سرشناسه : عميدي، ثامر هاشم حبيب
Amidi, Thamir Hashim Habib
عنوان قراردادي : غيبه الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام .فارسي
عنوان و نام پديدآور : غيبت امام مهدي(ع) از ديدگاه امام جعفرصادق(ع)/نويسنده ثامرهاشم عميدي؛ ترجمه عبدالله امين پور.
مشخصات نشر : تهران: موعود عصر(عج) ، 1388.
مشخصات ظاهري : [331] ص.
شابك : 40000ريال ؛ 45000 ريال : 978-964-2918-10-2
وضعيت فهرست نويسي : برون سپاري/فاپا، چاپ دوم
يادداشت : چاپ اول: 1387.
يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس.
موضوع : محمدبن حسن (عج)، امام دوازدهم، 255ق. - -- غيبت -- احاديث
موضوع : جعفربن محمد(ع)، امام ششم،83 - 148ق. -- نظريه درباره مهدويت.
موضوع : جعفربن محمد(ع)، امام ششم، 83 - 148ق. -- احاديث
شناسه افزوده : اميني پور، عبدالله ، 1344 -
رده بندي كنگره : BP224/4 / ع87 غ9041 1388
رده بندي ديويي : 297/462
شماره كتابشناسي ملي : 1224646
الحمد لله الواحد الاحد، و صلواته و سلامه علي نبينا محمد، و آله حجج الله علي العباد الي الابد...أما بعد...فان من المسلمات التي تركت بصماتها واضحة في تاريخ الفكر الاسلامي، و بناء حاضره و أثرت فيه برسم معالم مستقبله؛ هو الاعتقاد الراسخ باخبار اهل البيت عليهم السلام جميعا عن الامام المهدي عليه السلام قبل ولادته و غيبته، و علي هذا فليس البحث في غيبة الامام المهدي قبل ولادته عليه السلام تسجيلا حرفيا لقضية من قضايا الماضي، بقدر ما هو وصل بين جزء من تاريخ هذه العقيدة في عصر الامام الصادق عليه السلام و التعرف علي جذورها في تلك الفترة، و ادراك عمقها و امتدادها في عصور الاسلام؛ و بين تاريخ تحققها علي صعيد الواقع؛ لما بينهما من ارتباط وثيق.و لا شك أن من يكون حليف القرآن و قرينه - و القرآن فيه تبيان لكل شي ء- قادر علي أن
يوقفنا علي ما في ظاهره و باطنه، و يحدثنا عن غيبة الامام المهدي قبل ولادته عليه السلام، كما لو كان معه. «و من غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، و من تعلي الي ذروة الحقيقة لم يخف من حط»؛ و لهذا قال القاضي ابن أبي ليلي لما سأله نوح بن دراج: «أكنت تاركا قولا قلته أو قضاء قضيته لقول أحد؟ قال: لا، الا رجل واحد! قلت: من هو؟ قال: جعفر بن محمد»، ذلك هو امامنا الصادق عليه السلام، الحارس الأمين لمنظومة القيم و المفاهيم الاسلامية بنظر الكل، حيث لم يدع مجالا لأحد أن يشوهها أو يحرفها. و من عاش في كبد الحقيقة، لا تكون الاستضاءة بأقواله استضاءة بجزء من الماضي؛ لأن الحقيقة في الحياة ليس لها عمر محدد، بل تحمل عناصر الخلود و البقاء معها، و كلما دار عليها الزمان تتجدد؛ و لهذا كانت حركته عليه السلام و فعله و قوله و تقريره تجسيدا حيا لحركة الرسالة في خطواتها الفكرية و الورحية و العملية، في مساحات الزمن الماضي و الحاضر و المستقبل؛ اذا امتاز عليه السلام بواقعية مع الحياة علي ضوء الاسلام، فكان غنيا بمفاهيم الرسالة، متمسكا بمنهجها، دقيقا في فكرها، واضحا في تجسيدها حريصا علي لونها، مقتديا بها في ضرورة العلم و العمل و التفكير و التخطيط. و علي هذا فلس ما جاء عنه عليه السلام بحاجة في عرضه الي أكثر من تجريده عن أية أفكار دخيلة عليه أو أقوال مزيفة مكذوبة منسوبة اليه، و لم يعرفها أحد من أصحابه و لم يروها شيعته. و مما علم عنه عليه السلام و بنحو اليقين، أنه لم يغادر الحياة شهيدا الا و قد جعل العقيدة بالمهدي عليه السلام، عميقة الفكر، ثابتة
الأساس، متينة الحجة، واضحة مشخصة، مع تطويقه سائر الدعايات المضادة التي عملت و لا زالت تعمل علي تشويه تلك العقيدة، حتي أحالها الي رماد. و من أقواله الثابتة ثبوت الحقيقة، و الواضحة وضوح الشمس في رائعة النهار؛ تصريحه بهوية الامام المهدي عليه السلام، و امامته، و غيبته، و ظهوره في آخر الزمان؛ بما يمكن معه القول الجازم بأنه [ صفحه 6] أراد عليه السلام تحريك هذه العقيدة في وجدان الأمة علي الدوام؛ لما تمتلكه من فلسفة قادرة علي خلق العمل الصالح و تهذيب النفوس بالورع و محاسن الأخلاق، مع التطلع الجاد الي بناء المستقبل، بما يناسب حجم اللقاء بالمهدي عليه السلام في يومه الموعود. و لكي تدرك - مع هذا - أنها ليست بانتظار فكرة طموحة قابلة للزوال، و انما هي بانتظار حقيقة من حقائق الاسلام الكبري التي لا بد و أن تقع في مستقبل تاريخه. و بهذا تستطيع أن تفهم أن العقيدة بمهدي مجهول يخلقه الله في آخر الزمان! عقيدة لا تثير اليقظة في العقول، و لا تحرك الوعي في الاحساس و لا تفتح القلوب، شأنها شأن الأفكار الميتة التي قد تأخذ فراغا في الفكر، و لكنها لا تهب الحياة شيئا.و اذا كانت أساليب الكذب و الافتراء أعجز من أن تقتل فكرة أو تخنق مبدأ، و طرق الغش و التضليل أضعف من أن تحجب نور الحقيقة و تهمش دور العقيدة، فان من الغباء اذن جعل العقيدة بالامام المهدي عليه السلام انهزاما عن الواقع و انعزالا عن الحياة، أو هروبا و انسحابا عن مشاكل الأمة!! هذا في الوقت الذي يسمع فيه نداء أهل البيت عليهم السلام من عمق التاريخ الاسلامي بضرورة أن يكون انتظار الامام المهدي عليه السلام في غيبته
محفزا ايجابيا و دافعا قويا لتحقيق ما أراده الله و رسوله صلي الله عليه و آله في أن يكون بناء الحياة بشكل أفضل.و هكذا عاشت عقيدتنا بالامام المهدي عليه السلام و لا زالت في قلب المعركة الحق و الباطل، و لن يكون غريبا اذن أن يري المتتبع لهذه العقيدة اتجاهات دخيلة عليها نمت ضمن نطاق اسلامي من طراز خاص يحتضن تلك الاتجاهات تارة، و يغذيها بتشجيع الزيف و الخداع لأجل أن يتبوأ أنصاره مكانا واسعا خدمة لفكرة محرفة و غاية مسمومة، و بدعاية كذوب علي أنها نتاج اسلامي موضوعي خالص تارة أخري؛ تبريرا لما يعتقد من خرافات و أوهام، و من هنا صار دعمها طريقا منتجا لاشاعتها و نشرها في الوسط الاسلامي حيث اتصالها بالحس الديني العميق؛ و هكذا فقدت العقيدة بمهدي مجهول-كواحدة من تلك الخرافات - مبررات وجودها؛ اذ لا انسجام لها مع الواقع، و لا مع الحياة، و لا مع المبادي الاسلامية في تلك العقيدة التي أفاض بها هذا الكتاب و حصرها بواحد من أهل البيت عليهم السلام و هو ملاذ الفقهاء و أستاذ العلماء في عصره، و امام الامة في زمانه الصادق عليه السلام.و أخيرا فان هذا الكتاب الماثل بين يديك عزيي القاري ء انما هو صفعة قوية بوجه أولئك الذين أنكروا ولادة الامام المهدي عليه السلام و كذبوا بغيبته، و لبنة جديدة تضاف الي صرح الثقافة المهدوية الحقة، و دليل علي الطريق.و الله الهادي الي سواء السبيل [ صفحه 7]
الحمد لله رب العالمين، و صلي الله علي نبينا محمد و آله الطيبين الطاهرين، صلاة زاكية نامية متصلة متواترة لا غاية لأمدها و لا نهاية لآخرها، و سلم تسليما كثيرا. و بعد...فان الحديث عن الامام
المهدي الحجة ابن الحسن عليهماالسلام خصب الميادين، متعدد الجوانب، واسع الاطراف، و لا حصر للمؤلفات التي كتبت - شرقا و غربا- حوله، حتي يخال للباحث و هو يري كثرة المؤلفات و البحوث المعدة حول هذا الموضوع أنه قد أغلق تماما، و أن طرقه من جديد لن يأتي بشي ء جديد.و مع كل هذا قد نبغ في الآونة الأخيرة من يتهم متكلمي الامامية في أواخر القرن الثالث و بداية الرابع الهجريين، بأنهم - و لأجل أن يستمر المذهب الاثني عشري بعد وفاة الامام العسكري بلا عقب - حاولوا ببراعتهم الكلامية اقناع عامة المذهب بولادة الحجة ابن الحسن الغائب الذي لم يولد بعد!!.و قد كنت آمل في كتاب (المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي) - الذي صدر سنة 1417: ه، و طبع ثلاث مرات، و ترجم الي خمس لغات - أن ينبه علي مدارك ذلك الاتهام و يخفف من غلواء مروجيه عبر الأقمار الصناعية كلما اتيحت لهم الفرصة، و لكنهم بقوا كما بدأوا! و من هنا وجدت نفسي أمام اختيار صعب، فعدت اليهم مرة أخري لأرسم الصورة الواضحة لعمق العقيدة المهدوية في الفكر الشيعي قبل ولادة متكلمي الشيعة - الذين اتهموا باختلاق مفهوم [ صفحه 8] الغيبة و الغائب - بأكثر من مائة عام؛ و لهذا جاء البحث محصورا بالغيبة و الغائب عند الامام الصادق عليه السلام وحده، فنقول:عاش الامام الصادق عليه السلام في عصرين مختلفين: عصر ضعف الدولة الأموية حتي آلت الي السقوط سنة 132 ه علي أيدي العباسيين، و عصر انشغال بني العباس في تثبيت أقدامهم بالسلطة. و معني هذا، أن الدولة الأموية في عهد الامام الصادق عليه السلام - الذي تولي الاممة بعد وفاة أبيه الامام الباقر عليهماالسلام سنة
(114 ه) - لم تكن قادرة علي ممارسة نفس دورها الارهابي في الحد من نشاط أهل البيت عليهم السلام كما كانت تمارسه في عهود آبائه عليهم السلام.كما أن الدولة العباسية لم تعلن ارهابها علي الامام عليه السلام في بداية حكمها كما أعلنته عليه بعد حين و علي الأئمة المعصومين من أولاده عليهم السلام فيما بعد، وصولا الي دورهم البغيض في غيبة آخر الأئمة الامام المهدي عليه السلام.و من هنا وجد الامام عليه السلام الفرصة النسبية سانحة للانطلاق في أرحب الميادين، و لهذا نجد اسمه الشريف يتردد علي ألسنة المؤرخين و المحدثين و المفسرين و الفلاسفة و المتكلمين أكثر من سائر الأئمة الآخرين عليهم السلام، و لعل خير ما يعبر لنا عن هذه الحقيقة هو الامام الصادق عليه السلام نفسه فيما رواه عنه أوثق تلامذته.فعن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «كان أبي عليه السلام يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي و الصقر فهو حلال، و كان يتقيهم، و أنا لا أتقيهم، و هو حرام ما قتل» [1] . [ صفحه 9] و نحو هذا ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أيضا، [2] و نظيره ما رواه زرارة و أبو عمر الأعجمي عن الامام الصادق عليه السلام من المنع عن مسح الخفين في الوضوء تقية و كذلك في النبيذ و متعة الحج. [3] .فهذه النصوص و أمثالها تصور لنا بوضوح حالة الانفراج السياسي النسبي الذي عاشه الامام الصادق عليه السلام في ظل الدولتين.و قد كانت وظيفة الامام الصادق عليه السلام صعبة للغاية، اذ شاهد خطورة الموقف الاسلامي، و عاصر تلوث المجتمع المسلم بالمفاهيم الدخيلة الوافدة اليه عن طريق الفلسفات الأجنبية التي تسللت رويدا الي ساحته عبر
القنوات الكثيرة التي شقتها حروب العصر الأموي (132-40 ه)، و بدايات العصر العباسي الأول (234-132 ه)، و ما نتج عن هذا و ذاك من نشوء التيارات الفكرية الخطيرة، و انقسام المسلمين الي مذاهب و فرق عديدة، مع بروز حركة الزندقة و الالحاد بفعل تلك الرواسب الثقافية المسمومة، فضلا عن استشراء حالة الفساد الاداري و الخلقي في عاصمة الخلافة - دمشق أولا، و بغداد ثانيا- و من ثم تصدير الانحراف الي شرائح المجتمع من قصور الخلفاء أنفسهم، و يشهد علي كل هذا ما وصل الينا من أدب البلاطين في ذينك العصرين، و في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني أمثلة لا حصر لها تصور لنا حالة البذخ [ صفحه 10] الاقتصادي، و الترف الفكري، و التحلل الخلقي الذي أصاب الأمة علي أيدي حكامهم و أمرائهم في الدولتين الأموية و العباسية.فليس أمام الامام الصادق عليه السلام اذن الا اعادة تشكيل وعي الأمة من جديد، و تعبئة أكبر ما يمكن من طاقت أفرادها للنهوض بمهمة التغيير الكبري، و هو ما استطاع عليه السلام أن يحققه في تلك الفترة القصيرة؛ اذ استطاع و بكل جدارة أن يعيد للاسلام قوته و نظارته، بعد أن أرسي قواعد الفكر الصحيح علي أسسه. فوقف كالطود الأشم بوجه تلك العواصف الكثيرة التي أوشكت أن تعصف بكل شي ء من بقايا الحق و أهله، و جاهد جهادا علميا عظيما، حتي تمكن بحكمته و عطائه و علمه و اخلاصه لله عز شأنه و تفانيه في دين جده صلي الله عليه و آله أن يصبغ الساحة الفكرية و الثقافية في عصره - بعد أن تدنت بها القيم و الأخلاق - بمعارف الاسلام العظيم، و مفاهيمه الراقية، و استطاع تحيول تلك المفاهيم
الي غذاء روحي يومي، فنقلها من الواقع النظري الي حيز التطبيق الفعلي مبتدأ ذلك برواد مدرسته العظيمة التي كانت تضم ما يزيد علي أربعة آلاف رجل، و كلهم من تلامذته، حتي صاروا مشاعل نور أضاءت لكل ذي عينين من أفراد الأمة ما أظلم عليه.و هكذا استمرت مدرسة الامام الصادق عليه السلام في أداء رسالتها يغذيها - من بعده - الأئمة من ولده عليهم السلام بفيض من علم النبوة و نور الولاية، و لم يخب ضوؤها بتعاقب الزمان و تجدد الملوان، و يشهد لخلودها و اتساعها أنك واجد في كل عصر قطبا من أقطابها يشار له بالبنان، و تشد اليه الرحال من كل فج عميق.و ما كان هذا ليتم بسهولة لو لا الجهاد العلمي الحثيث المتواصل الذي بذله الامام الصادق عليه السلام حتي اكتسب الواقع الثقافي الاسلامي بفضل مدرسته [ صفحه 11] المباركة مناعة قوية ضد وباء الانحراف، ذلك الوباء الذي كان ضاربا أطنابه علي مرافق عديدة من الفكر الاسلامي، فضلا عما تركه من تشويش و تضاد في جزئيات العقيدة، ناهيك عما أصاب (الامامة) من تداعيات خطيرة في المجتمع المسلم، حتي أبيحت وضح النهار لكل جبار عنيد، و صار كل من غلب بحد السيف اماما مفروض الطاعة! هذا في الوقت الذي صح فيه عن رسول الله صلي الله عليه و آله برواية الفريقين أنه قال: «الخلفاء اثنا عشر كلهم من قريش»، [4] وصح أيضا قوله صلي الله عليه و آله: «من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية»، [5] كما تواتر عنه صلي الله عليه و آله حديث الثقلين الذي جعل الكتاب و عترته أهل بيته صنوين متلازمين ما بقيت الدنيا، و عاصمين من الضلالة لكل من
تمسك بهما، و انهما لن يفترقا [ صفحه 12] حتي يردا علي النبي صلي الله عليه و آله الحوض. [6] .و هكذا تعين المقصود بالاثني عشر، و اتضح المعني بامام زمان كل جيل من أجيال الأمة بما لا يحتاج معه الي مزيد تأمل أو تفكير.و في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سئل أميرالمؤمنين عليه السلام عن معني قول رسول الله صلي الله عليه و آله: (اني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي) من العترة؟ فقال عليه السلام: أنا، و الحسن، و الحسين، و الأئمة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديهم، لا يفارقون كتاب الله عزوجل و لا يفارقهم حتي يردوا علي رسول الله صلي الله عليه و آله حوضه». [7] .و لو لم يكن الأمر كما قلناه لجعل صلي الله عليه و آله مناط الاعتصام من الضلالة بطاعة من وصل الي السلطة و قاد المسلمين طوعا أو كرها. و أما أن تكون النجاة بالتمسك بالثقلين دون غيرهما بمنطوق الحديث و مفهومه، فالعقل يأبي أن يكون الامام القدوة غير المنجي من الضلالة.و في هذا البحث مقطع قصير من مقاطع الامامة، بل مفصل خطير من مفاصلها و هو «غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهماالسلام»، و نظرا لاتصال [ صفحه 13] هذا الموضوع الحساس اتصالا وثيقا بحياتنا المعاصرة فكرا و سلوكا و عقيدة، ارتأيت أن أبحث هذا الموضوع عند الامام الصادق عليه السلام لنري كيف طرح الامم الصادق عليه السلام موضوع غيبة الامام عليه السلام؟ و اذا كان هناك ما يوضح لنا هوية الامام الغائب المنتظر بلا لبس أو ابهام، فهل وجد مثله في فكر الامام الصادق عليه السلام؟ أو أنه طرح موضوع الغيبة مجردا عن هوية الغائب و ترك
علامات استفهام حول اسمه و نسبه الشريف؟لقد حرص الامام الصادق عليه السلام علي اشاعة مفهوم غيبة الامام المهدي المنتظر عليه السلام، و بث الفكر المهدوي الأصيل في وجدان الأمة التي اختلط عليها الحابل بالنابل، و امتزج عندها الحق بأضغاث الباطل نتيجة لما لحق هذا الفكر من تضاد و تشويش أديا الي ظهور دعاوي المهدوية الباطلة التي حاولت الالتفاف علي الحقيقة المهدوية الناصعة.و من هنا قام الامام الصادق عليه السلام بتهيئة الأجواء العلمية لفهم الغيبة و معرفة من هو المهدي الذي سيغيب، و ذلك من خلال اتخاذ الخطوات الآتية:تتمثل الخطوة الأولي بدعم العقيدة المهدوية و ارجاعها الي رسول الله صلي الله عليه و آله الذي أكدها بأقوي ما يمكن حتي تواترت عنه صلي الله عليه و آله، ثم بيان الامام عليه السلام حكم من أنكرها.و تتمثل الخطوة الثانية بترسيخ القواعد الكاشفة عن هوية الامام المهدي عليه السلام من دون الخوض في تفاصيل الهوية الشريفة.و انحصرت الخطوة الثالثة من مجال تشخيص هوية الامام الغائب عليه السلام و كيفية الانتفاع به في غيبته. [ صفحه 14] و هكذا يسر الامام الصادق عليه السلام السبل الكفيلة لمعرفة الامم الغائب قبل ولادته بعشرات السنين، و هو ما تكفل به الباب الأول من البحث، و ذلك في ثلاثة فصول عالجت الخطوات الثلاث المذكورة علي الترتيب.و أما عن مفهوم الغيبة فقد احتضنه الامام الصادق عليه السلام و أولاه أهمية خاصة، و هو ما تكفل به الباب الثاني في فصول أربعة.تناولت: العناية بالغيبة و بيان معطياتها، و تأكيد الامام الصادق عليه السلام علي وقوعها و طولها، و بيان ما مطلوب في زمانها، و أخيرا الكشف عن عللها.و عقدنا الباب الثالث لنري من خلاله موقف الامام الصادق عليه السلام من دعاوي المهدوية التي
أدركها، و عاصر بعضها، أو التي نشأت باطلا بعده و ذلك في خمسة فصول، رد فيها الامام الصادق عليه السلام علي دعاوي الكيسانية و الأموية و الحسنية و العباسية و الناووسية و الواقفية، مع اعطاء القواعد اللازمة و الضوابط العامة المتقنة لمعرفة قيمة أية دعوي من هذا القبيل ثم جاء الفصل السادس و الأخير ليكشف عن أجوبة الامام الصادق عليه السلام علي الشبهات المثارة حول الموضوع؛ الأمر الذي أدي الي تعرية جميع المزاعم التاريخية التي حاولت الالتفاف علي مفهوم الغيبة، أو هوية الامام الغائب عليه السلام سواء تلك التي ظهرت في زمام الامام الصادق عليه السلام، و قبله، أو التي نشأت بعد حين و تلاشت فجأة حيث اتضح الصبح لذي عينين.و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي نبينا و سيدنا محمد و آله الهداة الأطهار الميامين. [ صفحه 17]
اتخذ الامام الصادق عليه السلام جملة من الأمور اللازمة في مجال التثقيف العقائدي و الفكري الموصل تلقائيا الي معرفة مفهوم الغيبة و صاحبها، و ادراك هويته من قبل أن يولد بعشرات السنين، و ذلك من خلال تأكيده المباشر علي أمرين، و هما:
من الواضح أن الحديث عن الغيبة و الغائب ابتداء، و بيان ما يجب فعله أو تركه في زمان الغيبة، و نحو هذا من الأمور ذات الصلة المباشرة بهذا المفهوم، لا يجدي نفعا ما لا يعلم بأصل العقيدة المهدوية؛ و لهذا أراد الامام الصادق عليه السلام تنبيه الأمة علي أصل هذه العقيدة، و ذلك من خلال دعمها بما تواتر عن رسول الله صلي الله عليه و آله بشأنها، حتي لا يكون هنالك شك في الأصل الثابت عن رسول الله صلي الله عليه و آله، و هو ما اتفقت الأمة علي نقله. [ صفحه 18] فعن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، عن رسول الله صلي الله عليه و آله قال: «لو لم يبق من الدهر الا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا». [8] .و عن أبي سعيد الخدري قال: «سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول علي المنبر: ان المهدي من عترتي من أهل بيتي، يخرج في آخر الزمان، ينزل الله له من السماء قطرها، و يخرج له من الأرض بذرها، فيملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملأها القوم ظلما و جورا». [9] .و عن أبي سعيد الخدري أيضا، عن النبي صلي الله عليه و آله: «المهدي مني أجلي الجبهة، أقني الأنف، يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا». [10] .و عن ام سلمة قالت:
«سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة». [11] .و عن حذيفة بن اليمان، قال: «خطبنا رسول الله صلي الله عليه و آله فذكرنا رسول الله صلي الله عليه و آله بما هو كائن، ثم قال: لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد، لطول الله عز و جل [ صفحه 19] ذلك اليوم حتي يبعث فيه رجلا من ولدي اسمه اسمي، فقام سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال: يا رسول الله من أي ولدك؟ قال: من ولدي هذا، و ضرب بيده علي الحسين». [12] و غيرها من الأحاديث الكثيرة الاخري.و مما يؤيد عمق الاعتقاد بالمهدي عليه السلام في الوجود الاسلامي، هو أنه لا يكاد يخلو كتاب حديثي من كتب المسلمين الا و د صرح بهذه الحقيقة الثابتة عن رسول الله صلي الله عليه و آله ثبوتا قطعيا، و يكفي في ذلك أن من أخرج أحاديث المهدي عليه السلام من محدثي العامة فقط بلغوا زهاء تسعين محدثا، و قد أسندوها الي أكثر من خمسين صحابيا، [13] و أما من قال بصحتها أو تواترها فقد بلغوا ثمانية و خمسين عالما من علمائهم فيما تتبعناه، [14] و اذا ما علمنا موقف أهل البيت عليهم السلام، و عرفنا عقيدة شيعتهم بالامام المهدي عليه السلام، تيقنا من حصول اجماع الأمة بكل مذاهبها علي ضرورة الاعتقاد بالمهدي عليه السلام.و في هذا الصدد توجد أحاديث كثيرة عن الامام الصادق عليه السلام في تثبيت أصل القضية المهدوية، و هو ما اتفقت عليه كلمة المسلمين من ظهور رجل في آخر الزمان من ذرية النبي صلي الله عليه و آله يلقب بالمهدي ليملأ الأرض [ صفحه 20] قسطا و عدلا كما ملئت ظلما
و جورا، و انه يقتل الدجال و ينزل عيسي بن مريم عليه السلام لنصرته، و يأتم بصلاته. و يدل عليه:1- عن معمر بن راشد، عن الامام الصادق عليه السلام في حديث عن رسول الله عليه السلام صلي الله عليه و آله جاء فيه: «... و من ذريتي المهدي، اذا خرج نزل عيسي بن مريم لنصرته، فقدمه و صلي خلفه». [15] .و في هذا الحديث تثبيت واضح لأصل القضية المهدوية، و اشارة مجملة الي هوية الامام المهدي بأنه من ذرية الرسول صلي الله عليه و آله، مع التنبيه علي مقامه، بأن عيسي عليه السلام سيكون - بأمر الله - وزيرا للمهدي و ناصرا له في آخر الزمان و أنه يأتم بصلاته.و حديث نزول عيسي لنصرة الامام المهدي عليه السلام أخرجه البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة، [16] و أخرجه مسلم في صحيحه من طرق شتي عن أبي هريرة أيضا [17] و جابر الأنصاري، [18] و الترمذي عن أنس، [19] و أبو نعيم عن عبد الله بن عمرو [20] و حذيفة، [21] و ابن المنذر، عن شهر [ صفحه 21] ابن حوشب، عن ام سلمة، [22] و ابن أبي شيبة، عن ابن سيرين مرسلا. [23] .و لا يقال هنا ان تحديد هوية الامام المهدي عليه السلام من بين الذرية الطاهرة غير معلوم في حديث الامام الصادق عليه السلام، لأنا لا زلنا في صدد تثبيت أص القضية المهدوية علي لسان الامام الصادق عليه السلام، و اثبات هذا الأصل لا يمكن اغفاله، خصوصا و أن في المسلمين من شكك فيه و أنكره جملة و تفصيلا، و مع هذا فان في مثبتات الأصل المذكور تشخيصا أعلي لموضوع الهوية كما سيأتي.جدير ذكره أن كون المهدي من ذرية الرسول
صلي الله عليه و آله يعني كونه من ذرية أميرالمؤمنين عليه السلام من فاطمة عليهاالسلام، بمعني أنه لابد و أن يكون اما من ذرية الامام الحسن السبط، أو من ذرية الامام الحسين السبط عليهما السلام لانحصار ذرية الرسول صلي الله عليه و آله بهما و بأولادهما. و من هنا جاءت الأحاديث الأخري المثبتة لأصل القضية مصرحة بهذا المعني.2- عن أبان بن عثمان، عن الامام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله في حديث قاله لعلي عليه السلام: «... كان جبريل عليه السلام عندي آنفا، و أخبرني أن القائم الذي يخرج في آخر الزمان فيملأ الأرض عدلا، من ذريتك، من ولد الحسين». [24] .3- و عن معاوية بن عمار، عن الامام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله [ صفحه 22] في حديث آخر: «... ان جبريل عليه السلام أتاني فأقرأني من ربي السلام، و قال يا محمد... و منكم القائم يصلي عيسي بن مريم خلفه، اذا أهبطه الله الي الأرض، من ذرية علي و فاطمة، من ولد الحسين عليه السلام». [25] .هذا، و ما ما قد يقال أن في بعض الأحاديث ما يثبت كون المهدي حسنيا لا حسينيا، فالجواب باختصار أنه لا يوجد حديث صحيح البتة يثبت هذا المعني من طرق العامة، و انما وجد ذلك في حديثين فقط، أرسل الطبري أحدهما [26] و لا حجة في المرسل، و الآخر رواه أبو داود في سننه، قال: «حدثت عن هارون بن المغيرة، قال: حدثنا عمر بن أبي قيس، عن شعيب بن خالد، عن أبي اسحاق، قال: قال علي رضي الله عنه - و نظر الي ابنه الحسن -: (ان ابني هذا سيد كما سماه النبي
صلي الله عليه (و آله) و سلم، و سيخرج من صلبه رجل يسمي باسم نبيكم، يشبهه في الخلق و لا يشبهه في الخلق) ثم ذكر قصة: يملأ الأرض عدلا»، [27] انتهي.و سند الحديث مجهول و منقطع؛ لأنه قال: «حدثت» و لم يذكر اسم من حدثه، فهو مجهول اذن، و هو منقطع أيضا؛ لأن أبا اسحاق - و المراد به: السبيعي - لم تثبت له رواية واحدة سماعا عن أميرالمؤمنين علي عليه السلام كما صرح بهذا المنذري في شرح حديث أبي داود، [28] و قد كان عمره يوم [ صفحه 23] شهادة أميرالمؤمنين علي عليه السلام نحو سبع سنين؛لأنه ولد لسنتين بقيتا من زمان عثمان، [29] هذا فضلا عن اختلاف النقل عن أبي داود، فمنهم من نقله من كتاب السنن و فيه لفظ (الحسين) بدلا من لفظ (الحسن)، و كذلك وجود أحاديث كثيرة اخري من طرق العامة تثبت أنه من ولد الحسين عليه السلام. [30] .و أما الشيعة الامامية فليس في تراثها المهدوي الزاخر بهوية المهدي عليه السلام ما يشير - بأدني عبارة من حديث أو أثر - الي كون المهدي من ولد الامام الحسن السبط عليه السلام.
من خلال ما تبين في الأمر الأول يتضح جدا أن انكار أصل العقيدة المهدوية جملة و تفصيلا هو من قبيل الرد علي الله و رسول صلي الله عليه و آله، و من قبيل الازدراء باجماع هذه الأمة بكل فصائلها و تياراتها علي قبول أصل العقيدة المهدوية و ان اختلفوا في تفاصيلها.و قد ورد في الحديث عن رسول الله صلي الله عليه و آله ما يبين حكم من أنكر الامام المهدي عليه السلام.فعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: «قال رسول
الله صلي الله عليه و آله: من كذب بالدجال فقد كفر، و من كذب بالمهدي فقد كفر». [31] . [ صفحه 24] و هذا ما أكده علماء المذاهب الأربعة فيما حكاه لنا علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الشهير بالمتقي الهندي الحنفي (ت 975 ه)، اذ قال تحت عنوان: «فتاوي علماء العرب من أهل مكة المشرفة في شأن المهدي الموعود في آخر الزمان» اذ ورد عليهم سؤال بهذا الموضوع، قال المتقي: «و هذه صورة السؤال: اللهم أرنا الحق حقا و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه.ما يقول السادة العلماء أئمة الدين و هداة المسلمين - أيدهم الله بروح القدس - في طائفة اعتقدوا شخصا من بلاد الهند مات سنة عشر و تسعمائة [32] ببلد من بلاد العجم، يسمي: (فره) أنه المهدي الموعود به في آخر الزمان، و أن من أنكر هذا المهدي فقد كفر؟ ثم حكم من أنكر المهدي الموعود؟ افتونا - رضي الله تعالي عنكم».قال: «و كان هذا الاستفتاء في سنة اثنتين و خمسين و تسعمائة». [33] .و قد نقل المتقي الهندي رحمه الله ما أفتي به فقهاء مكة بشأن السؤال المذكور، مبينا اسم كل فقيه منهم، و اسم مذهبه، [ صفحه 25] كالآتي:1- فتوي ابن حجر الهيتمي الشافعي.2- فتوي الشيخ أحمد أبي السرور بن الصبا الحنفي.3- فتوي الشيخ محمد بن محمد الخطابي المالكي.4- فتوي الشيخ يحيي بن محمد الحنبلي.و سنذكر خلاصة ما ذكر كل واحد منهم.
فقد نص علي تواتر أحاديث المهدي ذاكرا علامات خروجه المتواترة و محيلا في ذلك الي كتابه (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر).و قد وضح أن انكار هذه الطائفة ظهور المهدي عليه السلام، ان كان
انكارا للسنة رأسا فهم كفار، و يجب قتلهم، و ان كان محض عناد لأئمة الاسلام لا للسنة. قال: «فهو يقتضي تعزيرهم البليغ، و اهانتهم بما يراه الحاكم لائقا بعظيم جريمتهم و قبح طريقتهم، و فساد عقيدتهم من حبس، و ضرب، و صفع و غيرها، مما يزجرهم عن هذه القبائح و يكفهم عن تلك الفضايح، و يرجعهم الي الحق رغما علي أنوفهم، و يردهم الي اعتقاد ما ورد به الشرع ردعا عن كفرهم و اكفارهم...». [34] . [ صفحه 26]
فقد أفتي ببطلان هذه الدعوي، و قال بحق أصحابها: «و يجب قمعهم أشد القمع، وردعهم أشد الردع؛ لمخالفة اعتقادهم ما وردت به النصوص الصحيحة و السنن الصريحة التي تواترت الأخبار بها، و استفاضت بكثرة رواتها من أن المهدي رضي الله عنه الموعود بظهوره في آخر الزمان يخرج مع سيدنا عيسي علي نبينا و عليه السلام، [35] ثم حكم عليهم بالكفر أيضا.
فقد أفتي ببطلان دعوي هذه الطائفة أيضا، فقال:«اعتقاد هؤلاء الطائفة في الرجل الميت أنه المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان باطل، للأحاديث الصحيحة الدالة علي صحة صفة المهدي، و صفة خروجه، و ما يتقدم بين يدي ذلك من الفتن...» [36] ثم بين أن اعتقادهم بهذا الرجل بأنه هو المهدي و تكفير من خافهم، هو الكفر بعينه، و أفتي بوجوب استتابتهم و رجوعهم الي الاعتقاد الحق، و الا قتلوا.
فقد قال: «لا ريب في فساد هذا الاعتقاد، لما اشتمل عليه من مخالفة الأحاديث الصحيحة بالعناد. فقد صح عنه عليه الصلاة و السلام كما [ صفحه 27] رواه الثقات، عن الرواة الأثبات، أنه أخبر بخروج المهدي في آخر الزمان، و ذكر مقدمات لظهوره، و صفات في ذاته، و أمور تقع في زمانه...». [37] .و أخيرا طالب حاكم المسلمين «أن يخرج عليهم أحكام المرتدين باستتابتهم ثلاثا، فان تابوا و الا يضرب أعناقهم بالسيف كي يرتدع أمثالهم من المبتدعين (و) يريح الله المسلمين منهم أجمعين». [38] .
و مما يؤيد صحة تلك الفتاوي علي لسان امامنا الصادق عليه السلام الأحاديث الآتية:1- عن صفوان بن مهران الجمال، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «من أقر بجميع الأئمة و جحد المهدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء و جحد محمد صلي الله عليه و آله نبوته...». [39] .و قد مر عن الامام الصادق عليه السلام في الاشارة الي حديث الثقلين ما يوضح المراد بالأئمة عليهم السلام، و سيأتي ذلك أيضا.2- و عن غياث بن ابراهيم، عن الامام الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، قال: «من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني». [40] . [ صفحه 28] جدير بالذكر أن لفظ «القائم» و ان كان وصفا لجميع الأئمة عليهم السلام، الا أنه ينصرف عند الاطلاق الي الامام المهدي عليه السلام كما هو صريح جميع الروايات.و مما يؤيد ذلك و علي لسان الامام الصادق عليه السلام:- حديث عبد الله بن سنان، قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (يوم ندعوا كل أناس بامامهم)؟ [41] قال: امامهم الذي بين أظهرهم، و هو قائم أهل زمانه». [42] .- و حديث أبي خديجة، عن أبي
عبد الله عليه السلام، و قد سئل عن القائم عليه السلام، فقال: «كلنا قائم بأمر عليه السلام، واحد بعد واحد حتي يجي ء صاحب السيف، فاذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي كان». [43] .- و حديث محمد بن عجلان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «اذا قام القائم عليه السلام دعا الناس الي الاسلام جديدا، و هداهم الي أمر قد دثر، فضل عنه الجمهور، و انما سمي القائم مهديا؛ لأنه يهدي الي أمر قد ضلوا عنه، و سمي بالقائم؛ لقيامه بالحق». [44] . [ صفحه 29] - هذا، وفي حديث الحكم بن أبي نعيم، عن الامام الباقر عليه السلام ما يشير بكل وضوح الي اشتهار وصف الامام المهدي عليه السلام بالقائم بين صفوف أصحاب الأئمة عليهم السلام. [45] .3- و في الصحيح عن علي بن رئاب، عن أبي عبد الله عليه السلام، في قول الله عزوجل: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل)، [46] قال عليه السلام: «الآيات: هم الأئمة، و الآية المنتظرة: هو القائم عليه السلام، فيومئذ لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف، و ان آمنت بمن تقدمه من آبائه عليهم السلام. [47] .و هذا الحديث الصحيح صريح بهلاك منكري الامام المهدي عليه السلام في غيبته، ما لم يتداركوا أنفسهم و يتوبوا الي الله عزوجل قبل انسداد باب التوبة بظهور الامام المنتظر عليه السلام. و منه يعلم و هن اعتذار بعض من اتبعوا أهواءهم بأنهم لو أدركوا ظهور الامام المهدي عليه السلام لآمنوا به و أسرعوا الي مبايعته و تصديقه. الأمر الذي يشير الي ضرورة التصدي الي تلك الأعذار الواهية و الذرائع الخاوية، و اجتثاث جذورها من الأعماق (و لئن اتبعت أهواءهم من بعد ما
جاءك من العلم انك اذا لمن الظالمين). [48] . [ صفحه 30] 4- و عن غياث أيضا، عن الامام الصادق عليه السلام، عن رسول الله صلي الله عليه و آله: قال: «من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته مات ميتة جاهلية». [49] .و يلحظ هنا ذكر الغيبة في تثبيت أصل القضية و في حكم من أنكرها معا، و منه يكشتف عمق مفهوم الغيبة المواكب لأصل القضية.و من هنا كان الخطر الذي يكمن وراء انكار الامام المهدي عليه السلام عظيما، و النتيجة التي تضمنتها الأحاديث الثلاثة تتماشي مع روح القرآن الكريم تماما، قال تعالي: (أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض) [50] فما دام الكل من الله عزوجل فلا معني للتبعيض فيه أصلا، و لهذا فمن آمن بالقرآن الكريم، و أنكر سورة واحدة من سوره القصار فقد كفر و خرج عن ملة الاسلام، فكذلك الحال هنا.و قد يقال: بأن هذا قياس مع الفارق؛ اذ ليس في القرآن الكريم صحيح و ضعيف، بل هو كله من كلام الله عز و جل المنقول الينا بالتواتر، و الحديث ليس كذلك اذ فيه الصحيح و الضعيف، و الموضوع الذي لا أصل له، و من ثم فان الوعيد الشديد المذكور واقع علي من أنكر أصل القضية [ صفحه 31] المهدوية، كمن يقول مثلا: (لا مهدي في آخر الزمان)! و حينئذ لا يضر الوعيد المذكور بمن آمن بمهدي مجهول يخلقه الله في آخر الزمان؛ لأنه ايمان بالأصل المتفق عليه بين جميع فئات المسلمين و طوائفهم و مذاهبهم.و الجواب: ان معرفة مقام أهل البيت عليهم السلام بأنهم الامتداد الطبيعي لرسول الله صلي الله عليه و آله و أنهم خلفاؤه، و أوصياؤه، و طاعتهم طاعته، و معصيتهم
معصيته، و حديثهم حديثه، و قول أي منهم حجة، و أن من مات و لم يعرف امام زمانه منهم مات ميتة جاهلية، كميتة أبي سفيان علي الكفر و النفاق، كل ذلك يدل علي أنهم عليهم السلام كالقرآن الكريم لا يجوز تبعيض الايمان بهم مطلقا، و يؤيد هذا، أن نجاة المسلمين من الضلالة مرهونة باتباع القرآن و العترة معا؛ لأنهما صنوان لا يفترقان عمر الدنيا كما في حديث الثقلين الشريف، و هو حديث متواتر بلا أدني شبهة، هذا فضلا عن الأحاديث الكثيرة المتواترة في وجوب التمسك بهم و الرد اليهم، و الكون معهم، فان ظاهرها ان من لم يأخذ منهم أو عمن أخذ منهم، لا يعد في العرف طائعا لهم، و لا رادا اليهم، و لا متمسكا بهم، و لا كائنا معهم، و اذا لم يصدق عليه ذلك، لم تصدق عليه صفة الايمان و ان نطق بالشهادتين و صام و صلي و أدي فرائض الله كلها، بل في اسلامه خدش عظيم.و أما عن دعوي التحقيق في تلك الأحاديث لاحتمال أن تكون موضوعة أو ضعيفة، و بالتالي فلا يلزم منها الوعيد المذكور. فهي دعوي غير صحيحة أصلا؛ اذ لا تحتاج المسألة الي تحقيق ما ورد فيها من أحاديث، بل لو لم يوجد أي حديث عن النبي صلي الله عليه و آله و أهل بيته عليهم السلام في مثل [ صفحه 32] هذا الموضوع أصلا، لكان الاعتقاد بهلاك منكر الامام المهدي عليه السلام هو المتعين، لثبوت كونه خاتم الأئمة الاثني عشر عليهم السلام ثبوتا متواترا.علما أن في هذا الكتاب وحده من الأحاديث المروية عن الامام الصادق عليه السلام وحده، ما يكفي لاثبات هذه الحقيقة، فكيف الحال اذن لو أضيف لها ما روي
عن أهل البيت عليهم السلام كافة، لا شك أنها ستفوق الحد المطلوب في تحقق التواتر بدرجات.و من شاء فليرجع الي أمهات الكتب المعتمدة المعدة في هذا الغرض كاكمال الدين اللشيخ الصدوق، و كتاب الغيبة للشيخ النعماني، و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي، و غيرها من الكتب المعتبرة الأخري، التي اشتملت علي مئات الأحاديث الواردة في هذا الموضوع. [ صفحه 33]
هناك جملة وافرة من الأحاديث النبوية الشريفة، التي يمكن عدها - و بكل اطمئنان - من القواعد الأساسية التي أصلتها الشريعة الاسلامية في مقام بيان منزلة و معرفة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، ابتداء من أميرالمؤمنين الامام علي بن أبي طالب، و انتهاء بالامام الحجة ابن الحسن العسكري عليهم السلام، بحيث لو ضم بعضها الي بعض لتكشفت من خلالها هوية الامام الغائب، و بصورة لا تحتاج معها الي أي دليل آخر في مسألة ولادته، و امامته و غيبته و طول عمره و ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلا و قسطا بعد ما ملئت ظلما و جورا، و هو ما اتضح لطلائع التشيع، و آمنوا به قبل ولادة الامام المهدي عليه السلام بعشرات السنين، نتيجة لتلك الأخبار التي أفصحت عن كل هذا قبل زمان تحققه.و من الطبيعي أن لا يتفق هذا المنهج القائم علي الايمان بالغيب مع معطيات الفلسفة المادية التي لا تؤمن بالغيب أصلا، و من هنا أصبح الدليل [ صفحه 34] المادي في تلك الفلسفة هو الحاكم في مجال العقيدة عند من تأثر بتلك الفلسفة و روج لها من المستشرقين و غيرهم.و أما في المنظور الاسلامي فيكفي الاعتقاد بالغيب ثبوت الاخبار عنه بالطريق الشرعي، كوجوده في القرآن الكريم، أو في الصحيح من الحديث النبوي الشريف، أو
من حديث أهل البيت عليهم السلام الذين زكاهم الله تعالي، و أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.و الحديث عن دور الامام الصادق عليه السلام في موضوع الثقافة المهدوية بوجه عام، و الغيبة و الغائب بوجه خاص، ينبغي أن لا تغيب عنه المقدمات التي اعتمدها الامام الصادق عليه السلام في بناء تلك الثقافة بناء محكما، و ذلك من خلال القيام بترسيخ القواعد اللازمة في ذهنية الأمة، و العمل الدؤؤب علي نشرها، حتي استطاع عليه السلام من خلال التأكيد عليها، و بيان مصداقها الخارجي أن يجعل العقيدة بالامام المهدي و غيبته عليه السلام - قبل أن يولد بأكثر من مائة عام - من القلاع الشامخة الحصينة التي لا يمكن لأحد تسلق أسوارها، فضلا عن السطو عليها بهدف النيل منها أو تشويهها، و من تلك القواعد:
و هذه القاعدة كغيرها من القواعد الأخري الآتية كانت معروفة من قبل، بفضل ما ورد بشأنها في القرآن الكريم و أحاديث الرسول صلي الله عليه و آله، و أهل البيت من آباء الامام الصادق عليهم السلام، و لكنها لم تصل مداها الأرحب [ صفحه 35] كما ينبغي، بسبب الظرف السياسي الخانق الذي حال دون وصول أهل البيت عليهم السلام الي الخلافة بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و آله مباشرة، و بالتالي حال دون أن تأخذ مفعولها في الوسط الاسلامي.و من هنا يبرز دور الامام الصادق عليه السلام في ترسيخ تلك القواعد بناء علي ما ذكرناه سلفا من توفرالانفراج السياسي النسبي الذي حصل له عليه السلام بعد انهيار دولة البغاة و نشأة امبراطورية الطغاة.و لسعة ما اعتمده الامام في التأكيد علي هذه القاعدة، فسوف نكتفي بحدود اهتمامه عليه السلام بحديث الثقلين الشريف، الذي اعتني به الامام للغرض المذكور، بعد أن رأي
محاولات الالتفاف علي هذه الحديث الشريف من قبل السلطات الحاكمة حيث سخرت له من يصرفه عن مؤداه من فقهاء و رواة السلطة و قضاتهم و ولاتهم. الأمر الذي يكشف عن ادراكنهم خطورة هذا الحديث علي المستويين الثقافي و السياسي معا. و سوف نتحدث عنه تحت عنوان:
جري الاستدلال علي صحة هذه القاعدة ببيان اصولها من القرآن الكريم و السنة النبوية الثابتة و السيرة الذاتية لأهل البيت عليهم السلام مع الدليل العقلي، و سنقتصر - كما ذكرنا - علي دليل واحد من السنة النبوية و هو حديث الثقلين الشريف، فنقول: [ صفحه 36] ان النيل من صحة حديث الثقلين الشريف لا يجدي نفعا بعد وروده عن رسول الله صلي الله عليه و آله من طرق كثيرة جدا و بألفاظ واحدة و متقاربة، توجب تواتره بأبهي صورة.فقد أخرج الترمذي، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلي الله عليه و آله قوله الشريف: «اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء الي الأرض، و عترتي أهل بيت، و لن يتفرقا حتي يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما». [51] .و أخرجه عن أبي سعيد - من العامة-: أحمد بن حنبل، و ابن أبي عاصم، و أبو يعلي الموصلي، و ابن الجعد، و ابن سعد، و ابن أبي شيبة، و الطبراني في معاجمه الثلاثة، و الحمويني. [52] .كما أخرجه عن أبي سعيد - من الامامية-: محمد بن [ صفحه 37] العباس المفسر، و الشيخ الصدوق، و الشيخ المفيد، و الشيخ الطوسي. [53] .و لم تقتصر رواية حديث الثقلين علي أبي سعيد الخدري فحسب، بل رواه آباء الامام
الصادق عليهم السلام، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، و هم: أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، [54] و الامام الحسن السبط عليه السلام، [55] و الامام الباقر عليه السلام. [56] كما ورد - فيما بعد - عن الامامين: [ صفحه 38] الكاظم، [57] و الرضا عليهماالسلام. [58] .و أما حديث الامام الصادق عليه السلام فسيأتي في ترسيخ هذه القاعدة.كما روي حديث الثقلين الشريف عدد من الصحابة، و هم: جابر بن عبد الله الأنصاري، [59] و حذيفة ابن أسيد، [60] و زيد بن أرقم، [61] . [ صفحه 39] و زيد بن ثابت الأنصاري، [62] و جندب بن جنادة أبوذر الغفاري، [63] . [ صفحه 40] و أبو هريرة، [64] و أم سلمة، [65] و البراء بن عازب، [66] و حذيفة بن اليمان، [67] و عبد الله ابن عباس، [68] و عمر بن الخطاب. [69] .
من الواضح أن اتفاق الصحابة - الذين سبق ذكرهم - علي رواية حديث الثقلين الشريف بلفظ: «كتاب الله و عترتي...»، عن رسول الله صلي الله عليه و آله يوجب تواتره، و اذا ما أضيف الي ذلك موقف أهل البيت من هذا الحديث علم تواتره بأبهي صورة. علي أوهم صرحوا بحسن الكثير من طرقه تارة، و صحتها اخري. و لو جمعت طرق الحديث تلك لكانت وحدها دليلا كافيا علي تواتر الحديث. و اليك جملة يسيرة بأسماء من قال بحسن الحديث أو صحته، و هم:محمد بن اسحاق (ت 150 ه)، [70] و محمد بن عيسي الترمذي [ صفحه 41] (ت 297 ه)، [71] و يحيي بن زكريا الحافظ النيسابوري (ت 307 ه)، [72] و محمد بن جرير بن رستم الطبري المفسر العامي (ت
310 ه)، [73] و أبوبكر محمد بن اسحاق السلمي المعروف بابن خزيمة (ت 311 ه)، [74] و أحمد بن محمد بن عقدة الزيدي الجارودي الحافظ (ت 333 ه) و هو من المعتقدين بتواتر الحديث؛ اذ أخرجه عن أكثر من مائة من الصحابة و بطرق شتي في كتاب الولاية كما صرح بهذا السيد ابن طاوس. [75] .و الأزهري اللغوي المشهور (ت 370 ه)، [76] و الحاكم النيسابوري (ت 405)، [77] و أبو سعيد السجزي (ت 477 ه) و هو من المعتقدين بتاتر الحديث؛ اذ أخرجه من طرق شتي، [78] و البغوي (ت 510 ه)، [79] . [ صفحه 42] و سبط ابن الجوزي (ت 694 ه)، [80] و ابن منظور (ت 711 ه)، [81] و المزي (ت 742 ه)، [82] و الذهبي (ت 748 ه)، [83] و ابن كثير الدمشقي (ت 774 ه)، [84] و المحاملي في أماليه علي ما سيأتي عن السيوطي، و نور الدين الهيثمي (ت 807 ه)، [85] و البوصيري (ت 840 ه)، [86] و ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه)، [87] و السخاوي (ت 902 ه) و هو من المعتقدين بتواتر الحديث اذ أخرجه من طرق كثيرة صحح الكثير منها، [88] و السيوطي (ت 911 ه) و هو من المعتقدين بتواتره أيضا كما يظهر من كثرة طرقه، و قد صحح بعضها، و أشار الي تصحيح من سبقه لها كالمحاملي و غيره، [89] و السمهودي (ت 911 ه) و هو من المعتقدين بتواتره أيضا كما [ صفحه 43] يظهر بوضوح من طرقه لديه مع تصحيحه لكثير من تلك الطرق، [90] و محمد بن يوسف الشامي (ت 942 ه)، [91] و ابن حجر الهيتمي
(ت 974 ه) و هو من المعتقدين بتواتر الحديث، و له كلام طويل في تصحيح جملة وافرة من طرقه، [92] و عبد الرؤؤف محمد بن علي المناوي (ت 1031 ه)، [93] و علي بن برهان الدين الحلبي (ت 1044 ه)، [94] و محمد بن معتمد خان الحارثي المعروف بالبدخشاني (ت 1126 ه)، [95] و محمد بن محمد بن معين المعروف بالسندي (ت 1161 ه)، [96] و الزبيدي الحنفي (ت 1205 ه)، [97] و الحسين بن أحمد الصنعاني (ت 1221 ه)، [98] و القندوزي الحنفي (ت 1270 ه) و هو من المعتقدين بتواتر الحديث؛ اذ [ صفحه 44] أخرجه من طرق كثيرة جدا صحح معظمها، [99] و الآلوسي المفسر الوهابي (ت 1270 ه) فقد صحح الحديث و قال معقبا بعد التصحيح، انه: «يقتضي أن النساء المطهرات غيرداخلات في أهل البيت الذين هم أحد الثقلين». [100] .و صححه جمال الدين القاسمي (ت 1332 ه). [101] .و صححه محمود شكري الآلوسي (ت 1342 ه) مصرحا بأن من خالف الثقلين فهو ضال، و مذهبه باطل و فاسد لا يعبأ به، و من جحد بهما فقد غوي، و وقع في مهاوي الردي، [102] و لله در القائل: و الحق ينطق منصفا و عنيدا.و صححه - كذلك - المولوي حسن زمان (من أعلام القرن الرابع عشر الهجري)، [103] و الألباني الوهابي (ت 1413 ه). [104] .و اذا ما لوحظ بأن مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261 ه) قد أخرج الحديث في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري كما تقدم، و ان علماء [ صفحه 45] العامة مطبقون علي صحة هذا التاب، فلا معني اذن للاكثار من أسماء علمائهم الذين صححوا الحديث.و يدل
علي ذلك أقوالهم الآتية:1- قال العيني في عمدة القاري: «اتفق علماء الغرب و الشرق علي أنه ليس بعد كتاب الله تعالي أصح من صحيحي البخاري و مسلم». [105] .2- و قال الكشميري الديوبندي في فيض الساري: «و اعلم أنه انعقد الاجماع علي صحة البخاري و مسلم». [106] .3- و قال حاج خليفة في كشف الظنون: «ان السلف و الخلف قد أطبقوا علي أن أصح الكتب بعد كتاب الله سبحانه و تعالي، صحيح البخاري ثم صحيح مسلم». [107] .4- و كان بو علي النيسابوري يري: «أنه ما من شي ء تحت أديم السماء الا و صحيح مسلم أصح منه». [108] .5- و ذهب الذهبي، و السرخسي، و ابن تيمية، و عمر بن الصلاح الشهرزوري، و الحميدي، و ابن طاهر، و أبو اسحاق الشيرازي، و القاضي عبد الوهاب المالكي، الي القول بأن ما وجد في الصحيحين يفيد القطع!! و احتجوا بالاجماع علي قبوله، و جزم السيوطي بأن القطع هو الصواب!!. [109] . [ صفحه 46] هذه هي رتبة حديث الثقلين الشريف بلفظ: «كتاب الله و عترتي...» عند علماء العامة، و بهذا تعلم قيمة اعراض البخاري في صحيحه عن رواية هذا الحديث، و قيمة الشبهات التي أثارها و يثيرها بعض الجهلة من هنا و هناك بشأن صحة هذا الحديث تارة أو دلالته تارة أخري. [110] .
ان العودة السريعة الي أزمان صدور الحديث [111] تؤكد لنا أهمية حديث الثقلين (القرآن و العترة)، و قيمة ارجاع الأمة فيه الي العترة لأخذ الدين الحق عنهم، و تزادا أهميته كثيرا بالوقوف علي أسباب التأكيد عليه في مناسبات مختلفة و نوب متفرقة؛ منها في يوم الغدير، و آخرها في مرضه صلي الله عليه
و آله الأخير. [ صفحه 47] هذا فضلا عن تأكيده صلي الله عليه و آله المستمر علي الاقتداء بعترته أهل بيته، و الاهتداء بهديهم، و التحذير من مخالفتهم، و ذلك بجعلهم: تارة كسفن للنجاة، و أخري أمانا للأمة، و ثالثة كباب حطة.و في الواقع لم يكن الصحابة بحاجة الي سؤال و استفسار من النبي صلي الله عليه و آله لتشخيص المراد بأهل البيت، و هم يرونه و قد خرج للمباهلة و ليس معه غير أصحاب الكساء و هو يقول: «اللهم هؤلاء أهلي» و هم من أكبر الناس معرفة بخصائص هذا الكلام، و ادراكا لما ينطوي عليه من قصر و اختصاص.خصوصا و قد علموا كيف جذب صلي الله عليه و آله طرف الكساء من يد ام سلمة و منعها من الدخول مع أهل بيته قائلا لها «انك الي خير». [112] .و شاهدوه أيضا و هو يقف صلي الله عليه و آله علي باب فاطمة عليهاالسلام صباح كل يوم و لمدة تسعة أشهر و هو يقرأ: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا). [113] [114] . [ صفحه 48] و كل هذا يكفي لمن شاهد ذلك أو سمع به من الصحابة لأن يعرف من هم أهل البيت عليهم السلام، و أما ما يقال بأن معرفة الصحابة بأهل البيت كانت مقتصرة علي أصحاب الكساء عليهم السلام، في حين أشار الحديث الي استمرار وجودهم مع القرآن ليكونا لمن تمسك بهما عاصمين من الضلالة الي يوم القيامة، و هذا يبرر لهم السؤال عمن سيأتي بعد أصحاب الكساء عليهم السلام من أهل البيت لكي تعرف الأمة أسماءهم و لا يشتبه أحد بهم.و الجواب: ان حاجة الصحابة و الأجيال اللاحقة فيما
بعد ليس أكثر من تشخيص أولهم ليكون المرجع للقيام بمهمته بعد النبي صلي الله عليه و آله حتي يأخذ دوره في عصمة الأمة من الضلالة، و هو بدوره مسؤؤل عن تعيين من يليه في هذه المهمة، و هكذا حتي يرد آخر عاصم من الضلالة مع القرآن علي النبي صلي الله عليه و آله الحوض.و اذا علمت أن عليا عليه السلام قد تعين بنصوص لا تحصي، و منها: في حديث الثقلين نفسه، فليس من الضروري اذن أن يتولي النبي صلي الله عليه و آله بنفسه تعيين من يلي أمر الأمة باسمه في كل عصر وجيل، ان لم نقل انه غير طبيعي لو لا أن تقتضيه بعض الاعتبارات. [115] .فالمقياس اذن في معرفة امام كل عصر وجيل: اما أن يكون بتعيينهم دفعة واحدة، أو بنص السابق علي امامة اللاحق و هو المقياس الطبيعي المألوف الذي دأبت عليه الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام، و عرفته البشرية في سياساتها منذ أقدم العصور و الي يوم الناس هذا. [ صفحه 49] و مع هذا فان الصحابة لم يكونوا علي جهل تام بهوية من سيأتي بعد أصحاب الكساء عليهم السلام، اذ علموا مسبقا بعدد الأئمة بعد النبي صلي الله عليه و آله و هم اثنا عشر علي لسان رسول الله صلي الله عليه و آله كما سيأتي في القاعدة الرابعة، و فيهم من علم أسماءهم عليهم السلام من رسول الله صلي الله عليه و آله مباشرة كجابر بن عبد الله الأنصاري، [116] و ابن عباس [117] و سلمان الفارسي رضي الله عنه، [118] هذا فضلا عمن علم منهم بانحدار بقية أهل البيت من صلب الامام الحسين عليه السلام، و ان عددهم لا يزيد و لا ينقص
عن تسعة، و ان تاسعهم هو المهدي الموعود، و من جملة من علم ذلك، أبو سعيد الخدري، وأبو أيوب الأنصاري، و علي الهلالي، و غيرهم كثير. [119] .و اذا ما عدنا الي واقع أهل البيت عليهم السلام نجد النص قد توفر علي امامتهم بكلا طريقيه: النص المستطيل الشامل، و تعيين السابق للاحق، و من سبر الواقع التاريخي لسلوكهم علم يقينا بأنهم ادعوا لأنفسهم [ صفحه 50] الامامة في عرض السلطة الزمنية، و اتخذوا من أنفسهم كما تخذهم الملايين من أتباعهم أئمة وقادة للمعارضة السلمية للحكم القائم في زمانهم، مع ارشاد كل امام أتباعه علي من يقوم بأمر الامامة من بعده، و علي هذا جرت سيرتهم، فكانوا عرضة للمراقبة و السجون و الاستشهاد بالسم تارة، و في سوح الجهاد تارة.خري و علي أيدي القائمين بالحكم أنفسهم. [120] .ثم لو فرض أن أحدهم لم يعين لأتباعه من يقوم بأمر الامامة من بعدق، مع فرض توقف النص عليه، فان معني ذلك بقاء ذلك الامام خالدا مع القرآن في كل عصر وجيل؛ لأن دلالة «لن يفترقا حتي يردا علي الحوض» علي استمرار وجود امام من العترة في كل عصر كاستمرار وجود القرآن الكريم ظاهرة واضحة، و لهذا ذهب ابن حجر الي القول: «و في أحاديث الحث علي التمسك بأهل البيت اشارة الي عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به الي يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك، و لهذا كانوا أمانا لأهل الأرض، و يشهد لذلك الخبر: «في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي». [121] .
لم يتول الامام الصادق عليه السلام مهمة الدفاع عن حديث الثقلين بنسبته الي [ صفحه 51] رسول الله صلي الله عليه و آله فحسب،
بل أكد علي صلته المباشرة بالحديث باعتباره واحدا من أهل البيت، و اعتبره نصا في خلافتهم عليهم السلام، كما بين صلة هذا الحديث بمعرفة المؤمنين و تمييزهم عن غيرهم، و أنه أمر صريح بوجوب اقتداء الأمة بالمعنيين به، و بيان من هم المعنيون بالحديث الشريف، كما سيأتي.1- عن عبدالحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل، ذكر فيه الامام الصادق عليه السلام ما يدل علي خلافة أميرالمؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلي الله عليه و آله مباشرة، من القرآن و السنة، و كان من جملة الأحاديث التي بينها عليه السلام في مقام بيان النص هو حديث الثقلين الشريف. [122] .2- و عن ذريح المحاربي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال «قال رسول الله صلي الله عليه و آله: (اني قد تركت فيكم الثقلين: كتاب الله، و أهل بيتي). فنحن أهل بيته صلي الله عليه و آله». [123] .3- و سأل أبو بصير الامام الصادق عن أهل البيت عليهم السلام قائلا: «و من أهل بيته؟ قال عليه السلام: الأئمة الأوصياء».ثم سأله قائلا: «من أمته صلي الله عليه و آله؟ قال عليه السلام: «المؤمنون الذين صدقوا بما جاء من عند الله، المتمسكون بالثقلين. اللذين أمروا بالتمسك بهما: كتاب الله، و عترته اهل بيته، الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم [ صفحه 52] تطهيرا. و هم الخليفتان علي الأمة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله». [124] .4- و عن مسعدة بن صدقة، قال: قال أبو عبد الله صلي الله عليه و آله: «ان الله جعل ولايتنا أهل البيت قطب القرآن، و قطب جميع الكتب، عليها يستدير محكم القرآن، و بها نوهت الكتب، و يستبين الايمان. و قد
أمر رسول الله صلي الله عليه و آله أن يقتدي بالقرآن و آل محمد، و ذلك حيث قال صلي الله عليه و آله في آخر خطبة خطبها: اني تارك فيكم الثقلين: الثقل الأمبر، و الثقل الأصغر. فأما الأكبر فكتاب ربي، و أما الأضغر فعترتي أهل بيتي، فاحفظوني فيهما، فلن تضلوا ما تمسكتم بهما». [125] .5- و عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل جاء فيه: «... و من أراد الله تعالي به الخير، جعله من المصدقين المسلمين للأئمة الهادين بما منحهم الله تعالي من كرامته، و خصهم به من خيرته، و حباهم به من خلافته علي جميع بريته دون غيرهم من خلقه؛ اذ جعل طاعتهم طاعته، يقول عزوجل: (أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و اولي الأمر منكم)، [126] و قوله: (من يطع الرسول فقد أطاع الله). [127] فندب الرسول صلي الله عليه و آله الخلق الي الأئمة من ذريته، الذين أمرهم الله تعالي بطاعته، و دلهم عليهم، و أرشدهم اليهم، بقوله عليه السلام: اني [ صفحه 53] مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله، و عترتي أهل بيتي، حبل ممدود بينكم و بين الله ما ان تمسكتم به لن تضلوا». [128] .و من الواضح أن عناية امامنا الصادق عليه السلام بحديث الثقلين، و بيان أغراضه، و تحديد المعنيين به، و هم الأئمة الاثنا عشر، و أنهم أوصياء الرسول صلي الله عليه و آله و خلفاؤه، و أولهم أميرالمؤمنين عليه السلام و آ·رهم المهدي عليه السلام، و أنهم مطهرون، و طاعتهم مفروضة، و مرجعيتهم ثابتة، كل ذلك لم ينطلق من فراغ، و انما جاء كرد فعل معاكس للتيارات الفكرية و المذهبية المختلفة التي أوجدها النظام
السياسي المضاد، بغية تمكنها من جرف الحقيقة و تعميتها، و يكفي أنها - علي صعيد حديث الثقلين - قد وسعت دئرة (أهل البيت) لتشمل بني العباس و غيرهم ممن ليس لهم في هذا الأمر نصيب.و لهذا اضطر الامام الصادق عليه السلام الي تأكيد اختصاصهم بهذا الحديث الدال علي عصمتهم و مرجعيتهم عليهم السلام بكل قوة.
دل حديث الثقلين الشريف علي أمور كثيرة، سنشير الي أهمها بالنقاط الآتية:1- انه دل علي أن أهل البيت عليهم السلام أفضل الأمة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله قاطبة؛ لأنهم قرنوا بالكتاب العزيز، فكان فضلهم علي سائر الناس بعد رسول الله صلي الله عليه و آله كفضل القرآن الكريم علي سائر الكتب. [ صفحه 54] 2- انهم عليهم السلام أنفس شي ء تركه رسول الله صلي الله عليه و آله مع القرآن، كما يفهم من وصفهما بالثقلين، و الثقل في اللغة هو الشي ء النفيس الخطير.3- دل الحديث علي امامتهم و خلافتهم و وجوب تسليم الحكم و ادارة شؤون الدولة اليهم بعد الرسول صلي الله عليه و آله مباشرة؛ لأن وظيفة الحاكم الأعلي في الدولة الاسلامية في المنظور القرآني و النبوي أن يقود الرعية الي شاطي ء الأمان لا أن يضلها و يحرفها عن دين الله و شرعه القويم أما بتقصير أو قصور، و يكاد لفظ الحديث أن يكون صريحا بهذا؛ لأن معني نجاة الرعية في الدولة الاسلامية أن يكون صريحا بهذا؛ لأن معني نجاة الرعية في الدولة الاسلامية أن لا تضل عن الطريق المستقيم، و قد حصر الحديث النجاة من الضلالة بالتمسك بالثقلين: كتاب الله و عترته أهل بيته صلي الله عليه و آله.4- دل أيضا علي مقولة (حسبنا كتاب الله) مقولة شيطانية، لا
يراد بها الا اضلال الأمة و هلاكها، لأن الحديث حصر النجاة بالتمسك بالثقلين (كتاب الله و العترة). و أين هذا من تلك المقولة؟5- دل علي أن من تمسك بغيرهما يكون من الهالكين و لابد، و من باب أولي أن يكون ذلك الغير (المتمسك به) من الهالكين، لأنه سيكون من أئمة الضلال، و لا فرق في ذلك بين أن يكون خليفة أو حاكما أو قاضيا أو رئيسا أو أميرا أو سلطان؛ اذ خدع الناس بأخذ معالم دينهم منه، فتمسكوا به لا بالثقلين.و قد صرح محمود شكري الآلوسي بهذا، فقال عمن خالفهما و تمسك بغيرهما: «فهو ضال، و مذهبه باطل، و فاسد لا يعبأ به، و من جحد بهما فقد [ صفحه 55] غوي، و وقع في مهاوي الردي». [129] .6- دل علي مرجعية أهل البيت عليهم السلام العلمية، و أنهم أعلم الناس بعد رسول الله صلي الله عليه و آله بما في الكتاب و السنة المطهرة، اذ لا يعقل مطلقا أن يكونوا أمانا للأمة من الضلالة في حال تمسكها بهم و هناك من هو أعلم منهم بالكتاب و السنة، و لو وجد فرضا لعده الرسول صلي الله عليه و آله بمكان أهل البيت عليهم السلام أو لجعله ثقلا ثالثا مع الكتاب العزيز و العترة الطاهرة، و أما أن يتركه - علي تقدير وجوده - فهو محال. الأمر الذي يدل علي عدمه، و يؤيده أن الله عزوجل لم يذهب الرجس عن أحد من الصحابة و يطهره تطهيرا و انما انحصر ذلك بأهل البيت عليهم السلام دون غيرهم.7- دل الحديث علي وجوب الأخذ منهم مباشرة أو بالواسطة، و علي محبتهم و توقيرهم، و طاعتهم المطلقة و عدم الرد عليهم في شي ء
البتة لأنه عليهم السلام مع القرآن صنوان لا يفترقان، كل منهما يشهد للآخر، فيكون الراد عليهم كالجاحد بكتاب الله، و كالراد علي الله تعالي و رسوله.8- دل الحديث علي حجية سنتهم عليهم السلام، و ان سنة كل واحد منهم عليه السلام هي سنة رسول الله عليه السلام، و أن حديثهم حديث رسول الله صلي الله عليه و آله سواء رفع منهم الي النبي صلي الله عليه و آله أو لم يرفع، و أن الحكم علي حديثهم عليهم السلام بالارسال لا يكون الا من جاهل بحديث الثقلين أو من معاند متعصب أو ناصب. [ صفحه 56] 9- دل الحديث الشريف علي عصمة أهل البيت عليهم السلام من جهتين:الأولي: أنهم عليهم السلام مع القرآن و القرآن معهم لا يفترقان عمر الدنيا، فعصمتهم كعصمة الكتاب من هذه الجهة.الثانية: أن من لا يدل علي ضلالة أبدا و لو مرة واحدة في حياته عن سهو أو اشتباه لا يكون الا معصوما، و قد صرح الحديث بأن من يتمسك بهما لا يضل أبدا الي يوم القيامة.جدير بالذكر أن الامام الصادق عليه السلام قد صرح بعصمة الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام جميعا فقال: «الأنبياء و أوصياؤهم لا ذنوب لهم؛ لأنهم معصومون مطهرون». [130] .و قال عليه السلام: «عشر خصال في صفات الامام» ثم عد عليه السلام العصمة في أول تلك الخصال. [131] .و قد مر عنه عليه السلام ما يشير الي عصمتهم و مرجعيتهم عليهم السلام باسلوب المزاوجة بين الآيات الدالة علي العصمة كآية التطهير، و الطاعة كآية اولي الأمر من جهة، و بين حديث الثقلين من جهة اخري، ليلتفت السامع و المتلقي الي وحدة الموضوع و الهدف و النتيجة. [ صفحه 57]
و هذه القاعدة تكشف للعيان بأن الثقل الذي أوصي
به الرسول صلي الله عليه و آله مع القرآن ليكونا للمتمسك بهما عاصما من الضلالة، انما هو الثقل المتمثل بهذا العدد من الأئمة لا غير، و أنه ليس للأمة أن تزيد عليهم اماما و لا تنقص منهم واحدا، و هذه القاعدة مستفادة من الحديث الصحيح الثابت عن رسول الله صلي الله عليه و آله، فقد أخرج البخاري بسنده عن جابر بن سمرة قال: «سمعت النبي صلي الله عليه (و آله) و سلم يقول: يكون اثنا عشر أميرا، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: انه قال: كلهم من قريش». [132] .و في صحيح مسلم: «و لا يزال الدين قائما حتي تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش». [133] .و في مسند أحمد بسنده، عن مسروق قال: «كنا جلوسا عند عبد الله ابن مسعود و هو يقرأ القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن! هل سألتم رسول الله صلي الله عليه (و آله) و سلم كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال [ صفحه 58] عبد الله: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم، و لقد سألنا رسول الله صلي الله عليه (و آله) و سلم، فقال: «اثني عشر كعدة نقباء بني اسرائيل». [134] .و قد جاء في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «سألت رسول الله صلي الله عليه و آله حين حضرته وفاته، فقلت: يا رسول الله! اذا كان ما نعوذ بالله منه، فالي من؟ فأشار صلي الله عليه و آله الي علي عليه السلام فقال: الي هذا، فانه مع الحق، و الحق معه، ثم يكون من بعده أحد عشر اماما، مفترضة طاعتهم كطاعته». [135] .و
عن ابن عباس أيضا، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: «... معاشر الناس من أراد أن يتولي الله و رسوله فليقتد بعلي بن أبي طالب بعدي، و الأئمة من ذريتي، فانهم خزان علمي. فقام جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال: يا رسول الله! و ما عدة الأئمة؟ فقال صلي الله عليه و آله: يا جابر سألتني - رحمك الله عن الاسلام باجمعه. عدتهم عدة الشهور، و هي عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات و الأرض، و عدتهم عدة العيون التي انفجرت لموسي بن عمران عليه السلام حين ضرب بعصاه الحجر فانفجرت [ صفحه 59] منه اثنتا عشرة عينا، و عدتهم عدة نقباء بني اسرائيل (و بعثنا منهم اثني عشر نقيبا) [136] فالأئمة يا جابر اثنا عشر أولهم: علي بن أبي طالب، و آخرهم: القائم المهدي صلوات الله عليهم». [137] .و قد جاء امامنا الامام الصادق عليه السلام ليؤكد هذه القاعدة بكل قوة:1- فعن عبد العزيز القراطيسي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «الأئمة بعد نبينا صلي الله عليه و آله اثنا عشر نجباء مفهمون، من نقص منهم واحدا، أو زاد فيهم واحدا، خرج من دين الله، و لم يكن من ولايتنا علي شي ء». [138] .2- و في الصحيح عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن آبائه، عن الحسن السبط عليهم السلام قال: «سألت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله عن الأئمة بعده، فقال: الأئمة بعدي بعدد نقباء بني اسرائيل اثنا عشر، أعطاهم الله علمي و فهمي، و أنت منهم يا حسن». [139] .3- و عن ابراهيم بن مهزم، عن أبيه، عن الامام الصادق، عن أبيه، عن
آبائه، عن علي عليهم السلام، قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله: الأئمة اثنا عشر من أهل بيتي أعطاهم الله فهمي و علمي و حكمي، و خلقهم من طينتي، فويل [ صفحه 60] للمتكبرين عليهم بعدي، القاطعين فيهم صلتي.. الحديث». [140] .4- و عن سماعة بن مهران قال: «كنت أنا، و أبو بصير، و محمد بن عمران - مولي أبي جعفر عليه السلام - في منزل بمكة، فقال محمد بن عمران: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: نحن اثنا عشر مهديا. فقال له أبو بصير: تالله، لقد سمعت ذلك من أبي عبد الله عليه السلام؟ فحلق مرة أو مرتين أنه سمع ذلك منه، فقال أبو بصير: لكني سمعته من أبي جعفر عليه السلام». [141] .و يستفاد من مجمل هذه الأحاديث أمور، و هي:الأول: ان عدد الخلفاء أو الأمراء أو الأئمة لا يتجاوز الاثني عشر و كلهم من قريش بلا خلاف بين الفريقين. و هذا العدد منطبق مع ما تعتقده الشيعة الامامية بعدد الأئمة، و هم كلهم من قريش.و أما التعبير ب (الأمراء أو الخلفاء) فهو و ان لم ينطبق في الظاهر علي مقولة الامامية الا أن المقصود بذلك ليس الامرة القسرية أو الاستخلاف بالقوة و انما المراد بذلك هو من يستمد سلطته من الشارع المقدس، و لا ينافي ذهاب السلطة عن أهل البيت عليهم السلام في واقعها الخارجي؛ لتسلط الآخرين عليهم. و في كلام النوربشتي ما يشير الي هذه الحقيقة، قال: «السبيل في هذا الحديث و ما يتعقبه في هذا المعني أنه يحمل علي المقسطين [ صفحه 61] منهم، فانهم هم المستحقون لاسم الخليفة علي الحقيقة..». [142] .الثاني: ان هؤلاء الاثني عشر معنيون بالنص كما هو مقتضي تشبيههم
بنقباء بني اسرائيل، قال تعالي: (و لقد أخذ الله ميثاق بني اسرائيل و بعثنا منهم اثني عشر نقيبا). [143] .الثالث: ان هذه الأحاديث تفترض عدم خلو الزمان من الاثني عشر جميعا، و أنه لا بد من وجود أحدهم ما بقي الدين الي أن تقوم الساعة.و يؤيده ما أخرجه البخاري بسنده، عن عبد الله بن عمر، قال: «قال رسول الله صلي الله عليه (و آله) و سلم: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان». [144] .و أخرجه مسلم في صحيحه أيضا و بلفظ: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان». [145] .و هو كما تري ينطبق تمام الانطباق علي ما تقوله الشيعة الامامية بأن الامام الثاني عشر (المهدي عليه السلام) حي كسائر الأحياء، و أنه لابد من ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا علي وفق ما بشر به جده امصطفي صلي الله عليه و آله و آباؤه الأطهار عليهم السلام. [ صفحه 62] و من الواضح أن جميع علماء العامة لم يتفقوا علي تسمية الاثني عشر خليفة كما نطقت بذلك أحاديثهم! حتي أن بعضهم اضطر الي ادخال يزيد بن معاوية لعنه الله و أمثاله من حثالات التاريخ كمروان و عبد الملك و نظرائهم من العتاة المردة وصولا الي عمر بن عبد العزيز!! كل ذلك لأجل اكتمال نصاب الاثني عشر!!و هذا تفسير خاطي ء سقيم لا يسمن و لا يغني من جوع و غير منسجم مع نص الحديث من كل وجه؛ اذ يلزم منه خلو جميع عصور الاسلام بعد عصر عمر بن عبد العزيز الأموي من الخليفة، بينما المفروض أن الدين لا يزال قائما بوجودهم
الي قيام الساعة.ان أحاديث الخلفاء اثنا عشر تبقي بلا تفسير لو تخلينا عن حملها علي هذا المعني، لبداهة أن السلطة الظاهرية قد تولاها من قريش أضعاف العدد المنصوص عليه في هذه الأحاديث، فضلا عن انقراضهم أجمع، و عدم النص علي أحد منهم - أمويين أو عباسيين - باتفاق جميع المسلمين.و بهذا الصدد يقول القندوزي الحنفي: «قال بعض المحققين: ان الأحاديث الدالة علي كون الخلفاء بعده صلي الله عليه و آله اثني عشر، قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان و تعريف الكون و المكان علم أن مراد رسول الله صلي الله عليه و آله من حديثه هذا: «الأئمة اثنا عشر»، من أهل بيته و عترته، اذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث علي الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر، و لا يمكن أن نحمله علي الملوك الاموية لزيادتهم علي اثني عشر، و لظلمهم الفاحش الا عمر بن عبد العزيز، و لكونهم غير [ صفحه 63] بني هاشم؛ لأن النبي صلي الله عليه و آله قال: «كلهم من بني هاشم» في رواية عبد الملك، عن جابر، و اخفاء صوته صلي الله عليه و آله في هذا القول يرجح هذه الرواية: لأنهم لا يحسنون خلافة بني هاشم. و لا يمكن أن يحمل علي الملوك العباسية؛ لزيادتهم علي العدد المذكور، و لقلة رعايتهم... و يؤيد هذا المعني - أي: أن مراد النبي صلي الله عليه و آله: الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته - و يرجحه حديث الثقلين». [146] .و لا يخفي أن حديث: «الخلفاء اثنا عشر» قد سبق التسلسل التاريخي للأئمة الاثني عشر، و ضبط في كتب الصحاح و غيرها قبل تكامل الواقع الامايم، فهو
ليس انعكاسا لواقع، و انما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لا ينطق عن الهوي، فقال صلي الله عليه و آله: «الخلفاء بعدي اثنا عشر» ليكون ذلك شاهدا و مصدقا لهذا الواقع المبتدي ء بأميرالمؤمنين علي، و المنتهي بالامام المهدي عليهم السلام، و هو التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث. [147] .فالصحيح اذن أن يعتبر الحديث من دلائل النبوة في صدقها عن الاخبار بالمغيبات، أما محاولات تطبيقه علي من عرفوا بنفاقهم و جرائمهم و سفكمهم للدماء من الامويين و العباسيين و غيرهم فهو يخالف الحديث مفهوما و منطوقا علي الرغم مما في ذلك من اساءة بالغة الي مقام النبي صلي الله عليه و آله اذ يعني ذلك أنه أخبر ببقاء الدين الي زمان عمر بن عبدالعزيز مثلا، لا الي أن تقوم الساعة!! [ صفحه 64] و قد علمت أن الامام الصادق عليه السلام قد قطع الطريق أمام كل التفسيرات المنحرفة لحديث: «الخلفاء اثني عشر...» مبينا المراد بمصاديق هذا الحديث واقعا كما تقدم.
تهدف هذها لقاعدة الي الاطاحة بجميع الدعاوي الباطلة التي زعمتها بعض الفرق المندرسة التي أتت عليها حملة التثقيف الواسعة التي قادها الامام الصادق عليه السلام و جعلتها هشيما تذروه الرياح، اذ نسفت تلك القاعدة ما زعمه الكيسانية من امامة محمد بن الحنفية رضي الله عنه، كما نسفت مزاعم الفطحية بامامة عبد الله الأفطح، و بددت طموح من قال بامامة السيد محمد بن الامام الهادي عليه السلام، و كذلك من قال بامامة جعفر الكذاب، و زيادة علي ذلك فانها حصرت الامامة بذرية الحسين عليه السلام كما سنري.و عليه لابد و أن يكتمل عدد الأئمة الاثني عشر، خصوصا و ان هذه القاعدة الشريفة قد عرفت قبل اكتمال التسلسل التاريخي للأئمة
عليهم السلام كما عرف حديث الخلفاء أو الأئمة اثنا عشر كلهم من قريش قبل اكتمال التسلسل التاريخي للأئمة أيضا.و من هنا ركز الامام الصادق عليه السلام علي هذه القاعدة، و مما يؤيد ذلك علي لسانه الشريف أحاديث شتي نكتفي ببعضها، و هي:1- في الصحيح عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة، عن أبي [ صفحه 65] عبد الله عليه السلام قال: «لا تعود الامامة في أخوين بعد الحسن و الحسين أبدا انما جرت من علي بن الحسين كما قال الله تبارك و تعالي (و أولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله)، [148] فلا تكون بعد علي بن الحسين عليه السلام الا في الأعقاب و أعقاب الأعقاب». [149] .2- و في الصحيح عن حماد بن عيسي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: «لا تجتمع الامامة في أخوين بعد الحسن و الحسين عليهماالسلام انما هي في الأعقاب و أعقاب الأعقاب». [150] .3- و في الصحيح عن عيسي بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قلت له: ان كان كون - و لا أراني الله - فبمن أئتم؟ فأومأ الي ابنه موسي، قال، قلت: فان حدث بموسي حدث فبمن أئتم؟ قال: بولده، قلت: فان حدث بولده حدث و ترك أخا كبيرا، و ابنا صغيرا، فبمن أئتم؟ قال: بولده ثم واحدا فواحدا». [151] .و من روائع ترسيخ هذه القاعدة في نفوس الشيعة ما ورد في الصحيح عن محمد بن اسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه سئل: «أتكون الامامة في عم أو خال؟ قال: لا، فقلت: ففي أخ؟ قال: لا، قلت: ففي من؟ قال: في ولدي. قال محمد
بن اسماعيل بن بزيع: و هو - يومئذ - لا ولد له». [152] . [ صفحه 66]
و هذه القاعدة الشريفة تعد في طليعة الوقاعد التي أرستها الشريعة الاسلامية، و قد جاء تأكيد الامام الصادق عليه السلام علي هذه القاعدة باعتبار أن فهم الأمة لحديث الثقلين و دلالاته و معرفتها بالاثني عشر اماما من أهل البيت الذين هم خلفاء النبي صلي الله عليه و آله، مع التسلسل العمودي لل.ئمة بعد الحسين عليه السلام بموجب القاعدة الثالثة، يعني - مع هذه القاعدة - بأن زماننا هذا الي ما شاء الله تعالي لابد و أن يكون فيه امام من الأئمة الاثني عشر عليهم السلام حيا كسائر الأحياء، و الثابت لدي جميع الأمة هو مضي أحد عشر اماما من الأئمة الاثني عشر عليهم السلام و هم:1- أميرالمؤمنين الامام علي عليه السلام استشهد بالكوفة سنة 40 ه عن (ثلاث و ستين سنة).2- الامام الحسن السبط عليه السلام استشهد مسموما في المدينة سنة 50 ه عن 48 سنة.3- الامام الحسين السبط عليه السلام استشهد في كربلاء سنة 60 ه عن 57 سنة و خمسة أشهر.4- الامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام استشهد مسموما في المدينة سنة 95 ه عن 57 سنة (سمه هشام الأموي). [ صفحه 67] 5- الامام محمد بن علي الباقر عليه السلام استشهد مسموما في المدينة سنة 114 ه عن 57 سنة (سمه هشام الأموي).6- الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام استشهد مسموما بالمدينة سنة 148 ه عن 65 سنة (سمه المنصور العباسي بالعنب).7- الامام موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام استشهد مسموما ببغداد سنة 183 ه في حبس هارون عن 55 سنة (سمه هارون).8- الامام علي بن موسي الرضا عليه السلام استشهد مسموما بخراسان سنة
203 ه عن 55 سنة (سمه المأمون بالعنب).9- الامام محمد بن علي الجواد عليه السلام استشهد مسموما ببغداد سنة 220 ه عن 35 سنة (سمه المعتصم).10- الامام علي بن محمد الهادي عليه السلام استشهد مسموما بسامراء سنة 254 ه عن 41 سنة (سمه المعتز).11- الامام الحسن بن علي العسكري عليه السلام استشهد مسموما بسامراء سنة 260 ه عن 28 سنة (سمه المعتمد).و قاعدة عدم خلو الأرض من امام حجة اما ظاهرا مشهورا أو غائبا مستورا قد عرفتها الشيعة منذ عهد أميرالمؤمنين عليه السلام، و لعله عليه السلام هو أول من أشاعها في حديثه عليه السلام لكميل بن زياد النخعي الثقة، ذلك الحديث الذي وصفه ابن القيم بقوله: «و هو حديث مشهور عند أهل الفن و يستغني عن [ صفحه 68] الاسناد لشهرته عندهم» [153] و هذا الحديث رواه عن أميرالمؤمنين عليه السلام كميل ابن زياد النخعي الثقة كما في نهج البلاغة [154] و قد رواه عنه الجم الغفير من المحدثين. [155] .و في الكافي وحده ثلاثة عشر حديثا في خصوص هذه القاعدة. [156] .و في اكمال الدين للشيخ الصدوق خمسة و ستين حديثا في خصوص هذه القاعدة أيضا. [157] .فأصالة هذه القاعدة و عمقها التاريخي في الفكر الديني مما لا نقاش فيه أصلا.و اللسان العربي الأصيل ذو ذائقة خاصة في تذوق معني هذه القواعد الشريفة و فهم دلالتها، و لهذا فهو لا يعذر علي سوء فهمه لدلالتها، بخلاف من لم يتأدب بآدابها و يتمرس علي فنونها و لم يعم الله بصيرته، و لم يطبع علي قلبه.و يبقي السؤال هنا بعد أن عرفت مضي أحد عشر اماما، هو: أين الامام الثاني عشر عليه السلام؟ و من عساه سيكون غير ابن الامام الحادي عشر [
صفحه 69] الحسن العسكري عليه السلام الذي راح شهيدا علي يد عتاة بني العباس؟ان القواعد التي عرفتها طلائع التشيع قبل ولادة الامام العسكري عليه السلام بعشرات السنين تأبي من قبول أي تسويف أو تأويل متعسف حيال هوية ابنه الامام الثاني عشر عليه السلام.نعم، قد يقال، بأن هذا من الناحية النظرية مقبول الي حد ما، و لكن يجب تحققه في مساحة الواقع التاريخي بولادة الحجة ابن العسكري عليه السلام، حتي تكون النظرية قابلة للتطبيق!و للاجابة علي هذا التساؤل نحتاج الي بسط عريض يبعدنا عن أصل الموضوع، و مع هذا فلن نهمله دون الاشارة السريعة الي ما يثبت ولادة الامام المهدي عليه السلام، فنقول باختصار شديد:بلغ مجموع من اعترف بولادة الامام المهدي عليه السلام من علماء العامة فقط و بحسب ما قمنا به من احصاء سابق مائة و ثمانية و عشرين عالما، و قد ذكرنا في ذيل كل اسم ما يدل علي اعترافه بكل دقة و تفصيل. و هم لم يعترفوا بولادة ابن الحسن العسكري عليه السلام بناء علي تلك القواعد، و انما اعترفوا بذلك علي أساس متين من الواقع التاريخي لحدث الولادة المباركة.و أما مجموع من رأي الامام المهدي عليه السلام في حياة أبيه الامام العسكري عليه السلام فقد بلغ بأحصائنا تسعة و سبعين نفرا، و ذكرنا من وكلائه عليه السلام من أهل آذربيجان، و الأهواز، و بغداد و الكوفة، و قم، و نيسابور، و همدان زهاء ثلاثة عشر شخصا، [158] هذا فضلا عما خرج من [ صفحه 70] توقيعات عن الامام المهدي عليه السلام في زمان السفراء الأربعة، مجموع الصحيح الثابت منها علي نحو القطع يوجب تواتر ولادته و حياته الشريفة، و أما الأحاديث الصحيحة المثبتة لاقرار الامام العسكري عليه السلام بولادة ابنه الامام المهدي
عليه السلام، و شهادة الأصحاب بذلك، فضلا عن الخدم و الجواري فتحتاج الي كتاب مستقل، كما أثبتنا في بحث آخر اتفاق ثمانية من علماء الأنساب علي ولادة الامام المهدي عليه السلام و تثبيت نسبه الشريف، و فيهم المعاصر للغيبة الصغري. [159] .الأمر الذي يشير الي انطباق تلك القواعد الشريفة علي الواقع التاريخي بأبهي صورة و أقوي دليل و أمتن برهان.ثم كيف لا تجد تلك القواعد مصداقها الخارجي و هي صادرة عن رسول الله صلي الله عليه و آله، و مؤكدة علي لسان العروة الوثقي في الدين الهداة الميامين من آل طه و ياسين؟ان الذين أطاعوا الله و رسوله في آل محمد صلي الله عليه و آله ما كان التصديق بانباء الغيب عندهم موقوفا علي تحققها، و لهذا فهم آمنوا بها و رووها و كانوا علي ثقة من تحققها و لو بعد حين (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين الذين يؤمنون بالغيب و يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون)، [160] و لهذا لم يناقشوا في تلك الأخبار و لا وقفوا حيالها موقف الرافض المشكك، بل كانوا يعدون العدة لانتظار ذلك اليوم الموعود، [ صفحه 71] و يتحرقون شوقا الي ساعة الخلاص علي يد المنتظر أرواحنا فداه، و بقيت أجيالهم هكذا الي حين ولادته عليه السلام و غيبته، و لا زال خلفهم الصالح علي ذات الطريق، و قد كان من ثواب انتظارهم ما أخرجوه عن الامام الصادق عليه السلام بقوله: «من مات منكم و هو منتظر لهذا الأمر كان كمن هو مع القائم في فسطاطه، لا بل كمن قارع معه بسيفه... لا و الله الا كمن استشهد مع رسول الله صلي الله عليه و آله». [161] .هذا، و أما
عن دور الامام الصادق عليه السلام في ترسيخ هذه القاعدة، فيمكن الاشارة اليه بالأحاديث الآتية:1- عن الوشاء، عن الامام الرضا عليه السلام قال: «ان أبا عبد الله عليه السلام، قال: ان الحجة لا تقوم لله عزوجل علي خلقه الا بامام حتي يعرف». [162] .و قد عرفت أن الأرض لا تخلو من حجة، و في هذا الحديث حصر للحجة بالامام، لئلا يتوهم أحد فيزعم أنه فلان أو فلان أو فلان أو معاوية بن أبي سفيان!2- و عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ان الله جل و عز، أجل و أعظم من أن يترك الأرض بغير امام». [163] . [ صفحه 72] 3- و عن عبد الله بن خراش، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سأله رجل، فقال: تخلو الأرض ساعة لا يكون فيها امام؟ فقال: لا تخلو الأرض من الحق». [164] .4- و عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: تبقي الأرض بغير امام؟ فقال عليه السلام: «لو بقيت الأرض بغير امام لساخت». [165] .5- و عن يونس بن يعقوب، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «لو لم يكن في الدنيا الا اثنان لكان الامام أحدهما». [166] .و روي حمزة بن الطيار، عن الامام أبي عبد الله الصادق عليه السلام نحوه. [167] . [ صفحه 73] 6- و عن ذريح المحاربي، عن الامام أبي عبد الله عليه السلام قال: «منا الامام المفروض طاعته، من جحده مات يهوديا أو نصرانيا، و الله ما ترك الله الأرض منذ قبض الله آدم الا وفيها امام يهتدي به الي الله، حجة علي العباد، من تركه هلك، و من لزمه نجا، حقا علي الله تعالي». [168] .و الي هنا
قد تبين لنا أن قاعدة العصمة و المرجعية السياسية العلمية قد حصرها حديث الثقلين الشريف بعد النبي صلي الله عليه و آله بالقرآن الكريم و أهل البيت عليهم السلام، و ان أهل البيت عليهم السلام قد حصرتهم القاعدة الثانية باثني عشر اماما: أميرالمؤمنين عليه السلام و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين عليه السلام، و ان الامامة لا تكون الا في عقب الامام الحسين عليه السلام كما وضحته القاعدة الثالثة.ثم جاءت القاعدة الرابعة لتبين لنا أن أولئك الأئمة الاثني عشر عليهم السلام لا تخلو الأرض من واحد منهم علي الاطلاق؛ لأنهم حجج الله في بلاده علي عباده منذ وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و الي قيام الساعة، و قد ثبت مضي أحد عشر اماما منهم عليهم السلام، و بقي الموعود المنتظر الثاني عشر ابن الامام العسكري عليهماالسلام.و ان الأمة ملزمة بمعرفته باسمه و نسبه كما هو صريح القاعدة الخامسة [ صفحه 74] التي اشتهرت عن رسول الله صلي الله عليه و آله برواية الفريقين، كما صحت روايتها عن أهل البيت عليهم السلام، لا سيما الامام الصادق عليه السلام و من طرق شتي، و هي:
و يدل علي ترسيخ الامام الصادق عليه السلام لهذه القاعدة و التثقيف الواسع عليها أحاديثه الشريفة الكثيرة في خصوص وجوب معرفة امام الزمان، و سنكتفي في حدود تأكيده علي حديث: «من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية»، كالآتي:1- عن بشير الدهان، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله: (من مات و هو لا يعرف امامه مات ميتة جاهلية) فعليكم باطاعته، قد رأيتم أصحاب علي عليه السلام، و أنتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته، و لنا كرائم
القرآن، و نحن قوم افترض الله طاعتنا، و لنا الأنفال، و لنا صفو المال». [169] .2- و عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله: من مات لا يعرف امامه مات ميتة جاهلية». [170] .و بهذا اللفظ، و ما قاربه ما رواه عيسي بن السري [171] و الحسين بن [ صفحه 75] أبي العلاء [172] و عبد الأعلي [173] و أيوب بن الحر [174] و أبو بكر الحضرمي [175] و عبد الله ابن أبي يعفور؛ [176] كلهم عن الامام الصادق عليه السلام.3- و عن الفضيل بن يسار قال: «ابتدأنا أبو عبد الله عليه السلام و قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: من مات و ليس عله امام فميته ميتة جاهلية، فقلت: قال ذلك رسول الله صلي الله عليه و آله؟ فقال: اي و الله، قد قال، قلت: فكل من مات و ليس له امام فميتته ميتة جاهلية؟ قال: نعم». [177] .4- و عن عمار بن اسحاق، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من مات و ليس له امام مات ميتة جاهلية: كفر، و شرك، و ضلال». [178] .و في رواية اخري عنه: «ميتة كفر و ضلال و نفاق». [179] .و للشيخ المفيد رضي الله عنه كلام مهم حول هذا الحديث، قال: «عن [ صفحه 76] النبي صلي الله عليه و آله انه قال: (من مات و هو لا يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية).ثم قال: و هذا صريح بأن الجهل بالامام يخرج صاحبه عن الاسلام». [180] .و قال قدس سره في الرسالة الأولي في الغيبة: «سأل سائل فقال: أخبروني عما روي عن النبي
صلي الله عليه و آله أنه قال: (من مات و هو لا يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية). هل هو ثابت صحيح؟ أم هو معتل بغم؟(فأجاب الشيخ المفيد قائلا): بل هو خبر صحيح يشهد له اجماع أهل الآثار، و يقوي معناه صريح القرآن حيث يقول جل اسمه: (يوم ندعوا كل اناس بامامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم و لا يظلمون فتيلا)، [181] و قوله تعالي: (فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد و جئنا بك علي هؤلاء شهيدا)، [182] و أي كثيرة من القرآن». [183] .و في الصحيح عن الامام الصادق عليه السلام ما يوضح أهمية هذه القاعدة وصلتها بمقام أهل البيت عليهم السلام.فقد روي ثقة الاسلام الكيني رضي الله عنه، عن علي بن ابراهيم الفقيه المفسر [ صفحه 77] الثبت الثقة، عن محمد بن عيسي الفقيه الجليل الثبت الثقة، عن يونس ابن عبد الرحمن الفقيه العظيم الجيل الثبت الثقة، عن حماد بن عثمان الثبت الثقة، عن عيسي بن السري الثبت الثقة قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: حدثني عما بني عليه دعائم الاسلام، اذا أنا أخذت بها زكي عملي و لم يضرني جهل ما جهلت بعده، فقال عليه السلام: شهادة أن لا اله الا الله، و أن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله، و الاقرار بما جاء به من عند الله، و حق في الأموال من الزكاة، و الولاية التي أمر الله عزوجل بها، ولاية آل محمد صلي الله عليه و آله، فان رسول الله صلي الله عليه و آله قال: من مات و لا يعرف امامه مات ميتة جاهلية. قال الله عزوجل: (أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم)
[184] فكان علي عليه السلام، ثم صار من بعده حسن، ثم من بعده حسين، ثم من بعده علي ابن الحسين، ثم من بعده محمد بن علي، ثم هكذا يكون الأمر. ان الأرض لا تصلح الا بامام، و من مات لا يعرف امامه مات ميتة جاهلية، و أحوج ما يكون أحدكم الي معرفته اذا بلغت نفسه هاهنا - قال: و أهوي بيده الي صدره - يقول حينئذ: لقد كنت علي أمر حسن». [185] .و قد روي هذه الرواية صفوان بن يحيي الثقة عن عيسي بن السري أيضا، [186] الأمر الذي يعزز من صدقها و يؤكد سماعهد من الامام الصادق عليه السلام حقا. [ صفحه 78] و نظير الرواية المذكورة في الصحة، ما أخرجه ثقة الاسلام الكليني بسند صحيح، عن بشير الكناسي، قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: وصلتم و قطع الناس، و أحببتم و أبغض الناس، و عرفتم و أنكر الناس و هو الحق، ان الله اتخذ محمدا صلي الله عليه و آله عبدا قبل أن يتخذه نبيا، و ان عليا عليه السلام كان عبدا ناصحا لله عزوجل فنصحه، و أحب الله عزوجل فأحبه. ان حقنا في كتاب الله بين، لنا صفو المال، و لنا الانفال، و انا قوم فرض الله عزوجل طاعتنا، و انكم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته. و قال رسول الله صلي الله عليه و آله: (من مات و ليس له امام مات ميتة جاهلية)، عليكم بالطاعة..». [187] .هذا، و أما من ادعي أن المراد بالامام الذي من لا يعرفه سيموت ميتة جاهلية هو السلطان أو الحاكم أو الملك و نحو ذلك و ان كان فاسقا ظالما كما هو حال سلاطين بني امية
و بني العباس، أو طاغية مستبدا كما هو عليه واقعنا المعاصر، فعليه أن يثبت بالدليل أن معرفة هذه النماذج القذرة من الدين أولا، ثم يبين للعقلاء الثمرة المترتبة علي وجوب معرفة الظالم الفاسق الطاغية المستبد بحيث يكون من مات و لم يعرفه مات ميتة جاهلية.و من عظيم ما يروي فيمن ادعي ذلك: الصحيح الوارد عن [ صفحه 79] ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، و لا يزكيهم، و لهم عذاب أليم: من ادعي امامة من الله ليست له، و من جحد اماما من الله، و من زعم أن لهما في الاسلام نصيبا». [188] .ان دلالة ما مر علي ضرورة معرفة الامام الحق الذي أمر الله تعالي بطاعته، لا تتم في زماننا هذا الا مع القول بولادة الامام المهدي الحجة ابن الحسن العسكري عليهماالسلام و غيبته و اعتقاد ظهوره في آخر الزمان ليملأ الدنيا قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا.و لا يخفي أن المراد من هذه القاعدة ليس مجرد معرفة الامام باسمه و نسبه مثلا، و انما المطلوب الي جانب المعرفة تلك: طاعة الامام، و عدم مخالفته بشي ء، و الرد اليه، و التسليم له.و في الصحيح الثابت ما قاله امامنا الصادق عليه السلام لزيد الشحام: «أتدري بما أمروا؟ أمروا بمعرفتنا، و الرد الينا، و التسليم لنا». [189] .و في الصحيح عن أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أرأيت الراد علي هذا الأمر كالراد عليكم؟ فقال عليه السلام: يا أبا محمد! من رد عليك هذا الأمر فهو كالراد علي رسول الله صلي الله عليه و آله». [190] . [ صفحه 80] و كل هذا يعزز
ما ذكرناه سابقا في حكم من أنكر الامام المهدي ابن الامام الحسن العسكري عليهماالسلام. [ صفحه 81]
يرجع الفضل في معرفتنا بذلك المنهج المحكم الي محدثي الامامية الذين عاشوا في الغيبة الصغري (329-260 ه) أو بعدها، كالبرقي (ت 274 وقيل سنة 280 ه)، و الصفار (ت 290 ه)، و ثقة الاسلام الكليني (ت 329 ه)، و الصدوق الأول (ت 329 ه)، و النعماني (ت بعد سنة 342 ه)، و الشيخ الصدوق (ت 381 ه)، و الشيخ المفيد (ت 413 ه)، و الشيخ الطوسي (ت 460 ه)، و غيرهم من أعلام الامامية المتقدمين الذين استفرغوا الوسع في جمع الحديث الشريف و تحقيقه و تدوينه، باعتمادهم علي مصنفات الشيعة في القرون الثلاثة الأولي، لا سيما الكتب المعروفة بالأصول الأربعمائة، و غيرها من المصنفات المعتمدة المؤلفة في عصور الأئمة التي شاع اعتمادها، حتي صار مرجعهم اليها و معولهم عليها، و أودعوا ما جمعوا منها في مؤلفاتهم المعروفة، مع حسن تبويبها [ صفحه 82] و تصنيفها، الأمر الذي ساعد علي استخراج المادة المطلوبة منها بيسر و سهولة، هذا فضلا عن الكتب الأخري المصنفة في خصوص الامام المهدي عليه السلام و غيبته. و لا شك بأن الرجوع الي تلك الكتب - بصنفيها - سوف يكشف بالتأكيد عن غيبة الامام المهدي عند جده الامام الصادق عليهماالسلام بكل وضوح، و لا يضر وجود الاجمال في بعضها مع وجود التفصيل، كما لا يقدح الابهام في دلالاتها مع توفر البسط و التوضيح؛ اذ لم يقتصر امامنا الصادق عليه السلام علي اخبار شيعته بمجرد غيبة امام من أهل البيت عليهم السلام حتي يمكن القول بعدم دلالة ما أخبر به علي غياب شخص معين. و انما أخبرهم كذلك
بشخص من سيغيب، و حدد رقمه من بين الأئمة الاثني عشر، و ذكر اسمه و كنيته، و سلط الضوء علي كامل هويته، و ما يقوله المبطلون في ولادته، و طول أمد غيبته، و ما يجب علي المؤمنين من انتظار فرجه، مع تبيين واسع لعلامات ظهوره، و مكان الظهور، و عدد أنصاره، و مدة حكمه بعد ظهوره، و قوة دولته، وسعة العدل فيها، و الرخاء العميم في جنباتها، و سيطرة دين الاسلام في ظلالها علي سائر الأديان كلها في مشارق الأرض و مغاربها، بما لا يبقي مع تلك الأخبار أدني مجال للقول بمهدي مجهول يخلقه الله تعالي في آخر الزمان.و هكذا حكم الامام الصادق عليه السلام من خلال ما وصلنا من أحاديثه الشريفة بزيف دعاوي المهدوية السابقة علي عصره، و المعاصرة له، و اللاحقه به، و بين كذبها جميعا؛ كمهدوية محمد بن الحنفية (ت 73 ه، و قيل غيرها) و مهدوية عمر بن عبدالعزيز الأموي (ت 101 ه)، و مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن الذي قتله المنصور الدوانيقي سنة [ صفحه 83] 145 ه، و مهدوية الملقب زورا بالمهدي العباسي (ت 169 ه).و لم يكتف الامام الصادق عليه السلام بهذا كله، و انما حاول تنبيه الشيعة الي ما سيحصل بعده من قول الناووسية بمهدويته عليه السلام، و قول الواقفية بمهدوية ابنه الامام الكاظم بعد وفاته عليه السلام.و من هنا نفي الامام الصادق عليه السلام المهدوية عن نفسه، و عن ولده الامام الكاظم عليه السلام بوضوح و صراحة تامين؛ لكي لا يغتر أحد بمقولة الناووسية، و لا يعبأ بمقولة الواقفية، و لا يصغي لغيرهما كالفطحية و أمثالها، مما نتج عن ذلك التنبيه الواعي المدورس أن تبخرت تلك المزاعم الباطلة و ذهبت
أدراج الرياح، و اضمحلت فرقها الفاسدة بعد ظهورها علي مسرح الأحداث، و زالت بأسرها عن صفحة الوجود كلمح في البصر، و عاد مثلها كمثل الفقاعات التي تظهر علي سطح الماء الساخن فجأة ثم سرعان ما تنفجر و تتلاشي، بحيث لا تري لها رسما و لا طللا، و هكذا كانت تلك الفرق! محا الله تعالي آثارها و دثر أخبارها، حتي صارت أثرا بعد عين، و ذهبت جفاء كالزبد الذي لا يمكث في الأرض الا قليلا.و في مقام بيان منهج الامام الصادق عليه السلام في تشخيص هوية المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان عليه السلام، نقف علي اسلوبين في هذا المنهج الشريف و هما:
و خير ما يدل علي هذا الأسلوب أحاديث الامام الصادق عليه السلام التي بينت أوجه الشبه بين الامام المهدي عليه السلام و بين بعض الأنبياء عليهم السلام، و من [ صفحه 84] مراجعة ما حكاه القرآن الكريم في قصصهم عليهم السلام، و ما بينته الأحاديث النبوية الشريفة في هذا المجال؛ يعلم بأن هدف الامام الصادق عليه السلام في تبيان أوجه الشبه تلك انما هو بهدف التوعية المطلوبة و ذلك علي مستويين:المستوي الأول:مستوي من لم يعاصر الامام المهدي عليه السلام و يضم هذا المستوي جميع من ماتوا قبل ولادته عليه السلام من أصحاب الامام الصادق و أصحاب ولده عليهم السلام وصولا الي الامام العسكري عليه السلام؛ اذ بامكان هذه الطبقة أن تستحضر هذا الأسلوب لكي تعرف قيمة ما يظهر بزمانها من دعاوي المهدوية، و يتأكد لها - حينئذ - بطلان تلك الدعاوي لعدم انطباق التشبيه و التمثيل الواردين في الامام المهدي عليه السلام عليها.و ما قد يقال بأن هذه الطبقة من الأصحاب لا تحتاج في الواقع الي كل ذلك؛ اذ يكفيها معرفة امام زمانها فحسب،
و علي أبعد تقدير معرفة من سيليه علي أمر الامامة، و أما معرفة هوية من سيأتي بعد ذلك من الأئمة عليهم السلام فهي غير مسؤولة عنها و لا ملزمة بها، و أما عن دعاوي المهدوية التي عاصرتها، فبامكانها السؤال من امام زمانها نفسه عن مدي مصداقيتها، و حينئذ ستنتفي حاجتها الي هذا الاسلوب، خصوصا و ان في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ما يدل علي ذلك. و يكفي في هذا ما ذكره ثقة الاسلام الكليني في باب (انه من عرف امامه لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر)، حيث ضم سبعة أحاديث بهذا المعني، و هذا نموذج منها:1- عن زرارة، قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام: اعرف امامك، فانك اذا [ صفحه 85] عرفت لم يضرك، تقدم هذا الأمر أو تأخر». [191] .2- و عن اسماعيل بن محمد الخزاعي، قال: «سأل أبو بصير أبا عبد الله عليه السلام و أنا أسمع، فقال: تراني أدرك القائم عليه السلام؟ فقال: يا أبا بصير ألست تعرف امامك؟ فقال: اي و الله و أنت هو، و تناول يده. فقال: و الله ما تبالي يا أبا بصير ألا تكون محتبيا بسيفك في ظلال رواق القائم صلوات الله عليه». [192] .3- و عن فضيل بن يسار، قال: «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من مات و ليس له امام فميتته ميتة جاهلية، و من مات و هو عارف لامامه لم يضره، تقدم هذا الأمر أو تأخر، و من مات و هو عارف لامامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه». [193] .و كل هذا يدل علي انتفاء حاجة الأصحاب الي التوعية المطلوبة علي المستوي الأول في تبيان أوجه الشبه بين المهدي الموعود عليه السلام و بين
الأنبياء السابقين عليهم السلام.فكيف تكون تلك التوعية اذن هدفا من أهداف الامام الصادق عليه السلام مع انتفاء حاجة الأصحاب اليها؟و الجواب باختصار.. هو أن أحاديث الاكتفاء بمعرفة امام الزمان انما [ صفحه 86] جاء التأكيد عليها في مقابل استعجال بعض أصحاب الأئمة عليهم السلام في مسألة ظهور الفرج علي يد الامام المهدي عليه السلام، اذ سبق الي أذهانهم دوره الشريف في انشاء دولة آل محمد صلي الله عليه و آله، دولة الحق الشامل و ذلك من خلال ما بشر به النبي صلي الله عليه و آله و آله الأطهار عليهم السلام، و المعروف أن انتظار الفرج في ظل الاستبداد و العنف السياسي المقيت المتواصل، عادة ما يكون مدعاة للسأم و الضجر، و قد ينتج عنه اليأس من الظهور، و الشك في أصل القضية، و لهذا حاول الامام الصادق عليه السلام تنبيه هذه الشريحة علي القاعدة القرآنية القائلة: (يوم ندعو كل أناس بامامهم) [194] و ذلك من خلال أحاديثه الشريفة المصرحة بوجوب معرفة امام الزمان الحق، و اذا ما أضيف هذا الي تنبيهه عليه السلام علي مسألة عدم التوقيت، مع ضرورة البقاء في حالة تأهب و انتظار مع بيان فضل الانتظار بأنه من أنواع العبادة، علم أن الهدف من وراء ذلك انما هو لأجل تثبيت القلوب و القضاء علي عوامل اليأس التي قد تنشأ نتيجة الانتظار الطويل، و هذا لا يعارض أية خطوة من خطوات كشف الطريق، كبيان مستقبل الأمة علي يد الامام المهدي، و تشخيص هويته عليه السلام بالتلميح تارة و بالتصريح تارة أخري.و أما عن حاجتهم الي هذا علي الرغم من معرفتهم امام زمانهم، فهي حاجة كل انسان الي معرفة ما في المستقبل، اذ المطلوب أن لا يعيش الانسان يومه فحسب، بل
لابد و أن تكون عنده نبوءات عن مستقبله، و الا كان فاشلا، و لهذا نجد في عالمنا المعاصر مؤسسات علمية و ثقافية [ صفحه 87] كثيرة تعني بشؤون المستقبل، فضلا عن وجود مجلات علمية متخصصة بالدراسات المستقبلية.و من هنا صار التنبؤ بالشي ء قبل وقوعه من الأمور الاحترازية المهمة لكل مجتمع، و علي هذا جري أسلوب الامام الصادق عليه السلام في خصوص مسألة الامام المهدي عليه السلام، فأخبر عنه و فصل هويته الشريفة قبل ولادته بعشرات السنين.كما لا يمكن اغفال دور هذا المستوي من التوعية في حمل الأمانة و نقلها الي الأجيال اللاحقة، خصوصا أجيال الغيبة الكبري لامام العصر و الزمان عليه السلام التي لم تشاهد الامام و لم تره، و لكنها آمنت به و استيقنت ولادته عليه السلام، نظرا لما أحاطها من سرية و تكتم كانا مقصودين من أبيه الامام العسكري عليه السلام مباشرة الا لخاصة فالخاصة كوكلاء الامام، و أعمدة التشيع يوم ذاك من الثقات الأجلاء المعروفين، و من لابد من اطلاعه كالخدم و الجواري و نحوهم.المستوي الثاني:مستوي من عاش حدث الولادة المباركة للامام المهدي عليه السلام ورآه في زمان أبيه أو في زمان غيبته الصغري أو سمع بذلك ممن علم بالحدث أو شاهد الامام مباشرة، و هم جل الشيعة في ذلك الوقت.و بامكان هذه الطبقة أن تلاحظ قوة انطباق تلك الأخبار علي الواقع التاريخي بعد وفاة الامام العسكري عليه السلام و حينئذ تزداد يقينا علي يقين و لن [ صفحه 88] تضعف من بصيرتها كثرة المهرجين و المشعوذين.و يدل علي هذا الأسلوب الشريف:1- عن أبي بصير قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام: ان في صاحب هذا الأمر سننا من الأنبياء عليهم السلام: سنة من موسي بن عمران، و سنة من عيسي،
و سنة من يوسف، و سنة من محمد صلوات الله عليهم. فأما سنة من موسي بن عمران، فخائف يترقب، و أما سنة من عيسي، فيقال فيه ما قيل في عيسي، و أما سنة من يوسف، فالستر، يجعل الله بينه و بين الخلق حجابا، يرونه و لا يعرفونه، و أما سنة من محمد صلي الله عليه و آله، فيهتدي بهداه، و يسير بسيرته». [195] .2- و عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «في القائم عليه السلام سنة من موسي بن عمران عليه السلام، فقلت: و ما سنته من موسي بن عمران؟ قال عليه السلام: خفاء مولده، و غيبته عن قومه...». [196] .3- و في حديث آخر عنه عليه السلام، ان في المهدي الغائب عليه السلام: «سنة من أربعة أنبياء: سنة من موسي خائف يترقب، و سنة من يوسف يعرفهم و هم له منكرون، و سنة من عيسي و ما قتلوه و ما صلبوه، و سنة من محمد صلي الله عليه و آله يقوم بالسيف». [197] .4- و في حديث آخر عنه عليه السلام، ان فيه: «سنة من نوح و هو طول [ صفحه 89] عمره، و ظهور دولته، و بسط يده في هلاك أعدائه، يخرج بالسيف كما خرج رسول الله صلي الله عليه و آله، و سنة من داود و هو حكمه بالالهام». [198] .5- و عن زيد الشحام، عن الامام الصادق عليه السلام في حديث طويل جاء فيه: «ان صالحا عليه السلام غاب عن قومه زمانا - الي أن قال عليه السلام - و انما مثل القائم عليه السلام مثل صالح». [199] .6- و في الصحيح عن سدير الصيرفي قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ان في صاحب هذا
الأمر شبها من يوسف عليه السلام قال: فقلت له: كأنك تذكر حياته أو غيبته؟ قال: فقال لي عليه السلام: و ما ينكر من ذلك هذه الأمة أشباه الخنازير؟ ان اخوة يوسف عليه السلام كانوا أسباطا أولاد الأنبياء، تاجروا بيوسف و بايعوه و خاطبوه، و هم اخوته و هو أخوهم، فلم يعرفوه حتي قال: أنا يوسف و هذا أخي. فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يفعل الله عزوجل بحجته في وقت من الأوقات كما فعل بيوسف؟ ان يوسف عليه السلام كان اليه ملك مصر، و كان بينه و بين والده مسيرة ثمانية عشر يوما، فلو أراد أن يعلمه لقدر علي ذلك، لقد سار يعقوب عليه السلام و ولده - عند البشارة - تسعة أيام من بدوهم الي مصر. فما تنكر هذه الأمة أن يفعل الله جل و عز بحجته كما فعل بيوسف، أن يمشي في أسواقهم و يطأ بسطهم حتي يأذن الله في ذلك له كما أذن ليوسف؟ قال: «أئنك لأنت يوسف؟ قال: أنا يوسف». [200] . [ صفحه 90] و فيه اشارة واضحة الي غيبة الامام عليه السلام، و ما فعله جعفر الكذاب - و هو عم الامام المهدي عليه السلام - شبيه بما فعله أولاد يعقوب عليه السلام بأخيهم يوسف!و في حديث سدير هذا ما يدل علي شيوع مفهوم غيبة الامام المهدي بين أصحاب الامام الصادق عليه السلام بفضل ما وصل اليهم من أحاديث آبائه الأطهار عليهم السلام، فضلا عما قام به الامام الصادق عليه السلام من ايضاح كل ما يحيط بالامام المهدي عليه السلام تفصيلا، و خير ما يدل علي سبق مفهوم الغيبة الي علم الأصحاب، هو استفسار سدير الصيرفي - في هذا الحديث - من الامام الصادق عليه السلام بقوله: كأنك تذكر حياته أو
غيبته!و يدل عليه أيضا ما رواه المفضل بن عمر، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام و عنده في البيت أناس، فظننت أنه انما أراد بذلك غيري، فقال: «أما و الله! ليغيبن عنكم صاحب هذا الأمر... الحديث». [201] .فقول المفضل: (فظننت أنه انما أراد بذلك غيري) يدل بوضوح علي علم المفضل بالغيبة، لسماعه أخبارها قبل زمان صدور هذا الحديث.7- و عن عبد الرحمن بن الحجاج عن الامام الصادق، عن آبائه عليهم السلام، عن الامام الحسين عليه السلام قال: «في التاسع من ولدي سنة من يوسف، و سنة من موسي بن عمران عليهماالسلام، و هو قائمنا أهل البيت، يصلح الله تبارك و تعالي أمره في ليلة واحدة». [202] . [ صفحه 91] 8- و عن أبي بصير، قال:«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ان سنن الأنبياء عليهم السلام بما وقع بهم في الغيبات حادثة في القائم منا أهل البيت حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة».قال أبو بصير، فقلت: يا ابن رسول الله! و من القائم منكم أهل البيت؟ فقال: «يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسي، ذلك ابن سيدة الاماء، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثم يظهره الله عزوجل، فيفتح الله علي يده مشارق الأرض و مغاربها، و ينزل روح الله عيسي بن مريم عليه السلام فيصلي خلفه، و تشرق الأرض بنور ربها، و لا تبقي في الأرض بقعة عبد فيها غير الله عزوجل الا عبد الله فيها، و يكون الدين كله لله و لو كره المشركون». [203] .
لقد مرت شذرات متفرقة تشير الي هذا الأسلوب أيضا، و المراد به: التصريح بالهوية بحسب ما يقتضيه مقام السائل و عقلية المستمع يومذاك، و ما يحيط بالامام من
ظروف يترك تقديرها للامام نفسه عليه السلام، فضلا عما تقتضيه المصلحة التي ينظرها الامام، أو يتوخاها من خلال هذا الأسلوب.و لهذه الاعتبارات المتعددة لم يجر التصريح بهوية الامام المهدي عليه السلام علي نسق واحد، اذ تارة يكون بتحديد الهوية من طرفها البعيد، و تارة اخري يقرب التحديد، و ثالثة يشتد قربا و التصاقا بالهوية الشخصية للامام الموعود عليه السلام. [ صفحه 92] و بعبارة اخري ان هناك جملة وافرة من أحاديث الامام الصادق عليه السلام الواردة في مقام التصريح بالهوية، و مع هذا فلم ينفك عن بعضها الاجمال، بل انحصرت في دائرته؛ اذ لم تشخص غائبا بالتحديد و ان صرحت بشي ء من هويته. و مع هذا فان الاجمال المذكور لا يضر حتي مع فرض عدم وجود التفصيل، لأنه اجمال منحصر بعصور الأئمة قبل اكتمال تسلسلهم التاريخي، أو بعبارة أخري: ان الاجمال المذكور قد اختزن في داخله نوعا من التفصيل، و لكنه لم يتضح الا بعد حين، حتي عاد الاجمال نفسه في غني عما يوضحه من خارجه. خصوصا اذا ما لوحظ الأسلوب الأول من التشخيص، و ضم الي هذا الاجمال.فتشبيه ظرف الغائب بظرف يوسف عليه السلام، كما مر في الأسلوب الأول و ان لم يشخص لنا من هو الغائب بالتحديد، الا أنه بين لنا بعد حين مراد الامام بهذا التشبيه؛ اذ كما فعل اخوة يوسف بأخيهم، فعل جعفر الكذاب بابن أخيه العسكري عليه السلام، خصوصا مع تأكيد الامام الصادق عليه السلام علي أن سنن الأنبياء حاصلة في الغائب المنتظر حذو القذة بالقذة، و فيها الكثير مما يعين لنا الغائب بدقة.و هكذا الحال في المكونات الأخري للوحدة الموضوعية للغيبة، كذكر الغيبتين و نحو ذلك مما سيأتي في الباب الثاني، و اذا ما حصل
الربط بين أجزاء تلك المكونات، من قبيل كون الغائب هو الثاني عشر، و أنه التاسع من ولد الحسين عليه السلام، تبدد الاجمال المذكور كليا؛ لوجود المصداق الواقعي الذي انطبقت عليه جميع تلك الأخبار، و لم يتخلف عنها خبر واحد. [ صفحه 93] و مع هذا فلم يكتف امامنا الصادق عليه السلام بحدود هذه الأمور، و انما ذهب الي أبعد من ذلك بكثير في تشخيص هوية الامام المهدي الغائب عليه السلام، متدرجا في بيانه انطلاقا من كون الغائب المنتطر هو من ولد الحسين عليه السلام، مع نفي المهدوية عن نفسه الشريفة، و عن ولده الكاظم عليهما السلام؛ لئلا يدع مدع بانطباقها علي غير المراد، مرورا بكون من سيغيب هو الثاني عشر من أهل البيت عليهم السلام و آخرهم، و أنه السادس من ولده، و من ذرية الامام الكاظم عليه السلام، و تحديدا: أنه الخامس من ولد السابع، و أنه خفي الولادة، مع تسمية أمه عليه السلام، و هكذا الي أن يصل الي القمة في البيان، بذكر اسمه، و اسم أبيه، و كامل نسبه الشريف، كما سنري و علي النحو الآتي:1- عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلي الله عليه و آله في حديث قدسي شريف جاء فيه: «... و منكم القائم يصلي عيسي بن مريم خلفه اذا أهبطه الله تعالي الي الأرض، من ذرية علي و فاطمة، من ولد الحسين». [204] .2- عن عبيد الله بن العلاء، عن الامام الصادق عليه السلام في حديث طويل عن أميرالمؤمنين عليه السلام جاء فيه قوله للامام الحسين عليه السلام: «ثم يقوم القائم المأمول و الامام المجهول، له الشرف و الفضل، و هو من ولدك يا حسين... طوبي لمن
أدرك زمانه، و لحق أوانه، و شهد أيامه». [205] . [ صفحه 94] 3- و قال أبو بصير للامام الصادق عليه السلام و قد دخل عليه: «... اني أريد أن ألمس صدرك، فقال: افعل، قال: فمسست صدره و مناكبه، فقال: و لم يا أبا محمد؟ فقلت: جعلت فداك اني سمعت أباك و هو يقول: ان القائم واسع الصدر، مسترسل المنكبين، عريض ما بينهما. فقال: يا أبا محمد! ان أبي لبس درع رسول الله صلي الله عليه و آله و كانت تستخب علي الأرض، و اني لبستها فكانت و كانت، و انها تكون من القائم كما كانت من رسول الله صلي الله عليه و آله مشمرة، كأنه ترفع نطاقها، و ليس صاحب هذا الأمر من جاز الأربعين». [206] يعني نفسه الشريفة.و في هذا الحديث نفي صريح للمهدوية عن نفسه الشريفة، حيث توهمت شر ذمة قليلة بأنه عليه السلام هو المهدي، و هو قول ينسب الي الناووسية.و يؤيده أيضا ما أورده المتقي الهندي في البرهان، قائلا: «و أخرج المحاملي في أماليه، عن جعفر بن محمد بن علي بن حسين (عليهم السلام) قال: «يزعمون أني أنا المهدي! و اني الي أجلي أدني مني الي ما يدعون». [207] .و ما رواه خلاد الصفار، قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام: هل ولد القائم عليه السلام؟ فقال: «لا و لو أدركته لخدمته أيام حياتي». [208] . [ صفحه 95] و في هذا الحديث نفي صريح لمهدوية محمد بن الحنفية رضي الله عنه، و مهدوية عمر بن عبد العزيز الأموي، و مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن الحسني، و مهدوية محمد بن عبد الله العباسي الملقب كذبا علي الله و رسوله بالمهدي!و فيه أيضا ما
يكشف عن عظمة و مقام الامام المهدي عليه السلام، بحيث تمني امام الخلق في زمانه، و حجة الله البالغة علي عباده أن يقوم بخدمته لو أدركه عليهماالسلام.4- و عن أبي حمزة الثمالي قال: «دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: لا، فقلت: فولدك؟ فقال: لا، فقلت: فولد ولدك هو؟ فقال: لا، قلت: فولد ولد ولدك؟ قال: لا، قلت: فمن هو؟ قال: الذي يملأها عدلا كما ملئت ظلما و جورا علي فترة من الأئمة، كما أن رسول الله صلي الله عليه و آله بعث علي فترة من الرسل». [209] و لو استرسل أبو حمزة رضي الله عنه في سؤاله لحدد الامام الصادق عليه السلام من هو المهدي بالضبط؛ نظرا لما سيأتي في تشخيص الامام الصادق عليه السلام لاسم المهدي و حسبه بدقة.5- و عن أبي بصير، عن الصادق عليه السلام، قال: «سمعته عليه السلام يقول: منا اثنا عشر مهديا مضي ستة و بقي ستة، يصنع الله بالسادس ما أحب». [210] .6- و قال السيد الحميري بعد توبته و رجوعه الي الحق الي الامام [ صفحه 96] الصادق عليه السلام: «يابن رسول الله! قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة و صحة كونها، فاخبرني بمن تقع؟فقال عليه السلام: ان الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، و هو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله، أولهم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، و آخرهم القائم بالحق بقية الله تعالي في الأرض و صاحب الزمان، و الله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتي يظهر، فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما».
[211] .و هذا الخبر يؤكد اسهم جميع أهل البيت عليهم السلام في تنبيه الشيعة الي غيبة قائمهم المنتظر عليه السلام، و فيه تفسير للعدد المذكور في الحديث الخامس المتقدم، زيادة علي ما فيه من تأكيد بقاء الامام المهدي عليه السلام حيا في غيبته.و يؤيده قول الامام الصادق عليه السلام في حديث آخر: «ما تنكرون أن يمد الله لصاحب هذا الأمر في العمر كما مد لنوح عليه السلام في العمر». [212] .7- و في حديث طويل عن الصادق عليه السلام جاء فيه: «يظهر صاحبنا و هو من صلب هذا و أومأ بيده الي موسي بن جعفر عليهماالسلام، فيملأها عدلا كما ملئت جورا و ظلما، و تصفو له الدنيا». [213] .8- و عن أبي بصير، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «صاحب هذا الأمر [ صفحه 97] تعمي ولادته علي الخلق؛ لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة اذا خرج». [214] .و لا يعرف التاريخ أحدا من أهل البيت عليهم السلام قد خفيت ولادته علي الخلق سوي امامنا ابن العسكري عليهماالسلام.هذا، و في الصحيح عن ابن فضال، عن الامام الرضا عليه السلام قال: «كأني بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي (أي: الامام العسكري عليه السلام) كالنعم يطلبون المرعي فلا يجدونه، قلت له: و لم ذاك يا ابن رسول الله؟ قال: لأن امامهم يغيب عنهم، فقلت: و لم؟ قال: لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة اذا قام بالسيف». [215] .9- و عن أبي بصير، عن الامام الصادق عليه السلام في حديث جاء فيه: «... فقلت: يا ابن رسول الله و من القائم منكم أهل البيت؟ فقال: يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسي، ذلك ابن سيدة الاماء، يغيب غيبة يرتاب منها المبطلون، ثم يظهره الله عزوجل، فيفتح
الله علي يده مشارق الأرض و مغاربها، و ينزل روح الله عيسي بن مريم عليه السلام فيصلي خلفه، و تشرق الأرض بنور ربها، و لا يبقي في الأرض بقعة عبد فيها غير [ صفحه 98] الله عزوجل الا عبد الله فيها، و يكون الدين كله لله و لوكره المشركون». [216] .10- و عن المفضل بن عمر، عن الامام الصادق عليه السلام في حديث جاء فيه: «... و الأئمة من ولد الحسين آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته، فيقتل الدجال، و يطهر الأرض من كل جور و ظلم». [217] .11- و عن هارون بن موسي بن جعفر، عن أبيه عليه السلام قال: «قال سيدي جعفر بن محمد عليه السلام: الخلف الصالح من ولدي، و هو المهدي، اسمه محمد، و كنيته أبو القاسم، يخرج في آخر الزمان، يقال لأمه: صقيل». [218] .أقول: «صقيل، و نرجس، و سوسن كلها أسماء لمسمي واحد و هو أم الامام المهدي عليه السلام و قد ورد الأثر الصحيح في ذلك، و هذا الحديث نقله الاربلي من كتاب ابن الخساب المسمي تاريخ مواليد و وفيات اهل البيت عليهم السلام و ابن الخشاب من معاصري الامام العسكري عليه السلام و يروي الكليني عنه بالواسطة، و هو من مشايخ علي بن ابراهيم بن هاشم القمي المتوفي في الغيبة الصغري.12- و عن صفوان بن مهران، و عبد الله بن أبي يعفور؛ عن الامام الصادق عليه السلام قال: «من أقر بجميع الأنبياء و جحد المهدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء و جحد محمد صلي الله عليه و آله نبوته، فقيل له: يا ابن رسول الله: فمن [ صفحه 99] المهدي من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه، و لا يحل لكم
تسميته». [219] .و النهي عن التسمية معلل بالخوف من الطلب، فيكون مقيدا بزمان مخصوص كما يعلم من أخبار أخر.و في هذا الحديث و غيره مما مر و يأتي ابطال لقول الواقفية بمهدوية الامام الكاظم عليه السلام، و قوله عليه السلام: «الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه...» تعريض بقول الواقفية بأن المهدي صاحب الغيبة هو الامام السابع أي: الكاظم عليه السلام! في حين أنه الخامس من ولد السابع عليهم السلام.13- و سمع الحسين بن علوان الكلبي - و هو من رواة العامة - حديثا من طرقهم في خصوص علم النبي موسي عليه السلام بأوصياء النبي صلي الله عليه و آله الاثني عشر من بعده، قال: فذكرت ذلك لجعفر بن محمد عليهماالسلام، فقال: «حق ذلك، هم اثنا عشر من آل محمد صلي الله عليه و آله: علي، و الحسن، و الحسين، و علي بن الحسين، و محمد بن علي، و من شاء الله.قلت: جعلت فداك، انما أسألك لتفتيني بالحق.فقال عليه السلام: أنا، و ابني هذا - و أشار الي ابنه موسي عليه السلام - و الخامس من ولده يغيب شخصه، و لا يحل ذكره باسمه». [220] .14- و عن المفضل بن عمر قال: «دخلت علي سيدي جعفر بن [ صفحه 100] محمد عليهماالسلام فقلت: يا سيدي لو عهدت الينا في الخلف من بعدك؟ فقال لي: يا مفضل! الامام من بعدي ابني موسي، و الخلف المأمول المنتظر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي». [221] .15- و في الصحيح عن مسعدة بن صدقة قال: «كنت عند الصادق عليه السلام، اذ أتاه شيخ كبير قد انحني متكئا علي عصاه، فسلم، فرد أبو عبد الله عليه السلام الجواب، ثم قال: يا ابن رسول
الله ناولني يدك أقبلها، فأعطاه يده فقبلها ثم بكي، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما يبكيك يا شيخ؟ قال: جعلت فداك أقمت علي قائمكم منذ مائة سنة أقول هذا الشهر و هذه السنة، و قد كبرت سني و دق عظمي و اقترب أجلي و لا أري ما أحب أراكم مقتلين مشردين، و أري عدوكم يطيرون بالأجنحة، فكيف لا أبكي! فدمعت عينا أبي عبد الله عليه السلام، ثم قال:يا شيخ ان أبقاك الله حتي تري قائمنا كنت معنا في السنام الأعلي، و ان حلت بك المنية، جئت يوم القيامة مع ثقل محمد صلي الله عليه و آله، و نحن ثقله، فقال عليه السلام: اني مخلف فيكم الثقلين فتمسكوا بهما لن تضلوا: كتاب الله و عترتي أهل بيتي. فقال الشيخ: لا أبالي بعد ما سمعت هذا الخبر. قال: يا شيخ! ان قائمنا يخرج من صلب الحسن، و الحسن يخرج من صلب علي، و علي يخرج من صلب محمد، و محمد يخرج من صلب علي، و علي يخرج من صلب ابني هذا - و أشار الي موسي عليه السلام - و هذا خرج من صلبي، نحن اثنا عشر كلنا معصومون مطهرون... يا شيخ و الله لو لم يبق [ صفحه 101] من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتي يخرج قائمنا أهل البيت، ألا و أن شيعتنا يقعون في فتنة و حيرة في غيبته، هناك يثبت الله علي هداه المخلصين، اللهم أعنهم علي ذلك». [222] .16- و عن أبي الهيثم بن أبي حبة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «اذا اجتمعت ثلاثة أسماء متوالية: محمد، و علي، و الحسن، فالرابع القائم». [223] .و قوله عليه السلام: «اذا اجتمعت ثلاثة أسماء...»،
أي: من الأئمة بعده، الذين هم من ولده عليهم السلام.و من الواضح أن هذه الأسماء الثلاثة الشريفة قد اجتمعت متوالية حقا، و شكلت الحلقة الأخيرة من أسماء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام قبل القائم المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف، كالآتي:1- (محمد): و هو اسم الامام التاسع المعروف بالجواد عليه السلام.2- (علي): و هو اسم الامام العاشر المعروف بالهادي عليه السلام. [ صفحه 102] 3- (الحسن): و هو اسم الامام الحادي عشر المعروف بالعسكري عليه السلام ابن الامام علي الهادي ابن الامام محمد الجواد، و هو والد الامام القائم عليهم السلام.
نطقت أحاديث أهل البيت عليهم السلام و بصورة متواترة بأن الله تعالي لا يخلي أرضه من حجة عل عباده منذ أن خلق الله آدم و الي قيام الساعة، و لا فرق في ذلك بين أن يكون الحجة ظاهرا مشهورا، أو خائفا مستورا كما مر في القاعدة الرابعة من قواعد الفصل السابق.و التسليم بهذه القاعدة يعني الاعتقاد بوجود الامام المهدي عليه السلام في أرض الله عزوجل و ان لم يره أحد، و هو بحد ذاته كاف لنمو الفضيلة، و خلق جو من التآلف و المودة بين المؤمنين الذين يعيشون في حالة انتظار دائم و ترقب شديد لظهوره عليه السلام، الأمر الذي يؤدي الي حفظ المجتمع المسلم من التشتت و الضياع، و منعه من الانحدار وراء الشهوات، و صونه من كل انحراف.كما أن نفس وجود الامام عليه السلام فيه منافع كثيرة ترتبط بحياة الناس جميعا، من نزول بركات السماء، و عدم المؤاخذة بالعقاب العاجل و نحوها، و قد أشار القرآن الكريم الي هذه الحقيقة مبينا أهمية الحجة و هي في زمن نزوله منحصرة برسول الله صلي الله عليه و آله، فقال تعالي: (و ما كان
الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون)، [224] و أما بعده صلي الله عليه و آله فلا شك في أنها بآله الكرام عليهم السلام. [ صفحه 103] لقد حاول الامام الصادق عليه السلام تقريب صورة الانتفاع بالامام الحجة الغائب عليه السلام بمثال مادي محسوس، ليكون ذلك أدعي الي الاذعان و التصديق.فعن سليمان بن مهران الأعمش، عن الامام الصادق، عن أبيه الامام الباقر، عن أبيه الامام علي بن الحسين عليهم السلام، قال: «نحن أئمة المسلمين، و حجج الله علي العالمين... و لم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله و لا تخلو الي أن تقوم الساعة من حجة الله فيها، و لو لا ذلك لم يعبد الله. قال سليمان: فقلت للصادق عليه السلام: فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال عليه السلام: كما ينتفعون بالشمس اذا سترها السحاب». [225] .و كما أن السحاب لا يمنع من فوائد الشمس الكثيرة، و لولاها لانعدمت الحياة، فكذلك لا تمنع الغيبة من الفوائد العظيمة المترتبة علي وجود الامام عليه السلام، و هذا ما يفسر لنا معني قول الامام الصادق عليه السلام: «لو بقيت الأرض بغير امام لساخت». [226] .جدير بالذكر أن حديث الامام الصادق عليه السلام المتقدم برواية الأعمش هو جزء من حديث عظيم لرسول الله صلي الله عليه و آله، برواية جابر بن عبد الله الأنصاري، قال رضي الله عنه: «لما أنزل الله عزوجل علي نبيه محمد صلي الله عليه و آله (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر [ صفحه 104] منكم) [227] قلت: يا رسول عليه السلام عرفنا الله و رسوله، فمن اولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال عليه السلام: «هم خلفائي
يا جابر، و أئمة المسلمين (من) بعدي أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن و الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، و ستدركه يا جابر، فاذا لقيته فأقرئه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسي ين جعفر، ثم علي بن موسي، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميي و كنيي حجة الله في أرضه، و بقيته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك يفتح الله تعالي ذكره علي يديه مشارق الأرض و مغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته و أوليائه غيبة لا يثبت فيها علي القول بامامته الا من امتحن الله قلبه للايمان»، قال جابر: فقلت له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال صلي الله عليه و آله: «اي و الذي بعثني بالنبوة انهم يستضيئون بنوره و ينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس و ان تجللها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سر الله، و مخزون علمه، فاكتمه الا عن أهله». [228] .و تشبيه فائدة الامام المهدي عليه السلام في غيبته بفوائد الشمس المجللة بالسحاب يوحي الي أمور، قد تعرق لها العلامة المجلسي في ذيل هذا الخبر، و لا بأس بنقلها كما هي لفائدتها.قال رحمه الله: «بيان - التشبيه بالشمس المجللة بالسحاب يوحي الي أمور: [ صفحه 105] الأول: ان نور الوجود و العلم و الهداية، يصل الي الخلق بتوسطه عليه السلام؛ اذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنهم العلل الغائية لا يجاد الخلق، فلو لا هم لم يصل نور الوجود الي غيرهم، و ببركتهم و الاستشفاع بهم، و التوسل اليهم يظهر العلوم و المعارف علي
الخلق، و يكشف البلايا عنهم، فلو لا هم لا ستحق الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب، كما قال تعالي: (و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم) [229] و لقد جربنا مرارا لا نحصيها أن عند انغلاق الأمور و اعضال المسائل، و البعد عن جناب الحق تعالي، و انسداد أبواب الفيض، لما استشفعنا بهم، و توسلنا بأنوارهم، فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت، تنكشف تلك الأمور الصعبة، و هذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الايمان.الثاني: كما أن الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها - ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها و ظهورها، ليكون انتفاعهم بها أكثر، فكذلك في أيام غيبته عليه السلام، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه و ظهوره، في كل وقت و زمان، و لا ييأسون عنه.الثالث: ان منكر وجوده عليه السلام مع وفور ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس اذا غيبها السحاب عن الأبصار.الرابع: ان الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد، من ظهورها لهم بغير حجاب، فكذلك غيبته عليه السلام أصلح لهم في تلك الأزمان؛ فلذا غاب عنهم.الخامس: ان الناظر الي الشمس لا يمكنه النظر اليها بارزة عن [ صفحه 106] السحاب، و ربما عمي بالنظر اليها لضعف الباصرة عن الاحاطة بها، فكذلك شمس ذاته المقدسة ربما يكون ظهوره أضر لبصائرهم، و يكون سببا لعماهم عن الحق، و تحتمل بصائرهم الايمان به في غيبته، كما ينظر الانسان الي الشمس تحت السحاب و لا يتضرر بذلك.السادس: ان الشمس قد تخرج من السحاب و ينظر اليها واحد دون واحد، فكذلك يمكن أن يظهر عليه السلام في أيام غيبته لبعض الخلق دون بعض.السابع: انهم عليهم السلام كالشمس في عموم النفع، و انما لا ينتفع
بهم من كان أعمي كما فسر به في الأخبار قوله تعالي: (و من كان في هذه أعمي فهو في الآخرة أعمي و أضل سبيلا). [230] .الثامن: ان الشمس كما أن شعاعها يدخل البيوت، بقدر ما فيها من الروازن و الشبابيك، و بقدر ما يرتفع عنها من الموانع، فكذلك الخلق انما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسهم و مشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسانية، و العلائق الجسمانية، و بقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولانية الي أن ينتهي الأمر الي حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب». [231] . [ صفحه 109]
شغلت غيبة الامام المهدي عليه السلام قبل و بعد حلولها سنة 260 ه مكانا واسعا في الفكر الشيعي، و أخذت حيزا كبيرا في تراثهم الروائي و الكلامي، و امتدت آثارها بعد وفاة آخر السفراء الأربعة محمد بن علي السمري (ت 329) (رض)، لتشمل الفقه السياسي الروائي و المستنبط معا، و لعل في ما صنفه محدثوهم و أعلامهم قبل عصر الغيبة الصغري و في أثنائها أو بعدها، خير دليل علي مدي العناية الفائقة التي أولاها سائر أهل البيت عليهم السلام بهذا الموضوع الخطير؛ لأنهم عليهم السلام أدركوا أن معني غياب القائد هو تشتت القاعدة ما لم يتم التمهيد لغيبته عليه السلام بشكل مكثف حتي يتم استقبالها من قبل القاعدة و هضمهم لها بشكل تدريجي، و كأنها حدث طبيعي، بحيث لا ينتج عنها شرخ في المذهب قد يؤدي الي اهتزاز عقيدة أتباعه في مالو سكت عن هذا الأمر و واجهه الشيعة فجأة، و من هنا تم ترويض الشيعة علي قبول غيبة القائد
كحقيقة آتية و لابد، و كان لكل امام [ صفحه 110] دوره الخاص في التمهيد لتلك الحقيقة الكبري في تاريخ التشيع لا سيما الامام الصادق عليه السلام الذي كان دوره مميزا في ذلك؛ تبعا لما ذكرناه في ديباجة البحث من الفرصة التي سنحت له أكثر من غيره للتحليق عاليا في سماء الفكر و العقيدة حتي اصطبغ مذهب الامامية الواسع باسمه الشريف.و قد انعكست أحاديث أهل البيت عليهم السلام في غيبة الامام المهدي عليه السلام علي الفكر الشيعي بصورة واضحة جلية، و ذلك من جهة عناية هذا الفكر بتلك الأحاديث عناية فائقة، فأفردوا لها مؤلفات عديدة و رسائل كثيرة كونت بمجموعها رؤية واضحة لطلائع التشيع حول غيبة الامام المهدي عليه السلام قبل ولادته بعشرات السنين. و ما مزاعم الفرق الشيعية - التي نشأت في اطار التشيع فجأة و اندرست بعيد نشأتها بسرعة - بغيبة من ادعيت له الامامة زورا، كقول الكيسانية بغيبة محمد بن الحنفية في جبل رضوي، و قول الواقفية بغيبة الامام الكاظم عليه السلام، الا صورة معبرة عن انتشار مفهوم الغيبة في الوسط الشيعي انتشارا واسعا، لدرجة توفرت معها للوجود الشيعي الامامي الاثني عشري حصانة رائعة ضد كل الدعاوي المنحرفة التي برزت في اطاره، حتي استطاع بفضل فلسفة الاخبار بالغيبة و تشخيص صاحبها قبل ولادته بعشرات السنين، أن يشق طريقه بأمان رغم كل العواصف اليت اعترضت سبيله.
ان كتب الغيبة، شاهدة علي عناية الفكر الشيعي بها منذ أقدم العصور و الي يومنا هذا، من أمثال كتاب الغيبة لابراهيم بن صالح الأنماطي [ صفحه 111] الكوفي، [232] و كتاب ترتيب الأدلة فيما يلزم خصوم الامامية دفعه عن الغيبة و الغائب لأحمد بن الحسين الآبي، [233] و كتاب الشفاء و
الجلاء في الغيبة لأحمد ابن علي الرازي، [234] و كتاب الغيبة لأحمد بن محمد بن عمران المعروف بابن الجندي أحد مشايخ النجاشي، [235] و كتاب الغيبة للسيد الحسن بن حمزة المعروف بالطبري المرعش (ت 358 ه)، [236] و كتاب الغيبة و ذكر القائم عليه السلام للحسن بن محمد بن يحيي العلوي (ت 358)، [237] و كتاب الغيبة و الحيرة لعبد الله بن جعفر الحميري من أصحاب الامامين الهادي و العسكري عليهما السلام، [238] و كتاب الغيبة و كشف الحيرة لأبي الحسن سلامة بن محمد بن اسماعيل (ت 339 ه)، [239] و كتاب اليغبة لأبي الفضل العباس بن هشام الناشري الأسدي أحد أصحاب الامام الرضا عليه السلام و مات في امامة الامام الجواد عليه السلام سنة 220 ه أو قبلها بسنة واحدة، [240] و كتاب الامامة و التبصرة من الحيرة للصدوق الأول أحد معاصري الغيبة الصغري كلها [ صفحه 112] (ت 329 ه) و هو «مطبوع)، و كتاب الغيبة لأبي محمد عبد الوهاب البادرائي، [241] و كتاب أخبار القائم عليه السلام للشيخ علي بن محمد بن ابراهيم المعروف بعلان الكليني الرازي [242] من معاصري الامام الحسن العسكري عليه السلام و هو خال ثقة الاسلام الكليني الذي روي عن كتابه هذا معظم أحاديث باب مولد الحجة عليه السلام في اصول الكافي، و كتاب الغيبة للشيخ النعماني تلميذ الكليني و هو «مطبوع»، و كتاب الغيبة لعلي بن محمد ابن علي أبي الحسن القلاء، [243] و كتاب ازالة الران عن قلوب الاخوان في الغيبة للفقيه أبي علي محمد بن أحمد المشهور بابن الجنيد، [244] و كتاب الغيبة و كشف الحيرة لمحمد ابن أحمد الصفواني البغدادي من مشاهير تلامذة الكليني، [245] و كتاب الغيبة لأبي النظر
محمد بن مسعود العياشي المفسر المشهور (ت 320 ه)، [246] و كتاب الغيبة لابراهيم بن اسحاق النهاوندي، [247] و كتاب أخبار المهدي عليه السلام لعباد بن يعقوب الرواجني [248] . [ صفحه 113] مات رحمه الله سنة 250 ه، [249] أي: قبل حلول ولادة الامام المهدي عليه السلام بخمس سنين، و مصنفات الشيخ المفيد في الغيبة ككتاب الغيبة، و كتاب جوابات الفارقيين في الغيبة، و الرسائل العشر في الغيبة و هو «مطبوع»، و النقض علي الطلحي في الغيبة، و مختصر في الغيبة كما صرح بذلك النجاشي، [250] و كتاب اكمال الدين و اتمام النعمة للشيخ الصدوق (ت 381 ه) و هو «مطبوع»، و فيه من أحاديث الغيبة الكثير جدا، و له ثلاث رسائل في الغيبة، [251] و كتاب المقنع في الغيبة للسيد المرتضي علم الهدي (ت 436 ه) و هو «مطبوع»، و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (ت 460 ه) و هو «مطبوع»، و كتاب الاستطراف في ذكر ما ورد في الغيبة في الانصاف للكراجكي (ت 449 ه)، [252] و كتاب الغيبة لأبي الفرج المظفر بن علي بن الحسين الحمداني، [253] و كتاب الغيبة لمحمد بن زيد بن علي الفارسي، [254] و كتاب الغيبة و ما جاء فيها عن النبي صلي الله عليه و آله و الأئمة عليهم السلام لتاج العلي العلوي (ت 610 ه)، [255] و كتاب الغيبة لأبي بكر محمد بن القاسم البغدادي، [256] . [ صفحه 114] و غيرها مما لا وسع في تتبعها.و هذه الكتب و ان ضاع أكثرها - لا سيما المؤلف منها قبل ولادة الامام المهدي عليه السلام - الا أن فيما وصل منها كفاية في الكشف عن الحقيقة التامة لمن أرادها.
اتضح مما
تقدم أن غيبة الامام المهدي بن الامام العسكري عليهماالسلام كانت معلومة في الوسط الشيعي قبل حدوثها بعشرات السنين، و ذلك من خلال ما سمعوه من أهل البيت عليهم السلام مباشرة، و لهذا ألفوا فيما سمعوه بهذا الخصوص كتبا عديدة، و قد شهد غير واحد من أعلام الامامية و أجلائهم المشهورين علي هذه الحقيقة.قال الشيخ الصدوق: «ان الأئمة عليهم السلام قد أخبروا بغيبته عليه السلام، و وصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم، و استحفظ في الصحف، و دون في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر، فليس أحد من أتباع الأئمة عليهم السلام الا و قد ذكر ذلك في كثير من كتبه و رواياته و دونه في مصنفاته، و هي الكتب التي تعرف بالأصول، مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد صلي الله عليه و آله من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين...». [257] .و الي هذا أشار الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة، فقال بعد استدلاله بجملة من الأخبار الموجودة في الكتب المؤلفة قبل زمان الامام المهدي عليه السلام ما هذا لفظه: «موضع الاستدلال من هذه الأخبار ما تضمن الخبر بالشي ء [ صفحه 115] قبل كونه فكان كما تضمنه». [258] .كما شهد بهذا أيضا ابن قبة الرازي و هو من فحول متكلمي الامامية في عصره، فقد نقل الشيخ الصدوق عنه قوله في هذا الخصوص: «و هذه كتبهم فمن شاء أن ينظر فيها فلينظر». [259] .كما شهد الاربلي في كشف الغمة، و الطبري الامامي في دلائل الامامة بعد نقل حديث عن الامامين الباقر و الصادق عليهماالسلام صريح بغيبة الامام المهدي عليه السلام، بأنهما نقلاه من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب الزراد [260] و الحسن بن محبوب
مات رحمه الله سنة 224 ه، أي قبل زمان ولادة الامام المهدي عليه السلام باحدي و ثلاثين سنة، و غير ذلك من الأحاديث الأخري التي صرحت بغيبة الامام الثاني عشر عليه السلام قبل حدوثها علي أرض الواقع بعشرات السنين، و ستأتي الاشارة الي بعضها في مكان آخر.علي أن الاتساع الأفقي الحاصل في كل طبقة من طبقات الرواة في بعض أحاديث الغيبة حتي ينتهي الأمر هكذا الي أحد المتقدمين من أصحاب الأئمة عليهم السلام أو الي من مات قبل زمان الغيبة بآماد كثيرة، قرينة شاهدة علي سماع أحاديث غيبة الامام الثاني عشر من رواة ماتوا قبل حلولها بأزمان كثيرة، و الا فماذا يفهم من هذا الاتساع الأفقي في كل طبقة غير صحة ما شهد به الصدوق و غيره من وجود تلك الأخبار في الكتب [ صفحه 116] المؤلفة قبل زمان الغيبة بكثير؟و سوف يأتي ما يدل علي وجود مثل هذه القرينة في أحاديث الغيبتين و غيرهما، و من ثم فان ما في موضوع كتابنا هذا أقوي من كل شهادة علي علم الشيعة بالغيبة قبل حدوثها.
ان ظاهرة الاخبار بالشي ء قبل وقوعه كانت ظاهرة معروفة في حياة الأئمة عليهم السلام، و قد أذعن لها الشيعة برمتهم، و اعترف بهذا غيرهم أيضا.قال ابن خلدون (ت 808 ه) في تاريخه في الفصل الثالث و الخمسين عن الامام الصادق عليه السلام ما هذا لفظه: «و قد صح عنه أنه كان يحذر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصح كما يقول، و قد حذر يحيي ابن عمه زيد من مصرعه و عصاه، فخرج و قتل بالجوزجان كما هو معروف، و اذا كانت الكرامة تقع لغيرهم فما ظنك بهم علما و دينا و آثارا من النبوة، و
عناية من الله بالأصل الكريم تشهد لفروعه الطيبة». [261] .و قال أيضا: «و وقع لجعفر و أمثاله من أهل البيت كثير من ذلك، مستندهم فيه - و الله أعلم - الكشف بما كانوا عليه من الولاية، و اذا كان مثله لا ينكر من غيرهم من الأولياء في ذويهم و أعقابهم، و قد قال صلي الله عليه (و آله) و سلم: (ان فيكم محدثين)، فهم أولي الناس بهذه الرتب الشريفة، و الكرامات الموهوبة». [262] . [ صفحه 117] و قال علي بن محمد الجرجاني (ت 816 ه) في شرح المواقف لعضد الدين الايجي (ت 756 ه) في المقصد الثاني، مبحث العلم الواحد الحادث هل يجوز تعلقه بمعلومين؟ ما هذا نصه: «و في كتاب قبول العهد الذي كتبه علي بن موسي رضي الله عنهما الي المأمون: انك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرفه آباؤك، فقبلت منك عهدك، الا أن الجفر و الجامعة يدلان علي أنه لا يتم». [263] .و قد نقل هذا الكلام بعينه الكاتب الحلبي المعروف بحاجي خليفه (ت 1067 ه)، و أضاف عليه قوله: «و كان كما قال؛ لأن المأمون استشعر فتنة من بني هاشم، فسمه، كذا في مفتاح السعادة». [264] .و قد زعم بعض خصوم الشيعة بأن أخبار أهل البيت عليهم السلام عن الامام المهدي عليه السلام التي يدعي الشيعة وجودها في الكتب المؤلفة فيع صر الامام الصادق عليه السلام أخبار مكذوبة نظرا لما تضمنته من علم الغيب و هو منفي عن غير الله عز و جل!و هذا جهل فضيع، لأن العلم المنفي عن غيره تعالي هو ما كان للخشص لذاته بلا واسطة في ثبوته له؛ لمكان الامكان فيه ذاتا وصفة، و كل ممكن لا يثبت
له شي ء من هذا العلم بلا واسطة، و ما وقع ل.هل البيت عليهم السلام فهو ليس من العلم المنفي في شي ء؛ لأنه متلقي عن [ صفحه 118] رسول الله صلي الله عليه و آله، عن الوحي، عن الله عزوجل، و لا مانع أيضا من أن يفيضه الله تعالي عليهم؛ لأنهم عليهم السلام «محدثون» كما مر في كلام ابن خلدون ما يشير الي هذا، و في الصحيح عن الامام الصادق عليه السلام قال: «نحن اثنا عشر محدثا». [265] .و لا مانع أيضا من القول بقول الآلوسي (ت 1270 ه)، بشأن علم الخواص، قال: «انهم أظهروا أو أطلعوا - بالبناء للمفعول - علي الغيب، أو نحو ذلك مما يفهم الواسطة في ثبوت العلم لهم». [266] .و من هنا يظهر بوضوح وجه المغالطة في نسبة اخبار أولياء الله بالشي ء قبل حدوثه الي علم الغيب المنفي عن غير الله عزوجل، هذا فضلا عما في تلك المغالطة من انكار لشي ء مادي ملموس!! أعني المصنفات الكثيرة المؤلفة في غيبة الامام المهدي عليه السلام قبل ولادته، و فيها من الأخبار الكثيرة المتواترة ما يكشف عن غائب بالتحديد و شخص معين لا مجال للاشتباه فيه أو الترديد، و هو ما شهد به غير واحد ممن ذكرناه.
نعني بمكونات الوحدة الموضوعية للغيبة عند الامام الصادق عليه السلام: [ صفحه 119] المفردات التي اشتملت عليها أحاديث الامام الصادق عليه السلام في موضوع الغيبة في معزل عما تقدم من أحاديثه عليهم السلام في تشخيص هوية الامام الغائب، لنري هل كونت فيما بينها نسيجا موحدا؟ أو كانت مجرد أحاديث متفرقة لا يمكن صياغة عقد منها بعد ترتيبها في نظام واحد؟ثم لو أمكن لها ذلك، فهل استطاعت تلك الأحاديث أن تتسم بالعمق و الشمول و
السعة؟ أم انها انتظمت في سلكها لا غير.و بعبارة اخري: هل استطاعت أحاديث الامام الصادق عليه السلام - كما ندعيه نحن في هذه الدراسة - من تكوين وحدة موضوعية متجانسة كافية في مقام معرفة من هو الامام الغائب علي وجه التحديد، و بلا أدني حاجة الي التماس أحاديث اخري عن أهل البيت عليهم السلام للكشف عن هوية الامام الغائب، أو أنها وقفت في سياقها التاريخي و لم تستوعب الاجابة علي ما يحيط بغيبة الامام الغائب من تساؤلات؟و نود قبل بيان مكونات تلك الوحدة التوفر علي مسألة مهمة تتصل اتصالا مباشرا بعلم الحديث الشريف فنقول:اتسم أكثر الحديث الصحيح الوارد عن رسول الله صلي الله عليه و آله و أهل البيت عليهم السلام بمعارف غنية كثيرة، و ذات دلالات متنوعة علي الرغم من مركزية الدلالة الأم في تلك الأحاديث و ظهورها بشكل واضح.و من هنا نجد في أغلب كتب الحديث اضطرار المحدث الي اعادة [ صفحه 120] الحديث الواحد في أبواب متعددة من كتابه، و ما ذاك الا علامة علي ذلك الغني المطرد في دلالة الحديث الواحد علي أكثر من موضوع.و لم تخرج أحاديث الامام الصادق عليه السلام في موضوع الغيبة عن هذه القاعدة، اذ عادة ما نجد فيها ما يشير الي امور اخري مهمة ذات صلة وثيقة بالغيبة أو بالكشف عن صاحبها الموعود عليه السلام، و من هنا جري تصنيفها علي أساس مركزية الدلالة لا علي أساس ما تضمنته من عناوين اخري هي صالحة بالتأكيد للانتطباق علي عناوين اخري من هذا البحث.و بهذا نعود الي مكونات الوحدة الموضوعية للغيبة عند امامنا الصادق عليه السلام لنبحثها في الفصول الثلاثة المتبقية من هذا الباب، كالآتي. [ صفحه 121]
كان الامام الصادق عليه السلام مدركا
تماما ما للغيبة من معني، انه اختفاء القائد فجأة، الأمر الذي يحتاج معه الي ترويض العقل الشيعي لقبول هذا الغياب المفاجي ء الذي لم تشهد مثله الشيعة في تاريخها من قبل، انها غيبة طويلة، لابد من التركيز عليها و بيان ارهاصاتها التاريخية، و ما سيرافقها من أحداث، و ما يتزامن معها من فتن، و هو ما وضحه الامام الصادق عليه السلام بكل دقة و تفصيل.
و يدل علي ذلك أحاديث كثيرة نذكر منها:1- عن زرارة، عن الامام الصادق عليه السلام: «ان للقائم غيبة قبل أن يقوم، قلت: و لم؟ قال: انه يخاف، و أومأ بيده الي بطنه، يعني: القتل». [267] . [ صفحه 122] تضمن هذا الحديث الصحيح الاشارة الي بعض علل الغيبة، أعني: الخوف من القتل، و هي العلة الظاهرة علي مسرح الأحداث التاريخية التي أعقبت وفاة الامام الحسن العسكري والد الامام المهدي عليهماالسلام، و الا فهناك علل اخري وردت عن الامام الصادق عليه السلام أيضا، من قبيل أن لا يكون في عنق الامام المهدي عليه السلام نوع التزام للحاكم قبيل الظهور من عهد أو بيعة، و جريان السنن السابقة في غبات الأنبياء عليهم السلام، في غيبة الامام المهدي عليه السلام و نحو ذلك من العلل غير المنظورة في ابتداء زمن الغيبة، كما سيأتي في بيان علل الغيبة.و في الحديث أيضا اخبار بشيئين قبل أوان حدوثهما:أحدهما: غيبة الامام المهدي عليه السلام، و قد وردت في الحيدث نصا، و لم تتحقق الا في شخص الامام الثاني عشر عليه السلام، لثبوت بطلان من ادعيت غيبته، بوفاته، و تغسيله، و كفنه، و الصلاة، علي جنازته، و دفنه كما هو حال دعوي الكيسانية بغيبة محمد بن الحنفية رضي الله عنه، و دعوي الواقفية بغيبة الامام الكاظم عليه السلام.
و نحو ذلك من الدعاوي الأخري الباطلة.الآخر: و هو لا يقل أهمية عن الاخبار الأول، و قد تحقق علي طبق ما أخبر به عليه السلام، و هو الاشارة الي أن الأمة سوف لن تنصف آل محمد صلي الله عليه و آله، و أنها ستبقي علي حالها ببخس حقهم من السلطة، و ابعادهم عما جعله [ صفحه 123] الله تعالي لهم من الخلافة، و أن القائمين علي السلطة سيتمادون بغيهم، و يضاعفون تعسفهم علي أهل بيت نبيهم صلي الله عليه و آله لدرجة يضطر معها الامام المهدي عليه السلام الي الاختفاء عنهم.و قد تحقق هذا في سنة (260 ه) بغيبة امامنا الامام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف.2- و عن المفضل بن عمر، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «أما و الله ليغيبن امامكم سنينا من دهركم، و لتمحصن حتي يقال: مات أو هلك بأي وادي سلك، و لتدمعن عليه عيون المؤمنين، و لتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر، و لا ينجو الا من أخذ الله ميثاقه، و كتب في قلبه الايمان، و أيده بروح منه، و لترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أي من أي، قال: فبكيت، فقال لي: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ فقلت: و كيف لا أبكي و أنت تقول: اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أي من أي!! فكيف نصنع؟ قال: فنظر الي شمس داخلة في الصفة، فقال: يا أبا عبد الله تري هذه الشمس؟ قلت: نعم، قال: و الله لأمرنا أبين من هذه الشمس». [268] .و في حديث المفضل هذا تأكيد لما سيكون في زمان الغيبة من تمحيص و اختبار، حتي يقال ما يقال حينئذ، و يفهم من الحديث أن [
صفحه 124] القائل بهذا هم من الشيعة أنفسهم، نتيجة الدعاية الواسعة التي يشنها الطرف الآخر، المتمثل بالسلطة و أعوانها، و بعض عملائها كجعفر الكذاب عم الامام المهدي عليه السلام، زيادة علي شدة البلية، و طول المحنة، و كثرة الفتن، كل ذلك عوامل مباشرة في حصول الاضطراب عند ذوي النفوس الضعيفة من الشيعة، و تزلزل عقيدتهم، كالذي حصل لدي شر ذمة منهم في تأييد بعض المقولات الفاسدة التي ظهرت بعد وفاة الامام العسكري عليه السلام، من قبيل مدعيات جعفر الكذاب و نظرائه. و في مقابل هذا تجد في صفوفهم المصداق الواقعي لقوله تعالي: (لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الايمان و أيدهم بروح منه). [269] .و قوله عليه السلام: «و لترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة..» اشارة الي تشتت الآراء، و اختلاف النوازع، و تعدد الأهواء، و كثرة أتباع الدنيا، و دعواتهم اباطلة، و غير ذلك من صور الظلم و مستلزماته، و قد كان هذا و ما زال موجودا بين الناس علي المستوي المذهبي الاسلامي، و علي المستوي السياسي و الاقتصادي، و غير ذلك من حقول الحياة المختلفة؛ لأن الحق و الباطل في صراع دائم، و اذا ما غلب الباطل انحرف المجتمع و انقسم علي ذاته، و تناحر في داخله علي طول خط انحرافه. و أما عن دعاة السوء و الأئمة المضلين، فما أكثرهم في التاريخ، فقد كانوا و لا زالوا يتمثلون بالعلماء المزيفين الضالعين مع الأجهزة الحاكمة المتعسفة الظالمة عبر التاريخ. [ صفحه 125] و هذا هو ما أشار اليه الامام الصادق عليه السلام بعبارة: «و لا ينجو
الا من أخذ الله ميثاقه، و كتب في قلبه الايمان، و أيده بروح منه».و لما كانت علامات الحق واضحة لائحة، و انها أبين من ضوء الشمس الداخل من الكوة الصغيرة، فضلا عما يحيط بالمهدي عليه السلام من التأييد الالهي، و ما يتلطف عليه الله عزوجل بالآيات الباهرة و المعجزات الظاهرة، مع علومه و أخلاقه و كمالاته عليه السلام، فلا خوف اذن علي المؤمنين من رايات الضلال التي سترفع بوجوههم علي أمل صرفهم عن المنقذ العظيم، لأنهم أبعد ما يكون عن الاشتباه بها، و انما الذي سيقع في حضيضها هو ليس الا من لا يطلب الحق و يريد الشبهة في الدين ابتغاء الفتنة.و هكذا حاول الامام الصادق عليه السلام بهذا الحديث و أمثاله أن يكشف للامة المعالم الصحيحة لمعرفة الحق و الحقيقة.و اذا كان المفضل قد أرسل دمعة حري لسماعه نبأ الغيبة و حيرة الناس يومئذ، فقد كان الامام الصادق عليه السلام غزير الدمعة علي ولده المهدي، بالغ التوجع، شديد الحسرة، و كم رؤي عليه السلام مهموما مغموما و هو يخبر الشيعة بغيبة المؤمل المنتظر، و كأنه عليه السلام كان يعيش حالة الامة، و هي واقفة مكتوفة الأيدي علي ما يصنعه العباسيون، و قضاتهم، و شرطتهم ببيت النبوة و مهبط الوحي و التنزيل، بالبحث و التنقيب عن خاتم الأئمة، [ صفحه 126] و مصادرة ميراثه من أبيه عليهماالسلام، و تمزق قلوب أتباعه، و لكنه التمحيص و البلاء الذي لابد منه. و يدل علي ذلك ما في الحديث المؤلم الآتي:3- عن سدير الصيرفي، و المفضل بن عمر، و أبي بصير، و أبان بن تغلب؛ كلهم عن الامام الصادق عليه السلام في حديث طويل جاء فيه قوله عليه السلام: «... سيدي! غيبتك نفت رقادي، و ضيقت
علي مهادي، و ابتزت مني راحة فؤادي، سيدي! غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الأبد...» و حين سألوه عليه السلام عن سر توجعه، قال عليه السلام: «نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم... و تأولت فيه مولد قائمنا، و غيبته، و ابطاءه، و طول عمره، و بلوي المؤمنين في ذلك الزمان، و تولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته...». [270] .هذا و قد مر الكلام عن الجفر و اعتراف ابن خلدون، و الجرجاني، و صاحب كشف الظنون بصحة كتاب الجفر، و أكدوا صراحة علي اخبار الصادق و الرضا عليهماالسلام من هذا الكتاب بحوادث مستقبلة وقعت علي طبق ما أخبرا به.و هذا الحديث قد تضمن من الآيات الدالة علي الامام الثاني عشر عليه السلام الكثير الذي لا ينطبق الا عليه عليه السلام. [ صفحه 127] و من خلال معرفتنا بوفيات رواة الحديث عن الامام الصادق عليه السلام مباشرة يتضح لنا انهم أدركوا الامام الكاظم عليه السلام و بعضهم عاصره، و عليه لابد و أن يكون الحديث هذا بعد ولادة الامام الكاظم عليه السلام بسنين كثيرة الأمر الذي يدل قوله عليه السلام: «و تأولت فيه مولد قائمنا» أنه لا مجال للتصديق بدعوي مهدوية الامام الكاظم عليه السلام التي تزعمتها رؤوس الواقفية طمعا في أمواله عليه السلام بعد وفاته لأنه كان عليه السلام مولودا في ذلك الحين.و يزيد هذا الأمر وضوحا أن الامام الصادق عليه السلام لم يكتف بالتصريح بطول الغيبة و تولد الشكوك في القلوب من طولها، لئلا يكون هذا اغراء بمقولة الواقفية الذين قالوا بأن الامام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام قد غاب في حبس هارون لعنه الله، و انما صرح الامام الصادق عليه السلام بطول العمر، الأمر الذي زيف قولهم و أبطله قبل انطلاقه، و مما
زاده زيفا و دحضته الأيام و كذبه التاريخ هو عمر الامام الكاظم عليه السلام حيث استشهد و هو في سن الخامسة و الخمسين، فأين طول العمر اذن؟و قد جاءت هذه الفوائد في غمرة التأكيد علي حصول الغيبة بالامام الثاني عشر عليه السلام، و الا فسيأتي ما يدل علي طولها صراحة في العنوان الآتي.
1- عن محمد بن حمران، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر، تطوي له الأرض، و تظهر له الكنوز [ صفحه 128] كلها، و يظهر الله تعالي به دينه علي الدين كله و لوكره المشركون، و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب، و لا يبقي في الأرض خراب الا عمر، و ينزل روح الله عيسي بن مريم عليه السلام فيصلي خلفه. ثم قال ابن حمران: قيل له: يا ابن رسول الله! متي يخرج قائمكم؟ قال عليه السلام: اذا تشبه الرجال بالنساء، و النساء بالرجال - ثم ذكر عليه السلام جملة من علامات الظهور الي أن قال: - و ذلك بعد غيبة طويلة». [271] .2- و عن سدير الصيرفي، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «ان للقائم منا غيبة يطول أمدها. قال: فقلت له: يا ابن رسول الله! و لم ذلك؟ قال: لأن الله عزوجل أبي الا أن تجري فيه سنن الأنبياء عليهم السلام في غيباتهم، و أنه لا بد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله تعالي: (لتركبن طبقا عن طبق) [272] أي: سنن من كان قبلكم». [273] .3- و عن حماد بن عبدالكريم الجلاب، قال: «ذكر القائم عند أبي عبد الله عليه السلام فقال: أما أنه لو قد قام، لقال الناس: أني يكون هذا، و قد بليت عظامه منذ كذا و كذا». [274]
. [ صفحه 129] 4- و عن سليمان بن خالد، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله: كيف اذا استيأستم من المهدي؟ فيطلع علكيم صاحبكم مثل قرن الشمس، يفرح به أهل السماء و الأرض. فقيل: يا رسول الله! و أني يكون ذلك؟ قال صلي الله عليه و آله: اذا غاب عنهم المهدي و أيسوا منه». [275] كناية عن طول غيبته عليه السلام.
روي حديث الغيبتين، عن الامام الصادق عليه السلام كل من: أبي بصير، وزرارة، و اسحاق بن عمار، و حازم بن حبيب، و عبيد بن زرارة، و المفضل ابن عمر، كما ورد حديث الغيبتين علي لسان امامنا الباقر عليه السلام في مارواه عنه ابراهيم بن عمر اليماني، و محمد بن مسلم الثقفي و كذلك ورد حديث الغيبتين علي لسان الامام زين العابدين عليه السلام، كما سيأتي مفصلا بعد قليل.و المراد بالغيبتين: الغيبة الصغري التي حصلت بعد وفاة الامام العسكري عليه السلام مباشرة، و تمتد هذه الغيبة من زمان وفاة الامام العسكري عليه السلام في الثاني و العشرين من شهر ربيع الأول (سنة 260 ه) الي وقت وفاة رابع السفراء أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه، و ذلك في النصف من شعبان (سنة 329 ه)، فتكون مدة الغيبة الصغري ثمان و ستين سنة، و أربعة أشهر، و ثلاثة و عشرين يوما.و قد كان للامم المهدي عليه السلام في تلك الغيبة أكثر من عشرين وكيلا [ صفحه 130] موزعين علي شتي المدن و الأمصار الاسلامية، لكن الثقل الأعظم في أيصال تعاليم الامام الي قواعده الشعبية كان علي كاهل السفراء الأربعة قدس الله أرواحهم الزكية، و هم:أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الأسدي و
بقي في السفارة بحدود حمس سنين، ثم جاء من بعد وفاته رضي الله عنه (سنة 265 ه تقريبا) ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان، فقام مقام أبيه، و توفي رضي الله عنه (سنة 304 ه)، و قيل: (سنة 305 ه)، و بقي في السفارة زهاء أربعين سنة، ثم جاء بعد وفاته السفير الثالث أبو القاسم الحسين بن روح طاب ثراه، و بقي في السفارة الي حين وفاته رضي الله عنه في شهر شعبان (سنة 326 ه)، ثم تلاه علي ذلك السفير الرابع أبو الحسن علي بن محمد السمري، و بموت السمري رضي الله عنه في النصف من شهر شعبان (سنة 329 ه)، انتهت مدة الغيبة الصغري، ثم حلت بعدها الغيبة الكبري لامام العصر و الزمان أرواحنا فداه، و لا يعلم أحد بأمدها و مدتها الا الله عزو جل، و فيها انقطعت السفارة ليتولي مراجع الدين من الشيعة دور النيابة عن الامام عليه السلام وفقا للقواعد الشرعية التي وردت علي لسان أهل البيت عليهم السلام بما في ذلك امامنا المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف.و هكذا عرف الشيعة الامامية، دسائس الكذابين و المهرجين، الذين حاولوا صرف أخبار الغيبتين الي مدعيات الواقفية و قولهم بغيبة الامام الكاظم عليه السلام، متناسين التاريخ الذي نطق بشهادة الامام الكاظم عليه السلام، كما نطق بصاحب الغيبتين عليه السلام اجمالا و تفصيلا. [ صفحه 131] 1- عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «كان أبو جعفر عليه السلام يقول: للقائم من آل محمد عليه و عليهم السلام غيبتان: واحدة طويلة، و الأخري قصيرة. قال: فقال لي: نعم يا أبا بصير، احداهما أطول من الاخري...». [276] .و هذا الحديث أخرجه النعماني عن الحسن بن محبوب، و نقله الطبري
الامامي في دلائل الامامة، و الاربلي في كشف الغمة؛ كلاهما من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب مع التصريح بهذا، و رواه الفضل بن شاذان المتوفي في حياة الامام العسكري عليه السلام و لم يشهد أيا من الغيبتين عن شيخه الحسن بن محبوب مباشرة، و الحسن بن محبوب مات سنة 224 ه.جدير بالذكر أنه قد ثبت عن الامام الباقر عليه السلام ما قاله أبو بصير في هذا الحديث. ففي الصحيح عن ابراهيم بن عمر اليماني قال: «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «ان لصاحب هذا الأمر غيبتين». [277] .كما سمعه محمد بن مسلم الثقفي يقول عليه السلام: «ان للقائم غيبتين، يقال له في احداهما: هلك، و لا يدري في أي واد سلك».و في حديث ثابت الثمالي، عن الامام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام، قال: «.. و ان للقائم منا غيبتين احداهما أطول من الأخري». [278] . [ صفحه 132] و قد صح حديث الغيبتين عن الامام الصادق عليه السلام من طرق شتي.2- ففي الصحيح عن زرارة، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «للقائم غيبتان أحداهما أطول من الأخري». [279] .3- و عنه أيضا، قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ان للقائم غيبتين، يرجع في أحداهما، و في الأخري لا يدري أين هو، يشهد المواسم، يري الناس و لا يرونه». [280] .4- و عن عبيد بن زرارة، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «للقائم غيبتان يشهد في احداهما المواسم يري الناس و لا يرونه». [281] .5- و في الصحيح عن اسحاق بن عمار، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «للقائم غيبتان احداهما قصيرة، و الأخري طويلة، الغيبة الأولي لا يعلم بمكانه فيها الا خاصة شيعته، و الأخري لا يعلم بمكانه فيها الا
خاصة مواليه». [282] . [ صفحه 133] 6- و في الصحيح عن حازم بن حبيب، قال: «قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا حازم ان لصاحب هذا الأمر غيبتين يظهر في الثانية، فمن جاءك يقول انه نفض يده من تراب قبره فلا تصدقه».و هذا الحديث سمعه أبو محمد علي بن أحمد العلوي من عبد الله بن جبلة، و قد نقله الشيخ الطوسي من كتاب العلوي هذا مباشرة، [283] كما نقله الفضل بن شاذان (ت 260 ه) عن عبد الله بن جبلة أيضا، [284] و سمعه عبيس بن هشام (ت 220 ه أو قبلها بسنة) من عبد الله بن جبلة، [285] و عبد الله بن جبلة هذا مات سنة 219 ه بلا خلاف، و مع هذا، فلم ينحصر الطريق الي حازم بن حبيب به، اذ أخرج النعماني حديث حازم ابن حبيب بطريق ثان ليس فيه ابن جبلة، [286] الأمر الذي يؤكد صحة ما سبق ذكره من شهادات أعلام الطائفة بوجود هذه الأحاديث في الكتب المؤلفة قبل الغيبة بعشرات السنين. و بنفس هذه الطريقة يمكن الاستدلال [ صفحه 134] علي اثبات وجود معظم الأحاديث السابقة كذلك بغض النظر عن الشهادات المتقدمة، و لو لا خشية الاطالة لبينا ذلك مفصلا.7- و عن المفضل بن عمر، عن الامام الصادق عليه السلام، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «لصاحب هذا الأمر غيبتان: احداهما يرجع منها الي أهله، و الأخري يقال: هلك، في أي واد سلك...». [287] .8- و عن المفضل بن عمر أيضا، عن الصادق عليه السلام قال: «ان لصاحب هذا الأمر غيبتين: احداهما تطول حتي يقول بعضهم: مات، و بعضهم يقول: قتل، و بعضهم يقول: ذهب... الحديث». [288] .و
الذي ينبغي التنبيه عليه في هذه الأحاديث الشريفة، توضيح ما جاء فيها من أن الامام المهدي في غيبته عليه السلام يري الناس و لا يرونه، بمعني أنه يختفي جسمه الشريف عن الأنظار في الوقت الذي يكون فيه موجودا في مكان ما مع الناس - في الموسم أو غيره - و لكن الناس لا تري في ذلك المكان شيئا.و هناك أحاديث كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام بهذا المعني المعبر عن الأسلوب الوقائي الذي يستخدمه الامام المهدي عليه السلام في كيفية احتجابه عن الناس، و نجاته من براثن الظلم؛ لأنه في اختفائه بهذا الأسلوب يكون في [ صفحه 135] مأمن قطعي حقيقي من أية مطاردة، أو تنكيل، أو خوف حيثما كان علي وجه الأرض.و ربما قد يستكثر بعضهم تزويد الامام المهدي عليه السلام بمثل هذه القدرة علي الاختفاء! و هو استكثار في غير محله؛ لأن توقف وجود و سلامة الأهداف الالهية الكبري علي المعجزة- و طول عمر الامام المهدي عليه السلام و اختفاؤه منها - يعني حتمية التدخل الالهي في ايجاد تلك المعجزة من أجل تحقيق الهدف المطلوب.فالقدرة علي الاختفاء مع طول العمر، أمران لابد منهما في حفظ الامام المهدي عليه السلام، و الا كيف يتسني له القيام بالمسؤولية الاسلامية الكبري في آخر الزمان لو كان ظاهرا للعيان، غير مكترث بالمخاطر التي تحفه من كل مكان؟ان أهمية ذلك اليوم الموعود الذي سيعم فيه السلام أقطار الأرض، و ينتشر العدل في ربوع المعمورة كلها، أهمية عظيمة عند الله تعالي، و عند رسوله الكريم صلي الله عليه و آله؛ اذ ستتحقق من خلاله الأغراض الأساسية من خلق البشرية، كما ستتحقق به آمال الأنبياء و المرسلين عليهم السلام، و تتكلل جهودهم بوجود ذلك المجتمع العادل، و
ظهور دولة الحق.و من ثم فان ولادة الامام المهدي ابن الامام العسكري عليهماالسلام التي ثبتت ثبوتا قطعيا لا ريب فيه، تقرب من حقيقة تلك الأحاديث و تحكم علي صحتها؛ لأنها عبرت و بكل وضوح عن تعلق الغرض الالهي بحفظ المهدي عليه السلام و صيانته عن الأعداء بالاختفاء، و عن بقاء وجوده الشريف [ صفحه 136] بطول العمر و ذلك عن طريق الاعجاز الالهي وفاء بالغرض الكبير.هذا، و يعلم من أحاديث كثيرة اخري أن اسلوب الاختفاء المذكور ليس هو الاسلوب الوحيد الذي يكتنف حياة الامام المهدي عليه السلام، و انما له عليه السلام أن يخرج عن هذا النمط من الاختفاء الي الظهور المؤقت في زمان الغيبة كلما اقتضت المصلحة ذلك، و لكن بصورة لا يستشعر من خلالها كل من يراه بأنه المهدي الموعود عليه السلام. [ صفحه 137]
بعد تأكيد الامام الصادق عليه السلام علي ثبوت أصل العقيدة المهدوية عن رسول الله صلي الله عليه و آله، و تنبيه الأمة علي حكم من أنكرها، و اخباره - كما مر - عليه السلام بهوية الامام المهدي عليه السلام و غيبته و ما سيجري عليه بعد ولادته، فلابد من اتخاذ الاحتياطات اللازمة لانقاذ الأمة و ارشادها الي ما يعصمها من الضلالة، و هو ما قام به عليه السلام خير قيام، حيث اضطلع عليه السلام بمهمة التوعية و التثقيف الاسلامي بما هو مطلوب في مرحلة غياب الامام المهدي عليه السلام، كما سيتضح من العناوين الآتية:
ان معني انكار الغيبة، هو اكار وجود الامام المهدي عليه السلام، و بالتالي هو عين الانحراف و عدم التصديق، و قد مر ما يغني عن اعادته في خصوص من أنكر وجود الامام، و من رد علي آل البيت عليهم السلام، كمن ركب رأسه، و اتبع هواه. [ صفحه 138] و من هنا حاول الامام الصادق عليه السلام التركيز علي هذه المفاصل الأساسية، لتتخذ الأمة حذرها، و تكون في يقظة دائمة مما يحاول أعداء الحق اثارته من خرافات و شبهات حول خاتم الأئمة الامام المهدي أرواحنا فداه.و يدل علي ذلك أحاديث لا حصر لها، نذكر منها:1- عن هشام بن سالم، عن الامام الصادق، عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلي الله عليه و آله قال: «القائم من ولدي اسمه اسمي، و كنيته كنيتي، و شمائله شمائلي، و سنته سنتي، يقيم الناس علي ملتي و شريعتي، و يدعوهم الي كتاب ربي عز و جل، من أطاعه فقد أطاعني، و من عصاه فقد عصاني، و من أنكره في غيبته فقد أنكرني، و من كذبه فقد كذبني، و من صدقه فقد صدقني، الي الله
أشكو المكذبين لي في أمره، و الجاحدين لقولي في شأنه، و المضلين لأمتي عن طريقته (و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) [289] ». [290] .2- و عن محمد بن مسلم، عن الامام الصادق عليه السلام، قال: «ان بلغكم عن صاحب هذا الأمر غيبة فلا تنكروها». [291] . [ صفحه 139] و يستفاد من هذين الحديثين لا سيما الأول جملة من الأمور لا بأس بالاشارة السريعة اليها، و هي:1- وجوب معرفة الامام المهدي عليه السلام باسمه و كنيته و أصله الشريف.2- انه متبع لسنة جده رسول الله صلي الله عليه و آله.3- وجوب طاعته مطلقا، كما وجبت طاعة الرسول صلي الله عليه و آله مطلقا.و من جملة طاعة المهدي عليه السلام ما أوصي به عليه السلام - في تواقيع مشهورة عنه عليه السلام - من الورع و التقوي و وجوب الانتظار، و الرجوع في أخذ معالم الدن الحنيف من الفقيه الصائن لنفسه، المتبع آل محمد صلي الله عليه و آله في أخلاقهم و هديهم و حلالهم و حرامهم عليهم السلام.4- ان له عليه السلام غيبة لابد منها، مع التحذير و الوعيد الشديد لمن أنكرها.5- ضرورة الابتعاد التام عن المعاندين في أمر الامام المهدي عليه السلام لما ورد فيهم من أوصاف أقلها اضلال الأمة عن الحق و أهله، و الواجب بغضهم و عدم مجالستهم أو التقرب أو التودد اليهم، أو سماع كلامهم، اللهم الا من قبيل العمل لهدايتهم، و الا فلا، لأنهم اتبعوا شهواتهم فضلوا و أضلوا.و من ضم هذين الحديثين الي ما تقدم، تتضح سخافة القول بنجاة من يعتقد بمهدي مجهول يخلقه الله تعالي من سلالة الامام الحسن السبط عليه السلام في آخر الزمان! لما في تلك الأحاديث الشريفة من دلالة واضحة علي ولادة
[ صفحه 140] الامام المهدي عليه السلام و هويته، و الا كيف يأتي الأمر بتصديقه، و طاعته، و هو لم يعرف بعد؟! بل كيف يتواتر النهي عن آل محمد صلي الله عليه و آله كلهم في عدم انكار غيبته، و هو لم يولد بعد؟!
قام أهل البيت عليهم السلام بتأسيس القواعد المتينة في علاج ما يعترض الامة من عقبات تقف حيال المبادي ء الاسلامية التي آمنوا بها وضحوا من أجلها.و قد كان امامنا الصادق عليه السلام حريصا علي مستقبل التشيع بازاء ما يراه من تلبد الافق الاسلامي بالرياح الصفراء التي تحاول العبث بكل شي ء لتغطيه بغبارها الكثيف، ذلك المستقبل الذي يمثل ارادة السماء، و طموح الرسالة، في بقاء ثلة علي الحق لا يضرها من ناوأها حتي يأتي الله بأمره، ثلة خيرة تكمل مسيرة طلائع التشيع الذين لم تثنهم عن الحق أعتي العواصف و أقسي همجية الجاهلية الاولي، من أمثال: سلمان، و عمار، و أبي ذر، و أضرابهم رضي الله تعالي عنهم.مستقبل لا حياة فيه بغير التمسك بعري آل محمد عليه السلام، و الاستماتة من أجل بقاء نهجهم محفورا في قلوب الأتباع، خالدا في ضمير الزمن.و في هذه الفقرة ما يشير الي الخطوات التي أمر الامام الصادق عليه السلام باتخاذها كضمانات أكيدة في ديمومة مستقبل التشيع بعده، خصوصا في صورة اختفاء الامام عليه السلام، سواء كان ذلك بحبس من السلطات الغاشمة كما [ صفحه 141] حصل مع ولده الامام الكاظم عليه السلام، أو بغير ذلك من وسائل الضغط و التعسف كما حصل لبقية الأئمة عليهم السلام، أو بغيبة كما هو الحال مع الامام المهدي عليه السلام.فالأحاديث الآتية اذن هي أعم من اختصاصها بامام معين، و انما هي قاعدة عامة يمكن للقواعد الشيعية تطبيقها علي مواردها
كلما ضاق الخناق في زمانهم علي واحد من الأئمة الستة من ولد الامام الصادق عليه السلام، و ان كان بعضها صريحا في خصوص الامام السادس من ولد الامام الصادق عليه السلام ثاني عشر الأئمة الهداة الميامين: المهدي أرواحنا فداه.و من تلك الأحاديث الشريفة:1- عن عبد الله بن سنان، قال: «دخلت أنا و أبي علي أبي عبد الله عليه السلام فقال: فكيف أنتم اذا صرتم في حال لا ترون فيها امام هدي و لا علما يري، لا ينجو منها الا من دعا دعاء الغريق، فقال له أبي: اذا وقع هذا ليلا فكيف نصنع؟ فقال: أما أنت فلا تدركه، فاذا كان ذلك فتمسكوا بما في أيديكم حتي يتضح لكم الأمر». [292] .2- و عن منصور الصيقل قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام: اذا أصبحت و أمسيت يوما لا تري فيه اماما من آل محمد صلي الله عليه و آله، فاحبب من كنت تحب، و ابغض من كنت تبغض، و وال من كنت توالي، و انتظر الفرج صباحا و مساء». [293] . [ صفحه 142] 3- و عن أبان بن تغلب قال: «قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يأتي علي الناس زمان يصيبهم فيه سبطة، يأرز العلم فيها بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها... فبينما هم كذلك، اذ أطلع الله عزوجل لهم نجمهم، قال: قلت: و ما السبطة؟ قال: الفترة و الغيبة لامامكم! قال: قلت: فكيف نصنع فيما بين ذلك؟ فقال: كونوا علي ما أنتم عليه حتي يطلع الله لكم نجمكم». [294] .4- و عن زرارة قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام: يأتي علي الناس زمان يغيب عنهم امامهم. فقلت له: ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟ قال: يتمسكون
بالأمر الذي هم عليه حتي يتبين لهم». [295] .5- و عن أبي بصير، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «طوبي لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية». [296] .6- و عن يمان التمار قال: «كنا عند أبي عبد الله عليه السلام جلوسا فقال لنا: ان لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد- ثم قال هكذا بيده - فأيكم يمسك شوك القتاد بيده؟ ثم أطرق مليا، ثم قال: ان [ صفحه 143] لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتق الله عبد و ليتمسك بدينه». [297] .
يعد الانتظار في مدرسة أهل البيت عليهم السلام من الوظائف الأساسية في عصر الغيبة، و قد نبه الامام الصادق عليه السلام علي هذه الوظيفة الكفيلة ببناء الفرد بناء اسلاميا صحيحا، فضلا عن كونها عبادة.فقد أخرج الترمذي و الطبراني عن عبد الله، عن رسول الله صلي الله عليه و آله: «سلوا الله من فضله، فان الله عزوجل يحب أن يسأل، و أفضل العبادة انتظار الفرج». [298] .و هناك أحاديث كثيرة بهذا المعني، عن أميرالمؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام، [299] و زين العابدين عليه السلام، [300] و كذلك عن ابن مسعود، [301] . [ صفحه 144] و أنس، [302] و ابن عباس، [303] و ابن عمر. [304] .و من هنا قام الامام الصادق عليه السلام ببيان صفات و واجبات المنتظر للامام المهدي عليه السلام، مسلطا الضوء علي آثار الانتظار و فوائده، محثا عليه، مبشرا المنتظرين لظهوره عليه السلام بأنهم من الأولياء الصالحين، و القدوة الربانيين. و نحو هذا ما الأمور الأخري التي يمكن عرضها - من خلال أحاديثه عليه السلام - بالصورة الآتية:
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «ألا أخبركم بما لا يقبل الله عزوجل من العباد عملا الا به؟، فقلت: بلي، فقال عليه السلام: شهادة أن لا اله الا الله، و أن محمدا عبده و رسوله، و الاقرار بما أمر الله، و الولاية لنا، و البراءة من أعدائنا، و الورع و الاجتهاد، و الانتظار للقائم عليه السلام...». [305] .و يمكن التماس الدليل علي صحة توقف العمل علي انتظار الفرج من القرآن الكريم في عده اليأس من روح الله صفة للكافرين، كما في قوله تعالي: (و لا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون)،
[306] و قال بشأن الكافرين: (و قدمنا الي ما عملوا من عمل [ صفحه 145] فجعلناه هباء منثورا). [307] .
عن أبي بصير، عن الامام الصادق عليه السلام في قوله تعالي: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا) [308] قال عليه السلام: «يعني: خروج القائم المنتظر منا، ثم قال: يا أبا بصير طوبي لشيعة قائمنا، المنتظرين لظهوره في غيبته، و المطعين له في ظهوره، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون». [309] .
عن العلاء بن سيابة، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «من مات منكم علي هذا الأمر منتظرا، كان كمن هو في الفسطاط الذي للقائم عليه السلام». [310] .و عن الفيض بن المختار، قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من مات منكم و هو منتظر لهذا الأمر كان كمن هو مع القائم في فسطاطه، قال: ثم مكث هنيهة، ثم قال: بل كمن قارع معه بسيفه، ثم قال: لا و الله الا كمن استشهد مع رسول الله صلي الله عليه و آله». [311] . [ صفحه 146] و عن ابراهيم الكوفي، عن الصادق عليه السلام: «.. المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صلي الله عليه و آله يذب عنه». [312] .
عن أبي بصير، عن الامام الصادق، قال عليه السلام: «... من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، و ليعمل بالورع، و محاسن الأخلاق و هو منتظر، فان مات، و قام القائم بعده، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا و انتظروا...». [313] .و من الصفات الأخري التي ينبغي علي المنتظر التحلي بها، صفة التدين، و الابتعاد عن المعاصي و الآثام بحيث يراعي تقوي الله تعالي دائما، و يرشدنا الي هذا، حديث الامام الصادق عليه السلام: «... ان لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتق الله عبد و ليتمسك بدينه». [314] .
عن سدير الصيرفي، قال: «دخلت أنا، و المفضل بن عمر، و أبو بصير، و أبان بن تغلب علي مولانا أبي عبد الله الصادق عليه السلام، فرأيناه جالسا علي التراب و عليه مسح خيبري مطوق بلا جيب، مقصر الكمين، [ صفحه 147] و هو يبكي بكاء الواله الثكلي ذات الكبد الحري، قد نال الحزن من و جنتيه، و شاع التغيير في عارضيه و أبلي الدموع محجريه، و هو يقول:سيدي! غيبتك نفت رقادي، و ضيقت علي مهادي، و ابتزت مني راحة فؤادي، سيدي! غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الأبد...». [315] .
أخرج الصدوق عن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «نزلت هذه الآية في القائم عليه السلام: (و لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم و كثير منهم فاسقون) [316] ». [317] .و يوضح المعني المذكور، ما أخرجه النعماني في كتاب الغيبة، عن أحمد ابن الحسن الميثمي، عن رجل من أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، قال: «سمعته يقول: نزلت هذه الآية التي في سورة الحديد: (و لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم و كثير منهم فاسقون) في أهل زمان الغيبة، ثم قال عزوجل: (اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون) [318] و قال: انما الأمد أمد الغيبة». [319] . [ صفحه 148] ثم قال الشيخ النعماني معلقا علي هذا الحديث -: «فانه أراد عزوجل: يا أمة محمد صلي الله عليه و آله، أو يا معشر الشيعة، لا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد. فتأويل هذه الآية جاء في أهل زمان الغيبة و أيامها دون غيرهم
من أهل الأزمنة». [320] .
و المطلوب من المنتظر أن يعيش حالة التأهب التام و الاستعداد الكامل لنصرة الامام المهدي عليه السلام، و ما يتطلب ذلك من الاعداد لانفسي و المادي معا بحيث، يكون كالجندي الذي ينتظر قائده لخوض معركة حاسمة فاصلة. و الي هذا المعني يشير حديث الامام الصادق عليه السلام: «ليعدن أحدكم لخروج القائم و لو سهما...». [321] .
و يدل عليه دعاء العهد المروي عن الامام الصادق عليه السلام، و هو دعاء عظيم في بابه، و قد جاء فيه قوله عليه السلام: «اللهم اني أجدد له - أي: للمهدي عليه السلام - يومي هذا، و ما عشت من أيامي عهدا و عقدا و بيعة له في عنقي، لا أحول عنها و لا أزول أبدا...». [322] .
كما في دعاء العهد أيضا، من قوله عليه السلام: «اللهم ان حال بيني و بينه [ صفحه 149] الموت الذي جعلته علي عبادك حتما مقضيا، فاخرجني من قبري مؤتزرا كفني، شاهرا سيفي، مجردا قناتي، ملبيا دعوة الداعي في الحاضر و البادي...».
و الأدعية الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في هذا كثيرة جدا، و فيها تنوع رائع من الدعاء يطل الداعي من خلاله علي عالم فسيح، و ينفتح علي حياة أخري ملؤها التوحيد، و العبودية الخالصة لله، و الذوبان في مناجاته سبحانه، و الاخلاص لدينه، و المحبة و الانقياد لرسله و أوليائه عليهم السلام.و في أدعية الامام الصادق عليه السلام تجسيد حي لهذه المعاني كلها؛ و فيما يأتي صورة مختصرة لما تضمنته بعض أدعيته الشريفة في هذا الخصوص:
عن عبد الله بن سنان، عن الامام الصادق عليه السلام، قال: «ستصيبكم شبهة، فتبقون بلا علم يري، و لا امام هدي، و لا ينجو منها الا من دعا بدعاء الغريق، قال: يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك...». [323] .و من الواضح أن هذا الدعاء أعم من حصره بزمان حبس الامام الكاظم عليه السلام، و انقطاعه عن قواعده الشعبية، بل يشمل أهل زمان الغيبة أيضا.
و يدل عليه حديث زرارة، عن الامام الصادق عليه السلام، و فيه: «... فقلت [ صفحه 150] و ما تأمرني لو أدركت ذلك الزمان؟ قال: ادع الله بهذا الدعاء: (اللهم عرفني نفسك، فانك ان لم تعرفني نفسك لم أعرفك، اللهم عرفني نبيك، فانك ان لم تعرفني نبيك لم أعرفه قط، اللهم عرفني حجتك، فانك ان لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني)». [324] .
و من آداب دعاء المنتظر للفرج في زمان الغيبة أن يجعل من الدعاء وسيلة معبرة عن حبه و شوقه للامام المهدي عليه السلام، و ذلك باهداء التحية و السلام العاطر له عليه السلام، كما في دعاء الامام الصادق عليه السلام:«بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم بلغ مولانا صاحب الزمان أينما كان و حيثما كان، من مشارق الأرض و مغاربها، سهلها و جبلها، عني و عن والدي و عن ولدي و أخواني، التحية و السلام، عدد خلق الله وزنة عرش الله، و ما أحصاه كتابه، و أحاط علمه...». [325] .و هذا الدعاء هو مقطع من دعاء العهد المروي عن الامام الصادق عليه السلام. [326] .
و يدل عليه ما رواه عباد بن محمد المدائني، عن الامام الصادق عليه السلام، في دعاء [ صفحه 151] جاء فيه: «... و انجز لوليك، و ابن نبيك - الداعي اليك باذنك، و أمينك في خلقك، و عينك في عبادك، و حجتك علي خلقك، عليه صلواتك و بركاتك - وعده. اللهم أيده بنصرك، و عجل فرجه، و أمكنه من أعدائك و أعداء رسولك يا أرحم الراحمين.قال، قلت: أليس قد دعوت لنفسك جعلت فداك؟قال عليه السلام: قد دعوت لنور آل محمد صلي الله عليه و آله، و سائقهم، و المنتقم بأمر الله من أعدائهم...». [327] .و منه أيضا ما رواه حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام، و قد دخلت عليه الليلة الحادية و العشرون من شهر رمضان المبارك.و قد روي لنا حماد ما فعله الامام الصادق عليه السلام من عبادات في تلك الليلة الشريفة، و منها دعاء الامام عليه السلام في سجوده: «لا اله الا أنت مقلب القلوب و الأبصار - الي أن قال عليه السلام - و
أسألك بجميع ما سألتك و ما لم أسألك من عظيم جلالك ما لو علمته لسألتك به، أن تصلي علي محمد و أهل بيته، و أن تأذن لفرج من بفرجه فرج أوليائك و أصفيائك من خلقك، و به تبيد الظالمين و تهلكهم، عجل ذلك يا رب العالمين.قال: فلما رفع رأسه عليه السلام، قلت: جعلت فداك، سمعتك و أنت تدعو بفرج من بفرجه فرج أصفياء الله و أوليائه، أولست أنت هو؟ قال عليه السلام: لا، ذاك قائم آل محمد عليهم السلام». [328] . [ صفحه 152]
كما في دعاء العهد، من قول الامام الصادق عليه السلام: «اللهم أرني الطلعة الرشيدة، و الغرة الحميدة، و أكحل ناظري بنظرة مني اليه، و عجل فرجه و سهل مخرجه، و اوسع منهجه، و اسلك بي محجته، وانفذ أمره، و اشدد أزره، و قو ظهره، و عمر اللهم به بلادك، و أحيي به عبادك، فانك قلت و قولك الحق (ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيد الناس). [329] .فاظهر اللهم لنا وليك، و ابن وليك، و ابن بنت نبيك المسمي باسم رسولك صلواتك عليه و آله في الدنيا و الآخرة، حتي لا يظفر بشي ء من الباطل الا مزقه، و يحق الحق و يحققه، و اجعله اللهم مفزعا لمظلوم عبادك، و ناصرا لمن لا يجد له ناصرا غيرك، و مجددا لما عطل من أحكام كتابك، و مشيدا لما ورد من أعلام دينك و سنن نبيك صلي الله عليه و آله. و اجعله اللهم ممن حصنته من بأس المعتدين.اللهم و سر نبيك محمد صلي الله عليه و آله برؤيته، و من تبعه علي دعوته، و ارحم استكانتنا بعده.اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الأمة
بحضوره، و عجل لنا ظهوره (انهم يرونه بعيدا، و نراه قريبا) [330] برحمتك يا أرحم الراحمين». [331] . [ صفحه 153]
كما في دعاء العهد الشريف المروي عن الصادق عليه السلام: «.. اللهم اجعلني من أنصاره، و أعوانه، و الذابين عنه، و المسارعين في قضاء حوائجه، و التابعين الي ارادته، و المستشهدين بين يديه...».. [332] .و من الواضح أن ما يعنيه التأكيد و الحث علي انتظار الغائب، هو بقاء الامام الغائب حيا في غيبته كسائر الأحياء، و في هذا ما يتضمن الرد - علي من قال كما مر في فصول البحث -: مات، أو هلك، في أي واد سلك!
حاول الامام الصادق عليه السلام ازاحة الستار عن الغيب؛ لينبي ء عما سيكون بعد أكثر من مائة عام، و حينئذ لابد و أن يذكر عليه السلام شيئا يتصل بهوية الامام المهدي عليه السلام؛ لارتباط الأحداث المقبلة بولادته و غيبته عليه السلام نظير ضلال أكثر الخلق بغيبته، و ارتياب المبطلين فيها، و تمييز أهل الضلالة في ذلك الحين لتجنبهم، و ما سيقوم الجهلاء حينئذ لكي لا يصغي اليهم، و تأكيد شك المغرضين و أمثالهم بولادته و غيبته، لئلا تتأثر الأمة بمدعياتهم، مع بيان الوسيلة المثلي التي ينبغي مراعاتها بغية الخلاص مما سيقع فيه الكثيرون، و هي الدعاء الذي ما عبد الله بمثله.1- عن أبي بصير، عن الامام الصادق، عن آبائه عليهم السلام، عن [ صفحه 154] رسول الله صلي الله عليه و آله: قال: «المهدي من ولدي، اسمه اسمي و كنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقا و خلقا، تكون له غيبة و يحرة حتي تضل الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب، فيملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا». [333] .2- و عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: «سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام يقول: ان لصاحب هذا الأمر غيبة لابد
منها، يرتاب فيها كل مبطل...». [334] .3- و عن فرات بن الأحنف، عن الامام الصادق عليه السلام في حديث عن أميرالمؤمنين عليه السلام جاء فيه: «... و ليبعثن الله رجلا من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، و ليغيبن عنهم تمييزا لأهل الضلالة، حتي يقول الجاهل: ما لله في آل محمد صلي الله عليه و آله من حاجة». [335] .4- و عن زرارة، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «لابد للغلام من غيبة، قلت: و لم؟ قال: يخاف - و أومأ بيده الي بطنه - و هو المنتظر، و هو الذي [ صفحه 155] يشك الناس في ولادته، فمنهم من يقول: حمل، و منهم من يقول: مات أبوه و لم يخلف، و منهم من يقول: ولد قبل موت أبيه بسنتين، قال زرارة: فقلت: و ما تأمرني لو أدركت ذلك الزمان؟ قال: ادع الله بهذا الدعاء: (اللهم عرفني نفسك، فانك ان لم تعرفني نفسك لم أعرفك، اللهم عرفني نبيك، فانك ان لم تعرفني نبيك لم أعرفه قط، اللهم عرفني حجتك، فانك ان لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني)».و قد سمع هذا الحديث قبل حلول الغيبة الصغري بنحو خمسين عاما، و قد جاء التصريح بهذا في ذيل الحديث من الكافي. [336] .و قد تحقق هذا الحديث بعد وفاة الامام الحسن العسكري عليه السلام، اذ جاء في الخبر الصحيح الثابت من طرق عديدة ما فعله الحاكم العباسي، و ما تنطع به جلاوزته و أعوانه.و في الحديث تكذيب صريح لجميع تلك الأقوال، حيث لم يكن المهدي عليه السلام في ذلك الوقت (حملا)، بل كان ابن خمس سنين، كما هو الثابت من تاريخ ولادته المشرفة.و في هذا الحديث أيضا رد لمن قال بأنه ولد
قبل موت أبيه بسنتين.و جواب شاف علي مزاعم المتخرصين الذين أنكروا ولادته و غيبته و امامته عليه السلام. [ صفحه 156] و تعريف بالمبطلين الذين ارتابوا، فاتبعوا الشبهات الواهية، و لم يتمسكوا بعري الدين الوثيقة. [ صفحه 157]
تضمنت الأحاديث الواردة عن الامام الصادق في ولده الامام المهدي عليهما السلام سؤال بعض الأصحاب عن أسباب الغيبة و عللها، و من خلال الاجابة علي أسئلتهم يتضح أن للغيبة عللا ظاهرة و اخري لم ينكشف وجهها، و بالرجوع الي ما وقفنا عليه من تلك الأحاديث سواء التي سئل فيها الامام عن علة الغيبة، أو التي جاءت علي لسانه الشريف من غير سؤال، وجدنا العلل الآتية:
و هذه هي العلة الظاهرة التي أيدتها الأحداث التاريخية بكل قوة؛ اذ تواترت الأخبار علي معني واحد، خلاصته معرفة السلطة العباسية بأن الامام الثاني عشر عليه السلام يمثل الخطر الأكيد علي وجودهم، و من هنا كانوا يترقبون انتظار ولادته علي حذر شديد، الأمر الذي يفسر لنا محاولة [ صفحه 158] الامام العسكري عليه السلام اخفاء ولادة ولده المهدي الموعود عليهماالسلام عن عامة الناس الا الأقرب فالأقرب.و قد صح الخبر- و من طرق شتي - بما فعله الحاكم العباسي بعد وفاة الامام العسكري عليه السلام ورواه الشيعة كلهم، و يكفي أنه و كل القوابل علي نساء الامام العسكري عليه السلام و امائه بعد وفاته ليفتشهن، كل ذلك لأجل الفتك بالامام الثاني عشر عليه السلام و ان كان حملا!!فالخوف من القتل كسبب من أسباب الغيبة لا نقاش فيه أصلا من الناحية التاريخية، و مع هذا فقد جاء الخبر عن امامنا الصادق عليه السلام بذلك قبل حدوثه.1- عن ابان بن عثمان و غيره، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله: لابد للغلام من غيبة، فقيل له: و لم يا رسول الله؟ قال صلي الله عليه و آله: يخاف القتل». [337] .2- و عن زرارة، عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال: «ان للقائم
غيبة قبل أن يقوم، قلت: و لم؟ قال: انه يخاف، و أومأ بيده الي بطنه، يعني: القتل». [338] .و سيأتي عن الامام الصادق عليه السلام ما يبين هذه العلة في الغيبة، و ذلك من خلال تأكيده علي أن في الامام المهدي عليه السلام سنة من الأنبياء السابقين. و من جملتها: سنة من موسي خائفا يترقب و الذي حكاه القرآن الكريم علي [ صفحه 159] لسان موسي عليه السلام أنه حين ما فر من قومه و غاب عنهم زمانا، ثم عاد - بعد حين - اليه، خاطبهم قائلا: (ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما و جعلني من ألمرسلين). [339] .فكذلك حال امامنا المهدي - أرواحنا فداه - فيما سيخاطب به الناس بعد انتهاء أمد غيبته موضحا لهم علتها؛ و قد جاء عن الامام الصادق عليه السلام ما هو صريح بورود هذه العلة علي لسان الامام المهدي عليه السلام في ما سيتلوه من كتاب عليه السلام تعالي عند ظهوره الشريف.عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «اذا قام القائم عليه السلام تلاهذه الآيد: (ففررت منكم لما خفتكم)». [340] .
و هي ما رواه أبو بصير عن الامام الصادق عليه السلام و غيره، قال: «صاحب هذا الأمر تعمي ولادته علي الخلق؛ لئلا يكون في عنقه بيعة اذا خرج». [341] .ففي هذا الحديث الصريح بخفاء الولادة اشارة الي أن المهدي عليه السلام سوف لن يكون متعبدا بالتقية، و انما الفرض عليه اقامة دولة الحق بالسيف، في حين أن فرض الجهاد، و منابذة الأعداء، و الخروج بالسيف علي الظالم، و القيام بالحرب لم يكن فرض أكثر الأئمة الأطهار من آباء المهدي عليه السلام، [ صفحه 160] و لهذا ورد بسند صحيح عن الامام الحجة
عليه السلام قوله - جوابا علي ما سأله أحمد بن اسحاق -: «... و أما علة ما وقع من الغيبة، فان الله عزوجل يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم). [342] انه لم يكن أحد من آبائي الا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، و اني أخرج حين أخرج و لا بيعة لأحد من الطواغيبت في عنقي». [343] .و هذا يعني انتفاء أي التزام بعهد أو ميثاق أو بيعة للامام المهدي عليه السلام مع الحاكم المستبد، و الا رجع الأمر الي مواجهة الطغاة، و العودة الي علة الخوف من القتل، حيث لم يكن فرض الامام المنقذ هو التقية.و يؤيده ما رواه سورة بن كليب، عن الامام الصاد عليه السلام في حديث جاء فيه: «... فاذا قام قائمنا سطت التقية، و جرد السيف، و لم يأخذ من الناس و لم يعطهم الا السيف». [344] .
و يراد بتلك السنن أن ما جري علي الامم السابقة لابد و أن يجري علي هذه الامة أيضا، و قد حفلت كتب الصحاح الستة عند العامة و غيرها [ صفحه 161] بأحاديث كثيرة في هذا المعني لا حاجة لنا بها، و أما في خصوص الامام المهدي عليه السلام فقد مر أن فيه سننا من الأنبياء عليهم السلام في غيباتهم، و هي لابد و أن تتحقق فيه عليه السلام.و يدل علي ما قلناه، ما رواه سدير الصيرفي عن الامام الصادق عليه السلام، قال: «ان للقائم منا غيبة يطول أمدها، قال: فقلت له: يا ابن رسول الله! و لم ذلك؟ قال: لأن الله عزوجل أبي الا أن تجري فيه سنن الأنبياء: في غيباتهم، و أنه لابد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم،
قال الله تعالي: (لتركبن طبقا عن طبق) [345] أي: سنن من كان قبلكم». [346] و أما عن سبب جريان تلك السنن في الاام المهدي عليه السلام فعلمه عند الله عزوجل.
و يؤيد ذلك ما رواه عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن الامام الصادق عليه السلام، قال: «ان لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها، يرتاب فيها كل مبطل، فقلت: و لم جعلت فداك؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم؟ قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالي ذكره، ان وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف الا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة، و قتل الغلام، و اقامة الجدار لموسي عليه السلام [ صفحه 162] الي وقت افتراقهما. يا ابن الفضل! ان هذا الأمر أمر من (أمر) الله تعالي، و سر من سر الله، و غيب من غيب الله، و متي علمنا أنه عزوجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة، و ان كان وجهها غير منكشف». [347] .لقد فرق هذا الحديث بين علة الغيبة، و وجه الحكمة في غيبة الامام عليه السلام أما العلة، فقد علمها الله تعالي لأوليائه، غير أنه عزوجل لم يؤذن لهم في كشفها، و بهذا يتبين اشتباه بعضهم في جعل تلك العلة الخافية علينا من أسرار الله عزوجل التي لم يطلع عليها أحدا من أوليائه عليهم السلام! و الصحيح أنه سبحانه استأثر بوجه الحكمة في غيبة الامام، و لم يستأثر بالعلة نفسها كما هو صريح هذا الحديث الشريف.
تعد مسألة تمحيص الناس و اختبارهم في زمان الامام المهدي عليه السلام مسألة متواترة عن الامام الصادق عليه السلام فحسب، فقد رواها عنه أبان ابن تغلب، و أبو بصير، و الربيع بن محمد المسلي، وزرارة، و سدير الصيرفي، و عبد الله بن الفضل الهاشمي، و عبد
الله بن يعفور، و عبد الرحمن بن سيابة، و فرات بن الأحنف، و المفضل بن عمر، و مهزم بن أبي بردة الأسدي، و أخرجها محدثو الشيعة، عن هؤلاء، عن الامام عليه السلام من طرق شتي فيما [ صفحه 163] تتبعناه. و سنكتفي ببعض منها، كالآتي:1- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: «مع القائم عليه السلام من العرب شي ء يسير، فقيل له: ان من يصف هذا الأمر منهم لكثير! قال: لابد للناس من أن يمحصوا، و يميزوا، و يغربلوا، و سيخرج من الغربال خلق كثير». [348] .و الذي قال للامام عليه السلام ذلك هو عبد الله بن يعفور كما هو صريح روايات اخري. [349] .2- و عن عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «كيف أنتم أذا بقيتم بلا امام هدي و لا علم (يري) يتبرأ بعضكم من بعض، فعند ذلك تميزون و تمحصون و تغربلون..». [350] .3- و عن مهزم بن أبي بردة الأسلمي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال «و الله لتكسرن تكسر الزجاج و ان الزجاج ليعود فيعاد، و الله لتكسرن تكسر الفخار فان الفخار ليتكسر فلا يعود كما كان، و الله لتغربلن، و الله لتميزن، و الله لتمحصن، حتي لا يبقي منكم الا الأقل، و صعر كفه». [351] .و أخرج الشيخ الطوسي عن الربيع بن محمد المسلي، عن الامام الصادق عليه السلام؛ نحوه. [352] . [ صفحه 164] 4- و عن المفضل بن عمر، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «أما و الله ليغيبن امامكم سنين من دهركم، و لتمحصن حتي يقال: مات أو هلك، باي واد سلك...». [353] .
تكشف الأحاديث الأربعة المتقدمة و غيرها من الأحاديث الأخري الواردة
في موضوعها عن التخطيط الالهي المقتضي لامتحان المسلمين و اختبارهم في غيبة امام الزمان عليه السلام، لأن الغيبة لا سيما اذا كانت طويلة و زائدة علي عمر الانسان الطبيعي بعشرات المرات، ستورث الشك في النفوس الضعيفة في بقاء صاحب الغيبة حيا طوال تلك الفترة، و قد يؤول هذا الشك الي الطعن باستمرار وجوده الشريف!و المراد بالتمحيص: التنقية بأخذ الشي ء الجيد و ابعاد الشي ء الردي ء.و بالتمييز: التفرقة بين شيئين بموجب خصائص معينة، و المراد هنا معرفة الناس علي حقيقتها بالاختبار.و بالغربلة: نخل الشي ء بالغربال.و في حديث الامام الباقر عليه السلام: «و الله لتميزن، و الله لتمحصن، و الله [ صفحه 165] لتغربلن كما يغربل الزوان من القمح». [354] .و الزوان: حبوب صغيرة تختلط بالحنطة و تكون علي شكلها و لكنها ليست منها، فانظر الي دقة التمثيل و روعته، فكما تخرج الزوان عن القمح بالغربال فكذلك يخرج ضعفاء الايمان بقانون التمحيص، و غربالهم ليس الا الظروف الصعبة التي يمر بها الانسان في حياته، و ما تحيط بتلك الحياة من مصالح ضيقة و شهوات و مغريات.و قول الامام الصادق عليه السلام: «و سيخرج من الغربال خلق كثير» ليس اعتباطا اذن، و انما هو يحكي عن حقيقة ثابتة نطق بها القرآن الكريم بذم الكثرة و مدح القلة في كثير من الآيات البينات: (و كثير منهم فاسقون) [355] (و ما آمن معه الا قليل). [356] .و كل هذا يشير الي أن أكثر البشر يتبعون الباطل، و ينحرفون مع الشهوات، و يندفعون تجاه مصالحهم، حتي ليكونوا عونا للظالمين، و يدا لهم، و في مقابل هذا تبقي في نتيجة الامتحان و التمييز و التمحيص الطويل ثلة لا يضرها من ناوأها حتي يقاتل آخرها الدجال؛ لأنهم
يمثلون الحق صرفا الذي لا باطل معه أصلا.و نظرة واحدة الي القرآن الكريم تكشف أن قانون التمحيص الالهي لم [ صفحه 166] يختص بفئة أو امة من الناس، بل هو قانون عام للبشرية في جميع مراحل تاريخها، و يدلنا علي ذلك:قوله تعالي: (ما كان الله ليذر المؤمنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب). [357] .و قوله تعالي: (ليميز الله الخبيث من الطيب و يجعل الخبيث بعضه علي بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون). [358] .و قوله تعالي: (و ليمحص الله الذين آمنوا و يمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم و يعلم الصابرين). [359] .و من غير شك أن قانون التمحيص لابد و أن يكون أشد و آكد اذا ما اقترن أمره باعداد النخبة الصالحة التي ينبغي أن تعيش الاستعداد الكامل لنصره الحق و أهله من خلال انتظارها لدولة الحق المرتقبة علي يد المنقذ العظيم الامام المهدي عليه السلام.لقد أراد الله عزوجل أن يكون التمحيص في الغيبة الكبري لامام العصر و الزمان عظيما؛ ليتضح من خلاله ما اذا كانت تصرفات الانسان و أقواله منسجمة مع الدين أو لا. و لا شك أن من يعبر الاختبار الصعب [ صفحه 167] سوف لن يهمل وظيفته الاجتماعية الكبري: الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، باعتبارهما من أبرز وظائف عصر الانتظار المتقوم بالايمان، و التضحية، و الصمود.و لا يخفي بأن الغرض من أحاديث التمحيص و الاختبار كلها انما هو يصب في خدمة أجيال الغيبة؛ لكي ينتبهوا من غفلتهم و يلحظوا ما ينبغي ملاحظته من أمور:كعدم الاغترار بلمع السراب من كلام المشعوذين الكاذبين.و معرفة مكائد السفهاء و أعداء
الحق، من الذين في قلوبهم مرض و المفتونين.و التعوذ من زخارف ابليس و أشياعه في كل زمان و مكان.و التمسك بالثقلين: كتاب الله و العترة الطاهرة عليهم السلام.و عدم استطالة المدي في غيبة المولي عليه السلام؛ لأن الظهور الشريف آت لا محالة و مثله مثل الساعة: (لا يجليها لوقتها الا هو ثقلت في السموات و الأرض لا تأتيكم الا بغتة). [360] .و التدرع بالصبر علي انتظار الحبيب صاحب الطلعة الرشيدة و الغرة الحميدة.و ارتقابه ببصيرة لا حيرة فيها، و يقينا لا شك معه. [ صفحه 168] و الاعتقاد الجازم بأن الله تعالي سيصلح له أمره في ليلة واحدة و حينئذ سيقبل كالشهاب الثاقب. [ صفحه 171]
علي الرغم من كثرة الكتب المؤلفة في غيبة الامام المهدي عليه السلام قبل حصولها، و كثرة الأحاديث الواردة في بيان هوية الامام المهدي، و غيبته، و طول عمره الشريف قبل ولادته بعشرات السنين، و انتشار العقيدة المهدوية في الوسط الاسلامي - في القرون الثلاثة الأولي - انتشارا واسعا... علي الرغم من كل ذلك بقي علم الكلام الاسلامي في عصر الامام الصادق عليه السلام بكل اتجاهاته خاليا تماما من أية اثارة بخصوص الامام المهدي عليه السلام، هذا في الوقت الذي تناول فيه شتي المباحث الكلامية في التوحيد، و العدل، و النبوة، و الامامة، و المعاد، و غيرها.و السر في ذلك... أنه لم تكن هناك ثمة شبهات كبيرة تذكر في زمان الامام الصادق عليه السلام بشأن الغيبة و الغائب، خصوصا و ان الامام المهدي عليه السلام لم يكن مولودا في ذلك الحين، و لم تبتل الأمة بغيبته الطويلة التي صارت فيما بعد مثارا للجدل. هذا اذا ما استثنينا بعض المحاولات المنحرفة التي كانت تستهدف استغلال عقيدة
الأمة بمهديها فادعت المهدوية زورا و بطلانا، و تصدي لها الامام الصادق عليه السلام بكل قوة حتي قبرت و هي في مهدها. [ صفحه 172] و يبدو أن متكلمي المعتزلة و الزيدية و غيرهم من خصوم الامامية الذين ماتوا قبل ولادة الامام المهدي عليه السلام كانوا في حرج شديد ازاء أخبار الامام الصادق عليه السلام و أهل البيت عليهم السلام كافة بخصوص ولدهم المهدي عليه السلام، اذ شكلت بمجموعها تحديا صارخا لهم، و لم يجدوا وسيلة في رد أخبار أهل البيت عليهم السلام تلك حتي و ان لم يعتقدوا بامامتهم، اذا تكفيهم بذلك سائر موجبات قبول الخبر من الوثاقة و الضبط و الصدق و الحفظ و الحريجة في الدين، سيما و ان تلك الأخبار أنبأت عن مستقبل قد يكون بعيدا علي أولئك المتكلمين، و بالتالي هم ليسوا من أهله، [361] و لهذا نراهم قد خففوا من غلوائهم تجاه هذه المسألة، و أهملوها تماما، و لم يتصد أحد منهم قط الي تكذيب أخبارها علي الرغم من كونها بين أيديهم، و كأنهم - بهذا - قد تحفظوا علي أنفسهم فلم يرموا بها شططا في كل اتجاه.و ما ان انقضي عصر اولئك المتكلمين الا و قد اصطدم خلفهم بالواقع، خصوصا و قد شاهدوا رجوع القواعد الشيعية برمتها - في كل صغيرة [ صفحه 173] و كبيرة- الي سفراء الامام المهدي عليه السلام و وكلائه المنبثين في طول بلاد الاسلام و عرضها.و من هنا لم يشأ بعضهم ترك الحبل علي غاربه، فحاول عبثا اثارة بعض الشبهات و الاشكالات، حتي اضطر أخيرا الي تكذيب تلك الأخبار التي كانت مدونة في عهد أسلافهم الذين عجزوا من تكذيبها.و ما ان دخلت العقيدة المهدوية في علك الكلام و أخذت
حيزها الواسع فيه، و ذلك بعد تحققها علي أرض الواقع بولادة الامام المهدي عليه السلام و غيبته سنة 260 ه، الا و قد تصدي طلائع المتكلمين من الامامية في عصر الغيبة الصغري كابن قبة الرازي و النوبختيين و غيرهم الي بيان زيف تلك الشبهات و أذاقوها ألوانا من مرارة التفنيد، كما نجده في كثير من نقولات الشيخ الصدوق عن أولئك المتكلمين في رد شبهات الزيديه و المعتزلة و غيرهم في هذا الخصوص. [362] .و الطريف في تلك الشبهات أنها كانت تعتمد علي أشياء قد سبق و ان تعرض لها الامام الصادق عليه السلام، نظير تمسكهم بدعاوي المهدوية، و طول عمر الامام المهدي عليه السلام، و الفائدة من غيبته، و نحو هذا من الأمور التي لم تزل تثار الي وقتنا هذا... بما يمكن معه القول بأن سائر الاشكالات التي يثيرها بعض الكتاب لم تكن جديدة أصلا؛ اذ مضي عليها أكثر من ألف عام، بل حتي أجوبتها ليست جديدة هي الأخري و عمر معظمها أطول [ صفحه 174] من عمر الامام المهدي عليه السلام، كما سنري بعد قليل.و من هنا يتبين لنا و بكل وضوح أن دور الامام الصادق عليه السلام في صيانة الفكر المهدوي الأصيل كان دورا سابقا لزمانه بقرون عديدة، الا ما كان بصدد رد بعض دعاوي المهدوية المعاصرة له عليه السلام، اذ كان عليه السلام يتعمد الي اثارة ما يمكن أن يقال عاجلا أو آجلا ثم يتعرض - بذات الوقت - الي الاجابة الشافية المختصرة.و كثيرا ما يكون في حديثه عليه السلام جواب لشبهة مقدرة من دون اثارة صريحة لها، و ربما قد يكون الجواب - أحيانا- ردا علي سؤال في هوية الامام المنتظر، أو ولادته، أو غيبته، و نحو ذلك من
أمور أخري، صارت اجاباتها ردودا لما أثير بعد ذلك من شبهات.و في ما يلي دراسة لأهم الشبهات المثارة حول العقيدة المهدوية، و موقف الامام الصادق عليه السلام منها و ذلك في فصول. [ صفحه 175]
تمثل ظاهرة ادعاء المهدوية في التاريخ الاسلامي عنصر الفساد و الانحراف الذي يقف دائما- و باسم الدين - في الصف المناوي ء للأهداف الكبري في الشريعة، و ذلك باستغلال ايمان الأمة بالامام المهدي عليه السلام الذي بشر به النبي صلي الله عليه و آله بشكل تخطي مضمونه سائر الحدود المطلوبة فيت حقق التواتر و علي جميع الأصول المحررة في معرفته.و قد يسأل بعضهم فيقول: كيف استطاعت اذن أن تشق تلك الظواهر طريقها في المجتمع الاسلامي و بهذا الوقت المبكر من تاريخه؟و الجواب منوط بمعرفة الأسباب المؤدية الي استغلال الدين باسمه و علي أكثر من صعيد، و يأتي في طليعتها:1- عدم تحصن الأمة بالثقلين «كتاب الله و العترة الطاهرة عليهم السلام» كما ينبغي.2- ضعف الوازع الديني عند أدعياء المهدوية علي مر التاريخ، مما [ صفحه 176] هون عليهم ذلك ارتكاب مثل هذا الأمر الخطير.3- تشر ذم الأمة الي فئات متناحرة و محاولة كل منها كسب الأنصار و المؤيدين بشتي الطرق الملتوية، من بذل المال، أو الالتفاف علي الدين.4- قلة الثقافة المهدوية في نفوس بعض القواعد الشعبية التي روجت لمهدوية هذا الشخص أو ذاك، كما نجده عند الكيسانية في اشاعتهم مهدوية محمد بن الحنفية رضي الله عنه.5- الافتتان ببعض الشخصيات، و محاولة رفعها فوق قدرها و اعطائها من الألقاب و الصفات ما لا تستحق، كما هو الحال في وصف عمر بن عبد العزيز الأموي المرواني ب (المهدي) مثلا.و مما زاد الطين بلة: ثقافة الاستبداد السياسي
التي ورثتها الأمة و تربت عليها بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و آله مباشرة، فهي في الوقت الذي تجاهلت فيه مبدأ النص و التعيين، لم تراع حرية الاختيار و اختفت الشوري تماما بحيث لم تتحقق و لو مرة واحدة - سهوا أو اشتباها - في حياتها، ثم تطور الأمر سوءا حتي ابيح للسلطان أن يتخذ الدين مطية لتحقيق مآربه و أهدافه السياسية، و لو بعبور الخطوط الحمراء في الشريعة و استغلالها لصالحه كما هو الحال في الدولتين الأموية و العباسية، و خير مثال علي ما نحن فيه محاولة التفاف أبي جعفر الدوانيقي عبد الله المنصور (الخليفة) العباسي (158-136 ه) علي العقيدة المهدوية، و انتزاعها من محمد بن عبد الله بن الحسن المثني (المهدي الحسني) الذي ادعاها بدوره! طمعا بالسلطة، فأطاح المنصور العباسي بثورته و قتله و أخاه ابراهيم (سنة 145 ه)، ثم أقدم (سنة 147 ه) علي تعيين ابنه محمد (169-159 ه) [ صفحه 177] وليا للعهد و لقبه بالمهدي! [363] ، و غيرها من الأسباب الأخري التي أفضت بطبيعتها الي ولادة خط الانحراف العقائدي و تمكين ظواهره السلبية في المجتمع، في حين صمد الخط الملتزم بمبادئه الاسلامية الثابتة، و تصدت قيادته الواعية الي كل انحراف؛ لتصون العقيدة المهدوية من العابثين و الطامعين، كما نجد ذلك واضحا في موقف الامام الصادق عليه السلام من أولي تلك الدعاوي المزعومة و الشبهات الفاسدة التي ظهرت في مقولة الكيسانية فنقول:
مات السيد محمد بن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام المعروف بمحمد بن الحنفية رضي الله عنه سنة (73 ه) و قيل غيرها، [364] و هو لا يعرف عن دعوي الكيسانية في امامته و مهدويته و غيبته شيئا
يذكر، حيث روجت الكيسانية له ذلك جهلا - بعد وفاته -؛ تأثرا بسمو أخلاقه و نبله و علمه، زيادة علي كونه أخا للسبطين و ابنا لأميرالمؤمنين عليهم السلام، مع عناد بعضهم علي القول بامامته و مهدويته و غيبته حتي بعد وفاته و دفنه!و كان محمد بن الحنفية رضي الله عنه قد سمع بعضهم و هم يسلمون عليه بالمهدوية، و لكنه لم يحمل تحيتهم علي معني مهدي آخر الزمان عليه السلام بل علي كونه من جملة العباد الصالحين الذين يهدون الي الحق و به يعملون، و قد [ صفحه 178] نبههم علي ذلك في وقته.و يدل عليه ما أخرجه ابن سعد في طبقاته بسنده عن أبي حمزة قال: «كانوا يسلمون علي محمد بن علي: سلام عليك يا مهدي. فقال: أجل، أنا مهدي أهدي الي الرشد و الخير، و لكن اسمي اسم نبي الله، و كنيتي كنية نبي الله، فاذا سلم أحدكم فليقل: سلام عليك يا محمد، أو السلام عليك يا أبا القاسم». [365] .و لم أجد في جميع المصادر أكثر صراحة من هذه الرواية في الدلالة علي وصفه بالمهدوية في حياته. في حين أنها لا تدل علي ارادة المهدي الموعود به في آخر الزمان، كما لا تدل علي رضاه، و لا تبنيه ذلك كما يظهر من كلامه المتقدم.
كان السيد محمد بن الحنفية رضي الله عنه عالما بامام زمانه، و لم يدع الامامة و لا المهدوية لنفسه، كما لم يقبل بمقولة من ادعاها له من أصحابه؛ و لهذا أمر بالسلام عليه - كما مر- اما باسمه، أو بكنيته.و يدل علي ما ذكرناه ما جاء عن أبي بصير قال: «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كان أبو خالد الكابلي يخدم
محمد بن الحنيفة دهرا، و ما كان يشك في أنه امام، حتي أتاه ذات يوم فقال له: جعلت فداك، ان لي حرمة [ صفحه 179] و مودة و انقطاعا فأسألك بحرمة رسول الله صلي الله عليه و آله و أميرالمؤمنين عليه السلام الا أخبرتني: أنت الامام الذي فرض الله طاعته علي خلقه؟ قال، فقال: يا أبا خالد حلفتني بالعظيم. الامام علي بن الحسين عليه السلام علي و عليك و علي كل مسلم، فأقبل أبو خالد لما أن سمع ما قاله محمد بن الحنفية، جاء الي علي بن الحسين عليهماالسلام فلما استأذن عليه، فأخبر أن أبا خالد بالباب، فأذن له، فلما دخل عليه، دنا منه، قال: مرحبا بك يا كنكر! ما كنت لنا بزائر، ما بدالك فينا؟ فخر أبو خالد ساجدا شكرا لله تعالي مما سمع من علي بن الحسين عليهماالسلام، فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتي عرفت امامي، فقال له علي بن الحسين عليهماالسلام: و كيف عرفت امامك يا أبا خالد؟ قال: انك دعوتني باسمي الذي سمتني أمي التي ولدتني، و قد كنت في عمياء من أمري و لقد، خدمت محمد بن الحنفية دهرا من عمري و لا أشك الا و أنه امام! حتي اذا كان قريبا سألته بحرمة الله تعالي، و بحرمة رسوله صلي الله عليه و آله، و بحرمة أميرالمؤمنين عليه السلام، فأرشدني اليك، و قال: هو الامام علي، و عليك، و علي خلق الله كلهم...». [366] .فكيف يدعي الكيسانية اذن امامته و مهدويته و غيبته، و هذه هي أقواله رضي الله عنه؟
ظهر القول بامامة و مهدوية و غيبة ابن الحنفية رضي الله عنه بعد وفاته علي يد الكيسانية التي زعمت باطلا بكل
هذه الأقاويل التي ما أنزل الله بها من سلطان. [ صفحه 180] و كان من رؤوسهم الذين تعصبوا لمحمد بن الحنفية و قالوا بامامته و مهدويته و غيبته و انه حي لم يمت، حيان السراج كما سيأتي في بيان موقف الامام الصادق عليه السلام من هذه الدعوي.و من مشاهير هم الذين لعبوا دورا اعلاميا كبيرا في اشاعة هذه الدعوة، كثير عزة الشاعر المعروف و قد ضم ديوانه جملة من القصائد الشعرية التي تعرب عن عقيدته تلك، يقول في بعضها:ألا ان الأئمة من قريش ولاة الحق أربعة سواءعلي و الثلاثة من بنيه هم الأسباط ليس بهم خفاءفسبط سبط ايمان وبر و سبط غيبته كربلاءو سبط لا تراه العين حتي يقود الخيل يقدمها لواءتغيب لا يري عنهم زمانا برضوي عنده عسل و ماء [367] .و يقول في أخري:هو المهدي خبرناه كعب أخو الأحبار في الحقب الخوالي [368] .و من جميل ما يروي، هو ما قاله مصعب بن عبد الله، قال: «قيل [ صفحه 181] لكثير: لقيت كعب الأحبار؟ قال: لا، قيل: فلم قلت: خبرناه كعب...؟ قال: بالوهم»! [369] .و من جملتهم أيضا السيد الحميري، و هو من مشاهير الكيسانية قبل لقائه بالامام الصادق عليه السلام، و معرفة الحقيقة منه. و قد كانت له قصائد كثيرة يذكر فيها مهدوية ابن الحنفية، منها ما ذكره المسعودي:يا شعب رضوي ما لمن بك لا يري و بنا اليه من الصبابة أورق حتي متي؟ و الي متي؟ و كم المدي؟ يا ابن الوصي و أنت حي ترزق [370] .
شاءت الأقدار أن يلتقي السيد الحميري بالامام الصادق عليه السلام، مما كان لهذا اللقاء أثره الفعال في تغيير السيد الحميري عقيدته الكيسانية و رجوعه من القول بامامة
و مهدوية محمد بن الحنفية رضي الله عنه، الي الحق و اعتقاده مذهب الامامية، و هو ما صرح به ابن المعتز في طبقات الشعراء، [371] و المرزباني في أخبار السيد، [372] و الشيخ الصدوق، [373] و الشيخ المفيد، [374] و الشيخ الطوسي [375] . [ صفحه 182] و ابن شهرآشوب، [376] و الاربلي، [377] و غيرهم ممن ترجم للسيد الحميري رضي الله عنه.و هكذا أصبح السيد - بفضل هدايته علي يد الامام الصادق عليه السلام - من شعراء أهل البيت المجاهرين بولايتهم من الطبقة الأولي، حتي وصفه علماء الشيعة بالمعظم، [378] و لهذا قال ابن عبد ربه الأندلسي الأموي: «و من الروافض، السيد الحميري، و كان يلقي له و سائد في مسجد الكوفة يجلس عليها، و كان يؤمن بالرجعة». [379] .
لقد اعترف السيد الحميري بدور الامام الصادق عليه السلام و فضله في ازاحة شبهة الكيسانية عنه، و هو ما حكاه لنا الشيخ الصدوق بقوله:«فلم يزل السيد ضالا في أمر الغيبة يعتقدها في محمد بن الحنفية حتي لقي الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام، و رأي منه علامات الامامة، و شاهد فيه دلالات الوصية، فسأله عن الغيبة، فذكر له أنها حق، و لكنها تقع في الثاني عشر من الأئمة عليهم السلام، و أخبره بموت محمد بن الحنفية، و ان أباه [ صفحه 183] - يعني: الامام الباقر عليه السلام - شاهد دفنه، فرجع لاسيد عن مقالته و استغفر من اعتقاده، و رجع الي الحق عند اتضاحه له، ودان بالامامة.ثم أخرج الصدوق - بعد كلامه هذا - بسنده عن السيد الحميري قوله: كنت أقول بالغلو و أعتقد غيبة محمد بن علي - ابن الحنفية - قد ضللت في ذلك زمانا، فمن
الله علي بالصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام و أنقذني به من النار، و هداني الي سواء الصراط، فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علي و علي جميع أهل زمانه و أنه الامام الذي فرض الله طاعته و أوجب الاقتداء به، فقلت له: يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة و صحة كونها فأخبرني بمن تقع؟ فقال عليه السلام: ان الغيبة ستقع بالسادس من ولدي و هو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله أولهم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و آخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض و صاحب الزمان، و الله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتي يظهر فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما. قال السيد: فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام تبت الي الله تعالي ذكره علي يديه».
قال السيد رحمه الله بعد كلامه السابق مباشرة و بلا فصل - و هو من تتمة رواية الشيخ الصدوق - ما لفظه: «و قلت قصيدتي التي أولها: [ صفحه 184] فلما رأيت الناس في الدين قد غووا تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا- الي أن قال - الي آخر القصيدة، و قلت بعد ذلك قصيدة اخري:أيا راكبا نحو المدينة جسرة عذافرة يطوي بها كل سبسب اذا ما هداك الله عاينت جعفرا فقل لولي الله و ابن المهذب ألا يا أمين الله و ابن أمينه أتوب الي الرحمن ثم تأوبي اليك من الأمر الذي كنت مطنبا أحارب فيه جاهدا كل معرب و ما كان قولي في ابن
خولة مطنبا معاندة مني لنسل المطيب و لكن روينا عن وصي محمد و ما كان فيما قال بالمتكذب بأن ولي الأمر يفقد لا يري ستيرا كفعل الخائف المترقب فتقسم أموال الفقيد كأنما تغيبه بين الصفيح المنصب فيمكث حينا ثم يشرق شخصه مضيئا بنور العدل اشراق كوكب يسير بنصر الله من بيت ربه علي سؤودد منه و أمر مسبب يسير الي أعدائه بلوائه فيقتلهم قتلا كحران مغضب فلما روي أن ابن خولة غائب صرفنا اليه قولنا لم نكذب و قلنا هو المهدي و القائم الذي يعيش به من عدله كل مجدب فان قلت لا فالحق قولك و الذي أمرت فحتم غير ما متعصب و أشهد ربي أن قولك حجة علي الناس طرا من مطيع و مذنب [ صفحه 185] بأن ولي الأمر و القائم الذي تطلع نفسي نحوه بتطرب له غيبة لابد من أن يغيبها فصلي عليه الله من متغيب فيمكث حينا ثم يظهر حينه فميلك من في شرقها و المغرب بذاك أدين الله سرا و جهرة و لست و ان عوتبت فيه بمعتب» [380] .
لا بأس بمتابعة قصيدته و الكشف - باختصار- عما في أبياتها من دلالة كالآتي:البيت الثاني و الثالث: فيهما تصريح باعتقاد السيد الحميري بأن الامام الصادق عليه السلام هو ولي الله في زمانه و أمين الله علي وحيه و ابن أمينه.الرابع و الخامس: فيهما تصريح بالتوبة من الاعتقاد القديم بمهدوية ابن الحنفية.السادس: في بيان سبب اعتقاده القديم الفاسد و هو تطبيق الروايات الواردة في المهدي و غيبته عن الوصي و يعني به أميرالمؤمنين عليه السلام علي غير موردها الحقيقي و مصداقها الواقعي.السابع: يدل علي أن المروي عن الوصي عليه السلام بشأن المهدي هو غيبته (يفقد لا يري) و أن سببها الخوف (ستيرا كفعل الخائف المترقب) و هذا
هو المؤيد بروايات كثيرة عن الامام الصادق عليه السلام كما مر مفصلا في هذا البحث. [ صفحه 186] الثامن: يشير الي أن المروي عن الوصي عليه السلام صريح بتقسيم أموال الامام المهدي عليه السلام و هو حي «فتقسم أموال الفقيد» أي الغائب الحي الموجود، و هو ما حصل فعلا لامامنا المهدي من أزلام السلطة العباسية و أذنابها في حديث طول رواه الشيعة برمتهم وصح لديهم من عدة طرق.التاسع و العاشر و الحادي عشر: في خصوص كون المروي عن الوصي في المهدي عليه السلام، هو أنه لابد و أن يغيب حينا من الدهر، ثم يكون ظهوره في مكة المكرمة، و أن الله تعالي سيمكنه من أعدائه جميعا، و هذا هو ما نقوله و نعتقده طبقا للمتواتر من الأخبار.الثاني عشر الي الخامس عشر: في الكشف عن عقيدته السابقة بمهدوية ابن الحنفية رضي الله عنه، و اعلان رجوعه عنها، و اعتقاده الحق بفضل الامام الصادق عليه السلام، و يتضمن الأخير اعتقاده بأن امامة الامام الصادق عليه السلام من الله تعالي و رسوله صلي الله عليه و آله، و أنه معصوم من الخطأ و الزلل، و الا فما معني ان يشهد الله تعالي علي أن الصادق عليه السلام حجة الله علي سائر الخلق؟ و كيف يختار الله تعالي حجته علي عباده و لا يكون معصوما؟و ما يقال بأن الشعر عامة ليس حجة، فهو كذلك، و لكن الأمر مختلف هاهنا، فالأبيات تتلي علي مسامع الامام عليه السلام و لو كان فيها أدني زلل لنبه عليه الامام الصادق عليه السلام.السادس عشر الي التاسع عشر: صريحة بلا بدية غيبة ولي الأمر الامام [ صفحه 187] القائم المهدي عليه السلام، و أنه لابد من ظهوره عليه السلام بعد انتهاء أمد غيبته، و
حينئذ سيتحقق حلم الأنبياء عليهم السلام جميعا باقامة دولة الحق العظمي في جميع الأرض علي يده الشريفة، و في الأخير اعلان بتمسك السيد الحميري بهذا الدين الحق، و انه لا يخشي فيه لومة لائم.كما أن أجواء القصيدة و أبياتها تكشف عن أن أحاديث غيبة الامام المهدي عليه السلام الواصلة الينا لم تكن قط من صنع أية حركة أو طائفة، و لا هي من صنع متكلمي الشيعة في القرنين الثالث و الرابع الهجريين كما يفتري بذلك بعض المهرجين، و انما هي - في حدود أجواء القصيدة فقط- من أخبار أهل البيت عليهم السلام منذ عهد أميرالمؤمنين الامام علي عليه السلام وصولا الي الامام الصادق عليه السلام، فضلا عما في غيرها و هو كثير.كما تكشف أجواء القصيدة أيضا عن دور الامام الصادق عليه السلام في التصدي الحازم لمزاعم المهدوية كالكيسانية، و بثه الوعي اللازم تجاه العقيدة المهدوية الصحيحة، مع استغلال كل فرصة سانحة لغرس مبادي ء الدين النقية التي تقوم عليها نظرية الحكم في الاسلام كما يفهم من تقرير الامام عليه السلام لمفردات تلك القصيدة الرائعة التي جاءت زاخرة بفكر الامامة و مفعمة بعقيدة النص و التعيين.و أما عن خلو الأبيات الشعرية من التصريح بهوية الامام المهدي عليه السلام فلا يدل علي عدم تحديد الهوية للسيد الحميري من قبل الامام الصادق عليه السلام خصوصا و قد مر في كلامه المنثور ما هو صريح بهذا التحديد. و ربما قد يكون التحديد مذكورا في رائيته المتقدمة حيث اقتصر علي بعض [ صفحه 188] أبياتها، و لو وصلت الينا كاملة فربما وجدنا بها أسماء أهل البيت عليهم السلام جميعا.و المهم هو أن رجوع مثل السيد الحميري عن عقيدة الكيسانية و اعتناق المذهب الامامي الاثني عشري يعبر عن دور الامام
الصادق عليه السلام في معالجة دعاوي المهدوية في زمانه مما كان له أكبر الأثر في هدم تلك الدعاوي الباطلة و تلاشيها واحدة بعد أخري.
لم يتوقف الامام الصادق عليه السلام في ابطلا دعوي الكيسانية علي صعيد هذا اللقاء بالسيد الحميري، و انما راح أبعد من ذلك بكثير يوم بين لبعض رؤؤس الكيسانية زيف عقيدتهم، و لكنهم ركبوا رؤوسهم عنادا و صلفا (و من يضلل الله فلن تجد له سبيلا). [381] و من أولئك: حيان السراج.عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام: أتاني ابن عم لي يسألني أن آذن لحيان السراج، فأذنت له، فقال لي: يا أبا عبد الله اني أريد أن أسألك عن شي ء أنا به عالم الا أني أحب أن أسألك عنه، أخبرني عن عمك محمد بن علي مات؟ قال، فقلت: أخبرني أبي أنه كان في ضيعة له فأتي، فقيل له: أدرك عمك!. قال: فأتيته - و قد كانت أصابته غشية- فأفاق فقال لي: أرجع الي ضيعتك. قال: فأبيت، فقال لترجعن، قال: فانصرفت، فما بلغت الضيعة حتي أتوني، فقالوا: أدركه! فأتيته، [ صفحه 189] فوجدته قد اعتقل لسانه، فدعا طست، و جعل يكتب وصيته، فما برحت حتي غمضته، و غسلته، و كفنته، و صليت عليه، و دفنته.فان كان هذا موتا فقد و الله مات. قال: فقال لي رحمك الله شبه علي أبيك. قال، قلت: يا سبحان الله! أنت تصدف علي قلبك. قال فقال لي: و ما الصدف علي القلب؟ قال، قلت: الكذب». [382] .و عن بريد العجلي قال: «دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام فقال لي: لو كنت سبقت قليلا أدركت حيان السراج. قال: و أشار الي موضع في البيت، فقال عليه
السلام: كان ههنا جالسا فذكر محمد بن الحنفية و ذكر حياته و جعل يطريه و يقرظه فقلت له: يا حيان أليس تزعم و يزعمون و تروي و يروون لم يكن في بني اسرائيل شي ء الا و هو في هذه الأمة مثله؟ قال: بلي. قال: فقلت: هل رأينا و رأيتم أو سمعنا و سمعتم بعالم مات علي أعين الناس، فنكح نساؤه، و قسمت أمواله، و هو حي لا يموت؟ فقام و لم يرد علي شيئا». [383] .و عن عبد الله بن مسكان قال: «دخل حيان السراج علي أبي عبد الله عليه السلام فقال له: يا حيان! ما يقول أصحابك في محمد بن علي [بن] الحنفية؟ قال: يقولون هو حي يرزق. فقال أبو عبد الله عليه السلام: حدثني أبي أنه كان فيمن عاده في مرضه، و فيمن أغمضه، و فيمن أدخله حفرته... و قسم ميراثه. قال: فقال حيان: انما مثل محمد بن الحنفية في هذه الأمة مثل [ صفحه 190] عيسي بن مريم، فقال: ويحك يا حيان شبه علي أعدائه! فقال: بلي شبه علي أعدائه فقال: تزعم أن أبا جعفر عدو محمد بن علي! لا و لكنك تصدف يا حيان..». [384] .و بهذا و نظائره استطاع الامام الصادق عليه السلام أن يبين للناس جميعا تهافت مقولة الكيسانية و كذبها، مما أدي بالنتيجة الي تبخر تلك المزاعم و ازالتها من صفحة الوجود بعد انقراض المتعصبين لها، و بصورة لم تترك معها أدني تأثير - و لو طفيف - علي خط الامامة العريض الواضح، كما لم تؤثر شيئا علي علم القواعد الشيعية بمن سيغيب من أئمة الهدي عليهم السلام. [ صفحه 191]
وضع المغرمون بعمر بن عبد العزيز بن مروان بن
الحكم بن أبي العاص الأموي المرواني (ت 101 ه) ما شاء لهم أن يضعوا من الأقوال علي لسان عمر و ابنه عبد الله، و هي و ان كانت كلها آثارا موقوفة لا حجة بها، و لكن لا بأس بذكرها لتستشعر من خلالها ذلك الكذب المفضوح.1- أخرج البيهقي عن عبد الله بن دينار، عن عمر قال: «يا عجبا! يزعم الناس أن الدنيا لن تنقضي حتي يلي رجل من آل عمر يعمل بمثل عمل عمر. قال: فكانوا يرونه بلال بن عبد الله بن عمر، قال: و كان بوجهه أثر، قال: فلم يكن هو، و اذا هو عمر بن عبد العزيز و أمه ابنة عاصم بن عمر بن الخطاب». [385] .و في هذا الأثر اللاحجة، أحمد بن علي المقري الضعيف عندهم بلا خلاف، زيادة علي عدم دلالته علي المهدوية. [ صفحه 192] و لعل أطرف ما في هذا الأثر وروده في (باب ما جاء في اخباره صلي الله عليه و آله بالشر الذي يكون بعد الخير الذي جاء به) من كتاب دلائل النبوة للبيهقي!!!2- و أخرج ابن حماد بسنده عن نافع، عن عمر: «يكون رجل من ولدي بوجهه شين يلي، فيملأها عدلا. قال نافع: لا أحسبنه الا عمر بن عبد العزيز». [386] .و هذا الأثر كسابقه، و فيه عثمان بن عبد الحميد بن لاحق مجهول، و نافع مولي ابن عمر كذاب مشهور. و كان يقول له مولاه: لا تكذب علي كما كذب عكرمة علي ابن عباس.3- و أخرج ابن سعد في طبقاته عن نافع أيضا، عن ابن عمر قال: «كنت أسمع ابن عمر كثيرا يقول: ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر في وجهه علامة، يملأ الأرض
عدلا». [387] .و هذا الأثر كسابقه، و فيه نافع الكذاب أيضا.
لأجل تمرير مهدوية عمر بن عبد العزيز و اضفاء طابع القداسة عليه حاول أنصاره تشويش هذه العقيدة في نفوس المسلمين و تقريبهم نحو الخط الأموي المقيت، و لو بالكذب الفاضح علي أهل البيت عليهم السلام في نصرة [ صفحه 193] الأمويين و مهدوية عمرهم.و من هنا وضعوا علي لسان الامام الباقر عليه السلام ما أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبري، عن مسلمة أبي سعيد في حديث رواح، عن العرزمي، قال: «سمعت محمد بن علي يقول: النبي منا، و المهدي من بني عبد شمس، و لا نعلمه الا عمر بن عبد العزيز. قال: و هذا في خلافة عمر بن عبد العزيز»!! [388] .و مثله ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه، و أبو عمرو الداني، عن مولي لهند بنت أسماء، قال: «قلت لمحمد بن علي: ان الناس يزعمون أن فيكم مهديا، فقال: ان ذاك كذاك، و لكنه من بني عبد شمس، قال: كأنه عني عمر بن عبد العزيز». [389] .
ان ما ذكره ابن سعد، و ابن عساكر من أوضح الكذب و أسخفه، و ما أحاديث الامام الصادق في كتابنا هذا الا هي أحاديث أبيه الباقر عليهماالسلام؛ نظرا لما قاله الامام الصادق عليه السلام لجميل بن دراج: «ما سمعت مني فاروه عن أبي».و قوله لجملة من أصحابه: «حديثي حديث أبي..». [ صفحه 194] و قوله لأبي بصير حين قال له: الحديث أسمعه منك أرويه عن أبيك، أو أسمعه من أبيك، أرويه عنك؟ قال عليه السلام: «سواء الا أنك ترويه عن أبي أحب الي». [390] .علي أن مذهب الامام الباقر عليه السلام في الامام المهدي عليه السلام كنار علي علم، و اليك صورة واضحة عما نطقت به أحاديثه الشريفة في المهدي عليه السلام، من
قبيل:ان الله تعالي أخذ الميثاق للامام المهدي عليه السلام من الأنبياء عليهم السلام كلهم، [391] و فيه شبه من بعضهم كغيبة موسي عن قومه، و طول عمر نوح، و محنة يوسف عليهم السلام. [392] .و قد أغبطه موسي لما رآه مكتوبا في أسفاره، [393] ليس من بني أمية و لا من آل مروان الملعونين قاطبة، [394] و انما من آل محمد صلي الله عليه و آله، [395] اسمه اسم [ صفحه 195] نبي [396] بل سميي [397] من أهل البيت، [398] و انه لمهدينا، [399] و قائمنا، [400] و معني المهدي، [401] و القائم. [402] .من ولد أمي الزهراء البتول عليهاالسلام، [403] و من صلب جدي الحسين عليه السلام، [404] أصغرنا سنا و أخملنا شخصا، [405] و ابن أمة. [406] . [ صفحه 196] تخفي علي الناس ولادته، [407] و تمتحن بذلك شيعته، [408] و من الناس من ينكر ولادته، [409] و منهم من يقول: مات أو هلك، في أي واد سلك! [410] ، و انه لمن أهل بيتي، [411] و هو السابع من ولدي، [412] نحن الأئمة الأوصياء، [413] كعدة نقباء بني اسرائيل اثني عشر اماما، تسعة من ولد الحسين عليه السلام، تاسعهم قائمهم، [414] مع تفصيل اسمائهم عليهم السلام، [415] و لعن أول من ظلم حقهم و آخر تابع له علي ذلك، [416] و انه لابد من غيبته، [417] في سنة مئتين [ صفحه 197] و ستين [418] استبقاء علي مهجته. [419] .لهفي عليه من شريد طريد، و فريد وحيد، موتور بأبيه، [420] و مطلوب تراثه. [421] .له غيبتان: تطول الثانية منهما، [422] طوبي للمنتظرين له في غيبته، [423] المتأهبين لنصرته، [424] الذين وثقوا بأنه لو لم يبق
من الدنيا الا يوم واحد، لطوله الله تعالي، حتي تري - في آخر الزمان - طلعته. [425] بعد فتن [ صفحه 198] و علامات كثيرة، ككسوف الشمس و خسوف القمر، [426] و خسف بالبيداء، [427] و الصيحة في شهر رمضان، [428] و فتنة السفياني، [429] و قتل النفس الزكية، [430] و خروج الدجال، [431] و مدد المشرق الموطي ء لدولته، [432] و هتاف السماء: أن الحق مع آل محمد صلي الله عليه و آله، [433] و ندائها باسم المهدي و اسم أبيه، [434] حتي يسمعه أهل المشرق و المغرب. [435] . [ صفحه 199] و هكذا الي أن يمن الله تعالي بظهوره، و تكون في البيت العتيق - بين الركن و المقام - بيعته، [436] و سيخطب في كعبته. [437] معه عدة أهل بدر من أصحابه [438] ما أجل صفاتهم، [439] و أعظم شجاعتهم. [440] .عنده عصا موسي لتلقف ما يأفكون، [441] و حجره المبارك الميمون، [442] و خاتم سليمان، [443] و سلاح النبي صلي الله عليه و آله و رايته، [444] و عهده، [445] و مواريثه، [446] و كتب سيد الأوصياء أميرالمؤمنين عليه السلام. [447] . [ صفحه 200] تنصره ملائكة بدر الكبري في حروبه، [448] و ينزل عيسي بن مريم فيصلي خلفه، [449] و يفتح الله علي يده مشارق الأرض و مغاربها، فيملأها عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا. [450] .لا يرحم في سيرته أعداءه، [451] و لكن ما أجمل عدله، [452] و قضائه، [453] و ما أكثر عطائه، [454] لا تخشي رعيته فقرا و الرخاء العميم في دولته، [455] و لا كفرا؛ اذ سيجدد الاسلام بعد غربته، [456] و ينشره حتي لا
يري - علي وجه الأرض - دين غيره، [457] و سيدعو الخلق الي كتاب الله و سنة رسول صلي الله عليه و آله، [ صفحه 201] و الولاية لأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و البراءة من أعدائه، [458] و أول ما يزور من العراق النجف، [459] ثم يجعل الكوفة عاصمته، و يختار فيها منزلة، [460] و من أدركه فليسلم عليه بقوله: «السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، و معدن العلم، و موضع الرسالة». [461] .و هذا غيض، من فيض، اغترفناه علي عجل من بحر الامام الباقر عليه السلام وحده، لخصنا فيه مضامين بعض أحاديثه الشريفة في الامام المهدي عليه السلام و ما تركناه أكثر و أكثر.و قد توزع ما ذكرناه علي خمسين رجلا من أصحابه عليه السلام، و هم:1- أبو أيوب المخزومي، 2- أبو بصير، 3- أبوبكر الحضرمي، 4- أبو الجارود، 5- أبو حمزة الثمالي، 6- أبو خالد الكابلي، 7- أبو عبيدة الحذاء، 8- ابو مريم عبد الغفار بن القاسم، 9- أحمد بن عمر، [ صفحه 202] 10- اسماعيل الجعفي، 11- بدر بن الخليل الأزدي، 12- بريد العجلي، 13- بشير بن أبي أراكه النبال، 14- بكير بن أعين، 15- ثابت بن عمرو، 16- جابر الجعفي، 17- حصين الثعلبي، 18- حمران بن أعين، 19- زرارة بن أعين، 20- زيد الكناسي، 21- سالم الأشل، 22- سلام ابن أبي عميرة، 23- سلام بن المستنير، 24- سليمان بن الحسن، 25- سليمان بن خالد، 26- سيف بن عميرة، 27- شرحبيل، 28- صالح ابن ميثم 29- ضريس، بن عبد الملك الكناسي، 30- عبد الله بن أبي يعفور، 31- عبد الله بن حماد الأنصاري، 32- عبد الله بن عطاء، 33- عبد الحميد الواسطي، 34-
عبدالرحيم القصير، 35- عبدالملك بن أعين، 36- علقمة بن محمد الحضرمي، 37- عمار الدهني، 38- عمرو ابن عبد الله بن هند الجملي، 39- مالك الجهني، 40- محمد بن علي السلمي، 41- محمد بن فضل، 42- محمد بن مسلم الثقفي، 43- معروف ابن خربوذ، 44- منصور الصيقل، 45- ميمون البان، 46- ناجية القطان، 47- هارون بن هلال، 48- يحيي بن أبي العلاء، 49- يحيي بن سابق، 50- يحيي بن سالم.و بهذا يتبين لك مذهب الامام الباقر عليه السلام في الامام المهدي عليه السلام، و به تتضح قيمة ما رواه ابن سعد في طبقاته أولا، و ما أخرجه ابن عساكر ثانيا، من اكذوبتين ما أنزل الله بهما من سلطان.علي أن مسلمة بن أبي سعيد الذي روي عنه ابن سعد، لا خير فيه عندهم، و أهمله أكثرهم. [ صفحه 203] و مولي هند بنت أسماء الذي أخرج له ابن عساكر، لا عين له و لا أثر في مصادرهم، فهو نكرة مهمل غراق في الاهمال.و نكتفي بهذا القدر في ابطال ما نسبوه الي الامام الباقر عليه السلام لنري الأقوال الواردة في تعزيز القول بمهدوية عمر بن عبد العزيز، و قد نسبت الي بعض التابعين و غيرهم، و لم يثبت معظمها، لضعف رواتها:
و من الأقوال الواردة في مهدوية عمر بن عبدالعزيز الأموي المرواني:1- قول الحسن البصري: «ما أري مهديا فهو عمر بن عبد العزيز». [462] .و قوله: «ان كان مهدي فعمر بن عبد العزيز، و الا فلا مهدي الا عيسي ابن مريم عليه السلام». [463] .2- قول أبي قلابة: «عمر بن عبد العزيز هو المهدي حقا». [464] .3- قول قتادة: «كان يقال المهدي ابن أربعين سنة، يعمل بأعمال بني اسرائيل، فان لم يكن
عمر فلا أدري من هو؟». [465] . [ صفحه 204] 4- قول وهب بن منبه: «ان كان في هذه الأمة مهدي فهو عمر بن عبد العزيز». [466] .و قال ابن كثير في البداية و النهاية بعد ما ورد قول وهب بن منبه: «و نحو هذا قال قتادة و سعيد بن المسيب و غير واحد». [467] .5- قول سعيد بن المسيب لرجل سأله: من المهدي؟ فقال: «عمر بن عبد العزيز هو المهدي». [468] .
رفض طاوس كل هذه الأقوال حين سأله ابراهيم بن ميسرة، قال: «قلت لطاوس: عمر بن عبد العزيز المهدي؟ قال: قد كان مهديا و ليس به، ان المهدي اذا كان زيد المحسن في احسانه، و تيب عن المسي ء من اساءته، و هو يبذل المال، و يشتد علي العمال، و يرحم المساكين». [469] .و رواه ابن حماد من طريق آخر بلفظ: «قلت لطاوس: عمر بن عبد العزيز المهدي؟ قال: لا، انه لم يستكمل العدل كله». [470] . [ صفحه 205] و علق عليه السمهودي بقوله: «أي: بل هو مهدي من جملة المهديين غير الموعود به في آخر الزمان،... قال أحمد - في احدي الروايتين عنه - و غيره: عمر بن عبد العزيز متهم». [471] .و من الواضح امكان اضافة العشرات من علماء العامة الي قائمة تكذيب القول بمهدوية عمر بن عبد العزيز، و هم من رووا أحاديث المهدي عليه السلام في تلك الفترة، و ما أكثرهم، بل لا يوجد من العامة و لا من غيرهم - اليوم - من يقول البتة بتلك المهدوية الزائفة التي انتهت بموته.
انا لا نحتاج - في الواقع - الي ما قاله طاوس و غيره في الرد علي مهدوية عمر بن عبد العزيز؛ اذ لم تكن الأمة الاسلامية- في عصر الامام الصادق عليه السلام (148-114 ه)- بحاجة الي من يبين لها زيف تلك الأقوال و وهنها؛ لعلم الأمة- حينئذ- بأن عمر بن عبد العزيز الأموي قد تولي السلطة سنة 99 ه، و مات سنة 101 ه، و انه جاء اليها بعهد من سليمان بن عبد الملك الأموي (99-96 ه)، و قد بايع الأمويون لمن في كتاب العهد الذي كتبه سليمان بيده ثم ختمه،
و لم يفضه أحد الي أن هلك هذا الطاغية سنة 99 ه باتفاق المؤرخين.و مع أن الأمويين ليسوا من أهل الحل و العقد، فهم لم يعرفوا لمن بايعوا الا بعد هلاك سليمان!! [ صفحه 206] و قد كان (المهدي الأموي) يعتقد بأن سليمان بن عبد الملك امام مفروض الطاعة! [472] في الوقت الذي وصفه الحديث بأنه ثاني الجبارين [473] الأربعة من ولد عبد الملك بن مروان، و أن معاوية الوغد كان كذلك في عقيدته، حتي أنه ما ضرب أحدا في سلطانه غير رجل واحد تناول من معاوية، فضربه هذا (المهدي) ثلاثة أسواط!!. [474] .و من ثم سلمها (مهدي الأمويين)- عند احتضاره - الي الجبار الثالث يزيد بن عبد الملك (105-101 ه)، و علي وفق ما رسم له من قبل الجبار الثاني سليمان، و هكذا أبقاها عمر بن عبد العزيز في الشجرة المعلونة كعلامة فارقة من علامات (عدله) الذي اغتر به الكثيرون.نعم... لم تكن الأمة بحاجة الي من يدلها علي زيف التاريخ الأموي، و انحراف صانعيه و عتوهم و كفرهم و نفاقهم، و استسلامهم لا اسلامهم منذ أن بزغ نجمهم علي يد باغيتهم، و انتهاء بقتل حمارهم و انقضاء دولتهم التي مزقت مثل الاسلام أي ممزق، و عادت بالمجتمع الاسلامي الي حضيض الجاهلية، و نقضت الاسلام عروة فعروة. حتي صارت كلمة (أموي) [ صفحه 207] وحدها، كافية علي انحراف من تطلق عليه و استهتاره بكل القيم، الا من خرج بدليل منهم، و قليل ما هم. فلا غرو اذن في أن تشمئز من ذكرها النفوس و تقشعر الأبدان.و النبي الأكرم صلي الله عليه و آله الذي بشر بمهدي أهل البيت عليهم السلام حذر أمته من الأمويين، بأنهم ليسوا
من خلفاء هذه الأمة، و انما هم من الملوك، و أن ملكهم عضوض كسروي. [475] .و قد رآهم النبي صلي الله عليه و آله في منامه، و هم ينزون علي منبره الشريف نزو القردة فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكا حتي فارق الحياة صلي الله عليه و آله، و أنزل الله تعالي في ذلك: (و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك الا فتنة للناس و الشجرة المعلونة في القرآن) [476] أي: بنو أمية. [477] . [ صفحه 208] و قال صلي الله عليه و آله في بني أمية: انهم «يردون الناس عن الاسلام القهقهري»، أو: «يردون الناس علي أعقابهم القهقري». [478] .و قال صلي الله عليه و آله: «اذا بلغت بنو أمية أربعين رجلا اتخذوا عباد الله خولا، و مال الله نحلا، و كتاب الله دغلا». [479] .و قال صلي الله عليه و آله: «هلاك هذه الأمة علي يدي أغيلمة من قريش».أخرجه الحاكم ثم قال: «هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين و لم يخرجاه، و لهذا الحديث توابع و شواهد عن رسول الله صلي الله عليه و آله و صحابته الطاهرين، و الأئمة من التابعين لم يسعني الا ذكرها، فذكرت بعض ما حضرني، منها:». [480] .ثم ذكر جملة من تلك الأحاديث، و لا بأس بالاشارة السريعة اليها و هي:1- حديث عبد الرحمن بن عوف قال: «كان لا يولد لأحد مولود الا أتي به النبي صلي الله عليه و آله، فدعا له، فأدخل عليه مروان بن الحكم [جد عمر بن عبد العزيز] [ صفحه 209] فقال صلي الله عليه و آله: «هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون».قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الاسناد و لم يخرجاه». [481] .2-
و حديث أبي ذر، قال: «سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: اذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا، اتخذوا مال الله دولا، و عباد الله خولا، و دين الله دغلا».قال الحاكم: «هذا حديث صحيح علي شرط مسلم و لم يخرجاه»، [482] و قد أخرج له الحاكم شاهدا من رواية أبي سعيد. [483] .3- و حديث أبي برزة، قال: «كان أبغض الأحياء الي رسول الله صلي الله عليه و آله: بنو أمية، و بنو حنيفة، و ثقيف».قال الحاكم: «هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين و لم يخرجاه». [484] .4- و حديث محمد بن زياد، قال: «لما بايع معاوية لابنه يزيد، قال مروان: سنة أبي بكر و عمر، فقال عبدالرحمن بن أبي بكر: سنة هرقل و قيصر، فقال مروان: أنزل الله فيك: (و اليذ قال لوالديه أف لكما). [485] . [ صفحه 210] قال: فبلغ عائشة، فقالت: كذب و الله ما هو به، و لكن رسول الله صلي الله عليه و آله لعن أبا مروان و مروان في صلبه، فمروان قصص من لعنة الله عزوجل».قال الحاكم: «هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين و لم يخرجاه». [486] .و قد أخرج الطبراني عن الامام الحسن السبط عليه السلام قوله لمروان: «فو الله لقد لعنك الله علي لسان نبيه صلي الله عليه و آله و أنت في صلب أبيك». [487] .5- و حديث عمرو بن مرة الجهني قال: «ان الحكم بن أبي العاص استأذن علي النبي صلي الله عليه و آله، فعرف النبي صلي الله عليه و آله صوته و كلامه، فقال: ائذنوا له عليه لعنة الله و علي من يخرج من صلبه الا المؤمن منهم و قليل
ما هم، يشرفون في الدنيا و يضعون في الآخرة، ذوو مكر و خديعة، يعطون في الدنيا، و ما لهم في الآخرة من خلاق».قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الاسناد و لم يخرجاه، و شاهده حديث عبد الله بن الزبير»، ثم أورد حديث ابن الزبير و فه: «ان رسول الله صلي الله عليه و آله لعن الحكم و ولده» و قال: «هذا الحديث صحيح الاسناد و لم يخرجاه». [488] .و من مقارنه هذا الشاهد بحديث عمرو بن مرة الجهني، يتقوي احتمال [ صفحه 211] زيادة عبارة (الا المؤمن منهم، و قليل ما هم) علي حديث الجهني، خصوصا و أن لعن بني أمية قاطبة قد صح من طرقنا، فلاحظ.هذا و قد روي الحاكم - في مكان آخر- عن أبي سعيد الخدري، قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله: ان أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا و تشريدا، و ان أشد قومنا لنا بغضا: بنو أمية، و بنو المغيرة، و بنو مخزوم».قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الاسناد و لم يخرجاه». [489] .و حين أخذ مروان بن الحكم أسيرا يوم الجمل، و خلي سبيله أميرالمؤمنين علي عليه السلام، فقيل له: «يبايعك يا أميرالمؤمنين»؟ فقال عليه السلام: «أو لم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي فيبيعته، انها كف يهودية، لو بايعني بكفه لغدر بسبته، أما ان له امرة كلعقة الكلب أنفه، و هو أبو الأكبش الأربعة [يعني: الوليد، و سليمان، و يزيد، و هشام] و ستلقي الأمة منه و من ولده يوما أحمر». [490] .و قد وصف أميرالمؤمنين علي عليه السلام فتنتهم بقوله عليه السلام:«.. ألا و ان أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية فانها فتنة عمياء مظلمة.. و
أيم الله لتجدن بني أمية لكم أرباب سوء بعدي كالناب الضروس.. لا يزالون بكم حتي لا يتركوا منكم الا نافعا لهم أو غير ضائر بهم، و لا يزال بلاؤهم عنكم حتي لا يكون انتصار أحدكم منهم الا كانتصار العبد من ربه، و الصاحب من مستصحبه، ترد عليكم فتنتهم [ صفحه 212] شوهاء مخشية، و قطعا جاهلية، ليس فيها منار هدي، و لا علم يري». [491] .و نتيجة لهذه الأحاديث و غيرها مما لم نذكره و هو كثير جدا في مثالب بني أمية جميعا، صار العالمون بها، و المطلعون علي سيرة بني أمية أول كافر بمهدوية عمر بن عبد العزيز عند لحظة انطلاقتها من علي أفواه الكذابين و المجرمين.جدير بالذكر أن ابن المبارك (ت 181 ه)، و هو كما يقول المزي: «أحد الأئمة الأعلام، و حفاظ الاسلام» [492] يري أن معاوية- علي جرائمه الكبري، و موبقاته التي لا أول لها و لا آخر - أفضل من عمر بن عبد العزيز ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي المرواني. [493] .و كان هناك من: «يفسق عمر بن عبد العزيز، و يستهزي ء به، و يكفره». [494] .فكيف يكون عمر مع هذا هو المهدي؟!
بعد اتضاح موقف القرآن الكريم، و السنة النبوية المطهرة من الأمويين و المروانيين، و دولتهم (الشجرة الملعونة)، و ما قاله أميرالمؤمنين عليه السلام في [ صفحه 213] فتنتهم و انحرافهم؛ فماذا يتوقع بعد هذا اذن أن يقوله الامام الصادق عليه السلام في تلك الدولة الخبيثة المنحرفة من رأسها الي أساسها؟روي سفيان بن عيينة عن الامام الصادق عليه السلام بأن بني أمية لم يطلقوا تعليم الشرك للناس؛ لكي اذا حملوهم عليه لم يعرفوه. [495] .و روي
الحكم بن سالم، عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «انا و آل أبيسفيان أهل بيتين تعادينا في الله، قلنا: صدق الله، و قالوا: كذب الله! قاتل أبو سفيان رسول الله صلي الله عليه و آله، و قاتل معاوية علي بن أبي طالب عليه السلام، و قاتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي عليه السلام، و السفياني يقاتل القائم عليه السلام». [496] .و أما من اغتر بما ورد في سيرة عمر بن عبد العزيز من رد المظالم و أشباهها، كارجاع فدك الي بني فاطمة عليهاالسلام و وصفهم له بالعدالة!!فجوابه ما ذكرناه في أول رد هذه المقولة، بأنه استلم السلطة من الشجرة الملعونة، و مقتضي العدل أن يتنحي عنها و لا يتقدم - بنص الحديث الصحيح - علي قوم نهي من التقدم عليهم، أو علي الأقل أن يرجعها اليهم بعد وفاته لا أن يرجعها الي تلك الشجرة الخبيثة التي اجتثت فما لها من قرار.و ما قيمة رد المظالم في قبال اغتصاب الحق الأكبر؟! [ صفحه 214] سأل عبد الأعلي مولي آل سام أبا عبد الله الصادق عليه السلام بقوله: قلت له: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء) [497] أليس قد أتي الله عزوجل بني أمية الملك؟قال عليه السلام: ليس حيث تذهب اليه، ان الله عزوجل أتانا الملك و أخذته بنو أمية، بمنزلة الرجل يكون له الثوب فيأخذه الآخر، فليس هو للذي أخذه». [498] .و من هنا لم يتعرض امامنا الصادق عليه السلام الي ابطال مهدوية عمر بن عبد العزيز بصورة مباشرة، لعلم الأمة كلها بذلك، و انما نبه الأمة علي جرائم بني أمية، و لم يستثن أحدا منهم قط، كما هو شأن الأحاديث السابقة
في مثالبهم، مبينا عليه السلام ما يكفي لدحض كل دعوي زائفة بهذا الشأن سواء التي عاصرها أو التي جائت بعد حين، و ذلك عن طريق تصريحه تارة بأن المهدي عليه السلام لم يولد بعد، و أخري بأنه من ذرية الحسين عليه السلام، و ثالثة ببيان هويته الكاملة كما لا حظنا ذلك في الفصول السابقة مما لم يبق - بهذا- مجالا لاستمرار أية حجة للتمسك بأمثال تلك الدعاوي الباطلة، و غيرها من دعاوي المهدوية الزائفة كما سنري. [ صفحه 215]
اختلطت الأهداف الجهادية بالسياسة المحضة وراء انطلاق اشاعة مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن المحض، بن الحسن السبط عليه السلام، و ذلك في اجتماع الأبواء في أواخر العصر الأموي، و الذي ضم وجوه بني هاشم من الحسنيين و الزيديين و بني العباس، بهدف تنظيم صفوفهم، و البيعة الي واحد منهم، و دعوة الناس الي نصرته؛ للاطاحة بالحكم الأموي الذي أهلك الحرث و النسل، و عاث في الأرض فسادا. و قد شجعهم علي ذلك الثورات العلوية السابقة المتلاحقة التي أنهكت حكم الطاغوت، و لاح لهم في الأفق أنه بات يعد أيامه الأخيرة؛ ليذهب وشيكا في مزابل التاريخ بلا رجعة.و قد تمخض اجتماع الهاشميين عن بيعتهم لمحمد بن عبد الله بن الحسن المحض، و لقب بالمهدي؛ ليقوم بدور القائد الملبي لطموح الأمة في القضاء علي البغي و العدوان، و اشاعة العدل و المساواة بين الناس. و قد اختاروا شعار «الرضا من آل محمد صلي الله عليه و آله» لانطلاق دعوتهم؛ لأنه الشعار الذي [ صفحه 216] يضمن عدم استبداد أي من الهاشميين علي حساب بني عمومتهم، و يمثل المساواة بين الأطراف المتنازعة علي السلطة المرتقبة ممن حضر اجتماع الأبواء.و لكن
سرعان ما التف العباسيون بدهاء علي ثمار تلك الدعوة التي أتت أكلها بقتل مروان الحمار آخر طغاة الأمويين سنة (132 ه) فاستفردوا بالسلطة، و صاروا حربا شعواء علي العلويين بأشد مما كان عليه حالهم أيام دولة الطلقاء.و هكذا تحققت نبوءة الامام الصادق عليه السلام بشأن بني الحسن في ذلك الاجتماع كما سنري، الا أن القائد المنكوب محمد بن عبد الله لم يقدر علي تحمل الصدمة، فأخذ يعد العدة في الخفاء للثأر من العباسيين الذين استحوذوا علي السلطة و نكثوا بيعته، و بقي هكذا الي أن استخلف المنصور الدوانيقي بعد هلاك أخيه السفاح (136-132 ه)، فكان همه معرفة أمر محمد و أخيه ابراهيم ابني عبد الله بن الحسن اللذين اختفيا عنه، و لم يقف أحد من عيونه علي أثر لهما في أي مكان، و زاد من تخوفه ان ابن عمهما الحسن بن زيد بن الحسن قد حرضه علي محمد قائلا: «و الله ما آمن و ثوبه عليك، فانه لا ينام عنك» و لهذا كان موسي بن عبد الله بن الحسن يقول بعد ذلك: «اللهم اطلب الحسن بن زيد بدمائنا» [499] الأمر الذي حمل المنصور علي سجن أبيه عبد الله بن الحسن و أخوته و أعمامه و بني عمومته في المدينة المنورة عند مروره بها حاجا سنة (244 ه)، ثم ساقهم عند عودته من [ صفحه 217] المدينة الي الربذة مصفدين بالأغلال، و منها الي طواميرا لعراق في الهاشمية عاصمة أخيه السفاح. و هنا اضطر القائد المنكوب الي ارسال أخيه ابراهيم الي البصرة، و عجل هو بظهوره في المدينة ليختار الموت علي الحياة، و يلحق بموكب الشهداء من بني الحسن السبط عليه السلام.و بهذا كانت نهايته صريعا علي أحجار
الزيت، كما كانت نهاية أخيه ابراهيم بباخمرا، و حينها أدركت فلول أنصارهما المنهزمة زيف تلك المهدوية، و علمت البقية الباقية من بني الحسن و غيرهم، صدق ما قاله الامام عليه السلام من قبل في اجتماع الأبواء و غيره.تري، فمن كان وراء اشاعة مهدوية محمد بن عبد الله الحسني التي جرت الويلات علي الحسنيين؟ حتي حم لنكبتهم الامام الصادق عليه السلام زهاء عشرين يوما و خيف عليه. [500] .لا شك أن وراءها أصناف من الناس اشتركت كلها في تلك الاشاعة، و يأتي في طليعتهم عبد الله بن الحسن، اذ كان يشيع بين آونة و أخري أن ابنه محمد هو المهدي المبشر بظهوره في آخر الزمان، و هو الرجل الوحيد الذي جاءت به الرواية، و كان يحلف بالله تعالي علي ذلك!قال ابن أخي الزهري: «تجالسنا بالمدينة أنا و عبد الله بن حسن، فتذاكرنا المهدي، فقال عبد الله بن حسن: المهدي من ولد الحسن بن علي [عليهماالسلام]، فقلت: يأبي ذلك علماء أهل بيتك. فقال عبد الله: المهدي و الله [ صفحه 218] من ولد الحسن بن علي [عليهماالسلام]، ثم من ولدي خاصة». [501] .هذا فضلا عن أقواله الكثيرة الأخري في مهدوية ابنه محمد، [502] و هكذا اغترت العامة بكلامه، و خدع حتي الفقهاء بها لمنزلة قائلها، و فضله، و شرفه، و نسبه الكريم؛ من أمثال الفقيه عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري، الذي ندم علي اعتقاده بمهدوية محمد هذا بعد مقتله، حيث استدعاه جعفر بن سليمان العباسي و الي المدينة و قال له: «ما حملك علي الخروج مع محمد علي ما أنت عليه من العلم و الفقه؟ قال: ما خرجت معه و أنا أشك
في أنه المهدي؛ لما روي لنا في أمره، فما زلت أري أنه هو، حتي رأيته مقتولا، و لا اغتررت بأحد بعده». [503] .و لهذا قال الذهبي في ترجمة هذا الرجل: «له فضل، و شرف، و مروءة، و له هفوة. نهض مع محمد بن عبد الله بن حسن و ظنه المهدي، ثم أنه ندم فيما بعد، و قال لا غرني أحد بعده». [504] .و كذلك الحال مع الفقيه المدني محمد بن عجلان الذي «شبه عليه و ظن أنه المهدي الذي جاءت به الرواية». [505] . [ صفحه 219] كما خرج مع محمد: عبد الله بن يزيد بن هرمز الفقيه المدني المشهور، [506] و عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم الأنصاري، قال الذهبي: «و كان سفيان الثوري ينقم عليه خروجه مع محمد بن عبد الله بن الحسن. و كان من فقهاء المدينة»، [507] كما ان مالك بن أنس حين استفتي في الخروج مع محمد بن عبد الله، و قيل له: ان في أعناقنا بيعة لأبي جعفر؟ فقال: «انما بايعتم مكرهين، و ليس علي مكره يمين، فأسرع الناس الي محمد و لزم مالك بيته»، [508] كما كان أبو حنيفة يجاهر في أمر ابراهيم، و يأمر بالخروج معه، [509] و كان شعبة بن الحجاج كذلك [510] و هؤلاء الثلاثة: مالك، و أبو حنيفة، و شعبة لم يعتقدوا بمهدوية محمد، و الا لما اكتفوا بحدود الافتاء كما هو ظاهر.و مهما يكن، فان اعتقاد بعض الفقهاء بمهدويته، و خروج بعضهم معه، و افتاء آخرين لصالح دعوته، كل ذلك أدي الي شيوع القول بمهدويته بين عامة الناس من أهل المدينة، و يكفي أن انخدع أهل بيته الحسنيون، قال أبو
الفرج: «و كان أهل بيته يسمونه المهدي، و يتصورون أنه الذي جاءت [ صفحه 220] فيه الرواية». [511] .و أما عن أنصاره و مؤيديه اليذن لا حريجة لهم في الدين، فقد ارتكبوا جريمة وضع الحديث في مهدويته! و لما كان محمد بن عبد الله الحسني تمتاما، [512] فقد وضعوا الحديث في اسمه و اسم أبيه و صفته، و رفعوه الي أبي هريرة بأنه قال: «ان المهدي اسمه محمد بن عبد الله في لسانه رتة». [513] .كما كان للشعراء الدور البارز في اشاعة مهدوية محمد بن عبد الله الحسني، نظرا لدور الشعر الاعلامي البارز في ذلك الحين، حيث اغتنموا الفرصة، و أدلوا دلوهم، و أشادوا بمهدويته و في هذا الصدد قال مسلمة بن علي:ان الذي يروي الرواة لبين اذا ما ابن عبد الله فيهم تجرداله خاتم لم يعطه الله غيره و فيه علامات من البر و الهدي [514] .يشير بهذا البيت الي أن في كتف محمد بن عبد الله خالا، و قد جاءت الرواية في صفة المهدي بأن له خالا، فوافقت الصفة الموصوف!! [ صفحه 221] و قال شاعر آخر:ان كان في الناس لنا مهدي يقيم فينا سيرة النبي فانه محمد التقي [515] و العجيب من أمر أولئك الشعراء المضلين أنهم حتي بعد مصرع محمد ابن عبد الله بن الحسن، و فصل رأسه عن جسده و حمله الي العراق، لم يتركوا القول بمهدويته، كما نجده في قصيدة لعبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير يرثي فيها محمدا، يقول فيها:هلا علي المهدي و ابني مصعب أجريت دمعك ساكبا تهتانا [516] .و نتيجة لهذه الدعاية الواسعة في شخص محمد بن عبد الله بن الحسن، مع
قربه القريب من أهل البيت عليهم السلام، و تأكيد هذه الدعاية من قبل أبيه الذي كان - كما يقول ابن الأثير-: «لا يحدث أحدا قط الا قلبه عن رأيه»، [517] نتيجة لهذا و غيره كما مر فقد «لهجت العوام بمحمد تسميه المهدي، حتي كان يقال: محمد بن عبد الله المهدي عليه ثياب يمنية و قبطية»، [518] و كان الناس اذا رأوه في أزقة المدينة صاحوا: «يا أهل المدينة! المهدي، المهدي». [519] . [ صفحه 222] و لم يقف الأمر عند هذا الحد، اذ كان محمد بن عبد الله نفسه يدعي بأنه المهدي «طمعا أن يكون هو المذكور في الأحاديث»، [520] و يغري الناس بالدعوة الي نفسه علي أنه المهدي الموعود، قال ابن دأب: «لم يزل محمد بن عبد الله بن الحسن مذ كان صبيا يتواري و يراسل الناس بالدعوة الي نفسه و يسمي المهدي». [521] .و كان يخاطب الناس و هو علي المنبر بقوله: «انكم لا تشكون اني أنا المهدي، و أنا هو». [522] .و أما مكاتباته التي جرت بينه و بين عبد الله بن محمد المنصور العباسي، فقد كان يبدؤها بالبسملة و يكتب بعدها: «من عبد الله المهدي محمد بن عبد الله، الي عبد الله بن محمد...». [523] .و في هذا اشارة ذكية الي غدر المنصور بمحمد و تذكيره بما كان يقوله له في أواخر العصر الأموي، حيث كان يقول أبو الدوانيق في محمد هذا: «هذا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن مهدينا أهل البيت». [524] .و قال عبد الله في سعيد الجهني: «بايع أبو جعفر - يعني المنصور - محمدا مرتين، أنا حاضر احداهما بمكة في المسجد الحرام، فلما خرج أمسك له
[ صفحه 223] بالركاب، ثم قال: أما أنه ان أفضي اليكم الأمر نسيت لي هذا الموقف». [525] .و يدل علي ذلك، أن عثمان بن محمد بن خالد الذي خرج مع محمد قد أتي به الي المنصور فقال له: «هيه يا عثمان، أنت الخارج علي مع محمد؟ قال: بايعته أنا و أنت بمكة، فوفيت ببيعتي، و غدرت بيعتك... فأمر به فقتل». [526] .و كل هذا يشير الي أن للعباسيين سهما في اشاعة مهدوية الحسني التي وصلت الي أسماع الأمويين أنفسهم قبل سقوط دولتهم، فقد روي أبو الفرج أن مروان الحمار آخر طغاة الأمويين قال لعبد الله - و قد دخل عليه ذات يوم -: «ما فعل مهديكم؟ قال: لا تقل ذاك.. فليس كما يبلغك. فقال: بلي، و لكن يصلحهه الله و يرشده». [527] .هذا، و أما ما ذكره النوبختي بشأن محمد هذا بقوله: «فلما توفي أبو جعفر - يعني الامام الباقر عليه السلام - افترقت أصحابه فرقتين، فرقة منها قالت بامامة محمد بن عبد الله بن الحسن الخارج بالمدينة المقتول بها، و زعموا أنه القائم، و أنه الامام المهدي، و أنه لم يقتل، و قالوا: انه حي لم يمت مقيم بجبل يقال له العلمية، و هو الجبل الذي في طريق مكة، و هو عنده مقيم فيه حتي يخرج؛ لأن رسول عليه السلام صلي الله عليه و آله قال - بزعمهم - القائم المهدي اسمه اسمي، و اسم أبيه اسم أبي. و كان المغيرة بن سعد قال بهذا القول لما توفي أبو جعفر محمد [ صفحه 224] ابن علي عليهم السلام، و أظهر المقالة بذلك، فبرئت منه الشيعة أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهماالسلام، و رفضوه». [528] .فهو
غريب جدا، فضلا عما فيه من خلط و تهافت؛ لأن القول بمهدوية محمد بن عبد أميرالمؤمنين بن الحسن لم يعرف الا في زمان مروان الحمار آخر ملوك الأمويين (ت 132 ه) و لم يشتهر الا في أواخر امامة الامام الصادق عليه السلام، أي قبل خروج محمد، و قتله سنة (145 ه) بمدة قصيرة، نتيجة لما قدمناه من موقف الفقهاء و الشعراء و دور الاعلام الحسني في اشاعة مهدويته بين الناس، في حين يدل كلام النوبختي علي حصول هذه المقالة بعد وفاة الامام الباقر عليه السلام سنة (114 ه) مباشرة، و محمد بن عبد الله لم يعرف بما ذكر في ذلك الوقت، ثم لا معني لأن ينفي المغيرة قتله و ادعاء غيبته و امامته في حياته، اذ لم يدع أحد اغتياله مثلا في فترة اختفائه عن المنصور حتي ينفي المغيرة ذلك.فكيف باظهارها بعد وفاة الامام الباقر عليه السلام اذن؟و لأجل تصحيح تلك المقالة و قبولها، لابد من افتراض صدورها بعد قتل محمد بن عبد الله الحسني، أو علي الأقل في زمان اختفائه و خوفه من المنصور.و لكن اذا ما علمنا أن صاحبها- و هو المغيرة- قد قتل بسبب شعوذته و سحره و كفره سنه (119 ه)، في زمان هشام بن عبد الملك، [529] و محمد بن [ صفحه 225] عبد الله في ريعان شبابه! اتضح ما في الكلام المذكور من خلط و تهافت.و الصحيح هو براءة سائر القواعد الشعبية الشيعية القائلة بامامة الصادق عليه السلام من القول بمهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن المثني، أيا كان مروجها و قائلها؛ أخذا بما لديهم من أحاديث رسول الله صلي الله عليه و آله، و أهل بيته الأطهار عليهم السلام، و تمسكا
بما كان يقوله الامام الصادق عليه السلام للحسنيين و أنصارهم، و ما كان يحذرهم به، و ينهاهم لا عن دعوي المهدوية فحسب، بل عن الخروج علي المنصور و هو في أوج قوة دولته، استبقاء علي مهجهم، لأنهم عضده و بنو عمومته. و من هنا كان عليه السلام غزير الدمعة عليهم في حياتهم و بعد نكبتهم؛ اذ كان يعلم بما لم يحيطوا به خبرا. و هو ما اعترف به سائر المؤرخين و صرح به ابن خلدون و غيره فيما تقدم، من أن الامام الصادق عليه السلام كان يحذر بني عمومته بأشياء تقع لهم في المستقبل، و كانت تقع علي طبق ما أخبر.
ان ما يعنينا هنا هو موقف الامام الصادق عليه السلام من تلقيب محمد بن عبد الله بن الحسن بالمهدي، و اشاعة ذلك بنحو أدي الي الالتفاف علي ايمان الأمة بما بشر به النبي صلي الله عليه و آله بالمهدي الموعود المنتظر عليه السلام، و أما عن ثورتهم فلا يعنينا أمرها في بحثنا هذا بقدر ما يعنينا التركيز علي موقف الامام الصادق عليه السلام المؤيد و المساند لكل الانتفاضات العلوية ضد الحكم الجائر المتمثل بالسلطتين الأموية و العباسية، و لكنه في ذا الوقت كان عليه السلام حريصا علي أن تتهيا الأجواء المناسبة لنجاح هذه الانتفاضة أو تلك؛ [ صفحه 226] لكي تؤتي ثمارها في القضاء علي الظلم و الفساد و افشاء العدل و المساواة بين الناس.و هذا القدر لابد منه لكي لا يفهم بأن الامام الصادق عليه السلام كان يقف - و حاشاه من ذلك - أمام الرغبة الصادقة في نيل شرف الشهادة بكل غال و نفيس من أجل اعلاء كلمة الله في أرضه، و مقارعة الباطل بكل قوة و صلابه.و قد كان
أبو جعفر المنصور يعلم هذا جيدا، و لهذا كان يصف الامام الصادق عليه السلام بأنه الشجي المعترض في حلقه. [530] .نعم كان يعلم بأن الامام الصادق عليه السلام سوف ينهي محمد النفس الزكية من ادعاء المهدوية، و لكنه لا يمنعه من اقامة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر اذا ما استطاع اليه سبيلا.و لا شك أنه يتذكر كلام الامام الصادق عليه السلام يوم كتب المنصور نفسه اليه عليه السلام قائلا: «لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس؟ فأجابه عليه السلام: ليس لنا - من أمر الدنيا - ما نخافك من أجله، و لا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، و لا أنت في نعمة فنهنيك بها، و لا نراها نقمة فنعزيك بها، فما نصنع عندك؟ قال فكتب له: تصحبنا لتنصحنا، فأجابه عليه السلام: من أراد الدنيا لا ينصحك، و من أراد الاخرة لا يصحبك». [531] . [ صفحه 227] و لهذا نجد أول عمل قام به المنصور بعد قتله محمد بن عبد الله أنه استدعي الامام الصادق عليه السلام و غلظ عليه الكلام ثم قال: «يا جعفر! قد علمت بفعل محمد بن عبد الله الذي يسمونه النفس الزكية، و ما نزل به، و انما انتظر الآن أن يتحرك منكم أحد فألحق الصغير بالكبير». [532] .ان علم الامام الصادق عليه السلام بعدم تحقق الحد الأدني المطلوب من ثورة محمد النفس الزكية قبل اعلانها، و فشل حركته المحتم، و ما سيلحق ذلك من نتائج سياسية خطيرة علي البيت العلوي عموما، و علي الامام الصادق عليه السلام خاصة، كان محفزا للامام عليه السلام أن يبين ما بينه لقادة الثورة و للمجتمع المدني يومذاك، لعلهم يتريثوا الي حين تهيئة المستلزمات المطلوبة لنجاح الثورة.و نكتفي بهذا القدر لنعود
الي معالجة القضية الأكبر التي لا زالت عند بعض المتخرصين مادة للهجوم علي الحيقة المهدوية بحجة وجود أدعيائها الكثيرين في التاريخ الشيعي كما هو الحال في مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن؛ لنري كيف عالج امامنا الصادق عليه السلام تلك الدعوي و بين زيفها، فنقول:عبر موقف الامام الصادق عليه السلام في ردوده علي دعوي مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن تعبيرا رائعا عن امامته هو عليه السلام أولا، و عن زيف تلك الدعوي ثانيا، و علي أكثر من صعيد، كالآتي: [ صفحه 228]
1- فقد روي أبو الفرج الأصبهاني، و الشيخ المفيد، و ابن شهرآشوب، أنه اجتمع العباسيون و الحسنيون بالأبواء و ذلك في أواخر زمان الحكم الأموي، فقام صالح بن علي يحضهم علي أن يعقدوا البيعة لرجل منهم، فعندها حمد الله عبدالله بن الحسن و أثني عليه ثم قال: قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي، فهلموا فلنبايعه، فبايعوه جميعا، و فيهم أبو جعفر المنصور، و لما علم الامام الصادق عليه السلام باجتماعهم هذا أرسل محمد ابن عبد الله الأرقط بن علي بن الحسين عليه السلام، فسألهم: لأي شي ء اجتمعتم؟ فقال عبد الله: اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد الله، ثم جاء الامام الصادق عليه السلام، «فأوسع له عبد الله بن الحسن الي جنبه، فتكلم بمثل كلامه، فقال الامام: لا تفعلوا، فان هذا الأمر لم يأت بعد، ان كنت تري أن ابنك هذا هو المهدي! فليس به، و لا هذا أوانه فغضب عبد الله و قال: لقد علمت خلاف ما تقول، و الله ما أطلعك الله علي غيبه، و لكن يحملك علي هذا الحسد لابني. فقال عليه السلام: و الله ما ذاك يحملني، و لكن هذا و
أخوته و أبناؤهم دونكم، و ضرب بيده علي ظهر أبي العباس، ثم ضرب بيده علي كتف عبد الله بن الحسن، و قال: انها و الله ما هي اليك و لا الي ابنيك، و لكنها لهم، و ان ابنيك لمقتولان ثم نهض و توكأ علي يد عبدالعزيز بن عمران الزهري، فقال: أرأيت صاحب الرداء الأصفر؟ - يعني أبا جعفر المنصور - قال: نعم، قال: فانا - و الله - نجده يقتله. قال له عبدالعزيز: أيقتل محمدا؟ قال: نعم. قال: فقلت في نفسي، حسده و رب الكعبة.قال: ثم و الله ما خرجت من الدنيا حتي رأيته قتلهما. [ صفحه 229] قال: لما قال جعفر ذلك، نفض القوم فافترقوا و لم يجتمعوا بعدها، و تبعه عبد الصمد و أبو جعفر المنصور، فقالا: يا أبا عبد الله! أتقول هذا؟قال: نعم، أقوله و الله، و أعلمه». [533] .2- و في المناقب لابن شهرآشوب: «انه لما بويع محمد بن عبد الله بن الحسن علي أنه مهدي هذه الأمة جاء أبوه عبد الله الي الصادق عليه السلام، و قد كان ينهاه، و زعم أنه يحسده، فضرب الصادق يده علي كتف عبد الله، و قال: ايها و الله! ما هي اليك و لا الي ابنك، و انما هي لهذا - يعني: السفاح - ثم لهذا- يعني المنصور- يقتله علي أحجار الزيت، ثم يقتل أخاه بالطفوف و قوائم فرسه في الماء، فتبعه المنصور، فقال: ما قلت يا أبا عبد الله؟ فقال: ما سمعته و انه لكائن. قال: فحدثني من سمع المنصور أنه قال: انصرفت من وقتي فهيأت أمري، فكان كما قال». [534] .3- و في رواية المسعودي، قال: «... فجمع عبد الله - أي ابن
الحسن - أهل بيته، و هم بالأمر، و دعا أبا عبد الله عليه السلام للمشاورة، فحضر، فجلس بين المنصور و بين السفاح و عبد الله ابني محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، و وقعت المشاورة، فضرب أبو عبد الله عليه السلام يده علي منكب أبي العباس عبد الله السفاح، فقال: لا و الله! اما أن يملكها هذا أو لا، ثم ضرب [ صفحه 230] بيده الأخري علي منكب أبي جعفر عبد الله المنصور، و قال: و تتلاعب بها لاصبيان من ولد هذا...». [535] .4- و أخرج ثقة الاسلام عن موسي بن عبد الله بن الحسن، عن أبيه في حديث طويل جاء فيه قوله عليه السلام لعبد الله: «يا ابن عم اني أعيذك بالله من التعرض لهذا الأمر الذي أمسيت فيه، و اني لخائف عليك أن يكسبك شرا».و قوله عليه السلام في ابنه أنه «المقتول بسدة اشجع، عند بطن مسيلها... لا و الله لا يملك أكثر من حيطان المدينة... فاتق الله و ارحم نفسك و بني أبيك..و الله لكأنني به صريعا مسلوبا بزته بين رجليه لبنة».و خرج عبد الله مغضبا فلحقه أبو عبد الله عليه السلام، و أخبره بأنه و بني أبيه سيقتلون ثم قال: «فان أطعتني و رأيت أن تدفع بالتي هي أحسن فافعل، فو الله الذي لا اله الا هو عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم الكبير المتعال علي خلقه لوددت أني فديتك بولدي و بأحبهم الي و بأحب أهل بيتي الي، و ما يعدلك عندي شي ء، فلا تري أني غششتك.قال موسي بن عبد الله بن الحسن: فما أقمنا بعد ذلك الا قليلا عشرين ليلة أو نحوها حتي قدمت رسل أبي جعفر المنصور فأخذوا أبي و عمومتي،
سليمان بن حسن، و حسن بن حسن، و ابراهيم بن حسن، و داود بن حسن، و علي بن حسن، و سليمان بن داود بن حسن، و علي بن ابراهيم بن [ صفحه 231] حسن، و حسن بن جعفر بن حسن، و طباطبا ابراهيم بن اسماعيل بن حسن، و عبد الله بن داود، فصفدوا في الحديد».و اطلع عليهم أبو عبد الله عليه السلام و هم في تلك الحال، و كان عامة ردائه مطروح بالأرض، و حم عشرين ليلة لم يزل باكيا فيها الليل و النهار حتي خيف عليه.ثم ظهر بعد هذا محمد بن عبد الله و دعا الناس لبيعته، و احضروا الامام الصادق عليه السلام لمبايعتهم بالقوة، و امتنع قائلا لمحمد: «أما و الله لكأني بك خارجا من سدة أشجع الي بطن الوادي، و قد حمل عليك فارس معلم، في يده طرادة نصفها أبيض و نصفها أسود، علي فرس كميت أقرح، فطعنك فلم يصنع فيك شيئا، و ضربت خيشوم فرسه فطرحته، و حمل عليك آخر خارج من زقاق آل أبي عمار الدئليين، عليه غديرتان مضفورتان، و قد خرجتا من تحت بيضة، كثير شعر الشاربين، فهو و الله صاحبك فلا رحم الله رمته». [536] .ثم شهد بعد ذلك موسي بن عبد الله بن الحسن - راوي الخبر- علي حصول كل ما أخبر به الامام الصادق عليه السلام، حتي لكأنه عليه السلام كان يخبر عن [ صفحه 232] معاينة. [537] .
بعد فراغ الامام الصادق عليه السلام من مواجهة بني الحسن بالحقيقة المرة، و المصير المحتوم الذي ينتظرهم علي يد الجلاد العباسي أبي الدوانيق، اتجه كلامه - هذه المرة - الي الناس، لا سيما أصحابه، ليكونوا دعاة خير لمن لهج بمهدوية ابن عبد
الله و لم يصله موقف الامام المعلن أمام القيادة الحسنية وجها لوجه، و في أكثر من مكان.1- عن عنبسة العابد، قال: «كان جعفر بن محمد عليهماالسلام، اذا رأي محمد ابن عبد الله بن حسن، تغر غرت عيناه، ثم يقول: بنفسي هو، ان الناس ليقولون انه المهدي!! و انه لمقتول، و ليس هذا في كتاب أبيه علي عليه السلام من خلفاء هذه الأمة». [538] .2- و عن المعلي بن خنيس، قال: «كنت عند أبي عبد الله عليه السلام، اذ أقبل محمد بن عبد الله، فسلم، ثم ذهب، فرق له أبو عبد الله عليه السلام، و دمعت عيناه.فقلت له: لقد رأيتك صنعت به ما لم تكن تصنع؟فقال عليه السلام: رققت له؛ لأنه ينسب الي أمر ليس له، لم أجده في كتاب [ صفحه 233] علي عليه السلام من خلفاء هذه الأمة، و لا من ملوكها». [539] .3- و عن عيسي بن عبد الله، قال: حدثتني أم الحسين بنت عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام، قالت: «قلت لعمي جعفر بن محمد عليهما السلام: اني - فديتك - ما أمر محمد هذا؟ قال: فتنة، يقتل فيها محمد عند يت رومة، و يقتل أخوه لأبيه و أمه بالعراق و حوافر فرسه في الماء». [540] .4- و في الصحيح عن عبد لملك بن أعين، قال: قلت لأب عبد الله عليه السلام: «ان الزيدية و المعتزلة قد أطافوا بمحمد بن عبد الله، فهل له من سلطان؟ فقال عليه السلام: و الله ان عندي لكتابين فيهما تسمية كل نبي، و كل ملك يملك الأرض، لا و الله ما محمد بن عبد الله في واحد منهما». [541] .5- و في رواية للطبري، قال: «خرج مع محمد، حمزة
بن عبد الله بن محمد بن علي، و كان - أي: حمزة - من أشد الناس مع محمد، قال: فكان جعفر [عليه السلام] يقول له: هو و الله مقتول». [542] .6- و في الصحيح عن فضيل بن سكرة، قال: «دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام، فقال: يا فضيل! أتدري في أي شي ء كنت أنظر قبيل؟ قال، [ صفحه 234] قلت: لا. قال: كنت أنظر في كتاب فاطمة عليها السلام، ليس من ملك يملك الأرض الا و هو مكتوب فيه باسمه و اسم أبيه، و ما وجدت لولد الحسن فيه شيئا». [543] .جدير بالذكر أن آباء الامام الصادق عليهم السلام، قد أخبروا بهذا أيضا. ففي الصحيح عن عبد الرحيم بن روح القصير، عن أبي جعفر الباقر عليهما السلام، في قول الله عزوجل: (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم و أولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله) [544] فيمن نزلت؟فقال عليه السلام: «نزلت في الامرة، ان هذه الآية جرت في ولد الحسين عليه السلام من بعده، فنحن أولي بالأمر، و برسول الله صلي الله عليه و آله من المؤمنين و المهاجرين و الانصار. قلت: فولد جعفر [ابن أبي طالب] لهم فيها نصيب؟ قال: لا. قلت فلولد العباس فيها نصيب؟ فقال: لا. فعددت عليه بطون بني عبد المطلب، كل ذلك يقول: لا. قال: و نسيت ولد الحسن عليه السلام، فدخلت بعد ذلك عليه، فقلت له: هل لولد الحسن عليه السلام فيها نصيب؟ فقال: لا و الله يا عبد الرحيم، ما لمحمدي فيها نصيب غيرنا». [545] .كما أخبر أميرالمؤمنين علي عليه السلام بمصير محمد بن عبد الله الحسني، فقد أورد الثقفي، و ابن أبي الحديد المعتزلي، جملة من اخباراته عليه السلام
الغيبية، [ صفحه 235] و منها قوله في محمد هذا: «انه يقتل عند أحجار الزيت» و كقوله عليه السلام فيه أيضا: «يأتيه سهم غرب يكون فيه منيته، فيا بؤسا للرامي، شلت يده، و وهن عضده». [546] .
أراد الامام الصادق عليه السلام - بعد أن أخذ دوره المطلوب في نصح و تحذير القيادة الحسنية و قاعدتها بوجوب الكف عن أشاعة مهدوية ابن عبد الله - أن يكون تطلع الأمة الي الله تعالي من خلال عقيدتها بالامام المهدي عليه السلام المبشر بظهوره في آخر الزمان، تطلعا صحيحا و موجها، الأمر الذي يقتضي تزويدها بما يمكن معه أن تقيم كل دعوي من هذا القبيل؛ و لهذا جاء التأكيد علي سبق دعوي المهدوية لزمان ظهور المهدي عليه السلام.و يدل عليه ما مر بنا من قوله - في اجتماع الأبواء - لعبد الله بن الحسن: «... ان كنت تري أن أبنك هذا هو المهدي! فليس به، و لا هذا أوانه».فقوله عليه السلام: «فليس به» صريح بأن المهدي الموعود عليه السلام ليس هو محمد ابن عبد الله الحسني، اذ لم يولد الامام المهدي عليه السلام بعد، و لا أقل من حديث كون الأئمة اثنا عشر آخرهم المهدي، و هو الحديث الذي عرفته الأمة كلها، فأين الأحد عشر الذين سبقوا ابن عبد الله حتي يكون هو خاتمتهم؟و قوله عليه السلام: «و لا هذا أوانه» ناظر الي الأمور التي تسبق الظهور و جاء [ صفحه 236] بها الحديث الشريف علي لسان رسول الله صلي الله عليه و آله و أهل بيته الأطهار عليهم السلام، و هو ما سنوضحه في رد مهدوية (المهدي العباسي).
بين الامام الصادق عليه السلام الاختلاف الحاصل بين هوية الامام المهدي عليه السلام و هوية (المهدي الحسني)، في اسم الأب، و الكنية، و النسب، مع الاختلاف في اسم الأم، و أصلها.و المعروف في اسم الحسني مدعي المهدوية، أنه محمد بن عبد الله بن الحسن المثني، بن الامام الحسن السبط، بن أميرالمؤمنين الامام علي بن أبي
طالب عليهماالسلام.و يكني: أبا عبد الله.و أمه: هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن ربيعة بن الأسود بن المطلب ابن أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب. [547] .و بناء علي ذلك:فان اسم أبيه: (عبد الله).و كنيته: (أبو عبد الله).و أصله: (حسني). [ صفحه 237] و اسم أمه: هند، و هي امرأة عربية قرشية حرة.و قد بين الامام الصادق عليه السلام ان هذه الأمور الأربعة في هوية (المهدي الحسني)، تخالف تماما هوية الامام المهدي عليه السلام، كالآتي:
و قد كانت حجة الحسنيين في مهدوية محمد النفس الزكية حديث (اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي) و قد وافق اسمه اسم النبي صلي الله عليه و آله و اسم أبيه لاسم أبي النبي صلي الله عليه و آله.و هذا الحديث علي فرض صحته ليس بدليل، و الا لاقتضي أن يكون في الأمة آلاف المهديين، - بقطع النظر عن غيره من أحاديث المهدي - اذ ما أكثر من تسمي ب (محمد بن عبد الله) في هذه الأمة. فكيف الحال لو كان الحديث موضوعا لا أصل له؟و قد مر عليك دور أنصار المهدي الحسني في وضع هذا الحديث نصرة لمهديهم، و أما وروده بعد قتل الحسني علي ألسنة الرواة و كبار المحدثين من العامة، فمآله السلطة العباسية التي سخرت من يضع لها في مهدوية محمد بن عبد الله المنصور العباسي كما سنبينه في محله.و قد رد الامام الصادق عليه السلام علي هذا الحديث المزعوم، بقوله الشريف في المهدي «اسمه اسم نبي، و اسم أبيه اسم وصي». [548] .و لم يعترف الامام الصادق عليه السلام و لا أحد من أهل البيت عليهم السلام قط بهذه العبارة (اسم أبيه اسم أبي) و لم
ترو عنهم، و لا من طرقهم البتة. الأمر الذي [ صفحه 238] يكشف عن كونها مزيدة - فيما بعد- علي أصل الحديث، و قد اعترف أحد كبار علماء الحديث من العامة و هو أبو الحسن الآبري (ت 363 ه) في كتابه (مناقب الشافعي) بأن الأصل في هذه الزيادة هو أبو الصلت زائدة ابن قدامة، [549] و زائدة هذا ضعيف في الحديث و كان مولعا بزيادة ما يراه مناسبا علي أصل الحديث، الأمر الذي يكشف عن خبثه و تلاعبه في السنة المطهرة.كما اعترف الكنجي الشافعي (ت 658 ه) بسقوط ما زاده زائدة بن قدامة عن الاعتبار، حتي قال في زيادته تلك: (ان تلك الزيادة لا اعتبار لها). [550] .كما اكد الامام الصادق عليه السلام - مرة أخري - زيف الحديث الذي احتج به الحسنيون، نافيا نسبته الي رسول الله صلي الله عليه و آله، و مصححا لما ورد في اسم المهدي و كنيته عن رسول الله صلي الله عليه و آله، ففي الصحيح «عن أبي بصير، عن الصادق جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: المهدي من ولدي، اسمه اسمي، و كنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقا و خلقا، تكون له غيبة و حيرة حتي تضل الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب، فيملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا». [551] . [ صفحه 239] و هذا الحديث نفسه رواه جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، [552] و فيه ما يوضح الاختلاف الحاصل في الكنية أيضا، فمحمد بن عبد الله قد تكني - كما مر- ب
(أبي عبد الله)؛ في حين أن الامام المهدي عليه السلام يكني ب: (أبي القاسم).جدير بالذكر أن محمد بن الحنفية رضي الله عنه قد أدعيت له المهدوية - كما مر- قبل محمد بن عبد الله بن الحسن بأكثر من خمسين عاما، و قد تكني محمد بن الحنفية ب (أبي القاسم)، و لكن لم يعترض أحد من الأمة قط علي اكيسانية و يقول لهم مثلا: ان مهديهم (محمد بن الحنفية) اسم أبيه (علي) و المفروض أن يكون اسمه بحسب الحديث المزعوم: (عبد الله)، الأمر الذي يدل علي كون (الزيادة المذكورة فيه) قد وضعت بعد حين.
كذلك بين الامام الصادق عليه السلام الاختلاف الحاصل بين نسب الامام المهدي عليه السلام و نسب محمد (النفس الزكية) - الذي تقمص المهدوية- من جهة الآباء؛ اذ لا خلاف بين أحد أن محمد بن عبد الله (النفس الزكية) حسني؛ لأنه من سلالة أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام.بينما نسب الامام المهدي عليه السلام ليس كذلك؛ اذ هو حسيني، بل هو التاسع من ولد الامام الحسين عليه السلام كما مر عن الامام الصادق عليه السلام في أحاديث شتي، فضلا عما أثبته الواقع التاريخي في تشخيص هوية الامام المهدي عليه السلام. [ صفحه 240] جدير بالذكر أنه لا يوجد في عالم الرواية سوي حديثين فقط في خصوص كون نسب المهدي الموعود به في آخر الزمان حسنيا.أحدهما: حديث أبي داود في سننه، و قد سبق أن ناقشنا هذا الحديث و بينا ضعفه و زيفه من عدة جهات.و الآخر: أرسله الطبري المفسر العامي في تهذيب الآثار، [553] و لا عبرة به لارساله، و لأنه ليس من طرقنا.في حين وردت عن رسول الله صلي الله عليه و آله و أهل بيته
الأطهار عليهم السلام و خصوصا الامام الصادق عليه السلام روايات كثيرة تزيد علي مائة رواية، و كلها صريحة بما ذكرناه.نكتفي بواحدة منها، و هي ما رواه أبان بن عثمان، عن الامام الصادق عليه السلام، قال: «بينا رسول الله صلي الله عليه و آله ذات يوم بالبقيع حتي أقبل علي عليه السلام فسأل عن رسول الله صلي الله عليه و آله، فقيل أنه بالبقيع، فأتاه علي عليه السلام، فسلم عليه، فقال رسول الله صلي الله عليه و آله: اجلس، فاجلسه عن يمينه - الي أن قال - ثم التفت رسول الله صلي الله عليه و آله الي علي عليه السلام فقال: «ألا أبشرك؟ ألا أخبرك يا علي؟ فقال: بلي يا رسول الله، فقال: كان جبرئيل عليه السلام عندي آنفا و أخبرني أن القائم الذي يخرج في أخر الزمان فيملأ الأرض عدلا، من ذريتك، من ولد الحسين...». [554] . [ صفحه 241] و مثله حديث معاوية بن عمار، عن الامام الصادق عليه السلام. [555] .
اذا ما تجاوزنا هذا، و عدنا الي مسألة الامامة بلحاظ كون المهدي الموعود هو قائم الائمة و من ذريتهم، نجد أنها قد انحصرت بذرية الامام الحسين السبط عليه السلام لا في الروايات الصحيحة الكثيرة التي تفوق حد الحصر فحسب، بل في واقعها الخارجي أيضا، حيث عرفت الأمة بكل أجيالها من تصدي من آل الرسول صلي الله عليه و آله لمسألة الامامة، متحديا بذلك السلطات الحاكمة في زمانه، و يكفي فيما نحن فيه استماتة الحسنيين في كسب تأييد الامام الصادق عليه السلام لدعوتهم، حتي كان عبد الله بن الحسن يقول لما أخذ في أمر ابنه محمد و أجمع علي لقاء أصحابه: «لا أجد هذا الأمر يستقيم الا أن ألقي أبا عبد
الله جعفر بن محمد»، [556] و أنه حين صارحهم في اجتماعهم بحقيقة الأمر و نهض عليه السلام، تفرقوا و لم يجتمعوا بعدها كما مر.و أما السؤال عن سبب حصر الامامة بذرية الامام الحسين عليه السلام دون ذرية السحن عليه السلام؟.فجوابه المحكم عند الامام الصادق عليه السلام نفسه؛ اذ قال عليه السلام: «ان موسي و هارون عليهماالسلام كانا نبيين مرسلين و أخوين، فجعل الله عز و جل النبوة في صلب هارون دون صلب موسي عليهماالسلام، و لم يكن لأحد أن يقول لم فعل الله [ صفحه 242] ذلك؟ و ان الامامة خلافة الله عزوجل في أرضه، و ليس لأحد أن يقول: لم جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن عليهماالسلام؛ لأن الله تبارك و تعالي هو الحكيم في أفعاله (لا يسأل عما يفعل و هم يسألون) [557] ». [558] .و من هنا ندرك أن السر في مسألة حصر الامامة بذرية الامام الحسين عليه السلام أعمق بكثير مما قد نتصوره سببا لاختيار الله عزوجل لتلك الصفوة الطاهرة من عباده؛ كسمو أرواحهم، و عظمة اخلاقهم، و انقطاعهم لله عزوجل، و نحو ذلك من الأسباب الظاهرة التي تندرج في قائمة المثل العليا في الاسلام؛ و الا لتساووا عليهم السلام مع المتقين الأبرار الذين سلكوا طريقتهم المثلي، و مضوا علي محجتهم الواضحة.
أما عن الاختلاف في اسم الأم، فهو أوضح من نار علي علم، و أين اسم (هند) من اسم (نرجس)؟ و يقال لها عليهاالسلام (صقيل) كما مر عن الامام الصادق في بيان هوية الامام المهدي عليهماالسلام؛ من باب تسمية الشي ء ببعض صفاته، و لهذا تعددت اسمائها لجمال خلقها و خلقها سلام الله عليها.و أما الاختلاف في نسب الأم؛ فان أم محمد بن عبد الله
بن الحسن، [ صفحه 243] هي: هند بنت أبي عبيدة.و أمها: قريبة بنت يزيد بن عبد الله بن وهب.و أمها: خديجة بنت محمد بن طليب بن أزهر بن عبد عوف.و أمها: أم مسلم بنت عبد الرحمن بن أزهر بن عبد عوف.و أمها: قدة بنت عرفجة بن عثمان بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم.و أمها: الدنيبة بنت عبد عوف بن عبد الحرث بن زهرة.و أمها: بنت العداء بن هرم بن رواحة.و أمها: رزا بنت وهب بن ثعلبة بن وائلة من بني فهر.و أمها: من بني الأحمر بن الحرث بن عبد مناف بن كنانة. [559] .فهو اذن من جهة الأمهات لم تلده الا عربية قرشية في جميع أمهاته وجداته، و لهذا يقال له: صريح قريش.بينما يعد الامام المهدي عليه السلام من جهة الأم ابن خيرة الاماء كما مر في أحاديث الهوية عن الامام الصادق عليه السلام، و في روايات أخري عنه عليه السلام أنه ابن سيدة الاماء.و من طريف ما يروي في الرد علي مهدوية الحسني من هذه الجهة، ما عن ابن أبي حازم في قصة من احتج عليه من أنصار محمد بن عبد الله بن [ صفحه 244] الحسن المثني - و كانوا من المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد الكذاب - بأن محمدا هذا ابن مهيرة - أي: عربية حرة محضة، فجاء الي الامام الصادق عليه السلام و أخبره باحتجاجهم، فأجابه عليه السلام بقوله: «أو لم تعلموا أنه - يعني: الامام المهدي عليه السلام - ابن سبية». [560] .
لعل من أبرز نتائج الثقافة المهدوية التي بثها الامام الصادق عليه السلام في ذلك الحين، تنصل قادة المعارضة الحسنية للسلطة العباسية من دعوي المهدوية جملة و تفصيلا، بما في ذلك عبد
الله بن الحسن الذي رجاها في ابنه محمد، و كذلك محمد نفسه الذي ادعاها كما مر.فقد روي يحيي بن مساور، عن يحيي بن عبد الله بن الحسن قال: «لما حبس أبي - عبد الله بن الحسن - و أهل بيته، جاء محمد بن عبد الله الي أمي، فقال: يا أم يحيي، أدخلي علي أبي السجن، و قولي له: يقول لك محمد: بأنه يقتل رجل من آل محمد - يعني بذلك نفسه - خير من أن يقتل بضعة عشر رجلا. قالت: فاتبعته، فدخلت عليه السجن، فاذا هو متكي ء علي برذعة، في رجله سلسلة، قالت: فجزعت من ذلك، فقال: مهلا يا أم يحيي فلا تجزعي فما بت ليلة مثلها! قالت: فابلغته قول محمد، قالت: فاستوي جالسا ثم قال: حفظ الله محمدا، لا و لكن قولي له فليأخذ في الأرض مذهبا، فو الله ما يحتج عند الله غدا، الا أنا خلقنا و فينا من [ صفحه 245] يطلب هذا الأمر». [561] .و روي ابن الأثير ما خلاصته: ان المنصور العباسي لما حبس بني الحسن في المدينة و صيرهم بعد رجوعه من الحج الي الربذة كانا محمد و ابراهيم يأتيانه كهيئة الأعراب فيتشاوران مع أبيهما، و انه قال لهما: «ان منعكما أبو جعفر - يعني المنصور - أن تعيشا كريمين، فلا يمنعكما أن تموتا كريمين». [562] .و هذه الكلمات تكاد تنطق بتحول عقيدة الأب في ابنه، و تنازل الابن نفسه عن دعوي المهدوية و تنصله منها.أما قول محمد لأبيه في رواية أخيه يحيي، فيكشف دوران أمره بين تسليم نفسه للقتل مقابل الافراج عن أبيه و باقي الحسنيين، او التضحية بها و بأهل بيته المسجونين، و كلاهما يعبر عن تبخر
ذلك الوهم الكبير في أن يملأ الارض عدلا و قسطا بعدما ملئت ظلما و جورا.و أما أبوه عبد الله فقد آثر لهما - برواية ابن الأثير - مصارع الكرام علي العيش بذل الاستسلام، و لو كان يعتقد مهدوية ابنه محمد كما كان قبل دخوله السجن، لأخذ بروع محمد ابنه، و طمأنه علي حياته و مستقبل مهدويته، بأنها أعظم من أن تزول علي يد الدوانيقي المخذول، و لقال له: يا بني عجل بالظهور، فان روح الله عيسي بن مريم عليه السلام سينزل لنصرتك، [ صفحه 246] و سيصلي خلفك، حتي تكون مشارق الأرض و مغاربها من ملكك.و بفضل هذه التوعية أيضا أنكر آخرون أن يكون محمد بن عبد الله هو المهدي.منهم: جد محمد بن عبد الله لأمه مروان بن محمد، الذي أثر فيه حديث الامام الصادق عليه السلام في بيان هوية الامام عليه السلام، و الذي لابد و أن يكون قد وصل الي أسماعه.و يدل عليه ما قاله أبو العباس الفلسطي، قال: «قلت لمروان جد محمد بن عبد الله؛ فانه - يعني: ابن عبد الله - يدعي هذا الأمر و يتسمي بالمهدي! فقال: ما لي و له، ما هو به، و لا من أبيه، و انه لابن أم ولد» [563] يعني ابن سبية.و منهم: خديجة بنت عمر بن علي بن الحسين عليهماالسلام، حيث كانت تسخر من القول بمهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن. [564] .و منهم: الكلبي النسابة، حيث أخذ معرفة هذا الأمر و حقيقته من الامام الصادق عليه السلام مباشرة، و لم يطع عبد الله بن الحسن في شي ء مما قاله. [565] . [ صفحه 247] و منهم: موسي بن عبد الله بن الحسن أخي محمد بن عبد
الله بن الحسن، الذي اعترف بصحة وقوع كل ما أخبر به الامام الصادق عليه السلام، و قد مر حديثه.و منهم: اسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و هو شيخ كبير، قتله الحسنيون بعدما أبي عن بيعة محمد هذا، لحديث رواه عن الامام الباقر عليه السلام في مصرعه، و قد أيده الامام الصادق عليه السلام، و قد قتله أنصار محمد في مساء ذلك اليوم الذي امتنع فيه عن البيعة لهم. [566] .و منهم: علماء آل أبي طالب كما مر في كلام أبي الفرج، و يأتي الامام الصادق عليه السلام في طليعتهم، و قد يكون عليه السلام هو المعني أولا و آخرا بكلامه.و منهم: بعض الحسنيين كما مر في قول ابن أخي الزهري لعبد الله ابن الحسن لما أصر علي أن المهدي هو ابنه محمد، فقال له: «يأبي ذلك أهل بيتك»، و فيه اشارة الي وجود جملة من بني الحسن لا يرون صحة القول بمهدويته؛ نظرا لما وصل اليهم من أخبار المهدي الموعود عليه السلام، فضلا عما كان يقوله امامنا الصادق عليه السلام للحسنيين و يخلص لهم النصيحة في ذلك.و منهم: عمرو بن عبيد، الذي «كان ينكر أن يكون محمد بن عبد [ صفحه 248] الله هو المهدي، و يقول: كيف و هو يقتل؟». [567] .و منهم: أبو جعفر المنصور العباسي كما سيأتي في دعوي مهدوية ابنه محمد الملقب زورا ب: (المهدي العباسي). [ صفحه 249]
يعد المنصور الدوانيقي (الخليفة) العباسي (158-136 ه) الرجل الأول وراء القول بمهدوية ابنه (محمد)، بعدما كان في طليعة من أشاع القول بمهدوية محمد النفس الزكية، مع أنه لم يكن معتقدا بها و لا بمهدوية ابنه قط، و انما رامها لأسباب سياسية بحتة كما
سيوافيك.و قد كان المنصور - قبل وصول أخيه السفاح الي السلطة (سنة 132 ه)- متملقا للحسنيين، مداهنا معهم، يحسب لمستقبله السياسي ألف حساب؛ اذ سبق له و أن أمسك بركاب محمد النفس الزكية، طالبا منه أن يذكر له هذا الموقف فيما لو أثمرت مهدويته، و صار خليفة للمسلمين!! و لكنه سرعان ما نكث بيعته، و غدر به بعد تولي السلطة بموت السفاح (سنة 136 ه)، فكفر بمهدويته، و أطاح بحركته، و أقدم علي قتله و أخيه ابراهيم (سنة 145 ه). و بعد مرور سنتين - أي: في [ صفحه 250] (سنة 147 ه)- احتال علي عمه عيسي بن موسي الذي كان السفاح قد عهد اليه بالخلافة بعد المنصور؛ فخلعه منها، و عهد بها الي ولده (محمد) و لقبه المهدي!. [568] .و ترجع محاولات المنصور في استغلال العقيدة المهدوية لصالحه الي أواخر السلطة الأموية، يوم كان ابنه (محمد) طفلا صغيرا لا يتجاوز الخامسة من عمره؛ اذ ولد (سنة 127 و قيل: 126 ه)، أي: قبل تسلم العباسيين السلطة بخمس أو ست سنين. و منذ ذلك التاريخ ظل حلم المهدوية يراود مخيلة المنصور الي أن تمكن من اعلانه رسميا علي المأ (سنة 147 ه)، قبل شهادة الامام الصادق عليه السلام (سنة 148) بسنة واحدة.و يدل علي ما ذكرناه ما قاله أبو سلمة المصبحي، قال: حدثني مولي لأبي جعفر، قال: أرسلني أبو جعفر - يعني المنصور - فقال: اجلس عند المنبر فاسمع ما يقول محمد بن عبد الله، قال: فذهبت و جلست عند المنبر فسمعت محمد بن عبد الله بن الحسن يخاطب الناس و يقول: «انكم لا تشكون اني أنا المهدي، و أنا هو. قال: فأخبرت أبا جعفر بذلك،
فقال: كذب عدو الله، بل هو ابني». [569] .أقول: ليت أحدا قال له في ذلك الحين: و أنت يا عدو الله ألم تكذب و قتول في محمد بن عبد الله بن الحسن نفسه: هذا مهدينا أهل البيت؟ [ صفحه 251] و من الواضح ان هذا التراجع من المنصور لم يكن في زمان سلطته و لا في زمان أخيه السفاح؛ اذ كان المهدي الحسني في تلك الفترة متواريا عن أنظار ولاة المدينة لبني العباس، و بقي هكذا الي أن فاجأ المنصور بالثورة عليه سنة 145 ه، و عليه فلا بد و أن يكون هذا لاتحول بعيد مبايعته لمحمد بن عبد الله الحسني و وصفه بالمهدي، اذ علم من الامام الصادق عليه السلام مصير تلك المهدوية و السلطة معا، فما يمنعه اذن من استخدام سلاح الحسنيين أنفسهم في الدعوة الي ابنه، لا سيما و أن اسمه (محمد)، و اسم أبيه المنصور (عبد الله)، و الحديث الموضوع: (و اسم أبيه اسم أبي) لم يزل ساري المفعول في زمانه.و قد مر عنه قوله - بعدما سمع من الامام الصادق عليه السلام ما سمع - بأنه ما خرج من المجلس الا ودبر أمره!! فانظر كيف نظر و فكر فدبر؟!و روي أبو الحجاج الجمال ما هو صريح بتراجع المنصور عن القول بمهدوية محمد النفس الزكية قبل قتله، قال أبو الحجاج: «اني لقائم علي رأس أبي جعفر المنصور، و هو يسألني عن مخرج محمد بن عبد الله بن الحسن، فبلغه أن عيسي بن موسي هزم، و كان أرسله الي قتال محمد. قال: و كان المنصور متكئا، فجلس، فضرب بقضيب معه مصلاه، و قال: كلا فأين لعب صبياننا بها علي المنابر، و مشاورة النساء»أ [570]
.و السؤال هنا: أنه لو كان معتقدا بمهدوية الحسني، فلماذا هذا التحول [ صفحه 252] السريع؟ ثم من أين لأبي جعفر الدوانيقي أن يعلم بكل هذا لو لم يأخذه من عين صافية؟نعم، أخذه من الامام الباقر عليه السلام في زمان الدولة الاموية [571] كما أخذه من الامام الصادق عليه السلام يوم خاطب عبد الله بن الحسن بمحضر منه و من أخيه السفاح قائلا: «ان هذا الأمر و الله ليس اليك و لا الي ابنيك، و انما هو لهذا - يعني السفاح - ثم لهذا- يعني المنصور - ثم لولده من بعده، لا يزال فيهم حتي يأمروا الصبيان، و يشاوروا النساء». [572] .و هكذا كان للمنصور العباسي الدور الأول في خداع الأمة و التحايل علي عقيدتها في الامام المهدي الموعود عليه السلام تارة بادعائها للحسني، و أخري لولده، هذا في الوقت الذي كان يعتقد فيه اعتقادا راسخا بأن المهدي الموعود غيرهما. و الدليل عليه ما قاله يوسف بن قتيبة بن مسلم، قال: «أخبرني أخي مسلم بن قتيبة، قال: أرسل الي أبو جعفر - المنصور-، فدخلت عليه، فقال: قد خرج محمد بن عبد الله و تسمي بالمهدي، و و الله ما هو به. و اخري أقولها لك لم أقلها لأحد قبلك، و لا أقولها لأحد بعدك: و ابني هذا و الله ما هو بالمهدي الذي جاءت به الرواية، و لكنني تيمنت به، و تف ءلت به». [573] .و يدل عليه أيضا ما أخرجه الشيخ المفيد عن سيف بن عميرة، قال: [ صفحه 253] «كنت عند أبي جعفر المنصور، فقال ابتداء: يا سيف بن عميرة، لابد من مناد ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب.فقلت: جعلت فداك! أتروي هذا؟ قال:
أي والذي نفسي بيده، لسماع أذني له، ثم قال: يا سيف انه لحق، و اذا كان فنحن أول من يجيبه، أما ان النداء الي رجل من بني عمنا.فقلت: رجل من ولد فاطمة؟فقال: نعم يا سيف، لو لا اني سمعته من أبي جعفر محمد بن علي يحدثني به، و حدثني به أهل الأرض كلهم ما قبلته منهم! و لكنه محمد بن علي». [574] .أقول: و مع كل هذا فلم يرتدع حتي أعلن مهدوية ابنه رسميا علي الملأ، و لم يفصح لأحد بما أفصح به من قبل لمسلم بن قتيبة كما مر، و بق يمعاندا للحق فأشاع تلك البدعة الشنعاء، و قد وقف الي جانبه الوضاعون و الشعراء المتملقون كما سنري.
كان للوضاعين الكذابين دور كبير في اشاعة مهدوية المهدي العباسي علي الناس أمثال:مقاتل بن سليمان المشهور بالكذب و وضع الحديث، و لما كان هذا الرجل الكذوب علي علم بأن خروج الدجال من علامات ظهور المهدي الموعود من عقيدة الأمة بلا خلاف، و من هنا أراد اقناع الناس بأن [ صفحه 254] ظهور الدجال سيكون في زمان محمد بن عبد الله المنصور الملقب كذبا علي الله و رسوله بالمهدي، و لهذا كان يقول: «ان لم يخرج الدجال الأكبر سنة خمسين و مائة فاعلموا أني كذاب!!، و كان يحدث بهذا الحديث عن الكلبي و يقول: حدثنا أبو النظر! فلقيه الكلبي، و قال له: أنا أبو النظر و ما حدثتك بهذا قط! فقال مقاتل: اسكت يا أبا النظر، فان تزيين الحديث لنا انما يكون بالرجال»!.و من جرأته في الكذب علي الله و رسوله، أنه قال للمهدي العباسي ذات يوم: «ان شئت وضعت لك أحاديث في العباس! فقال: لا حاجة
لي فيها» و يظهر مما سيأتي أن كثرة تلك الأحاديث الموضوعة في العباس و ولده جعلت ابن المنصور في غني عن أحاديث مقاتل، في حين كان المفروض عليه أن يلقن هذا الدجال درسا بليغا ليكون عبرة لمن اعتبر، و لكن (الخليفة) و (أميرالمؤمنين) و (المهدي) لم يفعل!!و قد سبق لمقاتل هذا، و أن قال للمنصور: «انظر ما تحب أن أحدث فيك»! و كل هذا و غيره مما نقله مترجموه، و اتفقوا علي كذبه و دجله. [575] .الي غير ذلك من أصناف الوضاعين و الكذابين، و المجاهيل و المهملين، و الضعفاء و المتروكين الذين أسهموا في اشاعة و ترويج مهدوية المهدي [ صفحه 255] العباسي، من أمثال:ابراهيم بن المهاجر، و أحمد بن راشد الهلالي، و اسماعيل بن ابراهيم بن المهاجر، و الحسن بن أحمد لاعطاردي، و زيد بن عوف أبي ربيعة القطعي، و سالم الأعشي، و محمد بن جابر بن سيار الحنفي، و محمد بن زياد أبي بكر، و محمد بن مخلد، و محمد بن الوليد المقري ء مولي بني العباس، و اليك جملة من رواياتهم:
لا بأس هنا بالاشارة السريعة الي تلك الأحاديث الموضوعة و الملفقة المقلوبة في مهدوية محمد بن المنصور الذي عرف بشربا لخمور:منها: حديث رجل مجهول رفعه الي كعب الأحبار و فيه: «المهدي من ولد العباس»، رواه ابن حماد، عن الوليد، عن شيخ، عن يزيد بن الوليد الخزاعي، عن كعب. [576] .و لم يعرف أحد اسم هذا الشيخ، و الاسناد منقطع لاشتماله علي أحد الرواة بلفظ مبهم، و يسمي مجهولا أيضا، زيادة علي ارساله؛ اذ لم يرفعه كعب، هذا فضلا عما في كعب الأحبار من كلام.و منها: ما أسنده بعضهم الي ابن عباس
مرفوعا: «هذا عمي أبو الخلفاء الأربعين أجود قريش كفا و أجملها، من ولده: السفاح، و المنصور، و المهدي، بي يا عم فتح الله هذا الأمر و يختمه برجل من ولدك». [ صفحه 256] أورده ابن الجوزي في الموضوعات [577] و ابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الموضوعة، [578] و السيوطي في اللآلي ء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، و قال: «موضوع، المتهم به الغلابي». [579] .و هذا خطأ فظيع؛ لأن الغلابي ثقة جليل مشهور، و هو محمد بن زكريا البصري (ت 298 ه)، [580] و المتهم به غيره، و يؤيده أن الاسناد المذكور لهذا الحديث ضعيف و منقطع. [581] و لله در من قال في السيطوي بأنه كحاطب ليل.و من أمارات وضعه، أنه مخالف لعدد سلاطين بني العباس، لأنك لو أعددتهم ابتداء من السفاح و انتهاء بالمستعصهم قتيل التتار لوجدتهم في العراق سبعة و ثلاثين رجلا، و في مصر ابتداء من المستنصر بالله و الي نشوء الدولة الفاطمية ستة عشر رجلا، [582] و بهذا يكون مجموع خلفاء بني العباس ثلاثة و ستين، و به يستبين كذب واضعه و دجله، هذا فضلا عن وضوح كذبه بمعارضة حديثه للصحيح من كون الخلفاء اثني عشر لا غير.هذا، و قد أخرج الحاكم نحوه من طريق اسماعيل بن ابراهيم بن [ صفحه 257] المهاجر، عن أبيه. [583] .و حديث اسماعيل هذا واه جدا، قال الذهبي: «و اسماعيل مجمع علي ضعفه، و أبوه ليس بذاك». [584] .و أخرج الحديث المذكور الخطيب البغدادي في تاريخه من رواية محمد ابن مخلد بن حفص. [585] .و حديثه ليس بشي ء، فقد ذكره الذهبي في ترجمة أحمد بن الحجاج بن الصلت، قائلا: «رواه عنه محمد بن
مخلد، فهو آفته، و العجب أن الخطيب ذكره في تاريخه و لم يضعفه، و كأنه سكت عنه لانتهاك حاله». [586] .و منها: حديث محمد بن الوليد المقري ء مولي العباسيين، رفعه الي عثمان بن عفان، قال: «سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: المهدي من ولد العباس عمي».و هذا الحديث أورده ابن الجوزي في العلل المتناهية [587] و الألباني الوهابي في سلسلة الأحاديث الضعيفة، [588] و السيطوي في الجامع الصغير، و قال: «حديث ضعيف»، [589] و هذا اشتباه منه؛ اذ الصحيح أنه مكذوب [ صفحه 258] لا أصل له كما صرح بهذا غير واحد.قال المناوي في شرح الجامع الصغير بخصوص هذا الحديث: «قال ابن الجوزي: فيه محمد بن الوليد المقري ء، قال ابن عدي: يضع الحديث، و يصله، و يسرق، و يقلب الأسانيد و المتون. و قال ابن أبي معشر: كذاب». [590] .و أورده صاحب الصواعق، ثم نقل عن الذهبي قوله: «تفرد به محمد ابن الوليد مولي بني هاشم - يعني: العباسيين - و كان يضع الحديث». [591] .و قد ترجم الذهبي لهذا الكذاب قائلا: «قال ابن عدي: كان يضع الحديث، و قال أبو عروبة: كذاب، فمن أباطيله...» ثم ساق له ثلاثة أخبار كلها كذب علي الله تعالي و رسوله صلي الله عليه و آله، و أشدها خرافة ثالثها. ثم قال: «ال أبو حاتم: ليس بصدوق، و قال الدارقطني: ضعيف». [592] .و منها: حديث أحمد بن راشد الهلالي، عن سعيد بن خثيم، رفعه الي أم الفضل، عن النبي صلي الله عليه و آله: «يا عباس اذا كانت سنة خمس و ثلاثين و مائة، فهي لك و لولدك، منهم: السفاح، و منهم المنصور، و منهم المهدي».
[593] .و يبدو أن هذا الهلالي كان غبيا جاهلا بالتاريخ، و لهذا فقد خالف [ صفحه 259] بخبره هذا واضحات التاريخ، حيث لم يبدأ حكم بني العباس بما قاله هذا الكذاب، و انما ابتدأ حكمهم في (سنة 132 ه) بلا خلاف، و لهذا قال الذهبي في ترجمته: «أحمد بن راشدالهلالي، عن سعيد بن خثيم بخبر باطل في ذكر بني العباس - ثم أورد خبره و قال - فهو الذي اختلقه بجهل». [594] .و نكتفي بهذا القدر من التوضيح مع الاشارة السريعة الي بقية ما وقفنا عليه من أحاديث المهملين و الكذابين الذين وضعوا الأحاديث في مهدوية المهدي العباسي:كمحمد بن زياد أبوبكر، و سالم الأعشي، و هما مهملان، و حديثهما عن ابن عباس موضوع. [595] .و محمد بن جابر بن سيار المحنفي (ضعيف)، و الحسن بن أحمد العطاردي (مجهول)، و قد وقعا في سند حديث واحد مكذوب علي أبي سعيد الخدري. [596] .و أبي ربيعة زيد بن عوف القطعي و حديثه موضوع. [597] .و الضحاك، عن ابن عباس، و حديثه موضوع، لأنه لم يسمع من ابن [ صفحه 260] عباس شيئا، و لعل الآفة من المجهول الذي سمعه الضحاك منه، كما في قول ابن حبان. [598] .جدير بالذكر، أنه وردت عن أهل البيت عليهم السلام جملة من الأخبار الصريحة بأن المراد بالمنصور في الروايات هو الامام الحسين عليه السلام و بالسفاح هو أميرالمؤمنين علي عليه السلام، و ذلك بعد الرجعة. [599] .و مهما يكن، فان بني العباس حاولوا خداع الأمة علي أكثر من صعيد من أجل تمرير أهدافهم السياسية في القضاء علي خصومهم من العلويين و غيرهم، و من ثم تحسين صورتهم في أعين الناس الذين كانوا يرونهم عصابة
اغتصبت ثمار جهود متواصلة من النضال العلوي ضد الحكم الأموي الجائر، و من هنا كانوا بحاجة الي تحسين تلك الصورة التي أرادوا جلي سحنتها بكل ثمن، و أخيرا وجدوا بغيتهم عند حفنة من الوضاعين و المتروكين فوضعوا لهم: «أريت بني مروان يتعاورون منبري فساءني ذلك، و رأيت بني العباس يتعاورون منبري فسرني ذلك». [600] .و المقطع الأول من الحديث المذكور صحيح بلا اشكال، و قد تقدم في أكذوبة مهدوية عمر بن عبد العزيز الأموي المرواني. و لكن المقطع الثاني منه: «و رأيت بني العباسي...» موضوع بلا شبهة، و الذي وضعه يزيد بن [ صفحه 261] ربيعة، المتروك. [601] .هذا... و قد رأينا كيف سخر العباسيون جملة من الرعاع لنصرتهم بالالتفاف علي أحاديث الرايات السود التي صح الحديث بخروجها من المشرق في آخر الزمان لنصرة الامام المهدي عليه السلام و توطيد سلطانه الشريف، و هي أحاديث صحيحة رواها الفريقان، و صحح الحاكم بعض طرقها علي شرط البخاري و مسلم معا، [602] و لهذا حاولوا صرف الأنظار الي ما يوحي للأمة بأن تلك الرايات السود، هي الرايات السود التي أقبل بها داعيتهم أبو مسلم الخراساني من خراسان لانشاء دولتهم، و لم يصعب عليهم ايجاد من يضع لهم الحديث في ذلك. الأمر الذي يكشف لنا عن أن اختيار العباسيين لبس السواد - كشعار لهم - لم يكن جزافا، و بلا هدف، و انما جاء منسجما مع وسائلهم في الوصول الي السلطة و سبل تثبيتها، بالغدر و القتل تارة، و بالكذب علي الله و رسوله صلي الله عليه و آله تارة أخري.و قد تنبه ابن كثير الي كذبهم هذا، فقال معقبا حديث الرايات في سنن الترمذي: [603] «و هذه الرايات
السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني... بل رايات سود أخر تأتي بصحبة المهدي». [604] .
كما كان للشعراء دور كبير أيضا في افشاء مهدوية (المهدي) العباسي، [ صفحه 262] و قد كان نصيبهم في هذا كبيرا، حيث تقربوا الي العباسيين بمدائح مكذوبة، و نعتوهم بصفات لا توجد فيهم؛ طمعا في ما حازوه من أموال الأمة. من أمثال: مروان بن أبي حفصة، و سلم الخاسر و غيرهما من الشعراء.فمن قول مروان بن أبي حفصة:مهدي أمته الذي أمست به للذل آمنة و للاعدام [605] .و قال سلم الخاسر:له شيمة عند بذل العطاء لا يعرف الناس مقدارهاو مهدي أمتنا و الذي حماها و أدرك أو تارهافأمر له (المهدي) بخمسمائة ألف درهم! [606] .و مدح سلم - ذات يوم - بعض العلويين، فبلغ ذلك المهدي العباسي فتوعده و هم به، فاعتذر له بقصيدة يقول فيها:اني أتتني علي المهدي معتبة تكاد من خوفها الأحشاء تضطرب [607] .و من سخافأ شعر سلم الخاسر، انه وصف محمد بن عبد الله المنصور العباسي بالمهدوية، و هو يراه جثة هامدة!! فقال يرثيه:و باكية علي المهدي عبري كأن بها - و ما جنت - جنونا [608] . [ صفحه 263] و قال أبو العتاهية في جارية المهدي العباسي (عتبة) و كان يحبها:نفسي بشي ء من الدنيا معلقة الله و القائم المهدي يكفيهااني لآيس منها ثم يطمعني فيها احتقارك للدنيا و ما فيها [609] .و سيأتي في شخصية المهدي العباسي ما يدل علي انغماسه في ملذات الدنيا و زخارفها بلا زهد في شي ء منها.و قال أحد شعراء البلاط مهنئا المهدي العباسي بولاية العهد:يا ابن الخليفة أن أمة أحمد تاقت اليك بطاعة أهواؤهاو لتملأن الأرض
عدلا كالذي كانت تحدث أمة علماؤهاحتي تمني لو تري أمواتها من عدل حكمك ما تري أحياؤهافعلي أبيك اليوم بهجة ملكها و غدا عليك ازارها و رداؤها [610] .و هذه الأبيات تكشف بكل وضوح عن دور المنصور في اشاعة تلك المهدوية الباطلة علي الناس كذبا و دجلا و جرأة علي الله تعالي و رسوله الكريم صلي الله عليه و آله.
كان (المهدي العباسي) يحب الغناء و يستخفه الطرب! و لا غرو في ذلك بعد نشأته في بيت الغناء و الطرب، فأخوه ابراهيم كان من أشهر المغنين في [ صفحه 264] زمانه، و أخته علية- و ما أدراك ما علية؟- مطربة مغنية، شغفت بخادمها - رشأ- حبا!!. [611] .و في هذا يقول أبو الفراس الحمداني:منكم «علية» أم منهم؟ و كان لكم شيخ المغنين «ابراهيم» أم لهم [612] .ومن أطراف ما يصور لنا قيمة شخصية المهدي العباسي، ما ذكره السيوطي في ترجمته، قال - بعدما أورد له حديثا في البسملة-: «قال الذهبي: هذا اسناد متصل، لكن ما علمت أحدا احتج بالمهدي و لا بأبيه - المنصور- في الأحكام». [613] .و ليت شعري! ما تلك الازدواجية و ذلك النفاق في تسميته بعد كل هذا اذن بخليفة المسلمين، و أميرالمؤمنين، و المهدي؟(أفمن يهدي الي الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي الا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون). [614] .و لاهمال هذا المهدي المزيف شؤون الرعية، و انغماسه في لهوه و ملذاته؛ تدخلت النساء في شؤون دولته، لا سيما زوجته الخيزران الذي استفحل أمرها في عهده و بقيت هكذا حتي استولت علي زمام الأمور في [ صفحه 265] عهد ابنه الهادي العباسي (170-169 ه)، [615] و اذا ما أضيف
الي هذا مجونه و فسقه كما مر في شخصيته، فكيف يسمي بخليفة الله في أرضه؟!و العجيب من (المهدي العباسي) انه لم تمنعه (مهدويته) و لا (خلافته) من الفسق و الفجور و شرب الخمور علنا بلا حجاب عن ندمائه. [616] .و هو القائل في نديمه عمر بن بزيع:رب تمم لي نعيمي بأبي حفص نديمي انما لذة عيشي في غناء و كروم و جوار عطرات و سماع و نعيم [617] .هذا فضلا عن تقريبه لأمثال مولي آل مروان اليهودي مروان بن أبي حفصة الشاعر، و غيره من شعراء البلاط الماجنين. و ما كان يطربه من شعرهم الماجن الا ما ينشده مولي آل مروان، لا سيما قصيدته الهائية في النيل من آل محمد صلي الله عليه و آله، ولد الزهراء البتول عليها السلام؛ ليهبه (المهدي) بعد ذلك ثمن كفره، فيعطيه علي كل بيت منها ألف درهم، و كانت مائة بيت! [618] . [ صفحه 266] و مروان هذا هو الذي أنشد هارون بعد هلاك (المهدي العباسي) قصيدته التي يقول فيها:أني يكون و ليس ذاك بكائن لبني البنات وراثة الأعمام ليقبض - بعد هذا- ثمن جرأته علي الله و رسوله صلي الله عليه و آله من (الخليفة) مائة ألف درهم؛ ثم لم يلبث أن زاده اللارشيد - بغضا للحق و أهله - عشرة الآلف أخري!!. [619] .أليس هذا من جملة البلاء المقصود في الصحيح عن الامام الصادق عليه السلام: «ان الله عزوجل أعفي نبيكم صلي الله عليه و آله أن يلقي من أمته ما لقيت الأنبياء من أممها، و جعل ذلك علينا»؟ [620] .بلي و الله انه لمن البلاء الذي صب علي أهل البيت عليهم السلام صبا، و أعظم منه ادعاء الخلافة نهبا و
غصبا، و المهدوية كذبا و نصبا.تري! فكيف واجه الامام الصادق عليه السلام هذا الادعاء الكاذب و الأفك المبين؟
ان أغلب الخطوط العامة في منهج الامام الصادق عليه السلام في رد دعاوي المهدوية السابقة علي ظهور اكذوبة مهدوية بني العباس، صالحة للرد لعي تلك الأكذوبة، كما أن توضيحه عليه السلام لمعالم المهدوية الحقة، ابتداء أو جوابا علي سؤال؛ يعتبر ردا محكما علي سائر الدعاوي المهدوية الباطلة في التاريخ [ صفحه 267] لا سيما تلك التي عاصرها الامام الصادق عليه السلام و منها مهدوية المهدي العباسي.مما يعني هذا... أن معرفة موقفه عليه السلام من هذه المسألة يتطلب معرفة موقفه من سابقاتها و الوقوف علي منهجه في توضيح هوية الامام المهدي عليه السلام و هو ما سبق تفصيله.علي أن محمد بن عبد الله المنصور يكني: أبا عبد الله، و علي هذا، فهويته الشخصية مطابقة لهوية (المهدي الحسني) من جهة: الاسم، و الكنية، و اسم الأب، و اللقب (المهدي). و تختلف معها في النسب، و اسم الأم؛ اذ ذاك (حسني)، و هذا (عباسي). و أم ذاك (هند)، و أم هذا (أم موسي بنت منصور الحميرية). [621] .و قد مر عن الامام الصادق عليه السلام ما يبين الفرق الكبير بين هوية الامام المهدي عليه السلام، و بين تلك الهويات الزائفة.و لعل الشي ء الذي لا بد من ذكره هنا لعبر لنا عن موقف الامام الصادق عليه السلام من مهدوية العباسي بصورة مباشرة، هو رأيه في بني العباس و سلطتهم، و خير ما يوضح لنا ذلك أحاديثه الشريفة، و هي علي أصناف كثيرة، نشير الي بعضها اختصارا، و هي:
و يدل عليه أحاديث التقية الواردة عن الامام الصادق عليه السلام و هي كثيرة، و تظهر صلتها المباشرة بما نحن فيه اذا علمنا بتصريح الامام الصادق عليه السلام - كما تقدم في فصول البحث - بارتفاع التقية في زمان ظهور
[ صفحه 268] الامام المهدي عليه السلام، و معني هذا: أن الأمر بالتقية في زمانه دليل علي اشعار الناس بزيف مهدوية المهدي العباسي و كذب مروجيها له.
و يدل عليه أحاديث الامام الصادق عليه السلام في الكتمان، و هي كثيرة أيضا، وصلتها بموضوعنا أوضح من أن تحتاج الي بيان؛ لأن معني تلك الأحاديث: هو أن تصان أسرار آل محمد صلي الله عليه و آله و لا تذاع علي مسامع السلطة العباسية و جواسيسها و اتباعها و أنصارها؛ خشية علي الآل عليهم السلام من القتل أو السجن أو النفي و غير ذلك من وسائل الارهاب و البطش و التنكيل؛ و لهذا كان امامنا الصادق عليه السلام يحذر أصحابه من خطر اذاعة أسرارهم، و يقول لهم: «من أذاع علينا شيئا من أمرنا فهو كمن قتلنا عمدا و لم يقتلنا خطأ». [622] .و كان عليه السلام يأمرهم بمواساة أهل البيت عليهم السلام في ظل تلك السياسة الظالمة الرعناء و يحثهم علي كتم الأسرار، بقوله عليه السلام: «نفس المهموم لظلمنا تسبيح، و همه لنا عبادة، و كتمان سرنا جهاد في سبيل الله». [623] .
و يدل عليه الأحاديث الصريحة الآمرة بعدم الرجوع الي العباسيين و لا الي أحد من ولاتهم أو قضاتهم بشي ء من المرافعات القضائية. [ صفحه 269] فقد جاء في مقبولة عمر بن حنظلة، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحا كما الي السلطان و الي القضاة، أيحل ذلك؟ قال عليه السلام: من تحاكم اليهم في حق أو باطل فانما تحاكم الي الطاغوت و ما يحكم له فانما يأخذ سحتا، و ان كان حقا ثابتا له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت و قد أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالي: (يريدون أن يتحاكموا الي الطاغوت و قد أمروا أن يكفروا به). [624] .قلت فكيف يصنعان؟ قال: «ينظرون الي من كان منكم
ممن قد روي حيدثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما، فاني قد جعلته عليكم حاكما... الحديث». [625] .أو ليس في سلب الشرعية عن أية مرافعة الي العباسيين أو الي قضاتهم؛ لأنها مرافعة بين يدي الطاغوت، ما يدل علي فساد تلك الدولة، و وضوح موقف الامام الصادق عليه السلام من مهدوية أخي مطربها ابراهيم و مغنيتها علية؟
كحديثه عليه السلام في وصفهم بأنهم أولاد نثيلة لا يستحقون من الملك فتيلا. [626] . [ صفحه 270] و حديث أبي بصير، قال: «سمعت أبا عبد الله يقول: اتقوا الله و عليكم بالطاعة لأئمتكم... فانكم في سلطان من قال الله تعالي: (و ان كان مكرهم لتزول منه الجبال)، [627] يعني بذلك: ولد العباس». [628] .و حديث جميل بن دراج قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (و ان كان مكرهم لتزول منه الجبال) و ان كان مكر لد العباس بالقائم لتزول منه قلوب الرجال». [629] .و سئل عليه السلام في قوله تعالي: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شي ء حتي اذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون) [630] قال عليه السلام: «أخذ بني أمية بغتة، و يؤخذ بني العباس جهرة». [631] .و جري - ذات يوم - في مجلس الامام الصادق عليه السلام ذكر دور بني العباس، كدار صالح، و دار عيسي بن علي، فقال رجل ممن حضر: [ صفحه 271] «أراناها الله خرابا، أو: أخربها بأيدينا» فنهاه الامام الصادق عليه السلام؛ لامكان أن تكون منازل للمؤمنين، قائلا: «أما سمعت الله تعالي يقول: (و سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم) [632] ». [633] .و حديثه عليه السلام في تشبيه المهدي بنبي الله موسي عليهماالسلام،
قال: «أما مولد موسي عليه السلام فان فرعون لما وقف علي أن زوال ملكه علي يده، أمر باحضار الكهنة، فدلوا علي نسبه و أنه يكون من بني اسرائيل، فلم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من نساء بني اسرائيل حتي قتل في طلبه نيفا و عشرين ألف مولود، و تعذر عليه الوصول الي قتل موسي عليه السلام بحفظ الله تعالي اياه.كذلك بنو أمية و بنو العباس لما أن وقفوا علي أن زوال مملكة الأمراء و الجبابرة منهم علي يدي القائم منا، ناصبونا للعداوة،و وضعوا سيوفهم في قتل أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ابادة نسله طمعا منهم في الوصول الي قتل القائم عليه السلام، فأبي الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة الا أن يتم نوره و لوكره المشركون». [634] .كما أن الامام الباقر عليه السلام قد أنبأ عن دولة العباسيين قبل نشأتها و وصف سيرة ملوكها بقوله عليه السلام: «خبيثة سيرتهم». [635] . [ صفحه 272] و وصفهم الامام الكاظم عليه السلام بالطواغيت و أولياء الظلمة؛ اذ قال لعلي ابن يقطين - الذي كان وزيرا للمهدي العباسي، و بعده للهادي، و أخيرا لهارون [636] -: «ان لله مع كل طاغية وزيرا من أوليائه، يدفع به عنهم». [637] .و قال علي بن يقطين للامام الكاظم عليه السلام لما قدم الي العراق: «أما تري حالي و ما أنا فيه؟ فقال عليه السلام: يا علي ان لله تعالي أولياء مع أولياء الظلمة، ليدفع بهم عن أوليائه، و أنت منهم يا علي». [638] .
نعم، رفض الامام الصادق عليه السلام القول بمهدوية العباسي، كما رفض بشدة سائر المهدويات الزائفة، مصرحا بأن القائم المهدي عليه السلام الموعود بظهوره في آخر الزمان لا يكون
الا من أهل البيت عليهم السلام؛ و لهذا تكررت عبارة: «قائمنا أهل البيت» في كثير من أحاديثه الشريفة التي رواها عنه عليه السلام: أبان بن تغلب، [639] و ابراهيم الكرخي، [640] و أبو شعبة [ صفحه 273] الحلبي، [641] و حماد بن عثمان، [642] و داود بن كثير الرقي، [643] و المعلي بن خنيس، [644] و غيرهم. [645] .و منها: أحاديثه في هوية الامام المهدي عليهماالسلام، و قد مضي أكثرها، و نشير هنا الي واحد منها:عن المفضل بن عمر عن الامام الصادق عليه السلام، قال: «ان الله تبارك و تعالي خلق أربعة عشر نورا قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام، فهي أرواحنا. فقيل له: يا ابن رسول الله! و من الأربعة عشر؟ فقال: محمد صلي الله عليه و آله، و علي، و فاطمة، و الحسن، و الحسين عليهم السلام، و الأئمة من ولد الحسين عليهم السلام، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته، فيقتل الدجال، و يطهر الأرض من كل جور و ظلم». [646] .و نكتفي بهذا القدر؛ لنري موقف الامام الصادق عليه السلام - و هو يخبر عن [ صفحه 274] المهدي عليه السلام قبل ولادته - من الدعاوي المهدوية التي ظهرت بعد انتقاله عليه السلام الي الرفيق الأعلي (سنة 148 ه). [ صفحه 275]
ادعت الناووسية بعد وفاة الامام الصادق عليه السلام أنه «حي لم يمت و لا يموت حتي يظهر و يلي أمر الناس و أنه هو المهدي و سميت بذلك - يعني الناووسية - لرئيس لهم من أهل البصرة يقال له: فلان بن فلان الناووس» [647] و قيل أن اسمه عجلان بن ناووس.و لا داعي للاطالة في رد هذه المقولة الفاسدة التي أباد الله أهلها كلمح في البصر، فاندثرت
فجأة و لم يبق لها أثر، و عادت مقولتهم مجرد حكاية في كتب التراث لا يحفل بها أحد من البشر سوي المهرجين و المشعوذين من هنا و هناك الذين فضحوا أنفسهم بالتمسك بأمثال دعوي الناووسية و غيرها من دعاوي المهدوية الأخري؛ لأنها كالقشة في مهب الريح، بحيث لو أعرضنا عن ذكرها في هذا البحث لما ضره شيئا. اذ لو قيل: من أعلم الناس بحياة أبي حنيفة، و نشأته، و تربيته، و فقهه، و عقائده، و سيرته، و عطائه، و أصحابه، و وفاته، و كيفية تشييعه، و دفنه، و مكان قبره، [ صفحه 276] و تجديده، و زيارته، و من هو خليفته من بعده؟لما اختلف العقلاء في الاجابة علي أن الأحناف لا سيما كبرائهم و وجوههم و علمائهم هم أولي الناس بمعرفة مثل هذه الأمور.و اذا كان الأمر كذلك، و هو كذلك، فلم لا يكون الشيعة الامامية الاثني عشرية من أعرف الناس بأئمتهم الاثني عشر عليهم السلام، بل لم لا يكونون من أعرف الخلق بامامهم الصادق عليه السلام الذي اقترن مذهبهم باسمه الشريف، اذ عرف مذهب الامامية الاثني عشرية باسم المذهب الجعفري.أليس من المضحك حقا أن نرد علي اجماع الشافعية علي قول للشافعي، لانكاره من قبل أحد مغموري المعتزلة مثلا؟ فكذلك الحال هنا فيما لو تمسك بعضهم بقول الناووسية و غيرهم و ترك اجماع الامامية! و هو ما حصل فعلا من لدن بعض المشعوذين أخيرا!!.و اذا اتضح هذا، نقول:كان امامنا الصادق عليه السلام حريصا علي رسم معالم الطريق المهدوي الحق لا للجيل الذي عاصره فحسب، بل لأجيال الأمة كلها حتي يرث الله الأرض و من عليها.و من هنا نجد موقفه الصريح من القول بمهدويته، ينطلق أولا من النص الصريح
الواضح علي امامة ولده موسي بن جعفر الكاظم عليهماالسلام من بعده. مع نفي المهدوية عن نفسه الشريفة بكل قوة و صراحة.فقد سأله بعضهم، هل أنت الامام المهدي، و كان الامام الصادق يقد تجاوز الأربعين، فأقرع سمع السائل بالجواب قائلا: «و ليس صاحب [ صفحه 277] هذا الأمر من جاز الأربعين». [648] .و أصرح منه قوله عليه السلام: «يزعمون اني أنا المهدي، و اني الي أجلي أدني الي ما يدعون» [649] و هذا الحديث يعرب عن علمه عليه السلام بما سيقوله سفهاء الناووسية بعد وفاته؛ اذ لم نجد من زعم له ذلك في حياته.و سأله آخر - كما في رواية خلاد الصفار - قائلا: هل ولد الامام المهدي الذي يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا؟ فأجابه عليه السلام بقوله: «لا، و لو أدركته لخدمته أيام حياتي». [650] .و أما عن النص الوارد عن الامام الصادق عليه السلام في امامة ابنه الكاظم عليه السلام من بعده، فهو كثير، اذ طالما أعلم الشيعة بذلك مخاطبا لهم بقوله عليه السلام: «الامام من بعدي ابني موسي». [651] .هذا فضلا عن العلم اليقيني بوفاة الامام الصادق عليه السلام في المدينة المنورة (سنة 148 ه)، و هو الأمر الذي أجمعت عليه الأمة بأسرها، فكيف يكون بعد كل هذا هو المهدي الموعود به في آخر الزمان؟.و اذا ما أضيف الي هذا دوره عليه السلام في تشخيص من هو الامام المهدي عليه السلام، كما مر مفصلا، اتضح فساد مقولة الناووسية و غيرها من المقولات الزائفة علي أحسن الوجوه و أتمها. [ صفحه 278]
زعمت الواقفية بعد شهادة الامام الكاظم عليه السلام سنة (183 ه) في حبس السندي بن شاهك ببغداد و بأمر قارون اللارشيد العباسي لعنه الله؛ أنه حي
لم يمت و لا يموت حتي يملك شرق الأرض و غربها، و يملأها كلها عدلا كما ملئت جورا، و أنه القائم المهدي!.و زعموا أنه خرج من الحبس - و لم يره أحد - نهارا، و لم يعلموا به، و أن السلطان و أصحابه ادعوا موته، و موهوا علي الناس و كذبوا، و أنه غاب عن الناس و اختفي!.و قال بعضهم: انه القائم و قد مات و لا تكون الامامة لغيره حتي يرجع فيقوم و يظهر، و زعموا أنه رجع بعد موته الا أنه مختف في موضع من المواضع، حي، يأمر و ينهي، و أن أصحابه يلقونه و يرونه!.و قال بعضهم: انه مات و لكن هو القائم، و سيرجع في وقت قيامه؛ ليملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا!.و أنكر بعضهم قتله، و قالوا: مات و رفعه الله اليه، و أنه يرده عند قيامه.و هذه الأقوال كلها تنسب الي الواقفية المعروفة باسم (الكلاب الممطورة) [652] و السبب الذي دعاهم الي انكار وفاة الامام الكاظم عليه السلام [ صفحه 279] و القول بمهدويته، هو الطمع فيما بأيديهم من أمواله ي، قال الشيخ الطوسي رضي الله عنه: «فروي الثقات أن أول من أظهر هذا الاعتقد: علي بن أبي حمزة البطائني، و زياد بن مروان القندي، و عثمان بن عيسي الرواسي؛ طمعوا في الدنيا و مالوا الي حطامها، و استمالوا قوما، فبذلوا لهم شيئا مما اختانوه من الأموال، نحو حمزة بن بزيع، و ابن المكاري، و كرام الخثعمي، و أمثالهم» [653] و قد شهد علي ذلك يونس بن عبدالرحمن الفقيه الثقة المشهور فقال: «مات أبو ابراهيم - يعني الامام الكاظم - عليه السلام، و ليس من قوامه
أحد الا عنده المال الكثير، و كان ذلك سبب وقفهم و جحدهم موته؛ طمعا في الأموال.كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، و عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار.فلما رأيت ذلك، و تبينت الحق، و عرفت من أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام ما علمت؛ تكلمت و دعوت الناس اليه، فبعثا الي و قالا: ما يدعوك الي هذا؟ ان كنت تريد المال فنحن نغنيك، و ضمنا لي عشرة الآف دينار، و قالا لي: كف، فأبيت و قلت لهما: انا روينا عن الصادقين عليهماالسلام أنهم قالوا: اذا ظهرت البدع فعلي العالم أن يظهر علمه، فان لم يفعل سلب نور الايمان. و ما كنت لأدع الجهاد و أمر الله علي كل حال. فناصباني و أضمرا لي العداوة». [654] . [ صفحه 280] و لما لم نكن بصدد دراسة هذه الفرقة، لذا سنهمل سائر الأدلة القاطعة في بطلان مدعياتهم، و نكتفي بموقف الامام الصادق عليه السلام مراعاة منا لمنهج البحث العلمي مع فسح المجال أمام صفحات مقبلة لحديث أهم، فنقول:ان مما يوضح ذلك الموقف منهجه عليه السلام تجاه العقيدة المهدوية من جهة، و الامامة من جهة أخري؛ اذ بين - كما مر- من هو المهدي الحق الذي تنتظره الأمة بيانا شافيا كافيا، كما بين في أحاديث الامامة من هم أئمة المسلمين علي الحقيقة، مع بيان عددهم، و أسمائهم، و أن آخرهم المهدي عليه السلام، و له في هذا أحاديث كثيرة و فيما يأتي نموذج منها:1- ما رواه ثقة الاسلام الكليني بسند صحيح عن عيسي بن عبد الله ابن محمد بن عمر بن أميرالمؤمنين علي عليه السلام، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «قلت له: ان كان كون -
و لا أراني الله ذلك - فبمن أئتم؟ قال: فأومأ الي ابنه موسي عليه السلام، قلت: فان حدث بموسي حدث فبمن أئتم؟ قال: بولده... الحديث». [655] .و لو كان الامام الكاظم عليه السلام كما تزعم الواقفية هو المهدي، لنبه الامام الصادق عليه السلام السائل علي ذلك، لا أن يأمره بالائتمام بعد موسي بولده الامام الرضا عليهماالسلام.2- و أخرج الصدوق عن ابراهيم الكرخي قال: «دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام و اني لجالس عنده اذ دخل أبو الحسن موسي بن جعفر عليهماالسلام و هو غلام، قمت اليه، فقبلته و جلست، فقال أبو عبد الله عليه السلام: [ صفحه 281] يا ابراهيم أما أنه صاحبك بعدي، أما ليهلكن فيه أقوام و يسعد آخرون، فلعن الله قاتله، و ضاعف علي روحه العذاب، أما ليخرجن الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه، سمي جده، و وارث علمه، و أحكامه، و فضائله، معدن الامامة، و رأس الحكمة». [656] .و هذا الحديث صريح بهلاك الواقفية، و فساد مقولتهم، اذ تضمن الاخبار عن ثلاثة أشياء كلها في الرد علي مقولتهم.الأول: الاشارة الي الواقفية انفسهم بقوله: (ليهلكن فيه أقوام)؛ اذ ادعوا حياته بعد وفاته و أنكروا امامة الرضا عليه السلام.الثاني: الاخبار بشهادته قتلا في سبيل الله مع لعن قاتله، و هو هارون اللارشيد لعنه الله تعالي.الثالث: ان المهدي الموعود ليس هو الامام الكاظم عليه السلام، و انما هو من صلبه.3- و في حديث آخر عن الامام الصادق عليه السلام قال: «يظهر صاحبنا و هو من صلب هذا، و أومأ بيده الي ولده موسي عليه السلام فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا و ظلما، و تصفوا له الدنيا». [657] .و هذا صريح بعدم مهدوية الامام الكاظم عليه السلام، و ان المهدي
الموعود من ولده عليهم السلام.4- و سئل الامام الصادق عليه السلام كما في حديث عبد الله بن أبي يعفور: [ صفحه 282] «يا ابن رسول الله فمن المهدي من ولدك؟ قال عليه السلام: الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه... الحديث». [658] .و في هذا الحديث تعريض بالواقفية التي ادعت مهدوية الامام السابع من الأئمة الاثني عشر عليهم السلام و هو الامام الكاظم عليه السلام، في حين أنه الخامس من ولد السابع، أي الامام الحجة بن الحسن العسكري عليهما السلام.
ليس من العسير علي الأمة أن تدرك زيف دعاوي المهدوية الباطلة، لا سيما اذا كان الموصوف بها من غير ولد الزهراء البتول عليهاالسلام، لعلم الأمة بأن المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان لابد و أن يكون - علي طبق ما أخبر به الرسول صلي الله عليه و آله - من ولد فاطمة عليها السلام.و أما لو ادعيت المهدوية لواحد منهم، كالامام الصادق عليه السلام كما في قول الناوويسة، و الكاظم عليه السلام في قول الواقفية، فالأمر مختلف هنا؛ لأن من لا يؤمن بالنص قد ينخدع بتلك الدعاوي، كما رأينا انخداع فقهاء العامة بدعوي مهدوية (النفس الزكية) لانه من ولد فاطمة عليهاالسلام اذ جده لأبيه الامام الحسن السبط عليه السلام، هذا من جهة.و من جهة أخري فان القواعد الشيعية لم تكن كلها عالمة بالمنصوص عليهم و ان كانت متيقنة من وجود النص، اذ ليس بمقدور الامام عليه السلام ايصال صوته الي تلك القواعد العريضة في ظل التطورات السياسية السريعة التي [ صفحه 283] كانت تجري في الخط المعاكس لتيار أهل البيت عليهم السلام، و من هنا جاء التمسك بمبدأ التقية و الكتمان كما رأينا في الرد علي مهدوية المهدي العباسي.و انما كان النص معروفا عند ثقات
أصحاب الأئمة عليهم السلام و عند من أخبروا بواسطتهم، كما يظهر ذلك بوضوح من خلال متابعة النصوص الكثيرة الواصلة الينا.و أما من لم يصله من ذلك شيئا فلا شك أنه عرضة للتصديق بمثل هذه الأقوال، و لهذا نري جملة من الشيعة قد صادقت علي القول بمهدوية هذا الامام أو ذاك، حتي اذا ما تبين لها الصواب تراجعت بسرعة و التحقت بالحق و أهله، الأمر الذي يفسر لنا تلاشي تلك الفرق و اندثارها بسرعة بعد نشأتها. في حين نري الكثرة الكاثرة تقف - و بكل صلابة - موقف الرافض العنيد حيال تلك المهدويات، مصرحة بوجود النص بالامامة و المهدوية علي شخص مسمي بعينه.و لا شك أن الامام الصادق عليه السلام كان يدرك هذا كله، و من هنا أراد عليه السلام تنبيه الأمة كلها علي معرفة صدق دعوي هذه المهدوية أو تلك من كذبها، و ذلك من خلال تأكيد بعض الحقائق الاسلامية التي لا صلة لها بالنص، و لكنها بذات الوقت ضوابط شرعية دقيقة لمعرفة الحقيقة المهدوية، و هذا الأسلوب كفيل بأن يجعله في مأمن من مرابة السلطة و ملاحقتها مع تحقيق الغرض المطلوب، بخلاف ما لو نادي بالنص علي كل من هب ودب.و من تلك الحقائق الاسلامية: علائم ظهور الامام المهدي عليه السلام [ صفحه 284] و أوصاف دولته الكريمة، و حال الاسلام في زمان ظهوره.و اذا كانت قيادة تلك الدعاوي و قواعدها قد نسيت أو تناست تلك الحقائق باشاعة دعاوي المهدوية الباطلة، فما علي الامام الا.ن ينبه علي مثل ذلك الغلط الفاحش؛ لأن تصدي الشريعة الي بيان تلك الأمور ليس اعتباطا، و انما عنحكمة بالغة، و اذا ما عرفها المسلمون فلا شك أنهم سكونون في مأمن من الانزلاق وراء
كل مهدوية باطلة في التاريخ.و من هنا رأي الامام الصادق عليه السلام - و هو يعيش في خضم هذه المسألة - أن يعيد للذاكرة الاسلامية ما أغفلته من علائم ظهو الامام المهدي عليه السلام؛ مضيفا اليها شيئا من صفات دولته الكريمة و حال الاسلام يومئذ، بحيث لا يمكن لأحد رؤية شي ء منها في زمان أية مهدوية باطلة لا أصل لها و لا رصيد.و لما كانت علائم ظهور الامام المهدي عليه السلام و صفات دولته الشريفة كثيرة جدا في أحاديث الامام الصادق عليه السلام، لذا سنكتفي منها بالاشارة الي المحتم من تلك العلامات، مع الاقتصار علي أهم تلك الصفات، و ذلك في ثلاثة عناوين، كالآتي:
تقع علامات الظهور في قسمين: محتوم لابد من وقوعه، و غير محتوم؛ و سنكتفي بالأول، كدليل صحيح علي سبق دعوي المهدوية لكل تلك العلامات التي لم تقع الي الآن، و لا بد من وقوعها في المستقبل ان عاجلا أو آجلا، و فيما يأتي جملة من أحاديث الامام الصادق عليه السلام الناطقة بتلك العلامات: [ صفحه 285] 1- عن حمران بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «من المحتوم الذي لابد منه أن يكون قبل قيام القائم: خروج السفياني، و خسف بالبيداء، و قتل النفس الزكية، و المنادي من السماء». [659] .و نحوه ما رواه: أبو حمزة الثمالي، [660] و محمد بن علي الحلبي، [661] و محمد ابن الصامت؛ [662] كلهم، عن الامام الصادق عليه السلام.2- و عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «النداء من المحتوم، و السفياني من المحتوم و اليماني من المحتوم، و قتل النفس الزكية من المحتوم، و كف تطلع من السماء من المحتوم. قال: و فزعة تطلع
في شهر رمضان، توقظ النائم، و تفزع اليقظان، و تخرج الفتاة من خدرها». [663] .و مثله ما رواه ابن أبي يعفور عن الامام الصادق عليه السلام. [664] .3- و عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة، و السفياني، و الخسف، و قتل النفس الزكية، و اليماني». [665] . [ صفحه 286] و رواه ميمون البان، عن الامام الصادق عليه السلام أيضا. [666] .و قد روي آخرون بعض هذه العلامات و غيرها، عن الامام الصادق عليه السلام، كما في رواية الحسن بن زياد الصيقل، [667] و رواية فضيل بن محمد بن راشد البجلي، [668] و أبراهيم، [669] و الطيار، [670] و أبي بصير، [671] و محمد ابن مسلم، [672] و أبي حمزة الثمالي، [673] و بكر بن محمد الأزدي، [674] و صالح بن ميثم التمار، [675] و غيرهم. [676] .
ان قتل النفس الزكية- كعلامة من علامات ظهور الامام المهدي عليه السلام - لا اشكال في صحته أصلا؛ اذ ورد في روايات كثيرة علي لسان رسول الله صلي الله عليه و آله و أهل بيته الأطهار عليهم السلام، لا سيما الامام الصادق عليه السلام، بحيث يستغني بكثرتها عن فحص أسانيدها، فضلا عما فيها من الصحيح، [ صفحه 287] و هو كثير. و لكن المهم هنا هو أن المراد بالنفس الزكية في هذه الرواية و غيرها، ليس محمد بن عبد الله بن الحسن، و ان تلقب بهذا و اشتهر به.و لو قيل لمحمد نفسه: هل أنت النفس الزكية المشار له في الروايات؟ لما أجاب بغير (لا) قطعا، و الا لتنازل عن دعوي المهدوية لنفسه و حكم ببطلانها؛ لوضوح أن النفس الزكية غير الامام المهدي
عليه السلام.و من ثم فان النفس الزكية في لسان جميع الروايات يقتل في المسجد الحرام بين الركن و المقام، و في بعضها تحديد لزمان استشهاده في الخامس و العشرين من ذي الحجة الحرام، قبل ظهور الامام المهدي عليه السلام بخمس عشرة ليلة، [677] و في بعض الروايات أن اسمه محمد بن الحسن، [678] و أين هذا من محمد بن عبد الله الحسني المقتول في المدينة المنورة في الرابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة 145 ه بلا خلاف؟ فكيف يشتبه به أنه النفس الزكية واقعا اذن؟! علي أنه لا مانع من توصيفه بهذا مع الالتفات الي ما قدمناه.و بهذا يتبين اشتباه أبي الفرج الأصبهاني بقوله في محمد بن عبد الله الحسني: «و كان أهل بيته يسمونه المهدي، و يقدرون أنه الذي جاءت فيه الرواية، و كان علماء آل أبي طالب يرون فيه أنه النفس الزكية، و أنه المقتول بأحجار الزيت». [679] .و مورد اشتباهه في قوله: «و كان علماء آل أبي طالب يرون فيه أنه [ صفحه 288] النفس الزكية»! يشير بهذا الي الامام الصادق عليه السلام الذي لم ير فيه ما قال، و انما ورد توصيفه بذلك في روايات الشيعة جريا علي المتعارف المشهور، كما هو الحال في وصفه بالمهدي الحسني الذي لا يعبر عن اعتقاد بمهدويته.
و لعل أروع الأدلة التي ساقها الامام الصادق عليه السلام في باب تأكيده علي كذب جميع دعاوي المهدوية السابقة، اشاراته عليه السلام الي التطور العلمي الهائل، و التقنيات العلمية التي ستكون في زمان ظهور الامام المهدي عليه السلام، و التي كانت مفقودة في عصره و جل العصور اللاحقة تماما، لدرجة كانت الاشارة لها في ذلك الحين مدعاة للتعجب، و لو لا الاعتقاد الراسخ
بصدق قائلها، لأعرض عنها لامحدثون و لم يذكروا شيئا منها؛ لعدم استيعاب عقلية ذلك العصر لها و تصورها، و من هذه الاشارات:1- عن عبد الله بن مسكان، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «ان المؤمن في زمان القائم، و هو بالمشرق، ليري أخاه الذي في المغرب، و كذا الذي في المغرب يري أخاه الذي في المشرق». [680] .2- و عن أبي بصير، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «انه اذا تناهت الأمور الي صاحب هذا الأمر، رفع الله تبارك و تعالي له كل منخفض من الأرض، و خفض له كل مرتفع منها، حتي تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته، فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها؟». [681] . [ صفحه 289] 3- و عن أبي الربيع الشامي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ان قائمنا اذا قام مد الله عز و جل لشيعتنا في أسماعهم و أبصارهم، [لا] يكون بينهم و بين القائم بريد، يكلمهم فيسمعون، و ينظرون اليه و هو في مكانه». [682] .
و هذا الدليل الذي أشار له القرآن الكريم - كما سيأتي - و صرح به الامام الصادق عليه السلام، هو الآخر من الأدلة العظيمة علي زيف دعاوي المهدوية الباطلة في التاريخ كادعاء المنصور مهدوية ابنه (المهدي العباسي)، و غيره ممن ادعوا لأنفسهم، أو ادعي لهم ذلك زورا و بطلانا.و عدم تحقق هذا الدلل في سائر العصور الاسلامية أوضح من أن يحتاج الي اثبات، في حين وعد الله تبارك و تعالي بتحققه، و جاءت الروايات علي أنه لا يكون ذلك الا عند ظهور مهدي آل محمد صلي الله عليه و آله.1- عن أبي بصير، قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل:
(هو الذي أرسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركون)؛ [683] و الله ما نزل تأويلها بعد، و لا ينزل تأويلها حتي يخرج القائم عليه السلام، فاذا خرج القائم لم يبق كافربالله العظيم، و لا مشرك بالامام الا كره خروجه، حتي أن لو كان كافر أو مشرك في بطن صخرة، لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني و اقتله». [684] . [ صفحه 290] و روي محمد بن الفضيل، عن الامام الكاظم عليه السلام نحوه. [685] .2- و عن رفاعة بن موسي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قوله تعالي: (و له أسلم من في السموات و الأرض طوعا و كرها): [686] «اذا قام القائم عليه السلام لا تبقي أرض الا نودي فيها بشهادة أن لا اله الا الله، و أن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله». [687] .و روي ابن بكير، عن الامام الكاظم عليه السلام نحوه. [688] .3- و عن علي بن عقبة، عن أبيه، عن الامام الصادق عليه السلام، قال: «اذا قام القائم عليه السلام حكم بالعدل، و ارتفع في أيامه الجور، و آمنت به السبل و أخرجت الأرض بركتها، و رد كل حق الي أهله، ولم يبق أهل دين حتي يظهروا الاسلام، و يعترفوا بالايمان...». [689] .4- و عن زرارة، عن الامام الصادق عليه السلام، قال: «سئل أبي عن قول الله تعالي: (و قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة...)، [690] فقال: أنه لم يجي ء تأويل هذه الآية، و لو قد قام قائمنا بعد، سيري من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية، و ليبلغن دين محمد صلي الله عليه و آله ما بلغ الليل حتي [ صفحه 291]
لا يكون شرك علي وجه الأرض كما قال الله تعالي: (يعبدونني لا يشركون بي شيئا) [691] ». [692] .5- و عن محمد بن حمران، عن الامام الصادق عليه السلام. و كذلك: محمد ابن مسلم، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قالا: «ان القائم منا، منصور بالرعب، مؤيد بالنصر، تطوي له الأرض، و تظهر له الكنوز كلها، و يظهر الله به دينه علي الدين كله و لوكره المشركون، - ثم ذكرا عليهما السلام جملة من علامات الظهور و قالا: - فعند ذلك خروج قائمنا». [693] .6- و سأل المفضل بن عمر الامام الصادق عليه السلام عن قول الله تعالي: (ليظهره علي الدين كله) [694] قائلا: ما كان رسول الله صلي الله عليه و آله ظهر علي الدين؟فقال عليه السلام: «يا مفضل! لو كان صلي الله عليه و آله ظهر علي الدين كله ما كان مجوسية، و لا نصرانية، و لا يهودية، و لا صابئة، و لا فرقة، و لا خلاف، و لا شك، و لا شرك، و لا عبدة أصنام، و لا أوثان، و لا اللات، و لا العزي، و لا عبدة الشمس، و لا عبدة القمر، و لا النجوم، و لا النار، و لا الحجارة. و انما قوله: (ليظهره علي الدين كله) في هذا اليوم و هذا المهدي و هذه الرجعة، و هو قوله: (و قاتلوهم حتي لا تكون فتنة و يكون الدين كله [ صفحه 292] لله) [695] ». [696] .و من الواضح أن الدين الاسلايم في زمان تلك الدعاوي العريضة في التاريخ لم يتمكن من الظهور علي عاصمة الدولة الاسلامية؛ لفساد (الخلفاء) أنفسهم، و فسقهم، و شربهم الخمور علنا. [ صفحه 293]
ذكرنا في بداية دور
الامام الصادق عليه السلام في رد الشبهات، أنه كان يتعمد أحيانا الي اثارة ما سيقوله الناس بعد ولادة الامام المهدي عليه السلام و غيبته من شبهات، ثم يتعرض بذات الوقت الي اجابتها، و غالبا ما تكون اجابته عليه السلام ببيان نظير الحالة المشتبه بها من القرآن الكريم.صحيح أن الامام الصادق عليه السلام لم يكن بحاجة الي اثارة مثل هذه الأمور، خصوصا و أنها لم تحصل في زمانه، و الذي دفعه الي ذلك، حرصه علي مستقبل هذه العقيدة، و علي خط الايمان الثابت بها، و زرع الثقة العالية في النفوس من خلال الوقوف علي اجابة تلك الأقوال قبل نشأتها.و من هنا كان دوره عليه السلام في رد تلك الشبهات سابقا لزمانه بعشرات السنين، و في هذا السياق سنقتبس عنوان الشبهة و جوابها معا من كلام الامام الصادق عليه السلام سواء كان في حديث أو مقطع من حديث، مع التذكير بثلاثة أمور:أحدها: ان الامام الصادق عليه السلام لم يكن بصدد مناقشة تلك الشبهات، اذ لا يعرف لها قائل بزمانه، و انما كان عليه السلام بصدد ما سيقال مستقبلا، [ صفحه 294] و تزييفه قبل حصوله علي أرض الواقع؛ لكي تعي الأمة- من جهة- صدق كل ما أخبر به أهل البيت عليهم السلام بشأن ولدهم المهدي عليه السلام، مع تنبيه القواعد الشيعية اللاحقة علي سخافة تلك الشبهات تجاه عقيدتهم ي المهدي عليه السلام من جهة أخري.و الآخر: اشتراك أهل البيت عليهم السلام جميعا في التنبيه علي ما سيكون بعد ولادة الامام المهدي عليه السلام من أحداث و أقوال و شبهات، و من هنا لا تكاد تجد - في الوقت الراه - مناقشة أية شبهة بهذا الخصوص لم تعتمد علي ما ورد في ردها من قبل أهل البيت عليهم السلام، الا نادرا.و
الثالث: ان قوة ما وصل الينا من أدلة و براهين علي صدق عقيدتنا بالامام المهدي عليه السلام، أضحت كقوة مشاهدته عليه السلام عيانا، و عاد انكارها كانكار الواقع المادي المحسوس!و لا يخفي بأن من جملة الواصل الينا في ذلك هو أحاديث الامام الصادق عليه السلام التي أخبرت عما سيقوله السفهاء في المهدي عليه السلام مستقبلا، و قد تحقق اخباره علي طبق ما أخبر به عليه السلام، تري فكيف يصدق العاقل بقول السفيه، و يعرض عن قول الصادق المؤتمن؟! الأمر الذي يبرر لنا اختصار الكلام في تلك الشبهات ما أمكن كالآتي:
و جوابها في قول الامام الصادق عليه السلام:1- ان في الامام المهدي عليه السلام: «سنة من نوح و هو طول عمره». [697] . [ صفحه 295] 2- و قوله عليه السلام: «ؤ الله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتي يظهر، فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا». [698] .3- و قوله عليه السلام: «... يمد الله لصاحب هذا الأمر كما مد لنوح عليه السلام في العمر». [699] .4- و قوله عليه السلام: «... نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم... و تأولت فيه ملود قائمنا و غيبته، و ابطاءه، و طول عمره، و بلوي المؤمنين في ذلك الزمان، و تولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته». [700] .5- و قوله عليه السلام: «و ما ينكرون لصاحب هذا الأمر؟ فان لصاحب الزمان شبها من موسي و رجوعه من غيبته بشرخ الشباب». [701] .6- و قوله عليه السلام: «لو قد قام قائمنا لأنكره الناس - يعني: معظمهم - لأنه يرجع اليهم شابا، موفقا، لا يثبت عليه الا من قد أخذ الله ميثاقه في الذر الأول». [702] .لأنهم يحسبون
أنه عليه السلام لو بقي حيا في تلك الفترة الطويلة لكان شيخا هرما كبيرا، و يؤيد هذا. [ صفحه 296] 7- قوله عليه السلام: «و ان أعظم البلية أن يخرج اليهم صاحبهم شابا و هم يحسبونه شيخا كبيرا» [703] أي: من طول العمر.8- و قوله عليه السلام في بيان وجه الشبه بين الامام المهدي و نبي الله نوح و الخضر عليهم السلام:«و أما ابطاء نوح عليه السلام فانه لما استنزل العقوبة (من السماء) بعث الله اليه جبرئيل عليه السلام معه سبع نويات فقال: يا نبي الله ان الله جل اسمه يقول لك: ان هؤلاء خلائقي و عبادي لست أبيدهم بصاعقة من صواعقي الا بعد تأكيد الدعوة، و الزام الحجة، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فاني مثيبك عليه، و اغرس هذا لانوي، فان لك في نباتها و بولغها و ادراكها اذا أثمرت الفرج و الخلاص، و بشر بذلك من تبعك من المؤمنين.فلما نبتت الأشجار و تأزرت و تسوقت و أغصنت و زها الثمر عليها بعد زمان طويلا ستنجز من الله العدة فأمره الله تعالي أن يغرس من نوي تلك الأشجار، و يعاود الصبر و الاجتهاد، و يؤكد الحجة علي قومه، فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتد منهم ثلاثمائة رجل و قالوا: لو كان ما يدعيه نوح حقا لما وقع في عدته خلف.ثم ان الله تعالي لم يزل يأمره عند ادراكها كل مرة أن يغرس تارة بعد أخري الي أن غرسها سبع مرات، و ما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتد منهم طائفة بعد طائفة الي أن عادوا الي نيف و سبعين رجلا، [ صفحه 297] فأوحي الله عزوجل عند ذلك اليه و قال: الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرح
الحق عن محضه و صفا الأمر للايمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة... و كذلك القائم عليه السلام فانه تمتد غيبته ليصرح الحق عن محضه، و يصفو الايمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشي عليهم النفاق اذا أحسوا بالاستخلاف و التمكين و الأمن المنتشر في عهد القائم عليه السلام... و أما العبد الصالح - أعني الخضر عليه السلام - فان الله تعالي ما طول عمره لنبوة قررها له و لا لكتاب نزل عليه، و لا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء عليهم السلام، ولا لامامة يلزم عباده الاقتداء بها، و لا لطاعة يفرضها، بلي ان الله تعالي لما كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم عليه السلام في أيام غيبته ما يقدره، و علم ما يكون من انكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طول عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك الا لعلة الاستدلال به علي عمر القائم عليه السلام، ليقطع بذلك حجة المعاندين لئلا يكون للناس علي الله حجة». [704] .
و أساس هذه الشبهة ما ذكره النوبختي و الأشعري و الشيخ المفيد و غيرهم من وجود بعض الاختلاف بين الناس بعد وفاة الامام العسكري عليه السلام فمنهم من قال ان الامام العسكري عليه السلام مات بلا عقب، و منهم من قال مات [ صفحه 298] بعد ولادته، و منهم من قال ولد قبل وفاة أبه بسنتين، و الجواب:1- قال الامام الصادق عليه السلام: «أما و الله ليغيبن امامكم سنين من دهركم، و لتمحصن حتي يقال: مات، أو هلك، بأي واد سلك». [705] .2- و في الصحيح عنه عليه السلام قوله لزرارة في الامام المهدي عليه السلام: «يا زرارة و
هو الذي يشكك في ولادته، فمنهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، و منهم من يقول: حمل، و منهم من يقول: غائب، و منهم من يقول: ولد قبل وفاة أبيه بسنتين، و هو المنتظر غير أن الله يحب أن يمتحن قلوب الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة». [706] .3- و قال عليه السلام: «أما انه لو قد قام، لقال الناس: أني يكون ذلك، و قد بليت عظامه منذ كذا و كذا!!». [707] .و يصب في الجواب أيضا أحاديث شك الناس بسبب خفاء الولادة، و أحاديث التمحيص و الاختبار و كثير غيرها مما ذكرناه في محله من هذا البحث.4- و قوله عليه السلام في تشبيه غيبة الامام المهدي عليه السلام بغيبة النبي عيسي الامام قال: «و أما غيبة عيسي عليه السلام فان اليهود و النصاري اتفقت علي أنه قتل فكذبهم الله عزوجل بقوله: (و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه [ صفحه 299] لهم). [708] .كذلك غيبة القائم فان الأمة ستنكرها لطولها فمن قائل يقول: انه لم يولد، و قائل يفتري بوله: انه ولد و مات، و قائل يكفر بقوله: ان حادي عشرنا كان عقيما، و قائل يمرق بقوله: انه يتعدي الي ثالث عشر فصاعدا، و قائل يعصي الله بدعواه: ان روح القائم عليه السلام ينطق في هيكل غيره». [709] .
و قد نبه الامام الصادق عليه السلام علي هذه الشبهة، و أكد حياة الامام المهدي و استمرار وجوده الشريف، بقوله: «... و ينزل روح الله عيسي بن مريم فيصلي خلفه... و ذلك بعد غيبة طويلة». [710] .و هذا يتضمن استمرار وجوده الشريف في غيبته و الا كيف يصلي عيسي عليه السلام خلفه؟و قوله عليه السلام: في الصحيح لحازم بن
حبيب: «يا حازم ان لصاحب هذا الأمر غيبتين يظهر في الثانية، فمن جاءك يقول أنه نفض يده من تراب قبره فلا تصدقه» [711] و في هذا تأكيد علي استمرار وجوده الشريف في غيبته [ صفحه 300] مهما طال بها الزمان.و هناك أحاديث اخري صرحت بطول الغيبة الثانية كقوله عليه السلام: «ان لصاحب هذا الأمر غيبتين: احداهما تطول حتي يقول بعضهم: مات، و بعضهم يقول: قتل، و بعضهم يقول: ذهب...». [712] و غيرها من الأحاديث التي سبقت في تأكيده عليه السلام علي أن للمهدي عليه السلام غيبتين.كما ان الأحاديث المتقدمة في طول العمر كلها تصب في الجواب علي هذه الشبهة أيضا.
و مفاد هذه الشبهة - كما عند بعضهم - أنه ادعيت الغيبة عند أكثر فرق الشيعة التي زعمت امامة أئمتهم و القول بمهدويتهم و غيبتهم كالكيسانية و الناووسية و الواقفية و غيرها.الأمر الذي أدي - بزعمهم - الي عدم معرفة الحقيقة في خضم هذه المدعيات!!و قد مر الجواب مفصلا في هذا الباب علي سائر تلك الفرق.و يزيد الأمر وضوحا ما قاله الامام الصادق عليه السلام في تحديد هوية الامام الغائب في أحاديث شتي، نكتفي بالتذكير بواحد منها و هو ما قاله عليه السلام للسيد الحميري: «ان الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، و هو الثاني عشر من الئمة الهداة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله.. الحديث» و قد بين عليه السلام فيه و في غيره [ صفحه 301] من هم الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، فراجع.
و تهدف هذه الشبهة الي عذر العامة في البقاء علي الاعتقاد بمهدي مجهول يخلقه الله في آخر الزمان، و انهم لا مانع لديهم - فيما يدعون - من ترك هذا الاعتقاد، و الالتحاق بصفوف الشيعة فيما لو ظهر الامام الحجة ابن الحسن عليه السلام في المستقبل!! [713] .و قبل بيان موقف الامام الصادق عليه السلام من هذه الشبهة أود التنبيه علي خمس ملاحظات و هي:1- ان معني الاعتقاد بمهدي مجهول في آخر الزمان، مع احتمال رفضه في المستقبل، يعني فساد الدليل المثبت لهذا الاعتقاد و عدم صحته.2- ان شرط الاعتقاد بضروري من الضروريات في المنظور الاسلامي، أن يكون متواترا، و المتواتر لا ينقلب الي غير متواتر، و قد سبق و أن بينا دليل القول بمهدي مجهول يخلقه الله في آخر الزمان، و أنه - بزعمهم - حسني و اسمه محمد بن عبد الله، و
هو روايتان فقط، احداهما مجهولة، و الأخري مرسلة، و أما الحديث الذي أشار لهذا بلفظ (اسمه اسمي و اسم أبيه اسم [ صفحه 302] أبي) فهو حديث موضوع كما بيناه، فأين هذا التواتر اذن؟!3- ان الاعتقاد بمهدي لم يخلق بعد! اما أن يكون هو امام الزمان، أو لا يكون، و الأول لا يعقل لخلو زماننا منه؛ اذ لم يخلق، و الثاني لا يفيد طاعته و لا نصرته و لا انتظاره.4- ان قاعدة عدم خلو الزمان من امام، تعني خرافة الاعتقاد بمهدي معدوم لم يخلق، اذ اللازم وجوده.5- ان شرط الايمان بالمهدي عليه السلام أن يكون في حياته لا بعد ظهوره كما سيأتي.و مع فرض كون المهدي هو المجهول جدلا، فسيكون الايمان به فاقدا للشرط المذكور، و هو الحياة؛ لأنه معدوم لم يخلق بعد.و مع القول بأنه الحجة ابن الحسن العسكري عليه السلام و هو الحق، فسوف لن يقبل من جاحديه اعتقادهم بخرافة لا أصل لها و لا واقع، كما لن يقبل منهم توبتهم عند ظهوره لو أدركوه عليه السلام.و بهذا يتبين أن القول المذكور في مهرجان الغدير المنعقد في لندن، لقلقة لسان ليس له معني:و يدل علي ما ذكرناه:1- قول الصادق عليه السلام: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله: طوبي لمن أدرك قائم أهل بيتي و هو معتقد به فيحياته، يتولي وليه، و يترأ من عدوه، و يتول [ صفحه 303] الأئمة الهادية من قبله، أولئك رفقائي، و ذوو ودي و أكرم أمتي عي - و في رواية اخري - و أكرم خلق الله علي». [714] .2- و في حديث آخر عنه عليه السلام، عن رسول الله صلي الله عليه و آله: «من أنكر القائم من ولدي في
زمان غيبته، مات ميتة جاهلية». [715] .3- و عن هشام بن سالم، عن الامام اصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلي الله عليه و آله في حديث في شمائل و أوصاف و سيرة المهدي عليه السلام جاء فيه: «... و من أنكره في غيبته فقد أنكرني». [716] .4- و في الصحيح عن علي بن رئاب، عن الامام الصادق عليه السلام في قول الله عزوجل: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل)، [717] قال عليه السلام: «و الآيات: هم الأئمة، و الآية المنتظرة: القائم عليه السلام، فيومئذ لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف و ان آمنت بمن تقدم من آبائه عليهم السلام». [718] .و اذا ما أضيف الي هذا أحاديث الانتظار الواردة عن الامام الصادق عليه السلام من قبيل قوله: «... المنتظرين لظهوره في غيبته و المطيعين له في ظهوره أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون» [ صفحه 304] و غيره من الأحاديث المتقدمة، علمنا أن أصحاب هذه المقولة - و هم لم يضمنوا بقاءهم علي قيد الحياة الي زمان الظهور - لم يحصدوا سوي الخسران المبين.
و خلاصتها: ما ذكره علماء الشيعة الامامية من أن أقرب الناس الي الامام المهدي عليه السلام و هو جعفر بن الامام الهادي عليه السلام المعروف بجعفر الكذاب، قد شهد أمام القضاء العباسي بأن أخاه العسكري مات بلا عب؛ طمعا في أمواله.جدير بالذكر، أنه لم يرو أحد من أهل الاسلام ما قاله جعفر، الا الامامية وحدهم فقط و جميع من تمسك بهذه الشبهة قاطبة كان مصدرهم الوحيد اليها كتب الشيعة فقط، لأن من ذكرها من العامة
كافة انما نقلها بالاعتماد علي مثل النوبختي، أو سعد بن عبد الله القمي، أو الشيخ المفيد، أو الشيخ الطوسي، و غيرهم من متقدمي علماء الامامية الذين لو لا هم لما عرف أحد ما فعله جعفر.و في هذا وحده ما يكفي لدحض مقولته، و لاازدراء بمن تمسك بها، لأنه احجة داحضة سخيفة.و قد أشارت أحاديث الامام الصادق عليه السلام المساقة في شبهة انكار ولادة الامام المهدي عليه السلام آنفا، الي قول جعفر الكذاب هذا كما في جملة: «و منهم من يقول مات أبوه بلا خلف». [ صفحه 305] و هناك أحاديث أخر أكثر صراحة من هذا، و هي المتقدمة في بيان ما في المهدي من شبه بالأنبياء عليهم السلام، اذ مر فيها حديثه عليه السلام بأن فيه شبها من يوسف عليهماالسلام.و من مقارنة ما حصل في حياتي المشبه (المهدي عليه السلام) و المشبه به (يوسف عليه السلام) يعلم وجه الشبه بين ما فعله أولاد النبي يعقوب عليه السلام، و هم أسباط النبيين و أقرب الخلق نسبا بنبي الله و خليله ابراهيم، بأخيهم يوسف الصديق، حين كذبوا علي أبيهم في أمره (و جاءوا أباهم عشاء يبكون قالوا يا أبانا انا ذهبنا نستبق و تركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب و ما أنت بمؤمن لنا و لو كنا صادقين و جاءوا علي قميصه بدم كذب)! [719] .و بين ما فعله جعفر الكذاب، و هو أقل شأنا و دينا من أولاد يعقوب عليه السلام، لتقربه لطواغيب بني العباس، مع فسقه و لعبه بالطنبور، و جشعه، و حبه للجاه و المال، و شربه الخمور بشهادة ابن وزير الولة أحمد بن عبيد الله بن خاقان [720] كل هذا دفعه الي ذلك الموقف الخسيس الذي هو أشبه ما
يكون بموقف أولاد يعقوب عليهم السلام، و فيه شبه عظيم أيضا [ صفحه 306] بموقف أبي لهب عم النبي صلي الله عليه و آله، حيث جحد نبوة ابن أخيه نبينا محمد صلي الله عليه و آله، و كذب رسالته، و ألب عليه، و كان - لعنه الله - أولي من غيره بالايمان بنبي الرحمة صلي الله عليه و آله، و التصديق برسالته، و بذل الغالي و الرخيص لأجل نصرته.
و مفاد هذه الشبهة أن أكثر الأحاديث المستدل بها في تشخيص هوية المهدي عليه السلام عند لاشيعة، ورد ذكره فيها بلفظ (القائم) و لا اختصاص للامام الثاني عشر عند الشيعة بهذا اللفظ، كما ان لفظ (المهدي) لا يدل علي كون المقصود به هو الامام الثاني عشر لوجود روايات تشير الي وصف أئمة الشيعة بأنهم مهديون كلهم، و اذا كان كلا اللفظين أعم من اختصاصهما به فلا مجال للاستدلال بتلك الأحاديث علي مهدويته و غيبته!و الجواب، انه حتي لو كان لفظ (القائم) و (المهدي) لا ينصرفان عند الاطلاق الي الامام الثاني عشر الحجة ابن الحسن العسكري عليهماالسلام، فهناك الكثير من القرائن التي دلت علي هذا المعني و اقترن بها اللفظان، كذكر الغيبتين مثلا، هذا فضلا عن الأحاديث التي لا تحتاج الي قرينة، و هي التي شخصت من هو القائم باسمه و نسبه الشريف كما مر مفصلا في بيان الامام الصادق عليه السلام لهوية الامام المهدي عليه السلام و لا حاجة الي اعادتها.و الصحيح في المقام هو أن لفظ (القائم) قد وصف به الأئمة عليهم السلام جميعا، و لكنه لا ينصرف الي أحد من أهل البيت عليهم السلام الا بقرينة حالية أو مقالية، [ صفحه 307] و أما عند الاطلاق فينصرف الي الامام الحجة
ابن الحسن العسكري عليهما السلام. و كذلك الحال مع لفظ (المهدي).و بعبارة اخري: عندما نستقصي الأخبار نري أن سائر الأئمة عليهم السلام قد وصفوا بهذا الوصف مع اضافة مثل «القائم بدين الله» و نحوه، و أما «القائم» علي الاطلاق فلم يطلق الا علي الامام الثاني عشر منهم عليهم السلام.
وردت في أحاديث المهدي عليه السلام عند الامامية ما هو صريح بسيرته عليه السلام عند ظهوره، و أنه يأتي بعمل جديد. و قد زعم بعضهم أن معني هذا أن مهدي الشيعة سينسخ بسيرته الدين المحمدي!و هذه ليست شبهة في الواقع و انما كلام فارغ هدفه التشنيع لا أكثر و لم يتخرصه سوي الوهابية فيما أعلم، و مهما يكن الهدف فقد أجاب الامام الصادق علي هذا الافتراء قبل ولادة مؤسس الفرقة الوهابية بعدة قرون.1- فعن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله قال: «القائم من ولدي اسمه اسمي، و كنيته كنيتي، و شمائله شمائلي، و سنته سنتي، يقيم الناس علي ملتي و شريعتي و يدعوهم الي كتاب ربي عزوجل...». [721] .2- و عن أبي بصير، عن أبي عدب الله عليه السلام قال: «ان في صاحب هذا الأمر سننا من الأنبياء: سنة من موسي، و سنة من عيسي، و سنة من [ صفحه 308] يوسف، و سنة من محمد صلوات الله عليهم - الي أن قال - و أما سنة من محمد صلي الله عليه و آله فيهتدي بهداه و يسير بسيرته». [722] .و الاطالة في هذا اطالة في الواضحات، و يكفي ما ذكرناه في بيان الامام الصادق عليه السلام لسيادة الاسلام علي كل الأديان في زمان ظهور المهدي
عليه السلام و علي يده.
و خلاصة هذه الشبهات تدور حول ثلاثة أسئلة، و هي:1- لماذا الغيبة؟2- و ما هو وجه الحكمة فيها؟3- و كيف يتحقق انتفاع الأمة من الامام المهدي الغائب و هي لا يمكنها أن تصل اليه؟و تدور هذه الأسئلة الثلاثة علي محور واحد، و هو منافاة الغيبة - كما يزعم - للغاية من نصب الامام، و علي هذا يكون وجود الامام و عدمه سواء!و أصل كل هذا مبني علي أن الغاية من نصب الامام لا تتحقق الا بمشاهدته لأخذ معالم الدين عنه!و قد خفي علي هؤلاء بأن الثمرة من وجود الامام لا حصر لها بأخذ المسائل عنه، و انما هناك ثمرات أخر تترتب علي وجوده الشريف. [ صفحه 309] و يمكن ادراكها من خلال علمنا بأن هناك جملة من الأمور المطلوبة منا شرعا لذاتها ازاء الامام المهدي عليه السلام، بغض النظر عن امكانية الوصول اليه أو عدمه، و منها علي سبيل المثال:السعي الدؤوب وراء معرفة هويته الشخصية، و الا فلن يتحقق ركن الايمان بالاعتقاد بأنه امام الزمان الذي من لا يعرفه سوف لن يغادر الدنيا الا بميتة جاهلية، كما نطقت بذلك أحاديث الرسول صلي الله عليه و آله عند الفريقين، و أكدها الامام الصادق عليه السلام بأحاديث شتي كما مر.و علي هذا يكون نفس التصديق بوجود الامام المهدي عليه السلام أمرا مطلوبا لذاته بغض النظر عن مشاهدته أو لا. لا فرق بين هذا و بين وجوب التصديق بوجود النبي صلي الله عليه و آله بالنسبة للمسلمين الذين عاشوا في عصره صلي الله عليه و آله و لم يلتقوا به و لم يشاهدوه.و نحن ملزمون بالتعبد بما جاء عن النبي صلي الله عليه و آله و أهل
البيت عليهم السلام. و الأحاديث السابقة و كثير مثلها؛ كلها صريحة بوجوب هذا الاعتقاد.و من ثم فقد ورد عن النبي صلي الله عليه و آله و أهل البيت عليهم السلام ما يشير الي عدم انحصار الفائدة من وجود الامام بالتصرف في الأمور، و فيما يأتي جملة من الأحاديث الشريفة الدالة علي ذلك:1- عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: «سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: انما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، و من تخلف عنها غرق، و مثل باب حطة يحط الله بها الخطايا». [723] . [ صفحه 310] و هذا صريح بأن الدخول بولاية أهل البيت عليهم السلام، و التمسك بحبلهم قد جعله الله طريقا لرضوانه و مغفرته، و هذا أمر عظيم أعم من نفع مشاهدتهم و السؤال مباشرة منهم عليهم السلام.2- و عن جابر بن عبد الله، و أبي موسي الأشعري، وابن عباس، قالوا: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله: النجوم أمان لأهل السماء، و أهل بيتي أمان لأمتي، فاذا ذهبت النجوم ذهبت أهل السماء، و اذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض». [724] .3- و عن أياس بن سلمة، عن أبيه، قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله: النجوم أمان لأهل السماء، و أهل بيتي أمان لأمتي». [725] .4- و عن سليمان بن مهران الأعمش، عن الامام الصادق، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام، قال: «نحن أئمة المسلمين و حجج الله علي العالمين، و سادة المؤمنين، و فادة الغر المحجلين، و موالي المؤمنين، و نحن أمان أهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، و نحن الذين
بنا يمسك الله السماء أن تقع علي الأرض الا باذنه، و بنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، و بنا ينزل الغيث، و بنا ينشر الرحمة، و يخرج بركات الأرض، و لو لا ما في الأرض منا لساخت بأهلها، و لم تخل الأرض منذ خلق الله أدم من حجة لله فيها، ظاه مشهورأو غائب مستور، و لا تخلو الي أن تقوم الساعة من حجة لله [ صفحه 311] فيها، و لو لا ذلك لم يعبد الله.قال سليمان: فقلت للصادق عليه السلام: فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟قال عليه السلام: كما ينتفعون بالشمس اذا سترها السحاب». [726] .5- و عن الامام الباقر عليه السلام قال: «... و نحن الذين بنا تنزل الرحمة، و بنا تسقون الغيث، و نحن الذين بنا يصرف الله عزوجل عنكم العذاب، فمن أبصرنا، و عرف حقنا، و أخذ بأمرنا فهو منا و الينا». [727] .6- و قال الامام الصادق عليه السلام: «.. كان أميرالمؤمنين عليه السلام صلوات الله عليه باب الله الذي لا يؤتي الا منه، و سبيله الذي من سلك بغيره هلك، و بذلك جرت الأئمة عليهم السلام واحدا بعد واحد، جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بهم، و الحجة البالغة علي من فوق الأرض و من تحت الثري». [728] .و كل هذا يدل بما لا يقبل الشك علي أن نفس وجودهم عليهم السلام تترتب عليه فوائد أعظم من فائدة مشاهدتهم و الوصول اليهم؛ لأن في هذا [ صفحه 312] الوجود ضمان لبقاء العالم «فاذا ذهب أهل بيتي، ذهب أهل الأرض».و يؤكد هذا المعني قول الامام الصادق عليه السلام: «لو بقيت الأرض بغير امام لساخت»، [729] و غيره من الأحاديث الأخري التي تقدمت في القاعدة الرابعة من قواعد الفصل الأول
من الباب الأول.و لهذا قرب الامام الصادق عليه السلام صورة الانتفاع بالامام الغائب عليه السلام بمثال الشمس و هو مثال محسوس لا ينكر صحته أحد، و قد مر في حديث الأعمش، عنه عليه السلام.هذا زيادة علي وجود منافع أخر مترتبة علي وجود الامام عليه السلام لها ارتباط مباشر بحياة الناس جميعا، كعدم المؤاخذة بالعقاب العاجل، و قد أشار القرآن الكريم الي هذه الحقيقة مبينا أهمية الحجة و هي في زمان نزول القرآن منحصرة برسول الله صلي الله عليه و آله، و بعده بأهل بيته عليهم السلام، قال تعالي: (و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون)، [730] فجعل سبحانه وجود النبي صلي الله عليه و آله سببا في تأجيل عقاب المستحقين للعقوبة، فكذلك الحال في وجود الامام المهدي عليه السلام.و ثمة شي ء آخر و هو ما يثار بين فترة و أخري و خلاصته: ان الامامية تقول بعدم الفرق بين الرسول صلي الله عليه و آله و الأئمة عليهم السلام الا من جهة الوحي؛ لأن الغرض من وجود النبي صلي الله عليه و آله هو نفسه في وجود الامام، و ان النبي قد تعرض لأجل تبليغ الأحكام الي ما تعرض بخلاف الامام المهدي عند [ صفحه 313] الشيعة الذي لم يتصد لكل ذلك، و انما غاب منذ نعومة أظفاره و لم يزل! و الجواب نقضا و حلا:أما النقض: فأن النبي صلي الله عليه و آله قد أخفي دعوته عن عامة الناس الا الأقرب فالأقرب، و لم يجاهر بها لمدة ثلاث سنين، [731] و هذا لا ينكره الا مكابر، و هو في كلتا الحالتين نبي مرسل.و أما الحل: فأن هذا قياس مع الفارق؛ لأن الرسول
صلي الله عليه و آله مؤسس للدين فيجب عليه التبليغ و الدعوة الي نفسه ابتداء بخلاف الامام؛ اذ لا يجب عليه تبليغ الأحكام و لا الدعوة لنفسه، لأن الحجة تمت علي الناس بدعوة الرسول صلي الله عليه و آله اليه، فالواجب علي الناس اذن أن يذهبوا الي الامام و يتفحصوا عن معرفته و أخذ الأحكام منه.ففي الصحيح، عن هشام بن سالم قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالي: (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا [ صفحه 314] تعلمون)، [732] من هم؟ قال عليه السلام: نحن، قال، قلت: علينا أن نسألكم؟ قال: نعم، قال، قلت: عليكم أن تجيبونا؟ قال: ذلك الينا». [733] .و في الصحيح، عن زارة، عن أبي عبد الله عليه السلام، مثله. [734] .و أما لو تخلت الناس عن هذا الواجب، و بقي الامام وحده، يخاف عدوه، و يخشي فتكه، فما المانع من تدخل الله عزوجل في غيبته، باعتبارها السبب الأصلح الذي يحفظ الهدف الأسمي من وجوده؟و بهذا نكون قد فرغنا من الاجابة - علي آخر الشبهات المثارة حول العقيدة المهدوية الحقة، و بها تم البحث، و قد وافق الفراغ منه يوم السبت الخامس و العشرين من شهر شوال 1424 ه، ذكري شهادة الامام الصادق عليه السلام.و الحمد لله أولا و آخرا و صلي الله علي نبينا محمد أشرف الأنبياء و المرسلين و علي آله الغر الهداة الأطهار الميامين [ صفحه 315]
اكتسب غيبة الامام المهدي عليه السلام أهمية خاصة باعتبارها واحدة من أمهات المسائل الكبري في تاريخ الفكر الشيعي؛ لارتباطها العضوي بعقيدة النص و التعيين من جهة، و اتصالها الوثيق بحياتنا المعاصرة من جهة أخري، فضلا عما تركته من مسائل تعبدية محضة تقوم
علي أساس فكرة الانتظار، مما انعكس هذا بطبيعته علي سلوك المنتظر و تصرفه، و اطراد هذا علي مجمل علاقاته بالفرد و المجتمع و الدولة.و لثراء مفهوم الغيبة بحيث طفح علي لسان الشريعة بشكل واضح، حتي كتبت مصنفات كثيرة في الغيبة قبل أوانها. صار استجلاء عمقها، و بيان أصالتها مفروضا في بحث كهذا، الأمر الذي أدي الي رصد المنهج الذي استخدمه الامام الصادق عليه السلام في موضوع الغيبة قبل حدوثها علي أرض الواقع، و ما سبق ذلك من محاولة اعادة تشكيل وعي الأمة من جديد، و تعبئة أكبر ما يمكن من طاقات أفرادها للنهوض بمهمة التغيير الكبري، علي أثر ما حصل في ظل الدولتين (الأموية، و العباسية) من انحراف خطير، كان من جملته بروز دعاوي المهدوية الباطلة التي أدركها الامام الصادق عليه السلام و عاصر بعضها.و من هنا قام الامام الصادق عليه السلام بمسؤليته - كامام مفترض الطاعة - [ صفحه 316] خير قيام، فبين أولا زيف تلك الدعاوي، و قام بتمهيد المفهوم الصحيح للغيبة و الغائب؛ اذ وجد عليه السلام أن معني غياب الامام المهدي عليه السلام عن الساحة فجاة - ما لم يتم التمهيد له و بشكل مكثف - يعني تشتت القاعدة أو تشر ذمها. فكان لابد من ترويض القاعدة علي قبول الغيبة عند حدوثها. و هو ما قام به الامام الصادق عليه السلام و أوضحه بجلاء. و قد تبين هذا في البحث بنوع من التفصيل.و من ثم، فان الاخبار عن الشي ء قبل حدوثه كان ظاهرة معروفة في عهود أهل البيت عليهم السلام كافة، و لم تكن ظاهرة جديدة في اخبارات الامام الصادق عليه السلام، الأمر الذي تطلب منا التعرض الي ابطال ما قد يدعي من أن نسبة اخبار أولياء الله
عزوجل بالشي ء قبل حدوثه الي علم الغيب المنفي عن غير الله تعالي، بمخالفة تلك النسبة لما هو عند جميع المسلمين، زيادة علي ما فيها من انكار لشي ء مادي ملموس، و هو الكتب المؤلفة في الغيبة قبل حصولها بزمان كثير. فضلا عن كثرة شهادات المتقدمين من أعلام الامامية - في الغيبة الصغري أو بعدها - علي وجود تلك الأخبار في الكتب المؤلفة قبل زمان الغيبة بعشرات السنين، زيادة علي نقل بعضهم من هذه الكتب، و تسميتها، و تسمية مؤلفيها صراحة، و هو ما سجله البحث موثقا.كما برهن البحث علي أن الامام الصادق عليه السلام لم يقتصر في التمهيد لمفهوم الغيبة بما لا يمكن معه معرفة من هو الغائب بالتحديد؛ كما قد يدعي أن أحاديث الغيبة عند الامام الصادق عليه السلام قد اتصفت بالاجمال و لم تشخص غائبا معينا!! و انما تناول عليه السلام في عرض مكونات الوحدة [ صفحه 317] الموضوعية للغيبة مسائل شتي، حتي صار معها الاجمال الوارد في بعض أحاديثه عليه السلام مختزنا للتفصيل، و عاد في غني عما يوضحه من الخارج؛ لوضوح عدم انطباق أي من تلك المكونات التي وصفت بالاجمال - كحديث الغيبتين و غيره - علي شخص آخر غير الامام الثاني عشر عليه السلام.هذا فضلا عما قام به الامام الصادق عليه السلام من دفع مضنة الاختلاف في الاجمال في دلالته علي شخص معين، فثبت أولا أصل القضية المهدوية، ثم بين حكم من أنكر هذا الأصل، و أكد وقوع الغيبة بالامام الثاني عشر من أهل البيت عليهم السلام، و أمر بعدم انكارها، و نهي عن الانحراف في زمانها، و لزوم التصديق بها، و وجوب الثبات علي الولاية في زمن الغيبة، مع التصريح بوجود غيبتين للامام المهدي عليه السلام: قصيرة و
طويلة، و الكشف عن حال الناس فيهما، و وجوب الانتظار، و تبيين من هو الغائب جملة و تفصيلا، بالانطلاق من كونه من ذرية رسول الله صلي الله عليه و آله، من ولد علي و فاطمة عليهماالسلام، و أنه التاسع من ولد الامام الحسين عليهم السلام، و هو ثاني عشر الأئمة عليهم السلام، و من ولده، من ذرية ابنه موسي بن جعفر عليهماالسلام، مع تأكيد كونه الخامس من ولد السابع، و التصريح بخفاء ولادته، و شك الناس فيها، و الاشارة الي ما سيجري عليه من أقرب المقربين اليه، و تشبيه ذلك بما جري ليوسف الصديق عليه السلام عل ييد أخوته، ثم بيان هويته الكاملة بكل دقة و تفصيل بذكر اسمه الصريح، و كنيته، و اسم أبيه، و بيان حسبه الزكي، و نسبه الشريف.و لم تفت الامام الصادق عليه السلام الاجابة المحكمة علي ما سيثار - في [ صفحه 318] مستقبل الأيام - حول العقيدة المهدوية من شبهات و أوهام؛ ليعبر عليه السلام بهذا عن حرصه البالغ علي وصول هذه الحقيقة المهدوية الي أجيال الأمة صافية ناصعة، لتطل عليهم كالشمس في اشراقتها، منذ أن وقف التاريخ علي أعتاب قدسها ليشها سنا نورها، و الي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.و هكذا استوعبت غيبة الامام المهدي عند جده الامام الصادق عليهماالسلام الاجابة الشافية علي جميع ما يحيط بها من تساؤلات؛ اذ لم يدع عليه السلام ملحظا كليا أو جزئيا في قضية الغيبة و الغائب الا و قد تعرض لبيانه بكل دقة و تفصيل، و لم يذر عليه السلام نقطة استفهام واحدة حول هذا الموضوع بلا جواب محكم. الأمر الذي قام عليه البحث و برهن لعيه في فصوله السابقة.
[1] فروع الكافي: الكليني 8:208:6 كتاب
الصيد، باب صيد الزاة و الصقور، و الفقيه: الصدوق 932:204:3، و التهذيب: الشيخ الطوسي 129:32:9، و الاستبصار: الشيخ الطوسي 265:72:4.
[2] فروع الكافي 1:207:6، من الباب السابق، و التهذيب 130:32:9، و الاستبصار 266:72:4.
[3] فروع الكافي 2:32:3 باب مسح الخفين من كتاب الطهارة، و 2:217:2 باب التقية، و المحاسن: البرقي: 309:259، و الخصال: الصدوق 79:32.
[4] صحيح البخاري 164:4 باب الاستخلاف من كتاب الأحكام، و صحيح مسلم 119:2 باب الناس تبع لقريش من كتاب الامارة أخرجه من تسعة طرق، و مسند أحمد 90:5 و 93 و 97 و 100 و 106 و 107. و اكمال الدين الشيخ الصدوق 16:270:1 و 19:272:1، و الخصال الشيخ الصدوق 469:2 و 475.
[5] أصول الكافي 5:303:1، و 3،2،1:308:1 و 2:378:1، و روضة الكافي 123:29:8، و الامامة و التبصرة من الحيرة الصدوق الأول 69:219 و 70 و 71، و قرب الاسناد الحميري: 1260:351، و بصائر الدرجات الصفار: 259 و 509 و 510، و اكمال الدين 2: 412- 413: 10 و 11 و 12 و 15 باب 39، و رجال الكشي في ترجمة سالم بن أبي حفصة: 235 رقم الترجمة (428). و نحوه في صحيح البخاري 13:5 باب الفتن، و صحيح مسلم 6: 21- 22: 1849، و مسند أحمد 83:2 و 446:3 و 96:4، و المعجم الكبير الطبراني 10687:350:10، و مسند الطيالسي: 259، و مستدرك الحاكم 77:1، و سنن البيهقي 156:8 و 157.
[6] سيأتي تخريج حديث الثقلين الشريف في الفصل الثاني من الباب الأول في هذا البحث.
[7] رواه الفضل بن شاذان في اثبات الرجعة كما في مختصره: 6:208، عن ابن أبي عمير، عن غياث بن ابراهيم، عن الامام الصادق عليه السلام. و أخرجه الصدوق بسند صحيح،
عن ابن أبي عمير، عن غياث، عنه عليه السلام. اكمال الدين 1: 240- 241: 64 باب 22، و عيون أخبار الرضا عليه السلام 55:60:1، و معاني الأخبار: 4:90 باب معني الثقلين و العترة.
[8] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي: 111.
[9] سنن أبي داود 4283:107:4، و مسند أحمد 99:1، و مصنف ابن أبي شيبة 19494:198:15. [
[10] سنن أبي داود 4385:107:4، و مصنف عبد الرزاق 20773:372:11.
[11] سنن ابن ماجة 4086:1386:2 باب 34، و سنن أبي داود 4284:107:4، و مستدرك الحاكم 557:4، و المعجم الكبير الطبراني 566:267:23.
[12] عقد الدرر: 56 باب 1، و فرائد السمطين 2: 325- 326: 575 باب 61، و المنار المنيف ابن القيم 339:148 فصل 50، و كشف الغمة الاربلي 259:3.
[13] راجع كتابنا: المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي: 32-26.
[14] راجع كتابنا: دفاع عن الكافي 434:1-435 تحت عنوان: (من قال بصحة أحاديث المهدي عليه السلام أو تواترها من أهل السنة).
[15] أمالي الشيخ الصدوق: 4:320:287 مجلس 39.
[16] صحيح البخاري 204:4 باب نزول عيسي عليه السلام.
[17] صحيح مسلم 242:135:1 و 244 و 245 و 246 باب نزول عيسي عليه السلام حاكما بشريعة نبينا محمد صلي الله عليه و آله.
[18] صحيح مسلم 247:135:1 من الباب السابق.
[19] سنن الترمذي 2896:152:5.
[20] الحاوي للفتاوي: السيوطي 78:2.
[21] الحاوي للفتاوي 81:2.
[22] تفسير القمي 158:1، و انظر: الدر المنثور السيوطي 734:2.
[23] المصنف ابن أبي شيبة 1949:198:15.
[24] كتاب الغيبة النعماني:248 - 1:247 باب 14.
[25] روضة الكافي الكليني 10:42:8.
[26] تهذيب الآثار الطبري - كما في الحاوي للفتاوي السيوطي 66:2.
[27] سنن أبي داود 4290:108:4.
[28] مختصر سنن أبي داود المنذري 4121:162:6.
[29] تهذيب التهذيب ابن حجر العسقلاني 100:56:8.
[30] انظر كتابنا: المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي: 62 ففيه بطلان حديث أبي داود من سبعة وجوه.
[31] الروض الانف السهيلي
431:2، و عقد الدرر المقدسي الشافعي: 209، و الحاوي للفتاوي السيوطي 244:2، قال: «و أخرج أبوبكر الاسكاف في فوائد الأخبار، عن جابر بن عبد الله... ثم ساق الخبر».
[32] ذكره في أول كتاب البرهان فقال في ص 67 منه: «و طائفة من بلاد الهند يعتقدون شخصا شريفا ولد في الهند اسمه: السيد محمد بن سيدخان الجونفوري - رحمه الله و له نحو أربعين سنة - أنه هو المهدي الموعود به في آخر الزمان» و كتاب البرهان ألفه كرد علي ضلالة هذه الطائفة.
[33] البرهان في علامات مهدي آخر الزمان المتقي الهندي 177.
[34] البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: 179-178.
[35] البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: 180.
[36] البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: 181.
[37] البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: 182.
[38] البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: 183.
[39] اكمال الدين الصدوق 1:333:2 باب 33.
[40] اكمال الدين 8:412:2 باب 39.
[41] سورة الاسراء: 71:17.
[42] أصول الكافي1: 536- 537: 3 باب ان الأئمة عليهم السلام كلهم قائمون بأمر الله تعالي هادون اليه.
[43] أصول الكافي 2:536:1، و الارشاد 384:2.
[44] الارشاد 383:2، و كشف الغمة 3: 255-254.
[45] أنظر الحديث في أصول الكافي 1:536:1 من الباب السابق.
[46] سورة الأنعام 158:6.
[47] اكمال الدين 18، من المقدمة. و أخرجه الشيخ الصدوق من طريق صحيح آخر، عن علي بن رئاب، عن الامام الصادق عليه السلام في اكمال الدين: 30، من المقدمة أيضا.
[48] سورة البقرة: 145:2.
[49] اكمال الدين 2: 412- 413: 12 باب 39.
[50] سورة البقرة: 85:2.
[51] سنن الترمذي 3786:662:5.
[52] مسند أحمد 17:3 و 26 و 59، و فضائل الصحابة له أيضا 990:585:2 و 1382:779:2، و السنة لابن أبي عاصم 2: 1023- 1024: 1597 و 1598، و مسند أبي يعلي
الموصلي 1017:6:2، و 2: 8- 9: 1023، و مسند ابن الجعد 2711:397:1، و الطبقات الكبري لابن سعد 194:2، و المصنف لابن أبي شيبة 27:176:7، و معاجم الطبراني الثلاثة: الكبير3: 65- 66: 2678 و 2679، و الصغير 131:1 و 135، و الأوسط 4: 262- 263: 3463 و 3566:328:4، و فرائد السمطين 2: 144- 146: 438 و 439 و 440 باب 33.
[53] تأويل الآيات الظاهرة للاسترآبادي: 616، و اكمال الدين 46:235:1، و 1: 237- 238: 54 و 57، و 61:240:1 باب 22، و معاني الأخبار: 1:90 و 2 باب معني الثقلين، و الخصال: 97:65، و أمالي الشيخ المفيد: 3:134 مجلس 136، و أمالي الشيخ الطوسي: 460:255، (529) مجلس 9.
[54] أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة 1026:2، و البزار في مسنده 864:89:3، و الطحاوي في مشكل الآثار 2: 211- 212: 1900، و الحمويني الشافعي في فرائد السمطين 437:144:2 باب 33. و رواه من الامامية: الكليني في اصول الكافي 1:414:2، و الصدوق في اكمال الدين 19:235:1 و 54:237:1 و 58:239:1 و 24:240:1 باب 22، و كذلك في عيون أخبار الرضا عليه السلام 25:57:1 باب 6 و 40:34:2 باب 31، و 259:68:2، و معاني الأخبار: 9- 91: 4 و 5، و الشيخ النعماني في كتاب الغيبة: 42.
[55] أخرجه الشيخ المفيد في أماليه: 4:348 مجلس 41، و الشيخ الطوسي في أماليه: 188:121 مجلس 5، و 469:691 مجلس 39، و الخزاز في كفاية الأثر: 162، و الطبري في بشارة المصطفي: 106.
[56] أخرجه الصفار في بصائر الدرجات 413- 414: 3 و 6 باب 17، و ثقة الاسلام الكليني في فروع الكافي 6:422:3 باب تهيئة الامام للجمعة، و الكشي في رجاله 218:219:1 في ترجمة
ثوير بن أبي فاختة، و الشيخ الصدوق في معاني الأخبار 59:58، و عماد الدين الطبري في بشارة المصطفي: 12.
[57] أخرجه الشريف الرضي في خصائص الأئمة: 72.
[58] أخرجه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 1:228:1 باب 23، و الأمالي: 1:522 مجلس 79.
[59] أخرجه الترمذي في سننه 5: 662- 663: 3786، و الطبراني في المعجم الكبير 2680:66:3 و 4754:380:5، و ابن أبي شيبة في المصنف 27:175:7، و اللالكائي في اعتقاد أهل السنة 95:81:1. و أخرجه من الامامية: الصفار في بصائر الدرجات: 5:414 باب 17، و الصدوق في اكمال الدين 53:236:1 باب 22، و الشيخ الطوسي في أماليه: 1131:516، (38) مجلس 18.
[60] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 3: 180- 181: 3025، و الخطيب البغددي في تاريخ بغداد 4551:442:8 في ترجمة زيد بن الحسن الأنماطي، و أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء 57:355:1 في ترجمة حذيفة بن أسيد. و أخرجه من الامامية: الخزاز في كفاية الأثر: 127، و الصدوق في الخصال: 98:65 من أربعة طرق.
[61] أخرجه مسلم في صحيحه 4: 1492- 1493: 2408 (36) و (37)، و ابن خزيمة في صحيحه 4: 62- 63: 2357، و النسائي في خصائص الامام علي عليه السلام: 117- 120: 79، و أحمد بن حنبل في مسنده 366:4 و 371، و في فضائل الصحابة أيضا 968:572:2، و الدارمي في سننه 3316:524:2، و ابن أبي عاصم في السنة 2: 1022- 1023: 1595 و 1596، و 2: 1025- 1026: 1599، و ابن أبي شيبة في المصنف 27:176:7، و الطبراني في المعجم الكبير 5: 166- 167: 4969 و 4971، و 5: 169- 170: 4980 و 4981، و 5: 182- 184: 5025 و 5027 و 5028، 5: 186:
5040 و الحاكم في المستدرك علي الصحيحين 4576:118:3، و 3: 160- 161: 4711، و الطحاوي في مشكل الآثار 4: 250- 254: 3796 و 3797 باب 548، و البيهقي في كتاب الاعتقاد 325:1، و السنن الكبري أيضا 114-113:10، و الخوارزمي الحنفي في المناقب: 154 و 182، و الرافعي في التدوين في أخبار قزوين 52:465:3. و أخرجه من الامامية: الصدوق في اكمال الدين 44:234:1 و 45، و 1: 237- 240: 54 و 55 و 56 و 62 باب 22 من ستة طرق.
[62] أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده 190:5، و في فضائل الصحابة له أيضا 786:2، و ابن أبي عاصم في السنة 772:509:1، و 1593:1021:2، و ابن أبي شيبة في المصنف 41:418:7، و الطبراني في المعجم الكبير 5: 153- 154: 4921 و 4922 و 4923، و الحمويني في فرائد السمطين 437:144:2 باب 33. و أخرجه من الامامية: ابن شاذان في مائة منقبة: 86:161، و الصدوق في اكمال الدين 52:236:1 باب 22، و 60:239:1 باب 22، و الأمالي: 686:500، (15) مجلس 64.
[63] أخرجه علي بن ابراهيم في تفسيره 109:1 في تفسير سورة آل عمران، و الشيخ الصدوق في اكمال الدين 1: 236- 239: 52 و 59 و 60 باب 22، و الخصال 2:457:2، و الأمالي: 686:500، (15) مجلس 64.
[64] أخرجه الخزاز القمي في كفاية الأثر: 87.
[65] أخرجه الشيخ الطوسي في أماليه: 1045:478، (14) مجلس 17.
[66] أخرجه عماد الدين الطبري في بشارة المصطفي: 136.
[67] أخرجه الخزاز في كفاية الأثر: 136، و السيد ابن طاوس في اقبال الأعمال: 454.
[68] أخرجه الشيخ الصدوق في أماليه 11:64 مجلس 15، و الشيخ المفيد في أماليه 45- 47: 6 مجلس 6، و ابن شاذان
القمي في مائة منقبة: 75:143.
[69] أخرجه الخزاز في كفاية الأثر 91.
[70] لسان العرب ابن منظور 538:4 (عتر).
[71] سنن الترمذي 5: 662- 663: 3786 باب مناقب أهل البيت عليهم السلام.
[72] الفوائد المنتقاة و الغرائب الحسان عن الشيوخ الكوفيين محمد بن علي الصوري 73.
[73] كنز العمال 1650:379:1.
[74] راجع: صحيح ابن خزيمة 3:1 من المقدمة.
[75] انظر: الاقبال السيد ابن طاوس 2: 240-239.
[76] تهذيب اللغة الأزهري 157:2 (عتر).
[77] مستدرك الحاكم 4567:118:3 كتاب معرفة الصحابة- ذكر مقتل عثمان، و 3: 160- 161: 4711 و 6272:613:3.
[78] الاقبال السيد ابن طاوس 239:2 الفصل 2.
[79] مصابيح السنة البغوي 4: 4800:185، و 4816:189:4 باب مناقب أهل البيت عليهم السلام، و شرح السنة البغوي 3913:117:14 و 3914:118:14.
[80] تذكرة الخواص سبط بن الجوزي 290.
[81] لسان العرب ابن منظور 538:4 (عتر).
[82] تحفة الأشراف المزي 3659:193:3.
[83] تلخيص المستدرك الذهبي 533:3 (مطبوع بهامش مستدرك الحاكم).
[84] السيرة النبوية ابن كثير 168:4، و تفسير القرآن العظيم ابن كثير 185:7 في تفسير الآية (23) من سورة الشوري المباركة، و البداية و النهاية ابن كثير أيضا 5: 229-228، و 231:5.
[85] مجمع الزوائد الهيثمي 170:1، و 9: 163-162.
[86] مختصر اتحاف السادة المهرة البوصيري 8: 461، و 194:9.
[87] المطالب العالية ابن حجر العسقلاني 3972:65:4.
[88] استجلاب ارتقاء الغرف السخاوي 122-88 بعنوان: «حديث الثقلين».
[89] مسند الامام علي عليه السلام السيوطي 605:192، و جامع الأحاديث السيوطي 7863:255:16، و الخصائص الكبري السيوطي 466:2، و الدر المنثور السيوطي أيضا 702:5 في تفسير الآية (23) من سورة الشوري المباركة.
[90] جواهر العقدين السمهودي 231 و 232 و 234 و 236 و 238 و 246 و قال في هذا المورد الأخير: «و هو كثير الطرق جدا و قد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، و كثير
من أسانيدها صحاح و حسان».
[91] سبل الهدي و الرشاد في سيرة خير العباد محمد بن يوسف الشامي 6:11.
[92] الصواعق المحرقة ابن حجر الهيتمي 42 و 43 و 44 و 145 و 149 و 150 و 228.
[93] فيض القدير شرح الجامع الصغير المناوي 1608:174:2.
[94] السيرة الحلبية الحلبي 384:3.
[95] نزل الأبرار بما صح من مناقب أهل البيت الأطهار البدخشاني 33.
[96] دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب السندي 233.
[97] اتحاف السادة المتقين الزبيدي 534:14.
[98] الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير الصنعاني 39:1.
[99] ينابيع المودة 44:120:1 و 45، و 191:432:2،48:121:1، و غيرها. [
[100] روح المعاني الآلوسي الوهابي 197:11 في تفسير الآية (33) من سورة الأحزاب المباركة.
[101] محاسن التأويل القاسمي 307:14.
[102] مختصر التحفة الاثني عشرية محمود شكري الآلوسي 52.
[103] القول المستحسن في فخر الحسن المولوي حسن زمان 594.
[104] صحيح الجامع الصغير الألباني الوهابي 1351:286:1، و 2457:482:1 و 2458، و سلسلة الأحاديث الصحيحة الألباني الوهابي أيضا، رقم الحديث (1761).
[105] عمدة القاري ء في شرح صحيح البخاري العيني 5:1.
[106] فيض الساري علي صحيح البخاري الكشميري الديوبندي 57:1.
[107] كشف الظنون حاج خليفة 641:1.
[108] وفيات الأعيان ابن خلكان 208:4.
[109] شرح الزرقاني علي المنظومة البيقونية لأبي الفتوح البيقوني: 59-57، القسم الأول (الحديث الصحيح)، و فيض الساري 57:1.
[110] راجع: حديث الثقلين السيد علي الحسيني الميلاني. (كتبه ردا علي بعض من تخرص باطلا بشأن حديث الثقلين الشريف).
[111] الثابت هو أن حديث الثقلين الشريف قد أكده رسول الله صلي الله عليه و آله علي امته في أكثر من مكان و زمان؛ فمرة في حجة الوداع كما في حديث جابر، و اخري عند منصرفه من الطائف كما في حديث عبد الرحمن بن عوف، و ثالثة في الجحفة قرب غدير خم
كما في حديث زيد بن أرقم و غيره، و رابعة في مرض موته صلي الله عليه و آله كما في حديث ام سلمة و قد امتلأت الحجرة من أصحابه، و خامسة في المسجد النبوي الشريف قبل وفاته صلي الله عليه و آله بيومين أو ثلاثة، و غيرها كما يتضح من مراجعة مصادر الحديث السابقة.
[112] تفسير الطبري 22: 5-7، و الجامع لأحكام القرآن القرطبي المالكي 182:14، و تفسير ابن كثير 492:3، و الدر المنثور السيوطي 604-603:3، و فتح الغدير الشوكاني 279:4 كلهم في تفسير آية التطهير، و انظر: سنن الترمذي 3871:699:5 و مستدرك الحاكم 426:2.
[113] سورة الأحزاب 33:33.
[114] راجع: الأحاديث الواردة في وقوف النبي صلي الله عليه و آله علي باب فاطمة عليهاالسلام و هو يقرأ آية التطهير في تفسير الطبري 6:22.
[115] راجع: الأصول العامة للفقه المقارن السيد محمد تقي الحكيم 175.
[116] اصول الكافي 9:532:1 باب 126، و اكمال الدين 4:313:1 باب 28، و ينابيع المودة 170:3 باب 94.
[117] ينابيع المودة 162:3 باب 94 و 83:2 المودة العاشرة (في عدد الأئمة، و ان المهدي منهم عليهم السلام).
[118] أصول الكافي 1:525:1 باب 126.
[119] انظر: البيان في أخبار صاحب الزمان الكنجي الشافعي: 502-501، و الفصول المهمة ابن الصباغ المالكي 296-295 فصل 120، و ينابيع المودة القندوزي الحنفي 149:3 باب 94، و في كفاية الأثر للخزاز جمع غفير من الصحابة الذين وعوا هذه الحقيقة ورووها لمن بعدهم.
[120] راجع: الأصول العامة للفقه المقارن: 118.
[121] الصواعق المحرقة: 149.
[122] اصول الكافي 3:293:1 باب الاشارة و النص علي أميرالمؤمنين عليه السلام.
[123] بصائر الدرجات 4:414:1 باب 17.
[124] روضة الواعظين القتال النيسابوري: 294 مجلس من مناقب آل محمد صلي الله عليه و آله.
[125] تفسير العياشي 9:5:1
في فضل القرآن الكريم.
[126] سورة النساء: 59:4.
[127] سورة النساء: 80:4.
[128] كتاب الغيبة النعماني 3:54:1 باب ما جاء في الامامة.
[129] مختصر التحفة الاثني عشريه الآلوسي 52.
[130] الخصال الشيخ الصدوق 9:608:2.
[131] الخصال 5:428:2.
[132] صحيح البخاري 164:4 كتاب الأحكام، باب الاستخلاف، و أخرجه الصدوق، عن جابر بن سمرة أيضا في اكمال الدين 19:272:1، و الخصال 469:2 و 475.
[133] صحيح مسلم 119:2- كتاب الأمارة، باب الناس تبع لقريش، أخرجه من تسعة طرق.
[134] مسند أحمد 90:5 و 93 و 97 و 100 و 106 و 107، و أخرجه الصدوق، عن ابن مسعود في اكمال الدين 16:270:1.
[135] اعلام الوري 164-163:2 الركن الرابع. أخرجه عن الدوريستي، عن أبيه، عن الصدوق، عن ماجيلويه، عن عمه، عن البرقي، عن أبيه، عن خلف بن حماد، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، عن ابن عباس، و هؤلاء كلهم من مشاهير الرواة و لم يتهم أحدهم بكذب و كلهم ما بين ثقة مشهور، أو حسن معتمد.
[136] سورة المائدة 12:5.
[137] مائة منقبة ابن شاذان 71 المنقبة رقم 41.
[138] الاختصاص الشيخ المفيد 233.
[139] اثبات الرجعة الفضل بن شاذان، كما في اثبات الهداة الحر العاملي 3: 93- 94: 809 باب 9 فصل 60.
[140] اكمال الدين 33:281:1 باب 24، و عيون أخبار الرضا عليه السلام 32:66:1 باب النصوص علي الرضا عليه السلام بالأئمة الاثني عشر عليهم السلام.
[141] اصول الكافي 1: 534- 535: 20 باب 126، و اكمال الدين 6:335:2 و ذيل الحديث نفسه أيضا.
[142] عون المعبود في شرح سنن أبي داود النوربشتي 4259:262:11.
[143] سورة المائدة 12:5.
[144] صحيح البخاري: ح (3501) كتاب المناقب، باب مناقب قريش.
[145] صحيح مسلم: ح (1820) كتاب الامارة، باب الناس تبع لقريش، و الخلافة في قريش.
[146] ينابيع المودة 105:3 باب 77
في تحقيق حديث «بعدي اثنا عشر خليفة».
[147] بحث حول المهدي السيد الشهيد محمد باقر الصدر 55-54.
[148] سورة الأنفال 75:8.
[149] اصول الكافي 1:285:1 باب ثبات الامامة في الأعقاب.
[150] اصول الكافي 4:286:1 من الباب السابق.
[151] اصول الكافي 5:286:1 من الباب السابق.
[152] اصول الكافي 3:286:1 من الباب السابق.
[153] اعلام الموقعين ابن القيم 135:2 تحت عنوان: «مضار زلة العلم».
[154] نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد 351:18، و بشرح الشيخ محمد عبده 47:691:4.
[155] راجع تخريجه في كتابنا (دفاع عن الكافي) 480-479:1.
[156] اصول الكافي 1: 136- 137: 1- 13 باب أن الأرض لا تخلو من حجة.
[157] اكمال الدين 1: 211- 241: 1- 65 باب أن الأرض لا تخلو من حجة.
[158] راجع كتابنا دفاع عن الكافي 1: 167- 611 من الباب الأول.
[159] راجع كتابنا المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي 123-119.
[160] سورة البقرة 2: 1- 3.
[161] المحاسن 151:150 باب 38 و في الباب أحاديث كثيرة بهذا اللفظ تارة، و بمعناه اخري.
[162] اصول الكافي 1:177:1 و 2 و 3 باب أن الحجة لا تقوم لله علي خلقه الا بامام.
[163] بصائر الدرجات 3:485 باب أن الأرض لا تخلو من حجة، و اصول الكافي 6:178:1 باب أن الأرض لا تخلو من حجة، و اكمال الدين 43:234:1 باب 22.
[164] اكمال الدين 40:233:1 باب 22.
[165] بصائر الدرجات 2:488 باب أن الأرض لا تبقي بغير امام، و اصول الكافي 10:179:1 باب أن الأرض لا تخلو من حجة، و الامامة و التبصرة 12:30 باب أن الأرض لا تخلو من حجة، و كتاب الغيبة النعماني 138- 139: 8 باب 8، و اكمال الدين 1:201:1 باب العلة التي من أجلها يحتاج الي الامام عليه السلام، و علل الشرائع 5:196:1 باب 153، و 16:198:1
و 18 من الباب السابق، و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 182:220.
[166] بصائر الدرجات 2:487 باب أن الأرض لا تخلو منهم عليهم السلام، و اصول الكافي 5:180:1 باب أنه لو لم يبق في الأرض الا رجلان لكان أحدهما الحجة.
[167] بصائر الدرجات 487- 488: 3 باب أن الأرض لا تخلو منهم عليهم السلام، و اصول الكافي 4:180:1 باب أنه لو لم يبق في الأرض الا رجلان لكان أحدهما الحجة، و الامامة و التبصرة 9:28 باب أن الأرض لا تخلو من حجة، و مختصر بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله القمي الشيخ حسن بن سليمان الحلي 8، و كتاب الغيبة النعماني 1:139 باب 9، و اكمال الدين 10:203:1 باب 21، و علل الشرائع 10:197:1 باب 153.
[168] الامامة و التبصرة 15:31 باب أن الأرض لا تخلو من حجة، و رجال الكشي 2: 670- 671: 698 في ترجمة ذريح المحاربي، و اكمال الدين 28:230:1 باب 22، و علل الشرائع 13:197:1 باب 53.
[169] المحاسن 1: 251- 252: 474 باب من مات و لم يعرف امام زمانه، و روضة الكافي 8: 128- 129: 123.
[170] كتاب الغيبة النعماني 6:129 باب 7.
[171] اصول الكافي 2: 19- 21: 6، و 9:21:2 باب من مات و ليس له امام من أئمة الهدي عليهم السلام، و تفسير العياشي 1: 252- 253: 175 في تفسير سورة النساء.
[172] المحاسن 476:252:1 باب من مات لا يعرف امامه.
[173] اصول الكافي 1: 378- 379: 2 باب ما يجب علي الناس عند مضي الامام عليه السلام.
[174] المحاسن 1: 252- 253: 477 باب من مات لا يعرف امامه.
[175] الامامة و التبصرة 82- 83: 79 باب من مات و ليس له امام مات ميتة جاهلية.
[176] اصول الكافي 2:376:1
باب من مات و ليس له مام من أئمة الهدي عليه السلام.
[177] اصول الكافي 1:376:1 باب من مات و ليس له امام من أئمة الهدي عليه السلام.
[178] الامامة و التبصرة 71:83 باب من مات و ليس له امام مات ميتة جاهلية، و مثله في اكمال الدين 11:412:2 باب 39.
[179] اصول الكافي 3:376:1 باب من مات و ليس له امام من أئمة الهدي عليه السلام.
[180] الافصاح في الامامة الشيخ المفيد 29-28.
[181] سورة الاسراء 71:17.
[182] سورة النساء 41:4.
[183] الرسالة الأولي في الغيبة الشيخ المفيد 12-11 مطبوعة ضمن الجزء السابع من سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد.
[184] سورة النساء 59:4.
[185] اصول الكافي 9:21:2 باب دعائم الاسلام.
[186] رجال الكشي 799:424 في ترجمة أبي اليسع عيسي بن السري.
[187] روضة الكافي 8: 128- 129: 123.
[188] اصول الكافي 4:373:1 باب من ادعي الامامة و ليس لها بأهل.
[189] بصائر الدرجات 525- 526: 32 باب 20 (من الجزء العاشر).
[190] المحاسن 194:185.
[191] اصول الكافي 1:371:1 باب انه من عرف امامه لم يضره، تقدم هذا الأمر أو تأخر.
[192] اصول الكافي 4:371:1، من الباب السابق.
[193] اصول الكافي 1: 371- 372: 5، من الباب السابق.
[194] سورة الاسراء 71:17.
[195] اكمال الدين 2: 350- 351: 46 باب 33.
[196] اكمال الدين 14:152:1 باب 6.
[197] دلائل الامامة 251.
[198] الخرائج و الجرائح 936:2 باب 17.
[199] اكمال الدين 1: 136- 137: 6 باب 3.
[200] اصول الكافي 1: 336- 337: 4 باب في الغيبة، و اكمال الدين 21:341:2 باب 33.
[201] اصول الكافي 11:338:1، باب في الغيبة.
[202] اكمال الدين 1: 316- 317: 1 باب 30.
[203] اكمال الدين 2: 345- 346: 31 باب 33.
[204] روضة الكافي 10:49:8، و انظر: أمالي الشيخ الطوسي 287- 289: 4 مجلس رقم 39.
[205] كتاب
الغيبة النعماني 274- 276: 55 باب 11.
[206] بصائر الدرجات الصفار 188- 189: 56، و الخرائج و الجرائح القطب الراوندي 691:2 باب 14.
[207] البرهان في علامات مهدي آخرالزمان المتقي الهندي 12:174 باب 12.
[208] كتاب الغيبة النعماني 46:245 باب 13.
[209] اصول الكافي 21:341:1 باب في الغيبة، و كتاب الغيبة النعماني 186- 187: 38 باب 10، و عقد الدرر المقدسي 211-210 باب 7.
[210] اكمال الدين 13:338:2 باب 33.
[211] اكمال الدين 23:342:2 باب 33.
[212] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 400:421.
[213] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 23:42.
[214] اكمال الدين 2: 479- 480: 1 باب 44، و أخرجه الصدوق من طريق آخر عن أبي بصير، عن الامام الصادق عليه السلام في اكمال الدين 5:480:2 باب 44، و قد ورد نحوه من طرق أخري عن الامام الصادق عليه السلام، كرواية هشام بن سالم في اصول الكافي 27:342:1 باب في الغيبة، و رواية ابراهيم بن عمر اليماني في كتاب الغيبة للنعماني 45:191 باب 10، و رواية جميل بن صالح في اكمال الدين 2: 479- 480: 2 باب 44.
[215] اكمال الدين 4:480:2 باب 44.
[216] اكمال الدين 2: 345- 346: 7 باب 31.
[217] اكمال الدين 2: 335- 336 باب 33.
[218] كشف الغمة الاربلي 379:3 في ذكر الامام الحجة عليه السلام.
[219] اكمال الدين 1:333:2 باب 33 و أخرجه من طريق آخر عن عبد الله بن أبي يعفور 12:338:2 من الباب السابق.
[220] مقتضب الأثر 41.
[221] اكمال الدين 4:334:2 باب 33.
[222] كفاية الأثر الخزاز 260، و أخرجه عماد الدين الطبري في بشارة المصطفي: 275، عن معاوية بن وهب، قال: كنت جالسا عند جعفر بن محمد عليه السلام اذ جاء شيخ قد انحني من الكبر، فقال: السلام عليك و رحمة الله و بركاته، فقال له
أبو عبد الله: و عليك السلام و رحمة الله يا شيخ، ادن مني، فدنا منه و قبل يده و بكي... الحديث.
[223] اكمال الدين 2:333:1 باب 33، و كتاب الغيبة النعماني 179- 180: 26 باب 10، و اثبات الوصية المسعودي 227، و كفاية الأثر الخزاز القمي 281-280.
[224] سورة الأنفال 33:8.
[225] اكمال الدين 22:207:1 باب 21، و أمالي الصدوق 156- 157: 15 مجلس 34، و فرائد السمطين الجويني الشافعي 1: 45- 46: 11.
[226] أصول الكافي 10:179:1، باب أن الأرض لا تخلو من حجة، و كتاب الغيبة النعماني 8:138 باب 8.
[227] سورة النساء 59:4.
[228] اكمال الدين 3:253:1 باب 23.
[229] سورة الأنفال 33:8.
[230] سورة الاسراء 72:17.
[231] بحارالأنوار العلامة المجلسي 52: 94-93 ذيل الحديث الثامن، باب علة الغيبة و كيفية انتفاع الناس به عليه السلام.
[232] رجال النجاشي 13:15، و فهرست الشيخ الطوسي 9:39، و معالم العلماء لابن شهر آشوب 5:5.
[233] معالم العلماء 113:24.
[234] رجال النجاشي 240:97، و فهرست الشيخ 91:76، و معالم العلماء: 18:82.
[235] رجال النجاشي 206:85.
[236] رجال النجاشي 150:64.
[237] رجال النجاشي 149:64.
[238] رجال النجاشي 573:219، و فهرست الشيخ 439:167.
[239] رجال النجاشي 514:192.
[240] رجال النجاشي 741:280.
[241] رجال النجاشي 652:247.
[242] رجال النجاشي 682:260.
[243] رجال النجاشي 679:259.
[244] رجال النجاشي 1050:393.
[245] معالم العلماء 665:97.
[246] رجال النجاشي 944:350، و فهرست الشيخ 604:212، و معالم العلماء 668:99.
[247] رجال النجاشي 21:19، و فهرست الشيخ 9:39.
[248] معالم العلماء 612:88.
[249] وصفه أهل السنة بالرفض، و ادعي بعض الشيعة عاميته!! و هو ثقة امامي كما حققنا ذلك في محله.
[250] رجال النجاشي 399- 402: 1067.
[251] رجال النجاشي 1049:389.
[252] الذريعة آغا بزرگ الطهراني 292:92:3.
[253] الذريعة 406:82:16.
[254] الذريعة 400:79:16.
[255] الذريعة 375:75:16.
[256] الذريعة 403:80:16.
[257] اكمال الدين 19:1، من المقدمة.
[258] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 173.
[259]
اكمال الدين 107، من المقدمة.
[260] كشف الغمة الاربلي 3: 454-453، و دلائل الامامة الطبري 520:535.
[261] تاريخ ابن خلدون 589:1 الفصل 53.
[262] تاريخ ابن خلدون 595-594:1 الفصل 53.
[263] شرح المواقف 22:6.
[264] كشف الظنون حاجي خليفة 592-591:1 تحت عنوان: علم الجفر و الجامعة. و مفتاح السعادة كتاب ألفه طاشكبري زاده (ت 968 ه).
[265] أصول الكافي 1: 534- 535: 20، و بصائر الدرجات 2:319 باب 5، و اكمال الدين 6:335:2 باب 33، و عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 59- 60: 23 باب 6.
[266] تفسير روح المعاني الآلوسي 11:20 مبحث في: (قل لا يعلم من في السموات و الأرض الغيب الا الله) سورة النمل 65:27.
[267] اصول الكافي 9:338:1، و 18:340:1 باب في الغيبة.
[268] اكمال الدين 35:347:2 باب 33، و اصول الكافي 1: 338- 339: 11 باب في الغيبة، و 3:336:1 من الباب السابق، و كتاب الغيبة النعماني 151- 153: 9 و 10، و دلائل الامامة 532- 533: 512، و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 337- 338: 285. و التنوين في (سنين) علي لغة بني عامر، فلاحظ.
[269] سورة المجادلة 22:58.
[270] اكمال الدين 2: 352- 357: 50 باب 33، و ينابيع المودة القندوزي الحنفي 3: 310- 311: 2 باب 80.
[271] مختصر اثبات الرجعة الفضل بن شاذان 216- 217: 18.
[272] سورة الانشقاق 19:84.
[273] علل الشرائع الشيخ الصدوق 7:245:1 باب 179، و اكمال الدين 2: 480- 481: 6 باب 44.
[274] كتاب الغيبة النعماني 14:155 باب 10، و أخرجه قبل هذا عن زائدة بن قدامة، عن بعض رجاله عن الامام الصادق عليه السلام في الحديث رقم 13 من الباب المذكور.
[275] دلائل الامامة 455:468 (59).
[276] كتاب الغيبة النعماني 172- 173: 7 باب 10، و دلائل الامامة 520:535،
و كشف الغمة 454-453، و اثبات الرجعة للفضل بن شاذان كما في مختصره للشيخ الحر العاملي 195، و اعلام الوري الطبرسي 2: 258- 259.
[277] كتاب الغيبة النعماني 3:171 باب 10.
[278] اكمال الدين 8:323 باب 18.
[279] دلائل الامامة 506:530.
[280] كتاب الغيبة النعماني 15:175 باب 10.
[281] أصول الكافي 12:339:1 باب في الغيبة، و نحوه في 1: 337- 338: 6 من الباب السابق، و كتاب الغيبة النعماني 175- 176: 16 باب 10، و دلائل الامامة 509:531، و 477:482 و نحوه في اصول الكافي 1: 337- 338: 6 باب في الغيبة، و اكمال الدين 33:346:2 باب 33، و 49:351:2 باب 33، و 7:440:2 باب 43 و كتاب الغيبة النعماني 13:175 و 14 باب 10، و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 119:161.
[282] اصول الكافي 19:340:1، و كتاب الغيبة النعماني 1:170 و 2 باب 10 من طريقين.
[283] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 46:54، و فيه «قال: و حدثني عبد الله بن جبلة...الخ»، و القائل هو العلوي المذكور؛ اذ صرح الشيخ - قبل ذلك - بالنقل من كتابه. راجع كتاب الغيبة ص 43.
[284] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 423- 424: 407.
[285] كتاب الغيبة النعماني 6:172 باب 10.
[286] كتاب الغيبة النعماني 172 ذيل الحديث السادس باب 10.
[287] اصول الكافي 20:340:1 باب في الغيبة.
[288] كتاب الغيبة النعماني 171- 172: 5 باب 10، و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 60:61، و 120:162، و عقد الدرر المقدسي الشافعي 179-178 باب 5، و البرهان المتقي الهندي 171- 172: 4.
[289] سورة الشعراء 227:26.
[290] اكمال الدين 6:411:2 باب 39، و اعلام الوري الطبرسي 227:2 الفصل الثاني.
[291] اصول الكافي 10:338:1 و 15:340:1 باب الغيبة، و كتاب الغيبة النعماني 42:188 باب 10، و كتاب الغيبة
الشيخ الطوسي 160- 161: 118.
[292] اكمال الدين 40:349:348:2 باب 33، و كتاب الغيبة النعماني 4:159 باب 10.
[293] كتاب الغيبة النعماني 3:158 باب 10، و اصول الكافي 28:342:1 باب الغيبة.
[294] اكمال الدين 41:349 باب 31، و كتاب الغيبة النعماني 6:159 باب 10.
[295] اكمال الدين 44:350:2 باب 33.
[296] اكمال الدين 55:358:2 باب 33، و معاني الأخبار الشيخ الصدوق 1:112 باب معني طوبي.
[297] اصول الكافي 1: 335- 336: 1 باب في الغيبة، و كتاب الغيبة النعماني: 11:169 باب 10، و اكمال الدين 25:343:2 باب 33، و اثبات الوصية المسعودي 267، و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 465:455، و القتاد: شجر صلب، شوكه كالابر. و خرط القتاد: مثل يضرب عند ارتكاب صعائب الامور.
[298] سنن الترمذي 3571:565:5 باب 116، و المعجم الكبير الطبراني 10: 124- 125: 1008.
[299] اكمال الدين 6:287:2 باب 25، و الجامع الصغير السيوطي 2719:417 عن ابن عساكر و ابن أبي الدنيا.
[300] أمالي الشيخ الطوسي 907:405 مجلس رقم 14.
[301] مجمع البيان الطبرسي 40:3.
[302] تاريخ بغداد الخطيب البغدادي 155-154:2.
[303] تلخيص المتشابه بالرسم الخطيب البغدادي 288:1، و مسند الشهاب 46:62:1.
[304] أمالي الشجري 228:1، و مسند الشهاب 47:63:1.
[305] كتاب الغيبة النعماني 16:200 باب 11.
[306] سورة يوسف 87:12.
[307] سورة الفرقان 23:25.
[308] سورة الأنعام 158:6.
[309] اكمال الدين 54:357:2 باب 33، و ينابيع المودة القندوزي الحنفي 10:238:3 باب 271.
[310] كتاب الغيبة النعماني 15:200 باب 11.
[311] المحاسن البرقي 151:150 باب 38.
[312] اكمال الدين 8:647:2 باب 55.
[313] كتاب الغيبة النعماني 16:200 باب 11.
[314] اصول الكافي 1: 335- 336: 1 باب في الغيبة، و كتاب الغيبة النعماني 11:169 باب 10، و اكمال الدين 25:343:2 باب 33، و اثبات الوصية المسعودي 267، و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 465:455.
[315] اكمال
الدين 2: 352- 357: 50 باب 33، و ينابيع المودة القندوزي الحنفي 3: 310- 311: 2 باب 80.
[316] سورة الحديد 16:57.
[317] اكمال الدين 12:668:2 باب 58.
[318] سورة الحديد 17:57.
[319] كتاب الغيبة النعماني 24 من مقدمة المؤلف، و تأويل الآيات الاسترآبادي 14:662:2، عن الشيخ المفيد.
[320] كتاب الغيبة النعماني 24 من المقدمة (في ذيل الحديث المذكور).
[321] كتاب الغيبة النعماني 10:320 باب 21.
[322] زاد المعاد المجلسي 223.
[323] اكمال الدين 2: 351- 352: 49 باب 33.
[324] اصول الكافي الكليني 29:342:1 باب في الغيبة، و 5:337:1 من الباب السابق، و اكمال الدين 24:342:2.
[325] بحارالأنوار 69:61:86 نقله من كتاب اختيار المصباح لابن باقي.
[326] راجع: زاد المعاد المجلسي 223.
[327] فلاح السائل السيد ابن طاوس 209:309.
[328] اقبال الأعمال السيد ابن طاوس 492-490 في أدعية اليوم الحادي و العشرين من شهر رمضان.
[329] سورة الروم 41:30.
[330] سورة المعارج 70: 6- 7.
[331] زاد المعاد المجلسي 223.
[332] زاد المعاد المجلسي 223.
[333] اكمال الدين 4:287:1 باب 25، و اعلام الوري الطبرسي 226:2 الفصل الثاني، و ينابيع المودة 3: 396-49:397 باب 94.
[334] علل الشرائع الشيخ الصدوق 1: 245- 246: 8 باب 179، و اكمال الدين 2: 481- 482: 11 باب 44، و الخرائج و الجرائح القطب الراوندي 303:2، و الاحتجاج الطبرسي 956-955:2، و الصراط المستقيم البياضي 237:2.
[335] كتاب الغيبة النعماني 140- 141: 1 باب 10.
[336] اصول الكافي الكليني 29:342:1 باب في الغيبة.
[337] علل الشرائع 1:243:1 باب 179.
[338] اصول الكافي 9:338:1 و 18:340:1، و 29:342:1، باب في الغيبة.
[339] سورة الشعراء 21:26.
[340] كتاب الغيبة النعماني 11:174 باب 10.
[341] اكمال الدين 2: 479- 480: 1 و 5 باب 44.
[342] سورة المائدة 101:5.
[343] اكمال الدين 4:483:2 باب 45، و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي
247:292، و الخرائج و الجرائح 1113:3، و الاحتجاج 469:2، و اعلام الوري: 452 فصل 3: كلهم في ذكر التوقيعات الواردة من جهته عليه السلام.
[344] تأويل الآيات الاسترآبادي 2: 539- 540: 13 في تأويل الآية 34 من سورة فصلت الشريفة.
[345] سورة الانشقاق 19:84.
[346] علل الشرائع الشيخ الصدوق 7:245:1 باب 179 باب علة الغيبة، و اكمال الدين 2: 480- 481: 6 باب 44.
[347] اكمال الدين 2: 481- 482: 11 باب 44، و علل الشرائع 1: 245- 246: 8 باب 179 باب علة الغيبة.
[348] كتاب الغيبة النعماني 6:204 باب 12.
[349] كتاب الغيبة النعماني 7: 205-204 من الباب السابق.
[350] اكمال الدين 2: 347- 348: 36 باب 33.
[351] كتاب الغيبة النعماني 13:207 باب 12.
[352] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 289:340.
[353] كتاب الغيبة النعماني 6:204 من الباب السابق.
[354] كتاب الغيبة النعماني 8:205 من الباب السابق.
[355] سورة الحديد 16:57.
[356] سورة هود 40:11.
[357] سورة آل عمران 179:3.
[358] سورة الأنفال 37:8.
[359] سورة آل عمران 3: 141- 142.
[360] سورة الأعراف 187:7.
[361] بحث المتكلمون في مسائل كثيرة لم يكونوا من أهلها في ذلك الحين، و كانت تمس مستقبل الانسان و مصيره في الصميم، كما هو الحال في بحثهم مسألة البرزخ، و الصراط، و الميزان... و نحوها كثير. و الأمر هنا مختلف تماما، اذ لا يقبل جدلا و لا تأويلا، فالاخبار عن شخص بذكر اسمه و نسبه و حسبه و كنيته و لقبه و سيرته و حليته و أخلاقه و أوصافه بأنه هو المهدي الموعود به في آخر الزمان، لا يدع مجالا للمتكلمين في تأويل ذلك أو صرفه عن مدلوله، اللهم الا أن يضطرهم اعتقادهم الفاسد الي تكذيب مثل هذا الاخبار، و هو ما لم يحصل من المتكلمين في
زمان الامام الصادق عليه السلام.
[362] راجع: ما كتبه الشيخ الصدوق في مقدمة كتابه اكمال الدين و اتمام النعمة، ستجد فيها ردا واسعا علي شبهات الزيدية و المعتزلة و غيرهم في العقيدة المهدوية.
[363] راجع: تاريخ الخلفاء السيوطي 210.
[364] اختلفت الروايات في وفاة السيد محمد بن الحنفية رضي الله عنه ما بين سنة (73 و 80 و 81 و 82 و 92 و 93 ه) راجع تهذيب الكمال المزي 5484:152:26.
[365] الطبقات الكبري ابن سعد 94:5 ي ترجمة محمد بن الحنفية، و تاريخ دمشق ابن عساكر 6797:347:54، و تاريخ الاسلام الذهبي 138:188:6 في وفيات سنة (100-81 ه)، و سير أعلام النبلاء الذهبي 36:123:4 في ترجمة محمد بن الحنفية.
[366] رجال الكشي 120- 121: 192 في ترجمة أبي خالد الكابلي.
[367] ديوان كثير عزة 186:2، و مروج الذهب 88:3، و الأغاني أبو الفرج الأصبهاني 12:9 في ذكر أخبار كثير و نسبه، و عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري 543:2 من كتاب العلم و البيان.
[368] ديوان كثير 275:1، و مروج الذهب 87:3، و الأغاني 14-13:9.
[369] تهذيب الكمال 5484:150:26.
[370] مروج الذهب المسعودي 88:3.
[371] طبقات الشعراء ابن المعتز 36-22.
[372] أخبار السيد المرزباني 164.
[373] اكمال الدين 1: 35-32 من المقدمة.
[374] الفصول المختارة 241 و الارشاد 206:2.
[375] أمالي الشيخ الطوسي 1293:627، المجلس رقم 30.
[376] المناقب ابن شهرآشوب 528:3.
[377] كشف الغمة 40:2.
[378] وصفه بهذا الوصف ابن داود الحلي في رجاله 193:59، و قال العلامة في الخلاصة 50:57: «اسماعيل بن محمد الحميري، ثقة، جليل القدر، عظيم الشأن و المنزلة، رحمه الله».
[379] العقد الفريد ابن عبد ربه الأندلسي الأموي 122:4.
[380] اكمال الدين و اتمام النعمة 1: 35-32 من المقدمة.
[381] سورة النساء 143:4.
[382] رجال الكشي 314- 315: 569.
[383] رجال الكشي 568:314.
[384] رجال
الكشي 315- 316: 570.
[385] دلائل النبوة البيهقي 492:6 باب ما جاء في اخباره صلي الله عليه و آله بالشر الذي يكون بعد الخير الذي جاء به، و تاريخ دمشق 5242:155:45.
[386] الملاحم و الفتن ابن حماد 286:76.
[387] الطبقات الكبري ابن سعد 331:5، و حلية الأولياء أبو نعيم 331:254:5، و دلائل النبوة البيهقي 492:6.
[388] الطبقات الكبري ابن سعد 333:5، و تاريخ دمشق 5424:187:45.
[389] تاريخ دمشق45: 187- 188: 5424، و السنن الواردة في الفتن أبو عمر الداني 587:1073:5 باب من قال: أن المهدي عمر بن عبد العزيز، و قد جعل هذا الحديث المكذوب في أول الباب.
[390] راجع هذه الأقوال في أصول الكافي 1: 51- 53: 4 و 14 باب رواية الكتب و الحديث، و فضل الكتابة، و التمسك بالكتب، من كتاب فضل العلم.
[391] بصائر الدرجات 2:70 باب 2.
[392] الامامة و التبصرة من الحيرة الصدوق الأول 84:93 باب 23، و اثبات الوصية 226 و اكمال الدين 16:152:1 باب 6، و 6:326:1 باب 32، و 12:329:1 باب 32، و كتاب الغيبة النعماني 163- 164: 3 و 5، باب 10، و 8:228 باب 13، و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 103.
[393] كتاب الغيبة النعماني 34:240 باب 13.
[394] كامل الزيارات ابن قولويه القمي 7:196 باب 71.
[395] اثبات الوصية المسعودي 226، و كتاب الغيبة النعماني 22:234 باب 13، و 34:240 باب 13، و الارشاد 371:2 و 386.
[396] كتاب الغيبة النعماني 178- 179: 22- 24 باب 10، و دلائل الامامة 261.
[397] كتاب الغيبة النعماني 14:231 باب 13.
[398] الأصول الستة عشر 63، و روضة الكافي 597:324:8، و رجال الكشي: 390:217، و تفسير فرات الكوفي: 44، و كتاب الغيبة النعماني 238- 239: 30 باب 13، و كتاب
الغيبة الشيخ الطوسي 282.
[399] سنن الدار قطني 10:65:2، و التذكرة في أحوال الموتي و الآخرة القرطبي 703:2، و بصائر الدرجات 17:24 باب 11، و اكمال الدين 18:653:2 باب 57.
[400] اصول الكافي 1:231:1 باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء عليهم السلام من كتاب الحجة، و علل الشرائع 3:161 باب 129، و كتاب الغيبة النعماني 1:283 باب 15، و 1:320 باب 22، و دلائل الامامة 241، و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 283.
[401] دلائل الامامة 249، و الخرائج و الجرائح 78:862:2 باب 20.
[402] علل الشرائع 1:160 باب 129، و دلائل الامامة 239.
[403] عقد الدرر المقدسي الشافعي 110 باب 4 فصل 3، و روضة الكافي 255:178:8، و الارشاد 370:2، و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 114 و 265، و كشف الغمة الاربلي 248:3، و الخرائج و الجرائح 1157:3 باب 20.
[404] الأصول الستة عشر 79، و الارشاد 347:2.
[405] كتاب الغيبة النعماني 35:184 باب 10، و دلائل الامامة 258.
[406] كتاب الغيبة النعماني 3:163 باب 10.
[407] اصول الكافي 16:342:1 باب في الغيبة، من كتاب الحجة، و اثبات الوصية: 223-222، و اكمال الدين 2:325:1 باب 32، و كتاب الغيبة النعماني: 7:167 باب 10، و 10:169 باب 10، و 3:228 و 9 باب 13.
[408] اصول الكافي 5:370:1 باب التمحيص و الامتحان، من كتاب الحجة، و كتاب الغيبة النعماني 208- 209: 16 باب 12، و 8:250 باب 12، و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 260.
[409] اكمال الدين 7:327:1 باب 32.
[410] اكمال الدين 5:326:1 باب 32، و كتاب الغيبة النعماني 12:154 باب 10.
[411] تفسير العياشي 302:103:1، و كتاب الغيبة النعماني 3:308 باب 19.
[412] كفاية الأثر في النص علي الأئمة الاثني عشر عليهم السلام الخزاز القمي 250.
[413] اكمال الدين
8:328:1 باب 32، و الارشاد 345:2.
[414] كفاية الأثر 250، و الارشاد 2: 346،345 و 347.
[415] مهج الدعوات في منهج العبادات السيد رضي الدين بن طاوس 336-334، و جمال الاسبوع السيد رضي الدين بن طاوس 464-454.
[416] كامل الزيارات 7:196 باب 71.
[417] أصول الكافي 8:338:1 باب في الغيبة، من كتاب الحجة، و اكمال الدين 1: 329- 330: 13 و 15 باب 22، و 8:451:2 باب 44، و علل الشرائع 9:246:1 باب 179، و كتاب الغيبة النعماني 12:145، و 17:156، و 8:173، و 18:177-176 و 20 و 4:192 (كلها في الباب 10).
[418] اصول الكافي 22:341:1 و 23 باب في الغيبة، من كتاب الحجة.
[419] كتاب الغيبة النعماني 18:176 و 19 باب 10.
[420] كتاب الغيبة النعماني 22:178 باب 10.
[421] كتاب الغيبة النعماني 20:177 باب 10.
[422] كتاب المشيخة الحسن بن محبوب، كما في أعلام الوري للطبرسي 416 باب 3، فصل 1، و كتاب الغيبة النعماني 171- 173: 3 و 7 و 8 باب 10.
[423] الأصول الستة عشر 71 و اصول الكافي 6:372:1 باب أنه من عرف امامه لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر، من كتاب الحجة و 2: 21- 23: 10 و 13 باب دعائم الاسلام، من كتاب الايمان و الكفر، اكمال الدين 32:346:2 باب 33، و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 203، و أمالي الشيخ الطوسي 237-236:1.
[424] المحاسن البرقي 148:173 باب 38، و روضة الكافي 8: 67-68: 37، و اكمال الدين 2:644:2 باب 55.
[425] السنن الواردة في الفتن أبو عمرو الداني 162-161، و عقد الدرر المقدسي الشافعي 61 باب 4 فصل 1، و الحاوي للفتاوي السيوطي 81:2 و البرهان في علامات مهدي آخر الزمان المتقي الهندي 7:104 باب 4 فصل
1.
[426] روضة الكافي 8: 179- 180: 258، و اكمال الدين 25:655:2 باب 75، و كتاب الغيبة النعماني 45:271 و 46 باب 14، و الارشاد 374:2.
[427] كتاب الفتن نعيم بن حماد 90 و 95، و عقد الدرر 84 باب 4 فصل 2، و الارشاد 372:2.
[428] كتاب الغيبة النعماني 13:253 باب 14.
[429] الارشاد 371:2 و 373 و 374.
[430] اكمال الدين 14:652:2 باب 57، و الارشاد 371:2 و 374 و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 267-266 و كشف الغمة 249:3، و الخرائج و الجرائح 286 و اعلام الوري 126 باب 4 فصل 1.
[431] بصائر الدرجات 7:141 باب 11.
[432] كتاب الغيبة النعماني 13:253 باب 14.
[433] كتاب الفتن ابن حماد 92 و الحاوي للفتاوي 75:2 و الارشاد 371:2 و 372.
[434] كتاب الغيبة النعماني 27:264 باب 14 و 65:279 باب 14 و الخرائج و الجرائح 1160:3 باب 20 و كتاب الغيبة للسيد علي بن عبد الحميد علي ما في بحارالأنوار العلامة المجلسي 78:305:52 باب 56.
[435] كتاب الغيبة النعماني 14:257 باب 14.
[436] الأصول الستة عشر 79، و كتاب الغيبة النعماني 22:262 باب 14، و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 284.
[437] كتاب الفتن ابن حماد 95 و عقد الدرر 145 باب 7.
[438] كتاب الغيبة النعماني 8:315 و 9 باب 20.
[439] اكمال الدين 25:673:2 باب 58.
[440] حلية الأولياء أبو نعيم الأصبهاني 184:3 و ينابيع المودة القندوزي 448 باب 79.
[441] بصائر الدرجات 183- 184: 36 باب 4، و أصول الكافي 1:231:1 باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء عليهم السلام من كتاب الحجة، و اكمال الدين 2: 673- 674: 27 باب 58، و الاختصاص 269.
[442] بصائر الدرجات 54:188 باب 4، و أصول الكافي 3:231:1 من الباب السابق و
اكمال الدين 17:670:2 باب 58.
[443] كتاب الغيبة النعماني 28:238 باب 13.
[444] الأصول الستة عشر 79.
[445] كتاب الغيبة للسيد علي بن عبد الحميد علي ما في البحار 78:305:52 باب 26.
[446] الأصول الستة عشر 79.
[447] بصائر الدرجات 2:162 باب 1.
[448] تفسير العياشي 138:197:1، و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 284.
[449] تفسير فرات الكوفي 44، و اكمال الدين 1: 331- 332: 17 باب 32.
[450] من لا يحضره الفقيه الشيخ الصدوق 706:234:1 و الارشاد 385:2، و كتاب الغيبة للسيد علي بن عبد الحميد علي ما في البحار 212:390:52 باب 27.
[451] كتاب الغيبة النعماني 14:231 باب 13، و 18:233 باب 13، و الارشاد 384:2.
[452] من لا يحضره الفقيه 706:334:1 و الارشاد 385:2.
[453] كتاب الغيبة للسيد علي بن عبد الحميد علي ما في بحارالأنوار 207:389:52 باب 27.
[454] علل الشرائع 3:161 باب 129 و كتاب الغيبة النعماني 26:237 باب 13.
[455] كتاب الغيبة النعماني 238- 239: 30 باب 13، كتاب الغيبة للسيد علي ابن عبد الحميد علي ما في بحار الأنوار 212:390:52 باب 27.
[456] كتاب الغيبة للسيد علي بن عبد الحميد علي ما في بحارالأنوار 212:390:52 باب 27.
[457] دلائل الامامة 241 و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 283.
[458] كتاب الغيبة للسيد علي بن عبد الحميد علي ما في بحارالأنوار 83:308:52 باب 26.
[459] بصائر الدرجات 54:188 باب 4، و أصول الكافي 3:231:1 باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء عليهم السلام، من كتاب الحجة، و تفسير العياشي 302:103:1 و اكمال الدين 17:670:2 باب 58 و كتاب الغيبة النعماني: 28:238 باب 13 و 3:308 باب 19 و الارشاد 380-379:2.
[460] كامل الزيارات 11:30 باب 8، و الارشاد 2: 379- 380، و تهذيب الأخبار الشيخ الطوسي 1:31:6 باب 10، و
كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 275 و 280.
[461] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 282 و نحوه في اكمال الدين 18:653:2 باب 57.
[462] الملاحم و الفتن ابن حماد 1039:264.
[463] حلية الأولياء 331:257:5، و تاريخ دمشق 5242:186:45.
[464] الملاحم و الفتن ابن حماد 1038:264.
[465] السنن الواردة في الفتن أبو عمرو الداني 588:1074:5، و تاريخ دمشق 45: 186- 187: 5242.
[466] حلية الأولياء 331:254:5 و تاريخ دمشق 5242:187:45.
[467] البداية و النهاية ابن كثير 225:9 في حوادث سنة 101 ه في ترجمة عمر بن عبد العزيز، فصل (و قد كان منتظرا فيما يؤثر من الأخبار)!.
[468] الطبقات الكبري ابن سعد 333:5 و تاريخ دمشق 5242:188:45.
[469] المصنف ابن أبي شيبة 198:679:8 و الملاحم و الفتن ابن حماد 989:253.
[470] الملاحم و الفتن: ابن حماد: 252:987.
[471] جواهر العقدين السمهودي 311 القسم الثاني من الفصل الثالث.
[472] منع عمر بن عبدالعزيز مروان بن عبدالملك من الرد علي أخيه سليمان بن عبد الملك في كلام وقع بينهما، قائلا له: انه امامك!! راجع: تاريخ الخلفاء السيوطي 181.
[473] سليمان هذا أحد الجبابرة الأربعة من ولد عبدالملك بن مروان، و هم: الوليد، و سليمان، و يزيد، و هشام. و قد وصفهم الحديث بالجبابرة الأربعة. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 897:382:19 فراجع.
[474] تاريخ الخلفاء السيوطي 190.
[475] كما في حديث سفينة عن النبي صلي الله عليه و آله في مسند أحمد 6: 289- 290: 21412 و 21416 و 21421، و الطبعة القديمة 221-220:5، و سنن أبي داود 4646:210:4 - 4647، باب الخلفاء، من كتاب السنة، و مستدرك الحاكم 4697:156:3 و الطبعة القديمة 145:3 و حديث أبي هريرة في المستدرك 4440:75:3 و الطبعة القديمة 72:3.
[476] سورة الاسراء 60:17.
[477] راجع: الكشف و البيان (تفسير الثعلبي) 111:6، و
التفسير الكبير: الفخر الرازي مج 10 ج 20 ص 238، و الدر المنثور السيوطي 310:5، و كذلك: تفسير القمي 412-411: 1 و تفسير العياشي 3: 57- 58: 2537 و 2539 و 2543، و مجمع البيان الطبرسي 548:6؛ كلهم في تفسير الآية (60) من سورة الاسراء. و قد روي ذلك الحاكم النيسابوري في مستدركه بسنده عن أبي هريرة مرفوعا، و قال: «هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين و لم يخرجاه» و اعترف الذهبي في خلاصة المستدرك بأنه صحيح علي شرط مسلم. راجع مستدرك الحاكم 8481:527:4، و الطبعة القديمة (و بذيلها خلاصة الذهبي) 480:4.
[478] روضة الكافي 543:285:8، و تفسير العياشي 3: 57- 58: 1540 و 1541 و نحوه في أصول الكافي 73:426:1 باب فيه نكت و نتف من التنزيل في الولاية من كتاب الحجة.
[479] مستدرك الحاكم 4: 525- 526: 8475- 8476، و الطبعة القديمة 479:4.
[480] مستدرك الحاكم 526:4 ذيل الحديث رقم 8576 و الطبعة القديمة 479:4.
[481] مستدرك الحاكم 8577:526:4 و الطبعة القديمة 479:4.
[482] مستدرك الحاكم4: 526- 527: 8478 و الطبعة القديمة 4: 480-479 و قد اعترف الذهبي بصحته علي شرط مسلم.
[483] مستدرك الحاكم 8479:527:4 و 8480 و الطبعة القديمة 480:4.
[484] مستدرك الحاكم 8482:528:4 و الطبعة القديمة 481-480:4 و قد اعترف الذهبي بصحته علي شرط البخاري و مسلم معا.
[485] سورة الأحقاف 17:46.
[486] مستدرك الحاكم 8483:528:4 و الطبعة القديمة 481:4.
[487] المعجم الكبير الطبراني 2740:85:3.
[488] مستدرك الحاكم 4: 528- 529: 8485 و الطبعة القديمة 4: 481- 482 و قال الحاكم في ذيل الحديث: «ليعلم طالب العلم ان هذا باب لم أذكر فيه ثلث ما روي، و ان أول الفتن في هذه الأمة فتنتهم، و لم يسعني فيما بيني و بين
الله أن أخلي الكتاب من ذكرهم».
[489] مستدرك الحاكم 8500:534:4 و الطبعة القديمة 487:4.
[490] نهج البلاغة 109 رقم 73 (من كلام له عليه السلام قاله لمروان بن الحكم بالبصرة).
[491] نهج البلاغة 172 خطبة رقم 93 (في التنبيه علي فضله و علمه عليه السلام، مع بيان فتنة بني أمية و انحراف دولتهم).
[492] تهذيب الكمال 3520:6:16.
[493] راجع: الشريعة الآجري 2012:520:3 الأثر رقم 713.
[494] راجع: شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد المعتزلي 32:20.
[495] أصول الكافي 2: 415- 416: 1، كتاب الايمان و الكفر.
[496] معاني الأخبار الصدوق 1:346، باب معني قول الصادق عليه السلام، انا و آل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله عزوجل.
[497] سورة آل عمران 26:3.
[498] روضة الكافي 389:222:8.
[499] الكامل في الأثير: ابن الأثير 5: 137- 138 في حوادث سنة 144 ه.
[500] أصول الكافي 17:361:1، باب ما يفصل به بين دعوي المحق و المبطل في أمر الامامة، من كتاب الحجة.
[501] تهذيب الكمال 5338:468:25 في ترجمة محمد بن عبد الله بن الحسن المثني.
[502] سنشير لها لاحقا في بيان دور الامام الصادق عليه السلام في ابطال تلك المهدوية، فلاحظ.
[503] مقاتل الطالبين أبو الفرج الأصبهاني 256.
[504] سير أعلام النبلاء الذهبي 114:329:7.
[505] مقاتل الطالبيين 254، و انظر: تاريخ الطبري 599:7 في حوادث سنة 145 ه، و تهذيب الكمال 5338:469:25.
[506] تاريخ الطبري 599:7.
[507] سير أعلام النبلاء 4:21:7 في ترجمة عبد الحميد بن جعفر.
[508] تاريخ الطبري 560:7، و الكامل في التاريخ 149:5، و البداية و النهاية ابن كثير 84:10؛ كلهم في حوادث سنة 145 ه، و عمدة الطالب 105 في اخبار محمد ذي النفس الزكية.
[509] مرآة الجنان اليافعي 235:1 في حوادث سنة 145 ه.
[510] المصابيح أبو العباس أحمد بن ابراهيم الحسني 24:453.
[511] مقاتل الطالبيين 207، و
المصابيح 9:427.
[512] تاريخ الطبري 563:7، و عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: ابن عنبه: 103، في أخبار عبد الله المحض و عقبه.
[513] مقاتل الطالبيين 214.
[514] المصابيح 13:437، و قد نسب أبو الفرج في المقاتل 215 هذين البيتين الي مسلمة بن أسلم الجهني.
[515] مقاتل الطالبيين 215.
[516] تاريخ الطبري 602-601:7، و مقاتل الطالبيين 267.
[517] الكامل في التاريخ 144:5 في حوادث سنة 144 ه.
[518] مقاتل الطالبيين 229.
[519] الكامل في التاريخ 141:5 في حوادث سنة 144 ه.
[520] البداية و النهاية 84:10 في حوادث سنة 145 ه.
[521] مقاتل الطالبيين 212 و 213.
[522] مقاتل الطالبيين 212.
[523] تاريخ الطبري 567:7.
[524] مقاتل الطالبيين 212.
[525] مقاتل الطالبيين 188-187 و 259.
[526] الكامل في التاريخ 162:5، في ذكر بعض المشهورين ممن كان مع محمد بن عبد الله الحسني.
[527] مقاتل الطالبيين 229.
[528] فرق الشيعة النوبختي 75-74.
[529] تاريخ الطبري 129:7، في حوادث سنة 119 ه.
[530] دلائل الامامة الطبري 297- 298: 253 (89)، و الخرائج و الجرائح القطب الراوندي 2: 640- 641: 47.
[531] التذكرة الحمدونية ابن حمدون 1: 113- 114: 230، و عنه الاربلي في كشف الغمة 395:2، في مواعظ الامام الصادق عليه السلام.
[532] الفصول المهمة ابن الصباغ المالكي 224.
[533] مقاتل الطالبيين 187-185، و 227-225، و الارشاد الشيخ المفيد 2: 190- 193، و المناقب ابن شهرآشوب 249:4 في معرفته عليه السلام باللغات و اخباراته بالغيب.
[534] المناقب ابن شهرآشوب 249:4.
[535] اثبات الوصية المسعودي 158.
[536] و اسم هذا الرجل لعنه الله حميد بن قحطبة، فهو الذي احتز رأس رأس محمد عند أحجار الزيت المكان الذي ذكره الامام الصادق عليه السلام، و ذلك بعد عصر يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة 145 ه، كما في تاريخ الطبري 589:7 و 594،
و الكامل في التاريخ 163:5 و البداية و النهاية 89:10 كلهم في حوادث سنة 145 ه، و عمدة الطالب: 105.
[537] أصول الكافي 1: 358- 366: 17، باب ما يفصل به بين دعوي المحق و المبطل في أمر الامامة، من كتاب الحجة، و بعضه في الكامل في التاريخ 144:5 في حوادث سنة 144 ه.
[538] الارشاد 193:2.
[539] روضة الكافي 594:323:8.
[540] تاريخ الطبري 601-600:7 و مقاتل الطالبيين 220 و الكامل في التاريخ 163:5 في حوادث سنة 145 ه.
[541] أصول الكافي 7:242:1 باب فيه ذكر الصحيفة و الجفر و الجامعة و مصحف فاطمة عليها السلام، من كتاب الحجة.
[542] تاريخ الطبري 601:7 في حوادث سنة 145 ه.
[543] اصول الكافي 8:242:1 باب فيه ذكر الصحيفة و الجفر...، من كتاب الحجة.
[544] سورة الأحزاب 6:33.
[545] اصول الكافي 2:288:1، باب ما نص الله عزوجل و رسوله صلي الله عليه و آله علي الأئمة عليهم السلام واحدا فواحدا، من كتاب الحجة.
[546] الغارات الثقفي 680 و شرح نهج البلاغة 48:7 في شرح الخطبة رقم 92.
[547] عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب 103 و مقاتل الطالبيين 206 و ذكر في نسب الأم، مكان (ربيعة): زمعة.
[548] كتاب الغيبة النعماني 29:181 باب 10.
[549] راجع: البيان في أخبار صاحب الزمان الكنجي الشافعي 482.
[550] البيان في اخبار صاحب الزمان 485.
[551] اكمال الدين 4:287:1 باب 25.
[552] اكمال الدين 1:286:1 باب 25.
[553] نقله عنه السيوطي في الحاوي للفتاوي 66:2.
[554] كتاب الغيبة النعماني 247- 248: 1 باب 14.
[555] روضة الكافي 10:42:8.
[556] اصول الكافي 17:358:1 باب ما يفصل بن دعوي المحق و المبطل في أمر الامامة، من كتاب الحجة.
[557] سورة الأنبياء 22:21.
[558] اكمال الدين 2: 358- 359: 57 باب 33.
[559] مقاتل الطالبيين 206.
[560] كتاب الغيبة
النعماني 229- 230: 12 باب 13.
[561] مقاتل الطالبيين 193.
[562] الكامل في التاريخ 144:5 في حوادث سنة 144 ه.
[563] مقاتل الطالبيين 219 و 228.
[564] اصول الكافي 17:358:1 باب ما يفصل به بين دعوي المحق و المبطل في أمر الامامة، من كتاب الحجة.
[565] اصول الكافي 1: 348- 351: 6 من الباب السابق.
[566] اصول الكافي 1: 363- 364: 17 من الباب السابق.
[567] مقاتل الطالبيين 218.
[568] راجع: تاريخ الخلفاء السيوطي 210.
[569] مقاتل الطالبيين 212.
[570] مقاتل الطالبيين 241 و تاريخ الطبري 598:7 و البداية و النهاية 90:10 في حوادث سنة 145 ه.
[571] كما في روضة الكافي 256:178:8.
[572] مقاتل الطالبيين 226.
[573] مقاتل الطالبيين أبو الفرج الأصبهاني 307.
[574] الارشاد الشيخ المفيد 2: 370- 371.
[575] تجد هذه الأقوال و غيرها في كتاب الجرح و التعديل ابن أبي حاتم 354:1:4، و المجروحين من المحدثين و الضعفاء و المتروكين ابن حبان 14:3 و الضعفاء و المتروكين الدارقطني 527:376، و الكامل في ضعفاء الرجال ابن عدي 2427:6 و الضعفاء و المتروكين ابن الجوزي 136:3 و ميزان الاعتدال الذهبي 173:4.
[576] الفتن ابن حماد 103؛ و عنه الخطيب في تاريخ بغداد 85:1 باب من أخبار أبي جعفر المنصور.
[577] الموضوعات ابن الجوزي 345:1.
[578] تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الموضوعة ابن عراق 22:11:2.
[579] اللآلي ء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1: 434- 435.
[580] رجال النجاشي 346- 347: 936.
[581] كما في البداية و النهاية ابن كثير 246:6.
[582] كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي.
[583] مستدرك الحاكم 8568:599:4 و الطبعة القديمة 514:4.
[584] تلخيص المستدرك الذهبي (مطبوع بهامش مستدرك الحاكم -الطبعة القديمة) 514:4.
[585] تاريخ بغداد 1742:93:4 في ترجمة محمد بن نوح بن سعيد المؤذن.
[586] ميزان الاعتدال 328:89:1.
[587] العلل المتناهية 1438:858:2.
[588] سلسلة الأحاديث الضعيفة 1: 180- 181: 80.
[589]
الجامع الصغير السيوطي 9242:672:2.
[590] فيض القدير في شرح الجامع الصغير عبد الرؤوف المناوي الشافعي 9242:278:6.
[591] الصواعق المحرقة ابن حجر الهيثمي 166.
[592] ميزان الاعتدال 4: 59- 60: 8293.
[593] تاريخ بغداد 1: 84- 85، باب من أخبار أبي جعفر المنصور.
[594] ميزان الاعتدال 375:97:1.
[595] الموضوعات ابن الجوزي 447:2، ترتيب الموضوعات الذهبي 1172:322، و اللآلي ء المصنوعة 398:1.
[596] تاريخ بغداد 5007:399:9.
[597] العلل المتناهية 469:290:1.
[598] لسان الميزان 6: 451- 452: 7976 في ترجمة محمد بن الفرج الأزرق.
[599] راجع: تفسير العياشي 24:326:2، و كتاب الغيبة النعماني 331- 332: 3 باب 26، و مختصر بصائر الدرجات 38 و 39 و 49 و 213 و 214 و الاختصاص الشيخ المفيد 258-257 و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 286.
[600] المعجم الكبير الطبراني 1425:96:2.
[601] مجمع الزوائد 244:5 قال: «و فيه يزيد بن ربيعة، و هو متروك».
[602] مستدرك الحاكم 8532:547:4، و الطبعة القديمة 502:4.
[603] سنن الترمذي 2269:531:4.
[604] النهاية في الفتن و الملاحم ابن كثير 55:1.
[605] تاريخ الخلفاء السيوطي 220.
[606] الأغاني أبو الفرج الأصبهاني 279:19 في ترجمة سلم الخاسر.
[607] الأغاني 275:19.
[608] تاريخ الخلفاء 220.
[609] مروج الذهب المسعودي 3: 326- 327.
[610] تاريخ الخلفاء السيوطي 222 في حديثه عن المهدي العباسي.
[611] راجع: أشعار أولاد الخلفاء و أخبارهم من كتاب الأوراق أبوبكر محمد بن يحيي الصولي 62.
[612] ديوان أبي فراس الحمداني 304. قصيدة رقم 303 البيت رقم 54.
[613] تاريخ الخلفاء 224.
[614] سورة يونس 35:10.
[615] تاريخ الطبري 466:3.
[616] ذكر السيوطي من مجون هذا الرجل و فسقه أنه كان لا يحتجب عن ندمائه (في الشراب) خلافا لأبيه المنصور الذي كان يحتجب عنهم فأشير عليه أن يحتجب فقال: «انما اللذة مع مشاهدتهم»!! راجع: تاريخ الخلفاء 216 في ترجمة المنصور العباسي و 222 في ترجمة المهدي
العباسي.
[617] تاريخ الخلفاء 222.
[618] تاريخ بغداد 7127:146:13 في ترجمة مروان بن أبي حفصة الشاعر.
[619] تاريخ بغداد 7127:145:13.
[620] روضة الكافي 352:209:8، و رجاله ثقات كلهم.
[621] مروج الذهب 319:3 و تاريخ الخلفاء 218.
[622] اصول الكافي 9:275:2 باب الاذاعة، من كتاب الايمان و الكفر.
[623] أمالي الشيخ المفيد 3:338 المجلس رقم 40 و أمالي الشيخ الطوسي 178:115 المجلس رقم 4.
[624] سورة النساء 60:4.
[625] اصول الكافي 1: 67- 68: 10 باب اختلاف الحديث، من كتاب فضل العلم.
[626] روضة الكافي 8: 216- 217: 372، و نثلية: أمة لأم الزبير و أبي طالب، و عبد الله بن المطلب. و هي أم العباسيين، و لم يعتقها أحد من هؤلاء الثلاثة، مما يعني هذا: أن العباسيين عبيد لأولاد هؤلاء الثلاثة، فكيف يكون المهدي منهم؟! بل كيف تصح خلافة العبيد؟!.
[627] سورة ابراهيم 46:14.
[628] أمالي الشيخ الطوسي 1398:667 (5) المجلس رقم 36.
[629] تفسير العياشي 48:420:2 في تفسير سورة ابراهيم.
[630] سورة الأنعام 44:6.
[631] تفسير العياشي 24:98:2 في تفسير سورة الأنعام.
[632] سورة ابراهيم 45:14.
[633] تفسير العياشي 47:420:2 في تفسير سورة ابراهيم.
[634] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 169- 170: 129.
[635] تفسير العياشي 3:136:2 في تفسير سورة الأعراف.
[636] راجع: ذيل تاريخ بغداد ابن النجار 1054:202:19 في ترجمة علي بن يقطين (و الكتاب مطبوع مع ذيول تاريخ بغداد).
[637] رجال الكشي 820:435.
[638] رجال الكشي 817:433.
[639] المحاسن 253:169:1 باب عقاب من منع الزكاة من كتاب عقاب الأعمال، و اكمال الدين 21:671:2 باب 58، و من لا يحضره الفقيه 16:6:2 باب ما جاء في مانع الزكاة، من أبواب الزكاة.
[640] تفسير القمي 292:2 في تفسير الآية 25 من سورة الفتح، و علل الشرائع 3:147:1 باب 122.
[641] مختصر اثبات الرجعة للفضل بن شاذان 2:206.
[642] اصول الكافي 4:411:1
باب سيرة الامام في نفسه و في المطعم و الملبس اذا ولي الأمر.
[643] عيون المعجزات الشيخ حسين بن عبد الوهاب 97-95.
[644] اثبات الهداة الحر العاملي 142:7 باب 32 نقله من كتاب المهذب بن فهد الحلي.
[645] راجع: الاعتقادات للشيخ الصدوق الشيخ المفيد 48:5 باب الاعتقاد في النفوس و الأرواح (مطبوع ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد، المجلد الخامس)، و دعائم الاسلام القاضي النعمان 284:1 كتاب الصوم و الاعتكاف.
[646] اكمال الدين 2: 335- 336: 7 باب 33.
[647] الفرق النوبختي 78.
[648] بصائر الدرجات 188- 189: 56.
[649] البرهان في علامات مهدي آخرالزمان المتقي الهندي 12:174 باب 12 أخرجه عن المحاملي في أماليه.
[650] كتاب الغيبة النعماني 46:245 باب 13.
[651] اكمال الدين 4:334:2 باب 33، و انظر: اصول الكافي 1: 307- 311: 1- 16 باب الاشارة و النص علي أبي الحسن موسي عليه السلام، من كتاب الحجة.
[652] راجع: الفرق النوبختي 91-90.
[653] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 63- 64: 65.
[654] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 66:64، و علل الشرائع 1:235، و عيون أخبار الرضا عليه السلام 2:112:1.
[655] اصول الكافي 7:309:1 باب الاشارة و النص علي أبي الحسن موسي عليه السلام، من كتاب الحجة.
[656] اكمال الدين 5:334:1 باب 33.
[657] اكمال الدين 2: 479- 480: 1 و 5 باب 44.
[658] اكمال الدين 1:333:2 و 12 باب 33.
[659] كتاب الغيبة النعماني 26:264 باب 14.
[660] اكمال الدين 14:656:2 باب 57.
[661] روضة الكافي 484:258:8.
[662] كتاب الغيبة النعماني 21:262 باب 14.
[663] كتاب الغيبة النعماني 11:252 باب 14.
[664] كتاب الغيبة النعماني 257- 258: 16 باب 14.
[665] روضة الكافي 483:258:8، و كتاب الغيبة النعماني 9:252 باب 14، و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 427:436، و دلائل الامامة الطبري 261.
[666] اكمال الدين 1:649:2 باب 57، و الخصال
82:303 باب 5.
[667] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 134-177.
[668] كتاب الغيبة النعماني 23:263 باب 14.
[669] تأويل الآيات الاسترآبادي 17:541:2.
[670] روضة الكافي 181:146:8.
[671] روضة الكافي 575:312:8، و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 458:452.
[672] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 452:449.
[673] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 425:435.
[674] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 443:446.
[675] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 440:445.
[676] راجع: كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 453:450 و 461:454.
[677] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 440:445.
[678] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 480:464.
[679] مقاتل الطالبيين 207.
[680] بحارالأنوار العلامة المجلسي 213:391:52 باب 27 نقله من كتاب الغيبة للسيد علي بن عبدالحميد.
[681] اكمال الدين 29:674:2 باب 58.
[682] روضة الكافي 8: 240- 241: 329.
[683] سورة الصف 9:61.
[684] اكمال الدين 16:670:2 باب 58 و أخرجه في تأويل الآيات 688:2 بطريق آخر عن أبي بصير عنه عليه السلام.
[685] اصول الكافي 91:432:1 باب فيه نكت و نتف من التنزيل في الولاية، من كتاب الحجة.
[686] سورة آل عمران 83:3.
[687] تفسير العياشي 81:183:1.
[688] تفسير العياشي 82:183:1.
[689] الارشاد 385-384 و كشف الغمة 255:3.
[690] سورة التوبة 36:9.
[691] سورة النور 55:24.
[692] مجمع البيان الطبرسي 543:2 و تفسير العياشي 48:56:2.
[693] اثبات الهداة الحر العاملي 686:570:3 باب 32 فصل 44 نقله من كتاب اثبات الرجعة للفضل بن شاذان.
[694] سورة التوبة 33:9.
[695] سورة الأنفال 39:8.
[696] الهداية الكبري الخصيبي 82-74 و مختصر بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله القمي اختصره الشيخ حسن بن سليمان الحلي 179-178.
[697] الخرائج و الجرائح 936:2 باب 17.
[698] اكمال الدين 23:342:2 باب 33.
[699] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 400:421.
[700] اكمال الدين 2: 352- 357: 50 باب 33.
[701] منتخب الأنوار المضيئة 188 فصل 12 و صححه.
[702] كتاب الغيبة النعماني 43:188 باب 10 و20:211 باب 12.
[703] كتاب الغيبة النعماني 189 ذيل ح 43 باب 10.
[704]
كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 170- 173: 129 و اكمال الدين 50:352:2 باب 33.
[705] كتاب الغيبة النعماني 6:204 باب 12.
[706] كتاب الغيبة النعماني 166- 167: 6 باب 10 أخرجه من ثلاث طرق، عن زرارة.
[707] كتاب الغيبة النعماني 13:155 و 14 باب 10.
[708] سورة النساء 157:4.
[709] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 129:170 و اكمال الدين 50:352:2 باب 33.
[710] مختصر اثبات الرجعة الفضل بن شاذان 216- 217: 18.
[711] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 46:54.
[712] كتاب الغيبة الشيخ النعماني 171- 172: 5 باب 10 و عقد الدرر المقدسي الشافعي 179-178 باب 5.
[713] لم أجد هذه الشبهة في كتاب، و لكن قالها أحد رجال العامة في كلمة له ألقاها في مهرجان الغدير المنعقد في مؤسسة السيد الخوئي في لندن، أخبرني بهذا سماحة العلامة المحقق آية الله السيد علي الحسيني الميلاني (حفظه الله) الذي حضر المهرجان و غادره بعد تسويف طلبه في التعقيب علي هذه الكلمة!.
[714] اكمال الدين 3:286:1 ب 25؛ و كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 466:456.
[715] اكمال الدين 2: 412- 413: 12 باب 39.
[716] اكمال الدين 6:411:2 باب 39.
[717] سورة الأنعام 158:6.
[718] اكمال الدين 18 و 30 من المقدمة أخرجه من طريقين صحيحين.
[719] سورة يوسف 12: 16- 18.
[720] اصول الكافي 1:503:1 باب مولد أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام، و اكمال الدين 40:1 من المقدمة و 25:475:2 باب 43 و الارشاد 321:2 و الفصول العشرة في الغيبة الشيخ المفيد 3: 61- 62 الفصل الثاني (مطبوع ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد، المجلد الخامس) و اعلام الوري 357.
[721] اكمال الدين 6:411:2 باب 39.
[722] اكمال الدين 2: 350- 351: 46 باب 33.
[723] أمالي الشيخ الطوسي 1532:733 (2) مجلس رقم 45.
[724] أمالي الشيخ الطوسي
812:379 (63) مجلس رقم 13.
[725] أمالي الشيخ الطوسي 470:259 (8) مجلس رقم 10 و المعجم الكبير الطبراني 6220:22:7.
[726] أمالي الشيخ الصدوق 252- 253: 277 (15) مجلس رقم 34 و اكمال الدين 22:207:1 باب 21، و راجع ما تقدم في بيان الامام الصادق عليه السلام لكيفية الانتفاع بالحجة الغائب ص 102 من هذا البحث.
[727] أمالي الشيخ الطوسي 1354:654 (4) مجلس رقم 34.
[728] أصول الكافي 2:197:1 باب ان الأئمة هم أركان الأرض، من كتاب الحجة، و أمالي الشيخ الطوسي 205- 206: 352 (2) مجلس رقم 8 و اكمال الدين 1: 205- 206: 20 باب 21 و بصائر الدرجات 82- 83: 10 باب 3، و فرائد السمطين الجويني الشافعي 2: 253- 254: 523 باب 48.
[729] كتاب الغيبة الشيخ الطوسي 182:220.
[730] سورة الأنفال 33:8.
[731] راجع: السيرة النبوية ابن هشام 280:1 و السيرة النبوية ابن كثير 427:1 و السيرة الحلبية ابن برهان الحلبي 283:1 و السيرة النبوية دحلان 282:1 (مطبوع بهامش السيرة الحلبية)، و تاريخ الطبري 541:1، و الكامل في التاريخ ابن الأثير 60:2 و البداية و النهاية ابن كثير 37:3 و تاريخ الخميس الدياربكري 287:1 تحت عنوان: (ذكر ما وقع في السنة الثانية و الثالثة من اخفاء الدعوة). و راجع أيضا: سائر كتب التفسير في تفسيرها لسورة الحجر الآية 94 من قوله تعالي: (فاصدع بما تؤمر و أعرض عن المشركين)، و كذلك الآية 214 من سورة الشعراء، من قوله تعالي: (و أنذر عشيرتك الأقربين).
[732] سورة النحل 43:16، و سورة الأنبياء 7:21.
[733] بصائر الدرجات 4:59 باب 19.
[734] بصائر الدرجات 7:59 باب 19.