المنتظر و المنتظر و الانتظار

اشارة

نوع: مقاله

پديدآور: قبانچي، محمد

عنوان و شرح مسئوليت: المنتظر و المنتظر و الانتظار [منبع الكترونيكي] / محمد قبانچي

توصيف ظاهري: 1 متن الكترونيكي: بايگاني HTML؛ داده هاي الكترونيكي (11 بايگاني: 84KB)

موضوع: انتظار منجي

ظهور منجي

محمد بن حسن (عج)، امام دوازدهم

مقدمة

بسمه تعالياللهم صل علي محمد وآل محمدالمنتظَر والمنتظر والانتظار: _ثلاث مفردات ذات علاقة وطيدة بعضها مع البعض الآخر متلازمة فيما بينها، فما دام يوجد منتظِر فلابدَّ أن يكون هنالك منتظَر، وإذا وجد هذان المعنيان فلابدّ أن ينبعث منهما مفهوم آخر ومعني ثالث وهو الانتظار.فما هي دلالات هذه المفردات الثلاث؟ وما هي معطياتها؟ وما هي تلك الأبعاد التي صاغت من هذه المفردات عقيدة متجذرة بقدم الانسانية، ذات بعد تاريخي يمتدّ عبر الأديان لتشكّل حلقة الوصل فيما صدعت به الرسل ونادت به الشرائع السماوية بأجمعها؟ _ كما سوف يتضح _ فكان الانتظار، وكانت الفكرة، وكانت الأطروحة تشكل بأبعادها الثلاثة محوراً وحدوياً آخر ارتسم جلياً وواضحاً في جبين الرسالات وتطلعاتها.بل من حقنا أن نعجب حينما نتأمل في العامل المشترك لهذه الكلمات كيف كوّنت بأجمعها هدف الانسانية في الوجود؟إذن نجد لزاماً علينا أن نتحرك مع هذه الدلالات، ونتوقف لنتأمل في حركيتها من خلال ما تختزنه من أبعاد ومفاهيم فكرية علي الصعيد النظري وشمولية في وجدان الأمة وحياتها علي الصعيد العملي.

المنتظَر

لست أجد نفسي بحاجة الي أن أعرِّف هذه اللفظة من ناحية لغوية.... بيد أنّي سوف أشير إليه ليكون دالاً علي ما يراد منه في المفهوم العقيدي أو ما يعبر عنه بالمعني المصطلح.فالمنتظَر هو ذلك الشيء الذي يُتَرقب حُدوثه ووقوعه، وله ترابط وثيق كما قلنا مع المنتظِر والانتظار سواء علي صعيد المعني اللغوي أو الوجود الذهني، بل حتي علي مستوي الواقع العملي إذ بتحقق واحدٍ منها لابدّ أن يتحقق الباقي بالضرورة.الي هنا صار واضحاً عمومية المعني اللغوي وسعة دلالته إذ يُركِّز علي عنوان الشيئية وهي من أوسع المفاهيم علي الاطلاق. ولكن المفهوم العقائدي يحصر هذه الشيئية في مصداق واحدٍ فقط

ينصرف اليه الذهن العقيدي بمجرد التلفظ به إذ نري اللفظ في الذهنية (المنتظِرة) الشيعية لا يحمل هذا العموم، بل ولا يتحمل هذه السعة في الدلالة، وإنما بعيداً عن الاطلاق وسعته وفراراً من الشيئيّة وشموليّتها نراه يرفض كل هذا ليدخل في حلقة التشخص، فلا يتبادر من المعاني لهذا النوع من الذهنية إلاّ معني واحد ومفهوم فارد وهو (الحجّة ابن الحسن) عليه وعلي آبائه آلاف التحية والسلام. وكأنّ اللفظ خُلق له واختصّ به، فأصبح عَلماً لا يتحمل أكثر من معني خاص وليس له أكثر من مصداق واحد.نعم... المنتظَر هو الثاني عشر من تلك الأنوار القدسية خلفاء النبي صلي الله عليه وآله.هو... التاسع من ولد الحسين بن علي عليهم السلام.هو... ولد الحادي عشر من أئمة الهدي الحسن بن علي العسكري سلام الله عليه.الي هنا كان تعريفاً بالمصداق الأوحد لهذه المفردة، وبقي في البين عدّة تساؤلات تراود ذهن المثقّف المسلم:ما هي العلاقة بين المفردة وبين هذه الشخصية حتي لا تنصرف إلاّ اليها ولا يعرف لها معني آخر دونها؟ثم ماذا يراد وينتظَر منه؟ثم بعد كل هذا وذاك ما هو الدليل علي كل هذه الادعاءات؟ولنا أن نجيب عن التساؤل الثاني بأنّ المراد والمأمول منه والمنتظَر من هذا المصداق هو تحقيق وعد الله جلّ وعلا للمؤمنين بوراثة الارض.وتحقيق الحكمة الالهية من الخلق.وتحقيق الكمال العلمي لأقصي ما تستطيعه البشرية ومنتهي قدرة عالم الامكان.ننتظر منه... بسط العدل والقسط في أرجاء المعمورة بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.ننتظر منه... أن يُصلح ذواتنا ويأخذ بأيدينا إلي ما فيه صلاح دنيانا وأخرانا.ننتظر منه... أن ينظر إلينا بنظرة رحيمة نستكمل بها الكرامة عنده ثمَّ لا يصرفها عنّا.ننتظر منه... أن يأخذ بثأر جدّه الحسين وأمّه فاطمة وجميع المستضعفين في العالم.ننتظر

منه... أن يقبلنا في ساحة كرمه وجوده.ننتظر منه أن يرينا طلعته الرشيدة وغرّته الحميدة وتكتحل نواظرنا بنظرة مِنّا إليه.ننتظر منه... أن يجدد ما عُطّل من أحكام كتاب الله ويشيّد ما ورد من أعلام دين الله وسنن نبيه صلّي الله عليه وآله.ننتظر منه... إعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين والمنافقين وإحياء سننِ المرسلين ودارسِ حكم النبيين.ويمكننا أن نجيب بإجابة واحدة علي هذه التساؤلات لما بينها من ربط وثيق باعتبار تداخلها وتشابكها فيما بينها فنقول:هذه العلاقة بين المفردة والمصداق واللفظة ومعناها الاصطلاحي أوجدها وغرسها صاحب الشرع وخاتم الرسل محمّد المصطفي صلّي الله عليه وآله ومن بعده أئمة الهدي ومصابيح الدجي أهل بيته وَعَيبة علمه ابتداءاً بأمير المؤمنين وختاماً بمهديها سلام الله عليهم أجمعين.فاذا صحّ أن تكون هنالك حقائق شرعية كما عبّر عنه في الأصول فمن حقنا بل بوسعنا جداً إطلاق الحقيقة العقائدية علي مثل هذا النقل والتخصيص والحصر لدورانه في فلك الفكر العقيدي بعيداً عن عالم الشرعيات والتعبديات بالمعني المصطلح، وإن دخل في معني الشرع والتعبد من أوسع أبوابه وأفضل طرقه باعتبار من الاعتبارات.وأهديك أخي المنتظِر _ جعلنا الله وإيّاك من المنتظرين حقاً _ باقة من أزهار أحاديثهم وإضاءات من أنوار كلماتهم تحوي في طيّاتها هذه المفردة مع تعيين مصداقها وتشخيص صاحبها.1 _ الصراط المستقيم: وأسند _ يعني الحاجب برجاله _ الي ابن عباس أنه قال يوم الشوري: كم تمنعون حقّنا، وربّ البيت إنّ عليّاً هو الامام والخليفة، وليملكنّ من ولده أئمة أحد عشر يقضون بالحق أوّلهم الحسن بوصيّة أبيه إليه، ثم الحسين بوصيّة أخيه إليه، ثم ابنه علي بوصيّة أبيه إليه، ثم ابنه محمد بوصيّة أبيه اليه، ثم ابنه جعفر بوصيّة أبيه إليه، ثم ابنه موسي بوصيّة أبيه

إليه، ثم ابنه علي بوصيّة أبيه إليه، ثم ابنه محمد بوصيّة أبيه إليه، ثم ابنه علي بوصيّة أبيه إليه، ثم ابنه الحسن بوصيّة أبيه إليه، فإذا مضي فالمنتظَر صاحب الغيبة.قال عليم لابن عباس: من أين لك هذا؟ قال: إنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علّم علياً ألف باب فتح له من كل باب ألف باب، وإنّ هذا من ثَمَّ.2 _ كمال الدين: عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي الرضا علي بن موسي عليهما السلام قصيدتي التي أوّلها:مدارسُ آياتٍ خَلَت من تِلاوَةٍ وَمَنِزلُ وحَيٍ مُقفرُ العرصاتِفلما انتهيت الي قولي:خُروجُ إمامٍ لا محالة خارج يقومُ علي اسمِ الله والبَركَاتِيميّز فينا كلّ حقٍّ وباطلٍ ويجزي علي النعماء والنَقماتِبكي الرضا عليه السلام بكاءً شديداً، ثمّ رفع رأسه إليَّ فقال لي: يا خزاعي، نطق روح القدس علي لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الامام؟ ومتي يقوم؟ فقلت: لا يا مولاي، إلاّ أنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً [كما ملئت جوراً]، فقال: يا دعبل، الامام بعدي محمّد ابني، وبعد محمّد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم، المنتظََر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتي يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وأما (متي) فإخبارٌ عن الوقت، فقد حدّثني، أبي عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلّي الله عليه وآله وسلم قيل له: يا رسول الله، متي يخرج القائم من ذرّيتك؟ فقال صلّي الله عليه وآله وسلم: مَثَله مثل الساعة التي (لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ

هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ) لا يأتيكم إلاّ بغتةً.3 _ كمال الدين: الصدوق بسنده عن الصقر بن أبي دلف، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام يقول: إنّ الامام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والامام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثم سكت، فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الامام بعد الحسن؟ فبكي عليه السلام بكاءً شديداً، ثم قال: إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظَر، فقلت له: يا ابن رسول الله، لِمَ سُمّي القائم؟ قال: لأنه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته، فقلت له: ولِمَ سُمّي المنتظَر؟ قال: لأنَّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزأ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون.4 _ دلائل الامامة: عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلم قال: إذا توالت أربعة أسماء من الأئمة من ولدي محمّد وعلي والحسن فرابعها هو القائم المأمول المنتظَر.5 _ المحكم والمتشابه: في قوله تعالي: (الله نُور السَماوَاتِ وَالأرْض...) الاية، عن تفسير النعماني، بسنده عن الصادق عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام: فالمشكاة رسول الله صلّي الله عليه وآله، والمصباح الوصي والأوصياء عليهم السلام، والزجاجة فاطمة عليها السلام، والشجرة المباركة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، والكوكب الدريّ القائم المنتظَر الذي يملأ الأرض عدلاً.6 _ الكافي: عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنَّ للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال: قلت: وَلِمَ؟ قال: يخاف، وأومأ بيده إلي بطنه، ثمَّ قال: يا زرارة! وهو المنتظ ََ ََََر، وهو الذي يُشكّ في ولادته، منهم من

يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظَر، غير أنّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون.7 _ مصباح المتهجّد: أخبرنا جماعة من أصحابنا، عن أبي المفضّل الشيباني، قال: حدّثنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد العابد بالدالية لفظاً، قال: سألت مولاي أبا محمد الحسن بن علي عليهما السلام في منزله بسرَّ من رأي سنة خمس وخمسين ومائتين أن يملي عليَّ [من] الصلاة علي النبيّ وأوصيائه عليه وعليهم السلام، وأحضرت معي قرطاساً كبيراً، فأملي عليّ لفظاً من غير كتاب [وقال: اكتب] الصلاة علي النبي صلّي الله عليه وآله... ثم ذكر الصلاة عليه وعلي الائمة عليهم السلام واحداً بعد واحد إلي مولانا صاحب الزمان عليه السلام، وقال ما هذا لفظه: الصلاة علي وليّ الأمر المنتظَر صاحب الزمان محمّد بن الحسن بن علي عليهم السلام، اللهم صلّ علي وليّك وابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم، وأوجبت حقَّهم، وأذهبت عنهم الرجس وطهَّرتهم تطهيراً... إلخ

المنتظِر

في رحاب المفردة الثانية لنا وقفة تأملية مع المعني السليم للمنتظِر، وطبيعة الحال فالمنظور هنا هو المعني المصطلح أي انتظار مهديّ هذه الأمّة الثاني عشر من عترة النبيّ صلّي الله عليه وآله، ولكن ما نحتاجه هنا والذي ينبغي أن نضع النقاط عليه، وما يفيدنا في هذا المضمار هو الاجابة علي عدة أسئلة تتمحور في النظرة المتطلّعة الي هذا المفهوم العقيدي:ماذا ينتظر الانسان؟وما هي المقدمات التي ينبغي الالتفات اليها حتي يكون الانسان منتظِراً؟وإذا كان المنتظِر هو ذلك الانسان المترقب والمتوقع لحدوث شيءٍ، فما هو الحدث الذي يترقبه المرء؟هل هو وجود مهديِّ هذه الأمّة؟ وهل يُدخله هذا النوع من الترقّب في

عداد المنتظرين؟أو أنه يترقب تحقق أمنياته الذاتية وتوفر مطالبه الشخصيّة يصاحب ذلك انغلاق خاص علي الذات واحتياجاتها والنفس وأحلامها؟وبعبارة ثانية: ما هي معالم المنتظِر؟فهل كلّ من يؤمن بعقيدة المصلح العالمي يعدّ من المنتظرين؟بل لنحدّد المصطلح بشكل أدقّ ونقول: هل كلّ من يؤمن بالعقيدة الاثني عشرية وبولادة الامام الحجّة ابن الحسن عليه السلام يعدّ من المنتظرين؟وبمقولة ثالثة: هل العقيدة المهدوية من الأمور العبادية القلبية؟ أو هي من الأمور العبادية الجوارحيّة؟ ولنا أن نتسائل باصطلاح المناطقة والحكماء _ إن صحّ الاطلاق _ فنقول: هل هي من مقولة العقل النظري فقط أو أنها تابعة للعقل العملي، أو علي أقل لها بعد عملي؟وفي هذا الصدد يمكننا القول وبصراحة انّه ليس كلّ من اعتقد بالمصلح العالمي يعدّ منتظراً، وكذلك ليس كلّ من كان معتقداً بالعقيدة الاثني عشرية يعدّ منتظراً. وهكذا يعمّم هذا النفي ليشمل من اعتنق المهدوية قلباً وآمن بها جناناً ووجداناً ولكن لم يجسّدها حركةً علي صعيد الواقع، ولم يتعاط معها كقضية واقعية محسوسة لها بعدها وأثرها علي مستوي الفرد والمجتمع.ويبقي هذا الوصف _ علي حقيقته وصدقه علي بعض الأفراد _ قضية مشكّكة تتأرجح بين القوة والمتانة والضعف والاضطراب بحسب اختلاف انطباقها بين الأفراد المنتظرين كسائر القضايا الايمانية والعقائدية الأخري.معالم المنتظِر:صحيح أنّ هذا الوصف _ كما سبق _ من الأمور والقضايا المشككة والتي تختلف من شخص لآخر في جوانب قوتها وضعفها وضيقها وسعتها، ولكن هذا لا يمنع من رؤية بعض المواصفات وتسجيلها في ضمن قائمة معالم المنتظِر والتي تمثّل المقوّمات الأساسية له سواء علي صعيد الجانب العقيدي والايماني أو يتخطي الي جوانب تفعيل العقيدة فيحصّلها واقعاً حركياً ملموساً، وهكذا فقد تُمثّل بعض المقوّمات في الحقيقة مقدمات كبرويّة لا يمكن

أن يتحقق عنوان المنتظِر من دون تمركزها مسبقاً في الذهنية الايمانية وفي إطار وحيّز الانسان الذي يراد منه أن يكون منتظِراً حقيقياً.وهكذا قد تشترك بعض المقدمات هنا مع مقدمات الانتظار لما قلنا سابقاً من وجود العنصر المشترك الذي تتحرك حوله هذه المفاهيم الثلاثة.والمواصفات المقوّمة لعنوان المنتظِر هي:1 _ الاعتقاد بوجود الاله العالم الحكيم الرؤوف بعباده والذي لا يفعل أمراً إلاّ وفيه مصلحة وحكمة.2 _ الاعتقاد بوجود الرسل والمبعوثين من قبل الله سبحانه وتعالي لهداية العباد وإخراجهم من الظلمات الي النور.3 _ الاعتقاد بخاتم الرسل محمّد صلّي الله عليه وآله وسلم وأنّ شريعته خاتمة الشرائع لا دين بعده (إن الدين عند الله الاسلام)، (ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه) وعلي هذا الاساس فلابدّ أن يكون أكمل الأديان كافة، ومنسجماً تمام الانسجام مع متطلبات كلّ عصر وملبياً لحاجات كلّ زمن. وله القدرة علي التعاطي والتجاذب مع الاحداث المختلفة سعة وضيقاً، وبكلمةٍ موجزة وعبارةٍ واضحة يجب الاعتقاد بأن الاسلام هو ذلك الدين الالهي الذي باستطاعته إعطاء الحلول والاجابات بشكلٍ متين وإسلوب واضح لكلّ مشاكل الحياة من جهة وما يعتلج في الصدور ويستراب في القلوب عند البشرية منذ عصر الرسالة والي أن تقوم الساعة من جهة أخري.4 _ الاعتقاد بوجود أوصياء وخلفاء من بعد رسول الله صلي الله عليه وآله منتخبين ومعينين من قبل الله تعالي لا دخل للعنصر البشري في اختيارهم وتعيينهم حتي الي نفس النبيّ الأكرم صلّي الله عليه وآله وسلم، وهم أئمة إثنا عشر أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم تسعة من ذرية الحسين آخرهم (م ح م د) بن الحسن العسكري، يتصفون بمواصفات وهبها الله

اليهم خاصة من أبرزها العصمة ليس فقط عن الذنب وليس فقط في مجال التبليغ، بل تتسع لتشمل السهو والنسيان بل كل نقيصة أو ما يخالف المروءة. إذ (العصمة هي التنزُّه عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها، وعن الخطأ والنسيان... بل يجب أن يكون منزّها حتّي عمّا ينافي المروّة، كالتبذل بين الناس من أكلٍ في الطريق أوضحكٍ عال، وكلّ عملٍ يستهجن فعله عند العرف العام).5 _ الاعتقاد بأنّ الامام المهدي مولود من سنة 255 ه_ وتقلّد الامامة الالهيّة عام 260 ه_ في يوم شهادة والده وهو حجّة الله في الأرض، وهو حيّ موجود بيننا يرانا ونراه ولكن لا نعرفه ولا نشخّصه بمصداقه وإن كنّا نعرفه بمشخصاته وهويته وأوصافه.6 _ الاعتقاد بأنّ الامام الثاني عشر الحجّة ابن الحسن غيّبه الله عن العباد لمصلحة وحكمة خفيت علينا وإن كنّا نعلم بعض أطرافها وأسبابها، وسوف يظهره الله تعالي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.7 _ الاعتقاد بأنّ المنتظَر هو ذلك الامام المطّلع علي حقائق أمورنا وخفايا أعمالنا.ذلك الامام الذي يسمع كلامنا ويردّ سلامنا.ذلك الامام الذي يجيبنا إذا دعوناه ويشفع لنا إذا رجوناه.ذلك الامام الذي يحسّ آلامنا ويفرح لفرحنا ويحزن لحزننا ويتألم لما يجري علينا.هذا كلّه بلحاظ عالم الاعتقادات وفي مجال الفكر والنظر، أما مقومات الجانب العملي في الانتظار ومعرفة المواصفات الخاصة العملية التي ينبغي توفرها عند المنتظرين حتي يتصف الانسان بهذه الصفة علي نحو الحقيقة بحيث ينطبق عنوان (المنتظِر) عليه انطباقاً واقعياً حقيقياً لا مجاز فيه فسوف تطالعك تحت عنوان: (كيف تكون منتظِراً حقيقياً).وهنالك مقوّمات ونقاط أخري أعرضنا عنها روماً للاختصار وحذراً من التطويل.وقد يقول البعض إنّ انتظار المصلح العالمي لا يتوقف علي كثير من هذه المقومات

المدعاة، بل أكثر من هذا لا يتوقف علي الاعتقاد بوجود الله تعالي لأننا نجد أنّ الانسان الديالكتيكي المادي يعتقد بضرورة صلاح العالم في يوم ما علي يد رجال أكفاء يعمّ في عصرهم الرخاء والمساواة والحرية!!!. يقول الشهيد الصدر في بيان عالمية الانتظار وعدم اختصاصه بفئة دون أخري (لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر علي المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتدّ الي غيرهم أيضاً وانعكس حتّي علي أشدّ الإيديولوجيات والاتجاهات العقائدية رفضاً للغيب والغيبيات، كالمادية الجدلية التي فسّرت التاريخ علي أساس التناقضات، وآمنت بيوم موعود تصفّي فيه كلّ تلك التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام).وهكذا فالاعتقاد بمجيء المصلح العالمي قضية فطرية غرسها الله في فطرة كلّ إنسان ولا يمكن أن تتفق البشرية علي خطأ (وذلك لأنّ أي مطلب يريده الناس كافّة دليل علي فطريته،... [إذ] كل حبّ أصيل وفطري يحكي عن وجود محبوب خارجي وجذاب، كيف يمكن أن يخلق الله التعطش في داخل الانسان دون أن يخلق في خارجه الينبوع الذي يصبو نحوه ليرتوي منه؟ لهذا نقول إنّ فطرة الانسان وطبيعته التي تبحث عن العدالة تصرخ بأعلي صوتها أنّ الاسلام والعدالة سوف يسودان العالم كلّه في نهاية المطاف، وأنّ مظاهر الظلم والجور والأنانية سوف تزول، وأنّ البشرية ستتوحد في دولة واحدة وتعيش تحت راية واحدة في جوٍّ من التفاهم والطهارة) إذن فليست قضية الانتظار (تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها وصياغة لالهام فطري أدرك الناس من خلاله أن للانسانية يوماً موعوداً علي الارض).وهذا كلام صحيح ومنطقي في حدّ ذاته وأمر مقبول جداً، ولكن الذي نقصده من المنتظِر والانتظار شيء وراء المصلح العالمي، وهذا سبق وأن

أوضحناه حينما قلنا أنه ليس كل من يعتقد بضرورة المصلح العالمي يعدّ من المنتظرين، بل أكثر من هذا فنحن قد نفينا أن يكون المؤمن المعتقد بالامام المهدي عليه السلام من مصاديق المنتظرين إذا كان خالياً عن تجسيد هذا المفهوم في الواقع المعاش. علي نطاق ذاته وخصوصياته ومن ثمَّ انطلاقاً وامتداداً إلي مجتمعه وأطرافه.فالاعتقاد بأمثال هذه المفاهيم وإن كان حقاً وصدقاً ومطابقاً للواقع المستقبلي، ولكن هذا شيء وكونه من المنتظرين لمثل هذه الشخصية العالمية التي تطبّق عدالة السماء في الأرض شيء آخر، فبينهما بون شاسع كما هو الحال بين العلم بالشيء والاعتقاد والايمان به فابليس علي سبيل المثال كان يعلم بوجود الله وقدرته ويعلم بوجود الجنة والنار علم اليقين، ربّما كان يفوق علم الكثير منّا لأنه رأي هذه الأمور رؤية عين ونحن سمعناها ولم نر شيئاً.ولكن مع ذلك يعدّ الله الذين اعتقدوا بما قاله النبي الكريم صلي الله عليه وآله مؤمنين ويعدّ إبليس من الكافرين. إذن فالقضية لا تعتمد ولا تصدق علي مجرد الاعتقاد والعلم بالشيء بقدر ما هي متوقفة في انطباقها علي آثارها وتداعياتها خارج حدود الذات كما جاء في الحديث (الايمان قول باللسان ومعرفة بالقلب وعمل بالاركان)

كيف تكون منتظراً حقيقياً؟

ربّما يجد المرء من نفسه اعتقاداً راسخاً ويقيناً عميقاً بالمقومات والنقاط المذكورة آنفاً ولكن لا يحسّ من نفسه بلوعة الانتظار ولا تدمع له عين لألم الفراق، ولا يسهر له جفن شوقاً الي اللقاء وطمعاً في لحظة الوصال. ولا تقضّ مضجعه ذكري الغريب المضطّر.فهو مؤمنّ بالمنتظَر عليه السلام علي مستوي النظرية من دون تجسيد ذلك علي مستوي التطبيق والواقع العملي، فمن هنا كان لزاماً علي المرء المنتظر ولكي يجمع بين المفهوم والمصداق والنظرية والتطبيق، ولكي يجعل من نفسه

مفردة إيمانية محصّلة لكامل مفردات الايمان في الحديث الشريف السابق لابدّ إذن من رسم خطوات عملية ممنهجة، ووضع آليّة حركية خاصة لكسب هذه المقومات وتحصيل صفة المنتظِر والانتظار إن كانت مفقودة وتركيزها وتقويتها إن كانت ضعيفة. وأفضل منهجيّة يتّبعها الانسان وأسلم برنامج عملي مضمون النتائج لكسب هذا المقام الشامخ هو ما رسمه أهل البيت عليهم السلام لنا وما نهجوه من منهاج.فلذا من الأفضل تتبّع آثارهم الشريفة وسلوك أقوالهم الكريمة والانتهال من نميرهم العذب.وأوّل هذه الخطوات هي:1 _ أن لا يكون الانتظار لأجل تحقيق مطامع شخصية وتحصيل وجاهات ذاتية فانّ هذا الانسان ليس منتظراً للامام عليه السلام في الحقيقة وإنّما هو منتظرٌ للحصول علي الشهوات النفسانية واللذّات الجسمانية. كما قال أمير المؤمنين (إني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم)، ولهذا نجد الامام الصادق عليه السلام يحذّر أبا بصير رحمه الله من مثل هذا الانتظار القائم بالحقيقة علي الأطماع الذاتية، كما جاء في أصول الكافي عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك، متي الفرج؟ فقال: يا أبا بصير، وأنت ممّن يريد الدنيا، من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه لانتظاره.وهكذا جاء في تحف العقول عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: افترق الناس فينا علي ثلاث فرق:فرقة أحبّونا انتظار قائمنا ليصيبوا من دنيانا فقالوا، وحفظوا كلامنا وقصروا عن فعلنا فسيحشرهم الله الي النار، وفرقة أحبّونا وسمعوا كلامنا ولم يقصروا عن فعلنا، ليستأكلوا الناس بنا فيملأ الله بطونهم ناراً يسلط عليهم الجوع والعطش، وفرقة أحبّونا وحفظوا قولنا وأطاعوا أمرنا ولم يخالفوا فعلنا فاولئك منّا ونحن منهم.وهذا يذكّرنا بحال طلحة والزبير حينما بايعا علياً طمعاً في أن ينالا منه سلطاناً أو

جاهاً فلما خابا وخسئا نكثا بيعتهما وأخلفا وعدهما وباءا بالخسران المبين في الدنيا والاخرة.2 _ السعي الحثيث والجاد لتهذيب النفس وتحليتها بالاخلاق الفاضلة وتقوي الله والورع عن محارمه، فقد جاء في الحديث الشريف عن أ بي عبد الله عليه السلام: من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظِر، وليعمل بالورع ومحاسن الاخلاق وهو منتظر، فان مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدّوا وانتظروا هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة.3 _ التهيء العسكري: _الأمر الثالث المحقق لكمال الانتظار وتمامية الشخصية المنتظرة هو التهيء في البعد العسكري والاستعداد الكامل في بناء الذات من ناحية قتالية من خلال التربية البدنية والجسدية حتي تكون مؤهلة لذلك اليوم المنشود، وقادرة علي الحركة بقوة وصلابة في ميادين القتال تحت راية الامام عليه السلام، أو من خلال تهيئة السلاح الكامل المناسب لذلك العصر، وقد أمر أهل البيت عليهم السلام بذلك صريحاً في أحاديثهم المباركة فعن أبي بصير كما جاء في غيبة النعماني قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ليُعدَّن أحدُكم لخروج القائم ولو سهماً، فانّ الله إذا علم ذلك من نيّته رجوت لأن ينسيء في عمره حتي يدركه، ويكون من أعوانه وأنصاره.وهذا ما نجده واضحاً جليّاً في دعاء العهد الذي يستحب قراءته في كلِّ يوم (اللّهم إن حال بيني وبينه الموتُ الذي جعلته علي عبادك حتماً مقضيّاً فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني شاهراً سيفي مجرّداً قناتي مُلبيّاً دعوة الداعي في الحاضر والبادي...).لذا يمكننا أن نسجِّل هذا الأمر في ضمن مفردات الانتظار العملي لما يتمتع به هذا الاستعداد من بعث روح النشاط والحماس والجدّ والرغبة الملحّة والفاعلة لظهوره سلام الله عليه.4 _ التهيء العبادي:لا شك ولا ريب

أنّ العبادة بجميع مفرداتها لهي خير وسيلة لتركيز صفة الانتظار في النفس الانسانية وهذا ما نبّه عليه أهل البيت كما قرأت في ضمن الأحاديث السابقة، ولكنّ المهمّ هنا هو دوام ذكره سلام الله عليه والدعاء له فمضافاً الي أنه من أهم العبادات نراه يُشكل عاملاً آخر من عوامل بناء الشخصية المنتظِرة. وقد ذكر لنا أهل البيت عليهم السلام برنامجاً يومياً وأسبوعياً لهذا الأمر ركّزوا من خلاله علي هذا الجانب تركيزاً كبيراً، فلذا ينبغي علي المؤمن الالتفات اليه وعدم الغفلة عنه، ونحن نذكر هذا البرنامج بشكل مختصر لعموم الفائدة:البرنامج اليومي: _1 _ قراءة دعاء العهد بعد صلاة الصبح.2 _ التصدّق بمبلغ معيّن لسلامة صاحب العصر.3 _ الصلاة علي محمد وآل محمد 100 مرة بنيّة تعجيل الفرج.4 _ قراءة دعاء: اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن... بعد الصلوات الواجبة.5 _ أداء صلاة الغفيلة بين العشائين بنيّة تعجيل الفرج.البرنامج الاسبوعي: _1 _ أداء صلاة الإمام المهدي عجل الله فرجه مساء الثلاثاء ليلة الأربعاء.2 _ قراءة زيارة آل يس مساء الخميس ليلة الجمعة.3 _ قراءة دعاء الندبة صباح الجمعة.

فضل المنتظرين

في هذا الفصل نذكر نبذة من أنوار كلماتهم ونماذج من محاسن أقوالهم _ وكلها نورانية وجميعها حسنة _ في بيان ما للمنتظِر من الفضل والأجر عند الله تعالي:1 _ عن عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيما أفضل: العبادة في السّر مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل أو العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام منكم الظاهر؟ فقال: يا عمار: الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك والله عبادتكم في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل وتخوفكم من عدوكم في دولة الباطل

وحال الهدنة أفضل ممّن يعبد الله عز وجل ذكره في ظهور الحق مع إمام الحق الظاهر في دولة الحق، وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحق، واعلموا أنّ من صلّي منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة مستتر بها من عدوه في وقتها فأتمها، كتب الله له خمسين صلاة فريضة في جماعة، ومن صلي منكم صلاة فريضة وحده مستترا بها من عدوه في وقتها فأتمها كتب الله عز وجل بها له خمسا وعشرين صلاة فريضة وحدانية، ومن صلي منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمها، كتب الله له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب الله عز وجل له بها عشرين حسنة، ويضاعف الله عز وجل حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله ودان بالتقية علي دينه وإمامه ونفسه وأمسك من لسانه أضعافاً مضاعفة، إن الله عز وجل كريم.قلت: جعلت فداك قد والله رغبتني في العمل وحثثتني عليه ولكن أحب أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام الظاهر منكم في دولة الحق ونحن علي دين واحد؟ فقال: إنكم سبقتموهم إلي الدخول في دين الله عز وجل وإلي الصلاة والصوم والحج وإلي كل خير وفقه وإلي عبادة الله عز ذكره سراً من عدوكم مع إمامكم المستتر، مطيعين له صابرين معه، منتظرين لدولة الحق، خائفين علي إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة تنظرون إلي حق إمامكم وحقوقكم في أيدي الظلمة، قد منعوكم ذلك واضطروكم إلي حرث الدنيا وطلب المعاش مع الصبر علي دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف من عدوكم، فبذلك ضاعف الله عز وجل لكم الأعمال، فهنيئا لكم.قلت: جعلت فداك فما تري إذا أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحق

ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أصحاب دولة الحق والعدل؟فقال: سبحان الله أما تحبون أن يظهر الله تبارك وتعالي الحق والعدل في البلاد ويجمع الله الكلمة ويؤلف الله بين قلوب مختلفة ولا يعصون الله عز وجل في أرضه وتقام حدوده في خلقه ويرد الله الحق إلي أهله فيظهر، حتي لا يستخفي بشئ من الحق مخافة أحد من الخلق، أما والله يا عمار! لا يموت منكم ميت علي الحال التي أنتم عليها إلا كان أفضل عند الله من كثيرٍ من شهداء بدر وأحد فأبشروا.فذكر (عليه السلام) في هذه الرواية الشريفة من أسباب الأفضلية. ثمانية أمور:الأول: سبقكم إلي الإيمان بالله وبرسوله والدخول في دين الله تعالي والإقرار به.الثاني: سبقكم إلي العمل بالأحكام مثل الصلاة والصوم والحج وغيرها من الخيرات.الثالث: عبادتكم سراً مع الإمام المستتر وطاعته كذلك خوفاً من الأعداء.الرابع: صبركم مع الإمام المستتر في الشدائد.الخامس: انتظاركم لظهور دولة الحق وهو عبادة.السادس: خوفكم علي إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة وتغلبهم.السابع: نظركم نظر تأسفٍ وتحسّر إلي حقّ إمامكم وهو الإمامة والفئ وحقوقكم التي هي الأموال في أيدي الظلمة الغاصبين الذين منعوكم عن التصرف فيها واضطروكم إلي حرث الدنيا وكسبها وطلب المعاش من وجوه شاقة.الثامن: صبركم مع تلك البلايا والمصائب علي دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف من عدوكم قتلاً وأسراً ونهباً وعِرضاً، وليس لأصحاب المهدي (عليه السلام) بعد ظهوره شيء من هذه الأمور فلذلك ضاعف الله تعالي لكم الأعمال.2 _ عن أمية بن علي عن رجل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيهما أفضل نحن أو أصحاب القائم عليه السلام؟ قال: فقال لي: أنتم أفضل من أصحاب القائم، وذلك أنكم تمسون وتصبحون خائفين علي إمامكم وعلي أنفسكم

من أئمة الجور، إن صليتم فصلاتكم في تقية، وإن صمتم فصيامكم في تقية، وإن حججتم فحجكم في تقية، وإن شهدتم لم تقبل شهادتكم، وعدّد أشياء من نحو هذا مثل هذه، فقلت: فما نتمني القائم عليه السلام إذا كان علي هذا؟ قال: فقال لي: سبحان الله أما تحب أن يظهر العدل ويأمن السبل وينصف المظلوم.3 _ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:المنتظِر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله.4 _ عن أبي عبد الله عليه السلام:(من مات منكم علي هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائم عليه السلام).5 _ وعنه أيضاً (من مات منتظراً لهذا الأمر كان كمن كان مع القائم في فسطاطه، لابل كان كالضارب بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالسيف).6 _ عن السندي عن جده، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في من مات علي هذا الأمر منتظراً له؟قال عليه السلام: بمنزلة من كان مع القائم عليه السلام في فسطاطه. ثمّ سكت هنيئة ثُمَّ قال: هو كمن كان مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.7 _ في حديث عن الامام الصادق عليه السلام قال: طوبي لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته، والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون8 _ عن الامام زين العابدين عليه السلام:(إنّ أهل زمان غيبته والقائلين بامامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان لأنّ الله تبارك وتعالي أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عنهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً، والدعاء إلي دين

الله سرّاً وجهراً).

الانتظار

مرّ في طيات ما سبق الاشارة بل التصريح في بعض الصفحات الي مفهوم الانتظار وبعض خصائصه ومقوّماته، وهذا أمر طبيعي باعتبار العلاقة الوطيدة بين هذه المفاهيم الثلاثة، فالانتظار وإن كان من المعاني الاسمية التي لها تحقق ووجود في عالم الذهن لكنها في عالم الواقع الخارجي وفي حدود التحقق خارج إطار الذهن لا يمكن أن يري الوجود بدون وجود المعاني السابقة ونعني بها (المنتظَر والمنتظِر)فلذا حاولنا حصر الكلام في مفهوم الانتظار علي بعض النقاط لا غير من دون توسع قدر ما تسمح به هذه الأوراق.مما يؤسف له أن البعض منّا _ ربّما يكون لضعف في النفوس _ ينجرّ وراء أصحاب الشبهات الذين يحاولون بشتي الوسائل والطرق إيجاد النظرة السلبية حول مفهوم الانتظار وزرع روح التنفر أمام هذه العقيدة الفطرية _ فلهذا السبب نجد من هؤلاء تقسيماً لعقيدة الانتظار من غير مقسم. تنويعاً للمنتظرين من غير تنوّع، فيسّودون الكثير من الصفحات من غير واقع وراءها ولا حقيقة تعرف من خلالها.ويتحدثون الكثير عن الانتظار السلبي وآثاره ثم ينقضون عليه في كثير من الأدلة والكلام الخالي عن الواقعية فالقاريء يتصوّر أن الانتظار أو المنتظرين علي نوعين وشكلين الاّول منهما وربّما يكون الأكثر _ لكثرة ما كتبوا فيه _ هو المنتظِر السلبي، ذلك الانسان الذي همّه البكاء والنوح ولا يحرك ساكناً للتغيير، يقول البعض وهو يصوّر حالة هذا النوع من المنتظرين (ظهور حالة الانفعالية البكائية في مواجهة حالات الظلم بالاستغراق في داخل المشكلة)وهنا أقف متسائلاً متعجباً لأقول:هل من يبكي لفراق حبيبه يكون معاباً أو من يحترق ألماً لغياب سيده ومولاه لا يفهم معني الانتظار؟ فماذا نقول عن هذه الاهات في بطون الأدعية ومضامين الأحاديث الصادرة عنهم الحاكية

عن الم اللوعة ولوعة الالم، فنجد الداعي يتحرق شوقاً إلي رؤيته والنظر إلي تلك الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة.متي ترانا ونراك وقد ملأت الأرض عدلاً...هل من معين فأطيل معه العويل والبكا...هل من جزوع فأساعد جزعه إذا خلا...هل قذيت عين فساعدتها عيني علي القذي...هذه الكلمات النابعة عن قلب محترق بألم الفراق وفقدان الحبيب...هل كلّ ذلك يعدّ تخلفاً وفهماً سلبياً لمفهوم الانتظار؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟والنوع الثاني هو المنتظِر الواعي المنفتح الذي ساعد في تغيير المعادلة لصالح الامام الحجة.أقول: هذا الكلام لما كان لا واقعية له ولا حقيقة تتمخض عنه كان الأجدر أن لا يكتب فيه لأنه يعطي تصوراً وانطباعاً سلبياً عن مفهوم الانتظار والحال أنه لا يوجد هذا التقسيم علي صعيد الواقع أساساً، فنحن لم نرَ منتظِراً يحمل همّ العقيدة متخاذلاً متهاوناً ونحن لم نر مثل (اولئك المتشائمون الذين يندبون الزمان وأهله ويقرأون العزاء علي واقع المسلمين ثم يعوقون ويثبطون الناس عن العمل)أو كما يقول آخر (إن مشكلة هؤلاء _ ويتحدث عن المنتظرين بالجانب السلبي حسب فهمه _ هي أنهم استغرقوا في انتظار الشخص ولم يستغرقوا في انتظار الرسالة فلم يلتقوا بالرسالة في حركة حياتهم فيما يمثله انتظارها من جهد في سبيل الارتباط بها، بل التقوا بالشخص الذي سيأتي من خلال الغيب بعيداً عن إمكاناتهم وإرادتهم فلم يكلفوا أنفسهم عناء السير نحوه للقاء به في منتصف الطريق).وكم كان بودي أن يذكر هؤلاء الباحثون كاتباً واحداً من المتمسكين بهذه العقيدة ذكر أن الانتظار يمثل ذلك المفهوم السلبي لكي يكون البحث عملياً أكثر مما هو بحث نظري لا يراد منه إلا الترف العلمي من دون معالجة لمشكلة حقيقية إلا ما يتبادر في أوهام المشككين.بل زاد البعض بأن

ذكر عدة سلبيات في حياة هذا النوع من الناس وكأنّ القضية حقيقة واقعة ولها جمهورها من الشيعة والحال أن أساس القضية لا واقع لها إلاّ في مخيلة الكاتب.ولندع الذين يحاولون الصاق التهم حول عقيدة الانتظار يتخبّطون في تخرصاتهم ولننظر الي تاريخ الشعوب المسلمة ولنتلمس التاريخ الشيعي منذ نشوءه والي يومنا هذا فهل نجد فيه أمّة خانعة خاضعة أم أننا نجد العكس تماماً إذ أنّ الشيعة هؤلاء الذين يتمسكون بعقيدة الانتظار أكثر المسلمين أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر نجدهم لا يرضون بالظلم ولا يستسلمون. ولا يخنعون، فكيف تجتمع عقيدة الانتظار التي يصفها البعض بأنّها عقيدة تدعو الي الكسل والاتكال علي الغير، أقول كيف تجتمع مع ما نري من تاريخ الشيعة المشرّف في ثوراتهم علي الظلم والظالمين؟ إذ نتبين ومن خلال قراءة سريعة في التاريخ الاسلامي أن الدافع الرئيس الذي كان يحدو بهؤلاء الي الثورة والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ما يحملونه من عقيدة راسخة في الانتظار حيث تشكل هذه العقيدة عنصراً مهماً في حركة هؤلاء الاصلاحيين، بل هي عامل أساس عندهم يهدف بهم لفرض التغيير في الواقع المعاش.فمن ثورة التوابين إلي ثورة المختار وإلي زيد بن علي ومن بعد ولده يحيي، وهكذا يحكي لنا التاريخ عن المواقف البطولية للحسين بن علي صاحب وقعة فخ، وهكذا كانت الثورات الشيعية تتري الواحدة تلو الاخري حتي توّجهت بالثورة الاسلامية والتي أطاحت بشاه ايران وأقامت حكومة اسلامية من أول أسسها وعقائدها عقيدة الانتظار للامام الأعظم الحجة ابن الحسن عليه السلام.ويظهر الفرق جلياً إذا نظرنا الي هؤلاء الذين لا يتمسكون بهذه العقيدة ولا يتعايشون معها نجدهم خانعين خاضعين الي حكام الجور يؤثرون الدنيا علي الاخرة قد باعوا آخرتهم بدنيا

غيرهم.

فوائد الانتظار

الانتظار بشكل عام _ بعيداً عن عالم المصطلحات _ يمثل حالة صراع مع النفس ورغباتها حيث يتجذر فيه الصبر والصلابة ضد عجلة الانسان وإسراعه:«الانتظار دعوة الي الرفض، لا إلي الاستسلام، رفض الباطل والظلم والعبودية والذلة.الانتظار راية المقاومة الراكزة في مواجهة كل باطل وظلم وكل ظالم».والحديث خاص عن انتظار المهدي الموعود وفوائد هذا الانتظار فنقول:1 _ الانتظار في الحقيقة يمثل قضية عبادية وأمر إلهي وشرعي يجب الالتزام به من جهة، ويثاب عليه الانسان المنتظر من جهة أخري، إذن واحدة من أهم الفوائد التي يحصّلها المنتظر هو المثوبة والأجر العظيم في التزامه بهذه العبادة وطاعته لهذا التشريع. وسنذكر في خاتمة المطاف بعض الروايات الدالة علي ذلك2 _ الانتظار منبع الامل في المستقبل: لا يمكن للانسان أن يتعايش مع الاخرين بل أن يعيش حياته مثل أي كائن آخر في هذا الوجود إلاّ بالأمل.فبالأمل تزهر الأوراد لتستقبل دفيء الشمس في نهار الغد.وبالأمل تفتح صغار الطير مناقيرها عند بزوغ خيوط الفجر وتنشر أشعة الشمس ظفائرها.وبالأمل تفتح الأرض ذراعيها لتحتضن حبّات المطر لتروي سنابل القمح صفراء ذهبية.وبالأمل تنظر الأم لوليدها وتلقمه ثديها وتربتْ علي ظهره، وتسهر ليلها وتحرسه نهارها.وبالأمل يكدح الرجل ويتعلم الانسان ويرتقي مدارج الكمال.إذن الأمل هو كل شيء في وجدان المخلوقات كافة، فلولاه لم تكن هناك حياة ولم يكن هناك ازدهار ولم نر علي شفاه الاطفال ابتسامة، ولم نسمع تغريد البلابل فوق أغصان الشجر.ومن هنا يتبين لنا ما للانتظار من الأهمية والخطورة، فهو باعث للأمل في حياة الانسان.بالانتظار يأمل تغيير الواقع المليء بالظلم والاضطهاد الي غدٍ مشرق بالعدل.بالانتظار يأمل ازدهار الأرض بالكمال والعلم والتراحم ونبذ الحقد والضغائن.بالانتظار يأمل كشف الزيف والنفاق وإزالة الأقنعة عن الانتهازيين وأصحاب الأهواء والأطماع.فالانتظار

أمل يتحقق فيه «التواضع أمام الحق والتكبر علي الباطل...هو نفي القيم الواهية والتعالي علي القدرات الوهمية...هو إزهاق أنظمة الحكم والحكومات، وتزييف السلطات والحاكميات.هو التمرد علي الظلم والعدوان، والتمهيد لحكومة العدل والقسط...هو شعار المقاومة ورعشة العصيان واليقظة...هو دمٌ في شريان الحياة وقلبٌ في صدر التاريخ...هو فأس إبراهيم، عصا موسي، سيف داود، ونداء محمّد صلّي الله عليه وآله وسلم.هو صرخة علي، دم عاشوراء، ومسيرة الامامة...»

شبهات وردود

اشاره

قد يتصوّر البعض أنّ الشبهة لا يكون لها موقع ولا تجد لها منفذاً إلاّ في الأمور الشائكة والقضايا التي يمكن النقاش والأخذ والعطاء في مرتكزاتها، وبعبارة ثانية أنّ مدار الشبهات ينحصر في القضايا اللاّيقينية والتي يكون للشك فيها مجال واسع. لكن هذا التصوّر خاطيء وبعيد عن الواقعية تماماً فما أكثر القضايا البديهية والأمور اليقينية التي علقت فيها الشبهات، وأنشبت فيها الأوهام مخالبها، بل يمكننا القول أنّ القضية كلمّا كانت واضحة وجليّة تترادف عليها الشبهات وتزداد الشكوك في كلّ مجالاتها وكافة مرتكزاتها كما هو الحال في وجود الله تعالي.وقضيّتنا من هذا القبيل فانّها مع ثبوت يقينيّتها وصدقها تواتراً نصيّاً ودليلاً عقلياً لكنها لم تخل من توافر الشبهات وترادف الشكوك عليها بشكل خاص فضلاً عن التشكيك بأصل قضيّة الامام المهدي عليه السلام وللاختصار نذكر نماذج من هذه الشبهات ونجيب عليها إن شاء الله تعالي: _

الانتظار اختراع العقل الانهزامي

إنّ عقيدة الانتظار إنما هي نسيج من التخيلات زرعتها الروح الانهزامية في عقل الانسان ووطّد لها عجز الانسان المسلم عن تغيير الواقع المنحرف الذي ابتعد عن مباني الرسالة وقيم الدين الحنيف، كما ساعد علي ذلك جهل المسلم بالكيفية والطريقة التي تمكنّه من الخلاص من هذا الواقع المرير، لذلك اخترعت مخيّلته فكرة يوم الخلاص وانتظار المخلّص وما إلي ذلك من المفاهيم التي لا حقيقة لها علي أرض الواقع (وبهذا تكون عقيدة المهدي حيلة من حيل الدفاع النفسي تلجأ إليها النفوس المظلومة العاجزة لازاحة التوتّر، وتخفيف الشعور بعدم الأمن الذي يفرضه الظالمون)يقول أحمد أمين في مقدمة كتابه (المهدي والمهدوية) ص15.(إنّ الدنيا في الشرق والغرب مملوءة ظلماً وذلك في كلّ العصور، وقد حاول الناس كثيراً أن يزيلوا الظلم عنهم ويعيشوا عيشة سعيدة في جوٍّ مليءٍ

بالعدل فلم يفلحوا، فلمّا لم يفلحوا أمّلوا، فكان من أملهم إمام عادل، إن لم يأت اليوم فسيأتي غداً وسيملأ الأرض عدلاً، وستتحقق علي يديه جميع الآمال).ويقول عبد الله بن آل محمود رئيس المحاكم الشرعيّة في دولة قطر في كتابه (لا مهدي ينتظر...)(وأخذوا _ يقصد الكاتب هنا ابن سبأ وأتباعه _ في نشرها (أي فكرة الانتظار) في مجتمع الناس حتي لا يفقدوا الأمل الذي يرتجونه بزعمهم في إرجاع الحكم إلي أهل البيت ليزيلوا عنهم الظلم من قبل خصومهم بني أميّة..)الجواب:عادة ما تنشأ الشبهُ وتحوم الشكوك في مختلف المجالات العلمية والعقائدية إذا ما حصل فصل بين حلقات الموضوع الواحد وأُخذتِ النظرةُ أحاديةَ التوجه وفي حلقة ضيقّة من دون امتداد إلي المفردات الأخري ومن دون نظرة علميّة فاحصة إلي باقي حلقات الموضوع، نعم فانّ لهذه النظرة الأحادية تبعاتها علي الرؤية الفاحصة والروح العلمية المتسّمة بالموضوعية، إذ نجد أنّ تواجدها يغيب في خضّم مخلفات أمثال هذه النظرات الضيّقة، إذن لابد في كلّ موضوع _ ولكي ترفع عنه جميع الشبهات وتغلق أمامه كافة الشكوك _ من النظر اليه بجميع مفرداته كوحدة مترابطة متكاملة وأجزاء متواصلة متراصّة فيما بينها، وبطبيعة الحال لا تشذّ قضيّتنا ولا تستثني من هذا العموم، فحينما ينظر لقضيّة الانتظار منفصلةً عن بقيّة أجزاء الموضوع وفي رؤية مستقلّة لا ترتبط مع الحلقات الأخري. فلابدّ أن تعتورها الشكوك وتحوم حولها الشبهات والأوهام. أما إذا كان للتاريخ مجاله الرحب وبابه الواسع لكي يدلي بدلوه في مثل هذا الموضوع، وإذا كان للعنصر الروائي والحديثي مشاركته الفاعلة أيضاً في صياغة التركيبة الاساسية لهذا الموضوع، وكان للجانب القرآني أثره الملموس في بيان ووقوع بل وضرورة هذه القضية..أقول: لو كان لهذه الأمور مشاركتها، وبعبارة

أخري لو نظر إليها الانسان قبل أن ينبت ببنت شفة إذن لسارع إلي الاقتناع بأصل الفكرة، وآمن بهذه العقيدة (الانتظار) من دون لفٍّ ودوران، بل أننّي لا أتصوّر أن يعترضه الريب أو تتسرب إليه أمثال هذه الأوهام.فلذا يمكننا هنا أن نذكر _ وفي معرض الاجابة _ عدة نقاط:1 _ النظر إلي الأدلة العقلية والنقلية _ آية ورواية _ يؤكد ويدلّل علي صحّة عقيدة المهدي عليه السلام، ولا تتمكن هذه الوريقات من سرد واستيعاب حتي بعض الأدلة فهي مذكورة في مظانّها فليراجع من أحبّ، ولكن الذي أودّ الاشارة إليه هو حصول الاجماع وثبوت التواتر من الطرفين _ شيعة وسنّة _ علي هذه الحقيقة وصحّتها عند المسلمين وأخذها من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتي صرّح مدير إدارة المجمع الفقهي الاسلامي (محمد المنتصر الكتاني) الامانة العامة لرابطة العالم الاسلامي، مكة المكرمة بذلك فقال: (... وقد نصّ علي أن أحاديث المهدي متواترة جمع من الأعلام قديماً وحديثاً منهم: السخاوي في فتح المغيث، ومحمد بن أحمد السفاويني في شرح العقيدة، وأبو الحسين الآبري في مناقب الشافعي، وابن تيمية في فتاواه، والسيوطي في الحاوي، وإدريس العراقي المغربي في تأليف له عن المهدي، والشوكاني في التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدّجال والمسيح، ومحمّد بن جعفر الكتاني في نظم المتناثر في الحديث المتواتر، وأبو العباس ابن عبد المؤمن المغربي في الوهم المكنون من كلام ابن خلدون...) إلي آخر كلامه.2 _ لندع الدليل العقلي والنقلي بكلا شقّيه جانباً وننظر إلي الشبهة من جهتها التحليلية بعيداً عن عالم الأدلّة المتداولة فان لها مظانّها الخاصة كما ذكرنا، فالشبهة قائمة علي حصر الايمان بعقيدة (انتظار المهدي والمخلّص) بحالة الشعور بالضعف والاستكانة، وهذا

يستلزم عدة نقاط لا يلتزم بها صاحب الشبهة.أ _ إذا كانت هذه الشبهة صادقة ولها حقيقة في عالم الواقع فلماذا نجد إيمان المذاهب الأخري بعقيدة الانتظار مع تلك المذاهب كانت مدعومة ومؤيدة من قبل حكّام عصورهم، والحال أنهم لم يلاقوا العذاب ولم يترادفهم الهوان والاذلال، فمن أين نبع الايمان بهذه العقيدة عندهم؟ علماً أن هؤلاء يشكّلون أكثرية المسلمين من الناحية العددية، وربما يحلو للبعض أن يرمي المسلمين بالتهاون في عقائدهم، يقول عبد الكريم الخطيب في كتابه (المهدي المنتظر ومن ينتظرونه) كان للآراء المتطرّفة من فرق الشيعة... ما أشاع بين المسلمين من أمر المهدي الذي يظهر...) ص112، ويدعي أنّ هذه العقيدة إنما تسرّبت إليهم من قبل الشيعة بحسب الاختلاط والمعاشرة. ويقول آخر (نحن لا نشك في أن عقيدة العامة من أهل السنة، بل وكثير من الخاصة، إنما هي أثر شيعي تسرّب اليهم، فعملت فيه العقلية السنّية بالصقل والتهذيب) المهدية في الاسلام/175/ سعد محمد حسن الأزهري.ولكن هذا لا يمكن الركون اليه والتصديق بصحّته لما نعرفه من تشدّد هؤلاء العلماء وحذرهم من الشيعة والابتعاد مهما أمكن عن أفكارهم.ويكفي للتدليل علي شدّة حذرهم وتوجّسهم من الطائفة الشيعية هو نبذهم ما ندب اليه الشارع وجاء به الدين الحنيف مع اعترافهم بذلك _ ليس لشيء إلاّ لتمسك الشيعة به، فكيف تريدهم أن يتقمصوا ويتمسكوا بعقيدة باطلة _ كما يدعون _ أخترعها الشيعة، إن هذا إلاّ عجباً من القول وزوراً.ب _ إنّ هؤلاء _ أصحاب الشبهة _ حينما رأوا أمامهم أمرين أحدهما وجود فكرة الانتظار في أوساط المسلمين كحقيقة لا يمكن أن يتنصل منها أو يتغافل عنها، وثانيهما أنّ هذه العقيدة تتمركز بشكل جلي وواضح بجميع معالمها وجوانبها في الطائفة الامامية الاثني

عشرية _ وإن كانت موجودة في جميع الطوائف والمذاهب الاسلامية الأخري _ وبما أنّ هذه الطائفة عانت الويلات منذ غرسها ونشوئها علي يد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام وإلي يومك هذا، لذلك كرّس هؤلاء _ أصحاب الشبهة _ جهودهم لربط الأول بالثاني من دون ارتباط بينهما، وأقاموا معلولاً من دون علة، وأثبتوا نتائج من دون أسباب، فمن حقنا ومن حق أي منصف يحترم عقله أن يتسائل: ما هو الدليل علي أنّ حالة الضعف والذّل والعذاب المصاحب للطائفة الشيعية هو الذي ولّد حالة الانتظار وغرس في نفوس الشيعة هذه العقيدة؟ وفي الحقيقة إنّ هذا النقص الحاد في الاستدلال يواكب أغلب القضايا التحليلية حيث تتعثر أثناء القيام بوظيفتها في حال انفرادها بالتنظير واستخلاص النتائج، فالقضايا التحليلية لا يمكن أن تستقل في فرز النتائج، بل لابدّ لها من الاعتماد علي أوليات القضية المراد تحليلها وتسليط الأضواء عليها، ومن ثمَّ دعم هذه الأدلة بمؤيدات وشواهد تحليلية.ج _ الملاحظ لهذا التحليل والكيفية المتبعة في استخلاص النتائج يتضّح له وجه الشبه جلياً بين هذا التحليل وبين تفسير الماديين للدين وكيفية تحليلهم له، يقول الشهيد الصدر في إقتصادنا: (وكان من الشائع في أوساط المادية، أنّ الدين نشأ نتيجة لعجز الانسان القديم وإحساسه بالضعف بين يدي الطبيعة وقواها المرعبة، وجهله بأسرارها وقوانينها...).(فالمضطهدون هم الذين ينسجون لأنفسهم الدين الذي يجدون فيه السلوة، ويستشعرون في ظلّه الأمل، فالدين إيديولوجية البائسين والمضطهدين، وليس من صنع الحاكمين).فلا أدري إن كان هؤلاء المشكّكون في قضية وعقيدة الانتظار من المسلمين، كيف يجيبون علي الاشكالية المطروحة من قبل الماديين علي الدين؟ وكيف يتخلّصون من هذه الرؤية التحليلية المشابهة الي حدٍّ كبير لرؤيتهم المادية التحليلية وتفسيرهم

فما أعدّوه من الجواب في مسألة الدين وإبطال مزاعم الماديين في استنتاجهم وتحليلهم هو بعينه يكون جواباً علي شبهاتهم المطروحة في قضية الامام المهدي وعقيدة الانتظار،ولنا أن نسجل علي هذه الشبهة جهلها التاريخي في نشوء عقيدة الانتظار إذ من المسلّم به أنّها تولدت لدي المسلمين قبل بروز الشيعة كطائفة يشار إليهم وإن كان هناك أناس قد وصلوا القمة في الايمان يتشيعون لعلي عليه السلام في عصر الرسالة.إذ في زمن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نراه مصرحاً ورافعاً صوته عالياً بضرورة الايمان بالمهدي وان المنكر له يعدّ كافراً. بل أكثر من هذا فان انتظار المهدي الموعود هو عقيدة الانبياء والمرسلين كما سبق الاشارة إليه، قال تعالي «فَقُل إنّما الغيبْ للهِ فانتَظِروا إنّي مَعَكُم مِنَ المنتَظِرِين». يونس: 20.فقد جاء في الحديث الشريف عن محمد بن الفضيل عن ابي الحسن الرضا عليه السلام: قال: سألته عن الفرج؟ قال: ان الله عزّ وجلّ يقول «انتظروا اني معكم من المنتظرين»وعن أحمد بن محمد بن ابي نصر قال: قال الرضا عليه السلام: ما أحسن الصبر وانتظار الفرج أما سمعت قول الله عزّ وجلّ «وارتقبوا اني معكم رقيب» «فانتظروا اني معكم من المنتظرين» فعليكم بالصبر فانه انما يجيء الفرج علي اليأس فقد كان الذين من قبلكم اصبر منكم.وبما تقدم من الاجابات يتضح الجواب حول الشبهة الثانية في هذا الموضوع والتي تدعي أنّ عقيدة الانتظار إنما هي صنيع السلطات الحاكمة وغذاء الحكومات الجائرة التي مرت في تاريخ الاسلام الي شعوبهم المضطهدة البائسة كي تنسي مطالبها ودورها السياسي وتستسلم لواقعها المرير، فعقيدة الانتظار إنما هي أحبولة تنسجها السلطات للصيد.ويزعم هؤلاء (أنّ الحكّام المستبدين أيضاً عرفوا رغبة الناس الحقيقية للحق وإقامة العدل. فسعوا

متعمدين لالهاء الجماهير بعقيدة خرافية لا أساس لها... ليعيش المغبونون علي أمل، وان تشتغل قلوب المظلومين بالأمل بالمنشود ويتفرغ الظالمون لنهب خيرات الله ونعمه في الأرض فيعيثوا فيها فساداً وبالتالي تكون فكرة المهدي وهماً يتسلّي به المغبونون وتلهو قلوبهم عن عبث الحاكمين الظلمة)أقول: ممّا تقدم تظهر الاجابة وبوضوح حول هذه الشبهة أيضاً وانه لا ربط للاستبداد في غرس هذه العقيدة في قلوب المسلمين بل هي عقيدة الهية مستمدة من الكتاب والسنة.

الانتظار عقيدة تزرع روح الاشكال

تزعم هذه الشبهة وأصحابها أن المنتظرين هم في الحقيقة حالة إجتماعية منبعثة عن روح الاتكالية والاعتماد علي الغير، فهي عقيدة لها خطرها وضررها علي المجتمع البشري، وتمثّل عقبة كأداء أمام التطور العالمي والعلمي.ل ما تمثله النفسية الاتكالية من روح إنهزامية غير صالحة للقيام بمسؤلياتها وواجباتها تجاه ذاتها واتجاه الصالح العام. فالعجز عن تغيير الواقع هو الذي (خلق في النهاية إحساساً بالعجز والاستسلام واستغناء عن فكرة محاولة بشرية لاحداث التغيير والركون إلي الاله الذي سيحدث التغيير في الوقت المناسب بارسال المهدي المنتظر الذي سيسوّي الأمور كافة علي أحسن وجه وخير ما يرام).الجواب: هذه الشبهة كمثيلاتها لا تعتقد إلا علي تحليل خاطيء للنظرية من دون دليل علمي بل من غير رؤية حتي ولو خاطفة وسريعة للتاريخ ومن دون دراسة للنفسية المنتظِرة فلذا نقول: مع قراءة سريعة لتاريخ المنتظرين ونظرة تأميلة في واقع الذهنية المنتظِرة لا يبقي لهذه الشبهة عين ولا أثر وقد ذكرنا سابقاً وفي ضمن فوائد الانتظار، ما للانتظار من أهمية بالغة في بعث روح الأمل وتجديد النشاط عند المنتظر سواء الفرد أو المجاميع المؤمنة بهذه العقيدة فكيف ومتي وأني كان الانتظار سبباً للاتكالية وهذا تاريخ الشيعة حافل بالمبادرات وسبّاق إلي المكرمات في جميع ميادين

العلم والعمل. فلا تجد علماً نافقاً إلا والشيعة لهم السهم الاوفر والحصة الأكبر فيه، بل اكثر من ذلك فلهم قصب السبق في تأسيس كثير من العلوم والمعارف الإسلامية والانسانية.فهذه الكيمياء وهذا جابر بن حيان وهذا الطب وهذا ابن سينا وهذا النحو وهذا أبو الأسود الدولي و....وهكذا علي صعيد التصدي الاجتماعي وتحمل المسؤليات تجاه الأمة الإسلامية حيث نجد الكلم الوافر من الشخصيات الشيعية التي لعبت دوراً حساس في هذا المجال فهذه ثورة التنباكو وهذا المجدد الشيرازي وهذه ثورة العشرين وهذا السيد الحبوبي وهذا العراق وهذا السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) وهذه ايران وهذا الإمام الخميني (قدس سره).فلنجعل للانصاف مكاناً في نفوسنا.

ختامه مسك

نتشرف بنقل بعض الروايات في فضل عبادة الانتظار وشرفها ليكون ذلك خاتمة المطاف ومسك الختام.1 _ عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج من الله عزّ وجلّ2 _ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله، فانّ أحبّ الأعمال الي الله عزّ وجلّ انتظار الفرج.3 _ عن سيد العابدين عليه السلام قال: إنتظار الفرج من أعظم الفرج.4 _ عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: ما أحسن الصبر وانتظار الفرج! أما سمعت قول الله عزّ وجلّ (وارتقبوا إني معكم رقيب).5 _ عن الحسن بن الجهم قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن شيء من الفرج قال: أوَلست تعلم أنّ انتظار الفرج من الفرج؟ قلت: لا أدري إلاّ أن تعلمني، فقال: نعم، انتظار الفرج من الفرج.6 _ عن عبد العظيم الحسني، قال: دخلت علي سيدي محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب

عليهم السلام، وأنا أريد أن أسأله عن القائم، هو المهدي أو غيره، فابتدأني فقال لي: يا أبا القاسم، إنّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.