمانمائة درهم و من الذمّية ديتها.

و فيه إذا كان من العبد قيمته ما لم تتجاوز دية الحرّ فيردّ إليها،و من الأمة قيمتها ما لم تتجاوز دية الحرّة،بلا خلاف في شيء من ذلك،و قد تقدّم التحقيق فيها في الشرط الأوّل من شرائط القصاص،و في النظر الأوّل من كتاب الديات.

و كلّ ما كان فيه حال كونه من الرجل الحرّ مقدّر مخصوص كإحدى اليدين و الرجلين و الأُذنين و نحو ذلك من الأطراف التي يجب في الجناية عليها نصف الدية أو ثلثاها أو ثلثها أو عشرها أو نحو ذلك من المقادير،و كالحارصة و الدامية و الموضحة و نحوها من الشجاج و الجراح التي يجب فيها المقدّر من دياتها السابقة مفصّلة.

فهو إذا كان من المرأة فيه ديته بنسبة ديتها فما فيه من

ص:531


1- الكافي 7:7/327.

الرجل نصف ديته مثلاً ففيه من المرأة نصف ديتها،و ما كان فيه منه ثلثا ديته أو ثلثها أو عشرها أو نحو ذلك ففيه من المرأة مثل ذلك لكن بنسبة ديتها.

و من الذمّي و الذمّية كذلك أي بنسبة ديتهما و من العبد و الأمة بنسبة قيمته ما بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل عليه الإجماع في الغنية (1).

و النصوص به مع ذلك مضافاً إلى الاعتبار مستفيضة،منها القوي:

«جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن» (2).

و منها في رجل شجّ عبداً موضحة،قال:«عليه نصف عشر قيمته» (3).

و منها:«يلزم مولى العبد قصاص جراحة عبده من قيمة ديته على حساب ذلك يصير أرش الجراحة،و إذا جرح الحرّ العبد فقيمة جراحته من حساب قيمته» (4)إلى غير ذلك من النصوص.

و في الصحيح:عن رجل مسلم فقأ عين نصراني؟فقال:«دية عين الذمّي أربعمائة درهم» (5).

و في آخر:«جراحات النساء على النصف من جراحات الرجال في

ص:532


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- الفقيه 4:313/95،التهذيب 10:763/193،الوسائل 29:168 أبواب قصاص الطرف ب 5 ح 1.
3- الكافي 7:13/306،التهذيب 10:764/193،الوسائل 29:167 أبواب قصاص الطرف ب 4 ح 3.
4- الكافي 7:15/306،التهذيب 10:778/196،الوسائل 29:167 أبواب قصاص الطرف ب 4 ح 2.
5- الفقيه 4:303/93،التهذيب 10:747/190،الوسائل 29:218 أبواب قصاص الطرف ب 13 ح 4.

كل شيء» (1)و نحوه النصوص المستفيضة المتقدّمة في البحثين المتقدم إليهما الإشارة.

لكن فيها الدلالة على أنّ الحرّة تساوي الحرّ في ديات الأطراف و الجراح حتى تبلغ الثلث،ثم ترجع إلى النصف و عليها عمل الأصحاب كافّة،و إن اختلفوا كاختلافها من وجه آخر،و (2)و ينافي ذلك عموم الصحيحة المزبورة،لكنّها قابلة للتخصيص بتلك المستفيضة بحملها على ما إذا زاد عن ثلث الدية.

و هذه النصوص و إن لم تف بتمام ما في العبارة من المطلوب لكن يتمّم بالإجماع المركّب و عدم قائل بالفرق بين مواردها و غيرها.

و احترز بقوله:فيما فيه مقدّر،عمّا لا تقدير فيه،فإنّ فيه الحكومة مطلقاً،بلا خلاف أجده،و يشهد له كثير من المعتبرة،منها الصحيح:

« و ما كان جروحاً دون الاصطلام (3)فيحكم به ذوا عدل منكم» الخبر (4).

و في آخر:«إنّ عندنا الجامعة» قلت:و ما الجامعة؟قال:«صحيفة فيها كل حلال و حرام،وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش» و ضرب بيده إليّ فقال:«أ تأذن يا أبا محمد؟» فقلت:جعلت فداك،إنّما أنا لك فاصنع ما شئت،فغمزني بيده و قال:«حتى أرش هذا» (5).

ص:533


1- التهذيب 10:723/185،الوسائل 29:384 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 3 ح 2.
2- ليست في«ب».
3- الاصطلام:الاستئصال و القطع.الصحاح 5:1967.
4- الفقيه 4:323/97،الوسائل 29:302 أبواب ديات الأعضاء ب 11 ح 2.
5- الكافي 1:1/238،الوسائل 29:356 أبواب ديات الأعضاء ب 48 ح 1.

و الحكومة و الأرش في اصطلاح الفقهاء عبارة عن معنى واحد و هو تفاوت ما بين الصحة و العيب.

و معناه في نحو العبد واضح،لكن لا يتجاوز بقيمته (1)عن دية الحرّ كما مرّ غير مرّة،و ينقص من قيمته حال العيب أيضاً بتلك النسبة، فلو تجاوز دية الحرّ بقدر الربع مثلاً و ردّ إليها بإسقاطه فليسقط مثله من قيمته حال العيب أيضاً،و يراعى التفاوت بين القيمتين و يؤخذ،فتأمّل .

و في الحرّ أن يقوّم سليماً من نقص تلك الجناية إن كان عبداً و يقوّم مجروحاً كذلك أي بفرض كونه عبداً و ينسب التفاوت بين قيمتي حال الصحة و العيب إلى القيمة الأُولى و يؤخذ من الدية بحسابه أي التفاوت من النصف و الثلث و العشر و نحو ذلك،فلو قوّم عبداً صحيحاً بعشرة و معيباً بتسعة وجب للجناية عشر دية الحرّ،و يجعل العبد أصلاً له في ذلك،كما أنّ الحرّ أصل له في المقدّر.

الثامنة من لا وليّ له فالإمام(عليه السّلام)وليّ دمه

الثامنة :من قتل و لا وليّ (2)فالإمام(عليه السّلام)وليّ دمه،و له المطالبة بالقود في العمد أو الدية في شبهه و الخطأ،بلا خلاف،فتوًى و روايةً و اعتباراً.

و هل له العفو عنهما؟ المروي في الصحيح لا (3) ،و هو المشهور بين الأصحاب،بل كاد أن يكون إجماعاً كما في الإيضاح و المسالك و الروضة و شرح الشرائع للصيمري (4)،و هو كذلك؛ لعدم

ص:534


1- في«ن»:حال الصحة.
2- في المختصر المطبوع زيادة:له.
3- الكافي 7:1/359،الفقيه 4:248/79،التهذيب 10:697/178،الوسائل 29:124 أبواب القصاص في النفس ب 60 ح 1.
4- إيضاح الفوائد 4:715،المسالك 2:506،الروضة 10:288،غاية المرام 4:472.

مخالف فيه عدا الحلّي (1)،و هو شاذّ.

و تحقيق المسألة مضى في كتاب الإرث في المسألة الثالثة من مسائل بحث مانعية القتل عن الإرث،فلا نعيده،مع أنّ البحث قليل الفائدة.

ص:535


1- السرائر 3:336.

النظر الرابع في اللواحق و هي أربع

الأولى دية الجنين الحرّ المسلم

النظر الرابع في اللواحق و هي مسائل أربع الأُولى: في دية الجنين و هو الحمل في بطن امّه.

و اعلم أنّ دية الجنين الحرّ المسلم تبعاً لإسلام أبويه أو أحدهما إذ اكتسى اللّحم و تمّت خلقته و لم تلجه الروح مائة دينار عشر الدية ذكراً كان الجنين أو أُنثى على الأشهر الأظهر،بل عليه عامة من تأخّر،و في الغنية و السرائر و عن صريح الانتصار و الخلاف و ظاهر المبسوط الإجماع عليه (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،منها زيادةً على ما يأتي إليه الإشارة الصحيح:«إنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)جعل دية الجنين مائة دينار و جعل مني الرجل إلى أن يكون جنيناً خمسة أجزاء،فإذا كان جنيناً قبل أن تلجه الروح مائة دينار،و ذلك أنّ اللّه عزَّ و جلَّ خلق الإنسان من سلالة و هي النطفة فهذا جزء،ثم علقة فهذا جزءان،ثم مضغة فهو ثلاثة أجزاء، ثم عظم فهو أربعة أجزاء،ثم يكسى لحماً حينئذٍ تمّ جنيناً،فكملت له خمسة أجزاء مائة دينار،و المائة دينار خمسة أجزاء،فجعل للنّطفة خمس المائة عشرين ديناراً،و للعلقة خمسي الدية أربعين ديناراً،و للمضغة ثلاثة

ص:536


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621،السرائر 3:416،الانتصار:264،الخلاف 5:291،المبسوط 7:193.

أخماس المائة ستّين ديناراً،و للعظم أربعة أخماس الدية ثمانين ديناراً،فإذا أُنشئ فيه خلق آخر و هو الروح فهو حينئذٍ نفس ألف دينار كاملة إن كان ذكراً،و إن كان أُنثى فخمسمائة دينار» الخبر (1).و قريب منه أخبار كثيرة يأتي إليها الإشارة.

خلافاً للعماني،فقال:فيه الدية كاملة (2)؛ للصحيح:«إذا كان عظماً شقّ له السمع و البصر و رتبت جوارحه،فإن كان كذلك فيه الدية كاملة» (3)و نحوه آخر (4).

و هو شاذّ،و مستنده غير صريح؛ للإطلاق المحتمل تقييده بصورة ولوج الروح جمعاً،و للأخبار المفصّلة،مع احتماله الحمل على دية الجنين مائة دينار.

و للإسكافي،فأطلق أنّ فيه غرّة عبد أو أمة (5)؛ للنصوص الآتية.

و ستعرف جوابه.

و للمبسوط،ففرّق بين الذكر فما مرّ،و الأُنثى فنصفه (6).

و هو مع عدم وضوح مستنده شاذّ،و إن قيل:يفهم منه أنّ على ما ذكره الاتفاق (7)،بل على خلافه في السرائر الإجماع (8)،و هو الحجة.

ص:537


1- الكافي 7:1/342،الفقيه 4:194/54،التهذيب 10:1107/285،الوسائل 29:312 أبواب ديات ب الأعضاء 19 ح 1.
2- حكاه عنه في المختلف:813.
3- الكافي 7:10/345،التهذيب 10:1103/283،الوسائل 29:314 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 4.
4- الكافي 7:8/344،الوسائل 29:313 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 2.
5- حكاه عنه في المختلف:813.
6- المبسوط 7:194.
7- قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:518.
8- السرائر 3:416.

مضافاً إلى إطلاق الفتاوي و الروايات،بل ظواهر جملة منهما،و منها الصحيحة السابقة،حيث لم تفصّل بين ديته ذكراً أو أُنثى إلّا حال ولوج الروح خاصّة.

و نحوها الصحيحة أو المرسلة القربية منها سنداً:«دية الجنين خمسة أجزاء:خمس للنطفة عشرون ديناراً،و للعلقة خمسان أربعون ديناراً، و للمضغة ثلاثة أخماس ستّون ديناراً،و للعظم أربعة أخماس ثمانون ديناراً، فإذا تمّ الجنين كان له مائة دينار،فإذا أُنشئ فيه الروح فديته ألف دينار أو عشرة آلاف درهم إن كان ذكراً،و إن كان أُنثى فخمسمائة دينار» الحديث (1).

و قريب منهما الحسن القريب من الصحيح،بل قيل صحيح (2):«في النطفة أربعون ديناراً،و في العلقة ستّون ديناراً،و في المضغة ثمانون ديناراً، فإذا اكتسى العظام لحماً ففيه مائة دينار،قال اللّه عزَّ و جلَّ ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [1] (3)فإن كان ذكراً ففيه الدية،و إن كان أُنثى ففيها ديتها» (4).

و هو إن لم يصرّح بأنّ ذلك في ولوج الروح،إلّا أنّ في ذكر قوله سبحانه ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ [2] الآية،إشارة إلى ذلك،فإنّ خَلْقاً آخَرَ [3] كما عرفته من الصحيحين السابقين هو الروح،و ظاهره و إن نافى الأخبار السابقة في ديات النطفة و العلقة و المضغة،إلّا أنّه محمول على

ص:538


1- الكافي 7:2/343،التهذيب 10:1099/281،الوسائل 29:229 أبواب ديات الأعضاء ب 21 ح 1.
2- لم نعثر عليه،قال المجلسي في ملاذ الأخيار 16:604،حسن كالصحيح.
3- المؤمنون:14.
4- التهذيب 10:1102/282،الوسائل 29:317 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 9.

زيادة خلقه النطفة إلى أن تبلغ العلقة،و زيادة العلقة إلى تبلغ المضغة، و زيادة المضغة إلى أن تبلغ العظم.

و لو كان الجنين ذمّيا أي متولّداً عن ذمّي ملحقاً به فعشر دية أبيه ثمانين درهماً،بلا خلاف أجده،بل عن الخلاف (1)و في ظاهر عبارة بعض الأجلّة (2)بل جماعة الإجماع عليه (3)،و هو الحجة،دون ما في التنقيح (4)من أنّ إلحاق الولد الحرّ بأبيه في الأحكام حقيقة غالبة،و لا ما ذكره جماعة (5)من مناسبة ذلك لمراعاة جنين الحرّ المسلم بدية أبيه؛ فإنّ جميع ذلك مناسبات يشكل التعويل عليها في إثبات الأحكام،سيّما مع معارضتها بمثلها،و هو أنّ أهل الذمّة مماليك الإمام(عليه السّلام)كما وقع التصريح به في كثير من الأخبار،و من حكم المملوك أنّ دية جنينه تعتبر بعشر دية امّه كما يأتي،و عليه فيناسب أن تكون دية الجنين الذمّي عشر دية امّه.

و وقع التصريح به أيضاً في روايتي مسمع (6)و السكوني عن جعفر،عن أبيه،عن علي(عليه السّلام):أنّه«قضى في جنين اليهودية و النصرانية و المجوسية عشر دية أُمّه » (7).

ص:539


1- الخلاف 5:296.
2- كشف اللثام 2:519.
3- انظر الروضة 10:293،و المهذب البارع 5:374،و غاية المراد 4:473.
4- التنقيح الرائع 4:17.
5- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:507،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:329 و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:519.
6- الكافي 7:13/310،التهذيب 10:748/190،الوسائل 29:323 أبواب ديات الأعضاء ب 22 ح 2.
7- التهذيب 10:1122/288،الوسائل 29:323 أبواب ديات الأعضاء ب 22 ذيل الحديث 2.

لكنّهما ضعيفتا السند،سيّما الاُولى،و المناسبة المؤيّدة لهما ليست بحجة كما مضى،و على تقدير حجيتها في نفسها فلا يعترض بها اتفاق الأصحاب الظاهر و المحكي على خلافها،و لولاه لكان المصير إليها قويّاً، سيّما مع اعتضادها بالروايتين،و قوّة سند الثانية منهما،و لكن لا محيص بعد ذلك عن اطراحهما،أو حملهما على ما يجتمعان مع الفتاوي.

و لو كان مملوكاً فعشر قيمة امّه المملوكة على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخر،و في السرائر و عن الخلاف الإجماع عليه (1)؛ للقوي:

«في جنين الأمة عشر ثمنها» (2).

خلافاً للمبسوط،فعشر قيمة الأب إن كان ذكراً و عشر قيمة الاُمّ إن كان أُنثى (3).

و هو مع شذوذه لم أعرف له مستنداً.

و احترز بتقييد الاُمّ بالمملوكة عمّا لو كانت حرّة،فإنّ فيه عشر دية أبيه كما في القواعد (4).

قيل:لأنّ الأصل في الولد أن يتبع الأب،و حكم الجنين الحرّ ذلك، خرج ما إذا كانت أمة بالنصّ و الإجماع (5).و فيه نظر؛ لما مرّ.

و احتمل فيه أيضاً عشر قيمة الأُمّ على تقدير الرقّية (6).قيل:لعموم النص و الفتوى باعتبار قيمتها (7).

ص:540


1- السرائر 3:417،الخلاف 5:298.
2- التهذيب 10:1121/288،الوسائل 29:323 أبواب ديات الأعضاء ب 21 ح 2.
3- المبسوط 7:197.
4- القواعد 2:336.
5- كشف اللثام 2:519.
6- كشف اللثام 2:519.
7- كشف اللثام 2:519.

و فيه نظر أيضاً؛ لاختصاص موردهما بجنين الأمة لا مطلقاً.

و استقرب في التحرير عشر دية أُمّه ما لم تزد على عشر قيمة أبيه (1).

قيل:جمعاً بين عموم النص و الفتوى باعتبار قيمتها،و رقّ الجنين الموجب لعدم زيادة ديته على أبيه الرقيق (2).

و في عموم النص ما مرّ،و وجه الأخير للعبد لم يظهر،فالمسألة محل نظر،و لكنّ الأخذ بالأقلّ أجدر؛ عملاً بالأصل؛ و أخذاً بالمتيقّن.

و اعلم أنّه لا كفّارة في؛ قتل الجنين في جميع أحواله؛ للأصل؛ و اختصاص ما دلّ على وجوبها بصورة القتل المشروط بحياة القتيل،و لا خلاف فيه هنا ظاهراً،بل عليه في (3)بعض العبارات إجماعنا (4)،و هو حجة أُخرى.

و لو جني عليه بعد أن ولجته الروح فالدية دية النفس كاملة للذّكر،و نصفها للأُنثى بلا خلاف أجده (5)،و النصوص به مع ذلك مستفيضة تقدّم إلى جملة منها الإشارة (6).

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين موت الجنين في البطن أم خارجه.

خلافاً للغنية،فخصّ وجوب كمال الدية بالصورة الثانية،قال:و إن مات الجنين في الجوف ففيه نصف الدية (7).

ص:541


1- التحرير 2:277.
2- كشف اللثام 2:519.
3- في«ن» زيادة:ظاهر.
4- كشف اللثام 2:519.
5- في«ن» زيادة:في الجملة.
6- في ص 533 535.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):621.

و لم أعرف مستنده سوى ما ادّعاه في ظاهر كلامه من إجماع الإمامية، و وهنه ظاهر؛ إذ لا موافق له أجده عدا الحلبي و العماني و الإسكافي (1)، لكنّهما ذكرا ذلك في الجنين المملوك خاصّة؛ للرواية:في رجل قتل جنين أمة لقوم في بطنها،فقال:«إن كان مات في بطنها بعد ما ضربها فعليه نصف عشر قيمة امّه،و إن كان ضربها فألقته حيّاً فمات فإنّ عليه عشر قيمة امّة» (2).

و هي ضعيفة السند قاصرة المتن عن إفادة ما ذكره ابن زهرة؛ لاختصاصها ككلام القديمين بالجنين المملوك خاصّة،و مع ذلك صريحة ككلامهما بإثبات العشر و نصفه في الصورتين مع ولوج الروح، و هو-(رحمه اللّه) قد صرّح بلزوم دية النفس أو نصفها حينئذٍ لو مات خارجاً، و نصفهما (3)لو مات في بطنها.

و من هنا ظهر عدم موافقته للقديمين أصلاً إلّا في أصل التفصيل بين الموت في البطن أو خارجه.

و لو لم يكتس اللّحم ففي ديته قولان،أحدهما: أنّها غرّة عبد أو أمة مطلقاً،ذهب إليه الشيخ في جملة من كتبه (4)وفاقاً للإسكافي (5)، لكنّه أطلق و لم يفصّل بين اكتسائه اللحم و عدمه كما مرّ،و الشيخ فصّل بين الصورتين و وافق الأصحاب في لزوم المائة في الأُولى،و وافقه في الثانية؛

ص:542


1- الحلبي في الكافي:393،و حكاه عن العماني و الإسكافي في المختلف:813.
2- الكافي 7:5/344،الفقيه 4:370/110،التهذيب 10:1116/288،الوسائل 29:322 أبواب ديات الأعضاء ب 21 ح 1.
3- في«ح» و«ب» و«س»:و نصفها.
4- المبسوط 4:125،الخلاف 4:113.
5- حكاه عنه في المختلف:813.

جمعاً بين النصوص المتقدّمة الدالّة على المائة و النصوص الدالّة على الغرّة بقول مطلق،كالصحيح:

«جاءت امرأة فاستعدت على أعرابي قد أفزعها فألقت جنيناً،فقال الأعرابي:لم يهلّ و لم يصح و مثله يطلّ،فقال له النبي(صلّى اللّه عليه و آله):اسكت سجّاعة،عليك غرّة وصيف أو أمة» (1)و نحوه الصحيح (2).

و القوي في قضاء النبي(صلّى اللّه عليه و آله)بذلك في مثل تلك القضية (3).

و الصحيح:عن رجل قتل امرأة خطأً و هي على رأس الولد تمخض؟ فقال(عليه السّلام):«عليه خمسة آلاف درهم،و عليه دية الذي في بطنها غرّة وصيف أو وصيفة» (4).

و الخبر:«إن ضرب رجل امرأة حبلى فألقت ما في بطنها ميتاً فإنّ عليه غرّة عبد أو أمة يدفعه إليها» (5).

بحمل الأوّلة على تامّ الخلقة كما هو صريحها،و الأخيرة على ناقصها كأن طرح علقةً أو مضغةً،و استشهد عليه بالصحيح:في امرأة شربت دواءً و هي حامل لتطرح ولدها فألقت ولدها،قال:«إن كان له عظم قد نبت عليه اللحم و شقّ له السمع و البصر فإنّ عليها ديته تسلّمها إلى أبيه،و إن كان

ص:543


1- الكافي 7:3/343،الفقيه 4:367/109،التهذيب 10:1110/286،الإستبصار 4:1127/300،الوسائل 29:319 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 2.
2- التهذيب 10:1111/286،الوسائل 29:319 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 4.
3- الكافي 7:7/344،التهذيب 10:1109/286،الإستبصار 4:1126/300،الوسائل 29:319 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 3.
4- الكافي 7:5/299،التهذيب 10:1112/286،الإستبصار 4:1129/301،الوسائل 29:320 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 6.
5- الكافي 7:4/344،التهذيب 10:1108/286،الإستبصار 4:1125/300،الوسائل 29:320 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 5.

جنيناً علقة أو مضغة فإنّ عليها أربعين ديناراً أو غرّة تسلّمها إلى أبيه» (1).

و في هذا الجمع نظر؛ لأنّ فيه اطراحاً للأخبار الأوّلة في صورة عدم تمام الخلقة،لتصريحها بالتفصيل الذي عرفته و سيأتي إليه الإشارة.

و ينافيه إطلاق أخبار الغرّة،إلّا أن يجمع بينهما بحمل إطلاقها على تفصيل تلك بتقييده بغرّةٍ تساوي عشرين ديناراً في النطفة،و أربعين في العلقة،و هكذا،لكنّه لا يلائم ما اختاره من لزوم الغرّة على الإطلاق.

و ينافيه صريح الصحيحة الأخيرة؛ لنصها بلزوم الغرّة أو أربعين ديناراً في المضغة،مع أنّ مقتضى تلك النصوص لزوم ستّين ديناراً فيها.

مع أنّ المستفاد من المعتبرة تعيين قيمة الغرّة بخمسين ديناراً كما في الصحيح و القوي:الغرّة قد تكون بمائة دينار و تكون بعشرة،فقال:

«بخمسين» (2)و عليه الإسكافي (3).أو بأربعين كما في ظاهر الصحيحة المتقدّمة،و الموثّق:«إنّ الغرّة تزيد و تنقص و لكن قيمتها أربعون ديناراً» (4)هذا.

مع أنّ جملة من أخبار الغرّة قضية في واقعة،فليس فيها حجة، و الباقية بعضها ضعيف،و الصحيح منها كما عداه لا يقاوم الأخبار السابقة من وجوه عديدة،أعظمها اشتهارها و مخالفتها للعامّة،دون هذه لموافقتها

ص:544


1- الكافي 7:6/344،الفقيه 4:369/109،التهذيب 10:1113/287،الإستبصار 4:1130/301،الوسائل 29:318 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 1.
2- الكافي 7:13/346،الفقيه 4:368/109،التهذيب 10:1114/287،الوسائل 29:321 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 7،و انظر الحديث 9.
3- حكاه عنه في المختلف:813.
4- الكافي 7:16/347،التهذيب 10:1115/287،الوسائل 29:321 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 8.

لمذهب كثير منهم،كما صرّح به الشيخ،و احتمل لذلك حملها على التقية، قال:لأنّ ذلك مذهب كثير من العامّة و قد روي ذلك عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله) (1).

أقول:و يؤيّده كون جملة من رواياتها عن السكوني الذي هو من قضاتهم،و مصير الإسكافي إليه أيضاً، و لذا اختار أكثر الأصحاب بل المشهور على الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر (2)القول الثاني و هو توزيع الدية أي المائة و تقسيمها على مراتب حالاته، ففيه و هو عظم ثمانون ديناراً و مضغة ستّون،و علقة أربعون،و نطفة بعد استقرارها في الرحم عشرون كما فصّلته تلك الأخبار السابقة و غيرها من المعتبرة،و ادّعي عليه الإجماع في الغنية (3)،و على هذا فلا حاجة بنا إلى تحقيق معنى الغرّة و ذكر الاختلاف فيها.

ثم إنّ إطلاق أكثر النصوص و الفتاوي على المختار بإثبات الديات المقدّرة في محالّها يقتضي ثبوت كلٍّ منها فيما يصدق عليه مبدأ كلٍّ منها، حتى أنّ في النطفة قبل تمام الأربعين يوماً من وضعها في الرحم و لو بيومٍ يكون فيها مقدّرها عشرون ديناراً،و هكذا.

و قال الشيخ في النهاية (4): و فيما بينهما أي بين الحالتين،أي حالة وضعها في الرحم و حالة انتقالها إلى العلقة،و حالة و انتقالها إليها و انتقالها إلى المضغة،و هكذا بحسابه و هو مجمل،و فسّره الحلّي (5)بأنّ

ص:545


1- الاستبصار 4:302.
2- الروضة 10:292،المفاتيح 2:154،كشف اللثام 2:520.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- النهاية:778.
5- السرائر 3:416.

النطفة تمكث عشرين يوماً ثم تصير علقة،و كذا ما بين العلقة و المضغة، فيكون لكلّ يوم دينار.

و اعترضه الماتن فقال في الشرائع:نحن نطالبه بصحة ما ادّعاه الأوّل، ثم بالدلالة على أنّ تفسيره مراد،على أنّ المروي في المكث بين النطفة و العلقة أربعون يوماً،و كذا بين العلقة و المضغة،روى ذلك سعيد بن المسيب عن علي بن الحسين(عليه السّلام) (1)،و محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السّلام) (2)،و أبو جرير القمي عن موسى بن جعفر(عليه السّلام) (3)،و أمّا العشرون فلم نقف لها على رواية.

و لو سلّمنا المكث الذي ذكره من أين أنّ التفاوت في الدية مقسوم على الأيّام؟مع أنّه يحتمل أن تكون الإشارة بذلك إلى ما رواه يونس الشيباني عن الصادق(عليه السّلام):أنّ لكلّ قطرة أي من الدم تظهر على النطفة دينارين (4).إلى آخر ما ذكره (5).

و قريباً منه ذكر الفاضل في التحرير (6)،و حكى عنه أيضاً في نكت النهاية (7).

ص:546


1- الكافي 7:15/347،التهذيب 10:1101/281،الوسائل 29:316 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 8.
2- الكافي 7:10/345،التهذيب 10:1103/283،الوسائل 29:314 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 4.
3- التهذيب 10:1102/282،الوسائل 29:317 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 9.
4- الكافي 7:11/345،الفقيه 4:365/108،التهذيب 10:1105/283،الوسائل 29:314 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 5.
5- الشرائع 4:281.
6- التحرير 2:278.
7- نكت النهاية 3:459.

و هو حسن،إلّا ما فهماه من الحلّي من كون مدّة المكث من حالة إلى أُخرى عشرين يوماً،و ذلك فإنّ الظاهر من كلامه خلافه،و اعتباره في المكث أربعين كما ذكروه،فإنّه قال:الجنين:الولد ما دام في البطن،و أقلّ ما يكون نطفة،و فيها بعد وضعها إلى عشرين يوماً عشرون ديناراً،ثم بعد العشرين يوماً لكل يوم دينار إلى أربعين يوماً و هي دية العلقة،فهذا معنى قولهم:و فيما بينهما بحساب ذلك،ثم تصير مضغة و فيها ستّون ديناراً، و فيما بين ذلك بحسابه (1).

و هو كما ترى ظاهر بل صريح فيما قلناه.

و لو قتلت المرأة فمات (2)معها الجنين فللأولياء دية المرأة كملاً خمسمائة دينار و نصف الديتين أي نصف دية ذكر و نصف دية أُنثى يصير مجموعهما سبعمائة و خمسين ديناراً يؤخذ على الجنين إن جهل حاله ذكورة و أُنوثة.

فإن علم حاله ذكراً كان أو أُنثى كانت الدية للجنين بحسابه ألف دينار على الأوّل،و نصفه على الثاني،بلا خلاف في الحكم الأخير نصّاً و فتوى،و على الأظهر في الأوّل أيضاً،و هو الأشهر،بل عليه عامّة من تأخر،و عن الخلاف الإجماع عليه (3)؛ للمعتبرة،و فيها الصحيح و غيره:و إن قتلت امرأة و هي حبلى فتم (4)فلم يسقط ولدها و لم يعلم أ ذكر هو أم أُنثى و لم يعلم أبعدها مات أو قبلها فديته نصفان،نصف

ص:547


1- السرائر 3:416.
2- في المختصر المطبوع زيادة:ولدها.
3- الخلاف 5:294.
4- في غير«ب»:متمّ.

دية الذكر و نصف دية الأُنثى،و دية المرأة كاملة بعد ذلك (1).

و ربما أُيّدت بالنصوص الحاكمة بمثل ذلك في ميراث الخنثى المشكل على القول به.

و قيل و القائل الحلّي (2):إنّ مع الجهالة يستخرج ذكورة الجنين و أُنوثته بالقرعة؛ لأنّه لكل أمر مشكل.و هو و إن كان حسناً على أصله لكنّه غير مستحسن (3) على غيره لأنّه لا إشكال مع النقل الصحيح المشتهر (4)بين الأصحاب،بحيث لا يكاد يوجد مخالف فيه سواه،و هو شاذّ،بل على خلافه كما عرفت حكي الإجماع.

و لو ألقته المرأة مباشرةً أو تسبيباً بأن شربت دواءً مثلاً فطرحته فعليها دية ما ألقته لورثته مطلقا و لا نصيب لها منها، بلا خلاف؛ للأُصول،مضافاً إلى النصوص،ففي الصحيح:فيمن شربت ما أسقطت به،قال:فهي لا ترث من ولدها من ديته ؟قال:«لا،لأنّها قتلته» (5).

و لو كان الإلقاء بإفزاع مُفزعٍ فالدية عليه أي على ذلك المُفزِع،بلا خلاف أيضاً؛ للأُصول،و النصوص،و منها زيادةً على أحاديث الغرّة المتقدّمة (6)الصحيح:«في منيّ الرجل يفزع عن عرسه

ص:548


1- الكافي 7:1/342،الفقيه 4:194/54،التهذيب 10:1107/285،الوسائل 29:312 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 1.
2- انظر السرائر 3:417.
3- بدل ما بين القوسين في المختصر المطبوع:غلط.
4- في«س»:المشهور.
5- الكافي 7:6/344،الفقيه 4:369/109،التهذيب 10:1113/287،الإستبصار 4:1130/301،الوسائل 29:318 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 1.
6- في«ن» زيادة:الخبر:كانت امرأة تؤتى فبلغ ذلك عمر فبعث إليها فروّعها و أمر أن يجاء بها ففزعت المرأة فأخذها الطلق إلى بعض الدور فولدت غلاماً فاستهل الغلام ثمّ مات،فدخل عليه من روعة المرأة و من موت الغلام ما شاء اللّه تعالى،فقال له بعض جلسائه:يا أمير المؤمنين!ما عليك من هذا شيء،و قال بعضهم:و ما هذا؟قالوا:سلوا أبا الحسن(عليه السّلام)،فقال لهم أبو الحسن(عليه السّلام):«لئن كنتم اجتهدتم ما أصبتم،و لئِن كنتم قلتم برأيكم أخطأتم» ثم قال:«عليك دية الصبي».الكافي 7:11/374،التهذيب 10:1165/312،الوسائل 29:267 أبواب موجبات الضمان ب 30 ح 1.و نحوه المرسل المروي عن إرشاد المفيد 1:204،إلّا أنّه قال:فقال علي(عليه السّلام):«الدية على عاقلتك لأنّ قتل الصبي خطأ تعلّق بك» و يؤيده..الوسائل 29:268 أبواب موجبات الضمان ب 30 ح 2.

فيعزل عنها الماء و لم يرد ذلك نصف خمس المائة عشرة دنانير،و إذا أفرغ فيها عشرين ديناراً» الخبر (1).

و يستحق دية الجنين وارثه المتقدّم بيانه في كتاب الإرث،و يظهر ممّا مرّ ثمّة دليل أصل الحكم في المسألة،مضافاً إلى الإجماع منّا عليه المحكي في ظاهر السرائر و عن صريح الخلاف (2)،و صريح النصوص المستفيضة منها زيادةً على ما مرّ في أحاديث الغرّة و الصحيحة المتقدّمة قريباً ما ورد في دية الميت،و فيه:«و هي» أي دية الجنين«لورثته،و دية هذا» أي الميت«له لا للورثة» (3)إلى غير ذلك من النصوص.

و دية أعضائه و جراحاته يعتبر بنسبة ديته ففي قطع يده خمسون ديناراً،و في حارصته دينار،و هكذا،بلا خلاف؛ للصحيح:

«و قضى في دية جراح الجنين من حساب المائة على ما يكون من جراح

ص:549


1- الكافي 7:1/342،الفقيه 4:194/54،التهذيب 10:1107/285،الوسائل 29:312 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 1.
2- السرائر 4:401،الخلاف 4:114.
3- الكافي 7:4/349،الفقيه 4:404/117،التهذيب 10:1073/273،الإستبصار 4:1121/298،الوسائل 29:325 أبواب ديات الأعضاء ب 24 ح 2.

الذكر و الأُنثى الرجل و المرأة كاملة،و جعل له في قصاص جراحته و معقلته على قدر ديته و هي مائة دينار» (1).

و من أفزع مجامعاً فعزل بذلك النطفة فعليه دية ضياع النطفة عشرة دنانير بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع عن الانتصار و الخلاف و في (2)الغنية (3)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة قريباً.

و لو عزل عن زوجته الحرّة اختياراً بغير إذنها قيل:يلزمه أيضاً دية النطفة عشرة دنانير،و الأشبه الاستحباب لما مرّ في النكاح، و إن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه في المقام؛ لدعوى الشيخ في الخلاف و ابن زهرة على الوجوب الإجماع (4)،مع مصير كثير من الأصحاب إليه، و هو خيرة الفاضل في القواعد و المقداد في شرح الكتاب (5).

الثانية في الجناية على الحيوان
اشارة

الثانية:في بيان أحكام الجناية على الحيوان الصامت.

اعلم أن من أتلف حيواناً مأكولاً لحمه شرعاً كالنعم من الإبل و البقر و الغنم بالذكاة متعلّق بقوله:أتلف لزمه الأرش و هو تفاوت ما بين قيمته حيّاً و مذكى،بلا خلاف فيه في الجملة؛ دفعاً لضرر الجناية الغير المندفع حيث لا يعفو المالك عنها إلّا به.

و هل لمالكه دفعه إلى الجاني و المطالبة له بقيمته يوم إتلافه مخيّراً بينه و بين الأرش؟

ص:550


1- الكافي 7:1/342،الفقيه 4:194/54،التهذيب 10:1107/285،الوسائل 29:312 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 1.
2- ليست في«ن».
3- الانتصار:265،الخلاف 5:293،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- الخلاف 5:293،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
5- القواعد 2:336،التنقيح 4:522.

قال الشيخان و القاضي و الديلمي و ابن حمزة (1): نعم له ذلك كذلك،نظراً إلى كونه مفوِّتاً لمعظم منافعه فصار كالتالف،و ضعفه ظاهر؛ لأنّ فوات معظمها لا يقتضي دفع ماليته رأساً حتى يلزم بالقيمة بتمامها.

و الأشبه الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر وفاقاً للمبسوط و الحلّي (2)أنّه لا يجوز له ذلك لأنّه إتلاف لبعض منافعه لا جميعها فيضمن عوض التالف خاصّة؛ لأصالة براءة ذمّة الجاني عمّا زاد عنه؛ و لأنّه باقٍ على ملك مالكه فلا ينتقل عنه إلّا بالتراضي من الجانبين، و لا كلام في الجواز معه،كما لا كلام في جوازه لو فرض عدم القيمة له أصلاً،كذبحه في برية لا يرغب أحد في شرائه،فيلزمه القيمة؛ لأنّها حينئذٍ مقدار النقص.

و لو أتلفه لا بالذكاة كأن خنقه أو قتله بما لا يجوز الذكاة به لزمته قيمته يوم إتلافه بلا خلاف،بل عليه في ظاهر الغنية و صريح الإيضاح الإجماع (3)؛ للضرر الغير المندفع مع عدم العفو إلّا بها.

و يوضع منا ما له قيمة من الميتة كالشعر،و الصوف،و الوبر،و الريش، و نحو ذلك،كما صرّح به جماعة (4)من غير خلاف بينهم أجده،و وجهه واضح لمن تدبّره،و عليه ينزل إطلاق العبارة.

و لو قطع بعض جوارحه أو كسر شيئاً من عظامه أو جرحه

ص:551


1- المقنعة:769،النهاية:780،المهذّب 2:512،المراسم:242،الوسيلة:248.
2- المبسوط 8:30،السرائر 3:420.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):620،الإيضاح 4:729.
4- منهم الشهيدين في اللمعة و الروضة البهية 10:321،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:523.

فللمالك الأرش إن كانت حياته مستقرّة،و إلّا فالقيمة،وفاقاً لجماعة (1)؛ للأُصل المتقدّم إليه الإشارة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة بربع ثمن الدابّة لو فقأ عينها،و منها الصحيحان (2)و غيرهما (3)،لكن ظاهرها تعيّن الربع كما عليه الماتن و يحكى عن الشيخ و جماعة (4).

و لا بأس به،إلّا أن تحمل الروايات و كلماتهم على صورة اتفاق كون الربع أرشاً و توافقهما مقداراً،لا تعيّن الربع مطلقا حتى لو زاد عن الأرش أو نقص عنه،لكنّه بعيد جدّاً.

و إن كان ممّا لا يؤكل لحمه شرعاً و يقع عليه الذكاة كالأسد و النمر و الفهد و نحو ذلك فأتلفه بها ضمن أرشه كالمأكول،و فيه القول بتخيّر المالك الذي مضى.

و كذا يجب الأرش في قطع أعضائه و جراحاته و كسر عظامه مع استقرار حياته و إلّا فقيمته.

و لو أتلفه لا بالذكاة ضمن قيمته حيّاً و يوضع منها ما مضى، و لا خلاف في شيء من ذلك أجده،و يدلُّ عليه بعده ما مرّ من الأدلّة.

و لو كان ممّا لا يقع عليه الذكاة كالكلب و الخنزير ففي كلب الصيد

ص:552


1- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:322.
2- الكافي 7:3/368،التهذيب 10:1149/309،1150،الوسائل 29:355 أبواب ديات الأعضاء ب 47 ح 1،2.
3- الكافي 7:2/367،التهذيب 10:1152/309،الوسائل 29:356 أبواب ديات الأعضاء ب 47 ح 4.
4- المختصر النافع:314،و حكاه عنهم في كشف اللثام 2:523،و هو في النهاية:781،و المهذب 2:512،و الوسيلة:428،و حكاه عن ابن جنيد أيضاً في المختلف:818.

مطلقا أربعون درهماً على الأشهر الأقوى؛ للنصوص المستفيضة،ففي الخبرين،المروي أحدهما في الفقيه مرسلاً (1)،و ثانيهما عن الخصال مسنداً بطريق حسن:«دية كلب الصيد أربعون درهماً» (2).

و في آخرين،أحدهما الموثق:«دية الكلب السلوقي أربعون درهما» (3)و بإطلاقهما أفتى الشيخ في النهاية (4).

و يحتملان ككلامه التقييد بالمعلّم منه للصيد،كما صرّح به المفيد و غيره (5)،و نزّل عليه عبارته في السرائر فقال:و إنّما أطلق ذلك؛ لأنّ العادة و العرف أنّ الكلب السلوقي الغالب عليه أنّه يصطاد،و السلوقي منسوب إلى سلوق قرية باليمن (6).انتهى.

و هو الظاهر من الأصحاب،حيث لم ينقلوا الخلاف عنه في ذلك، بل أنّما نقلوا الخلاف عنه و عن المفيد و القاضي و ابن حمزة من حيث التقييد بالسلوقي خاصّة (7)،قال الماتن في الشرائع:و من الناس من خصّه بالسلوقي وقوفاً على صورة الرواية (8).

و في عبارته هذه إشعار بما مرّ من فهمه من الرواية و كلام الشيخ

ص:553


1- الفقيه 4:442/126،الوسائل 29:227 أبواب ديات النفس ب 19 ح 4.
2- الخصال:9/539،الوسائل 29:227 أبواب ديات النفس ب 19 ح 5.
3- الكافي 7:6/368،التهذيب 10:1155/310،الوسائل 29:226 أبواب ديات النفس ب 19 ح 2. و الآخر في:الخصال:10/539،الوسائل29/ 227 أبواب ديات النفس ب 19 ح 6.
4- النهاية:780.
5- المقنعة:769؛ المراسم:243.
6- السرائر 3:421.
7- حكاه عنهم في المختلف:815،و هو في النهاية:780،و المقنعة:769،و المهذّب 2:512،و الوسيلة:428.
8- الشرائع 4:285.

و غيره كلب الصيد لا مطلق السلوقي،و كأنّه-(رحمه اللّه) لم يقف على الخبرين الأوّلين،و إلّا فصورتهما مطلق كلب الصيد من دون تقييد فيهما بالسلوقي، بل إنّما هو في الخبرين الأخيرين.

و في رواية النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)قال:

«قال أمير المؤمنين(عليه السّلام)فيمن قتل كلب الصيد،قال: يقوّم و كذلك البازي و كذلك كلب الغنم و كذلك كلب الحائط » (1).

و أفتى بها الإسكافي،إلّا أنّه قال:لا يتجاوز بالقيمة أربعين درهماً (2).

و كأنّه جمع به بين الأخبار،و استحسنه في المختلف (3).

و هو ضعيف؛ لقصور سند الرواية،و إن وافقت الأصل العام بلزوم القيمة فيما لم يرد به تقدير في الشريعة؛ لتوقّف ذلك على ردّ الروايات الأوّلة التي هي مع استفاضتها و اشتهارها جملة منها معتبرة،و هو ضعيف في الغاية،سيّما مع رفع اليد عن الأصل بها في الجملة اتفاقاً.

و بموجب ذلك يتعيّن القول الأوّل مع كونه كما عرفت أشهر بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر.

و في كلب الغنم كبش كما هنا و في الشرائع و التحرير و القواعد و اللمعتين و المسالك (4)،و عزي فيه إلى الأكثر؛ للخبر (5).و في سنده

ص:554


1- الكافي 7:7/368،التهذيب 10:1156/310،الوسائل 29:226 أبواب ديات النفس ب 19 ح 3.
2- حكاه عنه في المختلف:815.
3- المختلف:815.
4- الشرائع 4:285،التحرير 2:279،القواعد 2:339،اللمعة و الروضة البهية 10:323،المسالك 2:510.
5- الكافي 7:6/368،التهذيب 10:1155/310،الوسائل 29:226 أبواب ديات النفس ب 19 ح 2.

ضعف.

و قيل و القائل الصدوق و الشيخان و الديلمي و القاضي و الحلّي (1)،و الظاهر أنّه المشهور،كما صرّح به في الشرائع و التحرير (2)و غيرهما (3)-:فيه عشرون درهماً و هو أقوى؛ للمرسل (4)المنجبر ضعفه بالشهرة الظاهرة و المحكية.

و للفاضل هنا قولان آخران،أحدهما لزوم القيمة،اختاره في المختلف (5)؛ للأصل العام بناءً على ضعف الخبرين؛ و للقويّة المتقدّمة.

و هو حسن لولا الرواية المنجبرة المترجّحة بذلك على الأصل و القوية.

و ثانيهما التخيير بين الخبرين الأوّلين،اختاره في الإرشاد (6).

و لا وجه له سوى الجمع بينهما،و هو في الحقيقة اطراح لهما بعد عدم شاهد عليه أصلاً،مع رجحان ما اخترناه منهما بما مضى.

و كذا قيل أي بالعشرين درهماً في كلب الحائط أي البستان، و يحتمل الشمول للدار و لا أعرف الوجه فيه،و به اعترف جماعة (7)، لكنّه مشهور شهرة عظيمة على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (8)،فإن

ص:555


1- المقنع:192،المقنعة:769،النهاية:780،المراسم:243،المهذّب 2:512،السرائر 3:421.
2- الشرائع 4:285،التحرير 2:279.
3- انظر كشف اللثام 2:523.
4- الفقيه 4:442/126،الوسائل 29:227 أبواب ديات النفس ب 19 ح 4.
5- المختلف:815.
6- الإرشاد 2:235.
7- منهم المحقق في الشرائع 4:286،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:525،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:160.
8- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:324،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:523،و نسبه الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:349،إلى أكثر العبارات.

بلغت الإجماع،و إلّا فالقول بالقيمة في غاية القوّة؛ للأصل العام المؤيّد بالقوية المتقدّمة،و مال إليه من المتأخّرين جماعة (1)،بل صرّح به شيخنا في الروضة (2).

و للصدوق (3)قول آخر في المسألة.و هو أنّ فيه زنبيلاً من تراب؛ للمرسل:«و دية الكلب الذي ليس للصيد و لا للماشية زنبيل من تراب، على القاتل أن يعطي و على صاحبه أن يقبل» (4).

و قريب منه ما يحكى عن الإسكافي من أنّ دية الكلب الأهلي زنبيل من تراب (5).

و في كلب الزرع قفيز من برّ في المشهور على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (6)،بل في التنقيح:لم نعرف قائلاً بغير ما ذكر المصنّف (7).

مع أنّه حكي عن الصدوق ما مرّ (8)،و هو يعطي الخلاف فيه، كالمرسل،و يوافقهم (9)ما يحكى عن المفيد (10)هنا.

ص:556


1- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:525،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:349،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:160.
2- الروضة 10:224.
3- المقنع:192.
4- الفقيه 4:442/126،الوسائل 29:227 أبواب ديات النفس ب 19 ح 4.
5- حكاه عنه في المختلف:815.
6- انظر كشف اللثام 2:523.
7- التنقيح 4:526.
8- حكاه عنه في المهذّب البارع 5:396.
9- كذا،و لعلّ الأنسب:يوافقه.
10- حكاه عنه العلّامة في المختلف:815،و ابن فهد في المهذّب البارع 5:396.

و في الخبر:«و دية كلب الزرع جريب من برّ» (1).

و ربما استدل به للأكثر (2).و فيه نظر؛ لعدم معلومية توافق مقدار الجريب مع القفيز،بل عن الأزهري أنّه أربعة أقفزة (3)،و يستفاد من مجمع البحرين أنّه عشرة أقفزة (4)،و القفيز ثمانية مكاكيك،و المَكّوك ثلاث كيلجات،و الكيلجة مَنا و سبعة أثمان مَنا،و المَنا:رطلان،كما عن الصحاح (5).

و لا يضمن المسلم ما عدا ذلك من الكلاب،بل مطلق ما لا يملكه المسلم،على الأظهر الأشهر،بل (6)عليه عامّة من تأخّر؛ للأصل، مع عدم الملكية الموجب لعدم صدق الضرر الذي هو الأصل في إيجاب الضمان في نحو المقام.

و ما دلّ على وجوب قفيز أو زنبيل من تراب في بعض الكلاب من النص و الفتوى لعلّه محمول على إرادة الكناية عن عدم الدية لا وجوبه البتّة،و إلّا لكان لزوم دفعه و قبوله خالياً عن الفائدة،مضافاً إلى ندرة الفتوى،و قصور سند الرواية.

أمّا ما يملكه الذمّي كالخنزير فالمتلف له يضمن قيمته عند مستحلّيه إذا استجمع شرائط الذمّة،بلا خلاف أجده؛ لأنّه إذا فعل ذلك

ص:557


1- الكافي 7:6/368،التهذيب 10:1155/310،الوسائل 29:226 أبواب ديات النفس ب 19 ح 2.
2- انظر المهذّب البارع 5:396،و مجمع الفائدة 14:349.
3- تهذيب اللغة 11:51.
4- مجمع البحرين 2:22.
5- الصحاح 3:892،و 4:1609.
6- في«ن» زيادة:لعلّه.

حقن دمه و ماله؛ و للنصوص:«أنّ عليّا(عليه السّلام)ضمّن رجلاً أصاب خنزيراً لنصراني قيمته» (1).

و لا فرق في الجناية على ما يملكه بين وقوعها على نفسه أو أطرافه لإطلاق الدليل،إلّا أنّ في الأخير يلزم الأرش،و يشترط في ضمانه استتار الذمّي به و إلّا الحق بالحربي،فلا حرمة لنفسه فضلاً عن ماله.

و هنا

مسائل
الأولى قضى علي(عليه السّلام)في بعير بين أربعة عقله أحدهم

مسائل ثلاث:

الاُولى :قيل (2) بل روي في الصحيح على الصحيح:أنّه قضى علي(عليه السّلام)في بعير بين أربعة عقله أحدهم فعبث في عقاله فوقع في بئر فانكسر فقال أصحابه للذي عقله:اغرم لنا بعيرنا أنّ على الشركاء غرامة حصّته أي العاقل(لأنّه أوثق حظّه فذهب حظّهم بحظه (3).

و مفهوم هذا التعليل غير ما أشار إليه الماتن و غيره (4)بقولهم:) (5) لأنّه حفظه و ضيّعه الباقون و كيف كان هو مشكل على إطلاقه،و إن حكي القول به في التنقيح عن الشيخ و القاضي (6)،و ذلك فإنّ مجرّد وقوعه أعمّ من تفريطهم فيه،بل

ص:558


1- الفقيه 3:717/163،التهذيب 10:880/224،الوسائل 29:262 أبواب موجبات الضمان ب 26 ح 2.
2- قاله في كشف اللثام 2:542.
3- الفقيه 4:450/127،التهذيب 10:910/231،الوسائل 29:276 أبواب موجبات الضمان ب 39 ح 1.
4- الروضة 10:328.
5- ما بين القوسين ليس في«ح» و«ب» و«س».
6- التنقيح 4:526.

من تفريط العاقل،و من ثمّ أوردها أكثر الأصحاب بلفظ الرواية،مشعرين بالتوقّف فيها أو ردّها،كما هو ظاهر الماتن هنا و حكي عنه في النكت (1)أيضاً،حيث أجاب عنها بقوله: و هو حكم في واقعة فلا يتعدّى بها إلى غيرها.

و يمكن حملها على ما لو عقله و سلّمه إليهم ففرّطوا،أو نحو ذلك من الوجوه المقتضية للضمان.لكنّه ينافي سياق الرواية،سيّما تعليلها الوارد فيها،و لعلّه لذا لم يجسر الأصحاب على ردّها صريحاً عدا شيخنا في المسالك و الروضة،فقال:و الأقوى ضمان المفرِّط منهم دون غيره (2).

الثانية في جنين البهيمة عشر قيمتها

الثانية :في جنين البهيمة عشر قيمتها كما هنا و في السرائر مدّعياً عليه إجماع أصحابنا و تواتر أخبارنا (3).

و لم أقف على شيء منهما،إلّا على عبارة الماتن و القوي:«في جنين البهيمة إذا ضربت فأزلقت عشر ثمنها» (4)و هو قاصر السند،يشكل الخروج به عن مقتضى الأصل.

و لعلّه لذا اختار الفاضل في التحرير أرش ما نقص من أُمّها،قال:

فيقوّم حاملاً و حائلاً و يلزم الجاني بالتفاوت (5).

و هو حسن لولا دعوى الإجماع و تواتر الأخبار و قوّة سند الرواية،مع اعتضادها بما ورد من نظيره في دية جنين الأمة (6).

ص:559


1- التنقيح 4:526،و هو في نكت النهاية 3:468.
2- المسالك 2:511،الروضة 10:328.
3- السرائر 3:419.
4- الكافي 7:8/368،التهذيب 10:1120/288،الوسائل 29:225 أبواب ديات النفس ب 18 ح 2.
5- التحرير 2:279.
6- الوسائل 29:322 أبواب ديات الأعضاء ب 21.

و في عين الدابة ربع قيمتها وفاقاً للمحكي عن الشيخ و جماعة (1)؛ للمستفيضة المتقدمة في مسألة لزوم الأرش بالجناية على أطراف الحيوان، مع تأمّل ما فيها تقدّم إليه الإشارة (2).

و عن الشيخ في المبسوط و الخلاف (3)أنّه حكى عن الأصحاب أنّ في عين الدابّة نصف قيمتها،و في العينين كمال قيمتها،و كذا كل ما في البدن منه اثنان.

و لم نقف على مستنده عدا القياس على الإنسان،و هو ضعيف.

الثالثة روى السكوني لا يضمّن ما أفسدته البهائم نهاراً

الثالثة :روى الشيخ في التهذيب في آخر باب الجناية على الحيوان في الصحيح عن عبد اللّه بن المغيرة،عن السكوني،عن جعفر، عن أبيه،عن علي(عليه السّلام)قال:«كان(عليه السّلام)لا يضمّن ما أفسدته البهائم نهاراً و يقول:على صاحب الزرع حفظه و كان يضمّن ما أفسدت ليلاً » (4).

و هذه الرواية مشهورة بين قدماء الأصحاب حتى لا يكاد يعرف بينهم خلاف،حتى أنّ ابن زهرة ادّعى عليها إجماع الإمامية (5)، و ادّعى جملة من الأصحاب الشهرة هنا،و منهم الشهيد في نكت الإرشاد (6)،بل زاد فادّعى إجماع الأصحاب.

ص:560


1- حكاه عنهم في كشف اللثام 2:523.
2- راجع ص 548.
3- المبسوط 3:62،الخلاف 3:397.
4- التهذيب 10:1159/310،الوسائل 29:276 أبواب موجبات الضمان ب 40 ح 1.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
6- الروضة 10:326،نكت الإرشاد(غاية المراد 4):520.

إلّا أنّ ظاهر المتأخّرين وفاقاً منهم للحلّي (1)الإطباق على خلافه، فقالوا بعد نقلها،و الاعتراف بشهرتها: غير أنّ في السكوني ضعفاً، و الأولى اعتبار التفريط من صاحب الدابة في ضمانه ما أفسدته ليلاً كان الإفساد أو نهاراً فلو لم يفرّط في حفظها بأن آواها إلى مبيتها و أُغلق عليها الباب مثلاً فوقع الحائط أو نقب اللّصّ نقباً فخرجت و لم يعلم به و أفسدت فلا ضمان عليه؛ لأنّه غير مفرّط.

و هو حسن؛ للأُصول،إلّا أنّ في العدول عن الرواية المشهورة المدّعى عليها إجماع العصابة إشكالاً،بل اللازم المصير إليها؛ لانجبار ضعفها لو كان بالشهرة،مع قوّة راويها كما عرفته غير مرّة،سيّما و أن روى عنه عبد اللّه بن مغيرة المدّعى على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة (2).

و مع ذلك المستند غير منحصر فيها،بل النصوص بمعناها بعد حكاية الإجماع المتقدمة مستفيضة مرويّة جملة منها في التهذيب في باب الزيادات من كتاب التجارة (3)،و كذا في الكافي في أواخر ذلك الكتاب (4).

منها الصحيح على الظاهر:عن البقر و الغنم[و الإبل]بالليل تكون بالمرعى فتفسد شيئاً،هل عليها ضمان؟فقال:«إن أفسدت نهاراً فليس عليها ضمان،من أجل أنّ أصحابه يحفظونه،و إن أفسدت ليلاً فإنّ عليها ضمان» (5).

ص:561


1- السرائر 3:424.
2- رجال الكشي 2:830.
3- التهذيب 7:224.
4- الكافي 5:301.
5- الكافي 5:1/301،التهذيب 7:981/224،الوسائل 29:277 أبواب موجبات الضمان ب 40 ح 3،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

و منها:عن قول اللّه عزَّ و جلَّ وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ [1] (1)فقال:«لا يكون النفش إلّا باللّيل،إنّ على صاحب الحرث أن يحفظ الحرث بالنهار،و ليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار،و إنّما رعيها بالنهار و أرزاقها،فما أفسدت فليس عليها، و على أصحاب الماشية حفظ الماشية باللّيل عن حرث الناس،فما أفسدت بالليل فقد ضمنوا و هو النفش» الخبر (2)،و قريب منه غيره (3).

و في جملة من النصوص أنّ ذلك ممّا قضى به سليمان على نبينا و آله و عليه السلام (4).

و ظاهر سياقها كما ترى صريح في أنّه ليس على صاحب الدابّة ضمان ما أفسدته نهاراً و لو قصر المالك في حفظها؛ لتعليلها بأنّه ليس عليه في النهار حفظها؛ لأنّ فيه رعيها و أرزاقها،و ظاهر استناد الأصحاب إليها.

فما ذكره بعض الأفاضل (5)وفاقاً للشهيد (6)(رحمه اللّه) من كون النزاع بين القوم لفظيّاً،و أنّ القدماء إنّما ذكروا الليل و النهار تبعاً للرواية،و تمثيلاً للتفريط و عدمه؛ لكون الغالب حفظ الماشية ليلاً.ليس بجيّد.

و لذا اعترضه شيخنا في المسالك و الفاضل المقداد و المولى الأردبيلي (7)-(رحمه اللّه) فقال بعد نقله:و هو جيّد،و لكن خلاف ظاهر

ص:562


1- الأنبياء:78.
2- الكافي 5:2/301،التهذيب 7:982/224،الوسائل 29:278 أبواب موجبات الضمان ب 40 ح 4.
3- الكافي 5:3/302،الوسائل 29:278 أبواب موجبات الضمان ب 40 ح 5.
4- الوسائل 29:276 أبواب موجبات الضمان ب 40.
5- كشف اللثام 2:524.
6- اللمعة(الروضة البهية 10):327.
7- المسالك 2:511،التنقيح 4:528،مجمع الفائدة و البرهان 14:354.

عباراتهم؛ إذ لا يجب الجمع بين أقوالهم كالروايات و الآيات و الأدلّة،و أيضاً إنّ عادة بعضهم مثل الشيخ عدم الخروج عن لفظ الرواية و لا ينظر الوجه و العلّة،فتأمّل .انتهى.

و من أخبار المسألة أيضاً النبوي المروي في كلام جماعة،و منهم ابن زهرة (1):أنّ ناقة براء بن عازب دخلت حائطاً فأفسدته فقضى(صلّى اللّه عليه و آله)أنّ على أهل الأموال حفظها نهاراً،و على أهل المواشي حفظها ليلاً،و أنّ على أهلها الضمان في الليل (2).

و يؤيّده ما ورد من أنّ«العجماء جُبار» (3)بناءً على أنّ غالب جنايتها وقوعها في النهار.

الثالثة في كفّارة القتل

الثالثة (4):في بيان كفّارة القتل و قد مرّ في كتابها أنّه تجب كفّارة الجمع بين الخصال الثلاث:

العتق،و صيام شهرين متتابعين،و إطعام ستّين مسكيناً بقتل العمد،و تجب المرتّبة بقتل الخطإ و في معناه شبيه العمد،كما صرّح به في التحرير و القواعد (5).

و ذكر الفاضلان هنا و في الشرائع و التحرير و القواعد و الشهيدان في اللمعتين و المسالك (6)و غيرهم (7)أنّها إنّما تجب الكفّارة مطلقا كما يقتضيه

ص:563


1- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
2- عوالي اللئلئ 1:9/382،المستدرك 18:330 أبواب موجبات الضمان ب 29 ح 1.
3- الوسائل 29:271 أبواب موجبات الضمان ب 32.
4- أي:من اللواحق.
5- التحرير 2:279،القواعد 2:345.
6- الشرائع 4:287،التحرير 2:279،القواعد 2:345،اللمعة و الروضة 10:294،المسالك 2:511.
7- كشف اللثام 2:530.

إطلاق العبارة و نحوها و صريح بعضهم،أو في الخطأ خاصّة كما هو ظاهر التحرير مع المباشرة للقتل خاصّة دون التسبيب له فلو طرح حجراً في ملك غيره أو سابلة فهلك بها عاثر ضمن الدية و لا كفّارة مطلقاً،كان التسبيب عمداً أو خطأً.

و لم أجد لهم على ذلك دليلاً صالحاً عدا ما قيل من الأصل،و عدم تبادره إلى الفهم من القتل الوارد في النصوص (1).و فيه نظر؛ لمنع التبادر بعد الاتفاق على شموله له بالإضافة إلى الدية،إلّا أن يمنع الاتفاق على الشمول له لفظاً،بل يجعل مورده ثبوت أصل الدية لا دخوله تحت إطلاق لفظ القتل.و فيه بُعد.

و كيف كان فالعمدة هو عدم الخلاف في الحكم،بل ربما أشعر عبارة المسالك و غيره بالإجماع عليه،حيث نسبه في الأوّل إلى الأصحاب (2)من غير ذكر خلاف و لا دليل عليه،بل اقتصر منه على النسبة مشعراً بأنّ ذلك هو الحجة في المسألة،و في الثاني لم ينقل الخلاف فيه منّا،بل قال:خلافاً للشافعي (3).

و لعلّه كاف في الحجة،سيما بعد التأيّد بالأصل،و احتمال عدم ظهور المخصّص كما عرفته.

و تجب الكفّارة بقتل المسلم،ذكراً كان أو أُنثى،صبيّاً أو مجنوناً،حراً أو عبداً مطلقا و لو كان ملكاً للقاتل على الأظهر الأشهر، بل لا خلاف فيه يظهر،إلّا ما يحكى عن كفّارات النهاية و القاضي (4)في

ص:564


1- قاله في كشف اللثام 2:530.
2- المسالك 2:511.
3- كشف اللثام 2:530.
4- حكاه عنهما في كشف اللثام 2:530،و هو في النهاية:573،و المهذّب 2:424.

العبد.

قيل:للصحيح:في الرجل يقتل مملوكه متعمّداً،قال:«يعجبني أن يعتق رقبة،و يصوم شهرين متتابعين،و يطعم ستّين مسكيناً،ثم تكون التوبة بعد ذلك» (1)لإشعار«يعجب» بالفضل (2).

و فيه نظر؛ لظهور السياق في رجوع الفضل إلى الترتيب بين الكفّارة و التوبة بتقديم الاُولى على الثانية،لا إلى أصل الكفّارة.

ثم لو سلّم إشعاره أو دلالته فلا يعترض به إطلاقات الكتاب و السنّة، و خصوص المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«من قتل عبده متعمّداً فعليه أن يعتق رقبة،و أن يطعم ستّين مسكيناً،و أن يصوم شهرين» (3)و نحوه الموثقان (4).

و الحسنان:عن رجل قتل مملوكاً له متعمّداً،قال:«يعتق رقبة، و يصوم شهرين متتابعين» (5)إلى غير ذلك من النصوص (6).

و كذا تجب بقتل الجنين الآدمي المؤمن إن ولجته الروح مطلقا و لا تجب قبل ذلك كما مضى.

ص:565


1- الكافي 7:2/302،الفقيه 4:305/93،التهذيب 10:932/235،الوسائل 29:91 أبواب القصاص في النفس ب 37 ح 1.
2- قاله في كشف اللثام 2:530.
3- الكافي 7:4/303،التهذيب 10:929/234،الوسائل 29:91 أبواب القصاص في النفس ب 37 ح 3.
4- الكافي 7:1/302،التهذيب 10:931/235،الوسائل 29:92 أبواب القصاص في النفس ب 37 ح 4.
5- انظر الوسائل 29:91 أبواب القصاص في النفس ب 37 ح 2،وص 99 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 12.
6- الوسائل 29:91 أبواب القصاص في النفس ب 37.

و قد خالف الفاضل في التحرير (1)هنا،فأوجب الكفّارة فيه مطلقاً، و لو لم يلجه الروح،مع أنّه في بحث ديته صرّح بما هنا،و هو الأقوى؛ للأصل،بل قد عرفت أنّ عليه في بعض العبارات إجماعنا (2)،مع أنّي لم أجد له موافقاً إلّا الشافعي فيما حكي عنه (3)،و مع ذلك فلم أعرف له مستنداً.

و لا تجب بقتل الكافر ذمّيّاً كان أو حربيّا أو معاهداً بلا خلاف أجده،بل قيل:عندنا،خلافاً للعامّة،لتوهّمهم ذلك من الآية (4).

و لو قتل المسلم مثله في دار الحرب عالماً عامداً لا لضرورة التترّس و نحوه فعليه القود و الكفّارة بلا خلاف أجده،بل بإجماعنا كما يشعر به عبارة بعض الأجلّة (5)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى إطلاقات الكتاب و السنّة.

و لو ظنّه حربيّا (6) فقتله فلا دية له و عليه الكفّارة بلا خلاف في لزومها،و وفاقاً للأكثر في عدم الدية،بل في ظاهر المسالك و غيره و عن ظاهر المبسوط الاتفاق عليه (7)؛ لقوله سبحانه وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ [1] مع قوله بعد

ص:566


1- التحرير 2:279.
2- راجع ص 537.
3- حكاه عنه في كشف اللثام 2:530 و انظر المجموع 19:188،و المبسوط للسرخسي 26:88.
4- قاله في كشف اللثام 2:530.
5- كشف اللثام 2:530.
6- في المطبوع زيادة:فبان مسلماً.
7- المسالك 2:511؛ و انظر كشف اللثام 2:530،المبسوط 7:245.

ذلك فَإِنْ كانَ [1] يعني المقتول خطأً مِنْ قَوْمٍ [2] أي في قوم؛ لأنّ حروف الصفات بعضها يقوم مقام بعض عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [3] و قوله بعد ذلك وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [4] (1)لفهمنا من الثاني أنّ المؤمن يكون في دار الحرب فيظنّ كافراً فيُقتل لا دية له،و إلّا لم يظهر وجه للتفصيل و إهمال الدية فيه.

خلافاً للحلّي،فأوجب الدية لئلّا يطلّ دم امرئ مسلم (2).

و قوله(عليه السّلام):«في النفس مائة من الإبل» (3)قال:و الدية و إن لم تذكر في الآية،فقد علمناها بدليل آخر إلى أن قال-:و أيضاً فإجماع أصحابنا منعقد على ذلك،و لم يخالف أحد منهم في ذلك (4).

و هو نادر،و لذا لم ينقل الخلاف عنه هنا إلّا نادر.و وهن إجماعه لعدم الوقوف على موافق له ظاهر،مع معارضته بالمثل.و ما ذكره من الإطلاقات غير معلوم الشمول لنحو الفرض؛ لعدم التبادر،و على تقديره فهي مقيّدة بالآية الشريفة النافية بظاهرها من حيث السياق للدية،فتكون بالإضافة إلى الإطلاقات أخصّ فلتكن عليها مقدّمة.

و منه يظهر أنّ وجه دلالة الآية ليس أنّه لم يذكر فيها الدية كما زعمه و قدّم لذا عليها الإطلاقات المزبورة،بل إنّما هو ظهور سياقها في نفيها،

ص:567


1- النساء:92.
2- عوالي اللئالي 2:160،مستدرك الوسائل 18:413 أبواب ديات النفس ب 2 ح 2.
3- عوالي اللئالي 3:1/608،مستدرك الوسائل 18:296 أبواب ديات النفس ب 1 ح 3.
4- السرائر 3:321.

فينعكس الأمر كما عرفته.

ثم إنّ إطلاق الآية و العبارة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين ظهور كون المقتول أسيراً أم غيره.

خلافاً للشيخ في المبسوط و الخلاف و الفاضل في التحرير و القواعد و الصيمري في شرح الشرائع (1)،فقيّدوه بالثاني.

و تردّد فيه الماتن في الشرائع (2):من ذلك،و من إطلاق ما دلّ على لزوم الدية.

و فيه ما قد عرفته،فإذاً الأولى الأخذ بإطلاق الآية،مضافاً إلى أصالة البراءة.

الرابعة في العاقلة
الأمر الأول المحل

الرابعة:في بيان العاقلة التي تحمل دية الخطأ.

و النظر هنا يقع في أُمور ثلاثة المحل،و كيفية التقسيط أي توزيع الدية و تقسيمها عليهم و اللواحق أمّا المحلّ ف هو العصبة،و المعتق،و ضامن الجريرة، و الإمام(عليه السّلام) مرتّبين كترتيبهم في الإرث على تفصيل يأتي إليه الإشارة.

و ضابط العصبة كل من يتقرب إلى الميت بالأبوين أو بالأب خاصّة و إن لم يكونوا وارثين في الحال كالإخوة و أولادهم و إن نزلوا و العمومة و أولادهم كذلك و الأجداد و إن علوا وفاقاً للمقنعة و المبسوط و الخلاف و المهذّب و الفاضلين هنا و في الشرائع و الإرشاد

ص:568


1- المبسوط 7:246،الخلاف 5:321،التحرير 2:279،القواعد 2:345،غاية المرام 4:483.
2- الشرائع 4:287.

و التحرير و القواعد و المختلف و الشهيد في اللمعة (1)،و غيرهم (2)،و بالجملة:

المشهور على الظاهر،المصرّح به في المختلف و الروضة و المسالك (3).

و في السرائر أنّهم العصبات من الرجال،سواء كان وارثاً أو غير وارث،الأقرب فالأقرب،و يدخل فيها الولد و الوالد.و قال:إجماع أصحابنا منعقد على أنّ العاقلة جماعة الورّاث من الرجال دون من يتقرب بالأُمّ (4).

و ظاهره كما ترى دعوى الإجماع عليه،و إن زعم مخالفة قوله لقولهم فعدّ قولاً آخر (5)،و لم أفهم الوجه فيه،إلّا من حيث إطلاقه الرجال في صدر العبارة بحيث يتوهّم منه الشمول لمثل الإخوة من الاُمّ و الأخوال، لكن تصريحه أخيراً باستثناء من يقترب منهم بالأُمّ يدفع ذلك،و يوجب اتحاد قوله مع قولهم،و لذا لم يجعله كثير مخالفاً لهم.

و عبارته صريحة في دعوى الإجماع،و هو الحجة المعتضدة بالشهرة المحققة و المحكية،المحتملة كونها إجماعاً،كما ربما يستفاد من المختلف (6)حيث استند بها لهذا القول،و الحال أنّ الشهرة بالمعنى المصطلح ليست عنده بحجة ما لم تبلغ درجة الإجماع،فاستناده بها لعلّه كاشف عن بلوغها تلك الدرجة،هذا.

ص:569


1- المقنعة:735،المبسوط 7:173،الخلاف 5:277،المهذّب 2:503،الشرائع 4:288،الإرشاد 2:229،التحرير 2:279،القواعد 2:342،المختلف:787،اللمعة(الروضة 10):308.
2- انظر المفاتيح 2:156.
3- المختلف:787،الروضة 10:308،المسالك 2:511.
4- السرائر 3:331.
5- كما في المهذّب البارع 5:415.
6- المختلف:787.

مضافاً إلى ما قيل من أنّ ما ذكروه هو المعروف من معناها (1).

و يوافقه ما في مجمع البحرين:عَصَبة الرجل بنوه و قرابته لأبيه،قال:

و الجمع العصائب (2)،قال الجوهري:و إنّما سمّوا عَصَبة لأنّهم عصبوا به أي أحاطوا به،فالأب طرف،و الابن طرف،و الأخ جانب،و العمّ جانب (3).

فتدبّر.

و قيل في النهاية و الغنية و الإصباح فيما حكي (4)أنّهم هم الذين يرثون القاتل ديته لو قتل و لا يلزم من لا يرث ديته شيئاً مطلقا.

و اعترضه جماعة،و منهم الماتن في الشرائع،فقال:و في هذا الإطلاق و هم؛ فإنّ الدية يرثها الذكور و الإناث،و الزوج و الزوجة،و من يتقرّب بالأُمّ على أحد القولين،و يختص بها الأقرب فالأقرب كما تورث الأموال،و ليس كذلك العقل،فإنّه يختصّ الذكور من العَصَبة دون من يقترب بالأُمّ،و دون الزوج و الزوجة (5).

و هو حسن،إلّا أنّ بعض الأفاضل وجّه كلامهم بما يرجع به إلى ما عليه القوم،فقال:و عبارة النهاية هكذا:و أمّا دية الخطأ فإنّها تلزم العاقلة الذين يرثون دية القاتل أن لو قتل،و لا يلزم من لا يرث من ديته شيئاً على حال،و هي توهِم العموم،و ليست صريحة فيه،فإنّ الوصف يجوز أن يكون للتعليل دون التفسير،و لذا قال المحقّق:و في هذا الإطلاق و هم،

ص:570


1- قاله في كشف اللثام 2:526.
2- كذا،و في المصدر:العصاب.
3- مجمع البحرين 2:122،و هو في الصحاح 1:182.
4- كشف اللثام 2:526.
5- الشرائع 4:288.

فيكون كقول المفيد،و لا يؤخذ لإخوته من امّه شيء،و لا من أخواله؛ لأنّه لو قتل و أُخذت ديته ما استحق إخوته لأُمّه و أخواله منها شيئاً،فلذلك لم يكن عليهم منها شيء،ثم ليس في عبارة النهاية تفسير العصبة.و عبارة الغنية و الإصباح،كذا:و عاقلة الحرّ المسلم عَصَبته الذين يرثون ديته.

و ظاهرها أيضاً التعليل،و الاتّكال في معنى العصبة على وضوحه،و أنّ المفهوم منهم المتقربون بالأب من الرجال،أو التوضيح أو التنصيص على الاختصاص بالمتقرّبين بالأب (1).انتهى.

و يؤيدّه فهم الحلّي (2)من النهاية ما يوافقه،و لذا لم يعترضه،بل اعتضد به،فتأمّل .

و كيف كان فالقول الأوّل أظهر لما مرّ.

و من الأصحاب من خصّ به الأقرب (3)ممّن يرث بالتسمية، و مع عدمه يشترك في العقل بين من يتقرّب بالأُمّ مع من يتقرّب بالأب و الأُمّ أو بالأب أثلاثاً كالإرث،و قد يستدل له بالنصوص الواردة فيمن هرب و لم يظفر به حتى مات أنّه يؤخذ من تركته،فإن لم يكن فمن الأقرب فالأقرب (4).

و المرسل:في الرجل إذا قتل رجلاً خطأ فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية:«إنّ الدية على ورثته،فإن لم يكن له عاقلة فعلى

ص:571


1- حكاه في كشف اللثام 2:526،و هو في النهاية:737،و المقنعة:735،و الغنية(الجوامع الفقهية):620.
2- السرائر 3:331.
3- في«ن» زيادة:فالأقرب.
4- الوسائل 29:395 أبواب العاقلة ب 4.

الوالي من بيت المال (1).

و في الجميع نظر؛ لضعف المرسل كبعض تلك النصوص،مع خروجها على تقدير القول بها في تلك المسألة عن مفروض المسألة؛ لكونه دية الخطأ لا العمد كما هو موردها،و أحدهما غير الآخر،هذا.

مضافاً إلى قصور الجميع عن المكافأة لما قدّمناه من الأدلة.

و نسب جماعة (2)من الأصحاب هذا القول إلى الإسكافي،قالوا:

و هو استناد إلى رواية سلمة بن كهيل قال:اُتي أمير المؤمنين(عليه السّلام) برجل من أهل الموصل قد قتل رجلاً خطأ،فكتب أمير المؤمنين(عليه السّلام)إلى عامله بها في كتابه:«أسأل عن قرابته من المسلمين فإن كان من أهل الموصل ممّن ولد بها و أصبت له قرابة من المسلمين فادعهم إليك،ثمّ انظر،فإن كان هناك رجل يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه أحد من قرابته فألزمه الدية و خذها منه في ثلاث سنين،و إن لم يكن له من قرابته أحد له سهم في الكتاب و كانوا قرابته سواء في النسب ففضّ الدية على قرابته من قبل أبيه،و على قرابته من قبل امّه من الرجال الذكور المسلمين،ثم اجعل على قرابته من قبل أبيه ثلثي الدية و اجعل على قرابته من قبل امّه الثلث» الحديث (3).

و سلمة الراوي فيه ضعف لكونه بترياً مذموماً.انتهى محصّل

ص:572


1- التهذيب 10:676/172،الوسائل 29:397 أبواب العاقلة ب 6 ح 1.
2- منهم العلّامة في المختلف:787،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:533،و الشهيد الثاني في المسالك 2:511.
3- الكافي 7:2/364،الفقيه 4:356/105،التهذيب 10:675/171،الوسائل 29:392 أبواب العاقلة ب 2 ح 1.

ما ذكروه.

و ناقشهم في النسبة بعض الفضلاء،فقال:و عبارة الإسكافي كذا:

العاقلة هم المستحقون لميراث القاتل من الرجال العقلاء،سواء كانوا من قبل أبيه أو امّه،فإن تساوت القرابتان كالإخوة للأب و الإخوة للاُمّ كان على الإخوة للأب الثلثان،و على الإخوة للاُمّ الثلث،سواء كان المستحق للميراث واحداً أو جماعة،و لا يلزم ولد الأب شيء إلّا بعد عدم الولد و الأب،و لا يلزم ولد الجدّ شيء إلّا بعد عدم الولد للأبوين.و هي ليست نصّاً في استحقاق الإرث بالتسمية،و لا في شمول العقل كلّ من يرث بالتسمية،بل ظاهر قوله:سواء كان من قبل أبيه أو امّه،اختصاصه بالأجداد و بالإخوة و الأعمام و الأخوال و أولادهم،ثم ليس فيها اشتراط التشريك بين المتقرب بالأب و المتقرب بالأُمّ بعدم الوارث.

ثم قال:و لكن ظاهر المختلف أنّه نزّلها على مضمون خبر سلمة بن كهيل (1).انتهى.و هو جيّد.

و اعلم أنّ الرواية لا دلالة لها على القول المحكي في العبارة بإطلاقه؛ لشموله المتقرب بالأُمّ و المتقرب بالأب الذكور و الإناث،و كذا الأقرب ممّن يرث بالتسمية يشمل نحو الاُمّ و البنت و الأُخت،مع أنّ الرواية مصرّحة بالتقييد بالرجال،فالاستدلال بها لذلك كما في العبارة و غيرها لا يخلو عن إشكال،و لذا عدلت عنه إلى الاستدلال بتلك النصوص المزبورة و إن كانت قريبة منها في وجه الضعف و الإشكال.

اللهم إلّا أن ينزّل إطلاق القول على الرواية بتقييده بما فيها من إرادة

ص:573


1- كشف اللثام 2:527.

الرجال خاصّة،كما وجّه به كلام النهاية (1)،و يجعل الاستدلال بها له على ذلك قرينة،فافهم .

و يدخل الآباء و الأولاد في العقل على الأشبه وفاقاً للمفيد و الإسكافي و الشيخ في النهاية و الحائريات و السرائر و الجامع و أبي العباس كما حكي (2)،و هو خيرة الفاضلين هنا و في الشرائع و التحرير و القواعد و الصيمري و الشهيد في اللمعة (3)،و هو ظاهر التنقيح (4)،و بالجملة:

المشهور على الظاهر،المصرّح به في الإيضاح (5)،بل ادّعى الحلّي عليه الإجماع (6)،و هو الحجة.

مضافاً إلى دخولهم في مفهوم العَصَبة لغةً كما يستفاد من كلام الجوهري المتقدّم (7)و كثير من أهلها.

خلافاً للمحكي عن الخلاف و المبسوط و المهذّب و الوسيلة (8)، فلا يدخلون؛ لأصالة البراءة.

و يجب الخروج عنها بما عرفته،مع ضعف التمسك بها هنا بناءً على

ص:574


1- راجع ص 566.
2- المقنعة:735،حكاه عن الإسكافي في المختلف:787،النهاية:737،الحائريات(الرسائل العشر):296،السرائر 3:331،الجامع للشرائع:573،و المقتصر:469،و المهذب البارع 5:416.
3- الشرائع 4:288،التحرير 2:279،القواعد 2:342،غاية المرام 4:486،اللمعة(الروضة البهية 10):308.
4- التنقيح 4:532.
5- الإيضاح 4:744.
6- السرائر 3:332.
7- راجع ص 566.
8- حكاه عنهم في المختلف:786،و هو في الخلاف 5:277،و المبسوط 7:173،و المهذّب 2:503،و الوسيلة:437.

إيجابه اشتغال ذمّة أُخرى مع أنّ الأصل براءتها أيضاً،و مرجعه إلى معارضتها بالمثل كما لا يخفى.

و للإجماع.

و فيه وهن ظاهر،كدعوى شيخنا في المسالك و الروضة (1)عليه الشهرة،مع معارضتهما بالمثل كما عرفته.

و لخروجهم عن مفهوم العَصَبة.

و فيه منع ظاهر عرفت وجهه.

و لنصوص عامية.

نعم في الصحيح:«أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)قضى في امرأة أعتقت رجلاً،و اشترطت ولاءه،و لها ابن،فألحق ولاءه بعَصَبتها الذين يعقلون عنها دون ولدها» (2).

لكنّه غير واضح الدلالة؛ لاحتمال كون«دون ولدها» استثناءً من العَصَبة،و الأصل في الاستثناء الاتصال،و عليه فتكون الرواية واضحة الدلالة على المختار،مع استفادته أيضاً من رواية سلمة بن كهيل المتقدّمة، لكن ضعف سندها كما عرفته،مع اشتمالها على أحكام غريبة لم يقل بجملة منها أحد من الطائفة ربما أوجب الوهن في الاستدلال بها و جعلها حجّة،و إن أمكن الذبّ عنه بجبره بالشهرة و حكاية الإجماع المتقدمة.

و لا يشركهم أي العاقلة في العقل القاتل بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في ظاهر عبارة بعض الأجلّة،قال:خلافاً لأبي حنيفة (3).

ص:575


1- المسالك 2:512،الروضة 10:310.
2- التهذيب 8:921/253،الإستبصار 4:80/25،الوسائل 23:70 كتاب العتق ب 39 ح 1.
3- كشف اللثام 2:527.

و الحجة عليه بعده أصالة البراءة،مع ظهور النص و الفتوى باختصاص الدية بالعاقلة.

و لا تعقل المرأة،و لا الصبي،و لا المجنون،و إن ورثوا من الدية بلا خلاف على الظاهر،المحكي عن المبسوط (1).

قيل:لخروجهم عن مفهوم العصبة عرفاً،و أصل البراءة (2).

و في أصل البراءة ما عرفته.و أمّا دعوى الخروج فهي حسنة بالإضافة إلى المرأة،أمّا الصبي و المجنون فدعوى خروجهما عن مفهومها لعلّها لا تخلو عن إشكال.

و الأصل على تقدير صحته يخرج عنه بالإطلاقات،إلّا أن يذبّ عنها بعدم معلومية شمولها لهما؛ لعدم تباردهما منها جدّاً و لو كانا داخلين تحت مفهوم العصبة حقيقةً.

و تحمّل العاقلة دية الموضحة و ما فوق الموضحة كالهاشمة و المنقّلة و نحوهما اتفاقاً منّا على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (3)حدّ الاستفاضة،و فيه الحجة؛ مضافاً إلى الإطلاقات،و خصوص الموثقة الآتية.

و في تحمّلها ما دون الموضحة من الحارصة و الدامية و نحوهما قولان أحدهما:نعم،ذهب إليه الشيخ في المبسوط و الخلاف و الحلّي في السرائر (4)مدّعياً عليه الإجماع؛ للإطلاقات.

ص:576


1- حكاه عنه في كشف اللثام 2:527،و هو في المبسوط 7:175.
2- قاله في كشف اللثام 2:527.
3- منهم العلّامة في القواعد 2:344،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:535،و الشهيد الثاني في الروضة 10:313.
4- المبسوط 7:178،الخلاف 5:283،السرائر 3:334.

و الثاني:و هو المروي في الموثق (1) أنّها لا تحمله و هو خيرة الشيخ في النهاية و الحلبي و القاضي في أحد قوليه و الغنية و الإصباح و الوسيلة كما حكي (2)،و إليه ذهب الفاضل في المختلف و ولده في الإيضاح و الفاضل المقداد و الصيمري (3)،و غيرهم من المتأخّرين (4)،و الظاهر أنّه المشهور كما صرّح به في التحرير و الروضة (5).

و هو الأقوى؛ لاعتبار سند الرواية بالموثقية.

مضافاً إلى الاعتضاد أو الانجبار بالشهرة الظاهرة و المحكية، و بالاعتبار؛ للزوم الضرر الكثير بالتحمّل،بناءً على غلبة وقوع التنازع و حصول الجنايات الكثيرة من الناس،فلو وجب كلّ جرح قلّ أو كثر على العاقلة لزم حصول المشقّة لهم،و تساهل الناس في الجنايات؛ لانتفاء الضمان عنهم،فتأمّل .

و بذلك يذبّ عن الإجماع المنقول،مع وهنه بمصير الأكثر على خلافه،و يتعيّن الخروج به عن الإطلاقات،مع إمكان التأمّل في شمولها لمحل البحث؛ لاحتمال اختصاصها بحكم التبادر بدية النفس.

و لا ينافيه الاتفاق على التحمّل في نحو الموضحة؛ لاحتمال كون

ص:577


1- الكافي 7:4/365،التهذيب 10:669/170،الوسائل 29:396 أبواب العاقلة ب 5 ح 1.
2- النهاية:737،الكافي في الفقه:396،و قال به القاضي في الكامل على ما حكاه عنه في غاية المراد 4:485،و المهذب البارع 5:508،الغنية(الجوامع الفقهيّة):620،الإصباح(الينابيع الفقهية 24):289،الوسيلة:437،و حكاه عنهم في كشف اللثام 2:528.
3- المختلف:812،الإيضاح 4:746،التنقيح 4:535،غاية المرام 4:487.
4- كالأردبيلي في مجمع الفائدة 14:291.
5- التحرير 2:280،الروضة 10:314.

ذلك بمجرّد الاتفاق،لا للإطلاق،و حينئذٍ يجب الرجوع إلى حكم القاعدة من كون الأصل في الجناية تعلّق ديتها برقبة الجاني،لا غيرها؛ إذ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [1] (1)خرجنا عنها فيما عدا موضع الخلاف بالوفاق، و يبقى ما عداه داخلاً تحتها.

و ربما يستفاد من قول الماتن هنا و الفاضل في القواعد (2): غير أنّ في الرواية ضعفاً ميلهما إلى القول الأوّل،أو توقّفهما فيه.

و هو ضعيف،كدعوى ضعف الرواية؛ لأنّها من الموثّق لا الضعيف بمعنى المصطلح ،لكنّ الأمر في هذا سهل،سيّما على طريقة الماتن.

و إذا لم يكن للجاني عاقلة من قومه ضمن المعتق جنايته إن كان،و إلّا فعصباته،ثمّ معتق المعتق،ثمّ عصباته،ثم معتق أبي المعتق،ثم عصباته،كترتيب الميراث،و مع عدمهم أجمع فعلى ضامن جريرته إن كان.

و حيث لا ضامن جريرة له أيضاً ضمن الإمام جنايته بلا خلاف في شيء من ذلك أجده في الجملة،و لكن استفادتها كما هي من النصوص مشكلة.

نعم النصوص مستفيضة بضمان ضامن الجريرة العقل و كذا الإمام مع فقده،ففي الصحيح:«من لجأ إلى قوم فأقرّوا بولايته كان لهم ميراثه، و عليهم معقلته» (3).

و بمعناه الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة المروية في باب

ص:578


1- الأنعام:165.
2- القواعد 2:344.
3- التهذيب 10:685/175،الوسائل 29:397 أبواب العاقلة ب 7 ح 1.

ميراث ضامن الجريرة،و فيها:«إذا ولي الرجل الرجل فله ميراثه،و عليه معقلته» (1).

و فيها إشعار بتلازم الإرث و ضمان العقل،و قد تقدّم في المواريث ثبوت إرث المعتق و ضامن الجريرة و الإمام مترتّبين،فيعقلون كذلك.

و في الصحيح:«من مات و ليس له وارث من قرابته،و لا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فماله من الأنفال» (2)و هو كالنص في ضمان المعتق الجريرة و العقل.

و في الصحيح:«السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلّا اللّه تعالى،فما كان ولاؤه للّه سبحانه فهو لرسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،و ما كان لرسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)فإنّ ولاءه للإمام(عليه السّلام)،و جنايته على الإمام،و ميراثه له» (3)إلى غير ذلك من النصوص الدالّة على أنّ ميراث من لا وارث له للإمام(عليه السّلام)،و معقلته عليه (4)،هذا.

و في المرسل:الرجل إذا قتل رجلاً خطأً فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية«إنّ الدية على ورثته،فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال» (5).

و هو صريح في ضمان الأشخاص الثلاثة الدية حيث يستحقون

ص:579


1- الوسائل 26:243 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 1.
2- الكافي 7:2/169،الفقيه 4:773/242،التهذيب 9:1381/387،الوسائل 26:246 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 3 ح 1.
3- الكافي 7:2/171،التهذيب 9:1410/395،الوسائل 26:248 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 3 ح 6.
4- الوسائل 26:246 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 3.
5- التهذيب 10:676/172،الوسائل 29:397 أبواب العاقلة ب 6 ح 1.

الإرث،و هو و إن شمل العاقلة الأُنثى من القرابة مثلاً،لكنّه مقيّد بغيرها من الذكران؛ لما مضى،فيبقى الباقي تحته مندرجاً،و العام المخصّص حجة في الباقي،كما حقّق في محلّه مستقصى.

و فيه إشعار بلزوم الدية في مال الجاني أوّلاً،و مع عدمه فعلى عاقلته، و به صرّح جماعة (1)،لكن بالنسبة إلى ضمان الإمام خاصّة،فقالوا:إنّ ضمانه مؤخّر عن ضمان الجاني،و منهم ابن زهرة مدّعياً عليه إجماع الإمامية (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المرسلة،و القاعدة المتقدّم إليها قريباً الإشارة،و به صرّح جملة من النصوص في جناية الأعمى:«أنّها خطأ و يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كلّ سنة نجماً،فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله تؤخذ بها في ثلاث سنين» كما في الصحيح (3).

و في الموثق:«إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ فيه الدية في ماله،فإن لم يكن له مال فإنّ دية ذلك على الإمام» (4).

خلافاً لآخرين،فقالوا:ضمان الإمام مقدّم على ضمان الجاني، و منهم الحلّي مدّعياً عليه أيضاً الإجماع (5)،و هو الحجّة.

ص:580


1- منهم الشيخ في النهاية:737،و ابن حمزة في الوسيلة:436،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:537.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
3- الفقيه 4:361/107،التهذيب 10:918/232،الوسائل 29:399 أبواب العاقلة ب 10 ح 1.
4- الكافي 7:3/302،الفقيه 4:271/85،التهذيب 10:917/232،الوسائل 29:89 أبواب القصاص في النفس ب 35 ح 1.
5- السرائر 3:335.

مضافاً إلى إطلاق الأدلّة بكون الإمام ضامن جريرة مع فقد العاقلة.

و يمكن تقييده بما مرّ،إلّا أن يجاب عنه بضعف المرسل منه سنداً و متناً؛ لاشتماله زيادةً على ما تقدّم على تقديم ضمانه على ضمان مطلق العاقلة حتى غير الإمام،و ظاهر الأصحاب كالروايتين الواردتين في الأعمى اللتين هما أحد تلك الأدلّة خلافه.

و الإجماع المنقول معارض بالمثل.

و روايتا الأعمى بعد الإغماض عن احتياج إطلاقهما إلى تقييد ما تضمّنتا كون جنايته خطأ مطلقاً،و لم يرتضه المتأخّرون كما مضى.

و الأصل يخرج عنه بالإطلاقات.

و ظاهر العبارة كغيرها و صريح جماعة (1)كون الدية على الإمام في ماله.خلافاً لآخرين (2)،ففي بيت مال المسلمين.

و منشأ الاختلاف اختلاف النصوص،ففي جملة منها على الإمام، و في اخرى على بيت المال،و المسألة كسابقتها محل إشكال،و للتوقف فيهما مجال.

و جناية الذمّي في ماله مطلقا و إن كانت خطأً،فإن لم يكن له مال فعاقلته الإمام(عليه السّلام) قالوا: لأنّه يؤدّي إليه جزيته كما يؤدّي المملوك إلى مولاه ضريبته (3) فكان بمنزلته و إن خالفه في كون مولى العبد لا يعقل جنايته؛ لأنّه ليس مملوكاً محضاً.

ص:581


1- منهم الحلّي في السرائر 3:335.
2- منهم السلّار في المراسم:239،و الصيمري في غاية المرام 4:488،و الكاشاني في المفاتيح 2:157.
3- في المختصر المطبوع زيادة:و لا يعقله قومه.

و الأولى الاستدلال عليه بعد الإجماع الظاهر المستظهر من بعض العبائر بالصحيح:«ليس بين أهل الذمة معاقلة،فما يكون من قتل أو جراحة إنّما تؤخذ ذلك من أموالهم،فإن لم يكن له مال رجعت إلى إمام المسلمين؛ لأنّهم يؤدّون إليه الجزية كما يؤدّي العبد الضريبة إلى سيّده» قال:«و هم مماليك الإمام،فمن أسلم منهم فهو حرّ» (1).

الأمر الثاني في كيفية التقسيط

و أمّا كيفية التقسيط فقد تردّد فيه الشيخ فقال في موضع من المبسوط و الخلاف:على الغني عشرة قراريط نصف دينار،و على الفقير خمسة قراريط ربعه (2).و تبعه القاضي في المهذّب و الفاضل في الإرشاد و القواعد (3).

و لكن اختلف عباراتهم،فالفاضل أطلق كما ذكرنا،و لم يبيّن أنّ المقدارين أكثر ما يلزمهما،أو أنّهما لازمان عليهما لا أقلّ منهما.

و القاضي فسّره بالأوّل.

و الشيخ بالثاني،قال:للإجماع على لزومهما،و لا أكثر؛ للأصل،مع عدم دليل.

و فيه نظر؛ لضعف الأصل بما مرّ مراراً من معارضته بالمثل؛ لأنّ دفع الأكثر من النصف عن الغني،و من الربع عن الفقير بالأصل،يوجب اشتغال ذمّة آخر به،و هو أيضاً مدفوع بالأصل.

و عدم الدليل عليه ممنوع،كيف لا؟!و النص و الفتوى بلزوم الدية

ص:582


1- الكافي 7:1/364،الفقيه 4:357/106،التهذيب 10:674/170،علل الشرائع:1/541،الوسائل 29:391 أبواب العاقلة ب 1 ح 1.
2- المبسوط 7:174،الخلاف 5:282،286.
3- المهذّب 2:504،الإرشاد 2:230،القواعد 2:343.

على العاقلة مطلقان يشملانه،حتى لو كان العاقلة من ذوي القرابة واحداً تعيّن عليه الدية بتمامها مع قدرته عليها كذلك،و مع العدم تعيّن عليه ما قدر،و يكون الزائد على مقدوره واجباً على من بعده من مراتب العاقلة و درجاتها؛ لأنّ عجزه عنه يصيّره كالعدم إجماعاً،فيكون الجاني بالنسبة إلى هذه الزيادة كمن لا عاقلة له من القرابة،و هكذا الكلام بالنسبة إلى المرتبة الثانية من العاقلة يجب عليها المقدور من الزيادة،و ما لا يقدر عليه منها يجب على من بعده من العاقلة،و هكذا.

و على هذا ف الوجه وقوفه أي التقسيط على رأي الإمام أو من نصبه للحكومة و لو عموماً،فيدخل فيه المجتهد الجامع لشرائط الفتوى بحسب ما يراه من أحوال العاقلة في الغنى و الحاجة،فيدفع الدية عن الفقير الذي لا قدرة له بالكليّة و يوجبها على الغني و الفقير المتوسط بحسب مقدورهما و ما يقتضيه المصلحة،بحيث لا يستلزم إضراراً و لا إجحافاً بهما بالكلية،و إن زادت الدية عنهما بعد ذلك فضّها على المرتبة الثانية.

و اختار هذا في موضع آخر من المبسوط و الخلاف (1)،و تبعه الحلّي و جماعة من المتأخّرين (2)،و لعلّه المشهور بينهم.

و يبدأ بالتقسيط على الأقرب من العاقلة إلى الجاني رتبةً و درجةً فالأقرب فيأخذ من أقرب الطبقات أوّلاً،فإن لم يكن أو لم يحتمل تخطّى إلى البعيد ثم الأبعد،و هكذا ينتقل مع الحاجة إلى المولى،ثم إلى عصبته،ثم إلى مولى المولى،ثم إلى ما فوق،ثم إلى الإمام(عليه السّلام).

ص:583


1- المبسوط 7:178،الخلاف 5:279.
2- السرائر 3:333،الروضة 10:315.

و يحتمل بسطها على العاقلة أجمع من غير اختصاص بالقريب؛ لعموم الأدلّة بوجوبها على العاقلة.

و لكنّ الأوّل أظهر وفاقاً للأكثر؛ لعموم وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ [1] (1)و لا قائل بالفرق.

مضافاً إلى ما مرّ من إشعار النصوص و الفتاوي بل ظهورهما في كون العقل كالإرث يترتّب كترتّبه،و يلزم حيث يثبت،و منها المرسل المتقدم المتضمّن لقوله(عليه السّلام):«إنّ الدية على ورثته» (2)فتأمّل .

و يؤيّده النصوص المتقدمة فيمن قتل و هرب فمات أنّه تؤخذ الدية من الأقرب إليه فالأقرب (3).

خلافاً للمحكي عن المبسوط و الجامع (4)،فقالا بالاحتمال المتقدم.

و يؤجّلها أي الدية الإمام أو من نصبه عليهم أي على العاقلة ثلاث سنين على ما سلف بيانه و نقل الدليل عليه في أوائل كتاب الديات.

الأمر الثالث في اللواحق و هي مسائل ثلاث
الأولى لو قتل الأب ولده عمداً

و أمّا اللواحق فمسائل ثلاث:

الاُولى :لو قتل الأب ولده عمداً فلا قصاص كما مرّ في كتابه و دفعت الدية بعد أن تؤخذ منه إلى الوارث للابن و لو كان بعيداً، و لو ضامن جريرة،أو إماماً و لا نصيب للأب منها لأنّه قاتل عمداً لمورّثه فلا يرث منه إجماعاً.

ص:584


1- الأنفال:75.
2- راجع ص 575.
3- راجع ص 567.
4- حكاه عنهما في كشف اللثام 2:529.

و لو لم يكن للابن وارث سوى الأب فهي أي الدية المأخوذة منه للإمام(عليه السّلام) و لو قتله الأب خطأً فالدية على العاقلة،و يرثها الوارث للابن مطلقا،و لا خلاف و لا إشكال في شيء من ذلك.

و إنّما الإشكال في توريث الأب من الدية في صورة الخطأ، ففيه قولان،أشبههما و أشهرهما: أنّه لا يرث منها شيئاً مطلقا،و قد تقدم التحقيق في ذلك في كتاب المواريث مستوفى و إنّما أعاده هنا لبيان وقوع الاختلاف هنا في ذلك على القول بتوريثه من الدية فيما لو لم يكن وارث للمقتول سوى الأب و العاقلة هل تؤخذ منهم الدية و تدفع إليه أم لا شيء له عليهم؟ فإن قلنا:إنّ الأب لا يرث من ديته أو مطلقا شيئاً فلا دية له قطعاً و إن قلنا:يرث،ففي أخذ الدية له هنا من العاقلة تردّد :

من أنّه الجاني و لا يعقل ضمان الغير له جناية جناها،و العاقلة إنّما يضمن جنايته للغير،و هو خيرة الأكثر،بل لا خلاف فيه هنا يظهر.

و من إطلاق ما دلّ على وجوب الدية على العاقلة للورثة،و الأب منهم،فيرث؛ لوجود السبب،و انتفاء المانع.

و فيه نظر؛ لمنع الإطلاق بحيث يشمل نحو محل الفرض؛ لندرته، و عدم تبادره،فيختصّ بغيره ممّا هو الغالب المتبادر،و هو غير محل الفرض،فيرجع حينئذٍ إلى مقتضى الأصل من لزوم الدية على الجاني دون غيره.

ثم في دعوى كون الأب هنا من الورثة بقول مطلق نظر:أمّا على

ص:585

القول بعدم إرثه مطلقا فظاهر،و كذا على القول بعدم إرثه من الدية خاصّة؛ إذ هو بالنسبة إليها ليس من الورثة.

و أمّا على القول بإرثه منها فحسن إن سلّم منه ذلك كلّيّاً،أو كان دليل آخر عليه كذلك،و إلّا فالدعوى من دونهما أو أحدهما مصادرة و أوّل البحث.و تسليم كونه وارثاً فيما إذا كان له ورثة غير العاقلة كالأُمّ و البنت مثلاً لا يستلزم تسليم كونه وارثاً هنا،فتأمّل جدّاً .

الثانية لا تعقل العاقلة عمداً

الثانية :لا تعقل العاقلة عمداً محضاً و لا شبيهاً به،و إنما تعقل الخطأ المحض و لا إقراراً،و لا صلحاً يعني إذا أقرّ الجاني بالقتل خطأً مع عدم ثبوته إلّا بإقراره لم يثبت بذلك شيء على العاقلة.

و كذا لو اصطلح القاتل و الأولياء في العمد مطلقاً،و الخطأ مع عدم ثبوته على الدية لا يلزم العاقلة منها شيء،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده؛ لأصالة البراءة؛ و اختصاص المخرج عنها من النص و الفتوى بدية الخطأ المحض الثابت بنحو من البيّنة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة:«لا يعقل العاقلة عمداً،و لا عبداً، و لا صلحاً،و لا اعترافاً» (1).

و كذا لا تعقل جناية الإنسان على نفسه مطلقا،بل يكون دمه هدراً،بلا خلاف فيه ظاهراً،بل قيل:إنّه كذلك عندنا و ضمّن العاقلة الأوزاعي و أحمد و إسحاق (2).و هو ظاهر في إجماعنا عليه،و هو الحجة؛

ص:586


1- الوسائل 29:394 أبواب العاقلة ب 3،و مستدرك الوسائل 18:415 أبواب العاقلة ب 3.
2- قاله في كشف اللثام 2:529.

مضافاً إلى بعض ما مرّ إليه الإشارة.

و لا يعقل المولى عبداً بمعنى أنّ العبد لو قتل إنساناً خطأً أو جنى عليه كذلك لا يعقل المولى جنايته،بل يتعلق برقبته،كما سلف بيانه في كتاب القصاص في الشرط الأوّل من شرائطه،و قد ذكرنا ثمّة عدم الخلاف فيه،كما هو ظاهر جماعة و منهم الصيمري و الفاضل المقداد (1)هنا،حيث أرجعا قول الماتن الآتي:على الأظهر،إلى المستولدة خاصّة،بل صرّح الثاني بالإجماع عليه،فإنّه قال:وجه الأظهرية كونها رقّاً،و الإجماع منعقد على أنّ المولى لا يعقل عبداً،و هو عامّ في أمّ الولد و غيرها.

أقول:و يدلُّ عليه مضافاً إليه النصوص المتقدمة ثمّة،لكن في النهاية:و إذا قتل عبد حرّا خطأً فأعتقه مولاه جاز عتقه،و كان على مولاه دية المقتول؛ لأنّه عاقلته (2).

و يفهم منه الخلاف في المسألة،و أظهر منه عبارة الغنية،حيث قال:

و عاقلة الرقيق مالكه (3).

و يمكن الاستناد لهما بمفهوم التعليل في الصحيح المتقدم في عاقلة الذمّي أنّه الإمام لأنّه يؤدّي إليه الجزية كما يؤدّي العبد إلى سيّده الضريبة (4).

لكنّه لا يعارض النصوص المتقدّمة ثمّة،المعتضدة مع الصراحة و الكثرة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في

ص:587


1- غاية المرام 4:487،التنقيح الرائع 4:540.
2- النهاية:753.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
4- راجع ص 578.

الحقيقة؛ لشذوذ قولهما.

مع احتمال إرادتهما كون المولى عاقلته لو جنى بعد العتق لا قبله، كما احتمله الحلّي في عبارة النهاية (1)،و هو و إن بعد في عبارة الغنية،لكن يؤيّده أنّه لم يذكر عاقلة المعتَق بالكلّية،و هو بعيد غايته لو لم يكن هو مراداً بتلك العبارة.

و يحتمل إرادتهما مطلق الضمان،كما حمل الفاضل في المختلف عليه عبارة النهاية،فقال:و الشيخ عنى بالعاقلة هنا الضامن لا المعنى المتعارف (2).

أقول:و لا ريب في صحة عقل المولى لعبده بهذا المعنى؛ لما مضى ثمّة من أنّ على المولى في جناية عبده إمّا دفعه إلى وليّ المجني عليه،أو فكّه بقيمته،و أيّا ما كان ثبت الضمان عليه.

و الفرق بينه و بين العقل بالمعنى المتعارف استلزامه ضمان تمام الدية و لو زادت عن قيمة العبد،بخلاف الضمان فإنّ متعلّقه ليس إلّا دفع العبد مع الزيادة،أو فكّه بالقيمة من غير زيادة.

و كيف كان لا فرق على المختار بين كون العبد قنّاً أي رقّاً محضاً أو مدبّراً أو مكاتباً أو أُمّ ولد على الأظهر الأشهر.

خلافاً للشيخ في أحد قوليه و القاضي (3)،فيعقلها مولاها؛ للخبر المتقدم مع تمام التحقيق في المسألة في آخر النظر الأوّل من الأنظار الأربعة

ص:588


1- السرائر 3:358.
2- المختلف:796.
3- النهاية:751،المهذّب 2:488.

من كتاب الديات (1)،من أراده فليراجعه ثمّة.

الثالثة لا تعقل العاقلة بهيمة

الثالثة :لا تعقل العاقلة للإنسان جناية بهيمة له على إنسان، و إن كان جنايتها مضمونة عليه على تقدير تفريطه في حفظها.

و كذا لا تعقل إتلاف ذلك الإنسان مال أحد،بل هو مضمون عليه و يختصّ ضمانها أي العاقلة بالجناية ممّن تعقل عنه على الآدمي فحسب بلا خلاف في شيء من ذلك أجده؛ للأصل،مع اختصاص ما دلّ على ضمان العاقلة من الفتوى و الرواية بجناية الآدمي على مثله خطأً،لا مطلقا.

و حيث انتهى الكلام في الكتاب بعون اللّه تعالى الملك الوهّاب إلى هنا قال الماتن رحمه اللّه تعالى-:

فهذا ما أردناه و قصدنا حصره و ضبطه مختصرين مطوّله، مجرّدين محصّله و نسأل اللّه سبحانه أن يجعلنا ممّن شكر بلطفه و كرمه عمله،و غفر بفضله و سعة رحمته زلله (2).

و يقول أقلّ الخليقة،بل اللّاشيء في الحقيقة:أحمد اللّه سبحانه على توفيقه و تسهيله لتأليف هذا التعليق،و أسأله بجوده و كرمه أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم،موجباً لثوابه الجسيم،و أن يغفر (3)لعبده ما قصر فيه من اجتهاد،أو وقع له من خلل في إيراد،إنّه هو الغفور الرحيم البَرّ الكريم.

ص:589


1- راجع ص 369.
2- في المطبوع زيادة:و جعل الجنّة منقلبه و منقله،إنّه لا يخيب من سأله،و لا يخسر من أمله،إنّه ولي الإعانة و التوفيق و الصلاة و السلام على محمد و آله أجمعين.
3- في«ح»:يعفو.

و المرجوّ ممّن يقف على هذا التعليق و يرى فيه خطأً أو خللاً أن يصلحه،و ينبّه عليه،و يوضحه،و يشير إليه،حائزاً بذلك منّي شكراً جميلاً،و من اللّه تعالى أجراً عظيماً جزيلاً.

و فرغ من تسويده مؤلّفه الفقير إلى اللّه تعالى الغني علي بن محمد علي الطباطبائي منتصف ليلة الجمعة،و هي السابعة و العشرون من شهر صفر سنة اثنين و تسعين و مائة بعد الألف من الهجرة النبوية،على صاحبها أفضل صلوات و تسليمات و تحية.

ص:590

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.