بحث حول المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف)

اشارة

سرشناسه : صدر، محمدباقر، م‌۱۹۷۹ - ۱۹۳۱
Sadr, Muhammad Baqir
عنوان و نام پديدآور : بحث حول المهدي/ تاليف محمدباقر الصدر؛ اعداد و تحقيق لجنته التحقيق التابعه؛ للموتمر العالمي للامام الشهيد الصدر
مشخصات نشر : قم: مركز الابحاث و الدرسات التخصصيه للشهيد الصدر، ۱۴۲۴ق = ۱۳۸۲.
مشخصات ظاهري : ص ۸۷
شابك : 964-5860-46-6
وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
يادداشت : چاپ قبلي: الغدير، ۱۳۷۶
يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.
يادداشت : عربي.
يادداشت : كتابنامه: ص. [۸۳] - ۸۴؛ همچنين به‌صورت زيرنويس
موضوع : مهدويت
موضوع : محمدبن حسن(عج)، امام دوازدهم، ق‌۲۵۵
شناسه افزوده : پژوهشگاه علمي تخصصي شهيد صدر
شناسه افزوده : كنگره بين‌المللي آيت‌الله العظمي شهيد صدر(قدس سره). گروه تحقيق
رده بندي كنگره : BP۲۲۴/ص‌۴ب‌۳ ۱۳۸۲
رده بندي ديويي : ۲۹۷/۴۶۲
شماره كتابشناسي ملي : م‌۸۲-۳۵۳۴۰

المقدمة

ليس المهدي تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتّجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطريّ، [1] أدرك الناس من خلاله - علي الرغم من تنوّع عقائدهم ووسائلهم إلي الغيب - أن للإنسانية يوماً موعوداً علي الأرض، تحقّق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير، وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان علي مرّ التاريخ استقرارها وطمأنينتها، بعد عناء طويل. بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر علي المؤمنين دينيّاً بالغيب، بل امتدّ إلي غيرهم أيضاً وانعكس حتي علي أشدّ الإيديولوجيّات والاتّجاهات العقائدية رفضاً للغيب والغيبيات، كالمادية الجدلية التي فسّرت التاريخ علي أساس التناقضات، وآمنت بيوم موعود، [2] تُصفّي فيه كل تلك التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام. وهكذا نجد أنّ التجربة النفسية لهذا الشعور التي مارستها الإنسانية علي مر الزمن، من أوسع التجارب النفسية وأكثرها عموماً بين أفراد الإنسان.وحينما يدعم الدين هذا الشعور النفسي العام، ويؤكّد أنّ الأرض في نهاية المطاف ستمتليء قسطاً وعدلاً، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً، [3] يعطي لذلك الشعور قيمتهالموضوعية، ويحوله إلي إيمان حاسم بمستقبل المسيرة الإنسانية، وهذا الإيمان ليس مجرد مصدر للسلوة والعزاء فحسب، بل مصدر عطاء وقوة. فهو مصدر عطاء; لأنّ الإيمان بالمهديّ إيمان برفض الظلم والجور حتي وهو يسود الدنيا كلّها، وهو مصدر قوة ودفع لا ينضب; [4] لأنه بصيص نور يقاوم اليأس في نفس الإنسان، ويحافظ علي الأمل المشتعل في صدره مهما ادلهمّت الخطوب وتعملق الظلم; لأنّ اليوم الموعود يثبت أنّ بإمكان العدل أن يواجه عالماً مليئاً بالظلم والجور، فيزعزع ما فيه من أركان الظلم، ويقيم بناءه من جديد، [5] وأنّ الظلم مهما تجبّر وامتدّ في أرجاء العالم وسيطر علي مقدّراته، فهو حالة غير طبيعية، ولا بدّ أن ينهزم. [6] وتلك الهزيمة الكبري المحتومة للظلم وهو في قمّة مجده، تضع الأمل كبيراً أمام كلّ فرد مظلوم، وكلّ أمّة مظلومة، في القدرة علي تغيير الميزان وإعادة البناء.وإذا كانت فكرة المهديّ أقدم من الإسلام وأوسع منه، فإنّ معالمها التفصيلية التي حدّدها الإسلام جاءت أكثر إشباعاً لكلّ الطموحات التي انشدّت إلي هذه الفكرة منذ فجر التاريخ الديني، وأغني عطاءً، وأقوي إثارةً لأحاسيس المظلومين والمعذّبين علي مرّ التاريخ. وذلك لأنّ الإسلام حوّل الفكرة من غيب إلي واقع، ومن مستقبل إلي حاضر، ومن التطلّع إلي منقذ تتمخّض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول إلي الإيمان بوجود المنقذ فعلاً، وتطلّعه مع المتطلّعين إلي اليوم الموعود، واكتمال كلّ الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم. فلم يعد المهديّ فكرةً ننتظر ولادتها، ونبوءةً نتطلّع إلي مصداقها، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليته، وإنساناً معيّناً يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويرانا، ويعيش مع آمالنا وآلامنا، ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا، ويشهد كلّ ما تزخر به الساحة علي وجه الأرض من عذاب المعذّبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويكتوي بكلّ ذلك من قريب أو بعيد، وينتظر بلهفة اللحظة التي يتاح له فيها أن يمدّ يده إلي كلّ مظلوم، وكلّ محروم [7] ، وكلّ بائس، ويقطع دابر الظالمين.وقد قدّر لهذا القائد المنتظر أن لا يعلن عن نفسه، ولا يكشف للآخرين حياته علي الرغم من أنه يعيش معهم انتظاراً للّحظة الموعودة.ومن الواضح أنّ الفكرة بهذه المعالم الإسلامية، تقرّب الهوّة الغيبية بين المظلومين، كلّ المظلومين والمنقذ المنتظر، وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعورهم النفسي قصيراً مهما طال الانتظار.ونحن حينما يراد منّا أن نؤمن بفكرة المهديّ، بوصفها تعبيراً عن إنسان حيّ محدّد، يعيش فعلاً كما نعيش، ويترقّب كما نترقّب، يراد الإيحاء إلينا بأنّ فكرة الرفض المطلق لكلّ ظلم وجور التي يمثّلها المهديّ، تجسّدت فعلاً في القائد الرافض المنتظر، الذي سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم، كما في الحديث، [8] وأنّ الإيمان به إيمان بهذا الرفض الحيّ القائم فعلاً، ومواكبة له.وقد ورد في الأحاديث الحثّ المتواصل علي انتظار الفرج، ومطالبة المؤمنين بالمهديّ أن يكونوا بانتظاره. وفي ذلك تحقيق لتلك الرابطة الروحية، والصلة الوجدانية بينهم وبين القائد الرافض، وكلّ ما يرمز إليه من قيم، وهي رابطة وصلة ليس بالإمكان إيجادها ما لم يكن المهديّ قد تجسّد فعلاً في إنسان حيّ معاصر. [9] .وهكذا نلاحظ أنّ هذا التجسيد أعطي الفكرة زخماً جديداً، وجعل منها مصدر عطاء وقوة بدرجة أكبر، إضافة إلي ما يجده أي إنسان رافض من سلوة وعزاء وتخفيف لما يقاسيه من آلام الظلم والحرمان، حين يحسّ أنّ إمامه وقائده يشاركه هذه الآلام، ويتحسّس بها فعلاً بحكم كونه إنساناً معاصراً، يعيش معه وليس مجرد فكرة مستقبلية. ولكنّ التجسيد المذكور أدّي في نفس الوقت إلي مواقف سلبية تجاه فكرة المهدي نفسها [10] لدي عدد من الناس، الذين صعب عليهم أن يتصوّروا ذلك ويفترضوه.فهم يتساءلون!إذا كان المهديّ يعبّر عن إنسان حيّ، عاصر كلّ هذه الأجيال المتعاقبة منذ أكثر من عشرة قرون، وسيظلّ يعاصر امتداداتها إلي أن يظهر علي الساحة، فكيف تأتّي لهذا الإنسان أن يعيش هذا العمر الطويل، وينجو من قوانين الطبيعة التي تفرض علي كلّ إنسان أن يمرّ بمرحلة الشيخوخة والهرم، في وقت سابق علي ذلك جدّاً، وتؤدّي به تلك المرحلة طبيعيّاً إلي الموت؟ أوَليس ذلك مستحيلاً من الناحية الواقعية؟ [11] .ويتساءلون أيضاً!لماذا كلّ هذا الحرص من الله - سبحانه وتعالي - علي هذا الإنسان بالذات؟ فتُعطّل من أجله القوانين الطبيعيّة، [12] ويفعل ويُفعل لإطالة عمره والاحتفاظ به لليوم الموعود؟ فهل عقمت البشريّة عن إنتاج القادة ا لأكفّاء؟ ولماذا لا يترك اليوم الموعود لقائد يولد [13] مع فجر ذلك اليوم، وينمو كما ينمو الناس، ويمارس دوره بالتدريج، حتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد أن ملئت ظلماً وجوراً؟ويستاءلون أيضاً!إذا كان المهديّ اسماً لشخص محدّد هو ابن الإمام الحادي عشر [14] من أئمّة أهل البيت (ع)، الذي ولد سنة (256 هـ) [15] وتوفّي أبوه سنة (260 هـ)، فهذا يعني أنه كان طفلاً صغيراً عند موت أبيه، لا يتجاوز خمس سنوات، وهي سن لا تكفي للمرور بمرحلة إعداد فكري وديني كامل علي يد أبيه، فكيف وبأي طريقة يكتمل إعداد هذا الشخص [16] لممارسة دوره الكبير، دينياً وفكرياً وعلمياً؟ويتساءلون أيضاً!إذا كان القائد جاهزاً، فلماذا كلّ هذا الانتظار الطويل مئات السنين؟أوليس في ما شهده العالم من المحن والكوارث الاجتماعية ما يبرّر بروزه [17] علي الساحة وإقامة العدل علي الأرض؟ويتساءلون أيضاً!كيف نستطيع أن نؤمن بوجود المهديّ، حتي لو افترضنا أنّ هذا ممكن؟ وهل يسوغ لإنسان أن يعتقد بصحة فرضية من هذا القبيل دون أن يقوم عليها دليل علمي أو شرعي قاطع؟ [18] وهل تكفي بضع روايات تنقل عن النبيّ (ص) لا نعلم مدي صحّتها [19] للتسليم بالفرضية المذكورة؟ويتساءلون أيضاً بالنسبة إلي ما أعدّ له هذا الفرد من دور في اليوم الموعود!كيف يمكن أن يكون للفرد هذا الدور العظيم الحاسم في حياة العالم؟! مع أنّ الفرد مهما كان عظيماً لا يمكنه أن يصنع بنفسه التاريخ، ويدخل به مرحلة جديدة، وإنما تختمر بذور الحركة التاريخية وجذوتها في الظروف الموضوعية وتناقضاتها، وعظمة الفرد [20] هي التي ترشّحه لكي يشكّل الواجهة لتلك الظروف الموضوعية، والتعبير العملي عما تتطلبه من حلول؟ويتساءلون أيضاً!ما هي الطريقة التي يمكن أن نتصور من خلالها ما سيتمّ علي يد ذلك الفرد من تحوّل هائل وانتصار حاسم للعدل ورسالة العدل علي كلّ كيانات الظلم والجور والطغيان، علي الرغم مما تملك من سلطان ونفوذ، وما يتواجد لديها من وسائل الدمار والتدمير، وما وصلت إليه من المستوي الهائل في الامكانات العلمية والقدرة السياسية والاجتماعية والعسكرية؟ [21] .هذه أسئلة قد تتردّد في هذا المجال وتقال بشكل وآخر، وليست البواعث الحقيقية لهذه الأسئلة فكرية فحسب، بل هناك مصدر نفسي لها أيضاً، وهو الشعور بهيبة الواقع المسيطر عالمياً، وضآلة أي فرصة لتغييره من الجذور، وبقدر ما يبعثه الواقع الذي يسود العالم علي مرّ الزمن من هذا الشعور، تتعمّق الشكوك وتترادف التساؤلات. وهكذا تؤدّي الهزيمة والضآلة والشعور بالضعف لدي الإنسان إلي أن يحسّ نفسيّاً بإرهاق شديد، لمجرد تصور عملية التغيير الكبري للعالم التي تفرغه من كلّ تناقضاته ومظالمه التاريخية، وتعطيه محتويً جديداً قائماً علي أساس الحق والعدل، وهذا الإرهاق يدعوه إلي التشكّك في هذه الصورة ومحاولة رفضها لسبب وآخر.ونحن الآن نأخذ التساؤلات السابقة تباعاً; لنقف عند كلّ واحد منها وقفة قصيرة بالقدر الذي تتسع له هذه الوريقات.

كيف تأتي للمهدي هذا العمر الطويل؟

هل بالإمكان أن يعيش الإنسان قروناً كثيرة كما هو المفترض في هذا القائد المنتظر لتغيير العالم، الذي يبلغ عمره الشريف فعلاً أكثر من ألف ومئة وأربعين سنة، أي حوالي (14) مرة بقدر عمر الإنسان الاعتيادي الذي يمرّ بكل المراحل الاعتيادية من الطفولة إلي الشيخوخة؟كلمة الإمكان هنا تعني أحد ثلاثة معان: الإمكان العملي، والإمكان العلمي، والإمكان المنطقي أو الفلسفي.وأقصد بالإمكان العملي: أن يكون الشيء ممكناً علي نحو يتاح لي أو لك، أو لإنسان آخر فعلاً أن يحقّقه، فالسفر عبر المحيط، والوصول إلي قاع البحر، والصعود إلي القمر، أشياء أصبح لها إمكان عملي فعلاً. فهناك من يمارس هذه الأشياء فعلاً بشكل وآخر. [22] .وأقصد بالإمكان العلمي: أنّ هناك أشياء قد لا يكون بالإمكان عملياً لي أو لك، أن نمارسها فعلاً بوسائل المدينة المعاصرة، ولكن لا يوجد لدي العلم ولا تشير اتّجاهاته المتحركة إلي ما يبرّر رفض إمكان هذه الأشياء ووقوعها وفقاً لظروف ووسائل خاصة، فصعود الإنسان إلي كوكب الزهرة لا يوجد في العلم ما يرفض وقوعه، بل إنّ اتّجاهاته القائمة فعلاً تشير إلي إمكان ذلك، وإن لم يكن الصعود فعلاً ميسوراً لي أو لك; لأنّ الفارق بين الصعود إلي الزهرة والصعود إلي القمر ليس إلاّ فارق درجة، ولا يمثل الصعود إلي الزهرة إلاّ مرحلة تذليل الصعاب الإضافية التي تنشأ من كون المسافة أبعد، فالصعود إلي الزهرة ممكن علمياً وإن لم يكن ممكناً عملياً فعلاً. [23] وعلي العكس من ذلك الصعود إلي قرص الشمس في كبد السماء فإنّه غير ممكن علمياً، بمعني أنّ العلم لا أمل له في وقوع ذلك، إذ لا يتصوّر علمياً وتجريبياً إمكانية صنع ذلك الدرع الواقي من الاحتراق بحرارة الشمس، التي تمثّل أتّوناً هائلاً مستعراً بأعلي درجة تخطر علي بال إنسان.وأقصد بالإمكان المنطقي أو الفلسفي: أن لا يوجد لدي العقل وفق ما يدركه من قوانين قبليّة - أي سابقة علي التجربة - ما يبرّر رفض الشيء والحكم باستحالته.فوجود ثلاث برتقالات تنقسم بالتساوي وبدون كسر إلي نصفين ليس له إمكان منطقي; لأنّ العقل يدرك - قبل أن يمارس أي تجربة - أنّ الثلاثة عدد فردي وليس زوجاً، فلا يمكن أن تنقسم بالتساوي; لأنّ انقسامها بالتساوي يعني كونها زوجاً، فتكون فرداً وزوجاً في وقت واحد، وهذا تناقض، والتناقض مستحيل منطقياً. ولكن دخول الإنسان في النار دون أن يحترق، وصعوده للشمس دون أن تحرقه الشمس بحرارتها ليس مستحيلاً من الناحية المنطقية، إذ لا تناقض في افتراض أنّ الحرارة لا تتسرّب من الجسم الأكثر حرارة إلي الجسم الأقل حرارة، وإنّما هو مخالف للتجربة التي أثبتت تسرب الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلي الجسم الأقل حرارة إلي أن يتساوي الجسمان في الحرارة.وهكذا نعرف أنّ الإمكان المنطقي أوسع دائرة من الإمكان العلمي، وهذا أوسع دائرة من الإمكان العملي.ولا شكّ في أنّ امتداد عمر الإنسان آلاف السنين ممكن منطقياً; لأنّ ذلك ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية تجريدية، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أي تناقض; لأنّ الحياة كمفهوم لا تستبطن الموت السريع، ولا نقاش في ذلك.كما لا شكّ أيضاً ولا نقاش في أنّ هذا العمر الطويل ليس ممكناً إمكاناً عملياً، علي نحو الإمكانات العملية للنزول إلي قاع البحر أو الصعود إلي القمر، ذلك لأنّ العلم بوسائله وأدواته الحاضرة فعلاً، والمتاحة من خلال التجربة البشرية المعاصرة، لا يستطيع أن يُمدّد عمر الإنسان مئات السنين، ولهذا نجد أنّ أكثر الناس حرصاً علي الحياة وقدرة علي تسخير إمكانات العلم، لا يتاح لهم من العمر إلاّ بقدر ما هو مألوف.وأما الإمكان العلمي فلا يوجد علمياً اليوم ما يبرّر رفض ذلك من الناحية النظرية. [24] وهذا بحث يتصل في الحقيقة بنوعية التفسير الفسلجي لظاهرة الشيخوخة والهرم لدي الإنسان، فهل تعبّر هذه الظاهرة عن قانون طبيعي يفرض علي أنسجة جسم الإنسان وخلاياه - بعد أن تبلغ قمّة نموّها - أن تتصلّب بالتدريج وتصبح أقل كفاءة للاستمرار في العمل، إلي أن تتعطّل في لحظة معيّنة، حتي لو عزلناها عن تأثير أي عامل خارجي؟ أو أنّ هذا التصلب وهذا التناقض في كفاءة الأنسجة والخلايا الجسمية للقيام بأدوارها الفسيولوجية، نتيجة صراع مع عوامل خارجية كالميكروبات أو التسمّم الذي يتسرّب إلي الجسم من خلال ما يتناوله من غذاء مكثّف؟ أو ما يقوم به من عمل مكثّف أو أي عامل آخر؟وهذا سؤال يطرحه العلم اليوم علي نفسه، وهو جادّ في الإجابة عنه، ولا يزال للسؤال أكثر من جواب علي الصعيد العلمي.فإذا أخذنا بوجهة النظر العلمية التي تتّجه إلي تفسير الشيخوخة والضعف الهرمي، بوصفه نتيجة صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية معيّنة، فهذا يعني أنّ بالإمكان نظريّاً، إذا عزلت الأنسجة التي يتكوّن منها جسم الإنسان عن تلك المؤثّرات المعيّنة، أن تمتدّ بها الحياة وتتجاوز ظاهرة الشيخوخة وتتغلّب عليها نهائياً.وإذا أخذنا بوجهة النظر الأخري، التي تميل إلي افتراض الشيخوخة قانوناً طبيعيّاً للخلايا والأنسجة الحيّة نفسها، بمعني أنها تحمل في أحشائها بذرة فنائها المحتوم، مروراً بمرحلة الهرم والشيخوخة وانتهاءً بالموت.أقول:إذا أخذنا بوجهة النظر هذه، فليس معني هذا عدم افتراض أي مرونة في هذا القانون الطبيعي، بل هو - علي افتراض وجوده - قانون مرن; لأننا نجد في حياتنا الاعتيادية; ولأنّ العلماء يشاهدون في مختبراتهم العلمية، أنّ الشيخوخة كظاهرة فسيولوجية لا زمنيّة، قد تأتي مبكّرة، وقد تتأخر ولا تظهر إلاّ في فترة متأخرة، حتي أنّ الرجل قد يكون طاعناً في السن ولكنه يملك أعضاء ليّنة، ولا تبدو عليه أعراض الشيخوخة كما نصّ علي ذلك الأطباء. [25] بل إنّ العلماء استطاعوا عمليّاً أن يستفيدوا من مرونة ذلك القانون الطبيعي المفترض، فأطالوا عمر بعض الحيوانات مئات المرّات بالنسبة إلي أعمارها الطبيعية; وذلك بخلق ظروف وعوامل تؤجل فاعلية قانون الشيخوخة.وبهذا يثبت علمياً أنّ تأجيل هذا القانون بخلق ظروف وعوامل معيّنة أمر ممكن علمياً، ولئن لم يتح للعلم أن يمارس فعلاً هذا التأجيل بالنسبة إلي كائن معقّد معيّن كالإنسان، فليس ذلك إلاّ لفارق درجة بين صعوبة هذه الممارسة بالنسبة إلي الإنسان وصعوبتها بالنسبة إلي أحياء أخري. وهذا يعني أنّ العلم من الناحية النظرية وبقدر ما تشير إليه اتجّاهاته المتحرّكة لا يوجد فيه أبداً ما يرفض إمكانية إطالة عمر الإنسان، سواء فسّرنا الشيخوخة بوصفها نتاج صراع واحتكاك مع مؤثّرات خارجية، أو نتاج قانون طبيعي للخليّة الحيّة نفسها يسير بها نحو الفناء.ويتلخّص من ذلك: أنّ طول عمر الإنسان وبقاءه قروناً متعدّدة أمر ممكن منطقياً وممكن علمياً، ولكنه لا يزال غير ممكن عملياً، إلاّ أنّ اتّجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمكان عبر طريق طويل.وعلي هذا الضوء نتناول عمر المهديّ عليه الصلاة والسلام وما أحيط به من استفهام أو استغراب، ونلاحظ:إنه بعد أن ثبت إمكان هذا العمر الطويل منطقياً وعلمياً، وثبت أنّ العلم سائر في طريق تحويل الإمكان النظري إلي إمكان عملي تدريجاً، لا يبقي للاستغراب محتويً إلاّ استبعاد أن يسبق المهديّ العلم نفسه، فيتحوّل الإمكان النظري إلي إمكان عملي في شخصه، قبل أن يصل العلم في تطوّره إلي مستوي القدرة الفعلية علي هذا التحويل، فهو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء ذات السحايا أو دواء السرطان.وإذا كانت المسألة هي أنه كيف سبق الإسلام - الذي صمّم عمر هذا القائد المنتظر - حركة العلم في مجال هذا التحويل؟فالجواب: إنه ليس ذلك هو المجال الوحيد الذي سبق فيه الإسلام حركة العلم.أوَليست الشريعة الإسلامية ككلّ قد سبقت حركة العلم والتطوّر الطبيعي للفكر الإنساني قروناً عديدة؟ [26] .أولم تنادِ بشعارات طرحت خططاً للتطبيق لم ينضج الإنسان للتوصل إليها في حركته المستقلة إلاّ بعد مئات السنين؟أولم تأتِ بتشريعات في غاية الحكمة، لم يستطع الإنسان أن يدرك أسرارها ووجه الحكمة فيها إلاّ قبل برهة وجيزة من الزمن؟أولم تكشف رسالة السماء أسراراً من الكون لم تكن تخطر علي بال إنسان، ثمّ جاء العلم ليثبّتها ويدعمها؟فإذا كنا نؤمن بهذا كله، فلماذا نستكثر علي مرسل هذه الرسالة - سبحانه وتعالي - أن يسبق العلم في تصميم عمر المهديّ؟ [27] وأنا هنا لم أتكلم إلاّ عن مظاهر السبق التي نستطيع أن نحسّها نحن بصورة مباشرة، ويمكن أن نضيف إلي ذلك مظاهر السبق التي تحدّثنا بها رسالة السماءنفسها.ومثال ذلك أنها تخبرنا بأنّ النبيّ (ص) قد أسري به ليلاً من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي، وهذا الإسراء [28] إذا أردنا أن نفهمه في إطار القوانين الطبيعيّة، فهو يعبّر عن الاستفادة من القوانين الطبيعية بشكل لم يُتح العلم أن يحقّقه [29] إلاّ بعد مئات السنين، فنفس الخبرة الربانية أتاحت للرسول (ص) التحرك السريع قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك، أتاحت لآخر خلفائه المنصوصين العمر المديد، قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك.نعم، هذا العمر المديد الذي منحه الله تعالي للمنقذ المنتظر يبدو غريباً في حدود المألوف حتي اليوم في حياة الناس، وفي ما أنجز فعلاً من تجارب العلماء.ولكن!أوَليس الدور التغييري الحاسم الذي أعدّ له هذا المنقذ غريباً في حدود المألوف في حياة الناس، وما مرّت بهم من تطورات التاريخ؟أوَليس قد أنيط به تغيير العالم، وإعادة بنائه الحضاري من جديد علي أساس الحق والعدل؟فلماذا نستغرب إذا اتّسم التحضير لهذا الدور الكبير ببعض الظواهر الغريبة والخارجة عن المألوف، كطول عمر المنقذ المنتظر؟ فإنّ غرابة هذه الظواهر وخروجها عن المألوف مهما كان شديداً، لا يفوق بحال غرابة نفس الدور العظيم الذي يجب علي اليوم الموعود إنجازه. فإذا كنا نستسيغ ذلك الدور الفريد [30] تاريخياً علي الرغم من أنه لا يوجد دور مناظر له في تاريخ الإنسان، فلماذا لا نستسيغ ذلك العمر المديد الذي لا نجد عمراً مناظراً له في حياتنا المألوفة؟ولا أدري!هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط بتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد، فيكون لكلّ منها عمر مديد يزيد علي أعمارنا الاعتيادية أضعافاً مضاعفة؟أحدهما مارس دور في ماضي البشرية وهو النبيّ نوح، الذي نصّ القرآن الكريم [31] علي أنه مكث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، وقدّر له من خلال الطوفان أن يبني العالم من جديد.والآخر يمارس دوره في مستقبل البشرية وهو المهديّ الذي مكث في قومه حتي الآن أكثر من ألف عام، وسيقدّر له في اليوم الموعود أن يبني العالم من جديد.فلماذا نقبل نوح الذي ناهز ألف عام علي أقل تقدير ولا نقبل المهديّ؟ [32] .

المعجزة والعمر الطويل

وقد عرفنا حتي الآن أنّ العمر الطويل ممكن علمياً، ولكن لنفترض أنه غير ممكن علمياً، وأنّ قانون الشيخوخة والهرم قانون صارم لا يمكن للبشرية اليوم، ولا علي خطّها الطويل أن تتغلب عليه، وتغيّر من ظروفه وشروطه، فماذا يعني ذلك؟ إنه يعني أنّ إطالة عمر الإنسان - كنوح أو كالمهديّ - قروناً متعدّدة، هي علي خلاف القوانين الطبيعية التي أثبتها العلم بوسائل التجربة والاستقراء الحديثة، وبذلك تصبح هذه الحالة معجزة عطّلت قانوناً طبيعياً في حالة معيّنة للحفاظ علي حياة الشخص الذي أنيط به الحفاظ علي رسالة السماء، وليست هذه المعجزة فريدة من نوعها، أو غريبة علي عقيدة المسلم المستمدّة من نصّ القرآن والسنّة، [33] فليس قانون الشيخوخة والهرم أشدّ صرامة من قانون انتقال الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلي الجسم الأقل حرارة حتي يتساويا، وقد عطّل هذا القانون لحماية حياة إبراهيم (ع)، حين كان الأسلوب الوحيد للحفاظ عليه تعطيل ذلك القانون. فقيل للنار حين ألقي فيها إبراهيم (قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً علي إبراهيم) الأنبياء: 69، فخرج منها كما دخل سليماً لم يصبه أذيً، إلي كثير من القوانين الطبيعية التي عطّلت لحماية أشخاص من الأنبياء وحجج الله علي الأرض، فَفُلق البحر لموسي، [34] وشبّه للرومان أنهم قبضوا علي عيسي [35] ولم يكونوا قد قبضوا عليه، وخرج النبيّ محمد (ص) من داره وهي محفوفة بحشود قريش التي ظلّت ساعات تتربّص به لتهجم عليه، فستره الله تعالي عن عيونهم وهو يمشي بينهم. [36] كلّ هذه الحالات تمثل قوانين طبيعية عطّلت لحماية شخص، كانت الحكمة الربانية تقتضي الحفاظ علي حياته، فليكن قانون الشيخوخة والهرم من تلك القوانين.وقد يمكن أن نخرج من ذلك بمفهوم عام وهو أنه كلّما توقّف الحفاظ علي حياة حجة لله في الأرض علي تعطيل قانون طبيعي، وكانت إدامة حياة ذلك الشخص ضرورية لإنجاز مهمّته التي أعدّ لها، تدخّلت العناية الربانية في تعطيل ذلك القانون لإنجاز مهمته التي أعدّ لها، وعلي العكس إذا كان الشخص قد انتهت مهمته التي أعدّ لها ربانياً فإنه سيلقي حتفه ويموت أو يستشهد وفقاً لما تقرّره القوانين الطبيعية.ونواجه عادة بمناسبة هذا المفهوم العام السؤال التالي: كيف يمكن أن يتعطّل القانون؟ [37] وكيف تنفصم العلاقة الضرورية التي تقوم بين الظواهر الطبيعية؟ وهل هذه إلاّ مناقضة للعلم الذي اكتشف ذلك القانون الطبيعي، وحدّد هذه الععلاقة الضرورية علي أسس تجريبية واستقرائية؟!والجواب: أنّ العلم نفسه قد أجاب عن هذا السؤال بالتنازل عن فكرة الضرورة في القانون الطبيعي، وتوضيح ذلك: إنّ القوانين الطبيعية يكتشفها العلم علي أساس التجربة والملاحظة المنتظمة، فحين يطّرد وقوع ظاهرة طبيعية عقيب ظاهرة أخري يستدلّ بهذا الاطّراد علي قانون طبيعي، وهو أنّه كلّما وجدت الظاهرة الأولي وجدت الظاهرة الثانية عقيبها، غير أنّ العلم لا يفترض في هذا القانون الطبيعي علاقة ضرورية بين الظاهرتين نابعة من صميم هذه الظاهرة وذاتها، وصميم تلك وذاتها; لأنّ الضرورة حالة غيبية، لا يمكن للتجربة ووسائل البحث الاستقرائي والعلمي إثباتها، ولهذا فإنّ منطق العلم الحديث يؤكد أنّ القانون الطبيعي - كما يعرّفه العلم - لا يتحدّث عن علاقة ضرورية، بل عن اقتران مستمر بين ظاهرتين، [38] فإذا جاءت المعجزة وفصلت إحدي الظاهرتين عن الأخري في قانون طبيعي لم يكن ذلك فصماً لعلاقة ضرورية بين الظاهرتين.والحقيقة أنّ المعجزة بمفهومها الدينيّ، قد أصبحت في ضوء المنطق العلمي الحديث مفهومة بدرجة أكبر مما كانت عليه في ظلّ وجهة النظر الكلاسيكية إلي علاقات السببيّة.فقد كانت وجهة النظر القديمة تفترض أنّ كلّ ظاهرتين اطّرد اقتران إحداهما بالأخري فالعلاقة بينهما علاقة ضرورة، والضرورة تعني أنّ من المستحيل أن تنفصل إحدي الظاهرتين عن الأخري، ولكن هذه العلاقة تحوّلت في منطق العلم الحديث إلي قانون الاقتران أو التتابع المطّرد [39] بين الظاهرتين دون افتراض تلك الضرورة الغيبيّة.وبهذا تصبح المعجزة حالة استثنائية لهذا الاطّراد في الاقتران أو التتابع دون أن تصطدم بضرورة أو تؤدّي إلي استحالة.وأما علي ضوء الأسس المنطقية للاستقراء، [40] فنحن نتّفق مع وجهة النظر العلمية الحديثة، في أنّ الاستقراء لا يبرهن علي علاقة الضرورة بين الظاهرتين، ولكنّا نري أنّه يدلّ علي وجود تفسير مشترك لا طّراد التقارن أو التعاقب بين الظاهرتين باستمرار، وهذا التفسير المشترك كما يمكن صياغته علي أساس افتراض الضرورة الذاتية، كذلك يمكن صياغته علي أساس افتراض حكمة دعت منظّم الكون إلي ربط ظواهر معيّنة بظواهر أخري باستمرار، وهذه الحكمة نفسها تدعو أحياناً إلي الاستثناء فتحدث المعجزة.

لماذا كل هذا الحرص علي إطالة عمره؟

ونتناول الآن السؤال الثاني، وهو يقول:لماذ كلّ هذا الحرص من الله سبحانه وتعالي علي هذا الإنسان بالذات، فتعطّل من أجله القوانين الطبيعية لإطالة عمره؟ ولماذا لا تترك قيادة اليوم الموعود لشخص يتمخّض عنه المستقبل، وتنضجه إرهاصات اليوم الموعود فيبرز علي الساحة ويمارس دوره المنتظر.وبكلمة أخري: ما هي فائدة هذه الغيبة الطويلة وما المبرّر لها؟وكثير من الناس يسألون هذا السؤال وهم لا يريدون أن يسمعوا جواباً غيبياً، فنحن نؤمن بأنّ الأئمّة الاثني عشر مجموعة فريدة [41] لا يمكن التعويض عن أي واحد منهم، غير أنّ هؤلاء المتسائلين يطالبون بتفسير اجتماعي للموقف، علي ضوء الحقائق المحسوسة لعملية التغيير الكبري نفسها والمتطلّبات المفهومة لليوم الموعود.وعلي هذا الأساس نقطع النظر مؤقّتاً عن الخصائص التي نؤمن بتوفّرها في هؤلاء الأئمّة المعصومين، [42] ونطرح السؤال التالي:إننا بالنسبة إلي عملية التغيير المرتقبة في اليوم الموعود، بقدر ما تكون مفهومة علي ضوء سنن الحياة وتجاربها، هل يمكن أن نعتبر هذا العمر الطويل لقائدها المدّخر عاملاً من عوامل إنجاحها، وتمكّنه من ممارستها وقيادتها بدرجة أكبر؟ونجيب عن ذلك بالإيجاب، وذلك لعدة أسباب منها ما يلي:إنّ عملية التغيير الكبري تتطلّب وضعاً نفسياً فريداً في القائد الممارس لها، مشحوناً بالشعور... بالتفوّق والإحساس بضآلة الكيانات الشامخة التي أعدّ للقضاء عليها، وتحويلها حضاريّاً إلي عالم جديد.فبقدر ما يعمر قلب القائد المغيّر من شعور بتفاهة الحضارة التي يصارعها، وإحساس واضح بأنها مجرّد نقطة علي الخط الطويل لحضارة الإنسان، يصبح أكثر قدرة من الناحية النفسية [43] علي مواجهتها والصمود في وجهها ومواصلة العمل ضدّها حتي النصر. ومن الواضح أنّ الحجم المطلوب من هذا الشعور النفسي يتناسب مع حجم التغيير نفسه، وما يراد القضاء عليه من حضارة وكيان، فكلما كانت المواجهة لكيان أكبر ولحضارة أرسخ وأشمخ، تطلّب زخماً أكبر من هذا الشعور النفسي المفعم.ولما كانت رسالة اليوم الموعود تغيير عالم مليء بالظلم وبالجور، تغييراً شاملاً بكلّ قيمه الحضارية وكياناته المتنوّعة، فمن الطبيعي أن تفتش هذه الرسالة عن شخص أكبر في شعوره النفسي من ذلك العالم كله، عن شخص ليس من مواليد ذلك العالم الذين نشأوا في ظل تلك الحضارة التي يراد تقويضها واستبدال حضارة العدل والحق بها; لأنّ من ينشأ في ظل حضارة راسخة، تعمر الدنيا بسلطانها وقيمها وأفكارها، يعيش في نفسه الشعور بالهيبة تجاهها; لأنّه ولد وهي قائمة، ونشأ صغيراً وهي جبّارة، وفتح عينيه علي الدنيا فلم يجد سوي أو جهها المختلفة.وخلافاً لذلك، شخص يتوغّل في التاريخ عاش الدنيا قبل أن تري تلك الحضارة النور، ورأي الحضارات الكبيرة سادت العالم الواحدة تلو الأخري ثمّ تداعت وانهارت، [44] رأي ذلك بعينيه ولم يقرأه في كتاب تاريخ..ثمّ رأي الحضارة التي يقدّر لها أن تكوّن الفصل الأخير من قصة الإنسان قبل اليوم الموعود، رآها وهي بذور صغيرة لا تكاد تتبيّن..ثمّ شاهدها وقد اتّخذت مواقعها في أحشاء المجتمع البشري تتربّص الفرصة لكي تنمو وتظهر..ثمّ عاصرها وقد بدأت تنمو وتزحف وتصاب بالنكسة تارة، ويحالفها التوفيق تارة أخري..ثمّ واكبها وهي تزدهر وتتعملق وتسيطر بالتدريج علي مقدّرات عالم بكامله، فإنّ شخصاً من هذا القبيل عاش كلّ هذه المراحل بفطنة وانتباه كاملين، ينظر إلي هذا العملاق - الذي يريد أن يصارعه - من زاوية ذلك الامتداد التاريخي الطويل الذي عاشه بحسّه، لا في بطون كتب التاريخ فحسب، ينظر إليه لا بوصفه قدراً محتوماً، ولا كما كان ينظر (جان جاك روسو) [45] إلي الملكيّة في فرنسا، فقد جاء عنه أنه كان يرعبه مجرّد أن يتصوّر فرنسا بدون ملك، علي الرغم من كونه من الدعاة الكبار فكريّاً وفلسفيّاً إلي تطوير الوضع السياسي القائم وقتئذ; لأنّ (روسو) هذا نشأ في ظل الملكيّة، وتنفس هواءها طيلة حياته، وأما هذا الشخص المتوغّل في التاريخ، فله هيبة التاريخ، وقوّة التاريخ، والشعور المفعمبأنّ ما حوله من كيان وحضارة وليد يوم من أيام التاريخ، تهيّأت له الأسباب فوجد، وستتهيأ الأسباب فيزول، فلا يبقي منه شيء كما لم يكن يوجد منه شيء بالأمس القريب أو البعيد، وأنّ الأعمار التاريخية للحضارات والكيانات مهما طالت فهي ليست إلاّ أياماً قصيرة في عمر التاريخ الطويل.هل قرأت سورة الكهف؟وهل قرأت عن أولئك الفتية الذين آمنوا بربّهم وزادهم الله هديً؟ [46] وواجهوا كياناً وثنيّاً حاكماً، لا يرحم ولا يتردّد في خنق أي بذرة من بذور التوحيد والارتفاع عن وحدة الشرك، فضاقت نفوسهم ودبّ إليها اليأس وسدّت منافذ الأمل أمام أعينهم، ولجأوا إلي الكهف يطلبون من الله حلاً لمشكلتهم بعد أن أعيتهم الحلول، وكبر في نفوسهم أن يظل الباطل يحكم ويظلم ويقهر الحقّ ويصفّي كلّ من يخفق قلبه للحقّ.هل تعلم ماذا صنع الله تعالي بهم؟إنه أنامهم ثلاثمئة سنة وتسع سنين [47] في ذلك الكهف، ثمّ بعثهم من نومهم ودفع بهم إلي مسرح الحياة، بعد أن كان ذلك الكيان الذي بهرهم بقوّته وظلمه قد تداعي وسقط، وأصبح تاريخاً لا يرعب أحداً ولا يحرّك ساكناً، كلّ ذلك لكي يشهد هؤلاء الفتية مصرع ذلك الباطل الذي كبر عليهم امتداده وقوّته واستمراره، ويروا انتهاء أمره بأعينهم ويتصاغر الباطل في نفوسهم.ولئن تحقّقت لأصحاب الكهف هذه الرؤية الواضحة بكلّ ما تحمل من زخم وشموخ نفسيّين من خلال ذلك الحدث الفريد الذي مدّد حياتهم ثلاثمئة سنة، فإنّ الشيء نفسه يتحقّق للقائد المنتظر من خلال عمره المديد الذي يتيح له أن يشهد العملاق وهو قزم، والشجرة الباسقة وهي بذرة، والإعصار وهو مجرد نسمة. [48] .أضف إلي ذلك، أن التجربة التي تتيحها مواكبة تلك الحضارات المتعاقبة، والمواجهة المباشرة لحركتها وتطوّراتها لها أثر كبير في الإعداد الفكري وتعميق الخبرة القيادية لليوم الموعود; لأنها تضع الشخص المدّخر أمام ممارسات كثيرة للآخرين بكلّ ما فيها من نقاط الضعف والقوة، ومن ألوان الخطأ والصواب، وتعطي لهذا الشخص قدرة أكبر علي تقويم الظواهر الاجتماعية بالوعي الكامل علي أسبابها، وكلّ ملابساتها التاريخية.ثمّ إنّ عملية التغيير المدّخرة للقائد المنتظر تقوم علي أساس رسالة معينة هي رسالة الإسلام، ومن الطبيعي أن تتطلب العملية في هذه الحالة قائداً قريباً من مصادر الإسلام الأولي، قد بنيت شخصيّته بناءً كاملاً بصورة مستقلة ومنفصلة عن مؤثرات الحضاره التي يقدّر لليوم الموعود أن يحاربها.وخلافاً لذلك، الشخص الذي يولد وينشأ في كنف هذه الحضارة وتتفتّح أفكاره ومشاعره في إطارها، فإنّه لا يتخلّص غالباً من رواسب تلك الحضارة ومرتكزاتها، وإن قاد حملة تغييريّة ضدها.فلكي يضمن عدم تأثر القائد المدّخر بالحضارة التي أعدّ لاستبدالها، لابدّ أن تكون شخصيته قد بنيت بناءً كاملاً في مرحلة حضارية سابقة هي أقرب ما تكون في الروح العامة ومن ناحية المبدأ إلي الحالة الحضارية التي يتجّه اليوم الموعود إلي تحقيقها بقيادته. [49] .

كيف اكتمل اعداد القائد المنتظر؟

ونأتي الآن علي السؤال الثالث القائل: كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر مع أنه لم يعاصر أباه الإمام العسكري إلاّ خمس سنوات تقريباً؟ وهي فترة الطفولة التي لا تكفي لإنضاج شخصية القائد، فما هي الظروف التي تكامل من خلالها؟والجواب: إنّ المهديّ (ع) خلف أباه في إمامة المسلمين، وهذا يعني أنه كان إماماً بكلّ ما في الإمامة من محتويً فكري وروحي في وقت مبكر جداً من حياته الشريفة.والإمامة المبكّرة ظاهرة سبقهُ إليها عددٌ من آبائه (ع)، فالإمام محمد بن علي الجواد (ع) تولّي الإمامة وهو في الثامنة من عمره [50] ، والإمام علي بن محمد الهادي تولّي الإمامة وهو في التاسعة من عمره [51] ، والإمام أبو محمد الحسن العسكري [52] والد القائد المنتظر تولّي الإمامة وهو في الثانية والعشرين من عمره، ويلاحظ أنّ ظاهرة الإمامة المبكّرة بلغت ذروتها في الإمام المهديّ والإمام الجواد، ونحن نسمّيها ظاهرة لأنها كانت بالنسبة إلي عدد من آباء المهديّ (ع) تشكّل مدلولاً حسيّاً عملياً عاشه المسلمون، ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل وآخر، ولا يمكن أن نُطالب بإثبات لظاهرة من الظواهر أوضح وأقوي من تجربة أُمّة. [53] ونوضح ذلك ضمن النقاط التالية:أ - لم تكن إمامة الإمام من أهل البيت مركزاً من مراكز السلطان والنفوذ التي تنتقل بالوراثة من الأب إلي الابن، ويدعمها النظام الحاكم كإمامة الخلفاء الفاطميّين، وخلافة الخلفاء العباسيّين، وإنما كانت تكتسب ولاء قواعدها الشعبية الواسعة عن طريق التغلغل الروحي، والإقناع الفكري لتلك القواعد بجدارة هذه الإمامة لزعامة الإسلام، وقيادته علي أُسس روحية وفكرية.ب - إنّ هذه القواعد الشعبية بنيت منذ صدر الإسلام، وازدهرت واتّسعت علي عهد الإمامين الباقر والصادق (ع)، وأصبحت المدرسة التي رعاها هذان الإمامان في داخل هذه القواعد تشكّل تيّاراً فكرياً واسعاً في العالم الإسلامي، يضم المئات من الفقهاء والمتكلّمين والمفسّرين والعلماء في مختلف ضروب المعرفة الإسلامية والبشرية المعروفة وقتئذ، حتي قال الحسن بن عليّ الوشا: إنّي دخلت مسجد الكوفة فرأيت فيه تسعمئة شيخ، [54] كلّهم يقولون حدّثنا جعفر بن محمد.ج - إنّ الشروط التي كانت هذه المدرسة وما تُمثّله من قواعد شعبيّة في المجتمع الإسلامي، تؤمن بها وتتقيّد بموجبها في تعيين الإمام والتعرّف علي كفاءته للإمامة، شروط شديدة; لأنها تؤمن بأنّ الإمام لا يكون إماماً إلاّ إذا كان أعلم علماء عصره. [55] .د - إنّ المدرسة وقواعدها الشعبية كانت تقدم تضحيات كبيرة في سبيل الصمود علي عقيدتها في الإمامة; لأنها كانت في نظر الخلافة المعاصرة لها تشكّل خطّاً عدائياً، ولو من الناحية الفكرية علي الأقل، الأمر الذي أدّي إلي قيام السلطات وقتئذ وباستمرار تقريباً بحملات من التصفية والتعذيب، فقُتل من قُتل، وسُجن من سُجن، ومات في ظلمات المعتقلات المئات. وهذا يعني أنّ الاعتقاد بإمامة أئمّة أهل البيت كان يكلّفهم غالياً، [56] ولم يكن له من الإغراءات سوي ما يحسّ به المعتقد أو يفترضه من التقرّب إلي الله تعالي والزلفي عنده.هـ - إنّ الأئمّة الذين دانت هذه القواعد لهم بالإمامة لم يكونوا معزولين عنها، ولا متقوقعين في بروج عالية شأن السلاطين مع شعوبهم، ولم يكونوا يحتجبون عنهم إلاّ أن تحجبهم السلطة الحاكمة بسجن أو نفي، وهذا ما نعرفه من خلال العدد الكبير من الرواة والمحدّثين عن كلّ واحد من الأئمّة الأحد عشر، ومن خلال ما نقل من المكاتبات التي كانت تحصل بين الإمام ومعاصريه، وما كان الإمام يقوم به من أسفار من ناحية، وما كان يبثّه من وكلاء في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من ناحية أخري، وما كان قد اعتاده الشيعة من تفقّد أئمّتهم وزيارتهم في المدينة المنوّرة عندما يؤمّون الديار المقدّسة من كلّ مكان لأداء فريضة الحجّ، [57] كلّ ذلك يفرض تفاعلاً مستمراً بدرجة واضحة بين الإمام وقواعده الممتدّة في أرجاء العالم الإسلامي بمختلف طبقاتها من العلماء وغيرهم.و - إنّ الخلافة المعاصرة للأئمّة (ع) كانت تنظر إليهم وإلي زعامتهم الروحية والإمامية بوصفها مصدر خطر كبير علي كيانها ومقدّراتها، وعلي هذا الأساس بذلت كلّ جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة، وتحمّلت في سبيل ذلك كثيراً من السلبيّات، وظهرت أحياناً بمظاهر القسوة والطغيان حينما اضطرّها تأمين مواقعها إلي ذلك، وكانت حملات الاعتقال والمطاردة مستمرّة للأئمّة [58] أنفسهم علي الرغم ممّا يخلّفه ذلك من شعور بالألم أو الاشمئزاز عند المسلمين وللناس الموالين علي اختلاف درجاتهم.إذا أخذنا هذه النقاط الست بعين الاعتبار، وهي حقائق تاريخية لا تقبل الشكّ، أمكن أن نخرج بنتيجة، وهي: أنّ ظاهرة الإمامة المبكّرة كانت ظاهرة واقعية ولم تكن وهماً من الأوهام; لأنّ الإمام الذي يبرز علي المسرح وهو صغير فيعلن عن نفسه إماماً روحيّاً وفكريّاً للمسلمين، ويدين له بالولاء والإمامة كلّ ذلك التيّار الواسع، لا بدّ أن يكون علي قدر واضح وملحوظ، بل وكبير من العلم والمعرفة وسعة الأفق والتمكّن من الفقه والتفسير والعقائد; لأنه لو لم يكن كذلك لما أمكن أن تقتنع تلك القواعد الشعبية بإمامته، مع ما تقدم من أنّ الأئمّة كانوا في مواقع تتيح لقواعدهم التفاعل معهم، وللأضواء المختلفة أن تُسلّط علي حياتهم وموازين شخصيّتهم. فهل تري أنّ صبيّاً يدعو إلي إمامة نفسه وينصّب منها علماً للإسلام وهو علي مرأيً ومسمع من جماهير قواعده الشعبية، فتؤمن به وتبذل في سبيل ذلك الغالي من أمنها وحياتها بدون أن تكلّف نفسها اكتشاف حاله، وبدون أن تهزّها ظاهرة هذه الإمامة المبكّرة لاستطلاع حقيقة الموقف وتقويم هذا الصبيّ الإمام؟ [59] وهب أنّ الناس لم يتحركوا لاستطلاع المواقف، فهل يمكن أن تمرّ المسألة أيّاماً وشهوراً، بل أعواماً دون أن تتكشّف الحقيقة، علي الرغم من التفاعل الطبيعي المستمرّ بين الصبيّ الإمام وسائر الناس؟ وهل من المعقول أن يكون صبيّاً في فكره وعلمه حقّاً، ثمّ لا يبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل؟وإذا افترضنا أنّ القواعد الشعبية لإمامة أهل البيت لم يُتح لها أن تكتشف واقع الأمر، فلماذا سكتت الخلافة القائمة ولم تعمل لكشف الحقيقة إذا كانت في صالحها؟ وما كان أيسر ذلك علي السلطة القائمة لو كان الإمام الصبيّ صبيّاً في فكره و ثقافته كما هو المعهود في الصبيان، وما كان أنجحه من أسلوب أن تقدّم هذا الصبي إلي شيعته وغير شيعته علي حقيقته، وتبرهن علي عدم كفاءته للإمامة والزعامة الروحيّة والفكرية. فلئن كان من الصعب الإقناع بعدم كفاءة شخص في الأربعين أو الخمسين قد أحاط بقدر كبير من ثقافة عصره لتسلّم الإمامة، فليس هناك صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة صبيّ اعتيادي مهما كان ذكيّاً وفطناً للإمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الإماميون، [60] وكان هذا أسهل وأيسر من الطرق المعقّدة وأساليب القمع، والمجازفة التي انتهجتها السلطات وقتئذ.إنّ التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة، [61] هو أنها أدركت أنّ الإمامة المبكّرة ظاهرة حقيقيّة وليست شيئاً مصطنعاً.والحقيقة أنها أدركت ذلك بالفعل بعد أن حاولت أن تلعب بتلك الورقة فلم تستطع، والتأريخ يحدّثنا عن محاولات من هذا القبيل وفشلها، [62] بينما لم يحدّثنا إطلاقاً عن موقف تزعزعت فيه ظاهرة الإمامة المبكّرة أو واجه فيه الصبيّ الإمام إحراجاً يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه.وهذا معني ما قلناه من أنّ الإمامة المبكّرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت وليست مجرّد افتراض، كما أنّ هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها وحالاتها المماثلة في تراث السماء الذي امتدّ عبر الرسالات والزعامات الربّانيّةويكفي مثالاً لظاهرة الإمامة المبكّرة في التراث الربّاني لأهل البيت (ع) يحيي (ع) إذ قال الله سبحانه وتعالي: (يا يحيي خذ الكتاب بقوّة وآتيناه الحكم صياً)مريم: 12.ومتي ثبت أنّ الإمامة المبكّرة ظاهرة واقعية ومتواجدة فعلاً في حياة أهل البيت لم يعد هناك اعتراض فيما يخصّ إمامة المهديّ (ع) وخلافته لأبيه وهو صغير. [63] .

كيف نؤمن بأنّ المهدي قد وُجد؟

ونصل الآن إلي السؤال الرابع وهو يقول: هب أنّ فرضيّة القائد المنتظر ممكنة بكلّ ما تستبطنه من عمر طويل، وإمامة مبكّرة، وغيبة صامتة، فإنّ الإمكان لا يكفي للاقتناع بوجوده فعلاً.فكيف نؤمن فعلاً بوجود المهديّ؟ وهل تكفي بضع روايات تنقل في بطون الكتب عن الرسول الأعظم (ص)، للاقتناع الكامل بالإمام الثاني عشر، علي الرغم ممّا في هذا الافتراض من غرابة وخروج عن المألوف؟ بل كيف يمكن أن نثبت أنّ للمهدي وجوداً تاريخياً حقّاً وليس مجرد افتراض توفّرت ظروف نفسية لتثبيته في نفوس عدد كبير من الناس؟ [64] .والجواب: إنّ فكرة المهديّ بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلي الأفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم عموماً، وفي روايات أئمّة أهل البيت خصوصاً، وأكّدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقي إليها الشكّ. وقد أحصي أربعمئة حديث عن النبيّ (ص) من طرق إخواننا أهل السنّة، [65] كما أُحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهديّ من طرق الشيعة والسنّة فكان أكثر من ستة آلاف رواية، [66] وهذا رقم إحصائي كبير لا يتوفّر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهية التي لا يشكّ فيها مسلم عادة.وأما تجسيد هذه الفكرة في الإمام الثاني عشر عليه الصلاة والسلام فهذا ما توجد مبرّرات كافية وواضحة للاقتناع به.ويمكن تلخيص هذه المبرّرات في دليلين:أحدهما إسلامي.والآخر علمي.فبالدليل الإسلامي نثبت وجود القائد المنتظر.وبالدليل العلمي نبرهن علي أنّ المهديّ ليس مجرّد أُسطورة وافتراض، بل هو حقيقة ثبت وجودها بالتجربة التاريخية.أما الدليل الإسلامي:فيتمثّل في مئات الروايات الواردة عن رسول الله (ص) [67] والأئمّة من أهل البيت (ع)، والتي تدلُّ علي تعيين المهديّ وكونه من أهل البيت.. [68] .ومن ولد فاطمة.. [69] .ومن ذرية الحسين.. [70] .وأنه التاسع من ولد الحسين.. [71] .وأن الخلفاء اثنا عشر. [72] فإنّ هذه الروايات تحدّد تلك الفكرة العامة وتشخيصها في الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت، وهي روايات بلغت درجة كبيرة من الكثرة والانتشار، علي الرغم من تحفّظ الأئمّة (ع) واحتياطهم في طرح ذلك علي المستوي العام، وقايةً لللخلف الصالح من الاغتيال أو الإجهاز السريع علي حياته. [73] وليست الكثرة العددية للروايات هي الأساس الوحيد لقبولها، بل هناك إضافة إلي ذلك مزايا وقرائن تبرهن علي صحّتها، فالحديث النبوي الشريف عن الأئمّة أو الخلفاء أو الأمراء بعده وأنهم اثنا عشر إماماً أو خليفةً أو أميراً - علي اختلاف متن الحديث في طرقه المختلفة - قد أحصي بعض المؤلفين رواياته فبلغت أكثر من مئتين وسبعين رواية [74] مأخوذة من أشهر كتب الحديث عند الشيعة والسنّة، بما في ذلك البخاري [75] ومسلم [76] والترمذي [77] وأبي داود [78] ومسند أحمد [79] ومستدرك الحاكم علي الصحيحين، [80] ويلاحظ هنا أنّ البخاري الذي نقل هذا الحديث كان معاصراً للإمام الجواد والإمامين الهادي والعسكريّ، وفي ذلك مغزيً كبير; لأنه يبرهن علي أنّ هذا الحديث قد سُجّل عن النبيّ (ص) قبل أن يتحقق مضمونه وتكتمل فكرة الأئمّة الاثني عشر فعلاً، وهذا يعني أنه لا يوجد أي مجال للشك في أن يكون نقل الحديث متأثراً بالواقع الإمامي الاثني عشري وانعكاساً له; لأنّ الأحاديث المزيفة التي تنسب إلي النبيّ (ص) ـ وهي انعكاسات أو تبريرات لواقع متأخر زمنياً ـ لا تسبق في ظهورها وتسجيلها في كتب الحديث ذلك الواقع الذي تشكّل انعكاساً له، فما دمنا قد ملكنا الدليل المادي علي أنّ الحديث المذكور سبق التسلسل التاريخي للأئمّة الاثني عشر، وضبط في كتب الحديث قبل تكامل الواقع الإمامي الاثني عشري، أمكننا أن نتأكد من أنّ هذا الحديث ليس انعكاساً لواقع وإنما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لا ينطق عن هوي، [81] فقال: «إنّ الخلفاء بعدي اثنا عشر». [82] وجاء الواقع الإمامي الاثني عشري ابتداءً من الإمام عليّ وانتهاءً بالمهديّ; ليكون التطبيق الوحيد المعقول [83] لذلك الحديث النبوي الشريف.وأما الدليل العلميّ:فهو يتكوّن من تجربة عاشتها أمّة من الناس فترة امتدّت سبعين سنة تقريباً وهي فترة الغيبة الصغري. ولتوضيح ذلك نمهد بإعطاء فكرة موجزة عن الغيبة الصغري. [84] .إنّ الغيبة الصغري تعبّر عن المرحلة الأولي من إمامة القائد المنتظر عليه الصلاة والسلام، فقد قدّر لهذا الإمام منذ تسلّمه للإمامة أن يستتر عن المسرح العام ويظلُّ بعيداً باسمه عن الأحداث، وإن كان قريباً منها بقلبه وعقله، وقد لوحظ أنّ هذه الغيبة إذا جاءت مفاجئة حقّقت صدمة كبيرة للقواعد الشعبية للإمامة في الأمة الإسلامية; لأنّ هذه القواعد كانت معتادة علي الاتّصال بالإمام في كلّ عصر، والتفاعل معه والرجوع إليه في حلّ المشاكل المتنوّعة، فإذا غاب الإمام عن شيعته فجأة وشعروا بالانقطاع عن قيادتهم الروحية والفكرية، سبّبت هذه الغيبة [85] المفاجئة الإحساس بفراغ دفعي هائل قد يعصف بالكيان كلّه ويشتّت شمله، فكان لابدّ من تمهيد لهذه الغيبة; لكي تألفها هذه القواعد بالتدريج، وتكيّف نفسها شيئاً فشيئاً علي أساسها، وكان هذا التمهيد هو الغيبة الصغري التي اختفي فيها الإمام المهديّ عن المسرح العام، غير أنه كان دائم الصلة بقواعده وشيعته عن طرق وكلائه ونوّابه، والثقات من أصحابه الذين يشكّلون همزة الوصل بينه وبين الناس المؤمنين بخطه الإمامي. [86] وقد شغل مركز النيابة عن الإمام في هذه الفترة أربعة ممّن أجمعت تلك القواعد علي تقواهم وورعهم ونزاهتهم التي عاشوا ضمنها. وهم كما يلي:1 - عثمان بن سعيد العمريّ.2 - محمد بن عثمان بن سعيد العمريّ.3 - أبوالقاسم الحسين بن روح.4 - أبوالحسن عليّ بن محمد السمريّ.وقد مارس هؤلاء الأربعة [87] مهامّ النيابة بالترتيب المذكور، وكلما مات أحدهم خلفه الآخر الذي يليه بتعيين من الإمام المهديّ (ع).وكان النائب يتصل بالشيعة ويحمل أسئلتهم إلي الإمام، ويعرض مشاكلهم عليه، ويحمل إليهم أجوبته شفهية أحياناً وتحريريّة [88] في كثير من الأحيان، وقد وجدت الجماهير التي فقدت رؤية إمامها العزاء والسلوة في هذه المراسلات والاتّصالات غير المباشرة. ولا حظت أنّ كلّ التوقعيات والرسائل كانت ترد من الإمام المهديّ (ع) بخطّ واحد وسليقة واحدة [89] طيلة نيابة النواب الأربعة التي استمرت حوالي سبعين عاماً، وكان السمّريّ هو آخر النواب، فقد أعلن عن انتهاء مرحلة الغيبة الصغري التي تتميز بنوّاب معيّنين، وابتداء الغيبة الكبري التي لايوجد فيها أشخاص معيّنون بالذات للوساطة بين الإمام القائد والشيعة، وقد عبّر التحوّل من الغيبة الصغري إلي الغيبة الكبري عن تحقيق الغيبة الصغري لأهدافها وانتهاء مهمتها; لأنها حصّنت الشيعة بهذه العملية التدريجية عن الصدمة والشعور بالفراغ الهائل بسبب غيبة الإمام، واستطاعت أن تكيّف وضع الشيعة علي أساس الغيبة، وتعدّهم بالتدريج لتقبّل فكرة النيابة العامة عن الإمام، وبهذا تحولت النيابة من أفراد منصوصين [90] إلي خطّ عام [91] ، وهو خط المجتهد العادل البصير بأمور الدنيا والدين تبعاً لتحوّل الغيبة الصغري إلي غيبة كبري.والآن بإمكانك أن تقدّر الموقف في ضوء ما تقدم، لكي تدرك بوضوح أنّ المهديّ حقيقة عاشتها أمة من الناس، وعبّر عنها السفراء والنواب طيلة سبعين عاماً من خلال تعاملهم من الآخرين، ولم يلحظ عليهم أحدٌ كلّ هذه المدة تلاعباً في الكلام، أو تحايلاً في التصرف، أو تهافتاً في النقل. فهل تتصور - بربّك - أنّ بإمكان أكذوبة أن تعيش سبعين عاماً، ويمارسها أربعة علي سبيل الترتيب كلهم يتّفقون عليها، ويظلّون يتعاملون علي أساسها وكأنها قضية يعيشونها بأنفسهم ويرونها بأعينهم دون أن يبدر منهم أي شيء يثير الشكّ، ودون أن يكون بين الأربعة علاقة خاصة متميزة تتيح لهم نحواً من التواطؤ، ويكسبون من خلال ما يتّصف به سلوكهم من واقعية ثقة الجميع، وإيمانهم بواقعية القضية التي يدّعون أنهم يحسّونها ويعيشون معها؟!لقد قيل قديماً: إنّ حبل الكذب قصير، ومنطق الحياة يثبت أيضاً أنّ من المستحيل عمليّاً بحساب الاحتمالات أن تعيش أكذوبة بهذا الشكل، وكلّ هذه المدّة، وضمن كلّ تلك العلاقات والأخذ والعطاء، ثمّ تكسب ثقة جميع من حولها.وهكذا نعرف أنّ ظاهرة الغيبة الصغري يمكن أن تعتبر بمثابة تجربة علمية لإثبات ما لها من واقع موضوعيّ، والتسليم بالإمام القائد بولادته [92] وحياته وغيبته، وإعلانه العام عن الغيبة الكبري التي استتر بموجبها عن المسرح ولم يكشف نفسه لأحد. [93] .

لماذا لم يظهر القائد إذن؟

لماذا لم يظهر القائد إذن طيلة هذه المدة؟ وإذا كان قد أعدّ نفسه للعمل الاجتماعي، فما الذي منعه عن الظهور علي المسرح في فترة الغيبة الصغري أو في أعقابها بدلاً عن تحويلها إلي غيبة كبري، حيث كانت ظروف العمل الاجتماعي والتغييري وقتئذ أبسط وأيسر، وكانت صلته الفعلية بالناس من خلال تنظيمات الغيبة الصغري تتيح له أن يجمع صفوفه ويبدأ عمله بداية قويّة، ولم تكن القوي الحاكمة من حوله قد بلغت الدرجة الهائلة من القدرة والقوة التي بلغتها الإنسانية بعد ذلك من خلال التطوّر العلمي والصناعي؟والجواب: أنّ كلّ عملية تغيير اجتماعي يرتبط نجاحها بشروط وظروف موضوعية لا يتأتّي لها أن تحقّق هدفها إلاّ عندما تتوفر تلك الشروط والظروف.وتتميز عمليات التغيير الاجتماعي التي تفجّرها السماء علي الأرض بأنها لا ترتبط في جانبها الرسالي بالظروف الموضوعية; [94] لأنّ الرسالة التي تعتمدها عملية التغيير هنا ربّانيّة، ومن صنع السماء لا من صنع الظروف الموضوعية، ولكنها في جانبها التنفيذي تعتمد الظروف الموضوعية ويرتبط نجاحها وتوقيتها بتلك الظروف. ومن أجل ذلك انتظرت السماء مرور خمسة قرون من الجاهلية حتي أنزلت آخر رسالاتها علي يد النبيّ محمد (ص); لأنّ الارتباط بالظروف الموضوعية للتنفيذ كان يفرض تأخّرها علي الرغم من حاجة العالم إليها منذ فترة طويلة قبل ذلك.والظروف الموضوعية التي لها أثر في الجانب التنفيذي من عملية التغيير، منها ما يشكّل المناخ المناسب والجو العام للتغيير المستهدف، ومنها ما يشكّل بعض التفاصيل التي تتطلّبها حركة التغيير من خلال منعطفاتها التفصيلية.فبالنسبة إلي عملية التغيير التي قادها - مثلاً - لينين في روسيا بنجاح، كانت ترتبط بعامل من قبيل قيام الحرب العالمية الأولي وتضعضع القيصرية، وهذا ما يساهم في إيجاد المناخ المناسب لعملية التغيير، وكانت ترتبط بعوامل أخري جزئية ومحدودة من قبيل سلامة لينين مثلاً في سفره الذي تسلّل فيه إلي داخل روسيا وقاد الثورة، إذ لو كان قد اتّفق له أي حادث يعيقه لكان من المحتمل أن تفقد الثورة بذلك قدرتها علي الظهور السريع علي المسرح.وقد جرت سنة الله تعالي التي لا تجد لها تحويلاً في عمليات التغيير الربّاني علي التقيّد من الناحية التنفيذية بالظروف الموضوعية التي تحقّق المناخ المناسب والجو العام لإنجاج عملية التغيير، ومن هنا لم يأت الإسلام إلاّ بعد فترة من الرسل وفراغ مرير استمرّ قروناً من الزمن.فعلي الرغم من قدرة الله - سبحانه وتعالي - علي تذليل كل العقبات والصعاب في وجه الرسالة الربّانية وخلق المناخ المناسب لها خلقاً بالإعجاز، لم يشأ أن يستعمل هذا الأسلوب; لأنّ الامتحان والابتلاء والمعاناة التي من خلالها يتكامل الإنسان يفرض علي العمل التغييري الربّاني أن يكون طبيعيّاً وموضوعيّاً من هذه الناحية، وهذا لا يمنع من تدخّل الله - سبحانه وتعالي - أحياناً فيما يخصّ بعض التفاصيل التي لا تكوّن المناخ المناسب، وإنما قد يتطلّبها أحياناً التحرك ضمن ذلك المناخ المناسب، ومن ذلك الإمدادات والعنايات الغيبية التي يمنحها الله تعالي لأوليائه في لحظات حرجة فيحمي بها الرسالة، وإذا بنار نمرود تصبح برداً وسلاماً علي إبراهيم، [95] وإذا بيد اليهوديّ الغادر التي ارتفعت بالسيف علي رأس النبيّ (ص) تُشلّ وتفقد قدرتها علي الحركة، [96] وإذا بعاصفة قوية تجتاح مخيّمات الكفّار والمشركين الذين أحدقوا بالمدينة في يوم الخندق وتبعث في نفوسهم الرعب، [97] إلاّ أنّ هذا كلّه لا يعدو التفاصيل وتقديم العون في لحظات حاسمة بعد أن كان الجو المناسب والمناخ الملائم لعملية التغيير علي العموم قد تكوّن بالصورة الطبيعية ووفقاً للظروف الموضوعية.وعلي هذا الضوء ندرس موقف الإمام المهديّ (ع) لنجد أنّ عملية التغيير التي أعدّ لها ترتبط من الناحية التنفيذية كأي عملية تغيير اجتماعي أخري بظروف موضوعية تساهم في توفير المناخ الملائم لها، ومن هنا كان من الطبيعي أن تُوقّت وفقاً لذلك. ومن المعلوم أنّ المهديّ لم يكن قد أعدّ نفسه لعمل اجتماعي محدود، ولا لعملية تغيير تقتصر علي هذا الجزء من العالم أو ذاك; لأنّ رسالته التي ادّخر لها من قبل الله - سبحانه وتعالي - هي تغيير العالم تغييراً شاملاً، وإخراج البشرية كلّ البشريّة، من ظلمات الجور إلي نور العدل، [98] وعملية التغيير الكبري هذه لا يكفي في ممارستها مجرد وصول الرسالة والقائد الصالح، وإلاّ لتمّت شروطها في عصر النبوة بالذات، وإنما تتطلّب مناخاً عالمياً مناسباً، وجوّاً عاماً مساعداً، يحقّق الظروف الموضوعية المطلوبة لعملية التغيير العالمية.فمن الناحية البشرية يعتبر شعور إنسان الحضارة بالنفاد عاملاً أساسياً في خلق ذلك المناخ المناسب لتقبّل رسالة العدل الجديدة، وهذا الشعور بالنفاد يتكوّن ويترسّخ من خلال التجارب الحضارية المتنوعة، التي يخرج منها إنسان الحضارة مثقلاً بسلبيات ما بني، مدركاً حاجته إلي العون، متلفّتاً بفطرته إلي الغيب أو إلي المجهول.ومن الناحية المادية يمكن أن تكون شروط الحياة المادية الحديثة أقدر من شروط الحياة القديمة في عصر كعصر الغيبة الصغري علي إنجاز الرسالة علي صعيد العالم كلّه، وذلك بما تحقّقه من تقريب المسافات، والقدرة الكبيرة علي التفاعل بين شعوب الأرض، وتوفير الأدوات والوسائل التي يحتاجها جهاز مركزي لممارسة توعية لشعوب العالم وتثقيفها علي أساس الرسالة الجديدة.وأما ما أشير إليه في السؤال من تنامي القوي والأداة العسكرية التي يُواجهها القائد في اليوم الموعود كلّما أُجّل ظهوره، فهذا صحيح، ولكن ماذا ينفع نمو الشكل المادي للقوة مع الهزيمة النفسية من الداخل، وانهيار البناء الروحي للإنسان الذي يملك كلّ تلك القوي والأدوات؟ وكم من مرة في التاريخ انهار بناءٌ حضاري شامخ بأول لمسة غازية; لأنه كان منهاراً قبل ذلك، وفاقداً الثقة بوجوده والقناعة بكيانه والاطمئنان إلي واقعه. [99] .

وهل للفرد كلّ هذا الدور؟

ونأتي إلي سؤال آخر في تسلسل الأسئلة المتقدمة، وهو السؤال الذي يقول: هل للفرد ـ مهما كان عظيماً ـ القدرة علي إنجاز هذا الدور العظيم؟ وهل الفرد العظيم إلاّ ذلك الإنسان الذي ترشّحه الظروف ليكون واجهةً لها في تحقيق حركتها؟والفكرة في هذا السؤال ترتبط بوجهة نظر معيّنة للتاريخ تفسّره علي أساس أنّ الإنسان عامل ثانوي [100] فيه، والقوي الموضوعية المحيطة به هي العامل الأساسي، وفي إطار ذلك لن يكون الفرد في أفضل الأحوال إلاّ التعبير الذكي عن اتّجاه هذا العامل الأساسي.ونحن قد أوضحنا في مواضع أخر من كتبنا المطبوعة [101] أنّ التاريخ يحتوي علي قطبين: أحدهما الإنسان، والآخر القوي المادية المحيطة به. وكما تؤثر القوي المادية وظروف الإنتاج والطبيعة في الإنسان، يؤثر الإنسان أيضاً فيما حوله من قويً وظروف، ولا يوجد مبرّر لافتراض أنّ الحركة تبتدئ من المادة وتنتهي بالإنسان إلاّ بقدر ما يوجد مبرر لافتراض العكس، فالإنسان والمادة يتفاعلان علي مرّ الزمن، وفي هذا الإطار بإمكان الفرد أن يكون أكبر من ببغاء في تيار التاريخ، وبخاصة حين نُدخل في الحساب عامل الصلة بين هذا الفرد والسماء. [102] فإن هذه الصلة تدخل حينئذ كقوة موجّهة لحركة التاريخ. وهذا ما تحقّق في تاريخ النبوّات، وفي تاريخ النبوّة الخاتمة بوجه خاصّ، فإنّ محمّداً (ص) بحكم صلته الرسالية بالسماء تسلّم بنفسه زمام الحركة التاريخية، وأنشأ مدّاً حضاريّاً لم يكن بإمكان الظروف الموضوعية التي كانت تحيط به أن تتمخّض عنه بحال من الأحوال، كما أوضحنا ذلك في المقدمة الثانية للفتاوي الواضحة. [103] .وما أمكن أن يقع علي يد الرسول الأعظم يمكن أن يقع علي يد القائد المنتظر من أهل بيته الذي بشّر [104] به ونوّه عن دوره العظيم.

ماهي طريقة التغيير في اليوم الموعود؟

ونصل في النهاية إلي السؤال الأخير من الأسئلة التي عرضناها، هو السؤال عن الطريقة التي يمكن أن نتصوّر من خلالها ما سيتمُّ علي يد ذلك الفرد من انتصار حاسم للعدل، وقضاء علي كيانات الظلم المواجهة له.والجواب المحدّد عن هذا السؤال يرتبط بمعرفة الوقت والمرحلة التي يقدّر للإمام المهديّ (ع) أن يظهر فيها علي المسرح، وإمكان افتراض ما تتميز به تلك المرحلة من خصائص وملابسات لكي تُرسم في ضوء ذلك الصورة التي قد تتّخذها عملية التغيير، والمسار الذي قد تتحرك ضمنه، وما دمنا نجهل المرحلة ولا نعرف شيئاً عن ملابساتها وظروفها فلا يمكن التنبّؤ العلمي بما سيقع في اليوم الموعود، وإن أمكنت الافتراضات والتصوّرات التي تقوم في الغالب علي أساس ذهني لا علي أسس واقعية عينية.وهناك افتراض أساسي واحد بالإمكان قبوله علي ضوء الأحاديث التي تحدثت عنه، [105] والتجارب التي لوحظت لعمليات التغيير الكبري في التاريخ، وهو افتراض ظهور المهديّ (ع) في أعقاب فراغ كبير يحدث نتيجة نكسة وأزمة حضارية خانقة. [106] وذلك الفراغ يتيح المجال للرسالة الجديدة أن تمتدّ، وهذه النكسة تهيّء الجو النفسي لقبولها، وليست هذه النكسة مجرد حادثة تقع صدفة في تاريخ الحضارة الإنسانية، وإنما هي نتيجة طبيعية لتناقضات التاريخ المنقطع عن الله - سبحانه وتعالي - التي لا تجدُ لها في نهاية المطاف حلاًّ حاسماً فتشتعل النار التي لا تُبقي ولا تذر، ويبرز النور في تلك اللحظة; ليطفئ النار ويقيم علي الأرض عدل السماء.والحمد الله ربّ العالمين والصلاة والسلام علي محمّد وآله الطاهرين. وقد وقع الابتداء في كتابة هذه الوريقات في اليوم الثالث عشر من جمادي الثانية سنة 1397 هـ، ووقع الفراغ منها عصر اليوم السابع عشر من الشهر نفسه.والله ولي التوفيق.محمد باقر الصدر - النجف الأشرفتمّ الفراغ من تحقيق هذا الكتاب في شهر رجب المرجّب من سنة 1416 هـ، وذلك في قم المقدسة.الدكتور عبدالجبار شرارة

پاورقي

[1] إشارة إلي أن هذا ارتكاز في ضمير الإنسانية، واعتقاد سائد عند أغلب شعوب الأرض، إذ هناك شعور قويٌّ يخالج وجدان الإنسان بظهور المنقذ عندما تتعقّد الأمور، وتتعاظم المحنة، وتدلّهم الخطوب، ويطبق الظلم، وهو ما تبشّر به الأديان، ويحكيه تاريخ الحضارات الإنسانية. راجع: سيرة الأئمّة الاثني عشر / هاشم معروف الحسني 2: 516 فيما نقله عن الكتب والمصادر، ومنها: نظرية الإمامية عند الشيعة / الدكتور أحمد محمود صبحي.
[2] إشارة إلي معتقد الماركسيّين وأمانيهم باليوم الموعود، حيث ستسود الشيوعيّة - كما يعتقدون - آخر الأمر ويتوقف الصراع المرير، استناداً إلي نظريّتهم الشهيرة في المادية التاريخية. راجع: فلسفتنا / الشهيد الصدر (ره): ص 26 في عرض النظرية ومناقشتها.
[3] إشارة إلي الحديث الشريف المتواتر: «لو لم يبق من الدهر إلا يومٌ لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما مُلئت جوراً». راجع: صحيح سنن المصطفي لأبي داود 2: 207، وراجع: التاج الجامع للأصول للشيخ منصور علي ناصف 5: 343.
[4] هذا ردُّ علي من يزعم بأنّ العقيدة في الإمام المهديّ تورث الخمول والسلبية، وهو أبلغ ردّ مستفاد من الحديث الشريف نفسه.
[5] إشارة إلي دولة الإمام (ع) التي أشار إليها الرسول الأكرم (ص)، راجع: التاج الجامع للأُصول 5: 343.
[6] إشارة إلي الوعد الإلهي في قوله تعالي: (ونريد أن نمنّ علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين). القصص: 5، وأيضاً إشارة إلي قوله تعالي: (ليظهره علي الذين كلّه ولو كره المشركون). التوبة: 33، راجع في تفسير الآيتين الإشارة إلي المهديّ (ع) ينابيع المودّة / القندوزي الحنفي: ص 450.
[7] إشارة إلي بشارة الرسول الأعظم نبيّنا محمد (ص) في الحديث الشريف: «إنّ في أمّتي المهديّ، يخرج يعيش خسماً أو سبعاً أو تسعاً»، (الشك من الراوي) قال: قلنا: وما ذاك؟ «قال: سنين، قال: فيجيء إليه الرجل فيقول يا مهديّ أعطني أعطني قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله». رواه الترمذي. راجع: التاج الجامع للأصول / الشيخ منصور علي ناصف 5: 343، وفيه أكثر من إشارة إلي كون الإمام المهديّ موجود حيٌّ يعيش في وسط الأمّة، وأنّ خروجه وعيشه، سبع سنين يعني ظهوره، وقيام دولته المباركة التي فيها الخلاص والعدل.
[8] ورد عنه (ع) أنه سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم، راجع: الاحتجاج / الطبرسي 2: 545.
[9] إشارة إلي أنّ (المهديّ) ليس مجرد حلم أو فكرة تداعب أفكار المظلومين وتناغي شعورهم، بل هو حقيقة حيّة مجسّدة متشخّصة في ذات إنسان بعينه، ومن هنا تكون الفكرة ملامسة لوجدانهم، يعيشون بها، ويعيشون لها، ويسهمون في التحضير والتهيئة للالتحام في المعركة الفاصلة التي سيقودها القائد المنتظر، ولو كانت مجرد حلم أو فكرة، فليس من المتوقّع أن تكون مثل تلك الصلة الوجدانية والشعورية. ومن هنا تتأتّي أهمية الانتظار، وتبيّن فلسفته وغاياته، وهو في جملته يتّسق مع حالة الترقّب والإرهاص التي تسبق ظهور المنقذين من الأنبياء والمصلحين. [
[10] اختلفت الآراء وتباينت المواقف من مسألة المهديّ المنتظر، تبعاً لاختلاف المواقف من مسألة الغيب الديني والنصوص الدينية المشهورة والمتواترة، علي أنّ هناك إطباقاً بين علماء المسلمين والمحقّقين من أهل الحديث من السنّة والشيعة علي صحة العقيدة بالمهديّ، وعدم جواز التشكيك بها حتي جاء في المأثور: «من أنكر المهديّ فقد كفر...» وقد استوفي هذه المسألة بحثاً الشيخ عبدالمحسن عبّاد في محاضرته التي نشرتها مجلة الجامعة الإسلامية / العدد الثالث / 1969 م. وراجع: غاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول للشيخ منصور علي ناصف 5: 343.
[11] هذا تساؤل فريق من الناس، والواقع أنه يمكن تسجيل الملاحظة السريعة الآتية، وإن كان سيأتي جوابه تفصيلاً: أ ـ إنه ليس مستحيلاً بالمعني المنطقيّ; بل هو في دائرة الإمكان. ب ـ إنه ليس مستحيلاً عادةً; لوقوع نظائر ذلك فعلاً كما نصّ القرآن الكريم في مسألة نوح (ع) في قوله تعالي: (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً). العنكبوت: 14.
[12] إنّ تعطيل القوانين الطبيعية قد حدث مراراً بالنسبة إلي معاجز الأنبياء (ع)، وهذا أمرٌ ضروريّ من الدين لا مجال لنكرانه فإذا أخبر بذلك من وجب تصديقه جاز بلا خلاف.
[13] هذا إشارة إلي عقيدة طوائف من إخواننا أهل السنّة. راجع: التاج الجامع للأصول 5: 360 الهامش.
[14] هذا التساأل أثير من قبل ويثار اليوم، بأساليب مختلفة، وكلها تستند إلي موهومات وافتراضات لا تقوم علي أساس من العلم، بل هي مجرد تشكيكات، ومحاولات بائسة للفرار من أصل القضية ولوازمها الضرورية، فهي لا تعدو أن تكون أشبه بتشكيكات المادّيين عندما جوبهوا بأدلة العقل والمنطق والعلم فيما يتعلق بالله تعالي، فلجأوا إلي تساؤلات ساذجة تحكي عدم إيمانهم بما قامت عليه الأدلة الوفيرة، نظير قولهم: لو كان موجوداً فلماذا لا نراه؟ ولماذا لا يفعل كذا وكيت؟ وهكذا شأن هؤلاء، فعندما جوبهوا بالأدلة المنطقية والروايات المتواترة في مسألة المهديّ المنتظر مما أطبق عليه الخاص والعام وبما لا يسع المرء إنكاره، لجأوا إلي التشكيك في أنه لم يعرف للحسن العسكري ولدُ، كما اخترعوا أمراً نسبوه زوراً إلي الشيعة من أنهم يقفون علي السرداب يومياً ينادون علي إمامهم بالخروج، إلاّ أنّهم اختلفوا في السرداب فقال قائل منهم: هو في سامراء، وذهب آخرون إلي أنه في النجف وثالث في مكان آخر، وهكذا شأن المنكرين للضرورات تراهم يخبطون خبط عشواء. راجع: معالجتنا في المقدمة.
[15] لقد أثبت الشيخ المفيد في الإرشاد: ص 346، والشيخ الشعراني في اليواقيت والجواهر ج 2 / المبحث 65، ولادة محمد بن الحسن العسكري في عام 255 هـ، وهما من أجلّة المحقّقين لدي الفريقين، وهذا ما يدحض التشكيكات التي يثيرها بعض أدعياء العلم، فضلاً علي ما يقتضيه الحديث المتواتر: «الأئمّة اثنا عشر كلهم من قريش»، فهو لا يستقيم إلاّ بما تقرر لدي الإمامية، وبما التزموا به من إمامة اثني عشر إماماً كلّهم من العترة الطاهرة، أولهم الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وآخرهم المهديّ. وهؤلاء هم المنصوص عليهم، ويدعم ذلك ويشهد له حديث الثقلين المتواتر، وحديث من مات لا يعرف إمام زمانه، فهما لا يستقيمان إلاّ علي عقيدة الإمامية الاثني عشرية. راجع مناقشة وافية في: الأصول العامة للفقه المقارن / العلاّمة محمد تقي الحكيم / بحث حجية السنّة: ص 145 وما بعدها.
[16] إنّ الذي تعهّد وتكفّل بإعداد النبيّ عيسي (ع)، ووهب النبيّ يحيي الحكم والحكمة وهو صبيّ، كما صرّح القرآن، يمكن أن يتعهّد ويتكفّل بمن أعدّه لتطهير الأرض من الظلم والجور في آخر الزمان، كما هو نصّ الخبر المتواتر في المهديّ الذي هو من عترة فاطمة وذريّة الحسين (ع). راجع: التاج الجامع للأصول 5: 341 ـ 343.
[17] إنّ هذه المسألة مرهونة باشتراطاتها الخاصة، وكما تأخّر النبي (ص) إلي زمن ظهوره المبارك لحكم وأمور اقتضتها حكمة المرسل (الله) تعالي علي رغم الاحتياج إليه، فكذا الأمر هنا.
[18] سيناقش الشهيد الصدر هذه المسألة تفصيلاً.
[19] الواقع ـ وكما سيأتي ـ أنّ علماء الأمّة الإسلامية أجمعوا علي صحة أحاديث المهديّ (ع)، ولم يشذ إلاّ من هو ليس من أهل المعرفة بالحديث. راجع: التاج الجامع للأصول 5: 361.
[20] لقد رأينا صنع (الأبطال) تاريخ أممهم، علي أنّ الشهيد الصدر (ره) هنا يقدّم فهماً أصيلاً ومهمّاً جداً لحركة التاريخ ودور الفرد البطل، وأهمية الظروف الموضوعية في ا لتأثير. وقد أشار توماس كارليل في كتابه (الأبطال) إلي دور البطل. راجع كتابه المذكور، ترجمة الدكتور السباعي - مصر - سلسلة الألف كتاب.
[21] في هذا إشارة إلي أسلحة الدمار (الشامل) فضلاً عن التطور التكنولوجي الذي شمل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وتأثيراتها الهائلة. إلاّ أننا شهدنا كيف توجد بالمقابل الأسلحة المضادّة التي كثيراً ما تعطّل تلك التأثيرات، وكذلك رأينا تأثير المعنويات في إبطال مفعول أسلحة الخصم أو التقليل من آثارها إلي حدٍّ كبير جداً، كما حدث في الثورات والانتفاضات الشعبية.
[22] ولم تكن مثل هذه الأمور بمتصوّرة سابقاً قبل وقوعها، ولو حدّث بها أحدٌ من الناس قبل تحقّقها فعلاً لعدّ الحديث مجرّد تخيّلات وأوهام.
[23] الكلام في وقته دقيق علميّاً، فهو يقول: إنه ممكن علمياً، ولكنه لم يكن قد تحقّق فعلاً، والواقع أنّ كثيراً من الإنجازات في عالم الفضاء، وتسيير المركبات الفضائية إلي كواكب وتوابع الأرض وغيرها قد أصبح حقائق في أواخر القرن العشرين.
[24] نعم، لا يوجد مبرّر علمي واحدٌ يرفض هذه النظرية، بل إنّ علماء الطبّ منشغلون فعلاً بمحاولات حثيثة لإطالة عمر الإنسان، وإنّ هناك عشرات التجارب التي تتمّ في هذا المجال، وذلك وحده ينهض دليلاً قوياً علي الإمكان النظري أو العملي.
[25] يؤكد الأطباء والدراسات الطبيّة علي هذه الملاحظة، وأنّ لديهم مشاهدات كثيرة في هذا المجال، ولعلّ هذا هو الذي دفعهم إلي إجراء محاولات وتجارب لإطالة العمر الطبيعي للإنسان، وكالمعتاد كان مسرح التجربة في البداية هي الحيوانات لميسورية ذلك، وعدم وجود محاذير أخري تمنع إجراء مثل تلك التجارب علي الإنسان.
[26] هذه التساؤلات التي يثيرها السيد الشهيد (ص) تهدف إلي ترسيخ حقيقة مهمة، هي أنّ الرسول الأعظم (ص) عندما بشّر (بالمهديّ)، وهو حالة غير اعتيادية في سياق البشرية، تنبيء في جملتها عن تسجيل سبق في الإمكانية العملية، بعد تأكيد الإمكانيّة العلمية، أي لبقاء الإنسان مدةً أطول بكثير من المعتاد، فإنّ مثل هذا السبق في التنبيه علي حقائق في هذا الوجود كان قد سجّله القرآن الكريم والحديث الشريف في موارد كثيرة جداً في مسائل الطبيعة والكون والحياة، راجع: القرآن والعلم الحديث / الدكتور عبدالرزاق نوفل.
[27] إشارة إلي أنّ هذا من قبيل الإعجاز أيضاً، وهو إفاضة ربانية خاصة، وهذا أمر لا يسع المسلم إنكاره، بعد أن أخبرت بأمثاله الكتب السماوية، وبالأخص القرآن، كالذي ورد في شأن عمر النبيّ نوح (ع)، وكذا ما أخبر به القرآن من المغيبات الأخري، علي أنّ كثيراً من أهل السنّة ومن المتصوّفة وأهل العرفان يؤمنون بوقوع الكرامات ومايشبه المعجزات للأولياء والصلحاء والمقرّبين من حضرة المولي تعالي. راجع: التصوّف والكرامات / الشيخ محمد جواد مغنيّة. وراجع: التاج الجامع للأصول 5: 228 / كتاب الزهد والرقائق، الذين تكلّموا في المهد.
[28] إشارة إلي الآية المباركة: (سبحان الذي أسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي...) الإسراء: 1.
[29] إشارة إلي تصميم المركبات الفضائية، وركوب الفضاء والتوغّل إلي مسافات بعيدة عن أرضنا، وقطعها في ساعات أو أيام معدودة، وقد أضحت هذه حقائق في حياتنا المعاصرة في أواخر القرن العشرين.
[30] إشارة إلي ما أعدّ للإمام المهدي المنتظر من دور ومهمة تغييرية علي مستوي الوجود الإنساني برمّته كما يشير الحديث الصحيح: «يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً». وهذا الدور وهذه المهمة عليهما الإجماع بين علماء الإسلام، والاختلاف حصل في أمور فرعية. ومن هنا كان التساؤل الذي أثاره السيد الشهيد (رض) له مبرر منطقي قويّ.
[31] في الآية المباركة: (فلبث فيهم ألف سنة إلاّ خمسين عاماً). العنكبوت: 14.
[32] السؤال موجّه إلي المسلمين المؤمنين بالقرآن الكريم وبالحديث النبوي الشريف، وقد روي علماء السنّة لغير نوح ما هو أكثر من ذلك. راجع تهذيب الأسماء واللغات / النووي 1: 176، ولا يصحّ أن يشكّل أحدٌ بأنّ ذاك أخبر به القرآن فالنصّ قطعيّ الثبوت، وهو يتعلق بالنبيّ المرسل نوح (ع)، أما هنا فليس لدينا نصّ قطعي، ولا الأمر متعلق بنبيّ. والجواب: أنّ المهمة أولاً واحدة، وهي تغيير الظلم والفساد، وأنّ الوظيفة كما أوكلت إلي النبيّ، فقد أوكلت هنا إلي من اختاره الله تعالي أيضاً، كما هو لسان الروايات الصحيحة. قال الرسول الأعظم (ص): «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم الطوّل الله ذلك اليوم حتي يبعث رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً...» التاج الجامع للأصول 5: 343. وأما من جهة قطعيّة النص، فأحاديث المهديّ بلغت حدّ االتواتر، وهو موجب للقطع والعلم، فلا فرق في المقامين، راجع: التاج الجامع للأصول 5: 341 و 360 فقد نقل التواتر عن الشوكاني، وانتهي المحقّقون من علماء الفريقين إلي القول بأنّ من كفر بالمهديّ فقد كفر بالرسول محمد (ص)، وليس ذلك إلاّ بلحاظ أنه ثبت بالتواتر، وأنه من ضرورات الدين، والمنكر لذلك كافر إجماعاً. وراجع: الإشاعة لأشراط الساعة / البرزنجي في بحثه حول المهديّ. وقد نقلنا حكاية التواتر في المقدّمة أيضاً.
[33] أي أنّ الأمر يصبح من قبيل المعجز، وهو ما نطق به القرآن، وجاء في صحيح السنّة المطهّرة، والإعجاز حقيقة رافقت دعوة الأنبياء، وادّعاء سفارتهم عن الحضرة الإلهيّة، وهو ما لا يسع المسلم إنكاره أو الشك فيه، بل إنّ غير المسلم يشارك المسلم في الاعتقاد بالمعجزات.
[34] إشارة إلي قوله تعالي: (فأوحينا إلي موسي أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كلّ فرق كالطّود العظيم) الشعراء: 63.
[35] إشارة إلي قوله تعالي: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّهَ لهم...) النساء: 157.
[36] راجع: سيرة ابن هشام 2: 127، فقد نقل هذه الحادثة وهي مجمعٌ عليها.
[37] قد يقال: إنّ القانون بصفته قانوناً لابدّ يطّرد، ولا يتصور التعطيل والانخرام، وقد لا حظ بعضهم أنّ الانخرام إنّما هو بقانون آخر، كما هو الأمر بالنسبة إلي قانون الجاذبية، الذي يستلزم جذب الأشياء إلي المركز، ومع ذلك فإنّ الماء يصعد بعملية الامتصاص في النباتات من الجذر إلي الأعلي بواسطة الشعيرات، وهذا بحسب قانون آخر هو (الخاصيّة الشعريّة). راجع: القرآن محاولة لفهم عصري / الدكتور مصطفي محمود.
[38] وقد بسط الشهيد الصدر القول في هذه المسألة في كتابه فلسفتنا فراجع، ص 295 و 299.
[39] راجع: فلسفتنا ص282 وما بعدها.
[40] راجع بسط وشرح النظرية في الأسس المنطقية للاستقراء حيث توصّل الإمام الشهيد الصدر (ره) إلي اكتشاف مهمّ وخطير علي صعيد نظرية المعرفة بشكل عام.
[41] إشارة إلي معتقد الإماميّة الاثني عشريّة المستند إلي أدلة المعقول والمنقول، وبالأخص إلي حديث الثقلين المتواتر «إني تركت فيكم ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي». راجع: صحيح مسلم 4: 1874 وراجع الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 89، قال: ثمّ اعلم أنّ لحديث التمسّك بذلك طرقاً كثيرة وردت عن نيّف وعشرين صحابيّاً. وكذلك إلي قوله (ص):«لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض...»، وإلي قوله (ص): «الخلفاء بعدي اثنا عشر كلهم من قريش». ومفاد ذلك كلّه تقرير هذا المعني.
[42] تحدّث النبيّ الأكرم محمد (ص) كثيراً عن خصائصهم وأدوارهم، ووظيفتهم ومهمّاتهم، وأنهم حملة الشريعة، وسفن النجاة، وأمان الأمّة، وعصمتها من الضلال، كما إليه الإشارة في حديث الثقلين، وحديث لن يفترقا، وكلاهما يؤكّدان عصمتهم، إذ لا يعقل أنهم عصمة الأمّة من الضلال، وأنهم لن يفترقا عن القرآن المعصوم، وهم غير معصومين!! راجع في هذا المطلب: الأصول العامّة للفقه المقارن / العلاّمة محمد تقي الحكيم / مبحث حجّية السنّة: ص 169 وما بعدها.
[43] أن يكون القائد التاريخي مهيّئاً نفسياً ومعدّاً إعداداً مناسباً لأداء المهمة، أمرٌ مفروغ منه، ولو رجعنا إلي القرآن الكريم لوجدناه يتحدّث عن هذه المسألة في تاريخ الأنبياء بصورة واضحة جدّاً، وبخاصة فيما يتعلّق بالنبيّ نوح (ع)، وهو أمرٌ يلفت الانتباه والنظر، وربّما يكون للتشابه والاتّفاق في الدور والمهمة التي أوكلت لهما، كما نبّه الشهيد الصدر (ره) إليه. راجع: مع الأنبياء / عفيف عبدالفتاح طبارة.
[44] ويمكن أن تقرّب هذا المعني بما عشناه وشاهدناه من صعود الاتّحاد السوفيتي وترقّيه حتي صار القطب الثاني في العالم، وتقاسم هو وأمريكا النفوذ الحضاري والهيمنة السياسية، وركبا معاً أجواء الفضاء، ثمّ شهدنا انهيار الاتّحاد السوفيتي وتفكّك أوصاله بمثل تلك السرعة القياسية في الانهيار، فكم كان لذلك من أثر؟ وكم كان فيه من عبرة؟ وكم فيه من دلالة عميقة؟
[45] جان جاك روسو (1712 ـ 1778 م) كاتب وفيلسوف فرنسي اعتبره بعض النقّاد الوجه الأبعد نفوذاً في الأدب الفرنسي الحديث والفلسفة الحديثة، وقد مهّدت كتاباته ومقالاته للثورة الفرنسية، وأشهر مؤلفاته العقد الاجتماعي، راجع: موسوعة المورد / منير البعلبكيّ 8: 169.
[46] إشارة إلي الآية القرآنية المباركة: (إنهم فتيةٌ آمنوا بربّهم وزدناهم هديً...)الكهف: 13، وراجع تفسيرها في الكشّاف / الزمخشري 2: 706، نشر دار الكتاب العربي ـ بيروت.
[47] إشارة إلي الآية: (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادو تسعاً...)الكهف: 25.
[48] وكلّ ذلك له مدخليّة في تربيته وإعداده الإعداد الخاص، بما في ذلك امتلاكه النظرة الشمولية العميقة، فضلاً عن شهوده بنفسه ضآلة أولئك المتعملقين الذين يملؤون الدنيا ضجيجاً وصخباً، ويسترهبون الناس، وهذا الشهود يؤهّله أكثر فأكثر لأداء مهمته الكونية في التغيير، أي ملئه للأرض عدلاً بعدما ملئت ظلماً، هذا بغمض النظر عن مؤهّلاته الذاتية، والعناية الربّانيّة الخاصة.
[49] ولا ينبغي أن يُشكِل أحدٌ بأنّ النبيّ محمد (ص) مع عالمية رسالته ومهمّته التغييرية الكبري، إلاّ أنه عاش في كنف الحضارة الجاهلية، ولم يتأثر بها، وكذا الأنبياء السابقون، فما هو الوجه في هذا الرأي؟ فجوابه: أ - إنّ النبيّ (ص) قد أخضع فعلاً إلي حالة عزلة تامة عن الحضارة الجاهلية، وأنه كما ورد في السيرة النبوية قد حبّب إليه الخلاء، وكان يذهب إلي غار حراء يتحنّث فيه، وكذا الأنبياء كانوا يتنزّهون عمّا عليه مجتمعهم، وكانوا يعتزلون، وإليه الإشارة في قوله تعالي: (فلمّا اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق) مريم: 49. ب ـ إنّ النبيّ المرسل يوحي إليه، ويسدّد مباشرة من السماء، ويبلّغ بالأعمال والخطوات التي يتخّذها خطوةً، والإمام (ع) لا يوحي إليه ـ كما هو عقيدة الإمامية ـ، ولا يبلّغ بالأمور مباشرة من السماء، نعم يكون مسدّداً وتحت العناية الربانيّة، ولذلك فهو يحتاج إلي إعداد خاص. ففي نفس الوقت الذي يكون فيه قريباً ومتّصلاً بالحضارة الإسلامية، مستمدّاً من آبائه (ع) الأصالة والمعرفة والعلم، يكون مطّلعاً علي التجارب البشرية والحضارات في صعودها وعوامل تكوّنها وقوّتها، وكذلك إخفاقاتها وعوامل ضعفها وانهيارها، فيستمد الخبرة والقدرة والإحاطة بالأمور جميعاً، هذا مع اعتقادنا بقدرات الإمام العلمية الذاتية التي وهبها الله تعالي له، وبكونه مسدّداً من السماء، كما سيتوضّح في المبحث الرابع.
[50] راجع: الفصول المهمّة لابن الصباغ المالكيّ المكّيّ (ت / 855 هـ). وراجع: الإرشاد / الشيخ المفيد: ص 316 وما بعدها.
[51] راجع: التتمّة في تواريخ الأئمّة / السيد تاج الدين العاملي من أعلام القرن الحادي عشر الهجري، نشر مؤسّسة البعثة - قم. وراجع: الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 123 ـ 124، إذ ذكر طرفاً من سيرة الإمام وكراماته.
[52] راجع: التتمّة في تواريخ الأئمّة / السيد تاج الدين العاملي من أعلام القرن الحادي عشر الهجري، نشر مؤسسة البعثة ـ قم. وراجع: الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 123 ـ 124، إذ ذكر طرفاً من سيرة الإمام وكراماته.
[53] راجع: الإرشاد / الشيخ المفيد: ص 319 وما بعدها. والصواعق المحرقة: ص 123 ـ 124. فقد أوردا قصة المحاورة التي دارت بين الإمام الجواد (ع) ويحيي بن أكثم زمن المأمون، وكيف استطاع الإمام (ع) أن يثبت أعلميّته وقدرته علي إفحام الخصم وهو في تلك السن المبكّرة.
[54] راجع: المجالس السنيّة / السيد الأمين العاملي 5: 209، وهذه قضية مشهورة تناقلها الخاص والعام. وراجع: صحاح الأخبار / محمد سراج الدين الرفاعي: ص 44، نقلاً عن الإمام الصادق والمذاهب الأربعة / أسد حيدر 1: 56. وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة ص 120: جعفر الصادق، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، وروي عنه الأئمّة الأكابر كيحيي بن سعيد وابن جريج ومالك والسفيانين وأبي حنيفة وشعبة وأيوب السختياني....
[55] كون الإمام أعلم أهل زمانه أمرٌ متسالم عليه عند الإمامية. راجع: الباب الحادي عشر / العلاّمة الحلّيّ، هذا وقد عُرّضوا لأكثر من اختبار صلوات الله وسلامه عليهم لإثبات هذا المدّعي، ونجحوا فيه. راجع: الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 123، فقد نقل تفصيلاً في هذه المسألة عن مسائل يحيي بن أكثم للإمام الجواد (ع).
[56] إنّ الاعتقاد بإمامة الأئمّة كلّف أتباعهم غالياً، وهذا ثابت تاريخياً، وليس إلي إنكاره من سبيل، والشاهد يدلّ علي الغائب أيضاً. راجع: مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج الأصفهاني.
[57] وقد أوصي الأئمّة بذلك أتباعهم كما هو لسان الروايات الكثيرة. راجع: أصول الكافي 1: 322 / كتاب الحجّة - باب 2 إنّ الواجب علي الناس بعدما يقضون مناسكهم أن يأتوا الإمام فيسألونه عن معالم دينهم، ويعلمونه ولايتهم ومودّتهم له. 55 - راجع في تاريخ الأئمة (ع)، وتعرّضهم للاضطهاد والمطاردة والسجن والقتل أحياناً: أ ـ الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي. ب ـ مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج الأصفهاني. ج ـ الإرشاد للشيخ المفيد.
[58] إشارة إلي الإمام المهديّ (ع)، ومن قبل إلي الإمام الجواد مثلاً.
[59] أي علي أنه يجب أن يكون أفضل الناس، وأعلم الناس كما هو معتقد الإماميّة الاثني عشريّة. راجع: حقّ اليقين في معرفة أُصول الدين للسيد عبدالله شُبّر (ت / 1242 هـ) 1: 141، المقصد الثالث.
[60] يقصد تقديم الإمام الصبيّ للاختبار أمام الملأ لإظهار حقيقة الأمر.
[61] قد فعل المأمون ذلك، وانكشف لدي الخاصّ من العلماء مدي ما يمتلكه الإمام الجواد (ع) من الفقه والعلم. راجع: الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 123.
[62] وقد شاهد خاصّة الشيعة الإمام المهديّ واتّصلوا به، وأخذوا عنه، كما حصل عن طريق السفراء الأربعة. راجع: تبصرة الولي فيمن رأي القائم المهديّ / البحراني، والإرشاد / الشيخ المفيد: ص 345، وراجع تفصيلاً وافياً في دفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي 1: 535 وما بعدها.
[63] وقد شاهد خاصّة الشيعة الإمام المهديّ واتّصلوا به، وأخذوا عنه، كما حصل عن طريق السفراء الأربعة. راجع: تبصرة الولي فيمن رأي القائم المهديّ / البحراني، والإرشاد / الشيخ المفيد: ص 345، وراجع تفصيلاً وافياً في دفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي 1: 535 وما بعدها.
[64] هذه التساؤلات يطرحها السيد الشهيد (ص) بصفتها من الإشكالات التي أثيرت وتُثار عادةً حول المهديّ (ع)، وهي أقصي ما يُثار في هذا الصدد، حتي أنّ بعض الكتّاب المعاصرين قد أثاروها أخيراً مدفوعين بدوافع غير علمية، مصحوبة تلك الإثارة بضجيج مكثّف، ومحاولات بائسة من الوهابية لترويجها وتبنّيها، ولا تخفي الدوافع بعد ذلك علي أحد. وقد أجاب الإمام الشهيد بجواب علمي لمن يريد الحقيقة. راجع ما كتبناه في المقدمة أيضاً.
[65] يلاحظ كتاب (المهديّ) للسيد العم الصدر قدّس الله روحه الزكية. (الشهيد الصدر). راجع: ما أثبته الشيخ العبّاد في مجلد الجامعة الإسلامية / العدد 3 سنة 1969. وراجع: المهديّ الموعود المنتظر / الشيخ نجم الدين العسكري.
[66] يلاحظ كتاب منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر للشيخ لطف الله الصافي. (الشهيد الصدر).
[67] راجع: معجم أحاديث الإمام المهديّ / مؤسّسة المعارف الإسلاميّة / الجزء الأول ـ أحاديث النبيّ.
[68] أخرج أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجة ونعيم بن حمّاد في الفتن عن علي (ع) قال: قال رسول الله (ص): «المهديّ منّا أهل البيت يصلحه الله في ليلة». راجع: الحاوي للفتاوي / السيوطي 2: 213 و 215 وفيه، أيضاً: أخرج أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود، عن عليّ، عن النبيّ (ص) قال: «لو لم يبقَ من الدهر إلاّ يومٌ لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً»، وراجع: صحيح سنن المصطفي 2: 207، وسنن ابن ماجة 2: 1367 / 4085. وراجع: معجم أحاديث المهديّ 1: 147 وما بعدها، إذ ينقل أحاديث كثيرة عن الصحاح والمسانيد في هذا المعني. موسوعة الإمام المهديّ / ترتيب مهدي فقيه إيماني، الجزء الأول، وفيها نسخة مصوّرة عن محاضرة الشيخ العبّاد حول ما جاء من الأحاديث والآثار في المهديّ (ع).
[69] الحاوي للفتاوي / السيوطي جلال الدين 2: 214، قال: وأخرج أبو داود وابن ماجة والطبراني والحاكم عن أمّ سلمة قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: «المهديّ من عترتي من ولد فاطمة». راجع صحيح سنن المصطفي لأبي داود 2: 208.
[70] حديث المهديّ من ذرية الحسين (ع) كما في المصادر الآتية علي ما نقل في معجم أحاديث المهديّ وهي: الأربعون حديثاً لأبي نعيم الأصفهاني كما في عقد الدرر للمقدسي الشافعي، وأخرجه الطبراني في الأوسط علي ما في المنار المنيف لابن القيّم، وفي السيرة الحلبية 1: 193، وفي القول المختصر لابن حجر. راجع منتخب الأثر للشيخ لطف الله الصافي في ما نقله من كتب الشيعة، وراجع توهين الرواية التي تقول بأنّه من ولد الإمام الحسن (ع) كتاب السيد العميدي (دفاع عن الكافي 1: 296).
[71] راجع الرواية التي تنص علي أنّه التاسع من ولد الحسين (ع) في: ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي: ص 492، وفي مقتل الإمام الحسين للخوارزمي 1: 196، وفي فرائد السمطين للجويني الشافعي 2: 310 ـ 315 الأحاديث من 561 ـ 569، وراجع منتخب الأثر للعلاّمة الشيخ الصافي إذ خرّجها من طرق الفريقين (دفاع عن الكافي 1: 294).
[72] حديث «الخلفاء بعدي اثنا عشر كلهم من قريش» أو «لا يزال هذا الدين قائماً ما وليه اثنا عشر، كلهم من قريش». هذا الحديث متواتر، روته الصحاح والمسانيد بطرق متعدّدة وإن اختلف في متنه قليلاً. نعم، اختلفوا في تأويله واضطربوا. راجع: صحيح البخاري 9: 101 كتاب الأحكام ـباب الاستخلاف. وصحيح مسلم 2: 119 كتاب الإمارة. مسند أحمد 5: 90، 93، 97.
[73] راجع الغيبة الكبري / السيد محمد الصدر: ص 272 وما بعدها.
[74] راجع التاج الجامع للأصول 3: 40، قال: رواه الشيخان والترمذي، وراجع في تحقيق الحديث وطرقه وأسانيده كتاب الإمام المهديّ (ع) / عليّ محمد عليّ دخيل.
[75] صحيح البخاري / المجلد الثالث / 9: 101، كتاب الأحكام ـ باب الاستخلاف. طبعة دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
[76] راجع: التاج الجامع للأصول 3: 40، قال تعقيباً علي الحديث: رواه الشيخان والترمذي، وفي الهامش قال: رواه أبو داود في كتاب المهدي بلفظ: لا يزال هذا الدين قائماً حتي يكون عليكم اثنا عشر خليفة...، وراجع سنن أبي داود 2: 207.
[77] المصدر السابق.
[78] المصدر السابق.
[79] مسند الإمام أحمد 5: 93، 100.
[80] المستدرك علي الصحيحين 3: 618.
[81] إشارة إلي قوله تعالي: (وما ينطق عن الهوي، إن هو إلاّ وحيٌ يوحي)النجم: 3 ـ 4.
[82] تقدّم تخريج الحديث.
[83] اضطرب العلماء في تأويله بعد إطباقهم علي صحته، وما أوردوه من مصاديق لا يمكن قبولها، بل أنّ بعضها غير معقول تماماً كإدخالهم يزيد بن معاوية المجاهر بالفسق، المحكوم بالمروق والكفر أو من هو علي شاكلته. راجع ما نقله السيد ثامر العميدي من أقوالهم، وقد ناقش هذه القضية مناقشة وافية وعلمية، وأبطل تأويلاتهم بما لا مزيد عليه في دفاع عن الكافي 1: 540 وما بعدها.
[84] راجع: الغيبة الصغري / السيد محمد الصدر، فقد توسّع في بحثها.
[85] إشارة إلي الغيبة الكبري.
[86] راجع: تبصرة الولي فيمن رأي القائم المهديّ / السيد هاشم البحراني. ودفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي 1: 568 وما بعدها.
[87] راجع ترجمة هؤلاء الأربعة في كتاب الغيبة الصغري للسيد محمد الصدر، الفصل الثالث: ص 395 وما بعدها، نشر دارالتعارف للمطبوعات / بيروت 1980.
[88] وهذه تُعرف بالتوقيعات، وهي الأجوبة التحريريّة والشفويّة التي نقلت عن الإمام المهديّ (ع). راجع: الاحتجاج / الطبرسي 2: 523 وما بعدها.
[89] مما استقر في الأوساط الأدبية وعند نقّاد الأدب قديماً وحديثاً أنّ الأسلوب هو الرجل، وهذه المقولة صحيحة. ومن هنا رأينا وسمعنا أنّ كثيراً من الأدباء وقارئي الأدب يميّزون بمجرّد قراءة النصّ شعريّاً كان أم نثريّاً أنه لفلان، وما ذلك إلاّ لأنّ الأسلوب هو الرجل، وأنّ لكلّ كاتب سمةً وطابعاً خاصّاً في كتابته يمكن تمييزه من غيره، هذا فضلاً علي تميّز خطّه الشريف من غيره من الخطوط.
[90] إشارة إلي النوّاب الأربعة المذكورين.
[91] وهو ما اصطلح عليه (بالمرجعيّة الدينيّة)، ويلاحظ هنا الصفات التي يري الإمام الشهيد لزوم توفّرها في المرجعيّة.
[92] إنّ اتّصال الإمام القائد المهديّ بقواعده الشيعيّة عن طريق نوابه ووكلائه، أو بأساليب أخري متنوّعة واقع تاريخي موضوعي ليس من سبيل إلي إنكاره، كما في السفارة، فضلاً عن الدلائل الأخري الكثيرة المستندة إلي إخبار من يجب تصديقه، ثم هو مقتضي الأحاديث المتواترة، كحديث: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية»، وغير ذلك. إنّ كلّ ذلك مجموعاً ـ وهو محل اتّفاق أكثر طوائف الملّة الإسلامية ـ يدحض وبشكل قاطع ما يثيره المتشكّكون حول وجود الإمام واستمرار حياته المباركة الشريفة، راجع: الغيبة الصغري / السيد محمد الصدر: ص 566. وراجع ما أثبتناه في المقدمة: ص 15 وما بعدها.
[93] ورد التوقيع الشريف عن الإمام القائد المهديّ (ع) بعدم إمكان رؤيته بشكل صريح بعد وقوع الغيبة الكبري، وهذا محل اتّفاق علماء الإمامية. وراجع مناقشة المسألة في: الغيبة الصغري / السيد محمد الصدر: ص 639 وما بعدها.
[94] علي الرغم من الأهمية التي يعطيها الشهيد الصدر (ره) هنا للظروف الموضوعية; ودور نضوجها أو إنضاجها في نجاح الثورات ـ وهذا فهم عميق لأثر العالم الاجتماعي والنفسيّ ـ إلاّ أنّ الشهيد الصدر (ره) يعرض نظرية جديدة في فهم عملية التغيير الاجتماعي الذي تحدثه السماء من خلال الرسالات السماوية، فهي في جانبها الرسالي ترتبط بقانونها الخاص، ولكن في جانبها التنفيذي تعتمد الظروف الموضوعية وترتبط بها توقيتاً ونجاحاً، وأعني بالظروف الموضوعية: الحالة السياسية، والحالة الاجتماعية للأمة، والواقع الدولي المعاصر، ومدي قدرة الأمة في إمكاناتها الذاتية واستعدادها النفسي.
[95] إشارة إلي قوله تعالي: (قالوا حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين، قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً علي إبراهيم، وأرادو به كيداً فجعلناهم الأخسرين) الأنبياء: 68 ـ 70.
[96] راجع الرواية في تفسير ابن كثير 2: 33، وراجع: البحار / المجلسي 18: 47 و 52 و 60، 75، باب معجزات النبيّ (ص).
[97] تاريخ الطبري 2: 244 حوادث السنة الخامسة من الهجرة.
[98] كما هو نصّ الحديث النبويّ الشريف: «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يومٌ لطوّل الله ذلك اليوم حتي يبعث رجلاً منّي أو من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً». راجع: التاج الجامع للأصول / منصور علي ناصف 5: 360 الهامش، قال: رواه أبو داود والترمذي.
[99] لقد شاهدنا في بداية التسعينات المصداق لهذه المقولة التي أطلقها الشهيد الصدر (ره) استناداً إلي خبرته العميقة بالمجتمع البشري، فقد انهار الاتّحاد السوفيتي وهو أحد القطبين اللذين كانا يهيمنان علي العالم انهياراً سريعاً جداً، وبصورة أذهلت الجميع.
[100] إشارة إلي نظرية المادية التاريخية، أي إلي التفسير الماركسي للتاريخ، راجع: اقتصادنا 1: 19، وفيه تحليل علميّ ومناقشة فلسفية عميقة بقلم الإمام الشهيد الصدر (ره).
[101] إشارة إلي كتاب (فلسفتنا)، وإلي مقدّمة كتاب (اقتصادنا).
[102] راجع: كتاب الأبطال (البطل في صورة نبيّ) / توماس كارليل / ترجمة الدكتور السباعي، سلسلة الألف كتاب ـ مصر.
[103] راجع المقدمة الثانية في الفتاوي الواضحة: ص 63، وفيها توضيح وتفصيل لهذه المسألة.
[104] التاج الجامع للأصول 5: 343، عن أبي سعيد (رض) عن النبيّ (ص): المهديّ منّي أجلي الجبهة أقني الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».
[105] إشارة إلي علامات الظهور أو الملابسات والأحداث والوقائع التي تسبق ظهوره المبارك أو ترافق ظهوره كما صوّرتها الروايات ووردت بها الآثار الصحيحة، وقد بُسّطت تفصيلاً في (عصر الظهور) للسيد محمد الصدر. وراجع: الإرشاد / الشيخ المفيد: ص 356 وما بعدها. وراجع أيضاً: الإشاعة لأشراط الساعة / محمد بن رسول الحسينيّ البرزنجيّ.
[106] وفيه إشارة إلي ما يمكن أن تجّر إليه الإنسانية من أزمة حضارية بسبب التنافسات والصراعات بين الحضارات المادية والكيانات السياسية، وفشلها في تحقيق الأمن والاستقرار والسعادة للإنسان، ولقد بدأت بوادر مثل هذا الفراغ تظهر وتتّسع شيئاً فشيئاً في عصرنا الراهن في شرق الأرض وغربها، وكلّ متتب،ع للأخبار والتقارير الصحفية والتحقيقات الخبريّة يعرف ذلك جيّداً. وما اليوم الموعود ببعيد.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.