رمي الجمرات في بحث جديد

اشارة

سرشناسه : مكارم شيرازي، ناصر، - 1305

عنوان و نام پديدآور : رمي الجمرات في بحث جديد/ تاليف ناصر مكارم الشيرازي؛ لجنه المعارف و التحقيقات الاسلاميه

مشخصات نشر : قم: مدرسه الامام علي بن ابي طالب(ع)، 1381.

مشخصات ظاهري : ص 35

شابك : 964-6632-95-53000ريال

يادداشت : عربي

يادداشت : كتابنامه: ص. 35 - 34

موضوع : رمي جمرات

شناسه افزوده : حوزه علميه قم. گروه معارف و تحقيقات اسلامي

شناسه افزوده : مدرسه الامام علي بن ابي طالب(ع)

رده بندي كنگره : BP188/8 /م 75ر8 1381

رده بندي ديويي : 297/357

شماره كتابشناسي ملي : م 81-46754

المقدمة:

إنّ المتاعب العظيمة و المخاطر الجليلة عند رمي الجمرات أدّت في أكثر الأوقات إلى وقوع ضحايا بين الحجّاج الكرام، و لهذا الأمر أسبابه الكثيرة، التي منها الفتاوى التي تلزم الحاجّ بأنّ يتيقّن إصابة الاسطوانة نفسها، و قد فتحت مجلّتنا بابا لمعرفة وجهات نظر فقهاتنا العظام حول هذه المسألة.

من مشاكل الحجّاج المهمّة مسألة رمي الجمرات، خاصّة يوم عيد الأضحى، عندما تتوجّه جموع الحجّاج الغفيرة و تندفع بقوّة و بزحام شديد، فسبّب هذا خاصّة في السنوات الأخيرة- خسائر كبيرة في الأرواح، فجرح و قتل حول الجمرات كثيرون، و طالما أصيبت الرؤوس و الوجوه و العيون! إنّ جلّ هذه الخسائر كان منشؤه تصوّر عامّة الناس- اتّباعا

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 6

للفتاوى- أنّ الواجب في رمي الجمرات هو أن يصيب الحصى العمود الخاصّ، في حين لا يتوفّر دليل واضح على ذلك، بل إنّ لدينا أدلّة مخالفة تشير إلى الاكتفاء بأن يرمى الحصى على الجمرة، و أن يقع في الدائرة التي تتجمّع فيها الحصيات، و الواقع أنّ «الجمرة» هي «مجتمع الحصى»، و ليست هي الأعمدة!

و قد أعدّت هذه الرسالة لتبيّن الأدلّة العلمية لهذه المسألة، و لتكون مورد اطّلاع من قبل

فقهاء المسلمين، و ليعلم الجميع أنّ هذه الأعمدة لم يكن لها وجود في عصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لا في عصور الأئمّة عليهم السّلام، بل إنّها معالم وضعت بعدئذ في مواضع الجمرات، و قد تنصب فوقها مصابيح من أجل الذين يضطرّون إلى الرمي ليلا. و نرجو من القرّاء الأعزّاء كافّة ألّا يتعجّلوا في الحكم على هذه الرسالة قبل الانتهاء من مطالعتها كلّها.

ما هي الجمرة؟

إنّ أصل وجوب رمي الجمرات- بوصفه من مناسك الحجّ- من مسلّمات أحكام الحجّ و ضروريّاته، و هو ممّا اتّفقت عليه آراء جميع علماء الإسلام، و لكنّ المسألة المهمّة في باب رمي الجمرات أن نتعرّف على معنى الجمرة، التي يجب أن نرميها بالحصى، فهل الجمرة

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 7

هي الأعمدة، التي نقذفها اليوم بالحصى، أو هي قطعة الأرض المحيطة بالأعمدة، أو هي كلاهما، و بالتالي يكفي رمي أحدهما بالحصى؟

إنّ الكثير من الفقهاء سكتوا عن بيان هذا المطلب، بيد أنّ فريقا منهم عبّروا بتعابير تشير بوضوح إلى أنّ «الجمرة» هي الأرض المحيطة بالأعمدة، أي قطعة الأرض، التي يتجمّع فيها الحصى عند رميه.

و في كتب اللغويّين و أحاديث المعصومين عليهم السّلام أيضا إشارات حاكية لهذا المعنى، بل إنّ القرائن تدلّ على أنّ موضع الجمرات لم يكن فيه عمود إبّان عصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و في أيّام الأئمّة المعصومين عليهم السّلام، و كان الحجيج يرمون حصياتهم على قطعة الأرض، حيث يتجمّع الحصى، و من هنا قيل لها جمرة، أي «مجتمع الحصى»، و للوصول إلى هذه الحقيقة نمضي أوّلا إلى عبارات فقهاء أهل السنّة و الشيعة، ثمّ إلى كلام اللغويّين، لنبحث بعدئذ في روايات هذا الباب.

عبارات فريق من فقهاء أهل السنّة في معنى الجمرة

أشرنا من قبل إلى أنّ كثيرا من الفقهاء، قد التزموا الصمت إزاء معنى الجمرة؛ لكن فريقا منهم لهم تعابير تدلّ على أنّ الجمرة هي الأرض المحيطة بالأعمدة، و نورد هنا أقوالا من أربعة عشر كتابا (سبعة كتب لفقهاء أهل السنّة، و سبعة كتب لفقهاء الشيعة) تشير إلى أنّ الجمرة في تلك العصور هي قطعة الأرض التي ترمى بالحصى، و تعابير بعض فقهاء أهل السنّة شاهدة على أنّه ما

كان في عصرهم وجود لعمود و أنّ الجمرة هي قطعة الأرض التي تقذف بالحصى.

1- يقول الشافعي أحد أئمّة أهل السنّة الأربعة:

«فإن رمى بحصاة فأصابت إنسانا أو محملا، ثمّ استنت حتّى أصابت موضع الحصى من الجمرة أجزأت عنه» (1).

و هنا نرى بجلاء أنّه يتحدّث عن مسألة تدحرج الحصاة على الأرض و إصابتها موضع الحصى، و يرى ذلك مجزيا، و في هذا دلالة على عدم وجود عمود.

2- و في هذا السياق يقول أحد أئمّة أهل السنّة المعروفين:

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 9

«و إن وقعت في موضع حصى الجمرة، و إن لم تبلغ الرأس أجزا» (2).

و من البيّن أنّ المراد ب «الرأس»: رأس الحصى، أي أعلاه.

3- يقول محي الدّين النّووي من فقهاء العامّة في كتاب «روضة الطالبين»:

«و لا يشترط كون الرامي خارج الجمرة، فلو وقف في الطرف و رمى إلى الطرف الآخر جاز» (3).

و هذا التعبير يدلّ بوضوح على أنّ الجمرة هي الدائرة التي يرمى فيها الحصى، و لا يرى من اللّازم أن يقف المرء خارج هذه الدائرة، بل يجزيه أن يقف في طرف من الدائرة و يرمي الحصاة إلى الطرف الآخر.

4- و يقول النّووي أيضا في كتابه الآخر «المجموع»:

«و المراد (من الجمرة) مجتمع الحصى في موضعه المعروف، و هو الذي كان في زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ... و لو نحّي من موضعه الشرعي، و رمى إلى «نفس الأرض» أجزأ؛ لأنّه رمى في موضع الرمي. هذا الذي ذكرته هو المشهور، و هو الثواب» (4).

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 10

إنّ هذه العبارات تصرّح تصريحا جليّا أنّ الجمرة هي هذه القطعة من الأرض، حتّى أنّها تدّعي الشهرة و تقول: إنّها هي التي كانت على

عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

5- يقول شهاب الدّين أحمد بن إدريس، و هو فقيه آخر من فقهاء العامّة:

«فإن رمى بحصاة ... وقعت دون الجمرة و تدحرجت إليها، أجزا» (5).

6- جاء في كتاب «عمدة القاري في شرح صحيح البخاري»:

«و الجمرة اسم لمجتمع الحصى، سمّيت بذلك لاجتماع الناس بها» (6).

و في هذا الكلام تصريح كذلك بأنّ الجمرة هي موضع تجمّع الحصى.

7- و ورد في كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة»:

«الحنابلة قالوا: و لو رمى حصاة، و وقعت خارج المرمى، ثمّ تدحرجت حتّى سقطت فيه أجزأته، و كذا إن رماها فوقعت على ثوب إنسان فسقطت في المرمى» (7).

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 11

عبارات فريق من فقهاء الشيعة في معنى الجمرة

1- يقول السيّد أبو المكارم بن زهرة في كتاب «الغنية»:

«و إذا رمى حصاة، فوقعت في محمل، أو على ظهر بعير، ثمّ سقطت على الأرض أجزأت ... كلّ ذلك بدليل الإجماع المشار إليه» (8).

2- يقول العلّامة الحلّي في كتاب «منتهى المطلب»:

«إذا رمى بحصاة فوقع على الأرض، ثمّ مرّت على سننها (9)، أو أصابت شيئا صلبا كالمحمل و شبهه، ثمّ وقعت في المرمى بعد ذلك أجزأه؛ لأنّ وقوعها في المرمى بفعله و رميه» (10).

يومئ هذا التعبير إلى أنّ موضع الرمي كان منخفضا قليلا، فإذا ما وقعت قربه حصاة و تدحرجت حتى سقطت فيه كان مجزيا.

و هذا دليل على أنّه لم يكن في هذا الموضع عمود بعنوان «مرمى».

3- جاء في كتاب فقه الرضا:

«فإن رميت و وقعت في محمل، و انحدرت منه إلى الأرض أجزأ عنك». و في ذيله عن بعض النسخ: «و إن أصابت إنسانا أو جملا، ثمّ وقعت على الأرض أجزأه» (11).

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 12

و سواء أ كان فقه الرضا مجموعة

روايات أم كتابا فقهيّا لأحد القدماء، (و الواقع أنّ قرائن كثيرة في فقه الرضا تشير إلى أنّ هذا الكتاب كتاب فقهيّ لأحد كبار قدمائنا) فإنّ العبارة السابقة شاهد حيّ على مدّعانا أنّ الجمرات لم تكن أعمدة، بل كانت ذلك الجزء من الأرض.

4- يقول العلّامة في «التذكرة»:

«و لو رمى بحصاة، فوقعت على الأرض، ثمّ مرّت على سننها أو أصابت شيئا صلبا كالمحمل و شبهه، ثمّ وقعت في المرمى بعد ذلك أجزأه؛ لأنّ وقوعها في المرمى بفعله و رميه ... و أمّا لو وقعت الحصاة على ثوب إنسان فنفضها، فوقعت في المرمى، فإنّه لا يجزئه» (12).

لقد وردت في هذه العبارات تعبيرات مختلفة، بعضها صريح (مثل: وقعت على الأرض) و بعضها ظاهرة في المدّعى (مثل: وقعت في المرمى)، و هي تدلّ على أنّ المرمى هو الموضع من الأرض.

5- يقول الشيخ الجليل الطوسي في كتابه القيّم «المبسوط»:

«فإن وقعت على مكان أعلى من الجمرة و تدحرجت إليها

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 13

أجزأه» (13).

6- يقول يحيى بن سعيد الحلّي في كتاب «الجامع للشرائع»:

«و اجعل الجمار على يمينك، و لا تقف على الجمرة» (14).

إذا كانت الجمرة العمود الخاصّ، فلا معنى للوقوف عليه؛ ذلك أنّ أحدا لا يقف على العمود. و هذا يدلّ على أنّ الجمرة هي الموضع من الأرض، الذي يتجمّع فيه الحصى، و الذي يوقف خارجه للرمي لا عليه.

7- و صاحب الجواهر ممّن عنوا بمعنى الجمرة، فأورد احتمالات عديدة. و يدلّ كلامه في آخر البحث على إجزاء رمي الحصى في موضع الجمرات، يقول:

«ثمّ المراد من الجمرة البناء المخصوص، أو موضعه إن لم يكن، كما في كشف اللثام، و سمّي بذلك لرميه بالحجارة الصغار المسمّاة بالجمار، أو من الجمرة بمعنى اجتماع

القبيلة لاجتماع الحصاة عندها ...

و في الدروس: أنّها اسم لموضع الرمي، و هو البناء أو موضعه ممّا بجتمع من الحصى. و قيل: هي مجتمع الحصى لا السائل منه. و صرّح عليّ بن بابويه بأنّه الأرض، و لا يخفى عليك ما فيه من الإجمال.

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 14

و في المدارك- بعد حكاية ذلك عنه- قال: «و ينبغي القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده؛ لأنّه المعروف الآن من لفظ الجمرة، و لعدم تيقّن الخروج من العهدة بدونه، أمّا مع زواله فالظاهر الاكتفاء بإصابة موضعه». و إليه يرجع ما سمعته من الدروس و كشف اللثام، إلّا أنّه لا تقييد في الأوّل بالزوال، و لعلّه الوجه لاستبعاد توقّف الصدق عليه» (15).

من كلام صاحب الجواهر هذا، يمكن استخلاص نقطتين:

الأولى: أنّه نفسه يميل إلى إجزاء كلّ من إصابة الأعمدة و الأرض. و هذا يتوافق و مقصودنا من كفاية رمي الحصى في النّقرة المحيطة بالعمود.

الثانية: يفهم ممّا أورده عن صاحب المدارك أنه يتمسّك لإصابة الحصى العمود بشيئين، أحدهما: أصل الاشتغال و الاحتياط، و الآخر أنّ المعروف من لفظ الجمرة في عصره هو العمود، و لكن كلا الدليلين غير مقنع، ذلك أنّ وجود الأعمدة في عصره، لا يعني وجودها في عصر المعصومين عليهم السّلام، و تقتضي قاعدة الاحتياط هنا إصابة العمود، و وقوع الحصاة في موضع اجتماع

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 15

الحصى، و بناء على هذا لا يجزئ أن يصيب كثير من الحصى العمود ثمّ ينزلق خارجا، و هذا يولّد مشكلة كبيرة أخرى للحجّاج في مراعاة أن يصيب الحجر الموضعين، إضافة إلى أنّ الرجوع إلى أصل الاحتياط إنّما يكون إذا لم يكن لدينا دليل على وجوب الرمي في مجتمع الحصى،

في حين لدينا على هذا دليل كاف؛ و لا دليل لدينا على أنّ المراد من رمي الجمرات هو الأعمدة، بل إنّ الشواهد تبيّن بوضوح أنّ الأعمدة لم يكن لها في العصور السابقة من وجود، و لم يكن إلّا هذا الموضع الذي تجتمع فيه الحصى.

إنّ هذه الفتاوى التي أوردنا نماذج متعدّدة منها إنّما تنادي بأعلى صوتها قائلة: إنّ الجمرة لم تكن على شكل عمود، بل كانت هذه النّقرة هي التي يرمى فيها الحصى.

و يلاحظ في كلام مشاهير فقهاء العامّة و الخاصّة وفرة تعابير مثل «على الجمرة» و «في الجمرة» و «في المرمى» ممّا بطول نقله. و في هذه التعابير ما يؤيّد تأييدا جليّا أنّ الجمرة لم تكن بمعنى العمود، كما صار في العصور المتأخّرة، بل إنّها هذه القطعة من الأرض التي يرمى فيها الحصى، ذلك أنّ تعبير «في الجمرة» أو «على الجمرة» إنّما يناسب قطعة الأرض هذه، لا الأعمدة (فلاحظ).

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 16

تذكرتان لازمتان

1- يبدو أنّ بناء العمود الحاضر لم يكن له وجود مطلقا في زمان قدماء الأصحاب؛ فإنّ عبارة «المبسوط» (16) تدلّ بوضوح على عدم وجوده. و ما لدينا من كلام يحيى بن سعيد الحلّي في «الجامع للشرائع» يشهد أيضا لهذا المعنى بجلاء، فإنّه يقول: «و لا تقف على الجمرة» (17).

و من المتيقّن أن لو كانت الجمرة عمودا، لكان الوقوف عليه أمرا مضحكا، بل إنّ المراد أن لا تقف على طرف النّفرة أو على مجتمع الحصى؛ ذلك أنّ بعض الفقهاء يرون أنّه يمكن الوقوف في طرف منها و رمي الطرف الآخر، لكنّ بعضهم يرون هذا غير جائز.

و يستفاد من كلام صاحب «المدارك» أيضا أنّه لم يكن يعتقد اعتقادا قطعيّا بوجود الأعمدة في

الأزمنة السابقة، فإنّه يقول:

«و ينبغي القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده، لأنّه المعروف الآن من لفظ الجمرة، و لعدم تيقّن الخروج من العهدة بدونه، أمّا مع زواله فالظاهر الاكتفاء بإصابة موضعه» (18)

و لعلّه أوّل من أفتى بهذه الفتوى.

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 17

و في كلام بعض فقهاء السنّة أو الزيديّة (أي المتأخّرين منهم) إشارة كذلك إلى وجود العمود في زمانهم. منهم الإمام أحمد المرتضى من فقهاء الزيدية في القرن التاسع، الذي أشارت عبارة له إلى وجود العمود في زمانه، لكنّ الطريف أنّه يصرّح بأنّ بعض الفقهاء قالوا: لا يجزئ رمي الأعمدة بالحجر، و يجب أن يصيب موضع الجمرة (مجتمع الحصى). و هذه عبارته:

«فإن قصد إصابة البناء فقيل لا يجزي؛ لأنّه لم يقصد المرمى.

و المرمى هو القرار لا البناء المنصوب» (19).

أجل، إنّنا كلّما بحثنا في كلام فقهاء الشيعة و السنّة تأكّد وصولنا إلى هذه النتيجة، و هي أنّ موضع الرمي هو قطعة الأرض، و إنّما بني العمود بعدئذ ليكون علامة.

2- من اللّازم الالتفات إلى هذه النقطة أيضا، و هي أنّ طائفة من متأخّري الفقهاء يعدّون رمي الموضع مجزيا، منهم الشهيد الأوّل في كتاب الدروس، حيث يقول:

«و الجمرة اسم لموضع الرمي، و هو البناء أو موضعه ممّا يستجمع من الحصى. و قيل: هي مجتمع الحصى لا السائل منه.

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 18

و صرّح عليّ بن بابويه بأنّه الأرض» (20).

و منهم الفاضل الاصفهاني في كشف اللثام حيث يقول في تفسير «الجمرة»:

«هي الميل المبنيّ، أو موضعه» (21).

و يقول الشهيد الثاني كذلك في شرح اللمعة لدى تعريفه الجمرة:

«و هي البناء المخصوص أو موضعه و ما حوله ممّا يجتمع من الحصى، كذا عرّفه المصنّف في الدروس، و قيل:

هي مجمع الحصى ...

و قيل: هي الأرض» (22).

و قد قرأنا في الأبحاث السابقة ما ورد في آخر كلام صاحب الجواهر أنّ هذا الفقيه الماهر كان يميل إلى إجزاء إصابة كلّ من الاثنين (الموضع و البناء) (23).

الجمرات في كتب اللغويّين

ذكرت النصوص اللغوية المعروفة المشهورة أربعة معان للجمرة:

1- الجمرة في الأصل بمعنى اجتماع القبيلة، و سمّيت الجمرات

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 19

بهذا؛ لأنّها موضع اجتماع الحصى.

2- الجمرة بمعنى الحصاة، و قيل للجمرات جمرات؛ لأنّها موضع الحصى.

3- الجمرة من «الجمار» بمعنى «سرعة الابتعاد»؛ لأنّ آدم عليه السّلام لمّا وجد إبليس في هذا الموضع رماه بحجر، فأسرع الشيطان بالابتعاد.

4- الجمرة بمعنى القطعة الملتهبة من النار (و ربّما هي إشارة إلى القطع الصغيرة التي تنقذف أحيانا من بين شعلة النار شبيهة بالحصيات).

و نضع الآن أمام القرّاء الأعزّاء طرفا من كلام اللغويّين:

أ- تقرأ في «المصباح المنير» للفيّومي المتوفّى سنة 770 ه:

«كلّ شي ء جمعته فقد جمّرته. و منه الجمرة، و هي مجتمع الحصى بمعنى؛ فكلّ كومة من الحصى جمرة، و الجمع جمرات».

ب- يقول الطريحي (المتوفّى سنة 1087 ه) في «مجمع البحرين»:

«الجمرات مجتمع الحصى بمنى؛ فكلّ كومة من الحصى جمرة،

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 20

و الجمع جمرات، و جمرات منى ثلاث».

ج- يقول ابن منظور (المتوفّى سنة 711 ه) في «لسان العرب»:

«و الجمرة اجتماع القبيلة الواحدة ... و من هذا قيل لمواضع الجمار التي ترمى بمنى: جمرات؛ لأنّ كلّ مجمع حصى منها جمرة، و هي ثلاث جمرات».

د- يقول ابن الأثير (المتوفّى سنة 606 ه) في «النهاية»:

«الجمار هي الأحجار الصغار، و منه سمّيت جمار الحجّ للحصى التي يرمي بها. و أمّا موضع الجمار بمنى فسمّي جمرة لأنّها ترمى بالجمار. و قيل: لأنّها مجمع الحصى التي

يرمى بها».

ه- يقول الزبيدي (المتوفّى سنة 1205 ه) في «تاج العروس في شرح القاموس»:

«و جمار المناسك و جمراتها: الحصيات التي يرمى بها في مكّة ...

و موضع الجمار بمنى سمّي جمرة لأنّها ترمى بالجمار، و قيل: لأنّها مجمع الحصى».

يستفاد من مجمل الكلام السابق، و من عبارات طائفة أخرى من اللغويّين أنّ الجمرات إنّما سمّيت الجمرات؛ لأنّها موضع اجتماع

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 21

الحصى، أو لاجتماع الجمار فيها. و لم يعتبروا الجمرة بمعنى العمود كما رأينا، بل بمعنى الأرض التي يجتمع فيها الحصى.

و هذه العبارات و الكلمات- إضافة إلى دلالتها على أنّ العمود لم يكن مبنيّا في عصور كثير منهم- تدلّ على أنّ مجتمع الحصى هو الوجه في تسمية الجمرات و في جذرها اللغويّ.

و من اللّازم هنا التذكير أنّ «الجمرات» يقينا ليست من الألفاظ التي لها حقيقة شرعية أو متشرّعة، و على هذا ينبغي الرجوع في فهم معناها إلى كتب اللغة، و أنّ إطلاقها على المواضع الثلاثة، إنّما هو من قبيل إطلاق الكلّي على الفرد، ثمّ صارت هذه الكلمة بالتدريج علما لهذه المواضع.

متى بنيت هذه الأعمدة؟

إنّه سؤال مهمّ قلّما أجيب عنه، و ربّما لم يكن العثور على جواب دقيق عنه. و لكنّ القرائن الكثيرة، التي تستفاد من كلمات فقهاء الشيعة و السنّة، و كذلك من كلام اللغويّين، تشير إلى أنّ هذه الأعمدة لم تكن موجودة في عصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السّلام و قدماء الأصحاب، ثمّ وجدت في العصور التالية، و يحتمل احتمالا

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 22

قويّا أنّ بناءها من أجل أن تكون علامة على هذا الموضع، ثمّ تصوّر بالتدريج أنّ الأعمدة هي التي ترمى، و راح هذا التصوّر يقوى

بمرور الزمان.

و قد جاء في كلمات كثير من الفقهاء- كما رأينا في البحوث المتقدّمة- أنّ الرمي يجب أن يكون للأرض، و في العصور المتأخّرة، قال بعضهم بالتخيير بين رمي العمود و رمي الأرض، حتّى وصل الأمر ببعضهم أن جعل رمي العمود هو المتعيّن!

شهادة الروايات

لقد وردت روايات رمي الجمرات في كتاب «وسائل الشيعة» على قسمين:

الأوّل: في أبواب «رمي جمرة العقبة»، إذ ذكرت في ضمن سبعة عشر بابا روايات وفيرة حول أحكام الجمرات، و لكن لا نجد في أيّ منها تفسيرا و توضيحا للجمرة، و هل هي العمود، أم مجتمع الحصى؟

ثمّ ذكرت من جديد أحاديث أخرى كثيرة بعد أبواب الذبح و التقصير، تحت عنوان «أبواب العود إلى منى و رمي الجمار ...»

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 23

تتحدّث في ضمن سبعة أبواب عن رمي الجمرات الثلاث بعنوان أعمال اليوم الحادي عشر و الثاني عشر من ذي الحجّة، و لا نجد في أيّ من هذه الروايات أيضا كلاما حول تفسير الجمرات.

و لكنّ الدراسة الدقيقة لمجموع هذه الأبواب الأربعة و العشرين قد بيّنت أنّ في روايات متعدّدة منها إشارات ذات دلالة على ما ذهبنا إليه من كون الجمرة هي موضع الحصى.

لاحظوا هذه الروايات السبع:

1- تقرأ في حديث معتبر عن معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:

«فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها، و إن أصابت إنسانا أو جملا ثمّ وقعت على الجمار أجزأك» (24).

و تعبير «على الجمار» يشير إلى أنّ الجمرة هي قطعة الأرض التي تقع فيها الحصيات، و لنتذكّر هنا أنّ كثيرا من أرباب اللغة قد فسّروا «الجمار» بصغار الأحجار.

منهم ابن الأثير في «النهاية» حيث يقول: «الجمار هي الأحجار الصغار».

رمي الجمرات في بحث جديد،

ص: 24

و يقول الفيّومي في «المصباح المنير»: «و الجمار هي الحجارة».

و يقول ابن منظور في «لسان العرب»: «الجمرات و الجمار الحصيات التي ترمى بها في مكّة».

و بناء على هذا، فإنّ وقوع الحجر على الجمار يعني وقوعه على الحصى، و هذا مجز طبق الروايات.

إضافة إلى هذا أنّ الحجر الذي يقع على بدن الإنسان، أو على جمل ليست له في رجوعه القوّة الكافية، لأن تجعله يصيب الأعمدة (على فرض وجودها)، و أكثر ما يمكن أنّه يقع على الحصى.

2- نقرأ في حديث البزنطي (أحمد بن محمّد بن أبي نصر) عن أبي الحسن (عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام):

«و اجعلهنّ على يمينك كلّهنّ، و لا ترم على الجمرة» (25).

و هذا الحديث يدلّ دلالة بيّنة على أنّ الجمرة هي موضع الحصى، ذلك أنّ بعضهم يقف على جانب منه و يرمي الجانب الآخر. و الإمام عليه السّلام ينهى عن هذا العمل، و إلّا فإنّ أحدا لا يقف على العمود عند رمي الجمرة.

و قد مرّ بنا هذا المعنى أيضا لدى ذكر كلام فقهاء العامّة في

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 25

البحث السابق، حيث يقول بعضهم: لا يجوز الوقوف على الجمرة.

3- نقرأ في حديث معتبر آخر، عن معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:

«خذ حصى الجمار ثمّ ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها، و لا ترمها من أعلاها» (26).

يدلّ هذا التعبير و تعابير الفقهاء على أنّ جمرة العقبة قطعة أرض أحد جانبيها أعلى من الآخر، و بعبارة أخرى أنّ أحد جانبيها واد، و جانبها الآخر تلّة. و قد أمر أن يرمى من جانب الوادي الذي هو في الواضع مستدبر لمكّة لا من جانب التلّة (لأنّه يستفاد

من روايات أخرى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد فعل ذلك).

و إذا كانت الجمرة بمعنى العمود فإنّ جملة «و لا ترمها من أعلاها» تكون بلا معنى؛ لأنّ أحدا لا يصعد إلى أعلى العمود للرمي.

4- جاء في كتاب فقه الرضا عليه السّلام:

«و إن رميت و دفعت في محمل و انحدرت منه إلى الأرض أجزأت عنك».

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 26

و في نسخة أخرى: «إن أصاب إنسانا ثمّ أو جملا ثمّ وقعت على الأرض أجزأه» (27).

و من الواضح جليّا أنّ المراد بهذه العبارة التدحرج و الوقوع في أرض موضع الرمي، و على هذا لا يبدو موجّها إشكال صاحب الجواهر حين قال: «و الحديث مبهم».

5- جاء في حديث آخر في فقه الرضا حول كيفيّة رمي الجمرة:

«و ترمي من قيل وجهها، و لا ترمها من أعلاها ...» (28).

إذا كانت الجمرة بمعنى العمود، فلا معنى لأن يصعد عليه أحد ثمّ يرميه، إنّما مفهومه- بقرينة قوله: «ترمي من قبل وجهها و لا ترمها من أعلاها»- هو أنّ هذه القطعة من الأرض كانت- كما قلنا- في منحدر، و يستحبّ أن ترمى من جانبها الأسفل، لا من جانبها الأعلى، كما نقل عن فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

سؤال: إذا قيل: ربّما كان المراد لا ترم أعلى العمود و ارم أسفله ...

فما ذا تقولون؟

نقول في الجواب:

أوّلا: إذا كان هو المراد، فإنّ العبارة ينبغي أن تكون: «و لا ترم أعلاها» و ليس «و لا ترم من أعلاها» (فلاحظ).

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 27

ثانيا: أنّ المقابلة بين «ترمي من قبل وجهها» و «و لا ترمها من أعلاها» دليل واضح على أنّ المراد تلك القطعة من الأرض، التي هي منخفضة من

جانب و مرتفعة من جانب آخر، أي: ارم من الجانب المنخفض (الوادي)، لا من الجانب المرتفع. و سواء أ كان فقه الرضا حديثا أم فتوى، فإنّه شاهد حسن على هذا المدّعى.

6- و في كتاب «دعائم الإسلام» حديث عن الإمام الصادق عليه السّلام شبيه بهذا المعنى، قال: و هذا التعبير يشير أيضا إلى أنّ الجمرة هي قطعة الأرض، التي أحد جانبيها أكثر ارتفاعا. و في هذه الرواية نهي عن الرمي من هذا الجانب، و إلّا فإنّ أحدا لا يقف على العمود.

7- في سنن البيهقي عن عبد اللّه بن يزيد أنّه قال: كنت مع عبد اللّه بن مسعود، فأتى جمرة العقبة فاستبطن الوادي فرماها من بطن الوادي، فقلت له:

«الناس يرمونها من فوقها»، فقال: هذا- و الذي لا إله غيره- مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة (29). يعني أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله رماها من أسفلها، و ما وقف في أعلى الجمرة.

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 28

و ثمة حديث ربّما يظنّ أنّه يشير إلى وجود عمود للجمرات:

«عن أبي غسّان حميد بن مسعود، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رمي الجمار على غير طهور، قال: الجمار عندنا مثل الصّفا و المروة: حيطان إن طفت بينهما على غير طهور لم يضرّك، و الطّهر أحبّ إليّ، فلا تدعه و أنت قادر عليه» (30).

فقد استفاد بعض الفقهاء المتأخّرين من أنّ الحيطان (جمع حائط بمعنى الجدار) تشير إلى وجود جدار هناك، و هذا الجدار من المحتمل أنّه أعمدة الجمرات.

و لكن هذا الاستدلال قابل للمناقشة من عدّة جهات، لأنّه:

أوّلا: سند الحديث ضعيف، فإنّ حميد بن مسعود من المجاهيل، و بناء على هذا، فإنّ هذا الحديث- و هو خبر واحد

ضعيف- لا يمكن أن يثبت شيئا، فيما كانت الروايات السابقة متظافرة، إضافة إلى أنّ بينها حديثا صحيحا و معتبرا أيضا.

ثانيا: إذا لم يكن هذا الحديث- من حيث الدلالة أيضا- لا يدلّ على خلاف مطلوبهم، فإنّه ليس على وفق مطلوبهم؛ لسببين:

1- إنّ «حيطان» جمع «حائط» بمعنى جدار، يحوط شيئا ما.

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 29

و هذه الكلمة مشتقّة من مادّة «حوط» و «إحاطة»، و من يقال للبستان المحاط بجدار: حائط.

يقول ابن منظور في «لسان العرب»: «و الحائط: الجدار، لأنّه يحوط ما فيه، و الجمع حيطان».

و اللافت أنّ المعنى الأصلي ل «حوط» حياطة الشي ء و حفظه، و يقال للجدران التي حول الشي ء حائط؛ لأنّه يحوطه و يحفظه.

و على هذا لا معنى لأن يسمّى عمود شبيه بعمود الجمرات الحالي حائطا. و إذا كان ثمّة حائط فهو جدار شبيه الجدار الحالي لنقرة الجمرات، الذي بني حول قطعة من الأرض مخصوصة، و ليس له من ارتباط بالعمود (فلاحظ).

2- إنّ النسبة بالصفا و المروة يعطي هنا معنى خاصّا، و ذلك أنّ الصفا و المروة جبلان أحدهما أعلى قليلا من الآخر، و ليس حولهما حيطان. و لو كان ثمّة حائط، فما وجه ارتباطه بمسألة الوضوء حتّى قال: إنّهما (الصفا و المروة و الجمرات) حيطان فلا حاجة إلى طهور؟

تصوّرنا أنّ المراد من الحديث الآنف الذكر أنّ الصفا و المروة ساحة عاديّة مثل الجمرات، ليس لها حكم الكعبة و المسجد الحرام حيث يجب الوضوء للطواف، و يستحبّ لدخول المسجد.

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 30

و بناء على هذا لا دلالة في الحديث المذكور على وجود عمود في الجمرات، إذا لم يدلّ على خلاف ذلك. إضافة إلى هذا، فإنّ هذا الحديث- كما قلنا سابقا- حديث

ضعيف لا يثبت شيئا.

نتيجة البحث الروائي

على الرغم من أنّ كلّ الروايات، التي ذكرناها فيما سبق، لم يرد فيها كلام من ماهيّة «الجمرة»، لكن يمكن حصول الاطمئنان- من خلال تعابيرها- إلى أنّه لم يكن في هذه القطعة من الأرض المحدّدة في منى خلال عصر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، غير موضع اجتماع الحصى، و استمرّ الوضع أيضا على هذه الحال في زمان الفقهاء القدامى من الفريقين.

و بعبارة أخرى: لم يكن في منى عمود بعنوان الجمرة ترمى بالحجر، بل إنّ الحجيج كانوا يرمون هذا الموضع المبنيّ الآن حول الجمرات بشكل حوض صغير بالحجر.

ملاحظة

يستفاد من التواريخ المعروفة، مثل تاريخ «مروج الذهب للمسعودي» و «الكامل لابن الأثير» أنّهم كانوا في الجاهلية

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 31

يرجمون قبر بعض الأفراد المنبوذين الخونة.

يقول المسعودي في مروج الذهب: عند ما سار أبرهة بأصحاب الفيل إلى مكّة لإخراب الكعبة ... فعدل إلى الطائف، فبعثت معه ثقيف بأبي رغال؛ ليدلّه على الطريق السهل إلى مكّة، فهلك أبو رغال في الطريق بموضع يقال له المغمّس بين الطائف و مكّة، فرجم قبره بعد ذلك، و العرب تتمثّل بذلك. و في ذلك يقول جرير ابن الخطفي في الفرزدق:

إذا مات الفرزدق فارجموه كما ترمون قبر أبي رغال

و يقول هذا المؤرّخ في رواية اخرى: و قيل: إنّ أبا رغال وجّهه صالح النبيّ على صدقات الأموال، فخالف أمره و أساء السيرة، فوثب عليه ثقيف- و هو قسّي بن منبه- فقتله قتلة شنيعة ... و في ذلك يقول مسكين الدارمي:

و ارجم قبره في كلّ عام كرجم الناس قبر أبي رغال (31)

و من المحتمل أنّهما اثنان، كان أحدهما في زمن أبرهة و الآخر في زمن النبيّ صالح عليه

السّلام.

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 32

و ينقل ابن الأثير في «الكامل» قصّة أبرهة و أبي رغال، فيقول بعد ذكر موته في «المغمّس»:

«فرجمت العرب قبره، فهو القبر الذي يرجم» (32).

و جاء في سفينة البحار (مادّة لهب) عند ذكر قصّة أبي لهب، لمّا مات أبو لهب بقي جسده ثلاثة أيّام حتّى أنتن في بيته، ثمّ دفنوه بأعلى مكّة (في طريق العمرة) و قذفوا عليه الحجارة حتّى واروه، و بعد انتشار الإسلام كان قبره يرمى بالحجر.

يستفاد من هذه العبارات أنّ العرب قبل الإسلام و بعده كانوا يرمون قبور المنبوذين، و لعلّه قد أخذ من رمي الجمرات. و لم يذكر في هذه التواريخ أنّهم قد اتّخذوا أعمدة لهذه القبور يرمونها، و لو كان للجمرات عمود في ذلك الزمان، لكان المناسب أن يكون تقليد العرب على هذه الصورة. و لا نريد أن نطرح هذا المطلب بعنوان دليل، بل أنّه يعدّ مؤيّدا و حسب.

النتيجة النهائية للبحث

من مجموع ما سبق يمكن استخلاص هذه النتيجة:

1- لا دليل، في نظر الفقه الإسلامي- شيعيّا و سنيّا- على لزوم إصابة الحصى الأعمدة، بل إنّ إجزاء رمي الأعمدة فيما لو لم تقع

رمي الجمرات في بحث جديد، ص: 33

الحصيات في الدائرة التي تحفّ بالأعمدة، محلّ تأمّل (فلاحظ).

و المسلّم إجزاء رمي الحصى في الدائرة المحيطة بالأعمدة.

2- بناء على ما تقدّم لا ينبغي للحجّاج المحترمين أن يشقّوا على أنفسهم متلقّين مخاطر شتّى في رمي الأعمدة، بل يمكن بسهولة و يسر رمي الحصيات السبع الصغار في الدائرة المحيطة بالعمود، ثمّ يغادرون المكان على الفور فاسحين المجال أمام الآخرين.

3- إذا أصابت الحصاة العمود و وقعت عند أسفله أجزأ، لكن لا لزوم لتحمّل هذه المشقّة.

4- متى كان الرمي من الطابق الأعلى و قذفت

الحصاة في الحوض الصغير الموجود في الطابق الأعلى أجزأ؛ لأنّ هذه الأحواض الصغيرة العليا قد بنيت بشكل قمع تنزل منه الحصيات إلى الأحواض السّفلى.

5- جدير بالباحثين الإسلاميّين أن يدرسوا هذه المسألة.

و متى اتّفق علماء الشيعة الأعلام و كبار أهل السنّة على هذه المسألة بعد البحث، فإنّه ستحلّ إن شاء اللّه إحدى مشكلات الحجّ الكبيرة التي تسبّب ازدحاما متزايدا، و تؤدّي في أحيان كثيرة إلى هلاك أو جرح عدد كبير من الحجّاج الأعزّاء، و في الوقت نفسه سيكون عملهم هذا موافقا لأعمال رسول اللّه و أئمّة الهدى عليهم السّلام.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.