دعوي السفارة في الغيبة الكبري

اشارة

سرشناسه : سند، محمد، - 1340

عنوان و نام پديدآور : دعوي السفاره في الغيبه الكبري/ تاليف محمد السند

وضعيت ويراست : [ويراست ؟]

مشخصات نشر : موسسه المحبين للطباعه و النشر، 1425ق. = 2004م. = 1383.

مشخصات ظاهري : ط، ص 214

شابك : 964-7103-62-x

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : چاپ قبلي: مكتبه الداوري، 1411ق. = 1369

يادداشت : عربي

يادداشت : چاپ ششم

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس

موضوع : محمدبن حسن(عج)، امام دوازدهم، 255ق. - -- نيابت

موضوع : محمدبن حسن(عج)، امام دوازدهم، 255ق. - -- رويت

رده بندي كنگره : BP224/4/س 9د7 1383

رده بندي ديويي : 297/462

شماره كتابشناسي ملي : م 83-35327

ص: 1

اشارة

دعوي السفاره في الغيبه الكبري

تاليف محمد السند

ص: 2

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدالله الذي يهدي من يشاء و يضل من يشاء و له الحجة البالغة و الصلاة و السلام علي مجمد خاتم انبيائه و سيد رسله الذي ارسله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون و علي آله الاوصياء الهداة و خاتمهم المهدي المنتظر الذي يملاء الارض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا.و بعد فقد قال جل و علي «أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون» يفتنون كما يفتن الذهب و يخلصون كما يخلص الذهب كما قال الكاظم عليه السلام و لابد للناس من أن يمحصوا ويميزوا و يغربلوا و سيفرج من الغربال خلق كثير كما جاء عن الصادق عليه السلام.و عن الباقر عليه السلام أنه قال: لتمحصن يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين و ان صاحب العين يدري متي يقع الكحل في عينه و لايعلم متي يخرج منها و كذلك يصبح الرجل علي شريعة من أمرنا و يمسي و قد خرج منها و يمسي علي شريعة من أمرنا و يصبح و قد خرج منها و في خبر آخر و الله لتمحصن حتي لايبقي

ص: 3

منكم الا الاقل (1) والا الاندر فالاندر و لايكون الذي تمدون اليه أعناقكم (و هو ظهور الحجة (عج)) حتي يشقي من شقي و يسعد من سعد.و ان من تلك الفتن العمياء هي توالي المدعين للنيابة الخاصة (الوساطة) والسفارة في الغيبة الكبري بأساليب و أشكال مختلفة و تسميات متعدرة يموهون بها علي مختلف أصناف الناس فتارة تحت غطاء التشرف و الفوز بلقاء الحجة و أخري النظاهر بالتقي و الورع و الوسول الي مقام اللبدال و الاوتاد و ثالثة الرويا في المنام و رابعة السحر و الشعبذة و اظهاره كمعجزة و كرامة و خامسة المكاتبة و... و...ومن ثم انتظم البحث في هذه الصفحات بعداد تلك الشبه تنبيها علي زيفها و ابانة لزيغها و الافانقطاع السفارة في الغيبة الكبري كالنار علي المنار و كالشمس في رابعة النهار حتي أن الشيخ أباالقاسم جعفر بن محمد بن قولويه (2) قال: «أن عندنا (أي الطائفة الامامية) أن كل من آدعي المر (أي السفارة) بعد السمري (آخر النواب الربعة في الغيبة الصغري) فهو كافر منمس (محتال) ضال مضل» (3) فلو لا التلبيس بالاقنعة المتلونة و الالتواء بالطرق المعوجة لما كانت حاجة للخوض في ذلك و منوال الكتاب كمايلي:فصل: في الفرق بين السحر و المعجزة و الكرامة.فصل: في كون انقطاع النائب الخاص للامام الحجة (عج) عقيدة من ضروريات الامامية الاثني عشرية، و فيه عشرة امور:

ص: 4


1- 1. الغيبة للنعماني باب التمحيص و الامتحان.
2- 2. صاحب كتاب كامل الزيارات واستاذ الشيخ المفيد في الفقه قال عنه النجاشي من ثقات أصحابنا و أجلائهم في الحديث و الفقه قرأ عليه شيخنا أبو عبدالله الفقه و منه حمل كل ما يوصف به الناس من جميل و فقه فهو فوقه.
3- 3. الغيبة للشيخ الطوسي ص 255.

الاول: معني النيابة.الثاني: كلمات علماء الطائفة رضوان الله تعالي عليهم.الثالث: النيابة العامة للفقهاء.الرابع: منابع الشريعة.الخامس: الرويا ليست مصدرا للتشريع.السادس: نبذة من أحوال النواب الاربعة (رض) في الغيبة الصغري.السابع: ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية لعنهم الله.الثامن: ثواب الثبات و المتسك بالدين في الغيبة الكبري و شدة المحنة.التاسع: تفسير الكتاب الوارد من الناحية المقدسة علي الشيخ المفيد و تشرف عدة من أساطين الفقه و العلم بلقاءه (عج).العاشر: من هم الابدال و الاوتاد؟فصل: في الفرق التي انحرفت عن الطائفة اللمامية و كيفية ذلك.فصل: في تاريخ البابية في ايران.الخاتمة و فيها ثلاث امور:الاول: في خروج الرجال.الثاني: ظهور الحجة عليه السلام و أصحابه.الثالث: في دام الجهل و مدح العلم.هذا ما وسع المجال لسطره و بالله التوفيق.

ص: 5

في الفرق بين السحر و المعجزة و الكرامة

لما كان طريق اثبات النبوة هي المعجزة التي هي من قبل الله تعالي و هي تفترق عن السحر كان من اللازم معرفة كل منهما بنحو عميق و دقيق كي لايلتبس الامر و يعلم المحق من المبطل و الصادق من الكاذب، سئل ابن اسكيت الرضا عليه السلام بعد مابين له علل و وجه معجزات الانبياء فما الحجة علي الخلق اليوم فقال عليه السلام العقل تعرف به الصادق علي الله فتصدقه و الكاذب علي الله فتكذبه فقال ابن السكيت: هذا و الله الجواب (1) و سئل ابابصير الصادق عليه السلام: الاي علة أعطي الله عزوجل انبياوه و رسله و أعطاكم المعجزة فقال: ليكون دليلا علي صدق من أتي به و المعجزة علامة لله لايعطيها الاانبياءه و رسله و حججه ليعرف به صدق الصادق من كذب الكاذب (2) .قال المحقق الطوسي (3) في التجريد «و طريق معرفة صرقه (النبي عليه السلام)

ص: 6


1- 4. البحار ج11 ص70 نقلاء عن علل الشرايع و عيون اخبار الرضا (ع) للصدوق.
2- 5. البحار ج11 ص70 نقلاء عن علل الشرايع و عيون اخبار الرضا (ع) للصدوق.
3- 6. المحقق الطوسي من أكابر علماء الامامية و له خدمات كبيرة للمذهب و قد برع في علوم كثيرة كالفلسفة و علم الكلام و الفلك و الهيئة و الهندسة و غيرها.

ظهور المعجزة علي يده و هم ثبوت ماليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع خرق العدة و مطابقه الدعوي»و قال العلامة الحلي (1) في شرحه للتجريد في ذبل العبارة «الثبوت و النفي سواء في الاعجاز فانه لافرق بين قلب العصاء حية و بين منع القادر عن رفع اضعف الاشياء و شرطنا خرق العادة لان فعل المعتاد و نفيه لايدل علي اصدب و قلنا مع مطابقة الدعوي لان من يدعي النبوة و يسند معجزته الي ابراء الاعمي فيحصل له الصمم مع عدم برء الاعمي لايكون صادق.و لابد في المعجزة من شروط احدها: ان يعجز عن مثله أو عما يقاربه الامة المبعوث ليها. الثاني: ان يكون من قبل الله تعالي أو بامره. الثالث: ان يحدث عقيب دعوي المدعي للنبوة أو جاريا مجري ذلك و نعني بالجاري مجري ذلك أن يظهر دعوة النبي في زمانه... الخامس أن يكون خارق للعادة»و قال المحقق الطوسي في التجريد أيضا «المسئلة الخامسة في الكرامات: و قصة مريم و غيرها تعطي جواز ظهروها علي الصالحين» و قال العلامة الحلي في شرحه للعبارة «استدل المصنف (قده) بقصة مريم فانها تدل علي ظهور معجزات عليها و غيرها مثل قصة آصف و كالاخبار المتواترة المنقولة عن علي و غيره من الائمة عليهم السلام»و قال المحقق الطوسي بعد ذلك «ولايلزم خروجه عن الاعجاز و لا النفور و لا عدم التميز و لا ابطال دلالته و لا العمومية»و قال العلامة في شرحه «أن المعجزة مع الدعوي مختص بالنبي عليه السلام

ص: 7


1- 7. العلامة الحلي هو الشيخ جمال الدين ابومنصور الحسن بن يوسف بن المطهر شيخ الطائفة و علامة و قته و صاحب التحقيق و التدقيق كثير التصانيف انتهت رئاسة الامامية اليه في المعقول و المنقول.

فاذاظهرت المعجزة علي شخص قاما ان يدعي النبوة أولا فان ادعاها علمنا صدقه اذ اظهار المعجزة علي يد الكاذب قبيح عقلا و ان ام يدع النبوة لم يحكم بنوته فالحاصل أن المعجزة لاتدل علي النلوة ابتداء به تدل علي صدق الدعوي فان تضمنت الدعوي النبوة دلت المعجزة علي تصديق المدعي في دعواه و لايلزم اظهار المعجزة علي كل صادق اذ نحن انما نجوز اظهارها علي مدعي النبوة أو الصالح اكراما لهما و تعظيما و ذلك لايحصل لكل مخبر بصدق و ان امتياز النبي عليه السلام يحصل بالمعجزة و اقتران دعوي النبوة و هذا شي ء يختص به دون غيره و لا يلزم مشاركة غيره له في المعجز مشاركته له في كل شي ء و كما لايلزم الاهانة انحطاط مرتبة الاعجاز مع ظهور المعجز علي جماعة من الانبياء كذا لايلزم الاهانة مع ظهوره علي الصالحين»و قال المحقق القمي (1) (قده) في رسالة اصول الدين «الامام يعرف بالمعجزة فكل من ادعي الامامة و أني بالمعجزة فانما تدل علي صدقه مثل مامضي في بعث النبوة»و قال العلامة الحلي في كتاب انوار الملكوت ماحاصله «المعجز أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي و التقييد بخارق للعادة ليتميز المعجز عن غيره و هذا القيد يكنفي به عن التقييد بعدم المعارضة ليتميز به عن السحر و الشعبذة اذ السحر و الشعبذة ليس بخارق للعادة و ان كانت خفية علي اكثر الناس. و قيدنا الخارق للعادة بالافتران بالتعدي ليتميز المعجز عن الكرامات»و قال الحكيم المتبحر محمد مهدي التراقي (2) في كتابه انيس الموحدين «كل

ص: 8


1- 8. المحقق الميرزا القمي من كبار فقهاء الشيعة له كتاب قوانين الاصول و جامع الشئات و الغنائم و غيرها.
2- 9. هو العلامة الجامع للفنون و العلوم العقلية و النقلية ذو الفضائل الاخلاقية و الملكات النورانية. [

من ادعي النبوة أو الامامة و اقترنت دعوته بالمعجزة فهو نبي أو امام و كل من لم يدعي شيئا من النبوة و الامامة و صدر منه أمر خارق فهو صاحب كرامة» ثم قال «و الفرق بين المعجزة و السحر و الشعبذة هو أن السحر و الشعبذة من الامور العادية ولكن أسبابهما تخفي علي اكثر الناس و هذا بخلاف المعجزة فهي ليست من الامور العادية و لا يوجد لها سبب مطلقا».و توضيح الكلام في هذا المقام أن الامور العادية التي جرت عادة الله تعالي علي وقوعها علي قسمين:الاول: ماسببه ظاهر و هو يحصل امامن اسباب ارضية مثا تأثير بعص الاغذية و الادوية و صيرورة النطقة انسانا و نحو ذلك من الاسباب الارضية التي تنفق و اما تحصل من اسباب سماوية مثل الحرارة الحاصلة من الشمس و اما تحصل من تركيب الاسباب مثل تأثير الدواء المتناول في جوهوائي خاص و مثل تأثير الدعاء المكتوب في وقت خاص و هذه كلها من اللمور التي جرت عادة الله تعالي علي وقوعها بأسباب متوفرة و متهيئة لاكثز الناس.الثاني من الامور العادية: هي التي تحصل ايضا امامن اسباب ارضية أو سماوية أو كليهما ولكن أسبابها مخفية علي اكثر الناس مثل السحر و الشعبذة و الطلسمات و علم الح0يل النير نجات و حيث أن لها اسباب فالتعلم و التعليم حاصل فيها أي أن كل من يعلم تلك العلوم يمكن له أن يعلمها غيره بخلاف المعجزة التي ليس لها سبب مطلقا لانه من المعلوم ان شق القمر مثلا لم يقع بسبب و حيلة ما بل هو عطية الهية يعطيها الله تبارك و تعلي لمن يشاء و من ذلك لايستطيع صاحب المعجزة أن يعلمها غيره حيث انه ليس لها علة غير ارادة الله تعالي فالتعليم في المعجزة لا مجال له.اذا اتضح ان المعجزة خارقة للعادة.

ص: 9

و أما السحر و الكهانة (1) و الشعبذة فليست بخارقة للعادة بل هي امور عادية اسبابها تخفي علي اكثر الناس.و الفرق بين المعجزة و السحر و الشعبذة علي من له غرفة من المعارف و العلوم في نهاية السهولة حيث انه يتمكن من العلم بأن الامر له سبب أم لا، و أرباب السحر أسرع معرفه لذلك من بقية المتعلمين و لذلك أول من آمن بانبي موسي عليه السلام هم السحرة. ولكن هذا الفرق يشكل علي العوام (عامة الناس) الاهتداء اليه فعليهم بمتابعة العلماء كي يشرق نور الحقيقة في قلوبهم.نعم هنالك فرق آخر بين صاحب المعجزة و الساحر يمكن لعامة الناس معرفته و هو أن صاحب المعجزة مهما طلب منه (2) أمر خارق للعادة للاحتجاج به فانه قادر علي اظهاره مثلما طلب جماعة من المعاندين من نبينا صلي الله عليه و آله و سلم كثيرا من الامور الخارقة للعادة فاظهرها لهم و كذلك بقية الانبياء عليهم السلام و هذا بخلاف الساحر فان عمله منحصر في فعل خاص الذي تعلمه و اذا طلب منه أمر خارق للعادة آخر فانه يعجز عن ذلك و من ذلك لم يري يسمع أن ساحرا كان يأتي بكل ما يطلب منه»أقول فتحصل مما تقدم من كلمات الاعلام أن المعجزة أمر خارق للعادة يأتي بها من يدعي النبوة أو الامامة اثباتا لصدقه و آن معجزات الانبياء تتحدي البشرية علي مر العصور الي يوم القيامة بأن يأتوا بمثلها فاخراج النبي صالح عليه السلام للناقة من الجبل بانشقاقه تعجز البشرية مهما تطورت علومهم عن ذلك و كذلك قلب العصاحية تسعي تلتقم سحر و افك كل ساحر من النبي موسي عليه السلام و كذلك احياء

ص: 10


1- 10. الكهانة الاخبار عن المستقبل بتوسط الجن بعد انصياعهم للكاهن بسبب نمط من اللعمال و هي قريبة من السحر.
2- 11. هذا اذا لم يكن الطلب بداعي العناد و اللجاج بل لاستكشاف حقيقة الحال.

الموتي و ابراء الاعمي و الاكمه و الابرص من النبي عيسي عليه السلام و كذلك شق القمر و القرآن الخالد لنبينا الاعظم صلي الله عليه و آله و سلم.اذا لابد من ادعاء و امر خارق للعادة كي يتحقق معني المعجزة و من هنا ينضح أن كرامات أولياء الله الصالحين لاتسمي معجزة لانهم لايدعون لانفسهم شيئا ولو ادعوا ماليس لهم لما أعطاهم الله تلك الكرامات و هذه السنة من الله تعالي حكمة بالغة كي لاتبطل حججه علي عباده و يتم الحتجاج عليهم ببعث الرسل و باقامة الاوصياء خلفاء الرسل.قال العلامة الطباطبائي (1) في تفسيره (الميزان) (عند الكلام حول قدرة الانبياء و الاولياء) «الناس في جهل بمقام ربهم و غفلة عن معني احاطنته وهيمنته فهم مع ماتهديهم الفطرة الانسانية الي وجوده و أحديته يسوقهم الابتلاء بعالم المادة و الطبيعة و التوغل في الاحكام و القوانين الطبيعية ثم السنن و النواميس الاجتماعية و الانس بالكثرة و البيتونة الي قياس العالم الربوبي بما ألفوا من عالم المادة فالله سبحان عندهم مع خلقه كجبار من جبابرة اليشر مع عبيده و رعيته... لكن البراهين اليقينية تقتضي بفساد ذلك كله فانها تحكم بسريان الفقر و الحاجة الي الموجودات الممكنة في ذواتها و آثار ذواتها و اذا كانت الحاجة اليه تعالي في مقام الذات استحال الاستقلال عنه و الانعزال منه معلي الاطلاق اذ لو فرض استقلال لشي ء منه تعالي في وجوده أو شي ء من آثار وجوده - بأي وجه فرض في حدوث أو بقاء استغني عنه من تلك الجهة و هو محال.فكل ممكن غير مستقل في شي ء من ذاته و الله سبحانه هو الذي

ص: 11


1- 12. هو العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي من بيت العلم و العضل له تاريخ طويل في خدمة الشريعة حيث أن أربعة عشر من اجداده كانوا من العلماء المبرزين، كان واحد هذا العصر في العلوم العقيلة و التفسير.

يستقل في ذاته و هو الغني الذي لايفتقر في شي ء و لايفقد شيئا من الوجود و كمال الوجود كالحياة و القدرة و العلم فلاحد له يتحدد به....و علي ماتقدم كل ماللممكن من الوجود و الحياة و القدرة و العلم متعلق الوجود به تعالي غير مستقل منه بوجه و الاستقلال يبطل الحاجة الامكانية و لافرق فيه بين الكثير و القليل كما عرفت هذا من جهة العقل.و أما من جهة النقل فالكتاب الالهي و ان كان ناطفا باختصاص بعض الصفات و الافعال به تعالي كالعلم بالمغيبات و الاحياء و الامانة و الخلق كما في كثير من الايات ولكنها جميعها مفسرة بآيات اخر كقوله (عالم الغيب فلايظهر علي غيبه أحدا الا من ارتضي من رسول) «قل يتوفاكم ملك الموت» «و اذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني» و انضمام الايات الي الايات لايدع شكا في ان المراد بالايات النافية اختصاص هذه الامور به تعالي بنحو الاصالة و الاستقلال و المراد بالايات المثبتة امكان تحققها في غيره تعالي بنحو التبعية و عدم الاستقلال.فمن اثبت شيئا من العلم المكنون أو القدرة الغيبة أعني العلم من غير طريق الفكر و القدرة من غير مجراها العادي الطبيعي لغيره تعالي من انبيائه و اوليائه كما وقع كثيرا في الاخبار و الاثار و نفي معه الصالة و الاستقلال بأن يكون العلم و القدرة مثلا له تعالي و انما ظهر ما ظهر منه بالتوسيط و وقع ماوقع منه بافاضته وجوده فلاحجر عليه و من اثبت شيئا من ذلك علي نحو الاصالة و الاستقلال طبق مايثبته الفهم العامي و ان اسنده الي الله سبحانه و فيض رحمته لم يخل من غلو و كان مشمولا لمثل قوله تعالي «لاتغلوا في دينكم و لانقولوا علي الله الا الحق».و قال رحمه الله عليه في نفسيره في ذيل قوله تعالي «و اتبعوا ماتتلوا الشياطين عليملك سليمان و ما كفر سليمان ولكنه الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر

ص: 12

و ما أنزل علي الملكين ببابل هاروت و ماروت و ما يعلمان من أحد حتي يقولا انما نحن فتنة فالنكفر» أن الاية بسياقها تتعرض لشأن آخر من شئون اليهود و هو تداول السحر بينهم و انهم كانوا يستندون في أصله الي قصة معروفة أو قصتين... أن اليهود كما يذكره عنهم القرآن أهل تحريف و تغيير في المعارف و الحقائق فلا يومنون و لا يومن من أمرهم أن يأتوا بالقصص التاريخية محرفة مغبرة علي ما هو دأبهم في المعرف يميلون كل حين الي مايناسبه من منافعهم في القول و الفعل.و فيما يلوح من الاية أن اليهود كانوا ينتناولون بينهم السحر ينسبونه الي سليمان زعما منهم ان سليمان عليه السلام انما ملك الملك و سخر الجن و الانس و الوحش و الطير و أتي بغرائب الامور و خوارقها بالسحر الذي هو بعض ما في أيديهم و ينسبون بعضه الاخر الي الملكين ببابل هاروت و ماروت.فرد عليهم القرآن بأن سليمان عليه السلام لم يكن يعمل بالسحر، كيف والسحر كفر بالله و تصرف في الكون علي خلاف ماوضع الله العادة عليه و أظهره علي خيال الموجوات الحية و حواسها؟ و لم يكفر سليمان عليه السلام و هو نبي معصوم و هو قوله تعالي «و ما كفر سليمان ولكنه الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر» و قوله تعالي «و لقد علموا لمن اشتراه ماله في الاخرة من خلاق»فسليمان عليه السلام أعلي كعبا و أقدس ساحة من أن ينسب اليه السحر و الكفر و قد استعظم الله قدره في مواضع من كلامه في عدة من السورة المكية النازلة قبل هذه السورة...وفيها أنه كان عبدا صالحا و نبيا مرسلا آتاه الله العلم و الحكمة و وهب له من الملك مالا ينبغي لاحد من بعده فلم يكن بساحر بل هو من القصص الخرافية و الاساطير التي وضعتها الشياطين و تلوها و قروها علي أوليائهم من الانس و كفروا باضلالهم الناس بتعليم السحر ورد عليهم القرآن في الملكين ببابل هاروت و ماروت

ص: 13

بأنه و ان نزل عليهما ذلك و لاضير في ذلك لانه فتنة و امتحان الهي كما ألهم قلوب بني آدم وجوه الشر و الفساد فتنة و امتحانا و هو من القدر، فهما و ان أنزل عليهما السحر الا انهما ما كان يعلمان من أحد الا و يقولان له انما نحن فتنة فلا تكفر باستعمال ماتتعلمه من السحر في غير موروده كابطال السحر و الكشف عن بغي أهله و هم مع ذلك يتعلمون منهما مايفسدون به إصلح ماوضعه الله في الطبيعة و العادة.....لان العقل لا يرتاب في ان السحر أشئم منابع الفساد في الاجتماع الانساني....و في تفسي العياشي و القمي في قوله تعالي: «واتبعوا ماتتلوا الشياطين علي ملك سليمان» عن الامام الباقر عليه السلام في حديث: فلما هلك سليمان وضع أبليس السحر و كتبه في كناب ثم طواه و كتب علي ظهره هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم من أراد كذا و كذا فليعمل كذا و كذا ثم دفنه تحت سريره ثم استتاره اهم فقرأه فقال الكافرون: ما كان يغلبنا سليمان الا بهذا و قال المؤمنون: بل هو عبدالله و نبيه، فقال الله جل ذكره «واتبعوا ماتتلوا الشياطين علي ملك سليمان».و اسناد الوضع و الكتابة و القراءة الي أبليس لاينافي استنادها الي سائر الشياطين من الجن و الانس لانتهاء الشر كله اليه و انتشاره منه لعنه الله، الي أوليائه بالوحي و الوسوسة و ذلك شائع في لسان الاخبار».ثم قال (قده) تحت عنوان بحث فلسفي و من المعلوم وقوع افعال خارقة للعادة الجارية للمشاهدة والنقل، فقلما يوجدمنا من لم يشاهد شيئا من خوارق الافعالي أولم ينقال اليه شي ء من ذلك - قليل أو كثير- الا أن البحث الدقيق في كثير منها يبين رجوعها الي الاسباب الطبيعية العادية، فكثير من هذه الافعال الخارقة يتقوي بها أصحابها بالاعتياد و التمرين كاكل السموم و حمل الاثقال و المشي علي حبل ممدود في الهواء الي غير ذلك، و كثير منهاتنكي علي أسباب طبيعية مخفية علي

ص: 14

الناس مجهولة لهم كمن يدخل النار و لايحترق بها من جهة طلاية الطلق ببدنه أو يكتب كتابا لاخط عليه و لايقرأه الاصاحبه و انما كتب بمايع لايظهر الا اذا عرض الكتاب علي النار الي غبر ذلك.و كثير منها يحصل بحركات سريعة تخفي علي الحس لسرعتها فلا يري الحس الا أنه وقع من غير سبب طبيعي كالخوارق التي يأتي بها أصحاب الشعبذة فهذه كلها مستندة الي اسباب عادية مخفية علي حسنا أو غير مقدورة لنا لكن بعض هذه الخوارق لايحلل الي الاسباب الطلبيعية الجارية علي العادة كالاخبار عن بعض المغيبات، و خاصة مايقع منها في المستقبل و كاعمال الحب و البغض و العقد و الحل و التنويم و التمريض و عقد النون و الاحضار و التحركات بالارادة مما و نقل الينا بعض آخر نقلا لايطعن فيه، و هو ذا يوجد اليوم من أصحابها بالهند و ايران و الغرب جماعة يشاهد منهم انواع من هذه الخوارق.و التأمل التام في طرق الرياضات المعيطية لهذه الخوارق و التجارب العملي في إعمالهم و اراداتهم يوجب القول بانها مستندة الي قوة الارادة و الايمان بالتأثير علي تشتت انواعها فالارادة تابعة للعلم و الاذهان السابق عليه فربما توجد علي اطلاقها و ربما توجد عند وجود شرائط خاصة ككتابة شي ء خاص بمداد خاص في مكان خاص في بعض أعمال الحب و البغض أو نصب المرآة حيال وجه الطفل الخاص عند احضار الروح أوقراءة عوذة خاصة الي غير ذلك فجميع ذلك شرائط لحصول الارادة الفاعلة.فالعلم اذاتم علما قاطعا اعطي للحواس مشاهدة ماقطع به ويمكنك أن تختبر صحة ذلك بأن تلقن نفسك أن شيئا كذا أو شخصا كذا حاضر عندك تشاهده بحاستك ثم تتخيله بحيث لاتشك فيه و لا تلتفت الي عدمه و لا الي شي ء غيره فانك تجده

ص: 15

امامك علي ماتريد وربما توجد في الاثار معالجة بعض الاطباء الامراض المهلكة بتلقين الطحة علي المريض. و اذا كان الامر علي هذا فلو قويت الارادة امكنها أن نوثر في غير الانسان المريد نظير ماتوجده في نفس الانسان المريد اما من غير شرط و قيد أو مع شي ء من الشرائط.و يتبين بما مر امور: احدها: ان الملاك في التأثير تحقق العلم الجازم من صاحب خرق العادة و أما مطابقة هذا العلم للخارج فغير لازم كما كان يعنقده أصحاب تسخير الكواكب من الارواح المتعلقة لالاجرام الفلكية و يمكنه أن يكون من هذا القبيل الملائكة و الشياطين الذين يستخرج اصحاب الدعوات و العزائم اسمائهم و يدعون بها علي طرق خاصة عندهم، و كذلك ما يعتقده أصحاب احضار الارواح من حضور الروح فلا دليل لهم علي ازيد من حضورها في خيالهم أو حواسهم دون الخارج و الالرآه كل من حضر عندهم و للكل حس طبيعي.و به تنحل شبهة أخري في احضار روح من هو حي في حال اليقظة مشغل بأمره من غير أن يشعر به والواحد من الانسان ليس له الاروح واحدة و به تنحل أيضا شبهة و هي ان الروح جوهر مجرد لانسبة له الي زمان و مكان دون زمان و مكان و به تنحل أيضا شبهة اخري ثالثة، و هي أن للروح الواحدة ربما تحضر عند احد بغير الصورة التي تحضر بها عند آخر و به تنحل شبهة رابعة و هي ان الارواح ربما تكذب عند الاحضار في اخبارها و ربما يكذب بعضها بعضا. فالجواب عن الجميع: أن الروح انما تحضر في مشاعر الشخص المحضر لافي الخارج منها علي حدما نحس بالاشياء المادية الطبيعية.ثانيها: أن صاحب هذه الارادة الموثرة ربما يعتمد في ارادته علي قوة نفسه و ثبات انيته كغالب أصحاب الرياضات في اراداتهم فتكون لامحالة محدودة القوة عقيدة الاثر عند المريد و في الخارج، و ربما يعتمد فيه علي ربه كالانبياء و الاولياء

ص: 16

من أصحاب العبودية لله و أرباب اليقين بالله فهم لايريدون شيئا الااربهم و بر بهم و هذه اراة طاهرة لا استقلال للنفس التي تطلع هذه الرادة منها بوجه و لم تتلون بشي ء من ألوان الميول الفسانية و لا اتكاء لها الاعلي الحق فهي ارادة ربانية غير محدودة و لا مقيدة و القسم الثاني ان أثرت في مقام التحدي كغالب ماينقل من الانبياء سميت آية معجزة و ان تحققت في غير مقام التحدي سميت كرامة أو استجابة دعوة آن كانت مع دعاء، و القسم الاوال ان كان بالاستخبار و الاستنصار من جن أو روح أو نحوه سمي كهانة و ان كان بدعوة أو عزيمة أو رقية أو نحو ذلك سمي سحرا.ثالثها: ان الامر حيث كان دائرا مدار الارادة في قوتها و هي علي مراتب من القوة و الضعف أمكن أن يبطل بعضها دثر البعض كنقابل السحر و المعجزة أو إن لايوثر بعض النفوس في بعض اذا كانت مختلفة في مراتب القوة و هو مشهود في أعمال التنويم و الاحضار».ثم قال (قده) تحت عنوان بحث علمي العلوم الباحثة عن غرائب الثأثير كثيرة و القول الكلي في تقسيمها و ضبطها عسيرة جدا، و أعرف ما هو متداول بين أهلها ما نذكره:منها: السيمياء و هو العلم الباحث عن تمزيج القوي الارادية مع القوي الخاصة المادية للحصول علي غرائب التصرف في الامور الطبيعية و منه التصرف في الخيال المسمي بسحر العيون و هذا الفن من أصدق مصاديق السحر و منها الليمياء و هو العلم الباحث عن كيفية التأثيرات الارادية باتصالها بالارواح القوية العالية كالارواح الموكلة بالكواكب و الحوادث و غير ذلك بتسخيرها أو باتصالها و استمدادها من الجن بتسخيرهم و هو فن التسخيرات.و منها الهيمياء و هو العلم الباحث عن تركيب قوي العالم العلوي مع العناصر السفلية للحصول علي عجائب التأثير و هو الطلسمات فان للكواكب العلوية

ص: 17

و الارضاع السماوية ارتباطات مع الحوادث المادية كما ان العناصر و المركبات و كيفياتها الطبيعية كذلك، فلور كبت الاشكال السماوية المناسبة لحادثة من الحوادث كموت فلان و حياة فلان و بقاء فلان مثلا مع الصورة المادية المناسبة أنتج ذلك الحصول علي المراد و هذا معني الطلسم.و منها الريمياء و هو العلم الباحث عن استخدام القوي المادية للحصول علي آثارها بحيث للحس انها آثار خارقة بنحو من الانحاء و هو الشعبذة و هذه الفنون الاربعة مع فن خامس يتلوها و هو الكيميا الباحث عن كيفية تبديل صور العناصر بعضها الي بعض كانت تسمي عندهم بالعلوم الخمسة الخقية.قال شيخنا البهائي: احسن الكتب المصنفة التي في هذه الفنون كتاب رأيته ببادة هرات اسمه (كله سر) و قد ركب اسمه من اوائل اسماء هذه العلوم الكيميا و الليمياء و الهيمياء و السيمياء و الريمياء انتهي ملخص كلامه و من الكتب المعتبره فيها خلاصة كتب بليناس و رسائل الخسروشاهي و الذخيرة الاسكندرية و السر المكنوم للرازي و التسخيرات للسكاكي و أعمل الكواكب السبعة المحكيم طمطم الهندي.و من العلوم الملحقة بمامر علم الاعداد و الاوفاق و هو الباحث عن ارتباطات الاعداد و الحروف للمطالب و وضع العدد أو الحروف المناسبة للمطلوب في جداول مثلثة أو مربعة أو غير ذلك علي ترتيب مخصوص.و منها الخالفية و هو تكسير حروف المطلوب أو مايناسب المطلوب من الاسماء و استخراج اسماء الملائكة أو الشياطين الموكلة بالمطلوب و الدعوة بالاعزائم المولفة منها للنيل علي المطلوب و من الكتب المعبترة فيها عندهم كتب الشيخ أبي العباس التوني و السيد حسين الاخلاطي و غيرهما.و من الفنون الملحقة بها الدائرة اليوم التنوبم المغناطيسي و احضار الارواح

ص: 18

و هما كمامر تأثير الارادة و التصرف في الخيال و قد ألف فيها كتب و رسائل كثيرة و اشتهار أمرها يغني عن الاشارة اليها ههنا و الغرض مما ذكرنا علي طوله ايضاح انطباق ماينطبق منها علي السحر أو الكهانة انتهي كلامه.أقول: و الغرض من هذا التطويل في النقل التنبيه علي مدي و كثرة العلوم الغربية الباحثة حول الافعال التي بظاهرها خارقة للعادة ولكنها في الحقيقة عادية لمن مارس و تعلم بكل العلوم أو تلك الرياضيات الباعثة علي تقوية الارادة و تأثيرها و أن لهذه الافعال أسباب عادية ولكنها خفية علي أكثر الناس فيتوهم الجاهل انها معاجز أو كرامات لصاحب تلك الافعال و الامور.و في هذا العصر قد خصصت الجامعات و المعاهد العلمية الحديثة كليات و تخصصات مرتبطة بهذه العلوم كالتنويم المغناطيسي و علم التسخير و احضار الارواح والتنبا و الاخبار بالمغيبات المستقبلية الارضية و نحو ذلك كثير من أراد الاطلاع قليراجع النشرات الدورية الصادرة من مختلف الجامعات الاكاديمية في البلدان المختلقة.و في الختام لهذا الفصل نتعرض لما قاله المحقق السيد الخويي (دام بقاه) في الاعجاز وفرقه مع السحر و الشعبذة و نحوها قال «و هو في الاصطلاح أن يأتي المدعي لمنصب من المناصب الالهية بما يخرق نواميس الطبيعة و يعجز عنه غيره شاهدا علي صدق دعواه».أقول: و لايخفي أن التعميم في التعريف لكل منصب الهي اتقن مما تقدم من التعريفات حيث لاينحصر اظهار الفعل الخارق بمدعي النبوة و الامامة بل يعم النواب و السفراء للامام المعصوم عليه السلام كمانص علي ذلك الشيخ المفيد (1) .

ص: 19


1- 13. هو فخر الشعة أبي عبدالله محمدبن محمدبن النعمان العكبري البغدادي المتوفي 413 ه ق و يعرف بابن المعلم أجل مشايخ الشيعة و رئيسهم و استادهم و كل من تأخر عنه استفاده منه و فضله أشهر من أن يوصف في الفقه و الكلام و الرواية أوثق أهل زمانه و أعلمهم انتهت اليه رئاسة الامامية في وقته.

في أوائل المقالات قال «القول في ظهرو المعجزات علي المنصوبين من الخاصة و السفراء.....أقول: ان ذلك جائز لايمنع منه عقل و سنة و لا كتاب» انتهي كلامه رفع مقامه و نص علي ذلك السيد المرتضي في كناب الذخيرة في فصل عقده لذلك بعد الفصول التي ذكرها في معجزات الانبياء و سيأتي ذكر بعض ماظهر علي أيديهم من الكرامات.و قال السيد (تتمة ماسبق) «و انما يكون المعجز شاهدا علي صدق ذلك المدعي اذا امكن أن يكون صادقافي في تلك الدعوي و أما اذا امبنع صدقه في دعواه بحكم العقل أو بحكم النقل الثابت عن نبي أم اما معلوم العصمة فلا يكون ذلك شاهدا علي الصدق و لايسمي معجزا في الاصطلاح و ان عجز البشر عن امثاله:مثال الاول: ما اذا ادعي أحد انه اله فان هذه الدعوي يستحيل أن تكون صادفة بحكم العقل للبراهين الصحيحة الدالة علي استحالة ذلك.و مثال الثاني: ما اذا ادعي أحد النبوة بعد نبي الاسلام، فان هذه الدعوي كاذب قطعا بحكم العقل المقطوع بثبوته الوارد عن نبي الاسلام و عن خلفائه المعصومين بأن نبوته خاتمة النبوات و اذا كانت الدعوي باطلة قطعا، فماذا يفيد الشاهد اذا أقامه المدعي؟ و لايجب علي الله جل شأنه أن يبطل ذلك بعد حكم العقل باستحالة دعواه أو شهادة النقل ببطلانها.أقول: تقبيد دعوي صاحب الامر أو الفعل الخارق للعادة بكون دعواه مما يحتمل صدقها عقلا و نقلا أي لايقوم دليل عقلي أو نقلي قطعيين علي كذبه قديوهم أن الامر الخارق للعادة ليس شاهدا قطعي علي الصدق و بالتالي لاتكون المعجزة

ص: 20

شاهدا علي الصدق، ولكن هذا الوهم فاسد فان المراد أن قيام الدليل العقلي أو النقلي القطعي كاشف عن عدم كون هذا الامر خارقا للعادة و من قبل الله عزوجل و دليل علي كون هذا الامر خارق للعادة صورة و ظاهرا واقعا أي انه مخفي سببه لا انه يعجز عنه البشر أجمع بل من يطلع علي سببه يتمكن من ذلك.و قال (تنمة ماسبق) «و ليست من الاعجاز المصطلح عليه مايظهره الساحر والمشعوذ أو العالم ببعض العفوم النظرية الدقيقة و ان أني بشي ء يعجز عنه غيره و لايجب علي الله ابطاله اذا علم استناده في علمه الي أمر طبيعي من سحر أو شعبذة أو نحو ذلك و ان ادعي ذلك الشخص منصبا الهيا وقد أتي بذلك الفعل شاهدا علي صدقه فان العلوم النظرية الدقيقة لها قواهد معلومة عند أهلها و تلك القواعد لابد من أن توصل الي نتائجها و ان احتاجت الي دقة في التطبيق و علي هذا القياس تخرج غرائب علم الطب المنوطة بطبائع الاشياء و ان كانت خفية علي عامة الناس بل و ان كانت خفية علي الاطباء أنفسهم و ليس من القبيح أن يختص الله أحدا من خلقه بمعرفة شي ء من تلك الاشياء و ان كانت دقيقة و بعيدة عن متناول أيدي عامة الناس ولكن القبيح أن يغري الجاهل بجهله و ان يجري المعجز علي يد الكاذب فيضل الناس عن طريق الهدي».أقول: فبعد وضوج الموارد التي لابد أن يبطلها الله تعالي و الموارد التي ليست كذلك فلا يتوقع ذو الذهن الساذج أن كل مورد يقصر ذهنه و لم يبطله الله تعالي فهو معجز بل عليه التحري بنفسه أو بتوسط ذوي الخبرة و الاطلاع كامر في كلام الحكيم النراقي (قده).و قال (تتمة) «تكليف عامةالبشر واجب علي الله سبحانه و هذا الحكم قطعي قد ثبت بالبراهين الصحيحة و الادلة العقلية الواضحة فانهم محتاجون الي التكليف في طريق تكاملهم و حصولهم علي السعادة الكبري و التجارة الرابحة فاذا لم

ص: 21

يكلفهم الله سبحانه فاما ان يكون ذلك لعدم علمه يحاجتهم الي التكليف و هذا جهل يتنزه عنه الحق تعالي و اما لان الله أراد حجيهم عن الوصول الي كمالاتهم و هذا بخل يستحيل علي الجواد المطلق، و اما لانه أراد تكليفهم فلم يمكنه ذلك و هو عجز يمتنع علي القادر المطلق و اذن فالبد من تكليف البشر و من الضروري أن التكليف يحتاج الي مبلع من نوع البشر يوقفهم علي خفي التكليف وجليه: «ليهلك من هلك عن بينة و يحبي من حي عن بينة»و من الضروري أيضا أن السفارة الالهية من المناصب العظيمة التي يكثرلها المدعون و يرغب في الحصول عليها الراغبون و نتيجة هذا ان يشتبه الصادق بالكاذب و يختلط المضل بالهادي.و اذن فلابد لمدعي السفارة ان يقيم شاهدا واضحا يدل علي صدقه في الدعوي و أمانته في التبليغ و لايكون هذا الشاهد من الافعال العادية التي يمكن غيره أن يأتي بنظيرها فينحضر الطريق بما يخرق نواميس الطبيعة.و انما يكون الاعجاز دليلا علي صدق المدعي لان المعجز فيه خرق للنواميس الطبيعية فلا يمكن ان يقع من أحد الا يعناية الله تعالي و اقدار منه فلو كان مدعي النبوة كاذبا في دعواه كان اقداره علي المعجز من قبل الله تعالي اغراءا بالجهل و اشارة بالباطل و ذلك محل علي الحكيم تعالي....... و قد أشا سبحانه الي هذا المعني في كتابه الكريم «ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين».

ص: 22

في كون انقطاع النائب الخاص للامام الحجة عقيدة من ضروريات مذهب الامامية الاثني عشرية

في معني النيابة

معني النيابة لغة ففي مجمع البحرين للطريحي «ناب فالن عني قام مقامي و ناب الوكيل عني في كذا ينوب نيابة فهو نائب» و مثله في تاج العروس.و من هنا عرف الفقهاء الوكالة بالنيالة أو الاستنابة و الغالب في استعمال النيابة هو فيما كان مورد النيابة محدود و مقيد أي أن النائب ينوب عن المنوب عنه في متعلق محدود معين و اما اذا كان المورد غير محدود وذو شوون عديدة فذلك نحو من اعطاء الولاية من المنوب عنه الي النائب فيقال ولاه أو نصبه و اليا عي كذا و اذا اتسعت الدائرة من ذلك فيقال استخلاف وقد جعل خليفة.

ص: 23

و علي أية حال في موارد النيابة و الوكالة المتعلق يكون محدود و معين.

في كلمات العلماء

اشاره

قال بعض الحكاأ لنه لايستدل علي الضروري و انماينبه عليه فما ظاهره استدلال انما هو تنبيه اذ بمجرد الننبه يحصل الالتفات الي ضرورته، و هكذا ما نحن فيه و هو انقطاع النائب الخاص للامام الحجة (عج) عند الامامية فما نسطره من كلمات العلماء الاعلام و وجوه الطائفة الاثني عشرية انما هو تنبيه علي التسالم و الضرورة عندهم.و ليعلم ان معني النائب الخاص هو استنابة الامام عليه السلام شخصا بخصوصه في شي ء معين كما في قول الامام الحسن العسكري عليه السلام العمري (عثمان بن سعيد) و ابنه (محمد) ثقتان فما أديا اليك عني فعني يوديان و ما قالالك فعني يقولان فاسمع لهما و أطعهما فانهما الثقتان المأمونان» و معني النائب العام و المرجع الديني هو استنابة الامام عليه السلام كل من توفرت فيه صفات معينة في امر معين كما في قول الصادق عليه السلام «من كان منكم ممن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فليرضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما» و هو تنصيب للفقهاء العارفين بالاحكام عن طريق روايات الائمة عليهم السلام أن يقضوا بين الناس.و كذلك قول الحجة المنتظر (عج) في رواية الطبرسي في كتابه الاحتجاج «فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا علي هواه مطيعا لامر مولاه فللعوام أن يقلدوه و ذلك لايكون الابعض فقهاء الشيعة لا كلهم فان من ركب من القبايح و الفواحش مراكب علماء العامة فلاتقلبوا منهم عنا شيئا و لا كرامة» و هو تنصيب للفقهاء العدول كمرجع ديني لبيان الاحكام الشرعية و تعلم الشيعة ذلك منهم و سيأتي تفصيل ذلك.و مجمله أن النيابة الخاصة في المقام هي استنابة الامام عليه السلام شخصا لايصال

ص: 24

اقواله و اوامره للشيعة و اخذ الحقوق الشرعية كالخمس و الزكاة و لذا اطاق لفظ السفير علي النواب الاربعة و هم عثمان بن سعيدالعمري و محمد ابنه و الحسين بن روح النوبختي و علي بن محمد السمري في الغيبة الصغري (329-260ه)، حيث أن الاربعة كان عملهم كالوسيط بين الامام (عج) و الشيعة و يقرب من هذا المعني استعمال لفظة الصفير في يومنا هذا علي ممثلي الدولة في البلدان المختلفة. و لذا يطلق علي هذا النحو من النيابة السفارة.و أما النيابة العامة فهي استنابة الامام عليه السلام كل من وجدت فيه صفات كمامر لمنصب القظاء و الافتاء و نحو ذلك مماسيأتي بالاخذ و الاستنباط من كتاب الله العزير و الروايات المأثورة عن الائمة المعصومين عليه السلام، أي لابالاخذ المباشر منه عليه السلام لوقوع الغيبه الكبري حتي يظهر و يخرج باذن الله تعالي و ذلك حين تقع علامات الظهور كالمصيحة من السماء و الخسف بالبيداء و خروج السفياني و قتل النفس الزكية بمكة.و لنذكر كلمات العلماء الذين هم امناء الائمة عليهم السلام علي الحلال و الحرام و الفرايض و السنن:

كلام الشيخ ابن قولويه و ابن ابي خلف الاشعري القمي

قال الشيخ أبا القاسم جعفر بن محمد بن قولويه -صاحب كتاب كامل الزيارات استاذ الشيح المفيد في الفقه و الذي قال النجاشي فيه كلما يوصف به الناس من جميل و فقه فهوفوقه- «ان عندنا (أي الطائفة الامامية الشيعية) أن كل من أدعي الامر (أي السفارة و الباب) بعد المسمري (آخر النواب الاربعة في الغيبة الصغري) فهو كافر منمس (محتال) ضال مضل. (1) .قال الشيخ سعد بن عبدالله بن أبي خلف الاشعري القمي «الذي قال عنه النجاشي يكني أبا القاسم جليل القدر واسع الاخبار شيخ هذه الطائفة و فقيهها

ص: 25


1- 14. كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص255.

و وجهها و الذي تلمذ عليه وروي عنه والد الصدوق (علي بن بابويه) و شيخ الصدوق محمد بن الحسن بن الوليد و محمد بن جعفر بن قولويه والد صاحب كامل الزيارات و غير هم من مشاهير الطائفة» في كتاب المقالات و الفرق (1) :فنحن متمسكون بامامة الحسن بن علي مقرون بوفاته موقنون مومنون بأن له خلفا من صلبه متدينون بذلك و أنه الامام من بعد أبيه الحسن بن علي و أنه في هذه الحالة مستتر خائف مغمور مأمور بذلك حتي يأذن الله عزوجل له فيظهر و يعلن أمر، كظهور من مضي من آبائه اذ الامرلله تبارك و تعالي يفعل مايشاء و يأمر بما يريد من ظهور و خفاء و نطق و صموت كما أمر رسوله صلي الله عليه و آله و سلم في حال نبوته بترك اظهار أمره و السكوت و الاخفاء من أعدائه و الاستتار و ترك اظهار النبوة التي هي أجل و أعظم و أشهر من الامامة فلم يزل كذلك سنين الي أن أمره باعلان ذلك و عند الوقت الذي قدره تبارك و تعالي فصدع بأمره و أظهر الدعوة لقومه.ثم بعد الاعلان بالرسالة و اقامة الدلائل المعجزة و البراهين الواضحة اللازمة بها الحجة و بعد.... قريش و سائر الخلق من عرب و عجم و ما لقي من الشدة و لقيه أصحاب من المومنين أمرهم بالهجرة الي الحبشة و أقام هو مع قومه حتي توفي أبوطالب فخاف علي نفسه و بقية أصحابه فأمره الله عند ذلك بالهجرة الي المدينة و أمره بالاختفاء في الغار و الاستتار من العدو فاستتر أياما خائفا مطلوبا حتي اذن الله و أمره بالخروج.و كيف بالغريب الوحيد الشديد الطريد المطلوب الموتور بأبيه وجده هنا مع القول المشهور من أميرالمومنين علي المنبر «ان الله اليخلي الارض من حجة له علي خلفه ظاهرا معروفا أو خافيا مغمورا لكي لايبطل حجته و بيناته» و بذلك جاعت الاخبار الصحيحة المشهورة عن الائمة.

ص: 26


1- 15. ص102.

و ليس علي العباد أن يبحثوا عن أمور الله و يقفوا أثر ما لا علم لهم به و يطلبوا اظهاره فستره الله عليهم و غيبه عنهم قال الله عزوجل لرسوله و لاتقف ما ليس لك به علم فليس يجوز لمومن و لا مومنة طلب ماستره الله و لا البحث عن اسمه و موضعه و لا السوال عن أمره و مكانه حتي يومروا بذلك اذ هو عليه السلام غائب خائف مغمور مستور بستر الله من متبع لامره عزوجل و لامر آبائه.بل البحث عن أمره و طلب مكانه و السوال عن حاله و أمره محرم لا يحل و لا يسع لان في طلب ذلك و اظهار ماستره الله عنا و كشفه و اعلان أمره و التنوبه باسمه معصية الله و العون علي سفك دمه عليه السلام و دماء شيعته و انتهاك حرمته أعاذ الله من ذلك كل مومن و مومنة برحمته و في ستر أمره و السكوت عن ذكره حقنها و صيانتها سلامة دينن و الانتهاء الي أمر الله و أمر ائمتنا وطاعتهم وفقنا الله و جميع المومنين لطاعته و مرضاته بمنه و رأفته.و لا يجوز لنا و لا لاحد من الخلق أن يختار اماما برأيه و معقوله و استدلاله و كيف يجوز هذا و قد حظره الله جل و تعالي علي رسله و أنبيائه و جميع خلقه فقال في كتابه اذا لم يجعل الاختيار اليهم في شي ء من ذلك و ما كان لمومن و لا لمومنة اذا قضي الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم و قال «و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة من أمرهم» و انما اختيار الحجج و الائمة الي الله عزوجل و اقامتهم اليه فهو يقيمهم و يختارهم و يخفيهم و اذا شاء يقيهم فيظهرهم و يعلن أمرهم اذا أراد و يستره اذا شاء فلايبديه لانه تبارك و تعالي أعلم بتدبيره في خلقه و أعرف بمصلحتهم و الامام أعلم بامور نفسه و زمانه و حوادث امور الله منا -الي أن قال - فهذه سبيل الامامة و هذا المنهاج الواضح و الغرض الواجب اللازم الذي لم يزل عليه الاجماع من الشيعة الامامية المهتدية رحمةالله عليها، و علي ذلك كان اجماعنا الي يوم مضي الحسن بن علي رضوان الله عليه».

ص: 27

و قال أبو محمد الحسن بن موسي النوبختي المتلكم الفيلسوف من أكار الطائفة و عظماء سلالة بنو النوبخت في كتابه فرق الشيعة (1) «فنحن مستسلمون بالماضي (العسكري) و امامته مقرون بوفاته معترفون بأن له خلفا قائما من صلبه و أن خلفه هو الامام من بعده حتي يظهر و يعلن أمره كما ظهر و يعلن أمره كما ظهر و علن أمر من مضي قلبه من آبائه -الي أن قال- و به جاعت الاخبار الصحيحة عن الائمة الماضين لانه ليس للعباد أن يبحثوا عن أمور الله و يقفوا بلاعلم و يطلبوا آثار ما سترعنهم..... و قد رويت أخبار كثيرة أن القائم تخفي عن الناس ولادته و يخمل ذكره و لايعرف الي أن قال فهذا سبيل الامامة و المنهاج الواضح اللاحب الذي لم نزل الشيعة الامامية الصحيحة التشيع عليه»..

كلام ابي محمد بن موسي النوبختي و الشيخ المفيد

و قال الشيخ المفيد في كتاب الارشاد في باب ذكر القائم و تاريخ مولده و دلائل امامته «و كان الخبر بغيبته ثابتا قبل وجوده و به دولته مستفيضا قبل غيبته و هو صاحب السيف من ائمةالهدي عليهم السلام و القائم بالحق المنتظر لدولة الايمان و له قبل قيامه غيبتان احداهما أطول من الاخري كما جاعت بذلك الاخبار.فأما القصري منهما منذ وقت مولده الي انقطاع السفارة بينه و بين شيعته و عدم السفراء بالوفاة.و أما الطولي فهي بعد الاولي و في آخرها يقوم بالسيف قال الله عزوجل (و نريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الارض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين و نمكن لهم في الارض و نري فرعون و هامان و جنودهما منهم ما كانوا يحذرون) و قال جل اسمه (و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون) و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لن تنقضي الايام و الليالي حتي يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطي ء اسمه اسمي يملاها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما وجورا».

ص: 28


1- 16. ص109.

و قال قدس سره في الرسائل الخمس التي ألفها في الغيبة في الرسالة الثانية «فان قال اذا كان الامام عندكم غائبا و مكانه مجهولا فكيف يصنع المسترشد و علي ماذا يعتمدون الممتحن فيما ينزل به من حادث لايعرف له حكما و الي من يرجع المتنازعون لاسيما و الامام انما نصب لما و صفنه قيل له هذا السوال مستأنف لانسبة له بما تقدم وصلة بينه و بينه و قد مضي السوال الاول في معني الخبر و فرض المعرفة.و جوابه علي انتظام و نحن نجب عن هذا المستأنف بموجز لا يخل بمعني التمام و بالله التوفيق فنقول انما الامام نصب لاشياء كثيرة أحدها الفضل بين المختلفين.الثاني بيان الحكم للمسترشدين و لم ينصب لهذين دون غيرهما من مصالح الدنيا و الدين غير أنه دنما يججب عليه القيام فيما نصب له مع التمكن من ذلك و الاختيار و ليس يجب عليه شي ء لا يستطيعه و لا يلزمه فعل الايثار مع الاضطرار و لم يوت الامام في التقية من قبل الله عزوجل و لا من جهة نفسه و اولياءه المومنين و انما أتي ذلك من قبل الظالمين الذين أباحوا دمه و نفوا نسبه و أنكروا حقه و حملوا الجمهور علي عداوته و مناصبة القائلين بأمامته و كانت البلية فيما تضيع من الاحكام و تنعطل من الحدود و يفوت من الصلاح متعلقة بالظالمين و امام الانام بري ء منها و جميع المومنين.و أما الممتحن بحادث يجتاج الي علم الحكم فيه لقد وجب عليه أن يرجع ذلك الي العلماء من شيعة الامام و ليعلم ذلك من جهتهم مما استودعوه من ائمة الهدي المتقدمين و ان عدم ذلك و العيارذ بالله و لم يكن فيه حكم منصوص علي حال فيعلم أنه علي حكم العقل لانه لو أراد الله أن يتعبد فيه بحكم سمعي لفعل ذلك و لوفعله لسهل السبيل اليه.و كذلك القول في المتنازعين يجب عليهم رد ما اختلفوا فيه الي الكتاب

ص: 29

و السنة عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من جهة خلفائه الراشدين من عترته الطاهرين و يستغنوا في معرفة ذلك بعلماء الشيعة و فقهائهم و ان كان و العياذ بالله لم يوجد فيما اختلفوا فيه شيئا فعليه رده بعينه ان كانت عينه قائمة فان لم تكن عينه قائمة كان عليه تعويضه بمثله و ان لويوجد له مثل كان له أن يرضي خصمه بما تزول معه ظلامته فان لم يستطع ذلك أو لم يفعله مختارا كان في ذمته الي يوم القيامة فان كان جان جني علي غيره جناية لايمكن تلافيها كانت في ذمته و كان المجني عليه ممتحنا بالصبر الي أن ينصفه الله تعالي يوم الحساب فان كان الحادث مما لا يعلم بالسمع اباحته من حظره فانه علي الاباحة الا أن يقوم دليل سمعي علي حظره.و هذا الذي و صفناه انما جاز للمكلف الاعتماد عليه و الرجوع اليه عند الضرورة بفقد الامام المرشد و لو كان الامام حاضرا ما وسعه غير الرد و العمل علي قوله و هذا قول خصومنا كافة ان علي الناس في نواز لهم بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم أن يجتهدوا فيها عند فقدهم النص عليها و لا يجوز لهم الاجتهاد و استعمال الرأي بحضرة النبي صلي الله عليه و آله و سلم فان قال فاذا كانت عبادتكم تتم بما وصفتموه مع غيبة الامام فقد استغنيتم عن الامام قيل له ليس الامر كماظننت في ذلك لان الحاجة الي الشي ء و قد تكون قائمة مع فقد مايسدها و لولا ذلك ما كان الفقير محتاجا الي المال مع فقده و لا المريض محتاجا الي الدواء و ان بعد وجوده و الجاهل محتاجا الي العلم و ان عدم الطريق اليه و المتحير محتاجا الي الدليل و ان لم يظفر به.و لو لزمنا ما ادعينموه و توهمتموه للزم جميع المسلمين أن يقولوا ان الناس كانوا في غيبة النبي صلي الله عليه و آله و سلم للهجرة و في الغار مستغنين عنه و كذلك حالهم في وقت استتاره بشعب أبي طالب عليه السلام و كان قوم موسي عليه السلام أغنياء عنه في حال غيبته عنهم لميقات ربه و كذلك أصحاب يونس عليه السلام أغنياء عنه كما ذهب مغضبا و التقمه

ص: 30

الحوت و هو مليم و هذا مما لا يذهب اليه مسلم و لاملي فيعلم بذلك بطلان ما ظنه الخصوم و توهموه علي الظنة و الرجوم و بالله التوفيق».و قال طيب الله رمسه في الرسالة الرابعة في الغيبة «المهدي الذي يظهر الله به الحق و يبيد بسيفه الظلال و كان المعلوم أنه لا يقوم بالسيف لال مع وجود الانصار و اجتماع الحفدة و الاعوان و لم يكن أنصاره عليه السلام عند وجوده متهيئين الي هذا الوقت موجودين و لا علي نصرته مجمعين و لا كان في الارض من شيعته طرا من يصلح للجهاد و ان كان يصلحون لنقل الاثار و حفظ الاحكام و الدعاء له بحصول التمكن من ذلك الي الله عزولجل لزمته التقية و وجوب فرضها عليه كما فرضت علي آبائه عليهم السلام لانه لو ظهر بغير أعوان لالقي نفسه بيده الي التهلكة و لو أبدي شخصه للاعداء لم يألوا جهدا في ايقاع الضرر به و استيصال شيعته وارثة دمائهم علي الاستحلال فيكون ذلك أعظم للفساد في الدين و الدنيا».

كلام الشيخ الصدوق و روايته للتوقيع بانقطاع النيابة

و قال الشيخ الصدوق (1) رضوان الله تعالي عليه في كتابه اكمال الدين و تمام النعمة في الباب الثاني و الاربعون ماروي في ميلاد القائم عليه السلام يسنده الي غياث بن أسيد قال ولد الخلف المهدي عليه السلام يوم الجمة و أمه ريحانة و يقال لها: نرجس و يقال لها: صقيل و يقال: سوسن الا أنه قيل لسبب الحمل صقيل و كان مولده عليه السلام لثمان خلون من شعبان سنة ست و خمسين و مائتين و وكيله عثمان بن سعيد فلما مات عثمان أوصي الي ابنه أبي جعفر محمد بن عثمان و أوصي أبوجعفر الي أبي القاسم الحسين بن روح و أوصي أبوالقاسم الي أبي الحسن علي بن محمد السمري

ص: 31


1- 17. هو الشيح أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القم المشتهر بالصدوق أحد أعلام الامامية الاثني عشرية في القرن الرابع ولد بدعاء الصاحب (عج) و صدر فيه من ناحيته المقدسة بأنه (فقيه خير مبارك)، و أما والده علي بن بابويه فاشهر من أن يعرف و كان وكيلا للائمة عليهم السلام في قم.

رضي الله عنهم قال فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي فقال: لله أمر هو بالغه، فالعيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه».و قال رفع الله درجته في أعلي عليين في الكتاب المزبور في الباب الخامس و الاربعون في ذكر التوقيعات «حدثنا أبومحمد الحسن بن محمد المكتب (1) قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري قدس الله روحه فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج الي الناس توقيع نسخته «بسم الله الرحمن الرحيم ياعلي بن محمد السمري أعظم الله أحر اخوانك فيك فانك ميت مابينك و بني ستة أيام فاجمع أمرك و لاتوص الي أحد يقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة الثانية فلاظهور الا بعد اذن الله عزوجل و ذلك بعد طول الامد و قسوة القلب و امتلاء الارض جورا.و سيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعي المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو كاذب مفتر و لا حول و لا قوة الا بالله العي العظيم.قال فنسخنا هذا التوقيع و خرجنا من عنده فلما كان اليوم السادس عدنا اليه و هو يجود بنفسه فقيل له من وصيك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه، و مضي رضي الله عنه فهذا آخر كلام سمع منه».و قال عطر الله مرقده في مقدمة كتابه المزبور «ان الذي دعاني الي تأليف كتابي هذا: أني لما قضيت و طري من زيارة علي بن موسي الرضا صلوات الله عليه رجعت الي نيسابور و أقمت بها فوجدت أكثر المختلفين الي من الشيعة قد حيرتهم الغيبة و دخلت عليهم في أمر القائم عليه السلام الشبهة و عدلوا عن طريق التسليم الي الارآء و المقائيس فجعلت أبذل مجهودي في ارشادهم الي الحق وردهم الي الصواب بالاخبار الواردة في ذلك عن النبي و الائمة صلوات الله عليهم».

ص: 32


1- 18. من مشايخ الصدوق ترحم عليه في كتابه كمال الدين.

كلام الشيخ الطوسي

و قال الشيخ الطوسي (1) في كتاب الغيبة «ذكر أمر أبي الحسن علي بن محمد السمري بعد الشيخ أبي القاسم الحسين ابن روح رضي الله عنه و انقطاع الاعدام به و هم الابواب أخبرني جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (قال) قال حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق عن الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السلام قال حدثنا أبوعبدالله محمدبن خليلان قال حدثني أبي عن جده عتاب -من ولد عتاب بن أسيد- (قال) ولد الخلف المهدي صلوات الله عليه يوم الجمعة و أمه ريحانة و يقال لها نرجس و يقال صيقل و يقال لها سوسن الا أنه قيل بسبب الحمل صقيل.و كان مولده لثمان خلون من شعبان سنة ست و خمسين و مائتين ووكيله عثمان ابن سعيد فلما مات عثمان بن سعيد أوصي الي أبي جعفر محمد بن عثمان رحمه الله و أوصي أبو جعفر الي أبي القاسم الحسين ابن روح رضي الله عنه و أوصي أبوالقاسم الي أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه و أوصي أبوالقاسم الي أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي فقال (لله أمر هو بالغه) فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه.(و أخبرني) محمد بن محمد بن النعمان (الشيخ المفيد) و الحسين بن عبيدالله

ص: 33


1- 19. هو الشيخ أبوجعفر محمدبن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي نسبة الي طوس من مدن خراسان شيخ الطائفة الامامية صاحب التصانيف في أكثر العلوم و الفنون و التي تعد أصلا في بابها و هو موسس الحوزة العلمية في النجف الاشرف تلمذ علي الشيخ المفيد و السيد الشريف المرتضي توفي 460 ه. ق.

الغضائري) (1) عن أبي عبدالله محمد بن أحمد الصفواني (2) قال أوصي الشيخ أبوالقاسم رضي الله عنه الي أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه فقام بما كان الي أبي القاسم فلما حضرته الوفاة حضرت الشيعة عنده و سألته عن الموكل بعده و لمن يقوم مقامه فلم يظهر شيئا من ذلك و ذك أنه لم يومر بأن يوصي الي أحد بعده في هذا الشأن.(و أخبرني) جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه قال حدثنا أبو الحسن صالح بن شعيب الطالقاني رحمه الله في ذي القعدة سنة تسع و ثلاثين و ثلاثمائة قال حدثنا أبو عبدالله أحمد بن ابراهيم بن مخلد قال حضرت بغداد عند المشايخ رحمهم الله فقال الشيخ أبو الحسن بن بابويه القمي قال فكتب المشايخ تأريخ ذلك اليوم فورد الخبر أنه توفي في ذلك اليوم و مضي أبوالحسن السمري رضي الله عنه بعد ذلك في النصف من شعبان سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة.(و أخبرنا) جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال حدثني أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب (3) قال كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبوالحسن علي بن محمد السمري قدس سره فحضرته

ص: 34


1- 20. جليل القدر استاذ الشيخ الطوسي و الشيخ النجاشي صاحب الرجال قال الاول فيه «كثير السماع عارف بالرجال» و له تصانيف ذكرناها في الفهرست و قال الثاني فيه «شيخنا رحمه الله له كتب ثم ذكر كتبه».
2- 21. قال عنه النجاشي «شيخ الطائفه ثقة فقيه فاضل» و هو محمد بن أحمد كما في مشيخة التهذيب و الاستبصار و في كتب الرجال و يروي عنه المفيد و الغضائري.
3- 22. تقدم انه مشايخ الصدوق و انه ترحم عليه في كتابه اكمال الدين.

قبل وفاته بأيام فاخرج الي الناس توقيعا نسخته:(بسم الله الرحمن الرحيم: ياعلي بن محمد السمري أعضم الله أجر اخوانك فيك فانك ميت ما بينك و بين ستة أيام فاجمع أمرك و لاتوص الي أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور الا بعد اذن الله تعالي ذكره و ذلك بعد طول الامد و قسوة القلوب و امتلاء الارض جورا و سيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة الا فمن ادعي المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو كذاب مفتر و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم) (قال) فنسخنا هذا التوقيع و خرجنا من عنده فلما كان اليوم السادس عدنا اليه و هو يجود بنفسه فقيل له: من وصيك من بعدك؟ فقال (لله أمر هو بالغه) و قضي، فهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه و أرضاه.(و أخبرني) الحسين بن ابراهيم عن أبي العباس بن نوح عن أبي نصر هبةالله ابن محمد الكاتب أن قبر أبي الحسن السمري رضي الله عنه في الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع باب المحول قريب من شاطي ء نهر أبي عتاب (1) و ذكر انه مات رضي الله عنه في سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة» انتهي كلام الشيخ الطوسي في كتابه (الغيبة).

كلام الشيخ النعماني

و قال الشيخ الاجل ابن ابي زينب محمد بن ابراهيم النعماني من أعلام القرن الرابع و التلميذ الخصيص بالشيخ الكليني صاحب كتاب الكافي قال في كتابه الغيبة في فصول ماروي في عيبة الامام المنتظر عليه السلام «هذه الروايات التي قد جاءت متواترة تشهد بصحة الغيبة و باختفاء العلم و المراد بالعلم الحجة للعالم و هي مشتملة علي أمر الائمة عليهم السلام للشيعة بدن يكونوا عيها علي ما كانوا عليه و لا يزولون و لا ينتقلون بل يثبتون و لا ينحولون و يكونون متوقعين لما و عدوا به وهم معذورون في أن لايروا حجتهم و امام زمانهم في أيام الغيبة و يضيق عليهم في كل

ص: 35


1- 23. و في يومنا هذا قبره معروف في بغداد و كذلك بقية النواب الاربعة.

عصر و زمان قبله أن لا يعرفوه بعينه و اسمه و نسبه و محظور عليهم الفحص و الكشف عن صاحب الغيبة و المطالبة باسمه أو موضعه أو غيابه أو الاشادة بذكره فضلا عن المطالبة بمعاينة و قال لنا: اياكم و التنويه و كونوا علي ما أنتم عليه و اياكم و الشك.فأهل الجهل الذين لاعلم لهم بما أتي عن الصادقين عليهم السلام من هذه الروايات الواردة للغيبة و صاحبها يطالبون بالارشاد الي شخصه و الدلاله علي موضعه و يقترحون اظهاره لهم و ينكرون غيبة لانهم بمعزل عن العلم و أهل المعرفة مسلمون لما امروا به ممتثلون له صابروان علي ما ندبوا الي الصبر عليه و قد أرقفهم العلم و الفقه مواقف الرضا عن الله و التصديق لاولياء الله و الامتثال لامرهم و الانتهاء عما نهو اعنه حذرون ما حذر الله في كتابه من مخالفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و الائمة الذين هم في وجوب الطاعة بمنزلته لقوله، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم عذاب أليم و لقوله (اطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الامر منكم) و لقوله (و أطيعوا الله و اطيعوا الرسول و لحذروا فان توليتم فاعلموا انما علي رسولنا البلاغ المبين).و في قوله في الحديث الرابع من هذا الفصل، حديق عبدالله بين سنان كيف أنتم اذا صرتم في حال لاترون فيها امام هدي و لا علما يري» دلالة علي ما جري و شهادة بما حدث من أمر السفراء الذين كانوا بين الامام عليه السلام و بين الشيعة من ارتفاع اعيانهم و انقطاع نظامهم لان السفير بين الامام في حال غيبة و بين شيعته هو العلم فلما تمت المحنة علي الخلق ارتفعت الاعلام و لا تري حتي يظهر صاحب الحق عليه السلام و وقعت الحيرة التي ذكرت و آذننايها اولياءالله. وصح أمر الغيبة الثانية التي يأتي شرحها و تأويلها فيما يأتي من الاحاديث بعد هذا الفصل نسأل الله أن يزيدنا بصيرة و هدي و يوفقنا لما يرضيه برحمته». (1) .

ص: 36


1- 24. الغيبة للنعماني ص161.

ثم انه قدس الله لطيفه روي في الفصل اللاحق عدة أحاديث في أن للقائم (عج) غيبتن نذكر نبذة منها قال بعد ذكر سنده الي ابراهيم بن عمر اليماني قال سمعت أباجعفر (الباقر) عليه السلام يقول ان لصاحب هذا الامر غيبتين و سمعته يقول لا يقوم القائم و لاحد في عنقه بيعة».و روي يسنده الي ابي بصير قال قلت لابي عبدالله (الصادق) عليه السلام كان ابوجعفر عليه السلام يقول لقائم آل محمد غيبتان احداهما أطول من الاخري فقال: نعم و لايكون ذلك حتي يختلف سيف بني فلان و تضيق الحلقة و يظهر السفياني و يشتد البلاء و يشمل الناس موت و قتل يلجأون فيه الي حرم الله و حرم رسوله صلي الله عليه و اله و سلم.و روي بسنده الي المفضل بن عمر قال سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول (ان لصاحب هذا الامر غيبتين يرجع في احداهما الي أهله و الاخري يقال هلك في أي واد سلك قلت كيف نصنع اذا كان ذلك قال ان ادعي مدع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله».ثم قال الشيخ النعماني (1) هذه الاحاديث التي يذكر فيها أن للقائم عليه السلام غيبتين أحاديث قد صحت عندنا بحمدالله و اوضح الله قول الائمة عليهم السلام و أظهر برهان صدقهم فيها فأما الغيبة الاولي فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الامام عليه السلام و بين التخلق قياما منصوبين ظاهرين موجودي الاشخاص و الاعيان يخرج علي أيديهم غوامض للعلم و عويص الحكم و الاجوبة عن كل ما كان يسأل عنه من المعضلات و المشكلات و هي الغيبة القصيرة التي انقضت أيامها و تصرمت مدتها و الغيبة الثانية هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء و الوسائط للامر الذي يريده الله تعالي و التدبير الذي يمضيه في الخلق و لوقوع النحيص و الامتحان و البلبلة و الغربلة و النصيفة علي من يدعي هذا الامر كما قال الله عزوجل «ما كان الله ليذر

ص: 37


1- 25. المصدر السابق ص173.

المومنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب و ما كان الله ليطلعكم علي الغيب» و هذا زمان قد حضر جعلنا الله فيه من الثابتين علي الحق و ممن لايخرج في غربال الفتنة فهذا معني قولنا «له غيبتان» و نحن في الاخيرة نسأل الله أن يقرب فرج أوليائه منها و يجعلنا في حيز خيرته و جملة التابعين لصفوته».و روي قدس سره بسنده في الباب الرابع عشر في العلامات التي تكون قبل قيامه عليه السلام بسنده عن أبي عبدالله عليه السلام انه قال «لايقوم القائم حتي يقوم اثناعشر رجلا كلهم يجمع علي قول أنهم قد رأوه فيكذبهم».

كلام الشيخ ابن الفتال و أمين الاسلام ابي علي الطبرسي

و قال الشيخ العلامة زين المحدثين محمد بن الفتال النيسابوري (1) الشهيد في سنة 508 ه ق في كتابه روضة الواعظين «و روي انه ولد يوم الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة سبع و خميس و سئتين قبل وفاة أبيه بسنتين و سبعة أشهر و الاول هو المعتمد (أي سنة خمس و خميس) و بابه عثمان بن سعيد فلمامات عثمان أوصي الي ابنه أبي جعفر محمد بن عصمان و أوصي أبوجعفر الي أبي القاسم الحسين بن روح و أوصي أبوالقاسم الي أبي الحسن علي بن محمد السمري فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي فقال ان الله بالغ أمره و قد انتظر عليه السلام لدولة الحق».و قال الشيخ امين الاسلام (2) ابي علي الفضل به الحسن الطرسي قدس الله سره في كتابه اعلام الوري بأعلام الهدي عند ذكره الدلائل علي امامة الامام الثاني عشر (عج) في الباب الثالث و بعد ذكره لرواية أبي بصير التي تقدم ذكرها و فيها الاخبار بالغيبتين قال «فانظر كيف قد حصلت الغيبتان لصاحب الامر علي

ص: 38


1- 26. و هو استاذ صاحب معالم العلماء الحافظ محمدبن علي بن شهر اشوب السروي.
2- 27. هو صاحب مجمع البيان كتاب التفسير المعروف و هو من أعلام القرن السادس عي علماء الطائفة.

حسب ما تضمنت الاخبار السابقة لوجوده عن آبائه وجدوده.أما غيبته الصغري منهما فهي التي كانت فيها سفراؤه موجودين و أبوابه معروفين لانختلف الامامية القائلون بامامة الحسن بن علي فيهم فمنهم (1) أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري و محمد بن علي بن بلال و ابو عمرو عثمان بن سعيد السمان (العمري) و ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان و عمر الاهوازي و أحمد بن اسحاق و أبو محمد الوجناني و ابراهيم بن مهزيار و محمد بن ابراهيم في جماعة أخري ربما يأتي ذكرهم عند الحاجة اليهم في الرواية عنهم.و كانت مدة هذه الغيبة أربعا و سبعين سنة و كان أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري بابا لابيه و جده (2) من قبل وثقة لهما ثم تولي الباقية من قبله و ظهرت المعجزات علي يده و لما مضي لسبيله قام ابنه أبو محمد مقامه رحمهما الله بنصه عليه، و مضي علي منهاج أبيه في آخر جمادي الاخرة من سنة أربع أو خمس و ثلاثمائة و قام مقامه أبوالقاسم الحسين بن روس من بني نوبخت بنص أبي جعفر محمد بن عثمان عليه و أقامه مقام نفسه و مات في شعبان سنة ست و عشرين و ثلاثمائة و قام مقامه أبوالحسن علي بن محمد السمري بنص أبي القاسم عليه و توفي لنصف من شعبان سنة ثمان و عشرون و ثلاثمائة».ثم ذكر رواية أبي محمد الحسن بن احمد المكتب التي سبق ذكرها و التي

ص: 39


1- 28. هولاء الجماعة فيهم الوكلاء المباشرين و هم السفراء الاربعة و الاخرين و كلاء بالواسطة أي بواسطة أي بواسطة الاربعة و هذا الذي ذكره الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة قال «و قد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الاصل» ثم ذكر عدة كثيرة منهم و معناه أن الوكلاء بالواسطة كانوا كثيرين تصلهم التوقيعات عبرالنواب الاربعة الذين هم وكلاء بالمباشرة.
2- 29. أي لابي الامام الثاني عشر وجده.

فيها وقوع الغيبة التامة و انقطالع السفراء و كذب من يدعي المشاهدة أي السفارة و التيابة حتي يظهر بعلامات الصيحة و خروج السفياني ثم قال «ثم حصلت الغيبة الطولي التي نحن في ازمانها و الفرج يكون في آخرها بمشية الله تعالي» (1) .و قال رحمه الله في الباب الخامس في حل الشبهات في غيبته عليه السلام «فان قالوا الحق مع غيبة الامام كيف يدرك؟ فان قلتم: لايدرك و لايوصل اليه فقد جعلتم الناس في حيرة و ضلال مع الغيبة و ان قلتم يدرك الحق من جهة الادلة المخصوص بها عليه فقد صرحتم بالاستغناء عن الامام بهذه الادلة و هذا يخالف مذهبكم. الجواب: ان الحق علي ضربين عقلي و سمعي فالعقلي يدرك و لا يوثر فيه وجود الامام و لا فقده و السمعي عليه أدلة منصوبة من أقوال النبي صلي الله عليه و آله و سلم و نصوصه و أقوال الائمة الصادقين عليهم السلام قد بينوا ذلك و أوضحوه غير ان ذلك و ان كان علي ما قلناه فالحاجة الي الامام مع ذلك ثابتة لان جهة الحاجة مستمرة في كل عصر و علي كل حال هي كونه لطفا لنا في الفعل الواجب العقلي من الانصاف و العدل و اجتناب الظلم و البغي و هذا مما لا يقوم غيره مقامه فيه».

كلام الشيخ ابي منصور الطبرسي

و قال الشيخ أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي و هو من الاعلام في القرن الخامس في كتاب الاحتجاج «و أما الابواب المرضيون و السفراء الممدوحون في زمان الغيبة فأولهم الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري نصبه أولا أبوالحسن علي بن محمد العسكري ثم ابنه أبو محمد الحسن فتولي القيام بأمورهما حال حياتهما عليهماالسلام ثم بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان عليه السلام و كان توقيعاته و جواب المسائل تخرج علي يديه.فلمامضي لسبيله قام ابنه أبوجعفر محمد بن عثمان مقامه و ناب منا به في جميع

ص: 40


1- 30. و قد ذكر صاحب كتاب كشف الغمة في معرفة الائمة العلامة المحقق أبي الحسن علي بن عيسي الاربلي رحمه الله عين ما ذكره الطبرسي بألفاظه.

ذلك فلمامضي هو قام أبوالقاسم حسين بن روح من بني نوبخت فلمامضي هو قام مقامه أبوالحسن علي بن محمد السمري.و لم يقم أحد منهم بذلك الا بنص عليه من قبل صاحب الامر عليه السلام و نصب صاحبه الذي تقدم عليه و لم تقبل الشيعة قولهم الا بعد ظهور آية معجزة علي يد كل واحد منهم من قبل صاحب الامر عليه السلام تدل علي صدق مقالتهم و صحة بابيتهم فلما حال سفر أبي الحسن السمري من الدنيا و قرب أجله قبل له الي من توصي؟ فاخراج اليهم توقيعا نسخته.....».ثم ذكر التوقيع الذي مر ذكره (الاحتجاج ج2 ص297).

كلام العلامة الحلي

و قال العلامة الحلي (قده) في كتاب الرجال في ترجمة محمد بن عثمان العمري «يكني أباجعفر و أبوه أبا عمرو جميعا و كيلان من جهة صاحب الزمان عليه السلام و لهما منزلة عظيمة جليلة عند الطائفة الي أن قال و قال عند موته: أمرت ان اوصي الي ابي القاسم بن روح و اوصي اليه و أوصي ابوالقاسم بن روح الي ابي الحسن علي بن محمد السمري فلما حضرت السمري الوفاة سئل ان يوصي فقال: لله أمر هو بالغه و الغيبة الثانية هي التي وقعت بعد السمري».و ذكر ابن داود الحلي في كتاب الرجال عين ذلك بألفاظه في الترجمة المذكورة.

كلام الخواجة نصيرالدين الطوسي

و قال الخواجه نصيرالدين الطوسي في كتاب تجريد الاعنقاد في المقصد الخامس في الامامة «المسئلة الاولي في ان نصب الامام واجب علي الله تعالي و..... و انحصار اللطف فيه معلوم للعقلاء و وجوده لطف و تصرفه لطف آخر و عدمه منا» و شرح العلامة الحلي قدس سره العبارة بقوله «لطف الامامة يتم بامور منها مايجب علي الله تعالي و هو خلق الامام و تمكينه بالتصرف و العلم و النص عليه باسمه و نسبه و هذا قد فعله الله تعالي و منها مايجب علي الامام و هو

ص: 41

تحمله للامامة و قبوله لها و هذا قد فعله الامام و منها مايجب علي الرعية و هو مساعدته و النصرة له و قبول اوامره و امتثال قوله و هذا لم يفعله الرعية فكان منع اللطف الكامل منهم لامن الله تعالي و لامن الامام».

كلام العلامة المجلسي

و قال العلامة المجلسي رفع الله درجته في شرح كتاب الكافي في ذيل الاحاديث المتعرضة لوقوع الغيبتين قال «و ألعلم انه كان له عليه السلام غبتان أولهما: الصغري، و هي زمان وفاة ابي محمد العسكري عليه السلام و هو لثمان ليال خلون من شهر ربيع الاول سنة ستين و مأتين الي وقت وفاة رابع السفراء ابي الحسن علي ابن محمد السمري و هو النصف من شعبان سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة فتكون قريبا من سبعين.و العجب من الشيخ الطبرسي و السيد ابن طاووس انهما وافقا في التاريخ الاول و قالا في وفاة السمري توفي سنة ثمان و عشرون و ثلاثمائة و مع ذلك ذكرا ان مدة الغيبة الصغري اربع و سبعون سنة ولعلهما عدا ابتداء الغيبة من ولادته عليه السلام.و اما سفراوه عليه السلام فأولهم ابوعمرو عثمان بن سعيد العمري فلماتوفي رضي الله عنه نص علي ابنه ابي جعفر محمد بن عثمان فقام مقامه و هو الثاني من السفراء و توفي رضي الله عنه سنة اربع و ثلاثمائة و قيل خمس ثلاثمائة و كان يتولي هذا الامر نحو من خمسين سنة فلمادنت و فاته اقام اباالقاسم الحسين بن روح النوبختي مقامه و توفي ابوالقاسم قدس الله روحه في شعبان سنة سته و عشرين و ثلاثمائة فلمادنت وفاته نص علي ابي الحسن علي بن محمد السمري فلما حضرت السمري رضي الله عنه الوفاة سئل ان يوصي فقال لله امر هو بالغه و مات روح الله روحه

ص: 42

في النصف من شعبان سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة كل ذلك ذكره الشيخ (1) رحمه الله».

كلام الفيض الكاشاني

و قال الفيض الكاشاني (2) في كتابه علم اليقين «و كان الخبر بغيبته ثابتا قبل وجوده و بدولته مستفيضا قبل غيبته و هو صاحب السيف من ائمة الهدي عليهم السلام و القائم الحق المنتظر لدولة الايمان و له قبل قيامه غيبتان احدهما اطول من الاخري كما جاءت بذلك الاخبار فأما القصري فمنذ وقت ولادته الي انقطاع السفارة بينه وبين شيعته و عدم السفراء بالوفاة و أما الطولي فهي بعد الاولي و في آخرها يقوم بالسيف» و قال روح الله روحه و كان مولده صلوات الله عليه لثمان ليال خلون من شعبان سنة ست و خمسين و مأتين ووكيله عثمان بن سعيد رضي الله عنه فلما مات عثمان اوصي الي ابنه الي جعفر محمد بن عثمان و اوصي ابوجعفر الي ابي القاسم الحسين بن روح و أوصي ابوالقاسم الي ابي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنهم فلمات حضرت السمري رضي الله عنه الوفاة سئل أن يوصي فقال: «لله أمر هو بالغه. فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه».

كلام السيد عبدالله الشبر

و قال السيد عبدالله الشبر (3) في كتابه حق اليقين في معرفة اصول الدين في

ص: 43


1- 31. و يعني به الشيخ الطوسي قدس سره و قد سميت تلك السنة بسنة تنائر النجوم تاره و بسنة تهافتت فيها الكواكب كما ذكر ذلك الشيخ الطوسي في رجاله في ترجمة الصدوق الاب (علي بن الحسين) و ذكر دلك النجاشي في رجاله في ترجمته و سبب التسمية هو كثرة من مات فيها من أعلام الطائفة كالنائب الرابع و الصدوق الاب و الكليني.
2- 32. هو الشيخ محمد بن المرتضي المدعو بالمولي محسن الكاشاني صاحب التاليف الكثيرة منها كتاب الوافي الشهير و مفاتيح الشرائع و غيرها و هو شيخ الاجازة في الحديث «لعدد كبير من علماء الطائفة و هو من اعلام القرن الحادي عشر».
3- 33. هو السيد العلامة عبدالله بن السيد محمد رضا صاحب المولفات منها جامع الاحكام في الاخبار و هو قرابة 20 مجلدا و غيرها مما يقارب 70 كتابا و هو من اعلام القرن الثالث عشر.

المقصد الثالث من احوال الغائب المستنر (عج) «في بعض معجزاته و احوال سفرائه قال الطبرسي قده في الاحتجاج اما الابواب المرضيون.....» و ذكر كل ما تقدم ذكره عن الطبرسي في كتاب الاحتجاج.و من وضوح انقطاع السفارة و انقطاع النائب المباشر المتصل بالحجة (عج) أخذ علماء العامة بالتشنيع علي الشيعة بأنكم تستدلون علي ضرورة وجود المعصوم لهداية الانام و لتدبير الامور و اقامة العدل و القسط فكيف تناقضون ذلك بالالتزام بالغيبة و الاسنتار و الانقطاع ولكن علماء الامامية لم يتركوا لهذه الاوهام مجالا و أخذوا بالجواب عنها وقد تقدم طرفا من ذلك في الكلمات التي نقلناها و أن الحرمان من ظهور المعصوم و تصرفه و تدبيره سببه راجع الي الرعية و المكلفين من الخذلان و عدم الوقوف الي جانب الحق و العدل و أنه حين يكتمل نصاب الانصار و الاعوان يكتب الله تعالي فرجه الشريف.و من شاء مراجعة هذه السجالات بين علماء الفريقين فليسرح النظر في ما ألفه علماء الامامية من الكتب باسم الغيبة أو التي تبحث عن حياة الحجة عليه السلام، و كل ذلك مما ينبه علي كون انقطاع النائب الخاص و السفير من ضروريات المذهب حتي عرفه علماء أهل السنة و لنذكر بعض كلماتهم و علي القاري مراجعة البقية في مظانها ان شاء الاطلاع عليها.

اشتهار انقطاع النيابة الخاصة عند علماء العامة (السنه) و تشنيعهم بذلك علي الشيعة- كلام الشهرستاني

قال الشهرستاني (1) في كتاب الملل و النحل «و من العجب! انهم قالوا الغيبة قد امتدت مائتين و نيفا و خمسين سنة و صاحبنا قال ان خرج القائم و قد طعن في الاربعين فليس بصاحبكم و لسناندري كيف تنقضي مائتان و نيف و خمسون سنة في اربعين سنة و اذا سئل القوم عن مدة الغيبة كيفه تتصور؟ قالوا: اليس الخضر

ص: 44


1- 34. ابوالفتح محمد بن عبدالكريم الشهرستاني توفي سنة 548 ه و هو شافعي الفروع و اشعري الاصول.

و الياس عليهماالسلام يعيشان في الدنيا من آلاف السنين لايحتاجون الا طعام و شراب قلم لايجوز ذلك في واحد من آل البيت؟ قيل لهم و مع اختلافكم هذا كيف يضح لكم دعوي الغيبة؟ ثم الخضر عليه السلام ليس مكلفا بضمان الجماعة و الامام عندكم ضامن مكلف بالهداية و العدل و الحماعة مكلفون بالاقتداء به والاستنان بسنته و من لا يري كيف يقتدي به؟» انتهي كلامه.و لا يخفي تخبطه و تحريفه في النقل كعادته في كتابه اذ قول الشيعة عن ائمتهم عليهم السلام أن القائم عليه السلام حين يظهر يكون في سن الشيوخ و شاب المنظر حتي أن الناظر اليه ليحسبه ابن اربعين سنة فلا يصيبه الهرم بمرور الليالي و الايام و ليس ذلك من قدرة الله تعالي ببعيد.و أما الجواب عن اشكاله لاخر فقد تقدم و قد ذكرت في الروايات فوائد وجوده و انتفاع الناس منه في غيبته منها أن قلوب المؤمنين مثبلتة به فهم بها عاملون و أنه كاشمس اذا غيبها عن الابصار السحاب أن المعصوم عليه السلام اما لاهل الارض كما ان النجوم امان لاهل السماء و به يمسك السماء أن تقع علي الارض الا باذنه و به ينزل الغيث و تنشر الرحمة و تخرج بركات الارض و لولا وجوده علي الارض لساخت باهلها و لولاه لم يعبدالله.

كلام الخواجه كلان

و قال الخواجه كلان (1) في كتابه ينابيع الموده (ص427) عن كتاب المحجة فيما نزل في القائم الحجة في قوله تعالي «و جعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون) عن ثابت الثمالي عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال: فينا نزلت هذه الاية و جعل الله الامامة في عقب الحسين الي يوم القيامة و ان للقائم مناغيبتين أحداهما أطول من الاخري فلا يثبت علي

ص: 45


1- 35. هو الشيخ سليمان بن الشيخ ابراهيم المعروف بخواجه كلان الحسيني البلخي القندوزي المتوفي سنة 1294 من علماء أهل السنة.

امامته الا من قوي يقينه و صحت معرفته» انتهي كلامه.و قد عرفت سابقا أن الغيبة الصغري أشارة الي مدة النواب الاربعة و الكبري الي الغيبة التامة و انقطاع النواب و السفراء.

كلام المتقي الهندي

و قال علاء الدين المشهور بالمتقي الهندي (1) في كتاب البرهان في علامات مهدي آخر الزمان في الباب الثاني عشر عن أبي عبدالله الحسين بن علي عليهماالسلام قال: لصاحب هذا الامر يعني المهدي عليه السلام غيبتان أحداهما تطول حتي يقول بعضهم مات و بعضهم ذهب الحديث» انتهي كلامه.و مضمون هذه الرواية موجود في الروايات التي وردت بطرقنا و من الواضح ان قول البعض المشار اليه في الرواية بأنه عليه السلام مات أو ذهب أو في أي وادسلك أو هلك كما في الروايات الاخري لايكون الا بعد انقطاع النائب الخاص و السفير للحجة عليه السلام و شدة الامتحان بالغيبة التامة.أقول: هذا غيض من فيض من كلمات علماء الامامية و تركنا الاكثر مخافة التطويل و الملال و كلها علي كون انقطاع النيابة الخاصة من معتقدات المذهب و ضرورياته.

نيابة الفقهاء

قد عرفت انقطاع النيابة الخاصة و السفارة ولكن ليس ذلك يعني بقاء المومنين و المكلفين همج رعاء بل قد نصب الائمة عليهم السلام و اما زماننا (عج) لهم من يرجعون اليه في كل ماينزل بهم من الحوادث و الوقائع و في تعلم الاحكام الشرعية و فصل الخصومات و استيفاء الحقوق و غيرها من حاجاتهم الدينية.

ص: 46


1- 36. هو صاحب كتاب كنزالعمال علاءالدين علي بن حسام نزيل مكة المشرفة المتوفي سنة 975 ه.

و هو الفقيه الجامع لشرائط معينة كالعلم بالاحكام الشرعية من الكتاب و السنة و هي الروايات المعتبرة المأثورة عن المعصومين عليهم الصلاة و السلام، و كالعدالة و التقوي و غيرها من الشروط.فقد قال الصادق عليه السلام «من كان منكم ممن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم الله و علينا رد و الراد علينا الراد علي الله و هو علي حد الشرك بالله» (1) .و قال عليه السلام «اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا فاني قد جعلته عليكم قاضيا و اياكم أن يخاصم بعضكم بعضا الي السلطان الجائر» (2) .و روي الشيخ الصدوق في كتاب اكمال الدين و تمام النعمة عن محمد بن محمد بن عصام عن محمد بن يعقوب (الشيخ الكليني) عن اسحاق بن يعقوب قال: سألت فيه عن مسائل اشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام: أما ما سألت عنه أرشدك الله و ثبتك الي أن قال و أما محمد ابن عثمان العمري فرضي الله عنه و عن أبيه من قبل فانه ثقتي و كتابه كتابي».و روي هذا الحديث الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن جماعة عن جعفر ابن محمد بن قولويه (صاحب كتاب كامل الزيارات و استاذ الشيخ المفيد الذي

ص: 47


1- 37. كما في كتاب الكافي للشيخ الكليني قده ج1 ص67 و ج7 ص412 و كتاب من لايحضره الفقيه للشيخ الصدوق ج3 ص5 و كتاب التهذيب للشيخ الطوسي ج6 ص301 و كتاب الاحتجاج للطبرسي ص194.
2- 38. كتاب التهذيب للطوسي ج6 ص303.

قال المفيد عنه افقه أهل زمانه) و ابوغالب الزراري (من أحفاد زرارة بن أعين و من شيوخ الطائفة الاجلاء) و غيرهما كلهم عن محمد بن يعقوب (الشيخ الكليني) و رواه أيضا الشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج.و روي الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن الحجة (عج) «فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا علي هواه مطيعا لامر فللعوام أن يقلدوه و ذلك لايكون الا بعض فقهاء الشيعة لاكلهم فان من ركب من القبايح و الفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا و لا كرامة».و روي الكشي (1) في كتاب الرجال بسنده عن اسماعيل بن جابر عن أبي عبدالله (الصادق) عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين و تحريف الغالين و انتحال الجاهلين كما ينفي الكبر خبث الحديد.و روي بسنده الي أحمد بن حاتم بن ماهويه قال: كتبت اليه يعني أبا الحسن الثالث (الهادي) عليه السلام، أسأله عمن آخذ معالم ديني و كتب أخوه أيضا بذلك فكتب اليهما: فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما علي كل مسن في حبنا و كل كثير القدم في أمرنا فانهما كافو كما انشاءالله تعالي).و روي الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن أبي جعفر الباقر عليه السلام لنه قال «فنحن القري التي بارك الله فيها و ذلك قول الله عزوجل فمن أقر بفضلنا حيث امرهم بأن يأنونا فقال «و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها» أي جعلنا بينهم و بين شيعتهم القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و القري الظاهرة الرسل (2) و النقلة عنا الي شيعنا و فقهاء شيعتنا الي شيعتنا و قوله تعالي «و قدرنا فيها السير» فاسير مثل

ص: 48


1- 39. رجال الكشي ص5 باب شرطة الخميس.
2- 40. الاحتجاج ج2 ص63.

للعلم سير به ليالي و اياما مثل لما يسير من العلم في الليالي و الايام عنا اليهم في الحلال و الحرام و الفرايض و الاحكام آمنين فيها اذا أخذوا منه آمنين من الشك و الظلال و النقلة من الحرام الي الحلال لانهم أخذوا العلم ممن وجب لهم أخذهم اياه عنهم بالمرفة «الحديث».و روي البرقي في كتاب المحاسن عن ابيه عن النضر بن سويد عن يحيي بن عمران الحلبي عن عبدالله بن مسكان عن ابي بصير (1) قال قلت لابي عبدالله الصادق عليه السلام: أرأيت الراد علي هذا الامر كالراد عليكم فقال: يا أبا محمد من رد عليك هذا الامر فهو كالراد علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.هذا مع أن بيان الاحكام الشرعية وجوبه علي الفقيه كان منذ صدر الشريعة قال تعالي «لولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم بحذرون» (التوبة:122) فأوجب علي الطائفة المتفقهة في الدين الانذار كما أوجب علي غيرهم من عامة الناس قبول قولهم في بيان الاحكام الشرعية و هو يستفاذ من الاية الشريفة حيث أن حذر الناس بعد الانذار مطلوب وراجح بدلالة و لايترتب الحذر الا عند وجوب قبول ما أنذروا به.و لهذا كانت طوائف تلو الاخري تنهال علي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ثم علي الائمة المعصومين عليهم السلام من بعده للتفقه و معرفة الفرائض و السنن و الاداب و اركان لعقيدة و الايمان.ثم تذهب تلك الطوائف و تنشر و تبين ذلك لعامة الناس و هذا مما يقتضيه طبيعة

ص: 49


1- 41. و سند الراوية كله من و جهاء الرواة و اجلاءهم الفقهاء و لا تخفي منزلة أبي بصير ليث المرادي في الوثاقة و الفقاهة و هو أحد الفقهاء الاربعة اللذين قال عنهم الصادق عليه السلام «أربعة نجياء امناء الله علي حلاله و حرامه لولا هولاء انقطعت آثار النبوة و اندرست».

النظام البشري حيث أنه ليس من الممكن عادة أن ينهال كل المكلفين و الناس بأجمعهم علي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و علي المعصومين عليهم السلام بالسوال عن معالم دينهم فهذا الممشي و السلوك عند العقلاء دأبوا عليه و أقره الشرع المقدس في نشر الاحكام.و قد روي عبدالمومن الانصاري عن ابي عبدالله (الصادق) عليه السلام «قول الله عزوجل «فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يرجعون» فأمرهم أن ينفروا الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فيتعلموا ثم يرجعوا الي قومهم فيعلموهم الحديث» (1) .و روي النجاشي في كتابه الرجال عن الباقر عليه السلام أنه قال لابان بن تغلب و هو أحد الفقهاء من تلامذته «اجلس في مسحد المدينة و افت الناس فاني أحب أن يري في شيعتي مثلث».و سأل عبدالعزيز بن المهتدي الرضا عليه السلام قال قلت: لا اكله أصل اليك أسألك عن كل ما احتاج اليه من معالم ديني أفيونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ منه ما احتاج اليه من معالم ديني؟ فقال: نعم» (2) و كذلك سأل علي بن المسيب الهمداني قال قلت للرضا عليه السلام: شقتي بعيدة و لست أصل اليك في كل وقت فممن آخذ معالم ديني؟ قال: من زكريا بن آدم القمي المأمون علي الدين و الدنيا» (3) .و سأل عبدالله بن أبي يعفور قال قلت لابي عبدالله (الصادق) عليه السلام انه ليس كل ساء ألقاك و لايمكن القدوم و يجي ء الرجل من أصحابنا فيسألني و ليس عندي كل ما يسألني عنه فقال: مايمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فانه سمع من أبي و كان عنده وجيها» (4) .و سأل شعيب العقرقوفي قال قلت لابي عبدالله عليه السلام: ربما احتجنا أن نسأل

ص: 50


1- 42. معاني الاخبار ص157 وسائل الشيعة أبواب صفات القاضي ب11 ح10.
2- 43. كتاب وسائل الشيعة ج18 أبواب صفات القاضي ب11 ح 43 و 27.
3- 44. كتاب وسائل الشيعة ج18 أبواب صفات القاضي ب11 ح 43 و 27.
4- 45. كتاب وسائل الشيعة ج18 أبواب صفات القاضي ب11 ح 43 و 27.

عن الشي ء فمن نسأل؟ قال: عليك بالاسدي يعني أبابصير عليه السلام و الاخبار المشتملة علي ارجاح الناس الي تالمذتهم عليهم السلام كثيرة و من هنا حث الائمة المعصومين عليهم السلام علي التفقه في الدين و حفظ الروايات المأئورة عنهم و بينوا فضل ذلك.فقد روي الصدوق قال: قال علي عليه السلام قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: اللهم ارحم خلفائي ثلاثا قيل يا رسول الله و من خلفاوك قال: الذين يأتون بعدي يروون حديثي و سنتي».و روي الكشي عن جميل بن دراج قال: سمعت أباعبدالله عليه السلام يقول: بشر المخبتين بالجنة: يريد بن معاوية العجلي و أبو بصير ليث ابن البختري المرادي و محمد بن مسلم وزرارة أربعة نجباء امناء الله علي حلاله و حرامه و لولا هولاء انقطفت آثار النبوة واندرست.و روي الكشي عن جميل بن دراج قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: بشر المختبين بالجنة: يريد بن معاوية العجلي و أبوبصير ليث ابن البختري المرادي و محمد بن مسلم وزرارة أربعة نجباء امناء الله علي حلاله و حرامه و لولا هولاء انقطعت آثار النبوة واندرست.و روي عن ابي بصير أن أباعبدالله (الصادق) عليه السلام قال له في حديث: لولا زرارة و نظراوه لظنتت أن أحاديث أبي عليه السلام ستذهب».و في رواية اخري عن الصادق عليه السلام «قال: أحب الناس الي أحياء و أمواتا أربعة: بريد بن معاوية العجلي وزرارة و محمد بن مسلم و الاحوال و هم أحب الناس الي أحياء و أمواتا» و هولاء الاربعة كانوا من افقه أصحابه و أصحاب الباقر عليه السلام.و روي سليمان خالد عن الصادق عليه السلام انه قال: ما أجد أحدا أحبي ذكرنا و أحاديث ابي عليه السلام الا زرارة و أبوبصير ليث المرادي و محمد بن مسلم و بريد بن معاوية العجلي و لولا هولاء ما كان أحد يستنبظ هذا، هولاء حفاظ الدين و امناء أبي عليه السلام علي حلال الله و حرامه و هم السابقون الينا في الدنيا و السابقون الينا في الاخرة.و روي جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام انه ذكر أقواما و قال كان أبي عليه السلام

ص: 51

ائنمنهم علي حلال الله و حرامه و كانوا عيبة (1) علمه، و كذلك اليوم هم عندي مستودع سري و أصحاب ابي حقا اذا أراد الله بأهل الارض سوء صرف بهم عنهم السوء، هم نجوم شيعتي أحياء و أمواتا هم الذين أحيوا و أمواتا هم الذين أحيوا ذكر أبي عليه السلام، بهم يكشف الله كل بدعة، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين و تأويل الغالين ثم بكي؟ فقلت: من هم فقال: من عليهم صلوات الله و عليهم رحمته احياء و أمواتا: بريد العجلي و أبوبصير و زرارة و محمد بن مسلم.و عن الصادق عليه السلام قال: اعرفوا منازل الرجال منا علي قدر رواياتهم عنا.و عنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم طلب العلم فريضة علي كل مسلم، ألا ان الله يحب بغاة العلم.و عنه عليه السلام قال: عليكم بالتفقه في دين الله و لا تكونوا أعرابا (2) فانه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله اليه يوم القيامة و لم يزك له عملا.و قال عليه السلام: ان العلماء ورثة الانبياء و ذاك أن الانبياء لم يورثوا درهما و لا دينار و انما أورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن اخذ بشي ء منها فقد أخذ حظا وافرا فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فان فينا أهل البيت في كل خلف عدو لا ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين».و قال عليه السلام: اذا أرادالله بعيد خير أفقهه في الدين، و من علم باب هدي فله مثل أجر من عمل به و لاينقص اولئك من اجورهم شيئا و من علم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به و لا ينقص اولئك من أوزارهم شيئا.و قال عليه السلام «احتفظوا بكتبكم فانكم صوف تحتاجون اليها و قال للمفضل بن

ص: 52


1- 46. أي صندوق و خزانة عليه.
2- 47. أي أهل البادية الجاهلين باحكام الدين.

عمر: اكتب و بث علمك في اخوانك فان مت فأورث كبتك بنيك فانه يأني علي الناس زمان هرج لايأنسون الا يكتبهم.و الاحاديث في هذا المجال كثيرة جدا لا يسع المقام ذكرها.والسر في هذا الحث الشديد هو أن الفثهاء حصون الاسلام يدفعون عنه يدع الباطل و دعاته و كذب المفترين كما تقدم في الروايات.و قال الكاظم عليه السلام: اذا مات المومن يكت عليه الملائكة و بقاع الارض التي كان يعبد الله عليها و أبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله و ثلم في الاسلام ثلمة لايسدها شي ء لان المومنين الفقهاء حصون الاسلام كحصن سور المدينة لها.و قال الصادق عليه السلام: مامن أحد يموت من المومنين أحب الي ابليس من موت فقيه».و قال عليه السلام: ان أبي كان يقول: ان الله عزوجل لايبقض العلم بعد ما يهبطه ولكن يموت العالم فيذهب بما يعلم فتليهم الجقاة (1) فيضلون و يضلون و لاخبر في شي ء ليس له أصل.

منابع الشريعة (القرآن و السنة) و أنهما الحجة الظاهرة و العقل الحجة الباطنة و أن العقل أول الامور و مبدأها

ان منابع الشريعة هما الكتاب العزيز و السنة المطهرة من أقوال و أفعال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و أقوال الائمة المعصومين عليهم السلام و أفعالهم و تقريرهم و قال الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم في الوصية المعروفة «ياهشام ان لله علي الناس حجتين: حجة ظاهرة و حجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل و الانبياء و الائمة عليهم السلام و أما الباطنة فالعقول»و قال الصادق عليه السلام لعبدالله بن سنان «حجة الله علي العباد النبي و الحجة

ص: 53


1- 48. أي أهل النفوس الغليظة و القلوب القاسية التي ليست قابلة لاكتساب العلم و الكمال.

فيما بين العباد و بين الله العقل».و في حديث طويل للصادق عليه السلام حيث بين فيه أن بالعقل مبدأ الامور وقتها و عمارتها و به عرف الله و صفاته الكمالية و به عرفت الكمالات قيل له: فهل يكنفي العباد بالعقل دون غيره؟ قال: ان العاقل لدلالة عقله الذي جعله الله قوامه و زينته و هدايته علم أن الله هو الحق و أنه هو ربه و علم أن لخالقه محبة و أن له كراهية و أن له طاعة و أن له معصية فلم يجد فقله يدله علي ذلك و علم أنه لايوصل اليه الا بالعلم و الادب و أنه لاينتفع بعقله ان لم يصب بعلمه فوجب علي العاقل طلب العلم و الادب الذي لافوام له الابة». (الكافي كتاب العقل و الجهل).و قد روي السنة و الشيعة بالطرق المستفيضة المتواترة حديث الثقلين عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم انه قال: «اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الاخر كتاب الله حبل ممدود من السماء الي الارض و عترتي أهل بيتي و لن يفترقا حتي يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما».و قد رواه عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أكثر من ثلاثين صحابيا و مالايقل عن مئتين عالم من كبار علماء السنة بألفاظ مختلفة في كتبهم (1) فضلا عن الشيعة.و روي الشيخ الصدوق في معني الاخبار عن الباقر عليه السلام قال: خطب أميرالمومنين

ص: 54


1- 49. راجع صحيح مسلم ج4 ص110 و مسند أحمد ج5 ص181 و ج4 ص366 و فيض القدير للمناوي ج3 ص14 و الصواعق لابن حجر ص136 و الزمخشري في المناقب ص213 مخطوط و الحمويني في الفرائد و جمال الدين الحنفي في در و بحر المناقب ص116 مخطوط و الحافظ محمد بن أبي الفوارس في الاربعين ص14 مخطوط كما في احقاق الحق ج4 ص288 و ج9 ص198. و الخوارزمي في مقتل الحسين ص59، و الشيخ سليمان في ينابيع المودة ص82.

علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالكوفة بعد منصرفه من النهروان و بلغله أن معاوية يسبه و يلعنه و يقتل أصحابه، فبعد حمدالله و الثناء عليه.قال عليه السلام: «ياأيها الناس انه بلغني و اني أراني قد اقترب أجلي و كأني بكم و قد جهلتم أمري و اني تارك فيكم ماتركه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كتاب الله و عترتي و هي عترة الهادي الي النجاة الانبياء و سيد النجباء و النبي المصطفي (معني الاخبار، 58).و قال الصادق عليه السلام: ان الله تبارك و تعالي أنزل في القرآن تبيان كل شي ء حتي و الله ما ترك ماترك الله شيئا يحتاج اليه العباد حتي لايستطيع عبد يقول: لو كان هذا انزل في القرآن الا و قد انزله الله فيه.و قال عليه السلام يقول: ما خلق الله حلالا و لا حراما الا و له حد كحد الدار فما كان من الطريق فهو من الطريق و ما كان من الدار فهو من الدار حتي أرش الخدش فما سواه و الجلدة و نصف الجلدة.و قال: ما من شي ء الا و فيه كتاب أو سنة.و قال زين العابدين عليه السلام: ان أفضل الاعمال عند الله ما عمل بالسنة و ان قل.و قال الباقر عليه السلام: كل من تعدي السنة رد الي السنة.و قال الصادق عليه السلام: من خالف كتاب الله و سنة محمد صلي الله عليه و آله و سلم فقد كفر.و عن الباقر عليه السلام عن آبائه عن أميرالمومنين عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: لاقول الا بعمل و لا قول و لا عمل الا بنية و لاقول و لاعمل و لانية لال باصابة السنة.و قال عليه السلام: من دان الله بغير سماع من صادق ألزمه الله التيه يوم القيامة» أي من تدين و عمل بحكم بغير المأثور من المعصوم جعل الله حاله يوم القيامة و هو يوم الفزع الاكبر في تيه مع كونه ذلك اليوم في أشد الحاجة الي الامان و القرار أو أن التيه كناية عن الضلال و عافية السوء.

ص: 55

و في الرسالة المشهورة للامام الصادق عليه السلام الي أصحابه و التي أمرهم بمدارستها و النظر فيها و تعاهدها و العمل بها فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم فاذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها و التي رواها الكليني قدس الله سره في كتاب الروضة من الكافي بطرق معتبرة نذكر موضع منها مما يهم الكلام في المقام.قال عليه السلام:»أيتها العصابة المرحومة المفلحة ان الله أتم لكم ما آتاكم من الخير و اعلموا أنه ليس من علم الله و لامن أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوي و لا رأي و لامقائيس قد أنزل الله القرآن و جعل فيه تبيان كل شي ء و جعل للقرآن و لتعلم القرآن أهلا لايسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوي و لارأي و لامقائيس اغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه و خصهم به و وضعه عندهم كرامة من الله أكرمهم بها و هم علم الله أن يصدقهم و يتبع أثرهم أرشدوه و أعطوه من علم القرآن مايهتدي به الي الله لاذنه و الي جميع سبل الحق.و هم الذين لايرغب عنهم و عن مسألتهم و عن علمهم الذي اكرمهم الله به و جعله عندهم الامن سبق عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق تحت الاظلة (1) فاولئك الذين يرغبون عن سوال أهل الذكر و الذين آتاهم الله علم القرآن و وضعه عندهم و أمر بسوالهم و اولئك الذين يأخذون بأهوائهم و آرائهم و مقائيسهم حتي دخلهم الشيطان لانهم جعلوا أهل الايمان في علم القرآن عندالله كافرين و جعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عندالله مومنين و حتي جعلوا ما أحل الله في كثير من الامر حراما و جعلوا ما حرم الله في كثير من الامر حلالا فذلك أصل ثمرة أهوائهم و قد عهد اليهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قبل موته فقالوا نحن بعد ما قبض الله

ص: 56


1- 50. يحتمل ارادة عالم الارواح أو التقرر العلمي للاشياء.

عزوجل رسوله صلي الله عليه و آله و سلم يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد ماقبض الله عزوجل رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و بعد عهده الذي عهده الينا و أمرنا به مخالفالله و لرسوله صلي الله عليه و آله و سلم.فما أحد أجرأء علي الله و لا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك و زعم أن ذلك يسعه و الله ان لله علي خلقه أن يطيعوه و يتبعوا أمره في حياة محمد صلي الله عليه و آله و سلم و بعد موته هل يستطيع اولئك اعداءالله أن يزعموا أن احدا ممن اسلم مع محمد صلي الله عليه و آله و سلم أخذ بقوله و رأيه و مقائيسه؟ فان قال نعم فقد كذب علي الله و ضل ضلالا بعيدا و ان قال: لا لم يكن لاحد أن يأخذ برأيه و هواه و مقائيسه فقد اقر بالحجة علي نفسه و هم ممن زعم ان الله يطاع و يتبع دمره بعد قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قد قال الله و قوله الحق «و ما محمد الارسول قد خلت من قبله الرسل أمان مات أو قتل انقلبتم علي اعقابكم و من ينقلب علي عقبيه فلن يضرالله شيئا و سيجزي الله الشاكرين» (1) و ذلك لتعلموا أن الله يطاع و يتبع أمره في حياة محمد صلي الله عليه و آله و سلم و بعد قبض الله محمدا صلي الله عليه و آله و سلم و كما لم يكن لاحد من الناس مع محمد صلي الله عليه و آله و سلم أن يأخذ بهواه و لا رأيه و لا مقائيسه خلافا لامر محمد صلي الله عليه و آله و سلم فكذلك لم يكن لاحد من الناس بعد محمد صلي الله عليه و آله و سلم أن يأخذ بهواه و لا رأيه و لا مقائيسه.الي ان قال عليه السلام أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم عليكم بآثار الرسول صلي الله عليه و آله و سنته و آثار الائمة الهداة من أهل بين رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من بعده و سنتهم فأنه من أخذ بذلك فقد اهتدي و من ترك ذلك و رغب عنه ضل لانهم هم الذين أمرالله بطاتعهم و ولايتهم و قد قال ابونا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم المداومة علي العمل في اتباع الاثاروا السنن و ان قل أرضي لله و أنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع و اتباع الاهواء ألا ان اتباع الاهواء و اتباع البدع بغير هدي من الله ضلال و كل ضلالة بدعة و كل بدعة في النار و لن ينال شي ء من الخير عندالله

ص: 57


1- 51. و الخطاب في الاية الشريفة يشملنا نحن ابناء هذا الزمن أيضا و يهتف بنا عن تبديل الدين الحق و الرجوع الي العقب و الي الضلالة.

الابطاعته و الصبر و الرضا لان الصبر و الرضا من طاعة الله.الي أن قال عليه السلام فان من لم يجعل الله من أهل صفة الحق فاولئك هم شياطين الانس و الجن و ان لشياطين الانس حيلة و مكرا و خدائع و وسوسة بعضهم الي بعض يريدون ان استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما أكرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الانس من أهله ارادة أن يستوي اعداءالله و أهل الحق في الشك و الانكار و التكذيب فيكونون سواء كما وصف الله تعالي في كتاب من قوله «ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء» ثم نهي الله أهل النصر بالحق أن يتخذوا من أعداء لله وليا و لانصيرا فاليهولنكم و لايردنكم عن النصر بالحق الذي خصكم الله به من حيلة شياطين الانس و مكرهم من أموركم.الي أن قال هذا أدبنا أدب الله فخذوا به و تفهموه و اعقلوه و لاتنبذوه و راء ظهوركم».و روي الكليني في كتاب الكافي في ابواب الحجة باب الغبية بسنده عن اميرالمومنين عليه السلام: اللهم انه لابدلك من حجج في أرضك حجة بعد حجة علي خلقك يهدونهم الي دينك و يعلمونهم علمك كيلا ينفرق اتباع اوليائك ظاهر غير مطاع أومكتتم يترقب ان غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فل يغب عنهم قديم مبثوت علمهم و آدابهم في قلوب المومنين مثبتة فهم بها عاملون.و يقول عليه السلام في هذه الخطبة في موضع آخر: فيمن هذا؟ و لهذا يأرز (1) العلم اذا لم يوجد له حملة يحفظونه و يروونه كما سمعوه من العلماء و يصدقون عليهم فيه، اللهم فاني لاعلم أن العلم لايأرز كله و لاينقطع مواده و انك لاتخلي ارضك من حجة لك علي خلقك ظاهر ليس بمطاع أو خائف مغمور كيلا تبطل حجتك و لايضل اولياوك بعد اذهديتهم بل اين هم؟ و كم هم؟ اولئك الافلون

ص: 58


1- 52. أي ينقبض و يرتفع كناية عن ذهابه.

عددا الاعظمون قدرا».و في كلامه عليه السلام اشارة الي غيبة الحجة (عج) حيث قال «أو مكتتم مترقب ان غاب عن الناس» و الاكتنام اشارة الي عدم نصب الحجة الغائب النائب الخاص في غيبته و هي الطولي الكبري و أشار عليه السلام بقوله «ان غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فلم يعب عنهم قديم مبثوث علمهم و آدابهم في قلوب المومنين مثبتة فهم بها عاملون» الي الوظيفة في الغيبة الكبري و هي الرجوع الي أحاديث الائمة الحجج صلوات الله عليهم المثبتة في كتب المومنين الرواة منذ قديم أيام الائمة عليهم السلام و أن هذه الاحاديث المأثورة عنهم هي علم الائمة و آدابهم و هي منبع الدين و الشريعة و الهداية.و أشار عليه السلام بقوله «و لهذا يأزر العلم اذت لم يوجد له حمله يحفظونه و يروونه كما سمعوه من العلماء و يصدقون عليهم فيه» الي أن العلم بالشريعة بين الناس يذهب و يقل بذهاب الفقهاء و الحفاظ و الرواة عن الائمة عليهم السلام و هذا وجه قول الصادق عليه السلام الذي سبق حول زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد.و روي الصدوق في كتابه اكمال الدين بسنده عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلي الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام قال: يا علي أعجب الناس ايمانا و أعظمهم يقينا قوم يكونون في آخر الزمان لم يلحقوا بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم و حجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد علي بياض.و روي الكشي في كتاب الرجال بسنده الي أبني هاشم الجعفري (داود بن القاسم من ذرية جعفر الطيار رضوان الله تعالي عليه) قال: ادخلت كتاب يوم و ليلة الذي ألفه يونس عبدالرحمن (و هو من أصحاب الرضا عليه السلام و كان من افقه أصحابه) علي أبي الحسن العسكري عليه السلام فنظر فيه و تصفحه كله ثم قال هذا ديني و دين آبائي كله و هو الحق كله».

ص: 59

و روي الكليني بسنده عن محمد بن الحسن بن أبي خالد شينوله قال قلت لابي جعفر الثاني (الجواد) عليه السلام جعلت فداك ان مشايخنا رووا عن أبي جعفر (الباقر) و أبي عبدالله (الصادق) عليهماالسلام و كانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم تر و عنهم فلما ماتوا صارت تلك الكتب الينا فقال: حدثوا بها فانها حق».و روي الشيخ الجليل الاقدام ابن شعبة الحراني في كتابه تحف العقول و الشيخ المفيد في كتاب الاختصاص عن الكاظم عليه السلام انه كان لابي يوسف (تلميذ أبي حنيفة و قاضي العباسيين) معه كلام في مجلس الرشيد فقال الرشيد بعد كلام طويل لموسي بن جعفر عليه السلام: بحق آبائك لما اخترصت كلمات جامعة لما تجارريناه (1) فقال: نعم و أتي بداوة و قرطاس فكنب:بسم الله الرحمن الرحيم جميع أمور الاديان أربعة: أمر لااختلاف فيه و هو اجماع الامة علي الضرورة التي يضطرون اليها و الاخبار المجمع عليها و هو الغاية المعروض عليها كل شبعة و المستنبط منها كل حادثة و أمر يحتمل الشك و الانكار فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجة من كتاب الله مجمع علي تأويلها و سنة مجمع عليها لااختلاف فيها، أوقياس تعرف العقول عدله و لاتسع خاصة الامة و عامتها الشك فيه و الانكار له و هذان الامران من أمر التوحيد فمادونه و أرش الخدش فما فوقه فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته و ما غمض عليك صوابه نفيته.فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجة البالغة التي بينها الله و رسوله صلي الله عليه و آله في قوله لنبيه «قل فلله الحجة البالغة فلوشاء لهداكم أجمعين» تبلغ الحجة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله كمايعلم العالم بعلمه، لان الله عدل لايجوز يحتج علي خلقه بمايعلمون يدعوهم الي مايعرفون لا الي مايجهلون

ص: 60


1- 53. أي لماوقع الكلام و المحادثة حوله.

و ينكرون».و مضمون كتاب الكاظم عليه السلام هو مضمون ماتقدم في بداية هذا الامر الرابع عن الصادق عليه السلام من أن العقل و ان كان حجة يدرك به التوحيد و صفات الخالق و الكمالات و حسن العدل و قبح الظلم و احالة اجتماع النقيضين و نحوها ولكن لايكنفي به في معرفة مراضي الله و معاصيه و أوامره و نواهيه بل لابد من العلم و هو الكتاب العزير والسنة المطهرة للنبي و آله صلوات الله و سلامه عليهم فهذه هي الحجج الثلاث المشار اليها في قوله عليه السلام.«فمن أورد واحدة من هذه الثلاث و هي الحجة البالغة».كما أن المشار اليه بقوله عليه السلام «و هذان الامران من أمر التوحيد فما دونه و أرش الخدش فما فوقه فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين» هو ما تقدم في صدر كلامه عليه السلام من اجماع الامة علي الضرورة و الاخبار المجمع عليها أو الامر الذي لا اختلاف فيه و الذي فيه الشك سواء كان من الاصول أو فروعه و مقارنته مع الضروريات و السنة القطعية و المستفيضه عنهم عليهم السلام فما وافقها اصطفي و ارتضي و مانا فاها أنكر و نفي.و هذه ضابطة وردت بها أحاديث مسنفيضة كما في قول الصادق عليه السلام الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ان علي كل حق حقيقة و علي كل صواب نورا فما و افق كتاب الله فخذوه و ما خالف كتاب الله فدعوه»و قال عليه السلام «اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و الا فالذي جاءكم به أولي به» و قال «مالم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف» «و كل شي ء مردود الي الكتاب و السنة».و قال الرضا عليه السلام «ان الله حراما و أحل حلالا و فرض فرائض فما جاء في تحليل ما حرم الله أو في تحريم ما أحل الله أو دفع فريضة في كتاب الله رسمها

ص: 61

بين قائم بلاناسخ نسخ فذلك فذلك ما لايسع الاخذ به لان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لم يكن ليحرم ما أحل الله و لاليحلل ما حرم الله و لا ليغير فرائض الله و احكامه، كان في دلك كله متبعا مسلما مؤديا عن الله و ذلك قول الله أن أتبع الا مايوحي الي» فكان عليه السلام متبعا لله مؤديا عن الله ما أمره به من تبليغ الرسالة -الي أن قال- أنا لانرخص فيما لم يرخص فيه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و لانأمر بخلاف ما أمر به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الي أن قال -فأما أن نستحل ما حرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أو نحرم ما استحل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تابعا لامر ربه مسلما له و قال الله عزوجل «ما آتاكم الرسول فخذوه ومانها كم عنه فانتهوا».و قال الصادق عليه السلام «حلال محمد صلي الله عليه و آله و سلم حلال أبدا الي يوم القيامة و حرامه حرام أبدا الي يوم القيامة لايكون غيره و لا يجبي ء غيره و قال قال علي ما أحد ابتدع بدعة الانرك بها سنة» (1) .و في نهج البلاغة عن اميرالمومنين عليه السلام في كتابه الي مالك الاشتر قال: واردد الي الله و رسوله ما يظلعك من الخطوب و يشتبه عليك من الامور فقد قال الله سبحانه لقوم أحب ارشادهم «يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الامر منكم فان تنازعتم في شي ء فردوه الي الله و الرسول» فالراد الي الله الاخذ بمحكم كتابه، و الراد الي الرسول الاخذ بسنته الجامعة غير المتفرقه».و في تفسير العياشي عن سدير قال: قال ابوجعفر الباقر و ابو عبدالله (الصادق) عليهماالسلام: لاتصدق علينا الا ما وافق كتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و سلم.و قد تقدم قول الحجة (عج) «و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا» و هي الاحاديث المعتبرة المأثورة عن آبائه المعصومين عليهم السلام و عنه في

ص: 62


1- 54. الكافي ج1 ص58 ح19.

الغيبة الصغري.و قد تكرر ارجاع الحجة عليه السلام في التوقيعات الصادرة في الغيبة الصغري الي الروايات المأثورة عن آبائه عليهم السلام المدونة في الكتب المشهورة بين الطائفة ففي كتاب (1) لمحمد بن عبدالله بن جعفر الحميري (2) الي الحجة عليه السلام بتوسط النواب الاربعة سألة: عن المصلي اذا قام من التشهد الاول الي الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبر؟ فان بعض اصحابنا قال: لايجب عليه التكبير و يجزيه أن يقول بحول الله و قوته اقوم و اقعد؟الجواب توقيع الحجة عليه السلام: ان فيه حديثين: اما أحدهما: فانه اذا انتقل من حالة الي حالة اخري فعليه التكبير و أما الاخر: فانه روي: أنه اذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير و كذلك في التشهد الاول يجري هذا المجري، و بأيهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا».فأرجع (عج) السائل و هو محمد بن عبدالله الجعفري الي الحديثين المرويين عن آبائه عليهم السلام ثم أكد علي السائل الاخذ بأي واحد منهما و العمل به من باب التسليم و الرد في كل ماينوبه الي الاحاديث المنقولة عنهم عليهم السلام.و سئل الحميري أيضا في ضمن المسائل التي في كتابه و روي في ثواب القرآن في الفرائض و غيرها ان العالم (هو لقب للامام الكاظم) (3) عليه السلام قال:

ص: 63


1- 55. اي مكتوب.
2- 56. قال عنه العلامة الحلي «ابوجعفر القمي كان ثقة وجها كاتب صاحب الامر عليه السلام و سأله مسائل في ابواب الشريعة. و قال عنه النجاشي قال لنا احمد بن الحسين الفضائر (ابن استاذه): وقعت هذه المسائل الي في اصلها و التوقيعات بين السطور.
3- 57. للكاظم عليه السلام عدة ألقاب لشدة التقية في زمانه عليه السلام فكانت الشيعة تكني عنه بالعالم و الفقيه و العبد الصالح و غيرها من الالقاب خوفا من سلطات بني العباس.

عجبا لمن لم يقرأ في صلاته (انا انزلناه في ليلة القدر) كيف تقبل صلاته؟و روي: ماز كت صلاه من لم يقرأ (قل هو الله أحد).و روي: ان من قرأ في فرائضه (الهمزة) اعطي من الثواب قدر الدنيا، فهل يجوز أن يقرأ (الهمزة) و يدع هذه الصور التي ذكرناها مع ما قد روي أنه لاتقبل صلاة و لاتزكوا الابهما؟التوقيع: الثواب في السور علي ما قد روي و اذا ترك سورة مما فيها الثواب و قرأ (قل هو الله احد و انا انزلناه) لفضلهما اعطي ثواب ما قرأ و ثواب السور التي ترك و يجوز ان يقرأ غير هاتين السورتين و تكون صلاته تامة، ولكن يكون قد ترك الفضل».و سأل عن التوجه للصلاة أن يقول علي ملة ابراهيم و دين محمد صلي الله عليه و آله و سلم فان بعض اصحابنا ذكر انه اذا قال علي دين محمد فقد أبدع لانا لم نجده في شي ء من كتب الصلاة خلا حديثا في كتاب القاسم بن محمد عن جده عن الحسن به راشد أن الصادق عليه السلام قال للحسن (أي بن راشد): كيف تتوجه فقال: أقول لبيك و سعديك فقال له الصادق عليه السلام ليس عن هذا سألك كيف تقول وجهت وجهي الذي فطر السماوات و الارض حنيفا مسلما؟ قال الحسن: أقول:فقال الصادق عليه السلام: اذا قلت ذلك فقل: علي ملة ابراهيم و دين محمد و منهاج علي بن ابي طالب و الايتمام بآل محمد، حنيفا مسلما و ما أنا من المشركين.فأجاب (عج): التوجه كله ليس بفريضة و السنة الموكدة فيه التي هي كالاجماع الذي لاخلاف فيه: وجهت وجهي للذي فطر السموات و الارض حنيفا مسلما علي ملة ابراهيم و دين محمد و هدي اميرالمومنين و ما أنا من المشركين ان صلاتي

ص: 64

و نسكي و محيايي و مماتي لله رب العالمين لاشريك له و بذلك امرت و أنا من المسلمين اللهم اجعلني من المسلمين اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ثم اقرأ الحمد.قال الفقيه (1) الذي لايشك في علمه: ان الدين لمحمد و الهداية لعلي أمير المومنين لانها له صلي الله عليه و آله و سلم و في عقبه باقية الي يوم القيامة فمن كان كذلك فهو من المهتدين و من شك فلادين له و نغوذ بالله من الضلاله بعد الهدي.و سأل عن سجدة الشكر بعد الفريضة قان بعض أصحابنا ذكر أنها (بدعة) فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة؟ و ان جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الاربع ركعات النافلة؟فأجاب (عج): سجدة الشكر من الزم السنن و أوجبها و لم يقل ان هذه السجدة بدعة الا من أراد أن يجدث بدعة في دين الله. فاما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب و الاختلاف في انها بعد الثلاث أو بعد الاربع فان فضل الدعاء و التسبيح بعد الفرائض علي الدعاء بعقيب النوافل كفضل الفرائض علي النوافل و السجدة دعاء و تسبيح فالافضل ان تكون بعد الفرائض فان جعل بعد النوافل أيضا جاز».و كتب اليه صلوات الله عليه أيضا في سنة 308 هجري كتابا سأله فيه عن مسائل أخري سأل: ان قبلنا مشايخ و عجايز يصومون رجبا منذ ثلاثين سنة و أكثر و يصلون بشعبان و شهر رمضان. و روي لهم بعض أصحابنا: ان صومه معصية؟فأجاب عليه السلام: قال الفقيه: يصوم منه أيامه الي خمسة عشر يوما الا أن يصومه عن الثلاثة الايام الفائتة للحديث «ان نعم شهر القضاء رجب».

ص: 65


1- 58. أي الامام الكاظم عليه السلام و هذا اخبار منه (عج) عن جده.

و سأل عن الركعتين الاخراوين قد كثرت فيها الروايات فبعض يروي: ان قراءة الحمد و حدها أفضل و بعض برويك ان التسبيح فيهما أفضل، فالفضل لابهما لنستعمله؟ فأجاب (عج): قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعيتن التسبيح و الذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السلام: كل صلاة لا قراءة فيها فهو خداج الا للعليل أو يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه.و سأل: عن الرجل يعرض له الحاجة مما لايدري أن يفعلها أم لا، فيأخذ خاتمين فيكتب في أحدهما: (نعم افعل) و في الاخر: (لاتفعل) فيستخير الله مرارا ثم يري فيهما، فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج، فهل يجوز ذلك أم لا؟ و العامل به و التارك له أهو مثل الاستخارة أم هو سوي ذلك؟فأجاب (عج): الذي سنه العالم (1) عليه السلام في هذه الاستخارة بالرقاع و الصلاة.و سأل: عن الرجل ينوي اخراج شي ء من ماله وان يدفعه الي رجل من اخوانه ثم يجد في اقربائه محتاجا أيصرف ذلك عمن نواه له أو الي قرابته؟فأجاب يصرفه الي ادناهما و أقربهما من مذهبه فان ذهب الي قول العالم عليه السلام «لايقبل الله الصدقة و ذو رحم محتاج» فليقسم بين القرابة و بين الذي نوي حتي يكون قد أخذ بالفضل كله».أقول: فكل هذا الارجاع من الحجة (عج) لاحاديث آبائه المعصومين عليهم السلام مع أنه معصوم أيضا و قوله كقولهم حجة علي العباد ليس الا لتعليم الشيعة علي الرجوع الي الاحاديث المأثورة عن آبائهه عليهم السلام في الغيبة الكبري.و الائمة الاثناعشر كلهم نور واحد و مشكاة واحدة قال هشام بن سالم و هو من أجلاء أصحاب الصادق عليه السلام و كذلك قال حماد بن عثمان و غيره قالوا: سمعنا اباعبدالله عليه السلام يقول: حديثي حديث أبي، و حديث أبي حديث جدي

ص: 66


1- 59. قد ذكر المجلسي الاول (قده) في موضع من روضته أن لقب العالم هو لكل المعصومين (ع) لاخصوص الكاظم (ع) و أن هذا التخصيص اشتباه من بعض المتأخرين فتأمل.

و حديث جدي جديث الحسين، و حديث الحسين حديث الحسن و حديث الحسن حديث أميرالمومنين و حديث أميرالمومنين حديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و حديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قول الله عزوجل (1) .و قال جابر الجعفي (و هو من حواربي الباقر عليه السلام): قلت لابي جعفر عليه السلام: اذا حدثتني بحديث فأسنده لي فقال: حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن جبرئيل عن الله تبارك و تعالي و كلما أحدثك أحدثك بهذا الاسناد و قال: لحديث و احد تأخذه عن صادق (2) خير لك من الدنيا و مافيها».و روي الكليني عن الصادق عليه السلام انه قال: ليس يخرج شي ء من عند الله عزوجل حتي يبدأ برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ثم بأميرالمؤمين عليه السلام ثم بواحد بعد واحد لكيلا يكون آخرنا أعلم من أولنا» (3) .و روي الكليني عن الحكم بن أبي نعيم قال: أتيت أباجعفر (الباقر) عليه السلام و هو بالمدينة فقلت له: علي نذر بين الركن و المقام ان انا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتي أعلم أنك قائم آل محمد أم لا فلم يجبني بشي ء فأقمت ثلاثين يوما ثم استقبلني في طريق فقال: يا حكم و انك لههنا بعد فقلت: نعم اني أخبرتك بما جعلت لله علي فلم تأمرني و لم تنهني عن شي ء و لم تجبني بشي ء؟ فقال: بكر علي غدوة المنزل فغدوت عليه فقال عليه السلام: سل عن حاجتك؟ فقلت: اني جعلت لله علي نذرا و صياما و صدقه بين الركن و المقام ان أنا لقيتك أن لا أخرج من

ص: 67


1- 60. كما قال تعالي «ماينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي» «ان اتبع الا ما يوحي الي».
2- 61. اشارة الي المعصوم عليه السلام كما قال تعالي «كونوا مع الصادقين» أي المعصومين عليهم السلام.
3- 62. الكافي ج1 ص255.

المدينة حتي أعلم أنك قائم آل محمد أم لا؟ فان كنت أنت رابطتك و ان لم تكن أنت، سرت في الارض فطلبت المعاش فقال: ياحكم كلنا قائم بأمر الله قلت: فأنت المهدي؟ قال: كلنا نهدي الي الله قلت: فأنت صاحب السيف؟ قال: كلنا صاحب السيف و وارث السيف قلت: فأنت الذي تقتل أعداء الله و يعز بك أولياء الله و يظهر بك دين الله؟ فقال: يا حكم كيف أكون أنا و قد بلغت خمسا و أربعين سنة؟ و ان صاحب هذا الامر أقرب عهدا باللبن مني و أخف علي ظهر الدابة» (1) .

ان الرؤيا ليست مصدرا للتشريع

ان الرويا ليست مصدرا للتشريع الا للانبياء و الرسل خاصة.قال تعالي «قال يا بني اني أري في المنام دني أذبحك» (2) .روي السيد البحراني في تفسيره عن الصدوق بسنده عن الحسن به علي بن فضال قال سألت ابا الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام عن معني قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنا ابن الذبيحين قال: يعني اسماعيل بن ابراهيم عليهماالسلام و عبدالله بن عبدالمطلب أما اسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر الله تعالي به ابراهيم عليه السلام فلما بلغ معه السعي قال و هو لما عمل مثله عمله «قال با بني اني أري في المنام اني أذبحك فانظر ماذا تري قال يا أبت افعل ما تومر» و لم يقل له يا أبت افعل ما رأيت الحديث» (3) .و بهذا المضمون عدة روايات

ص: 68


1- 63. الكافي ج1 ص536.
2- 64. الصافات: 102.
3- 65. تفسير البرهان ج4 ص31.

و قال تعالي «بل يريد كل امري ء منهم أن يوتي صحفا منشرة» (المدثر، 53) أي يريد كل واحد من هولاء الذين لم يؤمنوا أن يكون رسولا يوحي اليه أو لعله تفسير لقوله تعالي «و قالوا لن نؤمن لك حتي..... أو ترقي في السماء و لن نومن لرقيك حتي تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا» (الاسراء: 94).و روي الكليني بسنده عن زرارة قال: سألت أباجعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل «و كان رسولا نبيا» ما الرسول و ما النبي؟ قال: النبي الذي يري في منامه و يسمع الصوت و لا يعاين الملك و الرسول الذي يسمع الصوت و يري في المنام و يعاين الملك قلت الامام ما منزلته؟ قال: يسمع الصوت و لايري و لايعاين الملك ثم تلا هذه الاية: و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي و لامحدث» (1) .و روي أيضا بسنده عن الحسن بن العباس المعروفي انه كتب الي الرضا عليه السلام جعلت فداك أخبرني ما الفرق بين الرسول و النبي و الامام؟ قال: فكتب أو قال: الفرق بين الرسول و النبي و الامام أن الرسول الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه و يسمع كلامه و ينزل عليه الوحي و ربما رأي في منامه نحو رؤيا ابراهيم عليه السلام و النبي ربما سمع الكلام و ربما رأي الشخص و لم يسمع و الامام هو

ص: 69


1- 66. الكافي ج1 ص176.

الذي يسمع الكلام و لايري الشخص» (1) (2) .و بهذا المضمون عدة روايات اخري.و روي المجلسي عن امالي الشيخ الطوسي بسنده عن اميرالمومنين عليه السلام قال: رويا الانبياء وحي» (3) .

ص: 70


1- 67. ورد تحديث الملائكة أولياء الله و المعصومين في القرآن في موارد قال تعالي «اذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسي ابن مريم وجيها في الدنيا و الاخرة و من المقربين، و يكلم الناس في المهد و كهلا و من الصالحين قالت رب أني يكون لي ولد و لم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق مايشاء اذا قضي أمرا فانما يقول له كن فيكون» (آل عمران، 47). و قال تعالي «و اذكر في الكتاب مريم اذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت اني اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا قال انما أنا رسول ربك» (الاية مريم، 16). و قال تعالي «و أوحينا الي أم موسي أن ارضعيه فاذا خفت عليه فألقيه في اليم و لا تخافي و لا تحزني انا رادوه اليك و جاعلوه من المرسلين» «فرددناه الي أمه كي تقر عينها و لاتحزن و لتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثر هم لا يعلمون» (القصص، 14). و قال تعالي «و لقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشري قالوا سلاما قال سلام فما ليث أن جاء يعجل حنيذ، فلما رأي أيديهم لا تصل اليه نكره و أوجس منهم خيفة قالوا لا تخف انا أرسلنا الي قوم لوط، و امرأته قائمة فضحكت فبشرنها باسحاق و من وراء اسحاق يعقوب، قالت يا ويلتي ءألد و أنا عجوز و هذا بعلي شيخا ان هذا لشي ء عجيب قالوا أتعجبين من أمرالله رحمت الله و بركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد» (هود، 73). فهده مريم وام موسي عليه السلام و سارة و زوجة ابراهيم عليه السلام حدئن من قبل الملائكة.
2- 68. نفس المصدر.
3- 69. البحار ج11 ص64، ج61 ص181.

و اذا لم تكن الرويا قناة شرعية للامام المعصوم فماظنك بغير المعصوم.و روي الكليني بسنده عن ابن اذينة عن ابي عبدالله (الصادق) عليه السلام قال: قال: ما تروي هذه الناصبة؟ فقلت جعلت فداك فيما ذا؟ فقال: في أذانهم و ركوعهم و سجودهم فقلت: انهم يقولون: ان ابي بن كعب رآه في النوم فقال: كذبوا فان دين الله عزوجل أعز من أن يري في النوم قال: فقال له سدير الصيرفي: جعلت فداك فأحدث لنا من ذلك ذكرا فقال ابوعبدالله عليه السلام: ان الله عزوجل لما عرج بنبيه صلي الله عليه و آله و سلم الي سماواته السبع الحديث (1) ثم ذكر عليه السلام تفصيل ذلك.و قال العلامة المجلسي (قده) «قد ورد بأسانيد صحيحة عن الصادق عليه السلام في حديث الاذان أن دين الله تبارك و تعالي أعز من أن يري في النوم» و قال: المراد انه لا يثبت أصل شرعية الاحكام بالنوم با انما بالوحي الجلي» (2) .و قد اتضح أن المقصود من أن الرويا ليست مصدر للشريعة الا للانبياء خاصة أن الرويا المشتملة علي الامر و النهي هي أحد أقسام الوحي الالهي للانبياء و من المعلوم أنه مخصوص بمن ينبأ من الله عزوجل.أما الرؤيا الصادقة المشتملة علي حكاية وقائع مستقبلية أي التي يكون مضمونها الاخبار -بخلاف الرؤيا الاولي التي يكون مضمونها الا نشاء التشريعي الالهي- فهذه أيضا تحصل للانبياء و الرسل و هي تكون صادقة دائما لديهم.قال تعالي: «اذ قال يوسف لابيه يا أبت اني رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين قال يا بني لاتقصص روياك علي اخوتك» الاية (3) و هذه التي فيها التأويل و التعبير.

ص: 71


1- 70. الكافي ج3 ص482.
2- 71. البحار ج61 ص237.
3- 72. يوسف: 8.

قال تعالي علي لسان يعقوب عليه السلام مخاطبا يوسف عليه السلام «و كذلك يجتبيك ربك و يعلمك من تأويل الاحاديث» (1) .و قال تعالي «و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك الا فتنة للناس» (2) .و قال: «لقد صدق الله رسوله الرويا بالحق لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله آمنين» الاية (3) .حيث رأي النبي صلي الله عليه و آله و سلم ذلك عام الحديبية و هي سنة الست من الهجرة و صدقت العام الذي بعده.هذا و قد بحث علماء الكلام (و هو العلم الباحث عن اصول العقائد) عن طريق معرفة النبي أنه مبعوث و اطمئنانه بذلك و عن كيفية العصمة في الوحي و تلقيه و مجمل الادلة علي ضرورتة تأييد الانبياء و حفظهم و عصمتهم و في نهج البلاغة عن اميرالمومنين انه قال: و قد قرن الله به صلي الله عليه و آله و سلم من لدن ان كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم و محاسن اخلاق العالم ليله و نهاره».و استفاضت الروايات بانه صلي الله عليه و آله و سلم لم يزل مويدا بروح القدس يكلمه و يسمع صوته و يري الرويا الصادقة حتي بعثه الله نبيا و رسولا.و قد سأل أصحاب الائمة عن دلك فعن زرارة بن اعين قال قلت: لابي عبدالله عليه السلام كيف لم يخف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فيما يأتيه من قبل الله أن يكون مما ينزغ به الشيطان؟ فقال: ان الله اذا اتخذ عبدا رسولا انزل عليه السكينة و الوقار

ص: 72


1- 73. يوسف 8.
2- 74. الاسراء: 60.
3- 75. الفتح: 27.

فكان الذي يأنيه من قبل الله مثل الذي يراه بعينه» (1) .و روي الكليني بسنده عن يريد انه سئل ابي جعفر (الباقر) و ابي عبدالله (الصادق) عليهماالسلام قال: قلت: فما الرسول و النبي و المحدث؟ قال: الرسول الذي يظهر له الملك نيكلمه و النبي هو الذي يري في منامه و ربما اجتمعت النبوة و الرسالة لواحد و المحدث الذي يسمع الصوت و لا يري الصورة قال: قلت أصلحك الله كيف يعلم أن الذي رأي في النوم حق و انه من الملك؟ قال: يوفق حتي يعرفه لقد ختم الله بكتابكم الكتب و ختم نبيكم الانبياء» (2) .و هذا مايشير اليه قوله تعالي «و بالحق أنزلناه و بالحق نزل» (3) فالوحي انزال حق و معصوم و في تلقي الرسول اياه حق و معصوم و قال عز من قائل «و ما تنزلت به الشياطين و ما ينبغي لهم و ما يستطيعون» (4) .اذا تنبهت الي مجمل ماسبق يتضح لك أن غير المعصوم من سائر الناس ليس له أي حظ من الرويا من النحو الاول و هي مايكون فيها انشاء أي أوامر و نواهي للهية و نحوها من الاحكام الشرعية و ان توهم ذلك متوهم فليستيقن بأن ذلك من الشياطين و قد أشار القرآن الكريم الي عدة من افعال الشياطين.

ص: 73


1- 76. تفسير العياشي ج2 ص201.
2- 77. الكافي ج1 ص177.
3- 78. تفسير العياشي ج2 ص201.
4- 79. الاسراء: 105.

(فمنها) الهمز كما في قوله تعالي «و قل رب اعوذبك من همزات الشياطين» (1) .(و منها) النزول علي الافاك (اي الكذاب المفتري) الاثم كمافي قوله تعالي «هل انبئم علي من تنزل الشياطين تنزلت علي كل أفاك أثيم» الشعراء (221).(و منها) الاستهواء كمافي قوله تعالي»كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران» الانعام (71).(و منها) النزغ كمافي قوله تعالي «و اما ينزغنك من الشيطان نزع فاستعذ بالله» الاعراف (200).(و منها) المس كمافي قله تعالي «ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا» الاعراف (201).(و منها) الاز كمافي قوله تعالي «ألم تري انا أرسلنا الشياطين علي الكافرين نوزهم أزا» مريم (83).(و منها) الالقاء كمافي قوله تعالي «ليجعل مايلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض» الحج (52).(و منها) الايحاء كمافي قوله تعالي «و ان الشياطين ليوحون الي أوليائهم ليجادلوكم ان اطعتموهم فانكم منهم» الانعام (121) و غير ذلك كثير في الايات.و عن الباقر عليه السلام قال: لماترون من بعثه الله عزوجل للشقاء علي أهل الضلالة من أجناد الشياطين و أرواحهم أكثر مما ترون مع خليفة الله الذي بعثه للعدل و الصواب للملائكة قيل يا اباجعفر و كيف يكون شي ء أكثر من الملائكة قال: كما يشاء لله عزوجل قال السائل يا اباجعفر اني لوحدثت بعض أصحابنا الشيعة بهذا الحديث لانكروه قال: كيف ينكرونه قال يقولون ان الملائكة أكثر من الشياطين قال صدقت انهم عني ما أقول لك انه ليس من يوم و لا ليلة الا و جميع

ص: 74


1- 80. المومنون 97.

الجن و الشياطين تزور ائمة الضلالة و تزور ائمة الهدي عددعم من الملائكة حتي اذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة الي ولي الامر قيض الله عزوجل من الشياطين بعددهم ثم زاروا ولي الضلالة فأتوه بالافك و الكذب حتي لعله يصبح فيقول رأيت كذا و كذا فلوسئل ولي الامر عن ذلك لقال رأيت شيطانا أخبرك بكذا و كذا حتي يفسر له تفسيرا و يعلمه الضلالة التي هو عليها» (1) .و الهمز كالعصر و النزغ الجذب للشي ء من مقره و المس كاللمس و الاز كالهز و هذه الافعال توردها الشياطين في القلوب بتوسط الخواطر و الواردات و الميول و التجاذب النفسي.و عن كتاب مجالس الصدوق بسنده عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: ان لابليس شيطانا يقال له «هزع» يملا المشرق و المغرب في كل ليلة يأتي الناس في المنام، و لهذا يري الاضعاث» (2) .نعم الرؤيا من القسم الثاني و هي المتضمنة للاخبار و الحكاية عن الوقائع المستقبلة فلغير المعصوم حظ يسير منها بحسب تقواه و صدق حديثه و لسانه و صفاء قلبه فعن الصدوق (علي بن بابويه) بسند عن الكاظم عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله الرؤيا ثلاثة: بشري من الله و تحزين من الشياطين و الذي يحدث به الانسان نفسه فيراه في منامه و قال صلي الله عليه و آله: الرؤيا من الله و الحلم من الشيطان» (3) .و لا تخفي دلالة الرواية علي أن الرؤيا الصادقة التي هي نصيب غير المعصوم هي ما تكون بشري أي حاكية و مخبرة اي من القسم الثاني لا الاول و هي المتضمنة للانشاء و التشريع.

ص: 75


1- 81. تفسير البرهان ج4 ص458.
2- 82. البحار ج61 ص159.
3- 83. البحار ج61 ص191.

و مثل ذلك مفاد الرواية عن الباقر عليه السلام عن جابر بن عبدالله الانصاري قال: أتي رجل من أهل البادية رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: يا رسول الله أخبرني عن قول الله «الذين آمنوا و كانوا يتقون لهم البشري في الحياة الدنيا و في الاخرة» فهي الرؤيا الحسنة تري للمؤمن فيبشر بها في دنياه و أما قوله «و في الاخرة فانها بشارة المؤمن عند الموت أن الله غفر لك و لمن يحملك الي قبرك» (1) .و روي الكليني بسنده عن ابي الحسن عليه السلام قال: ان الاحلام لم تكن في ما مضي في اول الخلق و انما حدثت فقلت و ما العلة في ذلك؟ فقال: ان الله عز ذكره بعث رسولا الي اهل زمانه قدعاهم الي عبادة الله و طاعته فقالوا: ان فعلنا ذلك فما لنا؟ فوالله ما أنت بأكثرنا مالا و لا بأعزنا عشيرة فقال: ان اطعتموني ادخلكم الله الجنة و ان عصيتموني أدخلكم الله النار فقالوا: و ما الجنة و ما النار؟ فوصف لهم ذلك فقالوا متي نصير الي ذلك فقال: اذا متم فقالوا لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما و رفاتا، فازدادوا له تكذيبا وبه استخفافا فأحدث الله عزوجل فيهم الاحلام فأتوه فأخبروه بمارأوا و ما أنكروا من ذلك فقال: ان الله عز ذكره أراد أن يحتج عليكم بهذا، هكذا تكون أرواحكم اذا متم و ان بليت أبدانكم تصير الارواح الي عقاب حتي تبعث الابدان (2) .و اذا عرفت أن الرويا التي هي من نحو الاخبار علي ثلاثة أقسام صادقة و كاذبة و تخيلات يتضح لك عدم دوام الصدق فيها ففي كتاب التوحيد للمفضل بن عمر الجعفي قال له الامام الصادق عليه السلام: فكر يا مفضل في الاحلام كيف دبر الامر فيها، فمزج صادقها بكاذبها فانها لو كانت كلها تصدق لكان الناس كلهم انبياء

ص: 76


1- 84. نفس المصدر.
2- 85. روضة الكافي ص90.

و لو كانت تكذب لم يكن فيها منفعة، بك كانت فضلا لا معني له، فصارت تصدق أحيانا فينتفع بها الناس في مصلحه يهتدي لها، أو مضرة يتحذر منا، و تكذب كثيرا لئلا يعتمد عليها كل الاعتماد» (1) .و عن كتاب بصائر الدرجات في قصة الحسن بن عبدالله الرافقي (الواقفي) الزاهد العابد حيث كان يلقاه السلطان فيستقبله بالكلام الصعب يعظه و يأمره بالمعروف و كان يحتمله لصلاحه فلم يزل حاله حتي اهتدي للمعرفة علي يد الامام الكاظم عليه السلام في لقاآت متعددة و كان يري الرؤيا الحسنة و تري له ثم انقطعت عنه الرؤيا فرأي ليلة أباعبدالله عليه السلام فيما يري النائم فشكي اليه انقطاع الرؤيا، فقال: لا تغتم فان المؤمن اذا رسخ في الايمان رفع عنه الرويا» (2) و لعل ذلك مراد ما حكاه الشيخ المفيد قال «و قد كان شيخي -رضي الله عنه- قال لي- ان كل من كثر علمه و أتسع فهمه قلت مناماته» (3) .و عن كتاب ثواب الاعمال للصدوق (قده) بسنده عن هشام بن أحمد و عبدالله ابن مسكان و محمد بن مروان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ثلاثة يعذبون يوم القيامة من صور صورة من الحيوان حتي ينفخ فيها و ليس بنافخ فيها، و الذي يكذب في منامه يعذب حتي يعقد بين شعيرتين و ليس بعقدهما، و المستمع من قوم و هم له كارهون يصب في اذنيه الانك و هو الاسرب (الرصاص)-» (4) .و بعد هذا كله لعل قائل يقول: أليس قد روي عن رسول الله صلي الله عليه و آله أنه قال: من رآني في منامه فقد رآني لان الشيطان لايتمثل في صورتي و لافي صورة أحد

ص: 77


1- 86. البحار ج61 ص183.
2- 87. اليحار ج61 ص189.
3- 88. البحار ج61 ص210.
4- 89. البحار ج61 ص183.

من أوصيائي و لافي صورة أحد من شيعتهم» و حينئذ كانت رؤيا الرسول صلي الله عليه و آله أو أحد من اوصيائه صادقة لامحالة و هي لايفرق فيها بين ان تكون من القسم الاول و هي ما كان فيها أمرونهي أو من القسم الثاني و هي الاخبار عن ما يستقبل من الامور.و هذه المقاله و هم فاسد لجهات عدة:(الاولي): أن أكثر ما روي عن الرسول صلي الله عليه و آله من رآني في منامه فقد رآني فهو بطرق العامة لابطرق الخاصة الامامية و أما ما روي بطريق الخاصة فالمرحوم العلامة المجلسي علي سعة باعه و توغله في الرواية لم يذكر في كتاب البحار في باب روية النبي صلي الله عليه و آله و الاوصياء عليهم السلام الارواية واحدة بهذا المضمون ثم ذكر انه روي المخالفون (أهل السنة) ذلك بأسانيد عندهم و لذا قال السيد المرتضي رضوان الله تعالي عليه عند ما سئل عن هذا الخبر «هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الاحاد و لامعول علي مثل ذلك» (1) .و هي ليست علي درجة من الاعتبار و بعبارة أخري أن حجية الرواية يشترط فيها أمور منها ما يتعلق باسند و الطريق و هو الاشخاص الذين ينقل كل منهم عن الاخر حتي يصل الي المعصوم عليه السلام فأنهم لابد أن يكونوا عدولا أو ثقاتا قد أطمئن الي صدق لهجتهم فلا يقبل من غير العادل و الثقة قال تعالي «اذا جاءكم فاسق بنيأفتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين» (2) و كذلك مجهول الحال فانه لايمكن الاعتماد فليه في النقل و الحاديث.(الثانية): أن هذه المسألة و هي كون الرويا مصدرا لاستقاء أحكام الشريعة من سلك مسائل الاصول الاعتقادية فكيف يعول فيها علي خبر واحد ظني اذلا بدفيها من

ص: 78


1- 90. البحار ج61، ص216 نقلا عن كتاب الغررو الدرر للسيد المرتضي (قده).
2- 91. (سورة الحجرات: 6).

اليقين و القطع و لذلك قال العلامة المجلسي تغمده الله برحمته «أن الظاهر أن هذا من مسائل الاصول و لابد فيه من العلم و لا يثبت بأخبار الاحاد المفيدة للظن» (1) .(الثالثة): لو فرضنا اعتبار طريق الرواية و فرضنا امكان اثبات مثل هذه المسألة بخبر واحد ظني فان ذلك يتم لو كنا تحن و الرواية علي تقدير صحة هذه الاستفادة من معني الروية، و أما مع ما تقدم من الايات القرآنية و السنة المستفيضة المتواترة معني في أن الرويا المتضمنة للامر و النهي من خصائص الانبياء و المرسلين فلا يمكن الاعتماد علي هذه الاستفادة من الرواية و لا يرفع اليد عن الدليل القطعي بخبر واحد و لابوسوس في ذلك الا من ليس يتحرج في دينه و من لاير كن الي أوليات عقله و فطرته.(الرابعة):توجد روايتان معتبرتان بل أكثر تدل بالخصوص علي عدم صحة ان من رآهم في المنام مطلقا و دوما فقد رآهم عليهم السلام، فقد روي الشيخ الجليل الكشي رحمه الله في كتابه معرفة الرجال عن جبريل بن احمد انه حدثه محمد به عيسي (العبيدي اليقطيني) عن علي بن الحكم عن حماد بن عثمان عن زرارة قال قال ابوعبدالله (الصادق) عليه السلام أخبرني عن حمزة (2) ايزعم ان ابي آتيه قلت: نعم قال: كذب و الله مايأنيه الا المتكون، ان ابليس سلط شيطانا يقال له المتكون يأتي الناس في أي صورة شاء، ان شاء في صورة صغيرة و ان شاء في صورة كبيرة و لا و الله ما يستطيع أن يجي ء في صورة ابي عليه السلام» (3) .

ص: 79


1- 92. البحار ج61 ص238.
2- 93. هو حمزة بن عمارة الزبيدي البربري و سيأتي حاله في الفصل الثالث.
3- 94. رواهما الكشي في رجاله في ترجمة محمد بن ابي زينت ابي الخطاب (مقلاص).

و روي عن سعد بن عبدالله الاشعري قال حدثني احمد بن محمد (بن عيسي الاشعري) عن ابيه و الحسين بن سعيد (الاهوازي) عن ابن ابي عمير عن محمد بن عمر بن أذينة عن بريد به معاوية العجلي و بطريق آخر عن سعد به عبدالله قال حدثني محمد بن عيسي (العبيدي) عن يونس بن عبدالرحمن و محمدبن ابي عمير عن محمد به عمر بن أذينة عن بريد بن معاوية العجلي قال: كان حمزة بن عمارة الزبيدي (البربري) لعنه الله يقول لاصحابه أن اباجعفر (الباقر) عليه السلام بأتيني في كل ليلة و لايزال انسان بزعم أنه قد أراه اياه فقدر لي أني لقيت أبا جعفر عليه السلام فحدثته بما يقول حمزة، فقال: كذب عليه لعنة الله مايقدر الشيطان أن يتمثل في صورة نبي و لا وصي نبي» (1) .و هاتان الروايتان و ان كان يحتمل منهما الروبة في اليقظية و لكن ذلك لايخدش في المطلوب و هو عدم دوام المطابقة بين ما يعتقده الرائي سواء في المنام أو اليقظة انه قد رأي الائمة مع الواقع و الحقيقة و ذلك لتلبيس و خداع الشيطان للرائي و تشكل الشيطان (الذي يسمي المتكون) بصور مختلفة يغري الرائي أن تلك الصورهم الائمة عليهم السلام مع أن تلك الصور ليست بصورهم عليهم السلام لانه لايستطيع التمثل و التشكل بصورهم عليهم السلام و ستأتي في الفصل اللاحق نقل عدة روايات بهدا المضمون.(الخامسة):لورفعنا اليد فرضا عن ما سبق فانما يتبع ما يري في الشي ء الذي علم من الشريعة المقدسة صحته أي كان المرئي موافق لظاهر الشريعة لا ما كان مخالفا لها و ذلك لكون منشا و دليل حجية الروبة هي الرواية التي هي واصلة لنا من الشريعة فكيف تعارض الشريعة و هل يمكن للفرع أن يستأصل و يبيد الاصل.

ص: 80


1- 95. نفس المصدر.

قال الكراجكي رحمه الله في كتابه كنز الفوائد: وجدت لشيخنا المفيد رضي الله عنه في بعض كتبه.«أن الكلام في باب رويا المنامات عزيز و تهاون أهل النظر به شديد و البلية بذلك عظيمة و صدق القول فيه أصل جليل -الي أن قال- و أما رؤية الانسان للنبي صلي الله عليه و آله أو لاحد الائمة عليهم السلام في المنام فان ذلك عندي علي ثلاثة اقسام:قسم اقطع علي صحته و قسم اقطع علي بطلانه و قسم أجوز فيه الصحة و البطلان فلا اقطع فيه علي حال.فأما الذي أقطع علي صحته فهو كل منام رأي فيه النبي صلي الله عليه و آله أو أحد الائمة عليهم السلام و هو الفاعل لطاعة أو آمربها، و ناه عن معصية أو مبين لقبحها و قائل لحق أو داع اليه، و زاجر عن باطل أوذام لمن هو عليه.و أما الذي أقطع علي بطلانه فهو كل ما كان ضد ذلك، لعلمنا أن النبي صلي الله عليه و آله و الامام عليه السلام صاحبا حق، و صاحب الحق بعيد عن الباطل.و أما الذي أجوز فيه الصحة و البطلان فهو المنام الذي يري فيه النبي و الامام عليهماالسلام و ليس هو آمرا و لاناهيا و لاعلي حال يختص بالديانات (1) مثل ان يراه راكبا أو ماشيا أو جالسا و نحو ذلك.و أما الخبر الذي يروي عن النبي صلي الله عليه و آله من قوله «من رآني فقد رآني، فان الشيطان لايتشبه بي» فانه اذا كان المراد به المنام يحمل علي التخصيص دون أن يكون في كل حال و يكون المراد به القسم الاول من الثلاثة الاقسام لان الشيطان لايتشبه بالنبي صلي الله عليه و آله في شي ء من الحق و الطاعات.(الي ان قال) و جميع هذه الروايات أخبار آحادفان سلمت فعلي هذا المنهاج

ص: 81


1- 96. يريد بعبارته هذه أن الرؤيا ليس من القسم الاول و هو ما تضمن انشاء امر أو نهي أو حكما شرعيا.

و قد كان شيخي -رحمه الله- يقول:اذا جاز من بشر أن يدعي في اليقظة أنه اله كفرعون و من جري مجراه مع قلة حياة البشر و زوال اللبس في اليقظة فما المانع من أن يدعي ابليس عندالنائم بوسوسة أنه نبي؟ مع تمكن ابليس مما لايتمكن منه البشر و كثرة اللبس المعترض في المنام.و مما يوضح لك أن من المنامات التي يتخيل للانسان انه قد رأي فيها رسول الله و الائمة منها ما هو حق و منها ما هو باطل انك تري الشيعي يقول رأيت في المنام رسول الله صلي الله عليه و آله و معه أميرالمومنين علي بن أبي طالب عليه السلام و هو يأمرني بالاقتداء به دون غيره، و يعلمني أنه خليفته من بعده و أن أبابكر و عمر و عثمان ظالموه و دعداوه و ينهاني عن موالاتهم و يأمرني بالبراءة منهم و نحو ذلك مما يختص بمذهب الشيعة، ثم يري الناصبي يقول: رأيت رسول الله في النوم و معه أبوبكر و عمر و عثمان و هو يأمرني بمحبتهم و ينهاني عن بغضهم و يعلمني أنهم أصحابه في الدنيا و الاخرة، و أنهم معه في الجنة و نحو ذلك ممايختص بمذهب الناصبية فنعلم لامحالة أن أحد المنامين حق و الاخر باطل فأولي الاشياء أن يكون الحق منهما ما ثبت الدليل في اليقظة علي صحة ما تضمنه، و الباطل ما أو ضحت الحجة عن فساده و بطلانه و ليس يمكن الشيعي أن يقول للناصبي انك كذبت في قولك: انك رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله لانه يقدر أن يقول له مثل هذا بعينه.و قد شاهدنا ناصبيا يتشيع و أخبرنا في حال تشيعه بأنه يري منامات بالضد مما كان يراه في حال نصبه فبان بذلك أن أحد المنامين باطل و أنه من نتيجة حديث النفس أو من وسوسة ابليس و نحو ذلك، و ان المنام الصحيح هو لطف من الله تعالي بعبده علي المعني المتقدم وصفه.و قولنا في المنام الصحيح ان الانسان رأي في نومه النبي صلي الله عليه و آله انما معناه

ص: 82

أنه كأن قد رآه و ليس المراد به التحقق في اتصال شعاع بصره بجسد النبي صلي الله عليه و آله، و أي بصر يدرك به في حال نومه؟ و انما هي معاني تصورت و في نفسه تخيل له فيها أمر لطف الله تعالي له به قام مقام العلم و ليس هذا بمناف للخبر الذي روي من قوله (من رآني فقد رآني) لان معناه: فكأنما رآني و ليس يغلط في هذا المكان الا من ليس له من عقله اعتبار» (1) .و لهذا بحث الكثير في علم ما اصطلح عليه «بالعرفان» عن الفارق بين الالهام الرحماني والالهام الشيطاني و بين الكشف الحقيقي و الكشف الكاذب غير الحقيقي و بين الواردان الرحمانيه و الملكية و الواردات القلبية الشيطانية و الجنية.فقد ذكر الشارح القيصري في شرحه علي (فصوص الحكم) لان العربي في الفصل السادس و السابع من الفصول التي ذكرها في المقدمة.قال «و كما أن النوم ينقسم بأضغاث أحلام و غيرها كذلك مايري في اليقظة ينقسم الي أمور حقيقة محضة واقعة في نفس الامر والي أمور خيالة صرفة لا حقيقة لها شيطانية و قد يخلطها الشيطان بيسير من الامور الحقيقة ليضل الرائي، لذلك يحتاج السالك الي مرشد يرشده و ينجيه من المهالك و الاول اما أن يتعلق بالحوادث أولا.فان كان متعلقا بها فعند وقوعها كما شاهدها أو علي سبيل التعبير و عدم وقوعها يحصل التمييز بينهما و بين الخيالية الصرفة و عبور الحقيقة عن صورتها الاصلية انما هو للمناسبات التي بين الصور الظاهرة هي فيها و بين الحقيقة و لظهورها فيها أسباب كلها راجعة الي أحوال الرائي و تفصيله يودي الي التطويل.و اما اذا لم يكن كذلك (أي الرويا غير الاخبارية بالمستقبليات) فللفرق بينها

ص: 83


1- 97. البحار ج61 ص211 نقلا عن كتاب كنز الفوائد.

و بين الخيالية الصرفة موازين يعرفها أرباب الذوق و الشهود بحسب مكاشفاتهم كما لن للحكماء ميزانا يفرق بين الصواب و الخطا و هو المنطق.(منها) ما هو ميزان عام و هو القرآن و الحديث المنبي ء كل منهما علي الكشف التام المحمدي صلي الله عليه و آله.(و منها) ما هو خاص و هو مايتعلق بحل كل منهم الفايض عليه من الاسم الحاكم و الصفة العالية عليه و سنومي في الفصل التالي (أي السابع) بعض مايعرف به اجمالا» (1) .أقول: فتري أن الميزان عندهم لكون ما يرد علي القلب و ما ينكشف له -سواء بالروية في المنام أو في اليقظة أو بغير الروية من الالهام القلبي و غيره- الميزان بين الحق و الحقيقي منه و بين الباطل و الشيطاني و الخيالي الذي لاواقعية له هو القرآن الكريم و السنة المطهرة.وقد برهن الشارح القيصري علي ذلك بحسب مصطلح علم العرفان بقوله في الفصل السابع.و لما كان كل من الكشف الصوري و المعنوي علي حسب استعداد السالك و مناسبات روحه و توجه سره الي كل من أنواع الكشف و كانت الاستعدادات متفاوتة و المناسبات متكثرة صارت مقامات الكشف متفاوتة بحيث لايكاد ينضبط و أصح المكاشفات و أتمها انما يحصل لمن يكون مزاجه الروحاني أقرب الي الاعتدال التام كأرواح الانبياء و الكمل من الاولياء صلوات الله عليهم» (2) .و لذا تقرر عندهم أن كل كشف فهو يعرض علي كشف الانبياء و الرسل صلي الله عليه و آله فان وافقه فيعلم صحته و الا فيعلم فساده، و أن الكشف المعصوم من الباطل هو

ص: 84


1- 98. شرح الفصوص للقيصري ص32.
2- 99. شرح القيصري ص36 و هو يشير الي ما روي عن أميرالمومنين (ع) عندما سئله بعض اليهود عن تعلم الفلسفة راجع الكلمات المكنونة للفيض ص78. [

كشف الانبياء المتجلي في الكتب السماوية التي يبعثون بها و كذلك أقوالهم و أفعالهم.و ذكر أيضا السيد حيدر بن علي الحسيني الاملي -و الذي وصفه القاضي النستري في (مجالس المؤمنين) بالعارف المحقق الاوحد من أصحابنا الامامية المتألهين- (1) (في كتابه جامع الاسرار و منبع الانوار).«و أما الالهام فيكون بسبب و غير سبب و يكون حقيقيا و غير حقيقي فالذي يكون بالسبب و يكون حقيقيا فهو بتسوية النفس و تحليتها و تهذيبها بالاخلاق المرضية و الاوصاف الحميدة موافقا للشرع و مطابقا للاسلام لقوله تعالي «و نفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها» و الذي يكون بغير السبب و يكون غير حقيقي فهو يكون لخواص النفوس و اقتضاء الولادة و البلدان كما يحصل للبراهمة و الكشايش (القساوسة) و الرهبان.و التمييز بين هذين الالهامين محتاج الي ميزان الهي و محك رباني، و هو نظر الكامل المحقق و الامام المعصوم و النبي المرسل المطلع علي بواطن الاشياء علي ما هي عليه و استعدادات الموجودات و حقايقها، و لهذا احتجنا بعد الانبياء و الرسل صلي الله عليه و آله الي الامام و المرشد لقوله تعالي «فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون» لان كل واحد ليس له قوة التمييز بين الالهامين الحقيقي و غير الحقيقي و بين الخاطر الالهي و الخاطر الشيطاني و غير ذلك و الذكر هو القرآن أو النبي و أهله هم أهل بيته من الائمة المعصومين المطلعين علي أسرار القرآن و حقايقه و دقايقه و لقوله تعالي أيضا تأكيدا لهذا المعني «فان تنازعتم في شي ء فردوه الي الله و الرسول» أي الي أهل الله تعالي رسوله والايات الدالة علي متابعة

ص: 85


1- 100. و قد اجتمع في سفره من آمل الي العراق بفخر المحققين ابن العلامة الحلي فأجاز له رواية المسائل المدينه (المهنائية) كما ذكر ذلك في أعيان الشيعة.

الكامل و المرشد الذي هو الامام المعصوم أو العلماء الورثة من خلفائهم كثيرة فارجع اليها لان هذا ليس موضعها.فنرجع و نقول: و ان تحققت عرفت أيضا أن الخواطر التي قسموها الي أربعة أقسام: الهي و ملكي و شيطاني و نفساني كان سببه ذلك أي عدم العلم بالالهامين المذكورين أعني الحقيقي و غير الحقيقي لانها كلها من أقسام الالهام و توابعه» (1) .و نقل المتقي الهندي صاحب كنز العمال في كتابه (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان) (2) عن الشيخ الحسن الشاذلي المالكي رئيس الطريقة الشاذلية (الصوفية) انه قال:«ان الله تعالي ضمن العصمة في جانب الكتاب و السنة و لم يضمنها في جانب الكشف و الالهام».و نقل عن أبي القاسم القشيري النيشابوري الاشعري الشافعي (الصوفي المفسر المحدث الفقيه العارف) انه قال:لاينبغي للمريد أن يعتقد في المشايخ العصمة من الخطأ و الزلل».هذا وقد عقد الشيخ الكليني في أصوله تحت عنوان أن للقلب اذنين ينفث فيهما الملك و الشيطان و روي عن الصادق عليه السلام:مامن قلب الا وله اذنان علي احداهما ملك مرشد و علي الاخري شيطان مفتن هذا يأمره و هذا يزجره الشيطان يأمره بالمعاصي و الملك يزجره عنها و هو قول الله عزوجل «عن اليمين و عن الشمال قعيد، مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد».

ص: 86


1- 101. جامع الاسرار ص455.
2- 102. ص66.

و قال عليه السلام «مامن مومن الا و لقلبه اذنان في جوفه أذن ينفث فيهما الوسواس الخناس و أذن ينفث فيهما الملك فيؤيد الله المؤمن بالملك فذلك قوله «و أيدهم بروح منه» (1) .و (سئل) السيد مهنا بن سنان العلامة الحلي -قدس الله روحه- عن مفاد هذه الرواية و أنه لو فرض أن الروية متضمنة للامر بالشي ء أو النهي عن شي ء فهل يمتثل ذلك الامر و يجتنب المنهي أم لا سيما اذا كان خلاف ظاهر الشريعة.(فأجابه) -نور الله ضريحه-: أما مايخالف الظاهر فلا ينبغي المصير اليه و أما ما يوافق الظاهر فالاولي المتابعة من غير وجوب و رؤيته صلي الله عليه و آله لايعطي وجوب الانباع في المنام. (2) .(الخامسة):ما هو مفاد الرواية و دلالتها؟ فقد تعددت الاراء في ذلك:أ- ما حكي عن الفيض الكاشاني أن معني الرواية هو من رآتي أي تحقق و تيقن من رؤية صورتي لانه قد رآه في اليقظة. فقد رآه تحقيقا و حقيقة لان الشيطان لايتمثل بصورته صلي الله عليه و آله.و حينئذ يكون مفاد الحديث مخصوص بمن شهد زمانه صلي الله عليه و آله أو أحد الائمة في ظهورهم عليهم السلام أو من عرف أوصافهم صلوات الله عليهم و شمائلهم المنقولة في الكتب بدقة.و هذا الالحاق و التتمة من بعض المتأخرين و يشهد له التعليل في الرواية لان الشيطان لايتمثل في صورتي و لافي صورة أحد من أوصيائي، فان ذلك يعني حصر الرؤية بصورهم المختصة بهم صلوات الله عليهم و هي التي كانوا عليها في

ص: 87


1- 103. الكافي ج2 ص266. و المراد من القلب ههنا هو المعنوي (الروح) لا الصنوبري.
2- 104. أجوبة المسائل المهنائية مسألة 159 ص97.

حياتهم من شمائلهم الخاصة بهم.ب - ما أفاده السيد المرتضي رحمه الله- في كتاب الغرر و الدرر و هو: من رآني في اليقظة فقد رآني علي الحقيقة لان الشيطان لا يتمثل بي لليقظان فقد قيل: ان الشياطين ربما تمثلت بصورة البشر و هذا التشبيه أشبه بظاهر ألفاظ الخبر لانه قال من رآني فقد رآني، فأثبت غيره رائيا له و نفسه مرئية، و في النوم لا رائي له في الحقيقة و لا مرئي و انما ذلك في اليقظة و لو حملناه علي النوم لكان تقدير الكلام من اعتقد انه يراني في منامه و ان كان غير راء له علي الحقيقة فهو في الحكم كأنه قد رآني و هذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر و تبديل لصيغته» (1) انتهي.أقول: ما أفاده السيد يفهم من الكلام المتقدم للشيخ المفيد ولكن هذا المفاد ينسجم مع بعض الروايات المنقولة بطرق العامة حيث لم يقيد فيها الروية بكونها في المنام.ج- أن المراد هو الزيارة بالزاي المنقوطة المعجمة اذ في كتاب عيون الشيخ الصدوق و هي الرواية التي نقلها العلامة المجلسي في كتاب البحار و نقلها أيضا عن مجالس (امالي) الصدوق من زارني في منامه فقد رآني» بالزاي المعجمة نعم في (الامالي) بالراء غير المعجمة و حينئذ يكون المعني أن الزيارة في المنام تعدل الزيارة في اليقظة في الثواب و يمكن أن قرب هذه النسخة بأن في ابتدء الرواية الكلام كان حول ثواب زيارة الامام الرضا عليه السلام.ولكن نسخة الراء غير المعجمة انسب بمجموع الرواية.د- أن المراد هوبيان فضيلة هذه الرؤية و التشرف بهم صلوات الله عليهم و صدق ما يخبرون به في المنام اذا رآهم النائم بصورهم الخاصة بهم و يشهد لذلك

ص: 88


1- 105. البحار ج61 ص216.

مورد الرواية التي بطرقنا و الروايات التي بطرق العامة فان الاستشهاد (من رآني في منامه فقد رآني لان الشيطان لايتمثل في صورة احد من اوصيائي) في الرواية وقع للاستدلال بصدق ما أخبر به النائم في الرؤيا من قبلهم عليه السلام.ثم ليتنبه الي أن الامر و النهي في الروية (تارة) يكون كتشريع حكم كلي و أنه لايختص بالنائم بل لسائر المكلفين فهذا ليس الا وحي يختص به الانبياء.(و تارة) يكون أمر جزئي شخصي للنائم خاصة لمرة واحدة فقط مثل ابن مسجدا أو تصدق بكذا من مالك و نحو ذلك فهذا الذي تقدم أنه ان وافق الشريعة فلا حرج في المتابعة من دون وجوب شرعي كما افاده العلامة الحلي (قده) و جزم صحة (الرؤية) الشيخ المفيد و ان عارض و خالف الشريعة فلاينبغي المصير اليه كم عبر بذلك العلامة الحلي و قطع ببطلانه الشيخ المفيد.و لنختم هذه الامر برواية عن الامام الصادق عليه السلام اخرجها المجلسي رحمه الله عن كتاب مصباح الشريعة قال:ان الله عزوجل مكن انبياء من خزائن لطفه و كرمه و رحمته و علمهم من مخزون علمه و أفردهم من جميع الخلائق لنفسه فال يشبه أخلاقهم و أحوالهم أحد من الخلائق أجمعين، اذجعلهم و سائل سائر الخلق اليه، و جعل حبهم و طاعتهم سبب رضاه و خالفهم و انكارهم سبب سخطه و أمر كل قوم باتباع ملة رسولهم، ثم أبي أن يقبل طاعة أحد الا بطاعتهم و معرفة حقهم و حرمتهم و وقارهم و تعظيمهم و جاههم عند الله فعظم جميع انبياء الله، و لا تنزلهم بمنزلة أحد من دونهم، و لا تنصرف بعقلك في مقاماتهم و أحوالهم و أخلاقهم الاببيان محكم من عند الله و اجماع أهل البصائر بدلائل تتحقق بها فضائلهم و مراتبهم و أني بالوصول الي حقيقة مالهم عند الله؟ و ان قابلت اقوالهم و أفعالهم بمن دونهم من الناس أجمعين فقد أسأت صحبتهم و أنكرت معرفتهم و جعلت خصوصيتهم بالله، و سقطت عن درجة حقيقة الايمان

ص: 89

و المعرفة فاياك ثم اياك» (1) .و ليعلم أن من خواص النبي صلي الله عليه و آله و الاوصياء أنهم تنام أعينهم و لا تنام قلوبهم و وردت بذلك الروايات المستفيضة.كما و للسيد المرتضي -رفع الله درجته- تحقيقا في المقام يكون نهاية للمطاف قال في كتاب (الغرر و الدرر).اعلم أن النائم غير كامل العقل لان النوم ضرب من السهو و السهو بنفي العلوم و لهذا يعتقد النائم الاعتقادات الباطلة لنقصان عقله و فقد علومه، و جميع المنامات انما هي اعتقادات يبتدئها النائم في نفسه، و لا يجوز أن تكون من فعل غيره فيه، لان من عداه من المحدثين سواء كانوا بشرا أو ملائكة أو جنا أجسام و الجسم لايقدر أن يفعل في غيره اعتقادا ابتداء بل و لا شيئا من الاجناس علي هذا الوجه و انما يفعل ذلك في نفسه علي سبيل الابتداء و انما قلنا انه لايفعل في غيره جنس الاعتقادات متولدا لان الذي بعدي الفعل من محل القدرة الي غيرها من الاسباب انما هو الاعتمادات و ليس جنس الاعتمادات ما يولد الاعتقادات و لهذا لو اعتمد احدنا علي قلب غيره الدهر الطويل ما تولد فيه شي ء من الاعتقادات و قد بين ذلك و شرح في مواضع كثيره و القديم تعالي هو القادر أن يفعل في قلوبنا ابتداء من غير سبب أجناس الاعتقادات.و لا يجوز أن يفعل في قلب النائم اعتقادا لان أكثر اعتقادات النائم جهل، و يتأول الشي ء علي خالف ما هو به، لانه يعتقد أنه يري و يمش و انه راكب و علي صفات كثيرة و كل ذلك علي خلاف ما هو به، و هو تعالي لايفعل الجهل فلم يبق الا أن الاعتقادات كلها من جهة النائم و قد ذكر في المقالات أن المعروف بصالح كان يذهب الي أن مايراه النائم في منامه علي الحقيقة و هذا جهل منه يضاهي جهل

ص: 90


1- 106. البحار ج11 ص37.

السوفسطائية لان النائم يري أن رأسه مقطوع و أنه قد مات و أنه قد صعد الي السماء و نحن نعلم ضرورة خلاف ذلك كله، و اذا جاز عنده صالح هذا ان يعتقد اليقظان في السراب انه ماء و في المردي (خشبة يدفع بها الملاح السفينة) اذا كان في الماء انه مكسور و هو علي الحقيقة صحيح لضرب من الشبهة و اللبس فألاجاز ذلك في النائم و هو من الكمال أبعد و من النقص أفرب؟ (1) انتهي كلامه.و للحكماء و الفلاسفة تحقيقات حول أقسام الرؤية بلحاظ عالم الخيال و العقل و القوة الواهمة و غير ذلك لايسع المقام لها.و في الروايات المأثورة عن أهل بيت النبوة و معدن الرسالة مايهتدي به الي كثير من أبحاث المقام.

نبذة من حالات النواب الاربعة و السفراء في الغيبة الصغري

في ذكر نبذة من أحوال النواب الاربعة و السفراء في الغيبة الصغري رضوان الله تعالي عليهم:قال الصدوق حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال كنت عند الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه مع جماعة فيهم علي بن عيسي القصري فقام اليه رجل فقال له: اني اريد أن اسألك عن شي ء فقال له: سل عما بدالك فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي عليه السلام أهو ولي الله؟ قال: نعم.قال: أخبرني عن قاتله أهو عدو الله قال: نعم قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عزوجل عدوه وليه؟ فقال له أبوالقاسم الحسين بن روح قدس الله روحه:

ص: 91


1- 107. البحار ج61 ص214.

افهم عني ما أفول لك اعلم ان الله عزوجل لايخاطب الناس بمشاهدة العيان و لا يشافههم بالكلام، ولكنه جل جلاله يبعث اليهم رسلا من أجناسهم و اصناقهم بشرا مثلهم، و لو بعث اليهم رسلا من غير صنفهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم، فلما جاؤوهم و كانوا من جنسهم يأكلون الطعام و يمشون في الاسواق قالوا لهم: انتم بشر مثلنا و لا نقبل منكم تي تأتوننا بشي ء نعجز أن تأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لانقدر عليه فجعل الله عزوجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها.فمنهم من جاء بالطوفان بعد الانذار و الاعذار، فغرق جميع من طغي و تمرد و منهم من ألقي في النار فكانت بردا و سلاما.و منهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة و أجري من ضرعها لبنا.و منهم من فلق له البحر و فجر له من الحجر العيون و جعل له العصا اليابسة ثعبانا تلقف ما يأفكون.و منهم من ابرأ الاكمه و الايرص و أحيي الموتي باذن الله، و انبأهم بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم.و منهم من انشق له القمر و كلمته البهائم مثل البعير و الذئب و غير ذلك.فلما أنوا بمثل ذلك و عجز الخلق عن أمرهم، و عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله عزوجل و لطفه و حكمته أن جعل انبيائه عليهم السلام مع هذه القدرة و المعجزة في حالة غالبين و في اخري مغلوبين و في حال قاهرين و في اخري مقهورين و لو جعلهم الله عزوجل في جميع احوالهم غالبين و قاهرين و لم يبتلهم و لم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عزوجل و لما عرف فضل صبرهم علي البلاء و المحن و الاختيار.ولكنه عزوجل جعل احوالهم في ذلك كاحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة

ص: 92

و البلاء صابرين و في حال العافية و الظهور علي الاعداء شاكرين، و يكونوا في جميع احوالهم متواضعين غير شامخين و لا متجبرين.وليعلم العباد أن لهم عليهم السلام الها هو خالقهم و مدبرهم فيعبدوه و يطيعوا رسله و تكون حجة الله ثابتة علي من تجاوز الحدفيهم و ادعي لهم الربوبية أو عاند أو خالف و عصي و جحد بما أنت به الرسل و الانبياء عليهم السلام «ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة».قال محمد بن ابراهيم بن اسحاق رضي الله عنه فعدت الي الشيخ ابي القاسم بن روح قدس الله روحه من الغد و أنا اقول في نفسي: أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه فابتدأني فقال لي: يامحمد بن ابراهيم لان أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحب الي من أن اقول في دين الله عزوجل برأيي أو من عند نفسي بل ذلك عن الاصل و مسموع عن الحجة صلوات الله عليه و سلامه» (1) .قال الشيخ الطوسي اخبرني الحسين بن عبيدالله (استاذه) عن أبي الحسن محمد بن احمد بن داود القمي قال حدثني سلامة بن محمد قال أنفذ الشيخ الحسين بن روح -رضي الله عنه- كتاب التأديب الي قم و كتب الي جماعة الفقهاء بها و قال لهم: أنظروا في هذا الكتاب و انظروا فيه شي ء يخالفكم؟ فكتبوا اليه انه كله صحيح و ما فيه شي ء يخالف الا قوله: الصاع في الفطرة نصف صاع من طعام و الطعام عندنا مثل الشعير من كل واحد صاع». (2) .و قال الشيخ الصدوق اخبرنا محمد بن علي بن متيل قال: كانت امرأة يقال لها: زينب من أهل آية و كانت امرأة محمد بن عبديل الايي معها ثلاثمائة دينار

ص: 93


1- 108. اكمال الدين، ص507.
2- 109. الغيبة، ص240.

فصارت الي عمي جعفر بن محمد بن متيل و قالت: أحب ان أسلم هذا المال من يد الي يد ابي القاسم بن روح قال: فأنفدني معها أترجم عنها فلما دخلت علي أبي القاسم رضي الله عنه أقبل يكلمها بلسان آبي فصيح فقال لها: «زينب! چونا، خوبذا، كوابذا، چون استه» (1) و معناه كيف انت؟ و كيف كنت؟ و ما خبر صبيانك؟ قال: فاستغنت عن الترجمة و سلمت المال و رجعت» (2) .و قال الشيخ الطوسي اخبرني الحسين بن ابراهيم عن ايوب بن نوح عن الي نصر هبةالله بن محمد بن بنت ام كلثوم بنت الي جعفر محمد بن عثمان العمري (النائب الثاني في الغيبة الصغري) قال: حدئتني أم كلثوم بنت ابي جفعر رضي الله عنه قالت: كان ابوالقاسم الحسين بن روح رضي الله عنه و كيلا لابي جعفر -رضي الله عنه- سنين كثيرة ينظر له في أملاكه و يلقي بأسراره الرؤساء من الشيعة و كان خصيصا به حتي أنه كان يحدثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه و أنسه.قالت: و كان يدفع اليه في كل شهر ثالثين دينارا رزقا له غير ما يصل اليه من الوزراء و الرؤساء من الشيعة مثل آل الفرات و غيرهم لجاهه و لموضعه و جلالة محله عندهم، فحصل في أنفس الشيعة محصلا جليلا لمعرفتهم باختصاص ابي اياه و توثيفه عندهم و نشر فضله و دينه و ما كان يحتمله من هذا الامر فمهدت له الحال في طول حياة أبي الي أن انتهت الوصية اليه بانص عليه.فلم يختلف في أمره و لم نشك فيه أحد الاجاهل بأمر ابي اولا ما لست أعلم أن احدا من الشيعة شك فيه، وقد سمعت هذا من غير واحد من بني نوبخت رحمهم الله مثل الي الحسن بن كبرياء و غيره» (3) .

ص: 94


1- 110. لسان آو جي محلي.
2- 111. اكمال الدين، ص503.
3- 112. الغيبة ص227.

و بني النوبخت هو البيت الذي بنتمي اليه النائب الثالث في الغيبة الصغري و هو ابوالقاسم الحسين بن روح النوبختي رضوان الله تعالي عليه، و هذا البيت خرج منه العلماء في الفنون المختلفه سيما علم الكلام فقد تصدر هذا البيت رياسة هذا العلم في الشيعة سنين طويلة و كذلك في علم النجوم و العلوم الاخري.و قال الطوسي اخبرني جماعة عن ابي عبدالله الحسين بن علي بن بابويه القمي (أخي الصدوق محد بن علي بن بابويه و كلا الاخوين و ادا بدعاء الامام العسكري عليه السلام و ابو هما كان و كيلاله) قال: حدثني جماعة من أهل قم منهم عمران الصفا و قريبه علوية الصفار و الحسين بن احم بن علي بن أحمد بن ادريس رحمهم الله.قالوا: حضرنا بغداد في السنة التي توفي فيها ابي علي بن الحسين بن موسي بن بابويه -و كان أبوالحسن علي بن محمد السمري قدس سره- «و هو النائب الرابع في الغيبة الصغري» يسألنا كل قريب عن خبر علي بن الحسين رحمه الله فنقول قدورد الكتاب باستقلاله حتي كان اليوم الذي بقض فيه فسألنا عنه فذكرنا له مثل ذلك، فقال: آجركم الله في علي بن الحسين فقد قبض في هذه الساعة (قالوا) فأثبتنا تأريخ الساعة و اليوم و الشهر، فلما كان بعد سبعة عشر يوما أو ثمانية عشر يوما ورد الخبر أنه قبض في تلك الساعة التي ذكرها الشيخ ابوالحسن (السمري) قدس سره (1) .و رواه أيضا عن جماعة عن أبي جفعر محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه (الصدوق) قال حدثنا ابوالحسن صالح بن شعيب الطالقاني -رحمه الله في ذي القعدة سنة تسع و ثلاثين و ثلاثمائة قال حدثنا ابوعبدالله احمد بن ابراهيم بن مخلد قال حضرت بغداد عند المشايخ رحمهم الله (و جهاء و علماء الطائفة)

ص: 95


1- 113. الغيبة ص243.

فقال الشيخ أبوالحسن علي به محمد السمري قدس سره ابتداء منه: رحم الله علي بن الحسين بن بابويه القمي (قال) فكتب المشايخ تأريخ ذلك اليوم فورد الخبر انه توفي في ذلك اليوم و مضي ابوالحسن السمري رضي الله عنه في النصف من شعبان سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة» (1) .و روي الصدوق بسنده عن احمد الداودي قال: كنت عند أبي القاسم الحسين ابن روح قدس الله روحه فسأله رجل ما معني قول العباس للنبي صلي الله عليه و آله «ان عمك أباطالب قد أسلم بحساب الجمل- و عقد بيده ثالثة و ستين- فقال عني بذلك اله أحد جواد. و تفسير ذلك أن الالف واحد واللام ثالثون و الهاء خمسة و الالف واحد و الحاء ثمانية و الدال أربعة و الجيم ثلاثة و الواو ستة و الالف واحد و الدال أربعة فذلك ثلاثة و ستون» (2) .و قال الصدوق حدثنا الحسين بن علي بن محمد القمي المعروف بأبي علي البغدادي قال: كنت ببخاري فدفع الي المعروف بابن جاوشير عشرة سبائك ذهبا و أمرني أن اسلمها بمدينة السلام الي الشيخ أبي القاسم الحسين به روح -قدس الله روحه- فحملتها معي فلما بلغت آمويه (3) ضاعت مني سبيكة من تلك السبائك و لم أعلم بذلك حتي دخلت مدينة السلام.فأخرجت السبائك لاسلمها فوجدتها قد نقصت واحدة فاشتريت سبيكة مكانها بوزنها و أضفتها الي التسع السبائك ثم دخلت علي الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه و وضعت السبائك بين يديه.فقال لي: خذ تلك السبيكة التي اشتريتها- و أشار اليها بيده- و قال: ان

ص: 96


1- 114. الغيبة ص242.
2- 115. اكمال الدين ص519.
3- 116. مدينة آمل في شمال ايران.

السبيكة التي ضيعتها قد وصلت الينا و هو ذاهي ثم أخرج الي تلك السبيكة التي كانت ضاعت مني بآمويه فنظرت اليها فعرفتها.قال الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي البغدادي و رأيت تلك السنة بمدينة السلام امرأة فسألتني عن وكيل مولانا عليه السلام من هو؟فأخبرها بعض القميين أنه ابوالقاسم الحسين بن روح و أشار اليها فدخلت عليه و أنا عنده فقالت له أيها الشيخ أي شي ء معي؟ فقال: ما معك فألقيه في الدجلة ثم اثتبني حتي أخبرك.قال: فذهبت المرأة و حملت ما كان معها فألقته في الدجلة ثم رجعت و دخلت الي أبي القاسم الروحي -قدس الله روحه- فقال ابوالقاسم لمملوكة له: اخرجي الي الحق فأخرجت اليه حقة فقال للمرأة: هذه الحقة التي كانت معك و رميت بها في الدجلة اخبرك بما فيها دو تخبريني؟ فقالت له: بل أخبرني أنت فقال: في هذه الحقة زوج سوار ذهب و حلقة كبيرة فيها جوهرة و حلقتان صغيرتان فيهما جوهر و خاتمان احدهما فيروزج و الاخر عقيق فكان الامر كما دكر لم يغادر منه شيئا.ثم فتح الحقة فعرض علي ما فيها فنظرت المرأة اليه فقالت: هذا الذي حملته بعينه و رميت به في الدجلة، فغشي علي و علي المرأة فرحا بما شاهدناه من صدق الدلالة ثم قال الحسين لي بعد ما حدثني بهذا الحديث: أشهد عند الله عزوجل يوم القيامة بما حدثت به أنه كما ذكرته لم أزد فيه و لم أنقص منه و حلف بالائمة الاثني عشر صلوات الله عليهم لقد صدق فيما حدث به و مازاد فيه و ما نقص منه» (1) .و روي الشيخ الطوسي عن مشايخه عن ابي الحسن علي بن محمد الدلال القمي قال: دخلت علي أبي جعفر محمد بن عثمان (النائب الثاني) -رضي الله

ص: 97


1- 117. اكمال الدين ص518.

عنه- يوما لاسلم عليه فوجدته و بين يديه ساجة و نقاش ينقش عليها و يكتب آيأ من القرآن و اسماء الائمة عليهم السلام علي حواشيها فقلت له يا سيدي ما هذه الساجة؟ فقال: لي هذه لقبري تكون فيه أوضع عليها (أو قال: اسند اليها) و قد عرفت منه، و أنا في كل يوم انزل فيه فاقرأ جزءا من القرآن فيه فاصعد.و اظنه (قال): فاخذ بيدي و أرانيه، فاذا كان يوم كذ و كذا من شهر كذ و كذا من سنة كذ و كذا صرت الي الله عزوجل و دفنت فيه و هذه الساجة معي فلما خرجت من عنده أثبت ما ذكره و لم أزل مترقبا به ذلك فما تأخر الامر حتي اعتل ابوجعفر فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها و دفن فيه» (1) .و روي بسنده عن محمدبن علي بن الاسود القمي أن أباجعفر العمري -قدس سره- حفر لنفسه قبرا و سواه بالساج فسألته عن ذلك فقال: للناس أسباب و سألته عن ذلك فقال: قد أمرت أن اجمع أمري فمات بعد ذلك بشهرين -رضي الله عنه و أرضاه-.و قال الشيخ الطوسي و اخبرنا عن أبي محمد هارون بن موسي (شيخ الطائفة في زمانه) قال: اخبرني ابوعلي محمد بن همام (اشهر من أن يعرف) -رضي الله عنه و أضاه- أن اباجعفر محمد بن عثمان العمري (قدس الله روحه) جمعنا قبل موته- و كنا وجوه الشيعة و شيوخها- فقال لنا:ان حدث علي حدث الموت فالامر الي أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي فقد أمرت أن اجعله في موضعي بعدي فارجعوا اليه و عولوا في اموركم عليه.و روي ايضا بسنده الي ابي ابراهيم جعفر بن احمد النوبختي (قال) قال لي أبواحمد ابن ابراهيم و عمي ابو جعفر عبدالله بن ابراهيم و جماعة من أهلنا-

ص: 98


1- 118. الغيبة ص222.

يعني بني نوبخت-:أن اباجعفر العمري لما اشتدت حاله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة منهم ابوعلي بن عمام و ابوعبدالله بن محمد الكاتب و ابوعبدالله الباقطاني و ابوسهل اسماعيل بن علي النوبختي و ابوعبدالله بن الوجناء و غيرهم من الوجوه و الاكابر فدخلوا علي أبي جعفر (رض) فقالوا له:ان حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا ابوالقاسم الحسين بن روح النوبختي القائم مقامي و السفير بينكم و بين صاحب الامر عليه السلام و الوكيل و الثقة و الامين فارجعوا اليه في اموركم و عولوا عليه في مهماتكم فبذلك أمرت و قد بلغت» (1) .و قال الشيخ (قال ابن نوح) أخبرني أبونصر هبةالله ابن بنت اوكلثوم بنت ابي جعفر (قال) كان لابي جعفر العمري محمد بن عثمان العمري كتب مصنفة في الفقه مماسمعها من ابي محمد الحسن (العسكري) عليه السلام و من الصاحب عليه السلام و من أبيه عثمان بن سعيد عن أبي محمد و عن أبيه علي بن محمد عليهم السلام فيها كتب ترجمتها كتب الاشربة ذكرت الكبيرة ام كلثوم بنت أبي جعفر -رضي الله عنه- انها وصلت الي أبي القاسم الحسين بن روح -رضي الله عنه- عند الوصية اليه و كانت في يده.(قال أبونصر): و أظنها قالت وصلت بعد ذلك الي أبي الحسن السمري -رضي الله عنه و أرضاه-» (2) .و قال (قال أبوالعباس) و أخبرني هبةالله بن محمد بن بنت ام كلثوم بنت ابي جعفر العمري -رضي الله عنه- عن شيوخه قالوا: لم تزل الشيعة مقيمة علي

ص: 99


1- 119. الغيبة ص227.
2- 120. الغيبة ص221.

عدالة عثمان بن سعيد و محمد بن عثمان -رحمها الله تعالي- الي أن توفي أبوعمر و عثمان بن سعيد -رحمه الله تعالي- و غسله ابنه أبوجعفر محمد بن عثمان و تولي القيام به و جعل الامر كله مردودا اليه و الشيعة مجتمعة علي عدالته وثقته و امانته لماتقدم له من النص عليه بالامانة و العدالة و الامر بالرجوع اليه في حياة الحسن (العسكري) عليه السلام و بعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد لا يختلف في عدالته و لا يرتاب بامانته.و التوقيعات تخرج علي يده الي الشيعة في المهمات طول حياته بالخط لذي كانت تخرج في حياة أبيه عثمان لايعرف الشيعة في هذا الامر غيره و لايرجح الي أحد سواه و قد نقلت عنه دلائل كثيرة و معجزات الامام ظهرت علي يده و امور أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الامر بصيرة و هي مشهورة عند الشيعة و قد قدمنا طرفا منها فلا نطول باعادتها فان ذلك كفاية للمنصف ان شاء الله تعالي» (1) .و قال الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة (فأما السفراء الممدوحون في زمان الغيبة): فأولهم من نصبه أبوالحسن علي بن محمد (الهادي) العسكري و أبو محمد الحسن بن علي بن محمد ابنه عليهم السلام و هو الشيخ الموثوق به أبوعمر عثمان ابن سعيد العمري رحمه الله و كان أسديا.(الي أن قال) فأخبرني جماعة عن أبي محمد هارون بن موسي عن أبي علي محمد بن همام الاسكافي قال حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري قال حدثنا أحمد بن اسحاق ابن سعد القمي (2) قال: دخلت علي أبي الحسن علي بن محمد (الهادي) صلوات الله عليه في يوم من الايام فقلت: ياسيدي أنا أغيب و أشهد و لا يتهيأ لي الوصول اليك اذا شهدت في كل وقت فقول من نقبل و أمر من نمتثل؟ فقال لي

ص: 100


1- 121. الغيبة ص220.
2- 122. السند و الطريق كلهم من اعلام و اجلاء الطائفة.

صلوات الله عليه: هذا أبوعمرو الثقة الامين ماقاله لكم فعني يقوله، و ما أداه اليكم فعني يوديه.فلما مضي أبوالحسن (الهادي) عليه السلام وصلت الي أبي محمد ابنه الحسن العسكري عليه السلام ذات يوم فقلت له عليه السلام مثل قولي لابيه فقال لي: هذا أبوعمرو الثقة الامين ثقة الماضي و ثقتي في المحيا و الممات فما قاله لكم فعني يقوله و ما أدي اليكم فعني يؤديه.(قال أبومحمد هارون) قال أبوعلي: قال ابوالعباس الحميري فكنا كثيرا ما نتداكر هذا القول و نتواصف جلالة محل الي عمرو». (1) .و روي بسنده الي محمد بن اسماعيل و علي بن عبدالله الحسنيان قالا: دخلنا علي ابي محمد الحسن عليه السلام بسر من رأي و بين يديه جماعة من اوليائه و شيعته حتي دخل عليه بدر خادمه فقال: يا مولاي بالباب قوم شعث غير فقال لهم: هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن.(في حديث طويل يسوقانه) الي أن ينتهي الي أن قال الحسن (العسكري) عليه السلام لبدر: فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري.فما لبثنا الا يسيرا حتي دخل عثمان فقال له: سيدنا أبومحمد عليه السلام: امض ياعثمان فانك الوكيل و الثقة المأمون علي مال الله و اقيض من هولاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال (ثم ساق الحديث) الي أن قالا: ثم قلنا بأجمعنا ياسيدنا و الله ان عثمان لمن خيار شيعتك و لقد زدتنا علما بموضعه من خدمتك و انه و كيلك و ثقتك علي مال الله تعالي، قال: نعم و اشهدوا علي أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي و ان ابنه محمد و كيل ابني مهديكم.» (2) .

ص: 101


1- 123. الغيبة ص215.
2- 124. الغيبة ص216.

و روي بسنده عن جماعة من الشيعة منهم محمد بن معاوية بن حكيم و الحسن ابن أيوب بن نوح (في خبر طويل مشهور) قالوا جميعا:اجتمعنا الي ابي محمد الحسن بن علي (العسكري) عليهم السلام نسأله عن الحجة من بعده و في مجلسه عليه السلام اربعون رجلا فقام اليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري فقال له: يابن رسول الله اريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به مني فقال له: اجلس ياعثمان فقام مغضيا ليخرج فقال: لايخرجن أحد فلم يخرج منا أحد الي أن كان بعد ساعة فصاح عليه السلام بعثمان فقام علي قدميه فقال: أخبركم بما جئنم؟ قالوا: نعم يابن رسول الله (قال) جئنم تسألوني عن الحجة من بعدي قالوا نعم فاذا غلام كأنه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمد عليه السلام فقال: هذا امامكم من بعدي و خليفتي عليكم أطيعوه و لا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم الا و انكم لاترونه من بعد يومكم هذا حتي يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله و انتهوا الي أمره و اقبلوا قوله فهو خليفة امامكم و الامر اليه (في حديث طويل) (1) .و قال (و أخبرنا جماعة) عن أبي القاسم جعفر بن محمد قولويه و أبي غالب الزراري و أبي محمد التلعكبري كلهم عن محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله تعالي عن محمد بن عبدالله و محمد بن يحيي عن عبدالله بن جعفر الحميري (2) .قال اجتمعت أنا و الشيخ أبوعمرو عند احمد بن اسحاق بن سعد الاشعري القمي فغمزني أحمد أن اسأله عن الخلف فقلت له يا أباعمر اني اريد أسألك و ما أنا بشاك فيما اريد عن أسألك عنه فان اعتقادي و ديني أن الارض لاتخلو من حجة الا اذا كان قبل يوم القيامة باربعين يوما فاذا كان ذلك وقعت الحجة و غلق باب التوبة فلم يكن ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا

ص: 102


1- 125. الغيبة ص216.
2- 126. و الطريق كله من أعلام الطائفة و شيوخها.

فاولئك أشرار من خلق الله عزوجل و هم الذين تقوم عليهم القيامة.ولكن أحببت أن ازداد يقينا فان ابراهيم عليه السلام سأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتي فقال: (أو لم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي).و قد اخبرنا احمد بن اسحاق أبوعلي عن ابي الحسن عليه السلام قال سألته فقلت له لمن أعامل و عمن آخذ و قول من أقبل؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدي اليك فعني يؤدي و ما قال لك فعني يقول فاسمع له و اطع فانه الثقة المأمون.(قال) و أخبرني أبوعلي أنه سأل ابامحمد الحسن بن علي عن مثل ذلك فقال له: العمري و ابنه ثقتان فما أديا اليك فعني يؤديان و ما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما و أطعهما فانهما الثقتان المأمونان فهذا قول امامين قد مضيا فيك.(قال) فخر أبوعمرو ساجدا و بكي ثم قال: سل فقلت له: أنت رأيت الخلف من ابي محمد عليه السلام فقال: اي و الله و رقبته مثل ذا و اوما بيديه فقلت له: فبقيت واحدة فقال لي: هات قلت: فالاسم قال: محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك و لا أقول هذا من عندي و ليس لي أن احلل و احرم ولكن عنه عليه السلام فان الامر عند السلطان أن ابامحمد عليه السلام مضي و لم يخلف وادا و قسم ميراثه و أخذه من لاحق له و صبر علي ذلك، و هو ذا عياله يجولون و ليس أحد يجسر ان يتعرف اليهم أو ينيلهم شيئا و اذا وقع الاسم وقع الطلب فاتقوا الله و أمسكوا عن ذلك» (1) .و روي عن جماعة عن الصدوق عن ابن هارون الفامي عن محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري عن أبيه قال: خرج التوقيع الي الشيخ ابي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري -قدس الله روحه- في التغزية بأبيه- رضي الله تعالي عنه و في فصل من الكتاب.«انا لله و انا اليه راجعون تسليما لامره و رضاه بقضائه عاش ابوك سعيدا

ص: 103


1- 127. الغيبة ص218.

و مات حميدا فرحمه الله و ألحقه بأوليائه ومواليه عليهم السلام فلم بزل مجتهدا في امرهم ساعيا فيما يقربه الي الله عزوجل و اليهم، نضر الله وجهه و اقاله عترته».و في فصل آخر «أجزل الله لك الثواب و أحسن لك العزاء رزيت و رزينا و أو حشك فراقه و أو حشتا فسره الله في منقلبه كان من كمال سعادته ان رزقه الله تعالي ولدا مثلك يخلفه من بعده و يقوم مقامه بأمره و يترحم عليه.و أفول الحمدلله فان الانفس طيبة بمكانك و ما جعله الله عزوجل فيك و عندك أعانك الله و قواك و عضدك و وفقك و كان لك وليا و حافظا و اعيا و كافيا» (1) .أقول: هذا طرف يسير من ماورد في النواب الاربعة في الغيبة الصغري (329 -260 ه. ق) و منه تتنبه لمراد الشيخ الطوسي حيث يقول:«و قد نقلت عنه (اي عن النائب الثاني) دلائل كثيرة و معجزات الامام ظهرت علي يده و امور أخبرهم بها عنه زادتهم (اي زادت الشيعة) في هذا الامر بصيرة و هم مشهورة عند الشيعة» (2) .و لمراد الشيخ الطبرسي حيث يقول:«و لم يقم أحد منهم (أي من الاربعة) الا بنص من قبل صاحب الامر عليه السلام و نصب صاحبه الذي تقدم عليه، و لم تقبل الشيعة قولهم الا بعد ظهور آية معجزة تظهر علي يد كل واحد منهم من قبل صاحب الامر عليه السلام ندل علي صدق مقالهم و صحة بابيتهم» (3) .أقول: بل النائب الاول و الثاني نص عليهما الامام الحسن العسكري عليه السلام كما تقدمت الرواية التي رواها أعلام الطائفة عن الامام العسكري عليه السلام و النائب

ص: 104


1- 128. الغيبة ص219.
2- 129. الغيبة ص221.
3- 130. الاحتجاج ج2 ص297.

الاول كان و كيلا خاصا للامام الهادي عليه السلام ثم للامام الحسن العسكري عليه السلام ثم سفيرا للصاحب (عج).فليتنبه اللبيب الي كيفية ثبوت سفارة النواب الاربعة و يدوها و انتهاوها لدي الشيعة و أعلامها و شيوخها و أن ذلك كان بحضور الامام العسكري عليه السلام ثم تنصيص كل علي الاخر مع ماظهر من البراهين و الدلائل علي ايديهم و مع مكانتهم العلمية و الفقهية و جلالة محلهم لدي علماء الطائفة.

ذكر المدعين للبابية في الغيبة الصغري و قصصهم و نسبتهم الاباطيل الي الائمة

قال الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة «ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية لعنهم الله»:(أولهم) المعروف بالشريعي (أخبرنا) جماعة عن ابي محمد التلعكبري (هارون ابن موسي) عن ابي علي محمد بن همام.(قال) كان الشريعي يكني بأبي محمد (قال) هارون: واظن اسمه كان الحسن و كان من أصحاب ابي الحسن علي بن محمد (الهادي) ثم الحسن بن علي بعده عليهم السلام و هو أول من ادعي مقاما لم يجعله الله فيه و لم يكن أهلا له و كذب علي الله و علي حججه عليهم السلام و نسب اليهم ما لا يليق بهم و ما هم منه براء فلعنته الشيعة و تبرأت منه و خرج توقيع الامام عليه السلام بلعنه و البراءة منه.(قال هارون): ثم ظهر منه القول بالكفر و الالحاد (قال) و كل هولاء المدعين انما يكون كذبهم أولا علي الامام و أنهم و كلاؤه فيدعون الضعفة بهذا القول الي موالاتهم ثم يترقي الامر بهم الي قول الحلاجية (و هو القول بالحلول أي حلول الله عزوجل و العياذ بالله فيهم) كما اشتهر من الي جعفر الشلمغاني و نظرائه عليهم

ص: 105

جميعا لعائن الله تتري (1) .(و منهم) محمد بن نصير النميري (قال ابن نوح) أخبرنا أبونصر هبةالله ابن محمد (قال) كان محمد بن نصير النميري من أصحاب ابي محمد الحسن بن علي عليهماالسلام فلما توفي أبو محمد ادعي مقام ابي جعفر محمد بن عثمان أنه صاحب امام الزمان و ادعي له البابية و فضحه الله تعالي بما ظهر منه من الالحاد و الجهل و لعن أبي جعفر محمد بن عثمان له و تبريه منه و احتجابه عنه و ادعي ذلك الامر بعد الشريعي.(قال أبو طالب الانباري) لما ظهر محمد بن نصير بما ظهر لعنه أبو جعفر (النائب الثاني أبو جعفر العمري) رضي الله عنه- و تبرأ منه فبلغه ذلك فقصد أبا جعفر- رضي الله عنه- ليعطف بقلبه عليه أو يعتذر اليه فلم يأذن له و حجبه ورده خائبا.(و قال) سعد بن عبدالله كان محمد بن نصير التميري يدعي انه رسول نبي و أن علي بن محمد (الهادي) عليه السلام أرسله و كان يقول باتناسخ (أي أن أرواح الاموات تحل في أجسام الاحياء) و يغلو في ابي الحسن عليه السلام و يقول فيه بالربوبية و يقول بالاباحة للمحارم و تحليل نكاح الرجال بعضهم بعضا في أدبارهم و يزعم أن ذلك من النواضع و الاخبات و التذلل في المفعول به و انه من الفاعل احدي الشهوات و الطيبات و ان الله عزوجل (تعالي الله) لايحرم شيئا من ذلك و كان محمد ابن موسي بن الحسن بن الفرات يقوي أيابابه و يعضده (أي كان داعية له و ناشر لا كذوبته).

ص: 106


1- 131. أقول: و هذا المسير بعينه سار فيه الملعون مدعي البابية في ايران في القرن الرابع عشر الهجري فادعي أولا الوكالة ثم المهدوية ثم الي الاباطيل الاخري التي سنوافيك بها في فصل لاحق.

(أخبرني) بذلك عن محمد بن نصير أبو زكريا يحيي بن عبدالرحمن بن خاقان أنه رآه عيانا و غلام له علي ظهره (قال) فلقيته فعاتبته علي ذلك فقال ان هذا من اللذات و هو من التواضع لله و ترك التجبر.قال سعد فلما اعتل محمد بن نصير العلة التي توفي فيها قبل له و هو مثقل اللسان لمن هذا الامر من بعدك؟ فقال بلسان ضعيف ملجلج أحمد فلم يدروا من هو فافترقوا بعده ثالاث فرق قالت فرفة انه أحمد ابنه و فرقة قالت: هو أحمد بن محمد بن موسي بن الفرات و فرقة قالت: انه أحمد بن ابي الحسن بن بشر ابن يريد فتفرقوا فلا يرجعون الي شي ء.(و منهم) احمد بن هلال الكرخي قال أبوعلي بن همام: كان أحمد بن هلال من أصحاب ابي محمد (العسكري) عليه السلام فاجتمعت الشيعة علي وكالة محمد بن عثمان -رضي الله عنه- بنص الحسن عليه السلام في حياته و لمامضي الحسن عليه السلام قالت الشيعة الجماعة له: الا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان و ترجع اليه و قد نص عليه الامام المفترض الطاعة (أي الامام العسكري عليه السلام)؟ فقال لهم: لم اسمعه بنص عليه بالوكالة و ليس أنكر أباه -يعني عثمان ابن سعيد- فاما أن أقطع أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا اجسر عليه فقالوا: قد سمعه غيرك.فقال: أنتم و ما سمعتم و وقف علي ابي جعفر فلعنوه و تبروا منه ثم ظهر التوقيع -علي يد ابي القاسم بن روح بلعنه و البراءة منه في جملة من لعن.(و منهم) أبوطاهر محمد بن علي بن بلال و قصته معروفة فيما جري بينه و بين ابي جعفر محمد بن عثمان نضرالله وجهه -و تمسكه بالاموال التي كانت عنده للامام و امتناعه من تسليمها و ادعائه أنه الوكيل حتي تبرأت الجماعة منه و لعنوه و خرج فيه من صاحب الزمان ما هو معروف.(و حكي أبو غالب الزراري) قال حدثني أبوالحسن محمد بن محمد بن يحيي

ص: 107

المعاذي (قال) كان رجل من أصحابنا قد انضوي الي أبي طاهر بن بلال بعد ما وقعت الفرقة ثم انه رجع عن ذلك و صار في جملتنا فسألناه عن السبب (قال) كنت عند ابي طاهر بن بلال يوما و عنده أخوه ابوالطيب و ابن حرز و جماعة من أصحابه اذ دخل الغلام فقال: أبوجعفر العمري علي الباب ففزعت الجماعة لذلك و انكرته للحال التي كانت جرت و قال: يدخل، فدخل أبوجعفر -رضي الله عنه- فقام له أبوطاهر و الجماعة و جلس في صدر المجلس و جلس ابو طاهر كالجالس بين يديه فامهلهم الي أن سكتوا.(ثم قال) يا أبا طاهر نشدتك بالله ألم يأمرك صاحب الزمان عليه السلام يحمل ما عندك من المال الي؟ فقال اللهم نعم فنهض ابوجعفر -رضي الله عنه- منصرفا و وقعت علي القوم سكنة فلما تجلت عنهم قال له أخوه ابوالطيب: من اين رأيت صاحب الزمان؟ فقال ابوطاهر: أدخلني ابوجعفر -رضي الله عنه- الي بعض دوره فأشرف علي من علو داره فأمرني بحمل ما عندي من المال اليه فقال له ابو الطيب و من اين علمت انه صاحب الزمان عليه السلام؟ قال: قد وقع علي (1) من الهيبة له و دخلني من الرعب منه ما علمت انه صاحب الزمان عليه السلام فكان هذا سبب انقطاعي عنه.(و منهم) الحسين بن منصور الحلاج اخبرنا الحسين بن ابراهيم عن ابي العباس أحمد بن علي بن نوح عن ابي نصر هبةالله بن محمد الكاتب ابن بنت ام

ص: 108


1- 132. أقول: فليتنبه المومنين -رعاهم الله- الي العبرة من حال المبطل أبي طاهر ابن بلال فانه مع رويته للصاحب (عج) فلم يرتدع عن كذبه و باطله. و هكذا الخورج فانهم شاهدوا أميرالمومنين علي بن أبي طالب عليه السلام و عاشورا في عصره و مع ذلك لم يتبعوه و يطيعوه صلوات الله عليه فالعبرة بالايمان لا بالرؤية لهم عليهم السلام و لذا تلهف الرسول صلي الله عليه و آله علي اخوانه في الخطبة المعروفة فسأله أصحابه أو لسنا اخوانك فقال: لابل هم قوم يأتون في آخر الزمان يومنون بسواد علي ورق و سيأتي في الامر الثامن ما له صلة بذلك.

كلثوم بنت ابي جعفر العمري (قال):لما أراد الله تعالي أن يكشف أمر الحلاج و يظهر فضيحته و يخزيه وقع له (أي اعتقد) أن اباسهل بن اسماعيل بن علي النوبختي -رض- ممن تجوز عليه مخرقته (أي ممن تنطلي عليه اكذوبته) و تتم عليه حيلته فوجه اليه يستدعيه وظن أن اباسهل كغيره من الضعفاء في هذا الامر بفرط جهله و قدر (أي ظن) أن يستجره اليه فيتمخرق به و يتسوف بانقياده علي غيره (أي ظن أن يجره اليه فيتخذه عضدا و شاهدا علي ادعاءه) فيستتب له ماقصد اليه من الحيلة و البهرجة علي الضعفة لقدر (أي لمكانة) ابي سهل في انفس الناس و محله من العلم و الادب أيضا عندهم و يقول له في مراسلته اياه اني وكيل صاحب الزمان عليه السلام و بهذا اولا كان يستجر الجهال ثم يعلو منه الي غيره و قد امرت بمراسلتك و اظهار ما تريده من النصرة لك لتوقي نفسك و لا ترتاب بهذا الامر.فأرسل اليه ابوسهل -رضي الله عنه- يقول له: و اني أسألك أمرا يخف مثله عليك في جنب ما ظهر علي يديك من الدلائل و البراهين و هو اني رجل أحب الجواري و أصبوا اليهن و لي منهن عدة اتحظاهن و الشيب يبعدني عنهن و أحتاج أن أخضبه في كل جمعة و اتحمل منه مشقة شديدة لاستر عنهن ذلك، و الا انكشف امري عندهن فصار القرب بعدا و الوصال هجرا و اريد أن تغنيني عن الخضاب و تكفيني مؤنته و تجعل لحيتي سوداء فاني طوع يديك وصائر اليك و قائل بقولك وداع الي مذهبك مع مالي في ذلك من البصيرة و لك من المعونة.فلما سمع ذلك الحلاج من قوله و جوابه علم انه أخطأ في مراسلته و جهل في الخروج اليه بمذهبه و أمسك عنه و لم يرد اليه جوابا و لم يرسل اليه رسولا و صيره ابوسهل -رضي الله عنه- احدوثة وضحكة و يطنز به عند كل احد، و شهر أمره عند الصغير و الكبير و كان هذا الفعل سببا لكشف أمره و تنفير الجماعة عنه.

ص: 109

و أخبرني جماعة عن ابي عبدالله الحسين بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه (اخي الصدوق) أن ابن الحلاج صار الي قم و كاتب قرابة ابي الحسن يستدعيه و يستدعي ابا الحسن أيضا و يقول انا روسل الامام و وكيله (قال):فلما وقعت المكاتبة في يد ابي رضي الله عنه (أي ابي الحسن علي بن بابويه القمي و الذي كان و كيلا للعسكري عليه السلام) خرقها و قال لموصلها اليه: ما افرغك للجهالات فقال له الرجل -واظن انه قال: انه ابن عمه أو ابن عمه- فان الرجل قد استدعانا فلم خرقت مكانبته وضحكوا منه وهزؤا به ثم نبض الي دكانه و معه جماعة من أصحابه و غلمانه.(قال) فلما دخل الي الدار التي كان فيه دكانه نهض له من كان هناك جالسا غير رجل رآه جالسا في الموضع فلم ينهض من كان حاضرا فسأله عنه فأخبره فسمعه الرجل يسأل عنه فأقبل عليه و قال له: تسأل عني و أنا حاضر؟ فقال له أبي أكبرتك ليها الرجل و أعظمت قدرك أن اسألك فقال له تخرق رقعتي و أنا اشاهدك تخرقها؟ فقال له أبي فأنت الرجل اذا.(ثم قال) يا غلام برجله و بقفاه فخرج من الدار العدو لله و لرسوله ثم قال له: أندعي المعجزات عليك لعنة الله (أو كما قال) فأخرج بقفاه فما رأيتاه بعدها بقم.(و منهم) ابن ابي العزاقر (و هو محمد بن علي الشلمغاني يكني بأبي جعفر) أخبرني الحسين بن ابراهيم عن أحمد بن نوح عن ابي نصر هبةالله بن محمد ابن احمد الكاتب ابن بنت ام كلثوم بنت ابي جعفر العمري -رضي الله عنه- قال حدثتني الكبيرة ام كلثوم بنت ابي جعفر العمري -رضي الله عنه -(قال) كان ابو جعفر ابن ابي العزاقر وجيها عند بني بسطام و ذاك أن الشيخ أبا القاسم رضي الله عنه و أرضاه كان قد جعل له عند الناس منزلة و جاها فكان عند

ص: 110

ارتداده يحكي كل كذب و بلاء و كفر لبني بسطام و يسنده عن الشيخ ابي القاسم فيقبلونه منه و يأخذونه عنه حتي انكشف ذلك لابي القاسم -رضي الله عنه- فأنكره و اعظمه و نهي بني بسطام عن كلامه و أمرهم بلعنه و البراءة منه فلم ينتهوا و أقاموا علي توليه و ذاك انه كان يقول لهم:انني أذعت السر و قد أخذ علي الكتمان فعوقبت بالابعاد بعد الاختصاص لان الامر عظيم لايحتمله الاملك مقرب أو نبي مرسل أو مومن ممتحن فيوكد في نفوسهم عظيم الامر و جلالته فبلغ ذلك ابا القاسم رضي الله عنه فكتب الي بني بسطام بلعنه و البراءة منه و ممن تابعه علي قوله و اقام علي توليه فلما وصل اليهم أظهروه عليه فبكي بكاءا عظيما.ثم قال: ان لهذا القول باطنا عظيما و هو أن اللعنة الابعاد فمعني قوله لعنه الله أي باعده لله عن العذاب و النار و الان قد عرفت منزلتي و مرغ خديه علي التراب و قال: عليكم بالكتمان لهذا الامر.قالت الكبيرة -رضي الله عنها- و قد كنت أخبرت الشيخ ابا القاسم أن ام ابي جعفر ابن بسطام قالت لي يوما و قد دخلنا اليها فاستقبلتني و اعظمتني و زادت في اعظامي حتي انكبت علي رجلي تقبلها، فأنكرت ذلك و قلت لها: مهلا ياستي فان هذا أمر عظيم و انكببت علي يدها فبكت ثم قالت كيف لا أفعل بك هذا و أنت مولاتي فاطمة فقلت لها و كيف ذاك ياستي؟ فقالت لي أن الشيخ ابا جعفر محمد ابن علي خرج الينا بالسر قالت: فقلت لها و ما السر؟ قالت: قد أخذ علينا كتمانه و افزع ان انا أذعته عرقبت قالت: و أعطيتها موثقا اني لا أكشفه لاحد و اعتقدت في نفسي الاستثناء بالشيخ -رضي الله عنه- يعني ابا القاسم الحسين بن روح -قالت: ان الشيخ ابا جعفر (ابن ابي العزاقر) قال لنا: ان روح رسول الله صلي الله عليه و آله انتقات الي ابيك -تعني ابا جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنه- و روح أمير

ص: 111

المومنين علي عليه السلام انتقلت الي بدن الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح و روح مولاتنا فاطمة عليهاالسلام انتقلت اليك فكيف لا اعظمك يا ستنا فقلت لها مهلا لا تفعلي فان هذا كذب ياستنا فقالت لي: سر عظيم و قد أخذ علينا أننا لانكشف هذا لاحد فالله الله في لايحل العذاب، و ياستي لوانك حملتيني علي كشفه ما كشفته لك و لا لاحد غيرك قالت الكبيرة ام كلثوم رضي الله عنها.فلما انصرفت من عندها دخلت الي الشيخ ابا القاسم بن روح -رضي الله عنه فأخبرته بالقصة و كان يثق بي وير كن الي قولي، فقال لي: يابنية اياك أن تمضي الي هذه المرأة بعدما جري منها و لا تقبلي لها رقعة ان كاتبنك و لا رسولا ان انفذته اليك و لا تلقيها بعد قولها، فهذا كفر بالله تعالي و الحاد قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هولاء القوم ليجعله طريقا الي أن يقول لهم بأن الله تعالي اتحد به وحل فيه كما يقول النصاري في المسيح عليه السلام و يعدو الي قول الحلاج لعنه الله.قالت فهجرت بني بسطام و تركت المضي اليهم و لم أقبل لهم عذرا و لالقيت أمهم بعدها و شاع في بني نوبخت الحديث فلم يبق أحد و الا و تقدم اليه الشيخ ابو القاسم و كاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني و البراءة منه و ممن يتولاه و رضي بقوله أو كلمه فضلا عن موالاته ثم ظهر التوقيع من صاحب الزمان عليه السلام بلعن ابي جعفر محمد بن علي و البراءة منه و ممن تابعه و شايعه و رضي بقوله و اقام علي توليه بعد المعرفة بهذا التوقيع و له حكايات قبيحة و امور فظيعة ننزه كتابنا عن ذكرها، ذكرها ابن نوح و غيره.(و كان) سبب قتله: انه لما اظهر لعنه ابوالقاسم بن روح -رضي الله عنه- و اشتهر امره و تبرأ منه و أمر جميع الشيعة بذلك لم يمكنه التلبيس فقال في مجلس حافل فيه روساء الشيعة، و كل يحكي عن الشيخ ابي القاسم لعنه و البراءة منه

ص: 112

أجمعوا بيني و بينه حتي آخذ و يأخذ بيدي فان لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه و الا فجميع ماقاله في حق، ورقي ذلك الي الراضي لانه كان ذلك في دار ابن مقلة -فأمر بالقبض عليه و قتله و فقتل و استراحت الشيعة منه.(و قال) ابوالحسن محمد بن احمد بن داود كان محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن ابي العزاقر لعنه الله يعتقد القول بحمل الضد و معناه أنه لايتهيأ اظهار فضيلة للولي الابطعن الضدفيه لانه يحمل سامعي طحنه علي طلب فضيلته فاذا هو افضل من الولي اذلايتهيا اظهار الفضل الابه، و ساقوا المذهب من وقت آدم الاول الي آدم السابع لانهم قالوا: سبع عوالم و سبع أوادم، و نزلوا الي موسي و فرعون و محمد و علي مع ابي بكر و معاوية.و أما في الضد فقال بعضهم الولي ينصب الضد و يحمله علي ذلك كما قال قوم من أصحاب الظاهر: ان علي بن ابي طالب عليه السلام نصبه ابابكر في ذلك المقام و قال بعضهم: لا و لكن هو قديم معه لم يزله (قالوا): و القائم الذي ذكروا اصحاب الظاهر أنه من ولد الحادي عشر فانه يقوم معناه ابليس لانه قال (فسجد الملائكة كلهم أجمعون الا ابليس) فلم يسجد ثم قال (لاقعدن لهم صراطك المستقيم) فدل علي أنه كان قائما في وقت ما أمر بالسجود ثم قعد بعد ذلك و قوله: يقوم القائم انما هو ذلك القائم الذي امر بالسجود فأبي و هو ابليس لعنه الله.و قال شاعرهم لعنهم اللهيالا عنا للضد من عدي ما الضد الاظاهر الولي و الحمد للميهمن الوفي لست علي حال كحمامي و لا حجامي و لا جغدي قد فقت من قول علي الفهدي نعم و جاوزت مدي العبدي فوق عظيم ليس بالمجوسي لانه الفرد بلا كيفي متحد بكل أوحدي

ص: 113

مخالط النوري و الظلمي يا طالبا من بيت هاشمي و جاحدا من بيت كسروي قدغاب في نسبة أعجمي في الفارسي الحسب الرضي كما التوي في العرب لوي(و قال الصفواني) سمعت ابا علي بن همام يقول: سمعت محمد بن علي العزاقري الشلمغاني يقول: الحق واحد و انما تختلف قمصه، فيوم يكون في أبيض و يوم يكون في أحمر و يوم يكون في ازرق (قال ابن همام): فهذا اول ما أنكرته من قوله لانه قول أصحاب الحلول.(و اخبرنا) جماعة عن ابي محمد هارون بن موسي عن ابي علي محمد بن همام أن محمد بن علي الشلمغاني لم يكن قط بابا الي ابي القاسم و لا طريقا له و لا نصبه ابوالقاسم لشي ء من ذلك علي وجه و لا سبب و من قال بذلك فقد أبطل و انما كان فقيها من فقهائنا و خلط و ظهر عنه ماظهر و انتشر الكفر و الالحاد عنه فخرج فيه التوقيع علي يد ابي القاسم بلعنه و البراءة ممن تابعه و شايعه وقال بقوله.(و أخبرني) الحسين بن ابراهيم عن احمد بن علي بن نوح عن ابي نصر هبةالله بن محمد بن احمد قال حدثني ابوعبدالله الحسين بن احمد الحامدي البزاز المعروف بغلام ابي علي بن جعفر المعروف بابن زهومة النوبختي -و كان شيخا مستورا- قال: سمعت روح بن ابي القاسم بن روح يقول: لما عمل محمد ابن علي الشلمغاني كتاب التكليف قال يعني اباالقاسم -رضي الله عنه اطلبوه الي لانظره فجاوا به فقرأه من أوله الي آخره فقال: ما فيه شي ء الا وقد روي عن الائمة الا موضعين أو ثلاثة فانه كذب عليهم في روايتها لعنه الله.(و اخبرني) جماعة عن أبي الحسن بن أحمد بن داود و ابي عبدالله الحسين بن علي بن الحسين بن موسي أنهما قالا مما أخطأ محمد بن علي في المذهب في باب الشهادة انه روي عن العالم (الكاظم) عليه السلام أنه قال: اذا كان

ص: 114

لاخيك المومن علي رجل حق فدفعه و لم يكن له من البينة عليه الا شاهد واحد و كان الشاهد ثقة رجعت الي الشاهد فسألته عن شهادته فاذا أقامها عندك شهدت معه عند الحاكم علي مثل مايشهده عنده لئلا يتوي (يهلك) حق امري ء مسلم، (و اللفظ لابن بابويه) و قال هذا كذب منه لسنا نعرف ذلك (و قال) في موضع آخر كذب فيه، نسخة التوقيع الخارج في لعنه.(أخبرنا جماعة) عن ابي محمد هارون بن موسي قال حدثنا محد بن همام (قال): خرج علي يد الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح -رضي الله عنه- في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة و ثلاثمائة في ابن ابي العزاقر و المداد رطب لم يجف(و اخبرنا) جماعة عن ابن داود قال خرج التوقيع من الحسين بن روح في الشلمغاني و أنفذ نسخته الي ابي علي بن همام في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة و ثلاثمائة.(قال ابن نوح) وحدثنا ابوالفتح احمد بن ذكا مولي علي بن محمد ابن الفرات -رحمه الله قال: اخبرنا ابو علي بن همام بن سهيل بتوقيع خرج في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة و ثلاثمائة.قال محمد بن الحسن بن جعفر بن اسماعيل بن صالح الصيمري: أنفذ الشيخ الحسين بن روح -رضي الله عنه- من محبسه في دار المقتدر الي شيخنا ابي علي بن همام في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة و ثلاثمائة و أملاه ابو علي و عرفني أن أباالقاسم -رضي الله عنه - راجع في ترك اظهاره فانه في يد القوم و حبسهم فأمر باظهاره و أن لايخش و يأمن فتخلص و خرج من الحبس بعد ذلك بمدة يسيرة و الحمدلله.(التوقيع) عرف عرفك الله الخير أطال الله بقاءك و عرفك الخير كله و ختم به عملك من تثق بدينه و تسكن الي نيته من اخواننا اسعدكم الله بأن محمد بن علي المعروف

ص: 115

بالشلمغاني و هو ممن عجل الله له النقمة و لا أمهله قد أرتد عن الاسلام و فارقه، و ألحد في دين الله و ادعي ما كفر معه بالخالق جل وتعالي وافتري كذبا وزورا و قال بهتانا واثما عظيما كذب العدلون بالله و ضلوا ضلالا بعيدا و خسروا خسرانا مبينا و اننا قد برئنا الي الله تعالي و الي رسوله و آله صلوات الله و سلامه و رحمته و بركاته عليهم بمنه و لعناه عليه لعائن الله تتري في الظاهر منا و الباطن في السر و الجهر و في كل وقت و علي كل حال و علي من شايعه و تابعه أو بلغه هذا القول منا و أقام علي توليه بعده.و اعلمهم تولاكم الله انا من التوقي و المحاذرة منه علي ما كنا عليه ممن تقدمه من نظرائه من الشريعي و النميري و الهلالي و البلالي و غيرهم و عادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله و بعده عندنا جميلة و به نثق و اياه نستعين و هو حسبنا في كل امورنا و نعم الوكيل».قال هارون و أخد أبوعلي هذا التوقيع و لم يدع احدا من الشيوخ الا و أقرأه اياه، و كوتب من بعد منهم بنسخته في ساير الامصار فاشتهر ذلك في الطائفة فاجتمعت علي لعنه و البراءة منه و قتل محمد بن علي الشلمغاني في سنة ثلاث و عشرين و ثلاثمائة.(ذكر أمر ابي بكر البغدادي) ابن أخي الشيخ ابي جعفر محمد بن عثمان العمري و ابي دلف المجنون.(اخبرني) الشيخ ابوعبد محمد بن محمد بن النعمان (الشيخ المفيد) عن أبي الحسن علي ابن بلال المهلبي (قال) سمعت أباالقاسم جعفر بن محمد بن قولويه يقول دما ابودلف الكانب لاحاطه الله فكنا نعرفه ملحدا ثم أظهر الغلو ثم جن و سلسل ثم صار مفوضا و ما عرفناه قط -اذا حضرفي مشهد- الا استخف به، و لاعرفته

ص: 116

الشيعة الامدة يسيرة و الجماعة تتبرأمنه و ممن يؤمي اليه و ينمس به (1) .وقد كنا وجهنا الي أبي بكر البغدادي -لما أدعي له هذا ما أدعاه- (2) فأنكر ذلك و حلف عليه فقلنا ذلك منه فلما دخل بغداد مال اليه و عدل عن الطائفة و أوصي اليه، لم نشك انه علي مذهبه فلعناه و برئنا منه لان عندنا أن كل من أدعي الامر بعد السمري فهو كافر منمس (3) ضال مضل و بالله التوفيق.(ذكر أبو عمرو) محمد بن محمد بن نصر السكري (قال): لما قدم ابن محمد ابن احسن بن الوليد القمي من قبل ابيه و الجماعة و سألوه عن الامر الذي حكي فيه من النيابة أنكر ذلك و قال: ليس الي من هذا شي ء و عرض عليه مال فأبي و قال محرم علي أخذ شي ء منه فانه ليس الي من هذا الامر شي ء و لا أدعيت شيئا من هذا، و كنت حاضرا لمخاطبته اياه بالبصرة.(و ذكر ابن عياش) قال: اجتمعت يوما مع أبي دلف فأخذنا في ذكر ابي بكر البغدادي فقال لي: تعلم من أين كان فضل سيدنا الشيخ قدس الله روحه و قدس به علي ابي القاسم الحسين بن روح و علي غيره؟ فقلت له: ما أعرف قال: لان أباجعفر محمد بن عثمان قدم اسمع علي اسمع في وصيته؟ قال: فقلت له: فالمنصور (اي الخليفه العباسي) افضل من مولانا ابي الحسن موسي عليه السلام قال: و كيف؟ قلت: لان الصادق عليه السلام قدم اسمه علي اسمه في الوصية فقال لي: أنت تتعصب علي سيدنا و تعديه فقلت: و الخلق كلهم تعادي أبابكر البغدادي و تتعصب عليه غيرك و حدك و كدنا نتقاتل و نأخذ بالازياق. (4) .

ص: 117


1- 133. نمس بالشي خدع و احتال به.
2- 134. أي أن ابادلف المجنون ادعي البابية و نحو ذلك لابي بكر البغدادي.
3- 135. محتال صاحب حيلة و مكر.
4- 136. زيق القميص بالكسر ما أحاط بالعنق.

و أمر ابي بكر البغدادي في قلة العلم و المروة أشهر و جنون أبي دلف أكثر من أن يحصي لانشغل كتابنا بذلك و ذكر ابن نوح طرفا من ذلك.(و روي) ابو محمد هارون بن موسي عن أبي القاسم الحسين بن عبدالرحيم الابراروري قال: أنفذني ابي عبدالرحيم الي ابي جعفر محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه- في شي ء كان بيني و بينه فحضرت مجلسه و فيه جماعة من أصحابنا و هم يتذاكرون شيئا من الروايات و ما قاله الصادقون عليهم السلام حتي أقبل ابوبكر محمد بن احمد بن عثمان المعروف بالبغدادي ابن اخي ابي جعفر العمري -رضي الله عنه- فلما بصر به أبو جعفر -رضي الله عنه- قال للجماعة امسكوا (اي توقفوا عن محادثتكم) فان هذا الجائي ليس من أصحابكم.و حكي انه توكل لليزيدي بالبصرة فبقي في خدمته مدة طويلة و جمع مالا عظيما فسعي به الي اليزيدي فقبض عليه و صادره و ضربه علي أم رأسه حتي نزل الماء في عينيه فمات ابوبكر ضريرا.و قال ابونصر هبةالله بن أحمد الكاتب ابن بنت ام كلثوم بنت ابي جعفر محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن أبادلف محمد بن المظفر الكاتب كان في ابتداء أمره مخمسا (1) مشهورا بذلك لانه كان تربية الكرخيين و تلميذهم و صنيعتهم و كان الكرخيون مخمسة لايشك في ذلك أحد من الشيعه و قد كان ابودلف يقول ذلك و يعترف به و يقول: نقلني سيدنا الصالح -قدس الله روحه و نور ضريحه- عن مذهب ابي جعفر الكرخي الي المذهب الصحيح يعني ابابكر البغدادي.و جنون ابي دلف و حكايات فساد مذهبه أكثر من أن تحصي فلانطول بذكرها الكتاب ههنا انتهي ما ذكره الشيخ الطوسي.

ص: 118


1- 137. اي الذين يقولون ان الخمسة سلمان و أباذر و المقداد و عمار و عمرو بن أمية الضمري هم الموكلون بمصالح العالم من قبل الرب.

و نقلناه كله مع طوله لان ما ذكره من قصص المدعين للسفارة و الوكالة و البابية الكاذبين علي الله و علي حججه عليهم السلام، تتكرر بين فتره و أخري في عصر الغيبة التامة الكبري و كما يقال التاريخ يعيد نفسه بل من تأمل بعبرة فيمامر من الوقائع التي ذكرها الشيخ يجد أن مايحدث في زمننا هذا من ادعاء البابية هو بخذافيره مسلسل الوقائع السابقة من نسبة الاباطيل الي الائمة عليهم السلام و من سرقة الاموال و اتخاذ الضعفاء و الجهلة أنصار و النساء مسرحا للخرافات و الخزعبلات و من ينتسب الي العلم واجهة للغواية و... و... و...و كما قال شيخ الطائفة في زمانه ابومحمد هارون بن موسي التلعكبري (1) «و كل مولاء المدعين انما يكون كذبهم اولا علي الامام و أنهم وكلاؤه فيدعون الضعفة بهذا القول الي موالاتهم ثم يترقي الامر بهم الي قول الحلاجية (القائلين بالحلول أي الكفر و الالحاد) كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني و نظرائه عليهم جميعا لعائن الله تتري.

في ثواب التمسك بالدين في الغيبة الكبري

في ثواب الثبات و التمسك بالدين في الغيبة الكبري و شدة المحنة.روي الصدوق بسنده عن الجواد عن آبائه عن امير المومنين عليه السلام قال: للقائم منا غيبة أمدها طويل كأني الشيعة يجولون جولان النعم في غيبة يطلبون المرعي فلا يجدونه ألا فمن ثبت منهم علي دينه و لم يقس قلبه لطول امد غيبة امامه فهو معي في درجتي يوم القيامة ثم قال عليه السلام ان القائم منا اذا قام لم يكن لاحد في عنقه بيعة فلذلك تخفي ولادته و يغيب شخصه» (2) .

ص: 119


1- 138. أحد مشايخ الشيخ المفيد.
2- 139. اكمال الدين ص303.

و روي عن الاصبغ بن نباته قال: ذكر عند أميرالمومين عليه السلام القائم عليه السلام فقال: أما ليغيبن حتي يقول الجاهل: مالله في آل محمد حاجة و في حديث آخر «بعد غيبة و حيرة فلا يثبت فيها علي دينه الا المخلصون المباشرون لروح اليقين الذين اخذ الله عزوجل ميثاقهم بولايتنا و كتب في قلوبهم الايمان و أيدهم بروح منه» (1) .و روي توقيها من صاحب الزمان عليه السلام كان خرج الي العمري (النائب الاول) و ابنه (النائب الثاني في الغيبة الصغري) رضي الله عنهما عن سعد بن عبدالله قال الشيخ ابوعبدالله جعفر رضي الله عنه: وجدته مثبتا عنه رحمه الله «وفقكما الله لطاعته و ثبتكما علي دينه و أسعدكما بمرضاته انتهي الينا ما ذكرتما أن الميثمي اختركما عن المختار و مناظراته من لقي و احتجاجه بأنه لاخلف غير جعفر بن علي (2) و تصديقه اياه و فهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابكما عنه و أنا أعوذ بالله من العمي بعد الجلاء و من الضلالة بعد الهدي و من موبقات الاعمال و مرديات الفتن فانه عزوجل يقول «ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون»كيف يتساقطون في الفتنة، و يترددون في الحيرة و يأخذون يمينا و شمالا فارقوا دينهم أم ارتابوا أم عاندوا الحق أم جهلوا ماجاءت به الروايات الصادقة و الاخبار الصحيحة أو علموا ذلك فتناسوا ما يعلمون ان الارض لاتخلو من حجة اما ظاهرا و اما مغمورا.أولم يعلموا انتظام ائمتهم بعد نبيهم صلي الله عليه و آله واحد بعد واحد الي أن أفضي الامر بأمر الله عزوجل الي الماضي -يعني الحسن بن علي عليهماالسلام- فقام مقام آبائه عليه السلام يهدي الي الحق و الي طريق مستقيم كانوا نورا ساطعا و شهابا لامعا و قمرا زاهرا ثم اختار الله

ص: 120


1- 140. نفس المصدر ص304 - 303.
2- 141. أي لاخلف في الامامة بعد العسكري غير جعفر الذي كان يدعي بالكذاب.

عزوجل له ما عنده فمضي علي منهاج آبائه عليهم السلام حذو النعل بالنعل علي عهد عهده و وصية أوصي بها الي وصي ستره الله عزوجل بأمره الي غاية و أخفي مكانه بمشيئة للقضاء السابق و لاقدر النافذ و فينا موضعه و لنا فضله و لو قد اذن الله عزوجل فيما قد منعه عنه و أزال عنه ما قد جري به من حكمه لاراهم الحق ظاهرا بأحسن حلية و أبين دلالة و أوضح علامة و ابان عن نفسه و قام بحجته.ولكن أقدار الله عزوجل لاتغالب و ارادته لاترد و توفيقه لايسبق فليدعوا عنهم اتباع الهوي و ليقيموا علي أصلهم الذي كانوا عليه و لايبحثوا عما ستر عنهم فيأثموا و لا يكشفوا ستر الله عزوجل فيندموا و ليعلموا أن الحق معنا و فينا لايقول ذلك سوانا الا كذاب مفتر و لايدعيه غيرنا الاضال غوي فليقتصروا منا علي هذه الجملة دون التفسير و يقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح ان شاء الله». (1) .و روي بسنده عن ابي عبدالله عليه السلام قال: من مات منكم علي هذا الامر منتظرا له كان كمن كان في فسطاط القائم عليه السلام» (2) .و روي عن عبدالحميد الواسطي أنه سئل الباقر عليه السلام قال قلت: فان مات قبل أن ادرك القائم؟ قال: القائل منكم أن لو أدركت قائم آل محمد نصرته كان كالمقارع بين يديه بسيفه، لابل كالشهيد معه».و روي عن ابي الحسن عن آبائه عليه السلام أن رسول الله صلي الله عليه و آله قال: أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله عزوجل» (3) .و روي عن الصادق عليه السلام «ما أحسن الصبر و النتظار الفرج أما سمعت قول الله عزوجل «و ارتقبوا اني معكم رقيب» «فانتظروا اني معكم من المنتظرين» فعليكم

ص: 121


1- 142. اكمال الدين ص510.
2- 143. اكمال الدين ص644.
3- 144. اكمال الدين ص644.

بالصبر فانه انما يجي ء الفرج علي اليأس فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم» «المنتظر لامرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله» (1) .و روي بسنده عن عمار الساباطي قال قلت لابي عبدالله عليه السلام: العبادة مع الامام منكم المستتر في دولة الباطل أفضل أم العبادة في ظهور الحق و دولته مع الامام الظاهر منكم، فقال: يا عمار الصدقة و الله في السر افضل من الصدقة في العلانية و كذلك عبادتكم في السر في دولة الباطل افضل لخوفكم من عدوكم في دولة الباطل و حال الهدنة ممن يعبدالله عزوجل في ظهور الحق مع الامام الظاهر في دولة الحق و ليس العبادة مع الخوف و في دولة الباطل مثل العبادة مع الامن في دولة الحق.اعلموا أن من صلي منكم صلاة فريضة و حدانا مستترا بها من عدوه في وقتها فأتمها كتب الله عزوجل له بها خمسا و عشرين صلاة فريضة و حدانية و من صلي منكم صلاة نافلة في وقتها فأئمها كتب الله عزوجل له بها عشر صلوات نوافل، و من عمل منكم حسنة كتب الله له بها عشرين حسنة و يضاعف الله حسنات المؤمن منكم اذا أحسن اعماله ودان الله عزوجل بالتقية علي دينه و علي امامه و علي نفسه و أمسك من لسانه أضعافا مضاعفة كثيرة ان الله عزوجل كريم.قال فقلت: جعلت فداك قد رغبتني في العمل و حثثتني عليه ولكن احب أن أعلم كيف صرنا اليوم أفضل أعمالا من أصحاب الامام منكم الظاهر في دولة الحق و نحن و هم علي دين واحد و هو دين الله عزوجل؟فقال: انكم سبقتموهم الي الدخول في دين الله عزوجل و الي الصلاة و الصوم و الحج و لي كل فقه و خير و الي عبادة الله سرا مع عدوكم مع الامام المستتر مطيعون له صابرون معه منتظرون لدولة الحق خائفون علي امامكم و انفسكم من

ص: 122


1- 145. اكمال الدين ص645.

الملوك تنظرون الي حق امامكم و حقكم في أيدي الظلمة قد منعوكم ذلك و اضطروكم الي حرث الدنيا و طلب المعاشي مع الصبر في دينكم و عبادتكم و طاعة امامكم و الخوف من عدوكم فبذلك ضاعف الله أعمالكم فهنيئا لكم هنيئاقال فقلت له: جعلت فداك فما نتمني اذا أن نكون من أصحاب الامام القائم في ظهور الحق و نحن اليوم في امامتك و طاعتك افضل أعمالا من اعمال أصحاب دوله الحق؟ فقال سبحان الله! أما تحبون أن يظهر الله عزوجل الحق و العدل في البلاد، و يحسن حال عامة العباد و يجمع الله الكلمة و يؤلف بين قلوب مختلفة و لا يعصي الله عزوجل في أرضه و يقام حدود الله في خلقه و يردالله الحق الي اهله فيظهروه حتي لايستخفي بشي ء من الحق مخافة أحد من الخلق، أما والله يا عمار لايموت منكم ميت علي الحال التي انتم عليها الا كان افضل عندالله عزوجل من كثير ممن شهد بدرا و أحدا فأبشروا» (1) .و روي عن الصادق عليه السلام «المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صلي الله عليه و آله يذب عنه هو (الامام الثاني عشر) المفرج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد و بلاء طويل و جور فطوبي لمن أدرك ذلك الزمان» (2) .و روي الكليني بسنده عن يمان التمار قال: كنا عند ابي عبدالله عليه السلام جلوسا فقال لنا ان لصاحب هذا الامر غيبة المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد -ثم قال هكذا بيده- (3) -فأيكم يمسك شوك القتاد بيده- ثم اطرق مليا ثم قال: ان لصاحب هذا الامر غيبة، فليتق الله عبدو ليتمسك بدينه (4) .

ص: 123


1- 146. اكمال الدين ص646.
2- 147. اكمال الدين ص647.
3- 148. اي اشار بيده، و الخارط من يضرب بيده علي اعلي الغصن ثم يمدها الي الاسفل ليسقط ورقه و القتاد شجر له شوك.
4- 149. الكافي ج1 ص335.

و روي عن الكاظم عليه السلام انه قال: اذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لايزيلكم عنها أحد يابني انه لابد لصاحب هذا الامر من غيبة حتي يرجع عن هذا الامر من كان يقول به، انما هي محنة من الله عزوجل امتحن بها خلقه، لو علم أبائكم و أجدادكم دينا أصح من هذا لاتبعوه» (1) .اقول المقصود من ذيل الرواية ليس التقليد للاباء و الاجداد بل هو التنبيه الي أن من الاباء و الاجداد من كان همه وسعيه في البحث عن الحق و الدين الصحيح و اختيار مثلهم لهذا الدين يكون مؤشر لصحة هذا الدين و ليس ذلك دعوة للتقليد كما قد يتوهم.و روي أنه سئل سائل الصادق عليه السلام قال قلت اذا أصبحت و أمسيت لا أري اماما أئتم به ما أصنع؟ قال: فأحب من كنت تحب و ابعض من كنت تغض حتي يظهره الله عزوجل» (2) .و روي النعماني في كتاب الغيبة عن الصادق عليه السلام أنه قال «أقرب مايكون العباد من الله عزوجل و أرضي مايكون عنهم اذا افتقدوا حجة الله جل و عز و لم يظهر لهم و لم يعلموا بمكانه و هم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجةالله جل ذكره و لا ميثاقه فعندها فتوقعوا العرج صباحا و مساءا فان اشد ما يكون غضب الله عزوجل علي اعدائه اذا افتقدوا حجةالله فلم يظهر لهم و قد علم الله أن أولياءه (3) لا يرتابون و لو علم أنهم يرتابون ما غيب حجته عنهم طرفة عين و لا يكون ذلك الاعلي رأس شرار الناس» (4) .

ص: 124


1- 150. الكافي ج1 ص336.
2- 151. المصدر السابق ص342.
3- 152. اي الذين كتب لهم الايمان في قلوبهم و أخذ عليهم ميثاق الولاية للائمة (ع) في غابر علم الله تعالي.
4- 153. الغيبة للنعماني ص162.

و روي عن أبي جعفر (الباقر) عليه السلام أنه قال: لتمحصن يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين و ان صاحب العين يدري متي يقع الكحل في عينه و لا يعلم متي يخرج منها، و كذلك يصبح الرجل علي شريعة من أمرنا و يمسي و قد خرج منها و يمسي علي شريعة من أمرنا، و يصبح و قد خرج منها» و روي عن الصادق عليه السلام انه قال «و الله لتكسرن تكسر الزجاج و ان الزجاج ليعاد فيعود كما كان و الله لتكسرن تكسر الفخار ليتكسر فلا يعود كما كان و والله لتغربلن و والله لتميزن و والله لتمحصن حتي لايبقي منكم الا الاقل و صعر كفه» (1) .ثم قال النعماني «فتبينوا يا معشر الشيعة هذه الاحاديث المروية عن أمير المؤمنين و من بعده من الائمة عليهم السلام و احذروا ما خذروكم و تأملوا ما جاء عنهم تأملا شافيا، و فكروا فيها فكرا تنعمونه، فلم يكن في التحذير شي ء أبلغ من قولهم «ان الرجل يصبح علي شريعة من أمرنا و يمسي و قد خرج منها و يمسي علي شريعة من أمرنا و يصبح و قد خرج منها» أليس هذا دليلا علي الخروج من نظام الامامة و ترك ما كان يعتقد منها علي غير طريق.و في قوله «لتكسرن تكسر الزجاج.... الخ» فضرب ذلك مثلا لمن يكون علي مذهب الامامية فيعدل عنه الي غيره بالفتنة التي تعرض له ثم تلحقه السعادة بنظرة من الله فتبين له ظلمة ما دخل فيه و صفاء ماخرج منه فيبادر قبل موت بالتوبة و الرجوع الي الحق فيتوب الله عليه و يعيده الي حاله في الهدي كالزجاج الذي يعاد بعد نكسره فيعود كما كان، و لمن يكون علي هذا الامر فيخرج عنه و يتم علي الشقاء بأن يدركه الموت و هو علي ما هو عليه غير تائب منه و لا عائد الي الحق فيكون مثله كمثل الفخار الذي يكسر فلايعاد الي حاله لانه لا توبة له بعد الموت

ص: 125


1- 154. صعر كفه أي أمالها تهاونا بالناس أي الذين جناح البعوضة أرجح من التزامهم بالدين.

و لا في ساعته، نسأل الثبات علي مامن به علينا و أن يزيد في احسانه فانما نحن له و منه انتهي (1) .و روي عن الكاظم عليه السلام انه قال «مايكون ذلك (أي ظهور الحجة (عج) حتي تميزوا و تمحصوا و حتي لايبقي منكم الا الاقل ثم صعر كفه» و عن الرضا عليه السلام «و الله لايكون ماتمدون اليه أعينكم حتي تمحصوا و تميزوا و حتي لايبقي منكم الا الاندر فالاندر و في روية أخري «حتي يشقي من شقي و يسعد من سعد» (2) .هذا و الروايات في هذا المجال كثيرة جدا تطلب من مظانها.

تفسير ما وقع من ورود كتاب من الناحية المقدسة

لعل قائل يقول: ما تفسير ما وقع من خروج كتاب ورد من الناحية المقدسة حرسها الله ورعاها علي الشيخ المفيد ابي عبدالله محمد بن محمد بن النعمان قدس الله روحه و نور ضريحه.و ما تفسير ما شاع نقله و استفاض من تشرف عدة من أساطين الفقهاء و العلماء بلقاءه عجل الله تعالي و فرجه الشريف حتي أن ثلة منهم نقل عنه عليه السلام بعض الادعية المسطورة في كتب الشيعة؟و كيف يتفق مع ما تسالمت عليه الطائفة من انقطاع السفارة و أن «من ادعي المشاهدة قبل خرج السفياني و الصيحة فهو كاذب مفتر» كما ورد في التوقيع الذي خرج علي يد النائب الرابع.فتفسير ذلك أنه التبس علي القائل معني السفارة و النيابة الخاصة و الوكالة

ص: 126


1- 155. المصدر السابق ص207.
2- 156. المصدر السابق ص208.

و البابية مع ما ذكره من الموارد و لنوضح الفرق بمثال موجود في يومنا هذا.و هو الفرق بين سفير دولة ما و بين مواطن كاحد المواطنين لنلك الدولة قد أبلغ من قبلها بايصال رسالة ما الي جهة معينة، فالسفير للدولة له منصب دائم من قبلها بايصال و رسالة ما الي جحة معينة، فالسفير للدولة له منصب دائم من قبلها لا يصال والقيام بنيابة الدولة و تمثيلها بخلاف ذلك المواطن الذي اتفق أن أمر بايصال رسالة ما فانه لم ينصب لمقام معين و لم يجعل ممثلا دائميا.و من ثم نقول الفرق بين الباب و السفير و بين مثل المكاتبة التي تشرف بها المفيد رضوان الله تعالي عليه:هو أن السفير كالنواب الاربعة في الغيبة الصغري هو الذي ينصب بنحو دائم كحلقة وصل بين الشيعة و الامام و يكون علي اتصال دائم و هو بحيث يوصل من والي الحجة عليه السلام و هو يأتمر في كل صغيرة و كبيرة من أعماله و اجراءاته و تنفيذه في المهام الدينية من قبل الحجة عليه السلام و تظهر علي يديه دلائل و براهين علي النيابة الخاصة من قبل الحجة عليه السلام مع اظهار السفير سفارته لاجلاء الطائفة الامامية. و اين هذا من مثل المكاتبة المذكورة؟و قد تقدم ذكر عدة ممن كانوا يكنبون الاسئلة و ببعثوا بها الي الحجة عليه السلام عبر النواب الاربعة في الغيبة الصغري كابي جعفر محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري المعروف بمكاتبته للحجة عبر النواب الاربعة و مع ذلك فلم يكن سفيرا و لا نائبا خاصا و لا وكيلا بالمباشرة و لا بالواسطة بل كسائر الفقهاء.و كذلك عدة كثيرة من الفقهاء كاتبوا في الغيبة الصغري عبر النواب الاربعة أو كتب اليهم.منهم محمد بن صالح الهمداني (1) و اسحاق بن يعقوب (2) و محمد بن

ص: 127


1- 157. اكمال الدين ص483.
2- 158. المصدر السابق.

الصالح (1) و الحسن بن الفضل اليماني (2) و علي بن محمد الشمشاطي (3) و ابو رجاء المصري (4) و محمد بن هارون (5) و ابوالقاسم ابن ابي حليس (6) و هارون بن موسي بن الفرات و محمد بن محمد البصري و محمد بن يزداذ و محمد بن كشمرد (7) و علي بن محمد بن اسحاق الاشعري و ابراهيم بن محمد بن الفرج و غيرهم كثير جدا و مع ذلك لم يكونوا و كلاء بالمباشرة و لا بالواسطة.هذا مع أن الشيخ المفيد كتب اليه من الحجة عليه السلام لا أنه أرسل كتابا ثم أتاه الجواب و كيف يتوهم أن الشيخ المفيد يدعي انه سفيرا مع أنه نفسه رحمه الله ذكر في (الرسائل الخمسة في الغيبة) (8) انقطاع السفارة و النواب بموت النائب الرابع في الغيبة الصغري و ذكر ذلك في كتاب الارشاد في الفصل الذي عقده للامام الثاني عشر عليه السلام و في بقية كتبه و مع أن الشيخ المفيد نفسه ذكر عن شيخه ابي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه «أن عندنا أن كل من أدعي الامر بعد السمري فهو كافر منمس ضال مضل» (9) .نعم للشيخ المفيد كبقية الفقهاء العدول النيابة العامة و هي المرجعية و التي يستقي الفقيه علمه بالاحكام الشرعية من الكتاب و الاخبار المأثورة عن الرسول صلي الله عليه و آله

ص: 128


1- 159. المصدر السابق ص489.
2- 160. المصدر السابق 490.
3- 161. المصدر السابق ص491.
4- 162. المصدر السابق ص491.
5- 163. المصدر السابق ص492.
6- 164. المصدر السابق ص493.
7- 165. المصدر السابق ص494.
8- 166. و قد تقدم نقل كلامه.
9- 167. راجع كتاب الغيبة للشيخ الطوسي تليمذ الشيخ المفيد ص255.

و الائمة عليهم السلام كما تقدم شرح ذلك في الامر الثالث من هذا الفصل.هذا مع أنه يصعب الجزم بصدور هذا الكتاب من الناحية المقدسة و وروده للشيخ المفيد و ذلك لان الشيخ الطبرسي رحمه الله تفرد بذكر ذلك في كتابه (الاحتجاج) و لم يذكر طريقه و سنده الي الشيخ المفيد.أما تفرده فلان الشيخ الطوسي و هو تلميذ الشيخ المفيد و من خواصه المقربين اليه لم يذكر ذلك في كتابه الرجال و الفهرست عند ترجمة شيخه المفيد مع انه اثني عليه بأبلغ الثناء و المدح و لو كان مثل هذا الكتاب من الناحية المقدسة لناسب ذكره في الترجمة لانه أبلغ شي ء في التعريف بمكانة شيخه، كما لم يذكر الشيخ الطوسي هذه الواقعة في بقية كتبه.و كذلك الشيخ الجليل ابوالعباس احمد بن علي النجاشي تلميذ الشيخ المفيد لم يذكر ذلك في ترجمة شيخه في رجاله مع أن أطري عليه بأحسن الثناء.و كذلك لم يعثر في كتب السيد المرتضي علي بن الحسين الموسوي علي ذكر لهذه الواقعة مع أن السيد يأني بشي ء من الاطراء و المدح لاستاذه الشيخ المفيد عند تصادف ذكر شيخه في كتبه.و كذلك لم يذكر ذلك ابن ادريس الحلي في سرائره في المستطرفات في ما استطرفه من كتاب العيون و المحاسن تصنيف المفيد حيث أتي بترجمة للمفيد في البدء فيها من المدح و الثناء الجميل.و كذلك لم يذكر ذلك العلامة الحلي في كتاب الرجال عند ترجمة الشيخ المفيد مع انه اطري عليه بالمدح الجزيل، مع أن العلامة الحلي (قده) من أعلام الطائفة في القرن السابع فهو متأخر عن الشيخ الطبرسي الذي هو من أعلام القرن السادس.و كذلك لم يذكر ذلك تقي الدين بن داود الحلي في كتاب الرجال المعاصر

ص: 129

للعلامة الحلي و كذلك لم يذكر ذلك الشيخ أبوالفتح الكراجكي تلميذ المفيد مع أنه كرر ذكره كتابه كنز الفوائد.نعم ذكر ابن شهر آشوب السروي رحمه الله في معالم العلماء «و لقبه بالشيخ المفيد صاحب الزمان صلوات الله عليه، و قد ذكرت سبب ذلك في مناقب آل ابي طالب». و لكن لم بعثر علي ذلك في كتابه المناقب و قد ذكر المصحح الذي أشرف علي طبع كتاب المناقب (1) «و ليعلم أن الموجود من المناقب في احوال الائمة عليهم السلام الي العسكري و لم نعثر علي احوال الحجة عليه السلام منه و لانقله من تقدمنا من سدنة الاخبار كالمجلسي (قده) و الشيخ الحر و امثالهما و ربما يتوهم انه لم يوفق لذكر احواله عليه السلام الا أنه قال في معالم العلماء في ترجمة المفيد (قده) انه لقبه بالشيخ و الظاهر انه كتبه في جملة احواله عليه السلام في هذا الباب سقط من هذا الكتاب».و علي أية حال فابن شهر آشوب تلميذ الشيخ الطبرسي كما ذكر هو ذلك (2) فالمظنون قويا انه نقله عن الطبرسي رحمه الله، و كذلك مايحكي عن رسالة نهج العلوم ليحيي بن بطريق الحلي صاحب كتاب (العمدة في عيون صحاح الاخبار في مناقب امام الابرار) المتوفي سنة ستمائة هجرية أنه ذكر التوقيعات المذكورة الي الشيخ المفيد (قده)، فالمظنون قويا أنه نقله عن ابن شهر آشوب لانه الراوي عنه (3) أو نقله عن الشيخ الطبرسي قدس سره.هذا مع أن ابن ادريس ذكر في كتاب السرائر في ما استطرفه من كتاب العيون و المحاسن تصنيف الشيخ المفيد أن الذي سماه بهذا اللقب علي بن عيسي الرماني عند ما أفحمه المفيد و كان في بداية نشوه العلمي لا أن هذا اللقب اشتهر به في

ص: 130


1- 168. المناقب ج4 ص446، و الي ذلك اشار الميرزا النوري (قده) في خاتمة المستدرك في ترجمة المفيد (رض).
2- 169. معالم العلماء ص25.
3- 170. الذريعة الي تصانيف الشيعة ج15 ص334.

آخر عمره كما هو مقتضي تاريخ التوقيع الا أن يريد ابن شهر آشوب جري هذا اللقب علي لسانه الشريف عليه السلام و ما في ذلك من المدح للمفيد رضوان الله تعالي عليه.و أما عدم ذكر الطريق فلان الشيخ الطبرسي لا يروي مباشرة عن المفيد بل لابد من الواسطة و لم تذكر في كلامه رفع الله مقامه.و هو و ان ذكر في أول كتاب الاحتجاج حيث يقول «و لا نأتي في اكثر مانورده من الاخبار باسناده اما لوجود الاجماع عليه أو موافقه لما دلت العقول اليه أو لاشتهاره في السير و الكتب بين المخالف و المؤالف».لكن شي ء من الاقسام الثلاثة غير متحقق لدينا.أما الاجماع و الاتفاق فقد عرفت خلو كتب التراجم و الرجال المصنفة ممن هو أقرب زمنا من الشيخ الطبرسي من ذلك و من ذلك لايتحقق لدينا وجود الشهرة أيضا في تلك الاعصار (1) .و أما الموافقة للدليل العقلي فلا دليل عقلي في البين علي وقوع ذلك.نعم الشيخ الطبرسي لامحاله قد تحقق لديه أحدها و لكن لم يتحقق لدينا كما عرفت و هنا اشكال آخر ذكره السيد المحقق الخوئي (دام بقاه) في المعجم (2) بقوله «هب أن الشيخ المفيد جزم بقرائن أن التوقيع صدر من الناحية المقدسة و لكن كيف يمكننا الجزم بصدوره من تلك الناحية».و وجه هذا الاشكال أن المفيد قدس سره ليس سفيرا خاصا و بابا للحجة عليه السلام كي يجزم بما قد جزم به المفيد انه من الناحية اذ قد لايحصل الجزم من تلك القرائن فيما لو علمنا بها.

ص: 131


1- 171. نعم حكي صاحب لؤلؤة البحرين (قده) ص367 عن ابن بطريق الحلي قده في رسالة نهج العلوم أن التواقيع ترويها كافة الشيعة و تتلقاها بالقبول فلاحظ.
2- 172. ج17 ص209.

و هذا بخلاف الحال في السفير و الباب الخاص باحجة عليه السلام فانه مقتضي سفارته حجية قوله فيما يؤديه عن الحجة من دون احتمال الخطأ و الغفلة كما ورد في قول الامام العسكري عليه السلام عند تنصيصه علي نيابة العمري و ابنه «العمري و ابنه ثقتان فما أديا اليك عني فعني يؤديان ما قالا لك فعني يقولان» «فأقبلوا من عثمان (النائب الاول العمري) ما يقوله و انتهوا الي أمره و اقبلوا قوله فهو خليفة امامكم و الامر اليه» (1) .و من ذلك كله يظهر لك تفسير تشرف عدة من أكابر العلماء و الفقهاء و الاتقياء بلقاء الحجة (عج) و سعادتهم بجمال محضره الشريف، فان ذلك ليس يعني سفارتهم و بابيتهم و أنهم منصوبين لذلك.بل ان ذلك نتيجة الطهارة من الذنوب و من النزعات الشيطانية و الحبوانية اذ قد ورد في بعض الروايات (2) أن الحاجب بيننا و بين نور مطلعه الباهر عليه افضل صلوات الملك القادر هي ذنوبنا و سيئات أعمالنا، و قد ذكر الصدوق في اكمال الدين عدة كثيرة ممن تشرف بلقاءه عليه السلام في الغيبة الصغري فترة النواب الاربعة و لم تكن تلك العدة التي تشرفت بلغاءه عليه السلام سفراء و نواب.و أما توافق ذلك مع ما خرج من التوقيع علي يد علي بن محمد السمري النائب الرابع و الاخير «من أدعي المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو كاذب مفتر».فلان معني التوقيع المبارك كما هو الراجح لدي العلماء هو ادعاء النيابة الخاصة و السفارة بقرينة أن التوقيع صدر قرب وفاة السمري حيث أن في أوله تعزية

ص: 132


1- 173. الغيبة للشيخ الطوسي ص216.
2- 174. مثل الرواية التي اخرجها الطبري في (دلائل الامامة) من مشاهدة ابن مهزيار له (ع) ص297 عند قوله (ع): فما الذي أبطأبك علينا؟.

الامام عليه السلام المؤمنين بموت السمري ما بينه و بين ستة أيام ثم أمره عليه السلام السمري بعدم الوصاية الي أحد يقوم مقامه بعد وفاته اذ قد وقعت الغيبة التامة و انه لاظهور حتي يأذن الله تعالي ذكره و هذه كلها قرائن أن سياق الكلام دال علي تكذيب ادعاء النيابة و السفارة بعد السمري رضوان الله تعالي عليه.و نص التوقيع كما ذكره الشيخ في الغيبة (1) قال و اخبرنا جماعة (و هم مشايخه) عن ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (الصدوق) قال حدثني ابو محمد الحسين بن احمد المكتب (الذي ترحم عليه الصدوق في اكمال الدين) قال كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ ابوالحسن علي بن محمد السمري قدس سره فحضرته قبل وفاته بأيام فاخرج الي الناس توقيعا نسخته:بسم الله الرحمن الرحيم: ياعلي بن محمد السمري أعظم الله أجر اخوانك فيك فانك ميت ما بينك و بين شتة أيام فاحمع أمرك و لاتوص الي أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور الا بعد اذن الله -تعالي ذكره- و ذلك بعد طول الامد و قسوة القلوب و امتلاء الارض جورا و سيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة الا فمن ادعي المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو كاذب مفتر و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم».و قد أنبا عليه السلام شيعته بمجيي ء المدعين الكذابين المفترين و قد حصل مجيئهم كرات و مرات و لازال في يومنا هذا، و هذا الانباء بالمستقبل من معجزاته عليه السلام.و واضح أن من يدعي المشاهدة للحجة عليه السلام ليس غرضه الا اظهار نفسه كوسيط و سفير للحجة عليه السلام و هذه قرينة أخري علي أن المعني المراد في التوقيع المبارك هو ادعاء النيابة و السفارة.

ص: 133


1- 175. ص242.

من هم الابدال و الاوتاد استعراض ما ورد من الروايات و عموم معناهما لافراد متفاوتة

و لعل سؤالا يطرح و هو: أليس الابدال و الاوتاد علي درجة من القرب الي الناحية المقدسة، و لعل المقدمين منهم علي اتصال فيكف يلتئم ذلك مع انقطاع النيابة الخاصة؟فالجواب يتضح من خلال استعراض ما ورد من الروايات في ذلك:(منها) مارواه الصدوق (قده) باسناده عن ابي سعيد الخدري في وصية النبي صلي الله عليه لعلي عليه السلام قال: ياعلي عليك بالجماع ليلة الاثنين فانه ان قضي بينكما و لديكون حافظا لكتاب الله راضيا بما قسم الله عزوجل و ان جامعت أهلك....(الي أن قال) صلي الله عليه و آله «و ان جامعتها في ليلة الجمعة بعد العشاء الاخرة فانه يرجي أن يكون الولد من الا بدال ان شاء الله» (1) و قد رواه الطبرسي في مكارم الاخلاق (2) .(منها) مارواه الطبرسي (قده) عن الخالد بن الهيثم الفارسي قال: قلت لابي الحسن الرضا عليه السلام: ان الناس يزعمون أن في الارض أبدالا، فمن هولاء الابدال، قال: صدقوا، الابدال هم الاوصياء جعلهم الله عزوجل في الارض بدل الانبياء اذ رفع الانبياء و ختمهم محمد عليه السلام» (3) .و قال المجلسي (قده) في بيان هذا الحديث «ظاهر الدعاء المروي من أم داود عن الصادق عليه السلام في النصف من رجب:قال: اللهم صل علي محمد و آل محمد و ارحم محمد و آل محمد و بارك علي محمد و آل محمد كما صليت و رحمت و باركت علي ابراهيم و آل ابراهيم انك

ص: 134


1- 176. الوسائل ج14 ب151 من ابواب مقدمات النكاح.
2- 177. ص211.
3- 178. الاحتجاج، ج2 ص231.

حميد مجيد اللهم صل علي الاوصياء و السعداء و الشهداء و أئمة الهدي اللهم صل علي الابدال و الاوتاد و السياح و العباد المخلصين و الزهاد و أهل الجد و الاجتهاد» الي آخر الدعاء يدل علي مغايرة الابدال للائمة عليهم السلام لكن ليس بصريح فيها فيمكن حمله علي التأكيد و يحتمل أن يكون المراد به في الدعاء خواص أصحاب الائمة عليهم السلام و الظاهر من الخبر نفي ما تفتريه الصوفية من العامة كما لا يخفي علي المتتبع العارف بمقاصدهم عليهم السلام.)و منها(ما رواه الكليني عن الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله اني و اثني عشر (1) من ولدي و أنت ياعلي زرالارض يعني أوتادها و جبالها، بنا أوتدالله الارض أن تسيخ بأهلها، فاذا ذهب الاثناعشر من ولدي ساخت الارض بأهلها و لم ينظروا». (2) وهذه الرواية مطابقة في المضمون للروايه السابقة و لكن هذا المضمون لايعرض مادل علي أن الاوتاد و الابدال غير الائمة عليهم السلام و ذلك لامكان عموم معناهما غاية الامر أنه تشكيكي (متفاوت الافراد) ذو درجات الاعلي و الاشرف من أفراده هم الائمة عليهم السلام و لهم آثار تخصهم بخلاف بقية افراد و مصاديق ذلك المعني العام فان لهم آثار أفل شأنا.و حكي الشيخ القمي في كتابه (سفينة البحار) في «عنوان قطب».«ثم اعلم انه قال الكفعمي في حاشية مصباحة قيل ان الارض لاتخلو من القطب و اربعة أوتاد و أربعين بدلا و سبعين نجيبا و ثلاثمائة و ستين صالحا فالقطب هو المهدي صلوات الله عليه و لاتكون الاوتاد اقل من أربعة لان الدنيا كالخيمة و المهدي عليه السلام كالعمود و تلك الاربعة اطناب و قد تكون الاوتاد اكثر من اربعة و الابدال اكثر من اربعين و النجباء اكثر من سبعين و الصالحون اكثر من ثلاثمائة و ستين و الظاهر

ص: 135


1- 179. و في الغيبة للطوسي ص92 «اني و أحدعشر من ولدي» و يمكن توجيه نسخة الكافي أي فاطمة ع و أحدعشر من ولدها أو يكون عطف و أنت من عطف الخاص علي العام حيث انه ع ربيب رسول الله ص.
2- 180. الكافي ج1 ص534.

أن الخضر و الياس عليهماالسلام من الاوتاد فهما ملاصقان لدائرة القطب.و اما صفة الاوتاد فهم قوم لايغفلون عن ربهم طرقة عين و لا يجمعون من الدنيا الا البلاغ و لا نصدر منهم هفوات البشر و لا يشترط فيهم العصمة و شرط ذلك في القطب. و اما الابدل فدون هؤلاء في المرتبة و قد تصدر منهم الغفلة فيتدار كونها بالتذكر و لا يتعمدون ذنبا.و اما النجباء فهم دون الابدال.و اما الصالحون فهم المتقون الموصوفون بالعدالة و قد يصدر منهم الذنب فيتدار كونه بالاستغفار و الندم قال الله تعالي «ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذاهم مبصرون».ثم ذكر انه اذا نقص واحد من أحد المراتب المذكورة وضع بدله من المرتبة الادني و اذا نقص من الصالحين وضع بدله من سائر الناس و الله العالم». (1) .و حكي في عنوان الياس «روي الثعلبي عن رجل من أهل عسقلان انه كان يمشي بالاردن عتد نصف النهار فرأي الياس النبي فسأله كم من الانبياء احياء اليوم قال اربعة اثنان في الارض و اثنان في السماء ففي السماء عيسي و ادريس و في الارض الياس و اخضر قلت: كم الابدال قال ستون رجلا خمسون منهم من لدن عريش مصر الي شاطي ء القرات و رجلان بالمصيصة و رجل بعسقلان و سبعة في سائر البلاد كلما ذهب الله تعالي بواحد منهم جاء سبحانه بآخربهم يدفع الله عن الناس و بهم يمطروان.)و منها(ما في نهج البلاغة (2) من خطبه له عليه السلام في صفات المتقين «عبادالله ان من أحب عباد الله اليه عبد أعانه الله علي نفسه فاستشعر الحزن... الي أن قال

ص: 136


1- 181. و قد ذكر السيد حيدر الاملي في المقدمات من كتاب نص النصوص ص155 في الشهيد الثالث بحث الاقطاب و الاوتاد و الابدال عند العرفاء و الصوفية.
2- 182. الخطبة (87).

عليه السلام- قد أخلص لله فاستخلصه فهو من معادن دينه، و أوتاد أرضه».و قال الشارح البحراني في ذيله:كونه من أوتاد أرضه استعار له لفظ الوتد و وجه المشابهة كون كل منهما سببا لحفظ مايحفظ به فابالوتد يحفظ الموتود و بالعارف يحفظ نظام الارض و استقامة أمور هذا العالم».و يشهد هذا المدلول لهذه الرواية لعموم المعني الذي ذكرناه سابقا و انه تشكيكي ذو درجات و أيضا يفسر مقام الابدال بأنه لهم نتيجة التقوي آثارا تكوينية مختلفة لا أن غير الائمة من الابدال له منصب شرعي و دين خاص و معين.و يؤيد ذلك ماورد في قوله تعالي «و أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة و كان تحته كنز لهما و كان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما و يستخرجا كنزهما رحمة من ربك» ماورد في ذيله عن الباقر و الصادق عليهماالسلام قالا: يحفظ الاطفال بصلاح آبائهم كما حفظ الله الغلامين بصلاح أبويهما.و في رواية أخري ان الله تحفظ ولد المؤمن الي ألف سنة و ان الغلامين كان بينهما وبين أبيهما سبعمائة سنة.و في رواية ثالثة ان الله ليفلح بفلاح الرجل المؤمن ولده و ولد ولده و يحفظه في دويريه و دويرات حوله فلا يزالون في حفظ الله لكرامته علي الله ثم ذكر الغلامين فقال عليه السلام: «و كان أبوهما صالحا» ألم تر أن الله شكر صلاح أبويهما لهما.و في رواية رابعة أن النبي صلي الله عليه و آله قال ان الله ليخلف العبد الصالح من بعد موته في أهله و ماله و ان كان أهله أهل سوء ثم قرء الاية (1) .و من هذا القبيل ماوري عن الباقر عليه السلام عن أبيه عن جده عن علي بن أبي

ص: 137


1- 183. تفسيرالعياشي ج2 ص339 -337.

طالب عليهم السلام قال: ضاقت الارض بسبعة بهم ترزقون و بهم تنصرون و بهم تمطرون منهم سلمان الفارسي و المقداد و أبوذر و عمار و حذيفة (رحمة الله عليهم) و كان علي عليه السلام يقول و أنا امامهم و هم الذين صلوا علي فاطمة عليهاالسلام (1) أي ببركتهم و يمنهم.و في رواية أخري «قال عليه السلام: هولاء (المقداد و أبوذر و سلمان) هم الذين دارت عليهم الرحا و أبوا أن يبايعوا لابي بكر حتي جاوا بأميرالمومنين عليه السلام مكرها فبايع» (2) .و بهذا التفسير وردت روايات (منها) مارواه المجلسي (قده) عن مصباح الشريعة أنه قال الصادق عليه السلام: التقوي علي ثلاثة أوجه: تقوي بالله في الله و هو ترك الحلال فضلا عن الشبهة و هو تقوي خاص الخاص.و تقوي من الله و هو ترك الشبهات فضلا عن حرام و هو تقوي الخاص.و تقوي من خوف النار و العقاب و هو ترك الحرام و هو تقوي العام.و مثل التقوي كماء يجري في نهر و مثل هذه الطبقات الثلاث في معني التقوي كأشجار مغروسة علي حافة ذلك النهر من كل لون و جنس و كل شجرة منهما يستمص الماء من ذلك النهر علي قدر جوهره و طعمه و لطافته و كثافته ثم منافع الخلق من ذلك الاشجار و الثمار علي قدرها و قيمتها قال الله تعالي «صنوان و غير صنوان يسقي بماء واحد و يفضل بعضها علي بعض في الا كل» الاية.فالتقوي للطاعات كالماء للاشجار و مثل طبايع الاشجار و الثمار في لونها و طمعها مثل مقادير الايمان فمن كان أعلي درجة في الايمان و أصفي جوهرا بالروح

ص: 138


1- 184. رجال الكشي ح13.
2- 185. رجال الكشي ح12.

كان أتقي و من كان أتقي عبادته أخلص و أطهر و من كان كذلك كان من الله أقرب.و كل عبادة غير مؤسسة علي التقوي فهو هباء منثور قال الله عزوجل «أفمن أسس بنيانه علي تقوي من الله و رضوان خير أمن أسس بنيانه علي شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم» الاية و تفسير التقوي ترك ما ليس بأخذه بأس حذرا عما به بأس و هو في الحقيقة طاعة و ذكر بلا نسيان و علم بلا جهل مقبول غير مردود» (1) .و روي الشيخ الحراني في (تحف العقول) أنه دخل علي الصادق عليه السلام رجل فقال: ممن الرجل؟ فقال: من محبيكم و مواليكم فقال له جعفر: لايحب الله عبدا حتي يتولاه حتي يوجب له الجنة ثم قال له: من أي محبينا أنت؟ فسكت الرجل؟فقال له سدير: و كم محبوكم يا ابن رسول الله؟ فقال: علي ثلاث طبقات: طبقة أحبونا في العلانية و لم يحبونا في السر و طبقة يحبونا في السر و لم يحبونا في العلانية.و طبقة يحبونا في السر و العلانية هم النمط الاعلي شربوا من العذب الفرات و علموا تأويل الكتاب و فصل الخطاب و سبب الاسباب فهم النمط الاعلي الفقر و الفاقة و أنواع البلاء أسرع اليهم من ركض الخيل مستهم البأساء و الضراء و زلزلوا و فتنوا فمن بين مجروح و مذبوح متفرقين في كل بلاد قاصية بهم يشفي الله السقيم و يغني العديم و بهم تنصرون و بهم تمطرون و بهم ترزقون و هم الاقلون عددا الاعظمون عند الله قدرا و خطرا» الحديث.و روي الكليني عن الباقر عليه السلام قال: ان الله تعالي ليدفع بالمؤمن الواحد

ص: 139


1- 186. البحار ج70 ص295.

عن القرية الفناء و قال لايصيب قرية عذاب و فيها سبعة مومنين (1) .و روي الشيخ المجلسي في (البحار) عن كتاب زيد الزراد قال: قلب لابي عبدالله عليه السلام نخشي أن لانكون مؤمنين قال و لم ذاك قلت و ذلك انا لانجد فينا من يكون أخوة عنده آثر من درهمه و ديناره و نجد الدينار و الدرهم آثر عندنا من أخ قد جمع بيننا و بينه موالاة أميرالمومنين عليه السلام.قال كلا انكم مؤمنون ولكن لا نكملون ايمانكم حتي يخرج قائمنا فعندها يجمع الله أحلامكم فتكونوا مؤمنين كاملين و لو لم يكن في الارض مؤمنون كاملون اذا لرفعنا الله اليه و أنكرتم الارض و أنكرتم السماء (2) بل و الذي نفسي بيده ان في الارض في أطرافها مؤمنين ما قدر الدنيا كلها عندهم تعدل جناح بعوضة.ثم ذكر عليه السلام أوصافهم بنحو ما ذكر أميرالمومنين عليه السلام أوصاف المتقين في خطبة لهمام ثم قال عليه السلام و اشوقاه الي مجالستهم و محادثتهم يا كرباه لفقدهم و يا كشف كرباه لمجالستهم اطلبوهم فان وجدتموهم و اقتبستم من نورهم اهتديتم و فزتم بهم في الدنيا و الاخرة هم أعز في الناس من الكبريت الاحمر حليتهم طول السكوت و كتمان السر و الصلوة و الزكاة و الحج و الصوم و المواساة للاخوان في حال اليسر و العسر الخ الحديث (3) .و من ذلك يظهر بوضوح أن الابدال و الاوتادهم الذين علي درجة من الايمان و ببركتهم و يمنهم ينشر الله تعالي أنواع الخير علي أهل الارض و هم

ص: 140


1- 187. الكافي ج2 ص247.
2- 188. أي لانكرتم حالهما و أنكر الشي ء يقال عندما لايراه علي حاله السابق و هو كناية عن «لساخت الارص و السماء».
3- 189. البحار ج67 ص351.

أحب المؤمنين لدي المعصومين عليهم السلام و أرفعهم منزلة عندهم و كرامة، و لكن أين ذلك من جعل المنصب و النيابة الخاصة و الوساطة بين الامام المعصوم و بين سائر الناس.نعم هم قدوة و امثال حية للمؤمن الكامل و المتقي الكريم علي الله تعالي و رسوله و الاوصياء صلوات الله عليهم.و كم فرق بين الاهتداء بهم في طاعاتهم و ورعهم و تقواهم و بين الائتمار و الانتهاء لاقوالهم والسماع لاخبارهم عن المعصوم.و هذا المقام للابدال و الاوتاد مفتوح بابه لمن أراد بأن يجاهد نفسه و هواه فقد روي الكليني عن الباقر عليه السلام أنه قال: ان اصحاب محمد صلي الله عليه و آله قالوا: يا رسول الله تخلف النفافاق قال: فقال: و لم تخافون ذلك؟ قالوا: اذا كنا عندك فذكرتنا و رغبتنا و جلنا و نسينا الدنيا وزهدنا كأنا نعاين الاخرة و الجنة و النار و نحن عندك فاذا خرجنا من عندك و دخلنا هذه البيوت و شممنا الاولاد و رأينا العيال و الاهل يكاد أن نحول عن الحال التي كنا عليها عندك و حتي كانا لم نكن علي شي ء؟ أفتخاف علينا ان يكون ذلك نفاقا؟ فقال لهم رسول الله صلي الله عليه و آله: كلا ان هذه خطوات الشيطان فيرغبكم في الدنيا و الله لوتدومون علي الحالة التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة و مشيتم علي الماء» الحديث (1) .و هذا بخلاف مقام النيابة و السفارة فانه باختيار و ارادة من الامام المعصوم عليه السلام و يجدر التنبيه مع ذلك الي ماقاله الصادق عليه السلام الي أن الابدال و الكاملين هم أعز من الكبريت الاحمر أي أنهم في منتهي الندرة و القلة فكيف يعثر عليهم مع اخفاعهم لحالهم لكيلا يذهب خلوص نياتهم و لئلا يحصل لانفسهم الاغترار و غير ذلك من مفاسد الاشتهار.و هذه من الشواهد علي اختلاف مقامهم لمقام النيابة و السفارة.

ص: 141


1- 190. الكافي ج2 ص424.

في الفرق التي انحرفت عن الطائفة الامامية و كيفية انحرافها

و هي كثيرة حتي قيل أن الشيخ الجليل سعد بن عبدالله بن أبي خلف الاشعري القمي ذكر في كنابه (المقالات و الفرق) مايقرب من مائة و اربع عشرة (1) فرقة و بدعة.و سر ذلك هو ماقاله اميرالمؤمنين عليه السلام عند ما خطب الناس فقال: أيها الناس انما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع و أحكام تبتدع يخالف فيها كتاب الله، يتولي فيها رجال رجالا فلو أن الباطل خلص لم يخف علي ذي حجي و لو أن الحق خلص لم يكن اختلاف ولكن يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضعث فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان علي أوليائه و نجا الذين سبقت لهم من الله الحسني» (2) .و عن الصادق عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله كل بدعة ضلالة و كل ضلالة

ص: 142


1- 191. انظرا مقدمة الكتاب المزبور ص: (د).
2- 192. الكافي ج1 ص54.

في النار (1) .و من هذه الفرق (هم الذين غلوا في اميرالمومنين عليه السلام) و زعموا أنه ربهم فأمر عليه السلام بقتلهم.و قد رواه الكشي في كتاب الرجل في ترجمة (محمد بن أبي زينب) (2) باسناده عن عبدالله بن شريك عن أبيه قال: بينا علي عليه السلام عند امرأة من عنزة و هي أم عمر و اذ أتاه قنبر فقال: ان عشرة نفر بالباب بزعمون أنك ربهم، قال: ادخلهم قال: فدخلوا عليه، فقال: ما تقولون؟ فقالوا: انك ربنا و أنت الذي خلقتنا و أنت الذي ترزقنا.فقال لهم: ويلكم لاتفعلوا انما انا مخلوق مثلكم، فأبوا أن يقلعوا، فقال لهم: ويلكم ربي وربكم الله ويلكم انما انا مخلوق مثلكم فأبوا أن يقلعوا فقال لهم: ويلكم ربي و ربكم الله توبوا و ارجعوا.فقالوا: لانرجع عن مقالتنا أنت ربنا ترزقنا و أنت خلقتنا، فقال ياقنبر آتني بالفعلة فخرج قنبر فأتاه بعشر رجال مع الزبل و المرور فأمرهم أن يحفروا لهم في الارض فلما حفروا خدأ أمرنا بالحطب و النار فطرح فيه حتي صار نارا تتوقد قال لهم: ويلكم توبوا و ارجعوا! فأبوا و قالوا: لانرجع فقذف علي عليه السلام بعضهم ثم قذف بقيتهم في النار ثم قال علي عليه السلام اني اذا ابصرت شيئا منكرا، أوقدت ناري و دعوت قنبرا.و قد قال أمير المومنين عليه السلام هلك في رجلان محب غال و مبغض قال (3) .و منها (الخطابية) أصحاب أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الاسدي

ص: 143


1- 193. المصدر السابق ج1 ص57.
2- 194. الروايات التي ننقلها في هذه الفرق جلها ذكرها الكشي في تلك الترجمة.
3- 195. نهج البلاغة (قصار الحكم، 117).

الاخدع (1) الزداد البزاز يكني تارة اباالخطاب و أخري اباالظبيات (2) و أبا اسماعيل لعنه الله و كانوا قد اظهروا الا باحات و تحليل المحرمات و آل أمرهم الي الدعوة الي نبوة أبي الخطاب، و كانوا يدعون الناس الي أمرهم سرا فبلغ خبرهم عيسي بن موسي و كان عاملا للمنصور العباسي علي الكوفة فبعث اليهم رجلا من اصحابه في خيل و رجالة.فكانت بينهم حرب شديدة يالقصب و الحجارة و السكاكين كانت مع بعضهم و جعلوا القصب مكان الرماح و قد كان ابوالخطاب قال لهم قاتلوهم فان قصبكم يعمل فيهم عمل الرماح و سائر السلاح و رماحهم و سيوفهم لايضركم و لايعمل فيكم و لايحتك في أبدانكم فجعل يقدمهم عشرة عشرة للمحاربة فلما قتل منهم نحو ثلاثين رجلا صاحوا اليه يا سيدنا ما تري ما يحل بنا من هولاء القوم؟ و لاتري قصبنا يعمل فيهم و لا يوثر و قد يكسر كله؟ و قد عمل فينا و قتل من تري منا.فقال لهم: يا قوم ان كان بدالله فيكم فماذنبي، يا قوم قد بليتم و امتحنتم و اذن في قتلكم و شهادتكم فقاتلوا علي دينكم و أحسابكم ثم انهم قتلوا و قتل هو و صلب فقال بعض اصحابه ان أباالخطاب لم يقتل و لا أسرو لا قتل احد من اصحابه و انما لبس علي القوم و شبه عليهم و أنه قد صير بعد حدث هذا الامر من الملائكة. (3) و زعموا أنه لابد من رسولين في كل عصر و لا تخلو الارض منهما: واحد ناطق و آخر صامت فكان محمد صلي الله عليه و آله ناطقا و علي صامتا و تأولوا في ذلك قول الله: ثم أرسلنا تتري ثم ارتفعوا عن هذه المقالة الي أن قال بعضهم هما آلهة، و تشاهدا بالزور.ثم انهم افترقوا لما بلغهم أن جعفر بن محمد (الصادق) عليه السلام لعنهم و لعن

ص: 144


1- 196. و قيل الاجدع باجيم (2).
2- 197. و قيل أبا الظبيان بالنون.
3- 198. المقالات و الفرق ص81.

أبا الخطاب و بري ء منه و منهم فصاروا أربع فرق و كان ابوالخطاب يدعي أن جعفر بن محمد عليه السلام قد جعله قيمه و وصيه من بعده و انه علمه اسم الله الاعظم.ثم ترقي الي أن ادعي النبوة ثم ادعي الرسالة ثم ادعي انه من الملائكة و أنه رسول الله الي اهل الارض و الحجة عليهم و ذلك بعد دعواه أنه جعفر بن محمد و انه يتصور في أي صورة شاء.و ذكر بعض الخطابية أن رجلا سأل جعفر بن محمد عن مسألة و هو بالمدينة فاجابه فيها ثم انصرف الي الكوفة فسأل أبا الخطاب عنها فقال له أولم تسألني عن هذه المسئلة بالمدينة فاجبتك فيها؟و منها (الحارثية) اصحاب عبدالله بن الحارث و كان ابوه زنديقا من أهل المدائن فابرز لاصحاب عبدالله بن معاوية -الذي قتله ابومسلم و الذي هو صاحب أحدي الفرق الكيسانية وقد مال اليه شذاذ صنوف الشيعة- فأدخلهم في الغلو و القول بالتناسخ و الاظلة و الدور و أسند ذلك الي (جابر بن عبدالله الانصاري) ثم الي (جابر بن يزيد الجعفي) فخدعهم بذلك حتي ردهم عن جميع الفرائض و الشرائع و السنن و أدعي أن هذا مذهب جابر بن عبدالله و جابر بن يزيد رحمهماالله فانهما قد كانا من ذلك بريثين» (1) .و منهم و من الكيسانية و العباسية و الخر مدينية كان بدء الغلو في القول حتي قالوا أن الائمة آلهة و أنهم انبياء و انهم رسل و انهم ملائكة و هم الذين تكلموا بالاظلة و في التناسخ في الارواح.و هم أهل القول بالدور في هذا الدار و ابطال القيامة و البعث و الحساب و زعموا أن لادار الا الدنيا و أن القيامة انما هي خروج الروح من بدن و دخوله في بدن آخر غيره (و هو معني الدور) ان خيرا فخيرا و ان شرافشرا.

ص: 145


1- 199. الفرق للنوبختي ص34.

و أنهم مسرورون في هذه الابدان أو معذبون فيها و الابدان هي الجنات و هي النار و أنهم منقولون في الاجسام الحسنة الانسية المنعمة في حياتهم و معذبون في الاجسام الروية المشوهة من كلاب و قردة و خنازير و حيات و عقارب و خنافس و جعلان محولون من بدن الي بدن معذبون فيها هكذا أبد الابد فهي جنتهم و نارهم لاقيامة و لا بعث و لا جنة و لا نار غير هذا علي قدر أعمالهم و ذنوبهم و انكارهم لائمتهم و معصيتهم لهم فانما تسقط الابدان و تخرب اذهي مساكنهم فتتلاشي الابدان و هذا معني الرجعة عندهم» (1) .و منها (المنصورية) أصحاب ابي منصور العجلي الذي لعنه الامام الصادق عليه السلام ثلاثا -و هو الذي ادعي أن الله عزوجل عرج به اليه فأناه منه و كلمه و مسح يده علي رأسه و قال له بالسرياني أي بني و ذكر أنه نبي و رسول و أن الله اتخذه خليلا.و كان ابومنصور من أهل الكوفة من عبدالقيس و له فيها دار و كان منشأه بالبادية و كان أميا لايقرأ فادعي بعد وفاة أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (الباقر) عليه السلام أنه فوض اليه امره و جعله وصيه من بعده ثم ترقي به الامر الي أن قال كان علي بن أبي طالب عليه السلام نبيا و رسولا و كذا الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و أنا نبي و رسول و النبوة في ستة من ولدي يكونون بعدي انبياء آخرهم القائم.و كان يأمر اصحابه بخنق من خالفهم و قتلهم بالاغتيال و يقول من خالفكم فهو كافر مشرك فاقتلوه فان هذا جهاد خفي، و زعم أن جبرئيل عليه السلام يأتيه بالوحي من عندالله عزوجل و أن الله بعث محمدا بالتنزيل و بعثه هو (يعني نفسه) بالتأويل.فطلبه خالد بن عبدالله القسري فأعياه ثم ظفر عمر الخناق بابنه الحسين بن

ص: 146


1- 200. الفرق للنوبختي ص36.

أبي منصور و قد تنبا و ادعي مرتبة أبيه و جبيت اليه الاموال و تابعه علي مذهبه و رأيه بشر كثير و قالوا بنبوته فبعث به للمهدي العباسي فقتله في خلافته و صلبه بعد أن أقر بذلك و أخذ منه مالا عظيما و طلب أصحابه طلب شديدا و ظفر بجماعة منهم فقتلهم و صلبهم» (1) .و منها (أصحاب السري) قالوا أنه رسول مثل أبي الخطاب أرسله جعفر و قال أنه قوي أمين و هو موسي القوي الامين و فيه تلك الروح و جعفر هو الاسلام و الاسلام هو السلام و هو الله عزوجل و نحن بنوا الاسلام كما قالت اليهود: «نحن أبناء الله احباءه» (2) .و منها (البيانية) أصحاب بيان بن سمعان النهدي الذي كان يبيع التبن بالكوفة ثم ادعي أن محمد بن علي بن الحسين (الباقر) عليه السلام أوصي اليه فاخذه خالد بن عبدلله القسري فقتله وصلبه مدة ثم احرقه و اخذ معه خمسة عشر رجلا من اصحابه فشدهم في اطبان القصب وصب عليهم النفط في مسجد الكوفة و ألهب فيهم النار فأفلت منهم رجل فخرج يشتد ثم التفت فرأي اصحابه تأخذهم فكر راجعا فألقي نفسه في النار فاحترق معهم و كان (بيان) يقول هو و أصحابه ان الله تبارك و تعالي يقول يشبه الانسان و هو يفني و يهلك جميع جوارحه الا وجهه و تأولوا في ذلك قول الله: كل شي ء هالك الا وجهه.و زعمت البيانية أن الوصية لعبدالله بن محمد بن الحنفية بعد غيبة أبيه و انها وصية استخلاف علي الخلق كما استخلف رسول الله علي المدينة عليا و غيره عند خروجه منها في غزواته لا استخلاف بعد الموت و أنه حجة علي الخلق و علي الناس تقديمه و طاعته.

ص: 147


1- 201. المصدر السابق ص38.
2- 202. المصدر السابق ص43.

و زعموا أن أباهاشم (عبدالله بن محمد) لما قال أنا الوصي علي بني هاشم و سائر الناس، طاعتي فرض واجب أردنا قتله فلما رأي انكارنا ما ادعاه و انكار الناس ذلك دعا ربه أن يعطيه آية و قال اللهم أن كنت صادقا فلتقع الزهرة في كفي فسقطت في كفه و لقد نظرناها أنها في حقة توقد و ان مكانها من السماء فارغ ما فيه كوكب و لادونه و ذكرت هذه الفرقة ان أباشجاع الحارثي قال له حين دخل عليه الجوسق (1) و فيه خطاطيف كثيرة و خفافيش ان كنت صادقا فأت بآية اجعل الخفافيش كاسيا بايضا و الخطاف أصرط و لودا فدعا ربه فجعلهما كذلك.و انه لم يزل من ذلك الخفاش و الخطاطيف بقية الي أن خرج السودان قالوا فأستغرب أبو شجاع ضحكا تعجبا و سرورا فضحك لضحكه أبوهاشم ثم بصق في وجهه فملا وجهه درا منظوما قالوا و شكا اليه الخلوف و ضعف الباه فتفل في لهاته ففاح منه كلطيمة العطار و نفخ في احليله فكان يجامع في الليل مائة امرأة» (2) و قالوا أن أباهاشم عبدالله بن محمد نبي بيانا عن الله عزوجل فبيان نبي و تأولوا في ذلك قول الله عزوجل «هذا بيان للناس و هدي» و ادعي (بيان) بعد وفاة أبي هاشم النبوة و كتب الي أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (الباقر) عليه السلام يدعوه الي نفسه و الاقرار بنبوته و يقول له أسلم تسلم و ترتق في سلم و تنج و تغنم فانك لاتدري أين يجعل الله النبوة و الرسالة و ما علي الرسول الا البلاغ و قد أعذر من أنذر فأمر أبو جعفر (الباقر) عليه السلام رسول بيان فأكل قرطاسه الذي جاء به و قتل (بيان) علي ذلك و صلب» (3) .و منها (أصحاب حمزة بن عمارة الزبيدي البربري) الذي كان في بدأ أمره

ص: 148


1- 203. الجوسق القصر أو الحصن.
2- 204. المقالات و الفرق ص34، 33 و أيضا كتاب الفرق للنوبختي.
3- 205. فرق الشيعة ص34.

من الكيسانية (أي الذين قالوا بامامة محمد بن الحنيفة) ففارقهم و كان من أهل المدينة و ادعي أنه نبي و أن محمد بن الحنفية هو الله و أن حمزة هو الامام و النبي و أنه ينزل عليه سبع أسباب من السماء فيفتح بهن الارض و يملكها فتبعه علي ذلك أناس من أهل المدينة و أهل الكوفة و لعنة ابوجعفر محمد بن علي بن الحسين (الباقر) عليه السلام و بري ء منه و كذبه و برأت منه الشيعة و تبعه علي رأيه رجلان من نهد من أهل الكوفة يقال لاحدهما (صائد) و الاخر بيان بن سمعان (الذي تقدم ذكره). و كان حمزة بن عمارة نكح ابنته و أحل جميع المحارم و قال: من عرف الامام فليصنع ماشاء فلا اثم عليه فأصحاب أبي (ابن) كرب و اصحاب حمزة و أصحاب صايد و بيان ينتظرون رجوعهم و رجوع الماضين من اسلافهم و يزعمون أن محمد بن الحنيفة يظهر نفسه بعد الاستتار عن خلقه فينزل الي الدنيا و يكون فيها بين المومنين فهذا معني الاخرة عندهم» (1) .و منها (المغيرية) اصحاب المغيرة بن سعيد العجلي مولي بجيلة الذي خرج بظاهر الكوفة في امارة خالد بن عبدالله القسري فظفر به و أحرقه و احرق اصحابه سنة 119 ه و كان يكذب علي الامام أبي جعفر الباقر عليه السلام و قد لعنه الامام الصادق عليه السلام -و هم من الفرق التي انشعبت من الزيدية- و قالوا بامامة محمد بن عبدالله بن الحسن و تولوه و اثبتوا امامنه فلما قتل صاروا لا امام لهم و لا وصي و لا يثبتون لاحد امامة بعده و كان المغيرة قال بهذا القول لما توفي الامام الباقر عليه السلام و أظهر المقالة بذلك فبرئت منه الشيعة أصحاب الامام الصادق عليه السلام و رفضوه فزعم أنهم رافضة و أنه هو الذي سماهم بهذا الاسم و نصب بعض اصحاب المغيرة المغيرة اماما ثم تراقي الامر بالمغيرة الي أن زعم أنه رسول و أن جبرئيل يأتيه

ص: 149


1- 206. المقالات و الفرق ص32، 34: أيضا و كتاب الفرق للنوبختي.

بالوحي من عندالله و كان يدعي أنه يحيي الموتي و قال بالتناسخ» (1) .و منها (اصحاب بزيع بن موسي الحائك) الذي لعنه الامام الصادق عليه السلام قالوا أن بزيعا رسول مثل أبي الخطاب أرسله جعفر بن محمد و شهد بزيع لابي الخطاب بالرسالة و بري ء ابوالخطاب و أصحابه من بزيع (2) .و منها (البشرية) أصحاب محمد بن بشير مولي بن اسد من أهل الكوفة و هم فرقة انشقت من الواقفة -و هي التي وقفت علي الامام الكاظم عليه السلام بعد وفاته و قالت أنه لم يمت و أنه المهدي الموعود و أنه قد غاب- و قالوا أن موسي بن جعفر عليه السلام لم يمت و لم بحبس و أنه حي غائب و أنه القائم المهدي و أنه في وقت غيبته استخلف علي الامر محمد بن بشير و جعله وصيا و أعطاه خاتمه و علمه جميع ما يحتاج اليه رعيته و فوض اليه اموره و أقامه مقام نفسه فمحمد بن بشير الامام بعده.و أن محمد بن بشير لما توفي أوصي الي ابنه (سميع بن محمد بن بشير) فهو الامام و من أوصي اليه (سميع) فهو الامام المفترض الطاعة علي الامامة الي وقت خرج موسي و ظهوره فما يلزم الناس من حقوقه في اموالهم و غير ذلك مما يتقربون به الي الله عزوجل فالفرض عليهم اداوه الي هولاء الي قيام القائم.و كفروا القائلين بامامة الامام الرضا عليه السلام و استحلوا دماءهم و اموالهم.و قالوا باباحة المحارم من الفروج و الغلمان واعتلوا في ذلك بقول الله عزوجل «أو يزوجهم ذكرانا و اناثا و قالوا بالتناسخ» (3) و كان محمد بن بشير صاحب شعبذة و مخاريق معروفا بذلك و كان سبب قتله أنه يستعمل الشعبذة

ص: 150


1- 207. الفرق للنوبختي ص59 و 62.
2- 208. المصدر السابق ص43.
3- 209. الفرق للنوبختي ص83.

و المخاريق للدلالة علي أنه نبي و كان يقول في موسي بالربوبية.و كان عنده صورة قد عملها و أقامها شخصا كانه صورة أبي الحسن الكاظم عليه السلام في ثياب حرير و قد طلاها بالادولة و عالجها بحيل عملها فيها حتي صارت شبيها بصورة انسان و كان يطبها فاذا أراد الشعبذة نفخ فيها فأقامها.و كان يقول لاصحابه أن ابا الحسن عليه السلام عندي فان أحببتم أن تروه و تعلموا أني نبي فهلموا أعرضه عليكم فكان يدخلهم البيت و الصورة مطوية معه. فيقول لهم: هل ترون في البيت مقيما أو ترون فيه غيري و غيركم؟ فيقولون لا و ليس في البيت أحد فيقول: أخرجوا فيخرجون من البيت فيصير هو وراء الستر و يسبل بينه و بينهم.ثم يقدم تلك الصورة ثم يرفع الستر بينه و بينهم فينظرون الي صورة قائمة و شخص كانه شخص أبي الحسن لا ينكرون منه شيئا و يقف هو منه بالقرب فيريهم من طريق الشعبذة أنه يكلمه و يناجيه ويدنو منه كانه يساره.ثم يغمزهم أن يتنحوا فيتنحون و يسبل الستر بينه و بينهم فلا يرون شيئا.و كانت معه أشياء عجيبة من صنوف الشعبذة مالم يروا مثلها فهلكوا بها، فكانت هذه حاله مدة حتي رفع خبره الي بعض الخلفاء العباسيين أنه زنديق فأخذه و أراد ضرب عنقه فقال: يا أمير المومنين استبقني فأني اتخذلك اشياء يرغب الملوك فيها فأطلقه.فكان أول ما اتخذ له الدوالي فانه عمد الي الدوالي فسواها و علفها و جعل الزيبق بين تلك الالواح فكانت تعمل من غير احتياج الي انسان و نصب الماء في البستان ثم بعد مدة تعطلت الدوالي فاستراب أمره و ظهر عليه التعطيل و الاباحات و قد كان الصادق و الكاظم عليهماالسلام يدعو ان الله عليه و يسئلانه أن يذيقه حر الحديد فأذاقه الله حر الحديد بعد أن عذب أنواع العذاب» (1) .

ص: 151


1- 210. الكشي في ترجمه محمد بن بشير.

و منها (أصحاب معمر بن خيثم) الذي لعنه الامام الصادق عليه السلام -قالوا ان جعفر بن محمد هو الله عزوجل- و تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا- و انما هو نور يدخل في أبدان الاوصياء فيحل فيها فكان ذلك النور في جعفر ثم خرج منه فدخل في (ابي الخطاب) فصار (جعفر) من الملائكة ثم خرج من (ابي الخطاب) فدخل في (معمر) و صار ابوالخطاب من الملائكة.فمعمر هوالله عزوجل فخرج (ابن اللبان) يدعو الي معمر و قال انه الله عزوجل و صلي له وصام و أحل الشهوات كلها ماحل منها و ما حرم و ليس عنده شي ء محرم و قال: لم يخلق الله هذا الا لخلقه فكيف يكون محرما و أحل الزنا و السرقة و شرب الخمر و الميتة و الدم و لحم الخنزير و نكاح الامهات و البنات و الاخوات و نكاح الرجال و وضع عن أصحابه غسل الجنابة و قال كيف اغتسل من نطفة خلقت منها.و زعم أن كل شي ء احله الله في القرآن و حرمه فانما هو أسماء الرجال (1) .و روي عن عنبسة بن مصعب قال قال لي الصادق عليه السلام: اي شي ء سمعت من إبي الخطاب؟ قال سمعته يقول: انك وضعت يدك علي صدره و قلت له عه و لاتنس! و انك قلت له: هو عيبة (مخزن) علمنا و موضع سرنا امين علي احيائنا و أمواتنا قال: لا و الله مامس شي ء من جسدي جسده الايده و أما قوله: اني قلت له هو عيبة

ص: 152


1- 211. الفرق للنوبختي ص44.

علمنا و موضع سرنا أمين علي احيائنا و امواتنا فلا آجرني الله في امواتي و لا بارك لي في احيائي ان كنت قلت له شيئا من هذا قط.و روي عن علي بن عقبة عن أبيه قال دخلت علي ابي عبدالله عليه السلام قال: فسلمت و جلست فقال لي: كان في مجلست هذا ابوالخطاب و معه سبعون رجلا كلهم اليه ينالهم منهم شي ء رحمتهم فقلت لهم: ألا أخبركم بفضائل المسلم فلا احسب أصغرهم الا قال: بلي جعلت فداك. قلت: من فضائل المسلم أن يقال: فلان قاري لكتاب الله عزوجل و فلان ذو حظ من ورع و فلان يجتهد في عبادته لربه فهذه فضائل المسلم، مالكم و للرياسات؟ انما المسلمون رأس واحد، اياكم و الرجال فان الرجال للرجال مهلكة.فاني سمعت ابي يقول: ان شيطانا يقال له المذهب يأتي في كل صورة الا انه لايأني في صورة نبي و لا وصي نبي و لا أحبسه الا و قد تراءي لصاحبكم فاحذروه فبلغني انهم قتلوا معه فأبعدهم الله و أسحقهم انه لايهلك علي الله الا هالك».و روي عن عبدالله بن بكير الرجاني قال: ذكرت أباالخطاب و مقتله عند أبي عبدالله عليه السلام قال: فرققت عند ذلك فبكيت، فقال: اتأسي عليهم؟ فقلت: لا و قد سمعتك تذكر أن عليا عليه السلام قتل أصحاب النهر فأصبح أصحاب علي عليه السلام يبكون عليهم فقال علي عليه السلام لهم: اتأسون عليهم؟ قالوا: لا الا انا ذكرنا الالفة التي كنا عليها و البلية التي أوقعتهم فلذلك رققنا عليهم قال: لا بأس.و روي عن الكاظم عليه السلام انه قال: ان أبا الخطاب أفسد أهل الكوفة فصاروا لايصلون المغرب حتي يغيب الشفق و لم يكن ذلك انما ذاك للمسافر و صاحب العلة.و روي عن الصادق عليه السلام انه قال «أما ابوالخطاب فكذب علي و قال اني أمرته أن لايصلي هو و أصحابه المغرب حتي يروا كوكب كذا يقال له: القنداني و الله ان

ص: 153

ذلك الكوكب ما أعرفه» (1) .و روي عن المفضل قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: اتق السفلة و أحذرا السفلة فاني نهيت أبا الخطاب قلم يقبل مني».و روي عيسي عنه عليه السلام «اياك و مخالطة السفلة فان السفلة لاتول الي خير» و روي عمران بن علي قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: لعن الله أباالخطاب و لعن من قتل معه و لعن من بقي منهم و لعن الله من دخل قلبه رحمة لهم.و روي عن الكاظم عليه السلام انه قال عند ما سئل عن ابي الخطاب: ان الله خلق الانبياء علي النبوة فلا يكونون الا انبياء و خلق المؤمنين علي الايمان فلا يكونون الا مؤمنين و استودع قوما أيمانا فان شاء أتمه لهم و ان شاء سلبهم اياه و ان أباالخطاب كان ممن أعاره الله الايمان: فلما كذب علي أبي سلبه الله الايمان.و روي عن الصادق عليه السلام انه قال للمفضل بن مزيد عند ما ذكر أصحاب أبي الخطاب و الغلاة قال له: يا مفضل لا تقاعدوهم و لانوا كلوهم و لا تشاربوهم و لا تصافحوهم و لا تواثروهم.و قال عند ذكرة الغلاة: (2) ان فيهم من يكذب حتي أن الشيطان ليحتاج الي كذبه».و قال للغالية: توبوا الي الله فانكم فساق كفار مشركون.و عن أبي بصير قال: قال لي الصادق عليه السلام: يا أبا محمد (كنية ابي بصير)

ص: 154


1- 212. خصوص هذه الرواية ذكرها الكشي في ترجمة المغيرة بن سعيد.
2- 213. غلا في الامر غلوا جاوز حده قال تعالي «يا أهل الكتاب لاتغلوا في دينكم و لا تقولوا علي الله الا الحق» و منه غلاء الاسعار. و الغلاة فرق كثيرة تذهب غالبا الي وصف الائمه (ع) بصفات الالوهية و العياذ بالله و قد شدد الائمة علي شيعتهم التبري من الغلاة و تكفيرهم و البعد عنهم.

ابرأ ممن يزعم أنا أرباب قلت: بري ء الله منه قال: ابرء ممن يزعم انا انبياء قلت: بري ء الله منه.و قال عليه السلام: ان ممن ينتحل هذا الامر لمن هو شر من اليهود و النصاري و المجوس الذين أشركوا» و المعني أن بعض من يدعي التشيع لهو شر من اولئك و ذلك بسبب الانحراف و الضلال الذي ببتدعه من تلقاء نفسه، و يقال انتحل الشي ء و تنحله ادعاه لنفسه و هو لغيره و يقال فلان ينتحل مذهب كذا اذا انتسب اليه.و روي عن عنبسة قال قال ابوعبدالله الصادق عليه السلام: لقد أمسينا و ما أحد أعدي لنا ممن ينتحل مودتنا».و روي الكشي أيضا عن المفضل بن عمر قال سمعت أباعبدالله عليه السلام يقول: لو قام قائمنا بدأ بكذابي الشيعة فقتلهم.و قال الكاظم عليه السلام قال ابو عبدالله الصادق عليه السلام: ما أنزل الله سبحانه آية في المنافقين الاوهي فيمن ينتحل التشيع».و روي عن الصادق عليه السلام قال: جاء رجل الي رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: السلام عليك يا ربي! فقال: مالك لعنك الله، ربي و ربك الله أما و الله لكنت ما علمت لجبانا في الحرب لئيما في السلم.و روي عن مصادف قال لما أتي القوم الذين أتوا بالكوفة (أي الخطابية و الغلاة): دخلت علي أبي عبدالله عليه السلام فأخبرته بذلك: فخر ساجدا و ألزق جؤجؤه (الصدر أو مجتمع روس عظام الصدر) بالارض، و بكي، و أقبل يلوذ بأصبعه و يقول: بل عبدا لله قن داخر مرارا كثيرة ثم رفع رأسه و دموعه تسيل علي لحيته فندمت علي اخباري اياه فقلت: جعلت فداك و ما عليك أنت من ذا (أي ما يقوله الغلاة)؟ فقال: يامصدف ان عيسي عليه السلام لوسكت عما قالت النصاري فيه لكان حقا علي الله أن يصم سمعه و يعمي بصره، و لو سكت عما قال في ابوالخطاب

ص: 155

لكان حقا علي الله أن يصم سمعي و يعمي بصري».و لذا قال عليه السلام عند ما ذكر أباالخطاب «اللهم العن أبا الخطاب فانه خوفني قائما و قاعدا و علي فراشي اللهم أذقه حر الحديد».و قال عليه السلام تراءي و الله ابليس لابي الخطاب علي سور المدينة أو المسجد فكاني انظر اليه و هو يقول له ايها تظفر الان ايها تظفر الان (1) .و روي عن حفص بن عمرو النخعي قال كنت جالسا عند ابي عبدالله عليه السلام فقال له رجل: جعلت فداك ان أبامنصور حدثني أنه رفع الي ربه و تمسح علي رأسه و قال له بالفارسية «يا پسر» (اي يابني). فقال له أبو عبدالله الصادق عليه السلام: حدثني ابي عن جدي أن رسول الله صلي الله عليه و آله قال: ان ابليس اتخذ عرشا فيما بين السماء و الارض و اتخذ زبانية كعدد الملائكة فاذا دعا رجلا فأجابه و وطي ء عقبه و تخطت اليه الاقدام (كناية عن الرئاسة للرجال)، تراءي له ابليس و رفع اليه و ان أبامنصور كان رسول ابليس لعن الله أبامنصور لعن الله أبامنصور ثلاثا.و روي عن هشام بن الحكم عن ابي عبدالله الصادق عليه السلام قال: ان بنانا و السري و بزيعا لعنهم الله تراءي لهم الشيطان في أحسن مايكون صورة آدمي من قرنه الي سرته. قال فقلت ان بنانا يتأول هذه الاية «و هو الذي في السماء اله و في الارض اله» ان الذي في الارض غير اله السماء و اله السماء غير اله الارض و ان اله السماء أعظم من اله الارض و أن اهل الارض يعرفون فضل اله السماء و يعظمونه فقال: و الله ما هو الا الله ما هو الا الله وحده لاشريك له اله من في السموات و اله من في الارضين.]قال هو الامام فقال ابوعبدالله عليه السلام لا و الله لا يأويني و اياه سقف بيت ابداهم شر من اليهود و النصاري و المجوس و الذين اشركوا و الله ما صغر عظمة الله تصغيرهم

ص: 156


1- 214. قيل «و الظاهر أن ابليس قال له ذلك عندما أتي العسكري لقتله اي لاتتكلم بكلمة توبة» أو لعل ذلك في اوائل ضلاله فوعده بالظفر و الرياسة كي يدفعه في غيه بسرعة.

شي ء قط ان عزيرا جال في صدره ما قالت فيه اليهود فمحي الله اسمه من النبوة و الله لو أن عيسي اقر بما قالت النصاري لاورثه الله صمما الي يوم القيامة و الله لو أقررت بما يقول في اهل الكوفة لا خذتني الارض و ما انا الا عبد مملوك لا أقدر علي شي ء ضر و لا نفع[ (1) كذب بنان عليه لعنة الله، لقد صغرالله جل و عزوجل و صغر عظمته.و روي الكشي عن ابن سنان قال: قال: ابوعبدالله عليه السلام: انا أهل بين صادقون لانخلو من كذاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس.كان رسول الله صلي الله عليه و آله أصدق البرية لهجة و كان مسيلمة يكذب عليه.و كان اميرالمومنين عليه السلام أصدق من برأ الله من بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و كان الذي يكذب عليه و يعمل في تكذيب صدقه بما يفتري عليه من الكذب عبدالله بن سبأ لعنةالله.و كان ابو عبدالله الحسين بن علي عليه السلام قد ابتلي بالمختار. ثم ذكر ابوعبدالله الحارث الشامي و بنان فقال كانا يكذبان علي علي بن الحسين عليه السلام ثم ذكر المغيرة بن سعيد و بزيعا و السري و أباالخطاب و معمرا و بشارا الاشعري و حمزة الزبيدي و صائد النهدي فقال: لعنهم الله انا لانخلو من كذاب يكذب علينا أو عاجز الرأي كفانا الله مؤنة كل كذاب و أذاقهم الله حر الحديد».و عن زرارة عن الباقر عليه السلام قال: سمعته يقول لعن الله بنان البيان و ان بنانا لعنه الله يكذب علي أبي أشهد أن ابي علي بن الحسين كان عبدأ صالحا.و عن الصادق عليه السلام قال: لعن الله المغيرة بن سعيد انه كان يكذب علي أبي

ص: 157


1- 215. ادراج ما بين القوسين هنا و ان كان من رواية أخري ولكنها تضمنت نفس السوال عن ذلك حيث قالت به الخطابية جماعة منهم جعفر بن واقد و نفر من اصحاب ابي الخطاب فقال عليه السلام لا و الله لا يأويني....

فأذاقه الله حر الحديد لعن الله من قال فينا ما لا نقوله في انفسنا و لعن الله من أزالنا عن العبودية لله الذي خلقنا و اليه مآبنا و معادنا و بيده نواصينا.و عن ابي يحيي الواسطي قال قال ابي الحسن الرضا عليه السلام: كان بنان يكذب علي علي بن الحسن عليه السلام فأذاقه الله حر الحديد و كان المغيرة بن سعيد يكذب علي أبي جعفر عليه السلام فأذاقه الله حر الحديد و كان محمد بن بشير يكذب علي ابي الحسن موسي عليه السلام فأذاقه الله حر الحديد و كان ابوالخطاب يكذب علي ابي عبدالله عليه السلام فأذاقه الله حر الحديد و الذي يكذب علي محمد بن فرات.و قال أبويحيي: و كان محمد بن فرات من الكتاب (أي الذين يعملون في ديوان العباسيين) فقتله ابراهيم بن شكله.و روي عن ابن ابي يعفور قال دخلت علي ابي عبدالله عليه السلام فقال: ما فعل بزيع؟ فقلت له: فتل فقال: الحمدلله أما انه ليس لهولاء المغيرية شي ء خبرا من القتل لانهم لايتوبون أبدا.و عن سدير الصيرفي قال قلت لابي عبدالله عليه السلام: ان قوما يزعمون أنكم آلهة يتلون علينا بذالك قرآنا يا أيها الرسل كلوا من الطيبات و اعملوا صالحا اني بما تعملون عليم، قال: يا سدير سمعي و بصري و شعري و لحمي و دمي من هولاء براء برء الله منهم و رسوله ما هولاء علي ديني و دين آبائي و الله لا يجمعني و اياهم يوم القيامة الا و هو عليهم ساخط. قال: قلت: فما أنتم جعلت فداك؟قال: خزان علم الله و تراجمة وحي الله و نحن قوم معصومون أمرالله بطاعتنا و نهي عن معصيتنا، نحن الحجة البالغة علي من دون السماء و فوق الارض.و عن المفضل بن عمر قال: سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول: اياك و السفلة انما شيعة جعفر من عف بطنه و فرجه و الشتد جهاده و عمل لخالقه و رجا ثوابه و خاف عقابه.

ص: 158

و عن ابن المغيرة قال: كنت أبي الحسن الكاظم عليه السلام أنا و يحبي بن عبدالله بن الحسن فقال يحيي: جعلت فداك انهم يزعمون انك تعلم الغيب؟ فقال سبحان الله سبحان الله ضع يدك علي رأسي فوالله ما بقيت في جسدي شعرة و لا في رأسي الاقامت. قال ثم قال: لا والله ما هي الاوراثة عن رسول الله صلي الله عليه و آله.و عن الصادق عليه السلام سئل عن التناسخ؟ قال: فمن نسخ الاول» اقول: شرح الحديث المحقق الفيلسوف المير داماد قدس الله روحه قال:«قوله عليه السلام فمن نسخ الاول اشار الي برهان ابطال التناسخ علي القوانين الحكمية و الاصول البرهانية تقريره: ان القول بالتناسخ انما يستتب لو قيل بأزلية النفس المدبرة للاجساد المختلفة المتعاقبة علي التناسخ و بلاتناهي تلك الاجساد المتناسخة بالعدد في جهة الازل، كما هو المشهور من مذهب الذاهيين اليه.و البراهين الناهضة علي استحالة اللانهاية العددية بالفعل مع تحقق الترتب و الاجماع في الوجود (اي البراهين القائمة علي ابطال التسلسل و امتداد الاشياء المعدودة التي بينها رابطة العلية و المعلولية) قائمة هناك بالقسط (أي قائمة بعينها) بحسب التعاقبي بحسب متن الواقع المعبر عنه بوعاء الزمان، أعني الدهر و ان لم يتصحح الا الحصول التعاقبي بحسب ظرف السيلان و التدريج و الفوت و اللحوق اعني الزمان.فاذن لامحيص لسلسلة الاجساد المترتبة من مبدء متعين هو الجسد الاول في جهة الازل يستحق باستعداده المزاجي أن يتعلق به نفس مجردة تعلق التدبير و التصرف فيكون ذلك مناط حدوث فيضانها عن جود المفيض الفياض الحق جل سلطانه و اذا انكشف ذلك فقد انصرح أن كل جسد هيولاني بخصوصية مزاجه الجسماني و استحقاقه الاستعدادي يكون مستحقا لجوهر مجرد بخصوصه يد بره و يتعلق به و يتصرف فيه و يتسلطن عليه فليتثبت».

ص: 159

اقول حاصل كلامه أن بعد قيام الادلة البرهانية علي ابطال امتداد الامور المتسلسلة التي بينها علية و سببية و معلولية و مسببية فلا محالة هناك بداية و جسد أول كانت له قابلية و خصوصية يتأهل بها لافاضة الروح و النفس و خلقها متعلقة به من الله جل و جلا، و اذا كان هذا حال الجسد الاول فهذه القابلية هي بعينها موجودة في الاجساد كلها فتكون كل منها متأهلة لافاضة و خلق نفس بعدد تلك الاجساد.و بذلك (1) تبطل نظرية التناسخ القائلة بأن ارواح الاموات تحل في الاجساد الحية الموجودة من الاطفال أو الكبار أور الحيوانات علي تفاصيل كثيرة للقائلين بهذه النظرية الباطلة فقوله عليه السلام نقض لتلك النظرية و برهان أيضا علي ابطالها.و عن الصادق عليه السلام انه قيل له: روي عنكم أن الخمر و الميسر و الانصاب و الازلام رجال؟ فقال: ما كان الله عزوجل ليخاطب خلقه بما لا يعلمون» و المعني أن رواية ذلك عن الائمة عليهم السلام انما هي من وضع الكذابين عليهم.و من الغلات في وقت ابي محمد العسكري عليه السلام علي بن مسعود حسكة الحوار و تلميذه القاسم بن يقطبن الشعراني القميان و قد روي الكشي عن سهل بن زياد الادمي قال: كتب بعض اصحابنا الي أبي الحسن العسكري عليه السلام:

ص: 160


1- 216. اقول يمكن تقرير معني الحديث بنحو لا تتأتي شبهة التناسخ أيضا في المعاد الجسماني بالجسم العنصري، اذلو كان الاستعداد و القابلية موجبة لاستحقاق نفس جديدة فكيف الحال في المعاد، و التقرير بنحو يدفع تلك الشبهة أيضا هو أن الباري تعالي لما كان ذاقدرة غير محدودة و هي متعلقة بما هو ممكن اذا الجسد الاول لايمكن للخصم فرض التناسخ فيه فحينئذ الباري تعالي أيضا قادر علي خلق نفوس جديدة لبقية الاجساد هذا في الدار الاولي كما انه قادر الاخرة هذا و يمكن تتميم التقرير الاول بنحو يدفع تلك الشبهة بأن كل استعداد يستحق نفسا خاصة به و عند الاعادة لذلك البدن يحصل مسانخ الاستعداد السابق المستحق لعين تلك النفس.

جعلت فداك يا سيدي ان علي بن حسكة يدعي انه من أوليائك و أنك انت الاول القديم و أنه بابك و نبيك أمرته أن يدعو الي ذلك و يزعم أن الصلاة الزكاة و الحج و الصوم كل ذلك معرفتك و معرفة من كان في مثل حال ابن حسكة فيما يدعي من البابية و النبوة فهو مؤمن كامل سقط عنه الاستعباد بالصلاة و الصوم و الحج و ذكر جميع شرائع الدين أن معني ذلك كله ما ثبت لك و مال الناس اليه كثيرا فان رأيت أن تمن علي مواليك بجواب في ذلك تنجيهم من الهلكة.قال فكتب عليه السلام: كذب ابن حسكة عليه لعنة الله و بحسبك اني لا أعرفه في موالي ماله لعنه الله، فوالله ما بعث محمدا و الانبياء قبله الا بالحنيفية و الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الولاية، و مادعي محمد صلي الله عليه و آله الا الي الله وحده لاشريك له و كذلك نحن الاوصياء من ولده عبيدالله لا نشرك به شيئا، ان أطعناه رحمنا و ان عصيناه عذبنا مالنا علي الله من حجة بل الحجة لله عزوجل علينا و علي جميع خلقه أبرء الي الله ممن يقول ذلك و انتفي الي الله من هذا القول، فأهجروهم لعنهم الله و ألجووهم الي ضيق الطريق فان وجدت من أحد مهم خلوة فاشدخ رأسه بالصخر» (1) .و من هذا القبيل الفهري و الحسن بن محمد بن بابا (2) و فارس بن حاتم القزويني و قد لعنهما أبي الحسن الهادي عليه السلام.فروي الكشي عن سعد بن عبدالله قال: حدثني العبيدي (محمد بن عيسي) قال: كتب الي العسكري ابتداءا منه: أبرء الي الله من الفهري و الحسن بن محمد بن بابا القمي فأبرء منهما فاني محذرك و جميع موالي و أني ألعنهما عليهما

ص: 161


1- 217. رجال الكشي في ترجمة ابن حسكة، و وجه هدر دم أصحاب ابن حسكة ارتدادهم عن الاسلام كما لا يخفي.
2- 218. و هذا كان من تلامذة ابن حسكة كما في رجال الكشي.

لعنة الله، مستأكلين يأكلان بنا الناس، فتانين مؤذيبن آذاهما الله و أركسهما في الفتنة ركسا. يزعم ابن بابا اني بعثته نبيا و أنه باب عليه لعنة الله، سخرمنه الشيطان فأغواه فلعن الله من قبل منه ذلك، يا محمد ان قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فأفعل فانه قد آذاني آذاه الله في الدنيا و الاخرة.و روي عن محمد بن عيسي قال: قرأنا في كتاب الدهقان و خط الرجل في (القزويني) و كان كنب اليه الدهقان يخبره باضطراب الناس في هذا الامر و أن الموادعين قد أمسكوا عن بعض ما كانوا فيه لهذه العلة من الاختلاف فكتب عليه السلام كذبوه و هتكوه أبعده الله و أخزاه فهو كاذب في جميع ما يدعي و يصف، ولكن صونوا أنفسكم عن الخوض و الكلام في ذلك و توقوا مشاورته و لاتجعلوا له السبيل الي طلب الشر كفي الله مونته و مونة من كان مثله».و روي عن أبي محمد الرازي أنه ورد منه عليه السلام كتاب فيه «و أن تجتنبوا القزويني أن تدخلوه في شي ء من أموركم فانه قد بلغني مايموه به عند الناس فلا تلتفتوا اليه انشاء الله.و من هذا القبيل أبوالسمهري و ابن أبي الزرقاء فقد روي الكشي عن اسحاق الانباري قال: قال لي أبو جعفر الثاني عليه السلام: مافعل أبوالسمهري لعنه الله يكذب علينا، و يزعم أنه و ابن أبي الزرقاء دعاة الينا، اشهدكم اني أتبرء الي الله عزوجل منهما انهما فتانان ملعونان الحديث».و أما المغيرة بن سعيد العجلي الذي كان يكذب علي الباقر عليه السلام و قد تقدم شطر من حاله فقد روي الكشي في ترجمته عن الصادق عليه السلام انه قال يوما لاصحابه لعن الله المغيرة ابن سعيد و لعن يهودية كان يختلف اليها (أي يتردد بالمجي ء و الذهاب اليها) يتعلم منها السحر و الشعبذة و المخاريق.ان المغيرة كذب علي أبي عليه السلام فسلبه الله الايمان و أن قوما كذبوا علي

ص: 162

مالهم أذاقهم الله حر الحديد فوالله ما نحن الا عبيد الذي خلقنا و اصطفانا، ما نقدر علي ضر و لا نعف و ان رحمنا فبرحمته و ان عذبنا فبذنوبنا و الله مالنا علي الله من حجة و لا معنا من الله برائة و انا اميتون و مقبورون و منشرون و مبعوثون و موقوفون و مسئولون.ويلهم مالهم لعنهم الله فلقد آذوا الله و آذوا رسوله صلي الله عليه و آله في قبره و أميرالمومنين و فاطمة و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي صلوات الله عليهم و ها إناذا بين أظهركم لحم رسول الله و جلد رسول الله، أبيت علي فراشي خائفا و جلا مرعوبا، يأمنون و أفزع و ينامون علي فرشهم و أنا خائف ساهر و جل أتقلقل بين الجبال و البراري أبرأ الي الله مما قال في الاجدع البراد عبد بني أسد أبوالخطاب لعنه الله.و الله لوابتلو بنا و أمرناهم بذلك لكان الواجب ألا يقبلوه فكيف و هم يروني خائفا و جلا، استعدي الله عليهم و أتبرأ الي الله منهم. أشهدكم اني امرؤ ولدني رسول الله صلي الله عليه و آله و ما معي برائة من الله، و ان أطعته رحمني و ان عصيته عذبني عذابا شديدا أوأشد عذابه».و روي عن سليمان الكناني قال قال لي أبو جعفر عليه السلام هل تدري ما مثل المغيرة؟ قال: قلت لا قال: مثله مثل بلعم قلت: و من بلعم؟ قال: الذي قال الله عزوجل «الذي آتيناه فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين».و روي الكشي عن محد بن قولويه القمي (الشيخ الجليل و والد استاذ المفيد) قال: حدثني سعد بن عبدالله (أحد أعلام و شيوخ الطائفة مر ذكره) قال: حدثني محمد بن عيسي (العبيدي اليقطيني الثقة الجليل) عن يونس (بن عبدالرحمن من أصحاب الرضا و ثقاته) قال: سمعت رجلا من الطيارة (الغلاة) يحدث أبا الحسن الرضا عليه السلام عن يونس بن ظبيان أنه قال: كنت في بعض الليالي و أنا في

ص: 163

الطواف فاذا نداء من فوق رأسي: يايونس اني أنا الله لا اله الا أنا فاعبدني و أقم الصلاة لذكري فرفعت رأسي فاذا ج (كناية عن جبرئيل عليه السلام).فغضب أبوالحسن الرضا عليه السلام غضبا لم يملك نفسه ثم قال للرجل: أخرج عني لعنك الله و لعن من حدثك و لعن يونس بن ظبيان ألف لعنة يتبعها ألف لعنة كل لعنة منها تبلغك قعر جهنم، أشهد ما ناداه الاشيطان أما أن يونس مع أبي الخطاب في أشد العذاب مقرونان، و أصحابهما الي ذلك الشيطان مع فرعون و آل فرعون في أشد العذاب، سمعت ذلك من أبي عليه السلام.قال يونس (بن عبدالرحمن): فقام الرجل من عنده فما بلغ الباب الا عشر خطا حتي صرع مغشيا عليه و قد قاء رجيعه و حمل مينا. فقال أبوالحسن عليه السلام: أتاه ملك بيده عمود فضرب علي هامته ضربة قلب فيها مثانته حتي قاء رجيعه و عجل الله بروحه الي الهوابة و ألحقه بصاحبه الذي حدثه بيونس بن ظبيان و رأي الشيطان الذي كان يترائي له».و في ختام هذا الفصل نذكر مارواه الكليني في باب البدع و المقائيس (1) باسناده عن الصادق عليه السلام انه قال: ان من أبغض الخلق الي الله عزوجل لرجلين:رجل و كله الله الي نفسه فهو جائر عن قصد السبيل مشغوف بكلام بدعة قد لهج بالصوم و الصلاة فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدي من كان قبله مضل لمن اقتدي به في حياته و بعد موته حمال خطايا غيره رهن بخطيئته.و رجل قمش جهلا في جهال الناس، عان بأغباش الفتنة قدسماه أشباه الناس عالما و لم يغن فيه يوما سالما، بكر فاستكثر ما قل منه خبر مما كثر حتي اذا ارتوي من آجن و اكتنز من غير طائل.

ص: 164


1- 219. الكافي ج1 ص54.

جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس علي غيره و ان خالف قاضيا سبقه، لم يأمن أن ينقض حكمه من يأني بعده كفعله بمن كان قبله و ان نزلت به احدي المبهمات المعضلات هيأ لها حشوا من رأيه ثم قطع به فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت لايدري دصاب أم أخطا لايحسب العلم في شي ء مما أنكره و لا يري أن وراء مابلغ فيه مذهبا ان قاس شيئا بشي ء لم يكذب نظره و ان أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه لكيلا يقال له: لا يعلم.ثم جسر فقضي فهو مفتاح عشوات ركاب شبهات خباط جهالات لايعتذر مما لا يعلم فيسلم و لا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم، يذري الروايات ذرو الريح الهشيم تبكي منه المواريث و تصرخ منه الدماء يستحل بقضائه الفرج الحرام و يحرم بقضائه الفرج الحلال لاملي ء باصدار ما عليه ورد و لا هو أهل لما منه فرط من ادعائه علم الحق».و لنعم ما قال بعض الاجلة «ان تلك الفرق كانت تتراوح بين شكوك و أوهام عرت بعض البسطاء و انقرضت بموتهم و مطامع و شهوات صبت اليها آحاد استهوتهم النهمة و الشرة لاختلاس مال أو حيازة جاه و هولاء بين من ثوب الي الحق بعد الحصول علي غايته أو يأسه منها أو توفقه للتوبة، و من قطع معرته حمامه.و أناس ديف اليهم السم في العسل من قبل السياسات الوقتية روما لتشتيت كلمة الامامية و محق روعتهم فاستخفهم الجهل بالغاليات مع ماجبل به الانسان من حب الفخفخة فقاموا بدعايات باطلة و استحوذوا علي نفوس خائرة القوي لكن سرعان ما قلب عليهم الدهر ظهر المجن لما تمكنت الساسة من الحصول علي ضالتهم المنشودة و لم يبق لهم في القوم مطمع فأخذوا و قتلوا تقتيلا و كانت هناك مجزرة بدعهم و اهوائهم.

ص: 165

الي غير هذه من غايات و اغراض وقتية أسفت بالنفوس الضئيلة الي هوة المذلة و اللعنة و لم يعد في الاكثر أن يكون المعتنقون لها أفرادا من ساقة الناس أو عشرات الذنابي أولمة ممن لم يقم المجتمع الديني و البشري لهم و زنا وعم الجميع أن طوتهم مع عيثهم الايام و طحنهم بكلكله الجديدان فعادوا كحديث أمس الدابر».

ص: 166

في تاريخ البابية في ايران

فقد ادعي السيد علي محمد بن السيد رضا الشيرازي المتولد سنة 1235 ه (قده) في مدينة شيراز البابية و الوساطة بين الامام الحجة الغائب عليه السلام و الناس، ثم ترفع و أدعي انه المهدي المنتظر ثم أدعي النبوة ثم الالوهية. و هي سنة من تقدمه في دعوي البابية حيث ترفع بهم الامر الي الالوهية.و كان قد توفي عنه والده و هو في السنة الاولي من عمره فاهتم به خاله الذي كان يدير تجارة متوسطة الحال و أرسله الي المكتب -و هو الموضع الذي يتعلم فيه القراءة و الكنابة في تلك السنين و هو بمثابة المدرسة في اليوم الحاضر- و كان الذي يشرف عليه الشيخ عابد و كان من الجماعة الشيخية التي تهتم بكثرة بالعلوم الغريبة (1) و الرياضات النفسية المتنوعة و مسائل علم العرفان -و لم يكن الباب الشيرازي يميل الي التعلم ولكن تحت وطأة خاله واصل الحضور لدي ذلك الشيخ.

ص: 167


1- 220. من قبيل علم الحروف و العزائم و التسخير للارواح و الجن.

و بعد عدة سنين اصطحبه خاله الي مدينة بوشهر و أو كل اليه بعض الاعمال التجارية.و كان مع ذلك يزاول الرياضات النفسية الشافة حيث كان يصعد يوميا الي سطح المنزل الذي قطنه في بوشهر المعروفة بشدة الحرارة في الصيف -لكونها من المناطق الحارة و قد تصل درجة حرارتها الي مايقرب من خمسين درجة فوق الصفر في شهر تموز -عدة ساعات من الظهير يزاول الصلاة و الاذكار (1) بل قيل كان ذلك طوال النهار واقفا مكشوف الرأس.و قد سبب ذلك الي نوع من الاختلال و فقد التوازن العصبي لديه مما حدا بخاله الي التفكير بجد في معالجة هذه الحالة فلاح له ارسال ابن اخته في سفر الي العراق لعل تغير الهواء يورثه سلامة المزاج و باصرار شديد استجاب الباب الشيرازي لذلك و سافر الي كربلاء و هناك حضر بتداوم درس السيد كاظم الرشتي الذي كان زعيم جماعة الشيخية حينذاك.و لم يقطع الباب رياضاته الشاقة مدة اقامته هناك و يحكي الميرزا التنكابني في كتاب القصص (2) انه كان يحلق لحيته آنذاك و ربما نتفها بالمقراض (الملقط).و مكث علي ذلك مايقرب من أربع سنين ثم رجع الي شيراز و كان يعتقد أن استاذه باب الله المقدم كما يعبر بذلك الباب في كتبه.و ما أن توفي استاذه أخذ تلاميذه في البحث عن من يقوم مقامه و من يكون الركن الرابع و هذا العنوان يعني لديهم الاصل الرابع في اصول الدين التي جعلوا أولها التوحيد وثانيها النبوة و ثالثها الامامة و رابعها النائب الخاص الذي يجب توليه و التبري ء من أعداته، و كان التنافس يدور بين عدة منهم مثل ميرزا

ص: 168


1- 221. و كان يكثر من كتابة الادعية و المناجات و نحوها.
2- 222. ص56.

حسن جوهر و ميرزا محيط كرماني و حاج محمد كريم خان و ملا محمد مامقاني.ولكن السيد الباب أخذ في التطلع الي ذلك المقام و بدء في دعوة تلاميذ استاذه الي نفسه و سارع الي الاعلان بأنه باب الحجة الغائب. و علي أثر ذلك نشب بينه و بين تلك العدة المذكورة سابقا صراع احتد شيئا فشيئا، و حاوات تلك العدة ابتداءأ أن تثني الباب عن ادعائه ولكنه قابلهم بل حاول أن يجذبهم الي بابيته الي أن آل الامر الي تبريهم منه.و واصل الباب الشيرازي في دعوة البسطاء و السذج من الناس الي بابيته و كان يظهر اليهم جانب كبير من الزهد و النقشف و الرياضات النفسية مما يجذب قلوب الكثير من تلك النماذج نحوه. و كان اذا اطمئن بانجذاب شخص اليه يقول له: «فادخلوا البيوت من أبوابها» و غالبا ما يقرء الحديث المشهور «أنا مدينة العلم و علي بابها» و يكني بذلك مع اضافة شي ء من التلويح الي أن لكل شي ء باب و واسطة و انه هو الواسطة الكبري و هو الباب.كما و بدء في تفسير سورة يوسف بمنهج تأويلي من الخيالات و الاوهام المركبة اصطلح عليها بالتأويل الباطن للسورة و التي لاتنضبط مع أي ميزان من قواعده اللغة العربية أو العقلية المنطقية و لاتنفق بوجه مع مسلمات الدين الحنيف.ثم انه نجح في الكتساب ثمانية عشرة من تلامذة استاذه و جعلهم دعاة و مبلغين لبابيته و كانت منهم امرأة تدعي زرين تاج و سموها (قرة العين) و كان لها النصيب الاوفر في نشر البابية في ايران بسبب جمالها و بيانها الرائق و انشادها للشعر المطرب و بتوسطها انتهجب الفرقة البابية في ايران اباحة المحرمات من الزنا و الخمر و الربا.ثم انه ترفع في ادعائه من الباب الي انه المهدي الموعود و أخذ صحابه

ص: 169

في نشر ذلك و حبك مسرحية الظهور و علاماته.فبدأوا باشاعة أن الباب الشيرازي قد سافر الي مكة و انه من هناك يعلن عن ظهوره و سافر أحدهم الي خراسان و هو ملا بشرويه الذي كان أحد الدهاة في هذه الفرقة (1) و من ورائه السكرتير في السفارة الروسية في طهران (كينيازدالكوركي) (2) الذي تظاهر بالاسلام و تزوج من امرأة مسلمة و لبس زي رجال الدين و الذي كان بتابع بدقة حالات الميرزا علي محمد الشيرازي (الباب) و يخطط لبرامجه حيث كانت الدولة الروسية تتطلع آنذاك الي حدوث الفتن و الضوضاء في ايران كي مايسهل عليها احتلال المناطق التي هي مطمع لها اذلم تتوفق في اخذ كل تلك المناطق من خلال الحرب التي خاضتها مع الدولة القاجارية في ايران حين ذاك و لذا كانت السفارة الروسية و بعض السفارات الاجنبية الاخري كالسفارة البريطانية في تمام الا شواط مساندة لتلك الفرقة البابية و محامية عليه السلام زعمائها الذي توالوا زعامة البابية كما سيأني ذكر ذلك.و سبب سفر ملا بشرويه الي خراسان هو تطبيق احد علامات الظهور و هي خروج الخراساني و يكون (بشرويه) حينئذ هو الخراساني.و كان بدء دعوتهم في مدينة شيراز ثم الي اصفهان و ثم باقي المدن الايرانية

ص: 170


1- 223. بشرويه من توابع مدينة مشهد بخراسان و اليها ينسب هذا، و قد درس ثماني سنوات لدي السيد كالظم الرشتي ولكنه كان بليد الذهن فلم يترقي في الجانب النظري ولكن في الجانب العملي كان متفوقا.
2- 224. و قد ذكر د. همتي في كتابه البابيون و البهائيون أن كتاب (البرنس دالكوركي) تمت طباعته فيمكن قراءة تفاصيل هذه القصه و تأريخ زعماء اليهائية (و هي الفرقة التي تولدت من البابية) و أثرهم السياسي و الطريقة التي أستعملها السياسيون الروس في الاتيان بالباب و اصحابه.

و ممن دعوه الي فرقتهم في شيراز الشيخ ابوتراب (رض) الذي كان صدر فقهاء شيراز في ذلك الوقت.و ما أن سمع بذلك منهم ثارت نائرته و اشتعل هيجانه لما عرف من مدي البلية و الطامة التي حلت عن قرب فدعا الشيخ ابوتراب علماء و فقهاء المدينة الي الاجتماع. ليطلعهم بالفتنة التي كشفت عن رأسها.و تم الاجتماع و حصل الاتفاق علي رفع توصية الي والي المنطقة حسين خان نظام الدولة التبريزي الذي كان ماضي العزم ذي حنكة و تدبير و هو بدوره أيضا أقام مجلسا جمع فيه العلماء و دعاة الباب فاستنطقهم و اجابوا حينها بكل صراحة و جرءة أنهم يدعون الي الباب و أبرزوا للملاء الحاضر في المجلس كتبا للباب الشيرازي التي زعم انها و حيا سماويا فحينها ضج المجلس و ارتفعت الاصوات و أفتي العلماء علي أثر ذلك بكفرهم و وجوب قتلهم و لم يتباطا الوالي في تنفيذ الحكم عليهم. و أرسل شرحا مفصلا للقضية الي الحكومة في طهران.و كان الباب الشيرازي حينها في بوشهر فاستدعاه الوالي الي الحضور في شيراز برفقة من الحرس. و أمهله عدة أيام بعد وصوله حتي يسكن روعه و يهدأ خوفه.و كان الباب الشيرازي في مدة اقامته في بوشهر قد كتب عدة من المؤلفات منها كتاب (البيان) زاعما أنه المراد من قوله تعالي «الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان).و ان كتابه البيان ناسخ للقرآن -و العياذ بالله- و ان مافيه هو الشريعة الناسخة الجديدة و تعمد فيه الي اقتباس النصوص القرآنية مع التغيير بما تشهاه من الاحكام و البدع و الضلالات التي سيأتي ذكرها و الضحك المبكي أنه مملوء بالاغلاط التحوية و الصرفية و غيرها من قواعد علوم الادب العربي.

ص: 171

و هذا الاسلوب الاقتباسي مارسه بكثرة زعماء الفرقة البابية سواء مع النصوص القرآنية أو مع الاحاديث النبوية و المروية عن الائمة عليهم السلام.ثم ان الوالي أحضر الباب ليلا لديه و اظهر له عذره في قتل اعوانه و انه كان مخطئا في ذلك -و كل هذه المسرحية التي قام بها الوالي استدراج لاخذ الاقرار من الباب علي دعاويه- و أخبره بان هذا التحول المفاجي ء بسبب رؤية رآها في المنام و كأن الباب قد أناه و أمسك علي رجله اليمني فاستوي جالسا و أخذ الباب يخاطبه بأن نور الايمان يسطع من جبهنك و بعد ذلك انتبه من النوم.و ما أن سمع الباب ذلك من الوالي الذي تمثل بنحو من الارتعاد الجسمي و الدموع المفتعلة -قال: هنيئالك يا أمير ان الذي رأيته لم يكن مناما بل يقظة و اني أتينك في موضع نومك و خاطبتك بذلك، و ذلك لمعرفتي بسلامة فطنتك و صفاء شعورك.و قام الوالي بتقبيل يد الباب و التذلل امامه وقال له ان كل ما املك من عدة و عتاد هو قيد أمرك و رهن اشارتك و ما أنا الاظل يتبعك فقال له الباب: هنيئالك هنيئالك لاتباعك الحق فقد وصلت الي مقام كريم و موهبة عظيمة و اني أعدك بولاية ممالك الروم في المستقبل.و أخذ الوالي في اظهار السرور و القشعريرة و قال: يا سيدي اني اتبعك لا لمطمع دنيوي من مال أوجاه و عزة بل للجهاد بين يديك لالتحق بالشهداء الصالحين.ثم أن الوالي بعد ما اطمئن الي وثوق الباب الشيرازي به قرر مع العلماء و الفقهاء عقد مجلس يحضر الباب فيه ويتم المسرحية كي يستخرج من الباب بلسانه أمام الملاء دعاويه. و من جانب آخر قال للباب: يا سيدي اني قد اعددت لمجلس يحضره علماء المدينة و تحضره انت كي توعدهم الي الايمان بك و بما تدعوا اليه و من لايستجيب مهم لذلك اضرب عنقه بالسيف. فاستطار الباب

ص: 172

لذلك فرحا.و استعد لذلك المجلس و ذهب برفقه أحد اعوانه السيد يحيي بن السيد جعفر الدارابي المعروف بالكشفي الذي كان من كبار الفرقة البابية و والده كان من اعاظم علماء عصره ذي المولفات المهمة.فابتدأ الباب بالخطاب في المجلس الحافل:يا علماء ألم يأن لكم أن تتحرروا من الهوي و تتبعوا الهداية و تتركوا الضلالة فاسمعوا قولي و اطيعوا امري، ان نبيكم لم يترك لكم غير القرآن و هذا كتابي (البيان) فتعالوا و اقرأوه و اتلوه لتعلموا انه افصح من القرآن و احكامه ناسخة للقرآن، فاستمعوا لي و اقبلوا نصيحتي مادام السيف في الغماد و قبل أن تقطع الرؤوس و احفظوا دماءكم و أموالكم و اطفالكم، فاطيعوا امري و وعوا كلامي فهذه نصيحتي لكم.هذا و العلماء منصتين لايحركون ساكنا و لاينطقون ببنت شفة كما هو متفق عليه مسبفا.ثم قام الوالي أمام الباب و التمس منه ان يكتب دعاويه علي ورقة ليعرضها بينة و ببرهان علي أهل المجلس لتتم الحجة. فكتب الباب عدة أسطر بأسلوب الدعاء و نهج المناجاة كما هي عادته في كتاباته. فدارت الورقة علي ايدي العلماء و لاحظوا فيها اخطاء شنيعة في الاسلوب و الصياغة الادبية و الاغلاط النحوية و الصرفية.و أخذ الباب الشيرازي في الدفاع عن نفسه و تبريز ذلك بأن ذلك ليس من تقصيري و انما هو من الالهامات الغيبة و الوحي السماوي فالجهالة ليست في فوقعت في المجلس الضوضاء.و ارتفعت الاصوات فمن قائل يفتي بقتله و كفره و خسرانه و من قائل يحكم

ص: 173

بجنونه و اختلال عقله و انه يعزر و يؤدب و قام الوالي مخاطبا الباب:يا جاهل يا مغرور ما هذه البدعة المشومة التي احدثتها كيف تدعي النبوة و الرسالة أو المهدوية؟ و انت لاتقدر علي التعبير عن مرادك بلفظ عربي مستقيم منتظم، و مع هذا الحال تدعي أن كلامك افصح من القرآن و أبلغ، و أني أفكر أن قتلك واجب في شريعة الاسلام، ولكن أري بقرائن حالك أنك مختل العقل و فاسد الدماغ فلا يصح قتلك ولكنك رجل سفيه أبله و لهذا يجب تعزيرك و تأديبك لعلك ترجع عن الضلالة و تعود الي الهداية».ثم أمر باخراجه من المجلس و ضربه بالفلقة، فأخذ يستغيث و يتوسل بالناس لينقذوه ولكن الضرب المبرح تواصل حتي أظهر التوبة و الاستغفار.ثم حمل علي حمارو طيف به الاسواق و الطرقات تشهيرا -ولكن الباب كان يتوخي و يحرص علي ذلك و يجب الشهرة أيا كانت- و أرجع مرة اخري الي المجلس المحتشد فأخذ الباب بتقبيل يد الشيخ ابي تراب و كرر التوبة و الاستغفار ولكن العلماء أصروا علي صعوده المنبر أمام الناس و اعلانه التوبة و الرجوع عن الدعاري السابقة و الضلال الذي كان يدعوا اليه.فصعد المنبر قائلا «لست انا وكيل القائم الموعود و لست انا الواسطة بين الامام الغائب و بين الناس».و ثم طلب منه امام الجمعة أن يحضر يوم الجمعة في مسجد وكيل و أن يعلن ذلك مرة أخري امام الناس و طلب الوالي ضامنا للباب أن لايعود الي بدعه السابقة فضمنه خاله السيد علي، و في يوم الجمعة حضر الباب مسجد وكيل و قال «لعن الله، لعن الله من يري أني وكيل الامام الغائب، لعن الله من يري اني انكر وحدانية الله تعالي، لعن الله من يري اني انكر رسالة رسول الله صلي الله عليه و آله، لعن الله من يري أني انكر امامة الائمة عليهم السلام».

ص: 174

ثم نزل عن المنبر و ذهبوا به الي السجن و مكث فيه ستة أشهر في رفاهية من العيش مع الحد من اي نشاط أو أتصال.و في تلك السنة انتشر وباء و طاعون أتي من الهند و افغانستان جعل الاوضاع في شيراز مظطربة وفر الكثير الي القري النائية خوفا من العدوي و كذلك لجأ الوالي و معاونيه الي اطراف المدينة فساد البلد الهرج و حينها اهملت الرقابة علي السجن.فقام والي اصفهان و يدعي منوچهرخان القرجي الارمني النصراني باستغلال الفرصة و أرسل الي السجن في شيراز بعض معاونيه مع عدد من دعاة البابية الذي كانوا علي ارتباط وثيق معه في اصفهان لنشر البابية و كان يهيألهم مختلف الطرق و الوسائل لذلك.و هذا الوالي النصراني الارمني كان قد وقع اسيرا لدي الدولة الايرانية آنذاك مع عدد من اخوته في الحروب التي وقعت لها في ارمنييا و القفقاز و كانه هو من الامراء هناك.و بعد وقوعه اسيرا حاول مع اخوته التسلل الي الحكومة و الوصول الي مناصب حساسة فيها كي يتم له الوصول الي مآربه الحاقدة الدفينة علي الاسلام، و أما ما ارتباطه مع الايدي الاجنبيه فعلي قدم و ساق.و في هذا الاثناء استفحل نشر البابية في اصفهان من دعاتها، فثارت الغيرة الدينية لدي الناس و العلماء في مدينة اصفهان و التي كانت تعج آنذاك بفحول الفقهاء و العماء في مختلف الفنون من الحكمة و الاصول و الهيئة و الكلام و غيرها.فاجتمع العلماء علي أثر تصاعد فتنة البابية للبحث عن التصدي لها. و اثناء ذلك حضر الوالي المجلس و خاطب الحضار بأن الباب قد وجه أحد العلماء اليه دعوة للحضور الي اصفهان و أني اخاف من اشتداد الفتنة من ذلك (و كان يظهر

ص: 175

حاله في منتهي الغم و الحزن و التأثر)، و اني أفترح لتقادي ذلك بأن يستعد الي استقباله علي باب المدينه عدة منكم كي يحتووه و يخمدوا بدعته و هو علي أي حال من الفقهاء الذين قدوموا من المشاهد المشرفة من العراق.(و يقصد من ذلك انه من المرسوم عندكم الاستقبال في مثل هذه الموارد حيلة منه لاجلال مقدم الباب مع أنه ليس له هذه الصفة الذي يطلقها عليه الوالي)و كان يكثر من لاحول و لا قوة الا بالله في كلامه، و قال و ليقوم الناس بزيارته من مختلف الطبقات كي يعلم جهله و كونه صفر اليدبن من الفضل و العلم (و هو يقصد بذلك حصول الترويج و الدعية للباب) ثم اقترح تشكيل ندوة يحضرها المقدمين منكم فضلا كي يحسموا شبهاته و تنقضوا ضلالته و تثبتوا مروقه من الدين الاسلامي و تفتوا بقتله أو حرقه أو تبعيده، وأني لن أمهله الال بضربة السيف تطبر عنقه. والوالي بهذا التمثيل و التصنع حلول اغراء أكثر الحضار مع شي ء من التهديد لمن لا يوافق فيهم بالوقوف بجانب الباب كما اتهم في بادي ء كلامه أحد العلماء بأنه الذي وجه الدعوة للحضور الي اصفهان و يكون بذلك قد خطط للدعاية والتشر ببر نامج وسيع النطاق.و ما أن وصل الباب الي مشارف اصفهان استقبلته هيئة منتخبة تمثل العلماء و ذهبوا به الي بيت الميرزا السيد محمد الملقب بسلطان العلماء، ولكن الباب التزم الصمت عدة أيام و لم يظهر شيئا من دعاويه، ولكن العلماء دفعوا الناس الي الاصرار عليه باظهار مقالته و كتابتها كي يتم معرفة عقائده.و قبل الباب الشيرازي فكتب رسالة طويلة تفسير سورة الكوثر و كعادته خبط و خلط في الاسلوب العربي بتركيب متدافع الاطراف معوج البيان مختل نحوا و صرفا.و فوق ذلك استدل فيها علي انه المهداي الموعود. و سرعان ماتناقلتها الايدي

ص: 176

و انتشرت فازداد الصخب و الغيض لدي الناس و واجهوا الوالي بأن يفي بما وعد من الاجراآت بحقه و مجازاته.ولكن الوالي احتال مرة أخري و اخذ يماطل و يوخر و سبب ذلك توقع الوالي متابعة بعض الناس للفرقة البابية أولا أقل من احداث الشك في صفوفهم.و لكن الهيجان ازداد حماسا و خذر العلماء الوالي بأن يفي بما وعده من عقد ندوة للنفاش مع الباب حول شبهاته وادعاءه و الافلن يملك الوالي زمام الامور أمام الصخب الشعبي.فأضطر الوالي الي عقد الندوة بعد مما طلة كثيرة لمعرفته أن عاقبتها فضيحة الباب و ضياع للمجهود الذي قام به لنشر البابية.و حضر الندوة جمع كثير من العلماء في مقدمتهم الميرزا السيد محمد و الشيخ محمد مهدي كلباسي اللذان كانا متفوقين علي البقية في الفقه و الاصول و الميرزا حسن ابن الملا علي نوري الذي كانت له الصدارة في الحكمة و الفلسفة و أجلس الباب في صدر المجلس و أخذ العلماء بالكلام حول دعواه المهدوية و الباب ظل صامتا لايحرك ساكنا فبادره الشيخ محمد مهدي الكلباسي قائلا:ياسيد لايخفي عليك أن المسلمين علي صنفين الاول و هو اللذين يستنبطون احكام الشريعة الاسلامية من القرآن الحكيم و السنة النبوية لخاتم النبيين و المأثورة عن الائمة المعصومين عليهم السلام، و هذا الصنف يسمون بالمجتهدين.و الثاني هم اولئك الذين يقلدون المجتهدين في معرفة الاحكام و يسئلونهم عما يجهلونه و يحتاجون اليه كي يرشدوهم، و الان أنت من أي القسمين و بعبارة أخري انت مجتهد أم مقلد؟فأجاب الباب: اني لم أفلد احدا بتاتا و العمل بالظن أراه حراما.فقال له الشيخ: ياسيد ألاتعرف أن الطائفة الشيعية تعنقد أن الامام الحجة

ص: 177

عليه السلام غائب و لامحالة طريق العلم بالاحكام الشرعية مسدود.و لا بدلنا في كل عصر من الاعصار من تقليد المجتهد الجامع لشرائط الفتوي علي طبق القواعد المقررة من الصدر الاول الي عصرنا الحاضر، حتي يظهر حجة الله قائم آل محمد المنتظر فبزبل المفاسد و يميت البدع و يعيد الشريعة المحمدية التي أني بها رسول الله صلي الله عليه و آله، فهذه وظيفتنا، فكيف أنت لاتقلد و لاتعمل بالظنون (الخاصة التي قام الدليل علي حجيتها لاستنباط الحكم الشرعي).الان و حيث لا أراك تأتي بحجة قبال استدلالي و لا أراك قد سمعت باحكام الشريعة الاسلامية، اذا من أين تعلمت الدين و من أين حصل لك اليقين بالاحكام؟فأشتعل الباب غيظا و قال «انك تعلمت علم المنقول و بمنزلة الطفل المبتدي ء الذي يتعلم أ ب ج د، ولكن مقامي مقام الذكر و الفواد، فلا يصح لك الدخول في هذا البحر اللامتنهاي و مناقشتي و المناظرة معي في شي ء لاتعلمه».فانبري له الميرزا حسن النوري الحكيم المشهور قائلا: «ياسيد اثبت في مكانك و اياك و الرجوع عن ادعائك، ان الحكماء قد عينوا و قرروا للذكر و للفؤاد مقاما و منزلة اذا وصل اليها شخصا مايكون محيطا بكل الاشياء و لا يخفي عليه شي ء فالان هل قد وصلت أنت الي هذا المقام و المنزلة؟ و هل وجودك يحيط بكل الاشياء؟فاجاب الباب بثبات و جرأه: نعم وجودي هكذا سل ما بدالك.فقال له: ياسيد بين لنا كيفية معجزات الانبياء و حصول طي الارض للاولياء و كيفية سرعة سير الزمان في عصر السلطان الجائر و بطؤه في زمان الامام الهادي الذي وردت به الروايات، نحن و اياك نعد بني أمية و بني العباس حكاما جائر بن و ملو كاظالمين وأئمه أهل بين النبوة و معدن الرسالة ائمة هادين و في هذه الحال يلزم أن يكون للزمان سيرين سريع و بطي ء و كيف يمكن ذلك!

ص: 178

و أيضا بعض ائمة الجور و العدل كانوا في عصر واحد و لازم ذلك وقوع سيرين متضادين سريع و بطي ء في زمان واحد و كيف يمكن ذلك.و أيضا نحن المسلمون نعتقد أن الارض تطوي لاولياء الله و حججه يعني أن المسافة الطويلة تنطوي لهم (كطي السجل) بطرفة عين مثل مانفل آصف بن برخيا وزير سليمان بطرفة العين عرش ملك بلقيس من سبا الي محل اقامة سليمان (فلسطين) كما قال تعالي «و قال الذي عنده علم من الكتاب انا آتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده» الاية.فالان يا تري كيف وقع ذلك؟ هل المدن و الصحاري بين المبدأ و المنتهي للمسير تهبط (خسفا أو ابتلاعا)؟و حينها يتصل المبدأ و المنتهي (للسير) و في هذه الصورة يلزم انعدام عباد الله و الحيوانات و النباتات و الجمادات حيث الارض (التي طويت) قد خسفت بهم أو أن القطع الارضية تجتمع و تتداخل؟ وفي هذه الصورة لابد من اطلاع العالم علي مثل هذه الحادثة مع ان حتي هذه الساعة لم يسمع أحد بهذا و لم ينتشر خبر بذلك و في المستقبل سوف لن ينتشر، أو أن طي الارض يحصل بنحو الطيران و التحليق؟ و هذا الوجه أيضا لايطابق العقل الانساني و لا يؤيده برهان عقلي أو نقلي (شرعي).أجب عن هذه الاسئلة؟فتبسم الباب و أجاب: ياحكيم هل تريد أن أرفع النقاب عن وجه المشكل باللسان و البيان أو بالقلم و البنان اكشف عن هذا السر؟فقال له: اصنع ماشئت؟فتناول الباب القلم و الورقة و أخذ يكتب مدة من الوقت حتي أتي بالطعام فوضع الورقة علي سفره الغذاء و شرع في لاكل.

ص: 179

فلمح الميرزا حسن بطرف عينه الورقة فتناولها فقرأها علي الحضار و اذا فيها البسمله و حمد الله و الصلوة علي النبي و بعد ذلك دعاء مطول بسبك المناجات من دون أي اشارة الي موضوع المناقشة و الاسئلة.فسكت أهل المجلس حتي يحصل الفراغ من الاكل، ثم حكم بعضهم بجنونه و فقد توازنه و من ذلك البعض الميرزا السيد محمد سلطان العلماء و حكم البعض الاخر بكفره و ارتداده عن الدين و وجوب القتل و من ذلك البعض الشيخ محمد مهدي الكلباسي و سائر الفقهاء ولكن تردد مع تمايل الي الباب مدرسان للفقه مشهور ان كانا علي ارتباط مع الوالي و اتفاق مسبق معه.و بعد حكم الاكثر بقتله استدعوا من الوالي اجراءه، فتظاهر بأن تنفيذ هذا الحكم خارج عن صالحياته و أن القضية يجب أن يعلم بها الحكومة المركزية في طهران و ينتظر الاوامر منها بقتله أولا ولكي يقل الضغط عليه من العلماء أمر بتقييد الباب بالسلاسل.و ذهب به الي السجن، ولكنه أخرجة من السجن ليلا في الخفاء واحضره بيته مع المبالغة في الاحترام و التجليل، ثم بعث برسالة الي طهران صاغ عبارتها كما أراد و ذيلها بقوله «قتل الباب في هذا الوقت في اصفهان مع تمايل اكثر اهاليها اليه يستوجب خطر الثوران و الهيجان و الرأي الصائب أن يبقي في السجن حتي تنطفي نائرة الصديق و العدوله ثم تنظر هيئة الدولة في ما هو الصالح و تأمر نابه».و قد نجحت خطته و انطوت خدعته علي هيئة الوزراء و استصوبت رأيه.و من جانب آخر تزايد دعم الحاكم منوچهر خان القرجي لعلي محمد الشيرازي (الباب) و ظهرت نواياه الهادفة الي ضرب المذهب الشيعي و محاربة العلماء، فحمل ذلك العلماء علي الكتابة الي الصدر الاعظم (رئيس الوزراء)

ص: 180

حاجي ميرزا آغاسي و طالبوه بقمح الفتنة التي تتقنع بالاسلام و التي تدعي البابية تارة و أخري التوبة و انكار البابية و انها في توسع و انتشار.فأجابهم برسالة بعثها «أنا في خدمة العلماء الاعلام و الفظلاء ذوي العز و الاحترام و المعذرة في تصديعكم حول هذا الشخص الشيرازي الذي سمي نفسه باب و نائب (خاص) الامام عليه السلام الذي كتبتم عنه. فلانه ضال مضل بحسب مقتضيات الدين و الدولة.فالمورد ضروري التعقيب ليكون عبره في المستقبل طبقا للسياسة الملكية.و هذا المجنون الجاهل الجعال (المفتعل) لم يدعي النيابة فحسب.بل أدعي النبوة حيث أنه مع كمال الجهل و السخافة كتب كتابا جمع فيه المزخرفات و سماه قرآنا مع أن الاية الشريفة «فأتوا بسورة من مثله» دالة علي استحالة الانيان بمثل أفسر سورة و «لئن اجتمعت الانس و الجن علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايأنون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا» فكيف بالقرآن!هذا الجاهل مثلا بدل كهيعص كتب كاف ها، جيم، دال و بهذا النمط من المزخرفات و الاباطيل لفق كتابه، نعم أني أكثر اطلاعا علي حقيقة حاله لان أكثر هذه الجماعة الشيخية تداوم علي الطنطنة و الشعارات (الهتافات).و هذا الشقي قد وقع في تلك الخيالات الباطلة و الذي قررت في شأنه أن يحبس في قلعة (ماكو) حبس الابد. و أما اللذين اتبعوه و تمايلوا اليه فهم مقصرون و أطلعوني بهم كي يعزرون و ينبهون. دام فضلكم و افاضاتكم».و مع ذلك فلم يبعث الحاكم منوچهر خان بالباب الي قلعة (ماكو) و التي تقع في شمال ايران طيلة عدة أشهرو التي مات الحاكم بعدها و خلفه حاكم آخر يدعي جرجين خان الذي سارع بارسال الباب الي ماكو ولكن لجهات سياسية تحيط بذلك الظرف توسط دالكوركي السفير الروسي في طهران بنقله من ماكو

ص: 181

التي هي مدينه علي الحدود الروسيه الي قلعة (جهريق) و أرسل السفير الي وزير الخارجية الروسي نسلرد مكتوبا قال فيه «باب هو الذي أبعد عن ماكو الحدودية بوساطتي في العام الماضي» (1) .و لم ينقطع الرتباط البابيه بالسيد الباب في القلعة فقد كانوا يبذلون الرشاوي الكثيرة لاقامة الاتصال و كان علي رأسهم المدبر النشط ملا بشرويه و حاج بارفروشي و يحيي الدارابي و قرةالعين، فالاول في خراسان و الثاني في مازندران (طبرستان) و الثالث في شيراز و الرابعة في قزوين فكانوا بذلك يقيمون دائرة محيطة بأكثر ارجاء ايران للنشر و الدعاية للفرقة البابية.ثم ان الشاه محمد القاجاري طلب من ولي عهده ناصرالدين ميرزا أن يجمع العماء و الفقهاء و الفضلاء و الاعيان و الاشراف و القواد و بقية الشخصيات المهمة في تبريز المدينة المركزية في منطقة آذربايجان و التي كانت مقرا له، و أن يعقد مجلسا يديره بنفسه لينظر ما يقوله الباب و يدعيه كي يتقرر الاجراء اللازم بحقه.و أوصاه بعدم الاستعجال في اصدار الحكم و عليه الانتظار الي صدوره من طهران علي ضوء التقرير المرسل.و عقد المجلس بحضور الجموع المختلفة فمن العماء الحاج محمود الملقب بنظام العلماء و الملا محمد الممقاني الملقب بحجة الاسلام و الذي كان رئيس الشيخية في تبريز و مر سابقا انه من تلامذه السيد كاظم الرشتي. و الملا باشي الحاج ميرزا عبداكريم و الميرزا علي اصغر شيخ الاسلام و الميرزا محسن قاضي و الملا باشي ميرزا حسن زنوزي و من الشخصيات السياسية للدولة محمدخان زنگنه أمير نظام، و وزير الامن ميرزا فضل الله علي آبادي نصيرالملك و وزير الخارجية ميرزا

ص: 182


1- 225. ذكر في كتاب تاريخ جامع بهائيت ص152 رقم السند المسلسل بتمامه لتلك الرسالة.

جعفر خان معيرالدولة، و وزير المالية ميرزا موسي تفرشي، و وزير الداخلية ميرزا مهدي خان بيان الملك و عدة كثيرة من هذا الصنف، ثم اتي بالباب علي محمد الشيرازي و اجلس صدر المجلس.و أول من افتتح النقاش و البحث نظام العلماء فخاطب الباب قائلا:«ياسيد انظر الي هذا الكتاب و الاوراق التي أضعها الان بين يديك، و التي كتبت باسلوب قرآني و وحي سماوي (1) و نشرت في بلاد ايران في متناول ايدي الناس، تأمل فيها و أمعن النظر في صفحاتها ثم أخبرنا أهي من قولك أنت حقيقة؟ أو من أناس اعداء لك افتروها عليك و كذبا نسبوها اليك؟ثم وضع الكتب و الاوراق بجانب الباب.فأجاب علي محمد الشيرازي: نعم هذه الكتب من قبل الله.فقال له نظام العلماء: هل سميت نفسك شجرة طوبي في هذه الكتب؟ و معني ذلك أن كل ماجري علي لسانك أو يجري فهو كلام الله و بعباره أخري أنت تعتقد أن كلامك كلام الله و قول الله؟فأجاب: الله يرحمك، نعم، أقسم بالله هو كما تقول.فقال نظام العلماء: هل تسميتهم لك ب (الباب) صادرة منك أو أن الناس خاطبوك بذلك من أنفسهم؟فأجاب: لا، هي صادرة مني، و الناس لا يقولون من أنفسهم، هذا الاسم من الله، و أنا باب العلم.فقال له: في أين، في بيت الكعبة، بيت المقدس، و البيت المعمور؟فأجاب: في كل مكانه اله.

ص: 183


1- 226. يشير الي كتاب البيان الذي الفه الباب بتلفيق من الايات القرآنية و من الحشو الذي زخرفه فجعله بين الاقتباس و الحشو و سيأتي نماذج من كتابه.

و في هذه اللحظة نهض ولي العهد ناصرالدين شاه و قال: يا سيد أعلم عاهدت الله أنك ان قدرت أن نثبت لنا أنك باب العلم فأني سأنرك لك منصبي و مقامي و نفسي سأكون مطيعا و منقادا لك.ثم قال نظام العلماء: يا سيد أحسنت، هذا الذي تدعيه هو أسم لاميرالمؤمنين عليه السلام و الذي سماه بذلك هو رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حيث قال: «انا مدينة العلم و علي بابها» و قال علي عليه السلام «سلوني قبل أن تفقدوني لان بين جنبي علما جما»فالان لدي بعض من المسائل المعضلة أريد حلها منك و جملة منها مرتبطة بعلم الطب (1) .فأجاب علي محمد الشيرازي: أني لم أتعلم الطب.فقال له: أسئلك عن العلوم الدينية، و لكن معرفأ جملتها مشروط بفهم معاني الايات و الاحاديث و ذلك الفهم متوقف علي معرفة علوم منها النحو و الصرف و المعاني و البيان و البديع (علم البلاغة) و المنطق و علوم أخري، فاذا اسئل عن هذه العلوم المقدمية و ابتدأ من علم الصرف.فأجاب: أني قرأت علم الصرف في صغري.فقال له: فسرلنا هذه الاية الشريفة «هو الذي يريكم البرق خوفا و طمعا»، و بين لنا أعرابها النحوي و قل لنا شأن سورة الكوثر؟ و لاي سبب سلي الله تعالي نبيه بهذه السورة؟فأجاب: أمهلني.فقال له: ما معني كلام الامام علي بن موسي الرضا عليه السلام في مجلس المأمون جوابا لسؤاله: ما الدليل لك علي خلافة جدك علي بن ابي طالب؟ فقال عليه السلام: آية

ص: 184


1- 227. كان ديدن كثير من علمائنا رضوان الله تعالي عليهم بجانب التضلع في الفقه الالمام بل التبحر في بقية العلوم.

أنفسنا، فقال المأمون لولا ابنائنا، فقال عليه السلام لولا نسائنا.فأجاب: هذا ليس بحديث.فقال له: أي ما كان هو أليس من اقوال العرب أيضا؟ فسره و بينه؟فأجاب: الرخصة و المهلة.فقال له: ما معني الحديث القائل «لعن ]الله[ ه العين ظلمت العين الواحدة»فأجاب: لاأعرف.فقال له: ماذا يعني «اذا دخل الرجل علي الخنثي و الخنثي علي الانثي وجب الغسل علي الخنثي دون الرجل و الانثي؟سكت الباب و لم يحر بشي ء. فقال له نظام العلماء: مؤلفاتك تظن أنك قد صغتها علي وجه فصيح و بليغ، فالان قل أي نسبة من النسب الاربع بين الفصاحة و البلاغة و لماذا الشكل الاول (من الاشكال الاربعة في القياس الاقتراني المنطقي) بديهي الانتاج؟سكت الباب أيضا و عجز عن الجواب.فقال له: يا سيد سؤال آخر و ليس عندي بعده سؤال، لو ظننا و سلمنا أن هذه العلوم الموجودة لدي البشر كلما قيل و قال (مجرد الفاظ) و لا تنفع البشر بقدر فلس، و ها نحن صرفنا النظر عن تلك العلوم، فالعادة التي جري عليها من قديم الزمان و أتبعها عقلاء العالم نتبعها نحن... و حيث قد اتضحت هذه المقدمة، فنسئلك الان حيث يعلم من كتبك و حالاتك أنك تدعي تارة الرسالة و أخري المهدوية و ثالثة الولاية، نحن حضرنا ههنا لنسئلك هل عندك معجزة أو كرامة تكون حجة لك علي الناس؟فأجاب: اطلب أي شي ء تريده.فقال له: يا سيد لا يخفي عليك أن ملك ايران مصاب بمرض النقرس، و هذا

ص: 185

المرض صعب العلاج عجز عنه الاطباء و الان تريد منك أن تشافيه من هذا المرض المستعصي.فأجاب: هذا الفعل غير ممكن.فقال له ناصرالدين شاه: يا سيد هذا الشيخ الذي يناظرك معطمي و هو شخص أدبني بالادب الجميل و لكنه الان قد ذهبت منه حيوية الشباب و لا يقدر علي ملازمتنا في السفر و الحضر فهل تقدر علي أعادته شابا؟فأجاب: هذا أيضا محال.فقال نظام العلماء: أيها الناس اعلموا أن هذا الرجل (يشير الي الباب الشيرازي) و عاءه خال و محتواه فارغ من كل شي ء من معقول أو منقول هو مغرور بالباطل و سفيه و جاهل، و ليس عندأية معجزة أو كرامة و غير لائق لادني احترام.فأجاب علي محمد الشيرازي و هو غضبان مما قال «يا نظام ما هذا الكلام التي تقوله! أنا الرجل الذي مكثتم ألف سنة تنظرونه!فقال له نظام العلماء: هل انت المهدي و الامام القائم؟فأجاب: نعم أنا هو.فقال له: المهدي النوعي انت أم المهدي الشخصي؟فأجاب: أنا عين المهدي الشخصي.فقال له: ما اسم أبيك؟ و أمك و أين مكان ولادتك؟فأجاب: اسمي علي محمد و اسم أبي ميرزا رضا البزاز، امي خديجة، محل ولادتي شيراز و خمسة و ثلاثون سنة مضت من عمري.فقال له: اسم مهدينا المنتظر مهدي، و اسم ابيه حسن و اسم امه نرجس و محل ولادته سر من رأي (سامراء) فكيف تنطبق عليك تلك المشخصات؟فأجاب: الان أريك كرامة كي يتضح أني صادق فيما أدعي.

ص: 186

فقال الحضار بأجمعهم: حباو كرامة، أظهر كرامتك.فأجاب: أني أكتب في اليوم ألف بيت (البيت في علم الخط آنذاك خمسين حرفا).فقال الحضار: علي فرض أن ماتقوله صحيح ولكن ذلك ليس بكرامة لان كثير من الخطاطين يشتر كون معك في ذلك.و قال نظام العلماء: أني عند زيارتي للعتبات العاليات (المشاهد المشرفة) صادفت كاتبا يكتب في اليوم ألفين بين و انتهي امره الي العمي. البتة أنت أيضا أترك هذا العمل و الافستعمي ثم جري بين بقية العلماء و بينه أخذ ورد علي هذا المنوال.و بعد ذلك استدعي ناصرالدين ميرزا من العلماء رأيهم في شأن الباب، فأفتي بعضهم بكفره و وجوب قتله، و بعض حكم بسفاهته و جنونه.ثم أمر ناصرالدين ميرزا أعوانه بربط الباب و ضربه علي اقدامه ضربا ميرحا حتي يتوب و يظهر الاستغفار من تلك الدعاوي و بعد ذلك كتب علي محمد الشيرازي ورقة التوبة قال فيها «... اني موقن بتوحيد الله جل ذكره و نبوة الرسول صلي الله عليه و آله و ولايته و لساني مقر بكل مانزل من عندالله و آمل رحمته و لم أرد بتاتا مايخالف رضاه و اذا جري من قلمي كلمات خلاف رضاه فلم أتعمد العصيان و علي أي حال فاني مستغفر نائب... استغفرالله ربي و اتوب اليه من أن ينسب الي أمر و بعض المناجات و الكلمات التي جرت علي لساني ليست دليلا علي أية أمر و أعتقد أن مدعي النيابة الخاصة لحضرة حجة الله عليه السلام مدع مبطل، و هذا العبد لم يكن له ادعاء ذلك و لا ادعاء آخر...» (1) .و أجاب رسالته علماء تبريز، و جاء فيها «... اقررت بمطالب متعددة كل منها

ص: 187


1- 228. الرسالة بخط يده كانت حتي سنة 1315 في مكتبة المجلس في طهران معلقة في قاب و بعد ذلك فقدت (عن كتاب جامع تاريخ بهائيت ص170).

توجب و تبعث علي ارتدادك و توجب قتلك، و توبة المرتد الفطري لاتقبل، و الذي أوجب تأخير قتلك هو شبهة خبط دماغك (اختلاله) و اذا أرتفعت تلك الشبهة فلا نأمل في اجراء أحكام المرتد الفطري عليك».ثم أنه بعد موت محمد شاه و مجي ء ناصرالدين شاه علي سدنة الملك و نصبه للميرزا محمد تقي الملقب بأميركبير بدل ميرزا آغاسي الصدر الاعظم (رئيس الوزراء) و ازدياد حدة البابية و تشكيلهم لعصلبات تهاجم القري و المدن و ارتكابهم لجرائم فضيعة يقشعر الانسان عند قرائتها مثل الاحداث و الوقائع في مازندران (طبرستان) و الوقائع في قلعة الشيخ الطبرسي و الوقائع في زنجان مما لم يدعوا منكرا و وحشية الا أتوها بعد التزامهم الاباحات و تحليل كل المحرمات.و جعلوا اهالي تلك المناطق تعيش حالة من الخوف و الرعب من الارهاب و السفك للدماء التي مارسوها تخيلا منهم لانشاء دويلة يوسعون نطاقها شيئا فشيئا أقدم اميركبير -والذي كان علي درجة من الحزم و فطانة التدبير بعكس سابقه آغاسي- علي اعدام علي محمد الشيرازي بعد أن أعاد الباب أصراره علي دعاويه السابقة.و كان الباب الشيرازي قد نصب ميرزا يحيي النوري خليفة له مع معاوية اخيه حسين علي النوري و لقب الاول عندهم بالازل و الثاني ببهاء و كانا قد اعتقلا من قبل الدولة فتوسطت السفارة الروسية و البريطانية و لاطلاق سراحهما و اخراجهما مع جماعة من البابية الي بغداد.و مكثوا هناك عشر سنين و اخذوا شيئا فشيئا يبتدعون الاحكام كبقية الفرق المنحرفة.ثم أن السلطات اضطرت الي ابعادهم الي جزيرة قبرص و هناك تنازع

ص: 188

الاخوان فانقسمت البابية الي الازلية و البهائية (1) .

الخاتمة

في خروج الدجال

فقد روي الصدوق عن النزال بن سبرة أنه قال: قام الاصبغ بن نباتة الي اميرالمومنين عليه السلام فقال: يا أمير المومنين من الدجال؟ فقال ألا ان الدجال صائد بن الصيد فالشقي من صدقه و السعيد من كذبه يخرج من بلدة يقال لها اصفهان من قرية تعرف باليهودية عينه ممسوحة و العين الاخري في جبهته تضي ء كانها كوكب الصبح فيها علقة كانها ممزوجة بالدم بين عينيه مكتوب كافر يقرؤه كل كانب و أمي.يخوض البحار و تسير معه الشمس بين يديه جبل من دخان و خلقه جبل أبيض يري الناس انه طعام يخرج حين يخرج في قحط شديد تحته حمار أقمر، خطوة حماره ميل، تطوي له الارض منهلا منهلا.لايمر بماء الاغار الي يوم القيامة ينادي بأعلي صوته يسمع ما بين الخالقين من الجن و الانس و الشياطين يقول: الي أوليائي «أنا الذي خلق فسوي و قدر فهدي، أنا ربكم الاعلي» و كذب عدوالله، انه أعور يطعم الطعام، و يمشي في الاسواق و ان ربكم عزوجل ليس بأعور و لا يطعم و لا يمش و لا يزول تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا.

ص: 189


1- 229. للاطلاع اكثر علي تاريخ البابية و البهائية نشير الي كتب منها كشف الحيل و تاريخ جامع بهائيت و ظهور الحق و فتنه باب باللغة الفارسية.

ألا و ان أكثر أتباعه يومئذ أولاد الزنا و اصحاب الطيالسة الخضر، يقتله الله عزوجل بالشام علي عقبة تعرف بعقبة أفيق لثلاث ساعات مضت من يوم الجمة علي يد من يصلي عيسي بن مريم عليه السلام خلفه» (1) .و روي عن النبي صلي الله عليه و آله انه قال عن الدجال ايها الناس ما بعث الله عزوجل نبيا الا و قد أنذر قومه الدجال و ان الله عزوجل قد أخره الي يومكم هذا فمهما تشابه عليكم من امره فان ربكم ليس بأعور، انه يخرج علي حمار عرض مابين تشابه اذنيه ميل يخرج و معه جنة و نار و جبل من خبز و نهر من ماء، أكثر اتباعه اليهود و النساء و الاعراب يدخل آفاق الارض كلها الامكة و لا بتيها و المدينة و لابتيها.و روي الاربلي في كشف الغمة عن رسول الله صلي الله عليه و آله (في حديث عن الدجال) يأتي و هو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينتهي التي بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج اليه يومئذ رجل و هو خيرالناس فيقول له اشهد انك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلي الله عليه و آله حديثه، فيقول الدجال: ارأيتم ان قنلت هذا ثم أحييته أنشكون في الامر؟ فيقولون: لا.قال: فيقتله ثم يحييه (و ذلك خداعا بالسحر كماورد في روايات أخري) فيقول حين يحييه: و الله ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الان قال: فيريد الدجال أن يقتله ثانيا (اي حقيقة) فلا يسلط عليه» (2) .و نقل في منتخب الاثر عن أربعين الخاتون آبادي عن الصادق عن آبائه عن أميرالمومنين عليهم السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله في حديث فيه خرج الدجال و قرية يخرج منها و بعض اوصافه و انه يدعي الالوهية و ان في اول يوم من خروجه يتبعه سبعون الفا من اليهود و اولاد الزنا و المدمنين بالخمر و المغنين و اصحاب اللهو

ص: 190


1- 230. اكمال الدين ص526 أي علي يد الحجة (عج) و هو الذي يصلي خلفه عيسي بن مريم (ع) كما جاء في روايات الفريقين.
2- 231. ص489.

و الاعراب و النساء قال عليه السلام في آخره فيبيح الزنا و اللواط و ساير المناهي حتي يباشر الرجال النساء و الغلمان في اطراف الشوارع عريانا و علانية و يفرط اصحابه في اكل لحم الخنزير و شرب الخمور و ارتكاب انواع الفسق و الفجور و يسخر آفاق الارض الامكة و المدينه و مراقد الائمة عليهم السلام فاذا بلغ في طغيانه و ملا الارض من جوره و جور اعوانه يقتله من يصلي خلفه عيسي بن مريم عليهماالسلام.و روي السيد ابن طاووس (قدس سره) عن الصادق عليه السلام في حديث «خروج الدجال من بعد ذلك يخرج الدجال من ميسان نواحي البصرة فيأتي سفوان و يأتي سنام فيسحرهما و يسحر الناس فيكونان كالثريد و ماهما بثريد من الجوع و القحط ان ذلك لشديد» (1) .

في علامات ظهور الحجة و عدة أصحابه

قد حدد الائمة عليهم السلام أمد الغيبة الكبري التي انقطع الشيعة فيها عن الحجة عليه السلام بانقطاع النيابة الخاصة بموت النائب الرابع علي بن محمد السمري في نهاية الغيبة الصغري و التحديد هو بوقوع علامات للظهور و انتهاء الغيبة، و هذه العلامات كثيرة (منها) مايقارن عام ظهوره عليه السلام و السنة التي يخرج فيها بدءأ من مكة من بيت الله الحرام يوم العاشر من محرم يوم قتل فيه جده الحسين سيدالشهداء سبط رسول الله صلي الله عليه و آله و يخطب تلك الخطبة التي طالما تعطشت اليها البشريه جمعا و الشيعة خصوصا و يبدأ بعقد البيعة له و أول من يبايعه جبرئيل عليه السلام و ثم عدة اصحابه التي هي عدة أهل بدر ثلاثمائه و ثلاثة عشر.و (منها) مالا يقارن عام الظهور و انما تشير الي الاقتراب ليس الا.و المهم هو القسم الاول و هي العلامات التي اطلق عليها في الروايات الماثورة

ص: 191


1- 232. الملاحم و الفتن ص134.

بالعلامات الحتمية التي لابداء فيها.فقد روي الصدوق (قده) عن الصادق عليه السلام انه قال «خمس قبل قيام القائم (عج) اليماني و السفياني و المنادي ينادي من السماء و خسف بالبيداء و قتل النفس الزكية» (1) .و هذه العلامات الخمس الاولي و هي خروج سيد حسيني من نسل الامام الحسين عليه السلام من ناحية اليمن و لذا اطلق عليه اليماني.الثانية و هي خروج شخص بدعي عثمان بن عنبسة من بني أمية من سلالة أبي سفيان و لذا اطلق عليه السفياني من ناحية الشام.الثالثة المنادي و هو جبرئيل عليه السلام يصيح بصيحة من السماء و نداء يسمعه كل العالم كل قوم بلسانهم أن الحجة قد ظهر و أن الحق مع علي و آله.الرابعة الخسف الذي بقع بأرض البيداء قرب المدينة المنورة و الذي يقع بجيش السفياني الذي يرسله من الشام لمقاتلة الحجة.الخامسة قتل النفس الزكية و هو الشاب السيد الحسني الذي يبعثه الحجة بعد عقد البيعة سرا مع العدة المخصوصة من أصحابه ليدعوا أهل مكة ولكنهم يقوموا بقتله و روي عن الصادق عليه السلام أن قال: ليس بين قيام قائم آل محمد و بين قتل النفس الزكية الاخمسة عشر ليلة (2) .و روي عن ميمون البان قال: كنت عند أبي جعفر (الباقر) عليه السلام في فسطاطه فرفع جانب الفسطاط فقال: ان أمرنا قد كان أبين من هذه الشمس ثم قال: ينادي مناد من السماء فلان بن فلان هو الامام باسمه، و يناد ابليس لعنه الله من الارض كما نادي برسول الله صلي الله عليه و آله ليلة العقبة.

ص: 192


1- 233. اكمال الدين ص649.
2- 234. اكمال الدين ص649.

و روي عن الصادق عليه السلام انه قال: ان أمر السفياني من الامر المحتوم و خروجه في رجب.و قال عليه السلام: الصيحة التي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة لثلاث و عشرين مضين من شهر رمضان و قال عليه السلام: ينادي مناد باسم القائم عليه السلام، قلت: خاص أو عام؟ قال: عام يسمع كل قوم بلسانهم فسئله زرارة: فمن يخالف القائم عليه السلام و قد نودي باسمه؟ قال: لايدعهم ابليس حتي ينادي و يشكك الناس.و قال عليه السلام: صوت جبرئيل من السماء و صوت ابليس من الارض فاتبعوا الصوت الاول و اياكم و الاخير أن تفتنوا به و قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا ان الحق في علي و شيعته ثم ينادي ابليس لعنه الله في آخر النهار. ألا ان الحق في السفياني و شيعته فيرتاب عند ذلك المبطلون (1) .و روي الصدوق عن الصادق عليه السلام أنه سئله رجل من أهل الكوفة: كم يخرج مع القائم عليه السلام فانهم يقولون: انه يخرج معه مثل عدة أهل بدر ثلاثمائه و ثلاثة عشر رجلا، قال: و ما يخرج الا في أولي قوة و ما تكون أولوا القوة أفل من عشرة آلاف.و روي عن الباقر عليه السلام انه قال: اثنان بين يدي هذا الامر: خسوف القمر لخمس و كسوف الشمس لخمس عشرة و لم يكن ذلك منذ هبط آدم عليه السلام الي الارض و عند ذلك يسقط حساب المنجين».و روي النعماني في كتاب الغيبة عن الصادق عليه السلام انه قال: النداء من المحتوم و السفياني من المحتوم و قتل النفس الزكية من المحتوم و كف يطلع من السماء السماء من المحتوم قال: و فزعة في شهر رمضان توقظ النائم و تفزع اليقظان

ص: 193


1- 235. اكمال الدين الباب 57.

و تخرج الفتاة من خدرها» (1) و في هذه الرواية علامة سادسة من العلامات الحتمية مضافا الي الخمس التي تقدمت، و هي طلوع كف من السماء.و روي عن الباقر عليه السلام انه قال «لابدلبني فلان من أن يملكوا فاذا ملكوا ثم اختلفوا تفرق ملكهم و تشتت أمرهم حتي يخرج عليهم الخراساني و السفياني هذا من المشرق و هذا من المغرب يستبقان الي الكوفة كفرسي رهان (اي السباق) هذا من هنا و هذا من هنا حتي يكون هلاك بني فلان علي ايديهما أما انهم لايبقون منهم أحدا. ثم قال عليه السلام: خروج السفياني و اليماني و الخراساني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، نظام كنظام الخرز (اي كخرز السبعة و ماشابهه) يتبع بعضه بعضا فيكون اليأس من كل وجه ويل لمن ناواهم و ليس في الرايات راية اهدي من راية اليماني هي راية هدي لانه يدعوا الي صاحبكم».و روي عن الباقر عليه السلام انه قال: السفياني و القائم في سنة واحدة».

في مدح العلم و ذم الجهل

فقد روي الكليني (قده) عن الصادق عليه السلام: أول الامور و مبدأها و قوتها و عمارتها التي لاينتفع شي ء الا له العقل الذي جعله الله زينة لخلقه و نورا لهم فبالعقل عرف العباد خالقهم و انهم مخلوقون و انه المدبر لهم و انهم المدبرون و انه الباقي و هم الفانون و استدلوا بعقولهم علي مارأوا من خلقه من سمائه و أرضه و شمسه و قمره و ليله و نهاره و بأن له و لهم خالقا و مدبرا لم يزل و لا يزول و عرفوا به الحسن من القبيح و أن الظلمة في الجهل و أن النور في العلم فهذا مادلهم عليه العقل قيل له فهل يكنفي العباد بالعقل دون غيره؟ قال: ان العاقل لدلالة عقله الذي جعله الله

ص: 194


1- 236. الغيبة للنعماني الباب 14، ح 11.

قوامه و زينته و هدايته علم أن الله هو الحق و انه هو ربه و علم ان لخالقه محبة و ان له كراهية و أن له طاعة و ان له معصية فلم يجد عقله يدله علي ذلك و علم أنه لايوصل اليه الا بالعلم و طلبه و انه لاينتفع بعقله ان لم يصب ذلك بعلمه فوجب علي العاقل طلب العلم و الادب الذي لاقوام له الابه» (1) .و روي عن الصادق عليه السلام انه قال: لوددت أن اصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتي يتفقهوا.و روي عن الكاظم عليه السلام انه قال: لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه و لو بسفك المهج و خوض اللجج ان الله تبارك و تعالي أوحي الي دانيال أن أمقت عبيدي الي الجاهل المستخف بحق أهل العلم التارك للاقتداء بهم و أن أحب عبيدي الي التقي الطالب للثواب الجزيل اللازم للعلماء التابع للحلماء القابل عن الحكماء.و روي عن الصادق عليه السلام انه قال: انما يهلك الناس لانهم لايسألون. و قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: اف لرجل لايفرغ نفسه في كل جمعة لامردينه فيتعا هده و يسأل عن دينه و قال عليه السلام: العامل علي غير بصيرة كالسائر علي غير الطريق لابزيده سرعة السير الا بعدا.و قال قال رسول الله صلي الله عليه و آله: من عمل علي غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح.و قال عليه السلام: الناس ثلاثة: عالم و متعلم و غثاء.و هذا و الحمدلله رب العالمين علي كل حال و الصلاة و السلام علي محمد و آله الطاهرين تم الفراغ منه يوم السابع عشر من رجب الاصب 1411 ه. ق في جوار السيدة الطاهرة فاطمة المعصومة بقم المقدسة. بيد العبد الاثم محمد بن الحاج حميد سند البحراني عفا الله عنهما.

ص: 195


1- 237. الكافي ج1 ص29 و رواه الصدوق في التوحيد عن الكيني (قده).

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.